الإلهیات علی هدی الکتاب و السنة و العقل المجلد 4

هویة الکتاب

بطاقة تعريف: السبحاني التبریزي ، جعفر، ‫ 1308 -

عنوان واسم المبدع: الإلهیات علی هدی الکتاب و السنة و العقل ‫/ محاضرات جعفر السبحاني التبریزي ‫؛ بقلم حسن محمد مکي العاملي .

مواصفات النشر: ‫قم ‫: موسسة الامام الصادق (ع) ‫، 1423 ق. ‫= 1381.

مواصفات المظهر: ‫4ج.

ISBN : ‫160000ریال ‫: دوره ‫ 964-357-054-1 : ؛ ‫ج.2 ‫ 964-357-055-X : ؛ ج.3 ‫ 964-357-056-8 : ؛ ج.4 ‫ 964-357-057-6 :

لسان : العربية.

ملحوظة: چاپ قبلی : المرکز العالمي للدراسات الاسلامیة ، 1369.

ملحوظة: ‫ج. 1 و 2 (چاپ هفتم: 1430 ق.= 1388).

ملحوظة: کتابنامه .

موضوع : کلام شیعه امامیه -- قرن 14

شیعه امامیه -- عقاید

معرف المضافة: مکی عاملی ، حسن

تصنيف الكونغرس: ‫ ‮ BP211/5 ‫ /س 18‮الف 7 1381

تصنيف ديوي: ‫ 297/4172

رقم الببليوغرافيا الوطنية: م 82-15822

معلومات التسجيلة الببليوغرافية: سجل كامل

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 4

الفصل التّاسع الإمامة و الخلافة * مقدّمات 1 - تعريف الإمامة.

2 - هل الإمامة من الأصول أو الفروع؟.

3 - ماهية الإمامة عند أهل السّنّة.

4 - مؤهلات الإمام عند أهل السّنّة.

5 - بما ذا تنعقد الإمامة عند أهل السّنّة؟.

6 - ماهية الإمامة عند الشيعة الإمامية.

7 - المصالح العامة و صيغة الحكومة بعد النبيّ.

8 - هل الشورى أساس للحكم و الخلافة؟.

9 - هل البيعة أساس للحكم و الخلافة؟.

10 - تصوّر النبيّ الأكرم للقيادة بعده.

11 - تصوّر الصحابة للخلافة بعد النّبي.

12 - صيغة القيادة في الشرائع السابقة.

* البحث الأول: السّنّة النبوية و تنصيب علي للإمامة.

* البحث الثاني: السّنّة النبوية و الأئمة الاثنا عشر.

* البحث الثالث: عصمة الإمام في القرآن.

* البحث الرابع: الإمام المنتظر في الكتاب و السّنّة.

- أسئلة مهمة حول المهدي عجّل اللّه فرجه.

ص: 5

ص: 6

الفصل التاسع الإمامة و الخلافة

اشارة

المقصود من الإمامة، إمامة الأمّة جمعاء. خلافة عن الرسول الأكرم.

صلى اللّه عليه و آله، و قبل الخوض في أصل المقصود، نقدّم أمورا:

ص: 7

الأمر الأول في تعريف الإمامة

عرّفت الإمامة بوجوه:

1 - الإمامة رئاسة عامّة في أمور الدين و الدنيا(1).

2 - الإمامة خلافة الرسول في إقامة الدين، بحيث يجب اتّباعه على كافة الأمة(2).

3 - الإمامة نيابة عن صاحب الشريعة في حفظ الدين و سياسة الدنيا(3).

4 - الإمامة خلافة عن الرسول في إقامة الدين و حفظ الملّة بحيث يجب اتّباعه على كافة الأمة(4).

و التعريف الأول أليق على مذهب الإمامية، و البقية ألصق بمذهب أهل السنّة في الإمام.

و الأولى أن تعرّف الإمامة بأنّها رئاسة عامة إلهية. و على كل تقدير، فالمهم هو تحليل ماهية هذه الخلافة، و تحديدها، و أنّه ما ذا يراد من الإمامة في مصطلح المتكلمين.

ص: 8


1- المواقف، ص 345، و قال فيه: «و نقض بالنبوة». و سيوافيك أنّ النقض غير وارد.
2- المصدر السابق نفسه.
3- مقدمة ابن خلدون، ص 191.
4- دلائل الصدق، ج 2، ص 4. و التعريف للفضل بن روزبهان الأشعري.

الأمر الثاني هل الإمامة من الأصول أو الفروع؟

اتّفقت كلمة أهل السنة، أو أكثرهم، على أنّ الإمامة من فروع الدين.

قال الغزالي: «اعلم أنّ النظر في الإمامة أيضا ليس من المهمات، و ليس أيضا من فنّ المعقولات، بل من الفقهيات، ثم إنّها مثار للتعصبات، و المعرض عن الخوض فيها، أسلم من الخائض فيها، و إن أصاب، فكيف إذا أخطأ؟ و لكن إذ جرّ الرسم باختتام المعتقدات بها، أردنا أن نسلك منهج المعتاد، فإنّ فطام القلوب عن المنهج، المخالف للمألوف(1)، شديد النّفار»(2).

و قال الآمدي: «و اعلم أنّ الكلام في الإمامة ليس من أصول الديانات، و لا من الأمور اللاّبدّيّات، بحيث لا يسع المكلّف الإعراض عنها و الجهل بها، بل لعمري إنّ المعرض عنها لأرجى من الواغل فيها، فإنّها قلّما تنفك عن التعصّب، و الأهواء، و إثارة الفتن و الشحناء، و الرجم بالغيب في حق الأئمة و السّلف، بالإزراء، و هذا مع كون الخائض فيها سالكا سبيل التحقيق، فكيف إذا كان خارجا عن سواء الطريق. لكن لمّا جرت العادة بذكرها في أواخر كتب المتكلمين، و الإبانة عن تحقيقها في عامة مصنفات الأصوليين، لم نر من الصواب

ص: 9


1- كذا في المصدر، و الظاهر أنّ «المخالف» صفة «الفطام»، أو أنّ «المخالف» زائد.
2- الاقتصاد في الاعتقاد، ص 234.

خرق العادة بترك ذكرها في هذا الكتاب»(1).

و قال الإيجي: «و هي عندنا من الفروع، و إنّما ذكرناها في علم الكلام تأسّيا بمن قبلنا»(2).

و قال التفتازاني: «لا نزاع في أنّ مباحث الإمامة، بعلم الفروع أليق، لرجوعها إلى أنّ القيام بالإمامة، و نصب الإمام الموصوف بالصفات المخصوصة، من فروض الكفايات، و هي أمور كليّة تتعلق بها مصالح دينية أو دنيوية، لا ينتظم الأمر إلاّ بحصولها، فيقصد الشارع تحصيلها في الجملة من غير أن يقصد حصولها من كلّ أحد. و لا خفاء في أنّ ذلك من الأحكام العملية دون الاعتقادية»(3).

هذا ما لدى أهل السّنّة، و أمّا الشّيعة، فالاعتقاد بالإمامة عندهم أصل من أصول الدين، و سيظهر وجهه في الأبحاث التالية.

و هاهنا سؤال يطرح نفسه، و هو أنّه إذا كانت الإمامة من الفروع، فأي معنى لسلّ السيف على هذا الحكم الفرعي، حتى قال الشهرستاني: «و أعظم خلاف بين الأمة، خلاف الإمامة، إذ ما سلّ سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سلّ على الإمامة في كلّ زمان»(4).

فإذا كان الاعتقاد بإمامة شخص، تولّى الخلافة بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، من الأحكام الفرعية، فإنّ المخالفة فيه لا تستلزم تكفير المخالف أو تفسيقه، إذا كان للمخالف حجة شرعية، كمخالفة المجتهد للمجتهد.

مثلا: إنّ المسح على الخفّين، أو جواز العمل بالقياس، من مسائل الفروع الخلافية، فهل ترى من نفسك تجويز تكفير المخالف، أو تفسيقه؟، أو

ص: 10


1- غاية المرام في علم الكلام، ص 363، لسيف الدين الآمدي، (ت 551 - م 631).
2- المواقف، ص 395.
3- شرح المقاصد، ج 2، ص 271.
4- الملل و النحل، للشهرستاني، ج 1، ص 24.

إنّ لكلّ حجّته و دليله، و إنّ للمصيب أجرين و للمخطئ أجرا واحدا، فما هذه الدمدمة و الهمهمة حول الإمامة؟.

و إذا كانت الإمامة، بعامّة أبحاثها من الفروع، فما وجه إقحام ذلك في عداد المسائل الأصولية، كما ارتكبه إمام الحنابلة، و قال: «خير هذه الأمة بعد نبيّنا، أبو بكر، و خيرهم بعد أبي بكر، عمر، و خيرهم بعد عمر، عثمان؛ و خيرهم بعد عثمان، عليّ؛ رضوان اللّه عليهم، خلفاء راشدون مهديّون»(1).

و مثله، أبو جعفر الطحاوي الحنفي في العقيدة الطحاوية، المسماة ب «بيان عقيدة السنّة و الجماعة»، حيث قال: «و تثبت الخلافة بعد النبي (صلى اللّه عليه و آله) لأبي بكر الصّدّيق، تفضيلا، و تقديما على جميع الأمّة، ثم لعمر بن الخطاب، ثم لعثمان بن عفّان، ثم لعليّ بن أبي طالب»(2).

و قد اقتفى أثرهما الشيخ أبو الحسن الأشعري، عند بيان عقيدة أهل الحديث و أهل السّنة، و الشيخ عبد القاهر البغدادي في بيان الأصول التي اجتمع عليها أهل السنّة(3).

و هذا الصراع بين القولين، أراق الدماء الطاهرة، و جرّ على الأمّة الويل و الثبور، و عظائم الأمور، فما معنى إقحام الاعتقاد بالأحكام الفرعية في قائمة العقائد؟ و إن هذا إلاّ زلة لا تستقال.

نعم، أوّل من لبّس الأمر، و جعل الاعتقاد بها من صميم الإيمان على

ص: 11


1- كتاب السنة ص 49، المطبوع ضمن رسائل بإشراف حامد محمد فقي. و هذا الكتاب ألّف لبيان مذاهب أهل العلم و أصحاب الأثر و أهل السّنة، و وصف من خالف شيئا من هذه المذاهب أو طغى فيها أو عاب قائلها، بأنّه مخالف مبتدع و خارج عن الجماعة، زائل عن منهج السنّة و سبيل الحق.
2- شرح العقيدة الطحاوية، للشيخ عبد الغني الميداني الحنفي الدمشقي، ص 471، و أخذنا العبارة من المتن. و توفي الطحاوي عام 321 هجرية.
3- لاحظ «الإبانة عن أصول الديانة»، الباب 16، ص 190 و «الفرق بين الفرق» ص 350. و لاحظ «لمع الأدلة» للإمام الأشعري، ص 114، و «العقائد النّسفية» ص 177.

مسلك أهل السنة، هو عمرو بن العاص، عند ما اجتمع مع أبي موسى الأشعري، في دومة الجندل. و ما جعل الاعتقاد بخلافة الخليفتين الأوّلين، إلاّ للازدراء بعلىّ (عليه السلام) و شيعته(1).

ص: 12


1- لاحظ مروج الذهب للمسعودي، ج 2، ص 397. و لاحظ «بحوث في الملل و النحل»، لشيخنا الأستاذ - دام ظلّه - ج 1، ص 265-272.

الأمر الثالث ماهية الإمامة عند أهل السنّة

إنّ اتّفاق مشايخ المتكلمين من أهل السنّة على كون الإمامة من الفروع التي يبحث عنها في الكتب الفقهية، و اتّفاق الشيعة الإمامية على أنّها من الأصول، ينشئان من أصل آخر، و هو أنّ حقيقة الإمامة تختلف عند السنّة، عمّا هي عند الشيعة، فالسّنة ينظرون إلى الإمام كرئيس دولة، ينتخبه الشعب أو نوّاب الأمّة، أو يتسلّط عليها بانقلاب عسكري، و ما شابه ذلك، فإنّ مثل هذا لا يشترط فيه سوى بعض المواصفات المعروفة، و من المعلوم أنّ الاعتقاد برئاسة رئيس جمهورية، أو رئيس وزراء، ليس من الأصول، بحيث يفسّق من لم يعتقد بإمامته و رئاسته و ولايته. و هذه هي البلاد الإسلامية لمّا تزل يسيطر عليها رئيس بعد آخر، رغبة أو رهبة، و لم ير أحد الاعتقاد بإمامته من الأصول، و لم يجعل فسقه موجبا لخلعه، و إلاّ لما استقرّ حجر على حجر.

و أمّا الشيعة الإمامية، فينظرون إلى الإمامة بأنّها استمرار لوظائف الرسالة (لا لنفس الرسالة، فإنّ الرسالة و النبوة مختومتان بالتحاق النبي الأكرم بالرفيق الأعلى)، و من المعلوم أنّ ممارسة هذا المقام، يتوقف على توفر صلاحيات عالية، لا ينالها الفرد، إلاّ إذا وقع تحت عناية إلهية ربّانية خاصة، فيخلف النبيّ في علمه بالأصول و الفروع، و في عدالته و عصمته، و قيادته الحكيمة، و غير ذلك من الشئون.

و ممّا يعرب عن أنّ الإمامة عند أهل السنّة أشبه بسياسة وقتية زمنيّة، يشغلها

ص: 13

فرد من الأمّة بأحد الطرق، ما اشترطوه من الشروط، و ذكروه من الأوصاف في حق الإمام، و ستوافيك فيما يأتي. و لأجل إيقاف الباحث على صحّة هذا التحليل نشير إلى بعض كلماتهم.

قال الباقلاني: «لا ينخلع الإمام بفسقه و ظلمه بغصب الأموال، و ضرب الأبشار، و تناول النفوس المحرمة، و تضييع الحقوق، و تعطيل الحدود، و لا يجب الخروج عليه، بل يجب وعظه و تخويفه و ترك طاعته في شيء ممّا يدعو إليه من معاصي اللّه»(1).

و قال الطحاوي: «و لا نرى الخروج على أئمتنا و ولاة أمورنا، و إن جاروا، و لا ندعوا عليهم، و لا ننزع يدا من طاعتهم، و نرى طاعتهم من طاعة اللّه عز و جل فريضة، ما لم يأمروا بمعصية، و ندعو لهم بالصلاح و المعافاة»(2).

و قال: «و الحج و الجهاد ماضيان مع أولي الأمر من المسلمين، برّهم و فاجرهم، إلى قيام الساعة، و لا يبطلهما شيء و لا ينقضهما»(3).

قال التفتازاني: «و لا ينعزل الإمام بالفسق، أو بالخروج عن طاعة اللّه تعالى، و الجور (أي الظلم على عباد اللّه)، لأنّه قد ظهر الفسق، و انتشر الجور من الأئمة و الأمراء بعد الخلفاء الراشدين، و السلف كانوا ينقادون لهم، و يقيمون الجمع و الأعياد بإذنهم، و لا يرون الخروج عليهم». و نقل عن كتب الشافعية أنّ القاضي ينعزل بالفسق بخلاف الإمام، و الفرق أن في انعزاله و وجوب نصب غيره إثارة الفتنة، لما له من الشوكة، بخلاف القاضي(4).

إلى غير ذلك من الكلمات التي ذكروها في وجوب إطاعة السلطان الجائر، و حرمة الخروج عليه(5). فإنّ هذه الكلمات تبين لنا موقع منصب الإمامة عند أهل

ص: 14


1- التمهيد، للقاضي أبي بكر الباقلاني، ص 181. توفي القاضي عام 403.
2- متن شرح العقيدة الطحاوية، ص 379، و لاحظ ما ذكره في شرحه.
3- المصدر السابق، ص 387.
4- شرح العقائد النسفيّة، المتن لأبي حفص عمر بن محمد النّسفي (م 537)، و الشرح لسعد الدين التفتازاني (م 791) ص 185-186، ط إسطنبول.
5- لاحظ مقالات الإسلاميين، للأشعري، ص 323، و أصول الدين، لمحمد بن عبد الكريم اليزدوي (إمام الماتريدية)، ص 190.

الحديث و الأشاعرة، و كلّها تعرب عن أنّهم ينظرون إلى الإمامة كسياسة وقتية زمنية، و إلى الإمام كسائس عاديّ يقود أمّته في حياتهم الدنيوية. و لأجل ذلك لا يكون الفسق و الجور، و هتك الأستار، قادحا في إمامتهم، كما أنّ التسلط على الرقاب بالقهر و الاستيلاء، و النار و الحرب، أحد الطرق المسوغة للتربع على منصّة الإمامة.

فإذا كانت هذه هي حقيقة الإمامة، و كان هذا هو الإمام، فلا غرابة حينئذ في جعلها من الأحكام الفرعية.

ص: 15

الأمر الرابع مؤهلات الإمام عند أهل السنّة

اشارة

انطلاقا من البحث السابق في تبيين ماهية الإمامة، عند أهل السنّة لم يشترطوا في الإمام سوى عدّة صلاحيات، تشترط في عامة الرؤساء، و إليك نصوصهم:(1) قال الباقلاني (م 403): «يشترط:

- أن يكون قرشيّا من صميم.

- و أن يكون في العلم بمنزلة من يصلح أن يكون قاضيا من قضاة المسلمين.

- و أن يكون ذا بصيرة بأمر الحرب، و تدبير الجيوش و السرايا، و سدّ الثغور، و حماية البيضة، و حفظ الأمّة، و الانتقام من ظالمها، و الأخذ لمظلومها»(1).

(2) و قال عبد القاهر البغدادي (م 429): «قال أصحابنا إنّ الذي يصلح للإمامة ينبغي أن يكون فيه أربعة أوصاف:

- أحدها: العلم. و أقل ما يكفيه منه، أن يبلغ فيه مبلغ المجتهدين في الحلال و الحرام، و في سائر الأحكام.

ص: 16


1- التمهيد، ص 181.

- الثاني: العدالة و الورع. و أقلّ ما يجب له من هذه الخصلة، أن يكون ممن يجوز قبول شهادته تحمّلا و أداء.

- و الثالث: الاهتداء إلى وجوه السياسة و حسن التدبير، و أن يعرف مراتب الناس، فيحفظهم عليها، و لا يستعين على الأعمال الكبار، بالعمّال الصغار، و يكون عارفا بتدبير الحروب.

- الرابع: النّسب من قريش»(1).(2) و قال أبو الحسن البغدادي الماوردي (م 450): «الشروط المعتبرة في الإمامة سبعة:

أحدها: العدالة على شروطها الجامعة. الثاني: العلم المؤدّي إلى الاجتهاد في النوازل و الأحكام. الثالث: سلامة الحواس من السمع و البصر و اللسان.

الرابع: سلامة الأعضاء. الخامس: الرأي المفضي إلى سياسة الرعية و تدبير المصالح. السادس: الشجاعة و النجدة. السابع: النّسب، و هو أن يكون من قريش(3).

(4) و قال ابن حزم (م 456): «يشترط فيه أمور:

1 - أن يكون صلبه من قريش، 2 - أن يكون بالغا مميزا، 3 - أن يكون رجلا، 4 - أن يكون مسلما، 5 - أن يكون متقدّما لأمره، 6 - عالما بما يلزمه من فرائض الدين، 7 - متّقيا للّه بالجملة، غير معلن الفساد في الأرض. 8 - أن لا يكون مولّى عليه»(3).

(5) و قال القاضي سراج الدين الأرموي (م 689): «صفات الأئمة تسع:

1 - أن يكون مجتهدا في أصول الدين و فروعه، 2 - أن يكون ذا رأي

ص: 17


1- أصول الدين، لأبي منصور البغدادي، م 429، ص 277. ط دار الكتب العلمية - بيروت.
2- الفصل، ج 4، ص 186.
3- الأحكام السلطانية، ص 6.

و تدبير، 3 - أن يكون شجاعا، 4 - أن يكون عدلا، 5 - أن يكون عاقلا، 6 - أن يكون بالغا، 7 - أن يكون مذكّرا، 8 - أن يكون حرّا، 9 - أن يكون قرشيّا»(1).

(6) و قال التفتازاني (م 791): «قد ذكرنا في كتبنا الفقهية أنّه لا بدّ للأمّة من إمام يحيي الشريعة، و يقيم السنّة، و ينتصف للمظلومين، و يستوفي الحقوق، و يضعها مواضعها، و يشترط أن يكون مكلّفا، مسلما، عدلا، حرّا، ذكرا مجتهدا، شجاعا، ذا رأي و كفاية، سميعا بصيرا، ناطقا، قريشيا، فإن لم يوجد من قريش من يستجمع هذه الصفات المعتبرة، ولي كنانيّ، فإن لم يوجد فرجل من ولد اسماعيل، فإن لم يوجد فرجل من العجم»(2).

(7) و قال الفضل بن روزبهان: «و شروط الإمام أن يكون مجتهدا في الأصول و الفروع ليقوم بأمر الدين، ذا رأي و بصارة بتدبير الحرب، و ترتيب الجيوش، شجاعا، قويّ القلب ليقوى على الذّبّ عن الحوزة»(3).

و يلاحظ على هذه الشروط

أوّلا: إنّ اختلافهم في عدد الشرائط قلّة و كثرة، ناشئ من افتقادهم النصّ الشرعي في مجال الإمامة و اعتقادهم أنّ منصب الإمامة، - مع عظمته - لم تنبس فيه النبي الأكرم ببنت شفة، و إنّما الموجود عندهم نصوص كلية لا تتكفل لتعيين هذه الشروط، و لا تتكفل لتبيين صيغة الحكومة الإسلامية بعد النبي، و المصدر لهذه الشروط عندهم هو الاستحسان، و الاعتبارات العقلائية، و ملاحظة الأهداف التي يمارسها الإمام و الخليفة بعد النبي الأكرم.

و هذا مما يقضي منه العجب، و هو أنّ النبي كيف ترك بيان هذا الأمر

ص: 18


1- مطالع الأنوار، ص 470.
2- شرح المقاصد، ج 2، ص 271.
3- دلائل الصدق، ج 2، ص 4.

المهمّ، شرطا و صفة، مع أنّه بيّن أبسط الأشياء و أدناها، من المكروهات و المستحبات.

و ثانيا: إنّ اعتبار العدالة لا ينسجم مع ما ذهبوا إليه من أنّ الإمام لا ينخلع بفسقه و ظلمه، و غيره ممّا نقلناه عنهم.

كما أنّهم جعلوا القهر و الاستيلاء، أحد الأمور التي تنعقد بها الإمامة - كما سيأتي - و تجعل المستولي و القاهر ولي أمر، يشمله قوله سبحانه: يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا، أَطِيعُوا اَللّٰهَ وَ أَطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَ أُولِي اَلْأَمْرِ مِنْكُمْ (1). و من المعلوم أنّ القاهر و المستولي بالحرب و النّار، لا يهمه إلاّ السلطة و إعمال القدرة، سواء اجتمعت فيه هذه الشروط أولا. أ فهل يجب إطاعة مثل هذا؟:

وجوب طاعته لا ينسجم مع اعتبار هذه الشروط، و عدم وجوب طاعته لا ينسجم مع كون القهر و الغلبة من الأمور التي تنعقد بها الإمامة.

و ثالثا: إنّ التاريخ الإسلامي يشهد بأنّ الخلفاء بعد عليّ عليه السلام، كانوا يفقدون أكثر هذه الصلاحيات و مع ذلك يمارسون الخلافة.

فهذه صحائف تاريخهم، من لدن تسنّم معاوية عرش الخلافة، إلى آخر خلفاء بني مروان، خضبوا وجه الأرض بدماء الأبرياء، و قتلوا الصحابة و التابعين، و نهبوا الديار و الأموال، و قد بلغ جورهم و ظلمهم الذروة، حتى ثارت عليهم الأمّة، و قتلت صغيرهم و كبيرهم، فلم يبق منهم إلاّ من فرّ إلى الأندلس.

و بعدهم تسلّط العباسيون، باسم حماية أهل البيت، و لكن حدث ما حدث، و لم تكن سيرتهم أحسن حالا من سيرة الأمويين، حتى قال القائل:

يا ليت جور بني مروان دام لنا و ليت عدل بني العبّاس في النار

ص: 19


1- سورة النساء: الآية 59.

الأمر الخامس بما ذا تنعقد الإمامة عند أهل السنّة؟

اشارة

قد تعرّفت على عقيدة أهل السنّة في باب الإمامة، و أنّها عندهم أشبه بسياسة وقتية زمنية، يقودها الحاكم العادي مع كفاءات و مؤهلات، تطابق شأنه.

و على ذلك يرجع تعيين الإمام إلى نفس الأمّة، لا إلى اللّه سبحانه و لا إلى رسوله، و هم قد اختلفوا فيما تنعقد به الإمامة على أقوال شتّى نأتي ببعضها:

1 - قال الأسفراييني: (ت 344 - م 406) في كتاب الجنايات: «و تنعقد الإمامة بالقهر و الاستيلاء، و لو كان فاسقا أو جاهلا أو عجميا»(1).

2 - قال الماوردي (م 450 ه): «اختلف العلماء في عدد من تنعقد به الإمامة منهم، على مذاهب شتّى. فقالت طائفة: لا تنعقد إلاّ بجمهور أهل العقد و الحلّ من كل بلد، ليكون الرضا به عامّا، و التسليم لإمامته إجماعا، و هذا مذهب مدفوع ببيعة أبي بكر على الخلافة باختيار من حضرها، و لم ينتظر ببيعته قدوم غائب عنها.

و قالت طائفة أخرى: أقلّ ما تنعقد به منهم الإمامة، خمسة يجتمعون على عقدها، أو يعقدها أحدهم برضا الأربعة، استدلالا بأمرين: أحدهما: أنّ بيعة

ص: 20


1- إحقاق الحق، للسيد التّستري، ج 2، ص 317.

أبي بكر انعقدت بخمسة اجتمعوا عليها ثم تابعهم الناس فيها، و هم عمر بن الخطاب، و أبو عبيدة بن الجراح، و أسيد بن حضير، و بشر بن سعد، و سالم مولى أبي حذيفة.

و الثاني: أنّ عمر جعل الشورى في ستة ليعقد لأحدهم برصا الخمسة.

و هذا قول أكثر الفقهاء و المتكلمين من أهل البصرة.

و قال آخرون من علماء الكوفة: تنعقد بثلاثة يتولاها أحدهم برضا الاثنين، ليكونوا حاكما و شاهدين، كما يصحّ عقد النكاح بولي و شاهدين.

و قالت طائفة أخرى: تنعقد بواحد، لأنّ العباس قال لعلي: امدد يدك أبايعك، فيقول النّاس عمّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بايع ابن عمّه، فلا يختلف عليك اثنان. و لأنّه حكم، و حكم واحد نافذ»(1).

3 - قال إمام الحرمين الجويني (م 478 ه): «اعلموا أنّه لا يشترط في عقد الإمامة الإجماع، بل تنعقد الإمامة، و إن لم تجمع الأمّة على عقدها.

و الدليل عليه أنّ الإمامة لمّا عقدت لأبي بكر، ابتدر لإمضاء أحكام المسلمين و لم يتأنّ لانتشار الأخبار إلى من نأى من الصحابة في الأقطار، و لم ينكر عليه منكر.

فإذا لم يشترط الإجماع في عقد الإمامة لم يثبت عدد معدود، و لا حدّ محدود، فالوجه الحكم بأنّ الإمامة تنعقد بعقد واحد من أهل الحلّ و العقد»(2).

4 - قال القرطبي: (م 671 ه): «فإن عقدها واحد من أهل الحلّ و العقد، فذلك ثابت، و يلزم الغير فعله، خلافا لبعض الناس، حيث قال: لا تنعقد إلاّ بجماعة من أهل الحلّ و العقد، و دليلنا: أنّ عمر عقد البيعة لأبي بكر، و لم ينكر أحد من الصحابة ذلك(3). و لأنّه عقد، فوجب أن لا يفتقر إلى عدد

ص: 21


1- الأحكام السلطانية، ص 6-7، ط الحلبي بمصر.
2- الإرشاد، ص 424.
3- و لعل القرطبي لم يقرأ مأساة السقيفة بين المهاجرين و الأنصار، و إلاّ فالاعتراض و النزاع كان قائما على قدم و ساق و يكفي في ذلك مراجعة كتاب الإمامة و السياسة لابن قتيبة، و تاريخ الطبري، و سيرة ابن هشام، و كتاب السقيفة لأبي بكر الجوهري المتوفّى عام 280. و فيما يأتي من المباحث نشير إلى بعض تلك الوقائع.

يعقدونه كسائر العقود»(1).

5 - و قال القاضي عضد الدين الإيجي (م 757): «المقصد الثالث فيما تثبت به الإمامة، و أنّها تثبت بالنّصّ من الرسول، و من الإمام السابق، بالإجماع، و تثبت ببيعة أهل الحلّ و العقد. لنا، ثبوت إمامة أبي بكر بالبيعة».

و قال: «و إذا ثبت حصول الإمام بالاختيار و البيعة، فاعلم أنّ ذلك لا يفتقر إلى الإجماع، إذ لم يقم عليه دليل من العقل أو السمع، بل الواحد و الاثنان من أهل الحلّ و العقد، كاف، لعلمنا أنّ الصحابة، مع صلابتهم في الدين، اكتفوا بذلك، كعقد عمر لأبي بكر، و عقد عبد الرحمن بن عوف لعثمان، و لم يشترطوا اجتماع من في المدينة، فضلا عن إجماعهم هذا، و لم ينكر عليه أحد، و عليه انطوت الأعصار إلى وقتنا هذا»(2).

5 - و على ذلك مضى شارح المواقف السيد شريف الجرجاني (816)(3).

6 - و قال التفتازاني (م 791): «و تنعقد الإمامة بطرق:

أحدها: بيعة أهل الحلّ و العقد من العلماء و الرؤساء و وجوه النّاس الذين يتيسر حضورهم من غير اشتراط عدد، و لا اتّفاق من في سائر البلاد، بل لو تعلّق الحلّ و العقد بواحد مطاع كفت بيعته.

الثاني: استخلاف الإمام و عهده، و جعله الأمر شورى بمنزلة الاستخلاف، إلاّ أنّ المستخلف عليه غير متعين فيتشاورون، و يتفقون على أحدهم، و إذا خلع الإمام نفسه كان كموته، فينتقل الأمر إلى ولي العهد.

الثالث: القهر و الاستيلاء، فإذا مات الإمام و تصدّى للإمامة من

ص: 22


1- تفسير القرطبي، ج 1، ص 260.
2- المواقف، صفحة 399-400، ط عالم الكتب.
3- شرح المواقف، ج 8، ص 351-353.

يستجمع شرائطها من غير بيعة و استخلاف، و قهر الناس بشوكته، انعقدت الخلافة له و كذا إذا كان فاسقا أو جاهلا على الأظهر»(1).

يلاحظ على هذه الأقوال و النظريات

أولا - إنّ موقف أصحاب هذه الأقوال في المسألة، موقف من اعتقد بصحة خلافة الخلفاء، فاستدلّ به على ما يرتئيه من الرأي، من انعقادها بواحد أو اثنين، أو اتّفاق من تيسّر حضوره، دون النائين من الصحابة، و غير ذلك.

و هذا النّمط من الاستدلال، استدلال بالمدّعى على نفس المدّعى، و هو دور واضح. و العجب من هؤلاء الأعلام كيف سكتوا عن الاعتراضات الهائلة التي توجهت من نفس الصحابة من الأنصار و المهاجرين على خلافة الخلفاء، الذين تمّت بيعتهم، ببيعة الخمسة في السقيفة، أو بيعة أبي بكر لعمر، أو بشورى السّتّة، فإنّ من كان ملمّا بالتاريخ و مهتما به، يرى كيف كانت عقيرة كثير من الصحابة مرتفعة بالاعتراض. حتى أنّ الزبير وقف في السقيفة أمام المبايعين، و قد اخترط سيفه، و هو يقول: «لا أغمده حتى يبايع عليّ». فقال عمر: «عليكم الكلب»!. فأخذ سيفه من يده، و ضرب به الحجر، و كسر(2).

و يكفي في ذلك قول الطبري أنّه قام الحباب بن المنذر - و انتضى سيفه - و قال: «أنا جذيلها المحكّك، و عذيقها المرجّب، أنا أبو شبل، في عرينة الأسد، يعزى إليّ الأسد، فحامله عمر، فضرب يده، فندر السيف، فأخذه، ثم وثب على سعد (بن عبادة) و وثبوا على سعده و تتابع القوم على البيعة، و بايع سعد، و كانت فلتة كفلتات الجاهلية، قام أبو بكر دونها، و قال قائل حين أوطئ سعد: قتلتم سعدا. فقال عمر: قتله اللّه، إنّه منافق. و اعترض عمر بالسيف صخرة فقطعه(3).

ص: 23


1- شرح المقاصد، ج 2، ص 272، ط اسطنبول.
2- الإمامة و السياسة، ج 1، ص 11.
3- تاريخ الطبري، حوادث عام 11، ج 2، ص 459. و في رواية أخرى للطبري أنّ عمر قام على رأس سعد، و قال: لقد هممت أن أطأك حتى تندر عضوك. فأخذ سعد بلحية عمر، و قال: و اللّه لو حصحصت منه شعرة ما رجعت و فيك واضحة، أما و اللّه لو أنّ بي قوة ما أقوى على النهوض لسمعت مني في أقطارها و سككها زئيرا يجحرك و أصحابك (أي يلزمهم دخول الجحر، و هو كناية عن شدّة التضييق)، أما و اللّه، إذا لألحقنّك بقوم كنت فيهم تابعا غير متبوع، احملوني من هذا المكان». فحملوه، فأدخلوه في داره. و ترك أياما، ثم بعث إليه أن أقبل، فبايع، فقد بايع الناس، و بايع قومك. فقال: أما و اللّه حتى أرميكم بما في كنانتي من نبلي و أخضّب سنان رمحي، و أضربكم بسيفي ما ملكته يدي، و أقاتلكم بأهل بيتي و من أطاعني من قومي، فلا أفعل. و أيم اللّه، لو أنّ الجنّ اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربّي، و أعلم ما حسابي». فكان سعد لا يصلّي بصلاتهم و لا يجمع معهم، و لا يفيض معهم إفاضتهم، فلم يزل كذلك حتى هلك أبو بكر. (المصدر نفسه). و سعد بن عبادة سيد الخزرجيين.

هذه نبذة يسيرة من الأصوات المدوّية التي عارضت الخلافة و الخليفة المنتخب، و كم لها من نظير في السقيفة و الشورى و غيرهما ضربنا عنه صفحا.

أ فيصح بعد ذلك قول القرطبي: «و لم ينكر أحد من الصحابة ذلك»، و كأن الحباب، و سعدا، و ابنه قيس، و عامة الخزرجين، و بني هاشم، و الزبير، لم يكونوا من الصحابة؟!.

و ثانيا - إنّ هذا الاختلاف الفاحش في كيفية عقد الإمامة، يعرب عن بطلان نفس الأصل لأنّه إذا كانت الإمامة مفوضة إلى الأمّة، كان على النبي الأكرم بيان تفاصيلها و خصوصياتها و خطوطها العريضة، و أنّه هل تنعقد بواحد أو اثنين من الصحابة؟ أو تنعقد بأهل الحلّ و العقد منهم؟ أو بالصحابة الحضور عند رحلة النبي أو رحلة الإمام السابق؟ أو باتّفاق جميع المسلمين بأنفسهم، أو بممثليهم؟.

و ليس عقد الإمامة لرجل، أقلّ من عقد النكاح بين الزوجين الذي اهتمّ القرآن و السنّة ببيانه و تحديده، كما اهتمت السنّة على الخصوص بشئونه و أحكامه.

و العجب أنّ عقد الإمامة الذي تتوقف عليه حياة الأمّة، لم يطرح في النصوص، لا كتابا و لا سنّة - على زعم القوم - و لم تبيّن حدوده و لا شرائطه، و لا سائر مسائله التي كان يواجهها المسلمون بعد وفاة النبي الأكرم مباشرة!!.

ص: 24

و جملة القول، إنّ اختلافهم في شرائط الإمام و طرق تنصيبه، جعل الخلافة وبالا على المسلمين، حتى أخذت لنفسها شكلا يختلف كلّ الاختلاف عن الشكل الذي ينبغي أن تكون عليه. فقد أصبحت الخلافة الإسلامية، إمبراطورية، و ملكا عضوضا، يتناقلها رجال العيث و الفساد، من يد فاسق، إلى آخر فاجر غارق في الهوى، إلى ثالث سفّاك متعصّب. و قد أعانهم في تسنم ذروة تلك العروش، مرتزقة من رجال متظاهرين باسم الدين، فبرروا أفعالهم، و وجّهوا أعمالهم توجيها ملائما للظروف السائدة، و صحّحوا اتجاهاتهم السياسية الخاصة، فخلقوا في ذلك أحاديث و سنن مفتعلة على صاحب الرسالة، و اصطنعوا لهذا و ذاك فضائل، لتدعيم مراكزهم السياسية، و يكفيك النموذج التالي، لتقف على حقيقة تلك الأحاديث المفتراة.

رووا عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) أنّه قال: «يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، و لا يستنّون بسنّتي و سيقوم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس. قال الراوي: قلت: كيف أصنع يا رسول اللّه إن أدركت ذلك؟ قال:

تسمع و تطيع للأمير، و إن ضرب ظهرك، و أخذ مالك، فاسمع و أطع»(1).

ص: 25


1- صحيح مسلم، ج 6، باب الأمر بلزوم الجماعة، و باب حكم من فرّق أمر المسلمين، ص 20-24، و في البابين نظائر كثيرة لهذا الحديث.

الأمر السادس الإمامة عند الشيعة الإمامية

اشارة

قد تعرفت على حقيقة الإمامة لدى أهل السنّة و الجماعة، و عرفت أنّ ما يتبنونه لا يقتضي أزيد من الشرائط المتوفرة في رؤساء الدول غير أنّ الإمامة عند الشيعة تختلف في حقيقتها عمّا لدى إخوانهم، فهي إمرة إلهية، و استمرار لوظائف النبوة كلّها سوى تحمّل الوحي الإلهي. و مقتضى هذا، اتصاف الإمام بالشروط المشترطة في النبي، سوى كونه طرفا للوحي.

توضيح ذلك: إنّ النبي الأكرم صلى اللّه عليه و آله، كان يملأ فراغا كبيرا و عظيما في حياة الأمّة الإسلامية، و لم تكن مسئولياته و أعماله مقتصرة على تلقّي الوحي الإلهي، و تبليغه إلى الناس فحسب، بل كان يقوم بالأمور التالية:

1 - يفسّر الكتاب العزيز، و يشرح مقاصده و أهدافه، و يكشف رموزه و أسراره.

2 - يبيّن أحكام الموضوعات التي كانت تحدث في زمن دعوته.

3 - يردّ على الحملات التشكيكية، و التساؤلات العويصة المريبة التي كان يثيرها أعداء الإسلام من يهود و نصارى.

4 - يصون الدين من التحريف و الدسّ، و يراقب ما أخذه عنه المسلمون من أصول و فروع، حتى لا تزلّ فيه أقدامهم.

ص: 26

و هذه الأمور الأربعة كان النبي يمارسها و يملأ بشخصيته الرسالية ثغراتها.

و لأجل جلاء الموقف نوضح كل واحد من هذه الأمور.

أمّا الأمر الأول: فيكفي فيه قوله سبحانه: وَ أَنْزَلْنٰا إِلَيْكَ اَلذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّٰاسِ مٰا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (1). فقد وصف النبي في هذه الآية بأنّه مبيّن لما في الكتاب، لا مجرّد تال له فقط.

و قوله سبحانه: لاٰ تُحَرِّكْ بِهِ لِسٰانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنٰا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ * فَإِذٰا قَرَأْنٰاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنٰا بَيٰانَهُ (2) فكان النبي يتولى بيان مجمله و مطلقه و مقيّده، بقدر ما تتطلبه ظروفه.

و القرآن الكريم ليس كتابا عاديا، على نسق واحد، حتى يستغني عن بيان النبي، بل فيه المحكم و المتشابه، و العام و الخاص، و المطلق و المقيّد، و المنسوخ و الناسخ، يقول الإمام علي عليه السلام: «و خلّف (النبي صلى اللّه عليه و آله) فيكم ما خلّفت الأنبياء في أممها: كتاب ربّكم فيكم، مبيّنا حلاله و حرامه، و فرائضه و فضائله، و ناسخه و منسوخه، و رخصه و عزائمه، و خاصّه و عامّة، و عبره و أمثاله، و مرسله و محدوده، و محكمه و متشابهه، مفسرا مجمله، و مبيّنا غوامضه»(3).

و أمّا الأمر الثاني: فهو بغنى عن التوضيح، فإنّ الأحكام الشرعية وصلت إلى الأمّة عن طريق النبي، سواء أ كانت من جانب الكتاب أو من طريق السنّة.

و أمّا الأمر الثالث: فبيانه أنّ الإسلام قد تعرض، منذ ظهوره، لأعنف الحملات التشكيكية، و كانت تتناول توحيده و رسالته و إمكان المعاد، و حشر الإنسان، و غير ذلك. و هذا هو النبي الأكرم، عند ما قدم عليه جماعة من كبار النصارى لمناظرته، استدلّوا لاعتقادهم بنبوة المسيح، بتولده من غير أب، فأجاب النبي بوحي من اللّه سبحانه، بأنّ أمر المسيح ليس أغرب من أمر آدم

ص: 27


1- سورة النحل: الآية 44.
2- سورة القيامة: الآيات 16-19.
3- نهج البلاغة، الخطبة 1.

حيث ولد من غير أب و لا أمّ قال سبحانه: إِنَّ مَثَلَ عِيسىٰ عِنْدَ اَللّٰهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرٰابٍ ثُمَّ قٰالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (1).

و أنت إذا سبرت تفاسير القرآن الكريم، تقف على أنّ قسما من الآيات نزلت في الإجابة عن التشكيكات المتوجهة إلى الإسلام من جانب أعدائه من مشركين و يهود و نصارى و سيوافيك في مباحث المعاد جملة كثيرة من الشبهات التي كانوا يعترضون بها على عقيدة المعاد، و جواب القرآن عليها.

و أمّا الأمر الرابع: فواضح لمن لاحظ سيرة النبي الأكرم، فقد كان هو القول الفصل و فصل الخطاب، إليه يفيء الغالي، و يلحق التالي، فلم ير إبّان حياته مذهب في الأصول و العقائد، و لا في التفسير و الأحكام. و كان - بقيادته الحكيمة - يرفع الخصومات و الاختلافات، سواء فيما يرجع إلى السياسة أو غيرها(2).

هذه هي الأمور التي مارسها النبي الأكرم أيام حياته. و من المعلوم أنّ رحلته و غيابه صلوات اللّه عليه، يخلّف فراغا هائلا و مفزعا في هذه المجالات الأربعة، فيكون التشريع الإسلامي حينئذ أمام محتملات ثلاثة:

الأول - أن لا يبدى الشارع اهتماما بسدّ هذه الفراغات الهائلة التي ستحدث بعد الرسول، و رأى ترك الأمور لتجري على عواهنها.

الثاني - أن تكون الأمّة، قد بلغت بفضل جهود صاحب الدعوة في إعدادها، حدا تقدر معه بنفسها على سدّ ذلك الفراغ.

الثالث - أن يستودع صاحب الدعوة، كلّ ما تلقاه من المعارف و الأحكام

ص: 28


1- سورة آل عمران: الآية 59. و لاحظ سورة الزخرف: الآيات 57-61.
2- يكفي في ذلك ملاحظة غزوة الحديبية، و كيف تغلّب بقيادته الحكيمة على الاختلاف الناجم، من عقد الصلح مع المشركين و ما نجم في غزوة بني المصطلق من تمزيق وحدة الكلمة، أو ما ورد في حجة الوداع، حيث أمر من لم يسق هديا. بالإحلال، و نجم الخلاف من بعض أصحابه، فحسمه بفصله القاطع.

بالوحي، و كلّ ما ستحتاج إليه الأمّة بعده، يستودعه شخصية مثالية، لها كفاءة تقبّل هذه المعارف و الأحكام و تحمّلها، فتقوم هي بسد هذا الفراغ بعد رحلته صلوات اللّه عليه.

أمّا الاحتمال الأول - فساقط جدا، لا يحتاج إلى البحث، فإنّه لا ينسجم مع غرض البعثة، فإنّ في ترك سدّ هذه الفراغات ضياعا للدين و الشريعة، و بالتالي قطع الطريق أمام رقيّ الأمّة و تكاملها.

فبقي الاحتمالان الأخيران، فلا بد لتعيين واحد منهما، دراستهما في ضوء العقل و التاريخ.

هل كانت الأمّة مؤهلة لسدّ تلك الفراغات؟

هذه هي النقطة الحساسة في تاريخ التشريع الإسلامي و مهمّته، فلعلّ هناك من يزعم أنّ الأمّة كانت قادرة على ملئ هذه الفراغات. غير أنّ التاريخ و المحاسبات الاجتماعية يبطلان هذه النظرة، و يضادّانها، و يثبتان أنّه لم يقدّر للأمّة بلوغ تلك الذروة، لتقوم بسدّ هذه الثغرات التي خلّفها غياب النبي الأكرم، لا في جانب التفسير، و لا في جانب التشريع، و لا في جانب ردّ التشكيكات الهدّامة، و لا في جانب صيانة الدين عن الانحراف، و إليك فيما يلي بيان فشل الأمّة في سدّ هذه الثغرات، من دون أن نثبت للأمّة تقصيرا، بل المقصود استكشاف الحقيقة.

أمّا في جانب التفسير، فيكفي وجود الاختلاف الفاحش في تفسير آيات الذكر الحكيم، و قبل كل شيء نضع أمامك كتب التفسير، فلا ترى آية - إلاّ ما شذّ - اتّفق في تفسيرها قول الأمّة، حتى أنّ الآيات التي يرجع مفادها إلى عمل المسلمين يوما و ليلا لم تصن عن الاختلاف، و إليك النماذج التالية.

أ - قال سبحانه: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى اَلْمَرٰافِقِ وَ اِمْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى اَلْكَعْبَيْنِ (1).

ص: 29


1- سورة المائدة: الآية 6.

فقد تضاربت الآراء في فهم الآية، فمن قائل يعطف الرّجل على الرءوس، و من قائل يعطفه على الأيدي، فتمسح على الأوّل، و تغسل على الثاني. فأيّ الرأيين هو الصحيح؟ و أيّ التفسيرين هو مراده سبحانه؟.

ب - قال سبحانه: وَ اَلسّٰارِقُ وَ اَلسّٰارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمٰا (1).

فاختلفت الأمّة في موضع القطع، فمن قائل بأنّ القطع من أصول الأصابع، و عليه الإمامية، و من قائل بأنّ القطع من المفصل، بين الكفّ و الذراع، و عليه الأئمة الثلاثة، أبو حنيفة، و مالك، و الشافعي. و من قائل بأنّ القطع من المنكب، كما عليه الخوارج(2).

ج - قال سبحانه: وَ إِنْ كٰانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاٰلَةً أَوِ اِمْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ، فَلِكُلِّ وٰاحِدٍ مِنْهُمَا اَلسُّدُسُ (3).

و في آية أخرى يحكم سبحانه بإعطاء الكلالة، النصف أو الثلثين، كما قال: إِنِ اِمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَهٰا نِصْفُ مٰا تَرَكَ، وَ هُوَ يَرِثُهٰا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهٰا وَلَدٌ، فَإِنْ كٰانَتَا اِثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا اَلثُّلُثٰانِ مِمّٰا تَرَكَ (4).

فما هو الحل، و كيف الجمع بين هاتين الآيتين؟.

و أمّا الآيات المحتاجة إلى التفسير في مجال المعارف، فحدّث عنها و لا حرج، و يكفيك ملاحظة اختلاف الأمّة في الصفات الخبرية، و العدل، و الجبر و الاختيار، و الهداية و الضلالة...

و كم، و كم من آيات في القرآن الكريم تضاربت الأفكار في تفسيرها، من غير فرق بين آيات الأحكام و غيرها.

و أمّا في مجال الإجابة على الموضوعات المستجدة، فيكفي في ذلك الوقوف

ص: 30


1- سورة المائدة: الآية 38.
2- الخلاف، كتاب السرقة، ج 3، المسألة 31، ص 201-202.
3- سورة النساء: الآية 12.
4- سورة النساء: الآية 176.

على أنّ التشريع الإسلامي كان يشق طريقه نحو التكامل بصورة تدريجية، لأنّ حدوث الوقائع و الحاجات الاجتماعية، في عهد الرسول الأكرم، كان يثير أسئلة و يتطلب حلولا، و من المعلوم أنّ هذا النمط من الحاجة كان مستمرا بعد الرسول. غير أنّ ما ورثه المسلمون من النبي الأكرم لم يكن كافيا للإجابة عن جميع تلك الأسئلة.

أمّا الآيات القرآنية في مجال الأحكام، فهي لا تتجاوز ثلاثمائة آية. و أمّا الأحاديث - في هذا المجال - فالذي ورثته الأمّة لا يتجاوز الخمسمائة حديث.

و هذا القدر من الأدلة غير واف بالإجابة على جميع الموضوعات المستجدة إجابة توافق حكم اللّه الواقعي، و لأجل إيقاف الباحث على نماذج من هذه القصورات، نذكر بعضها:

أ - رفع رجل إلى أبي بكر و قد شرب الخمر، فأراد أن يقيم عليه الحدّ، فادّعى أنّه نشأ بين قوم يستحلّونها، و لم يعلم بتحريمها إلى الآن، فتحيّر أبو بكر في حكمه(1).

ب - مسألة العول شغلت بال الصحابة فترة من الزمن، و كانت من المسائل المستجدة التي واجهت جهاز الحكم بعد الرسول، و قد طرحت هذه المسألة أيام خلافة عمر بن الخطاب، فتحيّر، فأدخل النقص على الجميع استحسانا، و قال: «و اللّه ما أدري أيّكم قدّم اللّه و لا أيّكم أخّر، ما أجد شيئا أوسع لي من أنّ أقسّم المال عليكم بالحصص، و أدخل على ذي حقّ ما أدخل عليه من عول الفريضة»(2).

ج - سئل عمر بن الخطاب عن رجل طلّق امرأته في الجاهلية، تطليقتين،

ص: 31


1- الكافي، ج 7، كتاب الحدود، ص 249، الحديث 4. الإرشاد للمفيد، ص 106، مناقب ابن شهرآشوب، ص 489.
2- أحكام القرآن، للجصاص، ج 2، ص 109، و مستدرك الحاكم، ج 4، ص 340. راجع في توضيح حقيقة العول المصدرين المذكورين و الكتب الفقهية في الميراث.

و في الإسلام تطليقة، فهل تضم التطليقتان إلى الثالثة، أو لا؟ فقال للسائل «لا آمرك و لا أنهاك»(1).

هذا، و لا نعني من ذلك أنّ الشريعة الإسلامية، ناقصة في إيفاء أغراضها التشريعية، و شمول المواضيع المستجدة، أو المعاصرة لعهد الرسول، بل التشريع الإسلامي كان وافيا بالجميع ببيان سوف نشير إليه(2).

و الذي يكشف عمّا ذكرنا، أنّه اضطرّ صحابة النبي منذ الأيام الأولى من وفاته صلوات اللّه عليه و آله، إلى إعمال الرأي و الاجتهاد في المسائل المستحدثة، و ليس اللجوء إلى الاجتهاد بهذا الشكل، إلاّ تعبيرا واضحا عن عدم استيعاب الكتاب و السنّة النبوية للوقائع المستحدثة، بالحكم و التشريع، و لا مجال للاجتهاد و إعمال الرأي فيما يشمله نصّ من الكتاب أو السنّة بحكم، و لذلك أحدثوا مقاييس للرأي، و اصطنعوا معايير جديدة للاستنباط، و ألوانا من الاجتهاد، منه الصحيح المتّفق عليه، يصيب الواقع حينا، و يخطئه أحيانا، و منه المريب المختلف فيه. و كان القياس أوّل هذه المقاييس و أكثرها نصيبا من الخلاف، و المراد منه إلحاق أمر بآخر، في الحكم الثابت للمقيس عليه، لاشتراكهما في مناط الحكم المستنبط. و كان القياس بهذا المعنى (دون منصوص العلة) مثارا للخلاف بين الصحابة، و العلماء، فقد تبنّته جماعة من الصحابة و التابعين، و أنكرته جماعة أخرى، و عارضوا الأخذ به، منهم الإمام علي بن أبي طالب، و ابن مسعود، و أئمة أهل البيت، ثم اصطنعوا بعد ذلك معايير أخرى، منها المصالح المرسلة، و هي المصالح التي لم يشرّع الشارع حكما بتحقيقها، و لم يدلّ دليل شرعي على اعتبارها أو إلغائها.

و هناك مقاييس أخرى، كسدّ الذرائع، و الاستحسان، و قاعدة شرع من

ص: 32


1- كنز العمال، ج 5، ص 116.
2- حاصله أنّ النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم كان يراعي في إبلاغ الحكم حاجة الناس، و مقتضيات الظروف الزمنية، فلا بد - في إيفاء غرض التشريع - أن يستودع أحكام الشريعة من يخلفه، و يقوم مقامه، لإيفاء أغراضه التي لم يقدّر له تحقيقها في حياته الكريمة.

قبلنا، و ما إلى ذلك من القوانين و الأصول الفقهية، التي اضطرّ الفقهاء إلى اصطناعها عند ما طرأ على المجتمع الإسلامي ألوان جديدة من الحياة لم يألفوها، و لم تكن النصوص الشرعية من الكتاب و السنّة لتشمل تلك المظاهر الاجتماعية المستحدثة بحكم، و لم يجد الفقهاء بدّا من الالتجاء إلى إعمال الرأي و الاجتهاد في مثل هذه المسائل ممّا لا نصّ فيه من كتاب أو سنّة، و تشعبت بذلك مدارس الفقه الإسلامي، و بعدت الشّقة بينها، و تبلورت تلك المعاني إثر التضارب الفكري الذي حصل بين هذه المدارس، و صيغت الأفكار في صيغ علمية محددة، بعد ما كان يغلب عليها طابع التذبذب و الارتباك.

و ذلك كلّه يدلّ على عدم وفاء نصوص الكتاب و السنّة، بما استجدّ للمسلمين بعد عصر الرسالة، من مسائل، أو ما جدّ لهم من حاجة.

و هناك نكتة تاريخية توقفنا على سرّ عدم إيفاء الكتاب و السنّة بمهمة التشريع، و هي أنّ مدّة دعوته صلى اللّه عليه و آله لا تتجاوز ثلاثا و عشرين عاما، قضى منها ثلاث عشرة سنة في مكة يدعو المشركين فيها. و لكن عنادهم جعل نتائج الدعوة قليلة. فلأجل ذلك لم يتوفق لبيان حكم شرعي فرعي إلاّ ما ندر. و من هنا نجد أنّ الآيات التي نزلت في مكة تدور في الأغلب حول قضايا التوحيد و المعاد، و إبطال الشرك و مقارعة الوثنية، و غيرها من القضايا الاعتقادية، حتى صار أكثر المفسّرين يميّزون الآيات المكيّة عن المدنية بهذا المعيار.

و لما انتهت دعوته إلى محاولة اغتياله، هاجر إلى يثرب، و أقام فيها العشرة المتبقية من دعوته تمكّن فيها من بيان قسم من الأحكام الشرعية لا كلّها، و ذلك لوجوه:

1 - إنّ تلك الفترة كانت مليئة بالحوادث و الحروب، لتآمر المشركين و الكفّار، المتواصل على الإسلام و صاحب رسالته و المؤمنين به. فقد اشترك النبي في سبع عشرة غزوة كان بعضها يستغرق قرابة شهر، و بعث خمسا و خمسين سرية لقمع المؤمرات و إبطالها، و صدّ التحركات العدوانية.

2 - كانت إلى جانب هذه المشاكل، مشكلة داخلية يثيرها المنافقون الذين

ص: 33

كانوا بمنزلة الطابور الخامس، و كان لهم دور كبير في إثارة البلبلة في صفوف المسلمين، و خلق المتاعب للقيادة من الداخل. و كانوا بذلك يفوّتون الكثير من وقت النبي الذي كان يمكن أن يصرف في تربية المسلمين و إعدادهم و تعليمهم على حلّ ما قد يطرأ على حياتهم، أو يستجد في مستقبل الأيام.

3 - إنّ مشكلة أهل الكتاب، خصوصا اليهود، كانت مشكلة داخلية ثانية، بعد مشكلة المنافقين، فقد فوّتوا من وقته الكثير، بالمجادلات و المناظرات، و قد تعرّض الذكر الحكيم لناحية منها، و ذكر قسم آخر منها في السيرة النبوية(1).

4 - إنّ من الوظائف المهمة للنبي عقد الاتّفاقيات السياسية و المواثيق العسكرية الهامة التي يزخر بها تاريخ الدعوة الإسلامية(2).

إنّ هذه الأمور و نظائرها، عاقت النبي عن استيفاء مهمة التشريع.

على أنّه لو فرضنا تمكن النبي من بيان أحكام الموضوعات المستجدة، غير أنّ التحدّث عن الموضوعات التي لم يعرف المسلمون شيئا من ماهياتها و تفاصيلها في عهد الرسول، و إنّما كانت تحدث بصورة طبيعية شيئا فشيئا، أمر صعب للغاية، و لم يكن في وسع المسلمين أن يدركوا معناه.

فحاصل هذه الوجوه توقفنا على أمر محقق، و هو أنّه لم يقدر للنبي استيفاء مهمة التشريع، و لم يتسنّ للمسلمين أن يتعرّفوا على كل الأحكام الشرعية المتعلقة بالحوادث و الموضوعات المستجدة.

و أمّا في مجال ردّ الشبهات و التشكيكات و إجابة التساؤلات، فقد حصل فراغ هائل بعد رحلة النبي من هذه الناحية، فجاءت اليهود و النصارى تترى، يطرحون الأسئلة، و يشوّشون بها أفكار الأمّة، ليخربوا عقائدها و مبادئها، و نذكر من ذلك:

ص: 34


1- لاحظ السيرة النبوية، لابن هشام، ج 1، ص 530-588، ط الحلبي - مصر - 1375.
2- لاحظ كتاب الوثائق السياسية لمحمد حميد اللّه، و «مكاتيب الرسول».

و فود أسقف نجران على عمر، و طرح بعض الأسئلة عليه(1).

و فود جماعة من اليهود على عمر، و طرح بعض الشبهات(2).

و فود جماعة من اليهود على عمر، و طرح بعض الأسئلة عليه(3).

سؤال عويص ورد من الروم على معاوية يلتمس الجواب عنه(4).

أسئلة وردت من جانب البلاط الروماني إلى معاوية(5).

و غير ذلك من الوفود و الأسئلة التي لم يكن هدفها إلاّ التشكيك في الدين و إيجاد التزلزل في عقيدة المسلمين.

و أمّا في جانب صيانة المسلمين عن التفرقة و الاختلاف، و الدين عن الانحراف، فقد كانت الأمّة الإسلامية في أشدّ الحاجة بعد النبي إلى من يصون دينها عن التحريف، و أبناءها عن الاختلاف، فإنّ التاريخ يشهد دخول جماعات عديدة من أحبار اليهود و رهبان النصارى و مؤبدي المجوس، ككعب الأحبار، و تميم الدّاري، و وهب بن منبه، و عبد اللّه بن سلام، و بعدهم الزنادقة، و الملاحدة، و الشعوبيون، فراحوا يدسّون الأحاديث الإسرائيلية، و الأساطير النصرانية، و الخرافات المجوسية بينهم، و قد ظلّت هذه الأحاديث المدسوسة، تخيّم على أفكار المسلمين ردحا طويلا من الزمن، و تؤثّر في حياتهم العلمية، حتى نشأت فرق و طوائف في ظلّ هذه الأحاديث.

و ممّا يوضح عدم تمكّن الأمّة من صيانة الدين الحنيف عن التحريف و أبنائها عن التشتت، وجود الروايات الموضوعة و المجعولات الهائلة. و يكفي في ذلك أنّ يذكر الإنسان ما كابده البخاري من مشاقّ و أسفار في مختلف أقطار الدولة

ص: 35


1- تذكرة الخواص، لابن الجوزي، المتوفى عام 656، ص 144.
2- قضاء أمير المؤمنين، ص 64.
3- علي و الخلفاء، ص 313.
4- المصدر نفسه.
5- قضاء أمير المؤمنين، ص 78 و 114.

الإسلامية، و ما رواه بعد ذلك. فإنّه ألفى الأحاديث المتداولة بين المحدثين في الأقطار الإسلامية، تربو على ستمائة ألف حديث، لم يصحّ لديه منها أكثر من أربعة آلاف، و معنى هذا أنّه لم يصحّ لديه من كل مائة و خمسين حديثا إلاّ حديث واحد، و أمّا أبو داود فلم يصحّ لديه من خمسمائة ألف حديث غير أربعة آلاف و ثمانمائة، و كذلك كان شأن سائر الذين جمعوا الحديث. و كثير من هذه الأحاديث التي صحّت عندهم، كانت موضع نقد و تمحيص عند غيرهم(1).

قال العلامة المتتبع الأميني: و يعرب عن كثرة الموضوعات اختيار أئمة الحديث أخبار تآليفهم - الصحاح و المسانيد - من أحاديث كثيرة هائلة، و الصفح عن ذلك الهوش الهائش، فقد أتى أبو داود في سننه بأربعة آلاف و ثمانمائة حديث، و قال انتخبته من خمسمائة ألف حديث(2). و يحتوي صحيح البخاري من الخالص بلا تكرار، ألفي حديث و سبعمائة و واحد و ستين حديثا، اختاره من زهاء ستمائة ألف حديث(3). و في صحيح مسلم أربعة آلاف حديث أصول دون المكررات، صنفه من ثلاثمائة ألف(4). و ذكر أحمد بن حنبل في مسنده ثلاثين ألف حديث، و قد انتخبه من أكثر من سبعمائة و خمسين ألف حديث، و كان يحفظ ألف ألف حديث(5). و كتب أحمد بن فرات، المتوفى عام 258، ألف ألف و خمسمائة ألف حديث، فأخذ من ذلك ثلاثمائة ألف في التفسير و الأحكام و الفوائد و غيرها(6).

فهذه الموضوعات على لسان الوحي، تقلع الشريعة من رأس و تقلب

ص: 36


1- لاحظ حياة محمد، لمحمد حسين هيكل، ص 49-50، الطبعة الثالثة عشر.
2- طبقات الحفاظ، للذهبي، ج 2، ص 154. تاريخ بغداد، ج 2 ص 57. المنتظم لابن الجوزي، ج 5، ص 97.
3- إرشاد الساري، ج 1، ص 28. صفة الصفوة، ج 4، ص 143.
4- المنتظم، لابن الجوزي، ج 5، ص 32. طبقات الحفاظ، للذهبي، ج 2، ص 151. شرح صحيح مسلم للنووي، ج 1، ص 36.
5- ترجمة أحمد، المنقولة من طبقات ابن السبكي، المطبوعة في آخر الجزء الأول من مسنده، طبقات الذهبي، ج 2، ص 17.
6- خلاصة التهذيب، ص 9. نقلناه برمّته متنا و هامشا من الغدير، ج 5، ص 292-293.

الأصول، و تتلاعب بالأحكام، و تشوش التاريخ، أو ليس هذا دليلا على عدم وفاء الأمّة بصيانة دينها عن التشويش و التحريف؟.

هذا البحث الضافي يثبت حقيقة ناصعة، و هي عدم تمكّن الأمّة، مع ما لها من الفضل، من القيام بسدّ الفراغات الهائلة التي خلّفتها رحلة النبي الأكرم صلى اللّه عليه و آله و سلّم، فلا مناص من تعيّن الاحتمال الثالث، و هو سدّ تلك الثغرات بفرد مثالي يمارس وظائف النبي في المجالات السابقة، بعلمه المستودع فيه، و يكون له من المؤهلات ما للنبي الأكرم، سوى النبوّة، و سوى كونه طرفا للوحي.

إنّ الغرض من إرسال الأنبياء هي الهداية الإلهية لبني البشر، إلى الكمال في الجانبين المادي و الروحي. و من المعلوم أنّ هذه الغاية لا يحصل عليها الإنسان إلاّ بالدين المكتمل أصولا و فروعا، المصون من التحريف و الدسّ. و ما دام النبي حيّا، بين ظهرانيّ الأمّة، تتحقق تلك الغاية بنفسه الشريفة، و أمّا بعده فيلزم أن يخلفه إنسان مثله في الكفاءات و المؤهّلات، ليواصل دفع عجلة المجتمع الديني في طريق الكمال، و يحفظه من الانقلاب على الأعقاب، و التقهقر إلى الوراء. و وجود إنسان مثالي، كالنبي في المؤهلات، عارف بالشريعة و معارف الدين، ضمان لتكامل المجتمع، و خطوة ضرورية في سبيل ارتقائه الروحي و المعنوي. فهل يسوغ على اللّه سبحانه أن يهمل هذا العامل البنّاء، الهادي للبشرية إلى ذروة الكمال.

إنّ اللّه سبحانه جهّز الإنسان بأجهزة ضرورية، و أجهزة كمالية. حتى أنّه قد زوّده بالشعر على أشفار عينيه و حاجبيه، و قعر أخمص قدميه، كل ذلك لتكون حياته سهلة لذيذة غير متعبة، فهل ترى أنّ حاجته إلى هذه الأمور أشدّ من حاجته إلى خلف حامل لعلوم النبوة، قائم بوظائف الرسالة.

و ما أجمل ما قاله أئمة أهل البيت في فلسفة وجود هذا الخلف، و مدى تأثيره في تكامل الأمّة:

ص: 37

قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «اللهم بلى، لا تخلو الأرض من قائم للّه: بحجة، إمّا ظاهرا مشهورا، و إمّا خائفا مغمورا، لئلاّ تبطل حجج اللّه و بيّناته»(1).

و قال الإمام الباقر عليه السلام: «إنّ اللّه لم يدع الأرض بغير عالم، و لو لا ذلك لما يعرف الحق من الباطل»(2).

و قال الإمام الصادق عليه السلام: «إنّ الأرض لا تخلو و فيها إمام، كيما زاد المؤمنون شيئا ردّهم، و إذا نقصوا شيئا أئمّة لهم»(3).

هذه المأثورات من أئمة أهل البيت، تعرب عن أنّ الغرض الداعي إلى بعثة النبي، داع إلى وجود إمام يخلف النبي، في عامة سماته، سوى ما دلّ القرآن على انحصاره به، ككونه نبيّا رسولا و صاحب شريعة.

نعم، إنّ كثيرا ممّن ليست لهم أقدام راسخة في أبواب المعارف، يصعب عليهم تصوّر إنسان مثالي يحمل علوم النبوة، و ليس بنبي؛ و يقوم بوظائفها الرسالية، و ليس برسول؛ يحيط بمعارف الشريعة و أحكامها، و ليس طرفا للوحي؛ و يصون الشريعة من التحريف و الدسّ، و يردّ تشكيكات المبطلين، و ليس له صلة بسماء الوحي. و لأجل ذلك يثيرون في وجهه إشكالين، لا بدّ من ذكرهما، و الإجابة عنهما.

الإشكال الأول

اشارة

إنّ الفرد الجامع لهذه الخصائص، لا يفترق عن النبي، فتصبح الإمامة عندئذ، مرادفة للنبوّة، مع أنّ أدلّة الخاتمية قطعت طريق هذا الاحتمال(4).

ص: 38


1- نهج البلاغة، قسم الحكم، الرقم 147.
2- الكافي، ج 1، ص 178.
3- الكافي، ج 1، ص 178.
4- و قد عرفت عن صاحب المواقف أنّه اعترض على تعريف الإمامة بأنّها رئاسة عامة في أمور الدين و الدنيا، بالنقض بالنبوة، ص 345.
الجواب

إنّ الفرق بين النبوّة، و احتضان علوم النبي الأكرم، واضح، لا يحتاج إلى البيان، فإنّ مقوم النبوّة عبارة عن كون النبي طرفا للوحي، يسمع كلام اللّه تعالى، و يرى رسوله، و يكون صاحب شريعة مستقلة، أو مروجا لشريعة من قبله.

و أمّا الإمام فهو الخازن لعلوم النبوة في كل ما تحتاج إليه الأمّة، من دون أن يكون طرفا للوحي، أو سامعا كلامه سبحانه، أو رائيا الملك الحامل له.

نعم، المهم هو الوقوف على أنّ في وسعه سبحانه أن يربي للأمّة، في حضن النبي الأكرم، رجلا مثاليا يأخذ علوم النبي بتعليم غيبي يفي بوظائف الرسالة بعد رحلته، حتى يسدّ الفراغات العلمية الحاصلة برحلته.

و بما أنّ المستشكل، و من تبعه، بريئون من هذه المعارف، و يخصّون التعليم، بالوسائل العادية، يتعجبون من بلوغ إنسان ذلك الحدّ من الكمال و العلم، من دون أن يدخل مدرسة، أو يخضع أمام شيخ، إلاّ أن يكون نبيّا.

و إنّ القرآن الكريم يحدّثنا عن أناس مثاليين نالوا الذروة من العلوم بتعليم غيبي، مع أنّهم لم يكونوا أنبياء، كمصاحب موسى عليه السلام الذي يقول سبحانه في شأنه: فَوَجَدٰا عَبْداً مِنْ عِبٰادِنٰا، آتَيْنٰاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنٰا، وَ عَلَّمْنٰاهُ مِنْ لَدُنّٰا عِلْماً (1).

و لم يكن المصاحب نبيّا، بل كان وليّا من أولياء اللّه سبحانه، بلغ الذّروة من العلم، حتى قال له موسى - و هو نبي مبعوث بشريعة: هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلىٰ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمّٰا عُلِّمْتَ رُشْداً ؟(2).

و جليس سليمان عليه السلام، الّذي يقول سبحانه في شأنه: قٰالَ اَلَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ اَلْكِتٰابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ، فَلَمّٰا رَآهُ مُسْتَقِرًّا

ص: 39


1- سورة الكهف: الآية 65.
2- سورة الكهف: الآية 66.

عِنْدَهُ قٰالَ هٰذٰا مِنْ فَضْلِ رَبِّي... (1) .

و هذا الجليس لم يكن نبيّا، و لكن كان صاحب علم من الكتاب، و من المعلوم أنّ هذا العلم لم يحصل له من الطرق العادية التي يدرج عليها الأولاد و الشبّان في الكتاتيب و المدارس، و إنّما هو علم إلهي احتضنه بلياقته و كفاءته، و لأجل ذلك ينسب علمه إلى فضل ربّه و يقول: هٰذٰا مِنْ فَضْلِ رَبِّي .

و الشاهد على رسالة النبي، إلى جانب شهادته سبحانه، الذي يقول سبحانه في شأنه: وَ يَقُولُ اَلَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً، قُلْ كَفىٰ بِاللّٰهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ، وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ اَلْكِتٰابِ (2).

و السورة مكية على ما يدلّ عليه سياق آياتها، و نقل عن الكلبي أنّه قال:

«إنّها مكية إلاّ هذه الآية»، و يدفعه أنّها مختتم السورة، قوبل بها ما في مفتتحها، أعني قوله سبحانه: المر، تِلْكَ آيٰاتُ اَلْكِتٰابِ، وَ اَلَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ اَلْحَقُّ، وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَ اَلنّٰاسِ لاٰ يُؤْمِنُونَ (3)، فيبعد جدا أن يفرق بين المتقابلين بأعوام.

فعندئذ يجب الإمعان في هذا الشاهد الذي عطفه سبحانه على نفسه، و عدّه شاهدا على رسالة النبي كشهادة نفسه سبحانه. أ فيصحّ أن يقال إنّ المراد، القوم الذين أسلموا في المدينة، كعبد اللّه بن سلام، و تميم الداري، و سلمان الفارسي، مع أنّ الآية نزلت في مكّة؟.

على أنّ عطف هؤلاء في الشهادة، على اللّه سبحانه، لا يخلو من غموض و إبهام. فلا بدّ أن يكون المراد من الشاهد هنا إنسانا مثاليا، كان موجودا في مكة، و هو أعلم الناس بالكتاب، حتى يصحّ أن يجعل عدلا آخر للشهادة، و لا يكون هذا الإنسان إلاّ من تربّى في حجر النبوة و حضنها، و تحمّل علومها، بتعليم غيبي إلهي، لا بتعليم بشري عادي.

ص: 40


1- سورة النمل: الآية 40.
2- سورة الرعد: الآية 43.
3- سورة الرعد: الآية 1.

هذا و ذاك، و غيرهما ممّا لم نذكره، و جاء في الحديث و التاريخ، يعرب عن أنّ التعليم الغيبي لا يختصّ بالأنبياء، و أنّ هناك رجالا صالحين، يحملون علوم النبوة و يحتضنونها بفضل من اللّه سبحانه، لغاية قدسية هي إبلاغ الأمّة الغاية من الكمال، و إيصاد الثغرات الهائلة التي تخلفها رحلة النبي.

الإشكال الثاني

اشارة

إذا شهد التاريخ، و المحاسبات الاجتماعية، بعدم استيفاء النبي لمهمة التشريع، فما معنى قوله سبحانه: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ اَلْإِسْلاٰمَ دِيناً (1)؟.

الجواب

إنّ السؤال مبني على تفسير الدين بالأحكام الشرعية، و حمل الإكمال على بيانها. و ذلك غير صحيح لوجوه:

الأول - إنّ كثيرا من المفسّرين، فسّروا اليوم، بيوم عرفة، من عام حجة الوداع(2). و من المعلوم أنّ هناك روايات كثيرة لا يستهان بها عددا تدلّ على نزول أحكام و فرائض بعد ذلك اليوم، منها أحكام الكلالة، المذكورة في آخر سورة النساء(3)، و منها آيات الربا(4)، حتى روي عن عمر أنّه قال في خطبة خطبها:

«و من آخر القرآن نزولا آية الربا، و إنّه مات رسول اللّه و لم يبيّنه لنا، فدعوا ما يريبكم إلى ما لا يريبكم»(5). و روى البخاري في الصحيح، عن ابن عباس،

ص: 41


1- سورة المائدة: الآية 3.
2- لاحظ تفسير الطبري، ج 6، ص 54، تفسير الرازي، ج 3، ص 368.
3- سورة النساء: الآية 176.
4- سورة البقرة: الآيات 275-278.
5- الدر المنثور، للسيوطي، ج 1، ص 365. و لاحظ تفسير الرازي، ج 2، ص 374، ط مصر في ثمانية أجزاء.

قال: «آخر آية أنزلها اللّه على رسوله، آية الربا»(1)، و غير ذلك من الروايات.

الثاني - إنّ تفسير الدين بالأحكام، و إكمالها بالبيان و أنّه تحقق في يوم عرفة من عام حجّ الوداع، لا ينسجم مع سائر فقرات الآية، فإنّ الآية تخبر عن يوم تحققت فيه أمور ثلاثة: يأس الكفار من دين المسلمين، و إكمال الدين و إتمام النعمة.

توضيح ذلك إنّه إن أراد من الكفار، كفار العرب، القاطنين في الجزيرة، فالإسلام كان قد عمّهم يوم ذاك، و لم يكن فيهم من يتظاهر بغير الإسلام، فمن هؤلاء الكفار اليائسون؟ فإنّ سورة البراءة، و تلاوتها يوم عيد الأضحى، في العام التاسع للهجرة، صارت سببا لنفوذ الإسلام في كل أصقاع الجزيرة، و رفض الشرك و نبذ عبادة الأوثان، رغبة أو رهبة، و لم يبق مشرك إلاّ و قد كسر صنمه، و لا عابد وثن إلاّ و قد تحوّل إلى عبادة اللّه تعالى طمعا أو خوفا، فلم يبق هناك كافر يئس من دين المسلمين.

و إن أراد سائر الكفار من الأمم، من العرب و غيرهم، فلم يكونوا يائسين يومئذ من الظهور على المسلمين.

فعلينا أن نتفحص عن يوم تتحقق فيه هذه الأمور الثلاثة، كما سيبين.

الثالث - إنّ ما ذكر لا ينسجم مع ما رواه عدّة من المحدثين من نزولها يوم الثامن عشر من ذي الحجة، في السنة العاشرة للهجرة، عند ما نصب النبي عليّا للولاية، و قال: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه»(2).

و يعرب عن صحة ذلك ما ذكره الرازي، قال: «قال أصحاب الآثار إنّه

ص: 42


1- الدر المنثور للسيوطي، ج 1، ص 365.
2- لاحظ في الوقوف على مصادر نزول الآية يوم الغدير، كتاب الغدير، ج 1، ص 230-238، و قد رواه عن ستة عشر محدثا، منهم أبو جعفر الطيري، و ابن مردويه الأصفهاني، و أبو نعيم الأصفهاني، و الخطيب البغدادي، و أبو سعيد السجستاني، و أبو الحسن المغازلي، و أبو القاسم الحسكاني، و ابن عساكر الدمشقي، و أخطب الخطباء الخوارزمي، و غيرهم من أعاظم المحدثين.

لمّا نزلت هذه الآية على النبي صلى اللّه عليه و آله، لم يعمّر بعد نزولها إلاّ أحدا و ثمانين يوما أو اثنين و ثمانين يوما، و لم يحصل بعدها زيادة و لا نسخ و تبديل البتة.

و كان ذلك جاريا مجرى إخبار النبي عن قرب وفاته، و ذلك إخبار عن الغيب فيكون معجزا»(1).

و ما ذكره يؤيّد كون النزول يوم الغدير، أعني يوم الثامن عشر من ذي الحجة، لأنّه لو فرض كون الشهور الثلاثة (ذي الحجة، و محرم، و صفر) ناقصة، لكانت وفاته صلى اللّه عليه و آله بعد واحد و ثمانين يوما، و لو كان الشهران (محرم و صفر) ناقصان، لا نطبق على الاثنين و الثمانين، كل ذلك بملاحظة ما اتّفقت عليه كلمة الجمهور من أنّ النبي توفي يوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول.

و العجب أنّ الرازي غفل عن هذه الملازمة، و أنّه لا يجتمع مع نزولها يوم عرفة.

فعلى ذلك لا يصحّ تفسير الدين بالأحكام، و لا الإكمال بالبيان. و في ضوء ذلك يمكن أن يقال إنّ المراد من الدين هو أصوله، و المراد من الإكمال، تثبيت أركانه، و ترسيخ قواعده، و ذلك أنّ الكفار، خصوصا المستسلمين منهم، كانوا يتربصون بالنبي الدوائر، فإنّهم كانوا ينظرون إلى دعوته بأنّها ملك في صورة النبوة، و سلطنة في ثوب الرسالة، فإن مات أو قتل، ينقطع أثره و يموت ذكره، كما هو المشهور عادة، من حال السلاطين، و كان الكفار يعيشون هذه الأحكام و الأماني التي تعطيهم الرجاء في إطفاء نور الدين، و عفّ آثاره عبر الأيام.

غير أنّ ظهور الإسلام، تدريجيا، و غلبته على الكفار و المشركين، بدّد أحلامهم بالخيبة، فيئسوا من التغلّب على النبي و دعوته، فلم يبق لهم إلاّ حلم واحد، و هو أنّه لا عقب له يخلفه في أمره، فيموت دينه بموته. و كان هذا الحلم يتغلغل في أنفسهم، إلاّ أنّ الخيبة عمّتهم لما شاهدوا خروج الدين عن مرحلة

ص: 43


1- تفسير الرازي، ج 3، ص 369.

القيام بشخص النبي الأكرم إلى مرحلة القيام بشخص آخر مثالي يقوم مقامه، فعند ذلك تحققت الأمور الثلاثة: يئسوا من زوال الدين، بعد موته، و كمل الدين بتنصيب من يحمل وظائف النبي، و تمّت نعمة الهداية إلى أهداف الرسالة بالوصي القائم مقامه.

فالمراد من إكمال الدين، تحوّله من وصف الحدوث إلى وصف البقاء، و كان ذلك العمل، ردّا لما يحكيه سبحانه عن الكفار بقوله: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ اَلْكِتٰابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمٰانِكُمْ كُفّٰاراً، حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مٰا تَبَيَّنَ لَهُمُ اَلْحَقُّ، فَاعْفُوا وَ اِصْفَحُوا حَتّٰى يَأْتِيَ اَللّٰهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اَللّٰهَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ (1).

و لعلّ المراد من قوله: يَأْتِيَ اَللّٰهُ بِأَمْرِهِ ، هو ما حدث في ذلك اليوم.

و على ذلك، فتنسجم الجمل الثلاث، و يرتبط بعضها ببعض، فالدين الذي أكمله اللّه اليوم، و النعمة التي أتمّها اللّه اليوم، أمر واحد بحسب الحقيقة، و هو الذي كان يطمع فيه الكفار، و يخشاهم فيه المؤمنون، فآيسهم اللّه منه، و أكمله و أتمّه، و نهاهم عن الخشية منهم، و قال: فَلاٰ تَخْشَوْهُمْ وَ اِخْشَوْنِ (2).

هذه هي حقيقة الإمامة، و الإمام عند الشيعة، و بذلك يعلم اختلاف ما يتبنونه مع ما هو المعروف عند أهل السنّة، و من المعلوم أنّ كلاّ من المعنيين يستدعي لنفسه شروطا خاصّة، و الشروط عند الشيعة الإمامية أكثر ممّا اتّفقت عليه كلمة أهل السنّة، أهمها إحاطته بأصول الشريعة و فروعها، و المعرفة التامّة بكتاب اللّه، و سنّة نبيّه، و قدرته على دفع الشبهات، و صيانة الدين، يكون كلامه هو القول الفصل بين الأمّة، و لا تفترق هذه الشروط عن كونه معصوما، لا يضلّ في تعليم الأمّة.

قال الشيخ الرئيس ابن سينا في لزوم نصب الإمام من جانب النبي: «ثم إنّ هذا الشخص الذي هو النبي، ليس ممّا يتكرر وجود مثله في كل وقت، فإنّ

ص: 44


1- سورة البقرة: الآية 109
2- سورة المائدة: الآية 3.

المادة التي تقبل كمال مثله، تقع في قليل من الأمزجة، فيجب لا محالة أن يكون النبي قد دبّر لبقاء ما يسنّه و يشرّعه في أمور المصالح الإنسانية، تدبيرا عظيما»(1).

ص: 45


1- الشفاء، ج 2، الفن الثالث عشر في الإلهيات، المقالة العاشرة، الفصل الثالث، ص 558.

الأمر السابع المصالح العامة، و صيغة الحكومة بعد النبي

اشارة

يسود بين المسلمين، في صيغة الحكومة و قيادة الأمّة بعد النبي، رأيان و اتجاهان:

الأول: أنّ صيغة الحكومة صيغة التنصيب، و أنّ الإمام بعد النبي يعين عن طريق الرسول بأمر من اللّه سبحانه.

الثاني: تفويض الأمر إلى اختيار الأمّة، و انتخابها بشكل من الأشكال التي ستوافيك.

و البحث في المقام: يرجع إلى محاسبة مصالح الأمّة الإسلامية آنذاك، فهل كانت تقتضي تحقيق النظرية الأولى، و هي نظرية النصّ على شخص أو أشخاص معينين، أو تقتضي ترك مسألة الخلافة إلى رأي الأمّة؟.

و الحقّ أنّ هنا أمورا تدلّ على أنّ مصلحة الأمّة آنذاك، كانت تتطلب تنصيب الإمام و القائد الذي يخلف النبي، و تعيينه بلسانه في حياته، و كان في ترك هذا رمي للأمّة أمام أكبر المخاطر، و إليك بيان تلك الأمور:

الأول: الأمة الإسلامية و الخطر الثلاثي

إنّ الدولة الإسلامية، التي أسسها النبي الأكرم صلوات اللّه عليه، كانت

ص: 46

محاصرة حال وفاة النبي من جهتي الشمال و الشرق، بأكبر امبراطوريتين عرفهما تاريخ تلك الفترة، و كانتا على جانب كبير من القوة و البأس، و هما الروم و إيران؛ هذا من الخارج.

و أمّا من الداخل، فقد كان الإسلام و المسلمون يعانون من وطأة مؤامرات المنافقين الذين كانوا يشكّلون جبهة عدوانية داخلية، أشبه بما يسمّى بالطابور الخامس.

و يكفي في خطورة إمبراطورية إيران أنّه كتب ملكها إلى عامله باليمن - بعد ما وصلت إليه رسالة النبي تدعوه إلى الإسلام و التسليم، و مزّقها -:

«ابعث إلى هذا الرجل بالحجاز، رجلين من عندك، جلدين، فليأتياني به»(1).

و كفى في خطورة موقف الإمبراطورية البيزنطية، أنّه وقعت اشتباكات عديدة بينها و بين المسلمين في السنة الثامنة للهجرة، منها غزوة مؤتة التي قتل فيها قادة الجيش الإسلامي و هم جعفر بن أبي طالب، و زيد بن حارثة، و عبد اللّه بن رواحه، و رجع الجيش الإسلامي من تلك الواقعة منهزما، و قد أثارت هزيمتهم في هذه المعركة، و استشهاد القادة الثلاثة، نقمة شديدة في نفوس المسلمين تجاه الروم، و لأجل ذلك توجّه الرسول الأكرم بنفسه على رأس الجيش الإسلامي إلى تبوك في السنة التاسعة لمقابلة الجيوش البيزنطية و لكنه لم يلق أحدا، فأقام في تبوك أياما ثم رجع إلى المدينة، و لم يكتف بهذا بل جهّز جيشا في أخريات أيّامه بقيادة أسامة بن زيد، لمواجهة جيوش الروم.

و أمّا خطر المنافقين، فحدّث عنه و لا حرج، هؤلاء أسلموا بألسنتهم دون قلوبهم، و أضمروا للمسلمين كلّ سوء، و كانوا يتحينون الفرص لإضعاف الدولة الإسلامية، بإثارة الفتن الداخلية، كما كانوا يتربصون الدوائر لاغتيال النبي و قتله(2).

ص: 47


1- الكامل، للجزري، ج 2، ص 145.
2- لاحظ التفاسير، في تفسير قوله سبحانه: وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمٰا كُنّٰا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ

و لقد انبرى القرآن الكريم لفضح المنافقين و التشهير بخططهم ضدّ الدين و النبي، في العديد من السور القرآنية مثل البقرة، و آل عمران، و النساء، و المائدة، و الأنفال، و التوبة، و العنكبوت، و الأحزاب، و محمد، و الفتح، و المجادلة، و الحديد، و الحشر، و قد نزلت في حقّهم سورة خاصة باسم المنافقين.

إنّ اهتمام القرآن بالتعرّض للمنافقين المعاصرين للنبي، المتواجدين بين الصحابة، أدلّ دليل على أنّهم كانوا قوّة كبيرة و يشكون جماعة وافرة، و يلعبون دورا خبيثا، خطيرا في تعكير الصف، و إفساح المجال لأعداء الإسلام، بحيث لو لا قيادة النبي الحكيمة، لقضوا على كيان الدين، و أطاحوا بصرحه.

و يكفي في ذلك قوله سبحانه: لَقَدِ اِبْتَغَوُا اَلْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَ قَلَّبُوا لَكَ اَلْأُمُورَ، حَتّٰى جٰاءَ اَلْحَقُّ، وَ ظَهَرَ أَمْرُ اَللّٰهِ وَ هُمْ كٰارِهُونَ (1).

و قد كان محتملا و مترقّبا أن يتحد هذا المثلث الخطير (الفرس، الروم، المنافقون)، لاكتساح الإسلام و اجتثاث جذوره، بعد وفاة النبي.

فمع هذا الخطر المحيق الداهم، ما هي وظيفة القائد الحكيم الذي أرسى قواعد دينه على تضحيات عظيمة، فهل المصلحة كانت تقتضي تنصيب قائد حكيم عارف بأحكام القيادة و وظائفها حتى يجتمع المسلمون تحت رايته، و يكونوا صفا واحدا في مقابل ذاك الخطر، أو أنّ المصلحة العامة تقتضي تفويض الأمر إلى الأمّة، حتى يختاروا لأنّفسهم أميرا، مع أنّ من المعلوم أن ترك الأمر إلى الأمّة في ذلك الوقت الحرج، يلازم الشغب و الاختلاف و التنافس الذي لم يكن لصالح الإسلام و المسلمين، في الوقت الذي يعانون فيه من وفاة النبي؟.

فاقض ما أنت قاض.

ص: 48


1- سورة التوبة: الآية 48.

الثاني - الحياة القبلية تمنع من الاتفاق على قائد

من أبرز ما كان يتميز به المجتمع العربي في حياة النبي الأكرم، هو حياة النظام القبلي، و التقسيمات العشائرية التي كانت تحتل - في ذلك المجتمع - مكانة كبرى.

و قد كان للقبيلة أكبر الدور في الحياة العربية قبل الإسلام و بعده، و على أساسها كانت تدور المفاخرات، و تنشد القصائد، و تبنى الأمجاد، كما كانت هي منشأ أكثر الحروب و أغلب المنازعات.

إنّ التاريخ يشهد لنا كيف كاد التنازع القبلي في قضية بناء الكعبة المشرّفة، و وضع الحجر الأسود في موضعه أيام الجاهلية، أن يؤدي إلى الاختلاف، فالصراع الدموي، و الاقتتال المرير، لو لا تدخل النبي الأكرم(1).

و قد سعى النبي الأكرم، سعيا حثيثا، لمحو الروح القبلية، و إذابة الفوارق العشائرية، و جمع تلك المتشتتات في بوتقة الإيمان الموحّد، و لكن لم يكن من الممكن أن ينقلب النظام القبلي في مدة ثلاث و عشرين عاما إلى نظام موحد إسلامي، لا يرى للانتساب إلى القبيلة فخرا، سوى التعرّف و التعريف(2).

و الشواهد على تغلغل العصبيات القبلية في نفوس أكثر الصحابة، كثيرة، و يكفي في ذلك ما ورد في غزوة بني المصطلق، حيث تنازع مهاجري مع أنصاريّ، فصرخ الأنصاري: «يا معشر الأنصار»، و صرخ الآخر: «يا معشر المهاجرين». و لما سمع النبي هذه الكلمات قال: «دعوها فإنّها دعوى ميتة».

و لو لا قيادته الحكيمة، لخضّب وجه الأرض بدماء المسلمين من المهاجرين و الأنصار(3).

و ما نقله ابن هشام من أن شعث بن قيس، و كان شيخا من اليهود، مرّ

ص: 49


1- قد ذكرنا هذه القضية فيما تقدم.
2- إشارة إلى قوله سبحانه: وَ جَعَلْنٰاكُمْ شُعُوباً وَ قَبٰائِلَ لِتَعٰارَفُوا (سورة الحجرات: الآية 13)
3- صحيح البخاري، ج 5، ص 119، باب غزوة بني المصطلق.

ذات يوم على نفر من أصحاب الرسول، من الأوس و الخزرج، فرآهم يتحدثون، فغاظه ما رأى من ألفتهم و جماعتهم، فأمر فتى شابا من اليهود، كان معهم، فقال له: اعمد إليهم، فاجلس معهم، ثم اذكر يوم بعاث و ما كان قبله، و أنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار، ففعل الشاب ذلك، فأثّر كيد ذلك اليهودي الماكر في نفوس الأخوة من المسلمين، فغضب الفريقان، و انتضوا أسلحتهم للقتال، فبلغ ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه المهاجرين، و قال: «يا معشر المسلمين، اللّه، اللّه، أ بدعوى الجاهلية، و أنا بين أظهركم بعد أن هداكم اللّه للإسلام و أكرمكم به، و قطع به عنكم أمر الجاهلية و استنقذكم به من الكفر»؟(1).

و من ذلك الذي يدلّ على تعمّق رواسب القبلية في النفوس، ما ذكره الشيخ البخاري في صحيحه، في قصة الإفك، قال: «قال النبي و هو على المنبر: «يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي، و اللّه ما علمت على أهلي إلاّ خيرا، و لقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلاّ خيرا، و ما يدخل على أهلي إلاّ معي».

قالت عائشة: فقام سعد بن معاذ أخو بني عبد الأشهل فقال: أنا يا رسول اللّه أعذرك، فإن كان من الأوس ضربت عنقه، و إن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا.

قالت عائشة: فقام رجل من الخزرج، و هو سعد بن عبادة، و هو سيد الخزرج - قالت عائشة، و كان قبل ذلك رجلا صالحا و لكن احتملته الحمية - فقال لسعد بن معاذ: كذبت لعمر و اللّه، لا تقتله و لا تقدر على قتله، و لو كان من رهطك ما أحببت أن يقتل.

فقال أسيد بن حضير، و هو ابن عمّ سعد بن معاذ، لسعد بن عبادة:

كذبت لعمر و اللّه، لتقتلنّه، فإنّك منافق تجادل عن المنافقين.

ص: 50


1- السيرة النبوية، ج 1، ص 555.

قالت عائشة: فصار الحيّان (الأوس و الخزرج) حتى هموا أن يقتتلوا، و رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، قائم على المنبر، و لم يزل رسول اللّه، يخفضهم (أي يهدئهم) حتى سكتوا»(1).

و لا يقل شاهدا على وجود هذه الرواسب في نفوس الكثيرين منهم، ما ظهر منهم في يوم السقيفة من روح القبلية، و نزعة التعصّب، و تبودل بينهم من الشتم و الضرب، و إليك نقل القصة عن لسان عمر، قال: «فقال ممثل الأنصار (سعد بن عبادة):

أما بعد فنحن أنصار اللّه، و كتيبة الإسلام، و أنتم يا معشر المهاجرين، رهط منا، و قد دفت دافة من قومكم (أي جاء جماعة ببطء) و إذا هم يريدون أن يختارونا (يدفعونا) من أصلنا، و يغصبونا الأمر.

فقال أبو بكر(2): أمّا ما ذكرتم فيكم من خير، فأنتم له أصل و لن تعرف العرب هذا الأمر، إلاّ لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسبا و دارا.

ثم قال قائل من الأنصار: «أنا جذيلها المحكّك، و عذيقها المرجّب، منّا أمير و منكم أمير، يا معشر قريش». قال عمر: فكثر اللغط و ارتفعت الأصوات، حتى تخوفت الاختلاف، فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته، ثم بايعه المهاجرون، ثم بايعه الأنصار و نزونا على سعد بن عبادة، فقال قائل منهم:

قتلتم سعد بن عبادة، قال: فقلت: قتل اللّه سعد بن عبادة»(3).

و لم يقتصر اختلاف الأمّة على ما جرى في السقيفة، بل جرت بين الأنصار و المهاجرين مشاجرات كلامية و شعرية و هجائية، هاجم كلّ الفريق الآخر، بأنواع الهجاء، نقلها المؤرخون و لا يعجبني نقل كلمهم(4).

ص: 51


1- صحيح البخاري، ج 5، ص 119، باب غزوة بني المصطلق.
2- لم يكن يوم السقيفة من المهاجرين إلاّ خمسة أشخاص، و لأجل ذلك لم نصف القائل بممثل المهاجرين.
3- السيرة النبوية، ج 2، ص 659-660. و إنّما بايعه الأوس من الأنصار، و أما الخزرجيون، فقد خرجوا غير مبايعين لأحد.
4- لاحظ شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد، ج 6، ص 17-38 ط مصر.

و ما ذكرناه غيض من فيض ممّا جرى بين الصحابة من المنازعات و الخلافات الناشئة من روح القبلية، و التعصّب العشائري.

أ فهل يجوز في منطق العقل ترك هذا المجتمع، الغارق في نزاعاته العصبية، دون نصب قائد، يكون نصبه قاطعا لدابر الاختلاف، و مانعا من مأساة التمزّق و التفرق؟ فاقض ما أنت قاض.

و هاهنا محاسبة ثالثة لا تقلّ عن العاملين السابقين في استلزامها كون المصلحة تقتضي نصب القائد، لا تفويض الأمر إلى المسلمين أنفسهم، و هي ما يلي:

الثالث - الصحابة و مدى الوعي الديني

إنّ الأمّة الإسلامية - كما يدلّ عليه التاريخ - لم تبلغ في القدرة على تدبير أمورها. و إدارة شئونها حدّ الاكتفاء الذاتي الذي لا تحتاج معه إلى نصب قائد لها من جانب اللّه سبحانه. و قد كان عدم بلوغهم هذا الحدّ أمرا طبيعيا لأنّه من غير الممكن تربية أمّة كانت متوغلة في العادات الوحشية، و العلاقات الجاهلية، و النهوض بها إلى حدّ تصير أمّة كاملة تدفع عن نفسها تلك الرواسب، و تستغني عن نصب القائد المحنّك، و الرئيس المدبّر، بل هي تقدر على تشخيص مصالحها في هذا المجال.

إنّ إعداد مثل هذه الجماعة، و مثل هذه الأمّة، لا تتم في العادة إلاّ بعد انقضاء جيل أو جيلين، و بعد مرور زمن طويل يكفي لتغلغل التربية الإسلامية إلى أعماق تلك الأمّة، بحيث تختلط مفاهيم الدين بدمها و عروقها، و تتمكن منها العقيدة إلى درجة تحفظها من التذبذب و التراجع إلى الوراء.

و يكفيك شاهدا على هذا، معركة أحد، فقد هرب المسلمون - إلاّ قليل - من ساحة المعركة عند ما أذيع نبأ قتل النبي من جانب الأعداء، و لاذ بعضهم بالجبل، بل فكّر بعضهم بالتفاوض مع المشركين، حتى أتاهم أحد المقاتلين و وبّخهم على فرارهم و تخاذلهم و ترددهم قائلا: «إن كان محمد قد مات، فربّ

ص: 52

محمد حي، قوموا و دافعوا عن دينه»(1) و في هذا نزل قوله سبحانه: وَ مٰا مُحَمَّدٌ إِلاّٰ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ اَلرُّسُلُ، أَ فَإِنْ مٰاتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ عَلىٰ أَعْقٰابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلىٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اَللّٰهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اَللّٰهُ اَلشّٰاكِرِينَ (2).

و يقول سبحانه في شأن من ذهبوا يفتشون عن ملجأ لهم فرارا من الموت:

وَ طٰائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ، يَظُنُّونَ بِاللّٰهِ غَيْرَ اَلْحَقِّ ظَنَّ اَلْجٰاهِلِيَّةِ، يَقُولُونَ:

هَلْ لَنٰا مِنَ اَلْأَمْرِ مِنْ شَيْ ءٍ (3) .

و لم تكن واقعة أحد وحيدة في نسجها، بل كانت غزوة حنين على منوالها في التقهقر و الفرار عن ساحة الحرب، يقول ابن هشام عن جابر:

استقبلنا وادي حنين، و انحدرنا في واد من أودية تهامة، و كان العدو قد سبقونا إلى الوادي و كمنوا لنا في شعابه و احنائه، و مضائقه، و قد شدّوا علينا شدّة رجل واحد، و انهزم الناس راجعين لا يلوي أحد على أحد. و انحاز رسول اللّه ذات اليمين و هو يقول: أين، أيها الناس؟ هلموا إليّ، أنا رسول اللّه. فانطلق الناس، إلاّ أنّه بقي مع رسول اللّه نفر من المهاجرين و الأنصار، فلما انهزم الناس و رأى من كان مع رسول اللّه من جفاة أهل مكة الهزيمة، تكلّم رجال منهم بما في أنفسهم من الضغن، فقال أبو سفيان بن حرب: «لا تنتهي هزيمتهم دون البحر»، و إنّ الأزلام لمعه في كنانته. و صرخ جبلة بن الحنبل: «ألا لبطل السّحر»(4).

و غير ذلك من الأحداث و الوقائع التي كشفت عن عدم تغلغل الإيمان و العقيدة في قلوب الأكثرية منهم.

نعم كان بينهم رجال صالحون، يضحون في سبيل العقيدة، بأنفس النفائس، و أثمن الأموال، غير أنّ البحث مركز على دراسة وضع المجتمع

ص: 53


1- سيرة ابن هشام: ج 2، ص 83.
2- سورة آل عمران: الآية 144.
3- سورة آل عمران: الآية 154.
4- سيرة ابن هشام: ج 2، ص 448.

الإسلامي ككل، لا من حيث اشتماله على أفراد لا يدرك شأوهم في الفضيلة و الصلاح.

و لعلّ الباحث يتخيل أنّهم انقلبوا بعد رحلة الرسول إلى مجتمع ديني لا يتخطون سبيل الدين قيد أنملة، و لكن ما ورد في الصحاح و المسانيد من ارتداد أمّة كبيرة من الصحابة، يؤيّد ما ذكرناه من عدم رسوخ العقيدة و الإيمان في قلوبهم، و لا مجال لذكر جميع الروايات، إنّما نكتفي بواحدة منها و نحيل البقية إلى الباحث الكريم:

روى البخاري في تفسير قوله سبحانه: وَ كُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مٰا دُمْتُ فِيهِمْ (1) قال: خطب رسول اللّه فقال: ألا و إنّه يجاء برجال من أمّتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب أصحابي، فيقول: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: وَ كُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مٰا دُمْتُ فِيهِمْ، فَلَمّٰا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ اَلرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ فيقال إنّ هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم ما فارقتهم(2).

إنّ دراسة هذه الأمور الثلاثة، يرشدنا إلى أنّ القائد الحكيم، الذي مرّت عليه هذه الأوضاع و الأحوال و عاينها عن كثب، عليه أن يستخلف قائدا للأمّة لما في هذا التنصيب من مصلحة، و قطع لدابر الاختلاف، و جمع لشمل الأمّة.

و هذا بخلاف ما لو ترك الأمر إلى المسلمين أنفسهم، ففيه من الأخطار ما صوّرناه.

إنّ القائد الحكيم هو من يعتني بالأوضاع الاجتماعية لأمّته، و يلاحظ

ص: 54


1- سورة المائدة: الآية 117.
2- صحيح البخاري، ج 3، ص 85. و صحيح مسلم، كتاب الجنة و نعيمها، و مسند الإمام أحمد، ج 1، ص 235. إنّ الروايات الدالّة على ارتداد الصحابة بعد رحلة النبي الأكرم، كثيرة جدا، لا يمكن حملها على نفر أو اثنين منهم، بل لا يصحّ في تفسيرها إلاّ حملها على أمة كبيرة منهم، فلاحظ ما ورد في هذا المجال: جامع الأصول لابن الأثير، ج 11، كتاب الحوض، الفرع الثاني في ورود الناس عليه، الأحاديث 7969-7980.

الظروف المحيطة بها، و يرسم على ضوئها ما يراه صالحا لمستقبلها، و قد عرفت أنّ مقتضى هذه الظروف هو تعيين القائد و المدبّر، لا دفع الأمر إلى الأمّة.

و إلى ما ذكرنا ينظر قول حكيم الإسلام الشيخ الرئيس أبي علي ابن سينا في حقّ الإمام:

«و الاستخلاف بالنصّ أصوب، فإن ذلك لا يؤدّي إلى التشعب و التشاغب و الاختلاف»(1).

و حصيلة الكلام أنّ النظر إلى لزوم ملئ الفراغات الهائلة التي تخلفها رحلة النبي الأكرم و محاسبة مصالح الأمّة آنذاك، لا يدع شكّا في أنّ صيغة الحكومة بعد النبي، إنّما هي صيغة التنصيب، لا ترك الأمر إلى الأمّة و اختيار الإمام بطريق من الطرق التي سنشير إليها.

هذا، مع قطع النظر عن النصوص التي تعيّن النظرية الأولى بوضوح، و أنّه صلى اللّه عليه و آله، قد قام بنصب الوصيّ خضوعا لأمر اللّه أوّلا، و رعاية للمصالح التشريعية ثانيا، و اهتماما بمصالح الإسلام و المسلمين ثالثا، فإلى الملتقى في مورد هذه النصوص.

ص: 55


1- الشفاء، الفن الثالث عشر في الإلهيات، المقالة العاشرة، الفصل الخامس، ص 564.

الأمر الثامن هل الشورى أساس الحكم و الخلافة؟

اشارة

قد تعرفت على الكلمات السابقة التي تعرب عمّا تنعقد به الإمامة عند أهل السنّة، كما تعرفت على كيفية خلافة الخلفاء، و أنّ الأول منهم فاز بخمسة أصوات(1)، و أنّ الثاني أخذ بزمام الحكم بتعيين الخليفة الأول، و أنّ الثالث استتب له الأمر بشورى سداسية عيّنها نفس الخليفة الثاني. هذا هو واقع الأمر، و لم يكن في انتخاب هؤلاء ما يقتضيه طبع التشاور من عرض الموضوع على أهل المشورة، و مناقشة الآراء، و انتخاب واحد في ضوء الموازين العقلية و الاجتماعية و الشرعية. و أحسن كلمة تعبّر عن حقيقة هذا النوع من الانتخاب ما ذكره الخليفة الثاني بقوله: «إنّما كانت بيعة أبي بكر فلتة و تمّت، ألا و إنّها قد كانت كذلك و لكن اللّه وقى شرّها، و ليس منكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر، من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين، فلا يبايع هو، و لا الذي بايعه، تغرّة أن يقتلا»(2).

و قد حاول المتجددون من متكلمي أهل السنّة، صبّ صيغة الحكومة الإسلامية على أساس المشورة بجعله بمنزلة الاستفتاء الشعبي، بملاحظة أنّه لم يكن

ص: 56


1- لاحظ ما نقلناه من كلام الماوردي.
2- صحيح البخاري، ج 8، رجم الحبلى من الزنا إذا احصنت، ص 168، و طالع بقية كلامه. و لاحظ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 1، ص 123. و ج 2، ص 19.

من الممكن بعد وفاة النبي مراجعة كل الأفكار و استعلام جميع الآراء في الوطن الإسلامي، لقلّة وسائل المواصلات، و فقدان سبل الاتصال المتعارفة اليوم.

و لذلك يقول الشيخ عبد الكريم الخطيب: إنّ الذين بايعوا أوّل خليفة للمسلمين لم يتجاوزوا أهل المدينة، و ربما كان بعض أهل مكة، و أمّا المسلمون - جميعا - في الجزيرة العربية، فلم يشاركوا هذه البيعة، و لم يشهدوها، و لم يروا رأيهم، و إنّما ورد عليهم الخبر بموت النبي مع الخبر باستخلاف أبي بكر(1).

ثم إنّ من مظاهر الاختلاف الواقع في مسألة الشورى، أنّ القائلين بها اختلفوا على قولين: فمنهم من قال بأنّ انتخاب أهل الشورى ملزم للأمّة، و هو خبرة الأكثرية، و منهم من قال إنّه لا يزيد عن ترشيح له لمنصب الأمّة، و للأمّة اختياره أو رفضه(2).

و على كل تقدير، فما دليل هذه النظرية، أي كون الشورى أساس الحكم، سواء في الفترة التي تلت رحلة النبي أو في زماننا الحاضر.

استدلوا بآيتين:

الآية الأولى:

قوله سبحانه: وَ شٰاوِرْهُمْ فِي اَلْأَمْرِ، فَإِذٰا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اَللّٰهِ (3) فاللّه سبحانه يأمر نبيّه بالمشاورة، تعليما للأمّة، حتى يتشاوروا في مهام الأمور، و منها الخلافة.

يلاحظ عليه: أوّلا - إنّ الخطاب في الآية متوجّه إلى الحاكم الذي استقرّت حكومته، فيأمره سبحانه أن ينتفع من آراء رعيّته، فأقصى ما يمكن التجاوز به عن الآية، هو أنّ من وظائف كلّ الحكام التشاور مع الأمّة، و أمّا أنّ الخلافة بنفس الشورى، فلا يمكن الاستدلال عليه بهذه الآية.

و الآية نظير قول علي عليه السلام: «من استبدّ برأيه هلك، و من

ص: 57


1- الإمامة و الخلافة، ص 241.
2- الشخصية الدولية، لمحمد كامل ياقوت، ص 463.
3- سورة آل عمران: الآية 159.

شاور الرجال في أمورها، شاركها في عقولها»(1).

و ثانيا - إنّ المتبادر من الآية هو أنّ التشاور لا يوجب حكما للحاكم، و لا يلزمه بشيء، بل هو يقلب وجوه الرأي و يستعرض الأفكار المختلفة، ثم يأخذ بما هو المفيد في نظره، و ذلك لقوله سبحانه في نفس الآية: فَإِذٰا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اَللّٰهِ ، المعرب عن أنّ العزم و التصميم و الاستنتاج من الآراء و الأخذ بما هو الأصلح راجع إلى نفس المشير، و هذا يتحقق في ظرف يكون هناك مسئول تام الاختيار في استحصال الأفكار و العمل بالنافع منها، حتى يخاطب بقوله: فَإِذٰا عَزَمْتَ ، و أمّا إذا لم يكن ثمة رئيس، فلا تنطبق عليه الآية، إذ ليس في انتخاب الخليفة بين المشيرين من يقوم بدعوة الأفراد للمشورة، لغاية استعراض آرائهم، ثم تمحيص أفكارهم، و الأخذ بالنافع منها، ثم العزم القاطع عليه.

و كل ذلك يعرب عن أنّ الآية ترجع إلى غير مسألة الحكومة و ما شابهها.

و لأجل ذلك لم نر أحدا من الحاضرين في السقيفة احتجّ بهذه الآية.

الآية الثانية:

قوله سبحانه: وَ اَلَّذِينَ اِسْتَجٰابُوا لِرَبِّهِمْ وَ أَقٰامُوا اَلصَّلاٰةَ وَ أَمْرُهُمْ شُورىٰ بَيْنَهُمْ وَ مِمّٰا رَزَقْنٰاهُمْ يُنْفِقُونَ (2).

ببيان أنّ المصدر (أمر) أضيف إلى الضمير (هم)، و هو يفيد العموم و الشمول لكل أمر، و منه الخلافة، فيعود معنى الآية أنّ شأن المؤمنين في كل مورد، شورى بينهم.

يلاحظ عليه: إنّ الآية تأمر بالمشورة في الأمور المضافة إلى المؤمنين، و أمّا أنّ تعيين الخليفة من الأمور المضافة إليهم، فهو أول الكلام، و التمسك بالآية في هذا المجال، تمسّك بالحكم في إثبات موضوعه.

و بعبارة أخرى: إنّ الآية حثّت على الشورى فيما يمتّ إلى شئون المؤمنين بصلة، لا فيما هو خارج عن حوزة أمورهم، أمّا كون تعيين الإمام داخلا في

ص: 58


1- نهج البلاغة، قسم الحكم، الرقم 161.
2- سورة الشورى: الآية 38.

أمورهم، فهو أول الكلام، إذ لا ندري هل هو من شئونهم أو من شئون اللّه سبحانه، و لا ندري، هل هي إمرة و ولاية إلهية تتم بنصبه سبحانه و تعيينه، أو إمرة و ولاية شعبية، يجوز للناس التدخّل فيها. و مع هذا الترديد لا يصحّ التمسّك بالآية.

إجابة عن سؤال

لو لم تكن الشورى أساس الحكم، فلما ذا استدلّ الإمام علي عليه السلام، على المخالف، بمبدإ الشورى، و قال: - مخاطبا معاوية -: «إنّه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر و عمر و عثمان على ما بايعوهم عليهم، فلم يكن للشاهد أن يختار، و لا للغائب أن يردّ، و إنّما الشورى للمهاجرين و الأنصار، فإن اجتمعوا على رجل و سمّوه إماما، كان ذلك للّه رضى»(1).

و الجواب: إنّ ابن أبي الحديد المعتزلي هو أوّل من احتجّ بهذه الخطبة على أنّ صيغة الحكومة بعد وفاة النبي مستندة إلى الاختيار و نظام الشورى، و تبعه من تبعه، و لكنه غفل عن صدر الرسالة التي تعرب عن أنّ الاستدلال بالشورى من باب الجدل، خضوعا لقوله سبحانه: وَ جٰادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (2)، فإنّ الإمام عليه السلام بدأ رسالته بقوله: «أمّا بعد، فإنّ بيعتي بالمدينة لزمتك و أنت بالشام، لأنّه بايعني الذين بايعوا أبا بكر و عمر...»، ثم ختمها بقوله: «و إنّ طلحة و الزبير بايعاني ثم نقضا بيعتي، و كان نقضهما كردّهما، فجاهدتهما على ذلك حتى جاء الحق، و ظهر أمر اللّه و هم كارهون، فادخل فيما دخل فيه المسلمون»(3).

فالابتداء بالكلام بخلافة الشيخين يعرب عن أنّه في مقام إسكات معاوية

ص: 59


1- نهج البلاغة: قسم الكتب، الرقم 6.
2- سورة النحل: الآية 125.
3- لاحظ وقعة صفين لنصر بن مزاحم (م 212)، ص 29، ط مصر. و قد حذف الرضي في نهج البلاغة من الرسالة ما لا يهمه، فإنّ عنايته كانت بالبلاغة فحسب.

الذي يعتبر البيعة وجها شرعيا للخلافة، و لو لا هذا لما كان وجه لذكر خلافة الشيخين، بل لاستدلّ بنفس الشورى.

و لأجل ذلك يتمّ كلامه بقوله: «فإن اجتمعوا على رجل..»، احتجاجا بمعتقد معاوية، عليه.

أسئلة حول مبدئية الشورى

من خلال التحليل المتقدم يمكن استخلاص أسئلة حول مبدئية الشورى للحكم، تزعزع كونها مبدأ له، و هي:

1 - لو كان أساس الحكم هو الشورى، لوجب على الرسول الأكرم التصريح به، أوّلا، و بيان حدوده و خصوصياته، ثانيا. بأن يبيّن من هم الذين يشتركون في الشورى، هل هم القراء وحدهم، أو السياسيون، أو القادة العسكريون، أو الجميع، و ما هي شرائط المنتخب، و أنّه لو حصل هناك اختلاف في الشورى، فما هو المرجّح، هل هو كمية الآراء و كثرتها، أو الرجحان بالكيفية، و خصوصيات المرشحين و ملكاتهم النفسية و المعنوية.

فهل يصحّ سكوت النبي عن الإجابة على هذه الأسئلة التي تتصل بجوهر مسألة الشورى، و قد جعل الشورى طريقا إلى تعيين الحاكم؟!.

2 - إنّ القوم يعبّرون عن أعضاء الشورى، بأهل الحلّ و العقد، و لا يفسّرونه بما يرفع إجماله، فمن هم أهل الحلّ و العقد؟ و ما ذا يحلّون و ما ذا يعقدون؟ أهم أصحاب الفقه و الرأي الذين يرجع إليهم الناس في أحكام دينهم؟ و هل يشترط حينئذ درجة معينة من الفقه و العلم؟ و ما هي تلك الدرجة؟ و بأي ميزان توزن؟ و من إليه يرجع الأمر في تقديرها؟ أم غيرهم؟. فمن هم؟.

و ربما تجد من يبدل كلمة أهل الحلّ و العقد، ب «الأفراد المسئولين»، و ما هو إلاّ وضع كلمة مجملة مكان كلمة مثلها.

3 - و على فرض كون الشورى أساس الحكم، فهل يكون انتخاب أعضاء

ص: 60

الشورى ملزما للأمّة، ليس لهم التخلّف عنه؟ أو يكون بمنزلة الترشيح، حتى تعطي الأمّة رأيها فيه؟ و ما هو دليل كل منهما؟.

هذه الأسئلة كلّها، لا تجد لها جوابا في الكتاب و السنّة و لا في كتب المتكلمين، و لو كانت مبدأ للحكم لما كان السكوت عنها سائغا، بل لكان على عاتق التشريع الإسلامي الإجابة عليها، و إضاءة طرقها(1).

ص: 61


1- يقول طه حسين: «و لو قد كان للمسلمين هذا النظام المكتوب (نظام الشورى) لعرف المسلمون في أيام عثمان ما يأتون من ذلك و ما يدعون، دون أن تكون بينهم فرقة أو اختلاف» (الخلافة و الإمامة: ص 271). و يقول الشيخ عبد الكريم الخطيب: «ينظر البعض إليه على أنّ تعيين الإمام بالشورى نواة صالحة لأول تجربة، و أنّ الأيام كفيلة بأن تنميها، و تستكمل ما يبدو فيها من نقص، فلم تكن الأحوال التي تمّت فيها هذه التجربة تسمح بأكثر ممّا حدث. و ينظر بعض آخر إلى هذا الأسلوب بأنّه أسلوب بدائي عالج أهمّ مشكلة في الحياة، و قد كان لهذا الأسلوب أثره في تعطيل القوى المفكرة للبحث عن أسلوب آخر من أساليب الحكم التي جربتها الأمم». (الخلافة و الإمامة: ص 272). و معنى ما ذكره الخطيب، أنّ قضية الشورى كانت مجرد تجربة، و لم تكن قانونا إسلاميا أخذ به، و كانت في هذه القضية نقائص و عيوب، تركت آثارا سيئة على الفكر الإسلامي. و في المقام شبهة، يتشدق بها بعض المتعصبين، نذكرها و نجيب عليها في ملحق خاص آخر الكتاب، لاحظ الملحق رقم (1).

الأمر التاسع هل البيعة أساس الحكم؟

اشارة

البيعة مصدر بايع، لأنّ المبايع يجعل حياته و أمواله. بالبيعة، تحت اختيار من يبايعه، و يتعهد المبايع (بالفتح) في المقابل - على أن يسعى في إصلاح حال المبايع (بالكسر) و تدبير شئونه بصورة صحيحة، و كأنّهما يقومان بعملية تجارية، إذ يتعهد كل واحد منهما تجاه الآخر بعمل شيء للآخر، قال ابن خلدون: «إنّ البيعة هي العهد على الطاعة، كأنّ البائع يعاهد أميره على أن يسلم له النظر في أموره و أمور المسلمين، و يطيعه فيما يكلفه، و كانوا إذا بايعوا الأمير، جعلوا أيديهم في يده تأكيدا، فأشبه ذلك فعل البائع و المشتري.

البيعة قبل الإسلام و بعده

كانت البيعة من تقاليد العرب قبل الإسلام و سننهم، و ليس من مبتكراته، بل أمضاها و جعلها من العقود اللازمة التي يجب العمل بها، و يحرم نقضها.

فقد بايع أهل المدينة النبي الأكرم صلى اللّه عليه و آله في السنة الحادية عشر، و الثانية عشر من البعثة، في العقبة، بمنى(1)، بايعوه على عادتهم قبل الإسلام، حيث كانوا يبايعون زعماءهم.

ص: 62


1- لاحظ سيرة ابن هشام، ج 1، ص 431 و 438.

و أمّا بعد الهجرة، فمرّة بايعه الصحابة في غزوة الحديبية، و سميت بيعة الرضوان، لقوله سبحانه: لَقَدْ رَضِيَ اَللّٰهُ عَنِ اَلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبٰايِعُونَكَ تَحْتَ اَلشَّجَرَةِ، فَعَلِمَ مٰا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ اَلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَ أَثٰابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (1).

و أخرى بايعته الصحابيات في مكة المكرمة بعد فتحها، و عنه يحكي قوله سبحانه: إِذٰا جٰاءَكَ اَلْمُؤْمِنٰاتُ يُبٰايِعْنَكَ عَلىٰ أَنْ لاٰ يُشْرِكْنَ بِاللّٰهِ شَيْئاً وَ لاٰ يَسْرِقْنَ وَ لاٰ يَزْنِينَ... (2).

إذا عرفت ذلك فلنعطف نظر الباحث إلى نكات:

الأولى - إنّ بيعة المسلمين للنبي الأكرم صلى اللّه عليه و آله و سلّم، لم تعن الاعتراف بزعامة الرسول و رئاسته، فضلا عن نصبه و تعيينه، بل إنّ المبايعين، بعد أن آمنوا بنبوة النبي و اعترفوا بقيادته و زعامته، أرادوا أن يصبّوا ما يلازم ذلك الإيمان، من الالتزام بأوامر الرسول، في قالب البيعة، فكانت البيعة صورة عملية للالتزام النفسي بأوامر النبي، بعد الإقرار بنبوته، و زعامته. فكأنّ النبي الأكرم يقول: «فإن آمنتم بي فبايعوني على أن تطيعوني، و تصلّوا و تزكّوا، و أن تدفعوا عني العدو حتى الموت، و لا تفروا من الحرب».

و الهدف عندئذ من البيعة لم يكن هو الاعتراف بمنصب المبايع، و انتخابه و تعيينه لمقام الحكومة و الولاية، بل كانت لأجل التأكيد العملي على الالتزام بلوازم الإيمان السابق عليه، و هذا بارز في البيعة الثانية للأنصار في منى، و بيعة الصحابة في غزوة الحديبية.

الثانية - إنّ البيعة ميثاق بين شخصين، تندرج تحت قوله سبحانه:

وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ اَلْعَهْدَ كٰانَ مَسْؤُلاً (3) .

و عقد بين المبايعين، فتندرج تحت قوله سبحانه: يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا

ص: 63


1- سورة الفتح: الآية 18.
2- سورة الممتحنة: الآية 12.
3- سورة الإسراء: الآية 34.

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ (1) .

يقول الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، من الحث على البيعة: «و أمّا حقي عليكم، فالوفاء بالبيعة، و النصيحة في المشهد، و المغيب، و الإجابة حين أدعوكم، و الطاعة حين آمركم»(2).

الثالثة - إنّه ليس هناك دليل شرعي على أنّ مجرّد البيعة، بغضّ النظر عن المواصفات و الضوابط الآتية، طريق إلى تعيين الخليفة و الإمام، و إنّما يتعيّن بها، إذا كان المبايع، واجدا للصفات اللازمة في الإمام.

الرابعة - الظاهر أنّ البيعة ليست طريقا لتعيين الحاكم و انتخاب القائد، و إنّما يتعين الحاكم بالمقاولة و تصويت الجماعة الحاضرين، ثم يصبّ ذلك الانتخاب في قالب الحسّ بالبيعة و الصفق، و كأنّ البيعة تأكيد لما التزموا، و تجسيد لما أضمروه أو تقاولوه. و على فرض كونها طريقا لتعيين الحاكم، فهي إحدى الطرق لا الطريق الوحيد، فلو علم رضا الأمّة بحكومة فرد و زعامة شخص عن غير طريق البيعة، و أبرزت رضاها بطريق من الطرق، لكفى ذلك في كونه قائدا لازم الطاعة، لأنّه أشبه بالعقد و العهد.

الخامسة - إنّ التصويت الشعبي أو بيعة الجماعة الحاضرين إنّما يعدّ طريقا لتعيين الحاكم إذا لم يكن هناك نصّ من الرسول على تنصيب شخص للزعامة، و إلاّ تكون البيعة رفضا للنصّ، و اجتهادا في مقابلة.

السادسة - إنّ البيعة الكاملة من الصحابة الحاضرين في المدينة، لم تتحقق في واحد من الخلفاء الأربعة، إلاّ في علي، فقد بايعه المهاجرون و الأنصار، إلاّ نفر قليل لا يتجاوز خمسة أشخاص، هم سعد بن أبي وقاص، و عبد اللّه بن عمر، و حسّان بن ثابت، و أسامة بن زيد و محمد بن مسلمة، و الباقون أصفقوا

ص: 64


1- سورة المائدة: الآية الأولى.
2- نهج البلاغة، الخطبة 34.

على يده بالبيعة و الطاعة، و إن نكث من نكث، و نقض من نقض، فيما بعد، و شقّ عصا الأمّة.

هذا و إنّ البيعة تحتاج إلى دراسة مبسوطة، موضوعا و حكما في ضوء الكتاب و السنّة، و منهج الكتاب لا يقتضي التوسّع أزيد ممّا ذكرنا(1).

ص: 65


1- لاحظ للتبسط: بحار الأنوار، ج 2، كتاب العلم، الباب 33. و أيضا: ج 27، كتاب الإمامة، الباب 3.

الأمر العاشر تصوّر النبي الأكرم للقيادة بعده

إنّ الكلمات المأثورة عن الرسول الأكرم، تدلّ على أنّه صلى اللّه عليه و آله كان يعتبر أمر القيادة بعده، مسألة إلهية، و حقا خاصّا للّه جلّ جلاله، فاللّه سبحانه هو الذي له أن يعين القائد، و ينصب خليفة الرسول، و لا نجد في كل ما نقل عن النبي ما يدلّ على إرجاء الأمر إلى تشاور الأمّة، أو اختيار أهل الحلّ و العقد، أو بيعة الصحابة الحاضرين، أو غير ذلك، و يكفي في ذلك الشاهدين التاليين:

1 - لما دعا الرسول الأكرم بني عامر إلى الإسلام و قد جاءوا في موسم الحج إلى مكة، قال رئيسهم: «أ رأيت إن نحن بايعناك على أمرك، ثم أظهرك اللّه على من خالفك، أ يكون لنا الأمر من بعدك»؟.

فقال النبي صلى اللّه عليه و آله: «الأمر إلى اللّه، يضعه حيث يشاء»(1).

فلو كان أمر الخلافة بيد الأمّة، لكان على النبي صلى اللّه عليه و آله أن يقول: الأمر إلى الأمّة، أو إلى أهل الحلّ و العقد، أو ما يشابه ذلك. فتفويض الأمر إلى اللّه سبحانه، ظاهر في كونها كالنبوة، يضعها سبحانه حيث يشاء، قال تعالى: اَللّٰهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسٰالَتَهُ (2). فاللّسان في الموردين واحد.

ص: 66


1- السيرة النبوية، لابن هشام، ج 2، ص 424.
2- سورة الأنعام: الآية 124.

2 - بعث النبي الأكرم (صلى اللّه عليه و آله و سلّم) سليط بن عمرو العامري، إلى ملك اليمامة، «هوزة بن علي الحنفي»، الذي كان نصرانيا، يدعوه إلى الإسلام، و كتب معه كتابا، فقدم على ملك اليمامة، فأنزله و حباه، و كتب إلى النبي، يقول: «ما أحسن ما تدعوا إليه، و أجمله، و أنا شاعر قومي و خطيبهم، و العرب تهاب مكاني، فاجعل لي بعض الأمر، أتّبعك». فقدم سليط على النبي بكتابه، فلما قرأ عليه قال صلى اللّه عليه و آله: «لو سألني سيابة من الأرض ما فعلته. باد، و باد ما في يده»(1). و في نقل آخر: «أرسل هوزة إلى النبي وفدا يقول له، إن جعل له الأمر من بعده، أسلم، و صار إليه، و نصره، و إلاّ قصد حربه، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «لا، و لا كرامة، اللهم اكفنيه»(2).

فلو كانت القيادة بعد النبي، قيادة دستورية انتخابية، و كان للشعب الإسلامي منه حظ، لكان على النبي إجابة السائل بشكل آخر، و هو أنّ الأمر من بعدي، يرجع إلى أمّتي، و المؤمنين بي، و لكنك ترى أنّه وقف في وجهه بقسوة و شدّة كما هو ظاهر.

ص: 67


1- الطبقات الكبرى، لابن سعد، ج 1، ص 262.
2- الكامل في التاريخ، لابن الأثير، ص 146.

الأمر الحادي عشر تصوّر الصحابة للخلافة بعد النبي

إنّ المتتبع في تاريخ الخلفاء الذين تعاقبوا على مسند الحكومة، يرى بوضوح أنّهم كانوا يتّبعون الطريقة الانتصابية لا الانتخابية، بالتشاور أو البيعة، أو غير ذلك من المفاهيم التي حدثت في أيام خلافة الإمام أمير المؤمنين، و إليك الشواهد.

1 - إنّ خلافة عمر تمّت بتعيين من أبي بكر، و ليس هذا خافيا على أحد.

روى ابن قتيبة الدينوري، أنّ أبا بكر دعا عثمان بن عفان، فقال: أكتب عهدي، فكتب عثمان:

«بسم اللّه الرحمن الرحيم، هذا ما عهد به أبو بكر بن أبي قحافة، آخر عهده في الدنيا، نازحا عنها... إنّي أستخلف عليكم عمر بن الخطاب، فإن تروه عدل فيكم، ظنّي به و رجائي فيه، و إن بدّل و غيّر، فالخير أردت..» ثم ختم الكتاب و دفعه، و دخل عليه المهاجرون و الأنصار حين بلغهم أنّه استخلف عمر(1).

ص: 68


1- الإمامة و السياسة، ج 1، ص 18. و رواه ابن سعد في طبقاته الكبرى، ج 3، ص 200، و ابن الأثير في تاريخه «الكامل»، ج 2، ص 292 باختلاف يسير و قد نقل موضوع استخلاف أبي بكر لعمر، عدّة من أعلام التاريخ و الحديث، و الكل يتحد جوهرا، و أنّ التنصيب صدر من الخليفة الأول.

2 - إنّ استخلاف عثمان تمّ عن طريق شورى عين أعضاءها عمر بن الخطاب، يقول التاريخ: دعا عمر عليّا، و عثمان و سعدا، و عبد الرحمن، و الزبير، و طلحة، فقال: «إنّي نظرت فوجدتكم رؤساء الناس، فانهضوا إلى حجرة عائشة بإذنها، و اختاروا منكم رجلا، فإذا متّ فتشاوروا ثلاثة أيام، و ليصلب الناس صهيبا، و لا يأتي اليوم الرابع إلاّ و عليكم أمير»(1).

فلو كانت صيغة الحكومة هي انتخاب القائد عن طريق المشورة باجتماع الأمّة، أو بالبيعة، فما معنى انتخاب الخليفتين بهذين الطريقين؟.

3 - لما اغتيل عمر بن الخطاب. و أحسّ بالموت، أرسل ابنه عبد اللّه إلى عائشة، و استأذن منها أن يدفن في بيتها مع رسول اللّه و مع أبي بكر، فأتاها عبد اللّه، فأعلمها، فقالت: نعم، و كرامة. ثم قالت: يا بني، أبلغ عمر سلامي و قل له، لا تدع أمّة محمد بلا راع، استخلف عليهم، و لا تدعهم بعدك هملا، فإنّي أخشى عليهم الفتنة، فأتاه، فأعلمه»(2).

4 - إنّ عبد اللّه بن عمر دخل على أبيه قبيل وفاته، فقال: «إنّي سمعت الناس يقولون مقالة، فآليت أن أقولها لك، و زعموا أنّك غير مستخلف، و أنّه لو كان لك راعي إبل أو غنم ثم جاءك و تركها، لرأيت أن قد ضيّع، فرعاية الناس أشد»(3).

5 - قدم معاوية المدينة لأخذ البيعة من أهلها لابنه يزيد، فاجتمع مع عدّة من الصحابة، و أرسل إلى عبد اللّه بن عمر، فأتاه، و خلا به، و كلّمه بكلام، و قال: إنّي كرهت أن أدع أمّة محمد بعدي كالضأن لا راعي لها»(4).

هذه النصوص التي حفظها التاريخ، صدفة - و كم لها من نظائر - تدلّ على أنّ انتخاب الخليفة عن طريق أهل الحلّ و العقد، و الأنصار و المهاجرين، و أخيرا

ص: 69


1- الكامل لابن الأثير، ج 3، ص 35، أنظر باقي الواقعة.
2- الإمامة و السياسة، ج 1، ص 32.
3- حلية الأولياء، ج 1، ص 44.
4- الإمامة و السياسة، ج 1، ص 168.

الاستفتاء الشعبي، لم يكن له أصل في منطق الصحابة، و إنّما اخترعت هذه الألفاظ في فترة خاصة، في مقابل خلافة الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام.

ثم إنّ هاهنا أمرا بديعا يجب إلفات نظر الباحث إليه و هو إنّه إذا كان ترك الأمّة بلا راع، أمرا غير صحيح في منطق العقل، أو كان ترك تعيين القائد كترك الضأن بلا راع لها، فكيف يجوز لهؤلاء أن ينسبوا إلى النبي أنّه ترك الأمّة بلا راع، و ودعهم بعده هملا، يخشى عليهم الفتنة. فكأنّ هؤلاء كانوا أعطف على الأمّة من النبي الأكرم، و أحنّ على مصالحها منه؟ إنّ هذا ممّا يقضي منه العجب.

غير أنّ كلّ من كتب في الإمامة، و واجه هذا التاريخ المسلّم، حاول تصحيح هذه التنصيبات بأنّ تعيين القائد السابق، الإمام اللاحق، أحد طرق انعقاد الإمامة، و لكن هؤلاء قد جمعوا بين المختلفين، فتارة يعترفون بالتنصيب، و أخرى بالانتخاب، و بعبارة أخرى: يعترفون بكفاية رأي واحد من الأمّة تارة، و يشترطون تصويت الشعب، أو الصحابة، ثانيا.

ص: 70

الأمر الثاني عشر صيغة القيادة في الشرائع السابقة

اشارة

المتبع بين الأنبياء السالفين هو تسليم أمر من قاموا بهدايتهم، إلى خلفاء صالحين لائقين، ليتسنى لتلك الأمم في ظل الرعاية و التربية الصحيحة، التي يتولاها الأوصياء، أن يستمروا في طريق التكامل و الرشد.

نعم، كان كثير من الأوصياء أنبياء، و لكن بعضا منهم كانوا أوصياء خاصين، و هذا يعرب عن أنّ مسألة القيادة و الزعامة كانت من الأهمية و الخطورة، إلى حدّ لم يترك أمرها إلى اختيار الناس و نظرهم، بل كانت تعهد على مدى التاريخ إلى رجال أكفاء، يعيّنون بالاسم و الشخص، لأنّ تركه يؤدّي إلى الاختلاف و الفرقة و الفتنة، و كانت القيادة يتوارثها، في الغالب أفراد من سلالة الأنبياء و الرسل، خلفا عن سلف، و إليك بعض الآيات المشعرة بذلك.

