الخمس في فقه أهل البيت علیهم السلام المجلد 1

هوية الكتاب

الخمس في فقه أهل البيت

بحوث سماحة آية الله الشيخ مسلم الداوري حفظه الله

تأليف: محمد علي المعلم

تحقّيق: مؤسّسة الإمام الرّضا علیه السلام للبحث والتحقّيق العلمي

الناشر:

الإخراج الفنّي: محمد باقر الأسدي

ویراستار دیجیتالی:محمد منصوری

الکمّية: 1000نسخة

الطبعة: الأوّلى: 1435ه-/2015م

عدد الصفحات والقطع: 584 صفحة. وزيري

محرر الرقمي:محمد المنصوري

مركز التوزيع: مؤسسة الإمام الرضا للبحث والتحقّيق العلمي 37742903- 25- 0098http://www.ridhatorath.com info@ridhatorath.com

ص: 1

اشارة

ص: 2

عکس

ص: 3

الخمس في فقه أهل البيت

بحوث سماحة آية الله الشيخ مسلم الداوري حفظه الله

تأليف: محمد علي المعلم

تحقّيق: مؤسّسة الإمام الرّضا علیه السلام للبحث والتحقّيق العلمي

الناشر:

الإخراج الفنّي: محمد باقر الأسدي

ویراستار دیجیتالی:محمد منصوری

الکمّية: 1000نسخة

الطبعة: الأوّلى: 1435ه-/2015م

عدد الصفحات والقطع: 584 صفحة. وزيري

ویراستار دیجیتالی:محمد منصوری

مركز التوزيع: مؤسسة الإمام الرضا للبحث والتحقّيق العلمي 37742903- 25- 0098http://www.ridhatorath.com info@ridhatorath.com

ص: 4

عکس

ص: 5

ص: 6

عکس

ص: 7

ص: 8

كلمة المؤسسة

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمّد وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد، فقد تميّز الفقه الإمامي عن غيره بعدة ميزات جعلت منه قصب السبق على فقه بقيّة المذاهب، وإنّ اطلالة سريعة على كتب الفقه الإمامي كفيلة برسم صورة واضحة لتلكم الميزات، حيث يجد القارئ فيها العمق والتجديد والتطور في الآراء والنظريّات، مضافاً للحيويّة الظاهرة في جميع جوانبه بدون استثناء، كما وأنه يحيط بتلبية كلّ احتياجات المكلّفين، ومواكبته لكلّ العصور، مهما طرأ عليها من تقدّم وتطور،و ذلك لقوّة متانته ومصادره، واستحكام أدلته الغير المشوبة بآراء البشر واستحساناتهم، واقتصاره على الإرتواء من معين آل الله عليهم السلام الصافي الزلال الّذي لا يشوبه كدر،

ص: 9

مع بقاء باب الإجتهاد مفتوحاً على مصراعيه، فلا جرم في أنّه بقي غضّاً طرياً لا جمود فيه ولا نقص يعتريه.

ومن جملة أبحاثه المهمّة هو بحث الخمس وموارده ومصارفه. وتكمن أهميّته في كونه من جملة الفرائض الإسلاميّة المؤكّد عليها؛ حيث أوجبه الله تبارك وتعالى على الناس بقوله: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}، وجعله لنبينا محمّد صلّى الله عليه وآله ولذريّته عوضاً عن الزكاة إكراماً لهم. وقد تصدّى الفقهاء لبيان أحكامه قديماً وحديثاً، وأفرده كثير منهم بالتأليف بحيث قلّما يتّفق لفقيه أن يؤلّف كتباً عدّة في الفقه إلاّ وله كتاب أو رسالة في الخمس. ومنهم سماحة آية الله الأستاذ الشيخ مسلم الداوري «دام ظله» والذي له مكانة رفيعة في الأوساط العلمية في مجال الفقه والأصول والتفسير والرجال، وله أيضاً من الآثار العلمية القيّمة في مجالات التأليف، منها المطبوع والآخر تحت الطبع. وهو «حفظه الله» قد سار على نهج أستاذه آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي (قدس سره) في التعمق في تلك المجالات من البحوث.

والكتاب الحاضر يحوي لب محاضرات سماحته «أدام الله فيوضاته» في أحكام الخمس الّتي ألقاها «مدّ ظله» على ثلّة من الأفاضل، وجملة من روّاد العلم وطلّاب الفقه، وقد جعلها على ضوء كتاب العروة الوثقى لسيّد الطائفة السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي(قدس سره).

