المهذّب المجلد 2

هوية الكتاب

المؤلف: عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي

الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي

الطبعة: 0

الموضوع : الفقه

تاريخ النشر : 1406 ه.ق

الصفحات: 607

المكتبة الإسلامية

المهذب

تأليف: الفقيه الأقدم القاضي

عبدالعزيز بن البراج الطرابلسي

400-481 هج

الجزء الثاني

مؤسسة النشر الإسلامي (التابعة)

لجماعة المدرسين المشرفة (ايران)

المحرّر الرقمي: محمّد علي ملک محمّد

ص: 1

اشارة

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

تقديم : جعفرالسبحاني

اشارة

رزقنا الله الاجتهاد

الذي هو اشد من طول الجهاد

هذه الكلمة المباركة التي افتتحنابه المقال قد سمعناها من بطل الفقه والاجتهاد ، الامام المغفور له: السيد حسين البروجردي (1) وقد نقلها عن الشيخ الأعظم الانصارى، في درسه الشريف ثم اضاف :

هذه الكلمة الصادرة عن شخصية لامعة في سماء العلم والفضيلة وعن بطل كبير في مجالي الفقه والاصول من الذين لا يسمح بهم الدهر الا في فترات بسيرة ويضن بهم الأفي الفينة بعد الفينة .

هذه الكلمة، توقفنا على مكانة الاجتهاد من العظمة والصعوبة وان الوصول اليه

ص: 3


1- القاها في محاضراته الأصولية التي كانت تحضرها عدة من الاعلام والفضلاء في مسجد « عشق على » فى « قم » المحميّة عند البحث عن حجية الخبر الواحد وذكرها الشيخ الأعظم فى التنبيه الثاني من تنبيهات الانسداد عند البحث عن نتيجة دليل الانسداد وانها هل هى قضية مهملة من حيث الاسباب او قضية كلية والموجود فى الفرائد هكذا : ووفقنا الله للاجتهاد ...... لاحظ طبعة رحمة الله صفحة 148.

لأيتم الا باقتحام عقبات وطی مسافات بعيدة ، اشد من العقبات التي يقتحمها المجاهد المناضل لفتح الجبال والقلل ، والامصار والبلدان ، الى درجة ان الشيخ الأعظم - وهو استاذ الفقهاء والمجتهدين وقد عكف على كتبه العلماء واستضاء بنور علمه الفضلاء - يتمناه ويطلب منه سبحانه ان يرزقه.

فاذا كان هذا هو حال الشيخ الأعظم وهو يطلب الاجتهاد ويدعو الله سبحانه ان يرزقه، فماظنك بغيره خصوصاً الطبقة الجدد الذين لم يمارسوا الاجتهاد والاستنباط الا في ابواب ومسائل بسيرة و...

هذا كلامه قدس سره نقلناه بتصرف يسير فنقول :

ان استفراغ الوسع واستنفاد الجهد في استنباط احكام الله سبحانه يتوقف على تحصیل علوم و احراز صلاحيات ذكرها الفقهاء في ابحاث القضاء والاجتهاد والتقليد تحت عنوان «مبادىء الاستنباط» ونحن في غنى عن تكريرها للقارىء الكريم في هذا المقام مع ضيق المجال غير انا نحب التركيز على أمرين مهمين كان يحث عليهما سيدنا الراحل آية الله البروجردى وكان عليهما نظام دراسته الفقهية .

1 - الوقوف على الاراء المطروحة في عصر الائمة

لاشك ان للايات اسباب نزول يعبر عنها احيانا بشأن النزول وهي تلعب دوراً كبيرا في ايضاح مفاد الآيات وتبيين اهدافها وتلقى ضوءاً على مضامينها ولا منتدح للباحث من الرجوع اليها اذا صحت اسنادها ووصلت اليه بطرق صحيحة .

نقول : كما ان للايات هذه الحال ، فكذا للروايات المأثورة عن ائمة اهل البيت مثل هذا فانه لاتظهر اهدافها الا بالمراجعة الى الموجبات والاسباب التي بعثت الأئمة الى القائها ، فالمسائل المعنونة فى احاديثهم والاسئلة التي طرحت عليهم ، والاجوبة التي اجابوا بها عنها ، كانت مطروحة في مجتمعهم وبيئتهم اذ كان للصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم من الفقهاء وجلسوا منصة الفتيا، فيها آراء ونظريات واقوال، فلم يكن للائمة المعصومين عندئذ بدّ عن ابداء النظر في هذه المسائل اما ابتداء او

ص: 4

بعد السؤال عنهم - من جانب اصحابهم وتلاميذهم - فكانت بين آراء اولئك الفقهاء في تلك المسائل وما قال به الائمة، صلة وثيقة ورابطة خاصة بحيث تعد تلك الاراء قرينة منفصلة لكلماتهم واحاديثهم وعند ذلك لاغنى للفقيه الباحث ، عن الوقوف على تلك الاراء والنظريات التي كان يتبناها فقهاء عصرهم حتى تكون على بصيرة كاملة منها ثم يرجع في كل مسألة الى ما اثر عن ائمة اهل البيت ويستوضح اهدافها على ضوء تلك الآراء المطروحة فى تلك الأوساط العلمية. فعند ذلك يتجلى لهذه المأثورات معنى خاص لم يكن مفهوما قبل الرجوع الى تلك الملابسات والظروف ، ولنأت بمثال وان كان ضيق المجال لا يسمح بذلك .

روى الصدوق فى الخصال في حديث شرائع الدين عن الامام الباقر عليه السلام انه قال:

«و الاجهار ببسم الله الرحمن الرحيم واجب»(1).

فاذا نظر الانسان الى هذه الكلمة ( واجب ) يتحير فى مفاد الرواية وانها الى ماذا تهدف ، فهل المراد وجوب الجهر في الصلوات التي تجهر فيها بالقراءة ، فهذا توضيح للواضح وان كان المراد وجوب الجهر بها في الصلوات الاخفائية ، فهذا لم يقل به احد وتكون الرواية معرضا عنها لعدم الافتاء بمضمونها ، غير انه اذارجع

الى الاقوال المطروحة حول البسملة في زمن الامام عليه السلام من جانب الفقهاء يقف على مضمون الرواية فان فقهاء عصر الامام (عليه السلام) كانوا :

بين قائل بترك البسملة فى القراءة لحديث انس وحديث ابن عبدالله المغفل قال : سمعنى ابي فانا اقول : بسم الله الرحمن الرحيم فقال اى بنى! محدث، اياك والحدث قال : ولم ار واحداً من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله كان ابغض اليه الحدث في الاسلام - يعنى منه - فاني صليت مع النبي (صلى الله عليه وآله) ومع ابي بكر وعمر وعثمان فلم اسمع احدا منهم يقولها فلا تقلها اذا صليت فقل الحمد لله رب العالمين ، اخرجه الترمذي وقال: حديث حسن وافتى بها مالك والأوزاعي وقالا لايقرؤها في اول الفاتحة لحديث انس .

ص: 5


1- الوسائل الجزء 4 الباب 21 من ابواب قرائة الصلاة الحديث 5.

وعن عائشة : ان النبي (صلى الله عليه وآله) كان يفتح الصلاة بالتكبير والقراءة ب «الحمد لله رب العالمين .

وبين قائل بانه يقرأ بها سراً ولا يجهر بها ولا تختلف الرواية عن احمد : ان الجهر بها غير مسنون قال الترمذى : وعليه العمل عند اكثر اهل العلم من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) ومن بعدهم من التابعين وبه يقول الحكم وحماد والأوزاعي والثورى وابن المبارك واصحاب الرأى .

نعم يروى عن عطاء وطاوس ومجاهد وسعيد بن جبير، الجهربها وهو مذهب الشافعي»(1).

وفى هذا الجو المزدحم بأقاويل حول نفس البسملة في الصلوات كلها، والجهر بها في خصوص الجهرية منها ، يقول الامام «و الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم واجب» ولا يريد منه الا الجهر في الصلوات الجهرية دون الاخفائية ولا يظهر هذا المعنى الابالرجوع الى آرائهم المطروحة حول البسملة ولاجل ذلك يقول الامام ابو عبد الله الصادق عليه السلام : كتموا بسم الله الرحمن الرحيم فنعم والله الأسماء كتموها (2).

ويقول الامام امير المؤمنين عليه السلام في في خطبة طويلة حول الاحداث التي ظهرت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعارضها الامام: والزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم(3)

لزوم دراسة الفقه المقارن

بهذا البيان يتجلى لزوم دراسة الفقه الاسلامى بشكل مقارن وبعرض المناهج والمدارس الفقهية بعضها على بعض والقضاء حولها بالكتاب والسنة وسائر الادلة الاجتهادية حسب ما فعله شيخ الطائفة الطوسى فى خلافه والعلامة في تذكرته ومنتهاه ، فان لتلك الدراسة مزايا ومعطيات خاصة لاتوجد في الدراسة على اساس مذهب واحد

ص: 6


1- لاحظ مغنى ابن قدامة ج 1 ص 418 - 420 - راجع الخلاف ج 1 ص 103 - المسألة 83 .
2- الوسائل الجزء 4 - الباب 21 - الحديث 2.
3- روضة الكافى ج8 ص 61 .

اضف اليه ان فى المقارنة تتجلى قوة منطق اهل البيت وصلابته كما يظهر ركونهم في بيان الاحكام قبل كل شيء إلى الكتاب والسنة ويتبين ان كثيرا من الفتاوى التي يتبناها غيرهم فتاوى شاذة عن الكتاب والسنة .

هذا وفى ضوء هذه الدراسة تنحل مشكله التقريب وترتفع موانعها اذ تظهر بوضوح ان الفقه الامامي يتفق غالباً مع احد آراء ائمة المذاهب الأربعة أو آراء من تقدمهم من الصحابة والتابعين والفقهاء الذين جاؤا بعدهم وعند ذلك يظهر انه لا اشكال في ان يعتنق ذلك المذهب كل من اراد ويعمل به علی قرار عمله بسائر المذاهب وان تتخذه الحكومات الاسلامية مذهبا رسمياً للمملكة من دون لزوم التقيد باطار خاص في المذاهب الفقهية .

2 - الشهرة الفتوائية وقيمتها :

هذا هو الأمر الثانى الذى نريد ان نركز عليه في هذا التقديم ونقول انه غير خفى على الباحث النابه ان الشهرة على اقسام ثلاثة :

1 - الشهرة الروائية

2 - الشهرة العملية .

3 - الشهرة الفتوائية

والمراد من الأولى هو اشتهار الرواية بين نقلة الاحاديث من دون افتاء على مضمونها وهذه الشهرة لاتسمن ولا تغنى من جوع بل هى موهنة للرواية لان نقل الرواية من دون الافتاء بمضمونها يورث الشك فيها اذلو كانت الرواية خالية عن الاشكال لما اعرض نقلتها عن مضمونها .

وعلى الجملة لو كانت الرواية مما يتعلق بالاحكام والافتاء بمضمونها فاعراض النقلة وشيوخ المحدثين والمفتين من بينهم ، يفيد انهم وقفوا على وجود خلل في جهة صدورها او غيرها من الجهات فلم يروها صالحة للاستناد فاعرضوا عنه، والرواية التى هذا شأنها خارجة عن حريم أدلة الحجية لان القدر المتيقن هو الخبر الموثوق

ص: 7

بصدوره وجهة صدورة والخبر المشكوك من بعض هذه الجهات غير مشمولة الادلة الحجية.

والمراد من الثانية هى الرواية المشهورة التى تضافرت على نقلها والافتاء بمضمونها، نقلة الاثار واصحاب الفتيا، فلاشك ان مثل هذه الشهرة يورث الاطمئنان وتسكن اليه النفس ، وهى التى يقول الامام فى حقها فى مقبولة عمر بن حنظلة «ينظر الى ما كان من روايتهما عنا في ذلك الذي حكما به ، المجمع عليه بين اصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ النادر الذى ليس بمشهور عند اصحابك فان المجمع عليه لاريب فيه ...... وانما الأمور ثلاثه : امر بین رشد ه فيتبع، وامر بين غيه فيجتنب ، وامر مشکل برد علمه الى الله ورسوله»(1)

وتوضيح الدلالة يتوقف على بيان امور اربعة :

1 - ان المراد من «المجمع عليه» ليس ما اتفق الكل على روايته بل المراد ماهو المشهور بين الاصحاب في مقابل ماليس بمشهور ويوضح ذلك قول الامام عليه السلام «ويترك الشاذ النادر الذى ليس بمشهور عند اصحابك».

2 - ان المراد من اجماع الأصحاب واشتهارها بينهم هو نقل الرواية مع الافتاء بمضمونه اذ هو الذي يمكن ان يكون مصداقاً لاريب فيه . والا فيكون مما فيه ريب كله والشك اجمعه .

3 - ان المراد من قوله «مما لا ريب فيه» هو نفى الريب على وجه الاطلاق لان النكرة في سياق النفى يفيد العموم فالرواية المشهورة اذا افتى على مضمونها الاصحاب يكون مصداقا لما ليس فيه أى ريب وشك، وما ربما يتصور من ان المراد من قوله «لا ريب فيه» هو نفى الريب النسبى بالاضافة الى الريب الموجود في مقابلها لاريب خلاف الظاهر و خلاف القاعدة المسلمة بين الادباء في مدخول «لا» النافية حيث اتفقوا

ص: 8


1- الوسائل الجزء 18 - الباب 9 - من ابواب صفات القاضي ، الحديث 1 وقد رواها المشايخ الثلاث في جوامعهم وتلقتها الاصحاب بالقبول بل هي المدار في باب القضاء ويظهر بالمراجعة إلى كتبه مضافاً الى اتقان الرواية وعلو مضمونها والشك والترديد فى صحتها اشبه شيىء بالوسوسة .

على انه يفيد العموم والاستغراق : مثل قوله « لا رجل في الدار ».

4 - ان هذا البيان يثبت ان الخبر المشهور المفتي به داخل في القسم الأول من التثليث الوارد في كلامه عليه السلام كما ان الخبر الشاذ داخل في القسم الثاني منه أخذا بحكم المقابلة لأنه إذا تبين صحة طرف واحد وصار مما لا ريب في صحته ، يصير الطرف المقابل ، مما لا ريب في بطلانه ، لا مما « فيه ريب ما وشك » إجمالا ، لأنه إذا صح كون زيد عادلا على وجه لا ريب في صحته ، يكون نقيضه مما لا ريب في بطلانه لا مما فيه ريب إجمالا بحيث يحتمل صحته وبطلانه.

ويترتب على ذلك أمران وان أشرنا إلى واحد منهما في طي البيان السابق :

الأول : ان وزان الشهرة العملية وزان بين الرشد ووزان الرواية الشاذة وزان بين الغي وان الامام عليه السلام لم يذكر التثليث في كلامه الا لتبيين تلك الجهة فلاحظ التثليث الذي نقلناه.

الثاني : ان الشهرة العملية من مميزات الحجة عن اللاحجة وليست من المرجحات فان المراد من المرجح هو ما يوجب تقديم احدى الحجتين على الأخرى مع كون المتعارضين حجتين في أنفسهما ككون احدى الروايتين مخالفة للعامة. وقد عرفت ان نسبة المشهور الى الشاذ ، نسبة بين الرشد الى بين الغي ومثل ذلك لا يعد من تعارض الحجة مع الحجة بل من قبيل مقابلة ما لا ريب في صحته مع ما لا ريب في بطلانه.

الشهرة الفتوائية المجردة من الرواية

الشهرة الفتوائية في مسألة مجردة من كل رواية وخبر ، هي التي طرحها الأصوليون عند البحث عن حجية الظنون ولكنهم مع الأسف لم يعطوا غالبا (1).

ص: 1


1- سيدنا الأستاذ الراحل آية اللّه البروجردي وبعده الأستاذ الأكبر الامام الخمينى دام ظله الوارف فقد استوفيا البحث في الشهرة الفتوائية المجردة راجع ما كتبناه عن دروس الامام مد ظله في هذا المضمار في « تهذيب الأصول » الجزء الثاني ص 100 - 102.

للبحث حقه وقد استوفينا الكلام في البحث عنها في ابحاثنا الأصولية ونأت بمجمل ما حققناه في محله.

ان المسائل التي تتحقق فيها الشهرة على قسمين :

1 - ان تكون المسألة من المسائل التفريعية التي استنبطها العلماء من القواعد والضوابط الواردة في الكتاب والسنة من دون ورود نص خاص عليها وهذا ما سماه بعض الأجلة بالفقه المستنبط ، والشهرة في هذا القسم لا قيمة لها لأنه إذا علم مصدر الفتوى ومدركها ، فأصحاب الشهرة وغيرهم في ذاك المجال سواسية ، فان تمت الدلالة فهو والا فترفض بلا اكتراث ولأجل ذلك ترى ان الشيخ الأعظم ومن بعدهم لا يعبأون بالإجماع حتى المحصل منه إذا تبين مصدر حكم المجمعين ومدركهم.

2 - ان تكون المسألة من المسائل المتلقاة عن الأئمة الذي يعبر عنه « بالفقه المنصوص » وقد عرفت في تقديمنا للجزء الأول من هذا الكتاب انه ظهر في أوائل القرن الرابع لون جديد من كتابة الفقه والفتيا وهو الإفتاء بمضمون الرواية مع حذف إسنادها وقد تعرفت على الذين كتبوا على هذا النمط وتعرفت على الكتب الموجودة بين أيدينا وان الصدوقين وشيخ الأمة : المفيد ، وتلميذه الأكبر شيخ الطائفة الطوسي يعدون من تلك الطبقة الفاضلة فأفردوا كتبا في ذلك المجال بتجريد الروايات من الأسانيد والإفتاء بمتونها.

فإذا رأينا اتفاق كلمة تلك الطبقة على مسألة من المسائل كشفنا عن وجود نص صريح وصل إليهم وأفتوا بمضمونه وان النص كان بمرحلة من التمامية من حيث السند والدلالة حتى دعاهم إلى الإفتاء بمضمونه قاطبة.

وعندئذ تدخل الشهرة الفتوائية المجردة في القسم الثاني من أقسام الشهرة اعنى الشهرة العملية لأنها إذا كانت العملية عبارة عن شهرة الرواية مع العمل والإفتاء بمضمونها ، تكون الشهرة الفتوائية في المسائل المتلقاة عن الأئمة ، نظيرة لها فإن إفتاء تلك الطبقة بشي ء قاطبة تلازم كلا الأمرين : وجود الرواية الواصل إليهم وان لم تصل إلينا ، والإفتاء بمضمونها.

ص: 2

فعند ذلك تشملها المقبولة بلفظها أو بمناطها.

نعم ربما يقال ان اتفاقهم على الإفتاء بمضمون الرواية يكشف عن كمالها من حيث السند والدلالة عندهم لا عندنا إذ من المحتمل انه لو كانت وصلت الرواية إلينا لم تكن تامة عندنا من كلتا الجهتين. ولكنه احتمال ضعيف فان مكانتهم العلمية وقرب عهدهم بزمن المعصومين عليهم السلام وتعرفهم على رجال الحديث ، يورث الاطمئنان بصدور الحديث أولا وتمامية دلالته ثانيا ولا يكون الاطمئنان الحاصل في ذاك المورد بأقل من الحاصل من خبر الثقة أو الخبر الموثوق بصدوره أو بصدقه.

ولو سلمنا ذاك الاحتمال ولكن الشهرة على هذا النمط ، يصد الفقيه المتورع عن الإفتاء على خلاف الشهرة المحققة عند القدماء على البيان الذي عرفته.

تسعون مسألة ليس لها دليل سوى الشهرة

كان سيدنا آية اللّه البروجردي أعلى اللّه مقامه يقيم وزنا كبيرا للشهرة الفتوائية ويرى مخالفتها امرا خاطئا غير جائز وكان يقول ان في الفقه الإمامي فتاوى مسلمة تلقاها الأصحاب قديما وحديثا بالقبول ينوف عددها على تسعين مسألة ليس لها دليل إلا الشهرة الفتوائية بحيث لو حذفنا الشهرة عن عداد الأدلة لأصبحت تلك المسائل فتاوى فارغة مجردة عن الدليل.

ومن المؤسف جدا انه رضوان اللّه عليه لم يعين موارد هذه الفتاوى ولم يسمها غير ان المظنون ان قسما وافرا منها يرجع الى باب المواريث والفرائض ففي ذاك الباب فتاوى ليس لها دليل إلا الشهرة.

الشهرة الفتوائية وأصحاب الأئمة

ومما يؤيد المقصود ما يستفاد من بعض الروايات من أن بعض أصحابهم عليهم السلام كان يرجح ويقدم الفتوى المشهورة عند أصحاب الأئمة « الذين كانوا بطانة علومهم وخزانة أسرارهم » على نفس النص الذي كان سمعه من نفس الامام وقد أقرها الامام على ذلك التقديم بعد ما اطلع عليه من دون اعتراض وهذا

ص: 3

ان دل على شي ء ، فإنما يدل قبل كل شي ء على ان الفتوى المشهورة بين خيار صحابتهم ( الذين استأمنهم الأئمة على غامض أسرارهم وأخذهم خزنة لعلومهم ) كانت حجة بلا كلام أولا ومقدمة على النص الذي القوة على السائل ثانيا وما هذا الا لتعرفهم على الحكم الواقعي الاولى وتميزه عن الحكم الثانوي وان شئت قلت : كانوا يعرفون جهات الصدور والحكم الجدي الصادر لبيان الواقع عن الحكم الصادر لغيره.

وعندئذ يمكن تسرية الحكم من خيار صحابتهم إلى الطبقة التي تليهم من مقاربي عصرهم وعهدهم ولأجل أن يقف القارئ على متون هذه النصوص نأتي ببعضها :

روى سلمة بن محرز قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : ان رجلا مات واوصى الى بتركته وترك ابنته قال : فقال لي : أعطها النصف قال : فأخبرت زرارة بذلك فقال لي اتقاك انما المال لها ، قال : فدخلت بعد ، فقلت : أصلحك اللّه ان أصحابنا زعموا أنك اتقيتني فقال : لا واللّه ما اتقيتك ولكني اتقيت عليك ان تضمن فهل علم بذلك أحد؟ قلت : لا قال : فأعطها ما بقي (1).

ويظهر من روايته الأخرى انه لم يلق زرارة وحده بل لقي عدة من أصحاب الإمام القاطنين في الكوفة حيث يقول : فرجعت فقال أصحابنا : لا واللّه. (2).

ترى ان الشهرة الفتوائية بلغت من حيث القدر والمنزلة عند الراوي إلى درجة منعته عن العمل بنفس الكلام الذي سمعه من الامام فتوقف حتى رجع الى الامام ثانيا. بل كانوا لا يتوقفون ويقدمون الفتوى المشهورة على المسموع من نفس الامام شخصيا

روى عبد اللّه بن محرز بياع القلانص قال : اوصى الى رجل وترك خمس مائة درهم اوست مائة درهم وترك ابنته وقال لي عصبة بالشام فسألت أبا عبد اللّه عن ذلك فقال : أعط الابنة النصف والعصبة النصف الأخر ، فلما قدمت الكوفة أخبرت أصحابنا فقالوا : اتقاك فأعطيت ابنته ، النصف الأخر ثم حججت فلقيت أبا عبد اللّه فأخبرته بما قال

ص: 4


1- الوسائل الجزء 17 - الباب 4 من أبواب ميراث الأبوين والأولاد الحديث 3
2- المصدر نفسه الباب 5 - الحديث 7

أصحابنا وأخبرته انى دفعت النصف الأخر للابن فقال : أحسنت إنما أفتيتك مخافة العصبة عليك (1).

وهذه الأحاديث تعرف مكانه الشهرة الفتوائية عند أصحاب الأئمة ومعه لا يصح لفقيه ، الاعراض عن الشهرة والإفتاء بالأصل أو الرواية الشاذة.

فتبين ان الشهرة الفتوائية في المسائل المتلقاة داخلة في مفاد المقبولة أو مناطها وان سيرة أصحاب الأئمة جرت على الاعتناء بها فمثل هذه الشهرة ان لم تكن مصدرا للفتيا فلا محالة تكون موجبا للاحتياط وعدم الإفتاء بشي ء أو الإفتاء بالاحتياط.

مناقشة نظرية بعض المحققين

ثم انه يترتب على ما ذكرناه أمران :

1 - كون الشهرة الفتوائية جابرة لضعف الرواية.

2 - إعراض المشهور موهن مسقط لحجيتها.

ولكن لبعض المحققين من الأعاظم نظرية أخرى في كلا المقامين نأتي به في الموردين.

قال : إذا كان الخبر الضعيف غير حجة في نفسه على الفرض وكذلك فتوى المشهور غير حجة على الفرض يكون المقام من قبيل انضمام غير الحجة الى غير الحجة فلا يوجب الحجية فان انضمام العدم الى العدم لا ينتج الا العدم.

ودعوى ان عمل المشهور بخبر ضعيف توثيق عملي للمخبر به فيثبت به كونه ثقة ، فيدخل في موضوع الحجية ، مدفوعة بأن العمل مجمل لا يعلم وجهه فيحتمل ان يكون عملهم به لما ظهر لهم من صدق الخبر ومطابقته للواقع بحسب نظرهم واجتهادهم لا لكون المخبر ثقة عندهم فالعمل بخبر ضعيف لا يدل على توثيق المخبر به ولا سيما انها لم يعملوا بخبر آخر لنفس هذا المخبر.

هذا كله من حيث الكبرى ، واما الصغرى وهي استناد المشهور الى الخبر

ص: 5


1- المصدر نفسه الباب - 5 - الحديث 4

الضعيف في مقام العمل والفتوى فإثباتها أشكل من إثبات الكبرى لان مراد القائلين بالانجبار هو الانجبار بعمل قدماء الأصحاب باعتبار قرب عهدهم بزمان المعصوم. والقدماء لم يتعرضوا للاستدلال في كتبهم ليعلم استنادهم الى الخبر الضعيف وانما المذكور في كتبهم مجرد الفتوى والمتعرض للاستدلال انما هو الشيخ الطوسي دون من تقدمه فمن أين يستكشف عمل قدماء الأصحاب بخبر ضعيف ومجرد المطابقة لا يدل على انهم استندوا في هذه الفتوى الى هذا الخبر إذ يحتمل كون الدليل عندهم غيره فانجبار الخبر الضعيف بعمل المشهور غير تام صغرى وكبرى (1).

وفيما افاده مجال للبحث :

أما أولا : فلان ما هو الحجة من الخبر حسب بناء العقلاء الذي هو الدليل الوحيد في المقام هو الخبر الموثوق بصدوره أو الموثوق بصدقه ، وحجية قول الثقة لأجل كون وثاقته امارة على صدوره من الامام وصدقه في كلامه ، وعلى ذلك فلو كان عمل الأصحاب مورثا للوثوق الشخصي بالصدور ، وان لم يكن مورثا لوثاقة المخبر كفى في كون الخبر حجة ، اللّهم الا ان يمنع من كونه مورثا للاطمئنان به وهو كما ترى هذا حول ما ذكر من منع الكبرى.

واما ثانيا : فلان ما ذكره من منع الصغرى قائلاً بأن إثبات استناد المشهور الى الخبر الضعيف أمر مشكل من إثبات الكبرى ، فغير تام لما عرفت من ان للقدماء من الفقهاء لونين من التأليف أحدهما بصورة الفقه المنصوص والأخر بصورة الفقه المستنبط ، وكان أساس الأول هو تجريد الأسانيد والأخذ بنفس المتون ( لا المضامين ) فاذا تضافرت فتاوى تلك الطبقة في مسألة ، على عبارة موجودة في الخبر الضعيف يستكشف اعتمادهم في مقام الإفتاء على ذاك الحديث واحتمال كون الدليل عندهم غيره مع وحدة التعابير ، ومع العلم بعدم خروجهم في مقام التأليف عن اطار النصوص كما ترى

* * *

ص: 6


1- مصباح الأصول ج 2 ص 202

كلام آخر له في إعراض المشهور

ثم : ان له دام ظله كلاما في كون إعراض المشهور موهنا قال : إذا كان الخبر الصحيح أو الموثق موردا لقيام السيرة ومشمولا لإطلاق الأدلة ، فلا وجه لرفع اليد عنه لإعراض المشهور عنه. نعم : إذا تسالم جميع الفقهاء على حكم مخالف للخبر الصحيح أو الموثق في نفسه يحصل العلم أو الاطمئنان بسبب ذلك بان هذا الخبر لم يصدر من المعصوم أو صدر عن تقية فيسقط الخبر المذكور عن الحجية.

واما إذا اختلف العلماء على قولين وذهب المشهور منهم الى ما يخالف الخبر الصحيح أو الموثق وأعرضوا عنه واختار غير المشهور منهم ما هو مطابق للخبر المذكور فلا وجه لرفع اليد عن الخبر الذي يكون حجة في نفسه لمجرد أعراض المشهور عنه (1).

ان القائل بكون الاعراض موهنا ومسقطا للحجية إنما يستند الى قوله عليه السلام في مقبولة عمر بن حنظلة : « فإن المجمع عليه لا ريب » ولا ينطبق ذلك الا على ما إذا بلغت الشهرة إلى حد جعل الخبر المشهور مما لا ريب في صحته ، والخبر الشاذ مما لا ريب في بطلانه ، ولا ينطبق ذلك الأعلى القسم الأول المذكور في كلامه لا القسم الثاني ، فيصير النزاع لفظيا.

احياء الدوارس أو نشر مآثر القدماء الفقهية

كل ذلك يوجب سعى الفضلاء الى الحصول على آثار القدماء ومآثرهم ورسائلهم وكتبهم سواء ألفت على نمط الفقه المنصوص أو على نمط الفقه المستنبط ولهذه الغاية قامت مؤسسة سيد الشهداء بتحقيق كتاب الجامع للشرائع للفقيه يحيى بن سعيد الحلي ( 600 - 681 ) كما قامت بتحقيق كتاب المهذب للفقيه الأقدم عبد العزيز بن البراج.

وهذا الجزء الذي يزفه الطبع الى القراء الكرام هو الجزء الثاني منه

ص: 7


1- مصباح الأصول ج 2 ص 203

وقد تعرفت على المؤلف في التقديم الذي قدمناه للجزء الأول منه ، وقد تصدى نسخه وتصحيحه ومقابلته مع النسخ التي المحنا إليه في مقدمة الجزء الأول لفيف من الفضلاء وثلة من رواد العلم والحقيقة أعني بهم أصحاب الفضيلة :

1 - الشيخ أحمد خدائى

2 - الشيخ إبراهيم بهادرى

3 - الشيخ حسين الأميني

4 - السيد محمد على الرجائي الأصفهاني

5 - الشيخ محمد الرضائي الأصفهاني

شكر اللّه جهودهم المباركة حيث قاموا بهذه المهمة العلمية الشاقة.

ثم قام بعدهم العلامة الحجة المحقق السيد عبد الرسول الجهرمى الشيرازي بتحقيق نصوص الكتاب والتعليق عليه وتخريج مصادره ورفع معضلاته فشكر اللّه مساعيه الجميلة.

وقد اتخذ نسخة المكتبة الرضوية أصلا في التصحيح والتعليق ورمز إليها بعلامة « ألف » كما رمز الى نسخة مكتبة آية اللّه البروجردي بعلامة « ب » والى نسخة مكتبة آية اللّه الخادمى بعلامة « خ ».

ونضيف في خاتمة المطاف : انه كان للسيد المحقق تعاليق على كتاب الإجارة وقد فاتنا طبعها في محلها ونعتذر اليه والعذر عند كرام الناس مقبول.

وآخر دعوانا عن الحمد اللّه رب العالمين

جعفر السبحاني

في 20 جمادى الآخرة من شهور عام 1406 ه. ق

ص: 8

« باب المزارعة والمساقاة »

اشارة

قولنا « مزارعة » اسم لعقد واحد ، وهو استئجار الأرض ببعض ما يخرج منها ، (1) وهي جائزة بالنصف أو الثلث ، أو أقل من ذلك أو أكثر ، ولا يجوز ان يجعل لأحد المتزارعين شي ء معين ولا يكون مشاعا ، مثل ان يكون لأحدهما ما بذره (2) أولا وللآخر ما يتأخر ، أو يكون لأحدهما ما ينبت على الجداول والماذيانات ، (3) وللآخر ما على الأبواب أو يكون لأحدهما الصيفي ، وللآخر الشتوي ، فجميع ذلك لا يجوز عقد المزارعة عليه لأنه قد ينمي أحدهما ، ويهلك

ص: 9


1- يظهر منه ان حقيقة المزارعة شرعا إجارة الأرض بحصة من حاصلها وهو الظاهر من النصوص الواردة فيها وفيه خلاف بين المتأخرين وقد تعرض المصنف وغيره أيضا في هذا الباب لمسائل إجارة الأرض للزرع بالنقدين ونحوهما لصدق المزارعة عليها أيضا عرفا.
2- في نسخة ( ب ) « ما يدرك أولا ».
3- في المسالك الجدول هنا النهر الصغير وقد يطلق على قطعة من الأرض يجمع حولها التراب وكلاهما مشتركان في عدم جواز اشتراطه انتهى والماذيانات بكسر الذال ويفتح كما في اللغة مسائل الماء وكأنها هنا أواخر الأرض المزروعة التي يسيل الماء إليها وفي نسخة ( ب ) على هذه الكلمة بعلامة نسخة البدل « المادريات » تارة و « الاديابات » اخرى وكأنهما تصحيف.

الأخر ، ولا يجوز لصاحب الأرض ان يأخذ المزارع الا بما تخرجه الأرض المعقود عليها ، ولا يجوز على كيل معين (1) من جنس ما زرع الأرض ، مثل ان يستأجر بحنطة ، ويزرع فيها حنطة ، ويجوز ان يشترك في المعاملة على ذلك الشركاء على ان يجعل كل واحد منهم من عنده في ذلك شيئا معلوما ، (2) ولا يجوز ان يجعل للبقر نصيب ولا للبذر نصيب ، (3) ويجوز استئجار الأرض بالدنانير والدراهم وغير ذلك من المعروض مدة معلومة.

وهي على ما تشترطه المتزارعون من العمل والقيام بالحرث والبقر وما ينفقون عليه ، كانت الأرض لهم أو لواحد منهم جائزة.

وإذا شرط مالك الأرض على المزارع نصف غلتها ، أو أقل من ذلك أو أكثر وجب له ذلك ان سلمت الغلة من الهلاك ، فان لم يسلم من ذلك ، وكان هلاكها بشي ء من الآفات السماوية أو الأرضية لم يجب له شي ء.

ص: 10


1- ظاهره منع إجارة الأرض بجنس ما يزرع فيها مطلقا سواء كان من حاصلها أم غيره وسواء كان نقدا أم نسيئة كما حكاه الشهيد رحمه. في المسالك عن المصنف وقال لا يخلو قوله من قوة للرواية الصحيحة الا ان المشهور على خلافه ومراده بالرواية خبر الحلبي عن الصادق عليه السلام : لا تستأجر الأرض بالحنطة ثم تزرعها حنطة ويؤيده بعض المطلقات الناهية عن إجارتها بالطعام لكن الظاهر من بعض آخر اختصاصه بما إذا كان من حاصلها ويمكن حمل الخبر على ذلك كما عن الشيخ فوجه المنع اشتراط كون الحاصل مشاعا بينهما بالنصف أو الثلث أو نحوهما ويحتمل حمل كلام المصنف أيضا عليه.
2- اى يجعل على نفسه شيئا معلوما من العمل أو المئونة وزاد هنا في نسخة ( م ) وهامش نسخة ( ب ) « ويزرع الإنسان في أرض غيره ببقرة وبذره على ان يدفع إليه شيئا معينا ».
3- ورد ذلك في الاخبار وحملها بعض على الكراهة وما في المتن أظهر.

فإن جعل المالك للمزارع أجرة معينة اما من العين أو الرزق (1) أو المكيل أو الموزون من غير غلتها. كان له ذلك إذا وفى بما شرط عليه المالك في العقد ، هلكت الغلة أو لم تهلك فان خالف في شي ء مما شرط عليه بطل ما شرطه له ، وكان له اجرة المثل ، ان كان فيما خالف فيه صلاح ، فان كان فيه فساد كان عليه ضمان ما فسد بتعديه.

ويفتقر في صحة المزارعة إلى تعيين المدة والوصف لما هي متعلقة به.

فاذا زارع رجل أرضا على ان يتولى زراعتها بنفسه وجب عليه ذلك ، ولم يجز له ان يعطيها غيره ، وان شرط عليه زراعة شي ء بعينه ، وجب ذلك أيضا عليه.

وإذا شارك المزارع غيره من الناس ، كان له ذلك ولم يكن لصاحب الأرض خلافه في ذلك.

وإذا استأجر الأرض وأراد ان يقيم نائبا عنه فيها كان له ذلك. وإذا استأجر الأرض بالثلث أو الربع أو بأقل من ذلك أو بأكثر ، جاز له ان يوجرها بأكثر من ذلك أو أقل.

فإن استأجر بعين أو ورق ، (2) وأراد ان يوجرها بأكثر من ذلك ، وكان

ص: 11


1- في نسخة ( ب ) « الورق » كما يأتي.
2- حكاه أيضا في المختلف عن المصنف في كامله وزاد بعد قوله لم يجز لان الذهب والفضة مضمونان وحاصل ما ذكره هنا ان استئجار الأرض ان كان بالمزارعة بحصة مشاعة من حاصلها جاز للمزارع ان يدفعها الى غيره من مزارعة بالأكثر وان كان بمال معين فان كان بالنقدين لم يجز ان يوجرها كذلك بالأكثر ولو بغير نوعهما الا ان يحدث في الأرض شيئا وان كان بمال آخر جاز إيجارها بالأكثر إذا اختلف نوعهما وان لم يحدث فيها شيئا وفي المسئلة أقوال منشأها اختلاف النصوص وما ذكره المصنف أولى الا ان جواز الأخير مع اختلاف النوع خلاف الظاهر وقد تقدم من المصنف في أوائل الإجارة جواز استئجار الأرض بالدينار ثم يدفعها الى غيره مزارعة بالنصف أو أقل أو أكثر كما تقدم أيضا انه إذا استأجر دابة أو دارا أو نحوهما بدينار جاز ان يوجرها بعشرين درهما أو أكثر والفرق بينها وبين المقام غير واضح والتفصيل لا يسعه المقام.

قد أحدث فيها حدثا ، مثل كرى نهر ، أو حفر ساقية ، أو ما أشبه ذلك كان جائزا ، وان لم يكن أحدث فيها حدثا ، لم يجز له ذلك. فان كان استأجرها بغير العين والورق من حنطة أو شعير أو غيرهما ، كان له ان يوجرها بأكثر من ذلك إذا اختلف النوع.

وإذا شرط صاحب الأرض على المزارع ان يكون عليه جميع مؤنة الأرض ، من كرى نهر أو حفر ساقية وبذر وغير ذلك من العمارة ، كان ذلك لازما له ويكون المقاسمة على ما يتفقان عليه فان شرط المزارع على صاحب الأرض أخذ البذر قبل القسمة ، كان له ذلك ، وان لم يشرطه كان البذر عليه (1) على ما شرط ، وإذا شرط عليه خراج الأرض ومؤنة السلطان كان ذلك عليه دون المالك ، فان شرط ذلك وكان مقدارا معينا وزاد السلطان المؤنة على الأرض ، كانت هذه الزيادة على صاحب الأرض دون المزارع ، وإذا شرط المزارع على صاحب الأرض جميع المؤنة من حفر ساقية وبذر وكرى نهر وغير ذلك من العمارة ، ويقوم المزارع بالأرض ومزارعتها وعمارتها كان ذلك على ما شرط ولم يلزمه من خراج الأرض شي ء ، ولا من مؤنة السلطان ولا غير ذلك ، وتجري المقاسمة بينهما على ما يتفقان عليه.

وإذا استأجر رجل أرضا مدة معينة ، كانت له المدة المعينة وعليه مال الإجارة زرع فيها أو لم يزرع ، فان منعه المالك منها وانقضت المدة لم يلزمه شي ء ، وان منعه منها ظالم ، لم يكن على المالك شي ء. (2)

ص: 12


1- أي لم يجز له أخذ مقداره قبل القسمة.
2- اى كان له مال الإجارة ولم ينقص منها شي ء لأن الظلم انما وقع على المستأجر ولكن تقدم في باب الإجارة انه إذا استأجر أرضا فلحقها أمر لا يقدر معه على زرعها أو افتقر أو مرض كان له نقض الإجارة وظاهره مناف لما هنا وما هنا أظهر كما أشرنا إليه هناك.

وإذا استأجر أرضا مدة معلومة ، وغرقت وكان قد تصرف فيها بعض المدة كان عليه من مال الإجارة بمقدار ما تصرف فيه ، ولم يلزمه الباقي ، وان كان لم يتمكن من التصرف فيها لم يكن عليه شي ء.

وإذا غصب إنسان غيره أرضا ، وبنى فيها ، أو زرع بغير اذنه ، كان لصاحب الأرض قلع زرعه ان لم يكن بلغ ، وهدم بنائه ، وأخذ أرضه فإن كان الزرع قد بلغ كان له ، وكان للمالك طسق الأرض.

وإذا استأجر إنسان دارا ليسكنها ، وفيها بستان فزرع فيها ، وغرس ، ثم أراد النقلة منها وكان قد فعل ذلك بأمر صاحبها ، كان على صاحبها ان يقوم ما فيها من ذلك (1) ويدفع اليه قيمته ، وان كان فعل ذلك بغير امره ، كان لصاحب الدار قلع ذلك ، وتسليمه اليه.

وإذا مات المستأجر أو المؤجر بطلت الإجارة بينهما في الحال.

وان هلكت الغلة ببعض الآفات السماوية ، كان مال الإجارة لازما للمستأجر.

وإذا استأجر رجل أرضا وباعها مالكها بعد ذلك ، لم يفسخ البيع الإجارة وان كان ذلك بحضرة المستأجر ، كان على المشترى الصبر الى ان تنقضي مدة الإجارة ،

ص: 13


1- روى الشيخ رحمه اللّه في التهذيب بإسناده عن محمد بن مسلم عن ابى جعفر (عليه السلام) في رجل اكترى دارا وفيها بستان فزرع في البستان وغرس نخلا وأشجارا وفواكه وغير ذلك ولم يستأمر صاحب الدار في ذلك فقال عليه الكرى ويقوم صاحب الدار الزرع والغرس قيمة عدل فيعطيه الغارس ان كان استأمره في ذلك وان لم يكن استأمره في ذلك فعليه الكرى وله الغرس والزرع ويقلعه ويذهب به حيث شاء ونحوه في الفقيه ولكن رواه في الكافي أيضا وذكر بعد قوله فيعطيه الغارس وان كان استأمر فعليه الكرى وله الغرس إلخ وهذا بعكس الأول والمصنف رحمه اللّه تبع الأول الا انه أهمل ذكر الكرى ولا يخفى ان لفظ الأول غير خال من الاضطراب إذ المفروض في السؤال عدم الاستيمار فلا يناسبه تقييد الجواب بالاستيمار لكن الحكم المذكور فيه أظهر واللّه العالم.

فان مات المشترى لها ولم تكن مدة الإجارة انقضت لم تبطل الإجارة أيضا بموته ، ووجب على وارثه الصبر الى ان تنقضي مدة الإجارة.

وإذا زارع إنسان في أرض على ثلث أو ربع وبلغت الغلة جاز للمالك ان يخرص الغلة على المزارع ثمرة كانت أو غير ثمرة ، فإن رضي المزارع بذلك الخرص أخذها ، وكان عليه حصة المالك ، سواء زاد الخرص ، أو نقص ، وكان الباقي له ، فان هلكت الغلة بإحدى الآفات السماوية لم يجب للمالك على المزارع شي ء.

وإذا اشترك اثنان في ضيعة ، وزرعاها ونبت الزرع ، ومات الواحد منهما بعد ذلك ، فقام أخر مقامه في الزرع ومراعاته ، فلما بلغ الحصار حضر وارث الميت وادعى ان السهم من الزرع له ، دون القيم المراعى له ، ودفعه عنه نظر في ذلك فان كان الزرع ، زرع ببذر الشريكين ، كان ذلك السهم للوارث الذي طلبه ، وللذي قام بمراعاته اجرة المثل.

وإذا زارع إنسان غيره في أرضه على ان يزرعها ببذره ، ويقوم عليها بنفسه بسهم معلوم ، فزرعها ولم تنبت الأرض الا في العام المقبل ، فلما بلغ الزرع الحصاد قال المزارع انا شريكك في الغلة ، وقال صاحب الأرض بل هي لي دونك ، كانت الغلة للمزارع ان كان البذر له ، وعليه للأرض أجرة المثل ، وان كان البذر لصاحب الأرض كانت الغلة له وعليه اجرة المثل للمزارع.

ص: 14

المساقاة

فاما المساقاة فالشرط فيها كالشرط في صحة المزارعة

والمساقاة في النخل والشجر كرما أو غير كرم بالنصف أو الثلث أو بأقل من ذلك ، لو أكثر جائزة. وتكون المئونة فيها على المساقى دون صاحب الأرض ، فإن ساقى الإنسان غيره على نخل أو شجر ، فلم يذكر ما له من القسمة ، كانت المساقاة فاسدة ، وكان لصاحب النخل والشجر ما يخرج من الثمرة ، وعليه اجرة المثل للمساقي.

ويكره لصاحب الأرض ان يشترط على المساقى مع المقاسمة شيئا من العين أو الورق ، فإن جرى ذلك بينهما ، وكان الشرط فيه على المساقي ، أو على المالك كان جائزا ، والأحوط تركه.

فان هلكت الثمرة ببعض الآفات السماوية لم يلزمه شي ء من ذلك ، وخراج الثمرة على صاحب الأرض ، فإن شرط ذلك على المساقى ، لزمه ذلك دون المالك.

وإذا أخذ إنسان أرضا ميتا (1) ولها مالك معروف فشرط المالك عليه إحيائها ويكون له ارتفاعها (2) مدة من الزمان ثم يعيدها الى مالكها كان جائزا.

ص: 15


1- أي صارت ميتا بعد الأحياء والا فلا يملكها أحد كما يأتي.
2- اى فوائدها.

ومن أخذ أرضا ميتا فأحياها ، ولم يعرف لها مالك ، كان اولى بالتصرف فيها من سائر الناس ، وكان عليه للسلطان طسقها. ومن أخذ أرضا ميتا ولها صاحب معروف ، وشرط عليه صاحبها أحياها وله ارتفاعها ، وشرط المحيى لها على صاحبها ان يكون مؤنة السلطان عليه كان جائزا ، ولصاحب الأرض أخذها متى شاء ذلك (1).

وإذا استأجر إنسان أرضا بأجرة معلومة ، وأراد ان يوجر بعضها بأكثر مال الإجارة ويتصرف هو في الباقي بما يبقى كان جائزا ، ويكره له ان يوجرها بأكثر مما استأجرها به ، الا ان يكون قد أحدث فيها حدثا ، وقد تقدم ذكر ذلك (2).

وإذا ابتاع إنسان مراعى بثمن معلوم ، جاز له ان يبيع بعضها بأكثر الثمن ، ويرعى هو الباقي بما يبقى ، وليس له ان يبيع ذلك (3) بمثل ما اشترى أو أكثر

ص: 16


1- الظاهر ان هذا إذا لم يقيده بمدة معينة والا لم يجز له أخذها قبل تمامها كما يشير اليه ما تقدم آنفا من قوله مدة من الزمان كما ان ما في بعض الاخبار أيضا من جواز أخذها إذا شاء محمول على ذلك لظاهر ما ورد فيه جواز تقبلها مدة معينة
2- أي في باب المزارعة لكن المذكور هناك عدم الجواز على تفصيل بين النقدين وغيرهما واما جواز ان يوجر بعضها بأكثر مال الإجارة فقد ورد في صحيح محمد بن مسلم بل تقدم في أوائل الإجارة انه يجوز ان يستأجر دارا ثم يوجر بعضها بمثل ما استأجرها لكن يمكن اختصاص ذلك عند المصنف بالدار للنص كما ذكرناه
3- المراد بالابتياع والبيع في هذه المسئلة هو الاستئجار والإيجار لكونهما بيعا لمنافع المرعى من العلف والكلاء وانما عبر بذلك تبعا للنص وهو موثق سماعة سأله (عليه السلام) عن رجل اشترى مرعى يرعى فيه بخمسين درهما أو أقل أو أكثر فأراد أن يدخل معه ويأخذ منهم الثمن قال فليدخل معه من شاء ببعض ما اعطى وان ادخل معه بتسعة وأربعين درهما وكان غنمه ترعى بدرهم فلا بأس وليس له ان يبيعه بخمسين درهما ويرعى معهم الا ان يكون قد عمل في المرعى عملا حفر بئرا أو شق نهرا برضا أصحاب المرعى فلا بأس بأن يبيعه بأكثر مما اشتراه به لأنه قد عمل فيه عملا رواه في الفقيه ونحوه في الكافي والتهذيب وظاهر الخبر اشتراط كون العمل في المرعى برضا صاحبه والمصنف اشترط ذلك في الإيجار الثاني وكأنه حمل الخبر عليه ووجهه غير واضح مع انه لم يشترط ذلك في غير المرعى.

ويرعى مع المشترى منه الا بعد ان يكون قد أحدث في ذلك حدثا ، ويكون ذلك برضا صاحب الأرض أيضا فان لم يرض المالك ببيعه من غيره ، لم يجز له ذلك وليس له ان يرعى الا وحده.

وإذا دفع إنسان إلى غيره نخلا معلومة هذه السنة بالنصف ، وقال له اعمل فيه برأيك أو لم يقل ذلك ، فدفعه العامل الى آخر معاملة بعشرين وسقا مما يخرج من الثمرة ، فعمل على هذا ، كان الخارج بين الأول ومالك النخل نصفين وللآخر على الأول أجر مثله ولو كان الشرط في المعاملة الأولى عشرين وسقا لأحدهما بعينه ، وفي الثانية النصف كان الخارج لمالك النخل وللآخر على الأول أجرة عمله وللأول على صاحب النخل اجرة ما عمل الأخر ، ولا ضمان عليه في ذلك ، وكذلك (1) إذا دفع الى غيره أرضا بالنصف أو الثلث ثم ارتد مالكها ، وخرج الزرع. فإن أسلم كان ذلك بينهما (2) على ما اشترطاه وان هلك على ردته وكان في الأرض نقصان كان النقصان (3) عليه والخارج بين العامل ووارث المرتد على الشرط ، وهكذا لو كان العامل هو المرتد ولو كانا جميعا مرتدين كان الخارج بينهما على الشرط في جميع ذلك فان قتلا أو لحقا بدار الحرب قام ورثتهما مقامهما فإن أسلما فهما على ما كانا عليه ولو عقدا المعاملة والمزارعة فيما ذكرناه

ص: 17


1- الظاهر زيادة لفظة « كذلك » وصوابه : وإذا دفع الى غيره أرضا إلخ وفي نسخة ( م ) وهامش نسخة ( ب ) بعلامة البدل مكان هذه العبارة. وإذا دفع المرتد أرضه وبذره الى إنسان مزارعة بالنصف فعمل على ذلك وخرج الزرع إلخ ولعله كانت العبارتان مذكورتين في نسخة المصنف وكانت العبارة الثانية مقدمة على الاولى فحينئذ لفظة « كذلك » ليست بزائدة.
2- ظاهره عدم الفرق في ذلك بين المرتد الفطري والملي لكن يأتي في الفرائض ان الفطري يقسم أمواله بين ورثته ويقتل في الحال ولا يستتاب.
3- في هامش نسخة ( ب ) بعلامة التصحيح هكذا : كان نقصان الأرض عليه والزرع له وان لم يكن في الأرض نقصان كان الخارج بين العامل إلخ فتأمل

وهما مسلمان ثم ارتد أحدهما وقتل على الردة أو لحق بدار الحرب فالخارج على الشرط بينهما ولم يبطل العقل بردته.

فان كان من أهل الحرب ودخل دار الإسلام بأمان فدفع إليه إنسان أرضا وبذرا مزارعة هذه السنة بالنصف كان جائزا ، وما يخرج يكون بينهما على ما اشترطاه وليس ينبغي للوالي أن يتركه في دار الإسلام هذه المدة.

وإذا ابتاع الحربي المستأمن أرضا عشرية ، أو خراجية فسلمها الى مسلم مزارعة كان جائزا ، ويكون ما يخرج بينهما على ما اشترطاه ، ويوضع عليه الخراج في أرضه ، ويجعل ذميا (1) ، ولا يمكن من الرجوع الى دار الحرب. وإذا دخل مسلم دار الحرب بأمان واشترى أرضا من أراضي الحرب ودفعها الى حربي مزارعة كان ما يخرج بينهما على ما يشترطانه ، وهكذا القول ان أخذ مسلم ارض حربي بالنصف. والمزارعة بين التاجرين المسلمين في دار الحرب بمنزلتها في دار الإسلام ، وهكذا هي بين مسلم تاجر ، وبين حربي أسلم هناك.

وإذا ابتاع مسلم تاجر في دار الحرب أرضا ودفعها الى حربي مزارعة بالنصف فزرعها فلما استحصد الزرع لم يحصد حتى ظفر المسلمون بدار الحرب فافتتحوها عنوة فإن الأرض والزرع لمن افتتحها ، (2) وان كان الزرع حصد ولم يحمل من

ص: 18


1- اى يصير بذلك في حكم الذمي وذكر العلامة رحمه اللّه في المختلف ان الوجه انه لا يصير كذلك ويجوز تمكينه من الرجوع الى مأمنه وتكون أرضه بحكم مال المستأمن قلت ما ذكره المصنف هنا حكاه الشيخ أيضا في المبسوط في إحياء الموات عن بعض ولم نعثر بعد على دليله.
2- قال العلامة في المختلف بعد نقل هذا الكلام عن المصنف : الوجه ان الأرض للمسلم لا يصير فيئا وكذا الزرع الذي يخصه. قلت قد يدل على قول المصنف في الأرض ما رواه الشيخ في التهذيب بإسناده عن حفص بن غياث قال سألت أبا عبد اللّه 7 عن الرجل من أهل الحرب إذا أسلم في دار الحرب وظهر عليهم المسلمون بعد ذلك فقال : إسلامه إسلام لنفسه ولولده الصغار وماله ومتاعه ورقيقه له. واما الدور والأرضون فهي في ء ولا يكون له لأن الأرض هي أرض جزية لم يجر فيها حكم أهل الإسلام إلخ فإن كونها أرض جزية كما يمنع عن تملك من أسلم فيها ، يمنع أيضا تملك مسلم اشتراها من أهلها واما جواز مزارعة المسلم لها فلجواز تصرفه فيها بالاشتراء أو لحدوث الملكية له موقتا ما لم يظهر عليها المسلمون وبهذا يظهر وجه قوله في الزرع أيضا بالنسبة إلى حصة المسلم فإنه قبل الحصاد تابع للأرض كما يظهر من التعليل في آخر الخبر المذكور بان ذلك أي الأموال غير الأرض يمكن احتيازه وإخراجه إلى دار الإسلام واللّه العالم.

الأرض حتى افتتح المسلمون الأرض ، كانت الأرض ونصيب الحربي فيئا للمسلمين ، وكان للمسلم نصيب من الزرع ولا فرق في البذر من أيهما كان ، وإذا كان مالك الأرض والمزارع مستأمنين في أرض الحرب وظهر المسلمون على الأرض ، والزرع قائم لم يحصد كانت الأرض والزرع فيئا للمسلمين ، وإذا كان قد حصد ، كانت الأرض فيئا والزرع بينهما على ما اشترطاه.

وإذا دفعها مسلم إلى حربي مزارعة هذه السنة بالنصف ، والبذر من أحدهما بعينه والعمل عليهما جميعا فعملا وأخرجت الأرض الزرع ثم أسلم أهل تلك الدار وقد استحصد ذلك الزرع ولم يحصل (1) كان فاسدا ، وما يخرج فهو لصاحب البذر وللآخر الأجر ، فان لم يسلم أهل تلك الدار ، وظهر المسلمون عليها كانت الأرض وما فيها فيئا ولم يكن لأحدهما على الأرض (2) شي ء من اجرة ولا غيرها.

ومزارعة الصبي والعبد المأذون لهما في التجارة ، بمنزلة الحر في المزارعة فاذا زارع العبد إنسانا فلم يزرع حتى حجر عليه سيده فنظر فيه بحيث ما كان (3)

ص: 19


1- كذا في الأصل وفي نسخة ( ب ) « ولم يحمل » والصواب « ولم يحصد » كما تقدم ولعل وجه الفساد هنا ما ذكرنا من عدم تملك المسلم لأرض الحرب بالاشتراء بضميمة انه ثبت ان الأرض إذا أسلم أهلها طوعا صارت ملكا لهم فيترتب عليه ان الحاصل لصاحب البذر وللآخر الأجر.
2- في نسخة ( ب ) « على الأخر » وهو أصح.
3- الصواب « فحيثما كان ».

للحران يمنع من المضي على المزارع ، كان للسيد ان يمنع عبده منه ويحجر عليه ، وحيث ما لم يكن للحر ذلك ، لم يكن لسيد العبد منع العبد منه ، ولا يبطل مزارعة العبد بحجر السيد عليه وكذلك الصبي بحجر أبيه عليه أو وصيه بعد إذنهما له ، وكذلك المعاملة في الشجر.

وإذا اشترى الصبي التاجر أرضا ، وحجر أبوه عليه فدفعها مزارعة بالنصف الى غيره يزرعها ببذره وعمله فعمل على ذلك ، كان الخارج للعامل وعليه نقصان الأرض ، فان لم يكن في الأرض نقصان كان الخارج بينهما على شرطهما ، فان كان البذر من جهة الدافع كان الخارج بينهما (1) وله عليه عوض البذر في جميع الوجهين ويغرم نقصان الأرض ، وهكذا لو لم يخرج الأرض شيئا.

وإذا دفع الحر الى العبد المحجور عليه أو الصبي الحر المحجور عليه أرضا وبذرا مزارعة بالنصف هذه السنة فزرعها وخرج الزرع وسلم العامل كان ما خرج بينهما على ما اشترطاه ، فان مات العبد وهو في عمل الزرع بعد ما استحصد الزرع كان صاحب الأرض ضامنا لقيمته ، والزرع كله له ، فان مات الصبي في عمل ذلك بعد استحصاد الزرع كان الزرع بينهما على شرطهما ، وعلى عاقلة صاحب الأرض دية الصبي ، وهكذا الحكم في المعاملة في الشجر.

وإذا دفع العبد المحجور عليه أرضا في يديه الى إنسان يزرعها ببذره وعمله هذه السنة ، فما خرج منها كان بينهما نصفين ، فزرعها العامل فأخرجت طعاما

ص: 20


1- كذا في الأصل ونسخة ( ب ) ولكن في نسخة ( م ) وفي المختلف عن المصنف كان الخارج للعامل وعليه غرم البذر إلخ والمراد بجميع الوجهين ان يكون في الأرض نقصان أم لا في مقابل الفرق المذكور بينهما إذا كان البذر من العامل وعلى كل حال ما ذكره المصنف لم نعرف وجهه لان الظاهر فساد مزارعة الصبي بعد حجر أبيه عليه وذكر العلامة في المختلف ان الحاصل للزارع إذا كان البذر منه وعليه أجرة الأرض وأرش النقصان ان نقصت سواء خرج أولا ولو كان البذر من الصبي كان الحاصل له.

كثيرا كان سيد العبد مخيرا بين ان يضمن الزارع أجرة أرضه ، وبين ان يأخذ نصف ما أخرجته ، ولا يضمن العامل شيئا.

وإذا كفل إنسان لصاحب الأرض بحصته مما تخرج الأرض ، والبذر من عند صاحب الأرض أو من العامل ، كان ذلك باطلا ، وليس على المزارع ضمان فيما هلك من الزرع ، وكذلك هذا الضمان (1) في المساقاة.

وإذا كانت المزارعة فاسدة والبذر من العامل وضمن إنسان لصاحب الأرض حصته مما تخرج ، كان الضمان باطلا ، ولا يجوز أخذ الكفيل بالأجر لأنه لم يضمنه ،

وإذا كان الشرط بعض الخارج في المزارعة والمعاملة (2) فاستحصد الزرع أو بعضه أو بلغ الثمر أو بعضه ، ثم باع أحدهما حصته قبل ان يقبضها كان بيعه جائزا ، فإن هلك لم يكن على واحد منهما ضمان ، وكذلك إذا لم يبلغ شي ء من الثمر وباعه مع مبيع آخر عنه حاضر (3) كان جائزا.

وإذا وكل إنسان غيره بأرض له على ان يدفعها مزارعة هذه السنة ، فدفعها مزارعة بالثلث أو أقل أو أكثر من ذلك كان جائزا ، الا ان يدفعها بشي ء يعلم محاباته فيه مما لا يتغابن الناس بمثله ، فان كان كذلك لم يجز ، فان زرعها الزارع ذلك فخرج الزرع ، كان بين المزارع والوكيل على ما اشترطا ولا شي ء لصاحب

ص: 21


1- اى كفل إنسان لصاحب الشجر بحصته مما تخرج ووجه بطلان الكفالة فيهما انه ليس المزارع مديونا بحصة المالك من الزرع والثمر كما أشار إليه بقوله وليس على المزارع ضمان فيما هلك من الزرع.
2- المراد بالمعاملة هنا وفي المسائل التالية المساقاة كما تقدم التعبير عنها آنفا بالمعاملة في الشجر والمراد بكون الشرط بعض الخارج ان تكون المزارعة والمساقاة بحصة معينة من الحاصل دون ان تكونا بنقد أو عين اخرى.
3- الصواب « عينه حاضرة » كما في نسخة ( ب ) بعلامة التصحيح ومقتضى الحكمين كفاية ضم الحاضر في بيع غير الموجود كما في بيع الثمر سنتين بظهوره في السنة الاولى وورد نحوه في غيره.

الأرض منه الا انه يضمن المزارع نقصان الأرض ، (1) ويرجع به على الوكيل ، وان أراد صاحب الأرض ضمن الوكيل ، وان كان ترك (2) فيه ما يتغابن الناس بمثله فالخارج بين المزارع وصاحب الأرض على ما اشترطا عليه. والوكيل هو الذي يلي قبض نصيب الموكل ، وليس لصاحب الأرض ان يقبضه الا بوكالة ، ولو كان صاحب الأرض أمر الوكيل ، بان يدفعها مزارعة ويعمل برأيه فيها ولم يسم له سنة ولا غيرها ، جاز للوكيل ان يدفعها أقل من سنة (3) وأكثر من ذلك أو بعد هذه السنة وان لم يدفع هذه السنة ما لم يعزله عن الوكالة.

وان كان البذر من قبل صاحب الأرض فدفعها الوكيل بما لا يتغابن الناس بمثله وحابى فيها ، كان ما يخرج بين الوكيل والزارع على الشرط ، ويضمن الوكيل البذر لصاحب الأرض ، ويضمن نقصان الأرض أيهما شاء ، فان ضمن الزارع رجع به على الوكيل (4).

وإذا دفع إنسان إلى غيره نخلا ووكله بان يدفعه معاملة هذه السنة ، ولم يسم له وقتا وهو على أول سنة ، فان دفعه بما لا يتغابن الناس فيه ، كان الخارج لصاحب النخل وللعامل أجر مثله.

وإذا وكله على ان يأخذ له نخلا معينا معاملة فأخذه بما يتغابن الناس بمثله ، كان جائزا على الشرط ، وصاحب المعاملة هو الذي يقبض نصيبه ، وان أخذ بما لا يتغابن

ص: 22


1- الظاهر انه ليس المراد بنقصان الأرض هنا تعيبها إذ ليس هذا ملازما للزرع ولا غالبا فيه بل نقصها من جهة الانتفاع بها وهو ملازم لاجرة المثل غالبا والا لزم نفى الأجرة لها بدون تعيبها.
2- كذا في النسخ والمراد انه دفعها بشي ء يتغابن الناس بمثله اى يتسامحون فيه.
3- في نسخة ( م ) والمختلف « أول سنة ».
4- نقل العلامة في المختلف عن المصنف هذه المسئلة بطولها وأورد عليه بوجوه من الاشكال فراجعه.

الناس فيه لم يلزم الوكيل (1) الا ان يريد ، فان عمله وقد علم بنصيبه ولم يعلم ، كان له ما شرطه.

وإذا أمره بأن يأخذ له نخلا معاملة أو أرضا مزارعة ، أو ان يأخذ له أرضا وبذرا مزارعة (2) الى إنسان غير معينة كان جائزا.

وإذا وكل غيره بان يدفع نخله هذا معاملة بالثلث ، فدفعه على ان الثلثين للعامل لم يلزم ذلك صاحب النخل ، فان وكله بأن يأخذ نخل زيد هذه السنة معاملة بالثلث وأخذه على ان للعامل الثلث (3) كان جائزا عليه.

وإذا وكل إنسان غيره بان يأخذ له أرضا مزارعة بالنصف أو الثلث ، فأخذها بكر حنطة أو بدراهم أو بشي ء من العروض لم يجز ذلك ، وكذلك لو أمره بأن يأخذ له هذا النخل معاملة على الثلث فأخذه بشي ء مما تقدم ذكره لم يجز الا ان يريد العامل.

وإذا تزوج الرجل المرية بزراعة أرضه هذه السنة على ان تزرعها ببذرها

ص: 23


1- الصواب : الموكل كما في المختلف عن المصنف ونسخة ( م ) وقوله الا ان يريد يعنى يرضى به ويجيز فعل الوكيل وقوله فان عمله بعد ما رضيه ويستفاد من ذلك ضمنا ان المعتبر علم الوكيل بالحصة الخاصة دون الموكل.
2- زاد هنا في هامش نسخة ( ب ) بعلامة التصحيح « ولم يعين شيئا من ذلك كان باطلا فإن أمره بأن يدفع أرضه مزارعة وان يدفع نخله معاملة » وفي متنها بعد ذلك « الى إنسان غير معين كان جائزا » فالمراد انه ان كان مورد الوكالة من الأرض والشجر مجهولا كان باطلا وان كان ذلك معلوما لكن الإنسان الذي يدفع اليه مجهول كان جائزا واما على ما في المتن فان صح يحتمل ان يكون الصواب : إلى أسنان اى سنوات معينة.
3- الصواب : الثلثين كالأول فالمراد انه ان خالف الموكل فان كان بضرره لم يجز وإن كان بمنفعته جاز كما في غير المقام.

وعملها فما أخرجت ، كان بينهما نصفين ، كان النكاح جائزا والمزارعة فاسدة ، (1) وكان صداقها مثل نصف أجر الأرض ، فإن طلقها قبل الدخول بها كان لها ربع أجر الأرض.

فإن زرعت المرأة الأرض ، وأخرجت زرعا أو لم تخرج ، ولم يطلقها كان الخارج للمرأة ، وعليها نصف أجر مثل الأرض ، ولم يكن لها صداق على الزوج (2) والمرية في الخلع بمنزلة الزرع (3) في النكاح ، وكذلك الحكم في المساقاة.

وإذا دفع إنسان إلى غيره نخلا معاملة على ان يلقحه ، فما خرج كان بينهما نصفين ، ولم يشترط صاحب النخل على العامل من العمل والحفظ ، شيئا غير ذلك نظر فان كان النخل يحتاج إلى السقي والحفظ ، كانت المعاملة فاسدة ، فإن لقحه العامل كان له أجر مثله ، وقيمة ما لقحه به.

وان كان لا يحتاج الى حفظ ولا سقى ولا عمل غير التلقيح ، كانت المعاملة جائزة فإن كان إذا سقي ، كان أجود لثمره الا ان تركه ، ليس بمضرة كانت المعاملة أيضا جائزة ، وان كان ترك السقي يضره ، وينقصه ويفسده بعضه ولا يفسد جميعه فالمعاملة فاسدة ، ولو كان ترك اشتراط التلقيح عليه ، واشترط ما عداه ، لما جاز لان تركه مضرة ،

ص: 24


1- لعدم جواز جعلها مهرا لجهالتها حصولا وقدرا فاذا فسد ذلك ، فسدت المزارعة أيضا لأن المفروض ان الزوج زارعها بعنوان المهر واما صحة النكاح فلان فساد المهر لا يقتضي فساده فينتقل المهر الى مثل الفاسد وهو هنا نصف أجرة الأرض وذكر في المختلف انه ينتقل الى مهر مثلها وهذا أصح فحينئذ إن طلقها قبل الدخول كان لها المتعة لا نصف المسمى لأنه صار كغير المسمى لها.
2- لأنه على مبني المصنف كان عليها نصف آخر من اجرة الأرض وهو مطابق لحقها عليه من الصداق.
3- الصواب « بمنزلة الزوج » كما في نسخة ( م ) وهامش نسخة ( ب ) بعلامة البدل وكذا في المختلف عن المصنف فالمراد انه إذا طلبت المرأة الخلع بزراعة أرضها كان الحكم كما ذكر بالنسبة إلى حق الزوج.

فقد بقي بعض العمل على صاحب النخل ، وهكذا كل عمل لا يصلح النخل الا به ولم يشترطه على العامل ، (1) وان كان النخل غير محتاج الى التلقيح ويعقد بغير تلقيح ، الا ان التلقيح أجود له ، فالمعاملة جائزة.

فإن دفع اليه النخل ملقحا ، (2) واشترط التلقيح على صاحب النخل لم يجز ، الا ان يشترط ان يلقحه في هذا الشهر على ان العامل يقوم عليه ويحفظه من أول الشهر الداخل فيكون جائزا.

وإذا مات صاحب الأرض أو المزارع أو ماتا جميعا ، واختلف ورثتهما أو اختلفا في حياتهما في شرط الأنصباء ، كان القول : قول صاحب البذر أو ورثته مع ايمانهم ، والبينة بينة الأخر ، وان اختلفوا في صاحب البذر كان القول قول المزارع وورثته لأنه في يديه ، والبينة بينة صاحب الأرض.

وإذا رهن إنسان عند غيره أرضا ونخلا بدين له عليه ، فلما قبضه المرتهن

ص: 25


1- قال المصنف في جواهر الفقه : ان المساقاة موضوعة على ان المال من صاحب المال ومن العامل العمل فاذا شرط العامل على صاحب المال العمل معه كان باطلا ونحوه في مبسوط الشيخ فالظاهر ان ما ذكره في هذه المسائل مبني على ذلك خلافا للمتأخرين من جواز ان يشترط بعض الأعمال دون جميعها على المالك كالمزارعة. قلت : على مبني المصنف لا يبعد الصحة بدون الاشتراط لأنها من قبيل ما وجب على العامل بأصل الشرع اللّهم الا ان يقول بان جهلهما بذلك مؤد إلى الغرر واما على مبني المتأخرين فإن كان لبعض الأعمال انصراف إلى أحدهما كالسقي والحفظ للعامل فهو والا ففيه وجوه.
2- هنا سقط وهو كما في نسخة ( م ) وهامش نسخة ( ب ) « واشترط عليه السقي والحفظ كان جائزا فإن دفعه اليه غير ملقح » ثم انه بناءا على ما تقدم من عدم جواز الاشتراط على المالك فالوجه للاستثناء التالي ان مضمون العقد يكون من أول الشهر الداخل نحو ما تقدم في الإجارة من جواز الفصل بين العقد وتملك المنفعة.

قال له الراهن اسقه واحفظه والقحه ، فمهما خرج فهو بيننا نصفان ففعل ذلك ، كان الخارج لصاحب النخل والمعاملة فاسدة ، (1) وكان للمرتهن أجر مثله في التلقيح والسقي ، دون الحفظ لان ذلك يلزمه في حق كونه رهنا ، وهكذا القول لو كان الرهن أرضا مزروعة قد صار الزرع فيها بقلا ، ولو كان الرهن أرضا بيضاء فزارعه الراهن عليها بالنصف والبذر من المرتهن كان جائزا ، ويكون ما يخرج على ما اشترطاه ، ويخرج من الرهن ولم يكن للراهن إعارتها رهنا.

فان مات الراهن وعليه دين ، لم يكن هذا المرتهن أحق بها من باقي الغرماء (2) قبل انقضاء المزارعة وبعدها.

ص: 26


1- قال في المختلف : الحق صحة هذه المعاملة كما لو عامل غيره بإذن المرتهن.
2- هنا سقط وهو كما في المختلف عن المصنف وهامش نسخة ( ب ) « فان كان البذر من الراهن كانت المزارعة جائزة وللمرتهن ان يعيدها في الرهن بعد فراغها من الزرع لأنه كان إعارة الأرض فان مات الراهن كان المرتهن أحق بها من باقي الغرماء » فقوله قبل انقضاء المزارعة وبعدها متعلق بهذا وقال العلامة في المختلف الحق انه لا فرق بين ان يكون البذر من الراهن أو المرتهن في عدم الخروج من الرهن وفي اختصاص المرتهن بها لو مات الراهن.

باب احياء الموات والتفريع القطائع والشرب

روى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله انه قال من أحاط حائطا على أرض فهي له (1) وقال عليه السلام موتان (2) الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم منى (3) وقال من سبق الى ما لم يسبقه اليه مسلم فهو أحق به (4) فاذا صح ذلك فالبلاد ضربان أحدهما بلاد الإسلام

ص: 27


1- رواه ابن حنبل في مسنده ج 3 من أحاديث جابر بن عبد اللّه الأنصاري وج 5 من أحاديث سمرة بن جندب ورواه أبو داود في سننه باب احياء الموات من كتاب الخراج بالإسناد إلى سمرة.
2- في هامش النسخة هنا الموتان الأرض التي لم يحيى بعد للزرع والإصلاح وكذلك الموات.
3- رواه السيوطي في الجامع الصغير عن سنن البيهقي عن ابن عباس لكن ذكر في ذيله مكان « ثم هي لكم منى » فمن أحيا منها شيئا فهو له نعم فيه أيضا عن البيهقي ان عادي الأرض لله ولرسوله ثم لكم من بعدي فمن أحيا شيئا من موات الأرض فله رقبتها والعادي منسوب الى عاد أي الأرض الخربة القديمة.
4- رواه أبو داود في سننه باب أقطاع الأرض من كتاب الخراج والامارة وهذه الاخبار أوردها الشيخ في المبسوط وشيخنا النوري في المستدرك عن كتاب العوالي مرسلا.

والأخر بلاد الشرك فبلاد الإسلام ضربان عامر وغامر فالعامر ملك لأهله لا يجوز لأحد التصرف فيه الا بإذن صاحبه ومرافقها التي لا بد لها منها مثل الطرق والقنى ومسيل الماء هي في معنى العامر من حيث ان صاحب العامر أحق به من كل أحد ولا يجوز لأحد التصرف فيه الا باذنه وكذلك إذا حفر بئرا في موات ملكها وكان أحق بها وبحريمها الذي هو من مرافقها على حسب الحاجة فإن أراد إنسان أن يحفر بئرا تحت هذا البئر ليسوق مائها منها لم يجز ذلك له.

والغامر ضربان غامر لم يجر عليه ملك لمسلم وهو الموات الذي قصد به الأحياء (1) وغامر جرى عليه ملك مسلم فهو مثل قرى أهل الإسلام التي خربت وتعطلت فان كان لشي ء منها صاحب معين أو لصاحبه عقب معين كان صاحبه المعين أو عقبه أحق به من كل أحد وان لم يكن له صاحب ولا عقب لصاحبه معين صح ان يملك بالاحياء وذلك يكون بأمر الإمام عليه السلام.

واما بلاد الشرك فضربان أيضا عامر وغامر فالعامر ملك لأهله وكذلك جميع ما يكون به صلاح العامر من الغامر فان صاحب العامرا حق به من غيره والغامر ضربان أحدهما لم يجر عليه ملك لأحد والأخر جرى عليه ملكه فاما ما لم يجر عليه ملك لأحد فهو للإمام واما ما جرى عليه ملك وصاحبه معين فهو له ولا يملك بالاحياء وان لم يكن له صاحب معين كان للإمام.

ص: 28


1- أي قصد به كتاب احياء الموات كما في مبسوط الشيخ قال وسنبين حكمه فيما بعد واعلم ان جل مسائل هذا الباب في المتن متقاربة في العبارة والترتيب والأحكام للمبسوط بحيث كأنها مأخوذة منه فربما يظهر مراد المتن منه وذلك لان المصنف كان من أصحاب درس الشيخ وكان مشاركا له في البحث والنظر كما قال في شرح جمل العلم في مسئلة إخراج زكاة الفطرة بالقيمة ان هذا هو الذي استقر تحريرنا له مع شيخنا ابى جعفر الطوسي رحمه اللّه.

فأما الأرضون الموات (1) فهي للإمام أيضا لا يملكها أحد إلا بالاحياء باذنه.

واحياء الأرض يكون للدار والحظيرة والزراعة فاما إحيائها للدار فهو ان يحوط عليها حائطا ويسقف عليه فاذا فعل ذلك فقد أحياها وملكها ملكا مستقرا ويجوز ان يكون هذا الحائط مبنيا بآجر أو حجر أو لبن أو طين أو خشب أو جص فاما ان أخذها للحظيرة فاحيائه لها كذلك ان يحوطها بحائط من آجر أو حجر أو طين أو لبن

ص: 29


1- أي التي تقدم انه قصد بها كتاب احياء الموات واعلم ان الظاهر من الامام هنا إمام الأصل من آل الرسول صلى اللّه عليه وآله كما صرح به في كلام جمع من الأصحاب وذلك للنصوص الدالة على ان الأرض الميتة من الأنفال وهي خاصة بهم عليهم السلام لكن ينافيه ما يأتي في المتن ونحوه في المبسوط في مسئلة الإقطاع وغيره من التعبير كثيرا عن الامام بالسلطان وظاهره المتولي لأمور المسلمين فعلا المسمى بالحكومة. وما يأتي أيضا من الخلاف في جواز إقطاع شي ء للإمام إذ لا يناسب ذلك إمام الأصل فيمكن ان يكون مرادهم بالإمام هنا هو السلطان كما ورد التعبير عنه بالإمام في كلماتهم في القضاء والحدود كثيرا وكذا في الاخبار فالمراد بكون الموات له انها للمسلمين ويكون أمرها في الأحياء والإقطاع بيد السلطان كما يدل عليه انه ورد في الأرض التي أسلم أهلها طوعا ان معمورها لأهلها وغير معمورها للمسلمين ونظيره ما ورد في عدة اخبار ان ميراث من لا وارث له لبيت مال المسلمين مع كونه أيضا من الأنفال. والمسألة مشكلة جدا فان كون الموات للإمام بكلا المعنيين مخالف لما ورد مستفيضا من طرق الخاصة والعامة عن النبي صلى اللّه عليه وآله ان من أحيى ميتة فهي له فان مفاده أنها كسائر المباحات الأصلية كالمياه ويؤيده ان بناء الناس من أول خلقهم كان على ذلك كما قال اللّه تعالى ( أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها ) وان جميع الأرض قبل الإسلام وبعده صارت محياة بدون الاذن من أحد ويأتي قريبا في تعليقنا على مسئلة التحجير ما يرتبط بالمقام واللّه العالم.

أو خشب وليس من شرط الحظيرة أن يجعل لها سقف ويغلق (1) عليها باب كالدور.

فاما الإحياء للزراعة فهو ان يجمع حولها ترابا وهو الذي سمى ميرزا (2) وان يرتب لها الماء اما بساقية يحفرها ويسوق الماء إليها فيها أو بقناة يحفرها أو بئر أو عين يستنبطها فهذه الثلاثة (3) شرط في صحة الإحياء للزراعة.

وإذا أحيا الإنسان الأرض على ما ذكرناه وملكها فإنه يملك مرافقها التي لا يصلح الأرض الا بها.

وإذا حفر بئرا أو شق ساقية أو نهرا فإنه يملك حريمها وجملة ذلك ان ما لا بد منه في استيفاء الماء ومطرح الطين إذا نضب الماء وكريت الساقية والنهر فان ذلك يكون على حسب الحاجة إليه قليلا كان أو كثيرا وروى أصحابنا (4) ان حد بئر

ص: 30


1- كذا في النسخ بالغين المعجمة والاولى ان يكون بالمهملة كما في نسخة المبسوط اى ينصب وقوله كالدور راجع الى هذا لا التسقيف اى ان الدور أيضا ليس من شرطها تعليق الباب عليها ويحتمل ان يكون المعنى ليس الحظيرة كالدور في التسقيف والتعليق فمقتضاه ان يشترط التعليق في الدور والأول أظهر لعدم ذكره فيما تقدم وفي المسالك لا يشترط نصب الباب عندنا لان السكنى لا يتوقف عليه واعتبره بعض العامة.
2- بكسر الميم كما في المسالك وفي نسخة ( ب ) « يسمى حوزا » والأول أصح فإنه المذكور في كتب الأصحاب.
3- أي جمع التراب وترتيب الماء وسوقه ، ومقتضاه انه لا يكفى مجرد تهية الماء بساقية ونحوها من دون سوقه إليها وفي مفتاح الكرامة عن بعض انه مقتضى كلام الأصحاب خلافا لظاهر التذكرة.
4- الموجود في رواياتنا كما في الوافي والوسائل ان بين بئر الناضح إلى بئر الناضح ستون ذراعا وما في المتن كالمبسوط لم يصل إلينا وبئر الناضح هو الذي يستقى منها بالإبل للزروع والثمار.

الناضح أربعون ذراعا ووردت الرواية عن النبي صلى اللّه عليه وآله (1) بما يوافق ذلك وهو انه قال حريم البئر أربعون ذراعا وروى ان حد القناة في الأرض السهلة ألف ذراع وفي الحزنة خمس مأة ذراع (2)

وإذا حفر إنسان بئرا في موات وملكها ثم أراد غيره ان يحفر الى جانبها بئرا يسوق الماء منها بذلك لم يجز ذلك وكان له منعه من حفرها بغير خلاف وكذلك القول في العين الا ان يكون بينها وبين ما يريد غيره حفره ، الحد الذي ذكرناه متقدما

وان أراد حفر بئر في ملكه أو داره ثم أراد جاره حفر بئر لنفسه (3) بقرب تلك البئر لم يجز منعه من ذلك وان نقص ماء البئر الأول لأن الإنسان مسلط على ملكه والفرق بين الملك والموات فيما ذكرناه : ان الموات يملك بالاحياء فمن سبق الى حفر بئر ملك حريمه وكان أحق به من غيره وليس كذلك الملك لان ملك كل واحد من المالكين مستقر ثابت وللمالك ان يفعل ما شاء في ملكه بغير اعتراض عليه.

وإذا حفر بئرا في داره وأراد جاره حفر بالوعة أو خلاء بقرب هذا البئر لم يكن له أيضا منعه (4) من ذلك وان ادى الى تغيير ماء البئر أو كان صاحب البئر يستقذر

ص: 31


1- كما في مسند ابن حنبل ج 2 عن أبي هريرة ونحوه في سنن الدارمي وابن ماجة ورواه أصحابنا أيضا كما في الوسائل في إحياء الموات وفي خبر آخر تخصيصه ببئر المعطن أي الذي يستقى منه لشرب الإبل والمواشي وهو الظاهر من ذيل الخبر العامي المذكور.
2- الوسائل كتاب احياء الموات الباب 11.
3- أي في دار نفسه كما في هامش نسخة الأصل.
4- ذكره الشيخ أيضا في المبسوط والعلامة في التذكرة وغيرهما وانما ذكروا انه مكروه لكنه مشكل جدا لمنافاته لما ورد مؤكدا في حرمة الجار وترك الإضرار بالناس ففي كتاب على عليه السلام ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم كتب بين المهاجرين والأنصار ومن لحق بهم من أهل يثرب ان الجار كالنفس غير مضار ولا آثم وحرمة الجار على الجار كحرمة أمه رواه في الكافي كما في الوافي باب حسن المجاورة من كتاب الايمان والكفر.

ماء بئره لقرب البالوعة والخلاء منها لان له التصرف في ملكه كيف شاء وأراد.

وإذا أحيا أرضا ليغرس فيها بجنب ارض فيها غراس لغيره بحيث يلتف أغصان الغراسين ويلتقي عروقهما كان للأول منعه من ذلك.

وإذا اقطع السلطان إنسانا قطعة من الموات كان أحق بها من غيره وكذلك إذا تحجر من الموات أرضا والتحجر أن يؤثر فيها أثرا لم يبلغ به حد الأحياء مثل ان يحوط عليها حائطا أو ما جرى مجرى ذلك من آثار الإحياء فإنه أحق بها من غيره وأقطاع السلطان بمنزلة التحجر.

وإذا أخر الأحياء وقال له السلطان اما ان تحييها أو تخلي عنها ليحييها غيرك فان ذكر في ذلك عذرا منعه من الأحياء مثل ان الأكارين والعمال الذين معه هربوا وان آلاته التي للعمل عابت أو ما أشبه ذلك وسأل التأجيل في ذلك السلطان وان لم يكن له عذر وخيره السلطان بين الأمرين فلم يفعل شيئا أخرجها من يده فان وثب عليها غيره وأحياها قبل ان يخرجها السلطان من يده ، لم يملكها بذلك الأحياء.

وإذا تحجر إنسان أرضا وباعها لم يصح بيعها لأن رقبة الأرض لا يملك بالإحياء (1)

ص: 32


1- يعنى ان رقبة الأرض لا يملك بالاحياء فكيف يملكها بالتحجر الذي هو علامة لإرادته أو انها لا يملك بالاحياء ، والتحجر مرتبة منه كما حمل ابن إدريس في زكاة السرائر عبارة المبسوط هنا على ذلك وذكر ان التحجر عند الشيخ احياء لكنه بعيد لما تقدم آنفا من ان التحجر ليس احياء وعلى كل ، مقتضاه ان لا يجوز بيع المحياة أيضا لأنه إنما ملك التصرف فيها مع أداء حق الامام فاحياء الأرض كاستيجارها كما يدل عليه خبر الكابلي وعمر بن يزيد كما في الوافي باب إحياء الأرض من كتاب المكاسب فما تقدم من ملك الأرض محمول على ملك التصرف دون الرقبة وهذا مخالف لما ورد مستفيضا من ان من أحيى ميتة فهي له وما ورد في جواز شراء الأرض مضافا الى كون عمل المسلمين على خلافه وربما يحتمل ان يكون ما في المتن سهوا من القلم وصوابه « لا يملك بالتحجر » كما صرح بذلك سائر الأصحاب كما في الشرائع والتذكرة وهذا الاحتمال بعيد من المبسوط بمناسبة ذيله فراجع.

وانما يملك التصرف فيها بشرط ان يؤدى ما يلزمه عليها الى الامام.

وما لا يملكه أحد (1) ولا يملكه الا بما يستحدث فيه وذلك مثل الموات من الأرض وقد سلف ذكر ذلك فإنما يملك بالاحياء التصرف فيه بإذن الامام وانه أحق به من غيره بحق ويجوز للإمام ان يقطعه من غير احياء ولا تحجير لان الموات ملكه فله ان يقطعه من غير خلاف وما كان من المعادن ظاهرا مثل الماء (2) والكبريت والملح والنفط والقير والمومياء وما جرى مجرى ذلك فإنه لا يملك بالاحياء ولا يصير الإنسان بالتحجير به أحق من غيره وليس للإمام ان يقطعه بل جميع الناس فيه سواء يأخذ كل أحد منهم حاجته ويجب عليه قيمة الخمس (3) ولا يجوز للإمام ان يقطع مشارع الماء فيجعل المقطع أحق بها من غيره.

وإذا سبق الى بعض المعادن الظاهرة رجلان ولم يتقدم أحدهما الأخر ، أقرع الإمام أو من نصبه الامام بينهما في ذلك.

وإذا كان في الساحل موضع إذا حفر وانساق اليه الماء ظهر له ملح كان ذلك في حكم الموات لأنه لا ينتفع به الا باستحداث شي ء فيه فيملك بالاحياء ويصير بالتحجر عليه اولى به وللإمام ان يقطعه فاذا حصل لو أحد منهما (4) كان أحق به من غيره.

والقطائع ضربان أحدهما يملك بالاحياء وهو الموات وقد تقدم ذكر ذلك

ص: 33


1- هذا ابتداء كلام لتعيين ما يجوز فيه الأحياء والإقطاع والتحجير وما لا يجوز فيه ذلك كما هو صريح المبسوط.
2- لفظة « الماء » ليست في نسخة ( ب ) لكنها موجودة في الأصل ونسخة ( م ) وكذا في المبسوط وعلى كل ليس المراد به ماء البحر والأنهار لعدم كونها معدنا وعدم وجوب الخمس فيها ظاهرا بل مياه خاصة تستخرج من الأرض كالتي يتداوى بها.
3- كان الصواب « فيها الخمس » كما في نسخة المبسوط.
4- الصواب فاذا حصل واحد منها كما في المبسوط أي الأحياء والتحجر والإقطاع أو إذا حصل لواحد شي ء منها.

والأخر الإرفاق (1) وهو ما يجلس الإنسان فيه إذا كان في المواضع الواسعة من رحاب الجوامع والطرقات وليس للإمام ان يقطع أحدا من ذلك وقد قيل بان له ذلك والأظهر انه ليس له ذلك لان الناس فيه شرع سواء.

واما المعادن التي ليست ظاهرة مثل الذهب والفضة والرصاص والنحاس وما جرى مجرى ذلك مما يكون في بطن الأرض والجبال ولا يظهر الا بالعمل فيها والمؤنة عليها فإنها يملك عندنا بالاحياء ويجوز للإمام إقطاعه لأنه يملكه ومن أحياه فهو أحق به وبمرافقه التي لا بد له منها على حسب الحاجة اليه ان كان يخرج ما يخرج منه بالأيدي (2) وان كان يخرج بالأعمال فكما ذكرناه في الموات.

وإذا تحجر المعدن بالحفر وأراد غيره إحيائه قال الامام له اما ان تحييه أو تخلي بينه وبين غيرك فان طلب منه التأجيل اجله حسب ما قدمناه في إحياء الموات سواء

وإذا أحيا إنسان مواتا من الأرض وظهر فيه معدن ملكه بالاحياء وملك المعدن لان المعدن مخلوق بخلفة الأرض فهو جزء من اجزائها وهكذا إذا ابتاع دارا فوجد فيها معدنا كان للمشتري دون البائع فإن ظهر فيها كنز مدفون وكان من دفن الجاهلية ملكه بالإصابة له والظهور عليه وحكمه حكم الكنوز وان كان من دفن أهل الإسلام

ص: 34


1- بالراء المهملة والفاء الموحدة الفوقانية مصدر ارفق والمراد ان هذا ليس بتمليك كالموات بل أقطاع للارتفاق بالموضع وهذا الفرع مذكور في المبسوط والتذكرة في باب فروع القطائع وذكر في الأخير خلاف بعض الشافعية فيه وكأنه المراد مما في المتن بقوله وقد قيل بان له ذلك ونحوه في المبسوط وذكر في كتاب الأم للشافعي بعد ذكر بعض القطائع : انه يكون شي ء يقطعه المرء فيكون له الانتفاع به ومنعه من غيره الى ان قال وذلك انه أقطاع إرفاق لا تمليك وذلك مثل المقاعد بالأسواق.
2- يعنى ان مقدار الحاجة يختلف فيما يخرج بالأيدي وما يخرج بالأعمال فربما يكون في الثاني أكثر وقد تقدم في حفر البئر في الموات ان المدار على قدر الحاجة قليلا كان أو كثيرا.

فهو لقطة وان كان ذلك في أرض ابتاعها لم يدخل الكنز في المبيع لأنه مودع فيه.

وإذا كان الموات فيما غنم من بلاد الشرك قد عمل جاهلي في معدن فيه لم يكن غنيمة ولا يملكه الغانمون بل يكون على الإباحة لأنه لا يدرى هل من أظهره قصد التملك أم لا (1) فلا يدرى انه كان ملكه فيغنم فالأصل انه على الإباحة كما ذكرناه.

وبلاد الإسلام ضربان أحدهما أسلم أهلها عليها والأخر افتتحت فأما التي أسلم أهلها عليها فمثل مدينة النبي صلى اللّه عليه وآله فان العامر لأهله بغير خلاف في ذلك واما الموات فجار مجرى الموات الذي قدمنا ذكره.

واما الذي افتتح فإنه ان كان افتتح عنوة وكان عامرا كان غنيمة وقد تقدم ذكر من يستحق ذلك عندنا وهو جميع المسلمين (2) فاما الموات فما لم يقاتلوا عنه فان حكمه حكم موات دار الإسلام واما ما قاتلوا عنه من الموات فهو للإمام (3)

واما إذا فتح صلحا على ان يكون الدار لهم بشي ء يبذلونه صح ذلك ويكون الدار لهم والعامر ملكهم والموات على ما كان عليه (4) ومن أحيى شيئا منه بإذن الامام كان أحق به من غيره وان أحيا المسلم شيئا منه بإذن الامام كان أحق به أيضا (5) فإن كان الصلح على ان يكون الدار لنا صح ذلك وكان الحكم في ذلك

ص: 35


1- فيه أولا ان ظاهر الحال في مثله قصد التملك وثانيا اشتراط قصد التملك في حصول الملك هنا غير معلوم وثالثا ان الظاهر تعلق الغنم للمقاتلين بجميع الأموال الموجودة في بلاد الشرك سواء كان ملكا لأحد فعلا أم لا.
2- وعند العامة للمقاتلة.
3- أي له امضا كالذي لم يقاتلوا عنه وانما ذكره على حدة تعريضا للعامة حيث جعلوه غنيمة للمقاتلة أو تحجيرا لهم كما في المبسوط.
4- اى قبل الفتح وقد تقدم في أول الباب انه للإمام.
5- ذكره بالخصوص تعريضا لبعض العامة حيث قالوا إذا أحياه المسلم لا يملك بخلاف دار الحرب للفرق الذي حكاه في المبسوط عنهم.

حكم دار الإسلام لأن ذلك صار للمسلمين بالمصالحة فحكم عامرة ومواته حكم عامر بلاد الإسلام ومواتها على ما تقدم ذكره وما يصلح (1) بالمصالحة فهو في ء وحكمه حكم الفي ء في أربعة أخماسه وخمسه وقد سلف ذكر ذلك أيضا ومن يستحق الخمس (2) فان حصل الصلح على عامرها ومواتها كان العامر للمسلمين والموات للإمام على ما سلف بيانه.

وإذا ملك إنسان معدنا في أرض أحياها أو ابتاعها فظهر فيها ثم عمل فيها رجل فاخرج منه قطعا فان كان بغير اذنه كان متعديا في عمله ولم يكن له اجرة ويكون ما أخرجه لصاحب المعدن وان كان باذنه وكان قد شرط ان يكون ما يخرجه لنفسه دون المالك لم يصح لان ذلك بينة (3) مجهولة والمجهولة لا يصح تملكه وجميع ما يخرجه يكون لصاحب المعدن الا ان يستأنف له بينة بعد الإخراج ويقبضه ذلك ولا اجرة للعامل لأنه عمل لنفسه وانما يثبت الأجرة له إذا عمل لغيره بإجارة صحيحة أو فاسدة وإذا كان العامل عمل على ان ما يخرجه فهو للمالك وله (4) اجرة المثل.

والقول المتعلق بهذا الباب في المياه يقع في ملكها والسقي منهاوالمباح من ذلك والمملوك فاذا كان لإنسان بئرا وقناة أو عين أو مصنعة (5) احتفر ذلك في

ص: 36


1- الصواب « وما يحصل » كما في نسخة ( م ) والمبسوط.
2- اى سلف ذكر من يستحق الخمس في بابه.
3- الصواب « هبة » كما في نسخة ( م ) وفي نسخة ( ب ) بعلامة البدل وكذا في السطر التالي أو يكون المراد بالبينة ، الهبة لأن المال يبين من صاحبه كالقرض وعلى كل ، فساد هبة المجهول غير ظاهر ولم يذكره المصنف في بابها.
4- الصواب « فله » فهو جزاء قوله « فاذا كان العامل ».
5- بفتح النون وضمها بناء كالحوض يجمع فيه ماء المطر كما في القاموس واللسان وقوله تعالى « وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ » قيل مآخذ الماء وقيل قصورا مشيدة وحصونا

ملكه أو داره اليه بوجه من وجوه الاملاك (1) فهي ملكه ويجوز له بيعه لمن يستقى منه النخل والشجر والأرض والزرع وما جرى مجرى ذلك وهو مال من الأموال المتملكة وكذلك ما تخرجه ارض الإنسان من كلاء أو عشب (2) أو ما يعانيه من عشب إذا قطعه أو نفاه من مكان الى مكان.

فان ثبت (3) في الصحارى والقفار والأرض الموات أو بحيث لا ملك لأحد عليه أو ما كان من الماء مسيلا في الأودية من الأمطار والأنهار الكبار الذي لا يعرف ابتدائها ولا ملك لأحد على منابعها ومجاريها وما استقر منه في وجه الأرض أو المصانع الجاهلية التي ليس لأحد عليها ملك فالناس في ذلك شرع واحد ومن سبق إلى شي ء منه فهو أحق به اما لشربه (4) أو سقى زروعه أو سقى ماشيته وكذلك الحكم فيما كان من العشب النابت في البراري.

ص: 37


1- أي من الإرث أو الشراء أو الأحياء وقوله « اليه » بمعنى وصل اليه ويشبه ان يكون فيه سقط.
2- قيل الكلاء على وزن الجبل مطلق النبات رطبا كان أو يابسا والعشب بضم العين ثم السكون الرطب منه وقيل غير ذلك راجع التاج واللسان وغيرهما في الكلمتين وقوله « أو ما يعانيه » لعله من عنى الأرض بالنبات اى أظهرته كما في القاموس فالمراد ان بعض أنواع العشب يقطع ما خرج منه فينبت أصله ثانيا وبعضها ينقل الى مكان آخر فكلها مملوكة لصاحب الأرض.
3- أي الماء المذكور من البئر والقناة وفي نسخة ( ب ) و ( م ) « فان نبت » اى الكلاء والعشب لكن هذا يأتي ذكره قريبا وعلى كل ، بناءا على ما تقدم من كون الموات ملكا للإمام عليه السلام بحيث لا يجوز التصرف فيه الا بإذنه فمقتضى القاعدة ان تكون هذه المنافع الحاصلة فيه ملكا له أيضا لأنها تابعة له كالحاصلة في ملك غيره ولم أر من تعرض لذلك.
4- في هامش نسخة ( ب ) هنا « أو حيازته في وعائه » ونحوه في هامش الأصل عن بعض النسخ مع تغيير في الكلمة والعبارة.

ومن وقع ملكه على بعض المياه مثل العين والبئر والقناة والمصنعة وما جرى مجرى ذلك فيستحب له ان لا يمنع ابن السبيل من الشرب منه (1) وسقى دابته وجمله وماشيته وان يتطوع بما يفضل عنه من ذلك ولا يجوز لأحد ان يسقى أرضه ولا زرعه ولا شجره من بئر هذا الإنسان أو قناته أو العين أو المصنعة التي له الا باذنه.

ولو كان له نهر خاص فأراد بيع جزء من مائه أو جميعه كان جائزا وكذلك لو كان النهر مشتركا وأراد بيع حصته من غيره أو هبته أو الوصية به أو الإجارة له كان جائزا.

فإن باع الإنسان أرضه دون شربها كان أيضا جائزا ويكون مالكا للشرب يفعل فيه ما أراد.

وإذا اشترى إنسان أرضا مع شرب مائها أو استأجرها مع شربها كان جائزا وإذا اشتراها بكل حق هو لها كان الشرب ومسيل الماء لها.

وإذا كان نهر بين قوم لهم عليه أرضون لا يعرف كيف كان أصله بينهم ثم اختلفوا فيه واختصموا في الشرب كان الشرب بينهم على قدر أراضيهم فإن كان الأعلى منهم لا يشرب حتى يسكر (2) النهر لم يجز أن يسكره على الأسفل ولكن يشرب بحصته

ص: 38


1- حكم الشيخ رحمه اللّه تعالى في المبسوط في ماء البئر المملوكة بوجوب بذل ما زاد عن حاجته مجانا لغيره المحتاج اليه لشربه وسقى دابته دون زروعه ما دام الماء في البئر ولم يخرجه صاحبه لنفسه وكذا في ماء العين لما روى عن النبي صلى اللّه عليه وآله الناس شركاء في الماء والنار والكلاء وانه صلى اللّه عليه وآله نهى عن بيع فضل الماء بدعوى شموله للمقام وعدم اختصاصه بالمباح كالأنهار الكبار والمسيل لكن ما ذكره المصنف أقوى لما ورد أيضا في عدة اخبار تجويز بيع الشرب من القناة المملوكة واللّه العالم.
2- في المصباح سكرت النهر من باب قتل سددته والسكر بالكسر ما يسد به والمراد ان هذا النهر لكونه مملوكا ومحكوما بالقسمة بينهم بالحصص ليس كالمسيل أو النهر المباح في جواز ان يحبسه الا على ليشرب كاملا ثم يرسله إلى الأسفل بل يشرب منه على حصته من الأرض خلافا لما حكاه في التذكرة عن بعض العامة من انه كالمباح في جواز ذلك.

فان تراضوا على ان يسكره الأعلى على الأسفل حتى يشرب كان ذلك جائزا (1) ويجوز ان يصطلحوا على شرب كل واحد منهم في يومه فان اختلفوا لم يجز لأحد منهم ان يسكره على آخر وإذا أراد واحد منهم ان يكري نهرا لم يكن ذلك له الا برضاء أصحابه وكذلك لو أراد واحد منهم ان ينصب عليه رحى لم يجز له ذلك أيضا إلا برضا الباقين اللّهم الا ان يكون النهر أو الماء لا يستضر بالرحى فإنه يجوز ذلك.

وإذا احتاج هذا النهر الى كرى وتنقية ونظافة وإصلاح كانت تنقيته على الجميع من أعلاه إلى مفتتح الماء إلى أقرب الأراضي الى الفوهة (2) فإذا جاوز ذلك رفعت النفقة عن صاحب تلك الأرض وكانت النفقة على من بعده حتى ينتهي الى من يليه فترفع عند حصته من النفقة مع الشركاء من أهل الأسافل وهكذا ابدا كلما انتهى العمل الى حق أحدهم كانت النفقة على من بعده دونه.

والأنهار الكبار مثل دجلة والفرات والنيل وسيحان وجيحون وما أشبه ذلك فجميع المسلمين فيها شرع واحد وكل واحد منهم له شرب أرضه وزرعه ونخله وشجره وسائر منافعه لا يحبس الماء عن أحد دون أحد ولا لإنسان أن يمنع منه غيره.

وإذا أراد إنسان أن يكري منه نهرا في أرضه أو في أرض موات قد اذن له في إحيائها ولا ضرر على غيره فيها ، كان له ذلك الا ان يكون ما يحدثه مما ذكرناه فيه ضرر على النهر الأعظم فإن الإمام يمنعه من ذلك وكذلك الحكم لو أراد ان يعمل مصنعة لشرب السابلة أو الحيوان ويجرى الماء إليها من النهر الأعظم في أرض يملكها أو موات قد اذن له فيها سواء.

ص: 39


1- في نسخة ( ب ) « لم يكن ذلك جائزا » وكتب في هامشه بعلامة البدل « كان ذلك » وهو الصواب إذ لا وجه لعدم جوازه مع التراضي.
2- الفوهة : فم النهر.

وإذا احتاج النهر الأعظم إلى عمل مسناته (1) ان حصل خوف من الغرق منه أو الى ان يغلب (2) مائه فينصرف الى بعض الجهات التي تستضر بانصرافه إليها ، كان على السلطان كريه وعمل جنابه ومسناته وكذلك ما كان من الأنهار الصغار التي تؤخذ من النهر الأعظم لسقي أرض الخراج من البلاد المفتحة عنوة وكان الوالي يأخذ خراجها فان حفر هذه الأنهار وعمل جميع ما يحتاج اليد وإصلاحه على السلطان فان كانت الأراضي التي على جانب أحد هذه الأنهار بعضها خراجية وبعضها مملوكة عشرية (3) كانت النفقة بين الوالي ومالك تلك الأراضي يسقط كل واحد مما يلزمه فيها ولا يجرى (4) ذلك مجرى نهر خاص لقوم ليس لأحد ان يدخل عليهم فيه ولهم منع من أراد ان يسقى من نهرهم أرضه ونخله وشجره لأن ذلك عليهم.

وإذا كان النهر عظيما فاذا انتهى الى مكان معين كان قسمة بين اهله بالحصص لكل قوم منهم كوة (5) معروفة فاتخذ إنسان أرضا كانت مواتا ولم يكن لها شرب من ذلك النهر وكوالها (6) نهرا من فوق موضع القسمة في مكان ليس لأحد فيه ملك ، فساق الماء إلى أرضه من ذلك النهر في ذلك الموضع فان كان النهر المحدث يضر بأهل النهر الأعظم في مائهم ضررا بينا ، لم يجز له ذلك وكان للسلطان منعه منه وان كان لا يضرهم كان جائزا.

ص: 40


1- الصواب « الى عمل جنابه » كما في العبارة التالية والجناب بفتح الجيم الجانب وفي نسخة ( ب ) في الموضعين « حسامه » ولعله ان صح بمعنى الجانب أو نحوه.
2- كذا في النسخ والظاهر « من ان يغلب » عطف على « من الغرق ».
3- أي يؤخذ منها العشر وهو الزكاة والمراد الملك الخاص لآحاد الناس.
4- كذا في النسخ والظاهر ان « لا » زائدة بمناسبة الحكم وقرينة ما بعده.
5- الكو والكوة بفتح الكاف وضمها وتشديد الواو وجمعه كوى وكواء ثقبة في الخشبة التي توضع في النهر عند مفتتح الأراضي ليقسم بها الماء بينها بالحصص.
6- الصواب : كرى لها بالراء اى حفر أو كوى لها اى جعل لها كوة على حدة على نهر.

وإذا كان لإنسان من ذلك النهر الأعظم ، كوة معروفة وأراد الزيادة عليها بكوة أو كوتين وكانت هذه الزيادة غير مضرة بأهل النهر الأعظم كان له ذلك وجرى ذلك مجرى الأول (1) وان كانت الكواء في نهر مخصوص يأخذ من هذا النهر الأعظم لم يكن لأحد من ذلك النهر ان يزيد كوة وان كان ذلك لا يضرهم إلا بإذنهم. (2)

وإذا أراد بعض الشركاء في النهر ان يعمل عليه جسرا أو يعقد قنطرة أو ما أشبه ذلك لم يجز له ذلك الا برضاء شركائه.

وإذا كان نهر بين رجلين له خمس كواء من هذا النهر الأعظم وارض أحد الرجلين في أعلى هذا النهر وارض الأخر في أسفل النهر فقال صاحب الأعلى أريد أن أسد بعض هذه الكواء لان ماء النهر يفيض في ارضى ويكثر عليها لم يكن له ذلك الا برضى الأخر فإن قال اجعل لي نصف الشهر ولك نصفه فاذا كان في حصتي سددت ما أردت سده من ذلك وتراضيا على ذلك كان جائزا.

وإذا قال أهل أسفل النهر نريد ان نوسع رأس النهر أو نزيد في كواته وقال أهل أعلاه إذا فعلتم ذلك زاد الماء على أرضنا وفاض فوقها فأفسد عليها (3) لم يكن لأهل أسفله ان يوسعوا فيه شيئا ولا ان يزيد وافى شي ء من كوائه.

وإذا كان لجماعة أراضي وشربها من نهر يأخذ من النهر الأعظم لا يعلم قسط كل واحد منهم أو كل قرية شربها منه ، فاختصموا في الشرب كان ماؤه بينهم بمقدار حصصهم من الأراضي ومساحتها ولم يكن لأحد منهم ان يأخذ من مائه أكثر من قدر ري (4) أرضه ولا يغير ما يتقرر بينهم في ذلك إلا بإذن الباقي من شركائه.

ص: 41


1- أي الفرع المتقدم : إذا لم يضر النهر المحدث بالنهر الأعظم.
2- الفرق بين هذا وما قبله ان النهر المخصوص ومائه ملك لأصحابه بالحصص فلا يجوز لبعضهم أخذ ما زاد عن حصته وان كان زائدا عن حاجة الآخرين كما لا يجوز لغيرهم أخذ شي ء منه واما النهر الأعظم فهو مباح وانما كان لأصحاب الكواء أولوية في الأخذ منه بقدر الحاجة.
3- في نسخة ( ب ) « فأفسد غلتنا ».
4- الظاهر انه بالراء المهملة والياء المشددة وهو الشرب الكامل وفي المسألة قول آخر اختاره العلامة في التذكرة وهو الحكم بالتساوي بينهم عملا بقاعدة اليد وما ذكره المصنف هنا أظهر وقد تقدم أيضا.

وإذا كانت فوهة النهر تجري في أرض إنسان ثم يصير جاريا بين أراض مشتركة فقال الذي فوهة النهر وأوله في أرضه ، هذا النهر لي وانما أرسله إليكم تبرعا وليس لكم حق في مائه وانا أريد سده عنكم وقال الذي يجري النهر بين أراضيهم : النهر لنا وليس لك أنت فيه شي ء وانما الأرض لك على حسبه (1) دونه ولم يكن لأحدهم بينة على ما ادعاه لم يجز له قطع الماء على الشاربة منه ولو اقام بينة على ان رسمه جرى بسده (2) على أرضه أوقاتا معلومة لم يكن له قطعه على أهل أسفله بالكلية ولا ان يتجاوز بسده الأوقات التي جرى رسمه بمثلها.

وإذا كان نهر بين جماعة يأخذ من النهر الأعظم له (3) فيه كواء مسماة ولكل واحد منهم نهر صغير من هذا النهر أو كو وكان نهر أحدهم في أسفل أرضه فإذا أراد ان يحول نهره فيجعله في أعلى أرضه لم يكن له ذلك لان النهر يذهب من الماء حينئذ بأكثر مما كان يذهب قبل ذلك ويضر بأصحابه فإن أراد صاحب النهر ان يكري نهره فيسفله عن موضعه وان كان متى فعل ذلك أخذ من الماء أكثر كان ذلك له وكان له أيضا ان يرفع الكو ان كانت مستقلة ليكون الماء أقل في أرضه.

وإذا سقي إنسان أرضه أو شجره وسال الماء في مسيله على أرض لإنسان آخر فغرقت به لم يلزمه ضمان ذلك. (4)

ص: 42


1- في نسخة ( ب ) فوق ذلك بعلامة البدل ومتن نسخة ( م ) « على جانبه » فلعل صواب المتن أيضا « على جنبه ».
2- اى بسده عن الأراضي المشتركة وإجرائه على أرضه.
3- الظاهر « لهم »
4- اعلم ان الفروع التي أوردها المصنف أخيرا في غير النهر مذكورة في المبسوط والنسخ التي بايدينا من المتن غير خالية من السقم وقد راعيت غالبا في ضبط الكلمات المشتبهة ما هو الموجود في نسخة الأصل ونبهت في التعليقة على صوابها من النسختين الآخرتين ان كان ما فيهما أصح أو من مناسبة المقام والمعنى أو بالاستعانة من بعض المصنفات الأخر على وجه الجزم أو الظن والاستظهار كما ترى الا قليلا مما كان الخطاء فيه واضحا فراعيت صوابه بدون التنبيه واللّه الهادي إلى الصواب.

« كتاب الرهن »

قال اللّه تعالى « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ » الى قوله « فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ » (1).

وروى عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم - : انه رهن درعه عند يهودي على شعير أخذه لأهله (2).

والإجماع حاصل على جواز الرهن ، فاذا كان كذلك ، فالرهن الشرعي (3) :

ص: 43


1- البقرة - 283.
2- رواه البخاري وابن ماجة في كتاب الرهن من صحيحيهما بالإسناد عن عائشة وانس ، وأورده شيخنا النوري في مستدركه في كتاب الرهن عن درر اللئالى للاحسائى مرسلا. وروى أيضا ابن ماجة في كتاب المذكور والبخاري في كتابي الجهاد ، والمغازي من صحيحه ان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم توفي ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير. وقيل كما في المبسوط انه صلى اللّه عليه وآله وسلم انما عدل عن أصحابه إلى يهودي لئلا يلزمه منة إذ لا يؤمن ان استقرضه من بعضهم ان يبرأه من ذلك واللّه العالم.
3- اى بمعناه الشرعي في مقابل معناه اللغوي الذي هو الدوام والثبات ، يقال : نعمة راهنة اى ثابتة دائمة.

« هو جعل المال عند صاحب الدين وثيقة له على ماله ».

ويفتقر في صفة الرهن إلى الإيجاب والقبول، ولا يصح الرهن قبل ثبوت الحق ، والوقت الذي يجوز أخذ الرهن فيه ، هو بعد اللزوم الحق ، أو مع لزومه أيضا ، فاما قبل ذلك فلا يصح كما ذكرناه.

ويجوز عقد الرهن في الحضر والسفر ، ويجوز أخذه في كل دين ثابت في الذمة ، مثل القرض ، والأجرة ، والمهور ، وعوض الخلع ، وقيم المتلفات ، وأروش الجنايات.

ويجوز أخذ الرهن على مال الجعالة ، وعلى الدية على العاقلة بعد سنة ، ويجوز أخذه بالثمن في مدة الخيار المتفق عليها ، ويجوز أخذه على الباقي في مال الكتابة ، من المكاتب الذي ليس بمشروط عليه ، إذا تحرر منه جزء ، لأنه بعد ان يتحرر منه جزء ، لا يجوز رده في الرق ، فيجوز أخذ الرهن على ما ذكرناه.

واما مال الكتابة المشروطة ، فلا يجوز أخذ الرهن عليه ، لان للعبد المشروط عليه إسقاط ذلك من نفسه اى وقت أراد إسقاطه ، فهو غير ثابت في ذمته ، وأيضا فإنه متى امتنع من مال الكتابة ، كان لسيده رده في الرق ، فلا يحتاج مع ذلك الى الرهن.

وإذا استأجر إنسان غيره اجارة يتعلق بعينه ، مثل ان يستأجره ليخدمه ، أو يستأجره في عمل يعمله بنفسه ، لم يصح أخذ الرهن منه ، لأنه إنما يجوز أخذه على حق ثابت في الذمة ، وليس ذلك ثابتا في ذمة الأجير ، فلا يجوز أخذ الرهن منه عليه :

فان استأجره على عمل في ذمته ، مثل ان يجعل (1) له عملا من خياطة ، أو غير ذلك جاز أخذ الرهن عليه ، لان ذلك ثابت في ذمة الأجير ، وغير متعلق بعين (2) ، وللأجير ان يعمله بنفسه ، أو بغيره ، وان هرب هذا الأجير ، جاز بيع الرهن واستيجار

ص: 44


1- في نسخة ( م ) وهامش نسخة ( ب ) بعلامة البدل « ان يحصل له » وهو أصح
2- اى بعين الأجير ولعله كان « بعينه ».

غيره به ، ليحصل العمل ، وقد ذكرنا فيما تقدم ان أخذ الرهن لا يجوز الا بعد ثبوت الحق في الذمة ، أو في حال لزومه ، فاذا كان كذلك وقال أحد المتعاقدين لصاحبه (1) « بعتك هذا الشي ء بكذا على ان ترهن كذا بالثمن » وقال المشترى : « اشتريته على هذا » صح شرط الرهن ، وأخذه بعد عقد البيع وتسليمه اليه.

وإذا قال « بعتك هذا الشي ء بمأة ، أو رهنت (2) منك كذا بالثمن » وقال المشترى « اشتريته منك بمأة ورهنتك هذا الشي ء » صح حصول (3) عقد البيع وعقد الرهن ، فاما قبل ذلك فقد قلنا انه لا يجوز وذلك مثل ان يقول : « رهنتك هذا الشي ء على دينار أو درهم تقرضينه في غد » فاذا دفع ذلك إليه في غد لم ينعقد الرهن على ذلك.

ومما يصح الحاقة بذلك (4) ان يقول الإنسان لغيره « أعتق عبدك وعلى الف » في ان ذلك يصح ، فإن أعتق العبد وجب عليه الالف.

وكذلك إذا قال : « طلق امرأتك وعلى الف » ففعل ، لزمه الألف ، لأنه يجوز من هذا الباذل للمال ان يعلم انه على فرج حرام مقيم فيستنزله عنه بما يبذله من المال

ص: 45


1- هذا وما بعده مثال لأخذ الرهن حال لزوم الحق وهو الثمن.
2- الصواب « وارتهنت » كما في هامش نسخة ( ب ) بعلامة البدل.
3- الصواب « لحصول » كما في نسخة ( ب ) بعلامة البدل.
4- يعنى ان هذه المسائل الثلاث ليست من الرهن لكن ألحقت به في الصحة كما أوردها في المبسوط هنا ، ولعل الصواب « ومما لا يصح » كما كان في نسخة ( ب ) كذلك ، فضرب على لفظة « لا » فالمراد انه لا يصح إلحاق هذه المسائل بالرهن على القرض المزبور بدعوى عدم ثبوت الحق فيها أيضا. وعلى كل فقد أورد الأخيرة منها في الشرائع ، والقواعد في باب الديات بمناسبة تزاحم السبب والمباشر ، وادعى في الجواهر ومفتاح الكرامة الإجماع على صحتها ويدل عليها عمومات العقود والشروط وكون بناء العرف فيها على الإلزام.

فإذا طلق كان عليه الف له ، وكذلك لو قال : له وهو في سفينة البحر « الق متاعك في البحر وعلى ضمان قيمته » صح ، إذا كان غرضه تخفيف السفينة وخلاص النفوس من الغرق ، فاذا فعل ذلك كان عليه قيمة المتاع لصاحبه.

وإذا عقد الرهن أو سلمه من ليس بكامل العقل ، أو هو محجور عليه لم يصح عقده ، ولا تسليمه ، لان ذلك انما يصح ممن هو كامل العقل غير محجور عليه.

وكل ما جاز بيعه من مشاع أو غيره فإنه يجوز رهنه ، فان اختلف المرتهن والشريك فقال المرتهن لست أرضى بأن يكون الرهن في يد الشريك ، وقال الشريك لا ارضى بكونه في يد المرتهن ، ولم يتفقا على من يجعلانه في يده من عدل ، أو ممن يرضيانه لذلك أخذه الحاكم وآجره ، وجعل لكل واحد من الشريكين قسطا من الأجرة ، ويكون إيجاره له الى حين محل الدين ، ليمكن بيعه في حق المرتهن.

وإذا اذن الراهن للمرتهن في قبض الرهن، ثم رجع عن الاذن في ذلك ، ومنعه من قبضه لم يجز له ذلك ، لان بالإيجاب والقبول أوجب قبض الرهن (1) ، فليس له بعد ذلك الرجوع فيه ، ولا منعه منه.

وإذا رهن شيئا ثم جن ، أو أغمي عليه كان للمرتهن قبضه ، لان ذلك قد لزم بالإيجاب والقبول (2).

ص: 46


1- اختلف الأصحاب في ان القبض شرط في لزوم الرهن أولا ، ففي المختلف حكى الأول عن جماعة منهم المصنف ، ومقتضاه انه ما لم يقبضه كان للراهن الرجوع عن رهنه ، وهذا مخالف لقوله هنا وفي المسئلة التالية ، وما في بعض المسائل الاتية في أواخر الباب ويأتي قريبا توجيه ما ظاهره المنافاة له ، نعم يظهر منه في مسئلة الخرس التالية وفي أواخر الباب أيضا انه وان كان القبض واجبا على الراهن لكن لا يجوز للمرتهن قبضه إلا باذنه ، وظاهر قوله هنا انه إذا اذن له مرة كان للمرتهن قبضه ، وان رجع عن اذنه قبل القبض ونحو ذلك كلام الشيخ في المبسوط.
2- الظاهر ان المراد ما إذا اذن له في القبض ثم جن الراهن أو أغمي عليه قبل تحققه ، كما صرح بذلك في المبسوط ولم يذكر المصنف قيد الاذن هنا لكونه عطفا على ما قبله ، فحاصله ان الجنون والإغماء أيضا لا يوجب منع المرتهن عن القبض إذا اذن له فيه لثبوت حقه بذلك ، فلا ينافي هذا ما يأتي في مسئلة الخرر. ثم انه يمكن ان يقال إذا وجب الإقباض على الراهن ، فإنما هو الحق المرتهن فلا وجه لاشتراط قبضه باذنه ولذا أورد في المختلف على الشيخ بان ما ذكره في مسألة الخرس مناف لما ذكر قبله.

وإذا رهن إنسان شيئا ، ثم خرس، فان كان يحسن الإشارة أو الكتابة فأشار ، أو كتب بالإذن في القبض ، كان جائزا ، وقام ذلك منه مقام الكلام ، وان كان لا يحسن الكتابة ، ولا يعقل الإشارة ، لم يجز للمرتهن قبض الرهن ، لأنه يفتقر الى رضاه وكان على وليه تسليمه إليه لأنه بالعقد قد وجب ذلك الرهن.

وإذا قبض المرتهن الرهن بإذن صاحبه، فقد لزم بغير خلاف (1) ولم يجز للراهن فسخه ، لما قدمناه من أنه وثيقة المرتهن على الراهن فلا يجوز له إسقاطه ويجوز للمرتهن إسقاطه وفسخ الرهن لأنه حقه ، ولا حق للراهن فيه ، فاذا كان كذلك وأسقطه أو فسخه بان يقول : « فسخت الرهن ، أو أبطلته ، أو أقلته فيه ، أو ما جرى مجرى ذلك » كان جائزا ، فإن أبرأه من الدين ، أو افترقا (2) سقط الدين وبطل الرهن ، لأنه يتبع الدين فاذا سقط الدين سقط الرهن.

فإن أبرأه من بعض الدين ، أو قضاه بعضه ، لم ينفك الرهن ، فكان باقيا بحاله الى ان لا يبقى من الدين شي ء ، لأنه وثيقة المرتهن على جميع ماله من الدين (3) الى ان لا يبقى منه قليل ولا كثير.

ص: 47


1- الظاهر ان مراده ان اللزوم بعد القبض إجماعي ، فلا ينافيه ما تقدم من اللزوم قبله أيضا على مختاره ، كما يظهر ذلك من المبسوط.
2- لعل الصواب « وافترقا » كما في نسخة ( ب ) فلعل بناء المصنف على اشتراط الافتراق في لزوم الإبراء كما في البيع ، ويحتمل ان يكون « أو اقتضاه » أو نحو ذلك ، ويؤيده العبارة التالية وانه في المبسوط « أو استوفاه ».
3- فيه ان الظاهر انه وثيقة عليه بنحو المقابلة كالمعاوضة ، فإذا سقط بعضه ينفك من الرهن بنسبته.

وإذا آجر المرتهن الرهن من صاحبه، أو أعاره لم ينفسخ ، ولا فرق في ذلك بين ان يكون إيجاره له ، أو إعارته قبل القبض ، أو بعده ، لأن استدامة القبض ليست شرطا فيه ، وان كان إعارته له وإيجاره غير جائز ، لأنه ليس للمرتهن التصرف فيه ، واجرة الرهن للراهن دون المرتهن :

وإذا استأجر شيئا ، وارتهن الرقبة ، (1) ثم آجره أو أعاره من الراهن ، أو اوصى (2) بمنفعة عين من الأعيان ، ثم ارتهن الرقبة من صاحبها ، ثم آجر منفعتها منه ، أو أعاره ، كان الإيجار والإعارة جائزين ، ولا يقتضي ذلك فسخ الرهن.

وإذا كان لإنسان في يد غيره وديعة ، أو إجارة ، أو عارية ، أو غصب فجعله رهنا عنده على دين له عليه ، كان جائزا (3) ويكون ذلك قبضا ، لأنه في يده ولا يفتقر الى نقله إذا كان قد اذن له الراهن في قبضه عن الرهن.

وإذا أقر المرتهن والراهن بقبض الرهن في وقت يمكن صدقهما فيه، صح الإقرار ولزم الرهن ، وان كان لا يصح صدقهما في الوقت الذي ذكرا ، ان القبض وقع فيه ، كان الإقرار باطلا ، مثال ذلك ان يقول للشاهدين « اشهدا على بأنني قد رهنته اليوم داري التي بمكة » أو ما أشبه ذلك ، وأقبضته إياها ، ويتصادقان على ذلك ، فإنه يكون باطلا ، لأنه لا يمكنه قبض الرهن من يومه.

وإذا أقر الراهن والمرتهن بقبض الرهن ، ثم ادعى (4) بعد ذلك انه لم يكن

ص: 48


1- اى ارتهن المستأجر رقبة العين المستأجرة من الموجر بدين كان له على الموجر ، وهكذا فيما إذا اوصى له بمنفعة عين فإنه يكون رقبتها لوارث الموصى فارتهنها الموصى له من صاحبها بدين له عليه والغرض بيان صحة إجارة هذه العين ثانيا ، أو إعارتها لصاحبها بعد ارتهانها منه وعدم انفساخ الرهن بذلك.
2- الصواب « اوصى له ».
3- لكن يأتي قريبا انه في العارية لا يجوز له الانتفاع بها بعده ، وفي الغصب لا يزول عنه الضمان على كلام لنا فيه.
4- اى الراهن ثم انه تقدم ان ظاهر المصنف لزوم الرهن قبل القبض فثمرة هذا الفرع وأمثاله تظهر في سائر آثار القبض كما إذا باع شيئا وشرط فيه رهنا على الثمن فحدث به عيب فإنه ان كان قبل قبض البائع له فله فسخ البيع والا فلا.

قبضه ، لم يحلف : لان دعواه تكذيب لنفسه فلا يسمع منه ، ولا يمين على المرتهن ، فان كان إقراره بقبض الشي ء الغائب عنه ، على الظاهر بكتاب ورده من وكيل له ، أو بخبر من يأنس إلى قوله ، ويركن اليه ، ثم قال تبينت (1) انه لم يكن قبضه ، وان من أخبرني كذب ، أو أخطأ ، وأراد يمين المرتهن ، كان له ذلك ، لأنه لا يكذب بيمينه الإقرار في الحقيقة ، لأنه أخبره بقبضه على الظاهر ، ثم بين ان الباطل بخلاف ذلك.

وإذا شهد شاهدان على مشاهدة القبض من المرتهن لم يسمع دعوى الراهن بأنه لم يقبضه ، ولا يحلف المرتهن ، لأنه تكذيب للشاهدين ، وهكذا إذا شهدا على إقراره بالقبض ، فقال : « ما أقررت بقبضه » لم يسمع منه ذلك ، لأنه تكذيب للشاهدين اللذين شهدا عليه بذلك.

وجميع ما يكون قبضا في الشرع (2) ، يكون قبضا في الرهن ، والهبات ، والصدقات ، لا يختلف ، وجملة القول ان المرهون إذا كان خفيفا يمكن تناوله باليد ، كان القبض فيه التناول بها ، وان كان ثقيلا مثل دابة أو عبد ، كان القبض فيه نقله من موضعه الى غيره ، وان كان طعاما معينا وارتهن منه مكيالا معينا (3) ، كان قبضها نقلها من موضعها الى موضع آخر ، وان كان مما لا ينقل ولا يحول من ارض ودار عليها باب مغلق ، فقبض ذلك ان يخلى صاحبها بينها وبين المرتهن ، ويفتح بابها ،

ص: 49


1- في هامش نسخة الأصل ونسخة ( ب ) بعلامة البدل « ثبت ».
2- في نسخة ( ب ) بصورة التصحيح ونسخة ( م ) « في البيوع ».
3- زاد في هامش نسخة ( ب ) هنا بعلامة التصحيح وفي نسخة ( م ) « كان قبضه ان يكتاله ، فان ارتهن صبرة على ان كيلها كذا كان قبضها ان يكتالها فان ارتهنها جزافا ».

أو يسلم مفتاحها اليه ، وان لم يكن عليها باب فقبضها ان يخلى بينها وبينه من غير حائل.

فإن كان بينهما مشاعا وكان مما لا ينقل ، خلي بينه وبينه ، سواء حضر الشريك فيه أو لم يحضر ، وان كان مما ينقل ويحول ، مثل الشقص من سيف ، أو جوهر ، أو ما أشبه ذلك ، فلا يجوز تسليمه الى المرتهن الا بحضرة الشريك فيه ، لأنه يريد نقل نصيبه ونصيب شريكه الى يده ، فاذا حضر وسلمه اليه ورضيا بان يكون الجميع على يد المرتهن كان ذلك جائزا وان رضيا ان يكون الجميع في يد الشريك كان أيضا جائزا وان رضيا ان يكون على يد عدل كان جائزا فإن اختلفا أو تشاحا في ذلك فقد تقدم القول فيه

وإذا رهن إنسان عند غيره شيئا بدين الى شهر، على انه ان لم يقبض ذلك الى محله ، كان الرهن مبيعا بالدين الذي عليه ، لم يصح الرهن ، ولا البيع بغير خلاف ، لان الرهن موقت ، والبيع قد علق بزمان مستقبل ، فان هلك هذا الرهن في يده في الشهر ، لم يكن مضمونا عليه ، لان صحيح الرهن غير مضمون ، فكيف الرهن الفاسد ، وبعد الأجل فهو مضمون عليه ، لأنه في يده ببيع فاسد ، والبيع الصحيح والفاسد مضمون عليه بغير خلاف.

وإذا غصب إنسان من غيره عينا من الأعيان، وجعلها المغصوب منه رهنا في يد الغاصب بدين له عليه قبل ان يقبضها منه ، صح كونها مرهونة في يده ، وعليه ضمان الغصب (1) ، فان باعها منه ، زال الضمان.

ومن أعار غيره شيئا ، ثم رهنه، كان الرهن صحيحا ، ويخرج بذلك عن حد العارية ، ولا يجوز للمرتهن الانتفاع به كما كان ينتفع به قبل ان يصير رهنا عنده.

وإذا رهن دارين ، أو سلعة ، (2) وبطلت إحداهما ، وكان ذلك قبل القبض ، والرهن مما ينقل ويحول ، فإنه ينفسخ في التالف ، ولا ينفسخ في الباقي ، ويكون

ص: 50


1- ظاهره الضمان بعد الرهن وأظهر منه عبارة المبسوط ويشكل بأنه تخرج العين بذلك عن صفة الغصب الا ان يكون المراد ما إذا رضي صاحبها به لأجل الضرورة حيث انه لا يمكنه الوصول الى ماله فكونه رهنا اولى من ذهابه ،
2- الصواب « سلعتين » كما في المبسوط ويظهر من آخر العبارة.

رهنا لجميع المال ، فان كان الرهن شرطا في البيع ، كان البائع مخيرا بان يرضى بإحدى الوثيقتين ، ويجيز البيع ، وبين ان يفسخ ، لهلاك احدى الوثيقتين ، فإن أجاز البيع ، كان الباقي رهنا بجميع الثمن ، لان الرهن كله وكل جزء من اجزائه مرهون بجميع الدين وبكل جزء من اجزائه.

وان كان مما لا ينقل ولا يحول ، مثل دارين احترقت إحداهما ، قد تلف خشبها ، وذلك يأخذ قسطا من الثمن ، ويكون الحكم في ذلك مثل ما ذكرناه في ما ينقل ويحول.

فان انهدمت ولم يتلف منها الا التأليف (1) فذلك لا يقابله بالثمن ، والذي يقابله الثمن من الأعيان باقية ، الا ان قيمتها بالانهدام نقصت ، وإذا كان كذلك لم ينفسخ من الرهن شي ء ، والبائع مخير ، ان كان الرهن شرطا في عقدة البيع ، لنقصان قيمة الرهن في يد الراهن قبل تسليم الرهن ، فان شاء فسخ البيع ، وان شاء اجازه ، ورضي بالدار المنهدمة رهنا ، فيكون العرصة والنقض (2) كلها رهنا.

واما ان كان التلف والانهدام بعد القبض ، فان الرهن لا ينفسخ في الباقي ، ولا يثبت له (3) الخيار للمرتهن البائع ، وليس له ان يطالب ببدله. لان العقد تناوله بعينه.

وإذا رهن جارية قد أقر بوطأها، كان الرهن صحيحا ، فان لم يظهر بها حمل فقد استقر الرهن بغير خلاف ، وان ظهر بها حمل ، وولدت ، لأقل من ستة أشهر

ص: 51


1- بالهمزة بمعنى الانضمام ، فالمراد ان الذي تلف بالانهدام انضمام اجزاء البيت ، واحتراق بعضها ، وهو الخشب ، والبيت باجزائه دون أوصافه رهن عن الدين ، فاذا تلف بعضه بطل الرهن بالنسبة إليه دون ما إذا تلف وصفه ، لكن للبائع خيار فسخ البيع ان كان الرهن شرطا فيه لنقص قيمته.
2- بالنون المكسورة والقاف والضاد المعجمة مصالح البيت من الطوب والأحجار.
3- اى لأجله ولعل الصواب « به ».

من وقت الوطأ ، فان المملوك (1) لا يلحق به ، لأنه لا يجوز ان يكون من الوطأ الذي أقربه ، ونسب ولد الجارية لا يثبت ، الا من وطأ أقربه بغير خلاف ، وان ولدت لستة أشهر فصاعدا الى تمام تسعة أشهر ، كان الولد حرا ، ويثبت نسبه منه ، ولا تخرج الجارية من الرهن عندنا.

وإذا رهن الجارية ، وقبضها المرتهن ، لم يجز للراهن وطأها (2) بغير خلاف لان الوطأ ربما أحبلها ، فينقص قيمتها ، وربما هلكت بالولادة.

واما سكنى الدار المرهونة ، وزراعة الأرض المرهونة ، واستخدام العبد المرهون ، وركوب الدابة المرهونة ، فإن جميع ذلك لا يجوز عندنا ، وان وطأها لم يجب عليه الحد.

وإذا وطأها الراهن بإذن المرتهن ، لم ينفسخ الرهن ، سواء حملت أو لم تحمل فان باعها باذنه ، انفسخ الرهن ، ولا يجب عليه قيمته (3) ، لأنه أتلفه بإذنه ، فإن فعل ذلك بغير اذنه ، فمات كانت قيمته عليه.

وإذا اذن المرتهن للراهن في العتق ، أو الوطأ ، ثم رجع عن الإذن ، فان

ص: 52


1- في نسخة ( ب ) تصحيحا وجواهر المصنف « فان الولد مملوك لا يلحق به ».
2- هذا من المسائل المشكلة حيث ادعى جماعة من القدماء الإجماع على عدم جواز تصرف الراهن في العين المرهونة لكن في خبرين صحيحين جواز وطأ الجارية ، وفي خبر آخر جواز غيره ولا دليل على ما ذكروه الا ما أرسله العلامة في المختلف ، وبعض من تأخر عنه من قوله عليه السلام « الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف » وهذا غير موجود في اخبار الخاصة والعامة وفقه القدماء ، ولهذا اختار بعض المتأخرين كالمحققين : الأردبيلي والسبزواري جواز ما لا يضر بالرهن واللّه العالم.
3- الصواب كما في هامش نسخة ( ب ) تصحيحا : ولا يجب عليه قيمتها مكانها ، وإذا اذن المرتهن للراهن في ضرب الرهن فضربه فمات لم يجب عليه قيمته لأنه أتلفه اه ونحوه في المبسوط ، والمراد بوجوب قيمته هنا ان يجعلها رهنا مكانه ، وذكر المصنف في جواهره ذلك أيضا في ضرب المرتهن بإذن الراهن الا ان المراد بوجوب القيمة فيه الضمان.

كان رجوعه بعد إيقاع المأذون فيه الفعل ، لم ينفعه الرجوع ، ولا يكون له تأثير ، وان كان الرجوع قبل الإيقاع ، وعلم الراهن برجوعه ، فقد بطل اذنه ، ولم يجز له الوطأ ، ولا العتق ، فان لم يكن عالما بالرجوع كان ما فعله ماضيا ، وليس عليه شي ء

وإذا وطأ الراهن أو أعتق ، واختلف هو والمرتهن ، فقال الراهن فعلته بإذن المرتهن ، وقال المرتهن فعليه بغير امرى ، كان القول قول المرتهن مع يمينه ، لأن الأصل عدم الاذن ، والراهن مدع لذلك ، فعله البينة على ما ادعاه ، فاذا حلف المرتهن ، كان بمنزلة ما لو فعله الراهن بغير اذنه ، (1) وان نكل عن اليمين ، ردت اليمين على الراهن ، فاذا حلف صار كأنه فعله بإذن المرتهن ، فان نكل الراهن أيضا لم يلزم الجارية المرهونة يمين.

وإذا حلف الراهن والمرتهن ، حلف على القطع والبتات.

وان كان هذا الاختلاف بين ورثتهما ، فان وارث المرتهن يحلف على العلم فيقول : « واللّه لا اعلم ان مورثي فلانا ابن فلان اذن لك في كذا » لأنه ينفي فعل الغير واليمين على نفى فعل الغير يكون على العلم ، وان نكل عن اليمين ، فردت على وارث الراهن حلف على القطع (2) والبتات.

وإذا أقر المرتهن بأربعة أشياء : بالاذن للراهن في للراهن في الوطأ ، وبأنه وطأ ، وبان الجارية ولدت منه (3) وبمدة الحمل ، مثل ان يقر بأنها ولدت من وقت الوطأ لسنة

ص: 53


1- لم يذكر المصنف هنا حكم ما لو فعله الراهن بغير اذن المرتهن والظاهر انه البطلان في الإعتاق وفي الوطأ ان ادى الى تلف الجارية أو نقص قيمتها بالولادة ، أو الافتضاض يلزم الراهن بقيمتها مكانها ، أو بأرشها معها رهنا كما في المبسوط ، وظاهر المصنف فيما يأتي في مسائل الاختلاف ان من حكمه أيضا انها ان ولدت من الراهن لا تصير أم ولده بالنسبة إلى حق المرتهن فله ان يبيعها في دينه.
2- زاد في هامش نسخة ( ب ) هنا « لأنه يحلف على إثبات الاذن ، ومن يحلف على إثبات فعل غيره يحلف على القطع ».
3- الظاهر زيادة لفظة « منه » لأنه لو أقر بولادتها منه فدعوه بان الولد من غيره مناقض لنفس إقراره ، والمقصود هنا كما يظهر من التعليل ما إذا كان مناقض لمقتضى إقراره ، وهذا انما يكون إذا أقر بأصل ولادتها ويشهد له أيضا انه لم يذكر هذا القيد في صورة الاختلاف.

أشهر فصاعدا ، ثم ادعى هذا المرتهن المقر بما ذكرناه ، بان الولد من غيره ، لم يصدق ، وكانت الجارية أم ولد للراهن ، والولد حر لا حق بالراهن ، ثابت النسب منه ، وليس على الراهن يمين هاهنا ، لان المرتهن قد اقر بما يقتضي إلحاق الولد بالراهن ، وانها أم ولده ، لأنه أقر بوطئها ، وانها ولدت لستة أشهر من وقت ذلك الوطأ ومع ذلك (1) لا يقال بان الولد من غيره.

فان اختلفا في شي ء من هذه الشروط الأربعة ، كان القول قول المرتهن مع يمينه بأنه لم يأذن فيه ، فان اتفقا على الاذن واختلفا في فعل الوطأ ، كان القول أيضا قول المرتهن مع يمينه ، انه لم يطأها.

فإن اختلفا في ولادتها ، فقال المرتهن انما لم تلده ، وانها التقطته ، أو استعارته ، وقال الراهن بل ولدته ، كان القول قول المرتهن ، وكذلك إذا قال - المرتهن ولدته من وقت الوطأ لما دون ستة أشهر كان القول قوله مع يمينه ، فاذا حلف في هذه المسائل ، كان (2) حرا ، وكان نسبه لا حق بالراهن ، لإقراره بذلك ، وحق المرتهن

ص: 54


1- هذا تمام التعليل اى مع هذا الإقرار من المرتهن لا يحكم له بدعواه ان الولد من غير الراهن ، والحاصل انه قد يتوهم ان اللازم تصديق المرتهن ، لكون الجارية في يده ، وهو اعلم بحالها ، فدفعه المصنف ونحوه في المبسوط بأنه مناقض لإقراره.
2- أي الولد : وظاهر المصنف ان فائدة قبول دعوى المرتهن بيمينه في هذه المسائل عدم كون الجارية أم ولد الراهن بالنسبة إلى حق المرتهن ، فيجوز له بيعها في دينه ، بخلاف ما قبلها الذي لم يقبل فيه دعواه ، واما الولد فحر ونسبه للراهن ولا يتعلق به حق المرتهن على كل حال ، ويستفاد من ذلك عدم جواز بيع أم الولد المرهونة ، ولا ينافيه ما تقدم من عدم خروج الجارية بالحمل. أو الولادة عن الرهن لجواز عدم الملازمة عند المصنف بين الرهن ، وجواز البيع واللّه العالم.

لا يتعلق به ، ولا تصير الجارية في حقه أم ولد ، ويباع في دينه ، فاذا عادت الى الراهن كانت أم ولده :

وكذلك لو قال الراهن : أعتقتها بإذنك ، وقال المرتهن : ما أذنت لك في ذلك ، وحلف وبيعت في دينه ، ثم ملكها الراهن ، - عتقت عليه ، لأنه أقر بأنهاحرة

فاما المرتهن فلا خلاف في انه لا يجوز له وطؤ الجارية المرهونة ، فإن خالف ووطأ ، وكان وطؤه بغير اذن الراهن ، كان زانيا ولم يكن عقد الرهن شبهة فيه ، وكان عليه الحد ، وان ادعى الجهالة لم يقبل منه ذلك إلا في الموضع الذي يقبل الدعوى لذلك بتحريم الزنا ، وهو ان يكون نشأ في موضع بعيد عن بلاد الإسلام يجوز ان يخفى عليه ذلك ، أو يكون نشأ في بلاد الكفر ، وكان قريب العهد بالإسلام لا يعرف ذلك ، فاما إذا كان بخلاف ما ذكرناه ، فإنه لا يقبل منه الدعوى للجهالة ويجب عليه الحد.

فاما المهر فلا يجب عليه ذلك لسيدها إذا طاوعته ، لان مهر البغي منهي عنه ، وإذا طاوعته الجارية ، وكانت عالمة بتحريم الزنا ، كان عليها الحد ، وان كانت جاهلة وأمكن ذلك ، أو كانت مكرهة ، لم يجب عليها حد ، فإن أحبلها كان الولد رقا ، (1) هذا إذا لم يدع الجهالة بتحريمه ، أو ادعاها وكان ممن لا تقبل دعواه.

وان ادعى الجهالة وكان ممن تقبل دعواه ، لم يجب عليه حد ، واما المهر فإنه ان كان أكرهها ، أو كانت نائمة وجب ، وان طاوعته وهي لا تدعي الجهالة (2) وهي ممن يقبل منها ذلك ، وجب المهر.

ويكون الاعتبار في وجوب المهر بها (3) ، والحد ، ولحوق الولد ، وحريته ،

ص: 55


1- اى للراهن : فان الحكم في الزنا بالأمة كون الولد رقا لمالكها لانتفاء نسبه من الزاني ، وكونه تابعا لامه كما يأتي في باب نكاح الإماء من كتاب النكاح
2- الصواب زيادة « لا » كما في نسخة ( م ) أو هنا سقط ، وهو كما في المبسوط ، « أو تدعيها ولا يقبل منها ذلك لم يجب المهر ، وان كانت تدعى الجهالة ».
3- اى بالجارية : وحاصله ان في وجوب المهر على المرتهن ، يعتبر حال الجارية ، فإن كانت مطاوعة ولم يقبل منها دعوى الجهالة لم يجب ، والأوجب سواء ، كان المرتهن عالما في الصورتين ، أو جاهلا ، وفي الحد عليه ، ولحوق الولد به ، وكونه حرا يعتبر حاله في العلم والجهل.

فإنه يعتبر ، فاذا قبل دعواه الجهالة أسقط عنه الحد ، والحق به الولد ، وكان حرا ، وعليه قيمته يوم يسقط حيا.

فان كان وطأها بإذن الراهن وكانت (1) ممن تدعى الجهالة بتحريم الوطأ ، قبل منها وأسقط الحد عنها ، ويلحق النسب ، ويكون الولد حرا بغير خلاف.

وان كانت ممن لا تدعي الجهالة بتحريم الوطأ فهو زنا ، والحكم فيه على ما تقدم ، (2) واما المهر فقد اختلف في وجوبه ، والأحوط انه لا يجب ، لأنه ليس على وجوبه دليل ، والأصل براءة الذمة ، واما الولد فإنه يكون حرا ، ولا يجب عليه قيمته.

وإذا كان الرهن في دين إلى أجل، واذن المرتهن للراهن في بيعه إذنا مطلقا فقال له قبل حلول الحق بع الرهن ، فباعه نفذ البيع وبطل الرهن ، وكان ثمنه للراهن دون المرتهن ، ولم يجب على الراهن ان يجعل موضوعه رهنا غيره ، فان كان اذنه مشروطا بان يكون ثمنه رهنا عوضه كان الشرط جائزا ، ويكون ثمنه رهنا عوضه ، فان قال المرتهن أذنت في البيع مطلقا لفظا وكان في نيتي واعتقادي

ص: 56


1- الصواب « وكان » اى المرتهن وكذا في الضمائر المؤنثة بعده فان الكلام في حكم المرتهن كما يشهد له السياق ولحوق النسب وحرية الولد.
2- اى من وجوب الحد ، وقال في المختلف بعد نقل ذلك عن المبسوط : - الحق جواز الوطأ مع اذن الراهن ، قلت : لما ثبت نصا وفتوى جواز تحليل المالك جاريته لغيره الا ان يراد هنا مجرد الاذن ، ويكون الشرط في التحليل إنشاءه بلفظ كما ذكره في المختلف في بابه ، ثم ان ظاهر المتن والمبسوط انه لا يشترط في قبول دعوى الجهل هنا ، ما تقدم في الوطأ بغير الاذن ولعله لكون الاذن شبهة وظاهرهما أيضا نفى المهر على المرتهن مع جهل الجارية بالتحريم وحرية الولد مع علم المرتهن به خلافا لما تقدم في الوطأ بغير الاذن وكأنه لكون اذنه سببا لسقوط حقه من المهر والاسترقاق.

ان يجعل الثمن لي قبل محل الحق ، لم يلتفت الى هذه الدعوى منه ولم يكن بنيته اعتبار في ذلك ولا يفسد اذنه المطلق بما نواه واعتقده ، فان شرط ان يجعل ثمنه في ذمته (1) قبل محله فباع الرهن كان البيع ماضيا ، ويكون الثمن رهنا الى وقت الاستحقاق.

فان اختلفا فقال الراهن أذنت مطلقا فالرهن باطل ، والبيع نافذ ، وقال المرتهن أذنت لك بشرط تعجيل الحق من ثمنه كان القول قول المرتهن لأنهما لو اختلفا في أصل الاذن لكان القول قوله مع يمينه فكذلك إذا اختلفا في صفته.

فان اذن له مطلقا بعد محل الحق في البيع فباع ، صح البيع ، وكان الثمن رهنا مكانه ، حتى يقضى ما عليه منه أو من غيره ، لان عقد الرهن يقتضي بيعه عند محله عند امتناع من عليه الدين من بذله (2).

ارض الوقف وارض الخراج ، وهي كل ارض افتتحت عنوة وهي لكافة

ص: 57


1- الصواب « في دينه » كما في جملة من الكتب المتعرضة لهذا الفرع ، والمراد ان يشرط المرتهن في اذنه ان يعجل الراهن أداء دينه من ثمنه قبل وقته ، فالمستفاد من المتن ، والمبسوط ، ان الشرط فاسد ، وذكر الشيخ في الخلاف انه لا يلزم الوفاء به لأنه لا دليل عليه ، واما صحة البيع وكون الثمن رهنا الى حلول الدين ، فلان الشرط الفاسد لا يكون عندهم مفسدا ، وانه مع فساده يوجب ان لا يكون الاذن في البيع مطلقا لنفس الراهن هذا ، ولكن الظاهر صحة الشرط المذكور ، ووجوب العمل به كما ذكره العلامة في التذكرة في مسائل تصرف الراهن ، لأنه سائغ عرفي تدعو الحاجة اليه ، ولا دليل على منعه ، فيشمله أدلة الشروط
2- هذا التعليل بظاهره عليل ، ولذا اعرض عنه أكثر المتأخرين ، فأطلقوا الحكم ببطلان الرهن ، إذا باعه بإذن المرتهن من غير فرق بين ان يكون قبل حلول الدين أو بعده ، لكن لا يبعد توجيهه بان مقتضى عقد الرهن بيع المرهون عند حلول الدين ، وامتناع الراهن من أدائه ، فإذا كان هذا الحق ثابتا للمرتهن في الجملة ، لا يكون اذنه بالبيع في مورد دليلا على إعراضه عنه.

المسلمين ، لا يجوز رهن شي ء من ذلك فان رهن منه شي ء كان باطلا ، فان كان في أرض الوقف بناء من ترابها كان وقفا ، وان كان من غير ترابها كان طلقا وكانت الأرض وقفا ، وكذلك القول في الشجر إذا غرست فيها ، فإنه يكون طلقا ، فان رهنها دون البناء والشجر كان باطلا ، وان رهنها جميعا بطل ذلك في الأرض وصح في البناء والشجر ، فان رهن البناء والشجر دونها كان جائزا.

وإذا رهن إنسان أرضا من ارض الخراج (1) أو آجرها ، كان الخراج على المكري والراهن ، لأنها في يده ، فإن أدى المرتهن الخراج أو المكتري لم يرجع به على المكري ولا الراهن.

ومن ابتاع عبدا بشرط الخيار له وحده دون البائع، ورهنه في مدة الخيار ، كان الرهن صحيحا وسقط الخيار ، لأنه تصرف فيه والخيار له وحده ، فان لم يكن الخيار له وحده وكان لهما جميعا ورهنه واحد منهما ، وكان هذا الراهن هو البائع ، كان هذا التصرف منه فسخا للبيع وانقطع خيار المشترى ، وان كان الراهن هو المشترى لم يصح تصرفه ، لأن في إنفاذه إبطال حق البائع من الخيار وذلك لا يجوز ، وإذا بطل تصرفه انقطع الخيار من جهته (2).

وإذا رهن إنسان عبدا وأقبضه وهلك بعد القبض، ثم علم بعيب كان به ، لم يكن فيه خيار ولا أرش.

فإن رهنه عبدا وأقبضه إياه ، فقطع بسرقة وقعت منه ، قبل القبض كان له

ص: 58


1- مر آنفا انه لا يجوز رهن ارض الخراج ، فلا بد ان يكون المراد هنا ما إذا رهنها بما فيها من الأشجار والبناء كما في أرض الوقف ، أو يكون المراد بما مر رهن رقبة الأرض ، وبهذا رهنها بماله من الحق ، بقرينة ذكر الإجارة كما ورد في الخبر جواز بيعها كذلك.
2- وجهه غير ظاهر ولعله أخذه بلازم تصرفه ، نظير أخذه بلازم إقراره وان كان أصله باطلا.

الخيار ، فان كان العبد جنى جناية ثم رهن كان باطلا ، سواء كانت الجناية عمدا أو خطئا لأنها ان كانت عمدا كان عليه القصاص ، وان كانت خطأ كان على سيده تسليمه الى المجني عليه ، فان فداه سيده سقط ما على رقبته من الأرش وبقي رهنا ، وان بيع في الجناية وكانت الجناية تستغرق الثمن بيع فيه كله وسقط الرهن ، وان كان لا يستغرق الثمن بيع منه بقدرها وكان الباقي رهنا.

وإذا اقترض إنسان من غيره ألفا ، ورهن بها عبدا، ثم زاده بالحق رهنا آخر ، وهو ان رهن عنده عبدا آخر ، ليكون العبدان رهنا بالألف كان صحيحا بلا خلاف ، فان لم يرهن عنده رهنا آخر ، الا انه اقترض منه ألفا آخر على ان يكون الرهن الأول رهنا به ، وبالألف الثاني كان ذلك أيضا جائزا ، ويتعلق بالرهن الألفان معا.

وإذا دبر إنسان عبده ، ثم رهنه بعد ذلك سقط التدبير ، لان التدبير وصية ، ورهنه رجوع منها.

إذا رهن إنسان غيره عصيرا كان الرهن صحيحا، لأنه مملوك ، فان استحال عين عصيره فصار الى ما لا يخرج به عن الملك ، مثل ان يصير خلا أو مزا (1) أو شي ء لا يسكر كثيره كان الرهن بحاله وان استحال الى ما يخرجه عن الملك مثل الخمر فإنه يزول ملك الراهن وينفسخ الرهن ، لان الخمر لا يصح ان يملكها مسلم بغير خلاف ، فان عادت الخمر بعد ذلك خلا عاد ملك الراهن كما كان ، وإذا عاد ملكه عاد الرهن بحاله لأنه تابع للملك .

ومن كان عنده خمر ، فاراقها ، فجمعها إنسان آخر، فاستحالت في يده خلا ، أو كان عنده خمر فرهنها من إنسان آخر فاستحالت في يد المرتهن خلا ، كانت ملكا لمن انقلبت في يده ، لأن الإراقة أزالت يده عنها (2).

ص: 59


1- في القاموس : شراب مز بالضم ، اى بين الحلو والحامض.
2- هذا لا يتم في الرهن الا ان يثبت كونه كالإراقة في زوال اليد عنها ، وليس كذلك ، والا لزم في الفرع السابق ان لا تعود ملكا لعدم الفرق بين الابتداء والبقاء.

وإذا اختلف المتراهنان في الخمر ، فقال أحدهما : أقبضته عصيرا ، وقال المرتهن : أقبضتني خمرا ، كان القول : قول المرتهن مع يمينه إذا لم يكن للراهن بينة.

وإذا رهن الذمي عند الذمي خمرا فصارت خلا فهي رهن على ما كانت عليه ، وكذا القول : إذا رهنه عصيرا فصار خمرا.

وإذا ارتهن إنسان حيوانا وقبضه كان جائزا ، وطعام الرقيق واجرة الراعي على الراهن.

وإذا كان لإنسان جارية ، ولها ولد مملوك صغير، فأراد أن يرهن الجارية دون ولدها كان ذلك جائزا ، لأن الرهن لا يزيل الملك ولا يمنع من الرضاع ، فاذا حل الدين وقضاه الراهن انفكت من الرهن وان لم يقضه من غيرها ، وكان الولد قد بلغ سبع سنين أو أكثر بيعت الجارية دون الولد ، لان التفريق بينهما إذا انتهى الولد الى هذا السن جائز.

وإذا كان الولد لم يبلغ الى ذلك السن لم يجز التفريق بينهما وبيعا معا ، فما قابل قيمة الجارية كان رهنا يكون المرتهن أحق به من سائر الغرماء ، وما قابل الولد لم يدخل في الرهن ، ويكون الجميع فيه سواء ، هذا إذا علم المرتهن ان لها ولدا فاما إذا لم يعلم ذلك ثم علم كان له ردها وفسخ البيع ، لان ذلك نقص في الرهن فان بيعها مفردة أكثر لثمنها وذلك غير جائز هاهنا لأن التفرقة بينها وبين الولد في البيع لا يجوز ، إذا كان الولد دون سبع سنين.

وإذا رهن جارية لا ولد لها ، ثم ولدت في يد المرتهن ، فإنهما يباعان ، ويكون للمرتهن مقدار ثمن الجارية إذا بيعت ، ولا ولد لها ، لأنه يستحق بيعها غير ذات ولد.

وإذا رهن إنسان نخلا مثمرا وشرط المرتهن دخول الثمر في الرهن كان جائزا وكان الجميع رهنا ، وان لم يشترط ذلك لم يدخل في الرهن وان كانت النخل مطلعة لم يدخل الطلع في الرهن ، وإذا رهن أرضا وفيها نخل وشجر أو بناء فإنها لا تدخل في الرهن الا بشرط ، ويكون الأرض وحدها رهنا.

وإذا هلك الرهن في يد المرتهن صحيحا كان أو فاسدا لم يكن على المرتهن ضمان

ص: 60

الا ان يفرط فيه فيضمن حينئذ ذلك.

وإذا رهن ما يسرع اليه التلف ، مثل : البقول ، والبطيخ ، وما أشبه ذلك ، فان رهنه الى محل قريب لا يفسد اليه ، كان رهنه صحيحا ، لأنه يمكن بيعه ، واستيفاء الحق من ثمنه في محله ، وان كان المحل يتأخر عن مدة فساده ، وشرط المرتهن على الراهن بيعه إذا خيف فساده ، (1) كان رهنه باطلا ، لان المرتهن لا ينتفع به ، فإن أطلقا ذلك لم يجز الرهن لأنه لا يجبر على بيعه فلا ينتفع المرتهن به.

وإذا رهن إنسان أرضا بيضاء ، وسلمها الى المرتهن ونبت فيها بعد ذلك نخل أو شجر بإنبات الراهن ، أو حمل السيل إليها نوى فنبت فيها ، لم يدخل ذلك في الرهن ولا يجبر الراهن على قلعه في الحال ، لان تركه في الأرض انتفاع بها ، والراهن لا يمنع من الانتفاع بالرهن ، لان منفعته له ، فاذا حل الدين ، فان قضى دينه من غيرها انفكت الأرض من الرهن.

فان لم يقض الدين من غيرها ، وكان أرش الأرض إذا بيعت وحدها يفي بالدين ، بيعت من غير نخل وشجر. وترك النخل والشجر على ملك الراهن ، فان كان لا يفي بدين المرتهن الا ان الغرس الذي فيها لم ينقص ثمنها وان لم يكن فيها غرس لكان ثمنها مثل ثمنها مع الغرس (2) يبيعها لأجل المرتهن ، فان كان ما فيها من الغرس من نخل وشجر نقص ثمن الأرض ، لكثرة النخل والشجر ، فان الراهن

ص: 61


1- الصواب كما في نسخة ( م ) وهامش نسخة ( ب ) تصحيحا. إذا خيف فساده وترك ثمنه رهنا عوضه كان صحيحا وان شرط الراهن ان لا يبيعه إذا خيف فساده كان رهنه باطلا إلخ ونحوه في المبسوط.
2- في نسخة ( م ) متنا ونسخة ( ب ) فوقه بدلا « بيع الغرس معها لأجل المرتهن » وما في المتن أصح ، والمراد انه لو كانت قيمة الأرض بدون الغرس كقيمتها مع الغرس ، ولم ينقصها الغرس شيئا فاللازم ان تباع الأرض وحدها للمرتهن ولا يجب بيع الغرس معها وقد صرح بذلك في المبسوط ، واما على النسخة الأخرى فلا وجه لوجوب بيع الغرس مع الأرض لأجل المرتهن.

مخير بين ان يبيعها جميعا ، وبين ان يقلع الغرس ، ويسلم الأرض بيضاء معدلة من الخضر (1) لتباع للمرتهن ، هذا إذا لم يكن هناك غرماء ، وان كان هناك غرماء وقد فلس بدين لهم فإنه لا يجوز قلعه ، لأنه ينقص قيمته ، ولكن يباعان جميعا ويدفع الى المرتهن ما قابل أرضا بيضاء لم يكن فيها نخل ولا شجر. ويكون الباقي خارجا من الرهن ، لان المرتهن استحق بيع الأرض منفردة عن النخل والشجر ، فوجب جبران النقص الداخل في ثمنها.

فان رهنه أرضا وفيها نخل وشرط دخولها في الرهن ثم اختلفا في بعض النخل الذي في الأرض ، فقال الراهن : هذا نبت بعد الرهن ولم يدخل في الرهن ، وقال المرتهن : بل كان موجودا في حال الرهن ، وقد دخل فيه ، فان كانت كبارا لا يمكن حدوثها بعد الرهن ، كان القول : قول المرتهن من غير يمين ، لأنا نعلم كذب الراهن في ذلك ، وان كانت صغارا لا يمكن وجودها في حال عقد الرهن ، كان القول : قول الراهن من غير يمين لأنا نعلم كذب المرتهن في ذلك ، فان كان ما ذكره كل واحد منهما ممكنا ، كان القول : قول الراهن مع يمينه ، لأن الأصل ان لا رهن والمرتهن يدعى الرهن فعليه البينة.

وإذا رهن إنسان عند غيره شيئا ، وشرط الراهن للمرتهن إذا حل الأجل ان يبيعه كان الشرط صحيحا ، ويجوز توكيل المرتهن في بيع الرهن ، سواء كان ذلك بحضرة الراهن أو غيبته.

وإذا شرط المتراهنان ، ان يكون الرهن على يد عدل صح ذلك ، وان شرطا ان يبيعه العدل ، صح ذلك أيضا ، فإذا حل أجل الدين لم يجز للعدل بيعه إلا بإذن المرتهن لان البيع في الدين حق له ، فاذا لم يطالب به ، لم يجز بيعه ، ولا يحتاج إلى اذن الراهن وإذا أراد العدل بيع الرهن عند حلول الحق بإذن المرتهن والراهن ، واتفقا

ص: 62


1- في نسخة ( م ) « من الحظر » والصواب « من الحفر » كما في المبسوط والمراد ان يسويها من الحفر التي حدثت فيها بالقلع.

على مبلغ الثمن وجنسه ، باعه بما اتفقا عليه ، ولم يجز له مخالفتهما في ذلك ، لان الحق لهما ، وليس له فيه حق ، فإن أطلقا الإذن له بالبيع ، لم يجز له بيعه الا بثمن مثله : ويكون الثمن حالا ، ومن نقد البلد ، فان خالف الوكيل وباعه نسيئة ، أو باع بغير نقد البلد ، لم يصح البيع ، ونظر فان كان المبيع باقيا في يد المشترى ، استرجع منه ، وان كان هلك فالراهن بالخيار ، ان شاء رجع على المشترى بجميع القيمة ، وان شاء رجع على العدل ، وكان له الرجوع على العدل لتفريطه ، وعلى المشترى لأنه قبض ماله بغير حق ، فان رجع على العدل ، رجع العدل على المشترى ، وان رجع على المشترى لم يرجع على العدل ، لان المبيع هلك في يد المشترى ، فيستقر عليه الضمان.

فان كان باع بأقل مما يسوى ، (1) وكان ذلك نقصانا كبيرا ، لا يتغابن أهل البصيرة بمثله ، مثل ان يكون الرهن يساوى مأة ، ويتغابن الناس فيه بخمسة ، وباعه العدل بثمانين ، كان البيع باطلا ، فان كان المبيع باقيا ، استرجع ، وان كان هالكا ، كان للراهن الرجوع على من أراد منهما ، فان رجع على المشترى رجع بجميع قيمته ، ولا يرجع المشترى على العدل ، وان رجع على العدل ، رجع عليه بجميع قيمته ، لأنه لم يجز له إخراج الرهن بأقل من قيمته ، فهو مفرط في حقه ، ولزمه جميع قيمته.

فان باعه بما يتغابن الناس بمثله ، مثل ان يكون الرهن يساوى مأة ويتغابن الناس فيه بخمسة ، فباع بخمسة وتسعين ، كان البيع صحيحا ، لان هذا القدر لا يمكن الاحتراز منه ، وهو يقع لأهل الخبرة والبصيرة ، والمرجع في ذلك الى أهل الخبرة.

فإن باعه بثمن مثله ، أو بنقصان يتغابن الناس بمثله ، كان البيع صحيحا ، فان حضر من يزيد في ثمنه وكان ذلك بعد لزوم البيع وانقطاع الخيار بينهما ،

ص: 63


1- في نسخة ( م ) ونسخة ( ب ) تصحيحا « بأقل مما يشترى » وكلاهما بمعنى.

لم يلتفت الى ذلك ، ولا يجوز قبول هذه الزيادة ، ولا يملك فسخ البيع في هذه الحال وان كان ذلك في زمن الخيار مثل ان يكون قبل التفرق من المجلس أو في زمان خيار الشرط كان قبول الزيادة وفسخ العقد جائزا ، فان لم يقبل الزيادة لم ينفسخ العقد (1).

والعدل إذا باع الرهن وقبض ثمنه ، كان من ضمان الراهن حتى يقبضه المرتهن.

وإذا كان الرهن على يد عدل ، ومات الراهن انفسخت وكالة العدل ، ولزم الوارث قضاء الدين ، اما بان يبيع الرهن ويقضى ذلك من ثمنه أو يقضيه من غير ذلك ، فان امتنع ولم يقضه من الثمن ولا من غيره اقام الحاكم عدلا يبيع الرهن ويقضى الدين من ثمنه.

وإذا باع العدل الرهن ، وهلك ثمنه من يده ، واستحق الرهن من يد المشتري (2) أمر الحاكم المشترى بتسليم الرهن الى مستحقه ، ويرجع المشترى بالثمن على تركة الراهن ، وليس على العدل في ذلك شي ء (3) ، ويكون المشترى كغيره ، من الغرماء ، وله أسوة بهم ، ولا يقدم عليهم ، لأنهم قد استووا في ثبوت حقوقهم في الذمة ، هذا إذا كان العدل بائعا للرهن بأمر الحاكم.

فان كان الرهن (4) باقيا وباعه العدل بتوكيل الراهن وقبض الثمن ثم هلك في يده واستحق المبيع في يد المشتري ، فإنه يرجع على الراهن ، وكذلك : كل وكيل باع شيئا فاستحق وهلك الثمن في يد الوكيل ، فإن المشتري يرجع على الموكل دون الوكيل.

ص: 64


1- يظهر ان الوكيل العدل مخير بين قبول الزيادة وعدمه ، وهو مشكل ، لأنه يجب عليه رعاية الغبطة للموكل ، وهي في قبول الزيادة.
2- أي ظهر في يده مستحقا للغير.
3- اى من ضمان الثمن كما يأتي.
4- الصواب « فان كان الراهن باقيا » اى حيا.

وإذا باع العدل الرهن وقبض ثمنه وهلك ذلك من يده ، لم يلزمه ضمانه ، لأنه أمين والأمين لا يضمن اليه بالتفريط.

وإذا ادعى هلاكه كان القول قوله مع يمينه ، ولا يجب عليه اقامة بينة على ذلك ، فان حلف انه هلك من يده بغير تفريط برأ منه ، وان لم يحلف ردت اليمين على الراهن ، فان حلف انه في يده ، لزمه ذلك وكان له حبسه ، حتى يخرج اليه منه.

وإذا ادعى العدل دفع ثمن الرهن الى المرتهن ، وأنكر المرتهن ، ذلك ، كان القول قول المرتهن مع يمينه.

وإذا كان العدل وكيلا في بيع الرهن ، فقال له الراهن بعه بدنانير ، وقال له المرتهن بعه بدراهم لم يجز له تقديم قول أحدهما على صاحبه ، لان لكل واحد منهما حقا في بيعه (1) وكان على الحاكم ، ان يأمره ببيعه بنقد البلد ، لان نقد البلد هو الذي يقتضيه عقد الوكالة.

فإن كان حق المرتهن من جنسه ، قضى عنه ، وان كان من غير جنسه ، صرفه في ذلك الجنس وقضى منه دينه ، وان كانا جميعا نقدى البلد ، باع بأكثرهما وأغلبهما استعمالا ، فان استويا ، باع باوفاهما حظا ، فان استويا وكان أحدهما من جنس الحق باع به ، وان كان الحق من غير جنسهما ، باع بالذي يكون تحصيل جنس الحق به أسهل ، فإن استويا ، عمل الحاكم على تقديم أحدهما بما يراه صلاحا.

وإذا باع العدل الرهن بدين ، كان عليه الضمان ، لأنه بذلك مفرط ، وإذا فسق العدل ، نقل الرهن من يده ، لأنه غير مأمون عليه ، وإذا حدثت عداوة بينه وبين الراهن ، أو المرتهن وأراد (2) نقله ، نقل ، لأنه ليس من أهل الأمانة في حق عدوه ،

ص: 65


1- فيه ان حق المرتهن أصل بيعه في الجملة ، لاستيفاء الدين به ، وحق الراهن متعلق بشخص المال ، وخصوصياته ، لكونه ملكه ، فاللازم تقديم قوله ، نعم ان كان نقده من غير الجنس الذي عليه وجب تبديله به.
2- أي الذي بينه وبين العدل عداوة من الراهن أو المرتهن ، والمراد انه إذا أراد هذا ان ينقله الأخر من يد هذا العدل الى محل آخر وجب عليه ذلك.

وإذا تغيرت حال العدل بمرض ، أو كبر حتى صار غير متمكن من حفظ الرهن ، ولا القيام به فإنه ينقل من يده ، لأنه يخشى هلاكه.

وإذا اختلف الراهن والمرتهن فيمن ينقل إليه ، فأراد أحدهما غير ما أراده الأخر ، كان على الحاكم ان يجتهد في ذلك ، وينقله إلى أمين ثقة.

فإن اختلفا في تغير العدل ، فقال أحدهما : تغير ، وقال الأخر : لم يتغير ، كشف الحاكم عنه ، فان كان لم يتغير أقر الرهن عنده بحاله ، فإن كان قد تغير ، نقله من يده ، وكذلك الحكم إذا كان الرهن في يد المرتهن وادعى الراهن تغيره سواء.

وإذا مات المرتهن وصار الرهن في يد وارثه ، أو وصيه ، وطالب الراهن بنقله من يد الذي صار اليه ، كان له ذلك ، لأنه لم يرض بان يكون في يد الوارث أو الوصي وينبغي للحاكم ، ان ينقله الى يد ثقة أمين وكذلك الحكم سواء ، إذا كان في يد العدل ومات.

وإذا لم يتغير حال العدل ، واتفق المتراهنان على نقله من يده ، كان ذلك جائزا لأن الحق لهما ، فان اختلفا : فأراد أحدهما نقله من يده ، ولم يرده الأخر ، لم ينقل من يده لأنهما قد رضيا بأمانته ونيابته عنهما في حفظه ، فليس لأحدهما الانفراد بنقله وإخراجه عن يده.

وإذا كان الرهن على يد العدل وأراد رده على المتراهنين ، وكانا حاضرين ، كان له ذلك ، وإذا رده عليهما وقبضاه ، فقد برأ العدل من حفظه ، فان امتنعا من قبضه ، ألزمهما الحاكم قبضه ، أو قبضه عنهما ، ويبرأ العدل من حفظه أيضا.

فإن سلم العدل الى الحاكم ، قبل امتناعهما من قبضه ، لم يجز له ذلك ، لأنه لا يجوز للعدل دفع الرهن الى غير المتراهنين مع حضورهما ، وإمكان إيصاله إليهما ، ولا يجوز للحاكم أيضا قبضه منه قبل امتناعهما من قبضه ، لأنه لا يثبت له ولاية عليهما إلا إذا امتنعا من القبض ، وتعذر إيصاله إليهما ، وكذلك : إذا دفعه الى ثقة عدل ضمنا جميعا ، لأنه لا يجوز ان يخرجه من يده الى غير المتراهنين ، واما العدل الذي قبضه ، فإنه قبضه بغير حق ، فعليه ضمانه ، فإن سلمه الى أحد المتراهنين ، كان

ص: 66

عليهما أيضا ضمانه ، لأنه وكيل لهما في حفظه ، فلم يجز له دفعه الى أحدهما دون الأخر

فإن كان المتراهنان غائبين ، وكان للعدل عذر ، من سفر أو مرض مخوف ، فان الحاكم يقبضه منه عنهما ، ولا يجوز له دفعه مع وجود الحاكم الى غيره ، فان لم يقدر على حاكم ودفعه الى ثقة عدل ، لم يلزم ضمانه ، وان لم يكن له عذر ، لم يجز له دفعه الى الحاكم.

وإذا كان أحد المتراهنين حاضرا ، والأخر غائبا لم يجز للعدل تسليم الرهن الى الحاضر ، لأنه نائب في حفظه عنهما جميعا ، فإن سلمه الى الحاضر ، كان عليه ضمانه ولا يقوم الحاكم هيهنا مقام الغائب (1) ، كما قام مقام الغائبين ، على ما قدمناه.

وإذا تراضى المتراهنان على ان يكون الرهن على يد عدلين ، وأراد أحدهما ان يسلم (2) الأخر حتى ينفرد بحفظه ، لم يجز له ذلك ، لان الراهن لم يرض بامانة أحدهما ، وانما رضي بامانتهما جميعا ، فلا يجوز لأحدهما الانفراد بحفظه على حال.

وإذا جنى إنسان على الرهن ، فأتلفه وهو على يد العدل ، كان على الجاني قيمته ، ويكون على يد العدل رهنا عوضا عن الأول ، وليس يجوز للعدل ، بيع هذه القيمة عند محل الدين ، لان الراهن انما وكله في بيع الرهن دون غيره (3).

وإذا كان عند إنسان رهن ، لم يجز له ان يسافر به ، فان فعل ذلك ، كان عليه

ص: 67


1- ظاهره انه مع العذر لا يجوز دفعه الى الحاضر ، والحاكم معا وهذا بعيد جدا ، إذ مقتضى كون الحاكم وليا عن الغائبين كونه وليا عن الغائب الواحد أيضا مع انه عند العذر ليس العدل مكلفا بحفظه ، والمفروض انه لا يجوز له دفعه الى الحاضر فاما ان يدفعه الى عدل آخر وحده أو مع الحاضر أو الى الحاكم والحاضر وهذا اولى بلا إشكال.
2- أي إلى الأخر ، أو يسلم الأخر إليه.
3- الظاهر ان القيمة بدل عن التالف وفرع عليه ، فتجري عليها أحكامه التي منها الوكالة في البيع.

ضمانه ، فان رجع به الى بلده ، لم يزل عنه الضمان ، لان الاستئمان قد بطل ولا يعود الأمانة الا بان يرجع الى صاحبه ، ثم يعيده اليه ، أو الى وكيله.

وإذا وكل المتراهنان عبدا بغير اذن سيده في حفظ الرهن وبيعه عند محل الحق بجعل ، أو غير جعل ، لم يجز ذلك ، لان منفعته لسيده ، فان اذن في ذلك كان جائزا.

وإذا وكلا في ذلك مكاتبا بغير جعل ، لم يجز ذلك لأنه ليس له ان يتبرع لتعلق حق سيده بمنافعه ، وإذا كان ذلك بجعل ، كان جائزا ، لأن للمكاتب ان يوجر نفسه من غير اذن سيده.

وإذا اقترض الذمي من مسلم مالا ، ورهن عنه به خمرا ، ليكون على يد ذمي آخر يبيعها عند محل الدين فباعها ، واحضر الثمن الى صاحب المال جاز له أخذه (1) ولا يجبر على ذلك (2) ، فان شرط ان يكون الخمر على يد مسلم ، وان يبيعها هذا المسلم عند محل الحق فباعها وقبض ثمنها ، لم يصح ذلك ولم يكن لبيع المسلم

ص: 68


1- كما في خبر منصور قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) : لي على رجل ذمي دراهم فيبيع الخمر والخنزير ، وانا حاضر ، فيحل لي أخذها فقال : انما لك عليه دراهم فقضاك دراهمك ، ونحوه غيره ، وورد في خبر الجزية إن وزر ذلك عليهم ، وثمنه للمسلمين حلال ، والمشهور بين الأصحاب بطلان الرهن المذكور ، إذ لا حرمة للخمر في الإسلام ، فلا يتعلق بها حق مسلم برهن وغيره ، وعبارة المتن والمبسوط والخلاف لا تدل على صحته لجواز ان يكون المراد انه وان كان باطلا ، لكن لو أدى الدين بثمنها كان جائزا.
2- ظاهره انه لا يجوز إجبار المسلم الدائن على أخذ هذا الثمن في دينه ، ونحوه في المبسوط ، وأظهر منهما في الخلاف ، وهذا بعيد إذ بعد فرض انه حلال له لا وجه لامتناعه عن أخذه كثمن غير الخمر مع انه الظاهر من خبر منصور المتقدم ويحتمل في عبارة المتن انه لا يجوز للمسلم ان يجبر الذمي على بيع الخمر المرهونة لما مر آنفا من انه لا يتعلق حقه بها.

الخمر ولا قبضه لثمنها حكم ، ولم يجز للمسلم الذي هو صاحب الدين قبضه دينه من ذلك.