قال سبحانه مخاطبا إبراهيم عليه السلام: إِنِّي جٰاعِلُكَ لِلنّٰاسِ إِمٰاماً، قٰالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي، قٰالَ لاٰ يَنٰالُ عَهْدِي اَلظّٰالِمِينَ (1) و ليس المراد من الإمامة هنا النبوة، كما زعمه بعض المفسّرين، لأنّه إنّما جعله إماما بعد ما كان نبيّا و رسولا، بشهادة أنّه يطلب هذا المقام لذرّيته، و إنّما صار ذا ذرّية، بعد ما كبر و هرم، قال:

اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ اَلَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى اَلْكِبَرِ إِسْمٰاعِيلَ وَ إِسْحٰاقَ (2) . و قد كان نبيّا قبل

ص: 71


1- سورة البقرة: الآية 124.
2- سورة إبراهيم: الآية 39.

أن يرزق ولدا، بشهادة نزول الملائكة عليه(1). بل المراد هو الإمامة المتمثلة في الحاكمية و القيادة، فدعا إبراهيم أن يجعل اللّه تعالى هذا المقام في ذرّيته، على النحو الذي جعله فيه (بالتنصيب)، و لم يردّه سبحانه، و ما أنكره عليه، بل أخبره بأنها لا تنال الظالمين منهم.

قال سبحانه - حاكيا عن موسى عليه السلام -: وَ اِجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هٰارُونَ أَخِي (2). فطلب موسى عليه السلام أن يكون أخاه هارون مساعدا و معينا له في القيادة، فقبله سبحانه، و أعطاه مضافا إلى الوزارة، النبوة. و يؤيّد ذلك تاريخ الأنبياء، فقد كانوا ينصّون على الخلفاء من بعدهم بصورة الوصاية، و قد ذكر المؤرخون قائمة أوصيائهم، فراجع(3).

هذه هي الطريقة المألوفة في الشرائع السابقة، و لا دليل على الانحراف عنها، و لا صارف عن الأخذ بها، بل نجد في السنّة ما يدلّ على أنّ كل ما جرى على الأمم السابقة، يجري على هذه الأمّة إلاّ ما استثني(4).

و يدلّ على ذلك بصراحة لا تقبل جدلا، ما روي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله أنّه قال:

«كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، و إنّه لا نبي بعدي، و سيكون بعدي خلفاء يكثرون»(5).

و ظاهر الحديث أنّ استخلاف الخلفاء في الأمّة الإسلامية، كاستخلاف

ص: 72


1- لاحظ سورة الحجر: الآيات 51-60.
2- سورة طه: الآيتان 29 و 30.
3- لاحظ إثبات الوصية، للمسعودي، مؤلّف مروج الذهب (م 345).
4- روى أحمد في مسنده، ج 3، ص 84، عن أبي سعيد الخدري، أنّ رسول اللّه (ص) قال: «لتتّبعنّ سنن الذين من قبلكم، شبرا بشبر، و ذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضبّ لتبعتموهم». و رواه غيره من أصحاب الصحاح و السنن.
5- جامع الأصول لابن أثير الجزري، الفصل الثاني، فيمن تصح إمامته و إمارته، ص 443، أخرجه البخاري و مسلم.

الأنبياء في الأمم السالفة، و من المعلوم أنّ الاستخلاف كان هناك بالتنصيص، فيجب أن يكون هنا بالتنصيص كذلك.

إذا تعرفت على هذه الأمور الاثني عشر، فاعلم أنّ هذه المقدمات تعرب عن كون صيغة الحكومة بعد النبي هي صيغة التنصيص، و التنصيب، لا غير، لا بالطرق التي تقدمت عند البحث عمّا تنعقد به الإمامة عند أهل السنّة، و إليك البيان:

1 - قد عرفت أنّ رحلة النبي الأكرم تترك فراغات هائلة في الأمّة، لا مناص عن سدّها بواحد من أبناء الأمّة، و أنّ هذه الفراغات لا تسدّ بفرد عادي، له من المؤهلات و الكفاءات العلمية، ما لا يتجاوز عن حدود ما لغيره من أفراد الأمّة، بل يجب أن يكون له كفاءة و صلاحية توازن كفاءات النبي و مؤهلاته، و يكون مستودعا لعلوم النبي، واقعا تحت عناية اللّه تبارك و تعالى و كفالته.

و من المعلوم أنّ التعرّف على هذا الفرد ليس ميسّرا من طريق الانتخاب بالشورى أو بالبيعة، بل يعرف بتعيين من اللّه سبحانه عن طريق النبي الأكرم، نظير أوصياء سائر الأنبياء.

2 - كما عرفت أنّ الدولة الإسلامية الفتية كانت مهددة في أخريات أيام النبي، حال وفاته، بأعداء داخليين و خارجيين. أمّا الداخليون، فهم المنافقون الذين كانوا يتربصون بها الدوائر، و أمّا الخارجيون، فدولتا الروم و الفرس، فمقتضى المصلحة العامة في تلك الظروف الحرجة، تعيين الإمام و الخليفة بعده، لئلا تترك الدولة بعد وفاته عرضة للاختلاف، و بالتالي تمكّن أعدائها منها، خصوصا إذا لاحظنا أنّ حياة العرب حينذاك في عاصمة الإسلام و خارجها، كانت حياة قبلية، و التعصبات العشائرية لا تزال متغلغلة في نفوسهم، و ترك الأمر إلى مجتمع هذا حالة، يؤدّي إلى التشاغب و الاختلاف و بالتالي إلى القتل و الدمار.

أضف إلى ذلك أنّ الوعي الديني لم يكن راسخا في قلوب أكثر الصحابة، و إن كان القليل منهم قد بلغ القمة، و صاروا مثلا عليا للفضل و الفضيلة، و قد

ص: 73

عرفت دليل قلّة الوعي الديني، بفرارهم في بعض الغزوات.

3 - كما عرفت أنّه لو كان أساس الحكم على غير وجه التنصيب، لكان على النبي الأكرم بيان أسسه و أصوله و فروعه، و شرائط الإمام، و ما تنعقد به الإمامة، مع أنّ النبي سكت عن ذلك و لم ينبس منه بكلمة، فليس في الصحاح و المسانيد أحاديث أو حديث عن النبي حول أساس الحكم، أ فيصحّ لنا أن نتهم النبي بأنّه بلّغ أبسط الأمور و أيسرها، التي تقع في الدرجة الأخيرة من الأهمية في حياة الإنسان، و سكت عن عظائم الأمور و مهمّاتها التي تتوقف عليها حياة الأمّة.

كل ذلك يعرب عن أنّ سكوته لأجل أنّ أساس الحكم هو التنصيب، و نصب الإمام يغني عن البحث حول أساس الحكم و شروطه، لأنّ الإمام المنصوب يكون ميزانا للحق، و معيارا للتعرّف على أساس الحكم و شروطه؛ «و كلّ الصّيد في جوف الفراء»(1).

4 - كما عرفت أنّ تصوّر النبي للخلافة في عصره، هو إيكالها إلى اللّه سبحانه، و أنّه تعامل معها معاملة الرسالة، و أنّه عرّفها بنفس ما عرّف به اللّه سبحانه الرسالة، «يضعها حيث شاء».

5 - كما عرفت أنّ تصوّر الصحابة، و سيرتهم في الخلافة هي سيرة التنصيب، و قد كان ترك التنصيب، في نظرهم، إهمالا لأمر الأمّة، و تركا لها بلا راع فريسة للذئاب، و الأعداء، و بذلك استتبّ الأمر لعمر بيد أبي بكر، و لعثمان بيد عمر، و هكذا توالت السيرة في الأمويين من الخلفاء، و شذّت عنها خلافة علي حيث استتبت له ببيعة المهاجرين و الأنصار.

6 - كما عرفت أنّ صيغة القيادة في الشرائع السابقة كانت هي التنصيب، و كان الأوصياء ينصبون من طريق الأنبياء.

7 - كما أنّك عرفت أنّه لا دليل على كون أساس الحكم هو الشورى أو البيعة بألوانهما المختلفة.

ص: 74


1- مثل يضرب.

كل ذلك يعرب عن أنّ القائد الحكيم، بأمر من اللّه سبحانه، سلك مسلكا، و نهج منهجا، يطابق هذه الأصول و المقدمات، و ما خالفها قدر شعرة، و عيّن القائد بعده في حياته، و أعلنه للأمّة في موسم أو مواسم.

هذا ما يوصلنا إليه السبر و التقسيم و المحاسبة في الأمور الاجتماعية و السياسية، فيجب علينا عندئذ الرجوع إلى الكتاب و السنّة، لنقف و نتعرّف على ذلك القائد المنصوب، و نذعن - بالتالي - بأنّ عمل النبي كان موافقا لهذه الأصول العقلائية التي تقدمت، و هذا ما يوافيك في البحوث التالية.

ص: 75

البحث الأول: السنّة النبوية و تنصيب علي للإمامة

اشارة

إنّ من أحاط علما بسيرة النبي في تأسيس دولة الإسلام، و تشريع أحكامها و تمهيد قواعدها، يجد علي بن أبي طالب وزير رسول اللّه في أمره، و ظهيره على عدوه، و عيبة علمه، و وارث حكمه، و وليّ عهده، و صاحب الأمر من بعده.

و من وقف على أقوال النبي و أفعاله في حلّه و ترحاله، يجد نصوصه في ذلك متواترة متوالية، من مبدأ أمره إلى منتهى عمره، صلى اللّه عليه و آله، و إليك البيان.

أ - حديث بدء الدعوة
اشارة

أخرج الطبري و غيره، بسنده، عن علي بن أبي طالب، أنّه لما نزلت هذه الآية على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ اَلْأَقْرَبِينَ (1) دعاني رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، و قال لي: يا عليّ، إنّ اللّه أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، فضقت بذلك ذرعا، و عرفت أنّي متى أباديهم بهذا الأمر، أرى منهم ما أكره، فصمّدت عليه حتى جاءني جبرئيل، فقال: يا محمد، إنّك إن لا تفعل ما تؤمر به، يعذّبك ربّك، فاصنع (يا علي) لنا صاعا من طعام، و اجعل عليه رجل شاة، و املأ لنا عسا من لبن، ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أكلّمهم و أبلّغهم ما أمرت به، ففعلت ما أمرني به، ثم دعوتهم له، و هم يومئذ أربعون

ص: 76


1- سورة الشعراء: الآية 214.

رجلا، يزيدون رجلا أو ينقصونه، فيهم أعمامه... إلى أن قال: فأكلوا حتى ما لهم بشيء حاجة، ثم قال (النبي): أسقهم. فجئتهم بذلك العس، فشربوا حتى رووا منه جميعا، ثم تكلّم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، فقال: يا بني عبد المطلب، إنّي و اللّه ما أعلم شابا في العرب، جاء قومه بأفضل ممّا قد جئتكم به، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا و الآخرة، و قد أمرني اللّه تعالى أن أدعوكم إليه، فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر، على أن يكون أخي و وصيي و خليفتي فيكم؟ قال: فأحجم القوم عنها جميعا، و قلت: أنا يا نبي اللّه أكون و زيرك عليه فأخذ برقبتي، ثم قال: إنّ هذا أخي و وصيي و خليفتي فيكم، فاسمعوا له و أطيعوه.

و في رواية أخرى قال ذلك القول ثلاث مرات، كلّ ذلك أقوم إليه فيقول:

اجلس(1).

و دلالة الحديث على الخلافة لعلي و الوصاية له، لا تحتاج إلى بيان، و هذا إن

ص: 77


1- تاريخ الطبري، ج 2، ص 63-64. و رجال السند كلّهم ثقات إلاّ أبو مريم عبد الغفار بن القاسم، فقد ضعّفه القوم، ليس ذلك إلاّ لتشيعه، فقد أثنى عليه ابن عقدة و أطراه، و بالغ في مدحه، كما في لسان الميزان، ج 4، ص 43 و أسند إليه. و أخرجه بهذا اللفظ أبو جعفر الإسكافي المتكلم المعتزلي البغدادي، في كتابه نقض العثمانية، على ما في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 13، ص 244، و قال: «إنّه روي في الخبر الصحيح»، و ابن الأثير في الكامل، ج 2، ص 24، و أبو الفداء عماد الدين الدمشقي، في تاريخه: ج 3، ص 40. و الخازن علاء الدين البغدادي في تفسيره، ص 390. و غيرهم من الحفّاظ و أساتذة الحديث و أئمة الأثر، و المراجع في الجرح و التعديل، و لم يقذف أحد منهم الحديث بضعف أو غمز لمكان أبي مريم في أسناده. على أنّه أخرجه الإمام أحمد في مسنده في غير مورد، فرواه في الجزء الأول، ص 159 عن عفان عن أبي عوانة عن عثمان بن المغيرة، عن أبي صادق، عن ربيعة بن ناجز، و رجال السند كلّهم ثقات. كما أخرجه في الجزء الأول، ص 111، بسند رجاله كلّهم من رجال الصحاح بلا كلام، و هم شريك، و العمش، و المنهال، و عباد. و للحديث صور مختلفة رواها عدّة من الحفاظ، فمن أراد التوسع في ذلك فليرجع إلى المصادر التالية: الغدير، ج 2، ص 278-289. غاية المرام، للسيد البحراني، المقصد الثاني، الباب 15 و 16. و تعاليق إحقاق الحق، ج 4، ص 66-70. و المراجعات، المراجعة 20، و المراجعة 22، و قد تكلم في إسناد الحديث في المتن و تعاليقه بما لا يدع للمريب شكا.

دلّ على شيء، فإنّما يدلّ على أنّ النبوة و الإمامة كانتا متعاقدتين بعقد واحد، تتجليان معا، و لا تتخلفان.

كتمان الحقائق

إنّ من العجب أنّ أناسا يدّعون أنّهم حفظة الحديث و عيبة آثار رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، كتموا الحقائق و ارتكبوا جنايات في نقل الآثار، و إليك نبذة من هؤلاء.

1 - رأينا أنّ الطّبري في تاريخه، نقل قول النبي على الوجه التالي:

- «فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر، على أن يكون أخي و وصي و خليفتي فيكم». كما نقل قوله الآخر:

- «إنّ هذا أخي و وصيي و خليفتي فيكم، فاسمعوا له و أطيعوه».

و لكنه في تفسيره، لم يعجبه نقل الحقيقة، لمخالفتها لما يبطنه من العقيدة، فقال مكان الجملتين: «فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر، على أن يكون أخي و كذا و كذا».

- «إنّ هذا أخي و كذا و كذا، فاسمعوا له و أطيعوه»(1).

2 - إنّ الحافظ أبا الفداء ابن كثير (م 774)، ذكر الحديث في تاريخه على النصّ الذي رواه الطبري في تفسيره، مع أنّه وضع تاريخه، على منوال تاريخ الطبري، و لكن لم يعجبه نقله من تاريخه، و اعتمد على التفسير الذي كنى عن نصّ رسول اللّه بالوصاية و الخلافة لعلي(2).

3 - إنّ محمد حسين هيكل، كتب ما هو خزاية فاضحة في مجال الحديث، فإنّه كتب الجملة الأولى أعني قول النبي الأكرم: «فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر

ص: 78


1- تفسير الطبري، ج 19، ص 75.
2- البداية و النهاية، الجزء الثالث من المجلد الثاني، ص 40.

و أن يكون أخي و وصيي و خليفتي فيكم». و ترك من رأس الجملة الثانية التي قالها النبي لعلي.

و لكن هذا المقدار من الاعتراف بالحقيقة، لم يعجب القشريين من الأزهريين، فوقع موقع النقد منهم، و أسقط في الطبعة الثانية من الكتاب كلّ ما يرجع إلى عليّ عليه السلام، دفعا لأمواج اللوم و العتاب(1).

ب - حديث المنزلة

روى أهل السير و التاريخ أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، خلّف علي بن أبي طالب على أهله في المدينة، عند توجهه إلى تبوك، فأرجف به المنافقون، و قالوا: ما خلّفه إلاّ استثقالا له، و تخوّفا منه، فلما قال ذلك المنافقون، أخذ علي بن أبي طالب، سلام اللّه عليه، سلاحه، ثم خرج حتى أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، و هو نازل بالجرف(2)، فقال: يا نبيّ اللّه، زعم المنافقون أنّك إنّما خلفتني أنّك استثقلتني، و تخفّفت مني، فقال: كذبوا، و لكني خلفتك لما تركت ورائي، فارجع فاخلفني في أهلي و أهلك، أ فلا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبي بعدي؟.

فرجع علي إلى المدينة، و مضى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله على سفره(3).

ص: 79


1- حياة محمد، الطبعة الثانية، سنة 1354، ص 139. و على هذه الطبعة جاءت الطبعات اللاحقة، و نسخت الطبعة الأولى و كأنّ الأستاذ لم يكتبها.
2- الجرف، بالضم ثم السكون، موضع على بعد ثلاثة أميال من المدينة.
3- السيرة النبوية، لابن هشام، ج 2، ص 519-520، و قد نقله من أصحاب الصحاح: البخاري في غزوة تبوك، ج 6، ص 3، ط 1314. و مسلم في فضائل عليّ، ج 7، ص 120. و ابن ماجة في فضائل أصحاب النبي، ج 1، ص 55، ط المطبعة التازية بمصر. و الإمام أحمد في مسنده في غير مورد لاحظ ج 1، ص 173 و 175 و 177 و 179 و 182 و 185 و 330 و غيرهم من الأثبات الحفاظ، فلم يشك في صحة سند الحديث إلاّ الآمدي، و ليس هو من علم الحديث في حلّ و لا ترحال. (إذا ما فصّلت عليا قريش فلا في العير أنت و لا النفير)

و من عجيب القضايا ما رواه مسلم، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه، قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا، و قال: ما منعك أن تسبّ أبا التراب، فقال: أمّا ما ذكرت ثلاثا قالهنّ له رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله)، فلن أسبّه، لأن تكون لي واحدة منهن أحبّ إليّ من حمر النعم. سمعت رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) يقول له و قد خلّفه في بعض مغازيه، فقال له علي: يا رسول اللّه خلّفتني مع النساء و الصبيان. فقال له رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله): أمّا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبوة بعدي.

و سمعته يقول يوم خيبر: لأعطينّ الراية رجلا يحبّ اللّه و رسوله، و يحبّه اللّه و رسوله. قال: فتطاولنا لها، فقال: أدعو لي عليّا، فأتي به أرمد، فبصق في عينه، و دفع الراية إليه، ففتح اللّه عليه.

و لما نزلت هذه الآية: فَقُلْ تَعٰالَوْا نَدْعُ أَبْنٰاءَنٰا وَ أَبْنٰاءَكُمْ ، دعا رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) عليّا و فاطمة و حسنا و حسينا، فقال: «اللّهم هؤلاء أهلي»(1).

و أمّا دلالة الحديث على أنّ النبي أفاض على عليّ عليه السلام - بإذن من اللّه سبحانه - الخلافة و الوصاية، فيكفيك فيها أنّ كلمة «منزلة» اسم جنس أضيف إلى هارون، و هو يقتضي العموم، فيدلّ على أنّ كل مقام و منصب كان ثابتا لهارون فهو أيضا ثابت لعلي، إلاّ ما استثناه، و هو النبوّة.

على أنّ الاستثناء هو أيضا دليل العموم، و لولاه لما كان وجه للاستثناء.

و أمّا ما جاء في صدر الحديث من أنّه خلّفه على أهله، فلا يكون دليلا على الاختصاص، لبداهة أنّ المورد لا يكون مخصّصا، و هو أحد القواعد المسلّمة في

ص: 80


1- صحيح مسلم، ج 7، باب فضائل علي بن أبي طالب، ص 120-121.

علم الأصول، فلو رأيت أنّ الجنب يمسّ آية الكرسي، فقلت له، لا يمسّنّ آيات القرآن محدث، يكون دليلا على أنّ الجنب يحرم عليه مسّ القرآن على الإطلاق.

و أمّا منزلة هارون من موسى، فيكفي في بيانها قوله سبحانه - حكاية عن موسى -: وَ اِجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هٰارُونَ أَخِي * اُشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَ أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (1) فجاء الجواب:

قٰالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰا مُوسىٰ (2) .

إنّ من تتبّع سيرة النبي يجده يصوّر عليّا و هارون كالفرقدين في السماء، و العينين في الوجه، لا يمتاز أحدهما في أمّته عن الآخر في أمته بشيء ما، و من ذلك:

أ - إنّ النبي سمّى أبناء علي كأسماء أبناء هارون، فسمّاهم حسنا و حسينا و محسنا، و قال: إنّما سمّيتهم بأسماء ولد هارون: «شبّر، و شبير، و مشبر»(3).

ب - إنّ النبي اتّخذ عليّا أخاه، و آثره بذلك على من سواه، تحقيقا لعموم الشّبه بين منازل الهارونيّين من أخويهما، و حرصا على أن لا يكون ثمة من فارق بينهما. و قد آخى بين أصحابه، فجاء عليّ عليه السلام و قال: آخيت بين أصحابك، و لم تؤاخ بيني و بين أحد؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: أنت أخي في الدنيا و الآخرة(4).

ج - أمر بسد أبواب الصحابة من المسجد، تنزيها له عن الجنب و الجنابة، لكنه أبقى باب علي عليه السلام، و أباح له عن اللّه تعالى، أن يدخل المسجد جنبا، كما كان هذا مباحا لهارون، فدلّل ذلك على عموم المشابهة بين الهارونيّين

ص: 81


1- لاحظ سورة طه: الآيات 29-32 و قوله: وَ أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي يدل على اشتراك هارون مع موسى في النبوة كما يدل عليه قوله تعالى: وَ وَهَبْنٰا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنٰا أَخٰاهُ هٰارُونَ نَبِيًّا (سورة مريم: الآية 53)، و لأجل ذلك استثناها النبي من منزلة هارون من موسى.
2- سورة طه: الآية 36.
3- مستدرك الحاكم، ج 3، ص 165 و 168.
4- سنن الترمذي، ج 5، ص 636، الحديث 3720. و مستدرك الحاكم، ج 3، ص 14.

عليهما السلام، كما قال ابن عباس: «و سدّ رسول اللّه أبواب المسجد غير باب علي، فكان يدخل المسجد جنبا، و هو طريقه ليس له طريق غيره»(1).

ج - حديث «الغدير»
اشارة

حديث الغدير، حديث الولاية الكبرى، حديث إكمال الدين، و إتمام النعمة، و رضى الرب تعالى. و هو حديث نزل به كتاب اللّه المبين، و تواترت به السنّة النبوية، و تواصلت حلقات أسانيده منذ عهد الصحابة و التابعين إلى اليوم الحاضر، و قد صبّ شعراء الإسلام واقعة الغدير، في قوالب الشعر، و هو من أحسن ما أثار قرائحهم الشعرية و إليك فيما يلي حاصل تلك الواقعة، و خطبة النبي الأكرم فيها:

أجمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، الخروج إلى الحج في السنة العاشرة من الهجرة، و أذّن في الناس بذلك، فقدم المدينة خلق كثير يأتمون به حجته، تلك الحجة التي سميت بحجة الوداع، و حجة الإسلام، و حجة البلاغ، و حجة الكمال، و حجة التمام(2)، و لم يحج غيرها منذ هاجر إلى أن توفّاه اللّه سبحانه.

و اشترك معه جموع لا يعلم عددها إلاّ اللّه، و أقلّ ما قيل إنّه خرج معه تسعون ألفا، و أمّا الذين حجّوا معه فأكثر من ذلك، كالمقيمين بمكة، و الذين أتوا من اليمن. فلما قضى مناسكه و انصرف، راجعا إلى المدينة، و معه من كان من الجموع المذكورات، و وصل إلى غدير «خم» من الجحفة، التي تتشعب فيها

ص: 82


1- حديث «سدّ الأبواب كلّها إلاّ باب علي»، من الأحاديث المتضافرة المنقولة عن لفيف من الصحابة، منهم عبد اللّه بن عمر بن الخطاب، لاحظ مسند أحمد، ج 2، ص 26. و منهم أبوه عمر بن الخطاب، لاحظ مستدرك الحاكم، ج 3، ص 125. و من أراد التبسّط في أسانيده فعليه بالغدير، ج 3، ص 202-215. و المراجعات، المراجعة 34.
2- تسميتها بالبلاغ و بالتمام و الكمال، لنزول قوله سبحانه: يٰا أَيُّهَا اَلرَّسُولُ بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ. و قوله سبحانه: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ اَلْإِسْلاٰمَ دِيناً سورة المائدة: الآيتان 67 و 3 في ذلك الحج.

طرق المدنيين و المصريين و العراقيين، و ذلك يوم الخميس، الثامن عشر من ذي الحجة، نزل جبرئيل الأمين عن اللّه تعالى بقوله: يٰا أَيُّهَا اَلرَّسُولُ بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ (1)، و كان أوائل القوم قريبين من الجحفة، فأمر رسول اللّه أن يرد من تقدم منهم، و يحبس من تأخّر عنهم، حتى إذا أخذ القوم منازلهم، نودي بالصلاة، صلاة الظهر، فصلّى بالناس، و كان يوما حارا، يضع الرجل بعض ردائه على رأسه و بعضه تحت قدميه من شدّة الرمضاء، فلما انصرف من صلاته، قام خطيبا وسط القوم على أقتاب الإبل، و أسمع الجميع رافعا عقيرته، فقال:

«الحمد للّه، و نستعينه، و نؤمن به، و نتوكل عليه، و نعوذ باللّه من شرور أنفسنا، و من سيئات أعمالنا، الذي لا هادي لمن أضلّ و لا مضلّ لمن هدى، و أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، و أنّ محمدا عبده و رسوله، أمّا بعد:

أيّها الناس، إنّي أوشك أن ادعى فأجبت، و إنّي مسئول و أنتم مسئولون، فما ذا أنتم قائلون»؟.

قالوا: «نشهد أنّك قد بلّغت و نصحت، و جهدت، فجزاك اللّه خيرا».

قال: «أ لستم تشهدون أن لا إله إلاّ اللّه، و أنّ محمدا عبده و رسوله، و أنّ جنّته حقّ، و ناره حقّ، و أنّ الموت حق، و أنّ الساعة آتية لا ريب فيها، و أنّ اللّه يبعث من في القبور»؟.

قالوا: «بلى نشهد بذلك».

قال: «اللّهم اشهد». ثم قال: «أيّها الناس، ألا تسمعون؟».

قالوا: «نعم».

قال: فإنّي فرط على الحوض(2)، فانظروني كيف تخلفوني في الثقلين».

فنادى مناد: «و ما الثّقلان يا رسول اللّه؟».

ص: 83


1- سورة المائدة: الآية 67.
2- أي متقدّمكم إليه.

قال: «الثّقل الأكبر، كتاب اللّه، و الآخر الأصغر، عترتي، و إنّ اللّطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض، فلا تقدّموهما فتهلكوا، و لا تقصروا عنهما فتهلكوا».

ثم أخذ بيد علي فرفعها، حتى رؤي بياض آباطهما، و عرفه القوم أجمعون، فقال: «أيّها الناس، من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟».

قالوا: «اللّه و رسوله أعلم».

قال: «إنّ اللّه مولاي، و أنا مولى المؤمنين، و أنا أولى بهم من أنفسهم.

فمن كنت مولاه، فعليّ مولاه - يقولها ثلاث مرات - ثم قال: اللّهمّ وال من والاه، و عاد من عاداه، و أحبّ من أحبّه، و أبغض من أبغضه، و انصر من نصره، و اخذل من خذله، و أدر الحقّ معه حيث دار، ألا فليبلغ الشاهد الغائب».

ثم لم يتفرقوا حتى نزل أمين وحي اللّه بقوله:

اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي الآية، فقال رسول اللّه: «اللّه أكبر على إكمال الدين، و إتمام النعمة و رضى الرب برسالتي، و الولاية لعلي من بعدي».

ثم أخذ الناس يهنئون عليّا، و ممّن هنّأه في مقدم الصحابة الشيخان أبو بكر و عمر، كل يقول: بخ بخ، لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي، و مولى كل مؤمن و مؤمنة.

و قال حسان، ائذن لي يا رسول اللّه أن أقول في عليّ أبياتا، فقال: قل على بركة اللّه، فقام حسانا، فقال:

يناديهم يوم الغدير نبيّهم *** بخمّ و اسمع بالرسول مناديا

فقال فمن مولاكم و نبيّكم *** فقالوا و لم يبدوا هناك التّعاميا

إلهك مولانا و أنت نبيّنا *** و لم تلق منا في الولاية عاصيا

فقال له قم يا عليّ فإنّني *** رضيتك من بعدي إماما و هاديا

ص: 84

فمن كنت مولاه فهذا وليّه *** فكونوا له أتباع صدق مواليا

هناك دعى اللّهمّ وال وليّه *** و كن للذي عادى عليّا معاديا

فلمّا سمع النبي أبياته قال: «لا تزال يا حسّان مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك»(1).

هذا مجمل الحديث، في واقعة الغدير، و قد أصفقت الأمّة على نقله، فلا نجد حديثا يبلغ درجته في التواتر و التضافر، و لا في الاهتمام نظما و نثرا.

و الاحتجاج به على إمامة عليّ عليه السلام يتحقق ببيان الأمور التالية:
الأمر الأول: البلاغ الرسمي للولاية

إنّ النبي الأكرم أشاد بولاية علي و وصايته، في حديث يوم الدار، في مجتمع محدود، لا يربو عددهم الأربعين. كما أشاد بخلافته عند توجّهه إلى تبوك، أمام جماعة من الصحابة و المهاجرين، و كان هذا و ذاك، و غيرهما ممّا صدر منه صلى اللّه عليه و آله، في ظروف مختلفة، حول ولاية الإمام، تهيئة للأذهان، للإعلان الرسمي لهذه الولاية أمام الجموع الهائلة، ليقف عليها القريب و البعيد، و الحاضر و البادي، فقام بإبلاغ ذلك في ذلك المحتشد العظيم، و أخذ منهم الإقرار و الاعتراف، و هنّأ الصحابة عليّا عليه السلام، بهذه المكرمة الإلهية، فكان هذا إعلانا رسميا، للأمّة جمعاء، لا يصحّ لأحد إنكاره، و التغاضي عنه. و سيوافيك دلالة الحديث بوجه واضح لا يدع لقائل كلمة، و لا لمجادل شبهة.

ص: 85


1- هذا من أعلام النبوة، فقد علم أنّه سوف ينحرف عن إمام الهدى في أخريات أيّامه، فعلّق دعاءه على ظرف استمراره في نصرته. و قد نقل هذه الأبيات عن حسان بن ثابت عدّة من أعلام المؤرخين و المحدّثين، و إن حذف من ديوانه، فحرّفت الكلم عن مواضعها، و لعب بديوانه كما لعب بكثير من الدواوين، كديوان الفرزدق، و ديوان كميت، و ديوان أبي فراس، و ديوان كشاجم، التي حذفت منها ما يرجع إلى مدح أهل البيت و رثائهم. لاحظ الغدير، ج 2، ص 34-42.
الأمر الثاني: سند الحديث و تواتره

إنّ حديث الغدير من الأحاديث المتواترة من عصر الرسول الأكرم إلى يومنا هذا، يقف عليه من سبر كتب الحديث و التاريخ و السّير و الكلام و التفسير و غيرها. و ما ربما يصدر من كلمات حول الحديث من أنّه من أحاديث الآحاد، فهو كلام صدر من المغرضين و رماة القول على عواهنه، من غير تدبّر و تثبت.

إنّ كتب الإمامية في الحديث و غيره، مفعمة بإثبات قصة الغدير و الاحتجاج بمؤداها. فمن مسانيد معنعنة إلى منبثق أنوار النبوة، إلى مراسيل أرسلها المؤلفون إرسال المسلّم، و حذفوا أسانيدها لتسالم الفريقين.

و أمّا المحدثون و غيرهم من أهل السنّة فلا يتأخرون عن الإمامية في نقل الحديث و البخوع لصحته، و الركون إليه، و التصحيح له، و الإذعان بتواتره إلاّ شذّاذ تنكبوا عن الطريقة، و قد ألّف غير واحد من علماء الإسلام كتبا مستقلة، فلم يقنعهم إخراجه بأسانيد مبثوثة في الكتب، فدوّنوا ما انتهى إليهم من أسانيده، و ضبطوا ما صحّ لديهم من طرقه، كل ذلك حرصا على كلاءة متنه من الدثور، و عن تطرق يد التحريف إليه، منهم أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، صاحب التاريخ و التفسير المعروفين (ت 224 - م 310)، و أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني المعروف بابن عقدة (م 333)، و أبو بكر محمد بن عمر بن محمد بن سالم التميمي البغدادي (م 355) و غيرهم(1).

و لأجل إيقاف القارئ على اهتمام الصحابة و التابعين، و تابعي التابعين، و العلماء، و الأدباء، و الفقهاء، بنقل الحديث و ضبط أسانيده، نذكر عدد رواته في كل قرن على وجه الإجمال و نحيل التفصيل إلى الكتب المعدّة لذلك.

1 - روى الحديث من الصحابة 110 صحابيا، و طبع الحال يستدعي أن يكون رواته أضعاف المذكورين، لأنّ السامعين الوعاة له كانوا مائة ألف، أو يزيدون.

ص: 86


1- ذكر شيخنا الحجة العلامة الأميني، أسماء المؤلفين و خصوصيات كتبهم، في الجزء الأول، من غديره، ص 152-157.

2 - رواه من التابعين 84 تابعيا.

و أما عدّة الرواة من العلماء و المحدثين فنذكرها على ترتيب القرون.

3 - عدد من رواه في القرن الثاني: 56 عالما و محدّثا.

4 - عدد من رواه في القرن الثالث: 92 عالما و محدّثا.

5 - عدد من رواه في القرن الرابع: 43 عالما و محدّثا.

6 - عدد من رواه في القرن الخامس: 24 عالما و محدّثا.

7 - عدد من رواه في القرن السادس: 20 عالما و محدّثا.

8 - عدد من رواه في القرن السابع: 20 عالما و محدّثا.

9 - عدد من رواه في القرن الثامن: 19 عالما و محدّثا.

10 - عدد من رواه في القرن التاسع: 16 عالما و محدّثا.

11 - عدد من رواه في القرن العاشر: 14 عالما و محدّثا.

12 - عدد من رواه في القرن الحادي عشر: 12 عالما و محدّثا.

13 - عدد من رواه في القرن الثاني عشر: 13 عالما و محدّثا.

14 - عدد من رواه في القرن الثالث عشر: 12 عالما و محدّثا.

15 - عدد من رواه في القرن الرابع عشر: 19 عالما و محدّثا.

و قد أغنانا المؤلفون في الغدير عن إراءة مصادره و مراجعه، و كفاك في ذلك كتب لمة كبيرة من أعلام الطائفة:

منهم العلاّمة السيد هاشم البحراني (م 1107) مؤلف غاية المرام.

و منهم السيد مير حامد حسين الهندي اللكهنوئي (م 1306)، ذكر حديث الغدير، و طرقه، و تواتره، و مفاده في مجلدين ضخمين في ألف و ثمان مائة صحيفة، و هما من مجلدات كتابه الكبير «العبقات»، فقد أتمّ اللّه به الحجة، و أوضح المحجة، و كتابه العبقات كتاب جليل، فاح أريجه بين لابتي العالم، و طبق حديثه المشرق و المغرب.

و منهم العلامة المتتبع المحقق الفذّ الشيخ عبد الحسين النجفي (ت 1320 - م 1390) في كتابه الفريد «الغدير»، و بعين اللّه، إنّ كتابه هذا هو المعجز

ص: 87

المبين، و من حسنات الدهر الخالدة، جزاه اللّه خير الجزاء(1).

الأمر الثالث - دلالة الحديث
اشارة

إنّ دلالة الحديث على إمامة مولانا أمير المؤمنين، دلالة واضحة، لم يشك فيها أي عربي صميم، عصر نزول الحديث و بعده إلى قرون، و لم يفهموا من لفظة المولى سوى معنى الإمامة، و تتابع هذا الفهم فيمن بعدهم من الشعراء إلى أن ولّد الدهر إمام المشككين، فجاء بتشكيكات، كسائر تشكيكاته، التي تاب منها عند احتضاره(2).

و الدلالة مركزة على أن لفظ المولى نصّ فيما نثبته من الإمامة بالوضع اللغوي، أو بالقرائن المحتفة به. و على كلا التقديرين، يكون الحديث حجة قاطعة في الإمامة، و نحن نسلك كلا الطريقين.

الطريق الأول - الدلالة بالوضع اللغوي
اشارة

إنّ «مفعل» - هنا - بمعنى «أفعل»، و لفظ «مولى» أريد منه هنا الأولى، سواء أقلنا إنّه المعنى الوحيد - كما سيوافيك - أو أحد معانيه، كما في قوله سبحانه:

فَالْيَوْمَ لاٰ يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَ لاٰ مِنَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوٰاكُمُ اَلنّٰارُ هِيَ مَوْلاٰكُمْ وَ بِئْسَ اَلْمَصِيرُ (3) .

و المفسّرون للآية على فريقين منهم من حصر التفسير بأنّها أولى بكم، و منهم

ص: 88


1- و من أراد التبسط فعليه الرجوع إلى ما ذكرنا من المصادر، و إلى كتاب «المراجعات» لمصلح الدين، السيد شرف الدين العاملي رحمه اللّه.
2- لاحظ دائرة المعارف، لفريد وجدي، ج 4، ص 149، و فيها أنّه قال: «و أمّا ما استكثرت من إيراد السؤالات، فإنّي ما أردت إلاّ تكثير البحث و تشحيذ الخاطر، و الاعتماد في الكلّ على اللّه تعالى».
3- سورة الحديد: الآية 15.

من جعله أحد المعاني، و هؤلاء أئمة العربية، عرفوا أنّ هذا المعنى من معاني اللفظ اللغوية، و لولاه لما صحّ لهم تفسيره به، يقول الخازن: «هي مولاكم، أي وليّكم، و قيل أولى بكم، لما أسلفتم من الذنوب، و المعنى: هي التي تلي عليكم، لأنّها ملكت أمركم و أسلمتم إليها، فهي أولى بكم من كل شيء»(1).

و قد نقل كون المولى بمعنى الأولى، الرازي في تفسيره عن الكلبي النسّابة (م 146) و الفرّاء (م 207)(2) و أبو عبيدة معمّر بن المثنى البصري (م 210)، و الأخفش الأوسط (م 218)(3)، و نهاية العقول(4).

و استشهد أبو عبيدة ببيت لبيد:

فقدت كلا الفرجين تحسب أنّه *** مولى المخافة خلفها و أمامها

حتى أنّ البخاري، صاحب الصحيح، في قسم التفسير منه، فسّره ب «أولى»(5).

نعم هنا شبهة ذكرها الرازي في تفسيره، حسب أنّها تصادم دلالة الحديث على الولاية الكبرى للإمام عليّ عليه السلام، فقال في تفسير قوله سبحانه: هِيَ مَوْلاٰكُمْ وَ بِئْسَ اَلْمَصِيرُ : «لو كان مولى و أولى بمعنى واحد في اللغة، لصحّ استعمال كلّ واحد منهما في مكان الآخر، فيجب أن يقال: هذا مولى من فلان، و لمّا بطل ذلك، علمنا أنّ الذي قالوه معنى، و ليس بتفسير».

و قال في نهاية العقول: «لو كان المولى يجيء بمعنى الأولى، لصحّ أن يقرن بأحدهما، كلّما يصحّ قرنه بالآخر، لكنه ليس كذلك، فامتنع كون المولى بمعنى الأولى، مع أنّه لا يقال: هو مولى من فلان، و لا يصحّ أن يقال: «هو أولى» بدون من».

ص: 89


1- تفسير الخازن، نقلا عن الغدير، ج 1، ص 341.
2- معاني القرآن، للفراء، ج 3، ص 134.
3- لاحظ جميع ذلك في تفسير الرازي، ج 8، ص 93.
4- نهاية العقول، للرازي، أيضا.
5- صحيح البخاري، ج 7، ص 240.

يلاحظ عليه: قد فات الرازي أنّ اتّحاد المعنى أو الترادف بين الألفاظ، إنّما يقع في جوهريات المعاني لا عوارضها الحادثة من أنحاء التركيب، و تصاريف الألفاظ، و صيغها. مثلا: الاختلاف الحاصل بين المولى و الأولى، بلزوم مصاحبة الثاني بالباء (أولى به)، و تجرّد الأول منه، إنّما حصل من ناحية صيغة افعل من هذه المادة، كما أنّ مصاحبة «من»، هي مقتضى تلك الصيغة مطلقا، إذن مفاد «فلان أولى بفلان»، و «فلان مولى فلان»، واحد، حيث يراد به «الأولى به من غيره»، و يشهد لذلك أنّ «افعل» بنفسه، يستعمل مضافا إلى المثنّى و الجمع، أو ضمير هما بغير أداة، فيقال: زيد أفضل الرجلين، أو أفضلهما، و أفضل القوم و أفضلهم، و لا يستعمل كذلك إذا كان ما بعده مفردا، فلا يقال: زيد أفضل عمرو، و إنّما يقال هو أفضل منه، و لا يرتاب عاقل في اتّحاد المعنى في الجميع.

قال الأزهري في باب التفضيل: «إنّ صحة وقوع المرادف موقع مرادفه، إنّما يكون إذا لم يمنع من ذلك مانع، و هاهنا منع مانع، و هو الاستعمال، فإنّ اسم التفضيل، لا يصاحب من حروف الجر إلاّ «من» خاصة، و قد تحذف مع مجرورها للعلم بها نحو: وَ اَلْآخِرَةُ خَيْرٌ وَ أَبْقىٰ (1)».(2)

ثمّ إنّ الرازي اختار أنّ المولى في الحديث بمعنى «الناصر»، مع أنّ ما أورده على القول بأنّه بمعنى «الأولى»، وارد عليه، فلا يقال في اللغة العربية، «هو مولى دين اللّه»، مكان «ناصر»، و لا يصحّ تبديل قوله: مَنْ أَنْصٰارِي إِلَى اَللّٰهِ (3). إلى «من مواليّ إلى اللّه»، أو تبديل قول الحواريين: نَحْنُ أَنْصٰارُ اَللّٰهِ (4) إلى «نحن موالي اللّه».

هذه الحالة مطّردة في كثير من المترادفات التي جمعها الرّماني (م 384) في تأليف مفرد، مع أنّ اختلاف الكيفية حاكم عليها أيضا، مثلا يقال: عندي

ص: 90


1- سورة الأعلى: الآية 17.
2- التصريح، لخالد بن عبد اللّه الأزهري، باب أفعل التفضيل.
3- سورة آل عمران: الآية 52.
4- الآية السابقة نفسها.

درهم غير جيد، و لا يصحّ أن يقال: عندي درهم إلاّ جيد، كما هو السائد في كلمة «هل» و «همزة الاستفهام»، فإنّهما بمعنى واحد، و لكن يفترقان بفروق ثلاثة، أو خمسة، أو ستة.

و لما كان الإشكال ضئيلا، قال النيسابوري، في تفسيره - بعد نقل كلام الرازي، إلى قوله: و حينئذ يسقط الاستدلال به -: «قلت: و في هذا الإسقاط بحث لا يخفى»(1).

و لما وقف التفتازاني على تمامية دلالة الحديث على الإمامة، حاول رمي الحديث بعدم التواتر، قال - في دلالة الحديث -: ««المولى» قد يراد به المعتق، و المعتق، و الحليف، و الجار، و ابن العم، و الناصر، و الأولى بالتصرف، قال اللّه تعالى: مَأْوٰاكُمُ اَلنّٰارُ هِيَ مَوْلاٰكُمْ ، أي أولى بكم، ذكره أبو عبيدة، و قال النبي: «أيّما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن مولاها»، أي الأولى بها، و المالك لتدبير أمرها، و مثله في الشعر كثير. و بالجملة استعمال المولى بمعنى المتولي، و المالك للأمر، و الأولى بالتصرف، شائع في كلام العرب، منقول عن كثير من أئمة اللغة، و المراد أنّه اسم لهذا المعنى، لا صفة بمنزلة الأولى ليعترض بأنّه ليس من صيغة اسم التفضيل، و أنّه لا يستعمل استعماله، و ينبغي أن يكون المراد به في الحديث هو هذا المعنى، ليطابق صدر الحديث، و لأنّه لا وجه للخمسة الأول، و هو ظاهر، و لا للسادس لظهوره، و عدم احتياجه إلى البيان و جمع الناس لأجله». إلى أن قال: «و لا خفاء في أنّ الولاية بالناس، و التولّي، و المالكية لتدبير أمرهم، و التصرّف فيهم، بمنزلة النبي، و هو معنى الإمامة»(2).

هذا من غير فرق بين تفسير مفعل ب أفعل، أي المولى بمعنى أولى، أو تفسيره بفعيل، أي الولي، و قد نصّ على ذلك أئمة العربية منهم الفراء في تفسيره، و أبو العباس المبرّد، قالا: «الولي و المولى، بمعنى في لغة العرب واحد»(3).

ص: 91


1- تفسير النيسابوري، تفسير سورة الحديد.
2- شرح المقاصد، ج 2، ص 290.
3- لاحظ معاني القرآن للفراء، ج 3، ص 124، و الغدير ج 1، ص 361.

قال في الصحاح: و الولي كل من ولي أمر واحد، فهو وليّه، و قول الشاعر:

هم المولى و إن جنفوا علينا *** و إنّا من لقائهم لزور(1)

و قال في النهاية: «و كلّ من ولي أمرا أو قام به فهو مولاه و وليه»(2).

و قال الفيروزآبادي، في قاموسه: «المولى: المالك، و العبد، و المعتق، و الولي، و الربّ»(3).

و استشهد الزبيدي في تاج العروس، على كون مولى بمعنى ولي، بقوله صلى اللّه عليه و آله: «أيّما امرأة أنكحت بغير إذن مولاها...»(4).

ليس للمولى إلاّ معنى واحد

إنّ السابر في كتب اللغة يرى أنّهم يذكرون في تفسير «المولى» أمورا، يبدو أنّها معان مختلفة له، مثلا يقول صاحب القاموس: «المولى: المالك، و العبد، و المعتق، و المعتق، و الصاحب، و القريب كابن العم و نحوه، و الجار، و الحليف، و الابن، و العمّ، و النّزيل، و الشّريك، و ابن الأخت، و الوليّ، و الربّ، و الناصر، و المنعم، و المنعم عليه، و المحبّ، و التابع، و الصّهر»(5).

و الحق أنّه ليس للمولى إلاّ معنى واحد و هو الأولى بالشيء، و تختلف هذه الأولوية بحسب الاستعمال في كل مورد من موارده، و الاشتراك معنوي، و هو الأولى من الاشتراك اللفظي المستدعي لألفاظ كثيرة غير معلومة بنصّ ثابت، و المنفية بالأصل المحكّم، و هذه النظرية أبدعها ابن البطريق الحلّي (ت 533 -

ص: 92


1- الصحاح، ج 6، مادة «ولى»، ص 2529.
2- النهاية لابن الأثير، ج 5، ص 228.
3- القاموس المحيط، مادة «ولى»، ج 4، ص 401.
4- تاج العروس، ج 10، ص 399.
5- القاموس، ج 4، ص 401.

م 600)(1).

و هذا المعنى الواحد، و هو الأولى بالشيء جامع لهاتيك المعاني جمعاء، و مأخوذ في كلّ منها بنوع من العناية، و لم يطلق لفظ المولى على شيء منها إلاّ بمناسبة لهذا المعنى:

1 - فالمالك أولى بكلاءة مماليكه، و أمرهم، و التصرف فيهم.

2 - و العبد أولى بالانقياد لمولاه من غيره.

3 - و المعتق (بالكسر) أولى بالتفضيل على من أعتقه من غيره.

4 - و المعتق (بالفتح) أولى بأن يعرف جميل من أعتقه عليه و يشكره.

5 - و الصاحب، أولى بأن يؤدّي حقوق الصحبة من غيره.

6 - و القريب، هو أولى بأمر القريبين منه، و الدفاع عنهم، و السعي وراء صالحهم.

7 - و الجار، أولى بالقيام بحفظ حقوق الجوار كلّها من البعداء.

8 - و الحليف، أولى بالنهوض بحفظ من حالفه، و دفع عادية الجور عنه.

9 - و الابن أولى الناس بالطاعة لأبيه و الخضوع له.

10 - و العمّ، أولى بكلاءة ابن أخيه، و الحنان عليه، و هو القائم مقام والده.

11 - و النّزيل، أولى بتقدير من آوى إليهم و لجأ إلى ساحتهم، و أمن في جوارهم.

12 - و الشريك أولى برعاية حقوق الشركة و حفظ صاحبه عن الإضرار.

13 - و ابن الأخت، أولى الناس بالخضوع لخاله الذي هو شقيق أمه.

14 - و الولي، أولى بأن يراعي مصالح المولّى عليه.

15 - و الناصر، أولى بالدفاع عمّن التزم بنصرته.

16 - و الربّ، أولى بخلقه من أي قاهر عليهم.

ص: 93


1- عمدة عيون صحاح الأخبار، لابن البطريق، ص 114-115.

17 - و المنعم (بالكسر) أولى بالفضل على من أنعم عليه، و أن يتبع الحسنة بالحسنة.

18 - و المنعم عليه، أولى بشكر منعمه من غيره.

19 - و المحب، أولى بالدفاع عمّن أحبّه 20 - و التابع، أولى بمناصرة متبوعه ممّن لا يتبعه.

21 - و الصهر، أولى بأن يرعى حقوق من صاهره، فشدّ بهم أزره، و قوي أمره.

إلى غير ذلك من المعاني التي هي أشبه بموارد الاستعمال. و الأولوية مأخوذة فيها بنوع من العناية.

إلى هنا قد ظهر أنّ المولى في الحديث الشريف بمعنى الأولى، أو بمعنى الولي، و أنّ ما ذكر للمولى من المعاني المختلفة، فليس من قبيل المعاني المختلفة، حتى يحتاج تفسير المولى بالأولى إلى قرينة معيّنة، بل من قبيل المصاديق.

هذا كلّه في الطريق الأول.

الطريق الثاني - الدلالة بالقرائن
اشارة

إنّ القرائن الحافة بالحديث تدلّ على أنّ المراد من المولى هو الأولى أو الولي، و هي على قسمين: قرائن حالية و قرائن مقالية:

و المراد من الأولى، ما احتف به الكلام الصادر من النبي الأكرم، من ظروف زمانية و مكانية. و المراد من الثانية ما يتصل بالكلام نفسه من الجمل و العبارات.

أمّا القرائن الحالية، فبيانها بكلمة جامعة أنا لو فرضنا أنّ لفظ المولى مشترك بين المعاني التي تلوناها عليك، إلاّ أنّه لا يمكن إرادة غيره في المقام، إمّا لاستلزامه الكفر، كما إذا أريد منه الرب.

أو الكذب، كما إذا أريد منه العم، و الابن، و ابن الأخت، و المعتق،

ص: 94

و المعتق، و العبد، و المالك، و التابع، و المنعم عليه، و الشّريك، و الحليف، و هو واضح لمن تدبر فيه.

و أمّا الصاحب، و الجار، و النزيل، و الصّهر، و القريب، فلا يمكن إرادة شيء من هذه المعاني، لسخافته، لا سيما في هذا المحتشد الرهيب، و في أثناء المسير، و رمضاء الهجير، و قد أمر صلى اللّه عليه و آله بحبس المتقدم في السير، و منع التالي منه، في محلّ ليس صالحا للنزول، غير أنّ الوحي الإلهي، حبسه هناك، فيكون صلى اللّه عليه و آله قد عقد هذا المحتفل، و الناس قد أنهكتهم و عثاء السفر، و حرّ الهجير، و حراجة الموقف، حتى أنّ أحدهم ليضع طرفا من ردائه تحت قدميه، و طرفا فوق رأسه، فيرقى هنالك منبر الأهداج، و يعلمهم عن اللّه تعالى بأنّه من كان هو صلى اللّه عليه و آله مصاحبا أو جارا أو نزيلا عنده، أو صهرا أو قريبا له، فعليّ كذلك!!.

و أمّا المنعم، فلا ملازمة بين أن يكون كلّ من أنعم عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فعليّ منعم عليه.

و أمّا الناصر و المحب، فسواء كان كلامه صلى اللّه عليه و آله، إخبارا أو إنشاء، فاحتمالان ساقطان، إذ ليسا بأمر مجهول عندهم، لم يسبقه التبليغ حتى يأمر به في تلك الساعة، و يحبس له الجماهير، و يعقد له ذلك المنتدى الرهيب، في موقف حرج، لا قرار فيه.

فلم يبق من المعاني إلاّ الولي، و الأولى به، و المراد منه المتصرف في الأمر و متوليه. ذكر الرازي في تفسير قوله تعالى: وَ اِعْتَصِمُوا بِاللّٰهِ هُوَ مَوْلاٰكُمْ (1)، قال: قال القفال: «هو مولاكم، سيّدكم و المتصرّف فيكم»(2).

فتعين أنّ المراد بالمولى: المتصرّف، الذي قيّضه اللّه سبحانه لان يتّبع، و يكون إماما، فيهدي البشر إلى سنن النجاة، فهو أولى من غيره بأنحاء التصرف

ص: 95


1- سورة الحج: الآية 78.
2- تفسير الرازي، ج 6، ص 21.

في المجتمع الإنساني، فليس هو إلا نبي مبعوث أو إمام مفترض الطاعة منصوص به من قبله تعالى، بأمر إلهي، لا يبارحه في أقواله و أفعاله: وَ مٰا يَنْطِقُ عَنِ اَلْهَوىٰ * إِنْ هُوَ إِلاّٰ وَحْيٌ يُوحىٰ (1).

و أمّا القرائن المقالية: فمتعددة تثبت أيضا أنّ المولى بمعنى الأولى بالشيء أو بمعنى الولي، إذا تنازلنا إلى أنّه أحد معانيه، و أنّه من المشترك اللفظي، و أمّا على القول بأنّه ليس للمولى إلاّ معنى واحد، كما أوضحناه، فلا حاجة لذكر القرائن إلاّ تأكيدا.

القرينة الأولى: صدر الحديث، و هو قوله صلى اللّه عليه و آله: «أ لست أولى بكم من أنفسكم»، أو ما يؤدّي مؤدّاه من ألفاظ متقاربة، ثم فرّع على ذلك قوله: «فمن كنت مولاه فعليّ مولاه». و قد روى هذا الصدر من حفاظ أهل السنّة، ما يربو على أربع و ستين عالما(2).

فإنّ هذا الصدر يعيّن أنّ المراد من المولى هو الأولى، و لا وجه للتفكيك المخل.

القرينة الثانية: ذيل الحديث، و هو قوله صلى اللّه عليه و آله: «اللّهم وال من والاه، و عاد من عاداه»، و في جملة من طرق الحديث قوله: و انصر من نصره، و اخذل من خذله، أو ما يؤدّي مؤدّاه، فلو أريد منه غير الأولى بالتصرف، فما معنى هذا التطويل، فإنّه لا يلتئم ذكر هذا الدعاء إلاّ بتنصيب علي مقاما شامخا، يؤهله لهذا الدعاء.

القرينة الثالثة: أخذ الشهادة من الناس، حيث قال صلى اللّه عليه و آله:

«أ لستم تشهدون أن لا إله إلاّ اللّه، و أنّ محمدا عبده و رسوله، و أنّ حجته حقّ الخ». فإنّ وقوع قوله: «من كنت مولاه»، في سياق الشهادة بالتوحيد و الرسالة، يحقق كون المراد، الإمامة، الملازمة للأولوية على الناس.

ص: 96


1- سورة النجم: الآيتان 3 و 4.
2- لاحظ نقولهم، في كتاب الغدير، ج 1، موزعين حسب قرونهم.

القرينة الرابعة: التكبير على إكمال الدين، حيث لم يتفرقوا بعد كلامه صلى اللّه عليه و آله، حتى نزل أمين وحي اللّه بقوله تعالى: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ (الآية)، فقال رسول اللّه: «اللّه أكبر على إكمال الدين و إتمام النعمة، و رضى الرب برسالتي، و الولاية لعلي من بعدي، فأي معنى يكمل به الدين، و تتم به النعم، و يرضى به الربّ في عداد الرسالة، غير الإمامة التي بها تمام الرسالة، و كمال نشرها و توطيد دعائمها.

القرينة الخامسة: نعي النبي وفاته إلى الناس، حيث قال صلى اللّه عليه و آله: «كأنّي دعيت فأجبت». و في نقل: «إنّه يوشك أن ادعى»، أو ما يقرر ذلك، و هذا يعطي أنّ النبي قد بقيت من تبليغه مهمة، يحذر أن يدركه الأجل قبل الإشادة بها، و هي تعرب عن كون ما أشاد به في هذا المحتشد، تبليغ أمر مهم، يخاف فوته، و ليس هو إلاّ الإمامة.

أضف إليه أنّه يعرب بذلك عن أنّه سوف يرحل من بين أظهرهم، فيحصل بعده فراغ هائل، و أنّه يسدّ بتنصيب عليّ في مقام الولاية.

القرينة السادسة: التهنئة، جاء في ذيل الحديث، و أخرجه الطبري في كتاب «الولاية» عن زيد بن أرقم، أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، قال:

«معاشر الناس، قولوا: أعطيناك على ذلك عهدا عن أنفسنا، و ميثاقا بألسنتنا، و صفقة بأيدينا، نؤدّيه إلى أولادنا و أهالينا، لا نبغي بذلك بدلا، و أنت شهيد علينا، و كفى باللّه شهيدا، قولوا ما قلت لكم، و سلّموا على عليّ بإمرة المؤمنين، و قولوا الحمد للّه الذي هدانا لهذا و ما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا اللّه، فإنّ اللّه يعلم كلّ صوت، و خائنة كل نفس، فمن نكث فإنّما ينكث على نفسه، وَ مَنْ أَوْفىٰ بِمٰا عٰاهَدَ عَلَيْهُ اَللّٰهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً قولوا ما يرضي اللّه عنكم، فإن تكفروا، فإنّ اللّه غنيّ عنكم».

القرينة السابعة: الأمر بإبلاغ الغائبين: و قد أمر صلى اللّه عليه و آله في آخر خطبته بأن يبلّغ الشاهد الغائب، فما معنى هذا التأكيد، إذا لم يكن هناك مهمة لم تتح الفرص لتبليغها على نطاق واسع، و لا عرفته جماهير المسلمين، و ما هي إلاّ الإمامة.

ص: 97

و غير ذلك من القرائن التي استقصاها شيخنا المتتبع في غديره(1).

حديث الغدير و رجالات الأدب
اشارة

شاء المولى سبحانه أن يبقى حديث الغدير على مرّ العصور و الأيام، حجة على المسلمين في التعرّف على مستقرّ الولاية الكبرى بعد النبي الأكرم صلى اللّه عليه و آله، فقيّض المولى سبحانه، رجالات الأدب، و أساتذة الشعر، فنظموا تلك المأثرة النبوية الخالدة، و صبّوها في قوالب أشعارهم، و قرائضهم، فترى أنّهم - و هم أساتذة اللغة و بواقع الأدب - يعبّرون عنه بكلمات صريحة في الإمامة، أو الخلافة. و قبل كل شاهد نذكر بيت الإمام أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال:

و أوجب لي ولايته عليكم *** رسول اللّه يوم غدير خمّ

ثم بعده حسان بن ثابت، الذي حضر مشهد الغدير، و قد تقدّم ذكر أبياته.

و منهم قيس بن سعد بن عبادة، الصحابي العظيم، يقول:

و عليّ إمامنا و إمام *** لسوانا أتى به التنزيل

يوم قال النبيّ من كنت مولاه *** فهذا مولاه خطب جليل

و منهم داهية العرب، في قصيدته المعروفة ب «الجلجلية»، يقول فيها معترضا على معاوية:

و كم قد سمعنا من المصطفى *** وصايا مخصصة في علي

و في يوم خمّ رقى منبرا *** و بلّغ و الصحب لم ترحل

فامنحه إمرة المؤمنين *** من اللّه مستخلف المنحل

و غيرهم من الشعراء الذين يحتجّ بقولهم في الأدب و اللغة، ككميت بن زيد الأسدي المتوفي عام 126، و العبدي الكوفي من شعراء القرن الثاني، و شيخ

ص: 98


1- لاحظ الغدير، ج 1، ص 370-383.

العربية أبي تمّام، و غيرهم ممّن يطول بذكرهم المقام(1).

إلى هنا تمّ الكلام حول الحديث متنا و سندا، و هو يعرب عن حقيقة ناصعة من أجلى الحقائق الدينية، و هي ثبوت الولاية لعلي بعد النبي، و لا يرتاب فيها إلاّ مغرض لا يرتاد الحقيقة، أو غافل عن مصادر الحديث(2).

ثم إنّ هاهنا سؤالين مهمّين، ربما يدفع البعض بهما حديث الغدير و دلالته، لا بدّ من ذكرهما، و الإجابة عنهما:

السؤال الأول: لما ذا أعرض الصحابة عن مدلول حديث الغدير؟
اشارة

إنّ هاهنا اعتراضا على تواتر حديث الغدير، أو دلالته على تنصيب عليّ في مقام الولاية و الخلافة، بأنّه لو كان الأمر كذلك، فلما ذا لم يأخذه الصحابة مقياسا بعد النبي. و ليس من الصحيح إجماع الصحابة، و جمهور الأمّة على ردّ ما بلّغه النبي في ذلك المحتشد العظيم.

و الجواب:

إنّ ذلك أقوى مستمسك لمن يريد التخلص من الاعتناق بالنصّ المتواتر الجلي في المقام، و لكنه لو رجع إلى تاريخ الصحابة، يرى لهذه الأمور نظائر كثيرة في حياتهم السياسية، و ليكن ترك العمل بحديث الغدير من هذا القبيل.

و فيما يلي نذكر نماذج من هذا الاجتهاد المرفوض قبال النصّ.

1 - رزية يوم الخميس

كلّ من ألّم بالحديث و التاريخ، يعرف حديث «رزية يوم الخميس»،

ص: 99


1- من أراد الوقوف على أشعارهم، فليرجع إلى الغدير بأجزائه.
2- لقد استندنا في هذا البحث الضافي إلى كتاب الغدير، فنقدر جهود شيخنا العلامة الأميني، المغفور له.

الذي رواه الشيخان و غيرهما، أخرج البخاري عن ابن عباس، قال: لما حضر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، و في البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، قال النبي: «هلم أكتب لكم كتاب لا تضلّوا بعده أبدا»، فقال عمر: «إنّ النبي قد غلب عليه الوجع، و عندكم القرآن، حسبنا كتاب اللّه». فاختلف أهل البيت، فاختصموا، منهم من يقول: قرّبوا، يكتب لكم النبي كتابا لن تضلّوا بعده، و منهم يقول ما قال عمر. فلما أكثروا اللغو و الاختلاف عند النبي، قال لهم (صلى اللّه عليه و آله): قوموا.

قال عبد اللّه بن مسعود: فكان ابن عباس يقول: «إنّ الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول اللّه و بين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم و لغطهم»(1).

2 - سرية أسامة

قد اهتمّ النبي ببعث سرية أسامة بن زيد اهتماما عظيما، فأمر أصحابه بالتهيؤ لها، و حثّهم عليها، ثم عبّأهم بنفسه الزكية، إرهافا لعزائمهم، و استنهاضا لهممهم، فلم يبق أحدا من وجوه المهاجرين و الأنصار كأبي بكر، و عمر، و أبي عبيدة، و سعد، و أمثالهم، إلاّ و قد عبّأه بالجيش، و كان ذلك لأربع ليال بقين من صفر، سنة إحدى عشرة للهجرة، فلما كان يوم الثامن و العشرين من صفر، بدأ به (صلوات اللّه عليه و آله) مرض الموت، فلما أصبح يوم التاسع و العشرين، و وجدهم مثّاقلين، خرج إليهم فحضّهم على السير، و عقد اللواء لأسامة بيده الشريفة، إرهافا لعزيمتهم ثم قال: «اغز باسم اللّه، و في سبيل

ص: 100


1- أخرجه البخاري، في غير مورد، لاحظ ج 1، باب كتابة العلم، الحديث 3؛ و ج 4، ص 70؛ و ج 6، ص 10؛ من النسخة المطبوعة سنة 1314. و الإمام أحمد في مسنده ج 1، ص 355، و فيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: يوم الخميس و ما يوم الخميس. ثم نظرت إلى دموعه على خدّيه تحدر كأنّها نظام اللؤلؤ قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، ائتوني باللوح و الدواة، أو الكتف، أكتب لكم كتابا لا تضلّوا بعده أبدا. فقالوا: «رسول اللّه يهجر»!!.

اللّه». فخرج بلوائه معقودا، فدفعه إلى بريدة، و عسكر بالجرف.

ثم تثاقلوا هناك، فلم يبرحوا، مع ما وعوه و رأوه من النصوص الصريحة في وجوب إسراعهم كقوله صلوات اللّه عليه و آله: «أغر صباحا على أهل أبنة».

و قوله: «و أسرع السير لتستبق الأخبار»(1).

و قد أغضب النبيّ تثاقلهم، حتى قال: «جهّزوا جيش أسامة، لعن اللّه من تخلّف عنه»، فقال قوم: «يجب علينا امتثال أمره، و أسامة قد برز من المدينة»، و قال قوم: «قد اشتدّ مرض النبي، فلا تسع قلوبنا مفارقته، و الحالة هذه، فنصبر حتى نبصر أي شيء يكون من أمره»(2).

ثم إنّ من ذكر تخلّف القوم عن أسامة، حاول تعليل تخلّف الصحابة، فقال بأنّ الغرض منه إقامة مراسم الشرع في حال تزلزل القلوب، و تسكين نائرة الفتنة المؤثرة عند تقلّب القلوب(3).

فإذا صحّ هذا العذر، فليصحّ مثله في حديث الغدير، فإنّ القوم - أكثرهم لا جميعهم - ثقل عليهم إمامة علي بن أبي طالب الذي قتل من أبناء القوم و إخوانهم يوم بدر و حنين و غيرهما، ما قتل، فرجّحوا مخالفة الحديث حفظا للوحدة، أو لغير ذلك من هذه المبررات - عند القوم - للاجتهاد تجاه النصّ.

كما أنّهم في نفس القضية، طعنوا في إمارة أسامة، طعنا عظيما، و أقلّ ما قالوه، إنّ النبيّ قد أمر شابا غير مجرّب على شيوخ القوم و أكابرهم!!.

3 - صلح الحديبيّة و اعتراض القوم

إنّ النبي الأكرم صالح قريشا في أرض الحديبيّة لمصالح عالية، كشف المستقبل عنها بوضوح. و لما تمّ كتاب الصلح، اعترض عليه لفيف من الصحابة، حتى تصوّروا أنّه من باب إعطاء الدنيّة في طريق الدين.

ص: 101


1- طبقات ابن سعد ج 2، ص 189-192.
2- الملل و النحل، للشهرستاني، ج 1، ص 23.
3- المصدر سابق نفسه.

روى مسلم في باب صلح الحديبيّة أنّ عمر قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «أو لسنا على الحق، و هم على الباطل؟» قال رسول اللّه: «بلى».

قال: «أو لسنا قتلانا في الجنّة و قتلاهم في النار»؟ قال: «بلى». قال: «ففيم نعطي الدّنية في ديننا، و نرجع و لمّا يحكم اللّه بيننا و بينهم»؟. فقال صلّى اللّه عليه و آله: «يا ابن الخطاب، إنّي رسول اللّه، و لن يضيّعني اللّه أبدا»(1).

فانطلق عمر، و لم يصبر متغيظا، فأتى أبا بكر فقال: يا أبا بكر، ألسنا على حقّ و هم على باطل، قال: بلى، قال: أ ليس قتلانا في الجنّة و قتلاهم في النار.

قال: بلى. قال: فعلى م نعطي الدنيّة في ديننا، و نرجع و لمّا يحكم اللّه بيننا و بينهم. فقال: يا ابن الخطاب، إنّه رسول اللّه، و لن يضيّعه اللّه أبدا.

فلما فرغ رسول اللّه من الكتاب قال لأصحابه: قوموا فانحروا، ثم احلقوا. قال الراوي: فو اللّه ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات. فلما لم يقم منهم أحد، دخل خباءه، ثم خرج، فلم يكلم أحدا منهم بشيء، حتى نحر بدنه بيده، و دعا حالقه، فحلق رأسه. فلما رأى أصحابه ذلك قاموا، فنحروا، و جعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد بعضهم يقتل بعض(2).

و لسنا بصدد استقصاء مخالفات القوم لنصوص النبي و تعليماته، فإنّ المخالفة لا تقتصر على ما ذكرنا بل تربوا على نيف و سبعين موردا، استقصاها بعض الأعلام(3).

و على ضوء ذلك، لا يكون ترك العمل بحديث الغدير، من أكثرية الصحابة دليلا على عدم تواتره، أو عدم تمامية دلالته.

و المشكلة كلّها في هذا الباب، هي التعرّف على حكم الصحابة من حيث

ص: 102


1- صحيح مسلم، باب صلح الحديبية، ج 5، ص 175، و الطبقات الكبرى لابن سعد، ج 2، ص 114 حيث استغفر للمحلقين و رأى بعضهم غير محلق.
2- صحيح البخاري، ج 2، كتاب الشروط، ص 81.
3- لاحظ كتاب النصّ و الاجتهاد، للسيد الإمام شرف الدين، و هو كتاب ممتع ملئ بالأحداث التي قدّم فيها الاجتهاد الخاطئ - لا الصحيح فإنّه تبع النص - على النصّ النبوي الجليّ.

العدالة، فإنّ القوم ألبسوا مجموع الصحابة لباس العصمة، و حلّوهم أجمعين بحلية التقوى و العفاف، على وجه لا يكادون يخالفون الكتاب و السنّة قيد شعرة، فالصحابة بمجموعهم معصومون لا يخطئون. فمن كانت هذه عقيدته، فيشكل عليه القول بأن القوم خالفوا تنصيص النبي و تنصيبه لعلي عليه السلام.

و لكنها عقيدة تضاد كتاب اللّه و سنته، و التاريخ. فمن درس حياة الصحابة في ضوء الكتاب و السنّة النبوية و التاريخ الصحيح، يقف على أنّ فيهم صالحا و طالحا، كسائر أفراد المجتمعات البشرية، و ليس السلف خيرا من الخلف، بل السلف و الخلف على وتيرة واحدة، فَمِنْهُمْ ظٰالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سٰابِقٌ بِالْخَيْرٰاتِ بِإِذْنِ اَللّٰهِ (1).

السؤال الثاني: ما فائدة البحث عن إمامة عليّ في هذه الأزمان؟
اشارة

و هاهنا سؤال آخر يطرحه لفيف من دعاة الوحدة، الذين لهم رغبة خاصة بتوحيد صفوف المسلمين و تقريب الخطى بينهم، و حاصله:

إنّ البحث عن صيغة الخلافة بعد النبي الأكرم صلى اللّه عليه و آله و سلّم، يرجع لبّه إلى أمر تاريخي قد مضى زمنه و هو أنّ الخليفة بعد النبي هل هو الإمام أمير المؤمنين أو أبو بكر. و ما ذا يفيد المؤمنين البحث حول هذا الأمر الذي لا يرجع إليهم بشيء في حياتهم المعاصرة. أو ليس من الحريّ ترك هذا البحث حفظا للوحدة.

و الجواب

لا شك أنّ أعظم خلاف وقع بين الأمّة، اختلافهم في الإمامة، و ما سلّ

ص: 103


1- سورة فاطر: الآية 32، و قد أشبع الأستاذ دام حفظه، الكلام في حال الصحابة من حيث البرهان و العاطفة في بحوثه في الملل و النحل، فلاحظ: ج 1، ص 191-228.

سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سلّ على الإمامة(1). فمن واجب المسلم الحرّ، الذي لا يتبنّى إلاّ مصلحة المسلمين، السعي وراء الوحدة، و لكن ليس معنى ذلك ترك البحث، و غلق ملف الدراسة، فإنّه إذا كان البحث نزيها موضوعيا يكون مؤثّرا في توحيد الصفوف و تقريب الخطى، إذ عندئذ تتعرف كل طائفة على ما لدى الأخرى، من العقائد و الأصول، و بالتالي تكون الطائفتان متقاربتين. و هذا بخلاف ما إذا تركنا البحث مخافة الفرقة، فإنّه يثير سوء ظنّ كلّ طائفة بالنسبة إلى الأخرى في مجال العقائد و المعارف، فربما تتصورها طائفة أجنبيا عن الإسلام. هذا أولا.

و ثانيا: إنّ لمسألة البحث عن صيغة الإمامة بعد النبي بعدين أحدهما بعد تاريخي مضى عصره، و الثاني بعد ديني باق أثره إلى يومنا هذا، و من واجب كلّ مسلم الأخذ به، و هو أنّه إذا صحّ تنصيب عليّ لمقام الولاية و الخلافة، بالمعنى الذي تتبناه الإمامية، يكون الإمام، وراء كونه زعيما في ذلك العصر، مرجعا في رفع المشاكل التي خلفتها رحلة النبي، ممّا قد مرّ عليك، فيجب على المسلمين الرجوع إليه في تفسير القرآن و تبيينه، و في مجال الموضوعات المستجدة التي لم يرد فيها النصّ في الكتاب و السنّة، كما يكون مرجعا في سائر الأمور.

و في ضوء هذا، فالبعد الذي مضى، و لا نعيد البحث فيه، هو كونه زعيما في ذلك العصر، و قد مضى زمنه، و لكن الباقي زعامته الدينية، و قيادته في مجال المعارف و المسائل الشرعية، فهو بعد باق، فيجب على كل المسلمين الرجوع إلى الإمام أخذا بهذه الأبعاد، لحديث الغدير و غيره. فليس البحث متلخصا في البعد السياسي حتى نشطب عليه بدعوى أنّه مضى ما مضى، بل له كما عرفت مجال و مجالات باقية.

فإذا وصل البحث إلى هنا، يجب علينا التركيز على مسألة أخرى و هي أنّ النبي الأكرم، لم يزل يهيب في الجاهلين، و يصرخ في الغافلين، داعيا إلى التمسّك بالكتاب و العترة معا، و هذا تصريح بأنّ لقيادة العترة الطاهرة وراء

ص: 104


1- تقدمت منا هذه الكلمة نقلا عن الشهرستاني في الملل و النحل.

الزعامة السياسية المحددة بوقت خاص، و زمن حياتهم، بعدا خالدا إلى يوم القيامة، و هو لزوم الانكباب عليهم فيما يطرأ علينا من الحوادث و الوقائع الدينية، و كل ما يمت إلى الدين بصلة، و نتطلب الجواب و الاهتداء منهم، و لأجل ذلك يجب علينا التعرّف على هذا القسم من الأحاديث الذي يركز على الجهات المعنوية أزيد من التركيز على الجهات السياسية.

1 - حديث الثّقلين
اشارة

روى أصحاب الصحاح و المسانيد عن النبي الأكرم أنّه قال: «يا أيّها الناس إنّي تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا، كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي».

و قال في موضع آخر: «إنّي تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا، كتاب اللّه، حبل ممدود من السماء إلى الأرض، و عترتي أهل بيتي، و لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما». و غير ذلك من النصوص المتقاربة.

و قد صدع بها في غير موقف، تارة بعد انصرافه من الطائف، و أخرى يوم عرفة في حجة الوداع، و ثالثة يوم غدير خمّ، و رابعة على منبره في المدينة، و أخرى في حجرته المباركة في مرضه و الحجرة غاصّة بأهله.

و لا يشك في صحّة الحديث إلاّ الجاهل به أو المعاند، فقد روي بطرق كثيرة عن نيف و عشرين صحابيا(1).

إنّ الإمعان في الحديث يعرب عن عصمة العترة الطاهرة، حيث قورنت

ص: 105


1- و كفى في ذلك أن دار التقريب بين المذاهب الإسلامية قامت بنشر رسالة جمعت فيها مصادر الحديث و نذكر من طرقه الكثيرة ما يلي: صحيح مسلم، ج 7، ص 122، سنن الترمذي، ج 2، ص 307، مسند أحمد، ج 3، ص 17 و 26 و 59. و ج 4، ص 366 و 371. و ج 5، ص 182 و 189. و قد قام المحدث الكبير السيد حامد حسين الهندي بجمع طرق الحديث و نقل كلمات الأعاظم حوله و نشره في ستة أجزاء و هو من أجزاء كتابه الكبير العبقات.

بالقرآن الكريم، و أنّهما لا يفترقان، و من المعلوم أنّ القرآن العظيم، كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، فكيف يمكن أن يكون قرناء القرآن و أعداؤه، خاطئين فيما يحكمون و يبرمون، أو يقولون و يحدّثون. فعدم الافتراق إلى يوم القيامة، آية كونهم معصومين فيما يقولون و يروون.

أضف إلى ذلك أنّ الحديث، يعدّ المتمسّك بالعترة غير ضالّ، بقوله:

«لن تضلّوا». فلو كانوا غير معصومين من الخلاف و الخطأ، فكيف لا يضلّ المتمسك بهم؟.

نعم، ورد في بعض النصوص مكان كتاب اللّه و عترتي، كتاب اللّه و سنّتي(1). و هو على فرض صحته، حديث آخر لا يزاحمه، على أنّه حديث واحد، و هذا الحديث متواتر نقله أعلام الأئمة، و أساتذة الحديث و التاريخ و السيرة، و لا يعلم حقيقة ذلك إلاّ من راجع مصادر الحديث(2). فيقدّم عليه في كل حال.

من هم العترة و أهل البيت؟

لا أظن أنّ أحدا، قرأ الحديث و التاريخ، يشكّ في أنّ المراد من العترة و أهل البيت لفيف خاص من أهل بيته. و يكفي في ذلك مراجعة الأحاديث التي جمعها ابن الأثير في جامعه عن الصحاح، و نكتفي بالقليل من الكثير منها.

1 - روى الترمذي عن سعد بن أبي وقّاص قال: لمّا نزلت هذه الآية:

فَقُلْ تَعٰالَوْا نَدْعُ أَبْنٰاءَنٰا وَ أَبْنٰاءَكُمْ وَ نِسٰاءَنٰا وَ نِسٰاءَكُمْ... الآية، دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله عليّا، و فاطمة، و حسنا، و حسينا، فقال:

«اللّهم هؤلاء أهلي».

ص: 106


1- الصواعق المحرقة، ص 89.
2- و راجع أيضا في الوقوف على مصادر الحديث، غاية المرام للسيد البحراني، ص 417-434. و المراجعات، المراجعة 8. و تعاليق إحقاق الحق، ج 9.

2 - و روى أيضا عن أمّ سلمة رضي اللّه عنها، قالت: إنّ هذه الآية نزلت في بيتي: إِنَّمٰا يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ، قالت: و أنا جالسة عند الباب، فقلت: يا رسول اللّه، أ لست من أهل البيت، فقال: إنّك إلى خير، أنت من أزواج رسول اللّه. قالت: و في البيت رسول اللّه، و عليّ، و فاطمة، و حسن، و حسين، فجلّلهم بكسائه، و قال:

«اللّهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا».

3 - و روى أيضا عن أنس بن مالك أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله كان يمرّ بباب فاطمة إذا خرج إلى الصلاة حين نزلت هذه الآية قريبا من ستة أشهر، يقول: «الصلاة أهل البيت: إِنَّمٰا يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ».

4 - و روى مسلم عن زيد بن أرقم قال: قال يزيد بن حيان: انطلقت أنا و حصين بن سبرة، و عمر بن مسلم، إلى زيد بن أرقم، فلما جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا، رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، و سمعت حديثه، و غزوت معه، و صلّيت خلفه، لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا، حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله؟.

قال: يا ابن أخي و اللّه، لقد كبرت سني، و قدم عهدي، فما حدّثتكم فاقبلوا، و ما لا فلا تكلّفونيه. ثم قال: قام رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، يوما فينا خطيبا بماء يدعى خمّا، بين مكة و المدينة، فحمد اللّه و أثنى عليه، و وعظ و ذكّر ثم قال: أما بعد، ألا أيّها الناس، إنّما أنا بشر، يوشك أن يأتيني رسول ربّي فأجيب، و أنا تارك فيكم ثقلين، أوّلهما كتاب اللّه فيه الهدى و النور، فخذوا بكتاب اللّه، و استمسكوا به. فحثّ على كتاب اللّه و رغب فيه، ثم قال: و أهل بيتي، أذكّركم اللّه في أهل بيتي، أذكّركم اللّه في أهل بيتي، أذكّركم اللّه في أهل بيتي».

فقلنا: من أهل بيته؟ نساؤه؟. قال: لا، و أيم اللّه، إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدّهر، ثم يطلّقها، فترجع إلى أبيها و قومها، أهل بيته،

ص: 107

أصله و عصبته الذين حرموا الصّدقة بعده(1).

***

2 - حديث السفينة

روى المحدّثون عن النبي الأكرم أنّه قال: «إنّما مثل أهل بيتي في أمّتي، كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا، و من تخلّف عنها غرق»(2).

فشبّه صلوات اللّه عليه و آله، أهل بيته بسفينة نوح في أنّ من لجأ إليهم في الدين فأخذ أصوله و فروعه عنهم نجا من عذاب النّار، و من تخلّف عنهم كان كمن آوى يوم الطّوفان إلى جبل ليعصمه من أمر اللّه، غير أنّ ذاك غرق في الماء و هذا في الحميم.

فإذا كانت هذه منزلة علماء أهل البيت، فَأَنّٰى تُصْرَفُونَ ؟.

يقول ابن حجر في صواعقه: «و وجه تشبيههم بالسفينة أنّ من أحبّهم و عظّمهم، شكرا لنعمة مشرّفهم، و أخذ بهدي علمائهم، نجى من ظلمة المخالفات. و من تخلّف عن ذلك، غرق في بحر كفر النّعم، و هلك في مفاوز الطغيان»(3).

***

ص: 108


1- لاحظ فيما نقلناه من الأحاديث، جامع الأصول، ج 1، الفصل الثالث، من الباب الرابع، ص 100-103.
2- مستدرك الحاكم، ج 2، ص 151. الخصائص الكبرى للسيوطي، ج 2، ص 266. و للحديث طرق و مسانيد كثيرة، من أراد الوقوف عليها، فعليه بتعاليق إحقاق الحق، ج 9، ص 270-293.
3- الصواعق، الباب 11، ص 191. ألا مسائل ابن حجر أنّه إذا كان هذا مقام أهل البيت، فلما ذا لم يأخذ هو بهدي أئمتهم في شيء من فروع الدين و عقائده، و لا في شيء من علوم السنّة و الكتاب، و لا في شيء من الأخلاق و السلوك و الآداب؟ و لما ذا تخلّف عنهم، فأغرق نفسه في بحار كفر النعم، و أهلكها في مفاوز الطغيان؟!.

البحث الثاني السنّة النبوية و الأئمة الاثنا عشر

اشارة

إنّ النبي الأكرم لم يكتف بتنصيب عليّ منصب الإمامة و الخلافة، كما لم يكتف بإرجاع الأمّة الإسلامية إلى أهل بيته و عترته الطاهرة، و لم يقتصر على تشبيههم بسفينة نوح، بل قام ببيان عدد الأئمة الذين يتولون الخلافة بعده، واحدا بعد واحد، حتى لا يبقى لمرتاب ريب، و لا لشاكّ شك، و قد جاء ذلك في الصحاح و المسانيد بصور مختلفة نشير إليها.

1 - كلهم من قريش

روى البخاري عن جابر بن سمرة قال: سمعت النبي يقول:

«يكون اثنا عشر أميرا، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنّه قال:

كلّهم من قريش»(1).

2 - لا يزال الإسلام عزيزا

روى مسلم عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يقول:

ص: 109


1- صحيح البخاري، ج 9، باب الاستخلاف، ص 81. و رواه ناقصا كما يظهر ممّا نقله مسلم و غيره، رواه أحمد في مسنده، ج 5، ص 90، و ص 92، و ص 95، و ص 108.

«لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة، ثم قال كلمة لم أفهمها، فقلت لأبي: ما قال؟ قال: قال: كلّهم من قريش»(1).

3 - لا يزال الدين عزيزا منيعا

و روى أيضا عن جابر بن سمرة قال: انطلقت إلى رسول اللّه و معي أبي فسمعته يقول:

لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا إلى اثني عشر خليفة، فقال كلمة صمّنيها الناس، فقلت لأبي: ما قال؟. قال: كلّهم من قريش(2).

4 - لا يزال الدين قائما

و روى أيضا عنه، قال: سمعت رسول اللّه يوم جمعة عشية رجم الأسلمي، يقول: لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش(3).

5 - لا يزال الدين ظاهرا

روى أحمد في مسنده، عن جابر قال سمعت رسول اللّه يقول في حجة الوداع: إنّ هذا الدين لن يزال ظاهرا على من ناواه، لا يضرّه مخالف و لا مفارق حتى يمضي من أمّتي اثنا عشر خليفة. ثم تكلم بشيء لم أفهمه، فقلت لأبي: ما

ص: 110


1- صحيح مسلم، ج 6، كتاب الإمارة، باب الناس تبع لقريش، ص 3. و روى هذا المضمون تارة عن سماك بن حزب عن جابر، و أخرى عن الشعبي عن جابر. و رواه أحمد في مسنده، ج 5، ص 90، و 98، و فيه: فكبّر الناس و ضجّوا.
2- المصدر السابق من صحيح مسلم، و مسند أحمد، ج 5، ص 98. و فيه: «لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا ينصرون على من ناواهم عليه».
3- المصدر نفسه. و مسند أحمد، ج 5، ص 86، ص 89، و في ص 92: «لا يزال الدين قائما يقاتل عليه عصابة حتى تقوم الساعة». و ص 98، و فيها «عصابة من المسلمين».

قال؟ قال: قال: كلهم من قريش(1).

6 - لا يزال هذا الأمر صالحا

روى أحمد في مسنده عن جابر عن سمرة قال: جئت أنا و أبي إلى النبي، و هو يقول: لا يزال هذا الأمر صالحا، حتى يكون اثنا عشر أميرا، ثم قال كلمة لم أفهمها، فقلت لأبي ما قال؟. قال: كلّهم من قريش(2).

7 - لا يزال الناس بخير

و روى أيضا عنه قال: كنت مع أبي عند رسول اللّه، فقال رسول اللّه: لا يزال هذا الدين عزيزا، أو قال: لا يزال الناس بخير - شكّ أبو عبد الصمد - إلى اثني عشر خليفة، ثم قال كلمة خفيّة، فقلت لأبي، ما قال؟. قال: كلّهم من قريش(3).

فهلمّ الآن إلى البحث عن هؤلاء الخلفاء الاثني عشر، حتى نعرف من هم و قد وقفت على أنّ الرسول الأكرم قد عرفهم بالخصوصيات التالية:

- لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة.

- لا يزال الدين عزيزا منيعا إلى اثني عشر خليفة.

- لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة.

- لا يزال الدين ظاهرا على من ناواه... حتى يمضي من أمتي اثنا عشر خليفة.

- لا يزال هذا الأمر صالحا حتى يكون اثنا عشر أميرا.

- لا يزال الناس بخير إلى اثني عشر خليفة.

ص: 111


1- مسند أحمد، ج 5، ص 87 و ص 88 و ص 90. و لاحظ المستدرك، ج 3، ص 618 و فيه: «لا يزال أمر هذه الأمّة ظاهرا».
2- مسند أحمد، ج 5، ص 97 و ص 107 و لاحظ المستدرك، ج 3، ص 618.
3- مسند أحمد، ج 5، ص 98.

و قد اختلفت كلمة شراح الحديث في تعيين هؤلاء الأئمة، و لا تجد بينها كلمة تشفي العليل، و تروي الغليل، إلاّ ما نقله القندوزي عن بعض المحققين، قال:

«إنّ الأحاديث الدالّة على كون الخلفاء بعده اثني عشر، قد اشتهرت من طرق كثيرة، فبشرح الزمان، و تعريف الكون و المكان، علم أنّ مراد رسول اللّه من حديثه هذا، الأئمة الاثنا عشر من أهل بيته و عترته، إذ لا يمكن أن يحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه، لقلّتهم عن اثني عشر، و لا يمكن أن يحمل على الملوك الأمويين لزيادتهم على الاثني عشر، و لظلمهم الفاحش إلاّ عمر بن عبد العزيز، و لكونه غير بني هاشم، لأنّ النبي صلى اللّه عليه و آله قال:

كلهم من بني هاشم، في رواية عبد الملك عن جابر، و إخفاء صوته في هذا القول يرجّح هذه الرواية، لأنّهم لا يحسّنون خلافة بني هاشم، و لا يمكن أن يحمل على الملوك العباسيين لزيادتهم على العدد المذكور، و لقلّة رعايتهم قوله سبحانه: قُلْ لاٰ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ اَلْمَوَدَّةَ فِي اَلْقُرْبىٰ ، و حديث الكساء، فلا بدّ من أن يحمل على الأئمة الاثني عشر من أهل بيته و عترته، لأنّهم كانوا أعلم أهل زمانهم، و أجلّهم، و أورعهم، و أتقاهم، و أعلاهم نسبا، و أفضلهم حسبا، و أكرمهم عند اللّه، و كانت علومهم عن آبائهم متصلة بجدّهم صلى اللّه عليه و آله، و بالوراثة اللّدنيّة، كذا عرّفهم أهل العلم و التحقيق، و أهل الكشف و التوفيق.

و يؤيّد هذا المعنى، أي أنّ مراد النبي الأئمة الاثني عشر من أهل بيته، و يشهد عليه و يرجّحه حديث الثقلين و الأحاديث المتكثرة المذكورة في هذا الكتاب و غيرها.

و أمّا قوله صلى اللّه عليه و آله: كلّهم يجتمع عليه الأمّة، في رواية جابر بن سمرة، فمراده أنّ الأمّة تجتمع على الإقرار بإمامة كلّهم وقت ظهور قائمهم المهدي»(1).

و العجب من بعض المتعصبين حمله على خلفاء بني أميّة من بعد الصحابة،

ص: 112


1- ينابيع المودة، للشيخ سليمان المعروف بالبلخي القندوزي، ص 446، ط اسطنبول عام 1301.

قال: «و ليس الحديث واردا على المدح، بل على استقامة السلطنة، و هم يزيد بن معاوية، و ابنه معاوية، و لا يدخل عبد اللّه بن الزبير لأنّه من الصحابة، و لا مروان بن الحكم لكونه بويع بعد ابن الزبير، فكان غاصبا، ثم عبد الملك، ثم الوليد، إلى مروان بن محمد»(1).

و هذا لعمري رمي للقول على عواهنه، فمن أين علم أنّه إشارة إلى إمارة غير الصحابة، مع أنّه قال: يكون بعدي. ثم ما فائدة هذا الإخبار و ما حاصله؟.

أضف إلى ذلك أنّ الرسول الأكرم أناط عزة الإسلام، و منعته، و قوام الدين و صلاح الأمّة، بخلافة هؤلاء. و هل كان في خلافتهم هذه الآثار، أو الذي كان هو ما يضادّها؟ فكيف يمكن حمل هذه البشائر التي صدرت على سبيل المدح، على مثل يزيد بن معاوية قاتل الإمام الطاهر، و الفاسق المعلن بالمنكرات و الكفر، و المتمثل بأشعار ابن الزّبعرى المعروفة(2). و موبقات هذا الرجل من استباحة دم الصحابة، و التابعين ثلاثة أيام(3)، و غير ذلك، ممّا لا يحصى. و كيف يعدّ وليد بن يزيد بن عبد الملك من خلفاء رسول اللّه الذين يعتزّ بهم الدين؟:

فتح الوليد المصحف ذات يوم و قرأ قوله تعالى: وَ اِسْتَفْتَحُوا وَ خٰابَ كُلُّ جَبّٰارٍ عَنِيدٍ * مِنْ وَرٰائِهِ جَهَنَّمُ وَ يُسْقىٰ مِنْ مٰاءٍ صَدِيدٍ (4)، فدعا بالمصحف، فنصبه غرضا للنشاب، و أقبل يرميه و هو يقول:

تهدّدني بجبار عنيد *** فها أنا ذاك جبّار عنيد

إذا ما جئت ربّك يوم حشر *** فقل يا ربّ مزّقني الوليد

ص: 113


1- منتخب الأثر، ص 16، نقلا عن حواشي صحيح الترمذي.
2- ليت أشياخي ببدر شهدوا وقع الخزرج من وقع الأسل إلى آخر الأبيات و فيها: لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء و لا وحي نزل (البداية و النهاية، لابن الأثير، ج 8، ص 142. ط دار الفكر - بيروت، و تذكرة الخواص، لابن الجوزي، ص 235، ط بيروت 1401-1981).
3- لاحظ تاريخ الطبري، حوادث سنة 63، ص 370-381.
4- سورة إبراهيم: الآيتان 15 و 16.

و ذكر محمد بن يزيد المبرّد النحوي أنّ الوليد ألحد في شعر له ذكر فيه النبي صلى اللّه عليه و آله، و أنّ الوحي لم يأته من ربّه. كذب أخزاه اللّه من ذلك الشعر:

تلعّب بالخلافة هاشمي *** بلا وحي أتاه و لا كتاب

فقل للّه يمنعني طعامي *** و قل للّه يمنعني شرابي

فلم يمهل بعد قوله هذا إلاّ أياما حتى قتل(1).

و الإنسان الحرّ الفارغ عن كل رأي مسبق، لو أمعن النظر في هذه الأحاديث و أمعن في تاريخ الأئمة الاثني عشر من ولد الرسول، يقف على أنّ هذه الأحاديث لا تروم غيرهم، فإنّ بعضها يدلّ على أنّ الإسلام لا ينقرض و لا ينقضي حتى يمضي في المسلمين اثنا عشر خليفة، كلّهم من قريش، و بعضها يدلّ على أنّ عزّة الإسلام إنّما تكون إلى اثني عشر خليفة، و بعضها يدلّ على أنّ الدين قائم إلى قيام الساعة، و إلى ظهور اثني عشر خليفة، و غير ذلك من العناوين.

و هذه الخصوصيات لا توجد في الأمّة الإسلامية إلاّ في الأئمة الاثني عشر المعروفين عند الفريقين، خصوصا ما يدلّ على أن وجود الأئمة مستمر إلى آخر الدهر، و من المعلوم أنّ آخر الأئمة هو المهدي المنتظر، الذي يعدّ ظهوره من أشراط الساعة.

و لو أضفنا إلى هذا، الروايات الكثيرة الواردة في الأئمة الاثني عشر، يقطع الإنسان بأنّه ليس المراد إلاّ هؤلاء الذين اعترف بفضلهم، و ورعهم، و تقاهم، و علمهم، و وعيهم، و حلمهم، و صبرهم، و درايتهم، و كفايتهم، الداني و القاصي، و الصديق و العدو، ألا و هم:

علي بن أبي طالب، فالحسن بن علي، فالحسين بن علي، فعلي بن الحسين، فمحمد بن علي، فجعفر بن محمد، فموسى بن جعفر، فعلي بن موسى، فمحمد بن علي، فعلي بن محمد، فالحسن بن علي، فمحمد بن الحسن

ص: 114


1- مروج الذهب، ج 3، ص 216.

العسكري، المهدي المنتظر الذي يملأ اللّه به الأرض قسطا و عدلا بعد ما ملئت ظلما و جورا(1)، صلوات اللّه و تحياته و سلامه عليهم أجمعين.

و قد تضافرت النصوص في تنصيص الإمام السابق على الإمام اللاحق، فمن أراد الوقوف على هذه النصوص، فعليه الرجوع إلى الكتب المعدّة لإمامة الأئمة الاثني عشر(2).

ص: 115


1- سيوافيك الكلام في الإمام المنتظر، و أحاديثه في السنّة النبوية، و طول عمره، و علائم ظهوره، و غير ذلك مما يرجع إليه.
2- لاحظ الكافي، ج 1، كتاب الحجة، و أجمع كتاب في هذا الموضوع هو كتاب «إثبات الهداة» للشيخ الحرّ العاملي و قد جمع فيه النصوص المتضافرة على إمامة كلّ واحد من الأئمة الاثني عشر.

البحث الثالث عصمة الإمام في القرآن

اشارة

قد عرفت في البحث عن شروط الإمامة، اختلاف أهل السنّة في عددها، و علمت المتّفق عليه، و المختلف عليه منها. و قد اتّفقوا وراء ذلك على أنّ العصمة ليست من الشرائط، أخذا بمبادئهم حيث إنّ الخلفاء بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، لم يكونوا بمعصومين قطعا، بل إنّ بعضهم لم يكن مجتهدا في الكتاب و السنّة.

و أمّا الشيعة الإمامية، فقد اتّفقت على هذا الشرط من بين الشروط، و استدلّوا عليه بأدلّة، نكتفي ببعضها:

1 - الإمامة استمرار لوظائف الرسالة

إنّ حقيقة الإمامة الذي تتبناه الشيعة الإمامية، هي القيام بوظائف الرسول بعد رحلته، و قد تعرفت على وظائفه الرسالية و الفراغات الحاصلة بموته و التحاقه بالرفيق الأعلى. و من المعلوم أنّ سدّ هذه الفراغات لا يتحقق إلاّ بأن يكون الإمام متمتعا بما يتمتع به النبي الأكرم من الكفاءات و المؤهلات، فيكون عارفا بالكتاب و السنّة على وفق الواقع، و عالما بحكم الموضوعات المستجدة عرفانا واقعيا، و ذابّا عن الدين شبهات المشككين، و من المعلوم أنّ هذه الوظيفة تستدعي كون الإمام مصونا من الخطأ. فما دلّ على أنّ النبيّ يجب أن يكون مصونا في مقام إبلاغ

ص: 116

الرسالة، قائم في المقام بنفسه، فإنّ الإمام يقوم بنفس تلك الوظيفة، و إن لم يكن رسولا و لا طرفا للوحي، و لكنه يكون عيبة لعلمه، و حاملا لشرعه و أحكامه، فإذا لم نجوّز الخطأ على النبي في مقام الإبلاغ، فليكن الأمر كذلك في مقام القيام بتلك الوظيفة بلا منصب الرسالة و النبوة.

2 - آية ابتلاء إبراهيم
اشارة

قال سبحانه: وَ إِذِ اِبْتَلىٰ إِبْرٰاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمٰاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ، قٰالَ إِنِّي جٰاعِلُكَ لِلنّٰاسِ إِمٰاماً، قٰالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي، قٰالَ: لاٰ يَنٰالُ عَهْدِي اَلظّٰالِمِينَ (1).

إنّ تفسير الآية كما هو حقّها يتوقف على البحث عن النقاط التالية:

أ - ما هو الهدف من الابتلاء؟.

ب - ما هو المراد من الكلمات؟.

ج - ما ذا يراد من الإتمام؟.

د - ما هو المقصود من الإمام (إماما)؟.

ه - كيف تكون الإمامة عهدا إلهيا (عهدي)؟.

و - ما هو المراد من الظالمين؟.

و لكنّ إفاضة الكلام في هذه الموضوعات، يحوجنا إلى تأليف رسالة مفردة فنكتفي بالتركيز على اثنين من هذه الموضوعات(2).

الأول - ما هو المقصود من الإمامة التي أنعم اللّه سبحانه بها على نبيّه الخليل؟.

الثاني - ما هو المراد من الظالمين؟.

ص: 117


1- سورة البقرة: الآية 124.
2- و قد أشبع شيخنا الأستاذ، البحث عن هذه الموضوعات الستّة في موسوعته القرآنية «مفاهيم القرآن»، ج 5، ص 205-259.
الأول - ما هو المراد من الإمامة في الآية؟

ذهب عدّة من المفسّرين منهم الرازي في مفاتيحه، إلى أنّ المراد من الإمامة هنا، النبوة، و أنّ ملاك إمامة الخليل، نبوّته، لأنّها تتضمن مشاقّا عظيمة(1).

و قال الشيخ محمد عبده: «الإمامة هنا عبارة عن الرسالة، و هي لا تنال بكسب الكاسب»(2).

يلاحظ عليه: إنّ إبراهيم كان نبيّا قبل الابتلاء بالكلمات، و قبل تنصيبه إماما، فكيف يصحّ أن تفسّر الإمامة بالنبوّة على ما في لفظ الرازي، أو بالرسالة، على ما في لفظ المنار؟ و دليلنا على ما ذكرنا، أمران:

1 - إنّ نزول الوحي على إبراهيم، و جعله طرفا للخطاب بقوله: إِنِّي جٰاعِلُكَ لِلنّٰاسِ إِمٰاماً ، أوضح دليل على أنّه كان نبيّا متلقيا للوحي قبل نزول هذه الآية. و أسلوب الكلام يدلّ على أنّه لم يكن وحيا ابتدائيا، بل يعرب عن كونه استمرارا للوحي السابق، و المحاورة الموجودة بينه و بين اللّه تعالى، حيث طلب الإمامة لذريته، تناسب الوحي الاستمراري لا الوحي الابتدائي. و إن كنت في شكّ، فلاحظ الوحي الابتدائي، النازل على موسى في طور سيناء حيث خوطب بقوله:

فَلَمّٰا أَتٰاهٰا نُودِيَ مِنْ شٰاطِئِ اَلْوٰادِ اَلْأَيْمَنِ فِي اَلْبُقْعَةِ اَلْمُبٰارَكَةِ مِنَ اَلشَّجَرَةِ أَنْ يٰا مُوسىٰ إِنِّي أَنَا اَللّٰهُ رَبُّ اَلْعٰالَمِينَ (3) .

2 - إنّ الخليل طلب الإمامة لذرّيته، و من المعلوم أنّ إبراهيم كان نبيّا قبل أن يرزق أيّ ولد من ولديه إسماعيل و إسحاق، أمّا أوّلهما فقد رزقه بعد تحطيم الأصنام في بابل، و إعداد العدّة للخروج إلى فلسطين، حيث وافاه الوحي

ص: 118


1- مفاتيح الغيب، للرازي، ج 1، ص 490.
2- المنار، ج 1، ص 455.
3- سورة القصص: الآية 30. و لاحظ سورة العلق: الآيات 1-5، فإنّها من الوحي الابتدائي، و هي لا تشبه الخطاب الوارد في الآية الموجّه إلى الخليل.

و بشّره: فَبَشَّرْنٰاهُ بِغُلاٰمٍ حَلِيمٍ (1). و أمّا ثانيهما، فقد بشرته به الملائكة عند ما دخلوا عليه ضيوفا، فقالوا: إِنّٰا نُبَشِّرُكَ بِغُلاٰمٍ عَلِيمٍ (2).

و على ذلك، يجب أن تكون الإمامة الموهوبة للخليل غير النبوة، و إلاّ كان أشبه بتحصيل الحاصل.

و الظاهر أنّ المراد من الإمامة، القيادة الإلهية للمجتمع، فإنّ هناك مقامات ثلاثة:

- مقام النبوة، و هو منصب تحمّل الوحي.

- مقام الرسالة، و هو منصب إبلاغه إلى الناس.

- مقام الإمامة، و هو منصب القيادة و تنفيذ الشريعة في المجتمع بقوة و قدرة.

و يعرب عن كون المراد من الإمامة في المقام هو المعنى الثالث، قوله سبحانه: أَمْ يَحْسُدُونَ اَلنّٰاسَ عَلىٰ مٰا آتٰاهُمُ اَللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ، فَقَدْ آتَيْنٰا آلَ إِبْرٰاهِيمَ اَلْكِتٰابَ وَ اَلْحِكْمَةَ وَ آتَيْنٰاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (3).

فالإمامة التي أنعم بها اللّه سبحانه على الخليل و بعض ذرّيته، هي الملك العظيم الوارد في هذه الآية. و علينا الفحص عن المراد من الملك العظيم، إذ عند ذلك يتّضح أنّ مقام الإمامة، وراء النبوة و الرسالة، و إنّما هو قيادة حكيمة، و حكومة إلهيّة، يبلغ المجتمع بها إلى السعادة. و اللّه سبحانه يوضح حقيقة هذا الملك في الآيات التالية:

1 - يقول سبحانه - حاكيا قول يوسف عليه السلام -: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ اَلْمُلْكِ وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ اَلْأَحٰادِيثِ (4). و من المعلوم أنّ الملك الذي منّ به

ص: 119


1- لاحظ سورة الصافات: الآيات 91-102.
2- لاحظ سورة الحجر: الآيات 51-55.
3- سورة النساء: الآية 54.
4- سورة يوسف: الآية 101.

سبحانه على عبده يوسف، ليس النبوة، بل الحاكمية، حيث صار أمينا مكينا في الأرض. فقوله: وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ اَلْأَحٰادِيثِ ، إشارة إلى نبوته، و الملك إشارة إلى سلطته و قدرته.

2 - و يقول سبحانه في داود عليه السلام: وَ آتٰاهُ اَللّٰهُ اَلْمُلْكَ وَ اَلْحِكْمَةَ وَ عَلَّمَهُ مِمّٰا يَشٰاءُ (1). و يقول سبحانه: وَ شَدَدْنٰا مُلْكَهُ وَ آتَيْنٰاهُ اَلْحِكْمَةَ وَ فَصْلَ اَلْخِطٰابِ (2).

3 - و يحكي اللّه تعالى عن سليمان أنّه قال: وَ هَبْ لِي مُلْكاً لاٰ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ اَلْوَهّٰابُ (3).

فملاحظة هذه الآيات يفسّر لنا حقيقة الإمامة، و ذلك بفضل الأمور التالية.

أ - إنّ إبراهيم طلب الإمامة لذريته، و قد أجاب سبحانه دعوته في بعضهم.

ب - إنّ مجموعة من ذريته، كيوسف و داود و سليمان، نالوا - وراء النبوة و الرسالة - منصب الحكومة و القيادة.

ج - إنّه سبحانه أعطى آل إبراهيم الكتاب، و الحكمة، و الملك العظيم.

فمن ضمّ هذه الأمور بعضها إلى بعض، يخرج بهذه النتيجة: إنّ ملاك الإمامة في ذريّة إبراهيم، هو قيادتهم و حكمهم في المجتمع، و هذه هي حقيقة الإمامة، غير أنّها ربما تجتمع مع المقامين الآخرين، كما في الخليل، و يوسف، و داود، و سليمان، و غيرهم، و ربما تنفصل عنهما، كما في قوله سبحانه: وَ قٰالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اَللّٰهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طٰالُوتَ مَلِكاً، قٰالُوا أَنّٰى يَكُونُ لَهُ اَلْمُلْكُ عَلَيْنٰا وَ نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ، وَ لَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ اَلْمٰالِ، قٰالَ إِنَّ اَللّٰهَ اِصْطَفٰاهُ عَلَيْكُمْ وَ زٰادَهُ

ص: 120


1- سورة البقرة: الآية 251.
2- سورة ص: الآية 20.
3- سورة ص: الآية 35.

بَسْطَةً فِي اَلْعِلْمِ وَ اَلْجِسْمِ، وَ اَللّٰهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشٰاءُ وَ اَللّٰهُ وٰاسِعٌ عَلِيمٌ (1) .

و الإمامة التي يتبناها المسلمون بعد رحلة النبي الأكرم، تتّحد واقعيتها مع هذه الإمامة.

الثاني - ما هو المراد من الظالمين
اشارة

الظلم في اللغة هو وضع الشيء في غير موضعه، و مجاوزة الحدّ الذي عيّنه العرف أو الشرع، فالمعصية، كبيرها و صغيرها، ظلم، لأنّ مقترفهما يتجاوز عن الحدّ الذي رسمه الشارع.

و الظلم له مراتب، و المجموع يشترك في كونه تجاوزا عن الحدّ، و وضعا للشيء في غير موضعه.

و لما خلع سبحانه ثوب الإمامة على خليله، و نصبه إماما للناس، و دعا إبراهيم أن يجعل من ذريته إماما، أجيب بأنّ الإمامة وثيقة إلهية، لا تنال الظالمين، لأنّ الإمام هو المطاع بين الناس، المتصرف في الأموال و النفوس، و قائد المجتمع إلى السعادة، فيجب أن يكون على الصراط السويّ، حتى يكون أمره، و نهيه، و تصرّفه، و قيادته، نابعة منه. و الظالم المتجاوز عن الحدّ، لا يصلح لهذا المنصب.

إنّ الظالم الناكث لعهد اللّه، و الناقض لقوانينه و حدوده، على شفا جرف هار، لا يؤتمن عليه، و لا تلقى إليه مقاليد الخلافة، و لا مفاتيح القيادة، لأنّه على مقربة من الخيانة و التعدّي، و على استعداد لأن يقع أداة للجائرين، فكيف يصحّ في منطق العقل أن يكون إماما مطاعا نافذا قوله، مشروعا تصرّفه، إلى غير ذلك من لوازم الإمامة؟.

إنّ بعض المناصب و المقامات، تعيّن شروطها بالنظر إلى ماهيتها و واقعيتها،

ص: 121


1- سورة البقرة: الآية 247.

فمدير المستشفى مثلا، له شروط تختلف عن شروط القائد. فالإمامة، التي لا تنفك عن التصرف في النفوس و الأموال، و بها يناط حفظ القوانين، يجب أن يكون القائم بها إنسانا مثاليا، مالكا لنفسه، و لغرائزه، حتى لا يتجاوز في حكمه عن الحدّ، و في قضائه عن الحق.

الجمع المحلّى باللام العموم

الظاهر من صيغة الجمع المحلّى باللام، أنّ الظلم بكل ألوانه و صوره، مانع عن نيل هذا المنصب الإلهي، فالاستغراق في جانب الأفراد، يستلزم الاستغراق في جانب الظلم، و تكون النتيجة ممنوعية كل فرد من أفراد الظلمة عن الارتقاء إلى منصب الإمامة، سواء أ كان ظالما في فترة من عمره ثم تاب و صار غير ظالم، أو بقي على ظلمه. فالظالم عند ما يرتكب الظلم يشمله قوله سبحانه:

لاٰ يَنٰالُ عَهْدِي اَلظّٰالِمِينَ . فصلاحيته بعد ارتفاع الظلم تحتاج إلى دليل.

و على ذلك، فكل من ارتكب ظلما، و تجاوز حدّا في يوم من أيام عمره، أو عبد صنما، أو لاذ إلى وثن، و بالجملة: ارتكب ما هو حرام، فضلا عمّا هو كفر، ينادى من فوق العرش: لاٰ يَنٰالُ عَهْدِي اَلظّٰالِمِينَ ، أي أنتم الظلمة الكفرة المتجاوزون عن الحدّ، لستم قابلين لتحمل منصب الإمامة؛ من غير فرق بين أن يصلح حالهم بعد تلك الفترة، أو يبقوا على ما كانوا عليه.

و هذا يستلزم أن يكون المؤهّل للإمامة، طاهرا من الذنوب من لدن وضع عليه القلم، إلى أن أدرج في كفنه و أدخل في لحده، و هذا ما نسميه بالعصمة في مورد الإمامة.

سؤال و جوابه

السؤال لسائل أن يسأل و يقول: إنّ الآية إنّما تشمل من كان مقيما على الظلم، و أمّا التائب منه، فلا يتعلق به الحكم، لأنّ الحكم إذا كان معلقا على صفة،

ص: 122

و زالت الصفة، زال الحكم. أ لا ترى أنّ قوله: وَ لاٰ تَرْكَنُوا إِلَى اَلَّذِينَ ظَلَمُوا (1)، إنّما هو ينهى عن الركون إليهم ما أقاموا على الظلم، فقوله تعالى:

لاٰ يَنٰالُ عَهْدِي اَلظّٰالِمِينَ . لم ينف به العهد عمّن تاب عن ظلمه، لأنّه في هذه الحالة، لا يسمى ظالما، كما لا يسمى من تاب من الكفر، كافرا.

و الجواب:

إنّ هذا الاعتراض ذكره الجصاص (م 370) في تفسيره على آيات الأحكام(2). و لكنه عزب عنه أنّ قوله: الحكم يدور مدار وجود الموضع، ليس ضابطا كليّا، بل الأحكام على قسمين، قسم كذلك، و آخر يكفي فيه اتّصاف الموضوع بالوصف و العنوان آنا ما، و لحظة خاصة، و إن انتفى بعد الاتصاف، فقوله: «الخمر حرام»، أو: «في سائمة الغنم زكاة»، من. قبيل القسم الأول، و أمّا قوله: «الزاني يحدّ»، و «السارق يقطع»، فالمراد منه أنّ الإنسان المتلبس بالزنا أو السرقة يكون محكوما بهما و إن زال العنوان، و تاب السارق و الزاني، و مثله: «المستطيع يجب عليه الحج»، فالحكم ثابت، و إن زالت عنه الاستطاعة تقصير لا عن قصور.

و على ذلك فالمدعى أنّ الظالمين في الآية المباركة كالسارق و السارقة(3) و الزاني و الزانية(4)، و المستطيع(5) و أمهات نسائكم(6) في الآيات الراجعة إليهم.

نعم المهم في المقام إثبات أنّ الموضوع في الآية من قبيل القسم الثاني، و أنّ

ص: 123


1- سورة هود: الآية 113.
2- تفسير آيات الأحكام، ج 1، ص 72.
3- سورة المائدة: الآية 38.
4- سورة النور: الآية 2.
5- سورة آل عمران: الآية 97.
6- سورة النساء: الآية 23. فمن صدق عليها الأمومة للزوجة يحرم على الزوج تزوّجها، و إن طلق ابنتها.

التلبس بالظلم و لو آنا ما، و فترة يسيرة من عمره يسلب من الإنسان صلاحية الإمامة و إن تاب من ذنبه.

و يدلّ على ذلك أمران:

الأول: إنّ الهدف الاسمي من تنصيب كل إنسان على الإمامة، تجسيد الشريعة الإلهية في المجتمع، فإذا كان القائد رجلا مثاليا نقي الثوب، مشرق الصحيفة، لم ير منه عصيان و لا زلّة، يتحقق الهدف من نصبه في ذلك المقام.

و أمّا إذا كان في فترة من عمره مقترفا للمعاصي، ما جنا، مجترحا للسيئات، فيكون غرضا لسهام الناقدين، و من البعيد أن ينفذ قوله، و تقبل قيادته بسهولة، بل ينادى عليه إنّه كان بالأمس، يقترف الذنوب، و أصبح اليوم آمرا بالحق و مميتا للباطل.

و لأجل تحقق الهدف يحكم العقل بلزوم نقاوة الإمام عن كل رذيلة و معصية في جميع فترات عمره، و أنّ الإنابة لو كانت ناجعة في حياته الفردية فليست كذلك في حياته الاجتماعية، فلن تخضع له الأعناق، و تميل إليه القلوب.

الثاني: إنّ الناس بالنسبة إلى الظلم على أقسام أربعة:

1 - من كان طيلة عمره ظالما.

2 - من كان طاهرا و نقيا في جميع فترات عمره.

3 - من كان ظالما في بداية عمره، و تائبا في آخره.

4 - من كان طاهرا في بداية عمره، و ظالما في آخره.

عند ذلك يجب أن نقف على أنّ إبراهيم عليه السلام، الذي سأل الإمامة لبعض ذريته، أيّ قسم منها أراد؟.

حاش إبراهيم أن يسأل الإمامة للقسم الأول، و الرابع من ذرّيته، لوضوح أنّ الغارق في الظلم من بداية عمره إلى آخره، أو المتصف به أيام تصديه للإمامة، لا يصلح لأن يؤتمن عليها.

ص: 124

فبقي القسمان الآخران، الثاني و الثالث، و قد نصّ سبحانه على أنّه لا ينال عهده الظالم، و الظالم في هذه العبارة لا ينطبق إلاّ على القسم الثالث، أعني من كان ظالما في بداية عمره، و كان تائبا حين التصدي.

فإذا خرج هذا القسم، بقي القسم الثاني، و هو من كان نقي الصحيفة طيلة عمره، لم ير منه لا قبل التصدي و لا بعده أيّ انحراف عن جادّة الحق، و مجاوزة للصراط السوي.

3 - آية التطهير و عصمة أهل البيت (ع)
اشارة

هناك آية أخرى تدلّ على عصمة عدّة خاصة من أهل بيت النبي الأكرم.

يقول سبحانه: وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لاٰ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ اَلْجٰاهِلِيَّةِ اَلْأُولىٰ، وَ أَقِمْنَ اَلصَّلاٰةَ وَ آتِينَ اَلزَّكٰاةَ وَ أَطِعْنَ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ إِنَّمٰا يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (1).

و أداء حقّ الآية في التفسير، يتوقف على البحث عن النقاط التالية:

1 - ما هو المراد من الرّجس؟.

2 - هل الإرادة في الآية، إرادة تكوينية خاصة بأهل البيت، أو تشريعية تعمّ كلّ إنسان بالغ واقع في إطار التكليف؟.

3 - من المراد من أهل البيت؟.

4 - مشكلة السياق في الآية لو كان المراد منهم غير نسائه، صلوات اللّه عليه و آله.

5 - أهل البيت في حديث النبي، الذي يكون مفسّرا لإجمال الآية.

ص: 125


1- سورة الأحزاب: الآية 33.

و البحث عن هذه الأمور يحوجنا إلى تأليف مفرد، و هو خارج عن وضع كتابنا(1)، إلاّ أنّ المهم هنا هو التركيز على أنّ الإرادة في الآية تكوينية، خاصة بأهل البيت، و ليست تشريعية، و أمّا المقصود من أهل البيت، فقد تقدّمت المأثورات فيهم عند البحث عن حديث الثقلين.

الإرادة تكوينية لا تشريعية

إنّ انقسام إرادته سبحانه إلى القسمين المذكورين، من الانقسامات الواضحة، و مجمل القول فيهما أنّه إذا تعلقت إرادته سبحانه على إيجاد شيء و تكوينه في صحيفة الوجود، فالإرادة تكوينية لا تتخلف عن المراد.

قال سبحانه: إِنَّمٰا أَمْرُهُ إِذٰا أَرٰادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ، فَيَكُونُ (2).

و أما إذا تعلّقت بتشريع حكم و قانون، لفرض عمل المكلّف به، فالإرادة تشريعية، و متعلّقها هو التشريع، و أمّا امتثال المكلف فهو من غايات التشريع، ربما يقع و يترتب عليه، و ربما ينفك عنه.

و القرائن تدلّ على أنّ المراد هنا هو الأول من الإرادتين، بمعنى أنّ إرادته سبحانه، تعلّقت على إذهاب الرجس عن أهل البيت و تطهيرهم من كل شيء يتنفر منه، على غرار تعلق إرادته بإيجاد الأشياء في صحيفة الوجود.

و الذي يدلّ على ذلك أمور:

1 - إنّ الإرادة التشريعية لا تختص بطائفة دون طائفة، بل هي تعمّ المكلّفين عامة، يقول سبحانه، بعد أمره بالوضوء و التيمم عند فقدان الماء:

وَ لٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ، لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (3) .

ص: 126


1- قد أفاض الشيخ الأستاذ الكلام في هذه المواضيع في موسوعته التفسيريّة، مفاهيم القرآن، ج 5، ص 215-322.
2- سورة يس: الآية 82.
3- سورة المائدة: الآية 6.

و لكنه سبحانه خصّص إرادته في الآية المبحوث عنها، بجمع خاص، تجمعهم كلمة أهل البيت، و خصّهم بالخطاب و قال: عنكم أهل البيت، أي لا غيركم، فتخصيص الإرادة بجمع خاص على الوجه المذكور، يمنع من تفسيرها بالتشريعية.

2 - إنّ العناية البارزة في الآية المباركة، أقوى شاهد على أنّ المقصود هو التكوينية، لوضوح أنّ تعلّق الإرادة التشريعية لا يحتاج إلى العنايات التالية:

أ - ابتدأ سبحانه كلامه بلفظ الحصر، و قال: إِنَّمٰا ، و لا معنى للحصر إذا كانت تشريعية، لعمومها لكلّ مكلّف.

ب - عيّن تعالى متعلّق إرادته بصورة الاختصاص، فقال: أَهْلَ اَلْبَيْتِ ، و هو منصوب على الاختصاص(1). أي أخصّكم أهل البيت.

ج - قد بيّن متعلق إرادته بالتأكيد، و قال بعد قوله: لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ ، يُطَهِّرَكُمْ .

د - قد أكّده بالإتيان بمصدره بعد الفعل، و قال: وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ، ليكون أوفى في التأكيد.

ه - إنّه سبحانه قد أتى بالمصدر نكرة، ليدلّ على الإكبار و الإعجاب، أي تطهيرا عظيما معجبا.

و - إنّ الآية في مقام المدح و الثناء، فلو كانت الإرادة تشريعية، لما ناسب الثناء و المدح.

و على الجملة: العناية البارزة في الآية، تدلّ بوضوح على أنّ الإرادة في المقام تغاير الإرادة العامة المتعلقة بكلّ إنسان حاضر، أو باد. و للمحققين من الشيعة الإمامية كلمات وافية حول الآية تلاحظ في مواضعها(2).

ص: 127


1- الاختصاص من أقسام المنادى، يقول ابن مالك: الاختصاص كنداء دون يا كأيّها الفتى بإثر ارجونيا
2- تفسير التبيان، للشيخ الطوسي، (ت 383 - م 460)، ج 8، ص 340. و مجمع البيان،

فالإرادة في الآية الشريفة، نظير الإرادة الواردة في الآيات التالية:

وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ اَلْوٰارِثِينَ (1) .

وَ يُرِيدُ اَللّٰهُ أَنْ يُحِقَّ اَلْحَقَّ بِكَلِمٰاتِهِ وَ يَقْطَعَ دٰابِرَ اَلْكٰافِرِينَ (2) .

وَ مَنْ يُرِدِ اَللّٰهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اَللّٰهِ شَيْئاً، أُولٰئِكَ اَلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اَللّٰهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ، لَهُمْ فِي اَلدُّنْيٰا خِزْيٌ وَ لَهُمْ فِي اَلْآخِرَةِ عَذٰابٌ عَظِيمٌ (3) .

و أمّا دلالتها على العصمة، فتظهر إذا اطّلعنا على أنّ المراد من الرجس هو القذارة المعنوية لا المادية، توضيح ذلك، إنّ الرجس في اللغة هو القذر(4)، و قد يعبّر به عن الحرام، و الفعل القبيح، و العذاب، و اللعن، و الكفر، قال الزجاج: «الرّجس - في اللغة - كل ما استقذر من عمل، فبالغ اللّه في ذمّ أشياء و سماها رجسا». و قال ابن الكلبي: «رجس من عمل الشيطان، أي مأثم»(5).

و المتفحص في كلمات أئمة أهل اللغة، و الآيات الواردة فيها تلك اللفظة، يصل إلى أنّها موضوعة للقذارة التي تتنفر منها النفوس، سواء أ كانت مادية كما في قوله تعالى: إِلاّٰ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ، فَإِنَّهُ رِجْسٌ (6)، أو معنوية كما في الكافر و عابد الوثن، و صنمه، قال سبحانه:

فَاجْتَنِبُوا اَلرِّجْسَ مِنَ اَلْأَوْثٰانِ (7) .

ص: 128


1- سورة القصص: الآية 5.
2- سورة الأنفال: الآية 7.
3- سورة المائدة: الآية 41.
4- مقاييس اللغة، ج 2، ص 490، و لسان العرب ج 6 ص 94.
5- لسان العرب، ج 6، ص 94.
6- سورة الأنعام: الآية 145.
7- سورة الحج: الآية 30.

و قال سبحانه: كَذٰلِكَ يَجْعَلُ اَللّٰهُ اَلرِّجْسَ عَلَى اَلَّذِينَ لاٰ يُؤْمِنُونَ (1).

فلو وصف العمل القبيح بالرجس، فلأنّه عمل قذر، تتنفر منه الطباع السليمة.

و على ضوء هذا، فالمراد من الرّجس في الآية، كلّ عمل قبيح عرفا أو شرعا، لا تقبله الطباع، و لذلك قال سبحانه بعد تلك اللفظة، وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ، فليس المراد من التطهير، إلاّ تطهيرهم من الرجس المعنوي الذي تعدّ المعاصي و المآثم من أظهر مصاديقه.

و قد ورد نظير الآية في حق السيدة مريم قال سبحانه: إِنَّ اَللّٰهَ اِصْطَفٰاكِ وَ طَهَّرَكِ وَ اِصْطَفٰاكِ عَلىٰ نِسٰاءِ اَلْعٰالَمِينَ (2).

و من المعلوم أنّ تعلّق الإرادة التكوينية على إذهاب كلّ رجس و قذارة، و كلّ عمل منفّر عرفا أو شرعا، يجعل من تعلّقت به الإرادة، إنسانا مثاليا، نزيها عن كل عيب و شين، و وصمة عار(3).

إلى هنا ظهر بوضوح أنّ العصمة شرط للإمام بالمعنى الذي يتبناه الإمامية في مجال الإمامة، و الآيتان الأوليان تدلاّن على عصمة الإمام مطلقا، و الآية الثالثة تدلّ على عصمة أهل البيت الذين نزلت فيهم الآية و فسّرت في غير واحد من الروايات، و هم من كان إماما و خليفة للرسول كعلي و الحسنين عليهما السلام، و من كانت طاهرة مطهّرة كالسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، و إن لم تكن إماما.

بقيت هنا أبحاث موجودة في كتب الإمامة للشيعة الإمامية، طوينا البحث

ص: 129


1- سورة الأنعام: الآية 125.
2- سورة آل عمران: الآية 42.
3- و حول الآية أبحاث لطيفة، فمن أراد التبسّط فليرجع إلى المصدر الذي تقدّم الإيعاز إليه.

عنها، لعدم الحاجة إلى البحث فيها بعد انتشار هذه الكتب و ذيوعها و هي عبارة عن الأبحاث التالية:

1 - البحث عن الآيات الواردة في حق الإمام علي عليه السلام.

2 - البحث عن الفضائل و المناقب الواردة في حقّه على لسان النبي الأكرم، و نقلها أصحاب الصحاح و المسانيد.

3 - نفسيات الإمام و فضائله الأخلاقية التي اعترف بها التاريخ.

4 - كونه أعلم الصحابة و أوعاهم بالكتاب و السنّة، و قد كان الخلفاء يحتكمون إليه في مواضع لا تحصى.

5 - احتجاجاته على كونه أحقّ بهذا الأمر (خلافة الرسول) ممّن تسنموا منصة الخلافة.

و من أراد التبسّط في هذه المواضع، فعليه بالكتب المعدّة للإمامة(1).

ص: 130


1- لاحظ الشافي للسيد المرتضى (م 436)، و تلخيصه لتلميذه الشيخ الطوسي (م 460)، و نهج الحق و كشف الصدق للعلامة الحلي، (م 726)، و إحقاق الحق للقاضي التستري، (م 1019)، و دلائل الصدق للمظفر النجفي. و غيرها من مؤلفات كبار و رسائل صغار.

البحث الرابع الإمام المنتظر في الكتاب و السنّة

اشارة

قد تعرفت على عدد الأئمة و أسمائهم، غير أنّ إفاضة القول في خصوصياتهم، و علومهم و فضائلهم، و نتائج جهودهم في مجال العلم و الفقه و الحديث، و من ربّوه و أنتجوه من الرواة الوعاة، و ما لا قوه من اضطهاد خلفاء عصرهم، يحتاج إلى تأليف حافل.

و لأجل ذلك طوينا الصفح عن هذه المباحث، إلاّ انّ الاعتقاد بالإمام المنتظر، مهدي هذه الأمّة، لما كان أصلا رصينا في أبحاث الإمامة للشيعة، و كان الاعتقاد به أمرا مشتركا بين طوائف المسلمين، رجّحنا إلقاء الضوء على هذا الأصل على وجه الإجمال، و لا طريق لإثبات وجوده، و ولادته، و عمره، و ظهوره، و آثاره بعد الظهور، و أصحابه، إلاّ السمع، فنقول:

كلّ من كان له إلمام بالحديث يقف على تواتر البشارة، عن النبي و آله و أصحابه، بظهور المهدي في آخر الزمان لإزالة الجهل و الظلم و الجور، و نشر أعلام العلم، و العدل و إعلاء كلمة الحق، و إظهار الدين كلّه و لو كره المشركون، فهو بإذن اللّه تعالى ينجي العالم من ذلّ العبودية لغير اللّه، و يلغي الأخلاق و العادات الذميمة، و يبطل القوانين الكافرة التي سنتها الأهواء، و وضعتها يد بني البشر، و يقطع أواصر التعصبات القومية و العنصرية، و الوطنية، و يميت أسباب العداوة و البغضاء التي صارت سببا لاختلاف الأمّة

ص: 131

و افتراق الكلمة، و اشتعال نيران الفتن و المنازعات، و يحقق اللّه سبحانه بظهوره، وعده الذي وعد به المؤمنين بقوله:

1 - وَعَدَ اَللّٰهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي اَلْأَرْضِ كَمَا اِسْتَخْلَفَ اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ اَلَّذِي اِرْتَضىٰ لَهُمْ، وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً، يَعْبُدُونَنِي لاٰ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ فَأُولٰئِكَ هُمُ اَلْفٰاسِقُونَ (1).

2 - وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ اَلْوٰارِثِينَ (2).

3 - وَ لَقَدْ كَتَبْنٰا فِي اَلزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ اَلذِّكْرِ أَنَّ اَلْأَرْضَ يَرِثُهٰا عِبٰادِيَ اَلصّٰالِحُونَ (3).

و يأتي عصر ذهبي لا يبقى فيه على الأرض بيت إلاّ دخلته كلمة الإسلام، و لا تبقى قرية إلاّ و ينادي فيها بشهادة: «لا إله إلاّ اللّه»، بكرة و عشيا.

هذا ما اتّفق عليه المسلمون في الصدر الأول، و الأزمنة المتلاحقة، و لأجل ذلك استغلّ بعض المتهوسين قضية الإمام المهدي، فادّعوا المهدويّة، و لم نعهد أحدا ردّه بإنكار أصل هذه البشائر، و إنّما ناقشوه في الخصوصيات و عدم انطباق البشائر عليه(4).

ص: 132


1- سورة النور: الآية 55.
2- سورة القصص: الآية 5.
3- سورة الأنبياء: الآية 105.
4- و قد ألّف غير واحد من أعلام السّنة كتبا حول الإمام المهدي عليه السلام، كالحافظ أبي نعيم الأصفهاني له كتاب: «صفة المهدي»، و الكنجي الشافعي له: «البيان في أخبار صاحب الزمان»، و ملاّ علي المتقي له: «البرهان في علامات مهديّ آخر الزمان»، و عباد بن يعقوب الرواجني له: «أخبار المهدي»، و السيوطي له: «العرف الوردي في أخبار المهدي»، و ابن حجر له: «القول المختصر في علامات المهدي المنتظر»، و الشيخ جمال الدين الدمشقي له: «عقد الدرر في أخبار الإمام المنتظر»، و غيرهم قديما و حديثا. و لم ير التضعيف لأخبار الإمام المهدي إلاّ من ابن خلدون في مقدمته، و قد فنّد مقاله الأستاذ أحمد

و قد تضافر مضمون قول الرسول الأعظم صلى اللّه عليه و آله و سلّم: «لو لم يبق من الدّنيا إلاّ يوم واحد، لطوّل اللّه ذلك اليوم، حتى يخرج رجل من ولدي، فيملؤها عدلا و قسطا، كما ملئت جورا و ظلما»(1).

و قد عرفت أنّ بحث المهدي بحث نقلي لا يمتّ إلى العقل بصلة، فعلى من يريد اعتناقه، أو - و العياذ باللّه - ردّه و رفضه، الرجوع إلى الصحاح و المسانيد، و كتب الحديث و التاريخ، حتى يقف على عدد الروايات الواردة حول المهدي عليه السلام، في مجالات مختلفة، و ها نحن نأتي في المقام بفهرس الروايات التي رواها السنّة و الشيعة.

فنقول:

1 - الروايات التي تبشّر بظهوره 657 رواية.

2 - الروايات التي تصفه بأنّه من أهل بيت النبي الأكرم 389 رواية.

3 - الروايات التي تدلّ على أنّه من أولاد الإمام علي عليه السلام 214 رواية.

4 - الروايات التي تدلّ على أنّه من أولاد فاطمة عليها السلام بنت النبي 192 رواية.

5 - الروايات التي تدلّ على أنّه التاسع من أولاد الحسين عليه السلام 148 رواية.

6 - الروايات التي تدلّ على أنّه من أولاد الإمام زين العابدين عليه السلام 185 رواية.

7 - الروايات التي تدلّ على أنّه من أولاد الإمام الحسن العسكري عليه السلام 146 رواية.

8 - الروايات التي تبيّن آباء الإمام الحسن العسكري عليه السلام 147 رواية.

9 - الروايات التي تدلّ على أنّه يملأ العالم قسطا و عدلا. 132 رواية.

ص: 133


1- لاحظ مسند أحمد، ج 1، ص 99. و ج 3، ص 17 و 70.

10 - الروايات التي تدل على أنّ للإمام المهدي غيبة طويلة. 91 رواية.

11 - الروايات التي تدلّ على أنّه يعمّر عمرا طويلا. 318 رواية.

12 - الروايات التي تدلّ على أنّ الإسلام يعمّ العالم كلّه بعد ظهوره 47 رواية.

13 - الروايات التي تدلّ على أنّه الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت 136 رواية.

14 - الروايات الواردة حول ولادته. 214 رواية.

و لو وجد هنا خلاف بين أكثر السنّة، و الشيعة، فهو الاختلاف في ولادته، فإنّ الأكثرية من أهل السنّة يقولون بأنّه سيولد في آخر الزمان، و الشيعة بفضل هذه الروايات، تذهب إلى أنّه ولد في «سرّ من رأى»، عام 255، و غاب بأمر اللّه سبحانه سنة وفاة والده، عام 260، و هو يحيى حياة طبيعية كسائر الناس، غير أنّ الناس يرونه و لا يعرفونه(1)، و سوف يظهره اللّه سبحانه لتحقق عدله.