وهو يقع في جزئين، الجزء الأوّل ما سطّره يراع العلّامة المحقّق حجّة الإسلام الشيخ محمّد علي المعلم «أعلى الله في جنّة الخلد درجته»، والجزء

ص: 10

الثاني ما سجّله العلامة المحقق حجة الإسلام الشيخ محمد عيسى البناي من تلك المحاضرات، كما وأنّ الحواشي المذيلة ب- [م. ع] في الجزئين هي له، وهي اختصار لاسمه.

ومن ميزات هذا الكتاب:

1- البحث في مقدمة الكتاب حول تاريخ الخمس، وبيان الروايات والأدلة الواردة عند الفريقين على وجوبه. وبذلك قد فنّد فيها جميع الاشكالات التي اوردها المغرضون بما يتعلق بباب الخمس وهو من الفروض المعلومة في الشريعة الإسلامية.

2- تشقيق المسائل وعدم الإقتصار على ما في المتن.

3- استقصاء الأقوال في المسألة، وتتبّعها من المتقدّمين والمتأخرين، مع عرض الأدلة ومناقشتها.

4- إيضاح بعض المسائل المحتاجة لذلك قبل الشروع في ذكر الأدلّة.

5- ذكر بعض الثمرات الّتي قد تخلو منها بعض الكتب المصنّفة في أحكام الخمس، مثل الثمرات الّتي تترتّب على بعض الأقوال، كما في نحو تعلّق الخمس.

6- إضافة مسائل لم يتعرّض لها الماتن، مع ذكر تفريعاتها وبيان الوجه في كل فرع منها، كما في المسائل الّتي ألحقها (مد ظلّه) بالمسألة 14 في مبحث الكنز.

وفي الختام، لا يسعنا إلاّ أن نشكر الأخوة الّذين بذلوا جهداً كبيراً في تحقيق

ص: 11

الكتاب وإخراجه بهذه الصورة البهيّة، منهم: فضيلة الشيخ محمد الخفاجي، وفضيلة الشيخ علي الأسدي، وفضيلة الشيخ فالح العبيدي وبإشراف العلامة حجة الإسلام الشيخ حسن العبودي.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يديم لنا بقاء سماحة آية الله الشيخ الأستاذ في خير وعافية تحت رعاية سيّدنا ومولانا الحجّة بن الحسن «صلوات الله عليه وعلى آبائه»، وينفعنا بعلمه، إنّه سميع مجيب.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على نبيّنا محمّد وآله الطاهرين.

مؤسسة الإمام الرّضا(علیه السلام)

للبحث والتحقيق العلمي

ص: 12

مقدمة في تاريخ الخمس

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمّد وآله الغرّ الميامين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

وبعد:

فإنّ الإسلام يمتلك نظاماً متكاملاً لتنظيم الحياة الإنسانيّة، وجعلها حياة سعيدة وهانئة، وهذا النظام لا يوجد له مثيل في سائر التشريعات الموجودة على وجه الأرض. ولا غرو في ذلك؛ فهو التشريع الوحيد الصافي الذي يرتبط بالسماء، والذي لم تمتدّ إليه يد التحريف والتبديل. ومن ضمن ذلك النظام: التشريعات الاقتصاديّة الّتي أقرّها الإسلام في المجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية، والّتي تتكفّل بتنظيم الجانب الاقتصادي للفرد والمجتمع والدولة، خصوصاً الجانب الاقتصادي والمالي للفرد المسلم، ويظهر ذلك للمتتبّع للفقه المالي في الإسلام بوضوح، حيث نجد أحكاماً خاصة بالموارد الماليّة العامّة،

ص: 13

وواجبات الناس تجاه النظام الاقتصادي، ودعم خزينة الدولة ببعض أموالهم وممتلكاتهم.

ولا يتصوّر أحد: أنّ الفقه المالي في الإسلام منحصر في الخمس والزكاة، بل الأموال الّتي يتولاّها النبيّ‘ والإمام(علیه السلام) من بعده على عدّة أصناف، ولا تقتصر على الزكاة والخمس، نذكر منها:

1- الأنفال: وتشمل كلّ أرض ملكت بغير قتال، والموات، ورؤوس الجبال، وبطون الأودية، والآجام والغابات - إذا لم تكن لمالك خاصّ تبعاً للأرض ولو بالإحياء - ، والمياه والأحراش الطبيعية، والمراتع الّتي ليست حريماً لأحد، وقطائع الملوك، وضياعهم غير المغصوبة، فذلك كلّه أمره بيد الإمام(علیه السلام).

2- الخراج والمقاسمة:

الخراج: عبارة عن النقد المضروب على الأرض(1)، كأن يدفع العامل عليها عشرة دنانير على كلّ جريب في كلّ سنة.

والمقاسمة: عبارة عن الشركة في حاصل الأرض الخراجيّة بالكسر المشاع(2)،كأن يكون عُشر حاصل الأرض للدولة الّتي يقودها المعصوم(علیه السلام).

