المهذّب المجلد 1

هوية الكتاب

المؤلف: عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي

الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي

الطبعة: 0

الموضوع : الفقه

تاريخ النشر : 1406 ه.ق

الصفحات: 512

المهذب

تأليف: الفقيه الأقدم القاضي

عبدالعزيز بن البراج الطرابلسي

400-481 هج

الجزء الأول

مؤسسة النشر الإسلامي (التابعة)

لجماعة المدرسين المشرفة (ايران)

المحرّر الرقمي: محمّد علي ملک محمّد

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

انطلاقاً من أهمية التراث الاسلامي ، ومكانته السامية في حياة الامة و نهضتها الراهنة، أخذت «مؤسسة النشر الإسلامى التابعة لجماعة المدرسين في الحوزة العلمية بقم المقدسة» على عاتقها، القيام بكل جهد ممكن في سبيل احياء التراث الاسلامي المبارك .

فقامت - منذ تأسيسها والى الان - بطبع و نشر عشرات الكتب والمصنفات الاسلامية القيمة التي ألفها القدامى من كبار العلماء و أرباب الفكر في شتى مجالات الفقه والاصول والحديث والتفسير والفلسفة و الكلام ، و غير ذلك من مجالات الثقافة الإسلامية وشعبها ، وذلك بعد تحقيقها على أيدى كبار الأساتذة المحققين في الحوزة العلمية ، و اعدادها اعداداً يناسب متطلبات هذا العصر ، و احتياجات الامة في هذه الفترة الخطيرة من تاريخها .

ولم تكتف هذه المؤسسة باخراج ونشر هذا الصنف من المؤلفات والمصنفات بل و جهت عنايتها واهتمامها أيضاً الى ما الف وكتب في هذا العصر في تبيين مفاهيم الاسلام والثورة الاسلامية المجيدة فطبعت ونشرت مجموعة من الدراسات الاسلامية الحديثة فى مختلف شؤون الفكر الاسلامي .

ولقد وفقت هذه المؤسسة فى هذا السبيل ولقيت ما أخرجته ونشرته من كنوز

ص: 2

الفكر والمعرفة اقبالا و تقديراً كبيرين ، مما شجعها على مواصلة هذا السعى البناء ، وهذا الجهد العلمي المخلص .

غير ان المؤسسة هذه - احساساً منها بجسامة المسؤولية ، وخدمة للفكر الاسلامي - لم تكتف بنشر وبث ما يتم تحقيقه واعداده فيها ، بل عمدت الى تشجيع الجهود العلمية والفكرية التي يقوم بها المحققون فى المؤسسات الأخرى فنشرت ما حققوه من مؤلفات مخطوطة قيمة تغنى المكتبة الفقهية أو الأصولية أو الفلسفية ، أو غيرها

وهذا الكتاب القيم هو أحد تلك المصنفات القيمة التي قامت «مؤسسة النشر الاسلامي» بنشره وتوزيعه، بعد أن حققته ثلة من الفضلاء ، وطبعت « مؤسسة سيدالشهداء العلمية » الجزء الأول منه .

وقد تعهدت « مؤسسة النشر الاسلامي » بنشر هذا الجزء المطبوع ، وطبع بقية أجزائه على نفقتها نظراً لاهمية هذا المؤلف الفقهى ، الذي يطبع لاول مرة .

وترجو أن تكون بذلك قد أسدت خدمة جديرة بالاهتمام إلى الوسط العلمي الله المستعان .

مؤسسة النشر الاسلامي

التابعة لجماعة المدرسين في الحوزة العلمية

بقم المقدسة

22 جمادى الاولى 1406 ه. ق

ص: 3

تقديم : جعفر السبحاني

تطور الفقه عند الشيعة

في القرنين : الرابع والخامس

و

اضواء على حياة المؤلف :

القاضي ابن البراج

ص: 4

في هذه المقدمة :

* شرف كل علم يشرف موضوعه ، شرف علم الفقه

* اكتمال الشريعة بعامة ابعادها ، دلائل اكمال الشريعة، بماذا تحقق الكمال ؟

* القرآن تبيان لكل شيء

* مكانة السنة في الشريعة الاسلامية

* الواقعيات المتضادة لاكتمال الشريعة

* الخلافات العميقة في الأصول والفروع

* كيف يجتمع الاكتمال مع وجود الخلافات المذهبية العميقة

* توجيه الخلافات بوجهين ، وضعف التوجيه الأول

* ابداع علم الكتاب والاحاطة بالسنة لدى العترة الطاهرة

* در رمضيئة من كلمات الرسول في حق العترة الطاهرة

* تنصيص النبي على عدد العترة الطاهرة

* احاطة العترة بالسنة ، مراحل تطور الفقه عند الامامية ، المرحلة الثالثة والاقطاب الخمسة

* اضواء على حياة القاضى مؤلف المهذب ، اقوال العلماء في حقه وفيه عشرون كلمة

* ميلاده: انه شامي لامصرى، ابن البراج زميل للشيخ لا تلميذه

* مناقشة القاضى آراء الشيخ في كتابيه : المهذب وشرح الجمل

* استمرار الاجتهاد بعد وفاة الشيخ الطوسي ونقد ما افاده سديد الدين الحمصي ومن تبعه

* التحام القاضي مع الشيخ الطوسي

* اساتذته وتلاميذه ومؤلفاته

* تاريخ تأليف هذا الكتاب وكلمة المحققيين فيه

ص: 5

تقديم

اشارة

بقلم: جعفر السبحاني

شرف الفقه :

بیم ابتد الرحمن الرحیم

ان شرف كل علم بشرف موضوعه، وشرف ما يبحث فيه عن عوارضه وأحواله.

فكل علم يرتبط بالله سبحانه وأسمائه وصفاته وأفعاله ، أو يرجع الى التعرف على سفرائه وخلفائه وما أوحى اليهم من حقائق وتعاليم ، وأحكام وتكاليف يعد من أشرف العلوم ، وأفضلها ، وأسناها . لارتباطه به تعالى .

وقد أصبح (علم الفقه) ذات مكانة خاصة بين تلك المعارف والعلوم ، لانه الراسم لمناهج الحياة في مختلف مجالاتها ، والمبين للنسك والعبادات ، ومحرم المعاملات ومحللها، ونظام المناكح، والمواريث، وكيفية القضاء، وفصل الخصومات والمنازعات ، وغيرها .

وعلى الجملة : هو المنهاج الوحيد والبرنامج الدقيق لحياة المسلم الفردية ، والاجتماعية ، كيف ويصف على أمير المؤمنين عليه السلام أهمية تلك التعاليم والبرامج ، من خلال الاشارة الى آثارها في حياة الفرد والجماعة اذ يقول :

«فرض الله الايمان تطهيراً من الشرك ، والصلاة تنزيها عن الكبر ، والزكاة تسبيباً للرزق . والصيام ابتلاء لاخلاص الخلق، والحج تقوية للدين : والجهاد عزاً

ص: 6

للاسلام ، والأمر بالمعروف مصلحة للعوام ، والنهي عن المنكر ردعاً للسفهاء وصلة الرحم منماة للعدد ، والقصاص حقناً للدماء ، واقامة الحدود اعظاماً للمحارم ، وترك شرب الخمر تحصيناً للعقل ، ومجانبة السرقة ايجاباً للعفة ، وترك الزنا تحصيناً للنسب ، وترك اللواط تكثيراً للنسل، والشهادات استظهاراً على المجاحدات ، وترك الكذب تشريفاً للصدق، والسلام أماناً من المخاوف ، والامامة نظاماً للامة ، والطاعة تعظيما للامامة»(1)

واذا كان الفقه كفيلا بسعادة الانسان في الدارين ومبيناً لفرائض العباد ووظائفهم فقد اختار الله سبحانه أفضل خلائقه ، وأشرف أنبيائه لابلاغ تلك المهمة الجسيمة، فكان النبى صلی الله عليه وآله فى حياته مرجع المسلمين ، في بيان وظائفهم وما كانوا يحتاجون اليه من أحكام ، كما كان قائدهم في الحكم والسياسة ، ومعلمهم في المعارف والعقائد

فقام صلی الله عليه وآله بتعليم الفرائض والواجبات والعزائم والمنهيات ، والسنن والرخص وما يتكفل سعادة الامة ونجاحها في معترك الحياة، وفوزها ونجاتها في عالم الآخرة .

اكمال الشريعة بتمام أبعادها.

ان الشريعة التي جاء بها خير الرسل ، وأفضلهم هي آخر الشرائع التي أنزلها الله سبحانه ، لهداية عباده فهو - صلوات الله عليه - خاتم الانبياء ، كما أن كتابه وشريعته خاتمة الشرائع ، وآخر الكتب.

قال سبحانه : «ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ، ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما» (الاحزاب - 40) .

وبما أنه صلی الله عليه وآله خاتم الانبياء ، وشريعته خاتمة الكتب والشرائع، يجب أن تكون شريعته - حتماً - كاملة الجوانب ، جامعة الاطراف لن يفوتها بيان شيء ، وتغنى المجتمع البشرى عن كل تعليم غير سماوى .

ص: 7


1- نهج البلاغة قسم الحكم ، الحكمة رقم 252 .

ولاجل ذلك نرى أنه سبحانه ينص على ذلك ويصرح بانه زوده بشريعة اكتملت جوانبها يوم قال تعالى : «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا» (المائدة - 3)

وظاهر قوله : «أكملت لكم دينكم» أنه سبحانه اكمل دينه النازل على نبيه الاكرم صلی الله عليه وآله من جميع الجوانب ، وكل الجهات .

فهذا الدين كامل من حيث توضيح المعارف والعقائد ، كامل من حيث بيان الوظائف والاحكام، كامل من جهة عناصر استمراره، وموجبات خلوده ، ومتطلبات بقائه ، على مدى الأيام والدهور.

فلا وجه - اذن - لقصر الاية على الكمال من ناحية دون ناحية، وجانب دون جانب فهى باطلاقها تنبىء عن كمال الشريعة في جميع جوانبها، ومجالاتها من غير اختصاص بالايمان ، أو بالحج ، أو بغيره .

على أن حديث الاكتمال الوارد في هذه الاية، لا يختص باكمال الدين من حيث بيان العقيدة وتبليغ الشريعة، بل يعمّ الاكتمال من جهة بقاء الشريعة واستمرار وجودها طيلة الاعوام والحقب القادمة، اذليس حديث الدين كالمناهج الفلسفية والادبية وما يشبه ذلك ، فان الاكتمال في هذه المناهج يتحقق بمجرد بيان نظامها و توضیح خطوطها الفكرية ، سواء أطبقت على الخارج أم لا، وسواء استمر وجودها في مهب الحوادث أم لا ، بل الدين شريعة الهية انزات للتطبيق على الخارج ابتداء واستمراراً حسب الأجل الذي اريدلها .

فتشريع الدين من دون تنظیم عوامل استمرار وجوده يعد ديناً ناقصاً .

ولاجل ذلك دات السنة على نزول الآية «اليوم أكملت» يوم غدير خم عندما قام النبى (صلى الله عليه و آله) بنصب على (عليه السلام) للولاية والخلافة (1).

ص: 8


1- راجع القدير ج1 ص 210 - 217 للوقوف على مصادر هذا الأمر .

والعجب أن ابن جرير أخرج عن ابن جريح ، قال : مكث النبي (صلی الله عليه وآله) بعد مانزلت هذه الآية «اليوم اكملت ... » احدى وثمانين ليلة (1) .

وبما أن الجمهور أطبقوا على أن وفاة النبي صلى الله عليه وآله كانت في الثاني عشر من ربيع الاول، فينطبق أو يقارب يوم نزول هذه الآية على الثامن عشر من شهر ذى الحجة، وهو يوم الغدير الذى قام النبي صلى الله عليه وآله فيه بنصب على عليه السلام للخلافة والولاية .

ولاجل هذه العظمة الموجودة في مفهوم الآية، روى المحدثون عن طارق بن شهاب قال : قالت اليهود للمسلمين : انكم تقرأون آية في كتابكم لو علينا - معشر اليهود - نزلت، لاتخذنا ذلك اليوم عيداً ، قال : وأى آية ؟ قال : «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى» .

أخرج ابن جرير، عن عيسى بن حارثة الانصارى قال : كنا جلوساً في الديوان، فقال لنا نصرانى : ياأهل الاسلام : لقد انزلت عليكم آية ل-و انزلت علينا لاتخذنا ذلك اليوم، وتلك الساعة عيداً ما بقى اثنان، وهي قوله: «اليوم أكملت لكم دينكم» . وكما روى ابن جرير، عن ابن جريح ، عن السدى أنه لم ينزل بعد هذه الآية حرام لاحلال ، ورجع رسول الله (صلی الله عليه وآله) فمات (2) .

* * *

بماذا تحقق الكمال ؟

لاشك أن الشريعة الاسلامية من جانب الاحكام والعقائد اكتملت بامرين أحدهما : كتاب الله سبحانه، والأخرسنة نبيه الكريم .

أما الأول فقد عرف سبحانه مكانته، وسعة معارفه بقوله: «ونزلنا عليك الكتاب

ص: 9


1- الدر المنثور ج 2 ص 257 و 259 .
2- الدر المنثور للعلامة جلال الدين السيوطى ( المتوفى عام 911 هج ) ج 2 ص 257 .

تبياناً لكل شيء» (النحل - 89) .

فلاشك أن المراد من لفظة «كل شيء» هو كل شيء انيط بيانه إلى سفرائه و أنبيائه سبحانه من العلوم والمعارف، والمناهج والتعاليم التي لايصل الفكر الانساني الى الصحيح منها، بلغ ما بلغ من الكمال .

فهذه الامور تكفل الكتاب الكريم ببيانها وذكر خصوصياتها ، وأما العلوم التى يصل اليها البشر ،بفكره كالفنون المعمارية، والمعادلات الرياضية والقوانين الفيزياوية والكيماوية ، فهى خارجة عن رسالة ذلك الكتاب ، وليس بيانها من مهامه ووظائفه .

نعم ربما يحتمل أن يكون للاية معنى اوسع ، حتى يكون القرآن الكريم قابلا لتبيان تلك المعارف والعلوم، غير أن هذا الاحتمال - على فرض صحته - لا يصحح أن يكون ( القرآن الكريم ) مصدراً لهذه المعارف ، حتى يرجع اليه كافة العلماء والاختصاصيون في هذه العلوم، وانما يتيسر استخراج هذه العلوم والمعارف لمن له مقدرة علمية الهية غيبية ، حتى يتسنى له له استخراج هذ هذه الحقائق والمعارف من بطون الآيات واشاراتها ، وهو ينحصر في جماعة قليلة .

وأما مكانة السنة فيكفى فيها قوله سبحانه : «وما ينطق عن الهوى» (النجم - 3) وقوله سبحانه : «وما آتاكم الرسول فخذوه ومانها كم عنه فانتهوا» (الحشر - 7) ، وغير ذلك من الايات التي تنص على لزوم اقتفاء أثر النبي ، وتصرح بوجوب اتباعه ، وعدم مخالفته ومعصيته .

وعلى ذلك تكون الشريعة الاسلامية شريعة كاملة الجوانب ، كاملة الجهات والأطراف ، قد بينت معارفها ، وأحكامها بكتاب الله العزيز وسنة نبيه الكريم ، فلم يبق مجال للرجوع الى غير الوحى الالهى والى غير ما صدر عن النبي الكريم .

وهذه الحقيقة التي تكشف عنها الآية - بوضوح - وأن الدين اكتمل في حياة النبي

ص: 10

بفضل كتابه وسنته ، مما أطبقت عليه كلمة العترة الطاهرة بلا خلاف ، ولايقاف القارىء على ملامح كلماتهم فى هذا المقام ، نأتى ببعض ماورد عنهم في ذلك المجال :

لكل شيء أصل في الكتاب والسنة :

لقد صرح أئمة أهل البيت والعترة الطاهرة بأنه ما من شيء في مجالي العقيدة والشريعة الا وله أصل فى الكتاب والسنة وهذا هو ما يظهر من كلماتهم ونصوصهم الوافرة .

روی مرازم ، عن الصادق (عليه السلام) أنه قال : ان الله تبارك وتعالى أنزل في القرآن الكريم تبيان كل شيء حتى والله ماترك الله شيئاً يحتاج العباد اليه الابينه للناس حتى لا يستطيع عبد يقول : لو كان هذا نزل في القرآن الاوقد أنزل الله فيه (1) .

وروى عمر و بن قيس ، عن الامام الباقر (عليه السلام) قال : سمعته يقول : ان الله تبارك وتعالى لم يدع شيئاً تحتاج اليه الامة الى يوم القيامة ، الاأنزله في كتابه وبينه لرسوله ، وجعل لكل شيء حداً وجعل عليه دليلا يدل عليه (2) .

وروی سلیمان بن هارون قال : هارون قال : سمعت أباعبدالله (عليه السلام) يقول : ماخلق الله حلالا

ولا حراماً الاوله حد كحد الدار ، فما كان من الطريق فهو من الطريق وما كان من الدار فهو من الدار ، حتى أرش الخدش فما سواه ، والجلدة ونصف الجلدة (3) .

وروى حماد، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سمعته يقول : ما من شيء الاوفيه كتاب أوسنة (4) . وعن المعلى بن خنيس قال ، قال أبو عبد الله (عليه السلام) : ما من أمر يختلف فيه

ص: 11


1- الكافي ج 1 ص 48 .
2- الكافي ج 1 ص 48 من كتاب فضل العلم
3- الكافي ج 1 ص 48 - 50 - من كتاب فضل العلم .
4- الكافي ج 1 ص 48 - 50 - من كتاب فضل العلم .

اثنان الأوله أصل في كتاب الله عز وجل ، ولكن لا تبلغه عقول الرجال (1) .

وعن سماعة ، عن أبى الحسن موسى عليه السلام قال قلت له : أكل شيء في كتاب الله وسنة نبيه صلی الله عليه وآله أو تقولون فيه ؟ قال : بل كل شيء في كتاب الله وسنة نبيه صلی الله عليه وآله (2) .

هذا هو حال الكتاب والسنة عند أئمة العترة الطاهرة ، فلو لم نجد حكم كثير من الموضوعات والحوادث ، فى الكتاب والسنة ولا وقفنا على جملة من المعارف والعقائد فيهما ، فما ذلك الا لاجل قصور فهمنا وقلة بضاعتنا ، لأن في الكتاب رموزاً و اشارات ، وتنبيهات وتلويحات منها تستنبط أحكام الحوادث والموضوعات ، ويهتدى بها الانسان الى المعارف والعقائد وقد اختص علمها بهم دون غيرهم .

كما أن عندهم سنة النبى التى لم تصل كثير منها الى ايدى الناس ، هذه هي حقيقة الحال عن أئمة العترة الطاهرة، وعلى ذلك اقتفت شيعتهم أثرهم في تشييد صرح المعارف والعقائد ، وارساء فقههم ، وفروعهم واصولهم.

ان القارىء الكريم لو راجع الجوامع الحديثية والتفسيرية ، ووقف على كيفية استدلال الائمة الطاهرين، بالايات والسنة النبوية على كثير من المعارف والاحكام يقف على صحة ما قلناه ، وهو أن عندهم علم الكتاب بالمعنى الجامع الوسيع، كما أن عندهم السنة النبوية بعامتها .

وهذا لاينافي أن يكون الكتاب هادياً للامة جمعاء، ويكون طائفة من السنة في أيدى الناس ، غير أن الاكتناه برموز الكتاب واشاراته ، والاحاطة بعامة سننه ، من خصائص العترة الطاهرة .

وقد قام بعض الافاضل من طلاب مدرستنا بجمع الأحاديث ، التي استدل فيها الأئمة الطاهرون بالكتاب والسنة على امور وأحكام ، مما لم تصل اليه أفهام الناس ، وانما خص علم ذلك بهم .

ص: 12


1- الكافي ج 1 ص 48 - 50 - من كتاب فضل العلم
2- الكافي ج 1 ص 48 - 50 - من كتاب فضل العلم

الواقعيات المتضادة للكمال :

فاذا كان الشارع قد أعلن عن خاتمية الرسالة وكمال الشريعة الاسلامية ، وجب أن تتقارب الخطى والمواقف بين المسلمين، ويقل الخلاف والنقاش بينهم ، ويجتمع الكل على مائدة القرآن والسنة من دون أن يختلفوا في عقائدهم ، ولا أن يتشاجروا في تكاليفهم ووظائفهم.

ولكننا - مع الأسف - نشاهد فى حياة المسلمين أمراً لا يجتمع مع هذا الكمال ، بل يضاده، ويخالفه بل وينادى بظاهره بعدم كماله من حيث الأصول والفروع ، وينادى بأن الرسول صلی الله عليه وآله ما جاء بشريعة كاملة جامعة الاطراف شاملة لكل شيء .

وتلك الحقيقة المضادة لحديث الكمال هی الاختلافات الكبيرة والخلافات العريقة التي حدثت بين المسلمين بعد وفاة رسول الله صلی الله عليه وآله بل قبيلها أيضاً .

فقد صاروا في أبسط المسائل الى معقدها الى اليمين واليسار ، وافترقوا فرقتين أو فرقاً حتى انتهوا الى سبعين فرقة ، بل الى سبع مائة فرقة.

فهذا هو التاريخ يحدثنا أن أول تنازع وقع في مرضه (عليه الصلاة والسلام) هو ما رواه البخارى باسناده عن عبد الله بن عباس ، قال : لما اشتد بالنبي مرضه الذى مات فيه ، قال : ائتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتاباً لاتضلوا بعدى ، فقال عمر (رضي الله عنه) : ان رسول الله صلی الله عليه وآله قد غلبه الوجع ، حسبنا كتاب الله وكثر اللغط فقال النبي صلی الله عليه وآله قوموا عنى لا ينبغي عندى التنازع ، قال ابن عباس : الرزية كل الرزية ماحال بيننا وبين رسول الله (1) .

ولم ينحصر الخلاف في اخريات حياته ، بل ظهر الخلاف في تجهيز جيش

ص: 13


1- صحيح البخاری ج 1 باب كتابة العلم ص 29 وأيضاً ج4 كتاب الجهاد باب جوائز الوقد ص 69 ، وصحيح مسلم ج 5 كتاب الوصية ، باب ترك الوصية ص 76 .

اسامة ، حيث أنه صلی الله عليه وآله أمر اسامة بأن يسير الى النقطة التي سار اليها أبوه من قبل. وجهز له جيشاً وعقد له راية فتناقل أكابر الصحابة عن المسير معه لما رأوا مرض النبي صلی الله عليه وآله وهو يصر على مسيرهم ، حتى أنه خرج معصب الجبين ، وقال جهزوا جيش اسامة ، لعن الله من تخلف عنه (1)

وأما اتساع رقعة الخلاف ، ودائرة الاختلاف بعد لحوقه صلی الله عليه وآله بالرفيق الاعلى فحدث عنه ولاحرج .

فقد اختلفوا في يوم وفاته فى موته (عليه الصلاة والسلام) قال عمر بن الخطاب من قال ان محمداً قدمات قتلته بسیفى هذا، وانما رفع الى السماء كما رفع عيسى عليه السلام

ولما جاء أبو بكر بن أبي قحافة من السلع ، وقرأ قول الله سبحانه : «وما محمد الارسول قدخلت من قبله الرسل، أفان مات أو قتل انقلبتم على اعقابكم ، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزى الله الشاكرين » رجع عمر عن قوله ، وقال كأني ما سمعت هذه الآية حتى قرأها أبو بكر (2) .

وأخطر الخلافات وأعظمها هو الاختلاف في الامامة ، وادارة شؤون الامة الاسلامية ، فمنهم من قال بتعدد الامراء فأمير من الانصار و أمير من المهاجرين ، ومن قائل بلزوم انتخابه من طريق الشورى، ومن قائل ثالث بالتنصيص بالولاية والأمارة فقد أحدث ذلك الخلاف خرقاً عظيماً لايسد بسهولة .

ولاجل ذلك يقول الشهرستاني في «ملله و نحله» : ماسل سيف فى الاسلام على قاعدة دينية مثل ماسل على الامامة فى كل زمان (3).

ص: 14


1- الملل والنحل للشهرستاني المقدمة الرابعة ج 1 ص 23 ، وشرح النهج لابن ابى الحديد ج 2 ص 20 .
2- الملل والنحل ج1 ص 23 .
3- الملل والنحل ج 1 ص 24 .

ولم يقف الخلاف والاختلاف عندهذا الحد، فقد اتسع نطاقه بعد الاختلاف فى الزعامة السياسية ، حتى شمل القيادة الفكريّة ، فحدثت مذاهب واتّجاهات ، ووجدت مناهج متباينة فى المعارف الاعتقاديّة ، التي تشكل أعمدة الدين وأصوله وجذور الاسلام واسسه .

فاختلف المسلمون - في هذا المجال - الى معتزلة وجبريّة، وانقسمت الأولى الى واصليّة ، هذليّة . نظاميّة ، خابطيّة ، بشريّة ، معمريّة ، مرداريّة ، ثماميّة، هشاميّة ، جاحظيّة ، خياطيّة .

كما انقسم منافسوا المعتزلة (أعنى الجبريّة) الى : جهمية ، نجادية ، ضرارية

وقد كان هذا الاختلاف في اطار خاص ، أي في معنى الاسلام والايمان وما يرجع الى فعل الله سبحانه ، واذا أضفنا اليه الاختلاف سائر النواحى ، فنرى أنّهم اختلفوا في صفاته سبحانه الى : أشعرية ، ومشبّهة وكراميّة.

وقد أوجبت هذه الاختلافات والنقاشات الى وقوع حروب دامية ، وصراعات مدمرة اريقت فيها الدماء البريئة - من المسلمين ، وسحقت الكرامات.

غير أن اطار الاختلاف لم يقف عند ذلك ، فقد حدث اختلاف في مصير الانسان ومايؤول اليه بعد موته من البرزخ ومواقفه ، ويوم القيامة وخصوصياته ، الى غيرها من الاختلافات والمنازعات الفكرية العقيدية، التى فرقت شمل المسلمين ، ومزقت وحدتهم وكأنهم نسوا قول الله تعالى : «إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ» (الانبياء 92)

فصارت الأمة الواحدة امماً متعددة ، وأصبحت اليد الواحدة أيدى متشتتة .

ولو أضفنا الى ذلك ما حدث بين المسلمين من الاختلاف في المناهج الفقهية التى أرساها الصحابة والتابعون وتابعوا التابعين ، الى أن وصل الدور الى الائمة الأربعة يقف الانسان على اختلاف واسع مروع ، وعند ذلك يتساءل الانسان ويسأل

ص: 14

المرء نفسه : ترى أى الأمرين أحق وأصح ؟

1 - مانص به القرآن الكريم ، وحدث عنه سيّد المرسلين عن المرسلين عن كمال الدين با صوله وجذوره، وشعبه وفروعه بحيث لم يبق للمسلم حاجة الأرفعها ، ولا حادثة الابين حكمها ، ومقتضى ذلك أن يتقلل الخلاف والنقاش الى أقل حد ممكن .

2 - مانلمسه ونراه بوضوح من الخلاف والتشاجر فى أبسط الأمور و أعمقها من دقيقها وجليلها ، بحيث لم يبق أصل ولافرع الاوفيه رأيان بل آراء .

ان حديث الاختلاف الكبير هذا لا يمكن أن يعد امراً بسيطاً ، كيف والامام علي عليه السلام يعتبره دليلا على نقصان الدين ان كان المختلفون على حق ، والاكان اختلافهم أمراً باطلا، لان كمال الشريعة يستلزم أن يكون كل شيء فيها مبيناً ، فلا مبرر ولا مصحح للاختلاف .

يقول الامام عليه السلام في ذم اختلاف العلماء في الفتيا :

ترد على أحدهم القضية في حكم من الاحكام ، فيحكم فيها برأيه ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلاف قوله، ثم يجتمع القضاة بذلك عند الامام الذي استقضاهم فيصوب آراءهم جميعاً. والههم واحد، ونبيهم واحد، وكتابهم واحد أفأمرهم الله - سبحانه - بالاختلاف فأطاعوه ! أم نهاهم عنه فعصوه ! أم أنزل الله سبحانه ديناً ناقصاً فاستعان بهم على اتمامه ! أم كانوا شركاء له فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى ؟! أم أنزل الله سبحانه ديناً تاماً فقصر الرسول صلی الله عليه وآله عن تبليغه وأدائه، والله سبحانه يقول : « ما فرطنا فى الكتاب من شيء » وفيه تبيان لكل شيء وذكر أن الكتاب يصدق بعضه بعضاً (1)

أترى أنه (صلوات الله عليه) بعد ما يندد بالاختلاف ، يقول أم أنزل الله ديناً ناقصاً فاستعان بهم على اتمامه .

ص: 15


1- نهج البلاغة قسم الخطب ، الخطبة رقم 18 .

فاكتمال الدين بعامة أبعاده ينفى وجود الثاني ، كما أن وجود الخلاف في عامة المسائل لا يجتمع مع اكمال الدين ، فما هو الحل لهذين الأمرين المتخالفين؟!

الاجابة على هذا السؤال :

ان هناك تحليلين يمكن أن يستند اليها الباحث في حل هذه المعضلة :

الأول : ان النبي الاكرم صلی الله عليه وآله وان أكمل دينه فسى أصوله وفروعه غير ان المسلمين في القرون الغابرة وقفوا أمام النصوص الاسلامية ، فأوجدوا مناهج ومذاهب لا تلائم القرآن الكريم ولا السنة النبوية .

الا ان هذه الاجابة لا تتفق مع الواقع، بل تعتبر قسوة على الحق وأصحابه، لما نعلم من حياة المسلمين فى الصدر الأول وبعده من أن الدين كان عندهم من أعز الاشياء وأنفسها ، فكانوا يضحون بأنفسهم وأموالهم في سبيله .

فعند ذلك كيف يمكن أن ينسب الى هؤلاء الجماعة بأنهم قد وقفوا في وجه النصوص الاسلامية ، وقابلوها بآرائهم، ورجحوا أفكارهم ونظرياتهم على الوحى؟

كيف والقرآن الكريم يصف تلك الثلة بقوله : «محمد رسول الله والذين آمنوا معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجداً يبتغون فضلا من ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الانجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سونه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة واجر عظيماً) (الفتح - 29).

الثاني : أن الشريعة الاسلامية قد جاءت بدقائق الأمور وجلائلها في كتاب الله وسنة نبيه ، غير أن الشارع الحكيم قد أودع علم كتابه والاحاطة بسنة نبيه -- اللذين اكتملت بهما الشريعة ، وتمت بهما النعمة . واستغنت الأمة بهما عن اتخاذ أى شىء في عداد كتاب الله وسنة نبيه - عند أناس متطهرين من الاثم والذنب ، مصونين

ص: 16

عن الزلل والخطأ، قد أحاطوا بمحكم القرآن ومتشابهه ، ومجمله، ومفصله وناسخه و منسوخه ، وعامه وخاصه ، ومطلقه ومقيده ، بل بدلالاته وتنبيهاته ، ورموزه واشاراته التي لا يهتدى اليها الأمن شملته العناية الالهية، وعمته الفيوض الربانية .

كما وأحاطوا بسنّة نبيّهم ، وشوارد أقواله ، ووجوه أفعاله ، وألوان تقريره واقراره .

فالتحق - صلی الله عليه وآله - بالرفيق الأعلى والحال هذه، أى أن العلم بحقائق الكتاب ومتون سنته مخزون عند جماعة خاصة ، قد عرفهم بصفاتهم وخصوصيّاتهم تارة، وأسمائهم وأعدادهم تارة أخرى كما سيوافيك .

ولو أن الامّة الاسلامية رجعوا في مجال العقائد والمعارف ، وموارد الاحكام والوظائف الى هذه الثلّة ، لا وقفوهم على كل غرة لائحة ، وحجّة واضحة ، وقول مبين، وبرهان متين ، واستغنوا بذلك عن كل قول ليس له أصل في كتاب الله وسنة رسوله ، ولمسوا اكتمال الدين في مجالي العقيدة والشريعة بأوضح شكل .

فحديث اكتمال الدين وكمال الشريعة في وكمال الشريعة في جميع مجالا مجالاتها أمر لاغبار عليه ، ولكن الخلاف والنقاش حدث في أسس الاسلام وفروعه لأجل الاستقلال في فهم الذكر الحكيم ، وجمع سنة الرسول من دون أن يرجعوا الى من عنده رموز الكتاب واشاراته ، ودلائله وتنبيهاته ، فهم وراث الكتاب (1) وترجمان السنة ، فافترقوا - لاجل هذا الاعراض - الى فرق كثيرة ومناهج متكثرة .

ان الاستقلال في فهم المعارف والأصول واستنباط الفروع ، ألجأ القوم الى القول بالقياس والاستحسان ، وتشييد قواعد ومقاييس ظنية كسد الذرائع والمصالح المرسلة، وغيرها من الأمور التي ما أنزل الله بها من سلطان ، وذلك لانهم واجهوا من جانب اكتمال الدين من حيث الفروع والأصول ، بحيث لا يمكن انكاره حسب

ص: 17


1- اشارة الى قوله سبحانه : « ثم اور ثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا » الفاطر 32 .

الآيات والأحاديت، ومن جانب آخروا جهوا الحاجات والحوادث المتجددة التي لم يجدوالها دليلا ، لافى الكتاب ولا في السنة ، فلاذوا الى العمل بهذه المقاييس حتى يسدوا الفراغ، ويبرثوا الشريعة الاسلامية عن وصمة النقص .

قال ابن رشد مستدلا على حجية القياس : ان الوقائع بين أشخاص الأناس غير متناهية ، والنصوص والافعال والاقرارات ( أى تقرير النبي ) متناهية ، ومحال أن يقابل مالا يتناهى بما يتناهى (1) .

وكأنه يريد أن يقول انه لولا القول بحجية القياس لاصبحت الشريعة ناقصة غير متكاملة .

وهذا الجواب (وهو ايداع علم الكتاب عند العترة والاحاطة بالسنة) ممايلوح من الغور فى غضون السنة، ولعل القارىء الكريم يزعم - بادىء بدء - أن هذه الجواب نظرية غير مدعمة بالبرهان، غير أن من راجع السنة يرى النبي الاكرم - صلی الله عليه وآله - يصرح - فى خطبة حجة الوداع بأن عنرته أعدال الكتاب العزيز وقرناؤه ، وهم يصونون الامة عن الانحراف والضلال، ولا يفارقون الكتاب قدر شعرة ، ومع الرجوع اليهم لا يبقى لقائل شك ولا ترديد .

روى الترمذي ، عن جابر قال : رأيت رسول الله (صلی الله عليه وآله) في حجه يوم عرفة ، وهو على ناقته القصوى يخطب فسمعته يقول :

«يا أيها الناس انى قد تركت فيكم ما ان أخذتم به لن تصلوا : كتاب الله وعترتى أهل بيتي» (2) .

وروى مسلم في صحيحه : «أن رسول الله قام خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة ... ثم قال : ألا يا أيها الناس فانما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فاجيب

ص: 18


1- بداية المجتهد ونهاية المقتصد ج 1 ص 2 راجع ايضاً المدخل الفقهي العام ج 1 ص 77
2- صحيح الترمذى ج 3 ص 199 باب مناقب أهل بيت النبي

وانى تارك فيكم ثقلين: أولها كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ... وأهل بيتي»(1) .

وقد روى هذا الحديث أصحاب الصحاح والسنن بعبارات مختلفة ، كما رووا أنه نطق به النبي في حجة الوداع ، وفى غدير خم وقبيل وفاته ،

فدراسة الحديث توقفنا على مكانة أهل البيت النبوى ، وعترة رسول الله (صلی الله عليه وآله) حيث يعدلون القرآن الكريم فى الهداية والنور ، والعصمة والمصونية ، وأن مفارقتهم مفارقة للكتاب ، وبالتالي مفارقة السعادة ، والوقوع في وهاد الضلالة .

عدد الائمة :

ان النبي الاكرم (صلی الله عليه وآله) لم يكتف بالتنصيص بالوصف ، بل أخبر بأن عدد الأئمة الذين يلون من بعده اثناعشر ، وقد رواه أصحاب الصحاح والمسانيد ، فروى مسلم ، عن جابر بن سمرة ، أنه سمع النبي يقول : لايزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة ، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش(2).

وروى البخاري قال : سمعت النبي يقول يقول : يكون اثنا عشر أميراً : فقال كلمة لم اسمعها فقال ابى : قال كلهم من : قريش(3).

وهناك نصوص اخرى لهذا الحديث تصرح بأن عدد الولاة اثنا عشر وأنهم من قريش .

وجاء علي (عليه السلام) يفسر حديث النبى ويوضح ابهامه ويقول : ان الأئمة من قريش في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ولا يصلح الولاة من غيرهم(4)

ص: 19


1- صحيح مسلم ج 7 باب فضائل علی بن ابی طالب ص 123
2- صحيح مسلم ج 6 كتاب الامارة ص 3-4 باب الناس تبع لقريش
3- البخارى ج 1 ص 65 كتاب الاحكام
4- نهج البلاغة الخطية 142

احاطة العترة بالسنة :

ما ذكرناه آنفاً من أن العترة الطاهرة أحاطوا بالسنة النبوية ، التي لم تحتفظ بأكثرها الأمة مما تصرح به العترة وتقول : ان كل ما يروون من أحاديث في مجالي العقيدة والشريعة ، كلها رواية عن رسول الله (صلی الله عليه وآله) عن طريق آبائهم .

و قد وردت في هذا الصعيد نصوص لامجال لنقلها برمتها ، بل نكتفى بالقليل من الكثير :

روی حماد بن عثمان وغيره قالوا: وغيره قالوا سمعنا أبا عبد الله عليه السلام يقول : حديثي حديث أبى ، وحديث أبي حديث جدى ، وحديث جدى حديث الحسين ، وحديث الحسين حديث الحسن ، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وحديث أمير المؤمنين حدیث رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) قول الله عز وجل (1) .

وعن جابر قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : اذا حدثتني بحدیث ، فاسنده لی فقال : حدثني أبي عن جدى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، عن جبرئيل (عليه السلام) ، عن الله عز وجل وكل ما احدثك (فهو) بهذا الاسناد ، وقال : ياجابر لحديث واحد تأخذه عن صادق خير لك من الدنيا وما فيها(2).

ومن كتاب حفص بن البختري ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : نسمع الحديث متك فلا ادرى منك سماعة ، أو من أبيك ، فقال : ما سمعته منى فاروه عن أبى، وما سمعته فاروه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)(3).

وعن يونس ، عن عنبسة قال : سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام عن مسألة فأجابه فيها،

ص: 20


1- جامع أحاديث الشيعة ج 1 ص 127-128
2- المصدر السابق
3- جامع أحاديث الشيعة ج 1 ص 128 - 129 ، ومن أراد الوقوف على المزيد من ذلك فليراجع المصدرا المذكور من ص 126-219

فقال الرجل : ان كان كذا و كذا ما كان القول فيها ، فقال له : مهما أجبتك فيه بشيء فهو عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، لسنا نقول برأينا من شيء (1).

كيفية بيان الفقه عند الامامية :

لقد عكفت الشيعة بعد لحوق النبي (صلی الله عليه وآله) بالرفيق الأعلى على دراسة الفقه ، وجمع مسائله وتبويب أبوابه وضم شوارده ، وأقبلوا عليه اقبالا تاماً قل نظيره لدى الطوائف الاسلامية الأخرى ، حتى تخرج من مدرسة أهل البيت وعلى أيدى أئمة الهدى ، عدة من الفقهاء العظام لايستهان بهم ، فبلغوا الذروة في الفقاهة والاجتهاد نظراء. زرارة ابن أعين ، ومحمد بن مسلم الطائفى ، وأبي بصير الأسدى ، ويزيد بن معاوية ، والفضيل بن يسار ، وهؤلاء من افاضل خريجي مدرسة أبي جعفر الباقر وأبي عبد الله (عليه السلام) ، فأجمعت العصابة على تصديق هؤلاء ، وانقادت لهم بالفقه والفقاهة .

ويليهم في الفضل والفقاهة ثلة أخرى، وهم أحداث خريجي مدرسة أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) نظراء : جميل بن دراج ، وعبد الله بن مسكان ، وعبد الله بن بكير ، وحماد بن عثمان ، وحماد بن عيسى ، و ابان بن عثمان ، كما أقرت العصابة على فقاهة ثلة أخرى من تلاميذ أصحاب الامام موسى بن جعفر الكاظم وابنه أبي الحسن الرضا (عليهماالسلام) نظراء : يونس بن عبد الرحمان ، وصفوان بن يحيى ، ومحمد بن أبي عمير، وعبد الله بن المغيرة ، والحسن بن محبوب والحسين بن على بن فضال ، وفضالة بن أيوب(2).

هؤلاء أبطال الشيعة فى الفقه والحديث في القرنين: الأول والثانى من الهجرة ، وقد تخرجوا من مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) وأخذوا منهم الفقه واصول الاجتهاد والاستنباط

ص: 21


1- المصدر نفسه
2- راجع رجال الكشي ص 206 و 322 و 466

نعم لا ينحصر المتخرجون من مدرستهم في هؤلاء الذين ذكرناهم ، فقد تخرج من تلك المدرسة جماعة كثيرة تجاوزت المئات بل الالاف ، وقد ضبطت أسماءهم و خصوصياتهم وكتبهم ، الكتب الرجالية والفهارس العلمية.

ومع أن كتب الرجال والفقه تنص على مكانتهم في الفقاهة ، ومدى استنباطهم الاحكام الشرعية ، غير أن كتبهم فى القرون الثلاثة الاولى كانت مقصورة على نقل الروايات بأسنادها ، والافتاء فى المسائل بهذا الشكل ، مع تمييز الصحيح عن السقيم والمتقن عن الزائف .

وتطلق على كتبهم عناوين الأصل ، الكتاب ، النوادر، الجامع ، المسائل ، أو خصوص باب من أبواب الفقه ، كالطهارة ، والصلاة ، وماشابه ذلك.

هذه الكتب المدونة في القرون الثلاثة بمنزلة «المسانيد» عند العامة ، فكل كتاب من هذه الرواة يعد مسنداً للراوى ، قد جمع فيه مجموع رواياته عن الأمام أو الائمة فى كتابه ، وكان الافتاء بشكل نقل الرواية بعد اعمال النظر ومراعاة ضوابط الفتيا وهكذا مضى القرن الثالث .

وباطلالة أوائل القرن الرابع طلع لون جديد في الكتابة والفتيا ، وهو الافتاء بمتون الروايات مع حذف أسنادها ، والكتابة على هذا النمط مع اعمال النظر والدقة في تمييز الصحيح عن الزائف فخرج الفقه - فى ظاهره - عن صورة نقل الرواية ، واتخذ لنفسه شكل الفتوى المحضة ،

وأول من فتح هذا الباب على وجه الشيعة بمصراعيه هو والد الشيخ الصدوق «على بن الحسين بن موسی بن بابويه» المتوفى عام 329 ه ، فالف کتاب «الشرائع» لولده الصدوق، وقد عكف فيه على نقل متون ونصوص الروايات ، وقدبت الصدوق هذا الكتاب فى متون كتبه : كالفقيه ، والمقنع والهداية ، كما يظهر ذلك من الرجوع اليها .

ص: 22

و لقد استمر التأليف على هذا النمط ، فتبعه ولده الصدوق المتوفى عام 381 ، فألف «المقنع والهداية» ، وتبعه شيخ الامة و فيدها « محمد بن النعمان » المتوفي عام 413 فى « مقنعته » ، وتلميذه شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي المتوفى عام 640 في «نهايته».

ولما كانت متون هذه الكتب والمؤلفات مأخوذة من نفسه الروايات والأصول وقعت متونها موضع القبول من قبل الفقهاء فعاملوها معاملة الكتب الحديثية ، وعولوا عليها عند اعوازهم النصوص على اختلاف مشاربهم وأذواقهم.

و كان سيدنا الاستاذ آية الله البروجردى المتوفى عام (1380 ه) يسمى تلك الكتب ب «المسائل المتلقاة»، وسماها بعض الاجلة ب : «الفقه المنصوص» .

مبدء تطور الفقه عند الشيعة الأمامية

ما تقدم من المرحلتين كان راجعاً الى بيان الفقه من دون حدوث اى تطور عمیق فيه والنمط الثانى (تجريد المنون عن الأسانيد) وان كان نمطاً جديداً ، وثورة على الطريقة القديمة السائدة طيلة قرون، لكنه لم يكن رافعاً للحاجة وسادا للفراغ ، لان هناك حاجات وأحداث لم ترد بعينها في متون الروايات وسنن النبي (صلی الله عليه وآله) ، وان كان يمكن استنباط أحكامها من العمومات والاطلاقات والأصول الواردة في الكتاب والسنة ، فعند ذلك يجب أن تكون هناك ثورة جديدة قوية تسد هذا الفراغ ، وتغنى المجتمع الاسلامى من الرجوع الى غير الكتاب والسنة .

ولذلك قام فى أوائل القرن الرابع لفيف من فقهاء الشيعة بابداع منهج خاص في الفقه ، وهو الخروج عن حدود عبائر النصوص والالفاظ الواردة في الكتاب والسنة، وعرض المسائل على القواعد الكلية الواردة في ذيتك المصدرين ، مع التحفظ على الاصول المرضية عند أئمة الشيعة من نفى القياس والاستحسان ونفي الاعتماد على كل نظر ورأى ليس له دليل في الكتاب والسنة .

ص: 23

وهذا اللون من الفقه وان كان سائداً بين فقهاء العامة ، لكنه كان مبنياً على اسس وقواعد زائفة، كالعمل بالقياس وسائر المصادر الفقهية ، غير المرضية عند أئمة الشيعة .

وأول من فتح هذا الباب بمصراعيه في وجه الأمة ، هو شيخ الشيعة وفقيهها الأجل، الذى يعرفه شيخ الرجاليين، وحجة التاريخ بقوله : الحسن بن على بن أبي عقيل أبو محمد الحذاء : فقيه متكلم ثقة ، له كتب فى الفقه والكلام منها ، كتاب «المتمسك بحبل آل الرسول» ، كتاب مشهور في الطائفة ، وقيل : ماورد الحاج من خراسان الاطلب واشترى منه نسخاً ، وسمعت شيخنا أبا عبد الله (المفيد) رحمه الله يكثر الثناء على هذا الرجل رحمه الله(1).

وهذا شيخ الطائقة الطوسي يعرفه ويعرف كتابه المذكور في فهرسه ، ويقول وهو من جملة المتكلمين ، امامىّ المذهب ، ومن كتبه كتاب «المتمسك بحبل آل الرسول» فى الفقه وغيره ، وهو كتاب كبير حسن(2).

ويقول العلامة : ونحن نقلنا أقواله في كتبنا الفقهية ، وهو من جملة المتكلمين وفضلاء الأمامية .

ويصف كتابه «المتمسك بحبل آل الرسول» بأنه كتاب مشهور عندنا(3) ، وقد نقل آراءه العلامة في «مختلف الشيعة » في جميع أبواب الفقه ، وهذا يكشف عن أن الكتاب المذكور كتب على أساس الاستنباط ، ورد الفروع الى الاصول ،

ص: 24


1- فهرس النجاشي ص 35 واختلف ارباب المعاجم في كنيته واسم ابيه لاحظ تعليقات فوائد الرجال للعلامة بحر العلوم ج 2 ص 212
2- الفهرس للشيخ ص 79 ، ضبط الشيخ اسم أبيه عيسى» ، والنجاشي «علي » ، والثانى أقرب الى الصواب.
3- الخلاصة ص 40

والخروج عن دائرة ألفاظ الحديث ، عملا بقول الصادق : علينا القاء الاصول اليكم ، وعليكم التفريح(1).

ولعله لاجل هذا قال العلامة بحر العلوم في «فوائده الرجالية» : هو أول من هذب الفقه واستعمل النظر ، وفتق البحث في الأصول والفروع في ابتداء الغيبة الكبرى وبعده الشيخ الفاضل «ابن الجنيد»(2).

وقال صاحب «روضات الجنات» أيضاً : ان هذا الشيخ هو الذي ينسب اليه ابداع اساس النظر فى الادلة ، وطريق الجمع بين مدارك الاحكام بالاجتهاد الصحيح، ولذا يعبر عنه وعن الشيخ أبي على بن الجنيد في كلمات فقهاء أصحابنا . بالقديمين ، وقد بالغ فى الثناء عليه أيضاً صاحب «السرائر» ، وغيره وتعرضوا لبيان خلافاته الكثيرة في مصنفاتهم(3).

والتاريخ وان لم يضبط عام وفاته ، غير أنه من معاصري الشيخ الكلينى المتوفى عام 328 ه ، ومن مشايخ جعفر بن محمد بن قولويه ، المتوفى عام 369 ه ، وقد ترجم له السيد الامين رحمه الله فى اعيان الشيعة ترجمة مبسوطة(4).

والثانى هو محمد بن أحمد بن جنيد ، ابو على الكاتب الاسكافي ، الذي قال النجاشي عنه : وجه في أصحابنا ثقة جليل القدر ، صنف فأكثر ، ثم ذكر فهرس كتبه ومنها : كتاب «تهذيب الشيعة لاحكام الشريعة » ، وكتاب ، « الاحمدى للفقه المحمدي»(5).

ص: 25


1- السرائر قسم المستطرفات ص 477 في ما أورده من جامع البزنطي، صاحب الرضا .
2- الفوائد الرجالية ج2 ص 229
3- روضات الجنات ج 2 ص 259
4- اعيان الشيعة ج 22 ص 192 - 202
5- رجال النجاشي ص 273

ويصف الشيخ الطوسى كتاب «تهذيب الشيعة لاحكام الشريعة» : بأنه كتاب كبير على عشرين مجلداً ، يشتمل على عدة من كتب الفقه على طريق الفقاء(1).

وقوله : على طريقة الفقهاء اشارة الى انه كان كتاباً على نمط الكتب الفقهية الاستدلالية، نظير الكتب الفقهية للعامة .

ولاجل ذلك يقول صاحب «روضات الجنات» : ان هذا الشيخ تبع الحسن بن أبي عقيل العماني فأبدع أساس الاجتهاد في أحكام الشريعة .

ويقول : ونقل عن « ايضاح العلامة » أنه قال : وجدت بخط السيد السعيد محمد بن معد ، ماصورته : وقع الى من هذا الكتاب - أى كتاب «تهذيب الشيعة». مجلد واحد ، وقد ذهب من أوله أوراق ، وهو كتاب النكاح ، فتصفحته ولمحت مضمونه فلم أر لاحد من هذه الطائفة كتاباً أجود منه، ولا أبلغ ولا أحسن عبارة ، ولا أدق معنى ، وقد استوفى منه الفروع والاصول ، وذكر الخلاف في المسائل واستدل بطريق الأمامية وطريق مخالفيهم ، وهذا الكتاب اذا أمعن النظر فيه وحصلت معانيه علم قدره ومرتبته ، وحصل منه شيء كثير ولا يحصل من غيره.

ثم يقول العلامة : قدوقع الى من مصنفات هذا الشيخ المعظم الشان كتاب «الاحمدى فى الفقه المحمدى» ، وهو مختصر هذا الكتاب ، جيديدل على فضل هذا الرجل وكماله ، وبلوغه الغاية القصوى فى الفقه وجودة نظره ، وأنا ذكرت خلافه وأقواله في كتاب «مختلف الشيعة في أحكام الشريعة»(2).

وبذلك يعلم أن استعمال القياس فى فقهه كان لاجل الاستدلال على طريق

ص: 26


1- فهرس الشيخ ص 160
2- روضات الجنات ج 6 ص 145 - 147 ، نقلا عن ايضاح العلامة ، وقد نقله بعض الاجلة عن خلاصة العلامة، وهو ليس بصحيح. ولاحظ ايضاً ايضاح الاشتباه للعلامة ص 88 - 89 ط ایران

المخالفين ، ولعله الى ذلك ينظر الشيخ حيث يقول في «عدته» : لما كان العمل بالقياس محظوراً فى الشريعة عندهم لم يعملوا به أصلا، واذا شذ واحد منهم عمل به في بعض المسائل ، على وجه المحاجة لخصمه ، وان لم يكن اعتقاده ، رووا قوله وأنكروا عليه(1).

الثالث : الشيخ الفقيه المحقق النقاد نابعة العراق ، ونادرة الافاق ، الشيخ المفيد محمد بن النعمان ، المولود عام 338 ه والمتوفى عام 413 .

يقول تلميذه، أبو العباس النجاشى فى فهرسه في حقه : شيخنا و استاذنا رضى الله عنه فضله أشهر من ان يوصف فى الفقه والكلام والرواية والوثاقة والعلم(2).

ويقول عنه تلميذه الاخر الشيخ الطوسي في فهرسه : محمد بن محمد بن النعمان المفيد يكنى أبا عبد الله المعروف بابن المعلم ، من جملة متكلمى الامامية ، أنتهت اليه رئاسة الأمامية فى وقته، وكان مقدماً في العلم وصناعة الكلام، وكان فقيهاً متقدماً فيه ، حسن الخاطر ، دقيق الفطنة ، حاضر الجواب ، وله قريب من مائتي مصنف كبار وصغار (3).

وكفى فى فضل الرجل وتقدمه في الفقه والكلام انه تخرج عليه وتربى في مدرسته العلمان الكبيران: السيد المرتضى ، والشيخ الطوسي قدس الله اسرارهما : (ان آثارنا تدل علينا) .

وقد ذكر النجاشى من اسامى مؤلفاته نحواً من مأة واربع وستين كتاباً .

ص: 27


1- عدة الأصول ج 1 ص 339 الطبعة الحديثة. لاحظ ايضاً في ذلك ما حققه السيد بحر العلوم في فوائده ج 3 ص 213 - 225 فقد اغرق نزعاً في التحقيق فلم يبق في القوس منزعاً .
2- فهرس النجاشي طبعة الهند ص 283
3- فهرس الشيخ الطوسي ص 166

وقد طبع منه فى الفقه : المقنعة ، (والمسائل الصاغانية « والاعلام » فيما اتفقت عليه الامامية وهو كالذيل لكتاب اوائل المقالات) غير أن رسائله فى الفقه كثيرة معروفة ، يظهر لمن راجع الفهارس.

الرابع : على بن الحسين الملقب ب : «علم الهدى» والمعروف ب : «السيد المرتضى» المولود عام 355 هجرى ، والمتوفى عام 436 هجری .

قال عنه تلميذه الشيخ الطوسي : متوحد فى علوم كثيرة ، مجمع على فضله مقدم في العلوم مثل علم الكلام والفقه وأصول الفقه ، ثم ذكر تصانيفه.

وقال عنه تلميذه الاخر ابو العباس النجاشي : حاز من العلوم مالم يدانه فيه أحد في زمانه وسمع من الحديث فأكثر. وذكر تأليفه(1).

ومن تأليفه فى الفقه : الانتصار فى انفرادات الأمامية ، صنفه للامير الوزير عميد الدين في بيان الفروع التي شنع على الشيعة لانهم خالفوا فيها الاجماع فاثبت ان لهم فيها موافقاً من فقهاء سائر المذاهب ، وإن لهم عليها حجة قاطعة ، من الكتاب والسنة ، وقد طبع الكتاب كراراً .

وكتابه هذا في الفقه ، وكتابه الأخرا عنى «الذريعة في اصول الفقه» يعربان عن أن السيد من الشخصيات البارزة التي يضن بها الدهر الافى فترات قليلة .

الخامس شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن بن على الطوسي ، المولود عام 385ه ، المتوفى 460 ه ، فقيه الشيعة وزعيمهم في القرن الخامس بعد السيد المرتضى الشهير بعلم الهدى ، فقد قام بتأليف كتاب على هذا النمط وأسماه كتاب «المبسوط»، وألفه بعد كتابه المسمى «بالنهاية» الذى كتبه على النمط الأول من التأليف (2).

قال فى مقدمة «المبسوط» : كنت عملت على قديم الوقت كتاب «النهاية» ،

ص: 28


1- فهرس الشيخ ص 125
2- فهرس النجاشي ص 192

وذكرت جمع مارواه أصحابنا في مصنفاتهم واصولها من المسائل ، وفرقوه في كتبهم ، ورتبته ترتيب الفقه ، وجمعت فيه النظائر ... ولم أتعرض للتفريع على المسائل ولا لتعقيد الأبواب، وترتيب المسائل وتعليقها والجمع بين نظائرها، بل أوردت جميع ذلك أو أكثره بالالفاظ المنقولة ، حتى لا يستوحشوا من ذلك وعملت بآخره مختصر جمل العقود ، وفى العبارات سلكت فيه طريق الايجاز والاختصار ، وعقود الابواب في ما يتعلق بالعبادات ووعدت فيه أن أعمل كتاباً في الفروع خاصة ، يضاف الى كتاب «النهاية» ، ويجتمع مع ما يكون كاملا كافياً في جميع ما يحتاج اليه.

ثم رأيت أن ذلك يكون مبتوراً يصعب فهمه على الناظر فيه، لان الفرع انما يفهمه اذا ضبط الأصل معه ، فعدلت الى عمل كتاب يشتمل على عدد جميع كتب الفقه التي فصلوها الفقهاء ، وهى نحو من ثلاثين كتاباً ، أذكر كل كتاب منه على غاية ما يمكن تلخيصه من الالفاظ ، واقتصرت على مجرد الفقه دون الادعيه والاداب ، وأعقد فيه الأبواب واقسم فيه المسائل ، واجمع بين النظائر واستوفيه غاية الاستيفاء ، وأذكر اكثر الفروع التي ذكرها المخالفون(1).

وقد لخّصنا عبارة الشيخ فى مقدمته ، وقد أوضح فيها طريقته الحديثة ، التي اجتمعت فيه مزية التفريع والتكثير ، والاجابة على الحاجات الجديدة ، وبيان أحكام الحوادث مع عدم الخروج عن حدود الكتاب والسنة ، بل الرجوع اليهما في جميع الأبواب.

وقد نال هذا الكتاب القيم رواجاً خاصاً ، وهو أحد الكتب النفيسة للشيعة الأمامية في الفقة ، وقد طبع في ثمانية أجزاء .

كما ان للشيخ الطوسي كتاباً آخر وهو كتاب «الخلاف» ، سلك فيه مسلك الفقه المقارن .

ص: 29


1- المبسوط ج 1 ص 2-3

والحق أن شيخ الطائفة قد اوتى موهبة عظيمة وفائقة ، فخدم الفقه الاسلامي بالوان الخدمة، فتارة كتب كتاب «النهاية» على طريقة «الفقه المنصوص» أو «المسائل المتلقاة» كما كتب «المبسوط» على نهج الفقه التفريعي ، وأثبت أن الشيعة مع نفيهم للقياس والاستحسان، قادرون على تفريع الفروع ، وتكثير المسائل ، وتبيين أحكامها من الكتاب والسنة مع التحفظ على اصولهم بالاجتهاد.

ثم ألف كتاب «الخلاف» على نمط الفقه المقارن ، فأورد فيه آراء الفقهاء فى عصره والعصور الماضية ، وهو من أحسن الكتب و أنفسها ، كما أنه ابتدع نوعاً رابعاً في التأليف ، فأخرج اصول المسائل الفقهية بأبرع العبارات وأقصرها وأدرجها فى فصول وعقود خاصة ، أسماها «الجمل والعقود» ، وقد اشار اليها في مقدمته اذقال وانا مجيب الى ماسال الشيخ الفاضل أدام الله بقاه من املاء مختصر، يشتمل على ذكر كتب العبادات ، وذكر عقود وأبواب وحصر جملها ، وبيان أفعالها ، واقسامها الى الافعال والتروك وما يتنوع من الوجوب والندب ، وأضبطها بالعدد ، ليسهل على من يريد حفظها ، ولا يصعب تناولها و يفزع اليه الحافظ عند تذكره ، والطالب عند تدبره .

فهذه الالوان الأربعة في كتب الشيخ يسد كل منها ناحية من النواحي الفقهية .

* * *

السادس : الشيخ سعد الدين أبو القاسم عبد العزيز بن تحریر (1) بن عبدالعزيز بن براج الطرابلسي ، تلميذ السيد المرتضى ، و زميل الشيخ الطوسي أو تلميذه المعروف بالقاضى تارة وبابن البراج اخرى ، فقيه عصره وقاضی زمانه ، وخليفة الشيخ في الشامات .

وهو أحد الفقهاء الابطال في القرن الخامس بعد شيخيه : المرتضى والطوسى ،

ص: 30


1- نقل السيد بحر العلوم فى فوائده ج 3 ص 61 ان فى نسختين من نسخ اجازة العلامة لابناء زهرة «بحر» مكان تحرير وجعله اصبح لكون « بحر » اكثر في الاسماء من «تحرير» .

صاحب كتاب «المهذب» فى الفقه وغيره من الاثار الفقهية فهو - قدس سره - اقتفی خطوات شيخ الطائفة من حيث التبويب والتفريع ، ويعد الكتاب من الموسوعات الفقهية البديعة في عصره .

وهذا الكتاب هو الذى يزفه الطبع الى القراء الكرام في العالم الاسلامي ، وسوف تقف على مكانة الكتاب وكيفية التصحيح والتحقيق في آخر هذه المقدمة.

ولاجل ذلك يجب علينا البحث عن المؤلف والكتاب حسبما وقفنا عليه في غضون الكتب ومعاجم التراجم ، وما أوحت الينا مؤلفاته ، وآثاره الواصلة الينا .

وقبل كل شيء نذكر أقوال أئمة الرجال والتراجم في حقه ، فنقول :

1- يقول الشيخ منتجب الدين في الفهرس عنه : القاضي سعد الدين أبو القاسم عبد العزيز بن تحرير بن عبد العزيز بن البراج، وجه الاصحاب ، وفقيههم ، وكان قاضياً بطرابلس ، وله مصنفات منها : «المهذب» و«المعتمد» و«الروضة» و«المقرب» و «عماد المحتاج فى مناسك الحاج» أخبرنا بها الوالد، عن والده ، عنه(1).

2 - ويقول ابن شهر آشوب في «معالم العلماء»(2): أبو القاسم عبدالعزيز بن تحریر بن عبدالعزيز المعروف بابن البراج من غلمان(3) المرتضى رضى الله عنه ، له كتب فى الاصول والفروع، فمن الفروع : الجواهر، المعالم ، المنهاج الكامل ، روضة النفس فى احكام العبادات الخمس ، المقرب، المهذب ، التعريف ، شرح جمل العلم والعمل للمرتضى رحمه الله(4).

ص: 31


1- بحار الانوار ج 102 ص 441 ، وقد طبع فهرس منتجب الدين فى هذا الجزء من أجزاء البحار.
2- معالم العلماء ص 80
3- المراد من الغلمان في مصطلح الرجاليين هو الخصيص بالشيخ ، حيث أنه تلمذ عليه وصار من بطانة علومه
4- معالم العلماء ص 80

3- وقال العلامة الحلى فى اجازته لاولاد زهرة المدرجة في كتاب الاجازات للمجلسى الملحق بآخر أجزاء البحار قال : ومن ذلك جميع كتب الشيخ عبد العزيز بن تحرير البراج(1).

4- وقال الشهيد في بعض مجاميعه في بيان تلامذة السيد المرتضى - : ومنهم . أبو القاسم عبد العزيز بن نحرير بن البراج، وكان قاضي طرابلس ، ولاه القاضي جلال الملك رحمه الله وكان استاذ أبي الفتح الصيداوي ، وابن رزح [كذا ] ، من أصحابنا .

5- وقال ابن فهد في اصطلاحات المهذب : وبالقاضي عبدالعزيز بن البراج تولى قضاء طرابلس عشرين سنة .

وقال فى رموز الكتاب : «وبكتابي القاضى : الى المهذب والكامل(2).

6 - وقال الشيخ على الكركى فى اجازته للشيخ برهان الدين أبي اسحاق ابراهيم بن علي - في حق ابن البراج : الشيخ السعيد، خليفة الشيخ الامام أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسى بالبلاد الشامية ، عز الدين عبد العزيز بن تحرير بن البراج قدس سره(3).

7- وذكره الشهيد الثانى فى اجازته قال : «... وعن السيد المرتضى علم الهدى ، وعن الشيخ سلار والقاضي عبدالعزيز بن البراج، والشيخ ابى الصلاح بجميع ماصنفوه ورووه» .

وقال فى حاشية هذا الموضع : وجدت بخط شيخنا الشهيد ان ابن البراج تولى قضاء طرابلس عشرين سنة اوثلاثين(4)

ص: 32


1- البحار ج 102 ص 265
2- الفوائد الرجالية ج3 ص 63
3- رياض العلماء ج 3 ص 144 ، وما نقلناه من الشهيد آنفاً نقلناه من ذاك المصدر.
4- ولاحظ الفوائد الرجالية للسيد بحر العلوم ج3 ص 62

8 - وقال بعض تلامذة الشيخ على الكركي، في رسالته المعمولة في ذكر أسامى مشائخ الأصحاب : ومنهم الشيخ عبد العزيز بن البراج الطرابلسي ، صنف كتباً نفيسة منها : المهذب ، والكامل ، والموجز، والاشراق ، والجواهر، وهو تلميذ الشيخ محمد بن الحسن الطوسي .

9 - وقال الافندى التبريزى فى الرياض : وقد وجدت منقولا عن خط الشيخ البهائي ، عن خط الشهيد أنه تولى ابن البراج قضاء طرابلس عشرين سنة أو ثلاثين سنة ، وكان للشيخ ابى جعفر الطوسى أيام قرائته على السيد المرتضى كل شهر اثناعشر دينارا ولابن البراج كل شهر ثمانية دنانير ، وكان السيد المرتضى يجرى على تلامذته جميعاً .

10 - ونقل عن بعض الفضلاء أن ابن البراج قرأ على السيد المرتضى في شهور سنة تسع وعشرين وأربع مائة إلى أن مات المرتضى ، وأكمل قراءته على الشيخ الطوسى ، وعاد الى طرابلس فى سنة ثمان وثلاثين وأربع مائة ، وأقام بها الى أن مات ليلة الجمعة لتسع خلون من شعبان سنة احدى وثمانين وأربعمائة وقدنيف على الثمانين(1).

11 - ونقل صاحب الروضات عن «أربعين الشهيد» ، نقلا عن خط صفى الدين المعد الموسوي : ان سيدنا المرتضى - رضي الله عنه - كان يجرى على تلامذته رزقاً فكان للشيخ أبى جعفر الطوسى رحمه الله ايام قراءته عليه كل شهر اثنا عشر ديناراً و للقاضى كل شهر ثمانية دنانير ، وكان وقف قرية على كاغذ الفقهاء (2).

12 - وقال عنه التفريشي في رجاله فقيه الشيعة الملقب بالقاضي وكان قاضيا

ص: 33


1- رياض العلماء ج 3 ص 141 - 142
2- روضات الجنات ج 4 ص 230 واقرأ ذيله فى رجال السيد بحر العلوم ج3 ص105 فانه يفيدك .

بطرابلس(1).

13 - وقال المولى نظام الدين القريشي في نظام الاقوال : عبد العزيز بن البراج ، أبو القاسم ، شيخ من أصحابنا ، قرأ على السيد المرتضى في شهور سنة تسع وعشرين وأربع مائة وكمل قراءته على الشيخ الطوسى ، وعبر عنه بعض - كالشهيد فى الدروس وغيره - بالقاضى ، لانه ولى قضاء طرابلس عشرين سنة أو ثلاثين ، مات ليلة الجمعة لتسع خلون من شعبان سنة احدى وثمانين وأربع مائة(2).

14 - وقال الشيخ الحر العاملي في أمل الأمل ..... وجه الاصحاب وفقيههم ، و كان قاضياً بطرابلس ، وله مصنفات ، ثم ذكر نفس ماذكره منتجب الدين في فهرسه ، و ابن شهر آشوب في معالمه ، والتفريشي في رجاله(3).

15 - وقال المجلسى فى أول البحار : وكتاب المهذب وكتاب الكامل وكتاب جواهر الفقه للشيخ، الحسن المنهاج ، عبد العزيز بن البراج ، وكتب الشيخ الجليل ابن البراج كمؤلفها فى غاية الاعتبار(4).

16 - وفي مجمع البحرين . مادة ( برج ) وابن البراج : أبو القاسم عبد العزيز من فقهاء الامامية وكان قاضياً بطرابلس .

17 - وقال التسترى في مقابيس الانوار : الفاضل الكامل ، المحقق المدقق ، الحائز للمفاخر و المكارم ومحاسن المراسم : الشيخ سعد الدين وعز المؤمنين ، أبو القاسم عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز بن البراج الطرابلسي الشامي نور الله مرقده السامي، وهو من غلمان المرتضى، وكان خصيصاً بالشيخ وتلمذ عليه وصار خليفته في البلاد الشامية، وروى عنه وعن الحلبى، وربما استظهر تلمذته على الكراجكي وروايته

ص: 34


1- نقد الرجال ص 189
2- رياض العلماء ج 3 ص 145 ، نقلا عن نظام الاقوال
3- أمل الامل ج 2 ص 152 - 153
4- بحار الانوار ج 1 ص 20 و 38

عنه أيضاً (1) وصنف الشيخ له بعد سؤاله جملة من كتبه معبراً عنه في أوائلها بالشيخ الفاضل ، وهو المقصود به والمعهود، كما صرح به الراوندى فى «حل المعقود» ، وكتب الشيخ أجوبة مسائل له أيضاً ، وكان من مشائخ ابن أبي كامل ، والشيخ حسكا، والشيخ عبد الجبار ، والشيخ محمد بن على بن محسن الحلبي ، وروى عنه ابناه الاستاذان: أبوالقاسم وأبو جعفر اللذان يروى عنهما القطب الراوندی و ابن شهر آشوب

السروى وغيرهم ، وله كتب منها ، المهذب ، والجواهر ، وشرح جمل المرتضى ، والكامل ، وروضة النفس ، والمعالم ، والمقرب ، والمعتمد ، والمنهاج وعماد المحتاج فى مناسك الحاج ، والموجز ، وغيرها ، ولم اقف الا على الثلاثة الأول ، ويعبر عنه كثيراً بابن البراج(2).

18 - وقال المتتبع النورى .... الفقيه العالم الجليل ، القاضي في طرابلس الشام في مدة عشرين سنة ، تلميذ علم الهدى وشيخ الطائفة ، وكان يجرى السيد عليه في كل شهر دينار (الصحيح ثمانية دنانير) ، وهو المراد بالقاضي على الاطلاق فى لسان الفقهاء ، وهو صاحب المهذب والكامل والجواهر وشرح الجمل للسيد والموجز وغيرها ... توفي - رحمه الله - ليلة الجمعة لتسع خلون من شعبان سنة 481ه و كان مولده ومنشأه بمصر(3).

19 - وقال السيد الامين العاملي : وجه الاصحاب ، وكان قاضياً بطرابلس ، وله مصنفات ، ... كتاب في الكلام ، وكان في زمن بني عمار(4).

ص: 35


1- سيوافيك من صاحب رياض العلماء خلافه وأن الذى تتلمذ عليه هو تلميذ القاضي لا نفسه، وأن الاشتباه حصل من الوحدة في الاسم واللقب .
2- مقابيس الأنوار ص 7 - 9
3- المستدرك ج 3 ص 481
4- أعيان الشيعة ج 7 ص18

20 - وقال الحجة السيد حسن الصدر عنه : القاضي ابن البراج ، هو الشيخ أبو القاسم عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز بن البراج ، وجه الاصحاب وفقيههم امام فى الفقه ، واسع العلم ، كثير التصنيف ، كان من خواص تلامذة السيد المرتضى حضر عالى مجلس السيد فى شهور سنة 429 الى أن توفى السيد.

ثم لازم شيخ الطائفة أبا جعفر الطوسى حتى صار خليفة الشيخ وواحد أهل الفقه ، فولاه جلال الملك قضاء طرابلس سنة 438 ، وأقام بها الى أن مات ليلة الجمعة لتسع خلون من شعبان سنة احدى وثمانين وأربعمائة ، وقد نيف على الثمانين ، وكان مولده بمصر و بها منشأه(1).

الى غير ذلك من الكلمات المشابهة والمترادفة الواردة في كتب التراجم والرجال التي تعرف مكانة الرجل ومرتبته فى الفقه وكونه أحد أعيان الطائفة في عصره ، وقاضياً من قضاتهم في طرابلس.

غير أن من المؤسف أن أرباب التراجم الذين تناولوا ترجمة الرجل عمدوا الى نقل الكلمات حوله آخذين بعضهم من بعضهم من دون تحليل لشخصيته ، ومن دون أن يشيروا الى ناحية من نواحى حياته العلمية والاجتماعية .

ولاجل ذلك نحاول فى هذه المقدمة القصيرة تسليط شيء من الضوء على حياته ، وتحليلها حسبما يسمح لنا الوقت .

أضواء على حياة المؤلف :

ميلاده : لم نقف على مصدر يعين تاريخ ميلاد المترجم له على وجه دقيق ، غير أن كلمة الرجاليين والمترجمين له اتفقت على أنه توفى عام 481 ه وقد نيف على الثمانين ، فعلى هذا فان أغلب الظن أنه - رحمه الله - ولد عام 400 ه أو قبل هذا التاريخ بقليل .

ص: 36


1- تأسيس الشيعة لفنون الاسلام ص 304

هوشامی لامصری :

وأما موطنه فقد نقل صاحب «رياض العلماء» عن بعض الفضلاء أنه كان مولده بمصر ، وبها منشأه(1).

وأخذ منه صاحب «المقابيس» والسيد الصدر كما عرفت ، ولكنه بعيد جداً .

والظاهر أنه شامى لامصرى، ولو كان من الديار المصرية لزم عادة أن ينتحل المذهب الاسماعيلي، وينسلك في سلك الاسماعيليين ، لان المذهب الرائج في مصر - يومذاك - كان هو المذهب الاسماعيلى ، وكان الحكام هناك من الفاطميين يروجون لذلك المذهب ، فلو كان المترجم له مصرى المولد والمنشأ فهو بطبع الحال اذا لم يكن سنياً ، يكون اسماعيلياً ، وبما أنه يعد من أبطال فقهاء الشيعة الامامية لزم أن يشتهر انتقاله من مذهب الى مذهب ، ولذاع وبان ، مع انه لم يذكر في حقه شيء من هذا القبيل .

هذا هو القاضي أبو حنيفة النعمان بن محمد التميمي المغربي، الفقيه الفاطمي الاسماعيلى ، مؤلف كتاب «دعائم الاسلام» المتوفى فى القاهرة في جمادى الآخرة عام 363ه قدعاش بين الفاطميين وألف على مذهبهم، ومات عليه، وصلى عليه المعز لدين الله

وترجمه السيد بحر العلوم فى الجزء الرابع ص 145 من فوائده وعلق عليه المعلق تعليقات مفيدة فشكر الله مساعى المؤلف والمعلق فلاحظ .

فالظاهر أن ابن البراج شامی، وقد انتقل بعد تکمیل دراسته في بغدادالی مولده - البلاد الشامية - للقيام بواجباته ، وحفظ الشيعة من الرجوع الى محاكم الاخرين

ص: 37


1- رياض العلماء ج 3 ص 143

الرزق بحسب الدرجة العلمية :

قد وقفت فى غضون كلمات الرجاليين والمترجمين ان السيد المرتضى كان يجرى الرزق على الشيخ الطوسى اثنى عشر ديناراً وعلى المؤلف ثمانية دنانير ، وهذا يفيد أن المؤلف كان التلميذ الثاني من حيث المرتبة والبراعة بعد الشيخ الطوسي في مجلس درس السيد المرتضى ، كيف وقد اشتغل الشيخ بالدراسة والتعلم قبله بخمسة عشر عاماً ، لانه تولد عام 400 ه أو قبله بقليل وولد الشيخ الطوسى عام 385 ه.

وحتى لو فرض أنهما كانا متساويين في العمر و مدة الدراسة ولكن براعة الشيخ وتوقده و نبوغه مما لا يكاد ينكر ، وعلى كل تقدير فالظاهر أن هذا السلوك من السيد بالنسبة لتلميذيه كان بحسب الدرجة العلمية .

هو الزميل الاصغر للشيخ :

لقد حضر المؤلف درس السيد المرتضى - رحمه الله - عام 429 ه وهو ابن ثلاثين سنة أو ما يقاربه فقد استفاد من بحر علمه وحوزة درسه قرابة ثمان سنين ، حيث أن المرتضى لبّي دعوة ربه الخمس بقين من شهر ربيع الأول سنة 436(1).

فعندما لبى الاستاذ دعوة ربه ، حضر درس الشيخ الى أن نصب قاضياً في طرابلس عام 438 ، وعلى ذلك فقد استفاد من شيخه الثانى قرابة ثلاث سنوات ، ومع ذلك كله فالحق أن القاضى ابن البراج زميل الشيخ فى الحقيقة ، وشريكه في التلمذ على السيد المرتضى ، وأنه بعد ما لبى السيد المرتضى دعوة ربه وانتهت رئاسة الشيعة - في بغداد - الى الشيخ الطوسى ، حضر درس الشيخ الطوسى توحيداً للكلمة ، وتشرفاً و افتخاراً ، اولا ، واستفادة ثانياً كما قبل من جانبه الخلافة والنيابة في البلاد الشامية.

وتدل على أن ابن البراج كان زميلا صغيراً للشيخ لا تلميذاً له امور :

ص: 38


1- فهرس النجاشی ص193

1 - عند ماتوفى أستاذه السيد المرتضى رحمه الله ، كان القاضي ابن البراج قد بلغ مبلغاً كبيراً من العمر ، يبلغ الطالب - فى مثله - مرتبة الاجتهاد ، وهو قرابة الاربعين ، فيبعد أن يكون حضوره في درس الشيخ الطوسى من باب التلمذ المحض بل هو لاجل ما ذكرناه قبل قليل .

2 - ان السيد المرتضى عمل كتاباً باسم «جمل العلم والعمل» فى الكلام والفقه على وجه موجز ، ملقياً فيها الاصول والقواعد في فن الكلام والفقه.

وقد تولى شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسى شرح القسم الكلامي منه وهو ما يعز عنه ب «تمهيد الأصول» وقد طبع الكتاب بهذا الاسم وانتشر .

بينما تولى القاضى ابن البراج - المترجم له - شرح القسم الفقهى ومن هذا يظهر زمالة هذين العلمين، بعضهما البعض في المجالات العلمية ، فكل واحد يشرح قسماً خاصاً من كتاب استاذهما .

3 - ان شيخنا المؤلف ينقل في كتابه «شرح جمل العلم والعمل» عند البحث عن جواز اخراج القيمة من الاجناس الزكوية ماهذا عبارته : «وقد ذكر فى ذلك ما أشار اليه صاحب الكتاب رضى الله عنه من الرواية الواردة، من الدرهم أو الثلثين ، والاحوط اخراجها بقيمة الوقت ، وهذا الذي استقر تحريرنا له مع شيخنا أبي جعفر الطوسي ورأيت من علمائنا من يميل الى ذلك»(1).

وهذه العبارة تفيد زمالتهما فى البحث والتحرير .

3 - نرى أن المؤلف عندما يطرح في كتابه « المهذب » آراء الشيخ يعقبه بنقد بنّاء ومناقشة جريئة ، وهذا يعطى كونه زميلا للشيخ لا تلميذا آخذاً، ونأتى لذلك بنموذجين :

ص: 39


1- شرح جمل العلم والعمل ص 268 ، وقد حقق نصوصه الاستاذ مدیر شانه چی دام ظله .

أولا - فهو يكتب في كتاب الايمان من «المهذب» اذا ما حلف الرجل على عدم أكل الحنطة فهل يحلف اذا أكلها دقيقاً أولا ، ماهذا عبارته :

كان الشيخ أبو جعفر الطوسي - رحمه الله - قد قال لى يوماً في الدرس : ان اكلها على جهتها حنث ، وان أكلها دقيقاً أوسويقاً لم يحنث .

فقلت له : ولم ذلك ؟ وعين الدقيق هي عين الحنطة، وانما تغيرت بالتقطيع الذي هو الطحن .

فقال : قد تغيرت عما كانت عليه . وان كانت العين واحدة ، وهو حلف أن لا يأكل ما هو مسمى بحنطة لاما لاما يسمى دقيقاً .

فقلت له : هذا لم يجزفى اليمين ، فلو حلف : لااكلت هذه الحنطة مادامت تسمى حنطة ، كان الأمر على ما ذكرت ، فانما حلف أن لا يأكل هذه الحنطة أو من هذه الحنطة .

فقال : على كل حال قد حلف أن لا يأكلها وهى على صفة ، وقد تغيرت عن تلك الصفة ، فلم يخ يحنث.

فقلت : الجواب هاهنا مثل ما ذكرته أولا ، وذلك : ان كنت تريد أنه حلف أن لا يأكلها وهى على صفة . أنه أراد على تلك الصفة ، فقد تقدم ما فيه ، فان كنت لم ترد ذلك فلاحجة فيه.

ثم يلزم على ما ذكرته أنه لو حلف أن لا يأكل هذا الخيار وهذا التفاح ، ثم قشره وقطعه وأكله لم يحنث ولا شبهة في أنه يحنث .

فقال : من قال فى الحنطة ماتقدم، يقول فى الخيار والتفاح مثله .

فقلت له : اذا قال في هذا مثل ما قاله في الحنطة علم فساد قوله بما ذكرته من أن العين واحدة ، اللهم الا ان شرط في يمينه أن لا يأكل هذا الخيار أو هذا التفاح وهو على ما هو عليه ، فأن الأمر يكون على ما ذكرت، وقد قلنا ان اليمين لم يتناول ذلك .

ص: 40

ثم قلت : ان الاحتياط يتناول ما ذكرته ، فأمسك (1).

ثانيا - ما جاء في كتاب الطهارة ، عند ما إذا اختلط المضاف بالماء المطلق وكانا متساويين في المقدار ، فذهب القاضي إلى أنه لا يجوز استعماله في رفع الحدث ، ولا إزالة النجاسة ، ويجوز في غير ذلك ، ثم قال :

وقد كان الشيخ أبو جعفر الطوسي - رحمه اللّه - قال في يوما في الدرس : هذا الماء يجوز استعماله في الطهارة وازالة النجاسة.

فقلت له ولم أجزت ذلك مع تساويهما؟

فقال : إنما أجزت ذلك لان الأصل الإباحة.

فقلت : له الأصل وان كان هو الإباحة ، فأنت تعلم أن المكلف مأخوذ بأن لا يرفع الحدث ولا يزيل النجاسة عن بدنه أو ثوبه الا بالماء المطلق ، فتقول أنت بأن هذا الماء مطلق؟! فقال : أفتقول أنت بأنه غير مطلق؟.

فقلت له : أنت تعلم أن الواجب أن تجيبني عما سألتك عنه قبل أن تسألني ب- « لا » أو « نعم » ثم تسألني عما أردت ، ثم اننى أقول بأنه غير مطلق.

فقال : ألست تقول فيها إذا اختلطا وكان الأغلب والأكثر المطلق فهما مع التساوي كذلك؟

فقلت له : انما أقول بأنه مطلق إذا كان المطلق هو الأكثر والأغلب ، لأن ما ليس بمطلق لم يؤثر في إطلاق اسم الماء عليه ، ومع التساوي قد أثر في إطلاق هذا الاسم عليه ، فلا أقول فيه بأنه مطلق ، ولهذا لم تقل أنت بأنه مطلق ، وقلت فيه بذلك إذا كان المطلق هو الأكثر والأغلب ، ثم ان دليل الاحتياط تناول ما ذكرته ، فعاد الى الدرس ولم يذكر فيه شيئا (2).

وهذا النمط من البحث والنقاش والأخذ والرد في أثناء الدروس يرشد الى

ص: 1


1- المهذب كتاب الكفارات ج 2 ص 419 و 420.
2- المهذب ، كتاب الطهارة ج 1 ص 24 - 25

مكانة القاضي في درس الشيخ الطوسي وان منزلته لم تكن منزلة التلميذ بل كان رجلا مجتهدا ذا رأى ونظر ربما قدر على إقناع أستاذه وإلزامه برأيه.

5 - ان الناظر في ثنايا كتاب « المهذب » يرى بأن المؤلف - المترجم له - يعبر عن أستاذ السيد المرتضى بلفظة « شيخنا » بينما يعبر عن « الشيخ الطوسي « بلفظة الشيخ أبو جعفر الطوسي » لا ب- « شيخنا » والفارق بين التعبيرين واضح وبين.

وهذا وان لم يكن قاعدة مطردة في هذا الكتاب الا انها قاعدة غالبية. نعم عبر في « شرح جمل العلم والعمل » عنه ب- « شيخنا » كما نقلناه.

6 - ينقل هو رأى الشيخ الطوسي - رحمه اللّه - في مواضع كثيرة بلفظ « ذكر » أى قيل ، وقد وجدنا موارده في مبسوط الشيخ - رحمه اللّه - ونهايته.

ولا شك أن هذا التعبير يناسب تعبير الزميل عن الزميل لا حكاية التلميذ عن أستاذه وعلى كل تقدير فرحم اللّه الشيخ والقاضي بما أسديا إلى الأمة من الخدمات العلمية ، ووفقنا للقيام بواجبنا تجاه هذين العلمين ، والطودين الشامخين ، سواء أكانا زميلين أو استاذا وتلميذا.

استمرار الاجتهاد والمناقشة في آراء الشيخ :

لقد نقل صاحب المعالم عن والده - الشهيد الثاني - رحمه اللّه بأن أكثر الفقهاء الذين نشأوا بعد الشيخ كانوا يتبعونه في الفتوى تقليدا له لكثرة اعتقادهم فيه وحسن ظنهم به فلما جاء المتأخرون وجدوا أحكاما مشهورة قد عمل بها الشيخ ومتابعوه فحسبوها شهرة بين العلماء ، وما دروا أن مرجعها الى الشيخ وأن الشهرة إنما حصلت بمتابعته.

قال الوالد - قدس اللّه نفسه - : وممن اطلع على هذا الذي تبينته وتحققته من غير تقليد : الشيخ الفاضل المحقق سديد الدين محمود الحمصي ، والسيد رضي الدين ابن طاوس ، وجماعة.

وقال السيد - رحمه اللّه - في كتابه المسمى : ب- « البهجة لثمرة المهجة » : أخبرني

ص: 2

جدي الصالح - قدس اللّه روحه - ورام بن أبي فراس - قدس اللّه روحه - أن الحمصي حدثه أنه لم يبق مفت للإمامية على التحقيق بل كلهم حاك. وقال السيد عقيب ذلك : والان فقد ظهر لي أن الذي يفتي به ويجاب على سبيل ما حفظ من كلام المتقدمين(1)

ولكن هذا الكلام على إطلاقه غير تام ، لما نرى من أن ابن البراج قد عاش بعد الشيخ أزيد من عشرين سنة ، وألف بعض كتبه كالمهذب بعد وفاة الشيخ وناقش آراءه بوضوح ، فعند ذلك لا يستقيم هذا القول على إطلاقه : « لم يبق مفت للإمامية على التحقيق بل كلهم حاك ».

وخلاصة القول أن في الكلام المذكور نوع مبالغة ، لوجود مثل هذا البطل العظيم ، وهذا الفقيه البارع.

مدى صلته بالشيخ الطوسي :

قد عرفت مكانة الشيخ ومنزلته العلمية ، فقد كان الشيخ الطوسي ينظر اليه بنظر الإكبار والإجلال ، ولأجل ذلك نرى أن الشيخ ألف بعض كتبه لأجل التماسه وسؤاله

فها هو الشيخ الطوسي يصرح في كتابه « المفصح في إمامة أمير المؤمنين » بأنه ألف هذا الكتاب لأجل سؤال الشيخ ( ابن البراج ) منه فيقول :

سألت أيها الشيخ الفاضل أطال اللّه بقاءك وأدام تأييدك إملاء كلام في صحة إمامة أمير المؤمنين ، على بن أبى طالب ، صلوات اللّه عليه (2)

كما أنه ألف كتابه « الجمل والعقود » بسؤاله أيضا حيث قال : أما بعد فأنا مجيب الى ما سأل الشيخ الفاضل - أدام اللّه بقاءه - ، من إملاء مختصر يشتمل على ذكر كتب العبادات (3).

ونرى أنه ألف كتابه الثالث « الإيجاز في الفرائض والمواريث » بسؤال الشيخ

ص: 3


1- معالم الدين - الطبعة الجديدة - المطلب الخامس في الإجماع ص 408
2- الرسائل العشر ص 117.
3- الرسائل العشر ص 155.

أيضا فيقول : سألت أيدك اللّه إملاء مختصر في الفرائض والمواريث (1).

ولم يكتف الشيخ بذلك ، فألف رجاله بالتماس هذا الشيخ أيضا إذ يقول : أما بعد فانى قد أجبت الى ما تكرر سؤال الشيخ الفاضل فيه ، من جمع كتاب يشتمل على أسماء الرجال الذين رووا عن النبي صلى اللّه عليه وآله ، وعن الأئمة من بعده الى زمن القائم عليهم السلام ، ثم أذكر من تأخر زمانه عن الأئمة من رواة الحديث (2).

ويقول المحقق الطهراني في مقدمته على « التبيان » عند البحث عن « الجمل والعقود » : قد رأيت منه عدة نسخ في النجف الأشرف ، وفي طهران ، ألفه بطلب من خليفته في البلاد الشامية ، وهو القاضي ابن البراج ، وقد صرح في هامش بعض الكتب القديمة بأن القاضي المذكور هو المراد بالشيخ ، كما ذكرناه في الذريعة ج 5 ص 145 (3)

ويقول المحقق الشيخ محمد واعظ زاده في تقديمه على كتاب « الرسائل العشر » :

وفي هامش النسخة من كتاب « الجمل والعقود » التي كانت بأيدينا ، قد قيد أن الشيخ هو ابن البراج.

وعلى ذلك يحتمل أن يكون المراد من الشيخ الفاضل في هذه الكتب الثلاثة هو الشيخ القاضي ابن البراج ، كما يحتمل أن يكون هو المراد في ما ذكره في أول كتاب الفهرس حيث قال :

ولما تكرر من الشيخ الفاضل - ادام اللّه تأييده - الرغبة في ما يجرى هذا المجرى وتوالى منه الحث على ذلك ، ورأيته حريصا عليه ، عمدت الى كتاب يشتمل على ذكر المصنفات والأصول ولم أفرد أحدهما عن الأخر. ، وألتمس بذلك القربة الى اللّه تعالى ، وجزيل ثوابه ، ووجوب حق الشيخ الفاضل - أدام اللّه تأييده - ، وأرجو أن يقع ذلك موافقا لما طلبه ان شاء اللّه تعالى (4).

ونرى نظير ذلك في كتابه الخامس أعنى « الغيبة » حيث يقول :

ص: 4


1- الرسائل العشر ص 269
2- رجال الشيخ ص 2
3- التبيان ج 1 مقدمة المحقق الطهراني ص ( ث )
4- فهرس الشيخ ص 24

فانى مجيب الى ما رسمه الشيخ الجليل أطال اللّه بقاه ، من إملاء كلام في غيبة صاحب الزمان (1). وربما يحتمل أن يكون المراد من الشيخ في الكتاب الخامس ، هو الشيخ المفيد ، ولكنه غير تام لوجهين.

أولا : انه - قدس سره - قد عين تاريخ تأليف الكتاب عند البحث عن طول عمره حيث قال : فان قيل : ادعاؤكم طول عمر صاحبكم أمر خارق للعادات ، مع بقائه - على قولكم - كامل العقل تام القوة والشباب ، لأنه على قولكم في هذا الوقت الذي هو سنة سبع وأربعين وأربع مائة ...

ومن المعلوم ان الشيخ المفيد قد توفي قبل هذه السنة ب 34 عاما.

أضف الى ذلك أنه يصرح في أول كتاب الغيبة بأنه ( رسمه مع ضيق الوقت وشعت الفكر ، وعوائق الزمان ، وطوارق الحدثان ) ، وهو يناسب أخريات اقامة الشيخ في بغداد ، حيث حاقت به كثير من الحوادث المؤسفة المؤلمة ، حتى ألجأت الشيخ الى مغادرة بغداد مهاجرا الى النجف الأشرف ، حيث دخل طغرل بك السلجوقي بغداد عام 447 ، واتفق خروج الشيخ منها بعد ذلك عام 448 ، فقد أحرق ذلك الحاكم الجائر مكتبة الشيخ والكرسي الذي يجلس عليه في الدرس ، وكان ذلك في شهر صفر عام 448 (2)

أضف الى ذلك أن شيخ الطائفة ألف كتابا خاصا باسم « مسائل ابن البراج » نقله شيخنا الطهراني في مقدمة « التبيان » عن فهرس الشيخ (3).

أساتذته :

لا شك أن ابن البراج - رحمه اللّه - أخذ أكثر علومه عن أستاذه السيد المرتضى

ص: 5


1- الغيبة ص 78.
2- لاحظ المنتظم لابن الجوزي ج 8 ص 173 ، الكامل لابن الأثير ج 8 ص 81.
3- التبيان ص أ - ب. ونص به أيضا العلامة الطباطبائي في فوائده الرجالية لاحظ ج 3 ص 233

- رحمه اللّه - وتخرج على يديه ، قال السيد بحر العلوم الفوائد ج 3ص 13 « وقد تلمذ على السيد المرتضى وأخذ عنه العلم والفقه ، الجم الغفير من فضلاء أصحابنا وأعيان فقهائنا منهم. والقاضي السعيد عبد العزيز بن البراج ». وحضر بحث شيخ الطائفة على النحو الذي سمعت ، غير أننا لم نقف على أنه عمن أخذ أوليات دراساته في الأدب وغيره

وربما يقال أنه تتلمذ على المفيد ، كما في « رياض العلماء » (1) وهو بعيد جدا ، لان المفيد توفي عام 413 ه ، والقاضي بعد لم يبلغ الحلم لأنه من مواليد 400 أو بعام قبله ، ومثله لا يقدر على الاستفادة عادة من بحث عالم نحرير كالمفيد - رحمه اللّه -

وقد ذكر التستري صاحب المقابيس أنه تلمذ على الشيخ أبى الفتح محمد بن على بن عثمان الكراجكي. أحد تلاميذ المفيد ثم السيد، ومؤلف كتاب « كنز الفوائد » وغيره من المؤلفات البالغة ثلاثين تأليفا (2).

وقال في الرياض ناقلا عن المجلسي في فهرس بحاره : ان عبد العزيز بن البراج الطرابلسي من تلاميذ أبى الفتح الكراجكي ، ثم استدرك على المجلسي بان تلميذه هو القاضي عبد العزيز بن أبى كامل الطرابلسي ، لا عبد العزيز بن نحرير (3) غير أن التستري لم يذكر على ما قاله مصدرا ، نعم بحسب طبع الحال فقد أخذ عن مثله.

وربما يقال بتلمذه على ابى يعلى محمد بن الحسن بن حمزة الجعفري ، صهر الشيخ المفيد وخليفته ، والجالس محله الذي وصفة النجاشي في رجاله بقوله : بأنه متكلم فقيه قيم بالأمرين جميعا (4).

ص: 6


1- رياض العلماء ج 3 ص 413.
2- ريحانة الأدب ج 5 ص 40.
3- رياض العلماء ج 3 ص 142
4- النجاشي ص 288 ، وهذا الشيخ هو الذي اشترك مع النجاشي في تغسيل السيد المرتضى ، يقول الشيخ النجاشي عند ترجمة المرتضى : وتوليت غسله ومعى الشريف أبو يعلى محمد بن الحسن بن حمزة الجعفري وسالار بن عبد العزيز ، وبذلك يظهر أنه كان حيا عام وفاة المرتضى ، وهو 436 ه فلا يصح القول بأنه قد توفي عام 433 ، بل هو توفي اما في 443 ، أو 463 والأخير هو الحق الحقيق بالتصديق لاحظ مقال العلامة الحجة السيد موسى الزنجاني دام ظله في مجلة « نور علم » العدد 11 و 12. وليعلم أن الشيخ أبا يعلی غير محمد بن علي بن حمزة الطوسي المشهدي، وهو الذي يقول في الشيخ منتجب الدين: فقيه ، عالم ، واعظ له تصانيف منها: الوسيلة ، الواسطة ، الرائع في الشرائع ، المعجزات ، مسائل في الفقه ، (البحار ج 102 2 271).

ولم نقف على مصدر لهذا القول ، سوى ما ذكره الفاضل المعاصر الشيخ كاظم مدير شانه چى في مقدمة كتاب لشرح ( جمل العلم والعمل ) للقاضي ابن البراج.

وربما عد من مشايخه أبو الصلاح تقى الدين بن نجم الدين المولود عام 347 والمتوفى عام 447 ، عن عمر يناهز المائة ، وهو خليفة الشيخ في الديار الحلبية ، كما كان القاضي خليفته في ناحية طرابلس.

كما يحتمل تلمذه على حمزة بن عبد العزيز الملقب بسلار المتوفى عام 463 ، المدفون بقرية خسروشاه من ضواحي تبريز ، صاحب المراسم ولم نجد لذلك مصدرا وانما هو وما قبله ظنون واحتمالات ، وتقريبات من الشيخ الفاضل المعاصر « مدير شانه چى » وعلى ذلك فقد تلمذ المترجم له على الشيخ أبى عبد اللّه جعفر بن محمد الدوريستى الذي هو « ثقة عين ، عدل ، قرأ على شيخنا المفيد ، والمرتضى علم الهدى » (1)

وقد ذكر الفاضل المعاصر من مشايخه عبد الرحمن الرازي ، والشيخ المقرئ ابن خشاب ، ونقله عن فهرس منتجب الدين ، غير أنا لم نقف على ذلك في فهرس منتجب الدين وانما الوارد فيه غير ذلك. (2)

فقد قال الشيخ منتجب الدين : الشيخ المفيد أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد الحسين النيسابوري الخزاعي ، شيخ الأصحاب بالري ، حافظ ، ثقة ، واعظ ، سافر في البلاد شرقا وغربا ، وسمع الأحاديث عن المؤالف والمخالف ، وقد قرأ على السيدين : علم الهدى المرتضى ، وأخيه الرضى ، والشيخ أبى جعفر الطوسي ، والمشائخ :

ص: 7


1- فهرس منتجب الدين ص 215 - 216.
2- وقد رفعنا رسالة في هذا الموضوع الى الفاضل المعاصر « مدير شانه چى » فتفضل بالجواب مصرحا بأن الحق انهما من تلاميذه لا من مشايخه.

سالار ، وابن البراج ، والكراجكي - رحمهم اللّه جميعا - وقال أيضا : الشيخ المفيد عبد الجبار بن عبد اللّه بن على المقرئ الرازي فقيه الأصحاب بالري ، قرأ عليه في زمانه قاطبة المتعلمين من السادة والعلماء ، وقد قرأ على الشيخ أبى جعفر الطوسي جميع تصانيفه وقرأ على الشيخين سالار وابن البراج (1).

عام تأليف الكتاب :

قد ذكر القاضي في كتاب الإجارة تاريخ اشتغاله بكتابة باب الإجارة وهو عام 467 (2). فالكتاب حصيلة ممارسة فقهية ، ومزاولة طويلة شغلت عمر المؤلف مدة لا يستهان بها ، وعلى ذلك فهو ألف الكتاب بعد تخلية عن القضاء لأنه اشتغل بالقضاء عام 438 ومارسها بين عشرين وثلاثين عاما ، فعلى الأول كتبها بعد التخلي عنه ، وعلى الثاني اشتغل بالكتابة في أخريات ممارسته للقضاء.

وعلى ذلك فالكتاب يتمتع بأهمية كبرى ، لأنه - رحمه اللّه - وقف في أيام توليه للقضاء على موضوعات ومسائل مطروحة على صعيد القضاء ، فتناولها بالبحث في الكتاب وأوضح أحكامها ، فكم فرق بين كتاب فقهي يؤلف في زوايات المدرسة من غير ممارسة عملية للقضاء ، وكتاب يؤلف بعد الممارسة لها أو خلالها.

ولأجل ذلك يعتبر الكتاب الحاضر « المهذب » من محاسن عصره.

تلاميذه :

كان شيخنا المترجم له يجاهد على صعيد القضاء بينما هو يؤلف في موضوعات فقهية وكلامية ، وفي نفس الوقت كان مفيدا ومدرسا ، فقد تخرج على يديه عدة من الأعلام نشير الى بعضهم :

ص: 8


1- بحار الأنوار ج 102 - فهرس الشيخ منتجب الدين - 242.
2- راجع الجزء الثاني ، كتاب الإجارة ص 476 قال : إذا استأجر دارا فقال المؤجر وهو مثلا في رجب : أجرتك هذه الدار في شهر رمضان ، أو كان في مثل هذه السنة وهي سنة سبع وستين وأربع مائة ، فقال : أجرتك هذه الدار سنة ثمان وستين وأربع مائة ، الى آخره.

1 - الحسن بن عبد العزيز بن المحسن الجبهاني ( الجهيانى ) المعدل بالقاهرة فقيه ، ثقة ، قرأ على الشيخ أبى جعفر الطوسي ، والشيخ ابن البراج - رحمهم اللّه جميعا (1).

2 - الداعي بن زيد بن على بن الحسين بن الحسن الأفطسي الحسيني الاوى ، الذي عمر عمرا طويلا كما ذكره صاحب المعالم في إجازته الكبيرة ، وهو يروى عن المرتضى ، والطوسي ، وسلار ، وابن البراج ، والتقي الحلبي جميع كتبهم وتصانيفهم وجميع ما رووه وأجيز لهم روايته (2).

3 - الشيخ الامام شمس الإسلام الحسن بن الحسين بن بابويه القمي ، نزيل الري المدعو حسكا ، جد الشيخ منتجب الدين الذي يقول نجله في حقه : فقيه ، ثقة ، قرأ على شيخنا الموفق أبى جعفر - قدس اللّه روحه - جميع تصانيفه بالغري - على ساكنه السلام - وقرأ على الشيخين : سلار بن عبد العزيز ، وابن البراج جميع تصانيفهما (3)

4 - الشيخ المفيد أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد بن الحسين النيسابوري الخزاعي

5 - الشيخ المفيد عبد الجبار بن عبد اللّه بن على المقرى الرازي ، وقد توفي بطرابلس ، ودفن في حجرة القاضي ، كما حكى عن خط جد صاحب المدارك ، عن خط الشهيد وكان حيا الى عام 503 (4).

وقد عرفت نص الشيخ منتجب الدين في حق الرجلين.

6 - الشيخ أبو جعفر محمد بن على بن المحسن الحلبي ، فقيه ، صالح ، أدرك الشيخ أبا جعفر الطوسي - رحمه اللّه - (5).

وقال في « الرياض » : انه يظهر من اجازة الشيخ على الكركي للشيخ على الميسي وغيرها من المواضع ، انه يروى عن القاضي عبد العزيز بن البراج -

ص: 9


1- فهرس منتجب الدين المطبوع في الجزء 102 من البحار ص 219.
2- المستدرك ج 3 ص 444 ، طبقات أعلام الشيعة في القرن الخامس ص 75.
3- فهرس منتجب الدين المطبوع في بحار الأنوار ج 102 ص 219.
4- طبقات أعلام الشيعة في القرن الخامس ص 103 و 107.
5- فهرس منتجب الدين المطبوع في بحار الأنوار ج 102 ص 265.

قدس اللّه روحه - الشيخ أبو جعفر محمد بن محسن الحلي (1) وينقل عنه.

وقال في تلك الإجازة في مدح ابن البراج هكذا : الشيخ السعيد الفقيه ، الحبر العلامة ، عز الدين ، عبد العزيز بن البراج - قدس اللّه سره - (2).

7 - عبد العزيز بن أبى كامل القاضي عز الدين الطرابلسي ، سمى شيخنا المترجم له ، يروى عن المترجم له ، والشيخ الطوسي ، وسلار ، ويروى عنه عبد اللّه بن عمر الطرابلسي كما في « حجة الذاهب » (3).

8 - الشيخ كميح والد أبى جعفر ، يروى عن ابن البراج (4).

9 و 10 - الشيخان الفاضلان الأستاذان ابنا المؤلف : أبو القاسم (5) وأبو جعفر اللذان يروى عنهما الراوندي والسروي وغيرهم (6).

11 و 12 - أبو الفتح الصيداوي وابن رزح ، من أصحابنا (7) هؤلاء من مشاهير تلاميذ القاضي وقفنا عليهم في غضون المعاجم وليست تنحصر فيمن عددناهم.

وقال السيد بحر العلوم : وله كتاب الموجز في الفقه قرأ عليه الفقيه شمس الإسلام الحسن بن الحسين بن بابويه (8) والشيخ الفقيه الحسين بن عبد العزيز (9) وشيخ الأصحاب عبد الرحمن بن أحمد الخزاعي (10) وفقيه الأصحاب عبد الجبار بن

ص: 10


1- ووصفه الشيخ منتجب الدين : بالحلبي كما نقلناه آنفا.
2- رياض العلماء ج 3 ص 144
3- طبقات أعلام الشيعة في القرن الخامس ص 106
4- طبقات أعلام الشيعة في القرن السادس ص 4.
5- وبما أن كنية القاضي هو أبو القاسم ، فلازم ذلك ان يكون اسم ابنه القاسم لا أبا القاسم ، ومن جانب آخر فإن التسمية بنفس القاسم وحده بلا ضم كلمة الأب إليه قليل في البيئات العربية ، فيحتمل وحدة الكنية في الوالد والولد.
6- المقابيس ص 90.
7- رياض العلماء ج 3 ص 143 و 145.
8- وهو جد الشيخ منتجب الدين المدعو ب- « حسكا » تجد ترجمته في فهرس منتجب الدين
9- ترجمة الشيخ منتجب الدين في فهرسه ص 4 وقال : « الموفق الشيخ أبو محمد الحسين بن عبد العزيز بن الحسن الجهانى المعدل بالقاهرة فقيه ثقة قرأ على الشيخ ابى جعفر الطوسي والشيخ ابن البراج »
10- ترجمه الشيخ منتجب الدين في فهرسه ص 7 ونص على تلمذه على ابن البراج

عبد اللّه الرازي (1) وعبيد اللّه (2) بن الحسن بن بابويه (3).

وفي خاتمة المطاف ننبه على أمور :

1 - انه كثيرا ما يشتبه الأستاذ بالتلميذ لأجل المشاركة في الاسم واللقب ، فتعد بعض تصانيف الأستاذ من تآليف التلميذ.

قال في « رياض العلماء » : وعندي أن بعض أحوال القاضي سعد الدين عبد العزيز ابن البراج هذا ، قد اشتبه بأحوال القاضي عز الدين عبد العزيز بن أبى كامل الطرابلسي (4). ويظهر من الشهيد الأول في كتابه « الأربعين » في سند الحديث الثاني والثلاثين ، وسند الحديث الثالث والثلاثين مغايرة الرجلين.

قال الشهيد الأول في سند الحديث الثاني والثلاثين : حدثنا الشيخ الامام قطب الدين أبو الحسين القطب الراوندي ، عن الشيخ أبى جعفر محمد بن على بن المحسن الحلي(5)

قال : حدثنا الشيخ الفقيه الامام سعد الدين أبو القاسم عبد العزيز بن نحرير بن البراج الطرابلسي ، قال : حدثنا السيد الشريف المرتضى علم الهدى أبو القاسم على بن الحسين الموسوي ، الى آخره ، وفي سند الحديث الثالث والثلاثين. حدثنا الشيخ أبو محمد عبد اللّه بن عمر الطرابلسي ، عن القاضي عبد العزيز بن أبى كامل الطرابلسي ، عن الشيخ الفقيه المحقق أبى الصلاح تقى بن نجم الدين الحلبي ، عن السيد الامام المرتضى علم الهدى. الى آخره (6).

ولاحظ الذريعة ج 32 ص 492 فلا شك - كما ذكرنا - فإن القاضي عبد العزيز

ص: 11


1- لاحظ المصدر نفسه.
2- لاحظ المصدر أيضا ص 15.
3- الفوائد الرجالية ج 3 ص 23.
4- رياض العلماء ج 3 ص 143 و 145.
5- وقد عرفت أن الصحيح هو « الحلبي ».
6- الأربعون للشهيد ، في شرح الحديث الثاني والثلاثين والثالث والثلاثين ص 23 - 24 فيظهر من السندين مغايرة الرجلين وتعاصرهما.

ابن أبى كامل تلميذ القاضي بن نحرير.

2 - يظهر من غضون المعاجم أن بعض ما ألفه القاضي في مجالات الفقه كان مركزا للدراسة ، ومحورا للتدريس ، حيث أن الشيخ سعيد بن هبة اللّه بن الحسن الراوندي - الشهير بالقطب الراوندي - كتب بخطه اجازة لولده على كتاب « الجواهر في الفقه » لابن البراج عبد العزيز وهذه صورتها :

قرأه على ولدي نصير الدين أبو عبد اللّه الحسين - أبقاه اللّه ومتعني به - ، قراءة إتقان ، وأجزت له أن يرويه عن الشيخ أبى جعفر محمد بن المحسن الحلبي عن المصنف (1).

ولم تكن الدراسة لتقتصر على كتاب « الجواهر » ، بل كان كتابة الأخر وهو ( الكامل ) كتابا دراسيا أيضا.

ولذلك نرى أن الشيخ أبا محمد عبد الواحد الحبشي ، من تلاميذ القاضي عبد العزيز بن أبى كامل الطرابلسي ، قرأ الكامل عليه.

والكامل من مؤلفات شيخنا المترجم له (2).

3 - نقل صاحب الرياض أنه تولى القضاء في طرابلس ، لدفع الضرر عن نفسه بل عن غيره أيضا ، والتمكن من التصنيف ، وقد عمل أكثر الخلق ببركته بطريق الشيعة ، وقد نصبه على القضاء جلال الملك عام 438 ه (3).

4 - وقال صاحب الروضات : ان من المستفاد من كتاب ( الدرة المنظومة ) لسيدنا العلامة الطباطبائي انه يعبر عن القاضي بالحافى ، ولم نجد له مصدرا قبله.

قال في منظومته :

وسن رفع اليد بالتكبير *** والمكث حتى الرفع للسرير

ص: 12


1- قد مضى أنه من تلاميذ القاضي.
2- طبقات أعلام الشيعة في القرن السادس ص 168.
3- رياض العلماء ج 3 ص 152 وتأسيس الشيعة ص 304

والخلع للحذاء دون الاحتفاء *** وسن في قضائه الحافي الحفاء (1)

5 - ان طرابلس بلد على ساحل البحر الأبيض المتوسط وهي جزء من لبنان الفعلي ، يقع في شماله ، وهي غير طرابلس عاصمة ليبيا ، والثانية أيضا تقع على البحر الأبيض.

تآليفه

خلف الترجم له ثروة علمية غنية في الفقه والكلام ، تنبئ عن سعة باعه في هذا المجال ، وتضلعه في هذا الفن.

وإليك ما وقفنا عليه من أسمائها في المعاجم :

1 - الجواهر : قال في رياض العلماء : رأيت نسخة منه في بلدة ساري ، من بلاد مازندران ، وهو كتاب لطيف ، وقد رأيت نسخة اخرى منه بأصفهان عند الفاضل الهندي ، وقد أورد - قدس سره فيه المسائل المستحسنة المستغربة والأجوبة الموجزة المنتخبة (2)

2 - شرح جمل العلم والعمل.

3 - المهذب - وهو الكتاب الذي بين يديك.

4 - روضة النفس.

5 - المقرب في الفقه ( الذريعة 22 ص 108 ).

6 - المعالم في الفروع ( الذريعة ج 21 ص 197 ).

7 - المنهاج في الفروع ( الذريعة ج 23 ص 155 ).

8 - الكامل في الفقه ، وينقل عنه المجلسي في بحاره ( الذريعة ج 17 ص 257 ).

9 - المعتمد في الفقه ( الذريعة ج 21 ص 214 ).

10 - الموجز في الفقه ، وربما ينسب الى تلميذه ابن أبى كامل الطرابلسي ( لاحظ الذريعة ج 23 ص 251 ).

ص: 13


1- روضات الجنات ج 4 ص 205 - لكن من المحتمل ان يكون « الحافي » مصحف « القاضي » لقرابتهما في الكتابة فلاحظ.
2- رياض العلماء ج 3 ص 142.

11 - عماد المحتاج في مناسك الحاج ( لاحظ الذريعة ج 15 ص 331 ).

ويظهر من الشيخ ابن شهرآشوب في « معالم العلماء » أن كتبه تدور بين الأصول والفروع كما أن له كتابا في علم الكلام.

ولكنه مع الأسف قد ضاعت تلك الثروة العلمية ، وذهبت إدراج الرياح ولم يبق الا الكتب الثلاثة : الجواهر ، المهذب ، شرح جمل العلم والعمل.

ويظهر من ابن شهرآشوب أنه كان معروفا في القرن السادس بابن البراج ، وهذا يفيد بابن البراج كان شخصية من الشخصيات ، حتى أنه نسب القاضي الى هذا البيت.

هذه هي كتبه وقد طبع منها « الجواهر » ضمن « الجوامع الفقهية » على وجه غير نقى عن الغلط ، فينبغي لرواد العلم إخراجه وتحقيق متنه على نحو يلائم العصر.

كما أنه طبع من مؤلفاته « شرح جمل العلم والعمل » بتحقيق الأستاذ كاظم مدير شانه چى.

وها هو « المهذب » نقدمه الى القراء الكرام ، بتحقيق وتصحيح وتعليق ثلة من الفضلاء ستوافيك أسماؤهم.

وقد كان سيدنا الأستاذ آية اللّه العظمى البروجردي - قدس اللّه سره - يحث الطلاب على المراجعة إلى المتون الفقهية المؤلفة بيد الفقهاء القدامى وكان يعتبر الشهرة الفتوائية على وجه لا يقل عن الإجماع المحصل.

وكان من نواياه - قدس سره - طبع بعض الكتب الفقهية الاصيلة منها :

1 - الكافي ، للفقيه أبى الصلاح الحلبي.

2 - الجامع للشرائع ، ليحيى بن سعيد الحلي.

3 - كشف الرموز ، للفقيه عز الدين الحسن بن أبى طالب اليوسفي الابى ، تلميذ المحقق وشارح كتاب « النافع » شرحا حسنا متوسطا وقد أسماه - كما عرفت - ب- « كشف الرموز ».

4 - المهذب ، للقاضي ابن البراج.

ص: 14

وقد طبع الأول - بفضل اللّه - بتحقيق الشيخ الفاضل رضا استادى.

وطبع « الجامع » للحلي وقامت بنشره مؤسسة سيد الشهداء بتحقيق ثلة من الأفاضل مع تقديمنا له.

وأما الثالث فسوف نقوم بتحقيقه وتصحيحه وطبعه بعد جمع مخطوطاته الأصلية من المكتبات ان شاء اللّه.

وها هو « المهذب » وقد حققت نصوصه بعد تحمل المشاق في جمع مخطوطاته الأصلية

وقد قام بهذا الجهد العلمي - الذي لا يعرف مداه سوى من له إلمام بتحقيق الكتب - لفيف من الفضلاء بين مستنسخ ومقابل ومحقق نصوصه ومستخرج أحاديثه الى غير ذلك من الأمور التي يقف عليها القارئ عند المراجعة وإليك أسماء محققي هذا الجزء :

1 - السيد أحمد القدوسي الطهراني ، 2 - السيد محمد الكمارى ، 3 - الشيخ محمد على المظاهري ، فشكر اللّه مساعيهم الجميلة.

وقام بالتعليق عليه وحل بعض معضلاته الأفاضل العظام :

1 - الشيخ على جاويدان.

2 - السيد محمد الكاهاني الخراساني.

3 - السيد على أصغر الموسوي.

فشكر اللّه جهودهم المباركة ولا يقوم بهذه المهمة العلمية الشاقة الا من له ولع بالعلم ، واهتمام بإحياء الآثار العلمية القديمة ولا يقف على مدى هذه الجهود الا من له إلمام بإحياء التراث العلمي.

ومؤسسة « سيد الشهداء عليه السلام العلمية » إذ تعتز بتقديم ثالث منشوراتها الى القراء الكرام وتأمل ان يقع لديهم موقع القبول والرضا.

وصف النسخ التي اعتمدوا عليها

وإليك وصف النسخ التي وقف عليها المحققون وعملوا على ضوئها وهي ثمان نسخ :

1 - نسخة فتوغرافية أخذت عن النسخة المحفوظة في مكتبة المرجع الديني الأعلى السيد آقا حسين الطباطبائي البروجردي - رضوان اللّه تعالى عليه - وهي نسخة

ص: 15

جديدة مصححة كاملة ، جيدة الخط ، وكانت سنة استنساخها 1348 الهجرية القمرية

2 - نسخة جيدة غير مصححة ، وهي تشتمل على كتاب الإقرار الى كتاب المواريث ، وهي في خزانة كتب السيد العلامة الحجة الآية السيد آقا حسين الخادمى الأصفهاني - قدس اللّه سره - وليس فيها ذكر من سنة الاستنساخ.

3 - نسخة غير كاملة ولا مصححة ، جيدة الخط ، من خزانة كتب الحجة الآية الحاج السيد مصطفى الصفائي الخوانسارى دام ظله ، وهي تشتمل على كتاب الطهارة الى كتاب الزكاة ، وليس فيها ذكر من سنة الاستنساخ.

4 - نسخة غير كاملة ولا مصححة ، من خزانة كتب السيد المرجع الديني النجفي المرعشي دام ظله ، وهي تشتمل على كتاب الطهارة الى كتاب الزكاة ، ليس فيها ذكر من سنة الاستنساخ.

5 - نسخة عتيقة غير مصححة ولا كاملة ، من خزانة كتب « جامعة طهران » ليس فيها ذكر من سنة الاستنساخ ، وهي تشتمل على كتاب الطهارة إلى آخر أبواب الصلاة.

6 - نسخة كاملة جديدة جيدة الخط ، غير مصححة ، من مكتبة الخطيب المصقع الشيخ على أصغر مرواريد الخراساني ، وكانت سنة استنساخها 1241 الهجرية القمرية.

7 - نسخة مكتبة « دار القرآن الكريم » في قم المشرفة ، لمؤسسها آية اللّه العظمى الكلبايكاني ، نسخت عام 1256 ، وهي من أول كتاب الإجارة إلى آخر الكتاب.

8 - نسخة مكتبة الروضة المقدسة الرضوية ، وهي نسخة ثمينة عتيقة جدا ، من كتاب الإجارة إلى آخر الكتاب ، وقد نسخت عام 651 الهجرية ، المحفوظة في الخزانة برقم 2598 - 388 ، وعليها علامة وقف حبيب اللّه الواعظ.

قم ساحة الشهداء - مؤسسة الامام الصادق (عليه السلام)

جعفر السبحاني

تحريرا في 17 ربيع الأول 1406

ص: 16

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الواحد القديم العزيز العليم ، الذي أنعم على عباده المكلفين ، وميزهم به من سائر المخلوقين ، إيثارا منه سبحانه وتعالى لنيلهم منازل الثواب ، والظفر بمراتبه في كريم المئاب ، وجعله وصلة لهم الى ذلك أصلا وفرعا وعقلا وشرعا ، ونصب عليه الدلائل الواضحات ، والحج البينات ، إزاحة لعللهم وغاية في الأنعام عليهم ، حمد المستبصرين الذاكرين ، وله الشكر على نعمة ابدا الآبدين ، وصلى اللّه على سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد والأئمة من آله الطاهرين وسلم تسليما.

اما بعد : فلو ساعدتنى الأقدار وأطاعني الإمكان والاختيار ، لكنت مستسعدا بالزيارة (1) والإيلام (2) ، والقبول والإلهام بالحضرة القضوية التقية الخالصية ادام اللّه أيامها ما دام الجديدان ، وصرف عنها صرف الحدثان ، إذ كانت عضدا للمؤمنين ، وركنا من أركان الدين ومقرا للرئاسة والعدل ومحلا للنفاسة والفضل ، ولما كنت غير قادر على ما قدمته ولا متمكن مما ذكرته ، رأيت وضع كتاب ترتبته (3)

ص: 17


1- في بعض النسخ « بالزيادة » بدل « بالزيارة »
2- أو لم الرجل : عمل وصنع وليمة
3- كذا في النسخ والظاهر « رتبته »

مما يشتمل على أبواب الفقه : في الحلال والحرام والقضايا والأحكام ليكون مجددا لذكري عندها ، وعوضا عن مثوبى بها ، فوضعت هذا الكتاب لذلك وليكون عدة للإخوان ، كثرهم اللّه في الرجوع اليه ، للمعرفة بعباداتهم الشرعية وما عساه تلتبس عليهم في ذلك من المسائل الفقهية ، ومن اللّه سبحانه أستمد المعونة والتأييد والتوفيق والتسديد وهو حسبي ونعم الوكيل.

فصل : اعلم ان الشرعيات على ضربين :

أحدهما : أعم في بلوى المكلف بها والأخر ليس كذلك.

فإما الأعم : فهو الصلاة وحقوق الأموال والصوم والحج والجهاد.

واما ما ليس كذلك فهو ما عدا هذه والجملة منها.

والضرب الأعم أيضا ينقسم الى ما هو أعم في البلوى من باقيه والى ما ليس كذلك وهو ما عداها من هذا الضرب وإذا كانت الشرعيات تنقسم الى ما ذكرناه ، وكان الاولى تقديم ذكر الأعم على ما ليس كذلك وجب ان يقدم ذكر العبادات الخمس على جميع ما سواها من الشرعيات ، وهذا بعينه يقتضي تقديم ذكر الصلاة على حقوق الأموال والصوم والحج والجهاد ، وإذا وجب على ما ذكرناه تقديم ذكر الصلاة على الجميع ، وكان إيقاعها لا يصح الا بالطهارة وجب تقديمها عليها ، ونحن لذلك فاعلون بعون اللّه وحسن توفيقه.

كتاب الطهارة

اشارة

قال اللّه تعالى : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ، وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ، وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ

ص: 18

فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (1).

وقال سبحانه : ( إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) (2).

وقال اللّه تعالى : ( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ، قُمْ فَأَنْذِرْ ، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ، وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ، وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ) (3).

وإذا شرعنا في ذكر الطهارة فينبغي ان نبتدئ بذكر أشياء ، منها : ما الطهارة ومنها ما به يفعل ، ومنها أقسامها ، ومنها مقدماتها ، ومنها كيفياتها ، ومنها ما يوجب إعادتها ، ومنها ما يتبعها ويلحق بها.

فصل :

في بيان الطهارة الشرعية :هي استعمال الماء والصعيد على وجه يستباح به الصلاة أو تكون عبادة يختص بغيرها.

ما به يفعل الطهارة :

الذي يفعل به الطهارة شيئان : أحدهما بالماء ، والأخر بالصعيد ، ولما كان الصعيد انما يستعمل في حال الضرورة وعند عدم الماء أو فقد التمكن من استعماله وكانت الطهارة به بدلا من الطهارة بالماء وجب تقديم ذكر المياه عليه ونحن نقدم ذلك بمشيئة اللّه وعونه.

باب المياه وأحكامها :

قال اللّه تبارك وتعالى : ( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ ) (4)

وقال سبحانه ( وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً ) . (5)

وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وقد سئل عن البحر ، فقال : هو الطهور ماؤه ، الحل

ص: 19


1- المائدة : 6
2- البقرة : 222
3- المدثر : 1 - 5
4- الأنفال : 11
5- الفرقان : 48

ميتته (1) فكل ماء نزل من السماء ، أو نبع من الأرض وكان مخزونا ، أو ماء بحر أو على اى وجه كان فهو على أصل الطهارة ما لم تعلم فيه نجاسة.

وهو على ضربين : طاهر ليس بمطهر ، وطاهر مطهر ، فاما الطاهر الذي ليس بمطهر فهو جميع المياه المستخرجة والمعتصرة وكل ماء مضاف منها ، مثل ماء الورد والآس والقرنفل (2) والريحان والخلاف (3) والزعفران وكل ما أشبه ذلك وجميع هذه المياه يجوز استعمالها في غير الطهارة فاما في الطهارة فلا يجوز ويلحق به في ذلك كلما خالطه جسم طاهر فسلبه إطلاق اسم الماء.

واما الطاهر المطهر ، فهو كل ما استحق إطلاق اسم الماء ولم يكن نجسا ، وهذا الماء ، هو الذي يجب استعماله في الطهارة ، ورفع الأحداث وازالة النجاسات عن الأبدان والثياب ، ويجوز في غير ذلك من شرب وما سواه ، فكل هذه المياه كما ذكرناه على أصل الطهارة ، والحكم بذلك فيها مستمر حتى تعلم ملاقاة شي ء من النجاسات لها.

وهي على ثلاثة أضرب : جار ، وراكد ليس من مياه الآبار ، ومياه الآبار.

فاما الجاري فمحكوم بطهارته حتى يتغير أحد أوصافه التي : هي الريح واللون والطعم من نجاسة ، فإذا صار كذلك حكم بنجاسته ولم يجز استعماله على وجه من الوجوه إلا في الشرب بمقدار ما يمسك الرمق عند الخوف من تلف النفس

واما الراكد الذي ليس من مياه الآبار فهو على ضربين : أحدهما ان يكون مقداره كرا أو أكثر منه ، والأخر ان يكون أقل من كر.

فاما ما كان مقداره كرا أو أكثر منه فليس ينجس بملاقاة شي ء من ذلك له الا

ص: 20


1- الوسائل ، ج 1 ، الباب 2 من أبواب الماء المطلق ، الحديث 4 ، الا ان فيه « سئل عن الوضوء بماء البحر » وفي دعائم الإسلام ، ج 1 ص 111 : روينا. عن رسول اللّه ( صلى اللّه عليهم أجمعين ). وانه ذكر البحر ، فقال : هو الطهور ماؤه ، الحل ميتته
2- القرنفل : ثمر شجرة كالياسمين ، والخلاف : شجر الصفصاف
3- القرنفل : ثمر شجرة كالياسمين ، والخلاف : شجر الصفصاف

ان يتغير بذلك أحد أوصافه التي هي الريح واللون والطعم ، فاذا حصل كذلك كان نجسا.

واما ما كان مقداره أقل من كر ، فإنه ينجس بملاقاة ذلك له ، تغير بذلك أحد أوصافه أو لم يتغير.

والكر هو ما كان مقدار الف رطل ومأتي رطل بالعراقي ، أو ثلاثة أشبار ونصف طولا في مثل ذلك عرضا في مثل ذلك عمقا.

مياه الآبار

واما مياه الآبار فإنها تنجس بما يلاقيها من ذلك ، قليلا كان ماؤها أو كثيرا ، تغير بذلك أحد أوصافها أو لم يتغير ، فاذا حصلت كذلك لم يجز استعمالها الا بعد تطهيرها ، وتطهيرها ان يكون بالنزح منها ، والنزح منها على ثلاثة أضرب :

أوّلها : نزح جميع الماء فان لم يتمكن من ذلك لكثرته وقوة مادته ونبعه تراوح عليه أربعة رجال يستقون منه من أول النهار الى آخره ثم يحكم بطهارته.

وثانيها : نزح كّر.

وثالثها : نزح مقدار بالدلاء.

فاما ما ينزح جميع الماء على ما قدمناه ، فهو وقوع شي ء من الخمر فيها وكل شراب مسكر والفقاع ، والمنى ، ودم الحيض ، والاستحاضة ، والنفاس وعرق الإبل الجلالة وموت البعير فيها ، وكل ما كان جسمه مقدار جسمه (1) أو أكثر. وذكر في ذلك عرق الجنب إذا كان جنبا من حرام وجميع ما كان نجسا ولم يرد في النزح منه مقدار معين.

واما ما ينزح منه كر فهو موت الخيل فيها ، والبغال ، والحمير ، وكلما كان جسمه بمقدار أجسامهم.

ص: 21


1- اى جسم البعير

واما ما ينزح منه مقادير الدلاء فهو ثمانية اضرب :

أوّلها : سبعون ، وثانيها : خمسون ، وثالثها : أربعون ، ورابعها : عشرة وخامسها : سبع ، وسادسها : خمس ، وسابعها : ثلاث ، وثامنها : دلو واحد

واما السبعون : فينزح من موت الإنسان فيها.

واما الخمسون : فينزح من وقوع الدم المخالف لدم الحيض والاستحاضة والنفاس إذا كان كثيرا فيها ، والعذرة الرطبة والمتقطعة (1)

واما الأربعون : فينزح إذا مات فيها شي ء من الكلاب والخنازير والغنم والأرانب والثعالب والظباء والسنانير وكلما كان جسمه بمقدار أجسامها وبول الإنسان الكبير.

واما العشرة : فينزح من الدم المخالف للدماء الثلاثة المتقدم ذكرها إذا كان قليلا ، أو العذرة اليابسة.

واما السبع : فينزح من موت الحمام فيها ، والدجاج ، وكلما كان جسمه بمقدار اجسامهما والكلب إذا وقع حيا وخرج حيا على ما وردت به الرواية (2) ، والفأرة إذا تفسخت ، والجنب إذا ارتمس فيها ، وبول كل صبي أكل الطعام.

واما الخمسة : فينزح من ذرق الدجاج الجلالة خاصة.

واما الثلاثة : فينزح من موت الحية فيها ، والوزغ ، والعقرب ، والفأرة التي لم تنفسخ.

واما الدلو الواحد : فينزح من موت العصافير فيها ، والقنابر ، والزرازير (3) وكلما كان جسمه بمقدار أجسامهم وبول كل صبي لم يأكل الطعام.

وماء البئر إذا تغير أحد أوصافه من النجاسة ينزح منه حتى يطيب ، كثيرا كان

ص: 22


1- أي المنتشرة
2- الوسائل ج 1 من الباب 17 من أبواب الماء المطلق الحديث 1
3- الزرزور : طائر من نوع العصفور ، جمعه الزرازير

النزح أو قليلا ، ولا يعتبر فيه هاهنا بمقدار من النهار ولا بمن يستقى منه من الرجال. والماء الذي في الدلو الأخير من دلاء النزح محكوم بنجاسته والباقي بعده من ماء البئر طاهر ، والذي يقطر من الدلو نجس الا انه ما يتنجس به الباقي في البئر من الماء لأنه معفو عنه. والمعتبر في هذا الدلو ، المعتاد ، لا بما ذهب اليه قوم انه من دلاء هجر (1) أو بما يسع أربعين رطلا ، لان الخبر في ذلك لم يرد مقيدا.

واعلم ان مياه الحياض والغدران والقلبان (2) وما جرى مجراها إذا تغير أحد أوصافها الثلاثة بنجاسة حكمنا بنجاستها على ما قدمناه ، فاذا زال هذا التغير بغير الماء الطاهر المطهر من الأجسام الطاهرة التي تختلط به ، أو بتصفيق الرياح له أو ما جرى مجرى ذلك ، لم يحكم بطهارته وكان نجسا.

وإذا كان مقدار الماء أقل من كر وهو نجس فتمم بطاهر حتى صار كرا ، أو كان طاهرا فتمم بنجس ولم يتغير أحد أوصافه التي هي الريح أو اللون أو الطعم ، كان طاهرا ، فان تغير بذلك أحد أوصافه كان نجسا ، وكذلك الحكم فيه إذا كان هذا المقدار نجسا وتمم بنجس فصار كرا بالجميع ، فإنه يحكم بطهارته ما لم يكن أحد أوصافه متغيرا بالنجاسة ، لقولهم صلوات اللّه عليهم : إذا بلغ الماء كرا لم يحمل خبثا (3)

وقد كان الشيخ أبو جعفر الطوسي «رحمه الله» يذهب إلى نجاسة هذا الماء ، ويقوى القول بما ذكرناه في كثير من الأوقات ، وقد أشرنا إلى الوجه القوى لذلك في كتابنا الموسوم ب- « جواهر الفقه » فمن أراد الوقوف عليه نظره في ذلك الموضع

ص: 23


1- وفي المدارك نقل عن بعض المتقدمين ان المراد بالدلو الهجرية التي وزنها ثلاثون رطلا أو أربعون ( راجع الجواهر ج 1 ص 260 ) ، وهجر محركة : بلدة باليمن واسم لجميع ارض البحرين وقرية كانت قرب مدينة تنسب إليها القلال ، والقلة إناء للعرب
2- القلبان : جمع القليب بمعنى الحفيرة
3- المستدرك ج 1 الباب 9 من أبواب الماء المطلق الحديث 6 الا انه عن النبي (صلی الله عليه وآله)

« الماء المضاف »

والماء الطاهر المضاف إذا اختلط بالطاهر المطهر وسلبه إطلاق اسم الماء لم يجز استعماله في رفع الأحداث ولا ازالة النجاسات ، ويجوز استعماله في غير ذلك والماء النجس لا يجوز استعماله على كل حال إلا في الشرب خاصة عند الخوف من تلف النفس فإنه يجوز والحال هذه ان يشرب ما يمسك الرمق كما قدمناه وإذا اعجن به الدقيق وخبز ، لم يجزأ كل شي ء منه.

وإذا اختلط الطاهر المضاف بالطاهر المطهر ولم يسلبه إطلاق اسم الماء جاز استعماله في الطهارة وغيرها وإذا اختلط هذا الماء المضاف بالمطهر - وكان المطهر هو الأغلب والأكثر - جاز استعماله في رفع الأحداث وازالة النجاسات ، وجاز استعماله فيما عدا ذلك.

فان لم يغلب أحدهما على الأخر ، ولا زاد عليه ، وكانا متساويين ، فالأقوى عندي انه لا يجوز استعماله في رفع الحدث ، ولا إزالة النجاسة ، ويجوز في غير ذلك

وقد كان الشيخ أبو جعفر الطوسي (رحمه الله) قال لي يوما في الدرس : هذا الماء يجوز استعماله في الطهارة وازالة النجاسة ، فقلت له : ولم أجزت ذلك مع تساويهما فقال : إنما أجزت ذلك لان الأصل الإباحة.

فقلت : له الأصل وان كان هو الإباحة ، فأنت تعلم ان المكلف مأخوذ بان لا يرفع الحدث ولا يزيل النجاسة عن بدنه أو ثوبه الا بالماء المطلق ، فتقول أنت : بأن هذا الماء مطلق؟ فقال : افتقول أنت بأنه غير مطلق؟

فقلت له : أنت تعلم ان الواجب ان تجيبني عما سألتك عنه قبل ان تسألني ب- « لا » أو « نعم » ثم تسألني عما أردت ، ثم اننى أقول : بأنه غير مطلق.

فقال : الست تقول فيها إذا اختلطا وكان الأغلب والأكثر المطلق ، فهما مع التساوي كذلك؟

فقلت له : انما أقول بأنه مطلق إذا كان المطلق هو الأكثر والأغلب لأن ما

ص: 24

ليس بمطلق لم يؤثر في إطلاق اسم الماء عليه ، ومع التساوي قد أثر في إطلاق هذا الاسم عليه فلا أقول فيه بأنه مطلق ، ولهذا لم تقل أنت بأنه مطلق ، وقلت فيه بذلك إذا كان المطلق هو الأكثر والأغلب ، ثم ان دليل الاحتياط تناول ما ذكرته ، فعاد الى الدرس ولم يذكر في ذلك شيئا.

« أسئار الحيوان »

وأسئار الحيوان هي فضلة ما شربوا منه واستعملوه وماسوه بأجسامهم وهي على ثلاثة أضرب :

أولها : يجوز استعماله على كل حال. وثانيها : مكروه. وثالثها : لا يجوز استعماله على حال.

فإما الأول : فهو سؤر كل ما أكل لحمه من حيوان البر والبحر لا ما كان جلالا وكل ما ليس بنجس من حيوان البر كان مما لا يؤكل لحمه

واما المكروه : فهو سؤر الجنب والحائض والبهائم والسباع الا الكلاب والخنازير ، وسؤر الطيور الا ما كان جلالا أو مما يأكل الجيف ، أو يكون على منقاره اثر الدم ، والسنور ، والفأرة ، والخيل ، والبغال والحمير.

واما الذي لا يجوز استعماله على حال : فهو سؤر كل ما لا يؤكل لحمه من غير الناس والطيور الا ما ذكرناه فيما تقدم وسؤر كل ما كان نجسا من الناس والكلاب والخنازير.

واعلم ان حكم المائعات المخالفة للماء المطلق إذا شرب منها شي ء مما تقدم ذكره أو استعمله أو ماسة بجسمه كالحكم السالف ذكره في الأقسام الثلاثة.

وكلما ذكرناه انه لا يجوز استعمال سؤره إذا ماس جسمه مائعا ثم جمد كالماء الذي

ص: 25

يمسه ثم يصير ثلجا ، أو جليدا (1) فإنه لا يجوز استعماله على حال وان غسل. فإن ماسة وهو ثلج أو جليد لم يجز استعماله الا بعد غسله وكذلك الحكم فيما خالف الماء من المائعات.

وليس ينجس الماء مما يقع فيه من الحيوان الا ان تكون له نفس سائلة ، واما ما يقع فيه مما ليس له نفس سائلة - غير العقرب والوزغ - فإنه لا ينجسه ، فذلك كالخنافس وبنات وردان (2) والجراد وما أشبه ذلك ويجوز استعماله على كل حال الا ان يسلبه إطلاق اسم الماء ، فان سلبه ذلك لم يجز استعماله في الطهارة وجاز استعماله في ما عدا ذلك ، والبول والروث مما يؤكل لحمه إذا وقع في الماء لم ينجسه قليلا كان أو كثيرا ويجوز استعماله على كل حال الا ان يسلبه إطلاق اسم الماء عليه ، فاذا سلبه ذلك لم يجز استعماله في الطهارات وجاز استعماله فيما عداها ، وما يكره أكل لحمه فمكروه استعمال ما وقع فيه بوله أو روثه من الماء ، والكراهة في ذلك تزيد وتنقص بحسب زيادتها ونقصها في أكل لحم ذلك.

مثال ما ذكرناه : ان كراهة أكل لحم الحمار أغلظ من كراهة أكل لحم البغال وكراهة أكل لحم البغال أغلظ من كراهة أكل لحم الفرس ، والكراهة فيما ذكرناه في أكل هذه اللحوم.

« ماء المطر »

وماء المطر إذا كان نازلا من السماء فحكمه حكم ماء الجاري ، يجوز استعماله على كل حال فان انقطع واستقر منه شي ء في موضع من الأرض ولاقته نجاسة اعتبر فيه بالقلة والكثرة والتغيير وكان الحكم فيه بحسب ذلك. وطين المطر محكوم إلى ثلاثة أيام بالطهارة الا ان يعلم ملاقاة شي ء من النجاسة له فإنه يحكم بنجاسته

ص: 26


1- في بعض النسخ « جامدا » بدل « جليدا »
2- بنت وردان ، جمعها بنات وردان : دويبة كريهة الريح تألف الأماكن القذرة في البيوت وهي ذات ألوان مختلفة

« ماء الحمام »

وماء الحمام حكمه حكم الماء الجاري إذا كانت له مادة ويجوز استعماله على كل حال.

فان انقطعت مادته من المجرى ولم تلاقه نجاسة فاستعماله جائز على كل حال فان لاقته نجاسة كان الاعتبار بالقلة والكثرة والتغير ويحكم فيه بحسب ذلك على ما قدمناه.

« البئر القريب من البالوعة »

والأرض التي فيها البئر إذا كانت سهلة وكانت بالقرب من البئر ، بالوعة وكانت البئر تحت البالوعة فيستحب ان يكون بينهما مقدار سبع اذرع.

وان كانت الأرض حزنة (1) وكانت البئر فوق البالوعة فيستحب ان يكون بينهما خمس اذرع.

وجميع مياه العيون الحمية مكروه استعمالها والتداوي بها ، وكذلك يكره استعمال الماء المسخن بالشمس في الطهارة فاما المسخن بالنار فليس بمكروه

« الماء النجس »

والماء النجس إذا تطهر به مكلف ثم صلى فلا يخلو من ان يكون تقدم له العلم بنجاسته ، أو لم يتقدم له العلم بذلك. فان كان العلم قد تقدم له بذلك كان عليه إعادة الطهارة والصلاة ، ان كان قد صلى بهذه الطهارة سواء كان مع تقدم العلم له بذلك وقد نسيه ثم ذكره أو لم يكن كذلك. فان لم يكن قد تقدم العلم له بذلك فلا يخلو من ان يكون الوقت باقيا أو غير باق ، فان كان باقيا كان عليه إعادة الطهارة والصلاة وان لم يكن باقيا لم يكن عليه شي ء وعليه مع هذه الوجوه غسل ما اصابه هذا الماء من جسده أو ثيابه.

ص: 27


1- والحزن ما غلظ من الأرض ( راجع المصباح )

« الأواني وفروعها »

والأواني إذا كانت من خشب أو فخار (1) أو رصاص أو زجاج أو نحاس أو حديد وكانت طاهرة فإنه يجوز استعمالها في الماء للطهارة وغيرها ، وما كان منها ينشف الماء مثل الخشب والفخار الذي لم يقصر وكان آنية لأحد من الكفار فإنه لا يجوز استعماله في الماء غسل أو لم يغسل.

وكذلك ما استعمل منها في الخمر والمسكر وقد ورد جواز استعمال ذلك إذا غسل سبع مرات (2) والاحتياط يتناول ما ذكرناه.

وأواني الذهب والفضة لا يجوز استعمالها في الماء ولا في غيره للطهارة ولا غيرها ، فان تطهر المكلف منها ، أو أكل فيها ، أو شرب منها ، كانت طهارته صحيحة ولم يحرم المأكول والمشروب عليه. لان الحظر انما يتناول استعمالها وذلك لا يتعدى الى ما هو فيها.

والإناء المفضض إذا كان فيه موضع غير مفضض جاز الشرب من ذلك الموضع دون غيره من المفضض.

وكل ما استعمله من الكفار - على اختلافهم في الكفر - من الأواني والأوعية في المائعات إذا كانت مخالفة للاوانى والأوعية التي تقدم ذكر استعمالهم لها ، أو باشروه بأجسامهم فلا يجوز استعمال شي ء منها الى بعد غسله ثلاث مرات.

وإذا شرب الكلب أو الخنزير في شي ء من الأوعية أو الأواني ، فلا يجوز استعمال ذلك حتى يهرق ما فيه من الماء ، ويغسل ثلاث مرات ، الاولى بالتراب.

ص: 28


1- الفخار بالتشديد : الطين المشوي
2- الوسائل ج 17 الباب 30 من الأشربة المحرمة الحديث 2 الا انه ورد في النبيذ قال في الحدائق : والذي وقفت عليه من اخبارها منها موثقة عمار ( المشار إليها ) والى هذه الرواية استند أصحاب القول الأول ( أي القول بسبع مرات في إناء الخمر ) راجع الحدائق ج 5 ص 494.

وليس يعتبر التراب في غسل شي ء مما ذكرناه إلا في ولوغ الكلب والخنزير - لأنه يسمى كلبا.

وإذا ولغ في الإناء من الكلاب أكثر من واحد فلا يجب تكرار الغسل له بعدد ما ولغ فيه منها ، بل يكفى غسله دفعة واحدة ثلاث مرات كما ذكرناه (1). وكذلك الحكم فيه إذا تكرر ولوغ الكلب الواحد.

وإذا غسل الإناء من ولوغ الكلب المرة الاولى والثانية ووقع فيه نجاسة لم يجب استئناف الغسل له من اوله بل يبنى على ما تقدم ويتمم العدد لأن النجاسة بعد حاصلة والمراعى في الحكم بطهارته بالمرة الثالثة.

وإذا وقع الإناء الذي ولغ فيه الكلب في ماء يكون أقل من كر قبل غسله كان الماء الذي وقع فيه ، نجسا ولم يجز استعماله. وإذا أصاب شي ء من الماء الذي يغسل به هذا الإناء جسد الإنسان أو ثوبه فالأحوط غسله.

وإذا وقع الإناء الذي ولغ فيه الكلب في ماء جار وجرى عليه لم يحكم بطهارته لأنه لم يغسل الغسل المحكوم بطهارته معه.

« العلم الإجمالي في الأواني »

ومن كان معه إناء آن في أحدهما ماء طاهر وفي الأخر ماء النجس ولم يعلم الطاهر منهما لم يجز استعمال واحد منهما على حال الا للشرب في حال الضرورة.

وإذا كان معه إناءان ، في أحدهما ماء طاهر وفي الأخر ماء مستعمل في الطهارة الصغرى ، جاز استعمال اى منهما شاء ، وإذا كان في أحدهما ماء استعمل في الطهارة الصغرى وفي الأخر ماء استعمل في الطهارة الكبرى استعمل في الطهارة أيهما أراد ، وان كان في الواحد منهما ماء مستعمل في الطهارة الكبرى ولم يعلم

ص: 29


1- في بعض النسخ زيادة « فكذلك الحكم فيه إذا تكرر الغسل له بعدد ما ولغ فيه منها بل يكفى غسله دفعة واحدة ثلاث مرات كما ذكرناه »

المستعمل منهما في الطهارة الكبرى من الأخر فالأحوط أن يستعمل كل واحد منهما

وإذا كان معه إناءان ، يعلم ان ماء أحدهما طاهر وماء الأخر نجس ثم نسي ذلك ولم يتميز له كل واحد منهما من الأخر ، وأخبره عدل بان النجس واحد عينه لم يلزمه القبول منه ولم يجز له استعمال واحد منهما لأن النجاسة في أحدهما متيقنة.

وإذا وجد ماء فأعلمه غيره بأنه نجس لم يلزمه القبول منه وجاز له استعماله لان الماء على أصل الطهارة ما لم يعلم ملاقاة شي ء من النجاسات له.

ومن كان معه إناءان ، يعلم طهارتهما فشهد شاهدان بان واحدا منهما معينا نجس أو كان يعلم نجاستهما فشهد شاهدان بان واحدا منهما معينا طاهر لم يجب عليه القبول منهما ، بل يعمل على الأصل الذي كان متيقنا بحصول الماء عليه.

وإذا كان معه إناء فيه ماء تيقن نجاسته وشك في طهارته ، أو كان تيقن طهارته فشك في نجاسته ، لم يلتفت الى شكه في شي ء منهما وكان عمله على ما كان متيقنا له من ذلك.

وإذا كان معه ثلاثة أواني ، اثنان منها يشتبهان عليه في نجاسة أو طهارة والأخر متيقن طهارته ، كان عليه ان يستعمل الذي يتيقن طهارته دون المشتبه عليه وإذا كان معه إناء كانت فيه نجاسة وشك في تطهيره لم يجز استعماله حتى يطهره.

وإذا حضر عند ماء متغير اللون أو الطعم أو الرائحة وشك في ان هذا التغير من نجاسة أو من أصل الماء ، جاز استعماله ولم يلزمه في شكه شي ء لان الماء على أصل الطهارة حتى يعلم حصول نجاسة فيه.

أحكام الجلود

ولا يجوز استعمال شي ء من جلود الميتة ولا الانتفاع به ، دبغ أم لا ولا فرق في ذلك بين ان يكون مما يؤكل لحمه أو مما لا يؤكل لحمه.

ولا يجوز التصرف في شي ء من ذلك على حال وكل ما ذكي وكان مما

ص: 30

لا يؤكل لحمه وليس هو من الكلاب والخنازير فإنه يجوز الانتفاع بجلده بعد الدباغ

فاما جلود الكلاب والخنازير فإنه لا يجوز ذلك فيها وان ذكيت ودبغت وكذلك لا يجوز الانتفاع بشي ء من شعر ذلك إذا جز في حياته أو بعد موته.

وشعر وصوف الميتة التي ليست كلبا ولا خنزيرا طاهر يجوز استعماله وكذا شعر الإنسان في حياته وبعد موته. وقد ذكر ان ذلك نجس ، والاحتياط يتناول ذلك والدباغ يجب ان يكون بطاهر مثل قشور الرمان والعفص (1) والقرظ (2) وما أشبه ذلك ، ولا يجوز مما يكون نجسا كالحارش (3) فإنه يعمل بخرء الكلاب.

باب الصعيد وما يجوز التيمم به وما لا يجوز

قال اللّه تعالى : ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (4). الاية.

فالصعيد هي : ما يتصاعد على وجه الأرض من تراب أو غبار وهو على ثلاثة أضرب :

أولها يجوز التيمم به على كل حال والثاني مكروه والثالث ما لا يجوز التيمم به على حال.

فاما الذي يجوز التيمم به على كل حال فهو كل طاهر من هذا الصعيد والأرض الحصية (5) والحجر ، والصخر ، والوحل إذا وضع الإنسان يديه عليه ومسح

ص: 31


1- العفص : ثمر معروف كالبندقة يدبغ به ويتخذ منه الحبر.
2- القرظ بفتحتين : حب معروف يخرج في غلف كالعدس من شجر العضاه وبعضهم يقول : انه ورق السلم ( راجع المصباح )
3- كذا في بعض النسخ وفي بعضها « كالحاوش » والظاهر انهما تصحيف والصحيح « الدارش » وهو الجلد الأسود وفي الخبر « عن ابى الحسن الرضا (عليه السلام) انه سئله عن جلود الدارش التي يتخذ منها الخفاف ، قال : فقال : لا تصل فيها ، فإنها تدبغ بخرء الكلاب ( راجع الوسائل ج 2 الباب 71 من أبواب النجاسات الحديث 1
4- المائدة : 6
5- اى كثير الحصاة

إحداهما بالأخرى حتى ينشف وذلك لا يكون الا مع عدم التمكن من التراب أو ما يقوم مقامه.

وكل ما كان من التراب في عوالي الأرض كان استعماله أفضل من استعمال ما كان منه في مهابطها.

ومن لم يتمكن من شي ء مما ذكرناه فلينفض ثوبه ، أو عرف دابته (1) ، أو لبد سرجه ، أو ما جرى مجرى ذلك مما يكون فيه غبار وتيمم به.

واما المكروه فهو تراب الأرض السبخة والرملة.

واما الذي لا يجوز التيمم به فهو كل ما يختص بمعدن من كحل أو زرنيخ أو زاج (2) أو ما يجرى مجرى ذلك ، وكل ما لا يطلق عليه اسم الأرض من دقيق أو أشنان (3) أو سدر وما جرى مجرى ذلك في نعومته أو انسحاقه (4) وكل ما كان نجسا مما قدمنا ذكر جواز التيمم به.

باب أقسام الطهارة

الطهارة على ثلاثة أقسام : وضوء وغسل وتيمم

والوضوء : على قسمين :

واجب ومندوب : فاما الواجب فهو ما يقصد به رفع الحدث لاستباحة الصلاة به ، واما المندوب فهو ما يقصد به مس المصحف أو كتابته أو ما جرى مجرى ذلك

الغسل

واما الغسل : فهو على ضربين : واجب ومندوب.

ص: 32


1- عرف الدابة : الشعر النابت في محدب رقبتها.
2- الزاج : ملح يصبغ به.
3- الأشنان : بضم الهمزة : لغة معرب ويقال له بالعربية : الحرض ويقال له بالفارسية « چوبك »
4- النعومة : لينة المس ، وانسحق الشي ء : اندق.

فاما الواجب فهو الغسل من خروج المنى على كل حال ، والجماع في الفرج - انزل المجامع أو لم ينزل - والحيض ، والاستحاضة ، والنفاس ، ومس الميت من الناس بعد برده بالموت وقبل غسله ، وغسل الموتى من الناس.

واما المندوب فهو على أربعة أضرب : أو لها يتعلق بازمنة مخصوصة ، وثانيها يتعلق بأمكنة شريفة ، وثالثها يتعلق بعبادة معينة ، ورابعها قسم مفرد عن ذلك.