و لأجل أن يقف الباحث على نماذج من أحاديث المهدي في الصحاح و المسانيد، نذكر بعضا منها و هو نذر يسير من الأحاديث الكثيرة التي رواها المحدّثون و الحفاظ في كتبهم:

1 - روى الإمام أحمد في مسنده عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قال:

«لو لم يبق من الدّهر إلاّ يوم واحد، لبعث اللّه رجلا من أهل بيتي يملؤها عدلا، كما ملئت جورا»(2).

2 - أخرج أبو داود، عن عبد اللّه بن مسعود قال: إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قال: «لا تذهب - أولا تنقضي - الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي»(3).

ص: 134


1- و أمّا ما يلهج به بعض النواصب الأعداء، من أنّ الشيعة تذهب إلى غيبته في السرداب في سامراء، فهو من الأكاذيب التي ليس لها أصل أبدا، لا في الكتب، و لا في صدور العوام، و إنّما افتعلوه ازدراء بالعقيدة.
2- مسند أحمد، ج 1، ص 99، و ج 3، ص 17 و 70.
3- جامع الأصول، ج 11، ص 48، الرقم 7810.

3 - أخرج أبو داود عن أمّ سلمة رضي اللّه عنها، قالت: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله يقول: المهديّ من عترتي من ولد فاطمة»(1).

4 - أخرج الترمذي عن ابن مسعود أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قال:

«يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي». قال: و قال أبو هريرة: «لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم، لطوّل اللّه ذلك اليوم حتى يلي»(2).

5 - روى ابن ماجة في سننه عن أبي أمامة الباهلي، قال: خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله فكان أكثر خطبته حديثا حدثناه عن الدّجال، و حذّرناه، فكان من قوله: إنّه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ اللّه ذرية آدم، أعظم من فتنة الدجال...» إلى أن قال: «و إمامهم رجل صالح، فبينما إمامهم قد تقدم ليصلي بهم الصبح، إذ نزل عليهم عيسى بن مريم، فرجع ذلك الإمام ينكص يمشي القهقرى، ليقدم عيسى يصلي بالناس، فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول له:

تقدّم فصلّ، فإنّها لك أقيمت. فيصلي بهم إمامهم..» (الحديث)(3).

و سيجيء ذكر ما رواه البخاري و مسلم فيما يأتي.

قال بعض المحققين المعاصرين من أهل السنّة: «لا أرى لزاما علينا نحن المسلمين أن نربط ديننا بهما (صحيحي مسلم و البخاري)، فلنفرض أنّهما لم يكونا، فهل تشل حركتنا و تتوقف دورتنا؟. لا، فالأمّة بخير و الحمد للّه، و الذين جاءوا بعد البخاري و مسلم استدركوا عليهما، و استكملوا جهدهما، و وزنوا عملهما، و كشفوا بعض الخلاف في صحيحهما، و ما زال المحدّثون في تقدم علمي، و بحث و تحقيق، و دراسة و جمع، و مقارنة و تمحيص، حتى يغمر الضوء كل مجهول، و يظهر كلّ خفي.

ص: 135


1- المصدر السابق، ص 49، الرقم 7812.
2- المصدر السابق، ص 48، الرقم 7810.
3- سنن ابن ماجه، ج 2، باب فتنة الدجال و خروج عيسى، ص 512-515، و كنز العمال، ج 14، ص 292-296، الرقم 38742.

و لما ذا نردّ حديثنا لمجرد أن قيل في بعض رواته أنّه لين، أو ضعيف، أو منقطع، أو مرسل، أو...؟.

نعم، هذه علل، تثير الشك و التساؤل، و تدفع إلى زيادة البحث و التعمّق، و لكن - كما أعتقد - إنّ بعض علل الحديث لا تلزم بالرد لهذا الحديث، فكثيرا ما نجد في بعض الطرق ضعفا، و في بعضها قوّة، فهو صحيح من طريق، حسن أو ضعيف من أخرى، و معنى هذا أنّ الراوي الذي حكم عليه مثلا بأنّه ينسى، تبيّن أنّه في هذه الواقعة لم ينس، فجاءت روايته مؤيّدة بما جاء عن غيره.

و أحاديث المهدي - في نظري - من هذا النوع، و لو بعضها. رغم أنّ بعض المسلمين - كابن خلدون - قد بالغ و ضعّفها كلّها، و ردّها و حكم عليها حكما قاسيا، و اتّهم كل هؤلاء الرواة و من رووا عنهم بما لا يليق أن يظنّ فيهم.

إنّ المشكلة ليست مشكلة حديث أو حديثين، أو راو أو راويين، إنّها مجموعة من الأحاديث و الآثار تبلغ الثمانين تقريبا، اجتمع على تناقلها مئات الرواة، و أكثر من صاحب كتاب صحيح.

فلما ذا نردّ كلّ هذه الكمية؟ أ كلّها فاسدة؟. لو صحّ هذا الحكم لانهار الدين - و العياذ باللّه - نتيجة تطرّق الشك و الظن الفاسد إلى ما عداها من سنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله.

ثم إنّي لا أجد خلافا حول ظهور المهدي، أو حول حاجة العالم إليه، و إنّما الخلاف حول من هو، حسني، أو حسيني؟ سيكون في آخر الزمان، أو موجود الآن، خفي و سيظهر؟ ظهر أو سيظهر؟. و لا عبرة بالمدّعين الكاذبين، فليس لهم اعتبار.

ثم إنّي لم أجد مناقشة موضوعية في متن الأحاديث، و الذي أجده إنّما هو مناقشة و خلاف حول السند، و اتّصاله أو عدم اتّصاله، و درجة رواته، و من خرّجوه، و من قالوا فيه.

ص: 136

و إذا نظرنا إلى ظهور المهدي، نظرة مجرّدة، فإنّنا لا نجد حرجا من قبولها و تصديقها، أو على الأقل عدم رفضها.

فإذا ما تأيّد ذلك بالأدلّة الكثيرة، و الأحاديث المتعددة، و رواتها مسلمون مؤتمنون، و الكتب التي نقلتها إلينا كتب قيمة، و الترمذي من رجال التخريج و الحكم، بالإضافة إلى أنّ أحاديث المهدي لها ما يصحّ أن يكون سندا لها في البخاري و مسلم، كحديث جابر في مسلم الذي فيه: «فيقول أميرهم (أي لعيسى) تعال صل بنا»(1) و حديث أبي هريرة في البخاري، و فيه: «كيف بكم إذا نزل فيكم المسيح ابن مريم و إمامكم منكم»(2)، فلا مانع من أن يكون هذا الأمير، و هذا الإمام هو المهدي.

يضاف إلى هذا أنّ كثيرا من السلف رضي اللّه عنهم، لم يعارضوا هذا القول، بل جاءت شروحهم و تقريراتهم موافقة لإثبات هذه العقيدة عند المسلمين»(3).

ص: 137


1- صحيح مسلم، ج 1، باب نزول عيسى، ص 95. و فيه عن جابر بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، فينزل عيسى، فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا، إنّ بعضكم على بعض أمراء، تكرمة اللّه هذه الأمّة. و لاحظ كنز العمال، ج 14، ص 334، الرقم 38846.
2- صحيح البخاري، ج 4، باب نزول عيسى بن مريم عليه السلام، ص 168. و صحيح مسلم، ج 1، باب نزول عيسى، ص 94، و كنز العمال، ج 14، ص 334، الرقم 38845.
3- بين يدي الساعة للدكتور عبد الباقي، ص 123-125.

ص: 138

أسئلة حول المهدي المنتظر عليه السلام 1 - كيف يكون إماما و هو غائب؟ 2 - لما ذا غاب المهدي عليه السلام؟ 3 - الإمام المهدي و طول عمره.

4 - علائم ظهوره، ما هي؟.

ص: 139

ص: 140

أسئلة مهمة حول المهدي عجل اللّه تعالى فرجه
اشارة

إنّ القول بأنّ الإمام المهدي لما يزال حي يرزق منذ ولادته عام 255 هجرية إلى الآن، و أنّه غائب سوف يظهر بأمر من اللّه سبحانه، أثار أسئلة خول حياته و إمامته، نذكر رءوسها.

1 - كيف يكون إماما و هو غائب، و ما الفائدة المترقبة منه في غيبته؟.

2 - لما ذا غاب؟.

3 - كيف يمكن أن يعيش إنسان هذه المدة الطويلة؟.

4 - ما هي أشراط و علائم ظهوره؟.

هذه أسئلة أثيرت حول الإمام المهدي منذ أن غاب، و كلّما طالت غيبته اشتدّ التركيز عليها، و قد قام المحققون من علماء الإمامية بالإجابة عليها في مؤلّفات مستقلة لا مجال لنقل معشار ما جاء فيها، غير أنّ الإحالة لما كانت عن المحذور غير خالية، نبحث عنها على وجه الإجمال، و نحيل من أراد التبسّط إلى المصادر المؤلّفة في هذا المجال.

ص: 141

السؤال الأول كيف يكون إماما و هو غائب؟ و ما فائدته؟

إنّ القيادة و الهداية و القيام بوظائف الإمامة، هو الغاية من تنصيب الإمام، أو اختياره، و هو يتوقف على كونه ظاهرا بين أبناء الأمّة، مشاهدا لهم، فكيف يكون إماما قائدا، و هو غائب عنهم؟!.

و الجواب: على وجهين نقضا و حلا.

أمّا النقض، فإنّ التركيز على هذا السؤال يعرب عن عدم التعرّف على أولياء اللّه، و أنّهم بين ظاهر قائم بالأمور و مختف قائم بها من دون أن يعرفه الناس.

إنّ كتاب اللّه العزيز يعرّفنا على وجود نوعين من الأئمة و الأولياء و القادة للأمّة، ولي غائب مستور، لا يعرفه حتى نبي زمانه، كما يخبر سبحانه عن مصاحب موسى عليه السلام بقوله: فَوَجَدٰا عَبْداً مِنْ عِبٰادِنٰا آتَيْنٰاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنٰا وَ عَلَّمْنٰاهُ مِنْ لَدُنّٰا عِلْماً * قٰالَ لَهُ مُوسىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلىٰ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمّٰا عُلِّمْتَ رُشْداً الآيات(1).

و ولي ظاهر باسط اليد، تعرفه الأمّة و تقتدي به.

فالقرآن إذن يدلّ على أنّ الولي ربما يكون غائبا، و لكنه مع ذلك لا يعيش في

ص: 142


1- سورة الكهف: الآيتان 65 و 66.

غفلة عن أمّته، بل يتصرف في مصالحها و يرعى شئونها، من دون أن يعرفه أبناء الأمّة.

فعلى ضوء الكتاب الكريم، يصحّ لنا أن نقول بأنّ الولي إما ولي حاضر مشاهد، أو غائب محجوب.

و إلى ذلك يشير الإمام علي بن أبي طالب في كلامه لكميل بن زياد النخعيّ، يقول كميل: «أخذ بيدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فأخرجني إلى الجبّان، فلما أصحر، تنفّس الصعداء، و كان مما قاله: «اللّهم بلى، لا تخلو الأرض من قائم للّه بحجّة، إمّا ظاهرا مشهورا، أو خائفا مغمورا لئلاّ تبطل حجج اللّه و بيّناته»(1).

و ليست غيبة الإمام المهدي، بدعا في تاريخ الأولياء، فهذا موسى بن عمران، قد غاب عن قومه قرابة أربعين يوما، و كان نبيّا وليّا، يقول سبحانه:

وَ وٰاعَدْنٰا مُوسىٰ ثَلاٰثِينَ لَيْلَةً وَ أَتْمَمْنٰاهٰا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقٰاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَ قٰالَ مُوسىٰ لِأَخِيهِ هٰارُونَ اُخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَ أَصْلِحْ وَ لاٰ تَتَّبِعْ سَبِيلَ اَلْمُفْسِدِينَ (2) .

و هذا يونس كان من أنبياء اللّه سبحانه، و مع ذلك فقد غاب في الظلمات كما يقول سبحانه: وَ ذَا اَلنُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغٰاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ، فَنٰادىٰ فِي اَلظُّلُمٰاتِ أَنْ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ أَنْتَ سُبْحٰانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ اَلظّٰالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنٰا لَهُ وَ نَجَّيْنٰاهُ مِنَ اَلْغَمِّ، وَ كَذٰلِكَ نُنْجِي اَلْمُؤْمِنِينَ (3).

أو لم يكن موسى، و يونس نبيّين من أنبياء اللّه سبحانه؟ و ما فائدة نبي يغيب عن الأبصار، و يعيش بعيدا عن قومه؟.

فالجواب في هذا المقام، هو الجواب في الإمام المهدي عليه السلام، و سيوافيك ما يفيدك، من الانتفاع بوجود الإمام الغائب في زمان غيبته في جواب السؤال التالي.

ص: 143


1- نهج البلاغة بتعليقات عبده، ج 4، ص 37، قصار الحكم، الرقم 147.
2- سورة الأعراف: الآية 142.
3- سورة الأنبياء: الآيتان 87-88.

أمّا الحلّ فمن وجوه:

الأوّل - إنّ عدم علمنا بفائدة وجوده في زمان غيبته، لا يدلّ على عدم كونه مفيدا في زمن غيبته، فالسائل جعل عدم العلم، طريقا إلى العلم بالعدم!! و كم لهذا السؤال من نظائر في التشريع الإسلامي، فيقيم البسطاء عدم العلم بالفائدة، مقام العلم بعدمها، و هذا من أعظم الجهل في تحليل المسائل العلمية، و لا شك أنّ عقول البشر لا تصل إلى كثير من الأمور المهمّة في عالم التكوين و التشريع، بل لا يفهم مصلحة كثير من سننه، و إن كان فعله سبحانه منزّها عن العبث، بعيدا عن اللغو.

و على ذلك فيجب علينا التسليم أمام التشريع إذا وصل إلينا بصورة صحيحة، كما عرفت من تواتر الروايات على غيبته.

الثاني: إنّ الغيبة لا تلازم عدم التصرف في الأمور، و عدم الاستفادة من وجوده، فهذا مصاحب موسى كان وليا، لجأ إليه، أكبر أنبياء اللّه في عصره، فقد خرق السفينة التي يمتلكها المستضعفون، ليصونها عن غصب الملك، و لم يعلم أصحاب السفينة بتصرفه، و إلاّ لصدّوه عن الخرق، جهلا منهم بغاية عمله. كما أنّه بنى الجدار، ليصون كنز اليتيمين، فأي مانع، حينئذ من أن يكون للإمام الغائب في كل يوم و ليلة تصرّفا من هذا النمط من التصرفات.

و يؤيد ذلك ما دلّت عليه الروايات من أنّه يحضر الموسم في أشهر الحج، و يحجّ و يصاحب الناس، و يحضر المجالس، كما دلّت على أنّه يغيث المضطرين، و يعود المرضى، و ربما يتكفل - بنفسه الشريفة - قضاء حوائجهم، و إن كان الناس لا يعرفونه.

الثالث: المسلّم هو عدم إمكان وصول عموم الناس إليه في غيبته، و أمّا عدم وصول الخواص إليه، فليس بأمر مسلّم، بل الذي دلّت عليه الروايات خلافه، فالصلحاء من الأمّة، الذين يستدرّ بهم الغمام، لهم التشرف بلقائه، و الاستفادة من نور وجوده، و بالتالي، تستفيد الأمّة بواسطتهم.

الرابع: لا يجب على الإمام أن يتولّى التصرّف في الأمور الظاهرية بنفسه،

ص: 144

بل له تولية غيره على التصرف في الأمور كما فعل الإمام المهدي، أرواحنا له الفداء، في غيبته. ففي الغيبة الصغرى، كان له وكلاء أربعة، يقومون بحوائج الناس، و كانت الصلة بينه و بين الناس مستمرة بهم. و في الغيبة الكبرى نصب الفقهاء و العلماء العدول العالمين بالأحكام، للقضاء و إجراء السياسات، و إقامة الحدود، و جعلهم حجة على الناس، فهم يقومون في عصر الغيبة بصيانة الشرع عن التحريف، و بيان الأحكام، و دفع الشبهات، و بكل ما يتوقف عليه نظم أمور الناس(1).

و إلى هذه الأجوبة أشار الإمام المهدي عليه السلام في آخر توقيع له إلى بعض نوّابه، بقوله: «و أمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي، فكالانتفاع بالشّمس إذا غيّبها عن الأبصار، السحاب»(2).

ص: 145


1- المراد من الغيبة الصغرى، غيبته صلوات اللّه عليه، منذ وفاة والده عام 260 إلى عام 329، و قد كانت الصلة بينه و بين الناس مستمرة بواسطة وكلائه الأربعة: الشيخ أبي عمرو عثمان بن سعيد العمري، و ولده الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان، و الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح من بني نوبخت، و الشيخ أبي الحسن علي بن محمد السّمري. و المراد من الغيبة الكبرى، غيبته من تلك السنة إلى زماننا هذا، انقطعت فيها النيابة الخاصة عن طريق أشخاص معينين، و حلّ محلّها النيابة العامة بواسطة الفقهاء و العلماء العدول، كما جاء في توقيعه الشريف: «و أمّا الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم، و أنا حجة اللّه عليهم». (كمال الدين، الباب 45، ص 484).
2- كمال الدين، للصدوق، الباب 45، الحديث 4، ص 485. و قد ذكر العلامة المجلسي في وجه تشبيهه بالشمس إذا سترها السحاب، وجوها، راجعها في بحار الأنوار، ج 52، الباب 20، ص 93-94.
السؤال الثاني لما ذا غاب المهدي عليه السلام؟

إنّ ظهور الإمام بين الناس، يترتّب عليه من الفائدة ما لا يترتب عليه في زمان الغيبة، فلما ذا غاب عن الناس، حتى حرموا من الاستفادة من وجوده، و ما هي المصلحة التي أخفته عن أعين الناس؟.

الجواب إنّ هذا السؤال يجاب عليه بالنقض و الحل:

أمّا النقض، فبما ذكرناه في الإجابة عن السؤال الأول، فإنّ قصور عقولنا عن إدراك أسباب غيبته، لا يجرنا إلى إنكار المتضافرات من الروايات، فالاعتراف بقصور أفهامنا أولى من ردّ الروايات المتواترة، بل هو المتعيّن.

و أمّا الحلّ، فإنّ أسباب غيبته، واضحة لمن أمعن فيما ورد حولها من الروايات، فإنّ الإمام المهدي عليه السلام هو آخر الأئمة الاثني عشر الذين وعد بهم الرسول، و أناط عزة الإسلام بهم، و من المعلوم أنّ الحكومات الإسلامية لم تقدّرهم، بل كانت لهم بالمرصاد، تلقيهم في السجون، و تريق دماءهم الطاهرة، بالسيف أو السمّ، فلو كان ظاهرا، لأقدموا على قتله، إطفاء لنوره، فلأجل ذلك اقتضت المصلحة أن يكون مستورا عن أعين الناس، يراهم و يرونه و لكن لا يعرفونه، إلى أن تقتضي مشيئة اللّه سبحانه ظهوره، بعد حصول استعداد

ص: 146

خاص في العالم لقبوله، و الانضواء تحت لواء طاعته، حتى يحقق اللّه تعالى به ما وعد به الأمم جمعاء من توريث الأرض للمستضعفين.

و قد ورد في بعض الروايات إشارة إلى هذه النكتة، روى زرارة قال:

سمعت أبا جعفر (الباقر عليه السلام)، يقول: إنّ للقائم غيبة قبل أن يقوم، قال: قلت. و لم؟. قال: يخاف. قال زرارة: يعني القتل.

و في رواية أخرى: يخاف على نفسه الذبح(1).

و سيوافيك ما يفيدك عند الكلام عن علائم ظهوره.

ص: 147


1- لاحظ كمال الدين، الباب 44، الحديث 8 و 9 و 10، ص 281.
السؤال الثالث الإمام المهدي و طول عمره

إنّ من الأسئلة المطروحة حول الإمام المهدي، طول عمره في فترة غيبته، فإنّه ولد عام 255، فيكون عمره إلى الأعصار الحاضرة أكثر من ألف و مائة و خمسين عاما، فهل يمكن في منطق العلم أن يعيش إنسان هذا العمر الطويل؟.

و الجواب من وجهين، نقضا وحلا.

أمّا النقض، فقد دلّ الذكر الحكيم على أن شيخ الأنبياء عاش قرابة ألف سنة، قال تعالى: فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاّٰ خَمْسِينَ عٰاماً (1).

و قد تضمنت التوراة أسماء جماعة كثيرة من المعمرين، و ذكرت أحوالهم في سفر التكوين(2).

و قد قام المسلمون بتأليف كتب حول المعمرين، ككتاب المعمرين لأبي حاتم السجستاني، كما ذكر الصدوق أسماء عدّة منهم في كتاب كمال الدين(3)، و العلامة

ص: 148


1- سورة العنكبوت: الآية 14.
2- التوراة، سفر التكوين، الإصحاح الخامس، الجملة 5، و ذكر هناك أعمار آدم، و شيث و نوح، و غيرهم.
3- كمال الدين، ص 555.

الكراجكي في رسالته الخاصة، باسم «البرهان على صحة طول عمر الإمام صاحب الزمان»(1)، و العلامة المجلسي في البحار(2)، و غيرهم.

و أمّا الحلّ، فإنّ السؤال عن إمكان طول العمر، يعرب عن عدم التعرّف على سعة قدرة اللّه سبحانه: وَ مٰا قَدَرُوا اَللّٰهَ حَقَّ قَدْرِهِ (3)، فإنّه إذا كانت حياته و غيبته و سائر شئونه، برعاية اللّه سبحانه، فأي مشكلة في أن يمدّ اللّه سبحانه في عمره ما شاء، و يدفع عنه عوادي المرض و يرزقه عيش الهناء.

و بعبارة أخرى، إنّ الحياة الطويلة، إمّا ممكنة في حدّ ذاتها أو ممتنعة، و الثاني لم يقل به أحد، فتعين الأول، فلا مانع من أن يقوم سبحانه بمدّ عمر وليّه، لتحقيق غرض من أغراض التشريع.

أضف إلى ذلك ما ثبت في علم الحياة، من إمكان طول عمر الإنسان إذا كان مراعيا لقواعد حفظ الصحة، و أنّ موت الإنسان في فترة متدنية، ليس لقصور الاقتضاء، بل لعوارض تمنع عن استمرار الحياة، و لو أمكن تحصين الإنسان منها بالأدوية و المعالجات الخاصة لطال عمره ما شاء.

و هناك كلمات ضافية من مهرة علم الطب في إمكان إطالة العمر، و تمديد حياة البشر، نشرت في الكتب و المجلات العلمية المختلفة(4).

و بالجملة، اتّفقت كلمة الأطباء على أنّ رعاية أصول حفظ الصحة، توجب طول العمر، فكلما كثرت العناية برعاية تلك الأصول، طال العمر، و لأجل ذلك، نرى أنّ الوفيات في هذا الزمان، في بعض الممالك، أقلّ من السابق، و المعمّرين فيها أكثر من ذي قبل، و ما هو إلا لرعاية أصول الصحة، و من هنا أسّست شركات تضمن حياة الإنسان إلى أمد معلوم تحت مقررات خاصة

ص: 149


1- البرهان على طول عمر الإمام صاحب الزمان، للكراجكي، ملحق ب «كنز الفوائد»، له أيضا، الجزء الثاني. لاحظ في ذكر المعمرين ص 114-155، ط دار الأضواء، بيروت - 1405.
2- بحار الأنوار، ج 51، الباب 14، ص 225-293.
3- سورة الأنعام: الآية 91.
4- لاحظ مجلة المقتطف، الجزء الثالث من السنة التاسعة و الخمسين.

و حدود معينة، جارية على قوانين حفظ الصحة، فلو فرض في حياة شخص اجتماع موجبات الصحة من كل وجه، طال عمره إلى ما شاء اللّه.

و إذا قرأت ما تدوّنه أقلام الأطباء في هذا المجال، يتّضح لك معنى قوله سبحانه: فَلَوْ لاٰ أَنَّهُ كٰانَ مِنَ اَلْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (1).

فإذا كان عيش الإنسان في بطون الحيتان، في أعماق المحيطات، ممكنا إلى يوم البعث، فكيف لا يعيش إنسان، على اليابسة، في أجواء طبيعية، تحت رعاية اللّه و عنايته، إلى ما شاء؟.

ص: 150


1- سورة الصافات: الآيتان 143 و 144.
السؤال الرابع علائم ظهوره، ما هي؟

إذا كان للإمام الغائب، ظهورا بعد غيبة طويلة، فلا بدّ من أن يكون لظهوره علائم و أشراط، تخبر عن ظهوره، فما هي هذه العلائم؟.

الجواب إنّ ما جاء في كتب الأحاديث من الحوادث و الفتن الواقعة في آخر الزمان على قسمين:

قسم هو من أشراط الساعة و علامات دنو القيامة.

و قسم هو ما يقع قبل ظهور المهدي المنتظر.

و ربما وقع الخلط بينهما في الكتب، و نحن نذكر القسم الثاني منهما، و هو عبارة عن أمور عدّة، منها:

1 - النداء في السماء.

2 - الخسوف و الكسوف في غير مواقعهما.

3 - الشقاق و النفاق في المجتمع.

4 - ذيوع الجور و الظلم و الهرج و المرج في الأمّة.

ص: 151

5 - ابتلاء الإنسان بالموت الأحمر و الأبيض.

6 - قتل النفس الزكية.

7 - خروج الدجال.

8 - خروج السفياني.

و غير ذلك مما جاء في الأحاديث الإسلامية(1).

هذه هي علامات ظهوره، و لكن هناك أمورا تمهّد لظهوره، و تسهّل تحقيق أهدافه نشير إلى أبرزها:

1 - الاستعداد العالمي: و المراد منه أنّ المجتمع الإنساني - بسبب شيوع الفساد - يصل إلى حدّ، يقنط معه من تحقق الإصلاح بيد البشر، و عن طريق المنظمات العالمية التي تحمل عناوين مختلفة، و أنّ ضغط الظلم و الجور على الإنسان يحمله على أن يذعن و يقرّ بأنّ الإصلاح لا يتحقق إلاّ بظهور إعجاز إلهي، و حضور قوة غيبية، تدمر كل تلك التكتلات البشرية الفاسدة، التي قيّدت بأسلاكها أعناق البشر.

2 - تكامل العقول: إنّ الحكومة العالمية للإمام المهدي عليه السلام لا تتحقق بالحروب و النيران و التدمير الشامل للأعداء، و إنّما تتحقق برغبة الناس إليها، و تأييدهم لها، لتكامل عقولهم و معرفتهم.

يقول الإمام الباقر عليه السلام في حديث له يرشد فيه إلى أنّه إذا كان. ذلك الظرف، تجتمع عقول البشر و تكتمل أحلامهم: «إذا قام قائمنا، وضع اللّه يده على رءوس العباد، فيجمع بها عقولهم، تكتمل به أحلامهم»(2).

فقوله عليه السلام: يجمع بها عقولهم، بمعنى أنّ التكامل الاجتماعي يبلغ

ص: 152


1- لاحظ في الوقوف على هذه العلائم، بحار الأنوار، ج 52، الباب 25، ص 181-308. كتاب المهدي، للسيد صدر الدين الصدر (م 1373). و منتخب الأثر، ص 424-462.
2- منتخب الأثر، ص 483.

بالبشر إلى الحدّ الذي يقبل فيه تلك الموهبة الإلهية، و لن يترصد للثورة على الإمام و الانقلاب عليه، و قتله أو سجنه.

3 - تكامل الصناعات: إنّ الحكومة العالمية الموحّدة لا تتحقق إلاّ بتكامل الصناعات البشرية، بحيث يسمع العالم كلّه صوته و نداءه، و تعاليمه و قوانينه في يوم واحد، و زمن واحد.

قال الإمام الصادق عليه السلام: «إنّ المؤمن في زمان القائم، و هو بالمشرق، يرى أخاه الذي في المغرب، و كذا الذي في المغرب يرى أخاه الذي بالمشرق»(1).

4 - الجيش الثوري العالمي، إنّ حكومة الإمام المهدي عليه السلام، و إن كانت قائمة على تكامل العقول، و لكن الحكومة لا تستغني عن جيش فدائي ثائر و فعال، يمهّد الطريق للإمام عليه السلام، و يواكبه بعد الظهور إلى تحقق أهدافه و غاياته المتوخّاة.

إلى هنا تمّ البحث عن الإمامة، بالصورة التي تلائم العصر، و قد ركزنا على أهمّ الموضوعات، و تركنا البحث عن غيرها إلى الكتب المعدّة لها. و يقع البحث فيما يلي في المعاد، و حشر الإنسان في النشأة الأخرى، و هو الأصل الأصيل في الشرائع السماوية(2).

ص: 153


1- منتخب الأثر، ص 483.
2- و من حسن الختام، فراغنا من تدوين هذه المباحث ليلة الجمعة، الخامس عشر من شهر رمضان المبارك، عشية ولادة الإمام الطاهر الحسن بن علي بن أبي طالب، أبي محمد المجتبى، من شهور عام 1309 للهجرة النبوية، أسأله تعالى إدامة توفيقه لإخراج جميع ما تبقّى من المباحث التي تدور حول معاد الإنسان.

ص: 154

الفصل العاشر المعاد مباحث المعاد 1 - المعاد في الملل و الشرائع السابقة.

2 - أدلة وجوب المعاد و ضرورته.

3 - بواعث إنكار المعاد و شبهات المنكرين.

4 - أدلة العقل و النقل على تجرّد الروح.

5 - نماذج من إحياء الموتى في الشرائع السابقة.

6 - الموت نافذة إلى حياة جديدة.

7 - الحياة البرزخية و أدلتها في الكتاب.

8 - أشراط الساعة.

9 - مشاهد البعث و القيامة.

10 - المعاد الجسماني و الروحاني.

11 - الرجعة.

12 - التناسخ.

13 - الإيمان و أحكامه.

14 - التوبة و شرائطها.

15 - الشفاعة.

16 - الإحباط و التكفير.

17 - الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

* أسئلة حول المعاد

ص: 155

ص: 156

الفصل العاشر المعاد

اشارة

البحث عن المعاد و حشر الإنسان بعد الدنيا، إجابة عن أحد الأسئلة التي طالما كان الإنسان المفكّر يواجهها. فإنّه مذ فتح عينيه على الحياة، يسأل نفسه عن أمور:

1 - ما هو مبدأ العالم و الإنسان؟.

2 - ما هو الهدف من وجود الإنسان؟.

3 - إلى أين المصير بعد الموت؟.

فالبحث عن الصانع، إجابة عن السؤال الأول، كما أنّ البحث عن كونه سبحانه حكيما، و أنّ فعله منزّه عن العبث، إجابة عن الثاني، و ها هو حين البحث عن جواب السؤال الثالث، و إجماله:

إنّ الموت ليس نهاية الحياة، و إنّ الإنسان لا يفنى بموته، و إنّما الموت جسر لينتقل الإنسان عبره من نشأة إلى نشأة أخرى أكمل من الأولى، و إنّ الإنسان خلق للبقاء، لا للفناء، و إنّ النشأة الأخروية، منتهى السير و غاية الغايات.

و تفصيل ذلك يتمّ في ضمن المباحث التالية:

ص: 157

مباحث المعاد

(1) «المعاد» في الملل و الشرائع السابقة

اشارة

الاعتقاد بالمعاد عنصر أساسي في كل شريعة لها صلة بالسماء، و يحتل في الأصالة و التأثير محلّ العمود الفقري في بدن الإنسان، و بدونه تصبح الشرائع مسالك بشرية مادية، لا تمت إلى اللّه سبحانه بصلة. فقوام الشريعة بالمبدإ و المعاد، و لأجل ذلك لا ترى شريعة تتسم بأنّها شريعة إلهية و لو بعد تحريفها، خالية عن الدعوة إلى الحياة الأخروية و حشر الإنسان بعد الموت، و إقامة الحساب و الجزاء و الثواب و العقاب. و سيوافيك نصوص العهدين في هذا المجال.

إنّ المحققين في التاريخ البشري يصرحون بأنّ المجتمع الإنساني لم يزل معتنقا لهذا الأصل، و إن لم يعلم دينه و لا كتابه. و إليك التوضيح بوجوه:

1 - إنّ البدو القاطنين في الصحاري و البراري، الذي يعدّون نموذجا للمجتمع البدائي المنقرض، لهم طقوس خاصة في دفن الموتى تدلّ على اعتقادهم بعودة الأرواح إلى الأجسام المدفونة، و من ذلك أنّهم يضعون حجارة كبيرة على صدور موتاهم، و يربطون أعضاءهم بحبال متينة، لئلا يتحركوا بعد عود الروح و يخرجوا من أماكنهم(1).

2 - إنّ المصريين، ذوو الحضارة القديمة، كانوا يعتقدون أنّ الروح بعد

ص: 158


1- جامع الأديان، تأليف جان ناس، ترجمة علي أصغر حكمت، ص 17.

خروجها من البدن، لها علاقة به، و سوف ترجع إليه، و لذلك كانوا يتركون في القبور منافذ ليسهل دخول الروح إليها، و يضعون بعض الطعام و الشراب في جنب الميت. و لأجل صيانة الموتى عن أذى السباع، قام المتمكنون منهم ببناء الأهرام العظيمة فوق قبورهم.

3 - عند البراهمة تثليث تحيّلوه منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة، و أطرافه الثلاثة: براهما، و فيشنو، و سيفا. فبراهما هو الإله الخالق، و فيشنو الإله الحافظ، و سيفا الإله الهادم. و التناسخ احتلّ في الديانة البراهمية مكان الاعتقاد بالمعاد، و يراد منه رجوع الروح بعد انحلال جسدها إلى العالم الأرضي متلبسة بجسد جديد، إنساني أو حيواني(1). فالاعتقاد بالتناسخ صورة منسوخة من العقيدة بالمعاد، و إرضاء لفطرة الإنسان في حب البقاء.

4 - إنّ مسلك البوذية الذي أسسه بوذا، غير خال عن عود الأرواح إلى الأبدان عودا تناسخيا، فإنّ لهذا المذهب، دعائم و أسس منها: «الألم من لوازم الوجود»، و منها: «الرجوع إلى هذه الدنيا بسبب الالتياث بالشهوات في حياة سابقة»، و منها: «الخلاص من أثر الشهوات هو الوسيلة الوحيدة للنجاة من الحياة الأرضية بعد الموت، و تلك النجاة هي نجاة من الألم، و سبب للوصول إلى مكانة»(2)..

5 - و عند المجوس أيضا فإنّ الاعتقاد ببقاء الروح بعد الموت و مجازات الإنسان حسب أعماله، من الأصول الأصيلة في ديانتهم، حتى أنّ بعض المرجفين في الكلام(3) تصوّر أنّ تعاليم التوراة و المسيح في المعاد مأخوذة من تلك الديانة، و لكن عزب عنه أنّ المجوسية، إن كانت شريعة سماوية، يجب أن تشترك مع سائر الشرائع في الأصول، و ليست وحدة الأصول فيها، دليلا على أخذ المتأخر من المتقدم، فإنّ الشريعة فيض سماوي، أفيض من السماء إلى الإنسان الأرضي في

ص: 159


1- لاحظ دائرة المعارف لفريد وجدي، ج 2، ص 155 و 161.
2- دائرة المعارف لفريد وجدي، ج 2، ص 388.
3- الكاتب الفارسي حميد نير نوري في كتابه: «مساهمة الإيرانيين في الحضارة العالمية»، ص 228.

أزمنة خاصة حسب لياقته و كفاءته، فاشتركت كل الشرائع في الأصول و اختلفت في المنهاج.

هذا بعض ما يمكن أن نلفت النظر إليه في عمومية المعاد بين الأقوام و الشعوب، و قد اختصرنا الكلام فيه، لأنّ الأولى عطف النظر إلى الكتب السماوية، المجموعة في العهدين و ما ينقله القرآن الكريم لنرى تركيز الأنبياء في القرون السالفة على المعاد، و نقتصر فى المقام على موارد خاصة.

المعاد في العهد القديم

إنّ من العجب أن التصريح بالحياة الأخروية في العهد العتيق قليل، و أنّ أكثر الوعود الواردة فيها على امتثال فرائض الربّ، عائدة إلى رجوعهم إلى الأرض المقدسة، و أنّ فيها من النّعم و البركات ما لا يحصى، و لعلّ يد التحريف حذفت ما دلّ على الحياة الأخروية و أنّ الإنسان يرى جزاء الأعمال و امتثال الفرائض، و ارتكاب المحرمات، في النشأة الأخرى، و هذا هو الذي أضفى على مذهب اليهود صبغة مادية، قلّ التوجه فيها إلى الأمور المعنوية، و مع ذلك كلّه فقد بقي فيها جمل تصرّح بحشر الإنسان بعد الدنيا، و إن كانت قليلة، منها:

- «الرّبّ يميت و يحيي»(1).

- «تحيا أمواتك يوم تقوم الجثث، استيقظوا ترنّموا يا سكّان التّراب»(2).

نعم لا ننكر أنّ في التوراة و غيرها جمل ربما تكون مشيرة إلى يوم البعث، و لكنها ليست صريحة في ذلك.

المعاد في العهد الجديد

بالرغم من قلة التصريح بالحياة الأخروية في العهد العتيق، نجد التصريح بها

ص: 160


1- صموئيل الأول: الأصحاح الثاني: الجملة 6، ط دار الكتاب المقدس.
2- اشعيا: الأصحاح 26: الجملة 19، ط دار الكتاب المقدس.

بكل وضوح في الجديد، في موارد كثيرة منها ما يلي:

1 - «فإنّ ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه، و ملائكته، و حينئذ يجازي كلّ واحد حسب عمله»(1).

2 - «هكذا يكون في انقضاء العالم، يخرج الملائكة و يفرزون الأشرار من بين الأبرار، و يطرحونهم في أتون النار هناك يكون البكاء، و صرير الأسنان»(2).

3 - «في ذلك اليوم جاء إليه حدقيون، الذين يقولون ليس قيامة، فسألوه * قائلين: يا معلم، قال موسى إن مات أحد و ليس له أولاد، يتزوج أخوه بامرأته، و يقيم نسلا لأخيه * فكان عندنا سبعة إخوة و تزوج الأول و مات، و إذ لم يكن له نسل ترك امرأته لأخيه، و كذلك الثاني و الثالث إلى السبعة * و آخر الكل ماتت المرأة أيضا * ففي القيامة لمن من السبعة تكون الزوجة فإنّها كانت للجميع * فأجاب يسوع، و قال لهم: تضلّون إذ لا تعرفون الكتب و لا قوة اللّه * لأنّهم في القيامة، لا يزوجون و لا يتزوجون بل يكونون كملائكة اللّه في السماء»(3).

و هذا يعرب عن كون المعاد عند كاتب الإنجيل روحانيا محضا، لا جسمانيا و روحانيا كما عليه الذكر الحكيم.

4 - «و إن أعثرتك رجلك، فاقطعها، خير لك أن تدخل الحياة أعرج، من أن تكون لك رجلان و تطرح في جهنم في النار التي لا تطفأ * حيث دودهم لا يموت و النار لا تطفأ * و إن أعثرتك عينك فاقلعها، خير لك أن تدخل ملكوت اللّه أعور من أن تكون لك عينان و تطرح في جهنم النار * حيث دودهم لا يموت و النار لا تطفأ»(4).

5 - «و هذه مشيئة الأب الذي أرسلني، إن كلّ ما أعطاني لا أتلف منه شيئا

ص: 161


1- إنجيل متّى: الأصحاح 16: الجملة 27، ط دار الكتاب المقدس.
2- إنجيل متى: الأصحاح 13: الجملتان 49 و 50. ط دار الكتاب المقدس.
3- إنجيل متى: الأصحاح 22: الجملتان 23-31، ط دار الكتاب المقدس.
4- إنجيل مرقس: الأصحاح 9: لاحظ الجملات 42-49، ط دار الكتاب المقدس.

بل أقيمه في اليوم الأخير * لأنّ هذه هي مشيئته الذي أرسلني إن كلّ من يرى الابن و يؤمن به تكون له حياة أبدية و أنا أقيمه في اليوم الأخير»(1).

هذا، و في العهدين جمل أخر تصرّح أو تشير إلى يوم القيامة، و قد اقتصرنا على ما ذكرنا روما للاختصار، و الذي نلفت النظر إليه هو عدم اهتمام يهود اليوم، و الأمّة المسيحية، بالبعث و يوم القيامة و ما فيها من الحساب و الجزاء، و هذا هو الذي أجرأهم على المعاصي، و الخلاعة، و الانحلال من كل القيم الأخلاقية، أعاذنا اللّه من ذلك، و لأجل عدم اهتمام البيع و الكنائس باليوم الموعود، صارت تلكما الأمّتين، يهوديّة و مسيحية بالهوية الدولية، لا أكثر.

القرآن و المعاد في الشرائع السماوية

قد بيّن الذكر الحكيم وجود تلك العقيدة في الشرائع السماوية من لدن آدم إلى المسيح، و لأجل أن يقف الباحث على نماذج من ذلك، نأتي ببعض الآيات الكريمات:

أ - إنّه سبحانه - بعد ما هبط آدم إلى الأرض - يخاطب الخليقة بخطابات عامّة، تعرب عن أنّ الهدف من إهباطه إليها هو استقرار الخليقة في الأرض استقرارا مؤقتة محدودا، ليعودوا بعد ذلك إلى النشأة الأخرى. و جاءت تلك الخطابات في آيات مختلفة، نذكر منها:

- قٰالَ اِهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ، وَ لَكُمْ فِي اَلْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتٰاعٌ إِلىٰ حِينٍ (2).

- يٰا بَنِي آدَمَ إِمّٰا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيٰاتِي، فَمَنِ اِتَّقىٰ وَ أَصْلَحَ فَلاٰ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لاٰ هُمْ يَحْزَنُونَ * وَ اَلَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيٰاتِنٰا، وَ اِسْتَكْبَرُوا عَنْهٰا، أُولٰئِكَ أَصْحٰابُ اَلنّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ (3).

ص: 162


1- إنجيل يوحنّا: الأصحاح 6: الجملتان 39-40، ط دار الكتاب المقدس.
2- سورة الأعراف: الآية 24.
3- سورة الأعراف: الآيتان 35 و 36.

و هذه الخطابات العامة لجميع الخلائق، تعرب عن أنّ المعاد هو الهدف الأصيل لخلق الإنسان في الأرض، و أنّ اللّه سبحانه أنزل آدم لهذه الغاية.

ب - نرى أنّ شيخ الأنبياء نوحا، الذي جاء لهداية قومه بشريعة بسيطة، يخاطبهم بخطابات فيها الدعوة إلى تلك العقيدة، نذكر منها قوله:

- وَ اَللّٰهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ اَلْأَرْضِ نَبٰاتاً * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهٰا وَ يُخْرِجُكُمْ إِخْرٰاجاً (1).

فالدعوة إلى المعاد في هاتين الآيتين صريحة، كما أنّها في الآية التالية بالإشارة.

- رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ مٰا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ، وَ إِلاّٰ تَغْفِرْ لِي وَ تَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ اَلْخٰاسِرِينَ (2).

ج - و هذا إبراهيم بطل التوحيد، يذكر المعاد و اليوم الآخر في غير واحد من كلماته، كما يحكيه عنه الذكر الحكيم:

- مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللّٰهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ (3).

- رَبَّنَا اِغْفِرْ لِي وَ لِوٰالِدَيَّ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ اَلْحِسٰابُ (4).

- وَ لاٰ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (5).

- وَ اُشْكُرُوا لَهُ، إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (6).

و هو سلام اللّه عليه، لم يكتف بذلك، بل طلب من اللّه تعالى إحياء

ص: 163


1- سورة نوح: الآيتان 17-18.
2- سورة هود: الآية 47، و هذا التضرع صدر منه عند ما علم بغرق ابنه في الماء، فالمراد من الخسران هو الخسران بعد الموت.
3- سورة البقرة: الآية 126.
4- سورة إبراهيم: الآية 41.
5- سورة الشعراء: الآية 87.
6- سورة العنكبوت: الآية 17.

الموتى، و حكاه الذكر الحكيم(1). و سيوافيك بيانه في المباحث الآتية.

د - و هذا موسى الكليم، خاطبه سبحانه عند التنديد بأعمال قومه بخطابات، فيها الوعد و الوعيد.

- سَأَصْرِفُ عَنْ آيٰاتِيَ اَلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي اَلْأَرْضِ بِغَيْرِ اَلْحَقِّ... ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيٰاتِنٰا وَ كٰانُوا عَنْهٰا غٰافِلِينَ * وَ اَلَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيٰاتِنٰا وَ لِقٰاءِ اَلْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمٰالُهُمْ، هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاّٰ مٰا كٰانُوا يَعْمَلُونَ (2).

و نرى أنّ موسى عند ما يدعو على طاغية عصره فرعون مصر، يطلب له العذاب الأليم و يقول:

رَبَّنَا اِطْمِسْ عَلىٰ أَمْوٰالِهِمْ، وَ اُشْدُدْ عَلىٰ قُلُوبِهِمْ فَلاٰ يُؤْمِنُوا، حَتّٰى يَرَوُا اَلْعَذٰابَ اَلْأَلِيمَ (3) .

كما أنّه عليه السلام، يخاطب من يفسّر معاجزه بالسحر قائلا:

رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جٰاءَ بِالْهُدىٰ مِنْ عِنْدِهِ وَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عٰاقِبَةُ اَلدّٰارِ، إِنَّهُ لاٰ يُفْلِحُ اَلظّٰالِمُونَ (4) .

و يقول تنديدا بفرعون و ملائه:

إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَ رَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لاٰ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ اَلْحِسٰابِ (5) .

و إنّ بني إسرائيل لما كانوا أشدّ الناس لجاجا و عنادا، قام موسى - بأمر منه سبحانه - بإحياء الميت في قضية البقرة(6)، و سيوافيك بيانه في المباحث الآتية.

نعم، كانت العقيدة بالمعاد، عقيدة واضحة بين الشرائع السماوية، حتى

ص: 164


1- سورة البقرة: الآية 260.
2- سورة الأعراف: الآيتان 146 و 147.
3- سورة يونس: الآية 88.
4- سورة القصص: الآية 37.
5- سورة غافر: الآية 27.
6- سورة البقرة: الآية 72.

أنّ مؤمن آل فرعون أخذ يعظ قومه بكلمات فيها إخافتهم من يوم القيامة، و يقول:

- وَ يٰا قَوْمِ إِنِّي أَخٰافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ اَلتَّنٰادِ (1).

- وَ إِنَّ اَلْآخِرَةَ هِيَ دٰارُ اَلْقَرٰارِ (2).

- وَ أَنَّ مَرَدَّنٰا إِلَى اَللّٰهِ (3).

ه - و هذا المسيح عيسى بن مريم، يخاطبه سبحانه بآيات فيها التذكير بيوم القيامة، يقول:

- إِذْ قٰالَ اَللّٰهُ يٰا عِيسىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَ رٰافِعُكَ إِلَيَّ وَ مُطَهِّرُكَ مِنَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا وَ جٰاعِلُ اَلَّذِينَ اِتَّبَعُوكَ فَوْقَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا إِلىٰ يَوْمِ اَلْقِيٰامَةِ، ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ، فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمٰا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * فَأَمَّا اَلَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذٰاباً شَدِيداً فِي اَلدُّنْيٰا وَ اَلْآخِرَةِ، وَ مٰا لَهُمْ مِنْ نٰاصِرِينَ * وَ أَمَّا اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَ اَللّٰهُ لاٰ يُحِبُّ اَلظّٰالِمِينَ (4).

المعاد في القرآن

إذا كان المعاد يحتل المكانة العليا في الشرائع السماوية، و كان القرآن خاتم الكتب، و المبعوث به خاتم الأنبياء، فيناسب أن يكون المعاد مطروحا فيه، بشكل مستوف، مقترنا بالدلائل العقلية المقنعة.

و قد صدّق الخبر الخبر، فالذكر الحكيم يعتني بالمعاد، و يهتم به اهتماما بالغا، يكشف عنه كثرة الآيات الواردة في مجال المعاد، و قد قام بعضهم بإحصاء ما يرجع إليه في القرآن فبلغ زهاء ألف و أربعمائة آية، و كان السيد العلامة الطباطبائي

ص: 165


1- سورة غافر: الآية 32.
2- سورة غافر: الآية 39.
3- سورة غافر: الآية 43.
4- سورة آل عمران: الآيات 55-57..

رحمه اللّه يقول بأنّه ورد البحث عن المعاد في القرآن في آيات تربو على الألفين، و لعلّه ضمّ الإشارة إليه، إلى التصريح به. و على كل تقدير، فهذه الآيات الهائلة، تعرب عن شدّة اهتمام القرآن به.

أسماء المعاد في القرآن

و يعرب عن هذا الاهتمام أنّه سبحانه يسميه بأسماء، و يصفه بصفات خاصة، فيسميه ب:

1 - يوم القيامة، 2 - يوم الدين، 3 - اليوم الآخر، 4 - يوم الحسرة، 5 - يوم الوقت المعلوم، 6 - يوم الحق، 7 - يوم الفصل، 8 - يوم الحساب، 9 - يوم التلاق، 10 - يوم الآزفة، 11 - يوم التناد، 12 - يوم الوعيد، 13 - يوم الخلود، 14 - يوم الخروج، 15 - يوم الجمع، 16 - يوم التغابن، 17 - اليوم الموعود، 18 - يوم البعث، 19 - الساعة، 20 - الحاقّة، 21 - القارعة، 22 - الطامّة الكبرى، 23 - الصاخّة، 24 - الميعاد، 25 - الغاشية، 26 - الآخرة.

و يصفه بأنّه: 1 - يوم عظيم، 2 - يوم كبير، 3 - يوم محيط، 4 - يوم عقيم، 5 - يوم أليم، 6 - يوم مشهود، 7 - يوم عسير، 8 - يوم عبوس قمطرير، 9 - يوم لا بيع فيه و لا خلّة و لا شفاعة، 10 - يوم مجموع له الناس، 11 - يوم تشخص فيه الأبصار. 12 - يوم على الكافرين عسير، 13 - يوم لا يجزي والد عن ولده، و لا مولود هو جاز عن والده شيئا، 14 - يوم يجعل الولدان شيبا، و غير ذلك من الأوصاف.

ص: 166

مباحث المعاد

(2) أدلة وجوب المعاد و ضرورته

اشارة

قد تعرفت على أنّ الحياة الأخروية للإنسان، أمر ممكن لا يمنع منه شيء، و إنّما الكلام في وجوب وقوعها و ضرورة وجودها. و فيما يلي نستدلّ على ضرورة وجود هذه النشأة بوجوه عقلية هدانا إليها القرآن الكريم.

الدليل الأول - صيانة الخلقة عن العبث
اشارة

ذكرنا أنّ أحد الأسئلة التي تلاحق كلّ إنسان و يعاني منها، هو الوقوف على هدف الخلقة، و أنّه لما ذا خلق، و ما هو الغرض من خلق الإنسان، و الإنسان الإلهي بما أنّه يصون فعل الحقّ عن العبث و اللغو (لا بمعنى أنّ هناك غرضا للخالق يستكمل به، بل بمعنى أنّ فعله ليس بلا غاية)، يجيب بأنّه لم يخلق عبثا و لا سدى، بل خلق ليبلغ الكمال الذي يناله في النشأة الأخروية، على وجه لولاها لأصبح خلقه و إيجاده لغوا و باطلا.

ثم إنّ هذا الدليل، أي صيانة فعل الباري عن العبث، يمكن بيانه بوجوه، تتحد في الجوهر، و إنّما تختلف في التقرير و هي:

1 - المعاد و غاية الخلقة.

2 - المعاد و الحقّ المطلق.

ص: 167

3 - المعاد و النّظم البديع.

فيستدلّ على المعاد تارة بأنّه هو غاية الخلقة، و أخرى بأنّ الحقّ تعالى شأنه لا ينفك فعله عن غاية، و ثالثة بأنّ النّظم البديعة السائدة على العالم لا تنفك عن غرض و غاية، و الكلّ صور مختلفة لاستدلال واحد، استوحيناه من الذكر الحكيم، فإليك بيانها:

1 - المعاد غاية الخلقة

يستدلّ الذكر الحكيم على لزوم المعاد بأنّ الحياة الأخروية هي الغاية من خلق الإنسان و إنزاله إلى هذه البسيطة، و أنّه لولاها لصارت حياته منحصرة في إطار الدنيا، و لأصح إيجاده و خلقه - بالتالي - عبثا و باطلا، و اللّه سبحانه منزّه عن الإيجاد بلا غرض، و إلى ذلك يشير قوله سبحانه: أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّمٰا خَلَقْنٰاكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنٰا لاٰ تُرْجَعُونَ (1).

و من لطيف البيان في هذا المجال قوله سبحانه: مٰا خَلَقْنَا اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضَ وَ مٰا بَيْنَهُمٰا لاٰعِبِينَ * مٰا خَلَقْنٰاهُمٰا إِلاّٰ بِالْحَقِّ وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاٰ يَعْلَمُونَ * إِنَّ يَوْمَ اَلْفَصْلِ مِيقٰاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (2) فترى أنّه يذكر يوم الفصل بعد نفي كون الخلقة لعبا، و ذلك يعرب عن أنّ النّشأة الأخروية تصون الخلقة عن اللغو و اللعب، و بذلك تظهر صلة الآيات.

2 - المعاد و الحق المطلق

و من لطائف البيان في القرآن الكريم أنّه تعالى يصف نفسه بالحق (المطلق) و أنّه لا حقّ سواه، ثم يرتب على ذلك إحياء الموتى و النشأة الآخرة، و ذلك لأنّ الحق المطلق عبارة عن الوجود الذي لا يتطرق البطلان إلى ذاته أوّلا، و صفاته ثانيا، و أفعاله ثالثا، و لو كان فعله بلا غاية و لا هدف، لما كان حقّا مطلقا،

ص: 168


1- سورة المؤمنون: الآية 115، و لاحظ سورة ص: الآية 27.
2- سورة الدخان: الآيات 38-40.

فيستدلّ بكونه حقّا محضا على لزوم الغاية التي تتمثل في الحياة الأخروية للإنسان، يقول سبحانه:

ذٰلِكَ بِأَنَّ اَللّٰهَ هُوَ اَلْحَقُّ وَ أَنَّهُ يُحْيِ اَلْمَوْتىٰ، وَ أَنَّهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ * وَ أَنَّ اَلسّٰاعَةَ آتِيَةٌ لاٰ رَيْبَ فِيهٰا، وَ أَنَّ اَللّٰهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي اَلْقُبُورِ (1) .

و لعلّ من هذا الباب وصفه سبحانه نفسه بالحق، ثم ذكره بعد ذلك آيات البعث و القيامة، فكأنّه يشير بذلك إلى أنّ كونه حقّا مطلقا لا يعتريه الباطل، يلازم البعث، و إلاّ لا يكون حقّا مطلقا، نرى هذا البيان في قوله سبحانه:

ذٰلِكَ بِأَنَّ اَللّٰهَ هُوَ اَلْحَقُّ وَ أَنَّ مٰا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ اَلْبٰاطِلُ (2) .

ثم بعد ثلاث آيات يقول:

وَ هُوَ اَلَّذِي أَحْيٰاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ (3) .

و مثله قوله سبحانه: ذٰلِكَ بِأَنَّ اَللّٰهَ هُوَ اَلْحَقُّ وَ أَنَّ مٰا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ اَلْبٰاطِلُ (4).

ثم بعد آيتين يقول: يٰا أَيُّهَا اَلنّٰاسُ اِتَّقُوا رَبَّكُمْ وَ اِخْشَوْا يَوْماً لاٰ يَجْزِي وٰالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ... (5).

3 - المعاد و النظم البديع

و في الذكر الحكيم تلويح و إشارة إلى هذا النوع من الاستدلال، حيث نرى أنّه سبحانه يذكر النبأ العظيم و اختلاف الناس فيه بين مثبت و ناف، ثم يبيّن

ص: 169


1- سورة الحج: الآيتان 6 و 7.
2- سورة الحج: الآية 62.
3- سورة الحج: الآية 66.
4- سورة لقمان: الآية 30.
5- سورة لقمان: الآية 33.

النظام البديع السائد في الكون، ببيان رائق مبسوط، معربا عن أنّه لو لا النبأ العظيم، لأصبح خلق العالم بلا غاية.

يقول سبحانه: عَمَّ يَتَسٰاءَلُونَ * عَنِ اَلنَّبَإِ اَلْعَظِيمِ * اَلَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ .

ثم يقول: أَ لَمْ نَجْعَلِ اَلْأَرْضَ مِهٰاداً، وَ اَلْجِبٰالَ أَوْتٰاداً إلى قوله: إِنَّ يَوْمَ اَلْفَصْلِ كٰانَ مِيقٰاتاً (1).

و بذلك تقف على انسجام الآيات وصلة بعضها ببعض.

و في كلمات الإمام أمير المؤمنين إشارة إلى هذا النمط من الاستدلال، يقول عليه السلام.

«و إنّ الخلق لا مقصر لهم عن القيامة، مرفلين في مضمارها إلى الغاية القصوى»(2).

و في خطبة أخرى قال عليه السلام: «قد شخصوا من مستقر الأجداث و صاروا إلى مصائر الغايات»(3).

الدليل الثاني - المعاد مقتضى العدل الإلهي

لزوم العمل بالعدل، و الاجتناب عن الظلم، من فروع التحسين و التقبيح العقليين، اللذين هما من أحكام العقل العملي. فمن قال بلزوم فعل الحسن و اجتناب القبيح، يرى العمل بالعدل واجبا لكل فاعل مريد مختار، من غير فرق

ص: 170


1- سورة النبأ: الآيات 1-17.
2- نهج البلاغة، الخطبة 156.
3- نهج البلاغة، الخطبة 190. و في رسالته إلى ابنه الحسن: «و اعلم يا بنيّ أنّك خلقت للآخرة لا للدنيا الخ». (الكتاب 31).

بين أن يكون ممكنا، أو واجبا، لأنّ الحسن حسن في كل حال، و القبيح قبيح كذلك.

و هناك جماعة من المتكلمين - كالأشاعرة - ينكرون التحسين و التقبيح العقليين، و يتركون المجال في القضاء بهما للوحي السماوي، و هم أيضا يقولون بلزوم العمل بالعدل و الاجتناب عن الظلم، بحكم أن الشرع قد أمر بهما، و أنّه سبحانه وصف نفسه بالقيام بالقسط(1)، فتكون النتيجة لزوم معاملة العباد بالعدل.

ثم إنّ إثابة المطيعين من باب التفضل منه سبحانه، لأنّهم يطيعونه تعالى بفضل ما أنعمه عليهم من النعم الوجودية، كما أنّ عقاب العصاة، حق محض له، فله أن يعفو عنهم(2).

هذا هو حكم العقل في كل واحد من القسمين: المطيع و العاصي، إذا لوحظا مستقلين.

و لكن هناك كلام آخر، و هو أنّه لو كان جميع العباد مطيعين سالكين نهج الامتثال، فله التفضل بالثواب، كما له تركه. و كذلك لو كان جميع العباد، عصاة سالكين نهج المخالفة، فله سبحانه معاقبتهم أو العفو عنهم، و لكنّ العباد، ينقسمون إلى قسمين، فهم بين مطيع و عاص، و التسوية بينهم بصورها المختلفة، خلاف العدل. فإنّه لو أثاب الجميع أو عاقب الجميع، أو تركهم سدى من دون أن يحشروا في النشأة الأخرى، كان ذلك كلّه على خلاف العدل، و خلاف ما يحكم به العقل من لزوم كون فعله تعالى حسنا، فهنا يستقل العقل بأنّه يجب التفريق بينهما من حيث المصير و الثواب و العقاب. و بما أنّ هذا غير متحقق في النشأة الدنيوية، فيجب أن يكون هناك نشأة أخرى يتحقق فيها ذلك الميز، و يفرّق فيه بين المطيعين و العاصين، و هو المعاد.

و هذا الدليل العقلي يشير إليه القرآن الكريم في لفيف من آياته، و هي على

ص: 171


1- سورة آل عمران: الآية 18. و سورة يونس: الآية 44.
2- كل ذلك مع قطع النظر عن وعده و وعيده.

قسمين: قسم يندد بالتسوية و ينكرها، و قسم يصرّح بالفرق بين العاصي و المطيع في النشأة الآخرة.

فمن القسم الأول:

- قوله سبحانه: أَمْ نَجْعَلُ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ، كَالْمُفْسِدِينَ فِي اَلْأَرْضِ، أَمْ نَجْعَلُ اَلْمُتَّقِينَ كَالْفُجّٰارِ (1).

- قوله سبحانه: أَ فَنَجْعَلُ اَلْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مٰا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (2).

- قوله سبحانه: أَمْ حَسِبَ اَلَّذِينَ اِجْتَرَحُوا اَلسَّيِّئٰاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ سَوٰاءً مَحْيٰاهُمْ وَ مَمٰاتُهُمْ، سٰاءَ مٰا يَحْكُمُونَ (3).

و من القسم الثاني:

- قوله سبحانه: إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اَللّٰهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا اَلْخَلْقَ، ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ بِالْقِسْطِ، وَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرٰابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَ عَذٰابٌ أَلِيمٌ بِمٰا كٰانُوا يَكْفُرُونَ (4).

- و قوله سبحانه: يَوْمَ تُبَدَّلُ اَلْأَرْضُ غَيْرَ اَلْأَرْضِ، وَ اَلسَّمٰاوٰاتُ وَ بَرَزُوا لِلّٰهِ اَلْوٰاحِدِ اَلْقَهّٰارِ * وَ تَرَى اَلْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي اَلْأَصْفٰادِ * سَرٰابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرٰانٍ وَ تَغْشىٰ وُجُوهَهُمُ اَلنّٰارُ * لِيَجْزِيَ اَللّٰهُ كُلَّ نَفْسٍ مٰا كَسَبَتْ، إِنَّ اَللّٰهَ سَرِيعُ اَلْحِسٰابِ (5).

- قوله سبحانه: إِنَّ اَلسّٰاعَةَ آتِيَةٌ أَكٰادُ أُخْفِيهٰا لِتُجْزىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمٰا

ص: 172


1- سورة ص: الآية 28.
2- سورة القلم: الآيتان 35 و 36.
3- سورة الجاثية: الآية 21.
4- سورة يونس: الآية 4.
5- سورة إبراهيم: الآيات 48-51.

تَسْعىٰ (1) .

فقوله: لِيَجْزِيَ اَللّٰهُ و لِتُجْزىٰ ، إشارة إلى أنّ قيام القيامة، تحقيق لمسألة الثواب و العقاب، الذين هما مقتضى العدل الإلهي.

و في كلام الإمام علي إشارة إلى هذا البيان:

قال عليه السلام: «يوم يجمع اللّه فيه الأوّلين و الآخرين لنقاش الحساب، و جزاء الأعمال»(2).

و قال عليه السلام: «فجدّدهم بعد إخلاقهم، و جمعهم بعد تفرّقهم، ثمّ ميّزهم لما يريده من مسألتهم عن خفايا الأعمال و خبايا الأفعال».(3).

الدليل الثالث: المعاد مجلى لتحقق وعده و وعيده

و هناك دليل ثالث يضفي على المعاد الضرورة و القطعية، و هو مركب من مقدمة شرعية، و حكم عقلي، و ذلك أنّه سبحانه قد وعد المطيعين بالثواب، و العاصين بالعقاب، و هذه صغرى البرهان أخبر عنها الشرع. و حكم العقل عندئذ واضح، و هو أنّ إنجاز الوعد حسن، و التخلّف عنه قبيح. نعم، تقدم في الدليل السابق أنّ العباد لا يستحقون الثواب بطاعتهم، و إنّما هو جود و تفضّل، لكن هذا بغضّ النظر عن الوعد به، و أمّا معه، فالوفاء به لازم.

و الآيات الواردة في هذا المجال على قسمين: قسم يذكر فيه وعده بالقيامة و وعده بالثواب و وعيده بالعقاب. و قسم يذكر أنّه ينجز وعده و لا يخلف.

أمّا القسم الأول: فما يدلّ عليه كثير، نذكر بعضه.

- أمّا ما يدلّ على الوعد بالقيامة، فمنه قوله تعالى:

ص: 173


1- سورة طه: الآية 15. و لاحظ سورة سبأ الآيات 3-5، سورة الزلزلة: الآية 6.
2- نهج البلاغة، الخطبة 102.
3- نهج البلاغة، الخطبة 109.

فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَ يَلْعَبُوا حَتّٰى يُلاٰقُوا يَوْمَهُمُ اَلَّذِي يُوعَدُونَ (1) .

- و ما يدل على الوعد بالثواب، فمنه قوله تعالى:

وَ أُزْلِفَتِ اَلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ، هٰذٰا مٰا تُوعَدُونَ (2) .

- و ما يدلّ على الوعيد بالعقاب، فمنه قوله تعالى:

وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (3) .

وَ مَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ اَلْأَحْزٰابِ فَالنّٰارُ مَوْعِدُهُ (4) .

و أمّا القسم الثاني: الذي يركّز على حكم العقل و يدعمه، و ينفي الخلف عن وعده، فمنه قوله تعالى:

رَبَّنٰا إِنَّكَ جٰامِعُ اَلنّٰاسِ لِيَوْمٍ لاٰ رَيْبَ فِيهِ، إِنَّ اَللّٰهَ لاٰ يُخْلِفُ اَلْمِيعٰادَ (5) .

وَ لاٰ تُخْزِنٰا يَوْمَ اَلْقِيٰامَةِ إِنَّكَ لاٰ تُخْلِفُ اَلْمِيعٰادَ (6) .

و على هذا الأساس يستدلّ المحقق الطوسي، على ضرورة المعاد، بقوله:

«و وجوب إيفاء الوعد، يقتضي وجوب البعث»(7).

ص: 174


1- سورة الزخرف: الآية 83. لاحظ الذاريات: 60، المعارج: 44، الأنبياء: 103.
2- سورة ق: الآيتان 31 و 32.
3- سورة الحجر: الآية 43.
4- سورة هود: الآية 17.
5- سورة آل عمران: الآية 9.
6- سورة آل عمران: الآية 194.
7- كشف المراد، المقصد السادس، المسألة الرابعة، ص 406.
الدليل الرابع: المعاد مجلى لرحمته سبحانه

و من لطائف الكلام في الذكر الحكيم أنّه عدّ المعاد فرعا لرحمته، و جعله مجلى لها، قال سبحانه: قُلْ لِمَنْ مٰا فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ؟ قُلْ لِلّٰهِ، كَتَبَ عَلىٰ نَفْسِهِ اَلرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلىٰ يَوْمِ اَلْقِيٰامَةِ لاٰ رَيْبَ فِيهِ اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاٰ يُؤْمِنُونَ (1).

فترى أنّه سبحانه يرتّب جمع الناس إلى يوم القيامة، على قوله: كَتَبَ عَلىٰ نَفْسِهِ اَلرَّحْمَةَ ، و ذلك لأنّ هذا اليوم يوم الرحمة للمؤمن و الكافر، غير أنّ الكافر، قد خسر نفسه باقتراف المعاصي و ترك الفرائض في الدنيا، فلا يتوفق لنيل رحمته تعالى، و لعلّه سبحانه إلى ذلك يشير في الآية بقوله: اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاٰ يُؤْمِنُونَ .

و يعود معنى الآية إلى أنّ يوم القيامة أشبه بمائدة ممدودة، فيها ما تشتهيه الأنفس و تلذّ الأعين، و لكن الانتفاع منها رهن قيود و شروط هي في وسع كل واحد من المكلّفين. فلو حرم الكافر من الرحمة، فهو بفعل نفسه و ما جنته يداه لا من جانبه سبحانه، و هذا كابتلاء العباد و امتحانهم، فإنّه رحمة، لأنّ الهدف منه خروج الطاقات من القوة إلى الفعل، و الكمالات من الخفاء إلى البروز، و لكن الكافر لا يخرج منه إلاّ راسبا غير مستفيد من أهداف الابتلاء، بل يخسر نفسه بفتور عزمه في مجال الطاعة.

و يمكن استفادة ذلك من الآية التالية، و هي قوله سبحانه:

فَانْظُرْ إِلىٰ آثٰارِ رَحْمَتِ اَللّٰهِ كَيْفَ يُحْيِ اَلْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهٰا إِنَّ ذٰلِكَ لَمُحْيِ اَلْمَوْتىٰ وَ هُوَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ (2) . فللآية دلالتان:

المطابقية منهما تهدف إلى تشبيه إحياء الموتى بإحياء الأرض حتى يرجع المنكر عن إنكاره بمشاهدة إحياء محسوس، و هو إحياء الأرض. و الالتزامية منهما تدلّ على أنّ

ص: 175


1- سورة الأنعام: الآية 12.
2- سورة الروم: الآية 50.

إحياء الموتى يوم القيامة، رحمة من اللّه سبحانه لهم، كما أنّ إحياء الأرض رحمة من اللّه سبحانه لعباده.

الدليل الخامس: المعاد خاتمة المطاف في تكامل الإنسان

إنّ الحركة تتقوم بأمور ستة، منها الغاية، كما حقق في محلّه. اعتبار الغاية في حقيقة الحركة ينشأ من تصوّر مفهومها، فإنّ الحركة جهد و سعي، يتطلب صاحبها غاية يفقدها، من غير بين أن تكون الغاية عقلائية، كحركة الطالب لتحصيل العلم، أو غير عقلائية، كاللعب بالسّبحة لترويح النفس.

و نرى أنّ الإنسان منذ تكونه نطفة فعلقة فمضغة، إلى أن يفتح عينه على الوجود، في حال حركة دائمة و سعي متواصل ليس له ثبات و لا قرار، و هو يطلب بحركته و سعيه شيئا يفقده. فعلى ذلك لا بدّ من وجود يوم يزول فيه وصف اللاقرار، و يدخل منزلا فيه القرار و الثبات، يكون غاية المطاف.

و الحركة و إن كانت تتوقف بالموت و لا يرى بعدها في الإنسان سعي، لكنّ تفسير الموت ببطلان الإنسان و شخصيته الساعية، إبطال للغاية التي كان يتوخاها من حركته، فلا بدّ أن يكون الموت ورودا إلى منزل آخر، يصل فيه إلى الغاية المتوخاة من سعيه و جهاده، و ذلك المنزل هو النشأة الأخروية.

و لا يصح أن يقال إنّ الغاية من الحركة و السعي و الكدح، هو نيل اللذائذ المادية و التجمّلات الظاهرية، لوضوح أنّ الإنسان مهما نال منها، لا يخمد عطشه، بل يستمر في سعيه و طلبه، و هذا يدلّ على أنّ له ضالة أخرى يتوجّه نحوها، و إن لم يعرف حقيقتها، فهو يطلب الكمال اللائق بحاله، و يتصور أنّ ملاذّ الحياة غايته، و منتهى سعيه، و لكنه سوف يرجع عن كل غاية يصل إليها و يعطف توجهه إلى شيء آخر.

قال صدر المتألّهين: الآيات التي ذكرت فيها النطفة و أطوارها الكمالية،

ص: 176

و تقلّباتها من صورة النقص إلى صورة أكمل، و من حال أدون إلى حال أعلى، فالغرض من ذكرها، إثبات أنّ لهذه الأطوار و التحولات غاية أخيرة، فللإنسان توجّه طبيعي نحو الكمال، و دين إلهي فطري في التقرّب إلى المبدأ الفعّال، و الكمال اللائق بحال الإنسان المخلوق أوّلا من هذه الطبيعة، و إلاّ كان لا يوجد في هذا العالم الأدنى، بل في عالم الآخرة التي إليها الرجعي، و فيها الغاية و المنتهى، فبالضرورة إذا استوفى الإنسان جميع المراتب الخلقية الواقعة في حدود حركته الجوهرية الفطرية، من الجمادية و النباتية، و الحيوانية، و بلغ أشدّه الصوري، و تمّ وجوده الدنيوي الحيواني، فلا بدّ أن يتوجه نحو النشأة الآخرة، و يخرج من القوة إلى الفعل، و من الدنيا إلى الأخرى، ثم المولى، و هو غاية الغايات، و منتهى الأشواق و الحركات(1).

و في الآيات الكريمات إشارات إلى هذا البرهان، يفهمها الراسخون في الذكر الحكيم.

يقول سبحانه: ثُمَّ أَنْشَأْنٰاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبٰارَكَ اَللّٰهُ أَحْسَنُ اَلْخٰالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ اَلْقِيٰامَةِ تُبْعَثُونَ (2).

و أنت إذا لاحظت هذه الآيات و ما تقدمها ممّا يتكفل ببيان خلقة الإنسان، ترى لها انسجاما و ترابطا خاصّا، فاللّه سبحانه يصف الإنسان بأنّه كان نطفة فعلقة فمضغة، إلى أن أنشأه خلقا آخر، ثم يوافيه الموت، ثم يبعث يوم القيامة، فكأنّ الآية تبيّن تطور الإنسان تدريجا من النقص إلى الكمال، و من القوة إلى الفعل، و أنّه منذ تكوّن يسير في مدارج الكمال، إلى نهاية المطاف و هو البعث يوم القيامة، فهذا غاية الغايات، و منتهى الكمال.

و يمكن استظهار ذلك من قوله سبحانه: وَ أَنَّهُ خَلَقَ اَلزَّوْجَيْنِ اَلذَّكَرَ وَ اَلْأُنْثىٰ * مِنْ نُطْفَةٍ إِذٰا تُمْنىٰ * وَ أَنَّ عَلَيْهِ اَلنَّشْأَةَ اَلْأُخْرىٰ (3)، بالبيان الماضي في الآية السابقة.

ص: 177


1- الأسفار، ج 9، ص 159.
2- سورة المؤمنون: الآيات 14-16.
3- سورة النجم: الآيات 45-47.

و لعلّه لأجل ذلك يصف القرآن يوم البعث ب «المساق»، و «الرّجعى»، و «دار القرار» و يقول: إِلىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ اَلْمَسٰاقُ (1)، و إِنَّ إِلىٰ رَبِّكَ اَلرُّجْعىٰ (2)، و إِنَّمٰا هٰذِهِ اَلْحَيٰاةُ اَلدُّنْيٰا مَتٰاعٌ وَ إِنَّ اَلْآخِرَةَ هِيَ دٰارُ اَلْقَرٰارِ (3).

الدليل السادس - المعاد مقتضى الربوبية

إنّ الربّ في اللغة بمعنى الصاحب، يقال: ربّ الدّار، و ربّ الضّيعة.

فالربوبية تحكي عن مالكية الرّبّ، و مملوكية المربوب.

و العلاقة المتّسمة بالربوبية، تقتضي كون المربوب ذا مسئولية أمام ربّه، و أنّ الربّ لا يتركه سدى، بل يحاسبه على أعماله و يجازيه بما أتى تجاهه، و بما أنّ هذه المحاسبة لا تتحقق في النشأة الدنيوية، فيجب أن يكون هناك نشأة أخرى تتحقق فيها لوازم الربوبية، فلا معنى لربّ بلا مربوب، كما لا معنى لمربوب يترك سدى، و لا يحاسب على أعماله و أفعاله.

و لعله لهذا الوجه، يركّز القرآن على كلمة الرّبّ في قوله: يٰا أَيُّهَا اَلْإِنْسٰانُ إِنَّكَ كٰادِحٌ إِلىٰ رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاٰقِيهِ (4).

و في قوله: وَ إِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَ إِذٰا كُنّٰا تُرٰاباً أَ إِنّٰا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ، أُولٰئِكَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ (5).

و هذه الآية الثانية، أصرح في المطلوب، و هو أنّ كفرانهم بربّهم جعلهم

ص: 178


1- سورة القيامة: الآية 30.
2- سورة العلق: الآية 8.
3- سورة غافر: الآية 39.
4- سورة الانشقاق: الآية 6.
5- سورة الرعد: الآية 5.

منكرين للمعاد، فلو عرفوا حقيقة الربوبية، و عرفوا ربّهم، لأذعنوا بأنّ مقتضى الربوبية، لزوم وجود يوم تطرح فيه أعمال العباد على طاولة الحساب.

***

و هذه البراهين الستة تضفي على المعاد ضرورة، و قطعيّة، و وجوبا، و حتمية، و كلّها براهين عقلية أرشدنا إليها الذّكر الحكيم في محكم آياته.

***

ص: 179

مباحث المعاد

(3) بواعث إنكار المعاد و شبهات المنكرين

اشارة

الناس أمام دعوة الأنبياء إلى البعث في النشأة الأخرى كانوا على صنفين معتنق يشكل الأقليّة في المجتمع الإنساني، و منكر يشكّلون الأكثرية الساحقة فيه.

و كان المشركون من العرب، المعاصرون للنبي، أكثر عنادا و لجاجا في المعارف، خصوصا ما يرجع منها إلى البعث و يوم الحساب.

غير أنّه كانت لهم بواعث للإنكار، كما كانت لهم شبهات، و لم تكن شبهاتهم إلاّ واجهة لإنكارهم، فيبرروا بها جحودهم، و يعطوه صبغة الحجة، و العذر.

و نحن نذكر بواعث الإنكار أوّلا، ثم نردفها بالشّبهات ثانيا، و نعتمد في ذلك على الذكر الحكيم الذي ينقل ذلك عن المنكرين، سواء كانوا من الأمم السالفة، أو من المعاصرين لنزول الرسالة.

بواعث إنكار المعاد
اشارة

كثيرا ما نرى أناسا يتبنّون شيئا و يحتجون له بأدلة واهية، و هم يعلمون بوهنها، و أنّ المخاطبين يقفون على سقمها، و مع ذلك، يصرّون على مواقفهم.

و هذا من الأمور التي تمكّن من استكشاف الباعث أو البواعث الواقعية لهذا التبني من خلال أفعالهم و سيرتهم و معاشراتهم، و الذكر الحكيم كشف عن تلك البواعث

ص: 180

التي كانت تدفع المشركين إلى إنكار المعاد، ثم التعلل له بحجج واهية، و إليك بيانها.

الباعث الأول - التحلل من القيود و الحدود

إنّ الإيمان بالمبدإ، و المعاد، لا يتلخص في الإقرار اللساني، بل المؤمن يحمل مسئولية خاصة أمام اللّه سبحانه في الحياة الدنيوية، و لازم هذه المسئولية، الالتزام بحدود و قيود، تصدّه عن التحلل و الإفراط في الملاذ و الشهوات و الانهماك في إشباع الغرائز الحيوانية. و قد كان الالتذاذ و اتّباع الهوى، غاية المنى لأكثر المنكرين، و كان يسود عليهم سيادة الإله على خلقه، قال سبحانه: أَ رَأَيْتَ مَنِ اِتَّخَذَ إِلٰهَهُ هَوٰاهُ أَ فَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (1).

و لما كان الاعتقاد بالمعاد، مناف لهذا المبدأ الحيواني، أنكروه بحجج واهية يأتي الإشارة إليها، و يشير الذكر الحكيم إلى هذا الباعث، بقوله:

أَ يَحْسَبُ اَلْإِنْسٰانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظٰامَهُ * بَلىٰ قٰادِرِينَ عَلىٰ أَنْ نُسَوِّيَ بَنٰانَهُ * بَلْ يُرِيدُ اَلْإِنْسٰانُ لِيَفْجُرَ أَمٰامَهُ * يَسْئَلُ أَيّٰانَ يَوْمُ اَلْقِيٰامَةِ (2) .

فالآية الأولى تذكر معتقدهم و إنكارهم، و الآية الثانية تذكر باعث إنكارهم، و أنّه ليس هو ما يتظاهرون به من عدم إمكان جمع العظام، و إنّما هو رغبتهم في أن يرفعوا كل عائق يحدّ من انغماسهم في الملذات، و كل رادع يصدّهم عن إرضاء الغرائز البهيميّة. و قوله: لِيَفْجُرَ أَمٰامَهُ ، بمعنى ليشقّ أمامه، و لا يرتدع بشيء من القوانين و التشريعات.

الباعث الثاني - صيانة السلطة

إنّ السّنة السائدة عند أصحاب السلطة هي استعباد غيرهم و اضطهاد حقوقهم، كما أنّ السّنّة السائدة على المترفين في الحياة الدنيا، هي الانهماك في

ص: 181


1- سورة الفرقان: الآية 43.
2- سورة القيامة: الآيات 3-6.

اللذائذ، و كلاهما لا يتّفقان مع الاعتقاد بالمعاد و يوم الحساب، يقول سبحانه:

وَ قٰالَ اَلْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ اَلَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِلِقٰاءِ اَلْآخِرَةِ، وَ أَتْرَفْنٰاهُمْ فِي اَلْحَيٰاةِ اَلدُّنْيٰا، مٰا هٰذٰا إِلاّٰ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمّٰا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَ يَشْرَبُ مِمّٰا تَشْرَبُونَ... هَيْهٰاتَ، هَيْهٰاتَ، لِمٰا تُوعَدُونَ * إِنْ هِيَ إِلاّٰ حَيٰاتُنَا اَلدُّنْيٰا، نَمُوتُ وَ نَحْيٰا وَ مٰا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (1) .

فالآية الأولى تشير إلى باعثين من بواعث الإنكار، بينهما صلة قوية، و لذلك أدمجناهما و جعلناهما باعثا واحدا، أحدهما باعث نفسي هو الإتراف و التّمتّع بأسباب الشهوات، و الآخر باعث سياسي، هو ما كان للمنكرين من علية القوم و أشرافهم من تسلّط على أقوامهم فانكروا المعاد لئلا تتزعزع عروش سلطتهم بانتشار هذه العقيدة بين أتباعهم و مرءوسيهم، فكانوا يدعون الناس إلى إنكار المعاد و يقولون: هَيْهٰاتَ، هَيْهٰاتَ لِمٰا تُوعَدُونَ .

الباعث الثالث - التكذيب بالحق

إنّ هناك آيات تعرب عن أنّ المنكرين، من أول يوم واجهوا فيه دعوة الرسل، أنكروها و لم يعتنقوها، فجرّهم ذلك إلى إنكار المعارف كلّها و بالأخص المعاد، و حشر الإنسان في النشأة الأخرى.

نعم، لا ينفك عنادهم أمام الأنبياء عن علّة نفسية أو اجتماعية أو سياسية، جرّتهم إلى اتّخاذ ذلك الموقف السلبي في بدء الدعوة في كلّ ما يقوله الأنبياء و يدعون إليه، و إن كان بعضه موافقا لطبعهم و شعورهم و الذكر الحكيم يشير إلى هذا الباعث بقوله حاكيا عنهم:

أَ إِذٰا مِتْنٰا وَ كُنّٰا تُرٰاباً؟! ذٰلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ * قَدْ عَلِمْنٰا مٰا تَنْقُصُ اَلْأَرْضُ مِنْهُمْ وَ عِنْدَنٰا كِتٰابٌ حَفِيظٌ * بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمّٰا جٰاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (2) .

ص: 182


1- سورة المؤمنون: الآيات 33 و 36 و 37.
2- سورة ق: الآيات 3-5.

فيذكر في الآيتين الأوليين شبهتهم - التي سيأتي بيانها - إلاّ أنّه سرعان ما بيّن في الآية الثالثة أنّ هذه الشبهة واجهة و غطاء لها، و أنّ الباعث الواقعي هو تكذيبهم بالحق من أول الأمر، و لأجل ذلك هم في أمر مريج مضطرب.

هذه هي البواعث التي كانت تدفع إلى إنكار المعاد، و نحت الأعذار و الشبهات في هذا المجال. و إليك فيما يلي بيان شبهاتهم أوّلا، و أجوبتها ثانيا..

شبهات المنكرين للمعاد
اشارة

الشبهات التي ينقلها الذكر الحكيم عنهم تبلغ عشر شبهات، غير أنّ كثيرا منها ضئيل، ليس له دليل سوى البواعث التي قدّمناها، و مع ذلك لم يتركها القرآن بلا جواب، إمّا مقارن لذكرها أو في مواضع أخرى، و فيما يلي نذكر رءوس الشبهات الواهية، ثم نتبعها بذكر الشبهات القابلة للبحث، فنطرحها و نناقشها.

1 - لا دليل على المعاد

يقول سبحانه: وَ إِذٰا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اَللّٰهِ حَقٌّ وَ اَلسّٰاعَةُ لاٰ رَيْبَ فِيهٰا قُلْتُمْ مٰا نَدْرِي مَا اَلسّٰاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلاّٰ ظَنًّا وَ مٰا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (1).

و قائل الشبهة يتظاهر بأنّه لا دليل على النّشأة الأخرى و إحياء الموتى فيها، و لو كان لاتّبعه. و لم يتركه القرآن بلا جواب، فقد أقام براهين دامغة على إمكانه و ضرورته كما سيوافيك.

و لأجل كون المعاد مقرونا بالبراهين، يتعجّب القرآن من إنكارهم و يقول:

وَ إِنْ تَعْجَبْ، فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَ إِذٰا كُنّٰا تُرٰاباً أَ إِنّٰا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (2) .

ص: 183


1- سورة الجاثية: الآية 32.
2- سورة الرعد: الآية 5.
2 - المعاد من أساطير الأولين

يقول سبحانه: قٰالُوا أَ إِذٰا مِتْنٰا وَ كُنّٰا تُرٰاباً وَ عِظٰاماً أَ إِنّٰا لَمَبْعُوثُونَ * لَقَدْ وُعِدْنٰا نَحْنُ وَ آبٰاؤُنٰا هٰذٰا مِنْ قَبْلُ، إِنْ هٰذٰا إِلاّٰ أَسٰاطِيرُ اَلْأَوَّلِينَ (1).

و بما أنّ الشرائع السماوية، متّحدة في الأصول، و إنّما اختلافها في الشرع و المنهاج(2)، كانت الدعوة إلى المعاد موجودة في الشرائع السالفة، فحسبها المشركون أسطورة من أساطير الأوّلين.

مع أنّ الدعوة إلى عقيدة قديمة لا يكون دليلا على بطلانها، كما أنّ استحداث عقيدة لا يكون دليلا على صحتها، و إنّما الضابط هو الدليل.

3 - المعاد افتراء على اللّه أو جنون من القول

يقول سبحانه: وَ قٰالَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذٰا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ * أَفْتَرىٰ عَلَى اَللّٰهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ (3).

و المنكرون لأجل التظاهر بالحرية في القضاء، و ابتعادهم عن العصبية، فسّروا الدعوة إلى المعاد بأنّ الداعي إمّا رجل غير صالح، افترى على اللّه كذبا، أو أنّه معذور في هذا القول و قاصر، لأنّ به جنة، و هذا نوع من الخداع، إذ كيف صار «أمينهم» مفتريا على اللّه الكذب، و متى كان الإنسان العاقل الذي أثبت الزمان عقله و ذكاءه و درايته و أمانته حتى قمع أصول الشرك عن أديم الجزيرة، متى كان مجنونا؟.

4 - إعادة الأموات سحر

يقول سبحانه: وَ لَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ اَلْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ اَلَّذِينَ

ص: 184


1- سورة المؤمنون: الآيتان 82 و 83.
2- إشارة إلى قوله سبحانه: لِكُلٍّ جَعَلْنٰا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهٰاجاً (سورة المائدة: الآية 48).
3- سورة سبأ: الآيتان 7 و 8.

كَفَرُوا إِنْ هٰذٰا إِلاّٰ سِحْرٌ مُبِينٌ (1) .

فقد بلغ عنادهم في إنكار الحقيقة مبلغا لو قام النبي معه بإحياء الموتى أمامهم، و رأوه بأمّ أعينهم، لقالوا إنّه سحر مبين، و إنّك سحرت أعيننا، و لا حقيقة لما فعلت.

5 - إذا كان المعاد حقّا فأحيوا آباءنا

يقول سبحانه: وَ إِذٰا تُتْلىٰ عَلَيْهِمْ آيٰاتُنٰا بَيِّنٰاتٍ مٰا كٰانَ حُجَّتَهُمْ إِلاّٰ أَنْ قٰالُوا اِئْتُوا بِآبٰائِنٰا إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ (2).

غير أنّ طلبهم إحياء آبائهم لم يكن إلاّ تعلّلا أمام دعوة النبي، فلو قام النبي بهذا العمل، لطلبت كل قبيلة، بل كلّ إنسان نفس ذلك العمل من النبي، حتى يؤمن به، فتنقلب الدعوة لعبة في أيديهم. و لأجل ذلك يضرب القرآن عن الجواب صفحا، و يكتفي بقوله: قُلِ اَللّٰهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ، ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلىٰ يَوْمِ اَلْقِيٰامَةِ لاٰ رَيْبَ فِيهِ، وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَ اَلنّٰاسِ لاٰ يَعْلَمُونَ (3).

6 - حشر الإنسان عسير

إنّ هذا الاعتراض و إن لم ينقل عنهم صريحا و لكن يعلم من الآيات الواردة حول المعاد، أنّه كان أحد شبهاتهم.

يقول سبحانه في أمر المعاد: ذٰلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنٰا يَسِيرٌ (4) و يقول: ذٰلِكَ عَلَى اَللّٰهِ يَسِيرٌ (5) و يقول: وَ مٰا أَمْرُ اَلسّٰاعَةِ إِلاّٰ كَلَمْحِ اَلْبَصَرِ أَوْ هُوَ

ص: 185


1- سورة هود: الآية 7.
2- سورة الجاثية: الآية 25.
3- سورة الجاثية: الآية 26.
4- سورة ق: الآية 44.
5- سورة التغابن: الآية 7.

أَقْرَبُ (1) و يقول: وَ هُوَ اَلَّذِي يَبْدَؤُا اَلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ (2).

و هذه الشبهة صورة خفيفة للشبهة السابعة الآتية التي سيوافيك الجواب عنها تفصيلا. و الإجابة عن تلك يغني عن الإجابة عن هذه. قال أمير المؤمنين عليه السلام: «و ما الجليل و اللّطيف، و الثّقيل و الخفيف، و القويّ و الضّعيف في خلقه إلاّ سواء»(3).

هذه هي شبهاتهم الضئيلة الواهية التي لا يخفى بطلانها و كانت لهم معها شبهات أخرى أجدر بالبحث و التحليل، و هي أربع، نذكرها أوّلا ثم نجيب عنها بالتفصيل.

7 - إحياء الموتى خارج عن إطار القدرة

يظهر من الذكر الحكيم أنّهم كانوا يعتمدون على هذه الشبهة، و يحكيها سبحانه بقوله: وَ ضَرَبَ لَنٰا مَثَلاً وَ نَسِيَ خَلْقَهُ قٰالَ مَنْ يُحْيِ اَلْعِظٰامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ (4).

8 - التعرف على الأجزاء الرميمة غير ممكن

إنّ عادة الموتى بأعيانهم يتوقف على التعرف على أجزاء أبدانهم الرميمة المبعثرة، على أديم الأرض و في جوفها. و في أعماق البحار، ليعاد جزء كل إنسان إلى بدنه، و هذا أمر محال.

و هذه الشبهة و إن لم يصرّح بها القرآن، و لكن يستنبط من إجابة القرآن عليها أنّهم كانوا يعتمدون عليها.

ص: 186


1- سورة النحل: الآية 77.
2- سورة الروم: الآية 27.
3- نهج البلاغة، الخطبة 180.
4- سورة يس: الآية 78.

يقول سبحانه: وَ قٰالَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا لاٰ تَأْتِينَا اَلسّٰاعَةُ قُلْ بَلىٰ وَ رَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ، عٰالِمِ اَلْغَيْبِ لاٰ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقٰالُ ذَرَّةٍ فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ لاٰ فِي اَلْأَرْضِ وَ لاٰ أَصْغَرُ مِنْ ذٰلِكَ وَ لاٰ أَكْبَرُ إِلاّٰ فِي كِتٰابٍ مُبِينٍ (1).

فإنّ قوله: عٰالِمِ اَلْغَيْبِ، لاٰ يَعْزُبُ عَنْهُ... يكشف عن أنّ شبهتهم في إمكان المعاد، هي عدم إمكان التعرّف على أجزاء الموتى المبعثرة.

9 - الموت بطلان للشخصية

و ممّا كانوا يعتمدون عليه في إنكارهم للمعاد، هو أنّ الموت و صيرورة الإنسان عظاما ثم ترابا، يلازم بطلان شخصيته و انعدامها، و المعدم لا يعاد.

و لعلّه إلى تلك الشبهة يشير قوله سبحانه: وَ قٰالُوا أَ إِذٰا ضَلَلْنٰا فِي اَلْأَرْضِ أَ إِنّٰا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (2) و يحتمل كونه إشارة إلى الشبهة التالية.

10 - فقدان الصلة بين المبتدأ و المعاد

إذا كان الموت و صيرورة الإنسان ترابا، إعداما للشخصية، فالشخصية المحياة في النشأة الأخرى، لا تمت إلى الأولى بصلة، فكيف تكون إحياء لها؟ فإنّ المقصود من المعاد، إحياء الناس لإثابتهم أو معاقبتهم، و هو فرع وحدة المعاد و المبتدأ، و اتّحادهما، و هو منتف، و لعلّ الآية السابقة، تشير إلى هذه الشبهة.

هذه هي شبهاتهم التي تستحق البحث، و إليك فيما يلي مناقشتها:

الإجابة التفصيلية عن شبهاتهم
اشارة

الاعتقاد بالمعاد اعتقاد بالغيب و إيمان به، و هو فرع معرفة اللّه سبحانه، و معرفة أسمائه و صفاته، و أفعاله، و لو لا تلك المعرفة، لما حصل الإيمان بشيء من

ص: 187


1- سورة سبأ: الآية 3.
2- سورة السجدة: الآية 10.

الأمور الغيبية، فالاعتقاد بمعاجز الأنبياء، و كراماتهم التي يحكيها لنا القرآن الكريم، قائم على معرفة اللّه سبحانه. و معرفة شئونه تبارك و تعالى. و على هذا الأساس يبتني الجواب عن الشبهتين الأوليين:

جواب الشبهة الأولى - القدرة المطلقة و إحياء الموتى
اشارة

إنّ تخيل استحالة المعاد، الناشئ من توهّم أنّ إحياء الموتى خارج عن إطار القدرة، جهل باللّه سبحانه، و جهل بصفاته القدسية، فإنّ قدرته عامة تتعلق بكل أمر ممكن بالذات، و من هنا نجد القرآن الكريم يندد بقصور المشركين و جهلهم في مجال المعرفة، و يقول: وَ مٰا قَدَرُوا اَللّٰهَ حَقَّ قَدْرِهِ، وَ اَلْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ اَلْقِيٰامَةِ وَ اَلسَّمٰاوٰاتُ مَطْوِيّٰاتٌ بِيَمِينِهِ (1). و معنى عدم التقدير هنا، عدم تعرفهم على اللّه سبحانه حقّ التعرف، و لذلك يعقبه بقوله: وَ نُفِخَ فِي اَلصُّورِ ، معربا عن أنّ إنكار المعاد ينشأ من هذا الباب.

و في آيات أخرى تصريحات بعموم قدرته، كقوله: أَيْنَ مٰا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اَللّٰهُ جَمِيعاً، إِنَّ اَللّٰهَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ (2).

و قوله تعالى: إِلَى اَللّٰهِ مَرْجِعُكُمْ وَ هُوَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ (3).

و الآيات الواردة في هذا المجال كثيرة(4).

ثم إنّ القرآن يسلك طريقا ثانيا في تقرير إمكان المعاد، و ذلك عبر الآتيان بأمور محسوسة أقرب إلى الإذعان و الإيمان:

ص: 188


1- سورة الزمر: الآية 67.
2- سورة البقرة: الآية 148.
3- سورة هود: الآية 4.
4- لاحظ النحل: الآية 77، العنكبوت: الآية 20، الروم: الآية 50، فصلت: الآية 39، الشورى: الآية 9 و 29، الأحقاف: الآية 23، الحديد: الآية 2.
أ - القادر على خلق السموات، قادر على إحياء الموتى

يقول سبحانه: أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اَللّٰهَ اَلَّذِي خَلَقَ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضَ وَ لَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقٰادِرٍ عَلىٰ أَنْ يُحْيِيَ اَلْمَوْتىٰ (1).

و كيفية الاستدلال بها واضحة، فإنّ القادر على إبداع هذا النظم البديع، أقدر على إحياء الإنسان.

ب - القادر على المبتدأ قادر على المعاد

إنّ من الضوابط العقلية المحكمة أنّ أدلّ دليل على إمكان الشيء وقوعه، و أنّ حكم الأمثال فيما يجوز و لا يجوز واحد، فلو كانت الإعادة أمرا محالا، لكان ابتداء الخلقة مثله، لأنّهما يشتركان في كونهما إيجادا للإنسان، و على ذلك قوله سبحانه: وَ قٰالُوا أَ إِذٰا كُنّٰا عِظٰاماً وَ رُفٰاتاً أَ إِنّٰا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً...

فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنٰا، قُلِ اَلَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ (2) .

و قوله سبحانه: أَ يَحْسَبُ اَلْإِنْسٰانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً * أَ لَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنىٰ * ثُمَّ كٰانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوّٰى * فَجَعَلَ مِنْهُ اَلزَّوْجَيْنِ اَلذَّكَرَ وَ اَلْأُنْثىٰ * أَ لَيْسَ ذٰلِكَ بِقٰادِرٍ عَلىٰ أَنْ يُحْيِيَ اَلْمَوْتىٰ (3).

ج - القادر على إحياء الأرض بعد موتها قادر على إحياء الإنسان بعد موته

و يري الذكر الحكيم في آياته إعادة الحياة إلى التراب بشكل ملموس، و ذلك بصورتين:

أولاهما: أنّه إذا امتنع عود الحياة إلى التراب، فكيف صار التراب إنسانا في

ص: 189


1- سورة الأحقاف: الآية 33. و مثلها يس: الآية 81.
2- سورة الإسراء: الآيات 49-51.
3- سورة القيامة: الآيات 36-40، و قد ورد في هذا المجال آيات أخر، فلاحظ يس: الآية 79، سورة الطارق: الآيات 5-8.

بدء الخلقة، و في ذلك يقول سبحانه: يٰا أَيُّهَا اَلنّٰاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ اَلْبَعْثِ فَإِنّٰا خَلَقْنٰاكُمْ مِنْ تُرٰابٍ... (1).

و يقول: مِنْهٰا خَلَقْنٰاكُمْ وَ فِيهٰا نُعِيدُكُمْ وَ مِنْهٰا نُخْرِجُكُمْ تٰارَةً أُخْرىٰ (2).

و ثانيتهما: إنّ الأرض الميتة تحيا كلّ سنة بنزول الماء عليها فتهتز و تربو بعد جفافها، و تنبت من كل زوج بهيج، يقول سبحانه: وَ تَرَى اَلْأَرْضَ هٰامِدَةً فَإِذٰا أَنْزَلْنٰا، عَلَيْهَا اَلْمٰاءَ اِهْتَزَّتْ، وَ رَبَتْ وَ أَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذٰلِكَ بِأَنَّ اَللّٰهَ هُوَ اَلْحَقُّ، وَ أَنَّهُ يُحْيِ اَلْمَوْتىٰ، وَ أَنَّهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ * وَ أَنَّ اَلسّٰاعَةَ آتِيَةٌ لاٰ رَيْبَ فِيهٰا، وَ أَنَّ اَللّٰهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي اَلْقُبُورِ (3).

و يقول سبحانه: وَ هُوَ اَلَّذِي يُرْسِلُ اَلرِّيٰاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ، حَتّٰى إِذٰا أَقَلَّتْ سَحٰاباً ثِقٰالاً سُقْنٰاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنٰا بِهِ اَلْمٰاءَ فَأَخْرَجْنٰا بِهِ مِنْ كُلِّ اَلثَّمَرٰاتِ، كَذٰلِكَ نُخْرِجُ اَلْمَوْتىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (4).

فليس إحياء الإنسان من التراب إلاّ كإحياء التراب الميت، باخضرار نباته، و ازهرار أشجاره.

و بهذه النماذج المحسوسة يثبت القرآن عموم قدرته تعالى، مضافا إلى البراهين العقلية على عموم قدرته تعالى شأنه.

جواب الشبهة الثانية - العلم المطلق و التعرف على الأجزاء المندثرة

إنّ هذه الشبهة و سابقتها، لهما منشأ واحد هو عدم التعرف على اللّه سبحانه: صفاته و أفعاله، و هنا يقولون إنّ الأجزاء المتلاشية المبعثرة في أكناف

ص: 190


1- سورة الحج: الآية 5.
2- سورة طه: الآية 55.
3- سورة الحج: الآيات 5-7.
4- سورة الأعراف: الآية 57. و لاحظ الزخرف: الآية 11، الروم: الآية 19، سورة فاطر: الآية 9، سورة ق: الآيات 9-11.

الأرض لا يمكن التعرف عليها ليعاد جمع أجزاء كل إنسان.

و الجواب عنه واضح بعد التعرف على علمه الوسيع، سبحانه، و أنّ الممكنات بعامة أجزائها حاضرة لديه غير غائبة عنه.

يقول سبحانه: بعد نقل شبهتهم (أَ إِذٰا مِتْنٰا وَ كُنّٰا تُرٰاباً، ذٰلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) .

قَدْ عَلِمْنٰا مٰا تَنْقُصُ اَلْأَرْضُ مِنْهُمْ وَ عِنْدَنٰا كِتٰابٌ حَفِيظٌ (1) . فالتركيز في الجواب على علمه سبحانه بما تنقص الأرض منهم، و أنّ عنده كتابا حفيظا لكلّ شيء، يعرب عن أنّ شبهتهم كانت ترجع إلى عدم إمكان التعرف على الأجزاء البالية، حتى يعاد جمعها.

و نظير ذلك قوله سبحانه: مٰا خَلْقُكُمْ وَ لاٰ بَعْثُكُمْ إِلاّٰ كَنَفْسٍ وٰاحِدَةٍ إِنَّ اَللّٰهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (2). فالتركيز على كونه سميعا و بصيرا يعرب عن أنّ المقصود من صدر الآية هو نقل شبهتهم الراجعة إلى علمه سبحانه.

جواب الشبهة الثالثة - الموت ليس إبطالا للشخصية

إنّ القائل بأنّ الموت إبطال للشخصية، حسب أنّ الإنسان موجود مادي محض، و ليس هو إلاّ مجموعة خلايا و عروق و أعصاب و عظام و جلود، تعمل بانتظام، فإذا مات الإنسان صار ترابا، و لا يبقى من شخصيته شيء، فكيف يمكن أن يكون المعاد نفس الأول؟ و لعلّه إلى ذلك يشير قولهم: «أ إذا ضللنا في الأرض أ إنا لفي خلق جديد؟». بأن يكون المراد من الضلال في الأرض بطلان الهوية بطلانا كاملا لا يمكن أن تتسم معه بالإعادة، و يجيب القرآن عن هذه الشبهة بجوابين:

أوّلهما، قوله: بَلْ هُمْ بِلِقٰاءِ رَبِّهِمْ كٰافِرُونَ (3).

ص: 191


1- سورة ق: الآية 4.
2- سورة لقمان: الآية 28.
3- سورة السجدة: الآية 10.

و ثانيهما، قوله: قُلْ يَتَوَفّٰاكُمْ مَلَكُ اَلْمَوْتِ اَلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (1).

و الجواب الأول راجع إلى بيان باعث الإنكار، و هو أنّ السبب الواقعي لإنكار المعاد، ليس ما يتقوّلونه بألسنتهم من الضلالة في الأرض، و إنّما هو ناشئ من تبنّيهم موقفا سلبيا في مجال لقاء اللّه، فصار ذلك مبدأ لطرح هذه الشبهات.

و الجواب الثاني جواب عقلي عن هذا السؤال، و تعلم حقيقته بالإمعان في معنى لفظ التوفي، فهو و إن كان يفسّر بالموت، و لكنّه تفسير باللازم، و المعنى الحقيقي له هو الأخذ تماما، و قد نصّ على ذلك أئمة أهل اللغة، قال ابن منظور في اللسان: «توفّي فلان و توفاه اللّه، إذا قبض نفسه، و توفّيت المال منه، و استوفيته، إذا أخذته كلّه. و توفيت عدد القوم، إذا عددتهم كلهم. و أنشد أبو عبيدة:

إنّ بني الأدرد ليسوا من أحد *** و لا توفّاهم قريش في العدد

أي لا تجعلهم قريش تمام عددهم و لا تستوفي بهم عددهم»(2).

و آيات القرآن الكريم بنفسها كافية في ذلك، يقول سبحانه: اَللّٰهُ يَتَوَفَّى اَلْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهٰا، وَ اَلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنٰامِهٰا (3). فإنّ لفظة «التي»، معطوفة على الأنفس، و تقدير الآية: يتوفى التي لم تمت في منامها. و لو كان التوفي بمعنى الإماتة، لما استقام معنى الآية، إذ يكون معناها حينئذ: اللّه يميت التي لم تمت في منامها. و هل هذا إلاّ تناقض؟ فلا مناص من تفسير التوفّي بالأخذ، و له مصاديق تنطبق على الموت تارة، كما في الفقرة الأولى، و على الإنامة أخرى، كما في الفقرة الثانية.

إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى قوله سبحانه: قُلْ يَتَوَفّٰاكُمْ مَلَكُ اَلْمَوْتِ ، فمعناه: يأخذكم ملك الموت الذي و كلّ بكم ثم إنّكم إلى اللّه ترجعون. و هذا

ص: 192


1- سورة السجدة: الآية 11.
2- لسان العرب، ج 15، ص 400، مادة «و فى».
3- سورة الزمر: الآية 42.

مآله إلى أنّ شخصيتكم الحقيقية لا تضل أبدا في الأرض، و ما يرجع إليها يأخذه و يقبضه ملك الموت، و هو عندنا محفوظ لا يتغير و لا يتبدّل و لا يضلّ، و أمّا الضال، فهو البدن الذي هو بمنزلة اللباس لهذه الشخصية.

فينتج أنّ الضال لا يشكل شخصية الإنسان، و ما يشكّلها و يقوّمها فهو محفوظ عند اللّه، الذي لا يضلّ عنده شيء.

و الآية تعرب عن بقاء الروح بعد الموت و تجرّدها عن المادة و آثارها، و هذا الجواب هو الأساس لدفع أكثر الشبهات التي تطرأ على المعاد الجسماني العنصري.

و بما أنّ تجرد النفس، ممّا شغل بال المنكرين، و اهتمّ به القرآن الكريم، عناية كاملة، فسنبحث عنه بعد الإجابة عن الشبهة الرابعة.

جواب الشبهة الرابعة - شخصية المعاد نفس شخصية المبتدأ

عرفت أنّهم قالوا: إذا كانت الغاية من المعاد، تحقيق العدل الإلهي، و إثابة المطيع، و عقاب العاصي، فيجب أن يكون المعاد نفس المبتدأ حتى لا يؤخذ البريء بجرم المتعدي، و هو يتوقف على وجود الصلة بين الشخصيتين، و ليس هناك صلة بينهما.

و هذه الشبهة ناشئة من نفس ما نشأت الشبهة السابقة منه، و هو تخيّل أنّ شخصية الإنسان منحصرة في الإطار المادي، لا غير. و لعلّ قولهم: «أ إذا ضللنا في الأرض»، يشير إلى هذه الشبهة.

و الجواب نفس الجواب السابق، و هو أنّ ما يرجع إلى حقيقة الإنسان محفوظ عند اللّه سبحانه، و هو الصّلة الوثيقة بين المبتدأ و المعاد، و هو الذي يجعل البدن الثاني، إعادة للشخص الأول، لأنّ شخصيته هي روحه و نفسه و هي محفوظة في كلتا الحالتين، و إنّما البدن أداة و لباس لها، و ليس هذا بمعنى أنّ الروح تعاد و لا يعاد البدن، و لا أنّه لا يعاد نفس البدن الأول، بل بمعنى أنّ المناط للشخصية الإنسانية، هو روحه و نفسه، و البدن غير مهتم به، و الغرض من حشره ببدنه، عدم إمكان تعذيب الروح أو تنعيمها إلاّ عن طريق البدن، فإذا كانت الشخصية

ص: 193

محفوظة، فلا تنقطع الصلة بين المبتدأ و المعاد، خصوصا أنّ أجزاء البدن المبعثرة، معلومة للّه سبحانه. فهو يركّب تلك الأجزاء المبعثرة، و تتعلق بها الروح، قال سبحانه: قَدْ عَلِمْنٰا مٰا تَنْقُصُ اَلْأَرْضُ مِنْهُمْ، وَ عِنْدَنٰا كِتٰابٌ حَفِيظٌ (1). و قال سبحانه: قُلْ يُحْيِيهَا اَلَّذِي أَنْشَأَهٰا أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (2).

فالتعبير ب خَلْقٍ عَلِيمٌ مكان «خلق قدير»، إشارة إلى علمه تعالى بأجزاء بدن كل إنسان.

إلى هنا فرغنا من الإجابة عن الشبهات المطروحة حول المعاد التي ذكرها القرآن، و بما أنّ الإجابة عن الشبهتين الأخيرتين مبني على تجرّد الروح و بقائها بعد الموت، نفرده بالبحث و نثبت هذا التجرّد عقلا و نقلا، و هو من مهام البحوث في المعاد.

ص: 194


1- سورة ق: الآية 4.
2- سورة يس: الآية 79.

مباحث المعاد

(4) تجرد الروح الإنسانية

اشارة

لقد شغل أمر تجرد الروح بال المفكرين، و استدلوا عليه بوجوه عقلية عدة، كما اهتمّ القرآن الكريم ببيانه في لفيف من آياته، و فيما يلي نسلك في البحث عن تجرّد الروح هذين الطريقين: العقلي و النقلي.

1 - البراهين العقلية على تجرد الروح
اشارة

تدلّ براهين كثيرة على أنّ النفس مجرّدة غير مشوبة بالمادة و آثارها. و تجرّدها يعتبر من النوافذ إلى عالم الغيب و نكتفي فيما يلي بإيراد أبرز هذه البراهين و أوضحها، و إلاّ فهي كثيرة تتجاوز العشرة.

البرهان الأول - ثبات الشخصية الإنسانية في دوامة التغيّرات الجسدية

و هذا البرهان يتألّف من مقدمتين:

الأولى أنّ هناك موجودا تنسب إليه جميع الأفعال الصادرة عن الإنسان، ذهنية كانت أو بدنية.

و لهذا الموجود حقيقة، و واقعية يشار إليها بكلمة «أنا».

الثانية أنّ هذه الحقيقة التي تعدّ مصدرا لأفعال الإنسان، ثابتة و باقية

ص: 195

و مستمرة في مهبّ التغيرات، و هذا آية التجرّد.

أمّا المقدمة الأولى، فلا تحتاج إلى بحث كثير، لأنّ كل واحد ينسب أعضاءه إلى نفسه و يقول يدي، رجلي، عيني، أذني، قلبي،... كما ينسب أفعاله إليها، و يقول قرأت، كتبت، أردت، أحببت، و هذا مما يتساوى فيه الإلهي و المادي و لا ينكره أحد، و هو بقوله «أنا» و «نفسي»، يحكي عن حقيقة من الحقائق الكونية، غير أنّ اشتغاله بالأعمال الجسمية، يصرفه عن التعمّق في أمر هذا المصدر و المبدأ، و ربما يتخيل أنّه هو البدن، و لكنه سرعان ما يرجع عنه إذا أمعن قليلا حتى أنّه ينسب مجموع بدنه إلى تلك النفس المعبّر عنها ب «أنا».

و أمّا المقدمة الثانية، فكل واحد منا يحسّ بأنّ نفسه باقية ثابتة في دوامة التغيرات و التحوّلات التي تطرأ على جسمه، فمع أنّه يتصف تارة بالطفولة، و أخرى بالصبا، و ثالثة بالشباب، و أخيرا بالكهولة، فمع ذلك يبقى هناك شيء واحد تسند إليه جميع هذا الحالات، فيقول: أنا الذي كنت طفلا ثم صرت صبيا، فشابا، فكهلا، و كل إنسان يحسّ بأنّ في ذاته حقيقة باقية و ثابتة رغم تغير الأحوال و تصرم الأزمنة، فلو كانت تلك الحقيقة التي يحمل عليها تلك الصفات أمرا ماديا، مشمولا لسنّة التغيّر و التبدّل، لم يصحّ حمل تلك الصفات على شيء واحد، حتى يقول: أنا الذي كتبت هذا الخط يوم كنت صبيا أو شابا، فلو لا وجود شيء ثابت و مستمر إلى زمان النطق، للزم كذب القضية، و عدم صحتها، لأنّ الشخصية التي كانت في أيام الصبا، قد زالت - على هذا الفرض - و حدثت بعدها شخصية أخرى.

لقد أثبت العلم أنّ التغيّر و التحوّل من الآثار اللازمة للموجودات المادية، فلا تنفك الخلايا التي يتكون منها الجسم البشري، عن التغير و التبدّل، فهي كالنهر الجاري تخضع لعملية تغيير مستمر، و لا يمضي على الجسم زمن إلاّ و قد احتلّت الخلايا الجديدة مكان القديمة. و قد حسب العلماء معدل هذا التجدد، فظهر لهم أنّ التبدّل يحدث بصورة شاملة في البدن، مرة كل عشر سنين.

و على هذا، فعملية فناء الجسم المادي الظاهري مستمرة، و لكن

ص: 196

الإنسان، في الداخل (أنا)، لا يتغير. و لو كانت حقيقة الإنسان هي نفس هذه الخلايا لوجب أن يكون الإحساس بحضور «أنا» في جميع الحالات أمرا باطلا، و إحساسا خاطئا.

و حاصل هذا البرهان عبارة عن كلمتين: وحدة الموضوع لجميع المحمولات، و ثباته في دوامة التحولات. و هذا على جانب النقيض من كونه ماديا.

البرهان الثاني - علم الإنسان بنفسه مع الغفلة عن بدنه

البرهان الثاني - علم الإنسان بنفسه مع الغفلة عن بدنه(1)

إنّ الإنسان قد يغفل في ظروف خاصة عن كل شيء، عن بدنه و أعضائه، و لكن لا يغفل أبدا عن نفسه، سليما كان أم سقيما و إذا أردت أن تجرب ذلك، فاستمع إلى البيان التالي:

افرض نفسك في حديقة زاهرة غناء، و أنت مستلق لا تبصر أطرافك و لا تتنبّه إلى شيء، و لا تتلامس أعضاؤك، لئلا تحسّ بها، بل تكون منفرجة، و مرتخية في هواء طلق، لا تحسّ فيه بكيفية غريبة من حرّ أو برد أو ما شابه، ممّا هو خارج عن بدنك. فإنّك في مثل هذه الحالة تغفل عن كل شيء حتى عن أعضائك الظاهرة، و قواك الداخلية، فضلا عن الأشياء التي حولك، إلاّ عن ذاتك، فلو كانت الروح نفس بدنك و أعضائك و جوارحك و جوانحك، للزم أن تغفل عن نفسك إذا غفلت عنها، و التجربة أثبتت خلافه.

و بكلمة مختصرة: «المغفول عنه، غير اللامغفول عنه». و بهذا يكون إدراك الإنسان نفسه من أول الإدراكات و أوضحها.

البرهان الثالث - عدم الانقسام آية التجرّد

الانقسام و التجزؤ من آثار المادة، غير المنفكة عنها، فكل موجود مادي

ص: 197


1- هذا البرهان ذكره الشيخ الرئيس في الإشارات ج 2 ص 92. و الشفاء قسم الطبيعيات في موردين ص 282 و 464.

خاضع لهما بالقوة، و إذا عجز الإنسان عن تقسيم ذلك الموجود، فلأجل فقدانه أدواته اللازمة. و لأجل ذلك ذكر الفلاسفة في محلّه، بطلان الجزء الذي لا يتجزأ. و ما يسميه علم الفيزياء، جزء لا يتجزأ، فإنّما هو غير متجزّئ بالحسّ، لعدم الأدوات اللازمة، و أمّا عقلا فهو منقسم مهما تناهى الانقسام، لأنّه إذا لم يمكن الانقسام، و عجز الوهم عن استحضار ما يريد أن يقسّمه - حتى بالمكبرات - بسبب صغره، يفرض العقل فيه شيئا غير شيء، فيحكم بأنّ كل جزء منه يتجزأ إلى غير النهاية، و معنى عدم الوقوف أنّه لا ينتهي انقسامه إلى حدّ إلاّ و يتجاوز عنه(1).

و من جانب آخر، كلّ واحد منّا إذا رجع إلى ما يشاهده في صميم ذاته، و يعبّر عنه ب «أنا»، وجده معنى بسيطا غير قابل للانقسام و التجزّي، فارتفاع أحكام المادة، دليل على أنّه ليس بمادي.

إنّ عدم الانقسام لا يختص بما يجده الإنسان في صميم ذاته و يعبّر عنه ب «أنا»، بل هو سائد على وجدانياته أيضا من حبّ، و بغض، و إرادة، و كراهة، و تصديق، و إذعان. و هذه الحالات النفسانية، تظهر فينا في ظروف خاصة، و لا يتطرق إليها الانقسام الذي هو من أظهر خواص المادة.

اعطف نظرك إلى حبك لولدك، و بغضك لعدوك، فهل تجد فيهما تركّبا؟ و هل ينقسمان إلى جزء فجزء؟ كلا، لا.

فإذا كانت الذات و الوجدانيات غير قابلة للانقسام، فلا تكون منتسبة إلى المادة التي يعدّ الانقسام من أظهر خواصّها.

فظهر ممّا ذكرنا أنّ الروح و آثارها، و النفس و النفسانيات، كلّها موجودات واقعية خارجة عن إطار المادة، و من المضحك قول المادي إنّ التفحص، و التفتيش العلمي في المختبرات لم يصل إلى موجود غير مادي، حتى نذعن بوجوده، فقد عزب عنه أنّ القضاء عن طريق المختبرات يختصّ بالأمور المادية، و أمّا ما يكون

ص: 198


1- لاحظ شرح المنظومة، للحكيم السبزواري، ص 206.

سنخ وجوده على طرف النقيض منها، فليست المختبرات محلا و ملاكا للقضاء بوجوده و عدمه.

ثم إنّ البحث العقلي، في تجرّد الروح مترامي الأطراف مختلف البراهين، اكتفينا بهذا القدر منه، و من أراد التبسّط فليرجع إلى الكتب المعدة لذلك(1).

2 - القرآن و تجرّد النفس و خلودها
اشارة

الآيات التي يستظهر منها خلود الروح و تجرّدها على قسمين: قسم يدلّ عليه بصراحة لا تقبل الإنكار، و قسم آخر يستظهر منه، و إن كان قابلا للحمل على معنى آخر، و إليك نقل القسمين بإيضاح إجمالي:

القسم الأول من الآيات

(أ) يقول سبحانه: اَللّٰهُ يَتَوَفَّى اَلْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهٰا، وَ اَلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنٰامِهٰا، فَيُمْسِكُ اَلَّتِي قَضىٰ عَلَيْهَا اَلْمَوْتَ، وَ يُرْسِلُ اَلْأُخْرىٰ، إِلىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى، إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيٰاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (2).

و الدلالة مبنية على إمعان النظر في لفظة التوفّي، و قد عرفت أنّها بمعنى الأخذ و القبض، لا الإماتة. و على ذلك فالآية تدلّ على أنّ للإنسان وراء البدن شيئا يأخذه اللّه سبحانه، حين الموت و النوم، فيمسكه إن كتب عليه الموت، و يرسله إن لم يكتب عليه ذلك إلى أجل مسمى، فلو كان الإنسان متمحضا في المادة و آثارها، فلا معنى «للأخذ» و «الإمساك» و «الإرسال»، كما هو واضح.

(ب) يقول سبحانه: وَ لاٰ تَحْسَبَنَّ اَلَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ أَمْوٰاتاً، بَلْ

ص: 199


1- لاحظ الإشارات للشيخ الرئيس ج 2، ص 368-371. و الأسفار، ج 8 ص 38. و أصول الفلسفة للعلامة الطباطبائي، رحمه اللّه و ترجمة الأستاذ دام حفظه ج 1، المقالة الثالثة، ص 129-183. و في هذا الأخير يجد المتتبع ضالته.
2- سورة الزمر: الآية 42.

أَحْيٰاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمٰا آتٰاهُمُ اَللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ، وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاّٰ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لاٰ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اَللّٰهِ وَ فَضْلٍ وَ أَنَّ اَللّٰهَ لاٰ يُضِيعُ أَجْرَ اَلْمُؤْمِنِينَ (1) .

و صراحة الآية غير قابلة للإنكار، فإنّها تقول: إنّهم أحياء أوّلا، و يرزقون ثانيا، و إنّ لهم آثارا نفسانية يفرحون و يستبشرون، لا يخافون و لا يحزنون ثالثا:

و نظيره قوله سبحانه: وَ لاٰ تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ أَمْوٰاتٌ، بَلْ أَحْيٰاءٌ وَ لٰكِنْ لاٰ تَشْعُرُونَ (2).

و تفسير الحياة في الآيتين، بالحياة في شعور الناس و ضمائرهم، و قلوبهم، و في الأندية و المحافل و المناسبات الرسمية، تفسير مادي للآية، جرّت إليه النزعات الإلحادية، و لو كان المراد هو هذا النوع من الحياة، فما معنى قوله سبحانه: يُرْزَقُونَ ، فَرِحِينَ ، يَسْتَبْشِرُونَ ، و ما معنى قوله:

وَ لٰكِنْ لاٰ تَشْعُرُونَ ، فإنّ الحياة بالمعنى الذي ذكروه يشعر بها كل الناس.

(ج) يقول سبحانه: وَ حٰاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ اَلْعَذٰابِ * اَلنّٰارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهٰا غُدُوًّا وَ عَشِيًّا، وَ يَوْمَ تَقُومُ اَلسّٰاعَةُ، أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ اَلْعَذٰابِ (3).

فترى أنّه سبحانه يحكم على آل فرعون بأنّهم يعرضون على النار، في كل يوم و ليلة، قبل يوم القيامة، بشهادة قوله بعده: وَ يَوْمَ تَقُومُ اَلسّٰاعَةُ ، فإنّه دليل على أنّ العرض على النار قبلها، فلو كان الموت بطلانا للشخصية، و اندثارا لها، فما معنى العرض على النار، صباحا و مساء.

(د) يقول سبحانه: مِمّٰا خَطِيئٰاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نٰاراً، فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اَللّٰهِ أَنْصٰاراً (4).

ص: 200


1- سورة آل عمران: الآيات 169-171.
2- سورة البقرة: الآية 154.
3- سورة غافر: الآيتان 45 و 46.
4- سورة نوح: الآية 25.

و دلالة الآية كدلالة سابقتها، و لا يمكن تفسير قوله: فَأُدْخِلُوا نٰاراً ، بنار القيامة، و ذلك لأنّ القيامة لم تقع بعد، و الآية تحكي عن الدخول أوّلا، و كونه متصلا بغرقهم لا منفصلا عنه ثانيا، قضاء بحكم الفاء في قوله:

فَأُدْخِلُوا .

(ه) يقول سبحانه: قُلْ يَتَوَفّٰاكُمْ مَلَكُ اَلْمَوْتِ اَلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ، ثُمَّ إِلىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (1).

و قد تقدمت دلالة الآية، فقلنا إنّ محور الدلالة هو الإمعان في معنى التوفّي.

(و) يقول سبحانه: وَ لَوْ تَرىٰ إِذِ اَلظّٰالِمُونَ فِي غَمَرٰاتِ اَلْمَوْتِ وَ اَلْمَلاٰئِكَةُ بٰاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ، اَلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذٰابَ اَلْهُونِ بِمٰا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اَللّٰهِ غَيْرَ اَلْحَقِّ وَ كُنْتُمْ عَنْ آيٰاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (2).

و المراد من الأنفس، في الآية، هو عين ما ورد في قوله سبحانه: اَللّٰهُ يَتَوَفَّى اَلْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهٰا ، و هي تحكي عن أنّ للظالمين أبدانا و أنفسا و الملائكة موكّلون بأخذ أنفسهم و ترك أبدانهم، و لو كان الإنسان موجودا ماديا محضا، فما معنى أخذ الأنفس، إذ يكون الموت حينئذ خمود الحرارة الغريزية لا أكثر.

أضف إلى ذلك أنّ الآية تدلّ على أن الظالم يعذب يوم خروج نفسه بعذاب الهون، و هذا يدل على أنّ وراء البدن شيء آخر يعذّب.

و تفسير عذاب الهون بشدة قبض الروح، تفسير على خلاف الظاهر.

(ز) يقول سبحانه: قِيلَ اُدْخُلِ اَلْجَنَّةَ، قٰالَ يٰا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمٰا غَفَرَ لِي رَبِّي وَ جَعَلَنِي مِنَ اَلْمُكْرَمِينَ (3).

يقول المفسرون: إنّ عيسى عليه السلام بعث رسولين من الحواريين إلى

ص: 201


1- سورة السجدة: الآية 11.
2- سورة الأنعام: الآية 93.
3- سورة يس: الآيتان 26 و 27.

مدينة أنطاكية، فلقيا من أهلها عنفا و ردّا، غير أنّ واحدا من أهلها اسمه حبيب النجار، آمن بهما و أظهر إيمانه، و قال: إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ، فلما سمع القوم إيمانه وطئوه بأرجلهم حتى مات، فأدخله اللّه الجنة، و خوطب بقوله تعالى: أُدْخِلَ اَلْجَنَّةَ . ثم هو تمنّى أن يعلم قومه بما آتاه اللّه تعالى من المغفرة و جزيل الثواب، فقال: يٰا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمٰا غَفَرَ لِي رَبِّي وَ جَعَلَنِي مِنَ اَلْمُكْرَمِينَ .

فالآية تدل على أنّ الموت ليس فناء للإنسان، بل هو بعد الموت يرزق في الجنة، و يتمنى أن يعلم قومه بما رزق من الكرامة.

أضف إلى ذلك أنّ قوله تعالى: أُدْخِلَ اَلْجَنَّةَ ، لا يمكن أن يكون خطابا للبدن لأنه يوارى تحت التراب، فالمخاطب به شيء آخر، و هو الروح، فتدخل الجنة و تتنعّم فيها، و كم فرق بين قوله: «أدخل الجنة» و قوله «أبشر بالجنة» فالثاني لا يدلّ على شيء مما ذكرنا بخلاف الأوّل.

(و) يقول سبحانه: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا اَلْإِنْسٰانَ مِنْ سُلاٰلَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنٰاهُ نُطْفَةً فِي قَرٰارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا اَلنُّطْفَةَ عَلَقَةً، فَخَلَقْنَا اَلْعَلَقَةَ مُضْغَةً، فَخَلَقْنَا اَلْمُضْغَةَ عِظٰاماً، فَكَسَوْنَا اَلْعِظٰامَ لَحْماً، ثُمَّ أَنْشَأْنٰاهُ خَلْقاً آخَرَ، فَتَبٰارَكَ اَللّٰهُ أَحْسَنُ اَلْخٰالِقِينَ (1).

و أمّا دلالة الآية على أنّ الروح أمر غير مادّي، فيظهر بالإمعان فيها، و بيانه: أنّ الآية تبيّن تكامل خلقة الإنسان من مرحلة إلى مرحلة، و المراحل الموجودة بين السلالة، و قوله: فَكَسَوْنَا اَلْعِظٰامَ لَحْماً ، كلّها تكامل من صنف واحد، فمادة الإنسان لن تبرح تتكامل من السلالة إلى العظام المكسوة باللّحم.

و بعد ذلك نرى تغييرا في أسلوب بيان الآية، حيث يقول: ثُمَّ أَنْشَأْنٰاهُ خَلْقاً آخَرَ، فَتَبٰارَكَ اَللّٰهُ أَحْسَنُ اَلْخٰالِقِينَ . فهو سبحانه:

أولا: يعطف هذه المرحلة على المراحل السابقة، بلفظة ثمّ، بخلاف

ص: 202


1- سورة المؤمنون: الآيات 12-14.

المراحل السابقة، فيعطفها بالفاء، و يقول فخلقنا العلقة... فخلقنا المضغة... فكسونا العظام... و هذا يدل على تغاير هائل بين هذه المرحلة و المراحل السابقة.

ثانيا: يستعمل في بيان خلقه هذه المرحلة لفظ الإنشاء، بمعنى الإبداع، و إنشاء شيء بلا مثال قبله، و هو أيضا يدل على مغايرة هذه المرحلة لما سبقها من المراحل، مغايرة جوهريّة.

و ثالثا: إنّه سبحانه بعد ما يقرر خلقه هذه المرحلة، يثني على نفسه، مما يعرب عن اختلاف هذه المرحلة مع ما تقدمها، و امتيازها عنها امتيازا جوهريا.

و هذه الوجوه، تكفي في دلالة الآية على أنّ المنشأ في هذه المرحلة شيء لا يشبه المنشآت السابقة، و يختلف عنها جوهرا، و حيث إنّ المنشآت السابقة من سنخ تكامل المادة، فيكون المنشأ في هذه المرحلة، منشأ غير مادي، و هو تعلّق النفس المجردة بالبدن في تلك المرحلة.

إلى هنا تم إيراد الآيات الصريحة في المطلوب، و يقع الكلام بعده في القسم الثاني من الآيات، و هي التي يستظهر منها الدلالة على تجرد الروح، و إن كانت قابلة للحمل على معان أخرى.

القسم الثاني من الآيات

أ - يقول سبحانه: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً (1).

و تتضح الدلالة إذا أمعنّا أنّه سبحانه يخص النجاة ببدن فرعون، و يقول:

بِبَدَنِكَ و هذا يعرب عن أنّ هناك شيء آخر لا يشمله النجاة، و يقع مورد العذاب.

أضف إلى ذلك خطابه سبحانه أعني قوله: نُنَجِّيكَ ، فإنّه يدلّ على أنّ

ص: 203


1- سورة يونس: الآية 92.

هناك واقعية، غير البدن، يكلمها و يخاطبها، و يعلّمها بأنّ النجاة تشمل بدنها لا غيره.

ب - يقول سبحانه: فَعَقَرُوا اَلنّٰاقَةَ وَ عَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ، وَ قٰالُوا يٰا صٰالِحُ اِئْتِنٰا بِمٰا تَعِدُنٰا إِنْ كُنْتَ مِنَ اَلْمُرْسَلِينَ * فَأَخَذَتْهُمُ اَلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دٰارِهِمْ جٰاثِمِينَ * فَتَوَلّٰى عَنْهُمْ وَ قٰالَ يٰا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسٰالَةَ رَبِّي وَ نَصَحْتُ لَكُمْ وَ لٰكِنْ لاٰ تُحِبُّونَ اَلنّٰاصِحِينَ (1).

فقوله تعالى: فَتَوَلّٰى عَنْهُمْ : بعد قوله: فَأَخَذَتْهُمُ اَلرَّجْفَةُ ، يدل على أنّ توليه عنهم كان بعد هلاكهم، و يترتب على ذلك أن محاورتهم بقوله: يٰا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ، كان محاورة بعد الدمار، فالآية تدل على أمرين، خلود الروح بعد الموت، و إمكان الاتصال بالأرواح كما اتصل صالح بها فقال ما قال.

و نظير ذلك ما نقله عن شعيب، قال: اَلَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا، اَلَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كٰانُوا هُمُ اَلْخٰاسِرِينَ * فَتَوَلّٰى عَنْهُمْ وَ قٰالَ يٰا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسٰالاٰتِ رَبِّي وَ نَصَحْتُ لَكُمْ، فَكَيْفَ آسىٰ عَلىٰ قَوْمٍ كٰافِرِينَ (2).

و وجه الدلالة في المقامين واحد خصوصا إذا أمعنّا في «الفاء»، في قوله فَتَوَلّٰى ، المعرب عن تأخّر التولّى و المحاورة عن الهلاك.

و إنما جعلنا هما من الآيات غير الصريحة، لاحتمال أن تكون المحاورة تأثّريّة، يتكلم بها الإنسان بلا اختيار عند ما يواجه حادثة مؤلمة حلّت على إنسان عاصي لا يسمع كلام ناصحه، كالمجرم المصلوب فإنه يخاطب، بمثل ما خوطب به هؤلاء، و لكنّ ظاهر الآية هو الأول.

ج - يقول سبحانه: وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنٰا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنٰا، أَ جَعَلْنٰا مِنْ دُونِ اَلرَّحْمٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (3).

و الآية تأمر النبي أن يسأل المتقدمين من الرسل في شأن اختصاص العبادة

ص: 204


1- سورة الأعراف: الآيات 77-79.
2- سورة الأعراف: الآيتان 92-93.
3- سورة الزخرف: الآية 45.

باللّه سبحانه، الذي يحكي عنه قوله تعالى: وَ لَقَدْ بَعَثْنٰا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اَللّٰهَ وَ اِجْتَنِبُوا اَلطّٰاغُوتَ (1).

و السؤال فرع وجود المسئول أوّلا، و إمكان الاتصال ثانيا. فهي تدل على وجود أرواح الأنبياء، و إمكان اتصال النبي بها.

و مع ذلك يمكن أن يكون المراد هو سؤال علماء أهل الكتاب أو أتباعهم، لقوله سبحانه: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمّٰا أَنْزَلْنٰا إِلَيْكَ فَسْئَلِ اَلَّذِينَ يَقْرَؤُنَ اَلْكِتٰابَ مِنْ قَبْلِكَ، لَقَدْ جٰاءَكَ اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلاٰ تَكُونَنَّ مِنَ اَلمُمْتَرِينَ (2) و الغاية من السؤال هو الاحتجاج، و مع ذلك فهذا الاحتمال على خلاف الظاهر.

و في الآيات(3) ما يدل على أنّ الآية تأمر النبي بالسؤال في ليلة المعراج، و لو تمت الروايات سندا، لما كانت مخالفة لما قلنا.