وإذا أرسل إنسان رسولا الى غيره مع عبد له ، ليقترض له منه دنانير ، ويرهن العبد عنده بها ، ففعل الرسول ذلك ، ثم اختلف الراهن والمرتهن ، فقال المرتهن : أرسلت رسولك ليرهن العبد بعشرين دينارا. وقد فعل ذلك ، وقال الراهن : ما أذنت له الا في عشرة دنانير ، كان القول قول الراهن مع يمينه ، لأن الأصل انه لم يرهن (1) فان شهد الرسول للراهن أو للمرتهن ، لم يسمع شهادته (2) ، لأنه شهد على فعل نفسه وذلك مما لا تقبل فيه شهادته.

وإذا أرسل الى غيره عبدا وثوبا ثم اختلفا ، فقال الراهن : العبد هو الرهن والثوب وديعة وانا مطالب لك بالثوب ، وقال المرتهن : الثوب رهن والعبد وديعة فليس لك مطالبتي بالثوب كان العبد قد خرج من الرهن بإنكار المرتهن كونه رهنا ، (3) فاما الثوب فهو مدع بأنه رهن وصاحبه ينكر ذلك ، فالقول حينئذ ، قول الراهن مع يمينه ، لأن الأصل انه ليس برهن وعلى المرتهن البينة على انه رهن.

وإذا كان في يد إنسان ثوب ، فقال لصاحبه هو الرهن في يدي رهنتنيه، أو رهنه عبدي (4) بإذنك ، فقال صاحبه : لم أرهنه ولا أذنت في رهنه ، وانما رهنت

ص: 69


1- اى بأزيد من عشرة ، والمراد ما إذا اقترض له عشرين أو أكثر واختلفا في مقدار ما يرهن العبد به.
2- الظاهر قبول قوله بكونه مؤتمنا ذائد ، وليس هو من باب قبول الشهادة.
3- لكنه معارض بإقرار الراهن ولا يبعد هنا تقديمه على إنكار المرتهن للعلم إجمالا برهن أحدهما فلو لم يقدم بطل حق المرتهن ومع التنزل فالمرجع القرعة لعموم دليلها.
4- لعل الصواب « عبدك » وفي نسخة ( م ) « عندي رسولك بإذنك ».

أو أذنت في رهن عبدي وقد فعلته ، (1) وانا مطالب لك بقيمته ، كان القول قول الراهن في الثوب والقول قول المرتهن في العبد مع يمينه ، لأن الأصل في الثوب انه غير رهن ، والقول قول المرتهن في قيمة العبد ، لأن الأصل براءة ذمته من ذلك.

وإذا رهن إنسان عبده عند غيره ، فجنى هذا العبد على سيده ، فان كانت جنايته مما دون النفس ، مثل قطع اليد أو قلع العين ، أو قطع الاذن وما أشبه ذلك من الجراح التي فيها القصاص كان لسيده ، ان يقتص منه ، ويبقى بعد القصاص رهنا كما كان ، وان لم يقتص منه وعفى على مال لم يصح ذلك ، لأنه لا يجوز ان يثبت له على عبده استحقاق في مال ابتداء ، وعلى هذا ينبغي ان يكون الجناية هدرا ، وإذا كانت خطأ فكما ذكرناه من انه لا يصح ان يثبت له على عبده مال ابتداء فاذا كان كذلك بقي العبد رهنا ، ولا يؤثر فيه جناية الخطأ ولا العمد بعد العفو فان القصاص سقط والمال لا يثبت.

وان كان الجناية على نفس السيد ، كان للوارث قتل العبد ، فان فعل ذلك بطل الرهن وان عفى على مال لم يصح ، لأنه لا يجوز ان يستحق على ماله مالا ، وهذا العبد فهو للورثة فلم يجز ذلك لما ذكرناه.

وإذا رهن إنسان عبده عند غيره ، فقتل هذا العبد عبدا آخر لسيده فان كان المقتول ليس برهن كان لسيده ان يقتص منه لان العبد كفو للعبد ، وان أراد ان يعفو على مال ليبيع العبد المرهون ويقبض ثمنه ، لم يجز له ذلك لأنه ليس للسيد ان يعفو عن جناية عبده على مال لنفسه من حيث انه لا يثبت له على عبده مال الا أن يكون قائماً مقام غيره فيما يثبت له ، وان كانت الجناية خطأ لم يثبت المال وكانت هدرا على ما قلناه.

وإذا كان الرهن جارية حبلى فجنى عليها فان ضربها إنسان فألقت جنينا ميتا ،

ص: 70


1- كذا في الأصل ونسخة ( ب ) وفي المبسوط « وقد قبلته » والظاهر ان الصواب « وقد قتلته » بقرينة مطالبته بالقيمة.

كان على الجاني عشر قيمتها ولا يجب ما نقص من قيمة الأم ، لأن ذلك داخل في دية الجنين ، ويدفع ذلك الى الراهن ، لان ولد المرهونة لا يدخل في الرهن ، وكذلك بدل نفسه ، وليس للمرتهن فيه شي ء ، ولا يتعلق به حق له على حال فان كان دابة حاملا فضربها فألقت جنينا ميتا كان على ضاربها ما نقص من قيمة الأم ، ولا يجب بدل الجنين الميت من البهيمة ، ويكون داخلا في الرهن لأنه بدل ما نقص من اجزاء الرهن فإن ألقت جنينا حيا ثم مات كان عليه قيمة الولد ولا يلزمه غير ذلك ، ويدخل نقصان الأم في ذلك ويكون ذلك للراهن دون المرتهن.

وإذا جنى عليه (1) وكذبه أحد المتراهنين وصدقه الأخر ، فإن كان المكذب له هو الراهن ، والمصدق له هو المرتهن ، ثبت إقراره في حق المرتهن وأخذ منه أرشا ويكون رهنا ، فإن أبرأ المرتهن الراهن من دين المرتهن رجع الأرش إلى المقر ، ولم يستحقه الراهن ، لأنه أقر بأنه لا يستحقه فلزمه إقراره ، فان صدقه الراهن وكذبه المرتهن ، كان الأرش واجبا للراهن ، وليس للمرتهن فيه حق.

وإذا رهن مسلم عند كافر عبدا مسلما أو رهن عنده مصحفا وشيئا من أحاديث النبي صلى اللّه عليه وآله أو الأئمة عليهم السلام كان ذلك جائزا ويودع هذا الرهن على يد مسلم.

وإذا باع إنسان من غيره شيئا بثمن معلوم إلى أجل معلوم ، وشرط فيه ان يرهنه بالثمن رهنا معلوما ، كان ذلك صحيحا ، ويصير الرهن معلوما بالمشاهدة أو بالصفة ، فإذا كان ذلك صحيحا كما ذكرناه وسلم المشترى ما شرط من الرهن ، فقد وفى ووجب العقد ، فان لم يسلم ذلك ، اجبر عليه ، أو يتفاسخان العقد.

وإذا باع شيئا بثمن معين إلى أجل معلوم وشرط ان يضمن إنسان الثمن جاز ذلك ويجب ان يكون من يضمنه معلوما ، إما بالإشارة ، أو بالتسمية والنسب واما بالوصف بان يقول يضمنه رجل غنى ثقة فان لم يجب الى ضمان ذلك ، كان

ص: 71


1- فيه سقط وصوابه كما في المبسوط وهامش نسخة ( ب ) بعلامة التصحيح : وإذا جنى إنسان على المرهون جناية ولم يعرف الجاني وأقر إنسان بأنه الذي جنى عليه وكذبه أحد المتراهنين وصدقه الأخر إلخ.

القول في انه يجبر على ذلك ، أو يتفاسخان العقد كما ذكرناه فيما تقدم.

وإذا اتفقا ان يضمن ذلك إنسان معين ، أو اتفقا على رهن معين ، فاحضر الراهن غير الرجل المعين ، أو الرهن المعين لم يلزم المرتهن ان يقبل ذلك منه ، ويكون الحكم فيه ، مثل ما قدمناه أيضا.

وإذا وجد المرتهن في الرهن عيبا، ولم يختلفا في انه حدث في يد المرتهن ، لم يكن له رده ، لأنه حدث بعد القبض ، وان كان في يد الراهن وهو به كان له رده ، فاذا رده كان مخيرا في فسخ البيع ، أو في إجازته بغير رهن ، فان اختلفا في حدوثه وكان حدوثه لا يمكن في يد المرتهن ، كان القول قوله بغير يمين ، لأنه أمين ، (1) وان كان لا يمكن حدوثه في يد الراهن كان القول قوله من غير يمين ، وان كان حدوثه يمكن في يد كل واحد منهما كان القول قول الراهن مع يمينه ، لان الظاهر بقاء عقد الرهن وفقد الخيار.

وإذا كان في الرهن عيب ودلس به الراهن على المرتهن كان المرتهن مخيرا بين رده بالعيب ، وبين الرضا به معيبا ، فان رده بالعيب ، كان مخيرا في فسخ البيع أو إجازته بغير رهن.

وإذا رهن إنسان عبدين وسلم الى المرتهن واحدا منهما ، فمات في يده وامتنع من تسليم الأخر اليه ، لم يكن للمرتهن خيار في فسخ البيع لان الخيار في فسخه انما يثبت له إذا رد الرهن وليس يمكنه رد ما قبضه ، وهكذا الحكم إذا قبض أحد العبدين وحدث به عيب في يده وامتنع الراهن من تسليم الأخر إليه في انه لا خيار له في فسخ البيع لأنه لا يجوز له رد المعيب للعيب الحادث في يده.

ومتى لم يكن الرهن شرطا في عقد البيع فتطوع المشترى فرهن بالثمن ثوبا أو عبدا أو غير ذلك مما يجوز رهنه وسلمه الى البائع ، كان الرهن صحيحا ولزم ، لان كل وثيقة صحت مع الحق فهي صحيحة بعده ، وإذا كان ذلك صحيحا لم يكن للراهن

ص: 72


1- هذا التعليل غير مناسب وهو واضح.

انفكاكه الا بعد الوفاء بجميع الحق ، وليس له انفكاكه وقد بقي منه شي ء قليلا كان الباقي (1) أو كثيرا فان رهنه ولم يسلمه لم يكن له ذلك واجبر على تسليمه (2) ولم يكن للبائع خيار في فسخ البيع ، لأنه قد رضي به منه من غير رهن ، وانما يكون له الخيار إذا لم يرض به منه وشرط الرهن في عقد البيع ، فاذا امتنع من تسليم الرهن كان قد امتنع من الوفاء بموجب العقد ، وكان مخيرا في فسخه.

فان باع شيئا من غيره وشرط ان يكون المبيع رهنا في يد البائع، كان البيع غير صحيح لان شرطه ان يكون رهنا لا يصح لأنه شرط ان يرهن ما لا يملك والمشترى لا يملك البيع قبل تمام العقد ، وإذا بطل الرهن بطل البيع لان البيع يقتضي إيفاء الثمن من ثمن المبيع (3) وذلك متناقض من وجه آخر ، ان الرهن يقتضي ان يكون امانة في يد البائع ، والبيع يقتضي ان يكون المبيع مضمونا عليه وذلك متناقض أيضا.

فإن شرط البائع تسليم المبيع إلى المشترى « ثم يرده الى يده رهنا بالثمن ، فان الرهن والبيع يكونان فاسدين ، مثل ما ذكرناه متقدما ، وإذا اختلف الراهن والمرتهن. فقال المرتهن : رهنتني عبدين وقال الراهن : رهنتك أحدهما. كان القول قول الراهن مع يمينه ، لأن الأصل انه لم يرهنه العبد الأخر ، وان اتفقا على الرهن ، واختلفا في مقدار الحق الذي رهناه ، كان القول قول الراهن مع يمينه ، لأن الأصل انه

ص: 73


1- تقدم هذا في أوائل الباب وذكرنا ما فيه.
2- لعدم كون القبض شرطا في لزوم الرهن عند المصنف كمامر في أوائل الباب.
3- في العبارة سقط أو إجمال ففي المبسوط : لان البيع يقتضي إيفاء الثمن من غير ثمن المبيع والرهن يقتضي إيفاء الثمن من ثمن المبيع وذلك متناقض ولعله ( إلخ ) وقوله من وجه آخر بيان للتناقض بوجه آخر كما ذكره بعده ولعله كان بالواو العاطفة وقد أورد في المختلف كلام المبسوط واختار صحة البيع والرهن معا ورد الوجهين المذكورين مفصلا فراجع.

لم يرهن فيما زاد على ما أقربه.

وإذا كان لإنسان على غيره ألفا درهم ، الف واحد برهن ، والألف الأخر بغير رهن ، فقضاه ألفا ، واختلفا ، فقال القاضي : هو الألف الذي ب « رهن » فطالب برد الرهن الذي على هذا الالف ، وقال الذي قبض الالف : هو الذي بغير رهن ، والذي بالرهن باق ، والرهن لازم ، كان القول قول القاضي للألف مع يمينه ، لأنهما لو اختلفا في أصل القضاء كان القول قوله مع يمينه (1).

وان اتفقا على انه قضاه ألفا ، ولم يلفظ بشي ء منه ، ولم يدع نيته وقال القاضي : لم انو شيئا ، كان له ان يصرف إلى أيهما شاء ، وكذلك إذا أبرأه من الف ، واختلفا في لفظه أو نيته ، أو اتفقا على انه أطلقه كان بمنزلة قضائه.

وإذا كان له على اثنين الف درهم ، على كل واحد منهما خمس مائة وكان لهما عبد مشترك بينهما ، فادعى صاحب الدين انهما رهناه العبد الذي بينهما بالألف الذي هو عليهما ، فإن أنكراه ، كان القول قولهما مع يمينهما ، لأن الأصل انهما لم يرهنا ، وكان عليه البينة بذلك ، وان صدقاه صار رهنا ، وكان نصيب كل واحد منهما رهنا. بما عليه من الدين ، فاذا قضاه ، انفك من الرهن ، وان كان دين الأخر باقيا ، فان صدقه أحدهما ، وكذبه الأخر ، كان القول قول المكذب مع يمينه ، ويكون نصيب المصدق رهنا بما عليه من الدين ، فان شهد المصدق منهما على المكذب ، سمعت شهادته ، لأنه شهد على شريكه بأنه رهن نصيبه ، فاذا شهد عليه ، وقبلت شهادته ، كان لصاحب الدين ان يحلف مع شاهده ، ويحكم له بذلك ، فإن أنكراه

ص: 74


1- ونحوه في المبسوط وكأنه من سهو القلم فإنه لو اختلفا في أصل القضاء فقال الراهن وهو المديون قضيت الدين ، وقال المرتهن وهو الدائن لم تقضه فلا ريب ان القول قول المرتهن مع اليمين نعم يمكن الاستدلال لتقديم قول القاضي في الفرع بأنه أبصر بنيته كما في الشرائع ومثله ما إذا كان على كل من الألفين رهن خاص فقضى ألفا واحدا ثم اختلفا فيه.

وشهد كل واحد منهما على الأخرى بأنه رهنه حصته وأقبضه ، قبلت شهادتهما وكان عليه اليمين لكل واحد منهما فاذا حلف حكم له برهن جميعه.

وإذا كان لإنسان على غيره دين فرهنه داره وصارت الدار في يد المرتهن ، فاختلفا فقال الراهن : ما سلمتها إليك رهنا ، انما اعرتكها أو غصبتها مني ، أو ستأجرها إنسان وأسكنك فيها ، كان القول ، قول الراهن مع يمينه ، لأن الأصل عدم الاذن والرضا بستليمه رهنا (1).

واعلم ان الرهن لا يجوز لمالكه التصرف فيه على حال، فان آجره كان الأجرة له فان زوج الراهن عبده المرهون ، كان تزويجه جائزا ، الا انه لا يجوز تسليم الجارية إلى الزوج الا بعد ان يفكها من الرهن ، والنفقة على الرهن واجبة على الراهن ، حيوانا كان أو غير حيوان وكل زيادة لا يتميز من الرهن فهي رهن معه ، مثل ان يكون جارية فتكبر أو ثمرة فتدرك.

وإذا رهن ماشية فإن الراهن إذا أراد الضراب للنتاج ، كان له ذلك سواء كان المرهون فحلا أو أنثى ، فإن كان فحلا وأراد ان ينزئه على ماشيته أو أراد ان يعيره غيره لذلك لم يكن للمرتهن منعه ، لأنه مصلحة للراهن وليس على المرتهن فيه مضرة ، وان كان الماشية المرهونة إناثا وأراد ان ينزى عليها فحولة ليست مرهونة وكان محل الدين يتأخر عن الولادة ، كان ذلك للراهن وان كان محل الدين لا يتأخر عن ذلك. لم يكن له ذلك ، وقد ذكر انه له ، والأظهر انه له ان لم يكن فيه ضرر يدخل على الراهن والمرتهن في ذلك ، وللراهن رعي الماشية نهارا فاذا كان بالليل اتى بها الى المرتهن.

ص: 75


1- بناءا على ما ظهر من المصنف آنفا وفي أول الباب من لزوم عقد الرهن بدون القبض وانه يجبر الراهن عليه تظهر فائدة هذا الفرع في سائر آثار القبض من البيع في الدين ونحوه وظاهر المصنف هنا انه لا يصح قبض المرتهن بدون اذن الراهن كما تقدم أيضا في أوائل الباب.

وإذا أراد الراهن ان ينتجع بها من موضعها ، وكانت الأرض محضبة ، فيها ما يكفي الماشية ، لم يكن له ذلك الا برضا المرتهن ، وإذا أجدبت الأرض ولم يكن فيها ما يتماسك الماشية ويكتفى برعيه ، كان للراهن الانتجاع بها ، ولم يجز للمرتهن منعه من ذلك ، لكن يوضع على يدي عدل يأوي إليه بالليل ويكون في حفظه ومراعاته ، وان لم ينتجع الراهن وانتجع المرتهن كان له الانتجاع بها ولم يكن للراهن منعه منها لان للرهن فيه صلاحا ، فإن أراد المتراهنان جميعا ان ينتجعا الى موضعين مختلفين سلم الى الراهن ، لان حقه أقوى من حق المرتهن لأنه يملك الرقبة ويحفظ (1) الماشية على يد عدل ثقة.

وإذا كان الرهن طفلا ذكرا أو أنثى ، لم يمنع الراهن من ان يعذرهما (2) وقد ذكر ان ذلك مسنون ، وذكر وجوبه ، والقول بالوجوب أظهر ، فإن مرض هذا الرهن ، واحتاج الى دواء وامتنع الراهن منه لم يجبر عليه ، لأنه قد يبرء من غير دواء ، وان أراد المرتهن ان يداويه ، لم يجز للراهن منعه من ذلك ، إذا لم يكن من الأدوية المخوفة التي يخالطها السموم ، ويخشى عاقبتها وان كانت المداواة بالفصد ، أو ما يجرى مجراه من فتح العروق فان ذلك جائز للراهن والمرتهن ، من اراده منهما لم يكن للآخر منعه عنه ، إذا إشارة الثقات من أهل الصنعة بفعله ، وانه لا يخاف منه ، وانه متى لم يفصد لم يؤمن التلف ، أو حدوث مرض يخشى عاقبته ، فان ذكر أهل الصنعة انه ينفع وربما ادى الى ضرر ، وخشي منه التلف ، كان للمرتهن منع الراهن منه.

فان كان به إصبع زائدة أو سلعة (3) لم يكن للراهن قطعها ، لان تركها

ص: 76


1- في نسخة ( ب ) بدلا « ويجعل ».
2- اى يختنهما كما فسره بذلك في المبسوط وظاهر المصنف وجوبه في كل من الذكر والأنثى لكنه خلاف النص والإجماع في الأنثى كما نذكره في النكاح.
3- اى الغدة أو زيادة في البدن تتحرك كما في القاموس.

يضر (1) وقطعها يخشى منه ، فان كانت قطعة لحم ميتة يخشى من تركها ، ولا يخاف من قطعها ، جاز قطعها من كل واحد منهما ، ولم يكن لأحدهما منع الأخر من ذلك وان كان الرهن شيئا من الدواب وعرض له ما يحتاج الى علاج البياطرة من توديح (2) وتبزيغ (3) وتعريب (4) وأشار أهل هذه الصنعة بذلك ، جاز لكل واحد منهما فعله ، ولم يجز لواحد منهما منع الأخر من ذلك.

وان كان الرهن نخلا فأطلعت النخلة، وأراد الراهن تأبيرها ، لم يكن للمرتهن منعه من ذلك ، لان فيه مصلحة لما له ، ولا مضرة للمرتهن ، وما يحصل من النخل من كرب يابس ، وليف وعرجون فهو للراهن دون المرتهن ، لان الرهن لم يتناول ذلك.

وإذا رهن اثنان عند غيرهما عبدا بمائة له عليهما، وسلماه الى المرتهن ، جرى ذلك مجرى عقدين ، فان افتك أحدهما نصيبه صح ذلك في نصيبه ، ولم يكن له مطالبة المرتهن بالقسمة ، لأن القسمة للشريك المالك ، فان قاسمه المرتهن بإذن الراهن الأخر ، كانت القسمة صحيحة فإن كان ذلك بغير اذن الراهن لم يصح ، وإذا كان الراهن للعبد ، واحدا والمرتهن اثنين ، صح الرهن وجرى مجرى عقدين ، وكان نصف العبد رهنا عند أحدهما بحصته من الدين ، والنصف الأخر عند الأخر بحصته أيضا من الدين فاذا قضى لواحد منهما ما عليه أو أبرأه هو منه ، خرج منه

ص: 77


1- الصواب « لا يضر » كما في المبسوط.
2- كان صوابه بالجيم ففي اللسان التوديج في الدواب كالفصد في الناس فهو من الودج بمعنى العرق.
3- في القاموس بزغ الحاجم والبيطار : شرط : اى شق.
4- في المبسوط : التعريب ان يشرط اشاعر الدابة شرطا خفيفا لا يضر بالعصب بعلاج والاشاعر فوق الحافر.

نصفه من الرهن (1).

وإذا رهن إنسان عند اثنين عبدا ، وادعى كل واحد منهما (2) فصدق الراهن ، كان القول : قول الراهن بغير يمين فان كان مع واحد منهما بينة حكم له ببينته ، وان كان مع كل واحد منهما بينة وكان البنتان متساويتين ، أقرع في ذلك بينهما ، فإن أقر لأحدهما بالسبق (3) وكان الرهن في يد عدل أجنبي. دفع الى المقر له لأنه انفرد بمزية الإقرار ، فوجب تقديم دعواه على دعوى صاحبه ويحلف مع ذلك ، وقيل انه لا يحلف والأحوط الأول فإن نكل عن اليمين كان عليه قيمة الرهن الأخر (4) وردت اليمين على المدعى وحلف وان كان الرهن في يد المقر له ، كان أحق به من الأخر لمزية الإقرار ، وان كان في يد الأخر ، كان المقر له ، أولى للإقرار أيضا ، وان كان في أيديهما جميعا ، فان نصفه في يد المقر له فقد اجتمع له فيه يد وإقرار فهو اولى به وفي النصف الأخر له إقرار وللآخر يد ، والإقرار مقدم على اليد.

فان رهن أرضا وفيها شجر أو بناء ، لم يدخل ذلك في الرهن ، فان قال بحقوقها ، دخل ذلك في الرهن ، وإذا رهن شجرا وبين الشجر ارض لم يدخل في الرهن كما لا يدخل في البيع ، لان الاسم لم يتناوله ، ولا يدخل فيه قرار الأرض.

وإذا رهن نخلا مؤبرة ، لم يدخل الثمرة في الرهن الا ان يشترط ذلك ، وان

ص: 78


1- فيجوز له المطالبة بالقسمة مع المرتهن الأخر كما في المبسوط.
2- في نسخة ( م ) وهامش نسخة ( ب ) تصحيحا : وادعى كل منهما ان رهنه وقبضه كان قبل صاحبه ولم يكن الرهن في يد واحد منهما فصدق الراهن أحدهما اه ونحوه في المبسوط.
3- هذا اما تفصيل لما ذكره أولا أو المراد ما إذا كان معهما بينة ويؤيد هذا قوله انفرد بمزية الإقرار وفي نسخة ( ب ) بدلا « بمزيد الإقرار » ،
4- كان الصواب « للآخر » كما في المبسوط وعلى كل وجهه غير ظاهر كأنه إن نكل عن اليمين وردت الى المدعى الأخر كان أصل الرهن له لا قيمته.

كانت غير مؤبرة ثم أبرت ، فالأظهر انها لا تدخل في الرهن ، لان الاسم لا يتناولها.

وإذا رهن إنسان غنما عليها صوف ، لم يدخل الصوف في الرهن، وله ان يجزه ويتصرف فيه كيف أراد.

وإذا رهن الأصل مع الثمرة صح ذلك ولا فرق بين ان يكون الثمرة مؤبرة أو غير مؤبرة بدا منها صلاح أو لم يبد ، فان كان رهنها بدين حال ، صح العقد وبيعا معا واستوفى الثمن من ذلك ، وان كان بدين مؤجل ، يحل قبل إدراكها ومعه كان صحيحا أيضا ، وان كان يحل بعد إدراكها ولا يبقى اليه الرطب ، فان كان مما يصير تمرا صح الرهن ، واجبر الراهن على تجفيفه ، وكانت المؤنة واجبة عليه ، لان ذلك يتعلق ببقاء الرهن ، وان كان مما لا يصير تمرا بطل الرهن في الثمرة ، ولم يبطل في الأصل ، والحكم في جميع الثمار والحبوب مثل ما ذكرناه في الرطب سواء (1).

وإذا رهن إنسان ثمرة ، يخرج بطنا بعد بطن مثل الباذنجان والتين والبطيخ وما جرى مجرى ذلك فان كان بدين حال جاز ، وان كان بمؤجل يحل قبل حدوث البطن الثاني ، أو يحل بعد حدوثه أو معه وهو متميز عنه ، كان الرهن جائزا ، وان كان لا يحل حتى يحدث الحمل الثاني ويختلط بالأول اختلاطا لا يتميز عنه ، كان الرهن باطلا الا ان يشترطا قطعه إذا حدث البطن الثاني ، لأنه لا يتميز عند محل الدين عما ليس برهن.

ولا يجوز رهن المجهول، وكذلك الزرع الذي لا يستخلف (2) لا يجوز ان يرهن النابت الا بشرط القطع ، لأنه يحصل فيه زيادة لم يدخل في الرهن فيختلط

ص: 79


1- تقدم نحوه فيما إذا رهن شيئا يسرع اليه الفساد مثل البقول والبطيخ لكن في المذكور هناك تفصيل يجرى هنا ظاهرا.
2- في المبسوط « الزرع الذي يتخلف » وعن نسخة منه « يستخلف » وعلى كل المراد كما يظهر مما بعده ما يزيد على النابت تدريجا كالبقول.

به ، وإذا كان المحل يتقدم على حدوث البطن الثاني كان الرهن صحيحا.

وإذا حل الدين فتوانيا في بيع ذلك حتى حدث البطن الثاني ، لم يفسد الرهن بالاختلاط بينهما فان اختلطا « قبل الرهن بري ء » (1) بالمسامحة بما اختلط فإن أجاب الى ذلك كان الجميع رهنا وإذا حل الحق بيع الجميع فيه ، فان لم يجب إلى المسامحة ، كان القول : قول الراهن مع يمينه في مقدار ما كان رهنا سواء كان الرهن في يد المرتهن أو الراهن.

وإذا كان الرهن أرضا فغرس المرتهن فيها غرسا فان كان غرس في مدة الرهن أمر بقلعه ، لأنه لم يؤذن له في غرسه ، وان كان غرسه في مدة البيع بإذن الراهن فهو له (2) وان أراد المرتهن قلعه ونقله كان له ، لأنه عين ماله ، وان امتنع من قلعه كان الراهن مخيرا بين أن يقره في أرضه فيكون الأرض للراهن ، والغرس للمرتهن ، وبين أن يدفع اليه ثمن الغرس فيكون الجميع للراهن ، وبين ان يطالبه بقلعه على ان يضمن له ما نقص الغرس بالقلع وكذلك البناء لا فرق بينهما فيما ذكرناه ، وإذا أقرض غيره الف درهم على أن يرهنه بالألف داره ويكون منفعة الدار للمرتهن ، لم يصح القرض ، لأنه قرض يجر منفعة ولا يصح الرهن لأنه تابع له.

وإذا كان لإنسان على غيره الف درهم قرضا ، فقال الذي عليه الألف ، للذي

ص: 80


1- الصواب. « قيل للراهن ترى » كما يظهر من المبسوط ونسخ المتن مشتبهة في ضبط الكلمات.
2- هذا من فروع ما إذا رهنها إلى مدة وشرط للمرتهن ان تكون الأرض مبيعة له بعد هذه المدة ان لم يؤده الدين فيها كما هو صريح المبسوط وأشار إليه المصنف بقوله : وان كان غرسه في مدة البيع ، ولعله كان مذكورا في المتن فسقط وعلى كل فاصل المسئلة تقدمت في أوائل الباب وذكر المصنف ان الرهن والبيع كلاهما فاسدان فحينئذ إن غرس فيها في مدة الرهن فقد تصرف فيها بغير اذن صاحبها وان كان بعدها فالبيع وان كان باطلا لكن الغرس باذنه فلذا يختلف حكمه.

له الألف أقرضني ألفا ، على ان أرهنك به ، وبالألف الذي لك عندي بغير رهن هذه الدار ، ففعل ذلك كان جائزا لأنه لا مانع يمنع من ذلك.

وإذا شرط المرتهن شرطا لنفسه فاما أن يكون شرط نماء الرهن ومنفعته لنفسه ، أو شرط ان يكون نماؤه داخلا في الرهن ، فان شرط لنفسه ذلك ، فاما ان يكون ذلك في دين مستقر في ذمته ، أو في دين مستأنف ، فإن كان في دين مستقر في ذمته فرهنه به رهنا وشرط له نماؤه ، كان الشرط باطلا والرهن صحيح ، وان كان في دين مستأنف فاما ان يكون في قرض أو بيع ، فان كان في قرض مثل ان يقول أقرضتك هذا الالف على أن ترهن دارك به وتكون منفعتها لي أو دابتك ويكون نتاجها لى ، لم يجز ذلك ، لأنه قرض يجر منفعة ، ويكون القرض باطلا والرهن صحيحا (1)

فان كان في بيع فاما أن يكون المنافع معلومة أو مجهولة ، فإن كانت معلومة مثل أن يقول بعتك هذا العبد بألف على ان ترهن دارك به ويكون منفعتها لى سنة كان هذا بيعا واجارة ، وذلك صحيح ، ويكون منافع الدار للمرتهن سنة ويكون كأنه اشترى عبدا بألف ومنافع الدار سنة ، وان كان المنافع مجهولة كان البيع فاسدا لان الثمن مجهول ، وإذا بطل البيع بطل الرهن ، لأنه فرع عليه.

هذا إذا شرط منفعة الرهن للمرتهن ، فاما ان شرط ان يدخل بها في الرهن ، فان كان ذلك في دين مستقر في ذمته بطل الشرط ولم يدخل في الرهن.

وإذا رهن نخلا على أن ما أثمرت يكون رهنا مع النخل أو رهن ماشية على ان ما نتجت يكون النتاج داخلا في الرهن ، كان ذلك جائزا (2) وإذا قال رهنتك هذا

ص: 81


1- كذا في المتن والمبسوط ولا أراه الا من الغفلة أو سهو القلم لما تقدم آنفا من ان الرهن أيضا باطل لأنه تابع للقرض ويأتي انه إذا بطل البيع بطل الرهن لأنه فرع عليه.
2- لا بد ان يكون المراد به غير الدين المستقر لئلا ينافي ما قبله.

الحق (1) بما فيه ، لم يصح الرهن بما فيه للجهل به ، ويصح في الحق ، وإذا قال رهنتك الحق ، دون ما فيه صح ذلك بغير خلاف ، والحكم في الجراب والصندوق والخريطة مثل ما ذكرناه في الحق على حد واحد.

وإذا شرط على المرتهن ان يكون الرهن مضمونا كان الشرط باطلا وإذا تلف الرهن ، كان للمرتهن الرجوع بدينه على الراهن ، سواء كان دينه أكثر من قيمة الرهن أو أقل ، لأنه امانة ، وسواء كان هلاكه بأمر ظاهر مثل الحريق أو النهب أو الغرق أو بأمر خفي مثل السرقة والتلصص الخفية أو الضياع ، فان اتهم المرتهن كان القول : قوله مع يمينه إذا لم يثبت بينة على بطلان قوله ، فان فرط في حفظه أو استعمله كان ضامنا له.

وإذا قضى الراهن دين المرتهن وطالبه به والرهن عليه (2) فأخره ثم تلف ، فان كان تأخيره لغير عذر كان ضامنا له ، وان كان لعذر لا يتمكن معه من دفعه إليه في الحال بشي ء من الموانع مثل درب مغلق أو تضيق وقت صلاة فريضة ، أو طريق مخوف أو جوع شديد يخشى منه على نفسه فإذا أخره لشي ء من هذه الأعذار أو ما جرى مجراها لم يلزمه الضمان.

وإذا ادعى المرتهن رد الرهن على الراهن لم يقبل قوله الا ببينة، وكذلك المستأجر إذا ادعى رد العين المستأجرة على صاحبها لم يقبل قوله الا ببينة ، ويخالف الوديعة لأن المودع (3) إذا ادعى رد الوديعة على صاحبها قبل قوله مع يمينه ، لأنه أخذها لمنفعة المودع.

والوكيل إذا ادعى الرد على الموكل فان لم يكن له جعل ، كان بمنزلة المودع ، وان كان له جعل أو كان العامل في القراض إذا ادعى الرد ، وكذلك

ص: 82


1- بضم الحاء المهملة وعاء المال.
2- الصواب : وطالبه برد الرهن عليه كما في المبسوط.
3- بفتح الدال اى المستودع وفي التالي بكسرها.

الأجير المشترك لا يقبل قوله الا ببينة.

وإذا أسلم إنسان إلى غيره في طعام وأخذ به رهنا صح الرهن ، فان تقايلا وفسخا عقد السلم سقط الطعام عنه ، وبرئت ذمته منه وانفك الرهن ، لأنه تابع للدين ، فاذا سقط بطل الرهن.

وإذا باع العدل بإذن الراهن والمرتهن وسلم الثمن الى المرتهن ثم وجد المشترى بالرهن عيبا فأراد رده لم يكن له رده على المرتهن ، ولم يكن له مطالبته بالثمن الذي قبضه ، لان المرتهن ملكه بتصرف حادث بعد البيع ، كما ان من باع ثوبا بعبد وقبض العبد وباعه ثم وجد المشترى بالثوب عيبا ، كان له رده على البائع ولم يكن له مطالبة المشتري بالعبد الذي ملكه بالشراء من البائع وكذلك إذا رهنه أو أعتقه.

فإذا كان كذلك فان كان العدل قرر في حال البيع ان المبيع للراهن وانه وكيل فيه ، لم يتعلق به من أحكامه شي ء ، ولم يكن للمشتري رده عليه ، ومطالبته بالثمن ، وكانت الخصومة بينه وبين الموكل في البيع ، وهو الراهن وينظر فيه ، فان صدقه على ان العيب كان في يده ، رده عليه ، وكان عليه مثل الثمن الذي قبضه منه وكيله ، فان لم يبين العدل حين باعه انه وكيل ، تعلق حكم العقد به في حق المشترى ، فان أقر العدل والراهن بان العيب كان قبل قبض المشترى رده على العدل ورجع عليه بالثمن ، ورجع العدل على الراهن ، وان لم يقرا بذلك ، وكان للمشتري بينة فهو كذلك. وان لم يكن له بينة ، كان القول قول العدل مع يمينه ، فان نكل عن اليمين ، ردت على المشترى ، فان حلف رد المبيع على العدل ، واسترجع منه مثل الثمن الذي دفعه ، ولا يرجع العدل هاهنا على الراهن ، لأنه مقربان العيب حادث في يد المشترى ، وانه لا يستحق الرد ، وانه ظالم بما رجع عليه من الثمن فلم يجز ان يرجع الظلم الأعلى ظالم.

فاما إذا استحق الرهن من يد المشترى ، وجب على المشترى رده على

ص: 83

مستحقه ، وكان له الرجوع على المرتهن بما قبضه من الثمن ، لان ذلك عين ماله لم يملكه الراهن ولا المرتهن ، لان البيع وقع ثابتا (1) في الأصل.

فإن كان الرهن قد تلف في يد المشترى ، كان للمستحق ان يرجع بقيمته على من شاء من المشترى أو الراهن ، أو العدل.

أما المشتري فلأنه قبض ماله بغير اذنه ، وكذلك العدل.

واما الراهن فلانة غاصب ، ويستقر الضمان على المشترى ، لأنه تلف في يده ويرجع هو بما دفع من الثمن على المرتهن ، ان كان باقيا في يده وان شاء رجع على العدل ، وان كان قد مات ، وخلف تركة ووارثا وعليه دين ، يستغرق جميع التركة ، فرهن الوارث بعضها ، أو باعه ، لم يصح ذلك ، لتعلق الضمان بالتركة.

« تم كتاب الرهن »

ص: 84


1- الصواب « فاسدا » كما في المبسوط ونسخة ( ب ) بعلامة البدل.

كتاب الوقوف والصدقات والعطايا والهبات

« باب الترغيب في فعل المعروف »

روى عن أمير المؤمنين عليه السلام ، انه قال : تصدقت يوما بدينار ، فقال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : يا على اما علمت ان صدقة المؤمن لا تخرج من يده حتى يفك عنها لحى سبعين شيطانا (1).

وعنه ان النبي صلى اللّه عليه وآله قال : ان صدقة السر تطفئ غضب الرب ، فاذا تصدق أحدكم بيمينه فليخفها من شماله. (2).

ص: 85


1- الوسائل ج 6 ص 257 وزاد بعده : كلهم يأمره بان لا يفعل وروى في الكافي باب فضل الصدقة من كتاب الزكاة عن الصادق عليه السلام قال واستنزلوا الرزق بالصدقة فإنها تفك من بين لحى سبع مأة شيطان. قلت اللحى بفتح اللام منبت شعر اللحية وتثنيته لحيان وهما العظمان اللذان فيهما الأسنان كما في التاج فالمراد ان الشيطان كثير المنع للصدقة بحيث كأنها تخلص من بين لحى كذا شيطانا.
2- مستدرك الوسائل ج 1 باب استحباب الصدقة في السر من كتاب الزكاة قلت إخفائها عن شماله كناية عن شدة الأسرار بها اى لا يبسط يمينه بإعطائها فيتقدم على شماله والنصوص في فضل صدقة السر وأنها تطفئ غضب الرب وتكفر الخطيئة وغير ذلك عن النبي صلى اللّه عليه وآله والأئمة عليهم السلام كثيرة جدا مبثوثة في أبواب آداب الصدقة زكاة البحار والوسائل ومستدركه وكنز العمال ج 6 كما ورد نحوها أيضا في فضل الصدقة بالليل.

وعن الباقر - عليه السلام - انه قال : اصطناع المعروف يدفع مصارع السوء وكل معروف صدقة ، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة ، وأول من يدخل الجنة أهل المعروف. (1)

وعن الصادق - عليه السلام - ارغبوا في الصدقة ، وبكروا فيها ، فما من مؤمن ولا مؤمنة يتصدق بصدقة حين يصبح ، يريد بها ما عند اللّه ، الا دفع اللّه بها عنه من شر ما ينزل من السماء في ذلك اليوم. (2)

وعن الباقر عليه السلام : ان الصدقة يضاعف في يوم الجمعة. (3)

وعن على عليه السلام : الصدقة والحبس ذخيرتان ، فدعوهما ليومهما. (4)

« باب الوقوف والصدقات »

« الوقف في الأصل ، صدقة » ويثبت صحته بأمرين : أحدهما : صحة التصرف فيما يقفه الإنسان ، إما بملك ، أو اذن ، والأخر : ان يقبضه ، ويخرجه عن يده الى من هو وقف عليه ، أو لمن يتولى عنه ذلك ، أو يقوم مقامه في قبضه ، فاذا وقف على خلاف ذلك ، كان باطلا ، فان مات الواقف والحال فيما وقفه وحبسه على ما ذكرناه ، كان ميراثا لورثته ، وليس يجوز الوقف الا فيما يحصل به الانتفاع على الاستمرار

ص: 86


1- الوسائل ج 11 الباب 1 من فعل المعروف والبحار ج 74 باب فضل الإحسان والمعروف وقد ورد فيهما عن الأئمة عليهم السلام أخبار كثيرة مثل ما في هذا الخبر.
2- الوسائل ج 6 باب استحباب التبكير بالصدقة ص 267
3- الوسائل ج 5 باب استحباب الصدقة يوم الجمعة من أبواب صلاة الجمعة الحديث 2 و 3 وفي معناه أخبار أخر كما في الباب 40 من المذكور و 21 من زكاة البحار ج 96 ص 180
4- مستدرك الوسائل ، كتاب الوقوف والصدقات ، الباب الأول ، الحديث الثالث.

وعينه قائمة ، أو فيما يكون له أصل ثابت ، وان لم يستمر الانتفاع به الا في أوقات مخصوصة ، فاما الأول : فهو كالدور ، والمساكن ، والضياع ، والأراضي ، والرقيق والحلي ، وكتب العلوم ، والمصاحف ، وما جرى مجرى ذلك ، وآلات الحرب. إذا وقف ذلك في الجهاد ، مثل السيوف ، والدروع ، والخيل ، وما جرى هذا المجرى.

واما الثاني : فهو كالنخل ، لأنه يصح وقف ثمرته (1) ، والأصل ثابت ، وكذلك جميع ما جرى هذا المجرى ، ولا يجوز وقف ما لا ينتفع به ، الا باستهلاك عينه ، كالدنانير والدراهم ، وما يؤكل ، ويشرب ، وما أشبه ذلك.

والصدقة ضربان : مطلقة وغير مطلقة ، فالمطلقة : هي كل صدقة حصلت عارية من جميع الشروط ، والذي ليس بمطلق منها ضربان : مشروط ومؤبد ، والمشروط : كل صدقة علق الانتفاع بها بشرط لا يفيد التأبيد ، واما المؤبد : فهو كل صدقة شرط إيصال (2) الانتفاع بها الى ان يرث اللّه تعالى الأرض ومن عليها ، والصدقة المطلقة يقتضي التمليك لرقبة الملك المتصدق به ، ويصح من المتصدق عليه به التصرف في ذلك بالبيع ، والهبة وغير ذلك من وجوه التصرف.

واما الصدقة المشروطة : فإنها إذا وقعت كذلك ، اقتضت تمليك الانتفاع بمنافعها دون رقبة الملك ، ولا يصح تصرف المتصدق عليه بها في رقبة الملك ، بل له التصرف في المنافع بحسب ما يقتضيه الشرط الحاصل فيها.

واما المؤبد ، فإذا وقعت الصدقة عليه كانت وقفا وحبسا ، واقتضت صحة التصرف في منافعها من الموقوف عليه الى حين انقراضه ، ثم ينتقل ذلك الى من شرط رجوع ذلك اليه من بعده.

فان وقف إنسان وقفا ، فيجب ان يذكر الموقوف عليه ، ويقصد به وجه اللّه تعالى ، فان وقفه ولم يذكر الموقوف عليه ، ولا قصد به وجه اللّه ، لم يصح الوقف ، وليس

ص: 87


1- كأنه من سهو قلم الناسخ وصوابه يصح الانتفاع بثمرته.
2- في هامش نسخة ( ب ) عن نسخة اخرى « اتصال الانتفاع ».

يجوز ان يقف الا ما يملكه ، فان وقف ما لا يملكه ، كان باطلا.

وإذا وقف وقفا ، ولم يخرجه من يده ، ولم يقبضه الموقوف عليه أو من يتولى عنه ذلك ، كان باطلا أيضا ، فان مات المالك والحال فيما وقفه على ما ذكرناه ، كان ميراثا.

وإذا كان لإنسان أولاد صغار ، أو كبار ووقف على الكبار ، لم يكن بد من ان يقبضهم ما وقفه عليهم ، وان لم يقبضهم ذلك لم يصح الوقف ، وجروا في ذلك مجرى الأجنبي ، في انه إذا وقف عليه ولم يقبضه ، كان الوقف باطلا ، فان وقف على الصغار ، كان وقفه صحيحا ، وان لم يصح منهم القبض لذلك في حال صغرهم ، لأنه هو الذي يتولى عنهم ذلك ، وتوليه لهم يقوم مقام قبضهم له (1).

وإذا وقف الإنسان شيئا ، ثم أخرجه من يده وملكه ، لم يجز له تغيير شي ء من شروطه ، ولا الرجوع فيه ، ولا في شي ء منه ، ولا نقله عن وجوهه ولا عن شي ء منها وإذا وقف شيئا ، فينبغي ان ينوي به وجه اللّه ، فان لم يفعل ذلك كان باطلا ، كما قدمناه ، وإذا لم يقصد بالصدقة التي ليست وقفا ذلك أيضا لم تصح الصدقة.

وقف المفتوحة عنوة

ولا يجوز ان يقف شيئا مما افتتحه المسلمون عنوة ، الا ان يصطفي الإمام شيئا منه لنفسه ، ثم يملكه ذلك ، أو يقطعه إياه ، وليس يجوز ان يقف الإنسان شيئا على من لم يوجد بعد ، وليس معه موجود ، فان فعل ذلك كان الوقف باطلا ولا يجوز لمسلم ان يقف وقفا على أحد من الكفار ، فان وقف ذلك كان باطلا ، وقد ذكر جواز ذلك في الأبوين ، إذا كانا كافرين ، والظاهر ما ذكرناه.

والوقف يجب ان يجرى على ما يقفه الواقف ، ويشترط فيه ، ولا يجوز لأحد

ص: 88


1- لما في صحيح محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السلام قال في الرجل يتصدق على ولد له قد أدركوا إذا لم يقبضوا فهو ميراث وان تصدق على من لم يدرك من ولده فهو جائز لأن والده هو الذي يلي أمره اه وهذا الخبر من أقوى ما دل على ولاية الأب لولده الصغير.

تغيير شي ء من سائر شروطه ، اللّهم الا ان يكون شرطا يتعلق بوجه قبح ، فإنه يجب تغييره لذلك.

وإذا وقف إنسان على ولد له موجود ، وهو صغير ، ثم ولد له بعده غيره ، وأراد ان يدخله في الوقف مع الأول ، كان جائزا ، (1) الا ان يكون قد خص الولد الموجود بذلك وقصره عليه ، وشرط انه له دون غيره ممن عسى ان يرزقه اللّه من الأولاد ، فإنه لا يجوز ان يدخل غيره في ذلك.

وإذا وقف إنسان على ولده ، وكان منهم ذكور وإناث وشرط تفضيل البعض منهم على البعض ، كان جائزا ، واجرى على حسب ما شرطه ، وان لم يشترط ذلك كان الذكر والأنثى فيه سواء من ولده وولد ولده ، لان الاسم يتناول جميعهم.

وان شرط ان يكون الوقف بينهم على كتاب اللّه ، أو قال على فرائض اللّه ، كان بينهم ( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ) ، وان وقف شيئا على أبويه ، كان الحكم فيهما أيضا على مثل ما قدمناه ، وإذا وقف إنسان شيئا على المسلمين كان ذلك لجميع من أقر بالشهادتين ، وأركان الشريعة ، من الصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج ، والجهاد.

فان وقفه على المؤمنين ، كان ذلك لمجتنبي الكبائر من أهل الحق والمعرفة بالإمامة دون غيرهم ، ودون الفساق منهم ، فان وقفه على الشيعة ، ولم يعين منهم فرقة دون اخرى ، ولا قوما دون قوم ، كان ذلك جاريا على الشيعة الإمامية ، والجارودية وجميع فرق الشيعة ، من الكيسانية ، والناووسية ، والفطحية ، والواقفية ، والاثني

ص: 89


1- يعني يجوز تغيير الوقف في هذا الفرض ونحوه في نهاية الشيخ بدون الاستثناء المذكور هنا ووجهه ما ورد انه إذا جعل شيئا لولده الصغير ثم بدا له ان يدخل معه غيره جاز لكن المشهور على خلافه وحملوا الخبر على غير ذلك نعم لو شرط في الوقف ان يدخله معه ان أراد فالمعروف هو الجواز كما يجوز ان يقف أولا على ولده الموجود ومن يولد له ولعل هذا مراد المصنف وان كان خلاف الظاهر من كلامه ولذا لم يذكره الفقهاء المتعرضون له الا انه انسب بالاستثناء المذكور

عشرية ، الا البترية (1) ، فإنهم لا يدخلون معهم جملة.

فإن وقفه على الإمامية ، كان جاريا على القائلين بإمامة الاثني عشر ، فان وقفه على الزيدية ، كان جاريا على القائلين بإمامة زيد بن على ، وامامة كل من خرج بالسيف من ولد فاطمة عليها السلام.

« تقسيم الوقف حسب الموقوف عليه »

وان وقفه على الهاشميين ، كان جاريا على ولد هاشم ابن عبد مناف ، وولد ولده الذكور منهم والإناث.

فإن وقفه على الطالبيين ، كان جاريا على أولاد أبي طالب ، وولد ولده من الذكور والإناث.

فإن وقفه على العلويين ، كان جاريا على ولد على عليه السلام من الحسنيين ، والحسينيين ، والعباسيين ، والمحمديين ، والعمريين ، وولد ولدهم الذكور والإناث.

فإن وقفه على ولد فاطمة ، كان جاريا على ولد الحسن ، والحسين عليهما السلام : الذكور والإناث.

فإن وقفه على الحسنيين ، لم يكن للحسينيين معهم في ذلك شي ء ، وكان

ص: 90


1- بضم الباء الموحدة وسكون التاء أو بتقديم التاء المفتوحة على الباء فرقة من الزيدية دعوا إلى ولاية على عليه السلام وخلطوها بولاية أبي بكر وعمر واثبتوا لهما الإمامة فخروجهم من الشيعة في ذلك لان هذا العنوان عند الفقهاء الإمامية اسم لمن قدم عليا عليه السلام على غيره في الإمامة كما ذكره العلامة في القواعد في هذا المقام وما في كتب العامة من عد هذه الفرقة من الشيعة كما في الملل والنحل أو عد رجالها منهم كما في تهذيب التهذيب في كثير بن إسماعيل النواء فهو على اصطلاحهم في التشيع وهو القول بتقديم على عليه السلام على عثمان ومعاوية أو تقديم أهل البيت عليهم السلام على غيرهم في الكرامة وامامة المذهب كما يظهر ذلك بمراجعة تراجمهم.

جاريا على أولاد الحسن الذكور منهم والإناث.

فإن وقفه على الحسينية ، لم يكن للحسنية معهم شي ء على حال. فان وقفه على الموسويين ، كان جاريا على أولاد موسى بن جعفر عليهما السلام : الذكور والإناث.

فإن وقفه على جيرانه ، ولم يذكرهم بأسمائهم ، ولا عينهم بصفاتهم ، كان جاريا على من بين داره وبين دارهم أربعون ذراعا ، من اربع جوانبها ، ولم يكن لمن خرج عن هذا التحديد من الجيران في ذلك شي ء. فان وقف ذلك على قومه ، ولم يذكر أسمائهم ، كان ذلك جاريا على أهل لغتهم من الذكور دون الإناث فإن وقفه على عشيرته ، كان جار يا على الخاص من قومه الذين هم أقرب إليه في نفسه.

وان وقفه على مستحق الخمس ، كان جاريا على ولد أمير المؤمنين عليه السلام وولد جعفر ، وعقيل ، والعباس.

فان وقفه على مستحق الزكاة ، كان جاريا على الثمانية الأصناف الذين تقدم ذكرهم في باب الزكاة.

فإن وقفه على أحد الأجناس الذين ذكرناهم وكانوا كثيرين في البلاد ومتفرقين فيها : كان ذلك جاريا على من يكون حاضرا في البلد الذي فيه الوقف ، دون ما عداه من البلد.

فان وقفه على وجه من الوجوه في البر ، أو على (1) قوم معينين ولم يشرط رجوعه على شي ء معين بعد انقراض من ذكره ، ثم انقرض الموقوف عليه ، كان راجعا إلى ذرية الواقف.

فان وقفه على المساجد ، أو الكعبة ، أو المشاهدة ، أو ما جرى مجرى ذلك من مواضع العبادات التي يتقرب فيها المسلمون الى اللّه تعالى ، أو وقفه على شي ء

ص: 91


1- لفظة « أو » ليست في نسخة ( ب ) وهي موجودة في نسخة الأصل ونهاية الشيخ وهذا أصح من جهة العبارة والا فليس لذكر وجه من وجوه البرهان فائدة لكن ينافيه ما يأتي قريبا من انه إذا وقف على مصلحة فانقرضت جعل منافعه في وجه البر فإن المصلحة أيضا من وجوه البر كما يأتي الا ان يكون المراد بما هنا العناوين العامة كالفقراء والقوم معين الأشخاص والجهات الراجعة إلى مصالح المسلمين كالمشاهد ولعل وجه الفرق ان الوقف في الأخير ملك لله تعالى كما قيل وقد ورد ان ما كان لله فلا يرد وفي الأولين ملك للأشخاص وذكر المحقق رحمه اللّه في نكت النهاية وجها آخر حاصله انه في الأخير وقف وفي الأولين حبس فراجع كلامه فيها.

من مصالحها ، أو سكانها والمقيمين بها ، أو أحوالهم وأحوالها (1) كان جاريا على ذلك

« تقسيم الوقف حسب الواقف »

فان وقف المسلم شيئا على البيع ، والكنائس ، أو شي ء من بيوت عبادات الكفار على اختلافهم ، كان باطلا.

فان وقفها الكافر على ذلك ، كان ماضيا صحيحا. فان وقف الكافر أيضا شيئا على الفقراء ، كان جاريا على فقراء أهل ملته ، دون من عداهم من فقراء الملل المخالفة لملته.

وإذا كان الشي ء وقفا على قوم ، ومن بعدهم على غيرهم ، وكان الواقف قد اشترط رجوعه الى غير ذلك ، الى ان يرث اللّه تعالى الأرض ومن عليها ، لم يجز بيعه على وجه من الوجوه.

وان كان وقفا على قوم مخصوصين ، وليس فيه شرط يقتضي رجوعه الى غيرهم حسب ما قدمناه ، وحصل الخوف من هلاكه وإفساده ، أو كان بأربابه حاجة ضرورية يكون بيعه أصلح لهم من بقائه عليهم ، أو يخاف من وقوع خلاف ، بينهم ، يؤدى الى فساد ، فإنه يجوز حينئذ بيعه ، وصرف ثمنه في مصالحهم على حسب استحقاقهم فان لم يحصل شي ء من ذلك لم يجز بيعه أيضا على وجه من الوجوه.

ولا يجوز هبة الوقف ، ولا الصدقة به أيضا.

وإذ وقف إنسان شيئا على مصلحة ، فانقرضت ، أو بطل رسمها جعلت منافعها

ص: 92


1- اى على مراعاة أحوالها وكأنه عبارة أخرى عن المصالح.

على وجه من وجوه البر ، وإذا ذكر شيئا على وجه من وجوه البر ، ولم يذكره على التعيين ، كان جاريا على الفقراء ، والمساكين ، ومصالح المسلمين.

ومن وقف شيئا لم يجز له ان يأكل منه ولا ان يسكن فيه فان أكل منه شيئا كان عليه قيمته ، وان سكن كان عليه أجرته ، هذا إذا كان قد وقفه على قوم معينين من ولده ، أو غيرهم ، فان لم يكن وقفه على قوم مخصوصين ، بل وقفه عاما ، وكان ذلك مسجدا ، أو ساقية ، كان له الصلاة في المسجد ، والشرب من الساقية ، وكذلك لجميع الفقراء ، والأغنياء ، وان كان ثمرة ملك ، أو غلة ، وافتقر حتى احتاج الى ذلك ، وكان الوقف عاما ، كان حكمه كحكم غيره من الفقراء والمساكين ، وان لم يكن عاما ، وكان مخصوصا بقوم معينين لم يجز له ذلك ، وان كان ما وقفه دارا ، أو منزلا ، وكان وقفه كذلك عاما في سائر الناس ، مثل الدور التي ينزلها الحاج ، والخانات جاز له النزول فيها ، وان لم يكن كذلك ، لم يجز له ، ومن وقف شيئا ، وشرط انه متى احتاج اليه كان له بيعه ، أو كان أحق به ، كان ذلك ما شرطه ، فان مات كان ميراثا لورثته ، ولم يثبت كونه وقفا ساريا بعد موته.

« في الوقف المشاع »

والوقف والصدقة التي ليست وقفا ، يصحان في المشاع ، كما يصحان فيما ليس بمشاع ، كما ذكرناه وإذا كان المشاع بين شريكين ، أو أكثر جاز لكل واحد ان يقف بما يملكه منه ، أو يتصدق به على من شاء على اى وجه اختاره.

ومن تصدق بصدقة لم يجز له استرجاعها ببيع ، ولا غيره ، فان رجعت اليه بالميراث ، كان جائزا ، وصح التصرف فيها بالملك.

وإذا حبس إنسان مملوكه في خدمة البيت ، أو معونة الحاج ، والزوار ، أو فرسه في الجهاد ، أو دابته في سبيل اللّه ، وعجز المملوك عن ذلك ، لمرض ، أو غيره ، أو عجزت الدابة ، أو دبرت ، أو مرضت ، سقط عن المملوك فرض القيام بما حبس فيه ، فان عاد كل واحد من ذلك الى الصحة كان الشرط فيه قائماً الى

ص: 93

ان يموت المملوك ، أو ينفق الدابة.

وإذا كان على رجل مهر لزوجته ، لها أولاد صغار ، وله أولاد ، فتصدق بجميع ما يملكه على أولاده فرارا من المهر ، كانت الصدقة ماضية ، والمهر في ذمته يجب عليه الوفاء به ، والمطالبة حتى يبرأ ذمته ، وإذا تصدقت الزوجة على زوجها بصداقها ، أو ببعضه ، كان ذلك جائزا.

وإذا وقف إنسان حصته من ارض ، كان صحيحا ، كما قدمناه ولم يثبت لشريكه في ذلك شفعة ، لأن الوقف ليس ببيع ، والشفعة انما تثبت في البيع.

فان وقف حصته من عبد ، كان جائزا ، فإن أعتقه الواقف بعد ذلك لم يصح عتقه ، لان ملكه بالوقف قد زال عنه وإذا جنى العبد الموقوف جناية عمد ، وكانت قتلا ، قتل ، وبطل الوقف ، وان كان قطعا قطع ، وبقي الباقي وقفا كما كان ، فان كانت الجناية خطأ ، يوجب المال كان ذلك في ماله ، ولم يتعلق المال برقبته ، لأنه انما يتعلق برقبة من يباع فيه ، وهذا لا يصح بيعه ، فان جنى عليه فقتل ، وجبت قيمته ، لأنه يضمن بالغصب.

وإذا وقف جارية ، صح تزويجها ، لان ذلك عقد معاوضة على منفعتها ، وجرى ذلك مجرى إجارتها في الصحة ، لما ذكرناه وعلى هذا يكون المهر لمن هو وقف عليه ، لأنه من كسبها ، فإن أتت بولد كان حرا ، إذا زوجت بحر ، وان كان مملوكا كان بينهما.

« باب النحلة والهبة »

الهبة ضربان : أحدهما يجوز للواهب الرجوع فيه ، والأخر لا يجوز له الرجوع فيه ، والذي يجوز له الرجوع فيه هو كل هبة وهبها الإنسان لا جنبي ، وكانت قائمة العين ، ولم يتعوض عنها عوضا ، وان كانت قد قبضت ، فان كان قد تعوض عنها شي ء قليلا كان أو كثيرا ، لم يجز له الرجوع في شي ء منها ، وكل هبة كانت لذي رحم منه ، ولم يقبضها الموهوب له ، والذي لا يجوز له الرجوع

ص: 94

فيه من ذلك كل هبة وهبها لأولاده الأصاغر ، لأن قبضه قبضهم ، فلا يجوز له الرجوع في ذلك ، وكل هبة كانت لذي رحمه أولادا كانوا أو غير أولاد ، وكانت قد قبضت ، فان لم يكن قبضت. كان الرجوع فيها جائزا ، والأفضل له ان لا يرجع فيها ، وان مات قبل قبضها كان ميراثا.

وإذا وهب الإنسان لصغير من ذوي أرحامه الذي ليسوا بولد له ، وقبضه وليه ، لم يجز له الرجوع فيه ، وإذا لم يتعوض الواهب من الهبة وهلك ، أو تصرف الموهوب له فيها ، لم يجز للواهب الرجوع فيها ، ولا في شي ء منها.

« الهبة عقد جائز »

وإذ وهب الإنسان هبة صحيحة ، وباعها قبل القبض ، كان البيع ماضيا ، وانفسخت الهبة ، وان كان بعد القبض ، كان البيع باطلا : فان كانت الهبة فاسدة ، وباعها قبل القبض كان البيع صحيحا ، وان كان البيع بعد القبض ، وكان يعتقد انها صحيحة ، وان الموهوب له قد ملكها صحت (1) ولم يصح بيعها لان ذلك صار ملكه.

وإذا كانت الهبة انما يلزم بالقبض ، وقبضها الموهوب له بإذن الواهب صحت ، وثبت له الملك من حين القبض ، فان قبضها بغير اذن الواهب له في قبضها كان القبض فاسدا ، ووجب عليه ردها.

وإذا وهب شيئا ، وقبل الموهوب له الهبة ومات الواهب قبل القبض لم يبطل العقد بموته ، وقام الوارث مقامه في ذلك.

وإذا وهب لغيره هبة ، وقبل الموهوب له ذلك واذن الواهب له في قبضها ، ثم رجع عن ذلك قبل القبض ، لم يجز للموهوب له قبضها ، فان قبضها بعد الرجوع ،

ص: 95


1- وجهه غير ظاهر فإنه إذا كانت الهبة فاسدة فاعتقاد صحتها من الواهب لا يصيرها صحيحة ويمكن ان يكون في العبارة تصحيف وصوابها كما في المبسوط صح بيعها لان ذلك صادف ملكه.

لم يكن قبضه لها صحيحا ، وان رجع الواهب بعد القبض كان الهبة صحيحة ، ولزم العقد ، ولم ينفعه رجوعه بعد ذلك.

وإذا قال وهبت لك هذا الشي ء ، وقبل الهبة وأقبضته إياها ، كان العقد صحيحا ولزم بإقراره ، ولا فرق في ذلك بين ان تكون الهبة في يد الواهب ، أو في يد الموهوب له ، لان كونه في يد الواهب لا يدل على انه ما أقبضه ، من حيث انه يجوز ان يكون أقبضه ، ثم رجع اليه بسبب آخر ، فان قال بعد ذلك ما كنت أقبضته إياها ، وانما كنت ، وعدته بالقبض ، لم يقبل رجوعه عن إقراره. لأنه يكذب نفسه فيما تقدم من إقراره ، فإن أراد يمينه على انه كان أقبضه كان له ذلك.

وإذا قال وهبت له هذا الشي ء وخرجت اليه منه ، لم يكن ذلك صريحا في القبض ، فان كان في يد الموهوب له ، كان ذلك جائزا : وإقرارا بالقبض ، ويكون ذلك امارة على انه أراد به القبض ، وان كان في يد الواهب لم يلزمه الإقرار بالقبض ، ويكون معنى قوله « خرجت اليه منه » انه اذن له في القبض ، ولم يقبض ذلك بعد ، وإذا قال الموهوب له « وهبت لي هذا الشي ء وأقبضتنيه وملكته » فقال له الواهب « نعم » كان ذلك إقرارا بلزوم الهبة ، فكأنه قال وهبت لك ، واقبضتكه ، وملكته ، لان لفظة نعم يرجع الى جميع ذلك على وجه التصديق ، ولهذا لو قال إنسان « لي عليك الف درهم » فقال « نعم » يلزمه الف درهم.

وإذا وهب إنسان شيئا لاثنين فقبلا ذلك ، وقبضاه تمت الهبة في الجميع ، وان قبل أحدهما وقبض ، تمت الهبة في حقه دون صاحبه ، لأنه بمنزلة العقدين ، لان العقد الواحد مع الاثنين بمنزلة العقدين والصفقتين إذا انفردتا.

« ما هي النحلة »

واما النحلة فهي العطية وهي للولد وذوي الرحم والقرابة أفضل ، ويستحب إذا اعطى الإنسان ولده ان يقسم بينهم ، ويسوى بين جميعهم ، ولا يفضل بعضهم على بعض ، سواء كانوا ذكورا أو إناثا أو ذكورا وإناثا ، فإن خالف ذلك وفضل

ص: 96

بعضهم على بعض ، أو اعطى بعضا منهم وحرم بعضا ، كان جائرا (1) ويكون تاركا للأفضل ، وصدقة التطوع عندنا بمنزلة الهبة في جميع الأحكام ، ومن شرطها القبول والإيجاب ، ولا يلزم الا بالقبض ومن له الرجوع في الهبة له الرجوع في الصدقة (2).

« باب الهدية »

من السنة ومكارم الأخلاق ، الهدية وقبولها (3).

ص: 97


1- كتب في هامش النسخة تحت هذه الكلمة : اى ظالما لنفسه ولغيره كذا في النهاية قلت فعليه تكون بالراء المهملة لكن الظاهر انها بالزاء المعجمة كما في نسخة ( ب ) لقوله بعد ذلك ويكون تاركا للأفضل كما ورد في النصوص التصريح بجوازه وصرح به الشيخ أيضا في النهاية.
2- مقتضاه جواز الرجوع في الصدقة على غير ذي الرحم بعد القبض ونحوه في المبسوط وهذا مع كونه مخالفا للنصوص الكثيرة الدالة على عدم جواز الرجوع في الصدقة مطلقا وعن جماعة دعوى الإجماع عليه ، مناف لما تقدم في الوقف وذكره الشيخ في النهاية في باب الهبة من ان من تصدق بصدقة لم يجز له استرجاعها ببيع وغيره فلعل المراد بما هنا قبل القبض أو غير ذلك كما في مفتاح الكرامة ج 9 ص 150 فصل الصدقة.
3- النصوص في ذلك كثيرة أورد جملة منها في الوسائل ومستدركه في باب استحباب الإهداء إلى المسلم وقبول هديته من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة مضافا الى ما ورد في فضل البر وصلة الاخوان واصطناع المعروف إليهم ومكافأة المعروف وهي لا تحصى كثرة مذكورة في البحار في أبواب كتاب العشرة ج 74 و 75 ففي الوسائل في أبواب فعل المعروف ج 11 والاخبار الأربعة المذكورة في المتن موجودة في دعائم الإسلام ج 2 فصل التباذل والتواصل وأوردها إلا الثاني منها في المستدرك في الباب المذكور عن الدعائم وبعضها عن غيره أيضا واما النصوص الراجعة إلى أحكام الهدية فقد أوردها في الوسائل في كتاب الهبات ج 13 من طبعة المكتبة الإسلامية بطهران.

وروى عن النبي صلى اللّه عليه وآله انه قال : تصافحوا وتهادوا فإن المصافحة تزيد في المودة والهدية تذهب الغل.

وعن على (عليه السلام) انه قال : خصوا بالطافكم خواصكم وإخوانكم.

وقال : إذا أكرم أحدكم أخاه بالكرامة ، فليقبلها ، فان كان ذا حاجة ، صرفها في حاجته ، وان لم يكن محتاجا وضعها في موضع حاجة صاحبها ، ومن كان عنده جزاء فليجزه ، ومن لم يكن عنده جزاء فثناء حسن.

وعنه (عليه السلام) : ان النبي صلى اللّه عليه وآله قال : لو دعيت الى ذراع شاة لأجبت ولو دعيت الى كراع (1) لقبلت.

« أقسام الهدية »

والهدية ثلاثة أضرب أولها : ان يكون السبب الداعي إليها الولاية. والدين فيقصد بها ذلك قربة الى اللّه تعالى ، فاذا فعلت لذلك وجب قبولها ، ولم يجز الرجوع منها ، ولا التعويض عنها ، وبالقبول لها يخرج من ملك المهدى ، وإذا لم يقبلها من أهديت اليه ، كان مخالفا للسنة ، وجاز لصاحبها التصرف فيها ، وليست تجري مجرى الصدقة.

وثانيها : ان يكون السبب الذي دعا إليها ، المودة في الدنيا ، والتكرم ، فاذا فعل ذلك ، وكانت عارية من وجوه القبح ، حسن قبولها ، وإذا قبلت ، خرجت بذلك

ص: 98


1- الصواب « ولو اهدى الى كراع » كما في الاخبار المشار إليها وغيرها وهو المناسب للباب والكراع بضم الكاف من البقر والغنم ما دون الركبة من مستدق الساق العاري عن اللحم أو ما دونه سواء كان من اليد أو الرجل والذراع في اليد وهو ما فوق الكراع كما في اللسان وغيره وظاهر الصحاح اختصاص الكراع بالرجل وفي رواية الفقيه عنه صلى اللّه عليه وآله لو دعيت الى كراع لأجبت ولو اهدى الى كراع لقبلت فقيل المراد بالكراع الأول أيضا ما ذكر وقيل كراع الغميم موضع بين مكة والمدينة والمراد به المبالغة في البعد.

من ملك المهدى أيضا ، وله الرجوع فيها ما لم يكن المهدى اليه قد تصرف فيها ، والأفضل ترك الرجوع فيها ، والمكافاة عليها غير واجبة وان كافأ عنها من أهديت اليه كان أفضل.

وثالثها : ان يكون السبب الداعي إليها الإيثار للتعويض عنها ، وإذا فعلت لذلك كان المهدى اليه مخيرا بين قبولها وردها ، فان قبلها كان عليها العوض عنها مثلها والزيادة على ذلك أفضل ، ولا يجوز للمهدي إليه التصرف فيها إذا كانت هدية على هذا الوجه الا بعد ان يعوض عنها أو يعزم على ذلك ، وإذا عوض عنها ، وقبل المهدى العوض ، سواء كان أقل منها أو أكثر ، لم يجز له الرجوع فيها ، وإذا لم يقبل ذلك المهدى العوض ، وكانت عين الهدية قائمة ، كان له الرجوع فيها ، وان دفع إليه أكثر منها ، فان تصرف فيها المهدى اليه والحال هذه كان عليه القيمة.

« تم كتاب الوقوف والصدقات والعطايا والهبات »

ص: 99

باب السكنى والعمرى والرقبى

هذه الثلاثة بمنزلة واحدة ، وانما يتميز بعضها من بعض بشروط نذكرها ليفهم معناها.

اما السكنى : فهي إسكان الإنسان غيره داره ، أو ما يجرى مجراها ، أو ضيعته ، أو عقاره مدة معينة ، اباحة بغير عوض.

واما العمرى : فهي أن يقول الإنسان لغيره : أعمرتك هذه الدار ، أو جعلتها لك عمرك ، أو هي لك ، ما حييت ، أو بقيت ، أو عشت ، وما أشبه بذلك مما يكون هذا معناه.

واما الرقبى فهو ان يقول الإنسان لغيره : « أرقبتك هذه الدار مدة حياتك أو مدة حياتي » وذهب بعض أصحابنا في الرقبى إلى انها هي قول الإنسان لغيره « جعلت لك خدمة هذا العبد مدة حياتك ، أو مدة حياتي » وذلك مأخوذ من رقبة العبد ، والأول مأخوذ من رقبة الملك ، والذي ذكرناه أولا هو الظاهر من المذهب ، والمعول عليه.

والعمرى يفتقر صحتها إلى الإيجاب والقبول ، ولزومها يفتقر الى القبض كغيره من الهبات ، وذلك عقد جائز ، فإذا قال لغيره : هذه الدار لك عمرك ولعقبك من بعدك ، كان جائزا ، لما روى عن النبي صلى اللّه عليه وآله انه قال : أيما رجل أعمر عمرى له

ص: 100

ولعقبه ، فإنما هي للذي يعطاها ، لا يرجع الى الذي أعطاها ، فإنه أعطى عطاءا وقعت فيه المواريث. (1)

فإن أطلق القول فقال : هذه الدار لك عمرك ، فاذا مت رجعت الى ، ولم يذكر فيه عقبا ، كان للعمر ما دام حيا ، فاذا مات رجعت الى المعمر ، أو الى وارثه ان كان مات ، ويفتقر الرقبى أيضا في صحتها إلى الإيجاب والقبول كالعمرى ، ويلزم مدة حياة من علقها به ، ويرجع ملكها بعد موته على ما يشرطه.

« وحدة المعنى في الثلاثة »

وقد قلنا ان المعنى في السكنى والعمرى والرقبى واحد ، ولا فرق عندنا بين العمرى والرقبى ، وما يفرق به بعض الناس بينهما ، ليس بمذهب لنا. فإذا اسكن الإنسان غيره رقبى ، وشرط في ذلك موت أحدهما ، كان جائزا ، وإذا مات الواحد منهما ، رجع الموضع الى أهل المسكن ، وإذا أسكن غيره مدة من الزمان ، كان صحيحا ، ولم يجز للمسكن نقل الساكن من ذلك ، الا بعد انقضاء مدته التي وقع التعيين عليها ، فإن أسكنه كذلك ، وأراد بيع المكان ، لم يجز له بيعه الا بعد ان تنقضي المدة ، أو يشترط على المشترى بقاء الساكن الى ان يستوفي مدته ، وإذا مات المسكن والساكن على هذه الحال لم يجز لورثته نقله حتى تنقضي مدته.

ص: 101


1- رواه مسلم في الهبات من صحيحه وأبو داود في البيوع من سننه وغيرهما بالإسناد عن جابر بن عبد اللّه وأورده الشيخ في المبسوط وشيخنا النوري في المستدرك ج 2 ص 515 وظاهره ان العمرى في هذا الفرض عطاء كالهبة يقع فيه الميراث وغيره وهذا مخالف لنصوص الإمامية وفتاواهم حيث ذكروا ان ملك الدار لصاحبها وانما ينتفع بها المعمر في حياته وعقبه من بعده فاذا انقرضوا رجعت الى صاحبها أو وارثه وسند الخبر عامي ليس بحجة ولعل مراد المصنف والشيخ من إيراده الاحتجاج به لأصل المشروعية على من أنكره من العامة ولذا لم يحك عنهما القول بمضمونه ويمكن أيضا حمله على انها كالعطاء في انتفاعه وانتفاع وارثه بها واللّه العالم

ومن اسكن غيره شيئا مما ذكرناه مدة عمره ، كان ذلك ماضيا في زمان حياته وان كان (1) لورثته نقل الساكن من المكان ، فان مات الساكن ، وله ورثة ، كان ذلك لورثته الى ان يموت المسكن ، فان جعل السكنى مدة حياة الساكن ، كان ذلك ماضيا الى ان يموت ، فاذا مات رجع اليه ، أو الى وارثه ان كان قد مات ، فإن أسكنه بشرط انه ان مات أحدهما (2) بطل السكنى ، كان جائزا ، فمتى مات أحدهما ، رجع المنزل إلى اهله ، ومن اسكن غيره ما ذكرناه ولم يذكر شيئا (3) من ذلك ، لم يجز للساكن ان يسكن معه غيره فيه ، الا ان يكون ولده واهله ، فأما غيرهم ، فلا يجوز له إسكانه معه وكذلك لا يجوز له ان يوجر لغيره ، ولا ان ينتقل عنه ويسكنه لغيره (4) بغير أجرة ، الا ان يكون المالك قد اذن له في ذلك.

« تمت أحكام السكنى والعمرى والرقبى »

ص: 102


1- في نسخة ( ب ) وإذا مات كان لورثته وهو الصواب.
2- اى غير المعين وقد تقدم نحوه آنفا والظاهر انه تكرار.
3- زاد في هامش نسخة ( ب ) هنا بعلامة التصحيح « من الشروط التي ذكرناها وأراد نقله من المكان كان له ذلك ومن اسكن غيره شيئا » وحاصله الفرق بين ما إذا علق الإسكان بعمر أحدهما أو بمدة معينة فيكون ملزما به وما إذا أسكنه بدون ذلك فيجوز له إخراجه متى شاء وهو المعروف بين الأصحاب وقد أهمل المصنف حكم ما إذا علقه بمدة معينة ومات الساكن قبل مضيها والظاهر انه مثل ما إذا علقه بعمر المالك ومات الساكن قبله وقد ذكر انه يرجع في الباقي الى ورثة الساكن لكنه مشكل في كليهما لعدم النص وعدم شمول الإسكان له لغيره ولذا لا يجوز له في حياته ان يسكن غيره الا بإذن المالك.
4- الصواب : ويسكنه غيره أو ما هو بمعناه.

كتاب الوصايا

اشارة

« باب الأمر بالوصية ، والحث عليها الوصية جائزة »

قال اللّه تعالى ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ) الآية (1).

وقال ، تعالى « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ الاية » (2).

وكرر ذكر الوصية فقال : ولامه السدس من بعد وصية يوصى بها أو دين وقال : ولهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين وقال :

فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بها أو دين (3).

وروى عن النبي صلى اللّه عليه وآله انه قال : من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية (4).

ص: 103


1- البقرة - 180.
2- المائدة - 106 -
3- النساء - 11 و 12.
4- الوسائل ج 13 ، الباب 1 من الوصايا ، قال ابن إدريس في أول وصايا السرائر المراد به ان أهل الجاهلية ما كانوا يرون الوصية فإذا لم يوص المسلم فقد عمل كعملهم ومن تركها معتقدا انها غير مشروعة ولا مسنونة فهذا جاحد للنص القرآني حكمه كحكم الكفار والمرتدين انتهى.

وقال:ما ينبغي لامرئ مسلم ان يبيت ليلة - وذكر ليلتين - الا ووصيته تحت رأسه (1).

وروى عن الصادق (عليه السلام) انه قال : ما من ميت تحضره الوفاة إلا رد اللّه عليه من سمعه وبصره وعقله للوصية ترك الوصية ، أو فعل ، لأن الوصية حق على كل مسلم (2).

وعنه ، قال النبي صلى اللّه عليه وآله : الوصية تمام ما نقص من الزكاة (3).

وقال : من اوصى ولم يحف ولم يضار ، كان كمن تصدق به في حياته. (4)

وقال : قال النبي صلى اللّه عليه وآله : من لم يحسن وصيته عند الموت ، كان نقصا في مروءته وعقله. (5).

وقال على عليه السلام : ينبغي لمن أحس بالموت ، ان يعهد عهده ويجدد وصيته. (6).

وعن عامر بن سعد عن أبيه : انه مرض بمكة مرضا ، أشفى فيه ، فعاده رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فقال : يا رسول اللّه ليس يرثني إلا البنت ، افاوصى بثلثي مالي؟

فقال : لا فقال : أفاوصى بنصف مالي؟ فقال لا ، فقال : أفاوصى بثلث مالي؟

فقال : الثلث ، والثلث كثير ، وقال عليه السلام : ان تدع أولادهم أغنياء خير لهم من ان تدعهم

ص: 104


1- الباب المذكور من الوسائل الحديث 7 وفيه ان يبيت ليلة والمستدرك الباب 1 من الوصايا وفيه ليلتين.
2- الباب 4 من وصايا الوسائل وفيه أخذ الوصية أو ترك وهي الراحلة التي يقال لها راحة الموت فهي حق على كل مسلم وهكذا في هامش نسخة ( ب ) بعلامة التصحيح.
3- وسائل الشيعة ج 13 ، كتاب الوصايا ، الباب الثاني ، الحديث الأول.
4- وسائل الشيعة ج 13 ، كتاب الوصايا ، الباب الخامس الحديث الثاني.
5- وسائل الشيعة ج 13 ، كتاب الوصايا ، الباب الثالث ، الحديث الأول.
6- مستدرك الوسائل ، كتاب الوصايا ، الباب الثاني ، الحديث الثالث.

عالة يتكففون الناس. (1)

وروى أبو قتادة ان النبي صلى اللّه عليه وآله : لما قدم المدينة ، سأل عن البراء بن معرور فقيل له : يا رسول اللّه انه هلك وقد اوصى لك بثلث ماله ، فقبل رسول اللّه ذلك ثم رده على ورثته. (2)

« باب ما صح من الوصايا وما لا يصح »

الوصية بالخمس أو الربع أفضل من الوصية بالثلث ، لا سيما ان كان الموصى قليل المال ، لأنه إذا كان كذلك ، كان توفيره لماله على ورثته اولى من ان ينقصه عليهم بالوصية ، والوصية بالخمس أفضل من الوصية بالربع ، والوصية بالثلث غاية فيما يوصى به الإنسان من ماله ، فمن أوصى بأكثر من الثلث لم يصح ذلك ، الا ان يجيزه الورثة.

وإذا اوصى بجميع ماله أو بما يكون أكثر من الثلث ، امضى من ذلك الثلث ، ولم يمض ما زاد عليه ، وإذا اوصى بوصية كان له ان يغير شروطها ، ويرجع فيها ، وينقلها من إنسان إلى أخر ، ومن وجه الى وجه غيره.

ص: 105


1- رواه أبو داود في سننه في كتاب الوصايا ومسلم في صحيحه وغيرهما بألفاظ مختلفة وطرق متعددة وهو معروف وأورده الشيخ في المبسوط والنوري في المستدرك في الباب 9 من الوصايا. أقول قوله أشفى فيه اى أشرف على الموت كما في بعض ألفاظ مسلم أشفيت منه على الموت وقوله ليس يرثني إلا البنت أو ابنتي كما في لفظ آخر أو ابنة لي واحدة كما في ثالث فلعل المراد بذلك اضطرار ابنته الى ميراثه دون سائر أولاده أو ان القضية كانت قبل ان يولد له غيرها فان سعدا وهو هنا ابن ابى وقاص كانت له عدة أولاد ذكور وقد روى في صحيح مسلم هذه القضية عن ثلاثة منهم وقوله في المتن ان تدع أولادهم فالصواب أولادك كما في المصادر المذكورة.
2- مستدرك الوسائل ، كتاب الوصايا الباب التاسع ، الحديث الأول.

فإذا أوصى بوصية ، ثم أوصى بوصية أخرى ، وكان العمل بهما ممكنا ، عمل بهما جميعا ، وان كان العمل بهما جميعا غير ممكن ، كان العمل بالأخيرة أولى (1).

وإذا دبر إنسان مملوكه ، كان له الرجوع في تدبيره ، لأنه يجري مجرى الوصية ، فان لم يرجع في ذلك ، كان من الثلث ، فإن أعتقه في الحال ، كان عتقه ماضيا ، ولم يكن لأحد عليه سبيل.

وإذا وصى إنسان بوصية ، لم يكن لأحد مخالفته فيما اوصى به ، ولا تغيير شي ء من شروط وصيته ، الا ان يكون قد أوصى بإنفاق ماله فيما لا يرضى اللّه تعالى ، أو شي ء من المعاصي ، مثل قتل نفس ، أو إنفاقه على مواضع قرب الكفار. أو في مصالح بيوت عباداتهم ، مثل الكنائس وبيوت النيران ، فإنه متى فعل ذلك كان على الوصي مخالفته في ذلك ، ورد الوصية إلى الحق.

وإذا اوصى إنسان لأبويه ، أو لواحد منهما ، أو لبعض أقاربه ، بوصية ، كانت صحيحة ، وذكر (2) انه ، ان وصى لبعض أقاربه ، وكان الموصى له كافرا ، كانت الوصية ماضية ، والصحيح انه لا يوصى لكافر.

ص: 106


1- في نسخة ( ب ) كان العمل بالأخيرة دون الاولى ونحوه في نهاية الشيخ وقال ابن إدريس في السرائر في كلام طويل حاصله ان المراد بما في المتن ونحوه ما إذا كانت الوصية الثانية مناقضة للأولى كما إذا اوصى بثلثه لشخص ثم اوصى به لشخص آخر واما إذا اوصى بشي ء ثم أوصى بشي ء آخر ولم يف ثلثه بهما فمذهب أصحابنا فيه ان يبدأ بالأول فالأول. قلت يؤيد ذلك ما يأتي قريبا في كلام المصنف من انه إذا اوصى بثلث ماله لأجنبي وبثلث آخر للوارث كان العمل على الأول منهما.
2- بصيغة المجهول اى قيل والقائل الشيخ رحمه اللّه تعالى في النهاية وذكره في مواضع من وصايا المبسوط الا انه يظهر من آخرها تقييده بما إذا كان الكافر من أهل الذمة.

وإذا اوصى بإخراج بعض الورثة من الميراث ، وكان قد أقربه قبل ذلك ، أو كان قد ولد على فراشه ، ولم يكن انتفى منه في حال الحياة ، كانت وصيته بإخراجه باطلة.

وإذا وصى بالثلث للوارث ، كان ذلك جائزا ، إذا لم يكن بأكثر منه ، فان زادت على ذلك ، ردت الى الثلث كما قدمناه.

وإذا جرح إنسان نفسه بما يكون منه هلاكه ، واوصى بعد ذلك بشي ء ، كانت وصيته باطلة ، فإن أوصى ثم قتل نفسه كانت وصيته ماضية (1) في ثلث ماله ، أو ثلث ديته ، فان جرحه غيره ثم وصى بعد ذلك كانت وصيته في ثلث ماله وثلث ما يستحقه من أرش الجراح ماضية.

وإذا اوصى إنسان لمملوك غيره ، أو وصى لمكاتب مشروط عليه ، كانت وصيته باطلة ، فإن وصى لمكاتب غير مشروط عليه ، كانت الوصية جائزة بمقدار ما ادى من كتابته وإذا اوصى لمملوكه بثلث ماله ، وكانت قيمة هذا المملوك أقل من الثلث أعتق ودفع إليه الباقي (2) وان كانت قيمته أكثر من الثلث بمقدار السدس ، أو الربع أو الثلث ، أعتق بمقدار ذلك ، واستسعى في الباقي للوارث ، فان كان قيمته على الضعف من الثلث ، كانت الوصية باطلة (3).

ص: 107


1- كذا في النسختين لكن فيه سقطا والصواب كما يظهر من النهاية : كانت وصيته ماضية فإن أوصى ثم قتله غيره كانت وصيته ماضية في ثلث ماله وثلث ديته.
2- زاد في هامش نسخة ( ب ) : وان كانت قيمته وفق الثلث أعتق ولم يدفع إليه شي ء وليس عليه أيضا شي ء.
3- مقتضى القاعدة صحتها أيضا لكن قيل انها خارجة عنها بالنص وفي المسألة خلاف ومثلها المسألة التالية الا ان النص فيها أظهر ولعل القول به أشهر والمراد بالثلث في هذه المسألة ثلث المملوك وغيره فالبطلان انما يكون إذا بلغت قيمته ضعف ثلث المجموع كما ان المراد بالمسألة التالية ، إذا لم يكن للموصى مال آخر غير المملوك الذي اوصى بعتقه كما صرح به في النص وكلام الأصحاب.

وإذا اوصى بعتق مملوكه وكان عليه دين ، وكانت قيمة المملوك ضعفي الدين ، استسعى في خمسة أسداس قيمته لأصحاب الدين ثلاثة أسهم ، وللورثة سهمان وله سهم ، فان كانت قيمته أقل من ذلك ، كانت الوصية باطلة.

وإذا اوصى بثلث ماله لأجنبي ، وبثلث أخر للوارث ، كان العمل على الأول منهما ، فان التبست الحال في ذلك استعملت القرعة ، فإن أجاز الورثة جميعها كان ذلك صحيحا ، وعمل بهما جميعا.

وإذا اوصى إنسان لغيره ، فقال ان مت قبل موته ، أوصيت له بثلث مالي ، وان مت بعد موته فلزيد ، فان مات قبل موته فالوصية للأول ، وان مات بعد موته كانت لزيد.

وإذا اوصى لذكر ، كان ما وصى به للذكر وكذلك الحكم ان اوصى لأنثى فإن وصى لذكر واثنى كان بينهما بالسوية.

« الوصية للحمل »

وإذا اوصى لحمل امرأة فقال : ان كان في بطنها ذكر ، فله ديناران ، وان كان أنثى ، فله دينار ، فان وضعت ذكرا كان له ديناران ، وان وضعت أنثى كان لها دينار وان وضعت ذكرا وأنثى كان لهما ثلاثة دنانير.

وإذا اوصى فقال : ان كان الذي في بطنها ذكرا ، فله ديناران ، وان كان أنثى فله دينار ، فوضعت ذكرا كان له ديناران ، وان وضعت أنثى كان لها دينار ، وان وضعت ذكرا وأنثى لم يكن لهما شي ء ، والفصل بين هذه المسئلة والتي تقدمتها انه قال ان كان في بطنها ذكر ، فله ديناران ، وان كان أنثى فلها دينار ، وقد كان ذكر وأنثى ، وليس في المسألة الثانية كذلك ، لأنه قال ان كان الذي في بطنها ذكرا ، فله ديناران ، أراد أن كان كل الذي في بطنها ذكرا ، وكل الذي في بطنها أنثى ، وما وجدت هذه الصفة ، بل كان ذكرا وأنثى ،

وإذا اوصى لعبد نفسه ، أو لعبد ورثته ، كان ذلك صحيحا ، لأن الوصية للوارث

ص: 108

عندنا تصح (1) وكذلك ان اوصى لمكاتبه أو لمكاتب ورثته كانت الوصية صحيحة وكذلك إذا وصى لأم الولد ، صحت الوصية أيضا.

وإذا اوصى لعبد الأجنبي لم تصح الوصية ، لما ورد الخبر في ذلك (2) وإذا قال : « أوصيت لما تحمل هذه الجارية » لم تصح الوصية ، لأن الحمل ليس بموجود في الحال.

وإذا قال « أوصيت لزيد بما تحمل هذه الجارية ، أو هذه الشجرة » كانت الوصية صحيحة ، والفرق بين هذه المسألة والمتقدمة انه إذا اوصى لما تحمل هذه الجارية ان المملك معدوم غير موجود ، وفي هذه المسألة المملك موجود غير معدوم ، وهو الموصى له ولا ضرر في الشي ء الموصى به له إذا كان معدوما (3) لان الاعتبار بوجود المملك.

وإذا اوصى إنسان بثمرة نخل لغيره ، واحتاج ذلك الى السقي ، لم يجب ذلك على واحد منهما ، لان الموصى له يقول : ليست الرقبة لي فلا يجب على سقيها ولا للورثة لأنها تقول : المنفعة للغير ولا أملك الثمرة فلأي وجه يلزمني السقي ، فإن تطوع أحدهما بالسقي كان له ذلك.

وإذا قال « أعطوا زيدا من رقيقي رأسا » كان ذلك وصية صحيحة ، والوارث

ص: 109


1- تعليل لجواز الوصية لعبد ورثته وفيه رد على العامة حيث منعوا من ذلك لبنائهم على عدم جواز الوصية للوارث وكون العبد لا يملك شيئا فالوصية له ترجع الى مولاه.
2- ونحوه في المبسوط ج 4 ص 62 وكان مرادهما ان مقتضى القاعدة جواز الوصية له لما ذكر من رجوعها الى مولاه لكن منع عنه النص وهو ما في الوسائل في الباب 79 و 80 من الوصايا والمسألة إجماعية كما حكاه في مفتاح الكرامة ج 9 ص 399 عن جماعة لكن قد يظهر من العلامة في المختلف التردد فيه وانه على عدم الجواز لا فرق بين مملوك الأجنبي ومملوك الوارث.
3- يعنى لا يضر بصحة الوصية إذا كان الشي ء الموصى به معدوما.

مخيرون في أي رأس يدفعونه إليه ، أقل ما يقع عليه اسم الرقيق سواء كان معيبا أو صحيحا ، كبيرا أو صغيرا ، فان هلكت الرقيق إلا رأسا واحدا دفع ذلك العبد ، لأنه اوصى له برأس لا يعينه (1) وعلقه بصفة غير موجودة (2) ، ويجرى ذلك مجرى وصيته له بدار وليس له دار.

وإذا اوصى بشاة من غنمه كانت الوصية صحيحة ، وللورثة ان يعطوا اى شاة يقع عليها اسم الشاة ، سواء كانت كبيرة أو صغيرة ، ضائنة أو ما عزة ، سليمة أو معيبة فإن قال « أعطوه شاة من مالي » وكان له ماشية ، أعطي منها شاة كما قدمناه ، (3) وللورثة ان يشتروا من ماله شاة ويدفع اليه.

وإذا قال « ادفعوا له جملا » كان ذلك ذكرا (4) ، وان قال « بقرة » كان أنثى ، وان قال « بقرا » كان ذكرا ، فان قال « أعطوه عشر أنيق أو عشر بقرات » اعطى الإناث دون الذكور ، لأنه اسم للإناث.

وان قال « أعطوه عشرة من الإبل » اعطى ذكورا ، لان الهاء لا تدخل الأعلى عدد

ص: 110


1- وفي نسخة « ب » لا بعينه.
2- في العبارة سقط وصوابه كما في هامش نسخة ( ب ) بعلامة التصحيح ونحوه في مبسوط الشيخ « وعلقه بصفة والصفة هنا موجودة فإن قال ادفعوا اليه رأسا من رقيقي ولم يكن له رقيق كانت الوصية باطلة لأنه علقه بصفة غير موجودة ويجري إلخ قلت والمراد بالصفة هنا كون الرقيق من ماله.
3- الا ان الفرق بين هذا وما تقدم ان في هذا علقه بماله فلهذا يجوز للوارث ان يشترى شاة من ماله ويدفعه اليه ولا يدفع اليه من ماشيته بخلاف ما تقدم فإنه علقه بغنمه وقد ذكر ذلك الشيخ في المبسوط.
4- زاد في هامش نسخة ( ب ) هنا « وان قال ادفعوا له ناقة كان أنثى وان قال أعطوه ثورا كان ذكرا ».

المذكر ، فان قال « أعطوه دابة من دوابي » أعطوه فرسا ، وقيل يعطونه ما أراد (1) من الخيل ذكرا كان أو أنثى ، أو من البغال والحمير ، ولا يعطى من الإبل والبقر بغير خلاف ، لان ذلك في العرف لا يسمى دابة فإن كان في لفظه ما يدل على انه (2) حمل عليه مثل قوله « أعطوه دابة ليغزو عليها » فإنه يحمل على الخيل لا غير ، فان قال « دابة لينتفع بظهرها ونسلها » اعطى من الخيل والحمير ، ولا يعطى من البغال ، لأنه لا نسل لها ، فان قال « لينتفع بظهرها ودرها » اعطى من الخيل ، لان الحمير لا در لها (3).

فان قال « أعطوه كلبا من كلابي » كانت الوصية باطلة ، الا ان يكون له كلاب صيد أو حائط ، فإنه تصح فيها ويعطى منها ، وإذا اوصى بان يعطى جرة خمر ، وطبلا من طبوله ، أو عودا من عيدانه ، وكانت الجرة فيها خمر ، والطبل والعود هما اللذان للعب واللّهو كانت الوصية باطلة ، فان لم يكن في الجرة خمر ، وكانت الطبول ، طبول الحرب والعود من الأخشاب التي نستعمل في تسقيف البيوت ، أو ما جرى مجراها صحت الوصية.

وإذا اوصى فقال « اجعلوا ثلث مالي في الرقاب » كان جائزا ، وصرف في المكاتبين والعبيد بان يشتروا به.

وإذا اوصى بعتق عبد بثمن معين ، فوجد بأقل منه ، أعطي الباقي وأعتق ،

ص: 111


1- الصواب « ما أرادوا » أي الورثة والخيل اسم لجماعة الفرس ويطلق على الذكر والأنثى كالفرس على ما صرح به في الصحاح ، والدابة في الأصل كل ما يدب من الحيوان اى يتحرك لكن اشتهرت عند بعض في الفرس كما حكاه في التذكرة وعند آخرين في الثلاثة المذكورة والوصية تحمل على ما ينصرف اللفظ اليه.
2- الصواب « على انه أراد أحدها » أو نحو ذلك.
3- الحمير كالخيل في الدر بمعنى اللبن ولذا حمل في التذكرة هذا اللفظ عليهما وعلى كل فاللازم دفع الأنثى منها وفي نسخة ( ب ) على « در » في الموضعين بعلامة بدل نسخة « رد » بتقديم الراء فلعل المراد به الكر والفر في غير القتال فهذا يحمل على الخيل ذكرا وأنثى.

ولا فرق في ذلك بين ان يكون صغيرا أو كبيرا ، أو شابا أو شيخا.

وإذا قال : « أعتقوا بثلث مالي رقابا » وجب ان يبتاع بذلك ثلاثة أعبد ، ويعتقون ، لان ذلك أقل الجمع ، فان وجد بالثلث ، أربعة الى ما زاد على ذلك ، اشترى الأكثر وأعتق ، فان لم يبلغ الثلث ثمن أربعة ، وكان يزيد على ثلاثة ، جعل ثمن الاثنين للأكثر ، (1) ولا يفضل شيئا.

« الإيصاء بالحج »

وإذا اوصى بأن يحج عنه ، ولم يكن حج حجة الإسلام ، فإنه يبتدء بالحج على جميع الوصايا ان كان معه وصية غيره من الوصايا ، وكذلك يفعل في الواجبات ، من الكفارات ، وغيرها ، فان فضل من الثلث فضل ، كان فيما بقي.

وإذا اوصى بأن يحج عنه ، ولم يكن حج حجة الإسلام ، أخرج عنه ذلك من رأس المال ، وكذلك ان كان عليه زكاة أو شي ء واجب ، فان كان تطوعا ، اخرج من الثلث (2) من تركته حيث بلغ.

ص: 112


1- اى لعبدين هما أكثر قيمة بمقدار الزائد وفي نسخة ( ب ) « جعل ثلث الاثنين » وكتب تحته « ثمن » عن نسخة وعلى كل ففي العبارة سقط أو تحريف إذ لا وجه لاشتراء واحد من الثلاثة بقيمة نازلة واشتراء الآخرين بأكثر من غير تفاضل بينهما فصواب العبارة « فان لم يبلغ الثلث ثمن ثلاثة وكان يزيد على اثنين » أو سقط منه هذه الجملة مع حكم الموجود في المتن ويؤيد ذلك ان الشيخ في المبسوط ذكر المسألة بنحو ما ذكرناه وذكر في مفتاح الكرامة بعد حكايته عنه انه بذلك كله عبر في المهذب ثم ان في المسألة قولا آخر بأنه يشترى العبدان ويعتقان ويعطيان الزائد كما عن الشيخ في الخلاف وقولا ثالثا بأنه يشترى بالزائد بعض عبد ثالث كما عن التذكرة وغيرها وهو الأشبه.
2- في هامش نسخة ( ب ) هنا « حجا كان أو غيره فإذا اوصى ان يحج عنه بمأة درهم تطوعا وكان ثلثه أقل من مأة فإنه يحج عنه بالثلث ».

وإذا اوصى ان يحج عنه ، فالأفضل أن يحج عنه من كان قد حج وان حج عنه صرورة ، كان جائزا.

وإذا اوصى بالحج ، فإنه يحج عنه من بلده إذا كان في النفقة فضل لذلك ، فان خرج حاجا ، فمات في الطريق واوصى ان يحج عنه ، فإنه يحج من الموضع الذي مات فيه ، فان كان له أوطان مختلفة ، ومات في السفر ، واوصى بأن يحج عنه ، فإنه يحج عنه من أقرب أوطانه إلى مكة ، فان لم يكن له وطن بان يكون من أهل البادية ، أو من الركاظة (1) منه ، والذين لا يستوطنون موضعا ، فإنه يحج عنه من حيث مات.

وإذا اوصى بالحج وعين له شيئا ، لا يكفى من يحج عنه من بلده ، حج عنه من بعض المواقيت ، أو من مكة ، وإذا اوصى بأن يحج عنه بمائة درهم من ثلث ماله ، واوصى بما بقي من الثلث لرجل معين ، واوصى لإنسان آخر بثلث ماله ، كانت الوصية الاولى والثانية صحيحة ، والأخيرة باطلة ، فإن حصل في ذلك اشتباه ، استعملت القرعة ، وإذا اوصى بثلث ماله لزيد وعمرو ، ثم ان زيدا لم يقبل الوصية ، فإنها تعود إلى الورثة ، ولا يستحق عمرو أكثر من نصف الثلث ، لأنه إذا اوصى لهما بالثلث فكأنه أوصى لكل واحد منهما بنصفه على الانفراد ، فاذا رد الواحد منهما نصيبه ، رجع الى الوارث.

ص: 113


1- الصواب انه بالضاد المعجمة كما في مختلف العلامة حيث حكى هذا الكلام عن المصنف على انه لم يوجد مادة ركظ بالظاء المؤلفة في شي ء من كتب اللغة والظاهر ان المراد به السائر السائح في الأرض والبلاد قال الزمخشري في - الأساس ركضت النجوم في السماء اى سارت وفي معجم المقاييس ان أصل هذه المادة يدل على حركة الى قدم أو تحريك ويمكن ان يكون ما في المتن من قبيل الخلط بين الحرفين فإنه كان شائعا لفظا وكتابة حتى انه ألف في الفرق والتمييز بينهما رسائل من أهل اللغة وذكر الفيومي في المصباح ان من العرب من يبدل الضاد ظاءا في التلفظ ومنهم من يعكس.

« حكم الإيصاء للأقرباء »

وإذا اوصى فقال : « أعطوا ثلث مالي لقرابتي ، أو لاقربائى ، أو الذي رحمي » كان حكم الكل (1) واحدا ، ودخل في ذلك جميع من يعرف بالعادة انه من قرابته ، وارثا كان ، أو غير وارث ، وذكر بعض أصحابنا (2) انه يصرف بمن يقرب منه الى آخر أب وأم له في الإسلام ، والذي قدمناه هو الأظهر ، وليس على المذهب الذي حكيناه دليل ولا نص ولا شاهد يعضده.

وإذا اوصى فقال : « أعطوا ثلث مالي أقرب أقاربي ، وأقرب اقربائى ، أو الى أقربهم بي رحما ، فان لم يكن له والد ، ولا أم ، كان أقرب القرابة إليه ولده ، ذكرا كان أو أنثى ، ثم ولده (3) وولد ولده وان سفل ، وارثا كان أو غير وارث ، فان لم يكن له ولد ، وله ولد ولد (4) ، كان أحق بها ، لأنه أقرب الناس الى ولده ، فان اجتمع الوالد والولد كانا في ذلك سواء ، لان كل واحد منهما يدلي نفسه (5) وليس

ص: 114


1- اى الحكم في هذه التعبيرات واحد كما يظهر ذلك من عبارة المبسوط ويحتمل ان يكون المراد التسوية بين الذكر والأنثى وغيرهما ممن يتفاضل في الميراث كما صرح به هنا في كتب الأصحاب.
2- المفيد رحمه اللّه في المقنعة وتبعه الشيخ في النهاية لكن رجع عنه في المبسوط فذكر فيه مثل ما في المتن.
3- في نسخة ( ب ) « ثم ولد ولده وان سفل » وهذا أظهر كما في المبسوط ومقتضى العبارة انه مع عدم الولد فولد الولد ومن سفل سواء وهذا خلاف الأقربية كما في الإرث فالظاهر ان المراد رعايتها فيهم أيضا فقوله أو غير وارث يعنى ما إذا كان فيه مانع آخر كالقتل أو الرق دون الكفر لما تقدم من انه لا تصح الوصية لكافر وفي المبسوط مثل له بأولاد البنات عند المخالف أي العامة.
4- هذا تكرار لما قبله ومع ذلك لا يلائم ما بعده فالصواب كما في المبسوط « وله والد »
5- الصواب « بنفسه » وفي متن نسخة ( ب ) « يدنى » بالنون والظاهر انهما بمعنى واحد أو متقارب وهو التوصل بالشي ء والتقرب به قال اللّه تعالى ( قِنْوانٌ دانِيَةٌ ) قيل أي متدلية. واعلم ان المصنف حكم هنا بالأقربية التامة بمعنى عدم الواسطة أو اقليتها أو تعدد سببها ولذا حكم بكون الوالد اولى من ولد الولد مع انهما في الإرث متساويان عند فقد الولد وكون الأخ للأبوين أولى من الأخ للأم مع انهما يرثان معا ومقتضاه ان يكون العم للأب أولى من ابن العم للأبوين مع انه في الإرث بالعكس وبمثل هذا ذكر الشيخ رحمه اللّه في المبسوط خلافا لظاهر المحقق في الشرائع من انها على مراتب الإرث.

بينهما واسطة ، وعلى هذا يكون الأب أولى من ولد الولد ، فان لم يكن والد ، ولا ولد كان الجد اولى مع عدم الإخوة ، لأنه أقرب إليه ، فان لم يكن جد وكان له أخ ، كان الأخ أولى ، لأنه أقرب ثم يكون الأخ من الأب والام أولى من الأخ للأب أو للأم ، لأنه يدنى بسببين ، والأخ للأب والأخ للأم واحد ، لان كل واحد منهما كالآخر في القرابة ، والأخ للأب أولى من ابن الأخ للأب والام ، فمتى تساويا في الدرجة كان من يدنى اليه بأبيه وامه أولى ، فإن اختلفا في الدرجة كان الأقرب أولى ، فإن اجتمع الجد والأخ كانا متساويين كما نقوله في الميراث ، فان لم يكن جد ولا اخوة ولا أولاد إخوة فالأعمام ، ثم بنوا الأعمام ، وعلى هذا فمتى تساووا في الدرجة كان ولد الأب والام أحق واولى ، وان اختلفوا في الدرجة كان الأقرب أحق واولى.

وإذا اوصى بثلث ماله لجماعة من أقربائه (1) وكان قد أوصى لثلاثة أنفس من أقربائه ، فإن كان هناك ثلاثة في درجة واحدة ، مثل ثلاثة بنين أو ثلاث بنات ، أو ثلاثة اخوة ، صرف ذلك إليهم ، فإن كان في الدرجة الأولى اثنان ، وفي الثانية واحد مثل ابنين وابن ابن ، دفع الى كل واحد من الأولين ثلث الثلث ، والى من في

ص: 115


1- أي من أقرب أقربائه كما في التذكرة ويقتضيه الحكم المذكور له إذ لو كان المراد مطلق أقربائه لم يكن وجه للتفصيل والترتيب فيه كما لم يكن إشكال في شقه الثاني.

الدرجة الثانية باقي الثلث ، لأنه أوصى لجماعة ولا يعطى بعضهم ذلك. (1)

« باب الأوصياء »

إذا أراد الإنسان الوصية ، فليوص الى رجل مسلم عاقل مأمون حكيم ، ويجوز ان يوصى إلى المرية الحرة العاقلة المأمونة ، والأفضل ان يوصى الى ولده واهله دون الأجنبي ، ولا يجوز الوصية إلى سفيه ، ولا كافر ، ولا فاسق. ولا عبد وان كان عدلا ، لأنه لا يملك شيئا مع سيده ، ويجوز وصية الكفار بعضهم لبعض والى بعض.

ويجوز ان يوصى الرجل الى اثنين ، فان كانا بالغين وجعل إليهما ان لا يمضيا الوصية الا بان يكونا مجتمعين ، لم يكن لكل واحد منهما ان يمضي شيئا حتى يجتمع مع الأخر ، وإذا تشاح هذان الوصيان في الاجتماع في الوصية ، لم ينفذ منهما شي ء إلا ما يعود بمصلحة الورثة ، وكسوتهم ومأكولهم ، وعلى الحاكم ان يحملهما على الاجتماع على تنفيذ الوصية ، أو الاستبدل بهما ان رأى ذلك صلاحا ، وان وصى إلى اثنين بالغين ولم يجعل لهما (2) تنفيذ الوصية على الاجتماع منهما ، ولا شرط

ص: 116


1- قد يشكل بأنه انما أوصى لأقاربه وليس ابن الابن فعلا أقرب مع وجود الابن ولهذا اختار العلامة في القواعد رد الباقي أيضا الى الابن ويحتمل رده في الميراث لفقد الموصى له بالنسبة إليه لكنه ضعيف والأقرب ما اختاره المصنف وكذا الشيخ في المبسوط لان الابن لا يستحق الباقي لظهور لفظ الجماعة في كونه لثالث فيكون الأقرب المستحق له ، ابن الابن وهكذا في كل ما لم يكن في طبقة الأقرب ثلاثة ابنا كان أو غيره نعم إذا لم يكن في المتأخر عنه قريب أصلا لا يبعد رده الى الميراث لما ذكر.
2- لعل الصواب « عليهما » لمكان الجعل ، أو « إليهما » لتضمن الجعل هنا للايصاء وعلى كل يحتمل ان يكون المراد انه رخص لهما في الانفراد أيضا فما حكاه في جامع المقاصد وغيره من المصنف من القول بجواز الاستبداد لكل منهما عند إطلاق الوصية إليهما تبعا للشيخ في النهاية غير ظاهر مع انه على هذا يكون قوله « ولا شرط ذلك عليهما » تكرارا وهو خلاف الظاهر.

ذلك عليهما ، لكان لكل واحد منهما الاستبداد بما يصيبه ، ومطالبة الأخر بقسمة الوصية.

فإن اوصى الى اثنين ، أحدهما : رجل ، والأخر : صبي ، وجعل الى الرجل النظر في الحال ، وللصبي إذا بلغ ، كان جائزا ، فإن بلغ الصبي فكان فاسد العقل ، أو مات ، كان للرجل تنفيذ الوصية ، وإذا نفذ الرجل الوصية وبلغ الصبي ولم يرض بذلك لم يلتفت اليه ، وكان فعل الرجل ماضيا ، ومتى خالف الرجل شرط الوصية ، لم يصح ما فعله.

ويجوز ان يوصى الرجل الى زوجته ، فإن اوصى الى اهله ، وكان منهم كبار وصغار كان للكبار تنفيذ الوصية من غير انتظار لبلوغ الصغار ، وان كان الموصى قد شرط تأخير ذلك الى حين بلوغ الصغار ، ولم يجز للكبار تنفيذ شي ء منها الى حين بلوغهم.

« الإيصاء للحاضر والغائب ».

ومن اوصى الى غيره وكان هذا الوصي حاضرا كان مخيرا بين قبول الوصية وردها ، وان كان غائبا وكان قد بلغ اليه خبر الوصية والموصى حي ، كان مخيرا بين قبولها وردها ما دام الموصى حيا ، وان كان ذلك بلغ اليه بعد موت الموصى ، لم يكن له ردها والامتناع منها ، وكذلك ان كان موصى حيا ، وامتنع الوصي منها ، ولم يبلغ خبر الامتناع منها الى الموصى إلا بعد موته ، لم يكن أيضا للوصي الامتناع منها ، ووجب عليه القيام بها على كل حال.

ومن كان وصيا لغيره وحضرته الوفاة وأراد ان يوصى الى غيره جاز له ان يوصى اليه بما كان متصرفا فيه من الوصية ، ويجب على الموصى إليه القيام بذلك.

وللموصى الاستبدال بالوصي ما دام حيا ، فاذا مات لم يجز لأحد تغيير وصيته ، ولا الاستبدال باوصيائه ، فان ظهر من الموصى بعده جناية ، (1) كان على الناظر

ص: 117


1- في نسخة ( ب ) خيانة في الموضعين.

في أمر المسلمين عزله ، واقامة أمين مقامه ، وان لم يظهر منه جناية الا انه بان منه عجز وضعف عن القيام بالوصية ، كان للناظر في أمور المسلمين ان ينصب معه أمينا يعينه على تنفيذ الوصية ، ولم يجز له ان يعزله لأجل ضعفه.

وإذا مات إنسان عن غير وصية ، كان على الناظر في أمر المسلمين ان يقيم من ينظر في مصالح ورثته ، فان لم يكن السلطان الذي يتولى ذلك ، أو من يأمر به جاز لبعض المؤمنين ان ينظر في ذلك ويعتمد فيه الامانة ، ويؤديها من غير إضرار بالوارث ، وما فعله كان ماضيا.

وإذا أمر الإنسان وصيه بان يتصرف في تركته لورثته ، ويتجر لهم بها ، وله على ذلك نصف الربح ، كان جائزا.

وإذا كان إنسان وصيا لغيره ، ومات الموصى ، وللوصي عليه مال ، لم يجز له ان يأخذ من ماله شيئا من تحت يده ، ولا يجوز ان يأخذ إلا ما تقوم له البينة به ، وإذا باع الوصي شيئا من التركة التي هو وصى به عليها لمصلحة الورثة ، وأراد ان يشتريها لنفسه ، كان جائزا ، إذا أخذها بالقيمة العدل من غير نقصان من ذلك ، فان باع الوصي من هذا واشترى لنفسه بنقص ، أو زيادة (1) ، لم يجز له ذلك وإذا خالف الوصي ما أمر به ، أو شرط عليه فيما هو وصى عليه من المال ، كان عليه ضمان ذلك.

وإذا نسي الوصي جميع أبواب الوصية ، ولم يكن له مال يرجع اليه ويستضي ء به في ذلك ، بطلت الوصية (2).

ص: 118


1- لا وجه لعدم جواز اشترائه بالزيادة ولم أعثر على من نقله عن المصنف فالظاهر زيادة هذه الكلمة أو في العبارة سقط وهو « أو اشترى من ماله شيئا للورثة بزيادة » كما جمع العلامة في القواعد بين الأمرين.
2- ذكر العلامة في المختلف انه قال الشيخان والصدوق إذا اوصى بوصية وجعلها أبوابا فنسي الوصي بابا منها يجعل ذلك السهم في وجوه البر وكذا قال ابن البراج. قلت ما حكاه عن ابن البراج غير موجود في هذا الكتاب فلعله من كتابه الكامل أو غيره فعليه يمكن ان يكون نظره الفرق بين ما إذا نسي جميع الموصى به فتبطل الوصية أو نسي بعضها فيجعل في البر وهو ظاهر الشيخ حيث ذكر في النهاية ما حكى عنه في المختلف وذكر في رسالة الحائريات مثل ما في المتن جوابا عما سئل عن الوصي إذا نسي جميع أبواب الوصية هل يكون مثل ما إذا نسي بابا واحدا وهذه الرسالة مطبوعة جديدا وحكى عنها في السرائر هذا الحكم بدون السؤال لكن المستفاد من السرائر والمختلف وغيرهما عدم الفرق بين المسئلتين وان اختلاف الكلامين انما هو في الفتوى وكيف ما كان فالمعروف بين المتأخرين ان مقتضى القاعدة والنص الوارد في نسيان البعض جعله في وجوه البر مطلقا.

وإذا قال الموصى لوصيه : « اقض عني ديني » وجب عليه الابتداء بذلك من أصل تركته قبل الميراث ، فان تمكن من قضائه ولم يقضه ، وهلك المال ، كان ضامنا له ، ولم يكن لصاحب الدين على الوراث سبيل. وان كان قد عزل ذلك من أصل تركته ، ولم يتمكن من دفعه الى صاحب الدين ، وهلك من غير تفريط من جهته ، كان (1) مطالبة الورثة بالدين من جهة الميراث الذي انتقل إليهم عن ميتهم الذي كان الدين عليه.

« باب شروط الوصايا »

الوصية لا تصح من أحد حتى يكون حرا ، كامل العقل ، فان كان صغيرا وكان سنه قد بلغ عشر سنين ولم يكمل عقله ، وكان ممن يضع الشي ء في موضعه ، كانت وصيته ماضية في المعروف من وجوه البر ، وغير ماضية فيما سوى ذلك ، وان كان سنه دون ذلك لم يجز وصيته في شي ء.

وصدقة الصبي إذا بلغ عشر سنين ، وهبته ، وعتقه إذا كان بالمعروف ، وفي وجوه البر ، على ما قدمناه جائز ، فإن كان في القبيح لم يجز.

وحد بلوغ الغلام احتلامه ، أو كمال عقله ، أو ان يشعر ، وحد بلوغ المرية

ص: 119


1- الصواب : كان لصاحب الدين كما في نسخة ( ب ) بصورة التصحيح.

تسع سنين ، فاذا حصل الغلام على أحد هذه الوجوه ، فقد حصل في حد الكمال ، ووجب على وليه تسليم ماله اليه ، وتمكينه منه ، ومن التصرف فيه ، الا ان يكون ناقص العقل ، أو به سفه ، فإنه لا يدفع ذلك اليه ، ولا يمكنه من التصرف فيه.

وإذا بلغت المرأة تسع سنين جاز تصرفها في مالها ، وكان أمرها فيه ماضيا على سائر (1) الوجوه ، الا ان تكون أيضا ناقصة العقل ، أو سفيهة ، فإنها لا تمكن من ذلك.

« الاشهاد على الوصية »

والاشهاد على الوصية من شروطها ، فإن وصى إنسان بوصية فيشهد عليها شاهدين عدلين ، فان لم يفعل ذلك وكان الوصي قادرا على تنفيذ الوصية ، كان له تنفيذها في وجوهها التي تضمنتها الوصية ، ويجوز شهادة النساء فيها مع فقد الرجال وعدم التمكن منهم ، وشهادة الواحدة منهن جائزة في ربع الوصية ، وشهادة اثنتين منهن جائزة في نصفها ، وشهادة الثلاث منهن جائزة في نصفها وربعها ، وعلى هذا الحساب.

ومن كان له عبدان وجارية حاملة ، فاشهد العبدين على ان حمل الجارية منه ، ثم أعتقها (2) وشهدا عند وراثه بذلك ، فلم يقبلوا شهادتهما ، واسترقوهما ، وبيعا ، وعتقا بعد ذلك ، وشهدا للمولود بالنسب ، قبلت شهادتهما على الوارث ، ولا يسترقهما الولد الذي شهدا له على حال.

وكل من لم يكن على ظاهر الإسلام من سائر الأديان ، فإنه لا يجوز قبول شهادته في الوصية ، الا ان يكون ذميا ، ويكون الموصى في حال ضرورة لا يتمكن

ص: 120


1- الظاهر انه هنا بمعنى الجميع.
2- الصواب « أعتقهما » بالتثنية أي العبدين كما في النص الذي هو مدرك لهذا الحكم وهو خبر داود بن ابى يزيد كما في الوسائل الباب 71 من الوصايا.

فيها من مسلم يشهده على ذلك ، فإنه إذا كانت الحال ما ذكرناه ، واشهد رجلين من أهل الذمة ممن هو على ظاهر الامانة عند أهل ملته على الوصية ، قبلت شهادتهما ، وان لم يكن الحال حال ضرورة على ما قدمناه ، وأشهدهما على ذلك لم يجز قبول شهادتهما ، ولا سماعها (1) وكانت باطلة.

وإذا شهد من الورثة اثنان عدلان في الوصية ، أمضيت ولزم باقي الورثة إنفاذها ، فإن أثبتا لأنفسهما فيها حقا أو تبرءا من حق لم يجز شهادتهما.

وإذا شهد وصيان بان الميت اوصى الى ثالث منهما ، (2) فان ادعى الثالث ذلك ، وصدقهما في ذلك ، كان شريكا لهما ، وإذا أنكر ذلك لم يجز لهما ان ينفردا بها ، لأنهما قد اعترفا بان الميت لم يرض بهما الا مع ثالث.

« تم كتاب الوصية »

ص: 121


1- لعل المراد بذلك انه لم يكن اسماعهما الشهادة جائزا للموصى.
2- الصواب « معهما » كما في نسخة ( ب ) بصورة التصحيح.

كتاب الفرائض

اشارة

قال اللّه تعالى ( يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ ) الآيات (1).

وروى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله انه قال : تعلموا الفرائض فإنها من دينكم ، وهي نصف العلم (2).

وقال أول علم ينتزع من أمتي الفرائض (3).

وقال : تعلموا الفرائض وعلموها الناس ، وانى امرؤ مقبوض ، وسيقبض العلم ، ويظهر الفتن حتى يختلف الرجلان في فريضة لا يجدان من يفصل بينهما (4).

وروى عن الأئمة عليهم السلام : أمران لا يقومان الا بالسيف ، الفرائض ، والطلاق (5).

ص: 122


1- النساء - 11 و 12.
2- سنن البيهقي وابن ماجة والدارقطني ومستدرك الحاكم باسنادهم عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وآله.
3- ذيل الحديث المذكور وزاد فيه وهو أول شي ء ينسى.
4- سنن الدارمي في مقدمته والدارقطني والبيهقي في كتاب الفرائض باسنادهم عن عبد اللّه بن مسعود عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ورواه الدارقطني أيضا بإسناد آخر عن ابى سعيد الخدري عنه صلى اللّه عليه وآله وسلم وهذه الاخبار غير موجودة في أحاديث الإمامية.
5- الوسائل ج 17 كتاب الفرائض الباب 3 من موجبات الإرث.

واعلم ان الجاهلية قبل الإسلام كان يتوارث بالحلف والنصرة ، وأقاموا على ذلك في صدر الإسلام مدة يبين ذلك قوله تعالى ( وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ ) (1) ثم نسخ بعد ذلك بما تضمنته سورة الأنفال من قوله تعالى ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ ) (2).

وكانوا يتوارثون بالإسلام والهجرة ، وكان صلى اللّه عليه وآله لما قدم المدينة آخى بين المهاجرين والأنصار ، وكان المهاجر يرث من الأنصاري ، والأنصاري من المهاجر ، ولا يرث وارثه الذي كان له بمكة ، وان كان مسلما يبين ذلك قوله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْ ءٍ حَتّى يُهاجِرُوا ) الاية (3).

ونسخت هذه الآية بالقرابة ، والرحم ، والنسب ، والأسباب ، يبين ذلك قوله تعالى ، ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً ) (4) فبين ان اولى الأرحام أولى من المهاجرين ، الا ان تكون وصية.

وأحكام المواريث تبين بذكر وجوه منها : الأسباب الذي يستحق الإرث بها ، ومنها : الوجوه المانعة من الإرث ، ومنها : سهام الفرائض المسماة ، ومن يستحقها ، ومنها : مراتب الوراث ، ومنها : كيفية التوريث ، ومنها : بيان استخراج سهام الوراث بالقسمة ، ونحن نورد ذلك بابا بابا بمشيئة اللّه تعالى.

« باب الأسباب التي يستحق الإرث بها ».

الميراث يستحق بأمرين : أحدهما : نسب ، والأخر : سبب ، والنسب ضربان :

ص: 123


1- النساء - 33.
2- الأنفال - 75.
3- الأنفال - 72
4- الأحزاب - 6

أحدهما : نسب الوالدين ومن يتقرب بهما ، والأخر : نسب ولد الصلب ومن يتقرب به.

والسبب ضربان : أحدهما : الزوجية ، والأخر : الولاء ، والميراث بالزوجية مع وجود من يستحق ميراث الميت ، ومع فقده ولا ميت قط (1) في حال الا ان يمنع من ذلك فيه ما يمنع من الإرث بما سنذكره بعد هذا الفصل.

فاما الولاء فثلاثة اضرب : ولاء العتق ، وولاء تضمن الجريرة ، وولاء الإمامة.

« باب ما يمنع من الإرث ».

المانع من الإرث ثلاثة أشياء : الكفر ، ارتدادا كان أو أصليا ، والقتل ، عمدا بغير حق ولا طاعة ، (2) والرق على بعض الوجوه.

« باب سهام الفرائض المسماة والمستحق لها »

سهام الفرائض المسماة ستة :

وهي النصف ، والربع ، والثمن ، والثلثان ، والثلث ، والسدس.

فاما النصف فهو سهم أربعة : البنت ، والأخت من قبل الأب والام ، والأخت من قبل الأب مع عدم الأخت من قبل الأب والام ، والزوج مع عدم الولد وولد الولد وان سفلوا.

واما الربع : فهو سهم اثنين ، وهما الزوج مع وجود الولد ، أو ولد الولد وان سفلوا ، والزوجة مع عدم الولد أو ولد الولد وان سفلوا.

واما الثمن : فسهم الزوجة مع وجود الولد أو ولد الولد ، ذكرا كان أو أنثى وان سفلوا

ص: 124


1- في نسخة ( ب ) بصورة التصحيح « ولا يسقط في حال ».
2- الظاهر ان المراد به طاعة الحاكم أو الإمام العادل في قصاص أو نحوه كما مثل الشيخ في النهاية له بذلك لعدم جواز الطاعة في القتل بغير حق وان كان اكراها من المولى أو السلطان فالمراد بمفهوم الشق الأخر وهو القتل بحق ما إذا كان قصاصا أو نحوه بدون أمر الحاكم.

واما الثلثان : فسهم ثلاثة وهم البنتان وما زاد عليهما من البنات ، والأختان وما زاد عليهما من الأخوات من قبل الأب والام. والأختان وما زاد عليهما من جهة الأب مع فقد الأخوات من قبل الأب والام.

واما الثلث : فسهم اثنين ، وهما الام مع فقد الولد وولد الولد وان نزلوا ، ومن يحجبها (1) من أخوين ، أو أخ وأختين ، أو أربع أخوات من جهة الأب والام أو من جهة الأب فقط ، وسهم الاثنين وما زاد عليها من كلالة الأم.

واما السدس : فهو سهم أربعة : الأب والام مع وجود الولد وولد الولد وان نزلوا ، والام مع فقد الولد ولد الولد وان سفلوا ، مع وجود من يحجبها من الاخوة والأخوات المقدم ذكرهم ، والواحد من كلالة الأم ذكرا كان أو أنثى.

« باب مراتب المواريث »

هي مرتبة الوالدين ، والولد ، والاخوة ، والأخوات ، وأولادهم ، والأجداد ، والجدات ، والأزواج (2) والعمومة ، والعمات ، والأخوال ، والخالات والمولى ، وامام المسلمين.

« باب كيفيات المواريث »

نبين ذلك بما نذكره في أبواب مستحقي الميراث ، وهي المراتب التي سلف ذكرها ، وربما ينبغي ان نلحق بذلك شيئا ، فأولها مرتبة الوالدين ونحن نبدأ بها.

« باب ميراث الوالدين »

ليس يرث مع الوالدين ولا مع واحد منهما أحد غير الولد ، أو ولد الولد وان نزلوا ، إذا لم يكن ولد الصلب ، والزوج ، والزوجة ، ولا يرث معهما ولا مع

ص: 125


1- اى ومع فقد من يحجبها.
2- لعل ذكر الأزواج هنا استطراد فإنهم يرثون مع كل المراتب.

أحدهما غير من ذكرناه.

فاذا خلف الميت أبويه ولم يخلف غيرهما من ذوي نسب أو سبب ، كان ما خلفه لهما ، للأب الثلثان ، وللام الثلث ، فان خلف واحد منهما ولم يخلف غيره ، كان جميع ما خلفه له ، فان خلف أبويه وأولادا ذكورا وإناثا ، كان للأبوين السدسان ، وما بقي فللأولاد ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، فإن خلف معهما بنتا واحدة ، كان للأبوين السدسان ، وللبنت النصف ، والباقي سهم يرد على الأبوين والبنت على قدر سهامهم.

فان ترك أبويه وبنتين ، كان للأبوين السدسان ، وللبنتين الباقي ، وهو الثلثان بينهما بالسوية.

فإن ترك أبويه وبنات جماعة ، كان الحكم فيهن كالحكم في الأبوين والبنتين سواء.

فان خلف أبويه وولدا ذكرا ، كان للأبوين السدسان ، والباقي للولد الذكر.

فان ترك أبويه وأولادا ذكورا ، كان للأبوين السدسان ، والباقي للأولاد الذكور بينهم بالسوية.

فإن ترك أحد أبويه وولدا ذكرا ، كان لأحد الأبوين السدس ، والباقي للولد الذكر.

فان ترك أحد أبويه وأولادا ذكورا ، كان لأحد الأبوين السدس ، والباقي للأولاد الذكور بينهم بالسوية.

فإن ترك أحد أبويه وبنتا ، كان لأحد الأبوين السدس ، وللبنت النصف ، والباقي يرد على أحد الأبوين والبنت ، على قدر سهامهما.

فان خلف أحد أبويه وبنتين ، كان لأحد الأبوين السدس ، وللبنتين الثلثان ، والباقي يرد عليهم على قدر سهامهم. (1)

ص: 126


1- الحكم في الفروع السابقة كلها واضح عند الإمامية بالنصوص والإجماع واما في هذا الفرع وما بعده فالمشهور بينهم أيضا كذلك لكن ورد في خبر ان للأب السدس والباقي للبنتين وحكى القول به عن ابن الجنيد ويؤيده ما دل على ان الزيادة ترد على من تدخل عليه النقيصة.

فان خلف أحد أبويه وبنات جماعة كان الحكم في أحد الأبوين والبنتين سواء.

فان ترك أحد أبويه (1) وزوجة ، كان للزوجة الربع ، وللام الثلث ، والباقي للأب.

فإن ترك أباه وزوجة ، كان الربع للزوجة ، والباقي للأب.

فإن ترك اما وزوجة ، كان للزوجة الربع ، وللام الثلث ، والباقي يرد على الام ولا يرد على الزوجة شي ء.

فان خلف أبويه وزوجة وأولادا ذكورا وإناثا ، كان للزوجة الثمن ، وللأبوين السدسان ، والباقي للأولاد بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.

فإن خلف أبويه وزوجة وبنتا ، كان للأبوين السدسان ، وللزوجة الثمن ، وللبنت النصف ، والباقي يرد على الأبوين والبنت على قدر سهامهم ، ولا يرد على الزوجة شي ء.

فان خلف أبويه وزوجة وبنتين ، أو أكثر منهما من البنات ، كان للأبوين السدسان ، وللزوجة الثمن ، والباقي للبنتين أو البنات بينهن بالسوية.

فإن هلكت امرأة ، وخلفت أبويها وزوجها ، ولم يخلف غيرهم ، كان للزوج النصف ، وللام الثلث ، والباقي للأب.

فإن تركت أحد أبويها وزوجها ، كان للزوج النصف ، وما يبقى فلأحد الأبوين ، فإن كانت اما أعطيت الثلث بالتسمية ، والباقي يرد عليها. (2)

ص: 127


1- الصواب « فان ترك أبويه » كما في نسخة ( ب )
2- زاد في هامش نسخة ( ب ) هنا « فان خلفت أبويها وزوجها وأولادا ذكورا وإناثا كان للأبوين السدسان وللزوج الربع والباقي للأولاد بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين ».

فإن خلفت أبويها وزوجها وبنتا ، أو بنتين ، أو أكثر من ذلك من البنات ، كان للأبوين السدسان ، وللزوج الربع ، والباقي للبنت أو البنات بينهن بالسوية.

فإن خلفت أحد أبويها ، أبا كان أو اما ، وزوجها وبنتا ، كان لأحد الأبوين السدس ، وللزوج الربع ، وللبنت النصف ، والباقي يرد على أحد الأبوين والبنت ولا يرد على الزوج شي ء.

فان خلفت أحد أبويها ، وزوجها وبنتين ، أو أكثر منهما من البنات ، كان لأحد الأبوين السدس ، وللزوج الربع ، والباقي للبنتين ، أو البنات بينهن بالسوية.

فان مات إنسان ، رجلا كان أو امرأة ، وخلف أبويه ولم يترك معهما زوجا ولا زوجة ، (1) وترك معهما أخوين ، أو أخا وأختين ، أو أربع أخوات من الأب والام ، أو من جهة الأب ، حجبوا الام عن الثلث الى السدس ، فيكون للام السدس والباقي للأب ، فإن كان الاخوة والأخوات (2) من جهة الأب أو من جهة الأب والام كفارا ، لم يحجبوها عن الثلث أيضا ، وكذلك الحمل لا يحجبها عن الثلث أيضا ، وانما يحجب ما ولد واستهل.

ص: 128


1- كذا في النسختين وظاهره ان الحجب مشروط بفقد أحد الزوجين وهذا لم يقل به أحد من الأصحاب إذ لم يذكروه في شروط الحجب بل صرحوا بعدمه كما في المبسوط وجواهر المصنف في مسائل اجتماع الفروض وفي الشرائع والقواعد وغيرهما في مسئلة إرث الأبوين مع أحدهما ولم ينقل خلافه عن أحد وهو مقتضى إطلاق الكتاب والنصوص بل في بعض الاخبار تصريح به نعم في نهاية الشيخ ذكر في شروط الحجب انه لم يخلف غير الأبوين من زوج أو ولد لكنه تمهيد لما يذكر بعده في كيفية التقسيم من ان للأب خمسة أسهم وللام سهم فالظاهر ان المراد بما في المتن أيضا ذلك أو يكون من سبق القلم وصوابه « ولم يترك معهما ابنا ولا ابنة ».
2- زاد في هامش نسخة ( ب ) هنا « من جهة الأم لم يجب الام عن الثلث وكان لها الثلث والباقي للأب وان كان الاخوة والأخوات » قلت فكلمة « أيضا » الأولى إشارة الى هذه الزيادة.

فإن خلف أبويه ، وأولادا ، واخوة ، وأخوات كان للأبوين السدسان ، والباقي للأولاد ، ولا تحجب الاخوة والأخوات هاهنا الام عن شي ء ، لأنهم إنما يحجبونها في الموضع الذي يكون لها فيه الثلث ، أو ما زاد على السدس بالرد ، (1) وليس هاهنا ثلث ، ولا تأثير للحجب هاهنا لأنهما لا يجوز ان ينقص عن السدس شيئا.

وان خلف أبويه وبنتين ، أو أكثر منهما من البنات واخوة وأخوات ، كان الحكم فيهم مثل ما تقدم ، للأبوين السدسان ، أو البنات (2) ، ولا تأثير للحجب هنا أيضا.

فإن خلف أبويه وبنتا واخوة وأخوات ، كان للأبوين السدسان ، وللبنت النصف والباقي يرد على الأب والبنت (3) دون الأم ، لأن الاخوة والأخوات حجبوها عن الرد.

فان ترك أبويه (4) وزوجا وبنتا أو بنات ، كان للأبوين السدسان ، وللزوج الربع ، والباقي للبنت.

فان ترك الميت امه واخوة وأخوات ، لم يحجبوا الام عن الثلث ، وانما يحجبونها إذا كان الأب موجودا ، حتى يتوفر عليه ما يمنع منها (5) ، وليس هاهنا أب ولا تأثير للحجب.

وولد الولد يقوم مقام الولد للصلب ، فولد الابن ذكرا كان أو أنثى ، يأخذ

ص: 129


1- كما يأتي في الفرع الثاني من هذا.
2- الصواب كما في نسخة ( ب ) « والباقي للبنتين أو البنات ».
3- ظاهره كصريح جماعة انه يرد عليهما أرباعا فيكون سهم منها للأب والباقي للبنت لكن عن سالم بن بدر ان المعروف بمعين الدين المصري وهو من فقهاء الإمامية في أوائل القرن السابع انه يرد عليهما أخماسا فخمسان منها للأب والباقي للبنت لأن الاخوة انما حجبوا الام للتوفير على الأب فلا وجه لرد الزائد على البنت وهذا أوجه.
4- الصواب « تركت أبويها » وقد تقدم هذا الفرع.
5- في هامش نسخة ( ب ) عن نسخة « ما تمنع هي منه ».

مع الأبوين نصيب أبيه ، وولد البنت ذكرا كان أو أنثى ، يأخذ مع الأبوين نصيب امه ، وحكم ولد الولد مع الأبوين والزوج والزوجة إذا اجتمعوا أيضا ، كحكم الولد على السواء.

« طعمة الجد والجدة »

فإن ترك الميت أبويه ، وجدا أو جدة من قبل الأب ، كان ما تركه للأبوين ، للأب الثلثان ، وللام الثلث ، ويؤخذ (1) من نصيب الأب سدس ، فيدفع الجد أو الجدة على جهة الطعمة لا على انه ميراث.

فان حضر عوض الجد أو الجدة من قبل الأب ، جد أو جدة من قبل الأم ، أخذ من نصيب الام سدس ، فيدفع الى الجد أو الجدة على جهة الطعمة أيضا لا على انه ميراث.

فان حضرا في حال لا يستحق كل واحد من الأبوين فيها أكثر من السدس ،

ص: 130


1- ظاهره وجوب هذه الطعمة على الأبوين للجد ومثله عبارة الصدوق في الفقيه والشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف ناسبا في الأخير إلى قول الأصحاب وهو الظاهر من النصوص الكثيرة في هذا الباب ففي بعضها ان اللّه تعالى لم يفرض للجد شيئا فأطعمه النبي صلى اللّه عليه وآله فأجازه اللّه ومعناه جعل له ذلك تشريعا لا انه أعطاه في واقعة خارجية وفي آخر أمر الإمام عليه السلام بإعطائه وفي ثالث ان له ذلك. نعم ورد أيضا في بعض الاخبار انه لا شي ء له لكن الاولى حمله على جهة الميراث ردا على العامة مع انه لو كان المراد بالنصوص الاولى الندب لم يختص ذلك بالسدس للجد لقوله تعالى ( وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ ) وحمله على التأكيد بعيد جدا. وعلى كل فالمعروف بين المتأخرين هو الندب بل ادعى بعضهم الإجماع عليه لكنه ممنوع لما تقدم بل يحتمل ان يكون مراد من أوجب الإرث للجد مع الأبوين أيضا ذلك كما هو الظاهر من الصدوق عليه الرحمة في الفقيه.

لم يكن لهما طعمه ، لأن الطعمة انما يثبت إذا زاد ما يستحقه كل واحد من الأبوين على السدس ، ولا طعمة للجد والجدة من قبل الأب إذا كان أبو الميت ميتا ، ويكون جميع التركة للأم ، وكذلك لا يكون لهما طعمة إذا كانا من جهة الأم ، وكانت الأم ميتة ، ويكون جميع المال للأب.

فإن خلفت المرأة أبويها ، وزوجها ، وجدها ، أو جدتها من قبل أبيها ، وجدها أو جدتها من قبل أمها ، كان للزوج النصف ، وللام الثلث ، وللأب السدس ، وأخذ من ثلث الام سدس أصل المال ، فيدفع الى الجد أو الجدة من جهتها ، ويسقط الجد والجدة من قبل الأب.

فإن خلف الميت أبويه ، واخوة ، وأخوات من جهة الأب ، وجدا أو جدة من جهته ، وجدا أو جدة من جهة الأم ، كان للام السدس ، والباقي للأب ، ويؤخذ من نصيب الأب سدس أصل المال ، فيدفع الى الجد أو الجدة من جهة الأب ، ويقسط الجد والجدة من جهة الأم.

وان اجتمع جد وجدة من جهة الأب ، أو من جهة الأم في حال ، يستحق فيها الطعمة ، قسم السدس بينهما نصفين.

« باب ميراث الولد وولد الولد »

ليس يرث مع الولد أحد إلا الوالدين والزوج والزوجة ، ولا يرث معهم من عداهم ، لا من ولد الولد ولا غيرهم من جميع القرابات وذوي الأرحام.

فان مات إنسان وخلف ولدا ذكرا ولم يخلف غيره ، كان ما خلفه ، له ، فان خلف ابنين ولم يخلف غيرهما ، كان ما خلفه بينهما نصفين ، فان ترك أولادا ذكورا وإناثا ، ولم يترك غيرهم ، كان المال كله لهم ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، فإن ترك بنتا ولم يترك غيرها ، كان لها النصف بالتسمية ، والباقي يرد عليها بالرحم ، فان ترك بنتين أو أكثر منهما ، كان للبنتين أو البنات الثلثان بالتسمية ، والباقي يرد على البنتين أو البنات.

ص: 131

فان خلف الميت مع الولد زوجا أو زوجة ، كان للزوج الربع ، أو للزوجة الثمن ، والباقي للولد.

فان ترك ولدين ذكرين ، أحدهما أكبر من الأخر ، دفع الى الأكبر منهما ثياب بدنه ، وخاتمه الذي كان يلبسه ، ومصحفه وسيفه ، وعلى هذا الأكبر ان يقضى ما فاته من صلاة أو صوم ، وكذلك الحكم ان كان الأولاد جماعة ، فان كان الأكبر أنثى ، لم تعط سيفا (1) ودفع ذلك الى الأكبر من الذكور ، فان كانوا سواء في السن ، لم يخص منهم أحد بذلك (2) وقسم على جميعهم ما يخلفه الميت ، فان لم يخلف شيئا غير ذلك لم يخص أحد منهم به ، وكان ميراثا بين جميعهم ، وولد الولد يقوم مقام الولد (3) إذا لم يكن ولد الصلب ، وكل واحد منهم يقوم مقام من يتقرب به فان خلف الميت ابن بنت ، وبنت ابن ، كان لابن البنت الثلث ، ولبنت الابن الثلثان

وان خلف أولاد ابن ، وأولاد بنت ، ذكورا وإناثا ، كان لأولاد الابن الثلثان ،

ص: 132


1- الصواب « شيئا » كما في نسخة ( ب ) ونهاية الشيخ اى لم تخص بشي ء من المذكورات.
2- قيل ان المراد بذلك انه مع وجود المتساوين يسقط حكم الحبوة فتقسم المذكورات بين جميع الورثة كما حكاه في مفتاح الكرامة عن هذا الكتاب والنهاية لكنه غير ظاهر إذ لم يفرض فيهما وجود سائر الورثة فالظاهر ان المرد انه مع انحصارهم لم يخص بها أحدهم ويحتمل أيضا ان يكون المراد انه مع وجود سائر الورثة تقسم المذكورات بين جميع المتساوين فقط كما حكى القول بذلك عن جماعة من الأصحاب بل عن المشهور.
3- قد يتراءى منه انه يقوم مقام أبيه في الحبوة كما إذا كان ولد الولد الأكبر مع ولد غيره لكن الظاهر ان هذا غير مراد بل المراد أصل الإرث وكيفية التقسيم كما يظهر من تفريعاته سيما وان الأول غير معروف بين الأصحاب وقد صرح جمع منهم العلامة في الإرشاد باختصاص الحبوة بولد الصلب وهو المتبادر من النصوص.

بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين ، ولأولاد البنت الثلث ، الذكر والأنثى فيه سواء (1).

فان خلف بنت ابن ولم يترك غيرها ، كان المال كله لها ، وان ترك أكثر منها كان جميع المال لهن.

فان ترك بنت بنت ، ولم يترك غيرها ، كان لها النصف تسمية أمها ، والباقي يرد عليها وكذلك ان ترك بنتي بنت (2).

فان ترك بنتي بنتين ، كان لهما الثلثان نصيب أمهما ، والباقي يرد عليهما.

وميراث ولد الولد قلوا أم كثروا يجرى على هذه الوجه ، يأخذ كل واحد منهم نصيب من يتقرب به ، وكل من يأخذ الميراث مع ولد الصلب فإنه يأخذ مع ولد الولد ، ولا يرث مع ولد الولد ، ولد ولد الولد ، كما يرث مع الولد للصلب ولد الولد.

* * *

« باب ميراث الاخوة والأخوات ».

لا يرث أحد من أولاد الاخوة والأخوات معهم ، ولا غيرهم الا الجد والجدة على ما نبينه فيما بعد ، والزوج والزوجة.

فإذا مات إنسان ، وترك أخا لأبيه وامه ، أو لأبيه ، ولم يخلف غيره ، كان المال كله له.

فان خلف أخوين لأب وأم ، أو لأب ، ولم يخلف غيرهما ، كان المال بينهما

ص: 133


1- نقله الشيخ أيضا في النهاية عن بعض أصحابنا ثم قال وعندي ان المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين. قلت هذا البعض غير معروف في كتب الأصحاب ويحتمل كونه المصنف وان كان بعيدا لتأخره عن الشيخ مرتبة وعلى كل ففي الشرائع ان هذا القول متروك وفي مفتاح الكرامة وغيره ان الإجماع حصل على خلافه.
2- اى كان لهما النصف أيضا بالتسمية لامهما والباقي يرد عليهما.

نصفين ، فان ترك ثلاثة اخوة ، أو أكثر لأب وأم ، أو لأب ، ولم يترك غيرهم ، كان المال بينهم بالسوية.

فإن ترك اخوة وأخوات لأب وأم ، أو لأب ، ولم يخلف غيرهم ، كان المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.

فإن ترك أخوين أحدهما لأب وأم ، والأخر لأب ، كان المال للأخ من جهة الأب والام ولا شي ء للأخ من جهة الأب.

فإن ترك أخا لأب وأم ، واخوة وأخوات من أب ، كان المال للأخ من جهة الأب والام ، ولا شي ء للاخوة والأخوات من جهة الأب.

فإن ترك أختا لأب وأم ، وأختا لأب ، أو أختين له ، أو أكثر منهما ، أو أختا لأب (1) واخوة له ، كان المال للأخت من قبل الأب والام ، دون الاخوة والأخوات من قبل الأب ، النصف لها بالتسمية ، والباقي بالرد.

وكذلك ان كانت أختين (2) مع الاخوة والأخوات من جهة الأب.

فإن ترك أخا لامه ، ولم يترك غيره ، وكان المال كله له ، السدس بالتسمية ، والباقي بالرد.

فان ترك أخوين لأمه ، أو أكثر منهما ، ولم يترك غيرهما ، كان المال لهما ، الثلث بالتسمية ، والباقي بالرد.

فان خلف اخوة وأخوات من جهة الأم ، كان المال لهم ، الثلث بالتسمية ، والباقي بالرد ، الذكر منهم والأنثى فيه سواء.

فان ترك أخا من جهة الأخ والام ، وأخا من جهة الأم ، كان للأخ من جهة الأم السدس ، والباقي للأخ من الأب والام.

فإن ترك اخوة من قبل الأب والام. واخوة من قبل الام ، كان للاخوة من قبل الام الثلث ، والباقي للإخوة من قبل الأب والام.

ص: 134


1- الصواب « أو أخا لأب أو اخوة له ».
2- أي لأب وأم لكن هنا كان لهما الثلثان بالتسمية والباقي بالرد.

فان ترك اخوة وأخوات من قبل الأب والام ، (1) كان للاخوة والأخوات من قبل الام الثلث بينهم بالسوية ، والباقي للاخوة والأخوات من قبل الأب والام ، النصف بالتسمية ، والباقي بالرد (2) للذكر مثل حظ الأنثيين.

فإن ترك أختا لأم وأختا لأب وأم كان للأخت من قبل الام السدس ، والباقي للأخت من قبل الأب والام ، النصف بالتسمية ، والباقي بالرد.

وان ترك أختين أو أكثر منهما من الأخوات من قبل الام ، وأختين أو أكثر منهما من الأخوات من قبل الأب والام ، كان للأختين أو الأخوات من قبل الام الثلث ، والباقي للأختين من قبل الأب والام ، فإن اجتمع معهم الزوج والزوجة ، كان له النصف ان كان زوجا ، أو الربع ان كانت زوجة ، والثلث للاخوة أو الأختين أو الأخوات من قبل الام ، والباقي للأختين أو الأخوات من قبل الأب والام.

فإن ترك أخا أو أختا من قبل الام ، وأختا لأب (3) ، كان للأخ أو للأخت من قبل الام السدس ، والباقي للأخ من قبل الأب.

فإن ترك اخوة وأخوات من قبل الام ، واخوة وأخوات من قبل الأب ، كان للاخوة والأخوات من قبل الام الثلث بينهم بالسوية ، والباقي للاخوة والأخوات من قبل الأب ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، فان كان قد اجتمع في هذه الفريضة زوج أو زوجة ، كان له النصف ان كان زوجا ، أو الربع ان كانت زوجة ، والثلث

ص: 135


1- فيه سقط والصواب « واخوة وأخوات من قبل الام »
2- كذا في النسختين ومن المعلوم ان جملة « النصف بالتسمية والباقي بالرد » زيادة وقعت سهوا في النسخة وذلك من جهة ان هذه الجملة واقعة في السطر التالي فحين النسخ وقع النظر إليها فكتبت في السطر المقدم وهذا النحو من الخطاء كثير الوقوع.
3- الصواب « وأخا لأب » لقوله والباقي للأخ من قبل الأب ولأنه يأتي حكم اجتماع الأخ أو الأخت للأم مع الأخت للأب وحده.

للاخوة والأخوات من قبل الام ، والباقي للاخوة والأخوات من قبل الأب.

فإن خلف أخا أو أختا أو اخوة أو أخوات من قبل الام ، وأختا من قبل الأب كان للأخ أو للأخت أو الأخوة أو الأخوات من قبل الام سهمهم ، السدس أو الثلث وللأخت من قبل الأب الباقي ، النصف بالتسمية ، والباقي بالرد (1).

فان ترك أختين أو اخوة وأخوات من قبل الام ، وأختين وأخوات من قبل الأب ، كان للاخوة والأخوات من قبل الام الثلث بالسوية بينهم ، والباقي للأختين أو الأخوات من قبل الأب ، وان كان في هذه الفريضة زوج أو زوجة ، كان له سهمه النصف ان كان زوجا ، أو الربع ان كانت زوجة ، والثلث للاخوة والأخوات من قبل الام ، والباقي للأختين والأخوات من قبل الأب.

فإن خلف ثلاثة اخوة متفرقين ، كان للأخ من الام السدس ، والباقي للأخ من قبل الأب والام ، وسقط الأخ للأب.

فإن ترك اخوة وأخوات من قبل الأب والام (2) ، واخوة وأخوات من قبل الأب ، كان للاخوة والأخوات من قبل الام الثلث بينهم بالسوية ، والباقي للاخوة والأخوات من قبل الأب والام ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، وسقط الاخوة والأخوات من قبل الأب.

ص: 136


1- ذكر هنا بعض الأصحاب ان الأخت للأب والأخ أو الأخت للأم متساويان في القرب الى الميت بسبب واحد ولكل منها فرض خاص فاللازم ان يرد الباقي إليهما بالنسبة كما في بنت واحدة مع الأب أو الأم لكن ما ذكره المصنف أقوى والقائل به أكثر لما يستفاد من النصوص الواردة في ميراث الاخوة والأخوات من ان الزيادة انما تكون لمن يدخل عليه النقص بدخول زوج أو زوجه وهو هنا الأخت مضافا الى نص خاص ورد في ابن أخت لأب وابن أخت لأم إذ يعلم منه ان الأختين كذلك لان ابناهما بمنزلتهما.
2- هنا سقط وهو كما في هامش نسخة ( ب ) بعلامة التصحيح « واخوة وأخوات من قبل الام ».

فان ترك ثلاث أخوات متفرقات ، كان للأخت من الام السدس ، والباقي للأخت من قبل الأب والام ، وسقط الأخت للأب ، فإن حصل في هذه الفريضة زوج أو زوجة ، كان له النصف ان كان زوجا ، أو الربع ان كانت زوجة ، والسدس للأخت من قبل الام والباقي للأخت من قبل الأب والام ، ولا شي ء للأخت من قبل الأب.

« باب ميراث أولاد الاخوة والأخوات ».

أولاد الاخوة والأخوات لا يرث أحد معهم من أولادهم ، ولا أولاد أولادهم ، ولا غيرهم ، الا الجد والجدة على ما يأتي بيانه ، والزوج والزوجة وأولاد الاخوة يقومون مقام آبائهم ، ذكورا كانوا أو إناثا ، واحدا كان أو أكثر ، إذا لم يكن هناك اخوة ولا أخوات.

فإن خلف الميت أولاد أخ لأب ولم يترك غيرهم ، كان المال لهم للذكر مثل حظ الأنثيين.

فإن خلف أولاد أخ لأب وأم ، وأولاد أخ لأب ، كان المال لأولاد الأخ من جهة الأب والام ، دون الأولاد للأخ من جهة الأب.

فإن خلف أولاد أخت لأب وأم ، وأولاد أخت لأب ، (1) ولم يترك غيرهم ، كان المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.

فإن خلف أولاد أخ أو أخت لأم ، ولم يترك غيرهم ، كان المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثى بالسوية.

ص: 137


1- فيه سقط فان المال في هذا الفرض لأولاد الأخت للأب والام إذ من المعلوم ان نفس الأختين كذلك كما تقدم وان أولادهما يقومون مقامهما بالنص والإجماع فصواب العبارة هكذا : « كان المال لأولاد الأخت للأب والام دون أولاد الأخت للأب فإن خلف أولاد أخت لأب ولم يترك غيرهم كان المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين » كما في النهاية وفي هامش نسخة ( ب ) نحو ذلك ثم ان المراد بكون المال لأولاد الأخت هنا ان لهم النصف بالتسمية والباقي بالرد كنفس الأخت.

فإن خلف معهم أولاد أخ لأب ، أو لأب وأم ، وأولاد أخت لأب ، أو أولاد أخت لأب وأم ، كان لأولاد الأخ أو الأخت من جهة الأم السدس ، الذكر والأنثى فيه سواء ، والباقي لأولاد الأخ للأب (1) أو للأب والام ، للذكر مثل حظ الأنثيين فإن حصل في هذه الفريضة زوج أو زوجة ، كان له النصف ان كان زوجا ، أو الربع ان كانت زوجة ، ولأولاد الأخ أو الأخت من قبل الام السدس ، والباقي لأولاد الأخ أو الأخت من جهة الأب ، أو من جهة الأب والام.

فإن ترك أولاد أخ ، أو أولاد أخت من أم ، وأولاد أخ أو أخت من أب ، وأولاد أخ أو أولاد أخت من قبل أب وأم ، كان لأولاد الأخ أو الأخت من جهة الأم السدس بينهم بالسوية ، والباقي لأولاد الأخ أو الأخت من جهة الأب والام (2).

فإن خلف أولاد أخ لأب وأم ، وأولاد أخت لهما أيضا ، ولم يترك غيرهم ، كان لأولاد الأخ من الأب والام الثلثان ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، ولأولاد الأخت من الأب والام الباقي للذكر مثل حظ الأنثيين ، وكذلك ان كانوا أولاد أخ لأب ، وأولاد أخت من أب ، ولم يكن معهم غيرهم ، كان الحكم في الميراث مثل ذلك سواء.

فان خلف أولاد أخ لأب وأم ، وأولاد أخت لهما ، وأولاد أخ لأم ، وأولاد أخت لها ، كان لأولاد الأخ وأولاد الأخت من الام ، الثلث لأولاد الأخ من ذلك السدس بينهم بالسوية ، والسدس الباقي لأولاد الأخت ، الذكر فيه أيضا والأنثى سواء (3)

ص: 138


1- مراده بالأخ هنا أعم منه ومن الأخت أو سقط الأخت من القلم فإنه مفروض في صدر العبارة وذيلها.
2- زاد في هامش نسخة ( ب ) « وسقط أولاد الأخ أو الأخت من جهة الأب ».
3- تكرر هنا ان أولاد الأخ أو الأخت للأم يقتسمون المال بينهم بالسوية سواء كان الأخ أو الأخت واحدا أو متعددا وسواء كانوا مع أولاد الأخ أو الأخت للأبوين أو للأب أم منفردين وهذا هو المعروف المشهور في كتب الأصحاب قديما وحديثا ولم ينقل فيه خلاف لكن لم نجد عليه دليلا سوى ما يظهر من بعضهم كما في جواهر الكلام من انهم يقومون مقام آبائهم ومن المعلوم ان الأخ والأخت للأم يقتسمون بالسوية وفيه ان مقتضى ما دل على قيامهم مقامهم كقوله (عليه السلام) كل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجربه وغيره مما ورد بالعموم أو في الموارد الخاصة ان أولاد الأخت مثلا يرثون ما كان لها قلوا أو كثروا وكذا أولاد الأخ واما كون أولاد أخت بمنزلة الأخت وأخيها في كيفية التقسيم فهو أجنبي عنه بل المتبادر من هذا التنزيل عند العرف انهم يأخذون مال من تقربوا به بحيث كأنهم يرثونه ومقتضى ذلك ان يكون المال بينهم هنا بالتفاضل كما إذا ورثوه حقيقة مضافا الى ان المستفاد من تفضيل الذكر على الأنثى في الكتاب والسنة وملاحظة النصوص المشتملة على بيان حكمته ان الأصل هو التفاضل بينهما مطلقا وان الاخوة والأخوات للأم خارج عن هذا الأصل فحينئذ إن تم الإجماع الحجة في المقام فهو والا فالأقوى هو التفاضل كما يأتي في الأخوال والخالات.

ويبقى الثلثان ، يكون لأولاد الأخ من قبل الأب والام الثلثان (1) ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، والثلث الباقي وهو ثلث الثلثين لأولاد الأخت من جهة الأب والام ، للذكر أيضا مثل حظ الأنثيين وسهم الزوج والزوجة ثابت مع من ذكرناه على كل حال.

« باب ميراث الأزواج والزوجات ».

قد مضى القول في سهام الفرائض بأن للزوج ، النصف مع عدم الولد أو ولد الولد ، والربع مع وجود الولد أو ولد الولد ، وللزوجة الربع مع عدم الولد وولد الولد ، والثمن مع وجود الولد وولد الولد ، لا ينقص الزوج شيئا من النصف أو الربع ولا يزاد على ذلك ، وكذلك الزوجة لا تنقص من الربع ، أو الثمن ، ولا تزاد على ذلك ، فان كانت الزوجة أكثر من واحدة ، بأن تكون زوجتين ، أو ثلاثا ، أو أربعا ، فإن الثمن ينقسم عليهن ، فان كان للرجل أربع نسوة ، فطلق منهن واحدة وتزوج اخرى ، ثم مات ولم تتميز المطلقة من غيرها من الزوجات ، جعل ربع الثمن

ص: 139


1- يعنى من الثلثين.

للتي تزوجها أخيرا ، وثلاثة أرباع الثمن بين أربع نسوة اللاتي طلق واحدة منهن ولم تتميز.

فان طلق رجل زوجته طلقة رجعية ، ومات ، ورثته ما دامت في العدة ، ويرثها هو أيضا إذا ماتت وهي في العدة ، فإن كانت الطلقة بائنة ، لم يكن بينهما توارث ، وإذا لم يدخل الرجل بزوجته وطلقها ، انقطعت العصمة بينهما ، ولم يكن بينهما أيضا توارث ، وكذلك الحكم فيمن لم يبلغ المحيض ، ومثلها لا تحيض ، والآئسة من المحيض ، وليس في سنها من تحيض.

فان مات رجل قبل دخوله بزوجته ، ورثته كما ترثه المدخول بها ، وعليها العدة على كمالها.

وان زوج الصبيين أبواهما ، ومات واحد منهما قبل البلوغ ، ورثه الأخر ، فإن عقد عليهما غير أبويهما ، لم يكن بينهما توارث الا ان يبلغا ، ويرضيا بالعقد ، فان ماتت الصبية قبل البلوغ ، وكان الصبي قد بلغ ورضي بالعقد ، لم يرثها ، لان لها الخيار إذا بلغت ، وقد ماتت دون البلوغ ، وان مات الصبي وكانت الصبية قد بلغت ورضيت بالعقد ، ولم يكن الصبي بلغ ، فإنها لا ترثه. لان له الخيار إذا بلغ وقد مات دون البلوغ ، وإذا بلغ الصبي ورضي بالعقد ، (1) ولم يدفع الى الصبية منه الى ان تبلغ ، فاذا بلغت ورضيت بالعقد ، وحلفت باللّه تعالى انه لم يدعها الى الرضا بالعقد ، الرغبة في ميراثه ، دفع ذلك إليها ، وكذلك الحكم في الصبي سواء.

والمرأة إذا لم يكن لها ولد من زوجها ، ومات عنها ، لم يورث من الأرضين ،

ص: 140


1- في العبارة سقط وصوابها « وإذا بلغ الصبي ورضي بالعقد ولم تبلغ الصبية ومات الصبي عزل ميراث الصبية منه ولم يدفع إليها الى ان تبلغ » أو نحو هذه العبارة كما في النهاية والمبسوط وهامش نسخة ( ب ) وهو المستفاد من صحيح الحذاء الذي هو المستند لهذا الحكم.

والرباع (1) والدور والمنازل والقرى شيئا بل يقوم الأخشاب والطوب (2) ، وجميع آلات ذلك ، ويدفع إليها بحقها منه ، ولا يدفع إليها من نفس ذلك شي ء ، وذهب بعض أصحابنا (3) الى ان ذلك يختص بالمنازل والدور ، دون الأراضي وغيرها ، والظاهر الأول ، فإن كان لها منه ولد دفع إليها حقها من نفس ذلك ، ولم يمنع من شي ء منه.

فان ماتت امرأة وتركت زوجها ، ولم تخلف غيره ، فكان له النصف بالتسمية ، والباقي يرد عليه.

فان مات رجل وخلف زوجته ولم يخلف غيرها ، كان لها الربع بالتسمية ، والباقي للإمام. وقد روى ان الباقي يرد عليها مثل الزوج (4) ، والظاهر ما ذكرناه ، وذكر بعض أصحابنا (5) الجمع بين الخبرين انه مخصوص بحال الغيبة ، فاما إذا كان الامام ظاهرا ، فليس للمرأة أكثر من الربع والباقي له ، ذكر أبو جعفر الطوسي : (6)

ص: 141


1- في هامش الأصل : الرباع جمع ربع وهي الدار أيضا قلت قال الزمخشري في الأساس ربع بالمكان : اقام به وفي نهاية ابن الأثير : الربع المنزل ودار الإقامة وذكر شيخنا المفيد في المقنعة والمسائل الصاغانية ان الرباع عند أهل اللغة هي الدور والمساكن فعليه يكون عطف الدور والمنازل عليها في المتن للبيان ولذا وقع في نهاية الشيخ والمبسوط بلفظة « من » مكان العطف
2- الطوب - الأجر
3- المفيد رحمه اللّه تعالى في المقنعة والصاغانية وتبعه المحقق رحمه اللّه في النافع وابن إدريس في السرائر
4- الوسائل ج 17 كتاب الفرائض الباب 4 من أبواب ميراث الأزواج.
5- الصدوق عليه الرحمة في الفقيه الباب 4 من كتاب الفرائض لكنه في المقنع أورد الأول بصورة الفتوى والثاني بصورة الرواية ولم يجمع بينهما وفي الهداية ذكر الأول فقط.
6- في النهاية لكنه ذكر في التهذيب ان الخبر الثاني يحتمل شيئين أحدهما ما ذكره الصدوق والثاني قال وهو الأولى عندي ما إذا كانت المرأة قريبة فتأخذ الربع بسبب الزوجية والباقي بالقرابة وذكر في المبسوط ان الباقي للإمام ولم يقيده بحال ظهوره (عليه السلام)

ان هذا الوجه قريب في جواز العمل به ، الأولى عندي ان لا يدفع إليها إلا الربع بغير زيادة عليه والباقي للإمام (عليه السلام) لأنا إذا عملنا به كما ذكره كنا قد عولنا في العمل به على خبر واحد لا يعضده قرينة ، وهذا لا يجوز ، وينبغي ان يفعل فيه في حال الغيبة مثل ما يفعل في غيره فيما يختص به من دفن ، أو وصية ، والوصية أحوط على كل حال. (1)

« باب ميراث الأجداد والجدات »

لا يرث مع الأجداد والجدات أحد ، غير الاخوة والأخوات أو أولادهم والزوج والزوجة ، ولا يرث الأعلى مع الأدنى منهم.

فاذا مات إنسان وخلف جده أو جدته من قبل أبيه ، ولم يترك مع واحد منهما غيره ، كان المال كله له ، فان ترك جده وجدته من قبل أبيه ولم يترك غيرهما ، كان المال لهما ، للجد الثلثان ، وللجدة الثلث ، فان ترك جده أو جدته من قبل امه ، ولم يترك مع واحد منهما غيره كان المال كله له.

فان ترك جده وجدته من قبل امه ، ولم يترك معهما غيرهما كان المال بينهما بالسوية. فإن ترك جده وجدته من قبل أبيه ، وجده وجدته من قبل امه ، كان للجد والجدة من قبل الأب الثلثان ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، وللجد والجدة من قبل الام الثلث بينهما بالسوية ، فإن حصل في هذه الفريضة زوج أو زوجة ، كان للزوج النصف أو للزوجة الربع وللجد والجدة من قبل الام الثلث (2) بينهما بالسوية ، والباقي للجد

ص: 142


1- لكن يأتي من المصنف في باب ميراث المولى : ان ميراث من لا وارث له لإمام المسلمين وهو من الأنفال فان لم يتمكن من إيصاله الى الامام قسم في الفقراء والمساكين ولم يدفع الى سلطان الجور الا ان تكون لتقية أو خوف.
2- اى ثلث الأصل لأنه نصيب الام والجد من قبلها يقوم مقامها ثم انه تكرر هنا أيضا ان الجدين من قبل الام يقتسمان بالسوية وهو المشهور بل لم يوجد فيه خلاف ويظهر من المحقق السبزواري في الكفاية التأمل فيه لعدم دليل صالح عليه سوى الإجماع المدعى في المقام أو في مطلق المتقرب بالأم فإن تم هذا كاشفا عن نص معتبر فهو الحجة لكن يظهر مما حكاه الكليني عليه الرحمة في الكافي عن يونس بن عبد الرحمن والفضل بن شاذان إن بنائهم في إرث الجد على الاجتهاد ومقتضى الأدلة هو التفاضل هنا أيضا كما ذكرناه في أولاد الاخوة للام وسيأتي تمامه في الأخوال والخالات.

والجدة من قبل الأب ، للذكر مثل حظ الأنثيين.

فان ترك جده وجدته من قبل أبيه ، وجده أو جدته من قبل امه ، كان للجد والجدة من قبل أبيه ، الثلثان بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين ، والثلث الباقي للجد أو الجدة من قبل الأم.

فإن ترك جده أو جدته من قبل أبيه ، وجده وجدته من قبل امه ، كان للجد أو الجدة من قبل الأب الثلثان ، وللجد والجدة من قبل الام الثلث بينهما نصفين ، وجد ابى الميت وجدته وجد أم الميت وجدتها يتقاسمون الميراث ، كما يتقاسمه جد الميت وجدته من قبل أبيه ، وجده وجدته من قبل أمه إذا لم يكن هناك جد الميت ولا جدته من قبل أبيه أو امه.

فان اجتمع جد ابى الميت وجدته من قبل أبيه وجد أبيه وجدته من قبل امه ، وجد أم الميت وجدتها من قبل أبيها ، وجدها وجدتها من قبل أمها ، كان لأجداد الأب الثلثان ، فيكون ثلثا الثلثين للجد والجدة من قبل أبيه ، للذكر مثل حظ الأنثيين والثلث الباقي وهو ثلث الثلثين ، للجد والجدة من قبل امه ، بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين والثلث الباقي من أصل المال للجدين والجدتين من قبل الام ، النصف منه وهو السدس من أصل المال للجد والجدة من قبل أبيها ، بينهما بالسوية ، والباقي للجد والجدة من قبل الام ، بينهما بالسوية أيضا.

والجد من قبل الأب يقاسم الاخوة من الأب والام ، والأخوات منهما ، ويكون مثل واحد منهم ، ويستحق مثل ما يستحقه الأخ منهم ان كان واحدا قاسمه المال نصفين ،

ص: 143

وان كان أكثر من ذلك جرى الحكم فيهم على هذا الوجه بالغا ما بلغوا ، فان كانت أختا كان لها الثلث ، وللجد الثلثان ، وان كن أخوات كان هو مثل أخ معين (1) ، يكون المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين ، وكذلك يقاسم الاخوة والأخوات (2) من قبل الأب والام ، ويكون مثل واحد منهم على ما بيناه.

فان اجتمع جد وأخ أو أخت ، أو اخوة وأخوات من قبل أب وأم واخوة وأخوات من قبل الام (3) ، كان المال للجد مع الأخ أو الأخت أو الاخوة والأخوات من قبل الأب (4) ، والجدة من قبل الأب بمنزلة الأخت من قبل الأب والام ، أو من قبل الأب تقاسم الاخوة والأخوات من قبل الأب والام ، كما تقاسم الأخت منهما فان اجتمعت مع اخوة وأخوات من قبل الأب لا غير ، قاسمتهم كما تقاسم الأخت منه.

والجد والجدة (5) من قبل الام مثل الأخ من قبل الام يقاسم من قاسمه الأخ من قبلها ، ويسقط في الموضع الذي يسقط ، وكذلك الجدة من قبل الام ، وتكون مثل الأخت من قبلها تقاسم من تقاسمه ، وتسقط في الموضع الذي تسقط.

ص: 144


1- في نسخة ( ب ) بصورة التصحيح « معهن »
2- الصواب كما في نسخة ( ب ) بصورة التصحيح « يقاسم الاخوة والأخوات من قبل الأب إذا لم يكن هنا اخوة وأخوات من قبل الأب والام ويكون مثل واحد منهم على ما بيناه » ونحوه في النهاية.
3- الصواب « من قبل الأب كما في نسخة ( ب ) بصورة التصحيح فان للإخوة للأم ، الثلث والباقي للجد والاخوة للأب والام ويحتمل ان يكون في العبارة سقط وهو : هذا الحكم للفرض المذكور مع فرض اجتماع الجد والاخوة للأب والام والاخوة للأب ».
4- الصواب كما في نسخة ( ب ) بصورة التصحيح « والأخوات من قبل الأب والام وسقط الاخوة والأخوات من قبل الأب ».
5- الظاهر زيادة « والجدة » لأنه يذكر حكمها بعده.

فاذا اجتمعا كانا بمنزلة أخ وأخت من قبل الام ، يقاسمان من يقاسمه الاخوة من قبل الام ، ويسقطان في الموضع الذي يسقطون فيه ، فان اجتمعا أو واحد منهما مع أخ أو أخت أو اخوة أو أخوات من قبل الام ، مع أخ أو أخت أو اخوة أو أخوات من قبل الأب والام ، أو من قبل الأب ، وجد أو جدة من قبل أب ، كان للجد والجدة من قبل الام مع الاخوة والأخوات من قبلها الثلث ، يقتسمونه بينهم بالسوية ، والباقي للأخ أو الأخت أو الأخوة أو الأخوات مع الجد والجدة من قبل الأب ، للذكر مثل حظ الأنثيين على ما سلف بيانه.

وأولاد الاخوة والأخوات وان نزلوا من قبل أب كانوا أو من قبل أب وأم أو من قبل أم ، يقومون مقام الاخوة والأخوات في مقاسمة الجد والجدة ، إذا لم يكن هناك اخوة ولا أخوات ويأخذون نصيب من يتقربون به اليه من أخ أو أخت على حد واحد ، ولا يسقط منهم أحد ، (1) وان نزلوا ببطون كثيرة.

والجد والجدة وان عليا من قبل الأب كانا أو من قبل الام يقاسمان الاخوة والأخوات وأولادهم على ما سلف بيانه.

وان اجتمع جد ابى الميت وجدته ، وجد أم الميت وجدتها ، مع جد الميت وجدته من قبل أبيه ، وجده وجدته من قبل امه ، كان الذي يقاسم الاخوة والأخوات جد الميت وجدته من قبل أبيه ومن قبل امه ، ويسقط جد الأب والام وجدتهما ، وعلى هذا الترتيب يمنع الأدنى الأبعد. إذا كان موجودا ، فان كان معدوما قام الا بعد في مقاسمة الاخوة والأخوات مقامه على ما قدمناه.

« باب ميراث ذوي الأرحام »

العمومة والعمات لا يرث مع واحد منهم أولادهم إلا في موضع واحد ، وهو ان ابن العم للأب والام إذا اجتمع مع العم للأب ، كان اولى بالميراث من العم

ص: 145


1- يعنى بسبب الجد وان كان ادنى والا فأولاد الأخ للأب يسقط بأولاد الأخ للأب والام إذا كان في درجته كما ان النازل يسقط بالسابق.

للأب ، ولا يرث مع أولاد العمومة والعمات ، أولادهم ولا غيرهم (1) الا الزوج والزوجة ، فان سهم كل واحد منهما ثابت معهم ، وثابت أيضا مع الخؤولة والخالات أو أحدهم ، ومع أولادهم إذا لم يكن هناك عمومة ولا عمات ، ولا خؤولة وخالات ، النصف ان كان زوجا ، أو الربع ان كانت زوجة.

ولا يرث مع الخؤولة والخالات أولادهم ، ولا أولاد العمومة والعمات ، ولا يرث مع العمومة والعمات أولاد الخؤولة والخالات ، ولا أولاد العمومة والعمات ولا يرث عم الأب ولا عمته ولا خال الأب ولا خالته ولا عم الام ولا عمتها ولا خالها ولا خالتها مع عم الميت وعماته وخاله وخالاته ، لأنهم أقرب بدرجة.

وميراث العمومة والعمات مثل ميراث الاخوة والأخوات من قبل الأب ، وميراث الخؤولة والخالات مثل ميراث الاخوة والأخوات من قبل الام (2) للخؤولة والخالات ، الثلث نصيب الام وللعمومة والعمات الثلثان ، إلا في المسألة التي ذكرناها فان خلف الميت عما أو عمة أو عمومه أو عمات ، ولم يخلف غيرهم ، كان المال (3) بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين ، وكذلك الحكم ان خلف عمومة وعمات ،

ص: 146


1- كعمومة الأب والام وعماتهما وخؤولتهما وخالاتهما كما سيصرح المصنف به فيما يأتي.
2- لكن إذا كان الخال أو الخالة واحدا كان له الثلث أيضا كما صرح به في النصوص ويأتي في كلام المصنف في مسألة اجتماعه مع العم.
3- الصواب « كان المال لهم فان خلف عما وعمة كان بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين » إذ ليس في المتن اجتماع الذكر والأنثى وعلى كل ، إطلاق الحكم بالتفاضل هنا مقيد بما إذا لم يكن العم والعمة أو الأعمام والعمات من قبل الام فقط لما يأتي في كلام المصنف قريبا من التساوي بينهما إذا كانا مع الأعمام والعمات من قبل الأبوين إذ لا فرق ظاهرا بين ذلك وبين ما إذا كانا منفردين كما في جواهر الكلام في شرح عبارة الشرائع التي هي مثل المتن ولكن يحتمل أيضا ان يكون المراد بالإطلاق المذكور هنا أعم كما حكى القول به عن ظاهر جماعة ويكون لصورة الاجتماع مع الأبوين خصوصية عندهم ويأتي نحو ذلك أيضا في الخال والخالة للأبوين ونذكر هناك ما هو الاولى واللّه العالم.

في انه يكون المال بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.

فإن ترك الميت عمين أحدهما لأب وأم والأخر لأب ، كان المال للعم من قبل الأب والام وسقط العم من الأب.

فإن ترك عمين أحدهما لأب وأم ، أو لأب ، والأخر لأم ، كان للعم من جهة الأم السدس ، والباقي للعم من قبل الأب والام ، أو من قبل الأب.

فإن ترك عمة ، ولم يترك غيرها ، كان المال لها.

فان ترك عمتين لكان المال بينهما نصفين.

فان ترك عمة أب ولم يترك غيرها ، كان المال لها ، فان ترك عمتين له ، كان المال بينهما نصفين ، فان ترك عمة لأب وأم ، وعما أو عمة أو عمومه أو عمات من قبل الأب كان المال للعمة من قبل الأب والام ، وسقط العمومة والعمات من قبل الأب.

فإن ترك عمة من قبل الام ، وعمة أو عما أو عمومه وعمات من قبل الأب ، أو من قبل الأب والام ، كان للعمة من قبل الام السدس ، والباقي لمن هو من قبل الأب والام ، أو من قبل الأب.

فإن خلف عمومة وعمات مفترقين ، كان للعمومة والعمات من قبل الام ، الثلث بينهم بالسوية ، والباقي للعمومة والعمات من قبل الأب والام ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، ويسقط العمومة والعمات من قبل الأب.

فإن خلف خالا أو خالة ، ولم يخلف غيره ، كان المال كله له ، فان تركهما كان المال بينهما نصفين.

فان ترك خؤولة وخالات كان الحكم فيهما مثل ذلك يكون الميراث بينهم بالسوية.

فإن خلف خالين ، أحدهما لأب وأم ، والأخر لأب ، كان المال للخال من

ص: 147

قبل الأب والام ، وسقط الخال من قبل الأب.

فإن خلف خالين أحدهما من قبل الام ، والأخر اما من قبل الأب والام ، أو من قبل الأب ، كان للخال من قبل الام السدس ، والباقي للخال من قبل الأب والام ، أو من قبل الأب.

فإن ترك ثلاثة أخوال مفترقين ، كان للخال من جهة الأم السدس ، والباقي للخال من جهة الأب والام وسقط الخال من جهة الأب.