ودفعهما واجب على من يعمل في الأراضي الّتي فتحها المسلمون بالقتال، وتصرف عوائدها في مصالحهم، بعد أن يكون للعامل فيها حصّة معيَّنة إزاء

ص: 14


1- انظر جامع المقاصد 4: 45 .
2- انظر جامع المقاصد 4: 45 وفيه: (مقدار معين يؤخذ من حاصل الارض نسبته اليه بالجزئية كالنصف والثلث) .

عمله، وإنّما تعود العوائد للمسلمين؛ لأنّ هذه الأراضي ليست للمقاتلين الذين فتحوها، بل هي ملك للمسلمين إلى يوم القيامة.

3- الجزية: وهي ما يفرضه الحاكم الشرعي على أهل الذمّة المتواجدين ضمن حدود الدولة الإسلامية(1)، فتفرض على رؤوسهم أو أراضيهم، إذا قاموا بشرائط الذمّة المقرّرة في محلّها.

4- المظالم: وهي ما يتعلّق بذمّة الإنسان بتعدّ أو تفريط أو إتلاف في مال الغير إذا لم يعرف صاحبها، فيصرفها الحاكم الشرعي في المصارف المقرّرة لها.

5- الأوقاف والوصايا والنذور العامّة.

6- الكفّارات:ككفّارة القتل عمداً أو خطأ، وكفّارة مخالفة النذر أو العهد أو اليمين، وما يتعلّق بذمّة الإنسان في الحجّ، فللحاكم الإسلامي أن يتولّى أمرها بدلاً عن صاحب الكفارة، ويصرفها في محالّها.

7- الزكاة: وهي ما يجب في تسعة أشياء: الأنعام، وهي: الإبل والبقر والغنم، والنقدين، وهما: الذهب والفضة; والغلاّت، وهي: الحنطة والشعير والتمر والزبيب .

8 - زكاة الفطرة: وتسمّى زكاة الأبدان في قبال زكاة الأموال، وهي: الّتي تجب على كلّ مسلم في عيد الفطر عند توفّر شروطها .

9 - الخمس: وهو حقّ مالي فرضه الله سبحانه على عباده في موارد خاصة،

ص: 15


1- انظر تذكرة الفقهاء 9: 275 المسألة 160 .

لنفسه، ونبيّه‘، وذريّته(علیهم السلام)، وقد أراد الله تبارك وتعالى بتشريع الخمس إكرام أهل بيت النبيّ صلوات الله عليهم أجمعين وأسرته، وترفيعهم من أن يأخذوا أوساخ الناس في أموالهم .

والظاهر: أنّ عدّ ما يؤخذ من الناس أوساخاً مأخوذ من قوله تعالى في آية الزكاة، خطاباً لنبيه (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ): {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ}(1) . فإنّ التطهير والتزكية إنّما يتعلّقان بما لا يخلو من دنس ووسخ ونحوهما .

وقد روي في «الكافي» عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبان بن أبي عيّاش، عن سليم بن قيس، قال: سمعت أمير المؤمنين(علیه السلام) يقول: «نحن - والله - الذين عنى الله بذي القربى، الذين قرنهم الله بنفسه ونبيّه، فقال: {مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ} منّا خاصة، ولم يجعل لنا سهماً في الصدقة؛ أكرم الله نبيّه وأكرمنا أن يطعمنا أوساخ ما في أيدي الناس»(2).

وروى مسلم في صحيحه عن رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) قال: «إنّ هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنّها لا تحلّ لمحمد ولا لآل محمّد... ادعوا لي مَحْميَة بن جَزْء»، وهو رجل من بني أسد كان رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) استعمله

ص: 16


1- سورة التوبة: 103.
2- الكافي 1: 539 ، باب الفيء والانفال و تفسير الخمس .

على الأخماس(1) .

وكان النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) إذا أتي بطعام سأل عنه، فإن قيل: هدية أكل منها، وإن قيل: صدقة لم يأكل منها(2).

وقد آثرنا الحديث عن الخمس في هذه المقدمة من ناحية تاريخية؛ لأنّ هذا الجانب يمكن أن يكون ردّاً على من يناقش في موضوع الخمس، وينكر وجود بعض تفاصيله، الّتي ثبتت عبر مذهب أهل البيت(علیهم السلام) ، إضافة إلى عرض بعض الشبهات المثارة قديماً وحديثاً، مثل ما يقال من: أنّ الخمس إذا كان يتعلّق بكل فائدة سواء: كانت من الغنائم الحربية، أم من الكنوز والمعادن والغوص، أم من الأرباح فلماذا لا يوجد في كتب الأحاديث والآثار ما يدل على: وجوب الخمس في أرباح المكاسب في عصر النبي (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) ، وما بعده إلى زمان الإمامين الصادقين(علیهما السلام)؟

ولماذا اقتصر أخذ الخمس في زمان النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) على الغنائم الحربيّة، وربما الكنز؟

ولماذا اقتصر النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) على بعث العمّال لأخذ الزكوات، ولم يرسل عمّالاً لأخذ أخماس الأرباح؟

وغيرها من التساؤلات الّتي سيتكفّل هذا البحث بالاجابة عنها.