إلى هنا تم إيراد الآيات - بقسميها - الدالة على خلود الروح بعد الموت، و تجرّدها من آثار المادة، و إمكان الاتصال بها في هذه النشأة و بذلك ثبت بنحو قاطع، من طريقي العقل و النقل، وجود الروح و تجردها و خلودها(4)، الذي له دور عظيم في حلّ معضلات المعاد، و الإجابة على الأسئلة الواردة حوله.

ص: 205


1- سورة النحل: الآية 36.
2- سورة يونس: الآية 94.
3- لاحظ مجمع البيان، ص 49-50.
4- لاحظ في تكلّم النبي مع أرواح المشركين في غزوة بدر، المصادر التالية: صحيح البخاري، غزوة بدر، ج 5، ص 97، 98 و 110. و صحيح مسلم ج 4، كتاب الجنة. و سنن النسائي، ج 4، ص 89 و 90. و مسند أحمد، ج 2 ص 131. و سيرة ابن هشام، ج 1، ص 639، و مغازي الواقدي، ج 1، غزوة بدر. و بحار الأنوار، ج 19، ص 364. و تكلّم النبي مع أرواح المؤمنين المدفونين في البقيع: طبقات ابن سعد، ج 2، ص 204. و السيرة النبوية، ج 2، ص 642. و إرشاد المفيد، ص 45. و تكلّم أمير المؤمنين مع النبي عند تغسيله: نهج البلاغة، الخطبة 230.

مباحث المعاد

(5) نماذج من إحياء الموتى في الشرائع السابقة

اشارة

أثبت الحكماء لليقين مراتب و درجات، و لكل منها عندهم اسم خاص، و لتبيين هذه الدرجات نأتي بمثال:

إذا سمع الإنسان اسم النار، و لم يرها، و قيل له إنها موجود عنصري لها هيئة خاصة، و أثر و معيّن في الأعضاء، و أذعن بذلك لكون المخبرين صادقين، فهذه مرتبة من اليقين.

ثم إذا شاهدها من بعيد، و لكن لم تمسّ حرارتها بدنه، و إنما رأى هيئتها، و التهابها، بأم عينه، فهذه مرتبة من اليقين أقوى من السابقة.

و لكن أين هذه المرتبة مما إذا شاهدها عن كثب و مسّته حرارتها، ففي هذه المرتبة يتكامل يقينه بها، و يبلغ الدرجة القصوى.

و إذا كان لليقين مراتب و درجات، فلا لوم على الأنبياء و الأولياء أن يطلبوا من اللّه سبحانه إحياء الموتى حتى يشاهدوه بأعينهم لإكمال مراتب يقينهم بالقيامة، و تبديل علم اليقين فيهم بعين اليقين(1).

ص: 206


1- اقتباس من قوله سبحانه. كَلاّٰ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اَلْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ اَلْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهٰا عَيْنَ اَلْيَقِينِ (التكاثر: الآيات 5-7).

و من هنا نرى أنّ اللّه سبحانه أحيا الموتى لإبراهيم الخليل، و عزير، و غيرهم كما سيأتي، و الغاية كانت إكمال مراتب اليقين، أو إتمام الحجة على البعيدين عن هذه المعارف، كما هو الحال في إحياء عيسى الموتى لبني إسرائيل، و فيما يلي نورد هذه النماذج من القرآن الكريم.

1 - إبراهيم و إحياء الموتى

ذكر المفسرون أنّ إبراهيم عليه السّلام رأى جيفة تمزقها السباع، فيأكل منها سباع البر، و سباع الهواء و دواب البحر، فسأل اللّه سبحانه و قال: يا ربّ قد علمت أنّك تجمعها في بطون السباع و الطير و دواب البحر، فأرني كيف تحييها لأعاين ذلك؟ يقول سبحانه: وَ إِذْ قٰالَ إِبْرٰاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ اَلْمَوْتىٰ، قٰالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قٰالَ بَلىٰ وَ لٰكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي، قٰالَ: فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ اَلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اِجْعَلْ عَلىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ اُدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً، وَ اِعْلَمْ أَنَّ اَللّٰهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (1).

و ما ذكرنا من سبب النزول يكشف عن أنّه لم يكن غرض إبراهيم إحياء نفس فقط، و إلا لكفى فيه إحياء طير واحد بعد إماتته، و إنما لكان الغرض مشاهدة إعادة أجزاء كلّ طير إليه بعد اختلاطها بأجزاء الطيور الأخر، و هذا لا يتحقق إلا بتعدد الطيور أوّلا، و اختلافها نوعا، ثانيا، و اختلاطها بعد ذبحها، ثالثا، فلأجل ذلك ورد أنّه أخذ طيورا مختلفة الأجناس، قيل إنها: الطاوس، و الديك، و الحمام، و الغراب، فقطّعها، و خلط ريشها بدمها، ثم فرّقهن على عشرة جبال، ثم أخذ بمناقيرهن، و دعا هن باسمه سبحانه، فأتته سعيا، فكانت تجتمع و يأتلف لحم كلّ واحد و عظمه إلى رأسه، حتى قامت أحياء بين يديه.

و بذلك كمل إيمانه، و تم إذعانه بأنّه سبحانه يمكن أن يعيد أجزاء بدن كل

ص: 207


1- سورة البقرة: الآية 260.

حيّ إليه، و أن اختلط بحيّ آخر، كما لو أكلت الإنسان الميت سباع البراري و جوارح الهواء، و حيتان البحار، فإن الاختلاط لا يكون مانعا عن الإحياء و الإعادة، و قد تقدّم في بيان شبهاتهم أنّ المنكرين كانوا يركزون على «ضلالة الأجزاء» في الأرض، و اختلاط أجزاء الموتى بعضها ببعض، و قد قال سبحانه في هذا المجال: قَدْ عَلِمْنٰا مٰا تَنْقُصُ اَلْأَرْضُ مِنْهُمْ وَ عِنْدَنٰا كِتٰابٌ حَفِيظٌ (1).

و الاستدلال بالآية يتوقف على الإمعان في أمرين:

الأول - إنّ مقتضى البلاغة مطابقة الجواب للسؤال، و لما كان سؤاله عن مشاهدة إحياء الموتى - و اقتضى الحال الإجابة عنه - فيجب أن يكون ما يأمر به سبحانه محققا لإحياء الموتى، و هو لا يتحقق إلا بأن يقوم إبراهيم بتقطيعهن و خلط أجزائهن، و تفريقهن على الجبال.

الثاني: الإمعان في قوله: فَصُرْهُنَّ ، و المصدر الذي اشتقّ منه، و فيه احتمالات:

1 - ما نقل عن ابن عباس من أنه قرأ: «فصرّهنّ»، بتشديد الراء، من باب صرّ، يصرّ، من التصرية، و هي الجمع و الضم(2)، و هذه القراءة غير معروفة، فهذا الاحتمال ساقط.

2 - أن يكون مأخوذا من الصّير، معتل العين، فيقال صار يصير صيرا، بمعنى انتهى إليه، مثل قوله: إِلَيْهِ اَلْمَصِيرُ . و الأمر منه «صر» و لعل من فسره من أهل اللغة بمعنى الميل أخذه من هذا.

3 - أن يكون مأخوذا من «صري»، معتل اللام، ذكره الفراء في معاني القرآن، فقال إنها إن كانت بمعنى القطع، تكون من «صريت، تصري»، و استشهد بقول الشاعر:

ص: 208


1- سورة ق: الآية 4.
2- الكشاف، ج 1، ص 296.

صرت نظرة لو صادف جوز دارع غدا و العواصي من دم الجوف تنعر(1).

فإن جعل من «صير» يكون بمعنى «أملهنّ إليك»، و يجب عند ذلك تقدير كلمة اقطعهن، لدلالة ظاهر الكلام عليه، فيكون معنى الآية: أملهن إليك، فقطّعهنّ، ثم اجعل على كل جبل منهن جزء، مثل قوله: اِضْرِبْ بِعَصٰاكَ اَلْبَحْرَ، فَانْفَلَقَ (2)، أي فضرب فانفلق.

و إن جعل من «صري»، تكون الكلمة متضمنة معنى الميل بقرينة تعدّيها ب «إلى»، فيكون المعنى: اقطعهن متمايلات إليك، كتمايل كل طير إلى صاحبه.

و على كل تقدير، فالآية تدل على أنّ إبراهيم قطّعهن و خلط أجزائهن، ثم فرقها على الجبال، ثم دعاهن، فأتينه سعيا.

و من غريب التفسير، ما ذكره صاحب المنار فقال في معنى الآية ما حاصله:

خذ أربعة من الطّير فضمها إليك، و آنسها بك، حتى تستأنس و تصير بحيث تجيب دعوتك إذا دعوتها، فإن الطيور من أشدّ الحيوانات استعدادا لذلك، ثم اجعل كل واحد منها على جبل، ثم ادعها، فإنها تسرع إليك من غير أن يمنعها تفرق أمكنتها و بعدها، كذلك أمر ربك إذا أراد إحياء الموتى، يدعوهم لكلمة التكوين: «كونوا أحياء»، فيكونون أحياء، كما كان شأنه في بدء الخلقة، ذلك إذ قال للسماوات و الأرض: اِئْتِيٰا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً، قٰالَتٰا أَتَيْنٰا طٰائِعِينَ (3) قال:

و الدليل على ذلك من الآية قوله تعالى: فَصُرْهُنَّ ، فإن معناه «أملهن»، أي أوجد ميلا بها، و آنسها بك و يشهد به تعديته بإلى، فإنّ صار إذا تعدى بإلى كان بمعنى الإمالة»(4).

ص: 209


1- معاني القرآن: ج 1 ص 174. الشعر: «صرت نظرة»: أي قطعت نظرة، أي فعلت ذلك، و الجوز وسط الشيء و العواصي جمع العاصي و هو العرق، و يقال نعر العرق: فار منه الدم.
2- سورة الشعراء: الآية 63..
3- سورة فصلت: الآية 11.
4- لاحظ تفسير المنار، ج 3، ص 55-58: و ذكر وجوها في دعم هذه النظرية التي نقلها عن أبي مسلم، و قد استحسنها في آخر كلامه و قال «و للّه درّ أبي مسلم، ما أدقّ فهمه و أشدّ استقلاله فيه».

يلاحظ عليه: إنّ ما ذكره خلاف نصوص الآية، فإن إبراهيم طلب من اللّه سبحانه أن يريه كيف يحيي الموتى أولا، و أراد سبحانه، بقرينة تخلل الفاء في قوله فَخُذْ ، إجراء ذلك بيد إبراهيم ثانيا، ثم أمره سبحانه أن يجعل كل جزء منهن على جبل، لا كل واحد منهن عليه ثالثا.

و هذه الوجوه تدعم صحة النظرية المعروفة في تفسير الآية. و أما تعدية فَصُرْهُنَّ ب إِلَيْكَ ، فقد عرفت الكلام فيه، و أنّه إن كان بمعنى الميل فالأمر بالتقطيع مقدّر، و إن كان بمعنى القطع، فالكلمة متضمنة لمعنى الميل.

على أنّه لو كان المراد ما اختاره من المعنى، لما احتاج إلى هذا التفصيل، بل يكفي في المقام إحالة إبراهيم إلى لاعبي الطيور، الذين يربون الطيور، حتى إذا استأنسوا بأصحابهن، يفرقونهن للطيران، ثم يدعونهن بالصفير و العلامات الخاصة، فيأتين سعيا.

و لعمري، إنّ هذا التفسير يحطّ من عظمة القرآن، و جلالته، و يفتح الباب للملحدين في تأويل ما دلّ عليه القرآن من معاجز و كرامات الأنبياء و الرسل، و لقد أعرب الكاتب عن باعثه في آخر كلامه بقوله: «و أمّا المتأخرون فهمّهم أن يكون في الكلام خصائص للأنبياء، من الخوارق الكونية، و إن كان المقام، مقام العلم و البيان و الإخراج من الظلمات إلى النور، و هو أكبر الآيات، الخ»(1).

و هذا يعرب عن أن المعاجز بنظره، تضاد العلم و لا تصلح للإخراج من الظلمات إلى النور، مع أنه سبحانه أسماها بالبينات، و قال: وَ لَقَدْ آتَيْنٰا مُوسىٰ تِسْعَ آيٰاتٍ بَيِّنٰاتٍ (2).

ص: 210


1- المصدر السابق، ص 58.
2- سورة الإسراء: الآية 101 و لقد خرجنا في تفسير الآية عمّا اتبعناه من الإيجاز إيعازا للباحث بما في المنار و أمثاله من الدعوات التي لا تتفق مع مبادي الإسلام، و سيلاحظ نظيره في الآية التالية.
2 - إحياء عزير

يحكي الذكر الحكيم أنّ رجلا صالحا مرّ على قرية خربة، و قد سقطت سقوفها، فتساءل في نفسه، كيف يحيي اللّه أهلها بعد ما ماتوا؟، و لم يقل ذلك إنكارا و لا تعجّبا و لا ارتيابا، و لكنه أحبّ أن يريه اللّه إحياءها مشاهدة، مثل قول إبراهيم الذي تقدم، فأماته اللّه مائة سنة ثم أحياه، فسمع نداء من السماء:

«كم لبثت؟»، فقال: «لبثت يوما أو بعض يوم»، لأنّ اللّه أماته في أول النهار، و أحياه بعد مائة سنة في آخر النهار، فقال: يوما، ثم التفت فرأى بقية من الشمس، فقال: أو بعض يوم. فجاءه النداء بل لبثت مائة سنة، فانظر إلى طعامك و شرابك لم تغيّره السنون، و قيل كان زاده عصيرا، و تينا، و عنبا، و هذه الثلاثة أسرع الأشياء تغيّرا و فسادا فوجد العصير حلوا، و التين و العنب جنيان لم يتغيّرا، ثم أمر بأن ينظر إلى حماره كيف تفرقت أجزاؤه و تبدّدت عظامه، فجعل اللّه سبحانه إحياءه آية للناس و حجة في البعث. ثم جمع اللّه عظام حماره و كساها لحما و أحياه.

يقول سبحانه: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلىٰ قَرْيَةٍ وَ هِيَ خٰاوِيَةٌ عَلىٰ عُرُوشِهٰا، قٰالَ: أَنّٰى يُحْيِي هٰذِهِ اَللّٰهُ بَعْدَ مَوْتِهٰا، فَأَمٰاتَهُ اَللّٰهُ مِائَةَ عٰامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ، قٰالَ كَمْ لَبِثْتَ قٰالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، قٰالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عٰامٍ فَانْظُرْ إِلىٰ طَعٰامِكَ وَ شَرٰابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ، وَ اُنْظُرْ إِلىٰ حِمٰارِكَ وَ لِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنّٰاسِ، وَ اُنْظُرْ إِلَى اَلْعِظٰامِ كَيْفَ نُنْشِزُهٰا ثُمَّ نَكْسُوهٰا لَحْماً فَلَمّٰا تَبَيَّنَ لَهُ، قٰالَ أَعْلَمُ أَنَّ اَللّٰهَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ (1).

و الإمعان في قوله سبحانه: فَأَمٰاتَهُ اَللّٰهُ مِائَةَ عٰامٍ ، يفيد أنه أماته سبحانه، ثم أحياه بعد تلك المدة.

كما أنّ الإمعان في قوله: وَ اُنْظُرْ إِلَى اَلْعِظٰامِ ، سواء أريد منه عظام حماره أو غيره، يفيد أنّه سبحانه كساها لحما ثم أحياه، فكان هناك إحياء لميّتين.

و قد سلك صاحب المنار في تفسير الآية نفس المسلك السابق، فحملها على

ص: 211


1- سورة البقرة: الآية 259.

أنّ المراد من الإماتة هنا السّبات، و هو النوم المستغرق الذي سماه اللّه سبحانه:

وفاة، و استعان في تقريبه بأنّه قد ثبت في هذا الزّمان أنّ من الناس من تحفظ حياته زمنا طويلا يكون فيه فاقد الحس و الشعور، فلبث الرجل الذي ضرب على سمعه مائة سنة، غير محال في نظر العقل(1).

يلاحظ عليه: إنّ تفسير الموت بالسّبات يحتاج إلى دليل، و الظاهر منه هو الإماتة الحقيقية.

و قياس المقام بأصحاب الكهف، قياس مع الفارق، حيث إنه سبحانه يصرّح هناك بالسّبات، و يقول: فَضَرَبْنٰا عَلَى آذٰانِهِمْ فِي اَلْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (2) و يقول: وَ تَحْسَبُهُمْ أَيْقٰاظاً وَ هُمْ رُقُودٌ (3)، بخلاف المقام.

على أنه لا يتطرّق في العظام التي أنشزها، ثم كساها لحما و أحياها. فلا مصير لمفسّر كلام اللّه من الإذعان بالغيب، و القدرة المطلقة للّه جلّ و علا.

و محاولة تفسير المعاجز بما ثبت في العلوم، نوع انسحاب في الصراع مع الماديين المنكرين لكلّ ما لا يتّفق مع أصول العلم الحديث.

3 - إحياء قوم من بني إسرائيل

ذكر المفسرون أنّ قوما من بني إسرائيل فروا من الطاعون أو من الجهاد، لما رأوا أنّ الموت كثر فيهم، فأماتهم اللّه جميعا، و أمات دوابهم. ثمّ أحياهم لمصالح مذكورة في الآية التالية، قال سبحانه:

أَ لَمْ تَرَ إِلَى اَلَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيٰارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ، حَذَرَ اَلْمَوْتِ، فَقٰالَ لَهُمُ اَللّٰهُ مُوتُوا، ثُمَّ أَحْيٰاهُمْ، إِنَّ اَللّٰهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى اَلنّٰاسِ وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَ اَلنّٰاسِ لاٰ يَشْكُرُونَ (4) .

ص: 212


1- المنار، ج 3، ص 50.
2- سورة الكهف: الآية 11.
3- سورة الكهف: الآية 18.
4- سورة البقرة: الآية 243.

و الرؤية في الآية بمعنى العلم، أي: «أ لم تعلم»، و ذكر المفسّرون حول فرارهم من الموت، و كيفية إحيائهم، أمورا، يرجع إليها في محلّها(1).

و الآية كما تثبت وقوع إحياء الموتى، بعد إمكانه، تثبت إمكان الرجعة إلى الدنيا، على ما يتبنّاه الشيعة الإمامية، كما هو الحال أيضا في إحياء عزير، و سيوافيك الكلام فيها بعد الفراغ من المعاد.

و مما يثير العجب ما ذكره صاحب المنار حيث قال: «الآية مسوقة سوق المثل، و المراد بهم قوم هجم عليهم أولو القوة و القدرة من أعدائهم لاستذلالهم و استخدامهم و بسط السلطة عليهم،، فلم يدافعوا عن استقلالهم، و خرجوا من ديارهم و هم ألوف، لهم كثرة و عزة، حذر الموت، فقال لهم اللّه: موتوا موت الخزي و الجهل، و الخزي موت و العلم و إباء الضيم حياة، فهؤلاء ماتوا بالخزي، و تمكّن الأعداء منهم، و بقوا أمواتا ثم أحياهم بإلقاء روح النهضة و الدفاع عن الحق فيهم فقاموا بحقوق أنفسهم و استقلوا في ذلك»(2).

يلاحظ عليه: أولا: إن الظاهر أنّ الآية تبيّن قصة واحدة، و هي فرار قوم من الموت، فأماتهم اللّه، ثم أحياهم، لا بيان قصتين. بمعنى تشبيه من لم يدافعوا عن عزتهم، و غلبوا، و بقوا كذلك حتى نفث في روعهم روح النهضة، فقاموا للدفاع؛ بقوم فروا من الموت الحقيقي، فأماتهم اللّه موتا حقيقيا، ثم أحياهم، و لو كانت الآية جارية مجرى المثل لوجب أن يكون هناك مشبّه و مشبّه به، مع أنّ الآية لا تحتمل ذلك.

و لأجل ذلك نرى أنّه سبحانه عند ما يريد التمثيل بمضمون آية يأتي بلفظ «مثل»، و يقول: كَمَثَلِ اَلَّذِي اِسْتَوْقَدَ نٰاراً (3)؛ و إِنَّمٰا مَثَلُ اَلْحَيٰاةِ اَلدُّنْيٰا كَمٰاءٍ أَنْزَلْنٰاهُ (4)؛ و مَثَلُ اَلَّذِينَ حُمِّلُوا اَلتَّوْرٰاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهٰا كَمَثَلِ اَلْحِمٰارِ يَحْمِلُ

ص: 213


1- لاحظ مجمع البيان، ج 1، ص 346-347. و غيره.
2- المنار، ج 3، ص 458-459.
3- سورة البقرة: الآية 17.
4- سورة يونس: الآية 24.

أَسْفٰاراً (1) .

و ثانيا: لو كان المراد من الموت، موت الخزي، و من الحياة، روح النهضة، للزم على اللّه سبحانه مدحهم و ذكرهم بالخير، مع أنّه يذمّهم في ذيل الآية، فإن فيها: إِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى اَلنّٰاسِ وَ لَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاٰ يَشْكُرُونَ (2).

ثم إنّ صاحب المنار استعان في ردّ نظرية الجمهور، بقوله سبحانه لاٰ يَذُوقُونَ فِيهَا اَلْمَوْتَ إِلاَّ اَلْمَوْتَةَ اَلْأُولىٰ (3) فلا حياة في هذه الدنيا إلا حياة واحدة(4).

و لكن عزب عنه أنّ ما جاء في الآية يدل على سنّة اللّه تعالى في عموم الناس، و هذا لا يخاف اقتضاء مصالح معيّنة، أن يذوق البعض النادر منهم حياتين، و قد وافاك الكلام في ذلك عند البحث في الحياة البرزخية.

4 - إحياء قتيل بني إسرائيل

روى المفسرون أنّ رجلا من بني إسرائيل قتل قريبا له غنيا، ليرثه و أخفى قتله له، و رغب اليهود في معرفة قاتله، فأمرهم اللّه أن يذبحوا بقرة، و يضربوا بعض القتيل ببعض البقرة، ليحيا و يخبر عن قاتله، و قد قاموا بذبح هذه البقرة بعد تساؤلات بينهم و بين موسى تكشف عن لجاجهم و عنادهم. ثم ضربوا بعض القتيل بها، فقام حيّا و أوداجه تشخب دما، و قال: «قتلني فلان ابن عمي»، ثم قبض. يقول سبحانه:

وَ إِذْ قٰالَ مُوسىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اَللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً، قٰالُوا أَ تَتَّخِذُنٰا هُزُواً، قٰالَ أَعُوذُ بِاللّٰهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ اَلْجٰاهِلِينَ *.... * وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادّٰارَأْتُمْ فِيهٰا وَ اَللّٰهُ مُخْرِجٌ مٰا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنٰا اِضْرِبُوهُ بِبَعْضِهٰا، كَذٰلِكَ يُحْيِ اَللّٰهُ

ص: 214


1- سورة الجمعة: الآية 5.
2- سورة النمل: الآية 73.
3- سورة الدخان: الآية 56.
4- المنار، ج 2، ص 459.

اَلْمَوْتىٰ وَ يُرِيكُمْ آيٰاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (1) .

إنّه سبحانه و إن كان قادرا على إحيائه من دون ذبح البقرة، و لكنه أمرهم بذلك لأنهم سألوا موسى أن يبيّن لهم حال القتيل و هم كانوا يعدّون القربان من أعظم القربات.

فأمرهم اللّه بتقديم هذه القربة تعليما منه لكلّ من اعتاص عليه أمر من الأمور، أن يقدّم نوعا من القرب قبل أن يسأل اللّه تعالى كشف ذلك عنه، ليكون أقرب إلى الإجابة، و إنما أمرهم بضرب بعض القتيل، ببعض البقرة، بعد أن جعل اختيار وقت الإحياء إليهم، ليعلموا أنّ اللّه سبحانه و تعالى قادر على إحياء الموتى في كل وقت من الأوقات، و معنى قوله: اِضْرِبُوهُ بِبَعْضِهٰا، كَذٰلِكَ يُحْيِ اَللّٰهُ اَلْمَوْتىٰ ، إنهم ضربوه فأحيي، مثل قوله سبحانه: اِضْرِبْ بِعَصٰاكَ اَلْبَحْرَ، فَانْفَلَقَ ، أي فضربه فانفلق، و قوله: كَذٰلِكَ يُحْيِ اَللّٰهُ ، يراد منه تفهيم قوم موسى بأنّهم إذ عاينوا إحياء الميت، فليعلموا أنّ اللّه قادر على إحياء الموتى للحساب و الجزاء.

هذا ما ذهب إليه الجمهور في تفسير الآية، و هو المتبادر منها، و قد اتخذ صاحب المنار في تفسير الآية، موقفه السلبي في باب المعاجز و الكرامات، فقال بعد ما ذكر نظرية جمهور المفسرين: «و الظاهر مما قدمناه أنّ ذلك العمل كان وسيلة عندهم للفصل في الدماء عند التنازع في القاتل، إذا وجد القتيل قرب بلد و لم يعرف قاتله، ليعرف الجاني من غيره، فمن غسل يده(2) و فعل ما رسم لذلك في الشريعة، برئ من الدم، و من لم يفعل، تثبت عليه الجناية. و معنى إحياء الموتى على هذا، حفظ الدماء التي كانت عرضة لأن تسفك بسبب الخلاف في قتل تلك النفس، أي يحييها بمثل هذه الأحكام. و هذا الإحياء على حد قوله تعالى:

ص: 215


1- لاحظ سورة البقرة: الآيات 67-73.
2- لاحظ في كفية ذلك، العهد القديم سفر التثنية: الأصحاح 21، ص 211، ط دار الكتاب المقدس، و حاصله أنّهم يغسلون أيديهم في دم عجلة و يقولون: أيدينا لم تسفك هذا الدم و أعيننا لم تبصر.

وَ مَنْ أَحْيٰاهٰا فَكَأَنَّمٰا أَحْيَا اَلنّٰاسَ جَمِيعاً (1) و قوله: وَ لَكُمْ فِي اَلْقِصٰاصِ حَيٰاةٌ (2)»(3).

يلاحظ عليه: أوّلا: إنّ هذا التفسير لا ينطبق على قوله: فَقُلْنٰا اِضْرِبُوهُ بِبَعْضِهٰا ، فإنّ معناه: اضربوا بعض النّفس المقتولة ببعض جسم البقرة، و أين هذا من غسل أيدي المتهمين في دم العجلة المقتولة، فهل غسل الأيدي في دمها عبارة عن ضرب المقتول ببعض البقرة؟! و ثانيا: إنّه سبحانه يقول: كَذٰلِكَ يُحْيِ اَللّٰهُ اَلْمَوْتىٰ وَ يُرِيكُمْ آيٰاتِهِ ، فالقصة تتضمن آية من آيات اللّه، و معجزة من المعاجز، فهل في غسل الأيدي بدم العجلة و درء التهمة عن المتهم، إراءة للآيات الإلهية.

و ثالثا: إنّ تفسير الآية بالاستناد إلى الإسرائيليات و المسيحيات، مسلك ضال في تفسير كتاب اللّه العزيز، و ليس اللجوء إليها إلا لأجل ما اتخذه صاحب المنار من موقف مسبق تجاه المعاجز و خوارق العادات، و إصراره على إرجاع عالم الغيب إلى الشهادة.

5 - إحياء سبعين رجلا من قوم موسى

ذكر المفسرون أنّ موسى عليه السلام اختار من قومه سبعين رجلا حين خرج من الميقات ليكلمه اللّه سبحانه بحضرتهم، فيكونوا شهداء له عند بني إسرائيل لعدم وثوقهم بأنّ اللّه سبحانه يكلّمه، فلما حضروا الميقات، و سمعوا كلامه تعالى سألوا الرؤية، فأصابتهم الصاعقة فماتوا، ثم أحياهم اللّه تعالى(4)، يقول سبحانه:

وَ إِذْ قُلْتُمْ يٰا مُوسىٰ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّٰى نَرَى اَللّٰهَ جَهْرَةً، فَأَخَذَتْكُمُ

ص: 216


1- سورة المائدة: الآية 32.
2- سورة البقرة: الآية 179.
3- لاحظ المنار ج 1، ص 345-350.
4- مجمع البيان، ج 2، ص 484.

اَلصّٰاعِقَةُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنٰاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (1) .

و يقول سبحانه: وَ اِخْتٰارَ مُوسىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقٰاتِنٰا فَلَمّٰا أَخَذَتْهُمُ اَلرَّجْفَةُ قٰالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَ إِيّٰايَ، أَ تُهْلِكُنٰا بِمٰا فَعَلَ اَلسُّفَهٰاءُ مِنّٰا إِنْ هِيَ إِلاّٰ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهٰا مَنْ تَشٰاءُ وَ تَهْدِي مَنْ تَشٰاءُ (2).

و المتبادر من الآية هو إحياؤهم بعد الموت، و الخطاب لليهود و المعاصرين للنبي باعتبار أسلافهم، و لا يفهم أي عربي صميم من جملة: ثُمَّ بَعَثْنٰاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ : سوى الإحياء بعد الإماتة.

و قد اتخذ صاحب المنار في تفسير الآية موقفه المعلوم من المعاجز، فذهب إلى أنّ المراد من البعث هو كثرة النّسل. أي إنّه بعد ما وقع فيهم الموت بالصاعقة، و ظنّ أن سينقرضون، بارك اللّه في نسلهم، ليعد الشعب بالبلاء السابق للقيام بحق الشكر على النعم التي تمتع بها الآباء الذين حل بهم العذاب بكفرهم لها(3).

يلاحظ عليه: أوّلا: إنّ الظاهر من قول موسى: لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ ، أنّه سبحانه أجاب دعوته، و أحياهم حتى يدفع عنه عادية اعتراض القوم بأنّه ذهب بهم إلى الميعاد، فأهلكهم. و هذا لا يتم إلا إذا كان المراد هو إحياؤهم حقيقة.

و ثانيا: إنّ الرجفة لم تأخذ إلا سبعين رجلا من قومه، فليس في إهلاكهم مظنة انقراض نسلهم.

و على كل تقدير فالباعث لصاحب المنار على تفسيره، هو جنوحه إلى إنكار المغيبات، و تطبيق ما ورد في الذكر الحكيم على العالم الحسّي التجريبي.

6 - المسيح يحيي الموتى

إنّ الكتاب الحكيم يذكر في غير مورد، إحياء المسيح للموتى. قال تعالى

ص: 217


1- سورة البقرة: الآيتان 55 و 56.
2- سورة الأعراف: الآية 155.
3- تفسير المنار، ج 1، ص 322.

حاكيا عنه أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ، أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ اَلطِّينِ كَهَيْئَةِ اَلطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اَللّٰهِ، وَ أُبْرِئُ اَلْأَكْمَهَ وَ اَلْأَبْرَصَ، وَ أُحْيِ اَلْمَوْتىٰ بِإِذْنِ اَللّٰهِ (1).

و قال تعالى: إِذْ قٰالَ اَللّٰهُ يٰا عِيسَى اِبْنَ مَرْيَمَ اُذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ... وَ تُبْرِئُ اَلْأَكْمَهَ وَ اَلْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَ إِذْ تُخْرِجُ اَلْمَوْتىٰ بِإِذْنِي (2).

و قد تضافر في التاريخ و الإنجيل و الحديث، قيام المسيح بإحياء الموتى مرات عديدة، بحيث صار المسيح علما و سمة لإحياء الموتى، و علاج الأمراض المستعصية.

7 - إيقاظ أصحاب الكهف

روى المفسرون أنّ فتية من قوم آمنوا باللّه تعالى و كانوا يخفون إيمانهم خوفا من ملكهم، الذي كان يعبد الأصنام و يدعو إليها، و يقتل من خالفه، و الفتية كانوا على دين المسيح، و كان كل واحد منهم يكتم إيمانه عن صاحبه. ثم اتفق أنّهم اجتمعوا و أظهروا أمرهم لبعضهم، و لجئوا إلى كهف، فضرب سبحانه على آذانهم، فناموا في الكهف ثلاثمائة و تسع سنين، ثم بعثهم. يقول سبحانه:

إِذْ أَوَى اَلْفِتْيَةُ إِلَى اَلْكَهْفِ، فَقٰالُوا رَبَّنٰا آتِنٰا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَ هَيِّئْ لَنٰا مِنْ أَمْرِنٰا رَشَداً * فَضَرَبْنٰا عَلَى آذٰانِهِمْ فِي اَلْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً * ثُمَّ بَعَثْنٰاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ اَلْحِزْبَيْنِ أَحْصىٰ لِمٰا لَبِثُوا أَمَداً (3) .

و المراد من الضرب على الآذان هو إنامتهم، لا سلب حياتهم، كما يقول سبحانه: وَ تَحْسَبُهُمْ أَيْقٰاظاً وَ هُمْ رُقُودٌ (4).

ص: 218


1- سورة آل عمران: الآية 49.
2- سورة المائدة: الآية 110.
3- سورة الكهف: الآيات 10-12.
4- سورة الكهف: الآية 18.

فإنامة اللّه سبحانه هؤلاء الفتية هذه المدّة المديدة، ثم إيقاظهم، لا يقصر عن الإماتة و الإحياء، و القادر عليه قادر على إحياء الموتى.

هذه النماذج المحسوسة من إحياء الموتى، إذا انضمت إلى البراهين الناصعة الدالة على إمكان إحياء الموتى، من طريق سعة قدرته سبحانه، توجب القطع بإمكان المعاد، و جمع العباد بعد موتهم، للحساب و الجزاء.

ص: 219

مباحث المعاد

(6) الموت نافذة إلى حياة جديدة

اشارة

الموت آخر مرحلة من مراحل الحياة الدنيوية، و أوّل مرحلة من الحياة الأخروية. و لأجل التعرف على ما ورد حوله من الآيات، نبحث عن الأمور التالية:

1 - الموت في اللغة و القرآن.

2 - هل الموت أمر عدمي أو وجودي؟ 3 - الموت سنّة من سنن اللّه العامة.

4 - لما ذا يستوحش الإنسان من الموت؟ 5 - الموت و أقسامه في القرآن.

6 - الموت و الأجل المسمى.

7 - الإنابة حال الموت.

8 - الوصية عند الموت.

9 - جهل الناس بأوان موتهم.

10 - الموت و الملائكة الموكّلون بقبض الأرواح.

و فيما يلي نبحث عن كل واحد منها.

ص: 220

الأمر الأول - «الموت» في اللغة و القرآن

قال في المقاييس: «الموت، أصل صحيح يدل على ذهاب القوة من الشيء، منه: الموت خلاف الحياة»(1). و هذا هو الأصل في استعماله، فلو أطلق لفظ الموت على إطفاء النار، و خروج الأرض من قابلية الزرع و الاستصلاح، أو على النوم، فالكل يرجع إلى ذلك الأصل.

قال في اللسان: «الموت يقع على أنواع بحسب أنواع الحياة، فمنها ما هو بإزاء القوة النامية الموجودة في الحيوان و النبات، كقوله تعالى: يُحْيِ اَلْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهٰا (2).

و منها زوال القوة الحسيّة، كقوله تعالى - حاكيا قول مريم عليها السلام - يٰا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هٰذٰا (3).

و منها زوال القوة العاقلة، و هي الجهالة، كقوله تعالى: أَ وَ مَنْ كٰانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنٰاهُ (4)، و إِنَّكَ لاٰ تُسْمِعُ اَلْمَوْتىٰ (5).

و منها الحزن و الخوف المكدر للحياة، كقوله تعالى: وَ يَأْتِيهِ اَلْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكٰانٍ وَ مٰا هُوَ بِمَيِّتٍ (6).

و قد يستعار الموت للأحوال الشّاقة، كالفقر و الذّلّ، و السؤال و الهرم، و المعصية»(7). فالاستعمال في الجميع بأصل واحد.

و قد استعمل القرآن لفظ الموت - كما عرفت - في موارد، بهذا الملاك، مثلا يقول: وَ آيَةٌ لَهُمُ اَلْأَرْضُ اَلْمَيْتَةُ (8). و يقول في الأصنام: أَمْوٰاتٌ غَيْرُ أَحْيٰاءٍ (9). و يطلقه على المراحل المتقدمة من خلق الإنسان، فيقول: وَ كُنْتُمْ أَمْوٰاتاً فَأَحْيٰاكُمْ (10). فترى في الجميع نوع ذهاب و زوال، إمّا للطاقة كما في

ص: 221


1- مقاييس اللغة، ج 5، ص 283.
2- سورة الروم: الآية 50.
3- سورة مريم: الآية 23.
4- سورة الأنعام: الآية 122.
5- سورة النمل: الآية 80.
6- سورة إبراهيم: الآية 17.
7- لسان العرب، ج 2، ص 92. لاحظ بقية كلامه.
8- سورة يس: الآية 33.
9- سورة النحل: الآية 21.
10- سورة البقرة: الآية 28.

الأرض، أو للقدرة على الحركة و التكلم، كما في الأصنام، و غير ذلك.

الأمر الثاني - هل الموت أمر عدمي؟

إنّ ملاحظة المعنى اللغوي، و الاستعمال القرآني للفظ الموت، يفيد أنّ الموت أمر عدمي، و لكنه من زاوية أخرى، ليس أمرا عدميا في موت الإنسان، و ذلك لو فسّر الموت بقبض الملائكة الطاقات الحسية الموجودة في الإنسان، فإنّه أمر وجوديّ، و إن كانت النتيجة أمرا عدميا.

و يمكن جعله أيضا من الأمور الوجودية - في الإنسان، بمعنى آخر، و هو أنّ الموت نافذة على الحياة الجديدة، و انتقال من منزل إلى منزل، و إلى ذلك لمحات في كلام الأئمة الأطهار من أهل بيت الرسول صلى اللّه عليه و آله.

يقول الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: «أيّها الناس، إنّا خلقنا و إياكم للبقاء، لا للفناء، لكنكم من دار إلى دار تنقلون»(1).

و يقول سيد الشهداء الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام - مخاطبا أنصاره يوم عاشوراء - «صبرا بني الكرام، فما الموت إلاّ قنطرة تعبّر بكم عن البؤس و الضرّاء إلى الجنان الواسعة، و النعيم الدائمة، فأيّكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر»؟(2).

و يمكن جعله أمرا وجوديا أيضا، ببيان ثالث، و هو أنّ الموت حدّ الحياة الدنيوية، و جدارها الذي إليه تنتهي.

أضف إلى ذلك أنّ الموت ربما يوصف بكونه أمرا عدميا إذا نسب إلى الجسم، و أمّا إذا نسب إلى الروح فلا يمكن تفسيره إلاّ بأمر وجودي، و هو انتقالها من مرحلة إلى مرحلة.

ص: 222


1- الإرشاد، للشيخ المفيد، ص 127.
2- معاني الأخبار، للصدوق، ص 289.

و لعلّه - لأحد هذه الوجوه - تعلق به الخلق في قوله سبحانه: اَلَّذِي خَلَقَ اَلْمَوْتَ وَ اَلْحَيٰاةَ (1).

و التقدير في قوله سبحانه - في تقدير حياة الإنسان -: نَحْنُ قَدَّرْنٰا بَيْنَكُمُ اَلْمَوْتَ وَ مٰا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (2).

***

الأمر الثالث - الموت سنة عامة في الخلق

إن قوانين الديناميكا الحرارية تدلّ على أنّ مكونات هذا الكون تفقد حرارتها تدريجيا، و أنّها سائرة حتما إلى يوم تصير فيه جميع الأجسام تحت درجة من الحرارة البالغة الانخفاض(3). فيومئذ تنعدم و تستحيل الحياة، و هذا ما كشف عنه العلم الحديث.

و القرآن يصف الموت سنة إلهية عامة، فيقول في الإنسان: أَيْنَمٰا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ اَلْمَوْتُ وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ (4).

و يقول: كُلُّ نَفْسٍ ذٰائِقَةُ اَلْمَوْتِ (5) و يقول: وَ مٰا جَعَلْنٰا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ اَلْخُلْدَ، أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ اَلْخٰالِدُونَ (6).

و يقول الإمام علي عليه السلام: «و لو أنّ أحدا يجد إلى البقاء سلّما، أو لدفع الموت سبيلا، لكان ذلك سليمان بن داود عليه السلام، الذي سخّر له ملك الجنّ و الإنس»(7).

ص: 223


1- سورة الملك: الآية 2.
2- سورة الواقعة: الآية 60.
3- و هي الصفر المطلق.
4- سورة النساء: الآية 78.
5- سورة آل عمران: الآية 185.
6- سورة الأنبياء: الآية 34. و لاحظ الآيات التالية: آل عمران: الآية 15، الأحزاب: الآية 60، الزمر: الآية 16، الواقعة: الآية 8، الجمعة: الآية 42، و غير ذلك.
7- نهج البلاغة، الخطبة 182.

و هناك آيات تدلّ على أنّ انهدام النظام أمر حتمي يوم القيامة، و هو موته و سيجيء الكلام فيه في المباحث الآتية.

***

الأمر الرابع - لما ذا يستوحش الإنسان من الموت؟

إنّ للإنسان علاقة شديدة بالبقاء، و هي ميل طبيعي يحسّه بفطرته. و بما أنّ الموت يضادّ تلك النّغمة الفطرية، فيجزع الإنسان العادي غير العارف بحقيقة الموت.

و على كل تقدير، فالناس في الحياة الدنيا على قسمين، قسم يستوحش من الموت، و يتصوره شبحا مخيفا، يريد أن يقطع أنياط قلبه و يفترس حياته، و هؤلاء بين من يرى الموت آخر الحياة و نفادها، و يتخيّلون أنّ الموت إبطال لذواتهم و شخصياتهم، و من يعتقد أنّ الموت نافذة للحياة الأخرى، من دون أن يستعدوا لتلك المرحلة بصالح الأعمال، بل أثقلوا كواهلهم بالمعاصي و الذنوب؛ فالموت عندهم سمّ يتجرعونه.

يقول سبحانه تنديدا باليهود: قُلْ إِنْ كٰانَتْ لَكُمُ اَلدّٰارُ اَلْآخِرَةُ عِنْدَ اَللّٰهِ خٰالِصَةً مِنْ دُونِ اَلنّٰاسِ فَتَمَنَّوُا اَلْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ * وَ لَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمٰا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ، وَ اَللّٰهُ عَلِيمٌ بِالظّٰالِمِينَ (1).

و قسم آخر، يشتاقون إلى الموت و يتلقونه بصدور رحبة، و وجوه مشرقة، لأنّهم يرونه انتقالا من حياة مرّة إلى حياة حلوة، و هؤلاء هم الأنبياء و الأولياء.

يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «و لو لا الأجل الذي كتب عليهم، لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقا إلى الثواب، و خوفا من العقاب، عظم الخالق في أنفسهم، فصغر ما دونه في أعينهم».

ص: 224


1- سورة البقرة: الآيتان 94-95، و لاحظ الجمعة: الآيتان 7-8.
الأمر الخامس - الموت و أقسامه
اشارة

ينقسم الموت إلى أقسام نأتي بها فيما يلي:

أ - الموت السهل و الموت العسير

لا شكّ أنّ الانتقال من مرحلة إلى مرحلة أخرى، لا يخلو من مشقة، حتى أنّ الطفل عند ما ينتقل من عالم الأجنة إلى عالم الشهود، يتحمل جهدا و مشقة بالغين. و للإنسان في إطار حياته في النشأتين مراحل حساسة تعدّ كلّ منها منعطفا في مسيرته الوجودية، و هي: مرحلة التّولّد، و مرحلة الموت، و مرحلة البعث، و إلى ذلك يشير قوله سبحانه: وَ سَلاٰمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَ يَوْمَ يَمُوتُ وَ يَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (1).

فالموت أحد هذه الحلقات الرئيسية في وجود الإنسان، فهو لا يخلو بطبعه من مشقة و عسر، و لكن لو غضّ البصر عنه، فالموت حسب القرآن ينقسم إلى موت سهل و موت عسير:

الأول لصلحاء المؤمنين، و الثاني للعصاة و الكافرين.

يقول سبحانه: اَلَّذِينَ تَتَوَفّٰاهُمُ اَلْمَلاٰئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلاٰمٌ عَلَيْكُمْ اُدْخُلُوا اَلْجَنَّةَ بِمٰا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (2).

و يقول سبحانه: يٰا أَيَّتُهَا اَلنَّفْسُ اَلْمُطْمَئِنَّةُ * اِرْجِعِي إِلىٰ رَبِّكِ رٰاضِيَةً مَرْضِيَّةً (3).

و يقول سبحانه في العصاة و الظالمين: وَ جٰاءَتْ سَكْرَةُ اَلْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذٰلِكَ مٰا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (4).

ص: 225


1- سورة مريم: الآية 15، و لاحظ مريم: الآية 33.
2- سورة النحل: الآية 32.
3- سورة الفجر: الآيتان 27 و 28.
4- سورة ق: الآية 19.

و يقول سبحانه: فَكَيْفَ إِذٰا تَوَفَّتْهُمُ اَلْمَلاٰئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَ أَدْبٰارَهُمْ (1).

و في الروايات الإسلامية أخبار كثيرة فيما قدمنا(2).

ب - موت البدن و موت القلب

و هناك تقسيم آخر للموت حسب متعلقه، و هو أنّه تارة ينسب إلى الجسم و البدن، و أخرى إلى القلب و مراكز الإدراك، و الأول هو الموت الطبيعي، و الثاني من شئون بعض الأحياء، إذا حلّ الكف محلّ الإيمان، و الجهل مكان العلم في قلوبهم، فهؤلاء أموات بهذا النظر، و إن كانوا أحياء ماديين يأكلون و يشربون و يتحركون، يقول سبحانه: إِنَّكَ لاٰ تُسْمِعُ اَلْمَوْتىٰ وَ لاٰ تُسْمِعُ اَلصُّمَّ اَلدُّعٰاءَ إِذٰا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (3) و يقول: أَ وَ مَنْ كٰانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنٰاهُ وَ جَعَلْنٰا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي اَلنّٰاسِ، كَمَنْ مَثَلُهُ فِي اَلظُّلُمٰاتِ لَيْسَ بِخٰارِجٍ مِنْهٰا (4).

و لا يختص الموت بهذه الطغمة الظالمة، بل يعمّ المتخاذلين المستبطئين في الدفاع عن عزّهم و كيانهم، ليعيشوا أياما أو أعواما صاغرين، فهؤلاء أموات في منطق الإمام علي عليه السلام، كما أنّ المتفانين في حفظ عزّتهم و كرامتهم أحياء، و إن تضرّجوا بدمائهم في سوح الجهاد، يقول عليه السلام: «فالموت، في حياتكم مقهورين. و الحياة، في موتكم قاهرين»(5).

كما أنّ من لا يحسّ بالمسئولية أمام المجتمع، و يترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر بعامة مراتبهما، ميّت الأحياء، يقول علي عليه السلام: «و منهم تارك لإنكار المنكر بلسانه، و قلبه و يده، فذلك ميّت الأحياء»(6).

ص: 226


1- سورة محمد: الآية 27.
2- لاحظ بحار الأنوار، ج 6 ص 122-154.
3- سورة النمل: الآية 80.
4- سورة الأنعام: الآية 122. و لاحظ الروم: الآية 51-52.
5- نهج البلاغة، الخطبة 51.
6- نهج البلاغة، قسم الحكم، الرقم: 374.
ج - موت الفرد و المجتمع

إنّ للفرد شئونا من أوج و حضيض، و رقيّ و هبوط، و موت و حياة، كما أنّ للمجتمع نفس تلك الشئون، حرفا بحرف.

مثلا: إنّ الثورة نواة تنبت و تشتد و تستوي و تأخذ لنفسها حالة الهجوم و الاندفاع، و لا تبرح على تلك السّمة حتى تنتقل إلى حالة أخرى، تأخذ لنفسها حالة الدفاع، و ردّ السّهام الموجهة إليها. و لن تبرح على تلك الحالة حتى ينجرّ أمرها إلى الانكسار و الانقراض.

و نظير ذلك جميع الحضارات البشرية، و المناهج الاقتصادية و السياسية الإنسانية، فلكلّ منها حالات ثلاث: هجوم، دفاع، خمود.

فكما أنّ لكل فرد حياة و موتا و أجلا حسب القرآن، كذلك إنّ للمجتمع حياة و موتا و أجلا.

يقول سبحانه: وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ، فَإِذٰا جٰاءَ أَجَلُهُمْ، لاٰ يَسْتَأْخِرُونَ سٰاعَةً وَ لاٰ يَسْتَقْدِمُونَ (1).

و يعود القرآن ليبين، عامل تدمير الحضارات و المجتمعات و الأنظمة البشرية، و يركز منها على الظلم بالأخص، و على الإتراف ثانيا، فالظلم خروج عن الحدّ الوسط، و الإتراف هو الانهماك في المعاصي، و كلاهما يعجل في هلاك المجتمع و اندثاره.

يقول سبحانه: وَ مٰا كٰانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ اَلْقُرىٰ بِظُلْمٍ وَ أَهْلُهٰا مُصْلِحُونَ (2). و يقول أيضا: وَ إِذٰا أَرَدْنٰا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنٰا مُتْرَفِيهٰا (بالطاعة) فَفَسَقُوا فِيهٰا، فَحَقَّ عَلَيْهَا اَلْقَوْلُ، فَدَمَّرْنٰاهٰا تَدْمِيراً (3).

و يقول سبحانه: وَ كَمْ أَهْلَكْنٰا مِنَ اَلْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ، وَ كَفىٰ بِرَبِّكَ

ص: 227


1- سورة الأعراف: الآية 34. و لاحظ سورة يونس: الآية 49.
2- سورة هود: الآية 117.
3- سورة الإسراء: الآية 16.

بِذُنُوبِ عِبٰادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (1) . و الإمعان في هذه الآية يفيد أنّ الظلم و الفسق و الذنوب، مد مرات للمجتمع(2).

د - موت العزّ و موت الهوان

ينقسم الموت إلى موت عزّ و موت هوان، فالفادون أنفسهم في طريق نشر القسط و العدل و العلم و سائر المبادي الإلهية يموتون موت عزّ و شرف، و الذين يقاتلون في سبيل الطاغوت و نشر الشرّ و الجهل و الفساد، لغاية نيل أجور ضئيلة و مناصب مؤقتة، يموتون موت الهوان و الذلّ و العار.

يقول سبحانه: وَ لاٰ تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ أَمْوٰاتٌ، بَلْ أَحْيٰاءٌ، وَ لٰكِنْ لاٰ تَشْعُرُونَ (3).

و يقول سبحانه فيمن خرج طالبا للعلم و الإيمان: وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهٰاجِراً إِلَى اَللّٰهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ اَلْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اَللّٰهِ (4).

الأمر السادس - الموت و الأجل المسمّى

يقسم القرآن الأجل إلى أجل، و أجل مسمى، و بيانه:

إنّ لكل نوع من أنواع الموجودات الحيّة، بل مطلق الموجودات، قابلية خاصة لإدامة الحياة و الوجود. و من هذا، ما يقال إنّ العمر الطبيعي للإنسان هو

ص: 228


1- سورة الإسراء: الآية 17.
2- و أما ما هي الصلة بين هذه العوامل و تدمير المجتمع و انحلاله، فهو يحتاج إلى بيان خارج عن موضوع الكتاب، غير أنّا نقول إجمالا: إنّ بين هذه العوامل و إهلاك المجتمع، رابطة مادية و طبيعية، و في الوقت نفسه رابطة إلهية، فالوقوف على العلل المادية لا يغني عن الإذعان بأنّ هناك رابطة غيبية بين هذه العلل و معلولها.
3- سورة البقرة: الآية 154. و لاحظ سورة آل عمران: الآية 169.
4- سورة النساء: الآية 100، و لاحظ سورة الحج الآية 58.

مائة و عشرون سنة، فالإنسان - بما هو إنسان - قابل لأن يعيش هذا المقدار من الزّمن. و في ضوء ذلك، لكلّ إنسان «أجل»، بهذا المعنى، و لكنه ليس أجلا حتميا و قطعيا، بل قد ينقص عنه أو يزيد عليه لعوامل خاصة في حياته، فربّ إنسان يموت في العقد الخامس أو السادس من عمره، و هو أجلّ حتمي و مسمى له، مع أنّ الأجل المطلق كان أزيد منه. و ربّ إنسان يعيش أزيد من هذا الحدّ الطبيعي، و يموت في العقد الخامس عشر من عمره، و هو أجل حتمي و مسمى له، و إن كان الأجل المطلق أنقص منه.

و الأجل المطلق يعرفه غيره سبحانه، و لكنّ الأجل الحتمي عنده، فهو الذي يعرف الحدّ الذي تقف فيه حياة كل إنسان، و لا تتجاوزه قطعا، يقول سبحانه: هُوَ اَلَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ قَضىٰ أَجَلاً، وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ، ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (1).

الأمر السابع - الإنابة عند الموت

قد عرفت أنّ قسما من النّاس يخافون من الموت لما علموا من أنّ كواهلهم مثقلة بعظائم الذنوب، أو لاعتقادهم بأنّه خاتمة المطاف في الحياة البشرية.

و الصنف الأول، إذا فوجئوا بالموت، يلجئون إلى التوبة و الإنابة، و يندمون، و لكن لات حين مندم، فإنّهم قد ضيّعوا الفرص، و التوبة إنّما تقبل إذا كان الإنسان ذا مقدرة على الفعل و الترك و الطاعة و العصيان، فيرجّح باختياره الانقياد، على المخالفة، و هذا من تقبل توبته، لأنّ الإنابة في هذا المقام، تكشف عن تحول روحي، و ثورة نفسانية على المعصية و التمرد و التجري، و أمّا إذا وصل الإنسان في مدارج حياته إلى نقطة ليس أمامها إلاّ طريق واحد، و هو ترك التمرّد،

ص: 229


1- سورة الأنعام: الآية 2. و بما أنّ الكلام فيه قد سبق في الجزء الثاني من هذا الكتاب «الإلهيات»، ص 242-246، فقد اكتفينا بهذا المقدار.

لفقدان القوة و الطاقة، فلا تقبل التوبة عند ذاك، لأنّها لا تكشف عن انقلاب روحي نحو الكمال، و إلى ذلك يشير قوله سبحانه:

وَ لَيْسَتِ اَلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ اَلسَّيِّئٰاتِ، حَتّٰى إِذٰا حَضَرَ أَحَدَهُمُ اَلْمَوْتُ، قٰالَ إِنِّي تُبْتُ اَلْآنَ (1) .

و قد ندم طاغية مصر، فرعون، عند ما وافاه الغرق، و أحسّ بالعجز عن استمراره بالعصيان فأسلم، و قال: آمَنْتُ أَنَّهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاَّ اَلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرٰائِيلَ، وَ أَنَا مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ اَلْمُفْسِدِينَ (2).

و قد كان الطغاة من الأمم السالفة على هذا النمط، فلا يلجئون إلى الإنابة إلاّ بعد ما يروا بأس اللّه تعالى، يقول سبحانه:

فَلَمّٰا رَأَوْا بَأْسَنٰا قٰالُوا آمَنّٰا بِاللّٰهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنٰا بِمٰا كُنّٰا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمٰانُهُمْ لَمّٰا رَأَوْا بَأْسَنٰا (3) .

يقول الإمام علي عليه السلام: «فهو يعضّ يده ندامة على ما أصحر له عند الموت من أمره»(4).

الأمر الثامن - الوصية عند الموت

لا ينبغي لا مريء مسلم أن يبيت ليلة إلاّ و وصيته تحت رأسه(5).

و مع ذلك ربما يترك الإنسان هذه الفريضة، فله الإيصاء حال الموت.

يقول سبحانه: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذٰا حَضَرَ أَحَدَكُمُ اَلْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً

ص: 230


1- سورة النساء: الآية 18.
2- سورة يونس: الآيتان 90 و 91.
3- سورة غافر: الآيتان: 84 و 85.
4- نهج البلاغة، الخطبة 109.
5- وسائل الشيعة، ج 13، كتاب الوصايا، الباب الأول، الحديث 7.

اَلْوَصِيَّةُ (1) و المراد من الخير هو المال.

و يقول سبحانه: يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا شَهٰادَةُ بَيْنِكُمْ إِذٰا حَضَرَ أَحَدَكُمُ اَلْمَوْتُ، حِينَ اَلْوَصِيَّةِ، اِثْنٰانِ ذَوٰا عَدْلٍ مِنْكُمْ... (2).

***

الأمر التاسع - جهل الناس بأوان موتهم

اقتضت الحكمة الإلهية جهل الناس بزمان و مكان موتهم، و ذلك لوجهين:

أ - لو علم الإنسان بزمن موته، فربما يفشل في العمل قبل أن يحلّ أجله، فإنّ العامل الباعث إلى العمل و النشاط في الحياة، هو الأمل، فالأمل رحمة، و لولاه لما أرضعت والدة ولدها، و لا غرس غارس شجرة(3).

ب - إنّ لجهل الإنسان بأوان موته و مكانه، تأثيرا تربويا، فإنّه لو علم بأنّه سيموت بعد عام أو أشهر، فترك التمرّد و التجري، فلا يعد ذلك كمالا روحيا، و ثورة للفضائل على الرذائل، و هذا بخلاف ما إذا سلك طريق الطاعة، و ترك المعصية، و هو يرجو العيش أعواما طويلة، فإنّه يكشف عن كمال روحي، يدفعه نحو الفضائل، يقول سبحانه: وَ مٰا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ (4).

***

الأمر العاشر - الملائكة الموكّلون بقبض الأرواح

قد عرفت أنّ الخلق و التدبير من شئونه سبحانه، فهو القائل عزّ و جلّ:

ص: 231


1- سورة البقرة: الآية 80.
2- سورة المائدة: الآية 106.
3- سفينة البحار، مادة: «أمل».
4- سورة لقمان، الآية 34، و هاهنا وجه ثالث و هو أنّ علم الإنسان بزمن موته يشجّعه على الفجور و العصيان متكلا على التوبة و الإنابة قبل مدّة من حلول أجله.

أَلاٰ لَهُ اَلْخَلْقُ وَ اَلْأَمْرُ، تَبٰارَكَ اَللّٰهُ رَبُّ اَلْعٰالَمِينَ (1) . غير أنّ كونه مدبّرا لا ينافي أن يكون هناك أسباب غيبيّة أو طبيعية لقبض الأرواح فإنّه أيضا من شئون التدبير. فتوفّي الأنفس و أخذها، فعل للّه سبحانه، و في الوقت نفسه فعل لملائكته، يقول سبحانه: اَللّٰهُ يَتَوَفَّى اَلْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهٰا (2).

و في الوقت نفسه ينسبه إلى الملائكة، و يقول: اَلَّذِينَ تَتَوَفّٰاهُمُ اَلْمَلاٰئِكَةُ (3).

و في موضع ثالث ينسبه إلى ملك الموت، و يقول: قُلْ يَتَوَفّٰاكُمْ مَلَكُ اَلْمَوْتِ اَلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ (4).

و النّسب كلّها صحيحة، أخذا بما ذكرناه في أقسام التوحيد من أنّ شيئا واحدا يكون فعلا للّه سبحانه، و في الوقت نفسه فعلا لعباده، و قد تقدّم ذلك مفصّلا.

***

ص: 232


1- سورة الأعراف: الآية 54.
2- سورة الزمر: الآية 42.
3- سورة النحل الآية 28، و الآية 32 منها.
4- سورة السجدة: الآية 11.

مباحث المعاد

(7) الحياة البرزخية

اشارة

البرزخ هو المنزل الأول للإنسان بعد مفارقة الدنيا بالموت، و تحقيق الحال يتوقف على تبيين معنى البرزخ، و إثبات الحياة في تلك النشأة التي هي قبل البعث يوم القيامة.

قال ابن فارس في المقاييس: «البرزخ: الحائل بين الشيئين، كأنّ بينهما برازا أي متسعا من الأرض، ثم صار كل حائل برزخا فالخاء زائدة لما ذكرنا»(1).

و يقول ابن منظور في اللسان: «البرزخ: ما بين شيئين. و في الصحاح الحاجز بين شيئين. و البرزخ ما بين الدنيا و الآخرة: قبل الحشر من وقت الموت إلى البعث، فمن مات فقد دخل البرزخ»(2).

هذا معنى البرزخ و به يفسر قوله سبحانه: وَ مِنْ وَرٰائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (3). و الوراء في الآية بمعنى الأمام كما في قوله سبحانه: وَ كٰانَ وَرٰاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً (4).

ص: 233


1- المقاييس، ج 1، ص 333.
2- لسان العرب، ج 3، مادة برزخ، ص 8.
3- سورة المؤمنون: الآية 100.
4- سورة الكهف: الآية 79.

و الآية لا تفيد أزيد من وجود الفاصل، و الحاجز بين الدنيا و القيامة، مثل قوله سبحانه: بَيْنَهُمٰا بَرْزَخٌ لاٰ يَبْغِيٰانِ (1). و لا تدل على وجود حياة في هذا الفصل.

نعم، هناك آيات يستفاد منها وجود حياة واقعية للإنسان في تلك النشأة، نذكر منها ما يلي:

1 - قال تعالى: قٰالُوا رَبَّنٰا أَمَتَّنَا اِثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اِثْنَتَيْنِ، فَاعْتَرَفْنٰا بِذُنُوبِنٰا فَهَلْ إِلىٰ خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (2)؟.

و هذه الآية تحكي عن تحقيق إحياءين و إماتتين إلى يوم البعث، و قد اختلف المفسّرون في تفسيرهما، و المروي عن ابن عباس أنّ الإماتة الأولى، حال كونهم نطفا، فأحياهم اللّه في الدنيا، ثم أماتهم الموتة الثانية، ثم أحياهم للبعث، فهذان إحياءان و إماتتان و نظيره قوله: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّٰهِ وَ كُنْتُمْ أَمْوٰاتاً فَأَحْيٰاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (3).

يلاحظ عليه: إنّ الآية الثانية ليست نظير الآية الأولى حتى تفسّر بها، فإنّ الآية الثانية، تصف الناس بكونهم أمواتا، و هو ينطبق على الإماتة في حال كون الإنسان نطفة أو قبل ذلك، بخلاف الآية الأولى فإنّها تحكي عن إماتة الإنسان، و الفرق بين الموت و الإماتة واضح، فالأحوال المتقدمة على النطفة، و نفسها، توصف بالموت، دون الإماتة. فلأجل ذلك لا يصح تفسير الإماتة بما جاء في هذا القول.

و الظاهر أنّ المراد هو ما يلي:

الإماتة الأولى هي الإماتة عن الحياة الدنيا.

و الإحياء الأوّل هو الإحياء في البرزخ، و تستمر هذه الحياة إلى نفخ الصور الأول.

ص: 234


1- سورة الرحمن: الآية 20.
2- سورة غافر: الآية 11.
3- سورة البقرة: الآية 28.

و الإماتة الثانية، عند نفخ الصور الأول، يقول سبحانه: وَ نُفِخَ فِي اَلصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ مَنْ فِي اَلْأَرْضِ (1).

و الإحياء الثاني، عند نفخ الصور الثاني، يقول سبحانه: وَ نُفِخَ فِي اَلصُّورِ فَإِذٰا هُمْ مِنَ اَلْأَجْدٰاثِ إِلىٰ رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (2).

و تعدد نفخ الصور يستفاد من الآيتين، فيترتب على الأول هلاك من في السموات و من في الأرض، إلا من شاء اللّه، و على الثاني قيام الناس من أجداثهم، و في أمر النفخ الثاني يقول سبحانه: وَ نُفِخَ فِي اَلصُّورِ فَجَمَعْنٰاهُمْ جَمْعاً (3).

و يقول سبحانه: فَإِذٰا نُفِخَ فِي اَلصُّورِ فَلاٰ أَنْسٰابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَ لاٰ يَتَسٰاءَلُونَ (4). و اختلاف الآثار يدل على تعدد النفخ.

و على ضوء هذا فللإنسان حياة بعد الإماتة من الحياة الدنيا، و هي حياة برزخية متوسطة بين النشأتين.

2 - قوله سبحانه: مِمّٰا خَطِيئٰاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نٰاراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اَللّٰهِ أَنْصٰاراً (5).

و هذه الآية تدل على أنهم دخلوا النار بعد الغرق بلا فصل للفاء في قوله:

فَأُدْخِلُوا . و لو كان المراد هو نار يوم القيامة لكان اللازم الإتيان ب «ثم» أوّلا، و ارتكاب التأويل في قوله فَأُدْخِلُوا ، حيث وضع الماضي مكان المستقبل لأجل كونه محقّق الوقوع، و هو خلاف الظاهر، ثانيا.

3 - قوله سبحانه: اَلنّٰارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهٰا غُدُوًّا وَ عَشِيًّا، وَ يَوْمَ تَقُومُ

ص: 235


1- سورة الزمر: الآية 68.
2- سورة يس: الآية 51.
3- سورة الكهف: الآية 99.
4- سورة المؤمنون: الآية 101.
5- سورة نوح: الآية 25.

اَلسّٰاعَةُ، أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ اَلْعَذٰابِ (1) .

و هذه الآية تحكي عرض آل فرعون على النار صباحا و مساء، قبل يوم القيامة، بشهادة قوله بعد العرض: وَ يَوْمَ تَقُومُ اَلسّٰاعَةُ . و لأجل ذلك، عبّر عن العذاب الأول بالعرض على النار، و عن العذاب في الآخرة، بإدخال آل فرعون أشدّ العذاب، حاكيا عن كون العذاب في البرزخ، أخفّ وطئا من عذاب يوم الساعة.

نعم، هناك آيات تدلّ على حياة الإنسان في هذا الحدّ الفاصل بين الدنيا و البعث، حياة تناسب هذا الظرف، تقدّم ذكرها عند البحث عن تجرّد النفس، و نكتفي هنا بهذا المقدار، حذرا من الإطالة.

و أمّا من السنة، فنكتفي بما جاء عن الصادق عليه السلام، عند ما سئل عن أرواح المؤمنين، فقال: «في حجرات في الجنة، يأكلون من طعامها، و يشربون من شرابها، و يقولون ربّنا أتمم لنا الساعة و أنجز ما وعدتنا».

و سئل عن أرواح المشركين، فقال: «في النار يعذّبون، يقولون لا تقم لنا الساعة، و لا تنجز لنا ما وعدتنا»(2).

السؤال في القبر و عذابه و نعيمه

إذا كانت الحياة البرزخية هي المرحلة الأولى من الحياة بعد الدنيا، يظهر لنا أنّ ما اتّفق عليه المسلمون من سؤال الميت في قبره، و عذابه إن كان طالحا، و إنعامه إن كان مؤمنا صالحا، صحيح لا غبار عليه، و أنّ الإنسان الحي في البرزخ مسئول عن أمور، ثم معذّب أو منعّم.

قال الصدوق في عقائده: «اعتقادنا في المسألة في القبر أنّها حقّ لا بدّ منها، و من أجاب الصواب، فاز بروح و ريحان في قبره، و بجنة النعيم في الآخرة، و من

ص: 236


1- سورة غافر: الآية 46.
2- البحار، ج 6، باب أحوال البرزخ، ص 169، الحديث 122، و ص 270، الحديث 126.

لم يجب بالصواب، فله نزل من حميم في قبره، و تصلية جحيم في الآخرة»(1).

و قال الشيخ المفيد: «جاءت الآثار الصحيحة عن النبي أنّ الملائكة تنزل على المقبورين فتسألهم عن أديانهم، و ألفاظ الأخبار بذلك متقاربة، فمنها أنّ ملكين للّه تعالى، يقال لهما ناكر و نكير، ينزلان على الميت فيسألانه عن ربّه و نبيّه و دينه و إمامه، فإن أجاب بالحق، سلّموه إلى ملائكة النعيم، و إن أرتج سلّموه إلى ملائكة العذاب. و في بعض الروايات أن اسمي الملكين الذين ينزلان على الكافر، ناكر و نكير، و اسمي الملكين الذين ينزلان على المؤمن مبشّر و بشير».

إلى أن قال:

«و ليس ينزل الملكان إلاّ على حيّ، و لا يسألان إلاّ من يفهم المسألة و يعرف معناها، و هذا يدلّ على أن اللّه تعالى يحيى العبد بعد موته للمسألة، و يديم حياته لنعيم إن كان يستحقه، أو لعذاب إن كان يستحقه»(2).

و قال المحقق الطوسي، في التجريد «و عذاب القبر واقع، للإمكان، و تواتر السمع بوقوعه».

و قال العلامة الحلي، في شرحه: «نقل عن ضرار أنّه أنكر عذاب القبر، و الإجماع على خلافه»(3).

و الظاهر اتّفاق المسلمين على ذلك، يقول أحمد بن حنبل: «و عذاب القبر حق، يسأل العبد عن دينه و عن ربه، و يرى مقعده من النار و الجنة، و منكر و نكير حق»(4).

و قد نسب إلى المعتزلة إنكار عذاب القبر، و النسبة في غير محلها، و إنّما المنكر واحد منهم، هو ضرار بن عمرو، كما تقدم، و قد تاب عن الاعتزال و لحق بالمجبرة، قال القاضي عبد الجبار في فصل عذاب القبر: «و جملة ذلك أنه لا

ص: 237


1- عقائد الصدوق، ص 81، من الطبعة الحجرية الملحقة بشرح الباب الحادي عشر.
2- شرح عقائد الصدوق: ص 45-46.
3- كشف المراد، ص 266، ط صيدا، و لاحظ إرشاد الطالبين، ص 425.
4- السنة، لأحمد بن حنبل، ص 47، و لاحظ الإبانة للأشعري، ص 27.

خلاف فيه بين الأمّة إلاّ شيء يحكى عن ضرار بن عمرو، و كان من أصحاب المعتزلة ثم التحق بالمجبرة، و لهذا ترى ابن الراوندي يشنع علينا، فيقول: إنّ المعتزلة ينكرون عذاب القبر و لا يقرّون به»، ثم استدلّ بآيات على حياة الإنسان في البرزخ(1).

هذا كلّه ممّا لا ريب فيه، إنّما الكلام فيما هو المراد هنا من القبر، و الإمعان في الآيات الماضية التي استدللنا بها على الحياة البرزخية، و الروايات الواردة حول البرزخ، يعرب بوضوح عن أنّ المراد من القبر، ليس هو القبر المادي الذي يدفن فيه الإنسان، و لا يتجاوز جثّته في السّعة، و إنّما المراد منه هو النشأة التي يعيش فيها الإنسان بعد الموت و قبل البعث، و إنّما كنّى بالقبر عنها، لأنّ النزول إلى القبر يلازم أو يكون بدء لوقوع الإنسان فيها.

و الظاهر من الروايات تعلّق الروح بأبدان تماثل الأبدان الدنيوية، لكن بلطافة تناسب الحياة في تلك النشأة، و ليس التعلق بها ملازما لتجويز التناسخ، لأنّ المراد من التناسخ هو رجوع الشيء من الفعلية إلى القوة، أعني عودة الروح إلى الدنيا عن طريق النطفة فالعلقة، فالمضغة إلى أن تصير إنسانا كاملا، و هذا منفي عقلا و شرعا، كما سيوافيك. و لا يلزم هذا في تعلّقها ببدن ألطف من البدن المادي، في النشأة الثانية.

قال الشيخ البهائي: «قد يتوهم أنّ القول بتعلق الأرواح، بعد مفارقة أبدانها العنصرية، بأشباح أخر - كما دلّت عليه الأحاديث - قول بالتناسخ، و هذا توهّم سخيف، لأنّ التناسخ الذي أطبق المسلمون على بطلانه، هو تعلّق الأرواح بعد خراب أجسادها، بأجسام أخر في هذا العالم، و أمّا القول بتعلّقها في عالم آخر، بأبدان مثالية، مدّة البرزخ، إلى أن نقوم قيامتها الكبرى، فتعود إلى أبدانها الأوّلية بإذن مبدعها، فليس من التناسخ في شيء»(2).

قال الرازي: «إنّ المسلمين يقولون بحدوث الأرواح و ردّها إلى الأبدان،

ص: 238


1- شرح الأصول الخمسة، ص 730.
2- البحار، ج 6، ص 277.

لا في هذا العالم، و التناسخية يقولون بقدمها، و ردّها إليها، في هذا العالم، و ينكرون الآخرة و الجنّة و النار، و إنّما كفّروا من أجل هذا الإنكار»(1).

نفخ الصّور

إنّ الإنسان الذي يعيش في هذا الكوكب، بالنسبة إلى المعارف الغيبية، كالجنين في بطن أمّه، فلو قيل له إنّ وراء الرحم أنجما و كواكب و شموسا و أقمارا، و بحارا و محيطات، لا يفقه منها شيئا، لأنّها حقائق خارجة عن عالمه الضيّق، و الإنسان الماديّ القاطن في هذا الكوكب لا يفقه الحقائق الغيبية الموجودة وراء هذا العالم، فلأجل ذلك لا مناص له من الإيمان المجرّد من دون تعمق في حقيقتها، و هذا أصل مفيد جدا في باب المعاد، و على ذلك تبتني مسألة نفخ الصور، فما هو المراد من الصور، أ هو شيء يشابه البوق المتعارف أو شيء غيره؟ و ما هو المراد من النفخ؟ لا مناص لنا من الاعتقاد بوجوده و تحققه، و إن لم نتمكن من التعرف على واقعيته، و مع ذلك فلا بدّ أن تكون هناك حقيقة واقعية، لها صلة بين نفخ الصور في هذا العالم، و نفخه في النشأة الأخرى.

تدلّ الآيات على أنّ الإنسان يعيش في البرزخ إلى أن يفاجئه نفخ الصور، فعند ذلك يهلك كل من في السموات و الأرض إلاّ من شاء اللّه، يقول سبحانه:

وَ نُفِخَ فِي اَلصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ مَنْ فِي اَلْأَرْضِ إِلاّٰ مَنْ شٰاءَ اَللّٰهُ، ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرىٰ فَإِذٰا هُمْ قِيٰامٌ يَنْظُرُونَ (2) . ففي النفخ الأول موت كل ذي حياة في السّماوات و الأرض، كما أنّ في النّفخ الثاني، إحياءهم.

يقول سبحانه: وَ نُفِخَ فِي اَلصُّورِ فَإِذٰا هُمْ مِنَ اَلْأَجْدٰاثِ إِلىٰ رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (3).

ص: 239


1- نهاية العقول، للرازي، البحار، ج 6، ص 278.
2- سورة الزمر: الآية 68.
3- سورة يس: الآية 51. و الآية ناظرة إلى النفخ الثاني.

ما ذكرناه في هذا البحث تصوير و ترسيم للنشأة التي يمرّ بها الإنسان بعد موته إلى أن يقوم من جدثه، و يحشر إلى اللّه تعالى. و في البحث القادم تصوير لمشاهد القيامة، من بداية وقوعها إلى أن يحاسب الإنسان و يصير إلى مآله من الجنة أو النار.

ص: 240

مباحث المعاد

(8) أشراط الساعة

اشارة

الشرط - بالتحريك -: العلامة، و الجمع أشراط، و أشراط الساعة:

أعلامها(1).

و المراد من أشراط الساعة العلامات و الآيات التي تخبر عن دنو القيامة، و قربها، و هي مأخوذة من الذكر الحكيم، قال سبحانه: فَقَدْ جٰاءَ أَشْرٰاطُهٰا (2).

و هذه العلامات بعضها مذكور في الكتاب العزيز، و بعضها مذكور في السّنة فنبحث عن كلا القسمين على وجه الإجمال.

و أمّا مشاهد القيامة، فهي الحوادث الهائلة التي تقع في نفس قيام الساعة، التي وردت في سور التكوير و الانفطار و الانشقاق و غيرها، كتكوير الشمس و انكدار النجوم و انفطار السماء و انتثار الكواكب، و تسجير البحار و تفجيرها، و غير ذلك. فالكل من مشاهد القيامة التي نأتي بها في بحث خاص و إليك الكلام في أشراط الساعة الواردة في الكتاب.

ص: 241


1- لسان العرب، ج 7، ص 329، مادة شرط.
2- سورة محمد: الآية 18.
أشراط الساعة في الكتاب
اشارة

جاء في الذكر الحكيم أمور يستظهر منها أنّها من أشراط الساعة، و الآيات الواردة في هذا المجال بين واضحة الدلالة و غيرها.

أ - بعثة النبي الأكرم

يقول سبحانه: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ اَلسّٰاعَةَ، أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جٰاءَ أَشْرٰاطُهٰا، فَأَنّٰى لَهُمْ إِذٰا جٰاءَتْهُمْ ذِكْرٰاهُمْ (1).

إنّ هذه الآية تندد بالمشركين بأنّهم لا يؤمنون، و لا ينتظرون شيئا إلاّ القيامة أن تأتيهم فجأة حتى يؤمنوا، و لكن لا يفيدهم عندها إيمانهم، و من أين لهم التذكّر و الاتعاظ و التوبة إذا جاءتهم الساعة بغتة. و مع ذلك كله فليعلموا أنّ الساعة، و إن لم تأتهم، و لكن قد جاءتهم أشراطها و علاماتها، فعليهم أن يتّعظوا بذلك.

و الآية غير متضمنة لتعيين ما جاء من الأشراط، لكن قال ابن عباس:

«و النبيّ من أشراطها، و لقد قال بعثت أنا و الساعة كهاتين»(2).

و كون بعثة النبي من معالم الساعة، لا ينافي وجود هذه الفترة الطويلة بينه و بين القيامة، و ذلك لأنّ ما مضى من عمر الأرض و المجتمع الإنساني أزيد بكثير مما بقي منه، فيصحّ جعل ظهوره من معالم الساعة.

و يحتمل أن يكون المراد من أشراط الساعة التي جاءتهم انشقاق القمر بيده، و نزول القرآن الذي هو آخر الكتب(3).

ب - اندكاك السدّ و خروج يأجوج و مأجوج

جاء في الذكر الحكيم أنّ ذا القرنين وصل في مسيره إلى قوم طلبوا منه أن

ص: 242


1- سورة محمد: الآية 18.
2- مجمع البيان، ج 5، ص 102.
3- لاحظ المصدر السابق نفسه.

يبني لهم سدّا يحجز عنهم يأجوج و مأجوج و يقيهم شرهما، فقام ذو القرنين بعملية كبيرة، حيث سدّ ما بين الجبلين - الذي كان طريق نفوذهما - بزبر الحديد ثم أنجز عملية بناء السدّ بما يحكيه تعالى من قوله: حَتّٰى إِذٰا سٰاوىٰ بَيْنَ اَلصَّدَفَيْنِ قٰالَ اُنْفُخُوا، حَتّٰى إِذٰا جَعَلَهُ نٰاراً قٰالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (1).

فلما فرغ من بناء السدّ قال:

هٰذٰا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي، فَإِذٰا جٰاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكّٰاءَ وَ كٰانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا * وَ تَرَكْنٰا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ، وَ نُفِخَ فِي اَلصُّورِ فَجَمَعْنٰاهُمْ جَمْعاً (2) .

و قوله: وَ تَرَكْنٰا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ، يعرب عن كون اندكاك السّدّ من أشراط الساعة(3). و المراد أنّه بعد انقضاء أمر السّدّ يموج بعض الناس في بعض، فيرتفع من بينهم النّظم، و يحكم فيهم الهرج و المرج، و يظهر هذا أيضا من آية أخرى، أعني قوله تعالى: حَتّٰى إِذٰا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَ مَأْجُوجُ وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ * وَ اِقْتَرَبَ اَلْوَعْدُ اَلْحَقُّ فَإِذٰا هِيَ شٰاخِصَةٌ أَبْصٰارُ اَلَّذِينَ كَفَرُوا يٰا وَيْلَنٰا قَدْ كُنّٰا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هٰذٰا بَلْ كُنّٰا ظٰالِمِينَ (4).

فمفادها أنّه عند ما ينفرج سدّ يأجوج و مأجوج، يتفرق المحجوزون خلف السدّ، في الأرض، فلا ترى أكمة إلاّ و قوم منهم يهبطون منها، و عند ذلك يقترب الوعد الحق، أي قيام الساعة. فيكون اندكاك السدّ و انتشار يأجوج و مأجوج في الأرض من أشراط الساعة، لحكايته عن اقتراب الوعد الحقّ، و هذا هو المراد من أشراط الساعة.

ج - إتيان السماء بدخان مبين

إنّ الصناعات البشرية أوجدت قلقا في الحياة، و لوثت البيئة في الأرض

ص: 243


1- سورة الكهف: الآية 96.
2- سورة الكهف: الآيتان 98 و 99.
3- و يمكن جعله من أشراطها على حدة، فإنّها تحكي عن عموم حالة الفوضى و الهرج و المرج العالم بأسره.
4- سورة الأنبياء: الآيتان 96 و 97.

بالأدخنة المتصاعدة من معاملها، و الأبخرة المتطايرة من موادها. و لكنها إلى اليوم ليست إلى الحدّ الذي يزاحم الحياة، و اللّه يعلم مآل الأمور.

و لكنه تعالى يخبر عن حدوث دخان في السماء، يغشى الناس، و يكون عذابا أليما لهم، يقول تعالى: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي اَلسَّمٰاءُ بِدُخٰانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى اَلنّٰاسَ هٰذٰا عَذٰابٌ أَلِيمٌ * رَبَّنَا اِكْشِفْ عَنَّا اَلْعَذٰابَ إِنّٰا مُؤْمِنُونَ * أَنّٰى لَهُمُ اَلذِّكْرىٰ وَ قَدْ جٰاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ * ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَ قٰالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ * إِنّٰا كٰاشِفُوا اَلْعَذٰابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عٰائِدُونَ * يَوْمَ نَبْطِشُ اَلْبَطْشَةَ اَلْكُبْرىٰ إِنّٰا مُنْتَقِمُونَ (1).

إنّ في تفسير الآية وجهين:

الوجه الأوّل - إن مجموع هذه الآيات راجعة إلى عصر النبي، و ذلك أنّ رسول اللّه دعا على قومه لمّا كذّبوه، فقال: اللهم سنينا كسني يوسف، فأجدبت الأرض و أصابت قريشا المجاعة، و كان الرجل لما به من الجوع، يرى بينه و بين السماء كالدخان، فجاءوا إلى النبي و قالوا: يا محمد، جئت تأمر بصلة الرحم و قومك قد هلكوا. فسأل اللّه تعالى لهم بالخصب و السعة، فكشف عنهم، ثم عادوا إلى الكفر(2).

يلاحظ على هذا الوجه: أولا، إنّ ظاهر الآية أنّ السماء تأتي بدخان مبين، و تحدثه، و هو غير تجلّي السماء بصورة الدخان في عين الجائع، الذي هو انخداع الحواس لغلبة الجوع، من دون أن يكون هناك دخان في الواقع.

و ثانيا: إنّ أصحاب السّير النبوية لم يذكروا شيئا عن هذا الجوع المدقع الذي أحدق بقريش و أوجد فيهم سنينا كسني يوسف.

و ثالثا: إنّ ما جاء في القصة، لا يناسب خلق النبيّ و عطفه على قومه، و كونه رحمة للعالمين، كيف و قد قال سبحانه: وَ مٰا كٰانَ اَللّٰهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ

ص: 244


1- سورة الدخان: الآيات 10-16.
2- مجمع البيان، ج 5، ص 62، و تفسير الطبري، ج 15، ص 66. و بهذا المضمون روايات أخر في المصدرين.

فِيهِمْ، وَ مٰا كٰانَ اَللّٰهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (1) و هو صلوات اللّه عليه و آله، لم يدع عليهم في غزوة أحد، مع أنّهم شجّوا جبهته و كسروا أسنانه، و ضرّجوا وجهه بالدماء.

فهذه الأمور، توجب عدم الاطمئنان إلى هذا الوجه.

الوجه الثاني: إنّ مفاد الآية يرجع إلى أشراط الساعة، و أنه قبل قيام البعث يغشى الناس دخان مبين. و يؤيّد ذلك أنّ الآية تتضمن ذكر يومين:

1 - يوم تأتي السماء فيه بدخان مبين.

2 - و يوم يبطش فيه الرب تعالى البطشة الكبرى.

و بما أنّ البطشة الكبرى راجعة إلى يوم البعث الذي يأخذ فيه اللّه تعالى الظالمين و الكافرين بشدة و قدرة، يكون ذلك قرينة على أنّ ما يقع في اليوم الأول، من أشراط الساعة، فيوم تظهر فيه آية الساعة و علامتها، و يوم تتحقق فيه نفس الساعة.

و أما على التفسير الأول، فلا مناص، من جعل اليوم الأول يوم طروء الجوع في مكة، و اليوم الثاني يوم غلبة النبي على قريش في بدر، و لا يخفى أن تفسير اليومين بهذا النحو يحتاج إلى دليل.

و يؤيّد المعنى الثاني ما روي عن حذيفة بن اليمان، مرفوعا: أوّل الآيات الدّجال، و نزول عيسى، و نار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر، تقيل معهم إذا قالوا، و الدّخان. قال حذيفة: يا رسول اللّه، و ما الدّخان؟ فتلا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله الآية: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي اَلسَّمٰاءُ بِدُخٰانٍ مُبِينٍ... ، يملأ ما بين المشرق و المغرب، يمكث أربعين يوما و ليلة، أما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكام، و أما الكافر بمنزلة السكران يخرج من منخريه و أذنيه و دبره(2).

ص: 245


1- سورة الأنفال: الآية 33.
2- تفسير الطبري، ج 25، ص 68. و الدر المنثور، ج 6، ص 29.

نعم بقي هنا شيء و هو أنّه لو كان صدر الآيات راجعا إلى أشراط الساعة، فما معنى قوله سبحانه: إِنّٰا كٰاشِفُوا اَلْعَذٰابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عٰائِدُونَ . فإنه بالمعنى الأوّل ألصق.

و لكن يمكن أن يقال: إن الجملة الخبرية متضمنة لقضية شرطية، و هي أنه حتى لو كشفنا عنهم العذاب، لعادوا لما كانوا عليه من العصيان نظير قوله سبحانه: وَ لَوْ رُدُّوا لَعٰادُوا لِمٰا نُهُوا عَنْهُ وَ إِنَّهُمْ لَكٰاذِبُونَ (1).

د - نزول المسيح

يقول سبحانه: وَ لَمّٰا ضُرِبَ اِبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذٰا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَ قٰالُوا أَ آلِهَتُنٰا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مٰا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّٰ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ * إِنْ هُوَ إِلاّٰ عَبْدٌ أَنْعَمْنٰا عَلَيْهِ وَ جَعَلْنٰاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرٰائِيلَ * وَ لَوْ نَشٰاءُ لَجَعَلْنٰا مِنْكُمْ مَلاٰئِكَةً فِي اَلْأَرْضِ يَخْلُفُونَ * وَ إِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسّٰاعَةِ، فَلاٰ تَمْتَرُنَّ بِهٰا، وَ اِتَّبِعُونِ، هٰذٰا صِرٰاطٌ مُسْتَقِيمٌ (2).

روى المفسرون أنه لما نزل قوله سبحانه: إِنَّكُمْ وَ مٰا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اَللّٰهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ (3)، أحدثت قريش ضجة، و قاموا يجادلون النبي فقالوا: قد رضينا بأنّ تكون آلهتنا كذلك، حيث يكون عيسى أيضا مثلهم، و قالوا - كما يحكيه سبحانه عنهم: - آلِهَتُنٰا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ، فليست آلهتنا خيرا من عيسى، فإن كان عيسى في النار، فكذلك آلهتنا.

فأجاب سبحانه بأنّهم ما ضربوا هذا المثل إلا للمجادلة و المخاصمة، و أنهم قوم خصمون لا يتطلبون الحق. ثم أخذ بتوصيف عيسى بن مريم و تبيين مقامه فقال: وَ إِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسّٰاعَةِ ، أي إنّ وجود عيسى في ظرف من الظروف، يعلم به قرب الساعة، فلا تكذبوا بها.

ص: 246


1- سورة الأنعام: الآية 28.
2- سورة الزخرف: الآيات 57-61.
3- سورة الأنبياء: الآية 98.

فالآية تدل على أنّ وجود عيسى في ظرف من الظروف يعلم به دنو السّاعة، و أما ظرفه، فالظاهر من الروايات هو نزوله بعد خروج الإمام المهدي عليه السلام(1).

و للآية تفسير آخر، يطلب من مظانّه(2).

ه - إخراج دابة من الأرض

قال تعالى: وَ إِذٰا وَقَعَ اَلْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنٰا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ اَلْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ اَلنّٰاسَ كٰانُوا بِآيٰاتِنٰا لاٰ يُوقِنُونَ (3).

و توضيح الآية يتوقف على إيضاح أمور:

1 - ما هو المراد من قوله: وَ إِذٰا وَقَعَ اَلْقَوْلُ عَلَيْهِمْ ؟.

2 - ما هو المراد من الدابة المخرجة من الأرض؟ 3 - بما ذا تتكلم هذه الدابة، و ما ذا تقول؟ 4 - ما هو موضع قوله سبحانه في الآية: إنّ الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون؟ فهل هو يحكي قول الدابة، أو هو تعليل لصدر الآية (وقوع القول عليهم).

5 - ما هو المراد من الآيات؟ 6 - ما هو الهدف من إخراج الدابة؟ 7 - ما هو زمان إخراجها؟ و الحقّ أنّ هذه الآية، إحدى الآيات التي يحيق بها الإبهام من جهة أو جهات، و ليس لها في القرآن ما يشابهها في المضمون، حتى يستعان به على

ص: 247


1- لاحظ ما أوردناه من الروايات في بحث الإمامة.
2- لاحظ مجمع البيان، ج 5، ص 358.
3- سورة النمل: الآية 82.

تفسيرها، فلا مناص من الإمعان فيها نفسها، أو اللجوء إلى الروايات الواردة حولها، فنقول:

أما السؤال الأول، فالمراد من وقوع القول عليهم، هو استحقاقهم للعذاب، يظهر ذلك من قوله تعالى: وَ وَقَعَ اَلْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمٰا ظَلَمُوا فَهُمْ لاٰ يَنْطِقُونَ (1). و ليس المراد من القول، القول اللفظي، بل القول التكويني المساوق لتحقّق العذاب، و حصوله في الخارج. و قد عرفت أنّ العالم فعل اللّه سبحانه، و فعله كلامه، و الآيتان نظير قوله سبحانه: أَ فَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ اَلْعَذٰابِ، أَ فَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي اَلنّٰارِ (2).

و أما الثاني فالدابة في اللغة و القرآن تطلق على كل ما يدبّ على الأرض، يقول سبحانه: وَ مٰا مِنْ دَابَّةٍ فِي اَلْأَرْضِ إِلاّٰ عَلَى اَللّٰهِ رِزْقُهٰا (3). و لا يظهر من نفس الآية أنّه من أي نوع من الدواب، أ هو إنسان أو حيوان، فلا مناص من الرجوع إلى الروايات التي نشير إلى مصادرها آخر البحث.

غير أنّه يمكن أن يقال إن «الدابة» استعملت في القرآن كثيرا في المعنى العام، فإطلاقها على نوع خاص منه كالإنسان، يحتاج إلى قرينة.

أضف إلى ذلك أنّه ربما استعمل في مقابل الإنسان، يقول سبحانه:

.... وَ اَلدَّوَابُّ وَ كَثِيرٌ مِنَ اَلنّٰاسِ (4) و في آية أخرى: وَ مِنَ اَلنّٰاسِ وَ اَلدَّوَابِّ (5). و هذا يدفعنا إلى القول بأنّ المراد من الدابة هو غير الإنسان.

و أما الثالث: فلا يظهر من الآية شيء في جوابه إلاّ احتمال أن يكون مقول كلامها هو ما جاء في ذيل الآية من قوله أَنَّ اَلنّٰاسَ كٰانُوا بِآيٰاتِنٰا لاٰ يُوقِنُونَ .

و قد ورد في بعض الروايات مضمون كلامها الذي تتكلم به.

ص: 248


1- سورة النمل: الآية 85.
2- سورة الزمر: الآية 19.
3- سورة هود: الآية 6.
4- سورة الحج: الآية 18.
5- سورة فاطر: الآية 28.

و أما الرابع، فيحتمل أن يكون قوله: أَنَّ اَلنّٰاسَ مقولا لكلامها، كما يحتمل أن يكون تعليلا لفرض العذاب عليهم، الذي يدل عليه صدر الآية، فكأنه يقول: حق عليهم العذاب لأنهم كانوا بآياتنا لا يوقنون، و يؤيّد هذا الوجه قراءة أَنَّ بالكسر، التي تجعلها جملة مستأنفة، واقعة موقع التعليل.

و أما الخامس، فيحتمل أن يكون المراد من الآيات هو الآيات الكونية و الأنفسية الواردة في قوله سبحانه: سَنُرِيهِمْ آيٰاتِنٰا فِي اَلْآفٰاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ اَلْحَقُّ، أَ وَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ شَهِيدٌ (1).

كما يحتمل أن يكون المراد من الآيات، المعاجز و خوارق الآيات التي جاءت بها الأنبياء، و إطلاق الآية على المعجزة في القرآن، كثير.

و يحتمل أن يكون المراد، الكتب السماوية، فإنها آيات إلهية.

و لا يظهر من الآية شيء في تعيين أحد هذه الاحتمالات، إلاّ أنّه يمكن تاييد الاحتمال الثالث بقوله سبحانه في آية سابقة عليها: إِنَّ هٰذَا اَلْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلىٰ بَنِي إِسْرٰائِيلَ أَكْثَرَ اَلَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (2).

و أما السادس، و هو الهدف من إخراج الدابة، فيمكن أن يكون إعلام دنوّ السّاعة، كما يمكن أن يكون لأجل تمييز المؤمن من الكافر، و غير ذلك من الأهداف التي وردت فيها الروايات.

و أما السابع، و هو زمان الإخراج فسياق الآيات يثبت أنّها تقع قبل يوم القيامة، عند دنوّها لقوله سبحانه بعدها: وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيٰاتِنٰا فَهُمْ يُوزَعُونَ (3). فبما أنّ الثانية تقع قبل القيامة، فسياق الكلام يقتضي كون الأولى كذلك.

و يتحصّل من الإمعان في الآيات أنّه سبحانه يحكي في لفيف منها عن أمور

ص: 249


1- سورة فصلت: الآية 53.
2- سورة النمل: الآية 76.
3- سورة النمل: الآية 83.

ثلاثة، الأولين راجعان إلى ما قبل القيامة، و يعدّان من أشراطها، و الثالث إلى نفس القيامة.

فالأول، هو وقع القول على الكافرين و خروج الدابة.

و الثاني، هو حشر فوج من كلّ أمة.

و الثالث، هو نفخ الصّور، أعني قوله سبحانه: وَ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي اَلصُّورِ (1).

و على ضوء ذلك يمكن عدّ الأوّل و الثاني من أشراط الساعة(2).

و - مجيء بعض آيات الربّ تعالى

يقول سبحانه: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّٰ أَنْ تَأْتِيَهُمُ اَلْمَلاٰئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيٰاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيٰاتِ رَبِّكَ لاٰ يَنْفَعُ نَفْساً إِيمٰانُهٰا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمٰانِهٰا خَيْراً، قُلِ اِنْتَظِرُوا إِنّٰا مُنْتَظِرُونَ (3).

الاستفهام في الآية إنكاري، وقع في مقام يعرب عن عدم نفع العظة و نجاح الدعوة، و أنّ المخاطبين كانوا في عناد و لجاج إزاء دعوة النبي الأكرم، كما هو الظاهر من الآيات المتقدمة عليها، فإنّه يقول:

أَنْ تَقُولُوا إِنَّمٰا أُنْزِلَ اَلْكِتٰابُ عَلىٰ طٰائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنٰا... .

أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنّٰا أُنْزِلَ عَلَيْنَا اَلْكِتٰابُ، لَكُنّٰا أَهْدىٰ مِنْهُمْ... .

ففي هذا السياق ورد قوله سبحانه:

هَلْ يَنْظُرُونَ ، أي هؤلاء لا ينتظرون إلا أمورا تترجح بين كونها موجبة لهلاكهم أو كونها أمرا محالا في نفسه، أو غير ناجعة في إيمانهم عند وقوعها.

ص: 250


1- سورة النمل: الآية 87.
2- و من أراد التبسط في الآية، فعليه الرجوع إلى المصادر التالية: تفسير الطبري، ج 20، ص 10-12. الدر المنثور، ج 5، ص 116. تفسير البرهان، ج 3، ص 209-211.
3- سورة الأنعام: الآية 158.

فالأوّل، هو قوله تعالى: أَنْ تَأْتِيَهُمُ اَلْمَلاٰئِكَةُ ، فإنّ نزول الملائكة عليهم يلازم هلاكهم. يقول سبحانه: مٰا نُنَزِّلُ اَلْمَلاٰئِكَةَ إِلاّٰ بِالْحَقِّ وَ مٰا كٰانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ (1).

و الثاني، هو مجيء الربّ و مشاهدته بأمّ أعينهم، و هو أمر محال. و إن أريد منه يوم اللقاء، الذي ينكشف منه الغطاء، و يتجلى سبحانه بأسمائه و صفاته، تجلّيا لا يبقى معه ريب و لا شك، فلا ينجع إيمانهم عند ذاك.

و الثالث، و هو مجيء بعض آياته، فهو مردد بين أن يكون المراد منه الموت الذي تتبدل فيه نشأة الحياة إلى نشأة أخرى، أو يكون المراد هو خروج الدابة عند دنو الساعة الذي مضى البحث عنه، و عند ذلك تكون الآية ناظرة إلى بعض أشراط الساعة.

و على كلا المرادين، لا ينفع بعدهما الإيمان و الاستغفار...

قال الطبرسي: «المراد الآيات التي تضطرهم إلى المعرفة، و يزول التكليف عندها (لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل) لأنّه ينسد باب التوبة بظهور آيات القيامة»(2).

روى العيّاشي عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام، في تفسير الآية، قولهما: «طلوع الشمس من المغرب، و خروج الدابة، و الدخان، و الرّجل يكون مصرا و لم يعمل على الإيمان ثم تجيء الآيات، فلا ينفعه إيمانه»(3).

هذا بعض الكلام حول أشراط الساعة الواردة في آيات الذكر الحكيم.

و أما الروايات، فنقتبس منها ما يلي:

1 - روى مسلم في صحيحه عن حذيفة بن أسيد الغفاري: اطّلع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله علينا و نحن نتذاكر فقال: ما تذكرون؟ قلنا: نذكر

ص: 251


1- سورة الحجر: الآية 8.
2- مجمع البيان، ج 2، ص 388.
3- البحار، ج 6، ص 312، الحديث 13.

الساعة، قال: إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات، فذكر: الدّخان، و الدجّال، و الدابّة، و طلوع الشمس من مغربها، و نزول عيسى بن مريم، و يأجوج و مأجوج، و ثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، و خسف بالمغرب، و خسف بجزيرة العرب، و آخر ذلك نار تطرد النّاس إلى محشرهم(1).

2 - روى القمي في تفسيره عن عبد اللّه بن عباس، قال: حججنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله حجة الوداع، فأخذ باب الكعبة، ثم أقبل علينا بوجهه، فقال: ألا أخبركم بأشراط الساعة، و كان أدنى الناس منه يومئذ سلمان رضي اللّه عنه، فقال: بلى يا رسول اللّه.

فقال: إنّ من أشراط القيامة، إضاعة الصلاة، و اتباع الشهوات، و الميل مع الأهواء، و تعظيم أصحاب المال، و بيع الدين بالدنيا، فعندها يذاب قلب المؤمن و جوفه كما يذوب الملح في الماء مما يرى من المنكر فلا يستطيع أن يغيّره...

لاحظ بقية الحديث(2).

ص: 252


1- جامع الأصول، ج 11، ص 87، الحديث (7898). و رواه الصدوق في الأمالي، و قال في آخره: و نار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر تنزل معهم إذا نزلوا، و تقبل معهم إذا اقبلوا (البحار، ج 6، ص 303).
2- البحار، ج 6، الحديث 6، ص 305-309. و قد روى المجلسي في الجزء السادس من بحاره، في باب أشراط الساعة ص 303-306، اثنين و ثلاثين حديثا. و ما نقلناه نموذج من تلك الأحاديث، كما روى الجزري، في الجزء الحادي عشر من جامع الأصول، في الباب المعقود لبيان أشراط الساعة، ص 74-94، مائة و ستة أحاديث.

مباحث المعاد

(9) مشاهد البعث و القيامة

اشارة

لقد تعرّفت على أشراط الساعة التي تخبر عن دنوّها، كتابا و سنة، و هي غير نفس القيامة، فإنها الأمور الكونية التي تدبّر النظام السائد، ليؤسس بعده نظام جديد لمحاسبة العباد، و جزائهم، و قد أكثر الذكر الحكيم من نقل و تصوير مشاهد القيامة في سوره القصار.

و بعد تلك الحوادث المريعة، تتلاحق مواقف العالم الأخروي، إلى أن يرد الخلق إلى مثواهم الأخير، و فيما يلي نستعرضها واحدة بعد الأخرى.

1 - انهدام النظام

تظافرت الآيات القرآنية على أن البعث لا يقوم على هذا النظام السائد، و إنما يقوم على نظام جديد، و هو لا يتحقق إلا بتلاشي النظام الموجود و انهدامه.

و القرآن يخبر عن مشاهد ذاك الانهدام الكوني العام، فيحدّث عن انشقاق السماء و انفطارها، و تكوير الشمس، و انكدار النجوم و تناثرها، و امتداد الأرض، و تفجير البحار و تسجيرها، و تسيير الجبال حتى تكون كالعهن المنفوش، و غير ذلك من المشاهد المروعة للقلوب(1).

ص: 253


1- لاحظ سور التكوير، و الانفطار، و الانشقاق و القارعة و غيرها.
2 - خروج الناس من القبور

و يستعقب ذلك مشهد آخر، ألا و هو خروج الناس من الأجداث.

يقول سبحانه: وَ نُفِخَ فِي اَلصُّورِ فَإِذٰا هُمْ مِنَ اَلْأَجْدٰاثِ إِلىٰ رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ * قٰالُوا يٰا وَيْلَنٰا مَنْ بَعَثَنٰا مِنْ مَرْقَدِنٰا، هٰذٰا مٰا وَعَدَ اَلرَّحْمٰنُ وَ صَدَقَ اَلْمُرْسَلُونَ (1).

و بعد ذلك يدعى الناس إلى الحساب، و موقف العرض، و هو مشهد أشدّ في النفس هولا ممّا سبق، لعظم الحسرة و الخوف الحاكمين على القلوب آنئذ، يقول سبحانه:

يَوْمَ يَدْعُ اَلدّٰاعِ إِلىٰ شَيْ ءٍ نُكُرٍ * خُشَّعاً أَبْصٰارُهُمْ، يَخْرُجُونَ مِنَ اَلْأَجْدٰاثِ كَأَنَّهُمْ جَرٰادٌ مُنْتَشِرٌ * مُهْطِعِينَ إِلَى اَلدّٰاعِ يَقُولُ اَلْكٰافِرُونَ هٰذٰا يَوْمٌ عَسِرٌ (2) لِكُلِّ اِمْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (3) .

3 - إعطاء الكتب

و بعد خروج الناس من القبور، و إحضارهم إلى موقف المحاكمة، و وقوفهم على صعيد الحساب، تنشر الصحف وَ إِذَا اَلصُّحُفُ نُشِرَتْ (4).

فيأخذ كلّ إنسان كتابه الذي دوّن فيه - بيد الحفظة من الملائكة - ما عمله من صغير و كبير، فمنهم من يتلقاه بيمينه، و منهم من يتلقاه بشماله.

يقول سبحانه:

فَأَمّٰا مَنْ أُوتِيَ كِتٰابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحٰاسَبُ حِسٰاباً يَسِيراً * وَ يَنْقَلِبُ إِلىٰ

ص: 254


1- سورة يس: الآيتان 51 و 52.
2- سورة القمر: الآيتان 6-8. و لاحظ الزلزلة الآية 6.
3- سورة عبس: الآية 37.
4- سورة التكوير: الآية 10.

أَهْلِهِ مَسْرُوراً * وَ أَمّٰا مَنْ أُوتِيَ كِتٰابَهُ وَرٰاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً (1) .

***

4 - الحساب و الشهود
اشارة

و بعد تناول الصحف يبدأ الحساب، و هو مشهد مروّع للقلوب و مقطّع للأرواح، إنّه مشهد القضاء على الناس بشهود لا يتطرق إلى شهادتهم ريب و لا يتّهمون بكذب. و هم بين شاهد خارجي كاللّه سبحانه، و الأنبياء، و الملائكة، و الأرض، و داخلي كالأعضاء و الجوارح حتى جلد البدن.

و هناك نوع آخر من الشهود لا يشابه القسمين، و هو تجسّم أعمال الإنسان بوجود يناسب تلك النشأة و هذا نظير عرض صور الجريمة و وقائعها التي التقطت عند ارتكاب المجرم لها، أو بثّ الشريط الذي سجل فيه كلام المعتدي بالسبّ و الوقيعة، و إن كان هناك فرق بين الممثّل و الممثّل له.

و بذلك لا يجد المجرم لنفسه إلا الاعتراف بالذنب و التقصير و الجرأة، لثبوت الجرم عليه بوجه لا يقبل الإنكار، و إليك عرض هؤلاء الشهود في ضوء آيات القرآن الكريم، مقدّمين الشهود الخارجيين على الداخليين.

الشاهد الأول - اللّه سبحانه

من عجيب الأمر أنّ اللّه سبحانه هو القاضي و الحاكم بين العباد، و هو بنفسه أيضا شاهد على أعمالهم، يقول سبحانه: إِنَّ اَللّٰهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ اَلْقِيٰامَةِ إِنَّ اَللّٰهَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ شَهِيدٌ (2).

و يقول سبحانه:... لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيٰاتِ اَللّٰهِ وَ اَللّٰهُ شَهِيدٌ عَلىٰ مٰا تَعْمَلُونَ (3).

ص: 255


1- سورة الانشقاق: الآيات 7-11 و سيأتي بيان أوفى لإعطاء الكتب في الشهود.
2- سورة الحج: الآية 17.
3- سورة آل عمران: الآية 98.
الشاهد الثاني - نبيّ كلّ أمّة

يدل القرآن الكريم على أنّ لكلّ أمّة شهيدا من أنفسهم، و قد جاء ذلك في عدة آيات منها قوله سبحانه: وَ يَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ (1).

و قوله سبحانه: وَ يَوْمَ يُنٰادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكٰائِيَ اَلَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ * وَ نَزَعْنٰا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً... (2).

و الظاهر أنّ هذا الشاهد من كل أمّة هو نبيهم، و إن لم يصرح به في الآيات، و ذلك للزوم كون الشهادة القائمة هناك مشتملة على حقائق لا سبيل للمناقشة فيها، فيجب أن يكون هذا الشاهد عالما بحقائق الأعمال التي يشهد عليها، لا بظاهر صورها و هيئاتها المحسوسة لأنّ صورها مشتركة بين الطاعة و المعصية.

و لا يكون هذا إلاّ بأن يستوي عنده الحاضر و الغائب، و يعاين حقيقة ما انعقدت عليه القلوب فيتميز هذا الشاهد بخصوصيتين:

الأولى: أنّه محيط إحاطة علمية تامة على حقائق الأعمال و ما يجري في القلوب، و يختلج في النفوس.

الثانية: أن يكون ذا عصمة إلهية ليمتنع عليه الخطأ و الاشتباه عند تحمّل الشهادة، و الكذب و الخيانة عند أدائها.

و لا يتصور هذا المقام إلا لنبيّ كلّ أمّة، و سيأتي تتميم لذلك في الشاهد الرابع.

الشاهد الثالث: نبيّ الإسلام

عدّ القرآن نبيّ الإسلام شاهد أمّته، يقول سبحانه: فَكَيْفَ إِذٰا جِئْنٰا مِنْ

ص: 256


1- سورة النحل: الآية 89.
2- سورة القصص: الآيتان 74 و 75.

كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ، وَ جِئْنٰا بِكَ عَلىٰ هٰؤُلاٰءِ شَهِيداً (1) .

و يقول سبحانه: وَ يَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَ جِئْنٰا بِكَ شَهِيداً عَلىٰ هٰؤُلاٰءِ.. (2).

و قد عرفت أنّ هذه الشهادة تستلزم من الكفاءات شيئا عظيما، و بهذا يظهر عظم مقام هذا الشاهد، لوقوفه على ضمائر القلوب و أعمال الأمّة، و إن كانوا بعيدين عنه. و من كان له هذا المقام، فتعرّفه على الغيب من أهون الأمور، و مع ذلك نرى بعض القشريين ينزعجون من إثبات علم الغيب للنبيّ، و يزعمون أنّ نسبته إليه و إلى اللّه سبحانه يستلزم الشرك، و لكن عزب عنهم الفرق بين العلم الكسبي و الذاتي، و المحدود و اللامحدود، و القائم بالغير و القائم بالنفس.

الشاهد الرابع: بعض الأمّة الإسلامية

يقوله سبحانه: وَ كَذٰلِكَ جَعَلْنٰاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدٰاءَ عَلَى اَلنّٰاسِ وَ يَكُونَ اَلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً (3).

و الخطاب في الآية للأمّة الإسلامية، و لكن المراد قسم منها، نظير قوله سبحانه: وَ جَعَلَكُمْ مُلُوكاً (4)، مخاطبا بني إسرائيل، و المراد بعضهم. فباعتبار وجود الصّلة القوية بين القبيلة و ملوكها، نسب الملوكية إلى الجميع.

و الدليل على أنّ المراد بعض الأمّة، هو أنّ أكثر أبناء الأمّة، مجهزون بحواس عادية لا تتحمل إلاّ صور الأفعال و الأعمال إذا كانوا في محضر المشهود عليهم، و هو لا يفي في مقام الشهادة، لأنّ المراد من الشهادة هو الشهادة على حقائق الأعمال، و المعاني النفسانية من الكفر و الإيمان و الفوز و الخسران، و على كل خفي عن الحسّ، و مستبطن عن الإنسان، و على كل ما تكسبه القلوب، الذي يدور عليه حساب ربّ العالمين، يقول سبحانه: وَ لٰكِنْ يُؤٰاخِذُكُمْ بِمٰا كَسَبَتْ

ص: 257


1- سورة النساء: الآية 41.
2- سورة النحل: الآية 89. و لاحظ الحج: الآية 78.
3- سورة البقرة: الآية 143.
4- سورة المائدة: الآية 20.

قُلُوبُكُمْ (1) .

و ليس ذلك في وسع الإنسان العادي إذا كان حاضرا عند المشهود عليه، فضلا عن كونه غائبا، و هذا يدلّنا على أنّ المراد رجال من الأمّة لهم تلك القابلية، بعناية من اللّه تعالى، فيقفون على حقائق أعمال الناس من إخلاص و رياء، و انقياد و تمرد، و يؤدّون ذلك يوم القيامة. و هذه الكرامة ليس ينالها جميع الأمّة، بل الأولياء الطاهرون منهم، لا المتوسطون في الإيمان، فضلا عن الملوثين بالمعاصي و الملطخين بالجرائم.

و قد التجأ بعضهم إلى جعل متعلق الشهادة كون الأمّة على دين جامع و وسط، و هو بمعزل عن التحقيق، إذ ليس ذلك شهادة بشيء، و قد وردت لفظة الشهادة بمعنى واحد في جميع القرآن، في آياته المختلفة.

و بذلك يظهر معنى قوله سبحانه:... وَ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي اَلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرٰاهِيمَ، هُوَ سَمّٰاكُمُ اَلْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَ فِي هٰذٰا لِيَكُونَ اَلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ، وَ تَكُونُوا شُهَدٰاءَ عَلَى اَلنّٰاسِ (2). فالخطاب متوجّه إلى الأمّة، و المراد بعضهم ممن أعطيت لهم هذه الكرامة.

و هناك وجه آخر لما ذكرنا، و هو أنّ أقلّ ما يعتبر في الشهود هو العدالة و التقوى، و الصدق و الأمانة، و الأكثرية الساحقة من الأمّة، يفقدون ذلك، و هم لا تقبل شهادتهم على صاع من تمر أو باقة من بقل، فكيف تقبل شهادتهم يوم القيامة؟.

و إلى هذا تشير رواية الزبيري عن الإمام الصادق عليه السلام قال: «قال اللّه تعالى: وَ كَذٰلِكَ جَعَلْنٰاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدٰاءَ عَلَى اَلنّٰاسِ وَ يَكُونَ اَلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً (3)، فإن ظننت بأنّ اللّه عنى بهذه الآية جميع أهل القبلة من الموحّدين، أ فترى أنّ من لا تجوز شهادته في الدنيا على صاع من تمر، يطلب اللّه شهادته يوم القيامة، و يقبلها منه بحضرة جميع الأمم الماضية. كلا، لم يعن اللّه

ص: 258


1- سورة البقرة: الآية 225.
2- سورة الحج: الآية 78.
3- سورة البقرة: الآية 143.

مثل هذا من خلقه»(1)إلى هنا تمّ الكلام حول الشهود الخارجيين، و إليك الكلام في الشهود الداخليين، الذين لا ينفكون عن نفس المجرم.

الشاهد الخامس: الأعضاء و الجوارح

من عجيب الأمر أن تشهد أعضاء الإنسان عليه: لسانه و يده و رجله، بأمر من اللّه سبحانه.

يقول سبحانه: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ بِمٰا كٰانُوا يَعْمَلُونَ (2).

و يقول سبحانه: اَلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلىٰ أَفْوٰاهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنٰا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمٰا كٰانُوا يَكْسِبُونَ (3).

و أما كيفية الشهادة فهي من الأمور الغيبية نؤمن بها، و ما إنطاقها عليه بعزيز، و قد وسعت قدرته تعالى كلّ شيء.

الشاهد السادس: الجلود

و تشهد على الناس جلودهم أيضا.

يقول سبحانه: حَتّٰى إِذٰا مٰا جٰاؤُهٰا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَ أَبْصٰارُهُمْ وَ جُلُودُهُمْ بِمٰا كٰانُوا يَعْمَلُونَ * وَ قٰالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنٰا، قٰالُوا أَنْطَقَنَا اَللّٰهُ اَلَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ ءٍ (4).

و قوله: أَنْطَقَنَا اَللّٰهُ اَلَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ ءٍ ، يشير إلى سعة قدرته سبحانه

ص: 259


1- تفسير نور الثقلين، ج 1، ص 113، الحديث 409.
2- سورة النور: الآية 24.
3- سورة يس: الآية 65.
4- سورة فصلت: الآيتان 20 و 21.

على إنطاق الجلود(1).

الشاهد السابع: الملائكة

إنّ للإنسان حفظة يصحبونه منذ بلوغه التكليف فيسجّلون أعماله خيرها و شرّها، و هذا قوله سبحانه: مٰا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاّٰ لَدَيْهِ، رَقِيبٌ عَتِيدٌ (2).

و هذا الرقيب العتيد يشهد أعمال من وكّل به يوم القيامة، عند ما يرد الإنسان صعيد الحساب مع سائقه، كما يقول سبحانه: وَ جٰاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهٰا سٰائِقٌ وَ شَهِيدٌ (3).

فأحد الملائكة يسوق الإنسان، و آخر يشهد على أعماله.

الشاهد الثامن: صحيفة الأعمال

هناك آيات تدلّ على وجود صحف تضبط فيها أعمال العباد خيرها و شرّها، و كتبة يمارسون كتابتها، و يوم الحساب تعرض على الإنسان، فيقرؤها، فيرى المجرم مشفقا منها، يغلبه التعجب من إحاطة الكتاب بدقيق أعماله و جليلها.

يقول سبحانه: قُلِ اَللّٰهُ أَسْرَعُ مَكْراً، إِنَّ رُسُلَنٰا يَكْتُبُونَ مٰا تَمْكُرُونَ (4).

و يقول سبحانه: وَ كُلُّ شَيْ ءٍ فَعَلُوهُ، فِي اَلزُّبُرِ * وَ كُلُّ صَغِيرٍ وَ كَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (5).

ص: 260


1- و لا ينبغي التعجّب من ذلك، و قد توصّل الإنسان في هذه الدنيا إلى معرفة فاعل كل جريمة، و مرتكب كل جناية، بتشخيص بصمات أصابعه، و يكفي في إتمام الحجة عليه إظهار آثار جلد إصبعه و شهادتها عليه.
2- سورة ق: الآية 18.
3- سورة ق: الآية 21.
4- سورة يونس: الآية 21، و بهذا المضمون الزخرف: الآية 80 و 89.
5- سورة القمر: الآيتان 52 و 53.

و يقول سبحانه: إِنّٰا نَحْنُ نُحْيِ اَلْمَوْتىٰ وَ نَكْتُبُ مٰا قَدَّمُوا وَ آثٰارَهُمْ وَ كُلَّ شَيْ ءٍ أَحْصَيْنٰاهُ فِي إِمٰامٍ مُبِينٍ (1).

و يقول سبحانه مصوّرا حال المجرم عند الحساب و شهادة الكتاب عليه:

وَ وُضِعَ اَلْكِتٰابُ فَتَرَى اَلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمّٰا فِيهِ (2) .

و يقول سبحانه حاكيا تعجّب المجرمين من إحاطته بعظائم الأعمال و دقائقها: مٰا لِهٰذَا اَلْكِتٰابِ لاٰ يُغٰادِرُ صَغِيرَةً وَ لاٰ كَبِيرَةً إِلاّٰ أَحْصٰاهٰا (3).

و كفى في إذعان الإنسان بجرمه و عصيانه، كتابه، يقول سبحانه: اِقْرَأْ كِتٰابَكَ كَفىٰ بِنَفْسِكَ اَلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (4).

الشاهد التاسع: الأرض

إنّ كلّ عمل طالحا كان أو صالحا، إذا كان بدنيا، يصدر من الإنسان في نقطة و بقعة من بقاع الأرض، و هي تشهد يوم القيامة على الحوادث التي وقعت فيها، يقول سبحانه: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبٰارَهٰا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحىٰ لَهٰا (5).

و كيفية شهادتها من الأمور الغيبية، و لكن يمكن أن نستعين على تقريبها بالأمور المحسوسة ببيان أنّ المجرم و المحسن يتركان بعد العمل آثارا يستدلّ بها على كيفية عمله.

هذا و إن الخبراء يستدلّون بالمستندات الحفرية، على كيفية حياة الماضين و حضارتهم و علومهم، و سائر شئون حياتهم، و قد ورد عن النبي أنّه لم يرتحل من منزل إلاّ صلى فيه ركعتين و قال: «حتى يشهد عليّ بالصلاة»(6).

ص: 261


1- سورة يس: الآية 12. و لاحظ الجاثية: الآيتان 28 و 29. و الانفطار: الآيتان 10 و 12.
2- سورة الكهف: الآية 49.
3- سورة الكهف: الآية 49.
4- سورة الإسراء: الآية 14.
5- سورة الزلزلة: الآيتان 4 و 5.
6- نقلا عن تفسير الميزان: ج 6، ص 337. و هناك روايات نقلها الشيخ الحرّ العاملي في الوسائل،

روى الشيخ الطوسي بإسناده عن أبي ذرّ عن النبي صلى اللّه عليه و آله، في وصيته له: «يا أبا ذرّ، ما من رجل يجعل جبهته في بقعة من بقاع الأرض، إلاّ شهدت له بها يوم القيامة»(1).

الشاهد العاشر: تجسم العمل بهويّته الأخروية

دلّ القرآن و الأحاديث على أنّ لكل عمل يرتكبه الإنسان في هذه النشأة، صورتين و ظهورين و هويتين، يتمثل بإحداهما في هذه النشأة، و بالأخرى في النشأة الآخرة. فالصلاة في هذه الدنيا عبارة عن الأذكار و الحركات، و هي هويتها الدنيوية، و لكنها لها في النشأة الأخروية ظهورا آخر. و مثله الأعمال الإجرامية، فإنّ لكلّ منها صورتين، يتمثّل بإحداهما في الدنيا، و بالأخرى في الآخرة.

يقول سبحانه: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (2)، و ظاهر الآية هو مشاهدة نفس العمل. و تأويله بمشاهدة الجزاء، على خلاف الظاهر، و الآيات الواردة في مجال تجسّم الأعمال كثيرة، نكتفي بواحدة منها:

يقول سبحانه: وَ اَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ اَلذَّهَبَ وَ اَلْفِضَّةَ وَ لاٰ يُنْفِقُونَهٰا فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ، فَبَشِّرْهُمْ بِعَذٰابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمىٰ عَلَيْهٰا فِي نٰارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوىٰ بِهٰا جِبٰاهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ هٰذٰا مٰا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مٰا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (3).

و الآية تعرب عن تجسم الذهب و الفضة الذي كنز بصورة النار المحمّاة، بحيث يطلق عليها أنّها نفس ما كنزوه.

ص: 262


1- المجالس و الأخبار، ص 216. نقله في الوسائل، ج 4، ص 474، الحديث 9.
2- سورة الزلزلة: الآيتان 7 و 8.
3- سورة التوبة: الآيتان 34 و 35.
5 - مشهد الميزان

إنّ هؤلاء الشهود الكثيرون يكفون في مقام القضاء و إتمام الحجة، غير أنّه سبحانه، لا يكتفي بهم، كما لا يكتفي بصحائف الأعمال التي ضبطت فيها جميع أفعال العبد جليلها، و دقيقها، بل يجسد وضع الإنسان بتوزين أعماله بالميزان الذي يضعه يوم القيامة.

يقول سبحانه: وَ نَضَعُ اَلْمَوٰازِينَ اَلْقِسْطَ لِيَوْمِ اَلْقِيٰامَةِ فَلاٰ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً، وَ إِنْ كٰانَ مِثْقٰالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنٰا بِهٰا وَ كَفىٰ بِنٰا حٰاسِبِينَ (1).

و الناس بين ثقيل الميزان و خفيفه يقول سبحانه: فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوٰازِينُهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ اَلْمُفْلِحُونَ * وَ مَنْ خَفَّتْ مَوٰازِينُهُ فَأُولٰئِكَ اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمٰا كٰانُوا بِآيٰاتِنٰا يَظْلِمُونَ (2).

غير أنّ الكلام في تبيين حقيقة هذا الميزان الذي توزن به الأعمال، فهل هو كهذه الموازين الحسية الموضوعة فوق مناضد البقالين و العطارين، أو شيء غيرها، فنقول:

لا شك أنّ النشأة الآخرة، أكمل من هذه النشأة، و أنّه لا طريق لتفهيم الإنسان حقائق ذاك العالم و غيوبه المستورة عنّا، إلاّ باستخدام الألفاظ التي يستعملها الإنسان في الأمور الحسية. و على ذلك، فلا وجه لحمل الميزان على الميزان المتعارف خصوصا بعد استعمال الميزان في القرآن في غير هذا الميزان المحسوس.

الميزان في اللغة اسم آلة يوزن بها الشيء، يقول سبحانه: وَ اَلسَّمٰاءَ رَفَعَهٰا وَ وَضَعَ اَلْمِيزٰانَ (3)، فاللّه سبحانه يخبر فيها عن رفع السماء و خلقها مرفوعة، كما يخبر عن أنّه وضع لكل شيء ميزانا يقدّر به، من غير فرق بين أن يكون جسما أو قولا أو فعلا أو عقيدة، فلكلّ شيء ميزان يميّز به الحقّ من

ص: 263


1- سورة الأنبياء: الآية 47.
2- سورة الأعراف: الآيتان 8 و 9.
3- سورة الرحمن: الآية 7.

الباطل، و الصدق من الكذب، و العدل من الظلم، و الرذيلة من الفضيلة.

و لأجل هذه السّعة في معنى الميزان يقول سبحانه: لَقَدْ أَرْسَلْنٰا رُسُلَنٰا بِالْبَيِّنٰاتِ وَ أَنْزَلْنٰا مَعَهُمُ اَلْكِتٰابَ وَ اَلْمِيزٰانَ لِيَقُومَ اَلنّٰاسُ بِالْقِسْطِ (1)، فلا معنى لتخصيص الميزان هنا بما توزن به الأثقال، مع أنّ الهدف من إرسال الرسل و إنزال الكتب و الميزان هو قيام الناس بالقسط في جميع شئونهم العقيدية و السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية. و بذلك يعلم أنّ تفسير الميزان بالعدل، أو بالنبي، أو بالقرآن، كلّها تفاسير بالمصداق، فليس للميزان إلاّ معنى واحد هو: ما يوزن به الشيء، و هو يختلف حسب اختلاف الموزون من كونه جسما أو حرارة أو نورا أو ضغطا أو رطوبة أو غير ذلك.

يقول صدر المتأهلين رحمه اللّه: «و لو تأملوا قليلا في نفس معنى الميزان، و جرّدوا حقيقة معناه عن الزوائد و الخصوصيات، لعلموا أنّ حقيقة الميزان ليس يجب أن يكون البتة مما له شكل مخصوص، أو صورة جسمانية، فإنّ حقيقة معناه و روحه و سرّه، هو ما يقاس و يوزن به الشيء، و الشيء أعمّ من أن يكون جسمانيا أو غير جسماني، فكما أنّ القبّان، و ذا الكفتين و غيرهما، ميزان للأثقال، و الاسطرلاب ميزان للارتفاعات و المواقيت، و الشاقول ميزان لمعرفة الأعمدة، و المسطر ميزان لاستقامة الخطوط، فكذلك علم المنطق ميزان للفكر في العلوم النظرية، و علم النحو ميزان للإعراب و البناء، و العروض ميزان للشعر، و الحسّ ميزان لبعض المدركات، و العقل الكامل ميزان لجميع الأشياء، و بالجملة ميزان كل شيء يكون من جنسه، فالموازين مختلفة و الميزان المذكور في القرآن ينبغي أن يحمل على أشرف الموازين و هو ميزان يوم الحساب، كما دلّ عليه قوله تعالى:

وَ نَضَعُ اَلْمَوٰازِينَ اَلْقِسْطَ لِيَوْمِ اَلْقِيٰامَةِ (2) و هو ميزان العلوم و ميزان الأعمال القلبية، الناشئة من الأعمال البدنية»(3).

و يؤيد ذلك أنّه سبحانه يصف الميزان بكونه منزلا من جانبه سبحانه، كما في الآية السابقة و يقول: اَللّٰهُ اَلَّذِي أَنْزَلَ اَلْكِتٰابَ بِالْحَقِّ، وَ اَلْمِيزٰانَ، وَ مٰا يُدْرِيكَ

ص: 264


1- سورة الحديد: الآية 25.
2- سورة الأنبياء: الآية 47.
3- الأسفار، ج 9، ص 299.

لَعَلَّ اَلسّٰاعَةَ قَرِيبٌ (1) .

و بما أنّ توزين الأعمال بالموازين القسط، من الأمور الغيبية التي لا يقف عليها الإنسان إلاّ بخرق الحجب و حضور ذلك المشهد، يعسّر تبيين حقيقته، و الذي يمكن أن يقال إنّه ليس من قبيل هذه الموازين الحسية التي توزن بها الأجسام الثقيلة و غيرها. و ما ذكر له من التفاسير لا يتجاوز حدّ الاحتمال.

يقول صدر المتألهين: «و أمّا القول في ميزان الأعمال، فاعلم أنّ لكل عمل من الأعمال البدنية، تأثيرا في النفس فإن كان من باب الحسنات و الطاعات، كالصلاة و الصيام و الحج و الزكاة و الجهاد، و غيرها، فله تأثير في تنوير النفس و تخليصها من أسر الشهوات و جذبها من الدنيا إلى الأخرى، و من المنزل الأدنى إلى المحل الأعلى، و كذلك فلكل عمل حق مقدار معين من التأثير في التنوير و التهذيب. و إذا تضاعفت و تكثّرت الحسنات، فبقدر تكثرها و تضاعفها، يزداد مقدار التأثير و التنوير.

و كذلك لكل عمل من الأعمال السيئة قدرا معينا من التأثير في إظلام جوهر النفس و تكديرها و تعليقها بالدنيا و شهواتها، فإذا تضاعفت المعاصي و السيئات، ازدادت الظلمة و التكثيف شدّة و قدرا، و كل ذلك محجوب عن مشاهدة الخلق في الدنيا. و عند قيام الساعة و ارتفاع الحجب، ينكشف لهم حقيقة الأمر في ذلك، و يصادف كل أحد مقدار سعيه و عمله، و يرى رجحان إحدى كفتي ميزانه، و قوة مرتبة نور طاعته أو ظلمة كفرانه»(2).

و على هذه النظرية، فليس هنا ميزان وراء انكشاف السرائر و الملكات الحسنة و السيئة، و غاية ما في الأمر أنّ الإنسان يقف بعد رفع الحجاب على قربه و بعده من الربّ، و تتجسد له مرتبة نور طاعته أو ظلمة كفرانه.

و يقرب منه ما ذكره صاحب المنار، قال: «إذا كان البشر قد اخترعوا موازين للأعراض كالحرّ و البرد، أ فيعجز الخالق البارئ القادر على كل شيء،

ص: 265


1- سورة الشورى: الآية 17.
2- الأسفار، ج 9، ص 303-304.

عن وضع ميزان للأعمال النفسانية و البدنية، المعبّر عنها بالحسنات و السيئات بما أحدثته في الأنفس من الأخلاق و الصفات، و النقل و العقل متفقان على أنّ الجزاء إنّما يكون بصفات النفس الثابتة، لا بمجرد ما كان سببا لها من الحركات و الأعراض الزائدة»(1).

و بما قدمنا يندفع عمدة ما أشكل على المتقدمين من المتكلمين في توزين الأعمال من أنّ العمل عرض غير باق، فكيف يمكن توزينه في الآخرة؟.

فبعد إمكان توزين الحرارة و البرودة، و الضغط و الرطوبة، و غيرها من الأعراض الزائلة، بل توزين الطاقة و الحركة و العمل التي هي الوجه الآخر للمادة، إذ ليست هي إلاّ المادة المستهلكة، و هي توزن بالآلات و تقاس، فيقال إن لهذا المحرك جهد كذا من الأحصنة، و غير ذلك من الأقيسة، فبعد إمكان وزن الأعراض و عمل الآلات، ألا يمكن وزن عمل الإنسان في الآخرة بوجه من الوجوه؟.

هذا كله حول الميزان في النشأة الأخرى، و اعلم أنّه سبحانه لم يترك الإنسان سدى، بل جعل لتشخيص صحة عقائده و أخلاقه و أعماله، موازين كالكتاب و السنّة و العقل، قال الإمام الباقر عليه السلام لأحد أصحابه: «أعرض نفسك على ما في كتاب اللّه، فإن كنت سالكا سبيله، زاهدا في تزهيده، راغبا في ترغيبه، خائفا من تخويفه، فاثبت و أبشر، فإنّه لا يضرك ما قيل فيك، و إن كنت مبائنا للقرآن، فما ذا الذي يغرّك من نفسك؟»(2).

و على ضوء هذا، فالقرآن ميزان، كما أنّ النبي ميزان، و الإمام المعصوم ميزان، فلا غرو من أن نزور عليا و نقول:

«السلام على يعسوب الإيمان و ميزان الأعمال، و سيف ذي الجلال»(3).

ص: 266


1- المنار، ج 8، 323.
2- البحار، ج 78، باب وصايا الباقر عليه السلام، ص 162.
3- مستدرك الوسائل، ج 2، ص 197.

و في الختام نشير إلى أمرين:

الأول: إنّ بعض السلف، اغترارا بالظواهر، ذهب إلى أنّ الميزان له كفّتان و لسان و ساقان. و هو تعبّد بالظاهر و تعطيل للتعقل و التدبّر في نفس القرآن الكريم. بل الأولى لهم أن يقولوا: الميزان عبارة عمّا يعرف به مقادير الأعمال و ليس علينا البحث عن كيفيته بل نؤمن به و نفوض كيفيته إلى اللّه تعالى، كما قال المحقق الدواني(1).

الثاني: المنقول عن المعتزلة(2) أنّهم ينكرون الميزان قائلين بأنّ الأعمال أعراض و قد عدمت، فلا يمكن إعادتها. و على تقدير إعادتها، لا يمكن وزنها، و على تقدير إمكانه، مقاديرها معلومة له تعالى فوزنها عبث.

يلاحظ عليه: لو صحّت النسبة، فإنّما يرد لو كان المراد من الميزان هو ما نقل عن بعض السلف. و أمّا على ما عرفت من التطور في الميزان فالشبهة مندفعة. و أمّا القول بأنّها معلومة، فالحكمة في التوزين مثل الحكمة في الحساب، الذي لا شبهة فيه.

6 - الصراط

الصراط في اللغة هو الطريق، و يغلب استعماله على الطريق الذي يوصل

ص: 267


1- شرح العقائد العضدية، ج 2، ص 264.
2- و هذه النسبة التي ذكرها المحقق الدواني في شرح العقائد العضدية غير صحيحة. قال القاضي عبد الجبار في شرح الأصول الخمسة: فإن قالوا: و أي فائدة في وضع الموازين التي أثبتموها، و معلوم أنّه إنّما يوضع ليوزن به الشيء، و لا شيء هناك يدخله الوزن و يتأتى فيه، فإنّ أعمال العباد و طاعاتهم و معاصيهم أعراض لا يتصور فيها الوزن. قيل له: ليس يمتنع أن يجعل اللّه تعالى النور علما للطاعة، و الظلم أمارة للمعصية. ثم يجعل النور في إحدى الكفتين، و الظلم في الكفّة الأخرى، فإن ترجحت كفّة النور حكم لصاحبه بالثواب، و إن ترجحت الأخرى حكم له بالأخرى... إلى آخر كلامه... (شرح الأصول الخمسة، ص 735) نعم، القاضي يتخيل أنّ المراد من الميزان هو المتعارف بيننا، و قد عرفت ما في ذلك.