فاما الأزمنة المخصوصة في يوم الجمعة ، ويوم العرفة ، ويوم العيد فطرأ كان أو أضحى أو غديرا ، وليلة النصف من شعبان ، وأول ليلة من شهر رمضان ، وليلة النصف منه ، وليلة سبع عشرة منه ، وليلة احدى وعشرين منه ، وليلة ثلاث وعشرين منه.

واما الأمكنة الشريفة فهي : الحرم ، والمسجد الحرام ، والكعبة ، ومدينة النبي (صلى اللّه عليه وآله)

واما العبادات المعينة فهي : الإحرام للحج والعمرة ، والزيارات لنبي كانت أو إمام عليه السلام ، أو البيت الحرام ، والمباهلة ، والتوبة ، وصلاة الاستسقاء ، وصلاة الاستخارة وصلاة الحاجة ، وصلاة الشكر ، والإسلام من الكفر ، وقضاء صلاة الكسوف إذا تعمد قاضيها تركها مع احتراق جميع القرص.

واما الضرب المفرد فهو غسل المولود ، وغسل القاصد الى نظر المصلوب بعد ثلاثة أيام.

« التيمم »

واما التيمم فهو على ضربين : أحدهما بدل عن الوضوء ، والأخر بدل عن الغسل. فأما الذي هو بدل من الوضوء فهو ضربة واحدة على ما تيمم به المتيمم لوجهه أو (1) يديه.

واما الذي هو بدل من الغسل فهو ضربتان إحداهما للوجه والأخرى لليدين.

ص: 33


1- كذا في جميع النسخ وهو تصحيف والصحيح هو « و » بدل « أو »

« باب الجنابة »

الجنابة تكون بأمرين أحدهما : إنزال المنى على كل حال. والأخر : الجماع في الفرج وان لم ينزل المجامع.

التقاء الختانين : غيبوبة الحشفة في الفرج. فاذا صار المكلف جنبا بأحد هذين الأمرين ، كان عليه الغسل - وسنذكر كيفيته في باب كيفيات الطهارة - ولا يدخل المسجد الحرام ، ولا مسجد النبي صلى اللّه عليه وآله جملة ، فاما غير ذلك من المساجد. فيجوز له دخولها عابر سبيل من غير جلوس فيها واستقرار بها ، فان كان له فيها شي ء جاز له أخذه منها ، ولا يضع فيها شيئا ولا يقرء شيئا من العزائم الأربع جملة - وهي سجدة لقمان ، وحم السجدة ، والنجم ، واقراء باسم ربك (1) فاما غير ذلك من القرآن فلا يجوز ان يقرأ منه أكثر من سبع آيات والأفضل ترك ذلك ، ولا يمس كتابة المصحف ، ويجوز ان يمس أطراف الورق والأفضل ان لا يمسه ولا يمس شيئا عليه اسم اللّه تعالى أو أحد الأنبياء والأئمة عليهم السلام مكتوبا ، ولا يطوف بالبيت ، ولا يسجد إذا سمع من يقرء السجدة ، ولا يأكل ولا يشرب ولا ينام حتى يغتسل ويتمضمض ويستنشق ، ولا يختضب حتى يغتسل.

« باب الحيض »

الحيض : هو دم اسود يخرج من المرية بحرارة على وجه يتعلق بظهوره وانقطاعه - على الخلاف في ذلك - انقضاء عدة المطلقات ، وأقل الحيض ثلاثة أيام ، وأكثره عشرة أيام ، وأقل الطهر عشرة أيام وليس لأكثره حد.

فإن رأت الحائض الدم ثلاثة أيام متوالية أو مفترقة (2) في جملة العشرة فهي حائض ، وفي أصحابنا من اعتبر كونها متوالية ، فإن رأت الدم يوما واحدا أو يومين

ص: 34


1- السجدة : سورة 32 - حم : سورة 41 - النجم : سوره 53 - العلق : سورة 96
2- في بعض النسخ « منفردة » بدل « مفترقة »

وانقطع عنها الى آخر اليوم العاشر فليس ذلك حيضا ، وإذا رأته بعد العشرة أيام كان استحاضة.

فإن رأته اليوم الرابع بعد انقضاء هذه العشرة كان حيضا الا ان ترى يوما واحدا أو يومين وينقطع فلا تراه حتى تنقضي العشرة فلا يحكم بأنه حيض وانما قلنا بأنه حيض لأن أقل أيام الطهر وهو عشرة قد انقضت فيكون هذا الدم من الحيضة المستأنفة ، فإن رأت الدم بعد ان يكمل أكثر أيام الحيض ويستمر ذلك بها ولا ترى بين الدمين طهرا فإنه ليس بحيض فيجب الحكم بأنه استحاضة - وسنذكر حكم الاستحاضة في بابها بعون اللّه سبحانه.

والحمرة والصفرة في أيام الحيض حيض ، وفي أيام الطهر غير حيض.

وإذا اختلفت عادة المرية اعتبرت صفات الدم بعد ان يعتبر بين الدمين أقل الطهر وهو عشرة أيام ، فان لم يتميز لها صفات الدم تركت الصوم والصلاة في الشهر الأول أقل أيام الحيض ، وفي الشهر الثاني أكثر أيامه.

وتستقر عادة المرية بأن ترى الدم شهرين متواليين في وقت متفق ، فتعمل حينئذ في عادتها على ذلك.

وإذا التبس على المرية دم الحيض بدم العذرة ، استبرأت نفسها بقطنة ، فإن خرجت مطوقة فهو دم عذرة ، وان خرجت منغمسة فهو حيض.

فان التبس بدم القرح استدخلت المرأة إصبعها ، فإن كان الدم يخرج من الجانب الأيسر فهو دم حيض وان كان يخرج من الأيمن فهو دم قرح.

وإذا انقطع الدم عن المرية وأرادت ان تعلم هل هي بعد ، حائض أو قد طهرت فتستدخل قطنة ، فان خرجت وعليها دم فهي حائض لم تطهر ، وان لم تخرج عليها شي ء فقد طهرت.

وإذا كانت المرأة حائضا فكل ما ذكرناه مما يتعلق بالجنب من الأحكام يتعلق بها ويلحق بذلك ان لا تصوم ولا تصلى وهي كذلك ، وإذا وطأها زوجها كفر عن ذلك

ص: 35

وسنذكر ما يلزمه من الكفارة في باب الكفارات.

فاذا حضر وقت الصلاة توضأت وجلست في مصلاها تذكر اللّه تعالى وتسبحه وتمجده الى ان ينقضي وقت الصلاة.

وإذا اغتسلت قضت الصوم دون الصلاة وإذا رأت الدم وقد دخل وقت الصلاة ومضى من هذا الوقت مقدار ما يمكنها أداء تلك الصلاة ولم تكن صلت كان عليها قضائها. وان رأت الدم قبل ذلك تجب (1) عليها القضاء.

فاذا طهرت وتوانت عن الغسل وكان قد دخل عليها الوقت ولم تغتسل حتى خرج الوقت كان عليها القضاء.

وإذا طهرت عند زوال الشمس ولم تغتسل حتى دخل وقت العصر وجب عليها قضاء الصلاتين.

وإذا طهرت قبل مغيب الشمس بمقدار ما يؤدى فيه خمس ركعات استحب لها قضائهما ، وان كان مقدار ما يؤدى فيه اربع ركعات ، كانت عليها قضاء صلاة العصر وإذا طهرت بعد مغيب الشمس الى نصف الليل وجب عليها قضاء العشائين وإذا طهرت قبل طلوع الفجر بمقدار ما تؤدى خمس ركعات استحب لها قضائهما ، وان لم يكن في الوقت أكثر من ان تصلى فيه اربع ركعات ، كان عليها قضاء العشاء الأخير فقط وكان عليها قضاء الفجر إذا طهرت قبل طلوع الشمس بمقدار ما يؤدى فيه ركعة ، فإن كان أقل من ذلك لم يلزمها شي ء.

فاذا حاضت في يوم تصبح فيه صائمة أفطرت وكان عليها قضاء ذلك اليوم ولو كان قد حاضت قبل مغيب الشمس بلحظة ، وإذا رأت الدم بعد العصر أمسكت بقية يومها عن الإفطار وكان عليها القضاء ، وإذا أصبحت حائضا وطهرت أمسكت باقي النهار وكان عليها القضاء.

وإذا رأت الطهر وجب عليها الغسل - وسنذكر كيفيته في موضع مفرد من

ص: 36


1- كذا في النسخ التي بأيدينا والظاهر سقوط « لم » الجازمة من الفعل « تجب »

باب كيفية الطهارة ان شاء اللّه تعالى.

« باب الاستحاضة »

والاستحاضة هي استمرار ظهور الدم بالمرئة بعد أكثر أيام الحيض ، والمرأة في ذلك على ضربين : أحدهما ان تكون مبتدئة ، والأخر ان تكون غير مبتدئة.

فاما المبتدئة فينبغي لها ان تعمل على التمييز بصفات الدم ، فإذا رأت الدم الأسود الخارج بحرارة كان عليها ان تعمل ما تعمله الحائض وقد تقدم ذكر جميع ذلك. وإذا رأت الدم الأصفر البارد الرقيق فعلت ما تفعله المستحاضة. فان لم يكن لها تمييز عملت على عادة نسائها ان كان لها نساء ، فان لم يكن لها نساء عملت على عادة أمثالها في السن.

وعليها ان لا تصوم ولا تصلى في الشهر الأول أقل أيام الحيض ، وفي الشهر الثاني أكثر أيامه إذا لم يكن لها تمييز ولا نساء ولا أمثال في السن ثم تصلى وتصوم بعد ذلك.

واما التي ليست مبتدئة فعليها إذا فقدت التمييز واختلفت عليها عادتها ان تترك الصوم والصلاة في كل شهر سبعة أيام ثم تصلى وتصوم بعد ذلك ، ولا يزال هذا فعلها حتى تستقر عادتها وتعلم استقرار عادتها بان يتوالى عليها شهران يظهر بها الدم في أيام متساوية فيهما لا زيادة فيها ولا نقصان.

وعليها مبتدئة كانت أو غير مبتدئة أن تحتشي (1) بقطنة :

وان ظهر عليها دم ولم يرشح كان عليها الوضوء عند كل صلاة.

وان رشح عليها ولم يسل كان عليها غسل واحد عند الفجر وتتوضأ بعد ذلك لكل صلاة من يومها وليلتها وتجدد تغيير الحشو مع ذلك.

وان رشح وسال اغتسلت ثلاثة أغسال : أو لها لصلاة الظهر والعصر تؤخر

ص: 37


1- احتشت المرأة ، استدخلت في فرجها القطنة.

الظهر قليلا عن أول وقتها وتجمع بينه وبين العصر ، والثاني تجمع بينه (1) وبين صلاة المغرب والعشاء الآخرة كذلك ، وثالثها لصلاة الليل والفجر تؤخر صلاة الليل قليلا ان كانت ممن تصليها ثم تجمع بينهما به ، وان كانت ممن لا تصلى صلاة الليل صلت به صلاة الفجر وحدها.

وتصوم وتصلى في سائر أيامها إلا الأيام التي تكون حائضا فيها.

وإذا وجبت عليها حد لم يقم عليها حتى ينقطع الدم عنها.

والأفضل لها قبل الوطي ان تغسل فرجها.

وجميع ما يحرم على الحائض فهو حلال لها إلا في الأيام التي تكون فيها حائضا.

واعلم ان المبتدئة إذا رأت دم الحيض - وهو الأسود الخارج بحرارة - ثلاثة أيام ، ودم الاستحاضة (2) - وهو الأصفر الرقيق البارد - ثلاثة أيام ، ثم رأت صفرة أربعة أيام ثم انقطع الجميع كان ذلك كله حيضا.

وان رأت دم الاستحاضة ثلاثة أيام ودم الحيض ثلاثة أيام ثم رأت دم الاستحاضة وجاز عليها العشرة أيام فحكمها في ما رأته من دم الحيض حكم الحائض ، وفي ما رأته من دم الاستحاضة حكم المستحاضة.

فإذا كان الدم متصلا وتوضأت ثم انقطع عنها قبل دخولها في الصلاة كان عليها استئناف الوضوء وان صلت بالوضوء الأول لم تصح صلاتها سواء عاد إليها الدم قبل فراغها من الصلاة أو بعد فراغها منها.

وإذا توضأت بعد دخول وقت الصلاة وصلت عقيب الوضوء كانت صلاتها صحيحة ، فإن توضأت قبل دخول الوقت لم يكن وضوءها صحيحا فان صلت به لم تصح الصلاة أيضا.

ص: 38


1- كذا في النسخ ولعل المراد بالجمع بينه وبين الصلاة عدم الفصل بينه وبينها.
2- ليس المراد الدم المحكوم بأنه استحاضة بل الدم الذي كان بصفة الاستحاضة

وإذا توضأت لصلاة مخصوصة مفروضة جاز لها ان تصلى به من النوافل ما أرادت.

« باب النفاس »

اعلم ان النفساء هي التي ترى الدم عند الولادة ، فإن رأت قبل الولادة لم يكن ذلك نفاسا وان لم تر دما عند الولادة لم يتعلق بها شي ء من أحكام النفاس.

ولا فرق في الولادة بين ان يكون ولادة بسقط أو غير سقط ، وبولد تام أو غير تام.

فإن رأت الدم دفعة واحدة وانقطع عنها ثم عاد قبل تمام عشرة أيام أو الى اليوم العاشر كان جميع ذلك نفاسا ، فإذا رأته بعد تمام العشرة أيام لم يكن نفاسا ، فان مضى عليها بعد العشرة الأولى ، عشرة أيام أخرى ثم رأته فيها ثلاثة أيام متوالية أو متفرقة كان ذلك حيضاً.

فان كانت حاملا باثنين ورأت الدم مع ولادة الأول منهما ومع ولادة الثاني حكمت بالنفاس من الأول وعملت في أكثره على ولادة الثاني.

وأكثر النفاس كأكثر أيام الحيض عشرة أيام ، وليس لقليله حد.

وجميع أحكام النفساء هي أحكام الحائض إلا فيما ذكرناه : انه ليس لأقل النفاس حد.

« باب مقدمات الطهارة »

مقدمات الطهارة هي استنجاء مخرج النجو (1) بالماء أو الأحجار ، وغسل مخرج البول بالماء وحده.

وترك استقبال القبلة واستدبارها في حال البول والغائط ، وتقديم الرجل اليسرى عند دخول الخلاء ، واليمنى عند الخروج منه ، والدعاء عند ذلك ، وتغطية

ص: 39


1- النجو : ما يخرج من البطن اى الغائط.

الرأس عند دخول الخلاء ، والدعاء عند الاستنجاء وعند الفراغ منه ، ولا يستقبل الشمس ولا القمر في حال البول ولا الغائط ، ولا الريح بالبول ، ولا يحدث في الماء الجاري ، ولا الراكد ، ولا في الطريق ، ولا أفنية الدور ، ولا في المشارع ، ولا تحت الأشجار المثمرة ، ولا في مواضع اللعن ، ولا في (1) النزال ، ولا يبول في جحرة الحيوان ، ولا على الأرض الصلبة ، ولا يطمح ببوله في الهواء ، ولا يتكلم في حال البول والغائط ولا يستاك في هذه الحال ، ولا يأكل ولا يشرب وهو كذلك.

« باب الاستنجاء وأحكامه »

الاستنجاء هو تنظيف مخرج النجو بما قدمنا ذكره من الماء أو الأحجار ، والجمع بينهما أفضل من الاقتصار على أحدهما ، والاقتصار على الماء أفضل من الاقتصار على الأحجار.

ويجب على المكلف ان ينظف الموضع على وجه يتيقن معه النظافة.

فاما مخرج البول فليس يجزى فيه الا الماء مع التمكن منه ، وكذلك إذا تعدت النجاسة مخرج النجو فليس يجزى فيه الا الماء.

والأحجار ينبغي ان يكون ثلاثة وغير مستعملة في الاستنجاء وان لم يقدر على ثلاثة أحجار وقدر على حجر له ثلاثة رؤس قام كل رأس منه مقام حجر فاذا استعمل حجرا واحدا ونقى الموضع به فينبغي ان يستعمل آخرين سنة. ولا يجوز ان يستنجى بعظم ولا روث ، ويجوز استعمال الخرق (2) والقطن في ذلك عوضا من الأحجار إذا لم يتمكن منها.

وإذا أراد دخول الخلاء فينبغي ان يدعو فيقول : « بسم اللّه وباللّه أعوذ باللّه من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم »

ص: 40


1- في بعض النسخ زيادة « في ء »
2- في بعض النسخ « الخزف » بدل « الخرق »

ويقول عند الاستنجاء « الحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا ، اللّهم حصن فرجي وفروج أوليائي وذريتي وفروج المؤمنين من ارتكاب معاصيك حتى لا نعصيك ابدا ما أبقيتنا انك تعصم من تشاء من عبادك »

ويقول عند الفراغ منه بعد ان يمسح بيده على بطنه : « الحمد لله الذي أماط عني (1) الأذى وهنأني طعامي وشرابي وعافاني من البلوى ، الحمد لله الذي رزقني ما اغتذيت به وعرفني لذته وأبقى في جسدي قوته واخرج عنى أذاه ، يا لها نعمة لا يقدر القادرون قدرها».

وان كان قد بال فينبغي ان يجلب القضيب من أصله الى رأس الحشفة دفعتين أو ثلاثا ويعصرها ويغسله بالماء وأقل ما يجزى في غسله من الماء مثلا ما عليه.

ولا يجوز ان يستنجى باليد اليمنى مع الاختيار ، ولا يستنجى وفي يده خاتم قد نقش على فصه اسم من أسماء اللّه تعالى أو أحد أنبيائه والأئمة عليهم السلام وكذلك ان كان فصه من حجر زمزم.

وإذا كان على حال البول أو الغائط وسمع صوت المؤذن جاز ان يقول في نفسه كما يقوله.

وان ترك الاستنجاء ناسيا أو متعمدا كان عليه إعادته ، فإن كان قد صلى كذلك كان عليه مع إعادته ، إعادة الصلاة.

باب ترك استقبال القبلة واستدبارها وكذلك الشمس والقمر في حال البول والغائط

ترك استقبال القبلة واستدبارها في هذه الحال واجب لا يجوز سواه مع التمكن فان كان الموضع الذي يتخلى المكلف فيه مبنيا على وجه يمكنه معه الانحراف عن استقبالها واستدبارها انحرف ، وان لم يتمكن من ذلك لم يكن عليه شي ء.

ص: 41


1- أماط : اى أبعد

فاما الشمس والقمر فالأفضل ان لا يستقبلهما ولا يستدبرهما في هذه الحال ، لأنه ذكر (1) انهما خلقان عظيمان من خلق اللّه تعالى فينبغي ان ينزههما عن ذلك في هذه الحال.

باب في كراهة الباقي من المقدمات

اما استقبال الريح بالبول فذكر (2) ان الوجه في كراهته ان الريح ترده اليه فينجس به.

واما الأحداث في الماء فذكر (3) ان للماء أهلا وأمرنا ان لا نؤذى أهله في ذلك واما الطريق وأفنية الدور والمشارع وتحت الأشجار المثمرة فلان الناس يتأذون بذلك ويلعنون فاعله.

واما جحرة الحيوان فلأنه ربما كان فيه من الدبيب ما يخرج بوقوع البول عليه فيتأذى به.

واما الأرض الصلبة فلان البول إذا سقط عليها تطاير وتراجع عليه

واما طمحه بالبول في الهواء فلانة يراجع عليه.

واما الكلام والسواك والأكل والشرب فذكر انه يورث الخرس أو البخر (4) فالأولى اجتناب ذلك للوجوه المذكورة.

« باب كيفية الطهارة »

كيفية الطهارة على ثلاثة أضرب : أولها : كيفية الوضوء ، وثانيها : كيفية

ص: 42


1- وفي الحديث « انهما آيتان من آيات اللّه » راجع الى جامع أحاديث الشيعة ، ج 2 ص 192 والى البحار ج 80 ، ص 194 ، الحديث 53.
2- البحار ، ج 80 ص 194 ، الحديث 53.
3- الوسائل ج 1 الباب 24 من أبواب أحكام الخلوة الحديث 3 ، والمستدرك ج 1 الباب 19 من أبواب أحكام الخلوة الحديث 5
4- الوسائل ج 1 الباب 21 من أبواب أحكام الخلوة الحديث 1

الغسل ، وثالثها : كيفية التيمم.

باب كيفية الوضوء

كيفية الوضوء هو ان يبتدء من يريده بوضع الإناء عن يمينه ، ثم يدعو فيقول « الحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا ».

ثم يسمى اللّه تعالى ويغسل يده - لإدخالها الإناء - من حدث البول أو النوم مرة ومن حدث الغائط مرتين ، وينوي رفع الحدث به لوجوبه عليه ، واستباحة الصلاة به على جهة القربة الى اللّه تعالى.

ويأخذ بيمينه كفا من الماء فيتمضمض به ثلاثا ويقول : « اللّهم لقني حجتي يوم ألقاك وأطلق لساني بذكرك ».

ثم يأخذ كفا آخر ويستنشق به ثلاثا ويقول : « اللّهم لا تحرمني من طيبات الجنان واجعلني ممن يشم ريحها وروحها وريحانها ».

ثم يأخذ كفا آخر ويغسل به وجهه من قصاص شعر رأسه الى محادر (1) شعر الذقن طولا وما دارت عليه الإبهام والوسطى عرضا ، فان كان ذا الحية لم يجب عليه إيصال الماء تحتها ، وكذلك ان كانت امرأة ولها لحية لم يلزمها ذلك.

ثم يأخذ كفا فيغسل به وجهه ثانيا كذلك ويقول : « اللّهم بيض وجهي يوم تسود فيه الوجوه ولا تسود وجهي يوم تبيض فيه الوجوه ».

ثم يأخذ كفا ويديره الى كفه الأيسر ويغسل به يديه اليمنى من المرفق إلى أطراف الأصابع ، ويعم (2) المرفق بالغسل ولا يستقبل شعر الذراع (3) ويأخذ كفا ويأخذه ثانيا كذلك وهو يقول : « اللّهم أعطني ، كتابي بيميني ، والخلد في

ص: 43


1- محادر شعر الذقن : أول انحدار الشعر عن الذقن وهو طرفه « مجمع البحرين »
2- في بعض النسخ « يتم » بدل « يعم »
3- المراد بالاستقبال هنا : هو الغسل منكوسا ، قال الشيخ ره : ولا يستقبل الشعر في غسل اليدين بل يبدأ من المرفق ( النهاية ، ص 14 )

الجنان بيساري ، وحاسبني حسابا يسيرا واجعلني ممن ينقلب إلى أهله مسرورا » ويأخذ كفين واحدا بعد واحد ويغسل بهما يده اليسرى كما غسل اليمنى ويقول « اللّهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي ».

ويكون ابتداؤه بطرح الماء على ظاهر الذراع ويختم بباطنه ان كان رجلا وان كانت أمرية بدأت في ذلك بباطن ذراعها وختمت بظاهرها.

وان كان مقطوع اليدين من المرفق غسل موضع القطع ، وان كان القطع من المرفق لم يجب عليه غسل الباقي من عضده وان كان القطع من المرفق أو دونه غسل الباقي من ذلك.

وان كان له أصابع زائدة على الخمس ، أو يدا زائدة على ذراع واحد كان عليه غسل ذلك وكذلك يلزمه فيما يكون زائدا على الذراع إذا كان من المرفق وما دون ، فان كان فوق المرفق لم يلزمه في ذلك.

وإذا كان في إصبعه خاتم - أو في يده حلي ان كان أمرية - وجب عليه تحريكه أو نزعه ليصل الماء الى تحته من ظاهر الجسد.

ثم يرفع يده اليمنى ببلل الوضوء من غير أخذ ماء جديد فيمسح بها مقدم رأسه بمقدار ثلاث أصابع مضمومة عرضا ، ولو مسح بإصبع واحدة كان جائزا.

وان مسح غير مقدم الرأس لم يكن مجزيا ، وكذلك ان مسح على عمامته ، أو كانت أمرية فمسحت فوق قناعها فان ذلك لا يكون مجزيا. ثم يقول : « اللّهم غشني برحمتك وبركاتك »

ثم يمسح الأصابع إلى الكعبين وهما النابتان في وسط القدم عند معقد الشراك (1) من غير أخذ ماء جديد لذلك ، فان مسحهما من الكعبين إلى أطراف الأصابع كان جائزا ، والأفضل الأول ، ولا يمسح على خفيه ان كان ذلك عليه ويقول : « اللّهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزل فيه الاقدام واجعل سعيي فيما يرضيك

ص: 44


1- شراك النعل : سيره على ظهر القدم ،

عنى يا ذا الجلال والإكرام ».

ويقول عند (1) فراغه من الوضوء : « الحمد لله رب العالمين اللّهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ».

فاذا كان في أرض جمد أو ثلج ولم يقدر على ما يتوضأ به وضع يديه على الجمد أو الثلج حتى تنتديا (2) ويجرى الماء كالدهن عليها ويتوضأ به إن شاء اللّه تعالى.

والترتيب والموالاة يجبان في الوضوء.

فإن توضأ على خلاف الترتيب المقدم ذكره لم يكن مجزيا له.

وان ترك الموالاة حتى يجف العضو المتقدم لم يجزه أيضا ، اللّهم الا ان يكون الحر شديدا أو الريح يجفف منهما العضو المتقدم بينه وبين طهارة العضو الثاني من غير إهمال لذلك فإنه يكون مجزيا.

* * *

« باب كيفية الغسل »

كيفية الغسل هي : ان يبتدأ المريد له ، بغسل يديه قبل إدخالهما الإناء ثلاث مرات.

فان كان على جسده نجاسة أزالها عنه ، ثم يجتهد في الاستبراء بالبول فان لم يجتهد في ذلك ، ووجد بعد الغسل بللا خارجا من الإحليل كان عليه اعادة الغسل فان وجد ذلك بعد الاجتهاد في الاستبراء بالبول لم يجب عليه اعادة الغسل ، الا ان يتحقق انه منى ثم يغسل فرجه ، فان كان أمرية غسلته عرضا.

وينوي به رفع الحدث لوجوبه عليه على جهة القربة الى اللّه سبحانه ويتمضمض

ص: 45


1- في بعض النسخ « بعد » بدل « عند »
2- من النداوة.

ويستنشق ثلاثا ثلاثا. ولا يتوضأ قبل هذا الغسل ، بل يغسل رأسه الى أصل عنقه بمقدار ثلث أكف من الماء ، فان استعان في إفاضة الماء عليه بإناء كان جائزا ، ويخلل عليه أذنيه ، ويميز شعر رأسه ليصل الماء إلى أصوله ، وان كانت أمرية وشعرها مشدود والماء يصل الى أصوله لم يلزمها حله ، والأفضل لها ان تحله ، وان كان الماء لا يصل الى أصوله وجب عليها حله وإيصال الماء إلى أصول الشعر.

ثم يغسل شقه الأيمن ، من أصل العنق الى تحت القدم بمقدار ثلاث أكف من الماء.

ثم الأيسر كذلك. ويميز شعر جسده ويدير يديه على سائر جسده.

وان كان في يده خاتم أو على جسده سير (1) أو ما أشبه ذلك ، أو كان أمرية وعليها حلي وجب تحريكه أو نزعه ليصل الماء الى ما تحته من الجسد. وان كان الماء يجرى تحت القدم ، والا غسلها.

والأفضل ان يغتسل بمقدار صاع من الماء أو أكثر ، وأقل ما يجزى من ذلك ما يجرى على الجسد بمقدار ما يسمى به غاسلا.

والترتيب واجب في الغسل ، وان كان خالف الترتيب لم يجزه ذلك.

والموالاة غير واجبة فيه ، والأفضل الموالاة.

وينبغي ان يسمى اللّه تعالى ويذكر اللّه تعالى ويسبحه ويحمده ، فاذا فرغ من ذلك قال : « اللّهم طهر قلبي وزك عملي واجعل ما عندك خيرا لي ، اللّهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ».

فاما كيفية غسل الميت من الناس فهو ككيفية غسل الجنب ويختص بأشياء وسيأتي ذكر جميع ذلك في كتاب الجنائز ان شاء اللّه تعالى.

* * *

ص: 46


1- السير بفتح السين : قدة من الجلد مستطيلة ومنه شراك النعل.

« باب كيفية التيمم »

كيفية التيمم هي ان يقصد من يريده الى ما يجوز التيمم به فان كان على جسده نجاسة ابتدأ بمسحها عنه بالتراب أو بغيره ان تمكن من ذلك. ونوى بفعله استباحة الصلاة به ، لوجوب ذلك عليه على جهة القربة الى اللّه سبحانه.

ويضرب بباطن كفيه جميعا مفرجا من أصابعه - على ما تيمم به - ضربة واحدة.

ثم يرفعهما وينفض (1) إحداهما بالأخرى ويمسح بهما وجهه من قصاص شعر رأسه الى طرف أنفه مرة واحدة.

ثم يمسح ظاهر كفه اليمنى بباطن كفه اليسرى من الزند إلى أطراف الأصابع.

ثم يمسح ظهر كفه اليسرى بباطن كفه اليمنى كذلك.

ويقتصر المتيمم على هذا القدر ان كان تيممه بدلا من الوضوء ، فان كان بدلا من الغسل ضرب ضربة أخرى وجعل الاولى لوجهه والثانية ليديه.

واعلم ان التيمم انما يجب على المكلف بان يكون محدثا ويتضيق عليه وقت الصلاة حتى يصير الباقي منه بمقدار ما يؤدى فيه تلك الصلاة.

ويجتهد في طلب الماء في رحله وفي الأرض الحزنة (2) مقدار رمية سهم وفي السهلة رمية سهمين ، امامه وخلفه ويمينه وشماله.

وإذا لم يجده في رحله أو يفقد التمكن من استعمال الماء ولا فرق في ذلك بين ان يكون فقده من التمكن له بعدم ثمن أو لأنه يكون معه منه مقدار يعده للشرب ويخاف ان توضأ به استضر بذلك في نفسه أو لأنه يكون في موضع يخاف على نفسه أو ماله من عدو أو سبع ان هو مضى اليه ، أو ما جرى مجرى ذلك أو لمرض أو جراح أو غيرهما مما يخاف على نفسه من استعمال الماء عليه أو لتزائد مرض من

ص: 47


1- نفض الثوب : حركه ليزول عنه الغبار.
2- الحزنة بالفتح : من الأرض ما غلظ.

استعماله أو لأنه غير موجود جملة فمتى حصلت هذه الوجوه أو بعضها سقط وجوب الوضوء ، وإذا اجتمعت هذه الوجوه وجب التيمم.

فان كان متمكنا من ابتياعه من غير مضرة تلحقه وجب عليه ابتياعه ، وان كان عليه في ابتياعه مضرة يسيرة كان كذلك أيضا.

وإذا خاف على نفسه التلف من البرد الشديد مسافرا كان أو حاضرا كان عليه التيمم بدلا من الوضوء أو من الغسل فاذا صلى وهو على هذه الصفة لم يلزمه إعادة الصلاة التي صلاها وهو كذلك.

وإذا أجنب نفسه مختارا كان عليه الغسل وان لحقته منه مشقة شديدة لا تبلغ الى تلف النفس ، فان خاف على نفسه التلف كان عليه التيمم ويصلى ، فاذا زال الخوف اغتسل وأعاد الصلاة.

وان كان مريضا أو كبيرا أو مجدورا (1) أو به جروح أو قروح يخاف على نفسه لأجلها من استعمال الماء تيمم وصلى ولم يلزمه اعادة ما صلى بتيممه.

ومتى عرضت له جنابة من غير اختياره وكان في المسجد الحرام أو مسجد النبي صلى اللّه عليه وآله فلا يخرج منه حتى يتيمم من مكانه.

وان كان في بعض المساجد في يوم جمعة وانتقض وضوئه فلم يتمكن من الخروج تيمم من موضعه وصلى فاذا خرج توضأ وأعاد الصلاة.

وإذا كان في رحله شي ء من الماء ونسيه ثم تيمم وصلى وعلم بعد ذلك والوقت باق توضأ وأعاد الصلاة ، وان كان الوقت قد انقضى لم يلزمه ذلك.

وإذا دخل في صلاة ثم وجد الماء فان كان قد ركع مضى في صلاته وان لم يكن ركع قطعها وتوضأ ثم استأنف الصلاة ، وقد ذكر انه لا يقطعها وهو الأقوى عندي.

وإذا عرض له بول أو غائط فلا يتيمم حتى يستنجى ويستنشف بالخرق أو ما جرى مجراها ثم يتيمم ، فان كان جنبا استبرء بالبول وتنشف ثم يتيمم بعد ذلك.

ص: 48


1- المجدور : المصاب بالجدري ، والجدري : بثور وقروح ممتلئة ماء.

وإذا اجتمع ثلاثة من الناس في موضع فمنهم اثنان : أحدهما محدث حدثا يوجب الغسل ، والأخر محدث حدثا يوجب الوضوء ، ومات الذي ليس بمحدث ولم يكن معهم من الماء الا مقدار ما يكفى واحدا منهم ، فينبغي ان يتوضأ به الذي وجب عليه الوضوء.

ويجمع ثم يغتسل به الذي وجب عليه الغسل منهم ويتيمم الميت ويدفن فان كان لا يتمكن من جمع الماء. إذا توضأ به من ذكرناه أو لا - أو لا يبقى منه ما يكون فيه كفاية الطهارة واحد منهما اغتسل به الذي وجب عليه الغسل منهم ويتيمم الذي وجب عليه الوضوء ويتيمم الميت ويدفن.

وكل من تيمم تيمما صحيحا جاز له ان يصلى به ما شاء من الصلوات ما لم يحدث ، أو يتمكن من استعمال الماء.

فاما من ينبغي ان يتيمم من موتى الناس فسنذكر في كتاب الجنائز بمشيئة اللّه وعونه.

* * *

« باب ما يوجب إعادة الطهارة »

الذي يوجب إعادة الطهارة على ضربين : أحدهما ينقضها والأخر لا ينقضها ، والناقض لها على ضربين : أحدهما ينقض الطهارة الصغرى ويوجبها ، والأخر ينقض الصغرى والكبرى ويوجب الكبرى.

فأما الذي ينقض الصغرى ويوجبها فهو : خروج الريح من الدبر ، والبول ، والغائط والنوم الغالب على السمع والبصر ، وكل ما أزال العقل من مرض وغيره

واما الذي ينقض الصغرى والكبرى ويوجب الكبرى فهو خروج المنى على كل حال.

ص: 49

والجماع في الفرج ، وان لم يكن معه إنزال ، والحيض ، والاستحاضة ، والنفاس ، ومس الميت من الناس بعد برده بالموت وقبل غسله.

واما ما ليس بناقض لها فهو : ان يتطهر المكلف بغير نية ، أو يطهره غيره مع تمكنه من الطهارة بنفسه ، أو يتطهر بما يعلم نجاسته ، أو يتعمد ترك عضو من أعضاء الطهارة ، أو يشك في طهارة عضو ولا يعلمه على التعيين وهو على حال الطهارة (1). أو يشك فلا يدرى ما فعل وهو على حال الطهارة أيضا - لأنه إن شك في ذلك بعد الانصراف لم يكن عليه شي ء - أو شك في الحدث وهو على حال الطهارة ، أو شك في الطهارة وهو متيقن الحدث ، أو تيقن الطهارة والحدث جميعا ولا يعلم المتقدم منهما على الأخر ، أو يخل بالترتيب فيقدم ما يجب تأخيره ويؤخر ما يجب تقديمه ، فعليه ان يطهر ما يجب تقديمه ثم يعيد الطهارة على ما يجب تأخيره.

ومثال هذا في الوضوء ، ان يغسل يده اليمنى قبل وجهه ، فيغسل وجهه ثم يغسل يده اليمنى. أو يغسل يده اليسرى قبل اليمنى فيغسل اليمنى ثم يغسل اليسرى ، أو يمسح رجليه قبل رأسه فيمسح رأسه ثم يمسح رجليه.

ومثال ذلك في الغسل : ان يغسل شقه الأيمن قبل رأسه فيغسل رأسه ثم يغسل شقه الأيمن أو يغسل شقه الأيسر قبل الأيمن فيغسل الأيمن ثم يغسل الأيسر.

ومثال ذلك في التيمم ان يمسح يده اليمنى قبل وجهه ، فيمسح وجهه ثم يمسح يده اليمنى ، أو يمسح يده اليسرى قبل اليمنى فيمسح اليمنى ثم يمسح اليسرى.

وان يتطهر بما يعلم مغصوبا ، أو يخل بالموالاة في الوضوء والتيمم.

ويراعى في إعادة الوضوء وحده مع هذا الإخلال ان لم يجف العضو المقدم على غيره ، فان كان ذلك لعوز (2) الماء وكان ما يجف عضوا من أعضاء المسح مسحه بنداوة يده ، وان لم يكن في يده نداوة أخذ من نداوة حاجبيه أو لحيته ومسح

ص: 50


1- اى حال الاشتغال بفعل الطهارة
2- أعوز الشي ء : أقل مع الحاجة إليه ( راجع اللسان )

ذلك ، فان لم يكن في شي ء من ذلك نداوة أعاد على كل حال.

أو تيمم بما لا يجوز التيمم به ، أو تيمم قبل تضيق الوقت أو تيمم وهو متمكن من استعمال الماء ، أو تيمم بنية التيمم للطهارة الصغرى وهو جنب وينسى الجنابة ، فليعد التيمم بنية الطهارة الكبرى

« باب فيما يتبع الطهارة ويلحق بها »

الذي يتبع ذلك ويلحق به هو ازالة النجاسات من الأبدان والثياب ، وغير ذلك مما سيأتي ذكره

والنجاسة على ثلاثة أضرب :

أولها : يجب إزالته قليلا كان أو كثيرا. وثانيها : يجب إزالته إذا بلغ مقدارا معينا ، فان نقص عنه لم يجب إزالته. وثالثها : لا يجب إزالته.

فاما الأول ، فهو : دم الحيض والاستحاضة ، وبول الإنسان كبيرا كان أو صغيرا والغائط ، والمنى من الناس وغيرهم ، والخمر ، وكل شراب مسكر ، والفقاع وبول وروث كل ما لا يؤكل لحمه ، وذرق الدجاج الجلال والإبل الجلالة ، وعرق الجنب من حرام.

وكل ماء غسلت به نجاسة أو ولغ فيها كلب أو خنزير أو ثعلب أو أرنب وما جرى مجرى ذلك ، وكل ماء أو مائع غير الماء لاقته نجاسة أو ماسة جسم نجس وطين المطر إذا مضى عليه ثلاثة أيام.

واما الثاني ، فهو : ما بلغ مقداره مقدار الدرهم المضروب من درهم (1) وثلث ، مجتمعا كان فيما اصابه أو متفرقا فان لم يبلغ ذلك لم يجب إزالته وهو : كل دم كان مخالفا لما قدمناه من الدماء.

واما الثالث ، فهو : بول وذرق جميع الطيور التي لا يؤكل لحمها.

ص: 51


1- المراد من الدرهم الأول هو المساحة المستفادة من قيد المضروب ومن الدرهم الثاني هو الوزن وهو ( 6 ر 12 ) حمصة

فأما ما عدا ذلك من بول وروث وذرق مما يؤكل لحمه فهو مكروه - الا الدجاج الجلال والإبل إذا كانت كذلك - وجميعه مما لا يجب إزالته ، وانما الأفضل فيه ذلك.

وإذا كانت المرأة تربى طفلا ولم يكن لها من الثياب الا واحد ولا يمكنها التحرز من بوله فعليها غسله في كل يوم مرة واحدة ، وتصلى فيه ان شاءت بعد ذلك

والثوب أو الجسد إذا ماسة جسم محكوم عليه بالكفر وكان رطبا أو كان المماس له رطبا ولم يكن هو كذلك فإنه يجب غسله ، وكان الثوب والجسد يابسا وكان المماس له من جسد الكافر يابسا لم يجب غسله بل يرش الموضع - الذي اصابه - الماء.

والقول في الكلب والخنزير إذا ماسا شيئا كالقول في ذلك وإذا ماس الإنسان شيئا من ذلك بيده وكان يابسا ويده يابسة مسحها بالحائط أو التراب فان غسلها كان أفضل.

وإذا كان الماء المطر جاريا من ميزاب ولاقته نجاسة ولم يتغير بها أحد أوصافه وأصاب شيئا كان طاهرا ، وان تغير بذلك أحد أوصافه وجب غسل ما اصابه.

والنجاسة إذا أصابت موضعا من ثوب أو جسم وعرف موضعه ، غسل الموضع بعينه ، فان لم يعلم ذلك غسل جميعه.

وإذا أصابت النجاسة موضعا من ثوب وقطع ذلك الموضع لم يجب غسله بعد القطع ، فان كان قطع ولم يعلم هل هو الموضع الذي أصابته النجاسة أم لا. وجب غسل الباقي منه.

والحصر والبواري إذا أصابها بول أو نجاسة مايعة وجففتها الشمس فقد طهرت فان لم يجف بذلك وجب غسلها.

وما جففته الشمس من غير البواري والحصر فهو على حال النجاسة ويجب غسله

والفأرة إذا أكل من طعام أو مشى عليه فهو معفو عليه ، والأفضل إزالة ما اصابه

ص: 52

وأكل الباقي. فإن أصاب ذلك وزغ أو عقرب فهو نجس.

والقي ء ، والمذي ، والوذي (1) ليس بنجس والأفضل غسل ما اصابه ذلك

وكل ما لا نفس له سائلة إذا وقع في شي ء من المطعومات والمشروبات ومات فيها فإنه لا ينجسه وهو على حكم الطهارة الا ان يكون ذلك من المياه فيسلبه ذلك إطلاق اسم الماء فإنه حينئذ لا يجوز استعماله في شي ء.

وجلود الميتة كلها نجسة ، دبغت أو لم تدبغ وقد أشرنا إلى طرف من ذلك فيما تقدم.

كتاب الجنائز

إذا أردنا بيان أحكام الجنائز ينبغي ان نذكر أشياء :

منها الأحكام المتعلقة بحال الاحتضار ، ومنها ما يغسل من موتى الناس وابعاضهم ، ومنها ما لا يغسل من ذلك ، ومنها كيفية غسل الميت ، ومنها الأكفان والتكفين ، ومنها الصلاة على الجنائز ، ومنها الدفن والقبور.

« باب الأحكام المتعلقة بحال الاحتضار »

إذا حضر الإنسان الوفاة فيجب ان يوجه إلى القبلة بأن يجعل على ظهره وباطن رجليه تلقاها ووجهه مستقبلا لها لو وقف لكان متوجها إليها ، كما لو استقبلها للصلاة قائماً لكان كذلك.

ويستحب ان يحضر بالقرآن :

وإذا تصعب عليه خروج نفسه نقل الى المكان الذي كان يصلى فيه.

ويلقن الشهادتين وأسماء الأئمة عليهم السلام وكلمات الفرج وهي : لا إله إلا اللّه

ص: 53


1- في بعض النسخ « الودي » بالمهملة بدل « الوذي » بالمعجمة.

الحليم الكريم لا إله إلا اللّه العلى العظيم سبحان اللّه رب السموات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم ، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

ويغمض عيناه.

فاذا قضى أطبق فوه ، ومدت يداه وساقاه إن أمكن ذلك ، وشد لحيته ، ويغطى بثوب أو ما أشبه ، ويسرج عنده في الليل مصباح ، ويهتم بالأخذ في امره وإنجازه ولا يتشاغل عن ذلك بشي ء ، ويمنع الجنب والحائض من الدخول عليه ، ولا يترك وحده ، ولا يجعل على بطنه شي ء من الحديد.

« باب ما يغسل من موتى الناس وابعاضهم وما لا يغسل من ذلك »

الموتى من الناس وابعاضهم على ضربين أحدهما : يغسل ، والأخر لا يغسل

والذي يغسل هو : كل من مات منهم حتف انفه ويمكن من غسله بالماء - ولم يمنع مانع من ذلك من علة ، أو ضرورة ، أو برد شديد وما جرى مجرى ذلك.

وكل ميت منهم حدثت بجسده وجلده علة محللة للحمه أو جلده ولم يخف في صب الماء عليه من تخلل ذلك وتقطيعه.

وكل قتيل - الا ان يكون شهيدا مات بين يدي الإمام أو من نصبه الإمام في المعركة ولم ينقل منها وفيه حياة لأنه متى لحق ونقل وفيه حياة وجب غسله -

وكل سقط له أربعة أشهر فصاعدا

وكل مخالف للحق من ملة الإسلام مات مع مؤمن واضطرته التقية إلى غسله - وإذا كانت الحال هذه غسله هذا المؤمن غسل أهل الخلاف -

وكل رجل مات بين نساء مسلمات له فيهن محرم من النساء - هذا يغسله من كان ذا محرم منه ، فان كان معهن رجل مسلم غسله الرجل المسلم ، كذلك الحكم مع المرية إذا ماتت بين رجال مسلمين لها فيهم محرم ، أو معهم امرأة مسلمة.

وكل ولد مات في بطن أمرية وهي حية ، وهذا إذا مات في بطنها ولم يخرج

ص: 54

أدخلت القابلة أو غيرها من النساء يدها في فرجها وأخرجته ، فان لم يخرج صحيحا قطعته وأخرجته قطعا ثم غسل وكفن ودفن ، فان ماتت المرأة والولد في بطنها حي شق جانبها الأيسر واخرج الولد ثم يخاط الموضع وتغسل المرأة بعد ذلك ، وكذلك الولد.

وكل طفل ذكر مات بين نساء وله مدة العمر ثلاث سنين أو دونها وليس معهن رجل ، وهذا يغسله النساء ويجوز لهن غسله مجردا من ثيابه ، فان كان له أكثر من ثلاث سنين غسله من فوق القميص يصب الماء عليه ، وكذلك الحكم في الصبية إذا ماتت بين رجال.

وكل بعض أو قطعة فيها عظم أو كانت موضع الصدر. ولا فرق في ذلك بين ان يكون أكيل السبع أو لا يكون كذلك.

واما من لا يغسل فهو : كل شهيد يقتل بين يدي الإمام العادل أو من نصبه الإمام - في نفس المعركة - ولم يلحق وبه رمق (1) لا شي ء من الحياة ، وهذا يدفن معه كل ما اصابه دمه من لباسه الا الخفين ، وقد ورد (2) انهما إذا أصابهما شي ء من دمه دفنا معه.

وكل كافر من أهل البغي كان أو غيره.

وكل مرجوم أو مقتول قودا وهذان يؤمران بالاغتسال والتحنيط والتكفين

ص: 55


1- كذا في النسخ التي بأيدينا ولعل كلمة « و » العاطفة محذوفة هنا ، ويحتمل ان يكون المراد من الرمق القوة كما قد يطلق عليها ( راجع المصباح ) فيكون أخص من الحياة ، فحينئذ يكون المعنى : ان الشرط في وجوب غسل الشهيد إدراكه وبه قوة لا إدراكه بدونها وان كان به شي ء من الحياة. وهذا يكون وجها ثالثا في المسئلة. وينافيه ما في الجواهر من حكاية القول الثاني عن المؤلف «رحمه اللّه» (الجواهر، ج4، ص90) (القول الاول سقوط الغسل ان مات في العركة مطلقاً والقول الثاني اشتراط عدم ادراكه حيا في سقوطه).
2- المبسوط ، ج 1 ، ص 181 ، والنهاية ، ص 40

ثم يقام الحد عليهما بعد ذلك ، فإذا أقيم عليهما دفنا من غير غسل ولا تيمم.

وكل سقط له أقل من أربعة أشهر وهذا انما يلف بخرقة ويدفن بدمه.

وكل رجل مات بين نساء مسلمات ليس فيهن له محرم ، ولا يحضرهن رجل مسلم وهذا تدفنه النساء بثيابه ، وكل أمرية مسلمة ماتت بين رجال مسلمين وليس فيهم لها محرم ، ولا معهم امرأة مسلمة وهذه يدفنها الرجال بثيابها.

وكل بعض أو قطعة من إنسان ليس فيها عظم ولا هي موضع الصدر ، ولا فرق بين ان يكون أكيل السبع أو غيره.

وكل مخالف للحق من ملة الإسلام ليس في ترك غسله تقية.

وكل ميت حدث بجسمه شي ء من الآفات التي تحلل جسمه أو جلده ويخاف إذا صب الماء عليه من تخلل ذلك وتقطعه منه ، فان هذا يؤمم (1) ولا يغسل.

وكل ميت لم يتمكن من الماء لغسله أو تمكن منه ومنع من غسله مانع من علة كما قدمنا أو ضرورة أو برد شديد ولم يتمكن من إسخان الماء لغسله.

وإذا كان الميت خنثى وكان موته بعد بلوغه - وقبل تبين حاله في انه هل هو ذكر أو أنثى؟ فيلحق بالرجال أو النساء - لم يغسله رجل ولا امرأة ويؤمم (2) بالصعيد

« كيفية غسل الميت »

اعلم انه ينبغي ان يستعد لغسل الميت - قبل ان يأخذ الغاسل فيه - من السدر مقدار رطل واحد ونصف بالعراقي ، ومن القطن مقدار رطل ، ويجوز ان يزاد على ذلك ليسد به منافذه (3) - وان كان يخرج منها شي ء يحتاج فيه الى ذلك -

ويستعد أيضا شي ء من الأشنان (4) ليسحق (5) به

ص: 56


1- اى ييمم
2- اى ييمم
3- في بعض النسخ « منافسة » ومعناهما واحد.
4- معروف ، الذي يغسل به الأيدي.
5- في بعض النسخ « ليستنجى » بدل « ليسحق »

ويحفر لماء غسله حفيرة ينزل فيها ، ولا يترك ان ينزل في بالوعة أو خلاء مع التمكن من ذلك ، فان لم يتمكن مما ذكرناه كان ترك نزوله في ذلك جائزا.

ويصب ماء الغسل من الأواني النظيفة ما يكون كفاية لذلك.

ولا يغسل بماء مسخن الا ان تدعو الضرورة إليه من برد شديد ، أو لتليين أعضائه وأصابعه.

ولا يجوز غسله بالماء الحارة كما ذكرناه.

فاذا حصل ما تقدم ذكره ابتدأ وليه بغسله ، أو من ينصبه الولي لذلك ، ويكون معه من يعينه في تقلبه وصب الماء عليه.

ويضعه على ساجة تحت سقف مع القدرة على ذلك ، ثم يمل الميت فيضعه عليها ممدودا على ظهره ، وباطن رجليه تلقاء القبلة كما كان في حال الاحتضار

وشق جيب قميصه الذي هو عليه وينزعه عنه بأن يأخذه من جهة رجليه بعد ان يستر عورته بشي ء ولا يقص الغاسل له شيئا من أظفاره ، ولا شيئا من شعره ولا لحيته.

وان سقط في ذلك الغسل من ذلك أو من جسده شي ء جعله في كفنه (1) عند تكفينه له.

ويأخذ السدر فيلقيه على الماء ويضربه في إجابة حتى يرغو وينقل رغوته (2) إلى إناء آخر ، ويقف على جانبه الأيمن ، ولا يتخطاه في شي ء من أحوال الغسل جملة.

ثم يلين أصابعه وأطرافه ويمددها ، فان تصعب عليه من ذلك شي ء تركه على ما هو عليه.

ثم يمسح بطنه مسحا رقيقا فان خرج منه شي ء صب الماء عليه ليزول من تحته فان كان الميت امرأة وكانت حبلى لم يمسح لها بطنا في شي ء من غسلها.

ويعقد الغاسل النية لغسل الميت ثم ينظر ، فان كان على شي ء من جسده

ص: 57


1- في بعض النسخ « كنفه » بدل « كفنه » ومعناه « الجانب »
2- رغوة السدر : زبدة الذي يعلوه عند ضربه في الماء.

نجاسة أزالها بالماء ، ويأخذ بعد ذلك خرقة لينجيه بها فيلفها على يده من الزند إلى أطراف الأصابع ، ويلقى عليها شي ء من الأشنان وينجيه بذلك ، ويصب الأخر عليه من السدر ثلاث صبات.

ويكون الإناء الذي يصب الماء ، كبيرا مثل الإبريق الحميدي أو غيره مما يجرى مجراه.

ويكون صب الماء متصلا ولا يقطع الى ان يفرغ الإناء ، وإذا أصاب هذا الإناء جسد الميت غسل قبل إنزاله في الماء.

ثم يلقى الغاسل الخرقة عن يده ويغسل يديه من المرفقين إلى أطراف الأصابع ويوضأ الميت كما يتوضأ الحي للصلاة فيغسل وجهه ، ويغسل بعد ذلك يديه من المرفقين إلى أطراف الأصابع ، ويمسح بمقدم رأسه ، وظاهر قدميه.

ثم يتقدم فيقف عند رأسه من الجانب الأيمن ، ويأخذ من رغوة السدر التي كان أعدها ، ويبتدى فيغسل رأسه بها ولحيته من الجانب الأيمن إلى أصل عنقه ثلاث مرات بثلاث صبات من ماء السدر.

ثم يميله على الجانب الأيسر ليبدو له الأيمن ، فيغسله بماء السدر من قرنه الى تحت قدمه ثلاث مرات بثلاث صبات من ماء السدر أيضا ، ويكون صب الماء من غير تقطيع من رأسه الى تحت قدمه.

ويدخل الغاسل يده تحت منكبه كلما غسله ، ويكون وقوفه على جانبه الأيمن ويكثر من قوله : عفوك اللّهم عفوك وذكر اللّه تعالى.

ثم يرده على جانبه الأيمن ليبدو له الجانب الأيسر ، فيغسله على هذه الصفة بماء السدر.

ثم يعود الغاسل عنه ، ويغسل الأواني كلها من ماء السدر غسلا نظيفا ، ويغسل يديه من المرفقين إلى أطراف الأصابع.

ويصب في الأواني ماء أخر ويأخذ شيئا من الكافور ، فيسحقه بيديه ويلقيه في الماء ويضربه به.

ص: 58

ثم يرجع الى الميت فيقف على جانبه الأيمن كما وقف أولا ، ويمسح بطنه مسحا رقيقا ، فان خرج منه شي ء صب الماء عليه ليزول من تحته.

ثم يلف على يده خرقة مثل الاولى وينجيه بها ويغسله بماء الكافور كما غسله بماء السدر سواء.

فاذا فرغ من ذلك تحول عنه ، ثم غسل الأواني من ماء الكافور وملاءها ماء قراحا ، وغسل يديه من المرفقين إلى أطراف الأصابع ، ثم عاد اليه ، فوقف على جانبه الأيمن ، ولا يمسح بطنه في هذه الغسلة جملة. ثم يلف على يده خرقة لينجيه بها ، ويفعل في غسله مثل ما فعله في الغسلتين الأوليين بالماء القراح فقط.

فاذا فرغ من ذلك القى عليه ثوبا نظيفا وينشفه به.

ثم يحول عنه واغتسل ، فان لم يتمكن من الاغتسال توضأ وضوء الصلاة ، ولا يمسه ولا يمس أكفانه شيئا إلا بعد ان يغتسل أو يتوضأ.

فإذا فعل ذلك ، نقله إلى أكفانه ، فوضعه فيها ، موجها إلى القبلة - كما ذكرناه في حال الاحتضار والغسل - ثم يأخذ قطعة من قطن فيحشوا بها دبره حشوا جيدا ، لئلا يخرج منه شي ء بعد الغسل - ومتى خرج ذلك منه وأصاب شيئا من بدنه ، غسل المكان الذي اصابه ، وان أصاب شيئا من كفنه قطع بمقراض فاذا فعل ذلك فقد كمل غسله ويأخذ بعد ذلك في تكفينه ونحن نذكره بمشية اللّه تعالى سبحانه

« باب الأكفان والتكفين »

الثياب التي يجوز التكفين بها ، هي : الثياب القطن البياض - وهذه أفضل ثياب الأكفان -

وثياب الكتان البياض ، وكل ثوب من ذلك مخيط لم يكن خياطته ابتدأت للتكفين ، وثياب الصوف.

ولا يجوز التكفين بشي ء يخالف ما ذكرناه ، ولا بشي ء من جميع الثياب إذا

ص: 59

كان فيه أو في طرازه ذهب ، وجميع الثياب المصبغات. وقد ذكر ان السواد من القطن والكتان مكروه.

والمفروض من الأكفان ثلاث قطع وهي : قميص ، ومئزر ، وإزار ،

والندب ان يزاد على ذلك قطعتان وهما لفافتان - ولا يجوز الزيادة على هذه الخمس قطع ، وما يتبع ذلك فليس هو من جملة الكفن ، لان الكفن هو ما يلف به جسد الميت ، خرقة يشد بها فخذاه وعمامة يعمم بها وان كان أمرية زيدت خرقة يشد بها ثدياها الى صدرها.

وإذا لم يوجد حبرة (1) ولا نمط (2) جاز ان يتخذ بدل كل واحد منهما إزار.

وكفن الميت يجب إخراجه ابتداء من تركته قبل قضاء الديون والوصايا وكل شي ء.

وان كان الميت أمرية كان كفنها على زوجها لا في تركتها ، ولا مالها.

واما التكفين فهو : ان يبتدأ بالحبرة أو ما قام مقامها ، فيفرش على شي ء نظيف وينشر عليها شي ء من القمحة (3) ، ثم يفرش على ذلك الإزار الثاني وينشر القمحة أيضا عليه ويفرش الثالث فوقه وينشر عليه من القمحة شي ء آخر.

ويكتب على الأكفان بتربة سيدنا ابى عبد اللّه الحسين عليه السلام ان تمكن منها ، أو بالإصبع ان لم يجدها : فلان يشهد ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ، وان محمدا عبده ورسوله ، وان أمير المؤمنين على بن ابى طالب صلوات اللّه عليه والأئمة - فلان وفلانا الى آخرهم - أئمته أئمة الهدى الأبرار ثم يلف الكفن.

ص: 60


1- الحبرة : بكسر الحاء وفتح الباء وهو ثوب يمنى وهو من الاجزاء المستحبة للكفن
2- النمط : هو ثوب من صوف ، فيه خطط تخالف لونه شامل لجميع البدن فوق الجميع وهو مخصوص بالمرئة.
3- القمحة بالفتح فالسكون : قيل حنطة ردية ( راجع المجمع ) وفي الجواهر : قيل انها ( اى الذريرة ) حبوب تشبه حب الحنطة التي تسمى بالقمح ، تدق تلك الحبوب كالدقيق لها ريح طيبة - الجواهر ج 4 ص 222.

فاذا فرغ الغاسل من غسل الميت على ما قدمناه ، نقله إلى الأكفان ووضعه فيها مستقبلا به القبلة - كما تقدم ذكره في حال الاحتضار - ثم يأخذ خرقة طولها ثلاثة أذرع ونصف - ، ويجوز ان يكون أطول من ذلك - ويسد دبره بالقطن سدا جيدا ، ويشد اوراكه الى فخذيه بالخرقة بان يلف عليها شدا وثيقا ويخرج طرفها من بين رجليه ، ويغرز (1) طرفها في حاشية الخرقة من الجانب الأيمن. ويسد منافسة (2) بالقطن لئلا يخرج منها شي ء.

وإذا كان الميت أمرية ، شد ثدياها بخرقة إلى صدرها ، ويأخذ المئزر فيشده عليها كما يشد المئزر للحي.

ثم يلبسه القميص ، فان كان له قميص جاز ان يكفن به بعد ان يقطع أزراره الا ان يكون هذا القميص قد ابتدأت خياطته للتكفين ، فإنه لا يجوز تكفينه به.

ويأخذ من الجريد الأخضر جريدتين طول كل واحدة منهما مثل عظم الذراع ، يكتب عليهما مثل ما كتب على الأكفان ، يلفهما في القطن ويجعل الواحدة قائمة مع جانبه الأيمن من ترقوته ملصقة بجلده ، والأخرى من جانبه الأيسر كذلك من فوق القميص ، فان لم يجد جريدة النخل جاز أن يجعل عوضه من الشجر الأخضر مثل السدر أو الخلاف أو غير ذلك.

ثم يعممه بالعمامة بعد ان يكتب عليها مثل ما كتبه على الأكفان بان يضعها على رأسه من وسطها ويحنكه ويعممه بهما مدورا ، ويرسل طرفيها على صدره.

ويأخذ من الكافور - ويكون مما لم تمسه النار ان تمكن من ذلك - وزن ثلاثة عشر درهما وثلث ، وهو السنة الأوفى ، فان لم يقدر على ذلك المبلغ جاز أقل منه أيضا مثل درهم أو ما قدر عليه ، ويسحقه بكفيه ويجعله على مساجده : جبهته ، وطرف انفه ، وباطن كفيه يمسحا إلى أطراف الأصابع ، ويضع منه على

ص: 61


1- غرزه : اى لواه وادخل طرفه في أصله.
2- منافسة اى منافذه وخلله.

عيني ركبتيه ، وإبهامي رجليه ، فإن بقي بعد ذلك شي ء جعله على صدره.

ثم يأخذ في درجة في أكفانه : فيبدء بالإزار فيرد ما على يساره على يمينه ، وما على يمينه على يساره ، ويفعل باللفافة الأخرى والحبرة أو النمط مثل ذلك ، ويجمع أطراف اللفائف من عند رأسه ورجليه ، ويشق (1) حاشية الظاهرة منها ويعقده عليها ، ويكثر من ذكر اللّه سبحانه. فاذا فرغ من جميع ما اوصفناه صلى عليه وحمله الى حفرته فيدفنه فيها.

فأما الصلاة عليه فسنوردها.

« واما الدفن - فنحن ذاكروه - وما يتعلق به من أحكام القبور »

فإذا أردت دفن الميت فيحمل الى قبره ، وينبغي ان يحمله المشيعون له ، ومن حمله منهم فينبغي ان يبتدئ بحمله من جانب مقدم السرير الأيمن ، ثم يدور الى الجانب الأيسر ويعود الى مقدمه الأيمن.

ومن مشى خلف الجنازة فينبغي ان يمشى عن يمينها أو يسارها.

ويقول المشاهد لها : الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم (2)

فاذا وصل به الى القبر لم يفجأه به دفعة واحدة ، بل يضعه دونه قليلا مما يلي رجليه فيه ، ثم ينقله الى شفيره في ثلاث دفعات. فان كان الميت أمرية وضعت على جانب القبر مما يلي القبلة.

ثم ينزل إليه أولى الناس بالميت ، أو من يأمره الولي بذلك. ويتحفى (3) ويحل أزراره ويكشف رأسه الا ان يكون به ضرورة يمنعه من ذلك فله ان لا يكشفه.

فاذا عاين القبر قال : اللّهم اجعلها روضة من رياض الجنة ولا تجعلها حفرة من حفر النيران.

ص: 62


1- في بعض النسخ « يشد » بدل « يشق »
2- المخترم : الهالك
3- يتحفى : اى ينزل حافيا :

ثم يأخذ برأس الميت وكتفيه من جهة رجليه من القبر ، ثم يسله (1) من سريره سلا معتدلا ولا ينكس رأسه في القبر عند إنزاله إليه ، فإن كان امرأة أخذها عرضا

ويقول الذي ينزل الميت في قبره : بسم اللّه وباللّه ، وفي سبيل اللّه ، وعلى ملة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، اللّهم ايمانا بك ، وتصديقا بكتابك ، هذا ما وعدنا اللّه ورسوله ، وصدق اللّه ورسوله اللّهم زدنا ايمانا وتسليما.

ثم يضعه على جانبه الأيمن مستقبلا بوجهه القبلة في لحد اوشق واللحد أفضل

ويحل عقد أكفانه ويكشف وجهه ويضع خده على التراب ، وان جعل معه شيئا من تربة سيدنا الحسين بن على عليهما السلام كان أفضل.

ويلقنه الشهادتين وأسماء الأئمة عليهم السلام بان يقول : يا فلان بن فلان اذكر العهد الذي خرجت عليه من دار الدنيا ، شهادة ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ، وان محمدا عبده ورسوله ، وان عليا أمير المؤمنين عليه السلام والحسن والحسين وعلى بن الحسين - ويذكر الأئمة عليهم السلام الى آخرهم - أئمتك أئمة الهدى الأبرار.

ثم يشرج (2) عليه بعد ذلك اللبن أو ما قام مقامه ويقول المتولي لذلك :

اللّهم صل وحدته وآنس وحشته وارحم غربته واسكن إليه من رحمتك رحمة يستغنى بها عن رحمة من سواك واحشره مع من كان يتولاه ثم يخرج من جهة رجلي الميت في القبر ويهل (3) الحاضرون التراب عليه بظهور أكفهم.

وهم يقولون : ( إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ) ، ( هذا ما وَعَدَنَا اللّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللّهُ وَرَسُولُهُ ) ، اللّهم زدنا ايمانا وتسليما.

واعلم ان هذا القبر يجب ان يكون مقدار قامة الرجل الى ترقوته ، وعرضه بمقدار ما يتمكن فيه من الجلوس ، فاذا طم القبر على الميت رفع عن وجه الأرض مقدار

ص: 63


1- سل الشي ء : انتزعه وأخرجه في رفق.
2- شرج اللبن : نضده اى ضم بعضه الى بعض.
3- كذا في أكثر النسخ والظاهر انه « يهيل » وهال عليه التراب معناه صبه عليه

شبر أو أربع أصابع ، ويصيب عليه الماء ، بان يبتدئ بذلك من عند رأسه ويدار عليه من اربع جوانبه الى ان يرجع الى الرأس فإن بقي من الماء شي ء صب على وسطه ثم يضع عند رأس القبر حجرا ظاهرا أو لوحا أو ما يجرى مجرى ذلك ، ويضع الحاضرون - بعد تسوية القبر - أيديهم عليه عند رأسه ، ويكونون متوجهين إلى القبلة ، ويغمزوا أصابعهم في ترابه وهم يقولون :

اللّهم ارحم غربته ، وصل وحدته ، وآنس وحشته ، وآمن روعته ، وأسكن إليه من رحمتك رحمة يستغنى بها عن رحمة من سواك ، واحشره مع من كان يتولاه ، ثم يعزى وليه بعد الانصراف ، ثم يتأخر أولى الناس بالميت عن القبر ويجعل وجهه اليه وظهره إلى القبلة وينادى الميت بأعلى صوته - ان لم يكن عليه تقية - : يا فلان بن فلان! اذكر العهد الذي خرجت عليه من دار الدنيا وهي شهادة ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله وان أمير المؤمنين على ابن أبي طالب والحسن والحسين - ويذكر الأئمة عليهم السلام الى آخرهم - أئمتك أئمة الهدى الأبرار وأن الموت حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن اللّه يبعث من في القبور ، إذا أتاك الملكان وسألاك فقل : اللّه ربي لا أشرك به شيئا ومحمد نبيي وعلى وصيه (1) والحسن والحسين - ويذكر الأئمة عليهم السلام واحدا بعد واحد الى آخرهم - أئمتي والإسلام ديني والقرآن شعاري والكعبة قبلتي والمسلمون إخواني. ثم ينصرف ، وان كان عليه تقية جاز له ان يقول ذلك سرا.

واعلم ان الميت إذا كان مهدوما عليه ، أو مصعوقا ، أو غريقا ، أو صاحب ذرب (2) أو مدخنا فلا ينبغي ان يدفن الا بعد ثلاثة أيام ، الا ان يظهر أمارات الموت

ص: 64


1- كذا في نسخة وفي أكثر النسخ « وصيي » بدل « وصيه »
2- الذرب بالتحريك : الداء الذي يعرض للمعدة فلا يهضم الطعام ويفسد فيها ( مجمع البحرين ) ويقال له « الإسهال »

عليه ، والمصلوب لا يترك على خشبته أكثر من ثلاثة أيام ثم ينزل عنها ويدفن.

ولا يحمل ميتان على جنازة واحدة إلا لضرورة ، ولا ينقل ميت من قبره الى موضع آخر إلا لضرورة أيضا ، وقد ذكر جواز ذلك الى بعض مشاهد الأئمة عليهم السلام

وإذا كان الميت أمرية لم ينزل معها القبر الا زوجها أو ذو رحم منها ، فان لم يتمكن من ذلك ، جاز لبعض المؤمنين النزول.

ولا يهيل الوالد التراب على أحد من أولاده ، ولا الولد على والده ولا يلقى في القبر تراب من غير ترابه ، ولا يسنم بل يعمل مربعا ، ولا يلزم المقام عند القبر ، ولا يجصص ، ولا يدفن ميت في قبر وفيه ميت آخر إلا لضرورة.

وان كان القبر نديا جاز ان يفرش فيه ألواح خشب ، وإذا كان الميت خنثى ودعت الضرورة إلى دفنه في قبر ، فيه ميت آخر جعل خلف الرجل وجعل التراب بينهما ، وان كان الذي في القبر امرأة جعل امام المرية ويجعل التراب بينهما أيضا. وإذا اندرست القبور فلا تجدد بعد ذلك

« تم كتاب الطهارة »

ص: 65

كتاب الصلاة

اشارة

قال اللّه سبحانه ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ) (1)

وقال اللّه تعالى ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ ) (2)

وقال اللّه تعالى ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً ) (3)

وقال عزوجل( وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ، إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ الاية ) (4)

وقال تعالى ( حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ ) (5) وإذا أردنا بيان أحكام الصلاة وجب ان نبين أشياء :

منها أقسامها ، ومنها إعدادها ، ومنها أوقاتها ، ومنها ما يجوز فيه من اللباس وما لا يجوز فيه من ذلك ، ومنها ما يجوز عليه من المكان وما لا يجوز عليه من ذلك ، ومنها ستر العورة ، ومنها ذكر القبلة ، ومنها الأذان والإقامة ، ومنها كيفيتها ، ومنها

ص: 66


1- البقرة الآية 110
2- العنكبوت الآية 45
3- الاسراء ، الاية 78 و 79
4- هود ، الاية 114
5- البقرة ، الاية 238

ما يوجب إعادتها ، ومنها بيان أحكام السهو والشك فيها ، ونحن نذكر كل واحد من ذلك وما يتعلق به من أحكامه في فصل مفرد له بمشيئة اللّه تعالى.

« باب أقسام الصلاة »

أقسام الصلاة على ضربين : أحدهما صلاة اليوم والليلة ، والأخر ما عدا ذلك

واما صلاة اليوم والليلة : فهي الظهر والعصر والعشائان وصلاة الليل وصلاة الفجر. واما ما عدا ذلك فهو صلاة العيدين وكسوف الشمس والقمر ، وقضاء الفائت من الصلاة ، وصلاة النذر ، وركعتي الطواف ، والصلاة على الموتى ، وصلاة الاستسقاء ، ونوافل شهر رمضان ، وصلاة عيد الغدير ، وصلاة يوم مبعث النبي صلى اللّه عليه وآله وصلاة أمير المؤمنين على ابن ابى طالب وصلاة السيدة فاطمة عليهما السلام ، وصلاة الحبوة (1) وصلاة الاستخارة ، وصلاة الحاجة ، وصلاة ليلة النصف من رجب ، وصلاة ليلة النصف من شعبان ، وصلاة الشكر ، وصلاة الزيارات ، وصلاة ليلة عيد الفطر ، وصلاة الإحرام ، وصلاة تحية المسجد.

« باب أعداد الصلاة »

أعداد الصلاة على ضربين : أحدهما أعداد ركعات اليوم والليلة ، والأخر أعداد ما عدا ذلك.

وأعداد ركعات اليوم والليلة على ضربين : أحدهما أعداد الحضر ، والأخر أعداد السفر.

فأما أعداد الحضر فعلى ضربين : أحدهما أعداد فرائضه ، والأخر أعداد نوافله ، فاما أعداد فرائض الحضر فهي سبعة عشر ركعة : الظهر اربع ركعات ، والعصر والعشاء الآخرة مثل ذلك ، والمغرب ثلاث ركعات ، والفجر ركعتان.

فاما نوافل الحضر فهي أربع وثلاثون ركعة : ثمان ركعات نافلة الظهر ،

ص: 67


1- وهي صلاة جعفر (عليه السلام) المشهورة بين الفريقين.

وثمان ركعات نافلة العصر ، واربع ركعات نافلة المغرب ، وركعتان من جلوس بعد العشاء الآخرة ، وثمان صلاة الليل ، وثلاث الشفع والوتر ، وركعتان نافلة الفجر.

فاما أعداد فرائض السفر فهي إحدى عشر ركعة : الظهر ركعتان ، والعصر والعشاء الآخرة كذلك ، والمغرب ثلاث ركعات ، والفجر ركعتان.

واما أعداد نوافل السفر فهي سبع عشرة ركعة : أربع ركعات نافلة المغرب وثمان صلاة الليل وثلاث الشفع والوتر ، وركعتان نافلة الفجر الأول.

فاما أعداد غير صلاة اليوم والليلة من الصلوات - فهي على ضربين : أعداد الفرائض منها. والأخر أعداد النوافل. فأما أعداد الفرائض من ذلك فهي : صلاة العيدين - كل واحدة منهما ركعتان - وصلاة كسوف الشمس والقمر - عشر ركعات بأربع سجدات - وصلاة قضاء الفائت بحسب الفائت - ان كان أربعا فاربعا ، وان كان ثلاثا فثلاثا ، وان كانت الصلاة ثنائية فاثنتان - وصلاة النذر بحسب ما ينذره الناذر ويوجبه من ذلك على نفسه قليلا كان أو كثيرا. وصلاة الطواف ركعتان. وصلاة الموتى خمس تكبيرات.

واما ما عدا ذلك من مندوبات الصلاة وهي : صلاة الاستسقاء - كصلاة العيدين - ونوافل شهر رمضان - ألف ركعة - والزيادة عليها مأة ركعة ليلة النصف منه وصلاة عيد الغدير - ركعتان - وصلاة يوم المبعث - اثنتا عشرة ركعة واربع ركعات صلاة أمير المؤمنين عليه السلام ، وركعتان صلاة سيدتنا فاطمة « سلام اللّه عليها ». واربع ركعات صلاة الحبوة وركعتان صلاة الاستخارة ، وركعتان صلاة الحاجة أيضا ، واثنتا عشرة ركعة صلاة ليلة النصف من شعبان. وركعتان صلاة الشكر. وركعتان صلاة الزيارة - لكل واحد ممن يزار ، (1) وركعتان صلاة يوم عرفة ، وركعتان صلاة ليلة عيد الفطر ، وستة ركعات أو ركعتان صلاة الإحرام.

ص: 68


1- كذا في نسخة وفي بقية النسخ « لكل واحد من زائر » والصحيح ما أثبتناه :

واربع ركعات الزيادة على نوافل الجمعة ، وركعتان صلاة تحية المسجد.

« باب أوقات الصلاة »

أوقات الصلاة على ضربين : أوقات الفرائض ، وأوقات النوافل ، فأما أوقات الفرائض فعلى ضربين :

أحدهما : أوقات فرائض اليوم والليلة.

والأخر : أوقات الفرائض لما عدا ذلك.

فاما أوقات فرائض اليوم والليلة فخمسة أوقات :

أولها الظهر وله وقتان : أول وآخر ، فالأول زوال الشمس من وسط السماء إلى جهة المغرب ، والأخر ان يصير ظل كل شي ء مثله.

والثاني العصر وله وقتان : أول وآخر ، فالأول حين الفراغ من فريضة الظهر ، والأخر ان يصير ظل كل شي ء مثليه.

والثالث المغرب وله وقتان : أول وآخر ، فالأول سقوط القرص من أفق المغرب ، والأخر غيبوبة الشفق من جهته - وفي أصحابنا من ذهب الى انه لا وقت له ، الا واحد وهو غروب القرص في أفق المغرب وقد رخص للمسافر الذي يجد به السير ، تأخير ذلك الى ربع الليل.

والرابع العشاء الآخرة وله وقتان : أول وآخر ، فالأول حين الفراغ من فريضة المغرب - وقيل (1) غيبوبة الشفق ، والأخر ثلث الليل ، وقيل نصفه ، والثلث أحوط - وقد ذكر ان الوقت هاهنا للمضطر ممتد الى قبل طلوع الفجر.

والخامس الفجر وله وقتان : أول وآخر ، فالأول ابتداء طلوع الفجر الثاني - المعترض في جهة المشرق - والأخر ابتداء طلوع قرص (2) الشمس.

ص: 69


1- والقائل هو الشيخ (رحمه الله) في النهاية ، ص 59 ، وفي نسخة « قبل » بدل « قيل » والظاهر انه تصحيف.
2- في بعض النسخ « قرن » بدل « قرص ».

فاما وقت صلاة العيدين فهو ارتفاع الشمس.

ووقت صلاة الكسوف ابتداء كسوف القرص ، أو وجود الآية العظيمة من زلزلة ، أو ريح سوداء أو ما أشبه ذلك.

ووقت صلاة ركعتي الطواف حين الفراغ من الطواف ووقت صلاة الجنازة حين حضور الجنازة ووقت صلاة النذر حين حضور الزمان الذي علق النذر به ، ووقت صلاة الفائتة إذا كانت منسية ، حين الذكر لها ، فان لم تكن منسية فجميع الأوقات الا ان يكون قد تضيق وقت الحاضرة ، فإنه إذا كان ذلك ، صليت الحاضرة ورجع بعد ذلك الى القضاء.

وأوقات النوافل على ضربين : أحدهما يصح فعلها فيه ابتداء وقضاء ، والأخر مكروه ، واما الأول فهو أوقات نوافل اليوم والليلة وهي ستة أوقات :

أولها : نوافل الظهر ، وهو ما بين زوال الشمس الى ان يبقى من وقت الظهر مقدار ما يؤدى فيه اربع ركعات إلا في يوم الجمعة خاصة ، فإنه يجوز تقديم النوافل قبل الزوال أو تأخيرها الى بعد صلاة فريضة العصر.

وثانيها : وقت نوافل العصر ، وهو ما بين الفراغ من فريضة الظهر الى ان يبقى من وقت العصر مقدار ما يؤدى فيه اربع ركعات إلا في يوم الجمعة أيضا فإنه ينبغي تقديم ذلك أو تأخيره كما ذكرناه من حيث انه لا ينبغي للمصلي أن يفرق بين فريضتي الظهر والعصر فيه.

وثالثها : نوافل المغرب وهو من حين الفراغ من فريضته الى حين زوال الشفق من المغرب.

ورابعها : وقت الوتيرة وهو حين الفراغ من فريضة العشاء الآخرة.

وخامسها : وقت صلاة الليل وهو من انتصافه الى قبل طلوع الفجر.

وسادسها : وقت ركعتي الفجر وهو ما بين الفراغ من صلاة الليل الى طلوع الحمرة من ناحية المشرق.

وأوقات ما عدا نوافل اليوم والليلة وهي : انبساط الشمس وقت صلاة -

ص: 70

الاستسقاء ، فإذا بقي إلى زوال الشمس مقدار ساعة أو دونها وقت صلاة عيد الغدير ، ارتفاع النهار وقت صلاة الشكر و (1) تجدد النعم ، وارتفاعه أيضا وقت صلاة عاشورا على بعض الأقوال.

واما المكروه من الأوقات ، فيختص بالنوافل المبتدأة بها من غير سبب وهي : حين طلوع الشمس ، ووقت قيامها نصف النهار في وسط السماء إلا في يوم الجمعة ، وبعد فريضة العصر ، وحين غروب القرص ، وبعد فريضة الغداة.

وأول الوقت وقت من لا عذر له ، وآخره وقت ذوي الاعذار ، والاعذار : المرض ، والسفر ، والمطر ، والشغل بما يستضر بتركه في الدين أو الدنيا. والضرورة (2) الصبي إذا بلغ ، والحائض إذا طهرت ، والمجنون إذا أفاق ، والمغمى عليه أيضا كذلك ، والكافر إذا أسلم.

وكل من صلى في الوقت كان مؤديا سواء كان في أوله أو في آخره ما لم يخرج الوقت وقد بقي عليه من الصلاة بقية فإن كان كذلك كان قاضيا ومن صلى قبل دخول الوقت لم يكن مؤديا ولا قاضيا وكان عليه الإعادة - لما صلاة - إذا دخل الوقت ، ومن صلى بعد خروج الوقت كان قاضيا وإذا زالت الشمس وصارت بعد الزوال على قدمين ولم يكن المكلف صلى من نوافل الظهر شيئا فينبغي ان يؤخرها ويبدأ بالفريضة ، وهكذا ينبغي ان يفعل في نوافل العصر مع فريضته إذا صار الظل بعد الزوال على أربعة أقدام فإن كان قد صلى شيئا من النوافل وانتهى الظل الى ما ذكرناه تممها على التخفيف وصلى الفرض بعد ذلك. ومن أدركه الفجر ولم يكن صلى شيئا من صلاة الليل فينبغي ان يبتدأ بصلاة الفجر ، ويؤخر صلاة الليل ، فان كان

ص: 71


1- العطف اما على الشكر فيكون عطف تفسير من قبيل عطف السبب على المسبب أو عطف على ارتفاع النهار فيكون لصلاة الشكر وقتان.
2- الضرورة مبتداء وما بعده خبرها ( راجع المبسوط ، ج 1 ص 72 ).

قد صلى عند الفجر من صلاة الليل اربع ركعات تم صلاتها على التخفيف وصلى الغداة ، وإذا قام إلى صلاة الليل ، وقد قرب طلوع الفجر خفف فيها واقتصر على قراءة الحمد وحدها.

ولا يجوز تقديم صلاة الليل في أوله إلا المسافر يخاف من فوتها ، أو شاب يخاف ان يمنعه من القيام آخر الليل رطوبة رأسه ، ولا ينبغي ان يجعل ذلك ، عادة وقضاء صلاة الليل من الغد أفضل من تقديمها في أول الليل.

ومن أدركه الفجر ولم يكن صلى شيئا من صلاة الليل جاز ان يصلى نافلة الفجر ما بينه وبين طلوع الحمرة من ناحية المشرق ، فاذا طلعت الحمرة كان عليه الابتداء بفريضته.

ومن ابتدأ بالصلاة قبل دخول الوقت ودخل الوقت وهو في شي ء منها وتمم باقيها فيه ، كانت صلاته مجزية ، فاما من صلى قبل دخول الوقت وفرغ من صلاة لم يكن مجزية.

فاما من صلى بعد خروجه فقد تقدم ذكره.

فاذا كنا قد ذكرنا الأوقات فينبغي ان نذكر ما يعرف به زوال الشمس.

* * *

« باب ما يعرف به زوال الشمس »

زوال الشمس يعرف بميزانها ، أو بالاسطرلاب وذلك مشهور.

فان لم يتمكن من يريد معرفة ذلك مما ذكرناه أمكن ان يعرفه بالدائرة الهندية (1) وصفة ذلك : ان يقصد لها أرضا مستوية البسطة (2) ، يدير فيها دائرة معتدلة ، ويأخذ عودا معتدلا - يكون طوله مثل نصف دنوها الى جانب الدائرة ويجوز ان

ص: 72


1- كذا في نسخة وفي أكثرها « الهندسية »
2- في نسخة « مستوية السطح » بدلها

يكون أطول قليلا - ويعمله غليظ الأسفل دقيق الرأس مثل السلة (1) - وينصبه في وسطها ، موضع مركزها وينظر ظله :

فإنه يجده في أول النهار ممتدا خارجا عن محيطها ، وكلما ارتفعت الشمس نقص الظل حتى يصير طرفه على محيطها ، وينبغي ان يرقبه : فاذا صار على محيطها ، أعلم عليه ثم يتركه فإنه لا يزال ينقص حتى يدخل الدائرة ويقصر بعد ذلك الى نصف النهار ثم يعود في الزيادة بعد نصف النهار.

فإنه ينبغي ان يرقبه قبل خروجه - في محيط الدائرة - وإذا صار طرف الظل عليها ، اعلم عليه ، ثم يخط خطا مستقيما من العلامة الاولى الى العلامة الثانية ، فيكون كالوتر لقوس ، ثم يقسم القوس الذي تحته بنصفين ، ويقسم الدائرة بمجموعها من نصف القوس أرباعا يتقاطع بخطين ، فيكون الخط الخارج من نصف القوس إلى أعلى الدائرة هو خط نصف النهار الممتد من الشمال الى الجنوب ، والخط القاطع له عرضا هو الخط الممتد من الشمرق الى المغرب ، وإذا تم ذلك وكان العود منصوبا في وسط هذه الدائرة والقى ظله على الخط الذي ذكرناه انه خط نصف النهار كانت الشمس في وسط السماء ، فإذا ابتدأ طرف رأس الظل يخرج عنه فقد زالت الشمس وذلك وقت الصلاة.

فإذا لم يتأت الإنسان عمل هذه الدائرة فليقصد إلى أرض معتدلة السطح ، فينصب فيها عودا بصفة العود الذي تقدم ذكره ثم يرقب ظله فإنه يكون في ابتداء النهار طويلا - ولما ارتفعت الشمس نقص الى ان تقف الشمس في وسط السماء فيقف الظل ثم يبتدئ في الزيادة - إلى جهة المغرب (2) ، فينبغي ان يرقبه حينئذ وكلما نقص ، اعلم عليه بنقط يضعها على رأس الظل - وكلما نقص فعل ذلك الى

ص: 73


1- السلة : السبد حيث يكون على شكل المخروط ، وفي بعض النسخ « رقيق الرأس ».
2- الظرف صفة ل- « طويلا »

ان تعين له الزيادة (1) على موضع النقطة التي انتهى إليها ، فإذا صار كذلك فقد زالت الشمس.

« باب ما يجوز الصلاة فيه من اللباس وما لا يجوز »

اللباس على ضربين : أحدهما ، تصح الصلاة فيه والأخر لا تصح ، فالذي تصح فيه على ضربين : أحدهما ، تصح فيه على كل حال والأخر مكروه.

فأما الذي تصح على كل حال : فهو جميع ما أنبته الأرض من أنواع الحشيش والنبات إذا عمل حتى يصح كونه ساترا ، وصوف كل حيوان يؤكل لحمه إذا ذكي ، وشعره ، وجلده ، ووبره ، والخز الخالص ، والثوب إذا كان لحمته قطنا أو كتانا والباقي إبريسم ، والخفان (2)

ولا بد من الاعتبار في جميع ذلك كونه طاهرا ، مع صحة التصرف فيه بملك أو إباحة ، لأنه متى لم يكن كذلك لم يصح فيه الصلاة.

واما المكروه فهو : الرداء إذ اشتمل اشتمال الصماء (3) والمئزر إذا شد فوق القميص ، والثوب إذا كان شفافا ، وثوب المرية للرجل ، ولقباء المشدود. وثوب شارب الخمر ومستحل النجاسات أو شي ء منها وان لم يعلم ان عليه النجاسة ، والنقاب للمرأة ، واللثام للرجل ، والتكة والقلنسوة وما يجرى مجراها مما لا يتم الصلاة به منفردا إذا كان على شي ء من ذلك نجاسة.

والثوب الأسود. والمقدم (4)

واما الذي لا تصح فيه على حال فهو : الإبريسم المحض ، وصوف ما لا يؤكل

ص: 74


1- أي الزيادة بعد الزوال
2- اللذان لهما الساق
3- اشتمال الصماء : هو ان يدخل الرجل ردائه تحت إبطيه ثم يجعل طرفيه على منكب واحد ، وفيه معان آخر ذكرت في مجمع البحرين.
4- الثوب المقدم بإسكان الفاء : المصبوغ بالحمرة صبغا مشبعا.

لحمه ، وشعره ، ووبره ، وجلده وان ذكي ودبغ ، وجلود الميتة كلها ، ما تصح عليه الزكاة منها وما لا تصح وان دبغت أيضا ، واللباس المغصوب.

وما كان من اللباس مغشوشا بوبر الأرانب وما أشبهها ، والفنك (1) والسمور والسنجاب ، والثوب المدبج (2) بالديباج أو الحرير المحض ، والشمشك (3) ، والنعل السندي.

وما عليه شي ء من النجاسة - إذا كانت الصلاة مما تتم به منفردا - وثوب الإنسان إذا كان عليه سلاح مشهر - مثل السيف أو السكين - وكذلك إذا كان في كمه مفتاح حديد الا ان يلفه بشي ء ، وإذا كان معه دراهم سود الا ان يشدها في شي ء ، والخاتم إذا كان فيه صورة ، وخلاخل النساء إذا كان لها صوت.

« باب ما تجوز عليه الصلاة من المكان « وما لا تجوز »

المكان على ضربين : أحدهما تجوز عليه الصلاة ، والأخر لا تجوز.

والذي تجوز الصلاة عليه على ضربين : أحدهما تجوز الصلاة عليه على كل حال والأخر مكروه ، فاما ما تجوز الصلاة عليه على كل حال فهو كل ما أطلق عليه اسم الأرض ، وكل ما أنبته إلا ما يؤكل ويلبس ، فان كانت الحال حال ضرورة جاز السجود على ثوب قطن أو كتان ، والاولى ترك ذلك.

ولا بد من الاعتبار - فيما ذكرناه - بصحة التصرف - بالملك ، والإباحة - فمتى لم يكن كذلك لم تكن الصلاة صحيحة.

واما المكروه فهو مرابط الدواب ، والإبل ، والبيت الذي فيه مجوسي أو غيره من الكفار ، والحمام ، وجوف الوادي ، وقرى النمل ، ومرابض الغنم ،

ص: 75


1- الفنك بفتحتين : يقال انه نوع من جزاء الثعلب الرومي وقيل فيه معنى أخر
2- دبجه. نقشه وزينه
3- الشمشك بضم الشين وكسر الميم : قيل انه المشاية البغدادية ( مجمع البحرين )

وجواد الطرق (1) وبيوت النيران ، والأرض السبخة ، وبين القبور ، والثلج ، والأجر ، والخشب (2) والحجر مع التمكن من الأرض ، والجص ، والبيع والكنائس وبيت شارب الخمر ، وذات الصلاصل ، ووادي ضجنان ، والبيداء ، ووادي الشقرة (3) والقرطاس المكتوب.

واما ما لا تجوز الصلاة عليه ، فهو ما انطلق (4) عليه اسم الأرض ولم يصح التصرف فيه بملك ولا اباحة.

ويلحق بهذا المكان إذا اذن صاحبه لغيره في المقام فيه ثم نهاه بعد ذلك عن المقام أو أمره بالخروج فلم يخرج واقام ، فإنه إذا كان كذلك ، وصلى والوقت متسع ، لم تصح الصلاة ، وان كان الوقت ضيقا صحت ، وكل ما أنبتته الأرض مما يؤكل ، ويلبس أو مما لا يؤكل ولا يلبس ، ولم يصح التصرف فيه بالملك أو بالإباحة. وان كان طاهرا ، وجلد كل حيوان يصح فيه الذكاة والصلاة ، أو لا يصح ، وشعره ووبره ، وصوفه ، والقير ، والذهب ، والفضة ، والمعادن ، وداخل الكعبة للفرائض وحدها ، لان النوافل يجوز صلاتها فيها.

« باب المساجد وما يتعلق بها »

المساجد أفضل المواضع والأمكنة التي يصلى فيها ، ولما كانت كذلك وجب ذكرها وما يتعلق بها.

ص: 76


1- الجادة : وسط الطريق. والجمع جواد مثل دابة ودواب ( مجمع البحرين )
2- في بعض النسخ « الخبث » بدل « الخشب ».
3- ذات الصلاصل : موضع خسف في طريق مكة ، ووادي ضجنان : جبل بناحية مكة ، والبيداء : موضع بين مكة والمدينة على ميل من ذي الحليفة نحو مكة ، ووادي الشقرة - بضم الشين وسكون القاف - موضع في طريق مكة.
4- كذا في جميع النسخ ومعناه : ذهاب اسم الأرض.

قال اللّه سبحانه ( إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) الاية (1) وروى عن النبي صلى اللّه عليه وآله انه قال من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى اللّه له بيتا في الجنة (2) وروى عنه صلى اللّه عليه وآله انه قال من كان القرآن حديثه والمسجد بيته بنى اللّه له بيتا في الجنة (3)

وروى عن الأئمة عليهم السلام ان الصلاة في المسجد الحرام بمأة ألف صلاة (4) والصلاة في مسجد النبي صلى اللّه عليه وآله بعشرة آلاف صلاة (5) والصلاة في بيت المقدس بألف صلاة وفي المسجد الأعظم بمأة صلاة ، وفي مسجد القبيلة بخمس وعشرين صلاة وفي السوق باثنتي عشرة صلاة ، وصلاة الرجل في بيته وحده صلاة واحدة (6) وصلاة الفرائض في المساجد أفضل منها في البيوت ، وصلاة النساء في بيوتهن أفضل منها في غيرها (7) وصلاة النوافل في البيوت أفضل من المسجد ولا سيما صلاة الليل.

بناء المسجد فيه ثواب عظيم ، وفضل جزيل ، وينبغي ان لا يعلى ولا يظلل ، ولا يزخرف ، ولا يشرف ، ومأذنة المسجد ينبغي ان تبنى مع حائطه ولا ترفع عليه ولا يبنى في وسطه ، ولا يجعل المحراب داخلا في بناء الحائط ، ومن أخذ من آلته شيئا من الحصى أو غيره وجب رده اليه أو الى غيره من المساجد ولا تنشد فيه الضالة.

ويجنب البيع والشرى وإنشاد الشعر ، ورفع الأصوات ، ودخول الصبيان والمجانين عليه ، واقامة الحدود فيه وبري ء النبل ، وسل السيوف ، وعمل الصنائع وينبغي للإنسان ان لا ينام فيه ، وإذا أكل شيئا من بصل أو ثوم لم يدخله ، حتى تزول رائحة

ص: 77


1- التوبة ، الاية 18
2- المستدرك ، ج 1 ، الباب 6 من أبواب المساجد ، الحديث 1 و 2 و 5
3- الوسائل ، ج 3 ، الباب 3 من أبواب أحكام المساجد ، الحديث 2
4- الوسائل ، ج 3 ، الباب 52 من أبواب أحكام المساجد : الحديث 5 و 7 و 8 و 10
5- الوسائل ، ج 3 ، الباب 57 من أبواب أحكام المساجد ، الحديث 2 و 3 و 4
6- الوسائل ، ج 3 ، الباب 64 من أبواب أحكام المساجد ، الحديث 2
7- الوسائل ، ج 3 ، الباب 30 ، الحديث 2 و 3 و 4

ذلك عنه ، وما ينبغي فعله من التيمم لمن أجنب في المسجد الحرام ، ومسجد النبي صلى اللّه عليه وآله قد ذكرناه فيما تقدم (1)

ومن أراد دخول المسجد فليمسح أسفل رجليه ، أو أسفل شمشكه ، أو خفه ، أو نعله ، أو ما يكون فيه ، ويقدم رجله اليمنى عند دخوله ، ويقول : بسم اللّه وباللّه ، اللّهم صل على محمد بن عبد اللّه وعلى آله ، وافتح لنا باب رحمتك واجعلنا من عمار مساجدك جل ثناء وجهك.

وإذا أراد الخروج قدم رجله اليسرى في ذلك ، ويقول : اللّهم صل على محمد وآل محمد ، وافتح لنا باب فضلك. وان أراد ان يبصق فليضع ذلك في أسفل ما يمشى به من شمشك أو غيره ، ولا يبصق في المسجد فان فعل ذلك فليدفنه في التراب ولا يدفن فيه ميت.

وتنظيف المساجد فيه فضل كثير ، وكذلك اسراجها ، ولا يكشف في شي ء منها عورة وإذا بنى الإنسان مسجدا في داره جاز له تغييره ، وتوسيعه وتضييقه ، وإذا استهدم المسجد فصار مما لا يرجى فيه الصلاة بخراب ما حوله وانقطاع الطريق عنه وكان له آلة جاز أن يستعمل فيما عداه من المساجد ، وإذا صار على هذه الصفة لم يعد ملكا على حال.

« باب الجماعة وأحكامها »

الاجتماع في الفرائض فيما عدا الجمعة مندوب اليه وفيه فضل كثير ، واما في الجمعة مع اجتماع الشروط فواجب ، وقد روى أن صلاة الرجل جماعة يزيد على صلاة من صلى وحده في الفضل بخمسة وعشرين صلاة (2) والأفضل للإنسان ان لا يترك الجماعة إلا لعذر والعذر على ضربين : أحدهما عام والأخر خاص فاما

ص: 78


1- لاحظ ص 48
2- الوسائل ، ج 5 ، الباب 1 من أبواب صلاة الجماعة ، الحديث 3

العام فهو : المطر ، والوحل ، والريح الشديد ، وما جرى مجرى ذلك ، واما الخاص فهو الخوف والمرض ، ومدافعة الأخبثين ، وفوات الرفاق ، وحضور الطعام مع شدة الحاجة إلى أكله ، أو خبز أو طبيخ يخاف على تلفهما ان تركهما ، أو يكون له عليل ، أو مريض شديد ، أو يغلبه النعاس الكثير يخاف من انتظار الجماعة عليه النوم وانتقاض الطهر فتفوته الصلاة ، أو إباق عبد أو هلاك مال ، أو ما يجرى مجرى ذلك.

وتنعقد الجماعة بشرطين أحدهما العدد ، والأخر الأذان والإقامة ، وأقل ما ينعقد به العدد ثلاثة أحدهم الامام ، وينبغي أن يعدل الصفوف ، ويكون بين كل صفين مربض عنز وما أشبه ذلك ، ولا يمكن أحد من الصبيان والعبيد ، والنساء والمخنثين من الوقوف في الصف الأول ، وإذا امتلأت الصفوف ووقف الإنسان وحده كان جائزا ، وإذا رأى الإنسان خللا في الصف فيستحب ان يسده بنفسه ، ويجوز للإنسان أن يقف بين الأساطين ، وإذا وقف الرجل بحيث يكون بينه وبين الامام ساتر من جدار وما جرى مجراه أو كان خلف المقاصير (1) التي ليست مخرمة (2) لم تكن صلاته جماعة ، وقد رخص للنساء في ذلك ، وأفضل الصفوف الصف الأول وما قرب من الامام ، وكان عن يمينه ، وإذا صلى في المسجد جماعة ، فإنه يكره ان تصلى فيه تلك الصلاة بعينها جماعة.

وان حضر قوم بعد الصلاة وأرادوا أن يصلوا جماعة وكانت الصفوف لم تنقض جاز أن يتقدم واحد منهم ويصلى بهم ، ولا يصلى بهم الذي كان أم الناس ولا يؤذن ولا يقام لها ، لأن الأذان والإقامة المتقدمة كافية في ذلك ، وان كانت الصفوف قد انقضت اذن واقام وصلى بهم.

* * *

ص: 79


1- المقاصير جمع المقصورة : والمراد بها مقام الإمام ، أي ما يحجر فلا يدخل فيه غيره ( راجع الجواهر ، ج 13 ، ص 156 )
2- المخرمة : ما فيها ثقب وانشقاق

« باب الإمامة وما يتعلق بها »

لا يجوز لأحد أن يتقدم في الصلاة على الإمام الأعظم ، فاما من عداه فيجوز تقديمه على غير الإمام الأعظم من الناس إذا جمع شروطا ، وهي : كونه حرا بالغا كامل العقل موثوقا بورعه ودينه سليما من العاهات والأسباب التي نذكرها « في من يؤم بمثله » واما من يؤم بمثله ، ولا يؤم بغيره من الأصحاء السليمين ، فهو الأبرص ، والمجذوم ، والمفلوج ، والزمن ، فهؤلاء كما ذكرناه لا يؤم واحد منهم الا بمن كان بمثله ، ولا يؤم بمن يخالفه في الصحة والسلامة ، ولا يؤم العبيد بالاحرار ، الا ان يكونوا ساداتهم إذا كان العبد أقرأهم ، ولا تؤم المرأة الرجال ، ويجوز ان تؤم النساء ولا يؤم الأعرابي المهاجرين ، ويجوز ان يؤم بغيرهم ، ولا يؤم المتيمم بالمتوضين ويجوز أن يؤم المتيممين ولا يؤم المسافر الحاضرين ويؤم المسافرين وقد ذكر أن إمامته للحاضرين جائز الا أنها مكروهة وعلى هذا الوجه ان أم بالحاضرين فينبغي له إذا تمم فرضه سلم وقدم غيره من الحاضرين ليتم الصلاة بهم.

ولا يجوز امامة كل من خالف الحق بمذهب ، أو دين ، ومن يتظاهر بولاية أمير المؤمنين على بن ابى طالب عليه السلام ولا يتبرء من أعدائه ، وولد الزنا والفاسق والمحدود وان كان موافقا في الاعتقاد والأعمى إذا لم يسدده من خلفه ، فان سدده (1) كانت إمامته جائزة ، ومن لم يكن من الصبيان بالغا لم تجز إمامته ، وقد ذكر في ذلك عاق والدية وقاطع رحمه والأغلف.

وإذا حضر الصلاة من نصبه الإمام الأعظم لم يتقدم أحد عليه وإذا حضر رجل من بنى هاشم وهو على الشرائط التي قدمنا ذكرها ، فينبغي تقديمه ، ولا يتقدم أحد على أميره ، ولا على من هو في مسجده ، أو منزله الا أن يقدم ، ويتقدم اقرء الجماعة

ص: 80


1- بأن يوجهه إلى القبلة.

فإن استووا فأكبرهم سنا ، فاذا استووا فأصبحهم وجها ويكره لمن يؤم بالناس ان يصلى في محراب داخل في الحائط ، وإذا قامت الصلاة وكانت مما يصلى بإمام لم تجز صلاة النوافل في هذا الحال ، ولا يجوز للإمام أن يصلى بالناس جالسا الا ان يكونوا عراة فإنهم إذا كانوا كذلك صلوا جلوسا وتقدمهم الامام بركبتيه ، ولا يجوز ان يكون موضع وقوف الإمام أعلى من موضع المأمومين بما يعلم تفاوته ، ويجوز ان يكون موضع المأمومين أعلى من موضع الامام.

وإذا حضر لصلاة الجماعة اثنان بغير زيادة عليهما فليقف أحدهما عن يمين الأخر ويصليان ، ومتى أم من يصح تقدمه بغيره في صلاة جهرة وقرء ، فلا يقرء المأموم بل تسمع قراءته فان كان لا يسمع قراءته كان مخيرا بين القراءة وتركها ، وان كانت صلاة أخفاه فيستحب للمأموم أن يقرء فاتحة الكتاب وحدها. ويجوز ان يسبح اللّه تعالى ويحمده.

وإذا أم من لا يجوز الاقتداء به فعلى من خلفه ممن يأتم به القراءة على كل حال جهر الامام بالقراءة أو لم يجهر ، وإذا رأى إنسان رجلين يصليان ونوى الائتمام بواحد منهما غير معين لم تصح صلاته ، وإذا رأى اثنين يصليان ، أحدهما مأموم والأخر امام فنوى الائتمام بالمأموم لم تصح صلاته وإذا صلى رجلان فذكر كل منهما انه امام صحت صلاتهما ، وان ذكر كل واحد منهما أنه مأموم لم تصح صلاتهما ، وكذلك ان شكا ولم يعرف كل واحد منهما أنه مأموم لم تصح صلاتهما أيضا ولا يؤم الأمي بقارئ ، والأمي هو الذي لا يحسن قراءة الحمد ، والأمي يجوز أن يأتم بالأمي ومن صلى خلف من لا يأتم به فعليه أن يقرأ لنفسه ، وأقل ما يجزى الإنسان قراءة الحمد وحدها.

ومن صلى خلف من لا يقتدى به وكان عليه تقية ولم يتمكن من قراءة أكثر منها كان جائزا ويجزيه أيضا ان كان عليه تقية ان يكون قراءته مثل حديث النفس ولا يجوز له ترك القراءة على حال ، وإذا سبق الإمام الذي لا يقتدى به الى الفراغ

ص: 81

من السورة فالأفضل ان يبقى منها آية فإذا وصل الامام إليها تممها هو بذلك معه ، فاذا فرغ منها قبله فينبغي له ان يسبح اللّه تعالى ويحمده الى حين فراغه من القراءة

ومن أدرك تكبيرة الركوع فقد أدرك تلك الركعة ، وان لم يدركها فقد فاتته وإذا سمع تكبيرة الركوع قبل وصوله الى الصف فليركع ويمشى وهو كذلك حتى يصل الى الصف ويتم ركوعه ، وإذا رفع الإمام رأسه من الركوع فليسجد ، فاذا نهض إلى الثانية فيلحق بالصف ، فاذا خاف الإنسان من فوت الركوع أجزأه ان يكبر تكبيرة واحدة للافتتاح والركوع ، وان كان لا يخاف من ذلك كبر تكبيرتين واحدة للافتتاح والأخرى للركوع ومن فاته مع الإمام ركعة أو ركعتان جعل ما يدركه معه أول صلاته ، فاذا سلم الامام قام هو ويتمم ما فاته.

وينبغي للإمام ان يسمع من خلفه الشهادتين ، وإذا اقتدى إنسان بغيره في صلاته لم يجز له ان يرفع رأسه قبل رفع رأسه من ركوع ولا سجود ، فان فعل ذلك ناسيا عاد الى الركوع أو السجود حتى يرفع رأسه مع الامام ، وان تعمد ذلك لم يرجع الى الركوع ولا السجود ، بل يقف حتى يلحقه الامام ، وان كان الامام لا يقتدى به وفعل ذلك معه ، فلا يرجع اليه ، متعمدا كان في ما فعله أو ناسيا ، فان عاد اليه كان قد زاد في صلاته ، وذلك لا يجوز.

ومن لحق الامام وقد رفع رأسه من الركوع سجد معه ولم يعتد بتلك السجدة. ويجوز له ان يقف حتى يقوم الإمام إلى الثانية ومن لحقه وهو في التشهد جلس معه حتى يسلم ، فاذا سلم قام هو واستأنف الصلاة. والامام إذا علم بدخول قوم الى المسجد وهو في الركوع ، أطال فيه حتى يلحقوا به في ذلك.

وإذا سلم الإمام فينبغي ان يسلم تسليمة واحدة تجاه القبلة ، ويشير بمؤخر عينه اليمنى بها الى جهة يمينه. ولا يزول من موضع صلاته حتى يتم من فاته شي ء من الصلاة خلفه (1) ، ما فاته منها ومن لم يكن صلى الظهر ثم دخل مع الإمام في صلاته

ص: 82


1- في النسخ التي بأيدينا زيادة « واو » هنا.

العصر لم يجز أن يصليها عصرا ولا أن يقتدى به ، فان نوى انها له ظهر كان جائزا.

ومن كان اماما ثم أحدث في الصلاة حدثا ينقض الطهارة أو يقطعها ، فينبغي ان يقدم غيره ليتم الصلاة بالناس ، ويستحب ان يكون هذا الذي يقدم ممن قد شهد الإقامة للصلاة ، فان لم يكن كذلك جاز تقديمه على كل حال ، وان كان ممن قد فاته من الصلاة ركعة أو ركعتان كان أيضا جائزا غير أنه إذا صلى بهم تمام صلاتهم أومأ بالتسليم لهم إيماء ، أو قدم من يسلم بهم ثم يقوم هو فيتمم الباقي له من الصلاة

والامام إذا مات فجأة أزيل من القبلة وقدم من يتمم الصلاة بالناس.

وإذا دخل إنسان في صلاة نافلة ثم أقيمت الصلاة كان له قطعها ، والدخول في الجماعة ، وإذا كان في فريضة كان له قطعها إذا كان الإمام إمام الأصل وإذا لم يكن الإمام إمام الأصل وكان ممن يقتدى به تمم صلاته التي هو فيها ركعتين على التخفيف ويعدهما نافلة ، وان كان ممن لا يقتدى به بنى على ما هو فيه ، ودخل معه في الصلاة ، فاذا فرغ من صلاته سلم ثم قام مع الامام وصلى ما بقي له معه واعتده أيضا من النافلة وإذا اتفق قيام الإمام في حال تشهده اقتصر فيه على الشهادتين وسلم قائماً.

وإذا كان الامام مخالفا في الاعتقاد وقرأ سورة سجدة ولم يسجد فينبغي ان تومئ أنت بالسجود إيماء ومن اضطر الى التسليم قبل ان يسلم الامام جاز له الخروج

ومن صلى بقوم الى غير القبلة ومن خلفه عالم بذلك كان على الجميع إعادة الصلاة فان لم يكن الذين خلفه عالمين بذلك لم يكن عليهم اعادة وكانت الإعادة على الامام وحده.

« باب ستر العورة »

سترها في الصلاة على ضربين ، أحدهما عورة الرجال والأخر عورة النساء فأما عورة الرجال فهي من السرة إلى الركبتين وأقل ما يجزى في ستر العورة مئزر وما أشبهه

ص: 83

مما إذا استتربه واسبل (1) به ستر الركبتين ، فقد ذكر أن الواجب ستر القبل والدبر وما عدا ذلك مستحب ، وما ذكرناه هو الأحوط ، فاما عورة النساء فهي جميع أبدانهن إلا رءوس المماليك ومن لم تبلغ من الحرائر : فإن هؤلاء يجوز لهن كشف رءوسهن في الصلاة والأفضل لهن سترها ، وأقل ما يجزى البالغ من الحرائر درع يسترها الى قدميها وخمار ، والمماليك ومن ليس ببالغ درع يستر الى القدمين ، والأفضل التجمل باللباس للصلاة مع القدرة على ذلك والتمكن منه والأفضل للرجال إذا أراد الصلاة ان يرتدي ويلبس العمامة محنكا في صيف كان أو في شتاء.

« باب القبلة »

القبلة هي الكعبة ، والعلم بها واجب مع التمكن للتوجه إليها في فرائض الصلاة وسننها ، واحتضار الموتى من الناس ، وغسلهم ، والصلاة عليهم ، ودفنهم والذبائح.

فكل من شاهد الكعبة وجب عليه التوجه إليها ، فان لم يشاهدها وشاهد المسجد الحرام وجب عليه التوجه الى المسجد الحرام وان لم يشاهد الكعبة ولا المسجد الحرام وجب عليه التوجه الى الحرم سواء كان مشاهدا له أو لم يكن كذلك ، وما قدمناه في معرفة زوال الشمس به ، يعرف به جهة القبلة ، لأن الشمس إذا زالت مالت (2) من بين عيني الإنسان حتى تصير على حاجبه الأيمن كان متوجها إليها ، وإذا كان في الليل كان متوجها إليها بأن يجعل الجدي على منكبه الأيمن ، وان كان عند طلوع الفجر جعله على يده اليسرى.

ص: 84


1- في بعض النسخ « اسئل ».
2- مراده « رحمه اللّه » انه إذا زالت الشمس ووقعت بين عيني الإنسان انحرف الإنسان في تلك الساعة إلى اليسار حتى جعلت الشمس على حاجبه الأيمن فحينئذ كان مواجها إلى القبلة ، وهذا منطبق على من كان في الشام والضمير في « إليها » في الموردين إلى القبلة

وإذا تقدمت له المعرفة بجهة القبلة امكنه أيضا ان يعرف زوال الشمس بان يتوجه إليها فيرى الشمس على حاجبه الأيمن. (1)

ويمكن ان يعرف ذلك بان يجعل الإنسان منكبه الأيمن بإزاء المغرب والأيسر بإزاء المشرق ثم ينظر الشمس ، فاذا رآها قد زالت وصارت (2) على حاجبه الأيمن كان متوجها الى القبلة ، فإن كان عارفا بالجهة التي تنتهي الشمس إليها في الصيف ثم ترجع (3). وعارفا بالجهة التي إذا رجعت انتهت ثم عادت ، وكذلك في جهتي انتهائها في المغرب ورجوعها ، ثم تحرى (4) جهة الوسط بان يجعل منكبه بإزاء الوسط من الجهتين المذكورتين في المغرب ومنكبه الأيسر بإزاء الوسط من الجهتين المذكورتين في المشرق. ثم توجه إلى جهة الجنوب ، فإنه إذا وقف كذلك ووجد الشمس قد زالت وصارت على حاجبه الأيمن عرف بذلك الزوال وكان متوجها الى القبلة.

وإذا أطبقت السماء بالغيم ، وحضر وقت الصلاة ، ولم يتمكن المكلف من المعرفة بجهتها ولأغلب في ظنه ذلك ، صلى إلى أربع جهات ، الصلاة بعينها اربع صلوات ، فان لم يتمكن من ذلك لخوف أو غيره من الضرورات ، صلى الى أى جهة أراد والمحبوس إذا كان لا يتمكن من المعرفة بجهة القبلة ، كان حكمه ما قدمناه ومن كان على سطح الكعبة فعليه ان ينزل ويتوجه إليها فان لم يتمكن من ذلك لضرورة استلقى على ظهره ونظر الى السماء وصلى إليها ، وقد ذكر أنه إذا فعل ذلك كان متوجها الى البيت المعمور (5).

ص: 85


1- هذا أيضا منطبق على من كان في الشام.
2- يعنى ينحرف الإنسان إلى اليسار حتى تصير الشمس على حاجبه الأيمن.
3- المراد هي النقطة العليا في القوس الصعودي لمشارق الشمس في أول الصيف - وكذا ما بعده في القوس النزولى - في أول الشتاء -
4- كذا في النسخ والظاهر ان الصحيح « تحرى » بمعنى اختار والمراد بوسطهما المغرب والمشرق الاعتداليين.
5- الوسائل ج 3 ، الباب 19 من أبواب القبلة ، الحديث 2.

وإذا اجتمع قوم غير عارفين بجهة القبلة بشي ء من الوجوه التي ذكرناها وأرادوا أن يصلوا جماعة جاز لهم ذلك بأن يقتدوا بواحد منهم إذا كانت أحوالهم متساوية في التباس القبلة عليهم. فان غلب في ظن بعضهم جهة القبلة وتساوى ظن الباقين كان ذلك أيضا جائزا لهم بان يقتدوا به ، لان فرضهم الصلاة الى الجهات الأربع مع التمكن والى واحدة منها مع الضرورة ، وهذه الجهة واحدة من ذلك

فان اختلف ظنونهم وادي كل واحد منهم اجتهاده إلى القبلة في خلاف الجهة التي ظن الأخر انها بها ، لم يجز ان يقتدى واحد منهم بالآخر. وإذا وجب على قوم منهم الصلاة الى أربع جهات جاز لهم الصلاة جماعة ، ويقتدى كل واحد منهم بصاحبه في الجهات الأربع.

ومن دخل الى غير بلده من البلدان أو المواضع جاز له ان يصلى الى قبلة ذلك البلد أو الموضع الذي دخل إليه ، فإن علم أو غلب على ظنه ان تلك القبلة غير صحيحة لم تجز له الصلاة إليها وكان عليه ان يجتهد في طلب القبلة - بأحد الوجوه التي ذكرناها - ثم يتوجه إليها.

ومن لا يحسن الاعتبار في طلب جهة القبلة بشي ء مما ذكرناه ، وأخبره عدل بأن القبلة في جهة معينة جاز له الرجوع في ذلك الى قوله.

« الصلاة على الراحلة وما يلحق بها »

والمسافر إذا كان ماشيا لم يجز له أن يصلى الا وهو مستقبل القبلة ، فإن كان على راحلة لم يجز له مع الاختيار ان يصلى الا كذلك (1) ، فان كان مضطرا أو غير متمكن من النزول عنها جاز ان يصلى عليها بعد ان يستقبل القبلة ويجوز صلاة النوافل في السفر على الراحلة وان كان المسافر مختارا بعد ان يستقبل القبلة ، فان لم يمكنه ذلك استقبلها بتكبيرة الإحرام ثم يصلى كيف ما توجهت به راحلته ، وكذلك الماشي إذا لم يتمكن من استقبالها في جميع صلاته.

ص: 86


1- اى كالماشي ، وفرضها استقبال القبلة واقفا.

ومن كان في سفينة وهو متمكن من ان يدور إلى القبلة - إذا دارت هي في خلاف جهتها - فعل ذلك ، فان لم يتمكن من ذلك صلى الى صدر السفينة بعد ان يستقبلها بتكبيرة الإحرام.

ومن كان في حرب شديد ومسائفة وخوف من ذلك لا يتمكن معه من استقبال القبلة سقط عنه فرض الاستقبال لها وكانت صلاته على ما سنذكره في باب صلاة الخوف ان شاء اللّه تعالى.

ومن كان عالما بدليل القبلة ثم التبس عليه ذلك لم يجز له ان يقلد غيره في الرجوع الى واحدة من الجهات الأربع التي كلف الصلاة إليها مع الالتباس ، فان كان به ضرورة صلى الى اى جهة أراد ، فإن قلد غيره في حال الضرورة دون الاختيار كان جائزا إذا كانت الجهة التي يقلد فيها غير (1) فمخير في الصلاة إليها أو الى غيرها.

ولا يجوز للمكلف قبول قول غير العدل في شي ء من الجهات مسلما كان أو كافرا.

ومن صلى إلى جهة من الجهات ثم بان له انه قد صلى الى غير القبلة ، وكان الوقت باقيا كان عليه إعادة الصلاة. فإن كان قد اقتدى به في هذه الصلاة أعمى أو قبل قوله فيها ولم يقتد به كان عليه أيضا الإعادة ، وان كان الوقت قد انقضى لم يكن عليه إعادة الا ان يكون قد صلى مستدبر القبلة ، فحينئذ تكون عليه الإعادة.

والضرير (2) إذا دخل في صلاة إلى جهة بقول واحد من الناس ثم ذكر له آخر ان القبلة في غير تلك الجهة كان عليه ان يأخذ بقول أعدلهما عنده ، فان تساويا في العدالة مضى في صلاته.

ص: 87


1- الظاهر سقوط الضمير ، المضاف اليه.
2- الضرير : ذاهب البصر

وإذا دخل الأعمى في صلاة إلى جهة بقول بصير ثم أبصر ورأى علامات القبلة وأماراتها صحيحة بنى على صلاته ، فان افتقر - حين أبصر - إلى تأمل كثير وطلب الأمارات ومراعاة لذلك كان عليه استئناف الصلاة ، وهو الأحوط من قول من قال : بأنه يمضي في ذلك. ومن توجه في الصلاة الى جهة وهو بصير ثم عمى عليه كان عليه المضي فيها ، فان انحرف عنها انحرافا لا يمكنه معه الرجوع إليها كان عليه استئنافها من لفظها (1) ويعمل على قول من يسدده إلى جهة القبلة.

« باب الأذان والإقامة وأحكامهما »

الأذان والإقامة على ضربين : واجب ومندوب ، فالواجب هو ما يتعلق منهما بصلاة الجماعة على الرجال ، واما المندوب فهو ما يتعلق منهما بغير صلاة الجماعة على ما ذكرناه.

وفصولهما على ضربين أحدهما فصول الأذان والأخر فصول الإقامة ، فأما فصول الأذان فثمانية عشر فصلا ، وهي اللّه أكبر ، اللّه أكبر ، اللّه أكبر ، اللّه أكبر ، اشهد ان لا إله إلا اللّه ، اشهد ان لا إله إلا اللّه ، اشهد ان محمدا رسول اللّه ، اشهد ان محمدا رسول اللّه ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، حي على خير العمل ، حي على خير العمل ، اللّه أكبر ، اللّه أكبر ، لا إله إلا اللّه ، لا إله إلا اللّه.

واما فصول الإقامة فهي سبعة عشر فصلا وهي مثنى من أولها ، فإذا قلت حي على خير العمل قلت : قد قامت الصلاة مرتين ، فاذا قلت بعد ذلك اللّه أكبر قلت : لا إله إلا اللّه مرة واحدة.

واعلم ان الأذان والإقامة مشدد فيهما على وجه التأكيد على من صلى شيئا

ص: 88


1- : الظاهر ان المراد استئناف الصلاة من رأس.

من الصلوات الخمس منفردا ، والإقامة في ذلك أشد تأكيدا من الأذان ، ومن صلى جماعة بغير أذان ولا اقامة كانت صلاته صحيحة غير ان فضل الجماعة ليس بحاصل له وهما أيضا مؤكدتان فيما يجهر فيه المصلى بالقراءة إذا كان منفردا وما يتعلق به صلاتا المغرب والفجر من ذلك آكد من غيرهما على المنفرد.

ولا يجوز الأذان والإقامة للنوافل والأفضل لمن صلى قضاء لشي ء من الصلوات الخمس ان يؤذن كذلك ويقيم - حسب ما كان فعله - في الصلاة التي يقضى عنها وإذا دخل المصلى في صلاة بغير أذان ولا إقامة فالأفضل له الرجوع ، ويؤذن ويقيم ثم يدخل في الصلاة ، فإن كان قد ركع لم يجز له ذلك ، ومضى في صلاته.

والتثويب والترجيع عندنا ليسا بمسنونين في الصلاة ، والترجيع هو التكرار للتكبير والشهادتين في أول الأذان ، والتثويب هو قول : الصلاة خير من النوم.

والترتيب واجب في الأذان والإقامة ، وهو ان يبتدأ بالتكبير ، ثم شهادة ان لا إله إلا اللّه ، ثم شهادة ان محمدا رسول اللّه ، ثم حي على الصلاة ، ثم حي على الفلاح ، ثم حي على خير العمل ، ثم التكبير ، ثم التهليل على ما ذكرناه ، وان كان في الإقامة أتى بعد « حي على خير العمل » بذكر الإقامة ، وبعد ذلك بالتكبير ثم التهليل ومتى اذن أو أقام بغير ترتيب كان عليه اعادة ذلك وان اذن واقام قبل دخول الوقت أعادهما أيضا.

ويجب على المصلى - جماعة - استقبال القبلة في حالهما ، وان يكون قائماً إلا لضرورة تمنعه من ذلك.

وينبغي للمصلي أن يرتل ألفاظ الأذان ويحدر (1) الإقامة ، ويقف على فصولهما ، ولا يعرب شيئا من ذلك ويجوز للنساء أن يؤذن ويقمن من غير ان يسمعن الرجال أصواتهن. ويجوز تقديم الأذان قبل دخول الوقت في صلاة الغداة فإذا دخل الوقت لم يكن بد من إعادته ، وينبغي رفع الصوت في الأذان ولا ينتهي في

ص: 89


1- أي يسرع

ذلك الى حد يبطله ، ويجوز الكلام في حال الأذان ويكره في الإقامة ، وان تكلم بها استحبت له الإعادة وكذلك يستحب له الإعادة إذا عرض له الإغماء أو النوم ثم أفاق أو استيقظ ومن اتى ببعض الأذان ثم ارتد وعاد إلى الإسلام فعليه استئنافه ، ومتى تمم الأذان ثم ارتد بعد ذلك جاز لغيره ان يأتي بالإقامة.

ومن جمع بين صلاتين جاز له ان يؤذن ويقيم للأولى ثم يقيم للثانية ويجوز ان يصلى ما شاء من الصلوات الخمس بالإقامة دون الأذان وان لم يجمع بين اثنين منها. ولا يجوز الأذان والإقامة إلا لصلوات الخمس فاما غير ذلك من سائر الصلوات على اختلافها فلا يجوز الإتيان بهما في ذلك.

وليس على النساء أذان ولا إقامة ، فان اذن وأقمن كان أفضل ولا يسمعن الرجال أصواتهن كما قدمناه.

ويستحب لمن اذن أو أقام أن يقول في نفسه عند حي على خير العمل : آل محمد خير البرية مرتين ، ويقول في نفسه إذا فرغ من (1) قوله حي على الصلاة لا حول ولا قوة إلا باللّه ، وكذلك يقول عند قوله حي على الفلاح ، وإذا قال : قد قامت الصلاة قال اللّهم أقمها وأدمها واجعلني من خير صالحي أهلها عملا ، وإذا فرغ من قوله قد قامت الصلاة قال : اللّهم رب هذه الدعوة التامة ، والصلاة الدائمة (2) أعط محمدا سؤله يوم القيامة ويلغه الدرجة والوسيلة من الجنة وتقبل شفاعته في أمته.

ومن اذن واقام فينبغي ان يفرق بينهما بجلسة يمس فيها بيده الأرض أو بسجدة أو خطوة ، الا ان يكون ذلك لصلاة المغرب ، فإنه لا يفرق بينهما بسجدة ويستحب لمن سمع الأذان والإقامة ان يقول في نفسه كما يسمع منه.

وينبغي (3) ان يكون المؤذن مأمونا عارفا بالأوقات ، ولا يجوز أخذه الأجرة

ص: 90


1- في بعض النسخ زيادة « صلاة » والمراد لفظ الصلاة الواقعة في « حي على الصلاة »
2- في بعض النسخ « القائمة » بدل « الدائمة ».
3- في بعض النسخ « يستحب » بدل « ينبغي »

على ذلك الا ان يكون من بيت المال ، وإذا تشاح الناس على الأذان أقرع بينهم لما روى عن النبي صلى اللّه عليه وآله ثلاثة لو علمت أمتي ما فيها لضرب عليها بالسهام : الأذان ، والغدو إلى الجمعة ، والصف الأول (1).

وإذا دخل قوم الى المسجد وقد صلى الناس جماعة وأرادوا أن يصلوا جماعة لم يكن عليهم أذان ولا اقامة ، هذا إذا لم يكن الناس قد انصرفوا من صلاة الجماعة وان كانوا قد انصرفوا أذنوا وأقاموا وإذا صلى إنسان خلف من لا يقتدى به ، اذن واقام فإن صلى خلف من يأتم به لم يكن عليه أذان ولا اقامة. ومن أحدث في حال الأذان كان عليه اعادة الوضوء والبناء على ما تقدم ، وان كان ذلك منه حال الإقامة أعاد الوضوء واستأنفها. ويكره ان يؤذن الإنسان وهو راكب أو ماش مع الاختيار ، ويجوز ان يؤذن وهو على غير طهارة ، ولا يقيم الا وهو على طهارة.

* * *

كيفية الصلاة على ضربين : أحدهما كيفية صلاة اليوم والليلة والأخر كيفية ما عدا ذلك من الصلوات وكيفية صلاة اليوم والليلة على ضربين : أحدهما كيفية صلاة المختار والأخر كيفية صلاة المضطر.

إذا كان المكلف بالصلاة مختارا ودخل الوقت ، فينبغي ان يتطهر للصلاة ان كان محدثا ، ثم يتوجه إلى القبلة وهو قائم مع تمكنه من ذلك ، ويؤذن فاذا فرغ من ذلك سجد ، وقال في سجوده. لا إله إلا أنت ربي سجدت لك خاضعا خاشعا فصل على محمد وآل محمد ، وارحمني وتب على انك أنت التواب الرحيم ، ويرفع رأسه ويقيم الصلاة فإن فرق هاهنا بين الأذان والإقامة بخطوة أو جلسة كان جائزا الا ان يكون صلاة المغرب فلا يفرق كما قدمناه في باب الأذان فإذا استوى

ص: 91


1- جامع أحاديث الشيعة ج 4 ، الباب 2 من أبواب الأذان والإقامة ، ص 628 الحديث 14.

قائماً فرق بين قدميه بمقدار شبر أو أربع أصابع ، فإن كان المصلي امرأة جمعت بين قدميها ، ولا يلتفت المصلى ، يمينا ولا شمالا ، ويكون على خشوع وخضوع وتذلل لله سبحانه ، ثم يفتتح الصلاة بسبع تكبيرات ، ويعقد النية كذلك في حال الابتداء بالدخول فيها ويبتدئ بالتكبيرة الاولى فيقول : اللّه أكبر ، ويرفع يديه مع التكبير باسطا كفيه مفرجا بين إبهاميه ومسبحتيه حيال شحمتي أذنيه ولا يتجاوز بذلك أطراف أصابعه. ثم يرسلهما - إذا كبر - على فخذيه ثم يرفعهما ، ويكبر ثانية وثالثة كذلك فاذا فرغ من الثالثة دعا فقال « اللّهم أنت الملك الحق المبين ، لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوء وظلمت نفسي فاغفر لي انه لا يغفر الذنوب إلا أنت ثم يكبر تكبيرتين يكمل بهما خمس تكبيرات ، ويفعل فيهما كما فعل في التكبير المتقدم ، ثم يقول : بعد الخامسة : « لبيك وسعديك ، والخير كله في يديك والمهدى من هديت ، عبدك وابن عبديك ، لا ملجأ ولا منجا ولا ملتجأ منك إلا إليك سبحانك وحنانيك ، تباركت وتعاليت سبحانك رب البيت الحرام » وإذا فرغ من ذلك كبر تكبيرتين يكمل بهما سبع تكبيرات ثم يرسل يديه الى فخذيه بعد السابعة وان كان امرأة وضعت أطراف أصابع يدها اليمنى على ثديها الأيمن ، واليسرى على الأيسر وقال : « ( وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً ) مسلما على ملة إبراهيم ودين محمد (صلی الله عليه وآله) ومنهاج على بن ابى طالب ( وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ ) وانا من المسلمين أعوذ باللّه السميع العليم من الشيطان الرجيم ( بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) .

ويقرء الحمد وسورة ويفتحها ب- ( بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) فاذا فرغ من قراءة الحمد ، فلا يقول آمين كما يفعله العامة ويجعل نظره في حال قيامه الى موضع سجوده ولا يضع يمينه على شماله ويخافت بقراءة السورتين في الظهر والعصر الا ببسم اللّه الرحمن الرحيم ، فإنه يجهر بها في كل صلاة ، ويجهر بالقراءة في صلاة العشائين والغداة ، فاذا فرغ من قراءة السورة الثانية رفع يديه بالتكبير للركوع فاذا كبر

ص: 92

ركع ووضع باطن كفيه على عيني ركبتيه مفرجات الأصابع وسوى ظهره ومد عنقه وغمض عينيه ، فان لم يغمضها جعل نظره الى ما بين قدميه وان كان امرأة لم تنحن (1) كثيرا ووضعت يديها على ثدييها.

ويسبح ويقول : سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثا أو خمسا أو سبعا وما زاد على المرة الواحدة فهو أفضل ، فاذا فرغ من التسبيح استوى قائماً ، وقال سمع اللّه لمن حمده ، الحمد لله رب العالمين أهل الجود والكبرياء والعظمة ، ثم يرفع يديه بالتكبيرة فاذا فرغ أرسل نفسه للسجود وتلقى الأرض بيديه قبل ركبتيه وبسطهما على الأرض ، وجعل أطراف أصابعه مما يلي وجهه جهة القبلة وان كان امرأة جلست قبل السجود. ويسجد معلقا على أعضاء مخصوصة من جسده وهي : جبهته وطرف انفه وكفاه وركبتاه وإبهاما رجليه ، ولا يضع بعض جسده على بعض ولا يلصق بطنه بفخذيه ولا فخذيه بساقية ، ويجعل نظره الى طرف أنفه - فإن كان امرأة سجدت لاطئة بالأرض وضمت ذراعيها الى عضديها وعضديها الى جنبيها وفخذيها الى بطنها.

ثم بقول : « اللّهم لك سجدت ولك خشعت وبك آمنت وعليك توكلت ، ولك أسلمت ، وأنت ربي ، سجد لك وجهي ، وقلبي ، وسمعي ، وبصري ، وجميع جوارحي ، سجد وجهي للذي خلقه وصورة وشق سمعه وبصره »

ويسبح فيقول « سبحان ربي الأعلى وبحمده » مرة واحدة أو ثلاثا وما زاد على ذلك كان أفضل ، فإذا أكمل التسبيح رفع رأسه ثم استوى جالسا.

وقال : اللّه أكبر ، وليكن جلوسه على فخذه الأيسر ، ويضع ظاهر قدمه الأيمن على باطن الأيسر ويجعل نظره الى حجره ، وان كانت امرأة جلست على اليتيها رافعة ساقيها وضمت فخذيها ، وجعلت باطن قدميها على الأرض.

وقال في جلوسه ، « اللّهم اغفر لي وارحمني وادفع عنى وأجرني إني لما

ص: 93


1- في النسخ « لم تنحى » ولعله تصحيف والصحيح ما أثبتناه.

أنزلت الى من خير فقير ، ثم يكبر تكبيرة للسجدة الثانية ، ويرفع يديه جميعا ، ويسجد ويفعل في سجوده كما فعل في السجدة الاولى ويرفع رأسه بالتكبير ويجلس كما جلس أولا فإذا استقر كل عضو منه قام إلى الركعة الثانية بغير تكبير ، بل يقول بحول اللّه وقوته أقوم واقعد.

وان كانت امرأة لم ترفع عجيزتها أو لا بل تنسل انسلالا ، فاذا استوى قائماً افتتح القراءة ببسم اللّه الرحمن الرحيم وقرأ الحمد ، وسورة يفتتحها أيضا ب- « ( بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) » فاذا فرغ من قراءة السورة الثانية رفع يديه بالتكبير وبسطهما ، وجعل باطنهما الى السماء وظاهرهما فيما يلي الأرض.

ويقنت فيقول : « لا إله إلا اللّه الحليم الكريم ، لا إله إلا اللّه العلى العظيم ، سبحان اللّه رب السموات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ، اللّهم صل على محمد وآل محمد وعافني واغفر لي واعف عنى وآتني في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا برحمتك عذاب النار » ثم يدعو بما أراد من حوائج الدنيا والآخرة

فاذا فرغ من القنوت ركع وسجد وفعل في ركوعه وسجوده مثل ما فعل فيما تقدم ، فاذا فرغ من ذلك جلس للتشهد كما جلس بين السجدتين ويضع كفيه على فخذيه ، ويكون أطراف أصابعهما دون عيني ركبتيه ويجعل نظره الى حجره ويتشهد ويقول : بسم اللّه وباللّه والأسماء الحسنى كلها لله اشهد ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة اللّهم صل على محمد وآل محمد وتقبل شفاعته في أمته وارفع درجته.

ثم تسلم ان كانت الصلاة ثنائية ، وان كانت ثلاثة ، أو رباعية لم يسلم ونهض بغير تكبير ، بل يقول بحول اللّه وقوته أقوم واقعد ، ويتم ما بقي عليه من الركعات ويفعل فيها كما فعل في الركعتين الأولتين إلا القراءة ، فإنه لا يقرأ في ثالثة ولا رابعة بسورتين بل يقتصر على الحمد وحدها ، أو يسبح ثلاث تسبيحات ، يقول في كل واحدة منها :

ص: 94

سبحان اللّه والحمد لله ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر ، فإذا فعل ذلك جلس للتشهد الأخير وقال : بسم اللّه وباللّه والأسماء الحسنى كلها لله اشهد ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدي ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، التحيات لله والصلوات الطيبات الطاهرات الزاكيات الرائحات الناعمات الغاديات (1) المباركات لله ما طاب وطهر وزكى ، وخلص ونمى ، وما خبث فلغير اللّه. اشهد ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ، واشهد ان محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة ، واشهد ان الجنة حق والنار حق وان الساعة آتية لا ريب فيها ، وان اللّه يبعث من في القبور ، اللّهم صل على محمد وآل محمد ، وارحم محمدا وآل محمد كأفضل ما صليت وباركت وترحمت وتحننت على إبراهيم في العالمين انك حميد مجيد السلام عليك أيها النبي ورحمة اللّه وبركاته السلام على جميع أنبياء اللّه وملائكته ورسله السلام على الأئمة الهادين المهديين ، السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين.

فاذا تمم جميع ما ذكرناه ، وكان إماما أو مصليا على جهة الانفراد أو غير مقتد بإمام (2) سلم تسليمة واحدة فقال : السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته وأومأ بها الى تجاه القبلة ، وانحرف بمؤخر عينه اليمنى إلى جهة يمينه ، وان كان مأموما وعلى يساره سلم تسليمة أخرى إلى جهة يساره.

فاذا سلم كما ذكرناه عقب قبل قيامه من مجلس صلاته فقال : اللّه أكبر ثلاث مرات ويرفع يديه مع كل تكبيرة منها إلى شحمتي أذنيه ، ثم يقول بعد التكبير : ( لا إله إلا اللّه إلها واحدا ونحن له مسلمون ، لا إله إلا اللّه لا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون (3) ، لا إله إلا اللّه وحده وحده أنجز وعده ،

ص: 95


1- الغاديات من الغدو ، والرائحات من راح يروح اى جاء وذهب في الرواح اى العشي.
2- لعل المراد من كان في جماعة ولكن لا يقتدى ، كمن حضر جماعة من لا يقتدى به
3- في بعض النسخ « المشركون » بدل « الكافرون »

ونصر عبده ، وأعز جنده وغلب الأحزاب وحده فله الملك وله الحمد ، يحيى ويميت ، ويميت ويحيى ، وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شي ء قدير ، اللّهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك انك تهدى من تشاء الى صراط مستقيم ).

ثم يسبح تسبيحة الزهراء مولاتنا فاطمة الزهراء عليها أفضل السلام ، وهو اربع وثلاثون تكبيرة ، وثلاث وثلاثون تحميدة وثلاث وثلاثون تسبيحة ، يبتدئ في ذلك بالتكبير ، ثم التحميد ، ثم التسبيح ، ويقول! « اللّهم أنت السلام ومنك السلام ولك السلام وإليك السلام ، وإليك يرجع السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ، السلام على رسول اللّه ، السلام على نبي اللّه ، السلام على محمد بن عبد اللّه خاتم النبيين ، السلام على الأئمة الطاهر الهادين المهديين ، السلام على جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ، وعزرائيل ملك الموت وحملة العرش السلام على رضوان خازن الجنان السلام على مالك خازن النار ، السلام على آدم ومحمد ومن بينهما من الأنبياء والأوصياء والشهداء والصلحاء ، السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين ويسلم على الأئمة عليهم السلام واحدا واحدا ويقول بعد ذلك :

« اللّهم انى أسألك من كل خير أحاط به علمك وأعوذ بك من كل شر أحاط به علمك وأسألك عافيتك في أموري كلها ، وأعوذ بك من خزي الدنيا وعذاب الآخرة » ، ثم يقرء اثنتي عشرة مرة قل هو اللّه أحد ويقول بعد ذلك :

« اللّهم انى أسألك باسمك المكنون المخزون ، الطاهر الطهر المبارك ، وأسألك باسمك العظيم وسلطانك القديم ان تصلى على محمد وآل محمد ، يا واهب العطايا ، ويا مطلق الأسارى ، ويا فاك الرقاب من النار ، أسألك ان تصلى على محمد وآل محمد ، وان تعتق رقبتي من النار وتخرجني من الدنيا أمنا ، وتدخلني الجنة سالما ، وان تجعل دعائي أوله فلاحا ، وأوسطه نجاحا وآخره صلاحا انك أنت علام الغيوب ، ثم يسجد سجدتي الشكر ، ويكون لاطئا بالأرض ويقول : فيها شكرا شكرا مائة مرة ، ويجوز ان يقول عفوا عفوا ، فان لم يتمكن من ذلك قال :

ص: 96

شكرا شكرا ثلاث مرات ، فاذا لم يتمكن من التعقيب بما ذكرناه اقتصر على تسبيح السيدة فاطمة عليها السلام وان عقب بما ذكرناه في صلاة الفرائض والنوافل حاز بذلك فضلا عظيما.

* * *

« باب تفصيل الأحكام المقارنة للصلاة »

الأحكام المقارنة للصلاة على ضربين : أحدهما واجب والأخر ندب ، فاما الواجب فهو : النية وتكبيرة الإحرام ، ومقارنة النية لأول الصلاة ، واستمرار حكمها الى حين الفراغ منها ، والقيام مع التمكن منه ، أو ما قام مقامه مع العجز عنه ، والتوجه إلى القبلة والتلفظ : ب- « اللّه أكبر » وقراءة الحمد وسورة في الركعتين في حال التمكن والحمد وحدها فيما زاد من الصلاة على الركعتين الأولتين ، أو عشرة تسبيحات مخيرا في ذلك ، والإشارة باليد والاعتقاد بالقلب للتكبير والقراءة إذا كان المصلي أخرس ، وتعلم سورة كاملة ممن لا يحسن من القراءة شيئا ، والقراءة باللسان العربي ، والركوع والطمأنينة والتسبيح فيه والانتصاب فيه ، والسجود الأول والتسبيح فيه ، ورفع الرأس منه والطمأنينة في السجود الأول وفي الانتصاب منه والسجود الثاني والتسبيح فيه ورفع الرأس منه والطمأنينة في السجود الثاني والإخفات فيما يخافت فيه ، والجهر فيما يجهر به ، والجهر ب- ( بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ) فيما يجهر أو يخافت ، والتشهد الأول والثاني في كل رباعية وثلاثية : والتشهد الواحد في كل ثنائية ، والصلاة على النبي وآله في كل تشهد ، والسجود على سبعة أعضاء وهي الجبهة وباطن الكفين ، والركبتان وإبهاما الرجلين.

ولا يتكتف ولا يلتفت الى خلفه ، ولا يقرء من السور الطوال ما يفوت وقت الصلاة معه ولا يقول : آمين ولا يفعل فعلا كثيرا من غير أفعال الصلاة ولا يتأوه بحرفين ولا يتكلم بما ليس من الصلاة ، ولا يحدث بما ينقض الطهارة ، ولا يقهقه

ص: 97

ولا يبكي على مصاب أحد من الخلق ، ولا يصلى في شي ء مما لا يجوز الصلاة فيه. ولا في موضع ويجوز السجود عليه ، ولا يتم الصلاة إذا كان مسافرا أو في حكم المسافر ولا يقصرها إذا كان حاضرا أو في حكم الحاضر ، ولا يصلى وبجانبه امرأة تصلى وان كان المصلي امرأة ، فلا تصلى وبجانبها رجل يصلى. ولا يقرأ سورة في ركعة ثالثة ، ولا رابعة.

واما الندب : فهو افتتاح الصلاة بسبع تكبيرات ، منها تكبيرة الإحرام والدعاء بين هذه التكبيرات وان يأتي بالسبع تكبيرات في سبع مواضع : وهي الركعة الاولى من كل فريضة والاولى من ركعتي الزوال ، وأول ركعة من صلاة المغرب وأول ركعة من صلاة الليل ، وأول ركعة من صلاة الوتيرة وفي ركعة الوتر والأول من ركعتي الإحرام ولفظ التوجه (1) وتكبير الركوع والسجود ورفع اليدين مع كل تكبيرة ، وقول « سمع اللّه لمن حمده » عند رفع الرأس من الركوع وما زاد من تسبيح الركوع والسجود على تسبيحة واحدة ، والدعاء في الركوع والسجود والإرغام بالأنف في السجود ، والجلسة بين الركعات الا جلسة التشهد ، والنظر في حال القيام الى موضع السجود وفي حال الركوع الى بين القدمين وفي حال السجود الى طرف الأنف ، وفي حال الجلوس الى الحجر ، وإسبال اليدين على الفخذين محاذية لعيني الركبتين في حال القيام ، ووضعهما في حال الركوع على عيني الركبتين ، وفي حال السجود بحذاء الأذنين ، وفي الجلوس على الفخذين ، وتلقى الأرض باليدين عند الانحطاط للسجود قبل الركبتين ، والاتكاء عليهما عند القيام ، ورفعهما الى حد شحمتي الأذنين (2) مع مد العنق في الركوع ، ورد الرجل اليمنى الى الخلف عند الجلوس ، والقنوت بعد القراءة وقبل الركوع في الثانية ، وإعادته إذا ترك ، وزيادة التحميد والدعاء على الشهادتين ، والصلاة على

ص: 98


1- اى دعاء « وجهت »
2- أي في التكبير

النبي وآله صلى اللّه عليه وآله ، والتورك في حال التشهد على الورك الأيسر مع الضم الفخذين ، ووضع ظاهر قدم اليمنى على باطن اليسرى.

وان يتحنك ويرتدي برداء : والتسليم ان كان إماما أو منفردا أو غير مقتد (1) بغيره إلى جهة القبلة ، ويومئ إيماء إلى يمينه بمؤخر عينه ، فان كان مأموما وعلى يساره غيره سلم عن يساره أيضا ، والتعقيب عند الفراغ من الفرائض والنوافل.

ولا يصلى ويداه داخل ثيابه ، ولا يفرق أصابعه ولا يتمطى ولا يتثأب (2) ولا يتنخع ، ولا ينفخ موضع سجوده ، ولا يدافع الأخبثين ، ولا يصلى فيما ذكرنا ان الصلاة مكروهة فيه ، ولا على ما ذكرنا أنها مكروهة عليه ، ولا يصلى ومعه حديد مثل سكين أو سيف وما أشبه ذلك أو شي ء فيه صورة ، ولا يصلى وفي قبلته قرطاس مكتوب. ولا تماثيل ولا نار ولا سلاح مشهور ، ولا يصلى في موضع حائط قبلته ينز (3) من بالوعة مع التمكن من ذلك ، ولا يقعي (4) بين السجدتين ولا يقرء في مصحف ، ولا يصل بين السورتين اللتين (5) يقرأهما في الصلاة بل يفصل بينهما بسكتة.

* * *

« باب صلاة الجمعة »

روى عن رسول اللّه (صلی الله عليه وآله) قال : أربعة يستأنفون العمل : المريض إذا برء والمشرك إذا أسلم ، والمنصرف من الجمعة إيمانا واحتسابا ، والحاج (6).

ص: 99


1- الظاهر منه : من حضر جماعة من لا يقتدى به ، في قبال المنفرد.
2- التثاؤب : فترة تعتري الشخص فيفتح عندها فاه واسعا ، والتمطي : مد اليدين.
3- النز : ما يتحلب من الأرض من الماء
4- من الإقعاء
5- المراد سورة الفاتحة وما يقرأ بعده من سورة
6- جامع أحاديث الشيعة ، ج 6 ، الباب 1 من أبواب صلاة الجمعة ، الحديث 19 ص 48.

وعن الباقر عليه السلام انه قال : ان الأعمال تضاعف بيوم الجمعة فأكثروا من الصلاة والصدقة (1) وعن الرسول صلى اللّه عليه وآله انه قال : أكثروا من الصلاة على يوم الجمعة فإنه يوم تضاعف فيه الأعمال (2).

واعلم ان فرض الجمعة لا يصح كونه فريضة (3) إلا بشروط متى اجتمعت صح كونه فريضة جمعة ووجبت لذلك (4) ومتى لم تجتمع لم تصح ولم يجب كونه كذلك بل يجب كون هذه الصلاة ظهرا ويصليها المصلى بنية كونها ظهرا.

والشروط التي ذكرناها هي : ان يكون المكلف كذلك حرا ، بالغا ، كامل العقل ، سليما من المرض والعرج والعمى والشيخوخة التي لا يمكنه الحركة معها ، وان لا يكون مسافرا ولا في حكم المسافر ، وان يكون بينه وبين موضع الجمعة فرسخان فما دونهما ، ويحضر الامام العادل أو من نصبه أو (5) من جرى مجراه ويجتمع من الناس سبعة نفر : أحدهم الامام ويتمكن من الخطبتين ويكون بين الجمعتين ثلاثة أميال ، فهذه الشروط إذا اجتمعت وجب كون هذه الصلاة فريضة جمعة ، ومتى لم يجتمع سقط كونها فريضة جمعة وصليت ظهرا كما قدمناه.

فان اجتمع من الناس خمسة نفر أحدهم الامام ، وحصل باقي هذه الشروط كانت صلاتها ندبا واستحبابا.

ويسقط فرضها مع حصول الشروط المذكورة عن تسعة نفر وهم الشيخ الكبير والطفل الصغير ، والعبد ، والمرأة ، والأعمى ، والمسافر ، والأعرج ، والمريض

ص: 100


1- جامع أحاديث الشيعة ، ج 6 ، الباب 35 من أبواب صلاة الجمعة ، الحديث 27 ، ص 164.
2- جامع أحاديث الشيعة ، ج 6 ، الباب 38 من أبواب الجمعة ، الحديث 11 ، ص 186.
3- في بعض النسخ زيادة « جمعة ».
4- في بعض النسخ « كذلك » بدل « لذلك ».
5- في بعض النسخ « واو » بدل « أو »

وكل من كان منزله من موضعها على أكثر من فرسخين ، ويجب صلاتها على العقلاء من هؤلاء إذا دخلوا فيها ويجزيهم إذا دخلوا فيها وصلوها عن صلاة الظهر.

« آداب الجمعة »

فإذا حضر يوم الجمعة فينبغي للمكلف ان يحلق رأسه ويقص أظفاره ، ويأخذ من شاربه وينظف ، ويغتسل ، وأفضل الأوقات لهذا الغسل كلما قرب من الزوال ، ومتى زالت الشمس ولم يكن اغتسل قضاه يوم السبت - وإذا خاف من عدم الماء في يوم الجمعة جاز له تقديمه في يوم الخميس -

وإذا اغتسل ، لبس أفخر ثيابه وتطيب بما قدر عليه ، وتوجه الى المسجد بسكينة ووقار والدعاء في توجهه اليه فقال : « اللّهم من تهيأ وتعبأ وأعد واستعد لوفادة إلى مخلوق رجاء رفده وجوائزه ، ونوافله ، فإليك يا سيدي وفادتى وتهيئتي وإعدادي واستعدادي رجاء وفدك وجوائزك ونوافلك » ثم يصلى ست ركعات بتسليم كل اثنتين عند انبساط الشمس وستا عند ارتفاعها ، وستا قبل الزوال وركعتين حين تزول الشمس - استظهارا للزوال ثم يؤذن ، ويقيم ، ويفتتح الفرض بسبع تكبيرات ويتوجه (1) ثم يقرء الحمد ، وسورة الجمعة ، ويجهر بالقراءة أيضا (2) فإذا قام إلى الثانية قرء الحمد وسورة المنافقين ، ويجهر بالقراءة أيضا.

فاذا فرغ من القراءة ، رفع يديه للقنوت حيال صدره وبسطهما وقنت بما تقدم ذكره في كيفية الصلاة ، ثم يركع ويتشهد ويقوم إلى الثالثة ، ويقرء الحمد وحدها أو يسبح كما ذكرناه فيما مضى ، ويفعل في الرابعة مثل ما ذكرناه ، ثم يسلم ويسبح تسبيح سيدة النساء فاطمة صلوات اللّه عليها ، ويقرء الحمد مرة واحدة ، وسورة الإخلاص سبع مرات ، والمعوذتين وآية الكرسي مرة واحدة ، وآية

ص: 101


1- اى دعا ب- « وجهت وجهي. »
2- أي كما يجهر في صلاة الجمعة

السخرة وهي : ان ربكم اللّه الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام (1) الاية ، ويقرء آخر سورة التوبة ( لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلهَ إِلّا هُوَ ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ) (2) مرة واحدة ويرفع يديه بالدعاء فيقول :

« اللّهم انى عهدت إليك بحاجتي وأنزلت بك اليوم فقري وفاقتي ومسكنتي فانا لمغفرتك أرجى مني لعملي ورحمتك أوسع من ذنوبي ، فتول قضاء كل حاجة هي لي بقدرتك عليها ويتيسر ذلك عليك ولفقري إليك فإني لم أصب خيرا قط الا منك ولم يصرف عنى أحد سواء قط غيرك ولست أرجو لآخرتي ودنيائى سواك ولا ليوم فقري وتفردي من الناس في حفرتي غيرك ، فصل على محمد وآل محمد ، واجعلني من أهل الجنة التي حشوها البركة وعمارها الملائكة مع نبينا محمد صلى اللّه عليه وآله وأبينا إبراهيم صلوات اللّه عليه فاذا فرغ مما ذكرناه فليؤذن وليقم لصلاة العصر ثم يصليها كما صلى الظهر ، فاذا سلم سبح تسبيح الزهراء عليها السلام واستغفر اللّه تعالى سبعين مرة ويقول في استغفاره : « استغفر اللّه ربي وأتوب اليه » وليصل على محمد وآل محمد سبع مرات.

يقول في كل مرة : « اللّهم صل على محمد وآل محمد الأوصياء المرضيين بأفضل صلواتك وبارك عليهم بأفضل بركاتك ، والسلام عليهم ، وعلى أرواحهم وأجسادهم ورحمة اللّه وبركاته » فاذا كمل ذلك سبع مرات قال : « اللّهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم » مأة مرة ، ثم ادع بما تيسر من الدعاء بعد ذلك ، وانما ذكرنا صلاة أربع ركعات هاهنا لمن صلى لنفسه بغير إمام.