فإن ترك خالين أو خالتين أو أكثر من قبل الام ، وخالا أو خالة أو أكثر من قبل الأب والام ، أو من قبل الأب ، كان للخالين أو الخالتين من قبل الام الثلث ، بينهما بالسوية ، والباقي للخال أو الخالة أو الخؤولة والخالات من قبل الأب كانوا ، أو من قبل الأب والام ، بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين (1).

فإن خلف خالا أو خالة أو أكثر من قبل الأب ، أو من قبل الأب والام ، مع خالة من قبل الام ، كان للخالة من قبل الام السدس ، والباقي للخال أو الخالة أو الخؤولة والخالات من قبل الأب ، أو من قبل الأب والام بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين.

ص: 148


1- كذا في النسختين هنا وفي الفرع التالي ونحوه في نهاية الشيخ في بعض نسخها وفي بعض الأخر في الموضعين « لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ » وكأنه تصحيف إذ ليس هذا التعبير عن التسوية معهودا في كلامه والحكم بالتفاضل هنا مناف لما تقدم آنفا من الحكم بعدمه في الخؤولة والخالات مطلقا إذ لا فرق في ذلك بين اجتماعهم مع الخال والخالة من قبل الام وعدمه لأنهم يتقربون الى الميت بامه على كل حال وقد تقدم في مسألة أولاد الاخوة للام والجدين لها : ان بناء الأصحاب على التسوية في المتقرب بها ولم يرد هنا دليل خاص على خلافه لكن الأقوى هو التفاضل في الخال والخالة للأبوين أو للأب مطلقا سواء كان معهما خال أو خالة للام أم لا والتساوي في الخال والخالة للأم كذلك لما ذكرناه في أولاد الاخوة للام من انه يعامل معهم معاملة الإرث من الام وهكذا في الأعمام والعمات.

فان ترك عما أو عمة ، أو عمومه ، أو عمات ، أو عمومه وعمات مختلفين ، أو متفقين (1) مع خال أو خالة ، أو خالات ، أو خؤولة وخالات ، كان لمن يتقرب بالأب من العمومة (2) والعمات الثلثان ، يقسم بينهم على ما تقدم بيانه ، والثلث لمن يتقرب بالأم ، واحدا كان أو أكثر يقسم بينهم أيضا على ما بيناه فيما تقدم.

ولا يرث مع الأجداد والجدات وان علوا ، أحد من العمومة والعمات ، ولا أولادهم ، ولا أحد من الخؤولة والخالات ، ولا يرث عم الأب ولا عمته ، ولا خاله ولا خالته ولا عم الام ولا عمتها ، ولا خالها ولا خالتها مع عم الميت وعمته وخاله وخالته.

فان خلف عم الأب وعمته وخاله وخالته ، وعم الام وعمتها وخالها وخالتها كان لعم الأب وعمته وخاله وخالته الثلثان ، يكون ثلثا الثلثين لعم الأب وعمته ،

ص: 149


1- أي بأن كان بعضهم للأبوين وبعضهم لأحد هما فالمراد بالمتفقين ان يكونوا جميعا للأبوين أو للأب أو للأم.
2- بيان للمتقرب بالأب أي مطلق العمومة والعمات المذكورين سواء كانوا للأبوين أو لأحد هما كما ان المراد بالمتقرب بالأم ، مطلق الخؤولة والخالات. ويستفاد من المصنف هنا وغيره كالشيخ في النهاية فرعان آخر ان : أحدهما : انه إذا كان العم أو العمة للأب والخال أو الخالة للأبوين أو بالعكس لا يكون للأبوين تقدم في الإرث على الابى وانما يتقدم عليه إذا كانا متحدين في جهة القرابة كالعمومة والخؤولة والاخوة وأولادهم كما صرح بذلك في جواهر الكلام في أوائل بحث الميراث وهو ظاهر من إطلاقات النصوص الواردة في إرث الأعمام مع الأخوال. الثاني إذا كان العم أو العمة واحدا للام مع الأخوال للأبوين كان له الثلثان وإذا كان الخال أو الخالة كذلك مع الأعمام للأبوين كان له الثلث وانما يكون لهما السدس إذا كانا مع العم أو الخال للأبوين أو للأب وهو الظاهر أيضا من إطلاق الدليل كقوله عليه السلام العمة بمنزلة الأب والخالة بمنزلة الأم.

بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين ، وثلث الثلثين لخال الأب وخالته بينهما بالسوية (1) والثلث من أصل المال لعم الام وعمتها ولخالها وخالتها يكون النصف من ذلك وهو السدس من أصل المال لعم الام وعمتها ، بينهما بالسوية ، والنصف الأخر وهو السدس أيضا من أصل المال لخال الام وخالتها أيضا بينهما بالسوية.

وأولاد العم والعمة وان نزلوا اولى بالميراث من عم الأب وعمته وخاله وخالته كما ان أولاد الاخوة أولى بالميراث من الأعمام والعمات ، وأولاد الخؤولة والخالات وان نزلوا اولى بالميراث من عم الأب وعمته وخاله وخالته ، (2) لأنهم يقومون مقام من يتقربون اليه والذي يتقربون به واما (3) العم ، واما العمة ، واما الخال ، واما الخالة : وهؤلاء أولى بالميراث من عمومة الأب وعماته وأخواله وخالاته ، لأنهم أقرب بدرجة.

وأولاد العمومة والعمات يقومون مقام العمومة والعمات ، إذا لم يكن عمومة ولا عمات ، ويحجبون من يحجبهم العمومة والعمات الا ان يكون هناك من هو أقرب منهم. (4)

فان خلف الميت أولاد عمومة متفرقين ، كان لأولاد العم من قبل الام السدس

ص: 150


1- الظاهر ان حكم هذه الأعمام والأخوال الثمانية كحكم الأجداد الثمانية وقد تقدم من المصنف هناك ان ثلث الثلثين للجد والجدة لأبيه من قبل امه للذكر مثل حظ الأنثيين.
2- زاد في هامش نسخة ( ب ) هنا « وأولاد العمومة والعمات وان نزلوا اولى بالميراث من خؤولة الام وخالتها وأعمامها وعماتها وأولاد الخؤولة وان نزلوا اولى بالميراث من عم الام وعمتها وخالها وخالتها ».
3- الواو زائدة ولفظة اما بكسر الهمزة وهي ومدخولها خبر « الذي يتقربون به »
4- زاد في هامش نسخة ( ب ) هنا « وأولاد الخؤولة والخالات يقومون مقام الخؤولة والخالات إذا لم يكن خؤولة وخالات ويحجبون عن الميراث من يحجبه الخؤولة والخالات الا ان يكون هناك من هو أقرب منهم » ونحوه في نهاية الشيخ.

بينهم بالسوية ، (1) والباقي لأولاد العم من قبل الأب والام ، أو من قبل الأب ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، ويسقط أولاد العم للأب إذا اجتمعوا مع أولاد العم من الأب والام.

فإن خلف أولاد خؤولة متفرقين ، كان لأولاد الخال من قبل الام ، السدس ، بينهم بالسوية ، والباقي لأولاد الخال من قبل الأب والام ، للذكر أيضا مثل حظ الأنثيين (2) ، وسقط أولاد الخال من قبل الأب.

فإن ترك أولاد عمات متفرقين ، أو أولاد خالات مفترقين كان الحكم في أولاد العمات مثل ما ذكرناه في أولاد العمومة المفترقين (3).

فان ترك ابنى عم. أحدهما أخ لأم (4) ، كان الميراث للأخ من الام من جهة الاخوة ، لا لأنه ابن عم ، ويسقط ابن العم الأخر.

فإن ماتت امرأة وخلفت ابني عم ، أحدهما زوجها ، كان لزوجها النصف والربع ، النصف من ذلك بالزوجية والربع بالميراث ، والربع الباقي لابن العم الأخر ، لأن النصف الباقي بعد نصف الزوج يقسم بينهما نصفين ، فيكون للواحد

ص: 151


1- الكلام في هذا والفرع التالي مثل ما ذكرناه سابقا في أولاد الاخوة للام من ان الأقرب بالنظر الى الدليل هو التفاضل.
2- راجع لتحقيق هذا الى ما ذكرناه في مسئلة ما إذا خلف أخوالا أو خالات متفرقين حرفا بحرف حتى اختلاف نسخ النهاية.
3- زاد في هامش نسخة ( ب ) هنا والحكم في أولاد الخالات مثل ما ذكرناه في أولاد الخال المتفرقين.
4- كما إذا تزوجت أم المورث بعمه فولدها منه أخ للمورث من امه وابن عم له.

النصف والربع ، كما ذكرناه وللآخر الربع الباقي.

فإن خلف ابني خالة ، أحدها أخ لأب (1) كان الميراث للذي هو أخ ، من جهة الاخوة لا لأنه ابن خالته ، وسقط ابن الخالة الأخر.

فإن خلف ابنتي عم ، إحداهما زوجته ، كان للزوجة منهما الربع ، من جهة الزوجية ، والباقي بينهما نصفين.

فان هلكت امرأة ، وخلفت زوجا ، وخالا ، أو خالة ، وعما أو عمة ، كان للزوج النصف ، والثلث (2) للخال أو الخالة أو لهما ، ان اجتمعا ، والباقي للعم أو العمة.

فان مات رجل أو امرأة وترك زوجا أو زوجة ، وأولاد خال أو أولاد خالة ، وأولاد عم وأولاد عمة ، كان للزوج النصف ، أو للزوجة الربع ، ولأولاد الخال أو الخالة الثلث ، والباقي لأولاد العم أو العمة.

فان مات رجل أو امراة (3) ، وترك زوجا أو زوجة ، وجدا أو جدة ، أو جدا وجدة من قبل الأب ، أو جدا وجدة ، من قبل الام ، كان للزوج النصف ، أو للزوجة الربع ، والثلث للجد أو الجدة من قبل الأم ، أو لهما ان اجتمعا ، والباقي للجد أو الجدة من قبل الأب ، أو لهما ان اجتمعا.

فان هلك إنسان ، وترك عمتين لأب ، الواحدة منهما خالة لأم وخالة لأب وأم ، كان للعمتين الثلثان من أصل المال ، بينهما نصفين ، والثلث الباقي للخالة من الأم التي هي عمة ، والخالة من الأب والام تكون للام التي هي عمة ، سدس الثلث ،

ص: 152


1- كما إذا تزوجت خالته بأبيه فولد منهما.
2- اى ثلث الأصل نصيب الام كما تقدم نحوه فيما إذا تركت زوجا وجدين من قبل الام وجدين من قبل الأب.
3- تقدم هذا الفرع في باب ميراث الأجداد والجدات الا انه زاد هنا ما إذا كان الوارث أحد الجدين من قبل الأب أو أحدهما من قبل الام.

والباقي للخالة من قبل الأب والام. (1)

« باب ميراث المولى وذوي الأرحام »

إذا مات إنسان معتق ، وخلف ذا رحم مسلما قريبا كان ، أو بعيدا ، مع مولاه الذي أعتقه ، كان الميراث لذي رحمه دون مولاه ، فان لم يترك ذا رحم ، وكان سائبة (2) ولم يتوال الى أحد يضمن جريرته وحدثه ، كان ميراثه لبيت المال ، (3) وان كان توالى الى أحد يضمن جريرته وحدثه ، كان ميراثه لمن توالى اليه وان

ص: 153


1- في هامش النسخة توضيح لهذا الفرع ، لعله من المصنف ، وإليك نصه « هذا رجل تزوج بامرأة ، لها ابنة ، وللرجل ابن ، فزوج ابنة زوجته من ابنه ، ورزق الرجل من المرية ابنة ، ورزق ابنه من ابنة زوجته ولده ، فهذه البنت عمة وخالة لولد الابن ». قلت هذا فرض كون البنت عمة من جهة الأب وخالة من جهة الأم واما فرض المسألة فهو بان تكون للمرأة التي تزوج بها الرجل بنت اخرى من ابى بنتها التي تزوج بها ابن الرجل وتكون أيضا للرجل ابنة اخرى من زوجة ثالثة غير أم ابنه المذكور إذ لو كانت من امه فهي عمة لولده لأبيه وامه وهي حاجبة لعمته الأخرى التي هي خالة للام إذ ليست هي الا عمة لأبيه واما الخالة التي هي للأب والام فليست حاجبة عن الخالة للأم
2- قال الشيخ في النهاية هنا في معنى السائبة : هو الذي أعتق في الواجبات من النذور والايمان والكفارات أو يكون قد أعتقه مولاه وتبرأ من ضمان جريرية واشهد على ذلك.
3- لعل مراده ببيت المال في هذه المواضع مال الامام عليه السلام لما يأتي قريبا من ان ميراث من لا وارث له للإمام وهو من الأنفال وقال الشيخ في الخلاف في مسائل الميراث : كل موضع وجب المال لبيت المال عند الفقهاء للمسلمين وعندنا للإمام ان وجد الامام العادل ، سلم اليه وان لم يوجد وجب حفظه له. وقال ابن إدريس في السرائر كل موضع ذكر الشيخ في المواريث انه لبيت المال فمراده بيت مال الامام دون بيت مال المسلمين.

لم يكن سائبة ، كان ميراثه لمولاه الذي أعتقه ، رجلا كان الذي أعتقه ، أو امرأة ، فإن كان الذي أعتقه مات قبله ، وترك ولدا وكان الأولاد ذكورا ، كان ميراث المعتق لهم ، وان كانوا ذكورا وإناثا ، كان ميراثه للذكور دون الإناث ، وان كانوا إناثا ، وكان قد ترك معهم عصبة ، كان الميراث للعصبة ، دون الأولاد الإناث ، وان لم يكن ترك معهن عصبة ، كان الميراث لبيت المال ، وان لم يكن ترك أولادا ، وكان قد ترك عصبة ، كان الميراث للعصبة ، فان لم يكن ترك عصبة ، كان الميراث لبيت المال ، فان كان الذي أعتقه امرأة ، وهي حية ، فميراثه لها ، وان لم تكن حية وكان لها عصبة ، كان ميراثه لعصبتها ، سواء كان لها أولاد ، أولا ، يكون لها ذلك.

وإذا تولى هذا المعتق الى من يضمن جريرته وحدثه ثم مات وكان قد ترك ذا رحم قريبا كان أو بعيدا ، كان ميراثه لذي رحمه ، (1) وان لم يكن له ذو رحم قريبا ولا بعيدا ، ولا أحد توالى اليه ، كان ميراثه لإمام المسلمين ، لأنه ميراث من لا وارث له (2) ، وذلك من الأنفال.

والميت إذا لم يكن له وارث ، وترك مالا ولم يتمكن من إيصاله الى الامام قسم في الفقراء والمساكين ، ولم يدفع منه الى سلطان الجور شي ء ، هذا ان أمكن ذلك ، وكانت التقية مرتفعة ، فإن كان الخوف والتقية حاصلين ، ويغلب عليه ، جاز حينئذ تسليمه اليه ، ولم يكن على الذي سلمه إليه شي ء.

وإذا مات إنسان وترك وراثا ، بعضهم غائب وبعض الأخر حاضر ، والغائب أحق بالميراث من الحاضر ، واولى به منه ، فينبغي ان يوقف الميراث الى حين حضور الغائب ، ويدفع إليه ، فان لم يحضر وتطاولت المدة قسم على الحاضر ، وكان ضامنا له الى حين حضور الغائب ، فإذا حضر سلمه اليه ، وان مات الغائب بعد

ص: 154


1- هنا سقط وهو كما في هامش نسخة ( ب ) بصورة التصحيح « وان لم يكن ترك ذلك كان ميراثه لمن توالى اليه وضمن جريرته وحدثه ».
2- الصواب « وإرث من لا وارث له ».

ان تسلم الحاضر الميراث ، وكان للغائب وارث ، كان على الحاضر تسليم الميراث إلى ورثة الغائب ، وان لم يكن له ورثة كان الميراث للحاضر.

« باب الحكم فيمن يموت من المسلمين الأحرار ويخلف وارثا مملوكا »

إذا مات الحر المسلم وخلف ذا رحم مملوكا قريبا كان أو بعيدا مستقر الملك وكان قد ترك مع المملوك ذا رحم حرا ، قريبا كان أو بعيدا ، كان ميراثه لذي رحمه الحر ، دون المملوك لان المملوك لا يجوز ان يرث الحر ، إذا كان معه وارث حر فان لم يكن ترك مع ذي رحمه المملوك ذا رحم حرا ، وكان الميراث ينقص عن قيمة المملوك ، لم يجب ابتياعه ، وكان الميراث لبيت المال ، وذهب بعض أصحابنا إلى انه يشترى من التركة ويعتق ، ويستسعى في الباقي ، وهذا ضعيف جدا ، لأنه لم يرد به رواية ، ولا ثبت عليه دليل وان كان الميراث يفي بقيمة المملوك ، أو يزيد عليه ، وجب ابتياعه من التركة ، وعتقه ويدفع إليه الباقي ، ان كان هناك ما يبقى.

فان ترك هذا الحر أبويه وهما مملوكان ، أو ولدين له كذلك ، أو ما جرى هذا المجرى ، وكان الميراث يفي بقيمة الاثنين ، اشتريا وأعتقا وان كان ينقص عن قيمتهما لم يجب ابتياع واحد منهما ولا جميعهما ، وان كان فيه ما يفي بقيمة أحدهما ، أو يزيد على ذلك. وإذا خلف الحر وراثا أحرارا وذا رحم مملوكا ، كان المال للاحرار.

فإن أعتق المملوك قبل قسمة المال وكان أقرب منهم ، أخذ المال ، وان كان ممن يقاسمهم ، قاسمهم ذلك ، وان انعتق بعد قسمة المال ، لم يكن له شي ء وأم الولد يجعل في نصيب ولدها ، وأعتقت ولا يورث شيئا ، وسهم الزوج والزوجة ثابت مع من تقدم ذكره على كل حال.

ص: 155

« باب توارث أهل ملتين »

الكافر لا يرث المسلم بغير خلاف ، والمسلم عندنا يرث الكافر ، سواء كان الكافر حربيا أو ذميا ، أو مرتدا ، أو على اى حال كان من الكفر ، ويجوز المسلم المال قريبا كان أو بعيدا ، ذا سهم كان أو قرابة ، من جهة الأب كان ، أو من جهة الأم.

فإذا ترك المسلم ولدا كافرا ولم يترك غيره من المسلمين من زوج ، ولا زوجة ولا غير ذلك من ذي رحمه قريبا ، ولا بعيدا ، كان ميراثه لبيت المال.

فان ترك ولدين أحدهما كافر ، والأخر مسلم ، كان الميراث للمسلم ، ذكرا كان أو أنثى ، ولم يكن للكافر شي ء.

فان خلف ثلاثة أولاد وأكثر من ذلك أحدهم كافر ، كان المال للاثنين المسلمين دون الكافر ، فإن أسلم قبل قسمة الميراث كان له حقه منه ، وان أسلم بعد القسمة لم يكن له شي ء.

فان ترك ولدين ، أحدهما مسلم ، والآخر كافر ، كان الميراث للمسلم ، دون الكفر فإن أسلم الكافر ، لم يكن له شي ء ، لأن المسلم قد استحق المال في حال موت من يرثه ، والقسمة انما يثبت للكافر إذا أسلم ، وكان الميراث بين اثنين قبل إسلامه ، أو أكثر منهما ولم يقسم.

فان خلف أولادا مسلمين وو الدين كافرين ، كان المال للأولاد المسلمين ولم يكن للوالدين الكافرين فيه شي ء.

فان أسلم الوالدان ، أو أحدهما قبل القسمة في الميراث كان له حقه منه ، وان أسلما أو أحدهما بعد القسمة ، لم يكن له شي ء.

فان خلف أبوين مسلمين وولدا كافرا ، كان المال للأبوين المسلمين دون الولد الكافر ، فإن أسلم الولد قبل قسمة الميراث ، كان له حقه منه ، فإن أسلم بعد القسمة ، لم يكن له شي ء.

فان خلف أحد أبويه مسلما ، وولدا كافرا ، كان المال لأحد الأبوين ، فإن أسلم

ص: 156

الولد لم يكن له شي ء.

فان ترك ولدا كافرا ، وو الدين كافرين ، أو أحدهما وهو كافر ، وابن ابن ابن عم أو عمة ، أو ابن ابن ابن خال أو خالة ، أو من يكون أبعد منهم ، وكان مسلما كان المال للمسلم البعيد ، دون الولد أو الوالدين أو أحدهما الكفار ، فإن أسلم أحدهم أو جميعهم قبل قسمة الميراث ، وكان المال لهم ، أو لمن أسلم منهم دون ذوي الأرحام ، وان أسلموا أو أحدهم بعد القسمة ، لم يكن لهم شي ء.

وإذا ماتت امرأة وتركت زوجها وهو مسلم ، وولدا أو والدا ، أو ذوي أرحام كفارا ، كان المال كله للزوج ، ولم يكن للولد ولا للوالدين ولا لذوي أرحامه شي ء ، فان أسلموا رد عليهم الفاضل عن سهم الزوج (1).

فان مات رجل وخلف زوجة مسلمة ، ولم يخلف غيرها من المسلمين ، وترك وراثا كفارا كان ربع المال للزوجة ، والباقي لإمام المسلمين ، فإن أسلموا قبل

ص: 157


1- هذا الحكم ذكره الشيخ أيضا في النهاية ولم ينقل عن غيرهما وأو رد عليه بمنافاته لما ذكراه من انه إذا كان الوارث المسلم واحدا لم يكن للكافر إذا أسلم بعد موت المورث شي ء وقد عللا له في بعض ما تقدم بأن القسمة منتفية ولازمه عدم الفرق بين ان يرث الواحد جميع المال بالقرابة كالأب أو بعضه بالفرض والباقي بالرد كالبنت الواحدة والزوج من هذا القبيل لكن يمكن ان يكون نظرهما الى ان الزوج لا يرث الباقي وانما يدفع إليه لأنه لا وارث له فهو اولى به بملاك آخر غير الإرث كالإمام (عليه السلام) حيث ان الظاهر انه ليس وارثا حقيقة وانما يكون له المال لعدم مالك له كبعض الأنفال فيفترق الزوج عن البنت بان البنت ترث الباقي بالقرابة وهي سبب للإرث بخلاف الزوج فان سبب الإرث له الزوجية وهي توجب النصف فقط ولعل هذا مراد المحقق رحمه اللّه مما ذكره في نكت النهاية في توجيه هذا الحكم لكن الاعتماد عليه مشكل لمنافاته لظاهر ما دل على كون الميراث كله للزوج ثم انه بناءا على الوجه المذكور فلو كان الذي أسلم ولدا للمرأة الميتة كان له النصف الباقي ولا يزاحم الزوج في نصفه بخلاف ما إذا كان معه وارث آخر فأسلم الولد قبل القسمة فإنه ينتقل سهمه الى الربع.

قسمة الميراث ، رد عليهم الفاضل عن سهم الزوجة (1) وان أسلموا بعد ذلك لم يكن لهم شي ء.

وان خلف الكافر وارثا مسلما ، قريبا كان أو بعيدا ، ذكرا كان أو أنثى ، زوجا أو زوجة (2) ولم يترك غيره ، كان المال كله له ، فان ترك مع المسلم كائنا

ص: 158


1- الظاهر ان مراده بسهم الزوجة هنا مطلق سهمهما من الربع أو الثمن بحسب حالها مع الذي يرث معها فاذا كان الذي أسلم ولدا لزوجها ينتقل سهمها من الربع الى الثمن ويحتمل أيضا ان يكون مراده الربع الذي ذكره أولا مطلقا لجواز ان يكون للقسمة مع الإمام خصوصية عنده لكن الأول أولى بإطلاق ما دل على ان من أسلم قبل القسمة فله ميراثه لصدق القسمة هنا حتى على ما ذكرناه آنفا من ان الامام ليس وارثا حقيقة كما ان ما ذكره أيضا من انه ان أسلم بعد هذه القسمة لم يكن له شي ء انما هو لتحقق القسمة فتشمله النصوص الدالة عليه. ثم انه حكى في جواهر الكلام عن ظاهر الشيخ في النهاية والمصنف في هذا الكتاب انه إذا لم يكن للميت وارث أصلا غير الإمام فأسلم بعض ورثته الكفار بعد موته ، لم يكن له شي ء لأن الإمام كالوارث الواحد وكأنه استظهر ذلك من هذا الحكم الأخير كما صرح به في مفتاح الكرامة في كلام الشيخ. وفيه ان هذا غير ظاهر من هذا الحكم لعدم القسمة فيه مضافا الى انه ورد في الصحيح ان في هذا الفرض يكون الميراث للمسلم مع ان الظاهر كما ذكرناه ان الامام ليس بوارث حقيقة.
2- هنا أمور الأول لا يجوز ان تكون المسلمة زوجة لكافر لكنها ترثه في موارد ذكرها الأصحاب هنا ، منها : ما إذا أسلمت دون زوجها فإنها تبين منه وتعتد فلو مات في عدتها منه ترثه بل ذكر الشيخ في النهاية انه لو كان الزوج ذميا فأسلمت زوجته لا ينفسخ نكاحهما وانما يمنع الزوج من الخلوة بها ولعل مختار المصنف أيضا ذلك لكنه خلاف المشهور. الثاني مقتضى العبارة هنا ان الزوجة المذكورة إذا لم يكن معها وارث مسلم ترث جميع التركة وهذا خلاف النصوص الدالة على ان الزوجة لا يرد عليها ما زاد على ربعها كما تقدم من المصنف في باب ميراث الأزواج ولا دليل بالخصوص على خلافه هنا فحينئذ ان لم يكن معها وارث كافر كان الباقي للإمام والا فالظاهر انه للوارث الكافر سواء كان ولدا للميت الكافر أم غيره فلو كان ولدا له لا تنقص الزوجة من ربعها الى الثمن وقد حققنا ذلك فيما علقناه على ميراث جواهر الكلام وذكر العلامة رحمه اللّه في القواعد فيه احتمالين آخرين. الثالث حكى في مفتاح الكرامة وغيره عن المصنف والشيخ في النهاية انه إذا اجتمعت الزوجة المسلمة والولد الكافر في ميراث الكافر فالربع للزوجة والباقي للإمام وهذا خلاف صريح العبارة الموجودة هنا نعم ذكر في مفتاح الكرامة ان هذا يستفاد من عبارة الفرع المتقدم حيث قال فان مات رجل إلخ ولم يفصل بين المسلم والكافر ونحوه في النهاية وفيه ان الظاهر من ذاك الفرع هو المسلم فقط بقرينة السياق لسابقه ولاحقه. الرابع ان مقتضى العبارة هنا أيضا انه لو خلفت الكافرة زوجا مسلما كان له جميع المال وان كان معه وارث كافر وهذا مشكل بل الظاهر ان النصف للزوج والباقي للكافر لان ما دل على ان الزوج يرث الجميع مقيد بما إذا لم يكن وارث آخر والمفروض ان الكافر يرث الكافر ولا دليل على عدم اشتراك المسلم مع الكافر في الإرث مطلقا نعم إذا كان الكافر ابنا للميتة فالظاهر ان للزوج أيضا النصف لما دل على عدم حجب الكافر للمسلم كما انه إذا كان بناء الكفار على توريث الزوج المسلم جميع المال في بعض الأحوال فهذا يعامل معهم ذلك إلزاما لهم بأحكامهم وهذا أمر آخر واللّه العالم.

من كان ، وارثا كافرا ، قريبا كان أو بعيدا ، أو زوجا أو زوجة ، كان المال للمسلم دون الكافر ، فإن أسلم قبل قسمة الميراث ، كان له حقه منه ، وان أسلم بعد ذلك لم يكن له شي ء.

وإذا مات كافر ، وترك أولادا (1) واخوة وأخوات من قبل الأب ، وأخوات

ص: 159


1- اى صغارا فكلمة « أولادا صغارا » في السطر التالي تكرار أو زائدة وليعلم ان مورد النص هنا ما إذا ترك نصراني ابن أخ مسلم وابن أخت مسلم فلعله عدل المصنف وكذا الشيخ في النهاية إلى الاخوة والأخوات من قبل الأب ومن قبل الام لعدم الفرق في ذلك كما انه لا خصوصية للنصراني فيه.

من قبل الام مسلمين ، وأولادا صغارا كان للاخوة والأخوات من قبل الام ، الثلث ، وللاخوة والأخوات من قبل الأب ، الثلثان ، وينفق الاخوة والأخوات من قبل الام على هؤلاء الأولاد الصغار ثلث النفقة ، وينفق الاخوة والأخوات من قبل الأب عليهم ثلثي النفقة حتى يبلغوا ، فاذا بلغوا وأسلموا سلم الاخوة إليهم ما بقي في أيديهم بعد النفقة ، وان لم يسلموا واختاروا الكفر ، لم يدفعوا إليهم شيئا ، وتصرفوا في الباقي ، فإن كان أحد أبوي الأولاد الصغار مسلما ، وترك اخوة وأخوات من قبل (1) الام ، كان المال للأولاد الصغار ، فاذا بلغوا قهروا على الإسلام ، فان لم يسلموا كان حكمهم حكم المرتدين ، واجرى عليهم ما يجرى على المرتدين.

فان هلك وترك أولادا وقرابة كفارا ، ومولى نعمة مسلما ، كان الميراث لمولى النعمة المسلم ، ولم يكن للأولاد والقرابة الكفار بشي ء.

والمسلمون يرث بعضهم بعضا وان اختلفوا في المذاهب والآراء لان الموارثة تثبت بإظهار الشهادتين ، والإقرار بأركان الشريعة ، من صلاة ، وصيام ، وزكاة ، وحج ، دون الإيمان الذي يستحق به الثواب.

والكفار يرث بعضهم بعضا على اختلافهم في الديانات لان الكفر عندنا كالملة الواحدة.

« في إرث المرتد »

وإذا ارتد المسلم (2) بانت منه زوجته ، وكان عليها ان تعتد عدة المتوفى

ص: 160


1- كان الصواب « من قبل الأب أو من قبل الام » كما في النهاية لعدم خصوصية للام هنا بل المراد مطلق الاخوة.
2- أي الذي ولد على الإسلام لقوله فيما بعد « ومن كان كافرا ».

عنها زوجها ، ويقسم ميراثه بين مستحقيه من وراثه ، ويقتل من غير ان يستتاب ، فان لحق بدار الحرب ومات (1) وكان له أولاد كفار وليس له وارث مسلم ، كان ماله للإمام ، ومن كان كافرا ثم أسلم وارتد بعد إسلامه ، فإن يعرض عليه السلام (2) فان عاد اليه ، والا قتل ، فان لحق بدار الحرب كان على زوجته ان تعتد منه عدة المطلقة ، ثم يقسم ميراثه بين المستحقين له من وراثه ، (3) فإن عاد إلى الإسلام قبل انقضاء

ص: 161


1- يظهر منه ان إرث الإمام له يكون بعد موته وارث غيره من ورثته المسلمين بمحض الارتداد ولعله لما ذكرناه قريبا من ان الامام ليس بوارث حقيقة الا ان يكون المراد بهذه العبارة إرث ما حصل له بعد الارتداد إذ الحق بدار الحرب وعلى كل فالمستفاد منه ومن الفرع التالي في المرتد الملي : ان المرتد مطلقا ليس كسائر الكفار في إرث الكافر منه إذا لم يكن له وارث مسلم بل يكون للإمام كما هو المشهور بين الأصحاب وان ما روى في الملي من إرث الكافر منه محمول على التقية كما في النهاية أو موهون بالشذوذ كما ذكره المحقق في الشرائع.
2- في هامش نسخة الأصل : أي فالحكم ان يعرض وفي نسخة ( ب ) فإنه يعرض
3- ظاهره انه بعد لحوقه بدار الحرب تعتد زوجته وتقسم أمواله ونحوه في نهاية الشيخ لكن المشهور بين الأصحاب انها تعتد بنفس الارتداد وان أمواله باقية على ملكه لا تقسم قبل موته كما اختاره الشيخ أيضا في كتاب المرتد من خلافه ومبسوطه لخبر الحضرمي عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) إذا ارتد الرجل المسلم عن الإسلام بانت منه امرأته كما تبين المطلقة فإن قتل أو مات قبل انقضاء العدة فهي ترثه في العدة راجع الوسائل ج 17 الباب 6 من موانع الإرث قلت ما ذكره المصنف في الأموال لا يخلو من قوة فإنه إذا لحق بدار الحرب فهو في حكم الحربي تزول عنه حرمة أمواله وانما تدفع الى ورثته لكونهم اولى بها بل لا يبعد ان يقال انها تزول عنه بعد ثبوت الارتداد وحكم الحاكم بجواز قتله وان لم يقتل لعارض لان الظاهر من النصوص زوال الحرمة عن مال الكافر وانه إذا حكم في دمه بزوالها بالكفر ففي ماله اولى ولا ينافيه الخبر المذكور ونحوه مما دل على ان ميراث المرتد إذا مات فلورثته لان هذا انما يقتضي بقائه على ملكه إذا لم يؤخذ منه بعد الارتداد والتفصيل لا يسعه المقام

عدتها ، كان أملك بها ، وان عاد بعد انقضاء العدة لم يكن له عليها سبيل ، وكانت قد ملكت نفسها ، فان مات وهو كافر ولم يكن له وارث مسلم ، لان ميراثه لبيت المال.

« باب ميراث القاتل »

القاتل على ضربين : قاتل عمد ، وقاتل خطأ. فاما قاتل العمد فليس يرث شيئا من ميراث المقتول ، ولا من ديته ان قبل أولياؤه الدية ، ولدا كان ، أو والدا قريبا كان ، أو بعيدا ، زوجا كان أو زوجة ، ويكون ميراث المقتول وديته لمن عدا القاتل من ورثته ، قريبا كان ، أو بعيدا فان لم يخلف المقتول أحدا من الوراث إلا الذي قتله ، كان ميراثه لبيت المال ، ولا يعطى القاتل شيئا منه على حال.

وإذا قتل رجل ابنه ، لم يرثه ، فان كان للقاتل أب وابن ، كان الميراث للأب والابن دون القاتل ، يكون ذلك بينهما نصفين ، لأن الأب جد المقتول والابن اخوة فان قتل رجل أباه ، لم يرثه ، فان كان للأب أولاد غير القاتل ، كان الميراث لهم وان لم يكن له ولد غير القاتل وكان للولد القاتل ، ولد ، كان الميراث لهذا الولد دون أبيه القاتل.

واما القاتل خطأ فإنه يرث المقتول من ميراثه ، ولا يرث من ديته ولدا كان ، أو والدا ، أو ذا رحم ، أو زوجا ، أو زوجة.

ومن قتل وليس له من الوراث الا وارث كافر ، كان ميراثه لبيت المال ، فإن أسلم الكافر كان الميراث له ، وكان له أيضا المطالبة بالدم فان لم يسلم وكان المقتول عمدا ، كان الامام وليه ، وهو مخير بين ان يقيد به القاتل ، وبين أخذ الدية ليجعلها في بيت المال ، وليس له العفو عنه ، لأنه ليس بحق له ، وانما هو حق المسلمين (1).

ص: 162


1- كما في النص المعتبر المعمول به بين الأصحاب وقد يتوهم ان هذا مناف لما تقدم من ان ميراث من لا وارث له للإمام (عليه السلام) ويدفعه جواز ان تكون للدية أو القصاص خصوصية في ذلك وقد فصل الكلام هنا في مفتاح الكرامة في أوائل الجزء الثامن وينبغي مراجعته.

فاذا كان على المقتول دين ، قضى عنه من ديته ، كما يقضى عنه من ميراثه ، سواء كان المقتول مقتولا عمدا ، أو خطأ ، وقاتل العمد إذا كان مطيعا بالقتل ، لم يجز ان يمنع ميراث المقتول ، وذلك مثل ان يقتل الإنسان غيره بأمر الإمام ، أو يقتل أباه أو ولده أو أخاه وهو كافر ، أو من البغاة على الامام.

« باب من يستحق دية المقتول »

الذي يرث دية المقتول هو من كان يستحق ان يرث الميراث ، إلا الاخوة والأخوات من جهة الأم ، ومن يتقرب بها ، ويرث معها (1) الزوج والزوجة ، ولا يرث منها من يتقرب بالأب من الإناث (2) واما الذكور فإنهم يرثون منها على كل حال ، فان لم يكن هناك الا من يتقرب بالأم ، أو من يتقرب بالأب من الإناث ، كان الميراث لبيت المال ، والزوج والزوجة يرث كل واحد منهما صاحبه ، من الدية ، كما يرث من التركة ، الا ان يقتل أحدهما الأخر ، فإنه إذا كان ذلك لم يرث من الدية ولا من التركة أيضا ، والمطلقة طلاقا رجعيا إذا قتلت ، ورث زوجها من تركتها ومن ديتها ، وان قتل الزوج ورثته أيضا مثل ذلك ، ما لم تنقض عدتها ، وعدتها هي

ص: 163


1- الصواب « منها ».
2- ذكره الشيخ أيضا في رسالة الإيجاز وجنايات الخلاف ، والظاهر ان المراد بالأب هنا أعم منه ومن الأبوين وما حكاه في مفتاح الكرامة عن هذه الكتب الثلاثة من إرث الأخوات للأبوين من الدية لا أصل له وعلى كل لم يوجد وجه لمنع النساء المتقربات بالأب سوى دعوى ان الدية انما تكون لمن يتحمل الدية عن المقتول لو جنى في حياته خطاء كما يظهر من المفيد عليه الرحمة في ميراث المقنعة ورواه الشيخ في فرائض الخلاف في إحدى الروايتين عن على (عليه السلام) لكنها غير ثابتة ومنقوضة بإرث الام والزوجين من الدية والمشهور بين الأصحاب منع المتقرب بالأم مطلقا دون غيرهم واختاره المصنف أيضا في جواهره والشيخ في النهاية ، والموجود في النصوص منع الاخوة والأخوات للأم فقط والمسألة محل اشكال.

عدة المتوفى عنها زوجها ، فان انقضت عدتها لم يكن لها ميراث.

وان كان طلاقها طلاقا لا يملك فيه الرجعة ، لم يرث كل واحد منهما الأخر على وجه.

« باب ميراث ولد الملاعنة »

لا يرث ولد الملاعنة أباه ، ولا الأب يرثه ، ولا يرث أحدا من قرابة أبيه ، وهو يرث امه ، وكل من كان من أقاربها. وترثه امه ، ومن يتقرب إليه بالأم ، فإن أقر الأب به بعد اللعان ، ورث أباه ، ولم يرثه الأب على حال.

فان مات ولد الملاعنة ، وخلف أخوين أو أختين ، أو أخا وأختين (1) أحدهما أخا كان أو أختا من قبل الأب والام ، والأخر من قبل الام ، كان ميراث بينهما نصفين لان نسبه من قبل الأب غير معتبر ، وانما الاعتبار بما كان من قبل الأم.

فإن ترك ابن أخيه لامه ، وابنة أخيه (2) لها ، كان الميراث بينهما نصفين.

فان ترك بنت أخيه لامه ، وابن أخته لها ، كان الميراث بينهما نصفين ، لان كل واحد منهما يأخذ نصيب من يتقرب به ، والذي يتقربون به من الأخ والأخت يتساوون في القسمة ، وكذلك ان ترك أخا وأختا (3) وابن أخ وابن أخت وجد أو جدة ، كان الميراث بينهم أثلاثا متساوية ، كمثل ما قدمناه ، (4) وعلى هذا الترتيب

ص: 164


1- الصواب « وأختا ».
2- لعل الصواب « وابنة أخته لها ».
3- الظاهر ان الصواب « ترك أخا أو أختا أو ابن أخ أو أين أخت وجدا وجدة » أو الصواب أخا وأختا أو ابن أخ وابن أخت وجد أو جدة والا لم تتحقق القسمة أثلاثا مع ان ابن الأخ وابن الأخت لا يرث مع أخ أو أخت والمراد بالجد أو الجدة هو للام دون الأب.
4- اى ان كل واحد يأخذ نصيب من يتقرب به وفي نسخة النهاية « لمثل » وهو أظهر.

يجرى ميراث ولد الملاعنة ، فيتأمل ذلك.

« باب ميراث ولد الزنا »

يختلف في ميراث ولد الزنا ، فمنهم من يقول : ولد الزنا لا يرث أباه ، ولا امه ولا يرثه أبوه ولا امه ، ومنهم من يقول : يرث امه ومن يتقرب بها ، وترثه امه ، ومن يتقرب بها ، والأقوى عندي هو الأول ، لأن توريث الولد من الوالد يتبع صحة إلحاق الولد به شرعا ، فلما لم يجز هاهنا الحاقة به كذلك (1) من حيث حصل عن وطأ بغير عقد ولا شبهة عقد ، وكان ذلك قائماً (2) كان الأقوى ما ذكرناه ، فأما انه لا يرث أباه ولا يرثه أبوه. فلا يختلفون فيه ، فلذلك قصرنا هاهنا الكلام في ميراث امه ، فاما ولد ولد الزنا ، فإنه يرث أباه ، ويرثه أبوه وكذلك زوجه أو زوجته.

« باب ميراث الحميل ، والأسير »

« والمفقود ، واللقيط. والمشكوك فيه »

الحميل هو الذي يجلب من بلاد الشرك ، ويتعارف منهم قوم بسبب (3) يقتضي الموارثة ، فإنهم إذا كانوا كذلك ، قبل قولهم في ذلك من غير بينة ، وورثوا ، ويجرى هذا المجرى سائر من حصل في بلاد ، وهو غريب منه ، ومعه من يعترف بأنه والده أو ولده ، أو اخوه ، أو ما جرى هذا المجرى ، فإنه يقبل قولهم ، ويورثون عليه.

واما الأسير : فإذا كان أسيرا في بلاد الشرك أيضا ، (4) ولم يعلم موته ، فإنه

ص: 165


1- أي شرعا.
2- لعل المراد : إذا كان ذلك ثابتا وانه حصل عن زنا ولم يكن شبهة ولا فراش وفي نسخة ( ب ) قائماً في أمة.
3- المراد بسبب هنا أعم من النسب وفي نسخة ( ب ) كتب فوقه « نسب » بدلا.
4- الظاهر ان هذه الكلمة زائدة أو مصحفة.

يورث ويوقف نصيبه الى حين حضوره ، أو يعلم موته (1) ، أو يمضى من الزمان مدة لا يعيش مثله إليها ، فان مات في هذه المدة من يرثه هذا المفقود ، فينبغي ان يوقف نصيبه منه حتى يعلم حاله ، ويسلم الباقي الى الباقين من الوراث.

فاما اللقيط : فان كان توالى الى أحد يضمن جريرته وحدثه ، كان ميراثه له وحدثه عليه ، وان لم يكن توالى الى أحد ، كان ميراثه لبيت المال ، وليس لمن التقطه ورباه من ميراثه شي ء ، فان طلب الذي رباه ما أنفقه عليه ، كان له ذلك ، ويأخذه من أصل تركته ، ويكون الباقي لبيت المال.

واما المشكوك فيه : فهو ان يطأ الرجل زوجته ، أو مملوكته ، ثم يطأها غيره في هذه الحال (2) ، وتأتي بولد ، فإنه إذا كان كذلك ، لم يلحقه بنفسه لحوقا صحيحا ، بل يربيه وينفق عليه ، فاذا حضرته الوفاة ، عزل له من ماله ما يستعين به على حاله ، فان مات هذا الولد لم يكن له من ميراثه شي ء وكان جميعه لبيت المال ان لم يترك ولدا ولا زوجا ولا زوجة.

وإذا وطأ رجلان جارية مشتركة بينهما ، وجاءت بولد ، أقرع بينهما ، فمن خرج اسمه ، الحق الولد به ، وضمن للباقي من شركائه حصتهم ، وتوارثا.

فان وطأ اثنان في طهر واحد بعد انتقال الملك من الواحد منهما إلى الأخر ،

ص: 166


1- زاد في هامش نسخة ( ب ) هنا « فان لم يعلم له موت ولا حياة فهو بمنزلة المفقود واما المفقود فإنه لا يقسم ماله الا ان يعلم موته » وهكذا في المبسوط.
2- يعنى حراما ويحتمل ان يكون المراد أعم منه ومن الشبهة وهذا الحكم ذكره الشيخ أيضا في النهاية هنا وهو بظاهره مخالف صريح لقانون « الولد للفراش » المتفق عليه بين الفريقين بالنصوص المستفيضة عن النبي صلى اللّه عليه وآله لكن الظاهر ان المراد بما ذكراه هنا ما إذا غلب على الظن بأمارة انه ليس الولد منه كما يأتي في هذا الكتاب « باب إلحاق الأولاد » في أواخر كتاب الطلاق وهذا قد استدل له بأخبار لا تخلو من ضعف في سندها أو دلالتها مع اضطراب بينها ومخالفتها لغيرها فراجع كتاب النكاح من جواهر الكلام باب أحكام الأولاد.

كان الولد لا حقا بالذي هي عنده ، ويرثه ويرث (1) الأب ، والولد أيضا يرثه.

وإذا تبرأ إنسان من جريرة ولده عند إنسان ، (2) ومن ميراثه ، ومات الولد ، كان ميراثه لعصبة أبيه (3) ولم يكن لأبيه شي ء في ذلك على حال.

« باب ميراث المماليك والمكاتبين »

المملوك لا يملك شيئا يستحقه وراثه الأحرار لأن المال الذي يكون معه ، مال لمولاه ، وكذلك المدبر.

فاما المكاتب : فإنه ان كان مشروطا عليه ، كان حكمه حكم المملوك سواء وان لم يكن مشروطا عليه فإنه يرث ويورث بقدر ما ادى من مكاتبته من غير زيادة ولا نقص ، فان اشترط المكاتب على الذي كاتبه ان يكون ولاؤه له ، كان شرطه صحيحا ، (4) فان شرط ان يكون ميراثه له دون ورثته ، لم يجز ذلك.

ص: 167


1- الظاهر زيادة « ويرث » والصواب « ويرث الأب والولد أيضا يرثه » كما في عبارة النهاية.
2- الصواب « عند السلطان » كما في نسخة « ب » تصحيحا وللخبر الذي هو مدرك لهذا الحكم الوسائل ج 17 الباب 7 من أبواب ميراث ولد الملاعنة.
3- العصبة الرجال المتقربون بالأب والمذكور في الخبر المشار إليه أقرب الناس الى أبيه وهو شامل للنساء وهذا الحكم ذكره الشيخ أيضا في النهاية وحكى عن غيرهما لكن ذكر في الشرائع انه قول شاذ وحكى في السرائر ان الشيخ قد رجع عنه في حائرياته وقال ان الرواية به شاذة.
4- المكاتب ليس كالمعتق لأنه اشترى نفسه بمال فلا ولاء عليه لمولاه كالسائبة فيكون ميراثه للإمام إذا لم يكن له وارث كما ورد ذلك في الخبر ولكن إذا اشترط هو في عقد الكتابة أو اشترط عليه ان يكون ولائه لمولاه جاز لعموم « الشروط والنصوص الخاصة » فيرثه مولاه إذا لم يكن له وارث واما إذا اشترط عليه ان يكون ميراثه له مع وارث له فلا يجوز لكونه مخالفا للكتاب كما صرح به أيضا في بعض الاخبار.

وإذا كان العبد بين شريكين ، فأعتق أحدهما نصيبه فيه ، ومات وترك مالا ، كان نصفه للذي لم يعتق منه نصيبه ، والنصف الأخر لورثته ، فان لم يترك وارثا ، كان ذلك لمولاه الذي أعتقه على ما تقدم (1).

« باب ميراث الغرقى ، والمهدوم عليهم في وقت واحد ».

إذا غرق جماعة من الناس في وقت واحد ، أو انهدم عليهم موضع ، فمات جميعهم ، ويكونون يتوارثون ، ولا يعلم من الذي مات منهم قبل الأخر ، فالحكم في توريثهم ان يورث بعضهم من بعض من نفس تركته ، لا مما يرثه من الأخر ، يقدم الأضعف في استحقاق الميراث ، ويؤخر الأقوى في ذلك ، مثال ما ذكرناه ان نفرض انه غرق زوج وزوجة ، فنفرض موت الزوج أولا ، وتورث الزوجة منه ، لان سهمها في الاستحقاق أقل من سهم الزوج ، وذلك لان أكثر ما تستحقه الزوجة الربع ، وأكثر ما يستحقه الزوج النصف ، فهو أقوى حظا منها فيعطي الزوجة حقها منه ، والباقي لورثته ثم نفرض ان الزوجة ماتت ، فيورث الزوج منها ، فيدفع اليه حقه من نفس تركتها ، دون ما ورثته منه ، ويعطى وراثها الباقي.

ومثال ذلك (2) ، أب وابن ، فنفرض موت الابن أولا ، ويورث الأب منه ، لان سهمه السدس مع الولد ، (3) ، والباقي للابن ، فهو أضعف منه. ويعطى ورثته الباقي من المال ، ثم نفرض أن الأب مات ، فيعطى الابن حقه ، والباقي لورثته ، فان فرضنا في هذه المسألة ان للأب وارثا ، الا ان هذا الولد اولى منه ، وفرضنا ان للولد وارثا ، الا ان الأب أولى منه ، فإنه يصير ميراث الابن لورثة الأب ، وميراث الأب لورثة الابن ، لأنا لو فرضنا موت الابن أو لا صارت تركته لأبيه ولو فرضنا موت

ص: 168


1- اى على التفصيل المتقدم في باب ميراث الموالي وذوي الأرحام.
2- أي مثال آخر له.
3- اى مع وجود الولد للابن الميت والمراد بقوله والباقي للابن وقوله يعطى ورثته أيضا ، هذا الولد.

الأب (1) لصارت تركته لورثة الابن.

فان مات اثنان ، وخلف أحدهما ميراثا ، ولم يخلف الأخر شيئا ، فالذي خلف ميراثا يرثه الأخر ، وينتقل منه الى ورثته ، دون ورثة الذي خلف الميراث ، مثال ذلك أب وابن ، فإنا إن فرضنا ان الابن لم يترك شيئا ، فالأب ليس له منه حظ فاذا فرضنا بعد ذلك موت الأب ، ورثه الابن ، فصارت تركة الأب لورثة الابن ، وكذلك لو فرضنا ان للابن مالا وليس للأب شي ء ، فإنه إذا فرضنا موت الابن ، انتقلت تركته إلى الأب فإن فرضنا موت الأب بعد ذلك ، لم يكن له شي ء ، ينتقل الى الابن ، لأن الذي ورثه الابن (2) لا يرث الابن منه ، على ما قدمناه ، فيصير ما ورثه من أبيه (3) لورثته خاصة.

فإن غرق اثنان ليس لكل واحد منهما وارث إلا الأخر ، فإن ميراثهما لبيت المال (4) فان كان لأحدهما وارث من ذي رحم (5) أو مولى نعمة ، أو ضامن جريرة

ص: 169


1- أي أولا ومعنى قوله صارت تركته لورثة الابن انها تصير للابن في الفرض ويلزمه ان تصير لورثته كما انه في الأب كذلك وفي هامش نسخة ( ب ) زاد بعد قوله موت الأب « بعد ذلك لصارت تركته للولد وصار ما كان ورثه من ابنه لورثته الأخر وكذلك لو فرضنا موت الأب » ونحوه في النهاية وهذا بمعنى ما ذكرنا إذ المراد بقوله بعد ذلك ان يفرض موت الأب أو لا بعد ما فرض موت الابن لا أن يفرض موته بعد موته وهكذا في الفروع الاتية.
2- الصواب : ورثه الأب كما في نسخة ( ب ) تصحيحا أو ورثه من الابن كما في النهاية أو يقرء ورثه بتشديد الراء من التوريث.
3- الصواب : من ابنه كما في النهاية أي ما ورثه الأب خاصة يكون لورثته
4- زاد في هامش نسخة ( ب ) هنا « لان ما ينتقل الى كل واحد منهما من صاحبه لا وارث له وما كان كذلك فهو لبيت المال ».
5- كما إذا غرق اخوان من أب ولأحدهما أخوال فإن ميراث من له الخال للآخر فينتقل الى بيت المال وميراث الأخر لمن له الخال ينتقل إلى خاله وكذا إذا كان له اخوة من أم لكن بالنسبة إلى الزائد عن ثلثهم وإذا غرق اثنان لأحدهما زوج أو زوجة فإن كان الأخر ابنا له كان لأحد الزوجين نصيبه الأدنى الربع أو الثمن والباقي للابن ينتقل الى بيت المال والا فله النصيب الأعلى والباقي للآخر.

أو زوج ، أو زوجة ، فإن ميراث الذي له وارث لمن ليس له وارث ، وينتقل منه الى بيت المال.

وإذا غرق اثنان في حال واحدة ، يرث الواحد الأخر ، والأخر لا يرثه ، فإنه لا يورث بعضهما من بعض ، ويكون ميراث كل واحد لورثته ، مثال ذلك : اخوان غرقا ، ولأحدهما أولاد ، وليس للآخر ولد ، ولا والدان ، فإنه إذا كان كذلك ، بطل هذا الحكم ، لأنه انما جعل ذلك بان يفرض توريث بعض من بعض (1) فاذا لم يصح ذلك فيه ، فالحكم ساقط.

فان مات اثنان حتف أنفهما ، لم يورث بعضهما من بعض ، ويكون ميراث كل واحد منهما لوارثه الحي ، لأن هذا الحكم جعل في الموضع الذي جوز فيه تقدم كل واحد منهما على الأخر (2).

« باب ميراث المجوس »

المجوس يرثون بالأنساب والأسباب صحيحة كانت في شرع الإسلام ، أو غير صحيحة ، مثال ذلك : مجوسي مات ، وخلف زوجته وهي أخته ، فإنها يورث منه بالاخوة ، والزوجية ، فيكون تقدير ذلك في التوريث ان لها من المال الربع بالزوجية

ص: 170


1- فيه ان مقتضى إطلاق النصوص عدم اشتراط إرث بعضهم بإرث الأخر منه بل صرح في بعضها بإرث من ليس له مال أصلا ممن له المال كما تقدم من المصنف ولذا مال بعض المتأخرين هنا أيضا الى التوريث لمن يرث دون الأخر الا انه ادعى بعض الإجماع على خلافه وذكر في مفتاح الكرامة انى تتبعت فما رأيت مخالفا سوى ما نقله المحقق الطوسي في الطبقات عن قوم. قلت كون الاجامع هنا حجة غير ظاهر واللّه العالم.
2- ظاهره انه في حتف الأنف لا يجوز احتمال تقدم موت أحدهما على الأخر وهو ممنوع نعم قد ورد فيه نص خاص بعدم التوريث وقد عمل به المشهور لكنه محل تردد.

والباقي بالاخوة ، ومثال أخر أيضا : مجوسية ماتت وخلف أخوين الواحد منهما زوجها فإن الأخ الذي ليس بزوج يورث بالاخوة ، والأخر يورث بالاخوة والزوجية ، فيكون تقدير ذلك بالتوريث ان له النصف بالزوجية ، والنصف الأخر يقسم بينه وبين الأخ الأخر.

وقال قوم من أصحابنا : بأن المجوس يورثون بالأنساب ، ولا يورثون بالأسباب إلا بما هو جائز في شرع الإسلام ، وقال الآخرون منهم بما ذكرناه أولا من انهم يورثون من الجهتين معا ، سواء كان ذلك مما هو جائز في شريعة الإسلام ، أو غير جائز فيها ، وهو الظاهر من المذهب.

« باب ميراث الخنثى »

إذا كان لإنسان ما للرجال وما للنساء ، اعتبرت حاله في هل هو ذكر أو أنثى ببوله ، فان خرج البول مما هو للرجال ، ورث ميراث الذكور ، وان خرج مما هو للنساء ، ورث ميراث الإناث ، فإن خرج البول منهما جميعا (1) ، ولم يسبق أحدهما الأخر ، كان الاعتبار في ذلك بانقطاعه فأيهما انقطع منه قبل الأخر كان التوريث بحسبه فان انقطعا جميعا في حال واحدة ، ورث ميراث الرجال والنساء ، بان يعطى نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى ، فإن دعت الحاجة الى من ينظر الحال في البول من مجيئه وانقطاعه ، فليحضر قوم عدول ويقف الخنثى خلفهم ، ويأخذ كل واحد منهم مرآة فيستقبله بها وينظر الشبح الذي فيها ، فمهما ادى نظره اليه كان الحكم له ، والتوريث بحسبه ، وقد ورد انه يعد أضلاعه (2) ، فمن عمل به كان

ص: 171


1- زاد في هامش نسخة ( ب ) هنا « كان الاعتبار بما سبق منهما فان سبق ما للرجال ورث ميراث الذكور وان سبق ما للنساء ورث ميراث الأنثى فإن خرج البول منهما جميعا ».
2- يعنى ان تساويا ورث ميراث المرأة وان زاد أحدهما على الأخر ورث ميراث الرجال كما في النهاية.

جائزا ، فإن كان ممسوحا ، ليس له ما للرجال ، ولا ما للنساء ، فإنه يورث بالقرعة ، ويكتب على سهم عبد اللّه ، وعلى سهم امة اللّه ، فأيهما خرج ورث بحسبه ، والخنثى إذا تزوج من خنثى على ان الواحد منهما رجل ، والأخر امرأة ، من قبل ان يبين أمرهما أوقف النكاح الى ان يتبين ، فان مات أحدهما قبل بيان أمرهما لم يتوارثا.

وإذا كان له ما للرجال وما للنساء ، ودعت الحاجة الى ان يختن قبل ان يبين امره ، لم يجز ان يختنه رجل ولا امراة ، وينبغي ان يشترى له جارية من ماله تختنه ، فان لم يكن له مال اشترى ذلك له من بيت المال ، فاذا ختنته بيعت بعد ذلك ، وأعيد ثمنها الى بيت المال ، والخنثى إذا كان مملوكا ، وقال سيده ، « كل عبد لي وامة أحرار ، وكل مملوك لي حر » فإنه ينعتق بذلك من غير ان يعتبر له حال ، هل هو ذكر أو أنثى ، فإن قال : « كل عبد لي حر » لم ينعتق حتى يعتبر حاله في ذلك.

فان تبين انه رجل انعتق ، فان تبين أنه امرأة لم ينعتق ، فان قال : « كل امة لي حرة » لم ينعتق حتى يعتبر حاله ، فإن بان أنه امرأة أعتق ، وان بان انه رجل لم ينعتق ، فان مات من ذكرنا حاله ، كان ميراثه بالولاية على حسب ما تبين من حاله.

وإذا اوصى إنسان لحمل ، فقال ان كان ذكرا كان له مأة دينار ، وان كان أنثى ، كان له خمسون دينارا ، فولد خنثى ، أوقف الحكم فيه الى ان يبين امره فمهما بان منه كان الحكم بحسبه.

وإذا سرق الخنثى ، أو قذف ، أقيم عليه الحد ، فان قطع إنسان يده أو رجله أو فقأ عينه أوقفت الجناية حتى يبين أمره ، فإن بان انه رجل ، كان على الجاني نصف دية رجل ، وان كان امرأة ، كان عليه نصف دية امرأة.

وإذا ادعى الخنثى انه رجل أو انه امرأة لم يلتفت الى قوله في ذلك ووجب اعتبار حاله ، فمهما بان من امره كان العمل فيه بحسبه.

« باب ميراث من له رأسان »

إذا كان لشخص واحد رأسان على حقو واحد ، كان الاعتبار في هل هو حي

ص: 172

واحد ، أو حيان بان يترك حتى ينام ، ثم ينبه أحدهما ، فإن أنبته أحدهما ، ولم ينتبه الأخر ، ورث ميراث شخصين ، وان انتبها جميعا ، ورث ميراث شخص واحد.

« باب احتصار حساب الفرائض »

الأصل في ذلك سهام الفرائض ، وقد ذكرنا فيما تقدم انها ستة ، وهي : النصف والربع ، والثمن ، والثلثان ، والثلث ، والسدس ، وبينا فيما تقدم من المستحق لهذه السهام مفصلا ، فإذا أردنا أن نذكر حساب الفرائض فينبغي ان تبين مخرج كل سهم منها ، لأنها كما قدمناه ، الأصل في ذلك ، فنقول : ان مخرج النصف من اثنين ومخرج الربع من أربعة ، ومخرج الثمن من ثمانية ، ومخرج الثلثين والثلث من ثلاثة ، ومخرج السدس من ستة.

فإن كان في الفريضة مع النصف ثلث أو سدس ، كان من ستة ، وان اجتمع معه ثمن أو ربع ، فهي من ثمانية ، فإن اجتمع ثلثان وثلث ، كان من ثلاثة ، فإن كان فيها ربع وما يبقى ، أو ربع ونصف ، وما يبقى ، فهي من أربعة ، فإن كان فيها ثمن وما يبقى أو ثمن ونصف وما يبقى. فهي من ثمانية ، وان كان مع الربع ثلث أو سدس ، فهي من اثنى عشر ، وان كان مع الثمن ثلثان أو سدس ، كانت من أربعة وعشرين ، وإذا أردت إخراج السهام وقسمتها صحاحا ، فانظر الفريضة.

فإن كان فيها فرض مسمى ، إذا خرجته لمستحقه ، كان الباقي وفقا لباقي الوارث ، فاقسمه عليهم ، وليست هاهنا يحتاج الى ضرب السهام بعضها في بعض مثال ذلك : إنسان مات وخلف أباه وخمسة بنين فهذه من ستة ، لأن أقل عدد يخرج منه سدس صحيح هو ستة ، للأب السدس من ذلك سهم واحد ، ويبقى خمسة أسهم يقسم على البنين الخمسة ، لكل واحد منهم سهم ، ومثال أخر : امرأة ماتت وخلفت زوجها وثلاثة بنين فهذه من أربعة ، لأن أقل عدد يخرج منه ربع صحيح ، هو أربعة للزوج من ذلك الربع سهم ، ويبقى ثلاثة أسهم ، يقسم على البنين الثلاثة ، لكل واحد منهم سهم.

ص: 173

فان لم تجد السهام وفقا على ما ذكرناه ، ووجدتها منكسرة ، إذ قسمتها فهي ضربان : أحدهما ان يكون فيها فرض مسمى ، وما بقي لمن يبقى ، والباقي ان يكون فيها فرض مسمى ، والباقي يرد على أهل تلك التسمية فإن كان ما يجده ينكسر وفيه فرض مسمى ، والباقي لمن يبقى ، وهو الضرب الأول فاخرج الفرض الأول لمستحقه.

فاذا وجدت الباقي ينكسر على من يبقى من الوراث ، فاضرب رءوسهم في أصل الفريضة ، ثم اقسم ذلك ، تجد السهام صحيحة ، مثال ذلك إنسان مات ، وترك أباه ، وثلاثة بنين ، فهذه من ستة ، لأن أقل عدد يخرج منه سدس صحيح هو ستة ، كما قدمناه ، يكون للأب من ذلك السدس سهم واحد ، ويبقى خمسة أسهم ، لا ينقسم على البنين الثلاثة على الصحة ، فالوجه في ذلك ان تضرب رءوسهم وهي ثلاثة في أصل الفريضة ، وهي ستة فيكون ثمانية عشر سهما للأب منها السدس ثلاثة أسهم ، ويبقى خمسة عشر سهما للبنين الثلاثة ، لكل واحد منهم خمسة أسهم.

ومثال آخر إنسان مات وترك أباه وأربعة بنين ، فهذه أيضا من ستة ، لأن فيها سدسا ، وهو سهم للأب ، تبقى خمسة أسهم ، لا تنقسم على الأربعة البنين ، فالوجه في ذلك ان تضرب رؤسهم وهي أربعة في ستة ، وهي أصل الفريضة ، يكون أربعة وعشرين سهما ، فللأب منها السدس أربعة أسهم ، ويبقى عشرون سهما للبنين الأربعة ، لكل واحد منهم خمسة أسهم فإن حصل في شي ء من ذلك زوج أو زوجة فليفرض ذلك ، كان رجلا مات وخلف زوجته وابنين ، فهذه من ثمانية ، للزوجة الثمن سهم واحد ، يبقى سبعة أسهم ، لا ينقسم على الابنين.

فالوجه في ذلك ان تضرب رؤسهما ، وهي اثنان في أصل الفريضة ، وهي ثمانية فيكون ستة عشر سهما ، للزوجة منها الثمن سهمان ، ويبقى أربعة عشر سهما للابنين ، لكل واحد منهما سبعة أسهم.

ومثال أخر : امرأة مات وتركت زوجها وابنين ، فهذه من أربعة للزوج الربع سهم واحد ، ويبقى ثلاثة أسهم ، لا تنقسم على الاثنين على الصحة ، فالوجه

ص: 174

في ذلك ان تضرب رؤسهما ، وهي اثنان في أصل الفريضة ، وهي أربعة ، يكون ثمانية أسهم للزوج منها الربع سهمان ، ويبقى ستة أسهم للابنين ، لكل واحد منهما ثلاثة

فإن فرضنا حصول زوج أو زوجة مع الأولاد والأبوين ، أو أحدهما ، كان العمل على ما نذكره ، نفرض ان رجلا مات وترك أبويه وزوجته وابنين ، فهذه من أربعة وعشرين ، لان ذلك أقل عدد يخرج منه سدسان صحيحان ، وثمن صحيح ، يكون للزوجة منها الثمن ثلاثة أسهم ، وللأبوين السدسان ثمانية أسهم ، يبقى ثلاثة عشر سهما ، لا تنقسم على الصحة على الابنين.

فالوجه في ذلك ان تضرب رؤسهما وهي اثنان في أصل الفريضة ، وهي أربعة وعشرون ، فيكون ثمانية وأربعين سهما للزوجة من ذلك ستة أسهم ، وهي الثمن ، وللأبوين السدسان ، ستة عشر سهما ، يبقى ستة وعشرون سهما للابنين ، لكل واحد منهما ثلاثة عشر سهما ، فان حصل في الفريضة مع البنين بنات فاجعل للابن بنتين.

مثال ذلك : رجل مات وترك أبويه وزوجة وثلاثة بنين وبنتا فالفريضة من أربعة وعشرين ، فصح منها سهام الوالدين والزوجة ، وتنكسر سهام الأولاد ، فتضرب عددهم وهو سبعة ، لأن بنتا وثلاثة بنين بمنزلة سبع بنات في أصل الفريضة ، فيصير مائة وثمانية وستين ، منها سهم الزوجة أحد وعشرون ، وسهم الأب ثمانية وعشرون ، وكذا سهم الام ، فيبقى أحد وتسعون ، يكون لكل ابن أربعة أسهم ، وللبنت سهمان.

ثم اضرب ذلك على ما بيناه ، واما الضرب الأخر : وهو ان يكون في الفريضة فرض مسمى ، والباقي رد على أهل تلك التسمية ، فمثاله ان نفرض ان إنسانا هلك وخلف أبويه وبنتا ، فهذه من ستة ، لأن فيها نصفا وسدسا للأبوين منها السدسان ، وللبنت النصف ثلاثة أسهم ، ويبقى سهم يرد على الأبوين منها والبنت بحسب سهامهم ، وهي خمسة ، فان شئت جعلتها من خمسة ، واستغنيت عن الضرب ، فيكون للأبوين منها سهمان وللبنت ثلاثة أسهم ، وهذا اولى وأقرب من الضرب.

فإن أردت ان تضرب ذلك ، فاضرب سهامهم ، وهي خمسة ، في أصل الفريضة وهي ستة ، يكون ثلاثين سهما ، للأبوين منها سدسان عشرة أسهم ، وللبنت النصف

ص: 175

خمسة عشر سهما ، ويبقى خمسة أسهم يرد على الأبوين والبنت بحسب سهامهم ، فيكون للأبوين منهما سهمان ، لكل واحد منهما سهم ، وللبنت ثلاثة أسهم.

ومثال آخر : إنسان أخر مات ، وترك أباه وبنتين ، فهذه من ستة ، للأب منها السدس سهم واحد ، وللبنتين الثلثان أربعة أسهم ، ويبقى سهم واحد يرد على الأب والبنتين بحسب سهامهم ، وهي خمسة ، فان شئت جعلتها من خمسة أسهم ، وهو الاولى من الضرب ، والأقرب يكون للأب سهم واحد ، وللبنتين أربعة أسهم لكل واحد منهما سهمان ، وان أردت ضرب ذلك ، فاضرب سهامهم ، وهي خمسة في أصل الفريضة وهي ستة ، فيكون ثلاثين سهما للأب السدس خمسة أسهم لكل واحدة منهما سهمان.

فان اجتمع مع أصحاب الرد زوج أو زوجة ، لم يرد على الزوج والزوجة شي ء ، بل يدفع الى كل واحد منهما فرضه المسمى بغير زيادة عليه ، والباقي لمن يبقى من الوراث ، مثال ذلك : رجل هلك وترك أباه وزوجته وبنتا ، فهذه من أربعة وعشرين ، للزوجة منها الثمن ثلاثة أسهم ، وللأب السدس أربعة أسهم ، وللبنت النصف اثنا عشر سهما ، يبقى خمسة ، يرد على الأب والبنت بحسب سهامهم دون الزوجة ، فتنكسر على الأب والبنت.

فالوجه في ذلك ان تضرب سهامهما وهي أربعة من ستة ، يحق النصف والسدس في أصل الفريضة ، وهي أربعة وعشرون سهما ، فيكون ستة وتسعين سهما ، للزوجة من ذلك الثمن اثنا عشر سهما ، وللأب السدس ستة عشر سهما ، وللبنت النصف ثمانية وأربعون سهما ، يبقى عشرون سهما ، للأب منها خمسة أسهم ، وللبنت خمسة عشر سهما

ومثال آخر : امراة ماتت ، وتركت زوجها وأباها وبنتا ، فهذه من اثنى عشر للزوج الربع ثلاثة أسهم ، وللأب السدس سهمان ، وللبنت النصف ستة أسهم ، ويبقى سهم يرد على الأب والبنت بحسب سهامهما دون الزوج ، فينكسر عليهما ، فالوجه في ذلك ان تضرب سهامهما وهي أربعة ، يحق النصف والسدس من ستة في أصل الفريضة وهي اثنا عشر ، فيكون ثمانية وأربعين سهما ، للزوج منها الربع

ص: 176

اثنا عشر سهما ، وللأب السدس ثمانية أسهم ، وللبنت النصف أربعة وعشرون سهما ، يبقى أربعة أسهم ، للأب سهم واحد ، وللبنت ثلاثة أسهم.

فهذه جملة موجزة ، ولا نوضح عن الأصل في حساب الفرائض فليتأمل ، فإنها تكشف عن الغرض في ذلك بمشية اللّه تعالى.

فاما الناسخات فنحن نورد منها ما ينكشف به المراد منها ، فنقول : الأصل في ذلك ان تصحيح مسألة الميت الأول فإذا صححتها ، صححت مسئلة الميت الثاني ، ثم تقسم ما تختص بالميت الثاني من المسئلة الاولى على سهام مسئلته ، فان انقسمت فقد صحت المسئلتان جميعا مما صحت منه المسئلة في الميت الأول ، مثال ذلك : رجل مات وترك أبوين وابنين فهذه من ستة ، للأبوين السدسان سهمان ، وللابنين أربعة ، لكل واحد منهما سهمان.

فاذا مات أحد الابنين وخلف ابنين ، كان لكل واحد منهما سهم من هذين السهمين ، فقد صحت المسئلتان من المسئلة الأولى.

فان لم ينقسم المسئلة الثانية من المسئلة الاولى ، نظر في سهام المستحق للمسئلة الثانية ، واجمعها وأضربها في سهام المسئلة الاولى ، وقد صحت المسئلتان جميعا ، مثال ذلك المسئلة المقدم ذكرها ، فنفرض ان أحد الابنين مات ، وخلف ابنا وبنتا ، وكان له سهمان من ستة ، لا ينقسم على الصحة على الابن والبنت ، فاضرب سهم الابن وهو اثنان ، وسهم البنت وهو الواحد في أصل الفريضة للمسئلة الاولى وهي ستة ، فيكون ثمانية عشر ، يكون الأبوين منهما السدسان ، ستة أسهم ، ولكل واحد من الابنين ستة أسهم.

فإن هلك الابن وترك ابنا وبنتا ، كان للابن من ذلك أربعة أسهم ، وللبنت سهمان ، وكذلك ان مات ثالثا أو أكثر من ذلك ، في أنك تصحح مسئلة كل ميت ثم اقسم ماله من مسائل الذين هلكوا قبله من السهام على سهام مسئلته ، فان انقسمت فقد صحت المسائل كلها ، وان لم يصح ، ضربت جميع مسئلته فيما صحت منه الذين ماتوا قبله فمهما اجتمع ، فقد صحت منه جميع المسائل.

ص: 177

كتاب النكاح

اشارة

قال اللّه تعالى ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ) (1) وقال : ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجا الآية (2) وقال : ( وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ ) الايتان (3) وقال : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً ) (4) وقال : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) (5).

وروى عن النبي صلى اللّه عليه وآله انه قال : تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم حتى بالسقط. (6)

وقال : ومن أحب ان يكون على فطرتي فليستن بسنتي ، وان سنتي النكاح (7).

وعن الصادق (عليه السلام) : ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : من أحب ان يلقى اللّه تعالى طاهرا مطهرا ، فليستعفف بزوجة. (8)

واجمع المسلمون على ان التزويج مندوب اليه ، ومرغب فيه ، وان اختلفوا في وجوبه.

ص: 178


1- النساء - 3
2- الروم - 21.
3- النور - 32 و 33
4- الفرقان - 54.
5- المؤمنون - 5.
6- مستدرك الوسائل ، أبواب مقدمات النكاح ، الباب الأول.
7- مستدرك الوسائل ، أبواب مقدمات النكاح ، الباب الأول.
8- مستدرك الوسائل ، أبواب مقدمات النكاح ، الباب الأول.

« باب أقسام النكاح »

النكاح على ثلاثة أضرب :

نكاح غبطة مستدام غير مؤجل ، ونكاح متعة ، ونكاح بملك اليمين. فاما نكاح الغبطة المستدام غير المؤجل ، فهو نكاح لا يكون مؤجلا بمدة معلومة من أيام أو شهود أو سنين ويجب في ذلك النفقة ، ويلحق فيه الأولاد بالإباء ظاهرا ويستحب فيه عند العقد الاشهاد ، والإعلان ، وإذا ثبت لم ينفسخ الا بطلاق أو ما يقوم مقامه من أنواع الفرقة.

واما نكاح المتعة : فهو نكاح ينعقد بأجل معين ومهر معلوم ، وبذلك : يبين من النكاح المستدام ، فان عين فيه المهر ولم يذكر فيه الأجل ، وان سمى متعة لحق بالأول ، وكان نكاحا دائما ، وان ذكر الأجل ولم يذكر المهر كان فاسدا ، وان لم يذكر مهرا ولا أجلا كان باطلا أيضا ويشترك هو والنكاح المستدام في إلحاق الأولاد بابائهم ، واما نكاح ملك اليمين فيختص بوطي الإماء ممن يملكهن ، وأحكام جميع ذلك نبين فيما بعد.

« باب ذكر الكفاة في النكاح »

« ومن يرغب في نكاحه ومن لا يرغب فيه والاستخارة فيه »

الأحرار من المؤمنين يتكافئون في النكاح وان تفاضلوا في النسب والشرف ، كما يتكافئون في الدماء وان تفاضلوا في الشرف والأنساب ، فمن كان منهم عاقلا قادرا على نفقات الزوجات بحسب الحاجة مستطيعا للنكاح مأمونا على النفس والمال ليس بمرتكب للفجور والفواحش وليس به سفه من ( في - خ ل ) رأى وان كان حقيرا في نسبه وطلب الى غيره التزويج ورغب إليه فينبغي ان يزوجه فان لم يفعل كان عاصيا

ص: 179

مخالفا للسنة والاخبار (1) يمنع من ذلك لأجل نسبه ، كما روى عن الصادق (عليه السلام) ان النبي صلى اللّه عليه وآله زوج امراة من بنى هاشم بن عبد مناف بن تميم الداري ، (2) وزوج المقداد ضباعة بنت الزبير من عبد المطلب ، وقال : انما زوجها للمقداد ليتواضع النكاح ، فليتأسوا برسول اللّه ، وليعلموا ان أكرمكم عند اللّه أتقاكم (3).

ومن كان له ابنة فإنه يكره له تزويجها ممن كان متظاهرا بشرب الخمور أو غيرها من الفسق ، فان زوجها منه كان النكاح جائزا ويكون بذلك تاركا للأفضل وإذا أراد الإنسان التزويج ، فينبغي ان يطلب ذات الدين والأبوة والأصل الكريم ، ولا ينبغي ان يتزوج المرأة لمالها أو لجمالها إذا لم يكن اعتقادها مرضيا ولم تكن كاملة العقل سديدة الرأي ، وقال النبي (صلی الله عليه وآله) صلى اللّه عليه وآله : مالها يطغيها وجمالها يرديها (4).

وقال الصادق عليه السلام من تزوج امرأة لجمالها أو مالها حرمه اللّه مالها وجمالها (5).

ولا يتزوج امرأة مخالفة في الاعتقاد ، فان فعل ذلك كان النكاح ماضيا ، ويكون تاركا للأفضل ، وان كانت المرأة مستضعفة لا يعرف فيها نصبا ولا انحرافا عن الحق

ص: 180


1- الكلمة هنا في نسخة الأصل غير واضحة وفي غيرها « ولا يجب ان يمتنع » لكن المناسب ان تكون « ولا يجوز » أو ما يقرب منه ويأتي في باب الصداق تقييده بان يبذل لها مهر السنة.
2- مستدرك الوسائل الباب 22 من مقدمات النكاح.
3- الوسائل ج 14 الباب 26 من مقدمات النكاح وفيه انما زوجه لتتضح المناكح وليتأسوا برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وليعلموا أن أكرمهم عند اللّه أتقاهم وبمعناه في المستدرك في الباب المذكور عن النبي صلى اللّه عليه وآله.
4- مستدرك الوسائل الباب 13 من مقدمات النكاح وزاد بعد فعليك بذات الدين
5- المقنعة للمفيد وزاد بعده ومن نكح للدين وفق اللّه له الخير والجمال والكمال وفي معناهما عدة أخبار في الوسائل ج 14 الباب 14 من مقدمات النكاح.

جاز له تزويجها ، ولا يجوز لإنسان أن يزوج ابنته لمخالف له في ذلك مع الاختيار

وإذا وجد الرجل امرأة فقيرة ولها أصل ودين فلا ينبغي ان يمتنع من نكاحها لما عليه من ذلك والأفضل للرجال ان يختار والولود من النساء ، وان كانت شوهاء قبيحة المنظر ويجتنب العقيم منهن وان كانت حسناء ويستحب التزويج بالأبكار لما روى عن النبي صلى اللّه عليه وآله ، انه قال : إنهن أطيب شي ء أفواها ، وأدر شي ء أخلاقا وأحسن شي ء أخلاقا وافتح شي ء أرحاما (1) ويكره التزويج بالسودان من الزنج وغيرهم إلا النوبة.

ويكره التزويج بالاكراد وكذلك التزويج بالمجنونة.

ويجوز الوطي بملك اليمين من غير ان يطلب منها الولد ، ويجوز ان يتزوج الرجل امراة يعلم منها ارتكاب الفجور إذا تابت منه ، وإذا عقد على امراة كانت قد زنت ولم يعلم ذلك ثم علم به بعد العقد وكان قد دخل بها ، كان عليه المهر بما استحل من فرجها ، ثم ان أراد ان يمسكها أمسكها وان أراد طلاقها ، طلقها وان كان لم يدخل بها ، كان له الرجوع بالمهر على وليها.

ونكاح الحمقاء مكروه وقد روى ان صحبتها بلاء ، وولدها ضياع (2)

ص: 181


1- رواه الشيخ كذلك في النهاية وفي التهذيب باب اختيار الأزواج كما في نسخته المطبوعة لكن في الوافي حكى عنه أطيب شي ء أخلافا وأحسن شي ء أخلاقا وافتح شي ء أرحاما مقتصرا على هذه الثلاث ونحوه في نسخة ( خ ) من المتن وللخبر ألفاظ أخر كما في الوسائل الباب 17 من مقدمات النكاح والا خلاف جمع خلف بالكسر اى الضرع وقال ابن إدريس في السرائر حيث أورد الخبر بتمامه : افتخ بالخاء المعجمة بمعنى ألين وأنعم لكن في مجمع البحرين أورده في الحاء المهملة وفسره كالمجلسي عليه الرحمة في المرآة بكثرة النسل وهذا انسب بقوله صلى اللّه عليه وآله بعده : اما علمتم أني أباهي بكم الأمم يوم القيمة حتى بالسقط وانه في رواية الكافي زاد عليه وأنشفه أرحاما والنشف قلة الرطوبة.
2- وسائل الشيعة ج 14 ، كتاب النكاح ، أبواب مقدمات النكاح والباب 33

وينبغي لمن أراد التزويج ، ان يتزوج للدين والسنة ، ولا يتزوج للرياء والسمعة وإذا أراد التزويج استخار اللّه في ذلك يقول : « اللّهم انى أريد النكاح فسهل لي من النساء أحسنهن خلقا وخلقا وأعفهن فرجا وأحفظهن لنفسها ودينها وأمانتي عندها » ثم يفعل ما يريد منه.

« باب في ذكر من يحرم نكاحه من النساء ومن يحل منهن »

المحرمات من النساء على ضربين :

أحدهما : يحرم بالنسب ، والأخر : يحرم بالسبب ، فالذي يحرم بالنسب الام وان علت والبنت وان نزلت وبنات الأخ وان نزلن وبنات الأخت وان نزلن أيضا والعمة والخالة وان علتا (1).

واما الذي يحرم بالسبب فعلى ضربين :

أحدهما : يحرم العقد عليه على كل حال ، والأخر يحرم عليه في حال دون حال والذي يحرم العقد عليه على كل حال هو كل من جرى في الرضاع مجرى من ذكرنا تحريمه بالنسب.

ويلحق بذلك أيضا كل امراة عقد عليها الأب أو الابن ومملوكة الأب أو الابن إذا جامعاها أو قبلاها بشهوة أو نظرا منها الى ما يحرم على غير مالكها النظر اليه ، وأم الزوجة سواء دخل بابنتها أو لم يدخل وبنت المدخول بها ، فان عقد عليها ولم يدخل بها جاز العقد على البنت (2) وهذا الحكم أيضا ثابت في المتعة.

ص: 182


1- بأن كانت عمة أو خالة لأب الإنسان أو امه أو جده أو جدته لأبيه أو امه واما عمة العمة أو خالة الخالة فقد لا تكون كذلك كما إذا كانت عمة الإنسان أختا لأبيه من جهة الأم فقط أو كانت خالته أختا لأمها من جهة الأب فقط فالظاهر عدم حرمة عمة هذه العمة وخالة هذه الخالة عليه.
2- اى بعد فراق أمها كما يأتي قريبا.

فاما ملك اليمين فإنه إذا وطئ الرجل مملوكة (1) له حرم عليه وطؤ بناتها بالملك والعقد أيضا فان لم يطأ الام جاز له وطؤ البنت وان كانت أمها باقية في ملكه ، والمعقود عليها ليست كذلك ، لأنه إذا لم يدخل بالأم لم يجز له العقد على البنت الا بعد مفارقتها.

والمرأة المزني بها يحرم على أب الزاني بها وعلى ابنه ، العقد عليها ، فان كان زنى بها بعد ان عقد الأب أو الابن عليها ، فإنه لا يبطل العقد.

وإذا ملك الرجل جارية ووطئها ثم وطئها ابنه بعد وطي الأب لها لم يحرم بذلك على الأب وطؤها ، فإن كان ابنه وطئها قبل وطي الأب لها حرم وطؤها على الأب.

وإذا كان للمرأة زوج ، أو كانت في عدة من زوج له عليها رجعة ، وفجر بها رجل في شي ء من ذلك حرم على الذي فجر بها العقد عليها ابدا.

وإذا طلق رجل زوجته تسع تطليقات للعدة وقد تزوجت فيما بينها بزوجين حرمت عليه ابدا.

وإذا لا عن رجل امرأته فرق بينهما ، ولم تحل له بعد ذلك ابدا.

وإذا عقد المحرم على امرأة وهو عالم بتحريم ذلك فرق بينهما ولم تحل له ابدا فان لم يكن عالما بهذا التحريم فرق بينهما وجاز له العقد عليها بعد الإحلال.

وإذا قذف رجل امرأته وهي صماء أو خرساء فرق بينهما ولم تحل له ابدا.

ومن فجر بغلام فأوقب حرم عليه العقد على امه وابنته وأخته.

وإذا عقد الرجل على امرأة في عدتها وهو عالم بذلك فرق بينهما ولم تحل له ابدا وان لم يكن دخل بها ، ولا فرق بين ان يكون العدة عدة الطلاق ، أو عدة الوفاة وان لم يكن عالما بذلك فرق بينهما ، وإذا انقضت العدة ، جاز له بعد ذلك العقد عليها ان لم يكن دخل بها وإذا كانت المرأة عالمة بذلك حرم عليه الرجوع

ص: 183


1- في نسخة ( خ ) وهامش نسخة ( ب ) تصحيحا : حرم عليه وطي أمها على كل حال ويجوز ان يملكها ولا يطأها وإذا وطي الام بالملك حرم عليه إلخ.

الى هذا الزوج تعقد آخر وإذا لم يكن عالما بذلك وكان قد دفع إليها المهر كان له الرجوع عليها به ، وان عقد عليها وهي في عدة ودخل بها فرق بينهما ولم تحل له ابدا ، سواء كان عالما بذلك أم لم يكن عالما به ، وكان لها المهر (1) بما استحل من فرجها وعليها عدتان إحداهما : تمام العدة من الزوج الأول ، والعدة الأخرى : من الزوج الثاني.

وإذا جاءت بولد لأقل من ستة أشهر ، كان لاحقا بالزوج الأول ، وان كان لستة أشهر أو أكثر كان للثاني.

واما من يحرم العقد عليه في حال دون حال فهو كل امرأة لها زوج ، فإنه يحرم على الرجل العقد عليها وهي في حباله ، فان طلقها الزوج ، أو مات عنها جاز له العقد عليها ، فان كان من ذوات العدد ، فبعد خروجها من العدة التي لزمتها.

وكل أختين من الحرائر ، فإنه يحرم الجمع بينهما في عقد نكاح غبطة أو متعة في زمان واحد ، فان تزوج بهما بلفظ واحد في وقت واحد ، كان مخيرا في إمساك الواحدة منهما (2) وتخلية الأخرى ، فإن عقد على واحدة منهما ، ثم عقد على الأخرى بعد ذلك ، كان عقده على الثانية باطلا ، فان وطئ الثانية فرق بينهما ، وحرم عليه الرجوع الى الأولى حتى تخرج التي وطئها من عدتها منه.

فان عقد الرجل على امرأة ثم عقد على أمها أو أختها (3) جاهلا بذلك فرق

ص: 184


1- ظاهره عدم الفرق في استحقاق المهر ووجوب العدة بين صورة العلم والجهل لكن الظاهر انه ان كانا عالمين فلا مهر ولا عدة لأنهما زانيان وان كان الرجل عالما فلها المهر ولا عدة عليها وان كانت المرأة عالمة فبالعكس كما ذكره الشيخ في المبسوط في كتاب العدد في فصل اجتماع العدتين.
2- اى بالعقد الأول كما هو ظاهر النص وعن جماعة من الأصحاب بطلان العقد وطرح النص بالضعف أو حمله على تجديد العقد.
3- كذا في نسخ المتن وفي النهاية : والظاهر ان ذكر الأخت تكرار ويحتمل ان يكون من سهو القلم وصوابه « أو ابنتها » لورود النص فيها أيضا كما في الوسائل في الوسائل في الباب 8 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة في الخبر 6 لكن مقتضاه الاكتفاء باستبراء الرحم وهو يحصل بحيضة نعم في خبر آخر ورد في خصوص الأخت والام كما في الباب 21 مما ذكر اعتبار انقضاء العدة ولا يبعد حمل الأول أيضا عليه وعلى كل ، ظاهرهما حرمة الرجوع الى الأولى بدون ذلك كما اختاره الماتن لكن عن جماعة حمله على الكراهة والأول أقوى.

بينهما ، فان جاءت بولد لحق به ، وحرم عليه الرجوع الى الأولى حتى تقضى التي وطأها عدتها منه ، ومن طلق زوجة له طلاقا رجعيا حرم عليه العقد على أختها حتى تنقضي عدتها ، وإذا انقضى أجل الزوجة المتمع بها جاز العقد على أختها في الحال وقبل انقضاء عدتها ، وقد روى (1) ان ذلك لا يجوز حتى تقضى العدة وهو الأحوط ، ويجوز العقد على أخت زوجته في حال موت هذه الزوجة.

ويحرم عليه الجمع بين الأختين المملوكتين في الوطأ ، فاما في الملك فهو جائز ، لأن حكم الجمع بينهما في الوطأ حكم الجمع بينهما في العقد ، فان ملكها ووطأ واحدة منهما ، حرم عليه وطؤ الأخرى حتى تخرج الموطوئة عن ملكه بهبة أو بيع أو غير ذلك ، فإن وطأ الأخرى بعد وطئه لتلك وكان عالما بذلك وتحريمه عليه ، حرمت الاولى عليه حتى تموت الثانية.

فإن أخرج الثانية عن ملكه ، وقصد بإخراجها الرجوع الى الأولى لم يجز له ذلك ، فإن أخرجها لغير ذلك جاز له الرجوع الى الاولى ، وان لم يكن عالما بتحريم ذلك عليه ، كان له الرجوع الى الأولى إذا أخرج الثانية من ملكه.

ويحرم على الرجل إذا كان حرا ان يجمع في العقد بين أكثر من أربع حرائر ، أو أمتين ، ويجوز له الجمع في العقد بين حرتين وأمتين أو حرة وأمتين ، ويجوز له الجمع ما شاء بملك اليمين مع العقد على اربع حرائر.

فإذا كان عند رجل ثلاث زوجات وعقد على اثنتين في حال ، كان مخيرا في

ص: 185


1- الوسائل الباب 27 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

إمساك إحداهما وتخلية الأخرى ، فإن عقد عليهما بلفظ واحد ثم دخل بواحدة منهما ، كان عقد المدخول بها ثابتا ، (1) وعقد التي لم يدخل بها باطلا ، فان عقد عليهما بلفظ قدم فيه ذكر اسم الواحدة منهما على الاسم الأخرى ودخل بالتي قدم اسمها ، كان عقدها ثابتا ، (2) كان نكاحها باطلا ، وكان عليها العدة لأجل الدخول بها.

وإذا كان عند رجل اربع زوجات وطلق واحدة منهن طلاقا يملك فيه الرجعة ، حرم عليه العقد على اخرى حتى تنقضي عدة المطلقة فإن كان الطلاق بائنا جاز له العقد على أخرى في الحال.

وان كان ذميا وكان عنده أكثر من اربع زوجات فأسلم فعليه ان يختار منهن أربعا فيمسكهن ان أراد ذلك وخلي سبيل ما زاد على الأربع ، والرجل إذا كان مملوكا حرم عليه الجمع في العقد بين أكثر من حرتين أو أربع إماء ويجوز له العقد على حرة وأمتين ولا يجوز له العقد على حرتين وامة.

واما ما يحرم من الرضاع فقد ذكرنا فيما تقدم ، انه يحرم منه ما يحرم بالنسب وإذا عقد الرجل على طفلة رضيعة وله زوجة ، فأرضعت هذه الطفلة حرمت عليه الطفلة الرضيعة وامرأته التي أرضعتها.

وإذا كان لرجل زوجتان فارضعتا هذه الطفلة ، حرمت عليه الطفلة والزوجة

ص: 186


1- ظاهره ان الدخول بها بمنزلة الاختيار وان لم يكن بقصده كما إذا كان جاهلا بتحريم أزيد من اربع ونظيره الدخول بالمطلقة في العدة الرجعية حيث ورد انه رجوع لكن لم أجد هنا دليلا عليه ولا تعرضا له في كتب الأصحاب سوى الشيخ في النهاية حيث ذكر فيها مثل ما في المتن ويمكن حمل كلامهما على ما إذا قصد به الاختيار واللّه العالم.
2- الصواب : كان عقدها ثابتا وعقد الأخرى باطلا وان دخل بالتي ذكر اسمها ثانيا كان نكاحها باطلا إلخ كما في نسخة ( خ ) وهامش نسخة ( ب ) تصحيحا وهو المذكور في النص.

التي ارضعتها أولا ، ولم تحرم التي أرضعتها ثانيا.

ومن عقد على طفلتين رضيعتين ، وكان له زوجتان ، فأرضعت الزوجة الواحدة الطفلتين ، حرمت الطفلتان عليه والتي أرضعتها ، فإن أرضعت الزوجتان الطفلتين حرم عليه الجميع (1).

ولا يجوز للمسلم العقد على مشركة ، عابدة وثن كانت ، أو يهودية أو نصرانية أو مجوسية أو غير ذلك على اختلافهم في الشرك ، لان ذلك محرم عليه الا في حال الضرورة الشديدة فإنه إذا كان ذلك جاز له العقد على اليهودية والنصرانية ، ولم يجز له العقد على الباقيات في حال من الأحوال ، ومن عقد على يهودية أو نصرانية فليمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير.

ويجوز وطؤ اليهودية والنصرانية بملك اليمين (2) ، وقد ذكر جواز وطئ المجوسية بالملك أيضا وقيل انه مكروه وترك ذلك أحوط.

وإذا كان الرجل يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا (3) وله زوجة فأسلم ولم تسلم زوجته فإمساكها ووطؤها جائزا له بالعقد الأول ، فإن أسلمت الزوجة ولم يسلم الرجل

ص: 187


1- هذا إذا أرضعت إحدى الزوجتين احدى الطفلتين المعقود عليهما وأرضعت الأخرى الثانية فإنه داخل فيما تقدم واما إذا أرضعت كلتا الطفلتين ثم أرضعتهما الزوجة الأخرى كما هو المترائى من العبارة فبناء على ما ذكرناه آنفا في مسئلة الزوجتين وطفلة واحدة ، عدم حرمة الزوجة الثانية هنا أيضا لعدم الفرق بين الطفلة الواحدة والمتعددة ثم ان للمسئلة هنا تفاصيل كثيرة من حيث كون اللبن للزوج وعدمه والدخول بالزوجة وعدمها أوردها العلامة رحمه اللّه في التذكرة ومختاره حرمة الزوجة الثانية مطلقا طرحا للنص الذي ورد بعدمها في الطفلة الواحدة.
2- وكذا بنكاح المتعة في غير حال الضرورة كما يأتي في بابه.
3- يأتي في باب نكاح المشركين ان المجوسي كالوثني في فسخ نكاحه في هذا الفرض إلا إذا كانت زوجته يهودية أو نصرانية وانه المدار في بقاء النكاح إذا أسلم زوجها حتى في اليهودي والنصراني فراجع.

لم يكن له عليها سبيل وتعتد منه ، فإن أسلم قبل ان تنقضي العدة كان أملك بها ، وان أسلم بعد انقضاء ، العدة لم يكن له عليها سبيل ، وكذلك الحكم في جميع الكفار فإن أسلم واحد منهم بعد انقضاء عدة زوجته وأراد العقد عليها ، كان كغيره من الخطاب وإذا كانت مخيرة في العقد عليها منه ، أو الامتناع من ذلك.

ويحرم العقد على الناصبة المعروفة بالنصب ، ويجوز العقد على من لا يعرف منها ذلك ، ويحرم تزويج المؤمنة بالمخالف لها في الاعتقاد ولا يجوز تزويجها إلا بمؤمن مثلها.

وإذا لم يكن للمرأة زوج وفجر بها رجل حرم العقد عليها ما دامت مصرة على الفجور فان أظهرت له التوبة من ذلك والإقلاع عنه جاز له العقد عليها ويعتبر اقلاعها عن ذلك ، بان تدعوها الى الفجور فتمتنع منه.

وإذا فجر رجل بامرئة حرم عليه العقد على أمها وبنتها من النسب والرضاع على كل حال فان قبلها أو لامسها من غير جماع أو ما جرى مجرى ذلك ، جاز له العقد على الأم أو البنت ومن فجر بأم زوجته أو ابنتها ، لم تحرم عليه بذلك زوجته.

ولا يجوز لرجل العقد على امرأة تكون زوجته عمتها أو خالتها من جهة النسب أو الرضاع الا برضاهما فان رضيتا ذلك كان جائزا ، وان لم ترضيا ولم يفسخ الزوج العقد ، كان لهما اعتزاله ، فاذا اعتزلته كل واحدة منهما واعتدت ثلاثة أقراء ، كان ذلك فراقا بينهما ، واغنى عن الطلاق.

ولا يجوز لرجل العقد على امة وعنده زوجة حرة إلا برضاها فان عقد على الأمة من غير رضا زوجته الحرة ، كان العقد فاسدا ، وان امضته الحرة كان ماضيا ولم يكن لها بعد ذلك خيار ، وان لم ترض بذلك كان لها اعتزال الزوج فاذا اعتزلته واعتدت أيضا ثلاثة أقراء كان ذلك فراقا بينهما واغنى عن الطلاق.

ومن عقد على حرة وامة في حال واحدة كان العقد على الأمة باطلا ، وكان عقد الحرة ماضيا وان عقد على حرة وعنده امة هي زوجة ، ولم تعلم الحرة بذلك

ص: 188

كانت مخيرة بين الصبر عليها وبين الاعتزال وينتظر بها مدة العدة ، فإذا انقضت عدتها ، كان ذلك فراقا بينهما ، فان رضيت لم تكن لها بعد ذلك خيار.

وإذا وجد الرجل الطول الى العقد على الحرة ، كره له العقد على الأمة (1) فان لم يجد الطول الى ذلك ، جاز له العقد على الأمة ، ولم يكن ذلك مكروها فان عقد عليها مع وجود الطول. كان تاركا للأفضل ، وكان العقد ماضيا.

ويكره للرجل العقد على القابلة ، وعلى بنتها ، ويكره للرجل الجمع بين أمرية قد عقد عليها وبين أمرية أبيها ، أو وليدته ، إذا لم تكن أمها.

ويكره ان يزوج ابنه ابنة أمرية كانت زوجته ، قد دخل بها إذا كانت البنت قد رزقت بعد مفارقتها له ، وليس ذلك بمحظور ، وان كانت البنت رزقت قبل عقد الرجل عليها ، كان جائزا على كل حال.

ويجوز للرجل ان يتزوج وهو مريض ، فان دخل بالزوجة ، ومات ، كان العقد ماضيا ، وصح التوارث بينهما ، وان مات قبل الدخول بها ، كان العقد باطلا ، ولم يصح بينهما توارث على حال.

وإذا أقام رجل بينة على العقد على أمرية ، وأثبت أخت تلك المرية بينة بأنها امرأة الرجل ، كانت البينة ، بينة الرجل ، (2) أو يكون مع بينتها قد دخل بها ، فان ثبت لها أحد هذين الأمرين ، بطلت بينة الرجل.

ويكره للرجل تزويج ضرة أمه التي كانت مع غير أبيه ، وإذا عقد رجل على أمرية وحضر رجل آخر فادعى انها زوجته ، لم يلتفت الى دعواه ، الا ان تثبت بذلك بينة.

ص: 189


1- يأتي في أول باب نكاح الإماء هنا انه غير جائز لكنه ان عقد عليه يصح العقد.
2- زاد هنا في نسخة ( خ ) وهامش نسخة ( ب ) تصحيحا « دون بينة المرأة الا ان تكون بينة المرأة قبل بينة الرجل » وهو الصواب الموافق للخبر ولقول المصنف : « فان ثبت لها أحد هذين الأمرين ».

باب ما يحرم من النكاح بالرضاع

اشارة

« وما لا يحرم به ، وما يتعلق بذلك »

الرضاع يحرم معه النكاح ، هو كل رضاع أنبت اللحم وشد العظم ، فان لم يعلم ذلك اعتبر بعشر رضعات متواليات لا يفصل بينهن برضاع أمرية أخرى.

فان لم ينضبط العدد في ذلك كان الاعتبار فيه برضاع يوم وليلة ، لا يرضع المولود فيها امرأة أخرى ، وان يكون الرضاع في مدة الحولين ، وكل رضاع اختلفت فيه هذه الشروط مثل ان يكون مما لا ينبت لحما ولا يشد عظما ، أو يكون أقل من عشر رضعات. أو يحصل العشر رضعات ويكون قد فصل بينهن برضاع امرأة أخرى ، أو يكون يوما وليلة وقد أرضعت المولود في شي ء منهما امرأة أخرى ، أو يكون أقل من يوم وليلة لمن لا يراعى العدد ، أو يكون الرضاع حصل بعد انقضاء الحولين ، سواء قد فطم الطفل أو لم يفطم أو يكون الرضاع بلبن غير الفحل أو يكون بلبن در أو غير ذلك مما يخالف ما ذكرناه (1) فإنه لا يحرم النكاح معه.

ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ، والمعنى في ذلك : ان المرأة إذا أرضعت بلبن بعل لها ، صبية ، حرمت عليه وعلى امه (2) وأجداده من جهة أبيه وامه وان علوا ، وفي بنيه وبنى بنيه وان سفلوا وان أرضعت هذه المرأة غلاما ، حرمت هي عليه وأولادها المنتسبون إليها بالولادة دون الرضاع وأولاد البعل الذي رضع بلبنه المنتسبون اليه بالولادة والرضاع من هذه المرية وغيرها ولا يتزوج الرجل بابنته من الرضاعة ولا بنات ابنه ولان سفلوا. ولا بأخته من الرضاعة ولا بعماته وخالاته من الرضاعة ، ولا يجمع بين أختين له من الرضاع.

ويجوز ان يتزوج الرجل بالمرئة التي أرضعت ابنه وكذلك يزوجها من بنيه غير الذي أرضعت ، لأنها ليست اما لهم ، وانما هي أم أخيهم الذي أرضعته ، ولا تحرم

ص: 190


1- لم يذكر فيما تقدم الا مقدار الرضاع واشتراط الحولين.
2- الصواب « على أبيه » كما في هامش نسخة ( ب ) بعلامة البدل.

عليهم لأنها ليست زوجة لأبيهم ، (1) وانما حرم اللّه نساء الإباء وهذه المرأة ليست من الأب بسبيل ، وهكذا يجوز ان يتزوجوا بنتها التي هي رضيع أخيهم وولدها وولد ولدها وكذلك يتزوج الرجل بنات المرية التي أرضعت ولده وبناتهن أيضا ، لأنهن لم يرضعن من لبنه ولا بينه وبينهن قرابة من رضاع ولا غيره ، وانما يحرم نكاحهن على المرضع.

ويجوز للرجل ان يتزوج بنت عمه وابنة عمته من الرضاع وكذلك : يجوز له ان يتزوج بنت خاله وابنة خالته من ذلك أيضا ، لأنهن مباحات من النسب ، وإذا كن مباحات من ذلك ، كن مباحات من الرضاع ، ويجوز ان يتزوج بكل من أبيح نكاحه من النسب.

وإذا أرضعت المرأة طفلين ولكل واحد منهما اخوة وأخوات ولادة أو رضاعا من غير الذي رضعا بلبنه ، فإنه يجوز ان يزوج اخوة وأخوات الواحد منهما إلى اخوة وأخوات الأخر على ما قدمناه (2) ، ولا يجوز التناكح بينهما بأنفسهما (3) ولا بين

ص: 191


1- حاصله ان الرضاع انما يثبت شرعا كون المرضعة أما لأخيهم وأم الأخ ليست في النسب عنوانا محرما بنفسه وانما تحرم عليهم لكونها اما لهم أو زوجة أبيهم وكلاهما لا يثبت بالإرضاع المذكور وهكذا الكلام في تزوجهم ببنت المرضعة سواء كانت رضيعة أخيهم أو غيرها وتزوج الرجل اى أبو المرتضع ببنات المرضعة اللاتي صرن أخوات لولده فان أخت الولد انما تحرم في النسب لكونها بنتا أو بنت الزوجة المدخول بها وكلاهما لا يثبت بالرضاع ولكن المعروف بين الأصحاب في الأخير حرمتهن عليه وعدها المحقق في النكت من المسلمات للنصوص الخاصة وفي بعضها التصريح بانهن بمنزلة ولدك وهكذا بنات بعل هذه المرضعة الذي هو صاحب اللبن ولادة ورضاعا وان لم يكن من هذه المرضعة نعم بنات المرضعة رضاعا من بعل آخر لا يحرمن على ابى المرتضع ويمكن حمل كلام المصنف على ذلك
2- بل تقدم آنفا انه يجوز ان يتزوج اخوة الواحد منهما بالآخر نفسه.
3- إلا إذا أرضعت أحدهما بلبن زوج والأخر بلبن زوج آخر فيجوز التناكح بينهما كما قال فيما تقدم وأولادها المنتسبون إليها بالولادة دون الرضاع.

إخوتهما وأخواتهما من الجهة التي (1) رضعا بلبنه كما قدمناه.

وإذا ادعت امرأة انها أرضعت طفلا لم يلتفت الى دعواها في ذلك إلا ببينة يقيمها عليه.

وإذا ربت المرأة بلبنها جديا كره لحمه ولحم ما يكون من نسله وليس ذلك بمحرم كما هو في الناس (2).

« باب في ذكر من يجوز له العقد في النكاح »

« ومن لا يجوز له ذلك »

النكاح بغير ولى ولا شهود عندنا جائز ، ولا خلاف في ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله تزوج أم سلمة ، فزوجها منه ابنها عمر ، (3) ، ولا خلاف أيضا في ان الابن لا ولاية له على الأم ، فكأنه عليه السلم تزوجها بغير ولى ، وأيضا فإنه عليه السلام أعتق صفية وتزوجها وجعل عتقها صداقها ، (4) والمعتق لا يكون وليا في حق نفسه.

ص: 192


1- الصواب كما في نسخة ( ب ) و ( خ ) من جهة الرجل الذي رضعا بلبنه وقد تقدم هذا في قوله « وأولاد البعل المنتسبون اليه بالولادة والرضاع من هذه المرية وغيرها » والوجه في الحرمة فيهم أنهم اخوة وأخوات بلبن الرجل.
2- كان المراد بالناس هنا العامة لكن لم أظفر بفتواهم هنا وانها على الحرمة أو الحلية ليظهر المراد من تشبيه المصنف.
3- الوسائل الباب 16 من أبواب عقد النكاح من كتاب النكاح وفيه انه زوجها إياه صلى اللّه عليه وآله عمر ابن أبي سلمة وهو صغير لم يبلغ الحلم ولكن في الإصابة والاستيعاب ان الذي زوجه سلمة بن أبي سلمة وان أخاه عمر ولد في السنة الثانية من الهجرة أو قبلها بقليل فلم يكن سنه قابلاً لذلك.
4- الوسائل الباب 11 من أبواب نكاح العبيد والإماء والباب 27 من أبواب مقدمات النكاح والبحار باب أحوال أزواج النبي صلى اللّه عليه وآله من مجلد تاريخه في الحديث 20 وصحيح مسلم وجامع الترمذي باب إعتاق الأمة وتزويجها وغير ذلك مما ورد في كتب السير في واقعة خيبر وما ورد في فضائل أزواج النبي صلى اللّه عليه وآله وذكر في الاستيعاب انهم لا يختلفون في ذلك.

فاذا كان الأمر على ما ذكرناه وكانت الحرة رشيدة ملكت كل عقد من نكاح وغيره.

وقد ذهب بعض أصحابنا الى ان البكر لا يجوز لها العقد على نفسها إلا بإذن أبيها وهو الأظهر في الروايات والأكثر في العمل به (1) وإذا تزوج من ذكرناه كان العقد صحيحا ماضيا ومتى طلق كان الطلاق واقعا.

والنسوان على ضربين أحدهما ثيبات ، والأخر أبكار ، فاما الثيب فإنها إذا كانت كبيرة رشيدة فإنها لا تجبر على النكاح ولا تزوج إلا بإذنها واختيارها ، فان كانت صغيرة (2) كان لوليها تزويجها.

واما الأبكار فان كانت الواحدة منهن صغيرة كان لأبيها وجدها ابى أبيها وان علا تزويجها ، وان كانت كبيرة لم يجز لأحد ان يتولى العقد عليها إلا أبوها أو جدها أبو أبيها الا ان يعضلاها فان عضلاها جاز لها ان يعقد على نفسها اى نكاح شاءت وتولى العقد عليها من أرادت من الرجال المسلمين وان كره أبوها أو جدها ذلك إذا عضلاها لم يلتفت الى كراهتهما له ، وعضلها هو ان لا يزوجاها بالأكفاء إذا خطبوها.

ص: 193


1- وقال الشيخ في المبسوط الظاهر في الروايات ان للأب والجدان يجبرها على النكاح وفي أصحابنا من قال ليس له إجبارها عليه ولست اعرف به نصا انتهى. وقال المحقق في الشرائع : وهل تثبت ولايتهما على البكر الرشيدة فيه روايات أظهرها سقوط الولاية عنها وثبوت الولاية لنفسها في الدائم والمنقطع. قلت المسئلة من عويصات الفقه والنصوص فيها متضاربة كثيرا وفيها ستة أقوال سادسها لبعض المتأخرين وهو ثبوت الولاية لكل من الأب والبنت والأفضل لهما الاستئذان من الأخر وهذا هو الأقرب واللّه العالم.
2- بان ذهبت عذرتها بوطأ زوجها أو غيره أو بغير وطأ وقد حكى الشيخ في المبسوط عن قوم يعنى من العامة انه ليس لأحد إجبار هذه الصغيرة على النكاح حتى تبلغ وتستأذن.

وإذا كان الرجل فاسقا جاز ان يكون وليا للمرأة في النكاح ، سواء كان ممن له الإجبار كالأب والجد في حق البكر أو لم يكن له ذلك ، وليس من شرط صحة انعقاد عقد النكاح ، الشاهدان عندنا ، بل يصح ثبوته من دونهما ، وانما هو مستحب.

وذهب بعض أصحابنا إلى جواز عقد النكاح للمسلم على الكافرة ، وعلى هذا إذا عقد الذمي نكاح ابنته الكافرة على مسلم بمحضر من كافرين ، كان العقد صحيحا وولاية أصحاب الصنائع الدنية كالحجام والكناس والحراس ومن جرى مجراهم إذا كانوا عدولا ، صحيحة ، ويصح ولاية الضرير في النكاح ، لأنه ليس من شرط صحة عقده ، المشاهدة ، وإذا كان الأمر على ما ذكرناه في ترتيب النساء على الأولياء وأردت ترتيب الأولياء على النساء كان هذا الأولياء : أبا ، وجدا ، وأخا ، وعما ، وابن عم ، ومولى نعمة وحاكما.

فان كان أب وجد ، وكانت المرأة مجنونة أجبرها صغيرة وله تزويجها بإذنها إذا كانت كبيرة ، وان كان لها أخ ، أو ابن أخ ، أو عم ، أو ابن عم ، أو مولى نعمة لم يجبرها أحد منهم صغيرة كانت أو كبيرة (1) وإذا كانت عاقلة فهو كالعم.

إذا أوجب الولي عقد النكاح للزوج ، ثم زال عقله بجنون أو إغماء أو مرض بطل إيجابه ولم يجز للزوج القبول وكذلك لو استدعى الزوج النكاح فقدم القبول ، وقال زوجنيها ثم لحقه مثل ما قدمناه في الولي ، بطل القبول ولم يجز للولي الإيجاب.

وإذا لم يكن للمرأة الكبيرة أب ولا جد جاز لها العقد على نفسها ، وان كان لها ذلك فتستحب له ان لا يعقد عليها حتى يستأذنها ، فإن كانت بكرا ، وضحكت أو سكتت أو بكت كان ذلك رضي منها بالتزويج.

فان عقد عليها من غير ان يستأذنها كان عقده ماضيا ولم يجز لها خلافه ، ولا يجوز

ص: 194


1- وفي نسخة اخرى. وان كانت.

لها إذا كانت بكرا ان يعقد على نفسها نكاح دوام ولا متعة إلا بإذن أبيها ورضاه فان فعلت ذلك ، كان العقد موقوفا على رضاه فان لم يرضه كان مفسوخا الا فيما قدمناه إذا عضلها.

وإذا كان لها أب وجد ، كان لكل واحد منهما العقد عليها ، والجد اولى بالتقدم في ذلك ، إذا حضرا جميعا له ، فان عقدا عليها في وقتين مختلفين ، كان العقد الأول هو الثابت والمتأخر باطلا وان عقدا عليها في وقت واحد ، كان الثابت عقد الجد دون عقد الأب ، وإذا اختاره أبوها رجلا واختار الجد غيره ، كان الثابت ما اختاره الجد دون الذي اختاره الأب.

وإذا كان الجد الذي هو أبو أبيها حيا ، وكان أبوها ميتا ، لم يجز له العقد عليها إلا بإذنها وتوكيلها له في ذلك ، لأنه مع فقد أبيه يجري مجرى غيره ممن لا ولاية له عليها إلا بإذنها وتوكيلها له وإذا كان لها جد وأخ ، فالأفضل لها إذا أرادت التوكيل في ذلك الا تعدل به عنهما ، ويستحب لها ان تجعل أمرها إلى الجد ولا تخالفه ، فإن أراد خلافها ، وكرهت هي ما اراده ، كان العمل على ما تريده هي دون ما يريده الجد.

وينبغي لها ان لا توكل في العقد عليها أباها أو غيره إذا كان كافرا وإذا كان لها اخوان فوكلتهما في العقد عليها ، فعقد الأكبر لرجل وعقد الأصغر لآخر ، كان الثابت ما عقده الأكبر ، وبطل عقد الأصغر ، فإن كان الذي عقد عليه الأصغر قد دخل بها ، كان نكاحه ماضيا ولم يكن للأكبر اعتراض عليه مع الدخول ، وان كان الأكبر سبق بالعقد ، كان لها المهر بما استحل من فرجها ، وترد إلى الذي عقد له الأكبر عليها بعد العدة ، فإن جاءت بولد من الذي كان دخل بها ، كان لا حقا بأبيه.

« في نكاح الباكرة »

وإذا كانت البالغة ثيبا ، وهي مالكة لأمرها ، جائزة التصرف في جميع أحوالها ، غير مولى عليها ، وكان أبوها حيا أو ميتا ، كان لها ان تعقد على نفسها

ص: 195

على من شاءت من الأكفاء. فإن كان أبوها حيا ، كان الأفضل لها ان لا تعدل عن رأيه ، ولا تعقد على نفسها لأحد إلا باذنه.

وإذا وكلت المرأة إنسانا في العقد عليها من رجل معين. لم يجز له العقد لغيره ، فان عقد عليها لغيره ، كان ذلك باطلا ، وإذا عقدت المرأة على نفسها ، وهي سكرى كان العقد باطلا ، فإن أفاقت ورضيت ، كان ماضيا وان لم ترضه كان باطلا فان دخل الرجل بها وهي في حال السكر : ثم أفاقت وأقرته على النكاح ، كان ماضيا.

وإذا كان لرجل عدة بنات ، فعقد على واحدة منهن لرجل ولم يسمها له ولا للشهود. وكان الزوج قد رأى جميعهن ، كان القول في ذلك قول الأب ، ووجب عليه تسليم التي نوى العقد عليها عند عقد النكاح الى الرجل ، فان كان لم يرهن كلهن كان العقد باطلا.

وحد المرية التي يجوز لها العقد على نفسها ، (1) هو بلوغها تسع سنين أو أكثر من ذلك ، والذي بيده عقدة النكاح من الأب أو غيره ممن تجعل اليه المرأة ذلك وتوليه إياها ، يجوز له العفو عن بعض المهر ، ولا يجوز له العفو عن جميعه.

وإذا عقدت الام لابنها على المرأة ، كان مخيرا بين قبول العقد فسخه فان قبله كان ماضيا ، ووجب المهر عليه ، وان لم يقبله كان المهر على امه (2)

ص: 196


1- زاد هنا في نسخة ( خ ) وهامش نسخة ( ب ) بعلامة التصحيح ( وان تولى غيرها في ذلك ).
2- للنص كما في الوسائل الباب 7 من عقد النكاح لكن اعرض عنه أكثر الأصحاب وحمله بعضهم على ما إذا ادعت الأم للوكالة لما ورد ان الوكيل إذا لم يكن له بينة على توكيله وأنكره الزوج ، لزمه نصف المهر وعلى كل ، لا يبعد ان يكون المراد بالمهر هنا أيضا نصفه لأنه الذي تستحقه المرأة قبل الدخول ولتحقيقه محل آخر

وان كانت المرأة غير بالغ لم يجز لأحد العقد عليها إلا الأب أو الجد أبو الأب في حياة أبيه ، فإن لكل واحد منهما ان يتولى العقد عليها من غير استئذان لها ، وليس لها إذا بلغت بعد ذلك اختيار ، وان كرهت لم يلتفت الى كراهتها ، وان تولى العقد عليها غير الأب أو الجد كان العقد باطلا (1) فان بلغت ورضيته كان ماضيا ، وان كرهت كان مفسوخا ، فإن ولى واحد منهما غيرهما العقد عليها كان جائزا.

وان عقد الأب عليها (2) وكان كافرا أو الجد وهو كذلك كان العقد باطلا وان عقد عليها غير أبيها أو جدها بغير اذن من واحد منهما ، كان العقد موقوفا على رضاها إذا بلغت ، فان رضيته كان ماضيا ، وان لم ترضه كان مفسوخا.

وإذا عقد الأبوان على ولديهما ، وهما صغيران ، ثم ماتا قبل البلوغ فإنهما يتوارثان ، يرث الصبي الصبية ، وترث الصبية الصبي وان عقد عليهما غير أبويهما ان لم يكن لهما أبوان وكان (3) لهما ذلك فلم يستأذنا في العقد وماتا قبل البلوغ ، لم يكن بينهما توارث.

فان مات الصبي بعد البلوغ والرضا بالعقد ، وترك مالا ، عزل عنه مقدار ما ترثه الصبية الى ان تبلغ ، فاذا بلغت ، عرض عليها العقد ، فان رضيت به استحلفت باللّه انه لم يدعها الى الرضا به الطمع في الميراث ، فان لم تحلف ، لم تعط شيئا وان حلفت ، دفع إليها ذلك.

وإذا عقد رجل لابن له غير بالغ على جارية ، كان الخيار للابن إذا بلغ ، وإذا عقد الأب لابن له صغير نكاحا وسمى له مهرا ، ثم مات الأب ، وجب أخذ المهر من أصل تركته قبل القسمة الا ان يكون لابنه مال في وقت العقد ، فان المهر يؤخذ منه ، ولا يؤخذ من مال الأب شي ء على حال.

ص: 197


1- يعنى غير ماض في حال فلا ينافي كونه موقوفا.
2- لعل المراد ما إذا كانت الصبية بحكم المسلم بان كانت أمها مسلمة أو كان كفر الأب بعد ولادتها لما تقدم من جواز عقد الذمي نكاح بنته الكافرة.
3- في نسخة ( خ ) « أو كان » وهو أصح.

« باب الصداق وأحكامه »

. قال اللّه تعالى ( وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً ) (1).

وقال تعالى ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (2) وقال ( وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ ) (3).

وقال النبي (4) صلى اللّه عليه وآله : أدوا العلائق قيل : يا رسول اللّه وما العلائق؟ قال : ما تراضى عليه الأهلون فجواز المهر ثابت بما ذكرناه والإجماع أيضا منعقد عليه وهو عندنا غير مقدر ، وسائر (5) ما يجوز ان يكون ثمنا لمبيع أو اجرة لمكترى يصح ان يكون صداقا قليلا كان ، أو كثيرا.

ويستحب عندنا ان لا يتجاوز فيه السنة المحمدية خمس مائة درهم جيادا ويجوز ان يكون منافع الحر مهرا ، مثل ان يخدمها شهرا ، أو على خياطة ثوب ، أو على ان يخيط لها شهرا ، وكذلك البناء وما أشبهه ، وكذلك تعليم القرآن والمباح من الشعر.

ص: 198


1- النساء - 4
2- النساء - 24
3- البقرة - 237
4- في بعض النسخ « وروى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله » كما في المبسوط والخير بهذا اللفظ لم أجده في اخبار الخاصة والعامة الا أنه أرسله في أم الشافعي في كتاب الصداق بنحو الجزم والقبول. وروى في سنن الدارقطني ج 3 باب المهر والبيهقي في كتاب الصداق بإسناد هما عنه صلى اللّه عليه وآله قال أنكحوا الأيامى قيل ما العلائق بينهم يا رسول اللّه قال ما تراضى عليه الأهلون وأو رد هما ابن الأثير في النهاية في مادة علق وفسر العلائق بالمهور قال وعلاقة المهر ما يتعلقون به على المتزوج وعلى كل ، النصوص المصرحة بجواز كون الصداق ما تراضى به الناس أو الزوجان قليلا كان أو كثيرا مستفيضة كثيرة من طرق الخاصة والعامة كما في الوسائل الباب 1 من أبواب المهور وكنز العمال ج 16 وغيرهما.
5- اى جميع.

وروى أصحابنا ان الإجارة مدة لا يصح ان يكون صداقا ، لان ذلك مخصوص بموسى عليه السلام (1).

وإذا أصدق الرجل المرأة شيئا من تعليم القرآن فيجب ان يكون ذلك معينا ، وإذ أصدقها تعليم سورة عين عليها وكذلك : ان كان تعليم آيات منها ، لان ذلك يختلف ، فاما التعليم بالحرف الفلاني أو قراءة (2) فلان فغير معتبر به عندنا.

فإن أصدقها تعليم سورة بعينها وهو لا يحفظها فان قال على ان أحصل لك ذلك كان صحيحا ، لأنه أوجبه على نفسه في ذمته ، وان قال على ان القنك انا إياها صح ذلك لأنه وجب في ذمته ، فليس يلزمه ، ان يكون مالكا وذكر انه لا يصح وهو الأحوط.

وإذا جعل صداقها إن يجيئها بعبدها الآبق فالأحوط انه لا يصح ، فإنه يجوز ان يجده ويجوز ان لا يجده ولها هاهنا مهر المثل.

وإذا أصدقها خياطة ثوب بعينه فهلك الثوب بطل الصداق ، وكان لها عليه مثل أجره خياطة ذلك الثوب ، وكذلك القول في كل مهر معين إذا هلك ، في انه يجب قيمته دون مهر المثل ، فان كان المهر فاسدا وجب مهر المثل ، ويستقر جميعه بالدخول ونصفه بالطلاق قبل الدخول :

ص: 199


1- الوسائل ج 15 الباب 22 من أبواب المهر ففيه « قلت فالرجل يتزوج المرأة ويشترط لأبيها إجارة شهرين فقال عليه السلام ان موسى (عليه السلام) قد علم انه سيتم له شرطه فكيف لهذا بان يعلم ان سيبقى حتى يفي » ولا ريب ان ظاهره عدم الجواز بإجارة الزوج نفسه للمرأة أيضا لعدم علمه بالبقاء الى الوفاء لكن يحتمل ان يكون مراد الامام (عليه السلام) نفى جوازه بالإجارة لأبيها فإن المهر ملك للمرأة فقط كما صرح به في النصوص فالتعليل المزبور محمول على ضرب من التقريب والا فجعل المهر تعليم سورة من القرآن للمرأة أيضا كذلك مع انه قد صرح في عدة من الاخبار بجوازه.
2- ظاهره ان الحرف غير القراءة فلعل مراده بالحرف اللّهجة كالترقيق والإشمام ولكن في المبسوط القراءة هي الحرف ويحتمل ان يكون صواب المتن « اى قراءة »

فان زمن الخياط أو تعطل ، وكان قد شرط لها خياطة ثوب لم يبطل الصداق وان كان شرط ان يخيطه هو بنفسه ، كان الصداق باطلا ، الا (1) انه علقة بشي ء معين وان كان الثوب والرجل سالمين فالحكم في ذلك على ما قدمناه. (2)

وإذا أصدقها الرجل صداقا ملكت جميعه بالعقد وكان من ضمان الزوج ، فان هلك في يده قبل القبض ، كان من ضمانه ، وإذا قبضته كان من ضمانها ، وان كان له نماء وزيادة ، كان ذلك لها من حين ملكته بالعقد حتى دخل بها ، أو يطلقها.

ولا يصح المهر الا ان يكون مما يتملكه المسلمون مثل الدنانير ، والدراهم وماله قيمة من فضة ، أو ذهب ، أو دار ، أو عقار ، أو حيوان رقيقا كان ، أو غير رقيق أو ما جرى مجرى ذلك مما تقدم ذكره أو ما أشبهه فإذا قرر المتزوجان بينهما شيئا من ذلك ورضيا به مهرا ، كان مهرا صحيحا ، واما مالا يصح للمسلمين تملكه مثل الميتة ، ولحم الخنزير والخمر ، والشراب المسكر ، وما أشبه ذلك ، فلا يجوز ان يجعل مهرا ، ولا اجرا (3) في النكاح ، فان عقر على شي ء منه كان باطلا (4) فان تزوج ذمي يستحل ذلك بذمية على شي ء منه وأسلم قبل ان تقبضه الزوجة لم يجز له دفع ذلك إليها ، وكان عليه لها قيمته عند مستحيلة.

ولا يجوز نكاح الشغار ، وهو ان يزوج الرجل ابنته أو أخته لرجل على ان يزوجه الرجل ابنته أو أخته من غير صداق يستقر بينهما سوى ذلك ، ولا يجوز النكاح

ص: 200


1- الصواب « لأنه » كما في نسخة ( ب ) والمبسوط ثم الظاهر ان الحكم هنا ان عليه اجرة مثل الخياطة كما في هلاك الثوب.
2- اى يستقر عليه جميع الخياطة بالدخول ونصفها بالطلاق قبله إذ ليس فيما تقدم غير ذلك مما يناسبه.
3- الأجر في النكاح هو المهر كما ورد في القرآن الكريم فلعل مراد المصنف هنا نكاح المتعة حيث ورد انهن مستأجرات
4- الظاهر ان المراد كان المهر باطلا فينتقل الى مهر المثل للمرأة كما تقدم

بهبة المرأة نفسها ، لان ذلك انما كان لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله خاصا يوضح ذلك قوله تعالى ( خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ) (1) وذلك : ان فاطمة بنت شريح وهبت نفسها له عليه السلام فاباحه اللّه تعالى ذلك دون غيره من سائر الناس.

ولا يجوز النكاح أيضا بالعارية ولا بلفظ الإباحة والتحليل ، ولا يجوز أيضا على اجارة ، مثل ان يعقد الرجل على المرأة ان يعمل لها ولوليها أياما معينة أو سنين معلومة ، ومن خطب على غيره وكان كفؤا وبذل مهر السنة فلم يزوجه ، كان عاصيا لله تعالى.

وإذا عقد إنسان نكاحا على أكثر من مهر السنة ، كان عليه الوفاء به على كماله ومن عقد على امرأة كان الأفضل له ، ان لا يدخل بها حتى يقدم لها من مهرها شيئا ، ويكون الباقي دينا عليه ، فان لم يقدم لها منه شيئا فليكن من غيره على سبيل الهدية ليطيب له ( ليطلب - خ ل ) بذلك الاستباحة لها ، فان لم يفعل وجعل المهر في ذمة ودخل بها من غير تقديم شي ء من ذلك كان جائزا ، الا ان الأفضل ما قدمناه.

ص: 201


1- الأحزاب 50 قلت يدل عليه أيضا نصوص مستفيضة كما في الوسائل الباب 2 من أبواب عقد النكاح ثم انه روى في الكافي باب نوادر من أواخر النكاح بطريق حسن ان التي وهبت نفسها وبسببها نزلت الآية كانت انصارية ولكن في كتب التفسير والتراجم اختلفوا فيها كثيرا كما صرح بهذا الاختلاف في الاستيعاب وأسد الغابة في ترجمة غزيلة بنت جابر وكأنه لتعدد الواهبات بعد نزول الآية كما يستفاد من التراجم والاخبار وربما لم يكن النبي صلى اللّه عليه وآله يقبلهن لنفسه وما في المتن من أنها فاطمة بنت شريح ففيه أولا ان الظاهر مما حكاه في المبسوط عن معمر بن المثنى ان هذه المرأة قرشية تزوجها صلى اللّه عليه وآله بعد ما وهبت نفسها فكأنه لم يقبلها هبة وثانيا انها غير معروفة في أزواجه ولا في الصحابة ولم يذكرها في الاستيعاب وأسد الغابة وانما حكى في الإصابة ومستدرك الحاكم ج 4 ص 3 عن ابى عبيدة أي معمر بن المثنى انه ذكرها في أزواج النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم واللّه اعلم.

وإذا سمى الزوج المهر ودخل بالزوجة قبل ان يدفع إليها منه شيئا (1) كان عليه مهر المثل ولا يتجاوز بذلك السنة المحمدية.

وإذا دخل الرجل بامرأته وادعت عليه المهر بعد الدخول (2) وكانت تدعي أنها جعلت دينا عليه ، كان عليها البينة ، فان لم يكن لها بينة كان عليه اليمين ، فان لم تدع ذلك لم يلتفت الى قولها.

« فيما إذا لم يسم المهر »

ومن تزوج امرأة على كتاب اللّه وسنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ولم يسم مهرا ، كان مهرها مهر السنة بغير زيادة ولا نقص ، فان تزوج على حكمها فحكمت بدرهم أو بأكثر منه ، الى ان يبلغ خمس مائة درهم ، كان حكمها ماضيا ، فان حكمت بأكثر من خمس مائة درهم لم يجز حكمها وردت الى الخمس مائة.

فان تزوجها على حكمه ، كان ماضيا في أي شي ء ذكره قليلا كان أو كثيرا ، ولم يجر حكمه إذا جاوز مهر السنة مجرى حكمها إذا جاوزت ذلك ، لأنها لما حكمته كان عليه ان لا تمنعه نفسها إذا أتاها بشي ء ما ، ولم يكن لها إذا حكمها ان يتجاوز

ص: 202


1- زاد هنا في نسخة ( خ ) وهامش نسخة ( ب ) بعلامة التصحيح « كان باقيا في ذمته ووجب عليه الوفاء به ، وان أعطاها شيئا ولم يكن سمى لها مهرا ودخل بها لم يكن لها سوى ما قبضته منه قبل دخوله بها ، وإذا تزوج الرجل ولم يسم لها مهرا فدخل بها قبل ان يدفع إليها شيئا » ونحوه في نهاية الشيخ وزاد فيها بعد قوله وجب عليه الوفاء به « وكذلك ان قدم لها من المهر شيئا ثم دخل بها كان الباقي في ذمته » وما ذكراه فيمن لم يسم لها وأعطاها شيئا قبل الدخول هو المشهور بين الأصحاب وكذا عدم التجاوز عن مهر السنة في الأخير لكنهما خلاف القاعدة ويظهر من الشهيد الثاني في المسالك منعهما وهو الأقرب.
2- حاصله انه إذا تنازعا بعد الدخول في أداء المهر فالقول للزوج بأدائه ومقتضى القاعدة ان يكون للزوجة بعدمه مع اليمين فإن الأصل معها والزوج يدعى خلافه فعليه البينة كما ذكره المصنف في جواهره فقوله هنا كالنص الوارد فيه محمول على ما إذا كانت العادة جارية بأداء المهر كلا أو بعضها قبل الدخول كما هو المتعارف في بعض البلاد ويظهر من الاخبار فإن قول المرأة حينئذ مخالف لظاهر الحال فتكون مدعية وظاهر المصنف انه إذا لم تدع المرأة ان هذا المهر جعلته دينا في ذمة الزوج لم يسمح الى قولها حتى بتحليف الزوج لها. وهذا خلاف ظاهر النص المشار اليه وعموم ان اليمين على من ادعى عليه واللّه العالم.

مهر السنة ، وهذا مما فسره الباقر عليه السلام (1).

وإذا عقد رجل على امرأة نكاحا وسمى لها مهرا ولأبيها شيئا أخر ، لم يلزمه ما سماه لأبيها ، وما سماه لها من المهر كان لازما له.

وإذا أطلق زوجته قبل الدخول بها بعد قبض الصداق وكان الصداق تالفا وكان له مثل ، كالأسمان ( كالأثمار - خ ل ) والادهان والحبوب وما أشبه ذلك كان له نصف المثل ، وان كان لا مثل له كالعبد والثوب وما أشبههما ، كان له نصف القيمة.

فإن كان الصداق قائم العين ، لم يلحقه زيادة ولا نقص ، كان له نصفه ، وان كان نقص نقصان قيمة مثل ان يكون بصيرا فعمي (2) أو سليما فزمن ( فمرض - خ ل ) أو ما أشبه ذلك ، كان مخيرا بين أخذ نصفه أو أخذ نصف القيمة ، وان لم يكن النقصان نقصان قيمة كان له نصفها.

ص: 203


1- رواه في المستدرك الباب 18 من أبواب المهور عن دعائم الإسلام مرسلا عنه عليه السلام لكن الظاهر ان المراد به كيف يجوز حكمه عليها بما أراد في طرف القلة ولا يجوز حكمها عليه بأكثر من مهر السنة مع ان مقتضى العدل ان يكون الزوج كالمرأة فلا يجوز حكمه عليها بأقل من مهر السنة فقال عليه السلام لأنها لما حكمته كان عليها ان لا تمنعه نفسها إذا أتاها بشي ء ما يعنى ان ما ذكر للزوج جاء من هذا الحكم الثابت في محله بالسنة ورواه في الوسائل أيضا في الباب 21 من أبواب المهور بالإسناد عنه عليه السلام لكن التعليل المذكور فيه مغاير لما ذكر هنا.
2- العمى والزمن وما أشبههما من نقص العين فالمراد بالعبارة انه إذا نقص العين فان كان موجبا لنقص قيمتها كان مخيرا والا فله نصف العين وعبارة المبسوط هكذا وان كان ناقصا نقصان عين لا نقصان قيمة مثل ان كان بصيرا فعمي وهذا أوضح ولعله كان المتن كذلك لكن لا يلائم قوله : وان لم يكن النقصان إلخ الا ان يكون هذا أيضا صوابه : وان كان النقصان نقصان قيمة أي سوقية ثم ان المراد بقيمة الناقص هنا قيمته غير ناقص ويأتي تفصيله في المتن قريبا.

وإذا أصدقها شيئا من الحيوان وطلقها قبل الدخول بها ، وكان الحيوان وقت تسليمه إليها حاملا ، كان له الرجوع إليها بنصف ما أعطاها ونصف الحمل ، وان كان حمل عندها كان له نصف ما أعطاها دون الحمل.

فان وهبت الزوجة لزومها الصداق قبل طلاقه ، كان له إذا طلقها الرجوع عليها بنصف ذلك.

وإذا طلقها قبل الدخول بها ولم يكن سمى لها مهرا ، كان عليه ان يمتعها بمملوك أو دابة أو ما جرى مجرى ذلك ان كان موسرا ، وان كان فقيرا فبخاتم أو ما جرى مجراه ، وان كان متوسطا فبثوب أو ما أشبهه.

وإذا عقد على امرأة وخلي بها وارخى الستر فلم يدخل بها حكم عليه لها بجميع المهر على ظاهر الأمر ، ولم يكن للمرأة ان تأخذ منه الا نصف المهر ، فإن أمكنه إقامة البينة على انه لم يدخل بها ، مثل ان يكون بكرا فتنظر فتوجد كذلك ، لم يحكم عليه الا بنصف المهر.

وإذا مات الرجل قبل الدخول بها ، كان على وارثه ان يدفع الى الزوجة من التركة المهر على كماله. والأفضل للزوجة ان لا تأخذ الا نصفه ، فان لم تفعل وأخذته على كماله كان جائزا.

وإذا ماتت المرأة قبل الدخول بها ، كان لأوليائها نصف المهر ، (1) وان

ص: 204


1- المعروف ان في المسألة قولين استقرار المهر كاملا بموت أحدهما مطلقا والتنصيف كذلك وظاهر المصنف هو التفصيل بين موت الزوج وموت الزوجة فالكامل في الأول والتنصيف في الثاني ونحوه في نهاية الشيخ لكن المحقق في النكت وجماعة حملوا كلامهما في الثاني على ما إذا كانت الزوجة غير ذات ولد فيكون التنصيف لاستحقاق الزوج نصف مهر الزوجة بالإرث وهذا بعيد سيما بملاحظة ما ذكراه بعد ذلك من انه إذا ماتت بعد الدخول كان لورثتها المطالبة بمهرها فإنه في هذا الفرض أيضا إذا كانت غير ذات ولد كان لزوجها النصف بالإرث والنصوص الواردة في المسئلتين كثيرة وهي في موت الزوج متعارضة وفي موت الزوجة متفقة على التنصيف فالمصنف رحمه اللّه تعالى أبقى نصوص الزوجة بحالها وحمل نصوص الزوج بالتنصيف على الافضيلة لكن الأقوى هو التنصيف مطلقا واللّه العالم.

ماتت المرأة بعد الدخول ولم تكن قبضت المهر من زوجها ولا طالبته به ، جاز لورثتها المطالبة به وأخذه وترك ذلك أفضل.

وإذا كان له امة فتزوج بها ، على ان جعل عتقها صداقها ، ثم طلقها قبل الدخول بها. لم يكن لها عليه شي ء (1) وذكر ان لها عليه نصف قيمتها والاولى ما ذكرناه.

وإذا اختلفت المرأة وزوجها في مبلغ المهر ولم يكن لأحدهما بينة ، كان القول : قول الزوج مع يمينه.

وإذا تزوج امرأة على حكمها ، وطلقها قبل الدخول بها ، كان لها نصف ما

ص: 205


1- في هامش نسخة ( ب ) بعلامة البدل « لم يكن له عليها » في الموضعين وهو أظهر وعلى كل لا خلاف بيننا في جواز ان يعتق الرجل أمته ويتزوجها ويجعل عتقها صداقها للنصوص الكثيرة من الخاصة والعامة كمامر في الباب السابق ان النبي صلى اللّه عليه وآله تزوج صفية كذلك فاذا طلقها قبل الدخول كان للزوج ان يرجع إليها بنصف ثمنها أو نصف رقبتها مملوكا للنصوص كما في الوسائل الباب 15 من نكاح العبيد والإماء مضافا الى قوله تعالى « فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ » ويأتي من المصنف أيضا التصريح بذلك في باب السراري وملك الايمان فالمراد بما ذكره هنا غير ظاهر واللّه العالم.

حكمت به ما لم يتعد ذلك مهر السنة كما قدمناه ، وان كان تزوجها على حكمه وطلقها قبل الدخول بها كان لها نصف ما حكم به كائنا ما كان ، فان مات الزوج أو الزوجة قبل ان يحكما ، لم يثبت مهر وكان للزوجة المتعة.

وإذا عقد الرجل على دار أو خادم ولم يعين كل واحد منهما ، كان للزوجة دار ، وسط من الدور وكذلك الخادم ، وان عقد على مهر مسمى واعطى الزوجة به عبدا آبقا ومعه شي ء آخر ورضيت بذلك وطلقها قبل ان يدخل بها ، كان عليها ان يرد عليه نصف المهر ويكون العبد لها ، وان لم يكن دفع إليها شيئا سوى العبد لم يكن ذلك صحيحا ، وكان عليه نصف المهر.

وإذا تزوج امرأة وجعل مهرها جارية مدبرة ، ورضيت الزوجة بذلك وطلقها قبل الدخول بها ، كان لها من خدمتها يوم ، وله من خدمتها يوم فاذا مات المدبر انعتقت المدبرة ولم يكن للزوجة عليها سبيل.

وإذا أمر إنسان غيره بان يعقد له على امرأة ومات الآمر وكان عقد عليها قبل موته ، كان لها المهر والميراث وكان عليها العدة منه وان كان عقد عليها بعد موته ، كان العقد باطلا.

وإذا عقد رجل على أمرية وجعل المهر مملوكا وسلمه إليها فزاد في ثمنه (1) وطلقها قبل الدخول بها ، كان له الرجوع عليها بنصف ثمن المملوك في اليوم الذي تسلمته فيه ولم يكن له شي ء فيما زاد من ثمنه.

وإذا عقد الرجل نكاحا وشرط للزوجة في الحال شرطا يخالف الكتاب والسنة ،

ص: 206


1- الظاهر ان المراد بذلك ان يزيد في صفة المملوك كالكبر فيزيد به ثمنه لا زيادة سعره من جهة السوق وذلك للتصريح بذلك في الخبر الذي هو مستند هذا الحكم كما في الوسائل الباب 24 من أبواب المهور وقد ذكر المحقق في الشرائع انه لو نقصت قيمته أو زادت لتفاوت السعر كان له نصف العين قطعا إذ لا نظر الى القيمة مع بقاء العين.

مثل ان لا يتزوج عليها ولا يتسرى ولا يتزوج بعد موتها أو ما أشبه ذلك ، كان الشرط باطلا ، والنكاح ماضيا ، وكان له ان يتزوج ويتسرى ، فان شرط لها ان يكون الوطئ بيدها لم يصح ذلك ، وذكر (1) انها ان شرطت عليه ان لا يقتضها لم يكن له ذلك إلا بأمرها والاولى ما ذكرناه.

وإذا عقد على امرأة وأصدقها نخلا قد اطلع ولقح وطلقها قبل الدخول بها ، كان لها نصف الأصل ونصف الثمن ، (2) وان كان سلمه إليها قبل ان يلقح ، فلقحته وحمل عندها وطلقها قبل ان يدخل بها ، لم يكن له الا نصف قيمته يوم دفع إليها ، وان كانت الزيادات قد هلكت كلها ، كان له ان يأخذ نصف ما دفعه إليها.

وإذا حصلت الماشية عند الزوجة وتوالدت ونقصت ، (3) ثم طلقها قبل الدخول بها ، كان مخيرا بين ان يأخذ نصفها على ما هي عليه ، وبين أخذ نصف قيمتها يوم دفعها اليه (4).

ص: 207


1- ذكره الشيخ في النهاية للنص كما في الوسائل الباب 36 من أبواب المهور لكن لا يبعد كون المراد به نكاح المتعة كما يشير اليه ما في خبر آخر انها تشترط ان لا يدخل بها لخوف الفضيحة ويؤيده ما في بعض اخبار التمتع بالأبكار انه لا يقتضها لأجل العار والاقتضاض بالقاف والضاد ازالة القضة بالكسر أي البكارة وقد يقال بالفاء الموحدة.
2- الصواب « نصف الثمر » كما في نسخة ( خ ).
3- زاد هنا في نسخة ( خ ) وهامش نسخة ( ب ) تصحيحا « بالولادة » فالمراد نقص قيمتها بذلك.
4- الصواب « إليها » ومعنى قيمتها كذلك قيمتها غير ناقص ويستفاد منه ومن الفروع التالية ضمنا انه إذا اختلفت قيمتها من جهة السعر فالاعتبار بيوم القبض ان كان النقص بعده وبيوم التزوج ان كان قبله وذكر في المبسوط في الأول انه أقل الأمرين من يوم التزوج ويوم القبض وكذا إذا تلفت العين عندها فراجعه لدليله ج 4 ص 277.

ومتى حدث بالمهر عند الزوج عيب من غير فعله وطلقها قبل الدخول بها ، كانت مخيرة بين أخذ نصفه ناقصا وبين أخذ نصف قيمته يوم تزوجها به ، وان كان الذي حدث به من فعله كانت مخيرة بين ان تأخذ نصفه ناقصا وتضمينه نصف النقصان وبين تركه وتضمينه نصف القيمة ، وان كان ذلك من فعل أجنبي فهي بالخيار أيضا ، ان أرادت أخذت نصفه ناقصا واتبعت الجاني بنصف النقصان ، وان أرادت أخذت من الزوج نصف القيمة.

فإن كان المهر مقبوضا فأصابه هذا العيب عندها من فعلها ، أو بأمر سماوي قبل طلاقها كان الزوج مخيرا بين أخذ نصفه ناقصا وبين تضمينها نصف القيمة يوم قبضته ، وان كان العيب من فعل أجنبي لم يكن له سبيل على المهر (1) وتضمينها نصف القيمة يوم قبضته.

وإذا دفع إليها بالمهر شيئين فتلف أحدهما دون الأخر فإن كان شابههما بقيمة ، كان له نصف القيمة ، وان كان المهر غير الشيئين وكان دفعهما إليها على وجه الرهن فتلف أحدهما من غير جناية منها عليه ، كان من ماله وعليه نصف ما فرض لها.

وإذا قبضت الزوجة المهر وطلقها زوجها قبل الدخول بها ، فزاد المهر في يدها أو نقص كان لها زيادته وعليها نقصانه كما قدمناه ، وترد نصف ما قبضته يوم قبضته الا ان تريد ان زاد في يدها ان تعطيه النصف زائدا ، أو يريد زوجها ان يأخذ النصف ناقصا ويتراضيان على ذلك فيكون جائزا : ولا فرق في ذلك بين ان يكون المهر عبدا أو امة أو شاة أو غير ذلك من الحيوان.

ص: 208


1- يعنى ليس مخير أبين أخذ نصف المهر ناقصا وأخذ نصف قيمته غير ناقص بل يتعين له الثاني وقد حكى هذا التفصيل عن المصنف في المسالك وجواهر الكلام موجها له في الأخير بما لا مجال لنقله وتوضيحه والاشكال عليه فراجع المسئلة الثالثة من الطرف الثالث من بحث المهور.

وإذا كان المهر جارية وكانت في يد الزوج فأعتقها لم يصح عتقه لها فان طلقها بعد ذلك ، كان له نصفها ولم يصح عتقه كما ذكرناه ، وان كانت المرأة هي التي أعتقتها جاز عتقها فيها فان طلقها قبل الدخول كان له الرجوع عليها بنصف قيمتها.

وإذا أصدقها نخلا أو شجرا ولم يسلم ذلك إليها حتى أثمرت في يده فجعل الثمر في « برانى » (1) أو « جرار » أو « حوب » أو « قرب » أو « جلال » أو ما جرى مجرى ذلك كان لها أخذه ، وكان له نزعه من تلك الأوعية ان كان نزعه لا يضر بالثمر فان كان إذا نزع نقص الثمر ، كان لها ان تأخذه وتنزع عنه الأوعية وتأخذ ما نقص لأنه تعدى ما فيه الا ان يتطوع بتلك الأوعية فلا تأخذ منه غير ذلك.

وإذا عقد الرجل نكاح المرأة في السر ثم عقداه في العلانية بمهر يخالف الأول ، كان الثابت هو الأول ، وإذا اتفقا على مهر وتواعدا به من غير عقد ، فقالت له المرأة حملتني في حال العقد بذكر ما هو أكثر منه فذكر ذلك لزمه ما عقد به العقد ولم يلتفت الى ما تواعدا به لان العقد وقع صحيحا سرا كان أو علانية.

وإذا تزوج أربع نسوة بعقد واحد بألف ، كان العقد والمهر الصحيحين ، وكان لكل واحدة منهن ربع الالف.

وإذا عقد لولده على أمرية وأصدقها صداقا ، فان كان الولد موسرا كان المهر في ذمته دون والده ، لان النكاح له ، وان كان الولد معسرا كان ذلك لازما للوالد.

وإذا طلقها الولد قبل الدخول بها ، فاما ان يكون الصداق مقبوضا عنه من الوالد أو غير مقبوض فان كان مقبوضا عاد نصفه الى الولد دون الوالد ، لان الوالد لما ضمن عنه هذا الصداق وقضاه عنه كان بمنزلة هبته له وقبضه له من نفسه ، ثم قضى ما لزم ولده من الصداق بمال الولد فكأن الولد أصدق واقبض فإذا طلقها عاد

ص: 209


1- الظاهر انها أوعية الثمار كما ان الضمائر المذكورة في العبارات التالية من جهة التذكير والتأنيث مشتبهة في النسخ وقد ضبطتها على حسب ما يناسب المقام في الظاهر واللّه العالم.

اليه نصفه دون والده ولم يجز لوالده ان يسترجعه من الولد ، وإذا لم يكن الوالد أقبضها شيئا وطلقها الولد قبل دخوله بها ، فان الولد (1) قد برئت ذمته من نصف الصداق وبقي عليه نصفه.

فإن أصدقها الوالد عينا قائمة مثل العبد ، فقال تزوج ابني بنتك بهذا العبد من مالي ففعل ، كان ذلك صحيحا ، فان طلقها الولد قبل دخوله بها ، عاد نصفه الى الولد ولم يكن لوالده ان يرجع عليه به.

فان كان الولد كبيرا فتزوج وأصدق لنفسه لزم المهر في ذمته ، فتبرع (2) الوالد وقضاه عنه ، ثم طلقها الولد قبل دخوله بها ، عاد نصف الصداق الى الولد ، ولم يجز لوالده الرجوع عليه به.

« في تزوج المحجور عليه »

وإذا تزوج المولى عليه كالمحجور عليه لسفه أو مجنون أو مراهق كان النكاح باطلا ، فان كان قبل الدخول لم يكن عليه شي ء ، وان كان بعد الدخول وكانت عالمة بحاله ، لم يكن لها شي ء ، لأنها رضيت بتسليم نفسها مع علمها بحاله فقد أتلفت بضعها على نفسها بذلك وان لم تكن عالمة بحاله كان عليه لها مهر المثل.

والمعتبر في مهر المثل بنساء المرية هو من كان منهن من عصبتها كالأخت من جهة الأب أو من جهة الأب والام وبناتها والعمة وبناتها وما أشبه ، فأما الأم وما هو من جهتها فلا معتبر به في ذلك ، وقد كان : أبو جعفر الطوسي (3) من أصحابنا يعتبر ذلك والأقوى عندي ما ذكرته ، لأن المرأة أم الولد يكون من عرض المسلمين تحت الرجل

ص: 210


1- في نسخة ( ب ) و ( خ ) « فان الوالد » والصواب بمقتضى ما ذكر أولا انه ان كان الولد موسرا كان النصف الباقي عليه وان كان معسرا كان على الوالد.
2- كان الصواب « فان تبرع ».
3- في نسخة ( خ ) : وقد كان الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي وغيره من أصحابنا إلخ.

الشريف النسب ، مثل الرجل يكون من ولد الحسن أو الحسين عليهما السلام فيتزوج بالمرئة من العامة ليس لها نسب ولا حسب.

فالمعتبر في نسائها من كان من عصبتها لما ذكرناه ولا يتجاوز بالمهر معها خمس مائة درهم فان زاد عليها لم يجز أكثر من ذلك ويعتبر أيضا في ذلك النساء اللواتي في بلدها ، وبمن هو في سنها أيضا لأن المهر يختلف باختلاف السن ويعتبر أيضا بعقلها وحمقها لاختلاف المهر أيضا بذلك ويعتبر أيضا بجمالها وقبحها وبيسارها وإعسارها وبادبها والبكارة والثيبوبة وبكل ما يختلف المهر لأجله.

والاعتبار في النساء بما ذكرناه ينبغي ان يكون بالأقرب منهن إلى المرية المستحقة لمهر المثل لأنهن أشبه بها ، فان فقدت العصبة اعتبر بذوي الأرحام ، فإن فقد ذلك اعتبر بنساء أقرب البلدان الى بلده ، فان كان الذي يجب عليه مهر المثل من عشيرتها خفف عنه ، فان لم يكن من عشيرتها ثقل عليه ، لان الاعتبار يكون هكذا.

وإذا تزوج رجل امرأة وأصدقها ألفا ودفع إليها ألفا وثوبا (1) أو عبدا ، ويختلفان فتقول المرأة : دفعته الى هدية ، ويقول الرجل بل دفعته إليك مهرا ، كان القول قوله بغير يمين هذا إذا كانا متفقين على القبض بالإطلاق ، مثل ان يدفعه إليها فتقبضه وهما شاكان (2) لأنه لم ينطق بمهر ولا هدية وان اختلفا فقالت المرأة قلت لي خذي هذا هدية أو قالت هبة ، وقال بل قلت خذيه مهرا كان القول قوله على كل حال. (3)

ص: 211


1- في نسخة ( خ ) والمبسوط « أو ثوبا » وهو اطهر
2- في نسخة ( خ ) « مشاركان » وهذا انسب فقوله : « لأنه لم ينطق » متعلق به أي انهما في الدعوى مشتركان بعدم النطق بمهر أو هدية وانما اختلفا في قصده ولذا لا يمين عليه إذ لا يصح لغيره دعوى قصد عليه.
3- لكن عليه اليمين في هذا الفرض لأنه مدعى عليه كما ذكره المصنف في جواهره.

وإذا زوج الرجل ابنته وهي رشيدة وأراد قبض مهرها ، فان كانت ثيبا ، لم يكن له ذلك إلا بإذنها ، وان كانت بكرا كان له قبضه إذا لم تنهه عن قبضه فان نهته عن ذلك لم يجز له القبض ، وان كانت مولى عليها لصغر أو سفه مع الكبر أو جنون كان له قبض ذلك.

وإذا شرط الرجل في النكاح خيار الثلاث (1) وكان ذلك في أصل العقد كان النكاح باطلا لأنه عقد يلزم نفسه ، ولا يصح فيه خيار الشرط ، وان كان الشرط في المهر مثل ان يقول أصدقتك هذه الدار على ان لك الخيار في المهر ثلاثا كان العقد صحيحا والمهر لازما ، والخيار ثابتا لقول النبي عليه السلام المؤمنون عند شروطهم. (2)

وإذا عقد الرجل على النكاح على أمرية وضمن أبوه لها النفقة عليها سنين لم يصح ذلك لان النفقة لا يجب عندنا بالعقد ، وانما يجب يوما بيوم ، ولا يصح هذا الضمان لأنه ضمان لما لم يجب.

وإذا عقد على أمرية نكاحا وسمى فيه مهرا إلى أجل معين وشرط انه ان أحضره في الأجل والا كان العقد باطلا ، كان العقد ثابتا والمهر في ذمته وان تأخر عن الوقت الذي ذكره والنفقة واجبة عليه.

وإذا عقد على أمرية وشرط لها في حال العقد ان لا يخرجها من بلدها ، كان الشرط صحيحا ، ولم يجز له إخراجها الى بلده ، وان شرط انه ان أخرجها الى بلده

ص: 212


1- أي ثلاثة أيام كما صرح بذلك الشيخ في الخلاف في مسئلة الخيار في الصداق وقد حكى فيه أيضا في مسئلة شرط خيار الثلاث في النكاح عن أبي حنيفة انه يبطل الشرط ويصح النكاح فكان تعرض المصنف للمسئلة هنا وفي جواهره والشيخ في المبسوط لأجل ذلك.
2- رواه الخاصة والعامة وقد ورد في اخبار الخاصة بأسانيد كثيرة في عدة مسائل كاشتراط الخيار في البيع واشتراط شي ء للمرأة في النكاح واشتراط رد المكاتب الى الرق ان عجز وغير ذلك ولفظه في غالبها المسلمون وفي نادر المؤمنون كما في الوسائل الباب 20 من المهور.

كان مهرها عليه مائة دينار وان لم يخرجها كان المهر خمسين دينارا ثم أراد إخراجها الى بلده ، وكان بلده في ديار الإسلام ، كان الشرط صحيحا ، وان كان في ديار الشرك لم يلزمها الخروج اليه ، وكان عليه المهر كاملا.

وإذا أعتق إنسان عبده وشرط عليه في حال العتق ان يزوجه جاريته ، فان تزوج عليها أو تسرى ، كان له عليه شي ء معين (1) ، فتزوج العبد أو تسرى ، كان ما شرط لسيده لازما.

وإذا عقد الرجل نكاحا على أمرية وشرط ان لا نفقة لها عليه وكان النكاح : نكاح دوام كان النكاح صحيحا والشرط باطلا وكانت النفقة واجبة عليه وان كان نكاح متعة : كان العقد والشرط صحيحين ولم يكن للمرأة عليه نفقة.

« فيما إذا بانت الزوجة ثيبا »

. وإذا تزوج امرأة على انها بكر فوجدها ثيبا ، جاز ان ينتقص من مهرها شيئا وليس ذلك بواجب.

ولا يجوز للرجل ان يتصرف في شي ء من مهر ابنته ولا أكل شي ء منه الا بإذنها.

وإذا مكنت المرأة الرجل من نفسها وسلمتها اليه وجبت نفقتها ، فان لم تمكنه من نفسها ولا سلمتها اليه ، فلا نفقة لها عليه.

وإذا ادعت المرأة على زوجها انه لا ينفق عليها ولم يكن معسرا ، ألزم النفقة عليها وان كان معسرا لم يلزم شيئا من ذلك ولم يحبس وترك الى ان يوسع اللّه عليه.

وإذا لم ينفق الرجل على زوجته ولا يكسوها ، وكان ذلك لفقر ، أو لأنه

ص: 213


1- يعنى من المال كما في الخبر وفي خبر آخر زوجه ابنته وشرط عليه انه ان أغارها اى تزوج عليها أو تسرى ، يرده في الرق فقال عليه السلام له شرطه رواهما في الوسائل الباب 12 من كتاب العتق.

لا يمكنه ذلك انظر حتى يوسع اللّه عليه ويتمكن منه ، وان كان لغير فقر وهو متمكن منه وقادر عليه ، الزمه الحاكم النفقة عليها أو طلاقها.

وإذا ادعى الزوج انه دفع المهر الى زوجته وأنكرت ذلك ، كان عليه البينة فان لم يكن له بينة ، كان عليها اليمين بأنه لم يدفعها إليه (1).

« في عدم جواز تمكينها »

ولا يجوز للمرأة الامتناع من زوجها إذا قبضت مهرها ، فان كانت لم تقبضه كان بها الامتناع منه ، فان امتنعت منه بعد قبضه كانت ناشزا ، ولم يلزمه عليه ما دامت على النشوز.

ولا يجوز لولي المرأة العفو عن شي ء من المهر بعد دخولها بالزوج ، لأنه قد استقر لها بالدخول ، فإن أذنت له في ذلك كان جائزا ، ويجوز له العفو عن بعضه قبل الدخول بها.

وإذا أراد الرجل نقل المرأة من بلدها الى غيره ، كان لها الامتناع من ذلك حتى تستوفى مهرها ، وإذا أرادت المرأة ان تبرئ الزوج من مهرها كان ذلك جائزا فإن فعلته في صحتها كان ماضيا ، وان ابرأته منه في مرضها الذي تموت كان من الثلث وإذا كانت المرأة مريضة وليس لها شي ء غير مهرها ، لم يجز لها ان تبرئ زوجها في حال مرضها من جميعه ، فان فعلت ذلك سقط عنه الثلث وكان الباقي لورثتها.

ومن تزوج وهو مريض ودخل بالزوجة في حال مرضه كان العقد صحيحا ووجب المهر عليه فان لم يدخل بها كان العقد فاسدا ، وإذا مكنت المرأة زوجها من نفسها ودخل بها ، كان لها المطالبة بالمهر على كماله ، وليس يجوز لها ان تمنعه

ص: 214


1- هذا إذا كان قبل الدخول أو بعده في غير ما كانت العادة جارية بأدائه قبله والا فقد تقدم ان القول قوله.

من نفسها بعد ذلك (1).

« باب نكاح الإماء والعبيد وما يتعلق بذلك »

قال اللّه تعالى ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ ) الاية (2).

فأباح تعالى : من تضمنت الآية ذكره بشرطين ، وهما عدم الطول لنكاح الحرام ، والأخر : ان يخشى العنت ، وذكر ان العنت هو الزنا ، وروى عن على عليه السلام : انه قال لا يحل نكاح الإماء إلا لمن خشي العنت. (3)

وعن الصادق عليه السلام انه قال : لا يتزوج الحر الأمة حتى يجتمع فيه الشرطان العنت وعدم الطول ، وإذا كان لإنسان امة لم يجز لغيره ان ينكحها الا بان لا يجد الطول الى نكاح الحرة أو يخشى العنت ، فان تزوج بامة وهو يجد الطول الى نكاح الحرة فقد خالف أمر اللّه وما شرط عليه ، (4) ولا يبطل عقده على الأمة بل يكون عقده ماضيا ، وإذا لم يجد طولا لنكاح حرة وخشي العنت وأراد العقد على امة غيره فلا يعقد النكاح عليها إلا بإذن سيدها ، ويدفع الصداق الذي يتراضيان عليه اليه.

فاذا عقد عليها وجاءت بولد ، كان الولد حرا لا سبيل لأحد عليه ، فان شرط سيدها في حال العقد ان يكون الولد مملوكا له ، كان الشرط صحيحا ويكون الولد

ص: 215


1- اى بعد التمكين لكن قال المصنف في جواهره وقد ذكر ان لها الامتناع هاهنا أيضا وهو الأقوى انتهى.
2- النساء - 25
3- مستدرك الوسائل الباب 41 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة وكذا الخبر التالي.
4- مقتضاه العصيان والحرمة التكليفية وهي غير منافية لصحته ان خالف في غير العبادات كالبيع وقت النداء وفي المسئلة خلاف وقد تقدم في أوائل كتاب النكاح هنا تصريح المصنف بكراهته دون الحرمة.

مملوكا له ولا يكون لأب الولد عليه سبيل.

وإذا عقد رجل على امة غيره بغير اذنه كان العقد باطلا ، فإن رضي به السيد بعد ذلك وأمضاه كان ماضيا وجرى في استباحة النكاح به مجرى عقد مستأنف.

وإذا استقر العقد على الأمة على ما قدمناه لم ينفسخ الا بطلاق الزوج لها أو عتق سيدها لها أو بيعها ، فإن أعتقها السيد والزوج مقيم على نكاحها ، كانت مخيرة بين إقراره على ذلك ، وبين فسخه ، سواء كان حرا أو عبدا ، فإن أقرته عليه لم يكن لها بعد ذلك خيار ، فان فسخته كان مفسوخا ، وان باعها سيدها والزوج أيضا مقيم على النكاح كان المشترى لها مخيرا بين إقراره على العقد وبين فسخه فإن أقره عليه لم يكن له بعد ذلك خيار وان فسخه كان مفسوخا.

وإذا عقد الرجل على امة غيره وهو عالم بذلك من حالها بغير اذن سيدها وجاءت بولد كان الولد مملوكا لسيدها ولم يكن للأب عليه سبيل.

وان عقد عليها على ظاهر الأمر ولم يثبت له بينة بأنها حرة ، وجاءت بولد كان الولد رقا لسيدها ، وعلى سيدها تسليم الولد إلى أبيه بالقيمة وعلى الأب ان يدفع الى سيدها قيمته ، فان لم يكن له مال استسعى في ذلك وان امتنع من ذلك دفعه الإمام (1) إلى سيد الأمة من سهم الرقاب ولا يسترق ولد حر ، وان كان الزوج قد دفع إليها مهرا لم يكن له (2) عليها سبيل وكان له الرجوع

ص: 216


1- أي قيمة الولد.
2- كذا في الأصل ونسخة ( ب ) ونهاية الشيخ لكن في نسخة ( خ ) لم يكن لها عليه » والموجود في النص الذي هو مدرك هذا الحكم كما في الوسائل الباب 67 من نكاح العبيد والإماء قال عليه السلام : ان وجد مما أعطاها شيئا فليأخذه وان لم يجد شيئا فلا شي ء له وان كان زوجها إياه ولي لها ارتجع على وليها بما أخذت منه ثم ذكر (عليه السلام) العشر ونصفه لسيدها فعليه يكون المراد بالمتن ذلك والا فلا وجه لاستحقاقها ما أخذت مع بطلان تزويجها وللمسئلة صور أخرى أوردها العلامة في المختلف عن بعض الأصحاب.

بالمهر على وليها.

فان كانت بكرا ، كان لسيدها عشر قيمتها وان كانت ثيبا كان عليه نصف عشر قيمتها ، وان كان عقد عليها على ظاهر الأمر بشهادة شاهدين لها بالحرية وجاءت بولد كان الولد حرا ولم يكن لأحد عليه سبيل.

وإذا عقد حر على أمرية وظن أنها حرة بتدليس المتولي للعقد عليها ثم بان انها امة ، كان له الرجوع بالمهر على وليها ، فان جاء بولد كان حرا.

وإذا كانت المرأة حرة لم يجز لها ان تعقد على نفسها لعبد إلا بإذن سيده ، فان تزوجت به بإذن سيده وجاءت بولد كان حرا ، فان شرط السيد عليها ان يكون الولد رقا له كان الشرط صحيحا وكان الولد مملوكا لسيده ولم يكن لها عليه سبيل.

وإذا استقر عقد الحرة على العبد لم يبطل الا بطلاق العبد لها دون سيده أو ببيعه فان طلقها العبد كان طلاقه واقعا وان باعه كان المشترى له مخيرا بين إقراره على العقد وبين فسخه فإن أقره عليه لم يكن له بعد ذلك خيار ، فإن أعتقه سيده لم ينفسخ العقد وكان ثابتا ، ولم يكن للزوجة اختيار لأنها قد رضيت به وهو عبد وقد صار حرا فهي بالرضا به ، وهو كذلك أولى.

« في تزويج العبد بحرة بغير اذن سيده »

وإذا تزوج العبد بحرة بغير اذن سيده ، كان العقد موقوفا على رضا سيده فان فسخه كان مفسوخا وان أمضاه كان ماضيا ، ولم يكن له بعد ذلك فسخه ولا ينفسخ الا بطلاق العبد لها أو بيعه فان طلقها العبد وقع طلاقه ، ولم يكن لسيده عليه اختيار وان باعه سيده كان الأمر فيه على ما قدمناه ، وان جاءت بولد منه وكانت عالمة بأن سيده لم يأذن له في التزويج ، كان ولدها مملوكا لسيد العبد ، وان لم تكن عالمة بذلك كان ولدها حرا.

وإذا تزوجت الأمة بغير اذن سيدها بعبد ، وكان العبد مأذونا له في التزويج وجاءت بولد ، كان الولد رقا للسيد (1) وان لم يكن مأذونا له في التزويج ، كان الولد

ص: 217


1- اى سيد الأمة كما في النهاية.

رقا لسيد الأمة وسيد العبد ، بينهما بالسوية.

ويجوز ان يزوج الإنسان عبده بجاريته ، فان زوجهما كان عليه ان يدفع إليهما شيئا من ماله يكون مهرا لها ، والفراق بينهما بيد سيدهما متى شاء فرق بينهما ، وليس للزوج طلاقها ، هنا على وجه من الوجوه ، فإذا أراد السيد ان يفرق بينهما امره باعتزالها ، وأمرها باعتزاله ويقول لها قد فرقت بينكما ويكون ذلك فراقا صحيحا.

فان كان العبد قد وطأها استبرأها بحيضة أو بخمسة وأربعين يوما ثم يطأها ان أراد وطأها ، وان لم يكن للعبد وطؤها ، جاز له ان يطأها في الحال من غير استبراء فان باعهما كان المشترى لهما مخيرا بين إقرارهما على العقد وبين فسخه ، فإن أقرهما عليه كان حكمه كحكم السيد الأول في ذلك ، وان فسخه كان مفسوخا.

فان باع السيد أحدهما كان ذلك فراقا بينهما ، ولا يثبت العقد الا بان يريد هو ثباته على الواحد الذي بقي عنده ، ويريد المشترى ثباته على الأخر الذي اشتراه ، فان لم يرد واحد من السيدين ثبات ذلك ، لم يثبت العقد بينهما ، فان جاء بينهما ولد كان رقا لسيد الأمة ، (1) وان أعتقهما جميعا كانت الزوجة مخيرة بين الرضا بالعقد الأول وبين فسخه ، فان رضيته كان ماضيا وان لم ترض كان مفسوخا.

وإذا عقد إنسان لعبده على امة لغيره باذنه كان ذلك جائزا وكان طلاقها بيد العبد ، فان طلقها كان طلاقه جائزا كما قدمناه ولم يكن لسيده ان يطلق زوجته ، فإن

ص: 218


1- يعني إذا لم يرد واحد منهما النكاح بينهما فجاء ولد لما قبل البيع فهو لسيد الأمة أي البائع ان باع العبد ، والمشترى ان باع الأمة لتبعية الولد لأمه في البيع ويحتمل ان يكون المراد انه للأول مطلقا لأنه كان ملكا له ويمنع التبعية واما احتمال ان يكون المراد انه إذا أجاز كلاهما النكاح بعد البيع ثم حصل منهما ولد بعد الإجازة فهو لصاحب الأمة مطلقا لأنه نماء ملكه كما في سائر الحيوانات فمندفع بما يأتي قريبا في نظيره من ان الولد للسيدين كما هو المشهور بين الأصحاب هنا وفيما يأتي وانما حكى عن ابى الصلاح الحلبي أنه لمولى الأمة للعلة المذكورة واللّه العالم.

باعه كان ذلك فراقا بينهما الا ان يختار المشتري إقراره على العقد ويريد ذلك أيضا سيد الجارية ، فان لم يرد واحد منهما ذلك كان العقد مفسوخا. وكذلك الحكم إذا باع سيد الجارية ، جاريته فإنه يكون فراقا بينهما ولا يثبت الا برضا سيدها ورضا سيد العبد ، فان لم يرض ذلك واحد منهما كان مفسوخا.

وإذا أعتق الإنسان جاريته كانت مخيرة بين الرضا بالعقد وبين فسخه حسب ما قدمناه وان أعتق السيد عبده لم يكن لسيد الجارية عليه خيار ولا يبطل العقد الا بعتقها أو بيعها فان جاء بينهما ولد ، كان على حسب ما يحصل الشرط بينهما فيه ، فان شرط سيد الجارية ان يكون الولد رقا له كان ذلك وان اشترط سيد العبد ذلك كان صحيحا ويكون الحكم منه على ما يستقر الشرط بينهما ، فان لم يكن جرى بينهما شرط في ذلك ، كان الولد بينهما بالسوية كما قدمناه (1).

وإذا كانت الأمة بين شريكين وكان أحدهما غائبا والأخر حاضرا ، فعقد الحاضر عليها النكاح لرجل ، كان ذلك باطلا فان رضيه الغائب كان ماضيا.

وإذا تزوج رجل امة بين شريكين ثم اشترى نصيب أحدهما حرمت عليه الا ان يبتاع النصف الأخر أو يرضى الشريك (2) بالعقد فتحل له ، ويكون رضي الشريك

ص: 219


1- تقدم ذلك فيما إذا تزوجت امة بغير اذن سيدها بعبد غير مأذون له في التزويج لكن الفرق ان التزويج هناك باطل وليس هنا كذلك وقد مر منا آنفا ما يفيد للمقام.
2- المعروف بين الأصحاب ان البضع لا يتبعض فلا يحل للرجل ان يملك نصف امة ويتزوج بنصفها الأخر لما ورد فيه من النص كما في الوسائل الباب 46 و 41 من نكاح العبيد والإماء فما ذكره المصنف هنا غريب ونحوه في نهاية الشيخ ولذا ذكر المحقق عليه الرحمة في نكته على النهاية ان لفظة « أو » في قوله : أو يرضى بمعنى الواو أو هي من سهو الناسخ والمراد ان يرضى صاحب النصف الأخر بعقد البيع على نصفه وربما حمل على غير ذلك راجع اليه والى غيره من أحكام المسألة إلى جواهر الكلام في المسألة السابعة من قسم نكاح الإماء.

بالعقد ، عقدا مبتدءا ، وإذا كان أحد الزوجين مملوكا ومات واحد منهما ، لم يكن بينهما توارث لا يرث الرجل المرأة ولا المرأة الرجل.

وإذا زوج إنسان جاريته من رجل وفرض عليه مهرا (1) وباعها قبل ان يقبض المهر سقط المهر عن الزوج ، لان بيعها طلاقها ، وبذلك يزول ملك الزوج لبضعها وفساد العقد لم يكن من جهته ، وانما يكون من جهة غيره وهو سيد الجارية.

وإذا اذن السيد لعبده في نكاح حرة فنكح امة ، أو في نكاح امة فنكح حرة أو في نكاح امرأة معينة فنكح غيرها ، أو ان ينكح في بلد معين فنكح في غيره ، كان النكاح في جميع ما ذكرناه موقوفا على رضا سيده واذنه ، فمهما اذن فيه كان ماضيا ، وما لم يأذن فيه كان باطلا.

وإذا أطلق السيد الاذن لعبده في التزويج فقال : له تزوج بمن شئت كان صحيحا فاذا تزوج في بلده لم يكن لسيده منعه ممن تزوج به ، فان تزوج من بلد آخر كان له منعه من السفر ولا يجوز ان يسافر إلا بإذن سيده.

وإذا تزوج العبد بإذن سيده بحرة وأمهرها ألفا ، كان المهر في ذمة العبد يستوفي من كسبه ، فان ضمن السيد عنه ذلك صح الضمان ، وكان المال في ذمة السيد ولم يكن للنفقة مطالبة العبد بشي ء منه.

« باب ما ينبغي فعله عند العقد على النساء والدخول بهن »

إذا أراد الرجل عقد النكاح لنفسه فينبغي له ان يستخير اللّه تعالى ، بان يصلى ركعتين ويحمده تعالى ثم يدعو ، فيقول : اللّهم انى أريد النكاح فسهل الى آخره (2)

ص: 220


1- الظاهر ان المراد ما إذا باعها قبل الدخول وعليه لا فرق بين قبض المهر كلا أو بعضا وعدمه وهذه المسألة مضطربة التحرير والحكم في هذا الكتاب والنهاية والمبسوط كما يأتي في باب السراري والايمان تحريرها بوجه آخر وما ذكره المحقق رحمة اللّه تعالى في الشرائع أوضح فراجع جواهر الكلام في المسألة الاولى من لواحق نكاح الإماء.
2- تقدم في أول كتاب النكاح هنا.

ولا يعقد النكاح والقمر في العقرب ويستحب الاشهاد والإعلان بذلك والفرح والمسرة والوليمة أيضا وسنذكرها فيما بعد.

ويجوز للرجل النظر الى وجه المرية التي يريد العقد عليها والى محاسنها وجسمها من فوق ثيابها ، فان لم يكن مريدا للعقد عليها لم يجز له شي ء من ذلك وكذلك يجوز له في الأمة التي يريد ابتياعها فان لم يرد ابتياعها لم يجز له شي ء من ذلك أيضا.

« في آداب الغشيان »

وإذا زفت المرأة الى الرجل ودخل عليها فيستحب له ان يكون على وضوء ويصلى ركعتين وكذلك يستحب لها أيضا ان تفعل مثل ذلك ثم يضع يده على ناصيتها ويمسحها ويدعو فيقول : اللّهم ارزقني إلفها وودها ورضائها لي وارزقها ذلك منى واجمع بيننا على أحسن اجتماع وأيمن ائتلاف فإنك تحب الحلال وتكره الحرام والخلاف.

فإذا أراد الجماع فيسمى اللّه تعالى ويدعو بما قدر عليه ويقول : اللّهم على كتابك تزوجتها وفي أمانك أخذتها وبكلماتك استحللت فرجها فان قضيت في رحمها شيئا فاجعله مسلما سويا ولا تجعله شرك شيطان ، وأفضل أوقات الزفاف والدخول بالزوجة ، الليل وأفضلها للاطعام النهار.

ويكره للرجل ان يجامع زوجته في ليلة خسوف القمر ويوم كسوف الشمس وفيما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس وفيما بين غروبها الى مغيب الشفق ووقت الريح السوداء والصفراء والزلازل وأول ليلة من الشهر ، الأشهر رمضان وفي محاق الشهر ، فقد روى عن الباقر (1) عليه السلام انه قال : والذي بعث محمدا (صلی الله عليه وآله) بالنبوة واختصه بالرسالة واصطفاه بالكرامة ، لا يجامع أحد منكم في وقت من هذه الأوقات

ص: 221


1- الوسائل الباب 62 من أبواب مقدمات النكاح

فيرزق ذرية فيرى فيها قرة عين.

ولا يجوز لرجل ان يدخل بزوجته قبل بلوغها تسع سنين ، فان فعل ذلك وعابت ، كان عليه ضمان عيبها ويفرق بينهما ولا تحل له ابدا.

ويكره للرجل ان يجامع مستقبل القبلة أو مستدبرها أو يجامع وهو عريان أو هو في سفينة وإذا كان مسافرا وقدم على زوجته فإنه يكره له ان يجامعها ليلا حتى يصبح ، ويكره للرجل إذا احتلم ان يجامع زوجته حتى يغتسل فان لم يفعل ذلك توضأ وضوء الصلاة.