الإنسان إلى الخير، بخلاف السبيل، فإنّه يطلق على كل سبيل يتوسل به خيرا كان أم شرّا(1)و إذا كان الصراط بمعنى الطريق، فلكل موجود من الموجودات الإمكانية طريق، لو سلكه، يصل إلى كماله الممكن من غير فرق بين الجماد و النبات و الحيوان و الإنسان.

و هذا ما يسمّى بالصراط التكويني، و هو مجموعة القوانين السائدة على الموجود الإمكاني، بأمر منه سبحانه، التي لو تخلّف عنها لهلك.

و هناك صراط آخر يختص بالإنسان و هو الصراط التشريعي، أعني القوانين و الأحكام الشرعية التي فرضها سبحانه على عباده، و هداهم إليها، فهم بين شاكر و كفور، و قد نبّه القرآن إلى الصراط التشريعي في عدّة آيات، منها:

1 - قوله تعالى: إِنّٰا هَدَيْنٰاهُ اَلسَّبِيلَ إِمّٰا شٰاكِراً وَ إِمّٰا كَفُوراً (2).

2 - قوله تعالى: وَ أَنَّ هٰذٰا صِرٰاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لاٰ تَتَّبِعُوا اَلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ (3).

3 - قوله تعالى: وَ هُدُوا إِلَى اَلطَّيِّبِ مِنَ اَلْقَوْلِ وَ هُدُوا إِلىٰ صِرٰاطِ اَلْحَمِيدِ (4).

و في مقابل هذا الصراط التشريعي، طريق آخر يباينه في المقصد و المآل، و قائده هو الشيطان و من تبعه، يقول سبحانه: كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاّٰهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَ يَهْدِيهِ إِلىٰ عَذٰابِ اَلسَّعِيرِ (5).

و في ضوء هذا يتبين أنّ للّه سبحانه في هذه النشأة الدنيوية، صراطين

ص: 268


1- مفردات الراغب، مادة سبل.
2- سورة الدهر: الآية 3.
3- سورة الأنعام: الآية 153.
4- سورة الحج: الآية 24.
5- سورة الحج: الآية 4.

أحدهما تكويني، في سلوكه كمال الموجود و بقاؤه، و الآخر تشريعي يختصّ بالإنسان، فيه فوزه و سعادته.

نعم، يستظهر من الذكر الحكيم، و يدلّ عليه صريح الروايات، وجود صراط آخر، في النشأة الأخروية يسلكه كل مؤمن و كافر.

يقول سبحانه: فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَ اَلشَّيٰاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا... وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلاّٰ وٰارِدُهٰا كٰانَ عَلىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (1).

و قد اختلف المفسّرون في معنى الورود بين قائل بأنّ المراد منه هو الوصول إليها، و الإشراف عليها لا الدخول، و قائل بأنّ المراد دخولها. و على كل تقدير، فلا مناص للمسلم من الاعتقاد بوجود صراط في النشأة الأخروية، و هو طريق المؤمن إلى الجنة، و الكافر إلى النار(2).

و قد وصف الصراط في الروايات بأنّه أدقّ من الشّعر، و أحدّ من السيف.

غير أنّ البحث يتركز على التعرّف على حقيقة هذا الصراط بالمقدار الممكن، و إن كان الوقوف على حقيقته كما هي، غير ممكنة إلاّ بعد رفع الحجب.

فنقول: لا شك أنّ هناك صلة بين الصراطين الدنيوي و الأخروي من وجوه:

1 - إنّ سالك الصراط الدنيوي بهداية. قيادة من النبي، يسلك الصراط الأخروي بنفس تلك الهداية و يجتازه بأمان إلى الجنة. و سالكه بهداية الشيطان و ولايته، يسلك الصراط الأخروي، بنفس تلك الهداية، فتزل قدمه و يهوي في عذاب السعير(3).

2 - إنّ قيام الإنسان بالوظائف الإلهية، في مجالي العقيدة و العمل، أمر

ص: 269


1- سورة مريم: الآيات 68-71.
2- تفسير القمي، ج 1، ص 29، و في أخرى بزيادة: «و أظلم من الليل».
3- قال سبحانه: كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاّٰهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ، وَ يَهْدِيهِ إِلىٰ عَذٰابِ اَلسَّعِيرِ (الحج: الآية 4).

صعب أشبه بسلوك طريق أدقّ من الشعر و أحدّ من السيف. فالفائز من الناس، من كانت له قدم راسخة في مجال الإيمان و العقيدة، و تثبّت في مقام العمل و الطاعة، و من المعلوم أنّ الفوز بهذه السعادة ليس أمرا سهلا، فكم من إنسان ضلّ في طريق العقيدة، و عبد النفس و الشيطان و الهوى، مكان عبادة اللّه سبحانه، و كم من إنسان فشل في مقام الطاعة و العمل بالوظائف الإلهية.

فإذا كان هذا حال الصراط الدنيوي من حيث الصعوبة، و الدقة، فهكذا حال الصراط الأخروي، و إلى ذلك يشير الإمام الحسن بن علي العسكري، عليهما السلام في حديثه عن علي بن أبي طالب، عليه السلام قال:

«و الصّراط المستقيم، صراطان، صراط في الدنيا و صراط في الآخرة، أمّا الصراط المستقيم في الدنيا فهو ما قصر عن الغلو، و ارتفع عن التقصير، و استقام فلم يعدل إلى شيء من الباطل، و أمّا الطريق الآخر فهو طريق المؤمنين إلى الجنة»(1)فلو قال قائل بأنّ الصراط الأخروي تمثّل لذلك الصراط الدنيوي و تجسّد له، فلم يجازف.

3 - إنّ لصدر المتأهلين كلاما في تبيين المراد من كون الصراط أدقّ من الشعر و أحدّ من السيف.

قال: «إنّ كمال الإنسان منوط باستعمال قوتيه، أمّا القوة النظرية فلإصابة الحق و نور اليقين في سلوك الأنظار الدقيقة التي هي في الدقة و اللطافة أدقّ من الشعر - إذا تمثلت - بكثير. و أمّا القوة العملية، فبتعديل القوتين الشهوية و الغضبية، لتحصل للنفس حالة اعتدالية متوسطة بين الأطراف غاية التوسط، لأنّ الأطراف كلّها مذمومة، و التوسط الحقيقي بين الأطراف المتضادة منشأ الخلاص عن الجحيم. و هو أحدّ من السيف، فإذا الصراط له وجهان:

أحدهما أدقّ من الشعر، و الآخر أحدّ من السيف»(2).

ص: 270


1- معاني الأخبار، ص 33.
2- الأسفار، ج 9، ص 285.

و على هذا البيان فالدقة راجعة إلى سلوك طريق إصلاح العقل النظري، و الحدّة راجعة إلى سلوك طريق إصلاح العقل العملي. و ما في الآخرة تجسد للصراط الدنيوي في الدقة و الحدة، و لا حقيقة له إلاّ ما كان للإنسان في هذه الدنيا.

4 - إنّ للإيمان و اليقين درجات كما أنّ للقيام بالوظائف العملية مراتب، فللناس في سلوك الصراط منازل و درجات. فهم بين مخلص للّه سبحانه في دينه، لا يرى شيئا إلاّ و يرى اللّه قبله، و بين مقصّر في إعمال القوى النظرية و العملية، كما أنّ بينهما مراتب متوسطة، فالكل يسلك الصراط في النشأة الأخرى، في السرعة و البطء، حسب شدّة سلوكه للصراط الدنيوي، و لأجل ذلك تضافرت روايات عن الفريقين باختلاف مرور الناس، حسب اختلافهم في سلوك صراط الدنيا، قال الإمام الصادق (ع): «النّاس يمرّون على الصراط طبقات، و الصراط أدقّ من الشعر و من حدّ السيف، فمنهم من يمرّ مثل البرق، و منهم مثل عدو الفرس، و منهم من يمرّ حبوا، و منهم من يمرّ مشيا، و منهم من يمرّ متعلّقا قد تأخذ النار منه شيئا و تترك شيئا»(1).

فبقدر الكمال الذي يكتسبه الإنسان في هذه النشأة، يتثبت في سلوك الصراط الأخروي، و لا تزل قدمه، يقول سبحانه: وَ إِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلىٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَ إِنَّ اَلَّذِينَ لاٰ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ اَلصِّرٰاطِ لَنٰاكِبُونَ (2).

هذا ما يقتضيه التدبّر في الآيات و الروايات الواردة حول الصراط، و مع ذلك كلّه ليس معنى كون الصراط الأخروي تجسما للصراط الدنيوي، أو سلوكه تمثّلا لسلوكه، إنكار وجود صراط فوق الجحيم، لا محيص لكل إنسان عن سلوكه، بل مقتضي التعبد بظواهر القرآن و الحديث وجود ذلك الصراط بمعناه الحقيقي، و إن لم نفهم حقيقته، و لا بأس بإتمام الكلام بحديث جابر، و هو ينقل عن النبي أنّه قال:

ص: 271


1- أمالي الصدوق، المجلس 33، ص 107، لاحظ الدر المنثور، ج 4، ص 291.
2- سورة المؤمنون: الآيتان 73 و 74.

«لا يبقى برّ و لا فاجر إلاّ دخلها، فتكون على المؤمن بردا و سلاما، كما كانت على إبراهيم، حتى أنّ للنار ضجيجا من بردهم، ثم ينجّي اللّه الذين اتّقوا و يذر الظالمين فيها جثيّا»(1).

7 - الأعراف

يقول سبحانه: وَ بَيْنَهُمٰا حِجٰابٌ وَ عَلَى اَلْأَعْرٰافِ رِجٰالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمٰاهُمْ وَ نٰادَوْا أَصْحٰابَ اَلْجَنَّةِ أَنْ سَلاٰمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهٰا وَ هُمْ يَطْمَعُونَ * وَ إِذٰا صُرِفَتْ أَبْصٰارُهُمْ تِلْقٰاءَ أَصْحٰابِ اَلنّٰارِ، قٰالُوا رَبَّنٰا لاٰ تَجْعَلْنٰا مَعَ اَلْقَوْمِ اَلظّٰالِمِينَ * وَ نٰادىٰ أَصْحٰابُ اَلْأَعْرٰافِ، رِجٰالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمٰاهُمْ، قٰالُوا مٰا أَغْنىٰ عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَ مٰا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (2).

الحجاب هو الستر المتخلل بين الشيئين يستر أحدهما من الآخر، و الضمير في قوله: بَيْنَهُمٰا ، راجع إلى أصحاب الجنة و النار، المذكورين في الآية المتقدمة.

و الأعراف أعالي الحجاب و التلال من الرمل، و العرف للديك، و للفرس، هو الشعر فوق رقبته، و أعلى كل شيء، ففيه معنى العلو، و الآية تدلّ على أنّ في أعالي الحجاب الذي بين الجنة و النار، رجال يعرفون أهل الجنة و النّار بعلائمهم و هم مشرفون على الجانبين، لارتفاع موضعهم. و ظاهر السياق أنّ هؤلاء الرجال منحازون عن الطائفتين متمايزون عن جماعتهم، فيكون بذلك أهل الجمع منقسمين إلى طوائف ثلاث: أصحاب الجنة، و أصحاب النار، و أصحاب الأعراف.

ثم إنّه وقع الكلام في معرفة من هم هؤلاء الرجال(3)، و التدبّر في الآيات يعطي أنّهم جمع من عباد اللّه من غير الملائكة، هم أرفع مقاما و أعلى منزلة من

ص: 272


1- الدر المنثور، ج 4، ص 280.
2- سورة الأعراف: الآيات 46-48.
3- اختلف المفسرون في ذلك على اثني عشر قولا.

سائر الجمع، يعرفون عامة الفريقين، لهم أن يتكلموا بالحق يوم القيامة، و لهم أن يشهدوا، و لهم أن يشفعوا، و لهم أن يأمروا و يقضوا، كلّ ذلك بإذنه سبحانه.

و قد تضافرت الروايات على أنّ المراد من الرجال هم الأئمة من آل محمد صلوات اللّه عليهم.

قال الصدوق: «اعتقادنا في الأعراف أنّه سور بين الجنة و النار عليه رجال يعرفون كلاّ بسيماهم، و الرجال هم النبي و أوصياؤه»(1).

8 - لواء الحمد

إذا كان يوم القيامة، و حشر الناس على صعيد واحد، و تميّز الفريقان، يعطى النبي الأكرم لواء الحمد، و يتقدّم به و يأخذ مسيره و من خلفه إلى الجنة، و في روايات الإمامية أنّ النبي الأكرم يدفعه إلى وصيّه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.

و قد ورد في غير واحد من الروايات ذكر لواء الحمد، و أنّه مكتوب عليه:

«المفلحون هم الفائزون بالجنة». و أنّه يمشي عليّ و القوم (أهل الجنة) تحت لوائه حتى يدخل الجنة»(2).

و روى أحمد بن حنبل في مسنده عن أبي نضرة قال: خطبنا ابن عباس على منبر البصرة، فقال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «إنّه لم يكن نبي إلاّ له دعوة قد تنجزها في الدنيا، و إنّي قد اختبأت دعوتي، شفاعة لأمتي، و أنا سيد ولد آدم يوم القيامة و لا فخر، و أنا أول من تنشق عنه الأرض و لا فخر، و بيدي لواء الحمد و لا فخر، آدم فمن دونه تحت لوائي و لا فخر...»(3).

ص: 273


1- لاحظ بحار الأنوار، ج 8، ص 329-340. و في بعض الروايات: «يوقف كل نبي و كل خليفة نبي»، و عند ذلك يكون ذكر النبي و الأئمة من باب تطبيق الكلي على المصاديق المثلى.
2- لاحظ بحار الأنوار، ج 8، باب 18، الأحاديث 1-12.
3- مسند ابن حنبل، ج 1، ص 281، و ص 295، و ج 3، ص 144.
9 - الحوض

قال الصدوق: «اعتقادنا في الحوض أنّه حق و أنّ الوالي عليه يوم القيامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يسقي منه أولياءه، و يذود عنه أعداءه. من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا»(1).

روى الفريقان روايات حول الحوض: روى أبو حازم عن سهل بن سعد، قال سمعت النبي صلى اللّه عليه و آله يقول: أنا فرطكم على الحوض، من ورد شرب، و من شرب لم يظمأ أبدا. و ليردنّ عليّ أقوام أعرفهم و يعرفونني، ثم يحال بينه و بينهم»(2).

روى الصدوق عن الإمام الصادق عليه السلام عن آبائه، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «من أراد أن يتخلص من هول يوم القيامة فليتول وليّي، و ليتّبع وصيي و خليفتي من بعدي علي بن أبي طالب، فإنّه صاحب حوضي، يذود عنه أعداءه، و يسقي أولياءه. فمن لم يسق منه لم يزل عطشانا و لم يرو أبدا. و من سقي منه شربة، لم يشق و لم يظمأ»(3).

و قد تقدم قول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله - المنقول متواترا - في خطبته يوم الغدير حيث قال:

«فإني فرط على الحوض، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين».

فنادى مناد: «و ما الثّقلان يا رسول اللّه»؟ قال: «الثّقل الأكبر، كتاب اللّه، و الآخر الأصغر عترتي، و إن اللطيف الخبير نبّأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فلا تقدموهما فتهلكوا، و لا تقصروا عنهما فتهلكوا»(4).

ص: 274


1- عقائد الصدوق، ص 85.
2- جامع الأصول، ص 119-121 و قد نقل روايات كثيرة حول الحوض.
3- بحار الأنوار، ج 8، ص 19، نقلا عن أمالي الصدوق، ص 168.
4- لاحظ في الوقوف على مصادره، ما دبّجه قلم المتتبع الكبير السيد مير حامد حسين الهندي، فقد جمع أسناده و بحث فيها و في دلالته في ستة مجلدات من كتابه «العبقات». و لاحظ كتاب المراجعات، للإمام شرف الدين، المراجعة الثانية.

مباحث المعاد

(10) المعاد الجسماني و الروحاني

اشارة

قد تعرفت على الدلائل التي أفادت ضرورة وقوع المعاد، كما تعرفت على الآيات التي تشير إلى تلك الدلائل، لكن يقع الكلام في كيفية المعاد، و هل هو جسماني أو روحاني، أو جسماني و روحاني معا. و قبل بيان المراد من الجسمانية و الروحانية، نشير إلى كلمات تذكر الأقوال و الآراء الموجودة في الكيفية.

1 - قال الرازي: «اختلفت أقوال أهل العالم في أمر المعاد على وجوه:

(أ) أنّ المعاد ليس إلا للنفس، و هو مذهب الجمهور من الفلاسفة.

(ب) - أن المعاد ليس إلا لهذا البدن، و هو قول نفاة النفس الناطقة، و هم أكثر أهل الإسلام.

(ج) أنّ المعاد للأمرين، و هم طائفة كبيرة من المسلمين»(1).

2 - و قال العلامة الحلّي: «اتفق المسلمون على إعادة الأجسام خلافا للفلاسفة»(2).

3 - و قال الدواني: «المعاد الجسماني هو المتبادر من إطلاق أهل الشرع، إذ

ص: 275


1- نهاية العقول. نقله المجلسي في البحار، لاحظ ج 7، ص 48.
2- شرح الياقوت، ص 191.

هو الذي يجب الاعتقاد به، و يكفر من أنكره، و هو حق، لشهادة نصوص القرآن في مواضع متعددة بحيث لا تقبل التأويل، كقوله تعالى: أَ وَ لَمْ يَرَ اَلْإِنْسٰانُ... إلى قوله: بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (1). قال المفسرون نزلت هذه الآية في أبيّ بن كعب فإنه خاصم رسول اللّه و أتاه بعظم قد رمّ و بلى، ففتّه بيده و قال: يا محمد، أ ترى اللّه يحيي هذه بعد ما رمّت، قال: نعم، و يبعثك و يدخلك النار.

«و هذا مما يقلع عرق التأويل بالكلية، و لذلك قال الإمام (الرازي): إنه لا يمكن الجمع بين الإيمان بما جاء به النبي و إنكار الحشر الجسماني»(2).

4 - قال صدر المتألهين: اتفق المحققون من الفلاسفة و المليّين على أحقّية المعاد، و ثبوت النشأة الباقية، لكنهم اختلفوا في كيفيته، فذهب جمهور الإسلاميين و عامة الفقهاء و أصحاب الحديث إلى أنه جسماني فقط، بناء على أنّ الروح عندهم جسم سار في البدن سريان النار في الفحم، و الماء في الورد، و الزيت في الزيتونة، و ذهب جمهور الفلاسفة و أتباع المشّائين إلى أنّه روحاني أي عقلي فقط لأنّ البدن ينعدم بصوره و أعراضه لقطع تعلق النفس بها، فلا يعاد بشخصه تارة أخرى، إذ المعدوم لا يعاد، و النفس جوهر باق لا سبيل للفناء إليه، فتعود إلى عالم المفارقات لقطع التعلقات بالموت الطبيعي.

و ذهب كثير من أكابر الحكماء و مشايخ العرفاء و جماعة من المتكلمين كالغزالي و الكعبي و الحليمي و الراغب الأصفهاني و كثير من أصحابنا الإمامية كالشيخ المفيد، و أبي جعفر الطوسي، و السيد المرتضى، و المحقق الطوسي، و العلامة الحلّي، رضوان اللّه تعالى عليهم أجمعين إلى القول بالمعادين، ذهابا إلى أنّ النفس مجرّدة تعود إلى البدن(3).

قال العلامة المجلسي: «اعلم أنّ القول بالمعاد الجسماني مما اتفق عليه جميع المليين و هو من ضروريات الدين و منكره خارج من عداد المسلمين، و الآيات الكريمة على ذلك ناصّة لا يعقل تأويلها، و الأخبار فيه متواترة لا يمكن ردّها و لا

ص: 276


1- سورة يس: الآيات 77-79.
2- شرح العقائد العضدية، ج 2، ص 247.
3- الأسفار، ج 9، ص 165.

الطعن فيها»(1)إن القضاء البات في هذه الآراء يتوقف على معرفة ملاك توصيف المعاد بالجسماني و الروحاني، و إليك بيانه.

ملاك كون المعاد جسمانيا أو روحانيا

إن لتوصيف المعاد بالجسماني أو الروحاني، أو هما معا، ملاكين، هما:

الملاك الأول: ما يرجع إلى اتخاذ موقف حاسم في حقيقة الإنسان، و أنّها ما هي، فلو قلنا بأن الإنسان عبارة عن هذا الهيكل الجسماني، و ليس للروح حقيقة وراء التفاعلات و الانفعالات المادية الفيزيائية و الكيميائية، و هي سارية في البدن سريان النار في الفحم، و الماء في الورد - لو قلنا بهذا - فلا مناص للقائل بالمعاد من توصيفه بكونه جسمانيا فقط، إذ ليس هناك وراء الجسم، و التأثير الماديين، شيء آخر حتى يعاد.

و أما لو قلنا بأنّ وراء الجسم، و وراء التفاعلات المادية، جوهر حقيقي مدرك، له تعلق بالبدن، تعلّقا تدبيريا ما دامت العلقة باقية، فإذا زالت يكون له البقاء و لا يتطرق إليه الفناء. فلو قلنا بذلك، ثم قلنا بأنّه سبحانه يبعث الروح مع البدن، فالمعاد يكون جسمانيا من جهة، و روحانيا من جهة أخرى، لكون المبعوث ممزوجا من شيئين و مؤلّفا من أمرين، و لكل معاد.

و أما لو قلنا بأنّ الروح - بعد مفارقتها البدن - لا ترجع إليه، لعلة ما، فعندئذ تبعث الروح وحدها من دون تعلّقها بالبدن، فيكون المعاد روحانيا فقط، و هذا الملاك هو الذي يلوح من كلام صدر المتألهين، و صهره عبد الرزّاق اللاهيجي(2).

ص: 277


1- بحار الأنوار، ج 7، ص 46. و لاحظ حق اليقين، للسيد شبّر، ج 2، ص 52. و لا نطيل الكلام بنقل كلمات الآخرين.
2- الأسفار، ج 9، ص 165. و «گوهر مراد» المقالة الثالثة، الباب الرابع، ص 449. (فارسي).

الملاك الثاني: إنّ هناك ملاكا آخر لكون المعاد جسمانيا، و روحانيا، يلوح ذلك من كلمات الشيخ الرئيس، و هو تقسيم المعاد إلى الجسماني و الروحاني، حسب الثواب و العقاب الموعودين: فلو قلنا إنّ العذاب و العقاب ينحصر ان بالجسماني منهما، كنعيم الجنّة و حرّ الجحيم، فيكون المعاد جسمانيا، فقط، و أما لو قلنا بأنّ هناك - وراء ذلك - ثوابا و عقابا عقليين لا يمتّان إلى البدن بصلة، بل يلتذ و يعاقب بهما الروح فقط، فيكون المعاد، وراء كونه جسمانيا، روحانيا أيضا، و بعبارة أخرى: التذاذ النفس و تألّمها باللذات و الآلام العقلية، فهذا ملاك كون المعاد، روحانيا.

قال الشيخ الرئيس: «يجب أن يعلم أنّ المعاد منه ما هو مقبول من الشرع، و لا سبيل إلى إثباته إلا من طريق الشريعة و تصديق خبر النبوة، و هو الذي للبدن عند البعث، و خيراته و شروره معلوم لا يحتاج إلى أن يعلم، و قد بسطت الشريعة الحقّة التي أتانا بها سيدنا و مولانا محمد صلى اللّه عليه و آله، حال السعادة و الشقاء التي بحسب البدن.

و منه ما هو معلوم مدرك بالعقل و القياس البرهاني، و قد صدقته النبوة و هو السعادة و الشقاوة الثابتتان بالقياس إلى نفس الأمر، و إن كانت الأوهام منّا تقصر عن تصورهما الآن. و الحكماء الإلهيون، رغبتهم في إصابة هذه السعادة أكثر من رغبتهم في إصابة السعادة البدنية، بل كأنهم لا يتلفتون إلى تلك و إن أعطوها، فلا يستعظمونها في جنب السعادة التي هي مقاربة الحق الأول»(1).

ص: 278


1- النجاة، ص 291. و الشفاء، قسم الإلهيات، المقالة التاسعة، الفصل 7. و الظاهر من كلام الشيخ الرئيس أنه لا سبيل إلى المعاد الجسماني إلا بالشريعة و تصديق خبر النبوة، و قد فسّر كلامه بأنه لا يمكن إثبات المعاد الجسماني و عود البدن مع الروح في النشأة الأخرى بالبرهان، و إنما الطريق إليه هو الشريعة. و لكنه تفسير خاطئ، كيف و الأقلون من هذا الشيخ الإلهي مرتبة يثبتون ذلك بالبراهين الفلسفية، و إنما مراده من المعاد الجسماني هو اللذات و الآلام الجسمانية من الجنة و نعيمها و النار و لهيبها، فإن إثبات خصوص هذه اللذات يرجع إلى السمع و عالم الوحي، و لو لا السمع لما قدرنا على الحكم بأنّ للّه سبحانه في النشأة الأخرى هذه النعم و النقم، بل أقصى ما يمكن إثباته هو أن حشر الأجساد يمتنع أن يكون بلا غاية و بلا جهة، أو بلا ثواب و لا عقاب، و أما أن الثواب هو نفس ما ورد في الكتاب من الحور العين و الفواكه و الثمار و غيرها، أو أنّ العقاب هو النار و لهيبها،

و قال الإمام الرازي: «أمّا القائلون بالمعاد الروحاني و الجسماني معا، فقد أرادوا أن يجمعوا بين الحكمة و الشريعة فقالوا: دلّ العقل على أنّ سعادة الأرواح بمعرفة اللّه تعالى و محبّته، و أنّ سعادة الأجساد في إدراك المحسوسات، و الجمع بين هاتين السعادتين في هذه الحياة غير ممكن، لأن الإنسان مع استغراقه في تجلّي أنوار عالم القدس، لا يمكنه أن يلتفت إلى شيء من اللذات الروحانية، و إنما تعذر هذا الجمع، لكون الأرواح البشرية ضعيفة في هذا العالم، فإذا فارقت بالموت، و استمدت من عالم القدس و الطهارة، قويت و صارت قادرة على الجمع بين الأمرين، و لا شبهة في أنّ هذه الحالة هي الحالة القصوى من مراتب السعادات»(1).

و قال الحكيم السبزواري: «القول الفحل و الرأي الجزل، هو الجمع بين المعادين: لأن الإنسان بدن و نفس، و إن شئت قلت نفس و عقل، فللبدن كمال، و مجازاة، و للنفس كمال و مجازة و كذا للنفس و قواها الجزئية كمالات و غايات تناسبها و للعقل و القوى الكلية كمال و غاية، و لأنّ أكثر الناس لا يناسبهم الغايات الروحانية العقلية، فيلزم التعطيل في حقهم في القول بالروحاني فقط، و في القول بالجسماني فقط يلزم في الأقلين من الخواص و الأخصّين»(2).

تحليل الملاكين في ضوء القرآن الكريم
اشارة

إذا كان الملاك في توصيف المعاد بالجسماني أو الروحاني هو كون المحشور هو الجسم الحي وحده أو الروح وحدها، فالقرآن الكريم يصدّق الأول و ينكر الثاني، و ذلك أنّ من أمعن النظر في الآيات الواردة حول المعاد يقف على أنّ المعاد

ص: 279


1- شرح العقائد العضدية للمحقق الدواني، ج 1، ص 262-263.
2- الأسفار، ج 9، ص 165، تعليقة المحقق السبزواري.

الذي يصر عليه القرآن هو عود البدن الذي كان الإنسان يعيش به في هذه الدنيا، و لا يصدّق عود الروح وحدها فقط. و يظهر ذلك من ملاحظة أصناف الآيات الواردة حول المعاد، و نحن نأتي فيما يلي بلفيف منها:

1 - ما ورد في قصة إبراهيم و بقرة بني إسرائيل و إحياء عزير، و أمّة من بني إسرائيل و أصحاب الكهف(1).

2 - الآيات التي تصرح بأنّ الإنسان خلق من الأرض و إليها يعاد، و منها يخرج.

يقول سبحانه: مِنْهٰا خَلَقْنٰاكُمْ وَ فِيهٰا نُعِيدُكُمْ وَ مِنْهٰا نُخْرِجُكُمْ تٰارَةً أُخْرىٰ (2).

و يقول سبحانه: ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهٰا وَ يُخْرِجُكُمْ إِخْرٰاجاً (3).

و يقول سبحانه: ثُمَّ إِذٰا دَعٰاكُمْ دَعْوَةً مِنَ اَلْأَرْضِ إِذٰا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (4).

و يقول سبحانه: قٰالَ فِيهٰا تَحْيَوْنَ وَ فِيهٰا تَمُوتُونَ وَ مِنْهٰا تُخْرَجُونَ (5).

3 - الآيات التي تدل على أنّ الحشر عبارة عن الخروج من الأجداث و القبور، مثل قوله سبحانه: فَإِذٰا هُمْ مِنَ اَلْأَجْدٰاثِ إِلىٰ رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (6).

و قوله تعالى: يَخْرُجُونَ مِنَ اَلْأَجْدٰاثِ كَأَنَّهُمْ جَرٰادٌ مُنْتَشِرٌ (7).

و قوله تعالى: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ اَلْأَجْدٰاثِ سِرٰاعاً كَأَنَّهُمْ إِلىٰ نُصُبٍ

ص: 280


1- لاحظ البحث الخامس من مباحث المعاد، حيث ذكرنا نماذج من إحياء الموتى في الشرائع السابقة.
2- سورة طه: الآية 55.
3- سورة نوح: الآية 18.
4- سورة الروم: الآية 25.
5- سورة الأعراف: الآية 25.
6- سورة يس: الآية 51.
7- سورة القمر: الآية 7.

يُوفِضُونَ (1) .

و قوله تعالى: أَنَّ اَللّٰهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي اَلْقُبُورِ (2).

و قوله تعالى: وَ إِذَا اَلْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (3).

و قوله تعالى: أَ فَلاٰ يَعْلَمُ إِذٰا بُعْثِرَ مٰا فِي اَلْقُبُورِ (4).

4 - ما يدل على شهادة الأعضاء، قال سبحانه: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ بِمٰا كٰانُوا يَعْمَلُونَ (5).

و قال تعالى: وَ تُكَلِّمُنٰا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمٰا كٰانُوا يَكْسِبُونَ (6).

و قال تعالى: حَتّٰى إِذٰا مٰا جٰاؤُهٰا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَ أَبْصٰارُهُمْ وَ جُلُودُهُمْ (7).

5 - ما يدل على تبديل الجلود بعد نضجها و تقطّع الأمعاء.

قال سبحانه: كُلَّمٰا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنٰاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهٰا، لِيَذُوقُوا اَلْعَذٰابَ (8).

و قال سبحانه: وَ سُقُوا مٰاءً حَمِيماً، فَقَطَّعَ أَمْعٰاءَهُمْ (9).

إلى غير ذلك من الآيات الواردة في مواقف القيامة، و مشاهدها، و نعيم الجنة و عذاب الجحيم، التي لا تدع لمريب ريبا في أنّ الإنسان سوف يبعث بهذا

ص: 281


1- سورة المعارج: الآية 43.
2- سورة الحج: الآية 7.
3- سورة الانفطار: الآية 4.
4- سورة العاديات: الآية 9.
5- سورة النور: الآية 24.
6- سورة يس: الآية 65.
7- سورة فصلت: الآية 41.
8- سورة النساء: الآية 56.
9- سورة محمد: الآية 15.

البدن العنصري الذي تكون له الحياة بالنحو الذي كانت له في الدنيا، و هذا مما لا نشك فيه.

هذا كله حول الملاك الأوّل، و إليك البحث في الملاك الثاني الذي حاصله أنّ اتصاف المعاد بالجسماني أو الروحاني، يرجع إلى كون الثواب و العقاب جسمانيين فقط، أو أنّ هناك لذات و آلام روحية تلتذ بها النفس أو تتألّم، و لا دخالة للجسم في حصول اللّذة و الألم.

إن القرآن الكريم يصدّق كلا المعادين بهذا الملاك حيث يثبت اللذات و الآلام الجسمانية و الروحانية، و لا يخص الثواب و العقاب بما يعرض للنفس عن طريق البدن، و بواسطته. و إليك ما يدل على ذلك:

أما ما يدل على الثواب و العقاب الجسمانيين، فحدّث عنه و لا حرج، فالجنة و النار و ما فيهما من النعم و النقم يرجعان إلى اللذات و الآلام الجسمانية. و إنما الكلام فيما يدل من الآيات على اللذات و الآلام الروحية فقط، و فيما يلي نذكر بعضا منها:

1 - لذة رضاء المعبود

يقول سبحانه: وَعَدَ اَللّٰهُ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ اَلْمُؤْمِنٰاتِ جَنّٰاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اَلْأَنْهٰارُ خٰالِدِينَ فِيهٰا، وَ مَسٰاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنّٰاتِ عَدْنٍ وَ رِضْوٰانٌ مِنَ اَللّٰهِ أَكْبَرُ، ذٰلِكَ هُوَ اَلْفَوْزُ اَلْعَظِيمُ (1).

فترى أنه سبحانه يجعل رضوان اللّه في مقابل سائر اللّذات الجسمانية، و يصفه بكونه أكبر من الأولى، و أنّه هو الفوز العظيم.

و من المعلوم أنّ هذا النوع من اللّذة لا يرجع إلى الجسم، بل هي لذّة تدرك بالعقل، و الروح في درجتها القصوى.

و هنا كلمة مروية عن الإمام الطاهر علي بن الحسين قال: إذا صار أهل

ص: 282


1- سورة التوبة: الآية 72.

الجنة، و دخل وليّ اللّه إلى جنانه و مساكنه، و اتكأ كل مؤمن منهم على أريكته، حفته خدّامه و تهدلت عليه الثمار، و تفجرت حوله العيون، و جرت من تحته الأنهار، و بسطت له الزرابي، و صففت له النمارق و أتته الخدام بما شاءت شهوته من قبل أن يسألهم ذلك، قال: و يخرجون عليهم الحور العين من الجنان فيمكثون بذلك ما شاء اللّه.

ثم إنّ الجبار يشرف عليهم فيقول لهم: أوليائي و أهل طاعتي و سكان جنتي في جواري، هل أنبئكم بخير مما أنتم فيه، فيقولون ربنا و أي شيء خير مما نحن فيه، نحن فيما اشتهت أنفسنا، و لذّت أعيننا من النعم في جوار الكريم، قال فيعود عليهم بالقول، فيقولوا: ربّنا نعم، فائتنا بخير مما نحن فيه، فيقول لهم تبارك و تعالى: رضائي عنكم و محبّتي لكم خير و أعظم مما أنتم فيه، قال: فيقولون نعم يا ربنا، رضاك عنا و محبتك لنا خير لنا و أطيب لأنفسنا. ثم قرأ علي بن الحسين هذه الآية: وَعَدَ اَللّٰهُ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ اَلْمُؤْمِنٰاتِ جَنّٰاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اَلْأَنْهٰارُ خٰالِدِينَ فِيهٰا وَ مَسٰاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنّٰاتِ عَدْنٍ وَ رِضْوٰانٌ مِنَ اَللّٰهِ أَكْبَرُ ذٰلِكَ هُوَ اَلْفَوْزُ اَلْعَظِيمُ (1).

2 - ألم الابتعاد عن رحمة اللّه؟

إذا كان إدراك رضوان المعبود أعظم اللذات العقلية، فإدراك الابتعاد عن رحمة اللّه التي وسعت كلّ شيء، من أعظم الآلام العقلية. و لأجل ذلك نرى أنّه سبحانه يوعد المنافقين و الكفار بالنّار، و يعقّبه بلعنهم. فكأنّ هناك ألمين: جسمي هو التعذيب بالنار، و عقلي، و هو إدراكهم ألم الابتعاد عن رحمته.

يقول سبحانه: وَعَدَ اَللّٰهُ اَلْمُنٰافِقِينَ وَ اَلْمُنٰافِقٰاتِ وَ اَلْكُفّٰارَ نٰارَ جَهَنَّمَ خٰالِدِينَ فِيهٰا هِيَ حَسْبُهُمْ وَ لَعَنَهُمُ اَللّٰهُ وَ لَهُمْ عَذٰابٌ مُقِيمٌ (2).

و يظهر عظم هذا الألم، بوقوع هذه الآية قبل آية الرضوان فكأنّ الآيتين

ص: 283


1- بحار الأنوار، ج 8، ص 140، كتاب العدل و المعاد، الحديث 57.
2- سورة التوبة: الآية 68.

تعربان عن اللذات و الآلام العقلية التي تدركها الروح بلا حاجة إلى الجسم و البدن.

3 - الحسرة يوم القيامة

يقول سبحانه: إِذْ تَبَرَّأَ اَلَّذِينَ اُتُّبِعُوا مِنَ اَلَّذِينَ اِتَّبَعُوا، وَ رَأَوُا اَلْعَذٰابَ وَ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ اَلْأَسْبٰابُ * وَ قٰالَ اَلَّذِينَ اِتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنٰا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمٰا تَبَرَّؤُا مِنّٰا كَذٰلِكَ يُرِيهِمُ اَللّٰهُ أَعْمٰالَهُمْ حَسَرٰاتٍ عَلَيْهِمْ، وَ مٰا هُمْ بِخٰارِجِينَ مِنَ اَلنّٰارِ (1).

إن أصحاب الجحيم عند ما يقفون على درجات الجنة و مقامات أصحابها، و ما حلّ بهم من السعادة و الكرامة و الراحة و الاستظلال برحمة اللّه تبارك و تعالى، و تفرغهم عن كل همّ و حزن، ثم ينظرون إلى ما حلّ بهم من عذاب أليم، و طعام من غسلين(2)، و ضريع(3)، و شراب من حميم(4)، يتحسرون على ما ضيّعوا من الفرض، و يندمون على ما فوّتوا في الدنيا و فرطوا في حياتهم، و لكنها الحسرة في وقت لا تنفع فيه.

و هذا النوع من العذاب - أعني الحسرة - أشد على النفس مما يحل بها من عذاب البدن، و لأجل ذلك يسمى يوم القيامة بيوم الحسرة، قال سبحانه:

وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ اَلْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ اَلْأَمْرُ وَ هُمْ فِي غَفْلَةٍ وَ هُمْ لاٰ يُؤْمِنُونَ (5) .

روى أبو سعيد الخدري، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: إذا دخل أهل الجنة الجنة، و أهل النار النار، قيل يا أهل الجنة، فيشرئبون و ينظرون، و قيل يا أهل النار، فيشرئبون و ينظرون، فيجاء بالموت، كأنّه كبش أملح، فيقال لهم: تعرفون الموت، فيقولون: «هذا، هذا» و كلّ قد عرفه،

ص: 284


1- سورة البقرة: الآيتان 166 و 167.
2- سورة الحاقة: الآية 36.
3- سورة الغاشية: الآية 6.
4- سورة الأنعام: الآية 70.
5- سورة مريم: الآية 39.

قال: فيقدم فيذبح، ثم يقال: يا أهل الجنة، خلود فلا موت، و يا أهل النار خلود فلا موت. قال: و ذلك قوله: وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ اَلْحَسْرَةِ .

و روي هذا الحديث عن الإمامين الصادقين عليهما السلام، بزيادة:

«فيفرح أهل الجنة فرحا، لو كان أحد يومئذ ميتا، لماتوا فرحا، و يشهق أهل النار شهقة، لو كان أحد ميّتا، لماتوا»(1).

4 - لقاء اللّه و مشاهدته العقلية

إن هناك لفيفا من الآيات تعرب عن تمكن المؤمن من لقائه سبحانه يوم القيامة، يقول سبحانه: فَمَنْ كٰانَ يَرْجُوا لِقٰاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صٰالِحاً وَ لاٰ يُشْرِكْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (2).

و هذه الآيات الوافرة تشير إلى لقائه سبحانه. و لكن المفسرين - تنزيها له سبحانه عن الجسم و الجسمانيات - أوّلوها إلى لقاء جزائه سبحانه و ثوابه و عقابه، و رضاه و سخطه، و هذا المعنى مع صحته في نفسه، و مع التركيز على تنزيهه سبحانه عن المشاهدة بالعيون المادية، لا يمكن أن يكون معربا عن كلّ ما تهدف إليه الآية، فإن لهذه الآيات معنى دقيقا يدركه العارفون الراسخون في معرفته سبحانه، القائلين بأنّ المعرفة، بذر المشاهدة، لكن لا مشاهدة جسمانية، بل مشاهدة قلبية و عقلية، و لمّا كان بيان هذا النوع من اللّذة العقلية، خارجا عن موضوع الكتاب نقتصر على هذا المقدار. و من أراد التفصيل فليرجع إلى محله(3).

ص: 285


1- مجمع البيان، ج 3، ص 515.
2- سورة الكهف: الآية 110، ورد هذا المضمون في الذكر الحكيم في سور كثيرة منها: الأنعام: 31، و 154، يونس: 7 و 11 و 15 و 45، العنكبوت: 5 و 23، السجدة: 10 و 23، فصلت: الآية 54.
3- ما ذكرناه نماذج من اللذات و الآلام الروحية الدالة على أن الثواب و العقاب ليسا محصورين في الجسماني منهما، و من أراد التوسع فليلاحظ كتاب «لقاء اللّه»، للعارف الكبير، الشيخ جواد الملكي، (م 1344). و هناك روايات وردت حول الموضوع، فمن أراد الوقوف عليها فليرجع إلى توحيد الصدوق، و إلى الموسوعة القرآنية: «مفاهيم القرآن».
المعاد الروحاني عند الحكماء

قد وقفت على تضافر آيات الكتاب و أحاديث السنّة على عدم حصر المعاد في الجسماني، كما تعرفت على حكم العقل في ذلك المجال، و أنّ حصره في المعاد الجسماني يخالف رحمة اللّه الواسعة و حكمته البالغة، و على ذلك فالشرع و العقل متعاضدان على أنّ هناك معادا غير المعاد الجسماني، و لكن يجب إلفات نظر الباحث في المقام إلى نكتة و هي أنّ المعاد الروحاني في الكتاب و السنّة يرجع إلى اللذات و الآلام الروحية التي تلتذ بها النفس أو تتألم من دون حاجة إلى آلة جسمانية. و قد عرفت ما هو الوارد في الكتاب في هذا المجال من رضوانه سبحانه و لقائه و الابتعاد عن رحمته و إحاطة الحسرة بالإنسان في تلك النشأة، فهذه هي حقيقة المعاد الروحاني التي تتلخص في غير اللذات و الآلام الجسمانية، و على هذا فهو يعمّ جميع أهل الجنة و النار من غير فرق بين الكاملين و المتوسطين.

و على الجملة هناك لذّات روحية و آلام كذلك تحيط أهل الجنّة و النار من غير فرق بين طبقاتهم. و أمّا المعاد الروحاني عند الحكماء، فهو يختلف عمّا وقفنا عليه في الكتاب بأمرين:

الأول: إنّهم يخصّون المعاد الروحاني باللذات العقلية أي درك العقل الأمور الملائمة و المنافرة له، فإن اللذة عندهم على وجه الإطلاق تفسّر بإدراك الملائم من حيث هو ملائم، كالحلو من المذوقات. و الملائم للنفس الناطقة، إدراك المعقولات بأن تتمكن النفس من تصوّر ما يمكن أن يدرك من الحق تعالى، و أنه واجب الوجود، بريء عن النقائص و الشرور و الآفات، منبع فيضان الخير على الوجه الأصوب، ثم إدراك ما يترتب بعده من العقول و النفوس المجرّدة و الأجرام السماوية و الكائنات العنصرية حتى تصير النفس بحيث ترتسم فيها صور جميع الموجودات على الترتيب الذي هو لها.

و على هذا فإدراك الحس، الملائم للحس، معاد جسماني. و إدراك العقل، الملائم له، من الوجودات العالية، معاد روحاني.

و هذه العلوم و إن كانت حاصلة لبعض النفوس في هذه النشأة إلا أنّها معرفة

ص: 286

ناقصة تتجلى بعد الموت في النشأة الأخرى بصورة كاملة برفع الموانع و الحجب، فكأنّ المعرفة العقلية بذر المشاهدة. فتلتذ النفوس في النشأة الأخرى بإدراك الأكمل فالأكمل.

و هذا كما ترى غير ما أشار إليه القرآن من اللذات الروحية، نعم لا مانع من ثبوت كلا النوعين من المعاد الروحاني، و ليس الوارد في القرآن رادا لهذا القسم.

الثاني: إنّ المعاد الروحاني الوارد في القرآن الكريم يعمّ جميع النفوس، كاملة كانت أو متوسطة أو ناقصة. و لكن المعاد الروحاني الذي عليه الحكماء يختص بصنف خاص، و هم الكاملون في المعرفة. و ذلك لأنّ المعاد الروحاني حسب الكتاب و السنة، يرجع إلى اللذائذ الروحية لا إلى اللذة العقلية التي تختص بالكاملين في المعرفة.

يقول صدر المتألهين: «و هذا النوع من اللذة و السعادة لا تنالها كل نفس و إنما ينالها من عرف العقليات في النشأة الأولى، لأن المعرفة بذر المشاهدة فمعرفة العقليات في النشأة الأولى منشأ الحضور في العقبى»(1).

إن النفوس مختلفة و منقسمة إلى كاملة و متوسطة و ناقصة، فلا شك أنّ حصر المعاد في الجسماني يخالف رحمته الواسعة و حكمته البالغة إذ النفوس الناقصة و المتوسطة، و إن كانت تلتذ بنعيم الجنة، و لكن النفوس الكاملة لا تلتفت إلى مثلها بل تطلب غاية أعلى منها، و لأجل ذلك يجب أن يكون هناك وراء هذه اللذات الحسية، لذة عقلية تتشوق إليها النفوس الكاملة و تصبو إليها، و ليست هي إلا نيل مقامات القرب من الحق تعالى.

يقول الحكيم السبزواري: «لو حصروا المعاد في الجسماني لكان قصورا حيث عطّلوا النفوس الكاملة عن البلوغ إلى غاياتها، لأنها المستصغرة للغايات الجزئية، الطالبة للاتصال بالأرواح المرسلة، بل لمحض القرب من اللّه تعالى».

ص: 287


1- الأسفار، ج 9، ص 123 و 129.

و قال في موضع آخر: «إنّ الخلق طبقات فالمجازات متفاوتة، فكل منها محبوب و مرغوب و جزاء يليق بحالها، و اللذائذ الحسية للكمل في العلم و العمل، كالظلّ غير الملتفت إليه بالذات، و التفاتهم بباطن ذواتهم و ما فوقهم»(1).

ثم إن للحكماء المتألهين في تبيين السعادة و الشقاء الأخرويين العقليين مباحث مهمة لا سيما في تبيين دور العقل النظري و العملي فيهما فمن أراد الوقوف عليها، فليرجع إلى مظانها(2).

ص: 288


1- لاحظ إلهيات الشفاء، و المبدأ و المعاد للشيخ الرئيس. و الأسفار الأربعة لصدر المتألهين، ج 9. و شرح المنظومة، و أسرار الحكم، كلاهما للحكيم السبزواري، و غيرها من كتب الفلاسفة.
2- شرح المنظومة للحكيم السبزواري، المقصد السادس، الفريدة الثانية.

مباحث المعاد

(11) الرجعة

اشارة

قضية الرجعة التي تحدثت عنها بعض الآيات القرآنية و الأحاديث المروية عن أهل بيت الرسالة، مما تعتقد به الشيعة من بين الأمة الإسلامية، و ليس هذا بمعنى أنّ مبدأ الرجعة يعدّ واحدا من أصول الدين، و في مرتبة الاعتقاد باللّه و توحيده، و النبوة و المعاد بل إنها تعدّ من المسلّمات القطعية، و شأنها في ذلك شأن كثير من القضايا الفقهية و التاريخية التي لا سبيل إلى إنكارها. مثلا: اتفقت كلمة الفقهاء على حرمة مسّ النساء في المحيض، بنص الكتاب العزيز يقول تعالى:

وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ اَلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا اَلنِّسٰاءَ فِي اَلْمَحِيضِ وَ لاٰ تَقْرَبُوهُنَّ حَتّٰى يَطْهُرْنَ (1) .

و دلّت الوثائق التاريخية على أنّ معركة بدر وقعت في السنة الثانية للهجرة.

فالأولى قطعية فقهية، و الثانية قطعية تاريخية، و لكن لا يعدان من أصول العقائد الإسلامية، و شأن الرجعة في هذا المجال شأنهما.

إذا عرفت ذلك نقول: الرجعة في اللّغة ترادف العودة، و تطلق اصطلاحا على عودة الحياة إلى مجموعة من الأموات بعد النهضة العالمية للإمام المهدي عليه السلام و هذه العودة تتم بالطبع قبل حلول يوم القيامة. و طبقا لهذا المبدأ، فالحديث عن العودة، يعدّ من أشراط القيامة.

ص: 289


1- سورة البقرة: الآية 222.

و على ضوء ذلك، فظهور الإمام المهدي عليه السلام شيء، و عودة الحياة إلى مجموعة من الأموات شيء آخر، كما أن البعث يوم القيامة أمر ثالث، فيجب تمييزها و عدم الخلط بينها.

قال الشيخ المفيد: «إن اللّه تعالى يحشر قوما من أمة محمد صلى اللّه عليه و آله، بعد موتهم، قبل يوم القيامة، و هذا مذهب يختص به آل محمد (صلوات اللّه عليه و عليهم)، و القرآن شاهد به»(1).

و قال المرتضى متحدثا عن الرجعة عند الشيعة: «اعلم أنّ الذي تذهب الشيعة الإمامية إليه، أنّ اللّه تعالى يعيد عند ظهور إمام الزمان، المهدي عليه السلام، قوما ممن كان قد تقدّم موته من شيعته ليفوزوا بثواب نصرته و معونته، و مشاهدة دولته، و يعيد أيضا قوما من أعدائه لينتقم منهم، فيلتذوا بما يشاهدون من ظهور الحق و علو كلمة أهله»(2).

و قال العلامة المجلسي: «و الرجعة إنما هي لممحضي الإيمان من أهل الملّة، و ممحضي النفاق منهم، دون من سلف من الأمم الخالية»(3).

فالاعتقاد بالرجعة من الأمور القطعية المسلّم بها، و الروايات الكثيرة الواردة عن الأئمة المعصومين لا تبقي أي مجال للشك في وقوعها.

يقول العلامة المجلسي: «كيف يشك مؤمن بحقّية الأئمة الأطهار فيما تواتر عنهم فيما يقرب من مائتي حديث صريح، رواها نيّف و ثلاثون من الثقات العظام، في أزيد من خمسين من مؤلفاتهم كثقة الإسلام الكليني و الصدوق و...»(4).

و قد وصف الشيخ الحرّ العاملي الروايات المتعلّقة بالرجعة بأنها أكثر من أن

ص: 290


1- بحار الأنوار، ج 53، ص 136، نقلا عن المسائل السروية، للشيخ المفيد.
2- المصدر السابق نفسه، نقلا عن رسالة كتبها السيد المرتضى جوابا على أسئلة أهل الريّ.
3- المصدر السابق نفسه، و قد نقل أقوال علماء الشيعة و نصوصهم في هذا الجزء من بحاره فمن أراد زيادة الاطلاع فليرجع إليه ص 22-144.
4- المصدر السابق.

تعد و تحصى و أنّها متواترة معنى(1).

هذه بعض كلمات كبار علماء الشيعة و محدثيهم حول الرجعة، و يقع الكلام في مقامين الأول - إمكان الرجعة.

الثاني - الدليل على وقوعها في هذه الأمة.

المقام الأول: إمكان الرجعة

يكفي في إمكان الرجعة، إمكان بعث الحياة من جديد يوم القيامة، فإنّ الرجعة و المعاد، ظاهرتان متماثلتان و من نوع واحد مع فارق أنّ الرجعة محدودة كيفا و كمّا، و تحدث قبل يوم القيامة، بينما يبعث جميع الناس يوم القيامة ليبدءوا حياتهم الخالدة.

و على ضوء ذلك، فالاعتراف بإمكان بعث الحياة من جديد يوم القيامة، ملازم للاعتراف بإمكان الرجعة في حياتنا الدنيوية. و حيث إنّ حديثنا مع المسلمين الذين يعتبرون الإيمان بالمعاد من أصول شريعتهم، فلا بد لهؤلاء إذن من الاعتراف بإمكانية الرجعة.

أضف إلى ذلك أنّه قد وقعت الرجعة في الأمم السالفة كثيرا، و قد تحدثنا عنه عند ذكر شواهد من إحياء الموتى في الأمم السالفة نظير:

1 - إحياء جماعة من بني إسرائيل(2).

2 - إحياء قتيل بني إسرائيل(3).

ص: 291


1- الإيقاظ من الهجعة، الباب الثاني، الدليل الثالث.
2- سورة البقرة: الآيتان 55 و 56.
3- سورة البقرة: الآيتان 72 و 73.

3 - موت ألوف من الناس و بعثهم من جديد(1).

4 - بعث عزير بعد مائة عام من موته(2).

5 - إحياء الموتى على يد عيسى عليه السلام(3).

و بعد وقوع الرجعة في الأمم السالفة، هل يبقى مجال للشك في إمكانها؟ و تصوّر أنّ الرجعة من قبيل التناسخ المحال عقلا، تصوّر باطل، لأنّ التناسخ عبارة عن رجوع الفعلية إلى القوة، و رجوع الإنسان إلى الدنيا عن طريق النطفة، و المرور بمراحل التكوّن البشري من جديد، ليصير إنسانا مرة أخرى، سواء أدخلت روحه في جسم إنسان أم حيوان، و أين هذا من الرجعة و عود الروح إلى البدن المتكامل من جميع الجهات، من دون أن يكون هناك رجوع إلى القوة بعد الفعلية.

المقام الثاني - أدلة وقوع الرجعة

يدل على وقوع الرجعة في هذه الأمّة قوله تعالى: وَ إِذٰا وَقَعَ اَلْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنٰا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ اَلْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ اَلنّٰاسَ كٰانُوا بِآيٰاتِنٰا لاٰ يُوقِنُونَ * وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيٰاتِنٰا فَهُمْ يُوزَعُونَ (4).

لا يوجد بين المفسّرين من يشك بأنّ الآية الأولى تتعلق بالحوادث التي تقع قبل يوم القيامة، و يدل عليه ما روي عن النبي الأكرم من أنّ خروج دابة الأرض من علامات يوم القيامة، إلا أنّ هناك خلافا بين المفسرين حول المقصود من دابة الأرض، و كيفيّة خروجها، و كيف تتحدث، و غير ذلك ممّا لا نرى حاجة لطرحه؟.

ص: 292


1- سورة البقرة: الآية 243.
2- سورة البقرة: الآية 259.
3- سورة آل عمران: الآية 49.
4- سورة النمل: الآيتان 82 و 83.

روى مسلم أنّه قال رسول اللّه: إنّ الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات: خسف بالمشرق، و خسف بالمغرب، و خسف في جزيرة العرب، و الدخان، و الدجّال، و دابّة الأرض، و يأجوج و مأجوج، و طلوع الشمس من مغربها، و نار تخرج من قعر عدن ترحل الناس»(1)إنما الكلام في الآية الثانية، و الحق أنّها ظاهرة في حوادث قبل يوم القيامة، و ذلك لأنّ الآية تركز على حشر فوج من كل جماعة بمعنى عدم حشر الناس جميعا، و من المعلوم أنّ الحشر ليوم القيامة يتعلق بالجميع، لا بالبعض، يقول سبحانه:

وَ يَوْمَ نُسَيِّرُ اَلْجِبٰالَ وَ تَرَى اَلْأَرْضَ بٰارِزَةً وَ حَشَرْنٰاهُمْ، فَلَمْ نُغٰادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً (2) أ فبعد هذا التصريح، يمكن تفسير ظرف الآية بيوم البعث و القيامة؟.

و هناك قرينتان أخريان، تحقّقان ظرفها لنا، إن كنّا شاكين، و هما:

أوّلا - إنّ الآية المتقدمة عليها تذكر للناس علامة من علامات القيامة، و هي خروج دابة الأرض، و من الطبيعي، بعد ذلك أنّ حشر جماعة من الناس يرتبط بهذا الشأن.

ثانيا - ورد الحديث في تلك السورة عن القيامة في الآية السابعة و الثمانين، أي بعد ثلاث آيات، قال سبحانه: وَ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي اَلصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ مَنْ فِي اَلْأَرْضِ إِلاّٰ مَنْ شٰاءَ اَللّٰهُ وَ كُلٌّ أَتَوْهُ دٰاخِرِينَ (3).

و هذا يعرب عن أنّ ظرف ما تقدم عليها من الحوادث يتعلق بما قبل هذا اليوم، و يحقّق أنّ حشر فوج من الذين يكذبون بآيات اللّه يحدث حتما قبل يوم القيامة، و هو من أشراط هذا اليوم، و سيقع في الوقت الذي تخرج فيها دابة من الأرض تكلم الناس.

و من العجب قول الرازي بأنّ حشر فوج كل من أمّة سيقع بعد قيام

ص: 293


1- صحيح مسلم، ج 8، كتاب الفتن، و أشراط الساعة، باب في الآيات التي تكون قبل الساعة، ص 179.
2- سورة الكهف: الآية 47.
3- سورة النمل: الآية 87.

الساعة(1). فإنّ هذا الكلام خاو لا يستند إلى أيّ أساس. و ترتيب الآيات و ارتباطها ببعضها، ينفيه، و يؤكّد ما ذهب إليه الشيعة من أنّ الآية تشير إلى حدث سيقع قبل يوم القيامة.

أضف إلى ذلك أنّ تخصيص الحشر ببعض، لا يجتمع مع حشر جميع الناس يوم القيامة.

نعم، الآية قد تحدثت عن حشر المكذبين، و أما رجعه جماعة أخرى من الصالحين فهو على عاتق الروايات الواردة في الرجعة.

و أمّا كيفية وقوع الرجعة و خصوصياتها فلم يتحدث عنها القرآن، كما هو الحال في تحدثه عن البرزخ و الحياة البرزخية.

و يؤيد وقوع الرجعة في هذه الأمّة وقوعها في الأمم السالفة كما عرفت. و قد روى أبو سعيد الخدري أنّ رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) قال: «لتتّبعنّ سنن من كان قبلكم، شبرا بشبر، و ذراعا بذراع. حتى لو دخلوا جحر ضبّ لتبعتموه. قلنا يا رسول اللّه: اليهود و النصارى؟ قال: فمن؟(2).

و روى أبو هريرة أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قال: «لا تقوم الساعة حتى تؤخذ أمّتي بأخذ القرون قبلها، شبرا بشبر، و ذراعا بذراع، فقيل: يا رسول اللّه: كفارس و الروم، قال: و من النّاس إلاّ أولئك؟(3).

و روى الشيخ الصدوق رحمه اللّه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله:

«كل ما كان في الأمم السابقة فإنه يكون في هذه الأمّة مثله، حذو النعل بالنعل، و القذّة بالقذّة»(4).

ص: 294


1- مفاتيح الغيب، ج 4، ص 218.
2- صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بقول النبي، ج 9، ص 112.
3- صحيح البخاري ج 9، ص 102. و كنز العمال، ج 11، ص 133.
4- كمال الدين، ص 576.

و بما أنّ الرجعة من الحوادث المهمة في الأمم السالفة، فيجب أن يقع نظيرها في هذه الأمة أخذا بالمماثلة، و التنزيل.

و قد سأل المأمون العباسي، الإمام الرضا عليه السلام عن الرجعة فأجابه، بقوله: إنّها حق، قد كانت في الأمم السالفة، و نطق بها القرآن، و قد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: يكون في هذه الأمة كل ما كان في الأمم السالفة حذو النعل بالنعل، و القذة بالقذة(1).

هذه هي حقيقة الرجعة و دلائلها، و لا يدّعي المعتقدون بها أكثر من هذا، و حاصله عودة الحياة إلى طائفتين من الصالحين و الطالحين، بعد ظهور الإمام المهدي عليه السلام، و قبل وقوع القيامة. و لا ينكرها إلاّ من لم يمعن النظر في أدلتها(2).

أسئلة و أجوبتها

السؤال الأول - كيف يجتمع إعادة الظالمين مع قوله سبحانه: وَ حَرٰامٌ عَلىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنٰاهٰا أَنَّهُمْ لاٰ يَرْجِعُونَ (3) فإن هذه الآية تنفي رجوعهم بتاتا، و حشر لفيف من الظالمين يخالفها.

ص: 295


1- بحار الأنوار، ج 53، ص 59، الحديث 45.
2- بقي هنا بحثان: 1 - من هم الراجعون. 2 - ما هو الهدف من إحيائهم. و إجمال الجواب عن الأول أن الراجعين لفيف من المؤمنين و لفيف من الظالمين. و إجمال الجواب عن الثاني ما جاء في كلام السيد المرتضى المنقول آنفا، حيث قال: «إن اللّه تعالى يعيد عند ظهور إمام الزمان، المهدي عليه السلام، قوما ممن كان تقدم موته من شيعته ليفوزوا بثواب نصرته و معونته، و مشاهدة دولته، و يعيد أيضا قوما من أعدائه لينتقم منهم... إلى آخر كلامه». لاحظ تفصيل جميع ذلك في البحار، ج 53. و الايقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة، للشيخ الحر العاملي.
3- سورة الأنبياء: الآية 95.

و الجواب: إن هذه الآية مختصة بالظالمين الذين أهلكوا في هذه الدنيا و رأوا جزاء عملهم فيها، فهذه الطائفة لا ترجع. و أما الظالمون الذين رحلوا عن الدنيا بلا مؤاخذة، فيرجع لفيف منهم ليروا جزاء عملهم فيها، ثم يردّون إلى أشد العذاب في الآخرة أيضا. فالآية لا تمت إلى مسألة الرجعة بصلة.

السؤال الثاني - إن الظاهر من قوله تعالى: حَتّٰى إِذٰا جٰاءَ أَحَدَهُمُ اَلْمَوْتُ قٰالَ رَبِّ اِرْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صٰالِحاً فِيمٰا تَرَكْتُ كَلاّٰ إِنَّهٰا كَلِمَةٌ هُوَ قٰائِلُهٰا، وَ مِنْ وَرٰائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (1)، نفي الرجوع إلى الدنيا بعد مجيء الموت.

و الجواب: إنّ الآية تحكي عن قانون كلّي قابل للتخصيص في مورد دون مورد، و الدليل على ذلك ما عرفت من إحياء الموتى في الأمم السالفة، فلو كان الرجوع إلى هذه الدنيا سنة كلية لا تتبعض و لا تتخصص، لكان عودها إلى الدنيا مناقضا لعموم الآية.

و هذه الآية، كسائر السنن الإلهية الواردة في حق الإنسان، فهي تفيد أنّ الموت بطبعه ليس بعده رجوع، و هذا لا ينافي الرجوع في مورد أو موارد، لمصالح عليا.

السؤال الثالث - إن الاستدلال على الرجعة مبني على جعل قوله سبحانه:

وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيٰاتِنٰا فَهُمْ يُوزَعُونَ ، حاكيا عن حادثة تقع قبل القيامة، و لكن من الممكن جعلها حاكية عن الحادثة التي تقع عند القيامة، غير أنّها تقدمت على قوله سبحانه: وَ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي اَلصُّورِ ، و كان طبع القضية تأخيرها عنه، و المراد من الفوج من كل أمّة هو الملأ من الظالمين و رؤسائهم.

و الجواب: أولا، إنّ تقديم قوله: وَ يَوْمَ نَحْشُرُ... ، على فرض كونه حاكيا عن ظاهرة تقع يوم القيامة، على قوله: وَ يَوْمَ يُنْفَخُ ، ليس إلاّ إخلال في الكلام، بلا مسوغ.

ص: 296


1- سورة المؤمنون: الآيتان 99 و 100.

و ثانيا، إن ظاهر الآيات أنّ هناك يومين، يوم حشر فوج من كل أمّة، و يوم نفخ في الصور، و جعل الأول من متمّمات القيامة، يستلزم وحدة اليومين، و هو على خلاف الظاهر(1).

ص: 297


1- و إذا أحطت خبرا بما ذكرناه، يتبين لك سقوط كثير مما ذكره الألوسي في تفسيره عند البحث عن الآية. لاحظ تفسيره، ج 20، ص 26.

مباحث المعاد

(12) التّناسخ و أقسامه و براهين بطلانه

اشارة

التناسخ من النسخ بمعنى النقل(1)، أو بمعنى إزالة بشيء يتعقبه، كنسخ الشمس الظل، و الشيب الشباب(2).

فالنسخ يعرب عن خصوصيتين: النّقل و التّحوّل. و سيوافيك أنّ كلتيهما مأخوذتان في التناسخ المصطلح، الذي يعرب عن حالة نقل و تحوّل خاصة.

ثم إن للانتقال أقساما ما نشير إليها:

أ - الانتقال من النشأة الدنيوية إلى النشأة الأخروية الذي نسميه بالمعاد.

ب - الانتقال من القوة إلى الفعل، كانتقال النفس في ظل الحركة الجوهرية إلى كمالها الممكن.

ج - انتقال النفس بالموت، من البدن المادي إلى بدن مثله في هذه النشأة.

و هذا النوع من الانتقال هو التناسخ المصطلح الذي ذهب إليه بعض الفلاسفة من البراهمة و الهندوس و غيرهم.

و تبيين الحق يتوقف على بيان ما يتصور للتناسخ من الأقسام حتى يعلم أيّ

ص: 298


1- أقرب الموارد، ج 2، مادة نسخ.
2- المفردات في غريب القرآن، مادة نسخ.

قسم منها يضاد المعاد و يخالفه، فنقول: إن للتناسخ المطروح من قبل أصحابه صورا ثلاثة:

الصورة الأولى: التناسخ المطلق

و هو انتقال النفس من بدن إلى بدن آخر في هذه النشأة، فإذا مات البدن الثاني انتقلت إلى ثالث، و هكذا بلا توقف أبدا، و البدن المنتقل إليه قد يكون بدن إنسان أو حيوان أو نبات. و طريق الانتقال غالبا، هو التعلّق بجنين الإنسان أو الحيوان، أو بالخليّة النباتية. و قد نسب هذا القول إلى القدماء من الحكماء.

قال شارح حكمة الإشراق(1): «إن شرذمة قليلة من القدماء ذهبوا إلى امتناع تجرّد شيء من النفوس بعد المفارقة لأنها جسمانية، دائمة الانتقال في الحيوانات و غيرها من الأجسام، و يعرفون بالتناسخية، و هم أقلّ الحكماء تحصيلا»(2).

الصورة الثانية: التناسخ المحدود (النزولي)

و هو أن يختص الانتقال ببعض النفوس دون بعض آخر، و هذا كما هو محدود من حيث الأفراد، محدود كذلك من حيث الزّمان. و ذلك لأن الانتقال قد ينقطع، و لا ترجع النفس إلى النشأة الدنيوية، بل تلتحق بعالم النور و العقول.

و وجه المحدودية من حيث الأفراد، أنّ النفوس المفارقة للأبدان بعد الموت، على قسمين:

1 - نفوس كاملة في مجالي العلم و العمل، فهذه لا حاجة لها للانتقال إلى أبدان أخرى، لأنها وصلت إلى كمالها الممكن، فلا تحتاج إلى الرجوع ثانية إلى هذه النشأة.

ص: 299


1- قطب الدين محمود بن مسعود الشيرازي، المتوفي عام 710 أو 716 للهجرة.
2- شرح حكمة الإشراق، المقالة الخامسة، الفصل الأول، ص 476.

2 - و نفوس ناقصة في كلا المجالين، فلا مناص لتكاملها من إرجاعها إلى هذه النشأة حتى تكتمل فيهما إلى أن تصير غنية عن الرجوع، فتلحق بعالم العقول.

و أما المحدودية من جانب الزمان، فوجهه أنّ الهدف من التناسخ و رجوع النفس إلى البدن في هذه النشأة مجددا، هو إكمالها في مجال العلم، و تهذيبها من الرذائل، و تجريدها من الكدورات. فإذا صارت منزهة عنها، فلا وجه لدوام هذا النقل و التحوّل، بل لا مناص من لحوقها بعد الاستكمال بعالم النور.

و يسمى التناسخ المحدود من حيث الأفراد و الأزمنة ب «التناسخ النزولي».

يقول صدر المتألهين شارحا هذه العقيدة: «إن أول منزل للنفس، الصّيصيّة الإنسانية(1)، و يسمونها «باب الأبواب لحياة جميع الأبدان الحيوانية و النباتية»، و هذا هو رأي يوذاسف التناسخي، قائلا بأن الكاملين من السعداء تتصل نفوسهم بعد المفارقة بالعالم العقلي و الملأ الأعلى، و تنال من السعادة ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر. و أما غير الكاملين من السعداء كالمتوسطين منهم و الناقصين في الغاية و الأشقياء على طبقاتهم، فتنتقل نفوسهم من هذا البدن إلى تدبير بدن آخر من النوع الإنساني لا إلى غيره.

و بعضهم جوّز ذلك و لكن اشترط أن يكون إلى بدن حيواني. و بعضهم جوّز النقل من البدن الإنساني إلى البدن النباتي أيضا، و بعضهم إلى الجامد أيضا»(2).

الصورة الثالثة: التناسخ الصعودي

و هناك قسم ثالث من التناسخ يسمى بالصعودي، يغاير التناسخ النزولي، و حاصله أنّ الحياة إنما تفاض على المستعد فالمستعد، و النبات - بزعمهم - أشدّ

ص: 300


1- أي البدن و الهيكل المادي الإنساني في اصطلاح شيخ الإشراق و من تابعه.
2- الأسفار، ج 9، الباب الثامن، الفصل 2، ص 8 و يسمي الأول نسخا و الثاني مسخا و الثالث فسخا و الرابع رسخا، يقول الحكيم السبزواري: نسخ و مسخ رسخ فسخ قسما إنسانا و حيوانا جمادا نما

استعدادا و أولى بقبول الفيض الجديد من الحيوان و الإنسان، كما أنّ الإنسان يستدعي نفسا أشرف، و هي التي جاوزت الدرجات النباتية و الحيوانية.

و في ضوء هذا، فالحياة تفاض على النبات أولا، ثم تنتقل منه إلى الحيوان، ثم إلى الإنسان، و هذا النوع من التناسخ أشبه بالقول بالحركة الجوهرية، و أنّ الأشياء في ظلّها تخرج من القوة إلى الفعل، و من النقص إلى الكمال، و أنّ الموجود النباتي يتحول إلى الحيوان، ثم الإنسان، لكن الفرق بين القول بالتناسخ الصعودي و الحركة الجوهرية، هو أنّ التكامل في القول بالتناسخ على وجه الانفصال دون الاتصال، فالنفس النباتية تنتقل من النبات إلى البدن الحيواني، ثم منه إلى البدن الإنساني، و لكن التحول في الحركة الجوهرية، على وجه الاتصال، و أنّ النطفة الإنسانية تتحول و تتكامل من مرتبة ناقصة إلى مرتبة كاملة حتى يصدق عليها قوله سبحانه: ثُمَّ أَنْشَأْنٰاهُ خَلْقاً آخَرَ، فَتَبٰارَكَ اَللّٰهُ أَحْسَنُ اَلْخٰالِقِينَ (1).

فظهر أنّ في التناسخ أقوالا ثلاثة:

1 - التناسخ المطلق: و هو ما لا ينتهي النقل فيه و لا يتوقف و يعم الجميع.

2 - التناسخ النزولي: و هو ما لا يعم الجميع أولا، و يتوقف النقل فيه بعد التصفية و بلوغ مراتب الكمال، ثانيا.

3 - التناسخ الصعودي: و هو ما يحصل فيه انتقال النفس في جهة الصعود، من النبات إلى الحيوان فالإنسان. إذا تعرفت على المراد من هذه الأقسام، فإليك تحليلها، و بيان بطلانها:

العناية الإلهية و التناسخ المطلق

إنّ التناسخ المطلق يعاند المعاد معاندة تامة، و القائل به ليس له التفوه بعود

ص: 301


1- سورة المؤمنون: الآية 14. و ما ذكرناه إجمال ما يرمي إليه أصحاب هذا القول، و التفصيل يطلب من محله، لاحظ في ذلك «أسرار الحكم»، للحكيم السبزواري، ص 293-294.

الأرواح إلى الأبدان في النشأة الأخرى، لأنّ المفروض أنّ الروح تنتقل إلى الأبد من بدن إلى بدن، بلا توقف، فلا مجال للنفس لكي تبعث في النشأة الاخرى.

و لعل أصحاب هذه النظرية - لقلّة تدبّرهم - حسبوا هذا النوع من الانتقال للنفس معادا لها، فالمعاد عندهم هو انتقال النفس من بدن إلى بدن في هذه النشأة دون أن تكون هناك نشأة أخرى.

و يردّها أنّ النفس عند هؤلاء لا تخلو من إحدى حالتين: إما أن تكون منطبعة في البدن، انطباع الأعراض في الجواهر، و الصور الجوهرية في المادة، فهي ممتنعة الانتقال، إذ الانطباع ينافي الانتقال، و الجمع بينهما جمع بين النقيضين، فإنه يستلزم أن تكون النفس في حال الانفصال موجودة بلا موضوع، و متحققة بلا محل.

أو تكون مجرّدة تجردا تاما، و مع ذلك تكون دائمة الانتقال في الأجسام من غير لحوق بعالم النور و هو باطل أيضا إذ العناية الإلهية، تقتضي إيصال كل ذي كمال إلى كماله، و كما النفس العلمي يتحقق بصيرورتها عقلا مستفادا(1)، فيه صور جميع الموجودات، و كمال العقل العملي يتحقق بالتخلية عن رذائل الأخلاق، و التحلية بمكارمها. فلو كانت دائمة الانتقال، كانت ممنوعة عن كمالها، أزلا و أبدا، و العناية الأزلية تأبى ذلك(2).

و بعبارة أخرى: إنّ النفس الإنسانية مستعدة لإفاضة الكمالات عليها، فحبسها في الصياصي البدنية في هذه النشأة، و إيقافها عن الصعود إلى النشأة الأخرى، يخالف الحكمة الإلهية المتعلقة بإبلاغ كل ممكن إلى غايته الممكنة.

ص: 302


1- العقل المستفاد أحد مراتب العقل الأربعة المصطلح عليها في الحكمة النظرية: و هي عبارة عن: 1 - العقل الهيولاني، 2 - العقل بالملكة، 3 - العقل بالفعل، 4 - العقل المستفاد، راجع في توضيحها شرح المنظومة للحكيم السبزواري، قسم الطبيعيات، مباحث النفس، ص 306-307.
2- شرح حكمة الإشراق المقالة الخامسة، الفصل الأول، ص 476. و الأسفار، ج 9، الباب الثامن، الفصل الثاني.
الحركة الرجعية و التناسخ النزولي

و الذي يبطل هذا النوع الثاني من التناسخ، استلزامه الحركة الرجعية للنفس من الأشد إلى الأنقص، و من الأقوى إلى الأضعف بحسب الذات، و هو أمر محال. و توضيحه:

إنّ حقيقة التناسخ النزولي تتحقق بتعلق روح الإنسان بعد مفارقة البدن بالموت، بجنين إنسان أو حيوان أو خلية نباتية، و الكل دونها في الكمال.

فأصحاب هذا القول يتصورون أن النفوس المتوسطة تنتقل بعد فناء أبدانها إلى أجنة الإنسان أو الحيوان، و تعود إلى الدنيا لمتابعة مسيرة الاستكمال، و الارتقاء إلى درجة النفوس الكاملة.

و لكنه خيال باطل، لأن تعلق تلك النفوس بأجنة الإنسان أو الحيوان لا يخلو من صورتين:

الأولى: أن تتعلق النفس بالجنين الإنساني أو الحيواني بما لها من الكمال المناسب لمقامه. و هذا غير ممكن عقلا، لأن النفس ما دامت في البدن تزداد في فعليتها شيئا فشيئا حتى تصير أقوى وجودا و أشد تحصّلا. و مثل هذا لا يمكنه أن يتعلق بالموجود الأدنى منه، الذي لا يتحمل ذلك الكمال و تلك الفعليّة، لعدم تحقق التعاضد و الانسجام بينهما.

و بعبارة أخرى: إنّ واقعية النفس التي عاشت مع البدن أربعين سنة مثلا، واقعية تفتّح القوى و بلوغها مقام الفعلية. و أما واقعية النفس التي تتعلق بالأجنة، فهي فقدان كلّ فعلية، و انتسابها إلى جميع الكمالات بالقوة، فحسب. فالقول بتعلق تلك الفعلية بالجنين، جمع بين النقيضين. لأنها - على الفرض - بما أنّها نفس إنسان مرّت عليه أربعون سنة، مستجمعة لجميع الكمالات بالفعل. و بما أنها تعلقت بالجنين، مستجمعة لها بالقوة فحسب. فتكون الكمالات في محل واحد و زمان واحد، بالفعل و بالقوة معا، و هذا محال.

الثانية: أن تتعلق تلك النفوس بالأجنّة، لكن بعد تنزّلها عن فعليّاتها، و انسلاخها عن كمالاتها. و هذا النحو من التعلّق، و إن كان يوجد بين البدن

ص: 303

و النفس تعاضدا و انسجاما، لكن ذاك الانسلاخ إما ناشئ من ذات النفس و نابع من صميمها، و إما قد حصل بقهر من اللّه سبحانه. و الأول لا يتصور، لأن الحركة الذاتية من الكمال إلى النقص غير معقولة، و الثاني ينافي الحكمة الإلهية التي تقتضي بلوغ كل ممكن إلى كماله الممكن(1).

و بما أن القائلين بهذا النوع من التناسخ يخصّونه بالمتوسطين في الكمال و الناقصين فيه، دون الكاملين في مجالي العلم و العمل، فهو على طرف النقيض من المعاد في الصنفين الأوّلين، دون الصنف الثالث الذين لهم الحشر و الانتقال إلى النشأة الأخرى دون التناسخ.

نعم، المتوسطون و الناقصون - بعد انتهاء دورة التناسخ و زمنها - ينتقلون إلى عالم النور فيكون لهم من الحشر ما للكاملين من أفراد الإنسان.

التناسخ الصعودي و انتقال النفس

ذكرنا أنّ أصحاب التناسخ الصعودي يقولون بأنّ تكامل النفس من بدء حدوثها يتوقف على ظهور الحياة في النبات لتكون نفسا نباتية إلى أن تنتقل إلى بدن الحيوان فتصير نفسا حيوانية، ثم نفسا إنسانية، و عندئذ يقع السؤال في حقيقة هذه النفس، فنقول:

إن النفس الموجودة في الحيوان مثلا، إما منطبعة انطباع النقوش في الحجر، و الأعراض في موضوعاتها، و الصور في محالّها، فيكون انتقالها مستحيلا على ما مرّ، أعني استلزامه أن تكون في آن الانتقال بلا موضوع و محل.

و إمّا مجرّدة، لها من الخصوصيات ما للنفوس الحيوانية، فمن المعلوم أنّ النفس الحيوانية بما لها من الخصوصية يمتنع أن تتحول إلى النفس الإنسانية، فإنّ كمال النفس الأولى عبارة عن القوة الشهوية و حسّ الانتقام، و هما يعدّان كمالا

ص: 304


1- ما ذكرناه تقريرا واضح لما أفاده صدر المتألهين، في أسفاره. لاحظ الأسفار، ج 9، ص 16.

لنفوس الدواب و الأنعام و أصلا عظيما للجسمانية و الإخلاد إلى الأجساد. فلو تعلقت هذه النفس - بهذه الخصوصية - بالإنسان، لوجب أن تنحط درجة إلى نوع نازل من الحيوان المناسب لهذه السجايا و الغرائز. فإذا كان مقتضى الشهوة الغالبة أو الغضب الغالب، شقاء النفس و نزولها إلى مراتب الحيوانات الصامتة، التي كمالها في كمال إحدى هاتين القوتين، فيمتنع أن يكون وجود هاتين القوتين و أفعالهما منشأ لارتفاع النفوس من درجتها البهيمية و السبعية إلى درجة الإنسان الذي كمال نفسه كسر هاتين القوتين. فتعلق النفس الحيوانية بما لها من الخصوصيات و الغرائز بالإنسان، لا يرفعه بل ينزله إلى درجة تناسب درجة الحيوانات(1).

و على الجملة فالنفس الحيوانية متشخصة بغرائز خاصة هي التمايلات الشهوية و السبعية و الإخلاد إلى الأرض و المادة، فكيف يمكن أن تكون مثل هذه أساسا لتكامل الإنسان و تعاليه، الذي لا يتحقق له التكامل إلا بتحطيم هذه الغرائز و كسر ثورتها فإن هذا أشبه بجعل وجود الضد شرطا لوجود ضد آخر.

نعم، هذا الإشكال إنما يتصور في التكامل الصعودي المنفصل المراتب و الدرجات دون متصلها كما في تكامل الإنسان في رحم أمه من الجمادية إلى النفس الإنسانية، في ظل صور متوالية متتالية دون أن يقع بينها انفصال.

و على كل تقدير فهذا القسم من التناسخ باطل في نفسه، و إن كان لا يصادم القول بالمعاد و حشر الإنسان في النشأة الأخرى، بخلاف القسمين السابقين، فإن الأول منهما على طرف النقيض من المعاد مطلقا و القسم الثاني على طرف النقيض منه في مورد غير الكاملين من النفوس الإنسانية.

تحليل جامع للقول بالتناسخ
اشارة

قد تعرفت على أقسام التناسخ و البراهين التي تهدم أساس كل واحد منها،

ص: 305


1- لاحظ الأسفار، ج 9، ص 23.

و هناك برهانان آخران على بطلان التناسخ على وجه الإطلاق، من دون أن يختصا بقسم دون قسم، و إليك بيانهما:

الأول: اجتماع نفسين في بدن واحد
اشارة

و هذا البرهان مبنى على أمرين:

أ - إنّ كل جسم نباتا كان أو حيوانا أو إنسانا، إذا بلغ من الكمال إلى درجة يصير فيها صالحا لتعلّق النفس به، تتعلق به. و بعبارة أخرى: متى حصل في البدن مزاج صالح لقبول تعلق النفس المدبرة به، فبالضرورة تفاض عليه من الواهب من غير مهلة و لا تراخ، و ذلك مقتضى الحكمة الإلهية التي شاءت إبلاغ كل ممكن إلى كماله الممكن.

ب - إن القول بالتناسخ يستلزم تعلّق النفس المستنسخة المفارقة للبدن، ببدن نوع من الأنواع من نبات أو حيوان أو إنسان، بحيث يتقوم ذلك البدن بالنفس المستنسخة المتعلقة به.

و لازم تسليم هذين الأمرين، تعلّق نفسين ببدن واحد: إحداهما النفس المفاضة على البدن لأجل صلاحيته للإفاضة، و ثانيتهما النفس المستنسخة المتعلقة بعد المفارقة بمثل هذا البدن.

و من المعلوم بطلانه و ذلك لأن تشخص كل فرد من الأنواع بنفسه و روحه، و فرض نفسين و روحين مساوق لفرض ذاتين و وجودين لوجود واحد و ذات واحدة.

أضف إلى ذلك: أنه ما من شخص إلا و يشعر بنفس و ذات واحدة. قال التفتازاني: إنّ كلّ نفس تعلم بالضرورة أن ليس معها في هذا البدن نفس أخرى تدبر أمره و أن ليس لها تدبير و تصرّف في بدن آخر، فالنفس مع البدن على التساوي، ليس لبدن واحد إلا نفس واحدة، و لا تتعلق نفس واحدة إلا ببدن واحد(1).

ص: 306


1- شرح المقاصد، ج 2، ص 38. و لاحظ كشف المراد، ص 113، ط صيدا. و يضيف الأخير:
سؤال و جواب:

أما السؤال فهو أنّ هذا إنما يتم إذا كان هناك فصل زمني بين صلوح البدن لإفاضة الحياة، و تعلّق النفس المستنسخة. و أما إذا كان صلوحه و قابليته، مقارنا لتعلق النفس المستنسخة، فلا يلزم اجتماع نفسين في بدن واحد، لأنها تمنع عن إفاضة الحياة عليه، فلا تكون له نفسان و لا حياتان.

و الجواب: إن كون النفس المستنسخة مانعة من حدوث النفس الأخرى ليس بأولى من منع الأخرى من التعلّق بالبدن.

أضف إلى ذلك أنّ استعداد المادة البدنية لقبول النفس من الواهب للصور، يجري مجرى استعداد الجدار لقبول نور الشمس مباشرة أو انعكاسا إذا رفع الحجاب من أمامه. فإن كان عند ارتفاع الحجاب جسم ثقيل ينعكس فيه نور الشمس الواقع عليه إلى ذلك الجدار، أشرق عليه النوران الشمسيان المباشري و الانعكاسي، و لا يمنع من وقوع الانعكاسي، وقوع النور المباشري عليه. و مثل ذلك ما نحن فيه، غير أن اجتماع النفسين ممتنع، و مانعية إحداهما عن طروء الأخرى غير صحيحة. فينتج أنّ التناسخ المبتني على أحد الأمرين (اجتماع نفسين أو مانعية إحداهما من طروء الأخرى) باطل(1).

الثاني: عدم التناسخ بين النفس و البدن
اشارة

قد ثبت في محله أنّ تركيب البدن و النفس، تركيب طبيعي اتحادي، لا تركيب انضمامي، فليس تركيبهما كتركيب السرير من الأخشاب و المسامير، و لا كتركيب العناصر الكيميائية و تأثير بعضها في بعض.

و النفس في أول حدوثها متسمة بالقوة، في كل ما لها من الأحوال، و كذا البدن، و لها في كل وقت شأن آخر من الشئون الذاتية بإزاء سن الطفولة و الصبا

ص: 307


1- لاحظ الأسفار، ج 9، ص 10، و هذا البرهان يختص المشائيين و قبله صدر المتألهين أيضا.

و الشباب و الشيخوخة و الهرم. و هما معا يخرجان من القوة إلى الفعل، و درجات القوة و الفعل في كل نفس معينة بإزاء درجات القوة و الفعل في بدنها الخاص بها ما دامت متعلقة به. فإذا صارت بالفعل في نوع من الأنواع استحال صيرورتها تارة أخرى في حد القوة المحضة، كما استحال صيرورة الحيوان بعد بلوغه تمام الخلقة، نطفة و علقة.

فلو تعلقت نفس منسلخة ببدن آخر عند كونه جنينا أو غير ذلك، يلزم كون أحدهما بالقوة و الآخر بالفعل، و ذلك ممتنع. لأن التركيب بينهما طبيعي اتحادي، و التركيب الطبيعي يستحيل بين أمرين، أحدهما بالفعل و الآخر بالقوة(1).

نعم، هذا البرهان إنما يتم لو تعلقت النفس ببدن أدون من حيث الدرجات الفعلية من النفس، كما إذا تعلقت بالجنين على مراتبه و أما لو تعلقت ببدن له من الفعلية ما للنفس منها، فالبرهان غير جار فيه.

و هذا البرهان يغاير البرهان الذي ذكرناه، عند إبطال التناسخ النزولي فإن محور البرهان هنا لزوم التناسق بين البدن و النفس من حيث القوة و الفعل، و هذا الشرط مفقود في أكثر موارد التناسخ، كما إذا تعلقت بالجنين.

و أما ما ذكرناه في إبطال التناسخ النزولي فإن محوره هو لزوم الحركة الرجعية في عالم الكون، و رجوع ما بالفعل إلى ما بالقوة، فلا يختلط عليك الأمران.

سؤالان و جوابان
اشارة

قد فرغنا من أقسام التناسخ و أنواعه و ما يمكن أن يستدل به على إبطالها.

و بقى هنا سؤالان يجب طرحهما و الإجابة عنهما:

ص: 308


1- الأسفار، ج 9، ص 2-3.
السؤال الأول: التناسخ و وقوع المسخ في الأمم السالفة

لو كان تعلق النفس الإنسانية ببدن الحيوان بعد مفارقة البدن الإنساني تناسخا ممتنعا، فكيف وقع المسخ في الأمم السالفة، حيث مسخوا إلى القردة و الخنازير كما يقول سبحانه: قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اَللّٰهِ مَنْ لَعَنَهُ اَللّٰهُ وَ غَضِبَ عَلَيْهِ وَ جَعَلَ مِنْهُمُ اَلْقِرَدَةَ وَ اَلْخَنٰازِيرَ وَ عَبَدَ اَلطّٰاغُوتَ أُولٰئِكَ شَرٌّ مَكٰاناً وَ أَضَلُّ عَنْ سَوٰاءِ اَلسَّبِيلِ (1).

و يقول سبحانه: فَلَمّٰا عَتَوْا عَنْ مٰا نُهُوا عَنْهُ قُلْنٰا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خٰاسِئِينَ (2).

فإن صريح هذه الآيات تحوّل جماعة من البشر إلى قردة و خنازير، و هو لا ينفك عن تعلق نفوسهم البشرية بأبدان الحيوانات. فما هو الفرق بينه و القول بالتناسخ؟.

الجواب: إنّ مقوم التناسخ أمران:

1 - تعدد البدن، فإن في التناسخ بدنين: أحدهما البدن الذي تنسلخ عنه الروح، و الثاني: البدن الذي تتعلق به ثانيا بعد المفارقة سواء كان نباتا أو حيوانا أو جنينا.

2 - تراجع النفس الإنسانية من كمالها إلى الحد الذي يناسب بدنها المتعلقة به من نبات أو حيوان أو جنين أو إنسان.

و كلا الشرطين مفقود في المقام، فإن الأمة الملعونة و المغضوبة مسخت إلى القردة و الخنازير بنفس أبدانها الأولية، فخرجت عن الصورة الإنسانية إلى الصورة القردية و الخنزيرية من دون أن يكون هناك بدنان. كما أن نفوسها السابقة بقيت

ص: 309


1- سورة المائدة: الآية 60.
2- سورة الأعراف: الآية 166. و الاستدلال مبني على أن المراد من النكالة هو العقوبة كما أن المراد من الموصول في «لما بين يديها و ما خلفها»، الذنوب المتقدمة على الاصطياد و المتأخرة عنه. فتكون اللام في قوله: «لما»، سببيّة. (لاحظ مجمع البيان، ج 1، ص 130).

على الحد الذي كانت عليه، و ذلك لتنظر إلى الصورة الجديدة التي عرضت عليها، فتعاقب و تنزجر. و إلا، لو انقلبت نفوسها من الحد الذي كانت عليه إلى حد النفس الحيوانية، فلا شكّ أنّها ستكون قردة بالحقيقة، و عندئذ لا يترتب عليه عقاب و لا يصدق عليه النكال، مع أنه سبحانه يصفه نكالا، و يقول:

فَجَعَلْنٰاهٰا نَكٰالاً لِمٰا بَيْنَ يَدَيْهٰا وَ مٰا خَلْفَهٰا وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (1) .

و هذان الأمران يفصلان المسخ في الأمم السالفة عن القول بالتناسخ.

و بالجملة: فقد تجلت الروحيات الخبيثة التي كانت عليها تلك الأمة، على ظواهر أبدانها، فلبست لباس الخنازير و القردة المعروفة بالحرص الشديد، و مثل هذا - مع وحدة البدن و عدم نزول النفس عن درجتها السابقة - لا يعدّ تناسخا.

قال التفتازاني: «إن المتنازع هو أن النفوس بعد مفارقتها الأبدان، تتعلق في الدنيا بأبدان أخر للتدبير و التصرف و الاكتساب، لا أن تتبدل صور الأبدان، كما في المسخ. أو أن تجتمع أجزاؤها الأصلية بعد التفرق، فتردّ إليها النفوس، كما في المعاد على الإطلاق، و كما في إحياء عيسى بعد الأشخاص»(2).

و قال العلامة المجلسي: «إن امتياز نوع الإنسان، إذا كان بهذا الهيكل المخصوص، فلا يكون إنسانا بل قردا. و إن كان امتيازه بالروح المجردة، كانت الإنسانية باقية غير ذاهبة، و كان إنسانا في صورة حيوان، و لم يخرج من نوع الإنسان و لم يدخل في نوع آخر»(3).

يقول العلامة الطباطبائي: لو فرضنا إنسانا تغيّرت صورته إلى صورة نوع آخر من أنواع الحيوان كالقرد و الخنزير، فإنما هي صورة على صورة، فهو إنسان خنزير، أو إنسان قرد، لا إنسان بطلت إنسانيته و حلّت الصورة الخنزيرية أو القردية محلها، فالإنسان إذا اكتسب صورة من صور الملكات، تصورت نفسه

ص: 310


1- سورة البقرة: الآية 66.
2- شرح المقاصد، ج 2، ص 39.
3- البحار، ج 58، طبعة بيروت، ص 113.

بها، و لا دليل على استحالة خروجها في هذه الدنيا من الكمون إلى البروز على حد ما ستظهر في الآخرة بعد الموت.

فالممسوخ من الإنسان، إنسان ممسوخ، لا أنّه ممسوخ فاقد للإنسانية.

و بذلك يظهر الفرق بين المقام و التناسخ، فإن التناسخ هو تعلق النفس المستكملة بنوع كمالها بعد مفارقتها البدن، ببدن آخر، بخلاف المقام(1).

السؤال الثاني: التناسخ و الرجعة

ما هو الفرق بين التناسخ الباطل بالأدلة السابقة، و القول بالرجعة على ما عليه الإمامية، فإن رجوع بعض النفوس بعد مفارقتها أبدانها، إليها في هذه النشأة، أشبه بالتناسخ.

و الجواب: قد عرفت عند البحث عن المسخ، أن مجوز التناسخ أمران:

تعدد البدن و تراجع النفس عن الحد الذي كانت عليه، و كلاهما مفقودان في الرجعة، فإن النفس ترجع إلى البدن الذي فارقته من دون أن تمس كمال النفس، و تحطها من مقامها، بل هي على ما هي عليه من الكمال عند المفارقة، فتتعلق أخرى بالبدن الذي فارقته.

و من هنا يظهر أن القول بالحشر في النشأة الأخرى، على طرف النقيض من التناسخ.

خاتمة المطاف

إن الذكر الحكيم ينصّ على عدم رجوع نفس الإنسان إلى هذه الدنيا بعد مفارقتها البدن (خرج ما خرج بالدليل كما في إحياء الأموات بيد الأنبياء العظام و غيره) يقول سبحانه: حَتّٰى إِذٰا جٰاءَ أَحَدَهُمُ اَلْمَوْتُ قٰالَ رَبِّ اِرْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صٰالِحاً فِيمٰا تَرَكْتُ، كَلاّٰ إِنَّهٰا كَلِمَةٌ هُوَ قٰائِلُهٰا، وَ مِنْ وَرٰائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلىٰ يَوْمِ

ص: 311


1- الميزان، ج 1، ص 210 بتلخيص.

يُبْعَثُونَ (1) .

إن قوله سبحانه: كَلاّٰ ، ردع لطلب الرجوع إلى الدنيا، فيفيد أنه على خلاف السنة الإلهية، و مع ذلك فهو كسائر السنن التي ربما يخرج عنها بدليل.

و بذلك تعرف قيمة كلمة أحمد أمين المصري ذلك الكاتب المستهتر حيث يقول: «و تحت التشيّع ظهر القول بتناسخ الأرواح»(2). و المسكين لا يفرق بين المسخ و التناسخ، كما لا يفرق بين التناسخ و الرجعة، بل بين التناسخ و المعاد.

ص: 312


1- سورة المؤمنون: الآيتان 99 و 100.
2- فجر الإسلام، ص 277 و قد افترى على الشيعة في كتابه هذا ما افترى، و ندم عليه في أخريات عمره حيث لا ينفع الندم.

مباحث المعاد

(13) الإيمان و أحكامه

اشارة

الإيمان، من الأمن، و له في اللغة معنيان متقاربان، أحدهما: الأمانة، التي هي ضدّ الخيانة، و معناها سكون القلب. و الآخر: التصديق، و المعنيان متدانيان(1).

و المراد هنا هو المعنى الثاني، فيقال: آمن به، إذا أذعن به و سكنت نفسه و اطمأنّت بقوله، و هو تارة يتعدى بالباء كما في قوله تعالى: آمَنّٰا بِمٰا أَنْزَلْتَ (2)و أخرى باللام، كما في قوله تعالى: وَ مٰا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنٰا (3) و قوله تعالى:

فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ (4) .

و هذه الآيات تدل على أنّ الإيمان هو التصديق القلبي، و يؤكّده قوله سبحانه: أُولٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ اَلْإِيمٰانَ (5)، و قوله سبحانه: وَ لَمّٰا يَدْخُلِ اَلْإِيمٰانُ فِي قُلُوبِكُمْ (6)، و قوله سبحانه: وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ (7).

ص: 313


1- مقاييس اللغة، ج 1، ص 133. و لو جعل سكون القلب تفسيرا للمعنى الثاني أي التصديق لكان أحسن.
2- سورة آل عمران: الآية 53.
3- سورة يوسف: الآية 17.
4- سورة العنكبوت: الآية 26.
5- سورة المجادلة: الآية 22.
6- سورة الحجرات: الآية 14.
7- سورة النحل الآية 106.

و تؤكّده آيات الطبع و الختم، فإنه تعرب عن كون محل الإيمان هو القلب، كما يقول سبحانه: أُولٰئِكَ اَلَّذِينَ طَبَعَ اَللّٰهُ عَلىٰ قُلُوبِهِمْ وَ سَمْعِهِمْ وَ أَبْصٰارِهِمْ، وَ أُولٰئِكَ هُمُ اَلْغٰافِلُونَ (1) و يقول سبحانه: وَ خَتَمَ عَلىٰ سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلىٰ بَصَرِهِ غِشٰاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اَللّٰهِ أَ فَلاٰ تَذَكَّرُونَ (2). و الختم على السمع و البصر لأجل كونهما من أدوات المعرفة التي يستخدمها القلب. و المآل هو القلب.

فالإمعان في هذه الآيات يثبت أنّ الإيمان هو التصديق القلبي، و أما أنّ هذا المقدار من الإيمان يكفي في نجاة الإنسان أو لا، فهو بحث آخر، إذ من الممكن أن يكون للإيمان في مجال النجاة شروط أخر.

سؤال:
اشارة

لو كان الإذعان القلبي كافيا في صدق الإيمان، فلما ذا يندد سبحانه بجماعة من الكفار بأنّهم جحدوا الحقيقة بألسنتهم و إن استيقنوها بقلوبهم، مع أنّهم على التعريف الذي ذكرناه، مؤمنين. يقول سبحانه: وَ جَحَدُوا بِهٰا وَ اِسْتَيْقَنَتْهٰا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا، فَانْظُرْ كَيْفَ كٰانَ عٰاقِبَةُ اَلْمُفْسِدِينَ (3). و يقول سبحانه:

فَلَمّٰا جٰاءَهُمْ مٰا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ (4) . و يقول سبحانه: اَلَّذِينَ آتَيْنٰاهُمُ اَلْكِتٰابَ يَعْرِفُونَهُ كَمٰا يَعْرِفُونَ أَبْنٰاءَهُمْ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ اَلْحَقَّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ (5). فهذه الآيات تدلّ على عدم كفاية التصديق القلبي في صدق الإيمان.

جوابه:

إن الإيمان هو التصديق، و أما التنديد، فلأنّ ظاهرهم كان مخالفا لباطنهم، فكانوا يتظاهرون بالنفاق، و لو لا التظاهر بالخلاف، بأن لا يجحدوا بعد

ص: 314


1- سورة النحل: الآية 108.
2- سورة الجاثية: الآية 23.
3- سورة النمل: الآية 14.
4- سورة البقرة: الآية 89.
5- سورة البقرة: الآية 146.

الاستيقان، و لا يكفروا باللسان ما عرفوه قبلا، لكانوا مؤمنين حقا.

نعم، لا يمكن الحكم بإيمانهم في مجال الإثبات إلا إذا دلّ الدليل على إذعانهم قلبا، و هذا خارج عن موضوع البحث.

سؤال:
اشارة

ما هو الأثر المترتب على التصديق القلبي؟.

جوابه:

الإيمان بهذا المعنى، موضوع للأثر في الدنيا و الآخر. أما في الدنيا، فحرمة دمه و عرضه و ماله، إلا أن يرتكب قتلا أو يأتي بفاحشة.

و أما في الآخرة، فصحة أعماله، و استحقاق الثواب عليها، و عدم الخلود في النار، و استحقاق العفو و الشفاعة في بعض المراحل.

سؤال:
اشارة

إنّ التصديق اللساني، أيضا له أثره الدنيوي من حرمة الدم و العرض و المال.

جوابه:

إن التصديق اللساني بما أنّه كاشف عن التصديق القلبي، يترتب عليه ذلك الأثر، فالأثر للمكشوف عنه لا للكاشف، و إلا فلو تبين نفاقه، و أنّه يتظاهر بما ليس في القلب، فلا حرمة لدمه و ماله و عرضه في الواقع.

نعم، يجب علينا مجازاته حسب إقراره و اعترافه إلا إذا كشف بقوله و إقراره عن سريرته، هذا.

و إن السعادة الأخروية رهن العمل، لا يشك فيه من له إلمام بالشريعة

ص: 315

و الآيات و الروايات الواردة حول العمل، و التصديق القلبي إذا لم يقترن بالعمل، لا ينجو الإنسان من عذاب الآخرة.

هذا هو الحق في الإيمان، و هاهنا أقوال أخر، نشير إليها:

الأول: إن الإيمان هو التصديق بالقلب و اللسان معا، و لا يكفي التصديق القلبي وحده، و هذا القول للمحقق الطوسي مستدلا بما مضى من قوله سبحانه:

وَ جَحَدُوا بِهٰا وَ اِسْتَيْقَنَتْهٰا أَنْفُسُهُمْ (1) .

يلاحظ عليه: إنّ التنديد بهم سببه نفاقهم، و عدم مطابقة لسانهم لما في قلوبهم. فلو كانوا مستيقنين غير منكرين بألسنتهم لكانوا مستحقين للثناء.

الثاني: إنّ الإيمان هو الإقرار باللسان. و استدل القائل به بأنّ من أعلن بلسانه شهادة الإسلام فهو مسلم محكوم له بحكم الإسلام.

أضف إليه قول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله في السوداء: «اعتقها فإنها مؤمنة»(2).

يلاحظ عليه: إنّ الحكم لهم بالإسلام أو بالإيمان إنما هو بحسب الظاهر، و ليس هو حكما بحسب الواقع، ففي هذا المقام يجعل الاعتراف اللساني طريقا إلى التصديق الجنائي، و لو علم خلافه، لحكم بالنفاق. قال سبحانه: وَ مِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّٰا بِاللّٰهِ وَ بِالْيَوْمِ اَلْآخِرِ وَ مٰا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (3).

فإنّ الرسول و أصحابه كانوا مكلفين بالحكم حسب المعايير الظاهرية التي تكشف عادة عن الإيمان القلبي، قال رسول اللّه: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلاّ اللّه، و يؤمنوا بما أرسلت به، فإذا فعلوا ذلك، عصموا مني

ص: 316


1- كشف المراد، ص 270، ط صيدا.
2- الفصل، ج 3، ص 206.
3- سورة البقرة: الآية 8.

دماءهم و أموالهم إلاّ بحقها، و حسابهم على اللّه»(1).

و بذلك يظهر وجه حكمه صلى اللّه عليه و آله في السوداء بأنها مؤمنة. روى ابن حزم عن خالد بن الوليد أنّه قال: ربّ رجل يقول بلسانه ما ليس في قلبه، فقال صلى اللّه عليه و آله: «إنّي لم أبعث لأشقّ عن قلوب الناس»(2).

و كيف يكتفي القائل بالتصديق اللساني، مع أنّ صريح الكتاب على خلافه، قال سبحانه: قٰالَتِ اَلْأَعْرٰابُ آمَنّٰا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنٰا وَ لَمّٰا يَدْخُلِ اَلْإِيمٰانُ فِي قُلُوبِكُمْ (3) و الأعراب صدّقوا بألسنتهم، و أنكروا بقلوبهم، فرد اللّه عليهم بأنّكم لستم مؤمنين لأنّكم مصدّقون بألسنتكم لا بقلوبكم.

الثالث: إنّ الإيمان هو التصديق بالقلب و اللسان مع العمل، فالعمل عنصر حقيقي مقوّم للإيمان، و الفاقد له ليس بمؤمن بتاتا و القائلون بهذا هم الخوارج و المعتزلة(4)، غير أنّ بينهما فرقا في المقام.

فالخوارج يرون العمل مقوّما للإيمان، فالمقرّ قلبا و لسانا إذا فقد العمل، ارتكب الكبيرة، فقد صار كافرا، و لأجل ذلك يكفّرون مرتكب الكبيرة، و يحكمون عليه بالخلود في النار، إذا لم يتب.

و المعتزلة، مع أنّهم يرون العمل مقوّما للإيمان، غير أنّهم لا يكفّرون تارك العمل، و مرتكب الكبيرة، بل يجعلونه في منزلة بين الإيمان و الكفر، و المكلف عندهم على ثلاثة حالات:

إيمان، إذا قام بالتصديقين، و عمل بالوظائف.

و كفر، إذا فقد التصديق القلبي، أو هو و اللساني.

و منزلة بين المنزلتين، إذا قام بالتصديقين، و لكن فقد العمل.

ص: 317


1- الفصل، ج 3، ص 206.
2- المصدر السابق نفسه.
3- سورة الحجرات: الآية 14.
4- شرح الأصول الخمسة، ص 139.

و الكلام مع هؤلاء في مقامين:

1 - نقد هذا المذهب عن طريق الكتاب و السنة.

2 - تحليل ما تمسكوا به في إثبات عقيدتهم.

أما الأول، فالآيات الدالة على أنّ العمل ليس عنصرا مقوّما للإيمان (و إن كان مؤثرا في النجاة) كثيرة نشير إلى بعضها:

قوله تعالى: إِنَّ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ ، فالعطف يقتضي المغايرة، و لو كان العمل داخلا في الإيمان للزم التكرار. و احتمال كون المقام من قبيل ذكر الخاص بعد العام، يحتاج إلى نكتة و مسوغ له.

قوله تعالى: وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ اَلصّٰالِحٰاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ (1) فالجملة حالية، المقصود منها: «من عمل حال كونه مؤمنا»، و هذا يقتضي المغايرة.

قوله تعالى: وَ إِنْ طٰائِفَتٰانِ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ اِقْتَتَلُوا، فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمٰا، فَإِنْ بَغَتْ إِحْدٰاهُمٰا عَلَى اَلْأُخْرىٰ، فَقٰاتِلُوا اَلَّتِي تَبْغِي حَتّٰى تَفِيءَ إِلىٰ أَمْرِ اَللّٰهِ (2).

فأطلق المؤمن على الطائفة العاصية، و قال ما هذا معناه: فإن بغت إحدى الطائفتين من المؤمنين على الطائفة الأخرى منهم».

نعم، يحتمل أن يكون إطلاق المؤمن عليهم باعتبار حال التلبس، أي باعتبار كونهم مؤمنين قبل القتال، لا بلحاظ حال صدور الحكم.

قوله تعالى: يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اَللّٰهَ وَ كُونُوا مَعَ اَلصّٰادِقِينَ (3).

فأمر الموصوفين بالإيمان، بتقوى اللّه، و هو الإتيان بالطاعات و الاجتناب عن المحرمات، فدلّ على أنّ الإيمان يجتمع مع عدم التقوى، و إلا كان الأمر به لغوا و تحصيلا للحاصل.

ص: 318


1- سورة طه: الآية 112.
2- سورة الحجرات: الآية 9.
3- سورة التوبة: الآية 119.

و احتمال أنّ الآية أمر على الاستدامة، خلاف الظاهر.

هذا حسب الآيات، و أمّا السنة فهناك روايات تدل على أنّ الإقرار المقترن بالعرفان، إيمان. منها ما رواه الصدوق بسند صحيح عن جعفر الكناسي قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ما أدنى ما يكون به العبد مؤمنا، قال: يشهد أن لا إله إلا اللّه و أنّ محمدا عبده و رسوله، و يقرّ بالطاعة، و يعرف إمام زمانه، فإذا فعل ذلك فهو مؤمن»(1).

و أما الثاني: و هو تحليل ما استدلوا به على أنّ العمل عنصر مقوم للإيمان بحيث لولاه فهو إما كافر أو في منزلة بين المنزلتين. فقد استدلوا بآيات:

1 - قوله سبحانه: هُوَ اَلَّذِي أَنْزَلَ اَلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ اَلْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدٰادُوا إِيمٰاناً مَعَ إِيمٰانِهِمْ (2)، فلو كان الإيمان هو التصديق، لما قبل الزيادة و النقيصة، لأن التصديق أمره دائر بين الوجود و العدم، و هذا بخلاف ما لو كان العمل جزء من الإيمان، فإنه عندئذ يزيد و ينقص حسب زيادة العمل و نقيصته، و الزيادة لا تكون إلا في كمية عدد لا فيما سواها، و لا عدد في الاعتقاد(3).

يلاحظ عليه، إنّ الإيمان - بمعنى الإذعان - أمر مقول بالتشكيك، و لليقين مراتب بشهادة أنّ يقين الإنسان بأنّ الاثنين نصف الأربعة، يفارق يقينه في الشدة و الظهور بأنّ نور القمر مستفاد من الشمس، كما أنّ يقينه الثاني يفارق يقينه بأن كل ممكن فهو زوج تركيبي من ماهية و وجود، و هكذا يتنزل اليقين من القوة إلى الضعف إلى أن يصل إلى أضعف المراتب التي لو تجاوز عنها لزال وصف اليقين و انقلب إلى الظن أو الشك. فمن ادعى بأنّ أمر الإيمان - بمعنى التصديق و الإذعان - دائر بين الوجود و العدم، فقد غفل عن حقيقته و مراتبه، فهل يصح لنا أن ندعي أنّ إيمان الأنبياء، كإيمان سائر الناس، كلا، لأنّ الأنبياء معصومون، و عصمتهم ناشئة من يقينهم بآثار المعاصي، الذي يصدهم عن

ص: 319


1- البحار، ج 66، ص 16، نقلا عن معاني الأخبار للصدوق.
2- سورة الفتح: الآية 4.
3- الفصل، لابن حزم الظاهري، ج 3، ص 194.

اقترافها، فلو كان إذعانهم كإذعان سائر الناس، لما امتازوا عنهم بالعصمة عن المعصية.

و ما ذكروه من أنّ الزيادة تستعمل في الكمية العددية، فهو منقوض بآيات كثيرة استعملت فيها الزيادة في غيرها، قال سبحانه: وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقٰانِ يَبْكُونَ، وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (1) و قال سبحانه: وَ لَقَدْ صَرَّفْنٰا فِي هٰذَا اَلْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَ مٰا يَزِيدُهُمْ إِلاّٰ نُفُوراً (2) و المراد شدة خشوعهم، و شدة نفورهم، لا كثرة عددهما. و غير ذلك من الآيات التي استعمل فيها ذلك اللفظ فيما يرجع إلى الكيفية لا الكمية.

2 - قوله سبحانه: وَ مٰا كٰانَ اَللّٰهُ لِيُضِيعَ إِيمٰانَكُمْ (3). و المراد من الإيمان، صلاتهم إلى بيت المقدس قبل أن ينسخ بالأمر باستقبال الكعبة(4).

يلاحظ عليه: إنّه لو أخذ بظاهر الآية، فيجب أن يكون الإيمان نفس العمل، و هو مجمع على خلافه.

أضف إلى ذلك أنّه استعمل الإيمان و أريد منه العمل في المقام، و الاستعمال أعم من الحقيقة، و لا شك أنّ العمل أثر الإيمان ورد فعل له، فمن الشائع إطلاق السبب و إرادة المسبب.

3 - قوله سبحانه: فَلاٰ وَ رَبِّكَ لاٰ يُؤْمِنُونَ حَتّٰى يُحَكِّمُوكَ فِيمٰا شَجَرَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ لاٰ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّٰا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (5).

أقسم سبحانه بنفسه أنّهم لا يؤمنون إلا بتحكيم النبي و التسليم بحكمه، و عدم وجدان الحرج في قضائه. و التحكيم غير التصديق، بل هو عمل خارجي(6).

ص: 320


1- سورة الإسراء: الآية 109.
2- سورة الإسراء: الآية 41.
3- سورة البقرة: الآية 143.
4- البحار، ج 66، ص 18.
5- سورة النساء: الآية 65.
6- الفصل، ج 3، ص 195.

يلاحظ عليه: إنّ الآية وردت في شأن المنافقين، فإنهم كانوا يتركون النبي و يرجعون في دعاويهم إلى الأحبار، و هم مع ذلك يدّعون الإيمان و الإذعان و التسليم للنبي. فنزلت الآية بأنه لا يقبل منهم ذلك الادعاء حتى يرى أثر الإيمان في حياتهم، و هو تحكيم النبي في المرافعات، و التسليم العملي أمام قضائه، و عدم إحساسهم بالحرج، و هذا هو الظاهر من الآية، لا أنّ التحكيم بما أنّه عمل، جزء من الإيمان. و هذا نظير ما إذا ادّعى إنسان حبّا لرجل فيقال له: إن كنت صادقا فيجب أن يرى أثر الحب في حياتك، فاعمل له كذا و كذا.

4 - قوله سبحانه: وَ لِلّٰهِ عَلَى اَلنّٰاسِ حِجُّ اَلْبَيْتِ مَنِ اِسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اَللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ اَلْعٰالَمِينَ (1). فسمى سبحانه تارك الحج كافرا(2).

يلاحظ عليه: إنّ المراد كفران النعمة، حيث إن ترك فريضة الحج مع الاستطاعة، كفران لنعمته سبحانه، و قد استعمل الكفر في مقابل شكر النعم، قال سبحانه: وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ، وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذٰابِي لَشَدِيدٌ (3).

كما ربما يكون المراد من الكفر جحد وجوب الحج.

و غير ذلك مما استدلوا به من الآيات. و أنت إذا احطت بما ذكرنا، تقدر على الإجابة عن استدلالهم بها(4).

نعم، هناك روايات عن أئمة أهل البيت عليهم السلام تعرب عن كون العمل جزء من الإيمان، نظير قول الصادق عليه السلام: «ملعون، ملعون من

ص: 321


1- سورة آل عمران: الآية 97.
2- البحار، ج 66، ص 19.
3- سورة إبراهيم: الآية 7.
4- مثل قوله سبحانه: وَ مٰا أُمِرُوا إِلاّٰ لِيَعْبُدُوا اَللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ اَلدِّينَ حُنَفٰاءَ وَ يُقِيمُوا اَلصَّلاٰةَ وَ يُؤْتُوا اَلزَّكٰاةَ وَ ذٰلِكَ دِينُ اَلْقَيِّمَةِ (البينة: 5). مستدلين بأنّ المشار إليه بلفظة «ذلك»، جميع ما ورد بعد الأمر، من عبادة اللّه سبحانه بالإخلاص و إقامة الصلاة و إيتاء الزكاة، استدل به ابن حزم في الفصل، ج 3، ص 194. و قد أجاب عنه الأستاذ دام ظله في الجزء الثالث من بحوثه في الملل و النحل، فلاحظ.

قال: الإيمان قول بلا عمل»(1). و الظاهر أنّ هذه الروايات وردت لرد المرجئة التي تكتفي في الحياة الدينية بالقول و المعرفة، و تؤخر العمل، و ترجو رحمته و غفرانه، مع عدم القيام بالوظائف. و قد تضافرت عن أئمة أهل البيت عليهم السلام لعن المرجئة(2).

سؤال:
اشارة

لو كان الإيمان هو التصديق، فهل هو يزيد و ينقص.

الجواب:

قد علم هذا مما ذكرنا من كون الإيمان ذا مراتب، و أن نفس الإذعان، له درجات. و ليس القول بزيادة الإيمان و نقصانه مختصا بمن جعل العمل عنصرا مقوّما للإيمان، بل هو يتحقق أيضا عند من يقول بأنّ الإيمان هو التصديق القلبي، و ليس العمل جزء منه.

إلى هنا تبيّنت حقيقة الأقوال الأربعة في بيان حقيقة الإيمان، و قد عرفت أنّ الصواب هو الأوّل منها، و هو التصديق القلبي(3).

ص: 322


1- البحار، ج 66، باب أنّ الإيمان مبثوث على الجوارح، الحديث 1، ص 19، و لاحظ سائر الروايات في هذا الكتاب.
2- لاحظ الوافي، للفيض الكاشاني، ج 3، أبواب الكفر، و الشرك، باب أصناف الناس، ص 46.
3- بقي هنا قول المرجئة، و هو لا يفترق كثيرا عن القول الثالث من الاكتفاء بالتصديق اللساني، و من أراد التفصيل فليرجع إلى الجزء الثالث من أبحاث الشيخ الأستاذ حفظه اللّه في الملل و النحل.

مباحث المعاد

(14) التوبة و شرائطها

اشارة

إن التوبة من المكفّرات التي نص الكتاب و الحديث على تكفير الذنوب بها، تحت شرائط خاصة، و إشباع الكلام فيها يتم بالبحث في أمور:

الأمر الأول - فلسفة التوبة

ربما يتوهّم أنّ في تشريع التوبة و الدعوة إليها إغراء بالمعصية و تحريضا على ترك الطاعة، بدعوى أنّ الإنسان إذا أيقن أنّه سبحانه يقبل توبته رغم اقترافه المعاصي، تزيد جرأته على هتك الحرمات، و الانهماك في الذنوب، فيدقّ باب كل قبيح، معتمدا على التوبة.

و لكنه توهم ساقط من أصله، فإنه لو كان باب التوبة موصدا في وجه العصاة، و اعتقد المجرم بأنّ العصيان مرّة واحدة، يدخله في عذاب اللّه، فلا شكّ أنّه سيتمادى في اقتراف السيئات و ارتكاب الذنوب، معتقدا بأنه لو غيّر حاله إلى الأحسن، لما كان له تأثير في تغيير مصيره، فلأي وجه يترك لذات المحرمات في ما يأتي من أيام عمره. و هذا بخلاف ما لو اعتقد بأنّ الطريق مفتوح و النوافذ مشرعة، و أنّه لو تاب توبة نصوحا ينقذ من عذابه سبحانه، فهذا يعطيه الأمل برحمة اللّه تعالى و يترك العصيان في مستقبل أيامه. و كم و كم من الشباب عادوا إلى الصلاح بعد الفساد في ظل الاعتقاد بالتوبة، بحيث لو لا ذلك الاعتقاد لأسهروا لياليهم في المعاصي، بدل الطاعات.

ص: 323

و لأجل ذلك نرى في التشريعات الجنائية العالمية قوانين للعفو عن السجناء المؤبّدين، إذا شوهدت منهم الندامة و التوبة، و تغيير السلوك، فتشريع هذا القانون يكون موجبا لإصلاح السجناء، لا تقوية روح الطغيان فيهم. فالإنسان حيّ برجائه، و لو ساد عليه اليأس و القنوت من عفوه و رحمته سبحانه، لزاد في طغيانه في عامة أدوار عمره.

الأمر الثاني - حقيقة التوبة

إنّ التوبة كما يستفاد من الآيات و الروايات حالة نفسانية مؤثّر في النفس فتصلحها و تعدها للصلاح الذي فيه سعادة الدنيا و الآخرة. و من المعلوم أنّ هذه الغاية لا تحصل إلا بتحقق أمرين:

1 - الندم على ما مضى.

2 - العزم على عدم العودة إليه إذا قدر.

فلو انتفى الأمران أو أحدهما لما حصلت تلك الحالة المؤثرة في صلاح النفس و إعدادها لكمالات أخرى، فيلزم في التوبة وجود هذين الأمرين، سواء أقلنا: إنّ التوبة مركبة منهما و أنّ كل واحد منهما جزء لها، كما نقل عن أبي هاشم الجبائي، أو قلنا: إنّ التوبة أمر بسيط هو الندم على ما مضى، و أما العزم فهو من شروطها و لوازمها، كما عليه الشيخ المفيد(1)، فإن هذا نزاع لفظي لا ثمرة له إلا في موارد نادرة، كما إذا ندم على ما سلف من القبيح و منع من العزم، فعلى القول الأوّل لم تتحقق التوبة دون الثاني.

و هناك كلام للإمام أمير المؤمنين حول التوبة، و قد سمع من بحضرته يقول: أستغفر اللّه، فقال: أ تدري ما الاستغفار؟ الاستغفار درجة العلّيّين، و هو اسم واقع على ستة معان:

أوّلها: الندم على ما مضى.

ص: 324


1- أوائل المقالات، ص 61.

و الثاني: العزم على ترك العود إليه أبدا.

و الثالث: أن تؤدّي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى اللّه أملس ليست عليك تبعة.

و الرابع: أن تعمد إلى كل فريضة ضيّعتها فتؤدّي حقها.

و الخامس: أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت(1) فتذيبه بالأحزان حتى تلصق الجلد بالعظم و ينشأ بينهما لحم جديد.

و السادس: أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية.

فعند ذلك تقول: «أستغفر اللّه»(2).

و بالجملة: إنّ التوبة لغاية إزالة السيئات النفسانية التي تجر إلى الإنسان كل شقاء في حياته الأولى و الأخرى، و تمنعه من الاستقرار على أريكة السعادة. و هذه الغاية لا تحصل إلا بحصول أمرين: الندم و العزم.

و أما باقي الأمور الأربعة الواردة في كلام الإمام عليه السلام، فسيوافيك الكلام فيها.

الأمر الثالث - وجوب التوبة

اتفقت العدلية على وجوب التوبة و استدلوا على ذلك بأمرين:

أ - إنها دافعة للضرر الذي هو العقاب، و دفع الضرر الأخروي واجب عقلا.

ب - إن العزم على ارتكاب القبائح و ترك الفرائض قبيح عقلا فيجب اجتنابه، و هو لا يحصل إلا بالتوبة.

ص: 325


1- السحت: المال من كسب حرام.
2- نهج البلاغة: قسم الحكم، الرقم 417، و سنرجع إلى هذا الحديث عند استعراض أحكام التوبة، و إنما أوردناه هنا جملة واحدة ليسهل الرجوع إليه.

و الدليل الثاني لا يفيد إلاّ وجوب العزم و هو أحد جزئي التوبة أو شرطها.

و كيف كان، فكل من قال بالحسن و القبح العقليين، لا مناص له عن القول بوجوب التوبة وجوبا عقليا، و ما جاء من طريق السمع يكون مرشدا إلى هذا الحكم العقلي.

و أما المنكرون لهما، فيذهبون إلى وجوبها شرعا، قال سبحانه: يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اَللّٰهِ تَوْبَةً نَصُوحاً (1).

الأمر الرابع - هل تجب التوبة من الصغائر؟

إنّ ارتكاب أي معصية، صغيرة كانت أو كبيرة، جرأة على اللّه و خروج عن رسم العبودية و زيّ الرّقيّة، و هي تترك أثرا سيئا في النفس بلا ريب، فيجب التوبة منها لإزالة أثرها من النفس. و إليه ذهب أبو علي الجبائي، من المعتزلة، و لكن الظاهر من ابنه أبي هاشم، عدم وجوب التوبة من الصغائر إلاّ سمعا، و اختاره القاضي عبد الجبار، قائلا بأنّ التوبة إنّما تجب لدفع الضرر عن النفس، و لا ضرر في المعصية، فلا تجب التوبة منها، غاية الأمر أنّ للصغيرة تأثير في تقليل التواب، و لا ضرر في ذلك(2).

يلاحظ عليه: إنّ ما ذكر مبني على أمرين غير ثابتين:

أ - أنّ المعاصي بالذات تنقسم إلى صغائر و كبائر، و أنّ صغر المعاصي و كبرها ليس من الأمور الإضافية النسبية، بل هناك صنفان من المعاصي لا يتداخل أحدهما في الآخر.

ب - أنّ المعاصي الصغيرة لا يعاقب عليها ما لم يكن عليها إصرار.

و كل ذلك مورد تأمّل و تردد.

ص: 326


1- سورة التحريم: الآية 8.
2- شرح الأصول الخمسة، ص 789.

أضف إلى ذلك: أنّ وجه تشريع التوبة ليس منحصرا بالاجتناب عن العذاب حتى يقال: إنّه لا عقاب على الصغيرة، بل قد عرفت أنّ الوجه فيها - مضافا إلى الخلاص من العذاب - حسن الندم على كل قبيح أو إخلال بالواجب، و قبح العزم على الاستدامة، و هذا مشترك بين الصغيرة و الكبيرة.

و بذلك يظهر الجواب عما ربما يقال من أنّ عقاب الصغيرة مكفّر باجتناب الكبيرة إذا لم يصر عليها، لقوله سبحانه:

إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ (1) .

و عندئذ، لا يحتاج إلى التوبة منها، لما عرفت من أنّ وجه التوبة لا ينحصر بالخلاص من العذاب.

الأمر الخامس - التوبة واجب فوري

يحكم العقل بوجوب التوبة فورا، لأنها اجتناب عن القبيح بقاء، و ترك للعدوان استدامة، و مثل ذلك لا يصح فيه التأخير و التراخي.

أضف إلى ذلك أنّ العقل يحرّض على التوبة فورا ففورا، لئلا يفوت أوانها و يكون ممّن لا تقبل توبته قال سبحانه:

وَ لَيْسَتِ اَلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ اَلسَّيِّئٰاتِ، حَتّٰى إِذٰا حَضَرَ أَحَدَهُمُ اَلْمَوْتُ قٰالَ إِنِّي تُبْتُ اَلْآنَ وَ لاَ اَلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَ هُمْ كُفّٰارٌ، أُولٰئِكَ أَعْتَدْنٰا لَهُمْ عَذٰاباً أَلِيماً (2) .

و ما ذكرناه هو خيرة المعتزلة أيضا حيث قالوا بفورية الوجوب و أنّه يلزم بتأخيرها ساعة إثم آخر يجب التوبة منه أيضا، حتى أن من أخّر التوبة عن الكبيرة ساعة واحدة، فقد فعل كبيرتين، و ساعتين أربع كبائر، الأوليان، و ترك التوبة

ص: 327


1- سورة النساء: الآية 31. و قد نقله العلامة المجلسي عن الشيخ البهائي، لاحظ البحار، ج 6، ص 48.
2- سورة النساء: الآية 18.

عن كل منهما، و ثلاث ساعات، ثمان و هكذا(1).

و لكن لا دليل على هذا التفصيل.

الأمر السادس - أثر التوبة

إن أثر التوبة هو إزالة السيئات النفسانية التي تجر إلى الإنسان كل شقاء في حياته الأولى و الأخرى، فيرجع التائب بعد ندمه و عزمه على الترك في المستقبل، أبيض السريرة، كيوم ولدته أمّه، و بالتالي يسقط عنه العقاب.

و أما الأحكام الشرعية المترتبة على الأعمال السابقة فتبقى على حالها، إذ ليس للتوبة تأثير إلا في إصلاح النفس و إعدادها للسعادة الأخروية، و لذلك يجب الخروج عن مظالم العباد أوّلا، و تدارك ما فات من الفرائض ثانيا، فإنّ السيئة العارضة على النفس بسبب هضم حقوق الناس لا ترتفع إلا برضاهم، لأنّه سبحانه احترم حقوقهم في أموالهم و أعراضهم و نفوسهم، و عدّ التعدي على واحد منها ظلما، و عدوانا، و حاشاه أن يسلبهم شيئا مما جعله لهم من غير جرم صدر منهم و قد قال عز من قائل: إِنَّ اَللّٰهَ لاٰ يَظْلِمُ اَلنّٰاسَ شَيْئاً (2).

قال المفيد رحمه اللّه: «إنّ من شرط التوبة إلى اللّه سبحانه من مظالم العباد الخروج إلى المظلومين من حقوقهم بأدائها إليهم أو باستحلالهم منها على طيبة النفس بذلك، و الاختيار له، فمن عدم منهم صاحب المظلمة و فقده خرج إلى أوليائه من ظلامته أو استحلهم منها»(3).

و لأجل ذلك قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: «و الثالث: أن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى اللّه أملس ليس عليك تبعة، و الرابع: أن تعمد إلى كل فريضة ضيّعتها فتؤدّي حقها»(4).

ص: 328


1- شرح المقاصد، ج 2، ص 242.
2- سورة يونس: الآية 44.
3- أوائل المقالات، ص 62.
4- نهج البلاغة، قسم الحكم، الرقم 417.

هذا، و إنّ المتبادر من الآيات و الروايات أنّ التوبة بنفسها مسقطة للعقاب، يقول سبحانه: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلىٰ نَفْسِهِ اَلرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهٰالَةٍ ثُمَّ تٰابَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) فإنّ الظاهر منه أنّ نفس التوبة تجرّ الغفران، و غير ذلك من الآيات، و هذا الأمر من المسائل القرآنية الواضحة.

و أما حقوق اللّه، فيتبع هناك لسان الدليل الشرعي، فربما تكون التوبة مسقطة للحدّ كما في قوله سبحانه:

إِنَّمٰا جَزٰاءُ اَلَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي اَلْأَرْضِ فَسٰاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاٰفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ اَلْأَرْضِ ذٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي اَلدُّنْيٰا وَ لَهُمْ فِي اَلْآخِرَةِ عَذٰابٌ عَظِيمٌ * إِلاَّ اَلَّذِينَ تٰابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اَللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (2) . فالاستثناء صريح في أنّ التوبة تسقط الحدّ الوارد في الآية.

قال المحقق الحلّي: «إنّ شارب الخمر إذا تاب قبل قيام البينة، يسقط الحد، و إن تاب بعدها لم يسقط»(3).

و قال: «إذا تاب اللائط قبل قيام البيّنة سقط الحدّ، و لو تاب بعده لم يسقط»(4).

الأمر السابع - قبول التوبة واجب على اللّه أولا؟

لا شكّ أنّ التوبة تسقط العقاب، و هو مما أجمع عليه أهل الإسلام. و إنما الخلاف في أنّه هل يجب على اللّه قبولها بحيث لو عاقب بعد التوبة كان ظالما، أو هو تفضل منه سبحانه، و كرم و رحمة منه بعباده؟

ص: 329


1- سورة الأنعام: الآية 54.
2- سورة المائدة: الآيتان 33 و 34.
3- شرائع الإسلام، كتاب الحدود، الباب الرابع في حدّ المسكر.
4- المصدر السابق، الباب الثاني، في أحكام اللواط.

فالمعتزلة على الأوّل، و الأشاعرة و الإمامية على الثاني.

استدل المعتزلة بوجهين:

1 - إنّ العاصي قد بذل وسعه في التلافي، فيسقط عقابه، كمن بالغ في الاعتذار إلى من أساء إليه، فإنه يسقط ذمه بالضرورة(1).

و بعبارة أخرى: إن من أساء إلى غيره و اعتذر إليه بأنواع الاعتذارات، و عرف منه الإقلاع عن تلك الإساءة بالكلية فالعقلاء يذمون المظلوم، إذا ذمّه بعد ذلك(2).

2 - لو لم يجب إسقاط العقاب لم يحسن تكليف العاصي، و التالي باطل إجماعا، فالمقدّم مثله.

بيان الشرطية: إن التكليف إنما يحسن للتعريض للنفع. و بوجوب العقاب قطعا لا يحصل الثواب، و بغير التوبة لا يسقط العقاب، فلا يبقى للعاصي طريق إلى إسقاط العقاب عنه، و يستحيل اجتماع الثواب و العقاب فيكون التكليف قبيحا(3).

يلاحظ على الأول، بأنه لا يجب في منطق العقل قبول المعذرة، بل المظلوم في خيرة بين القبول و الصفح، و ليس رفض المعذرة مخالفا للحكمة و العدل حتى يجب على اللّه سبحانه.

و أما الثاني، فيلاحظ عليه أنّه مبني على الأصل الذي اختاره المعتزلة من أنّ مرتكب الكبيرة مخلّد في النار، و هو لا يجتمع مع الثواب المترتب على التكليف، فاستدلوا بأنّه لو لم تقبل توبته لوجب أن يخلد في النار (و لو بمعصية واحدة) و هو لا يجتمع مع الثواب، فيلزم سقوط تكليف العاصي. و لكنّ الأصل مردود لما قلنا من

ص: 330


1- شرح المقاصد، ج 2 ص 242.
2- كشف المراد، ص 268. و لاحظ شرح الأصول الخمسة، ص 798.
3- كشف المراد، ص 268 ط صيدا. و لاحظ شرح المقاصد، ج 2، ص 242.

أنّ المؤمن لا يخلد في النار و إنما كتب الخلود على الكافر، فلا مانع من أن يعاقب مدّة ثم يخرج فيثاب.

و على هذا فلا دليل على وجوب قبول التوبة على اللّه سبحانه، بل قبولها تفضّل و كرم منه سبحانه.

قال الطبرسي في تفسير قوله سبحانه: إِلاَّ اَلَّذِينَ تٰابُوا وَ أَصْلَحُوا وَ بَيَّنُوا فَأُولٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَ أَنَا اَلتَّوّٰابُ اَلرَّحِيمُ (1). قال: «و وصفه بالرحيم عقيب التوّاب يدل على أنّ إسقاط العقاب بعد التوبة تفضّل منه سبحانه و رحمة من جهته، على ما قاله أصحابنا، و إنّه غير واجب عقلا على خلاف ما ذهب إليه المعتزلة»(2).

نعم، هذا إذا لوحظ قبول التوبة من حيث هو هو، و أما إذا لوحظ بعد ما وعده سبحانه بقبول توبة التائب، فالوجوب لا محيص عنه، لأنّ خلف الوعد قبيح، من غير فرق بين الواجب و الممكن، و قد أوضحنا لك معنى كون شيء واجبا على اللّه سبحانه، و أنّه لا يراد منه تكليف اللّه سبحانه، بل أنّ العقل يكشف حكما عاما سائدا على الواجب و الممكن، و هو أنّ الحكيم لا يفعل القبيح، لما فيه من المبادي الرافضة لارتكابه فيكون وجوب قبول التوبة سمعيا لا عقليا.