* * *

ص: 102


1- الأعراف ، الاية 54
2- الاية 128

« كيفية صلاة الجمعة »

فاما إذا حضر الامام واجتمعت الشروط التي قدمنا ذكرها فينبغي للإمام ان يلبس العمامة في صيف كان أو في شتاء ، ويرتدي ببرد يمنى ، أو عدني فإذا قرب من الزوال صعد المنبر وأخذ في الخطبة بمقدار ما إذا خطب الخطبتين زالت الشمس ، وينبغي إذا خطب هاتين الخطبتين ان يفرق بينهما بجلسة ويقرء سورة خفيفة ويحمد اللّه في خطبته ويصلى على النبي وآله ويدعو لأئمة المسلمين ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ، ويعظ ويزجر ، ويخوف ، وينذر.

فاذا نزل الامام صلى بالناس ركعتين يقرء في الأولى الحمد وسورة الجمعة يجهر فيها بالقراءة ، فاذا فرغ منها رفع يديه للقنوت قبل الركوع ، ثم تمم الركعة فإذا قام إلى الثانية قرء الحمد وسورة المنافقين ، وجهر بها أيضا ويقنت في هذه الركعة بعد الركوع ثم يتمها ويسلم.

ولا يجوز ان يصلى بالناس غير الإمام إذا كان حاضرا في البلد الا لمانع له أو من يأمره بذلك ومن لم يدرك الخطبتين وكان الامام ممن يقتدى به كانت صلاته كاملة ، فإذا أدرك الامام وقد ركع في الثانية فقد فاتته الجمعة وعليه ان يصلى الظهر اربع ركعات ، وعلى من يقتدى بإمام ان يصغي الى قراءته.

ومن صلى لنفسه بغير امام فليقرء السورتين اللتين سلف ذكرهما ، فان سبق إلى سورة غيرهما ثم ذكر ذلك فعليه الرجوع إليها إذا لم يجز نصف السورة التي ابتدأ بها فان تجاوز النصف فالأفضل له ان يتم ويحسبها من النوافل ، ثم يستأنف الصلاة ، بالسورتين اللتين ذكرناهما ، وليس ذلك ما يجب عليه ومن صلى خلف من لا يأتم به تقية ، فينبغي له ان يقدم صلاته ان تمكن من ذلك ، فان لم يتمكن من تقديمها صلى معه ركعتين فاذا سلم قام هو فتمم ركعتين فإذا أدرك الامام وقد صلى ركعة صلى معه الثانية ، فإذا سلم قام هو فصلى ركعة أخرى ، وجهر فيها بالقرائة.

ص: 103

فاذا صلى مع الإمام ركعة وركع فيها ولم يتمكن من السجود فاذا قام الامام من السجود سجد هو ولحق بالإمام فمتى لم يفعل ذلك ووقف حتى ركع الإمام في الثانية فلا يركع معه فاذا سجد الامام سجد هو وجعل سجدتيه للركعة الأولى فإذا سلم قام فأتى بركعة أخرى ، ومتى لم ينو بالسجدتين أنهما للركعة الأولى كان عليه استئناف للصلاة.

وإذا كان الزمان زمان تقية جاز للمؤمنين أن يجمعوا في مكان لا يلحقهم فيه ضرر وليصلوا جماعة بخطبتين فان لم يتمكنوا من الخطبة صلوا جماعة أربع ركعات

ومن صلى فرض الجمعة مع امام يقتدى به فليصل العصر بعد الفراغ من فرض الجمعة ولا يفصل بينهما إلا بالإقامة ، ويجوز للمسافر ان يصلى الجمعة بالمقيمين إذا تمكن من الخطبتين ، واجتمعت الشروط ، فان صلى بهم بغير خطبة كانت ظهرا

وإذا اجتمع (1) النساء لم تنعقد بهن (2) الجمعة ، وكذلك الصبيان إذا لم يبلغوا.

وإذا خطب الامام وحده ثم حضر العدد كان عليه إعادة الخطبة ، فان لم يعدها لم تصح الجمعة ولا (3) كان ما صلاة فريضة جمعة.

ومن وجبت عليه الجمعة ومنعه من حضورها مانع أو كان له عذرا ما في نفسه أو أهله ، أو أخ له في الدين ، مثل ان يكون مريضا فيشتغل بإعانته أو ميت يهتم (4) بتجهيزه ودفنه لم يكن عليه شي ء.

فاذا اجتمعت الشرائط وزالت الشمس وأراد الإنسان السفر لم يجز له ذلك

ص: 104


1- كذا في النسخ والظاهر ان معناه : صلى الامام بالنساء وأم بهن خاصة ، ويحتمل التصحيف وان الصحيح « اجتمعت »
2- في بعض النسخ « منهن » بدل « بهن »
3- في بعض النسخ « والا » بدل « الجمعة ولا »
4- في بعض النسخ « يشتغل » بدل « يهتم »

حتى يصلى ، وإذا كان (1) السفر من يوم الجمعة من بعد طلوع الفجر كان ذلك مكروها ، والأفضل ان يقيم حتى يصلى ويسافر بعد ذلك.

وإذا أحرم الإمام بالجمعة فعرف انه قد صلى في البلد في موضع آخر الجمعة لم تنعقد له جمعة ، ويصلى ظهرا إذا لم يكن بينهما ثلاثة أميال.

وإذا وجبت الجمعة على إنسان وجلس الامام على المنبر حرم عليه البيع والشراء.

* * *

« باب صلاة السفر »

روى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله انه قال : ان اللّه سبحانه اهدى الى أمتي هدية لم يهدها الى أحد من الأمم تكرمة منه عزوجل لنا ، فقيل له وما ذلك يا رسول اللّه؟ فقال صلى اللّه عليه وآله :الإفطار والصلاة في السفر ، فمن لم يفعل ذلك فقد رد على اللّه هديته (2) ، وروى عن الصادق عليه السلام انه قال : أنا بري ء ممن يصلى أربعا في السفر (3) وروى عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال : من قصر الصلاة في السفر وأفطر فقد قبل تحفة لله سبحانه وكملت صلاته (4).

واعلم ان السفر على أربعة أوجه : أولها واجب وثانيها ندب وثالثها مباح ورابعها قبيح ، فاما الواجب فهو مثل سفر من وجب عليه حج أو عمرة واما المندوب فهو مثل سفر القاصد الى الزيارات وما أشبهها.

ص: 105


1- في بعض النسخ « أراد » بدل « كان » وفي أكثرها « كان أراد »
2- الوسائل ، ج 5 ، الباب 22 من أبواب صلاة المسافر ، الحديث 11 ، والمتن مطابق لما في ( دعائم الإسلام ) ، ج 1 ، ص 195 ، الا ان في الدعائم « الإفطار وتقصير الصلاة في السفر ».
3- جامع الأحاديث ، ج 7 ، الباب 1 من أبواب صلاة المسافر ، ص 25 ، الحديث 23 ، ودعائم الإسلام ، ج 1 ، ص 195.
4- جامع الأحاديث ، ج 7 ، الباب 1 من أبواب صلاة المسافر ، ص 24 ، الحديث 18 ، ودعائم الإسلام ، ج 1 ، ص 195 ، الا ان فيهما « فقد قبل تخفيف اللّه عزوجل.

واما المباح فهو مثل سفر التجارة وطلب الأرباح لذلك وطلب القوت لأنفسهم ولاهليهم ، وأما القبيح فهو مثل سفر متبع السلطان الجائر مختارا ، ومن هو باغ أو عاد ، أو يسعى في قطع الطريق ، وما أشبه ذلك ومن طلب الصيد للهو والبطر

فأما أصحاب الوجوه الثلاثة التي هي الواجب والندب والمباح فعليهم التقصير في الصلاة والصوم ، وأما أصحاب الوجه الرابع وهو القبيح فعليهم الإتمام في الصلاة والصوم ، ومن كان سفره في طلب صيد التجارة لا لقوته وقوت عياله واهله فقد ورد أنه يتم الصلاة ويفطر الصوم (1).

ومن سافر سفرا يلزمه فيه التقصير فلا يجوز له ذلك حتى يخفى عليه أذان مصره أو يتوارى عنه جدران مدينته خرابا كانت أو عامرة ، فإن كان باديا فحتى تجاوز الموضع الذي يستقر فيه منزله ، وان كان مقيما في واد حتى تجاوز أرضه ، وان سار عنه طولا حتى يغيب عن موضع منزله.

ومن مر في طريقه على مال له أو ضيعة يملكها ، أو كان له في طريقه أهل أو من جرى مجراهم ونزل عليهم ولم ينو المقام عندهم عشرة أيام كان عليه التقصير.

والسفر الذي يلزم فيه التقصير هو ما كان مسافته ثمانية فراسخ أو ما زاد على ذلك أو أربعة فراسخ إذا نوى العود من يومه ، وقد ذكر التخيير بين القصر والإتمام لمن كان سفره أربعة فراسخ ولم ينو الرجوع من يومه.

وجميع من كان سفره أكثر من حضره مثل الملاح ، والمكاري ، والجمال والبدوي إذا طلب القطر والنبت ، والرعاة ، والأمراء الذين يدورون في اماراتهم ، والجباة الذين يسعون في جباياتهم ، ومن يدور من سوق الى سوق في تجارته ، فإن الإتمام لازم لهم ولا يجوز لأحد منهم التقصير الا ان يقيم في بلده عشرة أيام ، فإن أقام ذلك قصر ، وان كان مقامه خمسة أيام قصر بالنهار وتمم بالليل والتقصير في

ص: 106


1- جامع الأحاديث ، ج 7 ، الباب 13 من أبواب صلاة المسافر ، ص 61 ، الحديث 6.

السفر وكذلك الإفطار فيه في شهر رمضان واجبان ، فمن صلى صلاة رباعية على كما لها كان عليه الإعادة ، الا ان يكون لم يقرء الآية (1) في ذلك.

ومن خرج من بلده الى بلد آخر ، ومن قريته إلى قرية أخرى في دون المسافة التي حدت للتقصير ، لم يقصر وان خرج من ذلك البلد أو تلك القرية إلى بلد أخر ونوى المقام فيه عشرة أيام أو أكثر كان عليه الإتمام وان كان بين البلد الثاني وبين بلده الذي خرج منه أولا ، المسافة المحدودة ، وكذلك لو انتقل من مكان الى غيره ولا مكان بينهما الا وهو ينوي المقام فيه عشرة أيام أو أكثر من ذلك. والأماكن ليس بين واحد منها وبين ما يليه المسافة المحدودة لم يجز التقصير في شي ء من ذلك.

فان خرج من بلده الى بلد يقصر الى مثله ، الصلاة ولم يصل الى آخر المسافة المضروبة للتقصير حتى بدا له الرجوع الى بلده كان عليه الإتمام.

وإذا كان للبلد طريقان من موضع خروج الإنسان ، وأحد الطريقين دون المسافة والطريق الأخر فيه المسافة ، أو أكثر منها فسار في أحد الطريقين لغير علة لم يقصر ، فان كان الطريق الذي هو أقل مسافة مخوفا ، أو شاقا أو كان له في الطريق الأبعد حاجة تدعوه الى المسير فيه كان عليه التقصير. ومن سافر الى بلد ونوى أنه ان لقي زيدا اقام عنده عشرة أيام كان عليه التقصير حتى يلقى زيدا ، فاذا لقيه واقام عنده على نية المقام عشرة أيام كان عليه الإتمام.

والمسافر إذا نزل في موضع نوى فيه الإقامة عشرة أيام كان عليه الإتمام فإن نوى المقام أقل من ذلك قصر ، فان لم ينو شيئا أو سوف نفسه بالخروج فقال اليوم أخرج - أو غدا اخرج ، ولم يستقر له نية في مقام ولا مسير كان عليه ان يقصر ما بينه وبين شهر ، فان كمل الشهر كان عليه الإتمام.

ص: 107


1- اى آية التقصير في السفر.

وإذا نسي المسافر صلاة وذكرها في الحضر قضاها صلاة مسافر ، وان نسي صلاة في الحضر وذكرها في حال السفر قضاها صلاة حاضر وإذا شك ولم يعلم هل الصلاة التي نسيها ، صلاة حضر أو سفر ، كان عليه ان يصلى صلاة حضر.

والمسافر إذا دخل بلدا ونوى المقام عشرة أيام ثم صلى وبدا له في المقام وكان قد صلى منها ركعة أو ركعتين لم يجز له قصرها ، بل عليه إتمامها لأنه دخل بنية مقيم ونوى السفر قبل إتمامها ، فإذا دخل في صلاة الظهر ونوى المقام قبل ان يصلى ركعتين أو صلى ركعتين ونوى المقام قبل ان يسلم كان عليه إتمامها أربع ركعات وليس عليه استئنافها ، وان سلم في ركعتين ونوى المقام كان عليه الإتمام فيما يستقبل ، فان نوى المقام وهو في صلاة لظهر وسلم من ركعتين كان عليه استئناف الظهر اربع ركعات ، والمسافر إذا أتم الصلاة متعمدا أو ناسيا وكان الوقت باقيا كان عليه الإعادة.

ومن أبق له عبد فخرج في طلبه وقصد بلدا - يقصر في مثله الصلاة - وقال : ان وجدته قبل ذلك البلد رجعت لم يجز له التقصير لأنه لم ينو سفرا يقصر الصلاة فيه ، وان لم يقصد بلدا ونوى انه يطلبه حيث بلغ لم يكن له القصر لأنه شاك في المسافة المحدودة للتقصير وان نوى قصد ذلك البلد سواء وجد عبده قبل الوصول اليه أو لم يجده ، كان عليه التقصير لأنه نوى سفرا يجب التقصير فيه.

فاذا خرج وهذه نيته ثم رجع عن هذه النية وعزم على العود الى وطنه وترك القصد الى تلك البلدة ، يقطع سفره هاهنا وكان في رجوعه مستأنفا للسفر فان كان بين هذا المكان وبين بلده مسافة يقصر فيها الصلاة ، كان عليه التقصير ، وان لم يكن كذلك كان عليه الإتمام.

والمسافر في البر والبحر والأنهار و (1) في جميع أحكام السفر من تقصير وإتمام على حد سواء لا يختلف الحال في ذلك ، وإذا دخل المركب في البحر إلى جزيرة من جزائره أو موضع يقف فيه فالحكم فيه كالحكم في دخوله الى بلد وكل موضع

ص: 108


1- كذا في النسخ ، ولعل كلمة « واو » زائدة

يجب فيه التقصير أو الإتمام. فإن خرج الى مسافة يقصر في مثلها وردته الريح كان له التقصير لأنه ما رجع ولا نوى مقاما.

فاما صاحب السفينة فإنه يجب عليه التمام لأنه ممن يجب عليه الإتمام مع (1) جملة المسافرين.

ومن سافر إلى مكة حاجا وبينه وبينها مسافة يقصر فيها الصلاة ونوى المقام بها عشرة أيام كان عليه التقصير في الطريق والإتمام إذا وصل إليها.

فإن خرج منها الى عرفات ، ليقضى مناسكه بها - ولا ينوي المقام بمكة عشرة أيام إذا رجع إليها - كان عليه التقصير لأنه قد نقص مقامه بسفر - بينه وبين بلده - قصر في مثله ، وان نوى - إذا قضى مناسكه بعرفات - المقام بمكة عشرا إذا عاد إليها ، كان عليه التمام إذا عاد إليها. فإن كان يريد - إذا قضى مناسكه - المقام عشرة أيام بمكة أو بمنى وعرفة ومكة حتى يخرج من مكة مسافرا فعليه الإتمام بمكة والتقصير في منى وعرفات الى ان ينوي المقام بها عشرا فعليه حينئذ التمام ، وقد ذكر ان عليه التقصير والأحوط ما ذكرناه أولا.

ومن سافر الى موضع فخرج من بلده الى مكان - بينه وبينه مسافة دون المسافة المحدودة للتقصير ، ونوى ان ينتظر فيه والمقام عشرة أيام أو أكثر ، فإذا اجتمعوا سافروا منه سفرا يجب فيه التقصير عليهم - لم يجز له التقصير حتى يسيروا من ذلك المكان الذي يجتمعون فيه ، لأنه لم ينو بالخروج الى هذا المكان سفرا يقتضي التقصير. وان لم ينو المقام عشرة أيام ، وانما خرج بنية انه إذا اجتمعوا ساروا ، كان عليه التقصير ما بينه وبين شهر ، ثم يتم بعد ذلك.

والمسافر إذا صلى خلف المقيم لم يلزمه الإتمام معه ، وإذا أم المسافر بمسافرين ومقيمين وأحدث ثم استخلف مقيما صلى المقيم على التمام ولم يلزم المسافرين ذلك

ص: 109


1- كذا في النسخ ولعله تصحيف والصحيح « من جملة المسافرين » كما في المبسوط ، ج 1 ، ص 138.

ومن شيع مؤمنا وكان مسافة سفره معه ثمانية فراسخ - أو أربعة إذا عزم على الرجوع من يومه - كان عليه التقصير. ويجوز للمسافر الجمع بين صلاتي الظهر والعصر ، وبين العشائين ، وليس عليه شي ء من نوافل النهار ، والذي عليه من النوافل قدمناه حين ذكرنا أعداد نوافل السفر في ما تقدم ، وليس يجب على المسافر صلاة الجمعة ولا العيدين.

ويستحب له ان يقول عقيب كل صلاة : سبحان اللّه والحمد لله ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر ، فان في ذلك جبرا لصلاته ، وقد روى انه يستحب له الإتمام في أربعة مواضع : وهي مكة والمدينة ومسجد الكوفة والحائر ، (1) ووردت رواية أخرى انه يستحب الإتمام في حرم اللّه تعالى وحرم رسوله صلى اللّه عليه وآله وحرم أمير المؤمنين عليه السلام وحرم الحسين عليه السلام (2) والتقصير هو الأصل ، والعمل به عندي في هذه المواضع وغيرها أحوط. فأما ما يوجب إعادة صلاة السفر فسنذكره في ما يوجب إعادة الصلاة بعون اللّه ومشيئته.

واما معنى التقصير فهو ان يصلى كل صلاة رباعية ، ركعتين فاما ما عدا الرباعيات من الصلاة فالمسافر يصليها كما يصليها في الحضر سواء.

* * *

« باب صلاة المضطر »

إذا اضطر المكلف في صلاته إلى الإخلال بشي ء من أحكامها - التي بينا انها لازمة للمختار - كان عليه الاجتهاد في إيقاعها على غاية ما يمكنه الإيقاع لها عليه ، وكيفية صلاة المضطر تختلف بحسب اختلاف الضرورة ، فمن ذلك صلاة المريض وصلاة الخوف وصلاة العريان وصلاة السابح وصلاة الغريق والموتحل وصلاة

ص: 110


1- الوسائل ، ج 5 ، الباب 25 من أبواب صلاة المسافر ، الحديث 26 و 29
2- الوسائل ، ج 5 ، الباب 25 من أبواب صلاة المسافر ، الحديث 24

المضطر إلى المشي وصلاة المقيد والمشدود بالرباط وما أشبه ذلك ، والصلاة في السفينة ، ونحن نذكر هذه الفصول واحدا واحدا بمشيئة اللّه وعونه.

* * *

« باب صلاة المريض »

اعلم ان المريض لا يسقط عنه فرض الصلاة ما دام عقله ثابتا الا ان يكون امرأة حائضا ، وانما يتغير صفاتها بحسب اختلاف حاله في المرض ، فاذا كان قادرا على الصلاة قائماً وجبت عليه كذلك ، فان لم يتمكن من ذلك وكان متمكنا من أدائها بأن يعتمد على حائط أو عصا أو ما أشبه ذلك وجبت عليه كذلك أيضا ، فان لم يقدر على ذلك وقدر على أدائها جالسا ، أداها كذلك ، فان لم يقدر عليها جالسا وقدر عليها مضطجعا على جنبه وجبت عليه كذلك ، فان لم يقدر على ذلك وقدر عليها مستلقيا على ظهره صلاها مستلقيا عليه والمريض إذا صلى جالسا كان عليه ان يقرء فإذا أراد الركوع وكان قادرا على القيام فليقم ويركع فان لم يقدر على ذلك ركع وهو جالس فان لم يقدر على السجود رفع بيده شيئا يجوز السجود عليه وسجد عليه فان لم يقدر على الصلاة جالسا جملة صلى على جنبه الأيمن ويسجد ، فان لم يتمكن من السجود أو أومأ به إيماء.

واما إذا لم يقدر على الاضطجاع استلقى على ظهره وصلى إيماء ، وصفة ذلك ان يفتتح الصلاة بالتكبير ويقرء ، فإذا أراد الركوع غمض عينيه فإذا أراد رفع رأسه من الركوع فتحهما فإن أراد السجود غمضهما فإذا أراد رفع رأسه منه فتحهما ، يفعل ذلك الى ان يتم الصلاة. والمريض إذا صلى جالسا فينبغي ان يجلس مربعا في حال القراءة ، فإذا أراد الركوع فليثني رجليه ، فان لم يقدر على ذلك جلس بحسب تمكنه

فان كان مبطونا وأحدث بما ينقض الطهارة فعليه إعادتها والبناء على ما مضى من صلاته ، فان كان به سلس البول جاز له الصلاة بعد ان يستبرء ، ويستحب ان

ص: 111

يلف على ذكره ، خرقة تمنع من تعدى ما يخرج منه الى بدنه وثيابه.

وإذا كان المريض مسافرا وهو راكب جاز له الصلاة على ظهر دابته ويسجد على ما يتمكن من السجود عليه ، وان صلى نافلة جاز له ان يومي بها إيماء وان لم يسجد ، والأحوط ان يسجد ان قدر على ذلك.

وحد المرض المبيح للصلاة جالسا ان يعلم من حال نفسه انه لا يقدر على الصلاة قائماً ولا على الوقوف أو المشي بمقدار زمان الصلاة.

* * *

« باب صلاة الخوف والمطاردة والمسايفة »

كل قتال كان واجبا مثل قتال المشركين وأهل البغي ، أو مباحا مثل الدفع عن المال والنفس فإن صلاة الخوف فيه جائزة وتقصيرها صحيح.

وهي ان يصلى كل رباعية ركعتين كما قدمناه في صلاة السفر ، وصلاة الخوف بالتقصير أحق واولى بالقصر من صلاة المسافر لان هذه معها خوف وتلك لا خوف معها فهذه أحق بذلك.

واعلم ان هذه الصلاة لا تجب الا عند شروطها وهي ان يكون العدو في غير جهة القبلة ، ولا يتمكن المقابل (1) له الا بان يستدبر القبلة ، ويكون عن يمينه أو شماله ، أو يخاف من العدو عند اشتغالهم بالصلاة من الغدر بهم والارتكاب لهم (2) والانكباب عليهم ، وان يكون في المسلمين كثرة متى افترقوا طائفتين كان كل طائفة مقاومة للعدو حتى يفرغ الطائفة الأخرى من الصلاة فإذا حصلت هذه الشروط صحت صلاتها جماعة إذا أرادوها كذلك.

وقد يجوز ان يصليها الواحد منفردا ، غير انهم إذا أرادوا صلاتها جماعة

ص: 112


1- في بعض النسخ « المقاتل » بدل « المقابل ».
2- ارتكب الأمر : اقتحمه متهورا.

كما ذكرناه كان أقل ما يكون الطائفة معه طائفة ثلاثة (1) وقد ذكر ان هذا الاسم يصح تناوله الواحد. ولا فرق في وجوب التقصير فيها بين ان يكون الخوف من عدو أو سبع أو غير ذلك.

فان كان الأمر على ذلك فهي على ضربين : أحدهما صلاة خوف والأخر صلاة شدة الخوف وهي التي يقول (2) فيها صلاة المطاردة والمسايفة.

« كيفية صلاة الخوف »

فأما الأولى فصفتها ان يفترق الجماعة فرقتين فتقف فرقة بحذاء العدو وتقوم الفرقة الأخرى فتقف خلف الامام فصلى بهم ركعة ، فإذا قام إلى الثانية وقف قائماً وصلوا - هم - (3) الركعة الثانية وتشهدوا ثم سلموا ثم قاموا فوقفوا بحذاء العدو وتقدمت الفرقة الأخرى فوقفت خلف الامام وافتتحوا الصلاة بالتكبير فصلى بهم الإمام الركعة الثانية له وهي لهم اوله ، فاذا جلس للتشهد قاموا - هم - إلى الركعة الثانية لهم فصلوها فاذا فرغوا منها تشهدوا ثم يسلم الامام بهم وقد تمت صلاتهم.

وان كانت الصلاة صلاة المغرب فينبغي ان يفترقوا كما ذكرناه ، ويتقدم فرقة فتقف بحذاء العدو وتتقدم الفرقة الأخرى فتقف خلف الإمام فيصلي بهم ركعة ويقف في الثانية ، ويصلوا هم (4) الركعتين الباقيتين ويخففوا فيها ، فاذا سلموا وقفوا بحذاء العدو وتقدمت الفرقة الأخرى فوقفت خلف الامام وافتتحوا الصلاة بالتكبير وصلى بهم الثانية له وهي لهم اوله فاذا جلس للتشهد جلسوا معه وذكروا اللّه تعالى

ص: 113


1- معناه : ان أقل عدد تصدق عليه الطائفة ، ثلاثة.
2- كذا في النسخ والظاهر « يقال ».
3- الضمير ضمير الفصل.
4- في النسخ « يصلوا بهم » والظاهر انه تصحيف والصحيح ما أثبتناه.

فإذا قام إلى الثالثة له قاموا معه وهي لهم ثانية فيصليها ، فاذا جلس للتشهد الثاني جلسوا معه وتشهدوا وهو أول تشهد لهم وخففوا في تشهدهم ثم قاموا الى الثالثة لهم فصلوها فاذا جلسوا للتشهد الثاني وتشهدوا ، سلم الامام بهم وانصرفوا.

ومن كان في حال هذه الحرب راكبا صلى على ظهر دابته بعد ان يستقبل بتكبيرة الإحرام القبلة ، فصلى كيف ما دارت به الدابة ويسجد على قربوس سرجه فان لم يتمكن من السجود صلى إيماء وانحنى للركوع والسجود ، وجعل سجوده اخفض من ركوعه ان تمكن من ذلك.

« صلاة المطاردة »

فاما صفة صلاة شدة الخوف وهي المطاردة والمسايفة وهي إذا كانت الحال ما ذكرناه كبر المصلى لكل ركعة تكبيرة. والتكبيرة أن يقول : « سبحان اللّه والحمد لله ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر ». فاما حكم السهو في هذه الصلاة فسنذكره في باب السهو بمشيئة اللّه سبحانه.

واعلم ان أخذ السلاح يجب على الطائفة ويجب ان يكون خاليا من نجاسة فإن كان على شي ء منه ريش مما لا يؤكل لحمه كالعقاب والنسر لم يكن بأس. فإن كان ثقيلا لم يمكن معه الركوع والسجود مثل الجوشن ، والكواعد (1) والمغافر السابغة (2) وما جرى مجرى ذلك كان مكروها. والذي ينبغي أخذه من ذلك ما كان مثل السكين والسيف والقوس وغيره والرمح إذا لم يتأذ به أهل الصف فان كان عليه نجاسة لم يكن به بأس. فإذا كان على السيف الصيقل نجاسة ومسح بخرقة كانت الصلاة فيه جائزة. وفي أصحابنا من قال بان ذلك جائزة على كل حال

ص: 114


1- الظاهر انه السواعد ذكره الجاحظ في البيان والتبيين ج 3 ص 42 وقال « ولا الجواشن ولا السواعد » وهي ما يلبس على الساعد من حديد أو ذهب.
2- مغفر سابغ : طويل يستر الجبهة.

لأنه إذا مسح بالخرقة فقد طهر ، وعندي انه لا يطهر بذلك ، لكن الصلاة فيه جائزة كما قدمناه لأنه مما لا يتم الصلاة فيه منفردا.

ومن صلى مع شدة الخوف ركعة وهو راكب ثم أمن فينبغي ان ينزل عن دابته ويتم ما بقي من صلاته على الأرض فإن كان آمنا وصلى ركعة على الأرض ثم لحقته شدة الخوف فليركب ويتم ما بقي عليه من الصلاة راكبا ، هذا جائز ما لم يستدبر القبلة ، فإن استدبرها كان عليه استئناف الصلاة.

وإذا كان بين المقاتلة حائط أو خندق وخافوا ان ينقب العدو عليهم الحائط أو يطم الخندق إذا تشاغلوا بالصلاة ، جاز لهم ان يصلوا إيماء ، هذا إذا ظنوا ذلك قبل ان يصلوا وان ظنوا انهم لا يفعلون ذلك الا بعد فراغهم من الصلاة لم يجز لهم ان يصلوا صلاة شدة الخوف.

وإذا رأوا سوادا فظنوه عدوا جاز ان يصلوا صلاة شدة الخوف إيماء ، فان لم يكن ما رأوا صحيحا لم يكن عليهم اعادة ، وإذا شاهدوا العدو فصلوا صلاة شدة الخوف ، ثم بان لهم ان بينهم نهرا كبيرا أو خندقا لا يصلون إليهم معه ، فليس عليهم اعادة.

والعدو إذا كان في جهة القبلة والناس في مستو من الأرض لا يسترهم شي ء ولا يمكنهم أمر يخاف منه وكان المسلمون كثيرين لم يجب عليهم صلاة الخوف ولا صلاة شدة الخوف.

وإذا كان المسلمون كثيرين ويصح ان يفترقوا طائفتين وكل طائفة منهما يقوم بالعدو ، جاز للإمام ان يصلى بالطائفة الواحدة ، الركعتين ثم يصلى بالطائفة الأخرى ركعتين آخرتين ، ويكون هاتان الركعتان له نافلة ولهم فريضة.

وإذا كان يوم الجمعة وكان عددهم العدد الذي تنعقد به الجمعة جاز للإمام ان يصلى بهم الركعتين بان يخطب بالطائفة الاولى ويصلى بهم ركعة ، ثم يصلوا - هم - الركعة الأخرى ، ثم يقوم مقام أصحابهم فيصلي بهم الركعة الأخرى على ما قدمناه ، وان لم يبلغوا العدد الذي ذكرناه لم ينعقد لهم هذه الصلاة صلاة جمعة بل يصلوها

ص: 115

ظهرا وان بلغت الطائفة الأولى العدد المذكور وخطب بهم (1) وكان في الطائفة الأخرى العدد أيضا كاملا لم يصح ان يصلى بهم جماعة إلا بعد ان يعيد الخطبة لأن الجمعة لا تنعقد مع تمام العدد إلا بخطبة فإن صلى بالأولى صلاة الجمعة كاملة لم يجز ان يصلى الأخرى صلاة جمعة بل يصلى بهم ظهرا.

وإذا انهزم المشركون وطلبهم المسلمون لم يجز ان يصلوا صلاة الخوف لان الخوف قد ارتفع وليس مشاهدتهم بأمارة لحصول الخوف. ومن فر من الزحف وصلى صلاة شدة الخوف كان عليه الإعادة إذا كان عاصيا بفراره فان كان متحيزا الى فئة أو متحرفا لقتال لم يلزمه الإعادة ، وانما يكون عاصيا بفراره من الزحف إذا فر من اثنين أو أقل منهما فاما ان كان من أكثر من اثنين فإنه لا يكون عاصيا وكانت صلاته جائزة.

* * *

« باب صلاة العراة »

من كان عريانا وليس له لباس يستتر به وتمكن من الاستتار بحشيش أو غيره كان عليه ان يستر عورته به ويصلى قائماً فان لم يقدر على ما يستتر به جملة وكان وحده بحيث لا يراه أحد صلى قائماً وان كان معه إنسان أو كان موضع يخشى فيه ان يراه غيره كان عليه ان يصلى جالسا. وإذا اجتمع عراة ولم يتمكنوا مما يستترون به وأرادوا أن يصلوا جماعة كان عليهم أن يجلسوا صفا واحدا ويجلس إمامهم في وسطهم ولا يتقدمهم الا بركبتيه ثم يصلى بهم وهو ، وهم جلوس ، ويومئ الإمام بركوعه

ص: 116


1- اى من غير ان يصلى بهم ، قال في المنتهى ج 1 ، ص 406 : لو خطب بالطائفة الاولى ولم يصل بهم ثم مضوا الى العدو وجاءت الطائفة الثانية قال الشيخ لا يجوز ان يصلى بهم الجمعة الا ان يعيد الخطبة.

وسجوده إيماء ويجعل سجوده اخفض من ركوعه ، ويركع الذين خلفه ويسجدون.

وقد ذكر أن العريان يؤخر الصلاة الى أن يتضيق وقتها رجاء أن يجد ما يستتر به فان لم يجد شيئا صلى ، فمن عمل على ذلك كان جائزا.

* * *

« باب صلاة السابح والغريق والموتحل »

السابح والغريق والموتحل إذا دخل عليهم وقت الصلاة ولم يتمكنوا من الحصول في موضع يصلون فيه ، استقبلوا القبلة بتكبيرة الإحرام وصلوا إيماء ، فان لم يتمكنوا من استقبال القبلة صلوا ولم يكن عليهم شي ء ، ويكون ركوعهم وسجودهم إيماء ويجعلون سجودهم اخفض من ركوعهم.

* * *

« باب صلاة المضطر إلى المشي والمقيد والمشدود بالرباط »

« وما أشبه ذلك »

إذا اضطر الإنسان إلى المشي ولم يتمكن من الوقوف صلى ماشيا بعد التوجه إلى القبلة ان تمكن من ذلك ويومئ بركوعه وسجوده إيماء.

فاما المقيد والمشدود بالرباط ومن جرى مجرى ذلك فإنه يجب عليه الاجتهاد في أداء الصلاة على غاية ما يتمكن منه ومتى أمكنه أن يبلغ بالصلاة إلى غاية هي نهاية ما يقدر عليه فأوقعها دون ذلك كان عليه استئنافها ، وإذا لم يتمكن واحد مما ذكرناه من أن يصلى الا إيماء صلى كذلك وكانت صلاته مجزية.

* * *

ص: 117

« باب الصلاة في السفينة »

إذا دخل على المكلف وقت الصلاة وهو في سفينة ، وكان متمكنا من الخروج منها الى البركان الأفضل له الخروج والصلاة على الأرض ، فإذا لم يخرج منها وصلى في السفينة كانت صلاته مجزية ومن صلى في السفينة كان عليه ان يصلى قائماً ويستقبل القبلة مع التمكن من ذلك ، فان لم يتمكن من ذلك صلى جالسا متوجها الى القبلة ، وإذا دارت السفينة دار معها كيف ما دارت ، ويستقبل القبلة ، فان لم يتمكن من ذلك استقبل القبلة بتكبيرة الإحرام وصلى كيف ما دارت. فاذا صلى فيها شيئا من النوافل صلى قائماً إلى رأسها إذا لم يتمكن من التوجه إلى القبلة ومتى لم يجد في السفينة ما يسجد عليه ، سجد على خشبتها ، فان كان عليه قير القى عليه شيئا مما يصح السجود عليه ، وسجد عليه ، فان لم يقدر على ذلك سجد على القير وكان صلاته ماضية.

* * *

« باب كيفية صلاة ما عدا صلاة اليوم والليلة »

ما عدا صلاة اليوم والليلة من مفروض الصلوات ست صلوات قد تقدم ذكرها في جملة أعداد الصلوات. وهي صلاة العيدين ، وصلاة كسوف الشمس والقمر والزلازل والرياح السود والآيات العظيمة ، وقضاء الفائت من الصلاة ، وصلاة النذر ، وركعتا الطواف ، والصلاة على الموتى ، ونحن نأتي بذكر كيفية كل واحدة منها بمشيئة اللّه تعالى.

* * *

« باب كيفية صلاة العيدين »

هذه الصلاة تجب على من تجب عليه صلاة الجمعة وتسقط عن من تسقط

ص: 118

عنه صلاة الجمعة ، وشروطها شروطها ، فاذا كان يوم العيد بعد صلاة الفجر فإنه يستحب للإنسان أن يدعوا بهذا الدعاء فيقول :

« اللّهم انى توجهت إليك بمحمد امامى وعلى من خلفي وأئمتي عن يميني وشمالي ، استتر بهم من عذابك وأتقرب إليك زلفى لا أجد أحدا أقرب إليك منهم فهم أئمتي ، فآمن بهم خوفي من عذابك وسخطك وأدخلني برحمتك الجنة في عبادك الصالحين ، أصبحت باللّه مؤمنا موقنا مخلصا على دين محمد صلى اللّه عليه وآله وسنته وعلى دين الأوصياء وسنتهم آمنت بسرهم وعلانيتهم وارغب الى اللّه فيما رغبوا فيه وأعوذ باللّه من شر ما استعاذوا منه ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلى العظيم توكلت على اللّه حسبي اللّه ، ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللّهَ بالِغُ أَمْرِهِ ) ، اللّهم أريدك فأردني واطلب ما عندك فيسره لي.

اللّهم انك قلت في محكم كتابك المنزل وقولك الحق ووعدك الصدق : شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ، فعظمت شهر رمضان بما أنزلت فيه من القرآن الكريم وخصصته بان جعلت فيه ليلة القدر.

اللّهم وقد انقضت أيامه ولياليه وقد صرت منه يا إلهي الى ما أنت اعلم به مني فأسألك بما سألك به ملائكتك المقربون وأنبياؤك المرسلون وعبادك الصالحون ان تصلى على محمد وآل محمد وان تقبل منى كلما تقربت إليك به وتتفضل على بتضعيف عملي وقبول تقربي وقرباتي واستجابة دعائي وهب لي منك عتق رقبتي من النار والأمن يوم الخوف من كل فزع ومن كل هول أعددته ليوم القيامة أعوذ بحرمة وجهك الكريم وبحرمة نبيك وبحرمة أوصيائه ان يتصرم هذا اليوم ولك قبلي تبعة تريد ان تقتصها منى لم تغفرها لي أسألك بحرمة وجهك الكريم بلا إله إلا أنت ان ترضى عنى وان كنت قد رضيت عنى فزد فيما بقي من عمرى رضا ، وان كنت لم ترض عنى فمن الان فارض عنى يا سيدي ومولاي الساعة الساعة واجعلني في هذه الساعة وفي هذا اليوم وفي هذا المجلس من عتقائك من النار عتقا لا رق معه.

ص: 119

اللّهم إني أسألك بحرمة وجهك الكريم ان تجعل يومي هذا خير يوم عبدتك فيه منذ أسكنتني الأرض وأعظمه أجرا وأعمه نعمة وعافية وأوسعه رزقا وأبتله عتقا من النار وأوجبه مغفرة وأكمله رضوانا وأقربه الى ما تحب وترضى اللّهم لا تجعله آخر زمان صمته لك وارزقني العود فيه حتى ترضى وترضى كل من له قبلي تبعة ، ولا تخرجني من الدنيا الا وأنت عني راض.

اللّهم واجعلني من حجاج بيتك الحرام في هذا العام وفي كل عام المبرور حجهم المشكور سعيهم المغفور ذنبهم المستجاب دعاؤهم المحفوظين في أنفسهم وأديانهم وذراريهم وأموالهم وجميع ما أنعمت به عليهم ، اللّهم اجعل قلبي في مجلسي هذا وفي يومي هذا وفي ساعتي هذه مفلحا منجحا مستجابا دعائي مرحوما موتى ومغفورا ذنبي.

اللّهم واجعل فيما شئت وأردت وقضيت وحتمت وأنفذت ان تطيل عمرى وان تقوى ضعفي وان تغني فقري وان تجبر فاقتي وان ترحم مسكنتي وان تعز ذلي (1) وان تونس وحشتي وان تكثر قلتي وان تدر رزقي في عافية ويسر وخفض وعيش وتكفيني كل ما أهمني من أمر دنياي وآخرتي ولا تكلني الى نفسي طرفة عين فأعجز عنها ولا الى الناس فيرفضوني وعافني في بدني وديني وأهلي ومالي وولدي وأهل مودتي وجيراني وإخواني وان تمن على بالأمن أبدا ما أبقيتني فإنك وليي ومولاي وسيدي والهى وثقتى ورجائي ومعدن مسألتي وموضع شكواي ومنتهى رغبتي فلا تخيبن (2) عليك دعائي يا سيدي ومولاي ولا تبطل ظني ورجائي لديك فقد توجهت إليك بمحمد وآل محمد صلواتك عليهم وقد قدمتهم إليك إمامي وامام حاجتي وطلبتي و (3) تضرعي ومسألتي فاجعلني بهم وجيها في الدنيا والآخرة فإنك

ص: 120


1- في بعض النسخ زيادة « ان تغفر لي »
2- في بعض النسخ « فلا تخيبني »
3- في بعض النسخ « ولا تبطل » بدل « وطلبتي ».

مننت على بمعرفتهم (1) فاختم لي بها السعادة انك على كل شي ء قدير.

اللّهم لا تبطل عملي ، وطمعي ، ورجائي ، يا الهى ومالكي وارحم (2) بالسعادة والسلامة والإسلام ، والأمن ، والايمان ، والمغفرة ، والرضوان ، والشهادة والحفظ ، يا اللّه يا اللّه أنت لكل حاجة ، فتول عاقبتها ، ولا تسلط علينا أحدا من خلقك بشي ء لا طاقة لنا به من أمر الدنيا ، وفرغنا لأمر الآخرة ، يا ذا الجلال والإكرام صل على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد وارحم محمدا وآل محمد ، وسلم على محمد وآل محمد كأفضل ما صليت وباركت وترحمت وسلمت وتحننت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد »

فاذا فرغ من هذا الدعاء ، وأراد الخروج الى المصلى ، فالأفضل له ان لا يخرج الا وهو على غسل ، ووقت هذا الغسل طلوع الفجر ، ويلبس أجمل ثيابه والامام يلبس الرداء والعمامة شاتيا كان أم قائظا ، وان كان عيد الفطر فالأفضل ان لا يخرج من بيته حتى يفطر على شي ء من الحلاوة ، وان كان عيد الأضحى فالأفضل له ان لا يأكل مما يذبحه أو ينحره الا بعد عوده من الصلاة ولا يأكل شيئا قبل خروجه ، فاذا توجه الى المصلى فيستحب له ان يكون ماشيا وعليه سكينة ووقار ، فان كان اماما كان كذلك حافيا وكلما مشى قليلا وقف وكبر حتى يصل اليه.

ويستحب له أيضا ان يدعو في توجهه الى المصلى فيقول : « اللّهم من تهيأ وتعبأ وأعد ، واستعد لوفادة إلى مخلوق رجاء رفده وطلب جوائزه وفواضله ، ونوافله فإليك يا سيدي وفادتى وتهيأتى ، وإعدادي ، واستعدادي ، رجاء رفدك وجوائزك ونوافلك ، فلا تخيب اليوم رجائي ، يا من لا يخيب عليه سائل ، ولا ينقصه نائل ، انى لم آتك اليوم بعمل صالح قدمته ، ولا شفاعة مخلوق رجوته لكنني أتيتك مقرا بالظلم والاسائة ، لا حجة لي ولا عذر فأسألك يا رب ان تعطيني سؤلي ومسئلتي وتقلبني

ص: 121


1- في بعض النسخ زيادة « فاختم بمعرفتهم »
2- كذا في النسخ ولعل الصحيح « واختم لي » كما في إقبال السيد

برغبتي ، ولا تردني مجبوها ، ولا خائبا يا عظيم ، يا عظيم ، يا عظيم أرجوك بالعظيم أسألك يا عظيم ان تغفر لي العظيم ، لا إله إلا أنت صل على محمد وآل محمد وارزقني خير هذا اليوم الذي شرفته وعظمته واغسلني من جميع ذنوبي وخطاياي ، وزدني من فضلك انك أنت الوهاب.

فاذا وصل الى المصلى فالأفضل له ان يجلس على الأرض ، فإذا قام إلى الصلاة برز تحت السماء ولا يؤذن لصلاة العيد ، ولا يقام لها ، بل يقول المؤذن ثلاث مرات الصلاة.

ثم يفتتح الصلاة بتكبيرة ويقرء : الحمد والشمس وضحيها ، فاذا فرغ من القراءة كبر ثانية ورفع بها يديه وقنت فقال : اشهد ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ، واشهد ان محمدا عبده ورسوله ، اللّهم أهل الكبرياء والعظمة وأهل الجود والجبروت وأهل العفو والرحمة ، وأهل التقوى والمغفرة أسألك بحق هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيدا ولمحمد صلى اللّه عليه وآله ذخرا ومزيدا ان تصلى على محمد وآل محمد كأفضل ما صليت على عبد من عبادك ، وصل على ملائكتك ورسلك واغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات.

اللّهم إني أسألك خير ما سئلك به عبادك المرسلون وأعوذ بك من شر ما عاذ منه عبادك المرسلون ، ثم يكبر الثالثة ويقنت - بهذا القنوت أيضا ، ثم يكبر رابعة ويقنت ، ثم يكبر خامسة ، ويقنت به ثم يكبر سادسة ويقنت ، ثم يكبر سابعة ويركع بها ، ويسجد سجدتين ، فاذا رفع رأسه من السجود قام إلى الركعة الثانية بغير تكبيرة (1) ثم يكبر تكبيرة واحدة ويقرء الحمد وهل أتاك حديث الغاشية ، فاذا فرغ من القراءة كبر ثانية ورفع بها يديه وقنت كما قنت فيما تقدم ثم كبر ثالثة وقنت ثم كبر رابعة وقنت ثم كبر خامسة وركع بها وسجد وتشهد وسلم فيكون جملة هذه الصلاة ركعتين باثنتي عشرة تكبيرة سبع في الاولى ، وخمس في الثانية ، من

ص: 122


1- هذه التكبيرة تسمى ب- « تكبيرة القيام » التي نفاها المصنف

جملتها تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع. فاذا فرغ الامام من الصلاة خطب بالناس ويكون قيامه للخطبة على منبر مبني من طين.

ويستحب للإنسان أن يكبر ليلة عيد الفطر عقيب اربع صلوات أولها صلاة المغرب وآخرها صلاة العيد يقول : « اللّه أكبر ، اللّه أكبر لا إله إلا اللّه واللّه أكبر اللّه أكبر ولله الحمد على ما هدانا وله الشكر على ما أولانا » ، ويكبر في عيد الأضحى ان كان بمنى عقيب خمس عشرة صلاة أولها صلاة الظهر من يوم العيد ، وان كان في غير منى من سائر الأمصار كبر عقيب عشر صلوات أولها الظهر أيضا من يوم العيد ويزيد في التكبير بعد قوله : « وله الشكر على ما أولانا ورزقنا من بهيمة الانعام » ولا ينبغي ان يخرج إلى صلاة العيد بسلاح إلا لضرورة تدعو الى ذلك.

ومن أراد الخروج يوم العيد من بلد بعد طلوع الفجر فلا يخرج حتى يحضر صلاة العيد ، فان كان قبل الفجر جاز له الخروج ، ولا يجوز أن يصلى شيئا من النوافل ابتداء ولا قضاء قبل صلاة العيد ولا بعدها حتى تزول الشمس إلا بمدينة الرسول صلى اللّه عليه وآله فإنه إذا كان بها صلى في مسجد النبي صلى اللّه عليه وآله ركعتين قبل صلاة العيد استحبابا ومن صلى صلاة العيد كان مخيرا في استماع الخطبة ، والأفضل له أن يسمعها ، ومن لم يحضر صلاة العيد مع الإمام فالأفضل له أن يقضيها في بيته كما كان يصليها مع الامام ، وليس ذلك بواجب عليه.

وذكر أنه إذا اتفق أن يكون يوم العيد يوم الجمعة كان الذي يصلى صلاة العيد مخيرا بين حضور الجمعة وبين ان لا يحضرها ، والظاهر وجوب حضورها في الصلاتين وانعقادهما مع تكامل الشروط التي ذكر أنها لا تنعقد الا بكمالها.

ومن صلى صلاة العيد قبل طلوع الشمس كان عليه الإعادة لها. ومن خرج الى صلاة العيد في طريق فليرجع في غيرها استحبابا ومن كان لا هيئة لها من النساء من العجائز جاز خروجها لصلاة العيد ومن كان لها منهن هيئة وجمال صلتها في بيتها

* * *

ص: 123

« باب كيفية صلاة الكسوف »

صلاة كسوف الشمس وخسوف القمر والزلازل والرياح السود المظلمة والآيات العظيمة واحدة ، وهي واجبة لا يجوز تركها ، فمن تركها فليس يخلو من ان يكون تركها متعمدا أو ناسيا ، فان تركها متعمدا وكان قرص الشمس أو القمر قد احترق جميعه كان عليه قضاؤها مع الغسل ، وان كان قد احترق بعض القرص كان عليه القضاء دون الغسل ، وان كان ناسيا وكان قد احترق جميع القرص ، كان عليه القضاء ، وان لم يكن قد احترق جميع القرص ، لم يكن عليه شي ء ، وإذا فاتته ولم يكن علم ، فليصلها إذا علم ذلك.

واما وقتها فقد ذكرناه في باب أوقات الصلاة.

ويستحب صلاتها جماعة ، ومن لم يصلها كذلك ، جاز له ان يصليها منفردا.

وجعلتها عشر ركعات بأربع سجدات يبتدء بها بتكبيرة الإحرام ، ثم يتوجه (1) فيقرء الحمد وسورة ، والأفضل أن يقرء فيها من السور الطوال : مثل الكهف والأنبياء وما أشبه ذلك ، فاذا فرغ من القراءة ركع وأطال في ركوعه بمقدار زمان قراءته ، ثم يرفع رأسه بالتكبير ولا يقول « سمع اللّه لمن حمده » ، ويستوي قائماً ثم يقرء الحمد وسورة ، فاذا فرغ منها ركع وأطال في ركوعه مثل زمان قراءته ، ثم يرفع رأسه بالتكبير ولا يقول « سمع اللّه لمن حمده » ويستوي قائماً ثم يقرء الحمد وسورة فاذا فرغ منها ركع وأطال في ركوعه مثل زمان قراءته ، ولا يقول « سمع اللّه لمن حمده » ويستوي قائماً ثم يقرء الحمد وسورة ، فاذا فرغ منها ركع وأطال في ركوعه مثل زمان قراءته ثم يرفع رأسه ويقول في الخامسة مثل ما قدمناه ، ثم يركع الخامسة ويرفع رأسه بغير تكبير ، بل يقول سمع اللّه لمن حمده ، الحمد لله رب العالمين ، ويسجد سجدتين ، ويطيل في كل واحدة منهما

ص: 124


1- اى دعا ب- « وجهت وجهي. »

مثل زمان ركوعه ، ثم ينهض ويستوي قائماً ويركع خمس ركعات على الصفة المقدمة ، ويسجد في الخامسة ، ويتشهد ويسلم ، ومن صلى هذه الصلاة وفرغ منها قبل أن ينجلي القرص أو تزول الآية ، فيستحب له إعادتها ، فان لم يعدها جلس في موضعه يذكر اللّه سبحانه الى ان ينجلي القرص أو تزول الآية ومن شك في شي ء من هذه الصلاة ، كان عليه استئنافها.

ومن صلاها لزلزلة فليسجد بعد فراغه منها وليقل في سجوده « يا من ( يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً ) ، يا من ( يُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ ) أمسك عنا السوء ».

ومتى انكسفت الشمس أو خسف القمر أو حدثت آية مما ذكرناه في وقت صلاة حاضرة ، بدء بالحاضرة ، ثم رجع إليها ، وان بدء بصلاتها ودخل وقت فريضة قطعها وصلى الفريضة ورجع إليها وتمم صلاتها ، وان دخل وقت صلاة الليل ، صلى أولا صلاة الكسوف ثم عاد إلى صلاة ، الليل فان فاتت صلاة الليل قضاها بعد ذلك ، ولا يجوز ترك صلاة الكسوف لأجلها على حال من الأحوال.

* * *

« باب قضاء الفائت من الصلاة »

اعلم ان جميع الأوقات أوقات لقضاء ما فات من الصلاة إلا ما يعرض فيه شغل لا بد منه مما يقوم بالنفس - على الاقتصاد - (1) أو يتضيق وقت فريضة حاضرة ، وحد تضيق الوقت ان يصير الباقي منه بمقدار ما يؤدى فيه تلك الصلاة.

وكل صلاة واجبة فاتت فأن قضاءها واجب من غير تراخ ، الا ان يكون قد تضيق وقت صلاة حاضرة ، فإنه متى كان ذلك وجب صلاة الحاضرة ثم يقضى

ص: 125


1- مراده «رحمه الله» : ان الاشتغال بتحصيل المعاش - لمن عليه القضاء - لا بد ان يكون بمقدار الاقتصاد وحد الوسط ، لا بمقدار التوسعة ، لأنه «رحمه الله» قائل بالمضايقة في القضاء

الفائتة بعد ذلك ، فأن صلى الحاضرة والوقت متسع وهو عالم بذلك لم ينعقد وكان عليه قضاء ، الفائتة ثم يصلى الحاضرة ، وان لم يكن عالما وذكرها وهو في الحاضرة نقل نيته إليها ثم صلى الحاضرة.

ويقضى الفائتة ولا يصلى الحاضرة الا ان يتضيق الوقت إذا كان قد فاته صلوات عدة (1) ، فاذا تضيق الوقت صلى الحاضرة ثم عاد الى القضاء.

وإذا نسي شيئا قضاه وقت الذكر له وإذا دخل في صلاة نافلة ثم ذكر ان عليه صلاة أخرى عدل نيته إلى الفائتة ثم يعود الى تلك الصلاة بعد الفراغ من الفائتة ، وهكذا يفعل إذا دخل في صلاة فريضة لم يتضيق وقتها ثم ذكر ان عليه صلاة أخرى ، ومثال ما ذكرناه ان يدخل في صلاة العصر ، ويذكر ان عليه صلاة الظهر فيعدل نيته إليها ، فاذا فرغ منها عاد فصلى العصر ، فان تضيق الوقت كمل صلاة العصر ثم صلى الظهر.

ويجب ان يقضى حتى يغلب في ظنه الوفاء إذا كان قد فاته من الصلاة ما لا يتحقق جملته وكذلك يصلى اثنتين وثلاثا وأربعا إذا فاتته صلاة ولم يعلم ما هي : نوى بالاثنتين الغداة وبالثلاث المغرب وبالأربع الظهر أو العصر أو العشاء الآخرة ، فاذا فاتته صلاة وهو مسافر ولم يعلم ما هي صلى اثنتين وثلاثا ، ويفعل في النية لها مثل ما ذكرناه.

ومن فاتته صلاة معينة دفعات عدة ، ولم يعلم عدد الدفعات صلى من هذه الصلاة بعينها حتى يغلب في ظنه الوفاء.

والمرتد يجب عليه القضاء بجميع ما فاته في أيام ردته ، ومن صلى صلاة نذر على غير الوجه الذي شرطه والشروط التي نذر لإيقاعها ، عليه القضاء لها على ذلك الوجه والشرط.

وإذا بلغ إنسان في وقت يتسع لأداء الصلاة ، وفرط في أدائها حتى خرج الوقت كان عليه القضاء والولي عليه ان يقضى عمن يلي أمره ركعتي الطواف إذا

ص: 126


1- أي كثيرة

كان قد نسيها ، ومات قبل ان يقضيها ، والمغمى عليه إذا أفاق في وقت يتسع لأداء الصلاة وفرط في أدائها حتى خرج الوقت كان عليه القضاء.

ومن كان مسافرا ونسي صلاة - وجبت عليه في الحضر - كان عليه (1) قضائها على التمام ، فان كان حاضرا وكان قد نسي صلاة سفر كان عليه قضاؤها على التقصير. وعليه أيضا يقضي الصلاة على التقصير ، إذا كان قد أتمها في السفر وكانت آية التقصير قد تليت عليه ، أو علم وجوب التقصير عليه ، فان لم يكن الآية تليت عليه ولا علم وجوب التقصير لم يكن عليه شي ء. وكل ذلك واجب على المكلف

ومن بلغ الحلم في وقت لا يتسع لأدائها كان عليه القضاء ندبا واستحبابا ، وكذلك من أغمي عليه بجنون أو مرض غير الجنون وأفاق في وقت غير متسع لأداء الصلاة ، وكذلك يقضى جميع ما فاته في حال الإغماء ، فإن كان كثيرا ولم يتمكن من قضاء جميعه قضى صلاة اليوم الذي يفيق فيه ، وكذلك يقضى النوافل - إذا فاته منها صلوات عدة ، ولم يعلم كمية ذلك - الى ان يغلب في ظنه الوفاء ، فان لم يتمكن من ذلك استحب له ان يتصدق عن كل ركعتين بمد من طعام فان لم يقدر على ذلك فعن كل يوم بمد من طعام فان لم يقدر على ذلك لم يكن عليه شي ء وكذلك يقضي النافلة المنسية أي وقت ذكرها ، الا ان يكون قد حضر وقت فريضة فينبغي ان يصلى الفريضة ، ثم يقضى النافلة بعد ذلك إذا أراد ، وكذلك يقضى نوافل الليل بالنهار ، ونوافل النهار بالليل ندبا ، واستحبابا كما قدمناه ، فأما الحائض فقد ذكرنا في باب الحيض ما يتعلق بها من ذلك.

* * *

« باب كيفية صلاة النذر »

يجب على الناذر للصلاة أداؤها على الوجه والشرط الذي نذرها عليه ، فان

ص: 127


1- كذا في نسخة وليست في بقيتها جملة « كان عليه »

نذر منها عددا مخصوصا أو شيئا من التسبيح أو قراءة سورة معينة ، أو صلاتها في زمان أو مكان مخصوص أو إيقاعها على وجه مخصوص وجب عليه إيقاعها وأداؤها على العدد ، والوجه والشرط الذي عقد نذره ، فان لم يقض ذلك أو شيئا معه وصلاها كذلك لم يجزه ، وكان عليه قضاؤها مع الكفارة ، وسيأتي ذكر هذه الكفارة في باب الكفارات بعون اللّه تعالى.

* * *

« باب ركعتي الطواف »

ركعتا الطواف واجبتان كما ذكرناه في قسمة المفروض من الصلوات ، ويجب ان يفعل المكلف فيهما مثل ما يفعله في غيرهما من أحكام الصلاة ومن وجبتا عليه صلاهما عند مقام إبراهيم عليه السلام بان يجعله بين يديه ثم يصلى ، فإن نسي صلاتهما عند هذا المقام كان عليه إعادتهما عنده ، فان لم يذكرهما حتى سار رجع فصلاهما عنده ، فان لم يتمكن من ذلك صلاهما حيث يذكرهما ، والأفضل ان يقرء في الركعة الأولى بعد الحمد سورة الإخلاص وفي الثانية بعد الحمد قل يا ايها الكافرون ، فاما وقتها فقد ذكرناه في بابا أوقات الصلاة.

* * *

( باب الصلاة على الموتى )

إذا أردنا أن نذكر كيفية الصلاة على الموتى من الناس فينبغي ان نبين من يجوز هذه الصلاة عليه ومن لا يجوز.

فأما الذي يجوز عليه فهو كل من كان على ظاهر الايمان من رجل أو أمرية ، حر أو عبد ومن بلغ عمره من هؤلاء الذين ذكرناهم ست سنين أو أكثر ، وقد يصلى هذه الصلاة على جهة الندب والاستحباب على كل طفل يقصر عمره عن ست سنين

ص: 128

من أولاد المسلمين ، وعلى من خالف مذهب أهل الحق مع حصول التقية المرتفعة (1) في ترك ذلك ، فلا يجوز الصلاة على الناصب للعداوة لأهل بيت النبي صلى اللّه عليه وآله إذا كانت التقية مرتفعة في ترك الصلاة عليه ، وكذلك لا يجوز على غير الناصب ممن ظاهره ظاهر الكفر والشرك على حال ، ومن مات ممن ذكرنا جواز الصلاة عليه من الرجل ، والمرية أو الحر ، والعبد كانت الصلاة عليه واجبة.

وينبغي ان يؤذن المؤمنين بذلك ليجتمعوا ، ويكثروا للصلاة (2) عليه ، وهي فرض على الكفاية ، ومتى قام بها بعض المكلفين سقط فرضها عن الباقين ، والأفضل للإنسان ان لا يصليها الا وهو على طهارة ، فان لم يكن على ذلك وفاجأته تيمم وصلى عليها ، فان لم يتمكن من ذلك أيضا جاز ان يصليها على غير طهارة ومن كان من النساء على حال حيض أو جنابة وأرادت الصلاة على الجنازة ، فالأفضل لها ان لا تصليها الا بعد الاغتسال فان لم تتمكن من ذلك جاز لها ذلك بالتيمم فان لم تتمكن من ذلك جاز لها ان تصلى عليها بغير طهارة.

وإذا حضر الناس للصلاة على الجنازة وقفوا صفوفا خلف من يؤم بهم فان حضر معهم نساء وقفن خلف الرجال من غير ان يختلطن بهم ، فان كان فيهن حائض وقفت منفردة منهن ، فان كان الذي حضر للصلاة على الجنازة نساء ليس معهن أحد من الرجال وقفت التي تؤم بهن في وسطهن من الصف ، والباقون عن يمينها وشمالها فان كان جميع من يحضر للصلاة عليها عراة ففعلوا كما ذكرنا فعله للنساء سواء. والجنازة تجعل وقت الصلاة عليها مما يلي القبلة ، فإن حضر معها جنازة أمرية جعلت مما يلي القبلة والرجل مما يلي الامام ، وإذا اجتمع جنازة رجل وأمرية وصبي جعل الصبي مما يلي القبلة ثم المرأة إليه ثم الرجل.

فان اجتمع معهم عبد قدم الصبي أولا إلى القبلة ، ثم المرأة ، ثم العبد ، ثم

ص: 129


1- أي التقية غير الواجبة.
2- في بعض النسخ « الصلاة » بدل « للصلاة »

الرجل فان اجتمع معهم خنثى جعل الصبي مما يلي القبلة أولا ، ثم المرأة بعده ، ثم الخنثى بعدها ثم العبد ثم الرجل ، وهؤلاء الذين صلى على جميعهم صلاة واحدة ، كانت مجزية ، ولم يحتج المصلون ان يصلوا على كل واحد منهم صلاة على حدة والامام العادل إذا حضر للصلاة على الجنازة كان اولى بالتقدم عليها في ذلك من غيره ، فان لم يكن حاضرا وحضر رجل من بنى هاشم يعتقد الحق كان اولى بذلك إذا اذن له الولي ، فان لم يأذن له لم يجز له التقدم ، والأفضل للولي أن يقدمه والمرأة إذا كان لها زوج كان أولى بالصلاة عليها وإذا كان للميت ابنان مؤمنان كانا مخيرين في التقدم للصلاة ما لم يتنازعا في التقدم ، فان تنازعا في ذلك أقرع بينهما.

والصلاة على الجنازة جائزة في المساجد والأفضل في ذلك ان يصلى عليها في المواضع المخصوصة بها ، فإذا أراد الإمام التقدم للصلاة على الجنازة ، فينبغي ان يتحفي ويكون بينه وبينها عند وقوعه عليها شي ء يسير ، فان كان الميت رجلا وقف محاذيا لوسطه ، وان كان امرأة وقف محاذيا لصدرها.

« كيفية الصلاة على الميت »

وليس في هذه الصلاة قراءة ، ولا ركوع ، ولا سجود ، بل دعاء واستغفار وهي خمس تكبيرات يبدأ بها بتكبيرة الإحرام ويقرن النية كذلك بها ، فيرفع المصلى مع هذه التكبيرة يديه ثم يرسلهما ، ويقول : « اشهد ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له إلها واحدا أحدا فردا صمدا حيا قيوما لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ، لا إله إلا اللّه الواحد القهار ربنا ورب آبائنا الأولين » والاختصار على الشهادتين في ذلك مجز ، ويكبر « ثانية » ولا يرفع يديه معها.

ويقول : « اللّهم صل على محمد وآل محمد ، وبارك على محمد وآل محمد وارحم محمدا وآل محمد كأفضل ما صليت وباركت ورحمت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد » ويكبر « ثالثة » ولا يرفع يديه معها.

ويقول : « اللّهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم

ص: 130

والأموات ، وادخل على موتاهم رأفتك ، ورحمتك وعلى أحيائهم بركات سماواتك وأرضك ، انك على كل شي ء قدير ، ويكبر « رابعة » ، ولا يرفع يديه معها ، ويقول : اللّهم عبدك وابن عبدك وابن أمتك نزل بك وأنت خير منزول به ، اللّهم انا لا نعلم منه الا خيرا وأنت اعلم به منا ، اللّهم ان كان محسنا فزد في إحسانه ، (1) وان كان مسيئا فتجاوز عنه واغفر له واجعله عندك في عليين ، واخلف على أهله في الغابرين ، وارحمه برحمتك يا ارحم الراحمين.

فان كان الميت أمرية ، قال بعد هذه التكبيرة : اللّهم أمتك وابنة أمتك نزلت بك وأنت خير منزول به ، اللّهم ان تك محسنة فزد في إحسانها ، وان تك مسيئة فاغفر لها وتجاوز عنها وارحمها يا رب العالمين » وان كان الميت طفلا فقل : « اللّهم هذا الطفل كما خلقته قادرا وقبضته ظاهرا ، فاجعله لأبويه فرطا (2) ونورا وارزقنا اجره ولا تفتنا بعده.

وان كان مستضعفا قال : « اللّهم اغفر ( لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ ) .

وان كان غريبا لا يعرف له قولا فقل : « اللّهم هذه النفس أنت أحييتها ، وأنت أمتها تعلم سرها وعلانيتها ، فولها ما تولت واحشرها مع من أحبت » وان كان الميت ناصبا (3) فقل : « عبدك ابن عبديك لا نعلم منه الا شرا فأخذه من عبادك وبلادك وأصله أشد نارك ، اللّهم انه كان يوالي أعدائك ويعادي أولياءك ويبغض أهل بيت نبيك فاحش قبره نارا ومن بين يديه نارا وعن شماله نارا وسلط عليه في قبره الحيات والعقارب » ويكبر الخامسة ، ولا يرفع اليدين معها ، ويقول : عفوك عفوك ، ولا يبرح من موضعه حتى ترى الجنازة قد رفعت على أيدي الرجال والذي ذكرناه في ترك

ص: 131


1- في بعض النسخ « حسناته » بدل « إحسانه »
2- الفرط بفتح الراء : هو من يتقدم القوم ليصلح لها ما يحتاجون اليه مما يتعلق بالمراد ، كما في الحدائق
3- في بعض النسخ « ناصبيا » بدل « ناصبا »

رفع اليدين مع التكبيرة الأولى مستحب ، ولو رفعها مع جميع التكبيرات لكان جائزا الا ان الأفضل ما قدمناه.

ومن حضر الصلاة على الجنازة وقد فاته شي ء من التكبيرات فليتمه إذا فرغ الامام من الصلاة عليها متتابعا ، وان رفعت كبر عليها ، وهي مرفوعة ، ومن لحق الجنازة عند وصولها الى القبر كان له ان يكبر ما بقي له من ذلك ومن سبق الامام بشي ء من التكبير عليها كان عليه الإعادة لذلك ومن فاتته الصلاة على الجنازة جاز له ان يصليها على القبر بعد دفن الميت ما بينه وبين يوم وليلة ، وليس تجوز الصلاة عليه بعد ذلك على حال.

والصلاة على الجنازة الواحدة دفعتين مكروه ، فاذا حضرت الجنازة في وقت صلاة فريضة ، فالأولى الابتداء بالفريضة ، ثم الرجوع الى الصلاة على الجنازة الا ان يخاف من حدوث أمر بالميت ، فان كان ذلك قدمت الصلاة عليه ، ورجع الى الفريضة.

وإذا كانت الجنازة في وقت الصلاة عليها مقلوبة ، ولم يعلم المصلى عليها ذلك من حالها أديرت عما كانت عليه وهويت (1) وأعاد الصلاة عليها ، فان لم يعلم ذلك حتى دفنت كانت الصلاة ماضية ، وإذا حضرت الجنازة وكبر المصلى عليها تكبيرة أو تكبيرتين ، ثم حضرت جنازة اخرى كان مخيرا بين ان يتم التكبيرات على الاولى ، وبين ان يبتدء بالتكبير من التكبيرة التي انتهى إليها وان كان الميت عريانا ولا كفن عليه فليترك في قبره ويستر عورته ويصلى عليه ويدفن.

* * *

ص: 132


1- كذا في النسخ ولعل المراد : ان الجنازة رفعت من الأرض فاديرت ووضعت ويحتمل التصحيف فيكون الصحيح « سويت » كما في النهاية والمبسوط.

« باب المندوب من الصلوات »

« باب سنن اليوم والليلة »

اعلم ان أول ذلك نوافل الظهر ، وينبغي إذا زالت الشمس ان يصلى ، وهي ثمان ركعات يفتتح الركعتين الأولتين بسبع تكبيرات ، أو خمس أو ثلاث أو واحدة إلا أن الإتيان بأكثر من التكبيرة الواحدة أفضل ، فاذا فرغ من التكبير الذي ذكرناه توجه (1) وقرء في الأولى بعد الحمد ، قل هو اللّه أحد ، وفي الثانية بعد الحمد قل يا ايها الكافرون ويخافت بالقراءة ، فان جهر كان جائزا ، والأفضل الإخفات نوافل النهار والجهر في نوافل الليل ، فاذا فرغ من القراءة فعل في الركوع والسجود والتسبيح مثل ما سلف ذكره في كيفية صلاة المختار ، فاذا سلم من هاتين الركعتين قام ثم اتى بست ركعات يتشهد ويسلم في كل اثنتين ، فاذا تمم الثمان ركعات ، حمد اللّه سبحانه وأثنى عليه وصلى على النبي وآله صلى اللّه عليه وآله ثم يقول : « الحمد لله الواحد الأحد المتوحد في الأمور كلها الرحمن الرحيم الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لو لا ان هدانا اللّه » ويدعو بما شاء ، ثم يؤذن ويقيم ويصلى فريضة الظهر فاذا فرغ منها صلى بعدها نوافل العصر ثماني ركعات وفعل كما فعل في نوافل الظهر ثم يؤذن ويقيم ويصلى فريضة العصر فاذا غربت الشمس وصلى فريضة المغرب صلى بعدها نوافلها وهي أربع ركعات من غير ان يفصل بين هذه النافلة وبين الفريضة بتعفير ولا كلام ، يفتتح الاولى بسبع تكبيرات ، وفعل فيها من القراءة والتسبيح وغيره من أفعال الصلاة مثل ما قدمناه ويتشهد بعد كل ركعتين ، ويسلم ، فاذا فرغ كما ذكرناه سبح ، وعفر ودعا بما أراد ، فإذا غاب الشفق وصلى فريضة العشاء الآخرة ، صلى الوتيرة وهي : ركعتان من جلوس تحسبان بواحدة يقرء فيهما مثل ما قدمناه ، فاذا فرغ من ذلك فيأوى الى فراشه ويضطجع فيه على جانبه الأيمن ، ويقول : بسم اللّه وباللّه

ص: 133


1- اى دعا ب- « وجهت. ».

وفي سبيل اللّه وعلى ملة رسول اللّه وخير الأسماء كلها لله ، اللّهم إني أسلمت نفسي إليك ، ووجهت وجهي إليك ، وفوضت أمري إليك رهبة منك ورغبة إليك لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك ، آمنت بكل كتاب أنزلته وبكل رسول أرسلته « ثم يقرء سورة الإخلاص والمعوذتين ، وآية الكرسي ، ويسبح تسبيحة السيدة فاطمة صلوات اللّه عليها وهي ان يكبر أربعا وثلثين تكبيرة ويحمد ثلاثا وثلثين تحميدة ويسبح ثلاثا وثلثين تسبيحة ويقول : لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ، الملك وله الحمد يحيى ويميت ويميت ويحيى وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شي ء قدير ، أعوذ باللّه بالذي يمسك السماء ان تقع على الأرض الا بإذنه من شر ما خلق ، وذرأ وبرء وأنشأ وصور ، ومن شر الشيطان الرجيم ، أعوذ بكلمات اللّه التامة من شر الدابة (1) والهامة ، واللامة ومن شر الشيطان الرجيم وما ذرأ في الأرض وما اخرج منها ومن شر طوارق الليل والنهار الا طارقا يطرق بخير ، استعنت باللّه وأتوكل على اللّه وحسبي اللّه ونعم الوكيل ».

فاذا انتصف الليل قام إلى صلاة الليل وقال عند قيامه الى ذلك : « الحمد لله الذي رد على روحي لأعبده واحمده اللّهم انه لا يوارى منك ليل داج ولا سماء ذات أبراج ، ولا ارض ذات مهاد ولا ظلمات بعضها فوق بعض ولا بحر لجي ، ( يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ ) غارت النجوم ، ونامت العيون ، وأنت الحي القيوم ، لا تأخذك سنة ولا نوم ، سبحان اللّه رب العالمين » ، ويقرء خمس آيات من آخر سورة آل عمران ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ ) ، إلى قوله ( إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ ) ».

وإذا سمع صوت الديكة قال « سبوح قدوس رب الملائكة والروح سبقت رحمتك غضبك ، سبحانك وبحمدك ، عملت سوء وظلمت نفسي فاغفر لى انه لا يغفر

ص: 134


1- في بعض النسخ « الندامة » بدل « الدابة ».

الذنوب إلا أنت » فاذا فرغ من ذلك استاك ، ثم يتطهر ويفتتح الصلاة بسبع تكبيرات ويتوجه ويقرء الحمد وسورة الإخلاص ثلاثين مرة ، ويقرء في الثانية الحمد وقل يا ايها الكافرون ثلاثين مرة وان قرء ذلك مرة واحدة كان جائزا ، ثم يصلى ست ركعات بما شاء من القرآن ، ويطيل في قراءته وركوعه وسجوده الا ان يخشى من طلوع فحينئذ يخفف ، فاذا فرغ من الثمان ركعات كما ذكرناه صلى الشفع والوتر ثلاث ركعات ، يقرء في الأولى بعد الحمد قل هو اللّه أحد وفي الثانية مثل ذلك ، ويتشهد ويسلم ، ويقوم بعد ذلك الى الثالثة فيتوجه ويقرء بعد الحمد سورة الإخلاص ، فاذا فرغ من القراءة قنت بقنوت الوتر ان شاء ذلك وان شاء ان يقتصر بكلمات الفرج ويدعو بما أحب كان جائزا ، وقنوت الوتر هو : لا إله إلا اللّه الحليم الكريم لا إله إلا اللّه العلى العظيم سبحان اللّه رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

اللّهم لا إله إلا أنت نور السموات والأرض لا إله إلا أنت زين السماوات والأرض لا إله إلا أنت جمال السماوات والأرض لا إله إلا أنت رب العالمين لا إله إلا أنت الغفور الرحيم لا إله إلا أنت الرحمن الرحيم لا اللّه الا أنت مالك يوم الدين لا إله إلا أنت إليك يبتدئ كل شي ء وإليك يعود ، لا إله إلا أنت لم تزل ولا تزال لا إله إلا أنت الملك القدوس لا إله إلا أنت السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر لا إله إلا أنت الكبير والكبرياء ردائك سبحان الذي ليس كمثله شي ء وهو السميع البصير والحمد لله الذي تواضع كل شي ء لعظمته وذلك كل شي ء لعزته واستسلم كل شي ء لقدرته وخضع كل شي ء لملكته واتضع كل شي ء لربوبيته فأنت يا رب صريخ المستصرخين وغياث المستغيثين والمفرج عن المكروبين والمروح عن المغمومين ومجيب دعوة المضطرين وكاشف السوء وكهف المضطهدين وعماد المؤمنين ، إليك ملجأهم ومفزعهم ومنك رجاؤهم وبك استعانتهم وحولهم وقوتهم ، إياك يدعون وإليك يطلبون ويتضرعون ويبتهلون

ص: 135

وبك يلوذون وإليك يفزعون وفيك يرغبون وفي مننك ينقلبون وبعفوك والى رحمتك يسكنون ومنك يخافون ويرهبون ، لك الأمر من قبل ومن بعد حتى لا يحصى نعمك ولا تعد ، أنت جميل العادة والبلاء ومستحق للشكر والثناء ندبت الى فضلك وأمرت بدعائك وضمنت الإجابة لعبادك وأنت صادق الوعد وفي العهد ، قريب الرحمة.

اللّهم انى اشهد على حين غفلة من خلقك انك أنت اللّه الذي لا إله إلا أنت وان محمدا عبدك المرتضى ونبيك المصطفى وأسبغت عليه نعمتك وأتممت له كرامتك ، وفضلت لكرامته منه آله فجعلتهم أئمة الهدى ومصابيح الدجى وأكملت بحبهم وطاعتهم الايمان ، وقبلت بمعرفتهم والإقرار بولايتهم ، الأعمال واستعبدت بالصلاة عليهم عبادك وجعلتهم مفتاحا للدعاء وسببا للإجابة.

اللّهم فصل على محمد وآل محمد أفضل ما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللّهم انهم الفضل والوسيلة وأعطهم من كل كرامة ونعمة وعطاء أفضله حتى لا يكون أحد من خلقك أقرب مجلسا ولا أحظى عندك منزلة ولا أقرب منك وسيلة ولا أعظم شفاعة منهم.

اللّهم واجعلني من أعوانهم وأنصارهم واتباعهم وثبتني على محبتهم وطاعتهم والتسليم لهم والرضا بقضائهم واجعلني بمحبتهم عندك وجيها في الدنيا والآخرة ، ومن المقربين فانى أتقرب إليك بهم وأقدمهم بين يدي حوائجي ومسألتي ، فإن كانت ذنوبي قد أخلقت وجهي عندك وحجبت دعائي عنك فاستجب يا رب بهم دعائي وأعطني بهم سؤلي وتقبل بهم يا رب توبتي واغفر بهم يا رب ذنوبي يا محمد أتقرب بك الى اللّه ربي وربك ليسمع دعائي ويعطيني سؤلي ويغفر ذنبي يا رب أنت أجود من سئل وأكرم من اعطى وارحم من استرحم يا اللّه يا اللّه يا اللّه يا رب يا رب يا رب يا رحمان يا رحمان يا رحمان قلت : ولقد نادينا نوح فلنعم المجيبون نعم واللّه المجيب أنت ولنعم المدعو أنت ولنعم المسئول أنت أسألك بنور وجهك وعز ملكوتك وأسألك باسمك بسم اللّه الرحمن الرحيم وبكل اسم سميت به نفسك وعلمته

ص: 136

أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك ان تغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أعلنت وما أسررت وما أنت اعلم به مني مغفرة لا تغادر صغيرة ولا كبيرة ولا تسألني عن شي ء من ذنوبي بعدها أبدا أبدا وأعطني عصمة لا أعصيك بعدها أبدا أبدا وخذ بناصيتي الى محبتك ورضاك ووفقني لذلك واستعملني به ابدا ما أبقيتني ، واحفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقى ومن تحت قدمي وامنعني من ان يوصل الى بسوء واصرف عنى شر كل شيطان مريد وشر كل جبار عنيد وشر كل ضعيف من خلقك وشديد ومن شر السامة والهامة والعامة ومن شر كل دابة صغيرة أو كبيرة بالليل والنهار ومن شر فساق العرب والعجم ومن شر فسقة الجن والانس.

اللّهم من كان ثقته ورجاؤه غيرك فأنت يا رب ثقتي ورجائي ، أعوذ بدرعك الحصينة ان لا تميتني هرما ولا ردما ولا غرقا ولا عطشا ولا حرقا ولا غما ولا موت الفجأة ولا أكيل السبع ، وأمتني في عافية على فراشي أو في الصف الأول الذين نعتهم في كتابك فقلت ( كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ ) ، مقبلين غير مدبرين على طاعتك وطاعة رسولك اللّهم صل على محمد وآل محمد واهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شر ما قضيت انك تقضى ولا يقضى عليك ، سبحانك وتعاليت سبحانك رب البيت ، أستغفرك وأتوب إليك وأو من بك وأتوكل عليك ، ولا حول ولا قوة إلا بك.

اللّهم تولني وآتني في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، يا اللّه يا اللّه ليس يرد غضبك الا حلمك ولا يجير من نقمتك الا رحمتك ولا ينجيني منك الا التضرع إليك ، فهب لي من لدنك رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك بالقدرة التي أحييت بها جميع من في البلاد وبها تنشر ميت العباد ، ولا تهلكني غما حتى تغفر لي وترحمني وتعرفني الإجابة في دعائي وأذقني طعم العافية إلى منتهى اجلى ، ولا تشمت بي عدوى ولا تملكه رقبتي.

اللّهم ان رفعتني فمن ذا الذي يضعني ، وان وضعتني فمن ذا الذي يرفعني

ص: 137

وان أهلكتني فمن ذا الذي يحول بينك وبيني ، أو يتعرض لك بشي ء من امرى ، وقد علمت انه ليس في حكمك ظلم ولا في نقمتك عجلة ، فإنما يعجل من يخاف الفوت ، وانما يحتاج الى الظلم الضعيف ، وقد تعاليت يا الهى عن ذلك ، فلا تجعلني للبلاء غرضا (1) ، ولا لنقمتك نصبا ، ومهلني ونفسني وأقلني عثرتي فقد ترى ضعفي وقلة حيلتي ، وأنت أحق من أصلح من عبده فاسدا ، وأقوم منه أودا (2).

اللّهم جامع الخلق لليوم العظيم ، اجعل في ذلك اليوم مع أوليائك موقفي وفي أحبائك محشري ، وحوض محمد نبيك صلواتك عليه وآله موردي ومع الملائكة الكرام مصدري ، ثم لقني برهانا افوز بحجته واجعل لي نورا أستضي ء بقبسه ، ثم أعطني كتابي بيميني أقر بحسناته (3) وتبيض بها وجهي ، وترجح بها ميزاني ، وامضى بها في المغفورين لهم من عبادك الى رحمتك ، وامنن على بالجنة برحمتك وأجرني من النار بعفوك.

اللّهم تولني واحفظني اللّهم صل على محمد وآل محمد عبدك ورسولك وعلى آله الطاهرين أفضل ما صليت على أحد من خلقك ، اللّهم صل على أمير المؤمنين ووصى رسول رب العالمين ، اللّهم صل على الحسن والحسين سبطي الرحمة وامامى الهدى ، وصل على الأئمة من ولد الحسين على بن الحسين ومحمد بن على وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلى بن موسى ومحمد بن على وعلى بن محمد والحسن بن على والخلف الحجة عليه السلام.

اللّهم اجعله الامام المنتظر والقائم المهدي اللّهم انصره نصرا عزيزا وافتح له فتحا يسيرا ، واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا.

اللّهم اجعلني من أصحابه وأعوانه وأنصاره والذابين عنه إله الحق (4) آمين رب العالمين.

ص: 138


1- في بعض النسخ « عرضا » مهملة.
2- « الأود » الاعوجاج.
3- في بعض النسخ « بحسناتي »
4- في بعض النسخ « الخلق » بدل « الحق »

اللّهم تم نورك فهديت فلك الحمد ربنا وعظم حلمك فعفوت ، فلك الحمد ربنا وبسطت يدك فأعطيت ، فلك الحمد ربنا ، وجهك أكرم الوجوه ، وجهتك أكرم الجهات وعطيتك أفضل العطايا وأهنأها ، « يطاع (1) ربنا ويشكر ويعصى ربنا فيغفر لمن يشاء يجيب المضطر ويكشف الضر ويشف السقيم وينجي من الكرب العظيم » لا يجزى بالائك أحد ولا يحصى بعلمك قول قائل.

اللّهم إليك رفعت الأيدي ونقلت الاقدام ومدت الأعناق ودعيت بالألسن وتقرب إليك بالأعمال ورفعت الأبصار ، ربنا اغفر لنا وارحمنا وافتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين.

اللّهم انا نشكو إليك فقد نبينا وغيبة إمامنا ، وشدة الزمان علينا ، ووقوع الفتن بنا ، وتظاهر أعدائنا وكثرة عددهم وقلة عددنا ، ففرج يا رب ذلك عنا بفتح منك تعجله ونصر منك تعزه وامام حق تظهره إله الحق رب العالمين.

اللّهم اغفر لي ولوالدي وارحمهما كما ربياني صغيرا ، واجزهما بالإحسان إحسانا وبالسيئات غفرانا ، ولإخواننا الذين سبقونا بالايمان ، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤف رحيم.

اللّهم اغفر لفلان - وتسمى من أردت من إخوانك.

اللّهم انى أسألك جميع ما سئلتك لنفسي ولوالدي ولإخواني جميعا من المؤمنين والمؤمنات ، وأسألك اليقين لي ولهم والعفو والعافية في الدنيا والآخرة

اللّهم وقد شملنا زيغ الفتن واستولت علينا غشاوة الخير ، وقارعنا الذل والصغار وحكم علينا غير (2) المأمون على دينك ،

ص: 139


1- في بعض النسخ بصيغة الخطاب وكذا ما بعده إلى « ينجي من الكرب ».
2- في النسخ التي بأيدينا « خير المأمون » والصحيح ما أثبتناه كما في مصباح المتهجد ص 138.

اللّهم وقد بلغ الباطل نهايته واستجمع طريده ووسق (1) وضرب بجرانه (2) اللّهم فأتح (3) له من الحق يدا (4) حاصدة تصرع قائمة وتجد (5) سنامه حتى يظهر الحق بحسن صورته.

اللّهم أسفر لنا عن نهار العدل فأرناه سرمدا (6) لا ليل فيه واهطل (7) علينا بركاته ، وأدل له ممن عاداه وناواه (8) واحى به القلوب الميتة ، واجمع به الأهواء المتفرقة ، وأقم به الحدود المبطلة (9) والأحكام المهملة.

اللّهم لا تدع للجور دعامة الا قصمتها ، ولا كلمة مجتمعة الا فرقتها ، ولا قائمة إلا حفظتها (10).

اللّهم أرنا أنصاره عباديد بعد الألفة وشتى بعد اجتماع الكلمة ومقنعي (11) الرؤس بعد الظهور على الأمة (12).

ص: 140


1- أي جمع وحمل ، وفي بعض النسخ « وسغ » وفي مصباح المتهجد « بسق ».
2- في النسخ التي بأيدينا وجران البعير : مقدم عنقه من مذبحه اى منحره ، وضرب بجرانه : اى ثبت واستقر وهو مجاز منقول عن الكناية من قولهم « القى البعير جرانه » إذا برك ، راجع أقرب الموارد
3- أتاح اللّه له الشي ء : قدره له وأنزله به.
4- في النسخ التي بأيدينا « ندا » والصحيح ما أثبتناه كما في مصباح المتهجد
5- يقال جد الثمرة يجدها جدا من باب قتل : قطعها لاحظ مجمع البحرين وفي مصباح المتهجد « تجد سنامه »
6- في بعض النسخ « سديدا »
7- الهطل : تتابع المطر والدمع وسيلانه.
8- ناوأت الرجل : عاديته
9- وفي المصباح المتهجد « المعطلة »
10- كذا في النسخ وهو تصحيف والصحيح « خفضتها » أو « أخفقتها »
11- في بعض النسخ « مقتضى » بدل « مقنعي »
12- في بعض النسخ « الأئمة » بدل « الأمة »

اللّهم صل على محمد وعلى آل محمد وأغنني بحلالك عن حرامك ، وأوسع على من رزقك وأعذني من الفقر ، رب انى اسأت وظلمت نفسي وبئس ما صنعت فهذه يداي جزاء بما كسبتا ، وهذه رقبتي خاضعة لما أتيت ، وها انا ذا بين يديك ، فخذ لنفسك رغاها من نفسي ، لك العتبي لا أعود فإن عدت فعد على بالمغفرة.

العفو تقولها ثلاث مأة مرة وما استطعت. ثم تقول اللّهم حاجتي التي إن أعطيتنيها لم يضرني ما منعتني وان منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني بعدها فكاك رقبتي من النار ، واستغفر اللّه بجميع ظلمي وجرمي وإسرافي على نفسي في امرى وأتوب إليه - يقولها سبعين مرة - ثم يقول : الحمد لله حق حمده وصلواته على صفوته من خلقه محمد وأهل بيته ».

فإذا أتيت على ذلك فاركع فاذا رفعت رأسك من الركوع استويت قائماً فقل « يا الهى هذا مقام من ، حسناته نعمة منك وشكره قليل وعمله ضعيف وذنبه عظيم وليس لذلك الا عفوك ورحمتك.

اللّهم وقد قلت في كتابك المنزل على نبيك المرسل صلواتك عليه ، ( كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) طال هجوعي وقل قيامي وهذا السحر وأنا أستغفرك لكل ذنب أذنبته استغفار من لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا » ، ثم يخر ساجدا ويسجد السجدتين ويتشهد ويسلم ، ومن فعل ذلك وسلم فليقل « سبحان ذي الملك والملكوت سبحان الملك القدوس » يكررها ثلاثا.

ويصلى ركعتي الغداة يفتتح الاولى منها بالتكبير ويقرء الحمد وقل يا ايها الكافرون ، وفي الثانية الحمد وسورة الإخلاص ، فإذا سلم فيها حمد اللّه واثنى عليه وصلى على محمد وآله صلوات اللّه عليهم وسئل اللّه تعالى من فضله.

ويستحب ان يستغفر اللّه تعالى عقيب صلاة الفجر - سبعين مرة - يقول : « استغفر اللّه الذي لا إله الا هو الحي القيوم الرحمن الرحيم وأتوب اليه » ، ويصلى على محمد وآله - مأة مرة - ، يقول :

ص: 141

اللّهم صل على محمد وآل محمد الأوصياء المرضيين بأفضل صلواتك ، وبارك عليهم بأفضل بركاتك ، والسلام (1) عليه وعليهم وعلى أرواحهم وأجسادهم ورحمة اللّه وبركاته » فان طال ذلك عليه فليقل « اللّهم صل على محمد وعلى آل محمد الطاهرين » يكررها مأة مرة وان طال عليه أيضا لفظ الاستغفار فليقل « استغفر اللّه وأتوب إليه » ثم يخر ساجدا بعد التعقيب من هاتين الركعتين ويقول : في سجوده « يا خير مدعو يا خير مسؤل يا أوسع من اعطى وأفضل من يحبى (2) صل على محمد وآل محمد واغفر لي وارحمني وتب على انك أنت التواب الرحيم ». فاذا رفع رأسه من سجوده.

قال : اللّهم من أصبح وحاجته الى غيرك فإني أصبحت وحاجتي ورغبتي إليك يا ذا الجلال والإكرام » ثم يضطجع على جانبه الأيمن مستقبل القبلة ، ويقول : « استمسكت بعروة اللّه الوثقى التي لا انفصام لها واعتصمت بحبل اللّه المتين وأعوذ باللّه من شر فسقة العرب والعجم ، وأعوذ باللّه من شر فسقة الجن والانس ، توكلت على اللّه وألجأت ظهري الى اللّه ، أطلب حاجتي من اللّه ، ( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ، إِنَّ اللّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللّهُ لِكُلِّ شَيْ ءٍ قَدْراً ) ، حسبي اللّه ونعم الوكيل » ويقرء من آخر آل عمران الخمس آيات التي كان قرأها عند قيامه إلى صلاة الليل ، فاذا طلع الفجر قال « سبحان رب الصباح سبحان فالق الإصباح » ثلاث مرات ، ثم يصلى الفريضة ان شاء اللّه.

وإذا خاف المسافر من غلبة النوم عليه ولا يقوم آخر الليل إلى الصلاة جاز ان يقدم صلاتها في أول الليل بعد صلاة العشاء الآخرة ، كذلك يفعل من أراد المسير في آخر الليل ، وإذا ضعف الإنسان عن صلاة الليل قائماً جاز له ان يصليها جالسا.

وإذا أدركه الفجر وكان قد صلى من صلاة الليل اربع ركعات تممها وخفف

ص: 142


1- في بعض النسخ « وسلم » بدل « والسلام »
2- في نسخة « مرتجى » بدل « من يحبى ».

في قراءته ودعائه وصلى الفجر بعد ذلك ، فإن أدركه وقد صلى أقل من اربع ركعات قطع على الشفع مما انتهى اليه عن ذلك وصلى الغداة وتمم بعد ذلك صلاة الليل.

وإذا قام في آخر الليل وقد قرب طلوع الفجر وخاف ان ابتدأ هو بصلاة الليل هجم الفجر ، فينبغي ان يبتدء بركعتي الشفع ويوتر بعدهما ويصلى بعد ذلك ركعتي الفجر ، فان طلع الفجر اذن واقام وصلى فريضة ، ثم صلى ثمان ركعات بعد فريضة الفجر ، وان لم يطلع أضاف الى ما صلى ست ركعات ثم أعاد ركعة الوتر وركعتي الغداة ، وان هو قام وقد قرب الفجر أدرج صلاة الليل بالحمد وسورة الإخلاص مرة واحدة وخفف ليفرغ من ذلك قبل طلوع الفجر ، وان قام وقد بقي من الليل شي ء أطال في صلاته على ما تقدم بيانه.

فاما سنن السفر فقد ذكرناها في ما سلف ، واما كيفيتها فهو جار مجرى ما ذكرناه فيما تقدم.

* * *

باب ما عدا سنن اليوم والليلة من سنن الصلاة :

هذه المسنونات من الصلوات نحن ذاكروها فصلا فصلا الى آخرها بمشيئة اللّه تعالى.

* * *

باب كيفية صلاة الاستسقاء :

إذا امتنع القطر وأجدبت البلاد ، يستحب للناس ان يصلوا هذه الصلاة ، ويتقدم الإمام أو من قام مقامه من الناس بالصوم ثلاثة أيام فإذا كان يوم الثالث ، اغتسل من يريد صلاتها ، وينادى بالصلاة جامعة ويخرجون الى الصحراء ، والأفضل ان

ص: 143

يكون ذلك الاثنين (1) ولا يصلى في مسجد الا ان يكونوا بمكة ، ويتقدم المؤذنون كما يفعل في صلاة العيد ، ويخرج الامام على أثرهم بسكينة ووقار حتى ينتهي الى المصلى من الصحراء ، فاذا صار بذلك الموضع ، قام فيصلي بهم ركعتين من غير أذان ولا اقامة يقرء فيهما من السور ما أراد.

وترتيبها مثل ترتيب صلاة العيدين ، اثنتي عشر تكبيرة سبع في الاولى وخمس في الثانية (2) ، والقراءة قبل التكبير فاذا فرغ الامام من صلاتها وسلم صعد المنبر وحمد اللّه سبحانه واثنى عليه وصلى على رسوله صلى اللّه عليه وآله ووعظ الناس وزجر وحذر وأنذر ، فاذا فرغ من الخطبة أدار ردائه فجعل ما على يمينه على يساره ، وما على يساره على يمينه - ثلث مرأة ، ثم استقبل وكبر - مأة تكبيرة - رافعا صوته بها ويكبر الناس معه ، ثم يلتفت على يمينه ويسبح اللّه سبحانه - مأة تسبيحة - رافعا صوته بها ، ويسبح الناس معه كذلك ، ثم يلتفت على يساره فيحمد اللّه سبحانه - مأة تحميدة - رافعا صوته بها ، ويفعل الناس معه ذلك ، ثم يقبل بوجهه الى الناس فيستغفر اللّه تعالى مأة مرة رافعا صوته بها ويفعل الناس معه ذلك ثم يستقبل القبلة بوجهه فيدعو ويدعوا الناس معه ، فيقول : « اللّهم رب الأرباب ومعتق الرقاب ومنشى ء السحاب ومنزل القطر من السماء ومحيي الأرض بعد موتها ، يا فالق الحب والنوى

ص: 144


1- اى يوم الاثنين.
2- فيكون في الأول خمسة قنوتات ( لأن إحدى التكبيرات هي تكبيرة الإحرام والسابعة هي تكبيرة الركوع ، كما ذكره « قدس سره » في صلاة العيدين ، ) وفي الثانية أربعة قنوتات كما هو ظاهر قوله « قدس سره » : ( والقراءة قيل التكبير ) ، الا انه « قدس سره » ذكر في صلاة العيدين : « قام إلى الركعة الثانية بغير تكبيرة ، ثم يكبر تكبيرة واحدة ويقرء الحمد » وظاهره ان القنوتات في الثانية ثلاثة ، وهو أحد الأقوال في كيفية صلاة العيدين وعليه السيد المرتضى ، والشيخ المفيد وأبو الصلاح وابن زهرة « قدس اللّه أسرارهم » كما ذكره العلامة في المختلف « ص 112 » ، والبحراني في « حدائقه » ج 10 ص 244

ويا مخرج الزرع والنبات ومحيي الأموات ، وجامع الشتات ، اللّهم اسقنا غيثا مغيثا غدقا مغدقا هنيئا مريئا ، ينبت به الزرع والنبات ، ويدر به الضرع ويحيى به الأرض بعد موتها ، ويسقى به مما خلقت أنعاما وأناسي كثيرا ».

ويستحب للإمام ان يخطب خطبة أمير المؤمنين عليه السلام المعروفة بخطبة الاستسقاء فان لم يحفظها جاز ان يقتصر على ما قدمناه أو على الدعاء ، ولا ينبغي للناس ان يخرجوا معهم أحدا من أهل الذمة ، ويجوز خروج الكبار والصفار من الرجال والعجائز من النساء وصغارهن ، فاما الشباب ومن لها هيئة منهن فلا ينبغي ان تخرج في ذلك ، فان صلوا ولم يسقوا صلوا ثانيا وثالثا ، فاذا خرج الناس لذلك فسقوا قبل ان يصلوا صلوا شكرا لله سبحانه.

ويجوز ان يصلوا صلاة الاستسقاء إذا قل نبع مياه الآبار ونصبت (1) وكذلك مياه العيون وينبغي لأهل الخصب (2) ان يدعو لأهل الجدب ، حضروا معهم في هذه الصلاة أم لم يحضروا معهم.

* * *

« باب نوافل شهر رمضان »

نوافل شهر رمضان ألف ركعة زائدة على نوافله (3) وترتيبها : ان يصلى من يريد صلاتها من أول ليلة من الشهر في كل ليلة عشرين ركعة ثماني منها بعد صلاة المغرب ، واثنتي عشرة ركعة بعد صلاة العشاء الآخرة قبل الوتيرة ، ويصلى الوتيرة بعد ذلك يفعل هذا إلى ليلة تسع عشرة من الشهر ، فاذا حضرت هذه الليلة اغتسل وصلى بعد العشاء الآخرة مأة ركعة ، ثم يعود في ليلة العشرين الى الترتيب الذي

ص: 145


1- كذا في النسخ ومعناه : أتعبت ، اى يعسر سقيها ، ويحتمل ان تكون « نضبت » بالمعجمة ، يقال نضب الماء نضوبا اى غار في الأرض وسفل
2- الخصب بكسر الخاء : النماء والبركة خلاف الجدب
3- اى نوافل المصلى في سائر المشهور ويحتمل ان يكون المراد سائر نوافل هذا الشهر.

قدمنا ذكره ، فاذا حضرت ليلة احدى وعشرين اغتسل بعد العشاء الآخرة وصلى مأة ركعة ، ويصلى في ليلة اثنتي وعشرين بعد المغرب ثمان ركعات ، وبعد العشاء الآخرة اثنتي وعشرين.

فاذا حضرت ليلة ثلث وعشرين اغتسل وصلى بعد عشاء الآخرة مأة ركعة ، ثم يصلى ليلة أربع وعشرين الى آخر الشهر في كل ليلة بعد صلاة المغرب ثمان ركعات وبعد عشاء الآخرة اثنتي وعشرين ركعة ، فيكون جميع ما ذكرناه تسع مأة وعشرين ركعة ، ويبقى ثمانون ركعة يصلى في يوم جمعة من الشهر عشر ركعات - منها صلاة أمير المؤمنين عليه السلام - وسنذكر كيفيتها في بابها ومنها صلاة السيدة فاطمة ( عليها السلام ) وسنذكرها أيضا فيما بعد في بابها ومنها صلاة جعفر بن ابى طالب عليهما السلام وسنذكرها في بابها ان شاء اللّه تعالى.

ثم يصلى في آخر ليلة جمعة من الشهر عشر ركعة (1) من صلاة أمير المؤمنين (عليه السلام) وفي آخر ليلة سبت منه عشر ركعة من صلاة مولاتنا فاطمة صلوات اللّه عليها ، فيكمل بذلك ألف ركعة. والزيادة على هذه الالف مأة ركعة ينبغي ان يصليها ليلة النصف من هذا الشهر ويقرء في كل ركعة بعد الحمد قل هو اللّه أحد عشر مرات.

* * *

« باب صلاة يوم الغدير »

هذا العيد هو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة ، فمن أراد هذه الصلاة فالأفضل له ان يغتسل في هذا اليوم ، ويلبس أجمل ثيابه ، ويمس شيئا من الطيب ويبرز تحت السماء فإذا بقي من النهار الى زوال الشمس مقدار ساعة أو نحو ذلك صلاها ركعتين يقرء في كل واحدة منهما بعد الحمد قل هو اللّه أحد عشر مرات وانا أنزلناه عشر مرات ، وآية الكرسي عشر مرات.

ص: 146


1- كذا في أكثر النسخ وفي نسخة عشر ركعات والصحيح « عشرين ركعة » والشاهد إفراد التمييز وكذا إكمال العدد راجع الوسائل ، الباب 7 من أبواب نافلة شهر رمضان ، الحديث 1

فاذا سلم حمد اللّه واثنى عليه وصلى على النبي وآله صلى اللّه عليه وآله وابتهل الى اللّه سبحانه في لعن ظالمي أهل البيت عليهم السلام وأشياعهم ثم دعا فقال. اللّهم إني أسألك ، بحق محمد نبيك وعلى وليك ، وبالشأن والقدرة التي خصصتهما به دون خلقك ان تصلى عليهما وعلى ذريتهما وان تبدأ بهما في كل خير عاجل ، اللّهم صل على محمد وعلى آل محمد الأئمة القادة والدعاة السادة والنجوم الزاهرة والأعلام الباهرة وساسة العباد وأركان البلاد والناقة المرسلة ، والسفينة الناجية الجارية في اللجج الغامرة ، اللّهم صل على محمد وعلى آل محمد خزان علمك وأركان توحيدك ودعائم دينك ومعادن كرامتك وصفوتك من بريتك وخيرتك من خلقك الأنبياء النجباء الأبرار ، والباب المبتلى به الناس ، من أتاه نجى ومن أباه هوى.

اللّهم صل على محمد وعلى آل محمد أهل الذكر. الذين أمرت بمسألتهم وذوي القربى الذين أمرت بمودتهم وفرضت حقهم وجعلت الجنة جزاء من اقتص آثارهم ، اللّهم صل على محمد وعلى آل محمد كما أمروا بطاعتك ونهوا عن معصيتك ودلوا عبادك على وحدانيتك.

وأسألك بحق محمد نبيك ونجيبك (1) وصفوتك وأمينك ورسولك الى خلقك ، وبحق أمير المؤمنين ويعسوب الدين وقائد الغر المحجلين الولي الوصي الوفي والصديق الأكبر والفاروق الأعظم بين الحق والباطل والشاهد لك والدال عليك والصادع بأمرك والمجاهد في سبيلك لم تأخذه فيك لومة لائم ، ان تصلى على محمد وعلى آل محمد وان تجعلني في هذا الشهر وفي هذا اليوم الذي عقدت فيه العهد لوليك في أعناق خلقك وأكملت لهم الدين من العارفين بحرمته والمقرين بفضله من عتقائك وطلقائك من النار ، ولا تشمت بي حاسد النعم.

اللّهم فكما جعلته عيدك الأكبر وسميته في السماء بيوم العهد والمعهود وفي الأرض يوم الميثاق المأخوذ والجمع المسؤل صل على محمد وعلى آل محمد ، واقرر به

ص: 147


1- في بعض النسخ « نجيك »

عيوننا واجمع به شملنا ، ولا تضلنا بعد إذ هديتنا ، واجعلنا لأنعمك من الشاكرين يا ارحم الراحمين.

الحمد لله الذي عرفنا فضل هذا اليوم ، وبصرنا حرمته ، وكرمنا به وشرفنا بمعرفته وهدانا بنوره ، يا رسول اللّه يا أمير المؤمنين عليكما وعلى عترتكما وعلى محبيكما منى أفضل السلام ما بقي الليل والنهار ، بكما أتوجه الى اللّه ربي وربكما في نجاح طلبتي وقضاء حوائجي ، وتيسير أموري.

اللّهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد ان تصلى على محمد وآل محمد وان تلعن من جحد حق هذا اليوم وأنكر حرمته ، وصد عن سبيلك لإطفاء نورك فأبى اللّه الا ان يتم نوره ، اللّهم فرج عن أهل بيت نبيك واكشف عنهم وبهم عن (1) المؤمنين الكربات اللّهم إملاء الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا ، وأنجز لهم ما وعدتهم انك لا تخلف الميعاد.

* * *

« باب صلاة يوم المبعث »

هذا اليوم هو الذي بعث اللّه تعالى فيه محمدا صلى اللّه عليه وآله بالرسالة ، وهو اليوم « السابع والعشرون » من رجب ، فمن أراد صلاة هذا اليوم فينبغي ان يفتتح الصلاة بالتكبير ويصلى « باثنتي عشرة ركعة » يقرء في كل ركعة منها بعد فاتحة الكتاب سورة « يس » فاذا فرغ منها جلس في مكانه ، قرء الحمد « اربع مرات » وقل هو اللّه أحد « أربع مرات » ، وكل واحدة من المعوذتين « اربع مرات » ، ثم يقول بعد ذلك : « سبحان اللّه والحمد لله ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا باللّه » اربع مرات ثم يقول اللّه اللّه ربي ولا أشرك به شيئا أربع مرات ويدعو بما شاء لنفسه بغير ذلك.

* * *

ص: 148


1- في نسخة « أمير المؤمنين » بدل « المؤمنين » والصحيح ما أثبتناه

« باب صلاة أمير المؤمنين عليه السلام »

وهذه الصلاة أربع ركعات ، بتسليم بعد كل ركعتين ، يقرء في كل ركعة منها الحمد مرة واحدة وقل هو اللّه أحد خمسين مرة.

* * *

« باب صلاة مولاتنا فاطمة عليها السلام »

هذه الصلاة ركعتان ، يقرء في الأولى فاتحة الكتاب مرة واحدة وانا أنزلناه مأة مرة ، وفي الثانية بعد فاتحة الكتاب سورة الإخلاص مأة مرة.

* * *

« باب صلاة الحبوة »

هذه الصلاة ، صلاة جعفر الطيار ( عليه السلام ) وتسمى أيضا صلاة التسبيح ، وهي أربع ركعات : يقرء في الأولى الحمد مرة وسورة الزلزلة ، وفي الثانية الحمد مرة وسورة العاديات ، وفي الثالثة الحمد مرة وإذا جاء نصر اللّه والفتح ، وفي الرابعة الحمد وقل هو اللّه أحد ، ويقول في كل ركعة عقيب القراءة وقبل الركوع : سبحان اللّه والحمد لله ولا إله إلا اللّه والا أكبر خمس عشرة مرة ، ثم يقول ذلك في الركوع عشرا ومثل ذلك في انتصابه ، ومثل ذلك في السجدة الاولى وفي الجلسة بين السجدتين وفي السجدة الثانية وإذا رفع رأسه وجلس قبل القيام ، ويفعل ذلك في كل ركعة.

* * *

باب صلاة الاستخارة :

صلاة الاستخارة ركعتان ، يصليهما من أراد صلاتها كما يصلى غيرهما من النوافل ، فاذا فرغ من القراءة في الركعة الثانية قنت قبل الركوع ثم يركع ويقول

ص: 149

في سجوده : « أستخير اللّه » مأة مرة ، فإذا أكمل المائة قال : « لا إله إلا اللّه الحليم الكريم لا إله إلا اللّه العلى العظيم ، رب بحق محمد وآل محمد ، صل على محمد وآل محمد : وخر لى في كذا وكذا » ويذكر حاجته التي قصد هذه الصلاة لأجلها وقد ورد في صلاة الاستخارة وجوه غير ما ذكرناه ، والوجه الذي ذكرناه - ها هنا - من أحسنها.

* * *

« باب صلاة الحاجة »

من كان له الى اللّه حاجة ، فينبغي ان يصوم ثلاثة أيام ، ويكون هذه الأيام أربعاء وخميسا وجمعة ، فاذا كان يوم الجمعة اغتسل ولبس ثوبا جديدا ، وصعد الى موضع ، وصلى بهذه الصلاة ركعتين كما يصلى غيرهما من النوافل ، فاذا سلم منها رفع يديه الى السماء.

ثم قال : اللّهم انى اطلب ساحتك لمعرفتي بوحدانيتك وصمدانيتك وانه لا قادر على (1) حاجتي غيرك وقد علمت يا رب انه كل ما تظاهرت نعمتك على اشتدت فاقتي إليك وقد طرقني هم كذا وكذا وأنت تكشفه ، عالم غير معلم ، واسع غير متكلف ، فأسألك باسمك الذي وضعته على السماء فانشقت ووضعته على الجبال فنسفت ، وعلى النجوم فانتثرت (2) وعلى الأرض فسطحت ، وأسألك بالحق الذي جعلته عند محمد وآل محمد ، وعند فلان وفلان ويسمى الأئمة واحدا ان تصلى على محمد وآل محمد وان تقضى حاجتي وتيسر على عسرها ، وتكفيني مهمها ، فان فعلت ذلك فلك الحمد ، وان لم تفعل ذلك فلك الحمد ، غير حائر (3) في حكمك ، ولا متهم

ص: 150


1- في بعض النسخ زيادة « كل »
2- في نسخة « فانتشرت »
3- ويحتمل غير « جائر » بالجيم المعجمة

في قضائك ، ولا خائف (1) في عدلك » ويلصق خده الأيمن بالأرض ويقول : « اللّهم ان يونس بن متى عبدك ونبيك دعاك في بطن الحوت فاستجبت له ، وانا أدعوك فاستجب لي كما استجبت له » وقد ورد في صلاة الحاجة وجوه ، أحسنها ما ذكرناه

* * *

« باب صلاة ليلة النصف من رجب »

صلاة ليلة النصف من رجب اثنتا عشرة ركعة يقرء في كل ركعة « الحمد وسورة » ، فاذا فرغ منها قرء الحمد والمعوذتين وسورة الإخلاص وآية الكرسي أربع مرات ، وقيل : سبع مرات ، ويقول « سبحان اللّه والحمد لله ولا إله إلا اللّه واللّه أكبر » كذلك (2) ، ويقول « اللّه اللّه ربي ، لا أشرك به شيئا ويقول : « ما شاء اللّه لا قوة إلا باللّه العلى العظيم » سبع مرات.

* * *

« باب صلاة ليلة النصف من شعبان »

هذه الصلاة أربع ركعات ، يقرأ في كل ركعة منها بعد الحمد قل هو اللّه أحد مأة مرة ، فاذا فرغ مصليها منها دعا بما أراد.

* * *

« باب صلاة الشكر »

صلاة الشكر ركعتان ، يصليهما من قضى اللّه حاجته أو جدد عليه نعمته ، يقرء في كل واحدة بعد الحمد قل هو اللّه أحد ، وانا أنزلناه في ليلة القدر ، أو غير ذلك من سورة القرآن ، ويقول في ركوعه وسجوده فيهما « الحمد لله شكرا لله وحمدا لله »

ص: 151


1- في بعض النسخ « بغى » بدل « خائف »
2- اى اربع مرات أو سبع

ويقول بعد التسليم منهما « الحمد لله الذي قضى حاجتي ، وأعطاني مسألتي ».

* * *

« باب صلاة الزيارات »

وهي ركعتان لكل واحد من نبي أو امام ، والفعل فيهما من أفعال الصلاة كالفعل في غيرهما من ذلك ، وقيل : ان المصلى لهما ينبغي ان يقرء في الركعة الأولى منهما بعد الحمد ، صورة الرحمن ، وفي الثانية بعد الحمد ، سورة يس ، وانما ندب الزائر لأمير المؤمنين (عليه السلام) الى صلاة ست ركعات ، لان عنده آدم ونوحا عليهما السلام ، فمن زاره فينبغي ان يزورهما ، ويصلى لزيارتهما اربع ركعات ولزيارته هو (عليه السلام) ركعتين ، فتكمل بذلك ست ركعات ، فأما كيفية الزيارة فسيأتي ذكرها في باب الزيارات ان شاء اللّه تعالى.

* * *

« باب صلاة ليلة عيد الفطر »

هذه الصلاة ركعتان ، الأفعال فيها كالأفعال في غيرها من الصلوات الا القراءة فإنه ينبغي لمن صلاها ان يقرء في الركعة الأولى منهما بعد الحمد ، قل هو اللّه أحد ألف مرة وفي الثانية بعد الحمد قل هو اللّه أحد مرة واحدة.

* * *

« باب صلاة الإحرام »

وينبغي لمن أحرم بحج أو عمرة ، ان يصلى ست ركعات ، يقرأ في الأولى منهما بعد الحمد ، قل هو اللّه أحد وفي الثانية بعد الحمد قل يا ايها الكافرون.

* * *

ص: 152

« باب صلاة النوافل الزائدة على نوافل يوم الجمعة »

هذه الصلاة أربع ركعات ، تزاد على نوافل يوم الجمعة ، فيصير جملتها عشرين ركعة ، فاما أحكامها فهي جارية مجرى أحكام غيرها من نافلة الصلاة.

* * *

« باب تحية المسجد »

هذه الصلاة ركعتان ، ينبغي لمن دخل المسجد ان يصليهما تحية له ، وأحكامها جارية مجرى غيرها من نوافل الصلاة.

* * *

« باب ما يوجب إعادة الصلاة »

ما يوجب إعادة الصلاة على ضربين : أحدهما يتعلق بعدد الركعات ، والأخر لا يتعلق بذلك ، فأما الذي لا يتعلق بعدد الركعات ، فهو ان يترك المصلى النية عمدا أو سهوا ، أو تكبيرة الإحرام ، أو الركوع حتى يسجد ، أو يترك سجدتين في ركعة ، أو يسهو فحدث ما ينقض الطهارة ولم يتطهر حتى يستدبر القبلة ، أو تكلم لأنه إذا تطهر ولم يتكلم من غير استدبار القبلة كان له البناء على ما تقدم من الصلاة ، أو يصلى بغير طهارة ، أو يشك في الوقت فيصلي قبل دخوله ثم يعلم ذلك بعد الفراغ منها ، أو يصلى الى غير جهة القبلة ، أو يصلى في لباس النجس ، وقد تقدم له العلم به لأنه متى لم يتقدم له العلم ، لم يكن عليه إعادة الا ان يعلم ذلك والوقت باق.

أو يصلى جماعة فيصلي الامام بهم الى غير جهة القبلة ، وهم عالمون بذلك ، لأنهم ان لم يكونوا عالمين كانت الإعادة على الامام دونهم.

أو يصلى جماعة يكون امامهم على غير طهارة وهم عالمون بذلك ، ومتى

ص: 153

لم يكونوا عالمين كانت الإعادة على الامام وحده ، أو يصلى اثنان يعتقد كل واحد منهما انه مأموم والأخر له إمام ، لأنه متى اعتقد كل واحد منهما انه امام الأخر كانت صلاتهما صحيحة.

أو يصلى وعلى جسده نجاسة وهو عالم بها ، وكذلك ان لم يتقدم العلم بها ثم علم والوقت باق ، وان كان الوقت قد خرج لم يكن عليه اعادة.

أو ترك القراءة متعمدا ، أو يقتدى بمن لا يجوز الاقتداء به وهو عالم بذلك ، أو يسجد على شي ء نجس مع تقدم العلم به أو يصلى في ثوب أو مكان مغصوب مختارا مع تقدم علمه بذلك ، أو لا يمس الأرض بجبهته في السجود.

أو يتعمد الجمع بين صورتين بعد الحمد ، أو يتعمد التسليم قبل الفراغ من الصلاة ، أو يصلى عريانا ، وهو متمكن مما يستر به أو يقهقه ، أو يبكي على هلاك أحد ، أو مصيبة ، لأنه ان بكى من خشية اللّه تعالى لم يكن عليه اعادة أو يعبث بلحيته (1) أو ثوبه من غير ضرورة ، أو يحدث ما ينقض الطهارة متعمدا.

أو يتعمد ترك الشهادتين أو الصلاة على النبي وآله صلى اللّه عليه وآله في التشهدين أو في واحد منهما ، أو يتعمد الإتمام في السفر الذي يجب عليه التقصير مع علمه بان ذلك لا يجوز ، أو يتم ساهيا في السفر ويذكر ذلك والوقت باق ، لأنه ان يذكر ذلك بعد خروج الوقت لم يلزمه اعادة.

أو يأتم بقاعد وهو ممن تجب عليه الصلاة قائماً ، أو يأتم بمن بينه وبينه حائط أو ما أشبه ذلك ، أو يكون مكان الامام ارفع من مكانه بما يعلم تفاوته ولم تجر العادة بمثله.

أو يكون في محمل (2) أو ما أشبهه ومعه امرأة فيصليان جميعا في حالة واحدة أو يصلى وهو متيمم قبل تضيق الوقت ، أو يصلى متيمما وهو متمكن من استعمال الماء أو يصلى وقد تطهر بما لا تجوز الطهارة به ، أو تكون امرأة حرة فتصلي مكشوفة

ص: 154


1- في بعض النسخ « بجسده » بدل « بلحيته ».
2- في بعض النسخ « محل » بدل « محمل »

الرأس مع تمكنها من سترة ، أو يصلى فيما لا تجوز الصلاة فيه ، أو يسجد على ما لا يجوز السجود عليه ، الا ان يكون في حال ضرورة وقد ذكر انه يجوز السجود على ثوب قطن أو كتان ، أو يقرء بغير لسان عربي.

* * *

« باب السهو في الصلاة »

إذا علم المكلف في صلاته امرا من الأمور أو غلب ذلك على ظنه فيجب عليه العمل فيها بما علمه أو غلب على ظنه ومع هذين الوجهين لا يثبت للسهو والشك ، في الصلاة حكم ، وانما يثبت ذلك فيما لا يعلمه ولا يغلب على ظنه ، وذلك انما يكون بتساوي الظن واعتداله ، فاذا كان ما ذكرناه صحيحا ، فالسهو في الصلاة على خمسة أضرب :

أولها يوجب إعادتها ، وثانيها يوجب الاحتياط وثالثها يوجب التلافي ورابعها يوجب الجبران بسجدتي السهو ، وخامسها لا حكم له.

فاما ما يوجب إعادتها ، فهو على ضربين : أحدهما لا يتعلق بأعداد الركعات والأخر يتعلق بذلك ، وما لا يتعلق بأعداد الركعات قد تقدم ذكره فيما يوجب إعادة الصلاة واما ما يتعلق بأعداد الركعات ، فهو ان يشك في الركعتين الأولتين من كل رباعية ، أو يشك في صلاة المغرب أو صلاة الغداة أو صلاة السفر ، أو يشك في صلاته أي صلاة كانت ولا يعلم ، كمن صلى بسهو فيزيد ركعة أو ينقص ركعة أو أكثر ولا يعلم حتى يستدبر القبلة أو يتكلم بما ليس من الصلاة.

واما ما يجب منه الاحتياط ، فهو ان يشك ولا يعلم هل صلى ركعتين أو ثلاثا فليبن على الثلاث ويتم الصلاة ، فإذا سلم صلى ركعة من قيام أو ركعتين من جلوس أو يشك فلا يعلم هل صلى ثلاثا أو أربعا فليفعل مثل ما فعله في اثنتين أو ثلاث ، أو يشك فلا يعلم صلى اثنتين أو أربعا فليبن على الأربع ويسلم ويصلى ركعتين من قيام أو يشك بين اثنتين وثلاث واربع فليبن على الأربع ويسلم ، ثم يصلى ركعتين من قيام وركعتين من جلوس.

ص: 155

وصلاة النافلة يجوز البناء فيها على الأقل وعلى الأكثر.

فأما ما يوجب التلافي ، فهو ان يسهو عن قراءة الحمد ثم يقرء سورة غيرها فليرجع فيقرء الحمد وسورة بعدها ، أو يسهو عن قراءة السورة التالية للحمد ثم يذكر ذلك قبل الركوع فليقرءها ثم يركع ، أو يسهو عن تسبيح الركوع قبل رفع رأسه منه ، فليسبح ويرفع رأسه ، أو يشك في الركوع وهو في حال القيام فليركع ، فان ذكر في حال هذا الركوع انه كان قد ركع ، أرسل نفسه الى السجود من غير ان يرفع رأسه أو يشك في سجدتين أو واحدة منهما قبل القيام فليسجد ما شك فيه ، أو يشك (1) في التشهد الأول وهو قائم لم يركع (2) فليجلس ويتشهد ، أو يسهو عن السجود ثم يقوم قبل الركوع فليرجع وليسجد.

واما ما يجب فيه الجبران بسجدتي السهو ، فهو ان يسهو عن سجدة ويذكرها بعد الركوع ، فليقضها بعد التسليم ويسجد سجدتي السهو أو يسهو فتكلم ، فعليه سجدتا السهو بعد التسليم ، أو يسهو فيقوم في موضع جلوس أو يجلس في موضع قيام ، فعليه بعد التسليم سجدتا السهو أو يسهو فيسلم في الركعتين الأولتين ثلاثية أو رباعية فعليه أيضا سجدتا السهو ، أو يسهو عن التشهد فليقضه بعد التسليم ، ويسجد سجدتي السهو ، أو يشك هل صلى أربعا أو خمسا ، وتتساوى ظنونه في ذلك ، فليبن على الأربع ويسجد سجدتي السهو واما ما لا حكم له : فهو ان يشك في تكبيرة الإحرام وهو في حال القراءة ، أو يشك في القراءة وهو في حال الركوع أو يشك في التشهد وهو في الثالثة ، أو يسهو في النافلة أو يسهو في سهو أو يتواتر عليه السهو أو يشك في تسبيح الركوع وقد رفع رأسه منه أو يشك في تسبيح السجود وقد رفع رأسه منه.

« تم كتاب الصلاة »

ص: 156


1- كذا في النسخ ولعله تصحيف والصحيح « يسهو » والا فهي تنافي ما سيأتي قريبا « في الشك في التشهد ».
2- في بعض النسخ « ثم يركع » بدل « لم يركع » ولعل معناه : فليجلس بإرسال نفسه من غير رفع رأسه ، كما مر في الفرع الأسبق.

« باب حقوق الأموال »

اشارة

حقوق الأموال التي ذكرنا في أول الكتاب انها من العبادات يحتاج في بيان أحكامها إلى أشياء وهي : الزكاة والخمس وأحكام الأرضين والجزية والغنائم والأنفال ، ونحن نبين أحكام كل واحد منها في باب مفرد بعون اللّه وتوفيقه.

* * *

« باب في الزكاة »

قال اللّه تعالى ، ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ ، وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ، وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ ) ، « الى قوله » ( يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ ، هُمْ فِيها خالِدُونَ ) (1).

وقال تعالى ، ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى ، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى ) (2). وروى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله انه قال في الزكاة : انما يعطى أحدكم جزءا مما أعطاه اللّه فليعطه بطيب نفس منه ، ومن أدى زكاة ماله فقد ذهب عنه شره (3)

وروى عن محمد بن على الباقر (عليه السلام) ، انه قال : ما نقصت زكاة من مال قط

ص: 157


1- المؤمنون ، الاية : 1 - 11
2- الأعلى ، الاية : 14 - 15.
3- جامع أحاديث الشيعة ج 8 ، الباب 1 من أبواب فضل الزكاة ، الحديث 20 ، ص 9 ، وفي نسخة « شرة » وما في المتن مطابق لما في دعائم الإسلام ( ج 1 ، ص 240 ).

ولا هلك مال في بر ، أو بحر أديت زكاته (1).

واعلم ان الزكاة على ضربين ، أحدهما زكاة الأموال ، والأخر زكاة الرؤس ، ويؤدى (2) ذلك الى بيان أشياء ، منها من يجب عليه الزكاة ، ومنها ما الذي يجب فيه الزكاة ، ومنها ما المقدار الذي يجب إخراجه منها ، ومنها من المستحق لها ، ومنها ما المقدار الذي ينبغي دفعه الى مستحقه منها ، ومنها الوقت الذي ينبغي إخراجها فيه.

* * *

« باب من يجب عليه الزكاة »

الذي يجب عليه الزكاة ، هو كل حر ، كامل العقل ذكرا كان أو أنثى ، مخاطب بشريعة النبي صلى اللّه عليه وآله مالك لنصاب يجب فيه الزكاة.

وانما شرطنا الحرية ، لان من ليس بحر لا يجب عليه الزكاة ، بل ليس يملك ما تجب فيه زكاة عليه.

وشرطنا كمال العقل ، لان من ليس بكامل العقل لا يجب عليه زكاة ولا غيرها ، وذكرنا كون من تجب عليه ذكرا كان أو أنثى لنبين ان وجوبها لا يختص بالذكر دون الأنثى ، ولا بالأنثى دون الذكر ، بل ذلك يعمهما ، وشرطنا كونه مخاطبا بشريعة نبينا محمد صلى اللّه عليه وآله ، لنبين ان وجوبها متعلق بالمسلمين ، والكفار ، لأن الكفار عندنا مخاطبون بالشرائع ، وانما لا يصح منهم أدائها مع المقام على كفرهم ، لأن الإسلام شرط في صحة أدائها ، لا في وجوبها.

وشرطنا كونه مالكا لنصاب يجب فيه الزكاة ، لان من لا يملك ذلك ، لا تجب عليه.

* * *

ص: 158


1- جامع الأحاديث ، ج 8 ، الباب 2 من أبواب فضل الزكاة ، الحديث 13 ، ص 24 وفي الدعائم ( ج 1 ص 240 ).
2- في بعض النسخ « مدار » بدل « يؤدى »

« باب ما الذي تجب فيه »

الذي تجب فيه الزكاة تسعة أشياء وهي ، الذهب ، والفضة ، والإبل ، والغنم ، والبقر ، والحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب.

* * *

« باب زكاة الذهب »

ليس تجب الزكاة في الذهب الا ان يجتمع فيه شروط وهي : الملك ، والنصاب ، وكونه مضروبا منقوشا دنانير ، أو (1) كان كذلك فسبك عند دخول وقت الزكاة فرارا بذلك منها ، وحلول الحول على النصاب ، وهو حال (2) فيه من أوله إلى أول يوم من الشهر الثاني عشر.

فاذا اجتمعت هذه الشروط ، وجب فيه الزكاة.

فإذا بلغ الذهب عشرين مثقالا ، كان فيه نصب المثقال وليس فيه بعد ذلك شي ء حتى يبلغ بعد العشرين أربعة مثاقيل ، فاذا بلغ ذلك كان فيه عشر مثقال ، وعلى هذا الحساب بالغا ما بلغ المال ، وإذا لم يبلغ المال عشرين مثقالا لم يجب فيه جملة ، وما لا يجب الزكاة فيه ، يسمى عفوا.

والمعتبر في ما ذكرناه من مثاقيل الذهب ، والدراهم في المائتين ، وفي العشرين (3) ، والأربعين - بالوزن ، لا بالعدد. وسبائك الذهب ، وما كان منه حليا ، أو أواني ، أو مراكب ، أو ما جرى مجرى ذلك ، فإنه ليس في شي ء منه زكاة ، الا ان يكون قد عمل كذلك فرارا منها.

ص: 159


1- في نسخة « ولو » بدل « أو »
2- في بعض النسخ « حاصل » بدل « حال »
3- العشرون هو النصاب الأول للذهب والأربعون هو النصاب الثاني للفضة.

وإذا كان شي ء من المال يبلغ نصابا - دينا - كانت الزكاة عنه واجبة على المستدين ، فان ضمن المدين ذلك لزمه ، ولم يكن على المستدين - من ذلك عليه - شي ء.

ومن كان في مال لا يبلغ النصاب ، وله مال غائب لا يبلغ أيضا ذلك. وهو متمكن منه ، وإذا اجتمعا وكان فيهما نصاب أو أكثر ، وجب عليه جمعهما ، والإخراج عنهما.

فان كان له مال غائب ، وهو متمكن من التصرف فيه ، وكان فيه نصاب ، أو أكثر ، وجب زكاته ، فان لم يكن متمكنا من التصرف فيه لم يكن عليه شي ء.

وحلي الذهب محرم استعماله على الرجال ، وفي الآلات لهم أيضا.

ومن ترك نفقة لعياله ، دنانير ، أو دراهم ، ويبلغ ذلك نصابا تجب فيه الزكاة ، وان كان قد ترك ذلك لهم ، لسنة ، أو لسنتين ، فان كان حاضرا ، وجب عليه في ذلك الزكاة ، وان كان غائبا ، لم يكن في ذلك شي ء.

ومن ورث مالا ، ولم يصل اليه ، ولا يمكن من التصرف فيه الا بعد الحول ، لم يلزمه زكاته من ذلك الحول.

* * *

« باب زكاة الفضة »

زكاة الفضة لا تجب الا بشروط ، وهي وشروط الذهب سواء ، فاذا اجتمعت لم يكن فيها شي ء حتى يبلغ مأتي درهم. فاذا بلغت ذلك كان فيها خمسة دراهم ، ثم ليس فيها شي ء بعد ذلك حتى تزيد أربعين درهما ، فيكون فيها درهم واحد ، وعلى هذا الحساب بالغا ما بلغ المال. ولما لا يجب الزكاة فيه من الفضة ، يسمى عفوا أيضا. وما يتعلق منها بدين ، أو غيبة ، فالحكم فيه ما ذكرنا في الذهب.

* * *

ص: 160

« باب زكاة الإبل »

ليس تجب زكاة الإبل إلا بشروط ، وهي الملك ، والسوم ، والنصاب ، وحلول الحول ، فاذا اجتمعت هذه الشروط لم يكن فيها شي ء حتى تبلغ خمسا ، فاذا بلغت ذلك كان فيها شاة ، ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ عشرا ، فيكون فيها شاتان ، ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ خمس عشرة ، فيكون فيها ثلاث شياه.

ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ عشرين ، ففيها اربع شياه.

ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ خمسا وعشرين فيكون فيها خمس شياه. فاذا صارت ستا وعشرين كان فيها بنت مخاض أو لبون ذكر.

ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ ستا وثلاثين فيكون فيها بنت لبون.

ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ ستا وأربعين فيكون فيها حقة.

ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ احدى وستين فيكون فيها جذعة.

ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ ستا وسبعين فيكون فيها بنتا لبون.

ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ احدى وتسعين فيكون فيها حقتان.

ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ مائة واحدى وعشرين فيطرح هذا الاعتبار الذي قدمناه ، وتخرج من كل خمسين ، حقة ، ومن كل أربعين ، بنت لبون بالغا ما بلغت.

وبنت المخاض : هي التي مضت لها سنة ودخلت في الثانية وسميت بذلك لأن أمها تكون قد حملت ، وهي تمخض بولدها.

واما ابن اللبون : فهو الذي قد مضى له سنتان ، ودخل في الثالثة ، وسمى بذلك لأن امه قد وضعت وصار لها لبن ، وكذلك بنت اللبون.

واما الحقة ، فهي التي قد مضى لها ثلاث سنين ، ودخلت في الرابعة ، وسميت بذلك لأنها قد استحقت ان يحمل عليها.

واما الجذعة ، فهي التي قد مضى لها اربع سنين ، ودخلت في الخامسة ، ولذلك سميت جذعة.

ص: 161

وما يتعلق به زكاة الإبل منها تسمى فريضة ، وما لا يجب تسمى شنقا (1).

ومن وجبت زكاة الإبل عليه ، ولم يكن عنده عين ما وجب عليه ، وتمكن من دونها ، أخذ منه ذلك ، ودفع معه ما يكون تماما لما وجب عليه. وان كان عنده أزيد مما وجب عليه ، أخذ منه ورد عليه الفاضل له ، مثال ذلك ، ان يجب عليه بنت لبون ، وليس عنده ، ويكون عنده بنت مخاض.

فليأخذ منه ، ويدفع معها شاتين ، أو عشرين درهما جيادا. أو يجب عليه بنت لبون ، وليست عنده ، ويكون عنده حقة ، فليؤخذ منه ، ويرد عليه شاتان ، أو عشرون درهما.

وان وجب عليه بنت مخاض وليست عنده ، وعنده ابن لبون ذكر ، فإنه يؤخذ منه ، ولا يرد عليه شي ء ، ولا يدفع هو أيضا شيئا. لأنه لا فضل بين بنت مخاض وابن لبون الذكر.

وإذا كان عند الإنسان خمس من الإبل ، ومر به ثلاث سنين ، لم يجب عليه في ذلك غير شاة واحدة ، لأن الشاة استحقت بها ، وما يبقى منها أقل من خمس ، فلا يجب عليه غير ما ذكرناه.

فان كان عنده منها ست وعشرون ، ومر ثلاث سنين ، وجب عليه بنت مخاض للسنة الاولى ، ثم ينقص النصاب الذي يجب فيه بنت مخاض ، فيجب عليه خمس شياه للسنة الثانية والسنة الثالثة ينقص عن النصاب الذي فيه خمس شياة.

فيجب عليه اربع شياة ، فيجتمع عليه بنت مخاض ، وتسع شياة.

* * *

ص: 162


1- الشنق بالتحريك في الصدقة ما بين الفريضتين مما لا تتعلق به زكاة لاحظ مجمع البحرين.

« باب زكاة البقر »

الشروط التي يجب الزكاة في البقر باجتماعها هي : الشروط التي ذكرناها في الإبل ، فإذا اجتمعت فليس يجب عليها زكاة حتى يبلغ ثلاثين ، فاذا بلغت ذلك كان فيها تبيع ، أو تبيعة ، وقد ذكر ان التبيع هو الذي له سنتان ، وذكر ان هذا الاسم لا يدل على شي ء ، ذكر ذلك عن ابى عبيد ، وذكر غيره انه انما سمى بهذا الاسم لأنه يتبع امه في المرعى ، وذكر غير من ذكرناه انه الذي يتبع قرنه اذنه.

وإذا لم تستقر من جهة اللغة في حقيقة التبيع ، ما يعتمد عليه في هذا الباب فان المعول على ما ورد في الشرع. وقد ورد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : انه قال تبيع ، أو تبيعة ، جذع ، أو جذعة (1) وفسر ذلك الباقر ، والصادق عليهما السلام بالحول (2).

وليس بعد الثلاثين شي ء حتى يبلغ أربعين ، فيكون فيها مسنة ، وذكر انها التي لها اربع سنين ، وذكر انها التي لها سنتان وهي الثني في اللغة ، وروى عن النبي صلى اللّه عليه وآله انه قال : المسنة هي الثنية فصاعدا (3).

ثم ليس فيها بعد الأربعين شي ء حتى يبلغ ستين ، فيكون فيها تبيعان ، فاذا زادت على ذلك ، اخرج من كل ثلاثين تبيع ، أو تبيعة ، ومن كل أربعين مسنة ، ثم كذلك بالغا ما بلغت.

ومن كان عنده من البقر ثلاثون ، بعضها سوسي (4) أو حبشي ، وبعضها جواميس

ص: 163


1- المبسوط ، ج 1 ص 198 ، والخلاف ، ج 1 ، ص 275 ، وفي السنن الكبرى للبيهقي ، ج 4 ، ص 99.
2- كذا في نسخة وفي نسخة اخرى « بالحولين » وفي الخبر « الحولي » الوسائل ، ج 6 ، الباب 4 من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث 1.
3- المبسوط ، ج 1 ص 198.
4- قال في مراصد الاطلاع : السوس بالضم ثم السكون وسين اخرى : بلدة بخوزستان وجد فيها جسد دانيال ، فدفن في نهرها تحت الماء وعمر قبره وموضعه ظاهر يزار. قلت وهو معرب « شوش » والسوس أيضا بلد بالمغرب :

وبعضها نبطي ، كان الذي يؤخذ منه تبيع أو تبيعة من أوسط ذلك على قدر المال وما لا يجب الزكاة فيه من البقر يسمى وقصا.

« باب زكاة الغنم »

الغنم لا يجب فيها الزكاة الا بشروط ، وهي الشروط التي ذكرناها في الإبل ، والبقر.

فاذا حصلت ، لم يجب فيها شي ء حتى يبلغ أربعين ، فإذا بلغت ، كان فيها شاة وليس فيها بعد ذلك شي ء حتى تبلغ مائة واحدى وعشرين ، فيكون فيها شاتان. وليس فيها بعد ذلك شي ء حتى تبلغ مأتين وواحدة ، فيكون فيها ثلاث شياه وليس فيها بعد ذلك شي ء حتى تبلغ ثلاث مائة وواحدة ، فيكون فيها اربع شياه ، فاذا زادت على ذلك ، تركت هذه العبرة واخرج عن كل مأة شاة ثم على هذا الحساب بالغا ما بلغت.

ومن كان له من المواشي متفرقا في مواضع مختلفة ما إذا اجتمع كان نصابا ، فإن الزكاة واجبة فيه. وان كان لاشتراك جماعة في موضع واحد مقدار نصاب ، أو أكثر منه وكان ما يختص به كل واحد منهم أقل من نصاب ، لم يجب في شي ء من ذلك زكاة.

ومن أنكر حلول الحول على ماشيته ، وشهد شاهدان عدلان على ان الحول قد حال عليها ، قبلت شهادتهما ، وأخذت منه الزكاة.

ومن كان عنده من جنس واحد نصاب ، وهو من أنواع مختلفة مثل ان يكون عنده أربعون شاة ، بعضها ضأن ، وبعضها معز وبعضها شامية ، وبعضها عربية ، وبعضها مكية فليؤخذ منها شاة ، لأن الاسم يتناوله ، ولا ينبغي ان يؤخذ الأجود ، ولا الا دون بل يؤخذ الأوسط ، أو ما يكون قيمته على قدر المال.

ومن كان له في بلدين نصاب واحد ، وجب عليه زكاته ، فان كانت أقل من

ص: 164

نصاب واحد متفرقة في بلدين لم يجب عليه الزكاة في شي ء فان كان له في بلدين أو أكثر منها ثمانون شاة ، أو مأة وعشرون شاة ، لم يجب عليه غير شاة واحدة لأنها في ملك واحد.

فان كان في كل بلد منها نصاب ، وحضره الساعي في طلب الزكاة من المال فقال له المطلوب منه ذلك. هذه عندي وديعة ، قبل قوله ، ولم يطالبه على ذلك بينة وكذلك ان ادعى حلول الحول ، الا ان يثبت عليه ببينة بخلاف ما قاله في الحول ، كما قدمناه.

وإذا كان عنده أربعون شاة فحال الحول عليها وولدت شاة منها ، ثم حال عليها الحول الثاني ، ثم ولدت شاة ثانية ، ثم حال عليها الحول الثالث ، وجب عليها ثلاث شياه ، لان الحول الأول حال عليها ، وهي أربعون فوجبت فيها شاة ، فلما ولدت تمت أربعين فلما حال عليها الحول وجب منها ثلاث شياة.

ومن كان عنده من الغنم أربعون ، ولم يكن ولد منها شي ء ، وحال عليها حول ثان ، وثالث لم يجب عليه فيها غير شاة واحدة.

ومن كان له مأتا شاة وواحدة ، ومرت ثلاث سنين وجب عليه سبع شياه ، لان الواجب عليه في السنة الأولى ثلاث شياه وفي كل سنة شاتان ، لان المال الثاني ، والثالث قد نقص عن المائتين وواحدة فلم يجب غير شاتين.

وهذا على قولنا في ان الزكاة تتعلق بالمال ، فاما من قال بأنها تتعلق بالذمة ، فقوله في ذلك يخالف ما ذكرناه.

ومن كان عنده نصاب فغصب غاصب ذلك النصاب ثم عاد اليه قبل حلول الحول ، لم يجب عليه زكاة ، لأن إمكان التصرف في جميع الحول يراعى في ذلك وكذلك القول في غير هذا الوجه من وجوه الزكاة.

وإذا وقف على إنسان نصاب من الغنم ، وحال عليه الحول لم يجب عليه في ذلك زكاة ، لأنها غير مملوكة.

فان ولدت وحال على أولادها ، وكان الواقف لها لم يشترط كون أولادها

ص: 165

وقفا معها ، كان فيها الزكاة وان كان شرط ذلك ، لم يكن فيها الزكاة.

ومن ابتاع من الغنم نصابا ولم يقبضها حتى حال الحول عليها نظر ، فان كان متمكنا من قبضها كان عليه فيها الزكاة ، وان لم يكن متمكنا من قبضها ، لم يكن عليه فيها زكاة.

وما يجب فيه زكاة الغنم ، يسمى فريضة وما لا يجب فيه يسمى عفوا.

« باب زكاة الغلات الأربع »

التي هي الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب.

ليس تجب الزكاة في الغلات الا بشرطين ، وهما الملك والنصاب.

فاذا حصل في أحدها هذان الشرطان ، لم يكن فيه زكاة حتى يبلغ خمسة أوسق ، بعد إخراج المؤن ، وحق السلطان من مقاسمة ، وغيرها.

فاذا بلغ ذلك بعد ما ذكرناه ، فان كان سقيه سيحا أو بعلا ، أو عذيا (1) كان فيه العشر ، وان كان سقيه بالقرب ، أو الدوالي. كان فيه نصف العشر.

فان زاد على الأوسق شيئا ، اخرج من الزائد بحساب ذلك.

وما كان سقيه سيحا وغير سيح ، فيجب ان يعتبر في ذلك الأغلب.

فإن كان سقيه سيحا هو الأكثر ، أخرج منه العشر ، وان كان سقيه بالقرب والدوالي أكثر من السيح ، اخرج منه نصف العشر ، وان تساويا ، ولم يغلب أحدهما على الأخر ، اخرج من نصفه بحساب العشر ، ومن نصفه الأخر بحساب نصف العشر.

والوسق : ستون صاعا ، والصاع أربعة أمداد ، والمدر طلان وربع بالعراقي. ووزنه بالدراهم الف مأة وسبعون درهما.

والدرهم ستة دوانيق ، والدانق ثماني حبات من أوسط حبات الشعير ،

ص: 166


1- المراد بالسيح : الجريان على وجه الأرض وبالبعل : ما يشرب بعروقه في الأرض التي تقرب من الماء وبالعذى : ما سقته السماء ، لاحظ الجواهر ، ج 15 ، ص 237 :

وهو تسعة أرطال بالعراقي ، وستة أرطال بالمدني.

وما لا يجب فيه الزكاة من هذه الغلات يسمى عفوا ،

وإذا وقف إنسان على غيره ضيعة ، وبلغت غلتها نصابا. فان كانت وقفا على واحد كان عليه الزكاة في ذلك وان كانت وقفا على جماعة ، وبلغ نصيب كل واحد منهم النصاب ، كان على كل واحد منهم الزكاة.

واعلم ان الاعتبار فيما تخرجه الأرض مما يكال أو يوزن ، مما عدا هذه الغلات الأربع يجري مجرى الاعتبار فيما تقدم مما الزكاة فيه مفروضة. وانما ذكرنا ذلك ، لان هذه الغلات يستحب إخراج الزكاة عنها ، وأردنا أن نبين ، ان الاعتبار فيها كالاعتبار في الغلات الأربع التي الزكاة واجبة فيها.

وأموال التجارة يجرى الاعتبار فيها مجرى الاعتبار في الأموال (1) التي يجب فيها الزكاة ، لأن إخراج ذلك عنها مستحب أيضا.

ويزيد مال التجارة على ذلك ، بان يطلب برأس المال أو الربح.

فاذا اجتمعت الشروط المقدم ذكرها ، وطلب رأس المال أو الربح صح إخراج الزكاة عنها. وان طلب تجارة (2) لم يكن فيها زكاة جملة.

واما الخيل ، ففيها أيضا الزكاة مستحبة ، ولها شروط ، وهي الملك ، والسوم وحلول الحول عليها ، وليس بها نصاب يراعى في ذلك ، فاذا حصلت فيها الشروط التي ذكرناها كان على كل رأس من العتاق منها ديناران ، وكل رأس من البرازين دينار واحد.

والمال الذي يغيب عن صاحبه سنين ، ثم يعود اليه ولم يكن متمكنا في حال غيبته من التصرف فيه ، فإنه يستحب ان بزكى لسنة واحدة.

واما مال الأطفال ، والمجانين الصامت (3) ففيه الزكاة أيضا مندوبة إذا

ص: 167


1- اى النقدين :
2- كذا في النسخة ويحتمل التصحيف ويكون الصحيح « بخسارة » :
3- اى المال الصامت الذهب والفضة

اتجر الولي به نظرا لهم فعليه إخراجها عنهم.

ويجوز ان يأخذ لنفسه من الربح مقدار ما يحتاج اليه على قدر الكفاية ، والأفضل له ترك ذلك.

فان اتجر لنفسه ، وكان في تلك له ذمة (1) تفي بالمال ، كان عليه ضمانه ، وكان الربح له ، وان كان لا ذمة له تفي بذلك ، وتصرف فيه من غير ولاية ولا وصية ، كان عليه ضمان المال ، ويكون الربح لأصحابه ، وليس له فيه شي ء ، ويخرج الزكاة عنه.

فاما ما عدا أموالهم الصامتة - من المواشي والغلات - فان (2) كان الزكاة واجبة فيها ، وعلى وليهم إخراجها إلى مستحقها.

وسبائك الذهب والفضة ، قد ذكرنا انها متى سبكت فرارا من الزكاة ، كانت الزكاة واجبة عليها ، فان كان لم يسبكها فرارا من ذلك ، فالزكاة مستحبة فيها.

وما كان حليا ، كانت زكاة إعارته.

وكل ما خالف ما ذكرناه « ان الزكاة يتعلق به » من الخضر كالبقول ، وو الباذنجان والبطيخ ، وما أشبه ذلك وليس يتعلق بشي ء من الزكاة.

* * *

« باب المقدار الذي ينبغي إخراجه من الزكاة ».

المقدار الذي ينبغي إخراجه منها هو ما يجب في النصاب ، وقد تقدم في ما سلف ذكر ذلك.

ص: 168


1- اى متمكنا من الضمان كما في المبسوط ، ج 1 ، ص 234 والظاهر ان المراد ان يكون متمكنا من مال يفي بمال الصغير :
2- الظاهر زيادة « ان » :

« باب في « من المستحق » للزكاة ».

الذي يستحق الزكاة ، هو من ذكره اللّه تعالى في القرآن (1) من الأصناف الثمانية ، وهم : الفقراء والمساكين ، والعاملون عليها.

والمؤلفة قلوبهم ، ( وَفِي الرِّقابِ ) ، والغارمون ( وَفِي سَبِيلِ اللّهِ ) ، وابن السبيل.

فاما الفقراء فهم الذين لا شي ء لهم ، واما المساكين فهم الذين يكون لهم مقدار من القوت لا يكفيهم ، واما العاملون عليها فهم عمال الصدقات ، والسعادة فيها.

واما المؤلفة قلوبهم الذين يستمالون الى الجهاد ، واما الرقاب فهم العبيد ، والمكاتبون منهم إذا كانوا في ضر وشدة ، فإنه يجوز ابتياعهم من الزكاة ، ويستنقذون ذلك (2) مما يكونون فيه من الضر ، والشدة.

فاما الغارمون فهم الذين قد ركبتهم الديون في غير معصية اللّه تعالى ، لأنه متى كان عليهم دين أنفقوه في ذلك ، فلا يجوز ان يقضى ذلك عنهم من الزكاة.

واما سبيل اللّه فهو الجهاد ، وما فيه صلاح للمسلمين مثل عمارة الجسور ، والقناطر ، وما جرى مجرى ذلك.

فاما ابن السبيل فهو المنقطع به وان كان غنيا في بلده ، وقد ذكر انه الضيف الذي ينزل بالإنسان وان كان أيضا غنيا في بلده.

ويجب ان يعتبر في سائر ما ذكرناه من هؤلاء إلا المؤلفة قلوبهم شروط ثلاثة.

أولها : ان يكونوا من أهل العدالة والايمان المعتقدين له ، لان من لا يكون كذلك بان يكون ليس من أهل الايمان ، والمعرفة به ، ولا من المعتقدين له ، ولا هو على ظاهر العدالة ، والصلاح ، أو كان فاسقا يشرب الخمر أو غيره من أنواع الفسق وهو من أهل الإيمان ، فإنه لا يستحق شيئا من الزكاة. ولا يجزى دفع شي ء منها اليه عمن وجبت عليه.

ص: 169


1- التوبة الآية 60 :
2- هكذا في النسخة ، ولعل الصحيح « بذلك » بدل « ذلك » :

وثانيها : ان لا يكون من بنى هاشم المستحقين للخمس المتمكنين من أخذه ، لان من يتمكن منهم من أخذه لم يجز له أخذ الزكاة.

وان كانت حالهم حال ضرورة ، وهم غير متمكنين من أخذ ذلك معها ، جاز لهم أخذ الزكاة ، والاستعانة بها على أحوالهم رخصة لهم عند عدمهم لأخذ ما يستحقونه من الأخماس وكانت مجزية عمن أخرجها إليهم ، وهم على هذه الحال. وسيأتي في باب الخمس ذكر من يستحق من بنى هاشم بعون اللّه سبحانه.

وثالثها : ان يكونوا ممن لا يجب على المكلف الإنفاق عليه مثل الوالدين ، والولد ، والجد والجدة ، والزوجة ، والمملوك. فاما من خالف هؤلاء من الأقارب فإنه يجوز دفع الزكاة إليه إذا كان على الشروط التي تقدم ذكرها.

والأفضل ان لا يعدل (1) الإنسان بالزكاة غير هؤلاء بل يفرقها عليهم ، فان جعل لهم قسطا وللأجنبي المستحق بها قسطا كان جائزا.

ومن كان له مملوك يخدمه ودار يسكنها وليس دار غلة ، فإنه يجوز له أخذ الزكاة ، وهكذا إذا كانت دار غلة غير ان غلتها ليست تقوم بحاله وحال عياله ، فإنه يجوز أخذها ، وان كان في غلتها كفاية لذلك لم يجز دفع الزكاة.

ومن كان له صناعة أو معيشة لا تقوم بحاله وحال عياله فإنه يجوز له أخذها. وان كان ما يكسبه منها يقوم بحاله ، أو حالهم ، لم يجز دفعها اليه.

ومن لا يحسن ان يعيش ، ويكسب ما يقوم بحاله ، فإنه يجوز له أخذها ولو كان معه سبع مأة درهم كما ورد الخبر (2) بذلك.

ولو كان معه خمسون درهما ، ويحسن ان يتعيش بها ، ويكسب ما يقوم بحاله ، وحال عياله ، فليس يجوز له أخذها.

ص: 170


1- من العدول :
2- جامع أحاديث الشيعة ج 8 ص 171 باب من يستحق الزكاة ومن لا يستحق ، الوسائل ج 6 ، الباب 8 الحديث 1 ، والباب 12 ، الحديث 2 :

ومن كان عليه دين أنفقه في غير معصية كما ذكرناه فيما سلف ، فإنه يجوز قضائه عنه من الزكاة ، وكذلك العبد ، والمكاتب يجوز له ابتياعهما على ما قدمناه من الزكاة والميت إذا كان عليه دين فإنه يجوز ان يحتسب به من الزكاة ، فإن كان على ميت من المؤمنين دين جاز ان يقضى عنه ذلك ، ويجوز للولد قضاء الدين من والديه ، أو ولده من الزكاة إذا كان عليهم شي ء من ذلك.