ص: 17


1- صحيح مسلم 2: 754 ، الحديث 1072/168 . ومسند أحمد 5: 173 ، الحديث 17065 مع اختلاف يسير .
2- صحيح مسلم 2: 756 ، الحديث 1077 .

وهذه المقدمة تتضمّن أربعة أقسام رئيسة:

الأول: حال الخمس والغنيمة قبل الإسلام.

الثاني: الخمس في زمان النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) .

الثالث: الخمس بعد زمان النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) .

الرابع: دفع الشّبهات عن شرعيّة الخمس.

القسم الأول: حال الخمس والغنيمة قبل الإسلام:

لم تبيّن لنا المصادر التاريخيّة والروائيّة تفاصيل أنواع الحقوق الماليّة في الشرائع السابقة، سوى نزر قليل جدّاً وعلى نحو مقتضب في العهدين، وفي المصادر الإسلامية.

فقد جاءت الإشارة في التوراة الموجودة المسمّاة بالعهد القديم؛ تمييزاً لها عن الانجيل - والذي يصدّق كلّ ما جاء في التوراة - المسمّى بالعهد الجديد إلى: أنّه لم يكن يحق لأحد التصرّف في غنيمة الحرب، بل كان الواجب جمعها في مكان حتّى تنزل عليها نار من السماء فتحرقها، ولم تكن تحلّ لأحد منهم حتّى لأنبيائهم(علیهم السلام) .

فقد جاء في سفر يشوع في الإصحاح السادس في فتح أريحا: « ... فتكون المدينة وكل ما فيها محرماً للرّب .. (1) .. وأحرقوا المدينة بالنار مع كلّ ما بها. إنّما الفضّة والذهب وآنية النحاس والحديد جعلوها في خزانة بيت

ص: 18


1- صحيح البخاري 4: 61 ، باب قول النبي (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) أُحلّت لكم الغنائم، الحديث 3124 .

الرب(1)»(2).

وجاء أيضاً: « فضرباً تضرب سكان تلك المدينة بحدّ السيف، وتحرمها بكل ما فيها، مع بهائمها بحدّ السيف (3) تجمع كلّ أمتعتها إلى وسط ساحتها، وتحرق بالنار المدينة وكل أمتعتها كاملة للرب إلهك، فتكون تلّا إلى الأبد، لا تبنى بعد (4)» (5).

وهذان النّصان وإن لم يكن لهما اعتبار، إلا أنّ في نصوص الخاصة والعامّة ما يدل على ذلك وعلى حال الحقوق الماليّة عموماً قبل الإسلام:

فمن النصوص الواردة عن طريق الخاصة ما يلي:

1 - عن احمد بن محمد بن ابي نصر و محمد بن مروان جميعاً عن أبان بن عثمان عمّن ذكره عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: « إنّ الله تبارك وتعالى أعطى محمداً (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) شرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى(علیهم السلام): التوحيد، والاخلاص، وخلع الأنداد ... وأحلّ له المغنم والفيء»(6).

2 - عن إسماعيل الجعفي: أنّه سمع أبا جعفر الباقر(علیه السلام): يقول: «قال رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ): أعطيت خمساً لم يعطها أحد قبلي: جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأحلّ لي المغنم، ونصرت بالرعب، وأعطيت جوامع الكلم،

ص: 19


1- الفائق في غريب الحديث 2: 9 ، مادة (ربع).
2- الكتاب المقدس ( العهد القديم ): سفر يشوع:345، الآيتان 18 و 25. وراجع نسخة التوراة والإنجيل من موقع: com.arabicbible.www:379.
3- صحيح البخاري 1: 99 الحديث 335 .
4- صحيح مسلم 1: 370 الحديث 521 .
5- الكتاب المقدس ( العهد القديم ): سفر التثنية: 301، الآيتان 16و17.
6- الكافي2: 17، باب الشرائع، الحديث1.

وأعطيت الشفاعة»(1).