الأمر الثامن - هل يجب في التوبة، الندم على القبيح؟

الظاهر من غير واحد من المحققين أنّ التوبة تتقوم بالندم على القبيح لقبحه، و إلا فلو ندم لأجل إضرارها بالبدن أو إخلالها بعرضه أو ماله أو لغرض آخر، لا يكون تائبا.

و هذا كلام متين، فإنّ التوبة عبارة عن رجوع العبد إلى اللّه سبحانه، و هذا لا يتحقق إلا بأن يكون رجوعه لاستشعاره قبح عمله، و أنّه كان عدوانا على اللّه

ص: 331


1- سورة البقرة: الآية 160.
2- مجمع البيان، ج 1، ص 242.

و جرأة على المولى، و أما من ترك شرب الخمر لا بهذا الاعتقاد بل لأجل صيانة بدنه عن مضارها، فلا تكون توبة منه إلى اللّه.

إنما الكلام إذا تاب عن عمله لأجل الخوف من عقابه سبحانه، فقد ذهب المحقق الطوسي و تبعه العلامة الحلّي، إلى أنّه لو كانت الغاية من التوبة هي الخوف من النار بحيث لو لا خوف النار لم يتب، فلا يصدق عليها أنّها توبة.

قال العلامة الحلي: «فإن كانت التوبة خوفا من النار أو من فوات الجنة، لم تصح توبته، و هذا نظير ما لو اعتذر المسيء إلى المظلوم لا لأجل إساءته بل لخوفه من عقوبة السلطان، فإن العقلاء لا يقبلون عذره»(1).

يلاحظ عليه: إنّ التكاليف الإلهية متوجهة إلى عموم الناس، من غير فرق بين التكليف بالصلاة و الصوم أو التكليف بالتوبة. و من المعلوم أنّ الأكثرية الساحقة لا يقومون بالفعل لحسنه بالذات، و لا يتركونه لكونه قبيحا كذلك، بل الفعل و الترك يقومان على أساس الرغب و الرهب، و الطمع بالجنّة و الخوف من النار.

و على ذلك فالآيات الواردة حول التوبة المقترنة بالثواب تارة و الخلاص من النار أخرى، تعرب عن أنّ التوبة إذا حصلت لإحدى هاتين الغايتين، كفى ذلك في سقوط العقاب، يقول سبحانه - حاكيا قول هود عليه السلام -: وَ يٰا قَوْمِ اِسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ اَلسَّمٰاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرٰاراً (2).

و يقول تعالى: وَ أَنِ اِسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتٰاعاً حَسَناً إِلىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى، وَ يُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخٰافُ عَلَيْكُمْ عَذٰابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (3).

و في الدعاء الذي علمه علي عليه السلام كميل بن زياد، إيعاز، إلى ذلك: يقول: «اللّهم اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم، اللّهم اغفر لي

ص: 332


1- كشف المراد، ص 246، ط صيدا، بتصرف.
2- سورة هود: الآية 52.
3- سورة هود: الآية 3.

الذنوب التي تنزل النقم، اللّهمّ اغفر لي الذنوب التي تغيّر النّعم، اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل البلاء».

و إن شئت قلت: إنّ التوبة خوفا من النار، لا تنفك عن الاعتقاد بكون ما فعل أمرا قبيحا شرعا.

و بالجملة، فالآيات و الروايات الواردة حول التوبة مطلقة، تعم كل توبة يصدق عليها أنها رجوع إلى اللّه. و في حديث يبين علي عليه السلام موقف العباد في عبادة اللّه تعالى، و يقسمهم إلى ثلاثة أقسام، يقول:

«إن قوما عبدوا اللّه رغبة، فتلك عبادة التجار، و إنّ قوما عبدوا اللّه رهبة، فتلك عبادة العبيد، و إنّ قوما عبدوا اللّه شكرا، فتلك عبادة الأحرار»(1).

و حينئذ، فكما أنّه تقبل عبادة العباد، رغبة و رهبة، تقبل توبتهم أيضا إذا كانت كذلك.

و لا معنى للتفكيك بين قبول عبادتهم و قبول توبتهم، و لا أجد فقيها يفتى ببطلان عبادة من عبده سبحانه لإحدى الغايتين، أو كليهما. كيف و هو سبحانه يصف أنبياءه العظام بقوله: إِنَّهُمْ كٰانُوا يُسٰارِعُونَ فِي اَلْخَيْرٰاتِ وَ يَدْعُونَنٰا رَغَباً وَ رَهَباً وَ كٰانُوا لَنٰا خٰاشِعِينَ (2).

و أما الاستدلال على أنّ المسقط ليس هو نفس التوبة، بل كثرة الثواب بعدها بأنها لو أسقطت العقاب بذاتها، لأسقطته في حال المعاينة، و في الدار الآخرة(3)؛ فيلاحظ عليه أنّ التوبة إنما تقبل لأنها تؤثر في النفس الإنسانية، فتصلحها، أو تعدّها للصلاح، و هذا إنما يتصور فيما إذا كان الإنسان قادرا على الفعل و الترك، و أما في حال المعاينة أو دار الآخرة، فالقدرة مسلوبة عن الإنسان هذا.

ص: 333


1- نهج البلاغة: قسم الحكم، الرقم 237.
2- سورة الأنبياء: الآية 90.
3- كشف المراد، ص 268.

مع أنّك قد عرفت عند البحث عن أثر التوبة أنّ التوبة بنفسها هي المسقطة للعقاب، فلاحظ.

الأمر التاسع - هل تصحّ التوبة من قبيح دون قبيح؟

اختلفت كلمتهم في أنه هل يصح الندم من قبيح دون قبيح؟ فقال أبو علي: إنّه تصح ما لم يصر على شيء من ذلك الجنس، فلو أنّه تاب من شرب الخمر و أصرّ على الزنا كانت توبته عن الأول توبة نصوحا صحيحة، و أما إذا أصرّ على شيء من ذلك الجنس لم تصح توبته. و ذلك كما أنّه لو تاب عن شرب هذا القدح من الخمر مع إصراره على شرب قدح آخر، فلا إشكال في أن لا تصح توبته هذه(1).

و قال أبو هاشم: إنّه لا تصح التوبة عن بعض القبائح مع الإصرار على بعض، و اختاره القاضي عبد الجبار، و استدل عليه بأنّ التوبة عن القبيح يجب أن يكون ندما عليه لقبحه، و عزما على أن لا يعود إلى أمثاله في القبح. و إذا كان هذا كذلك، فليس تصح توبته عن بعض القبائح مع الإصرار على البعض، إذ ليس يصح أن يترك أحدنا بعض الأفعال لوجه، ثم لا يترك ما سواه في ذلك الوجه، أ لا ترى أنّه لا يصح أن يتجنّب سلوك طريق لأن فيها سبعا، ثم لا يتجنب سلوك طريق أخرى فيها سبع. و كذلك لا يصح أن لا يتناول طعاما لأنّ فيه سما، ثم يتناول طعاما آخر مع أنّ فيه سما(2).

يلاحظ عليه: إنّ الأفعال القبيحة تختلف شدة و ضعفا، و إن كانت تشترك في كونها عدوانا على اللّه و خرقا لحدوده، و لكنها مع ذلك تختلف في جهات القبح، و على ذلك فربما يوجد داع إلى الندم في بعض القبائح دون الأخرى، و ذلك بأن يقترن ببعض القبائح قرائن زائدة كعظم الذنب، أو كثرة الزواجر عنه، أو الشناعة على فعله عند العقلاء، دون قبائح أخرى، فعندئذ ربما يرجح الندم

ص: 334


1- شرح الأصول الخمسة، ص 795.
2- شرح الأصول الخمسة: ص 795.

على القبائح المحتفة بما يوجد الندم في النفس دون الأخرى. و لو اشتركت جميع القبائح في قوة الدواعي اشتركت في وقوع الندم عليها جميعا، و لم يصح الندم على البعض دون الآخر(1).

و هذا مما يلمسه الإنسان في حياة المجرمين، فربما يحضر عاص أنديه الوعظ و الإرشاد، فيستمع إلى الخطيب، يندد ببعض المعاصي كشرب الخمر، و أكل الربا، و يذكر قبحهما و شناعتهما، و ما يترتب عليهما من إشاعة البغضاء في المجتمع، فيحصل في نفسه داع قوي يدفعه إلى ترك هذين القبيحين، و في الوقت نفسه قد لا يجد داعيا لترك غير هما من المعاصي التي اعتاد عليها، كالغيبة لا لأنه لا يراها قبيحة، بل لأنها لم تحتف بما يوجد داعي الندم في نفسه، بخلاف الأولين.

فجميعها، إذن، تشترك في القبح و الشناعة، غير أنّ الأوّلين يتميزان بوجود الداعي إلى التوبة عنهما فتاب، دون الآخر.

و بذلك يظهر الجواب عما ذكره أبو هاشم من أنّه إذا كانت توبته عن بعض القبائح لأجل قبحها، فهو موجود في البعض الآخر أيضا، فلم تاب عن الأولى دون الأخرى؟.

وجه الجواب أنّ الكل يشترك في القبح، لكن ترك البعض دون الآخر، لا لأجل اعتقاده أنّ واحدا قبيح دون الآخر، بل إنه يعتقد بقبحهما، و لكن الداعي للتوبة موجود في أحدهما دون الآخر.

و لقد أحسن المحقق الطوسي، حيث قال: التحقيق أنّ ترجيح الداعي إلى الندم على البعض يبعث عليه خاصة، و إن اشترك الداعي في الندم على القبيح لقبحه، كما في الدواعي إلى الفعل. و لو اشترك الترجيح، اشترك وقوع الندم، فلا يصح الندم(2).

و مما يوضح ذلك أنّه لو أسلم يهودي و رجع عن كفره، نادما على ما مضى من عمره، و لكنه بقي مصرا على صغيرة من الصغائر، فلو قلنا بأنّ التوبة من

ص: 335


1- لاحظ كشف المراد، ص 265-266 ط صيدا.
2- كشف المراد، ص 265، ط صيدا.

القبائح لا تتبعض لزم أنّ لا تكون توبته مقبولة، و هو خرق للإجماع، و إلى هذا ينظر قول المحقق الطوسي، «و إلا لو لا التبعيض، لزم الحكم ببقاء الكفر على التائب منه المقيم على صغيرة»(1).

و العجب أنّ القاضي عبد الجبار استحسن قول أبي هاشم و أراد التخلص عن هذا الإشكال فقال: إنه لا يسقط من عقوبته شيء لأنه لم يأت بما يسقط العقوبة عامة، فبقيت عقوبته كما كانت، نعم، لا يجري عليه أحكام اليهود(2).

كيف يقول لا يسقط من عقوبته شيء مع أنّه كان كافرا فصار مؤمنا، و الإيمان يكفر الشرك و عقوبته باتفاق المسلمين، فالقول ببقاء عقوبة الشرك مع أنّه صار مؤمنا بحجة أنّه لم يزل يرتكب صغيرة، مخالف لنص الآيات و اتفاق المسلمين، و معاملة النبي للمشركين الذين آمنوا، و لو كان رفع العقوبة مقيّدا بعدم الإصرار على صغيرة، من الذنوب التي كان يرتكبها المشرك، لأصحر به النبي و بيّنه.

بقي هنا أبحاث طفيفة في التوبة، يظهر حالها مما أوضحناه(3). نسأله سبحانه أن يتوب علينا، و يكتب الغفران في صحائف أعمالنا، بفضله و كرمه.

ص: 336


1- المصدر السابق نفسه.
2- شرح الأصول الخمسة، ص 797.
3- مثل ما إذا اغتاب إنسان رجلا، فهل يجب عليه الاعتذار منه، خاصة إذا بلغته الغيبة - أو لا؟ و هذه مسألة فقهية. و إذا كان التائب عالما بذنوبه على التفصيل فهل يجب التوبة عن كل واحدة منها، أو تكفي التوبة عنها إجمالا؟ و هل يجب تجديد التوبة، كلما تذكر التائب، معصيته السابقة؟ و غير ذلك مما ذكره المتكلمون، لاحظ التجريد و شروحه، في التوبة، المسألة الحادية عشر.

مباحث المعاد

(15) الشفاعة

اشارة

الشفاعة في الآخرة بصيص من الرجاء، و نافذة من الأمل، فتحتها الشريعة الإسلامية في وجه العصاة حتى لا ييأسوا من روح اللّه و رحمته، و لا يغلبهم الشعور بالحرمان من عفوه فيتمادوا في العصيان. فالسبب في تشريع الشفاعة هو عينه السبب في تشريع التوبة في الحياة الدنيوية. و جلاء الحقيقة في الشفاعة، يتم بالبحث في الأمور التالية:

1 - تصنيف آيات الشفاعة و إرجاعها إلى معنى واحد.

2 - نقل نماذج مما ورد من السنة عن النبي و العترة الطاهرة.

3 - تبيين معنى الشفاعة، و أقسامها.

4 - مبررات تشريع الشفاعة.

5 - شرائط شمول الشفاعة.

6 - أثر الشفاعة و أنّه حطّ الذنوب، لا رفع الدرجة.

7 - تحليل الإشكالات المثارة حول الشفاعة، و هي خمسة.

8 - جواز طلب الشفاعة من الأولياء.

ص: 337

و فيما يلي البحث في كل واحدة منها(1).

الأمر الأول: آيات الشفاعة و تصنيفها

قد ورد ذكر الشفاعة في الكتاب الحكيم في سور مختلفة، لمناسبات شتّى.

و لا يظهر المراد من المجموع إلا بعرض بعضها على بعض، و تفسير الكل بالكل، و الآيات الواردة في الشفاعة تندرج تحت الأصناف التالية:

الصنف الأول: ما ينفي الشفاعة في بادئ الأمر.

يقول سبحانه: يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمّٰا رَزَقْنٰاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاٰ بَيْعٌ فِيهِ وَ لاٰ خُلَّةٌ وَ لاٰ شَفٰاعَةٌ وَ اَلْكٰافِرُونَ هُمُ اَلظّٰالِمُونَ (2).

و هذا الصنف من الآيات هو المستمسك لمن اعتقد بأنّ الشفاعة عقيدة اختلقها الكهّان(3)، و سيوافيك أنّ المنفي قسم خاص منها لا جميع أقسامها بقرينة أنّ المنفي قسم من أواصر الخلة لا جميعها، بشهادة قوله سبحانه: اَلْأَخِلاّٰءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ اَلْمُتَّقِينَ (4).

الصنف الثاني: ما يردّ الشفاعة المزعومة لليهود.

يقول سبحانه: وَ اِتَّقُوا يَوْماً لاٰ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَ لاٰ يُقْبَلُ مِنْهٰا شَفٰاعَةٌ، وَ لاٰ يُؤْخَذُ مِنْهٰا عَدْلٌ وَ لاٰ هُمْ يُنْصَرُونَ (5).

و الآية خطاب لليهود، و هي تهدف إلى نفي الشفاعة المزعومة عندهم، حيث كانوا يقولون نحن أولاد الأنبياء و أولادنا يشفعون لنا، فصار ذلك ذريعة

ص: 338


1- التفصيل في هذه الأمور يحوجنا إلى تأليف مفرد، و لذا اقتصرنا في البحث على ما يناسب وضع الكتاب.
2- سورة البقرة: الآية 254.
3- لاحظ دائرة معارف القرن الرابع عشر، ص 402، مادة شفع.
4- سورة الزخرف: الآية 67.
5- سورة البقرة: الآية 48.

لارتكاب الموبقات، و ترك الفرائض، فآيسهم اللّه من ذلك.

الصنف الثالث: ما ينفي شمول الشفاعة للكفار.

يقول سبحانه - حاكيا عن الكفار -: وَ كُنّٰا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ اَلدِّينِ * حَتّٰى أَتٰانَا اَلْيَقِينُ * فَمٰا تَنْفَعُهُمْ شَفٰاعَةُ اَلشّٰافِعِينَ (1).

و هذا الصنف ناظر إلى نفي وجود شفيع - يوم القيامة - للكفار الذين انقطعت علاقتهم باللّه لكفرهم به و برسله و كتبه كما انقطعت علاقتهم الروحية بالشفعاء الصالحين، فلم يبق بينهم و بين الشفاعة أية صلة و علاقة.

الصنف الرابع: ما ينفي صلاحيّة الأصنام للشّفاعة.

يقول سبحانه: وَ مٰا نَرىٰ مَعَكُمْ شُفَعٰاءَكُمُ اَلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكٰاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَ ضَلَّ عَنْكُمْ مٰا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (2).

و هذا الصنف يرمي إلى نفي صلاحية الأصنام للشفاعة، و ذلك لأنّ العرب الجاهليين كانوا يعبدون الأصنام لاعتقادهم بشفاعتهم عند اللّه.

الصنف الخامس: ما يخصّ الشفاعة باللّه سبحانه.

يقول سبحانه: وَ أَنْذِرْ بِهِ اَلَّذِينَ يَخٰافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلىٰ رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَ لاٰ شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (3).

و كون الشفاعة مختصة باللّه لا ينافي ثبوتها لغيره بإذنه كما يعرب عنه آيات الصنف السادس.

الصنف السادس: ما يثبت الشفاعة لغيره بإذنه سبحانه.

يقول سبحانه: يَوْمَئِذٍ لاٰ تَنْفَعُ اَلشَّفٰاعَةُ إِلاّٰ مَنْ أَذِنَ لَهُ اَلرَّحْمٰنُ وَ رَضِيَ لَهُ قَوْلاً (4).

ص: 339


1- سورة المدثر: الآيات 46-48.
2- سورة الأنعام: الآية 94. و لاحظ يونس: 18، الروم: 13، الزمر: 43، يس: 23.
3- سورة الأنعام: الآية 51، و لاحظ الأنعام: 7، السجدة: 4، الزمر: 44.
4- سورة طه: الآية 109.

و يقول سبحانه: مَنْ ذَا اَلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّٰ بِإِذْنِهِ (1).

و الجمع بين هذا الصنف و ما سبقه واضح، و قد قلنا إنّ مقتضى التوحيد في الخالقية أنّه لا مؤثّر في الكون إلا اللّه، و أنّ تأثير سائر العلل إنما هو على وجه التبعية لإرادته سبحانه.

الصنف السابع: ما يسمّي من تقبل شفاعته.

و يتضمن هذا الصنف أسماء بعض من تقبل شفاعتهم يوم القيامة.

يقول سبحانه وَ قٰالُوا اِتَّخَذَ اَلرَّحْمٰنُ وَلَداً سُبْحٰانَهُ بَلْ عِبٰادٌ مُكْرَمُونَ * لاٰ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مٰا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ مٰا خَلْفَهُمْ وَ لاٰ يَشْفَعُونَ إِلاّٰ لِمَنِ اِرْتَضىٰ وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (2). فصرّح بأنّ الملائكة و حملة العرش تقبل شفاعتهم.

و يتحصل من جمع الآيات أنّ الشفاعة تنقسم إلى شفاعة مرفوضة، كالشفاعة التي يعتقد بها اليهود، و شفاعة الأصنام، و الشفاعة في حقّ الكفار، و إلى مقبولة و هي شفاعة اللّه سبحانه، و شفاعة من أذن له، و شفاعة الملائكة و حملة العرش، و بالإحاطة بالأصناف السبعة، تقدر على تمييز المرفوضة عن المقبولة.

و ليست آيات الشفاعة مختصة بالأصناف التي ذكرناها، فإن هناك آيات تخرج عن إطارها مثل قوله سبحانه: وَ مِنَ اَللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نٰافِلَةً لَكَ، عَسىٰ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقٰاماً مَحْمُوداً (3). و قد أطبق المفسرون على أنّ المراد من المقام المحمود، هو مقام الشفاعة(4).

ص: 340


1- سورة البقرة: الآية 255، و لاحظ يونس: 3، مريم: 87، سبأ: 23، الزخرف: 86.
2- سورة الأنبياء: الآيات 26-28. و لاحظ النجم: 26، غافر: 7.
3- سورة الإسراء: الآية 79.
4- لاحظ مجمع البيان، ج 3، ص 435.
الأمر الثاني: الشفاعة في السّنة.

لقد اهتم الحديث النبوي، و حديث العترة الطاهرة بأمر الشفاعة و حدودها و شرائطها و أسبابها و موانعها، اهتماما بالغا لا يوجد له مثيل إلا في موضوعات خاصة تتمتع بالأهمية القصوى. و إذا لاحظ المتتبع، الصحاح و المسانيد و الجوامع الحديثية فإنه يقف على جمهرة كبيرة من الأحاديث الواردة في الشفاعة، تدفع به إلى الإذعان بأنّها من الأصول المسلّمة في الشريعة الإسلامية، و نحن نذكر النذر اليسير منها.

1 - قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «لكل نبي دعوة مستجابة.

فتعجّل كلّ نبيّ دعوته، و إنّي اختبأت دعوتي، شفاعة لأمتي، و هي نائلة من مات منهم لا يشرك باللّه شيئا»(1).

2 - و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «أعطيت خمسا، و أعطيت الشفاعة، فادخرتها لأمتي، فهي لمن لا يشرك باللّه»(2).

3 - و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «إنّما شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي»(3).

4 - و قال عليّ عليه السلام: «ثلاثة يشفعون إلى اللّه عز و جل فيشفّعون:

الأنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء»(4).

5 - و قال الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام في كلام له:

«اللّهمّ صلّ على محمد و آل محمد، و شرّف بنيانه، و عظّم برهانه، و ثقّل ميزانه و تقبّل شفاعته»(5).

ص: 341


1- صحيح مسلم، ج 1، ص 130. و صحيح البخاري، ج 8، ص 33، و ج 9، ص 170. و غير ذلك من المصادر.
2- صحيح البخاري، ج 1، ص 42، و ص 119. و مسند أحمد، ج 1، ص 301.
3- «من لا يحضره الفقيه» للصدوق، ج 3، ص 376
4- «الخصال»، للصدوق، ص 142.
5- الصحيفة السجادية، الدعاء الثاني و الأربعون. و من أراد التبسط فعليه الرجوع إلى المصادر التالية:
الأمر الثالث: حقيقة الشفاعة و أقسامها
اشارة

للشفاعة أصل واحد يدل على مقارنة الشيئين، من ذلك الشفع، خلاف الوتر، تقول كان فردا فشفّعته(1).

فإذا كان مقوّم الشفاعة، انضمام شيء إلى شيء في مقام التأثير، فهي تنقسم الى الأقسام التالية:

شفاعة تكوينية، شفاعة قيادية، و شفاعة مصطلحة بين الناس.

1 - الشفاعة التكوينية

قد عرفت في مباحث التوحيد أنّ المظاهر الكونية، بحكم أنّها ممكنة الوجود، غير مستقلة في ذاتها، و لكنها مع ذلك قائمة على أساس علل و معاليل سائدة فيها.

و على ضوء ذلك فتأثير كل ظاهرة كونية في أثرها، و معلولها، بإذنه سبحانه، و لا يتحقق إلاّ مقترنا به، و لأجل ذلك سمّى سبحانه السبب الكوني، شفيعا، لأنّ تأثيره مشروط بأن يكون إذنه سبحانه منضما إليه، فيؤثّران معا.

يقول سبحانه: إِنَّ رَبَّكُمُ اَللّٰهُ اَلَّذِي خَلَقَ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّٰامٍ ثُمَّ اِسْتَوىٰ عَلَى اَلْعَرْشِ يُدَبِّرُ اَلْأَمْرَ مٰا مِنْ شَفِيعٍ إِلاّٰ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذٰلِكُمُ اَللّٰهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَ فَلاٰ تَذَكَّرُونَ (2) و المراد من الشفيع هو الأسباب و العلل المادية الواقعة في طريق وجود الأشياء و تحقّقها. و إنّما سميت العلة شفيعا، لأجل أنّ تأثيرها يتوقف على إذنه سبحانه، فهي مشفوعة إلى إذنه، حتى تؤثّر و تعطي ما تعطي.

ص: 342


1- المقاييس، ج 3، ص 201.
2- سورة يونس: الآية 3.

فالآية خارجة عن الشفاعة المصطلحة بين علماء الكلام، و القرائن الموجودة في نفس الآية تصدّنا عن حملها إلا على هذا القسم من الشفاعة، و قد عرفت أنّ الشفاعة خلاف الوتر، و أنّه يصح في صدقها، انضمام شيء إلى شيء.

2 - الشفاعة القيادية

و المراد من هذا الصنف هو قيام الأنبياء و الأولياء و الأئمة و العلماء، و الكتب السماوية مقام الشفيع، و الشفاعة للبشر لتخليصهم من عواقب أعمالهم و سيئات أفعالهم.

و الفرق بين هذه الشفاعة و الشفاعة المصطلحة أنّ الثانية توجب رفع العذاب عن العبد بعد استحقاقه له، و هذه توجب أن لا يقع العبد في عداد العصاة، حتى يستحق العقاب. فالأولى من قبيل الرفع، و الثانية من قبيل الدفع. و على ذلك فقيادة الأنبياء و الأئمة، تقوم مقام الشفيع و الشفاعة في تجنيب العبد من الوقوع في المعاصي و المهالك.

فالشفاعة بهذا المعنى، مثلها مثل الوقاية في الطبابة، كما أنّ الشفاعة المصطلحة مثلها مثل المداواة بعد إصابة المرض.

و ليس إطلاق الشفاعة بهذا المعنى إطلاقا مجازيا، كيف و قد شهد بذلك القرآن و الأخبار.

قال سبحانه: وَ أَنْذِرْ بِهِ اَلَّذِينَ يَخٰافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلىٰ رَبِّهِمْ، لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَ لاٰ شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (1).

و الضمير المجرور في بِهِ يرجع إلى القرآن، و من المعلوم أنّ ظرف شفاعة القرآن، هو الحياة الدنيوية. فإن هدايته تتحقق فيها، و إن كانت نتائجها تظهر في الحياة الأخروية، فمن عمل بالقرآن قاده إلى الجنة.

ص: 343


1- سورة الأنعام: الآية 51.

يقول صلى اللّه عليه و آله: «إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم، فعليكم بالقرآن، فإنه شافع مشفّع»(1).

فالشفاعة هنا بنفس معناها اللغوي، و ذلك أنّ المكلّف يضم هداية القرآن و توجيهات الأنبياء و الأئمة، إلى إرادته و سعيه، فيفوز بالسعادة الأخروية.

و هذا غير الشفاعة المصطلحة فإنّ ظرفها هو الحياة الأخروية، فبين الشفاعتين بون بعيد.

3 - الشفاعة المصطلحة

حقيقة هذه الشفاعة لا تعني إلا أن تصل رحمته سبحانه و مغفرته و فيضه إلى عباده عن طريق أوليائه و صفوة عباده، و ليس هذا بأمر غريب فكما أنّ الهداية الإلهية التي هي من فيوضه سبحانه، تصل إلى عباده في هذه الدنيا عن طريق أنبيائه و كتبه، فهكذا تصل مغفرته سبحانه إلى المذنبين و العصاة من عباده، يوم القيامة، عن ذلك الطريق و لا بعد في أن يصل غفرانه سبحانه إلى عباده يوم القيامة، عن طريق عباده، فإنه سبحانه قد جعل دعاءهم في الحياة الدنيوية سببا لذلك و قال:

وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جٰاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اَللّٰهَ وَ اِسْتَغْفَرَ لَهُمُ اَلرَّسُولُ لَوَجَدُوا اَللّٰهَ تَوّٰاباً رَحِيماً (2) .

و تتضح هذه الحقيقة إذا وقفنا على أنّ الدعاء بقول مطلق، و بخاصة دعاء الصالحين، من المؤثرات الواقعة في سلسلة نظام العلة و المعلول، و لا تنحصر العلة في المحسوس منها، فإنّ في الكون مؤثرات خارجة عن إحساسنا و حواسنا، بل قد تكون بعيدة عن تفكيرنا، و إليه يشير قوله سبحانه: فَالْمُدَبِّرٰاتِ أَمْراً (3).

ص: 344


1- الكافي، ج 2 ص 238.
2- سورة النساء: الآية 64 و لاحظ يوسف: الآية 97 و 98، التوبة: الآية 103.
3- سورة النازعات: الآية 5.

و بالإمعان فيما ذكرنا من وقوع الدعاء في سلسلة العلل، تقدر على إرجاع الشفاعة المصطلحة إلى قسم من الشفاعة التكوينية بمعنى تأثير دعاء النبي في جلب المغفرة.

الأمر الرابع - مبررات الشفاعة
اشارة

ربما يقال: إذا كان المنقذ الوحيد للإنسان يوم القيامة، هو عمله الصالح، كما هو صريح قوله سبحانه: وَ أَمّٰا مَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صٰالِحاً فَلَهُ جَزٰاءً اَلْحُسْنىٰ (1)، فلما ذا جعلت الشفاعة وسيلة للمغفرة؟.

و الجواب عن ذلك: إنّ لتشريع الشفاعة مبررات عدة، نذكر منها اثنتين:
الأول - الحاجة إلى رحمة اللّه الواسعة حتى مع العمل

إنّ الفوز بالسعادة و إن كان يعتمد على العمل أشد الاعتماد، غير أنّ صريح الآيات هو أنّ العمل ما لم تنضم إليه رحمة اللّه الواسعة، غير كاف في إنقاذ الإنسان من تبعات تقصيره.

قال سبحانه: وَ لَوْ يُؤٰاخِذُ اَللّٰهُ اَلنّٰاسَ بِظُلْمِهِمْ مٰا تَرَكَ عَلَيْهٰا مِنْ دَابَّةٍ وَ لٰكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى (2).

و قال سبحانه: وَ لَوْ يُؤٰاخِذُ اَللّٰهُ اَلنّٰاسَ بِمٰا كَسَبُوا مٰا تَرَكَ عَلىٰ ظَهْرِهٰا مِنْ دَابَّةٍ (3).

ص: 345


1- سورة الكهف: الآية 88.
2- سورة النحل: الآية 61.
3- سورة فاطر: الآية 45.
الثاني - الآثار التربوية للشفاعة

بالرغم مما اعترض على الشفاعة من كونها توجب الجرأة، و تحيي روح التمرد في العصاة و المجرمين، فإنّ الشفاعة تتسبب في إصلاح سلوك المجرم و إنابته و التخلّي عن التمادي في الطغيان. و تظهر حقيقة الحال إذا لاحظنا مسألة التوبة التي اتفقت الأمة على صحتها، فإنه لو كان باب التوبة موصدا في وجه العصاة و المذنبين، و اعتقد المجرم بأنّ عصيانه مرة واحدة يخلّده في عذاب اللّه، فلا شكّ أنّه يتمادى في اقتراف السيئات باعتقاد أنّ تغييره للوضع الذي هو عليه لن يكون مفيدا في إنقاذه من عذاب اللّه، فلا وجه لأن يترك لذات المعاصي. و هذا بخلاف ما إذا وجد الجو مشرقا، و الطريق مفتوحا، و أيقن أنّ رجوعه يغير مصيره في الآخرة، فيترك العصيان و يرجع إلى الطاعة.

و مثل التوبة الاعتقاد بالشفاعة المحدودة (أي مع شروط خاصة في المشفوع له) فإذا اعتقد العاصي بأن أولياء اللّه قد يشفعون في حقه إذا لم يهتك الستر، و لم يبلغ إلى الحد الذي لا تكون فيه الشفاعة نافعة، فعند ذلك، ربما يعيد النظر في مسيره، و يحاول تطبيق حياته على شرائط الشفاعة، حتى لا يحرمها.

نعم، الاعتقاد بالشفاعة المطلقة المحررة من كل قيد، مرفوض في منطق العقل و القرآن. و المراد من المطلقة هو أنّ الأنبياء يشفعون للإنسان يوم القيامة، و إن فعل ما فعل، إذ عند ذلك يستمر و يتمادى في أعماله الإجرامية. و أما الشفاعة المحدودة بشرائط في المشفوع له و الشافع، فلا توجب ذلك.

و مجمل هذه الشروط أن لا يقطع الإنسان جميع علاقاته العبودية مع اللّه، و وشائجه الروحية مع الشافعيين، و لا يصل تمرده إلى حد نسف جسور الارتباط بهم.

الأمر الخامس - شرائط شمول الشفاعة
اشارة

قد تعرفت على أنّ الشفاعة المشروعة، هي الشفاعة المحدودة بحدود،

ص: 346

و ليس أمر الشفاعة فوضى بلا قيد و شرط، و نحن نذكر بعض شرائطها كما وردت في الروايات.

1 - عدم الشرك باللّه شيئا

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «شفاعتي نائلة إن شاء اللّه من مات و لا يشرك باللّه شيئا»(1).

2 - شهادة الشهادتين بإخلاص

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «شفاعتي لمن شهد أن لا إله إلاّ اللّه، مخلصا، يصدق قلبه لسانه، و لسانه قلبه»(2).

3 - عدم الغشّ

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «من غشّ العرب لم يدخل في شفاعتي و لم تنله مودتي»(3).

4 - عدم نصب العداء لأهل البيت عليهم السلام

قال الإمام الصادق عليه السلام: «إنّ المؤمن ليشفع لحميمه، إلا أن يكون ناصبا، و لو أنّ ناصبا شفع له كل نبي مرسل و ملك مقرب ما شفعوا»(4).

ص: 347


1- مسند أحمد: ج 2، ص 426.
2- مسند أحمد، ج 2، ص 307، و 518، و لاحظ صحيح البخاري، ج 1، ص 36.
3- مسند أحمد، ج 1، ص 72، المراد من العرب المسلمون، لأن المسلمين يوم ذاك كانوا منحصرين في العرب.
4- ثواب الأعمال، للصدوق، ص 251.
5 - عدم الاستخفاف بالصلاة

قال الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام: «لما حضر أبي (الإمام الصادق) قال لي: يا بنيّ، إنه لا ينال شفاعتنا من استخف بالصلاة»(1).

6 - عدم التكذيب بشفاعة رسول اللّه

قال علي بن موسى الرضا عليه السلام: «قال أمير المؤمنين عليّ عليه السلام: من كذّب بشفاعة رسول اللّه لم تنله»(2).

و غير ذلك من الشرائط التي يجدها المتتبع في أحاديث الشفاعة من الفريقين.

الأمر السادس - ما هو أثر الشفاعة: إسقاط العقاب أو زيادة الثواب؟

لم تكن مسألة الشفاعة فكرة جديدة ابتكرها الإسلام و انفرد بها، بل كانت فكرة رائجة بين أمم العالم من قبل، و خاصة بين الوثنيين و اليهود.

نعم، هذّبها الإسلام من الخرافات، و قررها على أصول توافق أصول العدل و العقل، و صحّحها تحت شرائط في الشافع و المشفوع له، تجر العصاة إلى الطهارة من الذنوب، و لا توجب فيهم جرأة و جسارة. و غير خفي على من وقف على آراء اليهود و الوثنيين في أمر الشفاعة، و أنّ الشفاعة بينهم كانت رجاء في حط الذنوب و غفران الآثام، و لأجل ذلك كانوا يقترفون الكبائر، تعويلا على ذلك الرجاء. و جاء القرآن يرد تلك العقيدة الباعثة إلى الجرأة، فقال: إنه لا يشفع إنسان إلا بإذنه تعالى و في حق من ارتضاه سبحانه، فليس لكم أن تقترفوا الذنوب تعويلا على شفاعة الشفيع، لأنّ الأمر ليس في أيديهم بل في ملكه سبحانه و قدرته.

ص: 348


1- الكافي، ج 3، ص 270. و ج 6، ص 401. و التهذيب، للطوسي، ج 9، ص 107.
2- عيون أخبار الرضا، ج 2، ص 66.

و على ضوء هذا، إن الشفاعة عند الأمم، مرفوضها، و مقبولها، يراد منها حط الذنوب، و رفع العقاب، و هي كذلك في الإسلام، بلا فرق، كما يوضحه قوله صلى اللّه عليه و آله: «ادّخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي»(1).

و في المقابل ذهبت المعتزلة إلى تخصيص آيات الشفاعة بأهل الطاعة، دون العصاة، و أن أثرها ينحصر في رفع الدرجة و زيادة الثواب. و ما هذا التأويل في آيات الشفاعة إلا لأجل موقف مسبق لهم في مرتكب الكبيرة، حيث حكموا بخلوده في النار إذا مات بلا توبة، فلما رأوا أن القول بالشفاعة التي أثرها هو إسقاط العقاب، ينافي ذلك المبنى، أوّلوا آيات اللّه، فقالوا إنّ أثر الشفاعة إنما هو زيادة الثواب، و رفع الدرجة. و هذا المقام أحد المقامات التي يؤخذ المعتزلة فيها بالعتاب، حيث قدّموا النهج على النقل الصريح، و خالفوا في ذلك جميع المسلمين.

قال القاضي عبد الجبار، منكرا شمول الشفاعة للعصاة: «إنّ شفاعة الفساق الذين ماتوا على الفسوق و لم يتوبوا تتنزل منزلة الشفاعة لمن قتل ولد الغير و ترصد للآخر حتى يقتله، فكما أنّ ذلك يقبح فكذلك هاهنا»(2).

و ما ذكره القاضي، غفلة منه عن شروط الشفاعة، فإنّ بعض الذنوب الكبيرة، تقطع العلائق الإيمانية باللّه سبحانه، كما تقطع الأواصر الروحية مع النبي الأكرم، فأمثال هؤلاء العصاة لا تشملهم الشفاعة، و قد تقدم ذكر النصوص الدالة على حرمان طوائف منها.

و العجب أنّ القاضي استدل على أنّ الفاسق لا يخرج من النار بشفاعة النبي، بقوله تعالى: وَ اِتَّقُوا يَوْماً لاٰ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً (3). و قوله تعالى: مٰا لِلظّٰالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَ لاٰ شَفِيعٍ يُطٰاعُ (4).

ص: 349


1- سنن أبي داود، ج 2، ص 537، و صحيح الترمذي، ج 4، ص 45، صحيح ابن ماجة، ج 2، ص 1441. مسند أحمد، ج 3، ص 213.
2- شرح الأصول الخمسة، ص 688.
3- سورة البقرة: الآية 48.
4- سورة غافر: الآية 18.

فيلاحظ عليه: أنّ الآيتين راجعتان إلى الكفار، فالآية الأولى ناظرة إلى نفي الشفاعة التي كان اليهود يتنبونها، كما هو صريح سياقها، و الآية الثانية ناظرة إلى نفي الشفاعة التي كان المشركون يرجونها من معبوداتهم، يقول سبحانه:

قٰالُوا وَ هُمْ فِيهٰا يَخْتَصِمُونَ * تَاللّٰهِ إِنْ كُنّٰا لَفِي ضَلاٰلٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ اَلْعٰالَمِينَ * وَ مٰا أَضَلَّنٰا إِلاَّ اَلْمُجْرِمُونَ * فَمٰا لَنٰا مِنْ شٰافِعِينَ * وَ لاٰ صَدِيقٍ حَمِيمٍ (1) .

و قال سبحانه: - حاكيا قول المجرمين في سقر - وَ كُنّٰا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ اَلدِّينِ * حَتّٰى أَتٰانَا اَلْيَقِينُ * فَمٰا تَنْفَعُهُمْ شَفٰاعَةُ اَلشّٰافِعِينَ (2).

الأمر السابع - الإشكالات المثارة حول الشفاعة
اشارة

هناك إشكالات مثارة حول الشفاعة، ناشئة من قياس الشفاعة الواردة في الشريعة الإسلامية، بالشفاعة الرائجة بين الناس، و لو عرف المستشكلون الاختلاف الماهوي بين الشفاعتين، لما اجترءوا على إلقاء هذه الشبهات.

الإشكال الأول:
اشارة

إنّ جميع المعاصي تشترك في هدم الحدود و الجرأة على المولى، فأي معنى لشمول الشفاعة لبعض ألوان الجرائم و المعاصي دون البعض الآخر؟.

و الجواب:

إن للجرم مراتب، كما أنّ المجرمين، على درجات من النفسيات و الروحيات، فلا يستوي من أحرق منديل أحد عدوانا بمن أحرق مصنعا كبيرا له. و فرق بين شاب ينظر إلى المرأة الأجنبية نظرا ممزوجا بالسوء، و آخر يعتدي

ص: 350


1- سورة الشعراء: الآيات 96-101.
2- سورة المدثر: الآيات 46-48.

عليها بالعنف. فإذا اختلف الجرمان، اختلف المجرمان من حيث النفسانيات و الروحيات. و هناك مجرم قد حافظ على روابطه الإيمانية مع اللّه، و على علاقاته الروحية مع الشفيع، بحيث لا يعد المجرم غريبا عن كلا المقامين، و مجرم قد قطع كلتا العلاقتين، و صار أجنبيا عنهما، فتشريع الشفاعة في حقّ الأول دون الثاني، لا يعدّ تفريقا في القانون.

و الذي يوضح ذلك أنّ اللّه سبحانه فرّق بين الذنوب، فقال بأنّ الشرك لا يغفر، إلاّ مع التوبة، و أما غيره فيغفر و إن لم تقع التوبة.

قال سبحانه: إِنَّ اَللّٰهَ لاٰ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ مٰا دُونَ ذٰلِكَ لِمَنْ يَشٰاءُ، وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّٰهِ فَقَدِ اِفْتَرىٰ إِثْماً عَظِيماً (1).

و أنت إذا أحطت بما ورد حول الذنوب من العقوبات المختلفة و تقسيمها إلى كبائر و صغائر، تقف على أنّ قبول الشفاعة، في حق بعض دون بعض، ليس ترجيحا بلا مرجّح.

الإشكال الثاني:
اشارة

إنّ تشريع الشفاعة يجرّ إلى التمادي في العصيان، و استمرار المجرم في عدوانه، رجاء غفران ذنوبه بالشفاعة(2).

و الجواب، أما نقضا:

فبالوعد بالمغفرة، مع التوبة، بل حتى مع عدمها، قال سبحانه: إِنَّ اَللّٰهَ لاٰ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ مٰا دُونَ ذٰلِكَ ، فلو كانت الشفاعة موجبة للتمادي، فليكن الوعد بالمغفرة مع التوبة بل مع عدمها في غير الشرك موجبا للتمادي، أيضا. فالجواب هنا، هو الجواب هناك.

ص: 351


1- سورة النساء: الآية 48.
2- دائرة المعارف، لفريد وجدي، ج 5، ص 402.
و أما حلا

فالإشكال ينبع من تصوّر خاطئ و هو اعتقاد كون الشفاعة مطلقة غير مشروطة بشيء، فيكون للإنسان عند ذاك أن يفعل ما يريد تعويلا عليها. و لكنك عرفت أنّ الشفاعة محدودة، و تشمل بعض العباد، و هم الذين لم تنقطع علاقاتهم باللّه سبحانه و بأوليائه، و مثل هذه الشفاعة لا تبعث على الجرأة، بل تبعث عملا في نفس العاصي، و تدفعه إلى الاحتفاظ بعلاقته و لا ينسفها من رأس.

إن الشفاعة التي نطق لها القرآن، ليست أمرا مطلقا من كل قيد و شرط، فإنّ الشفاعة مقيّدة بإذنه سبحانه أوّلا، و كون المشفوع له مرضيا عند اللّه ثانيا، و ليس من الممكن أن يذعن المجرم بأنّه ممن يشمله أذنه سبحانه و رضاه.

قال سبحانه: مَنْ ذَا اَلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّٰ بِإِذْنِهِ (1).

و قال سبحانه: وَ لاٰ يَشْفَعُونَ إِلاّٰ لِمَنِ اِرْتَضىٰ (2).

فليس في وسع أحد أن يدّعي أنّه من العباد المرضيين، ثم يعتمد على ادّعائه و يتمادى في العصيان.

و هناك وجه آخر لكون الشفاعة محدودة، و هو إبهامها من حيث الجرم، فلا يعلم أي جرم تشمله الشفاعة و أيّه لا تشمله. كما أنها مبهمة من حيث وقت القيامة، فللعصاة و الطغاة مواقف مختلفة، و هي مواقف رهيبة و مخيفة تهز القلوب، و لم يعين وقت الشفاعة.

و هذا الإبهامات الثلاثة، تصد المجرم عن الاعتماد على الشفاعة ليتمادى في المعصية، و غاية ما يمكن أن يقال في الشفاعة أنّها بصيص من الرجاء، و نافذة من الأمل فتحها القرآن في وجه العصاة حتى لا ييأسوا من روح اللّه.

ص: 352


1- سورة البقرة: الآية 255.
2- سورة الأنبياء: الآية 28.
الإشكال الثالث:
اشارة

إنّ الشفاعة لا تتحقق إلا بترك الإرادة و فسخها لطلب الشفيع رفع العقاب عن المشفوع له، من غير فرق بين الحاكم العادل و الحاكم الظالم، غاية الأمر أنّ الحاكم العادل لا يقبل الشفاعة إلا إذا تغيّر علمه بما كان أراده أو حكم به، كأن أخطأ ثم عرف الصواب، و رأى العدل في خلاف ما أراده أو حكم به. و أما الحاكم الظالم، فهو يقبل الشهادة لكن مع العلم بصواب الحكم الأول و كونه عدلا، لكنه يفضل مصلحة ارتباطه بالشافع المقرّب عنده على العدالة، و كلا النوعين محال على اللّه، لأن إرادته تعالى على حسب علمه، و علمه أزلي لا يتغير(1).

و الجواب:

إن المستشكل لو أمعن في حقيقة الشفاعة التي نطق بها القرآن و الأحاديث لما جعل الشفاعة من هذا الباب. بل هي من واد آخر، و من باب تغيير الحكم لأجل تغيّر الموضوع. فالخمر ما دام خمرا حرام، فإذا تبدّل إلى الخل يكون حلالا، و لا يعدّ الحكم الثاني ناقضا للحكم الأول.

و نظير ذلك العاصي و التائب، فإن العصيان حالة نفسانية في الإنسان، فله حكمه الخاص، كما أنّ التوبة حاكية عن حالة نفسانية مغايرة للحالة الأولى، فلها حكمها الخاص، و الاختلاف في الحكمين لأجل الاختلاف في الموضوعين، و لا يعد ذلك تبدّلا في العلم، بل تبدّلا في المعلوم.

و على هذا الأساس، فالعاصي - مجردا عن انضمام الشفاعة إليه - محكوم بالعقاب، و لكنه - منضمّة إليه الشفاعة - محكوم بحكم آخر من أول الأمر، و اختلاف الحكمين، لأجل اختلاف الموضوعين في الإطلاق و التقييد.

و إن شئت قلت: إنّ العاصي مجردا عما يمر عليه في البرزخ من العذاب،

ص: 353


1- المنار، ج 1، ص 307، و قد تبنى مؤلّفه هذا الإشكال و ما يليه!!.

و ما يستتبع ذلك العذاب من الصفاء في روحه، و مجردا عن دعاء الشفيع في حقه، محكوم بالعقاب. و لكنه - منضما إلى الضمائم الثلاث - محكوم بالمغفرة.

و على ضوء هذا، يتبين أنّ الشفاعة لا توجب اختلافا في علمه و تغييرا في إرادته، كما لا توجب أن يكون أحد الحكمين مطابقا للعدل و الآخر مطابقا للجور، بل الحكمان صدرا من الأزل، على موضوعين مختلفين، من مصدر العدل، تبارك و تعالى.

الإشكال الرابع:
اشارة

ليس في القرآن نص قطعي على وقوع الشفاعة و إنما ورد الحديث بإثباتها(1).

و لعل نظر المستشكل إلى أنّ الشفاعة مقيدة بإذنه سبحانه و ارتضائه، و لا دليل على أنه يأذن و يرتضي، فهو ممكن لا دليل على وقوعه.

و الجواب:

إن البحث عن الإمكان و الامتناع يناسب المسائل الفلسفية و الكلامية البحتة، و أما المسائل التربوية، كالشفاعة، فالوعد بها، مقيّدا بالإذن، و الارتضاء، لا يهدف إلا إلى وقوعها في ذلك الإطار، لا إمكانها فيه، و ذلك مثل قوله سبحانه: وَ مٰا كٰانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاّٰ بِإِذْنِ اَللّٰهِ (2) و قوله: وَ مٰا كٰانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّٰ بِإِذْنِ اَللّٰهِ (3).

على أن هناك قرائن تدل على وقوع الاستثناء و تحققه، منها:

1 - أنّه سبحانه عبّر عن رضاه، بالجملة الماضية، و قال: وَ لاٰ يَشْفَعُونَ

ص: 354


1- المنار، ج 7، ص 370.
2- سورة يونس: الآية 100.
3- سورة آل عمران: الآية 145.

إِلاّٰ لِمَنِ اِرْتَضىٰ ، و هو يدل على تحقق الرضا منه سبحانه في حقّ المشفوع له، و رضاه له لا ينفك عن تحقق إذنه للشفعاء.

2 - و أنّه سبحانه أخبر بخبر قطعيّ عن شهادة من شهد بالحق، قال:

وَ لاٰ يَمْلِكُ اَلَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ اَلشَّفٰاعَةَ إِلاّٰ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ، وَ هُمْ يَعْلَمُونَ (1) .

و هذا يكشف عن تحقق المراتب المتقدمة عليه، من إذنه سبحانه له و ارتضائه لمن يستحقها.

و غير ذلك من القرائن التي يستكشف منها كون الشفاعة وعدا مقطوعا وقوعه.

الإشكال الخامس:
اشارة

الذي ورد في إثبات الشفاعة، من الآيات المتشابهات، و فيه يقضى بمذهب السلف، بالتفويض و التسليم، و لا نحيط بحقيقتها، مع تنزيه اللّه تعالى جل جلاله عن المعنى المعروف للشفاعة في لسان التخاطب العرفي(2).

و الجواب:

قد تعرفت على أصناف الآيات الواردة في الشفاعة، و ليس فيها آية مبهمة مستعصية على الفهم. و على فرض وجودها، يرفع إبهامها بآية أختها، أو بالأحاديث الواردة حولها.

على أنّ ما ذكره المستشكل من أنّ مذهب السلف في المتشابهات هو التفويض و التسليم، مردود من رأس فإنّ القرآن كتاب الهداية و التربية، نزل للفهم

ص: 355


1- سورة الزخرف: الآية 86.
2- المنار، ج 1، ص 307-308.

و العبرة، فلا معنى لقراءة الآيات و تفويض مفاهيمها التصديقيّة إلى اللّه، بل يجب رفع إبهام المتشابهات عن طريق المحكمات.

نعم، هناك مفاهيم تصورية مبهمة، كحقيقة ذاته تعالى، و صفاته، و حقيقة الميزان و الحساب و الجنة و النار، و لكنها مفاهيم تصورية خارجة عن موضوع البحث.

هذه جملة من الإشكالات، و بالإحاطة بها و بأجوبتها، تقدر على دفع ما لم نورده مما ذكروه(1).

و في الختام، نشير إلى أن مسألة الشفاعة مسألة إجماعية، اتفق عليها الفريقان، فلا تجد في كتاب كلامي إلاّ التصديق بها.

قال القاضي عيّاض: «مذهب أهل السنة هو جواز الشفاعة عقلا، و وجوبها سمعا بصريح الآيات، و بخبر الصادق، و قد جاءت الآثار التي بلغت بمجموعها التواتر، بصحة الشفاعة في الآخرة لمذنبي المؤمنين، و أجمع السلف الصالح و من بعدهم من أهل السنة، عليها»(2).

و قال الإمام أبو حفص النسفي: «و الشفاعة ثابتة للرسل و الأخيار في حق أهل الكبائر، بالمستفيض من الأخبار»(3).

ص: 356


1- راجع في الوقوف على سائر الإشكالات و أجوبتها، مفاهيم القرآن، ج 4، ص 246-256.
2- بحار الأنوار، ج 8، ص 62.
3- شرح العقائد النسفية، ص 148. و لاحظ أنوار التنزيل للبيضاوي، ج 1، ص 152. و مفاتيح الغيب، للرازي، ج 3، ص 56. و مجموعة الرسائل الكبرى، لابن تيمية، ج 1، ص 403. و تفسير ابن كثير، ج 1، ص 309. و غير ذلك من المصادر.
الأمر الثامن: هل يجوز طلب الشفاعة؟
اشارة

قد تعرفت على أنّ أصل الشفاعة أمر مفروغ عنه، و أنّ المخلصين من عباده يشفعون يوم القيامة بعد إذنه و ارتضائه، لكن يقع الكلام في جواز طلب الشفاعة من الأولياء في هذه النشأة.

فذهب ابن تيمية و تبعه محمد بن عبد الوهاب - مخالفين الأمة الإسلامية جمعاء - إلى أنّه لا يجوز طلب الشفاعة من الأولياء في هذه النشأة و لا يجوز للمؤمن إلاّ أن يقول: اللّهم شفّع نبيّنا محمدا فينا يوم القيامة، و لا يجوز أن يقول: يا رسول اللّه، اشفع لي يوم القيامة.

و استدلا على ذلك بوجوه، لا بأس بذكرها و الإجابة عنها على وجه الإجمال.

الوجه الأول:
اشارة

إنّه من أقسام الشرك، أي الشرك بالعبادة، و القائل بهذا الكلام، يعبد الولي(1).

و الجواب، أما نقضا

فبأنّه لو كان طلب الشفاعة في هذه النشأة من الأنبياء و الأولياء شركا، لوجب أن لا يكون هناك فرق بين حياتهم و مماتهم، مع أنّ القرآن يدعو المؤمنين إلى أن يلجئوا إلى حضرة الرسول في حال حياته و يطلبوا منه أن يستغفر لهم، يقول سبحانه: وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جٰاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اَللّٰهَ وَ اِسْتَغْفَرَ لَهُمُ اَلرَّسُولُ لَوَجَدُوا اَللّٰهَ تَوّٰاباً رَحِيماً (2). و ليس طلب الاستغفار من النبي إلاّ طلبا للشفاعة، إذ ليس معنى قولنا: يا رسول اللّه اشفع لنا عند اللّه، إلاّ أدع لنا عند ربك بالخير و المغفرة.

ص: 357


1- الهدية السنية، ص 42.
2- سورة النساء: الآية 64.
و أمّا حلاّ:

فقد عرفت أنّ طلب شيء من أي شخص كان، إنما يعد عبادة، إذا اعتقد أنّه إله أو ربّ، أو أنّه مفوّض إليه فعل الخالق و تدبيره و شئونه. و أمّا طلب من الشخص بما أنّه عبد صالح محبوب عند اللّه، فلا يعدّ عبادة للمدعو سواء أ كان نافعا أو لا. و قد أوضحنا معنى العبادة عند البحث عن التوحيد في العبادة(1).

الوجه الثاني:
اشارة

إنّ طلب الشفاعة من النبي يشبه عمل عبدة الأصنام في طلبهم الشفاعة من آلهتهم الكاذبة، و قد حكى القرآن ذاك العمل منهم، و قال.

وَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اَللّٰهِ مٰا لاٰ يَضُرُّهُمْ وَ لاٰ يَنْفَعُهُمْ وَ يَقُولُونَ هٰؤُلاٰءِ شُفَعٰاؤُنٰا عِنْدَ اَللّٰهِ (2) .

و على ذلك فالاستشفاع من غيره سبحانه، عبادة لهذا الغير(3).

و الجواب:

إنّ المعيار في القضاء ليس هو التشابه الصوري، بل المعيار هو البواطن و العزائم و لو صحّ ما ذكره لوجب أن يكون السعي بين الصفا و المروة، و الطواف حول البيت، شركا، لقيام المشركين به في الجاهلية، و قد عرفت أنّهم كانوا يطلبون الشفاعة من الأوثان باعتقاد أنّها آلهة أو أشياء فوّض إليها أفعال اللّه سبحانه من المغفرة و الشفاعة.

و أين هذا من طلب الشفاعة من الأنبياء و الأولياء بما أنّهم عباد اللّه

ص: 358


1- لاحظ الجزء الأول من الكتاب، ص 429-447.
2- سورة يونس: الآية 18.
3- كشف الشبهات لمحمد بن عبد الوهاب، ص 6.

الصالحون. فعطف هذا على ذلك، جور في القضاء، و عناد في الاستدلال.

و أما الاستدلال بالآية الثانية، فهو ضعيف من وجهين:

الأول: إنّ الآية على خلاف ما يدّعيه أدلّ، لأنّ عطف وَ يَقُولُونَ ، على قوله: وَ يَعْبُدُونَ ، دليل على أنّ العمل الثاني ليس عبادة، أخذا بحكم العطف الدال على المغايرة. و بعبارة أخرى: إنّ المشركين كانوا يقومون بعملين، العبادة أوّلا، و قولهم هم شفعاؤنا، و طلب الشفاعة منهم ثانيا، و علة اتّصافهم بالشرك هو الأوّل لا الثاني.

الثاني: لو فرضنا أنّ الجملة الثانية، جملة تفسيرية للأولى، فنقول: إنّ توصيف طلب الشفاعة من الأوثان بالعبادة لا يستلزم توصيف طلب الشفاعة من الأولياء بها أيضا، لما عرفت من الاختلاف في العقيدة، و أنّ الشافعين كانوا عند عبدة الأصنام آلهة، و عند المؤمنين عبادا صالحين، و أين هذا من ذاك؟!.

الوجه الثالث:
اشارة

إن طلب الحاجة من غيره سبحانه حرام، فإن ذلك دعاء لغير اللّه، و هو حرام.

قال سبحانه: فَلاٰ تَدْعُوا مَعَ اَللّٰهِ أَحَداً (1).

و يدل على أنّ الدعاء في الآية عبادة، قوله سبحانه: اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ، إِنَّ اَلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبٰادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دٰاخِرِينَ (2). فقد عبّر عن العبادة في الآية بلفظ «الدعوة» في صدرها، و بلفظ العبادة في ذيلها، و هذا يكشف عن وحدة التعبيرين في المعنى. و قد ورد عنه صلى اللّه عليه و آله:

«الدعاء مخ العبادة».

ص: 359


1- سورة الجن: الآية 18.
2- سورة غافر: الآية 60.
و الجواب

إنّ القول بأنّ دعاء الغير في جميع الظروف مساوق للعبادة، شيء لا أساس له، و إلا يلزم أن لا يسجّل اسم أحد في سجل الموحدين، فإنّ الناس لا ينفكّون عن التعاون، و استعانة بعضهم ببعض، و دعوة الواحد منهم الآخر. و على ذلك فيجب أن يقال إنّ قسما - فحسب - من الدعاء مساوق للعبادة، و هو دعاء الشخص بما أنّه إله، و بما أنّه رب، أو بما أنّه مفوّض إليه أفعاله سبحانه. فدعاؤه بهذه الخصوصيات، مساوق لعبادته.

و الآية ناظرة إلى هذا القسم من الدعاء بقرينة قوله مَعَ اَللّٰهِ ، معربا عن أنّ الداعي يرى المدعو مشاركا للّه سبحانه في مقام أو مقامات، و من المعلوم أنّ الدعاء بهذه الخصوصية شرك بلا إشكال، و المشركون في الجاهلية، كانوا يسوون بين الأوثان و رب العالمين، و يدل عليه قوله سبحانه - حاكيا قولهم يوم القيامة -:

تَاللّٰهِ إِنْ كُنّٰا لَفِي ضَلاٰلٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ اَلْعٰالَمِينَ (1) .

فأي كلمة أظهر من التعبير عن عقيدة المشركين في حق الأوثان بأنها كانت عندهم و رب العالمين، سواسية.

فقياس دعوة الصالحين من الأنبياء و الأولياء، بدعوة الأصنام و الأوثان، قياس مع الفارق البالغ، لا يعتمد عليه إلا من سبق له الرأي في هذا المجال، و يريد التمسك بالطحلب و الحشيش.

الوجه الرابع:
اشارة

إنّ الشفاعة حق مختص باللّه لا يملكه غيره، و على ذلك فطلبها من غير مالكها أمر غير صحيح، قال سبحانه: أَمِ اِتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اَللّٰهِ شُفَعٰاءَ، قُلْ أَ وَ لَوْ كٰانُوا لاٰ يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَ لاٰ يَعْقِلُونَ * قُلْ لِلّٰهِ اَلشَّفٰاعَةُ جَمِيعاً... (2).

ص: 360


1- سورة الشعراء: الآيتان 97 و 98.
2- سورة الزمر: الآيتان 43 و 44.
و الجواب:

إنّ المراد من قوله سبحانه: قُلْ لِلّٰهِ اَلشَّفٰاعَةُ جَمِيعاً ، ليس أنّه هو الشفيع دون غيره، إذ من الواضح أنّه سبحانه لا يشفع لأحد عند الغير، بل المراد أنّه المالك لمقام الشفاعة دون غيره، فليس في الوجود من يملك المغفرة و الشفاعة و غيرهما مما هو من شئونه سبحانه، غيره.

و لكن هذا لا ينافي أن يملكها الغير بتمليك منه سبحانه، و في طول ملكه، كما هو صريح قوله سبحانه: وَ لاٰ يَمْلِكُ اَلَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ اَلشَّفٰاعَةَ إِلاّٰ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ (1)، فإن الاستثناء في قوله: إِلاّٰ يرجع إلى قوله: لاٰ يَمْلِكُ . فتكون النتيجة أنّه يملك من شهد بالحق، الشفاعة، لكن بتمليك منه سبحانه: فهو المالك بالأصالة، و غيره مالك بالتمليك و العرض.

و ليس هذا مختصا بالشفاعة المصطلحة بل الشفاعة التكوينية أيضا كذلك، لأن الأثر الطبيعي لجميع الأسباب التكوينية، يرجع إليها لكن بتسبيب منه سبحانه، فلو لا أنّه جعل النار حارة، و الشمس مضيئة، و القمر نورا، لا تجد فيها تلك الآثار.

الوجه الخامس:
اشارة

إنّ طلب الشفاعة من الميت أمر باطل.

و الجواب:

إنّ هذا آخر سهم في كنانة القائلين بحرمة طلب الشفاعة من أولياء اللّه الصالحين، و الإشكال ناجم من عدم التعرف على مقام الأولياء في كتاب اللّه الحكيم. و قد عرفت أنّ القرآن يصرّح بحياة جموع كثيرة من الشهداء و غيرهم، كما عرفت أنّ يصرح بكون النبي شهيدا على الأمة في قوله سبحانه:

فَكَيْفَ إِذٰا جِئْنٰا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنٰا بِكَ عَلىٰ هٰؤُلاٰءِ شَهِيداً (2) . فهل تعقل الشهادة بدون الحياة، و الاطلاع على ما يجري بينهم من الأمور، من كفر و إيمان و طاعة و عصيان؟. فلو كان النبي ميّتا كسائر الأموات، فما معنى التسليم

ص: 361


1- سورة الزخرف: الآية 86.
2- سورة النساء: الآية 41.

عليه في كل صباح و مساء، و في تشهد كل صلاة: «السلام عليك أيها النبي و رحمة اللّه و بركاته»؟ و ما معنى خطابه ب «عليك»؟. و حمل ذلك على الشعار الخالي و التحية الجوفاء، تأويل بلا دليل.

و أما قوله سبحانه في حقّ الموتى: إِنَّكَ لاٰ تُسْمِعُ اَلْمَوْتىٰ وَ لاٰ تُسْمِعُ اَلصُّمَّ اَلدُّعٰاءَ إِذٰا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (1) فهو لا يدلّ إلا على أنّ الأموات المدفونين في القبور، لا يسمعوه و لا يفهموه، و أنّهم كالجماد، و لذلك شبّه المشركين بهم في عدم التعقل، و هو أمر غير منازع فيه، فإنّ الأبدان بعد الموت، جمادات محضة، من غير فرق بين جسد النبي و غيره.

غير أنّ المؤمنين لا يطلبون الشفاعة من أجساد الصالحين و أبدانهم، بل يطلبونها من أرواحهم المقدسة الحية عند اللّه سبحانه، بأبدان برزخية.

فالزائر القائل: «يا محمّد اشفع لي عند اللّه»، لا يشير إلى جسده، بل إلى روحه الزكية، غير أنّ الوقوف عند قبره الشريف يدفع له استعدادا لأن يتصل بروحه و يخاطبها.

إلى هنا تم عرض الإشكالات الضئيلة التي أستدل بها على تحريم طلب الشفاعة من الأولياء، و الإجابة عليها بما لا يدع مجالا بعدها للشك في الجواز.

ص: 362


1- سورة النمل: الآية 80.

مباحث المعاد

(16) الإحباط و التكفير

اشارة

الإحباط في اللغة، بمعنى الإبطال، يقال: أحبط عمل الكافر، أي أبطله(1).

و الكفر بمعنى الستر و التغطية، يقال لمن غطّى درعه بثوب: قد كفّر درعه، و المكفّر، الرجل المتغطّي بسلاحه، و يقال للزارع كافر، لأنه يغطي الحب بتراب الأرض. قال اللّه تعالى: كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ اَلْكُفّٰارَ نَبٰاتُهُ (2). و الكفر ضد الإيمان، سمي بذلك لأنه تغطية الحق(3).

و المراد من الحبط هو سقوط ثواب العمل الصالح بالمعصية المتأخرة، كما أنّ المراد من التكفير هو سقوط الذنوب المتقدمة، بالطاعة المتأخرة.

و بعبارة أخرى: إنّ الإحباط في عرف المتكلمين عبارة عن إبطال الحسنة بعدم ترتب ما يتوقع منها عليها، و يقال التكفير و هو إسقاط السيّئة بعدم جريان مقتضاها عليها، فهو في المعصية نقيض الإحباط في الطاعة. و لنقدّم الكلام في الإحباط أوّلا.

ص: 363


1- المقاييس، ج 2، مادة حبط، ص 129.
2- سورة الحديد: الآية 20.
3- المقاييس، ج 5، مادة كفر، ص 191.
أولا: الإحباط
اشارة

المعروف عن الإمامية، و الأشاعرة هو أنّه لا تحابط بين المعاصي و الطاعات و الثواب و العقاب، و المعروف عن جماعة من المعتزلة، كالجبائيّين و غيرهما هو التحابط(1).

قال التفتازاني: «لا خلاف في أنّ من آمن بعد الكفر و المعاصي فهو من أهل الجنة بمنزلة من لا معصية له، و من كفر بعد الإيمان و العمل الصالح، فهو من أهل النار بمنزلة من لا حسنة له، و إنما الكلام فيمن آمن و عمل صالحا و آخر سيئا، و استمرّ على الطاعات و الكبائر، كما يشاهد من الناس، فعندنا مآله إلى الجنة و لو بعد النار، و استحقاقه للثواب و العقاب، بمقتضى الوعد و الوعيد، من غير حبوط. و المشهور من مذهب المعتزلة أنّه من أهل الخلود في النار إذا مات قبل التوبة، فأشكل عليهم الأمر في إيمانه و طاعته و ما يثبت من استحقاقاته، أين طارت؟ و كيف زالت؟ فقالوا بحبوط الطاعات، و مالوا إلى أنّ السيئات يذهبن الحسنات»(2).

أقول: اشتهر بين المتكلمين أنّ المعتزلة يقولون بالإحباط و التكفير، و أما الأشاعرة و الإمامية فهم يذهبون إلى خلافهم. غير أنّ هنا مشكلة، و هي أن نفيهما على الإطلاق يخالف ما هو مسلّم عند المسلمين، من أنّ الإيمان يكفّر الكفر، و يدخل المؤمن الجنّة خالدا فيها، و أنّ الكفر يحبط الإيمان و يخلد الكافر في النار.

و هذا النوع من الإحباط و التكفير مما أصفقت عليه الأمّة، و مع ذلك كيف يمكن نفيهما في مذهب الأشاعرة و الإمامية؟ و لأجل ذلك، يجب الدقة في فهم مرادهما من نفيهما على الإطلاق، و سوف يتبين الحال في هذين المجالين، و أنّ ما ينفونه منهما لا ينافي ظواهر الآيات و الأخبار.

ص: 364


1- أوائل المقالات، ص 57.
2- شرح المقاصد، ج 2، ص 232، و يظهر من القاضي عبد الجبار في شرح الأصول الخمسة، ص 624، أن القول بالإحباط و التكفير خيرة مشايخ المعتزلة، و إنما خالف منهم القليل مثل عبّاد بن سليمان الصيمري.

هذا، و إنّ القائلين بالإحباط اختلفوا في كيفيته، فمنهم من قال بأن الإساءة الكثيرة تسقط الحسنات القليلة، و تمحوها بالكليّة، من دون أن يكون لها تأثير في تقليل الإساءة، و هو المحكي عن أبي علي الجبائي.

و منهم من قال بأن الإحسان القليل يسقط بالإساءة الكثيرة و لكنه يؤثر في تقليل الإساءة، فينقص الإحسان من الإساءة، فيجزى العبد بالمقدار الباقي بعد التنقيص، و هو المنسوب إلى أبي هاشم.

و هناك قول آخر في الإحباط، و هو عجيب جدا حكاه التفتازاني في شرح المقاصد، و هو أنّ الإساءة المتأخرة تحبط جميع الطاعات و إن كانت الإساءة أقل منها، قال: حتى ذهب الجمهور منهم إلى أنّ الكبيرة الواحدة تحبط ثواب جميع العبادات(1).

و على هذا ففي الإحباط أقوال ثلاثة:

1 - الإساءة الكثيرة تسقط الحسنة القليلة من دون تأثير في تقليل الإساءة.

2 - الإساءة الكثيرة تسقط الحسنة القليلة، مع تأثير الإحسان في تقليل الإساءة.

3 - أنّ الإساءة المتأخرة عن الطاعات، تبطل جميع الطاعات من دون ملاحظة القلّة و الكثرة.

إذا عرفت موضع النزاع في كلام القوم، فلننقل أدلة الطرفين:

أدلة نفاة الإحباط

استدل النافون بوجهين: عقلي و نقلي.

أما الوجه العقلي، فهو أنّ القول بالإحباط يستلزم الظلم، لأن من أساء و أطاع و كانت إساءته أكثر، يكون بمنزلة من لم يحسن. و إن كان إحسانه أكثر،

ص: 365


1- شرح المقاصد، ج 2، ص 232.

يكون بمنزلة من لم يسئ. و إن تساويا يكون مساويا لمن يصدر عنه أحدهما، و هو نفس الظلم(1).

يلاحظ عليه: إنّ الإحباط إنما يعدّ ظلما، و يشمله هذا الدليل، إذا كان الأكثر من الإساءة مؤثرا في سقوط الأقل من الطاعة بالكلية، من دون أن تؤثر الطاعة القليلة في تقليل الإساءة الكثيرة، كما عليه أبو علي الجبائي. و أما على القول بالموازنة، كما هو المحكي عن ابنه أبي هاشم، فلا يلزم الظلم، و صورته أن يأتي المكلّف بطاعة استحق عليها عشرة أجزاء من الثواب، و بمعصية استحق عليها عشرين جزء من العقاب، فلو قلنا بأنّه يحسن من اللّه سبحانه أن يفعل به عشرين جزء من العقاب، و لا يكون لما استحقه من الطاعة أيّ تأثير، للزم منه الظلم. و أما إذا قلنا بأنه يقبح من اللّه تعالى ذلك، و لا يحسن منه أن يفعل به من العقاب إلا عشرة أجزاء، و أما العشرة الأخرى فإنها تسقط بالثواب الذي استحقه على ما أتي به من الطاعة، فلا يلزم ذلك.

يقول القاضي عبد الجبار، بعد نقل مذهب أبي هاشم: «و لعمري إنه القول اللائق باللّه تعالى، دون ما يقوله أبو علي، و الذي يدل على صحته هو أنّ المكلّف أتى بالطاعات على الحد الذي أمر به، و على الحد الذي لو أتى به منفردا عن المعصية لكان يستحق عليها الثواب، فيجب أن يستحق عليها الثواب، و إن دنّسها بالمعصية، إلا أنّه لا يمكن و الحالة هذه أن يوفر عليه، على الحد الذي يستحقه، لاستحالته، فلا مانع من أن يزول من العقاب بمقداره، لأنّ دفع الضرر كالنفع في أنّه مما يعد في المنافع».

ثم قال: «فأمّا على مذهب أبي علي فيلزم أن لا يكون قد رأى صاحب الكبيرة، شيئا مما أتى به من الطاعات، و قد نصّ اللّه تعالى على خلافه»(2).

و الأولى أن يستدلّ على بطلان الإحباط بأنه يستلزم خلف الوعد إذا كان الوعد منجزا، كما هو في محل النزاع، و أما إذا كان مشروطا بعدم لحوق العصيان

ص: 366


1- كشف المراد، ص 260.
2- شرح الأصول الخمسة، ص 629.

به، فهو خارج عن محل البحث. هذا، من غير فرق بين قول الوالد و الولد، و القول الثالث الذي هو في غاية الإفراط.

و أما الوجه النقلي، فقوله سبحانه: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ خَيْراً، يَرَهُ (1).

يلاحظ عليه: إنّ الاستدلال بالآية إنما يتم على القولين الأول و الثالث حيث لا يكون للإحسان القليل دور، و أما على القول الثاني، فالآية قابلة للانطباق عليه، لأنه إذا كان للإحسان القليل تأثير في تقليل الإساءة الكثيرة، فهو نحو رؤية له، لأن دفع المضرة كالنّفع في أنّه مما يعدّ منفعة. و هذا كما إذا ربح إنسان في تجارة، قليلا، و خسر في تجارة أخرى أكثر، فأدّى بعض ديونه من الربح القليل.

نعم، الظاهر من الآية، رؤية جزاء الخير، و هو بالقول بعدم الإحباط، ألصق و أطبق.

سؤال و جوابه

السؤال: لو كان القول بالإحباط مستلزما للظلم، أو كان مستلزما لخلف الوعد، فما هو المخلص فيما يدل على حبط العمل، في غير مورد من الآيات التي ورد فيها أنّ الكفر و الارتداد، و الشرك و الإساءة إلى النبي و غيرها مما يحبط الحسنات(2). ما هو الجواب عن هذه الآيات؟ و ما هو تفسيرها؟.

الجواب: إنّ القائلين ببطلان الإحباط يفسرون الآيات بأن الاستحقاق في مواردها كان مشروطا بعدم لحوق العصيان بالطاعات، فإذا عصى الإنسان و لم يحقق الشرط، انكشف عدم الاستحقاق.

و يمكن أن يقال بأن الاستحقاق في بدء صدور الطاعات لم يكن مشروطا

ص: 367


1- سورة الزلزلة: الآية 7.
2- سنذكرها في آخر البحث.

بعدم لحوق العصيان، بل كان استقرار الاستحقاق في مستقبل الأيام، هو المشروط بعدم لحوق المعصية، فإذا فقد الشرط، فقد استقرار الاستحقاق و استمراره.

يقول الشيخ الطوسي في تفسير قوله سبحانه: وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كٰافِرٌ، فَأُولٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمٰالُهُمْ فِي اَلدُّنْيٰا وَ اَلْآخِرَةِ وَ أُولٰئِكَ أَصْحٰابُ اَلنّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ (1): «معناه أنّها صارت بمنزلة ما لم يكن، لإيقاعهم إياها على خلاف الوجه المأمور به، و ليس المراد أنّهم استحقوا عليها الثواب ثم انحبطت، لأن الإحباط - عندنا - باطل على هذا الوجه»(2).

و يقول الطّبرسي في تفسير قوله سبحانه: وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمٰانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَ هُوَ فِي اَلْآخِرَةِ مِنَ اَلْخٰاسِرِينَ (3): «و في قوله: فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ، هنا دلالة على أن حبوط الأعمال لا يترتب على ثبوت الثواب، فإن الكافر لا يكون له عمل قد ثبت عليه ثواب، و إنما يكون له عمل في الظاهر لو لا كفره لكان يستحق الثواب عليه، فعبّر سبحانه عن هذا العمل بأنّه حبط، فهو حقيقة معناه»(4).

و يقول في تفسير قوله سبحانه: وَ يَقُولُ اَلَّذِينَ آمَنُوا أَ هٰؤُلاٰءِ اَلَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللّٰهِ جَهْدَ أَيْمٰانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ، حَبِطَتْ أَعْمٰالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خٰاسِرِينَ (5).

«أي ضاعت أعمالهم التي عملوها لأنّهم أوقعوها على خلاف الوجه المأمور به، و بطل ما أظهروه من الإيمان، لأنّه لم يوافق باطنهم ظاهرهم، فلم يستحقوا به الثواب»(6).

و بما ذكره الطبرسي يظهر جواب سؤال آخر، و هو أنه إذا كان الاستحقاق

ص: 368


1- سورة البقرة: الآية 217.
2- التبيان، ج 2، ص 208، و لاحظ مجمع البيان، ج 1، ص 313.
3- سورة المائدة: الآية 5.
4- مجمع البيان، ج 2، ص 163.
5- سورة المائدة: الآية 53.
6- مجمع البيان، ج 2، ص 207.

مشروطا بعدم صدور العصيان، فإذا صدر يكشف عن عدم الاستحقاق أبدا، فكيف يطلق عليه الإحباط، و ما الإحباط إلا الإبطال و الإسقاط، و لم يكن هناك شيء حتى يبطل أو يسقط؟ و ذلك لأن نفس العمل في الظاهر سبب و مقتض، فالإبطال و الإسقاط كما يصدقان مع وجود العلة التامة، فهكذا يصدقان مع وجود جزء العلة و سببها و مقتضيها، و هذا كمن ملك أرضا صالحة للزراعة فأحدث فيها ما أفقدها هذه الصلاحية.

و بعبارة أخرى: إنّ الموت على الكفر، و إن كان يبطل ثواب جميع الأعمال، لكن ليس هذا بالإحباط، بل باشتراط الموافاة على الإيمان في استحقاق الثواب على القول بالاستحقاق، و في الوعد بالثواب على القول بعدم الاستحقاق. و هكذا القول في المعاصي التي ورد أنها حابطة لبعض الحسنات من غير قول بالحبط، بل يكون الاستحقاق أو الوعد مشروطا بعدم صدور تلك المعصية.

نعم، هذا التفسير إنما نحتاج إليه في جانب الإحباط، و أما في جانب التكفير فلا حاجة إليه، بل لنا أن نقول إنّ التوبة و الأعمال المكفّرة يذهبان العقاب المكتوب على المعاصي من دون حاجة إلى القول بكون الاستحقاق مشروطا بالموافاة على الكفر، لجواز تفضّله سبحانه بالعفو.

هذا، و لا يصح القول بالإحباط و التكفير في كل المعاصي، بل يجب علينا تتبّع النصوص، فكلّ معصية وردت في الكتاب أو في الآثار الصحيحة أنها ذاهبة أو منقصة لثواب جميع الحسنات أو بعضها، نقول بالإحباط فيها على التفسير الذي ذكرناه. و هكذا في جانب التكفير فلا يمكن لنا أن نقول إنّ كل حسنة تذهب السيئة إلاّ بالنص.

إلى هنا تم بيان دليل النافين للإحباط على الوجه اللائق بكلامهم، و الإجابة عليه.

ص: 369

أدلة مثبتي الإحباط

استدل القاضي على ثبوت الإحباط بوجه عقلي فقال: «قد ثبت أنّ الثواب و العقاب يستحقان على طريق الدوام، فلا يخلو المكلّف إما أن يستحق الثواب فيثاب، أو يستحق العقاب فيعاقب، أو لا يستحق الثواب و لا العقاب، فلا يثاب و لا يعاقب، أو يستحق الثواب و العقاب، فيثاب و يعاقب دفعة واحدة، أو يؤثر الأكثر في الأقل على ما نقوله.

و لا يجوز أن لا يستحق الثواب و لا العقاب، فإن ذلك خلاف ما اتفقت عليه الأمّة. و لا أن يستحق الثواب و العقاب معا فيكون مثابا و معاقبا دفعة واحدة، لأن ذلك مستحيل، و المستحيل مما لا يستحق...

فلا يصح إلا ما ذكرناه من أن الأقل يسقط بالأكثر. و هذا هو الذي يقوله الشيخان أبو علي و أبو هاشم و لا يختلفان فيه، و إنّما الخلاف بينهما في كيفية ذلك(1).

يلاحظ عليه: إنّه مبني على أنّ استحقاق العقاب على وجه الدوام، و هو مبني على أنّ مرتكب الكبيرة مخلّد في النار، و بما أنّ الأساس باطل، فيبطل ما بني عليه، فلا دليل على دوام استحقاق العقاب. و على ذلك فالحصر غير حاصر، و إنّ هنا شقا سادسا ترك في كلامه، و هو أنّه يستحق الثواب و العقاب معا لكن لا دفعة واحدة، بل يعاقب مدة ثم يخرج من النار فيثاب بالجنة على ما عليه جمهور المسلمين.

و قد نقل القاضي عبد الجبار، وجها عقليا آخر للإحباط عن الشيخ أبي علي و أجاب عنه، فلاحظ(2).

ص: 370


1- شرح الأصول الخمسة، ص 625. و ترك تعليل الوجه الأول (و هو أن يستحق الثواب فقط و الثاني (و هو أن يستحق العقاب فقط)، لوضوحه.
2- شرح الأصول الخمسة، ص 630-631، و حاصل هذا الدليل أنّ المكلّف، بارتكاب الكبيرة تخرج نفسه من صلاحية استحقاق الثواب. و هو كما ترى دعوى بلا دليل، إذ لا دليل على أنّ كل معصية لها هذا الشأن، و ليست كل معصية كالكفر و الارتداد و النفاق.
تحليل لمسألة الإحباط

و هاهنا تحليل آخر للمسألة و هو أنّ في الثواب و العقاب أقوال:

1 - الثواب و العقاب في الآخرة من قبيل الأمور الوضعية الجعلية كجعل الأجرة للعامل، و العقاب للمتخلّف في هذه النشأة.

2 - الثواب و العقاب في الآخرة مخلوقان لنفس الإنسان حسب الملكات التي اكتسبها في هذه الدنيا، بحيث لا يمكن لصاحب هذه الملكة، السكون و الهدوء إلا بفعل ما يناسبها.

3 - الثواب و العقاب في الآخرة عبارة عن تمثّل العمل في الآخرة و تجلّيه فيها بوجوده الأخروي من دون أن يكون للنفس دور في تلك الحياة، في تحلى هذه الأعمال بتلك الصور، بل هي من ملازمات وجود الإنسان المحشور.

فلو قلنا بالوجه الأول، كان لما نقلناه من نفاة الحبط (من أنّ الاستحقاق أو استمراره مشروط بعدم الإتيان بالمعصية) وجه حسن، لأن الأمور الوضعية، رفعها و وضعها، و تبسيطها، و تضييقها، بيد المقنّن و المشرّع. و عندئذ يجمع بين حكم العقل، بلزوم الوفاء بالوعد، و ما دلّ من الآيات على وجود الإحباط في موارد مختلفة، كما سيوافيك.

و قد عرفت حاصل الجمع، و هو أن إطلاق الإحباط ليس لإبطال استحقاق الإنسان الثواب، بل لم يكن مستحقا من رأس، لعدم تحقق شرط الثواب. و أما مصحح تسميته بالإحباط فقد عرفته أيضا، و هو أن ظاهر العمل كان يحكي عن الثواب و كان جزء علة له.

و لو قلنا بالوجه الثاني، و حاصله أن الملكات الحسنة و السيّئة التي تعدّ فعليات للنفس، تحصل بسبب الحسنات و السيّئات التي كانت تصدر من النفس.

فإذا قامت بفعل الحسنات، تحصل فيها صورة معنوية، مقتضية لخلق الثواب.

كما أنّه إذا صدر منها سيئة، تقوم بها صورة معنوية تصلح لأن تكون مبدأ لخلق العقاب. و بما أنّ الإنسان في معرض التحول و التغيير من حيث الملكات النفسانية، حسب ما يفعل من الحسنات و السيئات، فإنّ من الممكن بطلان

ص: 371

صورة موجودة في النفس و تبدّلها إلى صورة غيرها ما دامت تعيش في هذه النشأة الدنيوية.

نعم، تقف الحركة و يبطل التحول عند موافاة الموت، فعند ذلك تثبت لها الصور بلا تغيير أصلا.

فلو قلنا بهذا الوجه، كان الإحباط على وفق القاعدة، لأنّ الجزاء في الآخرة، إذا كان فعل النفس و إيجادها، فهو يتبع الصورة الأخيرة للنفس، التي اكتسبتها قبل الموت. فإن كانت صورة معنوية مناسبة للثواب فالنفس منعّمة في الثواب من دون مقابلة بالعقاب، لأن الصورة المناسبة للعقاب قد بطلت بصورة أخرى. و إذا انعكست الصورة، انعكس الحكم.

و أما لو قلنا بالوجه الثالث، و هو تجسّم الأعمال و تمثلها في الآخرة بالوجود المماثل لها، فالقول بعدم الإحباط هو الموافق للقاعدة، إذ لا معنى للإبطال، في النشأة الأخرى.

غير أن الكلام كلّه في انحصار الثواب و العقاب بهذين الوجهين الأخيرين، و قد عرفت في الجزء الأول أنّ المتشرع لا يتجرأ على القول بذلك(1).

عوامل الإحباط و أسبابه
اشارة

البحث عن عوامل الإحباط و أسبابه، بحث نقلي يتوقف على السبر و الفحص في الكتاب و السنة، و نكتفي في المقام بما جاء في الكتاب العزيز.

1 - الارتداد بعد الإسلام

قال سبحانه: وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كٰافِرٌ، فَأُولٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمٰالُهُمْ فِي اَلدُّنْيٰا وَ اَلْآخِرَةِ، وَ أُولٰئِكَ أَصْحٰابُ اَلنّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ (2).

ص: 372


1- لاحظ «الإلهيات» ج 1، ص 299.
2- سورة البقرة: الآية 217.
2 - الشرك المقارن بالعمل

يقول سبحانه: مٰا كٰانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسٰاجِدَ اَللّٰهِ شٰاهِدِينَ عَلىٰ أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمٰالُهُمْ وَ فِي اَلنّٰارِ هُمْ خٰالِدُونَ (1).

و قد كان المشركون يزعمون أنّ العمل الصالح بنفسه موجب للثواب، غير أنّ القرآن شطب على هذه العقيدة، و صرّح بأن الثواب يترتب على العمل الصالح، إذا صدر من فاعل مؤمن.

و لأجل ذلك أتبع الآية السابقة بقوله: إِنَّمٰا يَعْمُرُ مَسٰاجِدَ اَللّٰهِ مَنْ آمَنَ بِاللّٰهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ (2).

3 - كراهة ما أنزل اللّه

قال سبحانه: وَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَ أَضَلَّ أَعْمٰالَهُمْ * ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مٰا أَنْزَلَ اَللّٰهُ فَأَحْبَطَ أَعْمٰالَهُمْ (3).

4 - الكفر
5 - الصّدّ عن سبيل اللّه
6 - مجادلة الرسول و مشاقّته

و قد جاءت هذه العوامل الثلاثة في قوله سبحانه: إِنَّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اَللّٰهِ وَ شَاقُّوا اَلرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مٰا تَبَيَّنَ لَهُمُ اَلْهُدىٰ لَنْ يَضُرُّوا اَللّٰهَ شَيْئاً وَ سَيُحْبِطُ أَعْمٰالَهُمْ (4).

ص: 373


1- سورة التوبة: الآية 17.
2- سورة التوبة: الآية 18.
3- سورة محمد: الآيتان 8 و 9.
4- سورة محمد: الآية 32. و لاحظ في عامل الكفر، سورة التوبة: الآية 69.

و هل كل منها عامل مستقل، أو أنّ هنا عاملا واحدا هو الكفر، و يكون حينئذ الصّدّ عن سبيل اللّه و مشاقّة الرسول من آثار الكفر، فهم كفروا، فصدوا و شاقوا؟.

تظهر الثمرة فيما لو صدّ إنسان عن سبيل اللّه لأغراض دنيوية، أو شاقّ الرسول لحالة نفسانية مع اعتقاده التام بنبوة ذاك الرسول و قبح عمل نفسه. فلو قلنا باستقلال كل منهما في الحبط، يحبط عمله، و إلا فلا. و بما أن الآية ليست في مقام البيان، بل تحكي عمل قوم كانت لهم هذه الشئون فلا يمكن استظهار استقلال كل منها في الحبط. نعم، يمكن القول بالاستقلال من باب الأولوية، و ذلك أنّه إذا كان رفع الصوت فوق صوت النبي من عوامل الإحباط كما سيأتي، فكيف لا يكون الصّدّ و القتل من عوامله؟.

7 - قتل الأنبياء
8 - قتل الآمرين بالقسط من الناس

قال سبحانه: إِنَّ اَلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيٰاتِ اَللّٰهِ، وَ يَقْتُلُونَ اَلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَ يَقْتُلُونَ اَلَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ اَلنّٰاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذٰابٍ أَلِيمٍ * أُولٰئِكَ اَلَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمٰالُهُمْ فِي اَلدُّنْيٰا وَ اَلْآخِرَةِ وَ مٰا لَهُمْ مِنْ نٰاصِرِينَ (1).

9 - إساءة الأدب مع النبي

قال سبحانه: يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا لاٰ تَرْفَعُوا أَصْوٰاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ اَلنَّبِيِّ وَ لاٰ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمٰالُكُمْ وَ أَنْتُمْ لاٰ تَشْعُرُونَ (2).

و ربما يتصور أنّ رفع الصوت ليس عاملا مستقلا في الإحباط، بل هو

ص: 374


1- آل عمران: الآيتان 21 و 22.
2- سورة الحجرات: الآية 2.

كاشف عن كفر الرافع. و لكنه احتمال ضعيف، لأن الآية تخاطب المؤمنين به بقولها: يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا .

نعم، لا يمكن الالتزام بأنّ كل إساءة بالنسبة إلى النبي تحبط الأعمال الصالحة(1)، إلا إذا كانت هتكا في نظر العامة، و تحقيرا له في أوساط المسلمين، كما هو الظاهر من أسباب نزول الآية.

10 - الإقبال على الدنيا و الإعراض عن الآخرة

قال سبحانه: مَنْ كٰانَ يُرِيدُ اَلْحَيٰاةَ اَلدُّنْيٰا وَ زِينَتَهٰا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمٰالَهُمْ فِيهٰا وَ هُمْ فِيهٰا لاٰ يُبْخَسُونَ * أُولٰئِكَ اَلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي اَلْآخِرَةِ إِلاَّ اَلنّٰارُ وَ حَبِطَ مٰا صَنَعُوا فِيهٰا وَ بٰاطِلٌ مٰا كٰانُوا يَعْمَلُونَ (2).

و يمكن أن يقال إنّ الإقبال على الدنيا بهذا النحو الذي جاء في الآية، يساوق الكفر، أو يساوق ترك الفرائض، و التوغل في الموبقات، فتكون إرادة الحياة الدنيا و زينتها إشارة إلى العامل الواقعي.

11 - إنكار الآخرة

قال سبحانه: وَ اَلَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيٰاتِنٰا وَ لِقٰاءِ اَلْآخِرَةِ، حَبِطَتْ أَعْمٰالُهُمْ (3).

و هو فرع من فروع الكفر و ليس عاملا مستقلا.

12 - النفاق

قال سبحانه: قَدْ يَعْلَمُ اَللّٰهُ اَلْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَ اَلْقٰائِلِينَ لِإِخْوٰانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنٰا وَ لاٰ يَأْتُونَ اَلْبَأْسَ إِلاّٰ قَلِيلاً *.... أُولٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اَللّٰهُ أَعْمٰالَهُمْ وَ كٰانَ ذٰلِكَ

ص: 375


1- كالغضب في محضره صلوات اللّه عليه و آله.
2- سورة هود: الآيتان 15 و 16.
3- سورة الأعراف: الآية 147. و لاحظ سورة الكهف: الآية 105.

عَلَى اَللّٰهِ يَسِيراً (1) .

و قوله: لِإِخْوٰانِهِمْ ، يدل على أنّهم لم يكونوا مؤمنين بل كانوا منافقين. و يصرّح به قوله: أُولٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا . و على ذلك فيرجع النفاق إلى عامل الكفر و عدم الإيمان، و ليس سببا مستقلا.

هذه هي أبرز أسباب الإحباط في الذكر الحكيم، و قد عرفت إمكان إدغام البعض في البعض. و على كل تقدير فالإحباط هنا هو بطلان أثر المقتضى، لا إبطال أثر ثابت بالفعل، كما تقدم.

ثانيا: التكفير

التكفير هو إسقاط ذنوب المعاصي المتقدمة بثواب الطاعات المتأخرة، و هو لا يعدّ ظلما، لأن العقاب حق للمولى، و إسقاط الحق ليس ظلما بل إحسان، و قد عرفت أنّ خلف الوعيد ليس بقبيح و إنما القبيح خلف الوعد. فلأجل ذلك لا حاجة إلى تقييد استحقاق العقاب أو استمرار استحقاقه، بعدم تعقّب الطاعات.

بل الاستحقاق و استمراره ثابتان، غير أنّ المولى سبحانه، تفضّلا منه، عفى عن عبده لفعله الطاعات.

قال سبحانه: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (2).

و قال سبحانه: يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اَللّٰهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقٰاناً وَ يُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ، وَ يَغْفِرْ لَكُمْ وَ اَللّٰهُ ذُو اَلْفَضْلِ اَلْعَظِيمِ (3).

و قال سبحانه: وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ وَ آمَنُوا بِمٰا نُزِّلَ عَلىٰ مُحَمَّدٍ

ص: 376


1- سورة الأحزاب: الآيتان 18 و 19.
2- سورة النساء: الآية 31.
3- سورة الأنفال: الآية 29.

وَ هُوَ اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئٰاتِهِمْ وَ أَصْلَحَ بٰالَهُمْ (1) .

و لا يمكن استفادة الإطلاق من هذه الآيات، و أنّ كل معصية تكفّر، لأنها بصدد بيان تشريع التكفير، و أما شروطه و بيان المعاصي التي تكفّر دون غيرها، فلا يستفاد منها. و إنما الظاهر من الآية الأولى هو اشتراط تكفير الذنوب الصغيرة باجتناب الكبيرة منها، و من الآية الثانية، اشتراط تكفير السيئات بالتقوى، و من الثالثة، تكفير السيئات للذين آمنوا و عملوا الصالحات و آمنوا بما نزّل على الرسول الأكرم صلى اللّه عليه و آله و سلّم.

روى الكراجكي، بسنده عن الإمام علي عليه السلام أنّه قال: «و إن كان عليه فضل، و هو من أهل التقوى، و لم يشرك باللّه تعالى، و اتقى الشرك به، فهو من أهل المغفرة، يغفر اللّه له برحمته إن شاء و يتفضل عليه بعفوه»(2).

ص: 377


1- سورة محمد (ص): الآية 2.
2- البحار، ج 5، ص 334، ح 2.

مباحث المعاد

(17) الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر

اشارة

(17) الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر(1)

لا خلاف بين الأمة في وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، غير أنّ القاضي عبد الجبار، نسب إلى شرذمة من الإمامية عدم وجوبهما(2). و النسبة في غير محلها، فإنهم عن بكرة أبيهم، مقتفون للكتاب و السنة. و صريح الآيات و أحاديث العترة الطاهرة على الوجوب.

روى جابر بن عبد اللّه الأنصاري، عن أبي جعفر الباقر، أنه قال:

«إنّ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر سبيل الأنبياء، و منهاج الصلحاء، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض و تؤمن المذاهب، و تحل المكاسب، و ترد المظالم، و تعمر الأرض و ينتصف من الأعداء، و يستقيم الأمر»(3).

و أما كلمة المحققين، فيكفي في ذلك مراجعة كتبهم الكلامية و الفقهية(4).

ص: 378


1- وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر من الأحكام الفرعية الفقهية، غير أنّ القوم بحثوا عنه في الكتب الكلامية لأنه من الأحكام الاجتماعية التي لها دور أساسي في تطوير المجتمع و سوقه إلى الصلاح، و نحن اقتفينا أثرهم في هذا المقام.
2- شرح الأصول الخمسة: ص 741.
3- وسائل الشيعة، ج 11، الباب الأول، من أبواب الأمر بالمعروف، الحديث 7، ص 393.
4- لاحظ أوائل المقالات، ص 98 و كشف المراد، ص 271، ط صيدا.
1 - وجوبهما عقلي أو شرعي

هل يجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، عقلا، أو لا يجبان إلا شرعا؟ القائلون بوجوب اللطف المقرّب يلزمهما القول بوجوبهما عقلا، لأنّ اللطف ليس إلا تقريب العباد إلى الطاعة و إبعادهم عن المعصية. و من أوضح ما يحقّق تلك الغاية هو الأمر بالمعروف بعامة مراتبه.

و أورد عليه المحقق الطوسي ما هذا توضيحه:

لو وجبا عقلا على اللّه تعالى، فإنّ كل واجب عقلي، يجب على كل من حصل في حقه وجه الوجوب، و لو وجب عليه تعالى لكان إما فاعلا لهما، فكان يلزم وقوع المعروف قطعا، لأنه تعالى يحمل المكلفين عليه، و انتفاء المنكر لأنه تعالى يمنع المكلفين عنه، و هذا خلاف ما هو الواقع في الخارج، و إما غير فاعل لهما، فيكون مخلا بالواجب، و ذلك محال، لما ثبت من حكمته تعالى.

و إلى هذا المعنى أشار هذا المحقق بقوله: «لو كانا واجبين عقلا لزم ما هو خلاف الواقع، أو الإخلال بحكمته سبحانه»(1).

يلاحظ عليه: إنّ وجوبهما عقلا لا يلازم وجوبهما على اللّه سبحانه بعامة مراتبهما، لأنه لو وجب عليه كذلك يلزم الإخلال بالغرض و إبطال التكليف، و هذا يصد العقل عن إيجابهما على اللّه سبحانه فيما لو استلزم الإلجاء، فيكتفى فيهما ببعض المراتب، كالتبليغ و الإنذار مما لا ينافي حرية التكليف، و هما متحققان.

و إلى ما ذكرنا يشير شيخنا الشهيد الثاني بقوله: «لاستلزام القيام به على هذا الوجه (من وجوبه قولا و فعلا) الإلجاء الممتنع في التكليف، و يجوز اختلاف الواجب باختلاف محالّه، خصوصا مع ظهور المانع، فيكون الواجب في حقه تعالى الإنذار و التخويف بالمخالفة لئلا يبطل التكليف. و المفروض أنّه قد فعل»(2).

ص: 379


1- كشف المراد، ص 271، ط صيدا.
2- الروضة البهية، ج 1، كتاب الجهاد، الفصل الخامس، ص 262، الطبعة الحجرية.

و هذا صحيح لو كان اللطف المقرب واجبا، و لكنك عرفت أنّ وجوبه غير ثابت، و إنما الثابت هو اللطف المحصّل للغرض(1).

2 - شرائط وجوبهما

قد فصّل الفقهاء و المتكلمون الكلام في شرائط وجوبهما، و إليك بيانها.

أ - علم فاعلهما بالمعروف و المنكر.

ب - تجويز التأثير، فلو علم أنهما لا يؤثران لم يجبا.

ج - انتفاء المضرّة، فلو علم أو غلب على ظنه حصول مفسدة له أو لبعض إخوانه في أمره و نهيه، سقط وجوبهما دفعا للضرر.

د - تنجّز التكليف في حق المأمور و المنهي، فلو كان مضطرا إلى أكل الميتة، لا تكون الحرمة في حقه منجّزة، فلا يكون فعله حراما و لا منكرا، و إن كان الحكم في حق الآمر و الناهي منجزا.

نعم، إنّ الشرط الثالث، أي عدم المضرة، شرط في موارد خاصة لا مطلقا، فربما يجب على الآمر و الناهي تحمل الضرر و عدم ترك الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و ذلك فيما إذا كانت المصلحة مهمة، كما لو استلزم سكوته خروج الناس عن الدين، و تزلزلهم في العقيدة، فيحرم عليه السكوت، بل يجب عليه الإصحار بالحقيقة و إن بلغ ما بلغ من ضرب أو شتم أو حبس، حتى القتل.

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله: «إذا ظهرت البدع في أمتي، فليظهر العالم علمه و إلا فعليه لعنة اللّه و الملائكة و الناس أجمعين»(2).

و قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: «و ما أخذ اللّه على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم و لا سغب مظلوم»(3).

ص: 380


1- راجع الدليل الخامس من أدلة وجوب بعثة الأنبياء.
2- سفينة البحار، ج 1، ص 63.
3- نهج البلاغة، الخطبة الثالثة.

و بذلك يعلم أنّ التقية مشروعة، و لكن لها حدود و لها أحكام، فكما أنّها تجب، فربما تحرم، و التفصيل موكول إلى محله(1).

3 - وجوبهما عيني أو كفائي؟

الظاهر، كما هو المعروف، كون وجوب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر كفائيا، لأنّ الغرض شرعا هو وقوع المعروف و ارتفاع المنكر، من غير اعتبار مباشر معين، و هذا آية كون الوجوب كفائيا، فإذا حصلا، ارتفع الوجوب.

و الاستدلال على وجوبهما عينا بالعمومات، مثل قوله سبحانه: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّٰاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ اَلْمُنْكَرِ (2)، غير كاف، لأنّ الواجب الكفائي، يشترك مع الواجب العيني في كون الشيء واجبا على العموم، إلا أنه يسقط بفعل واحد من المكلفين، بخلاف العيني. فتوجه الخطاب إلى العموم، مشترك بين العيني و الكفائي.

4 - مراتبهما

إنّ للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر مراتب تبتدئ بالقلب فاللسان فاليد، و تنتهي بإجراء الحدود و التعزيرات و الجهاد.

قال الإمام الباقر عليه السلام: «فأنكروا بقلوبكم، و الفظوا بألسنتكم، و صكوا بها جباههم، و لا تخافوا في اللّه لومة لائم»(3).

و بهذا يصبح الأمر بالمعروف على قسمين: قسم لا يحتاج إلى جهاز و قدرة، و هذا ما يرجع إلى عامة الناس، و هو كالإنكار بالقلب، و التذكير أو النهي باللفظ. و قسم يحتاج إلى الجهاز و القوة، و يتوقف على صدور الحكم من المحاكم

ص: 381


1- لاحظ رسالة الأستاذ الفقهية في التقية، فقد أثبت أنّ التقية ربما تحرم إذا كان الفساد في تركها أوسع و سيوافيك بحث التقية في الخاتمة.
2- سورة آل عمران: الآية 110.
3- الوسائل، ج 11، كتاب الجهاد، الباب الثالث من أبواب الأمر بالمعروف، الحديث 2.

القضائية و هذا يرجع إجراؤه إلى السلطة التنفيذية القائمة في الدولة الإسلامية بأركانها الثلاثة(1).

هذا، و قد كان على القاضي أن يؤاخذ الحنابلة و الأشاعرة، حيث إنهم لا يرون الخروج على أئمة الجور، و يرون إطاعتهم واجبة، ما لم يأمروا بمعصية، و قد تقدّم نقل نبذ من نصوصهم في ذلك.

ص: 382


1- لاحظ جواهر الكلام، ج 21، ص 13.

* أسئلة حول المعاد 1 - نشور الإنسان دفعي أو تدريجي؟.

2 - ما هو المحشور من الأبدان المتعددة؟.

3 - هل المعاد إعادة للمعدوم؟.

4 - شبهة عدم كفاية المواد الأرضية.

5 - شبهة الآكل و المأكول.

6 - مكان بعث النفوس و حشرها.

7 - كيف يخلد الإنسان مع أنّ المادة تفنى؟.

8 - ما هو الغرض من عقاب المجرم و تنعيم المسيء؟.

9 - من هم المخلّدون في النار؟.

10 - هل يجوز العفو عن المسيء؟.

11 - هل الجنّة و النار مخلوقتان؟.

ص: 383

ص: 384

أسئلة المعاد
(1) نشور الإنسان دفعي أو تدريجي؟
اشارة

إن تكامل الإنسان من خلية إلى أن يصير بدنا متكاملا، رهن تفاعلات تدريجية، معلومة لكلّ منّا، فهل عود الإنسان إلى الحياة من جديد رهن هذا الناموس التدريجي أولا؟

الجواب

كل من أراد تفسير المعاد من هذا الطريق، يريد إخضاع المسائل الغيبية، للقوانين الطبيعية المحسوسة، و لكن السمع يرد هذا الفرض، و يعرّف المعاد بأنّه يحصل دفعة، و الآيات في هذا المجال متعددة، منها قوله سبحانه:

ثُمَّ إِذٰا دَعٰاكُمْ دَعْوَةً مِنَ اَلْأَرْضِ إِذٰا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (1) .

و الآية ظاهرة في أنّ الدعوة تكوينية متعلقة بإعادة خلق الإنسان من جديد، و أن تلك الدعوة التكوينية الملازمة لخلق الإنسان، مقارنة لخروجه، فالدعوة و الخروج يتحققان في زمن واحد.

و يؤيد ذلك الآيات الكثيرة التي تصرح بأن القيامة، تحدث بغتة و فجأة و هم لا يشعرون، كقوله سبحانه:

ص: 385


1- سورة الروم: الآية 25.

حَتّٰى إِذٰا جٰاءَتْهُمُ اَلسّٰاعَةُ بَغْتَةً قٰالُوا يٰا حَسْرَتَنٰا عَلىٰ مٰا فَرَّطْنٰا فِيهٰا (1) .

و هذه الآية و إن كانت واردة في الموجودين زمن حدوث القيامة، و لكن لو كان تكوّن الأموات تحت التراب أمرا تدريجيا، لعلم به الأحياء قبيل حصول القيامة، لفحصهم الدائم في الأرض.

ص: 386


1- سورة الأنعام: الآية 31، و لاحظ في ذلك الأعراف: الآية 187، الأنبياء: 40، الحج: 55، الشعراء: 202، العنكبوت: 53، الزمر: 55، الزخرف: 66، محمد: 18، و الكلّ يدل على أنّ تكوّن الإنسان عند بعثه، يحصل دفعة واحدة.

أسئلة المعاد

(2) ما هو المحشور من الأبدان المتعددة؟
اشارة

أثبت العلم أنّ بدن الإنسان و خلاياه في مهب التغيّر و التبدل، و أنّه يأخذ لنفسه في كل عشرة أعوام بدنا، فلو عاش إنسان ثمانين سنة، فإنّه سيكون له ثمانية أبدان، و من المعلوم أنّ الإطاعة و العصيان يقعان في جميع فترات عمر الإنسان، و الجزاء و الثواب على مجموع الأعمال.

و عندئذ يتساءل، هل المحشور جميع أطوار بدن الإنسان الواحد، فهو غير معقول، أو واحد من هذه الأبدان، و هو يستلزم نقض قانون الجزاء و الثواب، و أن يكون بدن واحد حاملا لأوزار الأبدان الأخر.

و الجواب:

إنّ هذا السؤال نابع من إنكار الروح و الاعتقاد بأصالة المادة و أمّا على ما ذكرنا من أنّ البدن ليس إلاّ أداة لتنعيم الإنسان و تعذيبه، و أن الأمور الروحية من الفرح و الحزن و اللذة و الألم، كلها أمور مربوطة بالروح، و يتوصل إليها الروح بالبدن و الأجهزة الظاهرية، فالنعمة الملذة، إنما يصل إليها الإنسان من طريق الجهاز السمعي، فإنه آلة، و الملتذ هو الروح، و المناظر الخلابة إنما تصل إليها النفس عن طريق العين، و هكذا سائر اللذات، و الآلام الروحية، و على ذلك فالحافظ للعدالة هو أن ترد اللذة و الألم على روح واحدة، من غير فرق بين الأبدان.

ص: 387

و هذا نظير تعذيب بعض المجرمين بإكسائهم ثوبا ليمسهم العذاب من طريقه، فالمضروب ظاهرا هو اللباس، و لكن المتألم هو الإنسان.

و بعبارة أخرى، إن الروح هي الرابط الوثيق بين جميع الأبدان، فهي تضفي عليها جميعها وصف الوحدة، و تعرّفها جميعها بأنها فلان بن فلان، من دون أن يضر اختلافها في الهيئة و الشكل و الحجم بوحدة الإنسان، هذا.

و ربما يتخيّل أنّ المعاد هو البدن الأخير، الذي هو عصارة جميع الأبدان الماضية، و الجامع لعامة خصوصياتها.

و لكن، غير خفيّ أنّ هذا الأصل المزعوم (و هو كون البدن الأخير، عصارة الأبدان المتقدمة)، مما لا أصل له، لأنّ الأبدان في الفترات المتوسطة من العمر، لها من القوة و النشاط ما تفقده الأبدان الواقعة في العقود الأخيرة من العمر.

أضف إلى ذلك أن الجواب مبني على إعطاء الأصالة للمادة، و زعم أنّ الإنسان هو نفس الجلود و اللحوم و العظام و أن البدن الأخير عصارة كلّ ما تقدّم.

نعم، ربما يستظهر من قوله سبحانه: وَ نُفِخَ فِي اَلصُّورِ فَإِذٰا هُمْ مِنَ اَلْأَجْدٰاثِ إِلىٰ رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (1)، أنّ المعاد هو البدن الأخير، و لكنّ الاستظهار في غير محله فإنّ الآية كناية عن خروج الناس من التراب للحساب و الجزاء نظير قوله تعالى: مِنْهٰا خَلَقْنٰاكُمْ وَ فِيهٰا نُعِيدُكُمْ وَ مِنْهٰا نُخْرِجُكُمْ تٰارَةً أُخْرىٰ (2).

و أما كون الخارج هو البدن الأخير فليست الآية بصدد بيانه.

و الشاهد على ذلك أنّ من الناس من يخطفه الطير، أو تفترسه السباع، أو يحيط به الموج فتأكله حيتان البحر، أو تصيبه نار فتحرقه، و الآية تعم هذه الأصناف أيضا، مع أنهم لم يقبروا في الأجداث.

ص: 388


1- سورة يس: الآية 51.
2- سورة طه: الآية 55.

أسئلة المعاد

(3) هل المعاد إعادة للمعدوم؟
اشارة

إذا كان الموت إفناء للإنسان أو لبعضه، فكيف يمكن إعادة ما بطل و انعدم؟ فإنه لا يكون إلا خلقا جديدا لا إعادة له خصوصا إذا لم يكن بين المبتدأ و المعاد رابطة و صلة.

و الجواب:

إنّ هذا السؤال نابع ممّا يزعمه السذج من الناس من أنّ الموت إعدام لجثة الإنسان و بدنه نظير إحراق الحطب، فإنّ قسما منه يتبدل إلى الدخان و ينعدم، و لا يبقى منه إلا شيء ضئيل نسميه بالرماد، فلو كان الموت بهذا المعنى فيكون المعاد إعادة للإنسان المعدوم.

و لكن قانون بقاء المادة، يبطل هذا الزعم، فإنّه ينص على أنّ المادة لا تنعدم، بل تتحول من صورة إلى صورة أخرى(1).

و على ضوء هذا، فالتفاعلات الحاصلة في المادة الحيّة، أو غير الحية، لا تنقص من وزن المادة شيئا، فالعالم من حيث الوزن ثابت، و إنّما الاختلاف في الصور و الأنواع، و هذا القانون دعم دعوة الأنبياء بأنّ البشر خلقوا للبقاء لا

ص: 389


1- و هو قانون لاوازييه، (1743-1794).

للفناء، كما دفع توهم كون الموت إعدام لقسم من مادة البشر، و أثبت أنّ هناك مادة واحدة ثابتة في مهب التفاعلات الفيزيائية و الكيميائية و الحيوية، و إنما التغير في الصور الطارئة عليها.

نعم، سبقه علماء الإسلام، في تأسيس هذا الأصل لكن بصورة أوسع، و هو أنّ الوجود لا يتطرق إليه العدم.

ص: 390

أسئلة المعاد

(4) شبهة عدم كفاية الموادّ الأرضية لإحياء الناس
اشارة

قد كشفت التنقيبات الجيولوجية و الأتربة على أن الإنسان يعيش في هذا الكوكب منذ قرابة مليوني سنة، و على هذا فلو كان المعاد عاما لجميع الناس، الذين عاشوا على هذه الكرة، فكيف يكون ترابها كافيا لإحيائهم، فإن المعاد حسب ما مرّ معاد عنصري، يعود كل إنسان إلى بدنه العنصري، فالمعادون كثر، مع أن ما يعادون به، و هو المواد العنصرية الأرضية قليل لا يكفيهم.

قال صدر المتألهين في بيان هذه الشبهة: «إن جرم الأرض مقدور محصور ممسوح بالفراسخ و الأميال و الأذرعة، و عدد النفوس غير متناه فلا يفي مقدار الأرض، و لا يسع لأن تحصل منه الأبدان غير المتناهية»(1).

و الجواب عن هذا السؤال من جهات ثلاث، عقلية و علمية و سمعية:
الجهة الأولى: الجواب العقلي، و هو أمور:

أولا: إن ما تنقله لنا هذه التنقيبات و الحفريات التاريخية و الطبيعية ليس على درجة يفيد القطع و اليقين، حتى نرفع باقوالهم اليد عن الوحي الإلهي أو نتردد في صحة المعاد.

ص: 391


1- الأسفار، ج 9، ص 200.

و ثانيا: لم يدل دليل على أن بدن الإنسان كنفس البدن الدنيوي في الحجم و الوزن و سائر الجهات المادية، بل يكفي أن يصدق على المعاد أنه نفس المبتدأ و أما المطابقة في سائر الجهات فلم يدل عليها دليل.

و ثالثا: لو فرض عدم كفاية المواد الترابية لإحياء جميع من قطنوا هذا الكوكب، فلا مانع من تكميلها بتراب الكرات الأخرى، و ليس ذلك على خلاف العدل، لما عرفت من أنّ الثواب و العقاب بملاك الروح و النفس، فالنفس الإنسانية إذا أدخلت في أي بدن كان، و حشرت مع أي جسم إنساني، فهو هو، و ليس غيره، و إنما يكون البدن أداة و وسيلة لتعذيبه، و تنعيمه، و لو لا دلالة القرآن على أنّ المعاد في الآخرة عنصري، لكان العقل مكتفيا بإعادة الروح و النفس غير أنّ إصرار الذكر الحكيم، على كون المعاد عنصريا، يصده عن الاكتفاء بالمعاد الروحاني.

و على ضوء ذلك، فلو كانت المواد الأرضية غير كافية لإحياء كل من سكن هذا الكوكب، فلا مانع من تكميل بدن كل إنسان بمواد من كواكب أخرى.

هذه الأجوبة، أجوبة عقلية، و هناك أجوبة أخرى تعتمد على التجربة و الدليل العلمي.

الجهة الثانية: الجواب العلمي، و هو أمور:

إن ما ذكروه من عدم كفاية تراب الأرض لإحياء الناس باطل بالنظر إلى حجم المواد الأرضية و ذلك لأن حجم الكرة الأرضية يبلغ ألفا و ثلاثة و ثمانين مليارا، و ثلاثمائة و عشرين مليون كيلومتر مكعب(1)، هذا من جهة.

و من جهة أخرى إنّ صندوقا بحجم كيلومتر مكعب، بمعنى أنّ كلا من طوله و عرضه و ارتفاعه يبلغ كيلومترا واحدا، إنّ مثل هذا الصندوق يسع داخله لأضعاف عدد سكان الأرض الحاليين(2).

ص: 392


1- 1,083,320,000,000.
2- دلّت الإحصاءات الأخيرة أنّ عدد سكان الأرض حاليا يبلغ قرابة خمسة مليارات إنسان.

و ذلك أنّ كل كيلومتر في الطول يسع خمسة آلاف إنسان، يقف كل منهم إلى جانب الآخر، و كل كيلومتر في الارتفاع يسع سبعمائة و خمسين إنسانا متوسط طول الواحد منهم مترا و نصف المتر، يقف كل منهم على رأس الآخر، فإذا أردنا حساب من يمكن أن يحويه ذاك الصندوق، فما علينا إلا أن نضرب الطول بالعرض بالارتفاع(1)، فتكون النتيجة اتساع هذا الصندوق لثمانية عشر مليار، و سبعمائة و خمسين مليون إنسان.

هذه سعة الكيلومتر المكعب الواحد، فما ظنك بسعة ألف و ثلاثة و ثمانين مليار، و ثلاثمائة و عشرين مليون كيلومتر مكعب؟ إنها بالتأكيد تكفي لأضعاف - لا تحصى - ممن قطن هذه الكرة الأرضية.

فمسألة قلة المواد الأرضية لإحياء الناس، مسألة ذهنية طرحت من غير تدبر في حجم العالم.

2 - إنّ بدن الإنسان لا يتشكل من التراب فحسب، بل الماء و الغازات من العناصر الرئيسية التي يتكون منها بدن الإنسان. و يحيط بالأرض طبقة من الغازات تسمى بالغلاف الجوي، تبلغ في الارتفاع و السماكة ألف كيلومتر، و تبلغ في الوزن خمسة ملايين مليار طن(2) هذا في جانب الغازات.

و أما في جانب المياه المتواجدة على سطح الكرة الأرضية فيكفينا أن نعرف أنّ إلقاء حجر في إناء مملوء من الماء، يوجب ارتفاع سطح الماء بما يساوي حجم هذا الحجر، هذا من جهة.

و من جهة أخرى، أثبت العلم الحديث أننا لو جمعنا كل البشر الذي يقطنون الكرة الأرضية(3) و ألقيناهم في بحيرة قزوين، فسوف لن يصل ارتفاع الماء في البحيرة إلى سنتيمتر واحد بل يكون أقلّ منه، بمعنى أنّ ارتفاع المياه لن يكون محسوسا لنا.

ص: 393


1- 5000 * 5000 * 750 18,750,000,000 إنسان.
2- 5000,000,000,000,000.
3- و هم عند إجراء هذا الحساب، ملياري إنسان.

هذا و ليست هي إلا بحيرة(1) فما ظنّك ببحار الدنيا و محيطاتها.

3 - إن النيازك المشاهدة في الليالي هي نتيجة وصول أحجار و أتربة و أجسام ثقيلة من الفضاء الخارجي. إلى الغلاف الجوي، فيوجب احتكاكها الشديد به احتراقها و تناثرها، و هبوطها على الأرض ذرات خفيفة لا تزعج الحياة عليها و هذه الأحجار توجب ازدياد المواد الأرضية زيادة مطّردة بشكل يومي، و قال العلماء إنّ عشرين مليون حجرا فضائيا يصطدم يوميا بالغلاف الجوي و هي تسير بسرعة خمسين كيلومترا في الثانية، فتتلاشى و تتناثر و تهبط بلا إزعاج على القشرة الأرضية(2).

و على هذا، فالمواد الأرضية لم تزل في حال التوفر و الازدياد، و اللّه يعلم إلى أي حد يصل حجمها إلى يوم البعث.

4 - وصل العلم إلى أنّه لو كانت هناك قدرة على إزالة الفراغات المتخللة بين ذرّات المواد الأرضية لبلغت هذه الكرة العظيمة الهائلة في الحجم، مقدار جوزة صغيرة. و لو فرض إفراغ فواصل ذرّات المنظومة الشمسية، بشمسها و سيّاراتها الكبيرة و الصغيرة، لبلغ حجمها مقدار فاكهة كبيرة كالبطيخ هذا من جانب.

و من جانب آخر، لو ازدادت الفراغات بين الذرات، لازداد حجم العالم ازديادا كبيرا، فليس الحجم تابعا لكثرة الذرات و قلتها ففي وسع المولى سبحانه - و هو على كل شيء قدير - أن يبسط فراغ المواد الأرضية فيزداد حجمها، و تكفي لإحياء الموتى مهما بلغوا.

و ليس هذا الأمر بعيدا عن الحس، فإنا نرى أنّ حجم الماء يتفاوت في حالاته الثلاث التجمد و السيلان و التبخر، و عليه فلا مانع من امتداد المادة الأرضية يوم القيامة امتدادا هائلا بحيث يصبح ما كان لا يكفي لإحياء أكثر من إنسان واحد كافيا لإحياء الكثير من الناس، هذا ما كشف عنه العلم.

ص: 394


1- تبلغ مساحة بحيرة قزوين 420,000 كلم مربع.
2- اللّه يتجلى في عصر العلم، ص 20.
الجهة الثالثة: الجواب السمعي

قد أعرب الوحي عن كفاية مواد الأرض لإحياء الموتى بوجه خاص، يفهمه المتدبّر في القرآن الكريم.

يقول سبحانه: وَ إِذَا اَلْأَرْضُ مُدَّتْ (1).

و يقول سبحانه: وَ حُمِلَتِ اَلْأَرْضُ وَ اَلْجِبٰالُ، فَدُكَّتٰا دَكَّةً وٰاحِدَةً (2).

و من المحتمل جدا أن يكون مد الأرض في ظل الاندكاك، بكسر الذرّات الموجودة فيها، فيبلغ حجم حجر يقدر بمتر مكعب إلى ملايين الكيلومترات المكعبة.

فخرجنا بهذه النتيجة، و هي أنّ تصور عدم كفاية المادة الأرضية لإحياء الناس، باطل في العقل، و العلم و الوحي.

ص: 395


1- سورة الانشقاق: الآية 3.
2- سورة الحاقة: الآية 14.

أسئلة المعاد

(5) شبهة الآكل و المأكول
اشارة

إنّ هذه الشبهة من أقدم الشبهات التي وردت في الكتب الكلامية حول المعاد الجسماني، و قد اعتنى بدفعها المتكلمون و الفلاسفة عناية بالغة، و الإشكال يقرر بصورتين:

الصورة الأولى: إذا أكل إنسان إنسانا بحيث عاد بدن الثاني جزء من بدن الإنسان الأول، فالأجزاء التي كانت للمأكول ثم صارت للآكل، إمّا أن تعاد في كل واحد منهما، أو تعاد في أحدهما، أو لا تعاد أصلا. و الأول محال، لاستحالة أن يكون جزء واحد بعينه، في آن واحد، في شخصين متباينين. و الثاني خلاف المفروض، لأنّ لازمه أن لا يعاد الآخر بعينه.

و الثالث أسوأ حالا من الثاني، إذ يلزم أن لا يكون أي من الإنسانين معادا بعينه. فينتج أنّه لا يمكن إعادة جميع الأبدان بأعيانها.

الصورة الثانية: لو أكل إنسان كافر، إنسانا مؤمنا، و قلنا بأنّ المراد من المعاد هو حشر الأبدان الدنيوية في الآخرة، فيلزم تعذيب المؤمن، لأنّ المفروض أنّ بدنه أو جزء منه، صار جزء من بدن الكافر، و الكافر يعذّب، فيلزم تعذيب المؤمن(1).

ص: 396


1- لاحظ شرح المواقف للسيد شريف، ج 8، ص 245، شرح المقاصد، للتفتازاني، ج 2 ص 216. و الإشكال الثاني وارد فيه دون الأول. و كشف المراد، ص 255، ط صيدا. و الأسفار، ج 9، ص 199. و الفرق بين الصورتين هو أنّ الإشكال بالتقرير الأول يركز على نقص الإنسان المعاد من حيث البدن، و لكنه في التقرير الثاني يركز على أنّ المعاد الجسماني في المقام يستلزم خلاف العدل الإلهي، فالأساس في الإشكال في الصورتين واحد، و هو كون بدن إنسان جزء من بدن إنسان آخر، و لكن المترتب على الصورة الأولى هو عدم صدق كون المعاد هو المنشأ في الدنيا، و على الصورة الثانية هو تعذيب البريء مكان المجرم.

و قبل الورود في الجواب نعلّق على هذا السؤال بأنه لا يختص بما ورد فيه من أكل إنسان إنسانا، الذي لا يتفق حصوله إلاّ في أعماق الأدغال، و المجتمعات الوحشية، بل السؤال يرجع إلى أمر يومي ملموس في المجتمعات المتحضرة، و ذلك أنّ النباتات و الثمار و الحبوب التي يتغذّى عليها الإنسان تنبت من تراب الأرض، الذي هو مزيح رفات الأموات الذين قضوا عبر الدهور، و الذي هو عصارة الأبدان و خلاصتها.

و نحن نرى أنّ المقابر الواقعة في أكناف البلاد تتبدل إلى حدائق للتفرج و التنزه أو إلى مزارع للاستثمار، فيتغذى منها الحيوان و الإنسان، فيؤول بدن الإنسان الميت، جزء من الإنسان الحي، فعندئذ يطرح السؤال المتقدم.

الجواب:

إن هذه أقوى شبهة تعترض القول بالمعاد الجسماني، و نحن نذكر أولا ما هو الحق عندنا في الإجابة، ثم نشير إلى ما ذكره المتكلمون في ذلك:

أما الصورة الأولى من الإشكال، فبعض احتمالاتها ساقط جدا، و هو عود المأكول جزء لكلا الإنسانين، فيبقى الاحتمالان الآخران، و بأي واحد منهما أخذنا يندفع الإشكال، و ذلك بالبيان التالي:

إنّ الإنسان من لدن تكوّنه و تولده إلى يوم وفاته واقع في مهب التغير و خضم التبدل، فليس وجوده جامدا خاليا عن التبدل. فبدن الإنسان ليس إلا خلايا لا يحصيها إلا اللّه سبحانه، و كل منها يحمل مسئوليته في دعم حياة البدن، و الخلايا

ص: 397

في حال تغير و تبدل مستمر، تموت و يخلفها خلايا أخرى، و بهذا يتهيّأ للبدن استمرار حياته، من غير فرق بين الخلايا الدماغية و غيرها، غاية الأمر أنّ الخلايا الدماغية، ثابتة من حيث العدد دون غيرها.

و قد قال الأخصائيون بأن مجموع خلايا البدن تتبدل إلى خلايا أخرى كل عشر سنوات، فبدن الإنسان بعد عشر سنين من عمره يغاير بدنه الموجود قبل عشر سنين و على هذا فالإنسان الذي يبلغ عمره ثمانين سنة قد عاش في ثمانية أبدان مختلفة، و هو يحسبها بدنا واحدا.

إذا عرفت ذلك، فنقول: إن هناك فروضا:

1 - فلو فرض أنّ بدن إنسان صار جزء من بدن إنسان آخر، فبما أنّ للمأكول أبدانا متعددة على مدى حياته، فواحد منها مقرون بالمانع، و الأبدان الأخر خالية منه فيحشر مع الخالي.

2 - و لو فرض أنّ جميع أبدانه اقترنت بالمانع، فإنه أيضا لا يصد عن القول بالمعاد الجسماني، لأنّ الناموس السائد في التغذية، هو أنّ ما يستفيده الإنسان من الغذاء لا يتعدى ثلاثة بالمائة من المأكول و الباقي يدفعه.

فإذا لا مانع من أن تتعلق الروح بأحد هذه الأبدان التي تتفاوت عن البدن الدنيوي من حيث الوزن و الحجم، و لم يدل على أنّ المحشور في النشأة الأخروية يتحد مع الموجود في النشأة الدنيوية في جميع الجهات و عامة الخصوصيات.

3 - و لو فرض أنّ قانون التحول ساد على أبدان المأكول، فلم يبق من كل بدن إلا النذر اليسير الذي لا يتشكل منه بدن إنسان كامل، فلا مانع في هذا الفرض النادر من تكميل خلقته بالمواد الأرضية الأخرى حتى يكون إنسانا قابلا لتعلق الروح به، و ليس لنا دليل على أنّ المعاد في الآخرة يتحد مع الموجود في الدنيا في جميع الجهات حتى المادة التي يتكون منها البدن.

نعم، إن كانت المادة الترابية التي تكوّن منها البدن الدنيوي موجودة، فلا وجه للعدول عنها إلى تراب آخر، و أما إذا كانت مقرونة بالمانع، فلم يبق إلا جزء

ص: 398

يسير لا يكفي لتكوّن البدن، فلا غرو في أن يتسبّب في تكميل خلقته بالأخذ من المواد الترابية غير المقرونة بالمانع.

و الذي يدل على ذلك أنه سبحانه في مقام التنديد بالمنكرين، يعبر بلفظ المثل، و يقول: أَ وَ لَيْسَ اَلَّذِي خَلَقَ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضَ بِقٰادِرٍ عَلىٰ أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلىٰ وَ هُوَ اَلْخَلاّٰقُ اَلْعَلِيمُ (1). الضمير في مِثْلَهُمْ يعود إلى المشركين المنكرين للمعاد، و هذا يعرب عن كفاية المثل من غير حاجة إلى صدق العينية، بالوحدة في المادة الترابية.

و يؤيد ذلك قول الإمام الصادق عليه السلام: «فإذا قبضه اللّه إليه، صيّر تلك الروح إلى الجنة في صورة كصورته، فيأكلون و يشربون، فإذا قدم عليهم القادم عرفهم بتلك الصورة التي كانت في الدنيا»(2).

فترى أنّ الإمام عليه السلام يذكر كلمة الصورة، و لعلّ فيه تذكير بأنّه يكفي في المعاد الجسماني كون المعاد متحدا مع المبتدأ في الصورة من غير حاجة إلى أن يكون هناك وحدة في المادة الترابية بحيث إذ طرأ مانع من خلق الإنسان منه، فشل المعاد الجسماني و لم يتحقق.

و التركيز على وحدة المادة، يبتني على تحليل وجود الإنسان تحليلا ماديا و أنّه ليس وراء المادة شيء آخر، و أما على القول بأنّ واقعية الإنسان بروحه و نفسه، و أنّ جميع خصوصياته و ملكاته موجودة في نفسه، فالمعاد الجسماني لا يتوقف على كون البدن المحشور نفس البدن الدنيوي حتى في المادة الترابية، بل لو تكوّن بدن الإنسان المعاد من أيّة مادة ترابية كانت، و تعلقت به الروح، و كان من حيث الصورة متحدا مع البدن الدنيوي، يصدق على المعاد أنّه هو المنشأ في الدنيا.

قال صدر المتألهين: «إن تشخّص كلّ إنسان إنما يكون بنفسه لا ببدنه، و إنّ البدن المعتبر فيه، أمر مبهم، لا تحصّل له إلا بنفسه، و ليس له من هذه

ص: 399


1- سورة يس: الآية 81.
2- البحار، ج 6، باب أحوال البرزخ، الحديث 32، ص 229.

الحيثية تعيّن، و لا يلزم من كون بدن زيد مثلا محشورا أن يكون الجسم الذي منه صار مأكولا لسبع أو إنسان آخر، محشورا، بل كلّ ما يتعلّق به نفسه هو بعينه بدنه الذي كان. فالاعتقاد بحشر الأبدان يوم القيامة هو أن تبعث أبدان من القبور إذا رأى أحد كلّ واحد منها يقول هذا فلان بعينه، أو هذا بدن فلان، و لا يلزم من ذلك أن يكون غير مبدّل الوجود و الهوية. كما لا يلزم أن يكون مشوّه الخلق و أن يكون الأقطع و الأعمى و الهرم محشورا على ما كانوا عليه من نقصان الخلقة و تشويه البنية»(1).

ثم إن للمتكلمين جوابا آخر في الذب عن هذه الصورة من الإشكال حاصله أنّ المعاد، إنما هو الأجزاء الأصلية، و هي الباقية من أول العمر إلى آخره، لا جميع الأجزاء على الإطلاق، و هذه الأجزاء الأصلية، التي كانت للإنسان المأكول، هي في الآكل فضلات، فإنا نعلم أنّ الإنسان يبقى مدة عمره و أجزاء الغذاء تتوارد عليه و تزول عنه، فإذا كانت فضلات فيه، لم يجب إعادتها في الآكل بل في المأكول(2).

و يظهر من المحقق الطوسي ارتضاؤه حيث يقول: «و لا يجب إعادة فواضل المكلف». و أوضحه العلامة الحلي بقوله: «إن لكلّ مكلف أجزاء أصلية لا يمكن أن تصير جزء من غيره، بل تكون فواضل من غيره لو اغتذى بها»(3).

و ما ذكروه خال عن الدليل، إذ لم يدلّ دليل على أنّ لكل مكلف أجزاء أصلية لا تكون جزء لبدن غيره.

نعم، ورد في بعض الروايات، و لكنها روايات آحاد، لا توجب علما، فلو ثبت صدورها، فليقبل تعبدا(4).

إلى هنا تم الجواب عن الصورة الأولى من الإشكال.

ص: 400


1- الأسفار، ج 9، ص 200.
2- شرح المواقف، ج 8، ص 296.
3- كشف المراد، ص 256، ط صيدا.
4- لاحظ بحار الأنوار، ج 7، باب إثبات الحشر، الحديث 21، ص 43.

و أما الصورة الثانية من الإشكال: فقد عرفت أنها تركز على العدل الإلهي، و أن كون بدن المؤمن جزء من بدن الكافر يستلزم تعذيب المجرم، و لكنه مبنى على إعطاء الأصالة في الحياة للبدن و هي نظرية خاطئة، فإن اللذائذ و الآلام ترجع إلى الروح، و البدن وسيلة لتعذيبه و تنعيمه.

فصيرورة بدن المسلم جزء من بدن الكافر، لا يلازم تعذيب المؤمن، لأنّ المعذّب بتعذيب البدن، هو روح الكافر و نفسه، لا روح المؤمن. و هذا نظير أخذ كلية من إنسان حيّ و وصلها بإنسان يعاني من ضعفها و علّتها، فإذا نجحت عملية الوصل و صارت الكلية الموصولة، جزء من بدن المريض، ثم عذّب هذا المريض، فالمعذب هو هو، و لو نعّم، فالمنعّم هو هو، و لا صلة بينه و بين من وهب كليته و أهداها إليه.

و قد عرفت في كلام صدر المتألهين ما يفيدك في المقام.