ويجب حمل الزكاة الى الامام « عليه السلام » إذا كان ظاهرا. ليفرقها على مستحقيها ، وان كان غائبا ، فإنه يجوز لمن وجبت عليه ، ان يفرقها في خمسة أصناف وهم : الفقراء ، والمساكين ، والرقاب ، والغارمون ، وابن السبيل.

ويسقط من الأصناف الثانية - التي ذكرنا انهم يستحقون الزكاة ، ويصح دفعها إليهم - من لا يتم الا مع ظهور الامام « عليه السلام » أو من نصبه ، الثلاثة (1) الأصناف الباقية ، وهم العاملون عليها ، والمؤلفة قلوبهم ، وفي سبيل اللّه ، لان وجودها لا على الوجه الذي معه يستحقون الزكاة.

وإذا عرف الإنسان مستحق الزكاة ، وهو يستحيى من أخذها ، والتعرض لها جاز دفعها اليه ، من غير ان يعلم انها من الزكاة.

وإذا دفع إنسان إلى غيره زكاة ليفرقها في مستحقيها ، وكان الذي دفع اليه من المستحقين لأخذها ، جاز له ان يأخذ منها. مثل ما يدفعه منها الى غيره.

فان عين له على أقوام يدفع ذلك إليهم لم يجز له أخذ شي ء منها ، بل يدفعها إلى الذي عين له دفعها إليهم ، دون غيرهم.

ومن وجب إخراج الزكاة عليه ، أخرجها إلى مستحقها على الفور والبدار دون التراخي.

فإن مطل بإخراجها مع تمكنه من ذلك ، وإيصالها إلى مستحقها وهلكت كان عليه ضمانها ، وإخراجها ثانيا. ومن وجبت عليه الزكاة ، وكان في بلده مستحق

ص: 171


1- عطف بيان لقوله « من لا يتم » :

لها ، وهو عالم به ، فلم يدفعها اليه ، وأخرجها إلى مستحقها في بلد آخر ، فهلكت في الطريق ، فعليه ضمانها ، وإخراجها ثانيا أيضا الى مستحقها. وان لم يعلم في بلده مستحقا لها ، وإخراجها الى من يستحقها في بلد آخر ، فهلكت ، لم يكن عليه شي ء.

وكذلك الحكم إذا لم يجد من يستحقها في بلده ، ولا في غيره ، ثم عزلها الى ان يجد لها مستحقها ، أو كان يجد مستحقها في غير بلده ، ولا يقدر على إنفاذها ، إليه ثم هلكت ، فإنه لا شي ء عليه في شي ء من ذلك ، ولا يلزمه ضمانها ولا إخراجها دفعة أخرى.

فإذا لم يجد من وجبت عليه الزكاة مستحقا لها ، وعزلها ، ثم مات ، وهي باقية ، فيجب عليه ان يوصى الى من يثق به ليدفعها الى مستحقها إذا تمكن من ذلك ، فاذا فعل ما ذكرناه ، برأت ذمته منها.

وان حضره مستحق للزكاة قبل دخول وقتها فإنه يجوز ان يدفع إليه بنية القرض ثم يعتبر حاله إذا دخل الوقت.

فان كانت على ما كانت عليه - ولم يتغير ، ولا صار بصفة من لا يستحقها ، ولا يجوز له أخذها - جاز ان يحتسب بها منها وان كانت حاله قد تغيرت ، وصار بصفة من لا يستحقها لم يجز الاحتساب بها ، فان احتسب لم يجز عنه ، ووجب عليه إخراجها ودفعها الى مستحقها.

* * *

« باب المقدار الذي ينبغي دفعه الى مستحق الزكاة منها »

أقل ما ينبغي دفعه من الزكاة إلى مستحقها هو ما يجب في نصاب واحد ، ويجوز ان يدفع إليه أكثر من ذلك ، ويجوز أيضا ان يدفع من وجبت عليه الزكاة ، زكاة ماله بمجموعها الى واحد ممن يستحقها ، وينبغي ان يدفع زكاة الذهب والفضة إلى الفقراء المعروفين بأخذ ذلك ، ويدفع زكاة المواشي إلى المتحملين ممن يستحقها ،

ص: 172

« باب الوقت الذي ينبغي إخراج الزكاة فيه »

الوقت الذي ينبغي إخراج الزكاة فيه ، هو دخول أول يوم من الشهر الثاني عشر ، من السنة التي حالت على المال ، ويتضيق الوجوب في ذلك الى آخره ، فاذا خرج الثاني عشر كان قاضيا لها إذا أخرجها هذا إذا كان المال حاصلا في جميع الحول ، من أوله إلى اليوم الذي ذكرناه ، ولم يكن من الغلات ، لان الغلات لا يراعى فيها الحول على ما قدمناه وانما يراعى فيها الملك وحصول النصاب.

واليوم الذي هو أول يوم من الشهر الثاني عشر ، هو أول وقت الوجوب ثم كلما مضى من الشهر شي ء ازداد تضييق الوجوب الى آخره ، وان لم يخرجها من وجبت عليه الى مستحقها مع تمكنه من ذلك ، أو (1) عزلها من ماله مع عدم تمكنه من إخراجها إليه ، إلى ان ينقضي الشهر الثاني عشر من الحول كان مخطئا وكانت في ذمته الى ان يوصلها الى المستحق لها.

ولا يجوز تقديم إخراجها على وقت الإخراج لها إلا بنية القرض وقد وردت اخبار (2) تتضمن جواز تأخيرها عن وقتها ، وتقديمها عليه ، والوجه في تقديمها ما ذكرناه من الإخراج لها بنية القرض ، واما التأخير لها ، فهو محمول على انتظار من يستحقها.

* * *

« باب زكاة الرؤس »

زكاة الرؤس هي زكاة الفطرة ، وينبغي ان يبين من يجب عليه ، وما يجب فيه ، ومن يستحقها ، وما أقل ما يدفع عليه منها ، وما الوقت الذي يجب إخراجها فيه

ص: 173


1- الظاهر انها عطف على « ذلك » :
2- الوسائل ج 6 ، الباب 49 ، من أبواب المستحقين للزكاة ، الحديث 11 و 13.

« باب فيمن يجب عليه زكاة الفطرة ، وما يتعلق به من ذلك »

الذي يجب عليه الفطرة هو كل من يجب عليه زكاة أول نصاب من الأموال ومن لا يملك ذلك فليست الفطرة واجبة عليه.

ويستحب له ان يخرجها عن نفسه ، وعمن يعول ان كان له عيال ، فان لم يكن له ذلك أخرجها عن نفسه استحبابا.

فان كان ممن يستحق أخذها ، فليأخذها ويخرجها عن نفسه وعمن يعوله ان كان له ذلك ، وعن نفسه ان لم يكن له عيال.

فان كان محتاجا إليها أدارها على عياله الى ان ينتهي إلى آخرهم ثم يخرج منهم الى غيرهم مما ينبغي إخراجه عن رأس كل واحد.

وإذا كان عند إنسان ضيف ، يفطر عنده في شهر رمضان ، أو كان لزوجه مملوك في عياله أو ولد له فيه مولود ، كان عليه إخراج الفطرة عنه وجوبا.

اللّهم الا ان يكون المولود يولد ليلة الفطر ، أو في يومه التي قبل صلاة العيد ، فيكون إخراج ذلك عنه استحبابا.

والمكاتب إذا لم يكن مشروطا عليه لم يجب على مكاتبه إخراج الفطرة عنه ، فان كان مشروطا عليه كان على سيده إخراجها عنه.

والكافر إذا أسلم في شهر رمضان قبل ليلة الفطر وجب عليه إخراجها ، وان كان أسلم ليلة الفطر ، أو في يومه قبل صلاة العيد لم يجب عليه ذلك ، وكان عليه ان يخرجها استحبابا. وإذا ملك عبد عبدا ، كان على السيد إخراج الفطرة عنهما جميعا.

* * *

« باب ما تجب فيه الفطرة »

تجب في الحنطة ، والشعير على أهل الموصل ، والجزيرة ، والجبال ، وباقي خراسان.

ص: 174

والتمر على أهل مكة ، والمدينة ، واليمن ، واليمامة ، والبحرين ، وأطراف الشام ، والعراقين ، وفارس ، والأهواز وكرمان. والزبيب على أهل أوساط الشام و « مرو » من خراسان ، والري ، والأرز على أهل طبرستان ، والبر على أهل مصر ، والأقط (1) على الاعراب ، وسكان البوادي ، ومن لم يجد منهم الا قط اخرج عنه اللبن والتمر ، والزبيب ، وهو أفضل ما يخرج في الفطرة لمن وجبت عليه.

* * *

« باب فيمن المستحق للفطرة ، وكم أقل ما يدفع منها إليه »

الذي يستحق أخذ زكاة الفطرة هو كل من يستحق أخذ زكاة الأموال ، وقد ذكرناه في ما تقدم.

وإذا كان الامام « عليه السلام » ظاهرا وجب على من وجبت عليه الفطرة حملها اليه ليدفعها الى مستحقها ، ولا يتولى هو ذلك بنفسه ، فان لم يكن الامام «ع» ظاهرا كان عليه حملها الى فقهاء الشيعة ، ليضعها في مواضعها ، لأنهم أعرف بذلك ولا يجوز ان يدفع الا الى أهل الايمان ، والمعرفة ، كما ذكرناه فيمن يستحق أخذ زكاة الأموال. ولا يجوز دفعها الى من لا يجوز دفع زكاة الأموال اليه الا في حال التقية ، والأفضل له في هذه الحال ان لا يدفعها الى من ذكرناه ، بل يدفع اليه عن غيرها.

والحكم في حملها من بلد الى آخر ، كالحكم فيما ذكرناه في زكاة الأموال ، وكذلك الحكم في عزلها.

والأفضل لمخرج الفطرة ان لا يتعدى أقاربه إذا كانوا من المستحقين لها. وكذلك الأفضل ان لا يتعدى الى من يستحقها من جيرانه إذا كانوا على الشروط التي قدمنا ذكرها ، فان تعدى بها من ذكرناه من الأقارب ، والجيران ، ودفعها الى

ص: 175


1- الأقط بفتح الهمزة وكسر القاف : الجبن المتخذ من اللبن الحامض.

من يستحقها من غيرهم ، لم يكن عليه شي ء ، بل يكون تاركا للأفضل.

فاما أقل ما ينبغي دفعه الى المستحق لها منها فهو ان يدفع الى الواحد ممن ذكرناه ما يجب إخراجه عن رأس واحد.

فاما ما كان أكثر من ذلك فيجوز دفعه اليه.

* * *

« باب في ذكر الوقت الذي يجب إخراج الفطرة فيه »

هذا الوقت هو من طلوع الفجر من يوم العيد الى قبل صلاة العيد ، وكل ما قرب وقت هذه الصلاة تضيق الوجوب. فمن لم يخرجها حتى قضيت الصلاة كان تاركا لما وجب عليه ، ومخطئا في ذلك ، فإن أخرجها بعد هذه الصلاة لم تكن واجبة ، وجرى مجرى الصدقة المتطوع [ بها ] ، وقد ورد (1) جواز تقديم إخراجها في شهر رمضان ، والأفضل إخراجها في الوقت المضروب لوجوبها.

« تم كتاب الزكاة »

* * *

ص: 176


1- الوسائل ج 6 ، الباب 12 من أبواب زكاة الفطرة ، الحديث 3 و 4

« باب الخمس وأحكامه »

اشارة

أحكام الخمس تتبين بذكر أشياء :

منها ما الذي يجب الخمس فيه ، ومنها ما يراعى فيه مقدار ، وما لا يراعى فيه ذلك ، ومنها متى يجب ، ومنها من المستحق له ، ومنها كيفية قسمته.

« باب في ذكر ما يجب الخمس فيه »

الخمس يجب في « كنوز » الذهب والفضة والدنانير والدراهم ، « والغنائم الحربية » ، و « جميع المعادن » من الذهب والفضة والحديد والصفر والنحاس والرصاص والزيبق والكحل والزرنيخ والنفط والقير ، « والنوص » والموميا والكبريت والزبرجد والياقوت والفيروزج والبلخش (1) والعنبر والعقيق « وأرباح التجارات والمكاسب كلها » و « المال الحرام إذا اختلط بالحلال ولم يتميز » و « الأرض إذا ابتاعها الذمي من المسلم ».

فاما الكنز إذا وجد فليس يخلو اما في دار الحرب ، أو في دار الإسلام ، فإن كان في دار الحرب ، كان فيه الخمس على كل حال.

فان كان في دار الإسلام ، فلا يخلو من ان يكون وجد في ملك الإنسان أو في أرض ليس لها مالك ، فان كان في ملك الإنسان ، أو في أرض ليس لها مالك ، كان

ص: 177


1- البلخش معرب بلخچ وهو الزاج الأسود :

عليه ان يعرف به ، فان عرف ، كان لمن عرفه.

وان لم يعرفه ، فليس يخلو من ان يكون عليه أثر الإسلام ، مثل سكة الإسلام ، أو لا يكون عليه اثر لذلك ، فان كان عليه أثر الإسلام ، كان بمنزلة اللقطة ، وسيجي ء أحكام اللقطة بعون اللّه سبحانه.

وان لم يكن عليه أثر الإسلام ، فإنه يخرج منه الخمس ، ويكون الباقي لمن وجده.

فأما الغنائم الحربية ، فهي كل ما يغتنمه المسلم في دار الحرب مما يحويه العسكر ، ومما لا يحويه ومما يمكن نقله الى دار (1) الإسلام ، وما لا يمكن ذلك فيه من الأموال ، والأرضين ، والذراري (2) ، والعقار والكراع (3) ، والسلاح ، وغير ذلك مما يصح تملكه ، وكان في يد أهل الحرب على جهة الإباحة أو الملك ، ولم يكن غصبا لمسلم. ففي ذلك كله الخمس في كل شي ء منها.

واما المعادن التي ذكرناها ، فإنه يجب الخمس في كل شي ء منها.

واما الغلات والأرباح والمكاسب ففيها الخمس كما ذكرناه بعد إخراج حق السلطان ، وقوت الرجل لنفسه وعياله على الاقتصاد (4) في ذلك.

ويجب الخمس في العسل الذي يؤخذ من رؤس الجبال ، وكذلك في المعدن إذا كان لمكاتب ، والعامل في المعدن إذا كان مملوكا ، كان فيه الخمس ، لان كسبه لسيده.

واما المال الحرام ، إذا اختلط بالحلال ، فإنه ينبغي ان يحكم فيه بالأغلب. فإن كان الحرام الغالب ، احتاط من هو في يده في إخراج الحرام منه. فان لم يتميز له ذلك اخرج منه الخمس ، ويصح تصرفه في الباقي على وجه الحلال.

ص: 178


1- في نسخة « ديار » بدل « دار » :
2- اى الأولاد الصغار :
3- الكراع اسم لجماعة الخيل.
4- اى مقتصدا :

ومن ورث من المال ما يعلم ان صاحبه جمعه من وجوه محرمة مثل الربا والمغصوب وغير ذلك - ولم يتحقق مقداره فليخرج منه الخمس ويتصرف في الباقي ، فإن غلب في ظنه أو علم ان الأكثر حرام احتاط في إخراجه قليلا كان أو كثيرا ، أورده الى من هو له ان تميز له ذلك ، فان لم يتميز ذلك له ، تصدق به عنهم.

واما الأرض إذا ابتاعها ذمي من مسلم ، ففيه الخمس. كما ذكرناه.

« باب ذكر ما يراعى فيه مقدار ، وما لا يراعى فيه ذلك »

ما يراعى فيه مقدار : شيئان ، أحدهما يراعى فيه بلوغ النصاب الذي تجب الزكاة فيه ، والأخر يراعى في بلوغه مقدار دينار فصاعدا.

واما الأول فهو في جميع الكنوز ، واما الثاني فهو الغوص ، فليس يراعى مقدار في شي ء يجب الخمس فيه الا في هذين الجنسين.

فاما ما خالفهما ، فلا يراعى فيه ذلك على وجه من الوجوه.

« باب ذكر الوقت الذي يجب إخراج الخمس فيه »

الوقت الذي يجب إخراج الخمس فيه ، هو حين حصول المال من غير مراعاة لحلول الحول عليه ، ولا غير ذلك.

« باب ذكر مستحق الخمس »

الذي يستحق الخمس ستة ، وهم : اللّه سبحانه وتعالى ، ورسوله صلى اللّه عليه وآله ، وذوو القربى وهو الامام عليه السلام واليتامى والمساكين وابن السبيل ممن ينتهي الى أمير المؤمنين عليه السلام على ابن ابى طالب عليه السلام بالولادة وجعفر وعقيل والعباس بن عبد المطلب عليهم السلام.

* * *

ص: 179

« باب ذكر قسمة الخمس »

قال اللّه سبحانه ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ، وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى ، وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) . (1)

فعلى هذا يقسم الخمس ستة أسهم ، ثلاثة منها وهي سهم اللّه تعالى ، وسهم رسوله « صلى اللّه عليه وآله » وسهم ذي القربى للإمام « عليه السلام » والثلاثة أسهم الباقية. يفرقها الامام عليه السلام على يتامى آل محمد « صلى اللّه عليه وآله » ومساكينهم وأبناء سبيلهم ، لكل صنف منهم سهم.

وعلى الامام عليه السلام تسليم (2) ذلك على قدر كفايتهم. ومؤنتهم للسنة على جهة الاقتصاد.

فإن فضل من ذلك شي ء كان له ، وان نقص فعليه ان يتمه مما يختصه ، وليس لغير من تقدم ذكره في الخمس حق ، بل هو لمن يحرم عليه الزكاة ذكرا كان أو أنثى ممن ذكرناه فيما تقدم.

وكل ما يختص من الخمس بالمساكين ، أو المناكح ، أو المتاجر فإنه يجوز التصرف فيه في زمان غيبة الإمام (عليه السلام) ، لأن الرخصة قد وردت (3) في ذلك لشيعة آل محمد عليهم السلام ، دون من خالفهم.

واما ما يختص به من غير ذلك فلا يجوز لأحد من الناس كافة التصرف في شي ء منه ، ويجب على من وجب عليه حمله الى الامام (عليه السلام) ليفعل فيه ما يراه ، فان كان (عليه السلام) غائبا ، فينبغي لمن لزمه إخراج الخمس ان يقسمه ستة أسهم على ما بيناه ،

ص: 180


1- الأنفال الآية 41
2- في نسخة : تقسيم
3- المستدرك - الباب 4 من أبواب الأنفال ، الحديث 3 وفي جامع أحاديث الشيعة ج 8 ، الباب 7 من أبواب فيمن يستحق الخمس ، الحديث 12 ، ص 595 :

ويدفع منها ثلاثة الى من يستحقه من الأصناف المذكورة فيما سلف.

والثلاثة الأخر للإمام (عليه السلام) ، ويجب عليه ان يحتفظ بها أيام حياته ، فإن أدرك ظهور الامام (عليه السلام) ، دفعها اليه ، وان لم يدرك ذلك ، دفعها الى من يوثق بدينه وأمانته من فقهاء المذهب ووصى (1) بدفع ذلك الى الامام (عليه السلام) ان أدرك ظهوره ، وان لم يدرك ظهوره وصى إلى غيره بذلك ، وقد ذكر بعض أصحابنا ، انه ينبغي ان يدفنه تعويلا في ذلك على الخبر (2) المتضمن ، لأن الأرض تظهر كنوزها عند ظهور الامام (عليه السلام). والأول أحوط ، وأقوى في براءة الذمة من ذلك.

وذكر بعض أصحابنا أيضا ، ان ما يختص بغير المساكن ، والمتاجر ، والمناكح يجوز التصرف فيه ، فإنه يجري مجرى ما يختص بالمساكن ، والمتاجر ، والمناكح وهذا لا يعول عليه ، ولا يعمل به.

« باب أحكام الأرضين »

الأرضون تنقسم أربعة أقسام ، أولها : قسم يسلم أهلها عليها طوعا ، وثانيها : ارض افتتحت بالسيف عنوة ، وثالثها : كل ارض ، صالح أهلها ، عليها ورابعها : أرض الأنفال ، ونحن نفرد لكل واحد منها بابا ان شاء اللّه تعالى.

« باب ذكر الأرض التي يسلم عليها طوعا »

الأرض إذا أسلم أهلها عليها طوعا من غير حرب ، تركت في أيديهم ، وكانت ملكا لهم ، يصح لهم التصرف فيها بالبيع والشراء والوصية والهبة وغير ذلك من أنواع التصرف.

ص: 181


1- وفي نسخة : وصاه
2- منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر ص 472 ، وفي بحار الأنوار ج 51 باب الآيات المأولة بقيام القائم عليه السلام ص 64 :

وإذا عمروها ، فليس عليهم الا فيما تخرجه ، وهو العشر ونصف العشر بحسب سقيها ، كما ذكرناه في باب الزكاة ، وان تركوا عمارتها حتى صارت خرابا ، كانت حينئذ لكافة المسلمين ، يقبلها الامام عليه السلام ممن يقوم بعمارتها بحسب ما يراه ، من نصف أو ثلث أو ربع وعلى متقبلها بعد إخراج مؤنة الأرض وحق القبالة فيما يبقى في خاصة من عليها إذا بلغ خمسة أوسق ، أو أكثر من ذلك ، العشر أو نصف العشر بحسب سقيها على ما سلف بيانه.

« باب ذكر الأرض المفتحة بالسيف عنوة »

الأرض إذا فتحت عنوة كانت لجميع المسلمين ، للمقاتل منهم وغير المقاتل وارتفاعها (1) يقسم بينهم ، ولا للمقاتل منهم الا بما يكون في العسكر فان ذلك يقسم في المقاتلة دون غيرهم. ولا يصح التصرف فيها بوقف ولا صدقة ولا بيع ولا بغير ذلك من سائر ضروب التمليك.

وللإمام عليه السلام ان يقبلها بما يراه لمن يعمرها ، اما بالنصف أو الثلث ، أو الربع ، وللإمام عليه السلام ان ينقلها من متقبل الى آخر بعد انقضاء مدة زمان التقبل ، وله التصرف في هذه الأرض بحسب ما يراه ، صلاحا للمسلمين ، ويجب على المتقبل فيما يبقى في يده مما تخرجه بعد إخراج المال الذي يقبلها به ، العشر ، أو نصف العشر حسب السقي (2) كما تقدم القول به.

« باب ذكر ارض الصلح »

ارض الصلح هي أرض الجزية ، فإذا صالح الامام عليه السلام أهلها عليها وجب عليهم الأداء لما يصالحهم عليه ، من نصف أو ثلث أو ربع. ولا يجب على رؤسهم ، لأن ما وضع على هذه الأرض بالمصالحة ، بدل من جزية رؤسهم فليس يجب على

ص: 182


1- اى أجرتها والمقدار الذي يتقبلها به اى حق القبالة :
2- وفي نسخة : سقيها

رؤسهم بعد ذلك ، ومن أسلم من ملاكها سقط عنه ما وضع على أرضه بالصلح ، كما يسقط عنه الجزية التي على رأسه بالإسلام. لأنه بدل من الجزية ، ويكون حكم من أسلم من أربابها فيها ، حكم المسلم (1) عليها طوعا ، وهذه الأرض يصح التصرف فيها بسائر أنواع التصرف. وللإمام عليه السلام الزيادة والنقصان فيما يصالحهم عليه بعد ان يمضي مدة الصلح بحسب ما يراه من الصلاح في ذلك.

« باب ذكر أرض الأنفال »

كل ارض انجلى أهلها عنها ، وكل ارض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب إذ أسلمها أهلها من غير قتال ، وكل ارض باد أهلها ، ورؤس الجبال ، وبطون الأودية والآجام ، وصوافي الملوك ، وقطائعهم ما لم يكن ذلك غصبا وكل ارض كانت آجاما فاستحدثت مزارع ، أو كانت مواتا فأحييت ، فجميع ذلك من الأنفال ، وهي للإمام عليه السلام خاصة دون غيره من سائر الناس ، وله ان يتصرف فيها بالهبة ، والبيع ، وغير ذلك من سائر أنواع التصرف حسب ما يراه ، وله (عليه السلام) ان يقبلها بما يراه من نصف ، أو ثلث ، أو ربع ، وله بعد انقضاء مدة القبالة أن يقبضها ، وينزعها ممن هي في يده بالقبالة ، ويقبلها لغيره الا ان يكون مما كانت مواتا فأحييت ، فإنها إذا كانت كذلك لم ينتزع من يد من أحياها ، وهو اولى بالتصرف فيها ما دام يتقبلها بما يتقبلها به غيره ، فان لم يتقبلها بذلك جاز للإمام (عليه السلام) ان ينتزعها من يده ويقبلها لغيره كما يراه ، ويجب على المتقبل فيما يبقى في يده بعد إخراج مال القبالة وما لحقه عليها من المؤن ، العشر أو نصف العشر حسب ما (2) يراه الامام (عليه السلام).

* * *

ص: 183


1- وفي نسخة : من أسلم
2- كذا في النسخة ولعلها تصحيف والصحيح « حسب السقي » كما مر في المفتوحة عنوة :

« باب الجزية »

أحكام الجزية تبين بذكر أشياء.

منها ، من يجب أخذ الجزية منه ، ومن لا يجوز أخذها منه.

ومنها ، ما ينبغي أخذه منها.

ومنها ، من المستحق لها.

ونحن نفرد كل واحد من ذلك بابا نذكره فيه ، ان شاء اللّه.

« باب في ذكر من يجب أخذ الجزية منه ، ومن لا يجوز أخذها منه »

الذي يجوز أخذ الجزية منه ، هو كل مكلف ذكر من اليهود والنصارى والمجوس امتنع عن الإسلام ، وأجاب إلى إعطائها. واما الذي لا يجوز أخذها من الكفار ، فهو جميع النساء والأطفال والبله ، والمجانين من اليهود : والنصارى ، والمجوس.

فاما جميع أصناف الكفار المخالفين لليهود والنصارى والمجوس فلا يقبل منهم إلا الإسلام ، أو القتل ، ولا يقبل من أحد منهم جزية على حال.

ومن لم يؤد الجزية من اليهود ، والنصارى ، والمجوس الى ان أسلم (1) فقد أسقطت عنه بالإسلام ولم يجز أخذها منه ، ولا إلزامه بها على وجه من الوجوه وسائر الأحوال ، سواء كان إسلامه حصل قبل حلولها عليه ، أو في وقت حلولها ، أو بعد ذلك.

وقد ذكر جواز أخذها منه ان كان إسلامه حصل ، وقد حلت عليه والصحيح ما قدمناه.

« باب في ذكر ما ينبغي أخذه من الجزية »

الذي ينبغي أخذه من الجزية ، ليس له مقدار معين ، بل ذلك الى الامام

ص: 184


1- وفي نسخة : « إذا أسلم »

عليه السلام ، يأخذ من كل واحد ممن يجب عليه أخذها منه ، ويضعها عليه بحسب ما يراه.

وهو مخير بين وضعها على رؤسهم ، أو على أرضيهم ، الا انهم متى وضعها على أرضيهم ، لم يضعها على رؤسهم.

وقد روى عن أمير المؤمنين على ابن ابى طالب « عليه السلام » انه وضع على الأغنياء منهم ثمانية وأربعين درهما ، وعلى أوساطهم أربعة وعشرين درهما ، وعلى الفقراء منهم اثنى عشر درهما (1) وذلك منه عليه السلام بحسب ما يراه في وقته.

وإذا وجبت الجزية على واحد ممن ذكرناه ، ودفعها من ثمن ما يستحله مثل الخمر ، وغيره من المحرمات في شريعة الإسلام كان أخذ ذلك منه جائزا ، والإثم فيه عليه ، ولا اثم على أخذ (2) له منه.

« باب في ذكر المستحق للجزية »

المستحق لأخذ الجزية هو كل من قام مع الامام عليه السلام من المسلمين - في نصرة الإسلام والذب عنه - مقام المهاجرين ، لان المهاجرين في عصر النبي « صلى اللّه عليه وآله » هم الذين كانوا يستحقون أخذها ، فمن كانت صفته ما ذكرنا من المسلمين فهو الذي يستحق أخذها ، واليه يدفع ، دون غيره من الناس.

« باب الغنائم ».

كل ما يغتنمه المسلمون من الكفار فيجب إخراج الخمس منه ابتداء ويصرف الباقي الى ما يستحقه.

وذلك على ضربين ، أحدهما يختص المقاتلة دون غيرهم من جميع المسلمين. والأخر لا يختص مقاتلا (3) دون غيره بل هو لجميع المسلمين ، المقاتلة منهم وغير المقاتلة

والذي يختص المقاتلة دون غيرهم هو جميع ما حواه العسكر فقط.

ص: 185


1- الوسائل ، ج 11 ، الباب 68 من أبواب جهاد العدو ، الحديث 5 ص 115 :
2- وفي نسخة : « الأخذ »
3- وفي نسخة : المقاتل

وهذا يقسم في المقاتلة فحسب ، ولا يدفع الى أحد ممن عداهم منه شي ء إلا الإمام عليه السلام ، فإنه يجوز ان يأخذ ذلك قبل القسمة ما يختار أخذه من الجارية الحسناء ، والفرس الجواد ، والثوب الرفيع وما جرى مجرى ذلك.

وما لا يختص بمقاتل دون غيره ويكون لجميع المسلمين ، فهو كل ما اغتنمه المسلمون ما لم يحوه العسكر من الأراضي ، والعقارات ، وغير ذلك ، فان جميعه لكافة المسلمين المقاتل منهم وغير المقاتل ، والغائب منهم والحاضر على السواء.

فإن أدرك إنسان المقاتلة لمعونتهم ، بعد ان قاتلوا ، وغنموا ، كان شريكا لهم فيما غنموا.

وينبغي للإمام ان يسوى بين المسلمين في القسمة ، ولا يفضل أحدا منهم على أحد لشرف فيه ، أو زهد ، أو علم على من ليس هو كذلك.

ويعطى للفارس سهمين ، وللراجل سهما واحدا ، فان كان مع الفارس منهم أكثر من فرسين ، لم يسهم الا لفرسين فقط.

وإذا ولد في أرض الجهاد مولود ، دفع اليه كما يدفع الى المقاتل وحكم القسمة في البحر إذا كان مع المقاتلة فرسان ورجالة كحكمهما في البر ، لا يختلف الأمر في شي ء من ذلك.

« باب ذكر الأنفال ».

الأنفال هي كل ارض تقدم ذكرها ، وميراث من لا وارث له ، وجميع المعادن وكل غنيمة غنمها قوم قاتلوا أهل الحرب بغير اذن الامام (عليه السلام) ، أو ممن نصبه ، وما يريده الامام أخذه لنفسه مما تقدم ذكره ، وجميع الأنفال كانت لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في حياته ، وهي بعده للإمام القائم مقامه ، ولا يجوز لأحد من الناس التصرف في شي ء منها الا بإذنه عليه السلام.

« تم كتاب الخمس »

ص: 186

« كتاب الصيام »

اشارة

قال اللّه تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) الى قوله ( لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (1).

وروى عن النبي صلى اللّه عليه وآله انه قال في خطبة خطبها في آخر شعبان ايها الناس انه قد أظلكم شهر عظيم ، شهر مبارك ، شهر ، فيه ليلة القدر ، العمل فيها خير من الف شهر ، من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن ادى سبعين فريضة فيما سواه ، وهذا (2) شهر الصبر ، والصبر ثوابه الجنة ، وشهر المواساة ، شهر يزاد فيه رزق المؤمنين ، من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل اجره من غير ان ينقص من اجره شي ء (3) وروى عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال : صوم رمضان جنة من النار. (4) والصوم على ثلاثة أضرب واجب ومندوب ومحرم ، فاما الواجب فهو على ضربين : أحدهما يجب من غير سبب والأخر يجب عند سبب والذي يجب من غير سبب ، هو شهر رمضان والذي يجب عند سبب هو قضاء ما يفوت من شهر رمضان لعذر من مرض أو غيره ،

ص: 187


1- البقرة : 183 - 185 :
2- وفي نسخة : هو
3- الوسائل ، ج 7 الباب 18 من أبواب أحكام شهر رمضان ، الحديث 10 ، والمتن مع ما في الدعائم ( ج 1 ، ص 268 ) أوفق :
4- دعائم الإسلام ، ج 1 ، ص 268 :

وصوم النذر والعهد وصوم الكفارة لذلك وصوم الظهار وصوم قتل الخطاء ، وصوم كفارة من أفطر في يوم يقضيه من شهر رمضان ، وصوم اليمين باللّه سبحانه والبراءة وصوم جز المرية شعرها في مصاب ، وصوم أذى حلق الرأس (1) وصوم دم المتعة (2) وصوم جزاء الصيد ، وصوم من فاتته صلاة العشاء الآخرة ، وصوم الاعتكاف.

واما المندوب فهو ضربان : أحدهما مشدد فيه على وجه التأكيد والأخر غير مشدد فيه فاما المشدد فيه فهو صوم رجب كله ، وأول يوم منه ، واليوم السابع والعشرون منه ، وهو يوم المبعث ، والثالث عشر منه مولد أمير المؤمنين عليه السلام ، وشعبان كله ، ويوم النصف منه ويوم السابع عشر من شهر ربيع الأول مولد النبي صلى اللّه عليه وآله ويوم عرفة ، وأول يوم من ذي الحجة مولد إبراهيم عليه السلام ويوم الثامن عشر منه وهو يوم الغدير.

والأيام البيض من كل شهر وهي الثالث عشر ، والرابع عشر ، والخامس عشر وثلاثة أيام من كل شهر ، أربعاء ، وخميسين ، أول خميس في الشهر ، وأول أربعاء يكون في العشر الثاني ، وآخر خميس في الشهر ، ويوم الخامس والعشرين من ذي القعدة وهو يوم دحو الأرض ، وصوم الاذن (3) وصوم التأديب (4) وصوم يوم عاشوراء على جهة الحزن بمصاب أهل البيت عليهم السلام وصوم ثلاثة أيام للاستسقاء وصوم الشكر.

واما ما ليس بمشدد فيه : فهو باقي أيام السنة بعد الذي ذكرناه إلا الأيام المحرمة

ص: 188


1- أي صوم حلق الرأس لا جل الأذى في الرأس :
2- أي الصوم بدلا عن هدى التمتع :
3- صوم الإذن ثلاثة : أحدها صوم المرية تطوعا بإذن زوجها ، ثانيها صوم المملوك بإذن سيده ، ثالثها صوم الضيف بإذن مضيفه :
4- صوم التأديب خمسة أقسام : المسافر إذا قدم اهله وقد أفطر ، والحائض إذا طهرت ، والمريض إذا بري ء ، والكافر إذا أسلم ، والصبي إذا بلغ « كل ذلك إذا كان في أثناء النهار » راجع المبسوط ، ج 1. ص 283

 - فهو يوم الفطر ، ويوم الأضحى وأيام التشريق بمنى ، ويوم الشك على انه من شهر رمضان ، وصوم الوصال (1) وصوم الدهر كله (2) وصوم النذر المعصية ، وصوم الصمت.

« باب صوم شهر رمضان وعلامة دخوله »

علامة دخول شهر رمضان : رؤية الهلال مع زوال العوارض ، فاذا رأيته فلا تشر اليه بيدك ، واستقبل القبلة وارفع يدك للدعاء وأقصده بكلامك وقل : ربي وربك اللّه رب العالمين : ثم قل : اللّهم اهله علينا وعلى بيوتنا وأشياعنا وإخواننا بأمن وايمان وسلامة وإسلام ، وبر وتقوى وعافية ورزق واسع وحسن وفراغ من الشغل ، واكفنا فيه بالقليل من النوم ، ومسارعة فيما تحب وترضى وثبتنا عليه ، اللّهم بارك لنا في هذا العهد وارزقنا بركته وخيره وعونه وغنمه وفوزه واصرف عنا شره وضره وبلائه وفتنته ، اللّهم ما قسمت فيه من رزق أو خير أو عافية أو فضل أو مغفرة أو رحمة فاجعل نصيبنا فيه الأكبر وحظنا فيه الأوفر انك على كل شي ء قدير.

ثم أصبح صائما من غدير يومك ، فان لم تر الهلال لتركك النظر اليه ، والتصدي لرؤيته ورآه الناس رؤية شائعة في البلد الذي أنت فيه وجب أيضا الصوم من الغد وان لم يره أهل البلد وكان في السماء علة وراه خمسون رجلا وجب أيضا الصوم وإذا لم يره من ذكرناه ورآه واحدا أو اثنان وجب الصوم على من رآه في حق نفسه ولم يجب الصوم على غيره.

وإذا كان في السماء علة ولم يره أحد من أهل البلد ورآه من خارجه شاهدان عدلان وجب الصوم ، ومتى لم يكن في السماء علة وتصدى الناس لرؤيته فلم يروه لم يجب الصوم فان شهد من خارج البلد خمسون رجلا برؤيته وجب الصوم ، وإذا لم يشاهد أحد. الهلال ولا ورد خبر من خارج البلد برؤيته ، عددت بشهر الماضي

ص: 189


1- صوم الوصال ان يجعل عشاء سحوره :
2- صوم الدهر معناه صوم أيام السنة الشاملة للأيام المحرمة :

ثلاثين يوما وصمت بنية الوجوب فان ثبت بعد ذلك بينة عادلة برؤيته قبل يوم صيامك بنية الوجوب بيوم ، كان عليك قضائه (1).

والأفضل ان تصوم يوم الشك بنية انه من شعبان فان ثبت بعد ذلك ببينة عادلة انه كان من شهر رمضان أجزأك صومه ولم يلزم قضائه ، وان لم تصمه لم يكن عليك شي ء الا ان يكون في حكم المفطر ويثبت انه كان من شهر رمضان ، فيكون عليك صيام يوم بدله وليس بجائز لأحد ان يعمل في الصوم على العدد بالجدول ، ولا غيره.

وإذا غم هلال شهر رمضان فينبغي ان يعد شعبان ثلاثين يوما ثم يصوم بعد ذلك بنية شهر رمضان ، فاذا غم هلال شعبان فيعد رجب ثلاثين يوما ، فان رأى بعد ذلك هلال شوال ليلة تسع وعشرين من شهر رمضان ، قضى يوما لان الشهر لا يكون أقل من تسعة وعشرين يوما ، فاذا غم جميع شهور السنة ولم يحقق المكلف هلال شهر واحد منها ، فينبغي ان يعد من السنة الماضية خمسة أيام ويصوم اليوم الخامس ، لان الشهور لا تخرج جميعا كاملة ، وقد ذكر انه ينبغي ان يعد كل شهر منها ثلاثين يوما ويصوم.

وإذا كانت البلدان متقاربة ولم ير الهلال في البلد ، ورئي (2) من خارجه على ما قدمنا بيانه في الشهادة وجب العمل به ، هذا إذا لم يكن في السماء علة ، وكانت الموانع مرتفعة أو كانت البلدان كما ذكرناه متقاربة حتى لو رئي الهلال في أحدها لرئي في الأخر ، مثل طرابلس وصور ومثل صور والرملة ومثل حلب وطرابلس ومثل واسط وبغداد وواسط والبصرة واما : إذا كانت البلدان متباعدة مثل طرابلس وبغداد وخراسان ومصر وبغداد وفلسطين والقيروان وما جرى هذا المجرى ، فان لكل بلد حكم سقعه (3) ونفسه ، ولا يجب على أهل بلد مما ذكرناه العمل بما رآه أهل البلد الأخر.

ص: 190


1- وفي نسخة : قضاء يوم عوضا منه
2- مجهول « رأى » على وزن قتل
3- السقع لغة هو الصقع وهو الناحية من الأرض

والوقت الذي يجب الإمساك فيه عما يفطر من طعام وشراب وجماع وغير ذلك - هو من طلوع الفجر الى ان تغرب الشمس.

وذلك مباح للإنسان في الليل ، فان طلع الفجر وهو على حال أكل وشرب وجب عليه قطعه والإمساك عنه ، وان كان في فمه منه شي ء وجب ان يلفظه ويمتنع بلع شي ء يبقى في فيه منه ، وان أراد الجماع في هذه الحال ، وجب عليه الامتناع منه ، فان طلع الفجر عليه وهو مخالط وجب عليه الإمساك عن الحركة (1) لترك ذلك بنية التخلص منه ، متى لم يفعل ما ذكرنا فقد أخطأ وأفسد صوم يومه ولزمه القضاء والكفارة ، وسنذكر ما يفسد الصوم وما لا يفسده وما يوجب القضاء والكفارة ، وما لا يوجب ذلك فيما بعد ان شاء اللّه تعالى.

وعلامة غروب الشمس ، زوال الحمرة من أفق المشرق. ، وهو وقت الإفطار الذي لا يجوز ذلك قبله ، ومن رأى القرص وقد غاب عن بصره ثم رأى الشمس على رؤس الجبال ، والشفق الذي ذكرناه باقيا لم يزل فليس يجوز له الإفطار.

« باب في ذكر ما ينبغي للصائم الإمساك عنه »

الذي ينبغي للصائم الإمساك عنه على ضربين : واجب ، ومكروه ، والواجب على ضربين أحدهما يفسده والأخر لا يفسده ، والذي يفسده على ضربين : أحدهما يوجب القضاء والكفارة ، والأخر يوجب القضاء دون الكفارة.

ونحن نذكر جميع ذلك في أبوابه بمشيئة اللّه تعالى.

« باب ما يفسد الصوم ويوجب القضاء والكفارة »

الذي يفسد الصوم ويوجب القضاء والكفارة : الأكل والشرب في نهاره متعمدا والجماع كذلك وان لم يكن معه إنزال ، واستنزال الماء الدافق في كل حال ،

ص: 191


1- اى ان طلع الفجر وهو مجامع وجب عليه النزع فورا من دون حركة تعين على الجماع لأعلى النزع « راجع المبسوط ، ج 1 ، ص 472 »

والكذب على اللّه تعالى ورسوله أو أحد الأئمة عليهم السلام.

وازدراد (1) ما لا يؤكل ولا يشرب ، والبقاء على حال الجنابة متعمدا من غير ضرورة حتى يطلع الفجر ، والنوم على حال الجنابة الى ان يطلع الفجر بعد الانتباه مرتين ، وإيصال الأدوية إلى الجوف من غير مرض يضطر الى ذلك ، والارتماس في الماء على التعمد ، وشم الرائحة الغليظة التي تدخل الى الحلق ، وجلوس النساء الى أو أوساطهن في الماء مع الاختيار لذلك.

« باب ما يفسد الصوم ويوجب القضاء دون الكفارة »

الذي يفسد الصوم ويوجب القضاء دون الكفارة ، هو النوم الى الفجر على حال الجنابة بعد الانتباه مرة واحدة ، والحقنة في المرض المحوج إليها ، والسعوط (2) كذلك ، وتعمد القي ء ، وبلع ما يحصل منه في الفم (3) ، ووصول الماء الى الحلق عند المضمضة والاستنشاق للتبرد ، والاقدام على تناول ما يفطر عند طلوع الفجر من غير رصد له ثم يعلم انه كان طالعا وترك الامتناع مما يفطر عند طلوع الفجر ممن أخبره غيره بطلوعه فلم يمتنع ، والتقليد للغير في ان الفجر لم يطلع ثم يعلم انه كان طالعا أو تناول ما يفطر ممن شك في دخول الليل لوجود عارض ، ولا يعلم ولا غلب على ظنه دخوله ، وجلوس النساء الى اواسطهن في الماء من غير تعمد لذلك.

واعلم ان جميع ما عددناه في هذين البابين ، متى وقع من الإنسان شي ء منه سهوا أو نسيانا فإنه لا يجب عليه شي ء ، وعليه المضي في صومه فاما الكفارات عن ذلك فسنذكرها في باب الكفارات فيما بعد ان شاء اللّه تعالى.

ص: 192


1- ازدرد اللقمة : ابتلعها.
2- السعوط على وزن رسول : دواء يصب في الأنف
3- قال الشيخ « قدس اللّه سره » : إذا تخلل فخرج من أسنانه ما يمكنه التحرز منه فبلعه عامدا كان عليه القضاء - المبسوط ، ج 1 ص 272

« باب ما يجب الإمساك عنه مما لا يفسد الصوم »

الذي يجب الإمساك عنه - بعد ما ذكرناه في البابين المقدم ذكرهما - وان لم يكن مفسدا للصوم ، هو الإصغاء إلى استماع ما لا يحل استماعه من الأغاني ، وأصوات العيدان ، والطنابير ، وغير ذلك من المناهي ، وقول الفحش ، والكلام بما لا يجوز التكلم به ، كالنميمة والكذب وما جرى مجرى ذلك ، ولمس ما لا يحل ملامسته ، والسعي فيما يحرم السعي فيه من القبائح ، والسعي أيضا الى المواضع المنهي عنها وتعمد النظر الى ما لا يحل النظر اليه ، والعزم على القبائح والإرادة لها.

« باب ما يكره للصائم الإمساك عنه »

يكره للصائم ترك زمان الصوم خاليا عن قراءة القرآن ، وذكر اللّه تعالى وتمجيده وتسبيحه ، والصلاة على النبي وآله عليهم السلام ، والاجتهاد في العبادة ، وان لا يفضل من قدر عليه من أهل الايمان ، وان لا يبر من يمكن من بره من الاخوان وان لا يصل رحمه ، وترك السحور ، وان يكتحل بشي ء فيه صبر (1) أو ما جرى مجرى ذلك ، وبشم المسك والزعفران والرياحين وآكدها النرجس ، والسواك الرطب ، ومضغ العلك ، والفصد ، والحجامة ، ودخول الحمام على وجه يضعفه ، والاحتقان بالأشياء الجامدة مع الإمكان ، وملاعبة النساء ، ولباس الثوب المبلول للتبرد ، والمضمضة للتبرد بها ، وتقطير الادهان في الاذن.

« باب حكم المسافر في الصوم »

المسافر في شهر رمضان ومن هو في حكم المسافر ، فرضه الإفطار ولا يجوز له الصيام في شي ء من هذا الشهر. وحد السفر الذي يجب التقصير في الصوم أو الإتمام هو الحد الذي يجب معه التقصير في الصلاة أو إتمامها وقد تقدم بيان ذلك في كتاب الصلاة.

ص: 193


1- الصبر بالفتح فالكسر : عصارة شجر مر.

ويكره للإنسان الخروج للسفر في هذا الشهر ، الا ان يضطر الى ذلك فاذا انقضى جميع الشهر وقد ذكر (1) ثلاث وعشرون منه جاز له الخروج على كل حال ، وينبغي للمسافر فيه ان لا يمتلئ من الطعام والشراب ، وان لا يجامع الا عند الضرورة الشديدة اليه ، والأحوط ترك إجماع بالكل.

وإذا كان المسافر عالما بأن الإفطار واجب عليه ، ثم صام لم يجزه صومه وعليه القضاء ، وان لم يكن عالما بذلك لم يكن عليه قضاء ، وكان صيامه مجزيا.

وإذا نوى السفر من الليل وخرج بعد طلوع الفجر اى وقت من النهار ففرضه الإفطار ، وان لم يكن نوى ذلك من الليل ، ثم خرج بعد طلوع الفجر ، فعليه إتمام الصيام ولا قضاء عليه وإذا خرج قبل طلوع الفجر ، كان فرضه الإفطار سواء نوى السفر من الليل أو لم ينو ذلك ، وكان عليه القضاء.

وان نوى السفر من الليل ، ولم يتم له الخروج الا بعد زوال الشمس فعليه الإمساك عن الإفطار باقي النهار ، والقضاء بعد ذلك.

ولا يجوز للمسافر ان يصوم شيئا من الصوم الواجب في سفره إلا الثلاثة أيام في الحج ، التي هي من جملة العشرة المخصوصة بدم المتعة ، والنذر المشروط صيامه في السفر والحضر (2) ، وان لم يكن شرط ذلك ، وكان نذر يوما معينا أو شهرا معينا ، واتفق له ذلك في السفر ، لم يصمه وكان عليه القضاء لذلك.

فاما الصوم التطوع : فمكروه في السفر إلا ثلاثة أيام مخصوصة لصلاة الحاجة عند قبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وهي أربعاء وخميس وجمعة فاما ما عدا ذلك من جميع وجوه الصيام فلا يجوز للمسافر صومه في السفر ، فمن أراد صوم ذلك صبر الى ان يقدم إلى اهله ويصوم

فان نوى المقام في بلد عشرة أيام أو أكثر جاز له ان يصوم.

ومن فاته شي ء من الصوم في السفر وتمكن من القضاء له فلم يقضه ثم مات ، كان على وليه صيام ذلك عنه ، ولا فرق في هذا بين ان يكون من فاته ذلك رجلا أو امرأة

ص: 194


1- بصيغة المجهول : اى قيل ، والقائل هو الشيخ «رحمه الله» في المبسوط
2- اى شرط الصوم مطلقا ، سفرا كان أو حضرا

وإذا قدم المسافر على اهله وكان قد أفطر فليمسك باقي النهار عن الإفطار وعليه القضاء ، وان لم يكن أفطر فليمسك عن ذلك باقي النهار ولا قضاء عليه.

وإذا طلع الفجر عليه - في اليوم الذي يصل فيه الى بلده - قبل وصوله اليه فهو مخير بين ان يمسك عن الإفطار ، ثم إذا دخل البلد تمم صوم ذلك اليوم ، ولا قضاء عليه ، وبين ان يفطر فاذا دخل إليه ، أمسك بقية النهار وعليه القضاء.

« باب المريض والعاجز عن الصيام »

حد المرض الذي يلزم معه الإفطار هو ان يعلم الإنسان من نفسه ان لا يقدر على الصيام معه ، فإنه ان صام ، زاد ذلك في مضرته ومشقته ، فاذا حصل الإنسان على هذا الحد من المرض أفطر ، كان له ذلك ، لان فرضه حينئذ الإفطار ، وعليه القضاء بعد زوال مرضه ، ومتى صام وهذه حاله لم يجزه صومه ، وكان عليه القضاء بعد برئه من المرض.

وإذا فاته صوم شهر رمضان وبعده لمرض كان به ، واستمر مرض الى شهر رمضان آخر ولم يصح بينهما ، كان عليه ان يصوم الحاضرة ، ويتصدق عن الشهر الأول بمدين من طعام عن كل يوم ، فان لم يتمكن من ذلك ، تصدق عن كل يوم بمد ، فان لم يقدر ، لم يلزمه قضاء ولا غيره ، فان صح بين الشهرين ولم يقض مما فاته ، وكان عازما على القضاء قبل الشهر الثاني ثم مرض ، كان عليه ان يصوم الثاني ويقضى الأول ولا كفارة عليه ، فان ترك ذلك بعد صحته من مرضه توانيا ، كان عليه صوم الشهر الثاني والصدقة عن الأول وقضائه مع ذلك ، وكذلك الحكم فيما زاد عن شهر رمضان

وإذا أفطر المريض في أول النهار وصح في بعضه لزمه الإمساك عن الإفطار بقية النهار وقضاء ذلك اليوم.

وان صح في بعضه وقدر على الصوم ولم يكن أفطر ، تمم صيام ذلك وإذا لم يصح المريض من مرضه الذي أفطر فيه ومات ، فعلى ولده الأكبر من الذكور ان يقضى عنه ما فاته من ذلك ومن الصلاة أيضا ، فان لم يكن له ذكر فالأولى به من

ص: 195

النساء ، وصوم ذلك ندب واستحباب ، فان صح من مرضه ولم يقض ما عليه ، فعلى من ذكرناه ، قضاء ذلك وجوبا.

وان مات ولم يكن له من الأولاد إلا توأمان كانا مخيرين أيهما شاء قضى عنه ، فان تشاحا في ذلك ، أقرع بينهما.

والمريض إذا مات وقد كان وجب عليه صوم شهرين متتابعين صام عنه وليه شهرا وتصدق عن شهر ، ولا فرق فيما ذكرناه بين ان يكون المريض رجلا أو امرأة.

واما من أغمي عليه لجنة (1) أو غيرها ، فإنه ان عرض له ذلك قبل استهلال الشهر ، واستمر به ذلك حتى دخل فيه يوم وأيام ثم أفاق ، فإن عليه القضاء لما فاته وقد ذكر انه لا قضاء عليه وهو مذهب الشيخ ابى جعفر محمد بن الحسن الطوسي رحمه اللّه فان استهل عليه الشهر ونوى صيامه ثم عرض له ذلك واستمر به حتى دخل من الشهر أيضا يوم وأيام ثم أفاق فإنه إذا لا قضاء عليه.

والشيخ والمرأة الكبيرة إذا كبرا وعجزا عن الصيام وأفطرا ، كان ذلك لهما وعليهما ان يتصدقا عن كل يوم بمدين من طعام أو مد إذا لم يقدرا على المدين ، وليس عليهما قضاء.

ومن عرض له عطاش لا يقدر معه على الصوم وأفطر ، كان له ذلك وعليه ان يتصدق عن كل يوم بمدين من طعام أو مد ان لم يقدر ذلك ولا قضاء عليه.

هذا إذا كان العطاش العارض لا يرجى زواله ، فاما ان كان يرجى زواله ، فعليه الصدقة مع القضاء إذا زال عنه وصح منه والمرأة الحامل والمرضعة القليلة اللبن ، إذا خافتا من ان يضر الصوم بولديهما وأفطرتا ، كان لهما ذلك وعليهما الصدقة عن كل يوم بمثل ما ذكرناه متقدما من المدين والمد حسب القدرة على ذلك وعليهما القضاء ، وجميع ما ذكرنا هاهنا جواز الإفطار له لا يجوز له الجماع ولا الشبع من الطعام ، ولا الري من الشراب في نهار الصوم بل يكون أكلهم وشربهم

ص: 196


1- الجنة : الجنون

دون الشبع والري وان كان يسيرا يسيرا فهو أفضل.

« باب حكم الحائض والنفساء في الصوم »

إذا أفطرت الحائض في نهار الصوم كان لها ذلك ، ولا ينبغي ان تمتلئ من طعام ولا شراب ، وعليها القضاء.

وإذا طهرت في وسط النهار أمسكت فيما بقي منه عن الأكل والشرب أدبا وعليها القضاء ، ولا فرق في ذلك بين ان يكون قد أفطرت قبل ان تطهر أو لم تفطر.

وإذا ارأت دم الحيض في بعض نهار الصوم ، أمسكت أيضا بقية ذلك اليوم أدبا ، وعليها القضاء لذلك اليوم ولكل ما فاتها من أيام الصوم بحيضها.

ولو رأت الدم قبل سقوط قرص الشمس بلحظة ، كان عليها القضاء.

وإذا فاتها شي ء من الصوم الواجب بالحيض وماتت فليس يجب على أحد القضاء عنها ، الا ان يكون قد تمكنت من الصوم فلم تقض ذلك فإنه يجب على ولدها الأكبر ان يقضى عنها ذلك ، فان لم يكن لها ولد فالأولى بها من النساء وحكم النفساء مثل حكمها.

« باب حكم الكافر إذا أسلم في الصوم والصبي إذا بلغ فيه »

الكافر إذا أسلم والصبي إذا بلغ الحلم وقد استهل ، عليهما شهر رمضان فإنه يجب عليهما صيامه ، ولا قضاء عليهما لما فرطا فيه فيما سلف - قبل الإسلام والبلوغ.

فإن أسلم الكافر أو بلغ الصبي في بعض أيام الشهر كان عليهما صيام الباقي منه ولا قضاء عليهما لما مضى عليه من أيامه ، فإن حصل الإسلام للكافر أو البلوغ من الصبي في بعض نهار يوم من أيامه ، أمسك باقي نهاره أدبا ، ولا قضاء عليهما لذلك اليوم ، فان حصل ذلك منهما قبل الفجر كان عليهما صوم ذلك اليوم ، فان لم يصوماه وجب عليهما القضاء له.

ص: 197

« باب صوم النذر »

إذا نذر الإنسان صوم يوم معين مثل يوم جمعة أو سبت أو ما جرى مجرى ذلك من الأيام ، أو شهر مثل شهر رجب أو شعبان أو ما أشبه ذلك من الشهور ، كان عليه صيام ما عينه من ذلك ، الا ان يوافق ما عينه شهر رمضان أو يوما من أيامه أو يوم عيد أو أيام تشريق بمنى فإنه إذا وافق شيئا من ذلك ، لم يجز له صومه ولا قضاء عليه.

وكذلك إذا كان مسافرا ، ولم يكن نذر صيامه في كل حال من حضر أو سفر ، فان كان نذر صيامه في حال الحضر والسفر وشرط ذلك ، كان عليه صومه في السفر.

فان نذر صوما مبهما : مثل ان ينذر صوم حين من الزمان ، فعليه صيام ستة أشهر ، فإن نذر صوم زمان كان عليه صوم خمسة أشهر.

فإن نذر صوم شي ء من الصيام في موضع معين ، مثل مكة أو مدينة النبي صلى اللّه عليه وآله أو بعض المواضع الشريفة والأمكنة المعظمة ، كان عليه الوفاء بذلك في الموضع الذي نذر الصيام فيه وعينه له ، فان حضر في ذلك الموضع وصام بعض ما نذره ، ثم لم يقدر على المقام به الى ان يتم ما عليه من ذلك ، جاز له الخروج الى بلده وقضائه بعد وصوله اليه على التمام.

ومن نذر صوم شهر بالإطلاق فعليه صوم شهر - اى شهر من السنة كان - ، فإن أفطر قبل ان يتم نصفه متعمدا من غير ضرورة كان عليه استئناف الصوم ، فان كان إفطاره لضرورة ، جاز له البناء على ما تقدم ، وان كان إفطاره بعد جواز نصفه تممه ولم يجب عليه استئنافه.

وإذا شرط الناذر في الصوم النذر ، الموالاة ، وجب عليه ذلك ، فان صامه متفرقا لم يجزه وكان عليه الابتداء به متواليا ، فان كان فرق ذلك لضرورة كان له ان يبنى على ما تقدم ولم يكن عليه شي ء.

ومن أفطر في يوم نذر صيامه ، لغير ضرورة فعليه ان يقضى ذلك اليوم. وكفارة من أفطر يوما من شهر رمضان ، وقد ذكر انه كان إفطاره لضرورة يتمكن معها من

ص: 198

الصيام بمشقة ، كان عليه مع القضاء إطعام عشرة مساكين أو صوم ثلاثة أيام ، وإذا لم يتمكن معها من الصيام لم يكن عليه القضاء لم أفطره.

ومن عجز عن صوم ما نذره فليتصدق عن كل يوم بمدين من طعام أو مد.

وصوم العهد يجرى هذا المجرى.

ومن نذر الاعتكاف كان الوفاء عليه بذلك واجبا.

« باب صوم الظهار وصوم كفارة القتل ، وصوم كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان ، وصوم كفارة من أفطر في يوم يقضيه عن يوم من شهر رمضان ، وصوم كفارة نقض النذر والعهد وصوم كفارة اليمين بالبراءة ، وصوم كفارة جز المرية شعرها في مصاب ، وصوم كفارة فسخ الاعتكاف »

صوم ما ذكرناه من هذه الكفارات شهران متتابعان يجب صومهما ، فإن أفطر في الأثناء لضرورة جاز له ان يبنى على ما تقدم ، وان كان لغير ضرورة : فاما ان يكون صام من الثاني شيئا ، واما ان لا يكون صام منه شيئا ، فإن كان صام منه شيئا فقد أخطأ وجاز له البناء على ما تقدم ، وان لم يكن صام منه شيئا كان عليه استئناف الصوم من اوله.

ومن وجب عليه صومهما وهو مسافر فلينتظر بذلك وصوله الى بلده ، فاذا وصل ابتدأ بصومهما ولا يبتدء بذلك في السفر ، ولا يبتدء أيضا بصومهما من أول شعبان ، لان شهر رمضان يمنع من المتابعة بين شعبان وبين شهر آخر ، فان قدم على شعبان صوم شي ء من الأيام جاز له ذلك ، لأنه عند آخر شعبان يكون قد زاد على الشهر ، فيكون حينئذ متتابعا بين شهرين ، ثم يبنى على ما تقدم بعد انقضاء شهر رمضان.

ولا يجوز له أيضا الابتداء بصومهما من أول شوال ، لدخول العيد في جملة الشهر وهو مما لا يجوز صومه ، فان ابتدأ بذلك بعده كان جائزا.

ولا الابتداء بصومهما من أول ذي الحجة ، لدخول يوم العيد أيضا في جملة

ص: 199

الشهر ، ولدخول أيام التشريق أيضا فيه على من كان بمنى ، فان ابتدأ بذلك بعد أيام التشريق ان كان بمنى ، أو بعد العيد ان كان في غيرها ، كان جائزا.

فاما صوم كفارة من أفطر في يوم يقضيه عن شهر رمضان ، فان الحكم فيه انه ان كان تعمد الإفطار قبل الزوال فقد أخطأ وليس عليه غير صوم يوم بدله ، وان كان تعمد ذلك بعد الزوال ، كان عليه كفارة من أفطر في يوم من شهر رمضان وفي أصحابنا من أوجب عليه كفارة يمين وقد ذكرنا ذلك فيما سلف (1).

« باب صوم كفارة اليمين وأذى حلق الرأس »

صوم كفارة اليمين هو صوم ثلاثة أيام متوالية ، بعد العجز عما نذكره من هذه الكفارات في باب الكفارات ان شاء اللّه تعالى ، فان فرق إنسان بين صوم هذه الثلاثة أيام لغير ضرورة ، كان عليه استئناف الصوم ، فان كان لضرورة جاز له البناء على ما تقدم.

فاما صوم أذى حلق الرأس ، فهو صوم ثلاثة أيام متوالية أيضا ، يجب صومها كذلك على من كان محرما ويؤذى (2) بشعر رأسه فحلقه.

وان فرق صومها مختارا كان عليه استئناف الصوم ، وان كان ذلك لضرورة جاز له ان يبنى على ما تقدم منه.

« باب صوم دم المتعة »

هذا الصوم هو عشرة أيام ، يلزم المتمتع بالعمرة إلى الحج إذا لم يقدر على هدى التمتع ، ثلاثة منها في الحج وسبعة إذا رجع الى اهله ، والثلاثة التي في الحج هي يوم قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة ، ويجب صومها متواليا ، فمن فرقها لضرورة جاز له البناء على ما تقدم ، وان كان مختارا كان عليه استئناف صومها.

ومن فاته صوم اليوم الأول منها صام ما يليه ثم صام بدل اليوم الذي فاته يوما

ص: 200


1- لعله سهو والصحيح « نذكر فيما سيأتي » فإنه « رحمه اللّه » يذكره في باب قضاء الفائت من الصيام.
2- مجهول من باب الأفعال

بعد أيام التشريق ، فان صام (1) يوم التروية فلا يصم يوم عرفة ، بل يصوم الثلاثة بعد أيام التشريق يوم الحصبة وهو يوم النفر ويومين بعده ، فان فاته ذلك فليصم في بقية ذي الحجة ، فان لم يصمها حتى دخل الحرم (2) كان عليه دم سنذكره في كتاب الحج من هذا الكتاب ان شاء اللّه تعالى.

وقد رويت رخصة في تقديم صوم هذه الثلاثة الأيام من أول العشر (3) وكذلك في تأخيرها الى بعد أيام التشريق لمن ظن ان صوم يوم التروية ويوم عرفة يضعفه عن القيام للمناسك (4) ، ومن لم يصمها عقيب أيام التشريق ثم خرج الى بلده فليصمها في طريقه فان لم يتمكن من ذلك ، صامها مع السبعة الأيام إذا رجع الى اهله.

والسبعة ينبغي ان تصام متوالية ، وقد ورد جواز تفريقها (5) وما ذكرناه أحوط ، فان لم يعد من وجب عليه صيامها الى بلده واقام بمكة ، فلينظر مضى المدة التي في مثلها يصل الى بلده ثم يصومها.

« باب صوم جزاء الصيد ومن فاتته صلاة العشاء الآخرة »

صوم جزاء الصيد على ضروب : منها ستون يوما - ومنها ثمانية عشر يوما - ومنها ثلاثون يوما - ومنها تسعة أيام - ومنها عشرة أيام - ومنها ثلاثة أيام - ومنها يوم واحد - ومنها ما يتضاعف.

ص: 201


1- كذا في النسخ والصحيح « فان فاته » كما في النهاية ، ص 552
2- كذا في النسخ ولعله تصحيف والصحيح « المحرم » كما سيذكره في أحكام المهدى
3- الوسائل ، ج 10 ، الباب 54 من أبواب الذبح من كتاب الحج ، الحديث 1 و 3 ، ص 169 والباب 46 منها ، الحديث 2 و 8 ، ص 155
4- الوسائل ، ج 10 ، الباب 46 من أبواب الذبح من كتاب الحج ، الحديث 1 و 4 و 14 وغيرها الا انها مقيدة بمن فاته الصوم قبل أيام التشريق.
5- الوسائل ، ج 10 ، الباب 55 من أبواب الذبح من كتاب الحج ، الحديث 1 ص 180

فاما الستون فيجب على من أصاب نعامة ولم يتمكن من الإطعام على ما سنذكره في كتاب الحج ان شاء اللّه تعالى.

واما الثمانية عشر فيجب إذا لم يقدر على صيام هذه الستين يوما.

واما الثلاثون فيجب على من أصاب بقرة وحش أو حمار وحش إذا لم يتمكن من الإطعام على ما يأتي ذكره أيضا في كتاب الحج بعون اللّه سبحانه :

واما التسعة فيجب إذا لم يقدر على صوم هذه الثلثين يوما.

واما العشرة فيجب على من أصاب غزالا وما أشبه مما سنذكره هناك أيضا إذا لم يقدر على الإطعام حسب ما نبينه في موضعه من كتاب الحج.

واما الثلاثة فيجب على من لا يتمكن من صوم هذه العشرة.

واما اليوم الواحد فيجب على كل نصف صاع من البر مما لا مثل له من النعم ، على ما نذكره (1) في كتاب الحج ان شاء اللّه تعالى أيضا.

واما الذي يتضاعف فيجب على المحرم إذا أصاب صيدا في الحرم ، وهذا الصوم لا يلزم فيه التتابع ، بل المكلف مخير بين المتابعة والتفريق والأفضل المتابعة.

فاما صوم من فاتته عشاء الأخيرة فهو صوم اليوم الذي يصبح فيه من فرط في هذه الصلاة حتى جاز النصف الأول من الليل.

« باب قضاء الفائت من الصيام لمرض أو غير مرض ».

إذا فات الإنسان شي ء من صيام شهر رمضان أو غيره من الصوم الواجب ، فإنه يجب عليه قضائه ، فإن صامه جاز له التطوع بالصوم ، ويجب عليه الفور بالقضاء مع التمكن من ذلك ، فإذا اراده فلينو به القضاء.

وان كان فإنه شي ء من شهر رمضان ، جاز له قضائه في أي شهر كان الا ان يكون مسافرا ، فإنه لا يجوز له حينئذ القضاء حتى يرجع الى بلده أو يعزم على المقام في

ص: 202


1- في باب ما يتعلق بذلك البدنة قال « رحمه اللّه » : إذا وجبت على إنسان ولم يقدر عليها .. فان لم يقدر على إطعام ستين مسكينا صام عن كل نصف صاع يوما.

غيره عشرة أيام أو أكثر ، فإذا عزم على ذلك كان عليه القضاء في ذلك الموضع.

والفائت من الصيام يجوز قضائه متتابعا ومتفرقا والأفضل التتابع ، فان لم يرد قضائه متتابعا وكان عليه عشرة أيام أو أكثر ، فليتابع بين ستة أيام ويفرق الباقي.

وتجديد النية للقضاء ممن يصبح بنية الإفطار يصح الى قبل الزوال ، فاذا زالت لم يجز له تجديدها ، وكذلك الحكم فيمن أراد تجديدها (1) لصوم التطوع ، ومن طلع عليه الفجر وأجنب - متعمدا لذلك أو غير متعمد - لم يجز له صوم ذلك لا على جهة القضاء ولا غيره بل يفرط (2) ثم يصوم يوما غيره قضاء له.

ومن أجنب في شهر رمضان ، ولم يغتسل متعمدا أو غير متعمد ، ثم صام الشهر كله وصلى ، كان عليه الغسل وقضاء الصوم والصلاة.

ومن أفطر من يوم - يقضيه عن يوم من شهر رمضان ، ناسيا - تمم صيامه ولا شي ء عليه ، وان أفطر متعمدا وكان ذلك قبل زوال الشمس لم يكن عليه شي ء غير صوم يوم بدله ، وان كان ذلك بعد زوال الشمس كان عليه مع القضاء الكفارة وهي كفارة يمين وذكر ان عليه كفارة من أفطر من يوم من شهر رمضان ، وهو الذي يقتضيه الاحتياط.

والمستحاضة إذا لم تفعل في أيام استحاضتها مما يجب فعله في الاستحاضة فإن عليها القضاء ، وكذلك يجب عليها إذا فعلت ذلك وصامت ، في الأيام التي كان يعتاد فيها الحيض.

فاما ما يتعلق بالحائض والنفساء فقد تقدم ذكره.

* * *

ص: 203


1- في النسخ بزيادة « الواو » هنا.
2- كذا في النسخ والظاهر انها تصحيف والصحيح « يفطر »

« باب الاعتكاف وصيامه ».

الاعتكاف في الشرع لبث متطاول في مسجد معين لعبادة معينة ، لا تثبت صحته الا بصوم ، فإذا أراد الإنسان الاعتكاف فينبغي ان يقصد النية كذلك ويصوم ، لأنه لا يصح الا بصوم كما ذكرناه ويجتنب ما يجتنبه المحرم ، ويعتكف في أحد أربعة مساجد وهي : مسجد الحرام ، أو مسجد المدينة ، أو مسجد الكوفة ، أو مسجد البصرة ، ولا يجوز الاعتكاف في غير هذه المساجد.

وأقل الاعتكاف ثلاثة أيام ، فإن اعتكف يومين وأراد ان يفسخ الاعتكاف لم يكن له ذلك وعليه ان يتم ثلاثة أيام ، لأنه إنما يجوز له الفسخ إذا لم يتمم يومين.

ولا يخرج المعتكف من المسجد إلا لضرورة تدعوه الى ذلك ، من عيادة مريض من المؤمنين ، أو تشييع جنازة لهم ، أو ما جرى مجرى ذلك.

ولا يصلى الا في المسجد الذي يعتكف فيه الا ان يكون بمكة خاصة ، فإنه ان كان بها جاز له ذلك في أي موضع شاء منها وإذا عرض له مرض وخرج من المسجد لأجله ، فعليه ان يقضى الاعتكاف والصوم بعد برئه من المرض.

وان كان المعتكف امرأة وحاضت فعليها مثل ذلك بعد طهرها من حيضها.

وإذا وطأ المعتكف ليلا ، كان عليه كفارة من تعمد الإفطار في يوم من شهر رمضان ، ويجب على المرية إذا كانت معتكفة وطاوعته مثل ذلك.

وإذا وطأ نهارا كان عليه كفارتان ، وكذلك يجب على المرية إذا طاوعته الى ذلك وهي معتكفة ، فان لم تطاوعه الى ذلك انقلبت كفارتها اليه ولم يجب عليها شي ء ، فإن وطأها نهارا وهي معتكفة مكرها لها على ذلك ، كان عليه اربع كفارات فإن وطأها على هذا الوجه ليلا كان عليه كفارتان.

ويستحب للمعتكف ان يشترط على اللّه سبحانه ، الرجوع ان عرض له مرض فمتى لم يشترط ذلك وعرض له مرض لم يجز له الرجوع عن الاعتكاف الا ان يكون لم يتمم يومين كما ذكرناه فيما سلف.

وأفضل الاعتكاف ما كان في العشرة الأخيرة من شهر رمضان ، وإذا مات

ص: 204

المعتكف قبل ان يقضى مدة اعتكافه فقد ذكر بعض أصحابنا ان وليه يقضى عنه ذلك أو يخرج من ماله ما يكون فيه كفاية لمن ينوب عنه ، فان عمل على ذلك لم يكن به بأس.

والاعتكاف ينقسم الى الواجب والمندوب ، والمندوب يجب بالدخول فيه ولا يجوز فسخه له كما لا يجوز فسخ الواجب منه ، وقد ذكرنا ان المعتكف لا يجوز ان يخرج من المسجد لغير ضرورة ، فمتى فعل ذلك أفسد الاعتكاف وكان عليه استئنافه ويفسده أيضا السكر ، والارتداد ، وإذا رجع المرتد على حال ارتداده لم يجز له البناء عليه

ولا يصح الاعتكاف ممن عليه ولاية إلا بإذن من يلي أمره ، كالزوجة مع زوجها ، والعبد مع سيده ، والمكاتب قبل حال حريته ، والمدبر ، والضعيف ، والأجير ومن وجب عليه قضاء شي ء من الاعتكاف وجب عليه ذلك على الفور دون التراخي

والمرأة إذا طلقها زوجها وهي معتكفة ، أو مات عنها وهي كذلك فخرجت واعتدت في بيتها ، كان عليها استئناف الاعتكاف ، وإذا أذن الوالي المعتكف بالصلاة. فقال له : الصلاة أيها الأمير وما جرى مجرى هذا اللفظ بطل اعتكافه (1)

ومن كان معتكفا وعليه دين يقدر على قضائه وأخرجه الحاكم لأجله بطل اعتكافه (2). وان كان لا يقدر على ذلك لم يبطل اعتكافه.

والسلطان إذا أخرج المعتكف من المسجد ظلما له لم يبطل اعتكافه ، ومن كان عليه قضاء شي ء من الاعتكاف وجب عليه ذلك على الفور والبدار دون التراخي. واما ما يتعلق به الاعتكاف بالنذر ، فسنذكره فيما يأتي من باب النذر بعون اللّه سبحانه.

« تم كتاب الصوم والاعتكاف »

ص: 205


1- ان العبارة قاصرة عن افادة المطلوب وعبارة المبسوط وافية به قال فيه : يجوز للمعتكف صعود المنارة والأذان فيها سواء كانت داخلة المسجد أو خارجه لأنه من القربات ، وإذا خرج دار الوالي وقال : حي على الصلاة أيها الأمير أو قال : الصلاة أيها الأمير بطل اعتكافه « راجع المبسوط ، ج 1 ، ص 294 » و « الجواهر ، ج 17 ، ص 183 »
2- لعل وجه البطلان انه في صورة القدرة وطلب الحاكم وجب خروجه عن المسجد لأداء دينه فيحرم لبثه فيه واما في الصورة الثانية حيث لا يقدر على أداء دينه فلا يجب عليه الخروج

« كتاب الحج »

قال اللّه عزوجل ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ، وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ » (1) وقال تبارك وتعالى « الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ ) (2).

وقال سبحانه ، ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ ، فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ ، وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضّالِّينَ. ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ ، أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً ) (3). وقال اللّه تعالى ( إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ ) (4) وقال اللّه تعالى

ص: 206


1- آل عمران ، الاية 97
2- البقرة ، الاية 197
3- البقرة الآية 198 إلى 200
4- البقرة ، الاية 158

( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ ، فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ، وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ، فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ ، تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ، ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ) (1).

وقال عز اسمه ( وَأَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) (2).

وقال سبحانه ( وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ ، لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَيْها صَوافَّ ، فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (3).

وقال اللّه تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ ) (4).

وروى عن سيدنا ابى عبد اللّه جعفر بن محمد (عليه السلام) انه قال : من مات ولم يحج حجة الإسلام ان لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحج أو سلطان يمنعه فليمت يهوديا أو نصرانيا (5).

« باب ضروب الحج واقسامه »

الحج على ضربين : واجب ومندوب ، فالواجب على ضربين : مطلق ، والأخر غير مطلق والمطلق هو ما يجب منه من غير سبب ، وما ليس بمطلق هو ما يجب منه عند سبب

ص: 207


1- البقرة ، الاية 196
2- الحج ، الاية 27 الى 29
3- الحج ، الاية 36
4- المائدة : الاية 95
5- الوسائل ، ج 8 ، الباب 7 من أبواب وجوب الحج ، الحديث 1 ، ص 20

فالذي يجب من غير سبب هو حجة الإسلام ، ويجب في العمرة مرة واحدة.

وما يجب عند سبب هو ما يتعلق منه بنذر أو ما أشبهه.

واما المندوب ، فهو ما ندب المكلف الى فعله منه بعد حجة الإسلام.

وضروبه ثلاثة ، تمتع بالعمرة إلى الحج ، وقران ، وإفراد وفرائض هذه الضروب على قسمين ، أركان وغير أركان ، والأركان على ضربين ، أركان التمتع والأخر أركان القرآن والإفراد.

فاما أركان التمتع ، فهي النية للتمتع بالعمرة إلى الحج ، والإحرام ، والطواف لها ، والسعي بين الصفا والمروة لها ، والنية للحج ، والإحرام له ، والوقوف بعرفات والوقوف بالمشعر الحرام ، وطواف الحج والسعي له.

واما أركان القران والإفراد فهي النية للحج ، والإحرام والوقوف بعرفات والوقوف بالمشعر الحرام وطواف الحج ، والسعي له.

واما ما ليس بركن ، فهو التلبيات الأربع مع التمكن منها ، أو ما قام مقامها مع العجز عنها وركعتا طواف العمرة ، والتقصير بعد السعي ، والتلبية عند الإحرام بالحج ، أو ما قام مقامها ، والهدى أو ما قام مقامه من الصوم مع العجز عنه وركعتا طواف الزيارة ، وطواف النساء وركعتا طواف النساء.

« باب صفة التمتع بالعمرة إلى الحج ».

التمتع بالعمرة إلى الحج فرض كل نأى عن مكة ولم يكن من أهلها وحاضريها ، وينبغي لمن أراد ذلك ان يوفر شعر رأسه ولحيته من أول ذي القعدة الحرام ، ولا يمس شيئا منه ، فاذا وصل الى ميقات أهله أحرم منه بالحج متمتعا ، وعقد نية لذلك في حال الإحرام وعقد إحرامه بالتلبية ، ومضى بعد ذلك الى مكة ، فإذا شاهد بيوتها قطع التلبية ، ثم دخلها ، فاذا وصل الى المسجد الحرام ، دخله من باب نبي شيبة ، فطاف بالكعبة سبعة أشواط للعمرة المتمتع بها. وصلى ركعتين عند فراغه من الطواف خلف مقام إبراهيم (عليه السلام) ، ثم خرج الى الصفا فيسعى بينه وبين المروة

ص: 208

سبعا ، ثم قصر من شعر رأسه ، وقد أحل من كل شي ء أحرم منه الا الصيد ، فإنه في الحرم.

والأفضل له ان يبقى على إحرامه إلى يوم التروية ، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة ، فإذا حضر هذا اليوم ، وزالت الشمس صلى الظهر ، وأحرم بعد ذلك بالحج ، ومضى إلى منى ملبيا ، ثم غدا منها الى عرفات ، فاذا كان وقت الزوال من يوم عرفة قطع التلبية ، وجمع بين صلاتي الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ، ووقف الى غروب الشمس ، فاذا غربت أفاض منها الى المشعر الحرام ، فاذا وصل اليه ، جمع فيه بين العشائين بأذان وإقامتين ، ووقف به تلك الليلة ، فإذا أصبح يوم النحر صلى الغداة ووقف على المشعر الحرام الى طلوع الشمس ، فاذا طلعت أفاض عنه إلى منى فاذا وصلها ، رمى جمرة العقبة بسبع حصاة ، ثم ينحر أو يذبح ، ويلحق بمنى ثم يمضي إلى مكة من يومه ، أو من الغد ولا يؤخر ذلك فيطوف بالبيت سبعة أشواط وهو طواف الحج ، ويسعى بين الصفا والمروة سبعا وهو سعى الحج ، فاذا تمم ذلك فقد أحل من كل شي ء أحرم منه الا النساء والصيد ، واما الصيد فإنه لا يجوز له - فإنه في الحرم - حتى يخرج منه ، واما النساء فلطوافهن الذي بقي عليه ، فاذا طافه حللن له.

ثم يخرج من يومه إلى منى ، فيقيم بها ليالي التشريق ، ويرمى في كل يوم من أيام التشريق ، الجمار الثلاث بإحدى وعشرين حصاة لكل واحدة سبع حصيات ثم ينفر بعد ذلك ، فإذا أوصل ما ذكرناه فقد قضى حجة متمتعا ، وقضى مناسكه كذلك.

« باب صفة القران في الحج »

فاما القران فهو فرض من كان من أهل مكة وحاضريها وصفة ذلك ان يحرم من يريده من ميقات اهله ، ويعقد نيته لذلك في حال الإحرام ، ويسوق هديه بعد ان يشعره أو يقلده وذلك ان يشق سنامه ويلطخه بالدم ويقلده بنعل ، والأفضل ان يكون قد صلى فيه فان كان معه بدن كثيرة ، صفها صفين ووقف بينها ، وأشعرها عن يمينه

ص: 209

ويساره ، ثم يسوقه من موضع الإحرام إلى منى ، ولا يحمل عليه ، ولا يجحف به بالكد في طريقه ، ويمضى ملبيا ، فاذا وصل الى مكة وأراد دخولها جاز له ذلك الا انه لا تقطع التلبية بها (1) ، ولا يقطعها الى زوال الشمس من يوم عرفة وهو التاسع من ذي الحجة ، وان أراد ان يطوف بالبيت تطوعا جاز له ذلك الا انه كلما طاف جدد التلبية ليعقد بها إحرامه لأنه لو ترك ذلك لدخل في كونه محلا وبطلت حجته ، وصارت عمرة ، ثم يقف بالموقفين ، وينحر هديه بمنى ، فان صد أو أحصر فسيأتي ذكر ذلك « ان شاء اللّه ».

ويرمى الجمار كما يرميها المتمتع سواء ، ويدخل إلى مكة ، ويطوف بالبيت طواف الحج سبعة أشواط ، ويسعى سعيه بين الصفا والمروة سبعة أشواط أيضا. ثم يطوف طواف النساء ، فاذا فعل ذلك فقد تم حجه قارنا ، وقضى مناسكه كذلك ، وعليه بعد هذا العمرة ، وسيأتي ذكرها فيما بعد بمشيئة اللّه تعالى.

والمتمتع لا يجب قضائها لان تمتعه بها الى الحج سقط عنه فرضها. والقارن انما سمى قارنا ، لسياقه الهدى (2).

« باب صفة الإفراد »

ومن أراد الحج مفردا فليس عليه هدى ، وعليه ان يفعل مثل ما ذكرناه في صفة القرآن. لان مناسك القرآن والمفرد على حد سواء ، وانما يفصل (3) القارن من المفرد بسياق الهدى ، ويستحب للمفرد تجديد التلبية عند كل طواف.

* * *

ص: 210


1- واما في حج التمتع فيقطعها بالوصول إلى مكة
2- قال الشيخ « رحمه اللّه » في المسبوط « ج 1 ، ص 311 » : والقارن هو الذي يقرن بإحرامه بالحج مفردا سياق الهدى.
3- وفي نسخة « ينفصل »

« باب ضروب العمرة وصفتها »

العمرة واجبة كالحج ، والمطلق منها كالمطلق منه ، وما ليس بمطلق منها مثل ما ليس بمطلق منه.

وهي على ضربين ، عمرة متمتع بها الى الحج ، والأخر عمرة مفردة منه ، وفرائض ذلك على ضربين ، أركان وغير أركان ، فالاركان هي النية ، والإحرام ، والطواف ، والسعي ، واما ما ليس بركن ، فهي التلبية ، وركعتا الطواف ، والتقصير ، وطواف النساء ، وركعتا هذا الطواف.

والعمرة المتمتع بها لا تصح إلا في أشهر الحج ، والتي لا يتمتع بها يجوز فعلها في شهور الحج وغيرها.

وسيأتي فيما بعد ذكر شهور الحج بعون اللّه سبحانه.

وأفضل العمرة ما كان في رجب ، وقد ورد في شهر رمضان (1) ويستحب للإنسان أن يعتمر في كل شهر ، أو في كل عشر (2) أيام ان تمكن من ذلك.

وصفتها ان يحرم المعتمر من خارج الحرم ، ويعقد إحرامه بالتلبية فإذا دخل الحرم قطعها ، فان كان قد خرج من مكة ليعتمر ، قطعهما إذا شاهد الكعبة ، ثم يطوف بالبيت سبعا ، ويسعى بين الصفا والمروة سبعا ، إذا فعل ذلك فقد أحل من كل شي ء أحرم منه وعليه لحلية النساء طوافهن ، فاذا طافه حللن له.

« باب الإحرام وأحكامه »

أحكام الإحرام تتبين بذكر أشياء ، منها ما يجوز الإحرام فيه وما لا يجوز ، ومنها ذكر الزمان الذي يصح الإحرام فيه ، ومنها ما ينعقد الإحرام به ، ومنها كيفيته ، ومنها ما ينبغي للمحرم اجتنابه ، ومنها ذكر ما يلزم المحرم على جناياته من الكفارة.

ص: 211


1- الوسائل ج 10 ، الباب 4 من أبواب العمرة ، الحديث 2 ، ص 242
2- لعل الصحيح « عشرة »

« باب ما يجوز الإحرام فيه على كل حال وما لا يجوز »

الذي يجوز فيه الإحرام على كل حال هو الثياب البياض من القطن والكتان المحض إذا لم يكن مختلطا ولا (1) مما لا يجوز الإحرام فيه ، وسيأتي بيان ذلك فيما بعد ذلك ان شاء اللّه ، وكل ما جازت فيه الصلاة على ما سنذكره ، والقطن والبياض أفضل ثياب الإحرام.

واما ما لا يجوز الإحرام فيه ، فهو ما نقص عن ثوبين إلا في حال الضرورة ، فإنه يجوز له في هذه الحال الإحرام في واحد ، والثياب المخيطة الا السراويل فإنه يجوز لبسه للرجال والنساء إذا لم يقدر على غيره ، والثوب المصبوغ بالزعفران أو نسي (2) فيه ذلك : وكل ثوب فيه طيب لم تذهب رائحته ، والعمامة للرجال وما قام مقامها في ستر الرأس ، والطيلسان (3) إذا كان له أزرار ، وزره المحرم على نفسه ، والقبا الا ان لا يكون له غيره فيلبسه مقلوبا ولا يدخل يديه في أكمامه ، والخفان الا ان تدعوه الضرورة إلى لباسها ، والقفازان (4) ، والحلي الذي لم تجر عادة المرأة بلبسه أو جرت بذلك مع القصد به الزينة ، والخاتم إذا لبسه للزينة أيضا ، فإن كان ذلك للسنة كان جائزا.

وقد ذكر جواز لبس المخيط من الثياب للنساء دون الرجال. والأصل ان الذي يحرم لباسه على الرجال في الإحرام يحرم لباسه على النساء الا السراويل كما قدمنا القول به.

وجميع ما لا يجوز فيه الصلاة ، لا يجوز فيه الإحرام.

ص: 212


1- كذا في النسخ ولعلها تصحيف والصحيح : إذا لم يكن مختلطا بما لا يجوز الإحرام فيه
2- كذا في النسخ ولعلها تصحيف والصحيح « بشي ء » بدل « نسي »
3- الطيلسان بالفتح وتثليث اللام : كساء مدور اخضر لا أسفل له ، لحمته - وقيل سداه - من صوف ، يلبسه الخواص من العلماء والمشايخ ، وهو من لباس العجم
4- القفاز بضم القاف وتشديد الفاء : لباس الكف وهو شي ء يعمل لليدين يحشى بقطن ويكون له أزرار تزر على الساعدين.

ويكره في ذلك كل ثوب كان معلما ، (1) أو أسود مقدما ، (2) أو كان من مصبغات النساء (3) لهن ، والطيلسان الذي له أزرار إذا لم يزره على نفسه ، وكل ثوب اصابه طيب وذهبت رائحته الا ان يغسل ، والحلي للمرأة التي لم تجر عادتها بلبسه إذا لم تقصد به الزينة ، وما تكره الصلاة فيه أيضا ،

وكل ما ذكرنا الان انه مكروه فإنه يجوز لباسه غير ان الأفضل ما ذكرناه.

« باب الزمان الذي يصح الإحرام فيه »

الزمان الذي يصح الإحرام فيه للتمتع بالعمرة إلى الحج ، والقران فيه ، والإفراد له ، هو شهور الحج ، وهي شوال وذو القعدة ، والتسعة الأيام الأول من ذي الحجة.

فأما أحكام ذلك فمفروضة وهي إعادة الحج إذا أحرم في غير هذه الأشهر ، وتجديد الإحرام في هذه الأشهر إذا كان قد أحرم في غيرها ، وان لا يحرم إذا كان متمتعا بالعمرة إلى الحج ، أو قارنا ، أو مفردا إلا في هذه الأشهر.

« باب المكان الذي يصح الإحرام منه ، وأحكامه »

الأمكنة التي يجب الإحرام فيها هي التي وقتها النبي صلى اللّه عليه وآله ، وهي :

ذو الحليفة وهو مسجد الشجرة ، وذلك ميقات أهل المدينة ، ومن حج على طريقهم.

والجحفة وهي المهيعة ، وذلك ميقات أهل الشام ومن حج على طريقهم.

والعقيق واوله المسلخ وأوسطه الغمرة وآخره ذات عرق ، وذلك ميقات أهل العراق ومن حج على طريقهم.

ويلملم وذلك ميقات أهل اليمن ومن حج على طريقهم.

ص: 213


1- قيل ، المراد بالمعلمة - بالبناء للمجهول - المشتملة على لون يخالف لونها حال عملها كالثوب المحوك من لونين أو بعده بالطرز والصبغ.
2- اى مشبعا
3- كذا في النسخ ولعل الصحيح « مصبغات الثياب » كما في الخبر.

وقرن المنازل وذلك ميقات أهل الطائف ومن حج على طريقهم.

فاما أحكام ذلك ، فهي أن يحرم من الميقات الذي هو ميقات اهله ، ولا يجوز ان يحرم من غيره الا ما نذكره فيما بعد ، ويجب عليه الرجوع الى الميقات ليحرم منه إذا كان قد ترك ذلك ناسيا ولم يذكر حتى سار من الميقات وان وصل الى مكة

ويجب عليه الإحرام من المكان الذي وصل إليه إذا لم يتمكن من الرجوع الى الميقات ليحرم منه اما للخوف ، أو لضيق الوقت.

وكذلك تجب عليه اعادة الحج إذا ترك الإحرام من الميقات متعمدا ، أو الخروج الى خارج الحرم ليحرم منه إذا كان وصل الى مكة وامكنه الخروج الى ذلك ، لأنه ان لم يتمكن من ذلك ، أحرم من موضعه.

والإحرام من المنزل إذا كان منزله دون ميقات إلى مكة ، وكذلك خروج المجاور بمكة - إذا أراد الحج - الى ميقات اهله ليحرم منه مع التمكن من ذلك.

وكذلك إحرامه من خارج الحرم إذا لم يتمكن من ذلك ، أو من المسجد الحرام إذا لم يتمكن من الخروج الى خارج الحرم.

والإحرام من ولى المريض عنه إذا لم يستطع هو الإحرام وان (1) يجنبه ما يجتنبه المحرم.

ولا يترك الإحرام من الميقات ، ولا يجوز ذات عرق الا وهو محرم ، والأفضل ان يحرم من المسلخ ، فان لم يتم ذلك له فليحرم من غمرة.

« باب ما يقارن حال الإحرام من الأحكام »

الأحكام التي تقارن هذه الحال على ضربين ، واجب ومندوب.

فالواجب هو النية ، واستمرار حكمها الى حين الإحلال ، ولبس ثوبين مع التمكن ، أو واحد مع الضرورة ، وعقد الإحرام بالتلبية ، أو ما قام مقامها من الإيماء

ص: 214


1- في بعض النسخ زيادة « لم » ، والصحيح ما أثبتناه كما نقله كشف اللثام على ما في الجواهر ( ج 18 ، ص 128 )

ممن لا يستطيع الكلام ، أو الاشعار والتقليد من القارن والمفرد ، وتجريد الصبيان من فخ (1) إذا أراد أهلوهم (2) الحج بهم.

وان لا يعقد الإحرام بأقل من اربع مرات من التلبية.

ولا يلبس سلاحا في هذه الحال إلا الضرورة.

ولا تصلى المرأة صلاة الإحرام إذا عرض لها الحيض في وقته حتى تطهر ، بل تفعل ما تفعله الحائض ، وتمضى.

ويستحب له توفير شعر الرأس واللحية من أول ذي القعدة ، وتنظيف الجسد من الشعر بالحلق ، والإطلاء ، وأخذ شي ء من الشارب والأظفار دون الرأس ، والغسل ، وصلاة ست ركعات أو ركعتين بعد فريضة ، وأفضل ذلك فريضة الظهر.

والذكر للفظ التمتع ان كان المحرم متمتعا والقران والإفراد ان كان قارنا أو مفردا ، والاشتراط على اللّه سبحانه ان يحله حيث حبسه لأنه ان لم يشترط ذلك وعرض له مرض لم يجز له الإحلال.

وان لا يمس شعر رأسه بعد توفيره من أول ذي القعدة الى هذه الحال.

ولا يمس أيضا شيئا من لحيته الا ما ذكرناه من الأخذ بشي ء من الشارب.

« باب ما ينعقد به الإحرام »

ينعقد بالتلبية أو ما قام مقامها من الإيماء ممن لا يستطيع الكلام والتقليد ، والاشعار.

وهي على ضربين ، واجب ومندوب ، واما الواجب فهو : لبيك ، اللّهم لبيك ، لبيك ، ان الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك ، لبيك.

واما المندوب فهو : لبيك ذا المعارج ، لبيك لبيك داعيا الى دار السلام لبيك لبيك غفار الذنوب ، لبيك لبيك مرغوبا ومرهوبا إليك ، لبيك لبيك تبدى والمعاد

ص: 215


1- وهو بئر معروف على فرسخ من مكة.
2- اهلون جمع أهل : حذفت نونها لأجل الإضافة

إليك ، لبيك لبيك تستغني ويفتقر إليك ، لبيك لبيك أهل التلبية ، لبيك لبيك ذا الجلال والإكرام ، لبيك لبيك له الحق ، لبيك لبيك ذا النعماء والفضل الحسن الجميل ، لبيك لبيك كاشف الكرب العظيم ، لبيك لبيك عبدك وابن عبديك ، لبيك لبيك يا كريم ، لبيك لبيك أتقرب إليك بمحمد وآله ، لبيك لبيك بحجة وعمرة معا ، لبيك لبيك تمامهما وبلاغهما عليك.

فان كان قارنا أو مفردا قال عوض قوله « بحجة وعمرة معا » : لبيك لبيك بحجة ، لبيك لبيك الى آخر التلبية.

فإن كان نائبا من غيره قال : لبيك عن فلان بن فلان ، لبيك لبيك بكذا وكذا لبيك ، ثم يذكر ما هو فيه من تمتع بالعمرة إلى الحج ، أو القران ، أو الإفراد ، ثم يأتي بباقي التلبية.

فاما التقليد والاشعار فقد سلف ذكرهما.

واما أحكام التلبية فهو على ضربين واجب ومندوب ، فالواجب التلفظ بالتلبيات الأربع المفروضة حين عقد الإحرام ، وتحريك اللسان أو الإشارة ممن لا يقدر على الكلام.

وان يقيد المحرم بحجة مفردة إذا كان قد لبى بالتمتع بالعمرة إلى الحج ، ودخل مكة وطاف وسعى ، ثم لبى بالحج متعمدا قبل ان يقصر لان متعته تبطل هذه التلبية ، وان يمضي في حجه متمتعا إذا وقع منه مثل هذه التلبية ناسيا ، لأنه لا شي ء عليه في ذلك.

وان لبى أولياء الصبيان أو من لا يحسن التلبية عنهم إذا أرادوا الحج بهم ، وان يلبى المحرم إذا كان حاجا على طريق المدينة من الموضع الذي فيه يصلى فيه (1) للإحرام ، أو إذا اتى البيداء ، وهذا هو الأفضل.

وان لا يجعل ما هو فيه عمرة إذا كان لبى بحجة مفردة ودخل مكة وطاف ثم

ص: 216


1- الظاهر زيادة « فيه » في أحد الموضعين.

لبى بعد الطواف ، فإنه إنما يجوز له ان يجعل ذلك عمرة إذا قصر بعد السعي ، فإذا لم يكن ذلك ولبى بعد الطواف فلا يصح له ان يجعل ما هو فيه عمرة ، وان لا يترك شيئا من التلبيات الأربع الواجبة ، إذا كان قد أحرم بالحج يوم التروية.

ولا يقطع التلبية حتى يشاهد بيوت مكة ، وحد هذه البيوت من « عقبة المدنيين » إلى « ذي طوى » إذا كان قد لبى متمتعا ، ولا يقطعها إذا كان معتمرا حتى تقع الإبل أخفافها في الحرم ولا يقطعها أيضا إذا كان قد خرج من مكة ليعتمر حتى يشاهد الكعبة.

واما المندوب فهو التلفظ بالمندوب من التلبية والإكثار من قول : لبيك ذا المعارج ، ومن قول : لبيك بحجة وعمرة ان كان متمتعا ورفع الصوت بذلك ان تمكن منه ولم يكن عليه تقية ، فان لم يتمكن نواه في نفسه ، والجهر بالتلبية من الرجال دون النساء ، والإكثار من التلبية في كل حال من الأوقات ، وبالأسحار ، وعند هبوط الأودية ، وصعود التلال (1) ولا يلبى المحرم الا وهو على طهارة.

« باب كيفية الإحرام ».

وهي ان يأخذ من يريده ، ثوبي إحرامه بعد الفراغ من الاغتسال ، فليأتزر كما قدمناه بأحدهما ، ويتشح (2) بالآخر ، فان لحقه برد جاز ، ان يزيده على الذي اتشح به ما يقي نفسه به من البرد.

والأفضل له ان يلبس ثوبي الإحرام بعد صلاة فريضة ، فان لم يتمكن صلى ست ركعات ، أو ركعتين ان لم يتمكن من الست ويقرء في الأولى بعد الحمد « قل هو اللّه أحد » وفي الثانية بعد الحمد أيضا « قل يا ايها الكافرون » وقد تقدم ذكر ذلك في كتاب الصلاة.

فاذا فرغ من صلاته ، حمد اللّه تعالى ، واثنى عليه ، وصلى على النبي صلى اللّه عليه وآله ، وذكر الأئمة عليهم السلام ، وقرء سورة إنا أنزلناه ، ودعا بعدها فقال : « اللّهم انى أسألك أن تجعلني

ص: 217


1- التلال جميع التل من الأرض : قطعة ارفع قليلا مما حولها.
2- اتشح بثربه : ان يدخله تحت إبطه الأيمن ويلقيه على منكبه الأيسر.

ممن استجاب لك ، وآمن بوعدك ، واتبع أمرك ، اللّهم انى عبدك ، وفي قبضتك ، لا أوقى الا ما وقيت ولا أخذ إلا ما أعطيت ، وقد عزمت على التمتع بالعمرة إلى الحج ، - ان كان متمتعا ، فان لم يكن متمتعا ذكر ما عزم عليه ان كان قارنا قال : وقد عزمت على الحج قارنا وان كان مفردا ذكر ذلك - ثم يقول : فاسئلك ان تعينني عليه وعلى ما ضعفت عنه ، وتسلم مني مناسكي في يسر منك وعافية ، واجعلني من وفدك الذين رضيتهم ، وارتضيتهم ، وسميتهم وكفيتهم ، اللّهم فتمم لي ما قصدت له - فان كان متمتعا قال عقيب ذلك : اللّهم انى أسألك ، أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك صلى اللّه عليه وآله ، فان عرض لي عارض يحبسني ، فحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت ، اللّهم ان لم يكن حجة فعمرة ، أحرم لك جسدي وشعري وبشرى من النساء والطيب والثياب ، ابتغى بذلك وجهك والدار الآخرة ، فأعني وتقبل منى.

وان كان قارنا قال بدل قوله « التمتع بالعمرة إلى الحج » : قارنا فسلم لي هديي واعنى على مناسكي ، أحرم لك جسدي ، وشعري وبشرى الى آخر الكلام ».

فان فرغ من ذلك وكان متمتعا ، عقد إحرامه بالتلبيات الواجبة ، وهو جالس في مكانه فيقول عقيب الكلام الذي تقدم ذكره : « لبيك لبيك ، اللّهم لبيك ، ان الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك لبيك » ولا يعلن بها ، ثم يستوي على مركوبه ، ويعلن بالمفروض ، والمندوب من التلبية ، وقد تقدم ذكر ذلك.

فان كان قارنا عقد الإحرام بالتلبية كما ذكرناه ، والاشعار والتقليد ، وقد بيناهما أيضا فيما سلف.

وان كان المحرم امرأة وقد حاضت أو نفست وقت الإحرام ، فعلت ما تفعله الحائض ، وتترك الصلاة والقرآن ، وأحرمت وقضت مناسكها الا الطواف بالبيت ودخول المسجد حتى تطهر ، وتقضى ذلك.

وينبغي للمحرم إذا حصل في ميقات اهله ، ان يتنظف ويقص أظفاره ، ويأخذ

ص: 218

من شاربه ، ولا يمس شعر رأسه ، ويزيل الشعر من جسده ، وان تنظف واطلأ قبل ذلك بيوم إلى خمسة عشر لم يكن به بأس ، والأفضل إعادة ذلك عند الإحرام. وان عدم الماء تيمم ، ولبس ثوبي إحرامه ، يأتزر بأحدهما ، ويتشح بالآخر كما قدمناه ، أو يرتدي به.

ومن اغتسل بالغداة أجزأه ذلك ليومه اى وقت أحرم فيه ، وان اغتسل أول الليل أجزأه ذلك الى آخر الليل ما لم ينم ، فان نام اعاده استحبابا الا ان يكون عقد الإحرام بعد الغسل.

ومن اغتسل وأكل بعد ذلك طعاما - لا يجوز للمحرم أكله - أو لبس ثوبا - لا يجوز للمحرم لبسه - اعاده استحبابا.

ويجوز للمحرم ان يصلى صلاة الإحرام أي وقت كان من ليل أو نهار ما لم يكن وقت فريضة قد تضيق ، فان كان قد تضيق بدء بالفرض الحاضر ، ثم يصلى صلاة الإحرام بعد ذلك ، فان كان أول الوقت بدء بصلاة الإحرام ، ثم صلاة الفرض. ويستحب له ان يشترط ، ان يحله حيث حبسه كما ذكرناه.

ويجوز لمن أحرم ان يأكل لحم الصيد وينال النساء ويشم الطيب ما لم يعقد الإحرام بالتلبية أو بسياق الهدى وإشعاره أو تقليده ، فان عقد بشي ء من ذلك ، عليه سائر ما ذكرنا.

والاشعار : هو ان يشق سنام البعير من الجانب الأيمن - فإن كان له بدن كثيرة جاز ان يدخل بين بدنتين ، فيشعر إحديهما من الجانب الأيمن ، والأخرى من الأيسر - وهي باركة ، وينحرها وهي قائمة والتقليد يكون بنعل قد صلى فيه.

ومن أحرم ولم ينو حجا ولا عمرة ، وكان إحرامه في أشهر الحج ، كان مخيرا بين الحج والعمرة ، أي واحد منهما أراد كان له فعله ، وان كان إحرامه في غير أشهر الحج ، لم ينعقد إحرامه إلا بالعمرة.

* * *

ص: 219

« باب ما ينبغي للمحرم اجتنابه »

ما ينبغي للمحرم اجتنابه لباس الثياب المخيطة ، والملامسة بشهوة ، والتقبيل بشهوة أيضا.

والجماع ، والاستمتاع ، والتزويج ، وعقد ذلك لنفسه ولغيره ، - فان فعل ذلك كان العقد باطلا - ولا يشهد عقدا ، والمقام على عقد امرأة عقد عليها ، بل يفرق بينهما (1) - ولا تحل له ابدا إذا كان عالما وقت العقد لتحريم ذلك عليه ، فان لم يكن عالما بذلك جاز له الرجوع إليها بعد إحلاله من إحرامه.

والصيد ، والذبح بشي ء منه ، والدلالة عليه ، والإشارة اليه ، وأكل لحم الصيد وان كان من صيد غيره وكسر بيضة ، وذبح فراخ شي ء من الطيور ، والتظليل على نفسه ، أو محمله وتغطية رأسه الا ان يكون امرأة فإنها تغطي رأسها ، وتكشف وجهها.

وقطع شي ء من الحشيش ، والشجر النابت في الحرم - إلا (2) الفاكهة والإذخر - الا ان يكون هو الذي غرس ذلك في ملكه أو نبت - في داره بعد ان بناها ، فإنه ان كان كذلك جاز له قطعه.

وحد الحرم الذي لا يجوز قطع الشجر منه هو بريد في بريد (3) ، والادهان بما فيه طيب ، وكل ما فيه ذلك أيضا ، واستعمال المسك والكافور والعنبر والعود والزعفران ، والقرب من شي ء من هذه الأجناس على ثيابه ، وان كان أصابها ازاله في الحال.

ص: 220


1- يعنى لا يجوز له تحمل الشهادة ، ولا إقامتها عند الحاكم ، فإن أقامها لم تثبت بها الزوجية المدعاة بين الرجل والمرأة ، لأنه خرج بإقامتها عن العدالة ، بل يفرق بينهما لاحظ المبسوط ج 1 ص 317
2- في نسخة « ولا » بدل « الا » والصحيح ما في المتن ،
3- البريد : هو اثنا عشر ميلا والميل ثلث الفرسخ

ولباس ما يستر ظاهر القدم مثل الجورب وما أشبهه مع الاختيار ، فاما عند الضرورة فجائز.

والتختم للزينة ، والرفث وهو الجماع ، والفسوق وهو الكذب على اللّه أو على رسوله صلى اللّه عليه وآله أو على أحد الأئمة عليهم السلام ، والجدال وهو قول « لا واللّه وبلى واللّه » وقص شي ء من شعره وأظفاره ، وازالة القمل عن نفسه ، ويجوز نقل ذلك من موضع إلى أخر ، واما إزالته عن نفسه جملة فلا يجوز.

وقتل البراغيث ، والبق ، وما أشبه ذلك إذا كان في الحرم ، فان كان في غيره جاز له ذلك.

وسد انفه من الرائحة الكريهة ، وادماء جسده أو فمه بحك أو سواك ، ودلك رأسه أو وجهه في وضوء أو غسل لئلا يسقط شي ء من شعره.

ولبس السلاح إلا لضرورة ، وقتل جراد أو زنابير مع تمكنه من ان لا يفعل ذلك ، وإخراج حمام الحرم منه ، والإمساك له أيضا ، فإن أخرجه رده اليه ، وإمساك شي ء من الطير أيضا إذا دخل الحرم وهو معه ، بل يخليه يمضى حيث شاء الا ان يكون مقصوص الجناح فليتركه حتى ينبت ريشه ويخليه.

ولا يشم شيئا من الطيب المخالف للخمسة الأجناس المتقدم ذكرها ، ولا يستعمل الحناء للزينة ، والكحل بما فيه طيب.

والنظر في المرأة ، ولا يخرج القماري وما أشبهها من الحرم ، ويجوز إخراج الفهود منه على كل حال ، ولا يستعمل الأدهان الطيبة قبل الإحرام الا ان يكون مما لا تبقى رائحته ، والصلاة بالبيداء وذات الصلاصل ووادي ضجنان ، ووادي الشقرة ، وتأديب الغلام ، فإن أدبه فلا يزيد على عشرة أسواط ، وتلبية من دعاه ، فان كان أراد اجابته فليقل : يا سعد.

واجتناب المحرم لجميع ما ذكرناه على ضربين ، أحدهما واجب والأخر مندوب ، فاما الواجب فهو الاجتناب عن جميع ما ذكرناه من أول الفصل الى قولنا : « الا ان يكون مقصوص الجناح فليتركه حتى ينبت ريشه ويخليه ».

ص: 221

واما المندوب فهو الاجتناب عن كل ما يتلو ذلك من قولنا : « ولا يشم شيئا من الطيب المخالف للخمسة الأجناس » الى آخره ، فليتأمل ذلك ان شاء اللّه.

« باب ما يلزم المحرم على جناياته من الكفارة »

الذي يلزم المحرم على جناياته من الكفارة على ضربين. أحدهما تجب فيه الكفارة بحيوان والأخر بغير حيوان.

فالذي يجب فيه بحيوان ستة أضرب ، « أولها » تجب فيه بدنة ، و « ثانيها » بقرة ، و « ثالثها » شاة ، و « رابعها » كبش ، و « خامسها » حمل ، و « سادسها » جدي.

فاما ما يجب فيه بغير حيوان فهو أربعة أضرب ، أولها يجب فيه مقدار الطعام ، وثانيها القيمة ، وثالثها مقدار من التمر ، ورابعها صدقة غير معينة؟

فاما ما يجب فيه بدنة ، فهو ان يصيب المحرم نعامة أو يصيب شيئا من بيضها ويكون قد تحرك فيه فرخ ، فان لم يكن تحرك فيها فرخ ، أرسل فحولة الإبل في إناثها بعدد البيضة ، فما ينتج كان هديا لبيت اللّه تعالى ، أو يجامع في الفرج متعمدا أو فيما دونه قبل الوقوف بالمزدلفة وعليه زائدا على البدنة ، إعادة الحج من قابل.

وعلى المرأة مثل ذلك إذا كانت محرمة وطاوعته ، فان كان أكرهها على ذلك كان عليه كفارتان ، ولم يكن عليها شي ء ، أو يجامع في الفرج متعمدا بعد الوقوف بالمشعر الحرام ، أو يجامع مملوكة له محرمة باذنه وهو محل ، لأنه ان كان إحرامها بغير اذنه لم يكن عليه شي ء ، أو يجامع قبل طواف الزيارة وهو قادر على البدنة.

وكذلك يلزمه إذا جامع قبل التقصير وهو موسر ، أو جامع بعد المناسك قبل طواف النساء ، أو يجامع وهو محرم بعمرة مبتولة (1) قبل الفراغ من مناسكها وعليه مع ذلك ، المقام بمكة إلى الشهر الداخل ليعيد العمرة. أو يعبث بذكره فيمني وحكمه فيما زاد على البدنة حكم المجامع قبل الوقوف بالمزدلفة أو بعده في اعادة

ص: 222


1- في نسخة « متمتعة » بدل « مبتولة » وما في المتن متفق عليها ، واما ما في النسخة وفيها خلاف.

الحج من قابل ، أو سقوط ذلك عنه.

أو ينظر الى غير أهله فيمني ويكون قادرا على البدنة. أو ينظر إلى أهله بشهوة أو يلاعبهم بشهوة فيمني أيضا ، أو يعقد المحرم على امرأة ويدخل بها المعقود عليها (1) أو يجادل ثلاث مرات كاذبا ، أو ينسى طواف الزيارة ولا يذكره حتى يرجع الى اهله وعليه مع البدنة ، الرجوع ان تمكن ليقضيه بنفسه.

أو يفيض من عرفات إلى المزدلفة قبل غروب الشمس متعمدا وهو جاهل بذلك أو يجامع وهو في طواف ولم يتمه وعليه مع البدنة إعادته ، أو يجامع وهو في طواف النساء ولم يجز نصفه وعليه مع البدنة إعادته أيضا ، فإن كان جاز نصفه بنى على ما تقدم ولم يعده ، أو ينذر الحج ماشيا ويعجز عن المشي فيركب وعليه مع البدنة ان يكون قائماً مواضع العبور (2) ، أو يجامع وقد سعى بعض السعي وعليه مع البدنة إتمامه ، فإن كان قد ظن انه تممه وجامع بعد ذلك ، تمم السعي ولم يلزمه غير ذلك.

واما ما يجب فيه بقرة فهو ان يصيب حمار وحش أو بقرة وحش أو يجادل مرتين كاذبا أو يقلع (3) شيئا من شجر الحرم الذي لم يغرسه هو في ملكه ، ولا نبت في داره بعد بنائه لها ، أو لا يكون قادرا على البدنة - التي تجب عليه في الجماع قبل طواف الزيارة - ، أو (4) يكون قادرا على البدنة أيضا التي تجب عليه - متى نظر الى غير أهله فأمنى - ان (5) لا يكون موسرا.

فأما الذي يجب فيه شاة ، فهو ان يصيب طائرا من حمام الحرم ، أو يخرج شيئا من هذا الحمام منه ، أو ينفر ذلك فيرجع ، فان لم يرجع كان عليه لكل طائر

ص: 223


1- لعلها عطف بيان لضمير « بها » ويحتمل التصحيف والصحيح « المعقود له »
2- المراد بها السفينة ونحوها مما يضطر إليها في طي الطريق
3- في نسخة « يقطع » بدل « يقلع »
4- الظاهر سقوط كلمة « لا » هنا
5- كذا في النسخ ولعل كلمة « إذ » انسب

شاة ، أو يصيب ظبيا أو ما جرى مجراه وهو محرم في الحل ، أو يأكل جرادا كثيرا أو يصيبه وهو يتمكن من ان لا يصيب ، أو يذبح طائرا من الصيد في الحرم وهو محل ، أو يصيب حجلة (1) ، أو حمامة ، أو شيئا من بيضها ويكون قد تحرك فيه الفرخ فان لم يكن تحرك فيها ذلك ، أرسل فحولة الغنم في إناثها بعدد البيض فما ينتج كان هديا لبيت اللّه تعالى ، أو يغلق على حمام الحرم بابا وداخله فراخ ، وبيض فيهلكن ، فيكون عليه عن كل طائر ، شاة.

واما الفراخ ، والبيض فسنذكرهما فيما بعد بمشيئة اللّه سبحانه.

أو يأكل بيضة نعامة اشتراها له غيره فإن أكل أكثر من ذلك والمشترى له غيره كان عليه لكل بيضة شاة ، فاما المشتري فسيأتي ذكر ما يلزمه في ذلك. أو لا يقدر على البقرة التي تجب عليه عند عجزه عن البدنة التي تلزمه على الجماع و (2) قبل طواف الزيارة ، أو لا يقدر على البقرة التي أيضا تجب عليه عند عجزه عن البدنة التي تجب عليه إذا نظر الى غير أهله فأمنى ، أو يجادل ثلاث مرات صادقا ، أو جادل مرة واحدة كاذبا ، أو قبل زوجته من غير شهوة.

فاما تقبيل الولد والوالدة فلا شي ء عليه.

أو قلم أظفار يديه ورجليه في مجلس واحد ، أو قلم أظفار يديه في مجلس واحد ، أو قلم أظفار رجليه في مجلس واحد ، فان قلم شيئا من الأظفار ناسيا ، لم يلزمه على ذلك شي ء ، أو أفتاه غيره بتقليم ظفره فأدمى إصبعه فالشاة على المفتي ، أو يحلق رأسه لأذى ، أو يظلل على نفسه ، أو يستعمل دهنا فيه طيب ، أو يلبس مالا يحل له لبسه ، أو يأكل ما لا يحل له أكله ، أو ينطف (3) إبطيه جميعا ، أو يقلع ضرسا له ، أو يخرج من المشعر قبل طلوع الفجر ، أو يلبس قميصا ، أو يلبس ثيابا جماعة في مجلس واحد

ص: 224


1- الحجل : طائر في حجم الحمام ، احمر المنقار والرجلين.
2- كذا في النسخ والظاهر زيادة « الواو »
3- كذا في بعض النسخ ولعلها تصحيف والصحيح « ينتف » بالتاء ، ويحتمل ان تكون « ينظف » بالظاء المعجمة

فان لبسها متفرقة كان عليه لكل واحد شاة ، أو يحلق متعمدا قبل يوم النحر أو ينسى التقصير حتى يهل (1) بحج ، أو يقبل زوجته قبل التقصير ، أو يترك الحلق أو التقصير بمنى حتى يزور البيت ، أو يحل عليه المحرم ولم يكن صوم (2) الثلاثة الأيام المتعلقة بدم المتعة ولا عوضها في النفر ويومين بعده ، ولا في بقية ذي الحجة ، أو يبيت ليلة من ليالي التشريق بغير مني ، أو يضرب بطائر الأرض في الحرم فيقتله ، فعليه مع الشاة قيمتان (3) والتعزير لاستصغاره الحرم ، أو يوقد جماعة نارا فيقع فيها طائر فإن كان قصدهم ذلك ، كان على كل واحد منهم الفداء ، وان لم يكن قصدهم ذلك ، كان على جميعهم فداء واحد.

واما ما يجب فيه كبش فهو ان يصيب أسدا لم يرده ، لأنه ان اراده ودفعه عن نفسه فأصابه لم يكن عليه شي ء.

فاما ما يجب فيه حمل : فهو ان يغلق على حمام الحرم بابا ومعها فرخ فيهلك الفرخ فان كان معها من الفراخ أكثر من واحد فهلكن ، كان عليه لكل فرخ حمل ، فاما ما ليس بفرخ فقد تقدم ذكر ما تجب فيه ، أو يصيب قطاة وما أشبهها.

وينبغي ان يكون الحمل - في كل ما ذكرناه - قد فطم ، ورعى من الشجر.

فاما ما يجب فيه مقدار من طعام : فهو ان يصيب عصفورا أو قنبرة ، أو ما جرى مجرى ذلك فعليه الصدقة بمد من طعام أو ينطف (4) إبطه فعليه إطعام ثلاثة مساكين ،

ص: 225


1- الا هلال كناية عن الإحرام
2- كذا في بعض النسخ ولعلها تصحيف والصحيح « صام » ويحتمل ان تكون تامة
3- والأصل فيه خبر معاوية بن عمار « سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول في محرم اصطاد طيرا في الحرم ، فضرب به الأرض فقتله ، قال : عليه ثلاث قيمات ، قيمة لإحرامه وقيمة للحرم ، وقيمة لاستصغاره إياه » الوسائل ، ج 9 ، الباب 45 من أبواب كفارات الصيد الحديث 1. والظاهر ان المصنف «رحمه الله» حمل القيمة الأولى على الدم ، خصوصا بعد ملاحظة التعليل في الخبر بأن إحدى القيم للإحرام ، راجع الجواهر ، ج 20 ، ص 270
4- كذا في النسخ وقد مر احتمال التصحيف فيها ، فيكون الصحيح « ينتف »

أو يمس رأسه أو لحيته لغير طهارة فيسقط شي ء من شعرهما بذلك ، فعليه كفان من طعام فان كان مسهما لطهارة لم يكن عليه شي ء ، وقد ذكر انه ان سقط ذلك في حال وضوء ، كان عليه كف من طعام ، وان كان كثيرا فدم شاة. أو يصيب زنبورا متعمدا فعليه كف من طعام ، أو يرمي عن نفسه قملة أو يقتلها فعليه كف من طعام ، أو يقلم ظفرا من أظفاره أو أكثر منه ، فعليه مد من طعام الا ان يكون ناسيا فلا يكون عليه شي ء.

واما ما يجب فيه القيمة : فهو ان يصيب بيض حمام وهو محرم في الحل فعليه لكل بيضة درهم. أو يصيب ذلك وهو محل في الحرم فعليه لكل بيضة ربع درهم ، ولا فرق بين ان يكون أهليا أو من حمام الحرم ، الا ان حمام الحرم يشترى لها بذلك علف ، وقيمة بيض الأهلي يتصدق بها على المساكين ، أو يخرج طائر من الحرم فليرده ، فمتى لم يفعل ومات فيه كان عليه القيمة ، أو يشترى محل المحرم (1) بيض نعام فيأكله المحرم ، وقد تقدم ذكر ما عليه (2) في ذلك فيما وجب فيه شاة.

أو يقتل اثنان صيدا أحدهما محرم والأخر محل في الحرم ، فعلى المحل القيمة ، واما المحرم فيتضاعف عليه الجزاء والقيمة ، وسيأتي ذكر ذلك ان شاء اللّه تعالى : أو يفقى عين (3) غزال فعليه قيمته وفي الواحدة منها نصف القيمة ، أو يكسر يديه جميعا فعليه القيمة وفي الواحدة منها نصف القيمة ، وهكذا الحكم في كسر رجليه ، أو يكسر قرنيه جميعا فعليه نصف القيمة ، وفي الواحد منهما ربع القيمة ، وليس في قتله أكثر من قيمة واحدة.

أو يغلق بابا وهو محرم على حمام الحرم حتى هلكت ومعها بيض ، فعليه لكل بيض درهم ، فاما ما عدا البيض فقد سلف ذكره.

ص: 226


1- كذا في النسخ والظاهر انها تصحيف والصحيح « يشترى محلا لمحرم » ليكون « محلا » حالا للفاعل فيفيد ان القيمة على المحل.
2- اى على المحرم
3- اى عينيه

وان كان أغلق عليها بابا قبل ان يحرم ، كان عليه لكل طائر درهم ، ولكل فرخ ، نصف درهم ولكل بيضة ربع درهم.

ولو قتل المحل فرخا في الحرم على غير هذا الوجه لوجب عليه نصف درهم.

فاما ما يجب فيه مقدار من تمر فهو ان يصيب جرادة أو يأكلها فعليه تمرة يتصدق بها.

فاما ما يجب فيه صدقة غير معينة فهو ان ينتف ريشة من حمام الحرم فعليه صدقة يتصدق بها باليد التي نتف الريشة بها ، أو يصيب صيدا وهو محل فيما بين البريد (1) الى الحرم بان يكسر قرنه أو يفقى عينه ، فاما ان اصابه على بريد فسنذكر فيما بعد ان شاء اللّه تعالى.

« باب ما يتعلق بذلك البدنة »

إذا وجبت على إنسان ولم يقدر عليها ، قوم الجزاء وفض ثمنه على البر واطعم ستين مسكينا ، كل مسكين نصف صاع ، فان نقص عن ذلك فقد أجزأه وان زاد عليه لم يجب عليه أكثر من ذلك ، فان لم يقدر على إطعام ستين مسكينا ، صام عن كل نصف صاع يوما ، فان لم يقدر على ذلك ، صام ثمانية عشر يوما.

ومن وجبت عليه بقرة ولم يقدر عليها ، قومها وفض ثمنها على الطعام واطعم ثلاثين مسكينا ، كل مسكين نصف صاع ، فان زاد على ذلك لم يكن عليه أكثر من ذلك ، وان نقص فقد أجزأه ، فان لم يقدر على ذلك صام تسعة أيام ، وإذا وجبت عليه شاة ولم يقدر عليها ، قومها وفض ثمنها على الطعام وأطعم عشرة مساكين كل مسكين ، نصف صاع ، فان زاد على ذلك لم يلزمه غيره وان نقص لم يجب عليه أكثر منه ، فان لم يقدر صام ثلاثة أيام.

وحكم الحمل والجدي يجري هذا المجرى.

وكل من تكرر منها الصيد ناسيا تكررت عليه الكفارة ، فإن تعمد ذلك مرة

ص: 227


1- البريد : هو بمعنى الرسول ثم استعمل في المسافة التي يقطعها المسافر وهي اثنا عشر ميلا

لزمته الكفارة مرة واحدة ، فإن تعمد مرتين لم يلزمه كفارة بل ينتقم اللّه منه كما قال اللّه تعالى (1).

وكل محرم أصاب صيدا في الحرم ، وجب عليه الجمع بين الجزاء والقيمة ، الا من ضرب بطائر الأرض فقتله فعليه مع الجزاء قيمتان والتعزير وقد تقدم ذكر ذلك ، فاما ان أصاب وهو محل في الحرم أو هو محرم في الحل فقد بيناه فيما تقدم ذكره ، والمحل إذا قتل صيدا في الحرم كان عليه الفداء وكذلك يجب عليه إذا ذبحه

ومن دل على صيد ، فعليه الفداء ، والجماعة المحرمون إذا قتلوا صيدا وجب على كل واحد منهم الفداء ، والمحرم يلزمه فداء الصيد كما قدمناه فإن أكله كان عليه فداء آخر وان لم يصده هو.

وإذا رمى صيدا بشي ء ومضى الصيد لوجهه ولم يؤثر فيه شيئا لم يكن عليه شي ء ، فإن أثر فيه فأدماه بان كسر يده أو رجله ثم رآه بعد ذلك وقد صلح ، كان عليه ربع ، فان لم يعلم اصابه أم لم يصبه ، فعليه الفداء. وإذا كان محلا أو محرما وأصاب صيدا ماضيا الى الحرم برمي أو غيره ثم دخل الصيد الحرم ومات ، كان عليه الفداء وكان لحم الصيد حراما ، وإذا أصاب صيدا وهو محل فيما بينه وبين الحرم على بريد ، فعليه الفداء ، وكذلك يجب عليه إذا كان في الحرم ورمى صيدا في الحل.

وإذا أحرم الغلام بإذن سيده وأصاب صيدا كان على السيد ، الفداء ، وكذلك يجب عليه إذا أمره بالصيد وهو محرم وان كان الغلام محلا ، ومن يلي أمر صبي فعليه الكفارة فيما يجنيه الصبي إذا كان قد حج به ، صيدا كان ما جناه أو غير صيد ومن رمى طائرا وهو على شجرة أصلها في الحرم وفرعها في الحل ، فعليه الفداء ، ولا فرق بين ان يكون الطير على فرع من فروعها التي في الحل أو في الحرم.

وكل ما يخافه الإنسان مثل السباع والحيات والعقارب وما يجرى مجرى ذلك ، فإنه يجوز للمحرم قتله وان كان في الحرم إلا الأسد إذا لم يرده وقد سلف

ص: 228


1- المائدة - الاية 95

ذكره ، ويجوز أيضا قتل القراد (1) ورميه عن نفسه وإزالته عن بعيره ، وكل ما أخذ من السباع مثل الفهود وما يجرى مجراها بابتياع أو غيره ودخل به في الحرم ، فإنه يجوز للمحرم إخراجه منه ولا فرق بين ان يكون الذي دخل الى الحرم ، محرما أو محلا

ومن ربط صيدا خارج الحرم فدخل الحرم ، كان ثمنه ولحمه حراما ولم يجز إخراجه إلا ما قدمنا ذكره من الفهود وما أشبهها وما قدمنا ذكره في باب الكفارات.

« نبذة من لزوم اعادة الحج من قابل ».

من تعمد ووطأ في الفرج أو استمنى قبل الوقوف بمشعر الحرام فذلك لازم له سواء كان الحج الذي فعل ذلك فيه واجبا أو تطوعا ، وقد قيل ان الحجة ، الاولى ، والثانية عقوبة على ما جناه ، وينبغي لمن فعل ذلك إذا عاد الى الحج والمرأة معه ان يفترقا إذا وصلا الى الموضع الذي كان وطأها فيه ، وقد ذكر ان حد الافتراق هو ان لا يخلو بأنفسهما بل يكون معهما غيرهما من الناس.

وكل من تجسس أو استمع على من يجامع من غير ان ينظر إلى الذي يفعل فأمنى فليس عليه شي ء.

وإذا كان أصل شجرة في الحل وفرعها في الحرم ، أو يكون أصلها في الحرم وفرعها في الحل فلا يجوز قلعها الا ما يكون الإنسان أنبته ، وغيره مما ذكرناه فيما مضى ، وقد ذكرنا أيضا فيما تقدم انه لا يجوز قلع الحشيش في الحرم ، وان كان له إبل جاز له تركها لترعى فيه ولم يجز له - هو - قلعه.

وكل ما يجوز للمحل ذبحه أو نحره في الحرم مثل الإبل والبقر والغنم والدجاج الحبشي وغير الحبشي فإنه يجوز أيضا للمحرم. وكل صيد يكون في البحر والبر معا

ص: 229


1- القراد بالضم : دويبة تتعلق بالبعير ونحوه وهي كالقمل للإنسان ، والجمع قردان.

وهو يبيض ويفرخ في البحر والبر - فلا بأس للمحرم ان يأكل طريه ومملوحه (1) وان كان يبيض ويفرخ في البر لم يجزأ كله ولا صيده.

وإذا ذبح المحرم صيدا في الحل أو الحرم ، كان ميتة لم يجز أكله لأحد ، وكذلك الحكم إذا ذبحه المحل في الحرم. والضعيف (2) عن الفداء والقيمة انما يكون فيما لا يبلغ بدنة ، ويلحق بذلك من شرب لبن ظبية في الحرم ، فعليه دم وقيمة اللبن معا.

وكل ما لا يجب فيه دم مثل العصفور وما جرى مجراه إذا أصابه المحرم في الحرم كان عليه قيمتان ، وفي صغار النعام مثل ما في كبارها ، وقد ذكر أن الصغير منها يجب فيه الصغير من الإبل في ستة ، وكذلك القول في البقر والغنم ، والكبار أفضل ، وفي جميع ما تقدم ذكره من الصيد ، يجب الكفارة متعمدا كان ما يصيبه أو ناسيا أو عالما أو جاهلا.

وإذا اضطر المحرم إلى أكل الميتة وكان قادرا على فداء الصيد ، فليأكل الصيد ويفديه ولا يأكل الميتة ، فان لم يكن قادرا على ذلك جاز له أكل الميتة ، وكل من كان محرما بحج ووجب عليه جزاء صيد اصابه ، وأراد ذبحه أو نحره فليذبحه أو ينحره بمنى ، وان كان معتمرا ، فعل ذلك بمكة أي موضع شاء منها ، والأفضل ان يكون فعله لذلك بالحزورة مقابل الكعبة ، والذي يجب على المحرم بعمرة مفردة - من كفارة ليست من كفارة الصيد - فله يجوز نحرها وذبحها بمنى.

« باب الطواف وما يتعلق به من الأحكام »

الطواف على ضربين : واجب ومندوب فالواجب ، ثلاثة أطواف وهي :

ص: 230


1- الطري : اللين ، من الطراوة ، والمملوح ضده ، وهو ما يطرح عليه الملح لئلا يفسد.
2- كذا في النسخ والظاهر انها تصحيف ، والصحيح « التضعيف » اى تضاعف فداء الصيد على المحرم في الحرم

طواف العمرة وطواف الزيارة وطواف النساء واما المندوب : فهو ما ندب المكلف الى فعله منه ، وقد ذكر في ذلك ثلاث مأة وستون أسبوعا (1) ، أو ثلاث مأة وستون شوطا فان لم يتمكن من ذلك فما تيسر منها.

وأحكام الطواف على ضربين : واجب ومندوب ، فالواجب « إيقاعه على طهارة » و « الابتداء به من الحجر الأسود والختم به » ، « ويكمله سبعة أشواط » و « صلاة ركعتي الطواف عند مقام إبراهيم عليه السلام » و « طواف أسبوعين » (2) إذا نذر الناذر الطواف على اربع.

والطواف على المريض إذا كان غير قادر عليه - وكذلك من جرى مجراه ممن يحج به - فان كان المرض عرض له بعد ان طاف أربعة أشواط ، انتظر به يوم أو يومان فإن صح تمم طوافه لنفسه (3) وان لم يصح ، أمر من يطوف عنه وصلى هو ركعتي الطواف ، وان كان طوافه أقل من أربعة وبرأ من مرضه أعاد الطواف من أوله ، فان لم يصح ولم يبرئ من مرضه أمر من يطوف عنه أسبوعا ، والطواف أيضا إذا كان قادرا على إمساك الطهارة ، فان لم يقدر على ذلك انتظر به صلاحه فاذا صح طاف بنفسه وان لم يصلح ، طيف عنه وصلى هو ركعتي الطواف.

و « إعادته » إذا زاد فيه متعمدا أو جامع متعمدا قبل إتمامه وهو طواف الزيارة ، وكذلك ان كان طواف النساء وجامع قبل نصفه ، فان كان ذلك بعد جواز نصفه جاز له البناء بعد ان يتطهر ، وقد ذكرنا ما يلزم على الجماع في الطواف من الكفارة فيما تقدم.

و « إعادته » إذا حدث ما ينقض الوضوء قبل نصفه ، وان كان بعد النصف جاز له البناء على ما تقدم منه ، أو قطعه - لغرض - قبل نصفه أو طاف وعلى ثوبه نجاسة وهو عالم بها ، فان لم يكن عالما بها قبل الابتداء به وعلم ، أزالها وتمم ما بقي ، أو قطعه

ص: 231


1- والمراد من الأسبوع : سبقه أشواط.
2- أسبوع ليديه وأسبوع لرجليه.
3- كذا في النسخ والظاهر انها تصحيف والصحيح « بنفسه »

لغرض من دخول البيت أو غيره ، فان كان ذلك بعد نصفه ، بنى على ما تقدم منه.

وان يقطعه إذا حضر وقت صلاة واجبة وليصل ثم يبنى بعد الفراغ من الصلاة على ما مضى ، وان يقطعه إذا كانت امرأة وحاضت بعد جواز نصفه ، وتقضى الباقي بعد السعي والتقصير ، وان تجعل ما هي فيه حجة مفردة إذا حاضت في أقل من نصفه وكذلك يجب عليها إذا حاضت قبله وكان طواف العمرة وعليها بعد الحج قضاء (1) العمرة.

وان يقضى المولى (2) ما فرط فيه وليه ، ويلحق بذلك اعادة الحج من قابل إذا ترك طواف الزيارة متعمدا ، وان كان طواف النساء لم يفسد الحج بتركه. ولا يطوف وهو غير مختتن الا ان تكون امرأة فإنه يجوز لها ذلك ، ولا يطوف الا ما بين المقام والبيت فان خرج عن المقام لم يصح ، ولا يطوف وعلى رأسه برطلة (3) ولا يقرن بين طوافين في فريضة ويجوز له ذلك في التطوع ، ولا يطوف إذا كان متمتعا وأهل بالحج حتى يحضر منى والموقفين الا ان يكون شيخا كبيرا أو امرأة تخاف الحيض فيجوز لها (4) تقديمه على ذلك.

والقارن والمفرد يجوز لهما تقديم الطواف قبل عرفات ، ولا يطوف طواف النساء متمتعا كان أو قارنا أو مفردا الا بعد الرجوع من منى والموقفين ، إلا لضرورة تمنع من ذلك أو يكون شيخا كبيرا أو امرأة تخاف الحيض فيجوز لها التقديم قبل الموقفين.

ولا يقرب النساء إذا ترك طوافهن حتى يقضيه ، ولا يقدم طواف النساء على السعي.

ص: 232


1- أي الإتيان بها
2- اى المولى عليه فيكون المراد قضائه بعد البلوغ ، وفي نسخة « الولي » بدل « المولى » أي يأتي الولي ما فرط فيه المولى عليه ، ولعل هذا أظهر.
3- البرطلة وربما يشدد اللام : القلنسوة
4- كذا في النسخ ، ولعل أصلها « لهما » ، وكذا ما يأتي بعد أسطر

فاما المندوب : فهو الاغتسال إذا أراد الطواف ، والمشي حافيا بسكينة ووقار والدخول لأجله الى المسجد من باب بني شيبة ، والصلاة على النبي صلى اللّه عليه وآله ، ويطيب الفم بالاذخر (1) أو غيره ، واستلام الحجر الأسود في كل شوط والإيماء إليه إذا لم يتمكن من تقبيله والدعاء عند استلامه ، والدعاء أيضا في الطواف ، وذكر اللّه تعالى وقراءة القرآن ، والتزام المستجار ووضع البطن والخد عليه ، والدعاء عند المستجار أيضا.

واستلام الأركان كلها ، والانصراف على وتر ، إذا كان في طواف نافلة وزاد على طواف بان ابتدئ طوافا ثانيا (2) ولا يتكلم في الطواف بغير ذكر اللّه تعالى وقراءة القرآن والدعاء ، ولا يعول على غيره في ضبط عدد الطواف ، فان فعل ذلك وشكا جميعا وجب الإعادة له من اوله.

« باب كيفية الطواف ».

قد ذكرنا فيما سلف ان المريد للطواف ينبغي ان يكون على الطهارة ، وينبغي ان يبتدأ بالحجر الأسود ويختم به ، وكلما فعل ذلك مرة فقد طاف شوطا ولا يزال كذلك حتى يتم سبعة أشواط ، ويجب ان يكون طوافه بين المقام والبيت ولا يطوف من داخل الحجر (3) بل يطوف من خارجه ، ولا يشتغل عن الدعاء فيه بالنظر الى الناس فإذا ابتدأ به من الحجر الأسود وصار مقابل باب الكعبة دعا فقال : « سائلك ببابك ، مسكينك ببابك ، فقيرك ببابك فتصدق عليه بالجنة ، اللّهم صل على محمد وآل محمد وأدخلني الجنة برحمتك وعافني من السقم وأوسع على من الرزق الحلال وادرء عنى شر فسقة العرب والعجم وشر فسقة الجن والانس » وان كان نائبا من غيره ذكره

ص: 233


1- الإذخر بكسر الهمزة والخاء : نبات معروفة عريض الأوراق ، طيب الرائحة
2- فيتم على ثلاثة أطواف أو خمسة وهكذا
3- اى حجر إسماعيل

ودعا له ومضى حتى يقابل المقام فاذا جاز باب الكعبة وصار محاذيا للمقام قال « السلام عليك يا رسول اللّه وعلى أهل بيتك الطاهرين من الأنام ، السلام على إبراهيم الداعي الى البيت الحرام ومسمع من في الأصلاب والأرحام ، السلام على أنبياء اللّه وملائكته الكرام ».

ثم يقول في طوافه بين كل موضعين - يقف بينهما (1) للدعاء - « اللّهم انى أسألك باسمك الذي يمشى به على طلل الماء (2) كما يمشى به على وجه (3) الأرض وباسمك المخزون المكنون عندك ، وباسمك الأعظم الذي إذا دعيت به ، أجبت وان سئلت به ، أعطيت ان تصلى على محمد وآل محمد وان تفعل بي كذا وكذا ويذكر حوائجه للدنيا والآخرة ».

ويكثر من قراءة سورة « إنا أنزلناه في ليلة القدر » في طوافه حتى يقابل الركن الشامي ، فاذا قابله وصار محاذيا لطرف الحجر قال : السلام عليك غير مقلو (4) ولا مهجور ، اللّهم صل على محمد وآل محمد وافتح لي أبواب رحمتك.

ثم يتقدم حتى يصير محاذيا للميزاب ، فاذا صار محاذيا لذلك من خارج الحجر في ظهره نظر اليه وصلى على النبي صلى اللّه عليه وآله وقال : اللّهم أعتقني من النار وأوسع على من رزقك الحلال الطيب ، وادرء عنى شر فسقة العرب والعجم والجن والانس ، وأدخلني الجنة برحمتك يا ارحم الراحمين.

ويدور حوالي الحجر حتى يسير عند طوافه الأخر محاذيا للركن الغربي ،

ص: 234


1- يحتمل ان تكون الكلمة « فيهما » بدل « بينهما » وهو الأصح
2- طلل الماء : ظهره وسطحه ، وفي النسخ « ظلل » بالمعجمة ولعلها تصحيف لعدم تناسب معناها في الدعاء مضافا الى موافقة المتن للكافي والفقيه والتهذيب نعم في الوسائل « ظلل » بالمعجمة ولعلها أيضا تصحيف
3- في نسخة « جدد الأرض » بدل « وجه الأرض » والجدد : الأرض الصلبة التي يسهل المشي عليها
4- في نسخة « غير مغلوب » بدل « غير مقلو »

فاذا صار محاذيا في ذلك قال : « اللّهم رب إبراهيم وإسماعيل اللذين امرتهما برفع أركان بيتك ، وان يطهراه للطائفين والعاكفين والركع السجود فيما سألاك (1) ان تتقبل منهما ، فتقبل ذلك مني انك أنت السميع العليم » ، ثم يقول بعد ان يجاوز الركن الغربي قبل وصوله الى الركن اليماني « اللّهم اغفر لى وارحمني واهدني وعافني واعف عنى وارزقني ووفقني ».

ثم يتقدم حتى يصل الى المستجار وهو دون الركن اليماني قليلا فاذا صار كذلك فليقل. ( اللّهم هذا مقام من أساء واغترف واستكان واعترف وأقر بالذنوب التي اجترم ، هذا مكان المستغيث المستجير من النار ، مكان من لا يدفع عن نفسه سوء ولا يجر إليها نفعا ، هذا مقام من لاذ ببيتك الحرام ، راغبا وراهبا ، بك أستعيذ من عذاب يوم لا ينفع فيه شفاعة الشافعين الا من أذنت له يا رب العالمين ، اللّهم صل على محمد وآل محمد الطاهرين وسلمني من هول ذلك اليوم برحمتك يا ارحم الراحمين.

ثم يتقدم الى الركن اليماني ، فإذا صار عنده التزمه ووضع خده عليه ، فان لم يتمكن ، مسحه بيده ثم يمسح بها وجهه وقال : يا سيدي الى من يطلب العبد الا الى مولاه ، ولمن يرجو الا سيده ، فاسئلك ان تصلى على محمد نبيك وعلى آله الطاهرين وان تتقبل مناسكي وتنجح حوائجي ، أشهد ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ، واشهد ان محمدا عبده ورسوله ، أمنت بما جاء به واتبعت النور الذي أنزل معه.

ثم يجوز حتى يصير بينه وبين الركن الذي فيه الحجر الأسود ويقول : اللّهم انى حللت بفنائك ، واجعل قراي (2) مغفرتك ، وارض عنى خلقك اللّهم ( آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّارِ ) ثم ينفد (3) الى الحجر الأسود ، فإذا وصل اليه فقد

ص: 235


1- في نسخة : يسئلانك
2- قرى الضيف قرأ وقراء : اضافه ضيافة
3- معناها : يتمم اى الشوط ، وفي نسخة « يتقدم » بدل « ينفد »

تمم شوطا فيستلمه ، فان لم يتمكن أشار إليه بيده فقبلها وقال : « اللّهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم يا رب العالمين ، وأهلك أعدائهم أجمعين ، اللّهم تب على توبة نصوحا واعصمني فيما بقي من عمرى ، وارزقني من رزقك الحلال وأدخلني الجنة برحمتك ، وأعذني من عذاب النار ».

ويتم سبعة أشواط على هذا الترتيب ، ويقف في الشوط السابع عند المستجار ويلصق خده وبطنه عليه ويدعو فيقول : « اللّهم رب البيت العتيق واللطف الرفيق صل على محمد وآل محمد المنتجبين ، وألطف لي في الدين والدنيا بلطف من عندك يا رب العالمين ، اللّهم هذا مقام العائذ بكرمك ، اللائذ ببيتك وحرمك ، رب ان البيت بيتك والعبد عبدك ، فاجعل قراي مغفرتك وهب لي ما بيني و (1) بينك ، وارض عنى خلقك ».

ويتعلق هنا بأستار الكعبة ويقول : « اللّهم بك أستجير فأجرني وبك أستغيث فأغثنى يا رسول اللّه يا أمير المؤمنين يا فاطمة بنت رسول اللّه يا حسن بن على يا حسين بن على - ويذكر الأئمة عليهم السلام واحدا واحدا الى المهدى عليه السلام ، فان لم يتمكن من ذكرهم للتقية أسر ذلك في نفسه - وقال : باللّه ربي أستغيث وبكم اليه تشفعت ، أنتم محمدتى (2) وإياكم اقدكم بين يدي حوائجي ، فكونوا شفعائي الى اللّه تعالى في إجابة دعائي ، وتبليغى في الدين والدنيا مناي ، اللّهم ارحم بهم عبرتي (3) واغفر بشفاعتهم خطيئتي ، واقبل مني مناسكي واغفر لى ولوالدي ، واحفظني في نفسي وأهلي وولدي ، وجميع إخواني ، اشركهم في صالح دعائي انك على كل شي ء قدير ».

ثم يمضي إلى الركن اليماني فإذا صار عنده استلمه والتزمه وسأل حوائجه ،

ص: 236


1- في النسخ زيادة « بين » هنا والظاهر انها زائدة.
2- في نسخ : « عمدتى »
3- العبرة : الدمعة قبل ان تفيض

ثم يكثر من التضرع الى اللّه تعالى في ذلك ويقول : « اللّهم صل على محمد وآل محمد وقنعني بما رزقتني ، وبارك لي فيما آتيتني وارحمني إذا توفيتني ».

ثم يمضي إلى الحجر الأسود فإذا صار في الشوط السابع عنده فقد تم طوافه ، وينبغي ان يفعل في تقبيله كما تقدم القول به ، ثم يقول « اللّهم أعنى على تمام مناسكي ، ووفقني لما يرضيك عنى وتقبل منى صالح عملي ، واغفر لى انه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، وصل على محمد وآله الطاهرين ».

فان كان نائبا عن غيره ذكره في طوافه ، فقال : « اللّهم هذا الطواف عن فلان بن فلان ، فتقبله منى وأجرني على أدائي له وعنه » ، ثم يصلى ركعتي الطواف عند مقام إبراهيم عليه السلام ، ثم يقف متوجها اليه من ورائه حتى تكون الكعبة امامه ، ويكون متوجها اليه ويفتح (1) صلاة ركعتين ويقرء فيهما بما قدمنا ذكره في كتاب الصلاة (2) فإذا سلم منهما رفع يديه وقال : الهى قد مد (3) إليك الخاطى ء المذنب يديه لحسن ظنه بك ، الهى قد جلس المسي ء بين يديك مقرا لك بسوء عمله وراجيا منك الصفح عن زلله ، الهى قد رفع الظالم كفيه إليك راجيا فيما لديك (4) فلا تخيبه برحمتك من فضلك ، الهى قد جثا العائد إلى المعاصي بين يديك خوفا من يوم يجثو فيه الخلائق بين يديك ، الهى قد جائك العبد الخاطى ء فزعا مشفقا ، ورفع إليك طرفه حذرا راجيا ، وفاضت عبرته مستغفرا نادما الهى فصل على محمد وآل محمد واغفر لى برحمتك يا خير الغافرين ويقرأ سورة « إنا أنزلناه ».

وان كان نائبا عن غيره ، قال : « اللّهم ان طوافي هذا وصلاتي هذه من فلان بن فلان ، فاقبل منه وأثبه وإياي في نيابتي عنه في ذلك » ، فاذا فعل ذلك فقد تم

ص: 237


1- في النسخ « يفتتح »
2- ص 128
3- في النسخ « قد جثا » بدل « قد مد » والظاهر ان الصحيح ما في المتن ، لان الجثور عبارة عن الجلوس على الركبتين وأطراف الأصابع وهذا المعنى لا يناسب هنا.
4- في النسخ « يديك » والظاهر انها تصحيف والصحيح ما في المتن

طوافه للتمتع وعليه بعد ذلك الخروج الى الصفا والسعي.

« باب السهو والشك في الطواف »

السهو والشك في الطواف على ضربين : أحدهما يوجب إعادته ، والأخر لا يوجب إعادته.

والذي يوجب إعادته أن يسهو في طواف فريضة ويذكر انه طاف أقل من أربعة أشواط ، أو يشك فيه فلا يعلم هل طاف أم لم يطف ، أو يشك في حال الطواف ولا يدرى كم طاف جملة ، أو يشك بين ستة وسبعة وثمانية فلا يدرى كم طاف من ذلك وهو في حال الطواف أيضا ، أو يشك بين ستة وسبعة ولا يدرى كم طاف منهما وهو في حال الطواف.

أو يسهو فيطوف على غير طهارة ثم يذكر ذلك ، أو يسهو فيطوف من خارج المقام حيث هو الان ، أو يزيد فيه متعمدا ، أو يسهو عنه وهو في طواف الزيارة ولا يذكره حتى عاد إلى أهله فيرجع ويقضيه مع التمكن من ذلك ، فان لم يتمكن من الرجوع أمر من يطوف عنه ، أو يتعمد تقديم طواف النساء على السعي فليعده ، أو يستعين بغيره في حصر عدد الأشواط فشكا جميعا في ذلك.

واما الذي لا يوجب إعادته فهو : ان يسهو عن الشوط السابع ثم يذكر بعد الانصراف فعليه ان يعيد شوطا بدله فان لم يكن ذكر ذلك حتى اتى بلده أمر من يطوف عنه ، أو يسهو فيطوف ثمانية أشواط فليضف الى ذلك ستة أشواط أخر ، ويصلى اربع ركعات ، ركعتين فيما بعد الطواف ثم يسعى ويصلى الركعتين الأخيرتين بعد السعي.

أو يسهو ويذكر في الشوط الثامن انه طاف سبعا ، فان ذكر ذلك قبل بلوغه الحجر الأسود قطعه ، وان كان ذكر ذلك بعد ان جاوزه تمم أربعة عشر أشواطا ، أو شك فلا يعلم هل طاف سبعة أو ثمانية فليقطعه ويصلى ركعتين ، أو يسهو فيقطعه ويصلى ركعتين أو يسهو فيقطعه ويمضى إلى السعي ثم يذكر ذلك فان ذكره قبل ان يسعى ستا يتمم الطواف ، وان كان قد سعى ستا (1) قطع السعي وعاد الى الطواف

ص: 238


1- في النسخ بزيادة كلمة « الواو » هنا ، والظاهر انها سهو

فتممه ورجع فتمم السعي.

وإتمامه الطواف انما يصح إذا كان قطعه له أزيد من النصف ، فاما ان كان في أقل من النصف أعاد كما قدمناه ، أو يسهو فيقدم طواف النساء على السعي فلا شي ء عليه الا ان يتعمد ذلك فقد تقدم ذكره ، أو يشك بين ستة وسبعة بعد الانصراف من الطواف فلا شي ء عليه ، أو يشك فيما دون السبعة في طواف النافلة ، فليبن فيه على الأقل إذا كان شكه في حال الطواف ، فان ذكر بعد انصرافه لم يكن عليه شي ء.

« باب السعي وأحكامه ».

أحكام السعي على ضربين واجب ، ومندوب فاما الواجب فهو : السعي بين الصفا والمروة سبع مرات ، والابتداء به من الصفا والختم بالمروة ، وقطعه إذا تضيق وقت فريضة حاضرة ، - وذكر (1) انه يقطعه إذا دخل وقتها ويصلى ثم يعود فيتممه - وإتمامه بعد الفراغ من الصلاة التي قطعه لأجلها.

وان يعيد الحج من قابل إذا تركه متعمدا ، ولا يسعى إذا كان متمتعا وأهل بالحج حتى يحضر منى والموقفين ، الا ان يكون شيخا كبيرا أو امرأة تخاف الحيض فيجوز لها (2) تقديمه ، ولا يتمه ، إذا كان فيه وحضر وقت فريضة حاضرة بل يقطعه ويصلى كما قدمنا القول به.

واما المندوب : وهو الطهارة للسعي بغسل ، أو وضوء ، واستلام الحجر الأسود إذا أراد السعي ، والحضور عند بئر زمزم للشرب من مائها والغسل منه والصب منه على الجسد إذا لم يتمكن من الغسل ، وينبغي ان يكون ذلك من الدلو المقابل للحجر الأسود ، والخروج اليه من الباب المقابل للحجر أيضا. والإسراع في موضع

ص: 239


1- بصيغة المجهول والقائل هو الشيخ « قده » كما في النهاية وغيرها.
2- كذا في النسخ ولعل أصلها « لهما »

السعي إذا كان الذي يسعى رجلا ماشيا وراكبا ، والدعاء عند الصفا والمروة وفيما بينهما ، والدعاء في حال السعي ، ولا يكون راكبا في حال سعيه مع تمكنه من ذلك ولا يقطعه إذا عرضت له حاجة بل يؤخرها حتى يفرغ منه ان تمكن من تأخيرها ، وإذا قطعه لحاجة ، تممه بعد ذلك.

« باب كيفية السعي ».