3 - علي بن إبراهيم في «تفسيره»، رفعه في قوله تعالى: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} قال: «إنّ الله كان فرض على بني إسرائيل الغسل والوضوء بالماء، ولم يحلّ لهم التيمّم، ولم يحلّ لهم الصلاة إلا في البيع والكنائس والمحاريب. وكان الرجل إذا أذنب جرح نفسه جرحاً متيناً، فيعلم: أنّه أذنب، وإذا أصاب أحدهم شيئاً من بدنه البول قطعوه، ولم يحلّ لهم المغنم. فرفع ذلك رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) عن أمّته» (2).

4 - روى ابن طاووس(قدس سره) عن كتاب نور الهدى مناظرة قوم من أحبار اليهود لعمر بن الخطّاب، وعجزه عن الجواب، وقيام مولانا علي عليه أفضل السلام بالحق والصواب، وشهادة الحبر من اليهود: بأنّه(علیه السلام) أحق بالأمر بعد رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) من كلّ من تقدم عليه، وأنّه أسلم بما هداه إليه. وقد جاء فيها في قصّة أصحاب الكهف: «قالوا: أتيناك بالعجب: هذا رجل قد وجد كنزاً وهي دراهم معه .

فقال الملك: إنّ نبينا عيسى(علیه السلام) أمرنا ألاّ نأخذ من الكنز إلا الخمس،

ص: 20


1- الأمالي للشيخ الصدوق: 285، المجلس الثامن والثلاثون، الحديث 6 . والخصال 1: 323 باب الخمسة الحديث 56 مع اختلاف يسير، ومن لا يحضره الفقيه 1: 240 الحديث 724 مع اختلاف يسير .
2- وسائل الشيعة 3: 351 ، الباب 7 من أبواب التيمم، الحديث 5 .

فأعطنا ممّا وجدت الخمس، وسائر ذلك لك حلال ...»(1).

5 - عن أبي عبد الله(علیه السلام): «وأول من قاتل في سبيل الله إبراهيم، وأول من أخرج الخمس إبراهيم، وأول من اتّخذ النعلين إبراهيم، وأول من اتّخذ الرّايات إبراهيم»(2).

6 - قال ابن شهر آشوب: «فارق (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) جماعة النبيّين بمائة وخمسين خصلة... وفي باب الزكاة: حرّم عليه الزكاة والصدقة وهديّة الكافر، وأحلّ له الخمس والأنفال والغنيمة، وجعل زكاة المال ربح الخمس، لا ربح المال»(3).

وهذه الروايات الأخيرة صريحة في الخمس، وقد ورد في الروايات السابقة - وسيأتي في روايات العامّة - بعنوان المغنم، وفيه احتمالان:

أحدهما: أن يراد به جميع ما يغنم، فجميع ما يحصل عليه المحاربون يكون لله، وليس للأنبياء السابقين، ولا لأممهم حقّ فيه، وهو حلال لهذه الأمّة، وهذا الاحتمال هو الظاهر، وهو صريح بعض الروايات الّتي تقدّم بعضها.

الثاني: أن يراد به: خمس ما يغنم، هذا إذا لم تقرن الأمّة به (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) ، أو يذكر الخمس مع الغنيمة، وتشهد له آية الخمس وبعض الروايات: كالروايتين الأخيرتين.

ومن النصوص الواردة من طرق العامّة ما يلي:

ص: 21


1- التحصين لابن طاووس: 652 - 653 .
2- مجمع البيان1: 375 ، سورة البقرة: الآية 124 .
3- مناقب آل أبي طالب 1: 124 فصل في ما خصّه الله تعالى به .

1 - زيد الفقير قال: أخبرنا جابر بن عبد الله: أنّ النبيّ صلى الله عليه [وآله] وسلم قال: «أعطيت خمساً لم يعطهنّ أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيّما رجل من أمّتي أدركته الصلاة فليصلّ، وأحلّت لي الغنائم، ولم تحلّ لأحد قبلي .. »(1).

2 - وعن زيد الفقير أيضاً، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: «أعطيت خمساً لم يعطهنّ أحد قبلي: كان كلّ نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى كلّ أحمر وأسود، وأحلّت لي الغنائم، ولم تحلّ لأحد قبلي.. »(2).

3 - عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: «غزا نبيّ من الأنبياء، فقال لقومه: لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولمّا يبن بها، ولا أحد بنى بيوتاً ولم يرفع سقوفها، ولا أحد اشترى غنماً أو خلفات وهو ينتظر ولادها، فغزا، فدنا من القرية صلاة العصر أو قريباً من ذلك، فقال للشمس:

إنّك مأمورة، وأنا مأمور. اللهم احبسها علينا، فحبست حتّى فتح الله عليه، فجمع الغنائم، فجاءت - يعني: النار - لتأكلها، فلم تطعمها. فقال: إنّ فيكم غلولاً، فليبايعني من كلّ قبيلة رجل، فلزقت يد رجل بيده، فقال: فيكم الغلول، فليبا يعني قبيلتك، فلزقت يد رجلين أو ثلاثة بيده، فقال: فيكم الغلول، فجاؤوا برأس مثل رأس بقرة من الذهب،

ص: 22


1- صحيح البخاري 1: 99 الحديث 335 .
2- صحيح مسلم 1: 370 الحديث 521 .