ويكره للرجل النظر الى فرج امرأته وكذلك يكره للرجل أيضا الجماع في بيت يكون فيه صبي ينظر اليه أو غير صبي ، ويكره له النظر إلى المجامعة فقد روى عن على (عليه السلام) انه يورث العمى. (1)

ويكره الكلام عند الجماع فقد روى عن الباقر (عليه السلام) انه يورث الخرس ، (2) ويكره إتيان النساء في احشاشهن. (3)

ص: 222


1- الوسائل الباب 59 و 60 من مقدمات النكاح والظاهران المراد انه يورث العمى والخرس في الولد كما في بعض أخبارهما وربما يحتمل الأعم للزوجين والمراد بالكلام غير ذكر اللّه والدعاء.
2- الوسائل الباب 59 و 60 من مقدمات النكاح والظاهران المراد انه يورث العمى والخرس في الولد كما في بعض أخبارهما وربما يحتمل الأعم للزوجين والمراد بالكلام غير ذكر اللّه والدعاء.
3- في هامش نسخة الأصل هنا « كلام الشيخ العمد ابى جعفر أيضا على الكراهة وروى عن المرتضى انه أفتى على إباحته ( هنا كلمة غير مقروءة ) ذكر ان مذهب المرتضى في هذه المسألة بخلاف ما أسند اليه والمذهب في هذه المسألة هو مذهب السلف وأصحاب الحديث من طائفتنا فإن كتبهم مشحونة بتحريم ذلك وقد نص الشيخ أبو جعفر بن بابويه القمي على تحريمه في عامة كتبه حتى قال : اما الإيقاب فهو الكفر باللّه. وهذا هو الصواب في الفتوى والطريق الى التقوى فإن الإباحة والتحليل في هذه المسألة يجر الى جهالات ويفضي الى محالات ومع هذا كله فإنه سوء الأدب وشناعة المذهب فالواجب البراءة منه » قال مراجع هذا الكتاب للصحيح والتعليق عبد الرسول الجهرمى هذه الحاشية ليست من المصنف لخلو سائر النسخ عنها وعدم تناسب مضمونها له وكلام الشيخ ابى جعفر يعني الطوسي عليه الرحمة على الكراهة مذكور في المبسوط والنهاية. وما روى عن المرتضى رحمه اللّه في إباحته موجود في انتصاره وما حكاه عن ابن بابويه من كفر الإيقاب فالمراد به الإتيان بالرجال كما في الاخبار ولعل ما في سائر كتب الأصحاب أيضا كذلك نعم تشديده في هذا العمل وان الطريق الى التقوى تركه حق لا ينبغي الإغضاء عنه للنهى عنه في النصوص كما في الوسائل الباب 72 من مقدمات النكاح. ففي بعضها عن النبي صلی اللّه عليه وآله ان محاش النساء على أمتي حرام والمحاش هي الأدبار ومقتضى الجمع بينه وبين ما دل على الجواز هو الكراهة الشديدة على ان في بعضها تقييد الجواز برضا الزوجة ولذا كان المختار عدم الجواز بدون ذلك هذا مع ما فيه من الخبث والدنائة وتضييع النطفة وإيذاء الزوجة المسلمة التي أكد الشارع في إكرامها وانه ربما يورث المرض الشديد كالعمى في الرجل والجرح في المرأة ويورث نفرتها عنه وربما ادى الى الفراق بينهما وغير ذلك من أسباب التنزه واللّه العالم.

ولا يجوز للرجل ان يترك وطأ زوجته أكثر من أربعة أشهر ، ويكره له العزل عن زوجته الحرة إلا بإذنها ، فإن أذنت له فيه لم يكن به بأس ، فأما الأمة : فإنه يجوز العزل عنها على كل حال ، وإذا لم يتمكن الرجل من ماء ليغتسل به فإنه يكره له الجماع فان خاف على نفسه فعله.

واما الوليمة التي وعدنا ذكرها فهي وليمة العرس ، وانما سميت بذلك لان فيها اجتماع الزوجين ، وحكى عن ثعلب ان الوليمة طعام العرس وهي عندنا مستحبة وذكر بعض الناس انها واجبة وحضورها مستحب ، فان كانت وليمة لذمي فقد ذكر انها لا يجوز للمسلم حضورها ، وقال بعضهم يجوز ذلك والأول أحوط.

وإذا حضرها إنسان وكان صائما تطوعا فيستحب له الإفطار ، وان كان صومه واجبا لم يجز له الإفطار.

ص: 223

وإذا كان في الدعوة شي ء من الملاهي والمناكير أو شرب خمر على المائدة أو ضرب البرابط والمزامير وغير ذلك الا الدف إذا لم يقل عليه هجو (1) ، وعلم المدعو ذلك لم يجز له حضورها فاذا علم انه إذا حضر (2) قدر على ازالة ذلك ، استحب له الحضور ليجمع بين الإجابة إلى الحضور وبين ازالة المنكر ، فان لم يعلم ذلك الا بعد حضوره وامكنه إزالته فعل ذلك وان لم يمكنه ذلك وجب عليه الخروج من موضع ذلك ، فان لم يمكنه الخروج جلس وليس عليه شي ء في سماع ذلك إذا لم يتعمد الاستماع له.

وإذا رأى صورة ذات أرواح في الموضع منصوبة ، فلا يدخله ، وان كانت توطأ لم يكن بدخوله بأس ، وان كانت صورة شجر لم يكن بذلك بأس ، وكذلك صورة كل ما ليس له روح ، فاما نثار السكر واللوز في ذلك فهو جائز ولا يجوز لأحد ان يأخذ منه شيئا إلا بإذن صاحبه أو بان يعلم منه ذلك بشاهد وانه اباحه ، وترك أخذه أولى على كل حال ومن أخذ منه شيئا مع العلم بإذن صاحبه في أخذه أو إباحته لذلك ، فقد ملكه بالأخذ له والحيازة كما يملك الطعام.

* * *

ص: 224


1- في نسخة ( خ ) « هجر » بالراء وعلى كل ، ظاهر المصنف جواز الدف في الأعراس إذا لم يقل فيها ذلك وظاهر الشيخ في المبسوط في هذا الباب عدم جوازه لعدم استثنائه ذلك وقال في كتاب الوصايا : ان اوصى فقال أعطوه دفا من دفوفي فإنه تصح الوصية لأن الدف له منفعة مباحة لما روى عن النبي صلى اللّه عليه وآله قال أعلنوا هذا النكاح واضربوا عليه بالدف وعلى مذهبنا لا يصح لان ذلك محظور استعماله انتهى.
2- بل الظاهر وجوبه حينئذ لوجوب ازالة المنكر بكل ما قدر عليه كما هو مقتضى أدلة النهي عن المنكر.

« باب القسمة بين الأزواج »

قال اللّه تعالى « قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ » (1) يعنى من الحقوق التي لهن على الأزواج من الكسوة والنفقة والمهر وغير ذلك : وقال « الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ » (2) يعني أنهم قوامون بحقوق النساء التي لهن على الأزواج.

وقال « وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ » (3) وقال « وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ » (4) يعنى ان لكل واحد منهما ما عليه لصاحبه يجمع بينهما من حيث الوجوب ، ولم يرد بذلك ان للزوجات على الأزواج مثل الذي للأزواج على الزوجات من الحقوق ، لان الحقوق مختلفة فحقوق الزوجات الكسوة والإنفاق عليهن والسكنى والمهر ، وليس يجب شي ء من ذلك للأزواج على الزوجات ، وحقوق الأزواج على الزوجات ، التمكين من الاستمتاع وهذا مخالف للآخر كما تراه فليس المراد الا ما ذكرناه.

وإذا كان عند الرجل من الأزواج أكثر من واحدة فالأفضل له ان يعدل بينهن فيبيت عند كل واحدة بينهن ليلة ولا يجب عليه مجامعتها في تلك الليلة بل يجوز له ترك ذلك ، فان لم يرد العدل بينهما وكان له زوجتان لم يجز له ان يبيت عند الواحدة منهما أكثر من ثلاث ليال ويبيت عند الأخرى ليلة واحدة.

وان كان عنده ثلاث نسوة ، كان له ان يبيت عند واحدة منهن ليلتين ويبيت عند كل واحدة من الاثنين ليلة ، ليلة ، فإن كان عنده أربع نسوة لم يجز له المبيت عند كل واحدة أكثر من ليلة ليلة ، ويسوى بينهن في ذلك فان اختارت واحدة منهن ترك ليلتها لأخرى ، كان ذلك جائزا.

وإذا عقد رجل على أمرية كانت بكرا جاز له ان يفضلها بالمبيت عندها سبع

ص: 225


1- « الأحزاب » - 50
2- النساء - 34
3- النساء - 19.
4- البقرة - 228.

ليال ، ثم يعود إلى التسوية بين جميع أزواجه بعد ذلك ، (1) فان كان عنده زوجتان إحداهما حرة : والأخرى امة : كان للحرة ليلتان وللأمة ليلة واحدة ، وان كانت عنده امة بملك يمين مع حرة لم يكن لها مع الحرائر قسمة ، وكذلك اليهودية والنصرانية مع الزوجات المسلمات ، (2) لان الحكم كل واحد منهما حكم الأمة.

ويجوز للرجل ان يفضل بعض أزواجه على بعض في النفقة والكسوة ، والعدل بينهن والتسوية في ذلك أفضل على كل حال ، والصحيح والمريض في القسمة سواء وإذا أراد المريض ان يقيم عند بعض أزواجه لم يكن له ذلك الا ان يأذن له فيه ولا فرق بين المسلم والذمي في ما قدمناه.

وإذا سافر الرجل مع بعض الزوجات ثم قدم وسئله الباقيات ان يقيم عند كل واحدة منهن أيام سفره ، لم يكن لهن ذلك ، ولا يحتسبن بأيام سفره عليه ، بل يستقبل العدل بينهن ويبتدء بمن لها الحق ، وكذلك إذا لم يسافر بإحداهن معه وجب إذا انصرف ان يبتدء بصاحبة الحق ، وإذا أراد الرجل السفر ببعض أزواجه واذن (3) له في واحدة بعينها كان جائزا ، وان لم يأذن له أقرع بينهن فمن أصابها منهن السهم خرج بها معه.

وإذا نكح في سفره زوجة غير الزوجة التي سافر بها معه ، كان لها ما للتي يتزوج بها في الحضر ان كانت بكرا أو ثيبا ، ولا تحتسب التي (4) سافر بها من ذلك بشي ء.

ص: 226


1- زاد هنا في نسخة ( خ ) وهامش نسخة ( ب ) بعلامة التصحيح « وان كانت ثيبا جاز له ان يفضلها بثلاث ليال ثم يرجع الى التسوية بين أزواجه »
2- اى كان للمسلمة ليلتان ولليهودية أو النصرانية ليلة كما صرح به في خبر البصري المروي في الوسائل الباب 7 من أبواب ما يحرم بالكفر مضافا الى ما ذكره المصنف بقوله لان حكم كل واحد منهما حكم الأمة فإنه إشارة الى ما ورد في عدة نصوص منها ما في الوسائل الباب 8 مما ذكر.
3- بصيغة الجمع المؤنث
4- في نسخة ( خ ) « ولا يحتسب للتي » وعلى كل ، المراد انه إذا أدى في سفره حق الجديدة البكر سبعا أو الثيب ثلاثا لا يقضى بمثلها للتي سافر بها أو لا.

وإذا كان لرجل زوجتان أو أكثر إلى أربع فأقام عند إحداهن شهرا وهن ممسكات عنه ثم خاصمنه في ذلك ، كان عليه ان يستقبل العدل بينهن ، وما فات كان هدرا وهو فيما فعل من ذلك آثم ، وعلى الحاكم نهيه عن ذلك وان يأمره بالعدل ، وان عاد الى ذلك ورأى أدبه كان له ذلك.

وإذا لم يكن للرجل إلا زوجة واحدة ، كان عليه المبيت عندها ليلة واحدة من اربع ليال ، وله ان يفعل في الثلاث الأخر ما شاء فيما كان مباحا له ، فان كان له زوجتان كان له ان يخص الواحدة منهما في ثلاث الليالي ، ويقسم للأخرى ليلتها وكذلك الحكم : إذا كان له ثلاث نسوة قسم لكل واحدة منهن ليلتها ، واختص بالرابعة من أراد منهن اختصاصا بها ، فان كانت أزواجه أربعا لم يجز له ان يفضل واحدة منهن على الأخرى.

وإذا كان عنده أكثر من زوجة كان له ان يغشى بعضهن دون بعض ، وليس عليه الا المبيت عند كل واحدة منهن في ليلتها ويقيل عندها ، فان لم ينشط للجماع لم يكن عليه شي ء ، فان وجه نشاطا للجماع فلا ينبغي له ان يدعها ويخص نفسها لغيرها.

وإذا كان عنده زوجة الى ثلاث وتزوج بكرا اقام عندها سبع ليال وان كان ثيبا فثلاث ليال ثم يستقبل القسمة بعد ذلك والتسوية بينهن فيها.

وإذا دخل عليه بكران في ليلة واحدة أو ثيبان أو بكر وثيب أقرع بينهما ، فأيهن خرج سهمها بدأ بها وأوفاها أيامها ولياليها ثم رجع الى الأخرى ولا يستحب له إذا أقام عند بكر أو ثيب ان يقعد عن صلاة الجماعة ، ولا بر كان يفعله ، ولا إجابة دعوة المؤمن ولا شهود الجنازة.

وإذا كان له زوجة أمة فأقام عندها يوما ثم أعتقت لم يقم عند الحرة الأخرى إلا يوما واحدا وان أقام عند الحرة يوما واحدا ثم أعتقت الأمة يحول عنها إلى المعتقة

وإذا كان عنده زوجة واحدة وكان يصوم النهار ويقوم الليل ولا يجعل لها

ص: 227

حظا ، فاستعدت عليه ، فإنه يؤمر بان يبيت عندها ليلة من اربع ليال أو ان ينظر لها (1)

وإذا تزوج امرأتين على ان يقيم عند الواحدة منهما يوما وعند الأخرى يومين ثم طلبت التي لها اليوم ان تعدل عليها ، كان لها ذلك ولم يلزمها الشرط الذي شرطته الا ان يكون الرجل يعجز عن زوجتين أو تكون ذميمة الخلق فيميل عليها ويريد طلاقها أو تكره (2) هي ذلك فتصالحه على ان يأتيها وقتا بعد وقت أو يوما في أيام أو على ان يترك لها حظها من ذلك فيكون جائزا.

ويجوز للرجل ان يترك بعض القسم للمرأة أو كله إذا طابت نفسها بذلك ، فان رجعت فيه كان عليه العدل عليها أو فراقها وكذلك إذا وهبت له ذلك فأقام عند غيرها أياما ثم بدا لها أن يستأنف العدل من يوم علم ، وإذا قال لا أفارقها ولا اعدل عليها اجبر على العدل عليها ولم يجبر على فراقها.

وإذا أعطاها مالا على ان تترك له يومها لم يجز ذلك ، لأنه بمنزلة البيع وليس هاهنا عين مملوكة يتناولها البيع ولا يقع عليها ولا هو اجارة على عقد يقابله عوض ، وان حللته فوهب لها شيئا من غير شرط ، كان ذلك جائزا.

ولا يجوز للرجل الدخول في الليل على غير صاحبة القسم ، لان الليل هو القسم ، (3) ويجوز ان يدخل على غيرها بالنهار وللحاجة (4) ولا يفعل عندها فان

ص: 228


1- كذا في النسخ ولعل المراد ان يحتسب لها ليلة من اربع ليال ليؤديها إليها بعد ذلك أو يرضيها عنها فتأمل.
2- الصواب « وتكره » بالواو وحاصل المسألة انه إذا شرط عليها في العقد ان لا يقسم لها لم يلزمها وان تزوجها فلم يرضها وأراد طلاقها جاز لها ان تصالحه بترك الفسم ونحوه كما في الوسائل الباب 11 من أبواب القسم وغيره وظاهر المصنف انه لا يجوز لها الرجوع فيه بعد ذلك كما يقتضيه عموم نفوذ الصلح بخلاف الفرع التالي وتأتي مسألة المصالحة آخر الباب بتفصيل.
3- اى زمان القسم ولعل صواب الكلمة « المقسم » بالميم الزمانية.
4- كذا في النسخ بالواو فمقتضاه جواز ان يدخل على غيرها بالنهار مطلقا وبالليل لحاجة لكن الظاهر زيادة الواو والمراد اختصاص جواز الدخول عليها بالنهار لحاجة كما يظهر من الفروع التالية والمسألة محل اختلاف كما يظهر من المبسوط والشرائع والقواعد ثم قوله بعد ذلك ولا يفعل عندها كذا في نسخة الأصل فهو كناية عن الجماع.

أراد ان يأوي في النهار إلى منزله أوى إلى منزل صاحبة القسم ، ولا يستحب له ان يجامع زوجته في غير يومها ، فان فعل ذلك فعل مكروها ولم يجب عليه كفارة. (1)

وإذا مرض بعض الزوجات جاز ان يعودها نهارا فان فاتت (2) لم يكن بأس بمقامه عندها حتى يواريها ثم يعود بعد ذلك الى صاحبة القسم وان ثقلت بالمرض لم يكن بمقامه عندها بأس حتى تخف أو تموت ثم توفي من بقي من أزواجه مثل ما اقام عندها.

وإذا عرض له شغل يمنعه من المبيت عند أزواجه ابتدأ عند فراغه بصاحبة القسم حتى يبتدء (3) به عند عودته من السفر.

وإذا كان عند بعض أزواجه مريض أو متداو أو كانت الزوجة مريضة أو حائضا أو نفساء فذلك قسم ، يحتسب عليه به ، وإذا كان محبوسا وكان الزوجات يصلن اليه فعليه ان يعدل بينهن كما تكون ذلك عليه إذا لم يكن محبوسا.

وإذا أراد ان يكون له منزل لنفسه ثم ينفذ الى كل واحدة منهن فتأتيه يومها

ص: 229


1- الظاهر ان مراده بالكفارة قضاء الجماع لصاحبة القسم فإنه الذي وقع الكلام فيه وحكى عن بعض العامة وجوبه كما في المبسوط ليحصل العدل واما الكفارة بالمعنى المعروف فلا وجه لوجوبها هنا أصلا.
2- أي ماتت وهو الموجود في نسخة ( خ ).
3- في نسخة ( خ ) « كما يبتدء » وهو أصح كما ان الصواب أيضا « بها ».

وليلتها كان ذلك له ، وعليهن ان تاتينه ومن امتنع منهن من ذلك كانت عاصية لبعلها تاركة لحقه ، ولم يجب عليه في ترك القسم شي ء ما دامت ممتنعة ، وكذلك : إذا كانت في منزله تسكنه فغلقت الباب أو امتنعت منه إذا حضر عندها أو هربت منه أو ادعت عليه طلاقا كاذبة فإنه يحل له تركها والقسم لغيرها وترك النفقة عليها الى ان تعود إلى التخلية بينه وبين نفسها وهذه ناشز وكذلك : إذا كانت المرأة أمة فمنعته نفسها أو منعه منها أهلها لم يكن لها قسم ولا نفقة حتى ترجع عن ذلك.

وإذا سافر سيد الأمة بها بغير اذن زوجها أو بإذنه سقطت عنه النفقة ، وإذا سافرت الحرة بإذن زوجها أو بغير اذنه لم يكن لها نفقة الا ان يكون هو الذي أشخصها وإذا كانت الزوجة رتقاء لا يقدر الرجل عليها قسم لها كما يقسم للحائض ، لان القسم على المسكن لا الجماع.

والخصى والعنين والمجنون ومن لا يقدر على الجماع الا بعنت شديد (1) أو لا يقدر عليه جملة لعلة أو لغير ذلك يجرى مجرى الصحيح القوى في ذلك ، وإذا كان رجل عند واحدة من نسائه ليلا فعرض له جنون في بعض الليل فخرج من عندها فعليه ان يوفيها إذا أفاق أو يستحلها فان جنت الزوجة وخرجت في بعض الليل لم يجب عليه ان يوفيها شيئا.

وإذا قسم الرجل من نسائه يومين أو ثلاثة لكل واحدة منهن ثم طلق منهن واحدة قد ترك لها القسم طلاقا بائنا فعليه ان يستحلها من قسمها ، فان كان طلاقا رجعيا وفاها ما فاتها ويقسم للمرأة التي قد اتى (2) منها وكذلك المحرمة بأمره ولا يقربها. كذلك يفعل مع نسائه المحرمات (3).

ص: 230


1- العنت هنا المشقة
2- الصواب « قد آلى منها » كما في نسخة ( خ ) من قوله تعالى ( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ) .
3- كالمظاهرة

وإذا خافت المرأة من بعلها نشوزا وكان كارها لها وأراد طلاقها وهي كارهة للطلاق ، فقالت له أمسكني ولا تطلقني واترك لك مالي عليك من الصداق أو الأجر وأهب لك من مالي كذا وكذا ، وأحللتك من يومي وليلتي ونفقتي فما فعله من ذلك برضاها ، كان له جائزا إذا أخذه هبة منها من غير شرط يشرطه لها ، لان طلاقها مباح له متى اراده.

وإذا نشزت المرأة على زوجها جاز له ان يهجرها في المضاجع وفي الكلام ويضربها ولا يبلغ بضربها حدا ولا يكون ضربا مبرحا ويتوقى وجهها ولا يهجرها بترك الكلام أكثر من ثلاثة أيام ويهجرها في المضجع الى ان ترجع عن النشوز قلت مدته أو كثرت ، فاذا عادت عن ذلك ورجعت الى ما يجب له عليها كف عنها وعادت الى حقها. (1)

« باب التدليس في النكاح »

عقد النكاح ينفسخ بعيوب : منها ما يختص الرجل. ومنها : ما يختص المرأة ومنها : ما يصح اشتراك الرجل والمرأة فيه.

فاما ما يختص الرجل فهو الجب والعنت واما ما يختص المرأة فهو الرتق والقرن والإفضاء وكونها محدودة في الزنا.

واما ما يصح اشتراك الرجل والمرأة فيه فهو الجنون والجذام والبرص والعمى (2) ، فاما الجذام والبرص فقد يظهر كل واحد منهما ظهورا لا يخفى على

ص: 231


1- الكلام في نشوز المرأة على زوجها ونشوزه عليها يأتي بتفصيل في بابي النشوز والشقاق.
2- حكى في المختلف عن المصنف في الكامل أن الأخيرة مختصة بالمرأة هو المشهور بين الأصحاب لا سيما في العمى إذ لم ينقل جواز الفسخ به في الرجل عن غير المصنف هنا الا عن ابن الجنيد في اشعار كلامه مع انه خلاف مقتضى الأدلة الموجودة نعم في اشتراك الجذام والبرص وجه ذكره في المختلف وتبعه بعض المتأخرين ويظهر من المبسوط في ضمن مسائل الكفاية في النكاح.

أحد ، وقد يكون يسيرا ويقع الخلف فيه بين انه جذام وبرص وبين انه بياض ليس كذلك ، فاما الذي لا يختلف فيه فليس فيه كلام.

واما المختلف فيه فيفتقر في المعرفة فيه الى شاهدين من المسلمين من أهل الطب ، فان نظراه وأخبرا بأنه جذام أو برص حكم فيه بالرد وان أخبرا بأنه ليس كذلك ، لم يحكم فيه بالرد فاذا صح الجذام والبرص على ما ذكرناه من الظاهر الذي لا يختلف فيه ومن المختلف فيه كان للذي إليه الرد ، ان يرد.

فإن أراد المقام على العقد والصبر ، كان ذلك جائزا له ، وان لم يرد ذلك واختار الفسخ كان ذلك له ، وفي الناس من قال لا يفسخ عليه الا الحاكم وعندنا ان ذلك جائز ويجوز أيضا ان يفسخ الرجل ذلك بنفسه ، وكذلك المرأة.

فإن اختلف المتزوجان فقال أحدهما : هذا جذام أو برص ، وقال الأخر : هو مرار كان القول : قول الزوج مع يمينه ان كان ذلك به ، أو القول : قول الزوجة مع يمينها ان كان ذلك بها حتى تقوم البينة بشاهدين من أهل الطب بأنه جذام أو برص ثم يكون الخيار بعد ذلك في الفسخ أو الرضا والصبر عليه.

واما الجنون فضربان : أحدهما يخنق ، والأخر : يغلب على العقل من غير حدوث مرض ، وهذا أكثر من الذي يخنق ، وأيهما كان حاصلا بأحد الزوجين ، كان للآخر خيار بين الفسخ والرضاء به والصبر عليه ، والقول : في الفسخ هل يكون بالحاكم أو بغيره ، يجرى على ما قدمناه في الجذام والبرص.

فاما ان غلب على العقل مرض غير ذلك فليس فيه خيار ، لا سيما إذا برء من مرضه وزال الإغماء ، فان زال المرض ولم يزل الإغماء ، كان ذلك كالجنون ،

ص: 232

ولصاحبه الخيار بين الفسخ أو الرضا به ، وعندنا ان الجنون بالرجل إذا كان يعقل معه أوقات الصلوات فليس يتعلق به خيار.

فاما الجب : فمنه ما يمنع من الجماع ومنه : مالا يمنع منه فالأول : مثل ان جب جميعه أو بقي منه شي ء لا يجامع بمثله فللزوجة : هاهنا الخيار بين الفسخ أو الرضا به واما الأخر : فإن يبقى منه شي ء يمكن الإيلاج به في الفرج بمقدار غيبوبة حشفة الذكر فيه فهذه لا خيار لها معه ، لان جميع الأحكام الوطأ متعلقة بذلك واما العنين : فهو الذي لا يأتي النساء وسنذكر حكمه فيما بعد ،

فإن بان ان الزوج خصي : وهو مسلول الخصيتين فلا خيار لها في ذلك ، لان الخصى أكبر (1) من الفحل وانما لا ينزل ، وقد قيل : ان لها الخيار ، لان عليها فيه نقيصة وهو الأظهر ، لأن عقدها عليه عقد تناول رجلا سالما من العيب في هذا الشأن. (2)

فإن بان أنه خنثى : وهو الذي له ما للرجل وما للمرأة فلا خيار لها مع ذلك إذا بان انه رجل لأنه يجامع كما جامع الرجل ، وانما في خلقته ما هو زائد ، ويجرى مجرى الإصبع الزائدة في انه لا تأثير له في شي ء من ذلك.

فان ظهر انه عقيم وهو انه لا يولد له فليس لها خيار أيضا ، لأنه يجامع كما يجامع غيره ، وفقد الولد غير متعلق به لان ذلك من فعل اللّه تعالى.

واما الرتقاء فهي المرأة المسدودة الفرج ، فان كان مع ذلك يمكن دخول الذكر ولا يمنع منه فليس له خيار ، وان كان يمنع من ذلك كان له الخيار ، فإن أراد الزوج فتق ذلك كان لها منعه منه ، لان ذلك جراحة ، فإن أرادت هي إصلاح نفسها

ص: 233


1- كذا في النسخ والصواب « أكثر » بالثاء المثلثة والمراد كما في المبسوط ان الخصي يولج ويبالغ أكثر من الفحل وانما لا ينزل.
2- مضافا الى التصريح بذلك في نصوص مستفيضة كما في الوسائل الباب 13 من أبواب العيوب في النكاح ويأتي هنا قريبا بعض أحكام المسألة.

بذلك لا تمنع منه ، لأنه مما يداوي ويصلح بالدواء ، فان عالجت نفسها وزال عنها ذلك سقط خيار الزوج معه لان الحكم إذا تعلق بعلة وزالت العلة ، زال حكمها بزوالها.

واما القرن فذكر انه عظم في الفرج يمنع من الجماع وذكر (1) ان العظم لا يكون في الفرج ولكن يلحق المرأة عند الولادة حال تنبت اللحم في فرجها ، وهو الذي يسمى العفل (2) يكون كالرتق سواء ، فان لم يمنع من الجماع فلا خيار للزوج وان منع منه كان له الخيار.

وإذا كان في كل واحد من الزوجين عيب وكان العيبان مختلفين ، مثل ان يكون في أحدهما برص أو جذام ، وفي الأخر جنون أو غير ذلك ، أو كان العيبان متفقين مثل ان يكون في أحدهما جنون وفي الأخر مثله أو يكون فيه جذام وفي الأخر مثله أو ما أشبه ذلك : كان لكل واحد منهما الخيار في الرد ، لأن في المردود عيبا يقتضي الرد.

إذا كان الذي به العيب هو الزوجة وأراد الرجل ردها ، وكان ذلك قبل الدخول بها سقط صداقها ، لان الفسخ من جهتها قبل الدخول وان كان ذلك بعد الدخول بها كان لها المهر بما استحل من فرجها ، فان كان لها ولى عقد نكاحها وكان عالما بذلك من حالها ، كان للزوج الرجوع عليه بذلك ، وان لم يكن عالما لم يلزمه شي ء.

فإن كان الرجل قبل دخوله بها دفع الصداق إليها كان له الرجوع عليها به ، وان لم يكن دفعه إليها لم يكن عليه شي ء.

« فيما لو حدث العيب بعد العقد »

وإذا حدث بالرجل أو المرية شي ء من هذه العيوب بعد ثبوت العقد واستقراره

ص: 234


1- اى ذكره أهل الخبرة كما في المبسوط.
2- في هامش النسخة « العفل شي ء يخرج في فرج الناقة كالأدرة »

ولم يكن حاصلا قبل العقد لم يجب (1) الرد منه الا ما ذكره أصحابنا من الجنون الذي لا يعقل معه صاحبه أوقات الصلوات ، والجب والخصى والعنت (2) وقد قلنا فيما تقدم ان ذكرها سيأتي فيما بعد.

وإذا عقد الزوجان النكاح ، وفي أحدهما عيب علم به الأخر في حال العقد ورضي به ، لم يكن له بعد ذلك خيار في الرد على حال :

وليس يوجب الرد من العيوب شي ء غير ما ذكرناه ، ولا يرد العوراء ولا الزانية قبل العقد ، ولا المرأة إذا تزوجت على انها بكر فوجدت بخلاف ذلك (3).

وإذا تزوجت المرأة رجلا على انه سليم فوجدته مجنونا ، كانت مخيرة بين المقام معه والصبر عليه وبين مفارقته ، فان حدث به جنون يعقل معه أوقات الصلوات لم يكن لها خيار ، فان كان لا يعقل ذلك ، كانت مخيرة بين المقام معه وبين فراقه ، فان اختارت فراقه ، كان على وليه ان يطلقها عنه (4).

وان تزوجت المرأة رجلا على انه صحيح فوجدته خصيا ، كانت بالخيار بين المقام معه وبين مفارقته ، فان اختارت المقام معه لم يكن لها بعد ذلك خيار ، وان اختارت فراقه وكان قد خلا بها ، كان عليه المهر ، وعلى الامام ان يعزره على ذلك لئلا يعود الى مثله.

ص: 235


1- اى لم يثبت ولعل الصواب « لم يجز »
2- لكن يأتي ان العنت إذا حدثت بعد الدخول لم يكن لها خيار بخلاف الجنون والظاهر ان الجب والخصاء في ذلك كالعنة.
3- لكن تقدم في باب الصداق ان في هذا الأخير يجوز للزوج ان ينقص من مهرها شيئا كما ورد في الوسائل الباب 10 من أبواب العيوب في النكاح.
4- ذكره الشيخ أيضا في النهاية وابن زهرة في الغنية وأنكر المحقق في نكته على النهاية والعلامة في المختلف ومن تأخر عنهما وجوب الطلاق هنا كغيره من العيوب لظاهر النص لكن ما ذكره الأولون أرجح واحتمال كون مرادهم من الطلاق معناه اللغوي أي رفع الحصر عن المرية وتخليتها كما في بعض اخبار العيوب بعيد.

وإذا تزوجت المرأة رجلا فوجدته عنينا انتظر به سنة واحدة ، فإن وطئ المرأة في السنة ولو مرة واحدة لم يكن لها خيار ، فان لم يصل إليها بوطأ في جميع السنة كان لها الخيار بين المقام معه وبين مفارقته ، فان اختارت المقام معه لم يكن لها بعد ذلك خيار ، وان اختارت مفارقته فارقته ، وكان لها نصف الصداق ولم يكن عليها عدة.

فان تزوجت المرأة بالرجل ووصل إليها بالوطأ ثم حدثت به العنت بعد ذلك لم يكن لها خيار ، وإذا لم يقدر الرجل على وطأ المرية وقدر على وطأ غيرها ، لم يكن لها عليه خيار.

بأن ادعى الرجل انه قد وصل الى المرية وأنكرت ذلك وكانت بكرا أمر من النساء الثقات من تنظر إليها فإن وجدت كذلك بطلت دعوى الرجل وان لم يكن كذلك بطلت دعواها ، وان كانت ثيبا كان القول قول الرجل مع يمينه ، وقد روى (1) ان المرأة إذا اختلف مع زوجها في ذلك وكانت ثيبا أمرت بان تحشو قبلها خلوقا ثم يؤمر الرجل بجماعها ، فان جامعها فظهر على ذكره اثر ذلك صدق ، وكذبت فان لم يظهر ذلك على ذكره ، صدقت المرأة ، وكذب الرجل.

وإذا تزوج رجل بامرأة على انها حرة فبان انها امة فان كان قد دخل بها وكانت هي المتولية لنكاحها منه ، كان له ردها ولها المهر بما استحل من فرجها ، (2) وان كان غيرها هو الذي تولى العقد عليها وكان عالما بذلك ، كان له الرجوع عليه بالمهر فان لم يكن عالما بذلك لم يلزمه شي ء.

ص: 236


1- الوسائل ج 14 الباب 15 من العيوب في النكاح.
2- تقدم في باب نكاح الإماء والعبيدان تزويج الأمة والعبد موقوف على اذن السيد والا كان فاسدا فالظاهر ان مراد المصنف هنا وفي المسألة التالية ما إذا كانا مأذونين كما صرح في المبسوط هنا بذلك والا لم يكن للأمة مهر ولا للحرة في المسألة التالية خيار.

فان لم يكن الزوج دخل بها وكان قد دفع المهر إليها ، كان له مع ردها الرجوع بذلك على من دفعه اليه ، سواء كانت هي المدفوع إليها ذلك أو غيرها ، وان كان لم يدفع إليها شيئا من ذلك ، كان له ردها ولم يكن لها عليه مهر ولا غيره ، وإذا رد الرجل المرأة لما ذكرناه كان رده لها فراقه بينه وبينها ولا يفتقر مع ذلك الى طلاق.

وإذا تزوجت المرأة رجلا على انه حر فبان انه عبد ، كانت مخيرة بين إقراره على العقد وبين اعتزاله ، فان اختارت إقراره على ذلك لم يكن لها بعد ذلك خيار ، وان اعتزلته كان ذلك فراقا بينهما ، ثم انه اما ان يكون قد دخل بها أو لا يكون دخل بها ، فان كان قد دخل بها كان لها المهر بما استحل من فرجها ، وان لم يكن دخل بها لم يكن لها شي ء.

وإذا زوج ابنته على انها بنت مهيرة فوجدها بنت امة كان مخيرا بين ردها وبين إقرارها على العقد فان ردها وكان قد دخل بها كان عليه المهر ، (1) وان لم يكن دخل بها لم يكن عليه شي ء وقد ذكر (2) ان المهر يجب لها على أبيها إذا لم يدخل الرجل بها والاولى ان ذلك غير واجب ، فإن أقرها على العقد لم يكن له بعد ذلك خيار.

وإذا كان له ابنتان إحديهما : بنت مهيرة والأخرى : بنت امة ، فزوج رجلا بنت الحرة

ص: 237


1- ظاهره لزوم المسمى عليه سواء ردها أو قبلها فلا ينتقص منه شي ء بكونها بنت امة بخلاف ما تقدم في شرط البكارة.
2- ذكره الشيخ في النهاية وحكى في المختلف عن بعض الأصحاب انه مروي قلت ويؤيده ما ورد ان من زوجته امه امرأة فلم يقبل كان المهر على الام وما ورد انه إذا أمر رجلان ان يزوجه من أهل البصرة فزوجه من أهل الكوفة فردها لزم المأمور نصف المهر ولعل مراد الشيخ بالمهر هنا أيضا نصفه كما ذكرناه فيما علقنا على مسألة تزويج الام من هذا الكتاب في باب من يجوز له العقد فراجع.

ثم ادخل الصداق عليه بنت الأمة كان للرجل (1) ردها عليه وان كان قد دخل بها ودفع إليها الصداق كان ذلك لها (2) بما استحل من فرجها ، وان لم يكن دخل بها ولا دفع إليها صداقها (3) لم يكن لها شي ء وكان على الأب ان يدفع الى الرجل البنت التي من الحرة وهي التي كان عقد له عليها ، وان كان الرجل قد دفع الصداق إلى الأولى لم يكن لهذه شي ء ووجب على أبيها في ماله صداقها دون الزوج ، وان كان الزوج لم يدفع الصداق إلى الأولى كان عليه دفعه الى بنت الحرة التي عقد له عليها ،

وإذا تزوج رجلان بامرأتين وأدخلت كل واحدة منهما على الذي ليس هو زوجها وعلما بذلك فيما بعد وجب رد كل واحدة منهما الى زوجها ان لم يكن الزوجان دخلا بهما ، وان كانا دخلا بهما كان لكل واحدة منهما المهر فان كان لهما ولى تعمد ذلك اغرم المهر (4) ولا يدخل كل واحد من الزوجين بزوجته حتى

ص: 238


1- اى يستحق الرد فلا ينافي وجوبه عليه لكونها غير زوجته كما في نكت النهاية.
2- ظاهره ان ذلك مهرها وان كان أقل من مهر المثل أو أكثر ولعله لأجل انه لما لم يكن لها مهر مفروض وانما كان للدخول بالشبهة فكلما دفع إليها وقت الدخول كان مما استحل به فرجها وقد تقدم نحوه في باب الصداق في الدخول بالزوجة إذا لم يفرض لها وأعطاه شيئا قبله خلافا للمتأخرين هنا كما في الشرائع والمختلف فأوجبوا لها مهر المثل مطلقا فان كان المدفوع أقل أتمه وان كان أكثر استرد منه.
3- هذا التقييد لا وجه له كما لم يذكر في النهاية إذ لو لم يدخل بها لم تستحق شيئا وان دفعه إليها فلعل ذكر المصنف له لكون الدخول مقارنا غالبا لدفع الصداق أو كان الصواب « أو » مكان الواو فالمراد حينئذ انه ان دخل بها ولم يدفع إليها لم يكن لها شي ء على الزوج بل كان مهرها وهو المثل على أبيها لتدليسه ان لم تكن هي عالمة كما هو المفروض والا فهي زانية لا مهر لها مطلقا.
4- هذه الجملة محرفة في النسخ فصححتها من النهاية والنص الوارد في الحكم كما في الوسائل الباب 49 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 فراجعه فان فيه زيادة.

تقضى العدة ممن كان دخل بها.

وقد روى ان (1) الرجل إذا ادعى انه من قبيلة معينة وعقد له على امرأة على انه من تلك القبيلة ثم ظهر انه من غيرها ان عقده فاسد.

وإذا ارتدت المرأة لم ينعقد عليها نكاح لأحد من مسلم ولا كافر ولا مرتد مثلها لأنها لا تقر على ذلك ، وإذا وكل رجل غيره على ان يزوجه امرأة معينة فزوجها الوكيل من وليها فحضر الموكل فأنكر وحلف بطل النكاح (2).

« باب نكاح المتعة »

قال اللّه تعالى ( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلّا ما مَلَكَتْ ) الى قوله : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) الآية (3).

وعن الأئمة عليهم السلام : لا ينبغي للمؤمن ان يخرج من الدنيا حتى يستعمل ذلك ولو مرة واحدة (4) وعنهم عليهم السلام قالوا من استعمل ذلك لإحياء الحق وازالة دواعي الشيطان الى الفجور كتب اللّه له بذلك حسنات.

وإذا اغتسل منه خلق اللّه تعالى من كل قطرة يقطر من غسله ، ملكا يستغفر اللّه له الى يوم القيامة.

وصفة نكاح المتعة وشروطه على ضربين أحدهما : يجب ذكره في حال العقد والأخر : لا يجب والأفضل ذكره.

ص: 239


1- الوسائل الباب 16 من العيوب في النكاح ففيه « قال تفسخ النكاح أو قال ترد » وعلى كل الظاهر ان المراد لها الخيار في الرد والقبول وكأنه مراد المصنف بالفساد كما مر منه غير مرة ذكر البطلان ومراده عدم المضي في الحال.
2- يعني في ظاهر الحكم فيجوز لها ان تزوج ولكن ليس للموكل فيما بينه وبين اللّه الا ان يطلقها كما ورد في الوسائل الباب 4 من كتاب الوكالة وذكر فيه أيضا ان الوكيل يغرم لها نصف المهران لم يشهد على وكالته.
3- النساء - 24
4- الوسائل ج 14 الباب 2 من أبواب المتعة.

فأما الواجب فهو تعيين الأجر والأجل ، واما ما لا يجب ، وان كان الأفضل ذكره؟ فهو سؤال المرية هل لها زوج أو هي في عدة منه أو معها حمل أم ليس معها ذلك وان له ان يضع الماء حيث يشاء ، وانه لا نفقة لها ولا سكنى وان عليها العدة.

فأما نفى التوارث فلا يثبت بينهما ولو اشترط (1) واما الولد فلا يجوز للرجل ان يشترط انه لا يلحق به على كل حال (2) ولو اشترط لكان باطلا.

فمن أراد هذا العقد فينبغي ان يطلب امرأة صحيحة الولاية على نفسها عفيفة مؤمنة معتقدة للحق ، فاذا وجدها عرض عليها ذلك فقال : لها تمتعيني نفسك على كتاب اللّه تعالى وسنة نبيه محمد المصطفى صلى اللّه عليه وآله كذا وكذا يوما أو شهرا أو سنة بكذا وكذا من دراهم أو دنانير أو غيرها مما يتعين فيه قيمة ، على ان لي ان أضع الماء حيث شئت وانه لا نفقة لك على ولا سكنى وعليك العدة إذا انقضت المدة.

فإذا أجابت الى ذلك أعاد عليها القول ، فقال : متعيني نفسك على كتاب اللّه تعالى وسنة نبيه كذا وكذا يوما أو شهرا أو سنة ويعيد باقي الكلام ، فاذا اتى على آخره كما قدمناه ، وقالت : قد قبلت أو رضيت أو أجبتك الى ذلك قال : هو قد قبلت ورضيت.

فان قالت المرأة قد متعتك نفسي كذا وكذا بكذا وكذا وذكرت الشروط ،

ص: 240


1- اى اشترط نفيه وحاصله ان التوارث بينهما ثابت لا يسقط باشتراط نفيه كالنكاح الدائم ويأتي من المصنف هنا ذكر ذلك ثانيا وحكاه في المختلف عن كامله أيضا كما حكى عنه في المسالك وغيرها ولولا ذلك لاحتملنا في المتن قويا ان كلمة « نفى » زيادة من سهو القلم لغرابة هذا الحكم إذ النصوص المستفيضة والفتاوى المحكية عن سائر الأصحاب مجمعة إجمالا على خلافه وان اختلفت في ثبوته وعدمه إذا اشترطا ثبوته أو لم يشرطا نفيه بل يظهر مما يأتي في آخر هذا الباب أيضا منافاته لما ذكره هنا وفي الموضع الثاني فلاحظه وما علقنا عليه واللّه العالم.
2- زاد في نسخة ( خ ) وهامش نسخة ( ب ) بعلامة التصحيح « لأنه يلحق به على كل حال ».

وقال الرجل : قد قبلت ورضيت كان اولى والوجه في تكرار الكلام والشروط في ذلك ان الأول خطبة : والثاني : يكون عقدا.

« فيما إذا نسي الأجل »

فإن ذكر الأجر ولم يذكر الأجل ، كان النكاح دائما وبطل كونه متعة وان ذكر الأجل ولم يذكر الأجر كان باطلا وان لم يذكرهما جميعا كان العقد أيضا باطلا (1) وإذا انعقد نكاح المتعة على ما بيناه وجب على الرجل تسليم الأجر إلى المرأة فإن أخر بعضه برضاء المتمتع بها كان جائزا وإذا تسلمت منه ذلك استحق بعضها (2) على الشروط التي استقرت بينهما.

وإذا لم يجد امرأة على الصفة التي قدمنا ذكرها ووجد مستضعفة جاز له ان يعقد عليها ، ويجوز عقد المتعة على اليهودية والنصرانية ، ومن عقد على واحدة من هؤلاء فليمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير.

وليس الاشهاد والإعلان من شرائط المتعة ، فإن خاف الإنسان على نفسه من السلطان وان يتهمه بالزنا ، فليشهد في ذلك شاهدين فان لم يفعل فليترك هذا العقد.

ويجوز العقد على المرية البكر والدخول بها إذا لم يكن لها أب ، فإن كان لها أب ، جاز العقد عليها باذنه والأحوط ان لا يعقد عليها إذا لم يأذن في ذلك ، ولا يعقد متعة على فاجرة الا ان يمنعها من الفجور ، فان لم تمتنع فلا يعقد عليها.

ويجوز العقد على الأمة بإذن سيدها ، وقد ذكر (3) جواز العقد على امة امرأة

ص: 241


1- لم أجد هذا الفرع فيما راجعته من كتب الأصحاب لكن ذكره العلامة في التحرير وادعى الإجماع على البطلان ويظهر ذلك من المسالك ومقتضى القاعدة بناءا على ما ذكره المصنف وجماعة في ترك ذكر الأجل وحده صحة هذا أيضا دائما إذ ليس ذكر المهر شرطا في الدائم فيكون لها مهر المثل.
2- الصواب « بضعها »
3- ذكره الشيخ في النهاية لكن قال ابن إدريس في السرائر انه رجع عنه في جواب المسائل الحائريات.

وان لم تأذن سيدتها في ذلك والأحوط خلافه وان لا يعقد عليها إلا بإذنها.

وإذا كان عنده زوجة حرة فلا يعقد على امرأة (1) متعة إلا برضاه والحكم في ذلك مثل ما ذكرناه فيما سلف من نكاح الدوام.

إذا عقد على أمرية متعة ثم اختار فراقها قبل الدخول بها ، كان لها نصف المهر ويهب لها أيامها وان كان قد سلم إليها جميع المهر كان له الرجوع عليها بنصفه ، فان كانت قد وهبت له المهر قبل ان يفارقها كان له الرجوع عليها بنصفه إذا فارقها.

وإذا أسلم إليها من مهرها شيئا ودخل بها ووقت له بالمدة ، وجب ان يدفع إليها ما بقي منه ، فإن أخلت بشي ء من المدة كان له ان ينقضها من المهر بحساب ذلك فان دفع إليها المهر أو بعضه ودخل بها ثم ظهر له بعد الدخول ان لها زوجا ، كان لها ما أخذت ولا يجب عليه ان يدفع إليها الباقي.

والمهر ما يتراضيان عليه مما له قيمة قليلا كان أو كثيرا ويجوز على كف من حنطة أو شعير وما جرى مجرى ذلك من غيرهما ، والأجل أيضا ما يتراضيان عليه مما ذكرناه من أيام معينة أو شهر معين أو سنة معينة ، ولا يجوز اشتراط المرة والمرتين (2) وان كان روى جواز ذلك فالأحوط ما ذكرناه من الأيام المعينة والشهور المعلومة والسنين المذكورة فإن ذكر المرة مبهمة (3) ولم يقرن بها ذكر وقت معين كان النكاح دائما.

ص: 242


1- كذا في النسخ والصواب « على امة » كما في النهاية.
2- أي يعينه بذلك فقط دون المدة فاما إذا عينه بالمدة واشترط فيها المرة أو أكثر فلا بأس كما يظهر من الحكمين التاليين وراجع الوسائل الباب 25 من نكاح المتعة.
3- يعنى انه أبهم في المرة أيضا فلم يعين عددها ويحتمل ان يكون المراد بيان حكم ما قبله في التعيين بالمرة وانه في حكم الإخلال بذكر الأجل لكنه بعيد لأنه ذكر فيما قبله انه خلاف الاحتياط ومعناه انه يحتمل صحته متعة فلا يجزم بعده بكونه دائما نعم لا يبعد هذا الاحتمال في خبر هذا الحكم كما في الوسائل الباب 20 من المتعة وعليه يكون الخبر مخالفا لجواز التعيين بذلك.

ومتى شرط ان يأتيها ليلا أو نهارا أو يوما معينا أو مرة في أسبوع كان ذلك جائزا ، وقد ذكرنا فيما سلف ، ان نفى التوارث لا يصح اشتراطه ، فاما ان شرط التوارث ثبت ذلك عنها (1) وإذا عقد عليها شهرا ، ومضى عليها شهر فان كان عينه كان له الشهر الذي عينه ، وان لم يكن عينه ، لم يكن له عليها سبيل (2).

والعزل جائز ، للرجل وان لم يشترطه ، وإذا جاءت المرأة بولد كان لا حقا بالزوج عزل عنها أو لم يعزل ، ولا يجوز للمتزوج متعة ان يزيد على اربع من النساء (3) وقد ذكر ان له ان يتزوج ما شاء والأحوط ما ذكرناه.

والمتمتع بها إذا انقضى أجلها جاز ان يعقد عليها الرجل عقدا جديدا في الحال ومتى أراد الزيادة في الأجل قبل انقضائه لم يجز ذلك ، فان اراده فليهب لها ما بقي من الأيام ، ويعقد عليها بعد ذلك ما شاء من الأيام ويجوز للرجل ان يعقد على المرأة الواحدة مرات كثيرة مرة بعد اخرى.

والمتمتع بها إذا بانت من زوجها بانقضاء الأجل (4) كان عليها العدة؟ وهي

ص: 243


1- الصواب « بينهما » كما في نسخة ( خ ) ومقتضى ما تقدم ان يكون فائدة هذا الشرط التأكيد.
2- لبطلان العقد بعدم تعيين الشهر أو لمضي شهره لانصرافه الى المتصل بالعقد كما قيل لكن الأول أظهر ويستفاد منه انه لو عين شهرا منفصلا عن العقد بشهر أو أكثر كان صحيحا كما في النهاية وغيرها خلافا لبعض كما حكاه في المسالك وهو أصح.
3- حكاه في المختلف عن المصنف في كامله أيضا لكن المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا كما ادعاه بعضهم جواز الزيادة ما شاء للنصوص الكثيرة وما دل منها على عدمه فالمراد منه الاحتياط من المخالفين كما أشير إليه في بعضها.
4- أو بهبة الزوج للباقي وانما تجب لعدة فيهما إذا دخل الزوج بها بخلاف عدة الموت فلا يشترط فيها ذلك.

حيضتان أو خمسة وأربعون يوما ، (1) وان كان ذلك بموت الرجل كان عليها العدة؟وهي أربعة أشهر وعشرة أيام مثل عدة الموت في نكاح الدوام للحرة غير حبلى (2).

وإذا شرط الرجل ان لا يطأ المرأة في الفرج لم يكن له الوطؤ فيه الا بإذن الزوجة له في ذلك وما يجوز اشتراطه في عقد المتعة انما يثبت إذا ذكر بعد العقد فان ذكر قبل العقد لم يكن له تأثير.

وإذا اختلف الزوجان بعد اتفاقهما على العقد! فادعى أحدهما : انه متعة كان على مدعى المتعة بينة وعلى المنكر اليمين ، لان الزوج ان ادعى المتعة كان مدعيا لما نفى عنه (3) حقوقا من نفقة وميراث وغير ذلك ، وان ادعت المرأة ذلك كانت مدعية لما تملك نفسها معه بغير طلاق أو ما أشبهه.

ص: 244


1- فالأول لمن تحيض والثاني للتي لا تحيض وهي في سن من تحيض هذا إذا لم تكن المرأة حبلى والا فعدتها ان تضع حملها على كل حال.
2- واما الأمة فالمشهور ان عدتها بموت زوجها خمسة وأربعون يوما نصف الحرة خلافا لبعض من أنها كالحرة واما الحبلى فهي أبعد الأجلين من وضع الحمل والمدة المذكورة للحرة أو الأمة ولم يتعرض المصنف هنا لهذه الفروع لان لها محلا آخر.
3- حكاه في المختلف عن المصنف وفيه « مدعيا لما يسقط عنه حقوقا » وعلى كل ، المراد ان الأصل ترتب هذه الأحكام وانما تسقط بذكر الأجل فمدعى المتعة مثبت مخالف للأصل وتقريب ذلك كما قيل ان حدوث النكاح بنفسه مقتض للدوام وترتب أحكامه وليس قصد الدوام وذكره في العقد شرطا فيه ولذا تقدم انه لو أخل بذكر الأجل كان دائما فمدعى المتعة يدعى شرطا مخالفا لهذا الأصل وهو ذكر الأجل في العقد فيكون عليه البينة نعم لو كان قصد الدوام وذكره معتبرا فيه كان الأمر بالعكس لان مدعى الدوام مثبت للزائد على أصل النكاح والأصل عدمه وبرأيه المنكر عن تلك الأحكام ثم ان ذكر الميراث هنا من أحكام الدوام يدل على نفيه في المتعة كالنفقة وهذا خلاف ما تقدم من المصنف في موضعين فلعله من سهو القلم أو أراد به التمثيل على مذهب غيره واللّه العالم.

« باب السراري وملك الايمان »

الوطأ لواحد من هؤلاء لا يجوز الا بعقد أو بملك يمين ، ولا فرق في ملكهن بين حصوله بابتياع أو بغير ذلك من وجوه التمليكات ، من ميراث أو هبة أو صدقة أو غنيمة أو سبي ، فاما إذا ملك الرجل واحدة منهن بأحد وجوه التمليكات لم يجز له ان يطأها حتى يستبرأها بحيضة ان كانت ممن تحيض ، وان لم تكن ممن تحيض استبرأها بخمسة وأربعين يوما ، وان كانت آيسة من المحيض أو كانت لم تبلغ المحيض لم يكن عليها استبراء.

ومن أراد بيع جارية يطأها فينبغي له ان يستبرأها بما ذكرناه ، وإذا أخبر بائعها لمشتريها بأنه قد استبرأها وكان في قوله ثقة جاز لمشتريها وطؤها ، والأفضل له ان لا يطأها إلا بعد ان يستبرأها ، والجارية إذا كانت لامرأة وباعتها لرجل جاز له وطؤها من غير استبراء والأفضل والأحوط له ان يستبرأها إذا أراد ان يطأها.

وإذا ابتاع رجل جارية ثم أعتقها من قبل ان يستبرأها ، وأراد العقد عليها جاز له ذلك ، ومن كان له ان يطأها (1) فالأفضل له ان لا يطأها إلا بعد ان يستبرأها ، وإذا أعتقها وكان قد وطأها جاز له ان يعقد عليها ، وكان له وطؤها أيضا ولم يكن عليه استبراء فإن أراد غيره ان يعقد عليها النكاح لم يجز له ذلك الا بعد خروجها من العدة؟ وهي ثلاثة أشهر (2).

ص: 245


1- يعنى ان كانت الجارية يجوز وطؤها بدون الاستبراء قبل الإعتاق كإحدى المذكورات فبعد الإعتاق والتزويج أيضا جاز ذلك لكن الاستبراء أفضل وظاهره انه لو لم يجز وطؤها بدونه لم يجز بعدهما أيضا خلافا لظاهر النهاية من ان الإعتاق والتزويج في هذا الفرض مسقط للاستبراء بل في جواهر الكلام نفى عنه الخلاف لكنه كدليله غير واضح وما في المتن هو الأقوى واللّه العالم.
2- أو ثلاث حيض ولا يخفى ان عنوان العدة مغاير للاستبراء ويفترقان في أحكام منها الحرمة الأبدية إذا تزوج امرأة في عدتها دون مدة الاستبراء على الأظهر.

وإذا اشترى رجل جارية حائضا لم يجز له ان يطأها إلا بعد الطهر ، فاذا طهرت جاز له وطؤها من غير استبراء ، فان اشتراها وهي حامل لم يجز له ان يطأها في الفرج حتى تضع حملها ، فان مضى لها (1) أربعة أشهر وعشرة أيام ، جاز له ان يطأها في الفرج ، والأفضل له ان لا يفعل ذلك فان فعل ولم يعزل عنها لم يجز له ان يبيع ولدها ، والأفضل له ان يوصى له بشي ء من ماله إذا حضرته الوفاة.

وإذا اشترى رجل جارية وأراد وطأها قبل الاستبراء لم يجز له ذلك الا فيما دون الفرج ، وترك ذلك أفضل.

ويجوز للرجل ان يجمع بين ما أراد من النساء بملك لليمين ، ولا يجوز للرجل ان يجمع بين الأختين ، ولا بين الام وبنتها في الوطأ ، ويجوز له الجمع بينهن في الملك والاستخدام فان وطأ البنت لم يجز له وطؤ الأم ، وان وطأ الأم لم يجز له وطؤ البنت.

وإذا كان لرجل جارية فوطأها أو قبلها بشهوة أو نظر منها الى ما يحرم على غيره النظر اليه ، لم يجز لابنه ان يطأها ويجوز له ان يملكها ، وكذلك الحكم في الأب إذا وطأ ابنه جارية أو قبلها أو نظر الى ما يحرم على غير مالكها النظر اليه ، ويجوز له ان يملكها من غير وطأ وجميع ما ذكرناه من المحرمات بالنسب والسبب والعقد لا يجوز وطؤهن بملك اليمين.

ص: 246


1- في نسخة ( ب ) « فان مضى من حملها » وعلى كل ، فالمراد ان تمضى هذه المدة من بدو حملها وان كان مدة اشترائها أقل فإنه الظاهر من النص الوارد فيه كما في الوسائل الباب 8 من نكاح العبيد والإماء وقول المصنف لم يجز له ان يطأها إلخ يراد به الحرمة في هذه المدة والكراهة فيما بعدها قبل وضع الحمل وهذا هو المحكى عن أكثر الأصحاب لكن النصوص الواردة فيه متعارضة. قال صاحب جواهر الكلام في فصل بيع حيوان من متاجره : ان المسألة من المشكلات وقد اضطرب فيها كلام الأساطين.

وإذا زوج الرجل مملوكة له لم يجز له وطؤها حتى يفارقها زوجها وتخرج من عدتها وكذلك لا يجوز له تقبيلها ولا النظر إليها مكشوفة ولا عارية من ثيابها حتى يفارقها زوجها ، وإذا كان لرجل شريك في جارية لم يجز له وطؤها إلا بعقد (1) أو بانتقال جميعها اليه.

وإذا اشترى رجل جارية كان لها زوج زوجها سيدها به ، ولم يرض المشترى لها إقرار الزوج على العقد بينهما لم يجز له وطؤها حتى تنقضي مدة الاستبراء ، فإن رضي بالعقد لم يجز له وطؤها إلا بعد مفارقة الزوج لها بموت أو طلاق.

ويجوز للرجل ان يشترى من لها زوج في دار الحرب ويجوز له ان يشترى السبايا المستحق للسبي وان سباهم أهل الضلال ، وكانوا ممن يستحق السبي جاز أيضا ابتياعهم منهم.

وإذا كان لرجل جارية وأراد ان يجعل عتقها صداقها كان جائزا ، وينبغي إذا أراد فعل ذلك ان يقدم لفظ التزويج على لفظ العتق ، فيقول تزوجتك وجعلت مهرك عتقك ، فان لم يفعل ذلك وقدم لفظ العتق على لفظ التزويج مثل ان يقول أعتقتك وتزوجتك وجعلت مهرك عتقك كان العتق ماضيا وكانت مخيرة بين الرضا بعقد النكاح (2) وبين الامتناع منه.

ص: 247


1- اى عقد التزويج له من الشريك الأخر لنصيبه أو تحليله له لكن في الأول إشكال ذكرناه في مثل هذه المسألة في باب نكاح الإماء والعبيد فيمكن حمل كلامه على الثاني كما قيل هناك.
2- اى بعقد جديد كما هو ظاهر الخبرين الواردين فيه ، لا حظ الوسائل الباب 12 من نكاح العبيد والإماء ، ويحتمل كون المراد الرضا بالعقد الأول ويلزمه ان لا يكون لها مهر سوى العتق المذكور لما في أحد الخبرين من استحباب ان يجعل لها مهرا وعلى كل ، أصل الحكم غير واضح لضعف الدليل وكون الكلام المتصل كالجملة الواحدة.

فإن طلقها قبل الدخول بها كان لها عليه (1) مثل نصف قيمتها ، وقد ذكر (2) انه يرجع نصفها رقا وتستسعى في ذلك النصف فان لم تسع في ذلك كان له منها يوم في الخدمة ولها يوم وان كان لها ولد وله مال ألزم ان يؤدى عنها النصف الباقي - وتنعتق ، والذي ذكرناه أولا أولى وأحوط.

وإذا أعتق جارية وجعل عتقها مهرها ولم يكن ادى ثمنها ومات عنها ، فان ترك من المال ما يحيط بثمن رقبتها كان العتق والتزويج ماضيين ، وان لم يترك شيئا غيرها كان العتق باطلا ويبطل العقد أيضا (3) وترد الى سيدها الأول ، فإن كانت قد جاءت بولد كان حكمه حكمها في انه يكون رقا لمولاها.

وإذا كان للمرأة الحرة زوج مملوك فملكته بأحد وجوه التمليكات حرمت عليه ولم يجز له وطؤها ، فإن اختارت ذلك كان عليها ان تعتقه وتتزوج به ان شاءت ذلك.

ص: 248


1- كذا في النسخ والصواب « له عليها » وتقدم نحوه في باب الصداق وذكرنا فيه ما ينبغي مراجعته.
2- ذكره الشيخ في النهاية للخبر كما في الباب 15 مما ذكر ويمكن الجمع بينه وبين غيره مما دل على قول المصنف بان المراد ان نصفها في حكم المملوك من حيث وجوب السعي عليها لأداء قيمته وانه ان امتنعت منه كان لكل منهما يوم في الخدمة ولعله مراد الشيخ أيضا.
3- للخبر الصحيح كما في الوسائل الباب 71 من نكاح العبيد والإماء و 25 من كتاب العتق وقد علل فيه لبطلانهما بأنه أعتق ما لا يملك ومورده ما إذا اشترى نسيئة ولم يكن له مال حين اشتراها الى ان مات كما يقتضيه الجمع بين جملتيه في موضع من التهذيب فحكم فيه الامام عليه السلام ببطلان اشترائها لعدم قدرته على أداء ثمنها في هذه المدة وهذا غير بعيد لجواز ان يكون صحته موقوفة على التمكن من أدائه في الأجل كما هو المغروس في قصد البائعين.

وإذا كان لرجل عبد اوامة وكان للعبد أو الأمة مملوكة (1) وأراد وطؤ هذه المملوكة كان له ذلك جائزا لأن ما يملكه عبده أو أمته فهو ملكه ، وليس يملكان هما شيئا.

وإذا كان لولده جارية وأراد وطأها ، فإن كان الولد كبيرا وقد وطأها (2) أو نظر منها الى ما يحرم على غير مالكها النظر اليه ، لم يجز للأب وطؤها على حال ، وان لم يكن وطأها ولا نظر إليها على الوجه الذي ذكرناه لم يجز للأب وطؤها إلا بإذن ابنه في العقد عليها له أو تملكه إياها.

وان كان الابن صغيرا لم يجز له وطؤها حتى يقومها على نفسه ، ويكون الثمن في ذمته لابنه.

وإذا كان العبد بين شريكين ، فاذن له أحدهما في التزويج وعلم الشريك الأخر بذلك ، كان مخيرا بين إمضاء العقد وفسخه.

وإذا كان لإنسان عبد فاذن له في التزويج فتزوج ثم أبق بعد ذلك ، لم يكن لزوجته على سيده نفقة وكان عليها العدة منه (3) ، فان عاد قبل انقضاء العدة كان

ص: 249


1- كما إذا وهبها لهما المولى أو غيره وفي الخبر : وهبها للأمة أبوها الوسائل الباب 80 من نكاح العبيد والإماء وظاهره كالمتن عدم توقف الجواز على قصد التملك.
2- أو قبلها بشهوة كما تقدم في المتن آنفا
3- اى مع الدخول بها وهذه المسألة مضمون النص كما في الوسائل الباب 73 من نكاح العبيد والإماء وقد ذكر فيه ان إباق العبد طلاق امرأته وهو بمنزلة المرتد عن الإسلام وسنده لا يخلو من ضعف وفي ذيله اضطراب لكن يعضده قويا ما في الصحيح الوارد في سرقة العبد الآبق من انه بمنزلة المرتد فان ابى الرجوع الى مولاه قتل كما في الوسائل الباب 72 من كتاب العتق فالتردد أو الخلاف في مسئلتنا كما في جواهر الكلام في المسألة العاشرة من تحريم النكاح بالكفر في غير محله واللّه العالم.

أملك بها ، وان كانت عدتها قد انقضت لم يكن له عليها سبيل.

وإذا كان له مملوكة فأخبره فالأفضل له ان لا يطأها ولا يطلب منها ولدا فان فعل ذلك فليعزل عنها.

وإذا زوج مملوكته لرجل وسمى لها صداقا معينا وقدم الزوج شيئا من مهرها ثم باعها سيدها (1) لم يجز له المطالبة بباقي الصداق ، ولا الذي اشتراها الا ان يرضى بالعقد ويقره على نكاحها.

وإذا كان له عبد فزوجه بحرة ، كان المهر لازما له دون العبد ، فان باعه قبل الدخول بالزوجة كان على سيده نصف المهر.

وإذا زوج الرجل مملوكته برجل حر ثم أعتقها ، فان مات الزوج ورثته وكان عليها عدة الحرة المتوفى عنها زوجها وان علق عتقها بموت زوجها ثم مات الزوج لم ترثه (2) ، ووجب عليها ان تعتد عدة المتوفى عنها زوجها.

ولا يجوز بيع أم الولد إلا في ثمن رقبتها إذا لم يكن لسيدها مال غيرها ، فان مات وخلف مالا غيرها جعلت من نصيب ولدها فاذا فعل ذلك انعتقت في الحال.

« باب نكاح المشركين »

إذا كان : للمشرك أكثر من اربع زوجات وهن كتابيات من النصارى واليهود أو منهما جميعا فأسلم دونهن ، كان عليه ان يختار منهن أربعا وكذلك ان أسلمن معه ويفارق الباقي منهن وكذلك ان كن مجوسيات أو وثنيات أو منهما جميعا فأسلمن معه ، فان لم يسلمن وأقمن على الشرك لم يجز له ان يختار منهن واحدة ، لأن المسلم لا ينكح مجوسية ولا وثنية.

ص: 250


1- أي بعد ما دخل الزوج بها كما في النص الوارد فيه الوسائل الباب 87 من نكاح العبيد والإماء.
2- لاشتراط الحرية في الإرث وهذه المملوكة صارت حرة بعد موت زوجها كما علله بذلك في النص رواه في الوسائل الباب 65 من نكاح العبيد والإماء ويستفاد منه أيضا جواز تعليق عتقها بموت الزوج.

وإذا كان الزوجان كتابيين يهوديين أو نصرانيين ، أو يهوديا ونصرانية ، أو نصرانيا ويهودية فأسلم الزوج فهما على النكاح وكذلك ان كان الذي أسلم وثنيا أو مجوسيا والزوجة يهودية أو نصرانية ، وان كان الذي أسلم هي الزوجة فسنذكر حكمها فيما بعد (1).

وان كانا وثنيين أو مجوسيين أو أحدهما مجوسي والأخر وثني ، فمن أسلم منهما (2) وكان إسلامه قبل الدخول ، وقع الفسخ على كل حال ، وان كان بعد الدخول وقف ذلك على انقضاء العدة ، فإن اجتمعا على النكاح (3) قبل انقضائها فهما على النكاح والا كان ذلك مفسوخا وكذلك إذا كانا كتابيين فأسلمت الزوجة لأن الكتابي لا يتمسك بعصمة مسلمة أبدا ، سواء كانا في دار الحرب أو دار الإسلام ، وقد ذكر بعض أصحابنا (4) ان نكاحها لا ينفسخ بإسلامها ، لكن لا يمكن الرجل من الخلو بها.

وإذا تزوج وهو مشرك بالأم وبنتها في عقد واحد أو في عقدين ثم أسلم ولم يكن دخل بواحدة منهن كان له ان يختار منهما من أراد ويفارق الأخرى ، فإن كان

ص: 251


1- أي في المسئلة التالية ويأتي بعض فروعها بعد ذلك أيضا.
2- أي من أحد الزوجين.
3- الصواب « على الإسلام » كما في المبسوط أو المراد اجتمعا على تصحيح النكاح بالإسلام.
4- حكاه الشيخ في المبسوط أيضا عن بعض أصحابنا وذكر في النهاية انه ان كان زوجها بشرائط الذمة يملك عقدها غير انه لا يمكن من الدخول إليها ليلا ولا من الخلو بها اى نهارا ولا إخراجها إلى دار الحرب انتهى ملخصا وظاهر الصدوق في المقنع جواز خلوة النصراني بها في النهار أيضا والنصوص الواردة في ذلك متضاربة كما في الوسائل الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر من النكاح والباب 1 من موانع الإرث من كتاب الفرائض وما اختاره المصنف هنا من إلحاق المجوسي بالوثنى وبقاء نكاح الكتابية ان أسلم زوجها مطلقا دون الكتابي إن أسلمت زوجته ، اولى وأحوط

دخل بكل واحدة منهما حرمت البنت على التأبيد ، لأنها بنت مدخول بها ، والام حرمت عليه مؤبدا أيضا للعقد على البنت والدخول بها. (1)

وان كان دخل بالبنت دون الام حرمت الام على التأبيد لمثل ما قدمناه ، فان كان دخل بالأم دون البنت حرمت البنت على التأبيد.

وإذا نكح امرأة وعمتها أو امرأة وخالتها ثم أسلم كان له ان يختار أيهما شاء ، ويفارق الأخرى ، (2) دخل بها أو لم يدخل بها فان رضيت العمة أو الخالة بالمقام معها كان له الجمع بينهما.

وإذا كان يملك اما وبنتها فأسلم وأسلمن (3) معه فان لم يكن وطأ واحدة منهما كان له وطؤ واحدة منهما دون الأخرى ، فإذا وطئ منهما واحدة حرمت الأخرى على التأبيد (4) ، لأن الدخول بالمرأة يحرم أمها وبنتها على التأبيد ، والموطوءة تكون له حلالا.

ص: 252


1- جملة والام إلى هنا ساقطة في نسخة ( ب ) و ( خ ) وثابتة في هامش نسخة الأصل وهو الصواب لقوله بعد ذلك لمثل ما قدمناه والضمير في « الدخول بها » راجع بحسب المعنى والسياق الى البنت وفي هامش الأصل كتب تحته « يعنى الدخول بالبنت » وكأنه من الناسخ ولا ارى له وجها فالظاهر ان المصنف اشترط هنا في حرمة الأم الدخول بالبنت كما عن بعض أصحابنا وابن مسعود من الصحابة فعليه صح ما ذكره في هذه الصور الأربعة لكن المشهور بين الأصحاب وذكره المصنف في باب ما يحرم نكاحه أن الأم تحرم بمجرد العقد على بنتها فعليه ، الظاهر حرمة الأم هنا أيضا مطلقا على تأمل في الأخيرة والتفصيل لا يسعه المجال.
2- بناءا على كون المحرم هو الجمع بينهما لكن فيه أيضا كلام لا يسعه المجال.
3- الصواب « وأسلمتا » وهذا التقييد لا وجه له في المملوكة الكتابية لجواز وطئها بالملك بشرائط المسلمة فالمراد ما إذا كانت مشركة بناءا على عدم جواز وطئها بالملك كما تقدم سابقا الاحتياط في وطئ المجوسية به.
4- زاد هنا في نسخة ( خ ) وهامش نسخة ( ب ) « وان كان دخل بهما جميعا حرمتا عليه على التأبيد » لكن المناسب ان يكون موضع هذه الزيادة قبل ذلك أو بعده

وإذا أسلم وعنده من الإماء أربع زوجات وأسلمن معه فان كان ممن يجوز له نكاح امة من عدم الطول وخوف العنت ، كان له ان يختار منهن اثنتين ، لأنه لو أراد استئناف نكاحهما كان له ذلك إذا كان حرا وإذا كان كذلك جاز له ما ذكرناه.

وان كان ممن لا يجوز له نكاح امة لوجود الطول وانه لا يخاف العنت ، كان له أيضا ان يختار منهن اثنتين عندنا ، لأنه مستديم للعقد وليس مبتدئا به ، ويجوز في الاستدامة ما لا يجوز في الابتداء الا ترى انه ليس له ان يعقد على الكتابية مع ان له استدامة عقدها.

وإذا كان عنده اربع زوجات حرة وثلاث إماء فأسلم ، وأسلم جميعهن معه كان الأمر في ذلك (1) موقوفا على رضا الحرة ، فإن رضيت ثبت نكاحها.

وإذا تزوج العبد وهو مشترك بستة : أمتين وكتابيتين ووثنيتين فأسلم وأسلمن معه فليس للأمتين خيار في فراقه ، لأنه مملوك وهما مملوكتان فلا مزية لهما عليه ، واما الحرائر فالخيار لهن في فراقه ، فان اخترن ذلك بقي عنده أمتان وله امساكهما ، لأنه يجوز للعبد عندنا ان يتزوج بأربع إماء (2)

ص: 253


1- أي في اختيار حرتين وأمتين أو ثلث حرائر وامة دون حرة وثلث إماء لما تقدم سابقا من ان الحر لا ينكح أزيد من أمتين واما اختيار أربع حرائر فلا اشكال وظاهر العبارة انه إذا لم ترض الحرة انفسخ نكاح الأمة بخلاف ما ذكره آنفا في العمة أو الخالة من انه إذا لم ترضيا جاز له اختيار البنتين مع اشتراك المسئلتين في جواز الجمع بالرضا كما تقدما معا في باب من يحرم نكاحه فراجع وتدبر.
2- في التعليل سقط أو مسامحة إذ لو لم يجز له التزوج الا بامتين كما عن العامة جاز له امساكهما أيضا كما في المبسوط وظاهر المصنف ان تخير الحرائر هنا للمزية لهن على الزوج بالحرية وعبارة المبسوط تشعر بالإجماع واستشكل فيه في التذكرة وهو في محله لعدم نص عليه الا ما ورد في تخير الحرة إذا تزوجت بعبد على انه حر لكنه للتدليس المنتفي في المقام وما ورد في تخير الأمة المزوجة إذا أعتقت لكنه ليس لمزيتها عليه إذ لو كان زوجها حرا كان تخيرها أيضا ثابتا. ثم انه لو رضيت الحرائر ببقاء النكاح أو قلنا بعدم الخيار فللعبد إمساك اثنتين منهن أو حرة وأمتين فقط لعدم جواز تزوجه بأكثر.

وإذا تزوج العبد وهو مشرك بأربع حرائر فأسلم ، وأسلم معه اثنتان منهن وأعتق ثم أسلمت الحرائر (1) بعد ذلك ، أو أسلمن كلهن معه ثم أعتق كان له ان يختار منهن اثنتين بغير زيادة عليهما ، لان الاعتبار بثبوت حال الاختيار ، والاختيار ثبت له وهو عبد فإذا أعتق لم يتعين (2) قدر ما ثبت له بعتقه ، فاذا كان كذلك وكان له ان يختار اثنتين ، قيل له ان شئت بعد ذلك ان تتزوج باثنتين غيرهما ليصير عندك أربع نسوة فافعل لأنك حر كامل وكذلك : استئناف العقد على اربع نسوة.

وإذا عقد العبد وهو مشرك على اربع حرائر فأسلم وأعتق ثم أسلمن ، أو أسلمن

ص: 254


1- اى الباقيتان منهن ولعل الصواب « الأخريان » كما في المبسوط.
2- الصواب « لم يتغير » كما في نسخة ( خ ) والمبسوط. واعلم ان نسخة ( خ ) في مواضع منها إسقاط لكنها في مورد الاختلاف مع النسختين الأخريين أصح وهي للسيد الجليل حجة الإسلام الآقا حسين الملقب بالخادمى ولأجله رمزت بها ( ب - خ ) وكان هذا السيد من أعاظم العلماء في مدينة أصفهان قائماً فيها بخدمة العلم والدين وإلقاء الدرس على الفضلاء من زمان بعيد وأخير اتصدى زعامة حوزتها العلمية ومن جهة النسب هو من أحفاد آية اللّه السيد صدر الدين العاملي والد آية اللّه السيد إسماعيل الصدر فله صلة تامة بالسادات صدر الدين وشرف الدين المنتشرين في إيران والعراق ولبنان. وفيهم العلماء الأجلاء وزعماء الناس في دينهم وسياستهم وينتهى نسبهم الى السيد نور الدين على ، والد صاحب المدارك قدس اللّه تعالى أسرارهم ومن المأسوف ان السيد الخادمى توفي في هذا اليوم الثامن عشر من جمادى الثانية سنة ألف واربع مأة وخمس الهجرية القمرية في مدينة أصفهان عن عمر جاوز الثمانين وقد نقل جثمانه الشريف الى المشهد الرضوي ودفن هناك.

أولا ثم أعتق ثم أسلم هو ، ثبت نكاح الأربع بغير اختياره ، لأنه في وقت ثبوت الاختيار حر ، وهن حرائر وثبت نكاح الأربع كما ذكرناه ، وانما ينفسخ نكاح من زاد على العدد الذي يجوز استدامته والزيادة هاهنا مرتفعة.

وإذا أسلم الحر وعنده أربع حرائر وأسلمن معه ثبت نكاحهن بغير اختيار ، فان قال بعد ذلك فسخت نكاحهن لم يجز له ذلك نوى الطلاق بذلك أو لم ينوه ، لان الطلاق عندنا لا يقع الا بحصول شرائط من جملتها صريح اللفظ.

وإذا كان عند الحر المشرك خمس حرائر فأسلم ، وأسلمن بعده واحدة بعد واحدة ، وكلما أسلمت واحدة قال لها اخترتك ثبت نكاح اربع ووقع الفسخ بالخامسة.

وإذا كان الحر مشركا وله زوجة كذلك فأسلمت الزوجة وأسلم بعدها فان كان إسلامه قبل انقضاء عدتها فهما على النكاح وان كان بعد انقضاء العدة كان خاطبا من الخطاب.

وإذا أسلم المشرك وعنده اختان حرتان أو أكثر (1) من أربع حرائر ، كان

ص: 255


1- في نسخة ( خ ) « وأكثر » بالواو وهذا انسب بما بعده فالمراد ان عنده مع الأختين عدة حرائر يزدن على الأربع فيمسك إحداهما ما تتم به الأربع من غيرهما واما على نسخة « أو » فالمراد بيان مسئلتين وتكون لفظة « مع » فيما بعده بمعنى الواو أو تصحيفا منها في النسخ وظاهر المصنف وجوب اختيار الأخت الاولى ولعله لكون الكفار مكلفين بالفروع كما هو المعروف بين الإمامية إذ مقتضاه بطلان نكاح الثانية واقعا وانما يعامل معها الزوجية حال الكفر فإذا أسلم الزم بالواقع لكن لازمه كون الزيادة على الأربع أيضا كذلك وهو خلاف ظاهر النص الوارد في مجوسي أسلم وله سبع نسوة مع انه يأتي في آخر هذا الباب وذكره سائر الأصحاب ان انكحة الكفار صحيحة واقعا إذا عملوا بمذهبهم لقوله عليه السلام لكل قوم نكاح خلافا لبعض العامة فالظاهر ان في الأختين جواز اختيار أيتهما شاء كما في الشرائع وان شئت التفصيل بما لا مزيد عليه فراجع التذكرة واللّه العالم.

له ان يترك عنده التي نكح أولا من الأختين مع تمام أربع حرائر ، ويفارق الأخت الثانية وما زاد على الأربع الحرائر.

وإذا أسلمت الذمية قبل الدخول بها ملكت نفسها ولم يكن عليها عدة ، فان أسلم زوجها في حال إسلامها فهما على النكاح ، وان تأخر إسلامه عن إسلامها كان خاطبا من الخطاب.

وإذا خرج الحربي إلى دار الإسلام فأسلم ثم لحقته زوجته فهما على النكاح (1) وإذا خرجت امرأة من أهل الحرب الى دار الإسلام مستأمنة (2) ولها زوج قد تخلف في دار الحرب لم يكن له عليها سبيل ، ولها ان تتزوج بعد ان تستبرئ رحمها فان جاء زوجها بعد ذلك (3) مستأمنا كان خاطبا من الخطاب.

فاذا سبيت المرأة قبل زوجها أو هو قبلها ثم مكثا في الغنيمة ما شاء (4) ان

ص: 256


1- الظاهر ان نظر المصنف هنا ان الهجرة إلى دار الإسلام لا يوجب انفساخ النكاح كما رواه في الوسائل الباب (5) مما يحرم بالكفر خلافا لأبي حنيفة كما في الخلاف والتذكرة فليس المراد هنا بقاء النكاح ولو بعد العدة.
2- الاستئمان ان يدخل الكافر دار الإسلام بأمان وكأنه هنا أعم من الذمة وظاهر المتن انه من أسباب الفسخ ان كان من المرأة وان لم تسلم كما عن أبي حنيفة لكن لم أعثر على ذلك فيما راجعته من كتب الأصحاب في الجهاد والنكاح فلعل المراد بالمستأمن هنا المسلم أو هو مصحف منه في النسخ واللّه العالم.
3- اى بعد الاستبراء وهو بحيضة أو خمسة وأربعين يوما كما تقدم في باب السراري لكن يحتمل ان يكون المراد به هنا الاعتداد بالشهور والأقراء بل هو الظاهر لو صح ما احتملناه في المستأمن.
4- أي الامام وكأنه سقط من الأصل ونسخة ( ب ) وحرف في نسخة ( خ ) وقوله فإن أدخل أحدهما أي دار الإسلام كما في نسخة ( خ ) وهذه المسئلة أوردها الأصحاب في كتاب الجهاد كما في المبسوط والتذكرة والشرائع لكنهم لم يفصلوا بين المكث في دار الحرب وعدمه.

يمكثا في دار الحرب ، كانا على النكاح فإن أدخل أحدهما دون صاحبه بطل النكاح بينهما ، وإذا سبيت المرأة وزوجها من أهل الحرب كان لمن يملكها ان يفرق بينهما كما يكون له ذلك في عبيده ، الا ان يكون أهل الحرب ألقوا بأيديهم حتى سبوا على ان لا يفرق بين الزوج منهم وزوجته فصولحوا على ذلك وعقد لهم ، فليس يجوز التفرقة بينهم.

وإذا ارتد الرجل بانت منه زوجته فان تاب (1) كان خاطبا من الخطاب.

وإذا أسلم المشرك أو الذمي وعنده من لا يحل نكاحها في الإسلام انفسخ النكاح ، وإذا تزوج الذمي الذمية من محارمه وهو في دينهم جائز ، فرفعت الزوجة خبرها الى الحاكم وسألته إمضاء حكم الإسلام بينهما والزوج كاره لذلك لم ينظر بينهما ، فان تراضيا بحكمه امضى عليهما حكم الإسلام ، وفرق بينهما فيما أوجب الحكم تفريقه.

وإذا تزوج النصراني النصرانية ثم تمجست كانا على نكاحهما ، فإن أسلم الزوج عرض عليها الإسلام فإن أسلمت (2) والا فرق بينهما ، فان عادت الى النصرانية أو اليهودية كانت على النكاح ، فان تمجست بعد إسلام الزوج فسد النكاح ، (3)

ص: 257


1- زاد هنا في نسخة ( خ ) وهامش نسخة ( ب ) بعلامة التصحيح « قبل ان تنقضي عدتها كان على نكاحهما وان انقضت عدتها ثم تاب » والظاهر ان المراد بذلك هو المرتد الملي لما تقدم في كتاب الفرائض والمعروف بين الأصحاب ان ارتداد الزوجة كذلك بلا فرق بين الفطري والملي.
2- أي قبل انقضاء عدتها لما تقدم في أول الباب من وقوف نكاح المجوسية عليه ومقتضاه انه لو كان ذلك قبل ان يدخل بها فرق بينهما في الحال لكن ظاهر المصنف هنا أعم لما قبل الدخول ولعله لعدم قدح الفصل فيه بمقدار العرض ويؤيده ما ورد في مجوسية أسلمت قبل زوجها ولم يدخل بها كما في الوسائل الباب 9 مما يحرم بالكفر الحديث 7.
3- ظاهره انه هنا يفسخ في الحال فلا ينفع إسلامها ولو في العدة ولا عودها إلى اليهودية أو النصرانية كما استظهره العلامة رحمه اللّه تعالى أيضا في التذكرة في أوائل البحث الثاني من فصل التحريم بالكفر وكأنه لتبدل الدين.

وإذا أسلم النصراني وزوجته نصرانية ، فرجعت الى اليهودية فهي زوجته.

وإذا اغتصب الحربي حربية على نفسها أو طاوعته وأقاما على ذلك معا بغير عقد لم يقرا عليه ان أسلما وهما على هذه الصفة لأنهما لا يعتقدان ذلك نكاحا.

وإذا أسلم الزوج وعنده زوجة ثم ارتد بعد إسلامه قبل انقضاء عدتها ، فإن أقامت على الشرك حتى انقضت عدتها من حين أسلم انفسخ النكاح ، وان أسلمت (1) وهو مرتد زال باختلاف الدين بإسلامه ، فإن أقام على الردة حتى انقضت عدتها بانت من حين ردته ، وان رجع بينا (2) انه لم تزل زوجيته ولم يكن لها نفقة قبل إسلامها (3) ، فإن - أسلمت وهو مرتد كان نفقتها عليه لان التفريط منه.

وإذا تزوج مشرك بمشركة وطلقها ثلاثا ، لم تحل له الا بعد زوج ، فان تزوجت بمشرك ودخل بها ، أباحها للأول وكذلك لو تزوج مسلم كتابية ثم طلقها

ص: 258


1- أي في العدة المذكورة التي أولها حين إسلام الزوج والحاصل انه إذا أسلمت الزوجة فيها بعد ارتداده يحسب لها عدة اخرى من حين ردته فإن بقي على الردة حتى انقضت هذه العدة الثانية انفسخ النكاح وان رجع الى الإسلام قبل انقضائها يتبين ان زوجيته باقية وعبارة المتن والمبسوط مجملة في ذلك لكنه المستفاد من التذكرة ولعل جملة « زال باختلاف الدين بإسلامه » زائدة أو المراد زوال النكاح في الجملة ويفصله ما بعده والمراد بالارتداد هنا ما عن الملة لما ذكرناه آنفا وذكر في التذكرة نحو هذه المسألة في إسلام الزوجة وارتدادها قبل زوجها لكن الارتداد فيها أعم والظاهر عدم الفرق في المسئلتين بين الكتابيين وغيرهما لمكان الارتداد ولتفصيله محل آخر.
2- اى ظهر لنا ولعل الصواب « تبينا » كما في المبسوط.
3- في نسخة ( خ ) « قبل إسلامه » وكأنه خطأ.

ثلاثا فتزوجت في حال الشرك (1) ودخل الزوج بها ، أباحها لزوجها المسلم.

وانكحة الكفار عندنا صحيحة ، ومهور نسائهم تابعة لذلك في الصحة ، والمعتبر فيها بالقيمة إذا كانت مما لا تحل للمسلم تملكه وحكمنا بينهم فيها.

« باب أحكام الولادة والعقيقة والرضاع »

إذا ضرب المرأة المخاض فينبغي للنساء ان ينفردن بها ليتولوا معونتها وأمرها في الولادة ، ولا يحضرها أحد من الرجال إلا في الحال الذي يعدم فيها النساء ، فاذا وضعت ولدها أخذته القابلة ان كان لها القابلة ، ومسحته من الدم ثم تغسله ، ويؤذن في اذنه اليمنى ، ويقام في اذنه اليسرى ويحنك بماء الفرات والأفضل فيما يؤخذ من هذا الماء ان يؤخذ من موضع يتشعب إلى انهار شتى مثل نهر الكوفة وكربلاء فان لم يتمكن من ذلك فليحنك بماء عذب ، فان لم يتمكن من ذلك ، ولم يقدر الا على ماء ملح فينبغي ان يلقى فيه شي ء من عسل أو تمر ليحلو ثم يحنك به وينبغي ان يستعمل في تحكنه مع الماء ، شي ء من تربة الحسين عليه السلام ان وجد ذلك.

فاذا كان في اليوم السابع من ولادته فينبغي ان يختار له اسم يسمى به ، ويعق عنه ويختن في ذلك اليوم ، وأفضل الأسماء ، أسماء الأنبياء والأئمة عليهم السلام ، وأفضل ذلك محمد وعلى والحسن والحسين وما عدا ذلك من أسماء أئمتنا عليهم السلام ، وكذلك الكنى (2) ، ويكره ان يكنى الإنسان (3) ولده حكما أو حكيما أو خالدا أو حارثا أو مالكا وكذلك ويكره ان يكنيه بابى عيسى وابى الحكم وابى خالد.

ص: 259


1- يعنى كونها كتابية فإنه يطلق عليه الشرك أيضا.
2- زاد هنا في هامش نسخة ( ب ) بعلامة التصحيح « ويكره ان يكنى الإنسان بأبي القاسم إذا كان الاسم محمدا لان ذلك مخصوص بالنبي صلى اللّه عليه وآله والقائم عليه السلام ومن المأسوف أن نسخة ( خ ) تفقد هذا الباب وبعده.
3- الصواب « ان يسمى الإنسان » فان المذكورات أسماء وانه الوارد في الخبر كما في الوسائل الباب 28 من أحكام الأولاد.

فإذا كان اليوم السابع من ولادته كما ذكرناه حلق رأسه وتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة ، ويكون ذلك مع العقيقة في وقت واحد ويكره ان يترك للصبي إذا حلق رأسه قنزعة ، (1) وكذلك : يكره ان يحلق بعض رأسه ويترك بعضه ويعق عنه ان كان ذكرا بكبش ، وان كان أنثى بشاة مع التمكن من ذلك فان لم يتمكن من كبش ولا بشاة ووجد دون ذلك كان جائزا.

والأفضل ان يعق عن الذكر بالذكر وعن الأنثى بالأنثى كما قدمناه فان لم يقدر على ذلك وقدر على حمل كبير جاز ان يعق به وما يجري في الأضحية من ذلك يجوز العقيقة به فاذا ذبحت العقيقة فينبغي ان يدفع الى القابلة ربعها المؤخر (2) فإن كانت القابلة ذمية لم يدفع إليها ذلك ، ودفع إليها ثمن ذلك وان كانت القابلة أم والد المولود ومن هو في عياله ، لم يدفع إليها شي ء من العقيقة ، ودفع الربع إلى أم المولود لتتصدق به.

وينبغي ان يفصل العقيقة ولا يكسر لها عظم ويتصدق بها على الفقراء والمساكين وان طبخ لحمها ودعي عليه قوم من المؤمنين ليأكلوه كان أفضل ، ولا يأكل أحد من

ص: 260


1- في القاموس : « القزعة بضم القاف والزاء وفتحهما وكسرهما : الشعر حوالي الرأس والخصلة منه تترك على رأس الصبي أو ما ارتفع من الشعر وطال وقال القزع قطع السحاب وان يحلق رأس الصبي ويترك مواضع منه متفرقة تشبيها بقزع السحاب » فيظهر منه انهما لغتان ونون الأول أصلية ولكن الجوهري أورده في الثاني وظاهره انه مشتق منه ويمكن كون الثاني تخفيفا من الأول وورد كلاهما في الاخبار وفي بعضها تفسير القزع بان يحلق موضعا ويترك موضعا وفي آخر بان يحلق الرأس إلا قليلا ويترك وسط الرأس وظاهر المصنف ان ترك القنزعة وترك حلق بعض الرأس أمران وهذا غير ظاهر من الاخبار لجواز كون المراد منها الثاني وكون الأول فردا منه فراجع الوسائل الباب 66 من أحكام الأولاد.
2- اى الرجل والورك كما في الخبر.

أبوي المولود شيئا من العقيقة ، وقد روى جواز ذلك (1) والأحوط ما قدمناه.

« في أحكام الختنة ».

وينبغي ان يختن المولود في اليوم السابع كما ذكرناه فإن أخر ذلك عن هذا اليوم كان جائزا ، الا ان الأفضل ذلك ، والقول في خفض الجواري مثل ذلك ، (2) وإذا تأخر ختان أحد ممن ذكرناه الى وقت بلوغه وجب ان يفعل به ذلك عند البلوغ وكذلك : من أسلم وهو بالغ غير مختتن ، فليختتن وان كان شيخا.

وإذا مات المولود في اليوم السابع من ولادته ، وكان موته قبل الظهر من ذلك لم يعق عنه ، وان كان موته بعد الظهر ، استحب ان يعق عنه.

وينبغي ان يرضع الصبي حولين كاملين على ما ثبت به السنة في ذلك ، والزيادة عليه جائزة وكذلك : النقص منه ، فاما الزيادة : فلا يجوز ان يكون أكثر من شهرين ، واما النقص : فلا يجوز ان يكون أكثر من ثلاثة أشهر ، فإن فعله ذلك ، كان جورا عليه ، ونقص الثلاثة الأشهر مكروه.

وأفضل ما يرضع به الصبي من الألبان لبن امه ، والام ان كانت حرة وأرادت رضاعه كان لها ذلك ، وان لم ترده لم تجبر عليه ، وان كانت امة كان إلزامها ذلك جائزا.

ص: 261


1- الوسائل الباب 44 من أحكام الأولاد الحديث 7 وكذا في الحديث 4 على نسخة الكافي دون التهذيب وموردهما أكل الأب فقط كما ان في خبر آخر يأكل منها كل أحد إلا الأم ولم نعثر على خبر في جوازه للام وعلى كل ، ظاهر المصنف هنا والشيخ في النهاية الحرمة والمعروف بين الأصحاب هو الكراهة.
2- الخفض بالخاء المعجمة في البنات كالختان للذكور ولذا أطلق عليه الختان في بعض الاخبار كما قيل في اللغة ان الخفض أيضا يطلق على ختان الذكور لكنه شاذ وظاهر المصنف هنا وجوبه في البنات كما تقدم ذلك منه في الرهن في مسألة رهن الطفل المملوك لكنه غير معروف بل ادعى الإجماع على خلافه وصرح في النصوص بعدمه ويمكن حمل كلامه هنا على غير ذلك.

وإذا أرضعته الحرة وتطلب اجرة الرضاع كان ذلك (1) واجبا على والد الصبي ، وان كان والده ميتا ، كان ذلك في مال الصبي ، وان كان لها مملوكة فأرضعته كان لها أجر رضاع مملوكتها وهو اجرة المثل.

وإذا وجد والد الصبي من يرضع ولده بأجرة تكون أقل من الأجرة التي تأخذها امه ورضيت الام بها كانت أحق به من غيرها ، وان لم ترض بها كان لوالده أخذه منها ودفعه الى من يرضعه بالأقل.

وإذا كان الولد ذكرا فوالدته أحق به من أبيه (2) مدة الرضاع ، فاذا انقضت هذه المدة كان والده أحق به منها ، وإذا كان أنثى فوالدته أحق به من أبيه إلى سبع سنين ، فان تزوجت فيما دون سبع سنين ، كان والده اولى به منها. فان مات والده كانت والدته أحق بولدها من وصى أبيه ذكرا كان الولد أو أنثى الى ان يبلغ.

فاذا كان والد الصبي عبدا ووالدته حرة. كانت والدته أحق به واولى من أبيه على كل حال فان انعتق كان اولى به على ما تقدم ذكره.

وإذا أراد الرجل من يرضع والده ، فينبغي ان يختار لذلك امرأة ، مسلمة.

عاقلة جميلة الوجه عفيفة. ولا يجوز له ان يسترضع امرأة كافرة إلا عند الضرورة

ص: 262


1- مقتضاه جواز استئجارها أيضا خلافا لما تقدم في كتاب الإجارة من عدم جوازه وعدم استحقاقها الأجرة لو أرضعت الا ان يكون مراده هنا ما إذا خرجت من حباله لقوله بعد ذلك في الحضانة : فإن تزوجت إلخ لكنه بعيد وقد ذكرنا هناك بعض الكلام فيه فراجع والذي أظن انه ليس للمرأة ما دامت في حباله ان تمتنع من إرضاع ولدها منه بلا عوض وله إجبارها عليه إذا كان متعارفا ولم يكن عليها ضرر لأنه من شئون المعاشرة وإيجاد العائلة ووجوب طاعة الزوج وقد جعل اللّه تعالى رزق الولد في ثدي امه كما ورد في الخبر وبناء التزويج غالبا عليه وقوله تعالى ( وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ ) ولم أجد في النصوص المعتبرة ما يدل على خلافه لكنه خلاف المعروف بين الأصحاب واللّه العالم.
2- أي في الحضانة.

الى ذلك فإنه يجوز حينئذ ان يسترضع يهودية أو نصرانية دون غيرها من سائر الكفار

وإذا لم يجد في هذه الحال يهودية ولا نصرانية ووجد مجوسية ، جاز ان يسترضعها ، ولا يجوز له ذلك مع وجود اليهودية أو النصرانية على حال فاذا استرضع اليهودية أو النصرانية فليقرها عنده في منزله ، ولا يدفع الولد إليها لتمضي به الى منزلها وينبغي ان يمنعها أيضا من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير.

ولا يجوز ان يسترضع ناصبية ولا امرأة قد ولدت من الزنا ، أو كانت مولودة من ذلك إلا في حال الضرورة وعدم من يجوز استرضاعه ممن قدمنا ذكره.

والمرضعة تستحق اجرة الرضاع في حولين كاملين فان زاد على الحولين لم تستحق على ذلك اجرة ومن دفع ولده الى ظئر ، فمضت به ولم تحضره الا بعد الفطام ، لم يجز له إنكاره ولا يكذبها في قولها بأنه ولده لأنها مأمونة.

وإذا دفعت الظئر ولد إنسان إلى ظئر اخرى كان عليها ضمانه ، فان لم تحضره كأن عليها ديته ، واسترضاع الإماء جائز فمن أراد أن يسترضعهن فليسترضع المسلمة منهن حسب ما وصفناه فيمن يجوز استرضاعه من غيرهن.

« باب النشوز »

قال اللّه واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن (1) فعلق تعالى : هذه الأحكام بالنشوز إذا ظهرت اماراته ودلائله وذلك يظهر بقول أو فعل.

اما القول : فمثل ان تكون المرأة تلبي الرجل إذا دعاها وتخضع له بالقول إذا كلمها ثم تمنع عن ذلك وعن القول الجميل عند مخاطبته.

واما الفعل : فمثل ان كانت تقوم إليه إذا دخل عليها وتسارع الى فراشه إذا دعاها اليه ، ثم تترك ذلك فتصير لا تقوم ولا تسارع الى فراشه ، بل إذا دعاها الى ذلك صارت إليه بكراهة ودمدمة وأمثال ذلك ، فاذا ظهر ما ذكرناه أو ما جرى مجراه

ص: 263


1- النساء - 34.

وعظها بما يأتي ذكره لقوله تعالى الذي قدمناه.

واما ان نشزت فامتنعت عليه وأقامت على ذلك وتكرر منها جاز له ضربها فان نشزت أول مرة جاز له ان يهجرها في المضجع ويضربها أيضا. فإما الموعظة : بان يخوفها باللّه تعالى ويعرفها ان عليها طاعة زوجها ، ويقول اتقي اللّه وراقبيه واطيعينى ولا تمنعينى حقي عليك.

والهجران في المضجع : هو ان يحول ظهره إليها ، وقال بعض الناس ترك كلامها الا انه لا يقيم عليه أكثر من ثلاثة أيام.

واما الضرب : فهو ضرب تأديب كما يضرب الصبيان على الذنب ، ولا يضربها ضربا مبرحا (1) ولا مزمنا ولا مدميا ويفرقه على بدنها ويتقى وجهها ، وإذا ضربها كذلك فليكن بالمسواك (2) وذكر بعض الناس (3) انه يكون بمنديل ملفوف اودرة ولا يكون بخشب ولا سوط.

* * *

ص: 264


1- بضم الميم وتشديد الراء المكسورة اى شديدا شاقا كما في الصحاح ونهاية ابن الأثير وغيرهما وفي خطبة النبي صلى اللّه عليه وآله في حجة الوداع كما في تحف العقول وصحيح مسلم وغيرهما واللفظ للأول قال في شأن النساء : حقكم عليهن ان لا يوطئن أحدا فرشكم ولا يدخلن أحدا تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم وان لا يأتين بفاحشة فإن فعلن فان اللّه قد اذن لكم ان تعضلوهن وتهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح وقال الطبرسي في مجمع البيان انه قيل في معنى غير المبرح ان لا يقطع لحما ولا يكسر عظما.
2- كما رواه الشيخ في التبيان مرسلا عن الامام الباقر عليه السلام وفي جواهر الكلام حمله على ابتداء الضرب إذا يحصل به الغرض والاجاز الأقوى فالأقوى ما لم يكن مدميا أو مبرحا لإطلاق الآية وكلمات الأصحاب.
3- اى من العامة ثم انه تقدم بعض هذه المسائل في باب القسمة.

« باب الشقاق والحكمين »

إذا ظهر بين الزوجين الشقاق ، وكان النشوز منها فقد تقدم ما فيه ، وان كان من الزوج فلا يخلو من ان يكون منه النشوز أو دلائله فإن كان النشوز منه : وهو ان يمنعها حقها من كسوة ونفقة ونحو ذلك ، فان الحاكم يلزمه ان يضم الزوجين الى جانب عدل يتفقد أحوالهما ويكشف أمورهما ، وان ظهرت أمارات النشوز : وهو ان كان يستدعيها الى فراشه ثم امتنع وكان مقبلا عليها ثم اعرض عنها وظهر منه دليل الزهد فيها ، فلا بأس ان تطيب المرأة نفسه بان تترك بعض حقها من كسوة ونفقة ونحو ذلك ، وان يترك القسم ، لقوله تعالى ( فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) (1).

فإن أشكل الأمر فادعى كل واحد منهما النشوز ولم يعلم الناشز منهما أسكنهما الحاكم الى جانب ثقة يشرف عليهما ويعلم الناشز منهما لان الحاكم لا يمكنه ان يتولى ذلك بنفسه ، فإن أخبره بنشوز واحد منهما حكم بينهما فيه بالواجب ، وان علم النشوز من كل واحد منهما على صاحبه وانتهى الأمر بينهما إلى المضاربة والمشاتمة وتخريق الثياب والى ما لا يجوز من قول أو فعل ولم يفعل الزوج الصفح ولا الفرقة فهذا هو الموضع الذي تناوله ، قوله تعالى ( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها ) . (2)

فإذا كان كذلك : بعث الحاكم حكمين ليحكما على ما يؤدى إليه اجتهادهما ، ولم يلتفت الى رضا الزوجين بذلك ، وقال لهما ان رأيتما الإصلاح فاصلحا ، وان رأيتما الفراق فبطلاق أو خلع فافعلا.

فان كانت المصلحة في الصلح فلا بد من اجتماع الحكمين عليه لان الصلح من جهة كل واحد منهما.

ص: 265


1- النساء - 128
2- النساء - 35

فان كانت المصلحة في الخلع فلا بد أيضا ان يجتمعا لأنه عقد معاوضة يبذل أحدهما عنها ويقبل الأخر للزوج ، وان كانت المصلحة في الطلاق فليس يفتقر الى اجتماعهما ، لأن الذي من جهتها لا صنع له في الطلاق.

ويستحب ان يكون حكم الزوج من اهله وحكم المرأة من أهلها للظاهر (1) فان بعث من غير أهلها كان جائزا وينبغي ان يكون الحكمان ذكرين حرين عدلين ، ولهما الإصلاح من غير استئذان ، وليس لهما الفرقة بالطلاق وغيره الا بعد ان يستأذنا هما ، وقد ذكرنا في كتابنا « الكامل في الفقه » في هذا الموضع ، انه على طريق التوكيل ، والصحيح انه على طريق الحكم لأنه لو كان توكيلا لكان تابعا للوكالة وبحسب شرطها وإذا فوضا أمر الخلع والفرقة إلى الحكمين والأخذ لكل واحد منهما من صاحبه كان عليهما الاجتهاد فيما يريانه هذا فيما يتعلق بالشقاق أو الفراق.

واما فيما عدا هذا النوع من الحقوق مثل إثبات دين ، على صاحبه واستيفاء حقه منه وقبض ديونه ، فهذا توكيل لا مدخل للحكم فيه ، لأنه لا مدخل له في الشقاق بينهما ، وإذا غاب أحد الزوجين لم يكن للحكمين ان يفعلا شيئا ، لأنا وان أجزنا القضاء على الغائب فإنما يقضى عليه واما يقضى له فلا ، وهاهنا : لكل واحد منهما حق له ، وعليه فلم يجز.

وإذا غلب على عقل الزوجين أو أحدهما ، لم يكن لهما إمضاء شي ء ، لأن زوال العقل يزيل حكم الشقاق ولو كان ذلك وكالة لأزاله أيضا.

وإذا شرط الحكمان شرطا كان مما يصلح في الشرع لزومه لزم ، وان كان مما لا يلزم مثل ان شرطا عليها ترك بعض النفقة أو القسم ، أو شرطا عليه ان لا يسافر بها

ص: 266


1- اى ظاهر قوله تعالى ( فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها ) لكن مقتضاه الوجوب فكأنه عدل عنه المصنف وغيره لحصول الغرض بالأجنبي أيضا أو لفهم العموم من النصوص كما قيل وكلاهما غير ظاهر فتعين الأهل إن أمكن ، أقوى كما اختاره ابن إدريس في السرائر ووافقه بعض المتأخرين.

فكل ذلك لا يلزم الوفاء به ، وان اختار الزوجان المقام على ما فعله الحكمان كان جميلا ، وان اختارا ، تركه كان ذلك لهما.

« باب الخلع »

الخلع جائز في الشريعة لقول اللّه : ولا يحل لكم ان تأخذوا مما آتيتموهن شيئا الا ان يخافا الا يقيما حدود اللّه فان خفتم الا يقيما حدود اللّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به (1) يتضمن ذلك : رفع الجناح في أخذ الفدية منها عند خوف التقصير في إقامة الحدود المحدودة في حق الزوجية ، فدل ذلك على جواز ما ذكرناه ، والخلع منه ما هو محظور ، ومنه ما هو مباح.

فاما المحظور فهو ان يكره المرأة ويعضلها بغير حق لتفتدى نفسها منه ، وقبلها يكون الحال بينهما عامرة والأخلاق ملتئمة ويتفقا على الخلع فتبذل له شيئا على طلاقها.

واما المباح : فان يخافا الا يقيما حدود اللّه ، مثل ان تكره المرأة زوجها ، اما لخلقه أو دينه أو ما جرى مجرى ذلك مما في نفسها من كراهتها له فاذا كانت في نفسها على هذه الصفة خافت الا يقيم حدود اللّه عليها في حقه ، وهو ان تكره الإجابة له فيما هو حق له عليها فيحل لها ان تفتدي نفسها بغير خلاف وذلك : لقوله تعالى هاهنا « فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّا يُقِيما حُدُودَ اللّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ » (2).

ويجوز الخلع عند المضاربة والقتال ، ولا يجوز في حال الحيض ولا في طهر قاربها فيه بجماع ولا يقع أيضا بمجرده ، فلا بد من التلفظ فيه بالطلاق ، فان كان الخلع بصريح الطلاق كان طلاقا ، وان كان بغير صريح الطلاق مثل ان تقول لزوجها خالعني أو فاسخنى أو فارقنى بكذا وكذا وأجابها لم يصح ذلك ولم يقع ،

ص: 267


1- البقرة - 229
2- البقرة - 229

والبذل في الخلع غير مقدر ان شاءا اختلعا بقدر المهر أو بأكثر منه أو أقل فجميع ذلك جائز وإذا أوقع كما ذكرناه صحيحا وقعت الفرقة ، وإذا طلقها طلقة بدينار على ان له الرجعة لم يصح الطلاق.

وإذا شرطت المرأة انها متى أرادت الرجوع فيما بذلته كان لها وتثبت الرجعة كان صحيحا ، وقد قدمنا القول بان الخلع لا بد فيه من لفظ الطلاق فليس يقع صحيحا الا كذلك ، وإذا حصل كذلك لم يمكن ان يلحقها طلاق آخر ما دامت في العدة ، لأن الرجعة غير ممكنة فيها.

وإذا قال لزوجته أنت طالق ثلاثا في كل سنة واحدة ، لم يقع من ذلك شي ء لأنه طلاق بشرط وكل طلاق بشرط لا يصح عندنا على وجه ، فكل ما جرى هذا المجرى من المسائل في هذا الباب فهو عندنا غير صحيح.

وإذا قالت لزوجها طلقني ثلاثا بألف درهم فقالا طلقتك ثلاثا بألف درهم لم يصح ذلك ولا يقع منه طلاق ، لان الطلاق الثلاث عندنا لا يقع بلفظ واحد ولا يصح وإذا قلنا (1) بذلك ان نقول انها تقع واحدة لأنها انما بذلت العوض في الثلاث فاذا لم يصح الثلاث وجب ان يبطل من أصله.

وإذا قالت الزوجة اخلعني على الف درهم راضية (2) فقال خالعتك بها صح ذلك ولزم المسمى وإذا ذكر القدر والجنس دون النقد ، فقالت خالعني بألف درهم فقال خالعتك بها صح ذلك وكان عليها الف درهم من غالب نقد البلد.

ص: 268


1- الصواب زيادة الواو أي لا يصح إذا قلنا ببطلان الثلاث بلفظ واحد ان نقول يقع واحدة فيصح البذل لان البذل كان للثلاث دون الواحدة فإذا بطل لها لم يصح للواحدة أيضا.
2- كأنها نوع من الدراهم الرائجة ولم أجد ذكرا لها فيما راجعته ولعل الصواب « وافية » وهي الدرهم البغلي كما في كتاب العقد المنير وذكره الفقهاء في ما يعفى عنه في الصلاة.

وإذا ذكر القدر دون الجنس والنقد ، فقالت خالعني بألف ، فقال خالعتك بألف فإن اتفقا على الإرادة وانهما أرادا الدراهم أو الدنانير لزم الالف من غالب نقد البلد ، فان اتفقا على انهما أرادا معا بالألف ، ألف درهم راضية وجب ما اتفقت إرادتهما عليه ، اما مطلقا : فيجب من غالب نقد البلد أو معينا : فيجب ما عيناه ، وإذا اتفقا على انهما ، ما أراد جنسا من الأجناس ، ولا كان لهما ارادة فيه ، كان الخلع فاسدا.

وإذا اختلفا في النقد واتفقا في القدر والجنس كان القول : قولها مع يمينها ، وعلى الرجل البينة فيما يدعيه لأنه مدع ، وإذا اختلفا فقال أحدهما : ذكرنا النقد وهي راضية ، وقال الأخر ، بل أطلقنا ، ولها غالب نقد البلد كانت هذه المسألة مثل المسألة المتقدمة عليها. وإذا اختلفا في المسألة الثالثة : وهي إذا لم تذكر جنسا ولا نقدا واختلفا في الإرادة لم يصح الخلع أصلا.

وإذا قال الرجل خالعتك على الف في ذمتك ، فقالت : خالعتني على الف ضمنها لك غيري ، كان عليها الألف ، لأنها قد أقرت بالألف وادعت الضمان.

وإذا قال خالعتك على الف في ذمتك ، فقالت خالعتني على الف يزنها لك والدي أو أخي ، كان عليها الالف لمثل ما قدمناه ، وإذا قال خالعتك على الف في ذمتك فقالت بل خالعتني على الف في ذمة زيد ، كان عليه البينة وعليها اليمين لمثل ما قدمناه. (1)

ص: 269


1- كذا في نسختين وفيه ان مقتضى الدليل المتقدم ان يكون عليها الالف بلا بينة وفي المبسوط ذكر. قبل هذه المسألة ، إذا قال خالعتك على الف في ذمتك فقالت ما خلعتنى وانما خلعت غيري فالقول قولها مع يمينها لأنه ادعى عليها عقد معاوضة ثم ذكر هذه المسألة وقال والذي نقوله ان عليه البينة وعليها اليمين لمثل ما قلناه أي في الذي ذكر قبلها. فالظاهر انه في المتن سقط ذلك والمسائل المذكورة هنا مطابقة للمبسوط غالبا والفرق بين المقام والمسئلتين السابقتين ان قول المرأة في السابقتين يتضمن إقرارها بالألف على نفسها دون المقام لأن ذمة زيد أجنبية عنها الا ان يكون مرادها بذمته ضمانه عنها وهو خلاف الفرض لذكره فيما قبله.

وإذا قالت : له طلقني على الف ، فقال أنت طالق إن شئت ، أو قال لها ان ضمنت لي ألفا فأنت طالق أو قال فإن أعطيتني فأنت طالق أو ما يجرى هذا المجرى من المسائل فإنه لا يصح ولا يقع به خلع ولا طلاق ، لان الطلاق عندنا لا يصح بشرط وذلك كله بشرط (1) فلا يصح.

فان خالعها على الف درهم من غير شرط اقتضى ذلك ما قدمناه من الف درهم فضة غالب نقد البلد ، وان كانت ردية كان له المطالبة ببدلها ، وإذا قالت له طلقني طلقة بألف ، فقال لها أنت طالق بألف وطالق وطالق وقعت الأولى بائنة ، لأن العوض جعل في مقابلتها ولم يقع الثانية ولا الثالثة ، لأنه طلقها بعد ان بانت منه بالأولى وذلك لا يصح.

وإذا خالعها على ثوب موصوف في الذمة مثل ان خالعها على ثوب مروي وصفه وضبطه بالصفات. كان الخلع صحيحا ولزم العوض ، لأنه عوض معلوم ، والعوض إذا كان معلوما في الخلع لزم ووجب عليها ان تسلم اليه ما وجب له في ذمتها على الصفة ، فاذا سلمته اليه وكان سليما على الصفة لزمه ، وان كان معيبا كان مخيرا بين إمساكه وبين رده ، فإن أراد إمساكه فذلك اليه ، وان أراد رده كان له الرجوع عليها بالذي خالعها به ، لأن الذي وجب له في ذمتها ما كان سليما من العيوب فاذا رده كان له المطالبة ببدله.

وإذا خالعها على ثوب بعينه على انه مروي فكان كتانا كان الخلع صحيحا لأنه خلع بعوض (2) عين فبان غيرها ، لان اختلاف الأجناس كاختلاف الأعيان

ص: 270


1- لكن الشرط في الصورة الاولى وهو مشيئة الزوجة حاصل باستدعائها الطلاق فلا يبعد صحته.
2- هنا سقط وهو كما في المبسوط وهامش نسخة ( ب ) « فان اختار إمساكه لم يكن له ذلك لأنه عقد الخلع على جنس فبان غيره كما لو عقد على...».

فاذا رده كان مستحقا للقيمة لا غيرها.

وإذا خالعها على ان ترضع ولده سنتين صح ذلك ، فان عاش الولد حتى ارتضع السنتين فقد استوفى حقه ، وان انقطع لبنها وجف بطل البذل وكان له الرجوع عليها بأجرة المثل في رضاع مثله.

وإذا قال له أبو زوجته طلقها وأنت بري ء من مهرها ، فطلقها ، طلقت ولم يبرأ من مهرها ، لأنها ان كانت رشيدة لم يملك أبوها التصرف في مالها بغير اذنها ، وان كان يلي عليها لصغر أو جنون أو سفه لم يصح ، لأنه إنما ملك التصرف فيما فيه نظر لها وحظ ولا نظر لها في ذلك كما لو كان لها دين فأسقطه فإذا كان ما ذكرناه صحيحا ولم يبرأ من مهرها لم يلزم أباها ضمان ذلك ، لأنه لم يضمن على نفسه شيئا ويقع الطلاق رجعيا ، لان العوض لم يسلم.

وإذا اختلف المتخالعان في جنس العوض أو قدره أو تعجيله أو تأجيله أو في عدد الطلاق ، كان القول : قول المرأة لأنهما قد اتفقا على البينونة ، وانما اختلفا فيما لزمها ، فالرجل مدع بالزيادة فعليه البينة إلا في عدد الطلاق فان القول فيه : قول الرجل مع يمينه.

وإذا قال لزوجته طلقتك بألف وضمنت ذلك ، وأنكرت ، كان القول : قولها مع يمينها ، لأنه يدعي عليها عقد معاوضة والأصل ان لا عقد غير انه يحكم بالبينونة لاعترافه بذلك.

وإذا اختلعت الأمة نفسها بعوض وكان ذلك بإذن سيدها صح ، لأنه وكلها ويقتضي أن تخلع نفسها بمهر مثلها ، فان فعلت بذلك أو بأقل منه وكانت مأذونا لها في التجارة دفعت ذلك مما في يدها ، وان لم يكن مأذونا لها في ذلك دفعته من كسبها فان لم يكن لها كسب ، كان ذلك في ذمتها ، يستوفي منها إذا أعتقت ، وان اختلعت نفسها بأكثر من مهر مثلها كان جائزا (1).

ص: 271


1- هذا مناف لما مر آنفا من انها تخلع بمهر مثلها الا ان يكون المراد ان ما زاد على مهر مثلها يتعلق بذمتها كما صرح بذلك في المبسوط فمقتضاه ان لا يكون مما في يدها وان كانت كسوبا أو مأذونا لها في التجارة ويجوز ان يكون المراد بما مر هو الرجحان.

وان كان الخلع بغير اذن سيدها فاما ان يكون : منجزا أو معلقا بصفة؟! فإن كان منجزا : فاما ان يكون بدين أو بمعين؟! فان كان بدين في الذمة ، ثبت ذلك في ذمتها تطالب به إذا أعتقت! وان خالعها بشي ء بعينه كالعبد المعين كان الخلع صحيحا والطلاق بائنا (1)! وان كان [ معلقا ] بصفة لم يصح الخلع.

وإذا اختلعت المكاتبة بإذن سيدها؟ كان الحكم فيها كالحكم في الأمة ، فإن كان ذلك بغير اذنه صح ذلك لان الحق لها.

وإذا كان للرجل امرأتان فخالعهما على الف درهم؟! قسمت الالف بينهما على قدر ما تزوجهما به من المهر؟! فإن تراضى الزوجان بينهما على شي ء كان جائزا؟! وإذا خالعها على عبد وجب القتل عليه وقتل العبد بذلك كان للرجل الرجوع عليها بقيمته.

وإذا خالعها على عبد معين فاذا هو نصراني أو هو معروف بالإباق؟ لم يكن له رجوع عليها به ، وإذا وكلت المرأة في الخلع وكيلها؟ فاما ان تطلق أو تقدر البذل ، فإن أطلقت وخلعها بمهر مثلها نقدا بنقد البلد فقد حصل ما أقرته به ، وان كان بأقل من مهر مثلها نقدا أو بمهر مثلها إلى أجل كان أيضا جائزا (2).

ص: 272


1- لكنه كما صرح به في المبسوط لا يملك الزوج هذا العبد لأنه ليس لها دفعه فيكون للزوج عوضه وهو القيمة في ذمتها تطالب بها بعد عتقها ويسارها.
2- يظهر منه انه إذا أطلقت فخلعها الوكيل بأكثر من مهر المثل لم يصح الخلع خلافا للمبسوط حيث قال يصح ويرجع الى مهر المثل وما في المتن أقرب كما في توكيل الزوج إذا خالعها الوكيل بأقل منه وقد اختار فيه ذلك في المبسوط ولم نجد فرق بينهما.

وكذلك : إذا اختلعها بأكثر من مهر مثلها وقد قدرت البذل وفعل بذلك القدر؟ كان صحيحا ، وان كان بأكثر مما قدرته لم يصح الخلع لأنه أوقع الخلع على ما لم تأذن له فيه فاما الرجل : إذا وكل وكيلا في الخلع فالحكم فيه كما ذكرناه في وكيل المرية ،.

والخلع في المرض يصح لأنه عقد معاوضة فهو جار مجرى البيع ، فان كان الزوج هو المريض؟! فخالع زوجته على ما هو قدر مهر مثلها ، كان ذلك جائزا وان كان أكثر من مهر مثلها ، كان أيضا جائزا ، وان كان المريض هو المرأة! فاختلعت نفسها بمهر مثلها ، كان من صلب مالها ، وان كان أقل من مهر مثلها ، كان أيضا جائزا (1).

وإذا اختلعت نفسها بعبد قيمته مائة فخرج نصفه مستحقا : كان ذلك باطلا.

« في شروط الخلع »

واعلم : ان الشروط التي تقع الخلع معها هي شروط الطلاق وسيأتي ذكرها فيما بعد.

واما المبارأة : فهو ضرب من الخلع؟! الا ان الكراهة تكون من كل واحد من الزوجين للآخر فاذا عرف كل واحد منهما ذلك من الأخر ، أو قالت المرأة لزوجها انى قد كرهت المقام معك وقد كرهت أيضا أنت المقام معى فبارئنى؟! أو

ص: 273


1- أي من صلب مالها واما إذا اختلعت بأكثر من مهر مثلها ففي المبسوط كان مهر مثلها من الصلب والزائد عليه من الثلث ثم حكى عن بعض العامة انه يعتبر الكل من الثلث وعبارة المصنف هنا مجملة في ذلك ولا يبعد منع كونه من الصلب مطلقا بناءا على كون تصرف المريض من الثلث وعلى كونه منه لا يبعد ذلك في أكثر من مهر المثل أيضا هذا في الزوجة المريضة واما الزوج المريض فالظاهر جوازه بأقل من مهر المثل بلا اشكال واللّه العالم.

يقول الزوج لها مثل ذلك ثم يقول على ان تسقط عنى بعض المهر أو تعطيني كذا وكذا؟! وكان أقل من المهر الذي أعطاها ولا يكون أكثر منه فإذا اجابته الى ذلك وبذلت له من نفسها ما اراده منها طلقها طلقة واحدة للسنة؟ وسيأتي ذكر طلاق السنة فيما بعد ، ويكون الطلقة بائنة لا سبيل له عليها الا ان ترجع هي في شي ء مما بذلته؟! وان فعلت ذلك كان له الرجوع أيضا في بعضها ان لم تكن خرجت من عدتها! فان كانت قد خرجت من العدة لم يجز لها الرجوع في ذلك ولم يكن للزوج أيضا عليها سبيل الا بعقد ومهر جديدين ان أراد المراجعة واما النشوز فقد تقدم ذكره (1)

« تم كتاب النكاح

وما يلحق به من أحكام النشوز

والشقاق والحكمين والخلع (2) والمبارأة »

ص: 274


1- في باب النشوز قريبا
2- وكان الاولى للمصنف ان يبحث عن الخلع والمبارأة في باب الطلاق كما فعل المتأخرون

« باب الطلاق »

اشارة

قال اللّه تعالى ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) الاية (1).

فجعل تعالى الطلاق بيد الرجل دون النساء ، وأباحهم ذلك ، فاذا اختار الرجل طلاق زوجته ، كان له ذلك ، بسبب وبغير سبب ، لأنه مباح له الا ان طلاق الزوجة بغير سبب مكروه ، فان فعل ذلك كان تاركا للأفضل ، ولم يكن عليه شي ء.

ويفتقر في صحة الطلاق الشرعي إلى شروط متى حصلت ثبت حكمه ، ومتى لم يحصل ، أو اختل بعضها ، لم يقع الطلاق.

وهذه الشروط على ضربين :

أحدهما عام في جميع أنواع الطلاق ، والأخر يختص بنوع واحد.

فاما العام : فهو كون المطلق كامل العقل ، ومن يصح تصرفه ، وكونه قاصدا اليه ، وان ينوي الفرقة والبينونة به ، والتلفظ بلفظ الطلاق المخصوص به مع التمكن من ذلك ، دون كناياته ، أو ما قام مقام اللفظ المخصوص به عند عدم التمكن من ذلك ، وتعيين الزوجة التي في عقد نكاحه ، وشهادة شاهدين مجتمعين في مجلس واحد ، وإيقاعه متعريا من الشروط.

واما المخصوص بنوع واحد من أنواعه له فهو إيقاعه له بالمدخول بها وهي طاهرة ، في طهر لم يقربها فيه بجماع ، وهو حاضر غير غائب عنها.

ص: 275


1- الطلاق - 1

« باب بيان ما يقع به الطلاق »

« وما لا يقع من صريح لفظ ، أو كناية أو شرط ، أو استثناء »

« أو صفة ، وغير ذلك »

صريح الطلاق لفظة واحدة ، وهي قول الرجل لزوجته : « أنت طالق » أو « فلانة طالق » أو « هي طالق » ، وكل واحد من ذلك جائز ، يقع الطلاق به إذا قارنه نية الفرقة والبينونة ، فإن تجرد من النية لم يقع الطلاق.

فاما كنايات الطلاق فلا يقع بشي ء منها طلاق عندنا ، وهي قوله « سرحتك » أو « أنت مسرحة ، أو مطلقة ، أو خلية ، أو برية ، أو بائن ، أو بتلة ، أو حرام ، أو اعتدى ، أو استبرء رحمك ، أو اذهبي ، أو الحقي بأهلك ، أو حبلك على غاربك » وكل ما جرى مجرى ذلك لا يقع به طلاق ، حصل معه نية ، أو لم تحصل ، ولسنا نحتاج فيما ذكرناه مع قولنا بان الطلاق لا يقع بشي ء منه الى ذكر المسائل التي تورد في ذلك ، وتبنى عليه ، أو يتفرع منها ، لان ذلك عندنا يعزل مع ما ذكرناه. (1)

وإذا قال لها : « أنت طالق ان دخلت الدار ، أو أنت طالق ان قدم زيد أو ان حضر عمرو ، أو إذا جاء رأس الشهر ، أو ان أكل زيد » لم يقع به طلاق ، ولا بكل ما يكون شرطا مما لم نذكره.

وإذا قال لها : « أنت طالق » فهو صريح في الطلاق كما قدمناه ، ولا يصح ان ينوي به أكثر من طلقة واحدة ، فإن نوى أكثر من ذلك وقعت واحدة ولم يقع أكثر منها.

وإذا قال لها « أنت طالق طلاقا » أو « أنت الطلاق » أو « أنت طلاق » لم يقع الطلاق بشي ء من ذلك الا بقوله « أنت طالق طلاقا » إذا نوى ، ويكون قوله طلاقا تأكيدا.

ص: 276


1- عبارة النسختين هنا مشتبهة في بعض كلماتها فراعينا الأصح منها بحسب المعنى.

وإذا كتب بطلاقها ولم يتلفظ به ولم ينوه لم يقع طلاق ، فان تلفظ به وكتبه ، وقع باللفظ إذا كان معه النية للفرقة ، فإن كتب ونوى ولم يتلفظ بذلك : لم يقع به طلاق هذا إذا كان قادرا على اللفظ ، فان لم يكن قادرا على ذلك ونوى الطلاق ، وقع طلقة واحدة بغير زيادة عليها.

فان خيرها في الطلاق مثل ان يقول لها : « جعلت أمرك إليك » أو « أمرك بيدك » أو « طلقي نفسك » لم يقع به طلاق.

والوكالة في الطلاق جائزة مع الغيبة دون الحضور ، فاذا وكل في ذلك ، جاز للوكيل ان يطلق في الحال ، ويجوز له ان يؤخر ذلك.

وإذا قال لزوجته قبل دخوله بها : « أنت طالق ثلاثا » وقع من ذلك واحدة بائنة فإن قال لها وهي غير مدخول بها : « أنت طالق ، أنت طالق ، أنت طالق » فإنها تطلق بالأولى فتبين بها ، ولا يلحقها طلقة ثانية ، ولا ثالثة بغير خلاف.

وإذا قال لها : « أنت طالق غرة شهر رمضان ، أو رأس الهلال ، أو نصف الشهر ، أو في انسلاخه » أو ما جرى مجرى ذلك ، لم يقع به طلاق.

وإذا قال لها : « كلما طلقتك فأنت طالق » ثم قال لها : « أنت طالق » طلقت طلقة واحدة بقوله أنت طالق بالمباشرة ، (1) ولم يقع بالصفة شي ء آخر.

وإذا قال لها : « كلما وقع عليك طلاقى ، فأنت طالق » ثم قال لها : أنت طالق » فإنها تطلق واحدة بالمباشرة لا غير.

وإذا قال لغير المدخول بها « أنت طالق طلقة بعدها طلقة » طلقت طلقة بائنة. ولا يقع بها طلقة أخرى ، لأنها بانت بالأولى. فإن قال : « أنت طالق طلقة قبلها طلقة » وقعت طلقة واحدة (2) بالمباشرة ، ولا تقع التي قبلها.

ص: 277


1- اى بدون تعليقة بصفة كقوله كلما طلقتك وحكى في المبسوط عن بعض العامة انه يقع حينئذ طلقتين إحداهما بالمباشرة والأخرى بالصفة وحكى عنهم أيضا انه في الفرع التالي يقع ثلاثا.
2- فيه إشكال لأنها معلقة بوقوع طلاق قبلها وهو غير حاصل مع ان التعليق غير جائز عند المصنف مطلقا كما تقدم لكن الظاهر ان المراد هنا تنجيز الطلاق في الحال بإضافة طلاق آخر قبله أو بعده واللّه العالم.

وإذا قال : « أنت طالق ، أنت طالق » ونوى الإيقاع ، وقعت واحدة ، ولم يقع ما زاد عليها سواء كان مدخولا بها ، أو غير مدخول بها ، الا انها تكون بائنة في غير مدخول بها كما قدمناه ، ولم يقع بها بعد ذلك شي ء ، وان كانت مدخولا بها ، فالأولى طلقة ، ويسأل عن الثانية والثالثة ، فإن قال أردت تأكيد الأولى بها ، قبل ذلك منه ، ولم تقع الا طلقة كما ذكرناه ، لان الكلام يؤكد بالتكرار ، وان قال غير ذلك ، لم يلتفت اليه ولم يقع غير واحدة.

وإذا أكره الرجل على الطلاق فتلفظ به ، ليدفع به المكروه عن نفسه ، لم يقع طلاقه.

وإذا زال عقله بمرض أو جنون أو سكر ببنج ، أو شي ء من الأدوية ، أو شي ء من المسكرات ، أو ما أشبه ذلك ، لم يقع طلاقه.

وإذا قال له إنسان : « فارقت زوجتك » فقال « نعم » لزمه طلقة واحدة بإقراره لإيقاعها ، فان قال : أردت بقولي « نعم » إقرارا منى بطلاق كان منى قبل هذه الزوجية فان صدقته الزوجة ، كان الأمر على ما حكاه ، وان كذبته ، كان عليه البينة ، فان لم يكن له بينة ، كان القول قوله مع يمينه (1).

وإذا قيل له : « خليت امرأتك » (2) أو قيل له « ألك زوجة » فقال : « لا » لم يكن ذلك طلاقا ، وإذا قال لها : « أنت طالق هكذا » مشيرا بإصبع ، فطلقت طلقة واحدة ، فإن أشار إليها بإصبعين ، أو أكثر كان مثل إصبع واحدة سواء.

وإذا قال لها : « أنت طالق واحدة في اثنتين » (3) وقصد الإيقاع ، وقعت واحدة ،

ص: 278


1- مقتضى المقابلة ان يكون القول قولها مع يمينها لكن للمقام خصوصية تقتضي ان يكون قوله كما صرح به في المبسوط.
2- الصواب هنا « فقال نعم » كما في المبسوط.
3- في نسخة ( ب ) « أو اثنتين » والأول أصح كما هو صريح المبسوط حيث حكى فيه عن العامة تفصيلا مترتبا على ذلك.

سواء كان من أهل الحساب أو لم يكن.

وإذا قال لها : « أنت طالق واحدة لا يقع عليك » لم يقع بها طلقة لفقد النية للإيقاع.

وإذا قال لها : « أنت طالق أولا؟ » لم يقع به طلاق بغير خلاف ، لأنه استفهام.

وإذا قال لها : « أنت طالق اثنين » (1) وقعت طلقة في الحال ، بقوله أنت طالق إذا نوى الفرقة ، وما عدا ذلك لغو.

وإذا قال لها : « أنت طالق نصف تطليقة أو ثلث تطليقة » لم يقع طلاق جملة ، وكذلك إذا قال : « أنت طالق نصف طلقة أو ثلث طلقة أو سدس طلقة » وما جرى مجرى ذلك ، لم يقع منه طلاق ، وإذا قال : « أنت طالق وطالق وطالق » وقعت الأولى إذا نوى الإيقاع ، ولم يقع ما زاد على ذلك.

وإذا كان له اربع زوجات ، فقال لهن : « أوقعت منكن (2) طلقة واحدة » لم يقع شي ء ، فان قال لهن. أوقعت منكن طلقة واحدة واحدة ، لم يقع أيضا شي ء ، فان قال لهن : أوقعت بينكن اربع تطليقات ، ونوى طلقة كل واحدة منهن ، طلقت (3) كل واحدة منهن.

وإذا قال أنت طالق ثلاثا الا طلقة ، أو قال الا طلقتين. أو قال أنت طالق ثلاثا الا اثنتين ، أو قال أنت طالق ثلاثا الا اثنتين إلا واحدة إذا نوى الفرقة أو لم ينو لم يقع شي ء ، (4) وكذلك إذا قال « أنت طالق خمسا الا اثنتين » وكل ما جرى مجرى

ص: 279


1- في نسخة ( ب ) « أمس » تصحيحا وهو محتمل.
2- الظاهر « بينكن » وكذا فيما بعده.
3- مقتضاه ان يكون القول المذكور من صريح الطلاق وهو مناف لما تقدم في أول الباب من ان لفظه الصريح ما اشتمل على كلمة طالق مفردا أو جمعا كأنتن طوالق الا ان يحمل ما تقدم على المثال لكل ما هو صريح في الإيقاع به في الحال كقوله طلقتك كما يظهر ذلك من المبسوط هناك.
4- يعنى ولو واحدة ولعله لعدم صراحة اللفظ في هذه الأمثلة في الطلاق لمكان الاستثناء لكن الفرق حينئذ بينها وبين المثال التالي حيث ذكر فيه وقوع الواحدة مع النية غير واضح كما صرح في المبسوط بوقوعها في الجميع والمظنون ان في العبارة هنا سقطا وصوابها « يقع واحدة إذا نوى الفرقة وان لم ينو لم يقع شي ء » كما يشهد له أيضا قوله : وكذلك

ذلك ، فإنه لا يقع إلا واحدة مع النية.

والاستثناء (1) إذا دخل معه في الطلاق ، لم يقع معه طلاق ، ولو كان شرطا لم يقع ذلك معه ، كما قدمناه لكنه (2) انما يرد لايقاف الكلام عن النفوذ ، ولو كان شرطا لوجب ، وإذا (3) قال : « أنت طالق ان لم يشاء اللّه ان تطلق » لأنا نعلم انه تعالى لا يشاء الطلاق ، لأنه مباح. وهو تعالى لا يريد المباح عند أكثر مخالفينا ، فدل ذلك على ما ذكرناه من انه ليس بشرط ، وانما هو لإيقاف الكلام عن النفوذ.

« باب أقسام الطلاق »

« ولواحقه ، وما يتعلق بذلك »

الطلاق ضربان : أحدهما طلاق السنة ، والأخر طلاق العدة ، وينقسم ذلك أقساما : وهو طلاق المدخول بها وهي ممن تحيض ، وطلاق التي لم يدخل بها وهي

ص: 280


1- الظاهر ان المراد استثناء مشيئة اللّه بقوله : ان شاء اللّه أو الا ان يشاء اللّه ولما كان هذا محتملا لكونه شرطا ذكر انه لا يقع الطلاق معه أيضا كما قدمه بل زاد عليه هنا انه على تقدير وقوعه مع الشرط ليس هذا شرطا حقيقة لأنه يرد في الكلام لإيقافه عن النفوذ.
2- في نسخة ( ب ) بد لا عن بعض النسخ « لأنه » وهو غير ظاهر.
3- الواو هنا زائدة ولفظة « إذا » متعلقة بقوله لوجب وجواب « لو » قوله « ان تطلق » وبعض كلمات المتن في النسختين مشتبهة صححتها على ما ترى برعاية المعنى وملاحظة المبسوط.

ممن تحيض ، والمدخول بها ولم تبلغ المحيض ، ولا في سنها من تحيض ، وطلاق التي لم تبلغ المحيض ، وفي سنها من تحيض ، والحامل المستبين حملها ، والآئسة من المحيض (1) وليس في سنها من تحيض والغائب عنها زوجها ، وطلاق الغلام وطلاق المماليك ، وطلاق المريض.

واما لو أحق الطلاق فضربان : أحدهما له مدخل في بعض ضروب الطلاق ويقتضي الفرقة والبينونة والأخر لا مدخل له في ذلك ، وان اقتضى الفرقة والبينونة أو كان كالسبب في ذلك ، فاما الأول من هذين الضربين فهو النشوز ، والخلع ، والمباراة ، والشقاق ، وقد سلف ذكر ذلك ، واما الثاني : فهو الظهار ، والإيلاء واللعان والارتداد ، وسيأتي بيان جميع ذلك فيما بعد.

« باب صفة طلاق السنة »

طلاق السنة : هو : ان يطلق الرجل زوجته وهو غير غائب عنها ، على الشروط التي سلف ذكرها من كونها غير حائض ، وكونها طاهرا في طهر لم يقربها فيه بجماع.

وغير ذلك مما قدمنا ذكره ، طلقة واحدة ، ويتركها حتى تخرج من عدتها فاذا خرجت منها ملكت نفسها ، ولم يكن له عليها بعد ذلك سبيل ، وكان خاطبا من الخطاب ومتى لم تخرج من عدتها كان أملك برجعتها وله ردها وإذا خرجت من العدة ، وأراد تزويجها لم يجز له ذلك الا بعقد جديد ، ومهر جديد ، فاذا تزوجها كذلك ودخل بها ثم أراد طلاقها ، فعل بها مثل ما فعله في الطلقة الاولى من استيفاء الشروط ، ويطلقها طلقة ثانية ، ويتركها حتى تنقضي عدتها ، فاذا خرجت منها كانت أملك بنفسها ، ولم يكن له عليها سبيل. فإن أراد بعد ذلك العقد عليها ، عقد عليها عقدا

ص: 281


1- زاد هنا في هامش نسخة ( ب ) بعلامة التصحيح « وفي سنها من تحيض والايسة من المحيض ».

جديدا بمهر جديد ، فإن أراد طلاقها بعد ذلك ، فعل بها كما فعل في الطلقتين الأوليين من استيفاء الشروط ، وطلقها ، فاذا طلقها الثالثة ، لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره

فان تزوجت بين الطلقة الاولى والثانية ، أو بين الثانية والثالثة ، زوجا بالغا تزويج دوام ، ودخل بها ، هدم هذا التزويج ما تقدم من الطلاق ، وكذلك إذا تزوجت على هذه الصفة بعد الطلقة الثالثة ، فإنه يهدم التطليقات الثلاث ، ويجوز لها الرجوع الى الزوج الأول بعقد جديد ومهر جديد ابدا.

« باب طلاق العدة »

طلاق العدة مخصوص بمن ترى دم الحيض ، وصفته ان يطلقها على الشروط السالف ذكرها ، فاذا طلقها كذلك ، راجعها قبل انقضاء عدتها ولو بيوم أو يومين ، فإذا أراد ان يطلقها طلقة ثانية ، جامعها ثم استبرأها بحيضة ، وطلقها الثانية ، كما طلقها الاولى على الشروط التي ذكرناها ، فاذا طلقها ، استرجعها قبل ان تنقضي عدتها ، فإذا أراد طلاقها جامعها ، ثم استبرأها بحيضة ، وطلقها طلقة ثالثة على الشروط التي تقدم ذكرها ، فاذا طلقها الثالثة ، فقد بانت منه في الحال ولم تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، ولا يجوز لها ان تتزوج غيره أيضا حتى تنقضي عدتها ، فاذا قضتها ، وتزوجت زوجا بالغا تزوج دوام ، ودخل بها ، ثم طلقها ، أو مات عنها ، جاز لها الرجوع الى الأول بعقد جديد ومهر جديد ، فان راجعها كذلك وطلقها ثلاث تطليقات أخر ، كما قدمناه لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، فاذا تزوجت به على الصفة المقدم ذكرها ، وطلقها أو مات عنها ، جاز لها الرجوع اليه بعقد جديد ومهر جديد ، فان طلقها بعد ذلك ثلاث تطليقات أخر ، يكمل بها مع ما تقدم ذكره تسع تطليقات ، لم تحل له ابدا.

والزوج الذي يحلل رجوع المرية إلى الأول ، هو ان يكون بالغا حرا كان أو عبدا ، ويكون تزويجه بها تزويج الدوام ، ويدخل بها ، فان اختل شي ء من ذلك بان يكون غير بالغ ، أو كان بالغا ولا يدخل ، أو يكون بالغا وقد دخل بها ويكون التزويج

ص: 282

متعة ، فإنه لا يجوز لها الرجوع الى الأول ، مع ذلك

واما المراجعة فأقل ما تحصل به ان يقبلها ، أو يلامسها ، أو ينكر طلاقها عند انقضاء عدتها ، فأي شي ء فعل من ذلك كان رجعة ، وان أراد المراجعة من غير هذا الوجوه ، بان يختار ذلك ويتلفظ بها كان أيضا رجعة ، والأفضل له ان يشهد على المراجعة شاهدين فان لم يشهد على ذلك كان جائزا ، الا ان الأفضل له.

والأحوط ما ذكرناه ، لأنه متى لم يشهد على ذلك ، وأنكرته المرأة وشهد له شاهدان بالطلاق حكم به لها ، وثبت عليه الطلاق ، ولم يكن له عليها سبيل ، وإذا راجعها وأراد ان يطلقها طلقة اخرى للعدة لم يجز له ذلك حتى يجامعها ، ويستبرئها بحيضة كما ذكرناه ، فان لم يجامعها أو عجز عن ذلك لم يجز له طلاقها للعدة ، فإن أراد طلاقها وهو كذلك ، طلقها للسنة.

« باب طلاق المدخول بها »

« وهي ممن تحيض »

هذا الطلاق قد تقدم بيانه فيما ذكرناه ، من صفة طلاق السنة والعدة ، ولا حاجة الى إعادته.

« باب طلاق التي لم يدخل بها »

« وهي ممن تحيض »

إذا أراد الرجل طلاق هذه الزوجة طلقها واحدة أي وقت أراد على الشروط التي قدمناه ذكرها الا الحيض فإنه يجوز ان يطلقها وهي حائض أو غير حائض فإذا طلقها فقد بانت منه في الحال فان كان بعد ذلك (1) كان خاطبا من الخطاب ، وجاز لها ان

ص: 283


1- اى ان كان الطلاق بعد هذه الصفة

تتزوج (1) بعد حال الطلاق ، وليس عليها عدة ، فإذا أراد مراجعتها لم يجز له ذلك الا بعقد جديد ، ومهر جديد ، فان راجعها (2) وطلقها قبل الدخول بها ، فقد بانت منه أيضا بتطليقتين ، وهو بعد ذلك خاطب من الخطاب.

فإن أراد مراجعتها كان بعقد جديد ، ومهر جديد ، فان طلقها (3) قبل الدخول بها ، طلقة ثالثة ، لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره على الشرط الذي تقدم ذكره.

ومن طلق زوجته قبل الدخول بها ، فعلى ضربين اما ان يكون سمى لها مهرا أو لا يكون سمى لها مهرا ، فان كان الأول وجب لها عليه نصفه ، (4) وان كان الثاني كان عليه ان يمتعها على قدر حاله ، فان كان موسرا ، كان ذلك جارية ، أو دابة ، أو ثوبا قيمته خمسة دنانير ، أو ما زاد على ذلك وان كان متوسط الحال ، فمن ثلاثة دنانير أو ما زاد عليها ، وان كان معسرا فدينار ، أو خاتم ، أو ما جرى مجرى ذلك.

ويعتبر في المتعة ما جرت العادة به من حال المرية والرجل.

« باب طلاق المدخول بها ، ولم تبلغ المحيض »

« ولا في سنها من تحيض »

إذا أراد الرجل طلاق زوجة له مدخول بها ، وهي لم تبلغ المحيض ، ولا في سنها من تحيض ، وحد ذلك تسع سنين (5). فليطلقها اى وقت أراد طلاقها ، فإذا

ص: 284


1- اى بهذا الرجل أو غيره
2- اى بعقد جديد
3- اى بعد ما راجعها
4- تقدم بعض التفصيل في ذلك في باب الصداق من النكاح
5- الصواب « دون تسع سنين » كما في النهاية ويدل عليه قول المصنف بعد ذلك : فان كان لها تسع سنين وزائدا وقد تقدم في النكاح باب ما ينبغي فعله عند العقد انه لا يجوز الدخول بالزوجة قبل بلوغها تسع سنين فان فعل وعابت كان عليه ضمان عيبها ويفرق بينهما ولا تحل له ابدا ونحوه كلام الشيخ في النهاية وجماعة من الأصحاب فظاهرهم انه إذا لم يحصل بها عيب جاز إمساكها ووطأها بعد البلوغ لكن ذكر ابن إدريس في السرائر ان مرادهم هنا جواز الإمساك فقط مع حرمة وطأها أبدا وهو بعيد فراجع واللّه العالم.

طلقها بانت منه ، وصار عند ذلك خاطبا من الخطاب ، فان كان سمى لها مهرا ، وجب ذلك لها عليه على كماله ، وان لم يكن سمى لها مهرا ، كان لها مهر مثل نسائها ، ولا يتجاوز بذلك مهر السنة خمس مائة درهم ، فان كان لها تسع سنين وزائدا على ذلك ، ولم يكن حاضت بعد ، وأراد طلاقها ، فينبغي (1) له ان يصبر عليها ثلاثة أشهر ثم يطلقها بعد ذلك.

« باب طلاق التي لم تبلغ المحيض »

« وفي سنها من تحيض »

إذا كان للرجل زوجة لم تبلغ المحيض وفي سنها من تحيض ، وأراد طلاقها ، فينبغي له ان يستبرئها بثلاثة أشهر ، فإذا فعل ذلك ، طلقها ، ان اختار طلاقها.

« باب » « طلاق الحامل المستبين حملها »

طلاق هذه المرية إذا أراد زوجها طلقها (2) اى وقت شاء ، فاذا طلقها واحدة ، فهو أملك برجعتها ، ما لم تضع حملها ، فاذا استرجعها على هذا الوجه ، ثم أراد ان يطلقها طلاق السنة لم يجز له ذلك ، حتى تضع حملها ، فإن أراد ان يطلقها للعدة الطلقة التي قدمنا ذكرها جاز له ذلك ، وينبغي (3) له إذا أراد ذلك ان يواقعها ، ثم

ص: 285


1- الظاهر ان المراد به هنا الوجوب كما في الباب التالي وما بعده
2- وفي نسخة طلاقها.
3- اى يجب كما تقدم آنفا.

يطلقها ، فاذا فعل ذلك بانت منه بتطليقة (1) ، وهو أملك برجعتها ، فان استرجعها وأراد ان يطلقها ، واقعها ثم يطلقها بعد المواقعة ، فإذا فعل ذلك بانت منه بتطليقتين ، وهو أملك برجعتها ، فان استرجعها ثم أراد ان يطلقها الثالثة ، واقعها ثم طلقها ، فاذا طلقها الثالثة لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، وليس لها ان تتزوج حتى تضع حملها ، فان كانت حاملا باثنين ، فهي تبين من بعلها بوضعها الأول ، الا انه لا تحل لها ان تتزوج حتى تضع الباقي من حملها.

« باب طلاق الآئسة » « من المحيض وفي سنها من تحيض »

إذا كانت المرأة آيسة من المحيض وفي سنها من تحيض وأراد زوجها طلاقها فينبغي له أن يستبرئها بثلاثة أشهر فإذا استبرئها بذلك طلقها إن شاء وحد من كانت كذلك ان ينقص سنها عن خمسين سنة فإن أراد طلاقها من غير استبراء بما ذكرناه لم يجز له ذلك.

« باب طلاق الآئسة » « من المحيض وليس في سنها من تحيض »

إذا كانت المرأة آيسة من المحيض وليس في سنها من تحيض وحد ذلك ان يكون سنها خمسين سنة ، أو أكثر من ذلك ، وأراد زوجها طلاقها ، طلقها اى وقت شاء ، فاذا طلقها بانت منه في الحال ، وكان بعد ذلك خاطبا من الخطاب.

« باب طلاق الغائب عنها زوجها »

الرجل الغائب عن زوجته ، إذا أراد طلاقها ، فان كان لما خرج عنها كانت

ص: 286


1- الصواب « بتطليقتين » وجملة « وهو أملك - الى - بتطليقتين » زائدة أو المراد من قوله : فاذا فعل ذلك هو الطلاق الأول فيكون ما بعده تكرارا لما قبله وهو بعيد

طاهرة في طهر ، لم يقربها فيه ، بجماع ، طلقها اى وقت شاء.

وان كانت طاهرة طهرا ، قد قربها فيه بجماع ، وأراد طلاقها لم يجز له ذلك حتى يمضى لها ما بين شهر إلى ثلاثة أشهر (1) ثم يطلقها بعد ذلك ، اى وقت شاء ، وإذا أراد طلاقها طلقها ، طلقة واحدة ، فإذا فعل ذلك كان أملك برجعتها ما لم تخرج من عدتها ، وهي ثلاثة أشهر ، ان كانت ممن تحيض ، فاذا راجعها فينبغي له ان يشهد على المراجعة ، فان لم يشهد على ذلك ، وبلغ الزوجة الطلاق ، ثم اعتدت وكملت عدتها ، لم يكن له عليها سبيل ، تزوجت ، أو لم تتزوج الا بعقد جديد ، ومهر جديد فان طلقها واشهد على طلاقها ، ثم قدم من غيبته ، ودخل بها ، واقام معها وجاءت بولد ، ثم ادعى انه كان طلقها ، لم يقبل دعواه في ذلك ، إلا ببينة (2) وان أحضر بينة كان الولد لاحقا به.

وإذا كان له أربع نسوة ، وغاب عنهن ، ثم طلق واحدة منهن ، وأراد ان يتزوج غيرها ، لم يجز له ذلك حتى يمضي التي طلقها تسعة أشهر ، لأن في ذلك مدة الأجلين : وضع الحمل وفساد الحيض.

وإذا كان لرجل زوجة ، وهي معه في البلد ، غير انه ، لا يصل إليها بالجملة ، كان حكمه حكم الغائب عن زوجته إذا أراد طلاقها : في انه ، يصبر الى ان يمضي ما بين شهر إلى ثلاثة أشهر ، ثم يطلقها اى وقت أراد طلاقها.

ص: 287


1- الظاهر ان المراد ان أقل ما يمضى شهر وهو حده الواجب والأكثر منه الى ثلاثة أفضل وأحوط وذلك لاختلاف النصوص ومقتضى الجمع بينهما ما ذكر كما في الوسائل وجواهر الكلام وقيل فيه غير ذلك فراجع.
2- في نهاية الشيخ : لم يقبل قوله ولا بينته ونحوه في الشرائع وغيره وذكر في جواهر الكلام انه لم يظهر لنا مخالف فيه والأصل فيه خبر سليمان بن خالد كما في الوسائل الباب 15 من أقسام الطلاق فالظاهر ان صواب المتن « ولا بينته » مضافا الى انه لو قبلت منه لا يلحق به الولد أيضا.

« باب طلاق الغلام »

الغلام إذا كان يحسن الطلاق ، وكان سنه عشر سنين ، أو أكثر من ذلك ، وأراد الطلاق ، كان ذلك جائزا ، وكذلك يجوز صدقته ، وعتقه ووصيته ، وان كان سنه أقل من عشر سنين ، أو يكون ممن لا يحسن الطلاق ، لم يحز طلاقه ، ولم يجز أيضا لوليه ان كان له ولي أن يطلق عنه الا ان يكون قد بلغ ، وهو مع ذلك فاسد العقل ، فإنه إذا كان كذلك جاز لوليه ان يطلق عنه.

« باب طلاق المماليك »

إذا كان للعبد زوجة حرة فطلاقها ثلاث تطليقات ، فان كانت الزوجة مملوكة ، كان طلاقها طلقتين ، فان طلقها واحدة ، ثم عتقا جميعا بقيت معه على تطليقة واحدة ، (1) فإن عتقا قبل ان يطلقها شيئا ، كان حكمها في الطلاق ، كحكم الحرة في ان طلاقها ثلاث تطليقات ، وان كانت للحر زوجة مملوكة ، فطلاقها تطليقتان ، فاذا طلقها كذلك لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره فإن وطأها سيدها؟ لم تحل للزوج بذلك ، ولا تحل له (2) الا بان يدخل بها ، ويطلقها ، أو يموت عنها ، فاذا كان كذلك

ص: 288


1- يعنى ان لها طلقة اخرى ثانية ثم لا تحل له حتى تنكح زوجا كغير المعتقة كما صرح المصنف بذلك في الفرع التالي وهذا هو المشهور لكن المذكور في النصوص الواردة فيه كما في الوسائل الباب 28 من أقسام الطلاق : انها كانت عنده على واحدة وهذا يمكن ان يكون المراد به بقاء الطلقة الاولى وانه لا يهدمها الإعتاق كما يهدمها الإسلام لو كانت مشركة فأسلمت بعدها فلا ينافي ان يكون لها طلقتان أخريان بصيرورتها حرة كما عن ابن الجنيد لعموم الآية وهو الأقوى.
2- فيه سقط والصواب : « ولا تحل له الا بان تدخل في مثل ما خرجت منه من الزوجية فإذا اشتراها الزوج الذي طلقها لم يحل له أيضا وطأها حتى يزوجها من رجل يدخل بها ثم يطلقها أو يموت عنها » كذا في هامش نسخة ( ب ) لكن بعد تصحيح ألفاظه بملاحظة المعنى ومراجعة النهاية والنصوص الواردة فيه كما في الوسائل الباب 26 مما ذكر.

حل له وطؤها بالملك ، فان طلقها واحدة ثم أعتقت بقيت معه على طلقة واحدة ، وان تزوجها بعد ذلك ، وطلقها طلقة ثانية ، لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره.

« باب طلاق المريض »

لا يجوز طلاق المريض ، فان طلق كان طلاقه واقعا ، وورثته الزوجة ما بينه وبين سنة ، ان لم يبرأ من مرضه ولا تتزوج (1) المرأة ، فإن برأ المريض ، ثم مرض بعد ذلك ، ومات لم ترثه المرأة ، وكذلك ان تزوجت المرأة بعد خروجها من عدتها ، لم يكن لها منه ميراث ، فان لم تتزوج ، ومضى لها سنة ويوم ، لم يكن لها بعد ذلك ميراث ، وهو يرث المرأة ما دامت في العدة ، فإن خرجت منها لم يكن له ميراث ، ولا فرق في ذلك (2) بين ان يكون التطليقة أوله ، أو ثانية ، أو ثالثة.

وإذا أعتقت الأمة تحت عبد وهي مريضة ، فاكتسبت مالا ، وأعتق العبد كان لها الخيار ، فان اختارت الفسخ بطلت الزوجية ، وان ماتت لم يرثها (3) ولم ترثه هي أيضا ، والصغيرة إذا زوجها أخوها ، أو عمها ، ثم بلغت مريضة ، واختارت الفسخ ، لم يرث واحد منها الأخر.

ص: 289


1- الصواب « ولم تتزوج »
2- أي في إرث الزوجة منه في السنة واما إرثه منها في العدة فهذا الكلام يوهم عدم الفرق المذكور فيه أيضا وأظهر منه كلام الشيخ في النهاية لكن الوجه اعتبار كونها في العدة الرجعية والظاهر ان مرادهما أيضا ذلك كما ذكره المحقق في نكت النهاية وينبغي في المقام استثناء المختلعة والمبارأة والمستأمرة فإنهن لا يرثن من الزوج وان مات بمرضه في السنة للنص.
3- المراد بهذا الفرع وما بعده ان حكم الإرث المذكور خاص بطلاق المريض فلا يلحق به فسخ الزوجة المريضة إن ماتت في مرضها لحرمة القياس عندنا بل الظاهر انه لا يلحق به فسخ الزوج المريض ولا غير الفسخ من أسباب زوال النكاح كاللعان وحدوث التحريم بينهما برضاع ونحوه كما صرح بذلك كله في جواهر الكلام في كتاب الطلاق.

« باب الرجعة »

« قال اللّه تعالى ( وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ ) » (1) أراد بذلك رجعتهن ، والرد هو الرجعة ، ( وقال تعالى ( الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) » (2) فبين بذلك ان الطلاق مرتان ومعناه طلقتان ، ثم قال تعالى ( فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ ) بان يراجعها لأن الإمساك هاهنا هو الرجعة.

وقال تعالى ( فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ) (3).

وقال في موضع آخر ( أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ) (4) ) فخير بين الإمساك الذي هو الرجعة ، وبين المفارقة.

وقال تعالى ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ) الى قوله لعل اللّه يحدث بعد ذلك أمرا (5) يعني الرجعة ، فالرجعة معلوم جوازها من الشرع على كل حال ، فاذا كان كذلك فالاعتبار في الطلاق بالزوجة ان كانت حرة فثلاث تطليقات ، وان كانت امة فتطليقتان ، سواء كانت تحت حر ، أو عبد ، وعدة المرأة تكون بالأقراء ، أو بالحمل أو بالشهور ، فاذا كانت عدتها بالأقراء ، أو بالحمل ، قبل قولها في انقضاء عدتها ، فاذا قالت : قد خرجت من العدة ، قبل قولها في ذلك مع يمينها ، لأنها مؤتمنة على فرجها ، لقوله تعالى ( وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ ) (6) ).

يريد الحيض ، والحمل ، كذلك جاء في التفسير ، (7) فان ادعت ما يمكن

ص: 290


1- البقرة آية 228
2- البقرة 229.
3- البقرة 231
4- الطلاق 2.
5- الطلاق آية 1.
6- البقرة 228.
7- كما في مجمع البيان عن الامام الصادق (عليه السلام) قال قد فوض اللّه الى النساء ثلاثة أشياء الطهر والحيض والحبل ونحوه في تفسير على بن إبراهيم لكن لا يظهر منه النسبة الى الامام عليه السلام وفي تفسير العياشي عنه (عليه السلام) فسره بالحمل فان صح الأول كان هذا بيانا للفرد كما في كثير من الاخبار الواردة في تفسير الآيات.

صدقها قبل قولها مع يمينها ، (1) وان ادعت ما لا يمكن صدقها فيه ، لم يقبل قولها ، لان كذبها قد علم وتحقق ، فاما كيفية ما يمكن كونها صادقة فيه ، فجملته انه لا يخلو من ان تكون من ذوات الأقراء ، أو من ذوات الحمل ، فان كانت من ذوات الأقراء ، فاما ان تكون حرة أو امة ، فان كانت حرة فطلقها في حال طهرها ، فإن أقل ما يمكن فيه انقضاء عدتها ستة وعشرون يوما ولحظتان ، تبيين ذلك : انه ربما طلقها في آخر جزء من طهرها ، فاذا مضى جزء وراث الدم ثلاثة أيام وعشرة أيام طهرا ، وثلاثة أيام بعد ذلك دما ، فيكون قد حصل لها قرءان في ستة عشر يوما ولحظة ، فإذا رأت بعد ذلك عشرة أيام طهرا ، ثم رأت بعد ذلك لحظة دما ، فقد خرجت من العدة ، فتكون الجميع ستة وعشرين يوما ولحظتين. وأقل ما يمكن ان تنقضي به عدة الأمة ثلاثة عشر يوما ولحظتان ، (2) فاذا ادعت المرأة انقضاء عدتها في أقل من المدة التي ذكرناها ، لم يقبل قولها ، لان ذلك لا يمكن بمجرى العادة وان كانت عدتها بالوضع فأقل ما يمكن ان تضع فيه ثمانون يوما ، لأنه يحتمل ان يتزوجها الرجل ، فيدخل بها ، وتحبل فتبقى النطفة أربعين يوما ، ثم تصير علقة أربعين يوما ثم تصير مضغة ، فإن وضعت ما يتصور فيه خلقة آدمي يومين (3) المضغة ، لأنها مبتدء خلق البشر ، فان

ص: 291


1- الظاهر ان المراد ما إذا أنكره الزوج كما في الشرائع والا فلا حاجة الى اليمين لقول الباقر (عليه السلام) العدة والحيض للنساء إذا ادعت صدقت وظاهر المصنف انه في أقل ما يمكن انقضاء العدة به أيضا يقبل قولها بيمينها وهو بعيد بل الوجه انه لا يقبل إلا بشهادة النساء لها وان لم ينكر عليها للنص كما في الوسائل الباب 47 من أبواب الحيض وكأنه لكون الانقضاء به خلاف المتعارف وفي معرض التهمة.
2- فإن عدتها قرءان وتنقضي بالدخول في الحيضة الثانية وذكر جمع من الأصحاب انه يمكن نادرا ان يكون أقل وهو فيما إذا طلقها بعد وضع الحمل قبل النفاس بلحظة ثم رأته لحظة بناءا على كونه كالحيض في ذلك فعليه تنقضي في الحرة بثلاثة وعشرين يوما وثلاث لحظات وفي الأمة بعشرة أيام وثلاث لحظات.
3- في العبارة هنا وفي ذيلها تشويش ولعل صوابها هنا كما في المبسوط « فان وضعت ما يتصور فيه خلقة آدمي أو مضغة حلت ولا فرق بين ما يتصور فيه خلقة آدمي وبين المضغة لأنها مبتدأ خلق البشر » قوله حلت اى للأزواج فهو عبارة عن الخروج من العدة وحكى في المختلف كلام المصنف والمبسوط وأسقط منهما هذه العبارة فقال بعد قولهما « ثم تصير مضغة » : فإن ادعت وضع الحمل الى آخره وكأنه أراد الاختصار وعلى كل يستفاد منهما ان أقل وضع الحمل صيرورة النطفة مضغة فلو سقط العلقة لم تنقص به العدة وهو الظاهر من الخبر الموثق كما في الوسائل الباب 11 من أبواب العدد وروى في الكافي باب بدو خلق الإنسان من كتاب النكاح ان النطفة تكون في الرحم أربعين يوما ثم تصير علقة أربعين يوما ثم تصير مضغة فما في المتن والمبسوط من فقد نص على ما ذكر ممنوع.

ادعت وضع الحمل دون ذلك كله. لم يقبل قولها ، لأنه غير ممكن ، وهذا وان كان قولا للمخالفين ، فالاحتياط يقتضي أن نقول به ، لأنها تخرج من العدة بذلك إجماعا ، ولأنه ليس لنا في ذلك نص معين ، فنقول بما يتضمنه فيه.

وإذا قالت وضعت الحمل وسرق ، أو مات ، صدقت في ذلك ، لأنها مؤتمنة عليه ، ولا تطالب بإظهار الولد.

وانما يقبل قولها في انقضاء العدة بالحمل ، فاما في إلحاق النسب والاستيلاد والطلاق إذا علق به (1) ، فلا يقبل قولها فيه ، بل يرجع ذلك الى الزوج ، فاذا قال هي ولدته وليس منى فإنه يلحقه نسبه لأجل الفراش الا ان ينفيه باللعان ، فان قال ما ولدته هي بل استوهبته ، أو سرقته ، أو التقطته ، أو أسرته (2) لم يقبل قولها ، ويكون القول قوله مع يمينه ، لأن إقامتها البينة على انها ولدته ممكن لها ، فاذا لم تقمها كان القول قوله مع يمينه.

ص: 292


1- اى قال لها أنت طالق ان كنت حاملا فلا يثبت الطلاق بادعائها للحمل وقد تقدم ان التعليق في الطلاق غير جائز مطلقا فالمراد انه لو قيل بجوازه كما عن العامة.
2- عن بعض النسخ « اشترته »

واما الأمة إذا أتت بولد وادعت انه من سيدها ، رجع الى السيد في ذلك ، فان قال هي ولدته وليس مني ، أو استوهبته أو التقطته أو سرقته أو ما أشبه ذلك كان القول قوله على كل حال ، لأنها ليست فراشا (1).

وإذا كانت معتدة بالشهور فطلقت كانت عدتها ثلاثة أشهر من وقت الطلاق فان كانت ممن توفي عنها زوجها ، فأربعة أشهر وعشر من وقت الوفاة ، لا يرجع في ذلك الى قبول القول ، لأنه مشاهد ، الا ان يختلفا ، فيقول الرجل طلقتك في شعبان ، تقول المرأة في رجب ، فيكون القول قوله مع يمينه ، لأن الأصل عدم الطلاق (2) فان كان ذلك بالعكس ، فقال الزوج طلقتك في رجب ، وقالت المرأة بل في شعبان ، كان القول قولها ، لأنها تطول على نفسها العدة ، غير انه تسقط النفقة عن الزوج فيما (3) زاد على ما أقربه الا ان تثبت بينة ، كما إذا اختلفا فقال الزوج طلقتك

ص: 293


1- تعليل لقبول قوله : « ان قال ولدته وليس منى ». وان هذا هو الفرق بين الأمة والزوجة ولكن يأتي من المصنف وغيره في باب إلحاق الأولاد ان الأمة أيضا فراش وقد أطال في جواهر الكلام في كتاب اللعان للجمع بين كلماتهم والنصوص في ذلك مختلفة والأقوى أنها فراش له بوطأها ولكن ادعى الإجماع على انتفاء ولدها عنه بنفيه دون لعانه وربما يلزمه الاحتياط أيضا في بعض الأحكام كما يأتي هنا وتقدم في بعض الأبحاث السابقة واللّه العالم.
2- وقوع الطلاق إجمالا معلوم فالمراد ان الأصل عدم وقوعه في رجب حيث اختلفا فيه فيلزمه الوقوع في شعبان ويترتب عليه امتداد العدة منها إلى ثلاثة أشهر هذا بناءا على القول بصحة الأصل المثبت وكأنه مختار المتقدمين واما بناء على عدمها كما عليه المتأخرون فيمكن استصحاب العدة المعلوم كونها في شعبان إجمالا إلى زمان الاختلاف لكن فيه اشكالا ليس هنا محل ذكره.
3- مقتضى تقديم قولها بالأصل المذكور ثبوت النفقة لها عليه فيما زاد أيضا كما في المعتدة بالأقراء وتنظيره بما إذا اختلفا في كون الطلاق قبل الدخول أو بعده فاسد لأن الأصل فيه عدم الدخول فيقدم قول الزوج ولعل مراد المصنف ان القول قوله على كل حال لان الطلاق فعله وهو أبصر بفعله لكن تؤخذ المرأة بقولها فيما يرجع الى نفسها وهو بقاء العدة بالنسبة إلى حرمة التزويج وذلك لتضمن قولها الإقرار بذلك واللّه العالم.

قبل الدخول ، وتقول هي بعد الدخول ، فإنما يقبل قول الزوج في سقوط نصف المهر ، فيسقط عنه ، ويقبل قول الزوجة في وجوب العدة لأنه نصيبها ( يضرها خ ل ).

والمطلقة طلقة رجعية لا يحرم تقبيلها ولا وطؤها ، فمتى فعل زوجها ذلك ، كان رجعة ، وليس من شرط صحة الرجعة الاشهاد ، وانما هو احتياط ، واستحباب.

وإذا قال الرجل لامرأته ، راجعتك إن شئت لم يصح ، لأنه لا اعتبار هاهنا بمشيئتها.

وإذا كانت الزوجة أمة ، فطلقها طلقة رجعية ، وادعى انه كان راجعها وكذبته ، كان القول قوله فان صدقته فالقول قولها ويحكم بصحة الرجعة ، فان قال السيد كذبت هي ، وان الزوج ، ما راجعها لم يقبل ، لأن الرجعة استباحة بضع ، يتعلق بالزوجين ، وليس بزوج فلا يقبل ذلك منه.

وإذا طلقها طلقة رجعية ، واختلفا في الإصابة ، فقال الزوج طلقتك بعد ان أصبتك ولى عليك الرجعة ، ولك كمال المهر ، وعليك العدة ، وقالت المرأة طلقتني قبل ان تصيبني ، فليس على عدة ولا لك على رجعة ولى عليك نصف المهر كان القول قولها مع يمينها لان الطلاق إذا كان عن نكاح لا يعلم الإصابة به فيه ، فالظاهر وقوع الفرقة وحصول البينونة ، فإن ادعى الرجل الإصابة ، كان مدعيا لأمر باطن يريد ان يدفع به الظاهر ، فاذا حلفت سقطت دعواه ، وليس له عليها رجعة ، ولا تجب عليها العدة والسكنى ، والنفقة ، لا تجب عليه وان كان مقرا به ، لأنه ليس يقبل هذا الإقرار ، فلا حكم له ، وإذا كان المهر في يده كان لها عليه نصفه ، لأنها لا تدعي أكثر منه ، وان كان في يدها لم يجز للزوج ان يسترجع فيه النصف ، لأنه أقر بأن جميع المهر لها ، ولا يمكنه ان يسترجع شيئا لا يدعيه.

هذا إذا كان الزوج هو المدعى للإصابة ، وأنكرت الزوجة ذلك ، فاما ان

ص: 294

ان ادعت الزوجة الإصابة ، وأنكر الزوج ذلك ، مثل ان تقول طلقتني بعد الإصابة ويقول الزوج : طلقتك قبل الإصابة ، فهي معترفة بثبوت الرجعة والعدة ، وتدعى كمال المهر ، والزوج معترف بأنه لا رجعة له عليها ، ولا يجب له عليها عدة ، ولها عليه نصف المهر ، فان القول قوله مع يمينه ، لأن الأصل عدم الإصابة ، والظاهر ان الفرقة قد وقعت والبينونة حصلت ، وعليها البينة فيما تدعيه ، فان حلف سقطت دعواها ، وكان عليها العدة ، لأنها أقرت بوجوبها عليها ، ولا يجب لها سكنى ، ولا نفقة ، لأنها أقرت بأنها لا تستحقه (1) والمهر يجب نصفه ، سواء كان في يده ، أو في يدها ، لأنه حلف انه طلقها قبل الدخول ، فليس لها الا النصف ، فان كان دفع الجميع استرجع النصف ، فان تعلق (2) في ذلك بالخلوة ، وان لها تأثيرا في ذلك لم يلتفت إليه ، لأن الخلوة لا تأثير لها هاهنا.

وإذا طلق الرجل زوجته ثلاثا مفترقات مشروعة ، لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، ويصيبها ، ثم يطلقها ، أو يموت عنها ، وتعتد منه ، فتحل للأول حينئذ.

والخصى على ضربين : مسلوب (3) ومجبوب ، فالمسلوب هو الذي سلب بيضتاه وبقي ذكره ، وهذا إذا تزوجت به ووطأها حلت للأزواج (4) لأنه أولج ، وان كان لا ينزل ، والانزال غير معتبر به ( معتد به - خ ل ) في باب الإباحة ، لأنه لو التقى الختانان من السالم الصحيح ، ثم أكسل حلت للأول.

ص: 295


1- هذا من سهو القلم فإنها مدعية للاستحقاق فدفعت عنه بإنكار الزوج ويمينه وكأنه اشتبه بالفرض الأول.
2- بصيعة المجهول اى ان تمسك أحد لاستحقاق جميع المهر لها بحصول الخلوة وان لها تأثيرا في ذلك كما عن بعض العامة.
3- الصواب « مسلول » باللاميين كما في المبسوط و « سلت » باللام المشددة والتاء المؤنثة وقد تقدم في باب التدليس في النكاح ان الخصي هو مسلول الخصيتين والمجبوب قسم آخر فما ذكره هنا مسامحة.
4- الصواب « للأول »

واما المجبوب فان لم يبق من ذكره شي ء ، كان الوطأ معدوما ، ولم يتعلق به اباحة ، فإن بقي مالا يتبين ، فليس يبيحها للأول ، لأنه لا يغيب ولا يدخل ، وان بقي قدر ما يغيب منه ، إذا أولج ويلتقي معه الختانان ، فان ذلك يبيحها للأول ، ولا فرق في ذلك بين ان يكون الزوج حرا والمرأة امة ، أو المرأة حرا والزوج عبدا ، أو كانا مملوكين ، أو حرين ، أو كانت ذمية.

الطلاق بالنساء (1) فان كانت امة فطلقتان ، وان كانت حرة فثلاث تطليقات ، سواء كان الزوج حرا أو عبدا ، فالحر إذا طلق زوجته الأمة طلقتين ، ثم ملكها لم تحل له الا بعد زوج يصيبها ، ولا يجوز له وطؤها بملك اليمين ، الا بعد ذلك أيضا.

وإذا قيل لرجل أطلقت امرأتك؟ فقال : نعم بمحضر عدلين لزمه الطلاق في الظاهر ، لان معنى قوله نعم ، اى نعم طلقتها ، فان كان صادقا لزمه الطلاق ظاهرا وباطنا ، وان كان كاذبا لزمه في الحكم ، ولم بلزمه فيما بينه وبين اللّه.

وإذا رجع زوجته بلفظ النكاح ، مثل ان يقول لها تزوجتك أو نكحتك ، كان رجعة ، إذا قصد ذلك.

وإذا تزوجت المطلقة ثلاثا بزوج ، فوجدها على فراشه ، فظن أنها أجنبية ، فوطأها حلت للأول ، لأن شرط الإباحة قد حصل وهو الوطؤ في نكاح صحيح ، والمطلقة ثلاثا إذا وجدها رجل على فراشه فظن أنها أمته أو زوجته ، فوطأها لم تحل للأول لأنه لم يطأها في عقد ، وإذا تزوجها الزوج الثاني إلى مدة ، كان ذلك متعة ، ولم يحل مع ذلك للأول.

ص: 296


1- في نسخة ( ب ) « لا طلاق النساء » فهو تعليل للتعميم المذكور قبله والأصح ما في المتن كما في نسخة الأصل فالمراد ان في الطلقتين أو الثلاث يعتبر حال المرية من كونها امة أو حرة دون زوجها وقد مضت هذه المسائل في باب طلاق المماليك.

« باب الظهار »

قال اللّه تعالى :

« ( وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا ) (1) ».

وعن الصادق عليه السلام :

قال جاء رجل الى النبي صلى اللّه عليه وآله فقال يا رسول اللّه ظاهرت من امرأتي ، قال اذهب فأعتق رقبة ، قال ليس عندي ، قال فصم شهرين ، قال لا أستطيع ، قال اذهب فأطعم ستين مسكينا ، فقال : والذي بعثك بالحق لا اعرف بين لابتيها أحدا أحوج إليه مني ومن عيالي ، قال اذهب وكل واطعم عيالك ». (2)

فالظهار محرم في الشريعة.

الا ترى قوله تعالى :

( الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللّائِي وَلَدْنَهُمْ ) الى قوله تعالى ( فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ) (3) فبين في ذلك حكمه وذكر تحريمه بأنه قول منكر وزور ، ثم ذكر الكفارة فأوجب فيها عتق رقبة ثم صوم شهرين متتابعين ، ثم إطعام ستين مسكينا ، فان ذلك مرتب ، فثبت بذلك ، ان للظهار حكما في الشريعة ، وان الكفارة تتعلق بها فالظهار الحقيقي الذي ورد به الشرع هو ان يشبه الرجل جملة زوجته ، بظهر امه أو إحدى المحرمات عليه ، فيقول : أنت على كظهر أمي أو بنتي ، أو يذكر غيرهما من المحرمات عليه

ص: 297


1- المجادلة - 3
2- الوسائل ج 15 الباب 2 من أبواب الكفارات وفيه بعد قوله : ستين مسكينا « قال ليس عندي فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله انا أتصدق عنك فأعطاه تمرا لإطعام ستين مسكينا وقال اذهب وتصدق بها فقال والذي بعثك بالحق ما اعلم بين لابتيها أحدا أحوج إليه مني ومن عيالي قال فاذهب فكل واطعم عيالك » قوله بين لابتيها أي في المدينة لأن اللابة هي الحرة أي الأرض ذات الحجارة ، والمدينة المنورة بين لابتين عظيمتين وروى الشيخ في المبسوط نحو هذا الخبر بوجه ابسط.
3- لمجادلة - 2

كالأخت ، أو ابنتها ، أو العمة ، أو الخالة ، وما جرى مجرى ذلك ، فليس يصح حتى ينوي الرجل به التحريم ، ويشهد عليه شاهدين في مجلس واحد ، وتكون الزوجة طاهرا طهرا لم يقربها فيه بجماع ، فان اختل مما ذكرناه شي ء ، لم يصح الظهار ، وكذلك لا يقع صحيحا إذا كان مشروطا ، ولا يقع أيضا صحيحا ، إذا كانت المرأة حائضا ، ولا يقع إلا بزوجة مدخول بها ، حرة كانت أو امة.