ص: 401

أسئلة المعاد

(6) مكان بعث النفوس و حشرها
اشارة

أثبتت البحوث الجيولوجية و التنقيبات الأثرية أنّ الإنسان يعيش في هذا الكوكب منذ أكثر من مليوني سنة، و يستدل على ذلك بالمستندات الحفرية التي تؤلف سجلات الخليقة. فعندئذ يطرح هذا السؤال: هل يكفي سطح الأرض لاستقرار جميع الخلائق التي لا يحصي عددها إلا خالقها، في يوم واحد، كما هو صريح قوله سبحانه: هٰذٰا يَوْمُ اَلْفَصْلِ جَمَعْنٰاكُمْ وَ اَلْأَوَّلِينَ (1)، مع أنّ مساحة الأرض لا تتجاوز (715، 950، 509) كيلومتر مربع؟

و الجواب:

إنّ السؤال مبني على حفظ النظام يوم القيامة، مع أنّ صريح الآيات على تبدّل النظام، و حدوث نظام أوسع و أكبر، و قد عرفت أنّ الدنيا ميكا الحرارية تثبت اتجاه المواد الكونية إلى الفناء بمرور الزمن، فلا تقوم القيامة على صعيد هذا النظام. و الآيات في هذا المجال كثيرة.

يقول سبحانه: يَوْمَ تُبَدَّلُ اَلْأَرْضُ غَيْرَ اَلْأَرْضِ وَ اَلسَّمٰاوٰاتُ وَ بَرَزُوا لِلّٰهِ اَلْوٰاحِدِ اَلْقَهّٰارِ (2).

ص: 402


1- سورة المرسلات: الآية 38.
2- سورة إبراهيم: الآية 48.

و الذكر الحكيم يصرح بأنّ الشمس و القمر يجريان إلى أجل مسمى. يقول سبحانه: وَ سَخَّرَ اَلشَّمْسَ وَ اَلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى (1)، بل جميع العوالم المحسوسة من الأرض و السموات، كلّها تجري إلى أجل مسمى، يقول سبحانه: أَ وَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ، مٰا خَلَقَ اَللّٰهُ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضَ وَ مٰا بَيْنَهُمٰا إِلاّٰ بِالْحَقِّ وَ أَجَلٍ مُسَمًّى وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ اَلنّٰاسِ بِلِقٰاءِ رَبِّهِمْ لَكٰافِرُونَ (2).

و الآيات التي ننقلها في كيفيّة حدوث القيامة، تكشف عن تدمير النظام بأسره، و انقلابه إلى نظام آخر، يقول سبحانه: إِذٰا رُجَّتِ اَلْأَرْضُ رَجًّا * وَ بُسَّتِ اَلْجِبٰالُ بَسًّا (3). و يقول سبحانه: يَوْمَ تَمُورُ اَلسَّمٰاءُ مَوْراً * وَ تَسِيرُ اَلْجِبٰالُ سَيْراً (4). و غير ذلك مما سيوافيك بيانه.

فالنّاس يحشرون على صعيد واحد، في يوم واحد، لكن في نظام آخر، عظيم هائل يسع لجمع جميع العباد، و محاسبتهم فيه.

ص: 403


1- سورة الرعد: الآية 2.
2- سورة الروم: الآية 8. و نظيره الأحقاف: 3.
3- سورة الواقعة: الآيتان 4 و 5.
4- سورة الطور: الآيتان 9 و 10.

أسئلة المعاد

(7) كيف يخلد الإنسان، مع أنّ المادة تفنى؟
اشارة

دلّت الآيات و الروايات على خلود الإنسان في الآخرة، إما في جنتها و نعيمها، أو في جحيمها و عذابها، هذا من جانب.

و من جانب آخر، دلت القوانين العلمية على أنّ المادة، حسب تفجر طاقاتها، على مدى أزمنة طويلة، تبلغ إلى حد تنفذ طاقتها فلا يمكن أن يكون للجنة و النار بقاء، كما لا يكون للإنسان خلود كذلك، لأنّ مكونات الكون تفقد حرارتها تدريجيا، و تصير الأجسام على درجة بالغة الانخفاض(1)، و بالتالي تنعدم الطاقة و تستحيل الحياة.

الجواب

إنّ السؤال ناش من مقايسة الآخرة بالدنيا، و هو خطأ فادح، لأنّ التجارب العلمية لا تتجاوز نتائجها المادة الدنيوية. و إسراء حكم هذا العالم إلى العالم الآخر، و إن كان ماديا و عنصريا مثلها، قياس لا دليل عليه. كيف، و قد تعلقت قدرتها سبحانه على إخلاد الجنة و النار، و له إفاضة الطاقة، إفاضة بعد إفاضة، على العالم الأخروي بجحيمه و جنته، و مؤمنه و كافره. و يعرب عن ذلك

ص: 404


1- هي درجة الصفر المطلق البالغة (269) درجة مئوية تحت الصفر، و هي درجة سيلان غاز الهيليوم.

قوله سبحانه: كُلَّمٰا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنٰاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهٰا لِيَذُوقُوا اَلْعَذٰابَ إِنَّ اَللّٰهَ كٰانَ عَزِيزاً حَكِيماً (1)و يعزز ذلك ما جاء في آخر الآية من الاتكاء على كونه عزيزا، فإنّ معناه:

مقتدرا على إمداد المادة. فلأجل ذلك لو كانت الحركة و العمل مفنيين لطاقات المادة الدنيوية، فليسا كذلك في المادة الأخروية، لدعمها بطاقات جديدة، فلو نضج جلد يأتي مكانه جلد آخر، و هكذا.

و هذا السؤال من أوضح موارد قياس الغيب على الحس أوّلا، و عدم التعرف على قدرته سبحانه ثانيا، يقول تعالى:

مٰا قَدَرُوا اَللّٰهَ حَقَّ قَدْرِهِ (2) .

ص: 405


1- سورة النساء: الآية 56.
2- سورة الحج: الآية 74.

أسئلة المعاد

(8) ما هو الغرض من عقاب المجرم أو تنعيم المحسن؟
اشارة

إنّ الحكيم لا يعاقب إلا لغاية و غاية العقوبة إما التشفي كما في قصاص المجرم، و هو محال على اللّه، أو إيجاد الاعتبار في غير المعاقب، أو تأديب المجرم، و كلاهما يتحققان في النشأة الدنيوية لا الأخروية، فيكون تعذيب المجرم في الآخرة عبثا لا غاية فيه.

بل ربما يقال إنّ تنعيم المؤمن أيضا بلا وجه، لأن اللذة الجسمانية لا حقيقة لها و إنما هي دفع الألم، فلو ترك الميت على حاله و لم يعد، لم يكن متألما. فالغرض حاصل بدون الإعادة، فلا فائدة فيها(1).

الجواب

إنّ السائل قد فرض أنّ المعاد أمر ممكن في ذاته و لم يدل دليل على ضرورة وقوعه، فسأل عن الغاية الموجبة له، و لكنه لو وقف على ما ذكرنا من الأدلة التي تحتم المعاد، و تجعل وجوده ضروريا، لترك السؤال. فقد عرفت أنّ هناك وجوها ستة تعرّف المعاد أمرا ضروريا لا مناص عنه، منها كون المعاد مجلّى للعدل الإلهي، فإذا كان وجود المعاد، أمرا ضروريا، فالسؤال عن غاية و هدف

ص: 406


1- لاحظ شرح المواقف، ج 8، ص 296، و الجزء الأول من كتابنا هذا، و قد جاء السؤال فيه أبسط مما ذكر هنا.

أمر ضروري الوقوع، ساقط. و ذلك لأن بين تلك الأدلة التي توجب ضرورة المعاد، عللا غائية، كتجلّي عدله سبحانه في المعاد، أو كمال الإنسان، و معها لا معنى للسؤال عن غاية المعاد.

و من العجب أنّ السائل يجعل اللذة الجسمانية شيئا لا حقيقة له، و أنها ما هي إلا دفع الألم. و لا أظن أنّه نفسه يقدر على تطبيقه على جميع موارد اللذة، فهل في اللذة الجسمانية الحاصلة من التأمل في روضة غنّاء، دفعا للألم، بحيث لولاه لكان غارقا في الآلام و الأوجاع، أو أنها لذة واقعية مناسبة للنفس في مقامها المادي، و قس على ذلك غيره.

و هناك جوابان آخران تقدّما في الجزء الأول عند البحث عن ثمرات التحسين و التقبيح العقليين، فلا نعيدهما(1).

ص: 407


1- لاحظ الإلهيات، ج 1 ص 293-300.

أسئلة المعاد

(9) من هم المخلدون في النار؟

اختلفت كلمة المتكلمين في المخلّدين في النار، فذهب جمهور المسلمين إلى أن الخلود يختص بالكافر، دون المسلم و إن كان فاسقا. و ذهبت الخوارج و المعتزلة إلى خلود مرتكب الكبائر في النار إذا مات بلا توبة.

قال الشيخ المفيد: «اتفقت الإمامية على أن الوعيد بالخلود في النار متوجه إلى الكفار خاصّة دون مرتكبي الذنوب من أهل المعرفة باللّه تعالى و الإقرار بفرائضه من أهل الصلاة»(1).

و قال في شرح عقائد الصدوق: «أما النار فهي دار من جهل اللّه سبحانه، و قد يدخلها بعض من عرفه، بمعصية اللّه، غير أنه لا يخلد فيها بل يخرج منها إلى النعيم المقيم، و ليس يخلد فيها إلا الكافرون».... إلى أن قال: «و كل آية تتضمن ذكر الخلود في النار فإنما هي في الكفار دون أهل المعرفة باللّه تعالى، بدلائل العقول و الكتاب المسطور، و الخبر الظاهر المشهور(2)، و الإجماع، و الرأي السابق لأهل البدع من أصحاب الوعيد»(3).

ص: 408


1- أوائل المقالات، ص 14.
2- يريد من الخبر، ما تضافر عن النبي من أنه قال: إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي. راجع البحار، ج 8، ص 351.
3- شرح عقائد الصدوق، ص 55.

و قال العلامة الحلّي: «أجمع المسلمون كافة على أن عذاب الكافر مؤبد لا ينقطع، و أما أصحاب الكبائر من المسلمين، فالوعيدية على أنه كذلك. و ذهبت الإمامية و طائفة كثيرة من المعتزلة و الأشاعرة إلى أن عذابه منقطع»(1).

و استدل القائلون بالانقطاع بآيات، منها قوله سبحانه: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (2)، و الإيمان أعظم أفعال الخير. فإذا استحق العقاب بالمعصية، فإما أن يقدّم الثواب على العقاب، فهو باطل بالإجماع، لأن الإثابة لا تكون إلا بدخول الجنة، و الداخل فيها مخلّد لا يخرج منها أبدا، فلا يبقى مجال لعقوبته، أو بالعكس و هو المراد.

أضف إلى ذلك أنّه يلزم أن يكون من عبد اللّه تعالى مدة عمره بأنواع القربات إليه، ثم عصى في آخر عمره معصية واحدة، مع حفظ إيمانه، مخلدا في النار، و يكون نظير من أشرك باللّه تعالى مدة عمره، و هذا عند العقل قبيح و محال(3).

و استدلت المعتزلة على خلود الفاسق في النار، بالسمع و هو عدة آيات، استظهرت من إطلاقها أن الخلود يعم الكافر و المنافق و الفاسق. و إليك هذه الآيات واحدة بعد الأخرى.

الآية الأولى - قوله سبحانه: وَ مَنْ يَعْصِ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نٰاراً خٰالِداً فِيهٰا وَ لَهُ عَذٰابٌ مُهِينٌ (4). و لا شكّ أن الفاسق ممن عصى اللّه و رسوله بترك الفرائض و ارتكاب المعاصي.

يلاحظ عليه: أولا - إن دلالة الآية على خلود الفاسق في النار لا يتجاوز حد الإطلاق، و المطلق قابل للتقييد. و قد خرج عن هذه الآية باتفاق المسلمين

ص: 409


1- كشف المراد، ص 261، ط صيدا.
2- سورة الزلزلة: الآية 7.
3- لاحظ كشف المراد، ص 161، ط صيدا.
4- سورة النساء: الآية 14. و أما قوله سبحانه: وَ مَنْ يَعْصِ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نٰارَ جَهَنَّمَ خٰالِدِينَ فِيهٰا (الجن: الآية 23) فهو راجع إلى الكفار، كما هو واضح لمن لاحظ آيات السورة.

الفاسق التائب، فلو دلّ دليل هنا على أنّ المسلم الفاسق ربما تشمله عناية اللّه و رحمته، و يخرج عن العذاب، لكان المطلق مقيدا بقيد آخر وراء التائب، فيبقى تحت الآية المشرك و المنافق.

و ثانيا: إن الموضوع في الآية ليس مطلق العصيان، بل العصيان المنضم إليه تعدّي حدود اللّه و من المحتمل جدا أن يكون المراد من التعدّي هو رفض أحكامه سبحانه، و طردها، و عدم قبولها. كيف، و قد وردت الآية بعد بيان أحكام الفرائض.

يقول سبحانه: يُوصِيكُمُ اَللّٰهُ فِي أَوْلاٰدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ اَلْأُنْثَيَيْنِ... (1).

و يقول سبحانه: وَ لَكُمْ نِصْفُ مٰا تَرَكَ أَزْوٰاجُكُمْ.. (2).

ثم يقول سبحانه: تِلْكَ حُدُودُ اَللّٰهِ وَ مَنْ يُطِعِ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ.... (3).

و يقول: وَ مَنْ يَعْصِ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ... (4).

و قوله: وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ ، و إن لم يكن ظاهرا في رفض التشريع، لكنه يحتمله. بل ليس الحمل عليه بعيدا بشهادة الآيات الأخر الدالة على شمول غفرانه لكل ذنب دون الشرك، أو شمول رحمته للناس على ظلمهم و غير ذلك من الآيات الواردة في حق الإنسان غير التائب كما سيوافيك.

يقول الطبرسي: «إنّ قوله: وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ ، ظاهر في تعدّي جميع حدود اللّه، و هذه صفة الكفار، و لأنّ صاحب الصغيرة بلا خلاف خارج عن عموم الآية و إن كان فاعلا للمعصية، و متعديا حدّا من حدود اللّه، و إذا جاز إخراجه بدليل، جاز لغيره أن يخرج من عمومها، كمن يشفع له النبي أو يتفضّل

ص: 410


1- سورة النساء: الآية 11.
2- سورة النساء: الآية 12.
3- سورة النساء: الآية 13.
4- سورة النساء: الآية 14.

اللّه عليه بالعفو، بدليل آخر، و أيضا فإنّ التائب لا بدّ من إخراجه من عموم الآية، لقيام الدليل على وجوب قبول التوبة، و كذلك يجب إخراج من يتفضّل اللّه بإسقاط عقابه، منها، لقيام الدلالة على جواز وقوع التفضّل بالعفو»(1).

الآية الثانية: قوله سبحانه: وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزٰاؤُهُ جَهَنَّمُ خٰالِداً فِيهٰا، وَ غَضِبَ اَللّٰهُ عَلَيْهِ، وَ لَعَنَهُ، وَ أَعَدَّ لَهُ عَذٰاباً عَظِيماً (2).

قال القاضي: وجه الاستدلال هو أنه تعالى بيّن أنّ من قتل مؤمنا عمدا جازاه، و عاقبه و غضب عليه، و لعنه (و أخلده في جهنم)(3).

يلاحظ عليه: أولا - إن دلالة الآية دلالة إطلاقية، فكما خرج منها القاتل المشرك إذا أسلم، و المسلم القاتل إذا تاب، فليكن كذلك من مات بلا توبة و لكن اقتضت الحكمة الإلهية، أن يتفضّل عليه بالعفو، فليس التخصيص أمرا مشكلا.

و ثانيا: إنّ من المحتمل أن يكون المراد القاتل المستحل لقتل المؤمن، أو قتله لإيمانه، و هذا غير بعيد لمن لاحظ سياق الآيات.

لاحظ قوله سبحانه: سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَ يَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ، كُلَّمٰا رُدُّوا إِلَى اَلْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهٰا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَ يُلْقُوا إِلَيْكُمُ اَلسَّلَمَ وَ يَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَ اُقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَ أُولٰئِكُمْ جَعَلْنٰا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطٰاناً مُبِيناً (4).

ثم ذكر سبحانه بعد هذه الآية حكم قتل المؤمن خطأ و تعمدا. و في ضوء هذا يمكن أن يستظهر أنّ الآية ناظرة إلى القتل العمدي، الذي يقوم به القاتل لعداء ديني لا غير، فيكون ناظرا إلى غير المسلم.

الآية الثالثة: قوله سبحانه: بَلىٰ مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحٰاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ

ص: 411


1- مجمع البيان، ج 2، ص 20، طبعة صيدا.
2- سورة النساء: الآية 93.
3- شرح الأصول الخمسة، ص 659.
4- سورة النساء: الآية 91.

فَأُولٰئِكَ أَصْحٰابُ اَلنّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ (1) .

و الاستدلال بهذه الآية إنما يصح مع غضّ النظر عن سياقها، و أما معه فإنها واردة في حق اليهود.

أضف إليه أنّ قوله سبحانه: وَ أَحٰاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ ، لا يهدف إلا إلى الكافر، فإنّ المسلم المؤمن مهما كان عاصيا لا تحيط به خطيئته، فإنّ في قلبه نقاط بيضاء يشع عليها إيمانه و اعتقاده باللّه سبحانه و أنبيائه و كتبه. على أن دلالة الآية بالإطلاق، فلو ثبت ما يقوله جمهرة المسلمين، يخرج الفاسق من الآية بالدليل.

الآية الرابعة: قوله سبحانه: إِنَّ اَلْمُجْرِمِينَ فِي عَذٰابِ جَهَنَّمَ خٰالِدُونَ * لاٰ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَ هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ * وَ مٰا ظَلَمْنٰاهُمْ وَ لٰكِنْ كٰانُوا هُمُ اَلظّٰالِمِينَ (2)إن دلالة الآية إطلاقية، قابلة للتقييد، أوّلا. و سياق الآية في حق الكفار، بشهادة قوله سبحانه قبل هذه الآية: اَلَّذِينَ آمَنُوا بِآيٰاتِنٰا وَ كٰانُوا مُسْلِمِينَ * اُدْخُلُوا اَلْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَ أَزْوٰاجُكُمْ تُحْبَرُونَ (3)، ثم يقول: إِنَّ اَلْمُجْرِمِينَ فِي عَذٰابِ جَهَنَّمَ خٰالِدُونَ . ف اَلْمُجْرِمِينَ ، في مقابل اَلَّذِينَ آمَنُوا ، فلا يعم المسلم، ثانيا.

هذه هي الآيات التي استدلت بها المعتزلة على تخليد الفاسق في النار، و قد عرفت أن دلالتها بالإطلاق لا بالصراحة. و تقييد المطلق أمر سهل مثل تخصيص العام. مضافا إلى انصراف أكثرها أو جميعها إلى الكافر و المنافق.

و هناك آيات أظهر مما سبق(4) تدل على شمول الرحمة الإلهية للفساق غير التائبين نكتفي باثنتين منها:

ص: 412


1- سورة البقرة: الآية 81.
2- سورة الزخرف: الآيات 74-76.
3- سورة الزخرف: الآيتان 69 و 70.
4- كما تدل هذه الآيات على عدم الخلود في النار، تدل على جواز العفو عن الفاسق من بدء الأمر، و أنه يعفى عنه و لا يعذب من رأس، فهذا الصنف من الآيات كما يحتج به في هذه مسألة، يحتج به في المسألة السالفة أيضا فلاحظ.

1 - قوله سبحانه: وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ اَلْحَسَنَةِ وَ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ اَلْمَثُلاٰتُ وَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنّٰاسِ عَلىٰ ظُلْمِهِمْ وَ إِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ اَلْعِقٰابِ (1).

قال الشريف المرتضى: «في هذه الآية دلالة على جواز المغفرة للمذنبين من أهل القبلة لأنه سبحانه دلّنا على أنه يغفر لهم مع كونهم ظالمين، لأن قوله عَلىٰ ظُلْمِهِمْ (جملة حالية)، إشارة إلى الحال التي يكونون عليها ظالمين، و يجري ذلك مجرى قول القائل: أنا أودّ فلانا على غدره، و أصله على هجره»(2).

و قد قرر القاضي دلالة الآية و أجاب عنها بأن الأخذ بظاهر الآية مما لا يجوز بالاتفاق، لأنّه يقتضي الإغراء على الظلم، و ذلك ممّا لا يجوز على اللّه تعالى، فلا بد من أن يؤوّل، و تأويله هو أنه يغفر للظالم على ظلمه إذا تاب(3).

يلاحظ عليه: إنّ ما ذكره من الإشكال، جار في صورة التوبة أيضا، فإن الوعد بالمغفرة مع التوبة يوجب تمادي العاصي في المعصية، برجاء أنه يتوب. فلو كان القول بعدم خلود المؤمن موجبا للإغراء، فليكن الوعد بالغفران مع التوبة كذلك.

و الذي يدل على أن الحكم عام للتائب و غيره هو التعبير بلفظ «الناس» مكان «المؤمنين» فلو كان المراد هو التائب، لكان المناسب أن يقول سبحانه:

«و إنّ ربّك لذو مغفرة للمؤمنين على ظلمهم»، مكان قوله: «للناس». و هذا يدل على أن الحكم عام يعم التائب و غيره.

إن هذه الآية تعد الناس بالمغفرة، و لا تذكر حدودها و شرائطها فلا يصح عند العقل الاعتماد على هذا الوعد و ارتكاب الكبائر، فإنه وعد إجمالي غير مبين من حيث الشروط و القيود.

2 - قوله سبحانه: إِنَّ اَللّٰهَ لاٰ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ مٰا دُونَ ذٰلِكَ لِمَنْ

ص: 413


1- سورة الرعد: الآية 6.
2- مجمع البيان، ج 3، ص 278.
3- شرح الأصول الخمسة، ص 684.

يَشٰاءُ وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّٰهِ فَقَدِ اِفْتَرىٰ إِثْماً عَظِيماً (1) .

وجه الاستدلال بهذه الآية على أن رحمته تشمل غير التائب من الذنوب، أنه سبحانه نفى غفران الشرك دون غيره من الذنوب. و بما أن الشرك يغفر مع التوبة، فتكون الجملتان ناظرتين إلى غير التائب. فمعنى قوله: إِنَّ اَللّٰهَ لاٰ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ، أنّه لا يغفر إذا مات من أشرك بلا توبة. كما أن معنى قوله:

وَ يَغْفِرُ مٰا دُونَ ذٰلِكَ لِمَنْ يَشٰاءُ ، أنه يغفر ما دون الشرك من الذنوب بغير توبة لمن يشاء من المذنبين، و لو كانت سائر الذنوب، مثل الشرك، غير مغفورة إلا بالتوبة، لما حسن التفصيل بينهما، مع وضوح الآية في التفصيل(2).

و قد أوضح القاضي دلالة الآية على ما يتبناه الجمهور بوجه رائع، و لكنه - تأثرا بعقيدته الخاصة في الفاسق - قال: «إنّ الآية مجملة مفتقرة إلى البيان، لأنّه قال: «و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء»، و لم يبين من الذي يغفر له. فاحتمل أن يكون المراد به أصحاب الصغائر، و احتمل أن يكون المراد أصحاب الكبائر، فسقط احتجاجهم بالآية»(3).

أقول: عزب عن القاضي أن الآية مطلقة، تعم كلا القسمين، فأيّ إجمال في الآية حتى نتوقف. و العجب أنه يتمسك بإطلاق الطائفة الأولى من الآيات، و لكنه يتوقف في إطلاق هذا الصنف.

نعم، دفعا للإغراء، و قطعا لعذر الجاهل، قيّد سبحانه غفرانه بقوله:

لِمَنْ يَشٰاءُ ، حتى يصد العبد عن الارتماء في أحضان المعصية بحجة أنه سبحانه وعده بالمغفرة.

ثم إنّ القاسم بن محمد بن علي الزيدي العلوي المعتزلي، تبع القاضي في تحديد مداليل هذه الآيات و قال: «آيات الوعيد لا إجمال فيها، و هذه الآيات و نحوها مجملة، فيجب حملها على قوله تعالى: وَ إِنِّي لَغَفّٰارٌ لِمَنْ تٰابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ

ص: 414


1- سورة النساء: الآية 48.
2- مجمع البيان، ج 2، ص 57 بتلخيص.
3- شرح الأصول الخمسة، ص 678.

صٰالِحاً ثُمَّ اِهْتَدىٰ (1) .» ثم ساق بعض الآيات الواردة في غفران العباد في مجال التوبة(2).

و يظهر النظر في كلامه مما قدمناه في نقد كلام القاضي فلا نعيد.

هذا، و البحث أشبه بالبحث التفسيري منه بالكلامي، و من أراد الاستقصاء في هذا المجال فعليه بجمع الآيات الواردة حول الذنوب و الغفران حتى يتضح الحال فيها، و يتخذ موضعا حاسما بإزاء اختلافاتها الأوليّة.

ص: 415


1- سورة طه: الآية 82.
2- الأساس لعقائد الأكياس، ص 198.

أسئلة المعاد

(10) هل يجوز العفو عن المسيء؟
اشارة

هل يجوز العفو عن العصاة في الآخرة أولا؟ و هل في الحكم بجواز العفو، إغراء للعصاة على إدامة العصيان، أولا؟ أ و ليس العفو عن العاصي، خلفا للوعيد، و هو قبيح؟

الجواب

إنّ التعذيب حق للمولى سبحانه و له إسقاط حقّه، و هو إحسان منه سبحانه على العبد: مٰا عَلَى اَلْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ (1)، فلا مانع، إذا اقتضت الحكمة، من العفو عن العاصي في ظروف خاصة، إما بالشفاعة، أو بدونها.

و قد خالف معتزلة بغداد في ذلك، فلم يجوزوا العفو عن العصاة عقلا، و استدلوا على ذلك بوجهين:

الوجه الأوّل - إنّ العقاب لطف من اللّه تعالى، و اللطف يجب أن يكون مفعولا بالمكلف على أبلغ الوجوه، و لن يكون كذلك إلا و العقاب واجب على اللّه تعالى. و من المعلوم أنّ المكلف متى علم أنّه يفعل به ما يستحقه من العقوبة على كل وجه، كان أقرب إلى أداء الواجبات و اجتناب الكبائر(2).

ص: 416


1- سورة المائدة: الآية 91.
2- شرح الأصول الخمسة، ص 646.

يلاحظ عليه: إنّ اللطف عبارة عما يقرب الإنسان من الطاعة، و يبعده عن المعصية، و هذا لا يتصور إلا في دار التكليف لا دار الجزاء، فالدار الأولى، دار العمل و السعي، و الآخرة دار الحساب و الاجتناء.

و أما ما ذكروه أخيرا من أنه لو علم أنّه يفعل ما يستحقه من العقوبة على كل وجه، كان أقرب إلى أداء الواجبات و اجتناب الكبائر، فهو لم تم، لوجب سد باب التوبة، لإمكان أن يقال إن المكلّف لو علم أنّه لا تقبل توبته كان أقرب إلى الطاعة و أبعد من المعصية.

أضف إلى ذلك أنّ للرجاء آثارا بنّاءة في حياة الإنسان، و لليأس آثارا سلبية في الإدامة على الموبقات، و لأجل ذلك جاء الذكر الحكيم، بالترغيب و الترهيب معا.

ثم إنّ الكلام في جواز العفو لا في حتميته، و الأثر السلبي - لو سلّمناه - يترتب على الثاني دون الأول.

الوجه الثاني - أنّ اللّه أوعد مرتكب الكبيرة بالعقاب، فلو لم يعاقب، للزم الخلف في وعيده، و الكذب في خبره(1)، و هما محالان(2).

الجواب: إنّ الخلف في الوعد قبيح، و ليس كذلك في الوعيد، و الدليل على ذلك أنّ كل عاقل يستحسن العفو بعد الوعيد في ظروف خاصة، فلو كان العفو من اللّه تعالى مع الوعيد قبيحا، لوجب أن يكون كذلك عند كل عاقل.

و لعل الوجه في عدم كونه قبيحا هو أنّ الوعيد حق، و العفو إسقاط، و مثل ذلك يعد مستحسنا لا قبيحا، إذا وقع العفو في موقعه، و لأجل ذلك يقول الشيخ الصدوق: اعتقادنا في الوعد و الوعيد هو أنّ من وعده اللّه على عمل ثوابا، فهو منجزه، و من وعده على عمل عقابا فهو بالخيار إن عذّبه فبعدله و إن عفا عنه

ص: 417


1- أخطأ المستدل في هذا، فإن الوعد إنشاء و ليس بإخبار حتى يلزم فيه الكذب.
2- شرح العقائد العضدية، لجلال الدين الدواني (م 908)، ج 2، ص 194.

فبفضله، وَ مٰا رَبُّكَ بِظَلاّٰمٍ لِلْعَبِيدِ (1)، إِنَّ اَللّٰهَ لاٰ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ مٰا دُونَ ذٰلِكَ (2).(3)

هذا كله حول العفو عن الوعيد عقلا. و أما سمعا، أي حسب الأدلة النقلية فسيوافيك الكلام فيه عند البحث عن عدم خلود غير الكافر في النار.

ص: 418


1- سورة فصلت: الآية 46.
2- سورة النساء: الآية 48.
3- عقائد الصدوق، ص 86 من النسخة الحجرية الملحقة بشرح الباب الحادي عشر.

أسئلة المعاد

(11) هل الجنة و النار مخلوقتان؟
اشارة

إنّ اللّه سبحانه وعد المتقين بالجنة و أوعد العاصين بالنار، فهل هما مخلوقتان الآن، أم لا؟.

الجواب: ذهبت المعتزلة - غير أبي على الجبّائي - و الخوارج و طائفة من الزيدية، إلى الثاني و ذهبت الإمامية و الأشاعرة إلى أنّهما مخلوقتان.

قال الشيخ المفيد: «إنّ الجنة و النّار في هذا الوقت مخلوقتان و بذلك جاءت الأخبار، و عليه إجماع أهل الشرع و الآثار»(1).

و قال التفتازاني: «جمهور المسلمين على أنّ الجنة و النار مخلوقتان الآن خلافا لأبي هاشم و القاضي عبد الجبار، و من يجري مجراهما من المعتزلة حيث زعموا أنّهما إنّما يخلقان يوم الجزاء»(2).

و الظاهر من السيد الرضي، أنّهما غير مخلوقتين الآن، قال: و الصحيح أنّهما تخلقان بعد»(3).

ص: 419


1- أوائل المقالات، ص 102.
2- شرح المقاصد، ج 2، ص 218، و لاحظ شرح التجريد للقوشجي، ص 507، و العبارتان متحدتان.
3- حقائق التأويل، ص 245.
أدلة القائلين بخلقهما

أستدل على كون الجنة و النار مخلوقتان، بوجوه:

الوجه الأول: قصة آدم و حواء، و إسكانهما الجنة، و أكلهما من الشجرة، و خصفهما عليهما من ورق الجنة، ثم إخراجهما منها، على ما نطق به الكتاب و السنة، و انعقد عليه الإجماع قبل ظهور المخالفين. و حملهما على بستان من بساتين الدنيا، ليس عليه دليل(1).

يلاحظ عليه: إنّ حمله على غير جنة الخلد التي هي قرار المآب و جنة الثواب، ليس أمرا بعيدا، و الجنة في أصل اللغة يعبر بها عن الرياض، و المنابت، و الأشجار، و الحدائق، و الكروم المعروشة، و النخيل.

و على هذا قوله سبحانه: وَ لَوْ لاٰ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مٰا شٰاءَ اَللّٰهُ (2).

و قوله سبحانه: لَقَدْ كٰانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ، جَنَّتٰانِ عَنْ يَمِينٍ وَ شِمٰالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَ اُشْكُرُوا لَهُ، بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَ رَبٌّ غَفُورٌ (3).

و يمكن أن يؤيّد ذلك بأنه لو كانت جنّة الخلد، لما خرج منها، قال سبحانه: أُولٰئِكَ هُمُ اَلْوٰارِثُونَ * اَلَّذِينَ يَرِثُونَ اَلْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ (4).

و هذا، و إن كان يمكن حمله على من دخلها بعد دار الدنيا، و هو غير متحقق في آدم، و لكنه احتمال في مقابل احتمال. و كما لا يمكن الاحتجاج على كونهما مخلوقين بما ورد في جنة آدم، كذلك لا يمكن الاحتجاج عليه بما ورد من كون الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون(5)، أو بما ورد من أنّ آل فرعون يعرضون على

ص: 420


1- شرح المقاصد، ج 2، ص 218.
2- سورة الكهف: الآية 39.
3- سورة سبأ: الآية 15.
4- سورة المؤمنين: الآيتان 10 و 11.
5- سورة آل عمران: الآية 169.

النار غدوّا و عشيا(1)، لأنهما راجعان إلى الحياة البرزخية. و التنعيم او التعذيب فيهما، غيرهما في الآخرة.

الوجه الثاني: الآيات الصريحة في كونهما مخلوقين، كقوله سبحانه:

وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرىٰ * عِنْدَ سِدْرَةِ اَلْمُنْتَهىٰ * عِنْدَهٰا جَنَّةُ اَلْمَأْوىٰ (2) و كقوله في حقّ الجنّة: أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (3)، و أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللّٰهِ وَ رُسُلِهِ (4)، و وَ أُزْلِفَتِ اَلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (5) و في حق النار: أُعِدَّتْ لِلْكٰافِرِينَ (6) و بُرِّزَتِ اَلْجَحِيمُ لِلْغٰاوِينَ (7). و حملها على التعبير عن المستقبل بلفظ الماضي مبالغة في تحققه، مثل: وَ نُفِخَ فِي اَلصُّورِ (8)و وَ نٰادىٰ أَصْحٰابُ اَلْجَنَّةِ أَصْحٰابَ اَلنّٰارِ (9)، يحتاج إلى دليل(10).

و هذا الاستدلال أمتن من سابقه، و مع ذلك فالاعتقاد بكونهما مخلوقتين الآن يتوقف على كون دلالتهما على المقصود قطعية، و هو غير حاصل، لما عرفت من الاحتمال الآخر(11).

نعم، بعض هذه الآيات لا يحتمل إلا المعنى الأول، مثل قوله: عِنْدَهٰا جَنَّةُ اَلْمَأْوىٰ ، إذ لم ير التعبير عن الشيء الذي سيتحقق غدا، بالجملة الاسمية.

ص: 421


1- سورة غافر: الآية 46.
2- سورة النجم: الآيات 13-15.
3- سورة آل عمران: الآية 133.
4- سورة الحديد: الآية 21.
5- سورة الشعراء: الآية 90.
6- سورة آل عمران: الآية 131.
7- سورة الشعراء: الآية 91.
8- سورة الكهف: الآية 99.
9- سورة الأعراف: الآية 44.
10- شرح المقاصد، ج 2، ص 218 و 219.
11- و قد اعتمد على هذا الاحتمال السيد الرضى في حقائق التأويل ص 247، و قال: إنّ التعبير بالفعل الماضي، لصحته و تحقق وقوعه، و كأنه قد كان، فعبّر عنه بعبارة الكائن الواقع.

الوجه الثالث: إنّ اللّه تعالى رغّب المكلّفين بالجنّة، و رهّبهم بالنار، فكيف يصح الترغيب بجنة لم يخلقها، و الترهيب بنار لم يخلقها(1).

و هذا الوجه ضعيف جدا، لأنّ الجنّة الموصوفة، لمّا كانت مقدورة له تعالى، و مثلها النار، صحّ الترغيب و الترهيب، كما رغب المكلفين في ثواب لم يوجد بعد، لأنّ وعده صادق و أمره واقع(2).

نعم، هناك روايات لا يمكن العدول عنها، لتضافرها روى الصدوق في الأمالي و التوحيد عن الهروي، قال: قلت: للرضا عليه السلام: يا بن رسول اللّه، أخبرني عن الجنّة و النار أ هما اليوم مخلوقتان؟ فقال: نعم، و إنّ رسول اللّه قد دخل الجنة و رأى النار، لما عرج به إلى السماء. قال: فقلت له:

فإنّ قوما يقولون إنّهما اليوم مقدّرتان غير مخلوقتين. فقال عليه السلام: ما أولئك منّا و لا نحن منهم، من أنكر خلق الجنة و النار، فقد كذّب النبي صلى اللّه عليه و آله و كذّبنا(3).

أدلة النافين لخلقهما

استدل النافون لخلقهما بوجوه:

1 - إنّ خلق الجنة و النار قبل يوم الجزاء، عبث، لا يليق بالحكيم تعالى.

2 - إنّهما لو خلقتا لهلكتا، لقوله تعالى: كُلُّ شَيْ ءٍ هٰالِكٌ إِلاّٰ وَجْهَهُ (4)و اللازم باطل، للإجماع على دوامهما، و للنصوص الشاهدة بدوام أكل الجنة و ظلّها.

3 - إنّهما لو وجدتا الآن فإما في هذا العالم، أو في عالم آخر، و كلاهما باطل، أمّا الأوّل فلأنه لا يتصور في أفلاكه، لامتناع الخرق و الالتئام عليها،

ص: 422


1- حقائق التأويل، ص 248.
2- المصدر السابق نفسه.
3- حق اليقين، للسيد شبر، ج 2، ص 204.
4- سورة القصص: الآية 88.

و لامتناع حصول العنصريات فيها، و لأنّها لا تسع جنّة عرضها كعرض السماء و الأرض.

و أما الثاني، بأن يكونا فوق محدد الجهات(1)، فلأنّه يلزم أن يكون في اللامكان مكان، و في اللاجهة جهة(2).

يلاحظ على الأول أنّ الحكم بالعبثية يتوقف على العلم القطعي بعدم ترتب غرض عليه، و من أين لنا بهذا العلم؟.

و يلاحظ على الثاني أنّه ليس المراد من هٰالِكٌ هو تحقق انعدامه و بطلان وجوده، بل المراد أنّ كل شيء هالك في نفسه، باطل في ذاته، لا حقيقة له إلا ما كان عنده مما أفاضه اللّه عليه. و الحقيقة الثابتة في الواقع التي ليست هالكة باطلة من الأشياء هي صفاته الكريمة، و آياته الدالة عليها فيهما جميعها ثابتة بثبوت الذات المقدسة، هذا بناء على كون المراد بالهالك في الآية، الهالك بالفعل.

و أما إذا أريد من الهالك ما يستقبله الهلاك و الفناء، بناء على ما قيل من أنّ اسم الفاعل ظاهر في الاستقبال، فهلاك الأشياء ليس بمعنى البطلان المطلق بعد الوجود، بأن لا يبقى منها أثر، فإنّ صريح كتاب اللّه ينفيه، فإن آياته تدل على أنّ كل شيء مرجعه إلى اللّه و أنّه المنتهى و إليه الرجعى، و هو الذي يبدئ الخلق ثم يعيده.

و إنّما المراد بالهلاك على هذا الوجه، تبدّل نشأة الوجود، و الرجوع إلى اللّه، المعبر عنه بالانتقال من الدنيا إلى الآخرة، و التلبس بالعود بعد البدء، و هذا إنما يشمل ما كان موجودا بوجود بدني دنيوي، و أما نفس الدار الآخرة، و ما هو موجود بوجود أخروي كالجنة و النار، فلا يتصف بالهلاك بهذا المعنى. قال سبحانه: مٰا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَ مٰا عِنْدَ اَللّٰهِ بٰاقٍ (3).

ص: 423


1- محدّد الجهات عبارة عن الفلك التاسع، و هو الفلك الأطلس الذي كان يعتقد به بطلميوس و يقول ليس فوقه خلاء و لا ملاء.
2- لاحظ هذه الوجوه الثلاثة في شرح المقاصد، ج 2، ص 219.
3- سورة النحل: الآية 96.

و قال سبحانه: وَ مٰا عِنْدَ اَللّٰهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرٰارِ (1). و قال سبحانه: وَ إِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلاّٰ عِنْدَنٰا خَزٰائِنُهُ (2). و كذا اللوح المحفوظ، كما قال سبحانه:

وَ عِنْدَنٰا كِتٰابٌ حَفِيظٌ (3) . فهذه الآيات تعرب عن عدم شمول الآية إلا لما له وجود دنيوي، فيتبدل إلى وجود أخروي، لا ما كان موجودا بوجود أخروي من بدء الأمر.

و يلاحظ على الثالث أنّه مبني على التصوير البطلميوسي للعالم، و قد أبطل العلم أصله، فيبطل ما فرع عليه، فإن الكون وسيع إلى حد لا تحيط به الأرقام و الأعداد النجومية.

و على ذلك يمكن أن تكون الجنة و النار في ذلك الفضاء الواسع الذي لا يحيط بسعته إلا اللّه سبحانه، و ليس علينا تعيين مكانهما بالدقة، كيف و اللّه سبحانه يقول: عِنْدَ سِدْرَةِ اَلْمُنْتَهىٰ * عِنْدَهٰا جَنَّةُ اَلْمَأْوىٰ (4)، فلمّا كان المراد من جنة المأوى، الجنة الموعودة، فهي عند سدرة المنتهى، و قد سئل ابن عباس عن سدرة المنتهى، فقال: «إليها ينتهي علم كل عالم، و ما وراءها لا يعلمه إلاّ اللّه»(5).

فإذا كانت سدرة المنتهى هي منتهى علم البشر، فلن يصل علمهم إلى الجنة الموعودة التي هي عندها، و لا يمكن لأحد تعيين مكانها، بل غاية ما يمكن قوله هو أنّهما مخلوقتان موجودتان في هذا الكون غير المتناهي طولا و عرضا.

و أما قوله سبحانه: سٰابِقُوا إِلىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ عَرْضُهٰا كَعَرْضِ اَلسَّمٰاءِ وَ اَلْأَرْضِ، أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللّٰهِ وَ رُسُلِهِ (6)، فليس المراد من العرض فيه ما يضاد الطول، بل هو بمعنى السعة، و الآية بصدد بيان سعة الجنة كما لا يخفى.

ص: 424


1- سورة آل عمران: الآية 198.
2- سورة الحجر: الآية 21.
3- سورة ق: الآية 4.
4- سورة النجم: الآيتان 14-15.
5- الدر المنثور، ج 6، ص 125.
6- سورة الحديد: الآية 21.

نعم، يستفاد من ظاهرها أنّها ليست في السماء التي يراد منها السيارات و الكواكب و المجرّات الظاهرة. و ممّا يؤيد ذلك أنّ النظام السمائي السائد على الكون المشاهد، يتلاشى عند قيام القيامة لقوله سبحانه: يَوْمَ نَطْوِي اَلسَّمٰاءَ كَطَيِّ اَلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ، كَمٰا بَدَأْنٰا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنٰا إِنّٰا كُنّٰا فٰاعِلِينَ (1)فلو كانت الجنة و النار فيها، للزم تلاشيهما و اندثارهما عند قيام القيامة.

و يمكن أن يقال إنّ الجنة و النار كسائر الموجودات الإمكانية، تتكاملان و تتسعان، و يؤيّده ما روي عن النبي أنّه قال: «ليلة أسري بي، مرّ بي إبراهيم، فقال: مر أمّتك أن يكثروا من غرس الجنة، فإن أرضها واسعة و تربتها طيبة، قلت: و ما غرس الجنة قال: لا حول و لا قوة إلا باللّه»(2).

هذا كله على القول بأنّ الجنة و النار حسب ظواهر الكتاب، موجودتان في الخارج، مع قطع النظر عن أعمال المكلف، و أنّهما معدّتان للمطيع و العاصي، و أما على القول بأنّه ليس لهما وراء عمل الإنسان حقيقة، و أن الجنة و النار عبارة عن تجسم عمل الإنسان بصورة حسنة و بهيّة، أو قبيحة و مرعبة، فالجنة و النار موجودتان واقعا بوجودهما المناسب في الدار الآخرة، و إن كان الإنسان، لأجل كونه محاطا بهذه الظروف الدنيوية، غير قادر على رؤيتهما، و إلا فالعمل، سواء كان صالحا أو طالحا، قد تحقق و له وجودان و تمثّلان، و كلّ موجود في ظرفه.

ص: 425


1- سورة الأنبياء: الآية 104.
2- سفينة البحار، مادة غرس، ج 2، ص 312.

ص: 426

الخاتمة * التّقيّة في الكتاب و السّنّة * عدالة الصحابة في الكتاب و السّنّة * الشيعة و اتهامهم بالقول بتحريف القرآن * المتعة في الكتاب و السّنّة

ص: 427

مباحث الخاتمة

اشارة

قد تعرفت فيما تقدم على المسائل الرئيسية المطروحة في علم الكلام الإسلامي، و وقفت على الحق القراح الذي يدعمه العقل و يثبته الكتاب و السنة المطهرة، و هناك بعض المسائل التي لم تزل الشيعة الإمامية، تزدرى بها، و تهاجم أو تتّهم بالاعتقاد بها، و هي:

1 - البداء.

2 - الرجعة.

3 - التقية.

4 - عدم الاعتراف بعدالة جميع الصحابة.

5 - الاتهام بالقول بتحريف القرآن.

6 - المتعة.

و قد قدّمنا البحث عن البداء في الجزء الأول من الكتاب(1)، و عن الرجعة في مباحث المعاد(2)، و فيما يلي نتعرض إلى بقية هذه المسائل، و إن كان بعضها (المتعة) من المسائل الفقهية التي لا تمت إلى المسائل الكلامية بصلة، و لكن نذكرها رجاء الستر عن وجه الحق، و تقريب الخطى بين المسلمين.

ص: 428


1- الإلهيات، ج 1، الفصل الخامس، ص 563-593.
2- لاحظ ص 289 من هذا الجزء.

مباحث الخاتمة

(1) التقيّة في الكتاب و السّنة

اشارة

إنّ مما يشنع به على الشيعة و يزدرى به عليهم، قولهم بالتقية و عملهم بها في أحايين و ظروف خاصة. و لكن المشنعين لم يقفوا على مغزاها. و لو تثبّتوا في الأمر، و تريثوا في الحكم، و رجعوا إلى كتاب اللّه و سنّة رسوله، و سألوا أهل الذكر، لوقفوا على أنها مما تحكم به ضرورة العقل و نص الكتاب و السنة.

إنّ هاهنا أمرين مختلفين ربما يخلط الجاهل أحدهما بالآخر، و هما:

1 - النفاق.

2 - التقية.

و قد ضربوهما بسهم واحد، و أعطوهما حكما واحدا فقالوا إن التقية فرع من النفاق تجلّى في الشيعة باسم التقية. و لو رجعوا إلى الكتاب العزيز لعرفوا أنّه بينما يندد بالنفاق و المنافقين و يقول: اَلْأَعْرٰابُ أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفٰاقاً (1)، و يقول:

إِنَّ اَلْمُنٰافِقِينَ فِي اَلدَّرْكِ اَلْأَسْفَلِ مِنَ اَلنّٰارِ (2) ، يحرّض على التقية في ظروف خاصة و يقول: لاٰ يَتَّخِذِ اَلْمُؤْمِنُونَ اَلْكٰافِرِينَ أَوْلِيٰاءَ مِنْ دُونِ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ

ص: 429


1- سورة التوبة: الآية 97.
2- سورة النساء: الآية 145.

ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اَللّٰهِ فِي شَيْ ءٍ، إِلاّٰ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقٰاةً، وَ يُحَذِّرُكُمُ اَللّٰهُ نَفْسَهُ وَ إِلَى اَللّٰهِ اَلْمَصِيرُ (1) .

فقوله: إِلاّٰ أَنْ تَتَّقُوا ، استثناء من أهم الأحوال، أي إنّ ترك موالات الكافرين حتم على المؤمنين في كل حال، إلا في حال الخوف من شيء يتّقونه منهم، فللمؤمنين حينئذ أن يوالوهم بقدر ما يتّقى به ذلك الشيء، لأنّ درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح.

و الاستثناء منقطع، فإنّ التقرب من الغير خوفا بإظهار آثار التولّي ظاهرا، من غير عقد القلب على الحب و الولاية، ليس من التولّي في شيء. لأنّ الخوف و الحبّ أمران قلبيّان، و متنافيان أثرا في القلب، فكيف يمكن اجتماعهما. فاستثناء الاتقاء استثناء منقطع.

فلو كانت التقية من فروع النفاق، فلما ذا دعا إليها الكتاب الحكيم؟.

روى السيوطي في الدرّ المنثور قال: أخرج ابن إسحاق و ابن جرير، و ابن أبي حاتم عن ابن عباس، قال: كان الحجّاج بن عمرو، حليف كعب الأشرف، ابن أبي الحقيق، و قيس بن زيد، و قد بطنوا بنفر من الأنصار، ليفتنوهم عن دينهم، فقال رفاعة بن المنذر و عبد اللّه بن جبير، و سعد بن خيثمة لأولئك النفر: اجتنبوا هؤلاء النفر من اليهود، و احذروا مباطنتهم لا يفتنونكم عن دينكم. فأبى أولئك النفر، فأنزل اللّه فيهم: لاٰ يَتَّخِذِ اَلْمُؤْمِنُونَ اَلْكٰافِرِينَ إلى قوله وَ اَللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ (2).

و قال سبحانه: مَنْ كَفَرَ بِاللّٰهِ مِنْ بَعْدِ إِيمٰانِهِ، إِلاّٰ مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ، وَ لٰكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً، فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اَللّٰهِ وَ لَهُمْ عَذٰابٌ عَظِيمٌ (3). فترى أنّه سبحانه يجوّز إظهار الكفر كرها، و مجاراة الكافرين خوفا

ص: 430


1- سورة آل عمران: الآية 28.
2- الدرّ المنثور، ج 2، ص 16.
3- سورة النحل: الآية 106.

منهم بشرط أن يكون القلب مطمئنا بالإيمان. فلو كانت مداراة الكافرين في بعض الظروف نفاقا، فلم رخّصه الإسلام و أباحه، و قد اتفق المفسرون على أنّ الآية نزلت في جماعة أكرهوا على الكفر، و هم عمّار و أبوه ياسر و أمّه سميّة، و قتل أبو عمار و أمّة، و أعطاهم عمّار بلسانه ما أرادوا منه. ثم أخبر سبحانه بذلك رسول اللّه، فقال قوم كفر عمار، فقال صلوات اللّه عليه و آله: «كلاّ، إنّ عمارا ملئ إيمانا من قرنه إلى قدمه، و اختلط الإيمان بلحمه و دمه». و جاء عمار إلى رسول اللّه و هو يبكي، فقال: «ما وراءك»؟ فقال: «شرّ يا رسول اللّه، ما تركت حتى نلت منك، و ذكرت آلهتهم بخير». فجعل رسول اللّه يمسح عينيه و يقول: «إن عادوا لك فعد لهم بما قلت» فنزلت الآية(1).

نعم، شذت عن المسلمين جماعة الخوارج فمنعوا التقية في الدين مطلقا، و إن أكره المؤمن و خاف القتل، زاعمين أنّ الدين لا يقدّم عليه شيء(2).

و ما ذكروه اجتهاد في مقابل النص، فإنّ الآية تصرح بأنّ من نطق بكلمة الكفر مكرها، وقاية لنفسه من الهلاك، لا شارحا بالكفر صدرا، و لا مستحسنا للحياة الدنيا على الآخرة، لا يكون كافر بل يعذّر، كما عذّر الصحابي الذي قال له مسيلمة الكذاب: أتشهد أنّي رسول اللّه، قال: نعم، فتركه، و قتل رفيقه الذي سأله هذا السؤال و رفضه(3).

كيف، و ربما يترتب على التقية و مجاراة أعداء الدين و مخالفي الحق، حفظ مصالح الإسلام و المسلمين. و بذلك يظهر الفرق بين النفاق و التقية، فإن بين الأمرين فرقا جوهريا لا يخلط أحدهما بالآخر.

إنّ التقية و النفاق يختلفان من وجهين، و ربما يكون الفرق أكثر من ذلك، و لكن نكتفي بهما:

ص: 431


1- مجمع البيان، ج 3، ص 388، و نقله غير واحد من المفسرين.
2- المنار، ج 3، ص 280.
3- المصدر السابق، ص 281.
1 - اختلافهما من حيث المبادي النفسية

إنّ المتقي مؤمن باللّه سبحانه و كتبه و رسله، غير أنّه يرى صلاح دينه و دنياه في عدم التظاهر بما آمن به، و التظاهر بخلافه في بعض الأحايين. و لكن المنافق هو من يبطن الكفر، و عدم الإيمان باللّه سبحانه، و كتبه، و رسله، أو ما دونها من المبادي الدينية، و لكنه يتظاهر بالإيمان حتى يتخيّل المؤمنون أنّه منهم.

و هذا مؤمن آل فرعون، يكتم إيمانه، تقية من قومه، و ربما يتظاهر بأنّه على دين قومه، و لكنه بهذا الغطاء يخدم دينه و نبيّه، فيرشد قومه إلى رصانة دينه، ببيان بليغ صادر عن رجل محايد، كما يخدم نبي زمانه بإبلاغه مؤامرة قومه للفتك به، و تظهر تلك الحقيقة في الآيتين التاليتين:

قال تعالى: وَ قٰالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمٰانَهُ: أَ تَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اَللّٰهُ، وَ قَدْ جٰاءَكُمْ بِالْبَيِّنٰاتِ مِنْ رَبِّكُمْ، وَ إِنْ يَكُ كٰاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ، وَ إِنْ يَكُ صٰادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ اَلَّذِي يَعِدُكُمْ، إِنَّ اَللّٰهَ لاٰ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذّٰابٌ (1).

و يقول أيضا: وَ جٰاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى اَلْمَدِينَةِ يَسْعىٰ، قٰالَ يٰا مُوسىٰ إِنَّ اَلْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ اَلنّٰاصِحِينَ (2).

2 - اختلافهما من حيث الغايات و الأغراض

إنّ مستعمل التقية لا يهدف من استعمالها، إلا صيانة نفسه عن الأذى و القتل، و عرضه عن الهتك، و ماله عن النّهب، أو ما يؤول إليها بالنتيجة. فلو كان هناك طمأنينة بالنسبة إلى ما يرجع إليه من هذه الأمور، لما استعمل التقية، و لا لجأ إليها. حتى أنّ التقية لأجل التحابب و التوادد، ترجع غايتها إلى درء الشر عن النفس و النفيس.

ص: 432


1- سورة غافر: الآية 28.
2- سورة القصص: الآية 20. و هذا الرجل هو مؤمن آل فرعون على ما في التفاسير.

و أما المنافق فإنما يلجأ إلى النفاق، لا لتلك الغايات المقدّسة، و إنما يريد أن يتدخل في شئون المسلمين، و يقلب ظهر المجن عليهم في الظروف القاسية أو يشترك معهم في المناصب، و المقامات و الغنائم و الأموال و غير ذلك مما تلتذ به النفوس الحريصة، و لأجل ذلك يعدّ سبحانه عبد اللّه بن أبيّ و أنصار حزبه من المنافقين و إن تظاهروا بالإيمان. يقول سبحانه: إِذٰا جٰاءَكَ اَلْمُنٰافِقُونَ قٰالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اَللّٰهِ، وَ اَللّٰهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَ اَللّٰهُ يَشْهَدُ، إِنَّ اَلْمُنٰافِقِينَ لَكٰاذِبُونَ (1).

و يقول سبحانه: وَ مِنَ اَلْأَعْرٰابِ مَنْ يَتَّخِذُ مٰا يُنْفِقُ مَغْرَماً وَ يَتَرَبَّصُ بِكُمُ اَلدَّوٰائِرَ عَلَيْهِمْ دٰائِرَةُ اَلسَّوْءِ وَ اَللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (2).

سؤال و جواب

أما السؤال، فهو: إنّ الآيتين راجعتان إلى تقيّة المسلم من الكافر، و لكن الشيعة تتقي إخوانهم المسلمين، فكيف يستدل بهما على صحة عملهم؟.

و أما الجواب، فهو: إنّ الآيتين و إن كانتا لا تشملان تقية المسلم من أخيه المسلم بالدلالة اللفظية، و لكنهما تشملان غير مورد هما بنفس الملاك الذي سوّغ تقية المسلم من الكافر فإن وجه تشريع التقية هو صيانة النفس و العرض و المال من الهلاك و الدمار، فإن كان هذا الملاك موجودا في غير مورد الآية فيجوز، أخذا بوحدة المناط. و قد كان عمل الشيعة على التقية منذ تغلّب معاوية على الأمة، و ابتزازه الإمرة عليها بغير رضا منها، و صار يتلاعب بالشريعة الإسلامية حسب أهوائه، و جعل يتتبع شيعة علي و يقتلهم تحت كل حجر و مدر، و يأخذ على الظنة و التهمة. و سارت على طريقته العوجاء الدولة المروانية، ثم العباسية، فزادتا في الطين بلة، و في الطنبور نغمة. هذا و ذاك، اضطر الشيعة إلى كتمان أمرها تارة، و التظاهر به أخرى، زنة ما تقتضيه مناصرة الحق، و مكافحة الضلال، و ما يحصل به إتمام الحجة.

ص: 433


1- سورة المنافقون: الآية 1.
2- سورة التوبة: الآية 98.
التقية المحرّمة

إن التقية تنقسم حسب الأحكام الخمسة، فكما أنّها تجب لحفظ النفوس و الأعراض و الأموال، ربما تحرم إذا ترتب عليها مفسدة أعظم، كهدم الدين و خفاء الحقيقة عن الأجبال الآتية، و تسلط الأعداء على شئون المسلمين و حرماتهم و معابدهم. و لأجل ذلك نرى أنّ كثيرا من عظماء الشيعة و أكابرهم رفضوا التقية في بعض الأحايين و تهيئوا للشّنق على حبال الجور، و الصلب على أخشاب الظلم. و كلّ ممن استعمل التقية و رفضها، له الحسنى، و كلّ عمل بوظيفته التي عينتها ظروفه.

إنّ التاريخ يحكي لنا عن الكثير من رجالات الشيعة الذين سحقوا التقية تحت أقدامهم، و قدّموا هياكلهم المقدسة قرابين للحق، منهم شهداء مرج عذراء، و قائدهم الصحابي العظيم الذي أنهكته العبادة و الورع، حجر بن عدي الكندي، الذي كان من قادة الجيوش الإسلامية الفاتحة للشام.

و منهم ميثم التمار، و رشيد الهجري، و عبد اللّه بن يقطر، الذين شنقهم ابن زياد في كناسة الكوفة، هؤلاء و المئات من أمثالهم هانت عليهم نفوسهم العزيزة في سبيل الحق، و نطحوا صخرة الباطل، و ما عرفوا أين زرعت التقية و أين واديها، بل وجدوا العمل بها حراما، و لو سكتوا و عملوا بالتقية، لضاعت التقية من الدين، و أصبح دين الإسلام دين معاوية و يزيد، و زياد و ابن زياد، دين المكر، و دين الغدر، و دين النفاق، و دين الخداع، دين كل رذيلة، و أين هو من دين الإسلام الحق، الذي هو دين كل فضيلة، أولئك هم أضاحي الإسلام و قرابين الحق.

و فوق أولئك، إمام الشيعة، أبو الشهداء الحسين و أصحابه الذي هم سادة الشهداء، و قادة أهل الإباء.

خزاية التاريخ

كيف لا يتّقي شيعة عليّ في أيام حكومة الأمويين، و هذا معاوية كتب إلى

ص: 434

عماله في جميع الآفاق: «انظروا إلى من أقيمت عليه البيّنة أنّه يحب عليا و أهل بيته فامحوه من الديوان و أسقطوا عطاءه و رزقه». و شفع ذلك بنسخة أخرى فيها:

«من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكلوا به و اهدموا داره». فلم يكن البلاء أشدّ و لا أكثر منه بالعراق و لا سيما بالكوفة.

روى أبو الحسن علي بن محمد المدائني قال: قامت الخطباء في كل كورة و على كل منبر، يلعنون عليا و يبرءون منه، و يقعون فيه و في أهل بيته، و كان أشد الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة، لكثرة من بها من شيعة عليّ، فاستعمل عليهم زياد بن سمية، و ضم إليه البصرة، فكان يتتبع الشيعة و هو بهم عارف، لأنه كان منهم أيام علي عليه السلام، فقتلهم تحت كل حجر و مدر، و أخافهم، و قطع الأيدي و الأرجل، و سمل العيون، و صلبهم على جذوع النخل، و طردهم و شرّدهم عن العراق، فلم يبق بها معروف منهم»(1).

و هناك رسالة قيّمة لأبي الشهداء، الحسين بن علي عليه السلام حول الدماء الجارية و النفوس المقتولة بيد ابن أبي سفيان، بذنب أنّهم شيعة علي و محبوه، رسالة تعدّ من أوثق المصادر التاريخية و مما جاء فيها:

«أ لست قاتل حجر و أصحابه العابدين المخبتين الذين كانوا يستفظعون البدع و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر، فقتلتهم ظلما و عدوانا من بعد ما أعطيتهم المواثيق الغليظة و العهود المؤكّدة، جرأة على اللّه و استخفافا بعهده»؟ «أ و لست بقاتل عمرو بن الحمق الذي أخلقت و أبلت وجهه العبادة، فقتلته من بعد ما أعطيته من العهود ما لو فهمته العصم نزلت من سقف الجبال»؟ «أ و لست قاتل الحضرمي(2) الذي كتب إليك فيه زياد: إنّه على دين عليّ كرم اللّه وجهه، و دين علي هو دين ابن عمه صلى اللّه عليه و آله الذي أجلسك مجلسك الذي أنت فيه، و لو لا ذلك كان أفضل شرفك و شرف آبائك تجشّم الرحلتين:

ص: 435


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج 3، ص 15.
2- يعني شريك بن شداد الحضرمي، كان من أصحاب حجر الذين بعث بهم زياد إلى معاوية و قتل مع حجر.

رحلة الشتاء و رحلة الصيف، فوضعها اللّه عنكم بنا، منّة عليكم»(1).

نعم، الرزية كل الرزية تقية المسلم من المسلم، و خوف الأخ من أخيه، و لو لا الظلم الذي أوردته طائفة منهم على الأخرى، لما احتاجت إلى التقية، فلا ذنب للشيعة حينئذ. و لو سادت الحرية في العالم الإسلامي على الطوائف الإسلامية كلها، لما كان هناك وجه لتقية الأخ من الأخ، و لكن للأسف إنّ السلطة رأت أنّ مصالحها لا تقوم إلا بالضغط على الشيعة ليتركوا عقيدتهم و عملهم و يذوبوا في الطوائف الإسلامية الأخرى، فما ذنب الشيعة عندئذ من أنّ تتّقي السلطة و جلاوزتها و تتظاهر على خلاف ما تعتقد لئلا يقتلوا أو يصلبوا، أو تهتك أعراضهم أو تنهب أموالهم.

و كم شهدت أوساط الشيعة من مجازر عامة بيد السلطات الغاشمة، فقتل الآلاف منهم بلا ذنب إلا اتّباعهم لأئمة أهل بيت نبي الإسلام، و اقتفائهم آثارهم. و نكتفي من ذلك بكلمة موجزة - لكي لا نخرج عن موضوع البحث - تصوّر جانبا من تلك الجرائم الفظيعة.

لم يفتأ شيخ الشيعة، أبو جعفر الطوسي، إمام عصره و عزيز مصره بغداد، حتى ثارت القلاقل و حدثت الفتن بين الشيعة و السنة، و لم تزل تنجم و تخبو بين الفينة و الفينة، حتى اتسع نطاقها بأمر طغرل بك أول القادة السلجوقيين، فورد بغداد، عام 447، و شنّ على الشيعة حملة شعواء و أمر بإحراق مكتبة الشيعة التي أنشأها أبو نصر، وزير بهاء الدولة البويهي، و كانت من دور العلم المهمة في بغداد، بناها هذا الوزير في محلة بين السورين، في الكرخ، عام 381، على مثال بيت الحكمة الذي بناه هارون الرشيد. و كانت مهمة للغاية فقد جمع فيها هذا الوزير ما تفرّق من كتب فارس و العراق و استكتب تآليف أهل الهند و الصين و الروم، و نافت كتبها على عشرة آلاف من جلائل الآثار، و مهام الأسفار، و أكثرها نسخ الأصل بخطوط المؤلّفين قال ابن الجوزي في حوادث سنة 448:

«و هرب أبو جعفر الطوسي و نهبت داره»، ثم قال في حوادث سنة 449: «و في

ص: 436


1- الغدير، ج 10، ص 160-161 لاحظ المصدر هناك.

صفر هذه السنة كبست دارة أبي جعفر الطوسي متكلم الشيعة بالكرخ، و أخذ ما وجد من دفاتره و كرسي يجلس عليه للكلام، و أخرج إلى الكرخ، و أضيف إليه ثلاث سناجيق بيض كان الزوار من أهل الكرخ يحملونها معهم إذا قصدوا زيارة الكوفة، و أحرق الجميع»(1).

هذا غيض من فيض، و نزر من كثير، حول اضطهاد الشيعة و قتلهم، و هتك أعراضهم، جئنا به ليقف القارئ على أنّ لجوء الشيعة إلى هذا الأصل لم يكن إلا لظروف قاسية مرت عليهم، و هي بعد سائدة، فما ذنب الشيعة إذا أرادوا صيانة أنفسهم و أعراضهم و أموالهم؟.

باللّه عليكم أيّها الاخوان، لو كنتم انتم مكان الشيعة، و كنتم تواجهون هذه الأحداث المؤلمة، هل كنتم تسلكون غير هذا المسلك، و هل كنتم تضنون بالنفس و النفيس، أو كنتم تهدون دماءكم و تهتكون أعراضكم و تبيدون أموالكم؟ أظن أنّ من يملك شيئا من العقل و الإنصاف يحكم بالثاني، إلا إذا كان هناك مصلحة أهم منها، و توقف إعلاء الحق و إبطال الباطل على التضحية، و هو أمر آخر خارج عن الموضوع. و بعد هذا كله، أ فيصح أن يقال إنّ التقية نفاق؟(2).

ص: 437


1- الحادثة مذكورة في أكثر الكتب التاريخية التي تعرضت لحوادث عامي 447 و 448 للهجرة. و قد ذكرها شيخنا الطهراني في مقدمة «التبيان»، ص 5.
2- نعم، هنا بحث آخر و هو أنّه إذا عمل الشيعي على مقتضى التقية، كما إذا غسل رجليه مكان مسحهما أو سجد على غير ما يصح عليه السجود، كالسجاجيد، فكيف يحكم بصحة عمله مع أنّه لم يمتثل ما على ذمته. و هذه مسألة فقهية، لها بحثها، و إجمال الجواب أنّ أدلة التقية حاكمة على الأدلة الواقعية، موسعة لها في ظروفها كالتيمم في مواقع فقد الماء، فإجزاؤهما من باب واحد، و التفصيل يطلب من محله.

مباحث الخاتمة

(2) عدالة الصحابة في الكتاب و السنة

اشارة

المشهور بين أهل السنة عدالة الصحابة جميعا، قال ابن عبد البر: «تثبت عدالة جميعهم»(1).

و قال ابن الأثير: «و الصحابة يشاركون سائر الرواة في جميع ذلك إلا في الجرح و التعديل، فإنّهم كلّهم عدول لا يتطرق إليهم الجرح»(2).

و قال الحافظ ابن حجر: «اتفق أهل السنة على أنّ الجميع عدول و لم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة»(3).

هذه بعض كلمات القوم، و قد زعموا أنّ من يتتبع أحوال الصحابة لجرحهم، أو تعديلهم، فإنما يريدوا أن يجرحوا شهود المسلمين ليبطلوا الكتاب و السنة.

غير أنّ الشيعة الإمامية، عن بكرة أبيهم، على أنّ الصحابة كسائر الرواة، فيهم العدول و غير العدول، و أنّ كون الرجل صحابيا لا يكفي في الحكم بالعدالة، بل يجب تتبع أحواله حتى يوقف على وثاقته.

ص: 438


1- الاستيعاب، ج 1، ص 2، في هامش الإصابة.
2- أسد الغابة، ج 1، ص 3.
3- الإصابة، ج 1، ص 17.

و الدليل الوحيد للقوم هو ما رووه عن النبي الأكرم أنّه قال: «مثل أصحابي كالنجوم بأيّهم اهتديتم اقتديتم»(1).

و لكن الاستدلال بالحديث باطل من وجوه:

1 - إنّ نصوص الكتاب تردّ صحة الاهتداء بكل صحابي أدرك النبي، فإنّه يقسمهم إلى طائفتين، طائفة صالحة عادلة، مرفوعة المقام و المكانة، و هؤلاء و صفوا بالسابقين الأوّلين، المبايعين تحت الشجرة، و غير ذلك(2).

و طائفة غير صالحة و لا عادلة، بل جامحة على النبي و المسلمين، و هم بين منافق عرف المسلمون نفاقه(3)؛ و من أخفى نفاقه و تمرّن عليه إلى حد لا يعرفه المسلمون حتى النبي الأكرم(4)؛ و مشرف على الارتداد يوم دارت على المسلمين الدوائر، و اشتدت الحرب بينهم و بين قريش(5)؛ و فاسق يكذب في إخباره على النبي، يعرّفه الكتاب بأنّه فاسق لا يقبل قوله(6)؛ و مريض القلب قد فقد الثقة باللّه و رسوله فهو يؤيّد المنافقين من غير شعور(7)؛ و سمّاع للمنافقين يقبل كل ما سمع منهم(8)؛ و مولّ في ميدان الحرب أمام الكفار، لا يصغي لنداء النبي و لا يهمه إلا نفسه(9)؛ و مسلم بلسانه دون قلبه فخوطب بأنّ الإيمان لم يدخل في قلبه(10)؛ و جماعة ألّفت قلوبهم بإعطاء الزكاة حتى يتّقى شرهم(11)؛ و خالط عملا صالحا بعمل سيّئ(12).

ص: 439


1- المصدر السابق.
2- جامع الأصول، ج 9، كتاب الفضائل، ص 410، الحديث 6359.
3- لاحظ سورة المنافقون.
4- لاحظ سورة التوبة: الآية 102، و سورة الفتح: الآية 16 و الآية 29.
5- سورة التوبة: الآيتان 45 و 46.
6- سورة الحجرات: الآية 6.
7- سورة الأحزاب: الآية 12.
8- سورة التوبة: الآية 47.
9- سورة آل عمران: الآية 154.
10- سورة الحجرات: الآية 14.
11- سورة التوبة: الآية 60.
12- سورة التوبة: الآية 102.

فهذه طوائف عشر من الصحابة الذين يمجدهم أهل السنة بوصف العدالة، و أنّ في الاقتداء بكل واحد منهم، الهداية إلى الصراط المستقيم. و لا أظن أنّ من سبر هذه الآيات و أمعن فيها يجرؤ على ذلك الادعاء، بل سوف يرجع و يقول إنّ كثيرا ممن تشرّفوا بصحبة النبي، ما عرفوا قدرها، و كفروا بنعمة اللّه تبارك و تعالى، فبدلا من أن يستثمروا هذه النعمة، فيكونوا في الجبهة و السنام من العدالة، و خسروا أنفسهم و خسروا غيرهم ممن تبعهم.

إنّ التشرف بصحبة النبي لم يكن بأشدّ و لا أقوى من صحبة امرأة نوح و امرأة لوط لزوجيهما، فما أغنتاهما عن اللّه شيئا، قال سبحانه: ضَرَبَ اَللّٰهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَتَ نُوحٍ وَ اِمْرَأَتَ لُوطٍ كٰانَتٰا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبٰادِنٰا صٰالِحَيْنِ فَخٰانَتٰاهُمٰا فَلَمْ يُغْنِيٰا عَنْهُمٰا مِنَ اَللّٰهِ شَيْئاً وَ قِيلَ اُدْخُلاَ اَلنّٰارَ مَعَ اَلدّٰاخِلِينَ (1).

و إن التشرف بصحبة النبي لم يكن أكثر امتيازا و تأثيرا من التشرف بالزواج من النبي و قد قال سبحانه في أزواج النبي: يٰا نِسٰاءَ اَلنَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفٰاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضٰاعَفْ لَهَا اَلْعَذٰابُ ضِعْفَيْنِ، وَ كٰانَ ذٰلِكَ عَلَى اَللّٰهِ يَسِيراً (2).

و ليس الخطاب من قبيل إياك أعني و اسمعي يا جارة، بل الخطاب خاص بهنّ بشهادة قوله: يُضٰاعَفْ لَهَا اَلْعَذٰابُ ضِعْفَيْنِ ، فإن غيرهن لا يضاعف لهن العذاب.

إنّ تأثير الصحبة لم يكن تأثيرا كيميائيا، كتأثير بعض المواد في تحويل عنصر كالنحاس إلى عنصر آخر كالذهب، بل كان تأثيرها تأثيرا شبيها بتأثير المعلم في التلميذ، و المرشد في المسترشد، و من المعلوم أن مثل هذا يؤثّر في جمع من الأمّة لا في كلهم. فمن البعيد جدا أن يكون للصحبة ثورة عارمة في قلب شخصيات الصحابة التي نشأت و ترعرعت في العصر الجاهلي، و تربت على السنن السيئة، إلى شخصيات تعدّ مثلا للفضل و الفضيلة، من دون أن يشذّ منهم شاذ، فتصبح الألوف المؤلّفة التي تربو على مائة ألف مع اختلافهم في الأعمار و القابليات، رجالا

ص: 440


1- سورة التحريم: الآية 10.
2- سورة الأحزاب: الآية 30.

عدولا يستدر بهم الغمام و يؤتمر بهم في العقائد و الشرائع، و غير ذلك من مجالات الاقتداء.

2 - إن السنة المتضافرة عن النبي الأكرم، على ارتداد الصحابة بعده، تردّ كون كل واحد منهم نجما لا معا يقتدى به. و مؤلفوا الصحاح، و إن أفردوا أبوابا في فضائل الصحابة، إلاّ أنّهم لم يفردوا بابا بل و لا عنوانا في مثالبهم، و إنما لجئوا إلى إقحام ما ورد من النبي في هذا المجال، في أبواب أخر سترا لمثالبهم، فذكرها البخاري في الجزء التاسع من صحيحه في باب الفتن، و أدرجها ابن الأثير في جامعه في أبواب القيامة عند البحث عن الحوض. كل ذلك سترا لأفعالهم و أوصافهم غير المرضية.

و لكن الصبح لا يخفى على ذي عيني، ففيما أوردوا من الأحاديث في هاتيك الأبواب شاهد على أنّ صحابة النبي لم يكونوا مرضيين بل أنّ كثيرا منهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى.

روى البخاري و مسلم أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله قال: «يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي - أو قال: من أمتي - فيحلئون عن الحوض، فأقول:

«يا ربّ، أصحابي». فيقول: «إنه لا علم لك بما أحدثوا بعدك، أنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى».

و في بعض النصوص أنّ الناجي منهم ليس إلا همل النعم، و هو كناية عن العدد القليل.

هذا قليل من كثير، ذكرناه، و كفى في تنديد النبي بهم قوله: «سحقا سحقا لمن بدّل بعدي»(1).

3 - إنّ التاريخ المتواتر يشهد على ظهور الفسق من الصحابة في حياة النبي و بعده، و هذا الوليد بن عقبة نزل في حقه قوله سبحانه: إِنْ جٰاءَكُمْ فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا (2) و يشهد التاريخ على أنّه شرب الخمر، و قام ليصلي بالناس صلاة

ص: 441


1- لاحظ في الوقوف على هذه الأحاديث، جامع الأصول، لابن الأثير، ج 11، كتاب الحوض، في ورود الناس عليه، ص 120-121.
2- سورة الحجرات: الآية 6.

الفجر، فصلى أربع ركعات، و كان يقول في ركوعه و سجوده: اشربي و اسقيني.

ثم قاء في المحراب، ثم سلّم، و قال: هل أزيدكم إلى آخر ما ذكروه(1).

و هذا البخاري يروي مشاجرة سعد بن معاد، سيد الأوس و سعد بن عبادة سيد الخزرج، في قضية الإفك، فقد قال سعد بن عبادة لابن عمه: كذبت لعمرو اللّه. و أجابه ابن العم بقوله: كذبت لعمرو اللّه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين(2).

أوّلا تعجب أنّ هؤلاء يصف بعضهم بعضا بالكذب و النفاق، و نحن نقول إنهم عدول صلحاء. و الإنسان على نفسه بصيرة.

إنّ الحروب الدائرة بين الصحابة أنفسهم لأقوى دليل على أنهم ليسوا جميعا على الحق، فقد ثاروا على عثمان بن عفان و أجهزوا عليه. فكيف يمكن أن يكون القاتل و المقتول كلاهما على الحق و العدالة.

و هذا هو طلحة و ذاك الزبير، جهّزا جيشا جرارا لمحاربة الإمام، و أعانتهما عائشة، التي أمرت مع سائر نساء النبي بالقرار في بيوتهن و عدم الظهور و البروز.

و هذا خال المؤمنين معاوية بن أبي سفيان، الباغي على الإمام المفترض الطاعة بالنص أوّلا، و بيعة المهاجرين و الأنصار و التابعين لهم بإحسان ثانيا، فاهدر دماء كثيرة لا يحصيها إلاّ اللّه سبحانه.

و من العذر التافه تبرير أعمالهم الإجرامية بأنهم كانوا مجتهدين في أعمالهم و أفعالهم، مع أنه لا قيمة للاجتهاد أمام النص و إجماع الأمة، و لو كان لهذا الاجتهاد قيمة، لما وجدت على أديم الأرض مجرما غير معذور، و لا جانيا غير مجتهد؛ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوٰاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاّٰ كَذِباً (3).

هذا قدامه بن مظعون، صحابي بدري شرب الخمر، و أقام عليه عمر

ص: 442


1- الكامل لابن الأثير، ج 2، ص 42، و أسد الغابة، ج 5، ص 190.
2- صحيح البخاري، ج 5، ص 118 في تفسير سورة النور.
3- سورة الكهف: الآية 5.

الحد(1).

و هؤلاء الصحابة الذين خضبوا وجه الأرض بالدماء، فاقرأ تاريخ بسر بن أرطاة، فإنه قتل مئات من المسلمين، و ما نقم منهم إلا أنّهم كانوا يحبون علي بن أبي طالب، و لم يكتف بذلك حتى قتل طفلين لعبيد اللّه بن عباس(2).

4 - أن تشبيه الصحابة بالنجوم، و أن الاقتداء بكل واحد منهم سبب للاهتداء، يعرب عن أنّ القائل يعتمد في ذلك على الذكر الحكيم، فإنّه سبحانه قال: وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (3). و لكن شتان ما بين المشبه و المشبه به، إذ ليس كل نجم هاديا للضالّ، و إلا لقال تعالى: «و بالنجوم هم يهتدون». فأيّ معنى - عندئذ - لهذا التشبيه.

5 - إنّ هذا الحديث موضوع على لسان النبي الأكرم، و صرّح بذلك جماعة من أعلام أهل السّنة.

قال أبو حيان الأندلسي - في معرض ردّه على الزمخشري الذي أورد هذا الحديث - و قوله: «و قد رضي رسول اللّه لأمّته إتباع أصحابه و الاقتداء بآثارهم في قوله: أصحابي كالنجوم الخ»، لم يقل ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله، و هو حديث موضوع لا يصح بوجه عن رسول اللّه».

ثم نقل قول الحافظ ابن حزم في رسالته في إبطال الرأي و القياس و الاستحسان و التعليل و التقليد، ما نصه: «و هذا خبر مكذوب باطل لم يصح قطّ».

ثم نقل عن البزاز صاحب المسند قوله: و هذا كلام لم يصح عن النبي صلى اللّه عليه و آله، و شرع بالطعن في سنده(4).

ورد ابن قيم هذا الحديث و ضعف أسانيده و قال ردا على من استدل في

ص: 443


1- أسد الغابة، ج 4، ص 199.
2- الغارات، للثقفي، ج 2، ص 591-628، تاريخ اليعقوبي، ج 1، ص 186-189، الكامل، ج 3، ص 192-193.
3- سورة النحل: الآية 16.
4- لاحظ جميع ذلك في تفسير البحر المحيط، ج 5، ص 528.

صحة التقليد، بهذا الحديث: كيف استجزتم ترك تقليد النجوم التي يهتدى بها و قلّدتم من هم دونهم بمراتب كثيرة، فكان تقليد مالك و الشافعي و أبي حنيفة و أحمد آثر عندكم من تقليد أبي بكر، و عمر، و عثمان، و على»(1)؟.

و قال الذهبي في جعفر بن عبد الواحد، و من بلاياه، عن وهب بن جرير، عن أبيه عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم: «أصحابي كالنجوم من اقتدى بشيء منه اهتدى»(2).

كلمة الإمام زين العابدين في الصحابة

إنّ الشيعة، تبعا للدلائل المتقدمة، و اقتداء بأئمتهم، يقدّسون الصحابة الذين عملوا بكتاب اللّه سبحانه و سنة نبيه، و لم يتجاوز و هما، كما أنّهم يتبرءون ممن خالف كتاب اللّه و سنة رسوله، و في هذا المقام كلمة مباركة للإمام زين العابدين قال في دعاء له:

«اللهم و أصحاب محمد خاصة الذين أحسنوا الصحبة و الذين أبلوا البلاء الحسن في نصره، و كاتفوه و أسرعوا إلى وفادته، و سابقوا إلى دعوته، و استجابوا له حيث أسمعهم حجة رسالاته، و فارقوا الأزواج و الأولاد في إظهار كلمته، و قاتلوا الآباء و الأبناء في تثبيت نبوته، و انتصروا به، و من كانوا منطوين على محبته، يرجون تجارة لن تبور في مودّته، و الذين هجرتهم العشائر. إذا تعلّقوا بعروته، و انتفت منهم القربات، إذا سكنوا في ظل قرابته، فلا تنس اللهم ما تركوا لك و فيك، و أرضهم من رضوانك، و بما حاشوا الخلق عليك، و كانوا مع رسولك، دعاة لك إليك. و اشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم، و خروجهم من سعة المعاش إلى ضيقه، و من كثرت في إعزاز دينك من مظلومهم. اللّهم و أوصل إلى التابعين لهم بإحسان الذين يقولون ربنا اغفر لنا و لإخواننا»(3).

ص: 444


1- لاحظ أعلام الموقعين، ج 2، ص 223.
2- ميزان الاعتدال، للذهبي، ج 1، ص 413.
3- الصحيفة السجادية الدعاء الرابع مع شرح «في ظلال الصحيفة السجادية»، ص 55-56.
تحليل الاستدلال بآيتين على عدالة الصحابة

و ربما يستدل على عدالة الصحابة بآيتين:

الأولى: قوله سبحانه: لَقَدْ رَضِيَ اَللّٰهُ عَنِ اَلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبٰايِعُونَكَ تَحْتَ اَلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مٰا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ اَلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَ أَثٰابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (1) فإنّ ظاهره أنّه سبحانه رضى عنهم، و الرضا آية كونهم مطيعين غير خارجين عن الطاعة، و ليس للعدالة معنى إلا ذلك.

و يلاحظ عليه: أولا: إنّ الآية نزلت في حق من بايع النبي تحت الشجرة في غزوة الحديبية، لا في حق جميع الصحابة، و قد كانوا في ذاك اليوم ألفا و أربعمائة.

أخرج مسلم و ابن جرير و ابن مردويه عن جابر رضي اللّه عنه، قال: «كنّا يوم الحديبية، ألفا و أربعمائة، فبايعناه، و عمر آخذ بيده تحت الشجرة، و هي سمرة، و قال بايعناه على أن لا نفر و لم نبايعه على الموت»(2). فاقصى ما يثبته الحديث هو رضاه سبحانه عن العدد المحدود. و أين هو من رضاه سبحانه عن الآلاف المؤلفة من الصحابة.

و ثانيا: إنّ ظرف الرضا مذكور في الآية، و هو وقت البيعة حيث يقول:

لَقَدْ رَضِيَ اَللّٰهُ عَنِ اَلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبٰايِعُونَكَ ، و من المعلوم أنّ الرضا في ظرف خاص لا يدل على الرضا بعده إلا إذا ثبت أنّهم بقوا على الحالات التي كانوا عليها، و هو غير ثابت. و إثباته بالاستصحاب، أوهن من بيت العنكبوت.

و ليس هذا مختصا بهؤلاء، فإن الإيمان و الأعمال الصالحة، إنما تفيد إذا لم يرتكب الإنسان ما يبطل أثرهما، سواء أقلنا بالإحباط أو لا.

و ثالثا: إنه سبحانه يقول في نفس السورة: إِنَّ اَلَّذِينَ يُبٰايِعُونَكَ إِنَّمٰا يُبٰايِعُونَ اَللّٰهَ، يَدُ اَللّٰهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ، فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمٰا يَنْكُثُ عَلىٰ نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفىٰ بِمٰا

ص: 445


1- سورة الفتح: الآية 18.
2- الدر المنثور، ج 6، ص 74.

عٰاهَدَ عَلَيْهُ اَللّٰهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (1) .

و هذا يعرب عن أنّ بعض المبايعين كانوا على مظنة النكث بما عاهدوا و بايعوا عليه، و أن البعض الآخر كانوا على مظنة الوفاء به و إلا فلو كان الوفاء معلوما منهم، فما معنى هذا الترديد. و ليست الآية خطابا قانونيا حتى يقال إنها من قبيل إيّاك أعني و اسمعي يا جارة، بل قضية خارجية مختصة بأناس معينين.

و رابعا: إنّ السّنّة تدل على أنّ نزول السكينة كان مختصا بمن علم منه الوفاء، و بالتالي يكون الرضا أيضا مخصوصا بهم.

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: فَعَلِمَ مٰا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ اَلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ ، قال: إنما أنزلت السكينة على من علم منه الوفاء»(2).

و خامسا: إنّ الرضا تعلق بالمؤمنين. و من المعلوم أنّه بايع النبي في غزوة الحديبية جماعة من المنافقين أيضا، بلا خلاف. و بما أنهم كانوا مختلطين غير متميزين فلا يحكم على كل واحد بالرضا و العدالة، إلاّ إذا ثبت أنه مؤمن غير منافق.

و كيف يمكن أن يكون للآية عموم أفرادي و أزماني يعمّ جميع المبايعين إلى آخر أعمالهم، مع أنّ طلحة و الزبير ممن بايعا بيعة الرضوان، و قد وقع منهما من قتال عليّ ما خرجا به عن الإيمان و فسقا عند جمع من المسلمين، كالمعتزلة و من جرى مجراهم، و لم يمنع وقوع الرضا في تلك الحال من وقوع المعصية فيما بعد، فما ذا الذي يمنع من مثل ذلك في غيرهم(3).

الآية الثانية: قوله سبحانه: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اَللّٰهِ وَ اَلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدّٰاءُ عَلَى اَلْكُفّٰارِ، رُحَمٰاءُ بَيْنَهُمْ تَرٰاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً، يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اَللّٰهِ وَ رِضْوٰاناً سِيمٰاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ اَلسُّجُودِ، ذٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي اَلتَّوْرٰاةِ وَ مَثَلُهُمْ فِي

ص: 446


1- سورة الفتح: الآية 10.
2- الدر المنثور، ج 6، ص 73.
3- لاحظ التبيان، ج 9، ص 329.

اَلْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوىٰ عَلىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ اَلزُّرّٰاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ اَلْكُفّٰارَ، وَعَدَ اَللّٰهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيماً (1) .

و الاستدلال مركّز على قوله: وَ اَلَّذِينَ مَعَهُ ، و هم موصوفون بأوصاف سبعة: 1 - أشداء على الكفار، 2 - رحماء بينهم، 3 - تراهم ركعا، 4 - سجدا، 5 - يبتغون فضلا من اللّه، 6 - و رضوانا، 7 - سيماهم في وجوههم من أثر السجود.

و كأنّ المستدل يستظهر من الآية أنّها بصدد بيان أنّ كل من كان مع النبي كان على هذه الصفات السبع التي لا تنفك عن العدالة، و أنّ مضمونها قضية خارجية راجعة إلى الجماعة التي كان الزمان و المكان يجمعانهم و النبي الأكرم.

يلاحظ عليه: أولا: إنّ الآية على خلاف المقصود أدلّ، فإنها، و إن كانت قضية خبرية بظاهرها، و لكنها بمعنى الإنشاء، فهي بصدد أمر من كان معه على أن يكونوا بهذه الصفات، و هذا نحو قولك: «ولدي يصلي»، فهو بمعنى: «صلّ يا ولد» فالآية تزيّف منطق من يدّعون أن الصحابة مصونون عن كل قبيح، فهم لصحبتهم الرسول، نبراس منير، لأنّ الآية تحمل صورة رائعة عن سيرة الذين كانوا مع الرسول و أنّهم يجب أن يكونوا على هذه الصفات السبع، فيكونون في سلبيّتهم (أشداء على الكفار) مثل سلبيّته، و إيجابيتهم بينهم أنفسهم (رحماء بينهم) كإيجابيّته، و هكذا سائر صفاتهم من الركوع و السجود و ابتغاء الفضل و الرضوان. و الآية و إن كانت نازلة في حق جماعة خاصة كانوا مع الرسول، و لكنها ليست قضية خبرية، بل تحمل قضية إنشائية، و طلبا و إيجابا منهم لأن يكونوا على هذه الصفات السبع.

و لأجل ذلك ترى أنّه سبحانه يخصص وعد المغفرة و إعطاء الأجر العظيم.

بعدة منهم، و يقول في آخر الآية: وَعَدَ اَللّٰهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيماً . و هذا التبعيض و التخصيص إيعاز إلى أنّ هذه

ص: 447


1- سورة الفتح: الآية 29.

الصفات السبع، ربما تتحقق في صورها و ظواهرها دون حقيقتها و واقعيتها التي هي الإيمان باللّه و العمل الصالح.

و ثانيا: إنّه يمكن أن يراد من قوله: وَ اَلَّذِينَ مَعَهُ ، غير المعية الزمانية و المكانية، حتى يقال بأنّها مختصة بصحابته المعاصرين، منحسرة عمن بعده من التابعين، و أتباعهم إلى يوم الدين، و إنّما يراد الذين معه في رسالته الإلهية تصديقا و إيمانا و تطبيقا، و معه في حملها كما حملها، و معه في جهاده و صبره كما جاهد و صبر.

و عند ذلك تعم الآية الأمة الإسلامية جميعا، إلى يوم الدين، و تكون أجنبية عن مسألة عدالة الصحابة، و تعرب عن أنّ من كان مع الرسول يجب أن يكون بهذه الصفات و السمات، و مع الإيمان و العمل الصالح.

و ثالثا: إنّ الاستدلال لا يكتمل إلا بجمع الآيات الواردة في شأن الصحابة حتى يستظهر من الجميع ما هو مقصوده سبحانه و قد عرفت أنّ آيات كثيرة تندد بأقسام عشرة من صحابة النبي و الذين كانوا معه، و أنّهم كانوا بين معلوم النفاق و مخفيّه، و مشرفين على شفير هاوية الارتداد، إلى غير ذلك من الأقسام، و مع ذلك كيف يمكن الاستدلال بآية و تناسي الآيات الأخر. كل ذلك يعرب عن أنّ المفسر لا يصح له اتخاذ موقف حاسم في موضوع واحد إلا بملاحظة جميع الآيات التي لها صلة به.

ص: 448

مباحث الخاتمة

(3) الشيعة و اتهامهم بتحريف القرآن

اشارة

إنّ القرآن الكريم أحد الثقلين الذين تركهما النبي الأكرم صلى اللّه عليه و آله و سلم بين الأمة الإسلامية و حث على التمسك بهما، و أنّهما لا يفترقان حتى يردا عليه الحوض، و قد كتب سبحانه على نفسه حفظه و صيانته و قال: إِنّٰا نَحْنُ نَزَّلْنَا اَلذِّكْرَ وَ إِنّٰا لَهُ لَحٰافِظُونَ (1).

و قال صلى اللّه عليه و آله و سلّم: «إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم، فعليكم بالقرآن، فإنّه شافع مشفع، و ما حل مصدّق، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، و من جعله خلفه ساقه إلى النار»(2).

و قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: «إنّ هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش، و الهادي الذي لا يضلّ»(3).

و قال عليه السلام: «ثم أنزل عليه الكتاب نورا لا تطفأ مصابيحه، و سراجا لا يخبو توقده، و منهاجا لا يضل نهجه... و فرقانا لا يخمد برهانه»(4).

بل إنّ أئمة الشيعة جعلوا موافقة القرآن و مخالفته ميزانا لتمييز الحديث

ص: 449


1- سورة الحجر: الآية 9.
2- الكافي، ج 2، ص 238.
3- نهج البلاغة، الخطبة 176.
4- نهج البلاغة، الخطبة 198.

الصحيح من الباطل، قال الصادق عليه السلام: «ما لم يوافق من الحديث القرآن، فهو زخرف»(1).

و مع ذلك كله اتّهمت الشيعة - اغترارا ببعض الروايات الواردة في جوامعهم الحديثية - بالقول بتحريف القرآن و نقصانه، غير أنّ أقطاب الشيعة و أكابرهم رفضوا تلك الأحاديث كما رفضوا الأحاديث التي رواها أهل السنة في مجال تحريف القرآن، و صرّحوا بصيانة القرآن عن كل نقصان و زيادة و تحريف. و نحن نكتفي فيما يلي بذكر بعض النصوص لأعلام الإمامية، الواردة في هذا المجال:

1 - قال الصدوق (م 381): «اعتقادنا في القرآن الذي أنزله اللّه تعالى على نبيّه، هو ما بين الدفتين، و هو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك، و من نسب إلينا أنّا نقول إنه أكثر من ذلك فهو كاذب»(2).

2 - و قال الشيخ المفيد (م 413): «قد قال جماعة من أهل الإمامة إنه لم ينقص من كلمة و لا من آية و لا من سورة، و لكن حذف ما كان ثبتا في مصحف أمير المؤمنين من تأويله و تفسير معانيه على حقيقة تنزيله و ذلك ثابتا منزلا و إن لم يكن من جملة كلام اللّه الذي هو المعجز، و قد يسمى تأويل القرآن قرآنا.

قال تعالى: وَ لاٰ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (3)، فسمّى تأويل القرآن قرآنا. و عندي أنّ هذا القول أشبه بمقال من ادّعى نقصان كلم من نفس القرآن على الحقيقة دون التأويل، و إليه أميل، و اللّه أسأل توفيقه للصواب و أما الزيادة فمقطوع على فسادها»(4).

3 - و قال الشيخ الطوسي (م 460): أمّا الكلام في زيادته و نقصانه فمما لا يليق به أيضا لأن الزيادة فيه مجمع على بطلانها و أما النقصان منه، فالظاهر أيضا من مذهب المسلمين خلافه، و هو الأليق بالصحيح من مذهبنا، و هو الذي نصره المرتضى، و هو الظاهر في الروايات.. إلى أن قال: و رواياتنا متناصرة بالحث على

ص: 450


1- الكافي، ج 1، كتاب فضل العلم، باب الأخذ بالسنة، الحديث 4.
2- عقائد الصدوق، ص 93 من النسخة الحجرية الملحقة بشرح الباب الحادي عشر.
3- سورة طه: الآية 114.
4- أوائل المقالات، ص 55.

قراءته و التمسك بما فيه و ردّ ما يرد من اختلاف الأخبار في الفروع إليه، و عرضها عليه، فما وافقه عمل به، و ما خالفه تجنّب و لم يلتفت إليه»(1).

4 - قال الطبرسي مؤلف مجمع البيان (م 548): «فأما الزيادة فمجمع على بطلانها، و أما النقصان منه فقد روى جماعة من أصحابنا و قوم من حشويه أهل السنة أنّ في القرآن نقصانا و الصحيح من مذهبنا خلافه و هو الذي نصره المرتضى قدس اللّه روحه، و استوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء في جواب المسائل الطرابلسيات، و ذكر في مواضع أنّ العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان و الحوادث العظام و الكتب المشهورة و أشعار العرب، فإن العناية اشتدت و الدواعي توفرت على نقله و حراسته و بلغت إلى حد لم تبلغه فيما ذكرناه، لأن القرآن معجزة النبوّة و مأخذ العلوم الشرعية و الأحكام الدينية، و علماء المسلمين قد بلغوا في حفظه و حمايته الغاية، حتى عرفوا كل شيء اختلف فيه من إعرابه و قراءته و حروفه و آياته، فكيف يجوز أن يكون مغيّرا و منقوصا مع العناية الصادقة و الضبط الشديد(2).

هؤلاء هم أعلام الشيعة في القرون السابقة من ثالثها إلى سادسها، و يكفي ذلك في إثبات أنّ نسبة التحريف إلى الشيعة ظلم و عدوان.

و أما المتأخرون فحدّث عنه و لا حرج فهم بين مصرّح بصيانة القرآن عن التحريف، إلى باسط القول في هذا المجال، إلى مؤلّف أفرده بالتأليف.

و نختم المقالة بكلمة قيمة للأستاذ الأكبر الإمام الخميني قال: «إنّ الواقف على عناية المسلمين بجمع الكتاب و حفظه و ضبطه، قراءة و كتابة، يقف على بطلان تلك المزعمة (التحريف)، و أنّه لا ينبغي أن يركن إليها ذو مسكة، و ما ورد فيه من الأخبار، بين ضعيف لا يستدل به، إلى مجعول تلوح منه أمارات الجعل إلى غريب يقضي منه العجب، إلى صحيح، يدل على أن مضمونه تأويل الكتاب و تفسيره، إلى غير ذلك من الأقسام التي يحتاج بيان المراد منها إلى تأليف

ص: 451


1- التبيان، ج 1، ص 3.
2- مجمع البيان، المقدمة، الفن الخامس، و لاحظ بقية كلامه.

كتاب حافل، و لو لا خوف الخروج عن طور البحث لأوضحنا لك أنّ الكتاب هو عين ما بين الدفتين و أنّ الاختلاف في القراءة ليس إلاّ أمرا حديثا لا صلة له لما نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين»(1).

تحريف القرآن في روايات الفريقين

روى الفريقان روايات في تحريف القرآن، و قد قام أخيرا أحد المصريين بتأليف كتابا اسماه «الفرقان»، ملأه بكثير من هذه الروايات. كما أنّ المحدث النوري ألف كتابا باسم «فصل الخطاب» أودع فيه روايات التحريف، و ليس هذا و ذاك أوّل من نقل روايات التحريف، بل هي مبثوثة في كتب التفسير و الحديث. و هذا هو القرطبي يقول في تفسير سورة الأحزاب: أخرج أبو عبيد في الفضائل، و ابن مردويه، و ابن الأنباري عن عائشة قالت: كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمان النبي مائتي آية، فلما كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلاّ على ما هو الآن»(2)و هذا هو البخاري، يروى عن عمر قوله: «لو لا أن يقول الناس إنّ عمر زاد في كتاب اللّه، لكتبت آية الرجم بيدي»(3).

و غير ذلك من الروايات التي نقل قسما منها السيوطي في الإتقان(4).

و مع ذلك فنحن نجلّ علماء السنّة و محققيهم عن نسبة التحريف إليهم، و لا يصح الاستدلال بالرواية على العقيدة، و نقول مثل هذا في حق الشيعة، و قد تعرفت على كلمات الأعاظم منهم في العصور المتقدمة، و عرفت أنّ الشيخ المفيد يحمل هذه الروايات على أنّها تفسير للقرآن، و أنّ ما يدلّ على التحريف بالدلالة المطابقية يضرب به عرض الجدار.

ص: 452


1- تهذيب الأصول، تقريرا لأبحاث الإمام الخميني في أصول الفقه، ج 2، ص 96.
2- تفسير القرطبي، ج 14، ص 113، و لاحظ الدر المنثور، ج 5، ص 180.
3- صحيح البخاري، ج 9، باب الشهادة تكون عند الحاكم في ولاية القضاء، ص 69، ط مصر.
4- الإتقان، ج 2، ص 30.

إنّ المحقق الأستاذ الشيخ جواد البلاغي تدارس الروايات، فخرج بهذه النتيجة و هي أنّ القسم الوافر منها يرجع أسانيده إلى بضعة أشخاص وصفوا في علم الرجال بالصفات التالية:

1 - ضعيف القول، فاسد المذهب، مجفو الرواية.

2 - مضطرب الحديث و المذهب، يعرف حديثه و ينكر، و يروي عن الضعفاء.

3 - كذاب متّهم، لا تستحل رواية حديث واحد من أحاديثه.

4 - غال كذّاب.

5 - ضعيف لا يلتفت إليه و لا يعوّل عليه و من الكذابين.

6 - فاسد الرواية يرمى بالغلو.

و من المعلوم أنّ رواية هؤلاء لا تجدي شيئا، و إن كثرت و عالت، و أمّا المراسيل فهي مأخوذة من تلك المسانيد.

هذا بعض القول في تنزيه الشيعة بل المسلمين عامة عن وصمة التحريف، و من أراد التفصيل فليرجع إلى الرسائل المؤلفة في هذا الموضوع(1).

ص: 453


1- لاحظ مقدمة تفسير آلاء الرحمن للعلامة البلاغي، ج 1، ص 26. و تفسير الميزان، ج 12، ص 106، 137، و تفسير البيان للمحقق الخوئي، ص 215-254. و إظهار الحق للعلامة الهندي، ج 2، ص 128، فإن فيها كفاية و غنى لطالب الحق.

مباحث الخاتمة

(4) المتعة في الكتاب و السنة

اشارة

حقيقة نكاح المتعة، تزويج المرأة الحرة الكاملة، إذا لم يكن بينها و بين الزوج مانع من نسب أو سبب أو رضاع أو إحصان أو عدّة أو غير ذلك من الموانع الشرعية، بمهر مسمى، إلى أجل مسمى، بالرضا و الاتفاق، فإذا انتهى الأجل تبين منه من غير طلاق. و يجب عليها مع الدخول بها - إذا لم تكن يائسة - أن تعتد عدة الطلاق إذا كانت ممن تحيض، و إلاّ فبخمسة و أربعين يوما. و ولد المتعة، ذكرا كان أو أنثى يلحق بالأب، و لا يدعى إلاّ له، و له من الإرث، ما أوصانا اللّه به سبحانه في آية المواريث من أنّ للذكر مثل حظّ الأنثيين، كما يرث من الأم، و تشمله جميع العمومات الواردة في الأبناء و الآباء و الأمهات، و كذا العمومات الواردة في الأخوة و الأخوات، و الأعمام و العمّات.

و بالجملة المتمتع بها زوجة حقيقة، و ولدها ولد حقيقة، و لا فرق بين هذا الزواج و الزواج الدائم، إلاّ أنّه لا توارث بين الزوجين و لا قسم و لا نفقة لها، كما أنّ له العزل عنها، و هذه الفوارق الجزئية، فوارق في الأحكام لا في الماهية، و الماهية واحدة، غير أنّ أحدهما مؤقّت و الآخر غير مؤقت، و أنّ الأول ينتهي بانتهاء الوقت، و الثاني ينفصم بالطلاق أو بالفسخ.

و قد أجمع أهل القبلة على أنّه سبحانه شرع هذا النكاح في دين الإسلام في صدره، و لا يشك أحد و لا يتردد في أصل مشروعيته، و إنّما وقع الكلام في نسخه أو بقاء مشروعيته.

ص: 454

و أوضح دليل على مشروعيته في صدر الإسلام، نهى عمر عنها حيث قال:

متعتان كانتا على عهد رسول اللّه حلالا، و أنا أحرّمهما، و أعاقب عليهما: إحداهما متعة النساء... و الأخرى متعة الحج(1). فإنّ النهي إمّا كان اجتهادا من عمر كما هو ظاهر كلامه، أو كان مستندا إلى نصّ من رسول اللّه كما وجّه به كلامه. و على كلا التقديرين، يدلّ على جوازه في فترة خاصة، و هذا واضح لمن ألّم بفقه المذاهب الإسلامية.

و الأصل في ذلك قوله سبحانه: وَ حَلاٰئِلُ أَبْنٰائِكُمُ اَلَّذِينَ مِنْ أَصْلاٰبِكُمْ وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ اَلْأُخْتَيْنِ إِلاّٰ مٰا قَدْ سَلَفَ، إِنَّ اَللّٰهَ كٰانَ غَفُوراً رَحِيماً * وَ اَلْمُحْصَنٰاتُ مِنَ اَلنِّسٰاءِ إِلاّٰ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ كِتٰابَ اَللّٰهِ عَلَيْكُمْ، وَ أُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوٰالِكُمْ مُحْصِنِينَ (2) غَيْرَ مُسٰافِحِينَ، فَمَا اِسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً، وَ لاٰ جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ فِيمٰا تَرٰاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ اَلْفَرِيضَةِ إِنَّ اَللّٰهَ كٰانَ عَلِيماً حَكِيماً (3).

دلالة الآية على المتعة

و قد ذكرت أمّة كبيرة من أهل الحديث و التفسير نزول الآية في مورد المتعة، أو جعلوا نزولها فيها أقوى الاحتمالين نشير إلى بعضهم:

1 - إمام الحنابلة أحمد بن حنبل (م 241) في مسنده(4).

2 - أبو جعفر الطبري (م 310) في تفسيره(5).

3 - أبو بكر الجصّاص الحنفي (م 370) في أحكام القرآن(6).

ص: 455


1- سنن البيهقي، ج 7، ص 206.
2- المراد من الإحصان هو إحصان التعفف لا إحصان التزوّج. أي متعففين لا متزوجين و من فسّره بإحصان التزوّج فقد أخطأ. و يشهد لما ذكرنا من التفسير قوله: غَيْرَ مُسٰافِحِينَ أي غير زانين.
3- سورة النساء: الآيتان 23 و 24.
4- مسند أحمد، ج 4، ص 436.
5- تفسير الطبري، ج 5، ص 9.
6- أحكام القرآن، ج 2، ص 178.

4 - أبو بكر البيهقي (م 458) في السنن الكبرى(1).

5 - محمود بن عمر الزمخشري (م 538) في الكشّاف(2).

6 - أبو بكر يحيى بن سعدون القرطبي (م 567) في تفسيره(3).

7 - أبو عبد اللّه فخر الدين الرازي الشافعي (م 606) في تفسيره(4).

8 - أبو الخير القاضي البيضاوي (م 685) في تفسيره(5).

9 - علاء الدين البغدادي (م 741) في تفسيره(6).

10 - الحافظ عماد الدين ابن كثير الدمشقي (م 745) في تفسيره(7).

11 - جلال الدين السيوطي (م 911) في الدر المنثور(8).

12 - أبو السعود العمادي الحنفي (م 982) في تفسيره(9).

13 - القاضي الشوكاني (م 1250) في تفسيره(10).

14 - شهاب الدين السيد محمود الآلوسي البغدادي (م 1270) في تفسيره(11).

و ينتهي نقل هؤلاء إلى أناس أمثال ابن عباس و أبيّ بن كعب و عبد اللّه بن مسعود، و عمران بن حصين، و حبيب بن أبي ثابت و سعيد بن جبير، و قتادة و مجاهد، كما أنّ ناقل هذه الروايات رجال الحديث و التفسير كما عرفت، فلا يمكن اتهامهم بالوضع و الجعل، هذا حسب أسباب النزول.

ص: 456


1- السنن الكبرى، ج 7، ص 205.
2- الكشاف، ج 1، ص 360.
3- تفسير القرطبي، ج 5، ص 130.
4- مفاتيح الغيب، ج 3، ص 200.
5- تفسير البيضاوي، ج 1، ص 267.
6- تفسير الخازن، ج 1، ص 357.
7- تفسير ابن كثير، ج 1، ص 774.
8- الدر المنثور، ج 2، ص 140.
9- هامش تفسير الرازي، ج 3، ص 251.
10- تفسير الشوكاني، ج 1، ص 414.
11- روح المعاني، ج 5، ص 5.

ثم إنّ هناك قرائن تؤيّد كون المراد من قوله: فَمَا اِسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ، نكاح المتعة، و هي:

1 - أنّ جماعة من عظماء الصحابة كعبد اللّه بن عباس و جابر بن عبد اللّه الأنصاري و عمران بن حصين، و ابن مسعود و أبي بن كعب، كانوا يفتون بإباحتها، و يقرءون الآية هكذا: فَمَا اِسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ (إلى أجل مسمّى)، فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ . و هذا صريح في نكاح المتعة، و من المعلوم - و لا يحتمل غيره - أن ليس مرادهم سقوط هذه الجملة من الذكر الحكيم، بل المراد بيان معنى الآية على نحو التفسير الذي أخذوه من الصادع بالوحي، و من أنزل عليه ذلك الكتاب صلى اللّه عليه و آله. و من زعم أنّ هذه الجملة عند هؤلاء، جزء القرآن فقد أخطأ.

2 - إنّ الاستمتاع في الآية ظاهر في هذا النوع من الزواج، و قد كان معروفا في صدر الإسلام بالمتعة و التمتع، فلا بد أن يحمل على هذا النوع من النكاح، لا على المعنى اللغوي الموجود في الزواج الدائم و المنقطع.

3 - إنّ النكاح الدائم قد مرّ تشريعه في صدر السورة حيث قال تعالى:

فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ اَلنِّسٰاءِ مَثْنىٰ وَ ثُلاٰثَ وَ رُبٰاعَ (1) و لا وجه لتكراره.

و توهم أنّ وجه التكرار هو تبيين حكم صداقهن الوارد في قوله: أُجُورَهُنَّ ، مدفوع بأنّه مرّ بيانه أيضا، في صدر السورة، عند قوله: وَ آتُوا اَلنِّسٰاءَ صَدُقٰاتِهِنَّ نِحْلَةً (2)، بل جاء بيانه أيضا قبل هذه الآية بقليل، في قوله تعالى:

وَ إِنْ أَرَدْتُمُ اِسْتِبْدٰالَ زَوْجٍ مَكٰانَ زَوْجٍ وَ آتَيْتُمْ إِحْدٰاهُنَّ قِنْطٰاراً فَلاٰ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً (3) .

و لا يصحّ جعل هذه الفقرة تأكيدا لقوله: وَ إِنْ أَرَدْتُمُ اِسْتِبْدٰالَ زَوْجٍ ، لأنّ الآية السابقة آكد بيانا من هذه الآية.

ص: 457


1- سورة النساء: الآية 3.
2- سورة النساء: الآية 4.
3- سورة النساء: الآية 20.

4 - إنّ الآية تفرّع وجوب دفع الأجور على الاستمتاع و هو يناسب الزواج المنقطع، الذي هو المطلوب فيها، و أمّا المهر في النكاح الدائم فهو يملك بنفس العقد، غير أنّه لو طلق قبل المسّ يسقط النصف.

5 - ما تضافر نقله عن بعض الصحابة و التابعين من دعوى كون الآية منسوخة ببعض الآيات، فلو لم تكن الآية واردة في مورد المتعة فما معنى ادعاء النسخ.

و هذه القرائن لا تدع للآية ظهورا إلاّ في العقد المنقطع.

ثم إنّ صاحب المنار أصرّ على أنّ المراد من الآية هو النكاح الدائم، و استدلّ بأنّ المتمتع بالنكاح المؤقت لا يقصد الإحصان دون السافحة، بل يكون قصده المسافحة، فإن كان هناك نوع ما من إحصان نفسه، و منعها من التنقل في دمن الزنا، فإن لا يكون فيه شيء ما من إحصان المرأة التي تؤجّر نفسها كلّ طائفة من الزمن لرجل، فتكون كما قيل:

كرة حذفت بصوالجة *** فتلقفها رجل رجل(1).

يلاحظ عليه أنّه جعل السفاح في قوله: مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسٰافِحِينَ ، بالمعنى اللغوي، و هو صبّ الماء و سفحه على الأرض، و من ثمّ جعل العقد المنقطع مصداقا له، فصارت الآية ناهية عنه، و ظاهرة في العقد الدائم.

لكن عزب عنه أنّ المراد من السفح هنا، هو الزنا لا المعنى اللغوي، و الآية تؤكّد على أنّ الطريق المشروع في نيل النساء و مباشرتهن، هو النكاح لا الزنا، و الزواج لا السفاح، و تدعو المؤمنين إلى التزوج لا الفجور. فتفسير غَيْرَ مُسٰافِحِينَ بالمعنى اللّغوي، لا يناسب مفاد الآية.

و العجب أنّه غفل عن أنّ السفح، بمعنى صبّ الماء، مشترك بين الدائم و المنقطع و الزنا، فلو أخذ به لم يبق مورد لمقابله، أعني قوله تعالى:

مُحْصِنِينَ .

ص: 458


1- المنار، ج 5، ص 13.

توضيح ذلك أنّ الآية تحرض على أمر مشروع و هو قوله: مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسٰافِحِينَ ، و تنهى عن مقابله، الذي يعدّ مفهوما للآية، فلو قلنا بأنّ المراد من السفح في الآية، هو صبّ الماء، و هو مشترك بين الدائم و المنقطع و الزنا، لم يبق لقوله محصنين مصداق و مورد.

و إن خصّ بالزنا، كما هو الحق، يدخل الدائم و المنقطع تحت قوله:

مُحْصِنِينَ ، و يبقى الزنا تحت قوله: مُسٰافِحِينَ .

ثم إنّ الإحصان الذي يراد منه التعفف و الاجتناب عن الزنا، يحصل بالدائم و المنقطع معا، فتخصيصه بالأول غفلة عن حقيقة العقد المنقطع.

و ما في آخر كلامه من تشبيه المرأة المتمتع بها، بكرة تحذف بصوالجة مختلفة، يتلقاها رجل عن رجل، جسارة على التشريع الإلهي، إذ لا شك أنّ النبي الأكرم سوّغ المتعة مدة، و لو في أمد قصير، و إنّما اختلفت الأمّة في نسخه و عدمه. و على فرض النسخ، اختلفوا في زمانه، فهل يصحّ لنا التعبير عن سنّة النبي، الذي لا يصدر إلاّ عن الوحي الإلهي، بهذا الشعر المبتذل، و ما هو إلاّ لضعف البصيرة و قلة المعرفة.

و ربما يقال في تخصيص الآية بالنكاح الدائم أنّ الهدف من تشريع النكاح هو تكوين البيت و إيجاد النسل و الولد، و هو يختص بالنكاح الدائم، دون المتقطع الذي لا يترتب عليه إلاّ إرضاء القوة الشهوية، و صبّ الماء و سفحه.

و لا يخفى أنّه خلط بين الموضوع و الفائدة المترتبة عليه، و ما ذكر إنّما هو من قبيل الحكمة، و ليس الحكم دائرا مدارها، ضرورة أنّ النكاح صحيح و إن لم يكن هناك ذلك الغرض، كزواج العقيم و اليائسة و الصغيرة، بل أغلب المتزوجين في سن الشباب بالزواج الدائم لا يقصدون إلاّ قضاء الوطر و استيفاء الشهوة من طريقها المشروع، و لا يخطر على بالهم طلب النسل أصلا و إن حصل لهم قهرا، و لا يقدح ذلك في صحة زواجهم.

و من العجب حصر فائدة المتعة في قضاء الوطر، مع أنّها كالدائم قد يقصد منها النسل و الخدمة و تدبير المنزل و تربية الأولاد و الإرضاع و الحضانة.

ص: 459

و نسأل المانعين الذين يتلقون نكاح المتعة، مخالفا للحكمة التي لأجلها شرع النكاح، نسألهم عن الزوجين الذين يتزوجان نكاح دوام، و لكن ينويان الفراق بالطلاق بعد شهرين، فهل هذا النكاح صحيح أو لا؟، لا أظن أنّ فقيها من فقهاء الإسلام، يمنع ذلك، و إلاّ فقد أفتى بغير دليل و لا برهان. فيتعين الأول، فأي فرق يكون حينئذ بين المتعة و هذا النكاح الدائم سوى أنّ المدة مذكورة في الأول، دون الثاني.

يقول صاحب المنار: «إنّ تشديد علماء السلف و الخلف في منع المتعة يقتضي منع النكاح بنية الطلاق، و إن كان الفقهاء يقولون: إنّ عقد النكاح يكون صحيحا إذا نوى الزوج التوقيت، و لم يشترطه في صيغة العقد، و لكن كتمانه إيّاه يعد خداعا و غشّا و هو أجدر بالبطلان من العقد الذي يشترط فيه التوقيت»(1).

أقول: نحن نفرض أنّ الزوجين رضيا بالتوقيت لبّا، حتى لا يكون هناك خداع و غشّ، فهو صحيح بلا إشكال.

الآية غير منسوخة
اشارة

ثم إنّ جماعة من المفسّرين و المحدّثين بعد ما سلّموا نزول الآية في المتعة و دلالتها على مشروعيتها، تخلّصوا عن القول بمشروعيتها الناسخة إلى أقوال:

فبين قائل بأنّها منسوخة ببعض الآيات، و قائل بأنّها منسوخة بالسنة.

و القائلون بكونها منسوخة بالقرآن اختلفوا بدورهم في الآيات الناسخة، كما أنّ القائلين بأنّها نسخت بالسنّة اختلفوا كذلك في زمن النسخ اختلافا كثيرا. و هذه الاختلافات، مع قرائن من التاريخ و السنّة، تدلّ على عدم وقوع النسخ:

أ - الخلاف في الآيات الناسخة

ممّا يدلّ على عدم نسخ آية المتعة، خلافهم في الآيات التي نسختها، إلى أقوال، لا يفي أيّ منها بالمدّعى:

ص: 460


1- المنار، ج 3، ص 17.

القول الأول: إنّ الناسخ قوله سبحانه: وَ اَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حٰافِظُونَ * إِلاّٰ عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ اِبْتَغىٰ وَرٰاءَ ذٰلِكَ فَأُولٰئِكَ هُمُ اَلعٰادُونَ (1).

و قد عزب عن القائل أنّ هذه الآية مكيّة، و آية المتعة مدنية، و لا معنى لناسخية آية لحكم لم يشرّع بعد.

أضف إليه أنّ نكاح المتعة داخل في الشقّ الأول، أعني قوله: إِلاّٰ عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ .

القول الثاني: إنّها منسوخة بآية العدة، و هي قوله تعالى: يٰا أَيُّهَا اَلنَّبِيُّ إِذٰا طَلَّقْتُمُ اَلنِّسٰاءَ، فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ (2) حيث تدلّ على أنّ انفصال الزوجين إنّما يحصل بطلاق و عدّة، و المتعة ليس فيها عدّة و لا طلاق.

و هذا من غرائب الأقوال، و ذلك أنّ القول بعدم العدّة في المتعة ناش من الجهل بأحكامها، فإنّ فيها العدة كالدائم غير أنّ عدتها حيضتان لمن تحيض و خمس و أربعين يوما لمن لا ترى الحمرة و هي في سنّ من تحيض.

و أمّا الطلاق، فلم يدلّ دليل على أنّه وسيلة الفراق الوحيدة لكل زواج، و إنّما ينحصر دليل الطلاق بالنكاح الدائم.

القول الثالث: إنّها منسوخة بآية الميراث حيث لا ميراث في المتعة.

يلاحظ عليه إنّ الميراث من أحكام الزواج، و نفي حكم في مورد، لا يدلّ على انتفاء الموضوع، فالمتمتع، بها زوجة يترتب عليها آثار الزوجية إلاّ ما خرج بالدليل، و انتفاء أثر ما لا يدل على فقدان الموضوع. مثلا النفقة من أحكام الزوجية و الناشزة لا نفقة لها و مع ذلك فهي زوجة. و الكافرة، و القاتلة و المعقود عليها في المرض إذا مات زوجها فيه قبل الدخول، زوجات، و لكن لا يرثن. بل

ص: 461


1- سورة المؤمنون: الآيات 5-7.
2- سورة الطلاق، الآية الأولى، و نظيره قوله تعالى: وَ اَلْمُطَلَّقٰاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاٰثَةَ قُرُوءٍ (سورة البقرة: الآية 228).

قد تتحقق الوارثة من دون أن تكون هناك زوجية، كما إذا طلّق الرجل زوجته في مرض موته، و خرجت عن العدة، فمات الزوج إلى سنة من الطلاق، فترثه، و ليست بزوجة. فبين الزوجية و الوارثة عموم و خصوص من وجه.

ب - الخلاف في زمن النسخ

و ممّا يدلّ على عدم النسخ اختلافهم في زمن نسخه إلى أقوال شتّى:

1 - أنّها أبيحت ثم نهي عنها عام خيبر.

2 - ما حلّت إلاّ في عمرة القضاء.

3 - كانت مباحة و نهي عنها في عام الفتح.

4 - أبيحت عام أوطاس ثم نهي عنها(1).

و هذه الأقوال تنفي الثقة في وقوع النسخ.

على أنّ القول بنسخ الكتاب بأخبار الآحاد ممنوع جدا، و قد صحّ عن عمران بن الحصين أنّه قال: إنّ اللّه أنزل المتعة و ما نسخها بآية أخرى، و أمرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله بالمتعة و ما نهانا عنها، ثم قال رجل برأيه، يريد به عمر بن الخطاب(2).

ج - قرائن أخرى على عدم النسخ

لكن هناك قرائن قطعية تدلّ على عدم النسخ و كفى في ذلك ما رواه جابر بن عبد اللّه الأنصاري، قال: كنّا نستمتع بالقبضة من التمر و الدقيق، لأيام، على عهد رسول اللّه و أبي بكر، و حتى (ثم) نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث(3).

ص: 462


1- راجع في الوقوف على مصادر هذه الأقوال: كتاب الغدير، ج 6، و أصل الشيعة و أصولها، ص 171. و الأقوال في الثاني أكثر ممّا ذكرنا.
2- التفسير الكبير للرازي، ج 10، ص 53. الإرشاد، ج 4، ص 169 فتح الباري، ج 4، ص 339، و جاء في بعض نسخ البخاري، كما نص عليه العسقلاني.
3- صحيح مسلم، ج 1، ص 395.

و قد تضافر عن عليّ أنّه سئل عن آية المتعة، أ منسوخة؟ قال: لا. و قال:

لو لا نهي عن المتعة ما زنى إلاّ شقي(1).

أضف إلى ذلك ما تضافر من الروايات الدالّة على أنّ عمر هو الذي نهى عن المتعة بعد تسنمه الخلافة، و قد أسند النهي إلى نفسه بقوله: إنّ رسول اللّه هذا الرسول، و إنّ القرآن، هذا القرآن، و إنّهما متعتان على عهد رسول اللّه و أنا أنهى عنهما، و أعاقب عليهما، إحداهما متعة النساء، و لا أقدر على رجل تزوج امرأة إلى أجل إلاّ غيبته بالحجارة، و الأخرى متعة الحج(2).

و أقصى ما يمكن أن يقال إنّ الخليفة رأى مصلحة في زمانه و أيامه، اقتضت أن يمنع من المتعة منعا سياسيا لا دينيا و لذا قال: «و أنا أحرّمهما و أعاقب عليهما»، و لم يقل: «إنّ رسول اللّه حرّمهما أو نسخهما»، بل نسب التحريم إلى نفسه، و جعل العقاب عليها منه لا من اللّه. و من المعلوم أنّ المنع السياسي يكون منعا مؤقّتا تابعا لمصلحة الزمان، فإذا انقلبت المصلحة إلى غيرها، يرتفع النهي.

فالحق أنّ المتعة سنّة إسلامية أمر بها الرسول الأكرم صلى اللّه عليه و آله و سلّم بوحي من اللّه سبحانه ليسدّ بذلك طريق الزنا و أنّ الحكمة الإلهية في إكمال الشريعة تقتضي تسويغ هذا النوع من الزواج، فالمسافرون مثلا و لا سيما من تطول أسفارهم في طلب علم أو تجارة أو جهاد، أو مرابطة في ثغر، و هم في ميعة الشباب و ريعان العمر، و تأجج سعير الشهوة، لا يخلو حالهم من أمرين: امّا الصبر و مجاهدة النفس الموجب للمشقة، التي تنجر إلى الوقوع في أمراض مزمنة، و علل مهلكة، و فيه إلقاء في العسر و الحرج و عظيم المشقة، ممّا تأباه شريعة الإسلام السمحة السهلة، يُرِيدُ اَللّٰهُ بِكُمُ اَلْيُسْرَ، وَ لاٰ يُرِيدُ بِكُمُ اَلْعُسْرَ (3)، مٰا يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ (4).

و إمّا الوقوع في الزنا و العهر و التوغل في المفاسد.

ص: 463


1- تفسير الطبري، ج 5، ص 9.
2- سنن البيهقي، ج 7، ص 206.
3- سورة البقرة: الآية 185.
4- سورة المائدة: الآية 6.

فما هو تكليف الشاب المغترب الذي لا يقدر على الزواج الدائم، و أيّهما يختار، يا قادة المسلمين و يا رجال الإصلاح؟.

غير أنّ الشيعة الإمامية، اقتفاء لأثر رسول اللّه، و أئمتهم الأطهار، ينادون بملء أفواههم بأنّ هناك طريقا ثالثا، جامعا بين اليسر و الشرف، و هو الزواج المؤقّت، على شروط و أحكام. و لعمري إنّ المتعة كانت رحمة رحم اللّه بها أمة محمد صلى اللّه عليه و آله، كما قال حبر الأمّة ابن عباس(1).

هذا، و فيما كتبه الأعلام حول المتعة غنى و كفاية، و ما ذكرناه قبس من أنوار علومهم، و ضياء من مشاعلهم، رحم اللّه الماضين من علمائنا و حفظ اللّه الباقين منهم، و جمع بهم كلمة المسلمين، و أوردهم المنهل الصافي المعين، أعني توحيد الكلمة، كما هم عليه من كلمة التوحيد، و قد بني الإسلام على كلمتين:

كلمة التوحيد، و توحيد الكلمة

بلغ القلم هذه السطور صبيحة يوم الاثنين السادس عشر من شهر شوال المكرم من شهور عام 1409 للهجرة النبوية المباركة، بيد العبد الفقير بذاته إلى اللّه سبحانه، أبي جعفر حسن بن محمد مكي العاملي، غفر اللّه لي و لوالديّ، و جعل ما كتبته و أقدّمه إلى المجتمع الإنساني، و محافل الفكر و المعرفة، و مدارس الحق و الهداية، مذخورا في خزائنه بأفضل ما يثيب تعالى عباده عليه، و يؤجرهم به، إنّه خير مؤمّل و مدعوّ و مجيب.

وَ آخِرُ دَعْوٰاهُمْ أَنِ اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ اَلْعٰالَمِينَ

ص: 464


1- احكام القرآن، ج 2، ص 179. بداية المجتهد، ج 2، ص 58 الدر المنثور، ج 2، ص 141.

ملحق

ملحق(1)

تعليق للمؤلف

من المفيد الإشارة إلى شبهة يطرحها بعض المتشدقين بالتجدد و العصرنة، يقولون: إنّ بنيان الحكم في الإسلام مبني على أسس الديمقراطية، و حرية الرأي و التعبير، و من هذا المنطق، كان الطريق الذي شرعه الإسلام لانتخاب الإمام و القائد، هو الشورى و الاختيار الحر.

و هو غير صحيح من جهات عدّة:

الأولى: إنّهم أرادوا بدعوى الديموقراطية، تصحيح خلافة الأوائل، التي يعرف القاصي و الداني أية ديموقراطية كانت سائدة فيها، فأين الضرب بالأيدي و العصي، و التهديد و الوعيد، و حرق الدور، و غصب الأموال، و... و بالجملة قمع المخالفين بالقهر و العنف و الإذلال؟. و مع ذلك كلّه، كم إنسان شارك في عملية الانتخاب؟ و ما نسبتهم إلى المجتمع الإسلامي؟ أم ما هي سمتهم التمثيلية لأبنائه؟.

الثانية: كيف يسوغ التفوه بمقولة الديموقراطية في مجتمع عشائري قبلي، الرءوس فيه عديدة، و الآراء فيه فريدة، و إنّ هو إلاّ رأي صاحب العشيرة، ما بعده من رأي، هذا. و الديموقراطية تفترض الحرية في الرأي، و الانفتاح في التعبير، فلكلّ فرد من أبناء المجتمع رأيه المستقل، و نظره الخاص، يدلي بصوته

ص: 465


1- راجع إلى ص 61.

لمن شاء و أحب. و فرض مثل هذا في مجتمع قبلي و عشائري، هرطقة فاضحة.

الثالثة: يقول علماء الاجتماع إنّ الديموقراطية إنّما تفترض في المجتمع المترقي فكريا و ثقافيا، و ذلك لأنّ العمليات الانتخابية التي يفترض إجراؤها تحت مظلّة الديموقراطية، تستلزم وعيا و نظرا و إدراكا للمصالح و المفاسد، و تقويما للطرق السليمة التي تفيد المجتمع في ارتقائه و تكامله، و تجربة في الحياة السياسية. و هذا كله يستدعي أرضية ثقافية و فكرية نشيطة، لدى أبناء الشعب، و في غير تلك الصورة، يكون فرض الديموقراطية، لا ديموقراطية.

فإذا قست هذا الأصل الذي ذكرناه، إلى وضع أفراد المجتمع الإسلامي حال وفاة الرسول الأعظم صلوات اللّه عليه و آله، تدرك ما قيمة فرض مبدأ «الديموقراطية» في الانتخاب، آنذاك.