ينبغي لمن قصد إلى السعي بعد الفراغ من الطواف ان يأتي زمزم فيشرب من مائها ويصب منه على جسده من الدلو المقابل للحجر الأسود كما قدمناه ، ويخرج إلى السعي من « باب الصفا » وعليه السكينة والوقار حتى يأتي « الصفا » فيصعد عليها ويستقبل الكعبة بوجهه ويكبر اللّه تعالى ويحمده ويهلله سبعا سبعا ، ويقول : بعد ذلك « لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شي ء قدير » ثلاث مرات ويصلى على النبي صلى اللّه عليه وآله والأئمة صلوات اللّه عليهم كذلك ، ويقرء سورة إنا أنزلناه ، ويقول بعد ذلك « اللّهم (1) العفو والعافية واليقين في الدنيا والآخرة ( رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّارِ ) برحمتك ، اللّهم اغفر لي كل ذنب أذنبته وان عدت فعد على بمغفرتك (2) انك أنت الغفور الرحيم ، اللّهم أظلني بظل عرشك يوم لا ظل الا ظلك ، اللّهم استعملني بطاعتك وسنة رسولك صلى اللّه عليه وآله وتوفني على ملته واحشرني في زمرته ، اللّهم انك تكفلت بأرزاقنا ورزق كل دابة فآتنا من فضلك وأوسع علينا من رزقك وبارك لنا في الأهل والمال والولد ، اللّهم ارحم مسيرنا إليك من الفج العميق وارزقنا منك رحمة نستغني بها من رحمة من سواك اللّهم صل على محمد وآل محمد واغفر لى ولوالدي ولجميع المؤمنين ».

ثم ينحدر إلى المروة ويقول في انحداره « يا رب العفو يا من أمر بالعفو واولى

ص: 240


1- لعله سقط هنا « إني أسألك » كما في الوسائل.
2- في النسخ « بالمغفرة »

بالعفو ، العفو » ، ثم يمضى حتى يصل الى المنارة ، فإذا وصل إليها هرول كالبا (1) الى حد الهرولة - الأخرى - وهو زقاق العطارين ، ثم يدعو فيقول. « اللّهم اهدني للتي هي أقوم ، واغفر لى وارحم وتجاوز عما تعلم انك أنت الأعز الأكرم » ويكرر هذا القول حتى يصل الى الزقاق.

فاذا وصل اليه قطع الهرولة ومشى إلى المروة ، وقال : « يا ذا المن والطول والكرم والجود صل على محمد وآل محمد ، واغفر لى ذنوبي انه لا يغفر الذنوب إلا أنت يا كريم » ويكرر ذلك حتى يصل الى المروة ، فإذا وصل إليها كبر اللّه سبحانه وحمده وهلله سبعا وصلى على النبي وآله صلى اللّه عليه وآله وسلم ، وقال : « لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شي ء قدير ، اللّهم انى أسألك حسن الظن بك وصدق النية في التوكل عليك ، اللّهم افعل بي ما أنت أهله فإنك ان تفعل بي ما أنا أهله تعذبني ولم تظلمني ».

ويقر بذنوبه ويقرء سورة إنا أنزلناه ، فإذا فعل ذلك فقد تم من السعي شوطا ثم ينحدر من المروة ماضيا الى الصفا ويقول فيما بين المروة والزقاق مثل ما قاله أولا في هذا الموضع ، ويقول أيضا في حال الهرولة من الزقاق إلى المنارة ومن المنارة في حال المشي إلى الصفا مثل ما قاله أولا من دعاء وغيره ، ولا يزال كذلك حتى يتم سبعة أشواط فإذا تمم ذلك قصر ، والتقصير هيهنا هو ان يأخذ من جوانب شعره ورأسه ولحيته ولا يحلق رأسه ويقلم أظفاره والأفضل له ان يبقى منها ما يأخذه عند تقصيره للحج ، فاذا اتى بذلك فقد أحل من كل ما أحرم منه الا الصيد ، وجاز له لبس ثياب المخيطة ، غير ان الأفضل ان يقيم على إحرامه إلى يوم التروية ، فإذا حضر هذا اليوم جدد الإحرام للحج فيه.

ص: 241


1- لعل مناها : شديدا ، يقال : كلب الدهر على أهله إذا ألح عليهم واشتد ، وفي نسخة « طالبا »

« باب السهو والشك في السعي »

السهو والشك في السعي ضربان : أحدهما يجب منه إعادته ، والأخر لا يجب منه ذلك ، فاما الذي يجب منه إعادته فهو : ان يسهو فيقدم (1) على الطواف ، أو يشك وهو فيه فلا يدرى كم سعى ، أو يسعى ثماني مرات ويكون في الثامنة عند المروة أو يزيد فيه متعمدا ، أو يسهو عنه فلا يذكره حتى صار في بلده ، فعليه الرجوع لقضائه فان لم يتمكن من ذلك أمر من يسعى عنه.

واما الذي لا يجب منه إعادته فهو : ان يسهو فيزيد فيه وقد بدء بالصفا ، فليطرح الزيادة ويتم سبعين (2) ان شاء ذلك ، أو يسعى تسع مرات ويكون في التاسع عند المروة فلا شي ء عليه ، أو يسهو فينقص شوطا أو أكثر ثم يذكره فعليه إتمامه ، أو يسهو عن الرمل (3) ويذكر ذلك في حال السعي ، فليعد الى المكان الذي سهى عنه فيه ثم يأتي بالرمل ان شاء اللّه.

« باب التقصير بعد سعى العمرة المتمتع بها الى الحج ».

إذا فرغ المتمتع من هذا السعي فليقصر ، وذلك ان يأخذ شيئا من شعره وأظفاره ولا يلحق رأسه ، فإذا فعل ذلك فقد أحل من كل شي ء أحرم منه الا الصيد والأفضل له البقاء على إحرامه وترك لبس المخيط من الثياب الى ان يجدد الإحرام بالحج ، فاما ما يلزمه على حلق رأسه هاهنا وما عليه أيضا إذا نسي التقصير حتى أحرم بالحج من الدم ، فقد تقدم ذكره.

* * *

ص: 242


1- تحتمل النسخة أن تكون الكلمة « فيقدمه »
2- تثنية سبع اى أربع عشرة مرة ولكن الاصطلاح الدارج هو الأسبوع
3- الرمل بالتحريك : الهرولة

« باب تجديد الإحرام بالحج في يوم التروية »

أحكام هذا الإحرام وشروطه ، كأحكام وشروط الإحرام المتقدم ، الا فيما نذكره الان وهو : ان هذا الإحرام ينبغي ان يعقده يوم التروية عند الزوال ، فان لم يتمكن من ذلك ففي الوقت الذي يعلم انه يلحق معه الوقوف.

ويذكر المحرم بالحج في إحرامه الحج فقط ، ويقطع التلبية يوم عرفة عند الزوال فإن نسي وأحرم بالعمرة وقد كان التي بأركان الحج ، أجزأه ذلك بالنية ، فإن نسي الإحرام ولم يذكره حتى صار بعرفات أحرم بها ، فان لم يذكر ذلك حتى قضى مناسكه كلها لم يلزمه شي ء.

والمتمتع بالعمرة إلى مكة ليلة عرفة ، جاز له ان يعقد الإحرام بالحج بعد ان يطوف ويسعى ، فان دخلها يوم عرفة جاز له ذلك أيضا الى زوال الشمس - فاذا زالت فقد فاتته العمرة وبطل كونه متمتعا وكانت حجته مفردة - هذا (1) إذا علم انه يلحق عرفات ، فان لم يعلم ذلك وغلب على ظنه انه لا يلحقها ، لم يجز له ان يحل بل عليه ان يقيم على إحرامه الأول ويجعل حجته مفردة ، لأنه لا يصح مع ما ذكرناه غير ذلك.

* * *

« باب كيفية هذا الإحرام »

قد ذكرنا فيما تقدم ان يوم التروية (2) هو الثامن من ذي الحجة ، فإذا حضر هذا اليوم ، فينبغي لمن يريد تجديد الإحرام ان يغتسل ويلبس ثوبي إحرامه ، ويمضى

ص: 243


1- إشارة إلى أصل المسئلة
2- في النسخ بزيادة كلمة « الواو » هنا

الى المسجد الحرام فيصلي فيه ويعقد إحرامه عند المقام ، فاذا قصد المسجد فيقول « اللّهم انى خرجت إليك راضيا ، ولما قلت مسلما وبمن أرسلت مصدقا ، ولما مننت شاكرا ، وبما أنعمت عارفا فصل على محمد وآل محمد ، واجعل توجهي إليك سببا لكل خير ، وجملني بلباس التقوى ، فارزقني الخضوع والخشوع وجنبني الرياء والسمعة برحمتك ».

ثم يدخل المسجد ، وإذا دخله فليكن دخوله بسكينة ووقار ، فإذا أراد ان يطوف بالبيت تطوعا جاز له ذلك ، ثم يصلى عند المقام ركعتين ويجلس الى زوال الشمس فاذا زالت صلى ست ركعات أو ركعتين كما قدمناه.

ويصلى فريضتي الظهر والعصر ان تمكن من ذلك والا صلى الظهر ، فاذا فرغ دعا اللّه تعالى بما أراد وصلى على النبي وآله صلى اللّه عليهم.

ثم عقد النية للإحرام بالحج وصار الى عند المقام وهو أفضل المواضع التي يعقد الإحرام منها ، فاذا وصل إليها دعا فقال « صدق اللّه الذي لا إله الا هو ، وبلغت رسله الكرام ونحن على ذلك من الشاهدين والحمد لله رب العالمين ، اللّهم صل على محمد وآل محمد واجعلني ممن استجاب لك وآمن بوعدك واتبع كتابك وسنة نبيك ، فإنما أنا عبدك وفي قبضتك ، اللّهم انى أريد ما أمرت به من الحج على كتابك وسنة نبيك صلى اللّه عليه وآله ، فقوني عليه ويسره لي وسلم لي مناسكي في يسر منك وعافية ، واجعلني من وفدك وحجاج بيتك الذي رضيت عنهم وارتضيتهم اللّهم ان عرض على عارض يحبسني فحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت على ، أحرم لك جسدي وشعري وبشرى ولحمي ودمي وعصبي وعظامي من النساء والطيب والثياب ».

ثم يأتي بالتلبيات الأربع المفروضة وقد سلف ذكرها ، ثم يقول « لبيك بحجة تمامها عليك ». ولا يرفع صوته بذلك ، فان كان نائبا عن غيره يقول « اللّهم انى أريد

ص: 244

الحج عن فلان على كتابك وسنة نبيك ، فيسره لي وسهلة على » ، ويقول بعد الإحرام « اللّهم ما أصابني من تعب أو نصب ، فاجر فلانا فيه وأجرني في قضائي عنه » ، وإذا لبى قال في أخر التلبية « لبيك عن فلان بن فلان لبيك » ، ثم يخرج متوجها الى منى.

* * *

« باب الخروج إلى منى بعد الإحرام بالحج »

إذا أراد الحاج بعد إحرامه - كما قدمنا القول به - الخروج إلى منى ، فالأفضل له ان لا يخرج من مكة إليها ، حتى يصلى الظهر يوم التروية إلا الإمام خاصة فإن عليه ان يصلى الظهر والعصر بمنى ويقيم بها الى طلوع الشمس من يوم عرفة ثم يمضي الى عرفات.

فاذا توجه الحاج من مكة إلى منى فينبغي له ان يقرء سورة إنا أنزلناه ، فإذا بلغ الرقطاء دون الردم (1) وأشرف على الأبطح ، رفع صوته بالتلبيات الأربع المفروضة واتبعها بالمندوبة ، وقد سلف بيان جميع ذلك ، ويقول : « اللّهم إياك أرجو ولك أدعو ، فبلغني أملي وأصلح لي عملي ». حتى يصل الى منى ، فاذا وصل إليها قال : « الحمد لله الذي أقدمنيها صالحا ، وبلغنيها في عافية سالما ، اللّهم هذه منى وهو (2) مما مننت به علينا ، فاسئلك ان تمن على ما مننت به على أنبيائك وأوليائك وأهل طاعتك ، فإنما أنا عبدك وفي قبضتك فصل على محمد وآل

ص: 245


1- الرقطاء : موضع دون الردم ، يسمى مدعى الأقوام مجتمع قبائلهم و « الردم » اى السد ، ومنه الردم بمكة وهو حاجز يمنع السيل عن البيت المحرم ويعبر عنه الان بالمدعى
2- كذا في النسخ وفي الوسائل « وهذه » وهو الأصح ، ج 10 الباب 6 من أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ، الحديث 2

محمد ، واغفر لي ذنوبي واقض حوائجي » ، ثم ينزل ويصلى العشائين والفجر ، فاذا صلى الفجر غدا الى عرفات.

* * *

« باب الغدو الى عرفات والوقوف بها وما يتعلق بذلك من الأحكام »

فاذا غدا الى عرفات ، قال : « اللّهم إليك صمدت وإياك اعتمدت ووجهك أردت ، وأمرك اتبعت وقولك صدقت ، فاسئلك ان تبارك لي في رحلتي ، وان تقضى لي حاجتي وتنجح لي (1) طلبتي ، وان تباهي بي اليوم من هو أفضل مني اللّهم صل على محمد وآل محمد واعنى على تمام مناسكي ، وزك عملي واجعلها خير غدوة غدوتها ، أقربها من رضوانك وأبعدها من سخطك.

ثم يلبى التلبيات كلها يرفع صوته ويقرء إنا أنزلناه ، ولا يزال ملبيا حتى يصل الى عرفات ، فاذا وصل إليها ضرب خباءه بنمرة وهي بطن عرفة ، ولا يقطع التلبية بها الى زوال الشمس من يوم عرفة ، فاذا زالت قطعها واغتسل ودعا عند غسله فقال : « بسم اللّه وباللّه وعلى سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، اللّهم طهرني من الذنوب والخطايا والعيوب ، حتى تتوفاني وأنت عني راض ».

ويكبر اللّه سبحانه ويهلله ، ثم يصلى الظهر والعصر بأذان وإقامتين ، ثم يتوجه الى الموقف فيقف به ، وأفضل مواضع الوقوف بها ميسرة الجبل قريبا من الميل ، ولا يجوز ان يقف بنمرة ولا بثوية ولا ذي المجاز ، ولا يرتفع الى الجبل إلا لضرورة شديدة ، فإذا وقف توجه إلى القبلة ويسبح اللّه تعالى مأة مرة وحمده مأة مرة وهلله مأة مرة وكبره مأة مرة وقال ( ما شاءَ اللّهُ لا قُوَّةَ إِلّا بِاللّهِ ) .

ثم يقول : « لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيى ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شي ء قدير » ، ويقرء عشر آيات من أول سورة البقرة وآية الكرسي وآخر سورة البقرة من قوله : ( لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما

ص: 246


1- في النسخ « في طلبتي »

فِي الْأَرْضِ ) إلى آخرها ، ويقرء آية السخرة وهي ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ ، أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ، وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً ، إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) (1).

ويقرء قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ويقول : « اللّهم انى عبدك فلا تجعلني من أخيب وفدك ، وارحم مسيري إليك ، اللّهم رب المشاعر الحرام كلها فك رقبتي من النار وأدخلني الجنة برحمتك وأوسع على من رزقك وادرء عنى شر فسقة الجن والانس ، اللّهم انى أسألك بحولك وقوتك ومجدك وكرمك ومنك وفضلك يا اسمع السامعين ويا أبصر الناظرين ويا أسرع الحاسبين ويا ارحم الراحمين ان تصلى على محمد وآل محمد وان تغفر لي وترحمني وتفعل بي كذا وكذا ويذكر حوائجه للدنيا والآخرة » (2).

ويقر بما يعرفه من ذنوبه (3) ويعترف به ذنبا ذنبا ، ويستغفر اللّه تعالى في جملة لما يعرفه ولا يذكره ، ويرفع يديه الى السماء ويقول : « اللّهم حاجتي - التي إن أعطيتنيها (4) لم يضرني ما منعتني (5) فان منعتنيها لم ينفعنى ما أعطيتني - فكاك رقبتي من النار اللّهم انى عبدك ، ناصيتي بيدك واجلى بعلمك ، أسألك أن توفقني لما

ص: 247


1- الأعراف ، 56 - 53 لاحظ الوسائل ، ج 10 - باب 14 استحباب الوقوف بعرفات على سكينة ، الحديث 4
2- الوسائل ، ج 10 - الباب 14 من أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة الحديث 1
3- وفي بعض النسخ « من توبة »
4- وفي بعض النسخ « أعطيتها »
5- وفي بعض النسخ « منعتنيها »

يرضيك عنى وان تسلم لي مناسكي التي أريتها إبراهيم خليلك عليه السلام ، ودللت عليها بنبيك محمد صلى اللّه عليه وآله.

اللّهم اجعلني ممن رضيت عمله ، وأطلت عمره وأحييته بعد الممات حياة طيبة ، الحمد لله على نعمائه التي لا تحصى بعدد ، ولا تكافئ بعمل ، الحمد لله على عفوه بعد قدرته ، الحمد لله على رحمته التي سبقت غضبه ».

ويكثر من الدعاء ويحذر ان يشغله الشيطان عن الدعاء بالنظر الى الناس ، فقد ذكر أنه ليس شي ء أحب إليه من ان يذهل الناس في الموقف عن ذلك ، ويدعو بعد ما ذكرناه بدعاء الموقف ان أراد ذلك.

« باب دعاء الموقف »

« لا إله إلا اللّه الحليم الكريم ، لا إله إلا اللّه العلى العظيم ، سبحان اللّه رب السموات السبع ، ورب الأرضين السبع ، وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين ، اللّهم صل على محمد عبدك ورسولك وخيرتك من خلقك ، وعبدك الذي اصطفيته لرسالاتك ، واجعله يا إلهي أول شافع وأول مشفع ، وابرك قائل وأنجح سائل ».

« اللّهم صل على محمد وآل محمد ، أفضل ما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللّهم انك تجيب المضطر إذا دعاك ، وتكشف السوء وتغيث المكروب وتشفي السقيم ، وتغنى الفقير وتجبر الكسير ، وترحم الصغير وتعين الكبير ، وليس فوقك أمير وأنت العلي الكبير ، يا مطلق المكبل (1) والأسير يا رازق الطفل الصغير ، يا عصمة الخائف المستجير يا من لا شريك له ولا وزير ».

« اللّهم إنك أعظم من دعي وأسرع من أجاب ، وأكرم من عفا وخير من اعطى ، وأوسع من سأل ورحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما ، ليس كمثلك شي ء مسئول ولا معط ، دعوتك فأجبتني وسألتك فأعطيني ، وفزعت إليك فرحمتني ، وأسلمت

ص: 248


1- الكبل : القيد ، تقول كبلت الأسير إذا قيدته فهو مكبل

نفسي إليك فاغفر لي ولوالدي وولدي وكل سبب ونسب في الإسلام لي ولجميع المؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ».

« اللّهم انى أسألك بعظيم ما سألك به أحد من خلقك ، من كريم أسمائك وجميل ثنائك وخاصة آلائك ، ان تصلى على محمد وآل محمد ، وان تجعل عشيتي هذه أعظم عشية مرت على منذ أنزلتني الى الدنيا ، بركة في عصمة من ديني وخاصة نفسي وقضاء حوائجي ، وتشفيعي في مسائلي وإتمام النعمة على وصرف السوء عنى وألبسني ثوب العافية ، وان تجعلني ممن نظرت إليه في هذه العشية برحمتك ، انك جواد كريم ».

« اللّهم صل على محمد وآل محمد ، ولا تجعل هذه العشية آخر العهد منى ، فبلغنيها (1) من قابل مع حجاج بيتك الحرام ، والزوار لقبر نبيك عليه السلام في اعفى عافيتك ، وأعم نعمتك وأوسع رحمتك ، وأجزل قسمك وأسبغ رزقك وأفضل الرجاء ، وانا لك على أحسن الوفاء انك سميع الدعاء ».

« اللّهم صل على محمد وآل محمد ، واسمع دعائي وارحم تضرعي ، وتذللي واستكانتي وتوكلي عليك ، وانا لك سلم لا أرجو نجاحا ولا معافا ولا تشريفا الا بكرمك ، فامنن على بتبليغي هذه العشية من قابل ، وأنا معافا من كل مكروه ومحذور من جميع البوائق ، واعنى على طاعتك وطاعة أوليائك ، الذين اصطفيتهم من خلقك لخلقك ».

« اللّهم صل على محمد وآل محمد ، وسلمني في ديني وامدد لي في أجلي ، وأصلح (2) لي جسمي ، يا من رحمنى وأعطاني سؤلي ، واغفر لى ذنبي انك على كل شي ء قدير ، اللّهم صل على محمد وآل محمد ، وتمم لي نعمتك فيما بقي من عمرى ، حتى تتوفاني وأنت عني راض ، اللّهم صل على محمد وآل محمد ،

ص: 249


1- وفي بعض النسخ « حتى تبلغها » وفي نسخة المقنعة « حتى تبلغنيها »
2- وفي المقنعة « وأصح » ، ص 65

ولا تخرجني عن ملة الإسلام ، فإني اعتصمت بحبك ولا تكلني إلى غيرك ، اللّهم صل على محمد وآل محمد ، وعلمني ما ينفعني ، واملا قلبي علما وخوفا من سطواتك ونقماتك ، اللّهم انى أسألك مسئلة المضطر إليك ، المستجير من عذابك ، الخائف من عقوبتك ان تغفر لي بعفوك وتحنن على برحمتك ، وتجود على بمغفرتك وتؤدى عنى فريضتك ، وتغنيني بفضلك عمن سواك من (1) أحد من خلقك ، وان تجيرني من النار برحمتك ، اللّهم صل على محمد وآل محمد ، وافتح لي (2) فتحا يسيرا وانصره نصرا عزيزا ، اللّهم صل على محمد وآل محمد ، وأظهر حجته بوليك واحى سنته بظهوره حتى يستقيم بظهوره جميع عبادك وبلادك ولا يستخفى أحد بشي ء من الحق مخافة أحد من الخلق ».

« اللّهم إني أرغب إليك في دولته الشريفة الكريمة ، التي تعز بها الإسلام واهله ، وتذل بها الشرك واهله ، اللّهم صل على محمد وآل محمد ، واجعلني فيها من الدعاة إلى طاعتك ، والقائدين (3) في سبيلك ، وارزقني كرامة الدنيا والآخرة ، اللّهم ما أنكرناه من الحق فعرفناه ، وما قصرنا عنه فبلغناه ، اللّهم صل على محمد وآل محمد واستجب لنا ما دعوناك وسألناك ، واجعلنا ممن يتذكر فتنفعه الذكرى ، وأعطني اللّهم سؤالى في الدنيا والآخرة ، انك على كل شي ء قدير ».

ثم يجتهد في الدعاء ، فاذا فرغ منه وغربت الشمس ، أفاض من عرفات الى المشعر الحرام.

« باب أحكام الوقوف بعرفات ».

هذه الأحكام على ضربين : واجب ، ومندوب ، فاما الواجب فهو : الوقوف بالموقف الى غروب الشمس ، والإفاضة منه الى المشعر الحرام عند غروبها ، واعادة

ص: 250


1- وفي المقنعة « تغنيني بفضلك عن سؤال أحد. »
2- وفي المقنعة « وافتح له » وهذه تناسب ما بعدها.
3- وفي بعض النسخ « والعابرين » كما في المقنعة

الحج من قابل إذا تركه متعمدا ، فان نسيه اعاده ما بينه وبين طلوع الفجر من يوم النحر ، فان لم يذكر ذلك الا بعد طلوع الفجر ، وكان قد وقف بالمشعر الحرام ، كان حجه ماضيا ولا شي ء عليه.

ولا يخرج أحد من منى الى عرفات الا بعد طلوع الفجر من يوم عرفة ، الا ان يكون مضطرا الى ذلك ، ولا يجوز الحاج منها وادي محسر الا بعد طلوع الشمس من هذا اليوم أيضا ، ولا يرتفع الى الجبل إلا لضرورة ولا يقف تحت الأراك ، ولا في نمرة ولا في ثوية ولا في ذي المجاز.

واما المندوب فهو : الدعاء في التوجه من منى الى عرفات ، والغسل عند زوال الشمس قبل الوقوف بها ، وضرب الخباء بنمرة وهي بطن عرنة ، والجمع في عرفات بين الظهر والعصر بأذان واحد وإقامتين ، وان لا يخرج الامام من منى إليها إلا بعد طلوع الشمس من يوم عرفة ، ومن سواه يجوز له الخروج قبل ذلك.

« باب الإفاضة من عرفات الى المشعر الحرام ».

ينبغي لمن أراد الإفاضة من عرفات الى المشعر الحرام ان لا يفيض منها الى غيرها حتى تغرب الشمس ، فاذا غربت وأفاض منها قال : « اللّهم لا تجعله أخر العهد من هذا الموقف ، وارزقنيه ابدا ما أبقيتني واقلبني مفلحا منجحا مستجابا لي مرحوما مغفورا بأفضل ما ينقلب به أحد من وفدك عليك ، وأعطني أفضل ما أعطيت أحدا منهم من الخير والبر والرحمة والرضوان والمغفرة ، وبارك لي فيما ارجع (1) اليه من مال أو أهل أو قليل ، أو كثير ، وبارك لهم في ».

ويقصد في سيره (2) حتى يصل الى الكثيب الأحمر فإذا وصل اليه وهو عن يمين الطريق ، قال : « اللّهم ارحم موقفي ، وزك عملي ، وسلم ديني ، وتقبل مناسكي »

ص: 251


1- وفي بعض النسخ « فيما يرجع »
2- وفي بعض النسخ يقتصده في مسيره

ثم يمضى حتى يصير عند المأزمين (1) ، فإذا صار عنده قال : اللّه أكبر أربع مرات ، ثم يقول : « اللّهم صل على محمد وآل محمد ، خيرتك من خلقك وآله الطاهرين ، الهى الى هاهنا دعوتني وبما عندك وعدتني ، وقد أجبتك بتوفيقك وفضلك فارحمني وتجاوز عنى بكرمك ».

ثم ينزل المشعر الحرام ، فاذا وصل اليه نزل به ان وجد فيه خللا (2) وان لم يجد ذلك لكثرة الناس نزل قريبا منه ويصلى فيه العشائين بأذان واحد وإقامتين ، ويؤخر نوافل المغرب الى بعد الفراغ من العشاء الآخرة ، ولا يصليها الا فيه ولو مضى ربع الليل أو ثلثه ، فان لم يبلغ إليه إلى ثلث الليل جاز له ان يصلى المغرب في الطريق.

فاذا فرغ من صلاته بالمشعر ، قال : « اللّهم هذه جمع (3) فأسألك ان تصلى على محمد وآل محمد ، وان تجمع لي فيها جوامع الخير الذي جمعت لانبيائك وأهل طاعتك من خلقك ، وقد أمرت عبادك بذكرك عند المشعر الحرام فصل على محمد وآل محمد ، ولا تؤيسني من خيرك ، وعرفني في هذا المكان ما عرفت أوليائك ، ولا تخيبني فيما رجوتك ، وأعتقني ولوالدي ولجميع المؤمنين من النار برحمتك ».

ثم يجتهد في الصلاة والدعاء طول ليلة (4) ان تمكن من ذلك الى الفجر ، فاذا طلع الفجر صلى الفريضة ، وتوقف متوجها الى القبلة ودعا بما نورده الان من دعاء الموقف بالمشعر الحرام ، ويجتهد في ذلك الى طلوع الشمس ، فاذا لم يتمكن من ذلك لضرورة ، فإنه يستحب له ان يطأ المشعر برجله مع التمكن منه.

ص: 252


1- المأزمان : بكسر الزاء وبالهمز - ويجوز التخفيف بالقلب ألفا - الجبلان بين عرفات والمشعر.
2- الخلل : الفرجة بين الشيئين.
3- هو اسم أخر للمشعر.
4- في بعض النسخ « ليلة » بالتاء ، والظاهر انها تصحيف.

« باب الدعاء في الموقف بالمشعر الحرام »

ينبغي لمن أراد الوقوف بالمشعر الحرام بعد صلاة الفجر ان يقف منه بسفح الجبل متوجها الى القبلة ، ويجوز له ان يقف راكبا ، ثم يكبر اللّه سبحانه ويذكر من آلائه وبلائه ما تمكن منه ، ويتشهد الشهادتين ويصلى على النبي وآله والأئمة عليهم السلام وان ذكر الأئمة واحدا واحدا ودعا لهم وتبرأ من عدوهم كان أفضل.

ويقول بعد ذلك : « اللّهم رب المشعر الحرام ، فك رقبتي من النار ، وأوسع على من الرزق الحلال ، وادرء عنى شر فسقة الجن والانس ، اللّهم أنت خير مطلوب اليه ، وخير مدعو وخير مسئول ، ولكل وافد جائزة ، فاجعل جائزتي في موطني هذا ، ان تقيلني عثرتي وتقبل معذرتي وتجاوز عن خطيئتي ، ثم اجعل التقوى من الدنيا زادي برحمتك. »

ثم يكبر اللّه سبحانه مأة مرة ، ويحمده مأة مرة ، ويسبحه مأة مرة ، ويهلله مأة مرة ، ويصلى على النبي صلى اللّه عليه وآله ويقول : « اللّهم اهدني من الضلالة ، وانقدني من الجهالة ، واجمع لي خير الدنيا والآخرة ، وخذ بناصيتي الى هداك وانقلني الى رضاك ، فقد ترى مقامي بهذا المشعر الذي انخفض لك فرفعته ، وذل لك فأكرمته وجعلته علما للناس ، فبلغني فيه مناي ونيل رجائي ، اللّهم انى أسألك بحق المشعر الحرام ان تحرم شعري وبشرى على النار ، وان ترزقني حياة في طاعتك وبصيرة في دينك وعملا بفرائضك ، وابتاعا لاوامرك وخير الدارين جامعا ، وان تحفظني في نفسي وولدي ولوالدي وأهلي وإخواني وجيراني برحمتك.

ويجتهد في الدعاء والمسئلة والتضرع الى اللّه سبحانه الى حين ابتداء طلوع الشمس ، فاذا طلعت أفاض من المشعر الحرام إلى منى ، ويأخذ حصى الجمار منه ومن الطريق ، ولا يفيض قبل طلوع الشمس ، ويسير بسكينة ووقار ، ويذكر اللّه سبحانه ويصلى على النبي وآله عليهم السلام. ويجتهد في الاستغفار حتى يصل وادى محسر ، فاذا وصل الى هذا الوادي سعى فيه ، فان كان راكبا حرك دابته حتى يجوزه ، وهو يقول :

ص: 253

« اللّهم سلم عهدي ، واقبل توبتي واجب دعوتي واخلفني فيمن تركت بعدي » ثم يمضي إلى منى.

« باب أحكام الوقوف بالمشعر الحرام »

هذه الأحكام على ضربين : واجب ، ومندوب ، فالواجب : هو الوقوف به ، وذكر اللّه سبحانه والصلاة على النبي وإله عليهم السلام ، والرجوع الى منى بعد ذلك ، واعادة الحج من قابل إذا ترك هذا الوقوف متعمدا ، وكذلك يجب عليه إذا أدرك المشعر بعد طلوع الشمس ، فإن أدركه قبل ذلك كان الحج ماضيا ، ولا يرتفع الوقوف بالمشعر الحرام الى الجبل ، إلا لعائق من ضيق أو ما أشبهه.

ولا يخرج أحد من المشعر قبل طلوع الفجر ، ولا يجوز وادي محسر حتى تطلع الشمس أيضا ، ولا يخرج الامام من المشعر الا بعد طلوع الشمس مع التمكن من ذلك.

واما المندوب : فهو الدعاء عند الإفاضة إلى المشعر الحرام ، والاقتصاد في السير اليه ، والدعاء عند الكثيب الأحمر ، والسعي عند وادي محسر حتى يجوزه ، والدعاء عند هذا الوادي ، ويجمع بين العشائين بأذان واحد وإقامتين ، وان لا يصلى بين العشائين نوافل ، بل يؤخر ذلك الى بعد صلاة عشاء الآخرة.

« باب الرجوع من المشعر الحرام إلى منى ليقضى المناسك بها »

ينبغي للحاج إذا فرغ من الوقوف بالمشعر الحرام الرجوع الى منى ويقضى مناسكه بها ، وهذه المناسك ثلاثة أشياء ، وهي رمى الجمار ، والذبح ، والحلق.

« باب رمى الجمار »

إذا أردنا أن نبين رمى الجمار ، فينبغي ان نبين ما يجوز الرمي به من هذا الحصا ، فهو الذي يأخذ من جمع أو من مني أو من الطريق إذا عاد الحاج من المشعر

ص: 254

الحرام إلى منى ولم يتمكن من أخذها من جمع ولا من منى ، و (1) يجوز أخذها من جميع الحرم الا ما سنذكره.

وينبغي ان يكون برشا (2) منقطة ، كحلية ، ولا يكسرها ، ويكره ان يكون صما ، ولا يأخذ الحصى للرمي من خارج الحرم ، ولا حصى المسجد الحرام ، ولا مسجد الخيف ، وينبغي للعائد من المشعر الحرام إلى منى يوم النحر ان يرمى الجمرة القصوى وحدها بسبع حصيات ، ولا يرمى غيرها في هذا الوقت ، بل يرمى الجمار الثلاث بعد رجوعه من مكة وفراغة من طواف الحج وسعيه في أيام التشريق ، وهي - الثاني والثالث والرابع من يوم النحر ، في كل يوم بإحدى وعشرين حصاة كل واحدة بسبع حصيات ، فتكون جملة الحصى سبعين حصاة ، يرمي منها يوم النحر جمرة العقبة بسبع حصيات ، ويبقى منها ثلاث وستون حصاة ، يرمى في أيام التشريق الجمار الثلاث ، في كل يوم بإحدى وعشرين حصاة ، لكل واحدة سبع حصيات.

فإذا أراد الحاج رمى الجمار بهذه الحصيات ، فينبغي ان يكون على طهر ، ويقف متوجها الى القبلة ، ويجعل الجمرة عن يمينه ، ويكون بينه وبينها مقدار عشرة أذرع إلى خمسة عشر ذراعا من بطن الميل ، ويأخذ الحصاة فيضعها على باطن إبهامه ويدفعها بالمسبحة ، وقيل بل يضعها على ظهر إبهامه ويدفعها بالمسبحة.

ويقول : « اللّهم هذه حصياتي ، فأحصهن لي وارفعهن في عملي ، بسم اللّه وباللّه اللّهم صل على محمد وعلى آل محمد ، اللّه أكبر اللّهم تصديقا بكتابك وعلى سنة نبيك ، اللّهم اجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا ، وعملا مقبولا وذنبا مغفورا » ويقول ذلك مع كل حصاة ، ويجزيه ان يذكر ذلك مع الاولى ، ويكبر مع كل واحدة ، أو يكبر مع الكل ، لكل واحدة تكبيرة ، ويفعل ذلك حتى يتم رمى السبع حصيات ،

ص: 255


1- في بعض النسخ بزيادة كلمة « لا » هنا ، والظاهر انها تصحيف بقرينة قوله بعد أسطر « ولا حصى المسجد الحرام. » وعدم نقل الخلاف في المسألة.
2- البرش بالضم : المشتملة على ألوان مختلفة.

فاذا ثم ذلك رجع الى رحله بمنى ، وهو يقول : « اللّهم بك وثقت ، وعليك توكلت فنعم الرب ونعم المولى ونعم النصير »

فان كان نائبا من غيره قال عند رمى الجمرة : « اللّهم ان هذه الحصيات عن فلان بن فلان ، فأحصهن له وارفعهن في عمله ، واجعله له حجا مقبولا وسعيا مشكورا وعملا مبرورا ، وأثبني على أدائي عنه » ويدعو له ولنفسه بما أراد ، ثم يبتاع الهدى

« باب السهو في رمى الجمار وغيره »

إذا لم يرم الحاج الجمار الى ان غابت الشمس ، لم يجز له الرمي الا من الغد بكرة ، ولا يرمى ليلا إلا لضرورة من خوف أو غيره الا ان يكون امرأة أو عبدا فإنه يجوز لهما ذلك.

وينبغى ان يرمى من (1) يحج به من صبي ومن لا يقدر على ذلك لمرض أو غيره ، فإذا نسي الرمي حتى اتى مكة كان عليه ان يرجع ليقضى ذلك ، وان لم يذكره حتى عاد إلى أهله لم يكن عليه شي ء ، فان عاد حاجا قضاه ، فان لم يحج ، أمر من يقضى عنه ، وإذا بدء بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم الأولى ، أعاد على الوسطى وجمرة العقبة.

فاذا سهى فرمى الجمرة الأولى بثلاث حصيات ، ورمى الجمرتين الأخيرتين على التمام ، أعاد عليها كلها ، فان كان قد رمى الاولى بأربع ، ثم تمم الرمي على الأخيرتين ، أعاد على الاولى بثلاث حصيات ولم يعد على الباقي ، وكذلك إذا رمى الوسطى بأقل من أربع ، أعاد عليها وعلى ما بعدها ، فان كان رماها بأربع تممها ولا اعادة عليه الثالثة.

وإذا علم انه قد نقص حصاة ولم يعلم لأي الجمار هي ، أعاد على كل واحدة منهن بحصاة ، ومن كان عليه رمى يومين ، رماها كلها يوم النفر ، وإذا فاته رمى لأمسه رمى ما فاته من ذلك من الغد بكرة ، وما كان مخصوصا بيومه رماه عند الزوال ،

ص: 256


1- الصحيح « عن من ».

وإذا رمى جمرة بحصاة فوقعت في محله (1) أعاد مكانها غيرها ، فإن أصابت شيئا (2) ووقعت على الجمرة فلا اعادة عليها.

« باب أحكام الهدى وذبحه أو نحره ».

الهدى لا يكون الا من الإبل أو البقر أو الغنم ، فان كان من الإبل فيجب ان يكون ثنيا من الإناث ، وهو الذي تمت له خمس سنين ودخل في السادسة ، وان كان من البقر ، فيكون ثنيا من الإناث أيضا فما فوق ذلك ، والثني منها هو الذي تمت له سنة ودخل في الثانية ، وان كان من الضأن فجذعا فما فوقه وهو الذي لم يدخل في السنة الثانية.

ويجب ان لا يكون ناقص الخلقة ، ولا أعور بين العور ، ولا أعرج بين العرج ، ولا عجفاء (3) ولا أجذم ، ولا أجذع (4) وهو المقطوع الاذن ، ولا خصيا ، الا ان لا يقدر على غيره ، ولا اعضب وهو المكسور القرن ، الا ان يكون الداخل صحيحا والخارج مقطوعا ، فإنه يجوز إذا كان كذلك ويحضر به عرفات ، ولا يجزى الهدى الواحد عن أكثر من واحد ، إلا في حال الضرورة فإنه يجزى عن أكثر من ذلك.

وإذا ضل الهدى عن صاحبه ، فوجده غيره فذبحه بغير منى ، كان على صاحبه العوض لأنه انما يجزى عنه إذا ذبحه بمنى.

ص: 257


1- كذا في بعض النسخ ، وفي الرواية «. فوقعت في محمل. » راجع الوسائل ، ج 1. الباب 6 من أبواب رمى جمرة العقبة ، ص 72.
2- في بعض النسخ « ستا » والظاهر انها تصحيف والصحيح ما في المتن.
3- العجفاء : الضعيفة المهزولة.
4- كذا في بعض النسخ والظاهر انها تصحيف والصحيح « اجدع » بالدال بالمهملة وفي دعائم الإسلام ، ص 327 « نهى عن الجدعاء » وفي الفقيه ، باب الأضاحي ، ح 3048 « لا يضحى. ولا بالجدعاء. والجدعاء المقطوعة الاذن » وفي التهذيب ، ج 4. ص 213 ، ح 716 « ولا بالجذاء. والجذاء مقطوعة الاذن » نعم في الوسائل المطبوعة حديثا ج 4. ص 119 « ولا بالجذعاء. » بالمعجمة ولكنها أيضا تصحيف بقرينة كونها مهملة في المطبوعة قديما

وينبغي لصاحب الهدى ان لا يأكل منه إذا كان قد وجب عليه في نذر أو كفارة ، فإن أكله من غير ضرورة كان عليه الفداء ،

ولا ابتياعه مهزولا (1) - وهو عالم بذلك - وحد الهزال الذي لا يجوز معه ذلك هو ان لا يكون على كليتيه شحم وان اشتراه على انه سمين فخرج مهزولا كان مجزيا ، ولا يجزى المهزول الا بان لا يقدر على غيره.

وينبغي ان يجعل حكم ما ينتج من الهدى حكم امه في وجوب النحر أو الذبح وإذا ضاع الهدى بعد تقليده وإشعاره واشترى عليه ، ثم وجد الأول وأراد ذبح (2) الثاني فعليه ذبح الأول معه ، لأنه إنما يجوز له بيع الثاني إذا اختار ذبح الأول ، فان لم يكن أشعر الأول ولا قلده ، كان مخيرا في ذبح أيهما شاء والأفضل ذبحهما جميعا

ولا ينبغي تأخير الذبح بمنى الى بعد الحلق الا ان يكون ناسيا ، وإذا لم يقدر على ابتياع الهدى ، فينبغي ان يترك ثمنه عند ثقة يشتريه به ويذبحه عنه في العام المقبل ، وإذا لم يقدر المتمتع على هدى التمتع كان عليه صوم عشرة أيام ، سبعة منها إذا رجع الى اهله ، وثلاثة في الحج وهي يوم قبل التروية ، ويوم التروية ، ويوم عرفة ، فان لم يتمكن من ذلك صام ثلاثة أيام بعد التشريق ، فان لم يقدر صام باقي ذي الحجة

فإن دخل عليه المحرم ولم يكن صام من ذلك شيئا كان عليه دم. والسيد إذا أمر عبده بالحج متمتعا ، كان عليه ان يذبح عنه أو يأمره بالصوم ، فإن أعتق العبد قبل الوقوف بالموقفين ، كان عليه الهدى ، والحاج يصوم صوم الهدى عمن يلي أمره إذا مات قبل ان يصومه.

ومن نذر ذبح هدي في مكان معين ، وجب عليه ذبحه في ذلك المكان ، فان ولم يعين ذلك ذبحه بفناء الكعبة (3) وهدي المتعة ينبغي ان يذبح في أيام ذي الحجة

ص: 258


1- في بعض النسخ هنا اضافة « كان مجزيا » الا انها مضروبة عليها بالقلم ولكن الظاهر لزومها
2- كذا في بعض النسخ والظاهر انها تصحيف ، والصحيح « بيع الثاني »
3- بفناء الكعبته : سعة أمامها - وقيل ما امتد من جوانبها دورا وهو حريمها خارج المملوك منها ومثله فناء الدار

ولا يتجاوز به ذلك ، وان كان أحرم بالحج ذبحه بمنى ، وان كان للعمرة المفردة ذبحه بالحزورة مقابل الكعبة ، وأيام الذبح بمنى أربعة وهي - يوم النحر وثلاثة بعدها وفي سائر الأمصار ثلاثة أيام أولها يوم النحر ويومان بعدها.

ويستحب له ان يتطوع بالهدي ، إذا لم يكن متمتعا ، وإذا صام ثلاثة الأيام بمكة ثم تمكن من الهدى فليهده ، وينبغي ان ينحر ما يجب نحره ، قائماً مربوط اليدين بين الخف والركبة ، ولا يأخذ من جلده شيئا بل يتصدق به ، والذابح ينبغي ان يتولى الذبح بنفسه ، فان لم يستطع ذلك وضع يده مع الذابح

ويسمى بسم اللّه عند الذبح ، ولا يترك التسمية فإنها واجبه ، ومتى تعمد تركها لم يجز أكل ما ينحره أو يذبحه فان كان ناسيا جاز له ذلك ، ويدعو عند الذبح وان جمع بين الهدى والأضحية كان أفضل ، وان كان نائبا عن غيره ذكره عند الذبح

وينبغي ان يقسم ذلك ثلاثة أقسام : يأكل الواحد - الا ان يكون هدى نذرا أو كفارة ، فإنه ان كان كذلك لم يجز أكل شي ء منه - ويهدى قسما آخر ، ويتصدق بالثالث.

فاما الأضحية فهي مندوبة وشروطها شروط ذبح الهدى سواء ، والأيام التي ينبغي نحرها أو ذبحها فيها هي الأيام التي ينبغي نحر الهدى أو ذبحه فيها ، وقد سلف ذكر ذلك.

« باب الحلق »

إذا ذبح الحاج هديه أو نحره اغتسل وقصر من شعره أو حلق ، والتقصير هو الواجب والحلق مندوب ، فان كان الحاج صرورة (1) فقد ذكر انه لا يجزيه الا الحلق ، ومن لم يكن صرورة ، فالتقصير يجزيه الا ان الحلق أفضل.

والحلق يجب ان يكون بمنى ، فإن نسي حتى خرج منها رجع إليها ليقصر أو يحلق بها ، فان لم يتمكن من ذلك حلق في موضع الذكر له وينفذ شعره ليدفن

ص: 259


1- الصرورة هو الذي لم يحج بعد.

بها ، وليس على النساء حلق ويجزيهن التقصير وينبغي لمن أراد التقصير أو الحلق ان يغتسل ويستقبل القبلة ، ويقصر من شعر رأسه ولحيته وأظفاره وان شاء حلق ، ويكون الابتداء بالحق من الناصية من القرن الأيمن إلى الأذنين ، فان لم يكن على رأسه شعر أمر الموسى عليه.

ويدعو عند ذلك ويقول : « اللّهم أعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة وحسنات مضاعفة » فإن كان نائبا عن غيره قال : « اللّهم هذا عن فلان ، اللّهم حرم شعره وبشره من النار » فاذا فرغ من ذلك فينبغي ان يدخل مكة لزيارة البيت ويرجع الى منى.

« باب الدخول إلى مكة من منى لزيارة البيت والرجوع الى منى »

من فرغ من التقصير أو الحلق ، فينبغي ان يتوجه إلى مكة من يومه أو من الغدوة (1) ولا يؤخر ذلك ، ليزور البيت بطواف الزيارة وهو طواف الحج ويسعى سعيه ، وينبغي ان يغتسل ان توجه إلى زيارة البيت في اليوم الثاني من يوم النحر ، فان كان توجهه الى ذلك يوم النحر كان الغسل الذي فعله عند الحلق مجزيا له عن ذلك

ويذكر اللّه سبحانه في توجهه إلى مكة ، ويأتي من حمده والثناء عليه بما امكنه ويصلى على النبي وإله عليهم السلام بما أمكن أيضا ، ويدعو فيقول : « اللّهم انى أريد بتوجهي هذا زيارة بيتك الحرام غير راغب عن مشاعرك العظام ، فأسألك أن تعينني على نسكي ولا تجعله آخر العهد منى يا ذا الجلال والإكرام » ويقرء سورة « إنا أنزلناه ».

فإذا وصل الى مكة قال : « الحمد لله رب العالمين ، وصلى اللّه على محمد وآله الطاهرين وسلم تسليما ، اللّهم انى عبدك والبلد بلدك ، والبيت بيتك ، حيث اطلب رحمتك ، متبعا لأمرك راضيا بقدرك ، فأسألك المضطر الخائف المشفق من عذابك ان تلبسني عفوك وتجيرني من النار بحرمتك » (2)

ص: 260


1- وفي بعض النسخ : الغد.
2- الوسائل ج - 10 - الباب - 4 - من أبواب زيارة البيت - الحديث : 1.

ثم يمضي ، فإذا وصل الى باب المسجد الحرام - وهو باب بني شيبة - وقف على عتبته - وقد ذكرنا انها الصنم الذي يسمى هبلا - ثم يقول « السلام على رسول اللّه وعلى أهل بيته الطاهرين ، السلام على أنبياء اللّه ورسله وملائكته وحججه ، اللّهم صلى على محمد وآله أجمعين وسلم عليهم تسليما ، يا مقيل العثرات يا مكفر السيئات ، أسألك أن تقيلني عثرتي وان ترحم عبرتي وتجاوز عن زلتى ، اللّهم هذا مقام العائذ بك من النار ، فأعذني منها ووالدي وولدي وجميع أهلي وإخواني ، بقدرتك انك على كل شي ء قدير » ويدخل المسجد ويقدم رجله اليمنى ، ويقول : « بسم اللّه وباللّه اللّهم صلى على محمد وآل محمد ».

ثم يمضى حتى يقف عند الحجر الأسود ، فيستلمه ويدعو عنده كما دعا يوم قدم مكة ، ويبتدئ منه بطواف الزيارة - وهو طواف الحج كما ذكرنا - يفعل فيه كما فعل في طواف التمتع ، من الابتداء بالحجر الأسود والختم به والدعاء وغير ذلك ، فاذا فرغ من ذلك مضى الى الصفا وسعى سعى الحج ، يفعل فيه كما فعل في السعي الأول الذي هو سعى التمتع ، فاذا فرغ من سعى الحج طاف طواف النساء ، ويجوز له تأخيره عن هذا اليوم ، الا انه لا تحل له النساء حتى يطوف ، فاذا فرغ مما ذكر رجع الى منى لرمي الجمار الثلاث بها في أيام التشريق ، ويبيت بها ليالي هذه الأيام الثلاث.

« باب الرجوع من مكة إلى منى لرمي الجمار الثلاث بها وغير ذلك »

إذا فرغ مما قدمنا ذكره من طواف الحج أو سعيه ، خرج عائدا إلى منى ، فاذا وصل إليها بات بها ليالي التشريق ، فان بات بغيرها ليلة من هذه الليالي كان عليه شاة ، ثم يرمى الجمار الثلاث في كل يوم من هذه الأيام الثلاث بإحدى وعشرين حصاة ، ويفعل في حال الرمي مثل ما قدمنا ذكره في رمى الجمرة القصوى يوم النحر ، ويأتي من أحكام الرمي والدعاء بما ذكرناه هناك.

ويكبر في أيام التشريق بمنى عقيب خمس عشرة صلاة - أولها الظهر من يوم

ص: 261

النحر وآخرها صلاة الغداة من يوم الرابع منه - يقول : « اللّه أكبر ، اللّه أكبر ، لا إله إلا اللّه واللّه أكبر ، اللّه أكبر ، ولله الحمد ، اللّه أكبر على ما هدانا ، والحمد لله على ما أولانا ، ورزقنا من بهيمة الأنعام » ثم ينفر من منى بعد ذلك.

« باب النفر »

النفر نفران - أول وثان - فاما الأول : فيومه يوم الثاني من أيام التشريق وهو الثالث من يوم النحر ، واما الثاني : فيومه يوم الثالث من أيام التشريق وهو الرابع من يوم النحر أول النهار ، واما إذا انتصبت الشمس (1) فمن أراد النفر من منى ، فليصل بمسجد الخيف ست ركعات أو ركعتين عند المنارة ، فاذا فرغ منها دعا فقال : « الحمد لله حقا حقا وقولا وصدقا ، وصلى اللّه على سيدنا محمد رسوله وعلى آله الطاهرين وسلم تسليما ، اللّهم أنت اللّه لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ، ولا مضل لمن هديت ولا هادي لمن أضللت ، ولا معز لمن ذللت ، ولا مذل لمن أعززت ، ولا مقدم لمن أخرت ولا مؤخر لمن قدمت ، وأسألك يا اللّه يا رحمان يا رحيم ، ان تصلى على محمد وآله الطاهرين ، وان تفعل بي كذا وكذا - وتذكر حوائجك للدنيا والآخرة. »

ثم يخرج (2) ما بقي عليه رمى الجمار ، وينفر بعد ذلك ، ثم يمضي إلى مكة.

وكل من أصاب النساء أو شيئا من الصيد فليس له ان ينفر في النفر الأول ، وعليه ان يقيم الى النفر الأخير ، ومن لم يصب ذلك فله ان ينفر في النفر الأول ، والأفضل له ان يقيم الى النفر الأخير.

وإذا أراد ان ينفر في النفر الأول فلا ينفر حتى تزول الشمس ، ومن كانت به ضرورة من خوف وغيره فإنه يجوز له تقديم ذلك قبل الزوال ، وليس له ذلك مع ارتفاع الضرورة عنه ، ومن أراد النفر بعد الزوال في النفر الأول ، فله ان ينفر

ص: 262


1- انتصب : اى قام وارتفع.
2- اى يخرج عن ذمته.

بينه وبين غروب الشمس ، فاذا غربت فلم يجز له النفر وعليه ان يبيت بمعنى الى الغد.

فاذا نفر في النفر الأخير فيجوز له ان ينفر من بعد طلوع الشمس اى وقت شاء ، وان لم ينفر وأراد المقام جاز له ذلك ، إلا الإمام وحده فان عليه ان يصلى الظهر بمكة.

ومن نفر من منى وكان قد قضى مناسكه كلها ، جاز له ان لا يدخل مكة ، وان كان قد بقي عليه شي ء من المناسك لم يكن له بد من الرجوع إليها والأفضل دخول مكة على كل حال.

فاذا مضى إلى مكة ووصل الى مسجد الحصا (1) وهو مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فيدخله ويستلقي على ظهره فيه ، فاذا استراح توجه إلى مكة ، فإذا وصل إليها فليغتسل ويدخل بعد ذلك الكعبة ، فإن كان صرورة من الرجال دون النساء لم يجز له ترك ذلك مع الاختيار ، فان لم يتمكن من ذلك لضرورة فلا شي ء عليه.

ومن دخلها فينبغي ان يكون حافيا ، ولا يدخلها بحذاء ولا يمتخط (2) ، ولا يبصق ، ثم يدعو عند دخولها فيقول : « بسم اللّه وباللّه ما شاء اللّه وعلى ملة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله السلام ، السلام على محمد بن عبد اللّه رسول اللّه ، السلام على أمير المؤمنين عليه السلام وصي نبي اللّه - ويسلم على الأئمة عليهم السلام - ويقول : الحمد لله الذي جعلني من وفد بيته وزواره ، اللّهم إني أسألك بلا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك يا أحد يا فرد يا صمد يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، ان تصلى على محمد وآل محمد ، وان تفك رقبتي من النار ، اللّهم انك قلت ومن دخله كان آمنا ، فآمني من عذابك ومن الفتنة في الدنيا والآخرة برحمتك.

ويصلى بين الأسطوانتين على الرخامة الحمراء ركعتين ، يقرء في الأولى الفاتحة وحم السجدة ، وفي الثانية الفاتحة وعدد آيات السجدة ، وان قرء غير ذلك كان جائزا ، ويصلى في كل زاوية من زواياها ركعتين ، بدء بالزاوية التي فيها الدرجة

ص: 263


1- وفي نسخة : « الحصب ».
2- امتخط : اى اخرج المخاط من انفه ، والمخاط : ما يسيل من الأنف.

ثم بالغربية ، ثم التي فيها الركن اليماني ، ثم التي فيها الحجر الأسود.

فاذا فرخ من ذلك دعا ، فقال : « اللّهم من تهيأ أو تعبأ أو أعد واستعد لوفادة إلى مخلوق رجاء رفده وجوائزه ونوافله وفواضله ، فإليك يا سيدي تهيئتي وإعدادي واستعدادي ، رجاء رفدك ونوافلك وفواضلك وجائزتك ، فلا تخيب اليوم رجائي ، يا من لا يخيب عليه سائل ، ولا ينقصه نائل ، فإني لم آتك اليوم بعمل صالح قدمته ، ولا شفاعة مخلوق رجوته ، ولكني أتيتك مقرا بالظلم والاسائة على نفسي ، لا حجة لي ولا عذر ، فأسألك يا من هو كذلك ان تعطيني مسئلتي وتقيلني عثرتي وتقبل رغبتي ، ولا تردني ممنوعا ولا خائبا ، يا عظم يا عظيم أرجوك للعظيم ، أسألك يا عظيم ان تغفر لي الذنب العظيم ، لا إله إلا أنت يا رب العالمين.

وينبغي ان يلتصق بالحائط بين الركن اليماني والغربي ، ويرفع يديه عليه ويجتهد في الدعاء عنده ، ويفعل عند كل ركن مثل ذلك ، ثم يخرج من الكعبة ويمضى إلى بئر زمزم ويشرب من مائها ، فإذا خرج منها قال عند خروجه ثلاث مرات : « اللّهم لا تجهد (1) بلائي ، ولا تشمت بي أعدائي ، ولا تجعل النار مثواي (2).

ويصلى في موضع المقام الذي كان على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ركعتين وان يجعل مقام إبراهيم عليه السلام خلف ظهره ، ويكون قريبا من حائط الكعبة ، فاذا فرغ من الصلاة مضى إلى بئر زمزم ، فاستقى بها بالدلو المقابل للحجر الأسود ان تمكن من ذلك ، وشرب منه وصب على رأسه وبدنه ان قدر على ذلك ، ودعا فقال « اللّهم اجعله علما نافعا ، ورزقا واسعا ، وشفاء من كل داء وسقم » ويقرء إنا أنزلناه وان كان نائبا عن غيره ، ذكره بمثل ذلك.

فإن أراد المسير فليقصد البيت الحرام ليودعه ، ووداعه له هو ان يطوف به بطواف الوداع سبعة أشواط ، ويفعل فيها كما فعل في الطواف يوم قدم مكة ، فإذا

ص: 264


1- جهد البلاء - هو بفتح الجيم مصدر اى الحالة التي يختار عليها الموت - وفي الخبر عنه (صلی الله عليه وآله) جهد البلاء - هو ان يقدم الرجل فيضرب عنقه صبرا.
2- وفي نسخة : مأوائى.

فرغ من ذلك التصق بالحطيم وهو أشرف بقعة على وجه الأرض وهو ما بين الحجر الأسود والباب ، وجعل صدره على الحائط ، ويبسط يده عليه ، حتى يكون اليمنى على جهة الباب ، واليسرى من جهة الحجر الأسود ويحمد اللّه سبحانه ، ويصلى على النبي عليه السلام.

ثم يقول : « اللّهم صل على محمد عبدك ورسولك ، ونبيك وأمينك ، ونجيبك وخيرتك من خلقك ، كما بلغ رسالاتك وجاهد في سبيلك ، وصدع بأمرك وأذى (1) في جنبك وعبد حتى أتاه اليقين ، اللّهم اقلبني مفلحا منجحا مستجابا لي بأفضل ما يرجع به من وفدك (2) من المغفرة والبركة والرحمة والرضوان والعافية اللّهم ان أمتني فاغفر لى ، وان أحييتني فارزقنيه من قابل ، اللّهم لا تجعله آخر العهد من بيتك ، اللّهم انى عبدك وابن أمتك ، حملتني على دابتك وسيرتني في بلادك ، حتى أقدمتني حرمك وأمنك ، وقد كان في حسن ظني بك ان تغفر لي ذنوبي ، فازدد على رضاك وقربني إليك زلفى ، ولا تباعدني من رضاك ، فان كنت تغفر لى فمن الان فاغفر لى قبل تنائى (3) عن بيتك داري ، فهذا أو ان انصرافي إن كنت أذنت لي ، غير راغب عنك ولا عن بيتك (4) ولا مستبدل بك ولا به ».

« اللّهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي حتى تبلغني أهلي فاكفني مؤنة عبادك وعيالي ، فإنك ولي ذلك من خلقك ، وامنى برحمتك ».

ويصلى ركعتين عند المقام لطواف الوداع ، فاذا فرغ منهما رفع يديه للدعاء فقال : « اللّهم انى خرجت من بيتي إلى بيتك الحرام ، قاصدا إليك أريدك لا أريد غيرك ، وأنت الذي رزقتني ذلك ومننت على به ، اللّهم إني أردت اتباع كتابك

ص: 265


1- كذا في بعض النسخ. ولكن الصحيح - أوذي - كما هو تعبير الإمام في الرواية راجع.
2- في بعض النسخ : أحد وفدك.
3- اى التبعد.
4- في بعض النسخ « نبيك » بدل « بيتك » وما أثبتناه موافق لكتب الحديث.

وسنة نبيك صلى اللّه عليه وآله وأداء فرضك وقضاء حقك ، وانا عبدك وضيفك وفي حرمك نازل بك ، وعلى كل مأتي حق ، لمن أتاه وزاره ، وأنت أفضل مأتي ، وأكرم مزور ، وخير من طلبت اليه الحاجات ، وأكرم من سئل ، وارحم من استرحم ، وأجود من اعطى ، وارأف من عفى ، واسمع من دعي ، وأكرم من اعتمد عليه ».

« اللّهم وبي فاقة إليك ، وعندي الطلبات أنا مرتهن بها ، قد أثقلت ظهري وأفقرتني الى رحمتك ، اعتمد عليك فيها ، وأسألك مسامحتها وغفرانها قديمها وحديثها ، عمدها وخطأها ، كبيرها وصغيرها ، قليلها وكثيرها ، وكل ذنب أذنبته ، مغفرة عنها يا عظيم ، فإنه لا يغفر الذنب العظيم إلا أنت يا عظيم ، اللّهم إني أسألك رزقا واسعا وعلما نافعا وعيشا هنيئا حاصلا (1) وسرورا جامعا ».

ويجتهد في الدعاء لنفسه ولوالديه واهله وجميع المؤمنين ، ويصلى بعد ذلك عند الأركان كلها ، ويدعو أيضا عند الحطيم بما قدر عليه ، وان قدر على ان يتعلق بحلقة الباب ، فليفعل ويقول : « المسكين ببابك فتصدق عليه بالجنة » ، ثم يشرب من ماء زمزم ، ولا يصب على رأسه منه شيئا ، ثم يخرج بعد ذلك من المسجد ، ويجعل خروجه من باب الحناطين.

فاذا اتى الى هذا الباب وقف قبل خروجه منه ، ثم استقبل الكعبة وخر ساجدا ، وقال : « سجدت لك يا رب تعبدا ورقا ، لا إله إلا أنت ربي حقا حقا ، اللّهم اغفر لى ذنوبي وتقبل حسناتي ، وتب على انك أنت التواب الرحيم » ، ثم يرفع رأسه ويحمد اللّه تعالى ، ويثنى عليه وصلى على النبي وآله عليهم السلام ، ويقول « اللّهم انى انقلب على قول لا إله إلا اللّه ».

فان كان نائبا عن غيره ، قال : « اللّهم أنت العالم بان فلان بن فلان قد ائتمنني على النيابة عنه في هذه الحجة ، اللّهم وقد أديتها وبذلت مجهودي فيها ، ولم أشرك معه غيره فيها ، اللّهم فإني أشهدك وكفى بك شهيدا انها لفلان بن فلان ، واننى

ص: 266


1- وفي بعض النسخ : صالحا

نائب عنه فاجعلها اللّهم مكتوبة له عندك ، وأثبني في أدائي لها وقيامي بها برحمتك ».

ثم يخرج من باب المسجد وهو يقول : « آئبون تائبون عابدون ، لربنا حامدون ، وله شاكرون ، والى ربنا راغبون ، والى ربنا راجعون » ، ثم يشترى بدرهم - أو ما قدر عليه - تمرا ويتصدق به قبضة قبضة ، ويتوجه إلى زيارة النبي صلى اللّه عليه وآله ان لم يكن زاره في توجهه الى الحج ، وسنذكر زيارته صلى اللّه عليه وآله فيما يأتي من الزيارات ان شاء اللّه تعالى.

« باب ما يفعله من وجب عليه الحج ولم يتمكن من أدائه لمانع أو يفعله عنه وما يلحق بذلك »

إذا وجب الحج على المكلف ومنعه من الخروج لأدائه مانع - من سلطان أو مرض أو عدو - على وجه لا يمكنه معه الخروج لذلك بنفسه ، كان عليه إخراج نائب عنه ، فاذا ارتفع المانع وجب عليه الحج بنفسه ، فان لم يرتفع ذلك المانع حتى مات كانت حجة النيابة مجزية عنه.

ومن كان مملوكا أو طفلا فحج به وليه ، لم تجزه هذه الحج عن حجة الإسلام وكان على المملوك إذا انعتق ، والطفل إذا بلغ ، الحج بنفسه ، فان انعتق المملوك قبل الوقوف بأحد الموقفين كان ذلك مجزيا له عن إعادته.

وإذا وجب الحج على الإنسان ومنعه من الخروج بنفسه لأدائه مانع ، ولم يقم نائبا ينوب عنه في ذلك ، أو كان متمكنا من الخروج ولم يخرج ثم مات ، وجب ان يخرج من ماله قبل قسمة ميراثه ، مقدار ، ما يحج به عنه ، فان لم يخلف الا مقدار الحج ، حج عنه بذلك ، وكذلك يجب ان يفعل إذا لم يخلف الا مقدار ما يحج به عنه من بعض المواضع (1).

ومن لم يقدر على الزاد والراحلة ، وكان له ولد له مال ، جاز له ان يأخذ من ماله مقدار ما يحج به على الاقتصاد ، ومن لا يكون متمكنا من الاستطاعة ومكنه بعض

ص: 267


1- في بعض النسخ : في بعض المواقيت.

إخوانه من ذلك وجب عليه الحج فإن أيسر بعد ذلك كان عليه اعادة الحج استحبابا.

ومن وجب عليه واقام في النيابة عنه من هو صرورة وهو الذي لم يحج قط ، كانت نيابته عنه صحيحة ، الا انها لا يجزى هذا النائب عن حجة الإسلام ، ويجب عليه إذا تمكن من الاستطاعة ، الحج عن نفسه.

ومن نذر حجة وجب ذلك عليه ، وان كانت حجة الإسلام قد وجبت عليه وجب ان يحجها أيضا ، وليس يجزى احدى هاتين الحجتين ، عن الأخرى.

وإذا كان الإنسان مخالفا للحق واتى بجميع أركان الحج لم يجزه هذه الحجة عن حجة الإسلام ، وعليه الإعادة لذلك إذا صار من أهل الحق ، وقد ذكر أنها مجزية.

« باب ما يتعلق بمن حج عن غيره على وجه النيابة وغير ذلك »

ومن أراد ان يحج عن غيره ، لم يجز له ذلك حتى يقضى ما يجب عليه منه ان كان ذلك قد وجب عليه ، ومن لم يكن له مال فإنه يجوز له الحج من غيره ، فاذا تمكن من المال بعد ذلك ، كان عليه ان يحج عن نفسه.

ومن أمر غيره ان يحج عنه متمتعا ، وكان هذا المأمور نائبا بأجرة ، لم يجز له ان يحج عنه الا كذلك ، فان حج عنه قارنا أو مفردا لم يجز له ذلك وكان عليه الحج عنه متمتعا فإن أمره أن يحج عنه قارنا أو مفردا فحج عنه متمتعا ، كان ذلك جائزا ولم يكن عليه شي ء.

فإن أمره أن يحج عنه من طريق بعينه ، جاز له المسير في غيرها ، وان امره أن يحج عنه بنفسه ، لزمه الحج كذلك ولم يجز له ان يستنيب غيره في ذلك ، الا ان يأذن له المستنيب فيه ، فإذا اذن له فيه كان جائزا.

وإذا أخذ إنسان حجة من غيره لم يجز له ان يأخذ حجة أخرى حتى يقضى الاولى ، ومن كان نائبا عن غيره فصد عن بعض الطريق ، فعليه ان يرد من اجرة النيابة بقدر ما بقي عليه الا ان يضمن الحج في المستقبل ، ومن كان نائبا عن غيره ومات قبل الإحرام ودخول الحرم وترك موروثا ، كان على وارثه ان يرد من تركته مقدار

ص: 268

ما بقي عليه من نفقة الطريق الى من استنابه في الحج عنه ، وان كان مات بعد الإحرام ودخل الحرم فقد بري ء من الحج ، ولم يجب على ورثته شي ء ، وكانت حجته مجزية عمن استنابه.

وإذا أخذ إنسان حجة وأنفق على نفسه في طريقه نفقة على وجه الاقتصاد ، ثم فضل له شي ء كان له ، وان لم يفضل له شي ء واحتاج الى زيادة ، يستحب لصاحب الحجة ان يدفع ذلك اليه ، وان لم يدفعه اليه ، لم يجب عليه شي ء ، وإذا تطوع الإنسان بالحج عن ميت ، وقد كان هذا الميت ، وجب الحج عليه ، فقد سقط عنه فرض الحج بحجة التطوع.

وإذا ترك إنسان عند غيره وديعة ثم مات ، فعلى المودع أن يأخذ منها مقدار ما يحج به عنه فيصرفه الى من ينوب عنه في الحج ، هذا من (1) علم أو غلب على ظنه ان وارثه لا يقضى عنه ، فاما ان لم يعلم ولا غلب على ظنه ذلك ، فان الواجب عليه ان لا يتعرض لأخذ شي ء من الوديعة على حال ، وان يعيدها على وارثه على حالها ،

ومن كان مخالفا في الاعتقاد فلا يجوز الحج عنه ، قريبا كان في النسب أو بعيدا إلا الأب خاصة ، فقد ذكر جواز ذلك عنه وان كان مخالفا وذلك عندي لا يصح.

وليس يجوز للمرأة الحج عن غيرها الا ان تكون عارفة وقد حجت حجة الإسلام فان لم تكن كذلك لم يجز لها الحج عن غيرها ، والنائب عن غيره في الحج ، ينبغي ان يذكره في ادعيته ومواقفه وما يتعلق به ، وان لم يذكره واعتقد ذلك في نفسه كان جائزا ، ولم يفسد بترك ذلك حجه.

« باب ما يتعلق بالنساء في الحج ».

إذا كان للمرأة زوج وعزمت على الحج ، فينبغي لها ان لا تخرج الا معه ، فان منعها من ذلك لم يجز لها مخالفته ، الا ان يكون الحجة التي تريد الخروج إليها هي حجة الإسلام وقد وجبت عليها فإنه لا يجوز لزوجها منعها من ذلك ، فان منعها

ص: 269


1- في نسخة « ان » بدل « من ».

جاز لها مخالفته في ذلك فان كان الحج تطوعا ومنعها من الخروج لم يجز لها مخالفته ، وإذا لم يخرج زوجها معها أو لم يكن لها زوج ، فينبغي لها ان لا تخرج الا مع ذي رحم محرم مثل الأب أو الأخ أو العم أو الخال ، فان لم يكن لها ذلك ، جاز لها الخروج مع من يثق بدينه وأمانته من المؤمنين.

وان كانت المرأة في عدة من طلاق فلها أيضا الخروج فيها - إذا كانت الحجة التي تريد الخروج إليها حجة الإسلام - سواء كان للزوج عليها في العدة رجعة أو لم يكن له عليها ذلك ، فان كان له عليها فيها رجعة وكانت الحجة التي تريد الخروج إليها تطوعا ، لم يجز لها الخروج إلا باذنه ، وان كانت العدة من وفاة ، جاز لها الخروج الى الحج واجبا كان أو تطوعا.

« باب الصد والإحصار ».

الحاج انما يكون مصدودا بان يمنعه العدو ويصده عن الدخول إلى مكة ، فإذا كان كذلك كان عليه ان يذبح هديه في الموضع الذي صده العدو فيه ، ويحل من جميع ما أحرم منه.

والمحصور هو الذي يلحقه من المرض ما لا يتمكن معه من الوصول إلى مكة ، فإذا لحقه ذلك على هذا الحد فينبغي له ان كان قد ساق هديا ان يبعث به الى مكة ، ثم يجتنب ما يجتنبه المحرم حتى يبلغ الهدى محله ، ومحله منى يوم النحر ان كان حاجا ، أو كان معتمرا فمحله مكة بفناء الكعبة ، وإذا بلغ هديه محله قصر من شعر رأسه وحل له كل شي ء اجتنبه الا النساء.

فان كان صرورة وجب عليه الحج من قابل ، فان لم يكن صرورة لم يكن عليه ذلك ، ويستحب له إعادته ، فان لم يعده فليس عليه شي ء ، ولا يحل له النساء الى ان يحج من قابل ان كان ممن يجب عليه الحج ، أو يأمر من يطوف عنه طواف النساء ان كان متطوعا ، وان وجد من نفسه خفة (1) بعد إنفاذه الهدي ، فعليه ان يلحق

ص: 270


1- عن المرض.

أصحابه ، فإن أدركه مكة قبل ان ينحر ، هديه ، فليقض (1) مناسكه كلها ، وليس عليه حج في القابل ان لحق أحد الموقفين ، وان لم يلحقه كان عليه الحج من قابل.

فان لم يدرك أصحابه الا بعد ان ينحروا هديه ، فقد فاته الحج ووجب عليه إعادته في العام المقبل ، فان كان هذا المحصور لم يسق هديا فليبعث ثمنه مع أصحابه ويواعدهم ان يشتروه في وقت معين ويذبحوه عنه ثم يحل هو بعد ذلك ، وإذا عاد أصحابه ولم يجدوا هديا يشترونه له به ويذبحونه عنه ، وكان قد أحل ، لم يكن عليه شي ء الا إنفاذ الثمن في العام المقبل يشترى به ، ويجتنب ما يجتنبه المحرم الى ان يذبح وينحر عنه.

والمحصور إذا كان معتمرا فعلى ما قدمنا ذكره ، (2) وجب عليه ان يعتمر في الشهر الداخل ان (3) كان اعتمر عمرة مفروضة ، وان كان متطوعا كان عليه ان يتطوع في الشهر الداخل أيضا.

ومن أحصر وكان قد أحرم بالحج قارنا فلا يجوز له ان يحج في المستقبل متمتعا ، بل يجب عليه الدخول في مثل ما خرج عنه ، وإذا أراد ان يبعث هديا تطوعا وأعد أصحابه على يوم معين واجتنب ما يجتنبه المحرم الا انه لا يلبى ، ومتى فعل شيئا مما يحرم على المحرم ، كان عليه الكفارة كما يكون المحرم ، وإذا حضر اليوم الذي واعد أصحابه عليه ، أحرم منه.

وإذا بعث الهدى من بعض الافاق وأعدهم أيضا على يوم معين ليشعروه ويقلدوه وإذا حضر ذلك اليوم اجتنب ما يجتنبه المحرم الى ان يبلغ الهدى محله ، فاذا بلغ ذلك ، أحل من كل شي ء أحرم منه.

« باب ما يتعلق بالعمرة ».

إذا حج الإنسان متمتعا بالعمرة إلى الحج سقط فرض العمرة بعد ذلك عنه ،

ص: 271


1- في بعض النسخ « فليفرض » بدل « فليقض ».
2- في بعض النسخ زيادة « الواو ».
3- في بعض النسخ « انه » والظاهر انها تصحيف والصحيح ما في المتن

فان حج قارنا أو مفردا لم يسقط فرضها عنه وكان عليه القضاء (1) لها بعد أيام التشريق وفي استقبال المحرم.

ومن اعتمر عمرة - غير متمتع بها الى الحج - في شهور الحج ثم أقام بمكة إلى ان أدرك يوم التروية كان عليه ان يحرم بالحج ويخرج إلى منى ويفعل ما يفعله الحاج ويصير بعد ذلك متمتعا فان اعتمر في أشهر الحج لم يلزمه ذلك (2).

ومن دخل مكة بعمرة مفردة في غير أشهر الحج لم يجز له التمتع بها الى الحج ، فإن أراد التمتع فعليه تجديدها في أشهر الحج ومن دخل مكة بعمرة مفردة في أشهر الحج جاز له ان يقضيها ويخرج الى اى موضع أراد ، ما لم يدركه يوم التروية ، والأفضل له ان يقيم حتى يحج ويجعلها متعة.

ومن دخل مكة بنية التمتع لم يجز له ان يجعلها مفردة ، ولا ان يخرج من مكة حتى يحج ، لأنه قد صار بذلك مرتبطا بالحج.

فاذا كان الإنسان معتمرا وساق هديا ذبحه أو نحره في الموضع الذي قدمنا ذكره ، وقد قدمنا أيضا ذكر أفضل العمرة (3) والمستحب منها فلا حاجة الى ذكر ذلك هاهنا.

« باب أحكام الحرم ».

من ظفر في الحرم بلقطة فعليه ان يعرف بها سنة فان ظفر بصاحبها دفعها اليه وان لم يظفر به تصدق بها عنه ، وان حضر صاحبها بعد ذلك ورضي بالصدقة لم يكن عليه شي ء ، فان لم يرض بها ، كان عليه ضمانها.

فاذا دخل إنسان الحرم بسلاح فلا يشهره ولا يحمله ظاهرا بل يستره.

ومن جنى جناية - يجب بها اقامة الحد عليه - وكان خارج الحرم ثم هرب

ص: 272


1- أي الإتيان بها.
2- اى لم يلزمه ادراك يوم التروية بمكة.
3- وهي ما كانت في رجب.

الى الحرم خوفا من إقامته عليه ، لم يقم عليه الحد حتى يخرج منه وينبغي في مدة مقامه ان لا يبايع ولا يعامل ويضيق عليه في المنع من الطعام والشراب حتى يخرج ، فاذا خرج ، أقيم الحد عليه.

وإذا جنى في الحرم جناية يجب فيها الحد ، أقيم عليه فيه ، وليس يكون حكمه حكم من جنى في غيره.

ومن أراد ان يبنى شيئا بمكة فلا يرفعه فوق الكعبة.

وليس لأحد ان يمنع الحاج موضعا من دور مكة ومنازلها ، لقول اللّه تعالى عزوجل ( سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ ) (1).

واما ما يتعلق بالحرم من أحكام الطير الذي لا يجوز صيده فيه ولا يجوز قتله فيه من السباع والهوام وما يجوز ، وأحكام الشجر النابت فيه وما يجوز فعله (2) وما لا يجوز ، فقد تقدم ذكر جميعه ما يغني عن إعادتها هاهنا.

« باب حد الحرم ومكة وعرفات والمشعر الحرام ».

حد الحرم من جهة المدينة على ثلاثة أميال (3) ، ومن طريق اليمن على سبعة أميال ، ومن طريق العراق على سبعة أميال ، ومن طريق جده على عشرة أميال ومن طريق الطائف على عرفة ، أحد عشر ميلا من بطن نمرة.

وحد مكة من عقبة المدنيين الى عقبة ذي طوى ، وحد عرفة من بطن عرنة وثوية ونمرة إلى ذي المجاز وحد المشعر الحرام هو ما بين المأزمين (4) إلى الحياض إلى وادي محسر.

« تم كتاب الحج »

ص: 273


1- الحج - 25.
2- كذا في بعض النسخ ولعل أصلها « قلعه ».
3- الميل ثلث الفرسخ.
4- المأزمان : الموضع الذي بين عرفة والمشعر.

« كتاب الزيارات »

« باب زيارة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله »

الحاج إذا لم يكن زار النبي صلى اللّه عليه وآله في مسيره إلى الحج ، كان عليه ان يزوره بعد الفراغ من الحج ، وكذلك من لم يزره وان (1) لم يكن حاجا مع تمكنه من ذلك. فمن توجه الى زيارته صلى اللّه عليه وآله من مكة بعد حجه فينبغي له إذا اتى مسجد الغدير - وهو على يسار المتوجه من مكة إلى المدينة دون الجحفة قليلا ، وقد ذكر ان بينه وبينها ثلاثة أميال - (2) فليدخله ، ويصلى من ميسرته ما تيسر له ، ثم يمضي إلى المدينة ، وإذا اتى في طريقه معرس (3) النبي صلى اللّه عليه وآله فلينزل به ، وان كان وقت صلاة مكتوبة أو نافلة صلاها فيه ، واضطجع به يسيرا ، وان لم يكن وقت صلاة نزل به ولا يترك ذلك ليلا كان أو نهارا ، ثم يمضى حتى يصل الى المدينة ، فإذا قاربها فليغتسل لدخولها. فان لم يتمكن من ذلك اغتسل بعد دخولها ، ثم يجر (4) رجله ويلبس أنظف ثيابه ،

ص: 274


1- في بعض النسخ « وان يكن حاجا » والصحيح ما في المتن.
2- في بعض النسخ زيادة « قليلا ».
3- المعرس موضع كان يعرس فيه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو على فرسخ من المدينة بقرب مسجد الشجرة.
4- في بعض النسخ « يجرد » الا ان « الدال » المضروب عليها ولكن من المحتمل قريبا لزومها والمعنى : يجرد اى « يخلع » رجله عن النعل ، ويحتمل ان يكون ما في المتن صحيحا والمراد حينئذ ان يقرب بين الخطوات ويقصرها ، فإنه عند قصرها يشبه جر الرجل.

ويدخل ، فاذا وصل اليه دخل من باب جبرئيل عليه السلام ، فاذا صار بالباب وقف به ، ثم قال : « بسم اللّه وباللّه السلام على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، اشهد ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ، واشهد ان محمدا عبده ورسوله » صلى اللّه عليه وآله.

ثم يقدم رجله اليمنى ، ويدخل الى قبره صلى اللّه عليه وآله ، فاذا صار عنده زاره عليه وآله السلام.

« باب كيفية زيارة النبي صلى اللّه عليه وآله »

إذا صار عند قبره عليه وآله السلام ، وقف عند الاستوانة المقدمة من جانب القبر الأيمن عند زاويته من رأسه ، فيكون منكبه الأيمن مما يلي موضع المنبر ، والأيسر إلى جانب القبر ، فاذا استقر في وقوفه كما ذكرناه ، قال : « اشهد ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له ، واشهد ان محمدا عبده ورسوله صلى اللّه عليه وآله ، وأشهد أنك رسول اللّه ، وانك محمد بن عبد اللّه ، وأشهد انك قد بلغت رسالات ربك ، ونصحت لأمتك ، وجاهدت في سبيل اللّه حق جهاده ، داعيا إلى طاعة اللّه ، وزاجرا عن معصيته ، وانك لم تزل بالمؤمنين رؤفا رحيما ، وعلى الكافرين غليظا حتى أتاك اليقين ، فبلغ اللّه بك أشرف محل المكرمين. الحمد لله الذي استنقذنا بك من الشرك والضلال ، اللّهم فاجعل صلواتك وصلاة ملائكتك المقربين وعبادك الصالحين وأنبيائك المرسلين وأهل السماوات والأرضين ممن سبح لك يا رب العالمين من الأولين والآخرين على محمد عبدك ورسولك ونبيك وأمينك ونجيبك وحبيبك وصفيك وخاصتك وصفوتك وخيرتك من خلقك ، اللّهم ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون ، اللّهم امنحه أشرف محله ومرتبته ، وارفعه إلى أسنى درجة ومنزلة ، وأعطه الوسيلة والفضيلة والرتبة العالية الجليلة كما بلغ ناصحا ، وجاهد في سبيلك ، وصبر على الأذى في جنبك وأوضح دينك ، واقام حججك ، وهدى الى طاعتك ، وأرشد إلى مرضاتك ، اللّهم صل عليه وعلى الأئمة الأبرار من ذريته ، والصفوة الأخيار من عترته ، وسلم عليهم أجمعين تسليما ».

ص: 275

اللّهم انى لا أجد سبيلا إليك سواهم ، ولا ارى شفيعا مقبول الشفاعة عندك غيرهم ، فبهم أتقرب إلى رحمتك ، وبولايتهم أرجو جنتك ، وبالبراءة من أعدائهم آمل الخلاص من عذابك.

اللّهم فاجعلني بهم عندك وجيها في الدنيا والآخرة ، وارحمني يا ارحم الراحمين » ، ثم يستقبل (1) بوجهه النبي صلى اللّه عليه وآله ، ويجعل القبلة خلف ظهره ، والقبر امامه ، ويقول « السلام عليك يا نبي اللّه ورسوله صلى اللّه عليه وآله ، السلام عليك يا صفوة اللّه وخيرته من خلقه ، (2) السلام عليك يا أمين اللّه وحجته ، السلام عليك يا خاتم النبيين وسيد المرسلين ، السلام عليك ايها البشير النذير ، السلام عليك أيها الداعي الى اللّه باذنه والسراج المنير.

السلام عليك وعلى أهل بيتك الذين اذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، أشهد انك يا رسول اللّه آتيت بالحق ، وقلت الصدق ، والحمد لله الذي وفقني للايمان بك والتصديق بنبوتك ، ومن على بطاعتك واتباع سبيلك ، وجعلني اللّه من أمتك والمجيبين لدعوتك ، هداني الى معرفتك ومعرفة الأئمة من ذريتك ، أتقرب الى اللّه بما يرضيك ، وأبرئ الى اللّه مما يسخطك ، مواليا لأوليائك ، معاديا لأعدائك ، جئتك يا رسول اللّه زائرا ، وقصدتك راغبا ، متوسلا الى اللّه سبحانه وأنت صاحب الوسيلة والمنزلة الجليلة والشفاعة المقبولة والدعوة المسموعة ، فاشفع لي الى اللّه تعالى في الغفران والرحمة والتوفيق والعصمة ، فقد غمرت الذنوب ، وشملت العيوب ، وأثقل الظهر ، وتضاعف الوزر ، وقد أخبرتنا - وخبرك الصدق - انه تعالى قال - وقوله الحق - ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوّاباً رَحِيماً ) (3).

وقد جئتك يا رسول اللّه مستغفرا من ذنوبي تائبا من معاصي وسيئاتي ، وإنني

ص: 276


1- في بعض النسخ « تستقبل وجه النبي (صلی الله عليه وآله) ».
2- وفي بعض النسخ ابتدأ من « السلام عليك يا أمين اللّه ».
3- النساء : 64.

أتوجه بك الى اللّه ربي وربك ، ليغفر لي ذنوبي ، فاشفع لي يا شفيع الأمة ، وأجرني (1) يا نبي الرحمة صلى اللّه عليك وعلى آلك الطاهرين ».

ويجتهد في المسئلة ، ثم يستقبل القبلة بعد ذلك بوجهه وهو في موضعه ، ويجعل القبر من خلفه ، ويقول : اللّهم إليك ألجأت أمري ، والى قبر نبيك ورسولك أسندت ظهري ، والى القبلة التي ارتضيتها استقبلت بوجهي ، اللّهم انى لا أملك لنفسي خير ما أرجو ، ولا ادفع عنها سوء ما أحذر ، والأمور كلها بيدك ، فاسئلك بحق محمد وعترته وقبره الطيب المبارك وحرمته ان تصلى عليه وآله ، وان تغفر لي ما سلف من جرمي وتعصمني من المعاصي في مستقبل عمرى ، وتثبت على الإيمان قلبي ، وتوسع على رزقي ، وتسبغ على النعم ، وتجعل قسمي من العافية أو فر القسم ، وتحفظني في أهلي ومالي وولدي وتكلانى من الأعداء ، وتحسن لي العافية (2) في الدنيا ومنقلبي في الآخرة اللّهم اغفر لى ولوالدي ولجميع المؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات انك على كل شي ء قدير ».

ويقرء سورة « إنا أنزلناه في ليلة القدر » احدى وعشرين مرة. ثم يزور في الروضة مولاتنا السيدة فاطمة صلوات اللّه عليها.

« باب زيارة مولاتنا السيدة فاطمة صلوات اللّه عليها »

الروضة هي مما بين القبر والمنبر إلى الأساطين التي تلي صحن المسجد ، وليس في الصحن من الروضة شي ء فاذا صار بالروضة فليقل : « السلام على البتول الشهيدة بنت نبي الرحمة ، وزوج الوصي الحجة ، وأم السادة الأئمة ، السلام عليك يا فاطمة الزهراء بنت النبي المصطفى ، السلام عليك وعلى أبيك وبعلك ونبيك ، السلام عليك أيتها الممتحنة ، السلام عليك أيتها المظلومة الصابرة ، لعن اللّه من

ص: 277


1- وفي بعض النسخ « واجزنى ».
2- كذا في بعض النسخ ولعل أصلها « العاقبة ».

منعك حقك ودفعك عن إرثك ، ولعن اللّه من كذبك واغمك (1) وغصك بريقك (2) وادخل بيتك.

ولعن اللّه من رضي بذلك ، وشائع فيه واختاره وأعان عليه ، وألحقهم بدرك الجحيم ، أتقرب الى اللّه سبحانه بولايتكم أهل البيت ، وبالبراءة من أعدائكم من الجن والانس وصلى اللّه على محمد وآله الطاهرين ».

ثم يعود الى المنبر ، ويمسح رمانتيه بيده ، ويمسح بهما وجهه وعينيه ، ويقف مستقبل القبلة - فيحمد اللّه تعالى ويثنى عليه ويصلى على النبي وآله عليهم السلام ويقول « لا إله إلا اللّه الحليم الكريم ، لا إله إلا اللّه العلى العظيم ، سبحان اللّه رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين » ثم يقف عند المقام.

« باب الوقوف عند مقام النبي صلى اللّه عليه وآله وما يفعل ويقال فيه »

فاذا صار عند مقام النبي صلى اللّه عليه وآله وهو بين القبر والمنبر في الروضة وقف عند الأسطوانة المحلقة (3) التي تلي المنبر وجعله ما بين يديه ، وصلى اربع ركعات ، وان لم يتمكن فركعتين للزيارة ، فإذا سلم منهما قال : « اللّهم هذا مقام نبيك وخيرتك من خلقك ، جعلته روضة من رياض جنتك وشرفته على بقاع أرضك ، وقد أقمتني فيه بلا حول كان منى في ذلك الا رحمتك ، فأسألك في هذا المقام الطاهر ان تصلى على محمد وعلى آل محمد وان تعيذني من النار ، وتمن على بالجنة وترحم موقفي وتغفر زلتى وتزكى عملي ، وتوسع لي رزقي ، وتديم عافيتي ، وتسبغ نعمتك على ، وتحرسني من كل متعد على وظالم لي ، وتطيل عمرى ، وتوفقني لما يرضيك عنى ،

ص: 278


1- في نسخة « أعنتك » بدل « اغمك »
2- في نسخة « بريتك » بدل « بريقك ».
3- أي كثيرة الحلوق

وتعصمني عما يسخطك على ، اللّهم إني أتوسل إليك بنبيك وأهل بيته حججك على خلقك ، (1) وأمنائك في أرضك ان تستجيب دعائي وتبلغني من الدين والدنيا املى ورجائي ، يا سيدي ومولاي قد سألتك فلا تخيبني ، ورجوت فضلك فلا تحرمني وانا الفقير الى رحمتك الذي ليس له غير إحسانك ، وبفضلك أسألك أن تحرم شعري وبشرى على النار ، وتأتيني من الخير ما علمته منه وما لم اعلم ، وادفع عنى من الشر ما علمت منه وما لم اعلم ، اللّهم اغفر لي ولوالدي ولجميع المؤمنين والمؤمنات ثم يقف عند مقام جبرئيل (عليه السلام) ويدعو ويقول : « اى جواد ، اى كريم ، اى قريب اى بعيد أسألك ان تصلى على محمد وآل محمد ، وان توفقني لطاعتك ولا تزيل عنى نعمتك ، وان ترزقني الجنة برحمتك ، وتوسع على من فضلك ، وتغنيني عن شرار خلقك ، وتلهمني شكرك وذكرك ، ولا تخيب يا رب دعائي ولا تقطع رجائي بحق محمد وآل محمد صلى اللّه عليهم أجمعين ».

« باب زيارة الأئمة عليهم السلام بالبقيع »

فإذا أراد المضي إلى البقيع فليغتسل ويزور الأئمة عليهم السلام بزيارة واحدة والذين بالبقيع من الأئمة عليهم السلام هم : أبو محمد الحسن بن على وأبو محمد على بن الحسين زين العابدين وأبو جعفر محمد بن على الباقر وأبو عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق صلوات اللّه عليهم أجمعين.

وجميعهم في موضع واحد وقبر واحد ، وإذا اتى هذا القبر جعله من بين يديه وقال : « السلام عليكم أئمة الهدى ، السلام عليكم ايها الحجج على أهل الدنيا ، السلام عليكم ايها القوامون في البرية بالقسط ، السلام عليكم أهل الصفوة ، السلام عليكم أهل النجوى ، اشهد انكم قد بلغتم ونصحتم وصبرتم في ذات اللّه ، وكذبتم واسيى ء إليكم فغفرتم ، واشهد انكم الأئمة الراشدون المهديون ، وان طاعتكم مفروضة ،

ص: 279


1- وفي نسخة « وآياتك في أرضك »

وان قولكم الصدق ، وانكم دعوتم فلم تجابوا ، وأمرتم فلم تطاعوا ، وانكم دعائم الحق وأركان الأرض ، لم تزالوا بعين اللّه عزوجل ينسخكم في أصلاب كل مطهر ، وينقلكم في الأرحام الطاهرات ، لم تدنسكم الجاهلية الجهلاء ، ولم يستوفيكم (1) فتن الأهواء ، طبتم وطهرتم ، فمن اللّه بكم علينا ديان يوم الدين ، فجعلكم ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ) ، وجعل صلواتنا (2) عليكم رحمة لنا وكفارة لذنوبنا ، فاختاركم لنا فطيب خلقنا بما من به علينا من ولايتكم ، وكنا عنده مسلمين ، وهذا مقام من أسرف وأخطأ ، واستكان وأقر بما جنى ، يرجو بمقامه الخلاص ، وان يستنقذه اللّه بكم مستنقذ الهالكين ، فكونوا شفعائي (3) فقد وفدت إليكم إذ رغب مخالفوكم عنكم من أهل الدنيا ، واتخذوا آيات اللّه هزوا ، واستكبروا عنها. يا من هو قائم لا يسهو ، ودائم لا يلهو ومحيط بكل شي ء لك المن بما وفقتني ، وعرفتني بما أعنتني عليه إذ صد عنه عبادك ، وجهلوا معرفتهم ، واستخفوا بحقهم ، ومالوا (4) الى سواهم ، وكانت المنة لك على ومنك الى ، فلك الحمد إذ كنت عندك في مقامي مذكورا مكتوبا ، فلا تحرمني ما رجوت ، ولا تخيبني فيما دعوت » وليدع لنفسه بما أراد ، ثم يزور الشهداء بأحد بعد ذلك.

« باب زيارة الشهداء بأحد »

ينبغي لمن أراد ذلك مع التمكن ان يبتدئ في زيارة الشهداء بأحد بزيارة حمزة (عليه السلام).

« باب زيارة قبر حمزة عليه السلام »

إذا اتى قبر حمزة عليه السلام فليقل : « السلام عليك يا عم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله

ص: 280


1- في نسخة « لم يسر » وفي أخرى « لم يستر » وفي البحار « لم تشرك »
2- في نسخة « صلاتنا »
3- في نسخة « فكونوا له شفعاء »
4- في نسخة « ماتوا » بدل « مالوا »

السلام عليك يا خير الشهداء ، السلام عليك يا أسد اللّه وأسد رسوله أشهد انك قد جاهدت في اللّه عزوجل ، وجدت بنفسك ونصحت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وكنت فيما عند اللّه سبحانه راغبا ، بأبي أنت وأمي أتيتك متقربا الى اللّه عزوجل بزيارتك ، ومتقربا الى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بذلك ، راغبا إليك في الشفاعة وابتغى بزيارتك خلاص نفسي متعوذا بك من نار استحققتها بما جنيت على نفسي هاربا من ذنوبي التي احتطبتها على ظهري فزعا إليك رجاء رحمة ربي ، أتيتك استشفع بك الى مولاي ، وأتقرب به (1) الى الهى ليقضى بك حوائجي ، وأتيتك من شقة بعيدة طالبا فكاك رقبتي من النار ، وقد أوقرت ظهري ذنوبي ، وأتيت ما أسخط ربي ولم أجد أحدا أفزع اليه خيرا لي منكم أهل البيت والرحمة ، وكن لي شفيعا يوم حاجتي وفاقتي ، فقد أتقرب إليك محزونا ، وأتيتك مكروبا ، وزرتك مغموما ، وسكنت عندك باكيا ، وخرجت إليك منفردا ، أنت ممن أمرني اللّه بصلته ، وحثني على بره ، ودلني على فضله ، وهداني بحبه ، ورغبني في الوفادة اليه وألهمني طلب حوائجي عنده ، أنتم أهل البيت لا يشقى من يتولاكم ولا يخيب من أتاكم ، ولا يخسر من يهويكم ، ولا يسعد من عاداكم » ثم يستقبل القبلة ، ولا يجعل القبر بين يديه ، ويصلى ، فاذا فرغ من صلاته فلينكب على القبر ، وليقل : « اللّهم صل على محمد وآل محمد اللّهم انى تعرضت لرحمتك بلزومي لقبر عم نبيك صلى اللّه عليه وآله لتجيرني من نقمتك وسخطك وتقيلني يوم يكثر فيه الأصوات ، ويشتغل فيه كل نفس بما قدمت وتجادل عن نفسها فإن ترحمني اليوم فلا خوف على ولا حزن ولا تعاقب فمولى له القدرة على عبده.

اللّهم فلا تخيبني بعد اليوم ، ولا تصرفني بغير حاجتي فقد لصقت بقبر عم نبيك وتقربت به إليك ابتغاء مرضاتك ورجاء رحمتك ، وتقبل منى ، وعد بحملك على جهلي ، وبرأفتك على جناية نفسي ، فقد عظم جرمي ، وما أخاف ان تظلمني

ص: 281


1- في بعض النسخ « ببينة » بدل « به »

ولكن أخاف سوء الحساب ، فانظر اليوم تقلبي على قبر عم نبيك عليهما السلام ، فبهما فكني من النار ، ولا تخيب سعيي ولا يهون عليك ابتهالي ولا يحجبني (1) عنك صوتي ولا تقلبني بغير حوائجي يا غياث كل مكروب ومحزون ، يا مفرجا عن الملهوف الحيران الغريق المشرف على الهلكة ، صل على محمد وآل محمد ، وانظر الى نظرة لا أشقى بعدها ابدا ، وارحم تضرعي وعبرتي وانفرادي فقد رجوت رضاك ، وتخيرت الخير الذي لا يعطيه أحد سواك فلا ترد املى.

اللّهم ان تعاقب فمولى (2) له القدرة على عبده ، وجزاء سوء عمله ، (3) فلا أخيبن اليوم ، ولا تصرفني بغير حاجتي ، ولا تخيبن شخوصي ووفادتي فقد أنفدت نفقتي واتبعت بدني وقطعت المفازات وخلفت الأهل والمال وما خولتني ، وأثرت ما عندك على نفسي ولذت بقبر عم نبيك صلى اللّه عليه وآله وتقربت به إليك ابتغاء مرضاتك ، فعد بحلمك على جهلي ، وبرأفتك على ذنبي ، فقد عظم جرمي برحمتك يا كريم ».

« باب زيارة قبور الشهداء بأحد بعد حمزة »

إذا اتى قبور الشهداء بأحد : فليقل « السلام عليكم يا أنصار اللّه وأنصار رسوله عليه وآله السلام ، ( سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ ، فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ ) السلام عليكم يا أهل الديار أنتم لنا فرط وانا بكم لاحقون ، اللّهم انفعني بزيارتهم » ، ويقرء سورة إنا أنزلنا

« باب ذكر المشاهد الشريفة ».

وينبغي ان يصلى في المشاهد المعظمة ان تمكن من ذلك ، ويبتدئ منها بمسجد قباء ، وهو الذي أسس على التقوى فيصلي فيه عند الأسطوانة التي عند المحراب ويدعو اللّه تعالى بما أراد.

ص: 282


1- في نسخة « ولا يحجبن »
2- في نسخة « فهو لمولى » بدل « فمولى »
3- وفي نسخة « سوء فعله »

ومنها مشربة أم إبراهيم وهي مسكن النبي صلى اللّه عليه وآله.

ومنها مسجد الفضيح ، فقد ذكر انه الذي ردت فيه الشمس لأمير المؤمنين عليه السلام لما نام النبي صلى اللّه عليه وآله في حجره.

ومنها مسجد الأحزاب وهو مسجد الفتح ، فاذا فرغ من الصلاة فيه قال : « يا صريخ المكروبين ويا مجيب دعوة المضطرين يا مغيث المهمومين اكشف همي وكربي وغمي كما كشف ذلك عن نبيك صلواتك عليه وآله في هذا المكان ».

ومنها مسجد أمير المؤمنين عليه السلام المقابل لقبر حمزة والذي عنده مسجد الفتح.

ومنها دار زين العابدين على بن الحسين عليهما السلام.

ومنها مسجد سلمان رضي اللّه عنه ، فإذا أراد المجاورة بالمدينة فليجاور ففي ذلك فضل كثير.

« باب المجاورة بالمدينة ».

المجاورة بالمدينة مستحبة وبمكة مكروهة فمن جاور بالمدينة واقام بها فينبغي له ان يكثر من الصلاة في مسجد النبي صلى اللّه عليه وآله ، ويعتكف فيه ثلاثة أيام : أربعاء وخميسا وجمعة ، ويصلى ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة وهي أسطوانة التوبة ، ويقعد عندها يوم الأربعاء ، ويصلى ليلة الخميس عند الأسطوانة التي تلي مقام النبي صلى اللّه عليه وآله.

ويزور الأئمة عليهم السلام بالبقيع ويتوجه حيث شاء ان شاء اللّه تعالى ويصلى ليلة الجمعة عند مقام النبي صلى اللّه عليه وآله.

ويودع الأئمة عليهم السلام بالبقيع ويتوجه حيث شاء ان شاء اللّه تعالى.

« باب وداع النبي صلى اللّه عليه وآله ».

ومن أراد الخروج من المدينة ووداع النبي صلى اللّه عليه وآله فليغتسل بعد فراغه من حوائجه ، فإن كان نائبا عن غيره ذكر من هو نائب عنه عند غسله ، ودعا له.

ثم يدخل الى قبره عليه السلام ، ويفعل عنده مثل ما فعل عنده لزيارته وليقل « اللّهم لا تجعله آخر العهد منى لزيارة قبر نبيك صلى اللّه عليه وآله فإن توفيتني قبل ذلك

ص: 283

فإني أشهد في مماتي على ما شهدت عليه في حياتي ان لا إله إلا أنت وان محمدا عبدك ورسولك صلى اللّه عليه وآله » وان كان نائبا عن غيره دعا له ، وذكر انه نائب عنه في هذا الوداع.

« باب وداع الأئمة عليهم السلام بالبقيع »

ومن أراد وداع الأئمة عليهم السلام بالبقيع فليأته وإذا وقف على قبرهم جعله بين يديه وقال : « السلام عليكم أئمة الهدى ورحمة اللّه وبركاته ، أمنت باللّه والرسول وبما جئتم به ودللتم عليه ، اللّهم اكتبنا مع الشاهدين ، اللّهم لا تجعله آخر العهد منى لزيارتهم ، وارزقنيها ابدا ما أحييتني ، فاذا توفيتني فاحشرني معهم وفي زمرتهم ، استودعكم اللّه واقرء عليكم السلام ».

وان كانت له حاجة ذكرها ، وتوجه حيث يشاء.

« باب زيارة أمير المؤمنين على بن ابى طالب صلوات اللّه عليه »

ومن أراد زيارة أمير المؤمنين عليه السلام فليأت مشهده وهو على غسل ، ويقف على قبره ويستقبله بوجهه ، ويجعل القبلة بين كتفيه كما فعل في زيارة النبي صلى اللّه عليه وآله.

ثم يقول : « السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة اللّه وبركاته ، السلام عليك يا ولى اللّه ، السلام عليك يا صفوة اللّه ، السلام عليك يا حبيب اللّه ، السلام عليك يا حجة اللّه السلام عليك يا سيد الوصيين ، السلام عليك يا خليفة رسول رب العالمين ، أشهد انك قد بلغت عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ما حملك ، وحفظت ما استودعك ، وحللت حلال اللّه وحرمت حرام اللّه ، وتلوت كتاب اللّه ، وصبرت على الأذى في جنب اللّه ، محتسبا حتى أتاك اليقين ، لعن اللّه من خالفك ولعن اللّه من قتلك (1) ولعن اللّه من بلغه ذلك فرضي به انا الى اللّه منهم بري ء » (2).

ثم انكب على القبر فيقبله ويضع خده الأيمن عليه ثم الأيسر ثم يتحول الى

ص: 284


1- في نسخة « قاتلك » بدل « قتلك »
2- في نسخة « برءآء » بدل « بري ء »

عند الرأس فيقف عليه ويقول : « السلام عليك يا وصى الأوصياء ووارث علم الأنبياء ، أشهد لك يا ولى اللّه بالبلاغ والأداء ، أتيتك زائرا عارفا بحقك ، مستبصرا بشأنك مواليا لأوليائك ، معاديا لأعدائك متقربا الى اللّه تعالى ، بزيارتك في خلاص نفسي وفكاك رقبتي من النار وقضاء حوائجي للدنيا والآخرة ، فاشفع لي عند ربك صلوات اللّه عليك ورحمة اللّه وبركاته ».

ثم يقبل القبر ويضع خده عليه ويرفع رأسه ، ويصلى ست ركعات حسب ما قدمنا ذكره.

فإذا أراد وداعه عليه السلام فليقف على قبره كما وقف أولا ، ثم يقول : « السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة اللّه وبركاته ، استودعك اللّه وأسترعيك اللّه واقرء عليك السلام آمنا باللّه وبالرسول وبما جئت به ودللت عليه ، اللّهم اكتبنا مع الشاهدين ، اللّهم لا تجعله آخر العهد لزيارة وليك ، وارزقني العود إليه أبدا ما أبقيتني ، فاذا توفيتني فاحشرني معه ومع ذريته الأئمة الراشدين عليه وعليهم السلام » ويدعو بعد ذلك بما شاء اللّه.

« باب زيارة أبي محمد الحسن بن على صلوات عليهما »

هذه الزيارة قد تقدم ذكرها في باب زيارة الأئمة عليهم السلام بالبقيع.

« باب زيارة سيدنا ابى عبد اللّه الحسين بن على عليهما السلام. »

من أراد زيارته عليه السلام فليأت مشهده بعد ان يغتسل ويلبس اطهر ثيابه ، فاذا وقف على قبره استقبله بوجهه ، وجعل القبلة بين كتفيه ويقول : « السلام عليك يا بن رسول اللّه ، السلام عليك يا بن أمير المؤمنين ، السلام عليك يا بن الصديقة الطاهرة سيدة نساء العالمين ، السلام عليك يا مولاي يا أبا عبد اللّه ورحمة اللّه وبركاته ».

أشهد انك قد أقمت الصلاة وأتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ، ونهيت عن المنكر ، وتلوت الكتاب حق تلاوته ، وجاهدت في اللّه حق جهاده ، وصبرت

ص: 285

على الأذى في جنبه محتسبا حتى أتاك اليقين.

اشهد ان الذين خالفوك وحاربوك وان الذين خذلوك وان الذين قتلوك ، ملعونون على لسان النبي الأمي ، وقد خاب من افترى ، لعن اللّه الظالمين لكم من الأولين والآخرين وضاعف عليهم العذاب الأليم ، أتيتك يا مولاي يا بن رسول اللّه زائر عارفا بحقك ، مواليا لأوليائك ، معاديا لأعدائك مستبصرا بالهدي الذي أنت عليه ، عارفا بضلالة من خالفك فاشفع لي عند اللّه ربك (1).

ثم ينكب على القبر ويضع خده عليه ويتحول الى عند الرأس ويقول : « السلام عليك يا حجة اللّه في أرضه وسمائه صلى اللّه على روحك الطيب وجسدك الطاهر وعليك يا مولاي ورحمة اللّه وبركاته ».

ثم ينكب على القبر فيقبله ويضع خديه عليه ويتحول الى عند الرأس فيصلي ركعتين للزيارة ، ويصلى بعدهما ما تيسر ، ويتحول الى عند الرجلين فيزور على بن الحسين صلوات اللّه عليهما ويقول : « السلام عليك يا مولاي وابن مولاي ورحمة اللّه وبركاته لعن اللّه من ظلمك ولعن اللّه من قتلك ، وضاعف عليهم العذاب الأليم » ثم يدعو بما أراد. ويزور الشهداء منحرفا من عند الرجلين إلى القبلة ويقول « السلام عليكم ايها الشهداء الصابرون أشهد أنكم جاهدتم في سبيل اللّه وصبرتم على الأذى في جنب اللّه ونصحتم لله ولرسوله ولابن رسوله حتى أتاكم اليقين. اشهد انكم احياء عند ربكم ترزقون ، فجزاكم اللّه عن الإسلام واهله أفضل جزاء المحسنين وجمع بيننا وبينكم في محل النعيم ».

ثم يمضي إلى قبر العباس بن أمير المؤمنين عليهما السلام فإذا أتاه وقف عليه وقال : « السلام عليك يا بن أمير المؤمنين ، السلام عليك ايها العبد الصالح. المطيع لله ولرسوله ، أشهد انك قد جاهدت ونصحت وصبرت حتى أتاك اليقين لعن اللّه الظالمين من الأولين والآخرين وألحقهم بدرك الجحيم ».

ص: 286


1- في نسخة « عند ربك »

ثم يصلى في مسجده تطوعا ما أراد وينصرف فإذا أراد وداع سيدنا ابى عبد اللّه عليه السلام عند انصرافه من مشهده فيقف على قبره كما وقف عليه أولا ويقول : « السلام عليك يا مولاي يا أبا عبد اللّه ، هذا أو ان انصرافي غير راغب عنك ولا مستبدل بك غيرك ، واستودعك اللّه واقرء عليك السلام ، آمنا باللّه وبالرسول وبما جئت به ودللت عليه ، اللّهم فاكتبنا مع الشاهدين ، اللّهم لا تجعل زيارتي هذه آخر العهد من زيارته وارزقني العود إليه أبدا ما أحييتني فاذا توفيتني فاحشرني معه واجمع بيني وبينه في جنات النعيم » ، ويدعو بعد ذلك بما أراد ثم ينصرف.

« باب زيارة أبي الحسن على بن الحسين زين العابدين وابى جعفر محمد ، بن على الباقر وابى عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق صلوات اللّه عليهم »

هذه الزيارة تقدم ذكرها في باب زيارة الأئمة عليهم السلام بالبقيع.

« باب زيارة أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام »

من أراد هذه الزيارة فليغتسل ثم يقف على قبره كما قدمناه ويقول : « السلام عليك يا نور اللّه في ظلمات الأرض ، السلام عليك يا ولى اللّه ، السلام عليك يا حجة اللّه ، السلام عليك يا باب اللّه ، أشهد انك قد أقمت الصلاة وأتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر ، وتلوت الكتاب حق تلاوته ، وجاهدت في اللّه حق جهاده ، وصبرت على الأذى في جنبه ، محتسبا وعبدته مخلصا حتى أتاك اليقين ، ابرأ الى اللّه من أعدائك ، وأتقرب الى اللّه بموالاتك ، أتيتك يا مولاي زائرا عارفا بحقك مواليا لأوليائك معاديا لأعدائك فاشفع لي عند ربك ».

ثم ينكب على القبر فيقبله ويضع خديه عليه ، ويتحول الى عند الرأس ويقف ويقول : « السلام عليك يا بن رسول اللّه ، أشهد أنك صادق صديق أديت ناصحا وقلت أمينا ، ولا تؤثر عمى على هدى ولم تمل من حق الى باطل ، صلى اللّه عليك ورحمة وبركاته ».

ثم يقبل القبر ويصلى ركعتين ، ويصلى بعدهما ما أراد ، ويتحول الى عند

ص: 287

الرجلين ويدعو اللّه بما أراد.

فإذا أحب وداعه عند انصرافه ، وقف على قبره كما وقف عليه أولا ، وقال : « السلام عليك يا مولاي يا أبا إبراهيم ورحمة اللّه وبركاته استودعك واقرء عليك السلام ، آمنا باللّه والرسول وبما جئت به ودللت عليه ، اللّهم اكتبنا مع الشاهدين ».

« باب زيارة أبي الحسن على بن موسى عليهما السلام »

ومن أراد هذه الزيارة اغتسل ووقف على قبره كما قدمناه ثم يقول : « السلام عليك يا ولى اللّه وابن وليه ، السلام عليك يا حجة اللّه وابن حجته ، السلام عليك يا امام الهدى والعروة الوثقى ورحمة اللّه وبركاته. أشهد أنك مضيت على ما مضى عليه أبوك وأجدادك الطاهرون عليهم السلام ، لم تؤثر عمى على هدى ، ولم تمل من حق الى باطل ، وانك نصحت لله ولرسوله وأديت الامانة ، فجزاك اللّه عن الإسلام واهله خير الجزاء ، أتيتك بأبي أنت وأمي زائرا عارفا بحقك مواليا لأوليائك معاديا لأعدائك فاشفع لي عند ربك عزوجل ».

ثم ينكب على القبر فيقبله ويضع خديه عليه ، ويتحول إلى الرأس ويقول « السلام عليك يا مولاي يا بن رسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته. أشهد أنك الامام الهادي والولي المرشد ابرأ الى اللّه من أعدائك وأتقرب الى اللّه بموالاتك صلى اللّه عليك ورحمة اللّه وبركاته ».

ثم يصلى ركعتين ، ويصلى بعدهما ما أحب ، ويتحول الى عند الرجلين ويدعو عندهما بما أحب وشاء.

فإذا أراد وداعه عند الانصراف ، وقف على قبره كوقوفه عليه أولا وقال : « السلام عليك يا مولاي يا أبا الحسن ورحمة اللّه وبركاته استودعك اللّه واقرء عليك السلام ، آمنا باللّه وبالرسول وبما جئت به ودللت عليه اللّهم اكتبنا مع الشاهدين ». ثم ينكب على القبر ويقبله ويضع خديه عليه وينصرف.

ص: 288

« باب زيارة أبي جعفر محمد بن على بن موسى عليهم السلام »

إذا زرت جده موسى بن جعفر (عليه السلام) فادخل عليه قبل خروجك واحداثك بشي ء ينقض الطهارة ، وقف على قبره وأنت مستقبل وجهك لوجهه (عليه السلام) وقل : « السلام عليك يا حجة اللّه ، السلام عليك يا ولى اللّه ، السلام عليك يا نور اللّه في ظلمات الأرض ، أشهد انك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة ، وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر وتلوت الكتاب حق تلاوته وجاهدت في اللّه حق جهاده ، وصبرت على الأذى في جنبه حتى أتاك اليقين ، أتيتك زائرا عارفا بحقك ، مواليا لأوليائك ، معاديا لأعدائك فاشفع لي عند ربك ».

ثم قبل القبر ، وضع خديك عليه ، وصل ركعتين ، وصل بعدهما ما تيسر لك وادع اللّه سبحانه.

فإذا أردت وداعه فقف على القبر كما وقفت عليه أولا حين بدأت بزيارته وقل : « السلام عليك يا مولاي يا بن رسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته استودعك اللّه » ، واقرء عليك السلام ، أمنا باللّه وبالرسول وبما جئت به ودللت عليه ، اللّهم اكتبنا مع الشاهدين » ، ثم اسئل (1) اللّه سبحانه ان لا يجعله آخر العهد منك ، وادع بما أحببت وقبل القبر وضع خديك عليه ثم انصراف.

« باب زيارة أبي الحسن على بن محمد بن على بن موسى » « وابى محمد الحسن بن على عليهم السلام »

وإذا أتيت « سر من رأى » فاغتسل قبل دخول المسجد ، فاذا دخلته فقف على قبريهما واجعل وجهك تلقاء القبلة وقل : « السلام عليكما يا ولى اللّه ، السلام عليكما يا حجتي اللّه ، السلام عليكما يا نوري اللّه في ظلمات الأرض ، السلام عليكما يا أميني اللّه ، أتيتكما زائرا لكما عارفا بحقكما مؤمنا بما آمنتما به ، كافرا بما كفرتما به ،

ص: 289


1- في بعض النسخ « يسئل » والظاهر انها تصحيف والصحيح ما أثبتناه.

محققا لما حققتما ، مبطلا لما أبطلتما اسأل اللّه ربي وربكما ان يجعل حظي من زيارتكما مغفرة ذنوبي ، واعطائى مناي ، وان يصلى على محمد وآل محمد ، وان يرزقني شفاعتكما ، ولا يفرق بيني وبينكما في الجنة ، برحمته.

ثم ارفع يديك بالدعاء وقل : « اللّهم ارزقني حب محمد وآل محمد وتوفني على ولايتهم ، اللّهم العن ظالمي أهل بيت نبيك ، وانتقم منهم ، اللّهم عجل فرج وليك وابن وليك واجعل فرجنا مقرونا بفرجهم ».

ثم صل مكانك اربع ركعات وصل بعدها ما أحببت وادع اللّه كثيرا.

وإذا أردت وداعهما عند انصرافك فقف على قبريهما كما وقفت في أول دخولك وقل : « السلام عليكما يا ولى اللّه أستودعكما اللّه واقرء عليكما السلام ، آمنا باللّه وبالرسول وبما جئتما به ودللتما عليه ، اللّهم اكتبنا من الشاهدين ».

ثم اسئل اللّه تعالى العود إليهما وداع بما شئت.

* * *

« باب زيارة جامعة لسائر المشاهد على أصحابنا أفضل السلام »

إذا أردت زيارة واحد من الأئمة عليهم السلام أجزأك ان تقول : « السلام على أولياء اللّه وأصفيائه ، السلام على أنبياء اللّه وأحبائه ، السلام على أنصار اللّه وخلفائه السلام على محال معرفة اللّه ، السلام على معادن حكمة اللّه ، السلام على مساكن ذكر اللّه ، السلام على عباد اللّه المكرمين ، الذين لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون ، السلام على المستقرين في مرضات اللّه ، السلام على الذين من والاهم فقد والى اللّه ، ومن عاداهم فقد عاد اللّه ، ومن عرفهم فقد عرف اللّه ، ومن جهلهم فقد جهل اللّه ».

اشهد اللّه انى حرب لمن حاربكم ، سلم لمن سالمكم ، مؤمن بما آمنتم به ، كافر بما كفرتم به ، محقق لما حققتم ، مبطل لما أبطلتم. مؤمن بسركم وعلانيتكم مفوض في ذلك كله إليكم ، والحمد لله رب العالمين ، لعن اللّه عدوكم من الجن

ص: 290

والانس ، وضاعف عليهم العذاب الأليم ».

ثم يصلى صلاة الزيارة ويدعو بعدها بما أراد ان شاء اللّه.

« باب وداع الأئمة عليهم السلام ».

إذا أردت وداع واحد منهم اجزءك ان تقول : « السلام عليك يا مولاي ورحمة اللّه وبركاته ، استودعك اللّه ، واقرء عليك السلام »

ثم انصرف حيث شئت ان شاء اللّه تم الجزء الأول من المهذب بحمد اللّه ومنه ويتلوه الجزء الثاني في كتاب الجهاد ان شاء اللّه تعالى وحسبنا اللّه ونعم الوكيل وصلى اللّه على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين والأئمة الأخيار والنجباء الأبرار والحمد لله رب العالمين.

« تم كتاب الزيارات »

ص: 291

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

« كتاب الجهاد »

اشارة

بسم اللّه الرحمن الرحيم قال اللّه تبارك وتعالى ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ) (1) وقال عزوجل ( إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (2) وقال جل اسمه ( فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ) الاية (3) وقال سبحانه : - ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ) (4)

وروى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله انه قال : « ان اللّه وملائكته يصلون على أصحابنا الخيل من اتخذها فاتخذها في سبيل اللّه » (5) وروى عنه صلى اللّه عليه وآله قال :

ص: 292


1- البقرة الآية 216.
2- التوبة الآية 111.
3- التوبة الآية 5.
4- الأنفال الآية 60.
5- دعائم الإسلام ، كتاب الجهاد ، ص 344 ، مع اختلاف يسير في العبارة.

« ما من قطرة أحب الى اللّه عزوجل من قطرة دم في سبيل اللّه » (1) وروى عن أمير المؤمنين على بن ابى طالب صلوات اللّه عليه انه قال : « الجهاد فرض على جميع المسلمين لقول اللّه تعالى « كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ » (2) وروى عنه صلى اللّه عليه وآله انه قال : « عليكم بالجهاد في سبيل اللّه مع كل امام عادل ، فالجهاد في سبيل اللّه مع كل امام عادل باب من أبواب الجنة » (3) وروى عن ابى عبد اللّه « جعفر بن محمد عليهما السلام » انه قال : « أصل الإسلام الصلاة ، وفرعه الزكاة ، وذروة سنامه الجهاد في سبيل اللّه » (4).

والجهاد فرض على جميع المسلمين على الكفاية ، ومعنى قوله (5) فرض على الكفاية : انه إذا أقام به من يكتفى به فيه من بعض المسلمين ، سقط فرضه عن الباقين ، والذين يمكن حصول الكفاية بهم ، هم الذين يكونون في أطراف بلاد الإسلام ، فإنهم إذا طرقهم العدو وكان فيهم كفاية لهم وقيام بكفهم ودفعهم فالفرض ساقط عن غيرهم.

فان لم يكن فيهم كفاية واحتاجوا الى عدد كان الفرض لازما لمن يليهم وعليهم ان يمدوهم ويعينوهم أولا فأولا ، فان لم ينكف العدو بذلك فاحتيج الى جميع المسلمين ، وجب ذلك على الجميع ، لوجوبه على كل رجل منهم ، حر ، بالغ ، كامل العقل ، سليم من الشيخوخة والمرض والعذر الذي لا يمكنه معه القيام بالحرب ان يكون له عذر يمنعه من ذلك ، ويكون (6) مأمورا به من قبل الامام العادل ، أو من نصبه الامام.

وانما ذكرنا الرجل لان النساء لا يجب عليهن الجهاد ، لما روى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله

ص: 293


1- الوسائل ، ج 11 ، الباب 1 من أبواب جهاد العدو ، ص 8 ، الحديث 11.
2- المستدرك ، ج 2 ، الباب 1 من أبواب جهاد العدو ، الحديث 23.
3- المستدرك ، ج 2 ، الباب 1 من أبواب جهاد العدو ، الحديث 30.
4- دعائم الإسلام ، كتاب الجهاد ، ص 342.
5- اى قول القائل.
6- أي الجهاد.

من انه سئل هل عليهن جهاد فقال : لا - وانما ذكرنا الحرية - لان العبيد لا يجب عليهم ، لأنهم لا يملكون شيئا ، يوضح ذلك القرآن والخبر.

فاما القرآن فقوله سبحانه ( وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ ) (1) والمملوك داخل في ذلك ، لأنه لا يملك شيئا مما ذكرناه.

واما الخبر : فما روى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله من انه كان إذا أسلم عنده رجل قال له حر أو مملوك؟ فان كان حرا بايعه على الإسلام والجهاد ، وان كان مملوكا بايعه على الإسلام دون الجهاد (2).

وانما ذكرنا البلوغ لأن الصبي لا يجب عليه ، لما روى من ان ابن عمر عرض على النبي صلى اللّه عليه وآله يوم أحد وهو ابن اربع عشر ، سنة فرده ولم يره بالغا ، وانه عرض عليه يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة فأجاز في المقاتلة (3).

وانما ذكرنا كمال العقل لان المجانين لا يجب عليهم الجهاد. لأنهم غير مكلفين.

وانما ذكرنا الشيخوخة - التي لا يمكن معها القيام بالحرب ، لان المكلف بالشيى ء انما يكون مكلفا به مع الاستطاعة له وقدرته عليه ، فاما إذا لم يكن مستطيعا له ولا قادرا عليه لم يصح كونه مكلفا به.

وانما ذكرنا المرض - الذي لا يمكن المريض معه القيام بالحرب - لمثل ما تقدم ، ولان المرض اما ان يكون ثقيلا ، أو خفيفا.

فان كان ثقيلا كالحمى اللازمة المطبقة أو البرسام (4) وما أشبه ذلك فلا يجب الجهاد عليه ، لقوله سبحانه ( وَلا عَلَى الْمَرِيضِ ) (5).

ص: 294


1- التوبة ، الاية 91.
2- المبسوط ، ج 2 ، ص 5.
3- المبسوط ، ج 2 ، ص 5.
4- البرسام : التهاب في الحجاب الحاجز الذي بين الكبد والقلب
5- الفتح ، الاية 17.

فان كان خفيفا ، كالحمى التي ليست لازمة ولا مطبقة ، بل يكون بالنوبة في وقت دون وقت ، أو وجع الفرس والصداع (1).

وما أشبه ذلك ، فذلك لازم له لأنه كالصحيح ، فاما الحمى الثانية (2) فإنما يسقط وجوب ذلك عليه في حال النوبة - ان كان فيها غير قادر ولا يتمكن من القيام بالحرب - فان لم يكن كذلك ، فحاله كحال الصحيح السليم كما قدمنا.

فاما العذر فان كان مرضا أو غيره مما قدمنا ذكره ، فقد مر ما فيه ، وان كان غير ذلك مثل ان يكون معسرا فينبغي تأمل حاله ، فان كان الجهاد وموضع الحرب قريبا من البلد الذي هو فيه وحوله ، فالجهاد واجب عليه ، ولا معتبر في سقوط ذلك عنه باعتباره (3).

وان كان موضع ذلك بعيدا فينبغي النظر في حال هذه المسافة ، فإن كانت مما لا توجب قصر الصلاة فالجهاد واجب عليه ، وان كانت توجب القصر لم يجب عليه جهاده ، لان من شرط ذلك الزاد ونفقة الطريق ونفقة من تجب عليه نفقته الى حين رجوعه وثمن سلاحه ، فان لم يجد ذلك لم يجب الجهاد عليه لقوله سبحانه وتعالى ( وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ ) (4).

فان كانت المسافة أكثر من ذلك فليس يجب الجهاد عليه أيضا ، لأنه يحتاج في ذلك الى ما ليس بقادر عليه ، من زيادة على ما ذكرناه من النفقة والراحلة من الواجد ، لقوله : سبحانه ( وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ ) (5).

ص: 295


1- الصداع : وجع الرأس عموما.
2- اى غير اللازمة.
3- وفي نسخة : « والمعتبر في سقوط ذلك عنه باعتباره » والظاهر ان الصحيح ما أثبتناه والمعنى : انه لا اعتبار في سقوط الجهاد عنه بالعسر ، لأنه قريب.
4- التوبة ، الاية 91.
5- التوبة ، الاية 92.

ومن كان له أبوان مسلمان وهما مفتقران إليه في القيام بهما أو النفقة عليهما فليس يلزمه الخروج ، وان كان أبواه كافرين كان الخروج واجبا عليه.

وان كان من يجب عليه الجهاد (1) عليه دين حال ولم يكن له من يوفيه عنه ولا يمكنه قضائه ، فلصاحب الدين منعه من الخروج حتى يقضيه دينه ، فان كان في يد صاحب الحق رهن فيه وفاء ، بالدين ، فاذن له صاحب الحق بالخروج ، خرج

فان كان الدين مؤجلا وعليه رهن أو لم يكن عليه رهن ، وكان إذا خرج ترك وفائه (2) فإن له الخروج ، اذن له صاحب الحق أو لم يأذن فيه ، فان لم يترك وفائه فقد ذكر ان له الخروج على كل حال ، وليس لصاحب الدين المؤجل منعه من ذلك ، لأنه بالتأجيل بمنزلة من لا دين عليه.

وإذا أحاط (3) الحرب بالبلد وجب على كل من ذكرناه الخروج. وليس له الامتناع من ذلك بشي ء من الأعذار التي وصفناها ولا غيرها ، ولا يجوز لصاحب الدين ولا غيره المنع عن ذلك على كل حال.

ومن خرج الى الجهاد ولم يكن له عذر ثم تجدد العذر ، بان يكون صاحب الدين اذن له في الخروج ثم بدا له من ذلك ، أو كان أبواه كافرين فأسلما فإن كان ذلك قبل التقاء الجمعين جاز له الرجوع ، فان كان التقى الجمعان لم يجز له الرجوع

ويجوز له الخروج بالصبيان (4) للانتفاع بهم ، والنساء يجوز خروجهن ليعالجن الجرحى والمرضى ، والمرية إذا كان له زوج لم يجز لها الخروج الى الجهاد إلا باذنه.

وانما ذكرنا ان يكون مأمورا بالجهاد من قبل الإمام أو من نصبه ، لأنه متى لم يكن واحدا منهما لم يجز له الخروج الى الجهاد.

ص: 296


1- في نسختين زيادة كلمة « الواو » ولعلها تصحيف.
2- المراد انه ترك ما لا يفي بدينه عند حلوله.
3- في نسخة « إذا صار الحرب » وفي أخرى « إذا جار ».
4- وفي نسخة « ويجوز خروج الصبيان ».

فان دهم المسلمين العدو وهجم عليهم في بلدهم جاز لجميع من في البلد قتاله على وجه الدفع عن النفس والمال.

والجهاد مع أئمة الكفر ومع غير إمام أصلي (1) أو من نصبه قبيح ، يستحق فاعله العقاب ، فإن أصاب كان مأثوما ، وان أصيب لم يكن على ذلك أجر.

ومتى غنم المسلمون غنيمة وهذه حالهم ، كان جميع الغنيمة للإمام خاصة وليس يستحقون منها شيئا بالجملة.

ومعاونة المجاهدين فيها فضل كثير ، لأن النبي صلى اللّه عليه وآله قال : من جهز غازيا أو حاجا أو معتمرا أو خلفه في أهله فله مثل اجره (2) ويجوز للإمام ان يستعين بالمشركين على قتال المشركين بان يكون في المسلمين قلة ، أو يكون في المستعان جيد الرأي حسن السياسة.

وإذا عرف الامام من رجل الإرجاف والتحوين (3) ومعاونة المشركين كان له ان يمنعه من الغزو. واما الإرجاف فهو مثل ان يقول : بلغني أن للقوم كمينا ، أو لهم مددا يلحقهم وما جرى هذا المجرى ، واما التحويل فهو ان يقول : ان الصواب ان يرجع عنهم فانا لا نطيق قتالهم ولا يثبت لهم ويضعف أنفسهم بذلك وما أشبهه ، والإعانة ان يرى (4) عينا منهم يطلعهم على عورات المسلمين أو يكاتبهم بأخبارهم ومن كان على واحد من هذه الصفات كان للإمام منعه من الخروج مع المسلمين ، فان لم يمنعه وخرج ، لم يعط من الغنيمة ولم يسهم له سهم منها ، لأنه ليس من المجاهدين بل هو بفعله عاص.

ص: 297


1- وفي نسخة « أصل « بدل » أصلي ».
2- المبسوط ج 2 ، ص 7.
3- كذا في نسختين وفي المبسوط « التجديل » وفي بعض نسخ منه « التحديل » ويحتمل ان يكون الأصل « التخديل » والمراد منه صرف المسلمين عن الحرب ، كما ان المراد من الإرجاف : إيجاد الاضطراب فيهم.
4- من الاراءة اى يرى عينا منهم اسرار المسلمين ومن المحتمل قريبا ان تكون « يؤوى » من الإيواء.

ومن يجب عليه الجهاد على ضربين : أحدهما يجب عليه بنفسه ، والأخر يجب عليه إقامة نائب عنه فيه ، فأما الذي يجب عليه بنفسه فهو كل من وجب عليه وعلم من نفسه القيام والتمكن منه ، واما الذي يجب عليه إقامة نائب عنه فيه ، فهو كل من وجب عليه وعلم من نفسه انه لا يتمكن منه.

ومن وجب عليه الجهاد فلا يجوز له ان يغزو عن غيره ، ومن لم يجب عليه جاز له ذلك ، ويجوز أخذ النائب الأجرة ممن يستنيبه فيه.

« باب فيمن يجب جهاده »

من يجب جهاده على ثلاثة أضرب : أحدها ضرب لا يقبل منهم الا الدخول في الإسلام حسب ، فان لم يجيبوا الى الدخول قتلوا وسبى ذراريهم وصار أموالهم غنيمة وثانيها ضرب لا يقبل منهم الا الدخول في الإسلام أو أداء الجزية ( عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ ) والقيام بشرائط الذمة ، فان لم يجيبوا الى ذلك (1) ولم يثبتوا عليه ثم فعلوا شيئا منه خرجوا من الذمة ، وأجريت عليهم الأحكام التي تقدم ذكرها من القتل وغنيمة الأموال وسبى الذراري.

وثالثها على ضربين : أحدهما له فئة يرجع إليها ، والأخر لا فئة له ، والذي له فئة يرجع إليها ، يجاز (2) على جريحهم ويتبع مدبرهم ويقتل أسيرهم ويغنم أموالهم التي يحويها العسكر فقط ، ولا يجوز ، سبى ذراريهم ولا أخذ شي ء من أموالهم التي لا يحويها العسكر.

والذي لا فئة له لا يجاز على جريحهم ولا يتبع مدبرهم ولا يسبى ذراريهم ، بل يغنم أموالهم التي في العسكر دون غيرها.

والضرب الأول - من القسمة المتقدمة - هم جميع من خالف الإسلام وليس لهم كتاب ولا شبهة كتاب ، كعباد الأوثان والكواكب ومن جرى مجراهم ،

ص: 298


1- الأنسب « أو » بدل « الواو ».
2- اى يجهز.

والضرب الثاني - هم اليهود والنصارى والمجوس. والضرب الثالث - الذي هو على ضربين ، هو جميع من انتمى الى الإسلام من البغاة ، وهم الذين يبغون على الامام العادل وينكثون بيعته (1) ويفعلون ذلك مع نصبه الامام للنظر في أمور المسلمين ويجرى مجرى أصحاب الجمل وصفين.

« باب سيرة الحرب وما يفعل قبل القتال وبعده »

إذا عزم المجاهدون على الزحف ، فينبغي لصاحب الجيش ان يعقد الألوية ويسلم الرايات الى من ينبغي تسليمها اليه ممن يختاره ويصلح له ذلك ، ثم يقدم إليهم الانذار والأفضل تقديمه ، ثم يبعث الطوالع (2) والعيون ، ويقرر الشعار بين الناس وأفضل الشعار ما كان فيه اسم اللّه تعالى.

ولا يجوز لأحد ان يفر من الزحف ، ولا يفر من واحد أو اثنين ، ويجوز الفرار من ثلاثة أو أكثر ، ولا يقطع الأشجار المثمرة ولا تحرق الا ان يدعو الى ذلك ضرورة ، ولا يلقى السم في ديارهم ، وقد أجاز ذلك قوم من أصحابنا والأفضل تركه.

ولا ينبغي ان يفارق الإنسان سلاحه عند القتال. ويستحب حفر الخندق عند دعاء الحاجة الى ذلك ، وينبغي ان يبتدء بالقتال بعد الزوال وبعد صلاة الظهر ، ويدعو عند اللقاء بدعاء النبي صلى اللّه عليه وآله ويدعو بدعاء أمير المؤمنين على عليه السلام فاما دعاء النبي صلى اللّه عليه وآله وهو الذي دعا يوم أحد ، وهو : « اللّهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان » واما دعاء أمير المؤمنين عليه السلام فهو : « اللّهم أنت عصمتي وناصري وبغيتي ، اللّهم بك أصول وبك أقاتل ».

وإذا أراد صاحب الجيش الزحف عبأ الرجالة (3) وقدم الرماة ، ثم الخيل ،

ص: 299


1- يحتمل ان يكون أصلها « أو ».
2- لعل أصلها « طلائع ».
3- عبأ الجيش للحرب : جهزه وهيأه ، والراجل : خلاف الفارس يجمع على الرجال والرجالة : من يمشى على رجليه.

ثم الإبل ، وجعل ذلك كتائب (1) ففرق القبائل وقدم على كل قوم رجلا ، وصف الصفوف وكردس الكراديس (2) وجعل للعسكر ميمنة وميسرة وقلبا - يكون هو فيه - مع العدو (3).

ويزحف ويأمر حينئذ بالدعاء وخفض الأصوات واجتماع النيات وإظهار العدد ، وآلات الحرب وإشهار السيوف ورفع الرماح ، وان يلزم كل قوم مركزهم ومكانهم ، ولا يبادر أحد غيره الا بأمر صاحب الجيش ، ومن حمل فليرجع الى مركزه ومكانه.

ويأمر الرماة بالرمي ، والمقدمة ان يتقدم ، ومن رأى من العدو ، فرصة فينبغي ان ينهزها (4) بعد أحكام مركزه حتى إذا بلغ مراده رجع اليه ، فاذا أرادوا الحملة - فليبدء بذلك صاحب المقدمة - فإن كان ممن معه كفاية في دفع العدو وهزيمته فليثبت الناس في مراكزهم ، وان تضعضعت (5) المقدمة وشقت (6) الرماة وحملت المنجيد (7) وافتقدت (8) الأطراف والأدوية والآكام (9) لئلا يكون في شي ء

ص: 300


1- الكتيبة ، تجمع على كتاب : القطعة من الجيش أو الجماعة من الخيل.
2- كردس الخيل : جمعها وجعلها كتيبة كتيبة ، والكرادس جمع كردوسة : طائفة عظيمة من الخيل.
3- في نسخة « العدد » بدل « العدو » ولعل معناها : ان هذا التسليم فيما إذا كان المعسكر عدد قابل لهذه القسمة.
4- في نسختين بالراء المهملة ولكنها تصحيف والصحيح « ينهز » بالمعجمة ، ونهز نهزا اى نهض لتناول شي ء « وانتهزا الفرصة » اى « بادر وقتها واغتنمها ».
5- تضعضع : اى ضعف.
6- وشق : اى طعن وخدش.
7- كذا في النسخ لعل أصلها « النجيد » وهو الشجاع الماضي في ما يعجز غيره ، أو المسحة وهي آلة معروفة ويحتمل ان يكون أصلها « المنجنيق » وهو معروف.
8- اى تفقدت ومعناها : الطلب
9- في نسخة « الآجام » بدل « الآكام »

من ذلك كمين ، أو مكيدة ، وتقرب الرايات وتقعقع الحجف (1) ويقدم في صدر العدو أصحاب الحديد من التجافيف (2) والدروع والسواعد (3) والجواشن. فان انكسر العدو لم يحمل عليهم الجيش جملة واحدة بل يحملون أولا فأولا ، فإن ثبت العدو فليثبت الناس ، وان انهزموا الهزيمة التي لا تحصل فيها شك ، فليحمل الجيش عليهم جملة واحدة وهم على حال التعانى (4) غير متفرقين.

وينبغي إذا انصرفوا من الحرب ان ينصرفوا على حال التبعية (5) أيضا ولا يتفرقوا ، فان زحف العدو أولا إلى المسلمين ، فينبغي لاميرهم ان يصف الناس على الخندق ويأمرهم بالترجيل وملازمة الأرض ، ويحكموا صفوفهم الى حد لا يكون فيها شي ء من الخلل ، ولا يعتمدوا على شي ء من آلات الحرب الا على السيوف ، فاذا حمل العدو عليهم جثوا (6) على ركبهم ونظروا الى مواضعهم ولا يهولن أحدا عدوهم ، ويستتروا بالجحف ، فاذا أتموا حملتهم وعادوا حمل الناس عليهم بالسيوف.

فان ثبتوا فليثبتوا على حال التعانى فان لم يثبتوا أو استوت (7) الهزيمة عليهم ، فليركبوا الخيل ويجد في طلبهم واستئصالهم.

فان عرض للمسلمين - والعياذ باللّه - هزيمة ، فيجب ان يصيح بعضهم ببعض ويذكروا ما به توعد اللّه تعالى ذكره من فر من الزحف وتعنف بعضهم بعضا وتبكيته (8)

ص: 301


1- تقعقع : اضطرب وترك - وصوت عند التحرك ، والحجف جمع الحجفة : التروس من جلود.
2- التجافيف جمع التجفاف وهي آلة للحرب تلبسها الفرس والإنسان يتقي بها كأنها درع
3- السواعد : ما يلبس على الساعد من حديد أو نحاس أو ذهب.
4- كذا في نسخة ولعل معناها : « التعاون ».
5- في نسخة « التعبئة » بدل « التبعية » ومعناها : الاعداد والتهيؤ.
6- جثا جثوا : جلس على ركبتيه. أو قام على أطراف أصابعه.
7- في نسخة « استرت » بدل « استوت ».
8- التبكيت : التوبيخ.

ويسرع من كان مخفا في لحوق المنهزمين ، ويجتهدوا في ردهم ، فاذا اجتمعوا واستقر كل قوم مع صاحبهم المستولي عليهم ، عادوا الى حال التبعية (1) ، ثم يقاتلوا ويستعينوا باللّه سبحانه في النصر على عدوهم ويقاتلونهم بكل ما أمكن قتالهم به من السلاح وغيره الا السم.

فان تحصنوا فصب عليهم المناجيق ، والعرادات (2) وما جرى مجرى ذلك ، وقاتلوا الى ان يفتح اللّه سبحانه ، فان كان فيهم مسلمون ونساء وصبيان وشيوخ وذمي وأسارى ومن لا يجوز قتله وكان المشركون أكثر منهم ، جاز رميهم مع الكراهة لذلك إلا لضرورة ، فإن كان هناك ضرورة جاز رميهم.

وان كان المسلمون أكثر من المشركين لم يجز رميهم ، وإذا تعمد إنسان رمى واحد ممن ذكرناه ، كان عليه القود والكفارة وان كان خطأ كان فيه الدية.

وان كانت الحروب ملتحمة (3) وكان المسلمون أكثر من المشركين وأصيب منهم واحد لم يلزمه فيه شي ء ، غير انه لا يجوز والحال هذه ان يتعمد المسلم ويقصد بالرمي.

وإذا انترس (4) المشركون بأسارى المسلمين وكانت الحرب ملتحمة ، لم يقصد الأسير بالرمي (5) فإن أصيب لم يكن على من رماه شي ء ، وان لم يكن الحرب ملتحمة يجوز رميه ، فان رماه ولم يقصده فإن أصابه ، كان ذلك خطأ وعليه ديته ، وان تعمده كان عليه القود أو الدية.

وإذا كان المسلمون مستظهرين على المشركين ، كره تبييتهم ليلا والإغارة (6)

ص: 302


1- في نسخة « التعبئه ».
2- العرادة : من آلات الحرب أصغر من المنجنيق ترمى بالحجارة المرمى البعيد
3- التحم الحرب بين القوم : اشتبكت واختلط.
4- في نسخة « اترس ».
5- في بعض النسخ - لا يجوز رمى الأسير.
6- أغار على القوم غارة وإغارة : دفع عليهم الخيل والغارة النهب.

عليهم ، وان لم يكن في المسلمين قوة عليهم جاز تبييتهم والإغارة عليهم وان كان فيهم النساء ، والصبيان.

وقتال المشركين جائز في جميع الأوقات ، إلا في الأشهر الحرم لمن كان يرى منهم لها حرمة ، فان من يرى ذلك منهم لا يجوز قتاله فيها الا ان يبتدئ هو فيها بالقتال.

فاذا ابتدأ بذلك جاز قتاله فيها ، وان لم يبتدأ لم يجز قتاله حتى ينقضي.

ولا يجوز قتل النساء وان قاتلن مع أهلهن ، الا ان يدعوا الى قتلهن ضرورة ، وان دعت الى ذلك ضرورة لم يكن به بأس.

والمرابطة في حال ظهور الامام عليه السلام فيها فضل كثير ، وحدها من ثلاثة أيام إلى أربعين يوما ، فان زادت على ذلك كان حكم المرابط حكم المجاهد في الثواب.

ومتى نذر إنسان المرابطة والامام ظاهر وجب عليه الوفاء بذلك ، وكذلك وجب عليه الوفاء به (1) ، فان نذر ذلك في حال استتاره صرفه في وجوه البر.

وإذا أخذا إنسان شيئا من غيره لينوب عنه في المرابطة ، وكان الامام عليه السلام مستترا ، كان عليه رد ذلك ، فان لم يجده رده على وارثه ، فان لم يكن له وارث كان عليه الوفاء به فاذا كان أخذه في حال ظهور الامام عليه السلام وجب عليه الوفاء به ، ومن لم يتمكن عن المرابطة بنفسه وأعان المرابطين من ماله بشي ء أو رابط (2) دابة ، كان له في ذلك فضل كثير.

ولا يجوز التمثيل بالعدو ولا الغدر به.

ومن كان من المسلمين في دار العدو فحاربهم غيرهم من الكفار ، جاز له قتاله ويقصد بذلك الدفع عن نفسه دون القصد إلى معونة العدو.

ص: 303


1- كذا في النسخ والظاهر ان في العبارة سقطا بنحو « ان نذر صرف شي ء في المرابطين »
2- وفي نسخة « ربط ».

وإذا كان عسكر المسلمين مثل نصف عسكر المشركين ، لم يجز لأحد ان يولى الدبر بل وجب عليه الثبات ، الا ان يكون متحرفا لقتال أو يكون في مضيق فينحرف عنه الى موضع يتسع فيه للقتال أو يعين على مجال (1) فرسه ، أو يكون موضعه معطشا فيتحول الى موضع الماء ، أو يكون الريح والشمس في وجوههم يستدبرونها أو يكون متحيزا الى فئة فيتحيز إليها ، وسواء كانت فئة بعيدة أو قريبة ، أو ما جرى مجرى ذلك ، فاذا انحرف بغير ما ذكرناه كان فارا واستحق العقاب العظيم لقوله سبحانه ( فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ ) (2).

وإذا لقي واحدا من المشركين وعلم أو غلب على ظنه انه يقتله ، فقد ذكر انه يجوز له الانصراف ، والأقوى عندي خلافه ، وتعويل من خالف في ذلك على قوله سبحانه ( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) (3) يصح تناوله لغير هذا الموضع ، لأنه متعبد في جهاد الكفار بالثبات لقوله سبحانه ( إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا ) (4).

فإذا كان عسكر المشركين أكثر من ضعف عسكر المسلمين ، لم يجب الثبات ، أو يغلب في ظنه انه ان ثبت قتل ، فالأفضل له الثبات فان لم يثبت وأراد الانصراف كان له ذلك ، وقد ذكر ان الجيش إذا بلع اثنى عشر ألفا لم يجز لاحد أن يولى.

ومن كانت له دعوة قد بلغته ، وعلم ان النبي صلى اللّه عليه وآله يدعو الى الايمان وشرائع الإسلام ، ولم يقبلوا ذلك مثل الترك والروم والهند والخزر (5) ومن جرى مجراهم فإنه يجوز للإمام أو من نصبه ان ينفذ الجند لقتالهم من غير ان يقدم النذارة (6) إليهم ويجوز ان يغير (7) عليهم.

ص: 304


1- اى جولانه.
2- الأنفال ، الاية 16.
3- البقرة ، الاية 195.
4- الأنفال ، الاية 45.
5- الخزر : بضم معجمة وسكون زاء وفتحها : جنس من الأمم خزر العيون من ولد يافث بن نوح على نبينا وآله (عليهم السلام) من خزرت العين إذا صغرت وضاقت.
6- النذارة ، الانذار.
7- من الإغارة.

ومن لم تبلغه الدعوة فلا يجوز له قتاله ، الا بعد الانذار والتعريف بما يتضمنه الدعوة مما قدمنا ذكره ، فاذا علم ما ذكرناه ولم يقبل ذلك قوتلوا وقتلوا ، فان كانوا من أهل الجزية وأجابوا إلى دفعها لم يقاتلوا ولم يقتلوا وقبل ذلك منهم ، وتركوا على ما هم عليه من دينهم ، فان لم يكونوا من أهل الجزية فعل بهم من القتل وغيره ما قدمناه

« باب الأمان وأحكامه »

الأمان جائز في شريعة الإسلام ، لقوله سبحانه وتعالى لرسوله صلى اللّه عليه وآله ( وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللّهِ ) (1) الاية ، ولأنه صلى اللّه عليه وآله فعل ذلك عام الحديبية ، ولأنه صلى اللّه عليه وآله أيضا أمضاه لأم هاني بنت ابى طالب في فتح مكة لما أجارت رجلا ، فقال « عليه وآله السلام أجرنا من أجرت وأمنا من أمنت ».

فإن كان العاقد للأمان الإمام (عليه السلام) جاز ان يعقده لجميع المشركين في سائر الأماكن والأقاليم كلها ، لأن إليه النظر في جميع أمور الدنيا والدين ومصالح الإسلام والمسلمين كافة. وان عقد واحد من خلفائه وولاته على صقع من الأصقاع أو إقليم من الأقاليم ، جاز له مع من (2) يليه من المشركين ، ولا يتجاوز ذلك الى غيره الى ما يلي جهة لم يجعل اليه النظر فيها ولا تدبير مصالحها وسياستها.

فان كان العاقد واحدا من المسلمين ، جاز له ذلك من الواحد والعشرة ، ولا يجوز فعله لذلك مع جميع أهل بلد أو صقع ، لأنه ليس له النظر في ذلك ، فاذا كان ذلك جائزا للواحد من المسلمين ، لا يخلو من ان يكون هذا الواحد كامل العقل أو غير كامل العقل ، فان كان كامل العقل لم يخل من ان يكون رجلا أو أمرية ، فإن كان رجلا لم يخل من ان يكون حرا أو عبدا ، فان كان عبدا جاز له ذلك على خلاف فيه ، وان كان حرا جاز له ذلك بلا خلاف فيه ، وان كانت امرأة ، جاز لها ذلك لما ذكرناها من فعل « أم هاني ».

ص: 305


1- التوبة - الاية 6.
2- في نسخة : « ولمن » بدل « مع من ».

وان كان غير كامل العقل رجلا أو امرأة ، حرا كان أو عبدا ، فان ذلك لا يجوز له لأنه غير مكلف. والصبي إذا كان كبيرا ولم يبلغ الحلم ، فاغتر به بعض المشركين (1) وأمنه هذا الصبي لم يصح امانه ، ولا يجوز التعرض له بسوء حتى يرد إلى مأمنه ، فإذا حصل إلى مأمنه أو في الموضع الذي يأمن فيه على نفسه بعد ذلك ، صار حربيا لأنه دخل علينا بشبهته ، فلا يجوز مع ذلك الغرر به.

فاذا استذم (2) قوم من المشركين قوما من المسلمين ، فأشار المسلمون إليهم انكم لا أمان لكم عندنا ، فظنوا انهم قد أمنوا لهم فدخلوا إليهم لم يجز التعرض لهم بل يردون إلى مأمنهم فاذا حصلوا به صاروا حربيا.

وإذا كان مسلم في دار الحرب أسيرا أو مطلقا ، فاعطى الأمان لبعض المشركين لم يجز امانه ، وكذلك لو أمن بعض المسلمين بعض المشركين من بعد الهزيمة وفي حال التمكن منهم والظفر بهم ، لم يجز هذا الأمان أيضا.

والأمان جائز بكل لسان - عبارة أو إشارة - إذا فهم المخاطب به معناه ، ولفظ الأمان هو : « أجرتك ، أو أمنتك ، أو ذممت لك » فان قال : لا بأس عليك ، أو لا تخفف أو لا تذهل (3) ، أو ما عليك خوف ، أو ما أشبهه ، أو كلمه (4) أو قال ما معناه بلغة أخرى فإن علم من قصده انه أراد الأمان كان ذلك أمانا ، لأن المراعي هاهنا القصد لا اللفظ ، فان لم يقصد ذلك ودخل اليه لم يجز التعرض له بسوء لأنه دخل على شبهته ، ويجب ان يرد إلى مأمنه ، فإذا حصل به صار حربا كما ذكرنا في غيره فيما تقدم.

وإذا كان بعض المشركين في حصن ، فقال : واحد منهم للمسلمين : أعطوني أمانا على ان افتح لكم الحصن ، فأعطوه الأمان ، فقال لأصحابه : قد أخذت الأمان

ص: 306


1- فزعم الصحة ، وفي نسخة « فاعتبر » بدل « فاغتر ».
2- في نسختين « استندم » والظاهر انها تصحيف والصحيح ما أثبتناه.
3- الذهول : هو الذهاب عن الأمر بدهشة.
4- كذا في نسخة وفي أخرى تحتمل الكلمة أن تكون « كله » والظاهر انها هو الصحيح والمراد انه قال كل هذه الألفاظ.

لكم ، ففتحوا الحصن ، نظر في أمرهم ، فإن كان المسلمون علموا (1) بما فعل صاحبهم معهم لم يجز لهم ان يفعلوا معهم ما يجوز فعله بهم لو فتحوا الحصن عنوة من سبى وغيره ، وان لم يكونوا علموا ذلك ، فعلوا بهم ما يجوز لهم لو فتحوه عنوة ، لم يكن عليهم شي ء لان ذلك غرر من صاحبهم لا من المسلمين ، الا انه إذا علموا ذلك استحب لهم ان لا يسبوهم ، ويجزونهم في ان يكونوا ذمة في دار الإسلام ، أو يمضوا حيث شاءوا بأنفسهم وذراريهم ، من غير شي ء يستعينون به على قتال المسلمين من سلاح وما أشبهه.