فان كانت ملك يمين لم يقع بها ظهار ، وكذلك لا يقع بالتي لم يدخل بها ، ويقع بالزوجة إذا كانت حاملا ، فان قال لها أنت مني كظهر أمي ، أو أنت معي أو عندي أو ما جرى مجرى ذلك ، كان مظاهرا ، لان حروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض ، وكذلك إذا قال نفسك على كظهر أمي ، أو جسمك أو بدنك أو ما جرى مجرى ذلك كان ظهارا فان شبه زوجته بعضو من أعضاء الأم غير الظهر ، مثل ان يقول أنت على كبطن أمي ، أو كفرج أمي ، أو كرأس أمي ، أو شبه عضوا من أعضاء زوجته بظهر امه ، مثل ان يقول فرجك أو رجلاك أو رأسك ، وما جرى مجرى ذلك ، وكذلك قوله رجلك على كرجل أمي أو بطنك على كبطن أمي ، أو فرجك على كفرج أمي ، وما أشبه ذلك ، ونوى الظهار كان بجميع ذلك مظاهرا.

فان قال لها أنت على كأمي ، أو مثل أمي ، كان ذلك كناية ، يحتمل مثل أمي في الكرامة ، ويحتمل مثلها في التحريم فالتحريم يرجع إليه ، فإن قال مثلها في الكرامة لم يكن ظهارا وان قال أردت مثلها في التحريم ، كان ظهارا ، وان أطلق لم يكن ظهارا ، لأنها كناية ، لم يتعلق الحكم بمجردها ، إلا ببينة.

فإن قال لها أنت على كظهر ابى ، لم يكن ظهارا ، نوى أو لم ينو ، فان شبه زوجته بإحدى جداته من قبل أبيه ، أو من قبل امه ، قريبة كانت أو بعيدة ، كان بذلك مظاهرا ، لأن الأم يطلق عليها حقيقة ومجازا ، وان كان في ذلك خلاف الا ان الظاهر عندنا ما ذكرناه ، فان شبهها بامرأة تحل له لكنها محرمة في الحال ، مثل المطلقة

ص: 298

ثلاثا ، أو أخت امرأته أو عمتها أو خالتها (1) فإنه لا يكون مظاهرا ، فان شبهها بامرئة محرمة عليه على التأبيد غير الأمهات ، مثل البنات وبنات الأولاد من البنين ، والبنات والأخوات وبناتهن والعمات والخالات ، فعندنا انهن يجرين مجرى الأمهات.

فأما النساء المحرمات عليه بالرضاع والمصاهرة ، فالظاهر انه لا يكون بهن مظاهرا.

فاذا قال لزوجته ما ذكرنا ان الظاهر يقع به ، ويثبت معه التحريم مع الشروط التي بيناها في ذلك ، حرم عليه وطؤها ، ولم يحل له ذلك منها حتى يكفر ، فان واقعها مرة واحدة قبل ان يكفر ، كان عليه كفارة أخرى ، فإن واقعها أكثر من مرة ، كان عليه لكل مرة كفارة.

وإذا كان للرجل من الزوجات أكثر من واحدة ، فظاهر منهن في حال واحدة ، كان عليه لكل واحدة منهن كفارة ، وقد روى (2) ان عليه كفارة واحدة ، والاحتياط يقتضي ما ذكرناه أولا.

وإذا ظاهر الرجل من زوجته مرة بعد اخرى ، كان عليه لكل مرة كفارة.

والكفارة الواجبة في الظهار ما تضمنته الآية ، وهو عتق رقبة فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فان لم يستطع ، فإطعام ستين مسكينا.

ولا يجزى للمظاهر الصوم الا بعد العجز عن العتق ، ولا يجزيه إطعام إلا بعد العجز عن الصوم ، فان كفر بواحدة ، وهو قادر على ان يكفر بما قبلها ، كان عليه ان يكفر بالكفارة المتقدمة ، دون ما يليها ، فان لم يكفر بواحدة من الثلاث الكفارات ، لم يجز له وطؤها ، وكان له القيام معها ، فان طلبت فراقه ورافعته الى الحاكم ، اجله ثلاثة

ص: 299


1- بناءا على حرمة العقد عليهما كما عن العامة واما عند الإمامية فالمعروف انما هو حرمة إدخال بنت الأخ أو بنت الأخت على العمة والخالة من دون رضاهما كما تقدم في هذا الكتاب في باب المحرمات من النكاح دون إدخالهما على البنتين الأعلى قول نادر
2- الوسائل الباب 14 من كتاب الظهار.

أشهر فإن كفر ، والا ألزمه طلاقها ، فان كان غير قادر على الكفارة ، لم يلزمه الطلاق (1).

وإذا أراد المظاهر الصوم ، فعليه ان يصوم شهرين متتابعين ، فان صام شهرا وصام من الثاني شيئا (2) وأفطر ، كان له ان يبتدأ الصوم من أوله ، فإن أفطر قبل ان يتم صوم الشهر الأول لمرض ، جاز له البناء على ما تقدم.

وإذا دخل المظاهر في الصوم ، وقدر على الرقبة ، كان له المضي في صومه ، والأفضل له ان يعدل إلى الرقبة ، وإذا عجز عن الإطعام ، صام ثمانية عشر يوما ، فان عجز عن ذلك أيضا لم يجز له وطؤ زوجته التي ظاهر منها ، وبقي على ذلك الى ان يكفر ، والإطعام نصف صاع لكل رجل ( واحد - خ ل ).

وإذا طلق المظاهر زوجته قبل ان يكفر ، سقطت الكفارة عنه ، فان راجعها قبل ان تنقضي عدتها لم يجز له وطؤها حتى يكفر ، فان خرجت من عدتها وعقد عليها بعد ذلك عقدا جديدا لم يلزمه كفارة ، وجاز له وطؤها.

وإذا ظاهر العبد من زوجته ، كان ظهاره واقعا وكان عليه الكفارة ، والكفارة الواجبة عليه في ذلك صوم شهر واحد لا غير.

وإذا حلف الرجل بالظهار لم يلزمه حكمه ، ولا يقع الظهار الا مع الاختيار ، ولا يقع مع الإكراه ، ولا للغضب ، ولا السكر ولا في إضرار.

وإذا قال لزوجته أنت طالق كظهر أمي لم يقع بذلك ظهار ، نوى ذلك أو لم ينوه ، وكذلك لو قال أنت حرام كظهر أمي لم يكن ظهارا ، وإذا كان له زوجتان ،

ص: 300


1- يأتي قريبا انه مع العجز عن الكفارة لا يجوز له وطؤها وظاهره عدم قيام الاستغفار مقام الكفارة فعدم إلزامه بالطلاق حينئذ ضرر عليها ومخالف لما دل على التفريق بينهما كما في جواهر الكلام.
2- الصواب كما في النهاية وهامش نسخة ( ب ) « كان له ان يصوم ما بقي عليه متفرقا وان لم يصم من الثاني شيئا وأفطر كان عليه ان يبتدأ إلخ فإنه الوارد في النصوص.

فقال لإحداهما أنت على كظهر أمي ، ثم قال للأخرى شركتك معها ، لم يكن قوله للثانية ظهارا ، وإذا قال لزوجته أنت على كظهر أمي ان شاء زيد ، لم يكن ظهارا ، وقد ذكر بعض أصحابنا ان ذلك ظهار ، والظاهر من المذهب الأول.

وإذا قال لها أنت على كظهر أمي ان شاء اللّه لم ينعقد بذلك ظهار.

وإذا قال لها أنت على كظهر أمي يوما أو يومين ، أو شهرا أو شهرين ، أو سنة أو سنتين ، لم يكن بذلك مظاهرا.

« باب الإيلاء »

قال اللّه تعالى ( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ) (1) الاية.

والإيلاء معلوم من دين الإسلام ، وهو في اللغة عبارة عن اليمين عن كل شي ء (2) ، فاما في الشرع فمخصوص بيمين الرجل على ان لا يطأ زوجته ، ومذهبنا ان يحلف على ان لا يطأها أكثر من أربعة أشهر ، فإن حلف على أربعة أو ما دونها ، لم يكن موليا وانما قلنا ذلك لقوله تعالى ( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ) (3).

فأضاف إليهم بلفظ الملك (4) مدة الأربعة ، فثبت ان ما بعدها ليس له ، وأيضا فلو لا انه نزلت (5) بالفئة ما يقتضي الغفران لما أخبر عن الغفران عنه.

ص: 301


1- البقرة - 226.
2- الصواب « على كل شي ء » أو هو من قبيل ما تقدم في الظهار من ان الحروف يقوم بعضها مقام بعض.
3- البقرة - 226.
4- اى اللام في قوله تعالى ( لِلَّذِينَ ) وهذا الدليل يتم إذا كان المراد بالاية التربص من أول وقوع الإيلاء كما هو الأظهر منها واما بناءا على كونه بعد الرفع الى الحاكم كما يأتي هنا ففي دلالته على ما ذكر في طرف الأكثر مطلقا نظر.
5- في المبسوط « فلو لا انه يريد » وهو أصح فالمراد ان اللّه تعالى قال ( فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ومفاده أن الفئة اى رجوع الزوج عن إيلائه بوطئها مقرونة بالمغفرة ومقتضاه ان يكون معها عصيان فلا تكون الا بعد أربعة أشهر لأن للزوج ان لا يطأ زوجته في مدة الأربعة بدون الإيلاء ويرد عليه ان المغفرة هنا لعدم إلزامه بحلفه على ترك الوطأ في الأربعة أو بعدها وقد استدل في كتاب الخلاف بنحو ذلك لمسئلة اخرى فراجع.

وصفته ، ان يحلف الرجل باللّه تعالى ، ان لا يجامع زوجته ، ويقيم على يمينه فان فعل ذلك كانت الزوجة مخيرة بين المقام معه ، والصبر عليه؟ وبين مخاصمته ، ومرافعته الى الحاكم ، فان استعدت عليه أنظره الحاكم بعد مرافعتها إليه أربعة أشهر ليراجع نفسه ويرتئى في امره ، فإن كفر عن يمينه وراجع زوجته ، فلا حق لها عليه وان أقام على الامتناع من مجامعتها خيره الحاكم بين ان يكفر ، ويرجع الى زوجته أو يطلقها ، فان امتنع من الرجوع إليها ، والطلاق جميعا ، وثبت على الإضرار بها ضيق الحاكم عليه في المطعم والمشرب ، وذكر (1) انه يحبسه في حظيرة من قصب حتى يفي ء إلى أمر اللّه تعالى ، ويراجع زوجته ، أو يطلق ، فان طلقها فهو أملك بردها ما لم تخرج من عدتها ، فان خرجت من عدتها لم يكن له عليها سبيل ، ولا يقع الإيلاء بالزوجة إلا بعد الدخول بها ، فان آلى الرجل قبل الدخول بها لم يلزمه الإيلاء ولا يكون الإيلاء إلا باسم اللّه تعالى ، فان آلى بغير اسم اللّه أو حلف بالطلاق أو العتاق لم يكن بذلك إيلاء ، ويراجع زوجته ، ولا شي ء عليه.

وإذا ادعت الزوجة على الرجل انه لا يقربها وأنكر هو ذلك ، وذكر انه يقربها ، كان عليه اليمين : بان الأمر على ما ادعاه ، ولم يكن عليه شي ء ،

وإذا كانت المرأة متمتعا بها ، لم يقع بها إيلاء ، وإذا حلف ان لا يجامع زوجته وهي مرضعة ، خوفا من انقطاع لبنها ، فيستضر بذلك ولدها ، لم يكن عليه

ص: 302


1- ذكره الشيخ في النهاية قال حبسه الحاكم في حظيرة من قصب وضيق عليه في المطعم والمشرب حتى يفيى ء إلى أمر اللّه ونحوه في مقنعه المفيد بدون ذكر الحظيرة من قصب والأول مروي عن أمير المؤمنين عليه السلام كما في الوسائل الباب 11 من الإيلاء.

شي ء لأنه حلف في صلاح.

وإذا هجر الرجل زوجته سنة ، أو أكثر ، أو أقل ، لم يكن ذلك إيلاء ، ويراجع زوجته. وليس عليه شي ء.

فاما ألفاظ الإيلاء ، فمثل قوله : واللّه لا أتيك (1) واللّه لا أدخل ذكري في فرجك ، واللّه لا أغيب ذكري في فرجك ، واللّه لا أوطئك ، لا أصبتك ، لا باشرتك لا جامعتك ، لا لامستك ، لا باضعتك ، وما جرى مجرى ذلك ، فجميعه محتمل عندنا (2) فان نوى به الجماع في الفرج ، كان إيلاء ، وان لم ينو ذلك لم يكن إيلاء ولا يثبت به حكم الإيلاء جملة.

فاذا قال : ان وطأتك فأنت طالق ثلاثا ، كان ذلك باطلا ، ولا حكم له عندنا.

وإذا قال لها : أنت على حرام ، لم يتعلق بذلك حكم عندنا ، لا طلاق ، ولا ظهار ، ولا عتاق ، (3) ولا يمين في إيلاء ، ولا غيره ، نوى ذلك أو لم ينو.

وإذا قال لها : ان أصبتك فعبدي حر عن ظهاري إن تظاهرت (4) لم يتعلق

ص: 303


1- الصواب « لا انيكك » كما في المبسوط ويظهر مما يأتي.
2- الحق ان بعض هذه الألفاظ صريح كالنيك وما بعده وبعضها ظاهر كالوطي والجماع لكنها بالنظر الى وقوع الإيلاء بحكم المحتمل فإنه ان كان معها نية كان ايلاء والا لم يكن سواءأ كان اللفظ صريحا أو كناية وكان هذا مراد المصنف الا ان يكون في الكلام سقط فراجع المبسوط والدليل على اعتبار النية فيه مطلقا قوله تعالى « لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ » خلافا لما عن الشافعي من انه في الصريح يحكم عليه بالإيلاء ظاهرا وان لم ينوه في نفسه كما في الطلاق ونحوه.
3- يعنى ان كانت امة لا تنعتق بهذا القول.
4- اى ظاهرت يقال ظاهر من امرأته وتظاهر وتظهر وبها جميعا ثم ان المراد بهذا القول تعليق العتق على الإصابة والظهار معا عند العامة يقع العتق إذا وجد الشرطان ويكون إيلاء عندهم ان تقدم الظهار إذ ليس من شرطه عندهم الحلف باللّه تعالى.

بذلك حكم ، لا عتاق ، ولا ظهار لأنه مشروط ، وهما لا يتعلقان بشروط ، ولا يتعلق به إيلاء لأنه ليس بيمين باللّه تعالى ، وإذا قال لها : واللّه لا أصبتك ، ثم قال لزوجة له اخرى ، قد أشركتك معها في الإيلاء ، لم تكن شريكتها في ذلك ، وكان موليا في الأولى ، دون الثانية ، لأن اليمين باللّه تعالى ينعقد لأجل حرمة اللفظ ، وهو ان يحلف باللّه تعالى ، أو بشي ء من صفات ذاته ، وقوله قد أشركتك معها في الإيلاء لفظ ، لا حرمة له ، واليمين باللّه بالكنايات ، لا ينعقد ، فسقط ذلك في حق الزوجة الثانية ، وثبت في الاولى.

وإذا آلى منها بالطلاق ، فقال لها أنت طالق إن أصبتك ، ثم قال لأخرى قد أشركتك معها ، لم يكن موليا من واحدة منهما ، لأنه لم يحلف باللّه تعالى.

وإذا آلى من امرأته تربص أربعة أشهر ، ثم وقف لها ، فان اختلفا في المدة ، فقالت قد انقضت ، وقال الرجل ما انقضت ، كان القول قوله مع يمينه ، لأن الأصل انها ما انقضت ، فان اختلفا في ابتداء المدة ، كان القول أيضا قول الرجل مع يمينه ، لأن الأصل ان لا يمين.

وإذا آلى من الرجعية صح الإيلاء ، لأنها في حكم الزوجات ، فاذا كان كذلك فإن المدة تحسب عليه ما دامت في العدة من وقت اليمين ، (1) لأنها مباحة الوطأ

وإذا ادعى الإصابة ، وأنكرت المرأة ذلك كان القول قوله مع يمينه (2) فإن

ص: 304


1- أي فمتى راجعها ضرب له المدة من وقت اليمين ومقتضاه ان مدة التربص من هذا الوقت خلافا لما مر منه من انها بعد المرافعة وربما يظهر منه ان له مدتين كلتيهما أربعة أشهر إحداهما بعد اليمين والأخرى بعد المرافعة وهو بعيد وبالجملة كلمات المصنف والشيخ في ذلك مضطربة والأظهر كونها من اليمين فقط لما أشرنا إليه في أول الباب.
2- الأصل عدم الإصابة فمقتضاه ان يكون القول قولها مع اليمين لكن قد يعارض ذلك بأصل آخر كبقاء العقد كما في المبسوط فتقديم قوله لذلك لكنه محل اشكال

كانت بكرا لم يجر الحكم فيها بمثل ذلك لان الإيلاء لا يصح الا بعد الدخول وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم.

وإذا آلى من زوجته ، ثم ارتدا ، أو أحدهما ، لم تحسب المدة عليه ، لأنها انما تحسب إذا كان المانع من الجماع ، اليمين ، وهاهنا المانع اختلاف الدين ، وأيضا فإنه لا يمكنه الفئة بعد التربص ، ولا الطلاق. (1)

وإذا آلى من زوجته وهو صحيح ثم جن ، فالمدة محسوبة عليه ، لان العذر من جهته في زوجته تامة (2) فإذا انقضت المدة وهو مجنون ، لم يكن عليه مطالبة لأنه غير مكلف :

وإذا آلى منها ثم جنت هي ، فإن فرت منه ولم تقم في يده ، لم تحسب المدة عليه. لان العذر من جهتها ، فان كانت في يده كانت المدة محسوبة عليه ، لأنه متمكن من وطأها ، فإن انقضت المدة وهي مجنونة لم يوقف ولا مطالبة عليه في حقها لأن الحق يختص بها وليست من أهل المطالبة به لكن يقال له اتق اللّه ووفها حقها بطلاق أو وطأ ، فإن طلق فلا كلام ، وان وفاها حقها بالوطى ء حنث هاهنا ، لأنه عاقل قاصد إلى المخالفة.

الذمي يصح منه الإيلاء كما يصح من المسلم ، فاذا ترافعا ذميان الى حاكم المسلمين في ذلك ، كان مخيرا بين ان يحكم بينهما أو يعرض عنهما ويتركهما مع أهل ملتهما في ذلك.

ص: 305


1- قال في المبسوط : فان اجتمعا على الإسلام قبل انقضاء العدة فقد عاد الى ما كانا عليه ويستأنف المدة من حين العود وان كان الرجوع بعد انقضاء العدة فقد وقع الفسخ بانقضاء العدة وله ان يتزوج بها.
2- الصواب « في زوجية تامة » كما في نسخة المبسوط هنا وفي أمثاله.

« كتاب اللعان والارتداد »

اشارة

قال اللّه تعالى ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللّهِ ) (1) الآيات فبين في ذلك اللعان ، وترتيبه ، وكيفيته.

وروى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله « انه أتاه عويم العجلاني ، فقال : يا رسول اللّه أرأيت الرجل يجد مع امرأته رجلا ، أيقتله فيقتلونه ، أم كيف يصنع ، فقال : عليه السلام قد انزل اللّه فيك وفي صاحبتك فأت بها فجاء بها فتلاعنا. (2)

واللعان معلوم من دين الإسلام بغير اشكال ، وصفته : ان يجلس الحاكم مستدبر القبلة ويقف الرجل بين يديه ، والمرية عن يمينه ، ولا يقعدهما ، ثم يقول الرجل : اشهد باللّه اننى لمن الصادقين فيما ذكرت عن هذه المرية من الفجور ، فاذا قال ذلك مرة ، قالا له اشهد باللّه ثانية ، فإذا شهد ثانية قال له أشهد ثالثة ، فاذا شهد ثالثة ، قال اشهد رابعة ، فإذا شهد اربع مرات ، انه لمن الصادقين ، قال له اتق اللّه تعالى ، واعلم ان لعنة اللّه شديدة ، وعقابه اليم ، فان كان حملك على ما قلت غيرة ، أو سبب من الأسباب ، فراجع التوبة ، فإن عقاب الدنيا أهون من عقاب الآخرة ، فان رجع عن قوله جلده حد المفتري ثمانين جلدة ، ورد عليه زوجته وان لم يرجع عن ذلك ، واقام على ما ادعاه ، قال له : قل ان لعنة اللّه على ان كنت من الكاذبين.

فاذا قال ذلك ، قال للمرأة. ما تقولين فيما رماك به هذا الرجل ، فان اعترفت به رجمها حتى تموت ، فان لم تعترف وأنكرته ، قال لها اشهدي باللّه انه لمن الكاذبين فيما قذفك به من الفجور ، فاذا شهدت مرة وقالت اشهد باللّه انه لمن الكاذبين فيما قذفني به ، طالبها بان تشهد ثانية ، فإذا شهدت بذلك طالبها بها ثالثة ، فاذا شهدت طالبها بها رابعة ، فإذا شهدت ذلك ، وعظها كما وعظ الرجل ، ثم قال لها : اتقى اللّه فان غضب اللّه شديد ، فان كنت قد افتريت ما قذفك به ، فتوبى الى اللّه ، فان عقاب

ص: 306


1- النور - 6
2- الوسائل الباب 1 من كتاب اللعان رواه عن رسالة المحكم والمتشابه نقلا من تفسير النعماني وفيه عويمر بن الحارث مع تفصيل في القضية وكيفية اللعان.

الدنيا أهون من عقاب الآخرة فان اعترفت بالفجور رجمها ، وان أقامت على تكذيب الرجل ، قال لها : قولي ان غضب اللّه على ان كان من الصادقين ، فاذا قالت ذلك فرق بينهما ، ولم تحل له ابدا (1) وقضت العدة منه منذ لعانها له ، فان نكل الرجل أو المرية عن اللعان قبل ان تكمل الشهادات ، كان على الذي نكل منهما الحد ، ان كان الرجل ، وان كانت المرأة عليها الرجم.

وإذا كان له زوجة حرة ، فقذفها بالفجور ، وادعى عليها المشاهدة لرجل يطأها في الفرج ، وكان له بينة تشهد بذلك وشهدت به البينة ، ثبت اللعان بينهما (2) لأن البينة إنما أسقطت الحد دون اللعان.

وإذا أنكر الرجل ولد زوجته ، وهي في حباله ، أو بعد فراقها بمدة الحمل (3) ان لم تكن نكحت زوجا غيره ، وأنكر (4) ولدها لأقل من ستة أشهر من فراقه لها فان كانت (5) قد نكحت زوجا غيره ولم يدعه الثاني

ص: 307


1- واعلم انه يظهر من كلمات عدة من الأصحاب في هذا الباب كبعض النصوص ان اللعان بالقذف كما انه يوجب سقوط الحد عن الزوجين والحرمة الأبدية يوجب أيضا انتفاء الولد من الزوج قهرا من غير حاجة الى نفيه بلعان آخر أو في ضمن الأول وان لم يعلم الزوج بانتفائه لأجل الفراش فهذا من أحكامه التعبدية لكن يظهر أيضا من كلماتهم بل صرح به في بعضها انه انما ينتفي الولد إذا علم الزوج بانتفائه ولا عن له ولم أجد المسئلة محررة في كلامهم.
2- اى يجوز اللعان بينهما بعد شهادة البينة والظاهر ان المراد الملاعنة بنفي الولد حيث انه لا ينتفي بهذه الشهادة لأجل الفراش فيقتصر في جوازها بما إذا كان بينهما ولد كما في المبسوط.
3- وهي ستة أشهر إلى تسعة أو عشرة أشهر من وطئه لها قبل الفراق.
4- الصواب « أو أنكر » كما في المقنعة والنهاية.
5- الصواب « وان كانت » كما فيهما فالجملة وصلية وقوله : « ولم يدعه الثاني » مشعر بجواز ادعائه له في هذا الفرض وليس كذلك لعدم مضى ستة أشهر من نكاحه وكأنه لذا أسقطه في النهاية لعدم مدخليته

لاعنها (1) بدعوى مشاهدته بفجورها ، فان كان قذفها بغير نفى الولد ، بغير (2) طلاقه لها وبعد انقضاء عدتها ، لم يكن بينه وبينها لعان ، وجلد حد المفتري.

وإذا أكذب الرجل نفسه بعد اللعان ، لم يكن عليه شي ء ، ولا ترجع زوجته اليه ، وقد روى ان عليه الحد ، (3) والظاهر انه ليس عليه ذلك ، وإذا اعترف بالولد قبل انقضاء اللعان ، الحق به وتوارثا وكان عليه الحد ، وان اعترف به بعد اللعان الحق به ، ولم يرث الابن ، والابن يرثه ، ويكون ميراث الابن لامه ، ولمن يتقرب اليه منها ، دون أبيه ومن يتقرب اليه به ، وان اعترفت المرأة بالفجور بعد تقضى اللعان ، لم يكن عليها شي ء الا ان تقر على نفسها بالفجور اربع مرات ، فإن أقرت كذلك بأنها زنت ، وهي محصنة ، كان عليها الرجم ، وان كانت غير محصنة ، كان عليها الحد ، مأة جلدة.

وإذا قال الرجل : للمرأة يا زانية ، أو قد زنيت ، ولم يقم لم بينة بذلك أربعة شهود ، كان عليه حد المفتري ، وان قذفها ولم يدع المشاهدة مثل الميل في المكحلة لم يكن بينهما لعان ، وكان عليه أيضا حد المفتري وإذا قال : وجدت معها رجلا في إزار ، ولم اعلم ما كان بينهما ، عزر ولم يفرق بينهما.

وإذا قذفها بما يجب فيه اللعان ، وكانت صماء أو خرساء فرق بينهما ، ولم يكن بينهما لعان ، لان اللعان انما يكون باللسان ، ولم تحل له ابدا ، وعليه حد المفتري

ص: 308


1- الصواب « لا عنها كما يلاعنها » كما في هامش نسخة ( ب ) تصحيحا وفي المقنعة فالمراد انه كما يجوز ملاعنتها بدعوى مشاهدة الفجور منها فيترتب عليها ما تقدم ، تجوز بإنكار ولدها منه من دون مشاهدة لفجورها لما يعلم من نفسه معها وهذا في مورد يلحق الولد به شرعا لو لا إنكاره كهذه الموارد وكيفيتها كالأول إلا في نسبتها الى الفجور.
2- الصواب « بعد طلاقه » والمراد بالطلاق هنا الرجعي كما يأتي.
3- الوسائل الباب 6 من كتاب اللعان الحديث 6.

ان قامت بينة القذف عليه ، وان لم يقم عليه بذلك بينة لم يكن عليه شي ء. (1)

وإذا قذفها قبل الدخول بها لم يكن لعان لان اللعان انما يثبت بعد الدخول (2) وكان عليه الحد.

ولا لعان بين الرجل ومملوكته ولا بينه وبين زوجته المتمتع بها وان كانت له امرأة يهودية ، أو نصرانية ثبت اللعان بينهما ، وقد ذكر (3) انه لا لعان بينهما ، والصحيح ثبوته بينهما.

وإذا انتفى من ولد أمرية وهي حامل ، صحت الملاعنة بينهما ، فان نكلت عن ذلك قبل استكمال الشهادات ، لم يقم عليها الحد حتى تضع حملها ، وإذا ولدت زوجة الرجل توأمين ، وأنكر واحدا منهما ، واعترف بالآخر ، لم يجز له ذلك لان الحمل واحد.

وإذا طلق زوجته قبل الدخول بها ، وادعت انها حامل منه ، وأنكر الولد ، فان قامت لها بينة بذلك بأنه خلا بها وارخى الستر ثبت اللعان بينهما ، وكان عليه المهر على كماله ، وان لم تقم بينة بذلك ، كان عليه نصف المهر. وكان عليها الحد (4) بعد ان يحلف باللّه تعالى انه لم يدخل بها.

ص: 309


1- اى من الحد لعدم ثبوته واما الحرمة الأبدية فهي ثابتة عليه واقعا بنفس القذف كما في النهاية ويدل عليه النص كما في الوسائل الباب 8 من كتاب اللعان.
2- صرح به في النصوص كما في الوسائل الباب 2 مما ذكر لكن حكى الخلاف فيه عن بعض الأصحاب وعن بعض آخر التفصيل بين القذف ونفى الولد فأثبته في الأول دون الثاني واللّه العالم.
3- نسبه في جواهر الكلام إلى المحكى عن جماعة منهم ابن الجنيد ومنشأ الخلاف اختلاف النصوص.
4- اى مأة سوط كما في النهاية وذكر في جواهر الكلام ان النص خال عن الحد ولا وجه له لأن إنكار الدخول والولد من الزوج وان كان موافقا للأصل وكان القول فيه قوله لكنه لا يثبت زناها الموجب لهذا الحد عليها.

وإذا قذف زوجته وادعى المشاهدة مثل الميل في المكحلة ، وهي في عصمته أو يكون قد طلقها طلاقا يملك فيه رجعتها ، ثبت اللعان بينهما ، وان قذفها بعد انقضاء عدتها ، أو في عدة لا رجعة له عليها فيها لم يكن بينهما لعان (1) ، وكان عليه حد الفرية.

وإذا قذف زوجته وترافعا الى الحاكم ، وماتت الزوجة قبل الملاعنة ، وقام من أهلها رجل مقامها ولا عنها (2) لم يكن له منها ميراث ، وان لم يقم من أوليائها أحد مقامها في الملاعنة ، كان للزوج ميراثه منها ، وعليه الحد ثمانون جلدة ، وإذا قذف زوجته بعد اللعان ، كان ، عليه حد القاذف ثمانون جلدة.

فإن قال لها لم أجدك عذراء كان عليه التعزير ، ولم يجب حدا كاملا.

وإذا قذفت (3) الأمة ووجب بقذفها التعزير. ثم ماتت كان لسيدها المطالبة به ، لأنها كانت ملكه ، وهو اولى الناس بها.

وإذا ادعت الزوجة عليه انه قال يا زانية ، فأنكر ذلك ، وقال ليست بزانية ، ثم قامت البينة - عليه بأنه قال لها ذلك ، وانه يكذب نفسه يلزمه الحد لقيام البينة ، وليس له ان يلاعن ، لأنه قد تقدم الإقرار منه بأنها ليست بزانية ، فليس له ان يحقق كونها زانية بلعانها مع تقدم إنكاره (4).

وإذا قال الصبي لزوجته : يا زانية ، لم يكن ذلك قذفا ، ولا يلزمه به الحد بغير خلاف ، لان القلم مرفوع عن الصبي حتى يبلغ فاذا بلغ وأراد ان يلاعن ، لم

ص: 310


1- وان كان القذف بالإضافة الى حال الزوجية كما يأتي.
2- الصواب « لاعنه » كما في النص أو « لاعن عنها »
3- بصيغة المجهول.
4- بخلاف ما إذا أنكر ولم يقل ليست بزانية فإنه يجوز له اللعان بالقذف المجدد لأنه ليس تكذيبا لقوله الأول وهل عليه الحد حينئذ بالأول كما في المبسوط أولا فيه وجهان.

يجز له ذلك ، لان اللعان انما يكون لتحقيق (1) القذف وقد ذكرنا انه لا قذف له.

والمطلقة طلاقا رجعيا إذا قذفها زوجها في حال عدتها ، كان عليه الحد ، وله إسقاطه باللعان ، لأنها في حكم الزوجات فلو أبانها أو خلع أو فسخ ثم قذفها بزنا اضافه الى حال الزوجية ، كان الحد لازما. فان كان هناك نسب ، كان له إسقاطه باللعان وان لم يكن هناك نسب ، لم يكن له ان يلاعن ، وإذا كان له ان يلاعن وينفى النسب وكان الولد قد انفصل ، كان له ان يلاعن لنفسه (2) وان لم يكن انفصل وكان حملا وأراد تأخير اللعان الى ان ينفصل ، كان له ذلك ، وان أراد اللعان في الحال ، كان له ذلك أيضا.

وإذا قذف زوجته بإصابة رجل لها في دبرها ، كان عليه الحد ، وله إسقاطه باللعان ، فان قذف أجنبيا أو أجنبية بذلك ، كان عليه حد القذف.

وإذا قال لزوجته : يا زانية بنت الزانية ، كان قاذفا لها ولأمها بالزنا ، وعليه الحد ، لكل واحدة منها حد كامل ، وله إسقاط حد الأم بالبينة حسب ، لأنها أجنبية ، وله إسقاط حد البنت بالبينة وباللعان ، لأنها زوجة ، وإذا أعفى واحدة منهما عن حقه لم يسقط حق الأخر ، ومن طالب منهما بذلك قبل صاحبه ، كان له ذلك ، فان اتفقا في حال المطالبة ، كان ذلك من باب التخيير ، وقد بينا فيما سلف كيفية اللعان.

فاما مكانه : فينبغي ان يلاعن بينهما في أشرف المواضع ، فان كان بمكة فبين الركن والمقام ، وان كان بمدينة ففي مسجد النبي صلى اللّه عليه وآله عند المنبر : وان كانت ببيت المقدس ففي المسجد عند الصخرة ، وان كان في غير ذلك من البلاد ففي المسجد الجامع.

واما وقت ذلك : فبعد العصر ، واما الجمع : فيعتبر لقوله تعالى :

ص: 311


1- لعل الصواب « لتحقق » كما في نسخة ( ب ) قلت المرفوع في حق الصبي حكم القذف وهو الحد دون مفهومه ومقتضى إطلاق النصوص عدم اختصاص اللعان عند القذف بثبوت الحد فيجوز مع ارتفاعه أيضا.
2- الصواب « لنفيه » كما في المبسوط.

( وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) . (1)

ومن شرط صحة اللعان الترتيب ، فيبدأ بلعان الزوج ، وبعده لعان المرية ، فإن خالف الحاكم ذلك وبدأ بلعان المرأة ، لم يعتد به ، وان حكم لم ينفذ حكم به

وإذا كانت المرأة حائضا وأرادت اللعان ، لم تدخل المسجد لذلك بل يلاعن على بابه ، ويخرج الحاكم إليها يستوفي (2) اللعان عليها.

وإذا قذف الرجل زوجته ومات أحدهما فإن كان الميت هي الزوجة ، وكان موتها قبل اللعان ، فقد ماتت على حكم الزوجية ، يرثها الزوج (3) وليس له ان يلاعن لنفي الزوجية ، لأنها قد زالت بالموت ، وان كان موتها بعد اللعان ، فقد ماتت بعد ثبوت أحكام اللعان ، ولا يؤثر موتها شيئا أكثر من سقوط الحد عنها بلعان الزوج لا بموتها ، فان مات الزوج قبل اللعان ، فقد مات على حكم الزوجية ، وورثته المرأة لبقاء الزوجية.

وإذا قال لزوجته : أنت أزنى الناس ، لم يكن قاذفا بظاهره ، لأنه يتحقق انها لا تكون ازنى الناس كلهم ، لان الناس لا يكون كلهم زناة فإن قال أردت أنها أزنى من الناس كلهم ، قيل له قد فسرت كلامك بمحال ، ويسقط حكمه. وان قال : أردت أنها أزنى الناس من زناة الناس كان قاذفا لها ولجماعة غير معينين (4) وإذا لم يعين المقذوف ، لم يكن عليه شي ء.

وإذا قال لزوجته زنيت وأنت صغيرة ، فان فسر ذلك بما لا يحتمل القذف ،

ص: 312


1- النور - 2 - وفي دلالة الآية على الاجتماع للعان نظر واضح.
2- في المبسوط « من يستوفي »
3- لكن تقدم ان عليه الحد للقذف وانه ان قام أحد من أهلها مقامها فلا عنه سقط الحد ولا ميراث وقد ورد ذلك في الوسائل الباب 15 من اللعان.
4- زاد هنا في هامش نسخة ( ب ) بعلامة التصحيح « وكان عليه الحد لزوجته وله إسقاط باللعان ولم يكن عليه شي ء لقذفه الباقي من الناس لأنه قذف جماعة غير معينين » ونحوه في المبسوط.

مثل ان يقول زنيت ولك سنتان أو ثلاث سنين ، علم كذبه لان ذلك لا يتأتى فيها ، ولا يجب عليه حد ، ولا تعزير قذف ، بل تعزير سب وشتم ، ولا يكون له إسقاط ذلك باللعان ، وان فسر ذلك بما يحتمل القذف مثل ان يقول زنيت ولك تسع سنين أو عشر سنين ، فهذه يتأتى فيها الزنا ، وقد قذفها به الا انه لا حد عليه ، لأن الصغيرة ناقصة ، لا يجب الحد برميها ، لكن تعزير قذف ، وله إسقاطه باللعان.

وإذا قذف زوجته وهي أمة عمرو ، فله إسقاطه باللعان.

وإذا قال رجل لزوجته : يا زانية ، فقالت بل أنت زان ، كان كل واحد منهما قاذفا للآخر ، ولا حد على واحد منهما وعليهما التعزير.

وإذا قال لزوجته ولأجنبية : زنيتما أو أنتما زانيتان ، كان قاذفا لهما ، ووجب عليه الحد ، ويخرج عن حد الأجنبية بالبينة حسب ، وعن حد الزوجة بالبينة ، أو باللعان.

وإذا قذف اربع زوجات ، كان عليه الحد ، وله إسقاطه باللعان ، وينبغي ان يلاعن كل واحدة لعانا منفردا ، لأنه يمين واليمين لا يتداخل في حق الجماعة بغير خلاف ، فان تراضين باللعان بمن يبدء بلعانها بدء بها ، وان تشاححن في ذلك ، أقرع بينهن ، وبدء بمن خرجت لها القرعة.

وإذا قذف زوجته ، وادعى عليها أنها أقرت بالزنا ، وأنكرت واقام شاهدين فشهدا عليها أنها أقرت بالزنا ، لم يثبت ذلك عليها الا ان يشهد عليها بذلك أربعة شهود عدول (1).

وإذا قذف امرأة ، ثم اختلفا ، فقال : قذفتها وهي صغيرة ، فعلى الرجل التعزير ،

ص: 313


1- الظاهر ان المراد ان تشهد الأربعة بإقرارها أربع مرات والا فلا يثبت عليها أيضا نعم يسقط الحد عن الزوج بناءا على ما قيل من سقوطه عنه بإقرارها مرة وكان اعتبار الأربعة هنا لفحوى اعتبارها في نفس الزنا وفي الإقرار به وفيه اشكال كما في الشرائع ثم انه ذكر في المبسوط ان هذه الشهادة لا يوجب الحد عليها لأن إنكارها بمنزلة الرجوع عن الإقرار الثابت واللّه العالم.

وقالت بل قذفني وانا كبيرة ، فعليه الحد ، ولم يكن لأحدهما بينة ، كان القول قوله مع يمينه ، لأن الأصل الصغر ، فاذا حلف عزر ، ولم يجب عليه حد.

والمرتد عن دين الإسلام على ضربين : أحدهما : ان يكون مولودا على فطرة الإسلام ، والأخر يكون قد أسلم بعد كفر ثم ارتد بعد هذا الإسلام ، فإن كان مسلما مولودا على فطرة الإسلام ، ثم ارتد فقد بانت منه زوجته في الحال ، وقسم ماله بين ورثته وقتل من غير ان يستتاب ، وكان على زوجته ان تعتد عدة المتوفى عنها زوجها.

وان كان ممن أسلم بعد كفر ، ثم ارتد استنيب ، فان عاد إلى الإسلام كان العقد بينه وبين زوجته ثابتا ، وان لم يعد إلى الإسلام قتل ، فان لحق بدار الحرب ، ثم عاد إلى الإسلام قبل خروج زوجته من عدتها (1) لم يكن له عليها سبيل ، فاذا مات المرتد قبل انقضاء العدة ، ورثته الزوجة ، واعتدت منه عدة المتوفى عنها زوجها ، وان ماتت الزوجة وهو مرتد لم يرث منها شيئا على حال.

« باب العدد والاستبراء »

قال اللّه تعالى ( وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً ) الآية (2).

وقال تعالى ( وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ) (3).

وقال ( ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها ) (4)

وقال ( وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) (5).

وقال ( وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللّهَ رَبَّكُمْ ) الاية (6).

ص: 314


1- في هامش نسخة ( ب ) هنا « وهي ثلاثة أشهر كان أملك بها وان رجع بعد خروجها من عدتها » قلت وقد تقدم نحوه في النكاح.
2- البقرة - 234.
3- البقرة - 228.
4- الأحزاب - 49.
5- الطلاق 4 - 1.
6- الطلاق 4 - 1.

والعدة ضربان : أحدهما : عدة طلاق ، والأخر : عدة وفاة.

فعدة الطلاق ضربان : عدة طلاق الحرة ، وعدة طلاق الأمة ، فعدة طلاق الحرة ضربان : طلاق التي ترى المحيض ، وطلاق اليائسة من المحيض وفي سنها من تحيض.

فاما عدة التي ترى الحيض فثلاثة أقراء ، وهي الأطهار سواء كان الذي طلقها حرا أو عبدا واما عدة اليائسة من المحيض وفي سنها من تحيض فثلاثة أشهر ، سواء كان الذي طلقها حرا أو عبدا أيضا.

واما عدة طلاق الأمة فضربان : عدة التي ترى المحيض ، وعدة اليائسة من المحيض وفي سنها من تحيض ، فاما عدة التي ترى المحيض فهي قرءان ، سواء كان الذي طلقها حرا أو عبدا ، واما عدة اليائسة من المحيض وفي سنها من تحيض فخمسة وأربعون يوما.

وعدة المتمتع بها إذا انقضى أجلها وكان الرجل حيا ، مثل عدة الأمة المطلقة سواء.

واما عدة الوفاة فضربان : عدة الحرة المتوفى عنها زوجها ، وعدة الأمة المتوفى عنها زوجها وليست أم ولد.

فاما عدة الحرة المتوفى عنها زوجها : فأربعة أشهر وعشرة أيام سواء كانت زوجة دوام أو متمتعا بها ، وسواء كان الزوج حرا أو عبدا واما عدة الأمة من وفاة زوجها وليست أم ولد ، فهي شهران وخمسة أيام سواء كان زوجها حرا أو عبدا ، وسواء كانت زوجة دوام أو متعة.

وإذا طلق الرجل زوجته ولم يكن دخل بها ، فلا عدة عليها ، وان كان دخل بها ولم تبلغ المحيض ولا في سنها من تحيض فلا عدة عليها ولها (1) ان تعقد النكاح

ص: 315


1- لعل الصواب « وليس لها » أو المراد به عدم المنع عن ذلك من جهة الدخول وان كان يجب فيه اذن الولي والمولى من جهة الصغر والمملوكية.

على نفسها في الحال سواء كانت حرة أو امة.

وإذا طلق الرجل زوجته وهي آيسة من المحيض وليس في سنها من تحيض وقد تقدم (1) ذكر حد ذلك فلا عدة أيضا عليها ، ولها ان تعقد النكاح على نفسها في الحال سواء كانت أيضا حرة أو امة.

وعدة الحامل المطلقة. ان تضع حملها ولو كان بعد الطلاق بغير فصل وتحل للأزواج ، سواء كان ما وضعته تاما أو غير تام ، سقطا أو غير سقط ، فان كانت حاملا باثنين فوضعت أحدهما ، فقد ملكت نفسها الا انه لا يجوز لها العقد على نفسها لرجل حتى تضع ما في بطنها ، وقد تقدم (2) ذكر ذلك ، وإذا وضعت جميع ما في بطنها ، جاز لها العقد على نفسها ، فان ارتابت بالحمل بعد الطلاق أو ادعت ذلك ، صبر عليها تسعة أشهر ثم تعتد بعد ذلك بثلاثة أشهر ، فإذا فعلت ذلك ، بانت من الزوج.

وإذا كانت لرجل زوجة مملوكة وهي أم ولد منه(3) ومات عنها ، كان عليها ان تعتد منه مثل عدة الحرة أربعة أشهر وعشرا ، وان لم تكن أم ولد ، كانت عدتها شهرين وخمسة أيام كما قدمناه ، فان طلقها طلاقا رجعيا وكانت أم ولد لسيدها ثم مات عنها كانت عدتها أربعة أشهر وعشرا كما تقدم ذكره ، وان لم تكن أم ولد ، كانت عدتها شهرين وخمسة أيام. وان لم يكن الطلاق رجعيا ، كانت عدتها عدة الطلاق (4)

ص: 316


1- في باب طلاق اليائسة.
2- في باب طلاق الحامل المستبين حملها.
3- مقتضاه اعتبار كون الولد من الزوج ويدل عليه ما رواه في الفقيه كما في الوسائل الباب 20 من موانع الإرث لكن المسألة محررة في كتب الأصحاب والمذكور فيها كما في النهاية والشرائع والمختلف وغيرها كون الولد من المولى لتشبه امه بالحرية ولعله المراد بالمتن أو يكون لفظة « منه » من سهو القلم للتصريح بالسيد في الفرع الذي بعده مع الإشارة فيه الى ما ذكر هنا واما الخبر المذكور فغير معمول به
4- وهي قرءان أو خمسة وأربعون يوما ومبدء هذه العدة من وقوع الطلاق واما إذا كان رجعيا فهو من الوفاة لأنها بحكم الزوجة.

وإذا كان للحر زوجة مملوكة وطلقها طلقة رجعية، ثم أعتقت ، كان عليها مثل عدة الحرة ، وان كانت الطلقة بائنة ، كانت عدتها عدة الأمة. فإن طلقها ومات عنها ثم أعتقت ، كانت عدتها مثل عدة الحرة (1) وكذلك ان كانت مملوكة له وهو يطأها بملك اليمين وأعتقها بعد موته. فإن أعتقها في حال حياته اعتدت بثلاثة أقراء ، أو بثلاثة أشهر على ما تقدم ذكره.

وإذا طلق زوجة له حرة طلاقا يملك فيه الرجعة، ومات عنها ، كانت (2) عدتها أبعد الأجلين أيضا ، فإن وضعت حملها قبل انقضاء أربعة أشهر ، وعشرة أيام كان عليها ان تكمل ذلك ، وان قضت أربعة أشهر وعشرة أيام ولم تضع حملها ، كانت عدتها ان تضع حملها.

وان كان غائبا عن زوجته وطلقها ، اعتدت بثلاثة أشهر من يوم يبلغها الخبر بذلك ، فان ثبت لها بينة مقبولة بتعيين اليوم الذي كان طلقها فيه ، كان لها ان تبنى عدتها عليه ، فان كانت المدة قد انقضت قبل وصول الخبر إليها بالطلاق ، جاز لها العقد على نفسها ، وان لم تقم لها بينة بذلك ، وجب عليها ان تعتد من يوم وصول الخبر إليها بالطلاق على كل حال.

ص: 317


1- اى ان كان الطلاق رجعيا لما مر آنفا من ان الموت والإعتاق لا يبدلان عدة البائن ويحتمل كون لفظة « طلقها » زيادة والصواب « فان مات عنها ثم أعتقت » فهي مسئلة اخرى كما في النهاية وغيرها ويدل عليها ظاهر النص في الوسائل الباب 50 من العدد.
2- الصواب « كانت عدتها أبعد الأجلين وان كان طلاقا لا يملك رجتها كانت عدتها عدة المطلقة وان مات الرجل عن زوجته وهي حامل كانت عدتها أبعد الأجلين أيضا » كذا في هامش نسخة ( ب ) بعلامة ( ظ ) ونحوه في النهاية والمراد بأبعد الأجلين في الأول إما أربعة أشهر وعشرا كما في النهاية حيث انها أبعد من عدة الطلاق واما ان عدة الطلاق قد تكون أبعد كما تقدم ويأتي في المسترابة ونحوها فاللازم عليها حينئذ ان تأخذ بالأبعد.

وإذا طلق زوجته وهي مستحاضة، وكانت عارفة بأيام حيضها ، كان عليها ان تعتد بالأقراء ، فان لم تكن عارفة بذلك ، اعتبرت صفات الدم على ما قدمناه في باب الحيض ، واعتدت أيضا بالأقراء ، فان لم يتميز لها ذلك والتبس عليها دم الحيض بدم الاستحاضة ، اعتبرت عادة نسائها في الحيض ، واعتدت على عادتهن بالأقراء. وان كانت نسائها مختلفات العادة ، أو لم تكن لها نساء ، كان عليها ان تعتد بالشهور.

وإذا طلق زوجته طلاقا رجعيا، لم يجز له ان يخرجها من بيته ، ولا تخرج هي أيضا ، الا بان تأتي بفاحشة مبينة ، والفاحشة ان تفعل ما يجب عليها به الحد ، فاذا فعلت ذلك أخرجت وأقيم عليها الحد ، وقد روى (1) ان أقل ما يجوز إخراجها معه ان تؤذي أهل زوجها ، فان فعلت ذلك جاز إخراجها.

وإذا ادعت المرأة الضرورة إلى الخروج، أو أرادت قضاء حق ، فلتخرج بعد ان يمضي نصف الليل وتعود الى بيتها قبل الفجر وإذا أرادت الحج وكان ما تريده من ذلك حجة الإسلام ، جاز لها الخروج فيها من غير اذن زوجها ، فان كانت حجة التطوع ، لم يجر لها ان تخرج الا بعد ان تنقضي عدتها ، أو يأذن لها الزوج في ذلك.

وإذا كان الطلاق لا يملك فيه الزوج الرجعة، فإنه يجوز له إخراج المرية في الحال ، ولا تكون لها عليه نفقة الا ان تكون حاملا وله عليها رجعة (2) فإن النفقة تجب لها عليه ، فان انقطعت العصمة بينهما لم تكن لها نفقة.

ص: 318


1- الوسائل الباب 23 من أبواب العدد من كتاب الطلاق.
2- لا وجه لهذا التقييد إذا الكلام في البائنة مع انه لو كان له رجعة تجب عليه النفقة سواء كانت حاملا أم لا وعبارة النهاية هكذا « الا ان تكون حاملا فتلزمه النفقة عليها حتى تضع ما في بطنها وإذا لم تكن حاملا لزمته النفقة عليها ما دام له عليها رجعة فإذا انقطعت العصمة سقطت عنه النفقة » والظاهر ان المتن كان كذلك فوقع فيه السقط كما ان الوارد في النصوص أيضا كذلك فراجع الوسائل الباب 7 و 8 من النفقات.

وإذا مات الرجل عن زوجته، اعتدت كما قدمناه ولم تكن لها نفقة من تركة زوجها ، فان كانت حاملا أنفق عليها من نصيب ولدها التي هي حامل به ويجوز للمتوفى عنها زوجها. المبيت في غير الدار التي توفي فيها زوجها. وعليها الحداد ان كانت حرة فإن كانت مملوكة لم يكن عليها حداد. والحداد : هو ترك الزينة والطيب وأكل ما فيه الرائحة الطيبة. (1)

وإذا مات الرجل وهو غائب، اعتدت زوجته من يوم يبلغها الخبر ، لان عليها الحداد ولم يجر في العدة من اليوم الذي مات فيه مجرى المطلقة في أنها تعتد من يوم طلقها ، لأجل ما ذكرناه من الحداد ، وليس على المطلقة ذلك فجاز لها ما لا يجوز للمتوفى عنها زوجها.

ومن ذلك من قد تزوج بيهودية أو نصرانية ثم مات عنها ، كانت عدتها مثل عدة الحرة المسلمة : أربعة أشهر وعشرة أيام.

وقد ذكرنا ان المطلقة إذا كانت من ذوات الحيض كانت عدتها ثلاثة أقراء وهي الأطهار ، فإذا كان كذلك وطلقها في طهر ، فإنها تعتد ببقية ذلك الطهر وان بلحظة ، فإذا دخلت في الحيض حصل لها قرء ، فاذا طهرت دخلت في القرء الثاني فإذا حاضت حصل قرءان ، فاذا طهرت دخلت في القرء الثالث ، فاذا حصل لها ثلاثة أقراء ، انقضت عدتها ، وإذا طلقها في آخر طهر ، وبقي بعد التلفظ بالطلاق جزء ، وقع منه الطلاق ، وهو مباح ، وتعتد بالجزء الذي بقي طهرا ، إذا كان طهرا ، لا يجامعها فيها فيه.

ص: 319


1- المعروف ان الحداد ترك الزينة والتطيب كما في النصوص واما ترك أكل ما فيه الرائحة الطيبة فلم أجده في نص ولا في كلام المتأخرين وذكره الشيخ أيضا في النهاية وزاد عليه شمه ولعله لإطلاق المنع من الطيب في بعض النصوص هنا نظير المنع عنه كذلك في نصوص الإحرام فتأمل ويأتي في هذا الباب تفصيل الحداد وذكر اقسامه.

وإذا اختلفا : فقالت المرأة طلقتني ، وقد بقي من الطهر جزء فاعتد بذلك قرءا ، وقال الرجل لم يبق شي ء تعتدين به كان القول قول المرأة ، لأن قولها مقبول في الحيض والطهر.

وإذا كانت المرأة معتدة بالشهور، فلا يحتاج ان يرجع الى قولها ، لان قدر الشهر معلوم ، وهو ثلاثة أشهر ان كانت مطلقة ، وأربعة أشهر وعشرا ، ان كان زوجها قد توفي عنها الا ان يختلفا في وقت الطلاق ، فيكون القول قول الزوج ، كما لو اختلفا في أصل الطلاق ، لأن الأصل ان لا طلاق.

وإذا كانت المرأة معتدة بوضع الحمل فادعت ان عدتها قد انقضت بإسقاط كان القول قولها وتبين بوضع أي شي ء وضعته.

وإذا كانت المرأة ممن تحيض وتطهر وتعتد بالأقراء، وانقطع ( إذا انقطع - خ ل ) عنها الدم لعارض من مرض أو رضاع ، لم تعتد بالشهور ، بل تتربص حتى تأتي بثلاثة أقراء ، وان طالت مدتها (1) وان انقطع لغير عارض ومضى لها ثلاثة أشهر بيض لم ترفيها دما ، فقد انقضت عدتها ، وان رأت الدم قبل ذلك ، ثم ارتفع حيضها لغير عذر (2) أضافت إليها شهرين ، وان كان لعذر صبرت تمام تسعة أشهر ثم اعتدت بعدها بثلاثة أشهر ، فإن ارتفع الدم الثالث لعذر صبرت تمام سنة ، ثم اعتدت ثلاثة أشهر بعد ذلك (3).

ص: 320


1- اى وان كان بين الحيضتين ثلاثة أشهر وأكثر وذكر في جواهر الكلام بعد ان حكى ذلك عن المصنف ، ان الموافق للنص والفتوى كفاية مضى ثلاثة أشهر بيض مطلقا لا سيما في المرضعة حيث ورد فيها النص الخاص.
2- الظاهر ان المراد ما إذا بلغت بعد الحيضة سن اليأس وهو خمسون سنة أو ستون كما تقدم في باب طلاق اليائسة وذلك للنص الخاص كما في الوسائل الباب 6 من العدد.
3- ذكره الشيخ أيضا في النهاية والمبسوط للنص المعتبر كما في الوسائل الباب 13 من العدد لشموله لهذا الفرض فيكون أطول العدة خمسة عشر شهرا وذكر في ذيله انه ان مات أحدهما في هذه المدة يرثه الأخر ومقتضاه ان تكون بتمامها عدة رجعية فلو مات الزوج فيها ولو قبل آخرها بيوم تلزمها عدة الوفاة من الموت فتمتد الى أكثر من تسعة عشر شهرا وقد أورد في جواهر الكلام على هذا الخبر بما لم أجد له محصلا فراجع وتأمل.

وإذا تزوج صبي صغير امرأة ، فمات عنها ، كان عليها عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرا ، سواء كانت حاملا (1) أو غير حامل ، وسواء ظهر بها حمل بعد وفاة الزوج أو كان موجودا مع حال وفاته ، فان لم تعتد عنه ، وكان الحمل لا حقا بإنسان وطأ شبهة ، أو رجل تزوجها تزويجا فاسدا ، كان النسب يلحقه. وتكون معتدة عن ذلك الوطأ بوضع الحمل ، وتنقطع العدة بالشهور (2) ، لأنه لا يصح ان يكون معتدة عن رجلين في حالة واحدة ، فإذا انقضت العدة بوضع الحمل اعتدت حينئذ بالشهور فان كان الحمل من زنا لم يقطع الاعتداد بالشهور في حال الحمل ، والزناء لا يقطع حكم العدة ، لأنه لا عدة له.

وإذا كان الباقي من ذكر المجبوب قدر الحشفة من ذكر السليم في تمكنه إيلاجه ، كان حكمه حكم السليم ، يلحقه النسب وتعذر زوجته بالأقراء ، وبوضع الحمل فان كان جميع ذكره مقطوعا يلحقه النسب ، لان الخصيتين إذا كانتا باقيتين فالانزال ممكن ، ويمكنه ان يساحق وينزل ، فان حملت عنه اعتدت بالوضع ، وان لم تكن حاملا اعتدت بالشهور ، ولا يمكن ان تعتد بالأقراء ، لان عدة الأقراء انما تكون عن طلاق بعد دخول (3) والدخول متعذر من جهته.

فاما الخصي الذي قطعت خصيتاه وبقي ذكره ، فان حكمه حكم الفحل ، يلحقه

ص: 321


1- اى من إنسان آخر شبهة أو زنا كما يأتي تفصيله.
2- أي أربعة أشهر وعشرا.
3- ظاهر النصوص ان أصل الاعتداد انما يكون بعد الدخول من غير فرق بين ما هو بالأقراء أو الشهور وعلى فرض وجوبه بالسحق أيضا لقوله تعالى « ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ » فمقتضى إطلاق الدليل تحققه أيضا بكليهما في محلهما.

النسب وتعتد منه المرأة بالأقراء والحمل ، لأنه لا يصح منه استيلاد بمجرى العادة. (1)

وإذا كانت المرأة آيسة من المحيض ومثلها لا تحيض ، لم يكن عليها عدة مثل الصغيرة التي لا تحيض مثلها ، لم تكن عليها عدة.

وإذا تزوج عبد امة وطلقها بعد الدخول طلقة ، ثبت له عليها الرجعة ، لأنه قد بقي لها طلقة. فإن أعتقت في أثناء العدة ، ثبت لها خيار الفسخ كما سلف لأنها في معنى الزوجات ، فان اختارت الفسخ انقطع حق الزوج من الرجعة ، وكان لها ان تبنى على عدتها عدة الحرة لا عدة امة ، ولا يجب عليها استئناف هذه العدة.

وإذا طلق الرجل زوجته طلقة رجعية ، وجرت في عدتها ، ثم راجعها ، انقطعت عدتها بالرجعة ، لأنها تصير فراشا ، فان طلقها بعد ذلك بعد الدخول بها ، كان عليها استئناف العدة ، وان لم يكن دخل بها استأنفتها أيضا ، فإن خالعها ، ثم تزوجها ، ثم طلقها ، استأنفت أيضا العدة (2) ولم يجز لها ان تبنى على ما تقدم.

ص: 322


1- هذا التعليل لا يناسب ما قبله فإنه إذا لم يصح منه استيلاد لم يجز ان تعتد منه بالحمل فالظاهر ان فيه سقطا ولعله كما في المبسوط « وان كان قطع ذكره وأنثياه لا يلحقه نسب ولا تعتد منه بالأقراء والحمل » ثم انه تقدم في عيوب النكاح ان الذي قطعت خصيتاه وبقي ذكره قادر على الوطأ دون الأنزل فإلحاق الولد به لما ذكره جماعة من الأصحاب في باب اللعان وغيره من احتمال تكونه منه بمحض الإدخال فيشمله « الولد للفراش » وهذا مشكل جدا لان مقتضى العادة والفطرة كما في الآيات والاخبار ، ان الولد من نطفة الرجل فلا محل للاحتمال المذكور والا لجرى في السحق بدون الانزال ونحوه أيضا لجواز تكونه منه بذلك بإذن اللّه تعالى وقاعدة الفراش ناظرة الى غير ذلك.
2- في هامش نسخة ( ب ) هنا تعليقة لعلها من صاحب النسخة وهي : ظاهره عدم الفرق بين ان يكون طلاقه إياها بعد الدخول بها أو قبله وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشيخ لا عدة عليها ان كان قبل الدخول وتحل للأزواج في الحال وبه قال داود لان عدة المخالعة قد انقضت بالتزوج والطلاق الثاني لا يوجب العدة لأنه قبل المسيس وقال الشافعي لا عدة عليها للطلاق لكنها تكمل عدة الطلقة الخلعية وهو أقرب الوجوه انتهى ما في الهامش ويأتي بعد ذلك انه إذا تزوجها في عدتها انقطعت العدة أي بالنسبة إلى خلعها فلا ينافي حكمه هنا بالاستئناف للطلاق الذي بعده كما مر في الطلقة الرجعية

وإذا كان لرجل زوجتان ، أو أكثر منهما، وطلق منهما واحدة غير معينة ، ثم مات قبل التعيين للمطلقة ، فإن كانتا غير مدخول بهما ، وجب على كل واحدة منهما ان تعتد أربعة أشهر وعشرا احتياطا ، وان كانتا مدخولا بهما ، وكانتا حاملين اعتدت كل واحدة منهما أبعد الأجلين ، وان كانتا غير حاملين ، وكان الطلاق رجعيا كان على كل واحدة منهما عدة أربعة أشهر وعشرا ، وان كان الطلاق بائنا ، وهو معين ، ولم يكن مضى بعد مدة ، وطلق ومات عقيب الطلاق ، كان على كل واحدة منهما ان تعتد ما يقارب من ثلاثة أقراء ، أو أربعة أشهر وعشرا ، للاحتياط ، وان كان قد مضى بعض العدة ، بأن يكون قد حاضت كل واحدة منهما حيضة ، ثم توفي عنها زوجها ، كان على كل واحدة منهما أن تأتي بأطول الأمرين غير معين (1) ، فان طلق واحدة غير معينة ، فيقال. افرض الطلاق في أيهما شئت ، فإذا فرض في إحداهما طلقت ، والأخرى على الزوجية ، وعليها ابتداء العدة في وقت الطلاق ، كما لو كان الطلاق معينا ، فان اختلفت حال الزوجتين ، وكانت الواحدة منهما مدخولا بها ، والأخرى ليست كذلك ، أو الواحدة منهما حاملا ، والأخرى ليست كذلك ، اعنى غير حامل ، أو إحداهما رجعية ، والأخرى بائنة ، كان على كل واحدة منهما ان تأتي بالعدة ، كما يجب عليها ان يأتي بها لو كانت على صفة صاحبتها.

وإذا طلق الرجل زوجته ، واستحقت السكنى في منزله ، وباع الزوج هذا المنزل ، فان كانت تعتد بالأقراء أو بالحمل لا يصح البيع ، لأن مدة استحقاق البائع مجهولة ، واستثناء مدة مجهولة في البيع غير جائز ، وان كانت تعتد بالشهور ، كان

ص: 323


1- في المسئلة هنا اضطراب وكذا في المبسوط وهي كالمسألة التالية مبنية على صحة طلاق إحداهما مبهما من غير تعيين لها في القصد كبيع أحد العبدين كذلك وهذا مما افتى به الشيخ والمصنف لكنه خلاف المشهور بل التحقيق كما في جواهر الكلام فراجعه في شروط المطلقة وفي فروع عدة الوفاة.

البيع صحيحا ، فان استحقت المرأة السكنى في منزله وحجر عليه ، كانت هي أحق بالسكنى من الغرماء ، لان السكنى يختص بعين الدار ، وحقوقهم غير مختصة بها ، فان كان قد حجر عليه ، ثم طلقت المرأة ، واستحقت السكنى ، كانت هي أسوة الغرماء ، لان حقهم متقدم على حقها فلم يجز تقديمها عليهم لكن يسوى بينها وبينهم

وإذا طلقت المرأة وهي في منزل لا يملكه زوجها، اما بان يكون مستعارا أو مستأجرا ويتضيق انقضاء مدة الإجارة عند حال الطلاق ، فإن رضي صاحب المنزل بإقرارها فيه كان على الزوج إسكانها فيه ، وان لم يرض بذلك أو طلب أكثر من اجرة مثله ، لم يلزم الزوج ان يسكنها فيه وسقط حق الزوجة من سكنى الدار بعينها ، وثبت حقها من السكنى في ذمة زوجها. فان كان موسرا كان عليه ان يستأجر لها موضعا بقدر سكنى مثلها في أقرب المواضع من الموضع الذي كانت فيه ان تمكن من ذلك وان كان معسرا وعليه ديون ، كانت الزوجة تستحق السكنى في ذمته والغرماء أيضا يستحقون ديونهم في ذمته ، فان كان طلقها بعد الحجر ، ضربت مع الغرماء بقدر حقها من السكنى ، وان كان الطلاق قبل الحجر ثم حجر عليه ، فان المرأة تضرب مع الغرماء في حقها ، لان حقها وحقهم متساو في الثبوت في الذمة.

وإذا أمر الرجل زوجته بالانتقال من المنزل الذي هي ساكنة فيه الى منزل آخر فانتقلت ببدنها ولم تنقل مالها وعيالها ثم طلقها ، كان عليها العدة في المنزل الثاني دون الأول ، والاعتبار بالمنزل الذي تكون مقيمة فيه لا بالمال والعيال (1).

وإذا أمرها بالانتقال من منزلها الى منزل آخر ، فخرجت من المنزل الأول الى الثاني وعادت الى الأول لنقل مالها أو بعض حوائجها ثم طلقها ، فإنها تعتد في المنزل الثاني الذي انتقلت إليه ، لأنه قد صار منزلا لها ورجوعها إلى الأول انما كان لحاجة فاذا أمرها بالانتقال من منزلها الذي تسكنه الى منزل آخر فخرجت من الأول ولم

ص: 324


1- يعنى انها لو نقلت مالها وعيالها الى المنزل الثاني ولم تنتقل ببدنها فإنها تعتد في الأول.

تصل الى الثاني حتى طلقها وهي بين المنزلين ، كان عليها ان تعتد في الثاني لأنها مأمورة بالانتقال اليه.

وإذا أمرها بالخروج من بلدها الى بلد آخر ثم طلقها ، فان كان طلاقه لها حصل قبل خروجها من منزلها ، اعتدت في منزلها ، لان الطلاق صادفها وهي مقيمة فيه. وان كان طلقها بعد فراقها لمنزلها ولم تفارق بنيان البلد ، كان عليها الرجوع الى منزلها الأول وتعتد فيه ، لأنها لم تفارق البلد.

وان كان خروجها لأنه اذن لها في الحج أو الزيارة أو النزهة ولم يأذن في إقامة مدة مقدرة ففارقت البلد وطلقها ، لم يلزمها الرجوع الى منزلها ، لأنه ربما كان الطريق مخوفا وتنقطع عن الرفاق. فإذا أرادت الرجوع كان لها ان تعتد في منزلها. وان تعذر في وجهها (1) وكان اذن لها في النزهة أو الزيارة ، كان لها ان تقيم ثلاثة أيام (2) فإذا قضتها أو قضت الحج ، ولم تجد رفقة (3) وكان الطريق أمنا وعلمت من حالها انها إذا رجعت الى البلد أمكنها ان تقضى ما بقي من عدتها ، وجب ذلك عليها ، وان كانت لا تتمكن من ذلك (4) لزمها الرجوع ، لأنها مأمورة وليست مأمورة بالإقامة.

فإن كان أمرها بالإقامة في البلد الأخر مدة معينة أو شهرا معينا ، أو شهرين معينين ، ففارقت بلدها وطلقها ، فإنه ان كان طلقها قبل وصولها الى البلد الأخر ، كان حكمها كما ذكرناه في طلاقه لها بين المنزلين. وان كان طلقها بعد وصولها اليه ، جاز لها ان تقيم فيه المدة التي أذن لها بالمقام فيها.

ص: 325


1- الصواب « فان نفذت في وجهها » كما في المبسوط أى مضت.
2- اى وان كان اذن لها في الحج فلها ان تقضيه كلما يدوم.
3- في المبسوط « ولم تجد رفقة وخافت في الطريق فلها ان تقيم لان ذلك عذر وان وجدت رفقة وكان الطريق أمنا » إلخ وكأنه أصوب من المتن.
4- اى من قضاء باقي العدة في منزلها بعد الرجوع

وإذا أحرمت المرأة وطلقها الزوج ، وجبت العدة عليها، فان كان الوقت ضيقا تخاف من فوات الحج ان أقامت العدة ، كان عليها ان تخرج وتقضى حجها ثم ترجع لتقضى ما بقي عليها من العدة ان كان بقي عليها منها شي ء. فان لم يكن الوقت ضيقا وكان واسعا ، أو كانت محرمة بعمرة ، فليس تقيم وتقضى العمرة (1) ثم تحج وتعتمر.

فان طلقها ولزمتها العدة ثم أحرمت ، كان عليها ملازمة المنزل لقضاء العدة لأن وجوب العدة سابق ومتقدم لا حرامها ، وهي مفرطه في إدخال الإحرام عليها. فاذا قضت ما عليها من العدة وكانت محرمة بعمرة ، فإنها لا تفوت فتأتي بها ، فان كانت محرمة بحج فان لم تكن فاتها أتت به ، وان كان قد فات ، كان عليها ان تتحلل بعمرة وكان عليها القضاء (2) من قابل.

وإذا أذن الرجل لزوجته في الخروج الى بلد وأطلق ذلك فخرجت ثم طلقها واختلفا فقالت الزوجة نقلتني ، وقال الرجل لم انقلك ، كان القول قول الرجل وعليها الرجوع الى المنزل وتعتد فيه ، لأنه اختلاف في نية الزوج وهو اعلم بما أراد ، فان مات واختلفت الزوجة مع ورثته ، كان القول قولها ، لأنهم استووا في الجهل بما أراد ، وظاهر قوله موافق لدعوى المرية لأن ظاهر امره لها بالخروج الى موضع كذا ، وظاهره النقلة (3).

ص: 326


1- الصواب « فإنها تقيم وتقضى العدة » كما في المبسوط.
2- اى قضاء الحج وقال في المبسوط : « عندنا ان كان حجة الإسلام وعندهم أي العامة على كل حال » قلت هذا قرينة على كون المراد بالمتن حجة الإسلام ثم انه تقدم ان المطلقة الرجعية تخرج في عدتها لحجة الإسلام مطلقا وللمندوب بإذن الزوج فيرد على ما ذكره هنا انه ان كان الحج واجبا وجب عليها الإحرام بعد الطلاق والمضي فيه وكذا ان كان مندوبا وقد أحرمت له بالاذن وان أحرمت بدونه كان باطلا لأنها بحكم الزوجة فلا يبقى مورد للقضاء ولا يبعد كون الحكم في العمرة أيضا كذلك.
3- تقدم ان المطلقة الرجعية إذا مات زوجها في العدة تستأنف عدة الوفاة فما في هذا الفرع كالفرع التالي مبني على استحقاق المتوفى عنها زوجها للسكنى وهو خلاف ظاهر المصنف فيما تقدم بل ظاهر المبسوط الإجماع على عدمه خلافا لبعض العامة ويمكن ان يكون نظر المصنف هنا الى استحقاقها لها في خصوص هذا الفرع لثبوته بالطلاق قبل الموت فيستصحب كما صرح به في المبسوط في مسئلة تقسيم الورثة للمنزل وهذا أيضا قد يكون مخالفا للنصوص الدالة على استئنافها عدة الوفاة لظهورها في ترتب جميع آثارها ومنها عدم الاستحقاق للسكنى كما في الشرائع.

وإذا طلقت البدوية أو مات عنها زوجها وكان لها السكنى (1) وجب عليها العدة في بيتها الذي تسكنه ، فان ارتحل جميع الحي ارتحلت معهم واعتدت في المكان الذي يرتحلون اليه ، لأنها لا يمكنها المقام بعدهم وحدها في الموضع الذي ارتحلوا منه. فان ارتحل الحي إلا أهلها وكان في أهلها منعة ، لم يجز لها ان ترتحل وكان عليها الإقامة معهم وتعتد ، لأنه يمكنها مع ذلك المقام في بيتها من غير ضرر يلحقها في مقامها لذلك. فان انتقل أهلها وبقي من الحي قوم فيهم منعة ، كانت مخيرة بين المقام وتعتد في بيتها وبين الخروج مع أهلها وتعتد حيث يرتحلون إليه لأن في تأخرها عليها ضررا باستيحاشها من أهلها. فان مات أهلها وبقي من الحي قوم فيهم منعة ، كان عليها المقام وتعتد.

وإذا طلق الرجل زوجته وهي في منزل تخاف من انهدامه واحتراقه أو وصول اللصوص اليه أو الدعار ، وأرادت الانتقال منه ، كان لها ذلك لان ما جاء فيه ( ما خافته فيه - خ ل ) عذر يبيحها ذلك.

وإذا وجب على المطلقة حق وكان يمكن استئفاءه من غير خروجها من منزلها لم يجز إخراجها لذلك ، لأنه يمكن استئفاءه مع مقامها في منزلها. فان كان عليها حق تجحده وكانت بارزة (2) تدخل وتخرج. فإنها تخرج ويقام عليها (3) ان وجب

ص: 327


1- اى على القول بان لها السكنى كما في المبسوط.
2- اى ممن كانت عادته ورسمه البروز من بيتها كثيرا وعدم لزومها بيته غالبا.
3- اى الحد ، ان كان هو الحق عليها فالمراد بالحق فيما بعده الديون ونحوها.

عليها ويستوفي ما عليها من حق. وان كانت غير بارزة لا تدخل ولا تخرج فان الحاكم يقيم عليها الحد في منزلها ويبعث من ينظر بينها وبين خصمها في بيتها.

وإذا طلق الرجل زوجته فاستحقت السكنى ولم يكن للرجل ذلك ، وجب عليه ان يستأجر لها منزلا. فان كان غائبا ، استأجر الحاكم من ماله لأنها استحقت السكنى فوجب ان يوفى ما تستحقه كالدين. فان لم يكن له مال ورأى الحاكم ان يقترض عليه ويستأجر لها ، فعل ذلك وكان دينا في ذمته ، فإن استأجرت ذلك بغير أمر الحاكم لها فيه مع القدرة على استئذانه ، كانت مطوعة ( متطوعة - خ ل ) ولم يكن لها الرجوع على الزوج بشي ء. فان لم تقدر على استئذان الحاكم جاز لها ذلك.

وإذا طلق زوجته وهي في منزلها (1) وأقامت فيه حتى كملت عدتها ولم تطالبه بأجرة ثم طلقها (2) ، لم يلزمه ذلك ، لان الظاهر من سكونها (3) التطوع بالمقام في منزلها فلم يجز لها المطالبة بالبدل.

فان استأجرت دارا وسكنتها ولم تطالبه بالأجرة حتى انقضت عدتها ثم طالبته بعد ذلك بها ، لم يلزمه ذلك ، لأنها انما تستحق اجرة السكنى على الزوج إذا سكنت حيث يسكنها ، فاما إذا سكنت هي حيث شاءت ، لم يكن لها عليه شي ء ، فان استأجرت منزلا أو سكنت في منزلها بعض العدة ولم تطالب ثم طالبت ، كان لها اجرة السكنى من وقت المطالبة ، ولا شي ء لها على ما تقدم من سكناها ، لأنها فيما تقدم ، سكنت حيث أرادت فلم تستحقق اجرة ذلك ، وفي المستقبل يسكنها زوجها حيث شاء فاستحقت الأجرة عليه.

وإذا اتفق السفر لرجل مع زوجته في سفينة وطلقها وكان له منزل غير السفينة يأوي اليه ، كان لها الخيار في الرجوع الى المنزل وتعتد فيه. وان لم يكن له منزل

ص: 328


1- اى منزل نفسها غير الذي كان لزوجها.
2- الصواب « ثم طالبتها » أي الأجرة.
3- الاولى ان يكون بالتاء ( سكونتها )

يأوي إليه غير السفينة كان حكمها حكم الدار ، وإذا كان لها (1) بيوت منفرد كل بيت منها بباب وغلق ، اعتدت في بيت منها. فان كانت كبيرة أو صغيرة وليس فيها بيوت وكان معها محرم ، فإنه (2) يخرج من السفينة ويترك المرأة في بيتها حتى تعتد ، وان لم يكن معها محرم ، خرجت من السفينة واعتدت في أقرب المواضع إليها مثل الدار.

والمعتدة التي تستحق السكنى تلازم البيت ، وليس لها ان تخرج منه بغير حاجة ، فإن اضطرت الى الخروج بأن تخاف من غرق أو حرق أو هدم ، كان لها الخروج ، سواء كانت معتدة عن طلاق أو وفاة ، فان لم تكن مضطرة إلى الخروج لكن تريده لحاجة من ابتياع قطن أو بيع غزل ، جاز لها الخروج لذلك نهارا ولا يجوز لها ليلا (3).

وعلى المعتدة من الوفاة الحداد وهو : تجنبها لكل ما يدعو الى أن تشتهي وتميل النفس اليه من مثل الطيب ولبس المطيب والخضاب وغير ذلك. فاذا تجنبت ذلك فقد حدت. فاما غير هذه المعتدة من المعتدات فلا يلزمها ذلك. والادهان على ضربين : طيب ، وغير طيب.

فاما الطيب فهو كدهن البنفسج والبان والورد ، وما جرى مجرى ذلك. وهذا لا يجوز للمعتدة استعماله في شعرها ولا بدنها.

ص: 329


1- اى السفينة.
2- أي الزوج كما في المبسوط.
3- تقدم في أوائل الباب ان المتوفى عنها زوجها يجوز لها المبيت في غير الدار التي توفي فيها زوجها وانه لا نفقة لها من تركة زوجها وظاهره عدم استحقاقها السكنى كما ذكرناه آنفا وتقدم أيضا ان المطلقة الرجعية إذا دعته ضرورة إلى الخروج من منزلها أو أرادت قضاء حق فلتخرج بعد نصف الليل وتعود قبل الفجر فما ذكره المصنف في هذا الفرع لم أعرف له وجها واللّه العالم.

واما الضرب الأخر : وهو ما ليس بطيب ، فهو كالشيرج والزيت ، وهذا لا يجوز استعمالها له في شعرها ، لان يرجله ويحسنه ، ويجوز ان تستعمله في بدنها لأنه ليس فيه طيب ولا زينة لها. فان كان لها لحية لم يجز لها ان تدهنها.

فاما الكحل الأسود الذي هو الإثمد فلا يجوز لها ان تكتحل به ولا ان تختضب حاجبيها ، لأنه زينة. فان احتاجت الى الكحل اكتحلت ليلا ومسحته نهارا. واما الأبيض الذي هو التوتيا فلها ان تكتحل به في الليل والنهار وعلى كل حال. واما الصبر فان النساء يكتحلن به لأنه يحسن العين ويطري الأجفان : والمعتدة ينبغي لها ان تجتنبه. واما الكلكون فلا يجوز لها استعماله لأنه زينة. وكذلك جميع ما يحسن به وجوه النساء من اسفيذاج وما جرى مجراه.

واما لبس الحلي فهي ممنوعة منه ، لأنه من الزينة. واما الثياب ففيها زينتان إحداهما تحصل بحسب ( بنفس - خ ل ) الثوب وهو ستر العورة وجميع البدن ، قال اللّه تعالى ( خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) (1).

والزينة الأخرى تكون بصبغ الثوب وغيره ، وإذا أطلق كان المراد ، الثاني والأول هي غير ممنوعة منه. وما يحصل به الزينة من الصبغ على ضروب : منها ما يدخل على الثوب لنفى الوسخ عنه مثل السوداء والكحلى ، وهذا لا تمنع المعتدة منه. ومنها ما يدخل على الثوب لتزئينه مثل الحمرة والصفرة وغيرهما ، فالمعتدة ممنوعة من ذلك ، لأنه زينة. ومنها ما يدخل على الثوب ويكون مترددا بين الزينة وغيرها مثل صبغة أزرق واخضر ، فان كان ذلك مشبعا يضرب الى السواد ، لم تمنع المعتدة منه. وان كانت صافية يضرب إلى الحمرة فهي ممنوعة منه.

واما الملبوس من الثياب فان كان منه مرتفعا فاخرا مثل الديبقي والقصب والسابوري وغير ذلك مما يعمل من القطن والكتان والصوف والوبر ، فالمعتدة

ص: 330


1- الأعراف - 31

غير ممنوعة منه أيضا (1).

والحداد يلزم المرأة الحرة الكبيرة المسلمة ، والأمة إذا كانت زوجة ، والكافرة إذا مات زوجها ، سواء كان الزوج مسلما أو كافرا ، والصغيرة إذا مات زوجها عنها يأخذها وليها بذلك.

وإذا طلق الرجل زوجته ودخلت في العدة ، لم يجز لها ان تتزوج حتى تنقضي عدتها ، فان نكحت قبل ذلك بطل النكاح وليس تنقطع عدتها بنفس النكاح ما لم يدخل الثاني بها. لان الفراش لا يثبت بالنكاح الفاسد. فان فرق بينهما قبل الدخول ، لم يكن عليها للثاني عدة ، وعليها ان تمضى في عدتها عن الأول الى ان تكملها ثم يتأمل حالهما ، فان كانا عالمين بتحريم النكاح كان عليهما التعزير ، وان لم يكونا عالمين لم يكن عليها تعزير.

وان كان أحدهما عالما بذلك عزر دون الأخر ، فإن دخل الثاني بها وكانا عالمين ، كانا زانيين. وان كانا غير عالمين بتحريم النكاح أو الوطأ. فان الوطأ وطؤ شبهة لا يجب الحدية ويثبت به الفراش (2). ويلحق النسب ، وتجب به العدة ،

ص: 331


1- زاد في هامش نسخة ( ب ) « واما ما يعمل من الإبريسم مصبوغا كان أو غير مصبوغ فهو غير ممنوعة منه أيضا ».
2- المراد بالفراش هنا صيرورة المرية بالشبهة كالزوجة في أحكام منها : ما ذكره من انقطاع عدة الأول ومنها : انه لو زنى أحد بالموطوئة شبهة فولد منها ولم يعلم كون الولد لأيهما يلحق بالشبهة ومنها : انه لو وطأ شبهة زوجة الغير فولد منها أقرع بينهما بخلاف الزنا فإنه يلحق بالزوج ومنها : حرمة أم الموطوئة وبنتها على الواطئ ان قلنا باختصاص الحرمة بالوطأ الصحيح دون الزنا ونحو ذلك وهذا في الجملة وان كان معروفا بين الأصحاب كما في المبسوط وغيره لكنه غير ظاهر من النصوص وانما المذكور فيها وجوب العدة والمهر ولحوق النسب بمعنى انه لو علم عادة كون الولد من الشبهة يلحق بالواطى ء ويكون كولده من الزوجة بخلاف الزنا حيث انه ينفى عنه شرعا في الإرث ونحوه وقد حكى عن ابن إدريس نحو ما ذكرنا.

وتنقطع عدة الأول لأنها صارت فراشا للثاني ولا يجوز ان تكون معتدة عن الأول وهي فراش للثاني. ويجب عليها ان تأتي بكل واحدة من العدتين على الانفراد ولا يدخل إحداهما في الأخرى.

وان كان إحداهما عالما والأخر غير عالم ، فان كان الذي هو غير عالم هو الرجل ، والمرأة عالمة ، فهو وطؤ شبهة لأحد عليه. والمرأة تصير فراشا له ويلحقه النسب ، وتجب عليها العدة ، والمرأة زانية ، عليها الحد ولا مهر لها. وان كانت هي التي ليست عالمة والرجل هو العالم ، فالمرأة غير زانية ولا حد عليها ولها المهر ، والرجل زان يجب عليها الحد ولا يلحقه النسب ، ولا تجب له العدة.

وإذا اجتمع على أمرية عدتان وكانت (1) هي والزوج جاهلين ، أو كان الزوج جاهلا وكانت غير حامل تعتد بالأقراء أو بالشهور ، فإنها تكمل عدة الأول ثم تعتد عن الثاني. وإذا لم تكن اعتدت عن الأول بشي ء ، اعتدت منه بثلاثة أقراء ، أو ثلاثة أشهر. فإن كانت اعتدت عنه ببعض العدة ، فإنها تتم ذلك وتعتد عن الثاني عدة كاملة ، وانما قدمت العدة عن الأول لأنها سابقة.

فان كانت المرأة معتدة بالحمل فإنه إن لحق الحمل بالأول دون الثاني ، اعتدت منه عن الأول ، فإذا وضعت استأنفت عدة الثاني. وان لحق الحمل بالثاني دون الأول ، اعتدت به عن الثاني ثم تأتي بالعدة عن الأول ، أو باقيها ان كانت قد أتت ببعضها. فإن أمكن ان يكون الحمل من كل واحد منهما (2) أقرع بينهما فمن

ص: 332


1- بيان لسبب اجتماعهما عليها أي بأن كانت هي والزوج الثاني جاهلين.
2- بان كان لستة أشهر من وطأ الثاني ولا يزيد على أقصى الحمل من الأول ووجه القرعة أنها لكل مشتبه والمرأة فراش لهما كما وردت في ولد الجارية المشتركة لكن الأقوى هنا انه للثاني للنص كما في الوسائل الباب 17 من أحكام الأولاد وذكره المصنف في باب محرمات النكاح نعم لو وطأها في العدة شبهة بدون التزويج كان ما ذكر متجها لخروجه عن النص المذكور وجواز اختصاص التزويج الفاسد جهلا بالفراش كما يظهر من العلامة في التذكرة في الفصل الأول من ركن المحرمات ولا فرق في ذلك بين كون المراد بالفراش في الشبهة ما مر آنفا في شرح المتن أو خصوص لحوق الولد كما ذكرنا.

خرج اسمه الحق به واعتدت به عنه ثم استأنفت العدة من الأخر.

وإذا وطئ الرجل زوجته في العدة كانت ذلك منه رجعة وحكمنا بالمراجعة ، ويكون وطؤها بعد ذلك وطيا في الزوجية وينقطع حكم العدة.

وإذا كانت الزوجة مدخولا بها وخالعها زوجها ولزمتها العدة ثم تزوجها في عدتها ، انقطعت العدة.

وإذا طلقت الأمة ودخلت في العدة وباعها سيدها وهي معتدة ، كان البيع صحيحا. فان كان المشترى لها لم يعلم بذلك من حالها ، كان له الخيار ، لان ذلك نقص ، ويفوت الاستمتاع مدة العدة. فإن فسخ استرجع الثمن وردها على سيدها ، وان لم يفسخ لزمه البيع ولم يجز له وطؤها حتى تنقضي عدتها ، وإذا انقضت لم تحل له حتى يستبرأها. وكذلك الحكم إذا كان عالما بذلك من حالها. ولا يدخل الاستبراء في العدة لأنهما حقان مقصودان لآدميين.

وإذا نامت امرأة على فراش رجل فظن أنها أمته ووطأها ثم ظهر انها امرأة حرة أجنبية ، كان هذا الوطؤ وطأ شبهة ليس فيه حد ، ويلحق النسب ويكون الولد حرا ويثبت مهر المثل. وعلى هذه الحرة ان تعتد عدة الحرة.

وإذا وجد رجل امرأة على فراشه وظن انها زوجته ثم ظهر انها امة لغيره وكان قد وطأها ، لم يجب في ذلك حد ، فاما المهر فيجب مهر المثل ويلحق النسب ، لأنه وطؤ شبهة ويكون الولد حرا لاعتقاده حريته ، ويكون عليه قيمته لسيد الأمة ، وتعتبر القيمة بحال الوضع لأنها حال الإتلاف ، وعليها عدة أمة لأنها امة وجوب العدة.

ويجب الاستبراء للأمة المشتراة ، وكذلك المسبية ، وتستبرئ كل واحدة

ص: 333

منهما بقرء ، وكذلك المدبرة إذا مات سيدها فإنها تنعتق وتستبرئ بقرء (1) ، وكذلك أم الولد إذا مات عنها سيدها ، فإنها تعتد عنه عدة وفاة : أربعة أشهر وعشرا وان أعتقها في حياته اعتدت بثلاثة أقراء.

وإذا زوج أم الولد سيدها غيره حرم وطؤها على السيد. وإذا مات السيد وهي زوجة لم يجب عليها عنه استبراء ، وان لم يمت السيد أولا ومات الزوج ، كان عليها عدة وفاة مثل عدة الحرة : أربعة أشهر وعشرا. فان مات سيدها قبل انقضاء عدتها لم يجب عليها عنه عدة واستبراء ، وإذا انقضت عدتها عن الزوج قبل موت السيد ، عادت الى سيدها وليس عليه ان يستبرئها ، فان مات سيدها بعد انقضاء عدتها من الزوج ، لزمها الاستبراء عنه (2).

وإذا مات سيدها وزوجها ولم يعلم الميت منهما أولا ، اعتدت أربعة أشهر وعشرا لأنه ان كان سيدها مات أولا ، فليس عليها منه عدة لأنها تحت زوج فاذا مات زوجها بعد ذلك ، كان عليها ان تعتد منه عدة الحرة للوفاة (3) فإذا انقضت عدتها لم يكن عليها من السيد استبراء. هذا ان كان بين موتهما أقل من أربعة أشهر وعشر

ص: 334


1- المعروف بين الأصحاب ان المدبرة التي وطأها المولى تعتد من وفاته بأربعة أشهر وعشر للنص الصريح وغيره وكونها كأم الولد ولم ينقل خلافه الا عن ابن إدريس فلعل مراد المصنف هنا غير الموطوئة كما يأتي حكمه بذلك في أمثالها
2- أي عن السيد وظاهره الاستبراء بقرء فيكون المراد ما إذا مات قبل ان يطأها والأوجب عليها عدة الوفاة كما مر وحكى في جواهر الكلام عن الشهيد الثاني رحمه اللّه تعالى : احتمال وجوب عدة الوفاة عليها مطلقا لا طلاق ما دل على اعتداد أم الولد بموت سيدها كما في الزوجة وهذا لا يخلو من قوة ويحتمل كون مراد المصنف هنا ذلك.
3- زاد في هامش نسخة ( ب ) هنا وفي المبسوط « وان كان الذي مات أو لا هو الزوج ، كان عليها ان تعتد منه عدة الوفاة » قلت هذا مبني على ما تقدم سابقا فيما علقناه ان أم الولد من السيد تعتد من موت زوجها بأربعة أشهر وعشر بخلاف غيرها

فان كان بين موتهما أكثر من ذلك كان كما ذكرناه (1) وتعتد من وقت موت الثاني (2) عدة الحرة احتياطا كما قدمناه.

وإذا ملك أحد أمة بابتياع وكان البائع قد وطأها لم يجز للمشتري وطؤها إلا بعد ان يستبرئها ، وكذلك ان أراد المشتري تزويجها لم يجز له وطؤها (3) إلا بعد ان يستبرئها وكذلك ان أراد ان يعتقها ويتزوجها قبل الاستبراء لم يكن له ذلك وكذلك إذا اشتراها (4) ووطأها وأراد تزويجها قبل الاستبراء لم يجز له ذلك.

وإذا ملك رجل أمة بهبة أو ابتياع أو إرث أو من غنيمة لم يجز له وطؤها حتى يستبرئها ، كبيرة كانت أو صغيرة بكرا أو ثيبا ، تحبل أو لا تحبل الا ان تكون صغيرة لا تحيض مثلها أو كبيرة كذلك ، فإنه ليس على هاتين استبراء.

وإذا باع إنسان أمة لا مرية وقبضتها المرأة ثم إعادتها إليه بإقالة كان الأحوط له ان لا يطأها حتى يستبرئها ، وان لم تكن قبضتها لم يكن عليه استبراء.

وإذا اشترى رجل امة فاستبرأت قبل ان يقبضها بحيضة ، ثم قبضها بعد ذلك لم يعتد بذلك الاستبراء ، فان وصاله بجارية وقبل الوصية بها ، ملكها بنفس القبول ، فإن استبرأت قبل ان يقبضها لم يعتد بذلك الاستبراء. فان ورث امة واستبرأها قبل القبض جاز له ان يعتد بذلك الاستبراء ، لان الموروث في حكم المقبوض (5).

وإذا اشترى امة حاملا كان استبراؤها بوضع الحمل ، فان وضعت بعد لزوم

ص: 335


1- اى فيما كان بينهما أقل وانما ذكره على حدة لمخالفة بعض العامة فإن قيل : مر آنفا انه ان كان موت السيد بعد خروجها عن عدة الزوج لزمها الاستبراء عن السيد أيضا قلنا هذا إذا كان موت الزوج معلوما فرجعت الى السيد بخلاف المقام.
2- مر ان عدة الوفاة من بلوغ الخبر فلعل المراد بالمتن أيضا ذلك.
3- الصواب « تزويجها ».
4- الصواب « استبرئها ».
5- قال في المبسوط : لجواز بيعه والتصرف فيه بخلاف المبيع.

العقد وانقضاء الخيار ، وقع به الاستبراء (1).

وإذا عجزت المكاتبة وفسخ سيدها الكتابة ورجعت الى ملكه ، لم يحل له وطؤها حتى يستبرئها ، وكذلك إذا زوج أمته ثم طلقت (2) وكذلك إذا ارتد السيد أو الأمة فإنها تحرم عليه فاذا عاد المرتد إلى الإسلام لم تحل له حتى يستبرئها.

وإذا اشترى مجوسية فاستبرأت وأسلمت لم تعتد بذلك الاستبراء لأنه لم تقع به استباحة الوطأ (3) وكذلك ان اشترى مجوسية وكاتبها وأسلمت واستبرأت وهي مسلمة مكاتبة ثم عجزت نفسها ، لم تعتد بذلك الاستبراء لأنه لم تقع به استباحة الوطأ.

وكل جنس تعتد الحرة به فإن الأمة تعتد به الا أنهما تختلفان في مقداره ولا تتساويان في وضع الحمل (4) واما الأقراء فالحرة تعتد بثلاثة أقراء ، والأمة تعتد بقرئين ، والأمة المسبية والمشتراة بقرء (5) ، فاما المشهور فالمطلقة الحرة تعتد بثلاثة أشهر ، والأمة بخمسة وأربعين يوما ، واما المسبية والمشتراة فإنها تعتد بشهر. فان

ص: 336


1- زاد هنا في هامش نسخة ( ب ) « وان وضعت في مدة الخيار اما خيار المجلس أو خيار الشرط لم يعتد به في الاستبراء وكأنه لعدم الملك قبل انقضاء الخيار كما يظهر من المبسوط.
2- اى قبل الدخول والا وجب عليها الاعتداد بما مر في أول الباب الا ان يكون المراد بالاستبراء هنا أعم على خلاف الاصطلاح.
3- بناءا على ما تقدم في النكاح من ان الأمة المجوسية لا يجوز للمالك وطؤها
4- الصواب : إلا في وضع الحمل.
5- وكذا سائر الإماء المذكورات هنا كالمرتدة والمكاتبة وظاهر المصنف في هذه المسائل ان الاستبراء من قسم الاعتداد وانه من الحقوق فلا يتداخل مع العدة إذا كانا لشخصين كما تقدم وليس عبارة عن تحصيل برأيه الرحم بترك وطئها كيفما اتفق وانه يعتبر فيه ان يكون لاستباحة الوطأ وان يقع في ملكه وقبضه وهذا كله يشكل استفادتها من النصوص وانما حكى عن بعض العامة ولذا قوى في المبسوط خلافه في أكثرها وزاد عليه في الشرائع وغيرها.

انقطع دمها لعارض (1) استبرأت بخمسة وأربعين يوما.

ومن اشترى امة وادعى انها حامل وانه يستحق ردها فإنها تعرض على القوابل فان شهدن بأنها حامل كان له الرد ، فان صدق المشتري البائع في ان الحمل كان حاصلا في حال البيع كان له الرد على كل حال. فان اختلفا في ذلك ووضعت الحمل لأكثر من أقصى مدة من وقت العقد فيعلم انه من المشترى ويتحقق حدوثه بعد البيع فلا يملك به الرد ، وان أتت به لأقل من ستة أشهر من وقت البيع فيتحقق انه من البائع ويعلم انه كان في حال البيع فيكون له الرد. فإن أمكن ان تأتي به لأكثر من ستة أشهر دون أقصى مدة الحمل كان القول قول البائع مع يمينه لأن الأصل ان لا عيب.

وإذا باع رجل امة فظهر بها حمل فادعى البائع انه منه وانها أم ولده كان مضمون هذا الإقرار ، ان نسب الولد لا حق به وانها أم ولده وان البيع باطل ، فان صدقه المشترى في ذلك ثبت أنها أم ولده وانفسخ البيع ، وان كذبه فان لم يكن اقر فى حال البيع انه قد وطأها لم يقبل إقراره في هذه الحال ، لان الملك قد انتقل الى المبتاع في الظاهر فإقراره لا يقبل في ملك الغير. فإن أقر البائع في حال البيع انه وطأها فإذا أتت بالولد بعد الاستبراء لأقل من ستة أشهر فإن نسبه يلحق البائع بالإقرار المتقدم ويصير أم ولده وينفسخ البيع. فإن أتت به لأكثر من ستة أشهر من وقت الاستبراء لم يلحق البائع.

« باب المفقود وعدة زوجته »

إذا خرج رجل الى بلد وعلم انه مقيم فيه وانه حي فالزوجية بينه وبين زوجته باقية ولا يجوز لها ان تتزوج حتى يحصل لها العلم اليقين ( اليقيني - خ ل )

ص: 337


1- اى من مرض أو رضاع كما تقدم فهي غير اليائسة التي لا تحيض في العادة وهي في سن الحيض فهذه تستبرأ بشهر والتي تحيض وتطهر عادة لكن ارتفع حيضها للمانع المذكور تستبرأ بخمسة وأربعين يوما وتقدم الفرق بينهما في انقضاء العدة للزوجة بثلاثة شهور.

بموته. فان فقد ولم يعلم خبره ولا هل هو حي أو ميت لم يزل ملكه عن ماله ، فاما زوجته فإنها ما دامت ساكنة فأمرها إليها. فإن رفعت أمرها إلى السلطان أجلها من يوم رفعت خبرها إليه إلى أربع سنين ويبعث في الافاق من يبحث عن خبره ، فان عرف له خبر كان عليها ان تصبر ابدا. وان لم يعرف له خبر وانقضت اربع سنين وكان لهذا الغائب ولي ينفق عليها ، كان عليها الصبر ابدا. وان لم يكن له ولى فرق الحاكم بينهما فاعتدت عدة الوفاة ، فإن قدم الغائب في زمان العدة كان أملك بها وان قدم بعد انقضاء العدة لم يكن له عليها سبيل. فان قدم الغائب بعد موتها وكانت قد خرجت من العدة أو تزوجت لم يرثها على حال.

« باب إلحاق الأولاد بالإباء ، وأحكام ذلك »

إذا دخل رجل بزوجته وأتت بولد تام على فراشه لستة أشهر من اليوم الذي وطأها فيه ، كان عليه الإقرار به ولم يجز له إنكاره ولا نفيه عن نفسه. وان أتت به لأقل من ستة أشهر جاز له إنكاره (1) ونفيه عن نفسه ، فان نفاه عن نفسه ورافعته زوجته الى الحاكم ، كان عليه ملاعنتها (2) فإن أقر الرجل به ثم نفاه بعد ذلك عن نفسه لم يكن لهذا النفي تأثر وكان الولد لازما له ولا حقا به.

وإذا كان هذا الولد من زوجة متمتع بها كان عليه أيضا الإقرار به ولم يجز له نفيه وإذا كانت الزوجة غير مدخول بها ، وأو دخل بها الزوج وغاب عنها غيبة تزيد على مدة الحمل ، وجاءت بولد لم يكن والدا له وكان له نفيه عن نفسه. وان كانت له جارية لم يطأها ، أو كان قد وطأها ثم غاب عنها غيبة تزيد على مدة الحمل وجاءت بولد ،

ص: 338


1- يمكن كون الجواز هنا بمعنى عدم المنع فقط فان الظاهر كما قيل وجوب النفي في هذه الحال حفظا للنسب عن الضياع وترتب المحرمات.
2- اللعان انما يكون إذا أمكن لحوق الولد به شرعا بان كان لستة أشهر أو أكثر فينفيه لما يعلم من نفسه بأمر غير ظاهر واما إذا كان لأقل فهو منتف عنه شرعا بلا لعان فلعل مراد المصنف ما إذا لم يكن له طريق إلى إثباته.

لم يكن والدا له ووجب نفيه عن نفسه.

وإذا كان لرجل زوجة أو جارية وكان يطأهما ويعزل عنهما وجاءت واحدة منهما بولد ، وجب عليه الإقرار به ولم يجز له نفيه عن نفسه.

وإذا اشترك رجلان أو أكثر منهما في مملوكة ووطأها جميعهم في طهر واحد ثم جاءت بولد ، أقرع الحاكم بينهم فمن خرج اسمه كان الولد لاحقا به.

وإذا وطأ رجل مملوكة له وباعها من قبل ان يستبرئها ، ثم وطأها المشترى لها قبل ان يستبرئها أيضا ، وباعها هذا الثاني للآخر فوطأها أيضا قبل ان يستبرئها ثم جاءت بولد ، كان لاحقا بالذي عنده المملوكة.

وإذا طلق رجل زوجته ثم تزوجت (1) وجاءت بولد لأقل من ستة أشهر ، كان لاحقا بالزوج الأول. وان كان لستة أشهر كان لاحقا بالزوج الثاني.

وإذا باع رجل مملوكته ووطأها المشترى وجاءت بولد لأقل من ستة أشهر ، كان لاحقا بالمولى الأول. وان كان لستة أشهر كان لاحقا بالمولى الذي هي عنده.

وإذا وصل الخبر إلى المرية بطلاق زوجها لها أو بموته ثم اعتدت وتزوجت وجاءت بولد ثم جاء زوجها وأنكر الطلاق وعلم ان شهادة الذين شهدوا بطلاقه أو بموته كانت شهادة زور ، فرق بينها وبين الزوج الثاني ثم تعتد منه (2) وتعود إلى الأول بالعقد المتقدم دون عقد جديد ويكون الولد لاحقا بالزوج الذي جاء منه ، وفرق بين المرأة وبينه (3)

ص: 339


1- اى بعد العدة كما في النص واما لو تزوجت فيها شبهة فقد تقدم من المصنف انه ان أمكن كونه لهما أقرع بينهما وذكرنا ما فيه.
2- اى عدة وطأ الشبهة وهي كعدة الطلاق ثلاثة أقراء أو ثلاثة شهور كما أشار إليه في مسئلة اجتماع العدتين.
3- اى بين الولد وكأنه لكون حضانته حينئذ لأبيه دونها لأنها متزوجة كما ورد ذلك فيمن طلق زوجته فتزوجت ثم انه ورد أيضا في نصوص المسئلة هنا ان المرأة لها المهر من الثاني بما استحل من فرجها ويضمن له شاهد الزور بسبب الغرور

وإذا وطأ رجل امرأة فجورا فحملت منه ثم تزوجها ، لم يجز له إلحاق الولد بنفسه (1) وكذلك ان وطأ مملوكة لغيره فحملت منه ثم ابتاعها منه لم يجز له أيضا إلحاق الولد بنفسه.

وإذا وطأ رجل جاريته ووطأها بعده بلا فصل رجل آخر فجورا وجاءت بولد واشتبه الأمر عليه فيه كان لاحقا به. فان غلب على ظنه بشي ء من الأمارات انه ليس منه لم يجز له الحاقة بنفسه ولم يجز له أيضا بيعه. فان حضرته الوفاة ، وصى له بشي ء من ماله ولا يورثه ميراث الأولاد.

وإذا ابتاع رجل جارية حاملا ثم وطأها قبل ان يمضي لها أربعة أشهر وعشرة أيام ، لم يجز له بيع الولد لأنه غذاه بنطفته وعليه ان يدفع إليه شيئا من ماله ويعتقه. وان وطأها بعد مضى أربعة أشهر وعشرة أيام (2) وكان يعزل عنها فإنه يجوز له بيع الولد أيضا.

وإذا كان لرجل زوجة أو جارية يتهمها بفجور وجاءت بولد لم يجز له نفى الولد وكان عليه الإقرار وانما يجوز له مع العلم بأنه ليس منه. وإذا كانت له مملوكة لم يطأها وجاءت بولد ، كان له بيعه على كل حال.

واعلم ان أقل الحمل (3) أربعون يوما ، وهو مدة انعقاد النطفة وأقله بخروج

ص: 340


1- زاد هنا في هامش نسخة ( ب ) « وكذلك ان وطأ مملوكة لغيره فحملت منه ثم تزوجها لم يجز له إلحاق الولد بنفسه »
2- عبارة النهاية هكذا « وان كان وطؤها بعد انقضاء الأربعة أشهر وعشرة أيام جاز له بيع الولد على كل حال وكذلك ان كان الوطؤ قبل انقضاء الأربعة أشهر وعشرة أيام الا انه يكون قد عزل عنها جاز له بيع ولدها » والظاهر ان المتن كان كذلك فوقع فيه سقط كما يشهد له لفظة أيضا في آخره والتعليل بالتغذية في اوله والذي ظهر لنا من النصوص انه في المدة المذكورة من حملها لا يجوز له وطؤها وبعدها يجوز مع الكراهة وفي كليهما ان عزل عنها يجوز بيع الولد والا فلا وفي المسئلة خلاف.
3- لعل الصواب « أول الحمل »

الولد حيا ستة أشهر كما قدمناه لأن النطفة تبقى في الرحم أربعين يوما ثم تصير علقة أربعين يوما ثم تصير مضغة أربعين يوما ، ثم تصير عظاما أربعين يوما ثم تكتسي لحما ويتصور وتلجها الزوج الى عشرين يوما ، فذلك ستة أشهر ، وأكثر الحمل تسعة أشهر ولا يكون حمل على التمام لأقل من ستة أشهر قال اللّه تعالى « حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً ) (1) والفصال من الرضاع في أربعة وعشرين شهرا فيكون الحمل الباقي من ثلاثين شهرا وهو ستة أشهر ، ولا يكون مدة الحمل على ما ذكرناه أكثر من تسعة أشهر.

وإذا افتقر الحاكم في الحكم إلى القرعة فيمن تقدم ذكره من الولد الذي يحكم بين الرجلين فيه بذلك ، فينبغي ان يقصد الى سهم أو قرطاس فيكتب عليه ، اسم الرجل الواحد واسم الولد ، ويكتب على سهم أو قرطاس اسم الرجل الأخر واسم الولد ويخلط ذلك في سهام أو قرأ طيس متشابهة ثم يقول المقرع :

اللّهم أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، بين لنا أمر هذا المولود لنقضى فيه بحكمك.

ثم يخلط السهام بيده ويأخذ منها واحدا واحدا فمن خرج اسمه لحق به الولد.

« باب النفقات »

قال اللّه تعالى ( فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلّا تَعُولُوا ) (2).

اى لا يكثر من تمونونه. (3) وقيل : معنى « الا تعولوا » : « لا تجوروا » فلو

ص: 341


1- الأحقاف - 15
2- النساء - 3.
3- في نسخة ( ب ) : اى لا تكثروا من تمونونه والأول أصح قال في المبسوط يقال عال يعول : إذا جار وأعال : إذا كثر عياله وقيل ان عال يعول مشترك بين جار وبين كثر عياله ذكره الفراء وعال يعيل إذا افتقر ومنه قوله تعالى ( وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى ) انتهى ولا يخفى ان قول المصنف : فلو لم تكن النفقة إلخ راجع الى قوله لا يكثر من تمونونه كما ذكره في المبسوط بعده ويمكن إرجاعه اليه والى ما بعده بتكلف

لم تكن النفقة واجبة والمؤنة لازمة ما حذر من كثرتها.

وقال تعالى ( الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ ) (1).

وقال ( قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ ) (2) يريد النفقة.

وقال اللّه تعالى ( وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) (3) والمولود له هو الزوج ، فاذا كان في ذلك دليل على وجوب النفقة فوجب ان ينفق الزوج على زوجته وعلى ولده على ما تضمنته لآية.

واعلم : انه يجوز للرجل ان يتزوج من النساء أربعا ، ويستحب له الاقتصار على واحدة (4) ، وقد نقدم القول بان على الزوج ، النفقة على زوجته فاما ان يخدمها خادما وينفق عليه فالقول فيه انه ان كان مثلها مخدوما فعليه ذلك وعليه نفقة خادمها وان كانت ممن لا تخدم مثلها لم يجب عليه إخدامها. والمرجع فيمن يخدم ومن لا يخدم الى العرف والعادة ، فإن كانت من أهل بيت كبير ولها نسب وشرف ومال وثروة ومثلها لا تخدم منزله في طبخ ولا عجين ولا غسل ثياب ولا كنس المنزل وما أشبه ذلك ، كان عليه إخدامها.

ص: 342


1- النساء - 34.
2- الأحزاب - 50.
3- البقرة 233.
4- لعله للاحتياط وصعوبة العدل بين الزوجين والتحرز عن الشقاق الحاصل بينهما غالبا والا فالمستفاد من ظواهر الآيات والنصوص الواردة في الترغيب للنكاح وذكر فوائده ، خلافه كما هو شأن النبي وأهل بينه عليهما السلام وغيرهم.

وان كانت من إدناء ( افناء - خ ) الناس مثلا نساء الحمالين والأكارين ومن جرى مجراهم لم يجب عليه إخدامها. وإذا كان المرجع في ذلك الى العرف فإنما يرجع إليه في مثلها ولا يرجع الى ما ترتب به (1) نفسها ، فاذا كانت من ذوي الأقدار فتواضعت وانبسطت في الخدمة كان عليه إخدامها ، فان لم تكن كذلك وتعظمت وتكبرت وترفعت عن الخدمة لم تستحق الخدمة بذلك لان المرجع فيه الى قدرها لا الى الموجود منها في الحال. هذا إذا كانت صحيحة ، فإن مرضت واحتاجت الى من يخدمها لزمه إخدامها وان كان مثلها لا يخدم في حال الصحة ، لأن المعتبر في ذلك بالعرف ومن العرف ان تحتاج الى خادم كما ان العرف في الجليلة يقتضي أن تفتقر الى خادم ، فصارت في حال المرض مثل الجليلة في حال الصحة.

وإذا كان على الزوج كما قلناه ان يخدم زوجته فليس يجب عليه أكثر من خادم واحد ولو كانت أجل الناس ، لأن الذي عليه من الخدمة ، الكفاية ، والكفاية تحصل بواحدة

وان كان للزوجة رباع ومال وجهاز تحتاج فيه الى خدمة ومراعاة ، لم يلزم زوجها غير الخادم الواحد. وإذا كان ليس يلزمه الا الخادم الواحد فهو مخير بين ان يبتاع خادما ، أو يستأجره أو يكون لها خادم ينفق عليها بأمرها ، أو يخدمها بنفسه فيكفيها ما يكفى فيه الخادم ، لان الواجب عليه تحصيل الخدمة لها وليس لها ان ان تتخير عليه الوجوه التي يحصل منها ذلك.

فإن أرادت منه ان تخدم نفسها وتأخذ ما يأخذ الخادم من النفقة ، لم يكن لها ذلك لان الخدمة للدعة والترفه ، فاذا لم تختر ذلك وأراد الخدمة لم يلزمه دفع عوض إليها عن ذلك.

وإذا كاتب (2) إنسان عبده كان له ان يبتاع الرقيق لان له تنمية المال. فان

ص: 343


1- لعل الصواب « تزيت به » من الزي كما في المبسوط.
2- هذه المسئلة بطولها من فروع نفقة الولد أدرجها المصنف والشيخ في المبسوط بين مسائل الإنفاق على الزوجات استطرادا لعلة غير ظاهرة واللّه العالم.

اشترى جارية لم يجز له وطؤها لأن في ذلك تعزيرا بمال سيده ، فان اذن له في ذلك كان جائزا فإن وطأها بإذن سيده أو بغير اذنه فليس فيه حد لان هناك شبهة ، والنسب لاحق لأنه وطؤ سقط فيه الحد عن الواطء فان الحق نسبه فإنه مملوك لأنه من بين مملوكين ، ويكون مملوكا لأبيه لأنه ولد مملوكته ولا يعتق عليه لأنه ناقص الملك ولا يجوز له بيعه لان الشرع منع من بيع الإباء والأولاد (1) ولا يملك عتقه لان فيه إتلاف مال سيده. وعليه النفقة على ولده. فاما نفقة ولده من زوجته فغير واجبة عليه سواء كانت حرة أو مملوكة أو أم ولد لغيره أو مكاتبة ، لأنها ان كانت حرة فلا نفقة عليه لأنها تجب باليسار وهو غير موسر لان ما في يده لسيده.

وان كانت مملوكة لم تجب عليه نفقة لأنه مملوك لسيد المملوكة ، وليس يجب عليه نفقة مملوك غيره ، ويفارق ولده من أمته لأنه مملوكه فلهذا أنفق عليه كسائر مماليكه. وان كانت أم ولد للغير فلا نفقة عليها (2) لما تقدم ذكره وان كانت مكاتبة للغير فكذلك.

فاذا كان لا نفقة عليه كما ذكرنا ، وقيل لنا : فعلى من تكون نفقته؟ قلنا : إذا كانت زوجته حرة كانت النفقة عليها ، لأنه إذا لم يكن الأب من أهل الإنفاق ، أنفقت الأم. وان كانت امة للغير ، كان على سيدها نفقة هذا الولد لأنه مملوكه وان كانت مكاتبة كان موقوفا مع امه يعتق بعضها (3) وعلى هذا نفقته على امه كما تنفق على نفسها مما في يدها

ص: 344


1- يمكن ان يقال ان الشرع انما منع ذلك لأجل انعتاقهم عليه والمفروض في المقام عدمه لنص ملكه.
2- الصواب « عليه » لان الكلام صدرا وذيلا في نفقة ولده من زوجته.
3- الصواب « يعتق بعتقها » كما في المبسوط قوله : وعلى هذا إلخ أي بناءا على كون الولد كأمه في العتق يكون نفقته على امه واعلم ان في عدة من كلمات المتن هنا في النسختين غلطا أو تحريفا فراعيت تصحيحها بمناسبة المقام وبعضها صحيحة لكن كتب عليها في نسخة ( ب ) كلمة أخرى بعلامة النسخة وهي غير مناسبة ولذا أعرضت عن نقلها

وان كانت زوجته مكاتبة لسيده فلا نفقة عليه (1) ، والنفقة على ما قدمناه تفصيله ، فإن أراد هذا المكاتب ان ينفق على ولده منها كان جائزا لأنه ليس في ذلك تغرير بمال السيد ، فان عجز (2) وعاد الى الرق فالنفقة كانت على مال سيده. فإن أدى وعتق فقد أنفق على مال سيده.

واما ولد العبد (3) من زوجته فالحكم فيه كالحكم في ولد المكاتب من زوجته لا يجب عليه (4) الإنفاق لما تقدم ذكره.

واعلم ان نفقات الزوجات تعتبر بحال الزوج ولا تعتبر بحال الزوجة ، وقد ذكر في ذلك انه ان كان موسرا ، كان عليه في كل يوم مدان ، وان كان متوسطا متجملا فمد ونصف ، وان كان معسرا فقدر المد. ويعتبر الغالب في قوت أهل البلد والغالب من قوته ، وليس عليه ان يدفع إليها إلا الحب ، فان طلبت منه غيره لم يلزمه لأنها تكون مطالبة بغير حقها وغير ما يجب لها عليه. فان أراد هو ان يدفع إليها غير ذلك لم يلزمها قبوله لأنه يكون دافعا إليها غير حقها وغير ما يجب لها. فان اصطلحا على أخذ البدل من ذلك ، دنانير أو دراهم كان ذلك جائزا.

فاما الخادمة فقد ذكرنا فيما تقدم ان نفقتها تجب عليه إذا كانت ممن يخدم مثلها ، فان كان موسرا كان عليه لها مد وثلث ، لأنه أقل من نفقة الموسر والمتوسط وارفع من نفقة المعسر ، وان كان معسرا الزم نفقة مد لأنه ليس يمكن أقل منه من حيث ان البدن لا يقوم بأقل منه. ومذهبنا يقتضي الرجوع الى اعتبار العادة في ذلك.

واما الأدم فعليه ان يدفع الى الزوجة مع الطعام أدما والمرجع في جنسه الى

ص: 345


1- اى على العبد المكاتب.
2- تعليل وبيان لعدم التغرير بمال السيد وفيه الفرق بين كونها مكاتبة لسيده أو لغيره.
3- اى العبد الخالص غير المكاتب.
4- بل لا يجوز له كما في المبسوط.

غالب أدم البلد من زيت أو شيرج أو سمن. ومقداره يرجع الى العادة فما كان أدما للمد في العادة أوجب ذلك عليه ، ويفرض لخادمها الأدم أيضا ، ويفرض لها عليه اللحم في كل أسبوع دفعة واحدة. ويكون ذلك في يوم الجمعة لأنه عرف عام ، ويرجع الى العرف في مقداره وكذلك القول في الخادم.

ولا يجب لها عليه اجرة الحجام ، ولا فاصد ، ولا ثمن دواء. واما الدهن الذي تدهن شعرها به وترجله والمشط فإنه على الزوج لأنه من كمال النفقة.

ويجب عليه كسوتها. والمرجع في قدر ذلك (1) وجنسه الى عرف العادة واما العدد فللزوجة أربعة أشياء : قميص ومقنعة (2) وخف ، هذه كسوة الصيف. فاما في الشتاء فإنه يزيده جبة محشوة بالقطن ، وكذلك الخادم. وعليه أيضا لها الفراش والوسادة واللحاف وما ينام عليه بحسب العرف والعادة فيه.

وإذا دفع إليها الكسوة لمدة يلبس في مثلها ستة أشهر تقديرا فاخلقت وبليت فان لحقها ذلك في وقتها (3) كان عليه عوضها ، وان كان ذلك قبل وقتها لشهرين أو ثلاثة أشهر لم يلزمه العوض عنها. وان كان بعد وقتها كان عليها عوضها (4).

فأما البدوية فإنها في وجوب النفقة لها على زوجها تجري مجرى ما قدمناه في الحضرية ، وتفترقان في غير وجوب ذلك على الزوج ، وذلك ان قوت البادية بخلاف قوت الحاضرة لأنهم يقتاتون بالأقط والبلوط ، فعلى زوجها نفقتها من غالب قوت

ص: 346


1- اى الكبر والصغر.
2- في هامش نسخة ( ب ) هنا « وسراويل وشي ء يلبسه في رجلها من نعل أو غيره واما خادمها فثلاثة أشياء : قميص ومقنعة وخف ».
3- اى خلقت في رأس ستة أشهر مثلا أو حواليها.
4- أي في رأس المدة التي يخلق فيها الثوب عادة وان لم يحصل ذلك لهذا الثوب لأجل انها لم تلبسه أو جهدت كثيرا في حفظه قال في المبسوط : وكذلك إذا أعطاها قوت يومها فلم تأكله إلى الغد وجب عليه القوت في الغد بلا خلاف ولكن حكى فيه عن بعض انه ليس عليه في الثوب عوضه في ذاك المدة قبل خلقه.

البادية كما قدمناه في غالب قوت البلد.

وليس يجب على الزوج ان يضحى عنها ، ولا ان يؤدى عنها كفارة اليمين ، وعليه زكاة الفطرة عنها.

فاما السبب الذي تجب النفقة على الزوج عنده فهو التمكين المستحق إذا كانا كبيرين. والتمكين الناقص هو التخلية والتمكين الكامل هو تسليم نفسها اليه وتمكينه منها على الإطلاق ومن غير اعتراض عليه في موضع مسكنها ونقلها اليه ، فاذا حصل التمكين على ما ذكرناه وجب تسليم النفقة في كل يوم من أوله ، فإن توانى في ذلك حتى مضت مدة استقرت عليه النفقة. فان لم تسلم نفسها اليه ولا تمكنه التمكين الكامل مثل ان تقول له : أسلم نفسي إليك في بيت أبي أو بيتي أو بيت الفلاني أو المحلة الفلانية ، فلا نفقة لها لان التمكين الكامل ما وجد ، فان حصل التمكين الكامل وكان الزوج حاضرا كان عليه النفقة لأن سبب الاستحقاق لها قد حصل.

وان كان غائبا فحضرت عند الحاكم وأعلمته أنها مسلمة نفسها الى زوجها على الإطلاق لم يحكم لها بالنفقة حتى يكتب الى حاكم البلد الذي الزوج مقيم فيه ويعرفه ذلك من حالها ، ثم يحضره ذلك الحاكم ويعلمه بما ذكرته زوجته ، فان سار لوقته أو وكل من ينوب عنه في القبض والتسليم ، وحضر وقبض كان ذلك الوقت هو وقت ابتداء النفقة. وان لم يسر ولا وكل ضرب المدة التي لو سافر فيها يوصل إليها ثم يكون عليه نفقتها عند آخر هذه المدة ، لأن التمكين الكامل وجد منها وقدر على القبض فلم يفعل. وكذلك الحكم إذا كان الزوج كبير أو الزوجة مراهقة تصلح للوطء.

وإذا كان الزوج كبيرا والزوجة صغيرة لا يجامع مثلها فليس لها نفقة. وان كان الزوج صغيرا والزوجة كبيرة لم يكن لها أيضا النفقة. فإن كانا صغيرين فلا نفقة لها أيضا. وإذا مرضت الزوجة لم تسقط نفقتها لأجل مرضها ، لأنها من أهل الاستمتاع بها ، ولأنه يألفها ويسكن إليها وتفارق الصغيرة بهذين الوجهين.

وان كان بها عيب في الفرج يمنع من الوطأ ويوجب الرد ، فان اختار إمساكها

ص: 347

لزمته النفقة ، وله ان يستمتع بها فيما دون الفرج ، وان اختار ردها كان ذلك له.

وإذا أعسر الزوج ولا يقدر على النفقة على زوجته بوجه من الوجوه ، كان عليها الصبر الى ان يوسع اللّه عليه ولا يفسخ عليه الحاكم وان طالبته المرأة بذلك.

وإذا كان موسرا بالنفقة فمنعها مع القدرة ، ألزمه الحاكم لا إنفاق عليها. فان لم يفعل أجبره على ذلك فان ابى ذلك حبسه ابدا حتى ينفق عليها.

وإذا كانت الزوجة مطلقة طلاقا رجعيا كان لها النفقة لأنها في معنى الزوجات وان كان طلاقا بائنا لم تكن لها نفقة. فإن أبانها وكانت حاملا وجبت النفقة للحمل فلما وجب ذلك بوجوده وسقط بعدمه ، ثبت ان النفقة له ، (1) ولأنه إذا كان للحمل مال أنفق عليها فيه فدل ذلك على انه لا يجب لها ، فاذا لم تكن النفقة لها لأجل الحمل وكان للحمل على ما بيناه ، فعلى ذلك ينبغي ان يقال في الحر إذا تزوج بامة وأبانها وهي حامل ، فإن النفقة على سيد الأمة (2) فإن تزوج عبد بامة وأبانها وهي حامل كانت النفقة على سيد الولد دون والده ، لان العبد لا يجب عليه نفقة أقاربه (3)

فإن تزوج عبد بحرة فأبانها وهي حامل كانت النفقة على الزوجة ، لأنه ولد حرة وأبوه مملوك. وان كان النكاح فاسدا (4) وكان الزوج حرا كانت النفقة عليه لأنها

ص: 348


1- أي للحمل لا للحامل لأجل الحمل قلت ظاهر الآية والنصوص هو الثاني كما عن بعض الأصحاب والمخالفين ولا ينافيه الدليلان المذكوران في المتن كما ان بعض الفروع التالية وغيرها أعم فراجع جواهر الكلام.
2- هذا إذا شرط مولاها على الزوج رق الولد وقلنا بصحة هذا الشرط كما صرح بذلك في الشرائع وأشار إليه في المبسوط بقوله تجب نفقة الولد على سيده وهو سيد الأمة.
3- اى ولو كانت النفقة لها وجبت على العبد في كسبه وهكذا في الفرع التالي
4- اى شبهة إذ الولد والنسب منتف في غيرها وبالجملة فهذه أربعة فروع ذكرها المصنف تبعا للمبسوط لكون النفقة للحمل لكن يمكن منع كونها من فروعه خصوصا في الأول والأخير

نفقة ولده ، ولا فرق في باب لحوق النسب وثبوته بين النكاح الصحيح والفاسد.

ويستحق الولد النفقة على والده إذا كان الولد على صفة ووالده على صفة (1) فاما صفة الولد الذي يستحق النفقة وصفة الوالد الذي يستحق عليه ذلك فهي ان يكون الولد معسرا ثم ناقص الخلقة أو ناقص الأحكام ، أو ناقص الخلقة والأحكام. فناقص الخلقة : الضرير والزمن ، وناقص الأحكام : الولد الصغير لأنه لا حكم لكلامه والقلم لا يجرى عليه ، واما ناقص الخلقة والأحكام : فالكبير الضرير المجنون فإنه ناقص الأمرين معا.

واما صفة والده الذي يستحق عليه النفقة فهو القادر على النفقة على ولده في الفاضل عن قوت يومه ، فاذا قدر على ذلك لمال في يده أو قدرة على كسب كان عليه الإنفاق. فإذا كان الأمر في الولد والوالد على ما ذكرناه.

فاما الترتيب في ذلك فجملته ان نفقة الولد على والده ان كان موسرا كما ذكرناه ، فان لم يكن له والد أو كان له والد الا انه معسر فعلى جده. فان لم يكن له جد ، أو كان له وكان معسرا فعلى والد الجد ثم على هذا الترتيب ابدا.

فان لم يكن له أب ولا جد أو كانا إلا أنهما معسران فنفقته على امه وكل جدة ، وان علت فهي كالأم إذا لم تكن دونها جدة أو كانت لكنها معسرة مثل ما ذكرناه في الأب هذا إذا لم يكن من شق الأم إلا هؤلاء ، فإن كان في شق الام غير هؤلاء وهو أب الأم وأم أب الأم ومن جرى هذا المجرى فهم من أهل الإنفاق في الجملة ، لأن النفقة تلزم بالقرابة على من يقع عليه اسم الأب حقيقة أو مجازا ، أو على من وقع عليه اسم الجد حقيقة أو مجازا.

وإذا كان له أب وأم فالنفقة على الأب دون الأم فإن كان له أم وجد أبو أب وان علا فالنفقة على الجد دون الأم. فإن اجتمع أبو أم وأم أم فهما سواء لتساويهما في الدرجة

ص: 349


1- زاد في هامش نسخة ( ب ) « ويستحق الوالد النفقة على ولده إذا كان الوالد على صفة وولده على صفة »

أيضا (1).

فإما النفقة على الوالد فعلى الولد ان ينفق على والده في الجملة وعلى جده وان علا ، وينفق على امه وأمهاتها وان علون. والذي تجب النفقة عليه فإنها تجب في الفاضل عن قوت يومه وليلته. وصفة من تجب له فان يكون فقيرا ناقص الأحكام أو الخلقة أو هما ، وناقص الأحكام : المجنون ، والخلقة الزمانة ، وهما : ان يكون مجنونا زمنا ، فمن كان على هذه الصفة لزمت ولده النفقة عليه. وان كان كامل الخلقة والأحكام الا انه فقير فعلى ولده الإنفاق عليه ، وإذا كان الولد كامل الخلقة والأحكام وكان معسرا وجب نفقته عليه (2).

وإذا كان موسرا وكان أبواه معسرين ، فان كان معه ما ينفق عليهما فعليه ذلك وان لم يفضل عن كفايته الا نفقة أحدهما كان هذا الفاضل بينهما.

وإذا كان الابن موسرا وله أب وجد أبو الأب وهما معسران ، وابن وابن ابن معسران أيضا ، فإن فضل ما يكفى الكل أنفق عليهم ، وان فضل ما يكفى واحدا منهم

ص: 350


1- لفظة « أيضا » هنا غير مناسبة وزاد في هامش نسخة ( ب ) بعدها بعلامة بعض النسخ « فان اجتمع أم أم وأم أب أو أبو أم وأم أب كانا أمهما أمهاتها وان علون » والظاهر ان ذيله تصحيف من السطر التالي في المتن والصواب « كانا سواء » كما في المبسوط فيحتمل ان تكون لفظة « أيضا » بعد هذه الجملة أو انه كان قبلها فرع آخر نحوه سقط من المتن.
2- يعلم من ذلك انه لا عبرة في الولد أو الوالد بنقص الخلقة أو الأحكام وانما العبرة بفقره وان كان كاملا خلافا لبعض العامة فما ذكره أولا من اعتبار نقصهما مع الفقر لأنه متفق عليه بين الخاصة والعامة كما انه مع نقصهما انما يجب الإنفاق عليه إذا لم يكن له مال أو نحوه والظاهر انه يعتبر في الفقر في كل من الوالد والولد وغيرهما ممن تجب نفقته على غيره ، عجزه عن التكسب اللائق بحاله كما في الشرائع وغيره نظير ما تقدم هنا آنفا من وجوب نفقة غيره عليه بل قد يقال بأن المرأة القادرة على التزويج اللائق بحالها بحكم الغنى وفيه تأمل.

كان الابن اولى ، وكذلك الأب مع الجد (1) فان كان معسرا وله أب وابن موسران كان نفقته عليهما سواء تساويهما في القرابة والتعصيب (2) والرحم.

وان كان موسرا وله زوجة ومن ذوي الأرحام من تجب عليه نفقته. فان فضل ما يكفى الكل أنفق على الكل. وان فضل ما يكفي أحدهم كانت الزوجة أحق بها ، لان نفقتها على سبيل المعاوضة ونفقة ذوي الأرحام مواساة ، والمعاوضة أقوى لأنها تستحق مع إعسارها ويسارها ، والوالد إذا كان موسرا لا نفقة له ، وتستحق مع يسار الزوج وإعساره. والولد لا نفقة له على أب معسر.

وتستحق المطلقة المرضعة النفقة وهي الأجر على الرضاع لقوله تعالى :

( فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) (3).

فإن طلبت اجرة مثلها وليس هناك غيرها أو يوجد غيرها بهذه الأجرة فهي أحق ، وان طلبت أكثر من ذلك (4) والزوج يجد بأجرة المثل كان له نقله عنها لقوله تعالى :

( وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى ) (5) ولقوله تعالى.

( وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ ) (6)

ص: 351


1- اى ان فضل من الابن ما يكفى لواحد فالأب أولى من الجد ويظهر من ذلك حكم ما إذا كان له أب وابن معسران وفضل منه ما يكفي أحدهما فالابن اولى من الأب وهذا تعرض له في المبسوط على حدة وقوى فيه انهما سواء ويحتمل ان يكون المراد بالمتن أولوية الابن بالنسبة الى ابن الابن لا الأب ويؤيده التعليل المذكور في التالي أو المراد ما إذا كان له أب وجد أو ابن وابن ابن كما في المبسوط
2- التعصيب قرابة خاصة للذكور مذكور في كتاب الميراث وباب العاقلة من كتاب الديات.
3- الطلاق - 6
4- ظاهره انه إذا طلبت اجرة المثل والزوج يجد بأقل منها ليس له النقل.
5- الطلاق - 6
6- البقرة 233

واما نفقة المملوك فتجب على سيده وهو على ضربين : مكتسب ، وغير مكتسب فان كان غير مكتسب لصغر أو كبر أو زمانة أو مرض فان نفقته على سيده ، وان كان مكتسبا كان سيده مخيرا بين ان يجعلها في كسبه وبين ان ينفق عليه من عنده لان كسبه وماله له. فإن أنفق عليه من ماله كان جميع كسبه له ، وان جعل نفقته في كسبه وكان وفقا لنفقته لم يكن من سيده غير ذلك ، وان زاد كسبه على ذلك كان الفاضل لسيده. وان كان نقص من ذلك كان على سيده تمامه. والمراعى في مقدار نفقته ما يكفيه لقوته وغير ما (1) يكفيه بحسب العادة.

وإذا بانت المرأة من زوجها بطلاق أو خلع أو غير ذلك وله معها ( منها - خ ل ) ولد طفل لا يعقل ولا يميز ، كانت هي أولى بحضانته من أبيه. وان كان بالغا عاقلا كان مخيرا بين ان يكون مع أبيه أو امه. وان كان صغيرا وقد ميز ولم يبلغ وكان ذكرا كان (2) اولى به الى سبع سنين من عمره ، وان كان أنثى كانت الأم أولى بها الى تسع سنين ، وقيل الى بلوغها (3) ما لم تتزوج فان تزوجت كان الأب أحق

ص: 352


1- لعل الصواب « وغيره » اى غير القوت كالسكنى.
2- في نسخة ( ب ) « كانت امه » وكذا في المختلف عن المصنف في هذا الكتاب لكن الغالب ان الولد قبل سبع سنين بحكم غير المميز ولذا ذكر في المبسوط هنا ان حد التميز ان يبلغ سبع أو ثماني سنين فلعل مراد المصنف غير الغالب.
3- لعل المراد بلوغها عرفا مبلغ النساء للتزويج ونحوه إذا البلوغ الشرعي يكون بتسع سنين لكن لم أجد هذا القول لأحد فإن المذكور في المبسوط وغيره هو البلوغ المراد به الشرعي نعم حكى عن بعض تحديده بتزويج البنت فلعله المراد هنا وعلى كل فعن الشيخ في النهاية ان الأم أولى بحضانة الذكر مدة الحولين وبالأنثى سبع سنين واختاره كثير من الأصحاب وحكاه في المختلف عن المصنف في الكامل.

بولده ذكرا كان أو أنثى ، طفلا غير مميز ولا عاقل أو طفلا مميزا.

فان كان لم يبلغ سبع سنين أو أكثر منها فان تزوجت وكان لها أم ، كانت أمها أحق به ان لم يكن لها زوج وهو جد الطفل (1). وان كان غير جده كان الأب أحق له. فان كان لجد الطفل (2) كانت اولى به من الأب وكذلك الحكم فيما زاد على ما ذكرناه من الإباء والأمهات.

فان لم تكن أمهات الأم على ما ذكرناه كان الأب أحق به من كل أحد ثم أمهاته وآباؤه ، ويجرون في كونهم أحق به مجرى أحقهم بميراثه ، فمن كان منهم أحق بميراثه كان أحق بحضانته. وان كان من يستحق ميراثه أكثر من واحد ، وتنازعوا في حضانته ، أقرع بينهم فمن خرج اسمه كان اولى به. وكذلك القول في اخوته وأخواته إذا لم يكن أب ولا أم ولا أحد ممن تقدم ذكره.

وإذا كان له ولد من كافرة وهو مسلم كان المسلم أحق بولده على كل حال.

فإن أسلمت الكافرة كان كما لو كانت في الأصل مسلمة. وكذلك لو كانت مسلمة وزوجها كافر كانت أحق به من الكافر فلو أسلم الكافر كما كان لو كان في الأصل مسلما.

وإذا كان أحد أبوي الطفل مملوكا لم يكن له حق في الحضانة فإن أعتق ثبت حقه ، وتكون أمة أحق به الى سبع سنين من عمره ثم يكون أبوه أحق به من ذلك وان كان الولد أنثى كانت امه أحق بها الى ان تبلغ.

ص: 353


1- الصواب « ان لم يكن لها زوج أو كان لها زوج وهو جدا الطفل » كما في هامش نسخة ( ب ) بعلامة التصحيح.
2- في هامش نسخة ( ب ) بعلامة التصحيح « فان كان لجد الطفل أم ولا زوج لها كانت أحق به من الأب فإن كان لها زوج وهو أبو جد الطفل » وهذا الترتيب غير وارد في النصوص ولعله لصدق أم الولد على أمهات أمه فيكون اولى من الأب وفيه منع واضح مضافا الى ان المستفاد من النصوص وغيرها كما في جواهر الكلام ان الأصل كون حضانة الولد ذكرا كان أو أنثى لأبيه وانما خرجت عنه الام فيما ذكر

وإذا تزوجت الأم أو فسقت سقط حقها من الحضانة. فإن كان لها أم كانت أحق به على ما قدمناه.

وإذا ملك إنسان بهيمة كانت مما يؤكل لحمه أولا يؤكل ، طيرا كان أو غير ذلك ، مما يؤكل لحمه أيضا أولا يؤكل ، كان على مالكه النفقة عليه. وان كانت البهيمة في البلد كانت نفقته عليه بالقيام بها بالعلف وبما يصلح حالها ، وان كانت في البادية أطلقها للرعي ، فان لم يكن لها ما يرعاه فالعلف.

والمالك لما يؤكل لحمه من ذلك مخير فيه بين البيع والذبح والعلف.

وان كانت مما لا يؤكل لحمه كان مخيرا بين علفها وبين بيعها ولا يجوز له حبس شي ء من ذلك من غير ان يعلفه ولا يقوم به ولا يطلقه للرعي وما أشبه ذلك. فان فعل ذلك أجبره الحاكم على أحد ما ذكرنا انه مخير فيه.

ص: 354

« كتاب العتق والتدبير والمكاتبة وما يتعلق بذلك »

اشارة

قال اللّه تعالى « فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ. وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ. فَكُّ رَقَبَةٍ » (1) الاية.

وعن النبي - صلى اللّه عليه وآله - قال : من أعتق رقبة مؤمنة أو مسلمة في اللّه ، أعتق اللّه بكل عضو منها عضوا منه من النار.

وعن زين العابدين - عليه السلام قال ، ما من مؤمن يعتق نسمة مؤمنة ، إلا أعتق اللّه تعالى بكل عضو منها عضوا من النار حتى الفرج بالفرج.

وعن الصادق - عليه السلام - : اربع من أراد اللّه بواحدة منهن وجبت له الجنة ، من سقى هامة صادئة ( صادمة - خ ل ) ، أو أطعم كبدا جائعة ، أو كسا جلدا عاريا ، أو أعتق رقبة مؤمنة (2).

وإذا كان العتق لا يصح الا فيما يملك ، فينبغي ان يذكر ما يصح تملكه ، وما لا يصح

« باب ذكر من يصح تملكه ومن لا يصح ».

إذا كان الإنسان بالغا كامل العقل ، وأقر على نفسه بالعبودية ، كان رقا ، وكذلك

ص: 355


1- البلد - 11 - 13
2- هذه الاخبار الثلاثة أوردها كذلك في دعائم الإسلام وأورد نحوها في الوسائل الباب الأول من العتق وهامة صادئة : اى العطشان فان الصدى العطش أو شدته وهامة بتخفيف الميم وسط فوق الرأس وبتشديدها ذات السموم القاتلة كالحية وكلاهما غير مناسب هنا فلعلها من الهيام بمعنى شدة العطش اى نفسا هائمة

ان لم يكن بالغا فيثبت عليه بينة بذلك ، كان رقا كذلك ، وإذا ثبت رق من ذكرناه ، صح التصرف فيه بالعتق وغيره ، من هبة أو بيع أو ما أشبهه ، وذلك (1) مما يجوز في شرع الإسلام ، ومن لا يثبت عليه ما ذكرناه من الإقرار أو البينة فإنه لا يجوز استرقاقه. والكفار على ضربين :

أحدهما يسترق ، والأخر لا يسترق والذي يسترق هو جميع من خالف اليهود والنصارى والمجوس من الكفار ، وكل يهودي ونصراني ومجوسي امتنع من إعطاء الجزية. واما الذي لا يسترق منهم فهو كل من اعطى الجزية ، من يهودي أو نصراني أو مجوسي ، وهؤلاء إذا أعطوا الجزية لم يسترقوا وأقروا على أديانهم وأحكامهم ، وكل من عداهم من الكفار لا يجوز أخذ الجزية منهم كما قدمناه ، بل يعرض الإسلام عليهم فإن أسلموا والا قوتلوا وغنمت أموالهم ، وسبيت ذراريهم ، وقد ذكرنا ذلك فيما تقدم مفصلا.

ويجوز استرقاق الكفار وان سباهم أهل الضلال والفسق.

ويجوز ان يبتاع الإنسان ما يسبيه بعض الكفار من بعض ، ما لم يكن المسبي مسلما ، وإذا كان للكافر أولاد وزوجة ، أو غير ذلك من أقاربه ، فأراد بيع شي ء منهم ، جاز ابتياعه منه واسترقاقه ، ويصح التصرف فيه بالبيع وما جرى مجراه من وجوه التصرف.

وإذا كان المملوك من أهل الإيمان ، فإنه يستحب لسيده عتقه ، وإذا بقي في ملكه سبع سنين فلا يسترقه أكثر من ذلك.

وإذا ملك إنسان أحد أبويه ، أو بعض من يحرم عليه نكاحه من أقاربه ، انعتق عليه في الحال الذي يملكه فيه ، ولا يثبت له استرقاق ، وكذلك ان ملك مثل المحرمات عليه من الرضاع ، فإنه ينعتق عليه أيضا في الحال.

ص: 356


1- في نسخة ( ب ) « أو ما أشبه ذلك مما يجوز ».

ويجوز للإنسان أن يملك من عدا أبويه (1) من ذوي أرحامه ، والأفضل لمن ملك ذلك ان لا يسترقه بل يعتقه.

وإذا عمى المملوك ، أو أجذم ، أو أقعد أو مثل به سيده ، أو نكل به ، (2) انعتق في الحال ، وإذا كان العبد يباع في السوق المسلمين ، جاز ابتياعه ، وان ادعى الحرية ، لم يقبل قوله الا ببينة عادلة ، فإن ثبت له ذلك خلي سبيله ، فان لم يثبت ذلك فهو عبد يصح بيعه كما قد مناه.

« باب العتق وأحكامه »

صحة العتق تفتقر الى شروط :

وهي ان يكون المعتق كامل العقل ، وبنوى العتق ، ويقصد اليه دون غيره ، ويكون مالكا لما يعتقه ، ويتلفظ فيه بالحرية ، وهو ان يقول : « فلان عبدي ، أو فلانة أمتي ، أو يشير الى ذلك فيقول : أنت أو هذه حر أو حرة لوجه اللّه تعالى » ، ويكون متقربا بذلك اليه تعالى.

فإذا أعتق عبدا ، وهو غير كامل العقل ، أو لا يتلفظ باللفظ الذي قدمنا ذكره ، أو لا يتقرب بالعتق اليه تعالى ، لم يقع عتقه ، وكان باطلا.

ويستحب عتق من كان من أهل الحق ، ويجوز عتق المستضعف ، ويكره عتق من خالف الحق ، وإذا قال : « كل عبد أملكه في المستقبل فهو حر لم يقع العتق وان ملك في المستقبل عبدا أو عبيدا ، الا ان يكون نذر ذلك ، فيلزمه العتق لأجل النذر دون غيره.

وإذا أعتق مملوكا لغير اللّه ، أو لم يرد به وجه اللّه تعالى ، أو أعتقه وهو مكره ،

ص: 357


1- اى من الذكور واما الإناث فقد مر انه ينعتق عليه من يحرم عليه نكاحه من أقاربه كالأخت وبنتها والعمة والخالة نسبا أو رضاعا.
2- التنكيل هو التمثيل وهو قطع ما يزيله عن هيئته كالأنف والاذن وقد ورد في النص كل منهما فلعل مراد المصنف به مطلق التعذيب.

أو ناقص العقل ، أو سكران ، أو ساه ، أو غضبان ، أو حلف بالعتق ، لم يقع العتق.

وإذا كان المعتق أخرس فكتب العتق بيده ، أو أشار اليه ، وفهم من قصده ذلك ، كان عتقه ماضيا.

ومن أعتق مملوكا لا يقدر على الاكتساب ، أو يكون (1) فيه ما يغني نفسه ، كان جائزا ، الا أن الأفضل ان لا يعتق الا من يكون قادرا على اكتساب ما يحتاج اليه أو يغني نفسه ومن أعتق من هذه صفته ، أو كان صبيا ، أو عاجزا عن النهضة فيما يحتاج اليه ويقوم بأوده (2) ، فالأفضل أن يجعل له شيئا من ماله يستعين به على معيشته.

وإذا كان عبد بين شريكين ، وأعتق أحدهما نصيبه إضرارا بشريكه الأخر ، وكان موسرا كان عليه ان يبتاع ما بقي من العبد ، ويعتقه ، وان كان معسرا لا يملك الا ما أعتقه ، كان العتق باطلا ، وان لم يكن قصده بما أعتقه من نصيبه ، الإضرار بشريكه ، وانما قصد بذلك وجه اللّه ، لم يجب عليه ابتياع نصيب شريكه ولا عتقه ، بل يستحب له ذلك ، فان لم يفعله استسعى العبد في الباقي من ثمنه ، ولم يكن لصاحبه الذي يملك منه ، ولا عليه ضرر به (3) ، بل له ان يستسعيه في الباقي من ثمنه ، فان امتنع العبد من السعي في فك رقبته ، كان له من نفسه قدر ما أعتق ولمولاه الباقي.

ص: 358


1- الصواب « أو لا يكون ».
2- الأود بفتحتين الاعوجاج يقال اقام أوده أي سوى امره وعد له وبسكون الواو بمعنى الجهد والمشقة ومنه قول أمير المؤمنين عليه السلام لطلحة والزبير : إنكما شريكان في القوة وعونان على العجز والأود.
3- الصواب كما في النسخة ( ب ) مع التصحيح وفي النهاية « ولم يكن لصاحبه الذي يملك منه ما بقي استخدامه ولا له عليه ضريبة » وظاهر المتن والنهاية عدم اشتراط قصد القربة في عتق الشريك مع يساره وهو الظاهر من النص الوارد فيه وهذا مناقض لما مر وما قيل في رده من عدم منافاة قصد الإضرار للتقرب خلاف الظاهر فالأولى عدم اشتراط القربة في هذا الفرض أو مطلقا فيحمل النصوص في اعتباره على نفى الكمال كما لا يبعد.

وإذا كان لإنسان مملوك ، فأعتق منه بعضه ، نصفه أو ربعه أو أقل من ذلك أو أكثر ، انعتق جميعه عليه.

وإذا كان له مملوك فأعتقه وشرط عليه انه متى خالفه في فعل من الأفعال كان ردا في الرق ، أو كان عليه مال معلوم ، كان الشرط صحيحا ، وكذلك ان شرط عليه خدمته سنة أو أكثر من ذلك ، كان الشرط أيضا صحيحا ولزمه ذلك ، فان مات المعتق كانت خدمته لورثته ، وان أبق المملوك ولم تؤخذ ( ولم يوجد - خ ل ) حتى انقضت المدة المضروبة لخدمته ، لم يكن للوارث عليه سبيل.

وإذا كان له عبد فأعتقه وكان مع العبد مال ، وكان سيده عالما به كان ذلك المال للعبد المعتق دون سيده ، وان لم يكن السيد عالما به ، كان المال للسيد دون العبد

وإذا كان للعبد مال. وأراد سيده عتقه واستثنى المال ، جاز له ذلك الا انه لا يبتدئ بتحريره أولا بل يبتدئ فيقول : « مالك لي وأنت حر لوجه اللّه تعالى » فان بدأ بالحرية فقال : « أنت حر لوجه اللّه ولى مالك » مضى العتق ولم يكن لسيده سبيل على المال (1).

المملوك لا يملك من الأموال شيئا ما دام مملوكا ، فان ملكه سيده شيئا من ذلك ملك التصرف فيه ، وكذلك إذا جعل عليه ضريبة يؤديها اليه ، وما يبقى بعد ذلك يكون له فإنه إذا أدى الضريبة إلى سيده ، كان له التصرف فيه (2) ، وليس له ان يملك رقبة المال. فان تزوج أو تسرى أو ابتاع مملوكا من هذا المال وأعتق المملوك كان جميع ذلك جائزا ، الا ان هذا المملوك الذي يعتقه ، كان سائبة (3) لا ولاء

ص: 359


1- تقدم نحوه في كتاب النكاح فيما لو أعتق جاريته وتزوجها وجعل مهرها عتقها.
2- في هامش نسخة ( ب ) « كان له التصرف في الباقي وكذلك إذا أصيب العبد بما يستحق به الأرش كان ذلك له وجاز له التصرف فيه » ونحوه في النهاية
3- السائبة المهملة والمراد هنا العبد الذي أعتق وليس لمن أعتقه ولاء عليه ويأتي بيانه في باب الولاء التالي وقوله « لان العبد لا يملك جريرة غيره » تعليل لكونه سائبة ولعدم جواز ان يتوالى إليه اى انه لا ولاء له عليه بأصل الشرع ولا بعقده بعد العتق لأنه متضمن لضمان الجريرة والعبد لا يملك ذلك.

لأحد عليه ، ولا يجوز له ان يتوالى الى العبد الذي أعتقه ، لأن العبد لا يملك جريرة غيره فان توالى الى غيره كان جائزا.

وإذا كان لإنسان من العبد أكثر من ثلاثة ، فأعتق منهم ثلاثة ، وقيل له : « أعتقت مماليكك » فقال : « نعم » لم ينعتق منهم إلا الثلاثة الذين كان أعتقهم ، وان كان قد أجابهم بلفظ العموم بقوله « نعم » وكذلك لو أعتق أربعة أو خمسة أو أكثر من ذلك.

وإذا نذر عتق أول مملوك يملكه ، فملك جماعة من المماليك في حال واحدة أقرع بينهم ، فمن خرج اسمه انعتق (1) وإذا كانت له مملوكة فنذر انه ان وطأها كانت معتقة ، فوطأها قبل خروجها من ملكه ، انعتقت ، وان أخرجها من ملكه ثم اشتراها ووطأها بعد ذلك ، لم ينعتق بما كان نذره أولا.

وإذا نذر عتق مملوك معين ، كان عليه عتقه بعينه دون غيره ، فإن أعتق غيره ، لم يكن ذلك مجزيا له.

وإذا قال : « كل مملوك لي قديم فهو حر » ، انعتق من مماليكه كل من كان له في ملكه ستة أشهر.

وإذا زوج مملوكة له ، وشرط عتق أول ولده تلده فولدت توأما ، كانا جميعا معتقين (2)

ص: 360


1- ظاهره انه بالنذر ينعتق قهرا إذا ملكه وهذا إذا كان المنذور نفس العتق من باب نذر النتيجة كما ذكر ذلك بعض الأصحاب فيما إذا أنذر عتق عبد معين لا يملكه لكنه مشكل لكونه مخالفا لعموم ما دل على عدم صحة العتق قبل ملك بل الأظهر من النصوص الواردة في مسئلة المتن بعد حملها على النذر ، اعتبار الإعتاق فيه أيضا كما لو كان المنذور هو الإعتاق.
2- الفرق بين هذا وما مر آنفا في أول ما يملكه مضافا الى النص ان مراد الناذر فيما مر أول عدد يملكه وفي هذا يمكن كون المراد أول بطن تلده ولذا كان ظاهر النص والفتوى عدم الفرق بين ولادتهما في آن واحد أو متعاقبا.

وإذا ابتاع مملوكة ولم يسلم ثمنها إلى البائع ، ثم أعتقها وتزوجها ، ومات عنها ، ولم يترك موروثا من المال غيرها ، ردت في الرق لبائعها ، فإن كانت قد حملت ، كان الحمل رقا له ، وكان عتقه ونكاحه كلاهما باطلا. وان كان قد ترك موروثا يحيط بثمن رقبتها ، كان على الوارث دفع ثمنها إلى بائعها وكان عتقه ونكاحه صحيحين ، ولم يكن لأحد عليها سبيل ، فان كانت حاملا ، كان الحمل حرا لا سبيل لأحد عليه.

وإذا أعتق عبده عند موته ، وعليه دين ، وكان ثمن العبد ضعفي ما عليه من الدين ، كان عتقه ماضيا ، وإذا استسعى العبد في قضاء ما على سيده من الدين. وان كان ثمن العبد أقل من ضعفي الدين كان العتق باطلا.

وإذا كان له من المماليك جماعة ، فأعتق منهم الثلث ولم يعين ذلك ، استخرج بالقرعة ، فمن خرج اسمه كان حرا.

وإذا أعتق مملوكة له حاملا من غيره ، كان حملها معتقا ، فان استثناه من الحرية لم يثبت له رق مع مضى الحرية في امه.

وإذا مات وترك مملوكا ، وشهد بعض الوراث ان سيده الميت أعتقه ، نظر فان كان مرضيا وشهد معه غيره بما شهد به ، انعتق المملوك ، ولم يكن لأحد عليه سبيل ، وان لم يكن مرضيا ، مضى العتق في حصة منه ، واستسعى المملوك فيما بقي منه.

وإذا نذر عتق رقبة مؤمنة. ثم أراد عتق صبي غير بالغ ، كان ذلك جائزا.

وإذا أبق المملوك وأراد سيده عتقه في الكفارة ، كان جائزا إذا لم يعلم بموته.

وإذا مات العبد وعليه دين نظر فان كان سيده اذن له في الاستدانة ، كان عليه قضاءه ، وان لم يكن اذن له في ذلك ، لم يجب عليه القضاء.

ص: 361

وإذا أعتق عبده عن دين (1) وكان عليه عتق رقبة واجبة لم يكن مجزئا عنه.

وإذا بلغ الغلام عشر سنين ، جاز عتقه وصدقة إذا كان على وجه المعروف.

وإذا كان له مملوك ، وكان يقوم بأحواله ويحسن اليه ، فأراد البيع ، (2) كان سيده مخيرا في ذلك ، ولم يجب عليه بيعه.

وإذا اوصى بعتق رقبة غير معينة ، جاز له ان يعتق رقبة ، ذكرا كان أو أنثى.

وإذا كان عبد بين ثلاثة : لواحد منهم نصفه ، والأخر سدسه ، فأعتق صاحب النصف وصاحب السدس ملكيهما معا في وقت واحد ، اشتريا نصيب الثالث ، وكان عليهما قيمة الثلث بينهما ، (3) لقول النبي صلى اللّه عليه وآله - (4) من أعتق شركا له من عبد وكان له مال يبلغ ثمن العبد ، قوم العبد قيمة العدل ، فاعطى شركائه حصصهم ، وعتق العبد ، فعلق الضمان بأن أعتق شركا له من عبد ، وقد اشتركا (5) في هذا المعنى ، فكانا سواء في الضمان.

وقد ذكرنا فيما تقدم ان من ملك أحد أبويه أو من لا يجوز عليه نكاحه من أقاربه انعتق عليه في الحال ، ولم يلحق بذلك ما يتعلق به (6) ، لان ذلك الموضع اقتضى

ص: 362


1- الصواب « عن دبر » يعني إذا دبر مملوكه لم يجزه عن عتق وجب عليه في كفارة ونحوها وان كان ذلك بعد موته كما في النص.
2- أي أراد العبد من سيده ان يبيعه والمذكور في النص فلا يبعه ولا كرامة له اى لا يجب إجابته.
3- أي نصفين وان اختلف ملك المعتقين كما في هامش نسخة ( ب ) وتقييده بوقت واحد لأنه إذا أعتق أحدهما نصيبه أولا ، ضمن نصيب الآخرين.
4- رواه مسلم في كتابي العتق والايمان من صحيحه ومضمونه موجود في اخبار الخاصة كما في الوسائل الباب 18 من العتق وفي بعضها التقييد بما كان قصده الإضرار كما تقدم في المتن والمراد بالشرك في الخبر ، النصيب.
5- اى صاحب النصف وصاحب السدس.
6- اى ذكرنا فيما تقدم أصل المسئلة ولم نتعرض لما يتعلق بها من الفروع لان المناسب هناك هو الإجمال المذكور.

إيراده على الجملة التي ذكرناها.

ونحن نذكر الان ما يتعلق بذلك ، ومن (1) إذا ملك مما ذكرناه وانعتق عليه فلا يخلو من ان يملك جميعه أو بعضه فاذا كان ملك جميعه ينعتق عليه وكذلك إذا ملك بعضه انعتق بعضه لأن الذي يقتضي عتق الجميع ، يقتضي عتق البعض ، فاذا ملك بعضه ، عتق عليه ذلك البعض ، فاذا صح عتقه نظر فان كان معسرا ، لم يقوم عليه نصيب شريكه ، وان كان موسرا وكان قد ملكه باختياره ، قوم عليه ذلك لأنه يملكه مع العلم بأنه يعتق عليه وان ملكه بغير اختياره مثل ان ورث ذلك البعض ، فإنه لا يقوم عليه الباقي ، لأن القدر الذي عتق عليه ، لم يقصد به إدخال الضرر على شريكه (2).

وإذا أعتق بعضه بغير قصد مالكه الى الضرر لم يقوم عليه كما لو اوصى بعتق نصف مملوك ، فإنه ينعتق بعضه بعد وفاته ، ولا يقوم على الوارث الباقي من الرق ، لأنه لا صنع له في عتق الذي انعتق منه.

وإذا اوصى لصبي أو مجنون لكل واحد منهما بمن يعتق عليه ، مثل ان اوصى لأحدهما بأحد آبائه ، وللآخر (3) بأحد أبنائه ، فهل يجب على وليه القبول لذلك أم لا يجب ذلك عليه ، فإنه ينظر فيه فان كان في الموضع الذي لا يقوم عليه ، (4)

ص: 363


1- كان الصواب « ومن ذلك » اى ومما يتعلق بها انه إذا ملك إلخ.
2- ونحوه في المبسوط الا انه قال لأنه لا صنع له في عتق ما عتق منه لكنه قال في الخلاف : يقوم عليه ما بقي ان كان موسرا وحكى عن الشافعي انه لا يقوم عليه لأنه بغير اختياره ثم استدل لما اختاره بإجماع الفرقة واخبارهم والظاهر ان قول المصنف : وإذا أعتق بعضه إلخ من متممات الاستدلال المذكور فهو كبرى لما قبله وقوله كما لو اوصى إلخ تمثيل له بالوصية بعتق بعض المملوك وانه لا يقوم الباقي على الوارث لما ذكر.
3- اى المجنون كما في المبسوط وذلك لان الصبي لا يكون له ابن.
4- ذكر في المبسوط تفصيل الذي يقوم عليه والموضع الذي لا يقوم عليه.

قبل الولي له ذلك ، وان كان في الموضع الذي يقوم عليه ، لم يقبل ذلك له.

« باب الولاء »

انما يثبت الولاء لسبب ، والسبب ضربان :

أحدهما : العتق ، والأخر : تضمن الجريرة :

فأما ما سببه العتق فهو ولاء كل من أعتق تطوعا لوجه اللّه فمن أعتق لذلك ، كان ولاءه لمن أعتقه وجريرته عليه ، فان كان سيده في حال عتقه قد تبرأ من جريرته ، واشهد على ذلك شاهدين ، وجعلها سائبة ، فإنه لا يكون ولاءه له ، ولا ضمان جريرته عليه.

وولاء أولاد المعتق (1) وان سفلوا لمن أعتق آبائهم إذا كانوا أحرارا في الأصل فإن كانوا معتقين (2) ، كان ولاءهم لمن أعتقهم دون الذي أعتق آبائهم.

وإذا مات المعتق (3) ورث ولاء مواليه أولاده الذكور دون الإناث ، فان لم يكن له أولاد ذكور ، وكان له بنات ، كان ولاء مواليه لعصبته دون غيرهم ، لأنهم هم الضامنون لجريرته.

وإذا كان المعتق امرأة (4) ، ولها موال وعصبة وأولاد ذكور وإناث. كان ولاء مواليها لعصبتها دون أولادها ، وإذا كان للمعتق أخ لأبيه ، أو لأبيه وامه وعصبة ، كان ميراثه لأخيه ، وكذلك ان كان له أبوان ، فإن ولاء مواليه لأبويه دون عصبته ،

ص: 364


1- بفتح التاء على صيغة المفعول.
2- اى من غير مولى الأب كما إذا تزوج الأب بأمة لغير مولاه وشرط مولاها كون الولد رقا له.
3- على صيغة الفاعل.
4- اى وماتت إذ لا إشكال في كون الولاء لها في حياتها والعصبة هم الذكور المتقربون الى الميت بأبيه وظاهر العبارة التالية أنهم غير الاخوة لكن يمكن كون المراد تقديمهم على سائر العصبة.

لأن العصبة انما يأخذ الميراث إذا لم يكن غيرهم ، أو يكون الذي خلفهم الميت إناثا (1).

واما ما سببه تضمن الجريرة : فهو ولاء كل معتق كان سائبة ، وتوالى الى غيره تضمن جريرته ، والمعتق انما يكون سائبة بأن يعتق في شي ء من الكفارات الواجبة ، أو يتبرأ معتقه من جريرته ، فاذا كان كذلك ، كان سائبة لا ولاء لأحد عليه ، الا ان يتوالى هو الى من يضمن جريرته ، فيكون ولاءه له. فان لم يتوال الى إنسان حتى مات ، وخلف موروثا ، كان لبيت المال ، ولا يصح هبة الولاء على وجه من الوجوه ، وكذلك بيعه لا يصح على حال من الأحوال. (2)

« باب التدبير »

الشروط التي يصح التدبير معها هي شروط العتق ، وقد تقدم ذكرها. واما صفته فهو ان يقول الإنسان لمملوكه : « أنت رق في حياتي وحر لوجه اللّه بعد وفاتي » فإذا قال كذلك ، صح التدبير ، سواء كان هذا القول في صحة أو مرض. وكذلك ، صح التدبير ، سواء كان هذا القول في صحة أو مرض.

وكذلك لو قال : « أنت حر لوجه اللّه إذا مت ، أو ان مت ، أو ان حدث بي حدث

ص: 365


1- مقتضاه انه لو خلف الام وحدها لا ترث من ولائه ولا يبعد الإشكال في إرثها مع الأب أيضا كما في جواهر الكلام لظهور بعض النصوص في اختصاص إرث الولاء بالرجال كمامر في المتن بالنسبة إلى الأولاد واعلم ان مسائل إرث الولاء طويل الذيل وكثير الخلاف وما في المتن موافق لنهاية الشيخ.
2- وهنا سببان آخران للولاء أحدهما إذا اشترى عبد بمال الزكاة وأعتق فولاية للمستحقين للزكاة كما في النص والثاني إذا أسلم كافر على يد مسلم فولاية لهذا المسلم لكن الأول ملحق بولاء العتق المذكور غايته انه لا يلزم فيه إعتاق الشخص والثاني خلاف المشهور بل الإجماع المحكى كما في المبسوط والخلاف لكن وردت به اخبار من الخاصة والعامة أوردناه في التعليق على ميراث جواهر الكلام واللّه العالم.

الموت ، أو أنت محرر أو أنت عتيق بعد موتي ، أو أنت مدبر » ويريد بذلك عتقه بعد موته ، أو ما أشبه ذلك من الألفاظ ، كان جاريا مجرى الأول.

وإذا دبر مملوكه على ما ذكرناه فهو مملوك ما دام السيد حيا ، وللسيد الرجوع في تدبيره وبيعه وهبته وغير ذلك ، أو يجعله صداقا ، والتدبير جار مجرى الوصية ، فإن بدا له تغييرها ( فان بدلها بغيرها - خ ل ) قبل موته ، بطل منها ما رجع فيه ، وان تركها حتى مات ، كانت ماضية من الثلث ، فان مات السيد ولم يرجع عن التدبير ، كان من الثلث ، فان زاد عليه ، استسعى المدبر في ما يبقى ، فان نقص عن ذلك كان معتقا.

ويستحب لمن دبر مملوكه ان يشهد على تدبيره له ، وكذلك ان رجع في تدبيره ، وليس ذلك بواجب عليه ، ويجوز لسيد المدبر ان يبيع خدمته ، وإذا ثبت (1) على تدبيره ولم يرجع عنه ، فيشترى المشترى كذلك ، فيخدمه أيام حياته الذي دبره : فاذا مات ، عتق من الثلث.

وإذا كان له جارية مدبرة ، جاز له وطؤها ، وولد المدبرة الذي تأتي به (2)

ص: 366


1- الصواب « إذا ثبت » بدون الواو كما في المختلف عن هذا الكتاب فهو قيد لما قبله كما ان الصواب في السطر التالي « حياة الذي » وبالجملة ظاهر المصنف وجماعة كالشيخ في كتبه انه إذا لم يرجع المولى عن تدبيره قولا أو عملا ببيع العبد ونحوه جاز له بيع خدمته ما دام حيا فاذا مات صار العبد حرا لظاهر النصوص كما عن الوسائل الباب 3 من أبواب التدبير ولا مانع من إطلاق البيع مجازا على نقل الخدمة ومن اغتفار الجهالة هنا لجهالة موت المولى تعبدا كما في باب السكنى والعمرى فلا داعي لحمل النص وكلام الأصحاب على الإجارة مدة معينة ثم مدة أخرى وهكذا.
2- اى من غير مولاها كما إذا زوجها بعبد أو حر وشرط كون ولدها له ومورد النص هو التزويج بالحر ولم يذكر فيه هذا الشرط لكنه محمول عليه لوضوح عدم الرقية بدونه.

في حال كونها مدبرة ، كهيئتها ، ويجرون مجراها يعتقون بعتقها ، ويكونون رقا برقها ما تمادى السيد في التدبير ، وله ان يرجع عن تدبيرها دونهم ، ولا يجوز له نقض تدبير الأولاد ، وانما له نقض تدبير الام دونهم.

وإذا اشترى المدبر جارية بإذن سيده فولدت منه أولادا ، ثم مات المدبر قبل سيده ، كان ما خلفه من مال ومتاع وأم ولده لسيده ، فاذا مات السيد انعتق الأولاد بعد ذلك.

وإذا دبر ما في بطن أمته دون الام ثم مات ، كان الولد مدبرا إذا وضعته قبل ان يمضي ستة أشهر من وقت التدبير ، فاذا وضعته بعد ان يمضي ستة أشهر ، (1) لم يجبر الورثة على عتقه ، ويستحب لهم ان لا يبطلوا العتق عما وضعته الأمة ، إلا إذا جاوز تسعة أشهر.

وإذا باع السيد أمته التي دبرها (2) في بطنها من غير ان يستثني ولدها ، كان بيعه لها رجوعا عن تدبير ما في بطنها.

وإذا دبر أمته وهو لا يعلم انها حامل ، ولم يذكر في تدبيره ما في بطنها كان التدبير لهما ، (3) وكذلك : ان حدث الحمل بعد التدبير ، كانا جميعا مدبرين ويعتقان معا من الثلث فان كان قيمتهما أكثر من الثلث ولم يجز الورثة ذلك سعيا في الزيادة.

ص: 367


1- قيل لاحتمال تأخر الحمل عن التدبير وانما توهم المولى وجوده قلت ظاهرهم أعم مما علم بوجوده كما هو الغالب فلعله كان ذلك منصوصا لم يصل إلينا.
2- الصواب « دبر ما في بطنها » كما عن بعض النسخ أو « دبرها وما في بطنها » والحكم المذكور صالح لهما.
3- من قوله : « وإذا دبر الى ما في بطنها » زيادة في هامش نسخة ( ب ) تصحيحا وحكاه في المختلف أيضا عن المصنف كذلك ومقتضاه انه لو كان عالما بحملها ودبرها كان الولد رقا والمذكور في النص عكس ذلك كما ذكره الشيخ في النهاية وحكاه أيضا في المختلف عن المصنف قبل النقل الأول واللّه العالم.

ويجوز له تدبير حصته من مملوكه (1) فان مات الذي دبر حصته في مملوك كان بمنزلة الذي يعتق الحصة في العبد (2).

وإذا قال لمملوكه أنت حر ان حدث بي موت في مرضى هذا أو في سفري هذا ، لم يكن ذلك تدبيرا إذا صح أو قدم؟! وكذلك : ان قال له أنت حر بعد موت زيد ، فان مات السيد قبل موت زيد ، كان للوارث بيع المملوك.

وإذا قال كل مملوك لي حر بعد وفاتي كان جميع ما في ملكه في حال هذا القول منه مدبرا ، وما يملكه بعد ذلك لا يدخل في التدبير.

وإذا قال له أنت حر إذا جاءت سنة كذا أو شهر كذا أو يوم كذا ، فحضر الوقت الذي ذكره وهو في ملكه ، كان حرا وله ان يرجع في ذلك كله بان يخرجه من ملكه ببيع أو هبة أو غير ذلك كما له الرجوع في تدبيره.

وإذا قال له متى ما قدم زيد فأنت حر ، ومتى ما صح عمرو من مرضه فأنت حر كان له بيعه قبل قدوم زيد أو ان يبرء عمرو ، فان قدم هذا أو برأ هذا من مرضه وهو في ملكه عتق عليه.

وإذا قال كل عبد لي حر بعد وفاتي وكان له شقص في عبد لم يدخل الشقص في التدبير الا ان يكون إرادة فان اراده دخل في ذلك ، وان قال العبد المدبر لسيده عجل لي العتق ولك الف درهم فقال نعم وأعتقه ، كان ذلك عتقا على مال وهو حر وعليه الالف وبطل التدبير.

وإذا كان على سيد المدبر دين ، يحيط بجميع ماله جاز بيع المدبر في ذلك الا انه لا يباع فيه الا بعد ان لا يوجد له قضاء الا ببيعه؟! أو يقول السيد أبطلت التدبير.

وإذا ارتد المدبر ولحق بدار الحرب ثم عاد الى سيده بالملك الأول فتاب

ص: 368


1- أي إذا كان مشتركا بين اثنين أو أكثر.
2- تقدم انه لو أعتق حصته ضمن حصة شريكه في الجملة فهنا أيضا يضمنها في تركته ويأتي قريبا انه من الثلث.

كان تدبيره ثابتا (1) ، ولو أخذ أسيرا فأخذه سيده قبل القسم أو بعده كان على تدبيره؟! فان ارتد سيده ولحق بدار الحرب وعاد تائبا قبل ان يحكم الحاكم بقسمة ماله كان على تدبيره ، لان ذلك جار مجرى موته (2).

وإذا دبر أمته ووطأها وولدت ، كانت أم ولد وتنعتق بموته.

وإذا قال لعبده المدبر إذا أديت الى ألف درهم الى سنة ، فأنت حر لم يبطل التدبير بذلك؟! فإن أدى المال في الأجل عتق ، وان مات السيد قبل ان يؤديه عتق بالتدبير.

وإذا دبر عبده ثم خرس فلم يتكلم حتى مات كان على تدبيره فإن أشار بإشارة يفهم منها رجوعه عن تدبيره (3) في حال الغلبة على عقله لم يصح رجوعه؟! وكان المملوك باقيا على تدبيره.

وإذا دبره وهو مغلوب على عقله ، ثم تاب ( آب - خ ل ) اليه عقله ، ولم يجدد له تدبيرا كان تدبيره باطلا.

وإذا أثبت المملوك على سيده شاهدين بأنه دبره ، والسيد ينكر ذلك ، قيل له ان أردت فارجع عن تدبيره (4) ، كان عليهم البينة بما ادعوه! ولا يجوز في ذلك

ص: 369


1- يأتي ان إباق العبد مبطل لتدبيره ولحوقه بدار الحرب إباق كما في المبسوط وغيره.
2- التعليل لا يناسب ما قبله والظاهر ان فيه سقطا ولعله « وان كان ارتد عن فطرة صار حرا » وذلك لما تقدم في آخر باب اللعان من ان هذا المرتد بحكم الميت في قسمة ماله بين الورثة وبينونة زوجته واعتدادها عدة الوفاة ولذا قال في المسالك وربما قيل بانعتاقه بالارتداد عن فطرة تنزيلا له منزلة الموت انتهى ثم ان تقييد المصنف في الأول بقبل حكم الحاكم لأجل انه إذا كان بعده زال عنه الملك فيبطل تدبيره.
3- في هامش نسخة ( ب ) هنا « أو كتب كتابا بذلك كان كرجوعه عنه باللفظ وإذا دبره وغلب على عقله فرجع عن تدبيره ».
4- في هامش نسخة ( ب ) هنا « وليس عليك شي ء فان أقام الشاهدين بعد وفاة سيده فادعى الوارث رجوعه عن تدبيره » ونحوه في المبسوط مع تفصيل زائد.

شاهد واحد ، ويمين المدعى للوارث (1) ولا للملوك؟! فإن أنكر الورثة التدبير ولم يكن للمملوك بينة حلف الورثة ما علموا (2) أن أباهم دبره فاذا حلفوا كان رقيقا؟فان نكلوا عن اليمين عتق من الثلث ولهم استحلافه إن أرادوا منه ذلك ، فان حلف بعض الورثة ونكل بعض عتق منه نصيب من نكل عن اليمين ولم يعتق نصيب من حلف.

وإذا كاتب السيد مدبره لم يبطل التدبير بالمكاتبة فإن أدى الكتابة قبل موت سيده عتق وبطل التدبير ، وان مات سيده قبل وكان يخرج من الثلث عتق وبطلت منه السعاية؟! وان لم يخرج من الثلث عتق منه ما خرج منه ويبطل عنه من مال الكتابة بقدر ما عتق منه ويسعى ما بقي؟! وان مات السيد وليس له من المال غيره ولم يكن ادى من الكتابة شيئا عتق منه الثلث وسعى في ثلثي القيمة ان شاء أو ثلثي الكتابة.

وإذا دبر مكاتبه كان المكاتب مخيرا بين نقض الكتابة ويبقى مدبرا وبين المضي على الكتابة؟! فان مات وليس له مال غيره ، سعى في الأقل من ثلثي المكاتبة ( القيمة والكتابة - خ ل ).

وإذا كان له عبدان فكاتبهما مكاتبة واحدة على الف درهم وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه ثم دبر أحدهما ومات السيد عتق المدبر ورفعت حصته من المكاتبة وأخذ الوارث بحصة الأخر أيهما شاءوا فإن أخذ بها المدبر رجع بها على صاحبه.

وإذا كان العبد بين اثنين فدبر أحدهما نصيبه كان نصيبه مدبرا وليس عليه

ص: 370


1- يعني إذا كان المدعى للرجوع هو الوارث وجب عليه شاهدان ولا يكفى شاهد واحد ويمينه وكذا ان كان المدعى للتدبير هو المملوك والوجه فيه ان الشاهد الواحد ويمين المدعى انما يكتفى به في الأموال فقط دون مثل المقام.
2- اى يحلفون على نفى العلم بتدبير الأب ولا يلزمون بالحلف على نفى تدبيره.

لشريكه قيمة فان مات فعتق نصف العبد كانت بقية القيمة من الثلث ، فان لم يكن في الثلث فضل كان مخيرا بين ان يعتق وبين ان يستسعى (1).

وليس للمدبر ولا لام الولد مال وما يكون معهم من ذلك فهو لساداتهم حتى يعتقوا.

وإذا دبر ذمي مملوكه فأسلم المملوك قيل له ان أردت الرجوع في التدبير بعناه عليك وان لم ترده حيل بينك وبينه وادى خراجه إليك حتى تموت فيعتق أو تستسعيه ان اتفق معك على ذلك أو ترجع فنبيعه (2).

والحربي إذا دخل دار الإسلام بأمان فدبر عبدا له كان جائزا؟! فإن أراد الرجوع الى دار الحرب لم يمتنعا ( لم يمنعا - خ ل ) من ذلك؟! فإن أسلم المدبر قيل للحربي إن رجعت في التدبير بيع عليك ولم يمنع من ذلك وان لم ترجع خارجناه لك (3) ومنعناك خدمته فإن أردت العودة الى بلدك وكلت بخراجه إن شئت من يقبضه فاذا مت كان حرا وان اتفقت معه على السعاية سعى لك في قيمته ، فان كان التدبير حصل في دار الحرب وخرج مستأمنا والعبد معه فأسلم العبد بيع عليه على كل حال.