ص: 466

الفهارس العامة

اشارة

* فهرس الآيات * فهرس الأحاديث * فهرس الأشعار * فهرس مصادر الكتاب * فهرس الأعلام و الكنى و الألقاب * فهرس الفرق و الديانات و المذاهب * فهرس الشعوب و القبائل و الأمم * فهرس الأماكن و الوقائع * فهرس المحتويات

ص: 467

ص: 468

فهرس الآيات

رقم الآية/الصفحة سورة البقرة وَ مِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّٰا بِاللّٰهِ وَ بِالْيَوْمِ اَلْآخِرِ وَ مٰا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ 316/8 كَمَثَلِ اَلَّذِي اِسْتَوْقَدَ نٰاراً 213/7 كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّٰهِ وَ كُنْتُمْ أَمْوٰاتاً فَأَحْيٰاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ 234,213/28 وَ اِتَّقُوا يَوْماً لاٰ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَ لاٰ يُقْبَلُ مِنْهٰا شَفٰاعَةٌ وَ لاٰ يُؤْخَذُ مِنْهٰا عَدْلٌ وَ لاٰ هُمْ يُنْصَرُونَ 349,338/48 وَ إِذْ قُلْتُمْ يٰا مُوسىٰ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّٰى نَرَى اَللّٰهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ اَلصّٰاعِقَةُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ 216/55 ثُمَّ بَعَثْنٰاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 317/56 فَجَعَلْنٰاهٰا نَكٰالاً لِمٰا بَيْنَ يَدَيْهٰا وَ مٰا خَلْفَهٰا وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ 310/66 وَ إِذْ قٰالَ مُوسىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اَللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قٰالُوا أَ تَتَّخِذُنٰا هُزُواً قٰالَ أَعُوذُ بِاللّٰهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ اَلْجٰاهِلِينَ 214/67 وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادّٰارَأْتُمْ فِيهٰا وَ اَللّٰهُ مُخْرِجٌ مٰا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ 214/72 فَقُلْنٰا اِضْرِبُوهُ بِبَعْضِهٰا كَذٰلِكَ يُحْيِ اَللّٰهُ اَلْمَوْتىٰ وَ يُرِيكُمْ آيٰاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ 214/73 بَلىٰ مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحٰاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولٰئِكَ أَصْحٰابُ اَلنّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ 412/81

ص: 469

فَلَمّٰا جٰاءَهُمْ مٰا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ 314/89 قُلْ إِنْ كٰانَتْ لَكُمُ اَلدّٰارُ اَلْآخِرَةُ عِنْدَ اَللّٰهِ خٰالِصَةً مِنْ دُونِ اَلنّٰاسِ فَتَمَنَّوُا اَلْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ 224/94 وَ لَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمٰا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَ اَللّٰهُ عَلِيمٌ بِالظّٰالِمِينَ 224/95 وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ اَلْكِتٰابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمٰانِكُمْ كُفّٰاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مٰا تَبَيَّنَ لَهُمُ اَلْحَقُّ فَاعْفُوا وَ اِصْفَحُوا حَتّٰى يَأْتِيَ اَللّٰهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اَللّٰهَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ 44/109 وَ إِذِ اِبْتَلىٰ إِبْرٰاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمٰاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قٰالَ إِنِّي جٰاعِلُكَ لِلنّٰاسِ إِمٰاماً قٰالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قٰالَ لاٰ يَنٰالُ عَهْدِي اَلظّٰالِمِينَ 17,71/124 مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللّٰهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ 163/126 وَ كَذٰلِكَ جَعَلْنٰاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدٰاءَ عَلَى اَلنّٰاسِ وَ يَكُونَ اَلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً... وَ مٰا كٰانَ اَللّٰهُ لِيُضِيعَ إِيمٰانَكُمْ 320,258,257/143 اَلَّذِينَ آتَيْنٰاهُمُ اَلْكِتٰابَ يَعْرِفُونَهُ كَمٰا يَعْرِفُونَ أَبْنٰاءَهُمْ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ اَلْحَقَّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ 314/146 أَيْنَ مٰا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اَللّٰهُ جَمِيعاً إِنَّ اَللّٰهَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ 188/148 وَ لاٰ تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ أَمْوٰاتٌ بَلْ أَحْيٰاءٌ وَ لٰكِنْ لاٰ تَشْعُرُونَ 228,200/154 إِلاَّ اَلَّذِينَ تٰابُوا وَ أَصْلَحُوا وَ بَيَّنُوا فَأُولٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَ أَنَا اَلتَّوّٰابُ اَلرَّحِيمُ 331/160 وَ لَكُمْ فِي اَلْقِصٰاصِ حَيٰاةٌ 216/179 كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذٰا حَضَرَ أَحَدَكُمُ اَلْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً اَلْوَصِيَّةُ 230/180 يُرِيدُ اَللّٰهُ بِكُمُ اَلْيُسْرَ وَ لاٰ يُرِيدُ بِكُمُ اَلْعُسْرَ 463/185 وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كٰافِرٌ فَأُولٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمٰالُهُمْ فِي اَلدُّنْيٰا وَ اَلْآخِرَةِ وَ أُولٰئِكَ أَصْحٰابُ اَلنّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ 372,368/217 وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ اَلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا اَلنِّسٰاءَ فِي اَلْمَحِيضِ وَ لاٰ تَقْرَبُوهُنَّ حَتّٰى يَطْهُرْنَ 289/222 وَ لٰكِنْ يُؤٰاخِذُكُمْ بِمٰا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ 257/225 أَ لَمْ تَرَ إِلَى اَلَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيٰارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ اَلْمَوْتِ فَقٰالَ لَهُمُ اَللّٰهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيٰاهُمْ إِنَّ اَللّٰهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى اَلنّٰاسِ وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَ اَلنّٰاسِ لاٰ يَشْكُرُونَ 212/243 وَ قٰالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اَللّٰهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طٰالُوتَ مَلِكاً قٰالُوا أَنّٰى يَكُونُ لَهُ اَلْمُلْكُ عَلَيْنٰا وَ نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَ لَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ اَلْمٰالِ قٰالَ إِنَّ اَللّٰهَ اِصْطَفٰاهُ عَلَيْكُمْ وَ زٰادَهُ بَسْطَةً فِي اَلْعِلْمِ وَ اَلْجِسْمِ وَ اَللّٰهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشٰاءُ وَ اَللّٰهُ وٰاسِعٌ عَلِيمٌ 121/247 وَ آتٰاهُ اَللّٰهُ اَلْمُلْكَ وَ اَلْحِكْمَةَ وَ عَلَّمَهُ مِمّٰا يَشٰاءُ 120/251 يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمّٰا رَزَقْنٰاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاٰ بَيْعٌ فِيهِ وَ لاٰ خُلَّةٌ وَ لاٰ شَفٰاعَةٌ وَ اَلْكٰافِرُونَ هُمُ اَلظّٰالِمُونَ 338/254 مَنْ ذَا اَلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّٰ بِإِذْنِهِ 352,339/255 أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلىٰ قَرْيَةٍ وَ هِيَ خٰاوِيَةٌ عَلىٰ عُرُوشِهٰا قٰالَ أَنّٰى يُحْيِي هٰذِهِ اَللّٰهُ بَعْدَ مَوْتِهٰا فَأَمٰاتَهُ اَللّٰهُ مِائَةَ عٰامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قٰالَ كَمْ لَبِثْتَ قٰالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قٰالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عٰامٍ... 211/259 وَ إِذْ قٰالَ إِبْرٰاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ اَلْمَوْتىٰ قٰالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قٰالَ بَلىٰ وَ لٰكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قٰالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ اَلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اِجْعَلْ عَلىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ اُدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَ اِعْلَمْ أَنَّ اَللّٰهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ 207/260 سورة آل عمران رَبَّنٰا إِنَّكَ جٰامِعُ اَلنّٰاسِ لِيَوْمٍ لاٰ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اَللّٰهَ لاٰ يُخْلِفُ اَلْمِيعٰادَ 174/9 إِنَّ اَلَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيٰاتِ اَللّٰهِ وَ يَقْتُلُونَ اَلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَ يَقْتُلُونَ اَلَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ اَلنّٰاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذٰابٍ أَلِيمٍ 374/21

ص: 470

رقم الآية/الصفحة سورة البقرة وَ مِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّٰا بِاللّٰهِ وَ بِالْيَوْمِ اَلْآخِرِ وَ مٰا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ 316/8 كَمَثَلِ اَلَّذِي اِسْتَوْقَدَ نٰاراً 213/7 كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّٰهِ وَ كُنْتُمْ أَمْوٰاتاً فَأَحْيٰاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ 234,213/28 وَ اِتَّقُوا يَوْماً لاٰ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَ لاٰ يُقْبَلُ مِنْهٰا شَفٰاعَةٌ وَ لاٰ يُؤْخَذُ مِنْهٰا عَدْلٌ وَ لاٰ هُمْ يُنْصَرُونَ 349,338/48 وَ إِذْ قُلْتُمْ يٰا مُوسىٰ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّٰى نَرَى اَللّٰهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ اَلصّٰاعِقَةُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ 216/55 ثُمَّ بَعَثْنٰاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 317/56 فَجَعَلْنٰاهٰا نَكٰالاً لِمٰا بَيْنَ يَدَيْهٰا وَ مٰا خَلْفَهٰا وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ 310/66 وَ إِذْ قٰالَ مُوسىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اَللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قٰالُوا أَ تَتَّخِذُنٰا هُزُواً قٰالَ أَعُوذُ بِاللّٰهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ اَلْجٰاهِلِينَ 214/67 وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادّٰارَأْتُمْ فِيهٰا وَ اَللّٰهُ مُخْرِجٌ مٰا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ 214/72 فَقُلْنٰا اِضْرِبُوهُ بِبَعْضِهٰا كَذٰلِكَ يُحْيِ اَللّٰهُ اَلْمَوْتىٰ وَ يُرِيكُمْ آيٰاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ 214/73 بَلىٰ مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحٰاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولٰئِكَ أَصْحٰابُ اَلنّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ 412/81

ص: 471

أُولٰئِكَ اَلَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمٰالُهُمْ فِي اَلدُّنْيٰا وَ اَلْآخِرَةِ وَ مٰا لَهُمْ مِنْ نٰاصِرِينَ 374/22 لاٰ يَتَّخِذِ اَلْمُؤْمِنُونَ اَلْكٰافِرِينَ أَوْلِيٰاءَ مِنْ دُونِ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اَللّٰهِ فِي شَيْ ءٍ إِلاّٰ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقٰاةً وَ يُحَذِّرُكُمُ اَللّٰهُ نَفْسَهُ وَ إِلَى اَللّٰهِ اَلْمَصِيرُ 429/28 أُعِدَّتْ لِلْكٰافِرِينَ 421/131 إِنَّ اَللّٰهَ اِصْطَفٰاكِ وَ طَهَّرَكِ وَ اِصْطَفٰاكِ عَلىٰ نِسٰاءِ اَلْعٰالَمِينَ 129/42 وَ مٰا كٰانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّٰ بِإِذْنِ اَللّٰهِ 354/45 أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ اَلطِّينِ كَهَيْئَةِ اَلطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اَللّٰهِ وَ أُبْرِئُ اَلْأَكْمَهَ وَ اَلْأَبْرَصَ وَ أُحْيِ اَلْمَوْتىٰ بِإِذْنِ اَللّٰهِ 218/49 مَنْ أَنْصٰارِي إِلَى اَللّٰهِ... نَحْنُ أَنْصٰارُ اَللّٰهِ 90/52 آمَنّٰا بِمٰا أَنْزَلْتَ 313/53 إِذْ قٰالَ اَللّٰهُ يٰا عِيسىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَ رٰافِعُكَ إِلَيَّ وَ مُطَهِّرُكَ مِنَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا وَ جٰاعِلُ اَلَّذِينَ اِتَّبَعُوكَ فَوْقَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا إِلىٰ يَوْمِ اَلْقِيٰامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمٰا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ 165/55 فَأَمَّا اَلَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذٰاباً شَدِيداً فِي اَلدُّنْيٰا وَ اَلْآخِرَةِ وَ مٰا لَهُمْ مِنْ نٰاصِرِينَ 165/56 وَ أَمَّا اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَ اَللّٰهُ لاٰ يُحِبُّ اَلظّٰالِمِينَ 165/57 إِنَّ مَثَلَ عِيسىٰ عِنْدَ اَللّٰهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرٰابٍ ثُمَّ قٰالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 28/59 فَقُلْ تَعٰالَوْا نَدْعُ أَبْنٰاءَنٰا وَ أَبْنٰاءَكُمْ 106,80/64 وَ لِلّٰهِ عَلَى اَلنّٰاسِ حِجُّ اَلْبَيْتِ مَنِ اِسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اَللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ اَلْعٰالَمِينَ 321/97 ... لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيٰاتِ اَللّٰهِ وَ اَللّٰهُ شَهِيدٌ عَلىٰ مٰا تَعْمَلُونَ 255/98

ص: 472

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّٰاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ اَلْمُنْكَرِ 381/110 سٰابِقُوا إِلىٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ عَرْضُهٰا كَعَرْضِ اَلسَّمٰاءِ وَ اَلْأَرْضِ 421/133 وَ مٰا مُحَمَّدٌ إِلاّٰ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ اَلرُّسُلُ أَ فَإِنْ مٰاتَ أَوْ قُتِلَ اِنْقَلَبْتُمْ عَلىٰ أَعْقٰابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلىٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اَللّٰهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اَللّٰهُ اَلشّٰاكِرِينَ 53/144 وَ طٰائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّٰهِ غَيْرَ اَلْحَقِّ ظَنَّ اَلْجٰاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنٰا مِنَ اَلْأَمْرِ مِنْ شَيْ ءٍ 53/154 وَ شٰاوِرْهُمْ فِي اَلْأَمْرِ فَإِذٰا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اَللّٰهِ 57/159 وَ لاٰ تَحْسَبَنَّ اَلَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ أَمْوٰاتاً بَلْ أَحْيٰاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ 200/169 فَرِحِينَ بِمٰا آتٰاهُمُ اَللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاّٰ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لاٰ هُمْ يَحْزَنُونَ 200/170 يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اَللّٰهِ وَ فَضْلٍ وَ أَنَّ اَللّٰهَ لاٰ يُضِيعُ أَجْرَ اَلْمُؤْمِنِينَ 200/171 كُلُّ نَفْسٍ ذٰائِقَةُ اَلْمَوْتِ 223/185 وَ مٰا عِنْدَ اَللّٰهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرٰارِ 424/198 سورة النساء فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ اَلنِّسٰاءِ مَثْنىٰ وَ ثُلاٰثَ وَ رُبٰاعَ 457/3 وَ آتُوا اَلنِّسٰاءَ صَدُقٰاتِهِنَّ نِحْلَةً 457/4 يُوصِيكُمُ اَللّٰهُ فِي أَوْلاٰدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ اَلْأُنْثَيَيْنِ 410/11 وَ لَكُمْ نِصْفُ مٰا تَرَكَ أَزْوٰاجُكُمْ... وَ إِنْ كٰانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاٰلَةً أَوِ اِمْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وٰاحِدٍ مِنْهُمَا اَلسُّدُسُ 410/12 تِلْكَ حُدُودُ اَللّٰهِ وَ مَنْ يُطِعِ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ 410/13

ص: 473

وَ مَنْ يَعْصِ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نٰاراً خٰالِداً فِيهٰا وَ لَهُ عَذٰابٌ مُهِينٌ 410,409/14 وَ لَيْسَتِ اَلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ اَلسَّيِّئٰاتِ حَتّٰى إِذٰا حَضَرَ أَحَدَهُمُ اَلْمَوْتُ قٰالَ إِنِّي تُبْتُ اَلْآنَ وَ لاَ اَلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَ هُمْ كُفّٰارٌ 327,230/18 أُولٰئِكَ أَعْتَدْنٰا لَهُمْ عَذٰاباً أَلِيماً وَ إِنْ أَرَدْتُمُ اِسْتِبْدٰالَ زَوْجٍ مَكٰانَ زَوْجٍ وَ آتَيْتُمْ إِحْدٰاهُنَّ قِنْطٰاراً فَلاٰ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً 457/20 وَ حَلاٰئِلُ أَبْنٰائِكُمُ اَلَّذِينَ مِنْ أَصْلاٰبِكُمْ وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ اَلْأُخْتَيْنِ إِلاّٰ مٰا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اَللّٰهَ كٰانَ غَفُوراً رَحِيماً 455/23 وَ اَلْمُحْصَنٰاتُ مِنَ اَلنِّسٰاءِ إِلاّٰ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ كِتٰابَ اَللّٰهِ عَلَيْكُمْ وَ أُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوٰالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسٰافِحِينَ فَمَا اِسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَ لاٰ جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ فِيمٰا تَرٰاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ اَلْفَرِيضَةِ إِنَّ اَللّٰهَ كٰانَ عَلِيماً حَكِيماً 376/24 إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبٰائِرَ مٰا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً 376/31 فَكَيْفَ إِذٰا جِئْنٰا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنٰا بِكَ عَلىٰ هٰؤُلاٰءِ شَهِيداً 361,256/41 إِنَّ اَللّٰهَ لاٰ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ مٰا دُونَ ذٰلِكَ لِمَنْ يَشٰاءُ وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّٰهِ فَقَدِ اِفْتَرىٰ إِثْماً عَظِيماً 414,351/48 أَمْ يَحْسُدُونَ اَلنّٰاسَ عَلىٰ مٰا آتٰاهُمُ اَللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنٰا آلَ إِبْرٰاهِيمَ اَلْكِتٰابَ وَ اَلْحِكْمَةَ وَ آتَيْنٰاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً 119/54 كُلَّمٰا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنٰاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهٰا لِيَذُوقُوا اَلْعَذٰابَ إِنَّ اَللّٰهَ كٰانَ عَزِيزاً حَكِيماً 405,281/56 يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اَللّٰهَ وَ أَطِيعُوا اَلرَّسُولَ وَ أُولِي اَلْأَمْرِ مِنْكُمْ 19/59

ص: 474

وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جٰاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اَللّٰهَ وَ اِسْتَغْفَرَ لَهُمُ اَلرَّسُولُ... 357,344/64 فَلاٰ وَ رَبِّكَ لاٰ يُؤْمِنُونَ حَتّٰى يُحَكِّمُوكَ فِيمٰا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاٰ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّٰا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً 320/65 أَيْنَمٰا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ اَلْمَوْتُ وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ 223/78 سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَ يَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّمٰا... 411/91 وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزٰاؤُهُ جَهَنَّمُ خٰالِداً فِيهٰا وَ غَضِبَ اَللّٰهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذٰاباً عَظِيماً 411/93 وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهٰاجِراً إِلَى اَللّٰهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ اَلْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اَللّٰهِ 228/100 إِنِ اِمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَهٰا نِصْفُ مٰا تَرَكَ وَ هُوَ يَرِثُهٰا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهٰا وَلَدٌ فَإِنْ كٰانَتَا اِثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا اَلثُّلُثٰانِ مِمّٰا تَرَكَ 30/176 سورة المائدة فَلاٰ تَخْشَوْهُمْ وَ اِخْشَوْنِ اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي 97,84,45/3 وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمٰانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَ هُوَ فِي اَلْآخِرَةِ مِنَ اَلْخٰاسِرِينَ 368/5 .. مٰا يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 463,29/6 وَ جَعَلَكُمْ مُلُوكاً 257/20 وَ مَنْ أَحْيٰاهٰا فَكَأَنَّمٰا أَحْيَا اَلنّٰاسَ جَمِيعاً 216/32 إِنَّمٰا جَزٰاءُ اَلَّذِينَ يُحٰارِبُونَ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي اَلْأَرْضِ فَسٰاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاٰفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ اَلْأَرْضِ ذٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي اَلدُّنْيٰا وَ لَهُمْ فِي اَلْآخِرَةِ عَذٰابٌ عَظِيمٌ 329/33 إِلاَّ اَلَّذِينَ تٰابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اَللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ 329/34 اَلسّٰارِقُ وَ اَلسّٰارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمٰا 30/38 وَ مَنْ يُرِدِ اَللّٰهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اَللّٰهِ شَيْئاً أُولٰئِكَ اَلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اَللّٰهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي اَلدُّنْيٰا خِزْيٌ وَ لَهُمْ فِي اَلْآخِرَةِ عَذٰابٌ عَظِيمٌ 128/41 وَ يَقُولُ اَلَّذِينَ آمَنُوا أَ هٰؤُلاٰءِ اَلَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللّٰهِ جَهْدَ أَيْمٰانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمٰالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خٰاسِرِينَ 368/53 قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اَللّٰهِ مَنْ لَعَنَهُ اَللّٰهُ وَ غَضِبَ عَلَيْهِ وَ جَعَلَ مِنْهُمُ اَلْقِرَدَةَ وَ اَلْخَنٰازِيرَ وَ عَبَدَ اَلطّٰاغُوتَ أُولٰئِكَ شَرٌّ مَكٰاناً وَ أَضَلُّ عَنْ سَوٰاءِ اَلسَّبِيلِ 309/60 يٰا أَيُّهَا اَلرَّسُولُ بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ 83/67 يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا شَهٰادَةُ بَيْنِكُمْ إِذٰا حَضَرَ أَحَدَكُمُ اَلْمَوْتُ حِينَ اَلْوَصِيَّةِ اِثْنٰانِ ذَوٰا عَدْلٍ مِنْكُمْ 231/106 إِذْ قٰالَ اَللّٰهُ يٰا عِيسَى اِبْنَ مَرْيَمَ اُذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ... وَ تُبْرِئُ اَلْأَكْمَهَ وَ اَلْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَ إِذْ تُخْرِجُ اَلْمَوْتىٰ بِإِذْنِي 218/110 وَ كُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مٰا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمّٰا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ اَلرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ 54/117 سورة الأنعام هُوَ اَلَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضىٰ أَجَلاً وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ 229/2 قُلْ لِمَنْ مٰا فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ قُلْ لِلّٰهِ كَتَبَ عَلىٰ نَفْسِهِ اَلرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلىٰ يَوْمِ اَلْقِيٰامَةِ لاٰ رَيْبَ فِيهِ اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاٰ يُؤْمِنُونَ 175/12

ص: 475

رقم الآية/الصفحة سورة البقرة وَ مِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّٰا بِاللّٰهِ وَ بِالْيَوْمِ اَلْآخِرِ وَ مٰا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ 316/8 كَمَثَلِ اَلَّذِي اِسْتَوْقَدَ نٰاراً 213/7 كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّٰهِ وَ كُنْتُمْ أَمْوٰاتاً فَأَحْيٰاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ 234,213/28 وَ اِتَّقُوا يَوْماً لاٰ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَ لاٰ يُقْبَلُ مِنْهٰا شَفٰاعَةٌ وَ لاٰ يُؤْخَذُ مِنْهٰا عَدْلٌ وَ لاٰ هُمْ يُنْصَرُونَ 349,338/48 وَ إِذْ قُلْتُمْ يٰا مُوسىٰ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّٰى نَرَى اَللّٰهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ اَلصّٰاعِقَةُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ 216/55 ثُمَّ بَعَثْنٰاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 317/56 فَجَعَلْنٰاهٰا نَكٰالاً لِمٰا بَيْنَ يَدَيْهٰا وَ مٰا خَلْفَهٰا وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ 310/66 وَ إِذْ قٰالَ مُوسىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اَللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قٰالُوا أَ تَتَّخِذُنٰا هُزُواً قٰالَ أَعُوذُ بِاللّٰهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ اَلْجٰاهِلِينَ 214/67 وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادّٰارَأْتُمْ فِيهٰا وَ اَللّٰهُ مُخْرِجٌ مٰا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ 214/72 فَقُلْنٰا اِضْرِبُوهُ بِبَعْضِهٰا كَذٰلِكَ يُحْيِ اَللّٰهُ اَلْمَوْتىٰ وَ يُرِيكُمْ آيٰاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ 214/73 بَلىٰ مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحٰاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولٰئِكَ أَصْحٰابُ اَلنّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ 412/81

ص: 476

حَتّٰى إِذٰا جٰاءَتْهُمُ اَلسّٰاعَةُ بَغْتَةً قٰالُوا يٰا حَسْرَتَنٰا عَلىٰ مٰا فَرَّطْنٰا فِيهٰا 386/31 وَ أَنْذِرْ بِهِ اَلَّذِينَ يَخٰافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلىٰ رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَ لاٰ شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ 343,339/51 كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلىٰ نَفْسِهِ اَلرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهٰالَةٍ ثُمَّ تٰابَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ 329/54 وَ مٰا قَدَرُوا اَللّٰهَ حَقَّ قَدْرِهِ 149/91 وَ لَوْ تَرىٰ إِذِ اَلظّٰالِمُونَ فِي غَمَرٰاتِ اَلْمَوْتِ وَ اَلْمَلاٰئِكَةُ بٰاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ اَلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذٰابَ اَلْهُونِ بِمٰا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اَللّٰهِ غَيْرَ اَلْحَقِّ وَ كُنْتُمْ عَنْ آيٰاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ 201/93 وَ مٰا نَرىٰ مَعَكُمْ شُفَعٰاءَكُمُ اَلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكٰاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَ ضَلَّ عَنْكُمْ مٰا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ 339/94 أَ وَ مَنْ كٰانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنٰاهُ وَ جَعَلْنٰا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي اَلنّٰاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي اَلظُّلُمٰاتِ لَيْسَ بِخٰارِجٍ مِنْهٰا 226/122 اَللّٰهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسٰالَتَهُ 66/124 كَذٰلِكَ يَجْعَلُ اَللّٰهُ اَلرِّجْسَ عَلَى اَلَّذِينَ لاٰ يُؤْمِنُونَ 129/125 إِلاّٰ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ 128/145 وَ أَنَّ هٰذٰا صِرٰاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لاٰ تَتَّبِعُوا اَلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ 268/153 هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّٰ أَنْ تَأْتِيَهُمُ اَلْمَلاٰئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيٰاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيٰاتِ رَبِّكَ لاٰ يَنْفَعُ نَفْساً إِيمٰانُهٰا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمٰانِهٰا خَيْراً 250/158 سورة الأعراف وَ نٰادىٰ أَصْحٰابُ اَلْجَنَّةِ أَصْحٰابَ اَلنّٰارِ 421/4 فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوٰازِينُهُ فَأُولٰئِكَ هُمُ اَلْمُفْلِحُونَ 263/8

ص: 477

وَ مَنْ خَفَّتْ مَوٰازِينُهُ فَأُولٰئِكَ اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمٰا كٰانُوا بِآيٰاتِنٰا يَظْلِمُونَ 263/9 قٰالَ اِهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَ لَكُمْ فِي اَلْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتٰاعٌ إِلىٰ حِينٍ 162/24 قٰالَ فِيهٰا تَحْيَوْنَ وَ فِيهٰا تَمُوتُونَ وَ مِنْهٰا تُخْرَجُونَ 280/25 لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذٰا جٰاءَ أَجَلُهُمْ لاٰ يَسْتَأْخِرُونَ سٰاعَةً وَ لاٰ يَسْتَقْدِمُونَ 227/34 يٰا بَنِي آدَمَ إِمّٰا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيٰاتِي فَمَنِ اِتَّقىٰ وَ أَصْلَحَ فَلاٰ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لاٰ هُمْ يَحْزَنُونَ 162/35 وَ اَلَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيٰاتِنٰا وَ اِسْتَكْبَرُوا عَنْهٰا أُولٰئِكَ أَصْحٰابُ اَلنّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ 162/36 وَ بَيْنَهُمٰا حِجٰابٌ وَ عَلَى اَلْأَعْرٰافِ رِجٰالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمٰاهُمْ وَ نٰادَوْا أَصْحٰابَ اَلْجَنَّةِ أَنْ سَلاٰمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهٰا وَ هُمْ يَطْمَعُونَ 272/46 وَ إِذٰا صُرِفَتْ أَبْصٰارُهُمْ تِلْقٰاءَ أَصْحٰابِ اَلنّٰارِ قٰالُوا رَبَّنٰا لاٰ تَجْعَلْنٰا مَعَ اَلْقَوْمِ اَلظّٰالِمِينَ 272/47 وَ نٰادىٰ أَصْحٰابُ اَلْأَعْرٰافِ رِجٰالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمٰاهُمْ قٰالُوا مٰا أَغْنىٰ عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَ مٰا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ 272/48 أَلاٰ لَهُ اَلْخَلْقُ وَ اَلْأَمْرُ تَبٰارَكَ اَللّٰهُ رَبُّ اَلْعٰالَمِينَ 232/54 وَ هُوَ اَلَّذِي يُرْسِلُ اَلرِّيٰاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتّٰى إِذٰا أَقَلَّتْ سَحٰاباً ثِقٰالاً سُقْنٰاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنٰا بِهِ اَلْمٰاءَ فَأَخْرَجْنٰا بِهِ مِنْ كُلِّ اَلثَّمَرٰاتِ كَذٰلِكَ نُخْرِجُ اَلْمَوْتىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ 190/57 فَعَقَرُوا اَلنّٰاقَةَ وَ عَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَ قٰالُوا يٰا صٰالِحُ اِئْتِنٰا بِمٰا تَعِدُنٰا إِنْ كُنْتَ مِنَ اَلْمُرْسَلِينَ 204/77 فَأَخَذَتْهُمُ اَلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دٰارِهِمْ جٰاثِمِينَ 204/78 فَتَوَلّٰى عَنْهُمْ وَ قٰالَ يٰا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسٰالَةَ رَبِّي وَ نَصَحْتُ لَكُمْ وَ لٰكِنْ لاٰ تُحِبُّونَ اَلنّٰاصِحِينَ 204/79 اَلَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا اَلَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كٰانُوا هُمُ اَلْخٰاسِرِينَ 204/92 فَتَوَلّٰى عَنْهُمْ وَ قٰالَ يٰا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسٰالاٰتِ رَبِّي وَ نَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسىٰ عَلىٰ قَوْمٍ كٰافِرِينَ 204/93 وَ وٰاعَدْنٰا مُوسىٰ ثَلاٰثِينَ لَيْلَةً وَ أَتْمَمْنٰاهٰا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقٰاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَ قٰالَ مُوسىٰ لِأَخِيهِ هٰارُونَ اُخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَ أَصْلِحْ وَ لاٰ تَتَّبِعْ سَبِيلَ اَلْمُفْسِدِينَ 143/142 سَأَصْرِفُ عَنْ آيٰاتِيَ اَلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي اَلْأَرْضِ بِغَيْرِ اَلْحَقِّ ... ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيٰاتِنٰا وَ كٰانُوا عَنْهٰا غٰافِلِينَ 164/146 وَ اَلَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيٰاتِنٰا وَ لِقٰاءِ اَلْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمٰالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاّٰ مٰا كٰانُوا يَعْمَلُونَ 375,164/147 وَ اِخْتٰارَ مُوسىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقٰاتِنٰا فَلَمّٰا أَخَذَتْهُمُ اَلرَّجْفَةُ قٰالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَ إِيّٰايَ أَ تُهْلِكُنٰا بِمٰا فَعَلَ اَلسُّفَهٰاءُ مِنّٰا إِنْ هِيَ إِلاّٰ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهٰا مَنْ تَشٰاءُ وَ تَهْدِي مَنْ تَشٰاءُ 217/155 فَلَمّٰا عَتَوْا عَنْ مٰا نُهُوا عَنْهُ قُلْنٰا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خٰاسِئِينَ 309/166 سورة الأنفال وَ يُرِيدُ اَللّٰهُ أَنْ يُحِقَّ اَلْحَقَّ بِكَلِمٰاتِهِ وَ يَقْطَعَ دٰابِرَ اَلْكٰافِرِينَ 130/7 يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اَللّٰهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقٰاناً وَ يُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ وَ اَللّٰهُ ذُو اَلْفَضْلِ اَلْعَظِيمِ 376/29 وَ مٰا كٰانَ اَللّٰهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ مٰا كٰانَ اَللّٰهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ 245/33

ص: 478

رقم الآية/الصفحة سورة البقرة وَ مِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّٰا بِاللّٰهِ وَ بِالْيَوْمِ اَلْآخِرِ وَ مٰا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ 316/8 كَمَثَلِ اَلَّذِي اِسْتَوْقَدَ نٰاراً 213/7 كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّٰهِ وَ كُنْتُمْ أَمْوٰاتاً فَأَحْيٰاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ 234,213/28 وَ اِتَّقُوا يَوْماً لاٰ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَ لاٰ يُقْبَلُ مِنْهٰا شَفٰاعَةٌ وَ لاٰ يُؤْخَذُ مِنْهٰا عَدْلٌ وَ لاٰ هُمْ يُنْصَرُونَ 349,338/48 وَ إِذْ قُلْتُمْ يٰا مُوسىٰ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّٰى نَرَى اَللّٰهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ اَلصّٰاعِقَةُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ 216/55 ثُمَّ بَعَثْنٰاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 317/56 فَجَعَلْنٰاهٰا نَكٰالاً لِمٰا بَيْنَ يَدَيْهٰا وَ مٰا خَلْفَهٰا وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ 310/66 وَ إِذْ قٰالَ مُوسىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اَللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قٰالُوا أَ تَتَّخِذُنٰا هُزُواً قٰالَ أَعُوذُ بِاللّٰهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ اَلْجٰاهِلِينَ 214/67 وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادّٰارَأْتُمْ فِيهٰا وَ اَللّٰهُ مُخْرِجٌ مٰا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ 214/72 فَقُلْنٰا اِضْرِبُوهُ بِبَعْضِهٰا كَذٰلِكَ يُحْيِ اَللّٰهُ اَلْمَوْتىٰ وَ يُرِيكُمْ آيٰاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ 214/73 بَلىٰ مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحٰاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولٰئِكَ أَصْحٰابُ اَلنّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ 412/81

ص: 479

سورة التوبة مٰا كٰانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسٰاجِدَ اَللّٰهِ شٰاهِدِينَ عَلىٰ أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمٰالُهُمْ وَ فِي اَلنّٰارِ هُمْ خٰالِدُونَ 373/17 إِنَّمٰا يَعْمُرُ مَسٰاجِدَ اَللّٰهِ مَنْ آمَنَ بِاللّٰهِ وَ اَلْيَوْمِ اَلْآخِرِ 373/18 وَ اَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ اَلذَّهَبَ وَ اَلْفِضَّةَ وَ لاٰ يُنْفِقُونَهٰا فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذٰابٍ أَلِيمٍ 262/34 يَوْمَ يُحْمىٰ عَلَيْهٰا فِي نٰارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوىٰ بِهٰا جِبٰاهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ هٰذٰا مٰا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مٰا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ 262/35 لَقَدِ اِبْتَغَوُا اَلْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَ قَلَّبُوا لَكَ اَلْأُمُورَ حَتّٰى جٰاءَ اَلْحَقُّ وَ ظَهَرَ أَمْرُ اَللّٰهِ وَ هُمْ كٰارِهُونَ 48/48 وَعَدَ اَللّٰهُ اَلْمُنٰافِقِينَ وَ اَلْمُنٰافِقٰاتِ وَ اَلْكُفّٰارَ نٰارَ جَهَنَّمَ خٰالِدِينَ فِيهٰا هِيَ حَسْبُهُمْ 283/68 وَعَدَ اَللّٰهُ اَلْمُؤْمِنِينَ وَ اَلْمُؤْمِنٰاتِ جَنّٰاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اَلْأَنْهٰارُ خٰالِدِينَ فِيهٰا وَ مَسٰاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنّٰاتِ عَدْنٍ وَ رِضْوٰانٌ مِنَ اَللّٰهِ أَكْبَرُ ذٰلِكَ هُوَ اَلْفَوْزُ اَلْعَظِيمُ 283,282/72 اَلْأَعْرٰابُ أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفٰاقاً 429/97 وَ مِنَ اَلْأَعْرٰابِ مَنْ يَتَّخِذُ مٰا يُنْفِقُ مَغْرَماً وَ يَتَرَبَّصُ بِكُمُ اَلدَّوٰائِرَ عَلَيْهِمْ دٰائِرَةُ اَلسَّوْءِ وَ اَللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 433/98 يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اَللّٰهَ وَ كُونُوا مَعَ اَلصّٰادِقِينَ 318/119 سورة يونس إِنَّ رَبَّكُمُ اَللّٰهُ اَلَّذِي خَلَقَ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّٰامٍ ثُمَّ اِسْتَوىٰ عَلَى اَلْعَرْشِ يُدَبِّرُ اَلْأَمْرَ مٰا مِنْ شَفِيعٍ إِلاّٰ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذٰلِكُمُ اَللّٰهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَ فَلاٰ تَذَكَّرُونَ 342/3 إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اَللّٰهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا اَلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ بِالْقِسْطِ وَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرٰابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَ عَذٰابٌ أَلِيمٌ بِمٰا كٰانُوا يَكْفُرُونَ 172/4 وَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اَللّٰهِ مٰا لاٰ يَضُرُّهُمْ وَ لاٰ يَنْفَعُهُمْ وَ يَقُولُونَ هٰؤُلاٰءِ شُفَعٰاؤُنٰا عِنْدَ اَللّٰهِ... 358/18 قُلِ اَللّٰهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنٰا يَكْتُبُونَ مٰا تَمْكُرُونَ 260/21 إِنَّمٰا مَثَلُ اَلْحَيٰاةِ اَلدُّنْيٰا كَمٰاءٍ أَنْزَلْنٰاهُ 213/24 إِنَّ اَللّٰهَ لاٰ يَظْلِمُ اَلنّٰاسَ شَيْئاً 328/44 رَبَّنَا اِطْمِسْ عَلىٰ أَمْوٰالِهِمْ وَ اُشْدُدْ عَلىٰ قُلُوبِهِمْ فَلاٰ يُؤْمِنُوا حَتّٰى يَرَوُا اَلْعَذٰابَ اَلْأَلِيمَ 164/88 آمَنْتُ أَنَّهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاَّ اَلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرٰائِيلَ وَ أَنَا مِنَ اَلْمُسْلِمِينَ 230/90 آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ اَلْمُفْسِدِينَ 230/91 فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً 203/92 فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمّٰا أَنْزَلْنٰا إِلَيْكَ فَسْئَلِ اَلَّذِينَ يَقْرَؤُنَ اَلْكِتٰابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جٰاءَكَ اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلاٰ تَكُونَنَّ مِنَ اَلمُمْتَرِينَ 205/94 وَ مٰا كٰانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاّٰ بِإِذْنِ اَللّٰهِ 354/100 سورة هود وَ أَنِ اِسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتٰاعاً حَسَناً إِلىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى وَ يُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخٰافُ عَلَيْكُمْ عَذٰابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ 332/3 إِلَى اَللّٰهِ مَرْجِعُكُمْ وَ هُوَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ 188/4 وَ مٰا مِنْ دَابَّةٍ فِي اَلْأَرْضِ إِلاّٰ عَلَى اَللّٰهِ رِزْقُهٰا 248/6 وَ لَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ اَلْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هٰذٰا إِلاّٰ سِحْرٌ مُبِينٌ 184/7 مَنْ كٰانَ يُرِيدُ اَلْحَيٰاةَ اَلدُّنْيٰا وَ زِينَتَهٰا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمٰالَهُمْ فِيهٰا وَ هُمْ فِيهٰا لاٰ يُبْخَسُونَ 375/15

ص: 480

رقم الآية/الصفحة سورة البقرة وَ مِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّٰا بِاللّٰهِ وَ بِالْيَوْمِ اَلْآخِرِ وَ مٰا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ 316/8 كَمَثَلِ اَلَّذِي اِسْتَوْقَدَ نٰاراً 213/7 كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّٰهِ وَ كُنْتُمْ أَمْوٰاتاً فَأَحْيٰاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ 234,213/28 وَ اِتَّقُوا يَوْماً لاٰ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَ لاٰ يُقْبَلُ مِنْهٰا شَفٰاعَةٌ وَ لاٰ يُؤْخَذُ مِنْهٰا عَدْلٌ وَ لاٰ هُمْ يُنْصَرُونَ 349,338/48 وَ إِذْ قُلْتُمْ يٰا مُوسىٰ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّٰى نَرَى اَللّٰهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ اَلصّٰاعِقَةُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ 216/55 ثُمَّ بَعَثْنٰاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 317/56 فَجَعَلْنٰاهٰا نَكٰالاً لِمٰا بَيْنَ يَدَيْهٰا وَ مٰا خَلْفَهٰا وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ 310/66 وَ إِذْ قٰالَ مُوسىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اَللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قٰالُوا أَ تَتَّخِذُنٰا هُزُواً قٰالَ أَعُوذُ بِاللّٰهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ اَلْجٰاهِلِينَ 214/67 وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادّٰارَأْتُمْ فِيهٰا وَ اَللّٰهُ مُخْرِجٌ مٰا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ 214/72 فَقُلْنٰا اِضْرِبُوهُ بِبَعْضِهٰا كَذٰلِكَ يُحْيِ اَللّٰهُ اَلْمَوْتىٰ وَ يُرِيكُمْ آيٰاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ 214/73 بَلىٰ مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحٰاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولٰئِكَ أَصْحٰابُ اَلنّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ 412/81

ص: 481

أُولٰئِكَ اَلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي اَلْآخِرَةِ إِلاَّ اَلنّٰارُ وَ حَبِطَ مٰا صَنَعُوا فِيهٰا وَ بٰاطِلٌ مٰا كٰانُوا يَعْمَلُونَ 375/16 وَ مَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ اَلْأَحْزٰابِ فَالنّٰارُ مَوْعِدُهُ 174/17 رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ مٰا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَ إِلاّٰ تَغْفِرْ لِي وَ تَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ اَلْخٰاسِرِينَ 163/47 وَ يٰا قَوْمِ اِسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ اَلسَّمٰاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرٰاراً 332/52 وَ لاٰ تَرْكَنُوا إِلَى اَلَّذِينَ ظَلَمُوا 123/113 وَ مٰا كٰانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ اَلْقُرىٰ بِظُلْمٍ وَ أَهْلُهٰا مُصْلِحُونَ 227/117 سورة يوسف وَ مٰا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنٰا 313/17 رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ اَلْمُلْكِ وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ اَلْأَحٰادِيثِ 119/101 سورة الرعد وَ سَخَّرَ اَلشَّمْسَ وَ اَلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى 403/2 وَ إِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَ إِذٰا كُنّٰا تُرٰاباً أَ إِنّٰا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولٰئِكَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ 183,178/5 وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ اَلْحَسَنَةِ وَ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ اَلْمَثُلاٰتُ وَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنّٰاسِ عَلىٰ ظُلْمِهِمْ وَ إِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ اَلْعِقٰابِ 413/7 وَ يَقُولُ اَلَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفىٰ بِاللّٰهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ اَلْكِتٰابِ 40/43 سورة إبراهيم وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذٰابِي لَشَدِيدٌ 321/7 وَ اِسْتَفْتَحُوا وَ خٰابَ كُلُّ جَبّٰارٍ عَنِيدٍ 113/15 مِنْ وَرٰائِهِ جَهَنَّمُ وَ يُسْقىٰ مِنْ مٰاءٍ صَدِيدٍ 113/16 وَ يَأْتِيهِ اَلْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكٰانٍ وَ مٰا هُوَ بِمَيِّتٍ 221/17 اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ اَلَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى اَلْكِبَرِ إِسْمٰاعِيلَ وَ إِسْحٰاقَ 71/39 رَبَّنَا اِغْفِرْ لِي وَ لِوٰالِدَيَّ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ اَلْحِسٰابُ 163/41 يَوْمَ تُبَدَّلُ اَلْأَرْضُ غَيْرَ اَلْأَرْضِ وَ اَلسَّمٰاوٰاتُ وَ بَرَزُوا لِلّٰهِ اَلْوٰاحِدِ اَلْقَهّٰارِ 402,172/48 وَ تَرَى اَلْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي اَلْأَصْفٰادِ 172/49 سَرٰابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرٰانٍ وَ تَغْشىٰ وُجُوهَهُمُ اَلنّٰارُ 172/50 لِيَجْزِيَ اَللّٰهُ كُلَّ نَفْسٍ مٰا كَسَبَتْ إِنَّ اَللّٰهَ سَرِيعُ اَلْحِسٰابِ 172/51 سورة الحجر مٰا نُنَزِّلُ اَلْمَلاٰئِكَةَ إِلاّٰ بِالْحَقِّ وَ مٰا كٰانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ 251/8 وَ إِنْ مِنْ شَيْ ءٍ إِلاّٰ عِنْدَنٰا خَزٰائِنُهُ 424/21 وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ 174/43 إِنّٰا نُبَشِّرُكَ بِغُلاٰمٍ عَلِيمٍ 119/53 سورة النحل وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ 443/16 أَمْوٰاتٌ غَيْرُ أَحْيٰاءٍ 221/21 اَلَّذِينَ تَتَوَفّٰاهُمُ اَلْمَلاٰئِكَةُ 232/28 اَلَّذِينَ تَتَوَفّٰاهُمُ اَلْمَلاٰئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلاٰمٌ عَلَيْكُمْ اُدْخُلُوا اَلْجَنَّةَ بِمٰا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ 225/32 وَ لَقَدْ بَعَثْنٰا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اَللّٰهَ وَ اِجْتَنِبُوا اَلطّٰاغُوتَ 205/36 وَ أَنْزَلْنٰا إِلَيْكَ اَلذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّٰاسِ مٰا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ 27/44

ص: 482

رقم الآية/الصفحة سورة البقرة وَ مِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّٰا بِاللّٰهِ وَ بِالْيَوْمِ اَلْآخِرِ وَ مٰا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ 316/8 كَمَثَلِ اَلَّذِي اِسْتَوْقَدَ نٰاراً 213/7 كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّٰهِ وَ كُنْتُمْ أَمْوٰاتاً فَأَحْيٰاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ 234,213/28 وَ اِتَّقُوا يَوْماً لاٰ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَ لاٰ يُقْبَلُ مِنْهٰا شَفٰاعَةٌ وَ لاٰ يُؤْخَذُ مِنْهٰا عَدْلٌ وَ لاٰ هُمْ يُنْصَرُونَ 349,338/48 وَ إِذْ قُلْتُمْ يٰا مُوسىٰ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّٰى نَرَى اَللّٰهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ اَلصّٰاعِقَةُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ 216/55 ثُمَّ بَعَثْنٰاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 317/56 فَجَعَلْنٰاهٰا نَكٰالاً لِمٰا بَيْنَ يَدَيْهٰا وَ مٰا خَلْفَهٰا وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ 310/66 وَ إِذْ قٰالَ مُوسىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اَللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قٰالُوا أَ تَتَّخِذُنٰا هُزُواً قٰالَ أَعُوذُ بِاللّٰهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ اَلْجٰاهِلِينَ 214/67 وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادّٰارَأْتُمْ فِيهٰا وَ اَللّٰهُ مُخْرِجٌ مٰا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ 214/72 فَقُلْنٰا اِضْرِبُوهُ بِبَعْضِهٰا كَذٰلِكَ يُحْيِ اَللّٰهُ اَلْمَوْتىٰ وَ يُرِيكُمْ آيٰاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ 214/73 بَلىٰ مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحٰاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولٰئِكَ أَصْحٰابُ اَلنّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ 412/81

ص: 483

وَ لَوْ يُؤٰاخِذُ اَللّٰهُ اَلنّٰاسَ بِظُلْمِهِمْ مٰا تَرَكَ عَلَيْهٰا مِنْ دَابَّةٍ وَ لٰكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى 345/61 وَ مٰا أَمْرُ اَلسّٰاعَةِ إِلاّٰ كَلَمْحِ اَلْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ 185/77 وَ يَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ 256/89 مٰا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَ مٰا عِنْدَ اَللّٰهِ بٰاقٍ 423/96 مَنْ كَفَرَ بِاللّٰهِ مِنْ بَعْدِ إِيمٰانِهِ إِلاّٰ مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ وَ لٰكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اَللّٰهِ وَ لَهُمْ عَذٰابٌ عَظِيمٌ 430,313/106 أُولٰئِكَ اَلَّذِينَ طَبَعَ اَللّٰهُ عَلىٰ قُلُوبِهِمْ وَ سَمْعِهِمْ وَ أَبْصٰارِهِمْ وَ أُولٰئِكَ هُمُ اَلْغٰافِلُونَ 314/108 وَ جٰادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ 59/125 سورة الأسراء اِقْرَأْ كِتٰابَكَ كَفىٰ بِنَفْسِكَ اَلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً 261/14 وَ إِذٰا أَرَدْنٰا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنٰا مُتْرَفِيهٰا فَفَسَقُوا فِيهٰا فَحَقَّ عَلَيْهَا اَلْقَوْلُ فَدَمَّرْنٰاهٰا تَدْمِيراً 227/16 وَ كَمْ أَهْلَكْنٰا مِنَ اَلْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَ كَفىٰ بِرَبِّكَ 227/17 وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ اَلْعَهْدَ كٰانَ مَسْؤُلاً 63/34 وَ لَقَدْ صَرَّفْنٰا فِي هٰذَا اَلْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَ مٰا يَزِيدُهُمْ إِلاّٰ نُفُوراً 320/41 وَ قٰالُوا أَ إِذٰا كُنّٰا عِظٰاماً وَ رُفٰاتاً أَ إِنّٰا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً 189/49 فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنٰا قُلِ اَلَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ 189/51 وَ مِنَ اَللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نٰافِلَةً لَكَ عَسىٰ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقٰاماً مَحْمُوداً 340/79 وَ لَقَدْ آتَيْنٰا مُوسىٰ تِسْعَ آيٰاتٍ بَيِّنٰاتٍ 210/101 وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقٰانِ يَبْكُونَ وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً 320/109

ص: 484

سورة الكهف إِذْ أَوَى اَلْفِتْيَةُ إِلَى اَلْكَهْفِ فَقٰالُوا رَبَّنٰا آتِنٰا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَ هَيِّئْ لَنٰا مِنْ أَمْرِنٰا رَشَداً 218/10 فَضَرَبْنٰا عَلَى آذٰانِهِمْ فِي اَلْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً 218,212/11 ثُمَّ بَعَثْنٰاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ اَلْحِزْبَيْنِ أَحْصىٰ لِمٰا لَبِثُوا أَمَداً 218/12 وَ تَحْسَبُهُمْ أَيْقٰاظاً وَ هُمْ رُقُودٌ 218,212/18 وَ لَوْ لاٰ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مٰا شٰاءَ اَللّٰهُ 420/39 وَ يَوْمَ نُسَيِّرُ اَلْجِبٰالَ وَ تَرَى اَلْأَرْضَ بٰارِزَةً وَ حَشَرْنٰاهُمْ فَلَمْ نُغٰادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً 293/47 وَ وُضِعَ اَلْكِتٰابُ فَتَرَى اَلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمّٰا فِيهِ وَ يَقُولُونَ يٰا وَيْلَتَنٰا مٰا لِهٰذَا اَلْكِتٰابِ لاٰ يُغٰادِرُ صَغِيرَةً وَ لاٰ كَبِيرَةً إِلاّٰ أَحْصٰاهٰا 261/49 فَوَجَدٰا عَبْداً مِنْ عِبٰادِنٰا آتَيْنٰاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنٰا وَ عَلَّمْنٰاهُ مِنْ لَدُنّٰا عِلْماً 142,39/65 قٰالَ لَهُ مُوسىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلىٰ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمّٰا عُلِّمْتَ رُشْداً 142,39/66 وَ كٰانَ وَرٰاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً 233/79 وَ أَمّٰا مَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صٰالِحاً فَلَهُ جَزٰاءً اَلْحُسْنىٰ 345/88 حَتّٰى إِذٰا سٰاوىٰ بَيْنَ اَلصَّدَفَيْنِ قٰالَ اُنْفُخُوا حَتّٰى إِذٰا جَعَلَهُ نٰاراً قٰالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً 243/96 قٰالَ هٰذٰا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذٰا جٰاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكّٰاءَ وَ كٰانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا 243/98 وَ تَرَكْنٰا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَ نُفِخَ فِي اَلصُّورِ فَجَمَعْنٰاهُمْ جَمْعاً 421,243,235/99 فَمَنْ كٰانَ يَرْجُوا لِقٰاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صٰالِحاً وَ لاٰ يُشْرِكْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً 285/110 سورة مريم وَ سَلاٰمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَ يَوْمَ يَمُوتُ وَ يَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا 225/15

ص: 485

يٰا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هٰذٰا 221/23 وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ اَلْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ اَلْأَمْرُ وَ هُمْ فِي غَفْلَةٍ وَ هُمْ لاٰ يُؤْمِنُونَ 284/39 فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَ اَلشَّيٰاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا 269/68 وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلاّٰ وٰارِدُهٰا كٰانَ عَلىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا 269/71 سورة طه إِنَّ اَلسّٰاعَةَ آتِيَةٌ أَكٰادُ أُخْفِيهٰا لِتُجْزىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمٰا تَسْعىٰ 173/15 وَ اِجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي 81,72/29 هٰارُونَ أَخِي 81,72/30 اُشْدُدْ بِهِ أَزْرِي 81/31 وَ أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي 81/32 قٰالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰا مُوسىٰ 81/36 مِنْهٰا خَلَقْنٰاكُمْ وَ فِيهٰا نُعِيدُكُمْ وَ مِنْهٰا نُخْرِجُكُمْ تٰارَةً أُخْرىٰ 388,280,190/55 يَوْمَئِذٍ لاٰ تَنْفَعُ اَلشَّفٰاعَةُ إِلاّٰ مَنْ أَذِنَ لَهُ اَلرَّحْمٰنُ وَ رَضِيَ لَهُ قَوْلاً 339/109 وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ اَلصّٰالِحٰاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ 318/112 وَ لاٰ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً 450/114 سورة الأنبياء وَ قٰالُوا اِتَّخَذَ اَلرَّحْمٰنُ وَلَداً سُبْحٰانَهُ بَلْ عِبٰادٌ مُكْرَمُونَ 340/26 لاٰ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ 340/27 يَعْلَمُ مٰا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ مٰا خَلْفَهُمْ وَ لاٰ يَشْفَعُونَ إِلاّٰ لِمَنِ اِرْتَضىٰ وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ 342,340/28 وَ مٰا جَعَلْنٰا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ اَلْخُلْدَ أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ اَلْخٰالِدُونَ 223/34

ص: 486

وَ نَضَعُ اَلْمَوٰازِينَ اَلْقِسْطَ لِيَوْمِ اَلْقِيٰامَةِ فَلاٰ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَ إِنْ كٰانَ مِثْقٰالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنٰا بِهٰا وَ كَفىٰ بِنٰا حٰاسِبِينَ 264,263/47 وَ ذَا اَلنُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغٰاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنٰادىٰ فِي اَلظُّلُمٰاتِ أَنْ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ أَنْتَ سُبْحٰانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ اَلظّٰالِمِينَ 143/87 فَاسْتَجَبْنٰا لَهُ وَ نَجَّيْنٰاهُ مِنَ اَلْغَمِّ وَ كَذٰلِكَ نُنْجِي اَلْمُؤْمِنِينَ 143/88 إِنَّهُمْ كٰانُوا يُسٰارِعُونَ فِي اَلْخَيْرٰاتِ وَ يَدْعُونَنٰا رَغَباً وَ رَهَباً وَ كٰانُوا لَنٰا خٰاشِعِينَ 343/90 وَ حَرٰامٌ عَلىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنٰاهٰا أَنَّهُمْ لاٰ يَرْجِعُونَ 295/95 حَتّٰى إِذٰا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَ مَأْجُوجُ وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ 243/96 وَ اِقْتَرَبَ اَلْوَعْدُ اَلْحَقُّ فَإِذٰا هِيَ شٰاخِصَةٌ أَبْصٰارُ اَلَّذِينَ كَفَرُوا يٰا وَيْلَنٰا قَدْ كُنّٰا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هٰذٰا بَلْ كُنّٰا ظٰالِمِينَ 243/97 إِنَّكُمْ وَ مٰا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اَللّٰهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ 246/98 يَوْمَ نَطْوِي اَلسَّمٰاءَ كَطَيِّ اَلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمٰا بَدَأْنٰا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنٰا إِنّٰا كُنّٰا فٰاعِلِينَ 425/104 وَ لَقَدْ كَتَبْنٰا فِي اَلزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ اَلذِّكْرِ أَنَّ اَلْأَرْضَ يَرِثُهٰا عِبٰادِيَ اَلصّٰالِحُونَ 132/105 سورة الحج كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاّٰهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَ يَهْدِيهِ إِلىٰ عَذٰابِ اَلسَّعِيرِ 268/4 يٰا أَيُّهَا اَلنّٰاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ اَلْبَعْثِ فَإِنّٰا خَلَقْنٰاكُمْ مِنْ تُرٰابٍ... وَ تَرَى اَلْأَرْضَ هٰامِدَةً فَإِذٰا أَنْزَلْنٰا عَلَيْهَا اَلْمٰاءَ اِهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ وَ أَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ 190/5 ذٰلِكَ بِأَنَّ اَللّٰهَ هُوَ اَلْحَقُّ وَ أَنَّهُ يُحْيِ اَلْمَوْتىٰ وَ أَنَّهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ 190,169/6 وَ أَنَّ اَلسّٰاعَةَ آتِيَةٌ لاٰ رَيْبَ فِيهٰا وَ أَنَّ اَللّٰهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي اَلْقُبُورِ 231,190,169/7 إِنَّ اَللّٰهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ اَلْقِيٰامَةِ إِنَّ اَللّٰهَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ شَهِيدٌ 255/17

ص: 487

... وَ اَلدَّوَابُّ وَ كَثِيرٌ مِنَ اَلنّٰاسِ 248/18 وَ هُدُوا إِلَى اَلطَّيِّبِ مِنَ اَلْقَوْلِ وَ هُدُوا إِلىٰ صِرٰاطِ اَلْحَمِيدِ 268/24 فَاجْتَنِبُوا اَلرِّجْسَ مِنَ اَلْأَوْثٰانِ 128/30 ذٰلِكَ بِأَنَّ اَللّٰهَ هُوَ اَلْحَقُّ وَ أَنَّ مٰا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ اَلْبٰاطِلُ 169/62 وَ هُوَ اَلَّذِي أَحْيٰاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ 169/66 مٰا قَدَرُوا اَللّٰهَ حَقَّ قَدْرِهِ 405/74 ... وَ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي اَلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرٰاهِيمَ هُوَ سَمّٰاكُمُ اَلْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَ فِي هٰذٰا لِيَكُونَ اَلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَ تَكُونُوا شُهَدٰاءَ عَلَى اَلنّٰاسِ... وَ اِعْتَصِمُوا بِاللّٰهِ هُوَ مَوْلاٰكُمْ 258,97/78 سورة المؤمنون وَ اَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حٰافِظُونَ 461/5 إِلاّٰ عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ 461/6 فَمَنِ اِبْتَغىٰ وَرٰاءَ ذٰلِكَ فَأُولٰئِكَ هُمُ اَلعٰادُونَ 461/7 وَ لَقَدْ خَلَقْنَا اَلْإِنْسٰانَ مِنْ سُلاٰلَةٍ مِنْ طِينٍ 202/12 ثُمَّ جَعَلْنٰاهُ نُطْفَةً فِي قَرٰارٍ مَكِينٍ 202/13 ثُمَّ خَلَقْنَا اَلنُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا اَلْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا اَلْمُضْغَةَ عِظٰاماً فَكَسَوْنَا اَلْعِظٰامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنٰاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبٰارَكَ اَللّٰهُ أَحْسَنُ اَلْخٰالِقِينَ 301,202,177/14 ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ لَمَيِّتُونَ 177/15 ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ اَلْقِيٰامَةِ تُبْعَثُونَ 177/16 وَ قٰالَ اَلْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ اَلَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِلِقٰاءِ اَلْآخِرَةِ وَ أَتْرَفْنٰاهُمْ فِي اَلْحَيٰاةِ اَلدُّنْيٰا مٰا هٰذٰا إِلاّٰ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمّٰا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَ يَشْرَبُ مِمّٰا تَشْرَبُونَ 182/33 هَيْهٰاتَ هَيْهٰاتَ لِمٰا تُوعَدُونَ 182/36

ص: 488

إِنْ هِيَ إِلاّٰ حَيٰاتُنَا اَلدُّنْيٰا نَمُوتُ وَ نَحْيٰا وَ مٰا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ 182/37 وَ إِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلىٰ صِرٰاطٍ مُسْتَقِيمٍ 271/73 وَ إِنَّ اَلَّذِينَ لاٰ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ اَلصِّرٰاطِ لَنٰاكِبُونَ 271/74 قٰالُوا أَ إِذٰا مِتْنٰا وَ كُنّٰا تُرٰاباً وَ عِظٰاماً أَ إِنّٰا لَمَبْعُوثُونَ 184/82 لَقَدْ وُعِدْنٰا نَحْنُ وَ آبٰاؤُنٰا هٰذٰا مِنْ قَبْلُ إِنْ هٰذٰا إِلاّٰ أَسٰاطِيرُ اَلْأَوَّلِينَ 184/83 حَتّٰى إِذٰا جٰاءَ أَحَدَهُمُ اَلْمَوْتُ قٰالَ رَبِّ اِرْجِعُونِ 311,296/99 لَعَلِّي أَعْمَلُ صٰالِحاً فِيمٰا تَرَكْتُ كَلاّٰ إِنَّهٰا كَلِمَةٌ هُوَ قٰائِلُهٰا وَ مِنْ وَرٰائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ 311,296,233/100 فَإِذٰا نُفِخَ فِي اَلصُّورِ فَلاٰ أَنْسٰابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَ لاٰ يَتَسٰاءَلُونَ 235,103 أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّمٰا خَلَقْنٰاكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنٰا لاٰ تُرْجَعُونَ 168/115 سورة النور يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ بِمٰا كٰانُوا يَعْمَلُونَ 281,259/24 وَعَدَ اَللّٰهُ اَلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي اَلْأَرْضِ كَمَا اِسْتَخْلَفَ اَلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ اَلَّذِي اِرْتَضىٰ لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاٰ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ فَأُولٰئِكَ هُمُ اَلْفٰاسِقُونَ 132/55 سورة الفرقان أَ رَأَيْتَ مَنِ اِتَّخَذَ إِلٰهَهُ هَوٰاهُ أَ فَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً 181/43 سورة الشعراء اِضْرِبْ بِعَصٰاكَ اَلْبَحْرَ فَانْفَلَقَ 209/63 وَ أُزْلِفَتِ اَلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ 421/90

ص: 489

وَ بُرِّزَتِ اَلْجَحِيمُ لِلْغٰاوِينَ 421/91 قٰالُوا وَ هُمْ فِيهٰا يَخْتَصِمُونَ 350/96 تَاللّٰهِ إِنْ كُنّٰا لَفِي ضَلاٰلٍ مُبِينٍ 360,350/97 إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ اَلْعٰالَمِينَ 360,350/98 وَ مٰا أَضَلَّنٰا إِلاَّ اَلْمُجْرِمُونَ 350/99 فَمٰا لَنٰا مِنْ شٰافِعِينَ 350/100 وَ لاٰ صَدِيقٍ حَمِيمٍ 350/101 وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ اَلْأَقْرَبِينَ 76/214 سورة النمل وَ جَحَدُوا بِهٰا وَ اِسْتَيْقَنَتْهٰا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كٰانَ عٰاقِبَةُ اَلْمُفْسِدِينَ 314/14 قٰالَ اَلَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ اَلْكِتٰابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمّٰا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قٰالَ هٰذٰا مِنْ فَضْلِ رَبِّي 39/40 إِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى اَلنّٰاسِ وَ لَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاٰ يَشْكُرُونَ 214/73 إِنَّ هٰذَا اَلْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلىٰ بَنِي إِسْرٰائِيلَ أَكْثَرَ اَلَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ 249/76 إِنَّكَ لاٰ تُسْمِعُ اَلْمَوْتىٰ وَ لاٰ تُسْمِعُ اَلصُّمَّ اَلدُّعٰاءَ إِذٰا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ 226,221/80 وَ إِذٰا وَقَعَ اَلْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنٰا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ اَلْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ اَلنّٰاسَ كٰانُوا بِآيٰاتِنٰا لاٰ يُوقِنُونَ 292,247/82 وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيٰاتِنٰا فَهُمْ يُوزَعُونَ 296,292/83 وَ وَقَعَ اَلْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمٰا ظَلَمُوا فَهُمْ لاٰ يَنْطِقُونَ 248/85 وَ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي اَلصُّورِ 293,250/87

ص: 490

سورة القصص وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى اَلَّذِينَ اُسْتُضْعِفُوا فِي اَلْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ اَلْوٰارِثِينَ 132,128/5 وَ جٰاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى اَلْمَدِينَةِ يَسْعىٰ قٰالَ يٰا مُوسىٰ إِنَّ اَلْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ اَلنّٰاصِحِينَ 432/20 فَلَمّٰا أَتٰاهٰا نُودِيَ مِنْ شٰاطِئِ اَلْوٰادِ اَلْأَيْمَنِ فِي اَلْبُقْعَةِ اَلْمُبٰارَكَةِ مِنَ اَلشَّجَرَةِ أَنْ يٰا مُوسىٰ إِنِّي أَنَا اَللّٰهُ رَبُّ اَلْعٰالَمِينَ 118/30 رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جٰاءَ بِالْهُدىٰ مِنْ عِنْدِهِ وَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عٰاقِبَةُ اَلدّٰارِ إِنَّهُ لاٰ يُفْلِحُ اَلظّٰالِمُونَ 164/37 وَ يَوْمَ يُنٰادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكٰائِيَ اَلَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ 256/74 وَ نَزَعْنٰا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً... 256/75 كُلُّ شَيْ ءٍ هٰالِكٌ إِلاّٰ وَجْهَهُ 422/88 سورة العنكبوت فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاّٰ خَمْسِينَ عٰاماً 148/14 وَ اُشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ 163/17 فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ 313/26 وَ لاٰ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ 163/87 سورة الروم أَ وَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مٰا خَلَقَ اَللّٰهُ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضَ وَ مٰا بَيْنَهُمٰا إِلاّٰ بِالْحَقِّ وَ أَجَلٍ مُسَمًّى وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ اَلنّٰاسِ بِلِقٰاءِ رَبِّهِمْ لَكٰافِرُونَ 403/8 ثُمَّ إِذٰا دَعٰاكُمْ دَعْوَةً مِنَ اَلْأَرْضِ إِذٰا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ 385,280/25 وَ هُوَ اَلَّذِي يَبْدَؤُا اَلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ 186/27 فَانْظُرْ إِلىٰ آثٰارِ رَحْمَتِ اَللّٰهِ كَيْفَ يُحْيِ اَلْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهٰا إِنَّ ذٰلِكَ لَمُحْيِ اَلْمَوْتىٰ وَ هُوَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ 221,175/50 سورة لقمان مٰا خَلْقُكُمْ وَ لاٰ بَعْثُكُمْ إِلاّٰ كَنَفْسٍ وٰاحِدَةٍ إِنَّ اَللّٰهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ 191/28 ذٰلِكَ بِأَنَّ اَللّٰهَ هُوَ اَلْحَقُّ وَ أَنَّ مٰا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ اَلْبٰاطِلُ 169/30 يٰا أَيُّهَا اَلنّٰاسُ اِتَّقُوا رَبَّكُمْ وَ اِخْشَوْا يَوْماً لاٰ يَجْزِي وٰالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ... 169/33 وَ مٰا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ 231/34 سورة السجدة وَ قٰالُوا أَ إِذٰا ضَلَلْنٰا فِي اَلْأَرْضِ أَ إِنّٰا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقٰاءِ رَبِّهِمْ كٰافِرُونَ 191,187/10 قُلْ يَتَوَفّٰاكُمْ مَلَكُ اَلْمَوْتِ اَلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ 232,201,192/11 سورة الأحزاب قَدْ يَعْلَمُ اَللّٰهُ اَلْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَ اَلْقٰائِلِينَ لِإِخْوٰانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنٰا وَ لاٰ يَأْتُونَ اَلْبَأْسَ إِلاّٰ قَلِيلاً 375/18 ... أُولٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اَللّٰهُ أَعْمٰالَهُمْ وَ كٰانَ ذٰلِكَ عَلَى اَللّٰهِ يَسِيراً 375/19 يٰا نِسٰاءَ اَلنَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفٰاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضٰاعَفْ لَهَا اَلْعَذٰابُ ضِعْفَيْنِ وَ كٰانَ ذٰلِكَ عَلَى اَللّٰهِ يَسِيراً 440/30 وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لاٰ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ اَلْجٰاهِلِيَّةِ اَلْأُولىٰ وَ أَقِمْنَ اَلصَّلاٰةَ وَ آتِينَ اَلزَّكٰاةَ وَ أَطِعْنَ اَللّٰهَ وَ رَسُولَهُ إِنَّمٰا يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً 125,107/33

ص: 491

رقم الآية/الصفحة سورة البقرة وَ مِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّٰا بِاللّٰهِ وَ بِالْيَوْمِ اَلْآخِرِ وَ مٰا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ 316/8 كَمَثَلِ اَلَّذِي اِسْتَوْقَدَ نٰاراً 213/7 كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّٰهِ وَ كُنْتُمْ أَمْوٰاتاً فَأَحْيٰاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ 234,213/28 وَ اِتَّقُوا يَوْماً لاٰ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَ لاٰ يُقْبَلُ مِنْهٰا شَفٰاعَةٌ وَ لاٰ يُؤْخَذُ مِنْهٰا عَدْلٌ وَ لاٰ هُمْ يُنْصَرُونَ 349,338/48 وَ إِذْ قُلْتُمْ يٰا مُوسىٰ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّٰى نَرَى اَللّٰهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ اَلصّٰاعِقَةُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ 216/55 ثُمَّ بَعَثْنٰاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 317/56 فَجَعَلْنٰاهٰا نَكٰالاً لِمٰا بَيْنَ يَدَيْهٰا وَ مٰا خَلْفَهٰا وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ 310/66 وَ إِذْ قٰالَ مُوسىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اَللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قٰالُوا أَ تَتَّخِذُنٰا هُزُواً قٰالَ أَعُوذُ بِاللّٰهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ اَلْجٰاهِلِينَ 214/67 وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادّٰارَأْتُمْ فِيهٰا وَ اَللّٰهُ مُخْرِجٌ مٰا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ 214/72 فَقُلْنٰا اِضْرِبُوهُ بِبَعْضِهٰا كَذٰلِكَ يُحْيِ اَللّٰهُ اَلْمَوْتىٰ وَ يُرِيكُمْ آيٰاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ 214/73 بَلىٰ مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحٰاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولٰئِكَ أَصْحٰابُ اَلنّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ 412/81

ص: 492

سورة سبأ وَ قٰالَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا لاٰ تَأْتِينَا اَلسّٰاعَةُ قُلْ بَلىٰ وَ رَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عٰالِمِ اَلْغَيْبِ لاٰ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقٰالُ ذَرَّةٍ فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ لاٰ فِي اَلْأَرْضِ وَ لاٰ أَصْغَرُ مِنْ ذٰلِكَ وَ لاٰ أَكْبَرُ إِلاّٰ فِي كِتٰابٍ مُبِينٍ 187/3 وَ قٰالَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلىٰ رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذٰا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ 184/7 أَفْتَرىٰ عَلَى اَللّٰهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ 184/8 لَقَدْ كٰانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتٰانِ عَنْ يَمِينٍ وَ شِمٰالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَ اُشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَ رَبٌّ غَفُورٌ 420/15 سورة فاطر وَ مِنَ اَلنّٰاسِ وَ اَلدَّوَابِّ 248/28 فَمِنْهُمْ ظٰالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سٰابِقٌ بِالْخَيْرٰاتِ 103/32 وَ لَوْ يُؤٰاخِذُ اَللّٰهُ اَلنّٰاسَ بِمٰا كَسَبُوا مٰا تَرَكَ عَلىٰ ظَهْرِهٰا مِنْ دَابَّةٍ 345/45 سورة يس إِنّٰا نَحْنُ نُحْيِ اَلْمَوْتىٰ وَ نَكْتُبُ مٰا قَدَّمُوا وَ آثٰارَهُمْ وَ كُلَّ شَيْ ءٍ أَحْصَيْنٰاهُ فِي إِمٰامٍ مُبِينٍ 261/12 قِيلَ اُدْخُلِ اَلْجَنَّةَ قٰالَ يٰا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ 202,201/26 بِمٰا غَفَرَ لِي رَبِّي وَ جَعَلَنِي مِنَ اَلْمُكْرَمِينَ 202,201/27 وَ آيَةٌ لَهُمُ اَلْأَرْضُ اَلْمَيْتَةُ 221/33 وَ نُفِخَ فِي اَلصُّورِ فَإِذٰا هُمْ مِنَ اَلْأَجْدٰاثِ إِلىٰ رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ 254,239,235/51 قٰالُوا يٰا وَيْلَنٰا مَنْ بَعَثَنٰا مِنْ مَرْقَدِنٰا 254/52 اَلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلىٰ أَفْوٰاهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنٰا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمٰا كٰانُوا يَكْسِبُونَ 281,259/65 وَ ضَرَبَ لَنٰا مَثَلاً وَ نَسِيَ خَلْقَهُ قٰالَ مَنْ يُحْيِ اَلْعِظٰامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ 186/78

ص: 493

قُلْ يُحْيِيهَا اَلَّذِي أَنْشَأَهٰا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ 194/79 أَ وَ لَيْسَ اَلَّذِي خَلَقَ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضَ بِقٰادِرٍ عَلىٰ أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلىٰ وَ هُوَ اَلْخَلاّٰقُ اَلْعَلِيمُ 399/81 إِنَّمٰا أَمْرُهُ إِذٰا أَرٰادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ 128/82 سورة الصافّات فَبَشَّرْنٰاهُ بِغُلاٰمٍ حَلِيمٍ 121/101 فَلَوْ لاٰ أَنَّهُ كٰانَ مِنَ اَلْمُسَبِّحِينَ 150/143 لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ 150/144 سورة ص وَ شَدَدْنٰا مُلْكَهُ وَ آتَيْنٰاهُ اَلْحِكْمَةَ وَ فَصْلَ اَلْخِطٰابِ 120/20 أَمْ نَجْعَلُ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي اَلْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ اَلْمُتَّقِينَ كَالْفُجّٰارِ 172/28 وَ هَبْ لِي مُلْكاً لاٰ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ اَلْوَهّٰابُ 120/35 سورة الزمر أَ فَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ اَلْعَذٰابِ أَ فَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي اَلنّٰارِ 248/19 اَللّٰهُ يَتَوَفَّى اَلْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهٰا وَ اَلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنٰامِهٰا... 232,199,192/42 أَمِ اِتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اَللّٰهِ شُفَعٰاءَ قُلْ أَ وَ لَوْ كٰانُوا لاٰ يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَ لاٰ يَعْقِلُونَ 360/43 قُلْ لِلّٰهِ اَلشَّفٰاعَةُ جَمِيعاً... 360/44 وَ مٰا قَدَرُوا اَللّٰهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَ اَلْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ اَلْقِيٰامَةِ وَ اَلسَّمٰاوٰاتُ مَطْوِيّٰاتٌ بِيَمِينِهِ 188/67 وَ نُفِخَ فِي اَلصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ مَنْ فِي اَلْأَرْضِ إِلاّٰ مَنْ شٰاءَ اَللّٰهُ 239,235/68

ص: 494

سورة غافر قٰالُوا رَبَّنٰا أَمَتَّنَا اِثْنَتَيْنِ وَ أَحْيَيْتَنَا اِثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنٰا بِذُنُوبِنٰا 234/11 مٰا لِلظّٰالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَ لاٰ شَفِيعٍ يُطٰاعُ 349/18 إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَ رَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لاٰ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ اَلْحِسٰابِ 164/27 قٰالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمٰانَهُ أَ تَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اَللّٰهُ وَ قَدْ جٰاءَكُمْ بِالْبَيِّنٰاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَ إِنْ يَكُ كٰاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَ إِنْ يَكُ صٰادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ اَلَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اَللّٰهَ لاٰ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذّٰابٌ 432/28 وَ يٰا قَوْمِ إِنِّي أَخٰافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ اَلتَّنٰادِ 165/32 إِنَّمٰا هٰذِهِ اَلْحَيٰاةُ اَلدُّنْيٰا مَتٰاعٌ وَ إِنَّ اَلْآخِرَةَ هِيَ دٰارُ اَلْقَرٰارِ 178,165/39 وَ أَنَّ مَرَدَّنٰا إِلَى اَللّٰهِ 165/43 وَ حٰاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ اَلْعَذٰابِ 200/45 اَلنّٰارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهٰا غُدُوًّا وَ عَشِيًّا وَ يَوْمَ تَقُومُ اَلسّٰاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ اَلْعَذٰابِ 235,200/46 اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ اَلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبٰادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دٰاخِرِينَ 359/60 فَلَمّٰا رَأَوْا بَأْسَنٰا قٰالُوا آمَنّٰا بِاللّٰهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنٰا بِمٰا كُنّٰا بِهِ مُشْرِكِينَ 230/84 فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمٰانُهُمْ لَمّٰا رَأَوْا بَأْسَنٰا 230/85 سورة فصّلت اِئْتِيٰا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قٰالَتٰا أَتَيْنٰا طٰائِعِينَ 209/11 حَتّٰى إِذٰا مٰا جٰاؤُهٰا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَ أَبْصٰارُهُمْ وَ جُلُودُهُمْ بِمٰا كٰانُوا يَعْمَلُونَ 281,259/20 وَ قٰالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنٰا قٰالُوا أَنْطَقَنَا اَللّٰهُ اَلَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ ءٍ 259/21

ص: 495

سَنُرِيهِمْ آيٰاتِنٰا فِي اَلْآفٰاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ اَلْحَقُّ أَ وَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ شَهِيدٌ 249/53 سورة الشورى اَللّٰهُ اَلَّذِي أَنْزَلَ اَلْكِتٰابَ بِالْحَقِّ وَ اَلْمِيزٰانَ وَ مٰا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اَلسّٰاعَةَ قَرِيبٌ 112/17 قُلْ لاٰ أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ اَلْمَوَدَّةَ فِي اَلْقُرْبىٰ 112/23 وَ اَلَّذِينَ اِسْتَجٰابُوا لِرَبِّهِمْ وَ أَقٰامُوا اَلصَّلاٰةَ وَ أَمْرُهُمْ شُورىٰ بَيْنَهُمْ وَ مِمّٰا رَزَقْنٰاهُمْ يُنْفِقُونَ 58/38 سورة الزخرف وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنٰا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنٰا أَ جَعَلْنٰا مِنْ دُونِ اَلرَّحْمٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ 204/45 وَ لَمّٰا ضُرِبَ اِبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذٰا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ 246/57 وَ قٰالُوا أَ آلِهَتُنٰا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مٰا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّٰ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ 246/58 إِنْ هُوَ إِلاّٰ عَبْدٌ أَنْعَمْنٰا عَلَيْهِ وَ جَعَلْنٰاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرٰائِيلَ 246/59 وَ لَوْ نَشٰاءُ لَجَعَلْنٰا مِنْكُمْ مَلاٰئِكَةً فِي اَلْأَرْضِ يَخْلُفُونَ 246/60 وَ إِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسّٰاعَةِ فَلاٰ تَمْتَرُنَّ بِهٰا وَ اِتَّبِعُونِ... 246/61 اَلْأَخِلاّٰءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ اَلْمُتَّقِينَ 338/67 اَلَّذِينَ آمَنُوا بِآيٰاتِنٰا وَ كٰانُوا مُسْلِمِينَ 412/69 اُدْخُلُوا اَلْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَ أَزْوٰاجُكُمْ تُحْبَرُونَ 412/70 إِنَّ اَلْمُجْرِمِينَ فِي عَذٰابِ جَهَنَّمَ خٰالِدُونَ 412/74 لاٰ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَ هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ 412/75 وَ مٰا ظَلَمْنٰاهُمْ وَ لٰكِنْ كٰانُوا هُمُ اَلظّٰالِمِينَ 412/76 فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَ يَلْعَبُوا حَتّٰى يُلاٰقُوا يَوْمَهُمُ اَلَّذِي يُوعَدُونَ 174/83

ص: 496

وَ لاٰ يَمْلِكُ اَلَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ اَلشَّفٰاعَةَ إِلاّٰ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ 361,355/86 سورة الدخان فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي اَلسَّمٰاءُ بِدُخٰانٍ مُبِينٍ 244/10 يَغْشَى اَلنّٰاسَ هٰذٰا عَذٰابٌ أَلِيمٌ 244/11 رَبَّنَا اِكْشِفْ عَنَّا اَلْعَذٰابَ إِنّٰا مُؤْمِنُونَ 244/12 أَنّٰى لَهُمُ اَلذِّكْرىٰ وَ قَدْ جٰاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ 244/13 ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَ قٰالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ 244/14 إِنّٰا كٰاشِفُوا اَلْعَذٰابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عٰائِدُونَ 244/15 يَوْمَ نَبْطِشُ اَلْبَطْشَةَ اَلْكُبْرىٰ إِنّٰا مُنْتَقِمُونَ 244/16 وَ مٰا خَلَقْنَا اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضَ وَ مٰا بَيْنَهُمٰا لاٰعِبِينَ 168/38 مٰا خَلَقْنٰاهُمٰا إِلاّٰ بِالْحَقِّ وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاٰ يَعْلَمُونَ 168/39 إِنَّ يَوْمَ اَلْفَصْلِ مِيقٰاتُهُمْ أَجْمَعِينَ 168/40 لاٰ يَذُوقُونَ فِيهَا اَلْمَوْتَ إِلاَّ اَلْمَوْتَةَ اَلْأُولىٰ 214/56 سورة الجاثية أَمْ حَسِبَ اَلَّذِينَ اِجْتَرَحُوا اَلسَّيِّئٰاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ سَوٰاءً مَحْيٰاهُمْ وَ مَمٰاتُهُمْ سٰاءَ مٰا يَحْكُمُونَ 172/21 وَ خَتَمَ عَلىٰ سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلىٰ بَصَرِهِ غِشٰاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اَللّٰهِ أَ فَلاٰ تَذَكَّرُونَ 314/23 وَ إِذٰا تُتْلىٰ عَلَيْهِمْ آيٰاتُنٰا بَيِّنٰاتٍ مٰا كٰانَ حُجَّتَهُمْ إِلاّٰ أَنْ قٰالُوا اِئْتُوا بِآبٰائِنٰا إِنْ كُنْتُمْ صٰادِقِينَ 185/25 قُلِ اَللّٰهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلىٰ يَوْمِ اَلْقِيٰامَةِ لاٰ رَيْبَ فِيهِ وَ لٰكِنَّ أَكْثَرَ اَلنّٰاسِ لاٰ يَعْلَمُونَ 185/26 وَ إِذٰا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اَللّٰهِ حَقٌّ وَ اَلسّٰاعَةُ لاٰ رَيْبَ فِيهٰا قُلْتُمْ مٰا نَدْرِي مَا اَلسّٰاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلاّٰ ظَنًّا وَ مٰا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ 183/32 سورة الأحقاف أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اَللّٰهَ اَلَّذِي خَلَقَ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضَ وَ لَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقٰادِرٍ عَلىٰ أَنْ يُحْيِيَ اَلْمَوْتىٰ 189/33 سورة محمّد وَ اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا اَلصّٰالِحٰاتِ وَ آمَنُوا بِمٰا نُزِّلَ عَلىٰ مُحَمَّدٍ وَ هُوَ اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئٰاتِهِمْ وَ أَصْلَحَ بٰالَهُمْ 376/2 وَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَ أَضَلَّ أَعْمٰالَهُمْ 373/8 ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مٰا أَنْزَلَ اَللّٰهُ فَأَحْبَطَ أَعْمٰالَهُمْ 373/9 وَ سُقُوا مٰاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعٰاءَهُمْ 281/15 فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ اَلسّٰاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جٰاءَ أَشْرٰاطُهٰا فَأَنّٰى لَهُمْ إِذٰا جٰاءَتْهُمْ ذِكْرٰاهُمْ 242/18 فَكَيْفَ إِذٰا تَوَفَّتْهُمُ اَلْمَلاٰئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَ أَدْبٰارَهُمْ 226/27 إِنَّ اَلَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اَللّٰهِ وَ شَاقُّوا اَلرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مٰا تَبَيَّنَ لَهُمُ اَلْهُدىٰ... 373/32 سورة الفتح هُوَ اَلَّذِي أَنْزَلَ اَلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ اَلْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدٰادُوا إِيمٰاناً مَعَ إِيمٰانِهِمْ 319/4 إِنَّ اَلَّذِينَ يُبٰايِعُونَكَ إِنَّمٰا يُبٰايِعُونَ اَللّٰهَ يَدُ اَللّٰهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمٰا يَنْكُثُ عَلىٰ نَفْسِهِ وَ مَنْ أَوْفىٰ بِمٰا عٰاهَدَ عَلَيْهُ اَللّٰهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً 445,97/10 لَقَدْ رَضِيَ اَللّٰهُ عَنِ اَلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبٰايِعُونَكَ تَحْتَ اَلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مٰا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ اَلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَ أَثٰابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً 446,445,63/18

ص: 497

رقم الآية/الصفحة سورة البقرة وَ مِنَ اَلنّٰاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّٰا بِاللّٰهِ وَ بِالْيَوْمِ اَلْآخِرِ وَ مٰا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ 316/8 كَمَثَلِ اَلَّذِي اِسْتَوْقَدَ نٰاراً 213/7 كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّٰهِ وَ كُنْتُمْ أَمْوٰاتاً فَأَحْيٰاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ 234,213/28 وَ اِتَّقُوا يَوْماً لاٰ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَ لاٰ يُقْبَلُ مِنْهٰا شَفٰاعَةٌ وَ لاٰ يُؤْخَذُ مِنْهٰا عَدْلٌ وَ لاٰ هُمْ يُنْصَرُونَ 349,338/48 وَ إِذْ قُلْتُمْ يٰا مُوسىٰ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّٰى نَرَى اَللّٰهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ اَلصّٰاعِقَةُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ 216/55 ثُمَّ بَعَثْنٰاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 317/56 فَجَعَلْنٰاهٰا نَكٰالاً لِمٰا بَيْنَ يَدَيْهٰا وَ مٰا خَلْفَهٰا وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ 310/66 وَ إِذْ قٰالَ مُوسىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اَللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قٰالُوا أَ تَتَّخِذُنٰا هُزُواً قٰالَ أَعُوذُ بِاللّٰهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ اَلْجٰاهِلِينَ 214/67 وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادّٰارَأْتُمْ فِيهٰا وَ اَللّٰهُ مُخْرِجٌ مٰا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ 214/72 فَقُلْنٰا اِضْرِبُوهُ بِبَعْضِهٰا كَذٰلِكَ يُحْيِ اَللّٰهُ اَلْمَوْتىٰ وَ يُرِيكُمْ آيٰاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ 214/73 بَلىٰ مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحٰاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولٰئِكَ أَصْحٰابُ اَلنّٰارِ هُمْ فِيهٰا خٰالِدُونَ 412/81

ص: 498

مُحَمَّدٌ رَسُولُ اَللّٰهِ وَ اَلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدّٰاءُ عَلَى اَلْكُفّٰارِ رُحَمٰاءُ بَيْنَهُمْ تَرٰاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اَللّٰهِ وَ رِضْوٰاناً سِيمٰاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ اَلسُّجُودِ ذٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي اَلتَّوْرٰاةِ وَ مَثَلُهُمْ فِي اَلْإِنْجِيلِ.. 447/29 سورة الحجرات إِنْ جٰاءَكُمْ فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا 441/6 وَ إِنْ طٰائِفَتٰانِ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ اِقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمٰا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدٰاهُمٰا عَلَى اَلْأُخْرىٰ فَقٰاتِلُوا اَلَّتِي تَبْغِي حَتّٰى تَفِيءَ إِلىٰ أَمْرِ اَللّٰهِ 318/9 قٰالَتِ اَلْأَعْرٰابُ آمَنّٰا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنٰا وَ لَمّٰا يَدْخُلِ اَلْإِيمٰانُ فِي قُلُوبِكُمْ 318,313/14 سورة ق أَ إِذٰا مِتْنٰا وَ كُنّٰا تُرٰاباً ذٰلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ 182/3 قَدْ عَلِمْنٰا مٰا تَنْقُصُ اَلْأَرْضُ مِنْهُمْ وَ عِنْدَنٰا كِتٰابٌ حَفِيظٌ 208,194,191,182/4 بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمّٰا جٰاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ 182/5 مٰا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاّٰ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ 260/18 وَ جٰاءَتْ سَكْرَةُ اَلْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذٰلِكَ مٰا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ 225/19 وَ جٰاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهٰا سٰائِقٌ وَ شَهِيدٌ 260/21 وَ أُزْلِفَتِ اَلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ 174/31 هٰذٰا مٰا تُوعَدُونَ 174/32 ذٰلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنٰا يَسِيرٌ 185/44 سورة الطور يَوْمَ تَمُورُ اَلسَّمٰاءُ مَوْراً 403/9

ص: 499

وَ تَسِيرُ اَلْجِبٰالُ سَيْراً 403/10 سورة النجم وَ مٰا يَنْطِقُ عَنِ اَلْهَوىٰ 96/3 إِنْ هُوَ إِلاّٰ وَحْيٌ يُوحىٰ 96/4 وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرىٰ 421/13 عِنْدَ سِدْرَةِ اَلْمُنْتَهىٰ 424,421/14 عِنْدَهٰا جَنَّةُ اَلْمَأْوىٰ 424,421/15 وَ أَنَّهُ خَلَقَ اَلزَّوْجَيْنِ اَلذَّكَرَ وَ اَلْأُنْثىٰ 177/45 مِنْ نُطْفَةٍ إِذٰا تُمْنىٰ 177/46 وَ أَنَّ عَلَيْهِ اَلنَّشْأَةَ اَلْأُخْرىٰ 177/47 سورة القمر يَوْمَ يَدْعُ اَلدّٰاعِ إِلىٰ شَيْ ءٍ نُكُرٍ 254/6 خُشَّعاً أَبْصٰارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ اَلْأَجْدٰاثِ كَأَنَّهُمْ جَرٰادٌ مُنْتَشِرٌ 280,254/7 مُهْطِعِينَ إِلَى اَلدّٰاعِ يَقُولُ اَلْكٰافِرُونَ هٰذٰا يَوْمٌ عَسِرٌ 254/8 وَ كُلُّ شَيْ ءٍ فَعَلُوهُ فِي اَلزُّبُرِ 260/52 وَ كُلُّ صَغِيرٍ وَ كَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ 260/53 سورة الرحمن وَ اَلسَّمٰاءَ رَفَعَهٰا وَ وَضَعَ اَلْمِيزٰانَ 263/7 بَيْنَهُمٰا بَرْزَخٌ لاٰ يَبْغِيٰانِ 234/20 سورة الواقعة إِذٰا رُجَّتِ اَلْأَرْضُ رَجًّا 403/4

ص: 500

وَ بُسَّتِ اَلْجِبٰالُ بَسًّا 403/5 نَحْنُ قَدَّرْنٰا بَيْنَكُمُ اَلْمَوْتَ وَ مٰا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ 223/60 سورة الحديد فَالْيَوْمَ لاٰ يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَ لاٰ مِنَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوٰاكُمُ اَلنّٰارُ هِيَ مَوْلاٰكُمْ وَ بِئْسَ اَلْمَصِيرُ 88/15 أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللّٰهِ وَ رُسُلِهِ 424,421/21 سورة المجادلة أُولٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ اَلْإِيمٰانَ 313/22 سورة الممتحنة إِذٰا جٰاءَكَ اَلْمُؤْمِنٰاتُ يُبٰايِعْنَكَ عَلىٰ أَنْ لاٰ يُشْرِكْنَ بِاللّٰهِ شَيْئاً وَ لاٰ يَسْرِقْنَ وَ لاٰ يَزْنِينَ.. 63/12 سورة الجمعة مَثَلُ اَلَّذِينَ حُمِّلُوا اَلتَّوْرٰاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهٰا كَمَثَلِ اَلْحِمٰارِ يَحْمِلُ أَسْفٰاراً 214/5 سورة المنافقون إِذٰا جٰاءَكَ اَلْمُنٰافِقُونَ قٰالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اَللّٰهِ وَ اَللّٰهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَ اَللّٰهُ يَشْهَدُ إِنَّ اَلْمُنٰافِقِينَ لَكٰاذِبُونَ 433/1 سورة الطلاق يٰا أَيُّهَا اَلنَّبِيُّ إِذٰا طَلَّقْتُمُ اَلنِّسٰاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ 461/1 سورة التحريم يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اَللّٰهِ تَوْبَةً نَصُوحاً 326/8 ضَرَبَ اَللّٰهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَتَ نُوحٍ وَ اِمْرَأَتَ لُوطٍ كٰانَتٰا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبٰادِنٰا صٰالِحَيْنِ فَخٰانَتٰاهُمٰا فَلَمْ يُغْنِيٰا عَنْهُمٰا مِنَ اَللّٰهِ شَيْئاً وَ قِيلَ اُدْخُلاَ اَلنّٰارَ مَعَ اَلدّٰاخِلِينَ 440/10 سورة الملك اَلَّذِي خَلَقَ اَلْمَوْتَ وَ اَلْحَيٰاةَ 223/2

ص: 501

سورة القلم أَ فَنَجْعَلُ اَلْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ 172/35 مٰا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ 172/36 سورة الحاقّة وَ حُمِلَتِ اَلْأَرْضُ وَ اَلْجِبٰالُ فَدُكَّتٰا دَكَّةً وٰاحِدَةً 395/14 سورة المعراج يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ اَلْأَجْدٰاثِ سِرٰاعاً كَأَنَّهُمْ إِلىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ 280/43 سورة نوح وَ اَللّٰهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ اَلْأَرْضِ نَبٰاتاً 163/17 ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهٰا وَ يُخْرِجُكُمْ إِخْرٰاجاً 280,163/18 مِمّٰا خَطِيئٰاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نٰاراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اَللّٰهِ أَنْصٰاراً 235,200/25 سورة الجن فَلاٰ تَدْعُوا مَعَ اَللّٰهِ أَحَداً 359/18 سورة المدثر وَ كُنّٰا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ اَلدِّينِ 350,339/46 حَتّٰى أَتٰانَا اَلْيَقِينُ 350,339/47 فَمٰا تَنْفَعُهُمْ شَفٰاعَةُ اَلشّٰافِعِينَ 350,339/48 سورة القيامة أَ يَحْسَبُ اَلْإِنْسٰانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظٰامَهُ 181/3 بَلىٰ قٰادِرِينَ عَلىٰ أَنْ نُسَوِّيَ بَنٰانَهُ 181/4 بَلْ يُرِيدُ اَلْإِنْسٰانُ لِيَفْجُرَ أَمٰامَهُ 181/5 يَسْئَلُ أَيّٰانَ يَوْمُ اَلْقِيٰامَةِ 181/6 لاٰ تُحَرِّكْ بِهِ لِسٰانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ 27/16 إِنَّ عَلَيْنٰا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ 27/17 فَإِذٰا قَرَأْنٰاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ 27/18

ص: 502

ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنٰا بَيٰانَهُ 27/19 إِلىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ اَلْمَسٰاقُ 178/30 أَ يَحْسَبُ اَلْإِنْسٰانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً 189/36 أَ لَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنىٰ 189/37 ثُمَّ كٰانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوّٰى 189/38 فَجَعَلَ مِنْهُ اَلزَّوْجَيْنِ اَلذَّكَرَ وَ اَلْأُنْثىٰ 189/39 أَ لَيْسَ ذٰلِكَ بِقٰادِرٍ عَلىٰ أَنْ يُحْيِيَ اَلْمَوْتىٰ 189/40 سورة الدهر إِنّٰا هَدَيْنٰاهُ اَلسَّبِيلَ إِمّٰا شٰاكِراً وَ إِمّٰا كَفُوراً 368/3 سورة المرسلات هٰذٰا يَوْمُ اَلْفَصْلِ جَمَعْنٰاكُمْ وَ اَلْأَوَّلِينَ 402/38 سورة النبأ عَمَّ يَتَسٰاءَلُونَ 170/1 عَنِ اَلنَّبَإِ اَلْعَظِيمِ 170/2 اَلَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ 170/3 أَ لَمْ نَجْعَلِ اَلْأَرْضَ مِهٰاداً 170/6 وَ اَلْجِبٰالَ أَوْتٰاداً 170/7 إِنَّ يَوْمَ اَلْفَصْلِ كٰانَ مِيقٰاتاً 170/17 سورة النازعات فَالْمُدَبِّرٰاتِ أَمْراً 344/5 سورة عبس لِكُلِّ اِمْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ 254/37 سورة الانفطار وَ إِذَا اَلْقُبُورُ بُعْثِرَتْ 281/4

ص: 503

سورة الانشقاق وَ إِذَا اَلْأَرْضُ مُدَّتْ 395/3 يٰا أَيُّهَا اَلْإِنْسٰانُ إِنَّكَ كٰادِحٌ إِلىٰ رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاٰقِيهِ 178/6 فَأَمّٰا مَنْ أُوتِيَ كِتٰابَهُ بِيَمِينِهِ 254/7 فَسَوْفَ يُحٰاسَبُ حِسٰاباً يَسِيراً 254/8 وَ يَنْقَلِبُ إِلىٰ أَهْلِهِ مَسْرُوراً 255/9 وَ أَمّٰا مَنْ أُوتِيَ كِتٰابَهُ وَرٰاءَ ظَهْرِهِ 255/10 فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً 255/11 سورة الأعلى وَ اَلْآخِرَةُ خَيْرٌ وَ أَبْقىٰ 90/17 سورة الفجر يٰا أَيَّتُهَا اَلنَّفْسُ اَلْمُطْمَئِنَّةُ 223/27 اِرْجِعِي إِلىٰ رَبِّكِ رٰاضِيَةً مَرْضِيَّةً 223/28 سورة العلق إِنَّ إِلىٰ رَبِّكَ اَلرُّجْعىٰ 178/8 سورة الزلزلة يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبٰارَهٰا 261/4 بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحىٰ لَهٰا 261/5 فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ 409,361,262/7 وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ 262/8 سورة العاديات أَ فَلاٰ يَعْلَمُ إِذٰا بُعْثِرَ مٰا فِي اَلْقُبُورِ 281/9

ص: 504

فهرس الأحاديث

الرسول الأكرم (صلّى اللّه عليه و آله) الصفحة «يكون بعدي أئمّة لا يهتدون بهداي، و لا يستنّون بسنّتي و سيقوم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس» قال الراوي: قلت: كيف أصنع يا رسول اللّه إن أدركت ذلك؟ قال: «تسمع و تطيع للأمير، و إن ضرب ظهرك، و أخذ مالك، فاسمع و أطع». 26 «من كنت مولاه فهذا علي مولاه». 42 تنازع مهاجريّ مع أنصاريّ، فصرخ الأنصاري: يا معشر الأنصار، و صرخ الآخر: يا معشر المهاجرين، و لمّا سمع النبيّ هذه الكلمات قال: «دعوها فإنّها دعوى ميّتة». 49 أثار أحد اليهود الفتنة بين الأوس و الخزرج حتى غضب الفريقان و انتضوا أسلحتهم للقتال، فبلغ ذلك النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين، و قال: «يا معشر المسلمين، اللّه اللّه أ بدعوى الجاهلية و أنا بين أظهركم بعد أن هداكم اللّه للإسلام و أكرمكم به، و قطع به عنكم أمر الجاهلية و استنقذكم به من الكفر» 50

ص: 505

في قصة الإفك قال النبيّ و هو على المنبر: «يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي، و اللّه ما علمت على أهلي إلاّ خيرا، و لقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلاّ خيرا، و ما يدخل على أهليّ إلاّ معي» 50 عند ما انهزم الناس في وادي حنين، انحاز رسول اللّه ذات اليمين و هو يقول: «أين أيّها الناس؟ هلمّوا إليّ، أنا رسول اللّه» 53 «ألا و إنّه يجاء برجال من أمّتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: يا رب أصحابي فيقول: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: وَ كُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مٰا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمّٰا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ اَلرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ . 54 لما دعا الرسول الأكرم بنو عامرة إلى الإسلام و قد جاءوا في موسم الحج إلى مكة، قال رئيسهم: «أ رأيت إن نحن بايعناك على أمرك، ثمّ أظهرك اللّه على ما خلفك، أ يكون لنا الأمر من بعدك؟»، فقال النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم: «الأمر إلى اللّه يضعه حيث يشاء» 66 بعث صلى اللّه عليه و آله و سلّم سليط بن عمرو العامري إلى ملك اليمامة «هوزة بن حنفي» يدعوه إلى الإسلام و كان نصرانيا فكتب إلى النبي يقول: «ما أحسن ما تدعو إليه و أجمله... فاجعل لي بعض الأمر اتبعك» فلمّا قرئ كتابه على النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم قال: «لو سألني سيابة من الأرض ما فعلته، باد و باد ما في يده». 67 أرسل هوزة إلى النبيّ وفدا يقول له: إن جعل له الأمر من بعده أسلم... و إلاّ قصد حربه، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: «لا، و لا كرامة، اللّهمّ اكفنيه». 67 «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلّما هلك نبيّ خلفه نبيّ، و إنّه لا نبيّ بعدي، و سيكون بعدي خلفاء كثيرون». 72 عن علي (عليه السلام) قال: دعاني رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و قال لي: يا علي إنّ اللّه أمرني أن انذر عشيرتي الأقربين فضقت

ص: 506

بذلك ذرعا، و عرفت أنّي متى أباديهم بهذا الأمر، أرى منهم ما أكره، فصمدت عليه حتى جاءني جبرئيل، فقال: يا محمّد إنّك إنّ لا تفعل ما تؤمر به يعذّبك ربّك، فاصنع لنا صاعا من طعام و اجعل عليه رجل شاة، و املأ لنا عسّا من لبن، ثمّ دعوتهم له، و هم يومئذ أربعون رجلا فيهم أعمامه... إلى أن قال: فأكلوا حتى ما لهم بشيء حاجة ثم قال النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم اسقهم، فجئتهم بذلك العس فشربوا، ثم تكلّم رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم فقال يا بني عبد المطلب إنّي و اللّه ما أعلم شابّا في العرب، جاء قومه بأفضل ممّا جئتكم به، إنّي جئتكم بخير الدنيا و الآخرة، و قد أمرني اللّه تعالى أن أدعوكم إليه، فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي و وصيي و خليفتي فيكم؟ قال: فأحجم القوم عنها جميعا، و قلت أنا يا نبيّ اللّه أكون وزيرك عليه، فأخذ برقبتي، ثم قال: إنّ هذا أخي و وصيي و خليفتي فيكم، فاسمعوا له و أطيعوه» 77 خلّف رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم في غزوة تبوك عليّا (عليه السلام) على أهله في المدينة. فقال المنافقون ما خلّفه إلاّ استثقالا له، فلحق عليّ (عليه السلام) برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم و نقل له ما قاله المنافقون، فقال صلى اللّه عليه و آله و سلّم كذبوا، و لكنّي خلّفتك لما تركت ورائي، فارجع فاخلفني في أهلي و أهلك، أ فلا ترضى يا علي أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي؟ 79 قال معاوية بن أبي سفيان لسعد بن أبي وقاص: ما منعك أن تسبّ أبا تراب؟ فقال: أمّا ذكرت ثلاثا قالهن له رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم فلن أسبّه... سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يقول له و قد خلّفه في بعض مغازيه: أ ما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبوّة بعدي.

و سمعته يقول يوم خيبر: لأعطينّ الراية رجلا يحبّ اللّه

ص: 507

و رسوله، و يحبّه اللّه و رسوله قال: فتطاولنا لها، فقال: ادعوا عليّا، فاتي به أرمد، فبصق في عينه، و دفع الراية إليه، ففتح اللّه عليه.

و لمّا نزلت هذه الآية: فَقُلْ تَعٰالَوْا نَدْعُ أَبْنٰاءَنٰا وَ أَبْنٰاءَكُمْ دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم عليّا و فاطمة و حسنا و حسينا، فقال: «اللّهمّ هؤلاء أهلي» 106,80 إنّ النبيّ سمّى أبناء عليّ كأسماء أبناء هارون و قال: «إنّما سمّيتهم بأسماء ولد هارون شبّر و شبير و مشبر» 81 يوم آخى بين أصحابه جاءه علي (عليه السلام) و قال:

آخيت بين أصحابك، و لم تؤاخي بيني و بين أحد؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: «أنت أخي في الدنيا و الآخرة» 81 أجمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم الخروج إلى الحجّ في السنة العاشرة من الهجرة، و أذّن في الناس بذلك، تلك الحجة التي سمّيت بحجّة الوداع، و اشترك معه جموع لا يعلم عددها إلاّ اللّه، و أقل ما قيل إنّه خرج معه تسعون ألفا، فلمّا قضى مناسكه و انصرف ، راجعا إلى المدينة، و معه تلك الجموع الغفيرة، و وصل إلى غدير «خم» من الجحفة، التي تتشعّب فيها طرق المدنيين و المصريين و العراقيين، و ذلك يوم الخميس، الثامن عشر من ذي الحجة نزل جبرائيل الأمين عن اللّه تعالى بقوله: يٰا أَيُّهَا اَلرَّسُولُ بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ و كان أوائل القوم قريبين من الجحفة، فأمر رسول اللّه أن يرد من تقدّم منهم، و يحبس من تأخّر عنهم، حتّى إذا أخذ القوم منازلهم، نودي بالصلاة، صلاة الظهر، فصلّى بالناس، و كان يوما حارّا، فلمّا انصرف من صلاته، قام خطيبا وسط القوم، رافعا صوته و أسمع الجميع، فقال:

الحمد للّه، و نستعينه، و نؤمن به، و نتوكّل عليه،

ص: 508

و نعوذ باللّه من شرور أنفسنا و سيّئات أعمالنا، الذي لا هادي لمن أضلّ و لا مضلّ لمن هدى، و أشهد أن لا إله إلاّ اللّه، و أنّ محمّدا عبده و رسوله، أمّا بعد:

أيّها الناس، إنّي اوشك أن ادعى فأجبت، و إنّي مسئول و أنتم مسئولون، فما ذا أنتم قائلون؟».

قالوا: «نشهد أنّك قد بلّغت و نصحت، و جهدت، فجزاك اللّه خيرا» قال: «أ لستم تشهدون أن لا إله إلاّ اللّه، و أنّ محمدا عبده و رسوله، و أنّ جنّته حقّ و ناره حقّ، و أنّ الموت حقّ، و أنّ الساعة آتية لا ريب فيها، و أنّ اللّه يبعث من في القبور»؟.

قالوا: «بلى، نشهد بذلك».

قال: «اللّهمّ أشهد». ثم قال: «أيّها الناس، ألا تسمعون؟» قالوا: نعم.

قال: «فإنّي فرط على الحوض، فانظروني كيف تخلفوني في الثقلين».

فنادى مناد: «و ما الثقلان يا رسول اللّه؟».

قال: «الثقل الأكبر، كتاب اللّه، و الآخر الأصغر، عترتي، و إنّ اللطيف الخبير نبّأني انّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، فلا تقدموهما فتهلكوا، و لا تقصروا عنهما فتهلكوا».

ثمّ أخذ بيد عليّ فرفعها، حتى رؤي بياض آباطهما، و عرفه القوم أجمعون، فقال:

«أيّها الناس، من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟» قالوا: «اللّه و رسوله أعلم» قال: «إنّ اللّه مولاي، و أنا مولى المؤمنين، و أنا أولى بهم من أنفسهم. فمن كنت مولاه، فعليّ مولاه - يقولها ثلاث

ص: 509

مرّات - ثم قال: اللّهمّ وال من والاه، و عاد من عاداه، و أحبّ من أحبّه، و أبغض من أبغضه، و انصر من نصره، و اخذل من خذله، و أدر الحقّ معه حيث دار، ألا فليبلّغ الشاهد الغائب».

ثمّ لم يتفرّقوا حتّى نزّل أمين وحي اللّه بقوله: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي الآية، فقال رسول اللّه: «اللّه أكبر على إكمال الدين، و إتمام النعمة و رضى الرب برسالتي، و الولاية لعلي من بعدي».

ثمّ أخذ الناس يهنّئون عليّا، و ممّن هنّأه الشيخان أبو بكر و عمر، كلّ يقول: بخ بخ، لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي، و مولى كلّ مؤمن و مؤمنة.

و قال حسّان: ائذن لي يا رسول اللّه أن أقول في عليّ أبياتا، فقال: «قل على بركة اللّه» فقام حسّان، فقال:

يناديهم يوم الغدير نبيّهم بخمّ و اسمع بالرسول مناديا الى آخر الأبيات، فلمّا سمع النبيّ أبياته قال: «لا تزال يا حسّان مؤيّدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك» 82-85 لما حضر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و في البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، قال النبيّ: «هلمّ اكتب لكم كتابا لا تضلّوا بعده أبدا » فقال عمر: «إنّ النبيّ قد غلب عليه الوجع، و عندكم القرآن، حسبنا كتاب اللّه» فاختلف أهل البيت، فاختصموا، فلمّا أكثروا اللغو و الاختلاف عند النبيّ، قال لهم صلى اللّه عليه و آله و سلّم: قوموا. 100 قد اهتمّ النبيّ ببعث سرية اسامة بن زيد اهتماما عظيما، فأمر الصحابة بالتهيّؤ لها، و حثّهم عليها، ثمّ عبّأهم بنفسه الزكية، فلم يبق أحدا من وجوه المهاجرين و الأنصار كأبي بكر و عمر، و أبي عبيدة، و سعد، و أمثالهم، إلاّ و قد عبّأه بالجيش، فلمّا كان يوم الثامن و العشرين من صفر، بدأ به صلى اللّه عليه و آله و سلّم مرض الموت، و وجدهم مثّاقلين، خرج إليهم فحضّهم على السير،

ص: 510

و عقد اللواء لاسامة بيده الشريفة، إرهافا لعزيمتهم ثم قال: «اغز باسم اللّه و في سبيل اللّه».

فخرج بلوائه معقودا، فدفعه إلى بريدة، و عسكر بالجرف، ثم تثاقلوا هناك، فلم يبرحوا، و قد أغضب النبي تثاقلهم، حتى قال: «جهّزوا جيش اسامة، لعن اللّه من تخلّف عنه؟» 100 إنّ عمر قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: «أو لسنا على الحق، و هم على الباطل؟» قال رسول اللّه: «بلى»، قال: «أو لسنا قتلانا في الجنّة و قتلاهم في النّار؟» قال: «بلى»، قال: «ففيم نعطي الدنية في ديننا، و نرجع و لمّا يحكم اللّه بيننا و بينهم؟»، فقال صلى اللّه عليه و آله و سلّم: «يا ابن الخطاب، إنّي رسول اللّه، و لن يضيّعني اللّه أبدا». 102 «يا أيّها الناس إنّي تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا، كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي» 105 «إنّي تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا، كتاب اللّه، حبل ممدود من السماء إلى الأرض، و عترتي أهل بيتي، و لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما» 105 عن أمّ سلمة قالت: إنّ آية التطهير نزلت في بيتي و أنا جالسة عند الباب فقلت: يا رسول اللّه، أ لست من أهل البيت؟ فقال: لا إنّك على خير، أنت من أزواج رسول اللّه. قالت: و في البيت رسول اللّه و عليّ و فاطمة و حسن و حسين، فجلّلهم بكسائه، و قال: «اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا» 107 عن أنس أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم كان يمرّ بباب فاطمة إذا خرج إلى الصلاة حين نزلت هذه الآية قريبا من ستّة أشهر، يقول:

«الصلاة أهل البيت: إِنَّمٰا يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً 107 عن زيد بن الأرقم، قال: قام رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يوما فينا خطيبا بماء يدعى خمّا، بين مكّة و المدينة، فحمد اللّه و أثنى عليه، و وعظ و ذكّر ثم قال: «أمّا بعد ألا أيّها الناس، إنّما أنا بشر، يوشك أن يأتيني رسول ربّي فأجيب، و أنا تارك فيكم ثقلين، أوّلهما كتاب اللّه فيه الهدى و النور، فخذوا بكتاب اللّه، و استمسكوا به». فحثّ على كتاب اللّه و رغّب فيه، ثم قال:

ص: 511

«الصلاة أهل البيت: إِنَّمٰا يُرِيدُ اَللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ اَلرِّجْسَ أَهْلَ اَلْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً 107 عن زيد بن الأرقم، قال: قام رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يوما فينا خطيبا بماء يدعى خمّا، بين مكّة و المدينة، فحمد اللّه و أثنى عليه، و وعظ و ذكّر ثم قال: «أمّا بعد ألا أيّها الناس، إنّما أنا بشر، يوشك أن يأتيني رسول ربّي فأجيب، و أنا تارك فيكم ثقلين، أوّلهما كتاب اللّه فيه الهدى و النور، فخذوا بكتاب اللّه، و استمسكوا به». فحثّ على كتاب اللّه و رغّب فيه، ثم قال:

«و أهل بيتي، أذكّركم اللّه في أهل بيتي، اذكّركم اللّه في أهل بيتي، أذكّركم اللّه في أهل بيتي» 107 «إنّما مثل أهل بيتي في أمّتي كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا، و من تخلّف عنها غرق» 108 «يكون اثنا عشر أميرا... كلّهم من قريش» 111,109 عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يقول:

«لا يزال الإسلام عزيزا إلى أثنى عشر خليفة» فقال كلمة صمّنيها الناس فقلت لأبيّ: ما قال؟ قال: «كلّهم من قريش» 110 عن جابر أيضا قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يقول «لا يزال الدين قائما حتّى تقوم الساعة، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش» 110 عن جابر قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: «إنّ هذا الدين لن يزال ظاهرا على من ناواه، لا يضرّه مخالف و لا مفارق حتّى يمضي من أمّتي اثنا عشر خليفة» ثمّ تكلّم بشيء لم أفهمه، فقلت لأبيّ: ما قال؟ قال: قال: «كلّهم من قريش» 110 عن جابر قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم يقول: «لا يزال هذا الأمر صالحا، حتّى يكون اثنا عشر أميرا... كلّهم من قريش» 111 «لا يزال الناس بخير إلى اثني عشر خليفة... كلّهم من قريش» 111

ص: 512

«لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد، لطوّل اللّه ذلك اليوم، حتى يخرج رجل من ولدي، فيملؤها عدلا و قسطا، كما ملئت جورا و ظلما» 133 «لو لم يبق من الدهر إلاّ يوم واحد، لبعث اللّه رجلا من أهل بيتي يملؤها عدلا كما ملئت جورا» 134 «لا تذهب الدنيا حتّى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي» 134 «المهديّ من عترتي من ولد فاطمة» 135 «يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي» 135 «إنّه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ اللّه ذرية آدم اعظم من فتنة الدجّال... - إلى أن قال - و إمامهم رجل صالح، فبينما إمامهم قد تقدّم ليصلّي بهم الصبح، إذ نزل عليهم عيسى بن مريم، فرجع الإمام ينكص يمشي القهقرى، ليقدّم عيسى يصلّي بالناس، فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول له : تقدم فصلّ فإنّها لك أقيمت، فيصلّي بهم إمامهم...» 135 «كيف بكم إذا نزل فيكم المسيح ابن مريم و إمامكم منكم» 137 «بعثت أنا و الساعة كهاتين» 138 عن حذيفة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم: «أوّل الآيات الدجّال ، و نزول عيسى، و نار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس الى المحشر، تقيل معهم إذا قالوا، و الدخان» قال حذيفة: يا رسول اللّه، و ما الدخان؟ فتلا رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم الآية: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي اَلسَّمٰاءُ بِدُخٰانٍ مُبِينٍ... يملأ ما بين المشرق و المغرب يمكث أربعين يوما و ليلة، أمّا المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكام، و أمّا الكافر بمنزلة السكران يخرج من منخريه و اذنيه و دبره» 245 عن حذيفة بن أسيد قال: اطّلع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم علينا و نحن

ص: 513

نتذاكر فقال: ما تذكرون؟ قلنا: نذكر الساعة، قال: «إنّها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات فذكر: الدخان، و الدجّال، و الدابّة، و طلوع الشمس من مغربها، و نزول عيسى ابن مريم، و يأجوج و مأجوج، و ثلاثة خسوف: خسف بالمشرق و خسف بالمغرب، و خسف بجزيرة العرب، و آخر ذلك نار تطرد الناس إلى محشرهم» 293,252 عن ابن عباس قال: حججنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم حجّة الوداع، فأخذ باب الكعبة، ثمّ أقبل علينا بوجهه، فقال: «ألا اخبركم بأشراط الساعة» و كان أدنى الناس منه يومئذ سلمان فقال: بلى يا رسول اللّه، فقال: «إنّ من أشراط القيامة: إضاعة الصلاة، و اتّباع الشهوات، و الميل مع الأهواء، و تعظيم أصحاب المال، و بيع الدين بالدنيا، فعندها يذاب قلب المؤمن و جوفه كما يذوب الملح في الماء ممّا يرى من المنكر فلا يستطيع أن يغيره» 252 ورد عن النبيّ أنّه لم يرتحل من منزل إلاّ صلّى فيه ركعتين و قال: «حتّى يشهد عليّ بالصلاة» 261 «يا أبا ذر، ما من رجل يجعل جبهته في بقعة من بقاع الأرض، إلاّ شهدت له بها يوم القيامة» 262 «لا يبقى برّ و لا فاجر إلاّ دخلها فتكون على المؤمن بردا و سلاما، كما كانت على إبراهيم، حتّى أنّ للنار ضجيجا من بردهم، ثم ينجّي اللّه الذين اتّقوا و يذر الظالمين فيها جثيا» 262 «إنّه لم يكن نبيّ إلاّ له دعوة قد تنجّزها في الدنيا، و إنّي قد اختبأت دعوتي، شفاعة لامتي و أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة و لا فخر، و أنا أوّل من تنشقّ عنه الأرض و لا فخر و بيدي لواء الحمد و لا فخر، آدم فمن دونه تحت لواء و لا فخر...» 273 «من أراد أن يتخلّص من هول القيامة فليتولّ وليي، و ليتّبع

ص: 514

وصيي و خليفتي من بعدي علي بن أبي طالب، فإنّه صاحب حوضي، يذود عنه أعداءه و يسقي أولياءه فمن لم يسق منه لم يزل عطشانا و لم يرو أبدا. و من سقي منه شربة، لم يشق و لم يظمأ» 274 «أنا فرطكم على الحوض، من ورد شرب، و من شرب لم يظمأ أبدا، و ليردنّ عليّ أقوام أعرفهم و يعرفونني، ثم يحال بينه و بينهم» 274 «إذا دخل أهل الجنة الجنة و أهل النار النار، قيل يا أهل الجنة، فيشرئبّون و ينظرون، و قيل يا أهل النار، فيشرئبّون و ينظرون، فيجاء بالموت كأنّه كبش أملح، فيقال لهم: تعرفون الموت، فيقولون: «هذا، هذا» و كلّ قد عرفه، قال: فيقدّم فيذبح، ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، و يا أهل النار خلود فلا موت» 285 «لتتبعنّ سنن من كان قبلكم، شبرا بشبر، و ذراع بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضبّ لتبعتموه» قلنا: يا رسول اللّه اليهود و النصارى؟ قال: فمن؟ 294 «لا تقوم الساعة حتى تؤخذ أمتي بأخذ القرون قبلها، شبرا بشبر، و ذراعا بذراع» فقيل: يا رسول اللّه كفارس و الروم، قال:

و من الناس إلاّ اولئك؟ 294 «كلّ ما كان في الامم السابقة فإنّه يكون في هذه الامّة مثله، حذو النعل بالنعل، و القذّة بالقذّة» 294 «امرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلاّ اللّه، و يؤمنوا بما ارسلت به، فاذا فعلوا ذلك عصموا منّي دماءهم و أموالهم إلاّ بحقّها، و حسابهم على اللّه» 317 «إنّي ابعث لأشقّ عن قلوب الناس» 317 «لكل نبيّ دعوة مستجابة، فتعجّل كلّ نبيّ دعوته، و إنّي

ص: 515

اختبأت دعوتي، شفاعة لامّتي، و هي نائلة من مات منهم لا يشرك باللّه شيئا» 341 «اعطيت خمسا، و اعطيت الشفاعة، فادّخرتها لامّتي فهي لمن لا يشرك باللّه» 341 «إنّما شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي» 349,341 «إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم، فعليكم بالقرآن، فإنّه شافع مشفّع» 344 «شفاعتي نائلة إن شاء اللّه من مات و لا يشرك باللّه شيئا» 347 «شفاعتي لمن شهد أن لا إله إلا اللّه مخلصا، يصدّق قلبه لسانه، و لسانه قلبه» 347 «من غشّ العرب لم يدخل في شفاعتي و لم تنله مودتي» 347 «إذا ظهرت البدع في أمّتي، فليظهر العالم علمه، و إلاّ فعليه لعنة اللّه، و الملائكة و الناس أجمعين» 380 «ليلة اسري بيّ، مرّ بيّ إبراهيم فقال: مر أمّتك أن يكثروا من غرس الجنة، فإنّ أرضها واسعة و تربتها طيّبة، قلت: و ما غرس الجنة؟ قال: لا حول و لا قوة إلاّ باللّه» 425 «إنّ عمارا ملئ إيمانا من قرنه إلى قدمه، و اختلط الإيمان بلحمه و دمه» و جاء عمار إلى رسول اللّه و هو يبكي، فقال: «ما وراءك»؟ فقال: شر يا رسول اللّه، ما تركت حتّى نلت منك، و ذكرت آلهتهم بخير» فجعل رسول اللّه يمسح عينيه و يقول: «إن عادوا لك فعد لهم بما قلت» 431 «مثل أصحابيّ كالنجوم بأيّهم اهتديتم اقتديتم» 439 «يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابيّ فيحلئون عن الحوض، فأقول: «يا رب أصحابي» فيقول: «إنّه لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى» 441

ص: 516

«سحقا سحقا لمن بدل بعدي» 441 «أصحابيّ كالنجوم من اقتدى بشيء منه اهتدى» 444 «إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم، فعليكم بالقرآن، فإنّه شافع مشفّع، و ما حل مصدّق، من جعله أمامه قاده إلى الجنّة، و من جعله خلفه ساقه إلى النار» 449 الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) «و خلّف النبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم فيكم ما خلفت الأنبياء في اممها:

كتاب ربّكم فيكم، مبيّنا حلاله و حرامه، و فرائضه و فضائله، و ناسخه و منسوخه، و رخصه و عزائمه، و خاصّه و عامّة، و عبره و أمثاله، و مرسله و محدوده، و محكمه و متشابهه، مفسّرا مجمله، و مبيّنا غوامضه» 27 «اللّهمّ بلى، لا تخلو الأرض من قائم للّه بحجّة: إمّا ظاهرا مشهورا، و إمّا خائفا مغمورا، لئلاّ تبطل حجج اللّه و بيّناته» 41,38 «من استبد برأيه هلك، و من شاور الرجال في أمورها شاركها في عقولها» 58 «قال مخاطبا معاوية: إنّه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر و عمر و عثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، و لا للغائب أن يرد، و إنّما الشورى للمهاجرين و الأنصار، فإنّ اجتمعوا على رجل و سمّوه إماما، كان ذلك للّه رضى» 59 «أمّا بعد فانّ بيعتي بالمدينة لزمتك و أنت بالشام لأنّه بايعني الذين بايعوا أبا بكر و عمر...» ثم ختمها بقوله: «و إنّ طلحة و الزبير بايعاني ثم نقضا بيعتي، و كان نقضهما كردّهما، فجاهدتهما على ذلكم حتى جاء الحق، و ظهر أمر اللّه و هم

ص: 517

كارهون، فادخل فيما دخل فيه المسلمون» 59 «و إنّ الخلق لا مقصر لهم عن القيامة، مرفلين في مضمارها إلى الغاية القصوى» 170 «قد شخصوا من مستقر الأجداث و صاروا إلى مصائر الغايات» 170 «يوم يجمع اللّه فيه الأوّلين و الآخرين لنقاش الحساب، و جزاء الأعمال» 173 «فجدّدهم بعد إخلاقهم، و جمعهم بعد تفرّقهم، ثم ميّزهم لما يريده من مسألتهم عن خفايا الأعمال و خبايا الأفعال» 173 «أيّها الناس إنّا خلقنا و إيّاكم للبقاء لا للفناء، لكنّكم من دار إلى دار تنتقلون» 222 «و لو أنّ أحدا يجد إلى البقاء سلّما، أو لدفع الموت سبيلا، لكان ذلك سليمان بن داود (عليه السلام)، الّذي سخّر له ملك الجن و الأنس» 223 «فالموت في حياتكم مقهورين، و الحياة في موتكم قاهرين» 226 «و منهم تارك لإنكار المنكر بلسانه، و قلبه و يده، فذلك ميّت الأحياء» 226 «فهو يعضّ يده ندامة على ما أصحر له عند الموت من أمره» 230 «و الصراط المستقيم صراطان صراط في الدنيا و صراط في الآخرة، أمّا الصراط المستقيم في الدنيا فهو ما قصر عن الغلو، و ارتفع عن التقصير، و استقام فلم يعدل إلى شيء من الباطل، و أمّا الطريق الآخر فهو طريق المؤمنين إلى الجنّة» 270 «الاستغفار درجة العلّيين و هو اسم واقع على ستة معان:

ص: 518

أوّلها: الندم على ما مضى، و الثاني: العزم على الترك العود إليه أبدا، و الثالث: أن تؤدّي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى اللّه أملس ليست عليك تبعة، و الرابع: أن تعمد إلى كل فريضة ضيّعتها فتؤدّي حقّها، و الخامس: أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتى تلصق الجلد بالعظم و ينشأ بينهما لحم جديد، و السادس: أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية» 328,325 «إنّ قوما عبدوا اللّه رغبة، فتلك عبادة التجّار، و إنّ قوما عبدوا اللّه رهبة فتلك عبادة العبيد، و إنّ قوما عبدوا اللّه شكرا فتلك عبادة الأحرار» 333 «ثلاثة يشفعون إلى اللّه عز و جلّ فيشفّعون: الأنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء». 341 «من كذّب بشفاعة رسول اللّه لم تنله» 348 «و إن كان عليه فضل، و هو من أهل التقوى، و لم يشرك باللّه تعالى و اتقى الشرك به فهو من أهل المغفرة، يغفر اللّه له برحمته إن شاء و يتفضّل عليه بعفوه» 377 «و ما أخذ اللّه على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم و لا سغب مظلوم» 380 «إنّ هذا القرآن، هو الناصح الذي لا يغش، و الهادي الذي لا يضلّ» 449 «ثمّ أنزل عليه الكتاب نورا لا تطفأ مصابيحه و سراجا لا يخبو توقّده، و منهاجا لا يضل نهجه... و فرقانا لا يخمد برهانه» 449 «عن عليّ أنّه سئل عن آية المتعة، أ منسوخة؟ قال: لا، و قال: لو لا نهي عن المتعة ما زنى إلاّ شقي» 463

ص: 519

الإمام الحسين (عليه السلام) «صبرا بني الكرام، فما الموت إلاّ قنطرة تعبر بكم عن البؤس و الضراء إلى الجنان الواسعة، و النعيم الدائمة، فأيّكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر» 222 «مخاطبا معاوية بن أبي سفيان: أ لست قاتل حجر و أصحابه العابدين المخبتين الّذين كانوا يستفظعون البدع و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر، فقتلتهم ظلما و عدوانا من بعد ما أعطيتهم المواثيق الغليظة و العهود المؤكّدة، جرأة على اللّه و استخفافا بعهده»؟ «أو لست بقاتل عمرو بن الحمق الذي أخلقت و أبلت وجهه العبادة، فقتلته من بعد ما أعطيته من العهود ما لو فهمته العصم نزلت من سقف الجبال»؟ «أو لست قاتل الحضرمي الذي كتب إليك فيه زياد: إنّه على دين علي كرّم اللّه وجهه، و دين علي هو دين ابن عمه صلى اللّه عليه و آله و سلّم الّذي أجلسك مجلسك الذي أنت فيه، و لو لا ذلك كان أفضل شرفك و شرف آبائك تجشم الرحلتين: رحلة الشتاء و رحلت الصيف، فوضعها اللّه عنكم بنا، منّة عليكم» 436 الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) «إذا صار أهل الجنة، و دخل ولي اللّه إلى جنانه و مساكنه ، و اتكأ كل مؤمن منهم على أريكته، حفّته خدّامه و تهدّلت عليه الثمار، و تفجّرت حوله العيون، و جرت من تحته الأنهار، و بسطت له الزرابيّ، و صفّفت له النمارق، و أتته الخدام بما شاءت شهوته من قبل أن يسألهم ذلك، قال: و يخرجون عليهم الحور العين من الجنان فيمكثون بذلك ما شاء اللّه.

ثم إنّ الجبّار يشرف عليهم فيقول لهم: أوليائي و أهل طاعتي و سكّان جنّتي في جواري، هل أنبّئكم بخير ممّا أنتم فيه

ص: 520

فيقولون: ربّنا و أيّ شيء خير ممّا نحن فيه، نحن فيما اشتهت أنفسنا، و لذّت أعيننا من النعم في جوار الكريم، قال: فيعود عليهم القول، فيقولون: ربّنا نعم، فائتنا بخير ممّا نحن فيه، فيقول لهم تبارك و تعالى: رضائي عنكم و محبّتي لكم خير و أعظم ممّا أنتم فيه، فيقولون: نعم يا ربّنا، رضاك عنّا و محبّتك لنا خير لنا و أطيب لأنفسنا» 283 «اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد، و شرّف بنيانه، و عظّم برهانه، و ثقّل ميزانه، و تقبّل شفاعته» 341 «اللّهمّ و أصحاب محمّد خاصّة الذين أحسنوا الصحبة و الّذين أبلوا البلاء الحسن في نصره، و كاتفوه و أسرعوا إلى وفادته، و سابقوا إلى دعوته، و استجابوا له حيث أسمعهم حجّة رسالاته، و فارقوا الأزواج و الأولاد في إظهار كلمته، و قاتلوا الآباء و الأبناء في تثبيت نبوّته، و انتصروا به، و من كانوا منطوين على محبّته، يرجون تجارة لن تبور في مودته، و الذين هجرتهم العشائر، إذا تعلّقوا بعروته، و انتفت منهم القربات، إذا سكنوا في ظل قرابته، فلا تنس اللّهمّ ما تركوا لك و فيك، و أرضهم من رضوانك و بما حاشوا الخلق عليك، و كانوا مع رسولك، دعاة لك إليك، و اشكرهم على هجرهم فيك ديار قومهم، و خروجهم من سعة المعاش إلى ضيقه، و من كثرت في إعزاز دينك من مظلومهم. اللّهمّ و أوصل إلى التابعين لهم بإحسان الذين يقولون ربّنا اغفر لنا و لإخواننا» 444 الإمام الباقر (عليه السلام) «إنّ اللّه لم يدع الأرض بغير عالم، و لو لا ذلك لما يعرف الحق من الباطل» 38 روى زرارة قال سمعت أبا جعفر الباقر (عليه السلام)

ص: 521

يقول: «إنّ للقائم غيبة قبل أن يقوم» قلت: و لم؟ قال:

«يخاف»، قال زرارة يعني القتل. 147 «إذا قام قائمنا وضع يده على رءوس العباد، فيجمع عقولهم، تكتمل به أحلامهم» 152 قال الإمام لأحد أصحابه: «اعرض نفسك على ما في كتاب اللّه، فإن كنت سالكا سبيله، زاهدا في تزهيده، راغبا في ترغيبه، خائفا من تخويفه، فاثبت و ابشر، فإنّه لا يضرّك ما قيل فيك، و إن كان مبائنا للقرآن، فما ذا الذي يغرّك من نفسك» 266 «إنّ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر سبيل الأنبياء، و منهاج الصلحاء، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض و تؤمّن المذاهب، و تحل المكاسب، و ترد المظالم، و تعمر الأرض، و ينتصف من الأعداء و يستقيم الأمر» 378 «فأنكروا بقلوبكم، و الفظوا بألسنتكم، و صكّوا بها جباههم، و لا تخافوا في اللّه لومة لائم» 381 الإمام الصادق (عليه السلام) «إنّ الأرض لا تخلوا إلاّ و فيها إمام، كيما زاد المؤمنون شيئا ردّهم، و إذا نقصوا شيئا أئمّة لهم» 38 «إنّ المؤمن في زمان القائم، و هو بالمشرق، يرى أخاه الذي في المغرب، و كذا الذي في المغرب يرى أخاه الذي بالمشرق» 153 عند ما سئل عن أرواح المؤمنين، فقال: «في حجرات في الجنّة، يأكلون من طعامها، و يشربون من شرابها، و يقولون ربّنا اتمم لنا الساعة و أنجز ما وعدتنا» و سئل عن أرواح المشركين فقال: «في النار يعذّبون،

ص: 522

يقولون لا تقم لنا الساعة، و لا تنجز لنا ما وعدتنا» 236 «قال اللّه تعالى: وَ كَذٰلِكَ جَعَلْنٰاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدٰاءَ عَلَى اَلنّٰاسِ وَ يَكُونَ اَلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً فان ظننت بأنّ اللّه عنى بهذه الآية جميع أهل القبلة من الموحدين، أ فترى أنّ من لا تجوز شهادته في الدنيا على صاع من التمر، يطلب اللّه شهادته يوم القيامة، و يقبلها منه بحضرة جميع الأمم الماضية، كلاّ، لم يعن اللّه مثل هذا من خلقه» 259 «الناس يمرّون على الصراط طبقات، و الصراط أدق من الشعرة و من حد السيف، فمنهم من يمرّ مثل البرق، و منهم مثل عدو الفرس، و منهم من يمرّ حبوا، و منهم من يمرّ مشيا، و منهم من يمرّ متعلّقا قد تأخذ النار منه شيئا و تترك شيئا» 271 عن جعفر الكناسي قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): ما أدنى ما يكون به العبد مؤمنا، قال: يشهد أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمدا عبده و رسوله، و يقرّ بالطاعة، و يعرف إمام زمانه، فإذا فعل ذلك فهو مؤمن» 319 «ملعون، ملعون من قال: الإيمان قول بلا عمل» 322 «إنّ المؤمن ليشفع لحميمه، إلاّ أن يكون ناصبا، و لو أنّ ناصبا شفع له كل نبي مرسل و ملك مقرّب ما شفعوا» 347 «فإذا قبضه اللّه إليه، صيّر تلك الروح إلى الجنّة في صورة كصورته، فيأكلون و يشربون، فإذا قدم عليهم القادم عرفهم بتلك الصورة التي كانت في الدنيا» 399 «ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف» 450 الإمام الكاظم (عليه السلام) «لمّا حضر أبي الإمام الصادق (عليه السلام) قال لي: يا بني إنّه لا ينال شفاعتنا من استخفّ بصلاته» 348

ص: 523

الإمام الرضا (عليه السلام سأل المأمون العباسي، الإمام الرضا (عليه السلام) عن الرجعة، فأجابه «إنّها حقّ قد كانت في الأمم السالفة و نطق بها القرآن، و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يكون في هذه الأمّة كل ما كان في الأمم السالفة حذو النعل بالنعل، و القذّة بالقذّة» 295 عن الهروي قال: قلت للرضا (عليه السلام): يا بن رسول اللّه، أخبرني عن الجنة و النار أ هما اليوم مخلوقتان؟ فقال:

«نعم، و إنّ رسول اللّه قد دخل الجنّة و رأى النار، لما عرج به إلى السماء» قال: فقلت له: فإنّ قوما يقولون إنّهما اليوم مقدّرتان غير مخلوقتين، فقال (عليه السلام): «و أولئك منّا و لا نحن منهم، من أنكر خلق الجنة و النار، فقد كذّب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كذّبنا» 422 الإمام المنتظر (عجل اللّه فرجه الشريف) «و أمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي، فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبتها عن الأبصار السحاب» 145

ص: 524

فهرس الأشعار

الصفحة

نسخ و مسخ رسخ قسما *** إنسانا و حيوانا جمادا نما

300

تلعّب بالخلافة هاشمي *** بلا وحي أتاه و لا كتاب

114

تهدّدني بجبار عنيد *** فها أنا ذاك جبار عنيد

113

إذا ما جئت ربّك يوم حشر *** فقل يا ربّ مزّقني الوليد

113

إنّ بني الأدرد ليسوا من أحد *** و لا توفّاهم قريش في العدد

192

يا ليت جور بني مروان دام لنا *** وليت عدل بني العباس في النار

19

إذا ما فصّلت عليّا قريش *** فلا في العير أنت و لا في النفير

79

ص: 525

هم المولى و إن جنفوا علينا *** و إنّا من لقائهم لزور

92

صرت نظرة لو صادف جوز دارع *** غدا و العواصي من دم الجوف تنعر

209

و علي إمامنا و إمام *** لسوانا أتى به التنزيل

98

يوم قال النبيّ من كنت مولاه *** فهذا مولاه خطب جليل

98

و في يوم خم رقى منبرا *** و بلّغ و الصحب لم ترحل

98

فامنحه إمرة المؤمنين *** من اللّه مستخلف المنحل

98

ليت أشياخي ببدر شهدوا *** وقع الخزرج من وقع الأسل

113

لعبت هاشم بالملك فلا *** خبر جاء و لا وحي نزل

113

كرة حذفت بصوالجة *** فتلقّفها رجل رجل

458

و أوجب لي ولايته عليكم *** رسول اللّه يوم غدير خمّ

98

ص: 526

يناديهم يوم الغدير نبيّهم *** بخمّ و اسمع بالرسول مناديا

84

فقال فمن مولاكم و نبيّكم *** فقالوا و لم يبدوا هناك التعاميا

84

إلهك مولانا و أنت نبيّنا *** و لم تلق منافي الولاية عاصيا

84

فقال له قم يا علي فإنّني *** رضيتك من بعدي إماما و هاديا

84

فمن كنت مولاه فهذا وليّه *** فكونوا له أتباع صدق مواليا

85

هناك دعا اللّهمّ وال وليّه *** و كن للذي عادى عليا معاديا

85

الاختصاص كنداء دون يا *** كأيها الفتى بإثر ارجونيا

127

و كم قد سمعنا من المصطفى *** وصايا مخصّصة في علي

98

فقل للّه يمنعني طعامي *** و قل للّه يمنعني شرابي

114

ص: 527

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.