وإذا دخل الحربي دار الإسلام في تجارة ، بأمان رجل من المسلمين على نفسه وجميع أسبابه ، كان أمنا على نفسه وماله وعلى من يكون في صحبة من قرابة وغيرها ، سواء خرجوا مجتمعين في دفعة واحدة أو متفرقين.

وإذا دخل المشرك دار الإسلام بأمان ، ثم خرج الى دار الشرك بغير أمر الامام ولا من نصبه الامام ولا في حاجة ولا في تجارة بل للاستئطان فقط ، انتقض الأمان على نفسه ولم ينتقض عن ماله إذا كان قد ترك ما لا في دار الإسلام ، والأمان قائم في ماله ما دام حيا ، فان مات انتقل ميراثه الى ورثته من أهل الحرب ان لم يكن له وارث مسلم يحجبهم عنه ، وينتقض الأمان في المال لأنه مال كافر ليس بيننا وبينه أمان - لا في نفسه ولا في ماله - ويكون فيئا للإمام خاصة ، لأنه لم يؤخذ بالسيف فهو مثل ميراث من لا وارث له.

وإذا أخذ أمانا لنفسه ودخل دار الإسلام ، ثم مات وترك بها مالا وكان له وارث في دار الحرب فالحكم فيه كالحكم في المسئلة المتقدمة ، وقد ذكر انه يرد الى ورثته الكفار ، وهذا فاسد لأنه حينئذ مال من لا أمان بيننا وبينه لا في نفسه ولا في ماله.

وإذا اعطى المسلمون الأمان لرجل من المشركين في حصن وفتح الحصن ولم يعرف الرجل المذكور بعينه ، نظر في ذلك ، فان كان الجيش الذي فتحوا

ص: 307


1- في نسخة « عملوا » بدل « علموا ».

الحصن غزوا بغير اذن الامام (عليه السلام) ولا من نصبه ، كان عليهم ان يكفوا عن قتل من في الحصن حتى يخبرهم أميرهم ، اما ان يقرع بينهم - فمن خرج اسمه كان أمنا أو (1) يجرى على الناس الحكم ، فاما (2) ان يؤمن الجميع على نفوسهم ويصيروا ذمية ويستسعى كل واحد منهم في قيمته ، الا قدر واحد معهم من جملتهم قيمة وسطا ، والقرعة أولى.

وإذا حضر (3) المسلمون المشركين ، فائتمن (4) واحد من المشركين لجماعة معينين كان الأمان صحيحا فيهم دون غيرهم ، ولو استأمن لعدد غير معين (5) كان ذلك جائزا في هذا العدد ، دون غيرهم مما زاد عليه فان قال : أعطوني الأمان لألف رجل أو مأة رجل وافعلوا في الباقي ما أردتم ، كان ذلك جائزا ويختار من أراد منهم الالف والمائة فان قال : آمنوا جميع أهل الحصن ولكم منهم ألف أو مأة صح ذلك وتدفع الالف والمائة من رقيقهم أو من احرارهم.

فان كان الجيش غزا بغير اذن الامام أو من نصبه كان للإمام أو من نصبه ان يفعل مع أهل الحصن ما اختار من الوجهين المذكورين ، وإذا انهزم المشركون وادعى بعد ذلك واحد من المسلمين انه كان أمن بعضهم ، لا يقبل ذلك أيضا منه الا ببينة ، ولو ادعى بعد الهزيمة اثنان انهما كانا (6) أمنا رجلا أو أكثر منه لم يقبل ذلك منهما أيضا إلا ببينة. وإذا طلب صاحب جيش المشركين الأمان ، على ان يدخل في جملة الذمة (7) ببلدان

ص: 308


1- كذا في نسختين ولعلها تصحيف والصحيح « الواو » بدل « أو » وفي نسخة « أو يجرى على تأثير الحكم ».
2- كذا في نسختين ولعلها وتصحيف والصحيح « واما » بدل « فاما ».
3- كذا في نسختين ولعل أصلها « حصر » بالمهملة.
4- في نسخة « فاستأمن » بدل « فأتمن ».
5- اى غير معين معدودة.
6- في نسختين « كان » ولكن الظاهر انها تصحيف.
7- في نسخة « في جملة ذمية بلدان ».

الإسلام على الجزية جاز ولم يكن له الرجوع الى دار الحرب ، فإن أراد ذلك أو هم به لم يكن بحبسه بأس ، ولا يقتل الا ان يحارب ، وان طلب الأمان على ان يقيم بغير جزية لم يجز ذلك.

ويكره تمكين من دخل من دار الحرب الى دار الإسلام - من رسول أو غيره بأمان - من المقام أكثر من أربعة أشهر ، فإن كان الداخل كتابيا واقام سنة كان عليه الجزية أو على من حبسه حتى كمل عليه الحول.

وإذا أراد الإمام أو أحد من خلفائه ، جعل الجعائل لمن يدل على مصلحة أو على حصن أو غيره كان جائزا ، وليس يخلو ذلك من ان يكون ماله أو ملك أهل الحرب ، فان جعله من ملكه وماله لم يصح حتى يكون معلوما موصوفا في الذمة أو معينا مشاهدا ، لأنه عقد في ملكه فلا يجوز ان يكون مجهولا ، فان كان من ملك أهل الحرب ، جاز ان يكون مجهولا ومعلوما وإذا كان كذلك ، صح ان يقول : « من دلنا على كذا فله كذا » على ما ذكرناه من القسمين.

فان قال « من دلنا على القلعة الفلانية فله جارية فيها » وشوهدت القلعة لم يكن له شي ء حتى ينفتح ، فاذا انفتحت فليس يخلو من ان يفتح عنوة أو صلحا ، فان كان عنوة وكانت الجارية على الشرك سلمت اليه ، وان كانت قد أسلمت قبل الظفر بها فهي حرة ، فلا تدفع اليه الا قيمتها ، (1) وان كانت قد أسلمت بعد الظفر نظر الى الدليل ، فان كان مسلما سلمت إليه لأنها عين مملوكة ، وان كان مشركا لم تسلم إليه ، لأن الكافر لا يملك مسلما بل يدفع قيمتها إليه ، فإن ماتت الجارية قبل الظفر بها أو بعده لم يكن له شي ء ، لأن أصل العقد حصل بشرط ان يكون له مع وجودها

وان كانت فتحت صلحا ، وشرط ان لصاحب القلعة اهله وكانت الجارية من اهله ، عرض على الدليل الأخذ لقيمتها ليتم الصلح ، فإن أجاب الى ذلك ، جاز ان

ص: 309


1- في نسختين « قبل الظفر به أو هي حرة فلا تدفع اليه قيمتها » والظاهر انها تصحيف والصحيح ما في المتن كما في المبسوط.

يعرض قيمتها على صاحب القلعة ويسلمها الى الدليل ، فإن أجاب الى ذلك جاز ، وان امتنع كل واحد منهما من ذلك ، قيل لصاحب القلعة « ارجع الى قلعتك بأهلك » ويزول الصلح ، لأنه قد اجتمع هاهنا شيئان متنافيان ، فلا يمكن الجمع بينهما ، وحق الدليل سابق وجب تقديمه ، وإذا كان المشرك ممتنعا وهو أسير فجعل له جعل على ان يدل على المشركين فدل عليهم ، وجب الوفاء بما ضمن له.

ولو جعل له جعل على ان يدل على مأة فدل على خمسين ، أو عشرة فدل على خمسة ، كان النصف مما جعل له ، فان كان أسيرا فجعل له أسيرا يقتل لم يقبل (1) لان القتل لا يتبعض ، فان لم يؤخذ في الموضوع الذي دل عليه أحد ، لم يكن له من الجعل شي ء.

وإذا ضل مسلم عن الطريق ومعه أسير من المشركين ، فجعل له الأمان إن دله على الطريق ، فلما دله عليها (2) ولاح له الجيش خاف المسلم من ان لا يطلقه صاحب الجيش ، كان عليه إطلاقه قبل وصوله الى الجيش ، فإن أدركه المسلمون قبل إطلاقه كان على صاحب الجيش إطلاقه له ، فان اتهمه في ذلك استحلفه عليه ثم أطلقه ، وان لم يفعل صاحب الجيش ذلك ، على المسلم ان يأخذه في سهمه ثم يطلقه بعد ذلك.

وإذا دخل إنسان من المشركين الى دار الإسلام أمنا ، (3) ثم أراد الرجوع الى دار الحرب ، لم يمكن له ان يخرج بشي ء من السلاح وما جرى مجراها مما

ص: 310


1- كذا في نسخة ويحتمل ان تكون الكلمة « لم يقتل » فتكون المسئلة من شقوق الفرع السابق ، والمراد : انه لو جعل أسير - يجوز قتله - جعلا للمشرك الأسير بإزاء أن يدل على المائة مثلا فدل على خمسين لم يقتل الأسير المجعول ، لان نصفه حق للمجعول له والقتل لا يتبعض وفي نسخة اخرى « فجعل له ان يدل بقتل » بدل « فجعل له أسيرا يقتل ».
2- كان تأنيث الضمير باعتبار تأنيث « الطريق » في بعض اللغات ، أو باعتبار « الطريقة »
3- وفي نسخة : « مستأمنا ».

يستعان به على قتال المسلمين ، الا ان يكون دخل ومعه شي ء فيجوز تمكينه من ذلك دون ما سواه.

فاذا دخل مسلم دار الحرب بأمان ، ثم أخذ منهم مالا قرضا أو سرقة ثم عاد إلينا ودخل صاحب المال إلينا بأمان ، كان على المسلم رد ماله إليه لأن الأمان يقتضي الكف عن ماله.

وإذا دخلت المرأة إلى دار الإسلام مستأمنة وكان لها زوج مشرك ، انقطعت العصمة (1) بينهما ولم يحتج في ذلك الى طلاق بل يكون ذلك فسخا للنكاح ، وليس لها ان تتزوج حتى تنقضي عدتها ، وإذا خرجت من دار الحرب حاملا و (2) تزوجت ، كان النكاح مفسوخا.

وإذا تزوج الحربي حربية لها زوج ، ثم أسلما وخرجا من دار الحرب لم تحل له الا بنكاح جديد وإذا تزوج الحربي حربية ودخل بها ثم ماتت ، وأسلم زوجها في دار الإسلام وجاء وارثها طالبا لزوجها بمهرها ، لم يجب عليه دفع ذلك إليه لأن الوارث من أهل (3) الحرب ولا أمان له على هذا الوجه ، فان كان لها ورثة مسلمون كان لهم مطالبة الزوج بالمهر ، ولا يحكم من المستأمنين (4) فيما كان بينهم في دار الحرب إذا تحاكموا فيه الى المسلمين ، ويحكم بينهم فيما كان بينهم في دار الإسلام.

والحربي إذا أسلم في دار الحرب عصم بذلك دمه وجميع ماله مما يمكن نقله الى دار الإسلام ، واما أولاده إلا صاغر انه كان له ذلك ، وهذا حكمه إذا أسلم وهو في دار الإسلام ، فأما أولاده البلغ فلهم حكم أنفسهم ، واما أملاكه التي لا يمكن

ص: 311


1- وفي نسخة « العقد » بدل « العصمة ».
2- الواو حالية.
3- في نسخة « دار الحرب ».
4- في نسخة زيادة « ويحكم » ولعلها سهو.

نقلها الى دار الإسلام مثل العقارات والأرضين فهو غنيمة.

وإذا أسلم وله حمل كان الحمل مسلما ، وإذا غنمت زوجته هذه واسترقت لم يسترق ولده لان إسلامه محكوم به منذ أسلم أبوه وإذ تزوج مسلم حربية فحملت منه بمسلم ثم سبيت وهي حامل واسترقت لم يسترق ولدها أيضا ، وإذا (1) استرقت الزوجة انفسخ النكاح.

وإذا استأجر مسلم دارا في دار الحرب ثم غنمها المسلمون ، فقد ملكوا رقبتها بالغنيمة دون منفعتها ، وعقد الإجارة ثابت لا ينفسخ الى ان ينقضي هذه الإجارة وإذا أعتق المسلم عبدا وثبت له الولاء عليه ، ولحق بدار الحرب ثم حصل في الأسر ، لم يحز استرقاقه لان ولاء مولاه المسلم قد ثبت عليه فلا يجوز إبطاله ، وقد ذكر انه يجوز إبطال الولاء فيه.

وان كان الولاء للذمي ثم لحق المعتق بدار الحرب ، يصح استرقاقه لان مولاه لو لحق بداء الحرب وظفر به لاسترق ، وإذا غلب المشركون على المسلمين وظفروا - والعياذ باللّه - بهم وحازوا أموالهم فليس يملكون منها شيئا ، ولا فرق بين ان يكونوا حازوها (2) الى دار الحرب أو لم يكونوا حازوها إليها ، وآخذها يكون غاصبا لها.

وإذا ظفر به وغنم وعرفه صاحبه ، كان له أخذه واسترجاعه قبل القسمة ، ووجب تسليمه إليه إذا ثبت له البينة ، وان كان بعد القسمة كان ذلك له أيضا ، لكن يدفع الإمام الى من حصل في سهمه قيمته.

وإذا أسلم من هو في يده أخذه بغير قيمة ، وقد ذكر ان صاحبها يكون اولى بها بالقيمة إذا قسمت.

وإذا أخذ مشرك جارية مسلم فوطأها وولدت منه وظفر المسلمون بها ،

ص: 312


1- في نسختين زيادة « تزوج » والظاهر انها سهو.
2- في نسخة زيادة « إليها » والظاهر انها سهو ، وفي نسخة اخرى « جازوها » بالمعجمة

كانت هي وأولادها لمالكها ، فإن أسلم الواطى لها لم يزل ملك مالكها عن ذلك بإسلامه ، فإن وطأها بعد إسلامه وهو يظن انها ملكه ثم ولدت منه ، فان ولده أيضا يكون لسيد الجارية الا انه يقوم على الأب ويؤخذ منه قيمته ، ويلزم الواطئ عقرها (1) لسيدها.

« باب ما يجوز ان يغنم وما لا يجوز ذلك فيه »

قد تقدم القول في أحكام الأرضين (2) ، فلا حاجة الى إعادة بذلك هاهنا ، ونحن نذكر ما يزيد على ذلك مما يجوز ان يغنم وما لا يجوز ذلك فيه.

وإذا أخذ المسلمون من دار الحرب طعاما فأخرجوه الى دار الإسلام أو بعضه ، وجب رده الى الغنيمة قليلا كان أو كثيرا لأن الحاجة قد زالت ، فان كان على قدر الكفاية ، موسرين كانوا أو معسرين ، معهم طعام أو ليس معهم طعام ، لا يلزمهم في ذلك شي ء (3).

والحيوان المأكول إذا احتاج الغانمون الى ذبحه وأكل لحمه ، كان لهم ذلك وليس عليهم ضمان شي ء من ذلك ، فاذا اتخذوا من جلوده ما يكون سقاء (4) أو روايا (5) أو ركوة (6) أو ما أشبه ذلك ، أو أحرزوا الجلود ليعملوا منها ما جرى هذا المجرى وجب عليهم رد ذلك في المغنم.

وإذا أقام ذلك في يده مدة ما ، لم يجب عليه في ذلك اجرة مثله وعليه ضمان

ص: 313


1- العقر : ما يعطى بإزاء وطأ المرية.
2- لاحظ ص 181.
3- الفرع الثاني في طعام لم يخرجوه الى دار الإسلام بل تناولوه في دار الحرب راجع المبسوط ، ج 2 ، ص 29 وفي نسختين زيادة « الواو » قبل قوله : « لا يلزمهم ... » ولعلها تصحيف وكان في العبارة سقطا ولكن المراد معلوم وهو ما ذكرناه.
4- السقاء ككتاب : جلد السخلة إذا جذع يتخذ للماء واللبن.
5- الروايا جمع الراوية وهي المزادة ، يوضع فيها الزاد.
6- الركوة بالفتح : دلو صغير من جلد.

ما نقص منها ، فان زاد بصنعة فيها ، لم يكن له بذلك حق ، لأنه تعدى فيها ، فاما إذا كان في يده ثياب ، فعليه ردها الى المغنم ، فاما لبسها فلا يجوز له ذلك على كل حال

ولا يجوز له أيضا ان يدهن ولا يتداوى لنفسه ولا لدابته بشي ء من ادهان الغنيمة ولا ادويتها ، الا بان يضمن ذلك ، لأنه ليس بقوت ، وكذلك لا يجوز له ان يطعمها (1) بشي ء من الجوارح (2) والبزاة (3) وغيرها ان كان معه شي ء من ذلك ، لأنه ليس ذلك ضرورة فيفعل ذلك لأجلها.

وإذا أقرض بعض الغانمين غيره شيئا من الغنيمة من علف دابة أو غير ذلك كان جائزا ، الا انه لا يكون قرضا في الحقيقة ، من حيث انه لا يملكه فيقرضه ، لان يده عليه فاذا سلمه الى غيره وصارت يد الغير عليه يكون يد الثاني عليه وهو أحق به من الأول ، ولا يجب عليه رده الى الأول ، فإن رد ، كان المردود عليه أحق به ، لثبوت اليد عليه ، فاذا خرج المقرض (4) من دار الحرب ، والطعام أو العلف كان في يده كان عليه رده في المغنم ولا يرده الى المقرض ، لأنه ليس بملك له.

وإذا باع بعض الغانمين لغيره طعاما ، لم يجز له ذلك ولم يكن هذا البيع بيعا صحيحا ، وانما يكون منتقلا من يدل إلى أخرى ، فإذا حصل في يد واحد منهما كان أحق بالتصرف فيه فقط.

وكل ما يؤخذ في المغنم من مصاحف أو كتب فقه أو شي ء من علوم الشريعة (5) أو نحو أو لغة أو شعر أو من كتب الحديث والروايات وما لحق بذلك فهو مما يجوز بيعه وشرائه والجميع يكون غنيمة.

وكل ما يؤخذ من ذلك من كتب الكفر والزندقة والسحر وما أشبه ذلك فهو

ص: 314


1- أي البهائم.
2- الجوارح من الطير : المفترسة.
3- البزاة جمع البازي : طير من الجوارح يصاد به.
4- بفتح الراء.
5- في نسخة « الشرعية ».

مما لا يجوز بيعه ولا شرائه فإن كان له لبد (1) أو ظروف ينتفع بها وجلود كذلك غسلت وكان ذلك غنيمة ، فاما أوراقها فإنها تمزق ولا تحرق لأنه لا شي ء من الكاغذ الأولة قيمة ، وكذلك الحكم فيما نذكر انه من التوراة والإنجيل لأن ذلك قد غير وبدل

وكل ما لا يكون عليه اثر ملك ، كالشجر والحجر والصيد ، فلا يكون ملكا لهم ، فلا يكون غنيمة ، لأنه انما يكون كذلك ما كان ملكا للكفار ، فاما ما لا يكون ملكا لهم فلا يكون غنيمة وإذا كان عليه اثر ملك كالصيد المشدود والحجر المنحوت والخشب المنجور ، فجميع ذلك يكون غنيمة ، وعلى ما أصلناه ينبغي ان يكون الصيد إذا كان في دور المشركين ، أو كان واقعا في حبائلهم واشراكهم (2) وحوائطهم وفخاخهم (3) وما جرى مجرى ذلك فجميعه يكون غنيمة لأن عليه اثر الملك لهم ، وما لم يكن كذلك فلا يكون غنيمة.

وإذا صادهم في بلادهم المسلمون ، كان ذلك لمن أخذه ولا يلزمه رده الى المغنم ، وكذلك الحكم في الشجر والحجر وما جرى مجرى ذلك سواء ، فان وجد ما يجوز ان يكون ملكا للمشركين أو المسلمين ، مثل الخيمة والخرج (4) والأوتاد وما أشبه ذلك ، ولم يعرف له صاحب ، عرف سنة ، فان لم يظفر له بصاحب رد الى المغنم وإذا كان في المغنم بهيمة وأراد المسلمون ذبحها ليأخذوا جلدها ، ليستعملونه في النعال وما أشبهها في السيور (5) والركب (6) لم يجز ذلك ، لان ذبح منهي عنه الا للأكل.

وإذا كان في بيوت المشركين فهودة (7) أو صقورة أو جوارح معلمة أو سنانير

ص: 315


1- وفي نسخة « أوعية ».
2- الإشراك جمع شرك محركة : حبائل الصيد وما ينصب للطير.
3- الفخاخ جمع الفخ بالفتح : آلة يصاد بها.
4- الخرج كقفل وعاء معروف يجعل على ظهر الدابة لوضع شي ء فيه والجمع خرجة.
5- السير جمعه سيور : قدة من الجلد مستطيلة.
6- الركب من السرج : هو الركاب.
7- الفهد : سبع يصاد به ، ضيق الخلق شديد الغضب ، وكذا الصقر والجارحة من الطيور

أو كلاب صيد وما أشبه ذلك ، فذلك مما تباع وتشترى وجميعه غنيمة ، وان وجد شي ء منهم في أرضهم وليس عليه اثر ملك ، فاصطاده المسلمون كان ذلك لمن أخذه كما ذكرناه في الصيد كما تقدم ولا يلزم رده في المغنم.

واما الخنازير فينبغي للمسلمين قتلها ، فان اعجلهم المسير ولم يتمكنوا من ذلك لم يكن عليهم شي ء ، والخمور ينبغي ان تراق ، فان كانوا على المسير كسروها ، فان كان المسلمون قد صالحوهم لم يكسروها.

وإذا غنم المسلمون شيئا من خيول المشركين ومواشيهم ، ثم أدركهم المشركون وخافوا ان يأخذوها منهم ، لم يجز لهم عقرها (1) ولا قتلها ، وان كانوا (2) رجالة أو على خيل قد وقفت وكلت (3) وخافوا (4) ان يسترد الخيل فيركبوها ويظفروا بهم ، جاز لهم عقرها وقتلها لمكان الضرورة التي ذكرناها ، وان كانت خيولهم قد كلت ووقفت ، فلا ضرورة حينئذ هاهنا ولم يجز قتلها ولا عقرها ويجوز عقر الخيل التي يقاتلون عليها وقتلها ، والأفضل ترك ذلك مع الظهور (5) عليهم وارتفاع الضرورة الى ذلك.

« باب الأسارى »

الأسارى على ضربين : أحدهما ما يجوز استبقائه - والأخر لا يستبقي ، فالذي يجوز استبقائه ، كل أسير أخذ بعد تقضى الحرب والفراغ منها ، والذي لا يستبقي : هو كل أسير أخذ قبل تقضى الحرب والفراغ منها.

والضرب الأول يكون الامام ومن نصبه الامام مخيرا فيهم ، ان شاء قتلهم وان

ص: 316


1- عقر الفرس والإبل : قطع قوائمها بالسيف.
2- اى المشركون.
3- كل الرجل وغيره من المشي وغيره : تعب وأعيا.
4- اى المسلمون.
5- أي الغلبة.

شاء فاداهم (1) وان شاء من عليهم وان شاء استرقهم ، ويفعل في ذلك ما يراه صلاحا في التدبير (2) والنفع للمسلمين.

واما الضرب الثاني فحكمه الى الامام أو من نصبه أيضا ، وهو مخير في قتلهم بأي نوع اراده من أنواع القتل.

فاذا أسر مسلم مشركا فعجز الأسير عن المشي ولم يكن مع المسلم ما يحمل عليه فان عليه إطلاقه.

ومن كان أسيرا عند الكفار من المسلمين فلم يجز له ان يتزوج إليهم ، فإن كان به ضرورة تزوج يهودية أو نصرانية ، ولا يجوز له التزويج بغير ذلك من المشركين والمشرك إذا أسر وله زوجة كانا على الزوجية ان لم يجز الامام استرقاقه ، فإن فادى به أو من عليه عاد الى زوجته ، فان استرقه انفسخ نكاحه. وإذا كان الأسير صبيا أو امرأة لها زوج ، كان النكاح مفسوخا بنفس الأسر لأنهما صارا رقيقين.

وإذا أسر رجل بالغ كتابيا أو من له شبهة كتاب ، كان الامام مخيرا فيه على ما قدمنا من الوجوه ، فإن أسر وثنيا كان مخيرا فيه بين المن عليه أو المفاداة ، ويسقط هاهنا استرقاقه لأنه ممن لا يقر على الجزية. وإذا فادى رجلا وقبض مال المفاداة كان هذا المال غنيمة.

وإذا أسلموا قبل الأسر كانوا أحرارا وعصموا بذلك دمائهم وأموالهم إلا بحقها (3) ، وسواء احيط بهم في حصن أو في مضيق ، وإذا حدث الرق في الزوجين أو في أحدهما انفسخ النكاح في الحال لأن الزوجة صارت مملوكة بنفس الحيازة ، وإذا كان المسبي الرجل لم ينفسخ النكاح في الحال الا ان يسترقه الامام ، وإذا كان المسبي المرأة ، انفسخ أيضا النكاح في الحال لما ذكرناه فاذا كان الزوجان جميعا

ص: 317


1- اى أطلقهم وأخذ فديتهم ، وفي نسخة « ادرئهم » بدل « فاداهم ».
2- تدبرت الأمر : نظرت في دبره وهو عاقبته وآخره.
3- لعل المراد انه لا يجوز قتلهم وأخذ أموالهم إلا إذا تعلق بهما حق مثل ما إذا كانوا سرقوا مال مسلم.

مملوكين لم ينفسخ النكاح لأنه لم يحدث بهما هاهنا رق لأنهما قبل ذلك رقيقان.

وإذا سبيت المرأة وولدها لم يجز للإمام ان يفرق بينهما فيعطى الام لرجل ويعطى ولدها الأخر ، بل ينظر فان كان في الغانمين ، من يبلغ سهمه الام والولد دفعهما اليه وأخذ فضل القيمة ، أو يجعلهما في الخمس ، فان لم يبلغهما باعهما ورد ثمنهما في المغنم (1) والأمة إذا كان لها ولد لم يكن لسيدها ان يفرق بينهما ببيع ولا غيره من وجوه التمليكات.

وإذا بلغ الصبي سبع سنين أو ثماني سنين كان ذلك هو السن الذي يخير بين الأب والام فيجور ان يفرق بينهما فيه ، وقد ذكر ان ذلك لا يصح الا ان يبلغ ، ولا يفرق بينه وبين الجدة من قبل الأم ، لأنها في الحضانة بمنزلة ابنتها - أم الولد - واما الفرقة بين الوالد والولد فجائز لا محالة وان باع كان البيع جائزا. وقد قيل ان البيع فاسد لما روى عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : انه فرق بين جارية وولدها فنهاه النبي صلى اللّه عليه وآله عن ذلك ورد البيع (2) ، وهذا هو الأقوى.

ومن خرج عن الإباء وان علوا ، والأبناء وان نزلوا - من الاخوة وأولادهم والأعمام وأولادهم - فإن التفرقة جائزة بينهم. وإذا سبي طفل مع والديه أو أحدهما كان دينه على دينهما ولم يجز بيعه منفردا عن امه ، فان باعهما جميعا من المشركين أو المسلمين جاز ذلك.

وان مات أبواه لم يتغير عن حكم دينه ، ويجوز بيعه إذا مات أبواه من المسلم فان بيع من مشرك كان بيعه مكروها ، وقد حكى عن بعض الناس تحريم بيعه. فإذا سبى الولد منفردا عن أبويه ، كان تابعا للسابي في الإسلام ، فإن بيع من مشرك كان البيع باطلا ، وان بيع من مسلم كان البيع صحيحا.

ص: 318


1- والمراد : « اما ان يعطيهما أحد الغانمين ان بلغهما سهمه والا أخذ منه فضل القيمة واما ان يجعلهما في الخمس وان لم يفعلهما باعهما ورد ثمنهما في المغنم » هذا وليست العبارة وافية تمام المراد.
2- المبسوط ، ج 2 ، ص 21.

وإذا جنى الأسير جناية تحيط بنفسه قبل القسمة ، سلم الى مستحق ذلك بنفسه وخرج عن القسمة ، وان كانت الجناية دون النفس بيع في الجناية ، ودفع الى المجني عليه قيمة الجناية وترك الباقي في المغنم.

فان كان الجاني امرأة ومعها ولدها وكانت جنايتها تحيط بنفسها ، بيعت هي وولدها ولم يفرق بينهما في بيع وقسم ثمنهما ، فما أصابها عن نفسها سلم إلى المجني عليه ، وما أصاب من ولدها رد الى المغنم.

والمسلم إذا أسره المشركون ثم أسلموا عليه ، كان حرا على ما كان عليه. وأم الولد والمكاتب والمدبر إذا لم يكن سيده رجع عن تدبيره (1) يكونون على ما هم عليه. وكل ملك لا يجوز فيه البيع فإن أهل الحرب لا يملكونه. وإذا أسر مسلم رجلا فادعى الأسير انه كان مسلما لم يقبل منه ذلك إلا ببينة.

وإذا كان قوم من المسلمين أسارى في دار الحرب ، وقتل بعضهم بعضا أو تجارحوا ثم صاروا الى دار الإسلام ، أقيمت عليهم الأحكام في ذلك. فإذا أسر مشرك امرأة حرة مسلمة ، ووطأها بغير نكاح ثم ظفر المسلمون بها ، لم يسترق أولادها وكانوا مسلمين بإسلامها ، وكذلك الحكم ان كان لها زوج في دار الإسلام ، الا ان أولادها من المشرك لا يلحقون بزوجها المسلم. وانما يلحقون بالمشرك وان كان نكاحها فاسدا ، للشبهة.

والحربي إذا أسلم في دار الإسلام وله زوجة في دار الحرب ، وسبيت وهي حامل منه لم يسترق ما في بطنها ، وإذا ولدته كان مسلما بإسلام أبيه ، واى الوالدين أسلم ، كان الولد تبعا له.

وإذا سبي المسلمون الوثنيات ومن اشبههن لم توطأ واحدة منهن الا بعد إسلامها وان أسر المشركون مسلما وشرطوا عليه ان يكونوا منه في أمان إن أطلقوه ، ثم أطلقوه على هذا الشرط فعليه (2) ان يخرج من عندهم إلينا ولا يلزمه الإقامة بالشرط لأنه

ص: 319


1- في نسختين زيادة « ولا » والظاهر انها تصحيف.
2- في نسختين « فعليهم » بدل « فعليه » والظاهر انها تصحيف.

حرام ، وان كانوا قد استرقوه ثم أطلقوه على انه مملوك ، جاز له ان يسرق وينهب ويهرب لان استرقاقه باطل.

وإذا أسر المشركون المسلم وأطلقوه في ديارهم وشرطوا عليه ان لا يخرج منها كان هذا الشرط فاسدا وعليه الخروج منها. ومن أسره المشركون وصار في دار الحرب وكان مستضعفا (1) وهو متمكن من الخروج فعليه الخروج ، وان كان غير متمكن من ذلك ، جاز ان يقيم لأنه مضطر الى ذلك.

وإذا أسر المشركون مسلما وأطلقوه في دار الحرب على انه في أمان منهم وشرطوا عليه المقام بها أو لم يشرطوا ذلك ، كانوا منه في أمان ولم يكن له قتالهم في مال ولا نفس ، والحكم في خروجه من دار الحرب مع تمكنه من ذلك ومقامه بها على ما قدمناه ، فان خرج هاربا فأدركوه كان له الدفاع عن نفسه ، فإن أدى دفعه الى قتل طالبه ، لم يكن عليه شي ء لأنه الذي نقض عهده وزوال امانه (2)

وان أطلقوه بغير أمان ، كان له ان يأخذ من أموالهم وأولادهم ونسائهم وغير ذلك ما يمكن منه ، ويخرج هاربا أو غير هارب لأنهم لم يشترطوا الأمان ، وإذا شرطوا عليه المقام في دار الحرب ولم يحلفوا على ذلك حرم عليه المقام ولم يجب عليه الوفاء بالشرط ، وان حلفوه على ذلك لم يخل من ان يكون مكرها على اليمين أو يكون مختارا ، فان كان مكرها لم ينعقد يمينه لأنه مكره في (3) خروجه ، وان كان مختارا كان له الخروج ولم يلزمه كفارة.

فإن أطلقوه وشرطوا عليه يحمل مالا من دار الإسلام والا رجع إليهم لم يلزمه شي ء من ذلك ، فان قرروا بينهم وبينه فداء ، فان كان مكرها على ذلك لم يلزمه الوفاء به ، وان كان متطوعا لم يلزمه أيضا لأنه عقد عقدا فاسدا.

ص: 320


1- والمراد من المستضعف : من لا رهط ولا عشيرة له ولا يتمكن من إظهار دين الإسلام
2- في نسخة « لأن الذي نقض عنه. » وفي أخرى «. نقص عنده. » والظاهر تصحيفهما.
3- لعل كلمة « عدم » محذوفة هنا.

ولو ان الامام أو من نصبه ، شرط ان يفادي قوما من المسلمين بمال ، لما صح ذلك وكان العقد فاسدا ولم يملك المشركون ما يأخذونه منه ، وان ظهر المسلمون على المشركين وأخذوا منهم هذا المال ، لم يكن غنيمة ووجب رده الى بيت المال.

وإذا غصب مسلم فرسا وغزا عليه وغنم وأسهم له ثلاثة أسهم ، كان الثلاثة أسهم كلها له ، ولم يكن لصاحب الفرس منها شي ء ، فان دخل دار الحرب بفرسه الذي يملكه وغزا ثم غصبه غيره من أهل الصف فرسه وغنم (1) وأسهم للذي غصب الفرس ثلاثة أسهم ، كان له من هذه الثلاثة أسهم ، سهم واحد والسهمان الباقيان لصاحب الفرس وانما اختلف الحكم فيما ذكرناه ، لان الغاصب في المسئلة الاولى هو الحاضر للقتال دون صاحب الفرس وقد اثر حضوره في القتال ، وفي المسئلة الثانية صاحب الفرس حضر القتال فارسا وأثر في القتال ، والغاصب لفرسه ، غصبه بعد ذلك فكان السهم دون الغاصب (2) للفرس.

وإذا اشترى إنسان الأسارى من المسلمين لبعض التجار بإذنهم بان يشتريهم ويكفهم من العرض (3) ، فابتاعهم وأخرجهم من دار الحرب ، كان عليهم ان يؤدوا إليه ما ابتاعهم به ، وان اشتراهم بغير إذنهم ، لم يجب عليهم ان يؤدوا المال اليه ويستحب لهم أداء ذلك ، وان أذنوا له في ابتياعهم وكانوا فقراء فاشتراهم وأخرجهم من دار الحرب ولم يقدروا على تعويضه (4) عوض ذلك من بيت مال المسلمين إذا كان ثمنهم الذي وزنه (5) هو قيمتهم ، فان كان قد دفع فضلا على ذلك ، فان الفاضل في قتاله (6) ، ولم يجب تعويضه على ذلك من بيت مال المسلمين.

ص: 321


1- في نسخة « غنموا ».
2- للفرس خبر لكان.
3- اى من المعرضية للبيع.
4- في نسختين « تعريضه » والظاهر انه تصحيف.
5- اى جعله وزنا وعدلا لهم وبحذائهم.
6- كذا في نسختين ولعلها تصحيف والصحيح « في ماله ».

فان اشترى صبيانا أو أطفالا أحرارا بإذن أو بغير اذن ، لم يجب على أوليائهم ولا عليهم إذا بلغوا رد عوض المال إليه ، فإن فعلوا ذلك كان حسنا ، وان كان أوليائهم التاجر (1) في ذلك كان عليهم ان يدفعوا ذلك اليه.

وإذا اشترى مكاتبا أو أم ولد بأمرهما له بذلك ، واشتراهما فأخرجهما من دار الحرب لم يكن له عليهما شي ء ، الا ان يعتقا ، فاذا أعتقا ، جاز له مطالبتهما بماله وان كان اشتراهما بغير إذنهما له في ذلك ، لم يستحق عليهما شيئا عتقا أو لم يعتقا.

فان اشترى عبيدا كان لساداتهم ان يأخذوهم بالثمن الذي ابتاعهم به ، اللّهم الا ان يكونوا عند مشرك ، فدفعهم المشرك الى هذا التاجر عوضا عن هدية أو ما أشبهها فيكون قيمته ما اوفى عليه بهم.

« باب قتال أهل البغي ».

قال اللّه تعالى ( وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِي ءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ ) (2) الاية.

وروى عن أمير المؤمنين على بن ابى طالب (عليه السلام) انه خطب يوما بالكوفة ، فقام اليه رجل من الخوارج فقال ، لا حكم الا لله فسكت (عليه السلام) ثم قام آخر وآخر وآخر فلما أكثروا فقال صلوات اللّه عليه وآله « كلمة حق يراد بها باطل ، لكم عندنا ثلاث خصال ، فلا نمنعكم مساجد اللّه ان تصلوا فيها ، ولا نمنعكم الفي ء ما كانت أيديكم مع أيدينا ، ولا أبتدءكم بحرب حتى تبدءوا ، لقد أخبرني الصادق عن الروح الأمين عن رب العالمين : انه لا يخرج عليكم فئة قلت أو كثرت الى يوم القيامة الا جعل اللّه حتفها على أيدينا ، وان أفضل الجهاد جهادكم وأفضل المجاهدين من قتلكم وأفضل الشهداء من قتلتموه ، فاعملوا ما أنتم عاملون ، فيوم القيامة يخسر المبطلون ولكل

ص: 322


1- « التاجر » خبر لكان.
2- الحجرات - الاية 9.

نبأ مستقر فسوف تعلمون ». (1)

وروى عنه عليه السلام انه حرض الناس يوم الجمل على القتال ، فقال ( فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ ) (2) ثم قال : « هذا واللّه ما رمى أهل هذه الاية بسهم قبل اليوم » (3) وروى عنه عليه السلام انه قال يوم الصفين « اقتلوا بقية الأحزاب وأولياء الشيطان ، اقتلوا من يقول : كذب اللّه ورسوله ». (4)

وروى - انه لما أغارت خيل معاوية على الأنبار ، وقتلوا عامله (عليه السلام) وانتهكوا حرم المسلمين ، خرج (عليه السلام) بنفسه غضبان حتى انتهى الى النخيلة ، فمضى الناس فأدركوه فقالوا ارجع يا أمير المؤمنين فنحن نكفيك المؤنة ، فقال : واللّه ما تكفوننى ولا تكفون أنفسكم ، ثم قام فيهم خطيبا فحمد اللّه واثنى عليه ثم قال : « ان الجهاد باب من أبواب الجنة فمن تركه ، ألبسه اللّه تعالى الذلة ولشمله البلاء والصغار

وقد قلت لكم وأمرتكم ان تغزوا هؤلاء القوم قبل ان يغزوكم ، فإنه ما غزى قوم قط في عقر دارهم الا ذلوا ، فجعلتم تتعللون بالعلل وتسوفون ، وهذا عامل معاوية أغار على الأنبار فقتل عاملي عليها ابن حسان (5) وانتهك أصحابه حرمات المسلمين ، لقد بلغني ان الرجل منهم كان يدخل على المرية المسلمة والأخرى المعاهدة فينزع قرطها (6) وخلخالها لا يمتنع منها ثم انصرفوا لم يكلم أحد منهم ، فو اللّه لو ان امرء مسلما مات من هذا أسفا ، ما كان عندي ملوما بل كان عندي جديرا.

يا عجبا عجبت لبث (7) القلوب وتشعب الأحزاب من اجتماع هؤلاء القوم

ص: 323


1- المستدرك ، ج 2 ، الباب 24 من أبواب جهاد العدو ، ص 254 ، الحديث 9.
2- التوبة ، الاية 12.
3- المستدرك ، ج 2 ، الباب 24 من أبواب جهاد العدو ، ص 254 ، الحديث 5
4- المصدر ، الحديث 15.
5- في نسخة « ابن حسام ».
6- القرط : ما يعلق في شحمة الأذن.
7- البث : النشر والإذاعة والتفرق.

على باطلهم وفشلكم عن حقكم ، حتى صرتم غرضا تغزون ولا تغزون ويغار عليكم ولا تغيرون ويعصى اللّه وترضون ، إذا قلت لكم اغزوهم في الحر قلتم هذه أيام حارة القيظ (1) امهلنا حتى ينسلخ الحر وإذا قلت لكم اغزوهم في البرد قلتم هذه أيام صر (2) وقر ، وأنتم من الحر والبرد تفرون فأنتم واللّه من السيف أفر.

يا أشباه الرجال ولا رجال ، يا طغام (3) الأحلام ويا عقول ربات الحجال (4) ، قد ملأتم قلبي غيظا بالعصيان والخذلان ، حتى قالت قريش : ان على بن ابى طالب لرجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب ، فمن اعلم بالحرب منى؟ لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين ، وها انا قد عاقبت (5) على الستين ولكن لا رأى لمن لا يطاع ، أبدلني اللّه بكم من هو خير لي منكم وأبدلكم من هو شر لكم مني.

أصبحت واللّه لا أرجو نفعكم ولا أصدق قولكم ، وما سهم من كنتم من سهمه الأسهم الاخيب ، فقام اليه جندب (6) بن عبد اللّه فقال : يا أمير المؤمنين ها انا وأخي أقول كما قال موسى : رب انى لا أملك الا نفسى وأخي ، فمرنا بأمرك ، واللّه لنضربن دونك وان حال دون ما نريده جمر الغضا (7) وشوك القتاد ، فاثنى عليهما وقال : أين تبلغان رحمكما اللّه مما أريد (8).

ص: 324


1- القيظ : صميم الصيف.
2- الصر : البارد والقر بالضم : ضد الحر.
3- الطغام : الضعيف العقل ، والأحلام جمع حلم وفسر بالعقل ، وفي نسختين « طعام بالمهملة » ولعلها تصحيف.
4- الحجال : جمع حجلة وربات الحجال : النساء.
5- في نسخة « عافيت ».
6- هو المعروف والمسمى بجندب الخير الأزدي من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) وشهد معه عليه السلام بصفين واحد الثلاثة الذين شهد لهم رسول اللّه بالجنة وهم أويس القرني وزيد بن صوحان وجندب الخير الأزدي رحمة اللّه عليهم.
7- الجمر : النار والغضا : شجر عظيم ، خشبه من أصلب الخشب ولهذا يكون في فحمة صلابة.
8- دعائم الإسلام : ج - 1 ، ص - 390. وأيضا نهج البلاغة عبده : الخطبة - 26

فقد دل ما أوردناه - من القران والخبر - على ان اللّه سبحانه فرض قتال أهل البغي ، وقد ذكرنا في باب من يجب جهاده من المراد بأهل البغي وقسمتهم ، فاذا اقتتلت طائفتان بكلام أو ما يجرى مجراه ولم يشهروا سلاحا أصلح بينهما بما يدعو إلى الألفة وما يعم النفع به وان بغت إحداهما على الأخرى وشهرت الظالمة السلاح على المظلومة ، وجب قتال الطائفة الباغية حتى تفي ء إلى أمر اللّه سبحانه ، ووجب على المؤمنين إذا دعاهم الإمام الى ذلك واستعان بهم معاونته ومساعدته والخروج معه الى حربهم ، ولم يجز لأحد منهم التأخر عنه في ذلك

ولا فرق في وجوب قتال الباغية بين ان يكون باغية على طائفة من المؤمنين ، وبين ان يكون بغت على الامام اما في خلع طاعته أو منعه مما يجب له التصرف فيه من اقامة حدا وغيره أو ما جرى مجرى ذلك ، فان في كل ذلك يجب قتال هذه الباغية ، ولا يجوز لمن دعاه الإمام الى ذلك واستعان به في حربهم ، التخلف عنه كما قدمناه.

ولا ينبغي ان يبدوا بالحرب حتى يبدوهم بها ، ويجوز ان يدعوا قبل القتال إلى الحق وينذروا ، فان لم يجيبوا قوتلوا وان كانوا عارفين بما يدعوهم الإمام اليه ولم يدخلوا فيه ، جاز قتالهم من غير دعاء ولا إنذار.

ولا يجوز قتالهم الا مع الإمام أو مع من ينصبه لذلك ، وإذا بلغ - بعض خلفاء الامام على بعض المواضع - اجتماع قوم (1) على الخلاف والخروج على شق عصا المؤمنين (2) لا يقاتلهم حتى يطلع الامام على أحوالهم ، وينتظر امره فيهم فمهما أمروا به (3) انتهى اليه.

ويقاتل أهل البغي بكل ما يقاتل به المشركون ، وإذا انهزم عسكرهم وكان لهم فئة يرجعون إليها جاز اتباع مدبرهم وان يجهز على جريحهم ، وتغنم أموالهم التي في العسكر دون غيرها من أموالهم ولا تسبى ذراريهم.

وان لم يكن لهم فئة يرجعون إليها ، لم يتبع مدبرهم ولا يجهز جريهم ، فاما

ص: 325


1- فاعل بلغ
2- في نسخة « المسلمين »
3- كذا في النسختين ولعلها تصحيف والصحيح « أمر به »

أموالهم فلا يغنم منها الا ما حواه العسكر دون ما سواه مما لم يحوه ، ولا تسبى ذراريهم ، وقد ذكرنا هذا التفصيل في باب من يجب جهاده عند قسمة أهل البغي.

وإذا أدرك المؤمن الباغي وظهر عليه وغشيه بسلاحه فسئل الأمان وأظهر التوبة والرجوع ، أو أقر بامامة الإمام الحق ، أو أظهر ما يكون بإظهاره مفارقا لما هو عليه ، لم يجز للمؤمن الذي ظهر عليه طعنة ولا ضربه ، وان كان جريحا لم يجهز عليه كما قدمناه.

وإذا عدل أهل البغي عند الظهور عليهم الى رفع المصاحف والدعاء الى حكم اللّه سبحانه وتعالى ، بعد ان كانوا دعوا الى ذلك ولم يجيبوا اليه لم يلتفت الى هذا الفعل منهم ولم يرفع الحرب عنهم الا برجوعهم إلى الحق.

وإذا أعانهم قوم من أهل الذمة على قتال أهل العدل لبرئت الذمة منهم ، ولا فرق في ذلك بين ان يكون لمن أعانوه من أهل البغي فئة وبين ان لا يكون لهم ذلك وقتلوا مقبلين ومدبرين (1) ، فان ادعوا الجهل بما جرى معهم وانهم أكرهوا على ذلك وأظهروا التوبة مما فعلوا ، عفى عنهم ولم يقتل لهم أسير ولا يسبى لهم ذرية.

وان كان ما ادعوه انما هو على وجه المدافعة وعرف منهم خلافه لم يلتفت الى قولهم في ذلك ومن أصاب منهم دم إنسان من أهل العدل أو ماله طولب بذلك ، ولا يجب على واحد من أهل العدل إذا أصاب شيئا من ذلك لأحد منهم.

وإذا كان رجل من أهل البغي قد استحق على رجل من أهل العدل قبل (2) الفرقة ، حقا من قصاص أو أرش وطلب الحكم بينه وبينه من صاحب عسكر أهل العدل ، حكم بينهم في ذلك وامضى ما يجب لكل واحد منهما على الأخر ، فإن كان ما حكم به للباغي على العادل ما لا ينبغي ان يحكم له ولا يسلم اليه ، بل يجس

ص: 326


1- يعنى لا يجري في حق أهل الذمة حكم البغاة وهو « قتل المقبل لا المدبر فيما إذا لم يكن لهم فئة » بل يقتلون مقبلين أو مدبرين.
2- اى قبل افتراقهم عن المؤمنين وعن الطريق الحق. وفي نسختين « قتل الفرقة » والظاهر انها تصحيف.

عنده الى ان يرجع الى الحق ، لئلا ينفقه على حرب أهل العدل.

« باب أقسام الغزاة »

الغزاة على ضربين : مطوعة وغير مطوعة ، والمطوعة هم الذين يكونون مشغولين بمعاشهم لم ينشطوا للغزو ، فاذا غزوا وعادوا رجعوا الى معاشهم ، والذين هم غير مطوعة ، هم الذين يكونون قد راصدوا (1) نفوسهم للجهاد ووقفوها عليه.

والقسم الأول إذا غنموا في دار الحرب ، شاركوا الغانمين وأسهم لهم ، واما القسم الثاني فيجوز ان يعطوا من الغنيمة ويجوز ان يعطوا من الصدقة من سهم ابن السبيل. والاعراب ليس لهم من الغنيمة شي ء ، ويجوز للإمام ان يرضخ (2) لهم ويعطيهم من الصدقة من سهم ابن السبيل ، لان الاسم يتناولهم.

ومن يعطى من الغنيمة فلا يفضل أحد منهم في كل ذلك على أحد بل يسوى بينهم ، ومن يعطى من سهم ابن السبيل ، يجوز للإمام تفضيل بعضهم في ذلك على بعض على قدر مؤنتهم وكفايتهم بحسب ما يراه.

ولا يجوز لأحد من الغزاة ان يغزو بغير أمر الإمام ، فإن غزا بغير أمر الامام كان مخطئا ، فان غنم ، كان جميع ما يغنمه للإمام دون كل أحد من الناس.

وجميع ما يحتاج اليه من آلات الحرب والكراع (3) من بيت المال من أموال المصالح ، وهكذا أرزاق ولاة الأحداث والحكام والصلاة والأذان وما أشبه ذلك ، فإنهم يعطون من المصالح ، والمصالح تخرج من (4) ارتفاع أراضي ما فتح عنوة ومن سهم سبيل اللّه.

ص: 327


1- راصده : راقبه وراصد الشي ء له : أعد له.
2- رضخت له رضخا أعطيته شيئا ليس بالكثير.
3- الكراع : اسم يطلق على الخيل والبقال والحمير وقيل لخصوص الخيل خاصة
4- في نسخة زيادة « إخراج » ولعلها تصحيف.

ومن جمله ذلك ، ما يلزم فيما يخصه من الأنفال والفي ء ، وهو جنايات من لا عقل له ، ودية من لا يعرف القاتل له وما جرى مجرى ذلك مما يأتي ذكره في مواضعه.

وإذا أراد الإمام القسمة ، فينبغي ان يبتدئ أولا بقرابة النبي صلى اللّه عليه وآله وبمن هو أقرب فالأقرب ، فإن تساووا في القرابة بدأ ، بمن هو أقدمهم هجرة فان تساووا في ذلك فأقدمهم في السن ، وإذا فرغ من إعطاء أقارب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، بدأ بعد ذلك بالأنصار وأقدمهم على العرب ، فاذا فرغ منهم رجع الى العجم ، ولم يقدم أحدا منهم ممن ذكرنا تأخيره على أحد ممن ذكرنا تقديمه.

« تم كتاب الجهاد »

ص: 328

« كتاب السبق والرماية »

اشارة

قد ذكرنا في أول كتاب الجهاد قوله تعالى ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ ) الاية. (1) وروى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله انه قال : « الا ان القوة في الرمي » ثلاث دفعات (2) ، وروى عنه صلى اللّه عليه وآله انه مر بقوم من الأنصار يترامون فقال : « انا مع الحزب الذي فيه ابن الادرع ، فأمسك الحزب الأخر » وقالوا : لن يغلب حزب فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فقال : ارموا فانى أرمي معكم ، فرمى مع كل واحد منهم رشقا فلم يسبق بعضهم بعضا ، فلم يزالوا يترامون وأولادهم وأولاد أولادهم لا يسبق بعضهم بعضا ». (3)

وروى أيضا انه صلى اللّه عليه وآله كان يسابق على ناقته العضباء ، وان أعرابيا جاءه على بكر (4) فسابقه ، فسبقها فاغتم المسلمون ، فقيل يا رسول اللّه سبقت العضباء فقال حق على اللّه ان لا يرفع شيئا في الأرض الا قد وضعه. (5)

وروى عنه صلى اللّه عليه وآله انه قال : « تناصلوا ، واحتفوا ، واخشوا شنواء وتمعددوا » (6)

ص: 329


1- الأنفال ، الاية 60.
2- المبسوط ، ج 6 ص 289.
3- المستدرك ، ج 2 ، ص 516 ، الحديث 3.
4- البكر بالفتح : الفتى من الإبل.
5- المستدرك ، ج 2 ص 517 ، الحديث 4.
6- المبسوط ، ج 6 ، ص 290.

فقوله : تناصلوا فمعناه تراموا بالنصال (1) وقوله : « احتفوا » معناه امشوا حفاة ، وقوله « اخشوا شنوا » يعنى البسوا الخشن من الثياب ، وقوله : « تمعددوا » يعنى تكلموا بلغة معد بن عدنان فإنها أفصح اللغات وروى - عنه صلى اللّه عليه وآله انه قال « لا سبق إلا في نصل ، أو خف ، أو حافر » (2).

« باب ما يجوز المسابقة عليه وما لا يجوز »

« وما يتعلق بذلك من أحكام النضال »

النصل ضربان : نشابة وهي للعجم ، والأخر سهم وهو للعرب ، والمزاريق (3) وهي الردينيات (4) والسيوف والرماح كل ذلك من النصل ويجوز المسابقة عليه بعوض ، لقوله سبحانه وتعالى ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ ) الاية (5) ، ولقوله (عليه السلام) : « لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر (6) ، وجميع ذلك يتناوله اسم النصل.

واما الخف فضربان : إبل وفيل ، فالإبل تجوز المسابقة عليها لقوله تعالى : ( مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ ) (7) والركاب الإبل ، ولما قدمنا ذكره من انه صلى اللّه عليه وآله كان يسابق بناقته العضباء.

واما الفيل : ففيه خلاف ، والأظهر جواز ذلك فيه ، لعموم الخبر فيما تضمنه من ذكر الخف.

ص: 330


1- جمع نصل ، وهو حديدة السهم والرمح والسكين والسيف.
2- المستدرك ، ج 2 ص 517 ، الحديث 8 ، والوسائل ، ج 13 ، الباب 3 من أبواب السبق والرماية ، الحديث 4.
3- المزراق جمعه المزاريق : الرمح القصير.
4- الرديني : الرمح ، نسبته الى ردينية وهي امرأة اشتهرت بتقويم الرماح.
5- الأنفال ، الاية 60.
6- مر آنفا.
7- الحشر ، الاية 6.

واما المسابقة على الخيل فلا خلاف فيه ولقوله (عليه السلام) أو حافر ، واما البغال والحمير ففيها خلاف ، والأظهر جواز ذلك لعموم الخبر ، فاما ما عدا ما يتناوله الخبر فلا يجوز عندنا المسابقة عليه ، لان الخبر (1) تضمن نفى ذلك فيما لا يتناوله.

فان كانت المسابقة فيما ذكرناه جائزة ، فمن شرط صحتها ان تكون الغاية (2) التي تجري المسابقات إليها ، والانتهاء الذي يجريان اليه معلوما ، لما روى - عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله « سابق الخيل المضمرة من الحفيا الى ثنية الوداع ، وبين التي لم تضمر من ثنية الوداع الى مسجد بنى زريق » (3) ، وان تكون الغاية التي تجريان إليها واحدة لا تختلف الغايتان فتكون إحداهما أبعد من الأخرى.

وأما في المناضلة : فاذا تناضلا على الإصابة جاز ، وان تناضلا على أيهما (4) أصاب ، جاز عندنا ، وعند غيرنا لا يجوز.

فاذا كان كذلك وقيل لاثنين أيكما سبق الى كفين (5) فله عشرة دراهم صح ، لان كل واحد منهما يجتهد في السبق وحده ، فان قال لاثنين فمن سبق فله عشرة دراهم ومن صلى (6) فله مثل ذلك ، فان لم يدخل بينهما ثالث فان ذلك لا يصح لان كل واحد منهما لا يجتهد ولا يكد نفسه ، لأنه ان سبق كانت العشرة له وان صلى فكذلك له العشرة.

ص: 331


1- أي قوله (صلی الله عليه وآله) : « لا سبق. ».
2- لعل معناها : المسير والمسافة وتحتمل ان يراد بها غاية الزمان ، ولعل في العبارة سقطا وصحيحها « ابتداء الغاية التي تجري المسابقات منها » كما في المبسوط
3- المبسوط ، ج 6 ، ص 296.
4- لعل في العبارة سقطا ، وفي المبسوط : وان تناضلا على أيهما أبعد رميا ، ج 6 ، ص 296.
5- كذا في نسخة وفي أخرى « كفى » ولعلهما تصحيف والصحيح « أيكما سبق الى كذا » كما في المبسوط.
6- صلى : يعنى حاذى رأس فرسه صلوى فرس السابق ، والصلوان : الحقوان.

فاذا دخل بينهما ثالث ، وقال (1) الثلاثة سبق أو صلى فله عشرون صح ذلك ، لان كل واحد منهما يجتهد ويكد ، خوفا من ان يكون ثالثا غير سابق ولا مصلى ، فان لم يستو بينهما وجعل في العطية فاضلا ، فقال ، للسابق عشرة وللمصلي خمسة جاز ، فان دخل بينهما ثالث صح ، لان كل واحد منهم يخشى من ان يكون ثالثا لا يأخذ شيئا ، فان لم يدخل بينهما ثالث قال قوم لا يصح والصحيح جوازه ، لان كل واحد منهما يكد ويجتهد في تحصيل الأكثر.

هذا إذا كان المسبق (2) غيرهما ، فان كان هو أحدهما فقال : أينا سبق فله عشرة ، ان سبقت أنت فلك عشرة وان سبقت انا فلا شي ء عليك كان جائزا ، وفي الناس من قال : لا يجوز

فإن أخرج كل واحد من المستبقين عشرة ، ويقول : من سبق فله عشرون ، فان لم يدخلا بينهما محللا ، لم يجز ذلك لأنه يكون قمارا ، وان أدخلا بينهما محللا فسبقهما المحلل ، أحرز السبقين ، وان سبق أحدهما الأخر والمحلل ، أحرز سبقه وسبق صاحبه ولم يكن على المحلل شي ء في ماله ، وكذلك لو سبق (3) المحلل وتساوى المستبقان ، رجع إليهما سبقاهما ولم يكن على المحلل أيضا في ماله شي ء.

ولا يجوز ان يدخلا بينهما ، الا ان يكون ليس بمأمون ان يسبق فرسيهما ، فان أدخلا فرسا دون فرسيهما يأمنان عليه ان يسبقهما ، كان ذلك حيلة وقمارا ، وينبغي ان يخط في النهاية خط معترض ، فأي الفرسين أو الأكثر خرج فيها طرف اذنه قبل الأخر ، حكم بالسبق له.

فأما المناضلة في الرمي فلا يصح الا بشروط ، كل واحد منها يجب ان يكون معلوما ، وهي : الرشق ، وعدد الإصابة ، والمسافة ، وقدر العوض والسبق ، وشرط المبادرة والمحاطة.

ص: 332


1- الظاهر سقط كلمة « اى » كما في المبسوط.
2- المسبق اى معطي السبق وهو العوض.
3- فاعل « سبق » ضمير التثنية الراجع الى « المستبقان » ، وقد تنازع فيه الفعلان : « سبق وتساوى ».

واما الرشق بكسر الراء فهو عدد الرمي ، واما الرشق بفتحها فهو الرمي ، واما عدد الإصابة : فمثل ان يقال. الرشق عشرون والإصابة خمسة وما جرى هذا المجرى

واما صفة الإصابة : فمثل ان يقال : حوابي ، أو خواصر ، أو خوارق ، أو خواسق ، فالحوابى : ما وضع بين يدي الغرض ، والخواصر : ما كان في جانبي الغرض ، والخوارق : ما أخذ من الغرض ولم يثبت فيه ، والخواسق : ما وقع في الغرض وثبت فيه.

واما المسافة : فهي ما بين الهدفين (1) ، مثل ان يقول : مأتا ذراع أو ثلاث مأة ذراع وما أشبه ذلك.

واما الغرض : فهو الذي ينصب في الهدف ويقصد إصابته بالرمي ، وقد يكون من جلد ، أو قرطاس ، أو ورق ، أو خشب ، أو من شف (2) ، وقيل انه الرقعة (3) ، واما قدر الغرض : فهو مثل ان يقال : شبر في شبر ، أو أربع أصابع في مثل ذلك.

واما السبق : فهو المال الذي يخرج في المناضلة : واما المبادرة : فإن يبادر أحدهما إلى الإصابة مع تساويهما في عدد الرمي. واما المحاطة : فان يبادر أحدهما إلى الإصابة مع تساويهما في عدد الرمي ، بعد إسقاط ما تساويا في الإصابة ، فجميع هذه يجب في كل واحد منهما ان يكون معلوما ، ومتى لم يكن كذلك لم يصح ، والهدف هو التراب الذي يجمع وينصب الغرض فيه ، وقد يجوز ان يعمل من لبن وما أشبهه.

فإن شرط أحد المتناضلين ان يرمى بجنس من القسي (4) ويرمى الأخر بجنس غيره كان جائزا ، ولكل واحد منهما ان يتخير من الجنس ونصاله ما أراد ، فإن رمى

ص: 333


1- الهدف بالتحريك : هو الحائط أو التراب المجموع الذي ينصب فيه الغرض ، وتثنيته باعتبار ان موضع الرامي يصير هدفا في المرة الثانية وسيأتي ما يوضحه.
2- الشف : الثوب ، الستر الرقيق ، والشي ء اليسير.
3- رقعة الغرض : قرطاسه اى أديمه المنصوب للنضال.
4- القسي جمع قوس وهو إله منحنية ترمى بها السهام.

لم يكن له إبداله ، من غير ذلك الجنس.

وينبغي ان ينصب الرماة بينهم عدلا ، يخط لهم خطا في مقام الرمي ، يقفونه دونه.

وللرامي الوقوف حيث أراد من ذلك الخط من مقابلة المسبق أو يمينه أو يساره ولا يجوز لصاحب السبق ان يبتدئ بالرمي ، ولا ان يبتدئ به من يريد هو ان يبتدئ ان لم يشترط ذلك ، فان شرطه جاز ، وان لم يشترطه ووقعت المشاحة في ذلك بين الرماة ، أقرع بينهما فمن أصابه القرعة كان هو المبتدئ بالرمي ، مثل العدد (1) الذي رمى البادي به.

ولا ينبغي للمسبق ان يقطع الرمي الا من عذر يمنع من ذلك لعلة تناله في يده أو بصره أو أمر يضر بالرمي ، أو غير ذلك مما يكون العذر واضحا فيه.

وليس لأحد المتناضلين ان يقول للآخر : اجعل الاختيار الى فيمن أريد من الرماة ان يكون في حزبي ويكون السبق على ، ولا له أيضا ان يقول : ارم (2) انا وأنت ، فأينا نضل صاحبه ، سبقه.

والسبق يلزم الباذل له ، دون من معه في حزبه ، فان دخلوا معه في الضمان لزمهم منه ما يذكره ، ويفض ذلك عليهم على الرؤس.

فان قال أحد المتناضلين لصاحبه : سبقتك عشرة على انك ان نضلتني فلك العشرة ، ولا أرمي شهرا أولا أرمي أبدا لم يجز ذلك ، لأنه شرط (3) ما ندب ورغب فيه ، فان قال : ان نضلتني فلك دينار حال وقفيز من بر بعد شهر ، صح ذلك.

فان قال : ان نضلتني كان ذلك على عشرة وتعطيني قفيزا من بر ، لم يجز ذلك

ص: 334


1- الظاهر ان المراد : لو وقعت المشاحة في عدد رمى البادي أيضا أقرع فيه كما أقرع فيما إذا تشاحا في تعيين البادي.
2- الظاهر انها فعل المتكلم بحذف الياء من آخره.
3- الظاهر سقط كلمة « ترك » كما في المبسوط.

إذ من حق الناضل ان يأخذوا لا يعطى ، فاذا اشترط ذلك فقد شرط على الناضل ان يعطيه وذلك فاسد.

فان قال : ان نضلتني فلك عشرة إلا أربعا كان صحيحا لان قوله « الا أربعا » استثناء معلوم من جملة معلومة ، فإن قال : ان نضلتني فلك عشرة إلا قفيزا من بر ، كان ذلك فاسدا ، لأن قيمة القفيز مجهولة وإذا حذفت من المعلوم كان مجموعه مجهولا فلم يجز النضال.

فان سبق أحد المتناضلين الأخر وشرط ان يطعم السبق أصحابه ، كانت المناضلة صحيحة وكان مخيرا في أخذه وإطعامه ، وإذا خرج أحد المتناضلين السبق ، كان له ان يبتدئ بالرمي ، وقال : بعض الناس ليس له ذلك الا ان يشترطه ، فان شرطه كان جائزا ، وهذا هو الأقوى لان من النضال ان لا يكون للسبق مزية على الأخر وان كان هو المخرج للعوض.

وينبغي ان لا يقتصر أهل النضال على هدف واحد ، بل يرتبوا لهم هدفين يبدؤن بالرمي من أحدهما ويمشون على الأخر ، فإذا وصلوا اليه وقفوا عنده ، ورموا منه الى الذي بدءوا بالرمي منه ، فاذا بدأ واحد بالرمي من الهدف الأول ، فليس له ان يبتدئ بالرمي من الأخر بل يبدء غيره ، لان موضع المناضلة على المساواة بين أهلها

واعلم ان من عادة الرماة ان يرمى المتناضلان سهما وسهما (1) حتى ينفد الرشق ، فينبغي ان يكون رميهما كذلك ، فان شرطا من عشرة وعشرة (2) رشقا ورشقا كان ذلك جائزا ، وقد ذكرنا فيما تقدم انه ليس لأحدهما إذا بدء بالرمي أن يقطعه الا لعذر واضح ، فان حصل هذا العذر ورمى فأخطأ لم يعد عليه بذلك من الخطاء (3) لان الخطاء ما كان لسوء منه ، وان أصاب وحاله ما ذكرناه لم يعد له بذلك.

ص: 335


1- أي يرمي أحدهما سهما ثم يرمى الأخر سهما وهكذا ، فان شرطا ان يرمى أحدهما عشرا ثم يرمى الأخر كذلك كان جائزا.
2- في نسختين زيادة « أو ».
3- أي لم يحسب هذا الرمي من الخطأ ، لأنه لأجل العذر ، لا لسوء حذاقته.

وقد ذكرنا فيما تقدم الفرق بين الخاسق والخارق فاذا شرط الإصابة خواسق ورمى فأصاب الغرض ، وثقبه وثبت فيه نصله ، حسب خاسقا لان صفته قد حصلت وهي ما ذكرناه.

فإن أصاب الغرض وخدشه ولم يثقبه وثبت فيه ، لم يحسب إصابة لأنه شرط خواسق وهذا خارق ليس بخاسق ، فان ثقب الغرض ثقبا يصلح للخسق ، الا ان السهم لم يثبت فيه وسقط ، لم يحسب خاسقا لأن صفة الخاسق لم يحصل فيه ، فان شرط الإصابة مطلقة فأصاب الغرض فان خرق أو خرم أو خسق ، أو مرق ، أو حبي (1) كان كل ذلك اصابة ينبغي ان يحتسب بها لأنه شرط الإصابة بالإطلاق.

وإذا كانت الإصابة خواسق ورمى أحدهما فأصاب الغرض وسقط السهم ، ثم ادعى الرامي أنه خسق الا انه سقط ولم يثبت في الغرض لبعض علل فيه ، من حصاة أو غلظ أو ما جرى هذا المجرى ، وأنكر الأخر ذلك ولم يعلم موضع الإصابة كان القول قول المصاب عليه بغير يمين ، فان لم يكن فيه مانع يمنع من الثبات فيه كان القول قول المصاب عليه ، وان كان فيه مانع يمنع من ذلك ولم يكن السهم خرق ، كان القول قول المصاب عليه أيضا.

وان كان فيه شي ء من ذلك كان القول قوله مع يمينه ، لان ما يدعيه الرامي ممكن.

وإذا عرف موضع الإصابة ولم يكن في الغرض ما يمنع السهم من الثبوت كان القول قول المصاب عليه أيضا ، وان كان في الغرض شي ء من ذلك ولم يكن السهم خرق ، كان القول قول المصاب (2) ، لأن الأمر لو كان على ما ذكر الرامي لكان السهم قد خرق ففتح الموضع ، وظهر ما ورائه من المانع.

وان كان السهم قد خرق ما هو في وجه المانع ، وبلغ النصل الى المانع فالأولى ان يعد له فإنه خاسق.

ص: 336


1- في نسخة « جنى » وفي أخرى « جر » والظاهر انهما تصحيف والصحيح ما أثبتناه
2- اى المصاب عليه.

وإذا كانت الإصابة خواسق ورمى أحد المتناضلين ، فوقع السهم في ثقب كان في الغرض ، أو في موضع خلق منه فثقب الموضع وثبت السهم في الهدف ، وكان الغرض ملتصقا بالهدف وكان الهدف قويا لقوة الغرض مثل ان يكون حائطا أو طينا يابسا فهو خاسق ، وان كان الهدف ضعيفا ولم يكن بقوة الغرض مثل الطين الرطب والتراب ، لم يحتسب به - لا له ولا عليه.

وإذا شرط الخواسق فخرم - والخرم هو ان يقع السهم في حاشية الغرض فخرمه - وثبت فيه مثل ان يقطع من حاشيته قطعة ، وثبت فيه ، أو يسبق (1) الحاشية وثبت فيه وكان الغرض محيطا ببعض السهم وغير محيط ببعض آخر منه ، لم يحسب خاسقا لان الخاسق ما ثبت فيه ، ويكون الغرض محيطا يدور السهم وليس ما ذكر في هذا الخرم كذلك.

وان شرط الخواسق ورمى أحدهما فمرق سهمه - والمارق هو ان يصيب الغرض ويثقبه وينفذ السهم من ورائه - حسب خاسقا.

وإذا شرط اصابة الغرض فأصاب الشن (2) أو اليسير المحيط به ، أو العرى (3) حسب ذلك إصابة ، لأنه غرض كله ، فإن أصاب العلاقة لم يكن ذلك اصابة لان العلاقة غير الغرض.

وإذا تناضلا وعقدا ذلك على ان الرشق عشرون والإصابة خمسة ، ثم أراد أحدهما الزيادة في عدد الرشق أو عدد الإصابة ولم يجبه الأخر الى ذلك وكان بعد الابتداء بالرمي ، لم يجز ذلك وان كان قبل ذلك جاز إذا اتفقا عليه.

وإذا قال أحدهما لصاحبه ارم عشرين فان كان اصابتك أكثر من خطاك ، فلك على

ص: 337


1- كذا في بعض النسخ ولعلها تصحيف والصحيح « يثقب ».
2- الشن : الجلد اليابس البالي ، والسير قطعة من الجلد ولعلها تصحيف وأصلها « الشنبر ».
3- العرى معناها : الناحية وهي التي حول الشن والعلاقة هي التي يعلق عليها الشن

دينار صح ذلك ، فان قال له ارم عشرين وناضل نفسك فان كانت اصابتك أكثر فلك على دينار ، لم يجز ذلك لان الإنسان إنما يناضل غيره فاما ان يناضل نفسه فلا يصح.

فاذا رمى أحدهما فأصاب فوق سهم في الغرض وكان السهم الذي في الغرض قد ثبت نصله فيه وثقبه بطوله الى جانب الرمي لم يحتسب له ولا عليه ، لان بينه وبين الغرض مقدار طول السهم فليس يعلم ، ما يكون منه لو لم يقع ، في فوق السهم فان كان السهم الذي في الغرض قد أنفذ الغرض الى فوقه ، فوقع الثاني في فوقه فان كان الشرط في الإصابة حسب ذلك اصابة ، لأنا نعلم انه لو لا الأول أصاب الغرض ، فان كان خواسق لم يحتسب ذلك له ولا عليه ، لأنا لا نعلم هل يخسق أم لا.

فان كان نصل الأول ثبت في الغرض وبقية طوله خارجا منه فأصاب فوقه وسبح (1) عليه فأصاب الغرض حسب ذلك إصابة لأنه إنما أصاب بجودة رميه.

إذا شرطا حوالي (2) على ان ما كان منها الى الشن أقرب ، أسقط الذي كان منه أبعد ، صح ذلك ، فاذا رمى أحدهما سهما ، فوقع في الهدف ويقرب الغرض ورمى الأخر خمسة أسهم ، فوقعت أبعد ، ورمى الأول سهما فوقع أبعد من الخمسة ، سقطت الخمسة بالأول الذي هو أقرب ، وسقط الذي بعد الخمسة ، لأن الخمسة أقرب الى الغرض ، فان رمى أحدهما خمسة الى الهدف بعضها أقرب الى الغرض من بعض ثم رمى الثاني كلها أبعد من الخمسة الأول ، سقطت الخمسة الثانية بالأول لأنها أقرب الى الغرض وبقيت الخمسة الأول لا يسقط (3) ما هو أقرب منها الى الغرض ما كان منها من الغرض أبعد.

فإن رمى أحدهما الغرض ، والأخر الهدف فالذي في الغرض يسقط الذي في الهدف. فإن أصاب أحدهما الغرض وأصاب الأخر العظم وهو الذي في وسط الغرض

ص: 338


1- سبح عليه : اى مر عليه مماسا به ، نظير السباحة على الماء.
2- كذا في نسخة ولعلها تصحيف والصحيح « حوابي ».
3- في نسخة « يسقط » بدل « لا يسقط » والمتن موافق للمبسوط.

لم يسقط الذي في العظم ما هو أبعد منه لان جميع الشن موضع اصابة وقد ذكر بعض الناس انه يسقط بذلك.

وقد بينا فيما سلف معنى المبادرة والمحاطة.

فإذا اشترطا الرشق عشرين ، والإصابة خمسا ، فرمى كل واحد منهما عشرة وأصاب كل واحد منهما خمسة فقد تساويا في عدد الرمي والإصابة ، فلم يفضل أحدهما عن صاحبه ولا يرميان الباقي من الرشق لأنه يخرج عن المبادرة.

فإن رمى أحدهما عشرة فأصاب خمسة ، ورمى الأخر أربعة فقد فضل صاحب الخمسة. فإن رمى كل واحد منهما خمسة عشر ، فأصاب كل واحد منهما خمسة فما فضل أحدهما الأخر ولا يرميان ما بقي ، وان أصاب أحدهما خمسة وصاحبه أربعة فقد فضل صاحب الخمسة وعلى هذا ابدا.

واما المحاطة فأن يكون الرشق عشرين والإصابة خمسة ، ورمى أحدهما عشرة فأصاب خمسة ، ورمى الأخر عشرة فأصاب خمسة فتحاطا خمسة بخمسة ونضل (1) الأخر بكمال الرشق وعلى هذا ابدا. فان بادر أحدهما إلى الإصابة مع تساويهما في عدد الرمي بعد إسقاط ما تساويا فيه من الإصابة ، لم يخل من أحد أمرين اما ان يكون هذا بإكمال الرشق فقد فضل المنفرد بالإصابة. مثال ذلك : رمى كل واحد منهما العشرين فأصاب الواحد كلها ، وأصاب الأخر خمسة عشر تحاطا خمسة عشر وانفرد الواحد بخمسة فقد فضله ، فاما ان حصل ذلك قبل إكمال العشرين بان يبادر أحدهما إلى الإصابة مع تساويهما في عدد الرمي بعد إسقاط ما تساويا فيه من الإصابة ، فطالب صاحب الأقل صاحب الأكثر بتكميل الرشق فليس يخلو صاحب الأقل من ان يكون له فائدة في تكميل الرشق ، أو لا فائدة له فيه ، فان لم يكن له في ذلك فائدة فقد فضله صاحب الأكثر ولا يجب إكمال الرشق ، وان كان له فائدة فقد ذكر جواز ذلك ، وذكر انه لا فائدة فيه.

« تم كتاب السبق والرماية »

ص: 339


1- اى ناضل.

« كتاب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر »

واعلم ان من جملة فرائض الإسلام الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وربما كان ذلك فرضا على الكفاية ، وربما تعلق بالأعيان. فاما كونه فرضا على الكفاية فمثل أن يأمر بعض المكلفين بمعروف ، أو ينهى عن منكر فيؤثر أمره ، أو نهيه في ذلك فيقع المعروف ، أو يرتفع المنكر فسقط الوجوب عن الباقين.

فاما ما يتعلق بالأعيان فأن يأمر بمعروف ، أو ينهى عن المنكر ، فلا يؤثر أمره ولا نهيه فيما أمر به ونهى عنه ولا غيره على الوجه الانفراد والوحدة دون الباقين فيكون فرضا على الأعيان فيجب على كل واحد من المكلفين كما يجب على غيره منهم الى ان يحصل المعروف ، أو يرتفع المنكر ، فاذا كان كذلك ، سقط الفرض عن الجميع هذا مع تمكن الجماعة من ذلك ان اختص التمكن ببعض المكلفين دون بعض آخر منهم ، فان فرض ذلك لازم للمتمكنين دون من ليس بمتمكن.

والأمر بالمعروف يصح ان يكون واجبا ، ويكون ندبا ، فاما الواجب فبان يكون أمر المعروف واجبا ، واما الندب فبان يكون أمر بالمعروف ندبا ، لان كل واحد منهما يتبع في كونه ندبا أو واجبا حكم ما هو أمر به منهما.

فان كان واجبا كان الأمر به واجبا ، وان كان ندبا كان الأمر به ندبا كما ذكرنا.

واما النهي عن المنكر فجميعه واجب لان المنكر كله قبيح والنهى عن القبيح

ص: 340

واجب ، وليس ينقسم النهى عن المنكر ، انقسام الأمر بالمعروف لما ذكرناه من قبح المنكر.

واعلم ان الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر يكون باليد واللسان والقلب ، فاما وجوب ذلك على المكلف باليد واللسان فإنما يصح إذا كان متمكنا منهما ، ويعلم أو يغلب في ظنه انه لا ضرر يلحقه في ذلك ولا غيره من الناس ، لا في حال الأمر والنهى ، ولا فيما بعد هذه الحال من مستقبل الأوقات.

فإن علم أو غلب في ظنه لحوق الضرر به أو بغيره سقط وجوب ذلك عنه باليد واللسان ، ووجب ذلك بالقلب وحده ، فيعتقد وجوب الأمر بالمعروف ، أو وجوب الإنكار للمنكر ، واما الأمر بالمعروف باليد فإنما يكون بان يفعل المعروف ويجتنب المنكر على وجه يتأسى الناس به ، واما باللسان فان يكون بالدعاء الى ذلك ، وتعريف من يؤمر وينهى ما له على ذلك من مدح وثواب ، وماله على تركه والإخلال به ان كان واجبا من ذم وعقاب. وقد يكون الأمر بالمعروف باليد أيضا على وجه أخر وهو ان يحمل الناس بالقتل والردع والتأديب والجراح والا لم على فعله الا ان هذا الوجه لا يجوز للمكلف الاقدام عليه الا بأمر الإمام العادل واذنه له في ذلك أو من نصبه الإمام ، فان لم يأذن له الإمام أو من نصبه في ذلك فلا يجوز له فعله. ويجب عليه حينئذ الاقتصار على الوجه الذي قدمنا ذكره.

وهذا الوجه أيضا لا يجوز فعله في إنكار المنكر إلا بإذن الإمام أو من نصبه.

فان لم يحصل ذلك وجب عليه ان يقتصر على الإنكار باللسان والقلب. فاما باللسان فبالوعظ أو الانذار والزجر والتعريف لفاعل المنكر ما يستحقه على فعله من ذم وعقاب ، وما له على الإخلال به من مدح وثواب. وقد يكون إنكار المنكر على وجه آخر بضرب من الفعل وهو الاعراض عن الفاعل له ، وعن تعظيمه ، وان يتعمد هجره والاستخفاف به ويستمر على ذلك ، ويفعل منه ما يرتدع به عن المنكر.

ولا يجوز لأحد من الناس اقامة حد على من وجب عليه الا الإمام العادل أو من

ص: 341

ينصبه لذلك ، وقد رخص في إقامة حد لذلك على ولده واهله دون غيرهم إذا لم يخف من وصول المضرة إليه من ظالم ، فمتى خاف ذلك ، وعلمه أو غلب في ظنه لم يجز له فعله.

إذا استخلف السلطان الجائر إنسانا من المسلمين ، وجعل إليه إقامة الحدود جاز ان يقيمها بعد ان يعتقد (1) انه من قبل الامام العادل في ذلك وانه يفعل ذلك باذنه لا بإذن السلطان الجائر ، ويجب على المؤمنين مساعدته وتمكينه من ذلك ومعاضدته عليه ، هذا إذا لم يتعدى الواجب ، فان كان في ذلك تعد له لم يجز فعله ، ولا مساعدته عليه ، ولا تمكينه منه.

فان حمله هذا السلطان على ذلك جاز له فعله ان لم يبلغ ذلك قتل النفس ، فان بلغ ذلك لم يجز له فعله وان قتل بامتناعه من ذلك.

فاما تولى القضاء والأحكام فسنورده فيما يتعلق بذلك في موضعه ما يكتفى به ، ان شاء اللّه.

« تم كتاب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر »

ص: 342


1- في نسخة « يتعذر » بدل « يعتقد ».

« كتاب المكاسب »

اشارة

قال اللّه عزوجل ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللّهِ وَاذْكُرُوا اللّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (1).

وقال سبحانه ( وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ ، وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ مَوْزُونٍ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ ) الاية (2).

وأمر اللّه تعالى بالاكتساب من فضله ، وبين انه قد جعل لعباده (3) من المعيشة ما يتمكنون به من التصرف فيه بما يقوم بهم ويستعينون به على صلاح أحوالهم. وروى عن النبي صلى اللّه عليه وآله انه قال : « إذا أعسر أحدكم فليخرج يضرب في الأرض يبتغى من فضل اللّه ولا يغم نفسه واهله » (4) وروى عنه صلى اللّه عليه وآله انه قال لأصحابه في حجة الوداع : « انى واللّه لا اعلم عملا يقربكم من الجنة الا وقد نبأتكم به ، ولا اعلم عملا يقربكم من النار الا وقد نهيتكم عنه وان الروح الأمين

ص: 343


1- الجمعة ، الاية ( 9 - 10 ).
2- الحجر ، الاية (19)
3- في نسخة « العبادة ».
4- دعائم الإسلام ، ج 2 ، ص 13 ، الحديث 1.

نفث في روعي : أن نفسا لا تموت حتى تستكمل رزقها فأجملوا في الطلب » (1). وروى عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال : « ما غدوة أحدكم في سبيل اللّه بأعظم من غدوته يطلب لولده وعياله ما يصلحهم (2).

« باب ضروب المكاسب »

المكاسب على ثلاثة أضرب ، محظور على كل حال ، ومكروه ، ومباح على كل حال فاما المحظور على كل حال فهو كل محرم من المآكل والمشارب - وسنورد ذلك في موضعه من هذا الكتاب بمشيئة اللّه سبحانه وتعالى - وخدمة السلطان الجائر ومعونته وتولى الأمور من جهته ، واتباعه في فعل القبيح وامره (3) بذلك والرضا بشي ء منه مع التمكن من ترك ذلك وارتفاع التقية فيه والإلجاء اليه ، والتعرض لبيع الأحرار ، وأكل أثمانهم ، وكذلك مملوك الغير بغير اذن مالكه ، وآلات الملاهي والزمر مثل النأي وجميع ما جرى مجراه ، والقصيب (4).

والشين (5) وما جرى مجرى ذلك والحبال (6) على اختلاف وجوهه وضروبه وآلاته والغناء وسائر التماثيل مجسمة كانت أو غير مجسمة ، والشطرنج والنرد وجميع ما خالف ذلك من سائر آلات القمار كالأربعة عشر ، وبيوت الروعات وما جرى مجرى ذلك واللعب باللوز والجوز وما جرى مجرى ذلك وأحاديث القصاص وأسباب (7)

ص: 344


1- الوسائل ، ج 12 الباب 12 من أبواب مقدمات التجارة ، الحديث 1 ، والمستدرك ، ج 2 ، ص 418 ، الحديث 1.
2- المصدر ، ص 15 ، الحديث 9 ، والمستدرك ، ج 2 ، ص 415. الحديث 7.
3- في نسختين زيادة « ونهيه » ولعلها تصحيف.
4- قصب السكر معروف ويعمل منه المزامير ، وفي نسخة بالضاد المجمة ولعل المراد منهما واحد.
5- كذا في نسخة وفي نسخة « الستير » والظاهر انهما تصحيف ولعل أصلها « الميسر »
6- كذا في نسخة ولعل معناها : السحر.
7- في نسخة « والأسمار والفرح. ».

الفرح بالأباطيل والنميمة (1) والكذب والسعي في القبيح ، ومدح من يستحق الذم ، وذم من يستحق المدح ، وغيبة المؤمنين ، والتعرض لهجوهم ، والأمر بشي ء من ذلك والنهى عن مدح من يستحق المدح ، أو عن الحسن ، والأمر بمدح من يستحق الذم ، أو بشي ء من القبائح ، والحضور في مجالس المنكر ومواضعه إلا للإنكار وما جرى مجرى ذلك.

واقتناء السباع والحيات وما خالف ذلك من المؤذيات وخصي الحيوان ، وبناء الكنائس والبيع وكل ما يكون معبدا لأهل الضلال والصلبان.

والتطفيف في الوزن والكيل ، والغش في جميع الأشياء وعمل المواشط بالتدليس بان يسمن الخدود ، ويصلن شعر النساء بشعر غيرهن من النساء وما جرى مجرى ذلك مما يلتبس به على الرجال في ذلك.

وعمل السلاح مساعدة ومعونة لأعداء الدين وبيعه (2) لهم والجمع بينهم وبين أهل الفسق والفجور ، والفتيا بالباطل والحكم به ولو مع العلم ، والارتشاء على ذلك ، أو ما يجرى مجرى الارتشاء.

والأذان والإقامة لأجل الأجرة عليهما ، والصلاة بالناس لمثل ذلك ، وتغسيل الموتى وتكفينهم وحملهم والصلاة عليهم ودفنهم والكهانة والشعبدة وما أشبه ذلك من القيافة والسحر والزنا والتلوط.

ونسخ كتب الضلال وحفظه وإيراد الشبهة القادحة وتخليدها في الكتب من غير نقض لها ، وتزويق المساجد وزخرفة المساجد ، وجمع تراب الصياغة لبيعه ، فان جمعه إنسان فعليه ان يتصدق به.

وإيجار العقارات والمساكن لعمل المنكر فيها مع القصد وإيجار السفن وغيرها مما يحمل عليها المحرمات مع العلم بذلك والقصد إليه أيضا.

ص: 345


1- في نسخة « والتهمة » بدل « والنميمة ».
2- وفي نسخة « وبيعه والجمع لهم ، والجمع بين أهل الفسق والفجور ».

واحتكار الغلات عند عدم الناس لها وحاجتهم الشديدة إليها وبيع المصاحف إذا كان ذلك في المكتوب وبيع السرقة وابتياعها مع العلم بها ، ونثار الأعراس إذا لم يعلم من صاحبه الإباحة له وسلوك طريق يظهر منها امارة الخوف مع ترك التحرز والكسب من ذلك.

واما المكروه فجميع ما كره من المآكل والمشارب وسنورد ذلك في موضعه أيضا من هذا الكتاب بعون اللّه سبحانه وتعالى ومشيئته وكسب الحجام والأجر على القضاء وتنفيذ الأحكام من قبل الامام العادل ، والأجر على تعليم القرآن ، ونسخ المصاحف مع الشرط في ذلك وأجر المغنيات في الأعراس إذا لم يغنين بالأباطيل والضرب ، وبيع الرقيق والطعام وعظام الفيل وعملها ، والأكفان والحياكة والنساجة والذباحة وكسب الصبيان وركوب البحر للتجارة.

واما المباح على كل حال فهو كل مباح من المآكل والمشارب وكل ما لم يكن من جملة ما ذكرناه في كونه محظورا ومكروها.

« باب خدمة السلطان وأخذ جوائزه »

السلطان على ضربين : أحدهما سلطان الإسلام العادل والأخر السلطان الجائر ، فاما سلطان الإسلام العادل فهو مندوب الى خدمته ، ومرغب فيها ، وربما وجب ذلك على المكلف طائفة لما فيه من وجوب اتباعه وطاعته في امره ونهيه.

فإذا ولى السلطان إنسانا امارة وحكما أو غير ذلك من الولاة عليه وجب عليه طاعته في ذلك وترك الخلاف له فيه ، وجاز قبول جوائزه وصلاته والتصرف في الجميع على كل حال.

واما السلطان الجائر فلا يجوز لأحد ان يتولى شيئا من الأمور من قبله الا ان يعلم أو يغلب على ظنه انه إذا تولى ولاية من جهته ، تمكن من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وقسمة الأخماس والصدقات على مستحقها ، وصلة الاخوان ، ولا يكون في شي ء من ذلك تاركا لواجب ولا مخلا به ولا فاعلا بشي ء من القبائح فإنه حينئذ

ص: 346

مستحب له التعرض لتولى الأمور من جهته وان علم أو غلب على ظنه انه لا يتمكن من ذلك وانه لا يخلو من تفريط يلحقه في الواجبات ، ويحتاج الى ارتكاب بعض المقبحات ، لم يجز له تولى ذلك.

فإن ألزمه السلطان الجائر بالولاية إلزاما لا يبلغ تركه الإجابة الى ذلك الخوف على النفس وسلب المال وان كان ربما لحقه بعض الضرر ، أو لحقه في ذلك مشقة فالأولى ان يتحمل تلك المشقة ويتكلف مضرتها ، ولا يتعرض للولاية من جهته.

وان خاف على نفسه أو على أحد من أهله ، أو بعض المؤمنين ، أو على ماله جاز له أن يتولى ذلك ، ويجرى على وضع الأمور في مواضعها ، وان لم يتمكن من فعل ذلك ، اجتهد فيما يتمكن منه وان لم يتمكن من فعل ذلك ظاهرا فعله سرا لا سيما حقوق الاخوان والتخفيف عنهم من جور السلاطين الجور من خراج أو غيره.

وإذا لم يتمكن من القيام بحق من الحقوق والحال في التقية على ما ذكرناه جاز له ان يتقى في سائر الأمور والأحكام التي لا يبلغ الى سفك دم محرم ، لان هذا الدم ليس في سفكه تقية. وإذا تولى إنسان من قبل السلطان الجائر ولاية ، جاز له على جهة الرخصة قبول الأرزاق والجوائز منه ، لان له قسطا من بيت مال المسلمين.

وينبغي له ان يجتهد ويحرص في إخراج الخمس من كل ما يحصل له من ذلك ويوصله الى مستحقه ، ويصل إخوانه من الباقي.

ويتصرف هو في منافعه بالبعض الذي يبقى من ذلك ، وليس يجوز لأحد ان يقبل صلات سلاطين الجور وجوائزهم ما يعلم انه بعينه غصب وظلم ، فان لم يتعين جاز له قبوله وان علم ان السلطان المجيز له بذلك ، ظالم ويكون الإثم على الظالم دونه.

وإذا تمكن الإنسان من ترك معاملة الظالمين بالبيع والشراء وغير ذلك فالأولى تركها ولا يتعرض لشي ء منها جملة وان لم يتمكن من ترك ذلك معهم كانت معاملته له في ذلك جائزة الا انه لا يشترى منه شيئا يعلم انه مغصوب ، ولا يقبل منهم ما هو محرم في الشرع.

ص: 347

فان خاف من رد جوائزهم وصلاتهم على نفسه وماله ، جاز له قبولها ، ثم يردها على أصحابها.

ويجوز للإنسان أن يبتاع ما يأخذه السلطان الجور من الصدقات والخراج وان كانوا غير مستحقين لأخذ شي ء من ذلك ، الا ان يتعين له في شي ء منه معين انه غصب فإنه لا يجوز له ان يبتاعه.

وكذلك يجوز له ان يبتاع منهم ما أراد من الغلات على اختلافها وان كان يعلم انهم يغصبون أموال الناس ويأخذون ما لا يستحقون ، الا ان يعلم أيضا في شي ء منه معين انه غصب فلا يجوز له ان يبتاعه منهم.

وإذا غصب الظالم إنسانا وتمكن المظلوم من أخذه أو أخذ عوضه ، كان ذلك جائزا له ، وتركه أفضل.

فإن أودعه الظالم وديعة لم يجز له ان يأخذ منها عوض ماله ولا يتعرض لها بذلك ولغيره ، بل يردها عليه على حالها ولا يخونه فيها.

فإن أودعه وديعة يعلم انها بعينها غصب وعرف صاحبها فلا يجوز له ردها على بذلك ولغيره ، بل يردهما عليه على حالها ولا يخونه فيها. الغاصب لها ، بل يعيدها على صاحبها.

فان علم انها غصب ولم يعرف لها صاحبا أبقاها عنده ، الى ان يعرفه فاذا عرفه ردها عليه ، وان لم يعرفه لم يجز ردها على غاصبها بل ينبغي ان يتصدق بها عمن هي له.

« باب ما يجوز للوالد أخذه من مال ولده »

« والولد من مال والده والمرأة من مال زوجها »

إذا كان الوالد مستغنيا عن مال ولده بان يكون له مال ينفق منه على نفسه أو يكون ولده ينفق عليه ، لم يجز له أخذ شي ء من مال ولده الا برضاء الولد.

فان احتاج الوالد إلى أخذ شي ء من مال ولده أخذ منه مقدار حاجته على وجه القصد (1) من غير إسراف في الأخذ.

ص: 348


1- اى الاقتصاد والتوسط.

وإذا لم يكن للوالد مال ، جاز ان يأخذ من مال ولده ما ينفقه على نفسه في حجة الإسلام ، ولا يجوز له ان يأخذ ذلك في حجة التطوع وكذلك ان كان على الوالد دين لم يجز له ان يأخذ من مال ولده ما يقضى به ذلك الدين. وإذا كان للوالد أولاد صغار ، لم يجز له أخذ شي ء من مالهم الأعلى جهة القرض على نفسه دون غيره.

وان كان لولده جارية ولم يكن ولده وطأها أو لامسها بشهوة فإنه يجوز له أخذها ووطأها بعد ان يقومها على نفسه ، ويضمن القيمة لولده.

وإذا كان الولد في منزل أبيه ، وتنازعا في شي ء من متاع البيت لم يكن للولد إلا ببينة ، لأن الظاهر انه للأب ، لأنه في منزله ويده عليه فان ثبت للابن ببينة فإنه سلم اليه ولم يسلم إلى الأب.

ولا يجوز للوالدة أخذ شي ء من مال ولدها الا على جهة القرض لا غير.

ولا يجوز للولد ان يأخذ من مال والده شيئا إلا بإذنه ، أو من ضرورة شديدة يخاف على تلف النفس معها ، فإنه إذا كان ذلك ، جاز ان يأخذ ما يمسك به رمقه كما يتناول من الدم والميتة عند الضرورة التي يخاف فيها من تلف النفس.

ولا يجوز للزوجة أن تأخذ من مال زوجها ولا من بيته شيئا إلا ما يكون أدما ، فإن لها ان تأخذ منه وتطعم من غير إسراف في ذلك أو إضرار بالزوج ، فإن ادى الى ذلك لم يجز لها أخذ شي ء منه الا ما تأكله هي ، دون غيرها.

وان وهبت الزوجة شيئا لزوجها كانت الهبة ماضية فان دفعت إليه شيئا وشرطت له الانتفاع به كان جائزا.

وان ربح كان الربح له ، ويكره له ان يشترى بذلك جارية يطأها لأنها يعود بالغم على الزوجة. فان فعل ذلك بإذنها كان جائزا على كل حال.

« تم كتاب المكاسب »

ص: 349

« كتاب البيوع وعقودها وأحكامها »

اشارة

عقد البيع لا تصح الا بشرط وهي ثبوت الولاية في المبيعين اما بملك ، أو اذن ، أو ما يقوم مقامه ، وإمكان التسليم ورفع الحظر ، وتعيين الأجل فيما يكون مؤجلا والتعيين بالمبلغ ، أو الصفة ، أو هما جميعا. والقول المقتضي للإيجاب من البائع والقبول من المبتاع. والافتراق بالأبدان من مجلس البيع ، ووقوع ذلك على إيثار واختيار المتبايعين ، وحصول ذلك منها أيضا على وجه يحل.

وإذا باع إنسان ما ليس بملك له من غير اذن أو ما يقوم مقام الاذن ، أو ما لا يمكن تسليمه ولا رفع الحظر عنه ، أو باع شيئا الى أجل ولم يعين الأجل ، أو باعه ولم يعينه بالمبلغ ، أو الصفة ، أو بهما جميعا كان جميع ذلك باطلا والبيع فاسدا.

فان باع من غيره شيئا ولم يجر بينهما من القول ما يقتضي الإيجاب والقبول ، « مثل أن يقول البائع للمشتري قد بعتك هذا ويقول المشترى قد اشتريته أو قد قبلت ذلك أو أوجبت على نفسي ، أو يقول المشتري بعتني هذا فيقول البائع قد بعتك إياه » لم يصح البيع وكان فاسدا.

وإذا باع من غيره شيئا ولم يفترقا من المجلس على وجه التراضي لم ينعقد البيع ، لان الخيار بينهما لم يرتفع بكونهما مغيبين عن مجلس العقد ، فإنما يرتفع إذا افترقا على ما ذكرناه ، ومتى لم يفترقا كان لكل واحد منهما الرجوع في البيع.

وإذا باع ، من غيره شيئا على وجه الإكراه لم يصح البيع وكان البيع مفسوخا

ص: 350

لأنه لا بد فيه من الرضا.

ولا يحل لأحد أخذ مال مسلم من غير إيثاره واختياره وإذا باع شيئا على وجه حرام لم يصح ذلك.

والبيع على ثلاثة أقسام.

أولها بيع عين مرئية ، وثانيها بيع عين موصوفة في الذمة وثالثها بيع خيار الرؤية.

فأما بيع الأعيان المرئية فمثل ان يبيع إنسان عبدا حاضرا أو غير ذلك من الأعيان الحاضرة ، فيشاهد البائع والمشترى ذلك فيكون بيعا صحيحا لا شبهة في صحته.

واما بيع الموصوف في الذمة مثل ان يسلم في شي ء موصوف إلى أجل معلوم ويذكر الصفات المقصودة وهذا أيضا بيع صحيح.

وأما بيع خيار الرؤية فهو بيع الأعيان الغائبة ، وهو ان يبيع شيئا لم يره ، مثل أن يقول بعتك هذا الثوب الذي في الصندوق أو في كمي أو ما جرى مجرى ذلك ، فيذكر جنس المبيع ، ويذكر الصفة ،

ولا فرق بين أن يكون البائع رآه والمشترى لم يره ، أو يكون المشترى رآه والبائع لم يره ، أو لم يره ، هذا ولا هذا.

فاذا عقد البيع فرأى المبيع بعد ذلك فوجده على ما وصفه كان البيع ماضيا ، وان وجده بخلاف ذلك. كان له رده وفسخ العقد ولا بد من ذكر الجنس والصفة ، وإذا لم يذكرهما ، أو واحدا منهما كان البيع باطلا.

وإذا شرط البائع خيار الرؤية لنفسه كان ذلك جائزا ، فإذا رآه على الصفة لم يكن له الخيار ، وان كان على غير الصفة كان الخيار له ، هذا ان لم يكن رآه ، فان كان قد رآه لم يكن لشرط الرؤية وجه لأنه عالم قبل ذلك.

وإذا باع عينا بصفة مضمونة مثل ان يقول بعتك هذا الثوب على ان طوله كذا وعرضه كذا ، أو غيره من العقار على أنه متى كان بهذه الصفة ، والا فعلى بدله

ص: 351

على هذه الصفة لم يصح البيع لان العقد وقع على شي ء بعينه فاذا لم يصح فيه كان ثبوته في بدله يفتقر الى استئناف عقد مجدد.

ويجوز ان يبتاع الإنسان شيئا ويشترط تسليمه الى المشتري بعد مدة مثل شهر ، أو أكثر منه.

وإذا باع إنسان عينا حاضرة بعين حاضرة أو بدين في الذمة كان البيع صحيحا

وإذا كان الثوب على آلة النساج وقد نسج بعضه فباعه على ان ينسج ما بقي منه ويدفعه اليه لم يصح بيعه ، لان ما شاهده من المنسوخ ، البيع فيه لازم من غير خيار الرؤية ، وما لم يشاهده مما لم (1) يتمم نسجه يقف الأمر فيه على خيار الرؤية وهذا فاسد لأنه شي ء واحد يجتمع فيه خيار الرؤية وانتفائها وذلك باطل لا شبهة فيه.

وإذا ابتاع إنسان شيئا قد شاهده قبل العقد ولم يره في حال العقد كان ذلك جائزا ، فإن كان هذا المبيع من الأشياء التي لا يسرع التلف والهلاك إليها ولا يتغير في العادة مثل النحاس والصفر والأراضي وما جرى مجرى ذلك كان البيع صحيحا إذا شاهده على صفة لم يتغير عنها ، وان وجده قد تغير عن صفته كان له رده على البائع.

وان اختلفا في ذلك كان القول قول المبتاع مع يمينه.

وان كان مما يسرع اليه التلف مثل الفاكهة والبقول والخضر وما جرى مجرى ذلك فإنه ان كان ابتاعه بعده بزمان يعلم انه قد تلف فيه ، مثل ان يراه ويبتاعه بعد ذلك بشهرين أو ثلاثة ، كان البيع فاسدا ، وان كان ابتاعه بعد مدة - يجوز ان يكون تالفا فيها وغير تالف - كان البيع صحيحا إذا رآه على الصفة لم يتغير عنها ، وكذلك الحكم فيما قد يتلف ولا يتلف مثل الحيوان وما جرى مجرى ذلك.

« باب خيار المتبائعين وما يدخل فيه الخيار وما لا يدخل من العقود »

بيع الخيار ينقسم إلى ثلاثة أقسام ، أولها خيار المجلس وهو ان ينعقد بين

ص: 352


1- في نسخة « يتمم » بدون حرف الجزم ، وكلاهما صحيح.

المتبائعين العقد بالإيجاب والقبول فيثبت لهما الخيار ما لم يتفرقا من المكان بأبدانهما فإذا ثبت العقد بينهما وأرادا أن يوجباه ويبطل الخيار ، جاز لهما ان يقول أحدهما ويرضى الأخر به ، أو يتولاه معا : « قد أوجبنا العقد وأبطلنا خيار المجلس » فاذا فعل ذلك بطل هذا الخيار.

وثانيها : ان يشترطا في حال العقد ان لا يثبت بينهما خيار المجلس فيكون ذلك جائزا.

وثالثها : ان يشترطه مدة معينة ، قليلة كانت أو كثيرة (1) ، هذا فيما عدا الحيوان وأما الحيوان فيثبت الخيار فيه ثلاثا للمشتري دون البائع اشترط المشترى ذلك ، أو لم يشترطه ، وان زاد الشرط على ذلك كان بحسب ما يستقر بينهما للواحد منهما أو لجميعهما.

ومتى أوجب البيع بعد أن يشترطا مدة معينة ، ثبت العقد وبطل الشرط الذي تقدم على هذا في العقد.

ومن أراد ان يبتاع من نفسه لولده وأراد الانعقاد ، فينبغي له ان يختار لزوم العقد عند انعقاد العقد ، أو يختار بشرط بطلان الخيار. وقد ذكر انه إذا أراد ذلك انتقل من الموضع الذي ينعقد ، العقد فيه الى غيره ، فيجري ذلك مجرى افتراق المتبائعين ونحن بعد هذا نذكر فيما يدخله الخيار وما لا يدخله فيه من العقود.

إذا كان عقد البيع على عين حاضرة مشاهدة دخله خيار المجلس بحصول العقد مطلقا ، ويدخله خيار المدة بحسب ما استقر الشرط عليه.

وإذا كانت العين حيوانا ، دخل فيه خيار المجلس ، وخيار الثلاث فان زاد على هذه المدة شيئا ، كان بحسب ما استقر الشرط أيضا عليه ، وان كان بيع فيه خيار الرؤية ، دخله خيار المجلس وخيار الشرط وخيار الرؤية إذا رآه ، وان كان

ص: 353


1- في النسختين تشويش من حيث السقط في إحداهما والتكرار في الأخرى ، والصحيح المستفاد منهما ما أثبتناه.

الصرف ، دخله خيار المجلس فقط ، لان خيار الشرط لا يدخله من حيث ان القبض من شرط صحة هذا العقد. وان كان مع السلم ، دخله خيار المجلس ، وخيار الشرط.

واما الرهن : فان كان رهنا بدين ويقول هذا المملوك أو هذا الشي ء رهن به ، ويقبل ذلك ، صح العقد ويكون الخيار الى الراهن بين ان يقبض أو لا يقبض ، فان قبض لزم من جهته وكان جائزا من جهة المرتهن ، ان أراد الإمساك أمسك وان أراد الفسخ فسخ.

وان كان رهنا في بيع مثل ان يقول البائع للمشتري بعتك هذا الدار بمأة دينار على ان ترهن عندي هذا الشي ء ، فان استقر بينهما البيع على هذا الشرط وكان ذلك في مدة خيار المجلس أو الشرط ، فالراهن مخير بين قبض الرهن أو تركه.

فان قبضه لزم من جهة كونه رهنا ، ويكون البيع على حاله في مدة الخيار ، لكل واحد من المتبائعين الفسخ.

فان لزم بالافتراق ، أو ينقضي خيار الشرط ، فالرهن على ما هو عليه من اللزوم وان فسخ البيع أحدهما أو هما جميعا ، بطل الرهن وان لم يقبض الرهن الى ان لزم البيع بالافتراق ، أو تنقضي مدة الخيار ، كان الراهن مخيرا بين ان يقبض ، أو لا يقبض ، وان قبض لزم الرهن من جهة الراهن ، وان لم يقبض لم يجبر عليه ، ويكون البائع المرتهن حينئذ مخيرا بين ان يقيم على البيع ويمضيه بغير رهن وبين فسخه.

واما الصلح فان كان إبراء أو حطيطة (1) مثل ان يقول أحدهما للآخر « لي عندك مأة دينار وقد أبرأتك من خمسين دينارا أو حططتها عندك وادفع الى الباقي » فليس له الخيار فيما أبرأه منه ، أو حطه عنه من ذلك وله المطالبة بالباقي.

وان كان معاوضة مثل ان يقول « أقر له بدين أو عين » ثم يصالحه على ذلك فليس له الرجوع فيما وقع الصلح عليه.

واما الضمان فإنه ان كان له دين على غيره فبدل له ضمان غيره له فهو مخير بين ان يضمن أو لا يضمن ، فان ضمن لزم من جهته دون المضمون عنه.

ص: 354


1- أي إسقاط بعض الدين.

وان كان في بيع - مثل ان يقول بعتك على ان يضمن لي زيد ، أو تقيم لي ضامنا ، فان استقر ذلك بينهما وكان في مدة الخيار في البيع لزم من جهة الضمان ، فان فسخه أحدهما ، أو جميعهما زال الضمان.

وان لم يضمن حتى لزم البيع كان مخيرا بين ان يضمن أو لا يضمن ، فان ضمن صح على كل حال ، وان لم يضمن كان البائع مخيرا بين إمضائه بغير ضمان وبين فسخه.

وإذا حال الواجد غيره بمال على غيره وقبل الحوالة ، صح دخول خيار الشرط فيه ، فاما خيار المجلس فلا يدخله لأنه مخصوص بالبيع.

واما خيار الشفيع على الفور فان بادر إلى الأخذ لم يكن للمشتري خيار لان المبيع يؤخذ منه بالقهر ، فلا خيار له مع ذلك ، واما الشفيع فقد ملك البيع بالثمن وليس له خيار المجلس لان هذا الخيار كما قدمناه مخصوص بالبيع وهذا انما يؤخذ ذلك بالشفعة لا بغيرها.

واما الإجارة فقد تكون في معين مثل ان يقول الموجر أجرتك داري هذه أو دابتي هذه أو مملوكي هذا ، شهرا أو سنة أو من وقتي هذا أو يومي هذا ، وإذا ذكر هذه المدة المعينة لم يدخل عقد هذه الإجارة خيار المجلس ، فاما خيار الشرط فيجوز فيه.

وان كانت الإجارة ، اجارة في الذمة مثل ان يقول المستأجر لغيره « استأجرتك لتبني لي حائطا أو تخيط لي ثوبا أو ما أشبه ذلك » فيصح دخول خيار الشرط فيه ، فاما خيار المجلس فلا يصح دخوله فيه لأنه ليس ببيع ، لأنه مخصوص بالبيع كما قدمناه

واما المساقاة فيصح دخول خيار الشرط فيها لقول النبي صلى اللّه عليه وآله : المؤمنون عند شروطهم (1) ، فاما خيار المجلس فلا يدخل في ذلك.

واما الوقف فلا يدخله خيار المجلس ، ولا خيار الشرط جملة فاما خيار المجلس لأنه ليس بيعا كما قدمناه ، واما الشرط فلانة متى دخل فيه بطل الوقف ، وأيضا فإن

ص: 355


1- مستدرك الوسائل ج 2 ، كتاب التجارة ، ص 474 باب الشروط.

هذين الخيارين خيار مجلس أو خيار شرط لا يدخلان فيه لان دخول الخيار فيه يبطل كونه وقفا سواء كان الخيار خيار المجلس أو خيار الشرط.

واما عقد النكاح فلا يدخل فيه الخيار جميعا لمثل ما قدمناه ولأن الإجماع حاصل ، (1) فاذا دخل فيه كان على حسب ما يستقر الشرط فيه ، ولا يبطل به عقد النكاح فان تعلق الشرط بالعقد وبالصداق بطل النكاح.

واما الهبة فيدخلها الخيار ان كانت بغير عوض ، أو لم يتصرف الموهوب له فيها ، أو لا يكون لولده الأصاغر ، فان لم يكن لشي ء من ذلك صح دخوله فيها قبل القبض وبعده.

واما الخلع فمثل ان تقول له طلقني طلقة بمأة فيقول لها طلقتك بها طلقة فلا يكون له خيار في قبض المائة ليكون الطلاق رجعيا.

واما الطلاق والعتق فلا يدخل في واحد منهما الخيار.

واما السبق والنضال (2) فيصح دخول خيار الشرط فيهما فاما خيار المجلس فلا يدخلهما على ما قدمناه.

واما القراض فيصح دخول خيارين فيه.

واما العارية والوديعة فيصح دخول ذلك أيضا فيهما.

واما الوكالة والجعالة فيصح أيضا دخوله فيهما.

واما القسمة فيصح دخول خيار الشرط فيها سواء كانت القسمة فيها رد (3) ، أو كانت لأرد فيها ، وسواء كان القاسم الحاكم (4) الشريكين أو غيرهما ،

واما خيار المجلس فلا يدخل فيها على جميع الوجوه التي ذكرناها.

ص: 356


1- الظاهر سقط نحو « اما في الصداق وحده ».
2- النضال الغلبة في الرمي ، وفي نسخة « النصال » بالصاد المهملة والمراد واحد
3- بان لا ينقسم المال متساويين بل متفاضلين فيرد الى صاحب المفضول ما يتساوى معه سهمهما.
4- لعل كلمة « أو » ساقطة.

واما الكتابة إذا كانت مشروطة لم يكن للسيد فيها خيار المجلس ، فاما خيار الشرط فيصح في ذلك ، واما العبد فله الخيار ان شاء لأنه متى عجز نفسه كان الفسخ حاصلا.

وان كانت الكتابة مطلقة وادى شيئا من مكاتبته انعتق منه بحساب ذلك ولا خيار لواحد منهما فيها لأنه لا يرد حرفي الرق.

وإذا كنا قد بينا صحة ثبوت خيار المجلس فليس ينقطع الا بتفرق أو خيار (1) فاما التفرق الذي يلزم البيع به ، وينقطع عنده الخيار فهو مفارقة المجلس بخطوة أو أكثر منها.

فإن أقام المتبائعان في مكانهما وثبتا فيه ولو كان زمانا طويلا وبنى بينهما حائط فإن ذلك لا يبطل به خيار المجلس (2). فان كان بعد العقد فمثل ان يقول أحدهما للآخر بعد العقد وقبل ان يفترقا : اختر الإمضاء به ، وان قال الأخر : اخترت إمضاء البيع لزم العقد وانقطع الخيار ، فان سكت ولم يختر الفسخ ولا الإمضاء فخيار الساكت باق بحاله ولم يبطل خيار الأول ، لأنه إذا ثبت الخيار للواحد منهما ثبت الخيار للآخر لان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله جعل الخيار لهما جميعا (3).

وان كان في نفس العقد فمثل ان يقول : بعتك بشرط ان لا يثبت خيار المجلس بيننا فاذا قال المشترى قبلت ثبت العقد ولم يكن لهما خيار على وجه.

فان قال بعتك بشرط ولم يعين مقدار الشرط كان البيع فاسدا.

وإذا ثبت لزوم البيع اما بوقوعه مطلقا أو تنقضي المدة ان كان مشروطا ، أو تصرف المشترى فيه بتمليك أو عتق أو هبة ، أو ما أشبه ذلك ، لزم العقد من جهته ونفذ تصرفه وبطل اختياره ولم يبطل خيار البائع بل هو باق بحاله.

ص: 357


1- اى تخاير.
2- الظاهر سقوط نحو « واما الخيار ».
3- الوسائل ، ج 12 ، الباب 1 من أبواب الخيار ، الحديث 2 و 1 ، ص 345.

فان تصرف البائع فيه بتمليك أو عتق أو هبة أو ما أشبه ذلك كان هذا التصرف منه فسخا للعقد.

وإذا كان المبيع في يد البائع وهلك في مدة الخيار كان من ماله دون مال المشتري إذا لم يكن المشترى تصرف فيه ، وإذا اختلف البائع والمشترى في حصول إيجاده (1) كان على المشترى البينة بأنها حدثت في مدة الخيار ، وهكذا يلزمه إذا اختلفا في حصول إيجاده في العيب الموجب للرد.

فإن وطأ المشترى في مدة الخيار لزم البيع ولم يجب عليه (2) فان أتت الموطوئة بولد لحق به (3) ان لم يفسخ البائع العقد ، فان فسخه كان عليه قيمته ويلحق به ، وان لم تأت هذه الموطوئة بولد وكانت بكرا وجب عليه عشر قيمتها ، وان لم تكن بكرا فنصف عشر قيمتها ويبطل مع ذلك خياره.

واما خيار البيع فليس يبطل بوطء المشترى كان ذلك بعلمه أو بغير علمه الا ان يثبت رضاه به ، وإذا ثبت ذلك وعلم بطل خياره. وان وطي البائع في مدة الخيار كان ذلك فسخا للبيع ، وقد ذكرنا فيما تقدم ان ما يقع من البائع من التصرف في مدة الخيار ، يكون فسخا للعقد ، وما يقع منه من المشترى يلزم العقد به من جهته ويبطل خياره ، فان رضيا على إمضاء شي ء من ذلك ، أو اتفقا عليه في مدة الخيار مثل بيع المشترى ما اشتراه أو عتقه ان كان مما يصح عتقه ، أو ما جرى مجرى ذلك بطل خيارهما جميعا ومضى البيع والعتق أو ما أشبه ذلك مما يتفقان عليه ، أو يتراضيان به أو يأذن البيع للمشتري فيه.

« في إرث خياري المجلس والشرط »

واعلم : ان خيار المجلس أو الشرط يصح كونهما موروثين ، فان مات المتبائعان

ص: 358


1- اى حدوث الحادثة
2- شي ء ، وفي نسخة « لم يحسب عليه ».
3- في نسختين زيادة كلمة « الواو » هنا والظاهر انها تصحيف

أو واحد منهما كان (1) يتعلق بهما من ذلك موروثا عنه ، ولا فرق في ذلك بين ان يكونان حرين ، أو مملوكين مأذونا لهما في التجارة ، أو أحدهما حرا والأخر مملوكا أو مكاتبا فان وليه أو سيده يقوم مقامه فيه.

فان عرض له جنون أو إغماء أو خرس في مدة الخيار ، وكان الأخرس مما لا يعرف إشارته ولا يحسن شيئا من الكتابة ، قام وليه مقامه وفعل ما يكون له فيه الحظ (2) والصلاح في ذلك.

وان كان ممن يفهم إشارته ، أو يحسن شيئا من الكتابة كان خياره باقيا ، وفعل في ذلك بحسب ما يشير اليه أو يكتب به وإذا تصرف ولى هؤلاء القوم فيما ذكرنا عنهم ، ثم زال المرض العارض لهم عنهم ، لم يجز لهم الاعتراض عليه ، ولا خيار لهم فيه بحال.

وإذا أكره المتبائعان على الافتراق من المجلس ، ومنعا من الخيار والفسخ لم يؤثر ذلك في خيارهما ، ولا يبطله بل يكون ثابتا بحاله ، وإذا زال ذلك عنهما كان الخيار لهما في مجلس زواله إذا لم يفترقا منه. وان لم يمنعا من ذلك ووقع التفرق من غير أن يختار شيئا فقد بطل خيارهما.

وإذا كان الوارث لخيار الشرط حاضرا عند موت صاحبه ، قام مقامه كما قدمناه ، فان كان قد مضى بعض ذلك (3) كان الباقي له. وان كان ولده غائبا وبلغه موت صاحبه بعد انقضاء مدة الخيار بطل خياره.

ومن باع شيئا بشرط الخيار متى أراد ، كان فاسدا ، لأنه كان مجهولا.

إذا تقابض المتبائعان الثمن والمبيع في مدة خيار المجلس وخيار الشرط وخيار الرؤية كان ذلك جائزا ، ويكون الخيار باقيا على حاله.

ص: 359


1- الظاهران كلمة « ما » الموصولة ساقطة هنا.
2- في نسخة « الخبط » والظاهر انها تصحيف.
3- اى بعض زمان الشرط.

وإذا باع شيئا معينا وهلك بعد العقد ، فان كان ذلك قبل القبض بطل البيع ، ولا فرق في ذلك بين ان يكون هلاكه في مدة الخيار ، أو بعد تقضيها ، وان كان البائع قد قبض الثمن كان عليه رده ، وان لم يكن قبضه فقد سقط ذلك عن المشترى. وان كان هلاكه بعد القبض لم يبطل البيع في يد المشتري أو البائع مثل ان يكون قبضه المشترى ورده الى البائع وديعة أو عارية.

وإذا لم يبطل البيع بما ذكرناه وكان هلاكه في مدة الخيار لم ينقطع الخيار ، وإذا لم ينقطع الخيار فلا يخلو من ان يكون المتبائعان يجيزان البيع أو يفسخان أو أحدهما ، فإن فسخا سقط الثمن ووجب القيمة على المشترى ، وان اختار (1) إمضاء البيع أو سكتا حتى انقضت مدة الخيار لزمه الثمن دون القيمة ، لأن الثمن المسمى ، لا يسقط مع بقاء العقد.

وان كان هلاكه بعد تقضى مدة الخيار كان ماضيا على المشترى وعقد النكاح ينعقد ويصح بالإيجاب والقبول ، ولا اعتبار في ذلك بتقدم الإيجاب ولا تأخره

فاما البيعان فتصح عقودهما بتقدم الإيجاب ، فلو قال البائع : قد بعتك هذا الشي ء وقال المشترى : قد قبلت. لصح ذلك بغير خلاف ، فاما في التأخير فإذا قال المشتري : بعني هذا الشي ء بمأة وقال البائع : قد بعتك ، فلا يتم انعقاد العقد حتى يقول المشترى بعد ذلك : اشتريت.

فاذا علم بما ذكرنا كيفية انعقاد العقد في البيوع ، فجميع ما يقع من الناس على غير هذا الوجه فليس ببيع في الحقيقة ، ويجوز الرجوع في كل ما وقع منه كذلك ، وانما يكون واقعا منهم على وجه الإباحة والتراضي ، لا على انه بيع في الحقيقة ، ومثال ما ذكرنا ان يدفع الإنسان قطعه الى بقلي فيعطيه بها بقلا ، أو على سقاء فيدفع بها اليه شربة من ماء ، أو يدفع درهما أو أقل منه أو أكثر إلى خباز فيعطيه

ص: 360


1- كذا في نسختين ولعل أصلها بصيغة التثنية.

بذلك خبزا ، ولا يجزى (1) من واحد منهما قول في إيجاب ولا قبول ، وكل ما جرى هذا المجرى.

ولو ان واحدا منهم أراد الرجوع في ذلك لكان له الرجوع فيه ، لان ذلك ليس ببيع ، وقع على عقد صحيح كما ذكرناه.

« في خيار الغبن »

ومن ابتاع شيئا وظهر له فيه غبن فلا يخلو ان يكون من أهل الخبرة أو لا يكون كذلك ، فان كان من أهل الخبرة لم يكن له رده ، وان لم يكن من أهل الخبرة وكان مثله (2) لم تجر العادة ، فسخ العقد ان أراد ، وان كانت العادة جرت بمثله لم يكن له خيار. وإذا قال البائع للمشتري بعتك هذا على ان تنقدني الثمن إلى ثلاثة ، فإن نقدتنى والا فلا بيع لك ثم جاء بالثمن في الثلاث كان البيع له وان لم يجي ء فيها كان البيع باطلا ، وروى أصحابنا انه إذا ابتاع شيئا معينا بثمن معلوم وقال أجيئك بالثمن فان جاء به مدة الثلاث كان البيع له ، وان لم يأت به في ذلك بطل البيع (3).

« باب الربا وما يصح فيه ذلك وما لا يصح »

قال اللّه تعالى ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ) (4) وقال تعالى ( يَمْحَقُ اللّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ ) . (5) وقال اللّه جل اسمه ( وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا ) . (6)

وروى عن أمير المؤمنين (عليه السلام) انه قال « طرق طائفة من بنى إسرائيل عذاب

ص: 361


1- اى لا يكفي إيجاب البائع فقط أو قبول المشترى كذلك ، ويحتمل ان تكون الكلمة « ولا يجري » بالمهملة ، فتكون من تتمة المثال.
2- اى هذا الغبن.
3- الوسائل ، ج 12 ، الباب 9 من أبواب الخيار ، الحديث 1 ، ص 356.
4- البقرة ، الاية 275.
5- البقرة ، الاية 276.
6- البقرة ، الاية 275.

فأصبحوا وقد فقدوا أربعة أصناف من الناس الكيالين ، والمغنين ، والمحتكرين وأكلي الربا (1).

وروى عن الصادق عليه السلام انه قال « درهم ربا أعظم عند اللّه من سبعين زنية كلها بذات محرم » (2).

والربا محرم في شرع الإسلام ، وهو الفاضل من الشيئين إذا كانا من جنس واحد من المكيلات أو الموزونات ، وليس يصح الربا الا فيما كان مكيلا أو موزونا فاما ما كان من غير ذلك فلا يدخل فيه ، ومثال ما ذكرنا دخول الربا فيه من المكيلات والموزونات إذا كان الجنس واحدا هو : بيع مثقال من الذهب بمثقال منه وزيادة عليه ، ومثل بيع درهم من فضة بدرهم منها وزيادة عليه ، وقفيز من حنطة بقفيز منها وزيادة عليه.

وكذلك الحنطة مع الشعير لان جنسهما في الربا عندنا واحد. وفي الزكاة جنسان ، فاذا بيع قفيز من حنطة بقفيزين من شعير أو بالعكس كان ربا لما ذكرناه.

وما ذكرنا دخول الربا فيه مما يكال أو يوزن ، فان ما كان منه رطبا فإنه يجوز بيعه مثلا بمثل والجنس واحد يدا بيد (3) ، ولا يجوز ذلك متفاضلا ، وما كان منه يابسا ، جاز أيضا بيع بعضه ببعض والجنس واحد متماثلا يدا بيد ، ولا يجوز متفاضلا.

واما الا هليلج والبليلج والأملج والسقمونيا وما جرى مجرى ذلك مما يدخل في الأدوية من العقاقير فان الربا يدخل فيه ، لأنه من الموزونات. واما ما يدخل في الأدوية من الطين (4) الأرمني والخراساني فلا يجوز بيعه لأنه حرام ، فلا معنى

ص: 362


1- المستدرك ، ج 2 ، كتاب التجارة ، باب الربا ، ص 479 عن دعائم الإسلام.
2- الوسائل ج 12 ، الباب 8 من أبواب الريا ، الحديث 19 ، ص 427.
3- اى نقدا.
4- في نسخة زيادة « الإني و » ولم يتحقق معناها ، ولعلها تصحيف.

لذكر دخول الربا. واما الماء فلا يدخل فيه الربا ، لأنه مما لا يكال ولا يوزن.

واعلم ان المماثلة شرط في الربا ، والمعتبر فيها بعرف العادة فيها بالحجاز على عهد النبي صلى اللّه عليه وآله ، فان كانت العادة فيه الكيل لم يجز له الا كيلا في جميع البلاد وما كان في العرف فيه الوزن لم يجز له الا وزنا في جميع البلاد.

فاما المكيال فمكيال أهل المدينة ، والميزان فميزان أهل مكة بغير خلاف في ذلك ، وما كان مما لا يعرف فيه عادة على عهد النبي صلى اللّه عليه وآله فإنه يحل على عادة البلد الذي هو فيه ، فما عرف منه بالكيل فلا يباع الا كيلا ، وما كان العرف فيه بالوزن فلا يباع الا وزنا.

واما الخبز فيجوز بيع اللين منه باللين ، واليابس باليابس متماثلا غير متفاضل ، فاما بيع لينه بيابسه فلا يجوز لا متماثلا ولا متفاضلا فان كانا من جنسين مثل خبز الحنطة أو الشعير بخبز الأرز (1) فيجوز بيعه متماثلا فيه ومتفاضلا.

واما بيع الحنطة بدقيقها فيجوز متماثلا يدا بيد ، ولا يجوز نسيئة. وقد ذكر ان الاحتياط يقتضي أن يباع بعض ذلك ببعض وزنا مثلا بمثل ، لان الكيل يقتضي التفاضل من حيث ان الدقيق أخف في الوزن من الحنطة ، وهو الصحيح.

وإذا كان الواحد منهما يباع كيلا ، والأخر وزنا مثل الحنطة والخبز فلا يباع أحدهما بالآخر الا وزنا ، ليرتفع التفاضل بينهما ، ويجوز بيع دقيق الحنطة بدقيق الحنطة ، ودقيق الشعير بدقيق الشعير والسويق بالسويق ، ودقيق الحنطة بالسويق ، وخل العنب بخل العنب وخل التمر وخل الزبيب بخل الزبيب وكل ذلك مثلا بمثل ولا يجوز بيعه متفاضلا يدا بيد ، ولا نسيئة. ويجوز بيع الحنطة بالسويق وبالخبز وبالفالوذق المتخذ من النشا مثلا بمثل لا متفاضلا يدا بيد ، ولا يجوز نسيئة ، ويجوز بيع خل العنب والزبيب بخل التمر متفاضلا لأن أصله مختلف.

واما العصير فيجوز بيع بعضه ببعض مثلا بمثل ، ولا يجوز متفاضلا هذا إذا

ص: 363


1- في نسخة « الأرزن » بزيادة النون ، ولعلها تصحيف.

لم يغل الغليان المحرم ، فاما إذا بلغ ذلك حرم بيعه جملة ، ولم يكن لذكر الربا فيه معنى.

وحد الغليان الذي ذكرناه ان يصير أسفله أعلاه.

واما عصير التفاح والسفرجل والعناب والغضب والرمان فاجناس مختلفة لأن أصولها مختلفة.

فإن بيع بعض جنس ببعض منه جاز متماثلا ولم يجز متفاضلا ، مطبوخا كان أو غير مطبوخ ، فان بيع بعض من ذلك ببعض جنس آخر ، جاز ذلك متماثلا ومتفاضلا ، مطبوخا كان أو غير مطبوخ.

فاما الزيت والشيرج ودهن اللوز الحلو ودهن الجوز والفجل وما أشبه ذلك فيدخل فيه الربا - لأنه اما ان يكون مكيلا أو موزونا - إذا كان الجنس واحدا ، فان بيع بعض جنس ببعض جنس منه ، جاز ذلك مثلا بمثل يدا بيد ، ولا يجوز التفاضل فيه ، فان بيع بعض منه ببعض جنس آخر مخالف له ، جاز ذلك مماثلا ومتفاضلا يدا بيد ولا يجوز نسيئة ، واما دهن البزر والسمك وما أشبههما مما لا يعمل للأكل ولا الطيب يدخل فيه الربا لأنه أيضا اما ان يكون مكيلا ، أو موزونا.

واما دهن الجوز ودهن اللوز المر ، فيدخل فيه الربا لأنه اما ان يكون مكيلا أو موزونا.

واسم العسل إذا أطلق كان المراد به عسل النحل ، ويجوز بيع بعضه ببعض منه متماثلا يدا بيد ، ولا يجوز التفاضل فيه سواء كان فيه شمع أو كان مصفى ، واما ما يتخذ من العنب والسكر وان سمى بعسل فيجوز بيع الجنس منه بعسل النحل أو بغير جنسه متماثلا ، أو متفاضلا يدا بيد.

واما الألبان فيه أجناس مختلفة ، فالبان الغنم الأهلي : الضأن منه والمعز منه - فهو جنس واحد ، واما جنس لبن البري مثل الظبا فهو جنس آخر.

واما ألبان البقر الأهلي جاموسيا كان أو غير جاموسى فهو جنس واحد واما لبن البقر الوحشي فهو جنس آخر.

ص: 364

واما لبن الإبل بخاتيا كان أو غير ذلك فهو جنس واحد.

فما كان من هذه الألبان جنسه واحدا جاز بيع بعضه ببعض آخر منه مثلا بمثل يدا بيد وان كان الجنس مختلفا جاز التفاضل فيه يدا بيد ، ولا يجوز نسيئة ، سواء كان رطبا أو يابسا. وجميع ما يعمل من الألبان مثل السمن والزبد والمصل (1) والأقط وغير ذلك فالحكم فيه كما ذكرنا في اللبن.

ويجوز بيع مد ، من حنطة ودرهم بمدين من حنطة ، أو مدين من شعير ودرهم بمدين من شعير ، ومد من تمر أو مدين من تمر.

ويجوز بيع درهم وثوب بدرهمين ، وبيع دينار وثوب بدرهمين ، وبيع دينار وثوب بدينارين وكل ما جرى هذا المجرى يجوز بيعه على ما ذكرناه.

والحنطة إذا كانت مبلولة لم يجز بيعها بالجائف منها وزنا مثلا بمثل ، لأنه يؤدى الى الربا من حيث ان المبلول ينقص إذا جف فلا سبيل إلى معرفة مقدار ما فيها من الماء. والفواكه والبقول التي تباع مكيلة أو موزونة يجوز بيع بعضها ببعض ويجوز بيع الرطب بالرطب سواء كان مما يصير تمرا أولا يصير كذلك.

والشلجم والفجل المغروس في الأرض والجزر ، يجوز بيع ورقة وأصله بشرط التبقية والقطع. ومن اشترى من غيره سلعة بدنانير معينة أو دراهم معينة لم يجز ان يدفع غير ذلك الا برضاه.

« في خيار العيب »

فان اشترى دنانير بدراهم معينة ، ودراهم بدنانير أعيانهما ، ووجد أحدهما الذي قبضه من جنس غير الجنس المعقود عليه ، كان البيع فاسدا مثال ذلك : ان يباع دنانير فتخرج نحاسا ، أو يبتاع دراهم فتخرج رصاصا.

وعلى هذا لو قال بعتك هذا الثوب على انه قز فخرج كتانا ، أو كتانا فخرج

ص: 365


1- المصل من اللبن : ما يستخرج منه من الماء والأقط : اللبن اليابس.

قزا ، أو قال بعتك هذا البغل فخرج حمارا ، أو الفرس فخرج بغلا ، فإنه إذا كان من الجنس الأخر بطل البيع ، فان كان الكل من غير جنسه ، بطل البيع في الجميع وان كان البعض من غير جنسه بطل البيع فيه ولا يبطل في الباقي كما ذكرناه في تبعيض الصفقة ، ويأخذ من الثمن بحصته ويكون مخيرا بين رده وفسخ البيع وبين ان يرضى بحصته من الثمن. هذا إذا كان العيب من غير جنسه ، فاذا كان العيب من جنسه مثل ان يكون فضة خشنة أو ذهبا خشنا ، أو يكون السكة فيه مضطربة ، مخالفة لسكة السلطان فذلك عيب وهو مخير بين الرد واسترجاع الثمن وبين الرضا به ، وليس له المطالبة ببدل ، لان العقد تناول عينه ووقع عليها ولا يجوز له إبداله ، وان كان العيب في الجميع كان مخيرا بين رد الجميع وبين الرضا به.

وان كان العيب في البعض كان له رد الجميع لوجود العيب في الصفقة وليس له رد البعض المعيب وأخذ البعض الأخر.

وإذا باع دنانير بدنانير أو دراهم بدراهم ووجد عيبا في بعضها من جنسها كان للمشتري رد المعيب بالعيب أو يفسخ العقد ، وكل هذا إذا كان قد تبايعا دراهم معينة بدنانير معينة ، فان لم يكونا تبايعا كذلك بل تبايعا في الذمة ، فإنه إذا كان تبايعهما كذلك فاما ان تقع مطلقا مثل ان يبيع دينارا بعشر دراهم ، أو يقع موصوفا مثل ان يبيع دينارا قاسانيا ، بعشر دراهم راضية فإن كانا تبايعا على الوجه الأول المطلق فاما ان يكون نقد البلد الذي تبايعا فيه واحدا غير مختلف ، أو يكون مختلفا ، فان كان واحدا غير مختلف يرجع الإطلاق إليه دون غيره ووجب فيه ذلك ، وان كان النقد مختلفا وليس البعض منه بأغلب من بعض ، كان البيع فاسدا.

وان كان تبايعا على الوجه الثاني الموصوف كان البيع صحيحا. وإذا كان كما ذكرناه صحيحا لم يجز ان يفترقا حتى يتقابضا ، فان تقابضا ووجد أحدهما فيما قبضه عيبا وكان وجوده لذلك قبل التفرق من المجلس ، كان له إبداله سواء كان العيب من جنسه أو من غير جنسه ، لان العقد وقع في الذمة صحيحا بلا عيب فاذا دفع اليه معيبا كان له مطالبته بما في ذمته مما تناوله العقد.

ص: 366

وان كان وجوده لذلك بعد التفرق فاما ان يكون العيب من جنسه أو من غير جنسه فان كانت من غير جنسه كان الصرف باطلا لان المتبائعين تفرقا من غير قبض فيما تناوله العقد ثم ينظر فيه ، فان كان ذلك في الجميع بطل عقد الصرف رأسا ، وان كان في البعض بطل في ذلك البعض دون الباقي كما ذكرناه في تبعض الصفقة.

وان كان العيب من جنسه فاما ان يكون في الجميع أو في البعض ، فان كان في الجميع كان له الرد واسترجاع الثمن ، والرضا لأنه من جنس ما تناوله العقد وان اختار ان يبدله بغير معيب كان له ذلك.

وان كان في البعض فله ابدال ذلك البعض ، أو فسخ العقد في الكل.

يجوز للإنسان ان يبيع عشرين دينارا : عشرة منها جيدة وعشرة ردية بعشرين دينارا وسطا من غير تداخل (1) في ذلك : وكذلك يجوز بيع دينارين أحدهما صحيح والأخر قراضة بدينارين صحيحين أو رديين.

ويجوز أيضا بيع درهمين أحدهما صحيح والأخر مكسور بدرهمين صحيحين أو معا مكسورين ، فان باع دينارا جيدا بدينار روى ، كان ذلك جائزا بغير خلاف.

ولا يجوز بيع السيوف المحلاة واللجم المحلاة وما جرى مجرى ذلك بما يخالطه فيه الفضة من العروض وبالذهب نسيئة.

فإن اشترى شيئا من ذلك بالدراهم نقدا (2) استحب له ان يجعل فيها عرضا فان كان المتبائعان عالمين بمقدار الفضة التي فيه وكانت الدراهم أكثر منها لم يكن بذلك بأس.

فإن جعل المشترى ثمن ما كانت حلية فضة (3) ذهبا ، وما كانت حلية ذهب فضة كان جيدا.

ص: 367


1- كذا في نسختين ولعل المراد : من غير دخول شي ء على أحد العوضين ، ويحتمل التصحيف وان يكون أصلها « من غير تفاضل » كما في المبسوط.
2- في نسخة « فقد استحب » بدل « نقدا استحب ».
3- الإضافة بيانية وكذا ما بعدها.

فان كان الشي ء من جنسه وكان أكثر من الحلية ، كان الذهب بالذهب الذي في الحلية والفضة بالفضة سواء والفاضل عن ذلك من الثمن يكون ثمنا للعروض.

وكذلك ان جعل في الثمن عروضا وكان ما في الحلية من الفضة أكثر من الثمن كان الفضة بالفضة والفاضل من الحلية من العروض (1) التي مع الدراهم.

ويجوز ان يبتاع الإنسان (2) فضة بيضاء جيدة بفضة سوداء أكثر منها إذا كان مع السوداء (3) شي ء من الفلوس وما جرى مجراها.

وكذلك الذهب بالذهب ومع أقلها شي ء آخر.

وإذا كان الشي ء من الحلي المذهب فيه لؤلؤ وشي ء من الجوهر ولا يمكن تخليصه الا بضرر يلحق ماله في ذلك ، فاشتراه إنسان آخر منه بدينار وهو لا يعلم ان الدينار أكثر من الذهب ، لم يصح بيعه ، ولا يجوز بيعه بالدراهم نسيئة.

ولا يجوز ابتياع الذهب بالذهب ، ولا الفضة بالفضة مجازفا يدا بيد ولا نسيئة.

ومن اشترى خاتما فضة بفضة وكان الثمن أكثر مما فيه من الفضة كان البيع صحيحا ، فان كان مثله أو أقل كان باطلا.

وإذا كان مع إنسان ألف درهم صحاحا يريد ان يشترى بها أكثر منها مكسرة وزنا فاشترى بالصحاح ذهبا ثم اشترى بالذهب مكسرة أكثر من الصحاح كان جائزا إذا تقابضا وافترقا بالأبدان ، ولا فرق بين ان يكون ذلك مرة أو أكثر منها.

والتفرق بالأبدان لا بد منه ، فان لم يفترقا وخير أحدهما الأخر في إمضاء البيع أو فسخه ، فان اختار الإمضاء لزم البيع وبطل الخيار ، وقام التخاير مقام التفرق الا انه ينبغي ان يكون التخاير بعد التقابض ، فان افترقا قبل التقابض بطل الصرف وان تقابضا ولم يفترقا ولم يتخايرا ثم اشترى منه بالذهب الذي قبضه ، دراهم مكسرة

ص: 368


1- اى الفاضل من الحلية كان مقابل العروض.
2- في نسختين « الألبان » بدل « الإنسان » والظاهر انها تصحيف.
3- كذا في نسختين ، والظاهر انها تصحيف والصحيح « البيضاء » بدل « السوداء ».

كان الشراء صحيحا ، لأنهما إنما شرعا في البيع فانقطع خيارهما ، الا ترى انا قد بينا انه إذا تصرف فيه أو أحدث المشتري فيه حدثا ، فقد بطل خياره ، وقد حصل التصرف هاهنا فيها فبطل خيارهما وكان الشراء الثاني صحيحا.

وإذا باعه قبل التخاير أو التصرف من غير بائعه لم يصح ذلك ، لان حق الخيار للبائع ، هذا إذا كان المشترى قد اشترى من البائع دراهم.

فاما إذا لم يكن ذلك ، وأقرضه الصحاح التي معه واقترض (1) منه مكسرة أكثر منهما ، ثم ابرأ كل منهما صاحبه كان ذلك جائزا. وهكذا إذا وهب كل واحد منهما لصاحبه ما معه وأقبضه ، فإنه أيضا يكون جائزا ، وهكذا إذا باع الصحاح بوزنها مكسرة ووهب له الفضل من المكسرة كان جائزا.

وإذا كان للإنسان على غيره خمسة دنانير ، فدفع اليه خمسة عددا فوزنها القابض لها فكانت ستة دنانير. فان الدينار الزائد للقابض مشاعا فيها ، ولا يكون مغصوبا على القابض من أجل أنه أخذه عوضا ، بل يكون بمنزلة الأمانة في يده ، فاذا كان كذلك فإن أراد ، استرجع منه دينارا وان أراد هبة وهبها له ، وان أراد اشترى منه عوضا به ، وان أراد أخذ به دراهم ويكون ذلك صرفا.

ولا يجوز ان يفارقه قبل ان يقبض الدراهم ، فإن أراد ، جعله ثمنا لموصوف في ذمته إلى أجل سلما اثنان ، مع أحدهما دينار قيمته عشرون درهما ، والأخر معه عشرة دراهم ، فإن أراد ان يشترى الدينار منه بعشرين درهما ، فاشترى نصف دينار بعشرة وسلم العشرة اليه وقبض الدينار منه فيكون نصفه عن بيع ونصفه وديعة في يده ، ان تلف لم يضمن. ثم استقرض منه العشرة التي سلمها اليه واشترى منه بها النصف الباقي من الدينار صح ذلك ، ويصير جميع الدينار للمشتري ، والبائع قد استوفى جميع الثمن وله على المشترى عشرة دراهم قرضا.

ص: 369


1- في نسختين « أقرض » ولعلها تصحيف.

فان لم يفعل ما ذكرنا واشترى جميع الدينار بعشرين درهما ودفع إليه العشرة التي معه ، ثم استقرضها منه وقضاه بها (1) له من العشرة في ذلك المجلس كان ذلك أيضا جائزا. إذا كان مع إنسان تسعة عشر درهما واشترى دينارا بعشرين درهما ولم يقرضه الأخر فالعمل في ذلك ان يفاسخه الصرف ثم يشترى منه بقدرها (2) فيكون جزء من عشرين جزءا من الدينار في يده مقبوضا عن وديعة ، والباقي عن الصرف وإذا كان هذا ، عمل في الجزء الزائد بمثل ما قدمناه من العمل في الدينار (3) في المسئلة المتقدمة سواء.

فان لم يفاسخه غير انه قبض الدينار ثم فارقه ليوفيه الدرهم الباقي من التسعة عشر ، فان الصرف ينفسخ في قدر الدرهم ولا ينفسخ في الباقي.

وإذا اشترى إنسان من غيره عشرين درهما نقرة بدينار فقال له إنسان أخر : ولني نصفها بنصف الثمن صح ذلك والتولية بيع.

ولو قال له : اشتر عشرين درهما نقرة بدينار لنفسك وولني نصفها بنصف الثمن لما جاز ذلك لأنه إذا ابتاعها لنفسه وولاه ذلك ، كانت التولية بيعا من الغائب وذلك فاسد.

إذا قال إنسان لصائغ صغ لي خاتما من فضة ، وانا أعطيك وزنه فضة ، واجرة صياغتك وعمل الصائغ الخاتم لم يجز ان يفعلا ذلك ، وكان الخاتم باقيا على ملك الصائغ لأنه شراء فضة مجهولة بفضة مجهولة ، وافترقا قبل التقابض وذلك مفسد للبيع ، وإذا أراد بعد صياغة الخاتم ان يشترى اشتراه شراء مستأنفا بغير جنسه كيف أراد ، أو بجنسه مثل وزنه.

فعلى هذا لا يصح إذا اشترى ثوبا أو ما جرى مجراه بمأة دينار الا درهما ، أو

ص: 370


1- كذا في النسختين ولعلها تصحيف والصحيح « بماله ».
2- في نسخة « بغيرها » وفي أخرى « بعشرين » بدل « بقدرها » والظاهر تصحيفهما والصحيح ما أثبتناه كما في المبسوط.
3- في نسخة زيادة « الزائدة ».

بمأة درهم الا دينارا وكان باطلا ، لان الثمن مجهول من حيث انه لا يعلم كم الدرهم من الدنانير ولا حصة الدينار من الدراهم الا بالتقويم والرجوع الى أهل الخبرة.

فإن استثنى من الجنس فباع بمأة دينار الا دينارا أو مأة درهم الا درهما كان البيع صحيحا ، لان الثمن حينئذ يكون معلوما وهو الباقي بعد الاستثناء.

إذا باع ثوبا بمأة درهم صرف عشرين درهما بدينار كان الشراء باطلا لان الثمن غير معين ولا موصوف بصفة يصير معلوما بها.

وإذا اشترى إنسان من غيره ثوبا بنصف دينار وجب عليه شق دينار ، ولا يلزمه ذلك من دينار صحيح.

وهكذا إذا اشترى منه ثوبا أخر بنصف دينار لزمه نصف أخر مكسور ولا يلزمه دينار صحيح لان نصف دينار يقتضي ذلك مفردا فان دفع اليه دينارا صحيحا كان جائزا لأنه يكون قد زاده جزاء.

فان شرط في البيع الثاني ان يدفع اليه عن البيع الأول والثاني دينارا صحيحا حتى يزيد في ثمن الثوب الأول فيجعل المسكور من دينار صحيح فهذه الزيادة لا تلحق بالأول لثبوته وإبرامه ، ولأن الزيادة مجهولة وإذا لم تلحق بالأول لم تثبت في الثوب الثاني لأن ذلك مجهول فكان باطلا. وان لم يكن البيع الأول قد لزمه ولا انقطع الخيار ، فالخيار باق بينهما فقد بطل الأول ، ولم يصح الثاني لأن زيادة الصفة منفردة عن العين مجهولة لم يصح ولا يلحق بالثمن فلم يثبت وإذا لم يثبت هذه الزيادة معه ولم يرض بان يكون نصف دينار ثمنا للواحد ، حتى يكون هذه الزيادة معه في ثمن الثوب الأخر فكان الثمن مجهولا فلا يصح.

وإذا ابتاع إنسان من غيره ثوبا بعشرين درهما وأحضره عشرين درهما صحاحا وزنها عشرون درهما ونصف ، فقبض وأخذ بنصف درهم فضة ، كان جائزا.

فإن كان قد شرط ذلك في أصل بيع الثوب كان البيع فاسدا ، لأنه شرط عليه

ص: 371

بيع نصف درهم وهذه بيعتان (1) وذلك غير صحيح.

واعلم ان الربا لا ينعقد بين الوالد وولده ، والسيد وعبده ، والحربي والمسلم ، والمرأة وزوجها.

وينعقد بين من خالف هؤلاء ، وعلى ما ذكرنا يجوز أن يعطى كل من ذكرنا من صاحبه الدرهم بدرهمين والدينار بدينارين وكذلك في كل موزون ومكيل.

واللحوم فيها أجناس مختلفة فلحم الغنم - الضأن منها والماعز - فهو جنس واحد ، ولحم البقر الانسى - جواميسها وغير جواميسها - جنس واحد ، ولحم البقر الوحشي جنس واحد. ولحم الإبل - عرابها وبخاتيها وغير ذلك منها - فهو جنس واحد. ولحم القطا جنس واحد ، ولحم الكراكي (2) جنس واحد ، ولحم الحبارى (3) جنس واحد ، ولحم الحمام جنس واحد ، ولحم القماري (4) جنس واحد. ولحم الحجل (5) جنس واحد ، ولحم الدراج جنس واحد ، ولحم الطيهوج (6) جنس واحد ، ولحم الدجاج الحبشي وغير الحبشي جنس واحد ، ولحم العصافير جنس واحد.

واما السمك فكل ما اختص منه باسم فهو جنس واحد.

وكل جنس مما ذكرنا من اللحوم فإنه يجوز بيعه بجنس آخر مثلا بمثل ومتفاضلا رطبين كانا ، أو يابسين ، أو كان أحدهما رطبا والأخر يابسا.

ص: 372


1- اى صار هذا البيع بيعين ، وقد نهى عن بيعين في بيع راجع الوسائل ، ج 12 ، الباب 2 من أبواب أحكام العقود ، الحديث 4 و 5.
2- الكراكي : طائر كبير من فصيلة الكركيات قليل اللحم طويل العنق والرجلين
3- الحبارى : طائر أكبر من الدجاج الأهلي يضرب به المثل في البلاهة.
4- القماري بالفتح ضرب من الحمام حسن الصوت.
5- الحجل بالفتحتين طائر في حجم الحمام احمر المنقار والرجلين ، يستطاب لحمه
6- الطيهوج : طائر اخضر ، طويل الرجلين والرقبة ، أبيض البطن والصدر ، من طيور الماء.

فاما بيع بعض جنس الواحد ببعض الأخر منه فيجوز مثلا بمثل.

ويجوز بيع المطبوخ بعضه ببعض ، وكذلك ما كان مشويا.

ويجوز بيع المشوي بالمطبوخ ، والمطبوخ بالني (1) ، والني بالمشوي.

ولا يجوز بيع اللحم بالحيوان إذا كان الجنس واحدا ، مثل ان باع شاة بلحم شاة ، أو بقرة بلحم بقرة ، أو جملا بلحم جمل أو لحم جمل (2) بلحم شاة أو لحم شاة بلحم غنم وهكذا جميع ما يجرى هذا المجرى لأنه لا يؤمن الربا فيه.

ويجوز بيع دجاجة فيها بيض ببيض ، وبيع سمكة حية بلحم بقرة أو شاة ، أو ما أشبه ذلك.

« باب أحكام العقود »

كل عقد انعقد في نخل من بيع أو إجارة أو نكاح أو مخالعة أو مصالحة وكان النخل قد أبر (3) فإن الثمرة تكون للمالك الأول دون الذي انتقل ملك النخل اليه وان لم يكن ابره كانت الثمرة للذي انتقل ملك النخل اليه دون المالك.

فان انتقل ملك النخل من غير عقد معاوضة ومثاله ان يبتاع الإنسان من غيره نخلة حائلا (4) فتطلع في ملك المشترى ثم تفلس (5) بالثمن ويرجع البائع بالنخلة فليس له الرجوع عليه بالطلع.

وإذا طلعت النخلة في يد زوجة رجل وطلقها قبل الدخول بها رجع إليها بنصف النخلة دون الطلع.

ص: 373


1- الني ء من اللحم : الذي لم تمسه النار أو لم ينضج.
2- كذا في نسختين والظاهر انها تصحيف ، ولعل أصلها « حمل » بالإهمال والتحريك وهو الخروف إذا بلغ ستة أشهر.
3- تأبير النخل هو تلقيحه.
4- في نسختين « حاملا » والظاهر انها تصحيف والصحيح ما اثبتناه كما في المبسوط وكذا فيما تأتي بعد أسطر. وتطلع النخلة : أي صارت ذات طلع.
5- اى صار المشترى مفلسا في أداء الثمن.

فان رهن إنسان نخلة (1) قبل التأبير لم يدخل الطلع في الرهن لان عقد الرهن لم يتناول الطلع ، وانما يتناول غيره ومن وهب نخلة مطلعة قبل تأبيرها ، وسلمها لم يدخل الطلع في الهبة.

وان وهب نخلة حائلة وكان ممن له الرجوع في هذه الهبة ، واطلعت في يد الموهوب له ورجع الواهب فيها لم يكن له الرجوع في الطلع لأنه حصل في يد الموهوب له.

والنخل إذا كان في بستان وفيه ما قد أبر وفيه ما لم يؤبر وباع المؤبر لإنسان ، والثاني لغير ذلك الإنسان ، كانت ثمرة المؤبر للبائع ، وثمرة ما لم يؤبر للمشتري.

فإذا طلع نخل البستان وأبر منه نخلة واحدة فليس يصير الباقي بذلك في معنى المؤبر ، فإن باع هذه النخلة المؤبرة ، كانت ثمرتها للبائع ، فإن باع غير المؤبرة كانت ثمرتها للمشتري ، ولم يتعد حكم المؤبر الى ما لم يؤبر.

وإذا تشقق طلع النخلة وظهرت الثمرة بالرياح الواقح ، وهو ان يكون فحول النخلة في جهة الصبا في وقت الايار (2) فان الإناث تتأبر بذلك (3).

وإذا باع نخلة من الفحول مطلعة كان طلعها للبائع دون المشترى سواء تشقق أو لم يتشقق.