وإذا دبر المرتد مملوكه وتاب قبل ان يحكم الحاكم في ماله جاز تدبيره ،

ص: 371


1- لعل المراد ان الشريك الأخر مخير بين ان يبطل عتق النصف المدبر وبين ان يبقيه ويستسعى العبد في نصيبه وذلك لما مر هنا من ان تدبير الشريك لحصته بمنزلة إعتاقه وقد مر في الإعتاق انه ان كان موسرا ضمن حصة شريكه وان كان معسرا بطل إعتاق حصته ومن المعلوم ان عدم فضل في الثلث كالإعسار لكن تقدم هناك أيضا انه ان كان قصده من إعتاق حصته ، القربة صح على كل حال ويستسعى العبد في الباقي ومقتضاه ان يكون المقام كذلك.
2- صححت عبارات مسئلة من المختلف وجواهر الكلام.
3- المخارجة الضريبة وهي يضرب المولى على عبده شيئا معينا من كسبه في كل يوم فيكسب العبد لنفسه بما أراد ويؤدى الى مولاه ما ضرب عليه وهو المسمى. بالخراج هنا وما زاد عليه فهو له وهي جائزة شرعا إذا كان كسبه يفي بنفقته وخراجه

وان لحق بدار الحرب أو قتل أو قسم ماله كان تدبيره باطلا.

وإذا مات سيد المدبر وفي يده مال افاده قبل موت سيده كان ميراثا لورثة سيده ، فان قال أفدته بعد موت سيدي كان القول قوله مع يمينه وعلى الوارث البينة بأنه أفاد ذلك المال قبل موت سيده ، فان قامت البينة على المال أو بعضه أخذ واما ما قامت البينة عليه (1) ، فان قال المدبر كان في يدي في حياة سيدي لغيري وانما ملكته بعد وفاة سيدي ، كان القول قوله مع يمينه الا ان تثبت البينة بأنه كان في يده في حياة سيده يملك سيده.

وإذا كان المملوك بين شريكين فيه قد أعتق أحدهما نصيبه ودبر الأخر بعده نصيبه ، فان كان المعتق موسرا ضمن الذي (2) دبر قيمة حصته ، والعبد حر وولاؤه له ، وان كان معسرا كان الذي دبر نصيبه مخيرا بين ان يعتق أو يستسعى العبد في قيمة حصتة

وإذا مات السيد وخلف امة مدبرة ومعها ولد (3) ، فقال الوارث ولدته قبل التدبير وقالت هي ولدته بعد التدبير فالقول قول الوارث لأنها تدعي إخراج شي ء من ملكهم ، فإن أقامت المدبرة البينة ، بأن الولد ولدته بعد التدبير كان حرا.

وإذا دبر إنسان في حال صحته رقيقا بعضهم قبل بعض وفي مرضه آخرين كذلك واوصى بعتق آخرين بأعيانهم ، ابتدأ بالوصية الاولى (4) الى ان يستغرق الثلث ، فان اشتبه عليه الأمر في ذلك استعمل القرعة.

وإذا دبر امة فولدت أولادا بعد التدبير ثم مات فعجز الثلث عن قيمتهم عتق

ص: 372


1- اى لم تقم البينة على انه استفاد هذا المال في حياة السيد وانما قامت على انه كان في يده في حياته.
2- الصواب « ضمن للذي » لما تقدم في العتق من ان الشريك إذا أعتق نصيبه من العبد ضمن قيمة الباقي لشريكه.
3- اى وهو مملوك وقد تقدم انه ان ولدته بعد تدبيرها فهو أيضا مدبر.
4- اى التدبير لما تقدم من انه جار مجرى الوصية في خروجه من الثلث ومقتضى المتن ان يكون تنجيز العتق في مرض الموت أيضا كذلك.

من كل واحد ما يحتمله الثلث من جميعهم ، ويستسعى في قسطه من الزيادة لأنهم كلهم بمنزلة عتقه واحدا من جملة الثلث ولا يجرون مجرى الذين ذكروا في باب القرعة (1)

وإذا دبر ما في بطن جاريته من الحمل كان جائزا؟! فإذا كانت الأمة بين شريكين فدبر أحدهما ما في بطنها فان ولدته لأكثر من ستة أشهر لم يحكم بتدبيره؟! وان ولدته لأقل من ستة أشهر حكم بذلك.

وإذا قال أحدهما ما في بطنك حر بعد وفاتي وقال الأخر للأمة أنت حرة بعد وفاتي فولدت لأقل من ستة أشهر ، كان الولد مدبرا بينهما وحصة الذي دبر الام مدبرة مع الام والولد؟! فان ثبت على ذلك ومات رجع شريكه بقيمة نصف الأم في ثلثه ان كان فيه فضل أو ما كان فيه واستسعى الأم في باقي نصف قيمتها؟! فان ماتا جميعا ثابتين على تدبيرهما لم يكن لأحد من الورثتين رجوع على الآخرين في نصف قيمة الام (2) ان كان في ثلثه فضل لذلك ولا استسعوا الأم في نصف قيمتها.

ولا يجوز عتق المدبر في شي ء من الكفارات الواجب فيها العتق الا بعد ان ينقض تدبيره وإذا أبق المدبر بطل تدبيره؟! فان رزق ولدا في حال إباقه أو مالا ثم مات سيده كان جميع ما خلفه من مال وولد لوارث المدبر له وإذا حصل للمدبر مال كان ذلك لسيده يفعل فيه ما شاء فان باعه كان له أخذ ما معه من ذلك.

وإذا جعل السيد خدمة عبده لغيره وشرط انه إذا مات المستخدم له كان حرا كان جائزا؟! فان مات المستخدم له كان حرا؟! فإن أبق هذا المملوك ولم يعد الا بعد موت من جعلت خدمته له ، لم يكن لأحد عليه سبيل؟ فان جعل سيده خدمته لنفسه مدة

ص: 373


1- لأن القرعة انما تكون في مورد له واقع معين لكنه مشتبه كما في الفرع المتقدم أو لم يكن له واقع معين أصلا فيقرع لرفع التشاح أو مصلحة أخرى كما تقدم في من نذر عتق أول ما يملكه فملك جماعة دفعة واما في المقام فالمعتق معلوم وهو بعض من كل واحد من الأولاد إذا لم يف الثلث بجميعهم.
2- يظهر منه ان حصة الذي لم يدبر الام تسقط بتدبيره لحصته من ولدها إذا مات ثابتا على تدبيره ولم اعرف وجهه.

من الزمان ثم يكون حرا بعد ذلك كان جائزا ، فإن أبق المملوك قبل انقضاء العدة انتقض التدبير (1) فان وجده ذلك كان مملوكا له يفعل به ما يشاء.

« باب جناية المدبر وعليه »

إذا جنى المدبر كان كالعبد ان شاء سيده تطوع عنه بإخراج أرش الجناية فإن فعل بعد (2) ذلك لم ينقض التدبير فان لم يفعل كان عليه تسليمه وذلك رجوع عن تدبيره. فان كانت الجناية تستغرق رقبته بيع فيها ويدفع الى المجني عليه أرش جنايته ، فان نقص ثمنه عن الجناية لم يلزم سيده إتمام ذلك؟! فان كانت الجناية قليلة وثمن المدبر كثيرا قيل لسيده ان أردت أن تباع جميعه فيدفع الى المجني عليه أرش الجناية ويدفع إليك الباقي من الثمن فعلنا ، لأنه قد كان له بيعه من غير جناية منه ، وان أردت افتديته بما وجب في عتقه (3) من الجناية ، وان أردت بيع منه بقدر أرش الجناية وكان ما بقي مدبرا بمنزلة العبد ما دام سيده حيا.

وإذا جنى على المدبر بتلفه أو بتلف بعضه فأخذ سيده قيمته أو أرش ما أصيب منه ، كان مالا من ماله ان اختار جعله في مثله ، وان اختار فعل فيه ما شاء فان كان الذي جنى عليه عبدا يسلم اليه والمدبر حي فهو على تدبيره ، والقول في العبد المسلم في جرح المدبر الى سيد المدبر كالقول فيما أخذ من أرش الجناية عليه من عين أو ورق فان شاء جعله مدبرا معه ، وان شاء باعه أو فعل به ما أراد.

وإذا جنى المدبر أو الجارية المدبرة جنايات يبلغ أرشها مأة من الإبل ، ولم

ص: 374


1- يظهر منه ان هذا من قسم التدبير فيشمله ما دل على ان الإباق مبطل له والفرق بينه وبين ما قبله بالنص لكن الظاهر من تعريفهم له في أول الباب اختصاصه بالعتق بعد موته ولم أر نصا للمقام بل تقدم في العتق خلافه في فرع آخر يشبه هذا.
2- اى فعل السيد ذلك بعد الجناية
3- الأصوب « في عنقه » بالنون

يكن قيمة الجاني خمسا من الإبل ، وللمدبر مال وولد فما له لسيده وليس للمجنى عليه فيه حق.

وإذا ضرب إنسان بطن امرأة مدبرة فألقت جنينها ميتا وماتت؟! كان في الجنين عشر قيمة امه يوم جنى عليها وفي الأم قيمتها وكان جميع ذلك للسيد يفعل فيه ما أراد؟فإن ألقت جنينا حيا ثم ماتت ومات كان فيها قيمتها وفي الجنين قيمته لأنه إذا كان حيا فحكمه حكم نفسه ، وإذا كان ميتا فحكمه حكم امه.

« باب المكاتبة »

المكاتبة جائزة في شرع الإسلام؟ بدليل قوله تعالى ( فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً ) (1) وعن النبي صلى اللّه عليه وآله انه قال : « من أعان غارما أو غازيا أو مكاتبا في كتابته اظله اللّه يوم لا ظل الأظلة » (2) فإذا كانت المكاتبة جائزة كما ذكرناه فكاتب إنسان مملوكه ذكرا كان أو أنثى على مبلغ معين من المال يؤديه إليه في نجوم معلومة كان جائزا؟ وهي ضربان أحدهما : مطلق والأخر : مشروط ، فاما المطلق : فهو ان يكاتب عبده أو أمته على مال معين في نجوم معلومة ولا يشرط عليه انه متى عجز كان ردا في الرق والمشروط ، هو ان يشرط على عبده أو أمته في حال المكاتبة انه ان عجز عن أداء ذلك كان ردا في الرق؟ وله جميع ما أخذ منه.

فاذا كاتب إنسان مملوكه مكاتبة مطلقة على ما بيناه ، وادى شيئا من مكاتبته ، انعتق منه بحساب ذلك ، ولم يكن لسيده عليه ، سبيل ، فان مات المكاتب وترك مالا وولدا ورث سيده منه بمقدار ما بقي له من العبودية ، وكان الباقي لولده إذا كانوا أحرارا؟ فإن كان المكاتب قد رزق ولدا بعد المكاتبة من مملوكة له كان حكم ولده كحكمه

ص: 375


1- النور : 33
2- مسند ابن حنبل ج 3 ص 487 ومستدرك الحاكم ج 2 كتاب الجهاد ص 89 بإسنادهما عن سهل بن حنيف باختلاف يسير في اللفظ وأورده في المبسوط عن سهل كما في المتن الا ان فيه « عاتقا » بدل « غارما »

في انه يسترق مولى أبيه منه بقدر ما بقي على الأب ، فإن أدى الابن ما كان بقي على أبيه صار حرا ولم يكن لسيده عليه سبيل فان لم يكن له مال استسعاه سيد أبيه مما بقي على الأب فإذا أدى ذلك صار حرا وإذا أدى هذا المكاتب بعض مكاتبته كان ممن يرث ويورث بحساب ما عتق منه ، ويمنع الميراث بقدر ما بقي من الرق وكذلك : إذا اوصى له كانت الوصية ماضية بقدر ما تحرر منه ويمنع بقدر ما بقي من رقه.

وإذا كان المكاتب عليه مشروطا على ما تقدم ذكره وعجز عن أداء ثمنه؟ وحد عجزه أن يؤخر نجما الى نجم أو يعلم من حاله انه لا يقدر على فك رقبته ، كان ردا في الرق ، وان كان قد أدى شيئا من مكاتبته كان لسيده.

ويستحب لسيده إذا عجز بتأخيره نجما الى نجم ( أو يعلم من حاله انه لا يقدر على فك رقبته ) (1) ان لا يرده الى الرق بل يصبر حتى يوفيه.

وإذا مات هذا المكاتب وخلف مالا وولدا؟ كان ما خلفه لسيده وكان ولده مملوكا له ، ( لسيده - خ ل ) وليس يجوز لهذا المكاتب التصرف في نفسه بتزويج ولا هبة مال ولا بعتق ما دام يبقى عليه شي ء من مكاتبته؟ وانما يجوز له التصرف في ماله بالبيع والشراء إذا اذن له سيده في ذلك.

وإذا كان مأذونا له في الاستدانة وحصل عليه دين كان على سيده ضمان ذلك؟

وإذا كان المكاتب مملوكة وكانت قد أدت من مكاتبتها شيئا حرم على مولاها وطؤها بملك اليمين ، لان بعضها قد تحرر ، ولا يجوز له العقد عليها لان بعضها ملك له ، فإن وطأها بعد ان أدت من مكاتبتها شيئا أقيم الحد عليه بقدر ما عتق منها ودرأ عنه بحساب ما بقي ويجب عليها مثل ذلك ان كانت طاوعته في ذلك ، فإن أكرهها على ذلك لم يكن عليها شي ء.

ص: 376


1- بين القوسين زيادة في هامش نسخة ( ب ) وموجود في متن الأصل لكن عليه علامة الزيادة.

فاذا فعل المكاتب (1) ما يجب عليه الحد به ، أقيم ذلك عليه بقدر ما انعتق منه حد الحرية وبقدر ما بقي منه رقا حد العبودية؟ وكل شرط يشرطه سيد المكاتب عليه فإنه يكون صحيحا ، الا ان يكون شرطا يخالف الكتاب والسنة ، فإنه يكون باطلا ، كما ان جميع ما يشرطه عليه إذا أعتقه؟ فإذا شرط ان ولائه له كان له ذلك دون غيره من سائر الناس.

وإذا أحضر المكاتب الى مولاه جميع ما كاتبه وقال له خذ منى جميع ذلك في دفعة واحدة كان مخيرا ان شاء أخذه وان شاء تركه؟ وإذا لم يكن المكاتب مشروطا عليه ثم عجز عن الوفاء كان على الامام عليه السلام ان يفك رقبته من سهم الرقاب.

وإذا كان المكاتب امة وتزوجت بغير اذن سيدها ، كان نكاحها باطلا ، وان كان باذنه وكانت قد أدت من مكاتبتها شيئا وجاءت بولد كان حكم ولدها كحكمها يعتق منه بحساب ما عتق منها ، ويسترق منه بحساب ما بقي من مكاتبتها إذا كان تزويجها بمملوك ، وإذا كان بحر كان ولدها حرا.

ويستحب للإنسان أن يكاتب مملوكه إذا علم ان له قدرة على أداء ثمنه ، اما من صناعة في يده أو غير ذلك؟ فان طلب المملوك المكاتبة ، (2) يستحب لسيده أيضا ان يعينه على فك رقبته بشي ء من ماله من سهم الرقاب.

وإذا كاتب عبده فيستحب له ان لا يزيد في مكاتبته على القدر الذي هو ثمن له ، ومهما فعله معه من المعونة على فك رقبته كان له فيه ثواب جزيل (3).

ص: 377


1- اى غير المملوكة المذكورة بالنسبة إلى مولاها.
2- ظاهر الآية المباركة وجوب المكاتبة على السيد إذا طلبها العبد وكان فيه خير من القدرة والوفاء لكن ادعى إجماع الإمامية على استحبابها وهو المعروف بين فقهاء العامة خلافا لداود الظاهري وبعض التابعين وروى في دعائم الإسلام عن الامام الصادق عليه السلام ان الآية تعليم وليس بواجب.
3- كما في الخبر المتقدم في أول الباب مضافا الى قوله تعالى ( وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللّهِ الَّذِي آتاكُمْ ) - النور 33.

وإذا تزوج وكاتب (1) بمعتقه لقوم وأولدها كان الولد تبعا لامه وعليه الولاء لمولى امه؟ لان عليها الولاء فإن أدى المكاتب وعتق ، جر الولاء الذي على ولده لمولى امه ، الى مولى نفسه ، وان عجز ورق استقر لمولى امه.

فان مات المكاتب واختلف سيده وسيد الام فقال : سيد المكاتب قد ادى وعتق وجر الولاء الذي على ولده وقال سيد الام : بل مات عبدا فلم يجر شيئا كان القول قول سيد الام والأصل بقاء الولاء ، والأصل بقاء المكاتبة والأصل انه لا عتق في المكاتب فلهذا كان القول قول سيد الأم فاما قبل وفاة المكاتب فان اعترف السيد بعتق المكاتب والأداء فيجر الولاء ويزول الاختلاف. وإذا كان لإنسان مكاتبان كاتبهما بعقد واحد أو بعقدين كل واحد منهما على الف ، فأدى أحدهما ألفا وعتق ثم أشكل عليه عتق المؤدى (2) منهما لزمه ان يكرر ألفا (3) لعله يذكر ذلك طول حياته وليس له فرض القبض في أحدهما بل عليه التذكر فقط؟ فان قال قد ذكرت ان هذا هو المؤدى منهما ، حكم بعتقه وبقي الأخر على الكتابة ، فان صدقه الأخر صح ذلك وان ادعى عليه انه هو الذي ادى اليه كان القول قول السيد ، لأن الأصل ان لا قبض (4) وعليه اليمين لأنه يمكن صدق المدعى فيما يدعيه ويمينه على الثبات (5) لأنها على فعل نفسه وان كانت على النفي فإنه لم يبين (6) حتى مات قبل الثبات ، أقرع بينهما.

وان كاتب السيد عبده على مال ، ثم ان السيد باع المال الذي في ذمة

ص: 378


1- الصواب « إذا تزوج مكاتب » كما في المبسوط.
2- اى عتق أحدهما معينا وفي المبسوط « عين المؤدى منها » وهو أظهر.
3- اى يكرره في خاطره لعله يذكر المؤدى منهما ولعل الصواب « ان يتذكر ».
4- يمكن الخدشة في هذا الأصل بأنه معارض بمثله من الأخر لكنها تندفع بان القبض من الأخر ثبت شرعا باعتراف السيد.
5- الصواب « على البتات » اى القطع بنفي القبض منه لا على عدم العلم به.
6- الصواب « فان لم يبين »

المكاتب لم يصح البيع ، لأن النهي ورد عن بيع ما لم يقبض وهذا بيع لما لم يقبض فلم يصح.

وإذا اشترى المكاتب من يعتق عليه بحق القرابة كالآباء ، والأمهات أو غيرهم بإذن سيده صح ذلك؟ وان كان بغير اذن سيده كان الشراء باطلا لأن في ابتياع من ذكرناه إتلافا للمال ، لأنه يخرج من يده شيئا ينتفع به ويمكنه التصرف فيه ويستبدل به مالا ينتفع به ولا يمكنه التصرف فيه وما كان كذلك كان إتلافا في الحقيقة.

ويجوز كتابة الذمي : للذمي؟ فإن كاتب نصراني : نصرانيا كانت كتابته صحيحة جائزة بما يجوز به كتابة المسلم للمسلم ، ويرد على الوجه الذي يرد عليه كتابة المسلم فاذا كاتب من ذكرناه عبدا وترافعا الى حاكم المسلمين حكم بينهما بحكم الإسلام فإن كانت الكتابة تجوز بين المسلمين أمضاها وان كانت لا يجوز ردها؟! لان الحاكم انما يجوز له ان يحكم بما يجوز له في دينه ، فاذا حكم بينهما وكانت الكتابة صحيحة أقرهما عليها وأمضاها؟ وان كانت فاسدة بأن يكونا عقداها على خمر ، أو خنزير ، أو شرط فاسد وكانا قد عقدا ذلك في حال كفرهما وتقابضا العوض وأسلما وترافعا الى حاكم المسلمين فإنه يقرهما على ذلك؟ لا بمعنى انه يحكم بصحته لكن لا يتعرض له ، ويجرى مجرى المتزوجة على مهر فاسد وتقابضا العوض في حال كفرهما وأسلما

فإن عقد الكتابة على خمر أو خنزير في حال الشرك ثم أسلما وتقابضا العوض بعد الإسلام فالحاكم يبطل ذلك ويرده؟! لان قبض الخمر والخنزير لا يجوز في حال الإسلام ، ويلزم في ذلك قيمة ما وقع عليه العقد عند مستحليه ، فان كان عقد الكتابة في حال الكفر ثم أسلما وترافعا قبل التقابض أو بعد قبض البعض كان القول في ذلك ما قلناه في المسئلة المتقدمة.

وإذا كان للكافر عقد مكاتبة ثم أسلم لم يقع عليه؟ لان العقد رفع سلطانه عنه وقد حصل فاما ان يسلم ثم كاتبه لم يصح ذلك (1).

ص: 379


1- هذا الفرع كذا في النسخ ومعناه غير واضح والظاهر ان الصواب ما في المبسوط وهو هكذا « وإذا كان للكافر عبد فكاتبه ثم أسلم ( أي العبد ) فإنه لا يباع عليه لان القصد ازالة سلطانه وقد حصل فاما ان أسلم ثم كاتبه فعندنا لا يصح ».

وإذا كاتب الحربي عبده في دار الحرب ثم دخلا دار الإسلام بأمان أو مستأمنين (1) ثم كاتبه ، فما داما لا يترافعان الى الحاكم ويتحاكمان اليه؟ فلا ينبغي ان يعرض لهما بل يقرهما على ما فعلاه؟ فان ترافعا اليه حكم بينهما بحكم الإسلام ونظر في الكتابة ، فإن كانت صحيحة في الشرع أعلمهما صحتها وأقرهما عليها؟ وان كانت فاسدة أعلمهما فسادها وانه لا يجوز الإقرار عليها.

فان قهر العبد سيده على نفسه في دار الحرب ودخل دار الإسلام بأمان والسيد معه فقد ملك السيد وانفسخت الكتابة فيه وملك سيده بقهره إياه ويقر على ذلك لان دار الحرب دار قهر وغلبة ، من غلب وقهر فيها على شي ء ملكه ، فاما إذا دخلا دار الإسلام ثم قهر سيده على نفسه فإنه لا يقر على ذلك لان دار الإسلام دار انصاف وحق وليست دار قهر وغلبة.

وإذا كان للمسلم عبد فارتد العبد ثم كاتبه السيد ، جاز ذلك لأنه عقد معاوضة ويصح ذلك من المرتد؟ فإن أدى المال الى سيده عتق وصار حرا مرتدا؟ ويجب ان يستتاب ، فان تاب والا قتل فان عجز نفسه استرقه سيده ورده الى ملكه ، فإن أسلم والا قتل ، ويكون ماله لسيده ، وان قتل على الردة قبل ان يؤدى ، وقبل ان يعجز انفسخت الكتابة بقتله ويكون المال الذي في يده لسيده لأنه لما انفسخت الكتابة عاد الى ملكه.

ص: 380


1- المستأمن طالب الأمان المسمى في عرف الحاضر باللاجى ء فالدخول بأمان أعم منه كما إذا دخل لا يصال مكتوب أو لطلب المسلمين له والظاهر ان هنا سقطا والصواب « أو دخلاه ثم كاتبه » والا فذكر المكاتبة بعد ما ذكرها أو لا قبل الدخول لا وجه له.

« باب مكاتبة العبدين »

إذا كان لإنسان مملوكان فكاتبهما مكاتبة واحدة على الف درهم وكل واحد منهما كفيل عن صاحبه كان جائزا ، فإن أدى أحدهما جميع المال ( الالف - خ ل ) عتقا جميعا ورجع بحصته على صاحبه؟ فان كانت قيمتهما سواء فأدى أحدهما شيئا - عاد بنصفه على الأخر وان كانت قيمتهما مختلفة عاد على صاحبه بقسط ما ادى من قيمته.

وإذا كاتب العبد سيده على نفسه وعلى عبد للسيد غائب ، بألف درهم كان جائزا فإن أدى المال عتقا ولا يرجع على الغائب بشي ء لأنه لم يأمره بذلك وانما تطوع بفعل ذلك ، ولو أراد السيد بيع الغائب لم يكن له ذلك.

وإذا كان لاثنين مملوكان فكاتباهما معا بمائة دينار فكل واحد منهما مكاتب بحصته لصاحبه؟ وإذا كاتب عبدين مكاتبة واحدة فعجز أحدهما فقدمه الى الحاكم فرده الحاكم في الرق والحاكم غير العالم بمكاتبة الأخر معه ثم ان الأخر أدى جميع المكاتبة في أوقات لا يعجز فيها؟ فان العبدين يعتقان ، لان عجز الأول كان باطلا ولا يكون الا عجزهما معا؟ لأن المكاتبة واحدة.

وإذا كاتب إنسان حر على عبد لغيره فادى المكاتبة ولم يأمره العبد بذلك فهو متطوع وليس له رجوع بالمال على سيد العبد ولا على العبد.

وإذا كاتب اثنان عبدا لهما مكاتبة واحدة وغاب أحدهما وقدم الأخر العبد الى الحاكم وقد عجز لم يرده في الرق حتى يجتمع السيدان.

وإذا كاتب (1) إنسان عبدين كتابة واحدة ، فمات أحدهما قيل للثاني : اما ان تختار ان تؤدى باقي الكتابة عنك وعن صاحبك ، واما ان تكاتب عن نفسك كتابة

ص: 381


1- هذه المسئلة الى قوله لأنه في ء ، مشتبهة في النسخ الموجودة وأوردها في المختلف عن المصنف سليما فصححت منه المتن ثم ان الظاهر كما في المختلف وحكى نحوه الخلاف والمبسوط انه تبطل كتابة الميت ويسقط نصيبه من مالها ويبقى كتابة الأخر بما يتقسط عليه كما في البيع ونحوه.

جديدة فأيهما اختار كان له ذلك وان كان المتروك (1) مالا فيه وفاء بقسطه من الكتابة أخذه السيد من الكتابة وكان على الباقي (2) ما بقي من قسطه منها؟ وكذلك : إذا ارتد أحدهما ولحق بدار الحرب فحكم بلحاقه أو قتل على ردته ، وان كان ما ترك الميت فيه وفاء بجميع الكتابة فإن السيد يأخذ من ذلك جميع الكتابة ويعتقان معا وترجع ورثته على الحي بحصته وبقية ذلك ميراث لهم فان كسب مالا في دار الحرب وظهر المسلمون عليه لم يرجع المؤدي (3) في ذلك بشي ء لأنه في ء.

وإذا كاتب الشريكان في العبد ، عبدهما ثم أعتق أحدهما نصيبه ومات وليس له وارث من ذوي أرحامه كان المال بينهما نصفين وان كاتباه ولم يشترطا عليه ان يكون أداء الكتابة لهما جميعا (4) جاز له ان يدفع جزء (5) كل واحد منهما الى صاحبه على الانفراد ، وكان لكل واحد منهما ما أخذ منه ولا يشركه فيه غيره؟ فان عجز عن نجومه وقد كاتبه كل واحد منهما مكاتبة على حدة في حصته فأراد أحد الشريكين تعجيزه ورده في الرق وقد شرط عليه ذلك وأراد الأخر إنظاره كان كل واحد منهما محكما في حقه.

وإذا كاتب العبد سيده عن نفسه وعن أولاد له صغار وقد شرط السيد عليه انه

ص: 382


1- اى ما تركه العبد الميت من المال لمكاتبته.
2- اى العبد الأخر وفي نسخة ( ب ) « على الثاني » وهو أظهر فيما ذكر
3- كذا في النسخ والمختلف فالمراد به العبد الأخر إذا أدى كتابة الأول بعد ارتداده ولحوقه بدار الحرب فيعلم منه انه إذا أداها بعد ذلك قبل غلبة المسلمين عليه جاز له الرجوع اليه بما اداه ويحتمل ان يكون الصواب « لم يرجع المولى » مع ان التعليل المذكور شامل له أيضا.
4- أي لم يشترطا عليه التساوي فيما يؤديه إليهما بان لا يخص أحدهما بشي ء من مال الكتابة.
5- أي بعضا مما يؤديه في وقته من الكتابة وفي المختلف عن المصنف في هذه المسئلة « حق كل واحدهما منهما ».

ان عجز رد في الرق ، فعجز قبل بلوغ الأولاد أو بعد رد في الرق وكان ذلك ردا للولد ، فان قالوا بعد ذلك نحن نسعى في المكاتبة كان ذلك الى سيدهم ان أراد إجابتهم الى ذلك أجابهم وان لم يرد إجابتهم كان ذلك اليه.

« باب مكاتبة المريض »

إذا كاتب مريض عبده ، في حال مرضه مكاتبة مثله ، وأقر باستيفائه في حال المرض لم يصدق فيما جاوز الثلث؟ ولو كان عليه دين يحيط بماله لم يصدق في شي ء الا ان العبد يعتق ويؤخذ بالكتابة ، فإن ثبت للعبد بينة بأنه قد وفاه الكتابة في مرضه ، عتق.

وكذلك : إذا أقر المريض في حال مرضه انه قد كان كاتبه في [ صحته ] واستوفاها منه لم يصدق فيما جاوز الثلث بعد الدين الا ان يثبت للعبد بينة على ذلك فان كاتبه في صحته وعلم ذلك ثم أقر في مرضه بالاستئفاء صدق.

وإذا اوصى فقال كاتبوا على عبدي على كذا مبلغ عينه الى أجل كذا ان أنا مت وذلك كتابة مثله جاز ان خرج من الثلث فان لم يكن له مال غيره قيل له ان شئت تعجل الثلثين وتؤخر الثلث فذاك؟ وكذلك : ان حط عنه من المكاتبة شيئا يكون أكثر من الثلث وإذا لم يعجل ثلثي الكتابة وليس للميت مال غيره بطلت الكتابة عن الثلثين وصحت في الثلث بالقسط في النجوم.

فان كانت الكتابة على دون القيمة مما يتجاوز قدر الثلث شيئا وفي خمس مأة مأة (1) فكاتبه على مأتين ، فإن أدى ثلثي قيمته معجلة عتق والا عتق ثلثه واسترق ثلثاه.

وإذا اوصى بأن يوضع كتابة عبده الذي كاتبه فهي كوصية بعتقه يعتق ان كان

ص: 383


1- كذا في نسختي الأصل و ( ب ) وكان فيه سقطا أو تحريفا ولم اهتد بالمراجعة إلى المبسوط وغيره الى صوابه فتأمل.

الثلث يحتملها أو ما احتمل منها ويسعى فيما بقي عليه.

وإذا كاتب عبده وقد حضره الموت وكان الثلث يحتمله ، واوصى بوصايا وليس في الثلث فضل عن قيمة العبد بدء بالكتابة ثم جعلت في الوصايا بالقسط الا ان يختار الورثة ان يؤدوا الوصايا ويكون مال الكتابة لهم ، فان اختاروا تسليم العبد بالوصايا كان ذلك لهم فان مات العبد لم يكن لأصحاب الوصايا رجوع على الوارث بشي ء.

وإذا اوصى للعبد بنجم من نجومه غير معين كان للورثة ان يختاروا اى نجم شاءوا ويعتق منه بقدره ان لم يكن اشترط رقه فان جعل الاختيار في ذلك الى العبد كان له ان يختار اى نجم شاء.

وإذا اوصى فقال ضعوا عنه ثلث كتابته وضع عنه ثلث الأصل لا ثلث الباقي؟فإن امتنع العبد من قبول الوصية بذلك لم يجز ، لأنه بمنزلة العتق له أو لبعضه الذي ليس للعبد فيه اختيار على سيده.

وإذا اوصى بمكاتبة الذي يأخذ (1) من نجومه شيئا لرجل وحصل الثلث قدره صار رقا للموصى له به ان كان الرجوع مشروطا عليه في الرق ، فان كانت الوصية بمال الكتابة دون رقبته فعجز ، كان رقه للوارث دون الموصى له به ، فان قال كتابته لزيد فان عجز فرقبته لعمرو جاز ذلك.

وإذا مات السيد لم يبطل موته الكتابة ما كان المكاتب ساعيا في نجومه وادى ذلك الى الورثة ويعتق بالوفاء.

ص: 384


1- في نسخة ( ب ) تصحيحا « لم يأخذه » وزاد في الهامش تصحيحا بعد قوله قدره « جاز ذلك وإذا اشترط على الموصى له به ان لا يقطعه عن كتابته فان عجز وقد مضى برقبته له » وعلى كل ففي المبسوط والشرائع ان الوصية برقبة المكاتب لا تصح لنقص الملك الا ان يوصى بها على تقدير العجز عن الأداء ولعله مراد المصنف هنا واللّه العالم.

وإذا مات السيد وابنته (1) تحت النكاح الذي شرط عليه الرق عند عجزه فإنه يمنع من وطأها فإن أدى كانا على النكاح ، وإذا كان على الميت دين يحيط بالكتابة فأخذ المكاتب مال الكتابة وقسمه على الغرماء ودفع الى كل ذي حق حقه منه كان جائزا.

وإذا كان له عبد فكاتبه في حال صحته ثم أعتقه في المرض وليس له مال سواه سعى ان شاء في ثلثي قيمته وان شاء في ثلثي ما عليه.

« باب المكاتبة الفاسدة »

إذا كان لإنسان مملوك فكاتبه على ثوب لم يعين جنسه ، أو دار غير معلومة أو على قيمته (2) دون غيرها كانت المكاتبة فاسدة فإن ادى الى سيده ثوبا ما ، لم يعتق وكذلك في الدار.

وان ادى قيمته فقد ذكر انه يعتق ، لان ذلك معين وان كانت المكاتبة في الأصل غير جائزة (3) وليس يجرى ذلك مجرى الثوب وما جرى مجراه ، وإذا كاتب جاريته على الف درهم وشرط عليها ان يطأها ما دامت في كتابته كانت المكاتبة جائزة والشرط باطلا.

ص: 385


1- في نسخة ( ب ) « وأثبته » لكن الصواب « وابنته » ووجه منعه من وطأها احتمال عجزه ورجوعه في الرق فتملك الابنة لزوجها كلا أو بعضها ان كان معها وارث آخر ولا يجوز لها التزوج بمملوكها ولكن إذا أدى مال الكتابة صار حرا وبقي النكاح.
2- اى المملوك
3- لم اعرف وجه عدم جوازها ان كانت قيمته معلومة إذ ليست القيمة إلا المال الذي يكون بمقدارها كما لم اعرف وجه حصول العتق بأدائها لو كانت المكاتبة غير جائزة إذا لو لم تجز كانت فاسدة فلا يلزم الوفاء بها على السيد ولم أجد المسئلة مذكورة في كتب الأصحاب.

وإذا كاتبها على ان كل ولد تلده فهو له أو على ان تخدمه بعد العتق كان ذلك فاسدا.

وإذا كاتبها على الف وهي قيمتها على انها إذا أدت عتقت ، كان عليها الف آخر كان جائزا ، وإذا كاتبها على عبد لرجل لم يجز ذلك وكذلك كل ما عينه من مال غيره من عرض أو حيوان أو موزون أو مكيل أو ما أشبه ذلك.

وإذا كاتبها وهي حامل واستثنى ما في بطنها لم يجز ذلك ، فان كاتبته عما في بطنها دونها لم يجز أيضا.

وإذا كاتب عبده وشرط عليه انه ان ادى مال الكتابة ومات ، ورثه هو وولده؟أو شرط عليه شرطا يزيل عنه بعض أحكام الأحرار ويلحق به أحكام العبيد. كان ذلك باطلا.

وإذا كاتبه على نجوم معلومة وشرط عليه انه إذا أداها كان حرا بعد موت سيده كان ذلك باطلا :

« باب أحكام الجنايات »

« الواقعة من المكاتب بغيره أو من غيره به »

إذا جنى المكاتب على غيره فلا يخلو الغير من ان يكون هو سيده أو غير سيده فان كان هو سيده ، فلا يخلو من ان يكون الجناية على طرفه أو على نفسه ، فان كانت على طرفه فخصمه في ذلك السيد ، فان كانت عمدا كان له ان يقتص ، وان كانت خطأ كان له أخذ الدية؟.

فإن كانت على نفسه الوارث (1) وان كانت عمدا كان له المطالبة بالقصاص وان كانت خطأ كان له الدية؟ وان كانت عمدا واختار القصاص واقتص اما في الطرف أو النفس فقد استوفى حقه؟ وان كانت خطأ أو عمدا فعفا عن القود منها وجب الأرش

ص: 386


1- الصواب « فخصمه الوارث فان كانت عمدا » كما في المبسوط

ويتعلق برقبته وإذا تعلق الأرش برقبته فللمكاتب ان يفدى نفسه؟ لان ذلك يتعلق بمصلحته ، وإذا أراد ان يفدى نفسه فداها بأقل الأمرين من الأرض أو القيمة.

فإن كان في يده مال كان له ان يدفع ذلك منه ، لأنه من مصلحته ، وله صرف المال الذي في يده فيما يتعلق بمصلحته فاذا قبض السيد أو وليه منه أرش الجناية وبقي معه ما يؤديه من مال المكاتبة أداة في ذلك وعتق؟ وان لم يبق معه شي ء كان له ان يعجزه؟ فان لم يكن معه مال فقد اجتمع عليه حقان مال الكتابة وأرش الجناية فإن كان في يده ما يتم لهما دفعه وعتق ، وان لم يكن في يده ما يتم لهما كان للسيد تعجيزه فاذا عجزه انفسخت الكتابة ورجع الى مالكه وسقط الحقان معه ، لأنه لا يثبت للسيد على مملوكه مال.

وإذا كانت الجناية على غير سيده وكانت عمدا وجب القصاص؟ فان عفا وجبت الدية ، فان جنى خطأ وجب الأرش فإن اختار القصاص (1) كان له ذلك وان عفا تعلق (2) برقبته ، والحكم في ذلك وفي جناياته خطأ واحد ، وله ان يفدى نفسه من الجناية بأقل الأمرين على ما قدمناه بغير زيادة على ذلك.

فان لم يكن معه ما يدفعه اليه كان للمجنى عليه ان يعجزه ويتبعه في الجناية؟لأنه قد تعلق برقبته حق وكان له بيع الرقبة في الجناية الا ان يريد السيد ان يفديه ويقره على الكتابة فيكون له ذلك؟ فاما ما يفديه به فقد تقدم ذكره. (3)

وإذا جنى العبد المشاع (4) للتجارة على أجنبي حر أو عبد وكانت الجناية

ص: 387


1- أي في العمد
2- أي الدية
3- أي أقل الأمرين من الأرش أو القيمة
4- الصواب « المبتاع » والمراد ما إذا اشترى المكاتب عبدا للتجارة فجنى العيد المشترى على أجنبي ويأتي الكلام فيما إذا جنى على المكاتب نفسه

عمدا كان عليه القصاص؟ فان عفا عنه فعليه الدية ، فإن كانت خطاء فالأرش فإن اختار السيد (1) ان يفديه كان له ذلك.

وإذا كاتب عبدا واجتمعت عليه حقوق من دين أو ثمن مبيع أو أرش جناية وما أشبه ذلك وكان في يده مال ، فاما ان لا يكون محجورا عليه أو يكون قد حجر عليه فان لم يكن حجر عليه وكانت الحقوق كلها حالة كان له ان يقدم ما شاء منها؟ لأنه مطلق التصرف وله ان يفعل ذلك؟ وان كان بعضها حالا وبعضها مؤجلا ، فأرش الجناية لا يكون الا حالا. وقد يكون مال الكتابة حالا : ويكون مؤجلا؟ فإن أراد الابتداء بقضاء الدين الحال ، جاز ويبقى المؤجل عليه؟ وان أراد تعجيل المؤجل (2) لم يكن له ذلك : فإن أراد تعجيل مال الكتابة جاز لان ذلك يكون هو (3) من سيده.

فان كان قد حجر على المكاتب وكان المال الذي في يده يعجز عن ديونه فاجتمعوا غرماؤه وسألوا الحاكم ان يحكم بالحجر عليه ، فان تصرفه بذلك ينقطع ويكون الأمر إلى الحاكم ويقسط ماله على قدر ما عليه من الحقوق فان لم يرضوا بذلك : وتشاحوا قدم صاحب الدين على المجني عليه وعلى السيد ، لان حقه يختص بالمال الذي في يده ، فاذا لم يدفع حقه اليه منه لم يرجع منه إليه شي ء آخر ، والسيد والمجني عليه يرجعان من حقهما إلى الرقبة؟ فإذا دفع الى صاحب الدين حقه ، وبقي

ص: 388


1- لعل مراده بالسيد هنا العبد المكاتب حيث ان العبد المشترى ملك له كما يظهر ذلك أيضا من المبسوط فيما فرعه بعد ذلك عليه
2- اى من ديون الناس غير مال الكتابة.
3- في المبسوط « هبة من سيده » قال : تعجيل الدين المؤجل بمنزلة الزيادة فيه فهو كالهبة والعبد المكاتب لا يملك الهبة من الأجنبي فإن عجل مال الكتابة فهو هبة من سيده فيكون كالهبة بإذنه قلت ان كان المال الذي في يد العبد غير واف بجميع الحقوق كما هو ظاهر المصنف والشيخ فاذن السيد هنا لا يجدي لتقديمه لكونه تفويتا لحق غيره ممن كان دينه حالا كما ان ما ذكره أولا من جواز تقديم ما شاء من الحقوق الحالة لا يخلو من اشكال لان مقتضى العدل هو التقسيط وان لم يكن حجر عليه الحاكم فعلا.

معه شي ء دفع الى المجني عليه وقدم على السيد ، لأنه يأخذ دينه بحق الجناية والسيد يأخذ حقه بالملك وحق الجناية مقدم على الملك؟ فاذا دفع حق المجني عليه وبقي شي ء دفعه الى السيد؟ فان لم يبق شي ء كان له تعجيزه واسترقاقه.

فان لم يبق بعد قضاء الدين مع المكاتب بشي ء ، كان للسيد والمجني عليه تعجيزه لان حق كل واحد منهما يتعلق بالرقبة وقد تعذر ذلك (1) فان اختار التعجيز انفسخت الكتابة وبري ء المكاتب مما عليه من المال وبقي حق المجني عليه متعلقا برقبته ويكون له بيعه في الجناية الا ان يختار سيده ان يفديه فيكون ذلك له.

وإذا مات المكاتب ومعه من المال مالا يفي بما عليه من الحقوق انفسخت الكتابة بموته وسقط حق السيد من المال ويعود رقبته الى ملكه ، ويسقط أيضا حق المجني عليه من الأرش ، لأنه كان متعلقا رقبته وقد فاتت وبقي الدين للمقر (2).

واما البائع فيدفع ذلك المال الذي كان في يده فإن بقي منه شي ء كان للسيد لأنه كسب عبده.

فان لم يكن (3) في يده مال وأنظره أصحاب الحقوق بحقوقهم حتى يكتسب ويدفع إليهم كان جائزا ، وليس ذلك بواجب عليهم ولهم الرجوع فيه متى أرادوا.

ص: 389


1- كذا في النسخ والمبسوط ولعل المراد ان تعلق حقهما بالرقبة قد تعذر بدون التعجيز فيلزمه جواز التعجيز وعلى كل ، ظاهر المصنف هنا جواز التعجيز لكل من السيد والمجني عليه مستقلا وقد تقدم التصريح بذلك والمراد بالتعجيز في هذه الموارد هو الحكم بعجز المكاتب عن الاكتساب وأداء مال الكتابة ليعيده الى ما كان عليه قبل المكاتبة من الرق الكامل فيجوز له التصرف فيه بالبيع وغيره مما منع عنه بالمكاتبة.
2- في المبسوط « وبقي الدين للقرض والبائع فيدفع ذلك من المال الذي كان في يده » وكأنه الصواب هنا إذ لا يستقيم المعنى بدونه.
3- هذا راجع الى ما ذكره أولا في قوله : وإذا كاتب عبدا واجتمعت عليه حقوق.

فان لم ينظروه وطالبوه بحقوقهم لم يكن لصاحب الدين تعجيزه ، لان حقه قبل التعجيز وبعده ثابت في ذمته؟ فاذن لم يكن له في تعجيزه فائدة ، فاما السيد والمجني عليه فلهما تعجيزه لأنهما يستفيدان بذلك فائدة وهي ان المجني عليه يبيع الرقبة في حقه والسيد يستردها الى ملكه فان عجزاه انفسخت الكتابة ويباع في الجناية ويقدم حق المجني عليه على حق السيد كما قدمناه.

وإذا وجب على المكاتب أروش عدة من جناياته على جماعة ، وكان في يده مال يفي بذلك ، دفع الأرش منه وبقي الحكم بينه وبين السيد ان ادى اليه مال الكتابة أعتق وان لم يرد ( يؤد - خ ل ) ذلك اليه كان له استرقاقه؟ وان لم يكن في يده مال كان للمجنى عليهم ان يعجزوه ويفسخوا المكاتبة ليعود الى الرق وبيع في حقوقهم ، فان كان ثمنه يفي بحقوقهم دفع الى كل واحد منهم قدر ما يصيبه منه ولا فرق في ذلك بين ان يكون قد جنى على جميعهم دفعة واحدة أو على واحد منهم بعد آخر وبعضهم قبل التعجيز وبعضهم بعده ، لان محل هذه اجمع الرقبة.

وإذا قطع المكاتب يد سيده عمدا وجب له القصاص؟ فان اختار ذلك كان له استيفاؤه في الحال؟ وان عفا على أرش وكانت (1) الجناية خطأ يوجب بها الأرش لم يكن له المطالبة به الى حال اندمال الجرح.

وإذا كان للمكاتب عبيد فجنى بعضهم على بعض؟ فان كانت الجناية - موجبة للمال ، بان يكون خطاء أو شبيه عمد فإنها تهدر ، وان كانت موجبة للقصاص كان له ان يقتص من الجاني ، لأن في ذلك مصلحة لملكه؟ وذلك : بان يؤثر (2)

ص: 390


1- الصواب « أو كانت » كما تقدم نحوه.
2- كذا فيما عندي من النسخ وظاهره ان إيثار بعضهم على بعض هو المصلحة المقتضية للقصاص وهذا لا يخلو من تكلف وفي نسخة المبسوط المطبوعة جديدا « ان لا يتوثب بعض عبيده على بعض » وهذا أظهر لكن لفظة « لا » مكتوبة فيما بين القوسين إشارة إلى انها في بعض النسخ أو من المصحح.

بعض عبيده على بعض ، فان اقتص جاز وان عفا سقط القصاص؟ الا انه لا يجب له مال لان السيد لا يستحق مالا على عبيده.

وإذا كاتب عبدا وجنى المكاتب جناية خطأ أو جناية عمد وعفى عن القصاص فيها ، كان الأرش متعلقا برقبته لأنه بمنزلة العبد القن في حكم الجناية؟ وإذا كان في يده مال جاز ان يدفع منه الأرش الذي عليه ويفدى نفسه لان ذلك من مصلحته؟.

فإن أعتقه السيد مضى عتقه وكان على السيد ضمان أرش الجناية لأنه أتلف محل الأرش ومنعه من بيعه في الجناية فكان ضمان الأرش لازما؟ فإن أدى العبد مال الكتابة وعتق كان عليه ضمان الأرش لأنه أوقع العتق باختياره وقد كان يتمكن من تعجيز نفسه والامتناع من الأداء وعليه أقل الأمرين من أرش الجناية أو القيمة.

وإذا جنى المكاتب جنايات تعلق أرشها برقبته فأعتقه سيده فلزمه ضمان الجنايات أو أدى المكاتب المال فعتق فلزم ضمانها ، كان اللازم له من ذلك الأقل من أروش الجنايات كلها أو القيمة لأن الاروش كلها تعلقت برقبته ، فلما أعتقه سيده منع من بيعه في الجنايات كلها للذي (1) وجد منه ، وكذلك (2) : الإعتاق حصل دفعة واحدة يلزمه (3) الأقل من أروش الجنايات كلها أو القيمة.

وإذا جنى المكاتب جنايات عدة وعجزه سيده واعاده إلى الرق ، كان بمنزلة العبد القن وسيده مخير بين تسليمه ليباع في الجنايات أو يفديه فان اختار الفداء فداه بالأقل من قيمته أو أروش الجناية.

وإذا ابتاع المكاتب عبدا للتجارة فجنى هذا العبد على المكاتب جناية خطأ أو عمد وعفا عن القصاص كانت الجناية هدرا ولا يجب له الأرش على العبد لان العبد ملكه؟ والسيد لا يستحق على رقبة مملوكه مالا على وجه من الوجوه ويجرى مجرى الحر

ص: 391


1- اى للإعتاق الذي صدر منه.
2- لعل الصواب « وذلك الإعتاق ».
3- الصواب « فيلزمه ».

وإذا كان له عبد فأتلف عليه مالا فان ضمانه لا يثبت في ذمته؟

وإذا جنى على المكاتب وكانت الجناية على نفسه انفسخت الكتابة سواء كانت من سيده أو من غيره؟ فان كان القائل له غير سيده كان عليه القيمة لسيده والكفارة لله تعالى (1) فان كان القاتل ، السيد لم يكن عليه قيمة لأنه قد عاد الى ملكه بفسخ الكتابة (2) والكفارة واجبة عليه ، وما يكون في يده من مال فهو لسيده إذا قتله السيد أو غير السيد لأنه ملكه ، وكان له ماله بحق الملك لا بالإرث.

فإن كانت الجناية على طرفه (3) وكان حرا لم يجب عليه القصاص ، لان الحر لا يقتل بالعبد؟ (4) وان كان عبدا كان عليه القصاص ، فاذا وجب الأرش في جناية الخطإ أو في جناية العمد إذا عفا عن القصاص فيها فإن الأرش للمكاتب لأنه من جملة الكسب وليس له المطالبة بالأرش إلا بعد اندمال الجرح؟ فان سرت الجناية إلى نفسه انفسخت الكتابة وعاد الى ملك سيده وما يكون في يده من مال فهو للسيد.

* * *

ص: 392


1- يأتي في باب القصاص بيان هذه الكفارة في العمد والخطاء وكذا في باب الكفارات.
2- اى صار بحكم القن وقد ذكر المصنف في باب القصاص ان من قتل عبده القن فعليه التعزير والكفارة لكن في بعض النصوص انه يؤخذ منه القيمة ويتصدق به عن العبد كما عن جمع من الأصحاب مع ان في بطلان الكتابة بقتل المولى اشكالا وانما ورد النص به في موت المكاتب المشروط.
3- زاد هنا في هامش نسخة ( ب ) « من سيده لم يقاص » عليه لان له عليه ملكا فان كان ضعيفا لم يلزمه الأرش وكان الجاني غير سيده » لكن صوابه كما في المبسوط : لان له عليه ملكا وان كان ضعيفا ويلزمه الأرش وان كان الجاني غير سيده.
4- أي إذا لم يقتل به لعدم المكافئة فلا قصاص في الطرف أيضا لذلك.

« مسائل في المكاتبة »

إذا كان للمريض عبد فكاتبه في حال مرضه كانت المكاتبة صحيحة لأنه ملكه؟ فإن برأ من المرض لزمته الكتابة في جميع العبد لأن الكتابة تصرف منجز؟ وإذا تصرف فيه المريض وبرأ من مرضه لزمته؟ وان مات اعتبر ذلك : من الثلث فان احتمل ثلثه قيمة جميع العبد ، نفذ جميع المكاتبة في جميعه ، فإن أدى المال إلى الورثة عتق وان لم يحتمل الثلث جميعه فان لم يخلف الميت غيره ، فإن الكتابة تلزم في ثلثه ويبقى ثلثاه موقوفا على اجازة الورثة فإن أجازوه ، نفذت الكتابة في جميعه؟ وان لم يجيزوه بطلت في ثلثيه وبقيت في الثلث فإذا أدى إليهم ثلث المال عتق (1).

وإذا كان له عبد فكاتبه في صحته ثم مرض وأقرانه قبض مال الكتابة صح إقراره وعتق العبد ، لان المريض يملك القبض ويملك الإقرار به مثل الصحيح.

وإذا كان له عبد فكاتبه على دراهم ، ثم أبرأه عن دنانير أو كاتبه على دنانير ثم أبرأه عن دراهم كان ذلك باطلا لأن الذي يستحق عليه الدراهم فإذا أبرأه عن دنانير فقد أبرأه عما لا يستحقه ، فصار كما لو كان له على زيد حق فابرأ عمرا منه ، فإن أبرأه عن الف درهم وله عليه دنانير ، وقال أردت به دنانير قيمتها الف درهم (2) الا قفيز حنطة ثم قال أردت إلا دراهم بقفيز حنطة ، فإنه يقبل فيكون قد استثنى قيمة القفيز من الألف فإن أبرأه عن الدراهم وله عليه دنانير ثم اختلفا فقال : سيده أردت به الدراهم على الإطلاق فقال المكاتب : بل أردت عن قيمة الدراهم من الدنانير كان القول ، قول السيد لأنه اختلاف في نيته وإرادته وهو اعلم بذلك من غيره.

ص: 393


1- اى ثلثه ويظهر مما تقدم في باب مكاتبة المريض انه يسعى في الباقي
2- هنا سقط وهو كما في هامش نسخة ( ب ) والمبسوط « قبل منه ذلك وبرأت ذمته عن القدر الذي أراده لأنه أبرأه عما يستحقه فصح الإبراء كما إذا قال لزيد على الف درهم ».

فان مات السيد واختلف المكاتب وورثته فيما ذكرناه كان القول قول الورثة لأنهم يقومون مقامه؟ وإذا قال السيد استوفيت آخر كتابة هذا العبد لم يبرأ العبد بهذا اللفظ من الإقرار على الإطلاق لأنه يحتمل استوفيت آخر ما بقي من مال الكتابة ويحتمل آخر ما حل عليه ويحتمل آخر نجومه؟ فاما إذا كان محتملا لم يقع البراءة بالشك لكن يرجع الى السيد فيستفسر عما أراده فبأي شي ء فسره قبل منه.

فان اختلف المكاتب وسيده؟ فقال سيده أردت اننى استوفيت آخر ما حل عليك؟ فقال المكاتب : بل آخر مال الكتابة كان القول قول السيد لأنه اعلم بما نواه وكذلك : ان مات السيد واختلف المكاتب وورثته؟ كان القول ، قول الورثة كمثل ما قدمناه.

فان قال استوفيت آخر كتابتك (1) ان شاء زيد لم يكن ذلك : إقرارا؟ ولا يتعلق به حكم لأنه علقه بصفة والإقرار لا يتعلق بالصفات كما لو قال لزيد على مأة درهم ان شاء زيد فإنه لا يتعلق به حكم.

وإذا كان له عبد فاوصى بكتابته كانت الوصية صحيحة؟ لأنها تتضمن القربة وهي العتق ويعتبر قيمة العبد الموصى بكتابته من الثلث؟ فان كان لم يوص لا بالكتابة فقط كان الثلث مصروفا إليها؟ وان كان اوصى بالكتابة وبغيرها من هبة ووصية بمال ومحاباة وعتق ، قدم العتق على غيره؟ وان اوصى بكتابة وغيرها من دون عتق قدمت الكتابة على غيرها.

وإذا كانت الكتابة مقدمة على غيرها فان الثلث يتوفر عليها وان احتمل قيمة العبد كوتب والزم الورثة بذلك؟ فان لم يجز العبد الكتابة لم يجبر عليها. فان رجع بعد ذلك وطلبها لم يجب إليها لأن حقه قد سقط بامتناعه ، وان اختارها وطلبها وكان الموصى أطلق الوصية ولم يقدر ما يكاتب عليه ، فإنه يكاتب على ما جرت العادة به

ص: 394


1- زاد في هامش نسخة ( ب ) ( ان شاء اللّه لم يلزمه شي ء وان قال استوفيت آخر كتابتك ».

في كتابة مثله؟ وان كان قدر ما يكاتب عليه فإنه يكاتب على ذلك القدر من غير زيادة عليه. فاذا كوتب وادي مال الكتابة كان المال غير محسوب من جملة التركة؟ بل يكون حقا خالصا للوارث ، هذا إذا كان قيمته يخرج من الثلث؟ فان لم يخرج ، فإنه يكاتب القدر الذي يحتمله الثلث.

وإذا كان له عدة من العبيد فاوصى بان قال كاتبوا عبدا من عبيدي ، كان للوارث ان يكاتب اى عبد اراده؟ ولا يجوز ان يكاتب امة لان اسم العبد لا يجرى عليها؟ فاذا قال كاتب امة من إمائي كان له ان يكاتب اى امة أراد ، ولا يجوز ان يكاتب عبدا لان اسم الأمة لا يجرى عليه.

وإذا قال كاتب عبدا من عبيدي وقد كان له خنثى قد حكم عليه بأنه رجل ، جاز ان يكاتبه؟ فان كان له خنثى قد حكم فيها بأنها أنثى ، فقال كاتب امة من إمائي جاز ان يكاتبها وإذا قال كاتب واحدا من رقيقي جاز ان يكاتب عبدا أو امة؟ لان اسم الرقيق يجرى عليهما فان كان له خنثى مشكل لم يكاتبها حتى يبين أمرها. (1)

وإذا كان له عبد فكاتبه ومات السيد ، لم ينفسخ الكتابة بموته لأنها لازمة من جهته ، فان كان مال الكتابة ينصرف الى ورثته وكانوا رشيدين بالغين عقلا ، والمال لهم وكانوا واحدا ، أسلم المكاتب اليه المال؟ وان كانوا جماعة دفع الى كل واحد منهم حقه؟ فان دفع البعض الى بعض منهم لم يعتق (2) ، فان سلم المال إلى الوصي لم يعتق لأن الورثة لا يولى عليهم لأنهم من أهل الرشد والوصية لا تصح في حقوقهم

وان كانوا غير رشيدين أو كانوا أطفالا أو مجانين وكان لهم جد ، كان هو الناظر في أمورهم ، فلا تصح معه الوصية فإذا دفع المال اليه عتق؟ وان لم يكن جد

ص: 395


1- الظاهر ان المراد ما إذا قال كاتب عبدا أو امة دون ما إذا قال رقيقا لان اسم الرقيق يجرى على المشكل أيضا فلعل هذه الجملة قبل ذلك
2- وكذا إذا دفع الكل الى بعضهم كما يأتي نحوه في الدفع إلى الوصي ولعل لفظة « البعض » هنا زائدة لوضوح انه لا يعتق بدفع بعض المال مطلقا

ووصى أبوهم الى من ينظر في أمورهم صح ذلك ويجب على المكاتب ان يدفع ذلك الى الوصي ان كان واحدا وان كانا اثنين وقد أوصى إليهما والى كل واحد منهما على الانفراد ، كان للمكاتب ان يدفع ذلك إليهما والى كل واحد منهما وان كان اوصى إليهما ولم يوص الى كل واحد منهما على الانفراد ، لم يجز ان يدفع الى أحدهما ولكن يدفع إليهما ، فإن دفع الى أحدهما لم يعتق لان الموصى إنما أوصى باجتهادهما ولم يوص باجتهاد واحد منهما وحده.

فان كان الورثة بعضهم صغارا وبعضهم كبارا ، قبض الكبار حقوقهم واما الصغار : فان الحاكم ينصب لهم أمينا فيدفع المكاتب اليه ذلك.

وإذا كان مال الكتابة ينصرف الى موصى له به وكان هذا الواحد (1) معينا كان الحق له؟ وان كان اوصى به لأقوام غير معينين مثل الفقراء والمساكين ، لم يجز للمكاتب ان يوصل المال إليهم بنفسه ، وعليه ان يسلمه إلى الوصي لأن الميت لم يرض باجتهاد المكاتب ، وانما يرضى باجتهاد الوصي.

فإن كان مال الكتابة ينصرف الى غرماء وقضاء ديون ، وكان السيد قد أوصى بأن يقتضي من مال الكتابة جاز للمكاتب تسليمه الى أصحاب الديون ويجوز ان يسلمه إلى الوصي وليس للوارث حقها هنا فيه؟ وان لم يكن قد وصى ، كان الحق للوارث والوصي معا فلا يجوز للمكاتب ان يدفعه الا بحضرتهما ورضاهما ، لأن للورثة حقا فيه وهو أخذهم المال ويقضوا الدين من عندهم.

وإذا كان له عبد فكاتبه على مال وكان مشروطا عليه وأراد سيده فسخ الكتابة ولم يكن قد حل على المكاتب نجم ، لم يجز له الفسخ ، وكذلك : ان كان قد حل عليه نجم ومعه ما يؤدى ولم يمتنع من الأداء.

فإن كان قد حل عليه المال ولم يكن معه ما يؤدى أو كان ذلك معه وامتنع من أدائه ، كان لسيده فسخ الكتابة فإن كان العبد حاضرا كان للسيد فسخ ذلك بنفسه

ص: 396


1- لعل الصواب « واحدا معينا ».

من غير حاجة الى الحاكم فان كان غائبا لم يكن لسيده فسخها بنفسه بل يرفع ذلك الى الحاكم ويثبت عنده ان له مالا على المكاتب وقد تعذر الأداء اليه فاذا فعل ذلك استحلفه الحاكم مع بينته وحكم له بالفسخ.

وإذا كاتب عبدا وحل عليه نجم فأظهر أنه عاجز عن أدائه فانظره سيده بذلك صح الانظار ولا يجبر على اختيار الفسخ فان رجع بعد ذلك الى المطالبة بالمال كان له ذلك ولم يجب عليه الفاضل (1) الذي بذله.

وإذا ادعى المكاتب على سيده انه ادى اليه مال الكتابة وأنكر السيد ذلك فشهد للمكاتب شاهد واحد ، فإنه يحلف ويحكم له بأدائه المال لأن الذي يثبت بهذه الشهادة قضاء المال ودفعه ، وذلك يثبت بشاهد ويمين.

وإذا كاتب عبده على عوض (2) صح ذلك لان العوض يصح ان يكون في الذمة عن سلم ، فصح ان يكون ثمنا فإن أدى العوض على الصفة التي شرطت عليه ، وقع العتق في الظاهر؟ فان استحق العوض السيد ، (3) استقر العتق للعبد وان خرج العوض مستحقا سلم الى صاحبه ويرتفع العتق لأن الكتابة عقد معاوضة فإذا دفع عوضا مستحقا كان ذلك الدفع لا تأثير له ووجوده كعدمه (4).

فان قال لعبده إذا أعطيتني ثوبا من صفته كذا وكذا فأنت حر؟ فدفع اليه ثوبا

ص: 397


1- الظاهر ان الصواب « التأجيل الذي بذله » كما في المبسوط ثم فيه أيضا :لان من كان عليه حق معجل فأجله لم يلزمه ذلك وقال بعضهم أي العامة يلزمه والأول أقوى عندي لأنه لا دليل على لزومه.
2- الصواب « عرض » بالراء المهملة وكذا في العبارات التالية غير الأخيرة وهو بفتح العين وسكون الراء غير الدرهم والدينار من الأمتعة كما في مصباح اللغة
3- الظاهر ان الصواب « فان استقر العرض للسيد »
4- فحينئذ ان تمكن العبد من الإتيان بعرض آخر على ما شرط عليه وقع العتق من بعده والا فللسيد تعجيزه ورده الى الرق

على هذه الصفة وكان مستحقا فإنه لا يعتق لان تقرير (1) قوله ان أعطيتني ثوبا من صفته كذا وكذا يعني أملكه وانتفع به والمستحق لا يملكه ولا ينتفع به ، وهكذا : لو قال له ان أعطيتني هذا الثوب فأنت حر فغصبه وأعطاه فإنه لا يعتق بمثل ذلك.

وإذا اوصى بما في ذمة مكاتبه لإنسان ولآخر برقبته إذا عجز كانت الوصيتان صحيحتين فإن أدى مال الكتابة عتق ، ويكون ذلك المال للموصى له به فيبطل وصيته لآخر ، فان عجز نفسه واسترق ، سلمت الرقبة الى الموصى له بها ويطلب الأخر بالمال (2) وإذا كاتب عبده كتابة فاسدة ثم اوصى بما في ذمته بطلت الوصية ، لأنه لا يملك شيئا في ذمته؟ فان قال إذا قبضت مال الكتابة فقد أوصيت لك به ، كانت الوصية صحيحة لأنه إذا قبض المال ملكه (3) ، وما يأخذه من ذلك يملكه لأنه كسب عبده.

وإذا اوصى لإنسان فقال : أوصيت لك بما يعجله مكاتبى من مال الكتابة كانت الوصية صحيحة؟ فإن عجل مما عليه شيئا دفع ذلك الى الموصى له ، وان لم يعجل شيئا بل ادى المال كرها (4) بطلت الوصية.

وإذا كان له عبد فكاتبه كتابة فاسدة ثم اوصى برقبته كانت الوصية صحيحة لأن ملكه لم يزل عن رقبته بالكتابة الفاسدة؟.

وإذا اوصى إنسان فقال ضعوا عن مكاتبى أكثر ما بقي عليه من مال الكتابة ، كان قد اوصى بوضع نصف ما عليه وزيادة لأن أكثر الشي ء ما زاد على نصفه ، فيلزم الوارث ان يضع عنه نصف مال الكتابة (5) وزيادة على ذلك ما أراد من غير تحديد ومقدار.

ص: 398


1- لعل الصواب « تقدير » كما في المبسوط
2- الصواب « وبطلت الأخرى بالمال » كما في بعض النسخ والمبسوط.
3- زاد هنا في هامش نسخة ( ب ) « وان كان قبضه عن كتابة فاسدة لأنه أضاف الوصية إلى ملكه » وكذا في المبسوط.
4- لعل الصواب « نجوما » أو نحوه مما هو خلاف التعجيل وفي المبسوط « كرة » واللّه العالم.
5- ان لم يدفع منه شيئا الى الموصى والا فنصف ما بقي عليه وزيادة.

فإن أوصى فقال ضعوا عنه أكثر ما بقي عليه من مال الكتابة وقبل (1) نصفها ، كان اوصى بأن يوضع عنه ثلاثة أرباع مال الكتابة وزيادة على ذلك لان أكثر ما بقي عليه هو النصف وزيادة عليه فنصف ذلك الربع وزيادة عليه.

وإذا اوصى فقال : ضعوا عن مكاتبى ما شاء ، لم يجز ان شاء جميع ما عليه بل يبقى منه جزء وان قل.

وإذا اوصى فقال (2) : ضعوا عنه الأوسط من نجومه فإن الأوسط يقع على الأوسط في العدد والأوسط في الأجل والأوسط في القدر ، فالأوسط في العدد : ان يكون النجم ثلاثة فيكون الثاني أوسطها؟ وفي الأجل ان يكاتبه على نجم الى شهر ونجم الى شهرين ونجم إلى ثلاثة أشهر ، فيكون أوسطها هو الذي إلى شهرين؟ والأوسط في القدر ان يكاتبه على نجم الى مأة ونجم الى مأتين ونجم الى ثلاث مأة ، فالذي الى مأتين أوسطها ، فإذا كان كذلك وكان في نجومه أوسط في القدر وأوسط في الأجل وأوسط في العدد استعملت القرعة في ذلك.

وإذا كاتب عبده على نجوم مخصوصة في أوقات مخصوصة (3) فإذا أدى شيئا من النجوم أعتق بحسابه ، ولم يجز رده في الرق فان عجز فيما بعد عن مال الكتابة كان على الامام عليه السلام ان يؤدي عنه ما بقي عليه من سهم الرقاب؟ فاذا مات هذا المكاتب وخلف أولادا ومالا ، ورثه سيده بقدر ما بقي له من العبودية؟ وكان الباقي لولده ان كانوا أحرارا.

وان كان المكاتب رزق الولد بعد الكتابة من امة له ، كان حكم ولده حكمه

ص: 399


1- الصواب « ومثل » أو هو بمعناه.
2- زاد في هامش نسخة ( ب ) هنا « ضعوا عن مكاتبى اى نجم شاء فأي نجم شاء وضع عنه. وإذا قال » قلت مر هذا الفرع وفروع أخر من الوصية في باب مكاتبة المريض.
3- اى ولم يشرط عليه الرد في الرق ان عجز كما تقدم في أول باب المكاتبة وهذا الفرع وما بعده تكرار له.

في انه يسترق منه مولى أبيه بقدر ما بقي على أبيه فإن أدى الابن ما كان بقي على أبيه صار حرا ولم يكن للسيد سبيل عليه؟ فان لم يكن له مال استسعاه سيد أبيه فيما بقي على أبيه ، فإذا أداه صار حرا؟ وهذا المكاتب إذا أدى بعض مال الكتابة يرث ويورث بحساب ما عتق منه ويمنع الميراث ويحرم بقدر ما بقي من الرق.

وإذا فعل المكاتب ما يجب عليه الحد أقيم عليه بقدر ما عتق حد الحرية وما بقي منه رقا حد العبودية؟

وإذا جنى على غيره جناية عمد وكان المجني عليه حرا اقتص منه ، وان كان عبدا لم يقتص منه لان بعضه حر ولا قصاص بين الحر والعبد ، وان كان مكاتبا مثله فان كان تحرر منه مثل ما تحرر من الأخر أو أكثر جاز ان يقتص منه وان كان تحرر أقل مما تحرر من الأخر لم يقتص منه وان كانت الجناية خطأ فإنه يتعلق الأرش بمقدار ما تحرر منه بذمته ، ان كان المجني عليه حرا أو عبدا وبمقدار ما بقي منه رقا يتعلق برقبته ولسيده ان يفديه على ما تقدم ذكره.

وإذا جنى على هذا المكاتب وكانت الجناية عمدا والجاني حرا لم يقتص منه ، لان بعضه رق ولا يقتص لعبد من حر وان كان الجاني عبدا اقتص منه فان كان مكاتبا مثله وكان قد تحرر منه مثل ما تحرر من هذا أو دونه اقتص منه؟ وان كان قد تحرر من الجاني أكثر منه لم يقتص منه كما تقدم ذكره.

فان كانت الجناية خطأ كان فيها الأرش بمقدار ما تحرر منه من دية الحر وبمقدار ما بقي رقادية العبد.

وإذا كان الجاني حرا لزمه ذلك أو عاقلته ، وان كان عبدا تعلق ذلك برقبته ولسيده ان يفديه فان كان مكاتبا قد تحرر منه البعض تعلق بذمته مقدار ما تحرر منه وبمقدار ما بقي رقا برقبته.

وكل مكان ذكرنا انه يتعلق بذمته؟ فان كان في جناية عمد (1) فإنه يكون في ذمته ( رقبته - خ ل ) يطالب به من كسبه الذي بصيبه ، وان كان عن جناية خطأ

ص: 400


1- أي فيما إذا عفى عن القصاص.

كان ذلك على الإمام لأنه عاقلته ، فان كان سيده شرط عليه ان يكون له ولاؤه كان على السيد ما يتعلق بذمته.

وإذا اوصى هذا المكاتب كانت وصيته ماضية بمقدار ما تحرر منه في ثلثه وباقي ذلك لورثته ومردودة بمقدار ما بقي منه رقا ، وإذا ركبه دين تعلق بذمته بمقدار ما تحرر منه يطالب به إذا أعتق أو من الذي يكسبه في اليوم الذي يختص به أو بمقدار ما تحرر منه فاما بمقدار ما بقي منه رقا فإن استدانه بإذن مولاه فعلى مولاه قضاؤه عنه وله ان يقضى ذلك من كسبه الذي يصيبه بمقدار الرق وان كان استدانه بغير اذن مولاه تعلق بكسبه جميعه ويقضى منه دين الغرماء ويكون ما يبقى بينه وبين سيده على حساب الحرية والرق.

وإذا كاتب مملوكة وتحرر بعضها منها لم يجز له وطؤها ، (1) فإن وطأها كان عليه الحد بمقدار ما تحرر منها ودرى عنه بمقدار ما بقي ، وعليها مثل ذلك : فإن أكرهها لم يكن عليها شي ء ، وهذه المكاتبة (2) لا يجوز لها ان تتزوج إلا بإذن سيدها ، فان تزوجت بغير اذنه كان النكاح باطلا. فان تزوجت باذنه وأدت شيئا من مكاتبتها ورزقت أولادا ، كان حكم ولدها حكمها (3) يسترق منهم بحساب ما بقي من ثمنها ويعتق بحساب ما انعتق؟ وهذا المكاتب لا يجوز على سيده زكاة الفطرة عنه ، فان كان مشروطا عليه لزمه ذلك.

« تم كتاب العتق والتدبير »

ص: 401


1- بالملك أو بعقد التزويج لما تقدم في أوائل باب المكاتبة وظاهر المصنف هنا وفيما تقدم جواز الوطئ ان لم يتحرر منها شيئا مطلقة كانت أو مشروطة والمعروف بين الأصحاب عدم الجواز مطلقا لضعف الملك وربما يظهر ذلك من مطاوي المتن.
2- بل كل امة مكاتبة كما تقدم في أوائل الباب المذكور لوضوح انها مملوكة لا تقدر على شي ء.
3- أي إذا تزوجت بمملوك واما إذا تزوجت بحر كان ولدها منه حرا كما صرح به هناك.

كتاب الايمان

اشارة

قال اللّه تعالى ( لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ ) (1) وقال ( إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ ) (2) وقال تعالى ( وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها ) (3) وقال ( فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ) (4).

وروى عن النبي صلى اللّه عليه وآله قال بئس القوم يجعلون ايمانهم دون طاعة اللّه (5) وعنه صلى اللّه عليه وآله لا تحلفوا بابائكم ولا بالأنداد « بالأجداد - خ ل » ولا تحلفوا الا باللّه ولا تحلفوا باللّه الا وأنتم صادقون (6).

وعن على عليه السلام انه قال اتقوا اليمين الكاذبة فإنها منفقة للسلعة ، ممحقة للبركة

ص: 402


1- المائدة : 89
2- آل عمران : 77
3- النحل : 91
4- الفتح : 10
5- مستدرك الوسائل الباب 7 من كتاب الايمان
6- سنن ابى داود باب كراهية الحلف بالآباء من الايمان وفيه ولا بأمهاتكم ولا بالأنداد.

ومن حلف يمينا كاذبة فقد اجترأ على اللّه فلينتظر عقوبته (1).

فاليمين الشرعية عند أهل البيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لا تكون الا باللّه أو بأحد أسمائه الحسنى؟ وكل يمين كانت بغير ما ذكرناه فليست يمينا صحيحة ، ولا يستقر لها حكم في حنث ولا كفارة فلو حلف بالنبي أو بالكعبة أو بما أشبه ذلك من المخلوقات كلها أو بالبراء ( بالبرء خ - ل ) من اللّه تعالى أو من النبي أو الأئمة أو أحدهم عليهم السلام أو من القرآن أو ما جرى مجرى ذلك : لم يكن يمينا صحيحة.

اليمين ضربان : أحدهما : يجب الكفارة عليها ، والأخر لا يجب عليها ذلك : فاما الأول : فمثل ان يحلف ان لا يخل بواجب أو لا يرتكب قبيحا ثم يخل بالواجب أو يرتكب القبيح فيجب عليه الكفارة ، أو يحلف ان يفعل ما وجب فعله أو ما الاولى فعله في دينه أو دنياه ثم لا يفعل ما حلف على ان يفعله مما وجب عليه أو أخل بما الاولى ( به - خ ل ) فعله فعليه الكفارة ، أو يحلف ان لا يفعل شيئا بتساوي فعله وتركه ثم يفعله فعليه الكفارة.

فإن حلف ان لا يأكل ولا يشرب من لحم أو لبن شاة أو غيرها لم يجز له ان يأكل من لحمها ولا يشرب من لبنها وكذلك : لا يأكل ولا يشرب من لحم أولادها أو ألبانهن ، فإن أكل من ذلك أو شرب وهو غير محتاج اليه (2) كان عليه الكفارة

فإن حلف على ان لا يفعل (3) شيئا من المحرمات مثل قتل إنسان غير مستحق للقتل أو غصب ماله أو ظلمه أو يؤذى مؤمنا أو غير ذلك مما يحرم عليه فعله فليترك جميع ذلك ولا كفارة عليه؟ أو يحلف ان يفعل شيئا لا ينفعه في دينه أو دنياه مثل ان يبيع شيئا الاولى ان يمسكه أو يمضي في شي ء الاولى ان لا يمضى فيه أو يطالب بحق هو له على غيره الاولى ان لا يطالبه فليترك جميع ذلك وليس عليه كفارة ، أو

ص: 403


1- المستدرك الباب 3 من كتاب الايمان
2- اى وان كان محتاجا فلا كفارة كما يأتي.
3- الصواب « على ان يفعل ».

يحلف ان لا يفعل ما يجب عليه فعله مثل ان لا يقضى دينا أو لا يرد وديعة أو لا يشكر منعما أولا ينصف من نفسه أولا يصلى ولا يصوم أولا يزكى ماله أو لا يحج فليفعل ذلك ولا كفارة عليه.

أو ان يحلف ان لا يفعل ما الاولى فعله في دينه أو دنياه مثل ان لا يحسن الى أحد أولا يصلى نافلة أو لا يصوم تطوعا أولا يصل أحدا من الإخوان أولا يسعى في شي ء من حوائجهم أولا يعينهم ولا يساعدهم أولا يتجر لمعيشته مع حاجته الى ذلك أولا يبتاع لأهله شيئا في ابتياعه مصلحة لهم أولا يسكن دارا وبه حاجة الى سكناها أو لا يبنيها وهو مضطر إلى بنائها أو ما جرى مجرى ذلك ، فليفعله ولا كفارة عليه.

ومن كان عنده وديعة فطالبه بها ظالم فلينكرها وليحلف عليها ويورى في نفسه ما يخرج به من كونه كاذبا ، ولا يلزمه كفارة بل يكون مثابا على ذلك؟ فان حلف على ما ذكرناه ولم يكن ممن يحسن التورية وكانت نيته حفظ الامانة فليس عليه كفارة

وإذا حلف على ماض مثل ان يقول واللّه ما فعلت كذا وكان قد فعل ذلك فليس عليه كفارة وهو مستحق للعقاب ويجب عليه ان يستغفر اللّه تعالى ولا يعود الى مثل ذلك

وليس للولد يمين مع والده ولا للمملوك مع سيده ولا لزوجة رجل معه ، فان حلف واحد من هؤلاء على شي ء مما ليس بواجب ولا قبيح ، جاز للأب حمل ابنه على خلافه ، ولا كفارة عليه وكذلك : القول في العبد وسيده والمرأة مع زوجها.

وإذا حلف على ما يدفع به ضررا أو أذية عن نفسه أو عن بعض المؤمنين لم يلزمه على ذلك كفارة بل يكون مثابا عليه؟ وإذا استحلف السلطان الجائر أصحابه وأعوانه على ظلم المؤمنين وحلفوا له على ذلك وجب عليهم ترك الظلم وترك الوفاء بما استحلفوا عليه ولا كفارة عليهم في ذلك.

وإذا حلف على غيره (1) ان يبتاع له شيئا أو يمضى معه الى بعض المواضع أو يأكل منه أو يشرب أو يسير معه في طريق أو ما جرى مجرى ذلك فلم يفعل له ذلك

ص: 404


1- اى قال له مثلا : أسألك باللّه ان تفعل لي كذا كما يأتي تصريحه بذلك أيضا

لم يجب عليه كفارة؟ فإن حلف عليه ان يركب له دابة أو يقطع معه شجرا أو يحمل معه حملا فلم يفعل لم يجب عليه كفارة.

وإذا وهب له أحد أبويه شيئا ثم مات الواهب وطالبه الوارث به ، جاز له ان يحلف بأنه كان ابتاعه منه ودفع اليه ثمنه ولم يكن عليه كفارة ولا اثم.

وإذا كان عليه دين فطالبه به صاحب الدين فلم يقدر على قضائه لإعساره ودافعه عنه وأحضره إلى الحاكم وخاف من الإقرار له به لئلا يحبسه (1) عليه فيضر ذلك به وبأهله ، جاز له ان يحلف عليه ويورى في يمينه ويعزم على قضائه إذا أيسر ، ولا يلزمه كفارة على ذلك ولا اثم؟ فان لم ينو قضاه كان مأثوما.

وإذا علم صاحب الدين حالة من ذكرناه من العجز ، لم يجز له استحلافه ولا حبسه؟ فان علم بعجزه عن أداء ما عليه من ذلك ، واستحلفه أو حبسه كان مأثوما؟

وإذا حلف ان لا يبتاع لأهله شيئا بنفسه جاز له ان يبتاعه ، وليس عليه كفارة ولا اثم؟ وإذا حلف على ان مملوكه حر خوفا من ان يأخذه منه ظالم لم ينعتق بذلك ولم يجب عليه كفارة.

وإذا حلف لزوجته ان لا يتزوج عليها ولا يشترى مملوكة يطأها أو يتسرى بها لا في حياتها ولا بعد وفاتها ، جاز له ان يتزوج ويشتري الجارية ويتسرى بها ولا كفارة عليه في ذلك ولا اثم.

وإذا حلفت المرأة لزوجها ان لا تتزوج بعد طلاقه لها وبينونتها منه أو بعد موته كان لها ان تتزوج ، ولم تكن عليها كفارة ولا اثم في ذلك.

وإذا كان عليه دين فحلف لصاحبه ان لا يخرج من البلد الا بعلمه ، وكان لا يقدر على قضاء دينه وخاف من مطالبته له ان أقام في البلد ، وان أعلمه بخروجه اعتقله أو حبسه واستضر هو واهله بذلك جاز له الخروج من غير أعلامه بذلك وليس عليه كفارة ولا اثم في ذلك.

ص: 405


1- الأصح « ان يحبسه ».

وإذا حلف ان لا يأكل ولا يشرب من لحم أو لبن شاة أو غيرها ، فأكل أو شرب من ذلك وهو محتاج اليه لم يكن عليه كفارة؟ وإذا حلف ان يؤدب مملوكه بضرب ، جاز ان لا يضربه وليس عليه كفارة.

وإذا حلف ان يقتطع مال غيره فلا كفارة عليه وان كان مأثوما بذلك ، وانما كفارته إيصال ذلك الى مستحقه؟ وإذا حلف ان لا يمس جارية غيره ابدا ثم ابتاعها لنفسه جاز له ان يطأها لأنه إنما حلف ان لا يمسها حراما.

وإذا أودع عند غيره مالا أو متاعا وأعلمه انه لإنسان معين ومات وطالبه الوارث به ، فان كان الموصى بذلك عنده ثقة جاز له ان يحلف على انه ليس عنده ويدفع ذلك الى صاحبه ولا كفارة عليه؟ فان لم يكن عنده ثقة ، دفع ذلك الى الوارث.

وإذا حلف وقال : واللّه لأقتلن زيدا وزياد قد مات أو قال : واللّه لأصعدن إلى سماء : وما أشبه ذلك لم يحنث بذلك ولا يلزمه كفارة ، وإذا حلف الإنسان باللّه تعالى وهو كافر صحت يمينه ولم يصح منه الكفارة إذا حنث ، لأنها تفتقر إلى نية القربة والقربة لا تصح من الكافر لأنه لا يعرف اللّه تعالى وإذا لم يعرفه لم يصح ان يتقرب اليه بذلك :

وقد ذكر فيما تقدم ان اليمين لا يكون يمينا صحيحة الا بان يكون باللّه تعالى أو بأحد أسمائه الحسنى فعلى هذا إذا حلف باللّه كان يمينا.

وكذلك : إذا حلف بالرحمن الرحيم وأطلق وأراد اليمين بذلك كان يمينا؟ وكذلك : رب العالمين وجميع ما يشاركه (1) فيه غيره مثل رب وخالق ورازق وما أشبه ذلك ، وإذا حلف حالف به وأطلق ذلك ولم يقيد وأراد اليمين كما قدمناه كان

ص: 406


1- اى يشاركه غيره في أصل الاسم فيقال رب العالمين لله تعالى ورب الدار لغيره فاصل الرب مشترك وهكذا الخالق والرازق لكن إطلاقها بدون إضافتها إلى شي ء كما إذا قال رب منصرف الى اللّه تعالى كما في المبسوط وان شئت قلت هذه الأسماء وما أشبهها على وجه الإطلاق لا يشاركه تعالى فيها غيره ولعله مراد المصنف فيكون صواب العبارة « مالا يشاركه ».

يمينا؟ فان قيده برب الدار وخالق الحركة أو رازق الجند وما أشبه ذلك لم يكن يمينا على حال مثل ان يكون رب الدار وخالق الحركات ورازق الجند.

وإذا قال وعزة اللّه وجلال اللّه أو عظمة اللّه وأراد اليمين كان ذلك يمينا؟ فان قال وعلم اللّه وقدرة اللّه وأراد كونه عالما أو كونه قادرا وأراد بذلك اليمين كان يمينا؟ وان أراد المعنى الذي يكون العالم والقادر به عالما وقادرا لم يكن ذلك يمينا لأنه تعالى عالم لنفسه وقادر لنفسه.

فاذا قال أقسمت باللّه وأراد بذلك اليمين كان يمينا؟ وان أطلق ذلك لم يكن يمينا لان قوله « أقسمت باللّه » يحتمل ان يكون خبرا والخبر عن أنه اقسم متقدما لا يكون يمينا؟ فان لم يرد بذلك الخبر ونوى اليمين كان يمينا صحيحة.

وإذا قال لعمر اللّه ونوى اليمين بذلك كان يمينا (1) وإذا أطلق ولم ينو اليمين لم يكن يمينا؟ وإذا قال اعزم باللّه لم يكن يمينا نوى بذلك اليمين أو لم ينو ، لان ذلك ليس من ألفاظ اليمين وإذا قال أسألك باللّه أو قال اقسم عليك باللّه لتفعلن كذا لم يكن يمينا.

وإذا قال والذي نفسي بيده ونوى اليمين كان ذلك يمينا لأنه روى ان النبي صلى اللّه عليه وآله كان يقسم بذلك كثيرا فيقول تارة « واللّه الذي نفسي بيده وتارة والذي نفس محمد بيده ».

وإذا قال والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ونوى اليمين كان ذلك يمينا لأنه روى ان أمير المؤمنين على بن أبي طالب (عليه السلام) كان يقسم بذلك فيقول : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة وتردى بالعظمة.

وإذا حلف في النفي أو الإثبات واستثنى فقال : ان شاء اللّه سقط حكم اليمين بذلك ولم يثبت لها حنث ، وانما سقط ذلك بهذا الاستثناء إذا كان متصلا غير منفصل

ص: 407


1- زاد هنا في هامش نسخة ( ب ) : وإذا قال تاللّه ونوى اليمين كان ذلك يمينا وإذا قال اشهد باللّه ونوى بذلك اليمين كان يمينا.

وذلك ان يأتي به نسقا من غير قطع الكلام ، أو يأتي به في معنى الموصول وهو ان يكون الكلام انقطع لانقطاع النفس أو الصوت اوعى (1) أو تذكر ، فاذا اتى به على هذا الوجه صح. وان فصل بينه وبين اليمين فصلا طويلا على غير ما ذكرناه ثم استثنى أو تشاغل بحديث آخر حين فراغه من اليمين سقط بحكم الاستثناء؟

فاذا كان الاستثناء بالمشية لا يصح في اليمين الا ان يكون موصولا كما ذكرناه فلا يصح أيضا الا ان يكون نطقا وقولا فان كان نية أو اعتقادا لم يصح وإذا اتى به قولا ونطقا لم يصح الا ان يقصد به الاستثناء وينوي ذلك ويعتقده ، فان لم يكن كذلك لم يصح؟

وإذا أراد ان يقول لا واللّه فسبق لسانه فقال بلى واللّه وهو غير منوي بذلك اليمين كان ما سبق به لسانه لغوا لا حكم له ولم يكن يمينا ، ولا يلزمه على ذلك شي ء وكذلك : ما جرى هذا المجرى من اللغو.

فاذا حلف وحنث لزمه الكفارة وهي متعلقة بالحنث ، فان قدم الكفارة على الحنث لم يجزئه ( لم يجزه - خ ل ) وكان عليه إعادتها.

« باب النذور والعهود »

إذا قال إنسان ان كان كذا فلله على كذا ثم ذكر صلاة أو صوما أو صدقة أو غير ذلك من أفعال البر ، كان ذلك نذرا صحيحا ووجب عليه الوفاء بما نذر فيه ولم يجز له الإخلال به ، ويفتقر في صحة ذلك الى النية؟ وكذلك : العهد فان تجرد واحد منهما من النية لم يكن لذلك حكم.

وان قال ان كان كذا فعلى كذا ولم يذكر اللّه تعالى لم يكن ذلك نذرا ، وكان مخيرا بين الوفاء به وبين تركه والأفضل الوفاء بذلك؟

ص: 408


1- بكسر العين المهملة وتشديد الياء المثناة وهو العجز أو الفتور في التكلم كما في الحديث النساء عي وعورة فاستروا عيهن بالسكوت وعوراتهن بالبيوت.

وليس ينعقد النذر على معصية ، فإذا نذر في شي ء من ذلك كان النذر باطلا.

وإذا لم يتلفظ بالنذر واعتقد انه ان كان كذا فلله على كذا (1) وان اعتقد انه إذا كان شي ء كان عليه كذا ولم يعتقد ذلك لله تعالى كان مخيرا بين الوفاء به وبين تركه والأفضل الوفاء به.

وإذا قال ان كان كذا فلله على المشي إلى بيته الحرام أو اهدى إليه بدنة أو احمل اليه كسوة أو ما أشبه ذلك ، فاذا حصل ذلك الشي ء كان عليه الوفاء بذلك.

وإذا قال ان كان كذا فلله على ان اهدى الى بيته طعاما لم يجب عليه الوفاء به لأن الهدى لا يكون الا من الإبل أو البقر أو الغنم؟

وإذا نذر ان يهدى الى البيت هديا ولم يسمه كان عليه ان يهدى ان من الإبل أو البقر أو الغنم لأن الهدى لا يكون الأمن ذلك كما قدمناه.

وإذا نذر لله تعالى انه متى كان كذا فعليه شي ء ولم يعين ذلك الشي ء كان مخيرا بين الصلاة والصوم أو الصدقة أو غير ذلك من أنواع القرب.

فاما المعاهدة فهو قول الإنسان عاهدت اللّه تعالى ان كان كذا فعلى كذا ويعتقد (2) مثل ذلك؟ فان قال ذلك أو اعتقد وحصل الذي عاهد عليه كان عليه الوفاء بذلك عند حصول ما ذكره.

وإذا قال انا محرم بحجة أو عمرة ان كان كذا وكذا كان ذلك لغوا ولم يثبت له حكم.

ص: 409


1- في هامش نسخة ( ب ) زاد هنا تصحيحا « كان الوفاء بذلك واجبا عليه إذا حصل ذلك الشي ء وكان هذا كقوله : ان كان كذا » ونحوه في نهاية الشيخ وحاصله انه إذا لم يتلفظ بنذره ولكنه نواه في اعتقاده كان ذلك بمنزلة القول فان كان نواه اللّه تعالى وجب الوفاء والا فهو أفضل.
2- الصواب « أو يعتقد » بقرينة ما بعده وما تقدم نحوه في النذر

والنذر ضربان أحدهما : يجب الوفاء به والأخر : لا يجب الوفاء به ، فالذي يجب الوفاء به هو ان ينذر الإنسان انه متى فعل شيئا من الواجبات أو المندوبات أو المباحات كان عليه شي ء معين من صوم أو صلاة أو حج أو صدقة أو غير ذلك من أفعال البر فإنه متى فعل ذلك كان عليه الوفاء به.

وإذا نذر ان عوفي من مرضه أو عاد من سفره أو ربح في تجارته أو كفى سطوة ظالم أو تخلص من يده أو ما أشبه ذلك وحصل الشي ء الذي نذر فيه كان عليه الوفاء بما نذر ولم يجز له ان يخل به.

وإذا نذر عن ولد له غائب وهو مريض انه ان عوفي من مرضه كان عليه كذا وبلغه برؤه ، فإن كان برؤه حصل بعد النذر كان عليه الوفاء به ، وان كان حصل قبل النذر لم يلزمه الوفاء به.

وإذا وجب عليه نذر وكان قد علقه بشرط أو وقت معين كان عليه الوفاء به عند حصول الشرط أو الوقت المعين ، فان خالف في ذلك كان عليه الكفارة؟ وان لم يكن علفه بشرط ولا وقت معين كان ذلك ثابتا في ذمته الى ان يفي به.

وإذا نذر صوم شهر أو سنة أو أقل من ذلك أو أكثر ، وكان قد علق ذلك بوقت معين ولم يصمه فيه وجب عليه القضاء والكفارة؟ فان لم يكن علقه بوقت معين كان عليه الوفاء به اى وقت شاء الا ان الأحوط فعله على الفور والبدار دون التراخي فإن أخره لم يكن عليه كفارة.

وإذا كان عليه صوم نذر فمرض أو سافر ، فان كان النذر نذر الصوم على كل حال وجب عليه الصوم في السفر والمرض (1) وان لم يكن نذره على كل حال أفطر وكان عليه القضاء بغير كفارة.

ص: 410


1- هذا الحكم في المرض غير معروف من الأصحاب لكنه قد يظهر من الخبر الوارد فيه للسفر حيث ذكرا فيه معا الا انه لم ينقل القول به عن أحد كما يستفاد من جواهر الكلام وغيره عند تعرضهم لهذا الخبر.

وقد ذكرنا فيما تقدم ان النذر لا ينعقد على معصية فإن نذر صوم يوم العيدين أو صوم يوم (1) فوافق ان يكون ذلك ، يوم العيدين وجب عليه إفطاره وليس عليه قضاء ولا كفارة.

وإذا نذر عتق رقبة معينة أعتقها على كل حال سواء كانت مؤمنة أو كافرة؟فإن كانت غير معينة أعتق أي رقبة شاء بعد ان لا تكون كافرة.

وإذا نذر صوم حين من الدهر ولم يعين شيئا وجب صوم ستة أشهر فإن نذر صوم زمان ولم يعين شيئا كان عليه صوم خمسة أشهر.

وإذا نذر عتق كل مملوك قديم في ملكه ولم يعين شيئا أعتق كل عبد مضى عليه في ملكه ستة أشهر.

وإذا نذر صدقة مال كثير ولم يسم شيئا معينا كان عليه ان يتصدق بثمانين درهما أو ما زاد على ذلك.

وإذا نذر إخراج شي ء في وجه من وجوه البر ولم يذكر شيئا معينا ، كان مخيرا بين الصدقة على فقراء المسلمين المؤمنين وبين إخراجه في حج أو زيارة أو غير ذلك من وجوه البر؟

وإذا نذر الحج ماشيا أو زيارة مشهد من المشاهد الشريفة كذلك ، ثم عجز عن المشي كان له ان يركب ، ولا كفارة عليه ، فان ركب من غير عجز وجب عليه اعادة الحج أو الزيادة بأن يمشي ما ركب ويركب ما مشى ، وإذا اتى إلى نهر وأراد العبور فيه في زورق فينبغي ان يكون فيه قائماً ولا يجلس حتى يخرج الى البر

وإذا جعل دابته أو ثوبه أو مملوكه هديا للكعبة أو لبعض المشاهد كان عليه ان يبيع الدابة أو الثوب أو المملوك ويصرف ثمنه في بعض مصالح الكعبة أو المشهد وفي معونة الحاج والزوار؟

ص: 411


1- كيوم الجمعة وقد ورد في بعض النصوص انه يصوم يوما بدله واختاره الشيخ في النهاية.

وإذا نذر صدقة بدنانير أو دراهم على فقراء معينين أو في موضع معين وجب عليه فعل ذلك على ما عينه؟ ولم يجز له العدول عنه الى غيره؟! فان عدل الى غير ذلك كان عليه الإعادة على الوجه الذي عينه.

وإذا نذر صلاة معينة تطوعا في وقت معين كان عليه الوفاء بذلك في الوقت الذي عينه مسافرا كان أو حاضرا.

وإذا نذر الحج ان رزقه اللّه ولدا ورزق الولد ومات قبل ان يحج للولد (1) أو غيره عنه من صلب ماله.

وإذا نذر ولم يعين شيئا ، كان مخيرا بين صلاة ركعتين وبين صوم يوم واحد أو صدقة بدرهم أو أقل من ذلك أو أكثر؟

وإذا نذر في طاعة الصدقة بجميع ما يملكه كان عليه الوفاء بذلك ، فان خاف المضرة بخروجه من جميع ما يملكه قوم ذلك على نفسه وتصدق به شيئا بعد شي ء ويثبت ما يتصدق به الى ان يعلم الوفاء بذلك؟ فاذا علم برأت ذمته مما كان نذره. وإذا كان له عبد فنذر ان لا يبيعه ابدا ، لم يجز له بيعه احتاج الى ذلك أو لم يحتج اليه.

وإذا نذر الإحرام بحجة أو عمرة من مكان معين ، وجب عليه الوفاء بذلك وان كان المكان الذي عينه لا حرامه دون الميقات.

وإذا نذر الحج ولم يكن له مال له يحج به ، ثم حج من غيره ، كانت حجته مجزية عن ذلك الغير ، وعليه الحج إذا تمكن منه؟! وقد ذكر (2) ان ذلك يجزأه

ص: 412


1- الظاهر ان الصواب « ومات قبل ان يحج وجب ان يحج بالولد أو غيره عنه من صلب ماله » كما في نسخة ( ب ) وهامشها تصحيحا ونحوه في النهاية والمذكور في النص الذي هو مدرك هذا الفرع « انه : نذر ان رزق ولدا ان يحج به أو يحج عنه » فراجع الوسائل الباب 16 من كتاب النذر ونحوه في الباب 29 من أبواب وجوب الحج الا ان فيه انه يحج عنه من ثلثه
2- ذكره الشيخ في النهاية لظاهر النص كما في الوسائل الباب 21 من كتاب النذر.

عن حجة النذر ، والصحيح ما ذكرناه.

وإذا نذر نذرا وعجز عن الوفاء به لم يكن عليه شي ء؟ وإذا كانت المرأة صائمة صوم نذر فحاضت فيه كان عليها ان تفطر ثم تقضى ذلك ولا شي ء عليها بعد القضاء.

واما ما لا يجب الوفاء به من النذر فهو ان ينذر انه متى فعل شيئا من القبيح كان عليه كذا شكرا لله تعالى : ثم فعل ذلك القبيح لم يجب عليه الوفاء بذلك؟ لأنه نذر في معصية وقد ذكرنا فيما تقدم : ان النذر لا ينعقد على معصية.

وإذا نذر انه متى لم يترك واجبا أو ندبا كان عليه كذا؟ وكذا : فليفعل الواجب أو الندب ولا شي ء عليه (1).

وإذا نذر انه ان فعل واجبا أو ندبا أو ربح في تجارة أو برء من مرضه ان برء مريض له أو تخلص من ظلم ظالم أو قدم من سفر وما أشبه ذلك فعل قبيحا ، مثل ان يقتل مؤمنا أو يترك واجبا أو يغصب مالا لغيره أو يفجر بامرأة أو ما جرى هذا المجرى كان عليه ان يترك ولا كفارة عليه.

واما المعاهدة : فإن الإنسان إذا عاهد اللّه تعالى : على ان يفعل (2) ما الاولى ان يفعله في دينه أو دنياه أو لا يفعل ما الاولى ان يفعله ، فليفعل ما الاولى فعله ويترك ما الاولى تركه ولا كفارة.

وإذا عاهد اللّه : تعالى على ان لا يفعل قبيحا ولا يترك واجبا أو ندبا وفعل القبيح أو ترك الواجب أو الندب كان عليه الكفارة.

ص: 413


1- تقدم في ذكر ما يجب الوفاء انه إذا نذر انه متى فعل واجبا أو مندوبا كان عليه كذا وكذا يجب الوفاء به إذا فعله والمراد بهذا النذر ترغيب نفسه على فعل الطاعة وهو عبادة واما في هذه المسئلة فالمراد به زجر نفسه عنه معصية.
2- الصواب كما في هامش نسخة ( ب ) تصحيحا « على ان يفعل واجبا أو ما يكون به طائعا فعليه الوفاء به فان لم يفعل كان عليه الكفارة وإذا عاهد اللّه سبحانه على ان يفعل ما الاولى ان لا يفعله في دينه أو دنياه » ونحوه في نهاية الشيخ.

« كتاب الكفارات »

اشارة

الكفارات على ضروب : منها كفارة اليمين ومنها كفارة نقض النذور والعهود (1) ومنها : كفارة الحلف بالبراءة من اللّه تعالى أو رسوله أو أحد الأئمة عليهم السلام.

ومنها كفارة من أفطر في يوم من شهر رمضان متعمدا ومنها كفارة من أفطر بعد الزوال في يوم يقضيه عن يوم من شهر رمضان. ومنها كفارة قتل العمد ومنها كفارة قتل الخطاء ومنها كفارة وطء الزوجة أو الأمة في الحيض ، ومنها كفارة العجز عن صيام شهرين؟ومنها : كفارة من تزوج امرأة وهي في العدة؟ ومنها : كفارة من نام عن صلاة العشاء الأخيرة حتى صار نصف الليل ومنها كفارة من ترك صلاة الكسوف؟ ومنها : كفارة النظر الى المصلوب بعد ثلاثة أيام ومنها : كفارة من شق ثوبه في موت ولده أو أخيه؟ومنها كفارة لطم المرية وجهها في مصاب أو خدشة أو جزها لشعرها في ذلك.

ومنها : كفارة قتل السيد مملوكه أو كفارة ضربه له بما يزيده على الحد.

« باب كفارة اليمين »

كفارة اليمين : عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم؟ وهذه الكفارات واجبة على وجه التخيير دون الترتيب ، والحانث مخير في أي شي ء منها فعل كان مجزيا

وإذا أراد عتق الرقبة فينبغي ان يعتق من يكون على ظاهر الإسلام أو من يكون بحكم ذلك ذكرا كان : أو أنثى : صغيرا كان : أو كبيرا؟ ولا يجوز له عتق مدبر الا بعد ان ينقض تدبيره؟ ولا يجوز له أيضا ان يعتق مكاتبا قد أدى شيئا من مكاتبته.

ص: 414


1- زاد هنا في هامش نسخة ( ب ) « ومنها كفارة الظهار ومنها كفارة الإيلاء »

ويجوز له ان يعتق المملوك الآبق إذا لم يعلم موته؟ ويجوز له أيضا عتق الأعور والأعرج والأشل ، ولا يجوز عتق مقعد ولا مجذوم ولا أعمى.

ولا ينبغي للحانث ان يعتق أم ولده في الكفارة أيضا ، وقد ذكر : (1) جواز ذلك والأحوط ما ذكرناه.

وإذا أراد إطعام عشرة مساكين فليطعم كل واحد منهم شبعه في يوم ، فان لم يقدر أطعمه مدا من طعام ويجوز جمعهم في موضع واحد وإطعامهم ذلك الطعام. ولا يجوز ان يكون جميع العشرة صغارا؟ وقد ذكر (2) انه إذا لم يجد الا الصغار جعل كل اثنين منهم بواحد.

ولا يجوز ان يكونوا الا من فقراء المؤمنين أو من هو بحكمهم؟ فان لم يجد أحدا من هؤلاء بقي ذلك في ذمته الى ان يجدهم فيطعمهم وقد ذكر (3) انه إذا لم يجدهم اطعم المستضعفين من المخالفين والأول أحوط.

وإذا لم يجد تمام العدد من المؤمنين ووجد بعضهم كرر على الموجودين حتى يستكمل العدد؟ وإذا لم يجد الا واحدا أطعمه في عشرة أيام يوما بعد يوم في كل يوم طعام واحد حتى يستكمل العدد ولا يجوز ان يطعم الناصبي شيئا من ذلك على حال

وأعلى ما يطعم الخبز واللحم وأوسطه الخبز والخل والزيت وأدناه الخبز والملح؟وان تمكن من إطعام ما هو ارفع من ذلك وفعل ، كان أفضل.

وإذا أراد كسوتهم دفع الى كل واحد منهم ثوبين إذا قدر على ذلك فان لم يمكنه وقدر على ان يكسو كل واحد ثوبا واحدا اقتصر على ذلك ، فان لم يقدر على شي ء من هذه الكفارات الثلاث صام ثلاث أيام متتابعات فان لم يقدر على الصوم استغفر اللّه ولا يعود الى اليمين.

والكفارة ( وكفارة اليمين خ - ل ) لا تجب الا بعد الحنث؟ فان كفر الحالف قبل

ص: 415


1- ذكره الشيخ في النهاية من دون تقييد بعدم الوجدان.
2- ذكره الشيخ أيضا في النهاية.
3- ذكره الشيخ أيضا في النهاية.

الحنث لم يكن ذلك مجزيا له ووجب عليه إعادتها بعد الحنث؟ وإذا وجبت عليه الكفارة لم يجز له صرفها الا الى من لا يلزمه نفقته فاما من يلزمه نفقته فلا يجوز صرفها اليه.

واما الكفارة (1) إلى مسكين كان المستحب له ان لا يشترى ذلك منه؟

وإذا وجب على العبد كفارة كان فرضه فيها الصوم ولا فرق في ذلك بين ان تكون الكفارة مخيرا فيها مثل كفارة اليمين وبين ان تكون مرتبة مثل كفارة الظهار والقتل.

وإذا أراد العبد هذا الصوم وكان قد حلف وحنث بإذن سيده ، فإن أراد سيده منعه من ذلك لم يجز له منعه ، لأنه صوم لزمه باذنه؟ وان كان الحلف (2) والحنث باذنه فليس له أيضا منعه منه.

وكذلك لو كان الحلف بإذن سيده والحنث بغير إذنه فإذا لزمه الصوم على ما ذكرناه وان اراده في وقت يضعف فيه بدنه منه كان لسيده منعه منه ، وان لم يكن كذلك لم يكن ( لم يجز - خ ل ) له منعه منه.

وإذا أعتقه سيده بعد اليمين وقبل الحنث فهو في الكفارة كالحر ، لان المعتبر بحال وجوب الكفارة وحال الوجوب عقيب الحنث وذلك قد حصل وهو حر؟ وإذا كان نصفه حرا ونصفه مملوكا وحلف ثم حنث ، فان كان معسرا بما فيه من الحرية

ص: 416


1- كذا في النسخ ولعل صوابها « وإذا أدى الكفارة »
2- الظاهر ان الصواب « وان كان الحلف بغير اذنه والحنث باذنه » كما في المبسوط قال : لان التكفير بالحنث والوجوب عقيب الحنث ثم زاد عليه وان كان العقد اى الحلف والحنث معا بغير اذنه لم يكن له الصيام بغير إذنه لأنه ألزم نفسه صوما بغير اذنه انتهى قلت تقدم هنا في الايمان انه لا يمين للمملوك مع سيده كما ورد به النص الصحيح ومقتضاه بطلان حلفه بغير اذن السيد مطلقا فلا يتعلق به حنث ولا كفارة.

كان فرضه في الكفارة ، الصيام ، وان كان موسرا بما فيه من الحرية صح منه العتق والإطعام والكسوة في ذلك ولا يصح منه فيه الصوم.

وإذا حلف إنسان لا ادخل هذه الدار ثم دخلها أو شيئا منها أو غرفة منها حنث؟ولا فرق في ذلك بين ان يدخلها من الباب أو ينزل إليها من السطح ، فان كان سطحها محجرا ورقي عليه (1) لم يحنث وكذلك ان وقف على بدن ( برز - خ ل ) الحائط لم يحنث.

وإذا حلف لا أدخلنها فجلس في سفينة أو على شي ء فحمله الماء فادخله إليها أو القى نفسه في الماء فحمله فادخله إليها حنث؟ لأنه دخلها باختياره ، وإذا حلف لا دخلت هذه الدار وكان خارجا منها فابتدأ ودخلها حنث ولو كان فيها فاستدام المقام فيها لم يحنث.

وإذا حلف لا دخلت بيتا فدخل بيتا من أدم أو شعر أو وبر أو طين أو مدر فان كان بدويا ودخل ذلك حنث سواء دخل بيوت البادية أو الحاضرة. وان كان قرويا فدخل بيوت البلدان حنث وان دخل بيوت البادية (2) وكان يعرفها حنث وان لم يعرفها لم يحنث.

وإذا حلف ان لا يأكل من طعام يشتريه زيد فاشترى زيد طعاما واشترى عمرو طعاما وخلطاه فأكل منه (3) حنث لأنه لا يقطع (4) على انه لم يأكل من طعام زيد

ص: 417


1- ظاهره انه إذا لم يكن السطح محجرا ورقى عليه يحنث والظاهر عدم الفرق لعدم صدق دخول الدار به على كل حال كما في المبسوط
2- في نسخة ( ب ) هنا بعد البادية « أو الحاضرة » وفي نسخة الأصل كذلك لكن عليه علامة زيادة هذه الكلمة وهو الصواب لان بيوت الحاضرة هي بيوت البلدان
3- اى نصفه مثلا فما دونه
4- الاعتبار في تحقق الحنث بالقطع على الأكل منه لا بعدم القطع على انه لم يأكل منه كما يأتي قريبا في أكل الثمرة.

وقد ذكر (1) انه لا يحنث والأحوط ما قدمناه.

وإذا حلف ان لا يدخل دار زيد هذه فدخلها حنث سواء كان ملك زيد قد زال عنها أو لم يزل وإذا حلف ان لا يدخل دار زيد ولم يقل هذه فدخل دارا يملكها زيد حنث ، فلو ان ملك زيد زال عنها وصارت ملكا لغيره ودخلها لم يحنث.

وإذا حلف ان لا يلبس هذا الثوب وهو رداء فلبسه وهو رداء حنث وان لبسه ثوبا غير رداء لم يحنث.

فان حلف لا لبست هذا الثوب وأطلق فلبسه وهو رداء حنث وكذلك لو عمله ثوبا ولبسه يحنث أيضا.

وإذا حلف لا يدخل هذه الدار مطلقا فدخلها من بابها أو من غيره أو نزل إليها من السطح حنث لأنه دخلها فان حلف لا يدخلها من هذا الباب فدخلها منه حنث ، ولو غير بابها وجعلها من جهة أخرى ودخلها منه لم يحنث؟

وإذا حلف لا يدخل دار زيد فدخل دارا يملكها زيد حنث ، فان دخل دارا يسكنها زيد وهي غير ملك له لم يحنث.

وإذا حلف الا يدخل على زيد بيتا فدخل بيت عمرو وزيد فيه وهو عالم بذلك حنث ، فان كان غير عالم بذلك أو كان مكرها على دخوله لم يحنث.

وإذا حلف لا يسلم على زيد فسلم على جماعة فيهم زيد فان كان عالما به ولم يستثنه بقلبه حنث وان استثناه بقلبه لم يحنث؟ فان لم يكن عالما به لم يحنث ، ولا فرق في ذلك بين ان يكون جاهلا به أو كان عالما به ثم نسيه حين السلام عليهم.

وإذا حلف ليأكلن هذا الطعام غدا ولم يأكله في غد حتى غربت الشمس من غد حنث وكذلك : ان أكل بعضه اليوم أو بعضه غدا حنث.

وإذا حلف انه يقضيه دينه غدا فلم يقضه ذلك حتى غربت الشمس من غد

ص: 418


1- حكاه في المبسوط عن قوم ولعلهم من العامة.

حنث ما لم يكن قد مات أو أكره على تأخيره فان قضى بعضه اليوم وبعضه غدا حنث.

وإذا حلف لا أكلت هذين الرغيفين أو لا لبست هذين الثوبين ، فأكل أحد الرغيفين أو لبس أحد الثوبين لم يحنث؟ فإن أكلهما أو لبسهما حنث ، فان حلف ليأكلن هذين الرغيفين أو ليلبسن هذين الثوبين فأكلهما أو لبسهما لم يحنث؟ وان أكل أو لبس أحدهما ولم يأكل ولا لبس الأخر حنث.

وإذا حلف لا كلمت زيدا وعمرا فكلم أحدهما حنث والفرق بين ما ذكرناه هاهنا وبين ما ذكرناه في الرغيفين والثوبين ان هناك : يمينا واحدا وهنا يمينان لان تقدير ذلك لا كلمت زيدا ولا كلمت عمرا ، وانما دخلت الواو نائبه مناب تكرير الفعل كأنه أراد ان يقول لا كلمت زيدا ولا كلمت عمرا فقال وعمرا.

وإذا حلف لا يأكل سمنا وكان السمن جامدا فأكله وحده أو مع الخبز حنث؟وان كان مائعا فأكله مع الخبز أيضا حنث وان شربه لم يحنث لأنه حلف ان لا يأكله فاذا شربه لم يحنث؟ فان كان الخبيص (1) معمولا بسمن فأكله وكان السمن ظاهرا فيه حنث وان كان مستهلكا لم يحنث.

وكذلك إذا حلف لا يأكل خلا فأكل مرقة (2) فيها خل ظاهر فإنه يحنث وان كان مستهلكا لم يحنث.

وإذا حلف لا يأكل هذه الثمرة فوقعت في ثمرة فأكل جميعه إلا واحدة فإن تيقن انه قد أكل التي حلف عليها حنث. وان تيقن انه لم يأكلها لم يحنث وان أشكل عليه الأمر فيها لم يحنث لأن الأصل انه ما حنث ولا يحنث بالشك؟

وإذا حلف لا آكل هذه الحنطة أو من هذه الحنطة فأكلها على جهتها أو بعد ان طحنها وصارت دقيقا حنث لان العين الذي تعلقت اليمين بها واحدة.

وكان الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه اللّه قد قال : لي يوما في الدرس أن أكلها

ص: 419


1- « الخبيص » الحلو المخبوصة خبص الشي ء بالشي ء أي خلط.
2- « المرق والمرقة » الماء الذي أعلى فيه اللحم فصار دسما.

على جهتها حنث؟ وان أكلها دقيقا أو سويقا لم يحنث؟! فقلت له ولم ذلك وعين الدقيق هي عين الحنطة وانما تغيرت بالتقطيع الذي هو الطحن؟ فقال : قد تغيرت عما كانت عليه وان كانت العين واحدة وهو حلف ان لا يأكل ما هو مسمى بحنطة لا ما يسمى دقيقا؟ فقلت : له هذا لم يجز في اليمين : فلو حلف لا أكلت هذه الحنطة ما دامت تسمى حنطة كان الأمر على ما ذكرت فإنما حلف ان لا يأكل هذه الحنطة أو من هذه الحنطة فقال على كل حال قد حلف ان لا يأكلها وهي على صفة وقد تغيرت عن تلك الصفة فلم يحنث فقلت الجواب هاهنا مثل ما ذكرته أولا وذلك : ان كنت تريد انه حلف ان لا يأكلها وهي على صفة انه أراد وهي على تلك الصفة فقد تقدم ما فيه فان كنت لم ترد ذلك فلا حجة فيه ، ثم يلزم على ما ذكرته انه لو حلف ان لا يأكل هذا الخيار أو هذا التفاح ثم قشره وقطعه وأكله إلا يحنث ولا شبهة في انه يحنث فقال :من قال : في الحنطة ما تقدم يقول في الخيار والتفاح مثله فقلت له إذا قال في هذا مثل ما قاله في الحنطة علم فساد قوله بما ذكرته : من ان العين واحدة اللّهم الا ان شرط في يمينه انه لا يأكل هذا الخيار أو هذا التفاح وهو على ما هو عليه فان الأمر يكون على ما ذكرته؟ وقد قلنا ان اليمين لم يتناول ذلك ثم قلت له : على ان الاحتياط يتناول ما ذكرته فأمسك (1).

فإذا حلف لا يأكل شحما فأكل ما يجرى عليه اسم شحم حنث ، وإذا حلف الا يأكل (2) رطبا فأكل من النصف (3) فان كان أكل منه البسر لم يحنث وان أكله بجملته حنث لأنه أكل الرطب.

ص: 420


1- قلت قول الشيخ هنا مثل ما ذكره المصنف آنفا في أكل السمن.
2- زاد هنا في هامش نسخة ( ب ) « تمرا فأكل رطبا أو رطبا فأكل بسرا أو بسرا فأكل تمرا لم يحنث فان حلف ان لا يأكل ».
3- لعل الصواب « المنصف » وهو كما في لغة العراق ما صار نصفه من جهة الرأس رطبا وبقي نصفه الأخر بسرا أحمر أو اصفر.

وإذا حلف لا يأكل لبنا فأكل سمنا لم يحنث فإن أكل زبدا وكان في الزبد لبن ظاهر حنث؟ وان لم يكن فيه لبن أو كان مستهلكا لم يحنث.

« باب كفارة نقض النذر والعهد »

. كفارة نقض النذر والعهد عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا؟ وهذه الكفارة يجب على وجه التخيير أي شي ء فعله المكفر منها كان مجزيا له فان عجز عن جميع ذلك كان عليه صوم ثمانية عشر يوما؟ فان لم يقدر على ذلك أطعم عشرة مساكين أو كساهم؟ فان لم يقدر على ذلك تصدق بما قدر عليه ، فان لم يقدر على شي ء على وجه من الوجوه استغفر اللّه تعالى ولا يعود الى مثل ذلك.

« باب كفارة الظهار والإيلاء ».

هذه الكفارة عتق رقبة ، فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فان لم يقدر على ذلك اطعم ستين مسكينا؟ وهي واجبة على الترتيب فلا يجوز للمكفر أن يعدل عن العتق الى الصوم الا بعد العجز عن العتق ، ولا يجوز له العدول عن الصوم إلى الإطعام الا بعد العجز عن ذلك ، فان عدل عن العتق الى الصوم أو عدل عن الصوم إلى الإطعام من غير عجز عن ذلك لم يجزأه وكان عليه ان يكفر بما وجب عليه أولا فأولا على الترتيب الذي ذكرناه دون التخيير.

فان جامع المظاهر قبل التكفير كان عليه كفارة أخرى (1) الى ان يكفر؟واما كفارة الإيلاء فهي كفارة اليمين وقد سلف ذكرها.

« باب كفارة الحلف بالبرائه من اللّه أو رسوله أو أحد الأئمة عليهم السلام »

هذه الكفارة مثل كفارة الظهار؟ فان لم يقدر على كفارة الظهار كان عليه كفارة يمين.

ص: 421


1- زاد في هامش نسخة ( ب ) هنا « وكلما جامع قبل التكفير كان عليه كفارة أخرى.

« باب كفارة من أفطر في يوم من شهر رمضان متعمدا »

« أو أفطر بعد الزوال في يوم يقضيه عن يوم من شهر رمضان »

كفارة من أفطر متعمدا في يوم من شهر رمضان ، عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا؟ وهذه الكفارة تجب على وجه التخيير ، ايها فعل المكفر كان ذلك مجزيا له.

فأما كفارة من أفطر بعد الزوال في يوم يقضيه عن يوم من شهر رمضان فهي كفارة من أفطر في يوم من شهر رمضان وقد ذكر (1) ان كفارة ذلك كفارة يمين.

وروى انه ليس عليه شي ء؟ (2) والذي قدمناه أحوط على كل حال ، فإن أفطر في هذا اليوم قبل الزوال لم يكن عليه شي ء.

« باب كفارة قتل العمد والخطاء »

كفارة قتل العمد هي عتق رقبة وإطعام ستين مسكينا وصوم شهرين متتابعين بعد عفو أولياء الدم عن القود ورضاهم بأخذ الدية.

وهذه الكفارة تجب على الجمع ولا يجوز الاقتصار على واحد منها ، فان اقتصر المكفر على واحدة منهما لم يجزئه ذلك ولم يكن مكفرا.

واما كفارة قتل الخطاء فهي عتق رقبة فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين فان لم يقدر على ذلك فإطعام ستين مسكينا؟ وهذه الكفارة تجب على الترتيب الذي ذكرناه ولا يجوز على وجه التخيير.

ص: 422


1- ذكره الشيخ في النهاية.
2- الوسائل الباب 29 من أبواب أحكام شهر رمضان من كتاب الصوم قلت النصوص الواردة في التكفير خاصة بالجماع دون ما دل على عدمه فيمكن الجمع بينهما بذلك ودعوى عدم الفرق بين الإفطار بالجماع وغيره مجازفة لا سيما وقد ورد في الصحيح منع المسافر شديدا عن الجماع دون غيره مستدلا فيه بأن السنة لا تقاس كما في الوسائل الباب 13 من أبواب من يصح منه الصوم.

« باب كفارة من وطأ زوجته أو أمته في الحيض »

إذا وطأ رجل زوجته في أول الحيض كانت كفارته عن ذلك دينارا واحدا قيمته عشرة دراهم جيادا ، وان وطأها في وسط الحيض كفر عن ذلك بنصف دينار ، وان وطأها في آخره كفر عن ذلك بربع دينار وقد سلف ذكر ذلك.

واما كفارة وطء الأمة في الحيض فهي ثلاثة أمداد من طعام يدفعها المكفر إلى ثلاثة مساكين لكل واحد منهم مد واحد.

« باب كفارة العجز عن صوم الشهرين المتتابعين »

كفارة من عجز عن ذلك ، صوم ثمانية عشر يوما ، فان لم يستطع ذلك تصدق عن كل يوم بمد من طعام ، فان لم يقدر على ذلك استغفر اللّه تعالى ولم يكن عليه شي ء بعد ذلك.

« باب كفارة من تزوج امرأة في عدتها »

كفارة هذا المتزوج في العدة خمسة أصوع من دقيق بعد ان يفارقها. (1)

« باب كفارة من نام عن صلاة العشاء الأخيرة »

إذا نام الإنسان عن صلاة العشاء الأخيرة حتى جاز نصف الليل كانت كفارته عن ذلك صوم اليوم الذي يصبح من تلك الليلة فيه.

« باب كفارة من ترك صلاة الكسوف »

كفارة من ترك هذه الصلاة هي الاغتسال وقضاء الصلاة بعد ذلك؟! وهذه الكفارة انما يثبت بشرط العمد لترك هذه الصلاة مع احتراق جميع القرص.

ص: 423


1- ذكره جماعة من الأصحاب منهم الشيخ في النهاية لكن المذكور في النص تزوج امرأة ولها زوج وفيه أيضا ان هذا إذا لم ترفع القضية الى الامام أي الحاكم واللّه العالم.

« باب كفارة من نظر الى المصلوب بعد ثلاثة أيام »

كفارة النظر الى المصلوب هي استغفار اللّه تعالى من ذلك والاغتسال ، وهذه الكفارة إنما تفعل إذا مضى الإنسان إلى المصلوب متعمدا وقاصدا الى ذلك وقد مضى له مصلوبا ثلاثة أيام ، فإن نظر اليه على خلاف ما ذكرناه لم يكن عليه شي ء.

« باب كفارة من يشق ثوبه في موت ولده أو زوجته »

هذه الكفارة هي كفارة يمين ، فان شق ذلك في موت والد أو والدة أو أخ وما أشبه ذلك لم يكن عليه شي ء.

« باب كفارة لطم المرأة وجهها في مصاب أو جزها لشعرها في ذلك »

الكفارة على هذا الفعل هي كفارة يمين وليس يلزم الا بشرط : وهو ان تلطم المرأة وجهها في مصاب وتخدشه حتى تدميه ، فان لم ينته الى هذا الحد فلا كفارة عليها.

فان جزت شعرها في ذلك ، كانت الكفارة فيه عتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا أو صوم شهرين متتابعين.

« باب كفارة قتل السيد مملوكه أو ضربه فوق الحد »

كفارة هذا القاتل لمملوكه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا مخيرا في ذلك (1) وعليه مع ذلك التوبة فاما كفارة ضربه له فوق الحد فهي عتقه له إذا فعل ذلك.

ص: 424


1- ظاهره ما إذا قتله عمدا أو أعم منه ومن الخطاء لكن الظاهر من بعض النصوص كما في الوسائل الباب 29 من أبواب الكفارات أنه في العمد يجب الجمع بين هذه الخصال كقتل غير العبد وهو الظاهر من المصنف أيضا فيما يأتي من القصاص

« باب يلحق بما ذكرناه من الكفارات »

إذا وجب على المكفر صيام شهرين متتابعين في شي ء من الكفارات فصام الشهر الأول ومن الشهر الثاني ، شيئا آخر ثم أفطر لغير علة كان مخطئا (1) وجاز له ان يبنى على ذلك ويتمم الشهر وان كان صام الأول ولم يصم من الثاني شيئا وأفطر ، كان عليه استئناف الصوم من اوله؟! وكذلك : يجب عليه إذا أفطر في بعض أيام الشهر الأول وان أفطر قبل ان يصوم من الشهر الثاني شيئا (2) لعلة كان له ان يبنى على ما مضى

ومن وجبت عليه كفارة مرتبة وعجز عن العتق ثم انتقل الى الصوم فصام شيئا ثم قدر على عتق الرقبة جاز له إتمام الصوم ولم يلزمه الرجوع الى العتق؟ فان رجع الى العتق وعدل عن الصوم كان أفضل.

فأما ما يلزم المحرم من الكفارات على جناياته فقد سلف ذكره في كتاب الحج فمن احتاج الى المعرفة بذلك نظره في الموضع الذي ذكرناه.

ص: 425


1- ظاهره من الخطاء هنا الإثم لكن يظهر من بعض نصوصه عدمه قال في الشرائع وهل يأثم مع الإفطار فيه تردد أشبهه عدم الإثم.
2- الظاهر ان مراده أعم مما إذا صام الأول كله أو بعضه وذلك لإطلاق النصوص والتصريح بالثاني في بعضها كما في الوسائل الباب 3 من أبواب بقية الصوم الواجب.

« كتاب الأطعمة والأشربة والصيد والذباحة »

اشارة

قال اللّه تعالى « إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً » الآيات (1)

وروى عن النبي (صلی الله عليه وآله) انه قال : من أهون أهل النار عذابا ابن جذعان فقيل له ولم ذلك يا رسول اللّه قال : كان يطعم الطعام (2).

وعنه (عليه السلام) : ان أعرابيا قال له يا رسول اللّه علمني عملا أدخل به الجنة ، فقال له : اطعم الطعام وأفش السلام وصل بالليل والناس نيام؟ قال : لا أطيق ذلك قال :فهل لك إبل قال : نعم قال : فانظر بعيرا منها فاسق عليه أهل بيت لا يشربون الماء الا غبا (3) فلعلك لا ينفق (4) بعيرك ولا يتحرق (5) سقاؤك حتى يجب لك الجنة.

ص: 426


1- سورة الدهر الآية - 5
2- النصوص الواردة عن النبي صلى اللّه عليه وآله والأئمة عليهم السلام في فضل إطعام المسلم وخصوصا المؤمن وتأكد ذلك وكذا سقيهم وإضافتهم كثيرة جدا متضافرة يصعب إحصائها وهي مبثوثة في الوافي والبحار والوسائل ومستدركها في كتاب العشرة وفعل المعروف والأطعمة وغيرها وربما عقدوا لها عدة أبواب بمناسبة خاصة واما الاخبار النبوية المذكورة في المتن فقد رواها مع غيرها في دعائم الإسلام ج 2 كتاب الأطعمة ورواها عنه في المستدرك في موارد مختلفة تناسب أبوابها.
3- أي ليس لهم ماء الا قليل فيشربون يوما ويوما لا
4- نفقت الدابة اى هلكت
5- الظاهر انه بالخاء المعجمة من الخرق بمعنى الشق وفي الدعائم لا يتمزق وهو بمعناه.

وقال (صلی الله عليه وآله) : لا يضيف الضيف الا كل مؤمن ومن مكارم الأخلاق قرى الضيف وحد الضيافة ثلاثة أيام فما كان أكثر من ذلك فهو صدقة.

وقال : من أكل طعاما لم يدع إليه فإنما يأكل في جوفه شعلة من نار.

وقال الصادق (عليه السلام) لبعض أصحابه ما يمنعك ان تعتق كل يوم رقبة قال لا يحتمل ذلك مالي جعلت فداك قال : فأطعم كل يوم رجلا مؤمنا ، موسرا كان أو معسرا؟ ان الموسر قد يشتهي الطعام وذكر باقي الحديث (1).

« باب أقسام الأطعمة والأشربة »

الأطعمة ضربان :حيوان وغير حيوان - والحيوان على ثلاثة أضرب : مباح ومحرم ومكروه.

فالمباح هو كل ما كان ذكيا من الإبل والبقر والغنم والطير الحلال أكله ويتميز ذلك بذكرنا ما لم يحرم اكله (2) وسيأتي ذكر ذلك بمشيئة اللّه تعالى ومن ذلك (3) ما كان جلالا واستبرأ بعد ذلك الجلال من الإبل بأربعين يوما ، والبقر بعشرين يوما ، والحمل والشاة بعشرة أيام ، وكل ما شرب من هذه الأجناس خمرا ثم ذبح غسل بالماء (4)؟

ص: 427


1- دعائم الإسلام في الباب المذكور والوسائل الباب 26 و 29 من الأطعمة والبحار باب إطعام المؤمن من كتاب العشرة على اختلاف يسير في لفظه ولم أجد للحديث باقيا في آخره
2- الصواب « ما يحرم »
3- اى من المباح الحيوان الجلال بعد الاستبراء لكن يأتي انه مكروه فكأنه أراد بالمباح هنا أعم منه
4- اى غسل لحمه واما ما في بطنه فيأتي انه لا يحل بالغسل وزاد في هامش نسخة ( ب ) هنا « وكل ما شرب من ذلك بولا غسل ما في بطنه »

وكل ما شرب من ذلك يسيرا من لبن امرأة ولم يشتد بذلك (1) وكل ما كان من الطير جلالا يأكل العذرة وحدها أو يأكلها مع غيرها ، واستبرأ البط وما جرى مجراه بخمسة أيام والدجاج وما يجرى مجراه بثلاثة أيام.

واما المحرم : فهو الميتة وكل ما لم يتحرك منه شي ء بعد الذبح وان سال منه الدم وكل ما لم يسل منه دم (2) والمنخنقة والمتردية والموقوذة بحجر أو غيره والنطيحة وكل ما كانت الذكاة ممكنة منه فضرب أو طعن فمات من ذلك وما اكله السبع وما قتله غير كلب المسلم المعلم من الكلاب وكل ما ذكاه كافر وكل ما ذكي في غير موضع الذكاة وما قطع من الحيوان قبل الذكاة وما قطع من ذكي الحيوان قبل ان يبرد بالموت وكل ما كان في بطن ما شرب خمرا من ذلك ، غسل بعد الذكاة أو لم يغسل وكل ما وطأه إنسان من الأجناس الثلاثة السالف ذكرها وينبغي إحراقها بالنار وكل ما شرب من لبن خنزيرة واشتد بذلك وكل ما كان من نسل ذلك وأولاده أبدا ما تناسلت وتوالدت.

والفيل والثعلب والأرنب والسبع والنمر والفهد والكلب والخنزير والدب والقرد والسنور والسلحفاة والضب واليربوع والفار والحيات والعقارب والخنافس والنمل والسرطان وبنات وردان والزنابير وفراخها والنحل والسنجاب والفنك والسمور والقنفذ وكل ذي ناب ومخلب من الوحوش وكل ما يصف من الطير وكل ما كان صفيفه أكثر من دفيفه ان كان مما يصف ، ويدف والنسر والعقاب والحدأة والرخمة وكل ما كان له مخلب من الطير وكل ما ليس له حوصلة من ذلك ولا قانصة

ص: 428


1- الظاهر ان المراد ان هذا مباح ليس بمكروه بخلاف ما إذا اشتد فإنه مكروه غير محرم كما صرح به في النص
2- يعنى ان غير الميتة إذا ذبح ولم يتحرك بعد الذبح منه شي ء من عينه أو رجله أو تحرك ولم يجر منه دم فهو بحكم الميتة.

والخطاف (1) والخفاش والطواويس.

واما المكروهة : فهو كل ما شرب من الأجناس الثلاثة لبن خنزيرة دفعة واستبرأ سبعة أيام (2) ويطعم فيها العلف ان كان يأكله أو يسقى اللبن ان كان يشربه والخيل والبغال والحمير أهلية كانت أو وحشية. والحبارى والهدهد والصرد والقنابر والصوام والشقراق والغراب وكل ما كان جلالا يأكل العذرة وحدها أو يأكلها مع غيرها ثم استبرأ بعد ذلك الانعام والبط والدجاج بما تقدم ذكره وغير ذلك من الطير بيوم وليلة.

واما ما ليس بحيوان فيما ( مما - خ ل ) تقدم ذكره فعلى ثلاثة أضرب : محرم ، ومكروه ، ومباح.

فاما المحرم : فهو السمايم القاتلة اجمع والنجاسات كلها وكل طعام وقع فيه دم الا ان يكون يسيرا فيقع في قدر فإنه ينبغي ان يهراق ما فيها ويغسل ثم يغسل اللحم ويعاد طبخه بغير ما كان معه من المرق أو غيره ، وكل طعام أو دهن مائع وقع فيه شي ء من ميتة ذوات الأنفس السائلة أو وقع فيه وزغ أو عقرب الا ان يكون جامدا فيلقى ما حول ذلك ويستعمل الباقي منه.

ومؤاكلة الطعام مع الكفار وكل طعام مائع باشره كافر أو جعل في إناء كان يستعمله كافر في طعام أو غيره من غير ان يغسل ، وكل طعام جعل في شي ء من أواني الخمر قبل ان يغسل الإناء ثلاث مرات ويجف بعد الغسل ، وكل طعام في آنية ذهب أو فضة حتى يزال من ذلك الى غيره ، والطين إلا تربة الحسين عليه السلام فإنه يجوز

ص: 429


1- في نسخة ( ب ) هنا « القطاف » وزاد عليه في هامشه « والخطاف » وفي نسخة الأصل بعد ذلك « الخشاف » مكان « الخفاش » وهو بمعناه كما في القاموس.
2- لعل المراد ان الكراهة بعد الاستبراء فبدونه يحرم بالدفعة فاعتبار الاشتداد فيما تقدم انما هو للحرمة المطلقة ويحتمل كون المراد انه بالدفعة يكره وترتفع الكراهة بالاستبراء والنصوص الواردة في الباب غير خال من الإجمال.

استعمال اليسير منه للشفاء من الأمراض ، وكل عجين عجن بماء نجس وكل خبز يخبز من ذلك العجين ، وبيض ولبن ما لا يحل أكل لحمه ، وكل ما استوى طرفاه من البيض (1).

واما المكروه من ذلك : فهو كل طعام باشره جنب أو حائض إذا كانا ممن لا يؤمن منه بعد ( ترك - خ ل ) التحفظ من النجاسة وكل ما أكل الفجار ( الفار - خ ل ) منه وأكل البصل والثوم مطبوخا ونيا لمن يريد دخول المساجد ، وكل بيض يوجد في بطن ميتة كان يجوز أكل لحمها ، وكل لبن يوجد في ضرعها وحرير البقل (2) وطعام اللحاط ( الفجأة - خ ل ) وكل طعام لم يدع الإنسان اليه (3) وطعام الولائم القبائح (4) والخبز المقطع بالسكين.

واما المباح فضربان : حبوب وغير حبوب وجميعها هو كل ما عدا ما ذكرناه من محرم ومكروه.

« باب الأشربة »

هي على ثلاثة أضرب : محرم ، ومكروه ، ومباح ، فالمحرم هو الخمر بعينها

ص: 430


1- أي إذا كان مشتبها انه من الطير الحلال أو الحرام كما في غيره من كتب الأصحاب.
2- هذا وما بعده وما بعد كلمة الولائم لم اعرف ضبطها ومعناها ولم يكن مجال واسع للمراجعة التامة.
3- تقدم في الاخبار النبوية في أول كتاب الأطعمة ان هذا شعلة من النار ونحوه في اخبار الإمامية كما في الوسائل الباب 63 من أبواب الأطعمة المحرمة وهما نصان في الحرمة مضافا الى المنع عن التصرف في مال الغير بغير اذنه فلعل مراد المصنف هنا ما إذا أحرز رضا صاحبه بشاهد الحال كالصديق حيث تضمنت الآية بجواز الأكل من بيته لكنه قد لا يخلو من مذلة واستخفاف كما ورد انه ينبغي للمؤمن ان لا يخرج من بيته حتى يطعم فإنه اعزله الوسائل الباب 62 من آداب المائدة.
4- في بعض النسخ : السابح وفي بعضها : النتاج.

والمسكر من كل شراب وان اختلفت ضروبه وأنواعه ، من عنب كان أو زبيب أو تمر أو عسل أو حنطة أو شعير أو غير ذلك.

والفقاع وكل مائع من النجاسات مثل الأبوال وغيرها ، وكل ما كان من المائعات الطاهرة فنجس ببعض النجاسات ، والشرب فيما لا يجوز الأكل منه من أواني الذهب والفضة وغيرهما وقد تقدم ذكر ذلك والعامرة ( والمعاقرة - خ ل ) (1) بما كان من الأشربة الحلال مثل الماء وشرب الجلاب والورد وما أشبه ذلك من الأشربة الحلال.

واما المكروه فهو شرب الماء في الليل قائماً والعب والنهل في نفس واحد والشرب من كسر الكوز ومما يلي اذنه ، والشرب في حال الاتكاء وشرب الماء المالح وشرب المياه الكبريتية والماء الآجن وكل ما تغير لونه أو طعمه أو رائحته بغير نجاسة واما المباح فهو كل ما عدا ما ذكرناه.

« باب ما يتعلق بذلك »

إذا كانت قدر على نار وهي تغلي فوقع فيها خمر وكان قليلا فإنه يهراق ما فيها ويجوز غسل اللحم وأكله بعد ذلك وان كان كثيرا فإنه يهراق ما فيها ولا يؤكل شي ء منه والأحوط في الوجهين جميعا ان لا يؤكل من ذلك شي ء على وجه.

فان وقع فيها دم ، وكان قليلا وغلى جاز أكل ما فيها بعد ان تغلي (2) وان

ص: 431


1- كان الصواب هو المعاقرة كما في نسخة الكافي لأبي الصلاح الحلبي المطبوعة جديدا ولم أجد ذلك في غيره من كتب الأصحاب فلعلها من العقار بالعين المضمومة والقاف بمعنى الخمر فالمراد شرب الحلال تشبها بشربها كان يظهر نشاط السكر ولعله لذا حكى الشهيد رحمه اللّه في قواعده عن بعض الأصحاب انه لو شرب المباح متشبها بشارب المسكر فعل حراما ويحتمل أيضا كون المراد المغالبة ففي لسان العرب : معاقرة الشراب مغالبته يقول انا أقوى على شربه فيغالبه فيغلبه.
2- الظاهر ان الصواب « بعد ان يغسل » كما تقدم آنفا

كان كثيرا لم يجز أكل شي ء منها وقيل ان هذا انما جاز في الدم بغير غسل اللحم لان النار تحمل (1) الدم ولان اللحم لا يكاد يعرى منه وقد جاز اكله بعد الغسل مع انه كذلك : والأحوط عندي في الوجهين جميعا ان لا يؤكل من ذلك شي ء.

وإذا وقع شي ء من ذوات الأنفس (2) السائلة في شي ء نجسة فإن كان ما وقع فيه مائعا مثل الزيت والشيرج وما أشبه ذلك من الادهان لم يجز استعماله في أكل ولا غيره (3) الا في الاستصباح به تحت السماء ، ولا يجوز الاستصباح به تحت السقف ولا ما يستظل به الإنسان فإن كان جامدا مثل السمن والزبد وما أشبه ذلك القى ما يكون حول الميتة وجاز أكل الباقي بعد ذلك.

وإذا مات مالا نفس له سائلة مثل الجراد وبنات وردان والخنافس وما أشبه ذلك في شي ء من الأطعمة والأشربة أو غيرها جامدا كان ما وقع فيه ذلك أو مائعا فإنه لا ينجس به على ما ذكرناه فيما تقدم ، ويجوز استعماله في الأكل والشرب وغير ذلك

ولا يجوز الأكل والشرب مع الكفار ولا استعمال آنيتهم الا على ما قدمناه ، ويجوز استعمال ما باشروه بأيديهم من الحبوب وما جرى مجراها مما لا يقبل النجاسات.

وأواني من يشرب الخمر والمسكر لا يجوز استعمال شي ء منها حتى يغسل ثلاث مرات بالماء ويجفف

وإذا مات شي ء من ذوات الأنفس السائلة في قدر وهي تغلي أهريق ما فيها وكان الحكم في اللحم مثل ما ذكرناه في الدم من الغسل والأكل؟ وكل طعام أكل

ص: 432


1- عن بعض النسخ « تحل » ولعل الصواب « تحيل » كما في النهاية من الإحالة التي هي من المطهرات والموجود في النص « تأكل الدم » وهو بمعناها
2- اى ميتتها لقوله بعد ذلك : القى ما حول الميتة
3- كالتدهن كما صرح به في النهاية

منه سنور فجائزا كله وكذلك : ما شرب منه الا ان يكون في أكله أو شربه كان فيه اثر دم من حيوان اكله.

وإذا نجس الماء بوقوع شي ء من النجاسات فيه ثم عجن به عجين وخبز لم يجز أكله إلا في حال الضرورة الشديدة التي تخاف معها على تلف النفس ، فإنه يجوز ان يؤكل منه مقدار ما يمسك الرمق فاما في غير ذلك فلا يجوز أكل شي ء منه ، وقد وردت رواية بجواز اكله (1) وذكر فيها ان النار قد طهرته والأحوط ما قدمناه.

ويجوز شرب أبوال الإبل للتداوي بذلك وكذلك شرب ألبانها على كل حال وكذلك ألبان الأتن وأكل ما يعمل من ألبانها أيضا على كل حال.

وكل عصير لم يغل فإنه حلال استعماله ، فان غلى لم يجز استعماله على حال والغليان الذي معه لا يجوز استعماله هو ان يصير أسفله أعلاه بالغليان فان صار بعد ذلك خلا جاز استعماله وقد تقدم ذكر ذلك

فاذا طبخ العصير على النار وغلى ولم يذهب ثلثاه لم يجز استعماله؟ فان ذهب ثلثاه وبقي ثلثه جاز استعماله؟ وحد ذلك ان يصير حلوا يخضب الإناء ، ومن كان يستحل شرب العصير إذا طبخ فلم يذهب منه الثلثان فلا يجوز ان يؤتمن على طبخه ولا يسمع قوله فيه.

ومن خاف على نفسه من العطش جاز له ان يشرب من الخمر أو المسكر مقدار ما يمسك رمقه وإذا كان في الدواء شي ء من المسكر لم يجز التداوي به الا ان لا يكون له عنه مندوحة والأحوط تركه

ولا يجوز ان يسقى بشي ء من البهائم والأطفال شيئا من الخمر والمسكر ويجوز شرب النبيذ الذي لا يسكر مثل ان يلقى التمر أو الزبيب في الماء المر أو المالح وينقع فيه الى ان يحلو فان تغير لم يجز شربه.

ص: 433


1- الوسائل الباب 14 من أبواب الماء المطلق وفيه أكلت النار ما فيه وفي خبر آخر يباع ممن يستحل الميتة كما في الوسائل الباب 11 من الأسئار وفي ثالث يدفن ولا يباع فالاحتياط في محله

وما يستعمل من الأواني في الخمر وهو خشب ، فلا يجوز استعماله في شي ء من المائعات ، وما كان مثل الجرار من النحاس والصفر أو الفخار أو الكيزان (1) التي تجري هذا المجرى فإنه يجوز استعماله بعد غسله بالماء ثلاث مرات.

« باب آداب الأكل والشرب »

يستحب لمن أراد الأكل والشرب ان يغسل يديه قبل الأكل والشرب ويسمى اللّه تعالى عند ابتداء الأكل والشرب ويحمده عند الفراغ منهما ، فان كان ممن ينقل إليه ألوان كثيرة فيستحب له ان يسمى عند ابتدائه في أول كل لون منها فان قال في أول ذلك بسم اللّه على اوله وآخره أجزأ وإذا كان مع الإنسان غيره وسمى على المائدة واحد منهم أجزأ ذلك أيضا فالأول أفضل.

ولا يحضر الإنسان (2) على مائدة يشرب عليها شي ء من الخمر أو المسكر أو الفقاع ولا يكثر من الأكل ولا يزيد على شبعه.

وإذا أراد شرب الماء فليشربه مقطعا في ثلاثة أنفاس ويسمى اللّه في أول كل دفعة من ذلك وعند الفراغ منها (3) وينبغي ان يبتدئ صاحب الطعام بالأكل وهو آخر من يرفع يده منه ولا يأكل ولا يشرب بيساره إلا لضرورة ولا من كسر الكوز ولا من عند عروته وقد تقدم ذكر ذلك أيضا.

فإذا حضر الطعام في وقت صلاة فينبغي ان يبتدأ بالصلاة فإن حضر عند صاحبه قوم ينتظرون ذلك فينبغي الابتداء بالطعام فان كان وقت صلاة قد تضيق وجب الابتداء

ص: 434


1- جمع الكوز وفي نسخة ( ب ) « الكسران » وكتب تحته بعلامة ( ظ ) اى الظاهر « الكاسات » وفي هامشها أيضا بعد كلمة الفخار « الأخضر أو غير الأخضر » وتقدم هنا مرتين اعتبار التجفيف بعد الغسل
2- ذكر هذا في الآداب قد يوهم الكراهة لكنه غير مراد قطعا لصراحة النصوص وكلمات الأصحاب بتحريمه
3- اى يحمده تعالى كما في النصوص

بالصلاة على كل حال؟ ومن شرب ماء فليصمه ولا يعبه ، ومن شرب لبنا فليعبه ولا يتجرعه.

وإذا شرب الماء قال الحمد لله الذي سقانا عذبا زلالا برحمته ولا يسقينا ملحا أجاجا بذنوبنا. (1)

وإذا شرب اللبن قال : اللّهم بارك لنا فيه وزدنا منه ، وإذا أكل سمكا قال :اللّهم بارك لنا فيه وأبدلنا به خيرا منه (2)

« باب الصيد والذبائح »

قال اللّه تعالى « أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً » (3)

وقال اللّه تعالى « أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ » (4)

وقال تعالى « وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا » (5) وقال تعالى « يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ ) الى قوله ( فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ) » (6)

فأباح تعالى : صيد البحر لكل واحد وأباح صيد البر الا لمن كان محرما ، واستفيد من ذلك جواز الاصطياد وأكل الصيد وجواز تعليم الجوارح للصيد

ص: 435


1- كما في قرب الاسناد ص 12 وفيه : ولم يسقنا وكذا في الوسائل الباب 10 من الأشربة المباحة الا انه أسقط قوله : برحمته وقال في آخره : ولم يؤاخذنا بذنوبنا
2- في الوسائل الباب 36 من الأطعمة المباحة كان النبي صلى اللّه عليه وآله إذا أكل السمك قال ذلك وفي الباب 55 لم يكن صلى اللّه عليه وآله يأكل طعاما ولا شرابا الا قاله الا اللبن فإنه كان يقول اللّهم بارك لنا فيه وزدنا منه ويظهر منه ان اللبن خير من جميع الأطعمة والأشربة ويقال ان فيه جميع ما يحتاج اليه البدن
3- المائدة 96
4- المائدة 1
5- المائدة 2
6- المائدة 4

والاصطياد وأكل ما يصيد ويقتل إذا كان كلبا معلما. (1)

والصيد ضربان : صيد البر؟ وصيد البحر؟ فاما صيد البر فعلى ثلاثة أضرب أولها : حلال اكله على كل حال ، وثانيها : محرم ، وثالثها : مكروه ، فاما الحلال اكله على كل حال فهو كل صيد أخذ بشبكة أو حبالات أو ما أشبه ذلك من آلات الصيد وأدركت ذكاته ، وكل صيد أخذه كلب معلم أو غير معلم أو فهد وكان المرسل له قد سمى اللّه تعالى (2) عند إرساله وأدركت ذكاته.

وكل ما قتله كلب معلم وان لم يدرك ذكاته إذا كان المرسل له قد سمى اللّه تعالى عند إرساله ، وكلما أخذه أيضا كلب معلم سمى المرسل له عند إرساله (3) فأكل منه وكان ذلك منه شاذا وهو غير معتاد لا كل الصيد.

وكل ما اشترك في قتله من الكلاب المعلمة اثنان أو أكثر ولم يدرك ذكاته إذا كان صاحب كل كلب منها قد سمى عند إرساله ، وكل صيد ضرب بالسيف أو طعن برمح فقتله بذلك الضارب له أو الطاعن وكان قد سمى عند ضربه أو طعنة ، وكذلك ان ضربه أو طعنة فقطعه بنصفين وتحرك كل واحد منهما وخرج منه دم فان تحرك أحدهما وخرج منه دم دون الأخر فالمتحرك هو الحلال اكله دون الذي لم يتحرك ولم يخرج منه دم وكل صيد انقطعت ( قطعت - خ ل ) منه قطعة وأدركت ذكاة الباقي منه وكل ما اصابه سهم وان كان الرامي قصد غيره إذا سمى عند الرمي بسهم وكل صيد أخذ وتناهبه جماعة

ص: 436


1- لفظة الجوارح في الآية عامة لكل ما يصيد فإنها من الجرح بمعنى الكسب لكن خصصها فقهاء الإمامية بالكلب لقوله تعالى ( مُكَلِّبِينَ ) كما في نصوص أئمتهم عليهم السلام
2- ظاهر المصنف هنا وفيما يأتي قريبا في آخر ذكر المحللات وفي ذكر المحرمات اعتبار التسمية في إرسال غير الكلب المعلم مضافا الى إدراك الذكاة والتسمية عندها ووجهه غير ظاهر ولم أجد نقله عن أحد.
3- من قوله : وكلما أخذه إلى هنا موجود في نسخة الأصل فقط وهو انسب بما بعده وقوله : وكان ذلك منه شاذا يعني إنما يحل الباقي منه إذا لم يكن معتادا للأكل فأكل منه نادرا كما يأتي أيضا.

فأخذوه قطعا (1) وكل ما أخذ بباز أو ما جرى مجراه من الجوارح وأدركت ذكاته مع التسمية عند الإرسال وكل جراد أخذ حيا.

واما المحرم اكله من ذلك : فهو كل صيد أخذ بأي نوع من آلات الصيد كان ولم يدرك ذكاته أو قتله سهم ولم يكن الرامي له سمى عند رميه.

وكل صيد أخذ بالبندق أو الحجارة أو الخشب أو المعاريض أو ما جرى مجرى ذلك ومات فيه وكل فرخ اصابه سهم ولم ينهض بالطيران وان كان صاحب السهم قد سمى عند رميه ، وكل ما يصيده البازي أو غيره من الجوارح ولم يدرك ذكاته.

وكل صيد اصابه سهم ليس فيه حديدة فقتله وكل صيد رمى بأكبر منه فقتله وكل صيد قتله كلب غير معلم وكل صيد أكل منه كلب معلم وهو معتاد لأكل الصيد وكل ما اشترك في قتله غير واحد من الكلاب المعلمة وان كان صاحب أحدهم قد سمى عند إرساله ولم يسم صاحب الأخر عند إرساله وكل صيد قتله فهد ولم يدرك ذكاته وكل صيد انقلب ( انفلت - خ ل ) عليه كلب معلم من غير ان يرسله صاحبه عليه فقتله ، وكل صيد لم يسم الصائد عند إرساله ما يصيده به أو عند ذكاته ، وكل صيد أرسل عليه كلب فقتله وسمى عليه غير المرسل له ، وكل صيد غاب عن عين صاحبه ثم وجده بعد ذلك مقتولا ، وكل صيد رمى بسهم فسقط من موضع عال من جبل أو غيره أو وقع في الماء ومات ، وكل صيد ضرب بسيف فانقطع بنصفين ولم يتحرك واحد منهما ولا خرج منه دم ، فان تحرك أحدهما فقد تقدم ذكره ، وكل ما قطع من الصيد وهو حي وكل جراد وقع في الماء فمات فيه أو مات في الصحراء قبل أخذه أو كان في موضع فوقع فيه نار فاحترق ، وكل طائر ( صيد - خ ل ) مالك لجناحه

ص: 437


1- ظاهره انه قطعه الجماعة بعد أخذه حيا قبل ان يقتل وكذا في النهاية لكن يمكن كون المراد ما إذا قطعوه بعد الاصطياد برمي ونحوه كما في النص وحمله في جواهر الكلام على ما إذا لم تكن حياته مستقرة

يعرف صاحبه ، وكل طائر مخصوص الجناح (1) وصيد المحرم على المحل والمحرم وصيد المحل على المحرم ، وكل صيد لم يسم الصائد له عند أخذه ولا الإرسال عليه إذا كان لا يعتقد وجوب التسمية ناسيا كان أو غير ناس.

واما المكروه : فهو كل صيد لم يسم الصائد له عند أخذه والإرسال عليه ناسيا إذا كان يرى وجوب التسمية ، وكل صيد أكل منه كلب معلم ولم يكن معتادا لا كل الصيد وكل جراد لم يسم الصائد له عند أخذه.

واما صيد البحر فعلى ثلاثة أضرب؟ أولها : يحل أكله على كل حال؟ وثانيها : محرم؟ وثالثها : مكروه؟ فاما الحلال أكله على كل حال فهو كل سمك له فلس أخذه مسلم وأخرجه من الماء حيا أو أخرجه كافر وشاهد مسلم إخراجه له كذلك ، أو أخذ مجتمعا في حظيرة أو شبكة أو ما جرى مجرى ذلك واقام في الماء يوما وليلة وكان فيه ما قد مات في الماء ولم يجد السبيل الى تمييز ما مات منه فيه مما لم يمت.

وكل ما وجد منه على ساحل البحر والقى في الماء فرسب أصله ولم يطف عليه وكل ما كان منه جلالا واستبرأ ، واستبراؤه هو ان يجعل في ماء طاهر يوما كاملا ويطعم شيئا طاهرا.

واما المحرم : فهو كل سمك لا فلس له وكل سمك أخذه كافر ولم يشاهد مسلم إخراجه من الماء حيا ، وكل ما مات منه في الماء سواء كان موته فيه ابتداء أو اخرج منه وجعل في شي ء وأعيد إلى الماء فمات فيه ، وكل ما خالف ماله فلس من جميع الحيوان في الماء.

واما المكروه فهو كل ما (2) في الماء ولم يتميز الميت منه في الماء مما لم يمت فيه لأنه ان تميز من ذلك لحق بباب المحرم وكل ما كان صيده في يوم الجمعة وكل

ص: 438


1- لان قص الجناح علامة انه مملوك
2- في هامش نسخة ( ب ) « كل ما أخذ مجتمعا في شبكة أو حظيرة أو ما جرى مجرى ذلك وغلب في الظن موت بعضه في الماء »

ما لم يسم الصائد له عنده ، والمارماهي والزهو والزمار والكنعت والربيثا والطمر والايلامى والطيراني.

« باب ما يحل من الذبائح وما يحرم منها ومن الميتة والبيض والجلود »

لا يجوز ان يتولى الذبح الا من كان مسلما من أهل الحق فإن تولاه غير من ذكرناه من الكفار المخالفين لدين الإسلام أو من كفار أهل الملة على اختلافهم في جهات كفرهم لم يصح ذكاته ولم يؤكل ذبيحته وكذلك : ان تولاها من أهل الحق من تعمد ترك التسمية عند الذبح لم يصح ذكاته ولم يؤكل ذبيحته الا ان يكون في حال تقية.

وإذا أحسن الصبي أو المرأة الذبح وقويا عليه جاز أكل ذبيحتهما ، فان لم يحسناه لم يؤكل ذبيحتهما؟! والتسمية واجبة في الذبح فمن تعمد تركها كما ذكرناه لم يؤكل ذبيحته فإن أخل بها ناسيا جاز أكل ذبيحته وكيفية التسمية أن يقول الذابح بسم اللّه واللّه أكبر؟ ويجوز ان يقتصر على التسمية والأول أفضل.

واستقبال القبلة بالذبيحة أيضا واجب؟ فمن تعمد ترك ذلك لم يؤكل ذبيحته؟فان تركها ناسيا لم يكن بها بأس؟ والذباحة لا يجوز الا بالحديد ، فمن خاف من موت الذبيحة ولم يقدر على الحديد جاز ان يذبح بشي ء له حدة مثل الزجاجة والحجر الحاد أو القصب؟ والحديد أفضل واولى من جميع ذلك.

وذكاة ما يريد الإنسان ذكاته ( ذبحه خ ل ) لا يجوز إلا في الحلق ، فان ذبح في غير الحلق كان ذلك حراما ولم يؤكل ذبيحته؟ فان كان في حال لا يقدر فيها على ذبح ما يريد ذبحه مثل ان يكون عنده ثور قد استعصى عليه أو وقع في بئر أو ما أشبه ذلك أو جاموس قد ند وحمى نفسه من الوصول اليه ، جاز ان يذبح في غير الحلق ويؤخذ الثور والجاموس بالسيوف والحراب فاذا الحق وفيه حياة زكى على كل حال

ص: 439

وما كان مما ينحر فإنه يجب ان ينحر في اللبة؟ فإن نحر في غيرها لم يجز أكله الا ان يكون قد استعصى فيجري حكمه مجرى ما تقدم ذكره في الثور والجاموس وكل ما نحر وكان مما يجب ذبحه أو ذبح وكان مما يجب نحره ، لم يؤكل الا ان يكون على الوجه الذي قدمناه.

وكل ما ذبح في حال الضرورة وكان مما ينبغي نحره أو نحر فيها وكان مما ينبغي ذبحه ، إذا أدرك وفيه حياة وجب تذكيته على كل حال فان تركت تذكيته حتى مات لم يجزأ كله.

ومن أراد الذباحة فلا يجوز ان يقلب السكين ويذبح بها الى فوق بل يبتدى بالذبح من فوق إلى أسفل ، ولا يجوز للذابح ان ينخع البهيمة حتى يبرد بالموت وذلك ان لا يفصل رأسها من جسدها ويقطع نخاعها وهو عظم في العنق ، فان سبقه السكين فابانت الرأس من الجسد لم يكن بأكل ذلك بأس؟ وإذا أراد ان ينحر من الإبل شيئا فينبغي ان يشد أخفافه إلى بطنه ( إبطيه خ ل ) ويطلق رجليه ثم ينحره ، وان أراد ان يذبح شيئا من البقر فينبغي ان يعقل يديه ورجليه ويطلق ذنبه

وان أراد ذبح شي ء من الغنم فينبغي ان يعقل يديه وفرد رجليه ويطلق رجله الأخرى ويمسك على صوفه أو شعره حتى يبرد ولا يمسك شيئا من أعضائه؟

وإذا أراد ذبح شي ء من الطير فينبغي ان يذبحه ويرسله ولا يعقله ولا يمسكه ، فان انفلت منه جاز ان يرميه بسهم ويكون حكمه حكم الصيد فاذا لحقه حياة ذكاه وإذا ذبحت ذبيحة ولم يتحرك منها شي ء لم يجز أكلها ، فإن تحرك شي ء منها مثل يدها أو رجلها أو ذنبها أو خفيها أو اذنها جاز أكلها

ومن ذبح بهيمة لم يجز ان يسلخها الا بعد ان تبرد بالموت فان سلخها قبل ذلك أو سلخ منها شيئا لم يجز أكلها ومن ذبح شاة أو غيرها ووجد في بطنها جنينا قد أشعر وأوبر ولم تنشش (1) فيه الروح فذكاته ذكاة امه وان لم يكن كذلك أو لم

ص: 440


1- اى لم تسق فيه الروح من نش الدابة اى ساقها سوقا بالرفق وكان الروح تساق الى البدن شيئا فشيئا وفي بعض النسخ لم تنشر وفي بعض آخر لم تنش والكل متقارب المعنى

يكن تاما لم يجز اكله

وكل جنين كان قد أشعر وأوبر وولجته الروح وأدرك كذلك لم يكن بد من ذكاته؟ فان لم يدرك لم يجز اكله على كل حال.

والذبح في الليل مكروه إلا لضرورة أو للخوف من فوت الذبيحة ويكره أيضا الذبح في نهار يوم الجمعة قبل الصلاة إلا لضرورة.

وكل ما كان من الإبل أو البقر أو الغنم مذكى أو غير ذلك مما يجوز أكله فإنه يحرم منه الطحال - والمشيمة ، والفرث ، والقضيب ، والمرارة ، والنخاع (1) والأنثيان والفرج ظاهره وباطنه والعلباء (2) والغدد ، وذوات الأشاجع ، (3) والحدق ، والخزرة (4) تكون في الدماغ ويكره الكليتان.

ويحل من الميتة الشعر والوبر والصوف والريش إذا جز وما لا يجز من ذلك ويقلع منها ليس بحلال ويحل منها أيضا السن والظفر والظلف والعظم والقرن والناب والانفحة واللبن والبيض إذا كان قد اكتسى الجلد الفوقاني؟ فان لم يكن اكتسى ذلك فلا يحل أكله.

فإذا اختلط لحم ذكي بميتة ولم يمكن تمييزه لم يحل أكل شي ء منه وقد قيل (5)

ص: 441


1- خيط أبيض ضخم في فقار الظهر الى العنق وما مر آنفا من انه عظم في العنق فلعله مصحف وصوابه عرق
2- بالعين المهملة المكسورة والباء الموحدة ممدودا ويقال أيضا علباوان وان اى عصبتان عريضتان صفراوان من الرقبة إلى الذنب
3- في جواهر الكلام المراد بها غير معلوم والنصوص خالية عن ذكرها
4- بالخاء المعجمة والراء المهملة حبة صغيرة
5- قاله في النهاية للنص كما في الوسائل الباب 7 مما يكتسب به من كتاب التجارة.

انه يجوز بيعه على مستحلي الميتة والأحوط ترك بيعه.

وإذا جعل طحال في سفود (1) مع لحم وجعل في تنور فان كان اللحم تحته لم يجز أكل ذلك اللحم وما تحته ان كان تحته شي ء فان كان الطحال تحت اللحم أكل اللحم ، ولم يؤكل ما تحته من لحم أو غيره.

ولا يحل أكل شي ء من الميتة إلا عند الضرورة التي يخاف معها من تلف النفس فإنه يجوز ان يؤكل منها عند ذلك ما يمسك الرمق ، ما لم يكن هذا المضطر عاديا وهو الذي يخرج لقطع الطريق ولا باغيا وهو الذي يبغى الصيد على وجه اللّهو والبطر فإن هؤلاء لا يجوز لهم ان يأكلوا منها شيئا على حال.

ويجوز ان يؤكل من البيض ما كان مما يؤكل لحمه فان وجد بيض ولا يعرف هل هو بيض ما يؤكل لحمه أو غير ذلك ، فإنه يعتبر باختلاف طرفيه فما كان مختلف الطرفين جاز أكله لأنه من بيض ما يؤكل لحمه؟ وما استوى طرفاه فلا يجوز اكله

واما الجلود فان كان مما يؤكل لحمه وكان مذكى فإنه يجوز استعماله في اللباس والصلاة وغير ذلك قبل الدباغ وبعده إذا لم يكن عليه نجاسة ولا اثردم؟فان كان ميتة ولم يكن مذكى لم يجز استعماله على وجه من الوجوه لا قبل الدباغ ولا بعده.

وان كان مما لا يؤكل لحمه ، فان كان كلبا أو خنزيرا فلا يجوز استعماله لا قبل الذكاة ولا بعدها ، دبغ أو لم يدبغ على كل حال وان كان جلد فهد أو نمر أو ذئب أو أرنب أو سبع أو ثعلب أو سنجاب أو سمور أو غير ذلك من السباع والبهائم ، فإنه يجوز استعماله إذا كان مذكى ودبغ إلا في الصلاة فإنه لا يجوز استعماله فيها فان استعمله (2)

ص: 442


1- بفتح السين وضمها وتشديد الفاء : حديدة ذات شعب معقفة معروف يشوى به اللحم وجمعه سفافيد ( لسان العرب )
2- الظاهر ان المراد ان يستعمله قبل الذكاة كما صرح به الشيخ في النهاية وانه مقتضى المقابلة لما قبله.

إنسان نجست يده وما يصيبه من بدنه ويجب عليه غسل ذلك.

وشعر الخنزير لا يجوز استعماله مع الاختيار ، فان اضطر إنسان إلى استعماله فلا يستعمل منه الا مالا يكون قد بقي فيه شي ء من الدسم؟ وإذا حضر وقت الصلاة وجب عليه غسل يديه منه

ومن ربي شيئا من الغنم فأراد ذبحه فإنه يكره له ان يتولى ذلك بنفسه وليس ذلك بمحظور والأفضل ان يجعل غيره يتولى ذلك. ولا يجوز عمل دلو من جلود الميتة ولا استعماله في الماء. وقد ذكر (1) جواز ذلك فيما عدا الشرب والطهارة والأحوط ترك استعماله في ذلك وفي غيره.

وإذا قطع إنسان شيئا من أليات الغنم وهي أحياء لم يجز أكل شي ء منها ولا ان يستصبح بشي ء من دهن ذلك؟ لأنه ميتة وذلك مما لا يجوز استعماله على حال

ص: 443


1- ذكره في النهاية

« كتاب الطب والاستشفاء بالبر وفعل الخير »

قد ورد الأمر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بالتداوي فقال تداووا فما انزل اللّه داء الا انزل معه دواء الا السام ، فإنه لا دواء له يعنى الموت.

ويجب على الطبيب ان يتقى اللّه فيما يفعله بالمريض وينصح فيه ، ولا بأس بمداواة اليهودي والنصراني للمسلمين؟ وإذا أصاب المرأة علة في جسدها واضطرت إلى مداواة الرجل كان جائزا وإذا كان بالإنسان رمد كره له أكل التمر ، فإن اكله وكان الرمد بعينه اليسرى اكله بضرسه الأيمن وان كان الرمد بعينه اليمنى ، اكله بضرسه الأيسر.

ومن كان يستضر جسده بترك العشاء فالأفضل له ان لا يتركه ولا يبيت الا وجوفه مملوء من الطعام. وإذا كان لإنسان مرض فلا ينبغي ان يكره على تناول الطعام والشراب بل يلطف به ( له - خ ل ) في ذلك فان امتنع لم يكره عليه.

وأكل اللحم واللبن ينبت اللحم ويشد العظم واللحم يزيد في السمع والبصر ، وأكل اللحم بالبيض يزيد في الباه.

وماء الكماة فيه شفاء العين ، ووصف زيد بن على بن الحسين (عليه السلام) ذلك وقال ينبغي ان يؤخذ الكماة فيغسل حتى ينقى ويعصر بخرقة ويؤخذ ماؤها فيرفع على النار حتى ينعقد ويلقى فيه قيراط من المسك ثم يجعل في قارورة ويكتحل به لاوجاع العين كلها ، فاذا جف سحق بماء السماء أو غيره ويكتحل منه لاوجاع العين.

ص: 444

ويكره ان يحتجم الإنسان في يوم أربعاء أو سبت فإنه ذكر انه يحدث منه الوضح (1) والحجامة في الرأس فيه شفاء من كل داء وأفضل الدواء في أربعة أشياء الحجامة والحقنة والنورة والقي ء. فان نبع الدم (2) بإنسان فينبغي ان يحتجم في أي الأيام كان ويقرء آية الكرسي ويستخير اللّه ويصلى على النبي وآله.

وإذا عرضت الحمى لإنسان فينبغي ان يداويها بصب الماء عليه فان لم يسهل عليه فليحضر له إناء فيه ماء بارد ويدخل يده فيه؟ وروى ان النبي صلى اللّه عليه وآله كان يفعل ذلك والاكتحال بالإثمد عند النوم يذهب بالقذى ويصفي البصر. فاذا لدغت العقرب إنسانا فليأخذ شيئا من الملح ويضعه على موضع اللدغة ثم يعصر بإبهامه حتى يذوب وأكل العجوة يشفي من السم. وصفة ذلك ان يؤخذ تمر العجوة فينزع نواه ثم يدق دقا جيدا ويعجن بسمن بقر عتيق ويرفع ، فاذا احتيج إليه أكل للسم ، هكذا وصفه زيد بن على بن الحسين عليهما السلام.

وأفضل ما استشفت به النفساء أكل الرطب ومن اشتد وجعه فينبغي ان يستدعي بقدح فيه ماء ويقرأ عليه الحمد أربعين مرة ثم يصبه على نفسه ، (3) وأكل الزبيب المنزوع العجم على الريق ، فيه منافع عظيمة فمن أكل منه كل يوم على الريق احدى وعشرين زبيبة منزوعة العجم قل مرضه؟ وقيل انه لا يمرض الا المرض الذي يموت فيه

ص: 445


1- اى البياض والمراد به هنا البرص وقد ورد في بعض الاخبار الإنكار على من ذكر ذلك فراجع له ولغيره من وقت الحجامة وآدابها الى الوسائل الباب 11 و 13 من أبواب ما يكتسب به
2- الصواب « تبيغ الدم » قال ابن إدريس في السرائر : هو بالتاء المنقطة بنقطتين من فوق والباء المنقطة من تحتها بنقطة واحدة والياء المنقطة من تحتها بنقطتين وتشديدها والغين المعجمة أي هاج به.
3- رواه في دعائم الإسلام ج 2 فصل ذكر العلاج بتفصيل في اعتلال الحسين عليه السلام وذكر فيه ان جبرئيل قال لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ان اللّه تعالى لم ينزل عليك سورة من القرآن الا وفيها فاء وكل فاء آفة ما خلا سورة الحمد.

ومن أكل عند نومه سبع تمرات عوفي من القولنج وقتل دود البطن ، وأكل الحبة السوداء فيه شفاء من كل داء الا الموت؟ وأكل التفاح يكفى الحرارة (1) ويبرد الجوف وينفع من الحمى.

وفي شراب العسل منافع كثيرة فمن استعمله انتفع به ما لم يكن به مرض حار. ومن اشتد به مرض فيسأل امرأته ان تهب له من مهرها درهما ويشترى به عسلا ويشربه بماء السماء فإنه ينتفع بذلك.

وفي شرب لبن البقر منافع فمن تمكن منه فليشربه وفي الحبة السوداء شفاء من كثير من الأمراض وأكل السمن نافع للأحشاء وهو في الصيف خير منه في الشتاء

ومن وطأ برجله على رمضاء فأحرقته ، فيطأ على بقلة البصلة (2) فان ذلك يزول بوطأه لها؟ وأكل القرع يزيد في العقل وينفع الدماغ؟ ويستحب أكل الهندباء وذكر انه ليس فيه ورقة الا وفيها من ماء الجنة.

وعن الصادق عليه السلام قال : إذا دخلتم أرضا فكلوا من بصلها فإنه يذهب عنكم وبائها.

وعنه (عليه السلام) ان رجلا من أصحابه شكى اليه اختلاف البطن فأمره أن يتخذ من الأرز سويقا ويشربه ففعل فعوفي له وقال : مرضت سنتين أو أكثر فألهمني اللّه تعالى الأرز ، فأمرت به فغسل وجفف ثم مس النار وطحن وجعلت بعضه سويقا وبعضه حساء واستعملته فبرأت.

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) ما من شجرة حرمل (3) الا ومعها ملائكة يحرسونها

ص: 446


1- الصواب « يطفى الحرارة » كما في الوسائل الباب 89 من الأطعمة المباحة
2- الصواب « بقلة الرجلة » كما في الكافي والمحاسن والوافي والوسائل وهي الفرفخ ويقال لها بالفارسية « خرفه » وقد ورد أنها بقلة فاطمة عليها السلام فسماها بنو أمية لعنهم اللّه بقلة الحمقاء بغضا لفاطمة عليها السلام
3- بالحاء والراء المهملتين كجعفر يقال له بالفارسية « سپندان » في القاموس هو حب نبات معروف يخرج السوداء والبلغم وهو غاية أي في النفع ويصفي الدم وينوم واستفاف مثقال ونصف منه غير مسحوق اثنتي عشر ليلة يبرئ من عرق النساء انتهى وذكر له في تاج العروس فوائد اخرى

حتى تصل الى من وصلت وفي أصل الحرمل لشره (1) وفي فرعها شفاء من اثنين وسبعين داء.

قال النبي عليه السلام : إياكم والشبره (2) فإنه حار بارد وعليكم بالسناء فتداووا به فلو دفع شي ء الموت لدفعه السناء ، وتداووا بالحلبة (3) فلو يعلم أمتي مالها في الحلبة لتداووا بها ولو بوزنها ذهبا.

وقال الصادق (عليه السلام) : المحموم يغسل له السويق (4) ثلاث مرات ويعطاه فإنه يذهب الحمى وينشف المرة والبلغم ويقوى الساقين.

وقال السويق ينبت اللحم ويشد العظم ، ونهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عن شرب الماء الحميم وهو الشديد الحرارة.

وقال : إدمان أكل السمك الطري يذيب الجسد وقال الصادق (عليه السلام) أكل التمر بعد السمك الطري يذهب أذاه وقال : لرجل شكى اليه وجع الخاصرة : عليك بما يسقط من الحيوان (5) فكله ففعل فبرأ

ص: 447


1- في نسخة ( ب ) « بسره » بالباء الموحدة والسين وهاء الضمير وفي دعائم الإسلام ج 2 ص 150 بالنون والشين المعجمة والتاء المؤنثة اى رقية وحرزا ويوجب الفرح والانبساط وفي طب الأئمة لابني بسطام عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : ان في أصلها وفروعها لسرا وفي حبها الشفاء من اثنين وسبعين داء واللّه العالم
2- الصواب « الشبرم » كما في الدعائم والسرائر ففي القاموس نبات له حب كالعدس ثم ذكر خطره وخواصه
3- بالحاء المهملة المضمومة والباء الموحدة وعن بعض النسخ بالجيم وكلاهما نبت لكن الأول هنا أصح فإنه أورد في نهاية ابن الأثير وتاج العروس الخبر المذكور في المتن فيه وذكر لها في القاموس فوائد كثيرة وفي ترجمته انها شنبليله
4- في نسخة ( ب ) « يغسل بالسويق » والصواب هو الأول
5- الصواب « من الخوان »

وقال : الريح الطيبة يشد العقل ويزيد في الباه ونهى النبي عليه السلام عن أكل الطفل والطين (1) والفحم وقال من أكل الطين أعان على نفسه ، ومن اكله فمات لم يصل عليه وأكل الطين يورث النفاق ، وقال (عليه السلام) : فضلنا أهل البيت على الناس كفضل دهن البنفسج على سائر الأدهان

وقال : أمير المؤمنين (عليه السلام) (2) الخل يسكن المراء ويحيى القلوب ويقتل دود البطن ويشد الفم.

فهذه جملة مقنعة اختصرناها من جملة ما ورد عن الأئمة عليهم السلام (3) في الاستشفاء بفعل الخير والبر والتعوذ والرقى فنحن نورد أيضا من جملة ما ورد عنهم في ذلك جملة مقنعة.

وقال الصادق (عليه السلام) ثلاثة يذهبن النسيان ويحددن (4) الفكر قراءة القرآن والسواك والصيام وقال لبعض أهل بيته قد ذكر له انه عليل : ادع مكيلا (5) فاجعل فيه برا واجعله بين يديه (6) وأمر غلمانك إذا جاء سائل أن يدخلوه اليه فتناوله منه بيده ويأمر أن يدعوا

ص: 448


1- كذا في نسخة الأصل بعطف الطين على الطفل وفي نسخة ( ب ) ونسخة اخرى بدون ذكر العطف فالمراد منع الأطفال عن أكلهما لكن الظاهر كون الأول انسب بظاهر النهى وبما بعده فيمكن كون المراد بالطفل ما يشبه الطين ففي القاموس الطفال الطين اليابس وفيه أيضا طفل النبت اصابه التراب وفي تاج العروس في مستدركاته الطفل بالفتح الطين الأصفر المعروف بمصر تصبغ به الثياب
2- في بعض النسخ : من أكل الرمان بشحمه دبغ معدته والسفرجل يذكى قلب الضعيف ويشجع الجبان وروى من سيدنا أبو عبد اللّه جعفر بن محمد عليهما السلام انه قال :
3- اى في باب الطب فقوله : في الاستشفاء استئناف لما يذكره في التالي
4- عن بعض النسخ « يجددن » بالجيم وفي الدعائم « يحدثن الذكر »
5- الصواب « مكتلا » بالتاء المثناة من فوق وهو الزنبيل الكبير
6- الظاهر « بين يديك » وهكذا في بعض الضمائر التالية ويحتمل انه قال عليه السلام ذلك لمن يفعل ذلك بالمريض

له ، قال افلا اعطى الدنانير والدراهم قال : اصنع ما أمرتك به وكذلك رويناه ففعل فرزق العافية.