فوضعوها، فجاءت النار، فأكلتها، ثم أحلّ الله لنا الغنائم؛ رأى ضعفنا وعجزنا، فأحلّها لنا» (1).

وعلّق عليه العيني شارح «صحيح البخاري» بقوله: قوله: «إنّ فيكم غلولاً»، وهو الخيانة في المغنم، وكان من خصائص الأنبياء المتقدمين: أن يجمعوا الغنائم في مربد، فتأتي نار من السماء فتحرقها، فإن كان فيها غلول أو ما لا يحلّ لم تأكلها، وكذلك كانوا يفعلون في قرابينهم: كان المتقبّل تأكله النار، وما لا يتقبّل يبقى على حاله، ولا تأكله. ففضّل الله هذه الأمة، وجعلها خير أمة أخرجت للناس، وأعطاهم ما لم يعط أحداً غيرهم، وأحلّ لهم الغنائم(2).

3 - عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: «أعطيت خمساً لم يعطها نبي قبلي: بعثت إلى الأحمر والأسود، وإنّما كان النبيّ يبعث إلى قومه، ونصرت بالرعب مسيرة شهر، وأطعمت المغنم، ولم يطعمه أحد كان قبلي، وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً، وليس من نبي إلّا وقد أعطي دعوة فتعجّلها، وإنّي أخّرت دعوتي؛ شفاعة لأمتي، وهي بالغة إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئاً» .رواه الطبراني في «الأوسط»، واسناده حسن (3).

4 - عن أبي أمامة: أنّ رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم قال: «فضّلني

ص: 23


1- صحيح البخاري 4: 61 ، باب قول النبي (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) أُحلّت لكم الغنائم، الحديث 3124 .
2- عمدة القاري في شرح البخاري 15: 43-44 ، باب قول النبي (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) أُحلّت لكم الغنائم، ح4213 .
3- مجمع الزوائد 8:269 .

ربي على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام» أو قال: «على الأمم بأربع». قال: «أرسلت إلى الناس كافّة ... وأحلّ لنا الغنائم» (1).

5- عن أبي أمامة، عن النبيّ صلى الله عليه [وآله] وسلم، قال: «إنّ الله فضّلني على الأنبياء»، أو قال: «أمتي على الأمم، وأحلّ لنا الغنائم». وفي الباب عن علي وأبي ذر وعبد الله بن عمرو وأبي موسى وابن عباس. قال ابو عيسى: حديث أبي أمامة حديث حسن صحيح (2).

ويستفاد من مجموع هذه النصوص: أنّ الغنيمة كانت محرّمة على الأمم السابقة، ولم تحلّل حتّى لأنبيائها، وأنّ الله سبحانه كان يرسل عليها ناراً من السماء - بعد أن تجمع في مكان - فتحرقها إذا لم يكن فيها غلول أو ما لايحلّ، وكان ذلك بليّة عظيمة عليهم، حتّى كان قد يقع فيها السرقة، فيقع الطاعون بينهم، فمنّ الله على هذه الأمة باحلالها(3) ؛ تفضيلاً لهم على سائر الأمم .

هذا كلّه بالنسبة إلى الأمم السابقة.

وأمّا ما قارب عصر النبوة الخاتمة وهو العصر الجاهلي فقد كانت تلك المجتمعات العربيّة تتألّف من قبائل تضمّ البطون والأفخاذ، يدير كلّ قبيلة رئيس وفق تقاليد عشائريّة موروثة.

ولما كانت مواردهم محدودة، مصدرها ما تدرّه الماشية عليهم التجأوا

ص: 24


1- مسند أحمد بن حنبل 6: 330 ، الحديث 21632 .
2- سنن الترمذي 55:3، الحديث 1593 .
3- بحار الأنوار 65: 324 ، الباب 26 .

إلى التعيّش بالغزوات، وشنّ الغارات، واختطاف كلّ ما في أيدي الآخرين من متاع أو عرض، فالحروب بينهم متّصلة، والغارات متواترة، والأمر إلى من غلب، والملك لمن استولى، فلا أمن بينهم ولا أمانة، ولا سلم ولا سلامة. ويستثنى من ذلك قريش وبعض القبائل الأخرى الّتي أقامت فيما يشبه المدن، فلها نوع تحضّر، يميّزها عن بقية القبائل، فقد كانت تتعاطى التجارة والزراعة، لكن لم تكن هناك دولة بالمعنى المتعارف، أو نظام وإدارة، بل كانت التقاليد العشائريّة هي السمة المشتركة الّتي تجمع جميع القبائل.