واعلم ان القطن يختلف ففيه ما يكون له أصل يبقى سنين يحمل في كل سنة ، وذلك يكون بأرض الحجاز والبصرة ، وفيه ما لا يكون كذلك ، فاذا باع إنسان شيئا مما ذكرنا أن أصله يكون ثابتا وكانت جوزقة (4) قد خرجت وتشققت كان القطن للبائع

ص: 374


1- في نسخة زيادة « مطلعة ».
2- أيار بفتح الهمزة والتشديد : شهر قبل حزيران وهو أحد فصول السنة بعد نيسان. والصبا هو الريح.
3- الظاهر سقوط الجواب وهو كما في المبسوط : « فان كان فيها فحول نخل بعد ان تؤبر الإناث منها فثمرتها للبائع ».
4- المراد بها حمل القطن الشبيه بالجواز.

الا ان يشترط المبتاع ذلك لنفسه ، فان لم يكن جوزقة خرجت ، أو خرجت ولم تتشقق فإنه يكون للمشتري.

واما يكون من القطن زرعا وهو الذي لا يكون له أصل ثابت مثل ما يكون منه بخراسان والعراق وغير ذلك من البلدان المخالفة للحجاز والبصرة ، فإنه إذا باع الأرض وفيها شي ء من هذا القطن وكان زرعا أو جوزقا لم يشد فهو للبائع الا ان يشترطه ، وان كان قد قوى وتشقق وظهر القطن كان للبائع أيضا الا ان يشترطه المشترى فيكون له ، وان كان جوزقا قد قوى واشتد ولم يتشقق ولم يظهر القطن كان للبائع. وكانت الأرض للمشتري. فإن شرط المشترى ان يكون القطن له كان هذا الشرط باطلا.

وكذلك إذا باع أرضا وفيها حنطة قد أخرجت سنابل واشتدت وشرط السنابل للمشتري كان هذا الشرط في الحنطة باطلا ، وغير باطل فيما عداه (1) من الأرض.

فأما ما يخالف النخل والقطن من الأشجار الثابتة التي تحمل في كل سنة ، فمنها ما يخرج ثمرته في غير ورود وأكمام ، وفيها ما يخرج في ذلك ، فاما الأول فهو مثل التين والعنب فان باع إنسان أصل شي ء من ذلك وكانت الثمرة قد خرجت فهي للبائع الا ان يشترطها المشتري فإنها تكون للمشتري فيكون له بالشرط فان كانت لم تخرج وقد خرج في ملك المشترى فإنها تكون للمشتري دون البائع.

فاما ما يخرج ثمرته في ورد ، فان كان باع شيئا من أصول ذلك وقد خرج الورد وتناثر وظهرت الثمرة كانت للبائع الا ان يشترطها المشترى. فان لم يتناثر وردها ولم تظهر الثمرة ولا بعضها فهي للمشتري. واما ما يخرج في كمام مثل الجوز وغيره مما دونه قشر يستره إذا ظهرت ثمرته ، فإن الثمرة للبائع الا ان يشترطها المشتري.

فأما ما يكون وردا بغير ثمرة مثل شجر الياسمن والنسترن والبنفسج والورد والنرجس وما جرى مجرى ذلك مما يبقى أصله في الأرض ويحمل حملا بعد حمل فإنه إذا باع شيئا من أصله وكان ورده قد تفتح كان للبائع ، وان لم يكن قد تفتح فهو للمشتري.

ص: 375


1- الظاهر ان الضمير يرجع الى الشرط اى ان البيع في نفس الأرض صحيح.

وإذا باع شيئا من شجر التوت وكان ورقه قد خرج فهو للمشتري ولا شي ء للبائع لأن الورق يجرى مجرى الأغصان.

ومن باع أرضا وكان فيها زرع له عروق يبقى ، ويجز مرة بعد مرة ، نظر فيه فان كان مجزوزا كان للمشتري وما ينبت (1) في ملكه ، وان لم يكن مجزوزا وكان ظاهرا كانت الجزة الأولى للبائع والثانية للمشتري لأنها نبتت في ملكه.

وإذا عطشت أصول الشجرة كان للمشتري سقيها ومؤنة السقي عليه ولا يجوز للبائع لهذه الشجرة منعه من ذلك.

فان عطشت الثمرة على ملك البائع كان له سقيها ، ومؤنة السقي عليه دون المشترى وليس للمشتري منعه من ذلك.

فان كان سقي الأصول يضر بالثمرة ، أو سقى الثمرة يضر بالأصول ووقعت المشاحة بينهما في ذلك ، فسخ العقد بينهما وقد ذكر ان الممتنع من ذلك يجبر عليه.

ومن باع أرضا وفيها شجر وبناء وقال للمشتري بعتك هذه الأرض بحقوقها دخل البناء والشجر في البيع. وان لم يقل بحقوقها لم يدخل ذلك في البيع.

وقولنا « بستان » بالإطلاق اسم للأرض والشجر ، فان قال بعتك هذا البستان دخل في ذلك الشجر مع الأرض.

وقولنا « قرية » اسم يقع على البيوت دون مزارعها. فان قال بعتك هذه القرية بحقوقها لم يدخل المزارع في البيع إلا بالتسمية مثل ان يقول : ومزارعها ، فان لم يقل ذلك لم يدخل المزارع في البيع.

فان كان في بيوت القرية شجر وقال بعتك هذه القرية بحقوقها دخلت الأشجار التي من البيوت في البيع لأنها من حقوق القرية.

ص: 376


1- أي ما ينبت فيما بعد يكون في ملكه ، وفي نسختين « ما يثبت » ولعلها تصحيف ، أو يكون « ما » نافية ، فيكون المراد ان المجزوز لا يثبت ولا يبقى في ملك البائع بعد ان كان في ملكه قبل البيع.

وقولنا « دار » اسم للأرض والبنيان ، فمن باع دارا قال بعتك هذه الدار بحقوقها وكان فيها شجر ، كان الشجر داخلا في البيع لان الشجر من حقوقها.

فاما البنيان فيدخل في البيع جميع ما كان من الحيطان والسقوف والدرج المعقودة والأبواب المنصوبة.

وما كان فيها من سلم ينقل من مكان الى آخر لم يدخل في البيع وان كان مسمرا (1) دخل فيه.

وإذا كان فيها خوابي (2) مدفونة دخلت في البيع لأنها تجري مجرى الخزائن

فإن كان فيها من الحجارة أو الأجر أو اللبن ما هو مدفون ويخرج للبناء لم يدخل في البيع ، والأغلاق والمفاتيح والبئر وما فيها من الحجر والأجر (3) يدخلا في البيع

والبئر والماء الذي فيها مملوكان الا ان هذا الماء وان كان مملوكا فإنه لا يصح بيعه ، وإذا لم يصح بيعه لم يدخل في البيع وان كان مملوكا.

والمياه التي تجري في الأنهار مثل النيل والفرات والدجلة وما جرى مجرى ذلك غير مملوكة ولا يصح بيع شي ء منها الا بالحيازة فإذا حاز الإنسان منها شيئا جاز وصح بيعه ، واما قبل الحيازة فلا يصح ذلك وهكذا الحكم فيما يجرى منها الى ملك الإنسان في انه لا يملكه إلا بالحيازة.

وما كان من معادن الذهب ، أو الفضة أو ما جرى مجرى ذلك فان الجامد من اجزاء الأرض المملوكة ، مملوك ويصح بيعه معها ، والنخل إذا لم يؤبر وباع مالكه منه شيئا فقد قلنا فيما تقدم ان ثمرته للمشتري ، فإن هلكت هذه في يد البائع قبل التسليم كان المشترى مخيرا بين فسخ البيع لهلاك المبيع وبين إمضائه في الأصول

ص: 377


1- بالمسمار.
2- الخابية جمعها الخوابي : الجرة وهي إناء من خزف له بطن كبير وعروتان وفم واسع.
3- في نسخة زيادة « لم » الجازمة.

بجميع الثمن أو بجنسه (1).

وإذا باع السيد عبده وقطعت يد العبد قبل تسليمه وقبض المشترى له ، كان المشترى مخيرا بين فسخ البيع لنقصان المبيع وبين إمضائه بجميع الثمن لان الثمن لا يصح انقسامه على هذه الأطراف.

وإذا باع إنسان أرضا وفيها زرع ظاهر بيعا مطلقا وكان الزرع مما يحصد مرة واحدة مثل الحنطة والشعير وما جرى مجرى ذلك فقد ذكرنا ان الزرع يكون للبائع ، فإذا كان كذلك فله ان يبقيه في الأرض إلى أو ان الحصاد ، ولا يلزمه اجرة المثل للمشتري ، فإن حصده قصيلا (2) وأراد ان ينتفع بالأرض الى أو ان الحصاد لم يكن له ذلك.

فان كان له فيها زرع من غير الحنطة وحصده في أوان الحصاد وكان له عروق يضر بقائها بالأرض ، وجب عليه نقلها ، فان نقلها وصارت الأرض بذلك حفرا وجب عليه إصلاحها وتعديلها ، وان لم يبق له عروق يضر بها لم يلزمه ذلك.

ومن باع دارا وله فيها رحل أو متاع أو قماش وجب عليه نقله منها وتفريغها له من ذلك ، فان كان فيها ما لا يخرج من بابها مثل الخابية والحب وما أشبه ذلك فإنه يجب عليه هدم الباب وإخراجه وبناء الباب كما كان ، ولا يلزم المشترى في ذلك شي ء. فان غصب غيره بهيمة صغيرا أو فصيلا (3) وادخله داره وبقي فيها حتى كبر وطلبه مالكه ولم يخرج من بابها وجب عليه هدم الباب وإخراجه ، ولم يلزم مالك البهيمة ولا الفصيل في ذلك شي ء لأنه متعد.

فان لم يكن البيع مطلقا أو باع الأرض مع الزرع وكان الزرع لم يسنبل ، ويشتد ، فهما في المبيع سواء ، والشرط في ذلك صحيح ، ويكون الأرض والزرع جميعا للمشتري.

ص: 378


1- كذا في نسختين ولعلها تصحيف وأصلها « بحصته » كما في المبسوط.
2- القصيل : ما يجز اخضر لعلف الدواب.
3- الفصيل : ولد الناقة أو البقرة إذا فصل عن امه.

وان كان الزرع قد سنبل واشتد الحب جاز بيعه منفردا.

وإذا كان الزرع مما لا يحصد مرة واحدة ، بل هو مما يحصد مرة بعد اخرى مثل الكرفس (1) والهندباء (2) والنعناع وما أشبه ذلك من البقول وكان قد جز جزة اولى ، كانت العروق داخلة في بيع الأرض لأنها من حقوقها ، وان كانت لم تجز الجزة الأولى كانت هذه الجزة للبائع ، والباقي للمشتري. وإذا كانت الجزة الأولى للبائع وجب عليه جزها في وقت البيع ، وليس له تركها الى ان يبلغ أو ان الجزاز لان ذلك يؤدى الى اختلاط حق البائع بحق المشتري لأن الزيادة التي تحصل للمشتري تنبت مع أصوله التي ملكها بالبيع.

فان باع أرضا قد غرس فيها غرسا ، أو بذر فيها بذرا لما يبقى أصوله حملا بعد حمل - مثل نوى الشجر وبذر القت ، (3) وما جرى مجرى ذلك مما يجز دفعة بعد اخرى كان ذلك داخلا في البيع لأنه من حقوقه.

فان باع الأرض بيعا مطلقا وفيها بذر لما يحصد مرة واحدة مثل الحنطة والشعير لم يدخل ذلك في البيع وإذا لم يدخل في البيع وكان المشترى عالما بهذا البذر ، كان البيع ماضيا عليه ولم يكن له خيار فيه لأنه قد رضي بضرره ، ووجب عليه تركه الى وقت الحصاد ، وإذا لم يكن عالما به كان مخيرا بين فسخ البيع وبين إمضائه بجميع الثمن لان النقص الذي في الأرض - بترك الزرع الى أو ان الحصاد - ليس مما يتقسط الثمن عليه ، وانما هو عيب محض فله الخيار فيما ذكرناه.

وان شرط البائع نقل ذلك في مدة يسيرة لم يكن للمشتري خيار في ذلك لزوال العيب بهذا النقل.

وان لم يبع الأرض بيعا صحيحا مطلقا وباعها مع البذر كان البيع صحيحا.

ص: 379


1- بفتحتين فالسكون.
2- الهندباء يقال بالفارسي كاسنى.
3- القت : الرطب من علف الدواب.

* * *

« باب بيع الثمار »

اشارة

بيع الثمرة على ضربين ، اما ان يكون بيعا لسنة واحدة ، أو سنتين فصاعدا ، فان كان لسنة واحدة فهو على ثلاثة أضرب ، اما ان يكون لما بدا صلاحه ، أو لما بدا صلاح بعضه ، أو لما لم يبد صلاح شي ء منه جملة ، فإن كان لما بدا (1) بعضه أيضا كان البيع صحيحا ، وان كان لما لم يبد صلاح شي ء منه جملة فاما ان يكون المبيع يضم مع الثمرة غيرها من الخضر من تلك الأرض أو غيرها ، أو لا يكون يضم مع ذلك شي ء ، فان كان يضم معها غيرها كان البيع صحيحا فان كان لم يضم مع ذلك شيئا كان البيع فاسدا.

وان كان البيع لسنتين أو أكثر فهو على ثلاثة أضرب اما ان يكون بدا صلاح ذلك ، أو بدا صلاح بعضه ، أو لم يبد صلاح شي ء منه وعلى الثلاثة الأضرب يكون البيع صحيحا. بخلاف البيع في السنة الواحدة لأنها إن خاست (2) في سنة زكت في الأخرى على الأكثر في مجرى العادة.

وحد بدو صلاح الثمرة في النخل احمرار (3) البسر ، أو تغيره وفي الفاكهة انعقادها بعد شموط (4) وردها عنه.

ص: 380


1- الظاهر ان في العبارة سقطا والصحيح « صلاح جميعه كان البيع صحيحا ، وكذا إذا كان لما بدا صلاح ».
2- خاست : اى فسدت وتغيرت.
3- في نسخة « اصفرار ».
4- شمط الشجر : انتثر ورقه ، وفي نسخة « سقوط » بدل « شمول »

وفي الكرم (1) انعقاد الحصرم ، وفي البطيخ حصول النضج فيه. وفي القثاء والخيار ان ينتهي كبر بعضه.

وان كانت الثمار مختلفة أو غير مختلفة وهي في بستان واحد وبدا صلاح بعضها يصح بيع الجميع. وان كانت أجناسا مختلفة.

وإذا كانت في بساتين وظهر صلاحها في البستان الواحد ولم يظهر في الأخر لم يصح بيع شي ء من ثمار البستان الذي لم يبد صلاح شي ء من ثمرته ، ولا يضم مع ثمار البستان الأخر لأن لكل بستان حكم نفسه.

والأرض إذا كان فيها أصول القثاء والبطيخ والخيار والباذنجان وقد حملت وباع شيئا من ذلك فعلى ضربين اما ان يكون باع الحمل الظاهر منفردا أو يكون باعه مع الأصول ، وان كان باع الحمل الظاهر دون الأصول وكان قبل بدو صلاحه لم يجز بيعه الا بشرط القطع فاما مطلقا ، أو بشرط التبقية الى أو ان اللقاط والبلوغ فلا يصح ، فان كان قد بدا صلاحه جاز بيعه بشرط القطع والتبقية الى أو ان اللقاط والبلوغ ويجوز أيضا بيعه مطلقا من غير شرط.

وإذا كان قد اشتراه ولقطه فقد استوفى حقه ، فان تركه حتى اختلط بحمل حادث بعده وكان الحملان يتميزان ، كان الأول للمشتري والثاني للبائع. وان لم يكن ذلك متميزا قيل للبائع : سلم الجميع إلى المشترى ، فان فعل أجبر المشترى على قبوله ومضى البيع لأنه زيادة ، وان امتنع البائع من ذلك وفسخ البائع (2) من ذلك فسخ البيع.

وإذا باع إنسان ثمرة بستان واستثنى من ذلك نخلات معينة ، أو أرطالا معلومة كان البيع صحيحا وان استثنى ما لم يعينه لم يصح البيع : فان قال للمشتري : بعتك هذه الصبرة إلا مكوكا (3) كان البيع صحيحا لان ذلك معلوم وان قال بعتك هذا

ص: 381


1- الكرم : العنب ، والحصرم أول العنب.
2- في المبسوط : فسخ الحاكم البيع.
3- المكوك كرسول : المد وقيل : الصاع.

الثوب بدينار الا درهما لم يصح البيع لان الدرهم ليس من جنس الدينار ولا معلوم كم هو منه في حال انعقاد البيع فان قال بعتك هذه الثمرة بأربعة الاف الا (1) ما يخص ألفا منها كان البيع صحيحا ، ويكون المبيع منها نصفها وربعها لأن الذي يخص ألفا منها ربعها.

وان قال بعتكها بأربعة الاف الا ما يساوي ألفا منها بسعر اليوم لم يصح ذلك ، لان ما يساوي ألف درهم من الثمرة لا يعلم قدره فيكون مجهولا.

فان باع ثمرتها على رؤس النخل بعد بدو الصلاح بشرط القطع ولم يقطعها وأصابتها جائحة (2) نظر فيها ، فان كان قبل التسليم فان هلك الجميع بطل البيع ووجب على البائع رد الثمن على المشترى ، فان هلك البعض انفسخ البيع في الهالك دون الباقي ويأخذ بحصته من الثمرة.

وان كانت الهلاكة بعد التسليم لم ينفسخ البيع.

وإذا باع شاة واستثنى جلدها أو رأسها أو كارعها (3) في سفر كان أو حضر لم يصح البيع وان فعل ذلك كان له مقدار الجلد والرأس وما يستثنيه من أطرافها.

وإذا هلك المبيع قبل القبض وكان ثمرة مجذوذة مقطوعة على الأرض - فإن القبض فيها ، النقل لأنها مما ينقل ويحول - فان فيها الأربعة الأقسام التي سلف ذكرها.

وان كانت على رؤس الشجرة - والقبض فيها التخلية بينها وبين المشتري - فإذا هلك قبل ذلك ، فيها أيضا الأربعة الأقسام السالف ذكرها وان كان هلاكه بعد التخلية قبل الحصاد كانت من مال المشتري لأن بالتخلية تكون مقبوضة وهلاك المبيع بعد القبض غير مؤثر في صحة البيع بغير خلاف في ذلك.

وان كان المبيع غير ثمرة بل مثل الحيوان ، أو العقار والعروض وما جرى

ص: 382


1- الاستثناء راجع الى المبيع.
2- الجائحة : الآفة التي تهلك الثمار.
3- الكراع من الدواب : ما دون الكعب ، اى الساق والذراع.

مجرى ذلك فهلاكه لا يخلو من ان يكون بأمر سماوي أو بإهلاك البائع ، أو أجنبي ، أو المشترى.

فان كان سماويا انفسخ البيع لأن الإقباض فيه غير متمكن ، فان كان المشترى قد سلم الثمن إلى البائع وجب رده عليه وان لم يكن سلمه إليه فقد برء منه ولم يلزمه منه شي ء على كل حال.

وان كان البائع أهلكه انفسخ البيع أيضا لمثل ما قدمناه من ان الإقباض فيه غير ممكن.

وان كان الأجنبي أهلكه كان المشترى مخيرا بين فسخه واسترجاع الثمن ان كان قد سلمه وبين إمضاء البيع والرجوع عليه بالقيمة ، لأن الأجنبي يصح الرجوع بذلك عليه.

فان كان المشتري أهلكه لم ينفسخ البيع وكان ماضيا ولازما له ويكون إهلاكه كذلك بمنزلة قبضه له.

« بيع المحاقلة والمزابنة »

ولا يجوز بيع المحاقلة - وهو بيع السنابل التي قد انعقد الحب فيها واشتد ، بحب من ذلك السنبل وقد ورد في بعض الاخبار جواز بيعه بحب من جنسه (1) والأحوط ما ذكرناه لأنه ان بيع بحب من جنسه كان مؤديا إلى الربا وذلك باطل.

ولا يجوز بيع المزابنة وهو بيع الثمرة على رؤس الشجر بثمر منه ، وقد ذكر جواز بيعه بثمر موضوع على الأرض ، والأحوط ما ذكرناه لمثل ما تقدم ذكره في السنبل من كونه مؤديا إلى الربا.

وإذا تبايع اثنان بطيخا أو قثاء مجموعا فقال أحدهما للآخر : عد بطيخك

ص: 383


1- الوسائل ، ج 13 الباب 12 من أبواب بيع الثمار ، الحديث 1 و 2 ، ولعل الأول دل بإطلاقه.

أو قثائك المجموع فان نقص عن مأة كان على تمامه ، وان زاد فهو لي ، أو قال له : اطحن حنطتك هذا فما زاد على كذا ، فلي وما نقص كان على تمامه لم يجز ذلك وكان باطلا.

وإذا قال له : أنا أضمن لك صبرتك هذه بخمسين صاعا فما زاد على ذلك فلي ، وما نقص فعلى إتمامها ، لم يجز ذلك.

« بيع العرية ».

ويجوز بيع العرايا بخرصها تمرا ، والعرايا جمع عرية وهي النخلة تكون للرجل في بستان غيره يشق عليه الدخول إليها فإن كان له نخل متفرق ، في كل بستان منه نخلة جاز بيعها واحدة واحدة بخرصهما تمرا سواء بلغ الأوساق أو لم يبلغ ، فان كان له نخلتان عليهما ثمرة فخرصاهما تمرا ، فان كانا عريتين صح بيعهما وان لم يكونا عريتين لم يجز ذلك.

ولا يجوز بيع الرطب في رؤس النخل خرصا برطب على الأرض كيلا لأنه من المزابنة.

والتقابض قبل التفرق من شرط صحة البيع لان ما فيه الربا لا يجوز التفرق فيه قبل التقابض.

والقبض في التمر الموضوع على الأرض ، النقل ، وفي الرطب التخلية بين المشترى وبينه كما قدمناه ، و (1) من شرطه ان يحضره التمر موضع النخل ، لان المتبائعين إذا تعاقدا وخلي البائع بين الثمرة وبين المشترى ، جاز ان يمضيا الى موضع التمر ويستوفي لأن التفرق انما هو بالبدن وذلك لا يحصل (2) إذا انتقلا جميعا من مجلس البيع الى مكان أخر ، وبالجملة : فإن المراعى شرطان أحدهما المماثلة من طريق الخرص ، والأخر التقابض قبل التفرق بالبدن. والعرية لا تكون إلا في النخل دون غيرها من الشجر.

ص: 384


1- الظاهر سقط كلمة « ليس » فان التعليل يناسب وجودها ، كما في المبسوط.
2- وفي نسختين زيادة « الا » والظاهر انها سهو.

ومن باع غيره صبرة من طعام بصبرة من جنسها وكانا قد اكتالا ذلك ، وعرفا تساويهما في المقدار كان البيع جائزا وان جهلا تساويهما ولم يشترطا التساوي لم يجز ذلك لان ما يجرى فيه الربا ، لا يجوز بيعه (1) ببعض جزافا.

ولو قال : بعتك هذه الصبرة بهذه الصبرة كيلا بكيل سواء بسواء فقال المشترى اشتريت ، فإنهما يكالان ، فان كانا متساويين كان البيع صحيحا ، وان كان أحدهما أكثر من الأخر كان البيع فاسدا لأنه ربا.

فان كانت الصبرتان من جنسين مختلفين فان لم يشترطا كيلا بكيل سواء بسواء كان البيع صحيحا لان الجنسين المختلفين يجوز التفاضل فيهما ، فان شرطا كيلا بكيل ، وخرجا متساويين في ذلك كان البيع جائزا ، وان خرجت الواحدة أكثر من الأخرى وتبرع صاحب الصبرة الزائدة ، بالزيادة كان جائزا ، وان لم يتبرع صاحب الصبرة بذلك ورضي صاحب الصبرة الناقصة بأخذها بقدرها من الصبرة الزائدة ، كان البيع أيضا جائزا ، وان لم يتبرع صاحب الزيادة بها ولا رضي المشترى بأخذ الأخرى (2) وتمانعا في ذلك كان البيع مفسوخا ، ولم يكن فسخه لأجل الربا لكن لان كل واحد منهما باع صبرته بجميع صبرة الأخر (3) على انهما متساويان في المقدار فاذا تفاضلا وتمانعا كان فسخ البيع بينهما هو الواجب.

« باب بيع ما لم يقبض »

من اشترى طعاما وأراد بيعه قبل القبض ، لم يجز ذلك. فاما ما عدا الطعام من الأموال فإنه يجوز بيعه قبل القبض.

فاما بيان كيفية القبض : فهو ان كان المبيع من الدنانير والدراهم والجواهر وما جرى مجرى ذلك مما ينقل ويحول ويتناول باليد ، فقبضه هو التناول.

ص: 385


1- اى لا يجوز بيع بعضه ببعض.
2- اى بأخذ المقدار منها.
3- في نسختين زيادة « الواو ».

وان كان من الأرضين والعقارات وما جرى مجرى ذلك مما لا ينقل ولا يحول فقبضه التخلية بينه وبين المشترى ، وان كان من الحيوان كالعبيد والمماليك فقبضهم ان يقيمهم من مكانهم الى موضع آخر.

وان كان من البهائم فقبضه منه ان يمشى به من موضعه الى موضع أخر فإن كان اشتراه جزافا ، فقبضه نقله من موضعه فان كان اشتراه مكائلة فقبضه ان يكيله.

فاما القبض الصحيح فعلى وجهين : أحدهما ان يسلم المبيع باختيار ، فيصح قبضه. والأخر ان يكون الثمن حالا أو مؤجلا. فإن قبضه المشترى من غير اختيار البائع لم يصح القبض ، وكان البائع مطالبا برد المبيع الى يده ، لان له حبس الحق والتوثق به حتى يستوفي الثمن.

فإما إجارته قبل القبض فإنه يصح الا فيما لا يصح بيعه قبل القبض ، لأن الإجارة ضرب من البيوع.

وكذا الكتابة يصح أيضا فيها لأنها ضرب من البيع الا فيما استثناه.

واما الرهن فيصح على كل حال لأنه ملكه فيصح منه التصرف. ويجوز تزويج الأمة قبل قبضها أيضا ، ويكون وطأ المشتري (1) ، أو الزوج قبضا صحيحا.

واما الصداق فيجوز من المرأة المستحقة له بيعه قبل قبضه. وكذلك يجوز للرجل بيع مال المخالعة قبل القبض أيضا.

واما الثمن فاذا كان معينا ، جاز بيعه قبل قبضه ، وكذلك ان كان في الذمة. فاما ان كان صرفا فليس يجوز بيعه قبل القبض.

فاذا ورث إنسان طعاما ، أو وصى له به ، ومات الموصى وقبل الوصية ، أو اغتنمه ، أو تعين عليه ملكه ، فإنه يجوز بيعه قبل قبضه.

فإن أسلم في طعام معلوم واستسلف من أخر مثله ، فلما حل الطعام عليه قال لمن أسلم إليه : احضر لي عند من أسلمت إليه فإن لي قفيزا من الطعام حل عليه حتى أكتاله

ص: 386


1- في صورة بيعها قبل القبض.

لك فإنه يجوز ان يكتاله لنفسه ويقبضه إياه بكيله إذا شاهده.

وان امره أن يكال له عن ذلك الغير ووكله فيه فاذا قبضه احتسب به عنه ، كان جائزا.

فإن أسلم في طعام وباعه من أخر ، لم يصح ذلك الا ان يجعله وكيله في قبضه وإذا قبض عنه كان القبض حينئذ قبضا فان اكتال هو لنفسه منه ووثق به ذلك الغير الذي له عليه ، كان جائزا.

وان قال له : امض اليه واكتل لنفسك ، لم يكن صحيحا لأنه يكون باع طعاما قبل ان يكتاله ، ويحتاج ان يرد من أخذه على صاحبه ثم يكتاله اما عن الذي أمره بقبضه ، أو يكتاله الآمر فيصح له قبضه منه اما بكيل مجدد ، أو يصدقه فيه ، فان كاله الآمر ثم كاله المشترى منه كان صحيحا والأول (1) أحوط إذا حل على إنسان طعام لعقد السلم فدفع الى المسلم دراهم وقال له : خذها بدل الطعام لم يصح ذلك لان بيع المسلم قبل قبضه لا يصح سواء ، باعه من المسلم اليه ، أو من أجنبي بغير خلاف.

فان دفع اليه الدراهم وقال له : اشتر الطعام بها لنفسك لم يصح أيضا لأن الدراهم باقية على ملك المسلم فلا يصح ان يبتاع بها لنفسه طعاما.

فان ابتاع الطعام وكان ابتياعه له بعينها لم يصح البيع ، وان كان ابتياعه في الذمة ، ملك الطعام وضمن الدراهم التي عليه لأنها مضمونة عليه فيكون للمسلم إليه في ذمته دراهم ، وعليه له الطعام الذي كان له في ذمته.

وان قال له : اشتر لي الطعام ثم أقبضه لنفسك صح الابتياع ، لأنه وكله في ابتياع الطعام ، وإذا قبضه لنفسه فهل يصح أم لا فهو على ما تقدم ذكره في المسئلة المتقدمة.

وإذا قال : اشتر لي بها طعاما وأقبضه لي ثم أقبضه لنفسك من نفسك لم يجز قبضه من نفسه لنفسه ، لأنه لا يجوز ان يكون وكيلا لغيره في قبض حق نفسه من نفسه.

وإذا كان للإنسان قفيز من الطعام على غيره مسلما ، والذي عليه هذا الطعام له على غيره طعام قرضا ، فأحاله على من له عليه من جهة القرض كان جائزا.

ص: 387


1- الأول هو القبض من البائع بكيل مجدد والثاني هو القبض منه بتصديقه فيه.

فان كان الطعام الذي له (1) قرضا والذي عليه (2) سلما جاز أيضا ، فإن كان هذان الطعامان سلمين لم يجز ذلك لان بيع السلم (3) قبل القبض لا يجوز بغير خلاف.

وان كان هذان الطعامان قرضين كان جائزا بغير خلاف أيضا ومن كان له على إنسان طعام بكيل معين منه فقبضه من غير كيل ، كان هذا القبض فاسدا ، فان قال الإنسان الذي عليه هذا الطعام : قد كلته وهو كذا وكذا وذكر قفيزة معلومة فقبل صاحب الحق قوله صح القبض.

فان كاله بعد ذلك فوجده ناقصا عن حقه كان له مطالبته بإتمامه ، وان كان أكثر من حقه ، أعاد الزيادة اليه ، وان كان قد استهلكه ، كان القول قوله مع يمينه في مقداره.

فان باع الطعام - الذي قبضه من غير كيل - مضى البيع فيما تحقق انه حقه ، ولم يمض في الزيادة ، وان كان أقل من حقه أو هو حقه كان البيع صحيحا.

ومن كان له على غيره طعاما قرضا فدفع اليه طعاما من جنسه كان جائزا.

فإن كان الذي دفعه اليه من غير جنسه ، فاما ان يكون ما دفعه اليه طعاما مثل الأرز والذرة وما جرى مجرى ذلك ، واما ان يكون من غير هذا الطعام مثل الدنانير أو الدراهم ، أو غيرهما من العروض أو الحيوان ، فان كان طعاما مثل الأرز والذرة وما جرى مجرى ذلك فاما ان يكون في الذمة أو عينا ، فان كان في الذمة وعينه قبل التفرق وقبضه ، كان جائزا.

وان فارقه قبل القبض وتعيينه لم يجز لأنه يكون حينئذ بيع دين بدين وقد نهى (4)

ص: 388


1- اى للإنسان المذكور في المسئلة المتقدمة.
2- اى على المحتال عليه ، فتكون عكس المسئلة المتقدمة.
3- أي المسلم فيه.
4- الوسائل ، ج 13 ، الباب 15 من أبواب الدين والقرض ، الحديث 1.

عن بيع الكالي بالكالي (1) وهو الدين بالدين ، وان كان مثل الدنانير والدراهم وغيرهما من العروض أو الحيوان ، كان جائزا.

فإن كان في الذمة ثم قبضه جاز في المجلس ، فان كان في الذمة وفارقه قبل القبض ، لم يجز لأنه يكون بيع دين بدين ، وان كان معينا ثم فارقه قبل القبض ، كان جائزا وجرى مجرى بيع طعام ضمن في الذمة ، ويفترق قبل القبض فإنه يصح.

ومن كان له في ذمة غيره طعام فباع منه طعاما معينا ليقبضه من الطعام الذي له في ذمته لم يصح ، لأنه شرط ان يقبض الدين الذي في ذمته من هذا الطعام بعينه وهذا غير لازم له ، ولا يجوز ان يجب عليه.

وإذا كان كذلك كان الشرط فاسدا وفسد البيع لان الشرط إذا كان فاسدا واقترن بالبيع فسد البيع. وقد ذكر جواز ذلك ، والأحوط ما ذكرناه.

وان اشترى إنسان من غيره نخلة حائلة ، وتركها في يد البائع حتى أبرت ، كانت الثمرة للمشتري. فإن هلكت الثمرة في يد البائع وسلمت الأصول لم يجب عليه ضمان في هلاكها.

وان هلكت النخيل دون الثمرة انفسخ البيع ، وسقط الثمن عن المشترى ، وكانت الثمرة له ، لأنه ملكها بغير عوض.

وهكذا إذا كان المبيع في يد البائع واستفاد مالا ، أو وجد كنزا ، أو لقطة ، أو وهب له ، أو اوصى له بشي ء (2) فان ذلك كله للمشتري. ومن ابتاع شقصا من أرض أو دار بمملوك وقبض الشقص ولم يسلم المملوك كان للشفيع (3) أن يأخذ منه بقيمة المملوك ، وان قبض وهلك المملوك في يده بطل البيع ولم تبطل الشفعة في الشقص ، ووجب عليه ان يدفع الى البائع قيمة الشقص حين قبضه ووجب على الشفيع للمشتري

ص: 389


1- من كلأ مهموزة اللام بمعنى تأخر.
2- فرض المسئلة فيما إذا كان المبيع عبدا.
3- الذي له حق الشفعة.

قيمة المملوك حين وقع البيع عليه لان ثمن الشقص إذا كان لا مثل له ، وجبت قيمته حين البيع.

ومن ابتاع من غيره عبدا بثوب وقبض العبد ولم يسلم الثوب ، وباع العبد صح بيعه لأنه قبضه وانتقل ضمانه اليه وان اشترى (1) العبد وتسلمه (2) ثم هلك الثوب الذي في يد البائع (3) انفسخ البيع (4) ولزمه قيمة العبد لبائعه لأنه غير قادر على رده بعينه فهو بمنزلة المستهلك.

فان اشترى العبد ولم يسلمه البائع حتى هلك العبد والثوب جميعا في يده لم يصح واحد من البيعين وبطلا جميعا. فاذا اشترى إنسان من غيره صبرة من طعام فوجدها مصبوبة على نشو (5) من الأرض ، أو ربوة (6) أو صخرة ، أو دكة كان البيع باطلا لان بيع ما يكال أو يوزن جزافا لا يصح.

ومن أقرض غيره بمصر طعاما ثم اجتمعا بمكة وطالبه المقرض بالطعام لم يلزمه دفعه اليه ، ولا ان يجبره الحاكم على ذلك لان قيمته تختلف.

فان طالبه المقترض بقبضه لم يجبر المقرض أيضا على ذلك لأنه يلزمه في حمله مؤنة.

فإن تراضيا على ذلك كان جائزا ، وان طالبه المقرض بقيمة الطعام ، جاز ذلك وصح ان يجبر على دفعها اليه.

ومن غصب من غيره طعاما وأتلفه كان الحكم فيه مثل ما ذكرنا.

ص: 390


1- بصيغة المجهول.
2- اى تسلمه المشتري الثاني الذي اشتراه من المشترى الأول.
3- أي البائع الثاني الذي هو المشترى الأول.
4- أي البيع الأول.
5- كذا في نسخة ولعل أصلها النشأة وهي ما ارتفع أو ظهر من النبات ولم يغلظ بعد وفي نسخة اخرى « نشر ».
6- الربوة : ما ارتفع من الأرض.

فإن أسلم إلى غيره كان الحكم فيه أيضا مثل ذلك القرض (1) لان بيع المسلم فيه قبل قبضه لا يجوز.

ومن كان له على غيره طعام فباعه طعاما بخمسة دراهم على ان يقبضه الطعام الذي له عليه أجود منه ، لم يجز ذلك ، لان الجودة بانفرادها لا يجوز ان يكون ثمنا.

وان قضاه أجود منه ليبيعه طعاما بخمسة دراهم لم يجز أيضا.

إذا باع طعاما بخمسة دراهم مؤجل وحل الأجل فأخذ بها (2) طعاما مثل ما أعطاه كان جائزا ، وان أخذ أكثر من ذلك لم يجز.

« باب بيع المصراة وأحكامها »

المصراة هي الناقة ، أو البقرة ، أو الشاة يجمع لبنها في ضرعها يوما ، أو أكثر من ذلك. فاذا عرضت للبيع رآها من يريد ابتياعه كبيرة الضرع يوما ، فظن انها تحلب في كل يوم مثل ما هو في ضرعها من اللبن ، فاذا حلبت نقص لبنها ورجعت الى عادتها فقد دلس بجمع اللبن في ضرعها على من يريد ابتياعها ، وذلك لا يجوز.

وانما سمى بهذا الاسم لجمع اللبن في ضرعها ، ولا فرق في تناول ذلك بما ذكرناه بين ناقة أو بقرة أو شاة ، فأما ما عدا ذلك من الحيوان فمختلف فيه ، وليس في صحة أجرته عليه دليل فيقال به. ومدة الخيار في بيع ذلك ثلاثة أيام كسائر الحيوان

فمن ابتاع مصراة وهو عالم بالتصرية لم يكن له خيار في ردها ، فان ابتاعها وهو غير عالم بذلك من حالها فدر لبنها وصار لبن العادة بتغيير المرعى ثم علم بأنها كانت وقت البيع مصراة ، وأراد ردها لم يكن له ذلك لان العيب قد زال عنها.

فان حلبها ورضي بها ثم وجد بها عيبا جاز له الرد بالعيب لا بالتصرية.

وإذا ابتاعها وأراد ردها وكان قد حلبها ردها مع صاع من تمر أو صاع من بر

ص: 391


1- الظاهر ان في العبارة سقطا والصحيح « إلا في أخذ البدل ، فإنه لا يجوز » كما في المبسوط.
2- يعنى بدلها اى الدراهم.

فان كان لبنها باقيا وأراد رده معها ، لم يجبر البائع لها على أخذه ، فان لم يرض بأخذ اللبن كان له الصاع الذي ذكرناه من التمر ، أو البر. فان لم يجد ذلك كان عليه القيمة ولو بلغت فيه القيمة قيمة الشاة.

وإذا اشتراها غير مصراة ثم حلبها يوما ، أو أكثر منه ووجد بها عيبا وأراد ردها وكانت وقت ابتياعها محلوبة ليس في ضرعها لبن ، كان له ردها ، وكان ما في ضرعها من اللبن له ، ولم يلزمه شي ء لان ذلك حدث في ملكه ، وان كانت وقت ابتياعها غير محلوبة وفي ضرعها لبن فان استهلك لم يكن له الرد لان بعض المبيع قد هلك ولم يكن له المطالبة بالأرش ، وان كان قائماً لم يستهلك كان له الرد.

« باب بيع المعيوب »

لا يجوز لأحد ان يبع غيره شيئا معيبا حتى يبين العيب للمشتري ، ويطلعه عليه وقد ذكرنا في كتابنا « الكامل » انه إذا تبرأ البائع إلى المشترى من جميع العيوب لم يكن له الرد ، فكان ذلك كافيا ومغنيا عن ذكر العيوب على التفصيل ، والذي ذكرناه هاهنا من تبيين العيب للمشتري واطلاعه عليه على التفصيل أحوط والذي ينبغي ان يكون العمل عليه.

وعلى هذا إذا باع إنسان غيره سلعة أو بهيمة وقال له : برأت إليك من جميع العيوب لم يبرأ من ذلك حتى يخبر بالعيب الذي تبرأ منه ، ولا تصح البراءة من عيب غير معلوم للمشتري.

والتبري من العيب انما يكون عند عقد البيع ، وما كان قبل ذلك فان علم المشترى بالعيب ثم اشترى وأحدث في المبيع حدثا لزمه البيع ، و (1) ان لم يحدث شيئا ثم وجد به عيبا لم يخبر به البائع كان مخيرا بين الرضا به وبين رده واسترجاع الثمن ان كان قد قبضه.

ص: 392


1- في نسخة « من اشترى شيئا ثم وجد به عيبا لم ينبه له البائع كان مخيرا. »

فان اختلفا فقال البائع للمشتري : هذا العيب حدث عندك وقال المشترى للبائع : لم يحدث عندي بل بعتنيه معيبا ولم يكن لواحد منهما بينة كان على البائع اليمين بأنه باعه سالما. فان حلف لم يكن للمشتري عليه سبيل. وان لم يحلف كان الدرك عليه في ذلك.

ومن اشترى جارية ووطأها ووجد بها عيبا لزمته وله قيمة العيب ، وكذلك الحكم لو زوجها. فان كان لها زوج عند البائع وأقره المشترى على النكاح ، ووطأها زوجها عند المشترى كان له ردها بالعيب ، وان كانت بكرا ولم يكن دخل بها عند البائع ودخل بها عند المشترى ثم وجد بها عيبا لم يكن له ردها.

فان اشترى بهيمة حائلا ثم حملت عند المشترى وولدت ، ووجد بها عيبا - كان عند البائع - لم يكن له ردها ، وكان له أرش العيب فان ابتاعها حاملا ثم ولدت ووجد بها عيبا - كان عند البائع - فله ردها ويرد الولد معها لان الولد له قسطا من الثمن.

فان اشترى جارية ووطأها ثم بان له فيها بعد وطئه لها عيب لم يكن له ردها وكان له الأرش سواء كان ثيبا ، أو بكرا فان غصب جارية وافتضها ، كان عليه ما نقص من قيمتها.

إذا عفى الشفيع عند الشفعة بعوض يشترط على المشترى كان جائزا ، وقد ذكر انه لا يملك العوض وان قبضه ، والاولى ما قلناه لأن الشفعة حق الشفيع وإذا عفى عن حقه وأسقطه سقط.

وإذا اشترى اثنان مملوكا صفقة واحدة ، ووجدا به عيبا كانا مخيرين بين رده وبين إمساكه ، فإن أراد أحدهما رده وأراد الأخر إمساكه ، لم يكن للذي أراد الرد ان يرده حتى يتفقا. فان كان أحدهما اشترى نصفه بعقد ، واشترى الأخر النصف الأخر بعقد ، ووجدا به عيبا كان لكل واحد منهما رد نصيبه بالعيب بغير خلاف.

فان ابتاع عبدين صفقة واحدة ووجد فيهما عيبا وأراد الرد ، ردهما جميعا ، وليس له رد المعيب وإمساك الصحيح.

وإذا قال رجل لرجلين : بعتكما هذا العبد ، فقال الواحد منهما قبلت نصفه

ص: 393

بنصف ما قال من الثمن لم ينعقد البيع لأنه ليس مطابقا لا يجابه ، فان قال : بعتكما هذين العبدين بألف فقبل (1) أحد العبدين بخمس مأة لم يجز بغير خلاف وفي الناس من خالف في المسئلة الاولى ، والفرق بينهما انه إذا قال بعتكما هذين العبدين فإنما أوجب لكل واحد منها نصف كل واحد من العبدين ، وإذا قبل أحد العبدين فقد قبل ما لم يوجبه وبثمن لا يقتضيه إيجابه لأن الثمن ينقسم على قدر قيمة العبدين ، ولا يقابل بنصف الثمن أحدهما (2).

فإن قال قبلت نصف كل واحد منهما بنصف الثمن كان مثل المسئلة الأولى فإن قال قبلت نصف أحد العبدين بحصة من الثمن لم يصح أيضا لأن حصته مجهولة

وإذا قال واحد لاثنين : بعتكما هذين العبدين بألف درهم ، هذا العبد منك وهذا العبد منك فقبله أحدهما بخمس مأة لم يصح لأنه قبله بالثمن الذي لم يوجب لأن الألف مقسومة على قدر القيمتين لأعلى عددهما إجماعا.

وان قال لرجل : بعتك هذين بألف درهم فقال قبلت البيع صح وان جهل ما يقابل كل واحد من العبدين من الألف لأن ذلك صفقة واحدة والثمن معلوم في الجملة فإن باعهما لاثنين كان ذلك صفقتين ويجب ان يكون الثمن معلوما في كل واحد منهما.

فان قال : بعتكما هذين العبدين هذا العبد منك بخمس مأة وهذا الأخر منك بخمس مأة كان البيع صحيحا لان الثمن على كل واحد منهما قد حصل معلوما ، فان قال : بعتك هذين العبدين بألف فقال : قبلت نصفي هذين العبدين بخمس مأة لم يصح ذلك لمثل ما قدمناه.

وإذا وكل اثنان إنسانا في ابتياع عبد فاشتراه من رجل وكان هذا المشترى قد بين للبائع انه يشترى العبد لموكليه ، صح الشراء لهما ، وانتقل الملك إليهما ولم يجز

ص: 394


1- اى الواحد منهما.
2- لإمكان عدم تساوى قيمة العبدين بخلاف المسئلة الاولى.

للواحد منهما رد نصيبه منه كما قدمناه في الاثنين إذا ابتاعا عبدا.

وان كان اشترى العبد مطلقا ولم يبين للبائع ما ذكرناه ووجد به عيبا وأراد واحد منهما رد نصيبه ، لم يجز له ذلك بغير خلاف لان الظاهر انه اشتراه له صفقة واحدة ، وقوله لا يقبل بعد البيع بأنه اشتراه لهما.

وإذا ابتاع إنسان جارية جعدة (1) فخرجت سبطة كان له الرد إذا اختار ذلك فاذا ابتاعها سبطة وخرجت جعدة لم يكن له الرد لأنها خير مما شرط ، وقد ذكر انه له الرد لأنها خلاف ما شرط والأول أقوى لما ذكرناه.

وان اشتراها وقد بيض وجهها بطلاء (2) ثم أسمر ، أو أحمر خدها بالكلكون ثم اصفر ، كان مخيرا بين ردها وإمساكها.

فإن أسلم في جارية سبطة فسلم اليه جعدة فعلى ما قدمناه. وإذا اشترى جارية ولم يشترط انها بكرا وثيب فخرجت ثيبا أو بكرا لم يكن له خيار ، (3) وكان له الأرش

ومن ابتاع عبدا مطلقا فخرج مسلما ، أو كافرا لم يكن له خيار ، لأنه لم يشترط واحدا من الأمرين ، فإن شرط كونه مسلما فخرج كافرا كان له الخيار لأنه بخلاف ما شرط.

وان شرط كافرا فخرج مسلما لم يكن له خيار ، وقال بعض الناس له الخيار لأنه بخلاف ما شرط.

والذي ذكرناه أصح لقول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : الإسلام يعلو ولا يعلى عليه.

فان ابتاع عبدا مطلقا فخرج فحلا (4) لم يكن له خيار ، وان خرج خصيا كان له الخيار لان مطلق العبد يتضمن سلامة الأعضاء ، وان شرط كونه خصيا فخرج فحلا

ص: 395


1- الجعود هي الالتواء في الشعر ، ضد السبوطة.
2- الطلاء : ما يطلى به الشي ء كالدهن.
3- الظاهر سقط العبارة بنحو « وان اشترط انها بكر فخرجت ثيبا لم يكن له خيار » كما في المبسوط.
4- في نسخة « صحيحا » بدل « فحلا » وكذا فيما بعدها « مريضا » بدل « خصيا ».

كان له الخيار فان خرج العبد مخنثا كان له الخيار ، وكذلك له الخيار إذا خرج آبقا ، أو سارقا.

وإذا اشترى عبدا وجارية مطلقا فخرجا غير مختونين لم يكن له خيار ، فان شرط كونهما مختونين فلم يكونا كذلك كان له الخيار. فان اشترى عبدا أو جارية فظهر بهما جذام أو برص أو جنون ، كان مخيرا في الرد إلى سنة.

ومن اشترى من غيره وباعه ثم وجد به عيبا فان كان عالما بالعيب قبل بيعه ، كان ذلك رضي منه بالعيب لأنه تصرف فيه ، والعلقة فيه بينه وبين من ابتاعه منه منقطعة لا سبيل له عليه بوجه من الوجوه ، وان كان المشتري الثاني علم بالعيب ورده عليه لم يكن له رده على الذي اشتراه فان حدث عنده عيب ورجع بأرش المعيب عليه ، لم يكن له رجوع على بائعه بأرش العيب لأنه قد رضي به.

فان كان لم يعلم بالعيب الا بعد بيعه له ، لم يكن له رده لان ملكه قد زال ولم يجب له الأرش أيضا لأنه لم ييأس من الرد (1) على البائع.

فإن كان كذلك لم يخل المشتري الثاني من ان يرده بالعيب على المشترى الأول ، أو يجد من عنده عيب ويرجع بأرشه على المشترى الأول فإن رده ، رده هذا أيضا (2) على الذي ابتاعه منه ويسترجع منه الثمن ، وان رجع عليه بأرش العيب رجع هذا على بائعه بأرش العيب ، وان رضي بالعيب سقط رده والرجوع بأرش.

واما المشتري الأول فإنه لا يرجع بأرش العيب إجماعا (3) ثم لا يخلو المبيع من ان يرجع الى المشتري الأول بإرث أو بيع أو هبة أو لا يرجع اليه بذلك بل يعرض فيه ما يسقط الرد بالعيب فان رجع إليه بأحد الوجوه التي ذكرناه كان له الرد على بائعه. فإن عرض ما يسقط الرد وهو ان يهلك في يد المشتري الثاني أو يحدث به

ص: 396


1- فان من المحتمل رد المشترى الثاني إليه.
2- في العبارة سقط ولكن أضفنا إليها ما يكملها.
3- في الفرض الأخير.

عيب ، أو يعتقه ان كان مملوكا ، أو يوقفه ان كان مما يصح ان يوقف ، فإنه يرجع بأرش العيب لأنه آيس من الرد ، هذا إذا باعه.

فاما ان وهبه ثم علم بالعيب فليس له الرجوع (1) لأنه مما لم ييأس من الرد لأنه يمكن رجوعه فيه فيرده على بائعه.

وإذا ابتاع إنسان من غيره عبدا ، فأبق منه ، فان كان الإباق كان به قبل البيع فهو عيب يوجب الرد الا ان يكون المشترى لا يمكنه رد العبد ما دام آبقا ، وليس له الرجوع أيضا مع هذه الحال بأرش العيب لأنه لم ييأس من الرد ، فان رجع الآبق رده على بائعه. وان لم يرجع وهلك في الإباق كان له الرجوع عليه بأرش العيب. وإذا لم يكن الإباق ثابتا قبل البيع فهو حادث عند المشترى فلا يجب له الرد ، ولا الرجوع بالأرش.

وان اشترى عبدا ثم وجد به عيبا مثل برص ، أو جذام أو غير ذلك ثم أبق العبد قبل ان يرده ، فان كان الإباق عند البائع فرده غير ممكن في الحال ، ولا يرجع بأرش العيب ، وان كان الإباق حادثا فقد حدث به عيب عنده فلا يجوز له رده ، وله ان يرجع بأرش العيب في الحال.

ومن اشترى شيئا وقبضه ثم وجد به عيبا كان عند البائع ، وحدث به عنده عيب أخر ، لم يجز له الرد الا برضاء البائع ، فإن رضي ورده لم يكن له مطالبته بالأرش.

فإن ابتاع عبدا وأعتقه أو قتله أو مات حتف أنفه أو وقف ثم وجد به عيبا كان له الرجوع بأرش العيب على البائع وكذلك الحكم إذا ابتاع طعاما فأكله ثم علم انه كان به عيب في ان له الرجوع بالأرش. وكذلك الحكم إذا ابتاع ثوبا فصبغه ، أو قطعه ثم وجد به عيبا فان له الرجوع بالأرش.

فإن اشترى دابة ، أو ثوبا فركب الدابة. أو لبس الثوب بعد علمه بالعيب لزمه فان ركب الدابة لسقيها أو ليردها لم يلزمه على ذلك الركوب شي ء.

ص: 397


1- أي بالأرش.

وإذا اشترى إنسان جارية وولدت عنده ، أو وطأها وباعها ولم يعلم الذي اشتراه منه بذلك ، لم يكن عيبا الا ان تنقصها الولادة أو الوطأ. ومن ابتاع نعلين ، أو زوجي خف ، أو مصراعي باب ثم وجد بأحدهما عيبا ، فله ردهما جميعا ، لأنهما يجريان مجرى الشي ء الواحد ، وليس له رد المعيب منهما وإمساك ما لا عيب فيه منهما.

فان كان قد باع السالم من العيب لم يكن له رد الباقي ، ولا الرجوع بشي ء من الأرش.

وكذلك إذا اشترى كرين (1) من طعام ، أو سائر ما يتساوى.

وإذا ابتاع عبدا ورده على بائعه بعيب من غير حكم الحاكم لم يكن له رده على الأول لأن ذلك بمنزلة الصلح.

ومن اشترى ناقة أو بقرة أو شاة فحلبها وشرب لبنها لم يكن له ردها بعيب يظهر فيها وله الأرش إلا بالتصرية وقد تقدم ذكرها. فان اشترى عبدا فوجده مخنثا أو كافرا أو سارقا كان ذلك عيبا وله الرد به ، فان وجده ولد الزنا ، أو شارب خمر لم يكن ذلك عيبا يوجب ردا ولا غيره. فان اشترى جارية فوجدها زانية كانت ذلك عيبا ، وله ان يردها بذلك.

وإذا اشترى جارية ، أو عبدا ووجد بأحدهما من الثآليل (2) ما ينقص الثمن كان ذلك عيبا ، وان كان لا ينقص الثمن فليس بعيب.

والأدرة (3) عيب والسمط والبخر والعشا (4) والسن السوداء والسن الساقطة والضرس الساقط كل ذلك عيب.

ص: 398


1- الكر جمعه أكرار : ستون قفيزا ، والقفيز ثمانية مكاليل ، والمكول صاع ونصف
2- الثؤلول جمعه ثآليل : ما يخرج على البدن كالدمل ، ويكون صلبا مستديرا.
3- الأدرة : انتفاخ البيضة ، اى الفتق.
4- السمط : الخفة في الجسم والبخر : نتن ريح الفم. والعشا : سوء البصر بالليل والنهار أو عدم البصر بالليل دون النهار.

والظفر الأسود القبيح إذا كان ينقص الثمن عيب ، وكذلك القرن وكل ما ينقص من الرقيق فهو عيب ، والسلع (1) والفتق عيب ، والكي (2) والقروح والقرع (3) والفحج والقدم (4) عيوب كلها ، وكذلك الشتر (5) في الرقيق والحول والخرس والظفر والشعرة في العين والجرب (6) فيها وفي غيرها من الجسم ، والماء في العين والسبل (7) والاستحاضة والسعال القديم ، وكل ما ينقص الايمان من العيوب ، والعيوب التي في الدواب والإبل والبقر والغنم تجري مجرى العيوب التي في الرقيق ، والحبل في الجارية عيب. وليس كذلك في البهائم وعيوب البهائم مثل الخنف (8) والصدف(9) والصكك (10) والشدق(11) والحدس(12) والجرد والنطح والزوائد

ص: 399


1- السلع آثار النار في الجلد.
2- كوى ، يكوى ، كيا : أحرق ووسم جلده بحديدة ونحوها.
3- القرع : مرض جلدي يسقط شعر الرأس ، والفحج : تداني صدور القدمين وتباعد عقبيهما.
4- يحتمل ان يكون معناه : القدمة وبالفارسي « فرسودگى » ويحتمل زيادة الواو ويكون القدم مضافا اليه للفحج.
5- الشتر : انقلاب جفن العين من أعلى وأسفل ، وقيل انشقاقه.
6- الجرب : داء يحدث في الجلد بثورا صغارا لها حكة شديدة.
7- السبل : شبه غشاوة تعرض في العين.
8- الخنف : أماله الفرس وشبهه رأسه الى راكبه في عدوه ، وفي نسخة « الحنف » بالمهملة وهو اعوجاج الرجل الى داخله.
9- الصدف في الخيل : هو تداني الفخذين وتباعد الحافرين.
10- الصكك : اضطراب الركبتين والعرقوبين عند المشي.
11- الشدق بالتحريك : سعة الشدق وهو جانب الفم.
12- الدحس : ورم حار في طرف الإصبع ، والجرد : عدم الشعر على البدن. والنطح : الضرب بالقرن والمراد اعتياده.

والمشش (1) والقمع والجمع والخرق ومنع السرج واللجام ، وحل الرسن وبل (2) المخلاة والقعاص (3) والانتشار (4) ، وما يعرفه النخاسون (5) عيبا زائدة على ما ذكرناه وينقص من أثمان البهائم ، فإن اشترى جارية محرمة لم يكن ذلك عيبا لان له ان يحللها. فان اشترى عبدا وعليه دين لم يعلم به ثم علم كان له رده الا ان يقضى عنه بائعه الدين.

وإذا ابتاع عبدا وقطع عنده طرف من بعض أطرافه وظهر له فيه عيب - كان عند البائع - سقط حكم الرد وكان له الأرش.

وإذا اشترى إنسان بيضا أو جوزا ، أو بطيخا ، أو ما جرى مجرى ذلك من الفواكه فوجد جميعه فاسدا وقد كسره ، كان له رده ، وأخذ جميع الثمن ، ولم يكن للبائع مطالبة المشتري برد ذلك كما كان لأنه سلطه على ذلك فان اشترى عبدا قد حل دمه لقصاص أو ردة وهو غير عالم بذلك فقتل عند المشترى كان له الرجوع على البائع بجميع الثمن.

وإذا اشترى إنسان من غيره إبريق فضة بمأة درهم فوزنه بمأة درهم فظهر به عيب ثم حدث به عنده عيب آخر لم يجز له رده لحدوث العيب عنده ، ولم يجز له أيضا الرجوع بالأرش لأنه ينقص الثمن عند وزنه فيصير ربا (6) وإسقاط حكم العيب لا يجوز ، وإذا كان كذلك فقد ذكر ان البيع ينفسخ ، ويغرم المشتري قيمة الإبريق

ص: 400


1- المشش : بياض يعتري الإبل في عيونها والقمع : غلظ في ركبة الفرس أو في رأس عرقوبه. والجمح : غلبة الدابة وتمرده على راكبه. والحزق : ضرطة الدابة اى اعتيادها.
2- بله : اى نداه والمخلاة : ما يجعل فيه العلف ويعلق على عنق الدابة.
3- القعاص : داء يأخذ الغنم لا يلبثها ان تموت ، وداء في الصدر كأنه يكسر العنق.
4- الانتشار : هو انتفاخ في عصب الدابة يكون من التعب ونشر المتاع وغيره.
5- النخاس : دلال الدابة والرقيق وبائعهما.
6- في العبارة تصحيف والصحيح ما أثبتناه.

من الذهب (1) ، ولا يجوز رده على البائع لحدوث العيب عنده ، ويكون جاريا مجرى التالف ، وذكر أيضا ان البيع ينفسخ ورد الإبريق على البائع مع أرش النقصان الذي حصل في يد المبتاع ، ويكون ذلك جاريا مجرى المأخوذ على طريق السوم وإذا حدث النقص فيه فإنه يجب رده مع أرش النقصان وان كان الإبريق تالفا فسخ البيع ، ورد قيمته من الذهب وتلفه غير مانع من فسخ البيع.

وإذا اختلف المتبائعان في العيب وكان مما يمكن حدوثه عند البائع وعند المشترى ، كان على المشترى البينة ، فان لم يكن بينة كان القول قول البائع مع يمينه لأن الأصل السلامة ، من العيب ، والأصل لزوم العقد ، والمشترى يدعي حدوث العيب في يد البائع ، ويدعى ما يفسخ البيع به فيكون البينة عليه. وان كان العيب مما لا يجوز ان يكون حادثا في يد المشترى مثل ان يكون إصبعا زائدة ، أو قطع إصبع قد اندمل موضعه وقد ابتاعه من يومه أو من أمسه (2) ولا يكون الجراحة تبرأ في مثله فيكون القول قول المشترى من غير يمين ، فان كانت الجراحة طرية وقد اشتراه من سنة ولا يجوز ان تكون الجراحة من سنة فان القول قول البائع من غير يمين.

وإذا ابتاع ثوبا فنشرة فظهر له فيه عيب وكان النشر لا ينقصه من الثمن كان له رده بالعيب ، وان كان ينقصه مثل ما ينطوى على طاقين ويلتصق أحدهما بالآخر فيكسره بالنشر فيه الأرش ولا يجوز رده بالعيب.

وإذا جنى العبد جناية توجب القصاص وباعه سيده من غير اذن المجني عليه كان البيع باطلا ، وان كانت الجناية توجب الأرش كان البيع صحيحا إذا تطوع السيد بالتزام أمر الجناية فإن كان العبد مرهونا وجنى العبد بيع في الجناية فإن كانت موجبة للأرش يبطل الرهن وينتقل ما على الرهن إلى الذمة وإذا بطل بيعه في القصاص على ما ذكرناه فإنه يرد ، ويسترجع الثمن ويصير الحكومة بين سيده وبين المجني عليه

ص: 401


1- لئلا يتحقق الربا.
2- في النسختين « فاما ان » بدل « ولا » والظاهر انها تصحيف.

وان كانت الجناية عمدا توجب القصاص اقتص منه وقد استوفى حقه ، وان عفى على مال ، أو كانت الجناية توجب مالا كان المال متعلقا برقبة العبد ، ويكون السيد مخيرا بين ان يسلمه وان يفديه من ماله ، فإن سلمه فبيع وكان الثمن مثل أرش الجناية دفع الى المجني عليه ، وان كان أقل منه لم يلزم سيده غيره لان الأرش لم يثبت في ذمة السيد ولا يتعلق بماله ، ولو كان أكثر من الأرش كان الفاضل مردود الى السيد ، وان أراد يفديه فان كانت الجناية أقل من قيمته لزمه أرش الجناية ، وان كانت أكثر من رقبته لم يلزمه الزائد على ذلك.

فان غصب غيره عبدا فجنى العبد في يد الغاصب جناية توجب قصاصا ، ثم رد الغاصب العبد على سيده فقتل قصاصا كان لسيده الرجوع بقيمة العبد على الغاصب لأنه قتل بجناية حدثت في يده.

وإذا ابتاع جارية حاملا ولم يعلم بذلك وكان بها عيب فماتت في الطلق (1) كان له الرجوع بأرش العيب على البائع لأنها ماتت من آلام الطلق وهي حادثة في يد المشترى.

والعبد إذا كان مرتدا فقتل بردته رجع على البائع لأنه قتل بردة كانت عند البائع هذا إذا كان غير عالم بالخيار بعد الشراء ، فان كان عالما قبل الشراء لم يكن له رده لان ذلك رضا منه.

وإذا ابتاع عبدا وقد استحق قطع يده - في يد البائع - كان ، بالخيار ، ان شاء رده وفسخ البيع لان القطع وجب في ملكه ، فان علم بذلك قبل الشراء لم يكن له الرجوع على البائع بشي ء لأنه رضا بالعيب.

والعبد لا يملك شيئا فإن ملكه سيده مالا لم يملك رقبته وانما يملك التصرف فيه فان باعه وله مال والسيد عالم به كان المال للمشتري وان لم يكن عالما به كان المال للسيد.

ص: 402


1- الطلق : وضع الحمل.

فان شرط المشترى ان يكون المال له كان له ، فان لم يشترط ذلك كان للسيد.

وإذا ابتاع إنسان عبدا له مال بشرط ان يكون المال للمبتاع فقبضه وظهر به عيب فان كان علم بالعيب بعد ان حدث به عنده نقص وعيب لم يكن له الرد وكان له الأرش الذي يرجع به هاهنا وهو ان يقوم عبد ذو مال لا عيب فيه وعبد ذو مال به العيب الأول (1)

« تم كتاب المكاسب »

ص: 403


1- وفي حواشي نسخة مكتبة آيت اللّه البروجردي ( رحمه اللّه ) في المقام هكذا : وقد سقطت من هذه النسخة ، الكتب التالية : التفليس ، الحجر ، الصلح ، الديون ، الحوالة ، الضمان ، الكفالة ، الشركة والوكالة أقول : ليس في ما بأيدينا من النسخ من هذه الكتب اثر ولا عين عسى اللّه ان يوفق أصحاب الهمم العالية للعثور عليها وطبعها منضمة الى هذه النسخة.

« كتاب الإقرار »

اشارة

إذا أقر الحر البالغ الكامل العقل الذي ليس بمولى عليه ، المطلق التصرف على نفسه بشي ء ، كان إقراره ماضيا وحكم عليه به فان لم يكن مطلق التصرف كالمحجور عليه فنحن نبين حكمه : ان أقر وهو محجور عليه لسفه بمال لم يصح وان أقر بحد صح وان أقر بخلع أو طلاق صح

وان كان محجورا عليه للرق وأقر على نفسه بشي ء كان حكمه حكم المحجور عليه للسفه إلا في موضع واحد وهو ان إقرار العبد لازم له في ذمته ، فإذا أعتق صحت مطالبته بما أقر به فإن أقر بحد لم يقبل إقراره به ، لأن في ذلك إتلاف مال الغير الذي هو مولاه.

وان كان محجورا عليه لتفليس كان إقراره مقبولا عليه على كل حال

وان كان محجورا عليه لمرض كان إقراره مقبولا على ما نبينه في موضعه في ما بعد بمشيئة اللّه تعالى فهذه جملة القول في من كان تصرفه غير مطلق

« في الإقرار المصرح والمبهم وتفسيره »

وإذا أقر إنسان لغيره بشي ء إقرارا مصرحا غير مبهم مثل ان يقول « له على مأة دينار أو مأة درهم أو دينار أو درهم أو ما أشبه ذلك » كان إقراره بذلك صحيحا وحكم عليه للمقر له بما أقر له به

ص: 404

فإن أقربه إقرارا مبهما مثل ان يقول : « له على (1) شي ء » كان إقراره أيضا بذلك صحيحا ثم يرجع في تفسير الذي أقربه إليه دون المقر له. فان فسره بما يصح تملكه ويتمول في العادة مثل دينار أو درهم أو أقل من ذلك أو أكثر أو بجنس غير ذلك مما يتمول ، كان تفسيره مقبولا فان صدقه المقر له على تفسيره وجب عليه الخروج اليه منه ، وان كذبه وكان تكذيبه له في الجنس مثل ان يكون المقر قد فسر ما أقربه بثوب أو كتاب أو درهم أو دراهم فيقول المقر له : « لي عليه دنانير » فإذا جرى الأمر بينهما على هذا بطل إقرار المقر بالثياب أو الدراهم لأنه يكون قد أقر بما لم يدعه عليه خصمه وهو مدع للدنانير عليه فيكون القول قوله مع يمينه فان حلف سقطت الدعوى وان نكل ردت اليمين على المدعى فإذا حلف استحق ما ادعاه

وان كان تكذيبه له في المقدار مثل ان يفسر بدرهم فيقول المقر له : « لي عليه درهمان أو أكثر من ذلك » فيكون مدعيا لما زاد على الدرهم ، فاذا كان ذلك كان القول قول المقر مع يمينه فاذا حلف سقطت دعوى خصمه وان لم يحلف ردت اليمين على المقر له ، فاذا حلف وجب له ما ادعاه.

فان فسر المقر إقراره بما لا يتملك مثل الخمر أو لحم الخنزير أو ما أشبه ذلك لم يقبل منه هذا التفسير لأنه مما لا يتملك ولا ينتفع به ، ولفظ الإقرار لفظ الالتزام والخمر وما أشبهه غير لازم لأحد

وإذا أقر إنسان لغيره فقال : « له على مال » قبل إقراره ورجع إليه في التفسير لذلك فان فسره بقليل من المال أو كثير سمع منه ذلك وان فسره بجلد ميتة أو سرجين أو ما جرى مجرى ذلك لم يلتفت الى هذا التفسير ولم يقبل منه شي ء من ذلك ، لأنه لا يسمى مالا ولا يجرى مجرى ذلك الإقرار بشي ء لان الشي ء يتناول المال وغيره والمال اسم لما يتمول دون ما لا يتمول.

فإن أقر لغيره فقال : « له على مال كثير » حكم عليه بثمانين فان قال : « له على

ص: 405


1- في نسختين زيادة « كل » والظاهر انها سهو ، كما في المبسوط.

مال خطير أو عظيم أو ما جرى مجرى ذلك » لم يكن لذلك مقدار يقال به فأي شي ء فسره به قبل ذلك منه.

فان قال : « له على مال أكثر من مال زيد » لزمه مثل مال زيد » ويرجع إليه في تفسير الزائد على ذلك فما فسره به قبل ذلك منه قليلا كان أو كثيرا وإذا أقر بأنه غصب زيدا شيئا وفسره بما يتمول ، لزمه ذلك وان فسره بما لا يتمول ، لم يقبل ذلك منه.

فإن أقر بمأة وخمسين درهما لزمه ، لان قوله « درهما » يميز العددين جميعا (1)

فان قال : « له على الف دينار أو درهم أو ما أشبه ذلك » لزمه القيام بما أقربه. فإن قال : « له على الف (2) ودينار » وجب عليه دينار ورجع إليه في تفسير الألف فبأي شي ء فسره سمع ذلك منه وهكذا الحكم سواء إذا قال : « له على الف ودرهم أو ألف وثوب أو ألف ودابة ، أو ألف ودور ، أو ألف وعبد ، وما أشبه ذلك »

« الاستثناء من الجمل واقسامه »

وإذا (3) حملنا الاستثناء على حقيقته وأقر بأن لزيد عنده مأة درهم الا درهما ، كان صحيحا ويكون مقرا بتسعة وتسعين درهما ويلزمه ذلك فان استثنى مجهولا من معلوم مثل ان يقول : « له عندي مأة درهم الا ثوبا » أو يقول : « له عندي مأة دينار الا سيفا » فإنه تلزم المائة درهم أو المائة دينار وعليه تفسير الثوب والسيف بالقيمة فإن قوم ذلك بما يبقى بعده من المائة شي ء قبل ذلك منه وان قومه بما يستغرق المائة لم يقبل منه ذلك ، لأنه يكون كمن أقر بشي ء واستثنى جميعه وذلك لا يصح

ص: 406


1- قال الشيخ ره في المبسوط : وفي الناس من قال انه تفسير للخمسين والمائة على إبهامها والصحيح الأول لأنا لو جعلناه تفسيرا للثاني بقي الأول بلا تفسير وذلك لا يجوز
2- في نسختين زيادة « درهم » والظاهر انها سهو
3- في نسخة « فاذن حملنا الاستثناء على حقيقته ، وإذا أقر بأن لزيد إلخ وعليه يكون في الكلام قبل هذا سقط وهو جواز الاستثناء في الإقرار وان حقيقته ان يكون من جنس المستثنى منه وغير ذلك من أحكامه كما صرح بذلك كله في المبسوط.

« الاستثناء من الاستثناء »

فان استثنى مرتين وعطف الثاني على الأول بواو العطف فإنهما يكونان جميعا من الجملة الأولى المستثنى منها وان لم يعطف الثاني على الأول بواو العطف كان الاستثناء الثاني عائدا الى ما يليه من الاستثناء. فاما ما يكون بينهما واو العطف فمثل ان يقول : « له على عشرة إلا ثلاثة والا اثنين » فيكون ذلك استثناء الخمسة من العشرة ، فان لم يعطف الثاني على الأول فمثل ان يقول « له على عشرة الا خمسة إلا اثنين » فإنه يكون استثناء الاثنين من الخمسة فبقي ثلاثة فيكون قد استثنى ثلاثة من العشرة فيلزمه سبعة.

فإذا أقر فقال : « لزيد هذه الدار الا هذا البيت منها » كان ذلك استثناء البيت وكذلك استثناء الفص من الخاتم ، وذلك صحيح فان قال : هذه الدار لزيد وهذا البيت منها لي » أو قال : « هذا الخاتم له والفص منه لي » فإن ذلك يكون بمنزلة الاستثناء ، لأنه في معناه وأوضح منه لأنه صرح بمعنى الاستثناء هذا إذا وصل الاستثناء.

فاما ان فصل بينهما بسكتة طويلة فإن الاستثناء لا يصح ويكون جميع الدار والخاتم مع فصه للمقر له.

وإذا قال : « له على مأة الا درهمين » كان مقرا بثمانية وتسعين درهما. فان قال : « عندي مأة الا درهمان » كان مقرا بمأة ، لان المعنى عندي مأة غير درهمين. وهكذا لو قال : « له على مأة مثل درهمين » جاز ان يكون المعنى المائة مثل درهمين. وهكذا « له على مأة مثل ألف » كان عليه ألف لأن غيرا نقض (1) مثلا.

وإذا قلت : « ماله عندي مأة الا درهمين » وأردت أن تقر بما بعد الا ، رفعته لأنك إذا قلت : ماله عندي مأة الا درهمان ، فإنما رفعت درهمين بان جعلته بدلا من مأة فكأنك قلت : « ما له عندي إلا درهمان ». وإذا نصبت فقلت : « ما له عندي مأة الا درهمين » فما أقررت بشي ء لان « عندي » لم ترفع شيئا فثبت له عندك ، وكأنك

ص: 407


1- في نسخة « نقص » والظاهر انها تصحيف.

قلت ماله عندي ثمانية وتسعون درهما.

« الإقرار بالمظروف ليس إقرارا بالظرف »

وإذا قال : « له ثوب في منديل » أو قال : « له عندي تمر في جراب (1) أو حنطة في غرارة (2) ، أو عسل في مكة » (3) أو ما أشبه ذلك ، لم يلزمه الا اليقين وهو الثوب أو التمر أو الحنطة أو العسل فاما المنديل أو الجراب أو الغرارة أو العكة فلا يلزمه شي ء من ذلك لما قلناه من انه لما يلزمه (4) اليقين ، ويطرح الشك لأن الأصل براءة الذمة.

وإذا قال : « له عندي عبد عليه عمامة دخلت العمامة في الإقرار. ولو قال : له عندي دابة عليها سرج » لم يدخل السرج في الإقرار ، والفرق بين ذلك ان يد العبد تثبت على ما هو عليه فيكون لسيده المقر له ، والدابة لا يثبت لها يد على ما عليها فلا يكون ما عليها لصاحبها إلا بالإقرار ، وقوله عليها سرج ليس إقرارا بالسرج.

ومن كان صحيحا من المرض وأقر بدين أخر ، نظر في ماله ، فان كان فيه وفاء بجميع الدينين استوفى منه (5) ، وان لم يكن فيه وفاء لجميعهما قسم الحاصل منه على قدر الدينين.

« الإقرار بالحمل »

وإذا كان لرجل جارية ولها ولد ، فأقر بان ذلك الولد ، ولده منها كان إقراره صحيحا بين كيفية الاستيلاء منها أو لم يبين ذلك.

وإذا أقر الإنسان لحمل بدين في ذمته أو غيره في يده وبين لذلك سببا صحيحا

ص: 408


1- الجراب : وعاء من جلد
2- الغرارة : الجوالق.
3- العكة : زقيق للسمن أصغر من القربة.
4- كلمة « ل » جارة و « ما » موصولة.
5- كذا في نسخة : وفي أخرى : استوفى. والصحيح « استوفيا »

مثل ان يقول : « لحمل هذه المرية على دين من جهة وصية أو ميراث » كان إقراره صحيحا. وان بين له سببا غير صحيح ، فغير صحيح مثل ان يقول : « له ذلك على من جناية جنيتها عليه من قلع عين أو ما جرى مجراها ، أو « هو له على من معاملته » كان ذلك باطلا.

فإن أطلق الإقرار ولم يبين شيئا مما ذكرناه كان صحيحا فان بينه بعد ذلك بشي ء مما ذكرناه فالقول فيه على ما تقدم. وان كان حكم الإقرار للحمل صحيحا على ما قدمناه فيجب ان ينظر فيه ، فان انفصل من حين الإقرار حيا لأقل من ستة أشهر كان الإقرار صحيحا ، لان وجوده حين الإقرار كان متيقنا ، فصح بذلك انه إقرار لموجود وان انفصل لأكثر من تسعة أشهر لم يصح الإقرار لأنا نتيقن بذلك انه لم يكن موجودا والإقرار انما يصح لموجود فاما المعدوم فلا يصح الإقرار له. فان انفصل لستة أشهر وأكثر وتسعة أشهر وأقل نظر في حال المرية فإن كان لها زوج يطؤها أو مولى كان الإقرار باطلا ، لأنه يجوز ان يكون حدث بعد الإقرار له فلا يلزمه الإقرار وإذا احتمل لم يلزمه شي ء بالشك. وان لم يكن لها زوج يطؤها ولا مولى كان الإقرار صحيحا لأنا نعلم بذلك ان الولد من ذلك الوقت.

ثم ينظر في الحمل فان كان واحدا وانفصل حيا فالاقرار له صحيح كما قدمناه وان كان اثنين أحدهما ذكر والأخر أنثى وكان الإقرار عن وصية تساويا في قسمته بينهما وان كان عن ميراث كان للذكر مثل حظ الأنثيين وان كان الحمل الذكرين أو الأنثيين كان ذلك بينهما بالسوية. فإن كان ذكرا وأنثى ولدي أم (1) كان بينهما أيضا بالسوية لأن كلالة الأم تساوى في الميراث. وهذا الحكم في الحمل إذا انفصل حيا ، فان انفصل ميتا كان الإقرار له باطلا لأنه انما يكون له حكم إذا انفصل حيا ، فان انفصل ميتا فإنه يكون في معنى المعدوم وذلك مما لا يصح الإقرار له.

ص: 409


1- أي أخ الميت وأخته لأمة لا لأبيه.

وإذا كان عند إنسان عشرة من العبيد فأقر لغيره بهم فقال : « هؤلاء العبيد لزيد الا واحدا » كان الإقرار صحيحا ويرجع في تبين الواحد إليه. فإن بين التسعة المقر بهم كان كافيا في بيان الواحد ، وان بين الواحد كان كافيا في ذلك لأنه إذا بين أحد الوجهين وعينه تبين الأخر وتعين. فاذا اختلفا في الواحد فكذب المقر له للمقر كان القول قول المقر مع يمينه ، لأنه اعلم بما أقربه وبما استثناه ، ولأنه أيضا في يده.

وإذا أقر إنسان بغصب فقال : ( غصبت هذه الدار من زيد وملكها لعمرو ) لزمه الإقرار وكان عليه تسليم الدار الى زيد الذي أقرانه غصبه إياها ، لأنه أقر له باليد وقد تكون في يده بإجارة أو رهن. فاما إقراره بأنها ملك لعمرو فلا يصح الإقرار بما هو في يد غيره ، ويجرى ذلك مجرى قوله : « الدار التي في يد فلان لفلان » فان ذلك لا يصح وشهادته بذلك لا يقبل ، لأنه غاصب ، وإذا كان كذلك وجب عليه تسليم الدار الى زيد وتكون الخصومة فيها بين زيد وبين عمرو الذي أقر بأنها ملكه ، وليس على هذا الغاصب ضمان في الدار لعمرو بإقراره بأنها ملكه ، لأنه ما أقر له بشي ء ثم حال بينه وبينه وانما أقر لواحد منهما باليد وللآخر بالملك ، وقد يجوز ان يكون في يد أحدهما بإجارة أو رهن كما قدمناه ويكون ملكا للآخر.

« الاعراض بعد الإقرار »

وإذا قال إنسان : « هذه الدار لزيد ، لإبل لعمر » أو قال : « غصبتها من زيد لإبل من عمرو » فإن إقراره بها للأول لازم وعليه غرامتها للثاني ، لأنه حال بينه وبين ما أقربه له ويجرى ذلك مجرى ان يتلف له ما لا ثم يقر به لغيره في لزوم غرامته له.

وإذا كان العبد مأذونا له في التجارة وأقر بما يوجب حقا على سيده (1) لم يقبل إقراره وان أقر بما يوجب مالا وكان ذلك لا تعلق له بما اذن له فيه من التجارة مثل ان يقول : « أهلكت مال زيد » أو « غصبته مالا » لم يقبل إقراره بذلك.

ص: 410


1- في نسخة « على بدنه » بدل « على سيده ».

فان قال : « اقترضت منه مالا » كان ذلك في ذمته الى ان يعتق ويطالب به. وان كان إقراره بما يتعلق بمال التجارة مثل أرش المعيب أو ثمن مبيع أو ما جرى مجرى ذلك فإن إقراره بذلك مقبول ، لان المالك لشي ء يملك الإقرار به فان كان الإقرار بقدر ما في يده من مال التجارة قبل وقضى منه ، وان كان أكثر من ذلك كان الفاضل (1) في يده يطالب به إذا أعتق.

وإذا قال رجل : « لزيد عندي ألف درهم وديعة شرط على ضمانها » ثبت إقراره بالوديعة ولم يجب عليه ضمانها (2).

وإذا قال : « لزيد على الف درهم في ذمتي » ثم جاء بألف وقال : « كان الألف الذي أقررت به لك وديعة عندي وهذا بدلها » كان ذلك جائزا لأنه يجوز ان يكون قد هلكت بتفريط منه فاحضرا العوض عنها.

وإذا قال زيد لعمرو : لك على الف درهم » ثم قال : « كانت لك عندي وديعة وكان عندي انها باقية فأقررت بها لك فاذا بها تالفة في ذلك الوقت (3) لم يقبل ذلك منه ، لأنه تكذيب إقراره بعده ، ولو ادعى هلاكها بعد الإقرار قبل منه لأنه ما فسره إقرار بوديعة ولم يكذب إقراره وانما ادعى هلاك ما أقربه بعد ثبوته بإقراره.

فإذا كان في يد إنسان عبد فأقر انه لزيد وصدقه العبد وعلى ذلك صح إقرار السيد ولم يصح إقرار العبد ، لان يد السيد ثابتة على العبد لأنه يملكه ويد العبد غير ثابتة على نفسه لأنه لا يملكها ، ولأن إقرار العبد أيضا إقرار بمال السيد عليه وانما يقبل إقراره في الجنايات التي تتعلق برقبته أو إتلاف المال فان كذب (4) السيد في إقراره فالصحيح ان العبد ينعتق ، لأن الذي كان في يده أقر بأنه ليس له والذي أقر له به

ص: 411


1- الظاهر سقوط « مما » أو تكون « في يده » تصحيف ويكون الصحيح « في ذمته ».
2- لان شرط الضمان في الوديعة باطل.
3- اى وقت الإقرار
4- أي كذب زيد المقر له

أنكره وإقرار العبد لم يصح فلم يثبت (1) عليه لأحد ملك فينبغي ان ينعتق كما قدمناه

وإذا التقط إنسان لقيطا ورباه ثم أقر الملتقط بأنه عبد لزيد لم يقبل إقراره ، لأن الظاهر في اللقيط الحرية.

وإذا ادعى إنسان على غيره انه مملوكه وأنكر العبد ذلك كان القول قول المدعى عليه مع يمينه لان الظاهر من الحال ، الحرية. فان لم ينكر دعواه وأقر بما ادعاه من الرق ثم ادعى انه أعتقه وأنكر سيده ذلك كان القول قول السيد. لأن الأصل هي نفى العتق.

وإذا أقر فقال : « لزيد عندي درهم ودرهم » لزمه درهمان وكذلك لو قال : « لزيد عندي درهم ودرهم ودرهم » لزمه ثلاثة دراهم ، وكذلك إذا عطف درهما على درهم بلفظ « ثم » فان قال : « له عندي درهم فدرهم » لزمه درهمان ، لان الفاء من حروف العطف فهي وان أفادت التعقيب فليس له هاهنا فائدة.

وإذا أقر فقال : « لفلان عندي قفيز لإبل قفيزان » لزمه قفيزان وكذلك لو قال : « درهم لإبل درهمان » لان « بل » للإضراب عن الأول والاقتصار على الثاني. فإن قال : درهم لإبل أكثر منه لزمه درهم وزيادة عليه فان قال « له على قفيز حنطة لإبل قفيز شعير » لزمه قفيز حنطة وقفيز شعير لأنه أقر بجنس آخر فلا يقبل منه النفي للأول.

وإذا قال إنسان يوم الخميس : « لزيد على درهم » ثم قال يوم الجمعة : « له على درهم » وجب عليه درهم واحد ويرجع في التفسير إليه. فإن قال يوم الخميس : « لزيد على درهم من ثمن مملوك » وقال يوم الجمعة : « له على درهم من ثمن ثوب » وجب عليه درهمان ، لان ثمن المملوك غير ثمن الثوب وكذلك الحكم في كل إقرارين أضيف كل واحد منهما الى سبب غير السبب الذي يضاف الأخر اليه.

وإذا قال : « لزيد على درهم لإبل درهم » وجب عليه درهم واحد ، لأنه أمسك ليستدرك ولم يذكر فليس عليه غير ذلك. ولو قال : « لزيد على عشرة لا بل تسعة »

ص: 412


1- في نسختين « فلو ثبت » والظاهر انها تصحيف.

وجب عليه عشرة لأنه نفى درهما من العشرة على غير وجه الاستثناء فلم يقبل منه ولا يجرى ذلك مجرى قوله : « له على عشرة إلا درهم » في انه يقبل ذلك منه ، لأن للتسعة عبارتين : الواحدة بلفظ التسعة ، والأخرى بلفظ العشرة واستثناء الواحد فبأيهما اتى فقد اتى بعبارة التسعة ، فليس كذلك قوله : « على عشرة لا بل تسعة » لأنه أقر بالعشرة ورجع عن بعضها فلم يصح رجوعه.

وإذا أقر رجل لميت بحق وقال : « هذه امرأته وهذا ابنه ولا وارث له غيرهما » وجب عليه دفع المال إليهما ، لأنه أقر بأنه لا يستحق المال غيرهما. فان قال : « هذا المال لزيد الميت » أو قال : « لزيد الميت على مال وهذا الصبي ولده وهذا وصيه » لم يجب عليه دفع المال إلى الوصي : لأنه لا يأمن من ان يبلغ الصبي فينكر وصية الوصي وإذا أنكر سمع ذلك منه. ويجوز تسليم المال الى الحاكم ، لان له على الصبي ولاية ولا يتمكن من إنكارها ولا تثبت ولاية للطفل إلا ببينة.

وإذا ادعى إنسان على غيره مالا في مجلس الحاكم فقال المدعى عليه : « لا أقر ولا أنكر » ألزمه الحاكم أن يأتي بجواب صحيح ويقول : « هذا ليس بجواب صحيح ، فإن أجبت بصحيح والا جعلتك ناكلا ورددت اليمين على خصمك » فان لم يأت بجواب صحيح استحب للحاكم ان يكرر ذلك عليه ثلاث مرات فان لم يجب بجواب صحيح جعله ناكلا ورد اليمين على خصمه. فان قال : « لا أدرى ما يقول » لم يكن جوابا صحيحا مع علمه بما يقول.

فان قال : « انا مقر أو منكر » لم يكن أيضا جوابا صحيحا. فاذا قال : « انا مقر بما يدعيه ومنكر لما يدعيه » كان ذلك جوابا صحيحا وحكم الحاكم عليه (1). وإذا قال إنسان : « لزيد على الف درهم » وسكت ثم قال : « من ثمن مبيع لم أقبضه » وجب عليه الالف ولم يسمع منه ما ادعاه من المبيع ، لأنه أقر بالألف ثم فسره بما يسقط ولا يقبل إقراره به. فان قال : لزيد على ألف درهم وسكت ثم قال قد قبضها كان جاريا مجرى

ص: 413


1- في نسخة زيادة « بحبسه »

الأول ، فإن قال « لزيد على ألف درهم من ثمن مبيع » وسكت ثم قال : « لم أقبضه » سمع منه ذلك لان قوله بعد سكوته لم أقبضه غير مناف لإقراره المتقدم لأنه يجوز أن يكون عليه ألف درهم ثمنا ولا يجب عليه تسليمها حتى يقبض المبيع ، وأيضا فإن الأصل أن لا قبض.

فان قال « لزيد على ألف درهم مؤجلا إلى الوقت الفلاني » وجب عليه ذلك في الأجل المذكور.

وإذا شهد شهود على إنسان بإقراره ولم يقولوا « وهو صحيح العقل » كانت الشهادة صحيحة بذلك الإقرار ، لأن الظاهر أن الشهود لا يتحملون الشهادة على من ليس بعاقل ولان الظاهر صحة إقراره أيضا. فإن شهدوا وقالوا : « وهو صحيح العقل » كان ذلك منهم تأكيدا وإذا كان الأمر في الشهادة بالإقرار على ما ذكرناه وادعى المشهود عليه انه أقر وهو مجنون وأنكر المقر له ذلك كان القول قوله مع يمينه ، لأن الأصل فقد الجنون وعدمه.

فان ادعى أنه أكره على الإقرار لم يسمع منه ذلك لان الأصل فقد الإكراه. فإن أتيت بينة على أنه كان مقيدا أو محبوسا وادعى الإكراه قبل ذلك منه ، لان الظاهر من حال المقيد والمحبوس انه كان مكرها على التصرف والإقرار.

وإذا قال إنسان : « لزيد على دينار في عشرة ، أو درهم في عشرة » وكان يريد بذلك ضرب الحساب ، وجب عليه عشرة دنانير أو عشرة دراهم ، لان الواحد في عشرة ، عشرة. وان لم يرد ضرب الحساب وجب عليه دينار واحد أو درهم واحد ، لأنه يكون المعنى فيه « له دينار في عشرة لي » ويجرى ذلك مجرى القول بان له على عمامة في صندوق ، أو قميص في منديل ، وما أشبه ذلك.

وإذا ادعى إنسان على صبي البلوغ وقال الصبي : « لم أبلغ » كان على المدعى البينة فيما ادعاه من بلوغ الصبي : اما بان (1) شهد شهود بأنه ولد في سنة معينة ثم

ص: 414


1- في نسخة « فان » وفي أخرى « وان » والظاهر انهما تصحيف

ينظر فيه من هذه السنة إلى السنة التي ادعى عليه فيها البلوغ فيكون خمسة عشرة سنة أو يقر الصبي بالبلوغ ، أو شاهد (1) منه الإنزال ، فإن عدم المدعي البينة على ما ادعاه من ذلك وطلب يمين الصبي على انه لم يبلغ ، لم يجب له ذلك ، وكان القول قول الصبي بغير يمين ، لأن إثبات يمينه يقتضي إبطالها ونفيها ، لأن الصبي إذا حلف على انه صبي وحكمنا بصباه أبطلنا يمينه لان يمين الصبي غير صحيحة.

فإن أقر الصبي بالبلوغ ووجد لم يبلغ القدر الذي يمكن البلوغ فيه لم يلتفت الى إقراره. وان كان قد بلغ ذلك القدر كان إقراره صحيحا وحكم عليه بالبلوغ ، لأنه أقر بما يمكن كونه صادقا فيه ولا يجوز المطالبة له بيمين على ما أقر به ، لأنه لا يتعلق بذلك حق لغيره وانما يتعلق به حق لنفسه.

والصبية إذا أقرت بأنها قد حاضت كان الحكم فيما أقرت به من ذلك كالحكم الذي ذكرناه في إقرار الصبي بالبلوغ.

وإذا قال إنسان : « لزيد على درهم ودرهمان ، أو دينار وديناران » وجب عليه ثلاثة دراهم أو ثلاثة دنانير لأنه عطف الدرهمين على الدرهم ، وكذلك الدينارين على الدينار والمعطوف غير المعطوف عليه.

وإذا قال الإنسان : « تملكت هذه الدار من زيد » كان ذلك إقرارا منه بالدار لزيد وفيه الدعوى منه بان ملك زيد قد زال عنها وملكها هو ، فاذا كان كذلك وخالفه زيد في ذلك كان القول قول زيد المقر له مع يمينه. فان قال : « هذه الدار قبضتها من يد زيد فإنه يكون مقرا لزيد باليد ويجب عليه تسليم الدار اليه وعليه البينة فيما ادعاه من سقوط حق اليد وانتقاله إليه ، فان لم يكن له بينة كان القول قول المقر له مع يمينه.

فان قال : « هذه الدار قبضتها على يد زيد ، أو ملكتها على يد زيد » لم يكن ذلك إقرارا بيده ولا ملكه لان ظاهر هذا اللفظ انه قبضها أو ابتاعها بوساطته أو معونته.

ص: 415


1- لعلها تصحيف ، والصحيح « شاهدوا » أو يكون هو الحاكم.

وإذا قال إنسان : « على لبهيمة زيد مأة درهم ، أو عشرة دنانير ، أو ما أشبه ذلك كان هذا الإقرار باطلا ، لأن البهيمة لا يثبت لها مال. ولو قال : « على بسبب هذه البهيمة مأة درهم » وما أشبه ذلك كان هذا الإقرار صحيحا لان معنى السبب ان يكون ذلك المال ثبت عليه من اجرة منافعها أو من جناية عليها أو ما جرى مجرى ذلك. فان قال : « لعبد زيد على مال » كان ذلك صحيحا ويكون إقرارا لسيد العبد لان العبد يصح له ان يثبت له مال من اكتساب أو غيره فاذا ثبت له ذلك ثبت لسيده.

وإذا أقر إنسان بأن غيره والده أو والدته وصدقه ذلك الغير فيما أقربه كان إقراره مقبولا وتوارثا ، فان لم يصدقه في ذلك كان إقراره باطلا.

فإن أقر بأن غيره ولده وكان المقر به مشهورا بالنسبة الى غير المقر به كان إقراره أيضا باطلا وان لم يكن مشهورا بذلك قبل إقراره والحق الوالد (1) به سواء صدقه الولد في ذلك أو لم يصدقه وتوارث (2).

فإن أقر بزوجة وصدقته في ذلك قبل إقراره وتوارث ، وان لم تصدقه كان إقراره باطلا.

فإن أثبت بينة بما أقربه حكم له بها ، وان لم يثبت له بينة بذلك لم يلتفت الى إقراره فإن أقرت المرأة بزوج كان الحكم فيها كالحكم في الرجل سواء.

فإن أقر بولد أو أخ أو أخت أو غير ذلك من ذوي الأرحام قريبا كان أو بعيدا وكان للمقر ورثة مشهوري النسب لم يقبل إقراره إلا ببينة ولم يتوارثا ، سواء صدقه المقر به أو لم يصدقه. وان لم يكن له ورثة غير الذي أقربه وصدقه في ذلك ، قبل إقراره وتوارثا. وان لم يصدقه كان إقراره باطلا.

فان هلك إنسان وخلف وارثا فأقر بعضهم بوارث آخر وكان المقر به اولى من المقر بالميراث سلم اليه المقر جميع ما حصل في يده من الميراث. وان كان مثله دفع

ص: 416


1- لعلها تصحيف والصحيح « الولد »
2- لعل أصلها « توارثا ».

اليه مقدار ما كان نصيبه من سهمه بغير زيادة ولا نقص.

فإن أقر بوارث جماعة كان الحكم فيهم مثل ما تقدم. فإن أقر بوارثين هما جميعا اولى منه بالميراث والواحد منهما اولى من الأخر بذلك ، دفع المقر إلى الأولى منهما ما في يده من الميراث ولم يكن للآخر شي ء. فان أقر بأكثر من وارث وكان المقر لهم متساوين في الميراث وتناكروهم فيما بينهم ذلك النسب لم يلتفت الى إنكارهم وقبل إقراره لهم ، فإذا أنكروا إقراره لم يكن لهم من الميراث شي ء وان أقروا له بمثل ما أقر لهم به توارثوا (1) بينهم ان كان المقر له (2) والدا أو ولدا فان كان غيرهما من ذوي الأرحام لم يتوارثوهم وان صدق بعضهم بعضا ولا يتعدى الحكم (3) فيه الى مال الميت.

فإن أقر بوارث هو اولى منه بالميراث كان عليه ان يدفع المال اليه كما قدمناه. فإن أقر بوارث - بعد ذلك - هو اولى منهما كان عليه ان يغرم للثاني مثل الذي دفعه الى الأول وهكذا يجب عليه ان أقر بوارث ثالث أو رابع أو خامس أو أكثر من ذلك بالغا ما بلغ إقراره به. فإن أقر بوارث اولى منه بالميراث وسلم اليه ما في يده منه (4) ثم أقر بعد ذلك بوارث مسا وللمقر له في الميراث كان عليه ان يغرم له مثل ما كان يستحقه من أصل الميراث.

فإن أقر بوارث يساويه في الميراث وقاسمه إياه ثم أقر بوارث هو اولى منهما وجب عليه ان يغرم له مثل جميع المال. فان كانت الميت امرأة وأقر هذا المقر بزوج لها ، وجب عليه ان يدفع الى الزوج ما كان نصيبه من سهمه وان أقر بزوج آخر كان إقراره باطلا. فإن أكذب نفسه في الإقرار بالزوج الأول وجب عليه ان يغرم للزوج الثاني ما يستحقه من الميراث ، ولم يكن له على الأول سبيل.

ص: 417


1- اى الذين يقر لهم أولا وكانوا أكثر من وارث
2- أي الذي أقر أولا
3- أي عدم التوارث
4- اى من الميراث ، وكلمة « من » بيانية

فإن كان المقر ولدا فأقر بزوجة للميت وجب عليه ان يدفع الى الزوجة ثمن ما كان في يده من الميراث فإن أقر بزوجة ثالثة دفع إليها ثلث ثمن ما في يده من الميراث أيضا. فإن أقر برابعة دفع إليها (1) ثمن ذلك ، فإن أقر بخامسة ، وقال بأن واحدة ممن كان أقر منهن ليست زوجة ، لم يلتفت الى نفيه لها ووجب عليه ان يغرم للتي أقربها قبل ذلك (2) فان لم ينكر واحدة من الأربع لم يلتفت الى إقراره بالخامسة. فإن أقر في دفعة واحدة للأربع نسوة لم يكن لهن أكثر من الثمن يقسم بينهن بالسوية.

فإن أقر اثنان من الوراث بوارث وكانا مرضيي العدالة قبلت شهادتهما للمقر له والحق بنسب الميت وقاسم (3) الوارث الا ان يكون مشهورا بالنسب للآخر فإنه حينئذ لا يلتفت الى شهادتهما. فان لم يكونا مرضيي العدالة لم يثبت له النسب ولم يلحق بالميت ولزمهما في نصيبهما مقدار ما كان نصيبه من سهمهما من غير زيادة ولا نقص في ذلك. فان خلف الميت زوجة وأخا وأقرت الزوجة بابن للأخ (4) وأنكره الأخ لم يثبت نسبه الا انه يقاسمها والمرأة تدعى ان لها الثمن ، لان لمورثها ابنا فان كان في يدها لم يأخذ الأخ إلا ثلاثة أرباعه لأنه هو القدر الذي يدعيه فيقول « لها الربع » لأنه ليس لمورثها ابن فبقي في يدها الربع وهي تدعي نصفه فيكون لها والباقي ترده على الابن.

فان ترك الميت ابنين أحدهما عاقل ، والأخر مجنون فإن أقر العاقل بنسب أخ لم يثبت النسب بإقراره ، لأنه واحد فإن أفاق المجنون ووافق أخاه على إقراره بالأخ الأخر ثبت النسب والميراث وان خالفه في ذلك لم يثبت نسبه وشاركه في مقدار ما يخصه فان مات وهو مجنون فان ورثه المقر جميع ماله قاسم المقر به فان ترك الميت ابنين أحدهما كافر والأخر مسلم فأقر أحدهما بأخ وكان الميت كافرا ، فميراثه للمسلم

ص: 418


1- الظاهر سقوط كلمة « ربع »
2- اى قبل الإنكار والنفي
3- أي صار قسيما للوارث
4- اى الميت

فإن أقر بنسب قاسم المقر به ان كان مسلما وان لم يكن مسلما أخذ بجميع الميراث ولم يكن لجحود الكافر لذلك اعتبار ، لأنه لا يرث شيئا وجميع المال للمسلم.

وإذا خلف الميت ابنين أحدهما قاتل كان المال كله للذي ليس بقاتل وان أقر بنسب أخ شاركه في الميراث وان أقر القاتل لم يثبت له لأنه ليس يستحق شيئا من الميراث.

وإذا أقر الإنسان وهو مريض - وكان في حال إقراره كامل العقل موثقا بعدالته مأمونا غير متهم - للوارث أو الأجنبي بشي ء ، كان إقراره ماضيا ويكون ما أقربه من أصل ماله فان كان متهما وغير موثق به ، طولب للمقر له ببينة تشهد له بذلك فإن أثبت بينة به سلم اليه ذلك من أصل المال وان لم تكن له بينة دفع ذلك اليه من الثلث ان بلغ ذلك ، فان لم يبلغه لم يدفع إليه أكثر منه.

وإذا كان على إنسان دين فأقر بأن جميع ما يملكه لبعض وراثه لم يقبل منه ذلك إلا ببينة تثبت للمقر له بذلك فان لم تكن له بينة به دفع الى صاحب الدين ماله وكان الباقي ميراثا بين وارثه.

وإذا أقر بشي ء وقال لوصيه ادفعه الى زيد فهو له ، وطالب الوارث الوصي بذلك فان كان المقر عنده مرضيا مأمونا جاز له ان ينكر ذلك ويحلف عليه ويسلمه الى المقر له وان كان عنده غير مرضى ولا مأمون لم يجز له ذلك ويجب عليه إظهاره ويلزم المقر له إثباته ببينة فإن أثبت له بينة سلم اليه ، وان لم تثبت له بينة كان ميراثا

وإذا قال « لفلان ولفلان أحدهما على مأة دينار » طولبا بالبينة على ذلك فمن ثبت له البينة سلمت المائة اليه وان لم تثبت لأحدهما بينة قسمت بينهما نصفين

وإذا أقر بعض الوارث على الميت بدين كان إقراره جائزا على نفسه ولزمه من ذلك بمقدار ما يخصه من الميراث بغير زيادة على ذلك. فإن أقر بالدين اثنان من الوارث وكانا مرضيي العدالة موثوقا بهما قبلت شهادتهما وأمضيت على باقي الوراث وان لم يكونا مرضيين وجب عليهما من الدين الذي اقرا به بمقدار ما يصيبهما من الميراث.

ص: 419

فان كان على الميت دين وترك مالا دون الدين قضى به الدين ولم يكن هناك وصية ولا ميراث وتقسم ما تركه على أصحاب الدين بحسب حصصهم ان كانوا أكثر من واحد وان كان واحدا سلم اليه ذلك فان وجد متاع بعض أصحاب الدين بعينه وكان فيما بقي من التركة وفاء لدين الباقي من الديان سلم المتاع الى صاحبه وقضى دين الباقين مما بقي من التركة.

وان لم يترك الميت غير ذلك المتاع كان صاحبه وغيره من الديان فيه سواء ، يقتسمونه فيما بينهم على حسب حصصهم.

وإذا أقر المريض بان بعض مماليكه ولده ولم يعينه ولا ميزه من غيره بصفة ومات اخرج منهم واحد بالقرعة والحق به وورث ماله.

وإذا أقر إنسان بان عليه زكاة لعدة سنين وأمر بإخراجها عنه ، وجب إخراجها من أصل المال لأنها بمنزلة الدين ويكون الباقي ميراثا. فان كان عليه شي ء من الزكاة وكانت حجة الإسلام قد وجبت عليه وفرط فيها وخلف دون ما يقضى به الحجة والزكاة حج عنه من أقرب المواضع وصرف ما بقي في أرباب الزكاة.

ومن قتل وعليه دين وجب على وليه ان يقضى دينه من ديته سواء كان قتله عمدا أو خطأ فإن كان قتله عمدا وأراد أوليائه القود أو العفو ، لم يجز لهم ذلك الا بعد ان يرضوا أصحاب الدين فان ارضوهم كان لهم بعد ذلك القود أو العفو.

« في منجزات المريض »

وإذا وهب المريض في حال مرضه شيئا وأقبضه كانت الهبة صحيحة ولم يكن للوارث الرجوع فيها. وان لم يكن قبضها ومات ، كانت ميراثا وكذلك حكم ما يتصدق به في حال حياته.

وبيعه في حال مرضه صحيح إذا كان ثابت العقل مالكا لرأيه فان كان المرض قد غلب على عقله كان ذلك باطلا.

وإذا تلفظ الموصى بالوصية وكان ثابت العقل كانت وصيته ماضية فان اعتقل

ص: 420

لسانه وكان ممن يحسن الكتابة كتبها وأمضيت بحسب ذلك فان لم يقدر على الكتابة وأومى بها وفهم مراده من ذلك ، أمضيت أيضا على حسب ما يومئ به ويفهم منه. فان قال له إنسان « تقول كذا وكذا وتأمر بكذا وكذا » فأشار برأسه كما يفيد إشارته به « نعم » كان ذلك جائزا بشرط ثبوت عقله كما قدمناه.

وأول ما يبدء به من التركة الكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث وإذا لم يترك الميت الا مقدار الكفن كفن به ولم يقض به دين فان تبرع إنسان بتكفينه صرف ما تركه في الدين.

وإذا غاب رجل عن اهله وترك لهم نفقة سنة ومات بعد شهر وجب على اهله رد ما فضل عن نفقة الشهر الى الميراث وكان من جملته.

« تم كتاب الإقرار »

ص: 421

« كتاب الوديعة »

اشارة

قال اللّه سبحانه ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ) (1)

وقال اللّه تعالى ( فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ ) (2)

وروى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله انه قال : « أد الأمانة الى من ائتمنك ولا تخن من خانك » (3)

وروى انه صلى اللّه عليه وآله لما أراد الهجرة كانت عنده ودائع أودعها أم أيمن وأمر أمير - المؤمنين عليه السلام بردها على مستحقها (4)

فجواز الوديعة لا خلاف في صحتها وهي أمانة ، فمن كانت عنده وديعة فطلبها صاحبها وجب ردها عليه وليس عليه فيها ضمان الا بتفريط

وإذا أراد المقيم ان يؤدى الوديعة ردها على صاحبها أو وكيله فاذا فعل ذلك لم يكن عليه شي ء فان كان متمكنا من ردها على صاحبها أو وكيله ثم ردها على الحاكم أو ثقة الحاكم كان ضامنا لها وإذا لم يقدر على المودع (5) ولا وكيله وردها على الحاكم أو ثقة من غير عذر كان

ص: 422


1- النساء ، الاية 58
2- البقرة ، الاية 283
3- المستدرك - كتاب الوديعة - باب وجوب أداء الأمانة - الحديث 12
4- المصدر السابق.
5- مبني للفاعل

عليه ضمانها فان كان ذلك عن عذر مثل حريق أو نهب لم يكن عليه ضمان.

ولا يجوز للمودع (1) السفر بالوديعة على حال الا ان يكون في البلد الذي هو فيه خوف من نهب أو حريق ويخاف من ذلك فيجوز له حينئذ السفر بها ومتى أراد السفر ردها على صاحبها أو وكيله ، فان لم يتمكن منهما وردها الى الحاكم أو ثقته فلا ضمان عليه فيها ، فان كان متمكنا من ردها الى صاحبها أو وكيله فردها الى الحاكم أو ثقته كان عليه ضمانها.

فإن أراد المودع السفر فدفنها كان عليه أيضا ضمانها ، لأنه تعدى بها وإذا تعدى المودع في الوديعة كان عليه ضمانها ، فإن أعادها إلى حرزها لم يزل ضمانها عنه الا ان يردها على صاحبها أو وكيله.

وإذا طولب المودع برد الوديعة فلم يردها مع تمكنه من الرد كان عليه ضمانها وكذلك ان جحدها فان اعترف بها بعد ذلك لم يزل الضمان ، وكذلك خلطها بغيرها

وإذا أودع إنسان غيره وديعة وشرط عليه ضمانها لم يصح الشرط وكانت غير مضمونة.

وإذا تعدى المودع في الوديعة فأخرجها من حرزها فقد قلنا ان عليه ضمانها. فان ردها الى صاحبها ثم أعادها صاحبها اليه على وجه الوديعة فقد زال ضمانها عنه فان عزم المودع على التعدي في الوديعة ولم يتعد فيها فلا ضمان عليه بذلك العزم ، لان الضمان يلزم بالتعدي لا بالعزم عليه والتعدي في ذلك لم يحصل.

وإذا كان عنده وديعة مشدود عليها في خرقة أو ما جرى مجراها أو كانت في كيس مختوم عليها فقطع خيطه أو حله أو كسر الختم كان عليه ضمانها لأنه قد هتك الحرز وان خرق الكيس فوق الشد والختم لم يكن عليه ضمان وعليه أرش ما نقص بالتخريق من الكيس وان كان التخريق - شق أو بط - (2) من تحت الشد أو من تحت الكيس فان عليه

ص: 423


1- مبني للمفعول وكذا ما يأتي بعده
2- بط بطأ الصرة : شقها والظاهر انه أخص من الشق

ضمانها سواء أخذها أو لم يأخذها فإن كانت الوديعة في غير حرز مثل ان يكون دنانير أو دراهم مصبوبة في شي ء فيأخذ المودع منها دينارا أو درهما لم يكن عليه الا ضمان ما أخذه دون الباقي لأنه هو الذي تعدى فيه ، وغيره على ما كان عليه فان رد ما أخذه بعينه سواء تميز من الباقي أو لم يتميز منه فإنه لا ضمان عليه.

فان لم يرد ذلك بعينه بل رد بدله فان كان هذا البدل يتميز من الباقي كان عليه ضمان ما أخذه دون الباقي ، وان كان لا يتميز من ذلك كان عليه ضمان الجميع ، لأنه خلط مال صاحب الوديعة بمال غيره من غير اذن مالكه له في ذلك.

وإذا كانت الوديعة حيوانا وامره صاحبها بعلفها وسقيها لزمه ذلك فان لم يفعل حتى هلكت من تركه لذلك كان عليه ضمانها. فان سقاها بنفسه في بيته كان ذلك منه غاية في حفظه لها ولا ضمان عليه وكذلك إذا أمر غلامه بسقيها في بيته لأن العادة جارية بأن يأمر الإنسان غلامه بذلك ولا يتولاه بنفسه.

فان كان في داره نهر أو بئر تسقى دوابه منه ويمكنه سقى الوديعة منه فأخرجها إلى بئر ليسقيها كان عليه الضمان لأنه أخرجها من غير حاجة الى إخراجها ولا عذر له في ذلك وان لم يكن في داره بئر ولا نهر فأخرجها إلى موضع جرت العادة في بلده بإخراج الدواب اليه ليسقي منه من بئر أو نهر فحدث بها حادث لم يكن عليه ضمان.

فان كان المودع أطلق الأمر ولم يذكر للمودع سقيا ولا علفا لزمه ذلك ، لان العادة جارية بأن السقي والعلف لا بد منه. فإن أمره بان لا يعلفها ولا يسقيها فهلكت من تركه لذلك لم يكن عليه ضمانها ، وان كان هو آثما في تركه القيام بها وقبول أمر صاحبها بترك ذلك ، ويجرى ذلك مجرى امره له بأن يقتل عبده فقتله في انه يكون آثما بقبول امره بقتله وسقوط ضمانه له.

وإذا كانت الوديعة من الإبل والبقر والغنم أو غير ذلك من الحيوان وصاحبها غائب ، فأنفق المستودع بغير أمر الحاكم كان ، متطوعا فان رفع امره الى الحاكم واثبت عنده ان الوديعة وديعة لزيد الغائب ، أمره الحاكم بالنفقة عليها فتكون هذه

ص: 424

النفقة دينا له على صاحب الوديعة ويجوز له مطالبته ، فاذا حضر وطالب ، الزمه الحاكم الخروج اليه منها.

فان اجتمع عنده من ألبانها شي ء وخاف فساده ، أو كانت نخلا فاجتمع عنده من ثمرها شي ء فباع ذلك بغير أمر صاحب الوديعة وهو في البلد كان ذلك ضامنا لذلك وان باع بأمر الحاكم وهلك الثمن لم يكن عليه ضمان.

وإذا ادعى المستودع أنه أنفق الوديعة على أهل المودع بامره وصدقه أهله في ذلك وأنكر صاحب الوديعة ذلك وقال : « لم آمرك بإنفاقها على عيالي » كان القول قول صاحب الوديعة مع يمينه. وكذلك الحكم إذا ادعى المستودع ان صاحب الوديعة امره بالصدقة.

وإذا أودع إنسان عند غيره وديعة وشرط عليه ان لا يخرجها من موضع عينه ، ولا فرق في ان يكون الموضع مكانا أو بلدا أو قرية ، فنقلها من ذلك الموضع فان كان نقلها لضرورة مثل الخوف عليها من حريق أو نهب أو غرق ، لم يكن عليه ضمانها. وان كان نقلها لغير ضرورة كان عليه ضمانها. فان نقلها وادعى انه لم ينقلها إلا لأجل الخوف من النهب والحريق لم يقبل قوله الا ببينة تشهد له بذلك

فان ادعى هلاكها - بسرقة أو غصب أو إتلاف - من يده كان القول قوله مع يمينه من غير بينة والفرق بين الموضعين ان الحريق والنهب والغرق لا يخفى ويمكن إقامة البينة عليها.

وإذا أودع وديعة وادعى المودع ردها على صاحبها وأنكر المودع ذلك كان القول قول المودع مع يمينه لأنه أمينه.

وإذا ادعى إنسان وديعة فقال المودع « ما أودعتني » كان القول قول المودع مع يمينه ، لان اليمين على المنكر والبينة على المدعى. وإذا قال : « أمرتني بان ادفعها الى زيد ودفعتها إليه » فأنكر وقال : « ما أمرتك بذلك » كان القول قول صاحبها مع يمينه لأن الأصل ان لا دفع.

ص: 425

وإذا أودعها في كيس فأخرجها منه كان ضامنا لها لأنه هتك حرز صاحبها ، ويجرى ذلك مجرى إيداعها في صندوق فيخرجها منه ، في انه يلزمه ضمانها لأنه هتك الحرز.

وإذا أودعها صاحبها وهي في كيس فتركها المودع مع مال له في صندوق فيحرق الكيس لم يلزمه ضمان فان هلك منه شي ء هلك من مالهما جميعا على مقدار ما كان لكل واحد منهما وإذا أودعه صندوقا وشرط ان لا يرقد عليه فرقد أو نام أو زاده قفلا آخر لم يكن عليه ضمان ويجرى ذلك مجرى ان يقول له : « اتركها في صحن دارك » فيدخلها بيتا ويغلقه عليها في انه لا ضمان عليه لأنه زاده حرزا ، ولا يصح قول من يقول بأنه بالزيادة قد نبه على ان فيه مالا وبضاعة فيلزم لذلك الضمان ، لأنه لو قال بان فيه مالا لا يضمن فبالتنبيه اولى.

وإذا أودعه خاتما وامره أن يجعله في إصبعه البنصر (1) فجعله في الخنصر كان عليه ضمانه لان البنصر أقوى في الحرز من الخنصر. فإن أمره بأن يجعله في الخنصر فجعله في البنصر لم يكن عليه ضمان لأنه بجعله في زاده حرزا فإن أمره بأن يجعله في الخنصر فجعله في البنصر فانكسر كان عليه ضمان الأرش ، لأنه تحامل عليه وتعدى فيه فيلزمه ضمان الأرش لذلك.

وإذا أودع إنسان وديعة وقال للمودع : اجعلها في كمك فجعلها في يده كان ضامنا لها لأنه خالف صاحبها فيما شرط عليه وليس لأحد ان يسقط ضمانه لها بان اليد أحرز من الحكم لأنه يعلم ذلك ومع علمه به فقد شرط عليه جعلها في كمه ولا يمتنع ان يكون له غرض في ذلك ليس بحاصل في جعلها في اليد.

وإذا أودعه شيئا وقال له اجعله في جيبك فطرحه في كمه كان عليه الضمان فان قال له : « اربطه في كمك » فطرحه في جيبه لم يكن عليه ضمان لان الجيب أحرز من الكم فان قال له « اجعله في جيبك » فجعله في فمه كان عليه الضمان ، لأنه جعله فيما هو دون ما

ص: 426


1- البنصر بالكسر : الإصبع بين الوسطى والخنصر

أمره بأن يجعله فيه لأنه ربما سقط من فيه أو بلعه لان الجيب لا يسقط منه شي ء الا ان يبط (1)

وإذا أودعه شيئا وهو في طريق أو سوق وقال له : « اجعله في بيتك » وجب عليه حمله الى بيته في الحال فإن أخر ذلك لغير ضرورة كان عليه الضمان ولذلك يلزمه ان يمضي في الحال الى بيته فقصر في المشي (2) عادته فان مشى على عادته ووصل الى بابه ووقف يدق مقدار ما جرت العادة بأنه يفتح فيه فهلكت الوديعة لم يكن عليه شي ء

وإذا أودع رجل عند صبي وديعة فهلكت لم يلزم فيها ضمان فإن أودع صبي عند رجل وديعة وجب على الرجل ضمانها لأن إيداع الصبي وان لم يكن له حكم فقد أخذها الرجل ممن ليس له الأخذ منه فان ردها على الصبي لم يزل الضمان ، لأن بالأخذ لها قد وجب عليه ذلك فليس يسقط بهذا الرد ، لأنه رد على من ليس له ان يرد عليه فان ردها على ولى الصبي زال الضمان عنه بذلك.

وإذا مات إنسان ووجد في « روزنامجة » مكتوب « لزيد عندي كذا وكذا » أو وجد في خزانته شي ء مكتوب عليه « لفلان بن فلان » لم يجب على الورثة رد ذلك الى من وجد اسمه مكتوبا عليه لأنه يجوز ان يكون الميت رد عليه ذلك ولم تزل الكتابة التي باسمه ولأضرب عليها ويجوز ان يكون (3) عنده وديعة فابتاعها من صاحبها ولم يزل اسمه ولأضرب عليه.

« الخلط في الوديعة »

وإذا كان عنده دراهم جيادا فخلطها بدراهم سود أو كان عنده دنانير فخلطها

ص: 427


1- يبط اى يشق وتستعمل في الصرة ونحوها
2- في نسخة زيادة « بخلاف » وعلى هذا فكلمة « أن » شرطية وفاعل « يلزمه » هو « الضمان »
3- في نسخة زيادة « كان »

بدراهم فخلص بعضها من بعض واحتفظ (1) به لم يكن عليه ضمان فان كانت الوديعة التي خلطها مما لا يتميز بعد الخلط بعض ذلك من بعض كان عليه الضمان. وإذا كانت الوديعة دنانير أو دراهم فأنفقها ثم ورد (2) في موضعها غيرها لم يزل الضمان عنه بذلك

« دعوى الشخصين في الوديعة »

وإذ كانت الوديعة عند إنسان فادعاها اثنان كل واحد منهما يدعيها لنفسه فقال المودع « هي لأحدكما ولست أدري أيكما هو » طولبا بالبينة فإن أثبتا بينة أو لم يثبتاها (3) استحلفا ، فان حلفا أقرع بينهما فيها ، فمن خرجت القرعة له دفعت اليه وان اصطلحا عليها كان جائزا وان أراد استحلاف المودع على انه لا يدرى من صاحب الوديعة منهما كان لهما ذلك فإن أثبت أحدهما البينة بأنها له دون الأخر دفعت اليه ، وكذلك ان حلف أحدهما على انها له ونكل الأخر عن اليمين كانت للذي حلف عليها ولم يكن للناكل عن اليمين فيها شي ء.

وإذا اختلف اثنان في مال فقال أحدهما : « هو وديعة لك عندي » وقال الأخر « هو دين لي عليك » كان القول في ذلك قول صاحب المال مع يمينه ، وكان على الذي عنده المال البينة بأنه وديعة ، فان لم يكن له بينة وجب عليه اعادة المال الى صاحبه فإن أراد اليمين من صاحب المال بأنه لم يودعه ذلك المال كان له ذلك.

« إيداع الوديعة عند الغير »

وإذا كانت عند إنسان وديعة فأودعها الذي هي عنده عند أخر بغير أمر صاحبها كان عليه ضمانها.

وإذا كانت عنده وديعة وغاب صاحبها ولم يعلم هل هو حي أو ميت وجب عليه إمساكها وحفظها ابدا حتى يحقق حاله فان كان مفقودا كان سبيلها كسبيل سائر أمواله.

« تم كتاب الوديعة »

ص: 428


1- في نسخته اختفض بدل « اختفظ » يقال : اختفض السعر : اى انحط ، ولعلها أصح
2- كذا في النسخة ولعل أصلها « رد »
3- في نسخة « هما » بدل « ها »

« كتاب العارية »

اشارة

قال اللّه تعالى « وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى » (1)

والعارية من البر ولا خلاف بين الأمة في جوازها. وروى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله انه قال في خطبة حجة الوداع : العارية مؤداة والمنحة (2) مردودة ، والدين مقضي والزعيم غارم (3)

وروى انه صلى اللّه عليه وآله استعار من صفوان بن أمية يوم خيبر درعا ، فقال اغصبا يا محمد فقال بل عارية مضمونة مؤداة (4)

فاذا كان جوازها في الشريعة ثابتا فهي أمانة غير مضمونة مؤداة ، الا ان يشترط صاحبها ضمانها ، فان شرط ذلك ثبت ضمانها وان لم يشترط ذلك كانت غير مضمونة على ما ذكرناه.

ص: 429


1- المائدة ، الاية 6
2- المنحة بالكسر : في الأصل شاة أو ناقة يعطيها صاحبها رجلا يشرب لبنها ثم يردها إذا انقطع اللبن ، ثم استعملت في مطلق العطية والمراد هنا معناها الأصلي وفي نسخة « منحمة » ولعلها تصحيف.
3- المستدرك ج 2 ، ص 489 ، الباب 4 من أبواب الدين ، الحديث 4 على اختلاف مع المتن.
4- الوسائل ، ج 13 ، الباب 1 من أبواب العارية ، الحديث 4 و 5 ، ص 236 ، على اختلاف مع المتن.

فاذا استعار إنسان شيئا وقبضه كان له الانتفاع به بمقدار ما اباحه المعير الانتفاع به ، فان تعدى أو شرط عليه الضمان لما ينقص من الاجزاء ، لزمه ذلك.

ومن استعار منشفة (1) فذهب حملها باستعماله لها لم يكن عليه في ذلك ضمان لأن إذن المعير للمستعير في استعمالها اذن في ذلك بمجرى العادة ، وكذلك حكم جميع الثياب التي تذهب جدتها (2) بالاستعمال في انه ليس على مستعيرها في ذلك ضمان الا ان يكون متعديا في ذلك فيلزمه الضمان

والعارية على ضربين : مضمونة وغير مضمونة فاما المضمونة فهي ما كانت ذهبا أو فضة واما التي ليست مضمونة فكل ما عدا ذلك ، الا ان يشترط الضمان فيها على ما قدمناه.

وإذا كان عند إنسان عارية وردها الى صاحبها أو وكيله برأ من ضمانها ، فان ردها الى ملكه مثل ان يكون دابة فيردها إلى إصطبل صاحبها ويشدها فيه لم يبرأ من ضمانها.

وإذا اختلف صاحب دابة وراكبها فقال صاحبها « أكريتكها » وقال الراكب « أعرتنيها مضمونة » كان القول قول الراكب مع يمينه وعلى صاحبها البينة لأنه يدعي أجرة الركوب. وكذلك الحكم في الأرض المستعارة للزراعة إذا اختلف صاحبها والزارع ، فادعى الزارع العارية وادعى صاحب الأرض الإيجار ، فإن القول قول الزارع مع يمينه.

« التعدي في العارية »

وإذا استعار دابة إلى موضع معين فجاوزه كان عليه الضمان وكذلك إذا استعارها يوما أو شهرا فزاد على ذلك.

وإذا استعار إنسان من غيره أرضا لبناء أو غرس واذن له في ذلك كان جائزا

ص: 430


1- منديل يتمسح به والخمل اى الوبر
2- اى جودتها وحسنها.

فاذا كان المعير اذن له في البناء والغرس فزرع كان جائزا ، لأن ضرر الزرع أقل من ضرر البناء والغرس ، فان اذن له في الزرع فبنى أو غرس لم يجز ذلك ، لان ضرر البناء والغرس أعظم ، وليس يكون الاذن في القليل إذنا في الكثير ، فان اذن له في زرع الحنطة فزرع ذرة (1) أو ما جرى مجراها لم يجز ذلك ، لان ضرر الذرة أعظم من ضرر الحنطة. فان اذن له في البناء فغرس أو في الغرس فبنى لم يجز له ذلك لان ضرر أحدهما مخالف لضرر الأخر

واعلم انه ليس من شرط العارية تقدير المدة. فإن قدر ذلك كان جائزا فإن أطلق له واذن في البناء والغرس كان له ذلك ما لم يمنعه فان منعه لم يكن له بعد المنع فعل شي ء من ذلك فاذا منعه سقط الإذن فإن كانت المدة مقدرة كان له البناء والغرس ما لم ينقض المدة ، فإذا انقضت لم يكن له احداث شي ء بعد ذلك فان غرس أو بنى أو انتفع بشي ء من وجوه الانتفاع الذي ليس له ، كان متعديا وله المطالبة بقلعه من غير شي ء يضمنه فاذا كان له (2) قلعها فان عليه (3) اجرة المثل ان كان تعدى بذلك فاذا قلعها كان عليه تعديل الأرض وتسوية الحفر وطمها ، لأنه أحدثها من غير اذن صاحب الأرض ولا رضاه.

« فروع في إعارة الأرض »

وإذا استعار إنسان من غيره أرضا على ان يبنى فيها دارا أو يغرس فيها نخلا فاذن له في ذلك ثم بدا له في إخراجه كان عليه للمستعير قيمة البناء ، والغرس بعد ذلك (4) فان قال له أعيرك هذه الأرض عشر سنين تبنى فيها وتغرس وعليك عند انقضاء المدة إن تقلع بناك وغرسك وتسلم إلى ارضى كما أخذتها ، فأجابها الى ذلك ، وجب عليه

ص: 431


1- الذرة بضم المعجمة : حب معروف
2- اى لصاحب الأرض
3- اى على المستعير
4- في نسختين زيادة « للمعير » هنا

عند انقضاء المدة رد أرضه اليه ونقض ما بناه وقلع ما غرسه. فان أعاره الأرض وقتا معلوما للزرع فزرعها فلما قارب حصاده أراد إخراجه وقد انقضى الأجل ، لم يخرج حتى يستحصد الزرع ويكون له أجر مثل الأرض في زيادة الأجل.

فان أعاره أرضا على ان يبنى فيها ويسكن ما بدا له فإذا أراد ان يخرج كان البناء لصاحب الأرض ، لم يجز ذلك وهذا يجرى مجرى الإجارة الفاسدة وعلى الساكن اجرة مثل الأرض فيما سكن له والبناء له.

« عارية الدابة »

وإذا أنفذ إنسان رسولا الى غيره يستعير منه دابة يركبها إلى قرية - سماها له شرقي البلد - فمضى الرسول الى صاحب الدابة فقال : له « فلان يقول لك أعرني دابتك أركبها إلى قرية » - سماها غربي البلد بموضع غير الذي ذكره المرسل له - فدفع الدابة اليه فركبها المستعير الى الموضع الذي ذكره الرسول لأمر عرض له وليس يعلم بما كان من رسوله فهلكت الدابة لم يكن عليه ضمان ، لان صاحبها أعاره الى ذلك المكان ولو ركبها الى المكان الذي ذكره لرسوله فهلكت ، كان عليه ضمانها ، لان صاحبها لم يعرها الى ذلك المكان ولا يرجع على الرسول في ذلك شي ء

وإذا استعار إنسان دابة واستأجرها أيضا فنزل عنها في بعض السكك في المدينة ودخل مسجدا يصلى فيه وخلي عنها فهلكت كان ضامنا لها

وإذا استعار من غيره سلاحا ليجاهد به عارية غير مضمونة فضرب بالسيف أو طعن بالرمح فانكسر السيف أو الرمح لم يكن عليه شي ء.

وإذا استعار أرضا من غيره واذن له المعير في غرس شجرة فيها فغرسها ثم قلعها كان له ان يعيد غيرها ان كان الاذن من المعير قائماً ، فإن رجع عن ذلك لم يكن له اعادة غيرها وكذلك الحكم إذا أعاره حائطا يضع عليه جذعا فوضعه عليه ثم انكسر ، فإنه ليس له اعادة غيره الا ان يكون الاذن في المعير قائماً فإن رجع عن ذلك لم يجز له اعادة غيره مكانه

وإذا كان لإنسان حبوب فجرها السيل إلى أرض إنسان آخر ونبتت فيها ، كان

ص: 432

الزرع لصاحب الحب ، لأنه عين ماله فاذا كان كذلك لم يجز لصاحب الأرض مطالبته بقلعه ، لأنه لم يتعد في ذلك.

ويجوز اعارة الفحل ، واعارة المملوك للخدمة. فإن كان امرأة لها هيئة كره ذلك فيها ، وان كانت عجوزا لم يكن فيه كراهة ولا تجوز إعارتها للاستمتاع بها ، لان البضع لا يستباح بالعارية. ويكره استعارة الأبوين للخدمة لأن استخدامهما من ولديهما مكروه له.

فان استعارهما ليخفف عنهما ويرفههما من خدمتهما سيدهما كان ذلك حسنا وفيه فضل.

« اجارة العارية وإعارتها »

والعارية لا تجوز إعارتها ولا إجارتها أيضا ، لأن المستعير لها لا يملك منافعها فلا يصح منه إعارتها ولا عقد إجارتها.

وإذا كان مع رجل محل ، صيد لم يجز للمحرم ان يستعيره منه ، لأنه لا يجوز له إمساكه. فإن استعاره منه بشرط الضمان ضمنه. فان تلف في يده لزمه قيمته لصاحبه والجزاء لله سبحانه. وإذا استعار المحل من المحرم مثل ذلك مثل ان يحرم وفي يده صيد فإذا أخذه منه كان ذلك له. فان تلف لم يلزمه ضمانه ، لان ملك المحرم له قد زال عنه وتخليته له عند إحرامه واجبة عليه فاذا أخذه المحل وتلف من يده لم يلزمه شي ء ، لأنه ليس بملك له أخذه منه ولا استعارة.

ص: 433

« كتاب حظر الغصب والتعدي »

وتحريم ذلك معلوم من جهة العقل والشرع. فاما من جهة العقل فهو معلوم من استحقاق الذم لمن غصب مال غيره وتصرف فيه بغير اذنه وتعدى عليه فيه. وهذا (1) وغيره مما يدل على ذلك ، قد تضمنه كتب الأصول ولا معنى لا يراد كل ذلك هاهنا ، لان ذكره في كتب الأصول أولى من ذكره في كتاب من كتب الفروع

واما من جهة الشرع فإجماع المسلمين منعقد على حظره وتحريمه. وقول اللّه سبحانه :

( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (2) والغصب لا يكون عن تراض من صاحب المال المغصوب منه والغاصب له.

وروى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله انه قال : لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفس منه (3) وروى أيضا عنه صلى اللّه عليه وآله قال : حرمة مال المسلم كحرمة دمه (4) وروى

ص: 434


1- في نسخة « وهكذا غيره » بدل « وهذا وغيره »
2- النساء ، الاية 28
3- المبسوط ، ج 3 ، ص 59 ، وروى مضمونه في الوسائل ، ج 19 ، الباب 1 من أبواب القصاص في النفس ، الحديث 3.
4- المبسوط ، ج 3 ، ص 59 ، وفي الوسائل ، ج 8 ، الباب 158 ، من أبواب العشرة ، الحديث 3 ، الا ان فيه : حرمة ماله. ومرجع الضمير هو المؤمن.

أيضا عنه صلى اللّه عليه وآله انه قال : من أخذ شبرا من الأرض بغير حقه ، طوقه اللّه يوم القيمة من سبع أرضين. (1)

فإذا كان حظر ذلك وتحريمه ثابتا بما ذكرناه فكل من كان له مال فهو أحق به وبالتصرف فيه من غيره ، ولا يحل لغيره ان يأخذ منه الا ما أعطاه صاحبه عن طيب نفس منه ومن أخذ مال غيره بغير طيب نفس منه وجب رده عليه ان كان باقيا. فان كان تالفا كان عليه عوضه أو قيمته على ما يأتي تفصيله.

فان لم يعرف صاحبه أودعه في بيت مال المسلمين الى ان يحضر صاحبه أو وارثه ويأخذه. فإن كان زمانه زمان سلاطين الجور وولاته ، تصدق به عنه ، وكان عليه القيام لصاحبه بالعوض ان حضر ولم يرض بالصدقة ، وعليه مع ذلك النقل اليه من جنسه لذلك عنه (2) والتوبة الى اللّه سبحانه منه.

فاما تفصيل أحكام ذلك فعلى ما نذكره : إذا غصب إنسان غيره شيئا من الادهان والاقطان والتمور والحبوب والثمار والجلود التي ليس فيها ماء وما يجرى مجرى ذلك وجب عليه رده على صاحبه ان كان باقيا على ما قدمناه. وان كان تالفا وجب عليه المثل لان ذلك مما له مثل. فإن أعوز المثل ولم يقدر عليه كان عليه القيمة ، فان لم يقبض القيمة حتى مضت مدة اختلف القيمة فيها - كان له القيمة في وقت القبض لا وقت الإعواز.

فان لم تكن العين تالفة - فيحكم فيها بما ذكرناه وكانت موجودة - فجنى عليها جناية نقصت منها شيئا ، أو غصب تمرا أو طعاما فتسوس (3) وجب عليه أرش ما نقص ، وليس يجب عليه هاهنا مثل. لان ما نقص ليس له مثل وكان الضمان عليه بالأرش دون غيره فان غصب ما لا مثل له وكان من جنس الأثمان ولا صنعة فيه ، مثل

ص: 435


1- المستدرك ، ج 3 ، الباب 3 من أبواب الغصب ، ص 416 ، الحديث 2
2- كذا في نسخة ولعل معناها : ان عليه من جنس المغصوب ، والنقل الى المغصوب منه لأجل انه غاصب عنه وفي بعض النسخ « التفصيل » بدل « النقل » وفي أخرى « التصل ».
3- اى وقع فيه السوس ، وهو الدود الذي يأكل الحب وشبهه.

النقرة (1) ، كان عليه قيمة ما أتلف من غالب نقد المصر ، ثم نقد المصر اما ان يكون من جنسه أو من غير جنسه وان كان من غير جنسه وذلك مثل ان يتلف فضة وغالب نقد المصر دنانير أو يتلف ذهبا وغالب النقد دراهم ، فعليه قيمته من غالب النقد ، فان كان غالب النقد من جنسه ، وذلك مثل ان يتلف فضة وغالب النقد دراهم.

فان كان الوزن والقيمة سواء ، أخذ وزنها من غالب. وان اختلفا وكانت القيمة أكثر من وزنها من غالب نقد المصر أو أقل من وزنها كان له قيمتها ، الا انه لا يتمكن من أخذ ذلك من غالب نقد المصر ، لأنه ربا ، لكن يقوم بغير جنسه ويأخذ قيمته ليسلم من ذلك ويأخذ تمام حقه.

وان كان فيه صنعة وكان مما استعماله مباح مثل حلي النساء والخواتيم الفضة للرجال ، وما أشبه ذلك وكان وزنها مثلا مأة وقيمتها لأجل الصنعة مأة وعشرون فان كان نقد المصر من غير جنسها قومت به ، لأنه لا ربا فيه. وان كان غالب هذا النقد من جنسها مثل ان يكون ذهبا وغالب النقد نصف قيمتها ، قومت بغير جنسها ليسلم من الربا فيكون الوزن بحد الوزن والفضل في مقابلة الصنعة لأن للصنعة قيمة الا ترى انه يصح الاستئجار على تحصيلها ، ولأنه لو كسره إنسان فعادت قيمته الى مأة كان عليه أرش النقص.

وان كان مما استعماله حرام مثل أواني الذهب والفضة ، فإن الصنعة تسقط وتكون كالتي لا صنعة فيها وقد تقدم ذكر ذلك.

وان كان من غير جنس الأثمان كالثياب والحديد والرصاص والخشب والعقار وما جرى مجرى ذلك من الأواني كالصحاف (2) وغيرها كان ذلك مضمونا بالقيمة. فإن أتلف شيئا من ذلك كان عليه قيمته. فإن تراخى وقت القبض لم يجب عليه الا القيمة

ص: 436


1- في النسخ « البقرة » والظاهر انها تصحيف والصحيح ما في المتن كما في المبسوط ج 3 ، ص 61 ، والنقرة : هي القطعة المذابة من الذهب والفضة.
2- الصحاف جمع صحفة : إناء كالقصعة.

التي تثبت في ذمته في حال الإتلاف اختلف القيمة أم لم تختلف ، وسواء كان اختلافها متساويا (1) أو متباينا ، فان جنى على شي ء من ذلك جناية أتلفت بعضه مثل ان يكون آنية كسرها أو ثوبا خرقه كان عليه القيمة فيما نقص لا غير.

وإذا غصب حيوانا فاما ان يكون آدميا أو غير آدمي ، فإن كان غير آدمي فهو كالدواب ومالا مثل له. فإن أتلفها فكمال القيمة. وان جنى عليها ففيه قيمة ما نقص بعد اندمالها فيكون عليه قيمة ما بين قيمته صحيحا قبل الاندمال وجريحا بعد الاندمال. وهو جار مجرى الثياب سواء إلا في ان الجناية على الثوب لا تسرى الى ما فيه والجناية على البهيمة تسرى الى نفسها.

وان كان الحيوان آدميا وكان حرا فقتله كان عليه ديته. وان جنى عليه جناية وكان فيها مقدر فذلك المقدر. وان لم يكن فيها مقدر كان فيها حكومة وهي ان يقوم لو كان عبدا ليس به جناية ، ثم يقوم وبه جناية فيلزمه بحساب ذلك.

وان كان عبدا فقتله كان عليه قيمته. فان زادت هذه القيمة على دية الحر لم يجب عليه هذه الزيادة. فإن مثل به كان عليه قيمته وانعتق عليه. وان جنى عليه جناية دون التمثيل وكان لهذه الجناية في الحر أرش مقدر كالأطراف والعينين والموضحة (2) وما أشبه ذلك ففيه مقدار أيضا من أصل قيمته بحساب قيمته كما تضمن من الحر ديته. فاما الحارصة (3) والباضعة (4) ففيها بحساب ذلك من دية الحر أيضا ، لأن هذه عندنا في الحر مقدرة.

وان لم يكن لها في الحر أرش مقدر كان فيه أرش غير مقدر ، وهو الفصل بين قيمته صحيحا من غير جناية وقيمته بعد الجناية واندمالها.

ص: 437


1- لعل المراد بالمتساوي هو المتقارب وبالمتباين هو المتباعد.
2- الموضحة : من باب وضح فيقال : أوضحت الشجة بالرأس كشف العظم.
3- الحارصة : من حرص اى شق الجلد.
4- الباضغة : الشجة التي تشق اللحم ولا تبلغ العظم ولا يسيل منها دم فان سال فهي دامية.

وإذا جنى إنسان على عبد غيره جناية يحيط أرشها بقيمته مثل ان يقطع يديه أو رجليه أو يقلع عينيه أو ما جرى مجرى ذلك كان سيده مخيرا بين ان يمسكه ولا شي ء له ، وبين ان يسلمه ويأخذ قيمته على كمالها فان جنى عليه جناية لا تبلغ قيمته كان لسيده المطالبة بالأرش مقدرا كان أو غير مقدر - وقد تقدم ذكر ذلك - وتمسكه (1) فان غصب جارية وزادت في يده بصنعة أو قرآن أو علم أو سمن أو ما أشبه ذلك وزاد لذلك ثمنها ثم ذهب ذلك عنها في يده وعادت الى صفتها التي كانت عليها في وقت غصبها ، وجب عليه ضمان ما نقص في يده. وكذلك عليه ضمان ما ينقص منها لو غصبها وهي حامل ، أو هي غير حامل ثم حملت في يده ، أو أسقطت فنقص بذلك ثمنها.

وإذا غصب جارية قيمتها مأة فزادت زيادة السوق وبلغت ألفا ثم رجعت الى مأة لم يكن عليه ضمان هذا النقص ، لأن زيادة السوق غير مضمونة بلا خلاف. وإذا غصبها وقيمتها مأة فسمنت وبغلت ألفا ثم هزلت حتى رجعت الى المائة كان عليه ردها مع ما نقصت وهو تسع مأة ، لأن الزيادة حدثت مضمونة. وكذلك لو غصبها وقيمتها مأة فتعلمت القرآن وبلغت ألفا ثم نسيته ورجعت الى مأة كان عليه ردها وتسع مأة ، لأن الزيادة حصلت مضمونة. فان هلكت في يده كان عليه ضمانها.

وإذا غصب جارية سمينة مفرطه السمن ، قيمتها لذلك مأة فهزلت وحسنت فصارت قيمتها ألفا أو لم ينقص من قيمتها شي ء كان عليه ردها ولا شي ء عليه وكذلك لو غصبها وقيمتها الف فسمنت وعادت الى مأة ثم هزلت فرجعت الى ألف ردها ولم يكن عليه شي ء لأنه ما نقص منها ماله قيمة فلم يلزمه ضمان. فاذا غصب عبدا قيمته مأة فخصاه فبلغ مأتين كان عليه رده وقيمة الخصيتين ، لان ضمان ذلك مقدر وإذا غصب إنسان غيره جارية وباعها من آخر فحدث بها عند المشترى لها عيب وحضر المغصوب فاستحقها (2) أخذها وكان بالخيار في أخذ ما نقصها من

ص: 438


1- أي إمساكه ، وفي بعض النسخ « وتمثيله » بدل « وتمسكه ».
2- وفي نسخة : « وشخصها » يعنى عرفها بشخصها.

العيب الحادث في يد المشترى ، من الغاصب ، فإن أخذه منه لم يرجع على المشترى بشي ء إذا كان ذلك العيب ليس من فعله. وان رجع على المشترى بالعيب وأخذ ما نقصها منه رجع المشترى بذلك على الغاصب. فان كان العيب بجناية المشترى عليها كان ما نقصها عليه. وان كان بجناية أجنبي كان ذلك على الجاني ، وان شاء ، على الغاصب فان رجع على الغاصب رجع الغاصب على الجاني ، وان شاء رجع على المشترى ويرجع المشترى على الجاني.

وإذا غصب غيره جارية وباعها من آخر ثم حضر سيد الجارية فأجاز بيعها بالثمن كان ذلك جائزا وهو بمنزلة بيع مجدد ويستحق سيد الجارية الثمن. فان كان الغاصب قبضه رجع به عليه. وان كان لم يقبضه كان لمالك الجارية في ذمة المشترى وكل ما حدث - بعد اجازة البيع - عند المشتري للجارية من ولد أو أرش جناية أو كسب ، كان ذلك للمشتري. لأن صاحبها قد سلم المبيع اليه. وان كان لم يسلم ذلك كان جميع ما حدث بها - من ولد ، أو كسب ، أو أرش ، أو وهب لها أو تصدق عليها به - للمغصوب منه.

فان كانت الجارية ماتت ثم سلم مالكها المبيع لم يجز. فان لم تمت ولم يسلم مالكها المبيع ، الا ان الغاصب اشتراها منه ، لم يجز البيع الأول (1) وهكذا لو وهبها سيدها له ، أو تصدق عليه بها أو مات فورثها منه.

وكل منفعة تضمن بعقد الإجارة فإنها تضمن بالغصب مثل منافع الثياب والعبيد والدور والدواب.

وكل مقبوض عن بيع فاسد لا يملك بالبيع الفاسد ولا ينقل به الملك بالعقد فان وقع القبض لم يملك أيضا به ، وإذا لم يملك كان مضمونا فاذا كان كذلك وكان المبيع قائماً وجب رده. فان كان تالفا رد بدله ان كان له مثل ، وان لم يكن له مثل رد قيمته إلى البائع ، لأن البائع دخل على ان سلم له الثمن المسمى في مقابلة ملكه ،

ص: 439


1- في نسخة « للأول » بدل « الأول ».

فإذا لم يسلم له المسمى وجب الرجوع الى عين ماله ، فان هلكت كان له بدلها. وهكذا عقد النكاح إذا كان فاسدا يضمن مع الدخول المهر. وكذلك الإجارة الفاسدة. فإذا كان الأمر على ما ذكرناه فالكلام في الأجرة والزيادة في العين.

فاما الأجرة ، فإن المبيع إذا لم يكن له منافع تستباح بالإجارة مثل الأشجار والطيور والغنم ، لم يضمن الأجرة ، لأنه ليس لها منافع. وان كان له منافع تستباح بالإجارة مثل الثياب والعقار والحيوان وما أشبه ذلك كان عليه اجرة المثل مدة بقائها عنده ، لأن المشتري دخل على ان يكون له ملك الرقبة ، والمنافع حادثة في ملكه بغير عوض. فاذا كان العقد فاسدا كانت المنافع حادثة في ملك البائع ، لأن المشتري لم يملك الرقبة فإذا كانت في ملك البائع والمشترى فقد استوفاها بغير اذن المالك لها بغير حق ، كان ضامنا لها.

واما الزيادة فمثل تعليم القرآن والصنعة والسمن ، وتلك يضمنها القابض. والحكم فيها كالحكم في الغصب وقد تقدم ذكر جملة منه كافية في هذا الباب.

من غصب جارية حاملا كان ضامنا لها ولحملها وكذلك الحكم في ولد المشتراة شراء فاسدا ، فاذا غصب جارية ووطأها وهما جميعا غير عالمين بالتحريم اما لبعد دارهما من دار الإسلام ، أو لأن عهدهما بالإسلام قريب وهما يعتقد ان الملك بالغصب فان الوطأ ليس حراما ولا يجب عليهما فيه حد ، لأنه وطأ شبهة.

فان كانت الموطوئة ثيبا لم يلزمه شي ء غير المهر ، وان كانت بكرا كان عليه عشر قيمتها وهو أرش البكارة عندنا. وكذلك يلزمه ان اذهب بكارتها بإصبعه. فإن جمع بينهما وجبا معا وعليه اجرة مثلها من حين القبض الى حين الرد ، لان المنافع كما قدمناه تضمن بالغصب. فإن أحبلها كان الحكم في المهر والحد والأرش على ما سلف ذكره. فاما الولد فهو حر ولا حق بالواطى ء لأنه أحبلها بوطء شبهة. فان وضعت كان ضامنا لما نقصت بالوضع ، لأنها مضمونة باليد الغاصبة ، ولان سبب النقص منه فوجب عليه لذلك الضمان. فان وضعته حيا كان عليه قيمته ، لان من حقه ان يكون مملوكا لمولاها فان حررناه لزمه قيمته. ووقت التقويم يوم وضعته حيا

ص: 440

لأنه الوقت الذي حال بين سيدها وبين التصرف فيه ، لأنه قبل ذلك غير مالك للتصرف فيه.

وان وضعته ميتا لم يلزمه ضمان له ، لأنه لم يثبت لنا حياة (1) ولا علمناها قبل ذلك وأيضا فإنه ما حال بينه وبين السيد في وقت التصرف. فان كانا عالمين بالتحريم كان الحد عليهما واجبا ، لان الوطء منهما زنا. فان كانت الموطوءة بكرا كان عليه أرش البكارة وقد ذكرناه فيما تقدم. وعليه اجرة مثلها من وقت القبض الى وقت الرد. وعليه المهر إذا كان أكرهها. وان لم يكن أكرهها لم يلزمه ذلك ، لأنها إذا طاوعته في ذلك كانت زانية والزانية لا مهر لها.

فإن أحبلها لم يلحق النسب به لأنه عاهر ويكون الحمل مملوكا ، لأنها علقت من الزنا فاذا وضعته كان عليه ما نقصت بالولادة. فإن وضعته حيا فهو مملوك مغصوب في يده مضمون عليه. فان كان قائماً رده وان كان تالفا عليه قيمته أكثر ما كانت قيمته من وقت الوضع الى وقت التلف. وان وضعته ميتا لم يلزمه قيمته ولا غيرها لأنا لا نعلم له حياة كما قدمناه.

فان كانت المرأة عالمة بالتحريم والرجل غير عالم به وكانت مكرهة فالحكم فيها كالحكم فيما ذكرناه إذا كانا غير عالمين بالتحريم. وان كانت مطاوعة له في ذلك ، فالحكم فيهما أيضا كالحكم فيهما إذا كانا غير عالمين إلا في الحد عليها. فان كان الرجل عالما والمرأة غير عالمة بذلك فالحكم فيه كالحكم إذا كانا عالمين إلا في وجوب المهر عليه وسقوط الحد عنها. اما (2) وجوب الحد عليها فلأنها عالمة بالتحريم واما سقوط المهر عنه فلأنها زانية ولا مهر لزانية.

وإذا غصب إنسان من غيره دارا وسكنها أو لم يسكنها ومضت مدة يستحق لمثلها الأجرة كان ذلك واجبا عليه. وإذا اغصبه دابة وركبها أو لم يركبها حمل عليها

ص: 441


1- في بعض النسخ « لها جناية ».
2- تعليل لحكم ما إذا كانا عالمين حتى يتبين الفرق بين المسألتين.

أو لم يحمل كان الحكم في أجرتها كما ذكرناه في الدار سواء وإذا غصب خفين قيمتهما عشرة دراهم فتلف أحدهما وكانت قيمة الباقي ثلاثة فعليه رد الباقي ويرد معه بسبعة : خمسة منها قيمة التالف ودرهمان للنقص بالتفرقة ، لأن التفرقة جناية منه فوجب لذلك ما ذكرناه.

وإذا غصب غيره حملا فصار كبشا رده بعينه ولا يجب عليه بدل الحمل. وإذا غصب عصيرا فصار خمرا كان عليه قيمة العصير. فإن بقي الخمر عنده حتى صار خلا رد الخل ولم يجب عليه بدل العصير لان هذا الخل عين ماله.

ومن غصب عقارا ، كان بيع المالك له لا يصح ، لان يده ليست عليه. فان كان مالكه محبوسا وباعه كان البيع صحيحا لان حبسه لا يزيل يده عنه ، وإذا هجم على دار غيره وليس فيها صاحبها كان غاصبا وعليه الضمان. وان كان صاحبها فيها كان عليه ضمان نصفها ولا يملك شيئا منها ، لان يد صاحبها لم تزل عنها.

وإذا مد إنسان زمام ناقة من موضع الى موضع ولم يكن صاحبها عليها كان عليه ضمانها. وان كان صاحبها عليها لم يلزمه ضمانها. لان يد مالكها لم تزل عنها.

وإذا غصب إنسان دارا فزوقها (1) أو جصصها كان لصاحبها نقله منها لأنه شغل ملك غيره بملكه. وان لم يطالب بذلك فأراد هذا الغاصب النقل كان ذلك له ، لان ذلك عين ماله وضعها في ملك غيره فجاز له نقلها منه فان قلع الغاصب ذلك بمطالبته أو غير مطالبة ولم تنقص الدار عما كانت قبل التزويق والتجصيص عليها كان عليه اجرة المثل من وقت الغصب الى وقت الرد. وان نقصت وجب عليه أرش النقص والأجرة جميعا فان طالب مالك الدار بالنقل فقال الغاصب قد وهبت مالي فيها - من تزويق وما أشبه ذلك - لك لم يلزم صاحبها قبول ذلك منه لأن الأصل براءة الذمة من وجوب قبوله.

وإذا اختلف اثنان فقال أحدهما غصبتنى عبدا وقال الأخر غصبتك ثوبا كان

ص: 442


1- زوق البيت : نقشه وزينه.