وقال ارغبوا في الصدقة وبكروا فيها فما من مؤمن تصدق بصدقة حين يصبح يريد بها ما عند اللّه الا دفع اللّه بها عنه شر ما ينزل من السماء ذلك اليوم ثم قال لا تستخفوا بدعاء المساكين للمرضى منكم فإنه يستجاب لهم فيكم ولايستجاب لهم في أنفسهم

وروى عنه(عليه السلام) ان رجلا من أصحابه شكى اليه وضحا اصابه بين عينيه وقال : بلغ منى يا بن رسول اللّه مبلغا شديدا فقال : عليك بالدعاء وأنت ساجد ففعل فبرأ منه

وقال : إذا أصابك سقم ( هم - خ ل ) فامسح يدك على موضع سجودك (1) ثم أمر يدك على وجهك من جانب خدك الأيسر وعلى جبينك الى جانب خدك الأيمن ثم قل بسم اللّه الذي لا إله الا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم اللّهم أذهب عني الهم والحزن ثلاثا (2)

وقال : على (عليه السلام) شكوت الى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله تفلت القرآن منى فقال يا على سأعلمك كلمات تثبت القرآن في قلبك قل : اللّهم ارحمني بترك معاصيك وارزقني حسن الظن (3) فيما يرضيك عنى والزم قلبي حفظ كتابك كما علمتني وان أتلوه على النحو الذي يرضيك عنى اللّهم نور بكتابك بصري واشرح به صدري واستعمل به بدني واعنى عليه انه لا يعين إلا أنت فدعوت بهن فثبت اللّه القرآن في صدري.

ص: 449


1- أي من الجبهة
2- رواه الكليني في الكافي كما في الوسائل الباب 28 من التعقيب وفيه إذا صليت المغرب فأمر يدك على جبهتك وقل إلخ وعن بعض نسخ الكافي اضافة الغم بين الهم والحزن وقوله ثلاثا يمكن ان يكون قيدا للجملة الأخيرة وان يكون للمجموع
3- الظاهر كما في الكافي « حسن النظر أو المنظر » وقد رواه في باب الدعاء في حفظ القرآن من كتاب الدعاء من الأصول بإسناده ان أمير المؤمنين (عليه السلام) قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أعلمك دعاء لا تنسى القرآن اللّهم ارحمني إلخ وفيه زيادات

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) ضمنت لمن سمى اللّه على طعامه ان لا يشتكي منه قال ابن الكواء قد أكلت البارحة طعاما وسميت عليه ثم أصبحت وقد آذاني فقال له لعلك أكلت ألوانا فسميت على بعضها ولم تسم على بعض؟ فقال قد كان ذلك قال فمن ذلك أتيت يا لكع (1)

وقال الصادق (عليه السلام) في المستحاضة تغتسل عند كل صلاة احتسابا فإنه لم تفعله امرأة إلا عوفيت من ذلك.

وقال من قال كل يوم ثلاثين مرة بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين تبارك اللّه أحسن الخالقين ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلى العظيم دفع اللّه عنه سبعة وسبعين نوعا من البلاء أهونها الجذام (2)

وقال على (عليه السلام) مرضت فعادني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وانا لا انقلب (3) على فراشي فقال (عليه السلام) يا على : أشد الناس بلاء النبيون ثم الأوصياء ثم الذين يلونهم أبشر فإنها حظك من عذاب اللّه مع ما لك من الثواب ثم قال : أتحب ان يكشف اللّه ما بك قلت بلى يا رسول اللّه قال قل اللّهم ارحم جلدي الرقيق وعظمي الدقيق واعوذ بك من فورة الحريق يا أم ملدم (4) ان كنت آمنت باللّه فلا تأكلي اللحم ولا تشربي الدم ولا تفوري من الفم

ص: 450


1- في نهاية ابن الأثير : اللكع عبد العرب : العبد ثم استعمل في الحمق والذم
2- ورد في عدة أخبار في تعقيب الصلاة ان من قال بعد صلاتي الفجر والمغرب سبحان اللّه العظيم وبحمده لا حول ولا قوة إلا باللّه العلى العظيم سبع مرات قبل ان يتكلم دفع اللّه عنه سبعين نوعا من البلاء كالجذام والبرص
3- الظاهر ان « لا » زائدة والصواب « أتقلب » وفي دعائم الإسلام والسرائر « وانا لا أتقار على فراشي » من القرار وقد روى هذا التعويذ في البحار باب عوذة الحمى من كتاب الذكر والدعاء عن دعوات الراوندي عن سلمة بن أبي سلمة قال مرض أمير المؤمنين (عليه السلام) فعاده النبي صلى اللّه عليه وآله وقال ان أشد الناس بلاءا النبيون إلخ
4- كنية الحمى وقد ورد ذكرها في عدة أخبار في عوذة الحمى كما في البحار في الباب المذكور

وانتقلي الى من يزعم ان مع اللّه إلها آخر فانا اشهد ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله قال ففعلتها فعوفيت من ساعتي قال جعفر بن محمد عليهما السلام ما فزعت اليه قط الا وجدته وكنا نعلمه النساء والصبيان (1)

وقال الصادق (عليه السلام) : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يجلس الحسن على فخذه اليمنى والحسين على فخذه اليسرى ثم يقول أعيذ كما بكلمات اللّه التامات ( كلها - خ ) من شر كل شيطان وهامة ومن عين لامة ثم يقول هكذا كان إبراهيم (عليه السلام) يعوذ ابنيه إسماعيل وإسحاق وعنه (عليه السلام) إذا أردت أن تعوذ فضم كفيك واقرء فيهما فاتحة الكتاب وقل هو اللّه أحد ثلاث مرات ثم اجعلهما على المكان الذي تجد (2) ثم ضمهما واقرأ فاتحة الكتاب وقل أعوذ برب الناس ثلاث مرات ثم ضعهما على المكان (3)

وقال الصادق (عليه السلام) : إذا أردت ان ترقى الجراح (4) فضع يدك عليه وقل بسم اللّه أرقيك واللّه يشفيك بسم اللّه الأكبر من الحديد والحجر والباب الاسم (5) والغرق (6) فلا يفتر والعين فلا يسهر تردده ثلاث مرات

ص: 451


1- اى فضلا عن الرجال كما روى في طب الأئمة عليهم السلام انه كان يعلم رجلا من أوليائه نحو ذلك
2- من الوجد بمعنى الوجع
3- زاد عليه في هامش نسخة ( ب ) « الذي تجد ثم ضمهما واقرأ فاتحة الكتاب وقل أعوذ برب الفلق ثلث مرات ثم ضعهما على الموضع » وكذا في الدعائم لكن بتقديم الفلق على الناس
4- اى من الدم أو الألم أو نحوهما مما يخاف منه
5- في الدعائم « والناب الأسمر »
6- لعل الصواب : بالعين المهملة كما في الدعائم وفيه أيضا « فلا ينعر » وعن نسخة منها « تفطر » وعلى كل فالظاهر ان المراد تعويذ الجراح من اصابة الحديدة لبرئها أو الحجر أو من قطع العرق أو فتوره أو سهر العين من وجعه واللّه العالم وقد روى نحوه في البحار في باب الدعاء لعموم الأوجاع من كتاب الدعاء

وقال على (عليه السلام) من ساء خلقه فأذنوا في اذنه وعن النبي صلى اللّه عليه وآله انه نهى عن السحر والنمائم فلا يجوز استعمال شي ء من ذلك على حال (1)

ص: 452


1- الأخبار المذكورة هنا في كتاب الطب والاستشفاء لما كانت كثيرة ولم تكن لها صلة بمسائل الفقه أهملت عن المراجعة لها الى مواضعها من كتب الاخبار الا بعض ما كان مشتبها وقد أوردها في دعائم الإسلام ج 2 كتاب الطب وسرائر ابن إدريس بعد كتاب الأطعمة والأشربة ومن أراد التوسع في ذلك فليرجع البحار كتابي السماء والعالم والدعاء والوسائل بابى الأطعمة المباحة والأشربة المباحة وأبواب الذكر والدعاء وكتاب طب الأئمة عليهم السلام لابني بسطام وفي بعض ما في المتن بلفظة « قال » أو « عنه » كتب عليه في نسخة ( ب ) « وروى عن » عن نسخة اخرى وهذا أيضا أهملت عن نقله الا قليلا

كتاب الدية والقصاص وما يتعلق بذلك ويلحق به

« باب تحريم القتل وسفك الدماء بغير حق »

قال اللّه تعالى « وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلّا بِالْحَقِّ ، وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً » (1)

وقال تعالى « وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ » (2)

وقال سبحانه « وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ ، وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلّا بِالْحَقِّ » (3)

وقال « وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها ، وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً » (4)

وقال « لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ، إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ، إِنَّ اللّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً ، وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً » (5)

وعن ( وروى عن سيدنا ابى عبد اللّه جعفر بن محمد - خ ل ) الصادق عن آبائه عليهم السلام

ص: 453


1- الاسراء - 33
2- الاسراء - 31
3- الفرقان - 68
4- النساء 93
5- النساء 29 و 30

عن النبي صلى اللّه عليه وآله انه قال : ان في جهنم وأديا يقال له : سعير إذا فتح ذلك الوادي ضجت النيران منه ، أعده اللّه تعالى للقاتلين (1)

وقال : ( وروى عنه صلى اللّه عليه وآله انه قال خ ل ) اعيى (2) الناس على اللّه من قتل غير قاتله ، أو ضرب غير ضاربه ، أو تولى غير مواليه ، أو ادعى الى غير أبيه

وروى عنه انه صلى اللّه عليه وآله ، خطب الناس يوم النحر بمنى فقال : ايها الناس لا ترجعوا بعدي كفارا ، يضرب بعضكم رقاب بعض ، وانما أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللّه ، فاذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دمائهم وأموالهم إلى يوم يلقون ربهم ، فيحاسبهم.

الا ، هل بلغت؟

قالوا : نعم.

فقال : اللّهم اشهد (3)

ص: 454


1- مستدرك الوسائل الباب 1 من القصاص وفيه « للقتالين »
2- الصواب « أعتى » من العتو بمعنى الطغيان والتجبر وقد ورد الخبر كذلك بعدة أسانيد عن الأئمة عليهم السلام وفي أكثرها انه وجد ذلك مكتوبا عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في قائم سيفه والمذكور فيها هو الأولان وزاد في بعضها ، ومن والى غير مواليه فقد كفر بما انزل اللّه وفي ثالث مكان ذلك ومن ادعى لغير أبيه فهو كافر بما انزل اللّه ولم أجد ما ورد فيه الأربعة المذكورة كما في المتن إلا في الدعائم ج 2 كتاب الديات
3- رواه في تاريخ اليعقوبي ومغازي الواقدي في باب حجة الوداع في ضمن خطبة يوم النحر بتقديم قوله صلى اللّه عليه وآله إنما أمرت إلخ على الجملة الاولى ونحوه في تفسير على بن إبراهيم عند قوله تعالى في سورة المائدة « يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ » وروى الجملة الأولى بدون الثانية في تحف العقول في خطبته صلى اللّه عليه وآله وصحيح البخاري باب حجة الوداع ومسلم الباب 29 من الايمان كما روى الجملة الثانية على حدة كثيرا في كتب الخاصة والعامة كما في البحار الباب 24 من كتاب الايمان وصحيح مسلم الباب 8 منه وفي بعضها إضافة شهادة انى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وفي بعضها انه قال ذلك لعلى (عليه السلام) في فتح خيبر أيضا

وروى عنه صلى اللّه عليه وآله انه اتى بقتيل وجد بين دور الأنصار ، فقال : هل يعرف؟

قالوا : نعم يا رسول اللّه! قال : لو ان الأمة اجتمعت على قتل مؤمن أكبرها اللّه في نار جهنم (1).

وروى عن أمير المؤمنين على بن ابى طالب (عليه السلام) انه قال : من الكبائر ، قتل المؤمن عمدا ، والفرار من الزحف ، وأكل الربا بعد البينة ، وأكل مال اليتيم ظلما والتعرب بعد الهجرة ، ورمى المحصنات الغافلات المؤمنات (2)

وروى عن النبي صلى اللّه عليه وآله انه مر بقتيل ، فقال من هذا (3) فلم يذكر له أحد ، فغضب ثم قال : واللّه الذي نفسي بيده لو اشترك فيه أهل السماء والأرض لأكبهم اللّه في النار

وروى عن النبي (صلی الله عليه وآله) انه قال : دماؤكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا وفي بلدكم هذا (4)

* * *

ص: 455


1- دعائم الإسلام ج 2 كتاب الديات والظاهر انه الخبر التالي بلفظ آخر
2- بهذا المعنى أخبار كثيرة في الوسائل الباب 46 من أبواب جهاد النفس كتاب الجهاد
3- في نسخة ( ب ) من لهذا اى من قتله كما فيما رواه في الوسائل الباب 2 من القصاص بمضمونه مفصلا فلا منافاة بينه وبين ما مر
4- ورواه في الكافي كما في الوسائل الباب 1 من القصاص بإسنادين عن الامام الصادق (عليه السلام) عنه (صلی الله عليه وآله) في خطبته بمنى في حجة الوداع ونحوه في البخاري باب حجة الوداع من المغازي وصحيح مسلم باب حجته (صلی الله عليه وآله) من كتاب الحج وغيرهما من كتاب الخاصة والعامة حيث رووه بأسانيد وفي بعضها زيادة « وأعراضكم » كما في خصال الصدوق عليه الرحمة في أبواب الاثني عشر وصحيح مسلم في الباب 9 من كتاب القسامة وزاد في رواية الكافي باسناديه الا من كانت عنده أمانة فليؤدها الى من ائتمنه فإنه لا يحل دم امرء مسلم ولا ماله إلا بطيبة نفسه.

« باب أقسام القتل »

« وتفصيل ما فيه من الدية وأحكام ذلك »

القتل على ثلاثة أضرب : عمد محض ، وخطأ محض ، وخطأ شبيه العمد.

فاما العمد المحض : فان يكون القاتل عامدا في قتل المقتول ، بآلة تقتل غالبا مثل السكين والسيف ، والحجر الثقيل ، واللت (1) ، وما أشبه ذلك ، عامدا في قصده وهو ان يقصد بذلك قتله. فاذا كان عامدا في قصده ، عامدا في فعله ، كان القتل عمدا محضا.

واما الخطاء المحض ، فهو القتل الذي لا يشبه شيئا من العمد بان يكون مخطئا في فعله ، مخطئا في قصده ، مثل ان يرمى طائرا فيصيب إنسانا ، فقد أخطأ في الأمرين جميعا.

واما ما يشبه العمد ، وهو عمد الخطاء ، فهو ان يكون عامدا في فعله مخطئا في قصده ، فاما عمدة في فعله فهو ان يعمد إلى ضربه بآلة لا تقتل غالبا ، مثل عصا الخفيفة ، والسوط ، وما أشبه ذلك ، واما الخطاء فإنه يكون قصده تأديبه وتعليمه وزجره فيموت بذلك. فهو عامد في فعله ، مخطى ء في قصده.

فاما القتل العمد ، ففيه القود ، أو الدية ، وقبول الدية اولى عن الهاشمي (2)

ص: 456


1- باللام المفتوحة والتاء المثناة : القدوم والفاس العظيمة وهي فارسية ( أقرب الموارد )
2- كذا في الأصل وهامش نسخة ( ب ) تصحيحا وظاهره اختصاص أولوية قبول الدية بما إذا كان القاتل هاشميا وظاهر قوله تعالى « فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْ ءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ » ، عدم الاختصاص للتعبير فيه بالعفو المرغوب اليه وبالأخ الظاهر في ان عفوه لأجل اقتضاء الاخوة ولعل مراد المصنف انه في الهاشمي آكد لتأكد احترامهم وفضل صلتهم والإحسان إلى مسيئهم بقرابتهم من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وعلى كل لم أر لذلك تعرضا فيما راجعته عاجلا من بعض كتب الأصحاب كما ان بعض نسخ المتن خال عن ذكر الهاشمي.

« واما الدية فينقسم بانقسام القتل »

فدية العمد المحض : إذا كان القاتل من أصحاب الذهب ، الف دينار جياد. وان كان من أصحاب الفضة ، فعشرة آلاف درهم جياد. وان كان من أصحاب الإبل فمائة مسنة. قيمة كل واحدة منها عشرة دنانير. أو ماتا مسنة من البقر ، ان كان من أصحاب البقر. قيمة كل واحدة منها خمسة دنانير. أو ألف شاة ، ان كان من أصحاب الغنم. قيمة كل واحد منها دينار واحد. أو مأتا حلة ، ان كان من أصحاب البز (1) قيمة كل حلة خمسة دنانير.

فهذه دية الحر المسلم ، صغيرا كان أو كبيرا ، ودية المرأة الحرة المسلمة ، النصف من ذلك ، صغيرة كانت أو كبيرة. فأما غير من ذكرناه من العبد ، والذمي وغيرهما فسيأتي ذكرها ان شاء اللّه تعالى.

ودية العمد تجب في مال القاتل ، دون غيره من جميع الناس ، فان لم يكن له مال ، لم يكن لأولياء الدم الا نفسه ، فاما ان يقيدوا بصاحبهم ، واما ان يعفوا عنه ، أو ينظروه حتى يوسع اللّه تعالى عليه فان تبرع إنسان عنه بالدية ، كان جائزا.

وان هرب القاتل ولم يقدر عليه حتى مات ، وكان له مال. أخذت الدية من ماله ، فان لم يكن له مال ، أخذت من الأقرب فالأقرب من أوليائه المستحقين لميراث ديته ، ولا يجوز ان يؤخذ هؤلاء بالدية مع وجود القاتل.

وقاتل العمد تجب عليه التوبة ، وليس يصح منه الا بعد ان يسلم نفسه إلى أولياء المقتول ، ويعترف بالقتل فان شاءوا بعد ذلك أقادوه بصاحبهم ، وان شاءوا عفوا عنه ، وقبلوا منه الدية ، أو صالحوه على ما يرضون. فان لم يقيدوه بصاحبهم كان عليه بعد التوبة ، الكفارة وهي. عتق رقبة ، وصوم شهرين متتابعين ، وإطعام ستين مسكينا على الجمع.

واما دية قتل الخطاء فواجبة على عاقلة القاتل ، الذين يرثون ديته ، ولا يجب

ص: 457


1- بالباء الموحدة وتشديد الزاء المعجمة : الثياب (القاموس)

على من لا يرثها شي ء. وذكر بعض أصحابنا (1) ان لهذه العاقلة الرجوع بها على مال القاتل ان كان له مال ، فان لم يكن له مال لم يكن لهم عليه شي ء ، وان كان للقاتل مال ولم يكن للعاقلة مال كانت الدية في مال القاتل فاذا لم يكن للقاتل خطئا مال ، ولا عاقلة ، ولا ضامن جريرة من مولى نعمة ، أو مولى تضمن جريرة ، كانت الدية على بيت المال.

ولا يجب على العاقلة من دية الخطاء الا ما قامت البينة به ، فاما ما يقر القاتل به أو يصالح عليه ، فليس عليهم منه شي ء.

واما الدية في قتل الخطاء ، فهي ألف دينار ، أو عشرة آلاف درهم ، أو مأة من الإبل. عشرون منها بنت مخاض ، وعشرون ابن لبون ذكر ، وثلاثون بنت لبون ، وثلاثون حقة. وروى (2) ان فيها خمسة وعشرين بنت مخاض ، وخمسا وعشرين بنت لبون ، وخمسا وعشرين حقة ، وخمسا وعشرين جذعة ، أو مأتان من البقر ، ألف شاة ، أو مأتا حلة ، كما سلف ذكره في قتل العمد.

ودية العمد تستأدى في سنة واحدة ، ودية الخطاء ، تستأدى في ثلاث سنين.

ودية قتل الخطاء شبيه العمد تجب على القاتل في ماله ، فان لم يكن له مال استسعى فيها ، أو يبقى في ذمته حتى يوسع اللّه عليه ، فان هرب القاتل أو مات وكان له من الأولياء من يرث ديته ، أخذت منه ، فان لم يكن منهم أحد حيا ، كانت واجبة في بيت مال المسلمين.

والدية في ذلك مغلظة (3) ، ألف دينار ، أو عشرة آلاف درهم ، أو مأة من

ص: 458


1- المفيد في المقنعة : قال وترجع العاقلة على القاتل فان كان له مال أخذت منه ما أدت عنه وان لم يكن له مال فلا شي ء لها عليه.
2- الوسائل الباب 1 و 2 من ديات النفس
3- اى من حيث أسنان الإبل وأوصافها فإنها أعلى مما مر في الخطاء المحض ومن حيث الأداء فإنه في سنة واحدة كالعمد

الإبل : ثلاث وثلاثون بنت لبون ، وثلاث وثلاثون حقة ، واربع وثلاثون خلفة (1) كلها يتمخض من أولادها ، أو مائتان من البقر « أثلاثا أيضا » أو ألف شاة مثل ذلك ، أو مأتا حلة. وقد ذكر بعض أصحابنا (2) ان هذه الدية تستأدى في سنتين.

ويجب على قاتل الخطاء محضا كان أو شبيه العمد ، الكفارة وهي : عتق رقبة مؤمنة ، فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين. فان لم يستطع فإطعام ستين مسكينا فان لم يقدر على ذلك أيضا يتصدق بما يتمكن منه ، أو صيام ( صام - خ ل ) ما يقدر على صيامه.

وإذا قتل الابن أباه عمدا ، قتل به ، وان قتله خطأ كانت الدية على عاقلته ، وليس له (3) منها شي ء.

وإذا قتل الأب ابنه عمدا ، لم يقتل به ، وكان عليه الدية في ماله ، ويكون الدية لورثته خاصة ، فان لم يكن وارث غير أبيه القاتل ، كانت الدية لبيت المال. وان كان قتله خطأ محضا ، كانت الدية على عاقلته ، يأخذها الورثة منهم ، وليس للقاتل منها شي ء ، فان لم يكن له وارث إلا أبوه القاتل وحده ، فإنه لا دية على العاقلة ، فيسقط هاهنا على كل حال.

واما ان كان قتله خطأ شبيه العمد ، فإن الدية تكون في ماله خاصة وتكون

ص: 459


1- بفتح الخاء وكسر اللام الى الحامل كما هو المعروف من معناه وذكر في المبسوط انه قيل هي التي يتبعها ولدها وظاهر المصنف هو الأول وان قوله يتمخض من أولادها تفسير لها اى تحمل بالأولاد حيث انه يقال للإبل الحامل أو الحوامل مخاض مضافا الى وصفها بطروقة الفحل في بعض النصوص
2- المفيد رحمه اللّه في المقنعة
3- أي لا يرث الابن من هذه الدية وفي نسخة ( ب ) « وليس عليه » وكأنه خطأ.

لورثته خاصة ، وليس للقاتل منها شي ء ، فان لم يكن له وارث إلا الأب القاتل وحده ، كانت الدية عليه لبيت المال.

وإذا قتل الإنسان عمدا ولم يكن له ولى ، كان الامام عليه السلام ولى دمه. ان أراد أقاد القاتل بالمقتول. وان أراد أخذ منه الدية ، فجعلها في بيت المال ، وليس له العفو عنه على حال ، لان ديته لبيت المال كما ان ديته عليه (1) فاذا قتل خطأ أو شبيه العمد ، ولم يكن له أحد ، كان للإمام عليه السلام أخذ ديته ، وليس له غير ذلك.

وإذا اعفى ولى الدم عن الدم ، لم يكن له المطالبة بعد ذلك به. فان قتل القاتل بعد ذلك كان ظالما ، وكذلك ان قبل الدية ثم قتله بعد ذلك عمدا كان ظالما له ووجب القود عليه.

وإذا تكافأت دماء اثنين واستوت حرمتهما ، جاز قتل أحدهما بالآخر ، فيقتل الحر بالحر ، والحرة بالحرة ، والحرة بالحر ، والحر بالحرة إذا ردوا فاضل الدية. ويقتل العبد بالعبد ، والأمة بالأمة ، والأمة بالعبد ، والعبد بالأمة (2) ، والنصراني باليهودي ، واليهودي بالنصراني ، والمجوسي بالنصراني واليهودي ، والنصراني أو اليهودي بالمجوسي. والشرك كله ملة واحدة.

ص: 460


1- يعني لو كان جنى في حياته ولم يكن له عاقلة ولا مال كان ما وجب عليه من الدية على بيت المال كما مر وقد ورد ذلك في النص تعليلا لعدم جواز العفو المذكور والظاهر ان المراد بالإمام هنا وفي سائر أبواب الحدود ونحوها المذكور في النصوص وكلمات الفقهاء ليس هو الامام المعصوم من أوصياء الرسول عليهم الصلاة والسلام بل السلطان الوالي لأمور المسلمين المسمى بالحكومة في العرف الحاضر وان كانوا متغلبين وهذا ظاهر من النصوص الواردة في بيان الوظيفة لهم في هذه الأمور كما ذكرناه في كتاب احياء الموات والا لم يكن لذكر الخلاف هنا عن ابن إدريس وغيره في أمثاله وجه
2- ظاهره عدم وجوب رد فاضل القيمة كما عن غيره وفيه خلاف

وإذا قتل المسلم كافرا ، لم يقتل المسلم به. وإذا قتل الكافر كافرا وأسلم القاتل ، لم يقتل بالمقتول. وإذا قتل الحر عبدا ، لم يقتل به ، سواء كان عبد نفسه أو عبد غيره ، فان كان عبده ، كان عليه التعزير والكفارة. (1). وإذا كان عبد غيره ، كان عليه مع التعزير والكفارة ، قيمة العبد لسيده.

وإذا قتل عبد عبدا ، كان لسيد المقتول ، القود وهو مخير بين ذلك وبين العفو ، فان قتل فقد استوفى حقه ، وان عفى على مال ، تعلقت قيمة المقتول برقبة القاتل ، وسيده مخير بين ان يفديه وبين تسليمه للبيع ، فان فداه فقد أخذ سيد المقتول حقه ، وان سلمه للبيع وبيع بما يكون وفقا لقيمة المقتول وأخذه سيده فذاك حقه ، وان بيع بأقل من قيمة المقتول ، لم يكن على سيده غير ذلك. وان بيع بأكثر كان الفاضل لسيده. وإذا كانت قيمته أكثر وأراد سيده ان يفديه ، كان له ذلك. وان أراد تسليمه للبيع كان ذلك له أيضا ، فإن فداه جاز ذلك. وان سلمه للبيع وأمكن ان يباع منه بقدر ما تعلق برقبته كان الباقي لسيده. وان لم يكن الا ببيع جميعه ، بيع جميع ذلك وأخذ من قيمة أرش الجناية ويكون الباقي لسيده.

وإذا قتل عبد عبدين لاثنين ، لكل واحد منهما عبد : فان عفوا على مال ، تعلق برقبته قيمة كل واحد منهما ، ويكون سيده مخيرا على ما تقدم ذكره.

ودية العبد قيمته ما لم يزد على دية الحر ، فان زادت قيمة أحدهما على ذلك ردت إلى دية الحر.

وإذا تداعى رجلان لقيطا لم نلحقه بواحد منهما إلا بالقرعة ، فإذا أقرعنا بينهما ألحقناه بمن خرجت القرعة له. وان قتلاه قبل إلحاقه بأحدهما ، لم يكن على واحد منهما قود ، لان كل واحد منهما يجوز ان يكون هو أباه. فإن رجعا عن الاعتراف به.

ص: 461


1- وفي بعض الاخبار يغرم قيمة العبد ويتصدق بها عنه وحكاه في جواهر الكلام عن أكثر الأصحاب منهم المصنف وفي خبر آخر تؤخذ منه وتجعل في بيت مال المسلمين.

لم يقبل رجوعهما ، لأنه قد حكم بأن أحدهما أبوه فلا يقبل رجوعه. فان رجع أحدهما واقام الأخر على اعترافه ثبت نسبه من المعترف وانتفى عن المنكر ، لأنهما قد اتفقا على ان هذا أبوه ، فحكمنا بقولهما : ان أحدهما أبوه باعترافهما وسقط الأخر. فاما أبوه فلا قود عليه ، وعليه لوارث الولد نصف الدية. واما الأخر ، فهو أجنبي شارك الأب في قتل ولده ، فعليه القود بعد ان يرد على ورثته نصف الدية ، فان عفى عنه سقط عنه القود وكان عليه نصف الدية. وعلى كل واحد منهما ، الكفارة ، لأنهما اشتركا في قتله.

وإذا كان لرجل زوجة وله منها ولد فقتل هذا الرجل هذه الزوجة ، ورثها ولده ، ولم يرثها هو لأنه القاتل لها ، ولم يرث الولد ، القصاص من أبيه ، لأنه لو قتله أبواه (1) لم يملك القصاص عليه. فان كانت هذه الزوجة ، لها مع ولدها منه ولد من غيره ، فقتلها ، ورث ولدها منه وولدها من غيره التركة دون الزوج ، ويسقط عن الزوج القصاص ، لأن أحد ورثتها ولده ولا يرث القصاص عليه ، وله (2) القصاص بعد ان يرد نصيب ولدها منه ، واما الدية فواجبة عليه للولدين ، لولده منها النصف ، وللآخر النصف. فان كانت هذه الزوجة لا ولد لها منه ، ولها ولد من غيره ، وقتلها ، لم يرثها وورثها ولدها من غيرها ، وورث القصاص على زوج امه (3) ، لان زوج امه لو قتله قتل به.

وإذا قتل جماعة واحدا كان لولي الدم قتلهم به ، إذا رد فاضل الدية ، فإن أراد واحدا منهم دون الباقين ، كان له ذلك ، ورد الباقون على أولياء المقاد منه ما يصيبهم من الدية.

ص: 462


1- كذا في النسخ الموجودة والظاهر ان الصواب « أبوه » لمكان ضمير المفرد في « عليه » مضافا الى ان ظاهر المصنف فيما مر اختصاص نفى القصاص بقتل الأب لولده دون الام وهو المعروف بين الأصحاب ولم يحك خلافه الا عن ابن الجنيد
2- اى الولد الأخر
3- بعد رد نصف ديته على ورثته كما مر في قتل الحر بالحرة

وإذا جرح واحد. غيره مأة جراحة ، وجرحه آخر جراحة واحدة. فمات المجروح ، كانا جميعا قاتلين له ، وكان عليهما القود. والولي مخير بين قتلهما جميعا وبين العفو عنهما ويأخذ من كل واحد منهما نصف الدية فيرد على أولياء المقاد منه

وإذا قطع إنسان يد غيره ، وقطع آخر رجله ، وأوضحه ثالث (1) ، فسرى الى نفسه ، كان جميعهم قاتلة ( قتلة له خ ل ) وكان وليه مخيرا بين ان يقتص أو يعفو عنه. فان اقتص كان له ان يقتص في الجرح ، ( الجراح - خ ل ) ، فيقطع القاطع ثم يقطعه (2) ويوضح الذي أوضحه ثم يقتله. فان عفى عن الجميع. أخذ الدية أثلاثا ، وان عفى عن كل واحد (3) على ثلث الدية ، كان له قتل الآخرين إذا رد فاضل الدية.

وإذا قتل الصبي والمجنون إنسانا لم يكن عليهما قود ، فان اختلف ولى المقتول والصبي بعد بلوغه. فقال وليه : قتلته وأنت بالغ وعليك القود ، وقال الصبي : بل قتلته وانا صبي ، فليس على الصبي قود ، كان القول قول الجاني ، لأن الأصل الصغر حتى يعلم زواله. فان اختلف هو والمجنون ، فان كان يعرف له حال جنون ، كان القول قول الجاني مع يمينه ، لأنه أعلم بوقته. وان لم يعرف له حال جنون ، كان القول قول الولي ، لأن الأصل صحته وسلامته حتى يعلم انه مجنون

ص: 463


1- اى جرحه جرحا أوضح العظم وأظهره.
2- كذا في النسخ والصواب « ثم يقتله » كما في المبسوط وحكاه في المختلف عن المصنف وانه الموافق لما بعده والوجه في هذا الحكم انه كما ينسب القطع والقتل أو الجرح والقتل إلى هؤلاء الثلاثة جاز لولي المقتول ان يفعل بهم ذلك وفيه ان القتل هنا بسبب القطع أو الجرح فيقال قتله بذلك فيدخل قصاصهما في قصاصه كما في موضع آخر من المبسوط وعزاه في المختلف الى المشهور نعم لو قتله بعدهما بسبب آخر كان الوجه ما ذكر ثم ان جواز قتل الثلاثة انما هو بعد رد فاضل الدية كما ذكره في آخر هذا الفرع.
3- اى عن واحد منهم أيا كان.

وإذا أضرم إنسان نارا ، والقى فيها إنسانا ، ولم يمكنه الخروج منها حتى مات ، كان عليه القود. فان كان يمكنه الخروج والتخلص منها ، فلم يخرج ولا خلص نفسه منها حتى مات ، لم يجب على الملقى له فيها قود ، لأنه أعان على نفسه.

فإن ألقاه في لجة بحر ، فمات ، كان عليه القود (1).

فإن ألقاه في لجة ، فالتقمه حوت قبل وصوله الى الماء ، كان عليه القود ، لأنه أهلكه بنفس الإلقاء ، لأنه لو لم يأخذه الحوت ، كان هلاكه فيه ، فكان الحوت أهلكه ( ابتلعه خ ل ) بعد ان حصل ما فيه هلاكه. وقول من يقول : انه ما أهلك بالإلقاء ، وانما هلك بشي ء آخر ، وهو التقام الحوت قبل هلاكه له : غير صحيح ، لأنه لو كان ذلك صحيحا ، لكان إذا وصل الى ماء ، ثم التقمه الحوت قبل هلاكه ، ان يكون ما هلك بالإلقاء وانما هلك بالتقام الحوت له صحيحا ، ولا يحكم عليه بقود ، فقد علم خلاف ذلك (2).

وإذا جنى إنسان على غيره جناية جعله بها في حكم المذبوح ، مثل ان قطع حلقومه ومرية (3) أو ابان خيشومه وامعاه ، وجاء أخر فقده بنصفين أو ذبحه ، كان الأول هو القاتل ، وعليه القود. والثاني غير قاتل ، وعليه التعزير ، لأن الأول جعله في حكم المذبوح ، لأن الحياة التي فيه غير مستقرة. والثاني يلزمه دية ميت. (4)

وإذا قطع الصبي يد بالغ ، وبلغ الصبي ، وسرى القطع الى نفس البالغ لم يكن على الصبي قود. وكذلك الحكم إذا قطع مسلم يد نصراني له ذمة ، ثم

ص: 464


1- إذا لم يمكنه الخروج لما مر في الإلقاء في النار.
2- في هذا الفرع من قوله : فإن ألقاه في لجة بحر في نسخة الأصل إسقاط لما لا يلتئم بدونه الكلام وما اثبت هنا مأخوذ مما في هامش نسخة ( ب ) تصحيحا.
3- بفتح الميم وتشديد الياء كأمير مجرى الطعام والشراب.
4- وهي مأة دينار في الذبح ولعله في العقد كذلك وظاهر المتن ان هذا لا يسقط التعزير.

أسلم ، وسرت الجناية إلى نفسه وهو مسلم ، فمات. أو قطع حر يد عبد ، ثم أعتق العبد ، وسرت الجناية إلى نفسه ، سواء في انه لا قود في ذلك ، لان التكافؤ إذا لم يكن حاصلا في وقت القطع وكان موجودا في وقت السراية ، لم يثبت القود في القطع ولا السراية. فإذا كان كذلك ، ولم يلزم فيما ذكرناه قود ، كان فيه الدية ، لأن الجناية إذا وقعت مضمونة ، كان الاعتبار بأرشها في حال الاستقرار. يدل على ما ذكرناه انه لو قطع يدي مسلم ورجليه ، كان فيه ديتان ، فان سرى ذلك الى نفسه كان فيه دية واحدة. ولو قطع إصبعا واحدة كان فيه عشر الدية ، فإن صارت نفسا. كان فيه الدية ، اعتبارا بحال الاستقرار ، كما قدمناه.

وإذا قطع يد مرتد ، ثم أسلم ومات ، أو حربي فأسلم ثم مات ، وكان القطع في حال كفره ، والسراية في حال إسلامه ، لم يجب هاهنا قود ، لما تقدم ذكره ، فالدية لا تجب هاهنا ، لأن الجناية إذا لم تكن مضمونة ، لم تكن سرايتها مضمونة.

وإذا رمى مسلم عبدا بسهم ، فأعتق ، ثم اصابه السهم فقتله. ( أو نصرانيا ، فأسلم ، ثم اصابه السهم فقتله. أو مرتدا ، فأسلم ، ثم اصابه السهم فقتله ) (1) لم يجب في شي ء من ذلك قود ، لما تقدم ذكره ، ولان الاعتبار بالقصد الى تناول نفس مكافئة حين الجناية ، وحين الجناية هو الإرسال للسهم فالتكافؤ غير موجود حينئذ ، فلا قصاص في ذلك ، وفيه دية مسلم ، لأن الإصابة حصلت وهو محقون الدية (2) ، فكان مضمونا بالدية.

فإن رمى حربيا بسهم ، فأسلم ، ثم اصابه السهم فقتله ، لم يكن عليه قود ، وعليه الدية ، وليس بينه وبين ذلك في المرتد فرق ، لأن الإصابة صادفته وهو محقون الدم ، فكان عليه لذلك الدية.

وإذا قطع المسلم يد مسلم ، وارتد المقطوع وسرت الجناية إلى نفسه فمات ،

ص: 465


1- ما بين القوسين موجود في هامش نسخة ( ب ) تصحيحا.
2- لعل الصواب « محقون الدم » كما في الفرع التالي.

فإن عاد إلى الإسلام قبل ان يحصل السراية (1) ، كان عليه القود ، لأن الجناية وكل السراية قد حصلت في حال التكافؤ ، وان عاد إلى الإسلام بعد ان أقام على الردة مدة سرت الجناية فيها ، لم يكن فيه قود ، لان القصاص انما يجب بالقطع وكل السراية يبين ذلك انه لو قطع مسلم يد مسلم ، فارتد المقطوع ، ثم مات وهو على ردته لم يكن عليه قود ، ولو قطع يد مرتد فأسلم المرتد ومات وهو مسلم لم يكن فيه قود أيضا

ولو قطع يده خطأ ، ثم ارتد ، وعاد إلى الإسلام ومات ، فان كان إسلامه حصل قبل ان يحصل للجناية سراية في حال الردة ، كان عليه الدية ، لأنها جناية مضمونة سرت الى النفس وهي مضمونة ، واعتبار الدية بحال الاستقرار ، وهو في حال الاستقرار مسلم. وان أقام على الردة مدة تحصل فيها السراية وأسلم ، كان عليه الدية ، لأن الجناية إذا كانت مضمونة ، كان الاعتبار فيها بحال الاستقرار ، وحال الاستقرار هو حي مسلم ، فكانت الدية لازمة ، لأنه قد وجد الكمال في الطرفين. فان كانت هذه الجناية وقعت على مرتد ، ومات وهو مرتد ، لم يلزم في ذلك قود ، ولا دية ، ولا كفارة.

فاما المسلم الذي ارتد ، ثم عاد إلى الإسلام ، ومات وهو مسلم ، فإن الكفارة تجب على القاطع له ، سواء اقام على ردته مدة سرت فيها الجناية إلى نفسه ، أو لم يقم ذلك ، لان الكفارة تلزم بقتل النفس التي لها حرمة ، والقاتل قد قتل نفسا لها حرمة ، لأن الحرمة موجودة في الطرفين ، حال الجناية ، وحال السراية.

وإذا أمر الإمام غيره بقتل إنسان ، لم يكن على القاتل المأمور بالقتل قود ، ولا اثم ، ولا غير ذلك. لان الإمام لا يأمر بقتل إنسان وهو غير مستحق ( الا وهو مستحق - خ ل ) للقتل.

فإن أمر خليفة الإمام غيره بقتل إنسان لغير استحقاق ، وكان المأمور عالما بذلك

ص: 466


1- كان المراد بالسراية بلوغ الجرح حدا يكون سببا للموت ولو بعد زمان فاذا كان في أوله خفيفا لا يموت به لا يكون سراية إلا بعد ان تحصل فيه شدة توجب الموت فبهذا يمكن فرض حصول الإسلام قبل السراية وبعدها قبل الموت.

لم يجز له قتله ، لقول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. (1) فان خالف وقبل منه في قتل المأمور بقتله ، كان على هذا القاتل ، القود والكفارة ، ولا قود على الأمر له بذلك ولا كفارة ، وهو آثم بما فعل من الأمر.

فإن كان المأمور يعتقد ان قتله حق ، وان الامام وخليفته لا يقتل الا بالحق. وان طاعته فيما امره به واجبة. كان عليه أيضا القود ، لأنه هو المباشر للقتل ، دون الآمر (2)

فإن أكرهه فقال له : ان قتلته والا قتلتك ، لم يجز له قتله وان كان خائفا ، لأن قتل المؤمن لا يجوز استباحته بالإكراه على قتله ، فان خالف وقتل ، فقد آثم بقتل نفس يحرم قتلها ، وكان عليه القود.

وإذا جرح المسلم نصرانيا ، ثم ارتد المسلم ، ثم سرت الجناية إلى نفسه فمات ، لم يكن على المرتد قود ، لفقد التكافؤ في حال الجناية.

* * *

باب قتل الاثنين أو أكثر منهما بواحد أو الواحد لاثنين أو أكثر منهما

إذا قتل اثنان أو أكثر واحدا عمدا ، كان ولى الدم مخيرا بين ان يقتل

منهم واحدا ، ويرد الباقون على وارثه مقدار ما كان نصيبهم ، لو طولبوا بالدية وبين ان يقتلهما جميعا ، بعد ان يؤدى الى ورثة المقادين ما يفضل عن دية صاحبهم

ص: 467


1- أوده شيخنا الصدوق عليه الرحمة في كتاب من لا يحضره الفقيه في آخر أبوابه في جملة ألفاظ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله الموجزة التي لم يسبق إليها وأورده السيد الرضي رحمه اللّه في باب الحكم من نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام وورد أيضا عن غيرهما في عدة اخبار لا يهمنا نقلها هنا.
2- نعم لكنه معذور في اعتقاده فهو بحكم الخطاء وحكى في المختلف عن الخلاف انه إذا لم يكن للمأمور طريق الى العلم بحرمة قتله كان القود على الآمر ثم قال وهذا عندي جيد

يتقاسمونه بينهم بالسوية.

وإذا قتل اثنان واحدا بسيفين أو ضربتين مختلفين ، فيكون القتل حادثا عن ضربهما ، كان الحكم فيهما ما تقدم سواء. فان كان قتلهما خطأ ، كانت الدية على عاقلتهما بالسوية.

وإذا اشترك اثنان في قتل إنسان ، فقتله واحد منهما ، وأمسكه الأخر ، قتل القاتل ، وحبس الممسك في السجن حتى يموت ، ويضرب في كل سنة خمسين سوطا وان كان معهما من ينظر إليهما سملت عيناه.

فان قتلت امرأتان رجلا عمدا ، قتلتا به جميعا ، فان قتله منهن أكثر منهما ، كان لولي الدم قتلهن كلهن ، ويؤدى ما يفضل عن دية صاحبه ، إلى أوليائهن يقتسمونه بينهن بالحصص. فان كان قتلهن له خطأ كانت الدية على عاقلتهن بالسوية.

فإن قتل رجل وامرأة رجلا ، كان لأولياء الدم قتلهما جميعا ، ويردوا إلى أولياء الرجل نصف ديته. ( فان اختاروا قتل المرأة ، كان لهم ذلك ، ويأخذون نصف الدية. وان اختاروا قتل الرجل ، كان لهم ذلك ، وترد المرأة على أولياء الرجل نصف ديتها ) (1) فإن أراد أولياء الدم الدية ، كان نصفها على الرجل ، ونصفها على المرأة وإذا كان قتلهما خطأ كانت الدية على عاقلتهما نصفين بالسوية.

وإذا قتل رجل حر ومملوك رجلا حرا عمدا ، (2) كان أولياء المقتول مخيرين

ص: 468


1- ما بين القوسين من زيادات هامش نسخة ( ب ) تصحيحا
2- هذا الفرع ذكرهما الشيخان في المقنعة والنهاية كذلك ولعله كان منصوصا عند هما كما هو المعمول به غالبا في الكتابين والا فظاهره خلاف القاعدة المسلمة بل استغربه في جواهر الكلام ويمكن تأويله بأن المراد بقتل الحر القاتل ما إذا دفع الى ورثته نصف ديته ولم يذكره تعويلا على ما ذكره كما مر نظيره وان المراد بأداء ثمن المملوك الى سيده أداء مقدار يخصه منه وهو نصفه أو ما زاد على نصف دية المقتول وان المراد بأداء سيد المملوك نصف الدية إلى ورثته ، أدائه إلى ورثة المقتول لا الحر القاتل على ما يظهر منه بدءا

بين ان يقتلوهما ويؤدوا إلى سيد المملوك ثمنه ، وبين ان يقتلوا الحر ، ويؤدى سيد المملوك الى ورثته نصف الدية ، أو يسلم المملوك إليهم ، فإن اختاروا استرقاقه ، استرقوه ، وان اختاروا قتله ، قتلوه. وليس لسيد المملوك على الحر سبيل. فان اختاروا الدية ، كانت على الحر وعلى سيد العبد نصفين ، أو يسلم السيد المملوك إليهم ، فيكون رقا لهم ، ويؤخذ من الحر نصف الدية ، فإن كان قتلهما له خطأ ، كان نصف الدية على عاقلة الرجل ، والنصف الأخر على سيد المملوك ، أو يسلمه إلى أولياء الدم يسترقونه ، ولا يجوز لهم قتله.

وإذا قتلت امرأة ومملوك رجلا حرا ، واختار أولياء الدم قتلهما جميعا ، كان لهم ذلك ، فان كانت قيمة المملوك أكثر من خمسة آلاف درهم ، كان لهم ان يردوا على سيد المملوك الفاضل عن خمسة آلاف درهم. فان اختاروا ان يقتلوا المرأة ويأخذوا المملوك كان لهم ذلك الا ان تكون قيمة المملوك أكثر من خمسة آلاف درهم فعليهم ان يردوا على سيد المملوك ، الفاضل من خمسة آلاف درهم ، ويأخذوا المملوك ويفتديه (1) سيده ، فان كان قيمة المملوك أقل من خمسة آلاف درهم ، لم يكن لهم غير نفسه. فان طلبوا الدية ، كان لهم ذلك ، ويكون على المرأة نصفها ، وعلى سيد المملوك ، النصف الأخر ، أو يسلمه إليهم.

فإن اشترك جماعة من الممالك في قتل رجل حر عمدا ، كان لأولياء الدم قتلهم جميعا ، وعليهم رد ما يفضل عن دية صاحبهم ، فان نقص ثمنهم عن ديته ، لم يكن لهم سبيل على مواليهم. فان اختاروا الدية ، كانت على مواليهم بالحصص ، أو يسلموا المماليك إليهم. فإن كان قتلهم خطأ ، كانت الدية على ساداتهم ، أو يسلموا المماليك إليهم يسترقونهم ، ولا يجوز لهم قتل واحد منهم.

وإذا قتل رجل عمدا ، رجلين أو أكثر منهما ، واختار أولياء الدم ، القود ، لم يكن لهم غير نفس القاتل ، ولم يكن لهم سبيل على شي ء من ماله ، ولا وارثه ، ولا عاقلته

ص: 469


1- الصواب « أو يفتديه »

وان اختاروا الدية ، (1) كان لهم عن كل مقتول دية كاملة. وان كان قتله لهم خطأ كان على عاقلته ديات الجميع على كمالها.

وإذا قتل رجل رجلا وامرأة ، أو رجالا ونساء أو امرأتين ونساء ، كان الحكم فيه وفيهم مثل ما تقدم.

وإذا اشترك قوم في قتل إنسان ، فطلب منهم أولياء الدم الدية ، وأخذوها منهم كان على كل واحد منهم الكفارة - وقد سلف ذكر ذلك - رجلا كان أو امرأة ، إلا المملوك ، فإنه لا يجب عليه أكثر من صوم شهرين ، فاما العتق أو الطعام ، فان ذلك لا يلزمه منه شي ء.

* * *

باب القصاص والشجاج وما يلحق بذلك

قد تقدم القول فيما تعلق بالنفس من القصاص ، فاما دون النفس ، فنحن نذكر منه جملة مقنعة ، بمشيئة اللّه :

قال اللّه تعالى ( النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ، وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ، وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ ) (2) الاية. ففصل الأعضاء - كما ترى - ثم عم بالقول الجميع ، فقال : والجروح قصاص (3)

ولا خلاف في جواز القصاص في الشريعة ، وليس يصح الا بشروط وهي : التساوي في الحرية ، بأن يكون المقتص والمقتص منه حرين مسلمين ، أو يكون المجني عليه أكمل.

ص: 470


1- ظاهر المصنف في هذه الفروع ان اختيار القصاص أو الدية في العمد لولي المقتول فلو اختار الدية وجبت على القاتل والمشهور كما قيل ان الواجب أولا هو القصاص الا ان يصالح عنه الولي بالدية ويقبلها القاتل فراجع جواهر الكلام بحث الاستيفاء من القصاص.
2- المائدة - 45
3- المائدة - 45

وان يحصل ( يكون خ ل ) الاشتراك في الخاص ، يمين بيمين ، ويسار بيسار. لأنه لا يقطع يسار بيمين ، ولا يمين بيسار.

وان تكون السلامة حاصلة ، لأنه لا يقطع اليد الصحيحة باليد الشلاء.

فاما ما كان في الرأس والوجه من الجراح ، فليس يجب فيها القصاص الا بشرط وهو : التكافؤ في الحرية ، أو يكون المجني عليه أكمل.

وجملة القول من ذلك ، انا ننظر الى طول الشجة وعرضها ، فيعتبر بمساحة طولها وعرضها.

واما الأطراف ، فلا يعتبر فيها بكبر ولا صغر ، يؤخذ اليد السمينة بالهزيلة ، والغليظة بالرقيقة. ولا يعتبر في ذلك ، المساحة ، وانما يعتبر الاسم مع السلامة ، مع التكافؤ في الحرية ، كما قال تعالى ( وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها ، أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ، وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ، وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ ، وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ ، وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ ) (1). فاعتبر الاسم فقط.

فاذا كان كذلك ، فالقصاص في الموضحة جائز بعد الاندمال ، لأنها ربما صارت نفسا ، وأول العمل في ذلك ، ان يجعل على موضع الشجة مقيسا من خيط أو عود ، فاذا علم قدرها ، حلق في مثل ذلك في الموضع بعينه من رأس الشجاج (2) لان الشعر ان كان قائماً لا يؤمن ان يؤخذه أكثر من الحق - فإذا حلق الموضع ، جعل عليه المقياس ، وخط على الطرفين خطأ يكون مغيرا اما من سواد أو غيره ، حتى لا يزيد على مقدار الحق ، ثم يضبط المقتص منه ، لئلا يتحرك فيجني عليه بأكثر من ذلك - ويكون الزيادة هدرا ، لأنه هو الذي يجنى على نفسه - فاذا ضبط ، وضع الحديدة (3) من عند

ص: 471


1- المائدة 45.
2- الظاهر ان صواب العبارة « حلق مثل ذلك الموضع بعينه من رأس الشاج » كما في المبسوط.
3- في متن نسخة ( ب ) ونسخة اخرى « الجريدة » والأول أصح وعلى كل فكان المراد بها ما أعد سابقا في المحاكم لمثل هذا القصاص كالسيف للقتل.

العلامة ، ثم أوضحه إلى العلامة الأخرى :

ثم ان رأس المجني عليه ، (1) اما ان يتفقا في القدر والمساحة ، أو يختلفا ، ويكون رأس المجني عليه أصغر أو أكبر. فإن كانا متساويين ، وكانت الشجة في بعض الرأس أو في كله ، استوفى حسب ما قدمناه. وان كان رأس المجني عليه أكبر ، مثل ان يكون من جبهته الى قفاه نصف شبر وشبر ، والجاني شبر فقط ، وكانت الموضحة في بعض رأس المجني عليه ، وذلك القدر جميع رأس الجاني ، فإنه يستوفي جميع رأس لا مثله (2) في المساحة ، وان كانت في جميع رأس المجني عليه ، فإنه يستوفي جميع رأسه ، من أوله الى آخره ، ولا يترك من الرأس إلا الجبهة (3) ، لأن الجبهة عضو آخر ، ولا عن رأسه أيضا الى قفاه ، لان القفا عضو آخر ، ولا يوضح مكانا آخر ، لئلا يصير موضحتين بموضحة واحدة.

فإن كان رأس المجني عليه أصغر من رأس الجاني ، أخذ قدر مساحتها (4) من رأس الجاني ، ان أراد بدء من الجبهة لأنه منتهى (5) المساحة ، وان أراد بدء من القفا الى منتهاها أيضا ، لأن السمت (6) محل الاقتصاص ، الا انه بقدر الجناية ، من غير زيادة عليها ، ولو أراد ان يأخذ من وسط الرأس بقدر المساحة ، جاز ، لان هذا

ص: 472


1- الصواب « رأس الجاني والمجني عليه » كما لا يخفى.
2- الصواب « لأنه مثله » كما في المبسوط وكون المراد نفى المثلية بنسبة الثلثين مناف لذكر المساحة.
3- الصواب « ولا ينزل من الرأس إلى الجبهة » كما في المبسوط وللمناسبة لما بعده اى لا ينزل الشج.
4- اى مساحة الشجة في رأس المجني عليه.
5- الصواب « الى منتهى المساحة » اى مساحة الخيط المقيس به كما يدل عليه كلمة « أيضا ».
6- أي الرأس بجميعه فهو تعليل لجواز الابتداء بهما.

السمت محل الاقتصاص.

فإن أخذ قدر المساحة بغير زيادة عليها ، فقد استوفى الحق ، وان زاد على ذلك ، وكان متعمدا ، فالزيادة موضحة يجب القود فيها ، لأنه ابتداء إيضاح على وجه العمد. فاذا ثبت أنها موضحة منفردة لم يكن (1) أخذ القصاص فيها من رأسه ، لأن محلها ما اندمل ، لكنه يصبر الى ان يندمل ، فاذا كان ذلك ، أخذ القصاص فيها في محل الاندمال. هذا إذا قال : عمدت. فان قال : أخطأت ، كان القول قوله ، لأنه الجاني ، فهو اعلم بحال الجناية ، فإذا حلف ، لزمه أرش الموضحة كاملة.

وإذا شجه دون الموضحة ، مثل ان شجه متلاحمة ، كان فيها القود.

* * *

فاما الأطراف :

فيجري القصاص فيها من المفاصل ، في اليدين ، والرجلين ، والعينين ، والأذنين ، والأنف ، والأسنان ، واللسان ، والذكر. للاية.

ويجب ذلك بشروط وهي :

الاتفاق في الحرية ، والسلامة ، والاشتراك في الاسم الخاص - يمين بيمين ، ويسار بيسار - ولا يعتبر القدر والمساحة ، بل تؤخذ اليد السمينة بالهزيلة ، والغليظة بالرقيقة. للاية.

وإذا كان كذلك ، وقطع يده من مفصل الكوع.(2) فيقطع يده من المفصل المذكور بعينه ، ويكون المجني عليه مخيرا بين أخذ القصاص ، وبين العفو على مال ، فان عفى على مال. كان فيها نصف الدية ، خمسون من الإبل.

فإن قطع يده من بعض الذراع ، لم يكن فيها قصاص من بعض الذراع ، لان نصف

ص: 473


1- لعل الصواب « لم يمكن ».
2- بضم الكاف وسكون الواو وهو هنا الزند.

الذراع ليس يمكن قطعه ، خوفا من إتلافه ، أو أخذ أكثر من الحق ، فيكون المجني عليه مخيرا بين العفو على مال ، وله دية يد وحكومة في ما زاد عليها من الذراع. وبين القصاص ، فيقتص اليد من الكوع ، ويأخذ حكومة فيما بقي من الذراع.

فان قطع من مفصل المرفق ، فله القصاص من هذا المفصل بعينه ، والمجني عليه ، مخير بين العفو ويأخذ دية اليد ، خمسين من الإبل ، وحكومة في الساعد (1) وبين ان يقتص من المرفق. فان قال : انا اقتص من الكوع ، وآخذ من الذراع حكومة ، لم يجز له ذلك ، لأنه إذا أمكنه ان يستوفي حقه اجمع قودا ، لم يكن له استيفاء بعضه وأخذ حكومة فيما بقي. وهذا يفارق المسئلة المتقدمة ، حيث كان له القصاص في الكوع وأخذ الحكومة فيما بقي من الذراع ، لأنه لا يمكنه استيفاء جميع حقه قصاصا ، لان نصف الذراع لا ينفصل له.

وكذلك إذا قطع يده من مفصل المنكب ، على هذا التفصيل. فان خلع كتفه واقتلع العظم الذي هو المشط من ظهره ، سأل أهل الخبرة عن ذلك ، فان قالوا : ان استيفاء ذلك يمكن قصاصا ، ولا يخاف عليه الجائفة (2) ، ( استوفى قصاصا ، لان له حدا ينتهى اليه ، فإن قالوا : ليس يؤمن عليه الجائفة ) ، (3) كان المجني عليه مخيرا بين العفو وأخذ دية اليد - خمسين من الإبل - وفيما يزيد على ذلك حكومة (4) ، وبين ان يأخذه القصاص من المنكب ، وفيما يزيد عليه حكومة.

فإن قطع يدا كاملة الأصابع ويده ناقصة الإصبع ، كان المجني عليه مخيرا

ص: 474


1- اى الذراع وهو بين مفصل الزند والمرفق.
2- بالجيم وهي الجراحة التي تخرق الى الجوف.
3- ما بين القوسين ليس في نسخة الأصل وانما هو في هامش نسخة ( ب ) تصحيحا وهو الصواب كما في المبسوط.
4- الحكومة في هذه الموارد بمعنى الأرش بأن يفرض الحر المجني عليه عبدا فيقوم صحيحا وناقصا فيؤخذ ما بينهما من التفاوت.

بين العفو على مال ، وله دية اليد - خمسون من الإبل - وبين ان يقتص فيأخذ يدا ناقصة إصبعا قصاصا.

وان كانت يده شلاء ، فقطع صحيحة ، سئل أهل الخبرة ، فإن قالوا : ان الشلاء إذا قطعت ، بقيت أفواه العروق لا ينضم ولا ينحسم ولا يبرأ ولا يؤمن التلف بقطعها ، لم تقطع ، لأنه لا يجوز ان يؤخذ نفس بيد. وان قالوا : انها ينحسم ويبرأ في المقادة (1) أخذنا بها ( أخذ به - خ ل ) ، لأنه قد رضي بأخذ ما هو أقل من حقه ، فهو كالضعيفة بالقوية.

وإذا قطع يدا شلاء ، ويده صحيحة ، لم يكن فيها قود ، ويكون فيها ثلث دية اليد الصحيحة.

وإذا قطع إصبع غيره ، فسرت الى كفه ، فذهب كفه ثم اندملت ، كان عليه بالإصبع والسراية جميعا ، القصاص.

وإذا قطع أطراف غيره ، مثل ان يكون قطع يديه ، ورجليه ، وأذنيه ، فله ان يأخذ دية النفس دون ما زاد عليها ، وليس له ان يأخذ ثلاث ديات.

وإذا ذهب ضوء العين عن ( من - خ ل ) الموضحة بالسراية ، كان في ذلك ، القصاص وإذا كان فيه القصاص ، فالمجني عليه مخير بين العفو وبين استيفاء القود ، فان عفى وجبت له دية موضحة في الضوء (2) ، الدية ، فإن أراد القصاص ، اقتص في الموضحة ثم يصبر ، فان سرى القصاص الى ضوء العين ، كان القصاص واقعا موقعه ، وان لم يسر الى ضوء العين ، كان فيه القصاص ، فإن أمكنه أن يقتص الضوء (3) ، كان ذلك له ، وان لم يمكنه ذلك الا بذهاب الحدقة ، لم يكن له القصاص فيه ، لأن الذي يستحقه

ص: 475


1- اى يحصل البرء في المقطوعة قصاصا والأظهر ان الصواب « في العادة » كما في المبسوط.
2- الصواب « وفي الضوء » بالواو العاطفة أي تجب فيه أيضا دية وهي دية كاملة في العينين فتوى ونصا.
3- بما يذكره في الفرع التالي.

هو الضوء ، فلا يجوز ان يأخذ معه عضوا آخر (1).

وإذا لطم غيره ، فذهب ضوء عينه ، لطم مثلها. فان ذهب بذلك ضوء عينه ، فقد استوفى القصاص ، وان لم يذهب الضوء ، استوفى بما يمكن استيفاء ذلك بمثله من حديدة قد احمى في النار (2) ، أو كافور ، أو دواء يذر فيها.

فان لطم غيره ، وذهب ضوء عينه ، وابيضت وشخصت ، لطم مثلها ، فان ذهب الضوء وحصل البياض والشخوص فيها ، فقد استوفى الحق ، وان ذهب الضوء ، ولم يحصل البياض والشخوص ، وأمكن ان يعالج بما حصل به ذلك ، كان له فعله ، فان لم يتمكن ذلك لم يكن فيه شي ء (3).

وإذا ذهب شعر الرأس ، فلم يعد ، كان فيه الدية كاملة. وكذلك شعر اللحية فاما شعر الحاجبين ، فمضمون بنصف الدية ، وكذلك شعر أشفار العينين. وما عدا ذلك من الشعر ، ففيه حكومة.

وإذا جرح غيره ، ثم ان المجروح قطع من مكان الجرح لحما ، وسرى ذلك الى نفسه ، ( فان كان اللحم الذي قطعه حيا ، كان على الجاني القود ، لأنه هلك من عمل بين أحدهما مضمون والأخر هدر ) (4). فان كان اللحم المقطوع ميتا ، كان قطع هذا اللحم لا تأثير له ، لأنه لا سراية فيه ، وكان على الجاني ، القود.

ص: 476


1- فيقتصر حينئذ على أخذ الدية لا محالة.
2- اى يقرب الحديدة المحماة الى العين من دون ان تمس بها وقد مر انه إذا لم يمكن ذلك لا يجوز له القصاص.
3- ظاهره نفى الدية والحكومة معا وأظهر منه عبارة المبسوط وهذا في الدية كذلك لعدم شي ء مقدر في البياض والشخوص بنفسهما واما الحكومة فمقتضى جواز القصاص لهما بعد ذهاب الضوء من الجاني ثبوتها.
4- ما بين القوسين من زيادات هامش نسخة ( ب ) تصحيحا وكذا في المبسوط وفيه « من عمدين » مكان « من عمل بين » والظاهر ان قود الجارح انما هو إذا رد الى ورثته نصف ديته كما في الشرائع وذلك لأجل الاشتراك.

وإذا قطع يد رجل ، وفي اليد إصبعان شلا وان ، وثلاث أصابع سليمة ليس فيها شي ء من الشلل ، لم يلزم القاطع قود ، لان الاعتبار في لزوم ذلك في الأطراف انما يكون بالتكافؤ فيها ، واليد الشلاء لا تكافؤ الصحيحة ، فإذا لم يلزم هذا القاطع قود لما ذكرناه. ورضي الجاني بأن يقطع يده بتلك اليد ، لم يجز ذلك ، لان القود إذا لم يجب في الأصل لم يجز استيفاؤه بالبدل (1). وهذا يبين بالحر إذا قتل عبدا ، وقال الحر : قد رضيت بان يقتله ( يقتلني - ظ ) سيده ، في انه لا يجوز قتله ، ولا يعتبر رضاه في ذلك ، وللمجنى عليه القصاص في الأصابع الثلاثة السليمة ، ويكون مخيرا بين العفو والاستيفاء ، فان عفى عن القصاص ، أخذ في السليمة ثلاثين من الإبل ، ويأخذ في الشلاوين ثلث ديتهما صحيحتين.

إذا قطع أنملة من إصبع ، وكانت الأنملة هي العليا ، ثم يقطع المجني عليه الأنملة التي تحتها ، وسرى ذلك الى نفسه ، كان عليه القود ، ولا فرق بين ان يكون المجني عليه قطع لحما حيا أو ميتا ، كما ذكرناه فيما تقدم (2).

وإذا قطع يدا كاملة الأصابع ، ويده ناقصة إصبعين ، كان المجني عليه مخيرا ( فان اختار القصاص أخذ الموجود ودية المفقود ، فيأخذ دية إصبعين - عشرون من الإبل - ) (3) فإن اختار القصاص ، لم يكن له أخذ المال. وكذلك القول إذا كان ذلك خلقة ، أو ذهب بآفة من اللّه تعالى. وان كان قد أخذ ديتها أو استحقها على غيره ، كان عليه رد المال.

ص: 477


1- لعل الصواب بالذال المعجمة.
2- آنفا في الجرح.
3- ما بين القوسين في هامش نسخة ( ب ) تصحيحا لكنه مناف لقوله بعده : « فان اختار القصاص لم يكن له أخذ المال » فما في الهامش اما زيادة وليس من المتن أو ان ما بعده قول آخر حكاه المصنف وسقط منه كلمة « وقيل » أو نحوه كما في المبسوط واللّه العالم.

وإذا كانت له إصبع زائدة ، فقطع يدا، فان كانت مثل يده في الزيادة ، وكانت الزيادة من المقطوع في محل الزيادة من القاطع ، مثل ان يكون مع الإبهامين ، أو مع الخنصرين منهما ، قطعت يده بيده ، لأنهما متساويتان في الخلقة والزيادة. وان كانت المقطوعة ذات خمس أصابع ، وللقاطع إصبع زائدة ، فإن كانت الزائدة على ساعد القاطع ، قطعت يده بذلك ، لأنا نأخذ ليد مثل يد ، والزيادة تسلم للقاطع. وان كانت الزيادة على كف القاطع لم يقطع يده بيده ، لأنها تزيد إصبعا ، فلا يقطع بما هي ناقصة إصبعا (1) فإذا كانت لا تقطع على ما ذكرناه فالزيادة ، إما تكون منفردة - كإحدى الأصابع - أو يكون ملصقة بواحدة منها ، أو يكون على إصبع من الأصابع ، فإن كانت منفردة كإحدى الأصابع ، كان مخيرا بين العفو وله أخذ دية كاملة وبين ان يقتص فيأخذ خمس أصابع قصاصا ويترك الزائدة. وان كانت ملصقة بإحدى الأصابع ، كان مخيرا بين العفو وله ان يأخذ دية كاملة وبين ان يقتص فيأخذ أربع أصابع قودا ، وليس له أخذ الخامسة ، لأنها ملصقة بالزائدة وله ديتها ، عشرة من الإبل. وان كانت الزائدة على إصبع من الأصابع ، وكانت نابتة على الأنملة العليا ، كان الحكم فيها ، كالحكم فيها إذا كانت ملصقة بالزائدة ، وقد تقدم ذلك. وان كانت نابتة على الأنملة الثانية كان القصاص في ثلاث (2) أصابع ، وفي الأنملة العليا ودية الأنملتين الباقيتين. وان كانت على السفلى ، كان له القصاص في أربع أصابع والأنملتين العليا والوسطى ودية الأنملة السفلى التي عليها الإصبع الزائدة.

ص: 478


1- يمكن ان يقال لما كانت الإصبع الزائدة خارجة عن الخلقة المتعارفة لم يكن القصاص في الكف زائدا على المماثلة على انه ورد فيمن قطع كفا مقطوعة الأصابع انه يجوز القصاص ويرد الى القاطع دية أصابعه وقد عمل به جمع من الأصحاب ولا يبعد كونه على القاعدة.
2- كذا في النسخ ونسختي المبسوط والصواب ( أربع أصابع ) إذ لا وجه لثلاث ولا فرق بينه وبين ما قبله وما بعده.

فان كانت يد القاطع ذات خمس أصابع ، ويد المقطوع ذات ست أصابع ، كان للمقطوع ، القصاص ، لأنه يأخذ ناقصا بكامل ، ويكون مخيرا بين العفو والاستيفاء. فان عفى على مال ، كان له بيده يد كاملة ، وفي الإصبع الزائدة حكومة ، ولا تبلغ الحكومة في ذلك دية الإصبع الأصلية ، لأنا نأخذ (1) في الخلقة الزائدة ما نأخذه في الأصلية ، فإذا كان كذلك (2) فكان لا فرق بين قطعها وحدها أو مع اليد. فان اندملت كان فيها الأرش - ثلث الإصبع الصحيحة - كان بها سير (3) بعد الاندمال ، أو لم يكن بها كذلك.

وإذا قطع من غيره أنملة لها طرفان ، وكان للقاطع مثلها في تلك الإصبع ، كان عليه القصاص ، لتساويهما في ذلك ، وان لم يكن له مثلها ، أخذ القصاص في الموجودة ، وحكومة في المفقودة.

وان كانت أنملة القاطع ، لها طرفان ، وللمقطوعة طرف واحد ، فلا قصاص على الجاني ، لأنا نأخذ زائدة بنا قصة ، وله دية أنملة - ثلث دية الإصبع - ثلاث وثلث من الإبل.

وإذا قطع رجل يمين رجل ، وكان لهذا القاطع يمين ، قطعت بها. وان لم يكن له يمين ، وكان له يسار ، قطعت يده اليسرى به (4). وكذلك الحكم ، إذا قطع يسرى غيره ، ولم يكن له يسرى ، وله يمين ، فإنه يقطع يمينه باليسرى. فان لم يكن له يدان

ص: 479


1- الصواب « لأنا لا نأخذ » كما في المبسوط.
2- يعني إذا كان في الإصبع الزائدة حكومة لا فرق بين قطعها بقطع الكف أو وحدها قلت ذكرنا ان الحكومة هي أرش ما بين الصحيح والناقص وقطع الإصبع الزائدة ليس نقصا نعم لو قطعها وحدها كانت له حكومة للإيذاء واللّه العالم.
3- الصواب « شين » كما في المبسوط.
4- هذا وما بعده خارج عن قاعدة المماثلة المستفادة من قوله تعالى ( فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ ) لكنه منصوص كما في الوسائل الباب 12 من قصاص الطرف.

وكانت له رجلان ، قطعت رجله اليمنى باليمنى. فان لم يكن له رجل يمنى ، وكانت له يسرى ، قطعت رجله اليسرى بذلك ، فان لم يكن له يدان ، ولا رجلان ، كان له الدية ، وسقط القصاص هاهنا.

وإذا قطع اذن رجل ، فأبانها ، ثم ألصقها المجني عليه في الحال ، فالتصقت كان على الجاني القصاص ، لان القصاص يجب بالإبانة. فإن قال الجاني : أزيلوا اذنه ، واقتصوا منى ، كان له ذلك ، لأنه ألصق بها ميتة. فإن كان ذلك ، ثم ألصقها الجاني فالتصقت ، وقع القصاص موقعه. فان قال المجني عليه : قد التصقت اذنه بعد إبانتها ، أزيلوها عنه ، وجب إزالتها.

وإذا صلى الذي ألصق المقطوع باذنه ، فالتصق ، لم تصح صلاته ، لأنه حامل النجاسة في غير موضعها لغير ضرورة. فاما إذا أجبر عظمه بعظم ميتة ، فلا تمنع صحة الصلاة عندنا معه ، لان العظم ليس بنجس ، لأنه لا تحله الحياة ، والميتة انما تكون ميتة بان يفنى عنها الحياة التي تكون حياته فيها ، والعظم لا تحله الحياة كما قدمناه. وقد ذكر : ان العظم إذا كان عظم ما هو نجس العين ، مثل الكلب والخنزير ، لم تجز الصلاة فيه ، والاحتياط يقتضي ذلك (1).

وإذا قطع اذن رجل وبقيت معلقة لم تبن من باقيها ، كان في ذلك القصاص ، لأنها قد انتهت الى حد يمكن فيها المماثلة ، وكذلك القول في قطع اليد ، فاذا كان كذلك وأراد القصاص ، اقتص منه الى الجلدة التي هي متعلقة بها. وإذا قطع ذكر رجل قطع ذكره ، ويقطع ذكر الشاب بذكر الشاب ، وذكر الشاب بذكر الشيخ ، وذكر الشيخ بذكر الشاب ، وكذلك ذكر الصبي ، بغيره مما ذكرناه. ويقطع ذكر الفحل بذكر الخصى. فان قطع ذكر أشل أو به شلل - وهو الذي قد استرسل ولا ينتشر ولا يقوم ولا ينبسط ولا ينقبض ، صار مثل الحرمة - (2) لم يكن في قطع قود ، مثل اليد السليمة

ص: 480


1- وكذا في كل ما لا يؤكل لحمه للنص الدال على بطلان الصلاة في كل شي ء منه.
2- لعل الصواب ( الخرقة ) كما في المبسوط.

بالشلاء ، لا يقطع بها. فان قطع أغلف ، ذكر مختون ، قطع ذكر الأغلف بالمختون.

وإذا قطع خصيتى رجل ، كان على القاطع القود. فان قطع واحدة منهما ، سئل أهل الخبرة عن الباقية (1) فإن قالوا : لا يخاف عليها في هذا الموضع ، قطعنا بها وان قالوا : انها لا يؤمن عليها من ذهاب منافعها ، لم يكن من ذلك قود هاهنا ، لان ذلك يؤدى الى أخذ عضوين بعضو واحد. فان عفى على مال ، كان له نصف الدية ان كانت المقطوعة هي اليمنى ، وان كانت هي اليسرى ، كان فيها ثلثا الدية ، لأن منها يكون الولد (2).

ويقتص من الأنف بالأنف والاعتبار في ذلك لا بصغر ولا كبر ، ولا بغلظ ولا دقة ، ولا بأنه أفطس أو أقنى. لتساويهما في الاسم ، وهو المراعى في هذا الموضع وما أشبهه. فإن قطع رجل أنف مجذوم ، ولم يكن سقط منه شي ء بالجذام. قطع الأنف الصحيح به ، لأنه يجوز عندنا أخذ الصحيح بالعليل. وان كان قد ذهب بعضه وتناثر الجذام ، كان المجني عليه مخيرا بين ان يأخذ بقدره من الدية فيما بقي ، وبين ان يقتص فيما بقي ، ان كان الذي ذهب مما يمكن القصاص فيه ، وهو ان يكون ذهب جانبه بالجذام. فان كان الذاهب منه طرفه ، لم يكن فيه الا الدية فيما بقي.

ويؤخذ الأنف الشام ( السالم خ ل ) بالأنف الأخشم. (3) والذي يؤخذ قودا ، وتجب فيه دية كاملة ، من الأنف ، هو المارن والمارن ، هو ما لان منه ، وهو ما نزل من قصبة الخياشم - التي هي العظم - لان له حدا ينتهى اليه ، فهو من قصبة الأنف ، وهو

ص: 481


1- أي التي تبقى من القاطع لو اقتص منه بالواحدة.
2- ورد ذلك في الخبر كما في الوسائل الباب 1 و 18 من ديات الأعضاء وفي الثاني ان في اليمنى ثلث الدية لكن في سنده ضعف.
3- الأخشم : الذي لا يشم به.

مثل (1) اليد من الساعد ، والرجل من الساق فان قطع جميعه ، كان المجني عليه مخيرا بين القود والدية بكمالها ، لأن في الأنف الدية. فإن قطعه مع قصبة الأنف كان كقطع اليد من الساعد - المجني عليه مخير بين العفو وتكون له دية كاملة في المارن وحكومة في القصبة - كما لو قطع يده من نصف الساعد ، فان له العفو ويأخذ دية كاملة ، ويكون كحكومة في الساعد - وان أراد أخذ القصاص في المارن ، وحكومة في القصب ، مثل الساعد ، سواء.

فان قطع بعض المارن ، رجع الى قدر ذلك بالأجزاء ، فإن كان ثلثا أو عشرا عرف ذلك وأخذ بحسابه من أنف القاطع. ولا يؤخذ بالمساحة (2). لأنه قد يكون نصف المقطوع مثل جميع أنف القاطع ، فيفضي ذلك الى ان يأخذ أنفا بنصف ، وذلك لا يجوز.

فان قطع واحدا من المنخرين ، كان له القصاص في ذلك ، لان له حدا ينتهى اليه هو ، مثل احدى الاصبعين. لان بينهما حاجزا.

وإذا قطع رجل اذن رجل، كان في ذلك القصاص ، ولا اعتبار في ذلك بصغر ولا كبر ، ولا بسمن ولا دقة ، ولا بسميعة ولا صماء ، ولا بما جرى مجرى ذلك لان الاسم يتناول ذلك ، ولا اعتبار هاهنا به (3) فان قطع الاذن كلها ، كان مخيرا بين قطع أذن الجاني ، وبين أخذ كمال دية اذن.

( وان قطع بعض الاذن ، علم هل ذلك ربع أو ثلث أو عشر؟ فيؤخذ هذا الطرف من اذن الجاني ، ويقطع الأذن التي لا ثقب فيها بالمثقوبة. ) (4)

ص: 482


1- الظاهر زيادة « وهو » وما بعده خبر لقوله فهو من قصبة الأنف.
2- ذكر في شج الرأس مما تقدم انه يؤخذ بالمساحة وكأنه لصدق المماثلة بها دون المقام لمكان القطع.
3- الظاهر ان الصواب « والاعتبار هاهنا به » اى بالاسم.
4- ما بين القوسين ساقط من نسخة الأصل إلا كلمات يسيرة في اوله وآخره لا تفيد معنى وثابت في هامش نسخة ( ب ) لكن بتصحيف في بعض موارده فراعيت صوابه وقوله : علم بصيغة المجهول وتخفيف اللام أو تشديدها اى يجعل العلامة

وإذا قطع يدا لا أظافير لها جملة ، لم يكن في ذلك قود ، لأنه نقصان خلقة ، وليس يؤخذ الكامل بالناقص. وله دية كاملة.

وفي الأسنان ، القصاص. فان قلع سنا وكان سن متغير (1) ، لم يكن فيها قصاص في الحال ، ولا دية لأنها مما يرجى رجوعه. وينبغي للمجنى عليه ان يصبر حتى يسقط أسنانه التي هي إنسان اللبن ويعود ، فاذا سقطت وعادت ولم تعد المقلوعة سئل أهل الخبرة ، فإن ذكروا انها لا يؤيس من رجوعها الى وقت كذا وكذا ، فينبغي ان يصبر الى ذلك الوقت ، فان لم تعد ، علم انه قد أعدم إنباتها ، وآيس من عودها وكان المجني عليه حينئذ مخيرا بين القصاص وبين العفو على مال ، ويأخذ دية سن كما لو قلع سن مثغر (2) والمثغر هو الذي قد سقطت وأسنان اللبن متى ثغرة (3) ونبت موضعها غيرها - فان عادت السن في الوقت الذي ذكره أهل الخبرة أو مع عودة الإنسان ، وكانت متغيرة ، سوداء أو خضراء أو صفراء فالظاهر انه من فعله ، فيكون عليه حكومة. وان رجعت كما كانت سالمة من التغير والنقصان ، لم يكن فيها قصاص ولا دية. (4).

فان مات قبل الإياس من رجوعها ، لم يكن فيها قصاص ، لان الحدود تدرء

ص: 483


1- في النسخ بالتاء والغين والياء اى الزائل والأظهر ان الصواب « غير مثغر » كما في المبسوط لذكر المثغر فيما بعد وعلى كل فالمراد سن الصبي قبل ان يسقط
2- دية الأسنان وغيرها مذكورة في المبسوط والشرائع وغيرهما في باب مستقل وكأنه سقط عن قلم المصنف أو الناسخ.
3- الصواب « قد سقطت أسنان اللبن من ثغرة » والثغر ما تقدم في الفم من الأسنان يقال اثغر الصبي أي سقط ثغرة ونبت.
4- ظاهره نفى الحكومة أيضا وفيه كلام فراجع جواهر الكلام.

بالشبهات ، والشبهة هاهنا : انا لا نعلم رجوعها. فاما الدية فلازمة ، لان القلع قد علم والقود متوهم ، ولا يسقط حقه بأمر متوهم.

وإذا قلع سن مثغر ، سئل أهل الخبرة ، فإن ذكروا : انها لا تعود ابدا ، كان المجني عليه مخيرا بين القصاص والعفو. فان قالوا : لا يرجى (1) رجوعها الى كذا وكذا. فان عادت ، والا فلا يعود ، لم يكن فيها قصاص ولا دية إلى الحد الذي ذكره أهل الخبرة. فإذا كان ذلك ولم يعد ، كان المجني عليه مخيرا بين القصاص أو الدية ، وان عادت وكان عودها قبل الإياس من عودها. فهي مثل سن المثغر (2) وقد تقدم ذكر ذلك. وان كان عودها بعد الإياس من ذلك - اما بعد المدة المحدودة أو قبلها وقد ذكروا انها لا تعود ابدا - فان كان المجني عليه قد أخذ الدية كان عليه ردها ، لان السن التي أخذ الدية عنها قد عادت وان كان قد اقتص ، كان عليه دية سن الجاني التي أخذها قصاصا وليس عليه قصاص في ذلك. وقد ذكر (3) خلاف قولنا هذا ، والاحتياط يتناول ما ذكرناه.

والسن الزائدة - هي التي تكون خارجة من صف الأسنان ، وعن سمتها. اما من خارج أو داخل الفم - فاذا جنى إنسان على ما هذه صفته ، ولم يكن له سن زائد ، فليس في ذلك قصاص ، وعليه ثلث الدية للسن الأعلى (4) فإن كان له سن زائدة في غير محل المقلوعة ، فليس في ذلك أيضا قصاص ، لأنا لا نأخذ عضوا في محل بعوض في محل آخر. ولا نأخذ الإصبع السبابة بالإصبع الوسطى. وعليه ثلث دية

ص: 484


1- الظاهر « يرجى رجوعها ».
2- الصواب « غير المثغر » كما في المبسوط وقد مر حكمه آنفا.
3- حكاه في المبسوط عن قوم وكأنهم من العامة بدعوى ان العائدة لما كانت على خلاف العادة فهي هبة جديدة من اللّه تعالى كما ورد في أخبارنا في دية العين التي لا يبصر صاحبها شيئا.
4- الصواب « الأصلي » كما في العبارة التالية.

السن الأصلي كما قدمناه فان كان للجاني سن زائدة في محلها ، كان المجني عليه مخيرا بين القصاص وبين العفو على مال ، فإن أراد القصاص ، فلا فرق بين ان يكونا سواء وبين ان يكون الواحد منهما أكثر (1) من الأخرى.

وإذا وجب لإنسان على غيره قود ، في طرف أو نفس ، لم يجز ان يستوفيه بنفسه، لان ذلك من فروض الأئمة عليهم السلام ، وعليه التعزير.

وإذا وجب قصاص على رجل في يمينه ، فقال له المجني عليه : اخرج يمينك لأقتصها ، فأخرج يساره فقطعها. فان كان المقتص جاهل بأنها يساره ، لم يكن عليه قود ، لأنه قطعها معتقدا أنه يستوفي حقه بها ، وكان شبهة ( شبهته - خ ل ) في سقوط القود فيها ، ولأنه قطعها ببذل مالكها ، فلا قود عليه في ذلك. فاما ديتها فلازمة له (2) لأنه بذلها عن يمينه ، وكان البذل على سبيل المعاوضة ، فإذا لم يصح كان على القابض الرد ، فاذا عدمت ، كان عليه بدلها. وان كان المقتص عالما بأنها يساره ، فقطعها. فان هذا القطع مضمون ، لأنه إنما بذلها بعوض ، فلم يسلم له ، فكان على القابض الضمان ، فاذا كان ذلك مضمونا فالضمان في اليد بالدية ، لأنه بذلها للقطع ، فكان شبهة في سقوط القود عنه ، وسقوط القود (3) انما يثبت ، لأنه مضمون بالدية.

وإذا كان الأمر في اليسار على ما ذكرناه ، فالقصاص باق في يمينه وله دية يساره. وليس للمقتص قطع اليمين ، حتى ينظر ما يكون من قطع اليسار ، فاما ان تندمل

ص: 485


1- الصواب بالباء الموحدة.
2- ظاهره عدم الفرق بين ان يكون الجاني عالما بلزوم إخراج يمينه وعدم اجزاء اليسار عنها أم لا خلافا للمبسوط وظاهر الشرائع فنفيا الدية في الأول ولا يبعد نفيها مطلقا كما في جواهر الكلام لان ظاهر النصوص في ضمان النفس أو الطرف أو المال ما إذا كان التلف مستندا عرفا الى المباشر بخلاف مثل المقام.
3- في نسخة ( ب ) « وثبوت القود » وكأنه خطأ وعلى كل فالمقصود من هذه الجملة وتعليلها غير متضح فتأمل.

أو يسري ، فإن اندملت فقد استقر على المقتص دية اليسار ، وله قطع اليمين. فان استوفاها قصاصا كان عليه دفع دية اليسار. وان عدل (1) عن اليمين وجبت له دية اليمين ، وكان عليه دية اليسار ، فليتقاصان ، فان سرى قطع اليسار الى النفس ، كان عليه ضمان النفس ، لأنه سراية عن قطع مضمون سرى الى النفس. وهي مضمونة ، فكانت ديتها عليه ، فعليه دية نفس بغير زيادة على ذلك.

وإذا قطع يدي رجل ورجليه ، كان عليه ديتان ، دية في اليدين ، ودية في الرجلين. فان مات بعد الاندمال ، استقرت الديتان على الجاني. وان سرى القطع الى النفس ، كان عليه دية واحدة ، لأن أرش الجناية يدخل في بدل النفس.

وإذا قطع يد عبد ، كان عليه نصف قيمته. ويمسكه سيده. فان قطع يدي عبد أو رجليه ، كان عليه قيمته كاملة يتسلم العبد. (2)

وإذا قطع رجل ، يد عبد ، وآخر يده الأخرى ، كان عليهما قيمة كاملة ، على كل واحد منهما نصفها ، ويمسكه سيده.

ودية الكافر ، ثمان مأة درهم. فاذا جنى عليه جناية لها أرش مقدر ، كان التقدير في ديته ، ففي يده اربع مأة درهم ، وفي موضحته أربعون درهما ، وفي إصبعه ثمانون درهما. والمرأة الكافرة على النصف من ذلك.

ودية المسلم مأة من الإبل ، وقد ذكرنا ذلك مفصلا فيما تقدم ، وفي يده خمسون من الإبل ، وفي إصبعه عشرون ، وفي موضحته نصف عشر الدية - خمس من الإبل. والمسلمة خمسون من الإبل ، وفي يدها خمس وعشرون. وتعادل الرجل الى ثلث الدية ، فيكون في إصبعها عشر من الإبل ، وفي ثلاث أصابع

ص: 486


1- اى عدل عن القصاص فيها الى مال ولعل الصواب « وان عفى » كما في المبسوط.
2- الصواب « ويتسلم » اى يأخذه الجاني لنفسه بدفع تمام قيمته بخلاف ما إذا دفع نصفها.

ثلاثون ، وفي أربع ، عشرون.

وكل جناية لها في الحر أرش مقدر من ديته ، لها من العبد مقدر من قيمته ، ففي أنف الحر ولسانه وذكره ، ديته. وفي كل واحد منها في العبد ، قيمته. في يده نصف قيمته ، وفي إصبعه عشر قيمته ، وفي موضحته نصف عشر قيمته. فاذا كان كذلك ، وكان قدر الجناية في العبد قيمته ، مثل الأنف ، واللسان ، والذكر ، واليدين ، والرجلين ، وجب ذلك على الجاني ويسلم العبد.

وإذا قتل حر عبدا ، وجبت قيمته في ذمته، وكذلك ان قطع (1) أو قتله عمد الخطاء فان قتله خطأ محضا. فالقيمة على عاقلته. وكذلك في أطرافه.

وإذا كان إنسان على جانب حائطه أو خافة نهر، أو شفير بئر ، فصاح به غيره صحيحة شديدة ، فسقط فمات ، فان كان رجلا عاقلا لم يكن على الصائح شي ء ، لأنه ما سقط من صيحته ، وانما وافق وقوعه صيحته. وان كان الذي سقط صبيا أو مجنونا ، كان على الصائح الدية والكفارة ، لأن مثل هذا يسقط من الصيحة الشديدة والدية على عاقلته. وكذلك لو كان جالسا في غفلة واغتفله الصائح ، فصاح به مفزعا له ، فسقط فمات ، كانت الدية على عاقلته ، والكفارة في ماله.

وإذا شهر رجل سيفه ، وطلب رجلا، ففر المطلوب من بين يديه ، والقى نفسه في نار أو بئر ، أو من سطح ، أو جبل ، فمات ، لم يكن على طالبه ضمان لأنه إنما ألجأه إلى الهرب ، ولم يلجئه إلى الوقوع ، بل المطلوب القى نفسه باختياره في مهلكة ، فالطالب صاحب سبب ، والواقع مباشر ، وإذا اجتمعت مباشرة مع سبب غير ملجى ء ، لم يكن على صاحب السبب - مثل الدافع ، والحافر - فان الضمان على الدافع وليس على الحافر ضمان. فان كان المطلوب أعمى ، فوقع كذلك ، كان ضمانه على الطالب ، لأنه سبب ملجى ء ، فإن الأعمى لم يعلم ذلك ، ولا أراد ان يلقى نفسه في مهلكة ، والسبب إذا كان ملجئا ، كان الضمان على صاحب السبب.

ص: 487


1- أي أطرافه كما أشير إليه في آخر العبارة.

مثل ان يحفر بئرا ، فيقع فيها أعمى ، فإن ضمانه على حافر البئر ، لأنه ألجأه إلى الوقوع فيها. ويفارق إذا كان بصيرا ، لأنه ما ألجأه إلى الوقوع.

وإذا طلب بصيرا فهرب بين يديه ، فاعترضه أسد ، فقتله ، لم يلزم الطالب ضمانه ، سواء كان المطلوب أعمى أو بصيرا ، لان الأسد له قصد واختيار ، وكان من الطالب سبب غير ملجى ء ، ومن الأسد المباشرة ، فلا ضمان عليه مثل الدافع والحافر فان اضطره مع الأسد إلى مضيق فقتله الأسد ، كان عليه الضمان ، لأن الأسد يفترس في المضيق غالبا.

وإذا جنت أم الولد جناية ، كان على سيدها أرش جنايتها.

وإذا اصطدم فارسان فهلكا ، كان على عاقلة كل واحد منهما ، ونصف دية الأخر ، ويكون الباقي هدرا.

وإذا اجلس إنسان في طريق ، فعثر به غيره عثرة يقتل مثلها ، فهلكا معا ، كان على عاقلة كل واحد منهما كمال الدية. والفرق بينهما (1) ان كل واحد منهما هلك بسبب انفرد به صاحبه ، لان العاثر قتل الجالس مباشرة ، والعاثر مات بسبب كان من الجالس. فذلك [ فلذلك : ظ ] على عاقلة كل واحد منهما كمال دية الأخر. كما لو حفر بئرا ، في غير ملكه ، ثم جاء رجل ، فخرج الحافر (2) وسقط الخارج في البئر. فإن الخارج قتل الحافر بمباشرة ، والحافر قتل الخارج بسبب

وكذلك لو نصب سكينا في غير ملكه ، وحفر آخر بئرا في غير ملكه ، فوقع الحافر على السكين فمات ووقع الناصب في البئر فمات ، فان على عاقلة كل واحد منهما كمال دية الأخر ، لأنه مات بفعل انفرد به صاحبه ، وليس كذلك مسئلة الصدمة ، لأن كل واحد من المتصادمين مات بفعل اشتركا فيه ، فلم يلزم عاقلة كل واحد بصير منهما كمال دية الأخر. ولا فرق بين ان يكونا بصيرين ، أو ضريرين ، أو أحدهما

ص: 488


1- أي بين هذا وما قبله :
2- الصواب « فجرح الحافر وسقط الجارح » وكذا فيما بعده كما في المبسوط

بصير والأخر ضرير ، لأنه ان كانا ضريرين كان القتل خطأ من كل واحد منهما ، فعلى عاقلة كل واحد منهما نصف دية الأخر مخففة. وان كانا بصيرين وكان ذلك خطأ كانا كالضريرين. وان كان كل واحد منهما على وجه العمد والقصد ، كان عمدا محضا ، يوجب القود ، فيكون في تركة كل واحد منهما نصف دية الأخر حالة مغلظة.

وإذا مات ما تحت المصطدمين من المركوب ، كان على كل واحد منهما نصف قيمة دابة الأخر. فإن كان قيمتهما متساويين تقاصا. وان كانت مختلفين ، فإنهما يتقاصان ويترادان الفضل. ولا يكون ضمان القيمة على العاقلة. لأن العاقلة لا يعقل البهائم. ولا فرق بين ان يكون مركوبهما فرسين ، أو حمارين ، أو بغلين ، أو جملين ، أو أحدهما مخالف للآخر ، لأنهما اشتركا في الجنايتين ، فكانا متساويين في الضمان كما لو جرح ، أحدهما غيره مأة جرح وجرح نفسه أو غيره جرحا واحدا كانا متساويين في الضمان ، وان اختلفا. هذا حكم المصطدمين إذا كانا حرين كبيرين.

فان كانا صغيرين ، وكان المركوب (1) منهما ، كان على عاقلة كل واحد منهما نصف دية الأخر. فإن كان ولياهما ، اللذان اركباهما ، كان الحكم فيهما كما لو كانا بأنفسهما ، لان على وليهما تعليمهما ، لأنه من الأدب. وان كان أركبهما أجنبيان ، كان على عاقلة كل واحد من المركبين لهما نصف دية الصغيرين معا ، لأنه فعل ما ليس له فعله ، ولا يهدر شي ء من دمهما. ولا فرق بين ان يكون الصغيران مسلمين أو كافرين ، أو أحدهما مسلما والأخر كافرا ، لأنه ان كانت الديتان كاملتين أو ناقصتين ، فان على عاقلة كل واحد منهما نصف الديتين ، وان كانت إحداهما ناقصة والأخرى كاملة فكذلك أيضا ، لأن عاقلة كل واحد منهما يعقل نصف دية كاملة ونصف دية ناقصة.

فإن كان المصطدمان امرأتين ، غير حاملتين ، فالحكم فيهما كالحكم في

ص: 489


1- الصواب « وكان الركوب ».

الرجلين. وان كانتا حاملتين ، فأسقطت كل واحدة منهما جنينا ميتا ، كان دية الجنين عليهما خاصة ، فعلى هذا يجبر ( يجب على - خ ل ) كل واحدة منهما نصف دية الجنين في مالها.

فان كانا المصطدمان عبدين ، كانت قيمة كل واحد منهما هدرا ، لأنه مات من فعله وفعل الأخر ، فما قابل فعله هدر. وما قابل فعل غيره مضمون - وهو نصف القيمة - غير ان محل تعلق نصف القيمة رقبة الجاني ، والرقبة قد هلكت ، فبطل محل تعلق القيمة. كما لو قتل العبد عبدا تعلقت قيمته برقبته ، فان هلكت سقطت القيمة لفوت محلها.

فان كان أحدهما حرا والأخر عبدا وماتا جميعا ، وجب نصف قيمة العبد في تركة الحر ، ووجب بموت الحر نصف ديته ، وكان من حقها ان تكون متعلقة بتركته (1) برقبة العبد ، الا انها تحولت الى قيمته. لان العبد إذا جنى تعلق أرش الجناية برقبته ، فان قتله قاتل تحول الأرش إلى قيمته ، فكذلك هاهنا : قد قتل الحر فوجب ان يتعلق نصف الدية بنصف قيمته لورثة الحر ، فوجب لسيد العبد نصف قيمة عبده ، ووجب لورثة الحر ، نصف الدية المتعلقة بنصف قيمة العبد : فان تساويا تقاصا. وان كان نصف القيمة أقل من نصف الدية ، كان القدر الذي يقابل من ذلك نصف قيمة العبد ، الحكم فيه كما لو كان نصف القيمة ونصف الدية سواء. والفاضل من نصف الدية على نصف القيمة ، يكون هدرا ، لأنه لم يبق محل يتعلق به. وان كان نصف القيمة أكثر من نصف الدية ،لم يكن بالزيادة اعتبار(2).

فان مات العبد أولا ، وجب نصف قيمته ، لأنه هلك من فعله وفعل غيره ، فكان

ص: 490


1- الظاهر ان « بتركته » زائدة لأن جناية العبد متعلقة برقبته فقط كما مر هنا وسابقا أو الصواب « لورثته » أو نحو ذلك.
2- لما مر سابقا من ان قيمة العبد المقتول إذا زادت عن مقدار دية الحر يسقط الزائد فحاصل الفرع انه ليس لوارث الحر ولا لمولى العبد شي ء على كل حال فذكر هذه الشقوق لاختلاف وجوهها ومخالفة العامة في بعضها.

ما قابل فعل نفسه هدرا. فان مات الحر أولا ، وجب بموته نصف ديته كما ذكرناه ، وكان هذا النصف متعلقا برقبة العبد ، يباع فيها : فان كانت قيمة العبد متساوية لنصف الدية استوفى ذلك من ثمنه ، فان كانت أقل من نصف الدية لم يكن لمن وجب له نصف الدية إلا قيمة العبد ، والزائد على ذلك يكون هدرا. وان كانت قيمة العبد أكثر من نصف الدية ، بيع منه بقدر نصف الدية ، وكان الفاضل لسيده.

فان مات العبد حتف انفه ، سقط ما كان متعلقا برقبته الى غير بدل ، فان كان قد قتله قاتل ، كانت قيمته واجبة على القاتل ، ويحول ما كان متعلقا برقبته الى قيمته يستوفي من الذي يجب القيمة عليه.

وإذا رمى عشرة بحجر منجنيق، وأصاب واحدا منهم فمات ، كان موته بجنايته على نفسه ، وجناية التسعة عليه ، فما قابل جنايته على نفسه كان هدرا ، وما قابل جناية التسعة ، كان مضمونا ، فيكون على عاقلة كل واحد من التسعة عشر ديته ، فيكون لوارثه تسعة أعشار الدية. فإن قتل الحجر واحدا من غيرهم ، فقد اشتركوا في قتله فان كان الرمي خطأ ، كان على كل واحد (1) منهم عشر الدية مخففة ، فإن كان عمدا كان في ذلك القود. وما ذكرناه من هذا الضمان لازم لمن جر الحبال (2) ورمى بالحجر. فإن أمسك الخشب إنسان ، أو وضع الحجر في كفة المنجنيق غير ما ذكرناه لم يلزمه ذلك ، لان المباشرة في الرمي منهم دون غيرهم. فاما من أمسك الخشب أو وضع الحجر في الكفة إذا كان غير الذي يجر السهم (3) ويرمى عنه ، فلا يلزمه ذلك

ص: 491


1- الظاهر ان المراد على عاقلتهم كما في المبسوط.
2- اى حبال المنجنيق التي يكون جرها سببا للرمي وكأنه كان للمنجنيق خشب لا يمكن الرمي أو لا يكمل إلا بإمساكه لكنه لا ينسب القتل إلى ممسكه ولا الى واضع الحجر فيها وبهذا يقاس حال الرمي والقتل بالاسلحة والآلات الحادثة في الأعصار الأخيرة بأنواعها المختلفة من الدبابات والرشاشات وغيرها.
3- لعل الصواب « يجر الحبل » أو المراد بالسهم هنا موضع الحجر من المنجنيق حيث يجذبه الرامي إلى جهة نفسه بحبل ونحوه ثم يدفعه وعلى كل فالعبارة تكرار لما قبله وذكر في المبسوط مكانها : « انه مثل من جعل سهما في قوس رجل فنزع صاحب القوس ورمى به فالضمان على الرامي دون من وضع السهم ».

وإذا تصادمت سفينتان - من غير قصد ممن فيهما الى ذلك ، ولا تفريط - وهلك بعض ما في إحداهما ، لم يكن عليهم شي ء. وان كان بقصد منهما الى ذلك ، كان على ملاحى السفينة التي لم يهلك منها شي ء ، ضمان ما هلك من الأخرى.

وإذا كانت سفينة مشدودة على شاطئ البحر غير سائرة ، فوافقت سفينة سائرة فصدمتها وكسرتها وهلك ما فيها فان كان القيم الذي بها غير مفرط فليس عليه ضمان واما السفينة الصادمة فان كان القيم الذي بها مفرطا ، كان عليه الضمان ، وان لم يكن مفرطا لم يلزمه ضمان.

وان كان في السفينة جماعة ، فثقلت وخافوا الهلاك والغرق ، فالقى بعضهم متاع نفسه ، لم يكن على أحد ممن فيها ضمان لشي ء من ذلك ، سلموا أو لم يسلموا لأنه اختار إتلاف ماله لغرض. فإن أخذ مال غيره فألقاه في البحر بغير اذن صاحبه كان عليه ضمان ذلك ، سلموا أو لم يسلموا ، لأنه أتلف مال غيره بغير اذنه. فان قال واحد منهم لبعض أصحاب المال : الق متاعك في البحر ليخفف عنا ما نحن فيه ، فقبل منه ، فلا ضمان عليه من ماله ، سلموا أو هلكوا ( أو لم يسلموا خ ل ) فان قال : الق متاعك في البحر وعلى ضمانه ، فألقاه ، كان عليه ضمانه. فان لم يخافوا الغرق ، وقال لغيره الق متاعك في البحر ، ففعل ، لم يلزمه ضمان. وإذا قال : الق متاعك في البحر على انى وركاب السفينة ضامنون ذلك (1)

« والضمان ضربان : ضمان اشتراك ، وضمان اشتراك وانفراد، فاما ضمان الاشتراك ، فمثل ان يقول جماعة لغيرهم : ضمنا لك الألف الذي لك على زيد ، فيكون جميعهم ضامنون لذلك ، وكل واحد منهم ضامن لعشر الالف (2) ، فله ان يطالبهم معا

ص: 492


1- يأتي جوابه فيما بعد فقوله هنا : « والضمان ضربان الى قوله : وانما يضمن الحصة » مقدمة وتمهيد للجواب.
2- أي إذا كانت الجماعة عشرة أنفس كما في المبسوط.

بالألف ، ويطالب كل واحد منهم بعشر الالف.

واما ضمان الاشتراك والانفراد ، فمثل ان يقولوا : ضمنا لك وكل واحد منا الألف الذي لك على زيد ، فيكون الجميع ضامنين لكله ، وكل واحد ضامن لكله فان قال واحد منهم : ضمنت لك انا وأصحابي مالك على زيد. وسكت أصحابه ولم يكونوا وكلوه في ذلك كان عليه ضمان العشر من الألف ، لأنه لم يضمن الكل وانما يضمن بالحصة.

فإذا كان الضمان على ما بيناه ، كان إلقاء المتاع في البحر على ذلك ، فان كان الضمان فيه ضمان اشتراك وانفراد ، ضمن كل واحد منهم جميع المتاع. فان قال : ألقه على انى وركبان السفينة ضمناء ، فسكتوا ، ضمن بالحصة أيضا. فإن قال : على انى وكل واحد منهم ضامن ، ضمن الكل. فان قال : على انى وهم ضمناء ، وقد ضمنت بإذنهم ، فانكروه ، كان عليه الضمان (1) دونهم. فان قال : على أني أؤدي لك من مالهم ، كان عليه الضمان دونهم. فان قال : انا ألقيه ، ثم ألقاه كان عليه ضمان الجميع.

وإذا خرق السفينة ، فغرق ما فيها، وكان الذي فيها مالا ومتاعا وما جرى مجراه كان عليه ضمان جميعه ، ولا فرق في ذلك بين ان يكون عمدا أو خطئا أو شبيه العمد فان كان فيها أحرارا ، وكان خرقه لها عمدا - مثل ان قلع منها لوحا ، وتكون في لجة البحر بعيدا من الشط - فهو عمد محض وعليه القود. وان كان خطأ محضا - مثل ان يكون في يده حجر أو فأس ، فسقط منها ، فخرقها - كان على عاقلته الدية ، والكفارة في ماله. وان كان عمد الخطاء - مثل ان قلع لوحا ، ليدخل غيره عوضا منه أو يصلح مسمارا ، فانخرقت ، فذلك عمد الخطاء - فعليه في ماله. الدية مغلظة ، والكفارة في ماله أيضا.

ص: 493


1- هذا محتمل لضمان الكل أو بحصته ونحوه عبارة المبسوط وذكر في الشرائع انه يضمن الجميع وكأنه الأقوى إلزاما له بقوله كما عليه بناء العقلاء في أمثاله مضافا الى التغرير هذا إذا أنكر الباقون بعد الإلقاء واما قبله فلا يضمن الا بحصته.

وإذا تجارح اثنان ، فجرح كل واحد منهما الأخر، وادعى واحد منهما انه جرح صاحبه دفعا عن نفسه. وأنكر الأخر ذلك ، كان القول قول المنكر مع يمينه ( لان الظاهر حصول الجناية ، وهو يدعي الإسقاط ، كان القول قوله مع يمينه ) (1) لما ذكرناه.

وإذا سلم ابنه الى السابح ، ليعلمه السباحة ، فغرق. فان كان كبيرا بالغا ، لم يكن على المعلم ضمان ، لان البالغ العاقل. إذا غرق في تعلم السباحة ، كان هو الذي ترك الاحتياط في حق نفسه ، فليس على غيره ضمان. وان كان المتعلم غير بالغ ، كان على معلمه السابح ضمانه ، لأنه أتلفه بالتعليم ، كما لو ضرب معلم صبيا على التعليم فمات ، ولأنه فرط فيه ، وكان يجب عليه الاحتياط في حفظه ، وملازمة رجليه فاذا لم يفعل ، كان مفرطا وجب الضمان عليه. وذلك عمد الخطأ ، فعليه الدية في ماله مغلظة مؤجلة ، على ما قدمناه.

وإذا غشيت الدابة إنسانا ، فزجرها لئلا تطأه، فجنت عند زجره لها جناية على راكبها أو على غيره ، ( لم يكن عليه شي ء ، فإذا نفرها إنسان فرمت راكبها أو جنت على غيره ) (2) كان ضمان ما أصاب راكبها أو غيره ، على الذي نفرها.

وإذا ركبها إنسان وساقها ، فوطأت إنسانا أو كسرت شيئا ، كان ضامنا لما يصيبه بيديها ، ولم يكن عليه شي ء فيما يصيبه برجليها.

وإذا ضربها فرمحت (3) فأصابت شيئا ، كان عليه ضمان ما اصابته بيديها أو رجليها وإذا ساق دابة ، فوطأت شيئا بيديها ، أو رجليها ، كان عليه ضمان ذلك. فان

ص: 494


1- ما بين القوسين في هامش نسخة ( ب ) تصحيحا.
2- ما بين القوسين في هامش نسخة ( ب ) تصحيحا وهو الصواب والا لم يناسب ما في آخره.
3- رمح الفرس والبغل والحمار وكل ذي حافر اى ضرب برجله وقيل ضرب برجليه جميعا ( لسان العرب ).

كان يقودها ، كان عليه ضمان ما يصيبه بيديها ، دون ما يصيبه برجليها ، الا ان يضربها فترمح برجلها فتصيب شيئا ، فإنه يكون ضامنا له.

وإذا آجر إنسان دابته لغيره فركبها وساقها ، فوطأت شيئا، كان ضمانه على مالك الدابة دون راكبها. هذا إذا كان مالكها معها. فان لم يكن معها وكان الراكب هو الذي يدبرها ويراعيها ، لم يكن على مالك شي ء وكان على راكبها الضمان.

وإذا رمت الدابة راكبها لم يكن على الموجر لها شي ء كان معها أو لم يكن معها ، الا ان يكون نفرها ، فيكون ضامنا لما يحدث منها من الجناية.

وحكم الدابة في كل ما ذكرناه ، وحكم ما يركب من الدواب والجمال ، على حد واحد لا يختلف.

وإذا حمل إنسان على رأسه متاعا بأجرة ، فكسره ، أو أصاب به إنسان ، كان ضامنا له. فان دفعه دافع ، كان ضمان ذلك على الدافع له.

وإذا قال إنسان لغيره : أعطني أو أعرني ولدك يطلع لي نخلة ، فدفعه اليه ، فصعد الولد النخلة ، فسقط منها فهلك ، لم يكن عليه شي ء ، لأنه قد بين له انه يصعد النخلة ولو لم يكن بين له ، كان عليه ضمانه.

وإذا قتل إنسان مجنونا عمدا ، كان عليه ديته، ولم يكن فيه قود. فان كان المجنون اراده فدفعه عن نفسه ، فقتله ، لم يكن عليه شي ء ، ويكون دم المجنون هدرا وان كان قتله خطأ. كانت الدية على عاقلته. فان قتل المجنون إنسانا كان عمده وخطأه واحدا ، تجب الدية فيه على عاقلته ، فان لم يكن له عاقلة كانت على بيت المال وإذا قتل إنسان غيره ، وعقله سليم ، ثم جن ، قتل به.

وإذا قتل إنسان غيره وهو أعمى ، كان عمده وخطأه واحدا (1) تجب الدية فيه

ص: 495


1- قال في الشرائع : وفي الأعمى تردد أظهره أنه كالمبصر في توجه القصاص بعمده قلت لعموم أدلته وما ورد في خلافه كالنص الوارد في الفرع التالي لا يبعد حمله على ضعف إثبات العمد في حقه في الجملة كما هو كذلك في مورد هذا النص.

على عاقلته ، وقد تقدم طرف من ذلك.

وإذا ضرب إنسان غيره ضربة ، سالت عيناه منها ، فضرب المضروب الضارب فقتله ، كان على عاقلة القاتل دية المقتول ، ولم يكن عليه قود ، لأنه حين ضربه فقتله كان أعمى ، وقد قدمنا القول ، بان عمد الأعمى وخطأه سواء. فان لم يكن له عاقلة كانت الدية في ماله خاصة ، يؤديها في ثلاث سنين ، ويرجع بدية عينيه على وارث الذي ضربه ، فيأخذ ذلك من تركته.

وإذا وطأ رجل زوجته ، ولم تبلغ تسع سنين، فأفضاها ، كان عليه ديتها ، والنفقة عليها الى حين موتها ، لأنه قد جعلها بحيث لا يصلح للرجل (1) فإن وطأها بعد تسع سنين ، فأفضاها ، لم يكن عليه شي ء.

وإذا رمى إنسان نارا في دار غيره متعمدا، فاحترقت الدار وما فيها ، كان عليه ضمان جميع ما هلك بالنار من نفس ومتاع ، ويجب عليه القتل بعد ذلك (2) فإن أشعل نارا في داره أو شي ء من ملكه ، وحملته الريح الى موضع آخر فاحترق ، لم يكن عليه شي ء.

وإذا أحدث إنسان حدثا في طريق المسلمين، ليس هو بحق ، أو أحدثه في ملك غيره بغير اذن المالك ، مثل حفر بئر ، أو بناء جدار ، أو نصب خشبة ،

ص: 496


1- اى للرجال كما ورد في الخبر : انه عطلها على الأزواج وذلك لان الإفضاء عيب في النكاح لمنعه عن الولادة وظاهر المصنف وغيره عدم الفرق بين ان يمسكها أو يطلقها لكن المستفاد من بعض النصوص سقوط الدية بإمساكها وهو الأقوى ولعل مختار المصنف عدم جواز إمساكها لما مر في النكاح باب ما ينبغي فعله عند العقد.
2- اى بعد ضمان المتاع فالمراد بوجوب القتل بيان ضمان النفس وقيل في معنى العبارة غير ذلك فراجع جواهر الكلام في المسئلة الثامنة من موجبات الضمان بالأسباب من كتاب الديات وما ذكرناه أصح كما في نكت المحقق لموافقته للنص كما رواه الصدوق عليه الرحمة في ديات الفقيه.

أو إخراج ميزاب ، أو كنيف ، أو ما أشبه ذلك ، فوقع فيه إنسان ، أو زلق به ، أو لحقه منه شي ء من هلاك ، أو تلف شي ء من الأعضاء ، أو كسر شي ء من الأمتعة ، كان عليه ضمان ما يصيبه. فإن أحدث في الطريق ، ما له احداثه ، لم يكن عليه شي ء.

وإذا اغتلم (1)البعير ، كان على صاحبه حبسه وحفظه. فان جنى جناية قبل ان يعلم به ، لم يلزمه شي ء. فان علم به وفرط في حفظه ، كان عليه ضمان جميع ما يصيبه من قتل نفس أو غير ذلك ، فان كان الذي جنى البعير عليه ، ضرب البعير ، فجرحه أو قتله ، كان عليه مقدار ما جنى عليه مما ينقص من ثمنه ، يطرح من دية ما كان جنى عليه البعير.

وإذا هجمت دابة على أخرى في موضعها ، فجرحتها أو قتلتها ، كان على مالكها ضمان ذلك. وان دخلت الدابة عليها في موضعها ، فأصابها شي ء لم يلزم فيها ضمان شي ء من ذلك.

فإذا أصاب إنسان خنزير ذمي ، فقتله ، كان عليه قيمته ، فان جرحه كان عليه ما نقص من ثمنه عند أصحابه.

وإذا ركب اثنان دابة فجنت جناية ، كان أرش ذلك عليهما بالسوية.

وإذا وطأ امرأة في دبرها ، فألح عليها ، فماتت من ذلك ، كان ضامنا لديتها.

وإذا انفلتت دابة ، فرمحت (2) إنسانا فقتله ، أو أتلف شيئا ، أو كسرت عضو إنسان ، لم يكن على صاحبها شي ء.

وإذا دخل إنسان دار قوم بإذنهم ، فعقره كلبهم ، كان عليهم ضمان ذلك. فان دخل بغير إذنهم لم يجب عليهم شي ء.

وإذا أركب إنسان عبدا له دابة ، فجنت الدابة جناية ، كان ضمان ذلك على سيد العبد.

ص: 497


1- اى هاج من شدة شهوة النكاح
2- اى ضربت برجلها كما مر.

وإذا عبر الراعي بالغنم على قنطرة (1) أو جسر ، فازدحمت عليه ، فوقع منها شي ء فهلك. فان كان ضربها أو صرخ بها بخلاف العادة ، كان عليه ضمان ذلك. وان لم يكن فعل ذلك لم يكن عليه شي ء. هذا إذا كان ذلك طريقه ، فاما ان كان مضى بها فيما ليس هو طريقه ، وأصابها على القنطرة أو الجسر ذلك كان عليه الضمان

وإذا استأجر عبدا بغير اذن سيده ، أو صبيا بغير اذن والده أو وليه ، فأصابهما شي ء ، كان عليه الضمان.

وإذا استسقى رجل من قوم ، فلم يسقوه وهم متمكنون مما يسقونه منه ، وتركوه حتى مات ، كان عليهم ديته.

وإذا وقف جماعة على زبية (2) أسد ، أو شفير واد، أو نهر جزار (3) فزلت رجل أحدهم فسقط وتعلق بآخر ، وتعلق الثاني بثالث ، وتعلق الثالث برابع ، وهلك جميعهم ، كان على الأول ثلث دية الثاني ، وعلى الثاني ثلث (4) دية الثالث ، وعلى الثالث دية الرابع كاملة ، وليس على الرابع شي ء ، لأنهم بمنزلة المشتركين في قتل الرابع ، والرابع لم يجن على واحد منهم. وكذلك الحكم لو كانوا أكثر من أربعة ، في انه يكون نقص دية الأخير (5) منهم على جميعهم.

ص: 498


1- في المصباح المنير : القنطرة ما يبنى على الماء للعبور والجسر أعم لأنه يكون بناءا وغير بناء.
2- بضم الزاء المعجمة حفيرة في مرتفع الأرض لصيد الأسد.
3- بالجيم والزاء المعجمة كما في نسخة ( ب ) اى منقطع الماء أو بالخاء والراء المهملة كما يحتمله سائر النسخ اى كثير الجريان.
4- الصواب « ثلثا » بالتثنية كما في النص وكتب الأصحاب.
5- الظاهر ان الصواب « غير الأخير » إذ مقتضى ما ذكر انه لو كانوا خمسة مثلا فالأول هدر وعليه ربع دية الثاني لاشتراكه أيضا في قتل من بعده فينقص من ديته بمقداره وعليه نصف دية الثالث وعليه ثلاثة أرباع دية الرابع وعليه دية الخامس كمالا وهذا الحكم انما ثبت بالنص ومورده افتراس الأسد وتعدى المصنف الى نحوه مما كان الهلاك بغير أنفسهم واما لو هلكوا بوقوع بعضهم على بعض فله تفصيل آخر كما في المبسوط والشرائع.

وإذا دخل ستة غلمان الماء ، فغرق واحد منهم ، فشهد اثنان منهم على الثلاثة بأنهم غرقوه ، وشهد الثلاثة على الاثنين : انهما غرقاه ، فيجب ان تفرض الدية أخماسا : على الاثنين ثلاثة أخماس الدية ، وعلى الثلاثة ، خمسا الدية.

وإذا شرب أربعة نفر خمرا ، فتباعجوا (1) بالسكاكين أو غيرها ، فمات منهم اثنان ، وجرح اثنان ، فالحكم فيهم ، ان يضرب المجروحان كل واحد منهما ثمانين جلدة ، ويكون عليهما دية المقتولين ، ثم تقاس جراحتهما وترفع من الدية. وان مات واحد من المجروحين ، لم يكن على أولياء المقتولين شي ء.

وإذا ركبت جارية جارية ، فنخستها اخرى ، فقمصت المركوبة ، فصرعت الراكبة ، فماتت ، كانت الدية على الناخسة ، والقامصة نصفين. وروى (2) ان عليهما ثلثي الدية وسقط الثلث الباقي لركوب الميتة عليها ، والأول أظهر.

وإذا قطع الختان حشفة غلام ، كان عليه ضمان ذلك.

وإذا تطبب إنسان ، أو تبيطر ، فليأخذ البراءة ، والا كان ضامنا لما يحدثه من جناية.

باب « البينات على القتل والقسامة »

القتل يثبت بأمرين : بينة ، أو إقرار.

فاما البينة ، فهي شهادة شاهدين ، عدلين ، بان المدعى عليه قتل المقتول. واما الإقرار. فهو إقرار القاتل على نفسه بأنه قتل المقتول. ولا فصل في هذين الوجهين بين ان يكون القتل عمدا أو خطئا في ان الحكم يثبت بكل واحد منهما.

فان لم يكن لأولياء الدم شاهدان ، يشهدان لهم على القاتل بأنه قتل صاحبهم

ص: 499


1- يقال : بعج بطنه إذا شقه بسكين.
2- الوسائل الباب 7 من موجبات الضمان.

كان عليهم القسامة ، وهي ضربان : أحدهما ، قسامة قتل العمد. والأخر ، قسامة قتل الخطاء.

وقسامة قتل العمد ، خمسون رجلا من أولياء المقتول ، يقسم كل واحد منهم باللّه تعالى ، ان زيد المدعى عليه ، قتل عمرا صاحبهم. واما قتل الخطاء فقسامته ، خمسة وعشرون رجلا يحلفون كذلك. فاذا ثبتت البينة أو القسامة بالقتل ، وجب على المدعى عليه القود. ان كان القتل عمدا ، أو الدية إن رضي أولياء الدم بها. وان كان القتل خطأ محضا أو شبيه العمد ، وجب على المدعى عليه أو على عصبته الدية على ما تقدم ذكره.

وإذا قامت بينة بالقتل على ما بيناه ، فلا قسامة. والقسامة انما تكون مع التهمة الظاهرة ، مثل ان يكون الذي يسند القتل اليه أو قبيلته أعداء للمقتول ، بشر ( بسبب خ ل ) متقدم بينهم وبين المقتول ، أو بينه وبين بعض أهله ، أو يشهد على المدعى عليه بالقتل ، من لا تقبل شهادته ، كالنساء ، وغيرهن من ( ممن - ظ ) ليس هو من أهل العدالة. أو يشهد عدل واحد بذلك. أو قال المقتول (1) فلان هو القاتل. أو شي ء مما أشبه ذلك مع اللطخ (2) فاذا كان الأمر على ما ذكرناه ، وكان المقتول مسلما ، وجبت القسامة على أولياء الدم ، فاذا وجبت عليهم ، فينبغي ان يقسم (3) على ان فلانا قتل المقتول ، ان كان واحدا ، وان كان القاتل اثنين ، اقسموا على ان فلانا وفلانا قتلا صاحبنا فلانا ، وكذلك. ان كان أكثر من ذلك ، ذكروه في القسامة.

ص: 500


1- أي قبل زهاق روحه.
2- بالخاء المعجمة كما في بعض النسخ اى اللوث يقال لطخه لطخا اى لوثه تلويثا والمعروف في سائر كتب الأصحاب هو التعبير باللوث في اعتبار القسامة وهو وجود امارة تفيد الظن بصدق المدعى في اسناد القتل الى أحد وله حدود ذكروها في كتبهم.
3- اى كل أحد من الأولياء والاولى ذكره بصيغة الجمع

وإذا لم يكن لأولياء الدم بينة تشهد لهم ، بان المدعى عليه هو القاتل لصاحبهم ولا لهم أيضا قسامة منهم (1) كان على المدعى عليه إحضار خمسين رجلا يحلفون عنه ، انه بري ء مما ادعى عليه ( من القتل ، فاذا حلفوا كذلك برأ ذمته مما ادعى عليه ) (2) من ذلك ، فان لم يكن له ذلك ردت الايمان عليه حتى يستكمل خمسين يمينا - أنه بري ء من ذلك. فان حضر أقل من عدة ( عدد - خ ل ) القسامة استحلف الحاضرون منهم. وكررت عليهم الايمان حتى يستكمل خمسين يمينا.

فإن أقسم القوم القسامة كلها ، بان فلانا هو القاتل لصاحبهم ، وثبتت بينة عادلة قبل ان يحكم في المدعى عليه « ان القاتل لصاحبهم غيره » حكم بالبينة وبطلت القسامة ولم يكن لهم على من اقسموا سبيل.

وإذا وجبت القسامة لقوم ، ولم يرفعوا الى الحاكم أمرهم ، ولا قطع بها حكم حتى مات القوم ، أو مات بعضهم ، كان لورثته مثل ما لهم من ذلك.

والبينة في الأعضاء ، مثل البينة في النفس. وكل ما تجب الدية فيه من أعضاء الإنسان ، مثل العينين والسمع واليدين جميعا ، فإن القسامة فيه ، وهي : ستة رجال يقسمون ان المدعى عليه فعل ما ادعوه بصاحبهم ، فان لم يكن للمدعي قسامة ، كررت عليه ستة أيمان ، فان لم يحلف ، أو لا يكون له من يحلف ، طولب المدعى عليه بقسامة ستة رجال ، يقسمون على انه بري ء مما ادعوه عليه.

وفيما نقص من الأعضاء ، القسامة على قدر ذلك ، ان كان سدس العضو فرجل واحد يقسم بذلك. وان كانت ثلث العضو ، فرجلان يقسمان به. وان كان النصف ، فثلاثة رجال ، وعلى هذا الحساب. فان لم يكن له من يقسم ، كان عليه بعد ذلك ، الايمان ، ان كان السدس فيمين واحدة ، وان كان ثلثا فيمينان ، وعلى هذا الحساب،

ص: 501


1- المراد بالقسامة هنا الجماعة المقسمون وقد يطلق على نفس القسم المذكور كما في السطر السابق ويأتي.
2- ما بين القوسين في هامش نسخة ( ب ) تصحيحا.

كما تقدم ذكره. فان لم يكن للمدعي من يحلف عنه ، وامتنع هو من اليمين ، طولب المدعى عليه ، اما بمن يحلف عنه ، أو بتكرير الايمان عليه ، كما يلزم المدعى على ما تقدم ذكره.

واما الإقرار ، فالمراعى ان يقر القاتل - « وهو حر كامل العقل ، غير مجبر ، ولا مكره » - على نفسه بالقتل مرتين. فإن أقر وهو مملوك ، أو ناقص العقل ، أو مجبر أو مكره ، لم يكن لإقراره تأثير ، ولا يقبل على وجه.

وإذا كان القتل عمدا ، وشهد شاهدان على إنسان بأنه قتل المقتول ، وشهد شاهدان بان القاتل غيره ، سقط القود هاهنا ، وجبت الدية على الاثنين ، المشهود عليهما ، نصفين.

وإذا كان القتل شبيه العمد ، كان الحكم فيه كذلك. وان كان خطأ محضا ، كانت الدية فيه على عاقلتهما نصفين.

وإذا اتهم رجل بأنه قتل رجلا ، وأقر هو بذلك ، ثم أقر آخر بأنه هو القاتل له دون الأول ، ورجع الأول عن إقراره ، درأ عنهما جميعا القود والدية أيضا ، ودفعت الدية إلى أولياء الدم من بيت المال.

وإذا قامت بينة على إنسان بأنه قتل غيره عمدا ، وأقر آخر بأنه هو القاتل لذلك الإنسان بعينه عمدا ، كان أولياء الدم مخيرين في ان يقتلوا من أرادوا منهما ، الا انه متى أرادوا قتل المشهود عليه ، لم يكن لهم على المقر سبيل ، ويرجع أولياء المشهود عليه على المقر بنصف الدية. وان قتلوا المقر لم يكن لهم على المشهود عليه سبيل ولا لأولياء المقر عليه أيضا سبيل. وان أرادوا قتلهما جميعا ، قتلوهما وردوا على أولياء المشهود عليه نصف الدية بغير زيادة على ذلك. فان يطلبوا الدية ، كان ذلك على المشهود عليه وعلى المقر نصفين.

وإذا قتل رجل رجلا ، وادعى القاتل انه وجده مع زوجته ، كان عليه القود الا ان يقيم البينة بما ادعاه.

ص: 502

وإذا أقر اثنان بأنهما قتلا إنسانا ، فاختلفا ، فقال الواحد منهما : قتلته عمدا ، وقال الأخر : قتلته خطأ ، كان أولياء الدم مخيرين فيهما. فان عملوا على قول المقر بالعمد ، لم يكن لهم على المقر بالخطاء سبيل. وان عملوا على قول المقر بالخطاء لم يكن لهم على المقر بالعمد سبيل.

وإذا اتهم إنسان بالقتل ، وجب ان يحبس ستة أيام ، فإن أحضر المدعى بينة تشهد له بما ادعاه أو فصل الحكم فيه ، والا أطلق من الحبس ، ولم يكن للمدعي سبيل عليه.

* * *

« باب العاقلة »

الإجماع منعقد على ان العاقلة تحمل دية الخطاء ، إلا الأصم (1) وخلافه غير قادح فيما انعقد عليه الإجماع.

والعاقلة التي تحمل ذلك ، هم كل عصبة خرجت عن الوالدين والمولودين ، وهم الآخرة (2) وأبناؤهم ، والأعمام وأبناؤهم ، وأعمام الأب وأبناؤهم. والموالي. فإذا كانت العاقلة هي من ذكرناه فينبغي ان يبدأ فيها بالأقرب فالأقرب على ترتيب الميراث ، ولا يلزم ولدأب (3) وهناك من هو أقرب منه ، فالأقرب الاخوة وأبناؤهم ،

ص: 503


1- الظاهر انه أبو بكر الأصم واسمه عبد الرحمن بن كيسان كما في لسان الميزان ج 3 ص 427 وذكر انه معتزلي صاحب المقالات في الأصول ويحتمل ان يكون أبا العباس محمد بن يعقوب بن يوسف ترجمه ابن الأثير في أول لبابه بعنوان الأصم وذكر انه المشهور في الشرق والغرب لكن الأول أظهر كما يظهر في غير المقام من بعض مواضع التذكرة والخلاف.
2- اى من قبل الأب أو الأبوين لخروج المتقرب بالأم وحدها عن العصبة.
3- أي الأخ من قبل الأب وحده مع الأخ من الأبوين فإن الثاني أقرب كما يأتي.

ثم الأعمام ثم أبنائهم ، ثم أعمام الأب ثم أبنائهم ، فإذا لم يبق أحد من العصبات فالمولى ، فان لم يكن مولى فبيت المال.

وأكثر ما يحمله كل رجل من العاقلة نصف دينار ان كان موسرا ، فان لم يكن موسرا فربع دينار. فاذا كان له أخ والعقل دينار ، كان عليه نصف دينار ، والباقي على بيت المال ، وان كان له اخوان كان على كل واحد منهما نصفه. فان كان العقل دينارين وله أخ وابن أخ وعم وابن عم ، كان على كل واحد نصف دينار فان كان العقل خمسة دنانير وله عشرة اخوة ، فعلى كل واحد منهم نصف دينار. وعلى هذا يجري الأمر في ذلك ابدا.

فان اجتمع له اخوان وكانا لأب ، أو لأب وأم كانا في ذلك سواء. فان كان أحدهما لأب والأخر لأب وأم ، كان على الاولى بالميراث وهو الأخ من الأب والام وليس على النساء ولا الصبيان ولا المجانين عقل (1).

والذي يتحمل العقل عن القاتل من العاقلة من كان غنيا أو متجملا (2) وليس على الفقير ان يتحمل منها شيئا. ويعتبر الغنى والفقر وقت المطالبة والاستيفاء ، وهو عند حلول الحول ، ولا يعتبر ذلك قبل المطالبة. فمن كان غنيا عند دخول الحول طولب بذلك وان كان فقيرا فيما تقدم ، ومن كان فقيرا ترك. وكذلك يفعل عند دخول كل حول.

وإذا حال الحول على موسر وجبت عليه المطالبة ، فان مات بعد ذلك لم تسقط عنه ، وكان ما وجب عليه ثابتا في تركته. وقد ذكرنا في ما تقدم ان دية الخطاء تستأدى في ثلاث سنين في كل سنة نجم.

ص: 504


1- يعنى بالعقل في هذا الباب الدية قيل ومنه العاقلة لتحملهم لها أو لإرثهم لها لو كان مقتولا.
2- لعل صوابه بالحاء المهملة كما في نسخة المبسوط المطبوعة قديما اى كسوبأ.

وإذا جنى إنسان على نفسه جناية فيها تلف نفسه ، أو قطع عضو منها ، عمدا كان ذلك منه أو خطاء ، كان هدرا.

واما المولى ، فان كان من فوق - وهو المعتق المنعم - فإنه يعقل عن المولى من أسفل - وهو المعتق المنعم عليه - لان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب ولا يورث (1) فشبهه بالنسب ، وبالنسب يتحمل العقل ، فكذلك بالولاء ، فان الولاء لا يعقل (2) وانما يعقل إذا لم يكن للقاتل عصبة ، أو كان له عصبة لا يتسع حالها لتحمل الدية ، فإذا كان انما يعقل بعد العصبات ووجبت الدية وحال الحول فرق الثلث (3) على العصبات ، على الاخوة وأبنائهم ، ثم الأعمام وأبنائهم ثم أعمام الأب وأبنائهم. على هذا الترتيب أبدا. فإذا لم يبق له عصبة مناسب تحمل المولى ما بقي. فإن اتسعوا لما بقي ، والا فعلى عصبة المولى ثم على مولى الموالي ( المولى - خ ل ) فان لم يتسعوا فعلى عصبتهم على ترتيب الميراث ، فان لم يتسعوا وفضل فضل فمن بيت المال. (4) يؤخر بيت المال عن الموالي كما يؤخر عنهم في

ص: 505


1- الوسائل الباب 42 من العتق وسنن الدارمي في الفرائض والجامع الصغير للسيوطي وأورده الشيخ في فرائض الخلاف وفي المبسوط هنا وبابى الولاء من العتق والفرائض وليس في شي ء منها « ولا يورث » إلا في المبسوط هنا وكأنه سهو من القلم نشأ من ورود نحوه في الوقف ، أو الصواب « ولا يشترط » كما في نص على حدة أو « لا يشترى » كما في فرائض المبسوط فإن إرث الولاء في الجملة ثابت نصا وفتوى كما مر في العتق من هذا الكتاب.
2- كذا في نسخة ( ب ) بعد التصحيح ولكن في الأصل ونسخة اخرى « فكذلك الولاء يعقل » وهو الصواب.
3- اى ثلث الدية الواجب لذاك الحول
4- ظاهره عدم الفرق بين ان يكون للقاتل مال أم لا لكن مر في باب أقسام القتل انه ان كان له مال ولا مال لعاقلته فالدية عليه دون بيت المال.

الميراث. فان كان بيت المال ليس فيه مال ، تأخرت حتى يحدث من يحملها (1) من بيت المال.

فاما المولى من أسفل ، فليس يعقل المولى من فوق.

وإذا وضع إنسان حجرا في طريق المسلمين ، أو في ملك غيره ، فتعقل به إنسان (2) ، فوقع فمات. أو نصب مكان الحجر سكينا فوقع على إنسان (3) فمات أو وضع حجرا في هذا الموضع ، ونصب قريبا منه سكينا ، فتعقل بالحجر فوقع على السكين فمات. كان على فاعل ذلك ، الدية في ماله ، لأنه معتمد (4) وهو في ذلك بمنزلة الدافع للذي مات.

فان كان ذلك من اثنين ، مثل ان وضع أحدهما في هذا الموضع حجرا ، ونصب الأخر سكينا قريبا منه ، فتعقل إنسان بالحجر فوقع على السكين فمات ، كانت الدية على واضح الحجر وحده ، لأنه كالدافع له على السكين. وكذلك لو وضع أحدهما حجرا وحفر الأخر قريبا منه بئرا ، فتعقل إنسان بالحجر فسقط في البئر ، كان على واضع الحجر الضمان ، كما إذا دفعه في البئر. فإن كان هذا الواضع في ملكه ، فوضع فيه حجرا أو نصب سكينا ، أو وضع الحجر ونصب السكين ، فتعقل إنسان بالحجر فوقع على السكين ، أو وقع (5) فمات ، لم يكن عليه ضمان ، لأنه فعل ما

ص: 506


1- لعل الصواب « ما يحملها » اى يحدث فيه مال بقدر الدية
2- بصيغة الماضي من باب التفعل من العقل بمعنى الحبس والإمساك يقال عقله عن حاجته إذا حبسه كما في لسان العرب والنسخ الموجودة من المتن مضطربة في ضبطه مادة وهيئة هنا وفي الموارد التالية والأظهر ما ذكرناه
3- الصواب « عليها إنسان »
4- الصواب « متعمد » إذا المدار في الضمان هنا على التعدي كما في الفروع التالية
5- اى على الأرض إذا لم ينصب سكينا

له فعله ، والتعدي كان من الهالك ، لأنه فرط بدخوله غير ملكه ، فهدر دمه.

فان كان ذلك من اثنين ، وضع المالك الحجر ، ونصب الأجنبي سكينا ، فتعقل إنسان بالحجر فوقع على السكين فمات. كان على صاحب السكين الضمان ، دون الواضع للحجر ، لان الناصب هو المتعدى دون صاحب الحجر ، وكذلك لو ان المالك نصب السكين ثم وضع الحجر أجنبي. كان الضمان على واضع الحجر الأجنبي ، لأن المتعدى هو.

وإذا حفر بئرا فسقط فيها إنسان أو بهيمة فهلك ، وكان ذلك في ملكه ، لم يكن عليه شي ء ، لان له ان يفعل في ملكه ما أراد. وكذلك الحكم إذا حفرها في موات ليملكها به ، لأنه لا فرق بين ذلك وبين ان يفعله في ملكه.

فان حفر البئر في غير ملكه بغير اذن المالك ، كان ضمان ما يتلف. بذلك على الحافر للبئر ، لأنه تعدى بحفرها. فإن أبرأه المالك وقال : قد رضيت بحفرك وأقره عليه ، زال الضمان عنه.

وإذا حفر بئرا في طريق المسلمين ، وكان الطريق ضيقا ، كان عليه الضمان ، سواء حفرها بإذن الإمام أو بغير إذنه ، لأنه لا يملك الاذن فيما يضيق على المسلمين ويلحقهم بذلك الضرر.

وإذا بنى إنسان في ملكه حائطا مستويا فسقط دفعة واحدة ، فأتلف شيئا من الأنفس والأموال ، لم يكن عليه شي ء ، لأن له ان يصنع في ملكه ما أراد من غير تفريط. وكذلك الحكم إذا بناه في ملكه مائلا إلى ملكه. وكذلك إذا بناه في ملكه فمال بنفسه الى ملكه ، أو بناه (1) مائلا في الأصل.

فإن بناه في ملكه مستويا ، فمال الى الطريق ، أو الى دار جاره ، وطالبه جاره

ص: 507


1- الظاهر ان هذا الفرض تكرار للفرض الثاني ولذا ذكره في المبسوط شاهدا على نفى الضمان في الأخير ولعله المراد بالمتن

بنقضه ، واشهد عليه أو لم يشهد (1) فوقع فأتلف نفسا أو غيرها ، فان كان ذلك قبل المطالبة بنقضه وقبل الاشهاد ، لم يكن عليه الضمان وان كان بعد ذلك ، كان عليه الضمان إذا كان قادرا ومتمكنا من نقضه فلم يفعل ، فان لم يكن قادرا ولا متمكنا من ذلك لم يكن عليه شي ء

وإذا أخرج جناحا الى طريق المسلمين ، فوقع على إنسان فقتله ، أو أصاب بوقوعه شيئا فأتلفه ، كان عليه الضمان.

وإذا كان الحائط بين دارين فتشقق وتقطع ، وخيف من سقوطه ، ولم يمل الى دار أحدهما ، لم يكن لأحدهما مطالبة شريكه بنقضه ، (2) لأنه إذا مال الى هواء دار الجار فقد حصل في ملكه وكان له المطالبة بإزالته. كما لو عين (3) غصنا من شجرته الى دار جاره ، فان له المطالبة بإزالته بقطع أو غيره.

وإذا أراد إخراج جناح الى شارع المسلمين. أو الى درب نافذ أو غير نافذ وبابه فيه ، أو أراد عمل ساباط ، فكان قد عمل ذلك على وجه يستضربه المجتازون والعابرون ، منع منه وان لم يكن كذلك لم يمنع منه.

وإذا مشى إنسان بين الرماة والهدف ، فأصابه سهم من الرماة ، كان ذلك خطأ لأن الرامي لم يقصده وانما قصد الهدف. فان كان معه صبي فقربه الى طريق السهم فوقع السهم فيه فقتله ، كان على الذي قربه الضمان دون الرامي ، لأن الرامي ما

ص: 508


1- ذكر المطالبة والاشهاد هنا مناف للتفصيل بعده فكان الاولى حذفهما ولعله كانت المسئلة مذكورة في كلام القوم كذلك فتبعهم المصنف فيه ثم زاد عليه في حكمه والمراد بالمطالبة في التفصيل أعم من مطالبة الجار ومطالبة الحاكم بالنسبة إلى الطريق كما يظهر من المبسوط هذا ولكن الظاهر عدم مدخلية المطالبة والاشهاد في الضمان لصدق التفريط بدونهما فيضمن بتحقيق الميل على الأقوى
2- الظاهر ان هنا سقطا وهو « وان مال الى دار أحدهما كان له مطالبة شريكه بنقضه » كما في المبسوط والا لا يناسب التعليل
3- لعل الصواب « لو عبر غصن » كما في المبسوط

قصده ، والذي قربه عرضه لذلك.

وإذا بالت دابته في الطريق فزلق به إنسان فمات ، كانت الدية عليه ، سواء كان راكبا أو قائدا أو سائقا ، لأن يده عليها ، كما لو بال هو في هذا المكان.

وإذا أكل شيئا فرمى بقشره في الطريق ، مثل الخيار والبطيخ والقثاء (1) كان الحكم إذا زلق به إنسان مثل ما تقدم. وكذلك إذا رش في طريق ماءا ، فزلق به إنسان فهلك ، فان عليه الضمان في كل ذلك.

* * *

« باب دية الجنين والميت »

« إذا قطع رأسه أو بعض أعضائه »

دية الجنين تلزم بحسب ما تلقيه امه ، وذلك على وجوه ، منها ان يضرب إنسان بطن امرأة حامل ، أو يضربها بحيث تلقى ما في بطنها ، فتلقى ذلك نطفة ، ففيه عشرون دينارا. فإن ألقته علقة ، كان عليه فيه أربعون دينارا. فإن ألقته مضغة ، كان فيه ستون دينارا. فإن ألقته وفيه عظم ، كان فيه ثمانون دينارا. فإن ألقته وقد اكتسى لحما وكمل خلقه ولم ينشأ فيه الروح ، كان فيه مأة دينار. فإن ألقته فيما بين شي ء من هذه الوجوه الخمسة ، كان فيه بحساب ذلك. (2)

وإذا ألقت المرأة جنينا وادعت حياته ، وأنكر الجاني ذلك ، كان عليها البينة

ص: 509


1- القثاء هو الخيار كما في المجمع والصحاح وفي المصباح ان بعض الناس يطلقه على نوع يشبه الخيار وفي البحار باب القثاء انه يظهر من بعض الأطباء انه الطويل المعوج
2- ظاهره ان المراد بحسابه في الصفة فلو ألقت نطفة متغيرة عن البياض ولم تصر علقة يؤخذ ما بينهما على صفتها وذكر في السرائر ان المراد بحساب الأيام فكلما زاد على مقدار مكث النطفة بصورتها يوم زاد على الدية دينار واحتمل في الشرائع وجها ثالثا فراجع له ولتحقيق أصله إلى جواهر الكلام.

والقول قول الجاني مع يمينه بأنه كان ميتا.

وإذا ضرب رجل امرأة ، فادعت أنها ألقت جنينا ، وأنكر الجاني ذلك ، كان القول قوله مع يمينه. فان ثبت لها بذلك بينة حكم لها بها.

وإذا قتلت امرأة وهي حامل ، ومات الولد في بطنها ، ولم يعلم هل هو ذكر أو أنثى ، كان على الجاني دية امرأة كاملة ، وفي ولدها نصف دية رجل ونصف دية امرأة ، تكون جملة ذلك اثنى عشر الف درهم وخمس مأة درهم. (1)

وإذا قطع شي ء من جوارح الجنين الذي ليس بحي وأعضائه ، كان فيه الدية من حساب جوارح الجنين الذي ليس بحي ، وهي مأة دينار.

وإذا شربت امرأة دواء لتلقى ما في بطنها وألقتها ، كان عليها الدية بحساب ما قدمنا ذكره ، لوارث المولود ، دونها.

ودية الجنين (2) الذمي عشر دية أبيه ، وما يكون من أعضائه بحساب ذلك.

ودية جنين الأمة إذا كانت حاملا من مملوك عشر قيمتها ، وما كان منه (3) فبحسابه وفي جنين البهيمة عشر قيمتها ، وفيما كان بين (4) ذلك فبحسابه.

وإذا أفزع إنسان رجلا وهو يجامع فعزل عن المرأة ، كان عليه لضياع النطفة عشر دية الجنين وهو عشرة دنانير. فان عزل الرجل عن زوجته الحرة غير المجنونة

ص: 510


1- أي بعد ولوج الروح في الولد فان ديته حينئذ عشرة آلاف درهم ان كان ذكرا وخمسة آلاف ان كان أنثى ومع الاشتباه نصفهما كما في النص فإذا أضيفت إليه دية المرأة خمسة آلاف صار اثنى عشر وخمس مأة
2- اى التام الذي لم يلج فيه الروح وكذا في الأمة وقد مر في هذا الكتاب ان دية الرجل الذمي ثمان مأة درهم فيكون عشرها ثمانين ويكون لأعضاء الجنين على هذا الحساب
3- اى من أعضائه كما مر أو من مراتبه كالنطفة ففيها خمس عشر القيمة وهكذا
4- لعل الصواب « دون ذلك » اى دون الجنين التام

بغير اذنها ، كان عليه مثل ما تقدم من دية ضياع النطفة عشرة دنانير (1). فان عزل عن الأمة ، لم يكن عليه شي ء.

وحكم الميت حكم الجنين ، وديته كديته سواء. فاذا فعل إنسان بميت فعلا لو فعله بالحي لكان فيه تلف نفسه ، كان عليه مأة دينار. وفيما يفعل به من قلع عين أو قطع يد أو كسرها أو جراحة فبحساب ديته. ودية الحي يستحقها وارثه ، ودية الميت لا يستحقها منهم أحد ، بل هي له يتصدق بها عنه.

وإذا ضرب رجل امة أو ذمية ، فأعتقت الأمة أو أسلمت الذمية قبل ان تلقى جنينها ، ثم ألقته بعد ذلك ، كان حكمه حكم امه في وقت الولادة.

* * *

« باب الجنايات على الحيوان »

متى أتلف حيوانا لغيره ، وكان الحيوان مما لا يقع عليه الذكاة من الفهود والصقور وما أشبه ذلك مما يجوز للمسلم تملكه (2). كان عليه قيمته يوم أتلفه فإن أتلف عليه شيئا مما لا يحل للمسلم تملكه ، لم يكن عليه شي ء ، وان أتلف شيئا من ذلك على ذمي ، كان عليه قيمته.

فإن أتلف عليه شيئا مما يقع الذكاة عليه ، على وجه يمنعه من الانتفاع به ،

ص: 511


1- اى يسلمها إلى الزوجة كما في المقنعة والنهاية وغيرهما وهذا الحكم ذكره جمع من قدماء الأصحاب ونسبه بعض كالنهاية والخلاف إلى الرواية وكان المراد بها رواية ظريف بن ناصح الطويلة فقد رواها في الكافي والفقيه والتهذيب وبينها اختلاف في النقل وفي الأخيرين جملتان فيهما اضطراب واختلاف في النسخ والظاهر ان إحداهما لعزل الزوج والأخرى لأفزاع الغير لكن النصوص الواردة في جواز العزل عن الحرة مع الكراهة كما تقدمت من المصنف في النكاح لا تناسب وجوب الدية فيحمل ما في الرواية على الاستحباب كما في المختلف
2- زاد هنا في هامش نسخة ( ب ) « على ذمي » وكأنه سهو

كان حكمه أيضا حكم مالا يقع عليه الذكاة في انه يجب عليه قيمته في يوم إتلافه فإن أتلفه على وجه يمكنه الانتفاع به ، كان لصاحبه الخيار بين ان يلزمه قيمته يوم أتلفه ويسلم اليه ذلك الشي ء ، أو يطالبه بقيمة ما بين كونه متلفا وكونه حيا.

ودية الكلب السلوقي أربعون درهما ، ودية كلب الحائط والماشية عشرون درهما وفي كلب الزرع قفيز من طعام ، وليس في غير ما ذكرناه من الكلاب شي ء.

وجراح البهائم ، وقطع أعضائها ، يجرى على حسب ما قدمناه وان ( فان - ظ ) كان الحيوان مما يتملك ، كان فيه أرش ما بين قيمته صحيحا ومعيبا ، وان كان مما لا يتملك ، فحكم جراحه وكسره ، حكم إتلاف نفسه.

فاذا كسر إنسان عظم بعير أو بقرة أو شاة أو ما أشبه ذلك ، كان عليه أرشه كما قدمناه. وليس له خيار في أخذ قيمته وتسليمه الى الجاني عليه.

وإذا كان البعير بين أربعة نفر ، فعقل واحد منهم يده ، فتخطى إلى بئر فوقع فيها فاندق ، كان على الشركاء الثلاثة للذي عقله ربع قيمته ، لأنه حفظ وضيع عليه الباقون بترك عقالهم إياه. (1) وإذا فقأ عين بهيمة ، كان عليه ربع قيمتها.

وإذا جنت بهيمة إنسان على غيره جناية أو على بهيمة ، فإن كانت الجناية بتفريط وقع منه في حفظها ، أو تعد في استعمالها ، كان عليه ضمان جنايتها ، كائنا ما كان. وان كان بغير ذلك لم يكن عليه شي ء. فمن ذلك ، جناية غنم الإنسان على زرع ، فإنه ان كان ترك حفظها ليلا حتى دخلته وأكلته وأفسدته ، كان عليه ضمان ذلك ، وان كان إفسادها كذلك نهارا من غير سبب لم يكن عليه شي ء.

وإذا أتلف إنسان على مسلم شيئا من الملاهي ، التي لا يجوز له تملكها ، مثل العيدان والطنابير وآلات الزمر وما أشبه ذلك لم يكن عليه شي ء. فإن أتلف من ذلك

ص: 512


1- وذلك لجريان العادة بعقال البعير لئلا يشرد كما ورد في الخبر ، اعقلها وتوكل فهنا قد عمل العاقل بذلك في حصته وانما تلف لعدم مشاركة الباقين له في حصصهم بعقال كله فالنص الوارد بضمانهم على القاعدة وليس حكما في واقعة كما قيل

شيئا على ذمي في حرزه ، كان عليه ضمانه.

* * *

« باب ما لا دية فيه ولا قود »

« ومن لا يعرف قاتله ، والقاتل في الحرم والأشهر الحرم »

إذا قصد إنسان غيره يريد نفسه أو ماله ، فدفعه المقصود اليه عن نفسه ، فادى الدفع له الى قتله ، كان دمه هدرا.

ومن مات في زحام على جسر ، أو على عبور موضع ، أو في يوم عرفة أو يوم جمعة ، أو ما أشبه ذلك من المواضع التي يزدحم الناس عليها ، ( فيها - خ ل ) ولا يعرف له قاتل وكان له ولى يطلب ديته ، كان ديته ، على بيت المال ، فان لم يكن له ولى فلا دية له.

وإذا وجد قتيل في قرية ، أو قبيلة ، أو وجد على باب دار قوم ، ولا يعرف له قاتل ويكونون متهمين بقتله ، ويمتنعون من القسامة ، كانت ديته على أهل تلك القرية أو القبيلة أو الدار. فان لم يكونوا متهمين ، أو أجابوا إلى القسامة ، لم يكن عليهم شي ء ، وكانت ديته على بيت المال.

وإذا وجد قتيل بين القريتين ، كانت ديته على أهل أقرب القريتين إليه ، فإن كانت القريتان في المسافة متساويتين ، كانت الدية على أهلهما جميعا بالسوية.

وإذا وجد قتيل بين عسكرين نازلين (1) ، كان الحكم فيه مثل ما تقدم في القريتين.

وإذا رمى مسلم في حرب كافرا بسهم ، فأسلم الكافر قبل وصول السهم اليه ، لم يكن له دية.

وإذا وجد قتيل مقطعا في مواضع متفرقة ، كانت ديته على أهل المواضع التي يكون فيها قلبه وصدره ، ولا شي ء على الباقين ، الا ان يتهم قوم آخرون بقتله ، فيحكم

ص: 513


1- اى واقفين غير عابرين ويحتمل كون المراد متوقفين عن القتال.

فيهم بإقامة البينة أو القسامة.

وإذا وقفت قرعة الليل (1) ووجد مجروح أو قتيل بين الناس لم يكن فيه أرش ولا قصاص ، وكانت ديته على بيت المال.

وإذا دخل صبي دار قوم ، فوقع في بئرهم فمات. وكان دخوله بإذنهم ، وهم متهمون بعداوة بينهم وبين اهله ، كانت الدية عليهم ، وان كانوا مأمونين غير متهمين لم يكن عليهم شي ء.

وإذا وجد قتيل في صحراء ، أو أرض فلاة لم يكن فيها أحد ، كانت ديته على بيت المال.

وإذا وجد قتيل في معسكر أو سوق ، ولم يعرف له قاتل ، كانت ديته على بيت المال.

وإذا أراد إنسان غلاما ، أو امرأة على فجور فدفعاه عن أنفسهما فمات ، كان دمه هدرا.

وإذا مات إنسان في قصاص ، أو حد ، لم يكن فيه دية ولا قود.

وإذا اطلع إنسان على قوم في دارهم أو دخل عليهم دارهم بغير إذنهم ، فزجروه فلم ينزجر ، فرموه فقتلوه أو فقئوا عينه ، لم يكن عليهم شي ء ، وكان دمه هدرا

وإذا قصد مجنون إنسانا بخشبة أو حجر أو سيف أو ما جرى مجرى ذلك ،

ص: 514


1- كذا في نسخة ( ب ) ونسخة اخرى من الوقوف والقرع بالقاف والراء المهملة وعن نسخة « وقعت وقعة » ولعل الصواب « وقعت فزعة بالليل » كما في نهاية الشيخ بالفاء والزاء المعجمة وعلى كل فالمراد وقوع فتنة بالليل ثم زالت ففي الوسائل الباب 6 من دعوى القتل عن أمير المؤمنين عليه السلام ليس في الهايشات عقل ولا قصاص ثم ذكر فيه ان الهايشات الفزعة تقع بالليل والنهار فيشج الرجل فيها أو يقع قتيل لا يدرى من قتله وشجه وفي نهاية ابن الأثير : في الحديث ليس في الهيشات قود اى القتيل يقتل في الفتنة لا يدرى من قتله.

فدفعه عن نفسه فقتله ، كان دمه هدرا.

وإذا لعب الصبيان فرمى أحدهم غيره بخطره (1) فدق رباعيته ، أو ما أشبه ذلك وكان قد قال : حذار ، لم يكن عليه قصاص.

وقد روى (2) في امرأة أدخلت صديقها في حجلتها ليلة دخول زوجها بها وانه لما خلي الزوج بها ثار الصديق اليه واقتتلا ، فقتل الزوج الصديق ، ثم ان المرأة ضربت زوجها ضربة فقتلته ، ثم ان (3) المرأة تضمن دية الصديق وتقتل هي بزوجها.

وروى (4) أيضا في لص دخل على امرأة ، فجمع الثياب ، ثم حملته نفسه على وطأ المرأة ، فلما وطأها ثار ابنها اليه فقتله اللص ، وان المرأة حملت عليه بفأس فقتله ، وجاء أوليائه من الغد يطلبون بدمه ، فان ضمان دية الغلام على أوليائه الذين طلبوا بدمه (5) ، ويضمن السارق فيما ترك أربعة آلاف درهم ، لمكابرة المرأة على فرجها لأنه زان ، وهو في ماله غرامة ، وليس على المرأة في قتله شي ء لأنه سارق.

ص: 515


1- الخطر بالتحريك : السبق الذي يتراهن عليه والمقلاع الذي يرمى به والمراد هنا الثاني كما في مجمع البحرين وقوله : حذار اى احذر وقد ورد ذلك عن أمير المؤمنين كما في الوسائل الباب 26 من القصاص في النفس وفيه ان الرامي أقام البينة بأنه قال حذار فدرأ عليه السلام عنه القصاص وقال قد أعذر من حذر كأن المراد بالقصاص هنا ضمان الدية لأن عمد الصبي خطأ تحمله العاقلة فكيف بمثل ذلك مما لم يكن فيه تعمد.
2- الوسائل الباب 21 من موجبات الضمان.
3- الظاهر زيادة لفظة « ثم » وضمان المرأة دية الصديق لأنها عرضته للقتل وعدم كون الدية على الزوج المباشر.
4- الوسائل الباب 23 من قصاص النفس الحديث 2 وفيه سقط وصوابه ما في المتن.
5- اى دم السارق كما عن بعض نسخ المتن.

وإذا قتل إنسان غيره في الحرم ، أو في أحد الأشهر الحرم ، طلبت منه الدية (1) للقتل ، والثلث لانتهاكه حرمة الحرم ، والأشهر الحرم. وان اختار أولياء المقتول القود ، كان لهم ذلك.

وإذا قتل إنسان غيره في غير الحرم ، ثم التجأ إلى الحرم وتحرم به ، لم يقتل فيه ، بل يضيق عليه في المطعم والمشرب ويمنع من مبايعته ومعاملته حتى يخرج منه ، فيقام الحد عليه ، وكذلك الحكم فيمن التجأ في مثل ذلك الى مشهد من مشاهد الأئمة عليهم السلام (2).

تم كتاب الديات

* * *

ص: 516


1- في نسخة الأصل هكذا « وطلبت منه الدية كان عليه دية وثلث ، الدية للقتل والثلث لانتهاكه » وظاهره انه ان طلب منه القود لم يكن عليه الثلث الزائد.
2- إلى هنا انتهت مراجعتى لكتاب مهذب الفقه ، وكان المرجو انهاؤها الى آخر الكتاب لكن عاقني عنه استعجال الناشر ، وقد وقع الفراغ من ذلك ليلة الثامن عشر من شهر ربيع الأول عام 1406 هج بمدينة قم ، والحمد اللّه أولا وآخرا وصلى اللّه على محمد وآله الطاهرين.

باب الحدود

اشارة

قال اللّه تعالى ( الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ ، وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ ، إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) . (1).

وقال اللّه تعالى ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً ، وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) . (2).

وقال اللّه تعالى ( وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللّهِ ، وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) . (3)

وروى عن النبي صلى اللّه عليه وآله : انه نهى عن تعطيل الحدود ، وقال : انما هلك بنوا إسرائيل لأنهم كانوا يقيمون الحدود على الوضيع دون الشريف (4).

وعن أمير المؤمنين على بن ابى طالب عليه السلام انه قال لبعض أصحابه ممن وصاه بإقامة الحدود : عليك بإقامة الحدود على القريب والبعيد ، والحكم بكتاب اللّه في الرضا

ص: 517


1- النور ، الاية 2
2- النور الآية 4
3- المائدة الآية 42
4- دعائم الإسلام ، ج 2 ، كتاب الحدود ، الحديث 1540 ، ص 442.

والسخط ، والقسم بالعدل بين الأحمر والأسود. (1)

وروى عنه عليه السلام انه كتب الى رفاعة : أقم الحدود على القريب يجتنبها البعيد ولا تطل الدماء (2) ، ولا تعطل الحدود.

وليس يقيم الحدود إلا الأئمة عليهم السلام ، أو من ينصبونه لذلك ، أو يأمرونه به ، الا ما ورد في جواز إقامة أحدنا ذلك على بعض اهله ، وسيأتي ذكره فيما بعد بمشيئة اللّه تعالى ولا يجوز تضييع شي ء من الحدود الواجبة ولا النقص منها ولا الزيادة عليها ، ولا الشفاعة فيها أيضا. فإن كانت الحدود من حقوق الآدميين جازت الشفاعة فيها قبل رفعها الى الامام عليه السلام ، أو الى المنصوب من قبله ، فان رفعت اليه لم تجز الشفاعة بعد ذلك فيها ، وظهر المؤمن حمى الأمن حد يجب عليه ، ومن عفى عن حد ، وجب له ، لم يجز له الرجوع فيه بعد ذلك.

* * *

« باب الزنا وأقسام الزنا وما يتعلق بذلك »

الزنا معلوم من دين الإسلام تحريمه بغير خلاف ، وهو وطؤ البالغ الكامل لمن حرم اللّه تعالى وطأه من غير عقد ، ولا شبهة عقد ، في الفرج ، وقد تقدم ذكر المحرمات وما يصح الوطأ من عقد أو ملك في كتاب النكاح ، فلا وجه لإعادته هنا.

فاما شبهة العقد فهو ان يعقد الرجل على ذي محرم - من بنت أوام ، أو أخت أو ما أشبه ذلك - وهو لا يعرفها ، أو يعقد على امرأة لها بعل وهو لا يعلم ذلك ، أو يعقد عليها وهي في عدة - اما من طلاق رجعي أو بائن ، أو متوفى عنها زوجها - وهو غير عالم بحالها ، أو يعقد عليها وهي محرمة ، أو يعقد وهو محرم ناسيا ، ثم يعلم شيئا من ذلك ، فإنه يدرء الحد عنه : ولا يحكم عليه بالزنا. فان عقد على أحد ممن ذكرنا متعمدا ، (3) وهو عالم بذلك ، ووطئها ، كان حكمها حكم الزنا.

ص: 518


1- دعائم الإسلام ، ج 2 ، كتاب الحدود ، الحديث 1543 ، ص 443
2- دعائم الإسلام ، ج 2 ، كتاب الحدود ، الحديث 1541 ص 442
3- في بعض النسخ « أو »

فاما الزناة ، فينقسمون خمسة أقسام.

أولها : يجب الحد فيه بالقتل على كل حال.

وثانيها : يجب الجلد فيه ، ثم الرجم.

وثالثها : يجب الرجم فيه دون الجلد.

ورابعها : يجب فيه الجلد ثم النفي.

وخامسها : يجب فيه الجلد فقط.

واما ما يجب فيه القتل على كل حال ، فهو وطؤ من وطأ ذات محرم منه ، من أم ، أو بنت ، أو أخت ، أو ابنتها ، أو بنت أخ ، أو عمة ، أو خالة ، حرا كان أو عبدا ، مسلما كان أو كافرا ، شيخا كان أو شابا ، محصنا كان أو غير محصن. أو كان ذميا فزنى بمسلمة. فإنه يقتل على كل حال وان أسلم ، وعلى المرأة الحد على ما يستحقه ، من جلد أو رجم. وكل من غصب امرأة فرجها ، محصنا أو غير محصن وكل من زنى بامرأة أبيه ، محصنا أو غير محصن.

واما الذي يجب فيه الرجم بعد الجلد ، فهو وطؤ الشيخ والشيخة إذا زنيا وكانا محصنين.

واما الذي يجب فيه الرجم دون الجلد ، فهو وطؤ كل محصن أو محصنة ليسا بشيخين.

واما الذي يجب فيه الجلد ثم النفي ، فهو البكر والبكرة ، والكبر هو الذي أملك على امرأة ولم يكن دخل بها.

واما الذي يجب فيه الجلد فقط ، فهو كل من زنى وهو غير محصن ولا بكر ، رجلا كان أو امرأة.

وحد الإحصان في الرجل ، ان يكون له فرج يتمكن من وطئه ، ويكون مالكا له بعقد أو ملك يمين. والعقد يكون دائما غير مؤجل ، لأن المتعة لا تحصن ، ولا فرق بين ان يكون العقد الدائم عقدا على حرة أو امة ، أو عقدا على امرأة يهودية

ص: 519

أو نصرانية فإن ذلك كله تحصن ، وملك اليمين أيضا يحصن. ومن كان غائبا عن زوجته غيبة لا يتمكن معها من الوصول إليها ، أو يكون حاضرا غير متمكن من وطئها بان يكون محبوسا ، أو ما جرى مجرى ذلك ، أو لا يكون دخل بها بعد ، فإنه لا يكون محصنا.

واما الإحصان في المرية ، فهو ان يكون لها زوج يغدو إليها ويروح ، يخلى بينه وبينها ، غير غائب عنها ، وقد دخل بها ، حرا كان أو عبدا.

والبكر الذي ذكرناه ، انه هو الذي أملك بالمرأة ولم يدخل بها ، يجب عليه مع الجلد جز شعره ، والنفي عن بلده (1) سنة. وإذا كان امرأة لم يجب عليها شي ء من ذلك ، ولا يجب عليها غير الحد.

والذي يجب عليه الجلد وليس عليه أكثر من ذلك ، فهو وطؤ كل من زنى وليس بمحصن ولا بكر ، فإنه يجب عليه الجلد ، رجلا كان أو امرأة.

وإذا زنى ثم جلد ، ثم زنى ثانية ثم جلد ، ثم زنى ثالثة وجلد ، ثم زنى رابعة ، كان عليه القتل. فان زنى اربع مرات أو أكثر من ذلك ولم يقم عليه حد لم يجب عليه أكثر من مأة جلدة.

وجميع هذه الأحكام خاصة في الحر والحرة ، إلا الأول - الذي هو القتل - فإنه يشترك فيه الحر والعبد. واما ما عدا ذلك فحكم المملوك غير حكم الحر ونحن نبين ذلك ، فنقول :

العبد والأمة إذا زنيا ، كان على كل واحد منهما خمسون جلدة ، ولا فرق في ذلك بين ان يكون الزنا بحر أو حرة ، أو مملوك أو مملوكة ، شيخين كانا أو شابين ، محصنين أو غير محصنين ، بكرين أو غير بكرين ، لا يختلف الحكم في انه يجب عليهم خمسون جلدة مع هذه الوجوه كلها. فان زنيا ثماني مرات وأقيم عليهما الحد في ذلك ، ثم زنيا التاسعة ، وجب عليهما القتل. فان لم يقم عليهما

ص: 520


1- في بعض النسخ زيادة « الى غير مهد ».

حد في شي ء من ذلك و (1) كانا قد زنيا أكثر من ثماني مرات ، فإنه لا يجب على كل واحد منهما (2) أكثر من خمسين جلدة.

وزنا الحر والحرة. والمسلم والأمة المسلمة (3) التي لغيره سواء كانت لزوجته أو لوالده أو لغيرهما من الأجنبيين على حد واحد لا يختلف فيه الحكم.

وكذلك المرأة لا فرق بين ان تزني بحر ، أو عبد مملوك لها ، أو لغيرها ، فان الحكم أيضا لا يختلف في ذلك.

وإذا زنى بصبية لم تبلغ فليس مثلها قد بلغ (4) فليس عليه الا الجلد ، ولا رجم عليه في ذلك. فإن أفضاها أو عابها ، كان عليه ضمان عيبها ، وقد سلف ذكر ذلك.

وإذا زنت امرأة بصبي لم يبلغ ، لم يكن عليها غير جلد مأة ، ولا رجم عليها ، والصبي والصبية عليهما تأديب.

فإن زنى رجل بمجنونة ، كان عليه الحد جلد مأة وليس عليه رجم ، وليس على المجنونة شي ء. وإذا زنى مجنون بامرئة ، كان عليها جلد مأة أو الرجم.

وإذا زنى إنسان ، وتاب قبل قيام البينة عليه بالزنا ، ادرأت التوبة عنه الحد. فان تاب بعد قيام البينة عليه ، كان عليه الحد ، ولم يجز للإمام عليه السلام ان يعفو عنه فان كان أقر على نفسه عند الامام عليه السلام ، ثم أظهر التوبة ، كان الامام بالخيار في إقامة الحد عليه أو العفو عنه ، بحسب ما يراه من المصلحة في ذلك ، وان لم يتب لم يجز للإمام العفو عنه.

ص: 521


1- في جميع النسخ « أو » والظاهر انها تصحيف والصحيح ما في المتن.
2- في النسخ « منهم » والظاهر انها تصحيف.
3- الظاهر ان في العبارة تشويش واضطراب ولعلها تصحيف والمراد : ان زنا الحر مع الحرة المسلمة أو الأمة المسلمة على حد واحد.
4- لعل المراد : ان مثلها في الجسم لم تبلغ وهذا القيد للاحتراز عن صبية لم تبلغ ولكن أمثالها في الجسم قد بلغن.

وإذا زنى نصراني أو يهودي بمن هو من أهل ملته ، فالإمام مخير بين اقامة الحد عليه بما يقتضيه شرع الإسلام ، وبين تسليمه الى أهل ملته وأهل ملة المرأة ليقيموا عليه (1) الحد بحسب ما يعتقدونه في ملتهم.

وإذا عقد رجل على امرأة في عدتها ، ودخل بها وهو عالم بذلك ، كان عليه الحد. فان كانت عدتها عدة طلاق رجعي ، كان عليه الرجم. وان كانت عدة طلاق بائن ، أو متوفى عنها زوجها ، كان عليه مأة جلدة فقط. فان ادعيا انهما لم يعلما ان ذلك لا يجوز في شريعة الإسلام ، لم يصدقا فيه ، وأقيم عليهما الحد.

وإذا زنى مكاتب مشروط عليه ، وقد ادى من مكاتبته شيئا ، كان حده حد المماليك ، وقد تقدم ذكر ذلك. فان كان غير مشروط عليه ، وقد ادى من مكاتبته شيئا جلد بحساب ما ادى حد الحر - من مأة جلدة - وبحساب ما بقي من حد المملوك من خمسين جلدة - ولم يجب عليه رجم على حال ولا على وجه ، الا بعد ان ينقضي مكاتبته ويطأ زوجته بعد ذلك وهو حر ، فاذا زنى بعد ذلك كان عليه الرجم. وكذلك المملوك المحض.

وإذا أعتق وزنى ، فان كان قد وطأ امرأة بعد العتق وقبل الزنا ، كان عليه الرجم. وان كان لم يطأها بعد العتق ، كان عليه مأة جلدة ، لأنه في حكم من لم يدخل بزوجته.

وإذا وطأ رجل جارية من المغنم قبل القسمة ، قومت عليه وأسقط عنه من قيمتها بمقدار ما يصيبه منها ، والباقي بين المسلمين ، ويقام عليه الحد ويدرأ عنه بمقدار ما كان له منها.

وإذا كان لرجل مملوكة ، له فيها شريك ، فوطأها ، كان عليه من الحد بحساب ما لا يملك منها ويدرأ عنه بحساب ما يملكه منها.

وإذا زنت امرأة وحملت من الزنا ، وشربت دواء فألقت الجنين سقطا ، كان

ص: 522


1- في بعض النسخ « عليها » والظاهر تصحيفها.

عليها الحد للزنا والتعزير لفعلها.

وإذا زنى إنسان في شهر رمضان نهارا ، أقيم عليه الحد وعوقب زائدا على ذلك ، لانتهاكه حرمة الشهر ، وكان عليه الكفارة للإفطار. فإن كان زنى بالليل ، كان عليه الحد والتعزير ، ولم يجب عليه كفارة.

وإذا زنى في حرم اللّه أو حرم رسوله أو أحد الأئمة عليهم السلام ، كان عليه الحد للزنا ، والتعزير لانتهاكه حرمة حرم اللّه وحرم رسوله وحرم الأئمة عليهم السلام وكذلك ان فعل ما يوجب الحد أو التعزير في مسجد أو موضع عبادة ، فإنه يجب عليه مع الحد ، التعزير ، وفيما يوجب التعزير العقوبة مغلظة.

وإذا زنى في يوم عيد فطر أو أضحى ، أو في غير ذلك من الليالي الشريفة مثل ليلة الجمعة ، أو ليلة النصف من شعبان ، أو ليلة أحد العيدين ، أو في يوم السابع والعشرين من رجب ، أو ليلة سبع عشر من شهر ربيع الأول ، أو خمسة وعشرين من ذي القعدة ، أو ليلة عاشورا أو يومه ، أو يوم الغدير أو ليلته ، فإنه يغلظ العقوبة.

وإذا أقر على نفسه بالزنا ، كان عليه الحد ، وسيأتي ذكر ذلك الإقرار الذي يوجب الحد « بمشيئة اللّه ».

فإن أقر أنه زنى بامرئة معينة ، كان عليه حدان ، أحدهما حد الزنا ، والأخر حد القذف وهكذا حكم المرأة إذا قالت زنى بي فلان ، سواء.

وإذا افتض إنسان بكرا بإصبعه ، كان عليه عشر قيمتها ، وجلد - من ثلاثين سوطا إلى تسعة وسبعين سوطا - عقوبة على جنايته. فان كانت البكر المجني عليه حرة ، كان عليه أيضا مهر مثل نسائها بغير نقص فيه. فان كان قد زنى بها فذهب بعذرتها ، لم يكن لها عليه مهر على حال (1).

وإذا زوج رجل جارية (2) لرجل ، ثم وطأها بعد ذلك ، كان عليه الحد.

ص: 523


1- ظاهر الفرض مطاوعة البكر.
2- كذا في أكثر النسخ وفي نسخة « جاريته ».

وإذا زنى إنسان وهو سكران ، عليه حدان حد للزنا وحد للسكر ولم يسقط عنه الحد لسكره وزوال عقله. وإذا زنى وهو أعمى وجب الحد عليه كما يكون على البصير ، ولم يسقط الحد عنه لعماه فان ادعى ان الأمر اشتبه عليه : وظن ان الامرأة التي وطأها كانت زوجته أو جاريته ، لم يصدق في ذلك ، ووجب ان يقام عليه الحد ، وإذا ادعى الزوجية لم يحد الا ان تقوم البينة عليه بخلاف ما ادعاه. ولأحد أيضا مع إكراه وإلجاء ، ولا يصح الا مع الاختيار.

وإذا تشابهت امرأة لرجل (1) بجاريته ونامت على مرقده ليلا ، فظن انها جاريته فوطأها من غير تحرز ، كان عليه الحد سرا وعلى المرية جهرا.

* * *

« باب ما به يثبت حكم الزنا »

« ويوجب اقامة الحد على الزاني »

الذي يثبت به الزنا ويجب معه اقامة الحدود على الزنا شيئان ، أحدهما ، الإقرار ، والأخر البينة.

فأما الإقرار ، فهو إقرار الإنسان الكامل العقل ، المختار على نفسه اربع مرات دفعة بعد اخرى بالوطأ في الفرج على وجه الزنا ، فإنه يحكم عليه بذلك ، ويجب عليه ما يجب على فاعله. فإن أقر أقل من اربع مرات ، أو أقر أربع مرات بالوطأ فيما دون الفرج. لم يحكم عليه بالزنا ، وكان عليه التعزير حسب ما يراه الإمام.

فأما البينة ، فهي شهادة أربعة من العدول على الرجل بأنه وطأ امرأة - ليس بينه وبينها عقد ولا شبهة عقد - في الفرج. فاذا شهدوا بذلك ، فادعوا المشاهدة للفعل كالميل في المكحلة ، قبلت شهادتهم ، وحكم عليه بالزنا ، ووجب على المشهود عليه الحد.

ص: 524


1- في النسخ « الرجل » بدل « لرجل » والظاهر انها تصحيف.

فان شهد هؤلاء الأربعة بالزنا ، ولم يشهدوا بالمعاينة على الوجه الذي قدمناه كان على كل واحد منهم حد القذف. فان شهد أقل من أربعة ، واحدا كان أو اثنين أو ثلاثة ، وادعى مشاهدة الوطأ في الفرج كان على جميعهم حد الفرية.

فإن شهد الأربعة واختلفوا في شهاداتهم فشهد بعضهم بالمعاينة وشهد البعض الأخر بغير ذلك كان عليهم أيضا حد الفرية.

فإن شهد الأربعة باجتماع الرجل والمرية في إزار (1) واحد مجردين من ثيابهما ، أو شهدوا بالوطأ فيما دون الفرج ، ولم يشهدوا بالزنا ، سمعت شهادتهم وكان على الفاعل لذلك التعزير. فان شهدوا بالوطأ في الدبر ، كان حكمه حكم الوطأ في القبل سواء. وكذلك الحكم في الإقرار بذلك ، سواء.

فان شهد الشهود على امرأة بالزنا ، وادعت المرية أنها بكر ، نظرت إليها النساء فان وجدتها بكرا لم يجب عليها حد ، وان لم يكن كذلك وجب الحد عليها.

وإذا شهد أربعة نفر على أمرية بالزنا ، وأحد هؤلاء الشهود زوج المرية ، كان عليها الحد ، وقد ذكرنا ان الثلاثة يحدون حد المفتري ، ويلاعنها زوجها.

وذكر بعض أصحابنا ان هذه الرواية (2) محمولة على انه إذا لم يعدل الشهود و (3) اختلفوا في إقامة الشهادة ، وقد ذكرت في كتابي « الكامل » ان الأقوى في نفسي في ذلك : انهم يحدون ، ولا يجب على المرأة حد. لان زوجها في حكم الخصم لها ، وشهادة الخصم على خصمه في الأمر الذي هو خصمه فيه ليست بمقبولة ، وإذا كان الأمر على ذلك. لم يبق غير ثلاثة ، فيجب عليهم حد الفرية.

ومن شرط صحة شهادة الشهود بالزنا ، ان يوقعوا شهاداتهم بذلك في وقت واحد ، ومكان واحد ، في مجلس واحد ومقام واحد. فان شهد بعضهم من غير حضور

ص: 525


1- في بعض النسخ : في دار واحد.
2- الوسائل ، ج 15 ، الباب 12 من أبواب اللعان ، الحديث 2 و 3.
3- في النسخ « أو » بدل « الواو » والظاهر تصحيفها.

الباقي من الشهود وقال : الساعة يحضرون ، كان عليه حد الفرية لأنه لا تأخير في ذلك ولا يجوز شهادة النساء على الانفراد في الزنا ، ووجب على كل واحدة منهن حد الفرية.

فإن شهد أربعة نفر - ثلاثة رجال. وامرأتان - قبلت شهادتهم في ذلك ، ووجب بشهادتهم ، الرجم. فان شهد رجلان واربع نساء ، لم يجب الرجم بهذه الشهادة ، ويجب بها الحد الذي هو الجلد. فان شهد رجل وست نساء أو أقل أو أكثر ، لم تقبل هذه الشهادة في الزنا ، ووجب على كل واحد منهم حد الفرية.