وكان الرئيس عند العرب يأخذ ربع الغنيمة، ويقال للربع الذي يأخذه الرئيس: المرباع.

فهذا قانون يلتزمون به، ويطبّقه جميعهم؛ اعترافاً منهم بمكانة الرئيس، وتقديراً منهم لمقامه، ويقال: ارتبع أمر القوم، أي: انتظر أن يؤمر عليهم، وهو على رباعة قومه، أي: هو سيدهم(1).

وذكر أهل اللغة: أنّ الربع صار يستعمل ويراد به الرئيس، ويشار به إلى الرئاسة والتنفّذ على الناس. جاء في «الفائق» في مادة ربع: يقول الله تعالى يوم القيامة: يابن آدم، ألم أحملك على الخيل والإبل، وزوّجتك النساء، وجعلتك تربع وتدسع؟ قال: بلى، قال: فأين شكر ذلك؟! المعنيّ بهذا: الرئيس؛ لأنّه هو الذي يربع ويدسع عند قسمة الغنائم، أي: يأخذ المرباع ويدفع العطاء الجزل من الدسيعة(2).

ص: 25


1- النهاية في غريب الحديث 2: 189، مادة (ربع).
2- الفائق في غريب الحديث 2: 9 ، مادة (ربع).

وفي مادة (خمس) من «النهاية»: ومنه حديث عدي بن حاتم: ربّعت في الجاهليّة، وخمّست في الإسلام، أي: قدت الجيش في الحالين، لأنّ الأمير في الجاهليّة كان يأخذ ربع الغنيمة، وجاء الإسلام فجعله الخمس، وجعل له مصاريف(1).

كما أنّ هناك ما يأخذه الرئيس غير المرباع، وهي الصفايا والنشيطة والفضول، ولذا قال شاعرهم:

لك المرباع منها والصفايا *** وحكمك والنشيطة والفضول

فالمرباع: ما وصفنا، والصفايا: واحد صفيّ، وهو ما يصطفيه لنفسه، أي: يختار لنفسه من الغنيمة أيضاً قبل القسم، وحكمه ما احتكم فيها من شيء كان له، والنشيطة: ما مرّوا به في غزاتهم على طريقهم سوى المغار الذي قصدوا له، والفضول: ما فضل عن القسم، فلم يمكنهم أن يبعّضوه صار له أيضاً، فكل هذه كانت لرؤساء الجيوش من الغنائم (2).وقد احتفظ لنا التاريخ بأسماء كان لها الرئاسة في الجاهليّة، وكانت تأخذ الأرباع؛ دليلاً على سيادتها على قبائلها وعشائرها، منها:

1 - جرير - مضموم الجيم - ابن إساف بن ثعلبة بن سدوس، وكان شريفاً، وقد أخذ المرباع في الجاهلية (3).

ص: 26


1- النهاية في غريب الحديث 2: 79 ، مادة (خمس).
2- غريب الحديث لابن سلام 3: 88 ، مادة (ربع).
3- تصحيفات المحدثين 2: 649.

2- الخطّاب بن مرداس رئيس بني فهر في زمانه، وكان يأخذ المرباع لقومه(1).

3- عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب، كان من شعراء الجاهلية وفرسانها، شاعر مشهور، وفارس مذكور، أخذ المرباع، ونال الرئاسة، وتقدّم على العرب، وأطيع في السياسة، وقاد الجيوش، وقمع العدو(2).

4- أبو حوط الحظائر، من قبيلة النمر بن قاسط، شريف في قومه، وكان رئيساً فيهم، ويأخذ المرباع. قال الأخنس بن شهاب:

أناس أبو حوط الحظائر منهم *** ومن ربع المرباع في الباس والشبر(3)

5- عديّ بن حاتم الطائي، شريف في قومه مطاع، وكان يأخذ المرباع، مع أنّه محرّم عليه في دينه، فقد كان يعتنق الركوسيّة، وهي فرقة بين النصارى والصابئين(4)، قال له الرسول قبل أن يسلم: «يا عديّ بن حاتم، أسلم تسلم» قال: قلت: إنّي من أهل دين. قال: «يا عديّ بن حاتم، أسلم تسلم» . قال: قلت: إنّي من أهل دين. قالها ثلاثاً. قال: «أنا أعلم بدينك منك». قال: قلت: أنت أعلم بديني منّي. قال: «نعم» . قال: «أليس ترأس قومك؟» . قلت: بلى. قال: فذكر محمد الركوسيّة، قال كلمة التمسها يقيمها فتركها. قال: «فإنّه لا يحلّ في دينك المرباع» . قال: فلما قالها تواضعت منّي هنية(5)؛ فإنّ ذلك

ص: 27


1- الاستيعاب في معرفة الأصحاب 2: 748 / 1255 .
2- الوافي بالوفيات 330:16 ، حرف العين / 3 .
3- تصحيفات المحدثين 3: 1094.
4- معجم الصحاح للجوهري: 425 .
5- مسند أحمد 5: 510 ، الحديث 18888 .