القول قول الغاصب لان الغاصب معترف بثوب ، والمدعى لا يدعيه بل يدعى عبدا والمدعى عليه ينكر ذلك فكان القول قول المدعى عليه مع يمينه.

وإذا اختلف اثنان في جارية فقال الغاصب : كانت برصاء ، أو جذماء ، أو ما أشبه ذلك وأنكر الأخر ذلك ، كان القول قول صاحبها مع يمينه ، لأن الأصل السلامة والغاصب يدعى خلاف الأصل.

وان اختلفا فقال صاحبها : كانت تقرء القرآن أو هي صانعة فأنكر الغاصب ذلك كان القول قول الغاصب ، لأن الأصل ان لا قراءة ولا صنعة.

وإذا غصب إنسان من غيره مالا بمصر ، فاجتمع به في مكة فطالبه به ولم يكن في نقله مؤنة مثل الأثمان كان له المطالبة سواء كان الصرف في البلدين متفقا أو مختلفا لأنه لا مؤنة في نقله في العادة. وان كان لنقله مؤنة وكان له مثل كالأدهان والحبوب فان كانت القيمتان في البلدين متساوية كان له المطالبة بالنقل لأنه لا مضرة في ذلك عليه. وان كانت القيمتان مختلفين فالحكم له فيما له مثل وفيما لا مثل له سواء فللمغصوب منه ، اما ان يأخذ من الغاصب بمكة ، القيمة بمصر ، واما ان يترك حتى يقبض منه بمصر لأن في النقل مؤنة والقيمة مختلفة.

فإن كان الحق وجب له عن سلم (1) لم يجز له مطالبته به بمكة ، لأن عليه ان يوفيه في مكان العقد ، ولا له مطالبته بالبدل سواء كان لنقله مؤنة أو لا يكون لنقله ذلك.

وإذا ادعى اثنان على ميت ثوبا فأقام أحدهما بينة بأنه ثوبه اغتصبه الميت إياه واقام الأخر بينة بأنه له استودعه الميت وعدلت البنتان ، أحلفا فإن حلفا جميعا أقرع بينهما فيه فمن خرجت له القرعة دفع الثوب اليه.

وإذا اختلف اثنان في جبة ، فقال أحدهما للآخر : غصبتنى هذه الجبة المحشوة فقال الغاصب : انما غصبتك الظهارة (2) لا غير ، كان القول قول الغاصب مع يمينه

ص: 443


1- اى بيع السلم.
2- في بعض النسخ « البطانة » بدل « الظهارة ».

فإن قال غصبتك الجبة ثم قال بعد ذلك : البطانة والحشولى ، لم يلتفت الى قوله. وكذلك لو قال : غصبتك هذه الدار وهذه الأرض ثم قال بعد ذلك : لي فيها جدار أو باب أو في الأرض شجر أو نهر ، لم يلتفت الى قوله.

فان غصب نصراني من نصراني خمرا واستهلكها كان عليه مثلها. فإن أسلما جميعا لم يجب عليه شي ء. فإذا أسلم أحدهما بعد الحكم له بخمر مثلها أو قبل ان يحكم له بها فان كان الذي أسلم هو الغاصب كان عليه قيمتها. وان كان المغصوب هو الذي أسلم بطلت

فان استهلك مسلم خمر ذمي كان عليه قيمة ذلك عند أهل الذمة.

وإذا غصب إنسان غيره ثوبا وصبغه فان كان الصبغ لصاحب الثوب ولم يزد ولم ينقص ، أخذ صاحب الثوب ثوبه. فان زاد بالصبغ كانت الزيادة له وان نقص كان ضمان ما نقص على الغاصب ، لأنه نقص بجنايته ، وان كان الثوب لواحد والصبغ للآخر لم يزد ولم ينقص كانا فيه شريكين ، وان زادت كانت الزيادة لهما وان نقص وكان النقص من ناحية الصبغ كان لصاحب الصبغ مطالبة الغاصب بما نقص دون صاحب الثوب وان كان النقص من ناحية الثوب كان لصاحبه المطالبة بالنقص دون صاحب الصبغ وان كان صاحب الصبغ الغاصب ولم يزد ولم ينقص مثل ان تكون قيمته عشرة وقيمة الصبغ عشرة وهو بعد الصبغ تساوى عشرين فإنهما يكونان شريكين فيه ، لان لكل واحد منهما عينا قائمة. وان زاد مثل ان يكون قيمة الثوب عشرة وقيمة الصبغ عشرة ويساوى بعد الصبغ ثلاثين فان كانت الزيادة لزيادة الثوب والصبغ ، كان الحكم في ذلك مثل الحكم فيما لو كانت قيمة الثوب عشرة وقيمة الصبغ عشرة فصبغه لم يزد ولم ينقص وان يكونا شريكين فيه فان كانت الزيادة لزيادة السوق مثل ان غلت الثياب فبلغت قيمة الثوب عشرين وبقي الصبغ بحاله ، أو غلا الصبغ فبلغ عشرين وقيمة الثوب بحالها كانت الزيادة لمن غلت عين ماله وحده لا يشاركه الأخر فيه

فان نقص فصار بعد الصبغ يساوي خمسة عشر قد نقص خمسة فتكون من صاحب الصبغ وحده ، لأنه ان كان النقص عاد الى الثوب فقد حدث بجنايته عليه.

ص: 444

وان كان النقص عاد الى الصبغ فهو الجاني على صبغ نفسه فيكونان شريكين فيه ، لصاحب الثوب ثلثاه ، ولصاحب الصبغ الثلث. فان نقص فصار يساوى عشرة فالنقص أيضا على صاحب الصبغ ولا شركة له فيه.

وإذا غصب إنسان غيره طعاما ثم أطعمه إياه والمغصوب منه عالم بأنه طعامه لم يكن على الغاصب شي ء ، وان كان لا يعلم انه طعامه كان عليه مثل الطعام أو قيمته لأنه بإطعامه له متطوع بذلك.

فان اختلفا فقال المغصوب منه أكلته وانا غير عالم بأنه طعامي فلي عليك مثله أو قيمته وقال الغاصب : بل أكلته وأنت عالم بأنه طعامك فلا شي ء لك على فيه ، كان القول قول المغصوب منه مع يمينه.

وإذا غصب إنسان غيره دابة وشعيرا وأطعم الدابة الشعير كان عليه رد الدابة ومثل الشعير ، لأنه متطوع بما فعله.

وإذا غصب غيره زيتا فخلطه بزيت هو أجود منه أو مثله قيل للغاصب : ان شئت فادفع اليه زيتا مثل زيته أو ادفع اليه من هذا الزيت مقدار حقه. وان كان خلطه بزيت هو شر منه ، ضمن الغاصب له مثل زيته لأنه قد أتلفه بخلطه له بما هو شر منه. فإن خلطه بغير زيت مثل ان يكون خلطه بسمن أو عسل أو غير ذلك من الأدهان المخالفة للزيت ، كان ضامنا له مثل زيته. فان غصبه زيتا وأغلاه على النار فنقص بذلك شيئا كان ضامنا لما نقص بذلك.

وإذا غصب من إنسان حنطة ومن آخر شعيرا وخلطهما ضمن لكل واحد منهما مثل ماله من ذلك. وإذا كان عند إنسان كر (1) حنطة لرجل وكر شعير لآخر وكان جميع ذلك وديعة فعدا عليها إنسان فخلطهما وهرب فلم يقدر عليه فان ذلك يباع ويقسم الثمن على قيمة الحنطة والشعير ويدفع الى صاحب الحنطة قسط الحنطة والى صاحب الشعير قسط الشعير. فان كان يمكن تميز أحدهما من الأخر ميز ذلك وأخذ كل واحد

ص: 445


1- كيل معروف والجمع أكرار مثل قفل وأقفال وهو ستون قفيزا.

منهما ماله. فان عرض في ذلك نقص لم يكن على المستودع منه شي ء. فان باعا الحنطة والشعير مجازفة واختلفا في كل (1) ذلك وكان المشترى لهما قد استهلكهما كان القول في الحنطة قول صاحب الشعير مع يمينه وفي الشعير قول صاحب الحنطة مع يمينه (2) ويقسم الثمن بينهما.

وإذا غصب غيره دقيقا فخلطه بدقيق آخر فالحكم فيه كما ذكرناه في الزيت. وإذا غصب غيره « عسلا » و « شيرجا (3) أو سمنا » و « دقيقا » ثم عصده (4) كان المغصوب منه مخيرا بين ان يأخذه بحاله من غير ان يعتبر التقويم ، فليأخذه ، فإن زاد أو نقص كان له. وان اختار التقويم قوم كل واحد من الثلاثة منفردا. فان لم تزد القيمة بالعمل أخذه ولا شي ء له ، وان كان أقل كان له أرش ما نقص. وان زاد بالعمل كان له

وإذا غصب إنسان حنطة فطحنها أو نقرة فضربها دراهم كان عليه رد ذلك. فان نقصت النقرة حين ضربها دراهم وكان النقص نقصا في الوزن دون القيمة كان ضامنا لما نقص من الوزن ، لأنه أتلف جزء منها. وليس عليه شي ء مما زاد بالضرب لأنها آثار (5) وان كان النقص في القيمة دون الوزن مثل ان ضربها ضربا وحشا (6) كان عليه ما بين قيمتها غير مضروبة وبينها مضروبة. فان نقص الأمران جميعا كان عليه ضمانها.

وإذا غصب غيره خشبة ونشرها ألواحا كان عليه ردها الى صاحبها. فان زادت كان ذلك للمالك ، وان نقصت كان ضامنا لما نقص. فإن الف الألواح أبوابا وسمرها بمسامير للمالك ، أو من نفس (7) الخشب ، أو جعل منها. أواني قصاعا وما أشبهها كان عليه رد ما عمل منها وان كان قد زاد في قيمته - لأن الزيادة آثار - فان كان سمرها

ص: 446


1- أي في مقدار كل واحد منهما ، ويحتمل التصحيف وان يكون أصلها « كيل ذلك »
2- لان كل منهما مدع بالنسبة إلى ماله والأخر ينكره.
3- الشيرج : معرب شيره وهودهن السمسم.
4- عصده : لواه ويقلبه ، العصيدة : دقيق يلت بالسمن.
5- وفي نسخة « طار » بدل « آثار ».
6- الوحش : الرذل والردي ء.
7- في بعض النسخ « نقش » بدل « من نفس » والمناسب ما في المتن كما في المبسوط.

بمسامير من عنده كان له قلعها لأنها عين ماله وكان عليه رد الأبواب. فإن نقصت بقلع المسامير كان ضامنا لذلك النقص.

وإذا غصب ساجة (1) فبنا عليها ، أو لوحا فأدخله في سفينة كان عليه رده سواء كان فيه قلع ما بنى عليه في ملكه أو لم يكن فيه قلع ذلك. فان خاف على حائط من السقوط فلا خلاف في انه يجوز ان يأخذ جذع غيره بغير امره فيسده به.

وإذا كان عليه رد ذلك كما قدمناه كان عليه اجرة مثلها من حين الغصب الى حين الرد.

فان كانت الساجة قد نقصت كان عليه أرش النقص ، لأنه أدخل النقص بفعله فان عطفت (2) في البناء وإذا أخرجها لم ينتفع بها كان عليه قيمتها ولم يجب عليه ردها ، لأنها بذلك مستهلكة.

واما اللوح إذا أدخله في السفينة في البر أو في البحر قريبة من البر كان الحكم فيه كالحكم الذي ذكرناه في الساجة والبناء سواء وان كانت السفينة في لجة البحر وكان اللوح في أعلاها ، أو في مكان لا يخاف عليها من الغرق بقلعه كان عليه قلعه ورده الى صاحبه. وان كان في مكان منها إذا قلع غرقت وكان فيها حيوان له حرمة وان كان قويا (3) لم يقلع لأنه ان كانت حرمته سقطت في حقه فلم تسقط حرمة الحيوان في نفسه. وان رضي بإتلاف نفسه لم يقلع ، لأنه لا يملك إدخال الضرر على نفسه.

وان لم يكن فيها حيوان وكان فيها مال لغيره لم يقلع أيضا لأنه لا يملك إدخال الضرر على غير الغاصب. وان كان المال للغاصب أو لم يكن له فيها متاع الا انه يخاف ان قلع غرقت السفينة ، لم يقلع لأنه يمكن ازالة الضرر عن كل واحد منهما : عن الغاصب بالتأخير حتى تقرب من البر ، وعن المالك بان يصبر حتى يصل اليه عين

ص: 447


1- الساجة : واحدة الساج وهو ضرب عظيم من الشجر.
2- عطف : اى اعوج ومال.
3- يعنى يقدر على خلاف نفسه من الغرق.

ماله فلا وجه لإسقاط أحدهما مع القدرة على حفظهما

وإذا غصب غيره حطبا وقال لصاحبه : اسجر (1) به التنور واخبز كان ضامنا له ولم يزل عنه الضمان بامره له ، أو فعله هو بالحطب (2) ما امره الغاصب به.

وإذا فتح قفصا فيه طيور ، أو حل دابة من مربطها ونفر كل واحد منهما حتى ذهب كان عليه ضمانه بغير خلاف. وأيضا فإنه سبب يلزم الضمان به ويجرى مجرى ان يحفر بئرا ثم يدفع فيها بهيمة أو إنسانا في انه يكون عليه عندنا ضمانه على كل حال

وإذا احبس إنسان عبده في بيت وأغلقه عليه وجاء إنسان ففتح الباب وذهب العبد عقيب الفتح كان عليه ضمانه.

وإذا فتح مراح (3) الغنم فخرجت فدخلت زرع إنسان فافسدته كان ضامنا للزرع.

وإذا حل رأس رواية أو زق (4) فخرج ما في ذلك وكان مائعا مثل الأدهان أو الخل أو ما أشبه ذلك وكان خروجه لحله مثل ان كان مطروحا على الأرض ليس يمسكه غير شد رأسه كان عليه الضمان ، لأنه خرج بفعله. وان جرى بعد حله بسبب كان منه مثل ان يكون مستندا فلما حله جرى بعضه وخف جانب وثقل آخر فدفع واندفق ، أو نزل ما جرى أولا إلى تحته وبل الأرض فلانت (5) ومال الزق ، فوقع واندفق ما كان فيه ، كان عليه الضمان لان ذلك كان بسبب منه.

فان اندفق ما فيه بفعل ، حدث بعد حله مثل ان كان مستندا فحله وبقي مستندا محمولا على ما هو عليه ثم حدث بعد ذلك ما حركه من زلزلة أو ريح أو ما جرى مجرى ذلك

ص: 448


1- سجر التنور. اوقده ، وفي النسخ « اشجر » بالمعجمة والظاهر انها تصحيف
2- اى بغير التسجير.
3- المراح بالضم : مأوى الغنم والبقر والإبل ، من الراحة.
4- الرواية : هي المزادة من جلد فيها الماء وكذا الزق ، مع تفاوت بينهما
5- لان : ضد غلظ

فسقط واندفق ، فان السبب يسقط حكمه لأنه قد حصلت (1) مباشرة وسبب غير ملج (2) فسقط حكمه بغير خلاف.

فان كان ما في الزق جامدا كالسمن أو العسل أو الدقيق أو ما أشبه ذلك وكان على صفة لو كان ما فيها مائعا لم يخرج وبقي بحاله ، ثم ذاب فاندفع بسبب آخر فلا ضمان عليه. وان كان على صفة لو كان ما فيها مائعا خرج ثم ذاب بحر الشمس أو الضرب وخرج ، كان عليه الضمان لان خروجه بسبب كان عنه ، لأنه حل الزق ولم يحدث بعد حله مباشرة من غيره ، وانما ذاب بحر الشمس فاذا لم يحدث بعد الحل فعل كان ذهابه بسراية فعله.

وإذا غصب شاة فأنزى (3) عليها فحلا لنفسه فاتت بولد ، كان الولد لصاحب الشاة دون الغاصب ، لان الولد يتبع الأم. فإن كان الفحل قد نقص بذلك ، لم يكن على صاحب الشاة ضمان ، لأن التعدي من صاحبه فلا يرجع به على غيره. فان كان غصب فحلا فأنزاه على شاة نفسه كان الولد لصاحب الشاة. واما أجرة الفحل فلا تلزم الغاصب لان كسب الفحل منهي عنه.

وان كان الفحل قد نقص بالضراب (4) كان على الغاصب الضمان لأنه متعد فيه

وإذا غصب أرضا فزرعها بحب نفسه كان الزرع له دون مالك الأرض ، لأنه عين ماله زاد ونما وعليه اجرة مثلها من وقت الغصب الى وقت الرد ، لان هذه المنافع مضمونة على الغاصب كما هي مضمونة بالبيع. فان نقصت الأرض كان عليه أرش النقص. وان لم يزرعها كان عليه اجرة المثل من وقت الغصب الى وقت الرد

وإذا غصب شجرة فأثمرت كالنخل وما أشبهها كان الثمر لمالك الشجر ، لأنه عين ماله زاد ونما. فان كان رطبا رده بحاله وان تلف رطبا فعليه قيمته لان كل رطب

ص: 449


1- اى منه
2- مخفف ملجى ء ، والسبب الملجئ ما يترتب عليه المسبب لا محالة
3- نزى نزوا الفحل : وثب
4- اى النزو والوثوب

من الثمار كالرطب والعنب والتفاح وما جرى مجرى ذلك انما يضمن بالقيمة. فإن كان رطبا فشمسه كان عليه رده ان كان قائماً ، ومثله ان كان تالفا لان الثمر له مثل ، فاذا رد مثله ان كان تالفا ، أو رد المشمس بحاله ان كان قائماً ، وكانت قيمته زادت بالشمس أو لم تزد ولم تنقص عن قيمة الرطب ، لم يكن على الغاصب شي ء.

وان نقصت بالتشميس كان ضامنا لما نقص. فاما الشجر فان كان نقص عنده كان عليه أرش النقص. واما الأجرة فليس عليه ضمانها. والفرق بين الأرض والشجر ان منافع الشجر ثمرها وتربيتها (1) الى وقت إدراكها وهذه المنافع قد رجعت الى مالكها بكون نماها له ، فلهذا لم يضمنها الغاصب كمنافع الغنم ، ومنافع الأرض عادت الى الغاصب ، فلهذا كان عليه ضمان أجرتها.

فإن كان الغصب ماشية فنتجت نتاجا كان النتاج لمالكها مثل الثمرة سواء. فان كان النتاج قائماً كان عليه رده وان كان تالفا كان عليه رد قيمته ، واما اللبن فعليه مثله ، لأنه يضمن بالمثلية كالأدهان والحبوب.

واما الشعر والوبر والصوف فعليه مثلها ان كان لها مثل أو القيمة ان لم يكن لها مثل.

وإذا كان الخمر والخنزير في يد مسلم فأتلفه متلف لم يكن عليه ضمان ، مسلما كان المتلف أو كافرا. فان كان ذلك في يد ذمي فأتلفه متلف كان عليه الضمان عندنا ، مسلما كان المتلف أو كافرا. والضمان هو قيمة الخمر والخنزير عند مستحليه ولا يضمن ذلك بالمثلية على حال.

وإذا غصب إنسان بمصر طعاما ونقله إلى مكة فاجتمع به صاحبه بمكة كان له مطالبته برده الى مصر ، لأنه نقله بغير حق ، ولان رده يجرى مجرى ضمان

ص: 450


1- أي تربية الشجر لثمرها حتى أدرك الثمر ، وفي بعض النسخ « ترسها » وفي واحدة منها « بنفسها » بدل « تربيتها » والظاهر انها تصحيف والصحيح ما في المتن كما في المبسوط ( ج 3 ، ص 100 )

المثل (1) فان قال له صاحبه : اتركه بمكة ولا ترده ، لم يجز للغاصب رده لأنه قد خفف عنه مؤنة نقله.

فان قال للغاصب : عليك الرد إلا اننى لا أكلفك ذلك ، أعطني اجرة رده الى مصر ، لم يلزم الغاصب ذلك لان الواجب عليه هو المنفعة فلا يملك مطالبته بالبدن ، لان مع القدرة على المثل لا يضمن القيمة.

وإذا غصب إنسان شيئا من الفواكه التي لا تبقى ، مثل الموز والتفاح والكمثرى (2) وما أشبه ذلك ، فتلف ذلك في يده وتأخرت المطالبة بقيمته ، كان عليه أكثر ما كانت قيمته من وقت الغصب الى وقت التلف. فاذا كان الغصب مما يجرى فيه الربا كالأثمان والمكيل والموزون فجنى عليه جناية ، استقر ارشها ، مثل ان كان الغصب دنانير ثم سبكها أو طعاما فبله فاستقر نقصه كان عليه رده بعينه وعليه ضمان ما نقص.

وإذا غصب إنسان عبدا فرده وهو أعور ، واختلفا فقال سيده : عور عندك ، وقال الغاصب : بل عندك ، كان القول قول الغاصب مع يمينه ، لأنه غارم. فان اختلفا في ذلك بعد موت العبد ودفنه كان القول قول السيد : بأنه ما كان أعور. والفرق بينهما انه إذا مات ودفن فالأصل السلامة حتى يعرف عيب فكان القول قول سيده ، وليس كذلك إذا كان حيا لان العور موجود مشاهد والظاهر انه لم يزل (3) حتى يعلم انه حدث عند الغاصب.

وإذا غصب إنسان جارية فولدت ولدا مملوكا كان عليه رده. فان كانت قيمتها نقصت بالولادة كان عليه مع رد الولد أرش ما نقصت. فان كان الولد قائماً رده وان كان تالفا رد قيمته.

ص: 451


1- لان المالك يملك « عمل الرد الى مصر » على ذمة الغاصب ، فالغاصب ضامن بهذا العمل وهو يجرى ضمان المثل ، وفي ذيل المسئلة ما يوضحه.
2- المكثرى : الإجاص ( ويقال : بالفارسية گلابى )
3- لعل معناها : لم يزل موجودا قبل الغصب

فان غصب مملوكا أمرد فنبت لحيته ونقص ثمنه. أو جارية ناهدا (1) فسقطت ثدياها ، أو رجلا شابا فابيضت لحيته كان عليه ما نقص من ذلك.

وإذا غصب حبا فزرعه ، أو بيضة فأحضنها (2) دجاجة ، كان الزرع والفرخ للغاصب وعليه قيمة الحب والبيض ، لان عين الغصب تالفة لم يجب إلا القيمة.

وإذا تعدى إنسان على ما لا يحل كسبه فأتلفه ، لم يكن عليه شي ء. ومن كسر شيئا من الملاهي كالبربط (3) والطنابير (4) أو آلات الزمر (5) أو ما جرى مجرى ذلك لم يكن عليه شي ء. ونهى (6) عن القمار والنثار (7) الذي يؤخذ اختطافا (8) وانتهابا ويأخذه من لم يدع اليه ولا أبيح له أخذه. ونهى (9) عن ان يأكل الإنسان طعاما لم يدع اليه ونهى (10) عن إخراج الجدران في طريق المسلمين ، فمن فعل شيئا من ذلك كان عليه رده الى موضعه (11).

« تم كتاب الغصب »

ص: 452


1- نهدت الجارية : أي ارتفع وكعب ثدياها.
2- في بعض النسخ « فافرخها » بدل « فأحضنها »
3- البربط : المزهر - وهو العود ، آلة الطرب المعهودة وهو من آلات لهو العجمي
4- الطنبور : آلة طرب ذات عنق طويل لها أو تار من نحاس ( فارسية )
5- الزمر : الصوت - وآلات الزمر : التي ينفخ فيها الصوت مثل القصب
6- دعائم الإسلام - ج 2 ص 486 ، الحديث 1739
7- النثار : ما ينثر في العرس على الحاضرين
8- اختطف الشي ء. اجتذبه وانتزعه بسرعة. الخطفة : الاختلاس
9- النهب : الغارة
10- دعائم الإسلام - ج 2 - ص 108 الحديث 349
11- دعائم الإسلام - ج 2 - ص 487 ، الحديث 1740

« كتاب الشفعة »

روى عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله انه قال : « الشفعة فيما لم تقسم ، فاذا وقعت الحدود فلا شفعة » (1).

وروى عنه صلى اللّه عليه وآله انه قال : « الشفعة في كل مشترك ، ربع (2) أو حائط ، ولا يحل له ان يبيعه حتى يعرضه على شريكه ، فان باعه فشريكه أحق به » (3).

وروى عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال. « لا شفعة فيما وقعت عليه الحدود (4) وليس للجار شفعة وله حق وحرمة » (5)

واعلم ان الشفعة لا تثبت الا لشريك مخالط ، وتثبت للغائب كما تثبت للحاضر وإذا كان اثنان شريكين في دار وليس فيها شريك غيرهما وباع أحدهما نصيبه منها كان لشريكه الشفعة. وفي أصحابنا من ذهب الى ان الاشتراك معها إذا زادوا على اثنين كانت الشفعة بينهم بالحصص ، والذي ذكرنا هو الظاهر من مذهبنا.

وإذا اقتسما الشريكان الدار وتميز نصيب كل واحد منهما من نصيب الأخر

ص: 453


1- مستدرك الوسائل ج 3 - كتاب الشفعة الباب 3 - الحديث 7 ، ص 147
2- الربع : محلة القوم ومنزلهم ، والدار ، وما حول الدار
3- مستدرك الوسائل ج 3 - كتاب الشفعة الباب 1 - الحديث 1 ، ص 147
4- المستدرك ، ج 3 ، الباب 3 من أبواب الشفعة ، الحديث 1
5- المصدر ، الباب 2 ، الحديث 1 ، وهذا من تتمة ما قبله كما في دعائم الإسلام

لم يثبت لأحدهما في ذلك شفعة. والشفعة تثبت بالاشتراك في الطريق ، مثال ذلك : زقاق (1) مشترك بين اثنين داراهما فيه ، فاذا باع أحدهما داره كانت الشفعة له في ذلك فإن أفرد بيع الدار عن الممر المشترك بان يحول الباب الى زقاق آخر أو دار اخرى بطلت الشفعة.

وان كانت الدور أكثر من دارين والشركاء أكثر من اثنين بطلت الشفعة عند أكثر أصحابنا على ما قدمناه.

وإذا اشترى إنسان دارا والطريق إليها من شارع أو درب (2) نافذ ، لم يكن في الطريق شفعة لأنه غير مملوك ، واما الدار فليس فيها شفعة لأن الشفعة لا تثبت بالجوار كما قدمناه.

فان كان الطريق مملوكا مثل الدرب - الذي لا ينفذ - المشترك بين اهله وطريقهم الى دورهم فمتى اشترى إنسان منه دارا وكان الشركاء أكثر من واحد لم يثبت فيها شفعة وان كان واحدا فله شفعة ، الا ان يكون المشترى يحول باب الدار الى درب آخر فلا يثبت الشفعة حينئذ في الدار ، وهذا الدرب يثبت به الشفعة عندنا.

والشفعة واجبة للمولى عليه. ولوليه أخذ ذلك له. والمولى عليه : المجنون والصبي ، والمحجور عليه لسفه والولي لهؤلاء : الأب ، والجد أو الوصي من قبل واحد منهما ، أو أمين القاضي ان لم يكن هناك أب ، ولا جد. ولوليه أن يأخذ ذلك له من غير انتظار لبلوغه ورشاده إذا كان له غبطة (3) في ذلك ، فإذا أخذ له لذلك لم يكن للصبي - إذا بلغ أو غيره إذا علم رشده - رد ذلك على المشترى. فان ترك الأخذ له لم تبطل حق الصبي فإذا بلغ ورشد كان مخيرا بين المطالبة بذلك وأخذه ، وبين تركه.

ص: 454


1- الزقاق : الطريق الضيق
2- الدرب : الطريق.
3- في بعض النسخ « حظ » بدل « الغبطة »

وإذا باع إنسان شقصا بشرط الخيار وكان الخيار للبائع ، أو للبائع والمشترى لم يكن للشفيع شفعة ، لأن الشفعة انما تجب إذا انتقل الملك اليه. وان كان الخيار للمشتري وجبت الشفعة للشفيع ، لان الملك ثبت للمشتري بنفس العقد.

وإذا باع شقصا بشرط الخيار فعلم الشفيع بذلك فباع نصيبه بعد العلم بذلك بطلت شفعته لأنه انما يستحق الشفعة بالملك وملكه الذي يستحق الشفعة به قد زال فبطلت شفعته. وإذا استحق الشفيع الشفعة ووجبت له على المشترى وكان المشترى قد قبض الشقص ، قبضه الشفيع منه ودفع الثمن اليه وكان ضمان الدرك على المشترى لا على البائع. وان كان قبل ان يقبضه المشترى كان الشفيع يستحقها على المشترى أيضا ويدفع اليه الثمن ويقبض الشفيع الشقص من يد البائع ويكون هذا القبض بمنزلة قبض المشترى من البائع ثم قبض المشترى من المشترى.

فان أراد الشفيع فسخ البيع والأخذ من البائع لم يكن له ذلك. وإذا أخذها من يد البائع لم يكن الأخذ منه فسخا للبيع. فان باع المشترى الشقص كان الشفيع مخيرا بين ان يفسخ العقد الثاني ويأخذ بالشفعة في العقد الأول وبين ان يطالب بالشفعة في الأخذ (1) الثاني.

وان تقابل البيعان كان للشفيع دفع الإقالة ورد الملك إلى المشترى والأخذ منه. فان ادعى البائع البيع وأنكره المشترى وحلف ، كان للشفيع أن يأخذ من البائع وتكون العهدة عليه.

وإذا كان الشفيع وكيلا في بيع الشقص الذي يستحقه بالشفعة لم تسقط بذلك شفعته ولا فرق في ذلك بين ان يكون وكيلا للبائع في البيع أو المشترى في الشرى لأنه لا مانع من وكالته لهما ، ولا دليل يدل على سقوط حقه من الشفعة بذلك.

وبيع الشقص من الدار والأرض بالبراءة من العيوب جائز علم المشترى بالعيب أو لم يعلم. فاذا بيع الشقص كذلك وأخذه الشفيع بالشفعة وظهر به عيب ، لم

ص: 455


1- أي في العقد والقبض الثانيين الذي فعله المشتري الثاني.

يخل من ان يكون المشترى والشفيع غير عالمين بالعيب ، أو يكونا عالمين به ، أو يكون المشترى غير عالم والشفيع عالما ، أو يكون الشفيع غير عالم والمشترى عالما

فان كانا غير عالمين كان للشفيع رده على المشترى. وان كانا عالمين به استقر الشراء والأخذ بالشفعة معا ، لان كل واحد منهما دخل مع العلم بالعيب. وان كان المشترى غير عالم والشفيع عالما سقط رد البيع ، لأنه دخل مع العلم بالعيب. وان كان الشفيع غير عالم والمشترى عالما كان للشفيع رده على المشترى لأنه اشتراه مع العلم بالعيب فلم يكن له رده.

وإذا كانت يد اثنين على دار فادعى أحدهما على شريكه فقال : ملكي فيها قديم وقد اشتريت ما في يديك الان وانا استحقه عليك بالشفعة ، فأنكر المدعى عليه كان القول قوله مع يمينه ، لأنه مدعى عليه. فان حلف (1) على انه لا يستحقه عليه بالشفعة حلف على ما أجاب ولم يكلف ان يحلف على انه ما اشترى ، لأنه قد يكون اشتراه ثم سقطت الشفعة بعد الشراء بعقد أو غير عقد. فان نكل عن اليمين رددناها على الشفيع فان حلف حكمنا له بالشقص ويكون الشفيع معترفا بالثمن للمشتري والمشترى لا يدعيه فاذا كان كذلك قيل له اما ان يقبض أو يتبرع ، فان لم يفعل وضع في بيت المال حتى إذا اعترف المشترى به سلم إليه ، لأنه حكم عليه بتسليم الشقص ، والاعتراف قد حصل بان الثمن بدل عنه فمتى طلبه دفع اليه.

وإذا كانت دار بين اثنين نصفين ، فادعى كل واحد منهما على الأخر ان النصف الذي في يده يستحقه عليه بالشفعة ، رجعنا إليهما في وقت الملك فان قالا جميعا ، ملكناها جميعا في وقت واحد بالشراء من رجل واحد ، أو من رجلين لم يكن لأحدهما على الأخر شفعة ، لأن ملك كل واحد منهما لم يتقدم ملك الأخر. وان قال كل واحد منهما : ملكي متقدم وأنت ملكت بعدي فلي الشفعة فان لم يكن مع أحدهما بينة في ذلك فكل واحد منهما مدع ومدعى عليه. فان سبق أحدهما بالدعوى على الأخر

ص: 456


1- كذا في النسخ ولعل أصلها « فإن أجاب »

قلنا له : أجب عن الدعوى. فان قال : ملكي هو المتقدم ، قلنا له : ليس هذا جواب الدعوى ، بل ادعيت كما ادعى ، فأجب عن الدعوى. فان قال : لا يستحق الشفعة على ، كان القول قوله مع يمينه.

وان نكل عن اليمين رددناها على المدعى فإذا حلف حكم له بالشفعة وسقطت دعوى الأخر ، لأنه لم يبق له ملك يدعي الشفعة به بعد ذلك. وان حلف سقطت دعوى صاحبه وقبل له الدعوى بعد هذا ، فاذا ادعى بعد ذلك على صاحبه فان نكل حلف هو واستحق الشفعة. وان لم ينكل وحلف سقطت الدعوى وبقيت الدار بينهما جميعا كما كانت قبل المنازعة.

فإن كان مع أحدهما بينة وشهدت له بالتأريخ فقالت : نشهد انه ملكها منذ سنة أو في الشهر الفلاني ، قلنا ليس في هذا التأريخ فائدة لأنا لا نعلم وقت ملك الأخر.

فإن قالت : نشهد بأنه ملك قبل الأخر حكم له بالبينة والشفعة ، لأن البينة متقدمة على دعوى صاحبه.

فان كان مع كل واحد منهما بينة وكانتا غير متعارضتين وهو ان تكونا مؤرختين بتاريخين مختلفين حكمنا بالشفعة للذي تقدم ملكه. فان كانتا مؤرختين تاريخا واحدا لم يكن لواحد منهما شفعة وان كانتا متعارضتين وهو ان يشهد كل واحدة منهما ان هذا سبق الأخر بالملك ، استعملنا القرعة فمن خرج اسمه حكمنا له به مع يمينه.

وإذا اشترى إنسان شقصا ثم وجد به عيبا كان له رده فان منعه الشفيع من رده كان ذلك له ، لان حق الشفيع أسبق لأنه وجب بالعقد ، وحق الرد بالعيب بعده ، لأنه وجب حين العلم. فان لم يعلم الشفيع بذلك حتى رد بالعيب كان له دفع الفسخ وإبطال الرد ، لأنه تصرف فيما فيه إبطال الشفعة كما لو تقايلا ثم علم بالعيب كان له رد الإقالة وإعادته إلى المشترى.

وإذا كانت الدار بين شريكين نصفين فوكل أحدهما شريكه فيها في بيع نصف نصيبه وهو الربع وقال له : ان شئت ان تبيع نصف نصيبك مع نصيبي صفقة واحدة

ص: 457

فافعل ، فباع الوكيل نصفها : الربع بحق الوكالة والربع بحق الملك ، كان البيع في الكل صحيحا لأن حصة كل واحد منهما من الثمن معلومة وقت العقد ، فاذا كان كذلك فقد صح البيع في نصف (1) الوكيل وهو الربع وفي نصف الموكل فهو الربع فاما الموكل فله ان يأخذ نصيب الوكيل بالشفعة ، لأنه ليس فيه أكثر من رضا الموكل بالبيع وإسقاط شفعته قبل البيع ، وهذا لا يسقط به الشفعة ، ولأنه لا شفيع سواه. واما الوكيل فليس له الأخذ بها لأنه لو أراد ان يشترى من نفسه هذا (2) المبيع لما صح ذلك له وأيضا فلو جعل له أخذه بالشفعة لكان متهما في تقليل الثمن.

وإذا كانت الدار بين شريكين فباع أحدهما منها نصيبهى ، ولم يعلم الشفيع بذلك حتى باع هو ملكه منها ثم علم بعد ذلك ، كانت الشفعة واجبة له ، لأنها وجبت له بالملك الموجود حين الوجوب ، وكان مالكا له وقت الوجوب والرد (3)

وجميع ما هو من ضياع أو متاع أو عقار أو حيوان فإن الشفعة تصح فيه وهو الأظهر في المذهب.

وإذا تميزت الحقوق وتحددت بالقسمة لم يصح فيها شفعة. وكذلك لا شفعة في الأرحية ولا الحمامات ولا ما لا تصح فيه القسمة ، ولا شفعة للكافر على المسلم. وتثبت الشفعة للمسلم على الكافر.

وإذا طالب إنسان بشفعة فوجبت له ، كان عليه من الثمن للمشتري مثل ما وزنه كما قدمناه. فان كان البيع بالنقد وجب عليه نقدا ، وان كان بنسيئة كان عليه نسيئة ان كان مليا (4) به. فان لم يكن مليا به كان عليه ان يقيم به كفيلا.

ومن وجبت له الشفعة فطولب بإحضار المال ، فمطل به ودافع أو كان عاجزا

ص: 458


1- في بعض النسخ « نصيب » بدل « نصف » وكذا بدل « نصف الموكل » بعدها.
2- في نسخة زيادة « لا يشترى » هنا.
3- لعل كلمة « الرد » زائدة
4- الملي والملي ء مهموز اللام : الغنى والمقتدر.

عنه ، بطلت شفعته ، فان ادعى غيبة المال ضرب له أجل ثلاثة أيام ، فإن أحضره والا بطلت شفعته. فان ذكر ان المال في بلد آخر ضرب له أجل بمقدار ما يصح وصوله اليه فيه ، إذا لم يكن ذلك مؤديا إلى دخوله ضررا على البائع (1) فإن ادى الى ذلك بطلت شفعته.

والشفعة لا تكون موروثة كما تورث الأموال. فمن كانت له المطالبة بشفعة فمات قبل المطالبة بها ، ثم حضر وارثه ليطالب بما كان يستحقه الميت من المطالبة بها ، لم يكن له ذلك وكذلك ان طالب بها ولم يحضر المال ومات ، ثم حضر وارثه ليطالب بها عن الميت ويحضر المال لم يجز له أيضا ذلك.

وإذا اختلف البائع والمشترى والشفيع في ثمن المبيع الذي وجبت فيه الشفعة كان القول قول المشترى مع يمينه في ذلك.

والشفعة لا تثبت في معاوضة ولا هبة ولا إقرار بتمليك ولا صدقة ولا ما يكون مهرا وانما تثبت فيما يكون مبيعا بثمن معين.

ومن باع شيئا تجب فيه الشفعة نسيئة ، واحضر صاحب الشفعة المال في الحال كان الذي وجبت عليه الشفعة مخيرا بين قبضه وبين تأخيره إلى حلول الأجل.

تم كتاب الشفعة

ص: 459


1- أي البائع في الشفعة وهو المشترى من البائع الأول.

« كتاب المضاربة »

المضاربة والمقارضة بمعنى واحد. وهو ان يدفع إنسان إلى غيره مالا ليتجر فيه ، على ان ما رزق اللّه سبحانه كان ما بينهما على ما يشترطانه. وهما لغتان : فالمضاربة لغة أهل العراق ، والقراض لغة أهل الحجاز.

والقراض من العقود الجائزة في الشريعة بغير خلاف ، وليس يجوز القراض إلا بالأثمان من الدنانير والدراهم ولا يجوز بغيرهما. ولا يصح بالنقرة لأنها معتبرة (1) بالقيمة كالحيوان والثياب.

وان دفع إنسان إلى حائك (2) غزلا وامره بأن ينسجه ثوبا ، على ان يكون الفضل بينهما كان ذلك قراضا باطلا ، لان القراض انما يصح ، بان يتصرف العامل في رقبة المال ويقلبها ويتجر فيها ، فاذا كان غزلا كان ذلك نفس المال وعينه ، ويكون ذلك لصاحب المال وللعامل اجرة مثله.

وإذا دفع إنسان إلى غيره ثوبا وقال له بعد فاذا حصل ثمنه فقد قارضتك عليه

ص: 460


1- النقرة : هي القطعة المذابة من الذهب والفضة ، ومعنى العبارة : ان النقرة لا اعتبار لها بنفسها بل بقيمتها من النقدين ، بخلاف النقدين فان اعتبارهما بنفسهما ، وفي بعض النسخ « مغيرة » بدل « معتبرة » ومعناها : أن النقرة لا ثبات لها من حيث القيمة فإن قيمتها متغيرة مثل سائر العروض ، راجع التذكرة ، كتاب القراض ، البحث الثالث ، الشرط الأول.
2- من الحياكة وهي النسج.

كان باطلا ، لان القراض لا يصح بمال مجهول وهذا قراض بمال مجهول لا تعرف قيمته وقت العقد ، وللعامل اجرة مثله.

وإذا دفع إنسان إلى صياد شبكة وقال له اصطد بها فما رزق اللّه سبحانه من صيد فهو بيننا ، كان باطلا. فان اصطاد شيئا كان له ، دون صاحب الشبكة ، لأنه صيده ويكون لصاحب الشبكة أجرة مثله.

وإذا قال : قارضتك على الف سنة ، فان انتهت فلا تبع ولا تشتر ، كان باطلا.

لان من مقتضى القراض تصرف العامل في المال الى ان يؤخذ منه نضا (1).

وإذا قال له : قارضتك سنة على ان البيع والشراء لك ولا أملك منعك منهما كان باطلا ، لأنه من العقود الجائزة كما قدمناه ، فاذا شرط فيه اللزوم بطل كالوكالة والشركة.

وإذا قال له قارضتك سنة على انه إذا انقضت امتنع من الشراء ، دون البيع كان صحيحا. لأنه شرط هو من موجب العقد ومقتضاه ، لان لصاحب المال منع العامل من الشراء اى وقت أراد ، فإذا عقد على ذلك كان شرطا من مقتضى العقد وموجبه فلم يبطل ذلك.

فاذا دفع إليه ألفا مضاربة وقال له : على ان ما رزق اللّه سبحانه من ربح ، كان لي الثلث ولك الثلث ولغلامي الثلث ، والغلام مملوك لصاحب المال كان صحيحا ، ولا فرق في ذلك بين ان يشترط عملا للغلام أو لا يشترط ذلك ، لأنه إذا شرط ما ذكرناه فقد شرط ضم مال الى ماله وعبده ماله فصح ذلك. وإذا شرط الثلث لغير الغلام المملوك ولم يشترط عمله لم يصح القراض ، فان شرط ذلك كان صحيحا.

وإذا دفع إنسان إلى غيره ألفين منفردين قراضا وقال له : خذها على ان يكون الربح من هذا الألف لي والربح من الأخر لك ، كان باطلا ، لان موضع القراض على ان يكون ربح كل جزء من المال بينهما ، فان خلطهما وقال : ما رزق اللّه سبحانه

ص: 461


1- نض المال : اى صار دراهم ودنانير.

من فضل كان لي ربح الف ولك ربح الف كان صحيحا ، لأنه شرط له نصف الربح ولأن الألف الذي شرط ربحها غير متميزة.

وإذا دفع إنسان إلى غيره مالا قراضا على ان ما رزق اللّه سبحانه من الربح كان بينهما نصفين ، فقارض هذا العامل عاملا آخر. فان كان فعل ذلك بإذن صاحب المال كان ذلك صحيحا ، ويكون وكيلا في عقد القراض عنه. فان كان العامل الأول قال للثاني : على ان ما رزق اللّه سبحانه من ربح كان بينك وبين صاحب المال نصفين صح ذلك ، ولا يكون للعامل الأول في ذلك شي ء. وان قال له : على ان يكون الربح بيننا أثلاثا : ثلث لك ، وثلث لي ، وثلث لصاحب المال. كان ذلك فاسدا لان العامل الأول شرط لنفسه قسطا من الربح بغير زيادة ولا عمل ، والربح في المضاربة لا يستحق الا بمال أو عمل وليس للعامل الأول واحد منهما ، فاذا كان كذلك كان جميع الربح لصاحب المال ، ويكون للعامل الثاني أجرة المثل ، لأنه عمل في مضاربة فاسدة. وان كان العامل الأول قارض عاملا آخر بغير اذن صاحب المال ، وقال له : خذه قراضا على ان ما رزق اللّه سبحانه من ربح كان بيننا نصفين ، كان ذلك فاسدا ، لأنه تصرف في مال الغير بغير إذنه.

فإذا دفع الى غيره مالا قراضا وقال له : خذه على ان ما رزق اللّه سبحانه من ربح كان لك منه قدر ما شرطه زيد لعامله ، فان كانا عالمين بمبلغ ذلك كان صحيحا ، وان لم يكونا عالمين به أو أحدهما ، كان فاسدا ، لأنه لا يصح حتى يكون نصيب كل واحد منهما من الربح معلوما عندهما.

وإذا اشترى العامل عبدا واختلف هو وصاحب المال ، فقال العامل : اشتريته لنفسي ، وقال صاحب المال : بل للقراض ، - والعادة ان هذا الاختلاف يقع بينهما إذا كان في العبد رغبة وفيه ربح - كان القول قول العامل لان العبد في يده ، وظاهر ما في يده انه ملكه فلا يقبل في إزالة ملكه عنه قول غيره.

فان اختلفا فقال صاحب المال : اشتريته لنفسك ، وقال العامل : للقراض ،

ص: 462

والعادة في هذا إذا لم تكن في العبد رغبة ، كان القول قول العامل أيضا لأنه أمين.

وإذا دفع إليه ألفا للقراض بالنصف ، فذكر العامل انه ربح ألفا ثم قال بعد ذلك غلطت ، لأني رجعت الى حسابي فلم أجد ربحا ، أو قال : خفت ان ينتزع منى فرجوت فيه الربح ، كان إقراره لازما له لأنه إذا اعترف بربح فقد اعترف بخمس مأة وإذا ثبت حق الآدمي بالإقرار لم يسقط بالرجوع كسائر الإقرارات.

فإن قال خسرت وتلف الربح كان القول قوله مع يمينه ، لأنه لم يكذب نفسه ولا رجع فيما أقربه وانما أخبر بتلف الأمانة في يده.

وإذا دفع إنسان إلى اثنين ألفا وقال لهما : على ان لكما من الربح النصف وسكت (1).

كان لهما النصف والباقي لصاحب المال ، لان عقد الواحد مع الاثنين في حكم العقدين المنفردين ، فكأن صاحب المال عقد مع الواحد منهما قراضا بخمس مأة على ان له من الربح النصف ، ومع الأخر على خمس مأة أيضا على ان له من ربحها النصف وذلك جائز.

فإن قال لهما : على ان لكما نصف الربح : الثلثان منه لهذا والثلث منه لهذا كان صحيحا أيضا ، لأنه يكون أحد العاملين كان عقد معه على الانفراد على خمس مأة على ان له من الربح الثلث ، وعقد مع الأخر على الانفراد على خمس مأة على ان له من الربح السدس. ولو عقدا منفردين كذلك لكان جائزا.

وإذا دفع اثنان الى رجل ألفا قراضا ، وشرط ان ماله من الربح النصف ، وسكتا ولم يذكرا مالهما من ذلك ، كان صحيحا ، لأنهما إذا سكتا عن ذكر ما لهما من ذلك كان الباقي وهو النصف بينهما نصفين ، لأنهما مستحقان وهما في المال متساويان ، فوجب ان يكون في الربح متساويين.

فان قالا له : على ان لك النصف ولنا النصف ، والثلث من النصف لي ، والثلثين

ص: 463


1- في أكثر النسخ « سكتا » بدل « سكت »

لشريكي كان فاسدا ، لأنهما شرطا التفاضل في الربح مع التساوي في المال وذلك لا يجوز.

وإذا كان له عند إنسان ألف وديعة ، فقال له : قارضتك على الألف التي في يدك ، كان القراض صحيحا لان يد المودع (1) كيد المودع. وان كان له في يد غيره الف غصبا ، فقارض به صاحب المال الغاصب عليه كان صحيحا ، لان المال وان كان قبل ان يتقارضا غصبا ومضمونا وغير امانة ، فقد صار بالقراض امانة فاما الضمان فليس يزول عنه الا بأن يدفع المال في ثمن مبيع القراض ، لأنه يكون قد صرف المال في دين صاحبه بإذنه ، فبرئت ذمته منه بذلك.

وإذا دفع الى غيره ألفا مضاربة بالنصف ، واشترى بها شيئا للتجارة ، ثم هلك الالف قبل ان ينقده المضارب للبائع ، كان للمضارب ان يرجع على صاحب المال بمثله فيدفعه إلى البائع ، فإن قبض الثاني من صاحب المال ، وضاع قبل دفعه أيضا الى البائع ، رجع أيضا على صاحب المال بمثله كذلك ، الى ان يدفع الى البائع الألف التي له.

وإذا دفع إنسان إلى غيره الف درهم مضاربة بالنصف ، فاشترى بها عبدا يساوي ألفين وقبضه وباعه بألفين ، ثم اشترى بألفين جارية ولم ينقد الألفين حتى ضاعا ، رجع المضارب على صاحب المال بألف وخمس مأة ، وكان عليه في ماله الباقي يدفعه إلى البائع مع الالف وخمس مأة التي رجع بها على صاحب المال وإذا قبض الجارية وباعها بخمسة آلاف ، أخذ المضارب ربعها له ، والثلاثة أرباع ، لمال المضاربة يأخذ منه صاحب المال رأس ماله ألفين وخمس مأة ، والباقي ربح بينهما على ما اشترطا.

وإذا دفع إنسان إلى غيره مالا قراضا بالنصف أو بأكثر أو أقل : فعمل به في مصره أو في أهله ، لم يكن له على صاحب المال ولا في مال المضاربة نفقة. فإن سافر به الى بلد آخر ليتجر فيه. كانت نفقته في طريقه وفي البلد الذي خرج إليه

ص: 464


1- أحدهما بالفتح والأخر بالكسر

في طعامه وكسوته وغسل ثيابه وركوبه في سفره ، ولما لا بد له منه ، من مال القراض بالمعروف على قدر نفقة مثله ، فان زاد على ذلك ، حسب له منه قدر نفقة مثله ، وكان الباقي عليه في ماله. وإذا رجع الى بلده وقد بقي معه من النفقة طعام أو ثياب أو غير ذلك كان عليه رده الى المضاربة.

وإذا استأجر أجيرا يطبخ له ويخبز ويغسل ثيابه ويعمل ما لا بد له منه احتسب ذلك من مال القراض ، وما كان من جارية لوطء أو خدمة أو دواء أو كحل أو ما أشبه ذلك ، كان جميعه من مال المضارب خاصة. وإذا كان معه غلمان يعملون في المال جروا مجراه ، ونفقتهم على مال القراض وكذلك ان كان معه دواب تحمل أمتعة المضاربة الى بعض البلدان كان علفها على مال المضاربة ما دامت في المعاملة.

وإذا دفع اليه مالا قراضا فخرج به الى السواد (1) يشترى به غلات ، ومسيرة ذلك يوم أو يومان فأقام في ذلك الموضع يشترى ويبيع كانت نفقته في طريقه ومقامه من مال المضاربة. ولو انه في بلد فيه أهله الا ان ذلك البلد عظيم ، أهله في ناحية منه وهو مقيم في ناحية أخرى ، يتجر وبينه وبين اهله بعد ، وكان يقيم بحيث يتجر ولا يرجع الى أهله لم يكن له نفقة في المضاربة.

ولو كان له أهل بالبصرة وأهل بالكوفة ووطنه فيهما جميعا ، فخرج بالمال من أحد البلدين إلى الأخر ليتجر فيه ، كانت نفقته في طريقه من مال المضاربة ، فإذا دخل البلد كانت نفقته على نفسه ما دام به ، فاذا خرج منه عائدا إلى البلد الأخر ، أنفق في طريقه من مال المضاربة. فإن كان أهل المضارب بالكوفة وأهل صاحب المال بالبصرة فخرج بالمال إلى البصرة مع صاحب المال ليتجر به ، كانت نفقته في طريقه بالبصرة وفي عوده الى بلده من مال المضاربة.

وإذا دفع إنسان إلى غيره مالا فضاربه بمصر وليس لهما موطن (2) ، لم ينفق

ص: 465


1- سواد البلدة : ما حولها من القرى
2- كذا في النسخ والظاهر انها تصحيف والصحيح « موطنا » وضمير ليس يرجع « الى مصر »

المضارب على نفسه من مال المضاربة شيئا ما دام بمصر ، فان خرج منها الى وطنه أو الى بعض الاسفار في متجره وعاد إليها في تجارته في المضاربة ، أنفق في مقامه فيها من باب المضاربة. وإذا أنفق المضارب في المضاربة الصحيحة في سفره من مال المضاربة ، فلما انتهى الى البلد الذي قصد اليه لم يتمكن من ابتياع شي ء ثم عاد بالباقي من المال ، كان لصاحب المال أخذه ولم يكن على المضارب ضمان ما أنفقه

وإذا مات صاحب المال ومال المضاربة في يد المضارب وهو معه في بلده ، فسافر به المضارب بعد موته ، كان عليه ضمانه علم بموته أو لم يعلم. وان كان صاحب المال مات والمضارب في بلد غير بلد صاحب المال ، لم يكن عليه ضمان وكانت النفقة له الى ان يبلغ بلد صاحب المال. وهكذا لو خرج المضارب بالمتاع من ذلك البلد قبل موت صاحب المال فسافر به ثم مات صاحب المال ، لم يكن عليه ضمان وكانت نفقته في سفره من مال المضاربة الى ان يصل الى البلد.

وإذا دفع الى غيره ألفا مضاربة بالنصف (1) بأن يأخذ منه ألفا بضاعة وان يتجر له فيها بغير جعل ولا قسط من الربح ، لم يصح ذلك وكان الشرط فاسدا ، لان العامل في المضاربة لا يعمل عملا لا يستحق في مقابله عوضا فبطل الشرط ، فاذا بطل الشرط بطلت المضاربة ، لأن قسط العامل يكون مجهولا فيه من حيث ان صاحب المال ما قارض بالنصف حتى شرط العامل له عملا بغير جعل ، والشرط قد بطل ، فاذا بطل ذهب من نصيب العامل وهو النصف قدر ما زيد لأجل البضاعة ، وذلك القدر مجهول وإذا ذهب من المعلوم مجهول كان الباقي مجهولا فبطلت المضاربة لذلك.

فان دفع إليه ألفا مضاربة بالنصف وقال له أريد أن تأخذ ألفا بضاعة تعاوننى فيه كان ذلك جائزا ، لأن البضاعة ما أخذت بشرط وانما تطوع بالعمل له فيها من غير

ص: 466


1- في جميع النسخ « بألف » بدل « بالنصف » والظاهر انه تصحيف والصحيح ما في المتن بقرينة ما سيأتي وكما في المبسوط ج 3 ، ص 197 ، والبضاعة ان يدفع الإنسان إلى غيره مالا ليتجر فيه ويكون الربح كله للمالك دون العامل.

شرط فلم تفسد المضاربة لذلك. وهذه المسئلة مفارقة للأولى لأنه شرط أخذ البضاعة وفرق بين الارتفاق (1) بالشرط وبين الشرط ، بيان ذلك :

انه لو باع دار بشرط ان يدفع إليه المشتري عبدا يخدمه شهرا ، كان البيع باطلا ولو قال له : ادفع الى عبدك ايها المشترى يخدمني شهرا من غير شرط كان البيع صحيحا والفرق بينهما ما قدمناه.

وإذا أعطاه ألفا مضاربة وقال له : أضف الى هذا الالف من عندك ألفا آخر واتجر بهما ، على ان الربح بيننا ، لك منه الثلثان ولى الثلث ، أو قال : لك منه الثلث والثلثان لي ، كان ذلك فاسدا سواء كان الفضل لصاحب المال أو العامل ، لأنه ان كان لصاحب المال كان ظاهر الفساد ، لان له نصف المال من غير عمل ، وللعامل بهذا المال (2) والعمل معا ، فاذا شرط الثلثين لنفسه من الربح ، أخذ من ربح الف العامل قسطا بغير مال فيه ولا عمل وذلك لا يجوز. فان شرط لنفسه الأقل كان فاسدا أيضا ، لأن المال شركة بينهما والربح في الشركة يكون على قدر المالين ولا يفضل أحدهما فيه على الأخر فإذا شرط الفضل لأحدهما بطل ، وإذا بطل كان العقد مضاربة فاسدا لأنه دفعه اليه بلفظ المضاربة.

فإذا دفع إليه ألفين وقال له : أضف إليهما من عندك ألفا يكون الفان من كل المال شركة بيننا والالف الثالث قراضا بالنصف كان صحيحا ، لان المال إذا خلط فهو شركة مشاع كله ، فقد أقر ألفين على الشركة وقارضه على الف مشاع فكان صحيحا لان القراض على المشاع جائز.

وإذا خلط العامل مال المضاربة بمال نفسه خلطا لا يتميز معه كان عليه ضمانه ، لأنه جعله كالتالف ، الا ترى انه لا يقدر على رده بعينه على صاحبه ، وإذا لم يقدر على ذلك كان ضامنا له.

ص: 467


1- أي المرافقة
2- اى نصفه كما في المبسوط

وإذا أعطاه غيره ثوبا وقال له : بعه فاذا قبضت ثمنه فقد قارضتك عليه لم يصح ذلك ، لأنه قراض بصفة (1) ولأن رأس المال مجهول ، والعامل له اجرة مثله ، فله اجرة المثل على بيع الثوب ، واجرة مثله على عمل القراض ، واجرة بيعه لازم على بيع الثوب سواء كان في المال ربح أو لم يكن فيه ذلك ، وسواء تصرف فيه بعد بيعه أو لم يتصرف.

وإذا كان المضارب واحدا وصاحب المال اثنين ، فدفع كل واحد منهما إليه ألفا قراضا بالنصف ، فاشترى العامل لأحدهما جارية بألف ، وللآخر جارية أخرى بألف ، ثم اختلطا فلم يعلم جارية أحدهما من الأخر ، فينبغي ان يباعا في القراض ويدفع الى كل واحد منهما نصف المال إذا لم يكن فيه فضل ، وان كان فيه فضل ، أخذ كل واحد منهما رأس ماله واقتسما (2) الربح على الشرط.

وان كان في المال خسران كان الضمان على البائع لأنه فرط في اختلاط (3) المال وقد قال الشيخ أبو جعفر الطوسي (رحمه الله) : لو استعملنا القرعة في ذلك لكان أقوى من هذا ، وذلك غير صحيح ، لأن القرعة إنما تستعمل فيما يلتبس مما ليس عليه نص ، وهذا الموضع منصوص (4) عليه عند أصحابنا فلا وجه مع ذلك لاستعمال القرعة فيه.

وإذا دفع الى غيره مالا قراضا فأخذه ، وهو يعلم من نفسه انه لا يقدر على ان يتجر بمثله ، لكثرته أو لضعفه عن ذلك مع قلته ، كان عليه الضمان ، لأنه يكون مفرطا بقبضه له مع علمه من نفسه بما ذكرناه.

وإذا اشترى العامل جارية من مال المضاربة لم يجز له وطؤها ، لأنه ان كان

ص: 468


1- اى معلقا على صفة ، وهي ما قطع بحصوله عادة ، بخلاف الشرط وهو ما أمكن وقوعه وعدمه
2- اى العامل مع كل واحد منهما
3- في بعض النسخ « إخلال » بدل « اختلاط »
4- الوسائل ، ج 13 ، الباب 11 من أبواب الصلح ، الحديث 1 ، ص 170

في المال فضل فهو شريك ، وان لم يكن فيه فضل كان الكل لصاحب المال. وكذلك لا يجوز لصاحب المال وطؤها ، لأنه ان كان في المال فضل فهو شريك ، وان لم يكن فيه فضل لم يجز له ان يتصرف في السلعة المشتراة للقراض بما يضر بها ، فإن أراد أحدهما ان يزوجها واتفقا على ذلك كان جائزا ، لأن الحق لهما جميعا.

وإذا اشترى العامل عبدا من مال المضاربة وأراد ان يكاتبه لم يجز له ولا لصاحب المال أيضا (1) ان يكاتبه لأنه نقصان. فان اتفقا على ذلك كان جائزا لأنه حقهما وليس لغيرهما فيه حق يمنع من ذلك. فان اتفقا وكاتباه وأدركه ، عتق وكان المال ليس فيه فضل كان الولاء لصاحب المال. وان كان فيه فضل كان الولاء بينهما على ما شرطاه بالحصة ان كانا شرطا عليه الولاء. فان لم يكونا شرطا عليه ذلك لم يكن لواحد منهما عليه ولاء.

وإذا أحضر صاحب المال لغيره الف دينار والف درهم ، وقال له : خذ أيهما شئت قراضا بالنصف ، لم يصح ذلك لأنه لم يعين رأس المال.

تم كتاب المضاربة

ص: 469


1- وفي نسخة زيادة لفظ « ذلك »

« كتاب الإجارات »

اشارة

روى عن النبي صلى اللّه عليه وآله انه قال « ملعون من منع أجيرا أجرته » (1)

وعنه عليه السلام انه زوج امرأة رجلا من أصحابه على تعليم سورة من القرآن (2) وبالجملة فلا خلاف بين المسلمين في جواز الإجارة وإذا كان كذلك فان آجر الإنسان نفسه ، أو بعض ما يملكه ، أو يلي عليه ، من عبد أو دابة أو سفينة أو آلة أو دار أو أرض أو ما خالف ذلك ، مما يحل كسبه ويجوز استعماله والانتفاع به كان ذلك جائزا إذا عقدها بمدة معلومة أو أجل مفهوم يعرفه المتواجرون (3) ولا يجوز ذلك فيما لا يحل كسبه ولا العمل فيه ولا الانتفاع به مثل ان يغتصب عبدا فيوجره ، أو يستأجر عبدا يعلمه مغصوبا أو دابة أو غيرها ، أو يتخذ شيئا من الملاهي ، أو ما لا يحل تملكه فإنه لا يجوز إيجاره ولا استئجاره.

وكذلك لا يجوز ان يوجر نفسه ولا دابته ولا عبده ولا سفينته ولا آلته ولا داره ولا شيئا مما يجوز له إجارته ممن يستعمل ذلك فيما لا يجوز ولا يحل مثل ان يوجر

ص: 470


1- دعائم الإسلام ، ج 2 ، ص 74 الحديث 206 ، الا ان فيه « ظلم » بدل « منع » وورد مضمونه في الوسائل ، ج 13 ، الباب 5 من كتاب الإجارة الحديث 2
2- دعائم الإسلام ، ج 2 ، ص 74 ، الحديث 207 والوسائل ، ج 15 ، الباب 2 من أبواب المهور ، الحديث 1
3- في نسخة « الموجران »

شيئا من ذلك في حمل خمر ، أو عملها أو يوجر داره لمن يبيع الخمر فيها أو يفعل فيها أو يؤدى إليها منكرا مع علمه من المستأجر بذلك.

وهي على ضربين : أحدهما : ان تكون المدة معلومة والعمل مجهولا ، والأخر ان تكون المدة مجهولة والعمل معلوما.

فالذي تكون المدة معلومة والعمل مجهولا فهو مثل ان يقول زيد ، لعمرو آجرتك شهرا لتبني أو تخيط فهذه مدة معلومة والعمل مجهول.

وما تكون المدة مجهولة والعمل معلوما فمثل ان يقول آجرتك لتخيط ثوبي أو تبنى هذه الدار فالمدة مجهولة والعمل معلوم فاذا كانت المدة معلومة والعمل معلوما لم يصح ، لأنه إذا قال استأجرتك اليوم لتخيط ثوبي هذا ، كانت الإجارة فاسدة لأنه ربما يخيطه قبل مضى النهار فيبقى بعض المدة بلا عمل وربما لا يفرغ منه في يوم ويحتاج إلى مدة أخرى ويحصل العمل بغير مدة.

وهي من جملة عقود المعاوضات فاذا آجر الإنسان ما يجوز إيجاره لزم العقد واستحق المستأجر المنفعة والموجر الأجرة ولم يكن لأحدهما فسخ هذا العقد على حال وهي كالبيع في باب الفسخ لان من ابتاع شيئا ملك البائع الفسخ إذا وجد عيبا في الثمن وكذلك المشتري إذا وجد عيبا في المبيع ولا يملك بغير العيب.

وكذلك المؤجر إنما يملك الفسخ إذا تعذر استيفاء الأجرة منه اما لإفلاس أو غيره (1) وكذلك المستأجر إنما يملك ذلك إذا وجد عيبا بالمنافع مثل غرق الدار واستهدامها وما أشبه ذلك. وليس لواحد منهما الفسخ لغير عذر.

وإذا استأجر إنسان غيره ليقلع ضرسه ثم رجع عن ذلك فان كان رجوعه عن ذلك مع بقاء الألم لم يكن له فسخ الإجارة لأنه قد استأجره لاستيفاء منفعة وهو متمكن مع بقاء الألم من استيفائها فاما ان يستوفيها والا لزمته الأجرة إذا مضى من المدة ما يمكنه قلع الضرس فيه.

ص: 471


1- في بعض النسخ « عسرة » بدل « غيره ».

وكذلك إذا استأجر دابة ليركبها الى بعض المواضع ويسلمها اليه ولم يركبها وهو متمكن من استيفاء المنفعة التي هي الركوب فاذا لم يفعل ذلك ومضى من الزمان مدة يمكنه فيها استيفائها كانت الأجرة مستقرة عليه.

وهكذا إذا استأجر دارا وتسلمها ولم يسكنها ومضى من الزمان مدة يمكنه فيها استيفاء المنفعة بالسكنى فإن الأجرة مستقرة عليه.

فان كان الم صاحب الضرس قد زال فان استيفاء المنفعة قد تعذر من جهة اللّه تعالى شرعا لأنه لو أراد ان يقلع الضرس لما جاز ذلك لان الشرع يمنع من قلع الضرس الصحيح فاذا رجع عن ذلك وبدا له في الاستئجار كان له ذلك وانفسخت الإجارة بذلك كالدار إذا غرقت أو احترقت أو استهدمت نعني بذلك ان وجع الضرس لو عاد بعد ذلك الدفعة لافتقر في قلعه الى استئناف عقد لتلك الإجارة. فما ملك الفسخ الا لتعذر المعقود عليه.

فان استأجر عبدا فأبق انفسخت الإجارة لتعذر استيفاء المنفعة المعقود عليها مثل الدار إذا انهدمت والقول في العبد إذا رجع قبل انقضاء المدة كالقول في الدار إذا انعمرت قبل ذلك وسيأتي ذكر ذلك فيما بعد ان شاء اللّه تعالى.

والمستأجر يملك من المستأجر (1) المنفعة التي في العبد والدار والدابة إلى المدة التي استقر الشرط عليها ، حتى يكون اولى وأحق بها من المالك لها ، والموجر يملك الأجرة بنفس عقد الإجارة ، فإن استقر الشرط في تأجيل الأجرة إلى شهر أو سنة وما أشبه ذلك ، لم يلزم تسليمها الا عند حضور الأجل ، وان اشترط فيها التعجيل أو لم يشترط فيها تأجيلا ولا تعجيلا استحقت عاجلة.

وإذا عقد إنسان اجارة ثم أسقط المؤجر مال الإجارة وابرأ صاحبه منها سقط ذلك فإن أسقط المستأجر المنافع المعقود عليها لم يسقط.

وإذا استأجر إنسان دارا وشرط ان لا يسكنها غيره لم يجز له ان يسكن فيها غيره

ص: 472


1- في بعض النسخ « الموجر » بدل « المستأجر » والمعنى واحد.

فان شرط ان لا يسكنها الا هو وعياله لم يجز ان يسكنها غيرهم ، فإن أطلق ذلك ولم يشترط شيئا جاز له ان يسكنها هو ، وان يسكنها غيره ، ويفعل فيه ما يراه من ترك البضائع (1) والأمتعة فيها وان يعمل ما شاء من الأعمال الا ان يكون محرما أو عائدا على الدار بالفساد والمضرة كالقصار والحداد والطواحين وما جرى مجرى ذلك وان يوقد فيها نارا دائمة يسودها ، أو لا يؤمن احتراقها معها ، أو يجعل فيها من المياه الكثيرة ما يضر باساسها وحيطانها ، ومتى فعل شيئا من ذلك جاز لمالكها نقله منها ، فان تلف منها شي ء بفعله كان ضامنا لذلك.

وإذا استأجر دارا وقال « كل شهر بكذا » أو « كل يوم بكذا » أو ذكر سنة أو عشرة أو أقل أو أكثر من ذلك كان جائزا. فإن استأجرها ليسكنها شهرا بكذا كان لكل واحد من المتواجرين ترك الإجارة عند انسلاخ الشهر.

فان كان عقد الإجارة مشاهرة (2) فيسكن المستأجر من الشهر يوما أو يومين أو أياما لم يكن لواحد منهما ترك الإجارة الى ان يكمل الشهر الا لعذر أو يتفقا عليه ويجوز حينئذ ذلك لهما. وإذا استأجر إنسان بيتا ليجلس فيه قصارا فأراد أن يجلس فيه حدادا كان ذلك جائزا الا ان يكون المضرة بالحداد أكثر من القصار فلا يجوز ذلك وكذلك الطواحين وما أشبهها وإذا استأجر دارا سنة على انه ان سكن يوما لزمته أجرة السنة كان ذلك جائزا ولزمته أجرة السنة فان لم يسكنها في السنة وأراد ان يسكنها غيره جاز له ذلك.

وإذا استأجر دارا على أن يجعل أجرتها سكنى دار اخرى كان ذلك جائزا ويجوز استئجار الدار بالعين والعروض ، فإذا استأجر دارا فانهدمت أو بعضها وتعطلت بيوتها ، أو رث (3) بعضها فأراد المستأجر من مالكها عمارتها لم يجبر على ذلك ،

ص: 473


1- في بعض النسخ « الصنائع » بدل « البضائع ».
2- بأن يقال : كل شهر بكذا ، راجع النهاية ، ص 444.
3- رث الشي ء : بلى وخلق.

وللمستأجر إذا كان ذلك يضربه فسخ الإجارة على ما قدمناه ، وعليه الأجرة لما سكن قبل انهدامها : وان لم يكن عليه في ذلك ضرر لم يجز له الفسخ.

وإذا اختلف المتواجران في مبلغ الأجرة فادعى المستأجر الأقل ، وادعى المؤجر الأكثر ، وكان مع أحدهما بينة حكم له بها ، فان لم يكن معه بينة تحالفا فان نكل أحدهما عن اليمين ، كان القول قول الأخر مع يمينه ، فان حلفا جميعا أو نكلا جميعا عن اليمين انفسخ العقد في المستقبل ، وكان القول قول مالك الدار مع يمينه فيما مضى : فان لم يحلف كان له اجرة مثلها عن ما سكنه المستأجر.

وإذا سكن إنسان دار غيره واختلفا ، وقال الساكن سكنتها بغير اجرة وقال المالك بل استأجرتها منى ، ولم يكن لأحدهما بينة على ما ادعاه كان القول قول صاحبها مع يمينه.

وإذا استأجر إنسان دارا وأنفق فيها نفقة ، وادعى ان مالكها أمره بذلك فأنكر المالك لها ذلك كانت البينة على المدعى وعلى صاحب الدار اليمين بأنه لم يأمره بذلك ، فاذا حلف كان للمستأجر أخذ النقض (1).

وإذا استأجر دارا وفعل فيها فعلا من غير اذن مالكها له في ذلك ، فعطب كان عليه ضمان ما عطب منها ، فان كان ما فعله كفعل غيره من السكان لم يكن عليه ضمان فان آجر بعضها بمثل ما استأجرها به وسكن في البعض كان جائزا.

وإذا استأجرها وفيها متاع لصاحبها ، وضمن له صاحبها تفريغها وتثاقل عن ذلك فلم يفرغها لم يكن له من الأجرة إلا بمقدار ما سكن المستأجر فيها.

وإذا استأجرها بدينار ثم آجرها بعشرين درهما أو أكثر من ذلك من الدراهم كان جائزا وكذلك حكم ما يستأجره من عبد أو بعير أو سفينة ، أو ما جرى مجرى ذلك

ص: 474


1- النقض : هي الآلات والمصالح المستعملة في الدار ، وفي أكثر النسخ « النقض » بالصاد المهملة وفي نسخة « البعض » ولعل المراد بعض الآلات التي يستعملها المستأجر في الدار.

إذا كان لعمل معروف أو حمل معروف.

ولو استأجر أرضا بدينار جاز له أن يزارعها بالنصف أو بأكثر أو أقل.

وإذا استأجر دارا فأظهر فيها فسقا أو اجتماعا على خمر ، أو دعارة (1) نهى عن ذلك فان انتهى والا نقل منها.

وإذا استأجر دارا سنة ولم يسلمها مالكها إليه الى أن مضى شهر فطلب المستأجر منه تسليمها أو لم يطلب ذلك ، ثم تحاكما

لم يكن للمستأجر الامتناع من قبضها في باقي السنة ، ولا للموجر المنع من تسليمها.

فان سلمها اليه الا بيتا واحدا مشغولا له بمتاع فيه واتفقا على بقاء المتاع فيه حط عنه من الأجرة بحساب ذلك.

وإذا استأجر دارا بعبد معين فأعتقه مالك الدار قبل أن يتقابضا لم يصح عتقه فإن أعتقه بعد تسليمه المستأجر اليه وقبل أن يتسلم الدار كان العتق جائزا. فإن احترقت الدار أو انهدمت ، أو غرقت ، أو استحقت ، أو مات أحد هذين المتواجرين كان على المعتق قيمة العبد ، فان لم يقبض العبد حتى سكن شهرا واحدا ثم أعتقا جميعا العبد وهو بيد المستأجر فإنه يجوز فيه عتق صاحب الدار بقدر اجرة شهر ويجوز عتق المستأجر فيما بقي منه وينفسخ الإجارة. وإذا استأجر دارا بثوب معين وقبضه ، ثم حضر صاحب الدار مريدا لرده بعيب ، فقال المستأجر لم يكن هذا العيب فيه كان القول قول المستأجر مع يمينه في ذلك ، فإن أثبت صاحب الدار بينة بالعيب حكم له بها ، وكان على المستأجر أجرة مثل الدار.

وإذا استأجر إنسان دارا ، فانسدت البالوعة ، وامتلأ الخلاء ، كان عليه تنظيفه دون صاحبها ، لان ذلك حصل بسبب من جهته.

وإذا خرج المستأجر من الدار وفيها شي ء من تراب ، أو رماد أو كناسة كان على المستأجر إزالته منها ، وتنظيفها منه.

ص: 475


1- الدعارة بفتح الدال : الفساد والشر ، وفي بعض النسخ « دعاؤه فساد ».

فان اختلف المتواجران في التراب والرماد والكناسة وما أشبهها كان القول قول المستأجر مع يمينه في انه استأجرها وهو فيها.

وإذا استأجر دارا فقال الموجر وهو مثلا في رجب آجرتك هذه الدار في شهر رمضانة ، أو كان في مثل هذه السنة ، وهي سنة سبع وستين وأربع مأة فقال : آجرتك هذه الدار سنة ثمان وستين واربع مأة ، قال بعض الناس لا يجوز ، وعندنا هو جائز لأنه ليس عندنا : ان من شرط صحة الإجارة تسليم المعقود عليه في حال عقد الإجارة ، ولا كون المنفعة متصلة به ، وانما يلزم التسليم في أول المدة التي انعقدت عليها الإجارة. وكذلك المنفعة ان تكون متصلة بهذا الوقت.

وإذا استأجر إنسان من غيره حانوتا فباع فيها مدة ما ، ثم خرج منها ، واختلفا فيما فيها من الدفوف (1) والخشب التي بنى عليها ، فقال المستأجر أنا أحدثتها وهي لي ، وقال مالك الحانوت ، كانت في حانوتي حين آجرتك إياها ، كان القول قول المستأجر مع يمينه وكذلك الحكم في الطحان وآلاته والقصار والحداد وآلاتهما وما يجرى مجرى ذلك من الأدوات والأوعية التي تكون للصناع.

وإذا استأجر إنسان أرضا ليطبخ الأجر والفخار فيها بأجرة مسمى كان جائزا فإن اختلفا في الأتون (2) فقال صاحب الأرض أنا بنيته وقال الأخر بل أنا بنيته كان القول قول المستأجر مع يمينه لأن العادة جارية بأن المستأجر هو الذي يبنى ذلك. وقد يجوز أن يكون في بعض البلدان من شأن أصحاب الاملاك اتخاذ شي ء من الآلات التي للصناع في أملاكهم وفي غيره من البلدان لم تجر العادة بذلك ، فاذا كان كذلك كان القول فيما يدعيه مدع من ذلك قول من جرى الرسم باتخاذه (3) له ، دون

ص: 476


1- بالدال المهملة جمع الدف وهو ما ارتفع من جانب الشي ء وبالراء ما جعل في أطراف داخل البيت ليوضع عليها الطرائف كما في التاج.
2- الأتون كتنور : محل وقود النار.
3- في نسخة « بإيجاده » وكذا بعدها.

من لم تجر العادة في تلك البلدة باتخاذه إياه والبينة فيه بينة المدعى.

وإذا استأجر إنسان من غيره دارا على ان يجعل أجرتها أن يكسوه ثلاثة أثوابكان ذلك فاسدا ، وعليه اجرة مثلها فيما سكن.

وإذا استأجر دارا من غيره واختلفا ، فقال صاحبها استأجرتها سنة ، وقال المستأجر استأجرتها شهرا واحدا ، كان القول قوله مع يمينه ، وعلى صاحب الدار البينة. فإن استأجرها شهرا واقام صاحبها معه فيها الى آخر الشهر ، وقال المستأجر لست أدفع إليك اجرة لأنك لم تخل بيني وبين الدار ، كان عليه من الأجرة بحساب ما كان في يده من الدار.

وإذا استأجر إنسان دارا من اثنين شريكين فيها ، ثم مات أحد الشريكين انفسخت الإجارة في حصته ، فإن رضي الوارث - وهو كبير - ان يكون حصته على الإجارة ورضي المستأجر بذلك كان جائزا.

وإذا استأجر أرضا فاصابتها آفة من غرق أو جفاف عين أو انقطاع نهر كان يسقيها ، فإن أراد المستأجران ينفق على ذلك من اجرة سنته أنفق ويلزم النفقة مالك الأرض والا كان عليه بقدر ما انتفع بالأرض من الأجرة وينفسخ الإجارة فيما بعد ذلك

وإذا استأجر إنسان دارا بثوب معين وكفل به رجل فهو ضامن ، فاذا استكمل السكنى وتلف الثوب عند صاحبه برأ الكفيل لأنه ليس على المستأجر قيمة الثوب وانما عليه اجرة مثل الدار.

وإذا استأجر إنسان من غيره محملا أو زاملة (1) وكفل له رجل بالحمولة(2) كان ضامنا ويؤخذ بالحمولة كما يؤخذ الموجر بها ، وهكذا القول إذا استأجر إبلا غير معينة يحمل عليها متاعا الى بلد معين وكفل له رجل بالحمولة ، فإن استأجر إبلا

ص: 477


1- الزاملة : الدابة التي يحمل عليها المتاع من الإبل وغيرها. وفي بعض النسخ زيادة « إلى مكة » هنا.
2- الحمولة : ما يحمل عليه من الإبل والحمار وغيرهما.

معينة يحمل عليها متاعا وكفا له رجل بالحمولة لم تصح الكفالة ، وكذلك لو استأجر دارا ليسكنها أو أرضا ليزرعها فكفل له رجل بالسكنى والوفاء والزراعة لم يصح ذلك لأنه لا يمكن الاستيفاء من الكفيل وكذلك ان استأجر إنسانا للخدمة وكفل رجل بخدمته.

وإذا عجل الأجر (1) في الإجارة الصحيحة وكفل له إنسان بالأجر ان لم يوفه الخدمة أو السكنى كان جائزا.

وإذا دفع إنسان ثوبا الى خياط يخيطه له بأجر مسمى ، وأخذ منه كفيلا بالخياطة كان ذلك جائزا ، ويكون الكفيل ضامنا لخياطة الثوب فان خاطه الكفيل رجع على المكفول عنه بأجرة مثل ذلك الثوب بالغا ما بلغ فان كان صاحب الثوب اشترط على الخياط ان يخيطه هو بيده دون غيره كانت الكفالة باطلة ، وهكذا جميع الأعمال.

وإذا استأجر إنسان من غيره حماما مدة معلومة بأجرة مسماة كان جائزا وكانت عمارة الحمام ، ومسيل مائه ، وإصلاح قدوره وصار وجه على مالك الحمام ، ومتى اشترط مالك الحمام على المستأجر ذلك ، كانت الإجارة فاسدة لأن ذلك مجهول

وإذا شرط صاحب الحمام على المستأجر عشرة دراهم كل شهر للمرمة زائدة على الأجرة وأمره بأن ينفقها عليه كان جائزا.

وإذا قال المستأجر قد أنفقتها لم يصدق وكان القول قول صاحب الحمام مع يمينه.

وإذا أراد مالك الحمام أن ينصب له أمينا مع المستأجر لقبض الغلة في كل يوم لم تكن له ذلك لأنه لا شي ء له في الغلة ، وإذا انقضت مدة إجارة الحمام وفيه رماد وسرقين وادعاه كل واحد منهما كان للمستأجر وعليه نقله فإن أنكر المستأجر ان يكون الرماد من عمله كان القول قوله مع يمينه.

وإذا استأجر حمامين صفقة واحدة وانهدم أحدهما قبل قبضهما كان له ترك

ص: 478


1- اى عجل المستأجر بدفع الأجرة.

الباقي ، وان كان انهدامه بعد القبض كان الباقي لازما له بحصته من الأجرة.

فإن استأجر حماما واحدا فانهدم منه بيت واحد كان له تركه ولا فرق بين ان يكون ذلك قبل القبض أو بعده. فإن استأجر حماما وعبدا وقبضهما ثم مات العبد لزمه الحمام بحصته.

فإذا استأجر إنسان راعيا يرعى له غنما بأجرة معلومة كان جائزا فإن شرط عليه ان لا يرعى مع غنمه غنما لغيره صح ذلك ولم يجز للراعي رعى غنم لغيره مع غنمه. وإذا مات من جملة الغنم شاة لم يلزم الراعي ضمانها الا ان يكون موتها بتعد منه عليها ، ولا يجوز لصاحب الغنم ان ينقص الراعي شيئا من أجرته لأجل موت الشاة.

وإذا ضرب الراعي شاة فقلع عينها كان ضامنا لذلك فإن سقي الغنم من نهر فغرق منها شي ء لم يكن عليه ضمان لذلك وكذلك الحكم لو عطب منها شاة في الرعي أو أكله الذئب. والقول فيما يهلك من الغنم قول الراعي مع يمينه فاذا هلك نصف الغنم أو أكثر كان للراعي أجرته على كمالها ولا ينقص منها شي ء لأجل ذلك ما دام يرعاها وحدها (1).

وإذا أراد صاحب الغنم ان يزيد في عدد الغنم وكان قد شرط على الراعي انه إذا شاء زاد وان شاء نقص كان له ذلك.

وإذا استأجره ليرعى له عدة معينة ، لم يكن له ان يدفع إليه أكثر منها ، الا ان يدفع اليه بحساب ذلك (2) أجرة الزائد ، وكذلك لو شارطه ان ما ينقص منها نقصه من الأجرة بحساب ذلك ، ثم هلك منها شي ء كان له ان ينقصه بحساب ذلك وإذا شرط مالك الغنم على الراعي ضمان ما يموت منها لم يصح ذلك ، وكانت الإجارة فاسدة.

فإن شرط عليه ضمان ما يهلك من فعله لم يفسد الإجارة بذلك.

وإذا استأجر راعيا يرعى له غنما شهرا ، ولم يذكر شيئا غير ذلك ، ثم

ص: 479


1- اى لا يشرك معها غيرها.
2- في نسخة بزيادة « الى ».

أراد الراعي أن يرعى لغيره بأجرة كان للذي استأجره شهرا ، ان يمنعه من ذلك لأنه استأجره لنفسه شهرا ، فان لم يعلم حتى رعى لغيره لم ينقصه من الأجرة شيئا إذا كان قد قام ما شرط عليه من رعى غنمه.

وإذا كان الراعي مشتركا في رعي الغنم ، واتى بها الى أهلها ، وأكل السبع منها شيئا وهي في مرابضها عند أهلها لم يلزمه ضمان ذلك ، وكذلك ليس عليه ضمان لو سرق منها شي ء.

وإذا سلم إنسان غنمه الى راع ليرعاها له بدرهم في الشهر كان ذلك جائزا وله ان يرعى لغيره ، وهذا أجير مشترك ان رعى لغيره أو لم يرع.

وإذا دفع إنسان غنمه الى راع على أن أجرتها أصوافها وألبانها واشترط عليه مع ذلك سمنا معينا وجبنا معروفا ، كانت الإجارة فاسدة ، والراعي ضامن لما أصاب من ذلك وله اجرة مثله.

وإذا كان الراعي مشتركا فخلط غنم الناس بعضها ببعض فلم يعرفها أهلها ما لكل واحد؟ كان القول قوله مع يمينه ، فان قال لا أعرفها ، كان ضامنا لقيمتها كلها لأهلها ويكون جميع الغنم له ، والقول في قيمتها يوم خلطها قوله ، فان ادعى واحد منهم غنما معينة ، كان القول قول الراعي أيضا مع يمينه ، فان نكل عن اليمين سلم ذلك ، وإذا كان الراعي يرعى في الجبال وشرط عليه صاحب الغنم انه إذا مات منها شي ء كان عليه ان يأتي بسمته والا كان عليه الضمان لم يلزمه هذا الضمان ، وإذا لم يأت بالسمة لم يفسد شرط الإجارة ، ويكون البينة فيما يهلك عليه ، ولا يجوز للراعي ان يسقى أحدا شيئا من البان الغنم ، ولا يبيعه ولا يقرضه ولا يأكل هو منه ، فان فعل شيئا من ذلك كان عليه ضمانه.

وإذا اختلف الراعي وصاحب الغنم في العدد الذي تسلمه الراعي منه ، كان على صاحبها البينة ، وكان القول قول الراعي مع يمينه في ذلك.

ولا يجوز للراعي أن ينزى بعض فحول الغنم على شي ء منها بغير أمر صاحبها

ص: 480

فان فعل ذلك وعطب منها شي ء كان على ضمانه ، وان كان بأمر صاحبها لم يكن عليه ضمان.

وإذا نه (1) من الغنم رأس ، وخاف الراعي إن تبعه ليرده ضاع الباقي ، كان عليه البينة بذلك ، فان لم يكن له بينة ، كان عليه الضمان.

فإن استأجر من يجي ء بالواحد الذي نه من الغنم ، لم يلزم صاحبها من ذلك شي ء به ، وكان الراعي بذلك متطوعا.

« الاستيجار للرضاع »

وإذا استأجر إنسان ظئرا لترضع له طفلا سنتين بأجر معلوم كان جائزا ويكون طعامها وكسوتها على نفسها ، وان شرطت طعامها وكسوتها ودراهم عند فطام الصبي كان جائزا ، وإذا استأجرها بما ذكرناه لم يجز لها ان تؤاجر نفسها لرضاع صبي غير هذا ، ولا تسقى من لبنها الا له ، أو لولدها.

وإذا شرط المستأجر عليها ان ترضع الصبي في منزله لزمها ذلك ، وان شرط رضاعه في منزلها جاز ذلك ، ولا يجوز لها ان ترضعه من غير لبنها على حال الا ان ينقص لبنها فتدفعه بأمر أهله إلى خادمها ، أو تستأجر له ظئرا أخرى فيكون ذلك جائزا.

وإذا وقع الصبي فمات ، أو ضاع من يدها ، أو سرق شي ء من حلية أو ثيابه بغير تفريط منها ، لم تضمنه ، وان كان بتفريط منها ، كان عليها الضمان.

وإذا شرط عليها رضاع الطفل فقط لم يلزمها غيره ، وان شرط عليها مع ذلك تمريخه (2) وغسل ثيابه وما جرى مجرى ذلك ، كان عليها القيام بذلك ، ولا يجوز لأهل الطفل إخراج الظئر قبل الأجل إلا لعذر مثل ان يكون الطفل لا يقبل لبنها ، أو تحمل فيخافوا عليه من ذلك أو تكون فاجرة أو سارقة أو ما أشبه ذلك وما لا يجوز لها أيضا ان تخرج من عندهم الا لعذر ، مثل ان يكون زوجها لم يرض بالإجارة ، أو يكون أهل

ص: 481


1- اى نفر وذهب
2- اى تدهينه

الطفل يعتمدون أذيتها (1) أو ما أشبه ذلك.

وإذ كان العبد تاجرا ، جاز ان يستأجر ظئرا لصبي له وكذلك الأمة التاجرة يجوز لها ان تؤاجر نفسها ظئرا ، وكذلك المكاتب يجوز ان يستأجر ظئرا لصبي له.

وإذا استأجر إنسان لرضاع ولده ظئرين فماتت واحدة بقيت الأخرى على الرضاع بحصتها.

فإن استأجر ظئرا واحدة لرضاع طفلين ومات أحدهما جاز ان ينقص من الأجرة بحساب ذلك.

وإذا استأجر الرجل امرئته لترضع ولده منها لم يصح ذلك ولم يكن لها اجرة عليه وكذلك لو استأجر خادمها. فان كان له ولد من غيرها جاز له ان يستأجرها على رضاعه وتستحق عليه الأجر بذلك. وإذا استأجر مطلقته البائنة في ذلك كان جائزا ولها الأجرة عليه ، وكذلك ان استأجر خادمها ، ولا فرق في ذلك بين ان يكون هذا الولد ولد هذا المستأجر من هذه المطلقة أو يكون من غيرها.

وإذا استأجر ظئرا وكانت تسقى الطفل وتغذوه بلبن الغنم ، وأهله لا يعلمون ذلك لم تستحق عليهم أجرة ، فإن قالت قد أرضعته كان القول قولها مع يمينها ، فإن أقام أهل الصبي بينة بأنها تغذوه بلبن الغنم حكم لهم ببينتهم ولم يكن لها عليهم اجرة.

وإذا استأجر إنسان ثوبا ليلبسه يوما كاملا من أوله الى آخره بأجرة معينة كان جائزا فإذا استأجره على هذا الوجه لم يجز له ان يدفعه الى غيره ليلبسه فان فعل ذلك كان ضامنا لما ينقص منه ، فان لما ينقص منه شيئا كان الأجر مستحقا. فإن استأجره للبس يوم كامل ولم يعين الذي يلبسه جاز ان يلبسه المستأجر أو غيره فان لبسه هو أو غيره ثم هلك لم يكن عليه ضمان. فان اختصما قبل ان يلبسه أحد فسدت الإجارة وكذلك الحكم في سائر الثياب.

وإذا استأجر قميصا ليلبسه يوما كاملا فلم يلبسه ذلك اليوم كانت الأجرة مستحقة

ص: 482


1- اى يقصدون أذيتها.

عليه ولم يجز له ان يلبسه يوما بدل ذلك اليوم فان لم يلبسه واتزر به فخرق كان ضامنا له ، وان لم يخرق وجبت الأجرة عليه كاملا.

وإذا استأجر خيمة يستظل بها ، جاز له ان يدخلها غيره ، فان اتخذها مطبخا وصارت سوداء من الدخان ، كان عليه الضمان.

وإذا استأجر إنسان دابة معينة ليركبها الى موضع معين بأجر مسمى كان جائزا ، وإذا استأجرها كذلك لم يجز ان يحمل عليها سواه ، فان فعل ذلك وعطبت كان عليه ضمانها ، وإذا استأجر دابة ليتلقى عليها إنسانا ، أو ليشيعه لم يصح ذلك ، فان عين موضعا ينتهى اليه كان جائزا.

وإذا استأجر سفينة معينة ، أو دابة معلومة إلى مكان معين ، فعطبت في بعض الطريق ، انفسخت الإجارة فيما بقي من الطريق وكان عليه الأجر. بما قطعه من طريقه وإذا

استأجر على الإبلاغ ولم يذكر سفينة بعينها ولا دابة بعينها ، كان على المكاري البلاغ به وله الأجر على كماله.

وإذا استأجر دابة ليطحن عليها ، أو يعمل عملا ، أو يسافر سفرا ، ولم يبين مقدار ما يطحنه عليها ، أو يسير عليها كل يوم كان جائزا ، وله ان يستعمل الدابة فيما استأجرها بقدر ما يستعمل فيه مثلها ، فان تعدى في ذلك كان عليه ضمانها وكذلك الحكم في السفينة إذا استأجرها على ذلك الوجه. وإذا استأجر شيئا من ذلك فاتفق هو والمكاري على ان يحمل عليها خمرا ، أو خنزيرا ، أو غير ذلك من المحرمات كان ذلك باطلا ، فإن استأجرها لذلك ولم يعلم المكاري به كان له الأجرة والإثم على المستأجر ، فإن كان المتواجران ذميين جاز ذلك بينهما.

وإذا استأجر دابة إلى مكان عينه ، ثم تجاوزه فهلكت الدابة ، كان ضامنا لها ولا اجرة عليه فيما زاد بعد المكان الذي عينه ، فان تجاوز بالدابة المكان الذي حده وسلمت كان صاحبها مخيرا بين ان يأخذ منه اجرة المثل ، وبين ان يضمنه قيمة ما نقص وإذا استأجر دابة يوما واحدا ثم أمسكها عنده أياما كان صاحبها مخيرا بين ان يأخذ قيمة ما نقصت ، وبين ان يأخذ أجرة المثل فيما زاد على اليوم.

ص: 483

وإذا اختلف المتوجران في المسافة فادعى المستأجر موضعا بعيدا وادعى صاحب الدابة أقرب منه وهما يتفقان على مبلغ الأجرة كانت البينة على المستأجر لأنه يدعي الأكثر وعلى المؤجر اليمين.

وكذلك ان اتفقا على الموضع واختلفا في الطريق فإن البينة على المدعى بما يدعيه من زيادة المسافة من الطريق واليمين على المنكر لذلك. فان تساوى الطريقان واختلفا في العقد على أيهما كان وأراد كل واحد منهما القصد الى المكان الذي ذكره فان كان ذلك منهما قبل أن يركب أو كان ركب شيئا يسيرا ، تحالفا وتفاسخا ان لم يكن لهما بينة ومن نكل منهما عن اليمين لزمته دعوى الأخر.

فإن كان قد ركب ونقد المكاري الأجر كان القول قول المكاري مع يمينه والمكترى مدع.

وإذا استأجر إلى خراسان أو العراق أو الشام أو ما جرى مجرى ذلك وأراد المكاري إنزال المكتري في أول عمل ذلك البلد (1) ، وأراد المكترى الوصول الى آخره ، ولم يسميا مكانا معينا وقت عقد الإجارة كان على المكاري أن يوصله إلى أشهر المواضع المعروفة من تلك البلاد والمدينة التي هي أم تلك الكورة ، المقصود إليها والمشهور ذكرها واسمها فيها.

فاذا وصل المكاري إلى مكان فادعى انه قد زاد على الموضع الذي كان هو والمكترى اتفقا عليه ، فطلب بذلك فضل الأجر ما بين الموضعين ، كان القول قول المكترى مع يمينه ، وعلى المكاري البينة بما يدعيه من ذلك الفضل والزيادة.

وإذا استأجر دابة على حمل معين فحمل عليها حملا أخف منه وعطبت لم يلزمه ضمانها.

ولا يجوز الإجارة على الأعيان المحمولة الا بأن يشاهدها المكاري أو يوصف

ص: 484


1- اعمال الكورة أو البلد : نواحيها وقرأها المتعلقة بها.

له أو برأها (1) لان ضرب (2) المحمولات مختلف على الدابة وان كان وزنها متفقا مثل القطن والحديد والرصاص والصوف والنحاس.

فاذا هرب المكاري واحتاج المكترى إلى النفقة على الدابة فينبغي ان يرفع خبره بذلك الى الحاكم في ذلك الموضع أو القافلة ، وينفق بعد أعلامه ذلك.

وان دفع النفقة الى بعض الثقات وأنفق على الدابة كان جائزا.

وإذا أراد الإنفاق عليها بنفسه وأنفق كان القول في ذلك قوله مع يمينه إذا أتى بما يشتبه (3) ، ويرجع به على المكاري ، وكذلك القول في أجرته على القيام بذلك إذا طلبها.

وإذا مات البعير أو الدابة فاستأجر المكترى لذلك - مكان الذي مات - غيره كانت هذه الإجارة لازمة للمكاري الأول فيما بقي من المسافة التي اشترطا البلوغ إليها وقت العقد. فان اشترى دابة أو بعيرا لم يلزم المكاري ذلك وكان عليه أجر الحمل من موضع الشرى الى المكان الذي اتفقا على البلوغ اليه.

ويجوز للاثنين أن يستأجرا ما يتعاقبان عليه فاذا اتفقا فيما بينهما على كيفية التعاقب من ليل أو نهار أو ما أشبه ذلك كان جائزا.

فإذا استأجر دابة ليركبها الى موضع معلوم فتجاوزه بها ورجع ، فعطبت في رجوعه كان عليه ضمانها ، فان لم يتجاوز بها الموضع الذي عينه الا انه ضربها ، أو فعل بها ما لم تجربة عادة الناس في حثهم الدواب على المشي من ضرب أو كبح (4) لجام كان ضامنا لها.

وإذا استأجر دابة إلى مكان على أن يركبها بسرج فحمل عليها عوضا من

ص: 485


1- في بعض النسخ « يريها » بدل « برأها ».
2- في بعض النسخ « ضرر المحمولات » بدل « ضرب المحمولات ».
3- اى بما يحتمله ، وفي بعض النسخ « بما نسبه » اى بما ناسبه.
4- كبح الدابة باللجام : جذبها اليه باللجام ، وضرب فاها به لتقف ولا تجري.

السرج اكافا (1) كان عليه ضمانها ، فان كان حمارا فنزع عنه سرجه أو أسرجه بسرج فرس أو برذون لا يسرج بمثله الحمر كان ضامنا له. فان أسرجه بسرج أخف من سرجه لم يلزمه ضمان.

وإذا استأجر دابة بدينار وآجرها بقفيز حنطة وعشرين درهما كان جائزا.

وإذا استأجرها إلى مكان معين فآجرها لمثل ذلك كان أيضا جائزا.

وإذا حدثت حادثة في البحر واحتاج الملاح معها الى طرح بعض المتاع في البحر أو الى فعل ما يتلف به بعض ذلك ، كان عليه ضمان ذلك الا أن يأمره صاحب المتاع بطرحه في البحر فلا يلزمه شي ء.

وإذا استأجر دابة فقال له صاحبها استأجر على غلاما يتبعك ويتبع الدابة واجره على وأدفع اليه نفقة ينفقها على الدابة ففعل المستأجر ذلك وسرقت النفقة من الغلام أقام المستأجر البينة بأنه استأجر الغلام ودفع النفقة اليه أو أقر الغلام بقبضها منه كانت لازمة للمكاري. وكذلك الحكم لو لم يسرق ولم يضع (2).

وإذا استأجر إنسان دابة إلى بلد معين بدراهم مسماة فرده عليه المكاري عند البلوغ الى ذلك البلد بعض تلك الدراهم وذكر انها زيوف أو ستوق (3) كان القول قول صاحب الدابة مع يمينه في ذلك.

وإذا استأجر دابة إلى موضع معين ، وأراد صاحب الدابة ان يحمل على الدابة رحل إنسان آخر بأجرة ، كان للمستأجر منعه من ذلك ، فان حمله عليها ، ووصل الى الموضع المعين ، لم يكن للمستأجر ان يمنعه شيئا من الأجر ، لأجل (4) ما حمله عليها لغيره.

ص: 486


1- الاكاف : البردعة ، والبردعة : كساء يلقى على ظهر الدابة.
2- من « ضاع » بمعنى تلف.
3- درهم ستوق كتنور : مغشوش بصفر أو نحاس ، والزيوف من الزيف اى الردي ء
4- في بعض النسخ : « لأجر » بدل « لأجل ».

وإذا استأجر دابة ، ومات صاحب الدابة في الطريق ، ثم استأجر المستأجر إنسانا يقوم على الدابة كان بذلك متطوعا ولا شي ء له من ذلك ، على المستحق للدابة.

وإذا اختلف المتكاريان في مبلغ الأجر ، كان القول في ذلك قول المستأجر مع يمينه ، فان كان لأحدهما بينة على ما يدعيه حكم له بها.

وإذا استأجر دابة معينة إلى بلد معين فوجدها عثورا (1) أو جموحا (2) أو لا يبصر بالليل ، كان له الخيار منها ويدفع الى صاحبها من الأجر بحساب ما قطعه من الطريق في سفره. وان كانت الدابة غير معينة ، كان على صاحبها إيصاله إلى البلد المعين على دابة غيرها.

وإذا استأجر دابة إلى قرية ، فسمى قرية أخرى باسمها وبينهما مسافة ما ، ولم يبين (3) الى أى القريتين يقصد ، فركب الدابة إلى أحدهما ، كان عليه اجرة مثل ذلك.

وإذا استأجر دابة إلى موضع معين على انه ان بلغه في يومين ، كان لصاحب الدابة اجرة عشرة دراهم ، وان زاد على ذلك كان له خمسة ، كان له أجر مثلها فان قال له ان زدت على اليومين ، لم يكن لك أجر ، لم يجز ذلك وكان له أجر مثلها لا يجاوز به عشرة دراهم.

وإذا استأجر دابة من بلد الى بلد آخر بدينار أو درهم كان عليه نقد البلد الذي استأجر منه.

وإذا استأجر دابة إلى موضع معين على انه إذا بلغه كان عليه رضا المكاري فلما بلغه ، قال المكاري رضاي عشرون درهما ، كان له أجر مثلها ، الا ان يكون أكثر من عشرين درهما ، فلا يزاد على ذلك ، فإن استأجر الدابة بمثل ما استأجر أصحابه

ص: 487


1- العثور : اى كثير السقوط.
2- جمع الفرس براكبه : استعصى حتى غلبه.
3- في نسخة « أو لم يبين » بدل « ولم يبين ».

أو بمثل ما يستأجر الناس ، كان عليه أجر مثلها.

وإذا استأجر دابة معينة إلى بلد ، فمرض أو خاف في طريقه من لصوص أو ما أشبه ذلك ، أو تغيرت الدابة أو لحقها ما لا يستطيع معه أن يركبها ، أو لا تحمل ، انفسخت الإجارة.

وإذا استأجر إنسان حانوتا في سوق يبيع فيها ويشترى فلحقه فيها دين أو أفلس فقام من السوق ، انتقضت الإجارة. وإذا استأجر دابة وعرض لصاحبها أمر لا يستطيع معه النهوض معها ، لم يكن له نقض الإجارة وعليه ان يبعث معها من يتبعها ويقوم عليها. وان عطبت الدابة انتقضت الإجارة ان كانت معينة ، فان لم تكن معينة ، كان على الموجر ان يحمله على دابة غيرها.

وإذا استأجر إنسان شيئا من الإبل إلى مكة ، ومات في بعض الطريق ، كان عليه من الأجر بحساب ما سار ، وتنفسخ الإجارة عنه فيما بقي ، فان مات صاحب الإبل في بعض الطريق ، كان للمستأجر ركوبها. على ، حاله (1) والمسير بها الى ان يصل مكة ولا ضمان عليه ، وعليه الأجر إليها.

وإذا استأجر إنسان أرضا ، فلحقها أمر لا يقدر معه على زرعها ، أو غلب الماء عليها ، كان ذلك عذرا في نقض الإجارة. وكذلك لو افتقر الزراع حتى لا يقدر على الزرع ، أو مرض مرضا لا يتمكن معه من ذلك وكان المستأجر هو الذي يعمل بنفسه ، فان كان لا يعمل بنفسه وله اجراء يعملون ، أو يكون هو قادرا على استئجار

ص: 488


1- يأتي من المصنف ان الموت يبطل الإجارة سواء فيه موت المستأجر أو المؤجر فما ذكر هنا مبني اما على ما حكاه فيما يأتي عن أكثر الأصحاب من ان الذي يفسخها موت المستأجر لا المؤجر أو على ان هذا ليس لبقاء الإجارة بل لاضطرار المستأجر واعانة الميت بإيصال ماله إلى اهله ونحو ذلك من وجوه الحسبة فعليه يكون عدم ضمانه لكونه محسنا ، قال اللّه تعالى ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) ، فعليه يكون المراد بالأجر أجرة المثل ، ويحتمل ان يكون المراد بصاحب الإبل هو المصاحب له لا مالكه فلا يحتاج الى هذا التوجيه واللّه العالم.

اجراء يعملون عنه ، فإن الإجارة لا تنتقض ، بل هي بحالها.

وإذا كان ليتيم ارض ، فآجرها وصيه قبل بلوغه ، ثم بلغ اليتيم قبل انقضاء مدة الإجارة لم يكن له فسخها.

وإذا استأجر عبدا ليخدمه ، أو ليعمل له عملا ، فمرض ، كان للمستأجر فسخ الإجارة ، ولو أراد سيد العبد فسخها لم يكن له ذلك ، فان لم يفسخها واحد منهما حتى عوفي العبد ، كانت الإجارة باقية على حالها ، ويطرح من الأجر بحساب ما بطل فيه بالمرض وكذلك القول فيه لو أبق.

وإذا كان المستأجر اثنين ومات أحدهما ، انفسخت الإجارة في حصته ، وكذلك ان كان الموجر اثنين ، فمات منهما واحد أو ارتد ولحق بدار الحرب انفسخت الإجارة فان لم يختصما (1) حتى عاد المرتد إلى الإسلام ، كانت الإجارة لازمة بحالها ان كان قد بقي من مدتها شي ء.

وإذا دفع إنسان إلى قصار ثوبا ، أو متاعا ليقصره (2) بأجرة ، فجعل عليه النورة ، فاحترق ، أو دقة أو عصره ، أو شمسه فزاد عليه ، (3) فتخرق أو تمزق (4) شي ء من ذلك ، كان عليه ضمانه ، لان ذلك من جناية يده ، ولا فرق في ذلك بين ان يكون متعمدا لها ، أو غير متعمد ، إذا كان بأجر كما قدمناه (5).

فان ادعى القصار انه عمل بغير أجر وقال صاحب الثوب أو المتاع بل عمل بأجر ، كان القول ، قول صاحب الثوب أو المتاع مع يمينه وعلى القصار البينة. فإن

ص: 489


1- لعل المراد لم يختصم المستأجر والموجر الحي ولم يفسخا الإجارة ، وذلك لان للمستأجر فسخ الإجارة لتبعض المال.
2- قصر الثوب وتقصيره غسله وتبييضه والقصار من حرفته ذلك.
3- أي أفرط عليه في الدق و.
4- اى تشقق
5- اى كما فرضنا

سرق المتاع ، أو هلك بغير تفريط منه ، لم يلزمه شي ء بعد ان يحلف في ذلك ، وكذلك القول في سائر أصحاب الأعمال.

وإذا كان عند القصار ثوب وديعة ، فوطأه (1) فتخرق وكان مما يوطئ ، كان عليه ضمانه ان لم يكن صاحبه امره ببسطه (2) ، وكذلك غير القصار.

وإذا دفع إنسان ثوبا الى صباغ ليصبغه اصفر ، فصبغه أحمر أو غير ذلك ، واختلفا كان القول ، قول صاحب الثوب مع يمينه. فان نقص بالصبغ شيئا ، كان له مطالبته بقيمة ما نقص ، ان شاء ذلك ، وان شاء أخذ الثوب من غير المطالبة له بذلك.

وإذا أخذ الملاح أجر السفينة وغرقت بشي ء ليس من فعله ولا جناية يده ، لم يكن عليه شي ء ، فان كان بتفريط من قبله (3) كان ضامنا لما يهلك فيها.

والختان والبيطار (4) والحجام (5) إذا فعلوا بإنسان شيئا من غير أمر وليه وأخذ البراءة كان عليهم الضمان ، ولا فرق في ذلك بين ان يكون المجني عليه حرا أو عبدا ، وإذا حمل أجير القصار الثياب فعثر أو سقط فيخرق منها شي ء ، كان على القصار ضمان ذلك.

وإذا أمر إنسان حجاما بقلع سن له فقلعها واختلفا فقال : صاحب السن ليست هذه هي التي أمرتك بقلعها ، وقال الحجام : بل هي التي أمرتني بقلعها كان القول ، قول صاحب السن وعلى الحجام الضمان.

وإذا استوجر إنسان على عمل شي ء فأفسده كان عليه ضمانه.

ص: 490


1- في بعض النسخ « فبسطه » وفي بعضها « فرطبه ».
2- لعل الأنسب « بوطئه » بقرينة ما تقدم ، والمراد واضح
3- في بعض النسخ « وان كان الغرق بشي ء من فعله أو جناية يده كان ضامنا لما هلك فيها ».
4- البيطار معالج الدواب ومسمر نعالها لكن لعل المراد هنا الجراح فإنه يبطر موضع الجرح اى يشقه.
5- في بعض النسخ « الجراح » بدل « الحجام ».

وإذا دفع إنسان إلى حائك غزلا ، وامره بأن ينسجه طول ثماني أذرع في أربع ، فنسجه أكثر من ذلك أو أقل ، كان صاحبه مخيرا بين أخذه ودفع الأجر اليه ، الا في وجه النقصان فإنه يعطيه الأجر بحساب ذلك ، ولا يتجاوز به ما سمى له ، وبين ان يضمنه مثل غزله ، ويدفع الثوب إليه ، فإن شرط عليه ان ينسجه صفيقا (1) فنسجه رقيقا ، أو رقيقا فنسجه صفيقا ، كان له مثل اجره ، ولا يتجاوز به ما سمى له.

فإن أمر بأن يزيد في الغزل رطلا واختلفا فقال النساج قد زدته ، وقال : صاحب الغزل لم تزده ، كان على النساج البينة ، فان لم تكن له بينة كان القول قول صاحب الغزل مع يمينه ، فإن أقام النساج البينة كان له أخذ مثل غزله (2) من صاحب الغزل.

وإذا دفع إنسان إلى طحان حنطة ، وشرط عليه ان يعطى من الدقيق زيادة معينة على كيل الحنطة لم يجز ذلك ، وانما له الأجر وعليه أداء الامانة.

وإذا دفع إنسان إلى غيره سمسما ، وقال له قشره وربه بالبنفسج ، ولك أجر درهم ، كان ذلك فاسدا ، لأنه لا يعرف ما شرط من البنفسج ، فان قال على ان تربيه بمد من بنفسج ، كان جائزا ، وان كان البنفسج الذي يدخل في مثل ذلك السمسم معروفا عند التجار. كان جائزا ، وكذلك الحكم في جميع الادهان.

والاستئجار جائز في أواني الخشب والزجاج والحديد وكذلك السكاكين (3) والقسي (4) والجعاب والنبل ونصول السيف والدرق (5) والرماح وأوعية الأدم والجرب (6) وحمائل السيوف وما أشبه ذلك ، فان ضرب لذلك (7) أجلا كان

ص: 491


1- ثوب صفيق : كثيف نسجه بخلاف السخيف
2- اى مقدار الرطل الذي أمره صاحب الغزل بان يزيد في غزله
3- السكاكين جمع السكين وهو آلة يذبح بها
4- القسي جمع القوس : آلة يرمى بها ، والجعاب اى النشاب وهي السهام التركية والنبل هي السهام العربية كما في أقرب الموارد.
5- الدرق بالتحريك : الترس
6- الجراب جمعه الجرب : وعاء من جلد الشاة ، وأيضا قراب السيف اى غمده
7- اى لأداء مال الإجارة.

جائزا وان قدم الثمن كان سلفا.

وإذا دفع إنسان إلى إسكاف (1) خفا ينعله فانعله بنعل لا ينعل الخفاف بمثله كان صاحب الخف مخيرا بين ان يضمنه قيمة خفه بغير نعله ، وبين أخذه وان يدفع إليه أجر مثله وقيمة النعل ، لا يجاوز به ما سماه.

وان كان النعل مما ينعل الخفاف بمثله كان جائزا وان لم يكن جيدا في الغاية. فإن شرطه عليه ان يكون النعل جيدا ، فانعله بغير جيد ، كان مخيرا بين ان يضمنه قيمة الخف ، وبين أخذه وان يعطيه أجر مثله.

وإذا قال صاحب الخف لهذا العامل عملته لي بغير شي ء ، وقال العامل عملته بدرهم ، ولم يكن لأحدهما بينة ، كان على صاحب الخف اليمين بأنه ما شارطه على درهم ، ويغرم قيمة النعل (2).

وإذا عمل الخف على ما وصف له صاحبه ، واختلفا في الأجرة. وأقاما البينة ، كان البينة بينة العامل دون المستعمل.

وإذا دفع إنسان ، إلى صباغ ثوبا ليصبغه احمر ، فصبغه كذلك واختلفا ، فقال صاحب الثوب ، صبغته بنصف درهم ، وقال الصباغ بل صبغته بدرهم ، فان كان الثوب قد زاد بالصبغ وكانت الزيادة درهما أو أكثر ، كان للصباغ درهم - بعد يمينه على انه ما صبغه بنصف درهم - ، وان كان الزيادة أقل من نصف درهم دفع اليد نصف درهم ، فان كان الصبغ نقص الثوب ولم يزد فيه شيئا ، كان للصباغ قيمة صبغه.

وإذا دفع إنسان إلى صباغ ثوبا على ان يصبغه بنصف رطل عصفر (3) فصبغه برطل ، وصاحب الثوب مقر له بذلك ، كان مخيرا ان شاء ضمنه قيمة الثوب ، وان

ص: 492


1- الإسكاف : كل صانع بحديدة.
2- في بعض النسخ « يقوم » بدل « يغرم »
3- « العصفر » هو صبغ اصفر اللون

شاء أخذه ودفع إليه قيمة زيادة العصفر في الثوب مع الأجر.

فإن اختلفا ، فقال صاحب الثوب ما صبغته الا بنصف رطل عصفر ، وكان مثل ذلك الصبغ يكون بنصف رطل عصفر ، كان القول ، قوله مع يمينه الا ان يقوم للآخر بينة ، وان كان مثل ذلك الصبغ لا يكون بنصف رطل عصفر ، كان القول قول الصباغ مع يمينه.

وإذا شارط إنسان قصارا على أن يقصر له خمسة أثواب بدرهم ، ولم يشاهد الثياب ولا عرفها كان فاسدا : وكذلك إذا شارطه في الغسل لها على هذا الوجه ، لان الثياب تتفاضل وتختلف : وكذلك ما جرى هذا المجرى.

فان شاهد القصار ، أو الغسال الثياب ، أو سمى صاحبها له جنسها ووصفها كان ذلك جائزا.

وإذا رد القصار على صاحب الثوب غير ثوبه عمدا أو خطأ وقطعه وخاطه وحضر صاحبه كان مخيرا بين أن يضمن القصار قيمة ثوبه ، ويرجع القصار بتلك القيمة على القاطع للثوب ، وبين أن يضمن القاطع ويرجع القاطع بثوبه على القصار وهكذا يجرى الأمر في كل صانع.

وإذا دفع إنسان إلى خياط ثوبا على أن يخيطه قميصا بدرهم ، فخاطه قباءا ، فكان لصاحب الثوب أن يضمنه قيمته ، فإن أراد أخذ القباء وان يدفع إليه أجر مثله كان له ذلك ، ولا يتجاوز ما سمى له.

فان اختلفا فقال صاحب الثوب أمرتك بأن تقطعه قميصا ، وقال الخياط بل أمرتني بأن أقطعه قباءا ، فان كان لأحدهما بينة حكم له بها والا كان القول قول صاحب الثوب مع يمينه لان الثوب له ، والخياط مدع للإذن في قطعه قباءا فعليه البينة

وإذا سلم إنسان إلى خياط ثوبا ، وأمره بأن يقطعه قباءا وقال له بطنه من عندك واحشه ولك من الأجر كذا وكذا كان باطلا (1) ، وكان البطانة والحشو للخياط

ص: 493


1- لجهالة البطانة والحشو قدرا ووصفا كما يظهر من المسألة التالية.

وله اجرة مثله.

فان قال بطنه بثوب فلاني وسط واحشه برطل قطن وسط وخطه (1) فلك من الأجر كذا وكذا ، كان ذلك صحيحا وإذا سلم اليه ثوبا وقطنا وبطانة وأمره بأن يقطعه جبة ويحشوها ويندف القطن عليها ، وسمى له اجرا معينا كان جائزا.

وإذا شرط إنسان على خياط خياطة خمسة أثواب أو عشرة بخمسة دراهم أو عشرة دراهم ، ولا يذكر قدرها ولا جنسها لم يصح ذلك ، فان وصفها فقال هي مروية (2) ومقدارها مقدار هذا الشي ء أو مقدار كذا عن شي ء معروفا كان صحيحا.

وإذا استأجر إنسان بناءا ليبنى داره وشرط أن يكون الآجر والجص من عند البناء كان فاسدا وكذلك كل ما جرى هذا المجرى ، فان عمله على هذا الوجه كان العمل للمستأجر وكان للعامل أجر مثله مع قيمة ما زاد في ذلك.

وإذا استأجر إنسان غيره ليحمل له شيئا على ظهره ، أو في سفينة ، أو على دابة بدراهم وسار ، كان كل ما سار شيئا من طريقه استحق من الأجر بقسط ذلك فان عجل له الأجر كان جائزا ، فإن باعه بالأجر متاعا ودفعه اليه كان جائزا ، فان لم يوفه العمل كان له الرجوع عليه بالدراهم دون المتاع ، لأنه باعه ذلك بشي ء عليه ، فان باعه بالدراهم دينارا ، ودفعه اليه قبل ان يحمل له ذلك ثم حمله ووفاه ما شرطه كان جائزا (3).

فان مات قبل أن يوفيه العمل ، وقد حمله بعض الطريق رد عليه من الدراهم بمقدار ما بقي من العمل ، فان كان هذا المستأجر ، استأجر على البلاغ الى مكان معين لم يجب له من الأجر حتى يبلغ المكان فاذا بلغه استحق الأجر تاما.

ص: 494


1- من الخياطة.
2- اى منسوبة إلى مرو.
3- كان مراده عدم الفرق فيما ذكر من الصحة والرد بين ان يبيعه بالدراهم متاعا أو دينارا.

إذا استأجر إنسان طاحون ماء مع البيت الذي هي فيه وآلتها بأجر معين كان جائزا ، فإن انقطع عنها الماء فلم يعمل ، وضع عنه من الأجر بحساب ما تعطلت وله أيضا نقض الإجارة ، فان لم ينقضها حتى عاد الماء الى ما كان عليه ، كانت الإجارة لازمة له فيما بقي من المدة.

فإن استأجرها يوما واحدا وانقطع عنها الماء في ذلك اليوم (1) ، لم يكن له نقضها ، بل يرفع عنه من الأجر بحساب ذلك. فان اختلفا في ذلك كان القول ، قول المستأجر مع يمينه ، فان قال الموجر لم ينقطع الماء وكان الماء منقطعا يوم اختصما ، كان القول قول المستأجر مع يمينه وان كان جاريا كان القول قول الموجر مع يمينه.

وإذا استأجر من غيره مكانا على نهر ، ليبنى عليه بيتا ، ويعمل فيه طاحونا ويكون البناء والحجارة والحديد والخشب من عند هذا المستأجر كان جائزا ، فإن انقطع ماء النهر وبطلت الرحى ، فلم يعمل ، كانت الإجارة لازمة للمستأجر ولم يكن له على المؤجر شي ء.

وإذا استأجر إنسان رحى بآلتها ومتاعها وقل الماء الى أن أضر ذلك بالطحن وهو يطحن على ذلك نظرت في الضرر ، فان كان ضررا فاحشا كان له ترك الإجارة وان كان غير فاحش كانت الإجارة لازمة له.

وإذا خشي صاحب الرحى من انقطاع الماء ففسخ الإجارة ، وآجر البيت والحجر والآلات ، كان جائزا.

فإن انقطع الماء كان للمستأجر ترك الإجارة. وجرى هذا مجرى طحان استأجر رحى يطحن عليها بدابته فنفقت (2) الدابة ولم يكن معه ما يبتاع به دابة أخرى في ان له ترك الإجارة.

ص: 495


1- كأن المراد ما إذا انقطع الماء في بعض ذلك اليوم.
2- اى هلكت.

وإذا استأجر إنسان رحى للماء بآلتها ، فانكسر أحد الحجرين أو الدوارة ، كان له فسخ الإجارة. فإن عمل (1) صاحب الرحى ما انكسر من ذلك أو فسد قبل الفسخ ، لم يكن له بعد ذلك ، الفسخ. ولكن يرفع عنه من الأجر بحساب ذلك ، فان اختلفا في مبلغ العطلة (2) ، كان القول قول المستأجر ، الا ان يذكر الموجر ذلك

وإذا استأجر إنسان جملين من بلد معين إلى مكة يحمل على أحدهما محملا (3) يكون فيه اثنان ، وما يحتاجان اليه من الرحل وغيره ، وشاهد الجمال هذا والرحل الذي يحتاجان اليه ، والأخر يكون زاملة يحمل عليه الدقيق ، وما يحتاج إليه أيضا ، من قوت (4) وأدم وما أشبه ذلك ، كان جائزا.

ولهذين الرجلين ان يحملا على الجملين مثل ما يحمل الناس في هذا الطريق فان اشترطا في ذلك وزنا معلوما في الذهاب والعودة ، كان أحوط.

وإذا استأجر من غيره محملا وزاملة وشرط عليه حملا معلوما على الزاملة ، فما أكل من ذلك الحمل ، أو نقص من الوزن أو الكيل ، كان له ان يتم ذلك في كل منزل ذاهبا وعائدا ، فإن خرج بهما يقودهما ولم يحمل عليهما شيئا ماضيا وراجعا ، كان عليه الأجر تاما ولا يلزم الجمال نقص شي ء من الأجر لذلك ، فان مات المستأجر بعد ان قضى المناسك ، وعاد إلى مكة ، كان عليه من الأجر بحساب ذلك ، وهكذا ان كان مسيره في البدأة على مدينة النبي صلى اللّه عليه وآله أو في الرجعة ، حوسب بقدر ما قطع من الطريق وبقي بمقامه (5) معه في أيام المناسك ، وكذلك أيضا لو مات في بعض الطريق ماضيا أو عائدا.

ص: 496


1- اى أصلح ما انكسر أو فسد.
2- العطلة كظلمة : البقاء بلا عمل.
3- محمل كمجلس شقان على البعير يحمل فيهما العديلان والزاملة التي يحمل عليها من الإبل وغيرها كذا في القاموس وغيره.
4- في بعض النسخ « ثوب » بدل « قوت ».
5- اى بمقدار مقام الجمال معه أيام المناسك.

وإذا استأجر جمل كنيسة (1) فأراد ان يحمل أكبر من ذلك ، لم يجز له ، وان أراد ان يجعل أصغر منها كان جائزا.

وان استأجر جمل محمل وأراد ان يبدله بمحمل غيره ولم يكن فيه ضرر ، كان جائزا وان كان فيه ضرر ، لم يجز له ذلك.

وإذا استأجر من جمال محملا من بلد معين إلى مكة ، وشرط عليه سيرا معينا في كل يوم ، كان جائزا ان لم يعقه عائق ، فان لم يشترط له فالمراحل المعلومة أو سار بسير الرفقة. ان كان مع رفقة ، أو بسير السلطان ان كان معه سلطان يسير بالناس ، فان لم يكن معه رفقة ، ولا سلطان وأراد المستأجر مجاوزة (2) المراحل ، وأراد الجمال التقصير ، أو أراد التقصير وأراد الجمال مجاوزتها ، لم يكن لهما ذلك ، الا ان يتراضيا عليه.

وإذا استأجر جماعة مشاة بعيرا وشرطوا على الجمال ان يحمل من أعيا (3) منهم ، أو مرض كان فاسدا ، فان شرطوا عليه لكل واحد منهم عقبة (4) كان صحيحا.

وإذا استأجر لغلامه عقبة وأراد الجمال من الغلام ان يركب النهار ويمشى الليل ، أو يركب الليل ويمشى النهار لم يكن له ذلك ، وكذلك لو أراد المستأجر ذلك لم يجز ، وانما له من العقب ما يتعارفه الناس لا توالى المشي فيستضر ولا الركوب فيضر بالبعير ، فان تشارطا على ان يكون الركوب ليلا دون النهار وفي النهار دون الليل كان ذلك

ص: 497


1- الكنيسة شبه هودج : يغرز في المحمل أو في الرجل قضبان ويلقى عليه ثوب يستظل به الراكب ويستتر به. وفي أكثر النسخ زيادة « أوقية » وفي بعض النسخ « حمل كيسة » بدل « جمل كنيسة ».
2- في جميع النسخ « مجاورة » بالراء المهملة هنا وفيما بعده والظاهر انها تصحيف والصحيح ما أثبتناه.
3- اى أتعب.
4- العقبة بضم العين : النوبة.

على ما استقر الشرط عليه.

وإذا استأجر إنسان خبازا ليخبز له في بيته خبزا معلوما فخبزه ، ثم سرق بعد ذلك كان للخباز ، الأجر كاملا ، وان سرق قبل فراغه منه كان له من الأجر بقدر ما عمل منه ، وان خبزه في بيت الخباز لم يكن له من الأجر شي ء ولا يلزم ضمان ما سرق ، وإذا احترق الخبز في التنور قبل إخراجه منه كان الخباز ضامنا له. لأنه من عمله وتفريطه فان ضمنه قيمته مخبوزا كان له الأجر كاملا ، وان ضمنه الدقيق لم يكن له أجر.

وإذا عمل الصانع - من صباغ أو خياط أو ما جرى مجراهما من الصناع - في بيت المستأجر لهم كانوا ضامنين لما جنته أيديهم كما يضمنون ذلك إذا عملوا في بيوتهم.

وإذا استأجر إنسان خياطا ليخيط له في بيته قميصا فخاط بعضه وسرق القميص ، كان للخياط من الأجر بقدر ما خاط منه ، وان استأجره ليخيط له ذلك في بيت الأجير فسرق لم يكن للخياط من الأجر شي ء.

وإذا استأجر إنسانا يحمل له شيئا على ظهره أو يعمل له عملا في بيته أو غير بيته وهو أو وكيله حاضر لماله حافظ له فهلك من غير جناية من الصانع أو الأجير لم يكن على الصانع ضمانه وان جنى عليه غيره كان الضمان على الجاني.

وإذا استأجر إنسان طباخا يطبخ له طعاما في وليمة فأفسده كان عليه ضمانه فان تلف بجناية غيره لم يلزمه ضمانه.

وإذا جنى إنسان على ما في يد الصانع كان صاحبه مخيرا بين ان يضمنه الصانع ويرجع الصانع على الجاني وبين ان يضمنه الجاني وللصانع الرجوع على الجاني (1) ، كما ذكرناه ، وليس للجاني الرجوع على الصانع.

وإذا استأجر إنسان الف درهم كل شهر بدرهم يعمل بها ، كان ذلك فاسدا

ص: 498


1- يعني في اجرة عمله بمقدار ما عمل.

وليس له أجر على ذلك (1) ، وعليه ضمان الدراهم.

فإن استأجرها ليزن (2) بها يوما الى الليل بأجر مسمى كان مكروها. وإذا استأجر حنطة مسماة يعتبر (3) بها المكاييل يوما الى الليل ، كان ضامنا لذلك ، لأنه عمل يعمله في غير العين المستأجرة.

وإذا استأجر إنسان إنسانا ليقتل رجلا لم يجز له ذلك ولا أجر له ، وكذلك كل اجارة في ظلم أو تعد.

وإذا استأجر إنسان كحالا يكحل عينه شهرا بدراهم مسماة كان جائزا وكذلك المعالجة في جميع الأدواء.

وإذا استأجر فحلا ينزيه لم يجز ، وقد ذكر انه مكروه والاحتياط يقتضي ما ذكرناه.

وإذا استأجر دابة معينة على انه ان بلغه موضع كذا ، كان له عشرة دراهم ، وان لم يبلغه ولم يكن له شي ء كان فاسدا وعليه اجرة المثل.

وإذا استأجر دابة إلى بلد معلوم ، على انه ، ان رزقه اللّه تعالى من زيد شيئا ، دفع اليه من ذلك كذا ، كان فاسدا وله أجر مثلها.

وإذا دفع إنسان إلى عصار سمسما أو الى طحان حنطة وشرط في ذلك كيلا

ص: 499


1- لكونه من الربا.
2- من الوزن واما الكراهة فلتشبهه بالربا ويحتمل ان تكون العبارة « ليتزين بها ) كما صرح في المبسوط في هذه المسئلة بلفظ الزينة فعليه يمكن وجه الكراهة ما ورد ان زكاة الحلي إعارته.
3- لعل معناه : إذا استأجر حنطة وزنها معلوم ، ليختبر بها المكاييل والموازين حتى يعلم انها صحيحة أم فاسدة ، فالإجارة باطلة فعليه ضمان الحنطة لأنه تصرف فيها والحال انها ليست عينا مستأجرة واما البطلان فلعل وجهه عدم ترقب هذه المنفعة وعدم تعارفها من الحنطة واللّه العالم ، وفي بعض النسخ « يعير » بدل « يعتبر » واللّه العالم.

معينا يؤديه اليه على أجر يجعله له لم يجز ذلك وكان للعصار والطحان مثل أجر عملهما ولصاحب السمسم والحنطة ما أخرجا.

وإذا استأجر إنسان رجلا ليحفر له بئرا ، ولم يصفها له ، ولا عين كم يكون عمقها ذراعا ، ولا دورها ، لم يجز ذلك. فان قال عشرة أذرع عمقا ، وكذا وكذا ذراعا دورها بأجر مسمى كان صحيحا.

فان حفر منه ثلاث اذرع فخرج عليه جبلا داهية (1) أشد عملا ، فأراد تركه لم يكن له ذلك ، إذا كان يطيق عمله. فان شرط عليه كل ذراع في طين ، أو سهل ، بأجرة معينة ، وكل ذراع في جبل ، بأجرة معينة ، وكل ذراع في الماء بأجرة معينة ، وسمى طولها ودورها ، كان جائزا على ما اشترطاه. وإذا استأجره ليحفر له نهرا في جبل عين له طوله عشرة أذرع في عرض عينه ، فحفير منه شيئا ثم ظهر عليه جبل أصم ، فإن كان يطيق حفره كان حفره لازما له ، وان كان مثله لا يطاق كان له ترك الإجارة ويكون له من الأجر بحساب ما حفر منه.

وإذا استأجر إنسانا ليحفر له قبراً فحفره ثم دفن إنسان آخر قبل ان يأتي المستأجر بميتة لم يكن على المستأجر أجر ، فإن حفر المستأجر وخلي الأجير بينه وبين القبر ثم انهار (2) بعد ذلك أو دفن فيه إنسان أخر ، كان للأجير عليه الأجر تاما

وإذا أمر إنسان حفارا بان يحفر له قبراً وكان هذا المستأجر في ناحية من نواحي البلد الذي هو فيه ولم يبين له المكان وحفر له في الناحية التي جرت عادة أهل تلك القبيلة بدفن موتاهم فيها من تلك المدينة كان له الأجر على الذي استأجره ، وان حفر في غير تلك الناحية لم يكن له أجر ، الا ان يدفنوا ميتهم في حفرته ، فان فعلوا ذلك كان له الأجر.

وإذا استأجره على ان يحفر له قبراً ولم يسم له لحدا ولا شقا كان الاعتبار في ذلك

ص: 500


1- كأنه «رحمه الله» يريد بالجبل الحجر العظيم ، والداهية اى الشديدة.
2- الأنهار : الاسالة والصب بكثرة ، « لسان العرب ».

بعادة أهل الموضع فان كان معظم عملهم في ذلك اللحد كان عليه حفره بلحد ، وان كان شقا كان عليه حفره كذلك.

وإذا استأجر إنسانا على ان يحفر له بئرا عشرة أذرع طولا في دور معين بدينار وسلمه اليه ، وقال له الحفار : انما دفعت الى الدينار على ان احفر به خمسة أذرع طولا ولم يكن عمل بعد شيئا ، وأنكر المستأجر ذلك ، تحالفا وتفاسخا الإجارة ، وان كان قد حفر خمس اذرع طولا كان القول ، قول المستأجر مع يمينه ويدفع اليه من الأجر بحساب ذلك ويحلف.

وإذا استأجر إنسان غيره على ان يبنى له بالجص والأجر يوما كاملا ، كان عليه ان يبنى له من حين صلاة الفجر الى حين غروب الشمس ، لأنه استأجره يوما ، واليوم هو ما ذكرناه ، فاما الذين يعملون الى العصر وينصرفون فليس لهم ذلك الا ان يشترطوه أو يكون عادتهم جارية بذلك وهو معلوم من حالهم ، وانه رسم لهم فان كان كذلك كان بمنزلة الشرط.

وإذا استأجر إنسان عبدا شهرين ، شهرا بخمسة ، وشهرا بستة ، كان الشهر الأول بخمسة والشهر الثاني بستة ، فإن شرط الأول بستة كان جائزا ، وإذا استأجره ليخدمه في بلده لم يجز له السفر به ، فان سافر به كان ضامنا له ولا يكون عليه أجر الا ان يسلم (1) ، وليس له ان يضرب العبد إلا بإذن سيده ، فإن ضربه فعطب كان عليه الضمان وإذا دفع الأجر عند انسلاخ الشهر الى العبد وكان السيد هو الذي آجره لم تبرأ ذمته من الأجر ، وان كان العبد هو الذي آجر نفسه فقد بري ء من ذلك.

والموت يفسخ الإجارة ولا فرق في ذلك بين ان يكون الميت هو المستأجر أو المؤجر ، وعمل الأكثر من أصحابنا على ان موت المستأجر هو الذي يفسخها ،

ص: 501


1- تقدم الكلام في ذلك في بعض التعاليق 31.

لا موت الموجر. وقد كان شيخنا المرتضى رضي اللّه عنه سوى بينهما في ذلك ، فإنه بين ان الوجه فيهما واحد وليس هذا موضع ذكر ذلك فنذكره.

وإذا كان للإنسان صبرة واحدة مشاهدة ، يتيقن المستأجر ان فيها عشرة أقفزة وشك في الزيادة ، فقال لغيره استأجرتك لحمل عشرة أقفزة من هذه الصبرة كل قفيز بدرهم وما زاد فبحسابه صح العقد في عشرة أقفزة ، لأنها معلومة ، وبطل فيما زاد ، لان وجود ذلك مشكوك فيه لأنه لا يعلم هل يزيد على عشرة أقفزة أو لا يزيد على ذلك ، والعقد على ما لا يتحقق وجوده ، عقد على غرر ، وذلك لا يجوز.

وإذا استأجر من غيره كلبا لحراسة الماشية ، أو الزرع ، أو استأجره للصيد ، كان جائزا ، لأنه لا مانع يمنع من ذلك ، ولان بيع هذه الكلاب يصح وما صح بيعه صح الاستئجار له.

وإذا استأجر من غيره سنورا لصيد الفأر كان جائزا.

وإذا استأجر غيره ليسلخ له ذكيا ، على ان يكون جلده له ، كان جائزا.

وإذا استأجر على ان ينقل له ميتة ، على ان يكون جلدها له ، لم يجز ذلك ، لان بيع جلود الميتة لا يجوز.

وإذا تقبل إنسان من غيره عملا بأجر معين ، وأراد ان يقبله غيره بأقل من ذلك ، فان كان قد أحدث فيه حدثا كان جائزا ، وان لم يكن أحدث فيه شيئا لم يجز ذلك له.

وإذا استأجر دارا بأجر معين ، وأجرها بأكثر من ذلك ، وكان قد أحدث فيها حدثا ، كان ذلك جائزا والزيادة له ، وان كان لم يحدث فيها حدثا ، لم يجز له ذلك ، وكانت الزيادة لمالكها إذا كان قد آجرها بذلك. وإذا دفع إنسان إلى الأجير قبل فراقه من العمل طعاما ، أو متاعا على أجرته ولم يعين (1) سعره كان عليه سعر الوقت الذي

ص: 502


1- في بعض النسخ « تغير » بدل « لم يعين ».

دفع اليه فيه ذلك ، والأجر يستحقه المستأجر (1) عند الفراغ من العمل ولا يجوز تأخيره عنه في هذه الحال ، ويجوز تقديمه له.

تم كتاب الإجارة

تم تصحيح وتحقيق الجزء الأول من كتاب « المهذب »

للشيخ الأقدم عبد العزيز بن البراج في صبيحة

يوم الرابع عشر ( يوم الأربعاء ) من شهر

ربيع الأول من شهور عام الف

واربع مأة وست من الهجرة

النبوية على هاجرها

آلاف الثناء والتحية

ويليه الجزء الثاني

يبتدأ بكتاب المزارعة

لجنة التصحيح والتحقيق

ص: 503


1- بفتح الجيم أي الأجير.

فهرس امهات المطالب

الصفحة / العنوان

الصفحة / العنوان

1 - تطور الفقه عند الشيعة الامامية وحياة المؤلف بقلم جعفر السبحاني

(1) كتاب الطهارة

19 - باب المياه واحكامها

20 - الماء الجاري

20 - الماء الراكد

21 - الماء الكر

21 - مياه الآبار

22 - منزوحات البئر

23 - تغير الماء بأحد أوصافه الثلاثة

23 - تتميم الماء النجس كراً

24 - الماء المضاف

25 - أسئار الحيوان

26 - ماء المطر

27 - ماء الحمام

27 - البئر القريب من البالوعة

28 - الأواني وفروعها

29 - التعفير

30 - احكام الجلود

31 - باب ما يجوز التيمم به

32 - باب أقسام الطهارة

32 - باب الغسل

33 - باب التيمم

34 - باب الجنابة

34 - باب الحيض

37 - باب الاستحاضة

39 - باب النفاس

40 - باب الاستنجاء

41 - ترك الاستقبال والاستدبار

42 - مكروهات النخلي

42 - باب كيفية الطهارة

ص: 504

الصفحة / العنوان

الصفحة / العنوان

43 - باب كيفية الوضوء

45 - باب كيفية الغسل

47 - باب كيفية التيمم

49 - نواقض الطهارة وما يوجب اعادتها

51 - باب إزالة النجاسة من البدن والثياب

52 - بعض احكام النجاسات

53 - طهارة المذي والوذي

(2) كتاب الجنائز باب

الاحكام المتعلقة بحال الاحتضار

54 - باب من يغسل من موتى الناس

55 - من لا يغسل من موتى الناس

56 - كيفية غسل الميت

59 - باب الأكفان والتكفين

60 - التكفين

62 - الدفن وما يتعلق به من احكام القبور

64 - الدعاء بعد الدفن

65 - حكم نقل الميت من قبره

(3) كتاب الصلاة

67 - باب أقسام الصلاة

67 - باب اعداد الصلاة

69 - باب أوقات الصلاة

72 - باب ما يعرف به زوال الشمس

74 - باب ما يجوز الصلاة فيه ومالا يجوز

75 - باب ما تجوز عليه الصلاة من المكان ومالا تجوز

76 - باب المساجد وما يتعلق بها

78 - باب الجماعة واحكامها

80 - باب الإمامة وما يتعلق بها

83 - باب ستر العورة

84 - باب القبلة

86 - الصلاة على الراحلة وما يلحق بها

88 - باب الاذان والإقامة واحكامهما

91 - كيفية الصلاة

94 - بعض المستحبات في الصلاة

96 - تعقيبات الصلاة

99 - صلاة الجمعة

101 - آداب الجمعة

103 - كيفية صلاة الجمعة

105 - باب صلاة السفر

110 - باب صلاة المضطر

111 - باب صلاة المريض

112 - باب صلاة الخوف والمطاردة والمسايفة

ص: 505

الصفحة / العنوان

الصفحة / العنوان

113 - كيفية صلاة الخوف

114 - صلاة المطاردة

116 - باب صلاة العراة

117 - باب صلاة السابح والغريق والموتحل

117 - باب صلاة المضطر إلى المشي والمقيد والمشدود بالرباط وما أشبه ذلك

118 - باب الصلاة في السفينة

118 - باب كيفية الصلاة ما عدا صلاة اليوم والليلة

118 - باب كيفية صلاة العيدين

124 - باب كيفية صلاة الكسوف

125 - باب قضاء الفائت من الصلاة

127 - باب كيفية صلاة النذر

128 - باب الصلاة على الموتى

130 - كيفية الصلاة على الميت

133 - باب المندوب من الصلوات

133 - باب سنن اليوم والليلة

143 - باب ما عدا سنن اليوم والليلة من سنن الصلاة

143 - باب كيفية صلاة الاستسقاء

145 - باب نوافل شهر رمضان

146 - باب صلاة يوم الغدير

148 - باب صلاة يوم المبعث

149 - باب صلاة أمير المؤمنين عليه السلام

149 - باب صلاة مولاتنا فاطمة عليها السلام

149 - باب صلاة الحبوة

149 - باب صلاة الاستخارة

150 - باب صلاة الحاجة

151 - باب صلاة ليلة النصف من رجب

151 - باب صلاة ليلة النصف من شعبان

151 - باب صلاة الشكر

152 - باب صلاة الزيارات

152 - باب صلاة ليلة عيد الفطر

152 - باب صلاة الاحرام

153 - باب صلاة النوافل الزائدة على نوافل يوم الجمعة

153 - باب تحية المسجد

153 - باب ما يوجب إعادة الصلاة

155 - باب السهو في الصلاة

(4) كتاب حقوق الأموال

158 - باب من يجب عليه الزكاة

159 - باب ما تجب فيه الزكاة

ص: 506

الصفحة / العنوان

الصفحة / العنوان

159 - باب زكاة الذهب

160 - باب زكاة الفضة

161 - باب زكاة الإبل

163 - باب زكاة البقر

164 - باب زكاة الغنم

166 - باب زكاة الغلات الأربع

168 - باب المقدار الذي ينبغي اخراجه من الزكاة

169 - في « بيان مستحق الزكاة »

172 - باب المقدار الذي ينبغي اخراجه

173 - باب الوقت الذي ينبغي اخراج الزكاة فيه

173 - باب زكاة الرؤوس

174 - باب فيمن يجب عليه زكاة الفطرة

174 - باب ما تجب فيه الفطرة

175 - باب في بيان مستحق الفطرة

176 - باب في ذكر الوقت الذي يجب اخراج الفطرة فيه

(5) كتاب الخمس واحكامه

177 - باب في ذكر ما يجب الخمس فيه

179 - باب ذكر ما يراعى فيه مقدار وما لا يراعى فيه ذلك

179 - باب ذكر الوقت الذي يجب اخراج الخمس فيه

179 - باب ذكر مستحق الخمس

180 - باب في قسمة الخمس

181 - باب احكام الأرضين

181 - باب ذكر الأرض التي يسلم عليها طوعاً

182 - باب الأراضي المفتحة بالسيف عنوة

182 - باب أراضي الصلح

183 - باب أراضي الأنفال

184 - باب الجزية

184 - باب في ذكر من يجب أخذ الجزية منه ومن لا يجوز أخذها منه

184 - في بيان ما ينبغي أخذه من الجزية

185 - في بيان المستحق للجزية

185 - باب الغنائم

186 - باب ذكر الأنفال

(6) كتاب الصيام

189 - باب صوم شهر رمضان وعلامة دخوله

191 - باب في ذكر ما ينبغي للصائم الامساك عنه

ص: 507

الصفحة / العنوان

الصفحة / العنوان

191 - باب ما يفسد الصوم ويوجب القضاء والكفارة

192 - باب ما يفسد الصوم ويوجب القضاء دون الكفارة

193 - باب ما يجب الامساك عنه مما لا يفسد الصوم

193 - باب ما يكره للصائم الامساك عنه

193 - باب حكم المسافر في الصوم

195 - باب المريض والعاجز عن الصيام

197 - باب حكم الحائض والنفساء في الصوم

197 - باب حكم الكافر إذا أسلم في الصوم والصبي إذا بلغ فيه

198 - باب صوم النذر

199 - باب صوم الظهار وبعض الصيام الذي يكون كفارة

200 - باب صوم كفارة اليمين وأذى حلق الرأس

200 - باب صوم دم المتعة

201 - باب صوم جزاء الصيد ومن فاتته صلاة العشاء الآخرة

202 - باب قضاء الفائت من الصيام لمرض أو غير مرض

204 - باب الاعتكاف وصيامه

(7) كتاب الحج

207 - باب ضروب الحج وأقسامه

208 - باب صفة التمتع بالعمرة إلى الحج

209 - باب صفة القران في الحج

210 - في صفة الافراد

211 - في ضروب العمرة وصفتها

211 - في الاحرام واحكامه

212 - في ما يجوز الاحرام فيه على كل حال ومالا يجوز

213 - في الزمان الذي يصح الاحرام فيه

213 - في المكان الذي يصح الاحرام منه

214 - في ما يقارن حال الاحرام من الاحكام

215 - في ما ينعقد به الاحرام

217 - في كيفية الاحرام

220 - في ما ينبغي للمحرم اجتنابه

222 - في ما يلزم المحرم على جناياته من الكفارة

227 - ما يتعلق بالبدنة

230 - باب الطواف وما يتعلق به من الاحكام

233 - في كيفية الطواف

ص: 508

الصفحة / العنوان

الصفحة / العنوان

238 - في السهو والشك في الطواف

239 - في السعي واحكامه

240 - في كيفية السعي

242 - في السهو والشك في السعي

242 - في التقصير بعد سعى العمرة المتمتع بها إلى الحج

243 - في تجديد الاحرام بالحج في يوم التروية

243 - في كيفية هذا الاحرام

245 - في الخروج إلى منى بعد الاحرام بالحج

246 - في الغدو إلى عرفات والوقوف بها

248 - في دعاء الموقف

250 - في احكام الوقوف بعرفات

251 - في الإفاضة من عرفات إلى المشعر الحرام

253 - في الدعاء في الموقف بالمشعر الحرام

254 - في احكام الوقوف بالمشعر الحرام

254 - في الرجوع من المشعر الحرام إلى منى

254 - في رمى الجمار

256 - في السهو في رمى الجمار وغيره

257 - في احكام الهدى وذبحه أو نحره

259 - في الحلق

260 - في الدخول إلى مكة من منى لزيارة البيت والرجوع إلى منى

261 - الرجوع من مكة إلى منى لرمى الجمار الثلاثة بها وغير ذلك

262 - باب النفر

267 - ما يفعله من وجب عليه الحج ولم يتمكن من أدائه لمانع أو يفعله عنه

268 - ما يتعلق بمن حج عن غيره على وجه النيابة وغير ذلك

269 - ما يتعلق بالنساء في الحج

270 - الصد والاحصار

271 - ما يتعلق بالعمرة

272 - احكام الحرم

273 - حد الحرم ومكة وعرفات والمشعر الحرام

(8) كتاب الزيارات

275 - باب كيفية زيارة النبي عليه السلام وسلم

277 - باب زيارة مولاتنا السيدة فاطمة صلوات اللّه عليها

ص: 509

الصفحة / العنوان

الصفحة / العنوان

278 - في الوقوف عند مقام النبي صلى اللّه عليه وآله وما يفعل ويقال فيه

279 - زيارة الأئمة عليهم السلام بالبقيع

280 - زيارة الشهداء بأحد

280 - زيارة قبر حمزة عليه السلام

282 - زيارة قبور الشهداء بأحد بعد حمزة

282 - ذكر المشاهد الشريفة

283 - المجاورة بالمدينة

283 - وداع النبي صلى اللّه عليه وآله

284 - وداع الأئمة عليهم السلام بالبقيع

284 - زيارة أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه

285 - زيارة أبى محمد الحسن بن على صلوات اللّه عليهما

285 - زيارة سيدنا أبى عبد اللّه الحسين بن على عليهما السلام

287 - زيارة أبى الحسن على بن الحسين زين العابدين وأبى جعفر محمد بن على الباقر وأبى عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق صلوات اللّه عليهم

288 - زيارة أبى الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام

288 - باب زيارة أبى الحسن على بن موسى عليهما السلام

289 - زيارة أبى جعفر محمد بن على بن موسى عليهم السلام

289 - زيارة أبى الحسن على بن محمد بن على بن موسى وأبى محمد الحسن بن على عليهم السلام

290 - زيارة جامعة لسائر المشاهد

291 - وداع الأئمة عليهم السلام

(9) كتاب الجهاد

298 - فيمن يجب جهاده

299 - سيرة الحرب وما يفعل قبل القتال وبعده

305 - الأمان واحكامه

313 - ما يجوز ان يغنم وما لا يجوز ذلك فيه

316 - الأسارى

322 - قتال أهل البغى

327 - أقسام الغزاة

(10) كتاب السبق والرماية

330 - ما يجوز المسابقة عليه ومالا يجوز وما يتعلق بذلك من احكام النضال

ص: 510

الصفحة / العنوان

الصفحة / العنوان

(11) كتاب الامر بالمعروف

والنهى عن المنكر

(12) كتاب المكاسب

344 - في ضروب المكاسب

346 - حكم خدمة السلطان واخذ جوائزه

348 - باب ما يجوز للوالد اخذه من مال ولده والولد من مال والده والمرأة من مال زوجها

(13) كتاب البيوع وعقودها واحكامها

352 - باب خيار المتبايعين وما يدخل فيه الخيار ومالا يدخل من العقود

358 - في ارث خياري المجلس والشرط

361 - في خيار الغبن

361 - باب الربا وما يصح فيه ذلك ومالا يصح

365 - في خيار العيب

373 - باب احكام العقود

380 - باب بيع الثمار

383 - بيع المحاقلة والمزابنة

384 - بيع العرية

385 - باب بيع مالم يقبض

391 - باب بيع المصراة واحكامها

392 - باب بيع المعيوب

(14) كتاب الاقرار في الاقرار

المصرح والمبهم وتفسيره

406 - الاستثناء من الجمل وأقسامه

407 - الاستثناء من الاستثناء

408 - الاقرار بالمظروف ليس اقراراً بالظرف

408 - الاقرار بالحمل

410 - الاعراض بعد الاقرار

420 - في منجزات المريض

(15) كتاب الوديعة

427 - الخلط في الوديعة

428 - دعوى الشخصين في الوديعة

428 - ايداع الوديعة عند الغير

(16) كتاب العارية

430 - التعدي في العارية

431 - فروع في إعارة الأرض

432 - عارية الدابة

433 - اجارة العارية واعارتها

ص: 511

الصفحة / العنوان

الصفحة / العنوان

(17) كتاب حظر

الغصب والتعدي

(18) كتاب الشفعة

(19) كتاب المضاربة

(20)كتاب الإجارات

481 - الاستيجار للرضاع

482 - إذا استأجر ثوباً

483 - إذا استأجر سفينة أو دابة

483 - إذا استأجر دابة إلى موضع معين

485 - إذا هرب المكارى واحتاج المكترى إلى النفقة على الدابة

486 - إذا حدثت حادثة في البحر

486 - إذا استأجر دابة

488 - إذا استأجر انسان حانوطا

489 - إذا دفع انسان إلى قصار ثوباً

491 - إذا دفع انسان إلى حائك غزلا

492 - إذا دفع انسان إلى صباغ ثوباً

493 - إذا سلم انسان إلى خياط ثوباً

495 - إذا استأجر انسان رحى

496 - إذا استأجر من غيره محملا

497 - إذا استأجر جماعة مشاة بعيراً

498 - إذا استأجر انسان خياطاً

499 - إذا دفع انسان إلى عصار سمسما

500 - إذا استأجر انساناً للحفر

501 - في انفساخ الإجارة بالموت

502 - في تقبيل مورد الإجارة بأجرة زائدة

ص: 512

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.