فإن شهد أربعة نفر بالزنا على رجلين وامرأتين ، أو أكثر من ذلك ، قبلت شهادتهم ووجب اقامة الحد على المشهود عليهم ، ويجوز تفريق الشهود ، إذا رأى الامام في ذلك صلاحا.

وإذا وجد رجل وامرأة على حال الزنا وادعى الزوجية ، درأ عنهما الحدود. وإذا شاهد الإمام إنسانا على حال الزنا أو شرب الخمر ، كان عليه اقامة الحد على من شاهده كذلك ، ولا ينتظر مع مشاهدته له على ذلك قيام البينة على ما شاهده عليه ولا إقراره بذلك أيضا ، وهذا مخصوص بالإمام دون غيره من سائر الناس ، لان غيره إذا شاهد ذلك فلا يجوز له اقامة الحد مع مشاهدته الا مع قيام البينة بذلك.

واما القتل ، والسرقة ، والقذف ، وما يجب فيه حق للمسلمين ، من حد أو تعزير فليس للإمام إقامة الحد على ذلك ، الا بعد مطالبة صاحب الحق بذلك ولا يكفى مشهادته له على هذه الحال. فاذا طلب صاحب الحق ذلك من الامام ، أقام الحد فيه ، ولا ينتظر أيضا مع علمه بذلك إقراره أو قيام البينة به.

وإذا أقر رجل بالزنا اربع مرات بأنه زنى بهذه المرية ، واكذبته المرأة ، أو قالت : أكرهني ، كان عليه الحد دونها. فإن أقرت المرأة أربع مرات بان هذا الرجل زنى بها ، وأكذبها الرجل ، كان عليها الحد دونه ، وكذلك الحكم لو صدقها مرة واحدة.

* * *

ص: 526

« باب كيفية إقامة الحد في الزنا »

إذا كان الإنسان محصنا يجب عليه الجلد والرجم ، جلد أولا الحد ولم يرجم حتى يبرأ جلده ، فإذا برأ رجم.

وإذا أراد الامام ان يرجمه ، وكانت البينة قد قامت عليه بالزنا ، أمر بأن يحفر له حفيرة ويدفن فيها الى حقويه ، ثم يرجم بعد ذلك. وكذلك يفعل بالمرئة الا انها تقعد في الحفيرة إلى صدرها ثم يرجم.

فاذا فر واحد منهما من الحفيرة ، رد إليها حتى يستوفي منه الحد بالرجم.

فان كان الرجم وجب عليهما بإقرارهما على أنفسهما ، فعل بهما مثل ما تقدم ذكره ، الا انه إذا أصاب واحد منهما الرجم وفر من الحفيرة ، لم يرد إليها ، وترك حتى يمضى حيث شاء وأراد. فإن كان فراره قبل ان يصيبه شي ء من الرجم ، رد إلى الحفيرة على كل حال.

والذي يجب الرجم عليه ، إذا كانت البينة قد قامت عليه ، كان أول من يرجمه الشهود ، ثم الامام ، ثم الناس. وان كان الرجم وجب عليه ، بإقراره على نفسه ، كان أول من يرجمه ، الامام ، ثم الناس.

وينبغي ان تكون حجارة الرجم صغارا ، ولا تكون كبارا. ويكون الرجم من خلف المرجوم ، لئلا يصيب وجهه شي ء منه.

واما الذي يجب عليه الجلد دون الرجم ، يجب ان يجلد قائماً مأة جلدة من أشد ما يكون من الضرب ، ويجلد على الحال التي يوجد (1) عليها ، فان وجد عريانا جلد عريانا ، وان كان عليه ثياب جلد وهي عليه. ويضرب جميع جسده إلا رأسه ووجهه وفرجه ، فان مات لم يكن له قود ولا دية.

وإذا أريد جلد المرية جلدت كما يجلد الرجل ، وضربت كما يضرب ، الا انها

ص: 527


1- في بعض النسخ « يؤخذ ».

تكون جالسة ولا تكون قائمة في هذه الحال ، وتضرب وعليها ثيابها مربوطة ، لئلا يهتك عورتها.

وإذا فر من يقام الحد عليه بالجلد ، أعيد حتى ليستوفى الحد منه ، سواء كان ممن وجب عليه الحد بإقراره أو ببينة.

وإذا أريد إقامة الحد على الزاني بالجلد أو الرجم ، فينبغي ان يعلم الناس بالحضور ، ثم يحد بمحضر منهم لينزجروا من مثل ذلك. ولا يحضر عند اقامة الحد على الزاني الأخيار الناس ، وأقل من يحضر لذلك من الناس واحد فصاعدا ، ولا يرميه الا من ليس لله تعالى في جنبه حد.

وإذا وجب اقامة الحد على الزاني بالرجم ، أقيم بذلك عليه صحيحا كان أو مريضا. والذي يجب عليه الجلد إذا كان مريضا ، لم يقم الحد عليه حتى يبرأ ، وإذا برأ أقيم الحد عليه ، فاذا اقتضت المصلحة تقديم الحد ، أخذ العرجون فيه مأة شمراخ أو ما يقوم مقامه ، ويضرب به ضربة واحدة.

وإذا زنت امرأة وهي حامل ، لم يقم عليها حد بجلد ولا رجم وهي كذلك ، فاذا وضعت ولدها ، وخرجت من نفاسها ، وأرضعتها ، جلدت أو رجمت.

فاذا اجتمع على إنسان حدود منها قتل ، ابتدأ أولا بحده بما لا يكون قتلا ، ثم يقتل بعد ذلك مثال ما ذكرناه ، ان يقتل ويسرق ويزني وهو غير محصن ، فإنه يجلد أولا للزنا ، ثم يقطع للسرقة ، ثم يقتل.

وإذا وجب على رجل ، الحد وهو صحيح العقل ، ثم اختلط عقله بعد ذلك ، وكانت البينة قد قامت عليه بذلك ، أقيم الحد عليه على كل حال.

ومن يجب عليه النفي بالزنا ، يجب نفيه عن البلد الذي زنا فيه الى بلد آخر سنة.

وإذا أقر على نفسه بحد. ثم أنكر ذلك ، لم يلتفت الى إنكاره. إلا الرجم ، فإنه إذا أقر على نفسه بما يوجب الحد (1) ثم جحد بعد ذلك قبل ان يرجم خلي

ص: 528


1- اى الرجم.

سبيله. وإذا أقر على نفسه بحد ولم يبينه ، ضرب حتى يبينه (1) هو عن نفسه الحد.

وإذا كانت المرأة مستحاضة ، لم يقم عليها الحد حتى ينقطع الدم عنه ، وقد تقدم ذكر ذلك.

وإذا وجب على إنسان حد ، لم يقم عليه في الأوقات الشديدة الحر ، ولا الشديدة البرد ، بل يقام عليه ذلك في الأوقات المعتدلة.

وإذا فرق من رجم المرجوم ، دفن في الحال ، ولم يترك على وجه الأرض. ولا يقام الحد أيضا في أرض العدو ، لئلا يحمل المحدود الحمية والغضب ، على اللحوق بأعداء الدين. وإذا التجأ إلى حرم اللّه أو حرم رسوله أو أحد الأئمة عليهم السلام ، لم يقم الحد عليه فيه ، بل يضيق عليه في المطعم والمشرب ، ويمنع من المعاملة ببيع أو شراء حتى يخرج منه ، فاذا خرج أقيم عليه الحد. وإذا أحدث وهو في الحرم ما يوجب اقامة الحد عليه ، أقيم ذلك عليه ، وقد تقدم ذكر ذلك أيضا.

* * *

« باب الحد في اللواط ، والسحق »

« ووطأ البهائم والميتة ، والاستمناء باليد »

اللواط هو الفجور بالذكران ، وهو ضربان ، أحدهما إيقاع الفعل في الدبر بالإيقاب ، كالميل في المكحلة. والأخر بإيقاع الفعل فيما عدا ذلك من الفخذين ، أو ما لا يكون بالإيقاب في الدبر. ويثبت ذلك على فاعله بأمرين.

أحدهما : إقراره على نفسه بذاك اربع مرات كما قدمناه في باب حد الزنا - سواء كان فاعلا أو مفعولا. فان اقر دون ذلك ، لم يجب عليه الحد ، وكان على الحاكم تعزيره ، لإقراره على نفسه بالفسق.

والثاني : البينة وهي أربعة شهود يشهدون بذلك - كما ذكرناه في شهادتهم

ص: 529


1- كذا في أكثر النسخ وفي نسخة ما يشبه « ينته » ولعل الصحيح « ينهى ».

بالزنا - ويذكرون المشاهدة للفعل كالميل في المكحلة. فان لم يشهدوا كذلك ، كان عليهم حد الفرية ، الا ان يشهدوا بإيقاع الفعل فيما دون الدبر ، فيقبل شهادتهم ويجب الحد بها. وإذا شاهد الامام بعض الناس على هذا الفعل ، كان له اقامة الحد عليه به.

وإذا ثبت على اللائط حكم اللواط بالإيقاب ، كان حده ان يرمى من حائط عال ، أو يرمي عليه جدار ، أو يدهده (1) من جبل ، أو يضرب عنقه ، أو يرجمه الامام والناس أو يحرق بالنار. والامام مخير في ذلك أي شي ء إذا أراد فعله منه ، كان ذلك له بحسب ما يراه صلاحا. فإن أقام عليه حدا بغير النار ، كان له إحراقه بعد ذلك.

والفاعل (2) لما يخالف الإيقاب فاعلا كان أو مفعولا به على ضربين ، أحدهما ، ان يكون محصنا. والأخر ، غير محصن. فان كان محصنا ، كان عليه الرجم. وان كان غير محصن ، كان عليه الحد - مأة جلدة - سواء كان فاعلا أو مفعولا ، حرا كان أو عبدا ، مسلما كان أو كافرا.

وإذا تلوط رجل بصبي لم يبلغ ، كان عليه الحد كاملا وعلى الصبي التعزير لأجل تمكينه من نفسه وإذا كان الصبي هو الفاعل بالرجل كان على الصبي التعزير وعلى الرجل المفعول به ، الحد كاملا.

وإذا تلوط صبي بصبي مثله ، أدبا جميعا ، ولم يجب على واحد منهما حد وإذا كان لرجل عبد ولاطه ، كان عليه وعلى العبد جميعا الحد. فان ادعى العبد على سيده :أنه أكرهه على ذلك ، درأ عنه الحد ، وأقيم الحد على سيده.

وإذا تلوط رجل بمجنون ، أقيم الحد عليه ، ولم يكن على المجنون شي ء.

فان لاط المجنون بغيره كان عليه الحد كاملا.

وإذا لاط كافر بمسلم قتل على كل حال. وان لاط بكافر مثله ، كان الامام مخيرا

ص: 530


1- دهده الشي ء : دحرجه.
2- اى من نسب اليه الفعل.

بين ان يقيم الحد عليه بما يوجبه شرع الإسلام ، وبين تسليمه الى أهل ملته ، ليقيموا الحد عليه بما يقتضيه دينهم.

وإذا وجد رجلان ، أو رجل وغلام في إزار واحد ، مجردين من ثيابهما ، أو قامت بينة بذلك ، أو اقرا به ، كان على كل واحد منهما التعزير من ثلاثين سوطا إلى تسعة وتسعين (1) سوطا بحسب ما يراه الإمام. فإن عادا الى ذلك ضربا مثل ذلك ، فان عادا أقيم عليهما الحد كاملا ، مأة جلدة.

وإذا قبل إنسان غلاما ليس بمحرم منه ، كان عليه التعزير. فان قبل وهو محرم ، غلظ التأديب لينزجر عن مثله.

وإذا لاط إنسان ثلاث مرات ويقام عليه الحد في كل مرة ، قتل في الرابعة.

وإذا لاط رجل ثم تاب قبل قيام البينة عليه بذلك لم يجب عليه حد. فان قامت البينة عليه بعد ذلك لم يكن للإمام ان يقيم عليه الحد. فان تاب بعد قيام البينة عليه بالفعل ، كان للإمام إقامته عليه ، ولم يسقط عنه الحد ، ولا يجوز للإمام العفو عنه.

وان كان الرجل اللائط أقر على نفسه ثم تاب ، وعلم منه الامام ذلك ، كان له العفو عنه ، أو إقامة الحد عليه بحسب ما يراه. فان لم يظهر منه التوبة ، لم يجز له العفو عنه على حال.

وإذا تلوط رجل بميت ، كان الحكم فيه حكم التلوط بالحي سواء. ويغلظ عقوبته لانتهاكه (2) حرمة الموتى.

« المساحقة »

وإذا تساحقت امرأة لامرأة اخرى ، وقامت عليهما البينة بذلك ، وكانتا محصنتين كان على كل واحدة منهما الرجم. وان كانتا غير محصنتين ، كان على كل واحدة منهما

ص: 531


1- في نسخة « إلى تسعة وسبعين ».
2- انتهك الشي ء : اذهب حرمته ، وانتهك فلانا : نقض عرضه.

الحد - مأة جلدة - ويثبت ذلك بالبينة أو الإقرار.

فأما البينة : فهي شهادة أربعة عدول ، كما قدمناه. واما الإقرار. فإقرار المرية على نفسها اربع مرات بذلك ، كما سلف ذكره في الزنا.

وإذا كان لامرأة جارية فساحقتها ، وجب على كل واحدة منهما الحد. فان ادعت الجارية : أن سيدتها أكرهتها على ذلك ، درأ الحد عنها ، وأقيم ذلك على سيدتها كاملا.

وإذا تساحقت المسلمة كافرة ، أقيم الحد على كل واحدة منهما ، وكان الإمام في الكافرة بالخيار بين أن يقيم الحد عليها ، وبين أن يسلمها الى أهل ملتها ليقيموا عليها ذلك بحسب ما يقتضيه دينهم.

فان ساحقت امرأة صبية لم تبلغ ، كان على المرأة الحد ، وأدبت الصبية. فان تساحقت صبيتان ، أدبتا ، ولم يقم على كل واحدة منهما الحد كاملا.

وإذا وطأ رجل زوجته ، وقامت الزوجة فساحقت جارية بكرا ، وألقت ماء الرجل في رحمها وحملت الجارية ، كان على المرية الرجم ، وعلى الجارية إذا وضعت ما في بطنها مأة جلدة ، والحق الولد بالرجل ، وكان على المرية المهر للجارية ، لأجل ذهاب عذرتها بالولد. وهذه قضاء سيدنا أبى محمد الحسن بن على عليهما السلام (1).

وإذا تابت المتساحقة قبل رفع خبرها الى الامام ، لم يلزمها حد. فان قامت عليها بينة بعد ذلك لم يقم عليها حد. فان قامت البينة عليها قبل توبتها ، ثم تابت بعد ذلك ، أقيم الحد عليها. فان كانت أقرت بالفعل عند الإمام أو من ينوب عنه ، ثم أظهرت التوبة ، كان للإمام العفو عنها ، واقامة الحد عليها بحسب ما يراه صلاحا في ذلك.

وإذا افتضت امرأة جارية بإصبعها فذهبت بعذرتها ، كان عليها مهرها والتعزير مغلظا.

ص: 532


1- الوسائل ، ج 18 ، الباب 3 من أبواب حد السحق ، الحديث 1 و 3.

وإذا وجدت امرأتان في إزار واحد مجردتين من ثيابهما وليس بينهما رحم ، ولا دعتهما ضرورة من برد وما أشبهه الى ذلك ، كان على كل واحدة منهما التعزير من ثلاثين سوطا إلى تسعة وتسعين سوطا بحسب ما يراه الإمام أو النائب عنه. فان عادتا الى ذلك ، نهيتا وأدبتا. فإن عادتا ثالثة ، أقيم الحد عليهما مأة جلدة. فان عادتا الى ذلك رابعة ، قتلتا.

« نكاح البهائم »

وإذا وطأ رجل بهيمة ، كان عليه التعزير. فان كانت ملكه ، لم يكن عليها أكثر من ذلك ، وان كانت ملكا لغيره ، كان عليه أن يغرم ثمنها لصاحبها ، فان كانت مما يصح الذكاة عليه ، ذبحت وأحرقت ، لان لحمها قد حرم ، وكذلك جميع ما يكون من نسلها.

وإذا اختلطت بهيمة موطوئة بغيرها من البهائم ، ولم يتميز من غيرها ، فيجب أن يقسم القطيع الذي فيه تلك البهيمة ، نصفين ويقرع بينهما ، فمهما وقعت القرعة عليه قسم أيضا نصفين وأقرع بينهما ، ولا يزال يفعل ذلك حتى لا يبقى إلا واحدة ، فإذا بقيت واحدة ذبحت وأحرقت.

وان كانت مما لا يصح الذكاة عليه ، أخرجت من البلد الذي فعل بها ذلك الى بلد آخر وبيعت هناك ، لئلا تعرف فيعير بها صاحبها.

وإذا تكرر من واطئ البهيمة هذا الفعل وكان قد أدب وحد ، كان عليه القتل في الرابعة. ويثبت الحكم الذي ذكرناه في وطء البهيمة بشهادة شاهدين عدلين مرضيين ، أو إقرار الفاعل على نفسه بذلك مرتين.

وإذا وطأ ميتة ، كان حكمه حكم من وطأها حية. فان كانت زوجته ، كان عليه التعزير بحسب ما يراه الإمام. فان لم تكن زوجته وكان محصنا ، كان عليه الرجم وان كان غير محصن ، كان عليه الحد.

ص: 533

ويثبت الحكم بذلك ، بشهادة شاهدين عدلين ، وإقرار الفاعل لذلك على نفسه مرتين.

« حد الاستمناء »

وإذا استمنى بيده وانزل ، كان عليه التعزير ، وليس عليه حد في ذلك. والتعزير والتأديب في ذلك هو بحسب ما يراه الامام. وعن أمير المؤمنين عليه السلام ، انه ضرب يد من فعل ذلك حتى احمرت ، واستتابه وزوجه من بيت المال (1).

* * *

« باب الحد في القيادة وشرب الخمر »

« وكل مسكر من الشراب والفقاع وغير ذلك من الأشربة والمئاكل المحظورة »

إذا جمع إنسان بين الرجال والنساء ، أو الرجال والغلمان للفجور ، كان عليه خمس وسبعون جلدة - وذلك ثلاثة أرباع حد الزاني - ويحلق رأسه ، ويشهر في البلد الذي يفعل ذلك فيه ، وينفى منه الى بلد أخر.

ويثبت الحكم بذلك بشهادة شاهدين عدلين ، أو إقرار الفاعل على نفسه بذلك مرتين. وإذا فعلت امرأة ذلك ، كان عليها مثل ما ذكرنا انه يفعل بالرجل ، الا حلق الرأس والإشهار والنفي ، فإنه لا يفعل بها شي ء من ذلك.

وإذا رمى إنسان غيره بالفساد ، كان عليه التعزير بما دون حد الفرية ، حتى لا يعود إلى أذى المسلمين بذلك.

وإذا شرب إنسان خمرا ، ونبيذا أو مزرا (2) أو نقيعا ، أو غير ذلك - من الأشربة التي

ص: 534


1- الوسائل ، ج 18 ، الباب 3 من أبواب نكاح البهائم ووطء الأموات والاستمناء ، الحديث 1 و 2 ،
2- المزر : نبيذ الشعير والحنطة والحبوب ، والنقيع : شراب يتخذ من زبيب.

يسكر - قليلها أو كثيرها ، وجب الحد ثمانون جلدة ، حرا كان أو عبدا ، مسلما كان أو كافرا ، الا ان المسلم يقام عليه ذلك على كل حال شربه عليها ، والكافر لا يحد الإبان يظهر شرب ذلك بين المسلمين ، أو يخرج بينهم سكران. فان استتر بذلك - فشربه في بيته ، أو كنيسته أو بيعته - لم يجز ان يحد.

والحد يقام على شارب الخمر ، وكل مسكر من الشراب ، قليلا كان أو كثيرا ، لان القليل منه يوجب الحد كما يوجبه الكثير ، لا يختلف الحكم في ذلك.

ويثبت الحكم في ما ذكرناه بشهادة شاهدين عدلين : أو بالإقرار بذلك. فان شهد أحد الشاهدين بالشرب ، والأخر بالقي ء ، قبلت شهادتهما ، ووجب بها الحد. أو يقر على نفسه بشرب ذلك مرتين.

ولا يجوز ان يقبل شهادة على شهادة في الحدود. ولا يجوز أيضا ان يكفل من وجب عليه الحد ، بل يجب ان يقام ذلك عليه على الفور والبدار. ولا يجوز أيضا الشفاعة في إسقاط شي ء من الحدود ، لا عند الامام ولا عند غيره من جميع الناس.

وإذا استحل إنسان شرب شي ء من الخمر ، حل دمه. وكان على الامام عليه السلام ان يستتيبه ، فان تاب ، اقام عليه الحد ان كان شربه ، وان لم يتب قتله. وإذا استحل شرب شي ء من المسكر المخالف للخمر لم يحل دمه ، وللإمام ان يعزره ، ان رأى ذلك ويجلد شارب الخمر وغيره من الأشربة المسكرة على ظهره وكتفه عريانا ، ولا يضرب على وجهه وفرجه.

وإذا أكل إنسان شيئا من الأطعمة وفيه شي ء من الخمر ، أو اصطنع به ، أو استعمل دواء فيه منه ، وهو عالم به ، كان عليه الحد - ثمانون جلدة - فان لم يكن عالما به ، لم يكن عليه شي ء.

ولا يجوز مجالسة شراب الخمر وكل مسكر ، ولا الجلوس على مائدة يشرب عليها شي ء من ذلك خمرا كان أو غيره ، وكذلك حكم الفقاع. ومن فعل ذلك وجب عليه التأديب بحسب ما يراه الامام.

ص: 535

وإذا كان شارب المسكر سكران ، لم يقم الحد عليه حتى يفيق ، ثم يقام عليه ذلك وإذا أقيم عليه الحد مرتين وعاد الى شربه بالثالثة ، كان عليه القتل.

وإذا باع إنسان الخمر أو غيره من الشراب المسكر ، أو اشتراه ، كان عليه التأديب فان فعل ذلك وهو مستحل له ، استتيب ، فان تاب ، والأوجب عليه القتل مثل ما يجب على المرتد.

والحكم في شرب الفقاع في وجوب الحد عليه ، وتأديب من يتجر فيه ، وتعزير من يستعمله ، حكم الخمر سواء.

وإذا شرب إنسان خمرا أو غيرها ، مما يوجب الحد والتأديب ، ثم تاب قبل قيام البينة عليه بذلك ، سقط الحد عنه. وان تاب بعد قيام البينة عليه به ، أقيم الحد عليه فان أقر على نفسه وتاب بعد الإقرار ، جاز للإمام عليه السلام ان يعفو عنه ، وكان مخيرا بين ذلك وبين اقامة الحد عليه.

فان شرب المسكر في شهر رمضان ، أو في مكان شريف ، مثل حرم اللّه تعالى وحرم رسوله أو أحد الأئمة عليهم السلام ، أقيم عليه الحد ، وأدب زائدا على ذلك ، لانتهاكه حرمة الحرم الذي ذكرناه.

وإذا كان الإنسان مولودا على فطرة الإسلام ، واستحل شيئا من الدم والميتة ، أو لحم الخنزير ، كان مرتدا ، ووجب عليه القتل. وإذا تناول منه شيئا وهو محرم له ، كان عليه التعزير ، فان عاد الى ذلك أدب وغلظت عقوبته ، وان تكرر منه ذلك دفعات وجب عليه القتل.

وإذا قامت البينة على الإنسان بتحريم الربا واكله عوقب حتى يتوب ، فان استحل ذلك ، وجب عليه القتل ، فإن أدب مرتين وعاد الى ذلك ثالثة ، كان عليه القتل وإذا اتجر إنسان في السموم القاتلة ، كان عليه العقاب والتأديب ، وان استمر على ذلك ولم ينته عنه ، وجب عليه القتل.

وإذا أكل لحم السمك المحرم كالمارماهي ، والجري ، ومسوخ السمك كلها

ص: 536

ومسوخ البر ، والطحال ، وسباع الطير ، وما جرى مجرى ذلك من المحرمات ، وجب عليه التعزير ، فاذا عاد أدب ثانية. فان استحل شيئا مما ذكرناه ، وجب القتل عليه.

* * *

« باب الحد في السرقة »

الحد الذي يقطع يد السارق فيه ، ربع دينار أو أكثر منه أو ما قيمته ذلك ، من اى جنس فان كان من ذهب مضروب منقوش ، قطع به. وان كان تبرأ (1) من ذهب المعادن وتحتاج الى سك وعلاج ، لم يجب القطع به. وان كان ذهبا خالصا غير مضروب ، جاز القطع به.

والقطع انما يجب بما ذكرنا ذلك ، إذا سرق من حرز ، والحرز هو كل موضع لم يكن لغير المتصرف الدخول فيه واليه الا بإذنه ، أو يكون مقفلا عليه ، أو مدفونا وكل موضع يطرقه الناس اجمع ، ولا يختص واحدا منهم ، فليس ذلك بحرز وهو مثل الخانات ، والحمامات ، والأرحية ، والمساجد ، وما أشبه ذلك.

فاذا سرق بالغ كامل العقل ، وكانت الشبهة غير (2) مرتفعة ، وجب عليه القطع ، حرا كان أو عبدا ، مسلما كان أو كافرا.

فان سرق من غير حرز ، لم يجب عليه قطع. وإذا كان الشي ء في الخانات ونحوها مما ليس بحرز ، مدفونا أو مقفلا عليه ، فسرقه إنسان ، كان عليه القطع ، لان صاحبه قد أحرزه بالدفن والقفل ، وقد ذكرنا ان الحرز هو كل موضع لم يكن لغير المتصرف فيه ، الدخول اليه الا بإذنه.

فإن كان هذا الموضع مفتوحا غير مغلق ولا مقفل ، كالدار وما أشبهها ، وفيها بيوت مغلقة ، وفي قاعتها (3) شي ء ، لم يكن ذلك في حرز ، وما يكون داخل البيوت

ص: 537


1- اى قطعة.
2- كذا في النسخ والظاهر زيادة كلمة « غير ».
3- القاعة : ساحة الدار.

المغلقة ، في حرز. فان سرق سارق مما في هذه الدار المفتوح بابها مما هو في قاعتها وخارج عن بيوتها المقفلة ، لم يكن سارقا من حرز. فان كان بابها مغلقا عليها ، كان ما في قاعتها وبيوتها في حرز ولو كانت أبواب بيوتها وخزائنها مفتوحة ، فإن كان بابها مفتوحا وأبواب بيوتها وخزائنها مفتوحة : لم يكن ذلك حرزا. وان كان صاحبها فيها وكانت أبوابها مفتوحة ، فليس شي ء منها بحرز. الا ما كان يراعيه ببصره دون غيره ، وكذلك ما جرى مجرى الدار من المنازل وما أشبهها.

واما باب الدار ، فاذا نصب ودار في مكانه ، كان في حرز ، سواء كان مغلقا أو مفتوحا. واما أبواب البيوت والخزائن التي دخلها ، فهي كالمتاع في الدار ، فان كانت هذه الأبواب مغلقة ، فهي في حرز ، وان كان باب الدار مغلقا فهي في حرز.

واما حلقة الدار ان كانت قد سمرت (1) فيه ، فهي في حرز ، لأن العادة جارية في الاحتراز عليها بسمرها في الباب ، فان قلعها إنسان وكانت قيمتها نصابا ، كان عليه القطع. واما حائط الدار والذي فيه مبني (2) ، من آجر أو حجر أو خشب ، فهو في حرز ، لان ما كان حرزا لغيره في نفسه حرز. فان هدم إنسان شيئا من الحائط وأخذ منه ما قيمته النصاب ، كان عليه القطع.

وإذا أخرج السارق متاعا من بيت في الدار الى صحنها ، وكان باب البيت مفتوحا ، وكذلك باب الدار ، لم يكن عليه قطع ، لأنه لم يخرجه من حرز. فان كان باب الدار مفتوحا وباب البيت مغلقا على المتاع ، كان عليه القطع ، لأنه قد أخرجه من حرز الى غير حرز ، لان باب الدار إذا كان مفتوحا ، لم يكن صحنها حرزا. وان كان باب الدار مغلقا ، وباب البيت مفتوحا ، واخرج المتاع منه الى الصحن ، لم يجب عليه القطع ، لان البيت إذا كان مفتوحا لم يكن حرزا ، فإذا أخرجه إلى الصحن ، كان قد أخرجه من غير حرز الى ما هو حرز ، فلا قطع عليه. وان كان

ص: 538


1- بمسمار.
2- اى ما يستعمل في بناء الحائط.

باب البيت مغلقا وباب الدار مغلقا ، واخرج المتاع من البيت الى الصحن لم يكن عليه القطع (1) ، لأنه أخرجه من حرز الى حرز.

فان كان الموضع من الخانات التي فيها بيوت ، ولكل إنسان بيت مقفل والصحن مشترك بين الجماعة التي فيه ، كان كل بيت مقفل فيه حرزا لما فيه. فان نقبه إنسان أو كسر قفله ، واخرج منه ما قيمته ، نصاب الى صحن الخان ، كان عليه القطع ، لأنه أخرج ذلك من حرز الى غير حرز. فان الخان يجرى مجرى الدرب الذي فيه حجرتان ، الحجرة حرز لما فيها.

فإذا أخرج السارق من الحجرة شيئا الى الدرب فقد أخرجه من حرز الى غير حرز ، وكذلك الخان مع بيوته ، ولا فرق في ذلك بين ان يكون باب الخان مغلقا أو مفتوحا ، بخلاف ما ذكرناه في الدار ، لان صحنه مشترك بين الناس. وليس صحن الدار التي ينفرد بها واحد جاريا هذا المجرى.

وإذا نقب اثنان موضعا ، ودخل أحدهما ، فأخذ المتاع ووضعه في موضع النقب وأخذه الخارج منه ، لم يجب على واحد منهما ، لأنه لم يخرجه من كمال الحرز ، ويجرى مجرى ان يضعه في بعض البيت ، ويجتاز مجتاز فيأخذه من النقب ، فإنه لا قطع على واحد منها. وإذا نقب واحد منهما ودخل الأخر فاخرج نصابا ، لم يكن عليهما قطع.

وإذا كان في الحرز ماء يجرى ، فأخذ المتاع فوضعه على الماء ، فأخرجه الماء من الحرز ثم أخذه ، كان عليه القطع ، لأنه أخرج المتاع بآلة ، كما لو أخرجه بخشبة أو جرة بحبل أو ما أشبه ذلك. وكذلك لو وضعه على دابة وساقها فخرجت به الدابة ، كان عليه القطع ، لأنه خرج بفعله. وكذلك لو وضعه عليها ولم يسقها.

فان كان في الحرز ماء راكد ، فوضع المتاع فيه ، فانفجر وخرج المتاع معه ،

ص: 539


1- وفي نسخة «. واخرج المتاع من البيت الى الصحن ، عليه القطع لأنه أخرجه من حرز الى غير حرز ».

لم يكن عليه القطع لأنه خرج بغير قصد. فإن أخذ المتاع ورمى به خارج الحرز فطيرته الريح وإعانته على إخراجه ولو لا الريح لما خرج ، كان عليه القطع ، لان الاعتبار بابتداء فعله لا بمعاونة الريح على نقله ، ويجرى مجرى رميه منها في الغرض (1) فإنه إذا رماه وأطارته الريح فأصاب الغرض ، كان له اصابة في ان الاعتبار بابتداء فعله ، لا بمعاونة الريح له.

وإذا دخل حرزا فأخذ منه جوهرة فبلعها ، فخرج منها وهي باقية في جوفه ، كان عليه القطع ، لأنه أخرجها في وعاء ، كما لو جعلها في جراب (2) أو ما أشبه ذلك وقد ذكر : انه لا قطع عليه. وما ذكرناه أظهر.

وإذا كان في الحرز شاة فذبحها ، وكانت قيمتها قبل الذبح ربع دينار ونقصت عن ذلك بعد الذبح ، وأخرجها بعد ذلك ، لم يجب عليه القطع ، لان ذلك انما يجب عليه إذا اخرج من الحرز نصابا كاملا ، وهذه الشاة بعد ذبحها ليست كذلك.

وإذا اشترك ثلاثة نفر في إخراج نصاب من الحرز ، قطع جميعهم ، وان كان أقل من نصاب لم يقطعوا.

وإذا نقب اثنان موضعا. ودخله الواحد منهما ، فأخذ السرقة واخرج يده من الحرز والسرقة فيها ، فأخذها الخارج من الحرز ، أو رمى بها الى خارج الحرز فأخذها الخارج ، كان له (3) القطع على الذي أخرج يده وهو فيها والذي رمى بها ، وليس على الخارج من الحرز قطع.

وإذا نقبا موضعا فدخل الواحد منهما فحمل السرقة ووضعها قريبا من البيت ، فادخل الخارج يده الى الحرز فأخذها ، كان عليه القطع ، دون الذي هو داخل الحرز

وإذا نقب إنسان حرزا وهتكه ومضى عنه ولم يخرج منه شيئا ، واجتاز آخر

ص: 540


1- إشارة الى ما ذكر في باب السبق والرماية.
2- الجراب : وعاء من إهاب الشاة.
3- اى لصاحب المال

فوجد الحرز مهتوكا بالنقب فدخل واخرج السرقة منه ، لم يجب على واحد منهما قطع ، لأن الأول نقب ولم يأخذ شيئا ولا أخرجه والثاني أخرجه من حرز مهتوك.

وإذا نقب إنسان وحده موضعا ودخله واخرج منه ثمن دينار ، ثم جاء الليلة الثانية فأخرج منه ثمن دينار ، كان عليه القطع ، وقال بعض الناس : ليس عليه قطع. وما ذكرناه هو الصحيح ، لأنه أخرج نصابا من حرز هتكه هو. وكذلك القول لو اخرج ثمن دينار ثم عاد من ليلته واخرج ثمن دينار آخر في ان عليه القطع.

وإذا نقب ودخل الحرز فذبح شاة ، كان عليه ما بين قيمتها حية ومذبوحة. فإن أخرجها بعد الذبح وكان قيمتها نصابا ، كان عليه القطع : وان كان قيمتها أقل من نصاب لم يجب عليه القطع.

وإذا كانت المسألة بحالها ، فأخذ ثوبا فشقه ، كان عليه ما نقص بالتخريق. فإن أخرجه من الحرز وقيمته نصاب ، كان عليه القطع ، وان كانت أقل من نصاب لم يكن عليه قطع.

وإذا سرق إنسان شيئا يجب فيه القطع ولم يقطع حتى ملكه بابتياع أو هبة أو ما أشبه ذلك ، لم يسقط القطع عنه سواء ملكه قبل الترافع الى الحاكم أو بعده ، الا انه إذا ملكه قبل الترافع الى الحاكم لم يقطع ، لا لان القطع سقط عنه ، لكن لأنه لا مطالبة له بذلك ، ولا قطع بغيره مطالبة السرقة.

وإذا نقب حرزا ومعه صبي صغير ليس له تميز ، ثم امره بدخول الحرز ، فدخله واخرج السرقة فأخذها هو ، كان عليه القطع ، لقوله تعالى (1) ( وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما ) ، ولم يفرق وإذا سرق حرا صغيرا وكان عليه حلي كان عليه القطع.

وإذا ثبت بينة على إنسان : بأنه سرق من حرز رجل نصابا ، فقال السارق : المال لي. كان القول قول صاحب الحرز : ان المال له ، لأنه قد ثبت أنه أخذه منه فاذا حلف لم يلزم السارق قطع ، لأنه صار حقا وصار شبهة ، لوقوع التنازع في المال. والحد

ص: 541


1- المائدة - 38

لا يجب مع الشبهة.

وإذا سرق إنسان من ستارة الكعبة وهي محيطة عليها ما قيمته ربع دينار ، كان عليه القطع ، لأن الرواية (1) عندنا تضمنت : ان القائم عليه السلام إذا ظهر قطع أيدي بني شيبة ، وقال : هؤلاء سراق اللّه. وذلك يدل على ان في ذلك قطعا (2).

وإذا استعار إنسان من غيره بيتا ، فجعل متاعه فيه ، فنقب المعير له وسرق المتاع ، كان عليه القطع.

وإذا سرق الضيف من حرز مضيفه نصابا ، لم يجب عليه القطع.

وإذا أخرج النباش الكفن من القبر الى وجه الأرض ، كان عليه القطع.

فإن أخرجه من اللحد الى بعض القبر ، لم يجب عليه القطع.

وإذا سرق إنسان من الغنيمة وكان ممن له فيها نصيب ، وكان ما سرقه أكثر.من نصيبه مما يكون بعده نصابا يجب فيه القطع أو أكثر من ذلك ، كان عليه القطع وإذا كان أقل من ذلك ، لم يجب عليه قطع. وان كانت السارق ممن ليس له نصيب في الغنيمة وكان من أصحاب الخمس ، كان حكمه فيما يسرقه مثل ما قدمناه ممن له نصيب من الغنيمة في انه ان كان ما سرقه أكثر من سهمه بمقدار نصاب ، يجب فيه القطع وان كان أقل من ذلك لم يقطع. وان سرق واحد من هؤلاء ما يكون مقداره مقدار ما يصيب من الغنائم ، أو سهمه من الخمس ان لم يكن من أصحاب الغنيمة لم يكن عليه قطع. وان كان السارق من غير الغانمين وغير أصحاب الخمس ، فسرق (3) وأحد من الغانمين من الأربعة الأخماس ، وليس هو من أصحاب الخمس ، كان عليه القطع على كل حال.

ص: 542


1- بين المباشرة والتسبيب
2- الوسائل ج 9 ، الباب 22 من أبواب مقدمات الطواف ، الحديث 3.
3- في بعض النسخ زيادة ما يشبه بكلمة « هو » فتكون ضمير فصل قبل حرف العطف.

« باب ذكر من لا يقام عليه الحد »

قد سلف قولنا : بان الحامل والنفساء والمستحاضة ، لا يقام عليهن حد وهن (1) كذلك. وذكرنا أيضا انه لا يقام الحد على من وجب عليه في الحر الشديد ، ولا في البرد الشديد ، وكيف يقام عليهن. وكذلك ما يتعلق بالمريض. فلا وجه لا عادته.

فان دخل إنسان حماما فسرق ثيابه ، فان كان دفعها الى الحمامي وامره بحفظها ، كان الحمامي مودعا ، فان راعاها مراعاة جيدة بان لم يترك النظر إليها احتياطا في حفظها ، فسرقت بحيث لا يعلم ، لم يكن عليه شي ء ، وكان على السارق ضمانها والقطع فان توانى الحمامي في مراعاتها ، أو نام في حفظها ، أو اشتغل بالحديث أو غيره ، أو أعرض عنها ، أو وضع الثياب خلفه فسرقت ، كان على الحمامي ضمانها لأنه مفرط في حفظها ، وكان على السارق غرمها ولم يكن عليه قطع ، لأنه لم يسرقها من حرز.

فان دخل الحمام وجعل ثيابه على حصير أو علقها على وتد بحسب ما جرت العادة به ، ولم يدفعها إلى الحمامي ولا استحفظه إياها ، فليس الحمامي مودعا لذلك وهذه الثياب في غير حرز ، فان سرقت ، لم يجب على سارقها قطع لأنه سرقها من غير حرز كما قدمناه ، ولان المكان مأذون في الدخول اليه واستطراقه ، فما جعل فيه كان في غير حرز.

وإذا شرب الذمي الخمر من غير ان يتظاهر بذلك بين المسلمين ، فقد ذكرنا انه لأحد عليه. وإذا كان الذمي مجوسيا فنكح امه غير متظاهر بذلك ، لم يكن عليه حد ، لأنه بذل الجزية على مقامه على دينه واعتقاده ، فاذا كان هذا النكاح مما يقتضيه دينه ، لم يجز الاعتراض عليه فيه.

وإذا سرق من نماء الوقف وهو من اهله ، لم يقطع ، لان له فيه حقا ، كما لو سرق من بيت المال.

ص: 543


1- في بعض النسخ « لا يقام عليهن حدودهن كذلك ».

وإذا سرق وله يمين كاملة ، أو ناقصة وقد ذهب أصابعها إلا واحدة ، قطعت هذه اليمين. فان لم يكن فيه إصبع فإنما يكفى (1) الكف وحدها أو بعض الكف ، لم يقطع ، لان القطع لا يتعلق عندنا إلا بالأصابع ، فمن لم يكن له أصابع ، لم يجب عليه قطع غيرها الا بدليل.

فان كانت شلاء ، فذكر أهل الخبرة بالطب : انها ان قطعت بقيت أفواه العروق مفتحة ، كانت كالمعدومة. فان ذكروا : انها تندمل ، قطعت الشلاء.

فان سرق ويمينه كاملة ، ثم ذهبت قبل ان يقطع بالسرقة لمرض أو آكلة أو آفة ، سقط عنه القطع.

وإذا سرق وليس له يمين ، قطعت رجله اليسرى. وذكر انه قطع يساره ، والأول أظهر.

وإذا سرق من غير حرز ، لم يقطع في شي ء من ذلك.

وإذا سرق العبد من مال سيده ، لم يقطع.

وإذا سرق أحد الزوجين من مال الأخر من غير حرز ، لم يقطع.

وإذا سرق من مال ابنه ابنته وأولادهما وان نزلوا ، لم يقطع.

وإذا سرق من بيت المال أو الغنيمة مقدار ما له فيه من العطاء والاستحقاق ، لم يقطع.

وليس في الكلب والخنزير قطع لأنهما حرام ، وكذلك ثمنهما.

وإذا ترك الجمال ، الجمال والأحمال في مكان ومضى لحاجة ، كان كل ما معها من متاع وغيره في غير حرز ، لا قطع في شي ء من ذلك.

وإذا أقر بالسرقة مختارا ورجع عن ذلك ، سقط عنه القطع ، وكان عليه رد السرقة.

وإذا تاب من السرقة قبل قيام البينة عليه بذلك ، ثم قامت عليه بعد ذلك ،

ص: 544


1- كذا في النسخ ولعل الصحيح « يبقى »

لم يجب عليه قطع ، وكان عليه رد السرقة.

وإذا سرق مأكولا في عام مجاعة ، لم يكن عليه قطع.

وإذا سرق شيئا من جيب إنسان أو كمه وكانا ظاهرين ، لم يكن عليه قطع وكان عليه التأديب ، فان كانا باطنين ، كان عليه القطع.

وإذا سرق شيئا من الفواكه وهي في الشجرة ، لم يكن عليه قطع ، وكان عليه التأديب.

وما زاد على ذلك فقد تقدم ذكره ، فلا وجه لا عادته.

* * *

« باب صفة قطع اليد والرجل في السرقة »

إذا وجب على إنسان قطع يده في السرقة ، قطعت يده اليمنى من أصول الأصابع فإن سرق ثانيا ، قطعت رجله اليسرى من أصل الساق عند معقد الشراك (1) من ظهر القدم ، وترك له ما يعتمد عليه. فان سرق ثالثا ، خلد الحبس. فان سرق رابعا ، قتل

فاذا قدم لقطع يده ، فينبغي ان يجلس ، لا يقطع وهو قائم. ويضبط ضبطا جيدا ، لئلا يضطرب ويتحرك فيجني على نفسه. وتشد يده بحبل ، ويمد حتى يبين المفاصل من أصابعه ، ويوضع يده على لوح أو غيره مما يسهل ويعجل قطعه. ويوضع على المفصل سكين حاد ، ويدق من فوقها دقة واحدة ، حتى ينقطع ذلك باعجل ما يمكن ، ان أمكن ذلك ، أو يوضع على ذلك شي ء حاد ويمد عليه مدة واحدة. ولا يكرر القطع فيعذب المقطوع بذلك. لان الغرض اقامة الحد عليه من غير تعذيب له. فان علم القاطع ما هو اعجل من ذلك في القطع قطع به.

وإذا قطعت اليد حسمت ، والحسم أن يغلي الزيت ، فاذا قطعت جعل موضع القطع في الزيت المغلي حتى يسد أفواه العروق وينحسم خروج الدم منها. فان

ص: 545


1- الشراك : سير النعل على ظهر القدم

لم يفعل الامام ذلك ، لم يكن عليه شي ء ، لأن الذي عليه اقامة الحد ، ليس عليه مداواة المحدود. فان شاء المقطوع مداواة نفسه ، كان له ذلك. وإذا حسمت اليد ، علقت في عنقه ساعة ، لأن ذلك أزجر وأردع (1) ، ولان ذلك من السنة لأنه مروي ان النبي صلى اللّه عليه وآله فعله (2).

* * *

« باب الحد في الفرية ، وما يوجب التعزير »

إذا كان الإنسان بالغا كامل العقل ، رجلا كان أو امرأة ، حرا كان أو عبدا ، مسلما كان أو كافرا ، وافترى على غيره من الأحرار البالغين المسلمين. بان قذفه بالزنا أو باللواط أو بأنه منكوح أو بما جرى مجرى ذلك ، أو ما هو في معناه ، بأي لغة كانت ، وكان عارفا بموضع اللغة وفائدتها ، وجب عليه حد القاذف وهو ثمانون جلدة ، حرا كان أو عبدا.

فان قال له شيئا مما ذكرناه ، وهو غير عالم بفائدة تلك اللغة ولا موضع لفظها لم يجب عليه حد ولا غيره. ويجب ان يراعى في المقذوف شرائط ، إذا تكاملت فيه وجب حد القاذف له ، وإذا اختل جميعها أو بعضها لم يجب حده ، وهي : ان يكون بالغا عاقلا ، حرا ، مسلما ، عفيفا عن الزنا.

وإذا افترى على امرأة ، فقذفها بأنها زانية ، أو قد زنت ، وجب الحد عليه ، كما يجب عليه ذلك إذا قذف الرجل بشي ء من ذلك ، سواء. وإذا قال شيئا من ذلك وهو غير بالغ ، لم يكن عليه حد ، وكان عليه التأديب ، وكذلك ان قاله لمن هو غير بالغ.

فان قال ذلك لعبد أو امة ، أو كافر أو كافرة ، وجب عليه التعزير ، ولم يجب

ص: 546


1- لنفسه ولغيره ، ويحتمل ان يكون معناه : انه امنع من خروج الدم
2- المبسوط ، ج 8 ، ص 36

عليه حد لئلا يؤذى المماليك وأهل الذمة.

وإذا قال لغيره : يا بن الزاني ، أو يا بن الزانية ، أو قد زنت بك أمك ، أو ولدت من الزنا ، وجب عليه الحد. وكانت المطالبة بذلك إلى أولياء المقول له ذلك. فان عفت عنه كان جائزا.

فإن كانت ميتة ولم يكن لها ولد الا المقذوف ، كان له المطالبة بذلك أو العفو عنه. فان كان لها من الأولياء أكثر من واحد وعفى بعضهم دون بعض ، كان لمن ( لم ) يعف (1) عنهم المطالبة بإقامة الحد عليه على كماله. وان قال لغيره : يا بن الزاني ، أو زنا بك أبوك أو لاط ، وجب عليه الحد لأبيه. ويجرى الحكم في العفو هاهنا أو المطالبة بذلك ، ان كان الأب حيا أو ميتا ، مجرى ما تقدم ذكره في الأم سواء

ومن عفى عن الحد من الأولياء ، مع كون من قذف حيا ، لم يجز عفوه ، وانما يجوز له ذلك إذا كان ميتا ، ومن عفى عن شي ء من الحدود ، لم يجز له ان يطالبه ما عفى عنه بعد ذلك ، ولا الرجوع فيه.

وإذا قال له : يا بن الزانيين ، أو زنا بك أبواك ، أو أبواك زانيان ، كان عليه حدان ، أحدهما للأب والأخر للام. فان كان الأبوان حيين ، كان لهما المطالبة بذلك أو العفو عنه. وان كانا ميتين ، كان ذلك لأوليائهما ، كما قدمناه.

وحكم العم والعمة ، والخال والخالة ، وغيرهم من ذوي الأرحام ، حكم الأخ والأخت في أن الولي ، الأولى بهم ، يقوم بمطالبتهم الحد ، وله العفو عنه أيضا عن ذلك على ما تقدم بيانه.

وإذا قال : ابنتك زانية ، أو قد زنت ، أو ابنك زان أو لاط ، وجب الحد عليه وللمقذوف المطالبة بذلك أو العفو عنه ، سواء كان الابن والبنت حيين أو ميتين ، فان سبقه الابن أو البنت الى العفو ، كان ذلك ماضيا.

وإذا قال لغيره : يا زاني ، وأقيم عليه الحد. ثم قال ذلك ثانيا ، كان عليه

ص: 547


1- والظاهر سقوط كلمة « لم »

الحد أيضا ثانيا. فان قال له ذلك ثالثا ، كان عليه أيضا الحد ثالثا. فان قال له :الذي قلته لك كان صحيحا ، كان عليه التعزير ولم يجب عليه حد. وإذا قال له دفعات كثيرة ، واحدة بعد اخرى : يا زاني ، ولم يقم عليه في شي ء منها حد ، لم يكن عليه غير حد واحد وإذا أقيم على إنسان حد ثلاث مرات ، وجب عليه القتل في الرابعة.

وإذا قال لجماعة من الرجال أو النساء ، أو الرجال والنساء : يا زناة ، أو قد زنيتم ، أو زنوا - وجاؤا به مجتمعين - ، وجب لهم عليه حد واحد ، وان جاؤا به مفترقين ، كان عليه لكل واحد منهم حد واحد.

وإذا قال لغيره : قد زنيت بفلانة. وكانت المرأة ممن يجب الحد لها ، كان عليه حدان ، حد للرجل وحد للمرأة. وإذا قال له قد لطت بفلان ، كان عليه من الحد أيضا مثل ذلك.

فان كان الرجل أو المرأة غير بالغة ، أو كانا (1) بالغين ولم يكونا حرين ، أو لم يكونا مسلمين ، كان عليه الحد لقذفه إياه (2) ، والتعزير لأنه نسبه الى المذكورين.

وإذا قال لرجل : يا زوج الزانية ، أو زنت زوجتك ، وجب الحد للزوجة ، وكان لها المطالبة بذلك أو العفو ان كانت حية. فإن كانت ميتة ، كان ذلك لأوليائها وليس للزوج شي ء في الحد.

وإذا قال لمملوك أو كافر : يا بن الزانية ، أو يا بن الزاني ، وكان أبواه حرين مسلمين ، كان عليه الحد ، لان الحد لمن يواجهه بالقذف. فكان له الحد كاملا. وإذا قال لمسلم : يا بن الزانية ، أو أمك زانية ، وكانت الأم كافرة أو مملوكة ، كان عليه الحد لحرمة ولدها الحر المسلم.

وإذا تقاذف بعض أهل الذمة بعضا ، كان عليهم التعزير ولا حد عليهم. وكذلك الحكم في العبيد والصبيان.

ص: 548


1- اى المفعولين في المسألتين
2- أي الفاعل

وإذا قال لابن الملاعنة : يا بن الزانية ، أو قد زنت بك أمك ، كان عليه الحد لأمه.

إذا كانت أم ولد الزنا قد أقيم عليها (1) وقال له إنسان : زنت بك أمك ، أو قال له : يا بن الزانية ، كان عليه التعزير ، ولم يجب عليه حد. وإذا قال له ذلك وكانت قد تابت وأظهرت التوبة ، وجب الحد عليه.

وإذا قذف محصنا أو محصنة ، لم تقبل شهادته بعد ذلك ، الا ان يتوب أو يرجع ، وليس يصح توبته من ذلك الا بان يكذب نفسه في ملاء من الناس في المكان الذي قذف فيه.

ويثبت الحد بالقذف بشهادة شاهدين عدلين ، أو إقرار القاذف على نفسه بذلك مرتين.

وإذا ثبت ذلك ، أقيم الحد عليه. ولا يكون الحد في القذف مثل الجلد في الزنا في القوة والشدة ، بل يكون دون ذلك ، ويجلد القاذف فوق الثياب ولا ينزع عنه

ولا يجوز للإمام عليه السلام العفو عن القاذف ، لان ذلك الى المقذوف دون غيره من سائر الناس ، ولا فرق في ذلك بين ان يكون الحد يثبت على القاذف ببينة أو إقرار ، أو تاب أو لم يتب. فان العفو في جميع ذلك الى المقذوف كما ذكرناه فيما سلف. وإذا قذف إنسان مكاتبا ضرب بحساب ما عتق منه حد الحر ، ويعزر بما يبقى فيه من الرق.

وإذا قال لامرأة (2) : يا زانية ، أنا زنيت بك ، وجب عليه حد القاذف لقذفه ولم يجب عليه شي ء فيما ذكرناه عن نفسه من الزنا الا ان يقرا ربع مرات ، فيجب حينئذ عليه حد الزنا.

وإذا قال لولده : قد زنيت ، أو يا زانى ، لم يجب عليه حد. فان قال له :

ص: 549


1- في بعض النسخ زيادة كلمة « الحد ».
2- وفي نسخة « لامرأة »

يا بن الزانية ولم ينتف منه ، كان عليه الحد لزوجته - أم المقذوف - ان كانت حية وان كانت ميتة وكان وليها ولده لم يكن له المطالبة بالحد. فان كان لها أولاد من غيره أو قرابة ، كان المطالبة بالحد. فان انتفى من ولده ، كان عليه ان يلاعن امه ، وقد سلف ذكر كيفية اللعان.

فان انتفى منه بعد إقراره به ، كان عليه الحد. وان كان قذفها بعد اللعان كان عليه الحد أيضا.

وإذا تقاذف اثنان بما يجب الحد فيه ، لم يجب على واحد منهما حد لصاحبه وكان عليهما التعزير.

وإذا قال لغيره : يا كشحان ، أو يا قرنان (1) أو يا ديوث ، وكان متكلما باللغة التي يفيد فيها بهذا اللفظ ، رميه بأخت أو زوجة ، وكان عالما بفائدة اللفظة عارفا بها كان عليه الحد فان لم يكن عارفا بفائدة اللفظ ، لم يكن عليه حد القذف ، وينظر في عادته واستعماله هذه اللفظة ، فإن كان قبيحا غير انه لا يفيد القذف ، أدب وعزر ، فإن أفاد غير ذلك في عادته ، لم يجب عليه شي ء.

وإذا قال لغيره : يا فاسق ، أو يا خائن ، أو يا شارب الخمر ، وهو على ظاهر العدالة ، لم يجب عليه حد قاذف وكان عليه التأديب.

وإذا قال : حملت بك أمك في حيضها ، أو أنت ولد حرام ، كان عليه التعزير ولم يجب عليه حد القذف.

وإذا قال للمسلم : أنت وضيع ، أو رفيع (2) ، أو مسخ ، أو خسيس ، أو خنزير أو ما أشبه ذلك ، كان عليه التعزير. فان كان المقول له كافرا يستحق الاستخفاف

ص: 550


1- قيل القرنان من يدخل على بناته والكشحان من يدخل على أخواته ، راجع الروضة البهية.
2- كذا في النسخ ولعل معناه « متكبر » ويحتمل ان يكون أصله « رفيغ » بالمعجمة ، يقال الرفغ للسفال من الناس

والإهانة ، لم يجب عليه شي ء.

وإذا قال لغيره : يا كافر وهو على ظاهر الإسلام ، ضرب ضربا وجيعا. فان كان المقول له يجحد فريضة عامة معلومة في شرع الإسلام ، لم يجب عليه شي ء.

وإذا وجه غيره بكلام محتمل للسب وغيره ، أدب وعزر حتى لا يعرض بأهل الايمان. وإذا عيره بشي ء من بلاء اللّه تعالى مثل البرص والجذام والعمى والجنون وما أشبه ذلك ، أو أظهر عنه ما هو مستور من بلاء اللّه تعالى ، كان عليه التأديب ، الا ان يكون المعير به ضالا كافرا.

وكل لفظ يؤذى به الإنسان غيره من المسلمين ، فإنه يجب على المتكلم به التعزير.

وإذا نبز (1) إنسان مسلما أو اغتابه ويثبت عليه بينة بذلك وجب عليه التأديب.

وإذا قال لزوجته بعد دخوله بها : لم أجدك عذراء ، كان عليه التعزير.

وإذا سب إنسان النبي صلى اللّه عليه وآله أو أحدا من الأئمة عليهم السلام كان عليه القتل وحل لمن سمعه قتله ان لم يخف على نفسه أو على غيره ، فان خاف على شي ء من ذلك ، أو خاف ضررا يدخل على بعض المؤمنين في الحال أو في المستقبل ، فلا يتعرض لقتله ، ويتركه.

وإذا هجا إنسان مسلما وجب عليه التأديب. فأن هجا أهل الضلال لم يلزمه شي ء وإذا ادعى رجل انه نبي ، كان عليه القتل وحل دمه.

وإذا قال إنسان : لا أدرى النبي صادق أم كاذب ، وانا شاك في ذلك ، وجب قتله الا ان يقربه (2).

وإذا أفطر المسلم في شهر رمضان متعمدا من غير عذر يبيحه ذلك ، كان عليه التعزير والعقوبة الموجعة. وان أفطر ثلاثة أيام ، سئل : هل عليك في ذلك

ص: 551


1- نبز غيره : اى لقبه بالألفاظ المستهجنة القبيحة
2- اى يقر بهذا القول في حقه من جانب الحكومة الإسلامية ، مثل أهل الذمة.

شي ء (1) أم لا؟ فان قال : لا ، كان عليه القتل ، وان قال : نعم ، كان عليه من العقوبة ما يردعه عن مثل ذلك. فان لم يرتدع ، كان عليه القتل.

وإذا قامت البينة على إنسان من المسلمين بالسحر كان عليه القتل. وان كان كافرا وجب تأديبه وعقوبته.

وإذا أخطأ مملوك أو صبي أدب بخمس ضربات الى ست ، ولا يزاد على ذلك.

وإذا ضرب إنسان عبده بما هو حد ، كان عليه عتقه كفارة لذلك.

وإذا كان المرتد مولودا على فطرة الإسلام وجب قتله من غير استتابة ، فإن تاب لم يكن لأحد عليه سبيل ، وان لم يتب قتل على كل حال. والمرتدة عن الإسلام لا يجب عليها قتل بل تستاب ، فان لم تتب تحبس ابدا وتضرب في أوقات الصلاة ويضيق عليها في المطعم والمشرب.

وإذا وطأ الرجل زوجته في حيضها وجب ضربه خمسة وعشرون سوطا. فإن وطأها في شهر رمضان متعمدا كان عليه خمسة وعشرون سوطا ، فان كانت المرأة قد طاوعته في ذلك ، كان عليها مثل ذلك ، فإن أكرهها كان عليه خمسون سوطا. واما الكفارة التي تلزمها ، فقد تقدم ذكرها.

وشاهدا الزور يجب ان يؤدبا في قومهما أو في قبيلتهما ، ويغرما ما أتلفاه بشهادتهما ان كانا أتلفا شيئا بذلك.

* * *

ص: 552


1- أي اثم وبأس ، راجع الوسائل ، ج 7 ، الباب 2 من أبواب أحكام شهر رمضان ، الحديث 1.

« باب حدود المحارب »

« والخناق ، والنباش ، والمختلس ، والمحتال ، والمبنج (1) »

من كان من أهل الريبة وجرد سلاحا في بر أو بحر ، أو في بلد أو في غير بلد في ديار الإسلام أو في ديار الشرك ، ليلا أو نهارا كان محاربا ، فان قتل ولم يأخذ مالا كان عليه القتل ، ولا يجوز لأولياء المقتول ، العفو عنه على حال ، فان عفوا عنه كان على الامام قتله. فان قتل وأخذ مالا كان عليه رد المال أولا ، ثم يقطع بالسرقة ، ثم يقتل بعد ذلك ويصلب. فإن أخذ المال ولم يقتل أحدا ولا جرحه كان عليه القطع ثم النفي من البلد الذي هو فيه. وان جرح ولم يأخذ مالا ولا قتل أحدا كان عليه القصاص والنفي بعد ذلك من البلد الذي فعل فيه ذلك الى غيره. وان لم يجرح ولا أخذ مالا كان عليه النفي كما قدمناه ، ويكتب الى البلد الذي ينفى إليه : بأنه منفي محارب فلا يجالس ولا يبابع ولا يؤاكل ولا يشارب ، فان انتقل الى بلد آخر غير البلد الذي نفى اليه ، كوتب إليه أيضا بذلك ، ولا يزال يفعل به ما ذكرناه الى ان يتوب ، فان قصد بلاد الشرك منع من الدخول إليها ، فإن مكنوه من ذلك قوتلوا عليه.

واللص محارب : فان دخل على إنسان ، كان له ان يدافعه عن نفسه ويقاتله ، فإن أدى ذلك الى قتله ، لم يكن عليه شي ء وكان دمه هدرا.

وإذا قطع الطريق جماعة وأقروا بذلك كان حكمهم ما قدمناه. فان لم يقروا وقامت البينة عليهم بذلك كان حكمهم كما تقدم أيضا.

وإذا شهد شاهدان على ان هؤلاء قطعوا الطريق علينا وعلى القافلة وأخذوا متاعا لم يلتفت الى هذه الشهادة ولم يقبل في حق أنفسهما ، لأنهما شهدا لأنفسهما - ولم يقبل شهادة الإنسان لنفسه - ولا يقبل شهادتهما للقافلة أيضا لأنهما قد أبانا عن العداوة ، وشهادة العدو غير مقبولة على عدوه.

وإذا شهد بعض اللصوص على بعض ، لم يقبل شهادتهم ، وكذلك ان شهد

ص: 553


1- بنجه : نومه بالبنج ، والبنج يستعمل في الطب للتخدير.

الذين أخذت أموالهم بعض منهم لبعض ، لم تقبل شهادتهم ، وشهادة غيرهم مقبولة في ذلك

واما الخناق : فان عليه القتل بعد ان يسترجع منه ما أخذه ويرد على صاحبه فان لم يوجد ذلك الشي ء بعينه غرم قيمته أو أرش ما عيناه (1) نقص من ثمنه ، الا ان يعفو عنه صاحبه.

واما النباش ، فإنه إذا نبش القبر وأخذ كفن الميت ، كان عليه القطع كما يكون على السارق سواء. فان نبش القبر ولم يأخذ منه شيئا أدب وغلظت عقوبته ولم يكن عليه قطع على حال. فان تكرر الفعل منه ولم يؤدبه الامام ، كان له قتله ليرتدع غيره في المستقبل عن مثل ذلك.

واما المختلس ، (2) فهو الذي يستلب الشي ء من الطرق والشوارع ظاهرا. فاذا فعل شيئا من ذلك ، وجب ان يعاقب عقوبة يرتدعه عن مثل ما فعله ، وذلك يكون بحسب ما يراه الإمام أصلح وأردع ، ولا يجب عليه قطع في ذلك على وجه من الوجوه

واما المحتال ، فهو الذي يتحيل على أخذ أموال الناس بالخديعة والمكر ، وشهادات الزور ، وتزوير الكتب في الرسائل الكاذبة ، وما جرى مجرى ذلك. فاذا فعل شيئا من ذلك ، كان عليه التأديب ، وينبغي للإمام ان يعاقبه عقوبة تردعه عن فعل مثل ذلك في المستقبل ، ويغرم ما أخذه على كماله.

واما المبنج : فإنه متى بنج غيره بشي ء سقاه أو أطعمه حتى سكر منه وأخذ ماله وجب ان يعاقبه الامام بحسب ما يراه ، ويسترجع منه ما أخذه. فان جنى الإسكار والبنج على ذلك الإنسان جناية ، كان عليه ضمان ما جناه.

« تم كتاب القصاص والحدود »

* * *

ص: 554


1- كذا في بعض النسخ وفي بعضها « عساه »
2- اختلس الشي ء : أي أخذه واختطفه بسرعة على حين غفلة من صاحبه.

« كتاب الشهادة »

اشارة

قال اللّه تعالى « وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ ، فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ » (1).

وقال تعالى « وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ » الاية (2).

وتوعد على كتمانها ، فقال « وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ » (3) فلو لم تكن حجة لما توعد على كتمانها.

وقال « وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ ، فَاجْلِدُوهُمْ » الاية (4)

وقال تعالى « إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ) - الى قوله - ( وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ) » (5)

وعن النبي صلى اللّه عليه وآله ، انه قال : « من سئل عن علم يعلمه فكتمه ، ألجمه اللّه يوم القيامة بلجام من النار » (6).

وروى عن على عليه السلام ، عن النبي صلى اللّه عليه وآله ، انه قال : « ان ملك الموت إذا نزل بقبض روح الفاجر نزل معه بسفود من نار ، فقلت : يا رسول اللّه فهل يصيب ذلك

ص: 555


1- البقرة 282
2- البقرة 283
3- البقرة 283
4- النور 4
5- الطلاق 1 و 2
6- البحار ، ج 2 من الطبع الجديد ، ص 72 ، الحديث 37 مع اختلاف في المتن

أحدا من أمتك؟ قال. نعم حاكما جائرا ، وأكل مال اليتيم ، وشاهد الزور » (1).

وعن على عليه السلام ان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : « يبعث شاهد الزور يوم القيامة يولغ (2) لسانه في النار كما يولغ الكلب لسانه في الإناء » (3).

وقال صلى اللّه عليه وآله : « يقوم القيامة على قوم يشهدون من غير ان يستشهدوا » (4).

فالعدالة معتبرة في صحة الشهادة على المسلم ، وتثبت في الإنسان بشروط وهي البلوغ ، وكمال العقل ، والحصول على ظاهر الايمان ، والستر والعفاف ، واجتناب القبائح ، ونفى الظنة والحسد والتهمة والعداوة. ولا فرق في صحة من كان على هذه الشرائط ووجوب قبولها ، بين ان يكون الشاهد لها رجلا أو امرأة ، قريبا أو أجنبيا ، حرا أو عبدا.

وهي على ثلاثة أضرب ، شهادة الرجال ، وشهادة النساء ، وشهادة الصبيان.

فاما شهادة الرجال ، فضربان ، صحيحة وغير صحيحة فالصحيحة ، هي شهادة من جمع الشروط التي ذكرناها. وشهادة القاذف بعد توبته والمعرفة بذلك منه. وشهادة الشريك لشريكه فيما ليس هو شريكا فيه. وشهادة الأجير على مستأجره ، سواء كان مقيما معه أو كان قد فارقه. وشهادته له بعد مفارقته. وشهادة الوصي لمن هو وصى له ، وشهادته عليه ، إذا كان معه غيره من أهل العدالة ، و (5) استحلف المشهود له. وشهادة الأعمى إذا كان يثبت الشهادة ، وكانت مما لا تفتقر فيه الى الرؤية ، أو كان شهد بذلك قبل العمى. وشهادة الأصم ، ويؤخذ بأول قوله ولا يؤخذ بثانيه. وشهادة ذوي العاهات

ص: 556


1- الوسائل ، ج 18 ، كتاب الشهادة ، الباب 9 ، الحديث 3 وفي دعائم الإسلام ج 2 ، ص 507
2- في نسخة « يدلغ » في الموضعين
3- دعائم الإسلام ، ج 2 ، ص 507 ، الا ان فيه « يدلع » بالمهملة »
4- دعائم الإسلام ، ج 2 ، ص 508 ، مع اختلاف يسير.
5- كذا في النسخ ولعل أصلها « أو ».

والآفات. والشهادة التي يؤديها في حال عدالته من كان قد شهد بها وهو في حال فسقه وشهادة لاعب الحمام. وشهادة المراهن في الخف والحافر ، والريش. وشهادة الوالد لولده ، وشهادته عليه مع غيره من أهل العدالة. وشهادة الولد لوالده. وشهادة الأخ لأخيه وعليه مع غيره من أهل العدالة. وشهادة الزوج لزوجته وعليها مع غيره من أهل العدالة. وشهادة العبيد لساداتهم لا عليهم ، ولغير ساداتهم وعليهم. وشهادة المكاتبين والمدبرين على غير ساداتهم ولهم. وشهادتهم لساداتهم بمقدار ما عتق منهم.

ومن كان له عبدان ، وأشهدهما على نفسه بالإقرار بوارث ، وردت شهادتهما لأجل الميراث ، وجازه (1) غير المقر له ، وأعتقهما ، وشهدا للمقر له ، كان شهادتهما مقبولة ، ويرجع الميراث الى من شهدا له بالإقرار ويعودان رقا له. فان شهدا بان مولاهما كان أعتقهما في الحال التي كان أشهدهما على نفسه بالإقرار ، قبلت هذه الشهادة أيضا ، ولم يسترقهما الذي شهدا له ، لأنهما قد أحييا حقه بشهادتهما له.

واما الشهادة التي هي غير صحيحة ، فشهادة من خالف الإسلام من الكفار - على اختلافهم - على أحد من المسلمين في حال الاختيار ، فان كانت حال ضرورة ، قبلت شهادتهم في الوصية دون غيرها على ما قدمناه. ولا يجوز شهادة أهل الملل المختلفة بعضها على بعض ، بل يقبل شهادة أهل الملة الواحدة بعضهم على بعض الا المسلمون فان شهادتهم مقبولة على الجميع.

وقد ذكر : ان شهادة الكافر على مثله وعلى غيره غير مقبولة ، وهو الأقوى ، لأن العدالة معتبرة في الشهادة ، والكافر غير عدل. ولا يجوز قبول شهادة مبطل على محق وان كان على ظاهر الإسلام. وكذلك شهادة ولد الزنا. ولا يجوز شهادة الفساق ومرتكبي القبائح من شرب الخمر والزنا واللواط واللعب بالشطرنج أو النرد أو ما يجرى مجرى ذلك من آلات القمار ، والارتشاء في الأحكام وغير ذلك من جميع القبائح

ص: 557


1- كذا في أكثر النسخ وفي بعضها « اجازه » والظاهر انهما تصحيف والصحيح « حازه » بالحاء المهملة.

وضروب الفسق على اختلافه ، الا على أنفسهم دون غيرهم. ولا يجوز قبول شهادة الظنين والمتهم ، والخصم ، والأجير لمستأجره مع مقامه معه في الاستئجار ، ولا شهادة المجان (1) ولا شهادة من أخذ الأجر على الأذان ولا شهادة من أخذه على الصلاة. ولا شهادة السائلين في الأسواق ولا على أبواب الدور. ولا شهادة الشريك لشريكه فيما هو شريك فيه. ولا شهادة اللصوص ، الا ان يقروا على أنفسهم بشي ء ، ولا يقبل شهادة من يشهد بها قبل ان يسأل عنها. ولا شهادة الولد على الوالد ، ولا العبد على سيده ، الا ان يكون ذلك بعد عتقه. فاذا شهد شهود على إنسان بأنه قال : اشهدوا على بان ملكي أو داري أو ما جرى مجرى ذلك لفلان ، ولم يذكر صدقة ولا هبة ولا غيرها ، كانت هذه الشهادة باطلة ، وقوله غير صحيح لأنه يتناقض من حيث ان ملكه لا يكون ملكا لغيره ، وينبغي ان يستفسر عن ذلك ، فان كان (2) ملكي ، كان إقرارا ، وان ذكر هبة ، اعتبرت شرطها.

ولا يجوز شهادة واحد في الهلال ، ولا الطلاق ، ولا الحدود ، وما أشبه ذلك

واما شهادة النساء ، فعلى ثلاثة أضرب ، أولها : لا يجوز قبولها على حال ، وثانيها : يجوز ذلك فيها إذا كان معهن غيرهن من الرجال ، وثالثها : يجوز ذلك أيضا فيها. ولا يجوز ان يكون معهن أحد من الرجال.

فاما الأول ، فرؤية الهلال ، والطلاق ، والحدود الا الزنا ، وقد تقدم ذكره.

واما الثاني ، فرجم المحصن ، بان يشهد ثلاثة رجال وامرأتان ، فيقبل شهادتهم ويرجم المشهود عليه بذلك. وان شهد رجلان واربع نسوة ، أو رجل وست نساء بالزنا لم يقبل شهادتهم ، وحدوا حد الفرية. ويقبل شهادتهن في القتل والقصاص ، ولا يقاد بها ولا يقتص ، وانما يجب الدية وحدها بان شهد رجل وامرأتان على إنسان بالقتل أو الجراح وتقبل شهادتهن في الديون مع الرجال وعلى الانفراد بان يشهد رجل وامرأتان على

ص: 558


1- مجن الرجل مجونا : كان لا يبالي قولا وفعلا اى هزل.
2- الظاهر سقط مثل « قال » أو « أجاب » ، ومعنى كان ملكي : إنه ملكي سابقا فيكون إقرارا بأنه لفلان ، الان.

إنسان بدين لرجل فتقبل شهادتهم ، وان شهدت امرأتان قبلت شهادتهما ، وكانت كشهادة رجل واحد يجب معها اليمين على المشهود له.

واما الثالث ، فهو الذي يجوز قبول شهادتهن فيه ولا يجوز ان يكون معهن أحد من الرجال ، فهو جميع مالا يجوز للرجال النظر اليه ، مثل العذرة ، والأمور الباطنة في النساء. وشهادة القابلة وحدها في استهلال الصبي في ربع ميراثه. وشهادة امرأة واحدة في ربع الوصية ، وشهادة امرأتين في نصف ميراث المستهل ونصف الوصية ، وعلى هذا الحساب. وذلك لا يجوز التعويل عليه والحكم به الا مع عدم الرجال. وشهادة الزوجة على زوجها فيما يجوز قبول شهادتها فيه إذا كان معها غيرها من أهل العدالة.

فاما شهادة الصبيان ، فهي ضربان جائز وغير جائز فالجائز : شهادة كل صبي بلغ عشر سنين الى ان يبلغ ، في الشجاج والقصاص ، ويؤخذ بأول كلامهم في ذلك ولا يؤخذ بأخرة ، ويفرق بينهم في الشهادة ، فإن اختلفوا لم يحكم بشي ء من أقوالهم.

ومن شهد منهم في حال الصبا وبلغ ثم ادى شهادته تلك ، بعد البلوغ وكان على ظاهر العدالة قبلت شهادته.

واما التي ليست بجائزة : فهي شهادتهم في كل ما عدا ما ذكرناه ، فإنه لا يجوز قبولها في شي ء منه على حال.

* * *

« باب كيفية الشهادة وإقامتها »

قال اللّه تعالى « وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا » (1).

وعن الصادق عليه السلام في قوله تعالى « وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا » قال : حين

ص: 559


1- البقرة 282.

يدعوا قبل الكتاب (1) لا ينبغي لأحد إذا دعي إلى شهادة أن يقول : لا اشهد لكم » (2).

لا يجوز لأحد الامتناع من الشهادة إذ ادعى إليها ، إذا كان من أهل الشهادة والعدالة ، الا ان يكون في حضوره لذلك وشهادته ضرر لشي ء يتعلق بالدين ، أو فيه مضرة لأحد المؤمنين.

ومن حضر الشهادة على إنسان فليس يجوز ان يشهد الأعلى من هو عارف به ، ويجوز ان يشهد على من لا يعرفه بتعريف رجلين من المسلمين الثقات. وإذا أقام هذا هذه الشهادة ، فلا يقيمها الا كما شهد بها.

وإذا شهد على أمرية وهو عارف بعينها ، جاز له الشهادة عليها. فان لم يروجهها فان شك فيها لم يجز ان يشهد عليها حتى تسفر عن وجهها ويعرفها بعينها.

وإذا أراد ان يشهد على أخرس (3) لم يجز له ذلك الا بعد ان يعرف من إشارته الإقرار بما يريد الاشهاد به. وإذا أراد الشهادة عليه لم يقمها إلا بأنه عرف من إشارته ، الإقرار بما شهد عليه به ، ولا يجوز ان يقيمها بمجرد الإقرار ، لأنه ان فعل ذلك كان كاذبا.

* * *

« الشهادة على الشهادة »

وإذا أراد الشهادة على شهادة ، فينبغي ان يشهد رجلين على رجل واحد ، لان الرجلين في الشهادة على الشهادة يقومان مقام شاهد واحد. فان شهد واحد لم يقم مقام الواحد الذي يريد الشهادة على شهادته ، ولا يكون لذلك تأثير.

ولا يجوز الشهادة على شهادة الا في العقود والديون والاملاك. فاما الحدود فلا يجوز ذلك فيها.

ص: 560


1- الوسائل ، الباب 1 من كتاب الشهادات ، الحديث 6 ، وقبل الكتاب اى قبل الكتابة المذكورة في الآية.
2- الوسائل ، الباب 1 من كتاب الشهادات ، الحديث 2 و 5 ، وقبل الكتاب اى قبل الكتابة المذكورة في الآية.
3- اى على إقرار أخرس

ولا يجوز شهادة على شهادة في شي ء من الأشياء على حال.

وإذا شهد إنسان على شهادة أخر ، وأنكر الشهادة الشاهد الأول ، قبلت شهادة أعدلهما ، فإن تساووا في العدالة طرحت شهادة الثاني. ويجوز الشهادة على شهادة وان كان الشاهد الأول حاضرا غير غائب ، إذا منعه مانع من إقامته الشهادة من مرض أو غيره.

ويجوز شهادة الإنسان على مبيع لم يعرفه ولا يعرف حدوده ولا مكانه إذا عرف بايعه ومشتريه وإذا رأى إنسان في يد غيره شيئا وهو متصرف فيه تصرف الملاك جاز ان يشهد بأنه ملكه ، كما يجوز ان يشتريه على انه ملكه.

وروى انه يكره للمؤمن ان يشهد لمخالف له في الاعتقاد ، لئلا يلزمه إقامتها وربما ردت شهادته فيكون ممن قد أذل نفسه ، فمن عمل بذلك كان جائزا.

وإذا أراد إقامة شهادة ، لم يجز له إقامتها الأعلى ما يعلم ، ولا يعتمد على خطه ان (1) لم يكن ذاكرا للشهادة ، فان لم يذكرها وشهد معه أخر ، جاز ان يقيمها ، والأحوط الأول. وإذا علم شيئا ولم يكن قد اشهد عليه ثم دعي إلى الشهادة بذلك ، كان مخيرا بين ان يقيمها وبين ان لا يقيمها ، فان علم انه متى لم يقمها بطل حق مؤمن وجب عليه إقامتها.

ولا يجوز لإنسان ان يشهد قبل ان يسأل عن الشهادة ، كما لا يجوز له كتمانها وقد دعي إلى إقامتها ، الا ان يكون في شهادته إبطال حق قد علمه فيما بينه وبين اللّه تعالى ، أو يكون مؤدية الى ضرر على المشهود عليه لا يستحقه ، فإنه لا يجوز له ان يقيم الشهادة التي دعي إلى إقامتها.

والشهادة من فروض الكفايات إذا كان هناك خلق قد عرفوا الحق وصاروا به شاهدين. فاذا قام به اثنان سقط الفرض عن الباقين. وقد يتعين الفرض فيه ، وهو إذا لم يتحمل الشهادة إلا اثنان ، أو يتحملها خلق ولم يبق منهم غير اثنين.

* * *

ص: 561


1- في بعض النسخ مع « الواو »

« باب الحكم بالشاهد الواحد مع اليمين »

الحكم بالشاهد الواحد مع يمين المدعى صحيح ، والترتيب في ذلك مراعى بان يشهد للمدعي شاهده ثم يحلف. فليس يصح ان يحلف ، ثم يشهد له شاهده بعد ذلك.

فاذا كان ذلك صحيحا ، فالشاهد واليمين انما يحكم بهما فيما يكون ما لا أو ما يكون المقصود به المال. فاما المال فالقرض ، والغصب ، والدين ، وقضاء الدين ، وأداء مال الكتابة. واما المقصود منه المال فعقود المعاوضات اجمع كالبيع ، والسلم ، والصرف ، والإجارة ، والصلح ، والقراض ، والمساقاة ، والهبة ، والوصية ، والجناية الموجبة للمال ، كالخطاء وعمد الخطاء ، وعمد يوجب المال - كما لو قتل ولده ، أو عبد غيره.

واما الوقف فيصح فيه ذلك بشاهد ويمين ، لأنه عندنا ينتفل الى الموقوف عليه. واما اليمين التي هي القسامة فليست تثبت إلا في الدماء خاصة ، وقد بينا ما يتعلق بها في باب الديات فيما سلف.

* * *

« باب شهادة الزور »

قال اللّه تعالى « وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ، حُنَفاءَ لِلّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ » (1) فقرن اللّه تعالى شهادة الزور بالشرك.

وروى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله انه قال : يبعث شاهد الزور يوم القيامة ، يولغ (2) لسانه في النار كما يولغ الكلب لسانه في الإناء (3) وقد تقدم هذا ونحوه.

ص: 562


1- الحج الآية 32
2- في بعض النسخ « يدلغ » مكان « يولغ » في الموضعين.
3- دعائم الإسلام ، ج 2 ، ص 507

وعن الصادق عليه السلام قال : شاهد الزور لا تزول قدماه حتى يجب له النار (1).

فليس يجوز لأحد ان يشهد بشهادة زور على أحد من سائر الناس موافقا كان أو مخالفا ، فلا يشهد بما لا يعلمه ، ولا ينكر بما يعلمه مما استشهد فيه. فان علم شيئا ولم يستشهد فيه ، كان مخيرا بين اقامة شهادته وبين ان لا يقيمها ، الا ان يكون في تركه لذلك تضيع حق لبعض المؤمنين أو خوف (2) على أحد منهم ، فإنه لا يجوز له التوقف عن إقامة الشهادة ، وقد تقدم ذكر طرف من ذلك.

فان شهد أربعة رجال على رجل بالزنا وكان محصنا ، فرجم ورجع واحد منهم بعد رجمه عما كان شهد به ، فاما ان يقول : تعمدت ، أو يقول : غلطت أو توهمت قال في رجوعه عن ذلك : تعمدت ، كان عليه القتل ويؤدى الى ورثته ثلاثة أرباع الدية. وان قال : غلطت أو توهمت كان عليه ربع الدية وان رجع بعد رجمه منهم اثنان فاما ان يقولا : بالعمد أو بالغلط والتوهم. فان قالا بالعمد وأراد أولياء المقتول بالرجم ، قتلهما قتلوهما ، وأدوا إلى ورثتهما دية كاملة يتقاسمونها بالسوية ، ويؤدى الشاهدان الآخران الى ورثتهما أيضا نصف الدية يتقاسمونها بالسوية. وان اختار أولياء المقتول قتل واحد منهما ادى (3) الأخر مع الباقي من الشهود إلى ورثة المقتول الثاني ثلاثة أرباع ديته فان قالا بالغلط والتوهم ، كان عليهما نصف الدية. وان رجع الجميع عن شهادتهم ، كان حكمهم حكم الاثنين سواء.

وإذا شهد اثنان على إنسان بطلاق زوجته ، ثم اعتدت وتزوجت ودخل الزوج بها ، ثم رجعا عن شهادتهما بذلك وجب الحد عليهما ، وضمان المهر للزوج الثاني وتعاد المرأة إلى زوجها الأول بعد الاستبراء من الثاني.

وإذا شهد رجلان على رجل بسرقة ، فقطع المشهود عليه ، ثم رجعا عن الشهادة ،

ص: 563


1- الوسائل ، ج 18 ، الباب 9 من أبواب الشهادات ، الحديث 1
2- في بعض النسخ « جور »
3- في بعض النسخ بزيادة « الواو »

فاما ان يكونا قالا تعمدنا أو غلطنا أو توهمنا ، فان قالا : تعمدنا قطعت يد واحد منهما وادى الأخر نصف دية اليد. وان أراد المقطوع الأول (1) قطعهما ، كان له ذلك ، ويؤدى إليهما دية واحدة يتقاسمانها بينهما بالسوية. وان قالا : غلطنا أو وهمنا ، وجب عليهما دية يد المقطوع الأول. فإن رجع الواحد منهما ، كان عليه نصف دية اليد. وان شهد رجلان على رجل بدين ، ثم رجعا ، كان عليهما مقدار ما شهدا به. فان رجح أحدهما دون الأخر ، كان عليه ما يصيبه ، وهو النصف.

وإذا شهد اثنان على رجل ، ثم رجعا عن ذلك قبل ان يحكم الحاكم فيما شهدا به ، طرحت شهادتهما ولم يلتفت إليها ، ولا يجب عليهما في ذلك شي ء. فإن رجعا عن ذلك بعد ان حكم الحاكم بشهادتهما ، وكان ما شهدا به قائم العين ، وجب رده على صاحبه ، ولم يكن عليهما شي ء وان لم يكن قائم العين ، كان عليهما غرم ذلك

فان شهد اثنان على إنسان بسرقة فقطع ، ثم أحضرا بعد ذلك رجلا غيره وقالا هذا هو السارق ، وانما غلطنا وتوهمنا ، كان عليهما دية اليد ، ولم يقبل شهادتهما على الرجل الذي احضراه.

وعلى الامام تعزيز الشهود بالزور ، ويشهرهم في محالهم ليرتدع غيرهم بذلك

* * *

( باب التغليظ في اليمين )

التغليظ في اليمين يكون بالمكان الذي يستحلف فيه ، وكذلك الزمان ، والعدد واللفظ. فاذا كان كذلك ، فإنها يغلظ في كل بلد في أشرف موضع فيه. فان كان بمكة فبين الركن والمقام ، فان كان عليه يمين ثان لا يحلف الأبين ذلك أو في الحجر فان كان عليه يمين في ان لا يحلف فيه حلف بالقرب من البيت في غير الحجر.

فان كان بمدينة النبي صلى اللّه عليه وآله ، فعلى منبره وان كان ببيت المقدس فعند الصخرة

ص: 564


1- اى المشهود عليه

وان كان بغير هذه المواضع من البلاد ، ففي أشرف بقعة فيه. وأشرف بقاع البلاد :الجوامع والمشاهد.

واما التغليظ بالزمان ، فبعد صلاة الظهر وقبل صلاة العصر.

فاذا صح تغليظها بالمكان والزمان ، وكان الحق مالا أو ما يقصد به المال ، لم يغلظ الا بالقدر الذي يجب الزكاة فيه. فان كان الحق غير مال ولا ما يقصد به المال فإنها تغلظ فيه قليلا أو كثيرا.

واما التغليظ بالعدد ، وفي القسامة يحلف خمسين يمينا ، ويغلظ بالعدد في اللعان. فاما اللفظ فيغلظ بان يقول : « واللّه الذي لا إله الا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الذي يعلم من السر ما يعلم من العلانية » أو ما جرى مجرى ذلك.

فان كان الحالف رجلا مسلما كانت اليمين في ما ذكرناه. وان كانت امرأة وهي مخدرة استخلف الحاكم من يحكم بينها وبين خصمها في بيتها ، فاذا توجهت اليمين عليها ، حلفها كالبارزة في التغليظ بالمكان ، ان كانت طاهرا استحلفها فيه ، وان كانت حائضا في باب المسجد.

وان لم تكن مخدرة وهي التي تبرز في حوائجها ، فإن كانت طاهرا استحلفها في المكان الشريف كالرجل ، وان كانت حائضا فعلى باب المسجد ، فإنه لا يجوز للحائض دخول المسجد.

وإذا ادعى المملوك على سيده العتق ، كان القول قول سيده مع يمينه. فان كانت قيمة العبد القدر الذي تغلظ بالمكان ، غلظ به. وان كانت أقل ، لم تغلظ ، لأنه استحلاف على مال ، لأنه يحلف على استيفاء ملكه بالرق ، وذلك مال بغير إشكال فإن حلف السيد سقطت دعوى المملوك. وان نكل عن اليمين ، ردت على العبد ، فيغلظ عليه في المكان ، قلت قيمته أو كثرت ، لأنه حلف على العتق والحرية ، وتلك يمين على غير مال ولا المقصود به المال.

وإذا توجهت اليمين على كافر ، وكان يهوديا. غلظ باللفظ فيقول : « واللّه

ص: 565

الذي أنزل التوراة على موسى بن عمران » ويغلظ عليه بالمكان فيستحلف في المكان الشريف عنده وهو الكنيسة ، لأنه يعظمها كما يعظم المسلم المسجد ، وان كان نصرانيا حلف وقال : « واللّه الذي أنزل الإنجيل على عيسى » فاذا قلت (1) الذي أنزل الإنجيل على عيسى ، لم يمكنه من الاعتقاد ما ذكرناه. واما المكان ، فالبيعة ، لأنه يعظمها. وان كان مجوسيا ، حلف فقال : « والذي خلقني ورزقني » لئلا يشارك اللّه وحده « النور » ، فإنه يعتقد النور إلها ، فإذا قال خلقني ورزقني ، ارتفع الاحتمال والإبهام فيما ذكرناه ، فاما المكان ، فان المجوس يعظم النار ، فان كانوا يعظمون بيتها حلف فيه.

فان كان الحالف وثنيا معطلا أو ملحدا لا يقر بالتوحيد ، لم يغلظ عليه باللفظ ويقتصر معه على قول « واللّه » لأنه وان لم يكن معتقدا فإنه يزداد إثما ويستحق العقوبة ان كذب في ذلك.

« تم كتاب الشهادة »

* * *

ص: 566


1- أي في استحلافه.

« كتاب اللقطة والضوال ، واللقيط والآبق »

اللقطة ضربان : أحدهما يجوز التقاطه ولا يجب تعريفه ولا ضمانه على الملتقط له وتركه أفضل. والأخر لا يجوز التقاطه فان التقطه ملتقط وجب عليه حفظه وتعريفه.

فاما ما يجوز التقاطه ولا يجب تعريفه ولا ضمانه على المتلقط له فهو كل ما كان أقل من درهم ، أو يكون وجده في مكان خرب ، قد دثر (1) وباد اهله.

واما مالا يجوز التقاطه ، فان التقطه ملتقط وجب عليه حفظه وتعريفه ، فهو ضربان :

أحدهما ، ما يوجد في الحرم ، فإنه يجب على ملتقطة حفظه وتعريفه سنة في المواقف والمواسم ، فان حضر صاحبه أعاده اليه. وان لم يحضر بعد السنة تصدق به عنه ، ولا يلزم منه بعد ذلك شي ء. فان حضر صاحبه بعد ذلك ، لم يجز له المطالبة به. فإن أراد الملتقط ان يخيره في ان يغرمه له ويكون ثواب الصدقة له دونه ، وان اختار صاحب المال ذلك كان جائزا ، وليس ذلك مما يجب على واحد منهما ، بل موقوف على اختياره ان شاء فعل ذلك ، وان شاء لم يفعل.

فاما ما يوجد في غير الحرم ، فإنه يجب على ملتقطة حفظه وتعريفه سنة. فان حضر صاحبه دفعه اليه. وان لم يحضره ، كان له التصرف فيه ، وعليه ضمانه ، ان حضر صاحبه كان عليه دفعه اليه. وان كان قد تصدق به عنه ، كان عليه الضمان لقيمته

ص: 567


1- دثر : اى درس وبلى ، وباد : اى هلك

يوم تصدق به. أو دفعه الى صاحبه ان حضر بعد ذلك ، فان اختار صاحبها ان لا يأخذ ذلك ويكون له الأجر كان جائزا.

وإذا هلكت اللقطة من عند الملتقط لها في زمان التعريف بتفريط منه كان عليه قيمتها يوم هلكت ، وكذلك يجب عليه ان يتصرف فيها في زمان التعريف ، وان كان ذلك بغير تفريط ، لم يلزم الملتقط منها شي ء.

وإذا تصرف إنسان في مال اللقطة وربح فيه ربحا قبل كمال السنة ، كان الربح لصاحبها دونه ، وان كان ذلك بعد السنة ، كان الربح له ، وعليه ضمان مال اللقطة لصاحبها.

وإذا التقط مالا ، واشترى به جارية ، وحضر بعد ذلك صاحب المال فوجد الجارية ابنته ، فإن أجاز له ابتياعها ، انعتقت في الحال ، ولم يكن له مطالبة الملتقط بشي ء من ذلك. وان لم يجز البيع ، كان له مطالبته بالمال ، وكان على الملتقط إعادته ، ولا يجب على صاحب المال إدخال ابنته في ملكه من غير اختياره لذلك لأنها تنعتق عليه ويذهب ماله.

وإذا وجد كنزا في دار ، وكانت الدار منتقلة إليه بميراث عن اهله كان ما وجده من الكنز بينه وبين شركائه في الميراث ان كان له شركاء ، وان لم يكن له شركاء كان ذلك له دون كل أحد وان كانت الدار انتقلت اليه بابتياع كان عليه ان يعرف البائع لها ، فان عرف ذلك رده اليه ، وان لم يعرفه كان ذلك له دون بائعها ، وكان عليه إخراج الخمس منه ويتصرف في الباقي ان شاء.

وإذ وجد شيئا في دار أو صندوق ، وكان غيره يتصرف في الدار والصندوق ، كان الحكم فيه على الوجه الذي يوجد ذلك الشي ء عليه كالحكم في اللقطة التي يجري مجراه. وان كان لا يتصرف في ذلك غيره ، كان ذلك له.

وإذا ابتاع شيئا من الإبل أو البقر أو الغنم ، فذبحه فوجد في جوفه مالا أو ماله قيمة ، فعليه ان يعرفه للبائع ، فإن عرفه دفعه اليه ، وان لم يعرفه ، كان عليه إخراج الخمس منه

ص: 568

ثم يتصرف في الباقي فهو له ، وإذا ابتاع سمكة فوجد في جوفها سبيكة أو صرة (1) أو ما أشبه ذلك ، اخرج من ذلك ، الخمس ، وكان الباقي له. وإذا وجد طعاما في مفازة فليأخذه وليقومه على نفسه ويأكله ، فإن حضر صاحبه دفع اليه ثمنه.

وإذا وجد لقيطا فهو حر ، وجب على من وجده ان يرفع خبره الى سلطان الإسلام لينفق عليه من بيت المال ، فان لم يتمكن من السلطان لينفق عليه استعان على ذلك بالمسلمين. فان لم يعنه أحد أنفق هو عليه ، فاذا بلغ كان له مطالبته بما أنفقه عليه ان كان له مال ، اللّهم الا ان يكون تبرع بالنفقة عليه ، فإنه لا يرجع عليه بها ، ولا يجوز له مطالبته بها على حال. وليس لمن وجد اللقيط عليه ولاء ، وكذلك ليس لأحد من الناس عليه ذلك ، الا ان يبلغ ، فاذا بلغ وتولى إنسانا كان ولاؤه لمن يتولاه ، ولا فرق في ذلك في ان يكون الذي يتولاه هو الذي وجده أو غيره من المسلمين وان لم يوال أحدا الى ان مات ، كان ولاؤه للمسلمين ، فان خلف تركة وكان له ولد كان ما خلفه لولده المسلم. وان لم يخلف ولدا مسلما ، كان ماله لبيت المال.

وإذا كان البعير في مكان يرعى فيه مطلقا ، ولم يكن معه من يحفظه ، لم يجز لأحد أخذه. فإن أخذه رده الى صاحبه. وسبيل الثور والجاموس والدابة إذا كانت مسرحة في أرض السواد بحيث يجد المرعى ، سبيل الإبل. فإن وجد هذه الدواب بعيدة عن السواد فان كانت غنما ، فينبغي ان يؤخذ ويحفظ بها لأصحابها.

وينفق على الضوال من البهائم بأمر الحاكم ، ويرجع على أربابها بذلك.

وإذا وجد إنسان ضالة ، فينبغي له ان يأتي بها الى امام المسلمين فيسلمها اليه وعلى الامام ان ينفق عليها من بيت المال ما رآه بعد ان يحفظ مبلغ النفقة. وإذا وجد ضالة وهو في زمان سلطان الجور ، حبس الضالة واحتسب بنفقتها على صاحبها ، وليس له من ذلك الأوسط (2) من نفقة مثلها.

ص: 569


1- الصرة بالضم : ما يجعل فيها الدراهم وغيرها
2- اى الحد المتوسط

وإذا التقط لقطة أو وجد ضالة ، أو عبدا آبقا ، أو صبيا حرا ضالا فرده على اهله لم يكن له في شي ء من ذلك جعل ، فان عوضه صاحبه بشي ء على وجه البر ، كان جائزا

وإذا وجد شاة فينبغي ان يحبسها عنده ثلاثة أيام ، فإن حضر صاحبها سلمها اليه وان لم يحضر تصدق بها عنه. وإذا وجد ماله قيمة يسيرة مثل الحبل والوتد والشظاظ. (1)والعقال وما أشبه ذلك ، جاز له أخذه. والأفضل تركه في موضعه وان لا يأخذه.

وأخذ الجعل على ما يجده الإنسان جائز ، فإذا وجد شيئا من ذلك وكان مستأجرا فيه وقد جرت بينه وبين صاحب الضالة موافقة ، كان لمن يجد ذلك ما اتفقا عليه. فان لم يكن جرى بينهما في ذلك موافقة وكان ما وجده عبدا أو بعيرا وكان قد وجد ذلك في البلد ، كان جعله عليه دينارا واحدا قيمته عشرة دراهم جيادا ، فان كان ما وجده خارج البلد كان جعله أربعة دنانير قيمتها أربعون درهما جيادا ، وان كان غير عبد ولا بعير رجع فيه الى العادة في مثله ، فدفع اليه ذلك.

وان كان من وجد العبد أو الضالة غير مستأجر لم يكن له شي ء ، لأن المسلم يرد على المسلم (2). وان وجد إنسان عبدا آبقا فأخذه ليرده على صاحبه ، فأبق منه ، لم يكن عليه شي ء.

وإذا كان له عبدان آبقان ، فقال للآخر : ان جئتني بعبدي الفلاني فلك كذا ، فجاء بأحد العبدين ، فاختلفا ، فقال الجاعل : ما شارطتك في هذا بل شارطتك على الأخر ، وقال المجعول له : بل شارطتني على هذا ، كان القول ، قول الجاعل مع يمينه ، لان المجعول له يدعي احداث شرط. والأصل ان لا شرط.

وإذا قال : ان جئتني بعبدي الآبق كان لك كذا فجاء به ثم اختلفا ، فقال المجعول له : شارطتني على دينار ، وقال الجاعل : شارطتك على نصف دينار. كان ذلك خلافا في قدر الأجرة ، فتكون له اجرة المثل مع يمين الجاعل لأنه المدعى عليه.

ص: 570


1- الشظاظ : خشبة تدخل في عروتي الجوالق
2- اى ماله ، ولعله تعليل لعدم جواز أخذ الأجرة من المال

وإذا قال : من جاء بعبدي الآبق كان له دينار ، فجاء به واحد ، فإنه يستحق دينارا ، فان جاء به اثنان استحقا الدينار ، فان جاء ثلاثة أو أكثر كان لكل واحد ما يصيبه وإذا قال : من دخل داري كان له دينار ، فدخلها اثنان أو أكثر ، كان لكل واحد منهما دينار. والفرق بين المسألتين ، ان من قال : من دخل داري فله كذا. علق الاستحقاق بالدخول ، وقد وجد من كل واحد منهم ذلك فاستحقه ، فليس كذلك الرد ، لأنه علق الاستحقاق برده ولم يكن يرده كل واحد منهم ، وانما جاء به جميعهم ، فبجميعهم حصل المفقود ، فلهم كلهم الأجرة ، لأن السبب وجد من جميعهم ولم يوجد من كل واحد منهم على انفراده.

وإذا قال : من جاء بعبدي الآبق كان له ثوب أو دابة ، فجاء به اثنان ، كانا مستحقين لاجرة المثل ، لان العقد فاسد ، لأن الأجرة مجهولة ، فإن جاء به ثلاثة ، كان لكل واحد منهم ثلث اجرة المثل.

وإذا قال لواحد : ان جئتني بعبدي الآبق فلك ثلاثون ، فجاؤا به ، كان لكل واحد منهم ثلث ما سماه به.

وإذا قال : من جائني بعبد آبق من البصرة كان له دينار ، فجاء به من واسط ، فإنه يستحق نصف دينار ، لأنه عمل نصف العمل. وإذا قال : ان جئتني بعبدي فلك كذا ، فجاء به الى باب البلد ثم هرب ، فإنه لا يستحق شيئا ، لأنه ما جاء به ، لان المقصود من المجي ء به التسليم ، ولم يحصل.

وإذا أقر ببعض اللقطة وأنكر بعضها ، كان القول قوله مع يمينه فيما أقربه ، وما أنكره.

إذا اتهمه بلقطة وأنكرها ، كان القول قوله مع يمينه ، وعلى المدعى عليه ذلك ، البينة.

وإذا مات اللقيط وترك مالا ، وادعى إنسان أنه ابنه ، لم يصدق في ذلك إلا ببينة. وإذا بلغ اللقيط وتزوج بامرأة ودخل بها ، وادعت انه ابنها لم تصدق إلا ببينة

ص: 571

وإذا التقط عبد لقيطا ولم يعرف ذلك الا بقوله ، وقال سيد العبد : كذب بل هو عبدي ، كان القول قول السيد مع يمينه (1).

وإذا التقط إنسان لقيطا ، فجاء آخر فأخذه من يده ، واختصما ، وجب رده الى الأول. وإذا وجد طعاما رطبا لا يبقى ، كان مخيرا بين ان يقومه على نفسه ، ويضمن ثمنه لصاحبه إذا جاء وطلبه ، وبين ان يبيعه ويحفظه على صاحبه ، أو يتصدق به على ما قدمناه من شرط الضمان.

« تم كتاب اللقطة »

* * *

ص: 572


1- وفي نسخة زيادة « وإذا كان العبد مهجورا عليه فان كان مأذونا له كان القول قول العبد » والظاهر ان معناه : على القول بان العبد ليس له ان يأخذ اللقطة فإن كان.

« كتاب القسمة والبنيان »

اشارة

روى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله انه قال : لا ضرر ولا ضرار(1) فكل ما كان مشتركا وهو مما يصح قسمته من غير ضرر يتعلق بأحد الشراك فطلب بعضهم أو جميعهم القسمة قسم ذلك بينهم وأخذ كل واحد منهم بحقه منه وكل مالا يتجزى بانصباء الشركاء فلا قسمة فيه.

وإذا كانت دار بين شريكين ، فاقتسماها ، فصار السفل لأحدهما ، والعلو للآخر كان ذلك جائزا إذا لم يكن في ذلك ظلم ولا غبن ، فان كان فيها ذلك وكان الشريكان قد علما ذلك ورضيا به ، كانت القسمة ماضية ، وان كانا لم يعلما ذلك ولا رضيا ، كانت القسمة باطلة ووجب فسخها.

وإذا اقتسم قوم دارا أو أرضا وشرطوا ان لا يكون لواحد منهم طريق الى ذلك كان الشرط باطلا. فان اقتسموا ذلك وله طريق ، فجعلوا الطريق في نصيب أحدهم وللباقين المرور بأرجلهم في تلك الطريق وتراضوا بذلك. كان صحيحا ماضيا.

وإذا اقتسموا دارا فرضي أحدهم بشي ء منها أقل من حقه وترك الباقي لمن بقي يقتسمونه وتراضوا به ، كان ذلك جائزا. وان كان بين جماعة من الناس دور ، فقال أحدهم : أريد أن آخذ حقي في ذلك في كل دار (2) وقال بعض آخر منهم بجمع

ص: 573


1- الوسائل ، ج 17 ، الباب 7 من أبواب إحياء الموات ، الحديث 2 ، ص 333.
2- في النسخ « داره » ولعلها تصحيف

كل واحد نصيبه في موضع واحد وكانت الدور معتدلة في بقاعها وأحوالها ورغبة الناس فيها ، قسم لكل إنسان حقه في مكان واحد. وان كانت مختلفة اختلافا بينا ، قسمت لكل دار منها ناحية ، وأخذ كل واحد منهم حقه منها.

وإذا كان قوم شركاء في حوائط أرض في نواح متفرقة ، وبعض ذلك قريب من بعض ، وأراد كل واحد منهم أخذ نصيبه في ناحية واحدة بقيمة عادلة كان ذلك جائزا. فإن كان كل شي ء من ذلك لا ينقسم على الأنصباء - وإذا قسم كان فيه ضرر يلحق بعض الشركاء ، وكان حقه منه ما لا يكاد ينتفع به على الانفراد - وجب ان يجمع حصة كل واحد منهم في ناحية بقيمة عادلة.

وإذا كان النخل بين قوم وأرادوا قسمته ، لم يصح ذلك الا ببيعه وقسمة ثمنه بينهم ، أو بان يقلع من الأرض ويقسمونه كما قسم مثله ، أو يكون مما يمكن قسمته بالعدل فيقسم.

وإذا كانت أرض موروثة بين قوم ولها شرب ، وأرادوا قسمتها ، قسموها وكان لكل ذي حظ منها من الشرب بقدر حصته.

وإذا كان بين قوم دار وهي غائبة عنهم وقد عرفها جميعهم ، جاز ان يقسموها على الصفة التي عرفوها ، ويصير لكل واحد منهم حقه منها بحسب ما عرفه. فان لم يعرفها جميعهم أو عرفها بعضهم ولم يعرفها بعض آخر ، لم يصح قسمتها الا بعد ان يحضروها ويحضروا قسمتها ، أو يحضر ذلك من يقوم مقامهم وينوب منابهم فيه. وكذلك الشجر والأرض.

وإذا كانت بين قوم ساحة وبيوت جاز ان يقسموا البيوت بالقيمة ، والساحة بالذراع ويترك من الساحة طريق لأصحاب البيوت.

وإذا قسم العلو والسفل قوم ، كان سقف السفل على صاحب السفل ، ويكون كالأرض لصاحب العلو. ولا يجوز لصاحب السفل هدمه وإلزام صاحب العلو تسقيفه بل إذا استهدمه ولم يكن صاحب العلو قد جنى عليه ، كان عمله لازما لصاحب السفل.

* * *

ص: 574

« باب البنيان »

إذا كان الحائط بين دارين وكان ملكا لصاحب الدار الواحدة ، فانهدم وامتنع مالكه من بنائه وطلبه مالك الدار الأخرى بنيانه وقال له : قد كشفت أهلي فاستر بيني وبينك ، كان عليه ان يستر بينهما اما ببناء أو غيره مما لا يتم معه كشف أهل صاحب الدار الأخرى. فان لم يكن الحائط بينهما ، ولم يكن ملكا لأحدهما (1) ، وطلب أحدهما من الأخر ان يبنيه وامتنع من ذلك ، فان كان مما ينقسم ، قسم بينهما وبنى كل واحد منهما ما يختص به منه ، أو تركه ان لم يكن في ذلك ضرر على الأخر. فإن كان مما لا ينقسم ، لزم البناء أو البيع أو تسليمه الى الأخر ليبنيه ، ويكون له دونه ان رضي بذلك ، فان تراضيا على ان يبنيه الطالب (2) وينتفع به ، فإن أراد الأخر الانتفاع به معه دفع اليه نصف نفقته ، كان ذلك جائزا.

وإذا أراد إنسان رفع داره ان يعلى بناها حتى يمنع جارها الشمس ، كان له رفعها ما أراد ان لم يكن فيها منظر ينظر اليه منه.

وإذا كانت له دار وأراد ان يفتح كوة (3) من حائط ، فإن كان ينظر منها داخل دار جاره ، لم يجز له ذلك. وان كان يفتحها للضوء جاز له فتحها ، إذا كانت بحيث لا ينظر منها داخل دار جاره.

وإذا كانت له دار وأراد تحويل بابها عن المكان الذي هو فيه ، أو أراد فتح باب أخر مع بابها في شارك مسلوك نافذ ، كان ذلك له جائزا الا ان يكون له ضرر وان كان في رائعة (4) غير نافذة ، لم يكن له فتح باب منها ولا تحويل بابها عن مكانه الا بعد ان يرضى أهل تلك الرائعة.

ص: 575


1- بل مشتركا بينهما.
2- في أكثر النسخ « للطالب » والظاهر ان الصحيح ما في المتن.
3- الكوة بفتح الكاف وضمها الخرق في الحائط.
4- أي طريق.

والطريق السابل لا يجوز لا حد تغييره عما هو عليه. وان كان لقوم معينين واتفقوا على نقله الى مكان وليس فيه ضرر على أحد ، كان جائزا. وكذلك ان أرادوا أن يحفروا الطريق ويجعلوا لها علقا (1) كان ذلك لهم إذا تراضوا به. ولا يجوز لأحد ان يفعل ذلك بالسابلة.

وإذا كان لإنسان طريق في بستان لآخر وأراد ان يجعل عليه بابا لم يجز له ذلك الا ان يأذن له فيه صاحب الطريق.

وإذا اختصم اثنان في خص (2) كان للذي إليه القمط منه. والقمط هو الحبل ، والخص هو الطي الذي يكون بين الدور في السواد ، فكان الذي إليه الحبل اولى من الأخر.

« تم كتاب القسمة والبنيان »

ص: 576


1- في بعض النسخ « علوا » بدل « علقا ».
2- ما يصنع من قصب أو شجر.

« كتاب الدعوى والبينات »

اشارة

يجب على المدعى البينة في الأموال ، ويجب على المنكر اليمين. فإن أراد الحاكم الاحتياط في قبول الشهادة ، كان له تفريق الشهود واستدعائهم واحدا بعد واحد ، ويسمع شهادته ويثبتها ثم يقيمها ويحضر أخر ويفعل به مثل ما فعل أولا ويقابل بين الشهادات ، فان وجدها متفقة كان عليه الحكم بها ، وان وجدها مختلفة أبطلها ولم يحكم بشي ء منها.

والحكم بتفريق الشهود على الوجه الذي ذكرناه جائز في جميع الأحكام والديون والعقود والاملاك والدماء والفروج والقصاص والشجاج وسائر الحقوق.

فان لم يفرق الحاكم الشهود وشهدوا مجتمعين في مقام واحد ، جاز سماع شهاداتهم ، وان كان تفريقهم أقوى في الاحتياط لسماع شهاداتهم.

فان شهد عند الحاكم شاهدان عدلان في مقام واحد على وجه واحد ووافقت شهادتهما الدعوى ، كان عليه الحكم بشهادتهما.

فان شهد عنده اثنان لا يعرفهما بعدالة ولا جرح ، سمع شهادتهما وأثبتهما عنده.ثم كشف عن أحوالهما فإن وجدهما ممن يرضى قوله ويجوز شهادته حكم بشهادتهما وان وجدهما بخلاف ذلك طرح شهادتهما ولم يلتفت إليهما.

وإذا شهد عنده من يتعتع (1) في شهادته ، لم يجز له ان يسدده ولا يمكن أحدا

ص: 577


1- اى يتردد.

من تلقينه بل يتمهل عليه حتى يفرغ ثم ينظر في شهادته ، فان كانت توافق الدعوى سمعها وقبلها ، وان كانت لا توافقها طرحها ولم يلتفت إليها.

وإذا شهد عنده شاهدان على ان الحق لزيد ، وشهد شاهدان غيرهما على ان الحق لغير المشهود له أولا ، فإن كان أيديهما خارجتين من ذلك الشي ء ، كان على الحاكم ان يحكم لأعدلهما شهودا فان تساووا في العدالة ، حكم لأكثرهما في العدد مع يمينه باللّه تعالى بأن الحق له. فان تساووا في العدد ، أقرع بينهما ، فمن خرج اسمه استحلف وكان الحكم له ، فان امتنع من خرج اسمه في القرعة من اليمين استحلف الأخر. فإن حلف كان الحكم له ، فان امتنعا من اليمين قسم الحق بينهما نصفين. فان كان مع أحدهما يد متصرفة نظر في ذلك ، فان كانت البينة تشهد بأن الحق ملك له فقط ، وتشهد بالملك الأخر أيضا ، أخذ الحق من اليد المتصرفة وسلم إلى الذي يده خارجة عنه. فان شهدت البينة لليد المتصرفة بسبب الملك من مفاوضة أو بيع أو هبة أو ما جرى مجرى ذلك كانت الاولى من اليد الخارجة.

وإذا شهد شاهدان على امرأة بأنها زوجة لزيد ، وشهد شاهدان غيرهما بأنها زوجة عمرو ، حكم لأعدلهما شهودا ، فان تساووا في العدالة أقرع بينهما ، فمن خرج اسمه حكم بأن المرأة زوجته دون الأخر.

وإذا هلك إنسان وترك أولادا ، وحضر إنسان وادعى عليه بأنه ابتاع منه موضعا معينا ، وحضر آخر وادعى عليه انه ابتاع منه ذلك الموضع بعينه ، وأظهر كل واحد منهما كتابا بذلك ، وتساوت بينة الكاتبين في العدالة والعدد ، أقرع بينهما ، فمن خرج اسمه استحلف مع ذلك وكان الحكم له.

وإذا كان رجل وامرأة مجتمعين ومعهما جارية. فادعى الرجل انها مملوكته وادعت المرأة أنها بنتها وانها حرة ، وأنكرت الجارية الدعويين جميعا ، كان على الرجل البينة بأنها مملوكة لم يبعها ولم يعتقها ، وإذا أثبت بينة بذلك سلمت اليه. وان لم يثبت ذلك ، ولا تكون هي بالغة أو تكون بالغة الا انها لا تقر ، أخذت من يده

ص: 578

فإن أقامت المرأة البينة بأنها بنتها دفعت إليها. فان لم تكن لها بينة أطلقت الجارية لتمضي حيث شاءت ، ولم يكن لواحد منهما عليها سبيل.

وإذا كان في موضع جماعة من الناس جلوسا ، وفي وسطهم كيس فيه مال ، فادعاه واحد منهم ، وسئل الباقون عنه فقالوا : ليس هو لنا ، كان الكيس للذي ادعاه

وإذا طلق رجل زوجته وفي بيتها ما للرجال وما للنساء ، ولم يكن لأحدهما بينة على شي ء منه كان بينهما نصفين فان طلقها وادعى ان متاع البيت له وادعت المرأة أنه لها دونه حكم للرجل بما للرجال وللمرأة بما للنساء.

وإذا دخل إنسان الحمام ، وادعى ان ثيابه ضاعت في الحمام ، لم يلزم الحمامي شي ء وان ذكر المدعى ان الحمامي أخذ الجعل لأنه انما يأخذ ذلك على الحمام لا على ضمان الثياب. وقد استوفينا ما يتعلق بالتالف في الحمام فيما تقدم.

وإذا كان قوم مشتركين في جارية فوطأها جميعهم في طهر واحد وحملت وولدت وادعى كل واحد منهم ان الولد له أقرع بينهم فمن خرج اسمه كان الولد لاحقا به دون غيره ، وغرم لمن يبقى قيمة الولد بحسب ما لهم من الجارية ، وكان عليه ان يرد مع ذلك أيضا ثمن الجارية (1) يكون بينهم على قدر حصصهم.

وإذا نذر إنسان ان أول مملوك يملكه فهو حر ، وملك اثنين أو أكثر منهما في وقت واحد أقرع بينهما فمن خرج اسمه كان حرا.

وإذا سقط موضع على جماعة فماتوا ، وبقي منهم صبيان ، أحدهما حر والأخر مملوك وهذا المملوك عبد لهذا الحر ولم يتميز أحدهما من الأخر أقرع بينهما ، فمن خرج اسمه كان حرا ، وكان الأخر مملوكا له.

وإذا اوصى بعتق ثلث عبيده ولم يعينهم ولا ميزهم بذكر ولا صفة ، أقرع بينهم فمن خرج اسمه أعتق.

وإذا ولد مولود له ما للرجال وما للنساء أقرع بينهم ، فان خرج سهم رجل ،

ص: 579


1- لأنها صارت أم ولد فتكون في معرض العتق.

الحق بالرجال ، وان خرج سهم امرأة ورث بحسب ذلك.

وكل أمر مشكل فاستعمال القرعة فيه هو الواجب.

* * *

« باب فيما على الحاكم في الخصوم والشهود »

إذا حضر عند الحاكم خصمان ، كان عليه ان يسوى بينهما في الدخول عليه ، والجلوس بين يديه والنظر إليهما ، والاستماع لما يذكر انه ، والإنصات الى ذلك والعدل بينهما حتى في لحظة وإشارته ومقعده ولا يرفع صوته على أحدهما كمالا يرفع على الأخر ، ويساوى بينهما في الأفعال الظاهرة ولا يميل بقلبه إلى أحدهما دون الأخر هذا كله إذا كانا متساويين في الدين مسلمين كانا أو كافرين فان كان أحدهما مسلما والأخر كافرا فلا ينبغي ان يساوي بينهما في المجلس.

وإذا جلس الخصمان بين يديه لم يجز له تلقين واحد منهما بما فيه ضرر على الأخر ، ولا يهديه اليه مثل ان يقصد إلى الإقرار فيلقنه الإنكار أو يقصد اليمين ولا يجعل أحدهما أقرب إليه في الجلوس من الأخر وهكذا في الشهادة ، ان أحس من الشاهد التوقف فيها لم يكن له ان يشير عليه بالاقدام عليها وان أحس منه الاقدام عليها لم يلقنه التوقف عنها فاذا لقن واحدا منهما فقد ظلم الأخر وأفضى إلى إيقاف حقه هذا فيما يتعلق بحقوق الآدميين فاما ما يتعلق بحقوق اللّه تعالى فإنه يجوز التلقين فيها والتنبيه على ما يسقطها.

وإذا جلسا بين يديه جاز ان يقول : تكلما ، يريد بذلك يتكلم المدعى منكما أو يصرح بهذا ، يقول يتكلم المدعى منكما أو يسكت الحاكم ليقول القائم على رأسه لهما ذلك ، لأنهما قد نهانا به (1) عن الابتداء بالكلام حتى يأذن لهما وان سكت ولم يقل لهما شيئا الى ان يبتدء بالكلام كان جائزا.

ص: 580


1- كذا في بعض النسخ والظاهر انها تصحيف والصحيح « لأنهما قد نهيا عن الابتداء بالكلام » كما في المبسوط.

ولا يقول لواحد منهما تكلم ، لأنه إذا أفرده بالخطاب ، كسر قلب الأخر. وإذا ابتدأ أحدهما بالكلام وجعل يدعى على خصمه ، منع الأخير من مداخلته ، لأنه يفسد عليه نظام الدعوى.

وأقل ما على الحاكم ، ان يمنع كل واحد من ان يقال من عرض صاحبه ، لأنه جلس للفصل والانفصال بين الناس ، وأقل ما عليه ان لا يمكن أحدهما من ظلم الأخر ولا من الحيف عليه. ولا يجوز له ان يضيف أحد الخصمين دون صاحبه ، اما ان يضيفهما معا أو يتركهما معا.

ولا يجوز له ان يرتشي في الأحكام ، لان الراشي والمرتشي ملعونان ، وذلك حرام على المرتشي على كل حال ووجه ، فان كان الراشي قد رشاه على تغيير (1) حكم أو إيقافه فهو حرام على ما قدمناه ، وان كان لإجرائه على رسم له أو واجبة ، لم يحرم عليه ذلك.

واما الهدية ، فإن من لم يكن له بمهاداته عادة حرم عليه قبولها ، فان كان من جرت له بمهاداته عادة كالصديق والملاطف والقريب ، فأهدى إليه هدية تتعلق بحكومة بينه وبين غيره ، أو أحسن بأنه قدمها بالحكومة بين يديه ، حرم ذلك عليه كالرشوة ، وان لم يكن شي ء من ذلك جاز قبولها والأفضل له ان ينزه عن أخذها.

وإذا حضر مسافرون ومقيمون وكان الذي سبق هم المسافرون ، قدمهم ، لأنه ينبغي ان يقدم السابق فالسابق من أهل البلد وكذلك المسافر ، بل هو اولى. وان وافدا معا أو تأخر المسافرون فان كان بهم قلة من حيث لا يضر تقدمهم بأهل البلد ، كان مخيرا بين تقديمهم وبين ان يفرد يوما يفرغ فيه من حكوماتهم ، لان المسافر على شرف السفر والرجل يكثر شغله ويزدحم حوائجه ، فلهذا قدم. وان كانوا مثل المقيمين أو أكثر كأيام الموسم في مكة والمدينة كانوا هم والمقيمين سواء ، لأن في تقديمهم إضرارا بأهل البلد وفي تأخيرهم إضرارا بهم ، فكانوا سواء.

ص: 581


1- في بعض النسخ « تعيين ».

وينبغي للحاكم ان يجلس في مكان بارز للناس مثل الصحراء ، أو رحبة (1) أو مكان واسع الا من ضرورة من مطر أو غيره فيجلس في بيته أو في المسجد وتتقدم إلى ثقة ليحفظ من جاء أولا ويضبط : قد جاء فلان أولا ، ثم فلان ، ثم فلان ، على هذا أبدا.

فإذا حكم (2) الحاكم قدم الأول فالأول ، فإن كان عددهم قليلا يمكن الإقراع بينهم ، أقرع بينهم ، فمن خرج قرعته قدمه ، وان كثرت وتعذرت القرعة كتب الحاكم أسماءهم في رقاع وجعلها بين يديه ومد يده وأخذ رقعة بعد رقعة أخرى كما سبق.

فاذا قدم إنسانا بالسبق أو بالقرعة أو بالرقعة ، فحكم بينه وبين خصمه ، وفرغ منهما أمرهما بالقيام ، وقدم غيرهما. فان قال الأول : لي حكومة أخرى لم يلتفت اليه وقال له : قد حكمت بينك وبين خصمك بحكمك فاما ان تنصرف أو تصبر حتى افرغ من الناس فإنه لو قضى بينه وبين من يخاصمه ادى ذلك الى ان يستغرق المجلس لنفسه ، فلذلك لا يزاد على واحدة.

فإذا تقدم غيره فادعى فان شاء ادعى على المدعى عليه أولا وان شاء ادعى على المدعى الأول وان شاء ادعى المدعى عليه أولا على المدعى الأول ، فإنه يحكم بينهما لأنا إنما نعتبر الأول فالأول في المدعى واما في المدعى عليه فلا فاذا فرغ وبقي واحد حكم عليه وبين خصمه ، فان كان له من الحكومات أكثر من الواحد حكم في جميعها ، لأنه لا مزاحم له فيها ، اللّهم الا ان يكون الأول قد جلس حتى يفرغ الناس فاذا حكم بين الأخير وخصمه حكومة قدم الأول ، لأنه لهذا جلس.

وإذا حضر اثنان فادعى أحدهما على الأخر ، فقال المدعى عليه : انا المدعى وهذا المدعى عليه ، لم يلتفت الحاكم الى ذلك ، وقال له : أجب عن دعواه ، فاذا

ص: 582


1- رحبة المكان : اى ساحته وصحنه
2- في نسخة « حضر » بدل « حكم »

فرغ من حكومتك وكان لك كلام أو دعوى فاذكره. فان حضرا وادعيا جميعا كل واحد منهما على الأخر في حال واحد ، لم يسبق أحدهما صاحبه ، قدم الذي يكون على يمين صاحبه.

وإذا كان لجماعة حقوق على واحد من جنس واحد أو أجناس مختلفة ووكلوا من ينوب عنهم في الخصومة فادعى الوكيل الحقوق فان اعترف الزم ذلك وان أنكر وكان هناك بينة حكم بها عليه ، وان لم يكن بينة كان القول قوله مع يمينه. وإذا أراد كل واحد من هذه الجماعة ان يستحلفه على الانفراد كان ذلك له ، لان اليمين حق له فكان له ان ينفرد بها ، فان رضيت الجماعة منه بيمين عن الكل كان ذلك جائزا لأن اليمين حق لهم فاذا رضوا بيمين واحدة صح ذلك واكتفى بها عن جميعهم.

وإذا حضر عند الحاكم إنسان واستعدى (1) على إنسان ، وكان المستعدى عليه حاضرا ، أعدى عليه وأحضره ، وليس في ذلك ابتذال (2) لأهل الصيانات ان كان المستعدى عليه من أهلها ومن أهل المروات ، لأن أمير المؤمنين عليه السلام حضر عند شريح مع يهودي ، وحضر عمر مع ابى بن زيد عند ابن ثابت ليحكم بينهما ، وحضر أبو الدوانيق - في حجة - مع الجمالين مجلس الحكم بخلاف (3) جرى بينهما.

فاذا كان إحضار من ذكرناه صحيحا جائزا ، فينبغي ان يكون عند الحاكم في ديوان حكمه ختوم من طين مطبوخة (4) بخاتمه ينفذ منها شيئا مع الخصم إليه فإن حضر ، والا بعث بعض أعوانه إليه. فإن حضر ، والا أنفذ شاهدين يشهدان على امتناعه فان حضر ، والا استعان بصاحب الحرب وهو صاحب الشرطة.

ص: 583


1- استعدى : اى استنصر
2- الابتذال : اى الخفة والمهانة ، وفي أكثر النسخ « ابتدال » بالمهملة اى اتخاذ البدل.
3- في نسخة « لخلف » بدل « بخلاف »
4- في المبسوط « مطبوعة »

فان كان المستعدى عليه غائبا في ولاية هذا الحاكم ، مثل ان يكون غائبا إلى موضع ، والموضع موضع نظر هذا الحاكم وولايته ، وكان في موضع غيبته خليفة له ، كتب إليه رقعة وأنفذ بخصمه اليه ليحكم بينهما وان لم يكن هناك خليفة ، وكان فيه من يصلح ان يحكم بينهما ، كتب إليه رقعة وجعل النظر بينهما إليه فان لم يكن له ذلك في الموضع ولاوال فيه ، قال لخصمه : حرر دعواك عليه ، فاذا حررها أعدى عليه (1) وان كان غائبا في غير ولايته ، مثل ان يكون الحاكم ببغداد فغاب الى بصرة والبصرة في غير ولايته ، فإنه يقضى على غائب.

وان كانت امرأة وكانت بارزة فهي كالرجل ، فان كانت مخدرة بعث إليها من يقضى بينها وبين خصمها في منزلها والبارزة هي التي تبرز لقضاء حوائجها بنفسها ، والمخدرة هي التي لا تخرج لذلك.

فاذا حضر قيل له ادع الان ، فان ادعى لم يسمع الدعوى إلا محررة. فاما ان قال : لي عنده فرش أو ثوب أو حق لم يسمع دعواه ، لان الدعوى لها جواب ، فربما كان ب « نعم » وليس على الحاكم ان يقضى به عليه لأنه مجهول فاذا كان كذلك فلا بد من تجديد الدعوى ، كانت من الأثمان أو من جنس غيرها صحت مع تحريره لها ان يذكر الجنس والمقدار أو النوع أو ما أشبه ذلك مما يخرجها عن ان تكون مجهولة ، فإذا كان كذلك لم يكن للحاكم المطالبة بالجواب من غير مسألة المدعى ، لان الجواب حق للمدعي فليس للحاكم مطالبته به من غير مسألة كنفس الحق فإذا طالبه بالجواب بالمسألة كان ذلك بان يقول له : ما تقول فيما يدعيه؟

فإن أقر عند ذلك بالحق ، الزمه القيام لخصمه به لأنه لو قامت عليه بينة بذلك الزمه ، فبان يلزمه باعترافه اولى وإلزامه القيام به يكون بان يقول : ألزمتك ذلك أو قضيت به عليك أو اخرج له منه فاذا قال ذلك له كان حكما بالحق. فإن سأله المدعى ان يكتب له محضرا حجة له في يده بحقه فعل ذلك.

ص: 584


1- في نسخة « اعتدى عليه »

وان لم يقر بالحق وأنكرها فقال : لا حق لك قبلي ، كان هذا موضع البينة فإن كان المدعى لا يعرف له موضع البينة ، كان للحاكم ان يقول له : ألك بينة فان كان عارفا بأنه وقت البينة ، فالحاكم مخير بين ان يسكت أو يقول له ألك بينة ، فاذا قال ألك بينة ، فان لم يكن له بينة ، عرفه الحاكم بان لك يمينه ، فاذا عرف ذلك لم يكن للحاكم ان يستحلفه بغير مسألة المدعي اليمين حق له فليس له ان يستوفيه الى (1) مطالبته مثل نفس الحق فان لم يسأله واستحلفه من غير مسألة لم يعتد بهذه اليمين لأنه اتى بها في غير وقتها ، فان لم يعتد بها أعادها عليه بمسألة المدعي.

فإذا عرض عليه اليمين ، فإن أجاب إليها وحلف ، أسقط الدعوى ولم يكن لخصمه ان يستحلفه مرة أخرى ، لا في هذا المجلس ولا في غيره فإن سأله الحالف ان يكتب له بما جرى محضرا لئلا يدعيه مرة أخرى ، فعليه ان يكتب له ذلك يكون حجة في يده.

فان لم يحلف قال له الحاكم : ان حلفت ، والا جعلتك ناكلا ورددت اليمين على خصمك فيحلف فيستحق عليك ، يقول هذا ثلاثا ، فان سأل الحاكم ان يكتب له محضرا بما جرى فعل ذلك هذا إذا لم يكن بينة.

فان كانت بينة فكانت حاضرة ، لم يقل الحاكم : أحضرها ، لأنه حق له فله ان يفعل ما يرى ، فاذا حضرا لم يسأل الحاكم عما عندهما حتى يسأله المدعي ذلك لأنه حق له فلا يتصرف فيه بغير أمره ، فإذا كان لا بد من سؤال المدعي للاستماع منهما لم يقل الحاكم لهما : اشهدا ، لأنه أمر ، والحاكم لا يأمرهما ، الا انه يقول : تكلما إن شئتما ، من كان عنده كلام فليذكره ان شاء ، فاذا قالا ما عندهما. فاما ان يكون ما اقاماه من الشهادة فاسدا أو صحيحا ، فان كان فاسدا مثل ان قالا : بلغنا ان له عليه ألفا ، أو قالا ، سمعنا بذلك ، قال له الحاكم : زدني في شهودك فيرد شهادتهما بذلك.

فان شهدا عنده بالحق شهادة صحيحة ، لم يحكم له الحاكم حتى يسأل الحاكم

ص: 585


1- في نسخة « ألا بمطالبته »

بها ، فإذا سأله بحث عن حال الشهود ، فان كانوا فساقا وقف الأمر حتى يأتي بالبينة ، وان كانوا عدولا قال الحاكم للمدعي عليه : قد عدلا عندي ، هل لك جرح؟ فان قال : نعم ، أنظره - حتى يجرح الشهود - ثلاثا ، فان لم يأت بجرح أو قال : لا جرح عندي. لم يحكم حتى يسأل المدعى ان يحكم له بذلك.

فإن سأله فيستحب للحاكم ان يقول للمدعي عليه : ( قد ادعى كذا عليك وشهد عليك بكذا وأنظرتك جرح الشهود فلم تفعل ، وهو (1) إذا أحكم عليك ) ليبين له انه حكم بحق ، فاذا قال هذا حكم عليه بالبينة ، ولم يستحلف المدعى مع بينته.

هذا إذا كانت البينة حاضرة ، فان كانت غائبة ، قال الحاكم له (2) : ليس لك ملازمته ولا مطالبته بكفيل ، ولك يمينه أو تتركه حتى تحضر البينة ، وذكر :ان له ملازمته ومطالبته بكفيل حتى تحضر البينة ، وما ذكرناه أولا هو الأظهر والأصح والثاني أحوط لصاحب الحق ولا بأس به.

فان سكت أو قال : لا أقر ولا أنكر ، قال الحاكم له : ان أجبت عن الدعوى والا جعلتك ناكلا ورددت اليمين على خصمك ، وذكر انه يحبسه حتى يجيب إما بإقرار أو بإنكار ولا يجعله ناكلا. وما ذكرناه أولا هو الظاهر من مذهبنا ، ولا بأس بالعمل بالثاني.

ولا ينبغي له ان يأخذ الرزق على القضاء. وقد ذكر جواز ذلك وأخذه من بيت المال.

وإذا ترافع خصمان الى الحاكم ، فادعى أحدهما على الأخر حقا ، فأنكر ، وعلم الحاكم صدق المدعى فيما طالبه ، مثل ان يكون ما عليه يعلمه الحاكم أو قصاص وما أشبه ذلك ، كان له ان يحكم بعلمه.

فاما مخالفونا فلا خلاف بينهم في انه يحكم في الجرح بعلمه ، ويقولون :

ص: 586


1- كذا في النسخ ولعل الضمير للشأن
2- اى للمدعي

لو علم الجرح وشهدوا عنده بالتعديل ، ترك الشهادة وعمل بعلمه ولأنه لو لم يقض بعلمه أفضى إلى إيقاف الحكم أو فسق الحكام ، لأنه إذا طلق الرجل زوجته بحضرته ثلاثا ، ثم جحد الطلاق ، كان القول قوله مع يمينه ، فان حكم بغير علمه - وهو استحلاف الزوج - وتسليمها اليه فسق وان لم يحكم له وقف الحاكم (1). وهكذا إذا أعتق الرجل عبده بحضرته ثم جحد. وإذا غصب من رجل ماله ، ثم جحد يفضي الى ما قلناه ، فهذا قولهم ، ثم يعيبوننا إذا قلنا بمثله.

باب كتاب قاضٍ الى قاضٍ

لا يجوز عندنا العمل على كتاب قاضٍ الى قاضٍ في الأحكام ، ولا قبوله في ذلك. ومخالفونا مجيزون (2) ذلك فيعملون عليه في الأحكام ، وكذلك يقولون في كتابه إلى الأمير (3) ، وكتاب الأمير إلى القاضي أو الأمير على ما تضمنته الآية من قصة سليمان عليه السلام وبلقيس من قوله تعالى :

« يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ ، إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ ، وَإِنَّهُ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » (4) فكتب إليها سليمان فدعاها إلى الإسلام والايمان.

وما رواه عبد اللّه بن حكيم قال : أتانا كتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قبل وفاته بشهر ان لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب. (5)

وما روى عن ضحاك بن سفيان من انه قال : أمرني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله على قوم من العرب وكتب معى كتابا وأمرني فيه ان أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها

ص: 587


1- كذا في النسخ ولعله تصحيف وأصلها « الحكم »
2- في بعض النسخ « مخيرون » ولعلها تصحيف والصحيح ما أثبتناه.
3- في المبسوط « الأمين » بدل « الأمير » في المواضع الثلاثة.
4- النمل ، الاية 31 - 30.
5- المبسوط ، ج 8 ، ص 122 ، « وفي الوسائل ، ج 16 ، ص 368 ، الحديث 2 ما يدل على ذلك ».

فعمل به عمر وكان لا يورث المرءة من دية زوجها ، حتى روى الضحاك له ذلك فعمل به (1)

وما روى من أنه صلى اللّه عليه وآله جهز جيشا ، وأمر عليهم عبد اللّه بن رواحة ، وأعطاه كتابا مختوما وقال : لا تفضه حتى تبلغ موضع كذا وكذا ، فاذا بلغت ففضه ، واعمل بما فيه قال : ففضضته وعملت بما فيه (2).

وما كتب به عليه السلام الى الأكاسرة والقياصرة.

فكتب الى قيصر ملك الروم ، « بسم اللّه الرحمن الرحيم ، من محمد بن عبد اللّه الى عظيم الروم ، ( يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ ) » الاية فلما وصل الكتاب اليه قام قائماً ووضعه على رأسه واستدعى مسكا فوضعه فيه ، فبلغ ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فقال : ثبت ملكه (3).

وما كتب به الى ملك الفرس ، فإنه كتب الى كسرى بن هرمزان بسم اللّه الرحمن الرحيم. من محمد بن عبد اللّه الى كسرى بن هرمزان أسلموا تسلموا والسلام. فلما وصل الكتاب إليه أخذه ومزقه ، فبلغ ذلك النبي صلى اللّه عليه وآله فقال تمزق ملكه (4).

وما يدعونه من الإجماع على ذلك في جميع الأعصار ، قالوا : لأن الصحابة لم تزل كذلك ، والتابعون من بعدهم ، فكتب بعضهم الى بعض. ولان للناس إليه حاجة

وجميع ما ذكروه لا حجة لهم فيه اما ما ذكروه من كتب النبي صلى اللّه عليه وآله ، فإنه (5) عمل عليها لأنها كانت معلومة وهي حجة ، لأن قوله عليه السلام حجة ، وليس الخلاف في ذلك ، وانما الخلاف فيمن ليس بمعصوم ، وهل هو كتابه أم لا؟

واما ما كتبه الى كسرى وقيصر ، فإنه دعاهم فيها الى اللّه تعالى ، والإقرار بنبوته ، وذلك عليه دليل غير الكتاب ، ولا خلاف في انه لا يقبل فيه كتاب قاضٍ الى قاضٍ.

واما الإجماع فنحن نخالفهم فيه أشد الخلاف ، وليس هذا الكتاب موضوعا

ص: 588


1- المبسوط ، ج 8 ، ص 122 و 123.
2- المبسوط ، ج 8 ، ص 122 و 123.
3- المبسوط ، ج 8 ، ص 122 و 123.
4- المبسوط ، ج 8 ، ص 122 و 123.
5- اى عبد اللّه بن رواحة

للحجاج فنستقصى الكلام عليهم فيه ، وهو مستوفى في كتب أصحابنا الموضوعة في ذلك فمن أراد الوقوف عليه نظره من هناك.

باب الاستحلاف

إذا توجهت اليمين على أحد الخصمين وأراد الحاكم استحلاف من توجهت عليه ، فينبغي ان يخوفه باللّه تعالى ويذكره العقاب الذي يستحق على اليمين الكاذبة والوعيد عليها فان راجع الحق حكم عليه بما يقتضي الحال حسب ما توجبه الشريعة وان لم يراجع ذلك ، واستمر على الإنكار ، استحلفه باللّه الذي لا إله الا هو أو بشي ء من أسمائه.

ولا يجوز استحلافه بغير ذلك من الكتب المنزلة والأمكنة الشريفة ، ولا بالأنبياء ولا بالرسل ، ولا بالبراءة من اللّه تعالى ، ولا من رسله ولا من أحد من الأئمة ولا بطلاق ولا بعتق ولا بكفر.

فاذا استحلف الحاكم الخصم ، فينبغي ان يقول له :

قل « واللّه الذي لا إله الا هو الرحمن الرحيم الطالب الغالب ، الضار النافع ، المدرك المهلك ، الذي يعلم من السر ما يعلمه من العلانية ، ما لهذا المدعى على ما ادعاه ولا له قبلي حق بدعواه ».

فاذا حلف بذلك برئت ذمته مما ادعى خصمه عليه به.

وان قال له : قل « واللّه ماله قبلي حق » كان مجزيا الا أن الأول أقوى في الترتيب والردع على من تقدم باليمين.

واما استحلاف أهل الكتاب فينبغي ان يكون أيضا باللّه تعالى أو بشي ء من أسمائه ، ويجوز ان يستحلفوا بما يذهبون هم الى الاستحلاف به وذلك الى الحاكم ، فإنه يستحلف بما يراه أردع لهم وأعظم عليهم وقد ذكرنا فيما سلف طرفا من كيفية استحلافهم ، فان استحلفهم كذلك ، كان جائزا.

فإن كان الذي توجهت عليه اليمين أخرس فإنه يستحلفه بالإشارة والإيماء

ص: 589

إلى أسماء اللّه تعالى ويوضع يده على اسم اللّه تعالى في المصحف ويعرف يمينه على الإنكار كما يعرف إقراره وأنظره (1) فان لم يحضر مصحفا كتب اسم اللّه ووضع يده عليه. وينبغي ان يحضر استحلافه من كان معتادا لفهم أغراضه وإشاراته وإيمائه

وان كتب نسخة اليمين في لوح ثم غسل اللوح وجمع الماء وأمر بشربه كان جائزا وكان حالفا إذا شربه ، وان امتنع من شربه الزم القيام بالحق.

وإذا أراد الحاكم استحلاف الخصم ، فينبغي ان لا يستحلفه إلا في مجلس الحكم. فإن أراد استحلاف من توجهت اليمين عليه ومنعه من حضور مجلسه مانع من عجز أو مرض أو ما جرى مجرى ذلك أنفذ الحاكم اليه من ينوب عنه في استحلافه.

فاذا وجبت اليمين على امرأة. فينبغي ان يستحلفها أيضا في مجلس الحكم ويعظم الايمان عليها وقد ذكرنا فيما سلف حكمها في البروز أو غيره فلا وجه لإعادته فإن امتنعت بعد اليمين من الخروج من الحق كان له حبسها ، كما له حبس الرجل وقد تقدم أيضا في ذلك مالا طائل في إعادته.

فاما مواضع الاستحلاف فقد قدمنا ذكرها ، فمن أراد الوقوف عليه نظر في موضعه ان شاء اللّه تعالى.

باب آداب القضاء

قال اللّه تعالى لرسوله صلى اللّه عليه وآله ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ ) (2)

وقال تعالى ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ ) (3).

وقال تعالى ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ ) (4).

وقال تعالى ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ) (5).

وقال تعالى : ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ

ص: 590


1- في نسخة « وإنكاره » عطفا على « إقراره » بدل « وأنظره »
2- المائدة ، الاية 55
3- المائدة ، الاية 49.
4- المائدة ، الاية 50.
5- المائدة ، الاية 52.

النّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ) (1).

وقال النبي صلى اللّه عليه وآله : من حكم في قيمة عشرة دراهم فأخطأ حكم اللّه جاء يوم القيامة مغلولة يديه (2) ومن افتى بغير علم لعنته ملائكة السماء والأرض (3).

وقال على عليه السلام كل حاكم حكم بغير قولنا أهل البيت فهو طاغوت. وقرء « يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً ) (4).

ثم قال : واللّه لقد فعلوا ، تحاكموا الى الطاغوت وأضلهم الشيطان ضلالا بعيدا ، فلم ينج ، من هذه الأمة (5) إلا نحن وشيعتنا وقد هلك غيرهم ، فمن لم يعرفهم فعليه لعنة اللّه (6).

وقال الصادق عليه السلام الحكم حكمان ، حكم اللّه عزوجل وحكم الجاهلية ، فمن أخطأ حكم اللّه فحكم الجاهلية (7).

وروى ان القضاة أربعة : ثلاثة في النار وواحد في الجنة ، فاما الثلاثة التي في النار : فقاض قضى بالباطل وهو يعلم انه الباطل ، وقاضٍ قضى بالباطل وهو يظن انه حق وقاضٍ قضى بشي ء وهو لا يعلم انه حق أو باطل ، واما الذي في الجنة فقاض قضى بالحق وهو يعلم انه حق (8).

ص: 591


1- النساء ، الاية 62
2- دعائم الإسلام ، ج 2 ، ص 528
3- دعائم الإسلام ، ج 2 ، ص 528
4- الوسائل ، ج 18 ، الباب 4 من أبواب صفات القاضي ، الحديث 32 ، ص 16 النساء ، الاية 62.
5- في نسخة « من هذه الآية » بدل « من هذه الأمة »
6- دعائم الإسلام ، ج 2 ، ص 530
7- دعائم الإسلام ، ج 2 ص 529 ، والوسائل ، ج 18 ، ص 11 ، الحديث 7
8- الوسائل ، ج 18 ، أبواب صفات القاضي ، الباب 4 و 12 ، الحديث 6 و 59 ، ص 11 و 127 ، مع اختلاف بين ما في المتن والروايات ، ولعل المعقول في المتن رواية أخرى.

وقال النبي صلى اللّه عليه وآله : إذا جلس القاضي للحكم ، بعث اللّه اليه ملكين يسدد أنه فان عدل أقاما ، وان جار عرجا وتركاه (1).

وقال : من طلب حقا حتى يناله ، فان غلب عدله جوره فله الجنة ، وان غلب جوره عدله فله النار (2) وروى عنه انه صلى اللّه عليه وآله قال : اللّه تعالى مع الحاكم ما لم يجر فاذا جار بري ء منه ولزمه الشيطان (3).

فجواز القضاء معلوم من دين الإسلام على وجه لا يعترضه شك وهو من فروض الكفائات وإذا قام به قوم سقط عن الباقين ، فإن أطبق أهل بلد على تركه وامتنعوا منه ، خرجوا ، وجاز للإمام عليه السلام قتالهم عليه ، لما روى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله انه قال ان اللّه لا يقدس امة ليس فيهم من يأخذ للضعيف حقه (4) ولأنه من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

فإذا أراد الحاكم ان يحكم بين الناس فيستحب له ان يجلس لذلك في موضع بارز للناس ، مثل فضاء واسع أو رحبة أو ما أشبه ذلك : ليصل من كانت له حاجة من غير مزاحمة ، فيكون في ذلك رفق بهم ويستحب أيضا ان يكون هذا الموضع في وسط البلد ، لأنه أقرب ما يكون إلى المساواة بين الناس ، فان جلس في طرف البلد أو حكم في بيته أو في موضع ضيق كان جائزا.

ويستحب ان يصل إليه في مجلس حكمه كل أحد ، ولا يتخذ صاحبا يجب الناس عن الوصول اليه ويجوز ان يتخذ الحاجب لغير ذلك لما روى عنه صلى اللّه عليه وآله انه قال : من ولي شيئا من أمور الناس فاحتجب دون حاجتهم وفاقتهم ، احتجب اللّه دون حاجته وفاقته وفقره (5) فاما جلوسه للحكومة في المساجد فجائز وقد روى ان أمير المؤمنين عليه السلام كان يقضى في مسجد الكوفة (6) ودكة القضاء فيه معروفة الى هذا

ص: 592


1- المبسوط ج 8 ، ص 83
2- المبسوط ج 8 ، ص 83
3- المبسوط ج 8 ، ص 83
4- المبسوط ج 8 ، ص 82
5- المبسوط ج 8 ، ص 87
6- المبسوط ج 8 ، ص 87

الوقت لا يختلف أحد فيها واما إقامة الحدود فمكروهة فيها بغير خلاف.

ولا ينبغي للحاكم ان يحكم وهو غضبان ، ويستحب له إذا غضب ترك الحكم الى ان يزول عنه الغضب ثم يقضى بين الناس بعد ذلك لما روى عنه صلى اللّه عليه وآله انه قال : لا يقضى القاضي ولا يحكم الحكم (1) بين اثنين وهو غضبان وكل أمر يكون معه في معنى الغضبان فحكمه حكم الغضبان في تركه الحكم حتى يزول عنه ذلك مثل الجوع الشديد والعطش الشديد والغم الشديد والفرح الشديد ، والوجع الشديد ، ومدافعة الأخبثين ، والنعاس الغامر للقلب ، كل ذلك سواء فيما ذكرناه لما روى عنه صلى اللّه عليه وآله انه قال : لا يقضى القاضي وهو غضبان مهموم ولا مصاب محزون ، ولا يقضى وهو جائع (2) فإن خالف وقضى بين الناس وهو على الصفة التي ذكرناها فوافق الحق نفذ حكمه ، ولا ينقض حكمه.

ويكره تولى البيع والشراء بنفسه ، لما روى عنه صلى اللّه عليه وآله انه قال : ما عدل وال اتجر في رعيته ابدا (3).

ولا ينظر في ضيعته ونفقة عياله بل يوكل من ينوب عنه في ذلك ، لان جميع ذلك ما يشغله من القضاء ويستحب ان يكون وكيله مجهولا لأنه إذا عرف خون (4) لأجل الحكم وكان وكيله جار مجراه ، فان ( خالف في هذا فباع ) (5) واشترى بنفسه كان التصرف صحيحا نافذا ، لأنه [ ليس بمحرم وانما ] هو مكروه لأجل الحكم.

ويستحب للحاكم إذا ادعى الى وليمة [ أن يحضرها لما ] روى عنه صلى اللّه عليه وآله من قوله لو دعيت الى ذراع لأجبت ولو اهدى الى ذراع لقبلت (6).

ص: 593


1- في نسخة « الحاكم » بدل « الحكم » المبسوط ، ج 8 ، ص 88
2- المبسوط ، ج 8 ، ص 88
3- المبسوط ، ج 8 ، ص 88
4- خونة : نسبه الى الخيانة ، تنقصه
5- ما بين الهلالين ساقط عن النسخة وانما أخذناه من المبسوط وكذا فيما بعده ، لان عبارته موافقة للكتاب
6- المبسوط ، ج 8 ص 89 ، الا ان فيه « لو اهدى الى كراع لقبلت ».

فان كثرت الولائم تخلف عن الأكل (1) لأن [ قبول ] ذلك مستحب والقضاء مقدم عليها. ويعود المرضى ، ويشهد الجنائز ، ويأتي مقام الغائب لأنها قربة وطاعة. فإن كثر ذلك ، فازدحم ، عليه ، حضر الكل ، لأنه حق يسهل قضاؤه بحضور لحظة.

ويتصرف إذا حضر بلد ولايته ، فأول ما يبتدى به ان ينفذ الى الحاكم المعزول ، فيأخذ ديوان الحكم اليه ، وهو ما عنده ، وثائق الناس وحججهم ، المحاضر والسجلات ، لان من عادة القضاة إذا حكموا بشي ء ان يكون ذلك في سجل على نسختين ، نسخة في يد المحكوم له ونسخة في ديوان الحكم احتياطا ، فمتى ضاعت حجة ، رجع الى ما في ديوان الحكم. ويكون فيه كتب الوقف ، فإن العادة جارية عند القضاة بتجديدهم كتب الوقف كلما أخلقت ومات شهودها. ويكون فيه ودائع الناس أيضا ، فإن من الناس من يودع كتبه ووثائقه في ديوان ، لأنه أحفظ لها وأحوط عليها.

فاذا حصل الديوان عنده خرج الى المجلس الذي يجلس فيه للحكم بين الناس راكبا ان كان له مركبا ، أو ماشيا ان لم يكن له ذلك ، فاذا مر بقوم سلم عليهم عن يمينه وشماله ، لما روى عنه صلى اللّه عليه وآله يسلم الراكب على الماشي ، والقائم على القاعد ، والقليل على الكثير (2). فاذا وصل الى مجلسه سلم على من سبق اليه من الوكلاء والخصوم.

فان كان مجلسه في المسجد صلى حين يدخله ركعتين تحية المسجد لما روى من قوله صلى اللّه عليه وآله : إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلى ركعتين (3) ، وان لم يكن [ المكان مسجدا كان بالخيار بين ان يصلى ركعتين ] ان كان وقتا تجوز النافلة فيه و [ بين ان يترك ، ويفرش له ما يجلس عليه وحده من حصير أو بساط ] أو

ص: 594


1- في المبسوط « عن الكل »
2- المبسوط ، ج 8 ، ص 90
3- المبسوط ، ج 8 ، ص 90

غير ذلك ولا [ يجلس على التراب ولا على بارية المسجد لأنه أهيب له ] عند الخصوم [ وأنفذ لأمره ، ويجلس عليه وحده ليتميز من غيره عند تقدم الخصم ] اليه. ويكون متوجها الى القبلة لما روى عنه صلى اللّه عليه وآله من قوله : خير المجالس ما استقبل به القبلة (1) وقد ذكر انه يكون ظهره إليها ، ليكون وجوه الخصوم في الاستحلاف إليها. فالأول أظهر.

فإذا جلس ، وقف على رأسه ثقة ترتب الناس ، فتقدم السابق فالسابق ، والأول فالأول ، ولا يقدم من تأخر ، ولا يؤخر من تقدم ، لان السابق أحق من غيره ، ثم ينظر في ذلك فان كان يكتب لنفسه كتب ما يحتاج إليه ، فان لم يكتب لنفسه اتخذ كاتبا ثقة حافظا ، ويجلس بين يديه قريبا منه بحيث يشاهد ما يكتبه.

وينبغي ان يكون في مجلسه أهل العلم من أهل الحق ، ليكون متى حدثت حادثة تحتاج فيها إلى سؤالهم عنها ليذكر الجواب فيها ، والدليل عليها ، فان كانوا بالقرب منهم ، ذاكرهم وان كانوا بعيدين عنه استدعائهم لذلك. فاذا حكم بحكم وكان موافقا للحق لم يكن لأحد معارضته فيه ، وان أخطأ وجب عليهم ان ينهوه وليس عندنا في الشرع قياس ، ولا اجتهاد ، ولا كل مجتهد عندنا مصيب ، فيوجب عليهم تنبيهه من هذه الوجوه.

وينبغي ان يحضر عنده شهود البلد ، يستوفي بهم الحقوق ويثبت لهم الحجج والسجلات والمحاضر واما مكان جلوسهم : فان كان الحاكم من يحكم بعلمه فان [ شاء استدناهم وان ] أراد ، باعدهم عنه لأنه ان كان يقضى بعلمه [ فمتى أقر عنده مقر بحق ثم رجع ] عنه حكم عليه بعلمه ، ولا يحتاج إلى [ الشهادة على إقراره ، وان كان ممن لا يقضى ] الحكم بعلمه ، استدعاهم اليه بحيث يسمعون [ كلام الخصمين كيلا يقر منهم مقر ] ثم يرجع عنه وإذا رجع عنه شهد به عنده شاهدان وحكم عليه بالبينة لا بعلمه فاذا جلس للحكم كان أول ما ينظر فيه حال المحبسين. لان الحبس عذاب ،

ص: 595


1- المبسوط ، ج 8 ، ص 90

فيخلصهم منه ، ولأنه قد يكون فيهم من تم عليه الحبس بغير حق. ثم ينظر بعد الفراغ منهم في حال الأوصياء ، والأمناء ، واللقطة ، والضوال ، وما ينفق بعد ذلك الحكم فيه هذا الذي ينبغي ان يبتدئ بالنظر فيه إذا جلس للقضاء في ابتداء ولايته.

إذا حضر عند الحاكم خصمان ان يكون أحدهما أكبر من الأخر ، وقد تعلم اللدد (1) وهي الالتواء والعنت من وجوه ، منها ان يقدم الإنسان خصمه الى الحاكم فيتحاكمه ، فتوجه اليمين [ فاذا بدء باليمين قطعها ] عليه وقال لي عليه بينة ، فاذا فعل ذلك أول مرة ، نهاه عن ذلك ومنعه منه وأعلمه « ان ذلك لا يحل ، ان لم يكن لك بينة » فان عاد الى ذلك ، زبره ونهاه وأغلظ له في النهى ، وصاح عليه ولا يعجل عليه بالتعزير ، لئلا يكون جاهلا بذلك. فان عاد ثالثا فقد فعل ما يستحق به التأديب والتعزير. فان كان قويا لا يكفه [ الا ] التعزير عزره ، وان كان ضعيفا لا يحتمل الضرب حبسه وأدبه بالحبس دون الضرب وان رأى أن المصلحة في ترك ذلك كله فعل.

وإذا أغلظ للحاكم في القول ، فقال [ حكمت على بغير حق نهاه ] فان عاد وقد استحق [ التعزير - ظ ] على ما يراه [ الحاكم ].

وينبغي للحاكم ان لا يكون ضعيفا مهينا لأنه لا يهاب ، فربما جرت بالمشاتمة وينبغي ان يكون فيه شدة من غير عنف ، ولين من غير ضعف فهو اولى وأحق بالمقصود

فان حدثت حادثة وأراد الحكم فيها ، فان كان عليها دليل من نص كتاب أو سنة أو إجماع عمل في الحكم فيها عليه ، وان لم يكن عليها دليل على جملة أو تفصيل ولا غير ذلك من الحجج وكانت يبقاه على الأصل ، رجع في ذلك اليه.

ولا يجوز ان يقلد غيره في حكم [ و ] لا يشاور فيه ولا يستفتي غيره ثم يحكم بتلك الفتيا ، لان الحاكم ينبغي ان يكون عالما بما وليه فان اشتبه عليه بعض الأحكام ذاكر أهل العلم لتفقهه في ذلك على الدليل.

ص: 596


1- في الجواهر ، ج 40 ، ص 79 : « استعمل اللدد اى طلب اليمين من الخصم ثم قطعها عليه وقال : لي بينة سأحضرها ، ثم يعود إلى الأول وهكذا ».

والقضاء لا ينعقد للقاضي الا بان يكون من أهل العلم والعدالة والكمال ، وكونه عالما : بان يكون عارفا بالكتاب والسنة ، والإجماع ، والاختلاف ، ولسان العرب واما القياس فلسنا نعتبره ، لان استعماله في الشريعة عندنا باطل.

فاما الكتاب ، فيفتقر في تعرفه إلى المعرفة بأشياء وهي : العام والخاص ، والمحكم والمتشابه ، والمفسر ، والمطلق والمقيد ، والناسخ والمنسوخ فاما العموم والخصوص لئلا يتعلق بعموم قد دخله الخصوص مثل قوله سبحانه « وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ » (1) هذا عام في كل مشركة ، حرة كانت أو امة وقوله تعالى « وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ » (2) خاص في الحرائر فلو تمسك بالعموم غلط وكذلك قوله « فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ » (3) عام وقوله « مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ » (4) خاص في أهل الكتاب.

واما المحكم والمتشابه ليقضى بالحكم وبالمفسر كقوله « أَقِيمُوا الصَّلاةَ » (5) وهذا غير مفسر وقوله « وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ » (6) و ( حِينَ تُمْسُونَ ) - يعنى المغرب والعشاء والآخرة - وحين تصبحون.

واما المطلق والمقيد ليبنى المطلق على المقيد مثل قوله سبحانه « وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ » (7) فهذا مطلق في العدل والفاسق وقوله « وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ » (8) مقيدا بالعدالة فيبني المطلق عليه.

واما الناسخ والمنسوخ يقضى بالناسخ دون المنسوخ ، كآية العدة بالحول (9) والآية التي تضمنت العدة بالأشهر (10)

ص: 597


1- البقرة ، 221
2- المائدة ، 5
3- التوبة ، 5
4- التوبة ، 9
5- البقرة ، 43
6- الروم ، 18
7- البقرة ، 282
8- الطلاق ، 2
9- البقرة ، 242 « وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ .. »
10- البقرة ، 235 « وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً »

واما السنة فيحتاج ان يعرف منها شيئا : المتواتر والآحاد - ليعمل بالمتواتر دون الآحاد - والخاص والعام والناسخ والمنسوخ لما تقدم في نص القرآن ، ولما كان في السنة مجمل ومفسر ومطلق ومقيد - كما في الكتاب - احتاج الى ان يعرف جميع ذلك لما تقدم ذكره.

ويعرف الإجماع والاختلاف ، لأن الإجماع حجة لئلا يقضي بخلافه

ويعرف الاختلاف ليعلم هل هو موافق لبعض الفقهاء أم لا؟ وهذا عندنا يضعف إدخاله في هذا الموضع ، والمعمول على ما تقدم :

واما لسان العرب فيحتاج الى معرفته ، لان صاحب الشرع عليه وآله السلام خاطبنا به.

وقد ذكر انه لا يلزمه ان يكون عارفا بجميع الكتاب ، بل يكفي في ذلك معرفته بالآيات المحكمة وذكر : ان جميع ذلك خمس مأة آية وذلك يمكن معرفته.

والسنة تكفى ان يتعلق بالأحكام من سننه دون آثاره واخباره ، فان جميع ذلك لا يحيط به أحد علما ، وما قبلها مدون في الكتب في أحاديث مخصوصة.

واما الخلاف ، فهو متداول بين الفقهاء يعرفه أصاغرهم.

واما لغة العرب ، فيكفي أن يعرف شيئا ذكرناه دون ان يكون عارفا بجميع اللغات - وهذه الجمل الأخيرة غير بعيدة من الصواب ، بل الظاهر ان القاضي إذا كان علمها كانت كافية له فيما هو عليه.

واما كونه عدلا ثقة فلا بد منه ، لأنه ان كان فاسقا لم ينعقد له القضاء بالإجماع الأخلاف الأصم (1) لأنه أجاز ان يكون فاسقا وخلافه غير مؤثر في الإجماع.

واما كونه كاملا ، والمراد به كامل الخلقة والأحكام.

اما كامل الخلقة ، ان يكون بصيرا ، لأنه ان كان أعمى لا ينعقد له القضاء ، لأنه يحتاج إلى معرفة المقر من المنكر ، والمدعى من المدعى عليه ، وما يكتبه كاتبه بين

ص: 598


1- مرت ترجمته ص 503

يديه. وان كان ضريرا (1) لم يعرف ذلك ، وإذا لم يعرفه لم ينعقد القضاء له كما ذكرناه

واما كمال الأحكام ، بان يكون بالغا ، حرا ، ذكرا ، لأن المرأة لا تنعقد لها القضاء على حال. ولا يجوز له الحكم بالاستحسان ولا بالقياس.

وإذا حكم بشي ء ثم بان له انه خطأ ، أو بان له ان الحاكم قبله حكم بشي ء وأخطأ فيه ، كان عليه نقض ما أخطأ هو فيه ، وكذلك ما أخطأ فيه غيره من الحكام المتقدمين عليه ، وحكم بما يعلمه من الحق.

وليس يجب عليه إذا ولى القضاء ان يتبع حكم من كان قبله ، ولو تبعه لكان جائزا لكن ليس عليه ذلك. لكن عليه ان ينقض ما يتفق ظهوره له ، فان الحكم فيه وقع بخلاف الحق. وإذا حضر مجلس حكمه خصمان لا يعرف لسانهما ، أو شهد عنده شاهد بشي ء لا يعرف ، لم يكن بد من مترجم يترجم عنه ، ليعرف الحاكم ما يقوله. والأظهر أن الترجمة شهادة ويفتقر الى العدد والعدالة والحرية ولفظ الشهادة ، وقد ذكر خلاف ذلك ، وما ذكرناه هو الأحوط والأظهر من حيث انه مجمع على العمل به.

وقد تقدم في باب الشهادات من يجوز قبول شهادته ومن لا يجوز ، فلا حاجة الى أن نذكر تصفحه بحال من يحضر مجلسه في شهادة ، وهل هو عدل فيحكم بشهادته أو غير عدل فيردها ، اللّهم الا ان يكون لم يتقدم له المعرفة بمن يحضر ليشهد ، فإنه لا بد أن يكشف عن حاله فيحكم بشهادة من يثبت عنده عدالته ، ويطرح شهادة من لا يكون كذلك. وقد تقدم أيضا طرف من كيفية السماع لشهادتهم وتعريفهم في ذلك ، وغيره ما يغني معرفته هناك من إعادته هاهنا.

ولا يجوز للحاكم ان يرتب له شهودا يسمع شهاداتهم دون غيرهم من سائر الناس [ بل يدع الناس ] وكل من شهد عنده وعرفه والا سأل عنه ، لأنه إذا رتب قوما فإنما يفعل ذلك بمن هو عدل عنده ، وغير من رتبه لذلك ، وقد يكون مثله أو أعدل منه. فاذا كان الكل سواء ، لم يجز ان يختص بعضهم بالقبول دون بعض ولان

ص: 599


1- الضرير : الذاهب البصر

فيه مشقة على الناس لشدة حاجتهم إلى الشهادة بالحقوق في كل وقت ، من نكاح وغصب ومعاملة وقتل وغير ذلك. وإذا لم يقبل الا قوما دون قوم شق ذلك على الناس ، ولان فيه ضررا عليهم. فان الشاهد إذا علم انه لا يقبل قول غيره ربما تقاعد حتى يأخذ الرشوة عليها. ولان فيه إبطال الحقوق ، فان كل من له حق ، لا يقدر على إقامة البينة به من كان مقبول الشهادة راتبا لها دون غيره ، فاذا كان كذلك لم يجز له ترتيبهم. فان رتب قوما قد عرف عدالتهم وسكن إليهم في استماع أقوالهم وتقبل شهادتهم ، فاذا شهد عنده بالحق غيرهم ، بحث عن أحوالهم ، فاذا زكوا حكم ان(1) شهادتهم ، لم يكن بذلك بأس

وينبغي أن يكون له كاتب يكتب بين يديه ، يكتب عنده الإقرار والإنكار وغير ذلك ، وصفة ذلك الكاتب ان يكون عدلا ، فقيها ، عاقلا ، نزها عن الطمع. وانما اعتبرت العدالة لأنها موضع امانة. واعتبر العقل لئلا يخدع. وكونه فقيها ، ليعرف الألفاظ التي تتعلق الأحكام بها - ولا بغيرها - لان غير الفقيه لا يفرق بين واجب وجائز ، وليكون أخف على القاضي ، لأنه يفوض اليه ذلك ، ولا يحتاج الى مراعاته فيما يكتبه ويكون نزها بريا من الطمع ، لئلا يرتشي فيغير. ويجوز ان يتخذ لذلك عبدا لأنه قد يجوز ان يكون عدلا ، ولا يتخذ كافرا بغير خلاف.

وفي آخر نسخة المكتبة الرضوية

تم كتاب المهذب في الفقيه للقاضي أبي القاسم بن البراج نور اللّه ضريحه

وفرغ من تحريره العبد الضعيف الفقير المحتاج إلى رحمة اللّه

تعالى أبو طالب على بن محمد بن على يوم الثلاثاء الرابع عشر

من صفر سنة احدى وخمسين وست مأة وهجرية

حامدا لله مصليا على نبيه محمد وعترته

الأطهرين وقد كتب هذا الكتاب مصنفه

في سنة سبع وستين وأربع مأة

ص: 600


1- كذا في النسخ ولعله تصحيف وأصله « عن »

فهرس الجزء الثانى للمذهب

الصفحة / العنوان

الصفحة / العنوان

21 - كتاب المزارعة

9 - تعريف المزارعة

10 - شرائط المزارعة

12 - حكم ما اذا استأجر رجل ارضا مدة معينة

13 - حكم ما اذا استأجر رجل ارضا وباعها مالكها بعد ذلك

22 - كتاب المساقاة

15 - موارد المساقاة

15 - حكم ما لو هلكت الثمرة ببعض الآفات السماوية

16 - اذا استأجر انسان ارضا باجرة معلومة واراد أن يوجر بعضها باكثر

17 - اذا رفع انسان إلى غيره نخلا معلومة هذه السنة بالنصف

18 - جواز جعل الارض بعنوان المزارعة بيد الحربى الذى دخل دار الاسلام

19 - مزارعة الصبى والعبد المأذون لهما في التجارة

21 - بطلان ما اذا تكفل انسان لصاحب الارض بحصته مما تخرج الارض

21 - اذا وكل انسان غيره بارض له على ان يدفعها مزارعة هذه السنة

23 - اذا تزوج الرجل المرأة بزراعة ارض هذه السنة

24 - اذا دفع انسان إلى غيره نخلا معاملة على ان يلقحه

25 - اذا مات صاحب الارض والمزارع اوماتا جميعا

25 - اذا رهن انسان عند غيره ارضا ونخلا بدين له عليه

ص: 601

الصفحة / العنوان

الصفحة / العنوان

23 - كتاب احياء الموات

27 - بيان الاخبار

28 - بيان اقسام البلاد

29 - اراضى الموات تكون للامام

29 - حكم احياء الاراضى

30 - اذا حفر بئرا او ساقية او نهرا يملك حريمها

31 - اذا حفر بئرا في داره واراد جاره حفر بالوعة او خلاء بقرب هذا البئر

33 - اذا سبق إلى بعض المعادن الظاهرة رجلان

34 - حكم المعادن التى ليست ظاهرة

35 - حكم البلد الذى افتتح عنوة والبلد الذى افتتح صلحا

36 - اذا ملك انسان معدنا في ارض احياها ثم عمل فيها رجل فاخرج منه قطعا

38 - جواز شراء الانسان ارضا مع شرب مائها

39 - جميع المسلمين في انهار الكبار شرع سواء

24 - كتاب الرهن

43 - ادلة جواز الرهن

44 - احتياج الرهن إلى الايجاب والقبول

44 - ما يتعلق بالرهن

46 - اذا اذن الراهن للمرتهن في قبض الرهن ثم رجع عن الاذن

47 - اذا قبض المرتهن والرهن باذن صاحبه

48 - اذا اقر المرتهن والرهن بقبض الرهن في وقت

50 - من اعار غيره شيئا ثم رهنه

52 - اذا اذن المرتهن للراهن في العتق او الوطأ ثم رجع عن الاذن

54 - ما اذا اختلفا الراهن والمرتهن في شيئ من الشروط

59 - اذا اقترض انسان من غيره الفا « ورهن بها عبدا »

60 - اذا اختلف المتراهنان في الخمر

61 - اذا رهن ما يسرع اليه التلف

62 - اذا شرط المتراهنان ان يكون الرهن على يد عدل

63 - فروع الرهن

67 - حكم ما اذا كان المتراهنان غائبين

68 - حكم ما اذا وكل المتراهنان عبدا بغير اذن سيده

ص: 602

الصفحة / العنوان

الصفحة / العنوان

69 - في بقية ما يتعلق بالرهن

73 - اذا باع شيئا « من غيره وشرط ان يكون المبيع رهنا » في يد البائع

75 - عدم جواز تصرف المالك في الرهن

25 - كتاب الوقوف والصدقات

85 - بيان الروايات

86 - ما يتوقف عليه صحة الوقف

88 - وقف المفتوح عنوة

90 - تقسيم الوقف حسب الموقوف عليه

92 - تقسيم الوقف حسب الواقف

93 - في الوقف المشاع

94 - باب النحلة والهبة

95 - الهبة عقد جائز

97 - باب الهدية

98 - اقسام الهدية

100 - باب السكنى والعمرى والرقبى

26 - كتاب الوصايا

103 - ادلة الوصية

105 - باب ما صح من الوصايا وما لا يصح

108 - الوصية للحمل

112 - الايصاء للحج

114 - حكم الايصاء للاقرباء

116 - باب الاوصياء

117 - الايصاء للحاضر والغائب

119 - باب شروط الايصاء

120 - الاشهاد إلى الوصية

27 - كتاب الفرائض

122 - ادلة لزوم تعلم الفرائض

123 - باب الاسباب التى يستحق الارث بها

124 - باب ما يمنع من الارث

124 - باب سهام الارث

125 - باب مراتب المواريث

125 - باب ميراث الوالدين

130 - طعمة الجد والجدة

131 - باب ميراث الولد وولد الولد

133 - باب ميراث الاخوة والاخوات

137 - باب ميراث اولاد الاخوة والاخوات

139 - باب ميراث الازواج والزوجات

142 - باب ميراث الاجداد والجدات

145 - باب ميراث ذوى الارحام

153 - باب ميراث المولى وذوى الارحام

156 - باب توارث اهل ملتين

160 - في ارث المرتد

ص: 603

الصفحة / العنوان

الصفحة / العنوان

162 - باب ميراث القاتل

163 - باب من يستحق دية المقتول

164 - باب ميراث ولد الملاعنة

165 - باب ميراث الحميل والاسير

167 - باب ميراث المماليك والمكاتبين

170 - باب ميراث المجوس

171 - باب ميراث الخنثى

173 - باب احتصار حساب الفرائض

28 - كتاب النكاح

178 - بيان الايات والاخبار الواردة في باب النكاح

179 - باب اقسام النكاح وباب ذكر الكفاءة فيه

182 - باب ذكر من يحرم نكاحه

190 - باب ما يحرم من النكاح بالرضاع

192 - باب من يجوز له العقد في النكاح ومن لا يجوز

202 - باب ما اذا لم يسم بالمهر

205 - اذا اختلفت المرأة وزوجها في مبلغ المهر

208 - اذا قبضت الزوجة المهر وطلقها زوجها قبل الدخول بها

210 - في تزويج المحجور عليه

213 - فيما اذا بانت الزوجة ثيبا

214 - عدم جواز امتناع الزوجة من زوجها

215 - باب نكاح الاماء والعبيد وما يتعلق بذلك

217 - في تزويج العبد بحرة بغير اذن سيده

220 - باب ما ينبغى فعله عند العقد

221 - في آداب الغشيان

225 - باب القسمة على الازواج

231 - باب التدليس في النكاح

239 - باب نكاح المتعة

250 - باب نكاح المشركين

259 - باب احكام الولادة والعقيقة والرضاع

263 - باب النشوز

265 - باب الشقاق والحكمين

267 - باب الخلع

273 - في شروط الخلع

29 - كتاب الطلاق

275 - شروط الطلاق

276 - باب ما يقع به الطلاق ومالا يقع

280 - باب اقسام الطلاق

ص: 604

الصفحة / العنوان

الصفحة / العنوان

281 - باب صفة طلاق السنة

282 - باب طلاق العدة

283 - باب طلاق المدخول بها وغير المدخول بها

285 - باب طلاق الحامل

286 - باب طلاق الآئسة والغائب

288 - باب طلاق الغلام والمماليك

289 - باب طلاق المريض

290 - باب الرجعة

297 - باب الظهار

301 - باب الايلاء

30 - كتاب اللعان والارتداد

306 - بيان الايات والاخبار

314 - باب العدد والاستبراء

337 - باب المفقود وعدة زوجته

338 - باب الحاق الاولاد بالاباء واحكام ذلك

341 - باب النفقات

31 - كتاب العتق

355 - بيان الايات والاخبار وذكر من يصح تملكه ومن لا يصح

357 - شرائط صحة العتق

364 - باب الولاء

365 - باب التدبير

374 - باب جناية المدبر والجناية عليه

375 - باب المكاتبة

383 - باب مكاتبة المريض

385 - باب المكاتبة الفاسدة

386 - باب احكام الجنايات الواقعة من المكاتب بغيره او من غيره به

393 - مسائل في المكاتبة

32 - كتاب الايمان

402 - بيان الايات والاخبار

403 - اقسام اليمين

405 - اذا حلفت المرأة لزوجها ان لا تتزوج بعد طلاقه لها

408 - باب النذور والعهود

33 - كتاب الكفارات

414 - باب كفارة اليمين

421 - باب كفارة الظهار والايلاء وكفارة الحلف بالبرائة من اللّه ورسوله

ص: 605

الصفحة / العنوان

الصفحة / العنوان

422 - باب كفارة من افطر في يوم رمضان متعمدا وكفارة قتل العمد والخطأ

423 - كفارة من وطأ زوجته أو أمته في الحيض

424 - كفارة من نظر إلى المصلوب

424 - كفارة لطم المرأة وجهها في مصاب وقتل السيد مملوكه

425 - باب ما يلحق بها

34 - كتاب الاطعمة والاشربة

426 - الايات والاخبار

427 - باب اقسام الاطعمة والاشربة

430 - باب الاشربة

431 - باب ما يتعلق بالاطعمة والاشربة

434 - باب آداب الاكل والشرب

435 - باب الصيد والذبائح

439 - باب ما يحل من الذبائح وما يحرم منها

35 - كتاب الطب والاستشفاء الاستشفاء بالبر وفعل الخير

36 - كتاب الدية والقصاص

453 - باب تحريم القتل بغير حق

456 - باب اقسام القتل

457 - الدية واحكامها

458 - انقسام الدية إلى اقسام

467 - باب قتل الاثنين او اكثر منهما بواحد

470 - باب القصاص والشجاج

473 - قصاص الاطراف

499 - باب البينات على القتل والقسامة

503 - باب العاقلة

509 - باب دية الجنين والميت

511 - باب الجناية على الحيوان

513 - باب ما لا دية فيه ولا قود

37 - كتاب الحدود

518 - باب الزناء واقسامه

524 - باب ما به يثبت حكم الزناء

527 - باب كيفية اقامة الحد

529 - باب الحد في اللواط والسحق

531 - المساحقة

533 - نكاح البهائم

534 - حد الاستمناء

534 - باب الحد في القيادة وشرب الخمر

537 - باب الحد في السرقة

538 - باب شروط القطع في السرقة

ص: 606

الصفحة / العنوان

الصفحة / العنوان

543 - باب ذكر من لايقام عليه الحد

545 - باب صفة قطع اليد والرجل في السرقة

546 - باب الحد في الفرية وما يوجب التعزير

553 - باب حدود المحارم

554 - احكام الخناق والنباش والمختلس والمحتال والمنبج

38 - كتاب الشهادة

556 - اقسام الشهادة

559 - باب كيفية الشهاده واقامتها

560 - الشهادة على الشهادة

562 - باب شهادة الزور

564 - باب التغليظ في اليمين

39 - كتاب اللقطة والضوال

569 - احكام اللقيط والابق

40 - كتاب القسمة والبنيان

574 - اذا كان العلو لشخص والسفل لشخص آخر

575 - اذا كان الحائط بين دارين

41 - كتاب الدعوى والبينات

580 - باب ما على الحاكم بالخصوم والشهود

585 - احكام الاقرار والانكار

587 - باب كتاب قاض إلى قاض

589 - باب الاستحلاف

590 - باب آداب القضاء

597 - شرائط القاضى

597 - العلوم التى يجب ان يتعلمها القاضي

600 - ما في آخر نسخه المكتبة الرضوية

601 - فهرس ما في هذا الجزء

ص: 607

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.