ليس من دين النصارى؛ لأنّ في دينهم: أنّ الغنائم لا تحلّ، كما تقدم.

وقال أبو مخنف: حدثني جعفر بن حذيفة من آل عامر بن جوين: أنّ عائذ بن قيس الحزمري واثب عديّ بن حاتم في الراية بصفّين، وكانت حزمر أكثر من بني عدي رهط حاتم، فوثب عليهم عبد الله بن خليفة الطائي البولاني عند علي، فقال: يا بني حزمر، على عديّ تتوثّبون، وهل فيكم مثل عديّ أو في آبائكم مثل أبي عديّ؟ أليس بحامي القربة، ومانع الماء يوم روية؟ أليس بابن ذي المرباع وابن جواد العرب؟(1).

وهذا النصّ يدلّ على: أنّ والده (حاتم) كان يأخذ المرباع أيضاً.

ولما جاء الإسلام بدّل هذه العادة، وشرّع بدلها الخمس للنبي والإمام بعده، فجعل سهم الرئاسة الخمس بدل الربع، الذي كان معمولاً به في الجاهلية، وقلّل مقداره، وكثّر أصحابه المستفيدين منه، فجعله سهماً لله، وسهماً للرسول (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ)، وسهماً لذوي قرباه، وثلاثة أسهم لليتامى والمساكين وابن السبيل من فقراء أقرباء الرسول (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ)، وشرّع لزوم الخمس لكل ما يغنمه الفرد، ولم يخصّصه بما يغنمه في الحرب، وسمّاه الخمس مقابل المرباع في الجاهلية .

قال السهيلي في شرح غزوة حنين: كان في الجاهلية المرباع، أي: ربع الغنيمة، والصفيّ، أي: ما يصطفى للرئيس، فنسخ المرباع بالخمس، وبقي الصفيّ(2).

ص: 28


1- تاريخ الطبري 4: 5 .
2- مواهب الجليل 5: 16 ، كتاب النكاح، باب الخصائص .

وورد في سبب نزول آية الفيء الّتي اشتملت على قوله تعالى شأنه: {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ}(1): أنّها نزلت في رؤساء المسلمين، قالوا له: يا رسول الله، خذ صفيّك والربع، ودعنا والباقي؛ فهكذا كنّا نفعل في الجاهلية(2).

إلّا أنّه قد ورد نص عن الأئمّة الأطهار(علیهم السلام) يفيد: أنّ من مآثر عبد المطلب جدّ النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) أنّه طبّق التخميس وغيره، فلقد كان على ملّة إبراهيم.

والنص هو ما ورد في وصيّة النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) لأمير المؤمنين(علیه السلام): «يا علي، إنّ عبد المطلب سنّ في الجاهلية خمس سنن أجراها الله له في الإسلام ... ووجد كنزاً فأخرج منه الخمس وتصدّق به، فأنزل الله عز وجل: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلهِ خُمُسَهُ} الآية»(3).

القسم الثاني: الخمس في زمان النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ):

اشارة

جاء الإسلام بنظم كاملة وشاملة من شأنها أن توفّر السعادة لمعتنقيه فيما إذا طبّقت على وفق ما أراده مشرّعها جلّ وعلا. ومن تلك النظم النظام الاقتصادي الذي يشكّل عصب الحياة لدى جميع الناس، وقد اعتمد الاقتصاد الإسلامي على حدود خاصة في الملكيّة الخاصة للأفراد، لا نجدها في الأنظمة الاقتصاديّة الوضعيّة. ومن أهمّ تلك الحدود حفظ التوازن الاجتماعي في

ص: 29


1- سورة الحشر: 7.
2- مجمع البيان في تفسير القرآن 9: 432 ، سورة الحشر: الآية 7 .
3- من لا يحضره الفقيه 4: 352 ، الحديث 5765 ، الخصال 1: 344 ، باب الخمسة الحديث90 .

المجتمع المسلم، مع السعي الجادّ للقضاء على التفاوت الفاحش في المستوى المعاشي لأبناء المجتمع، عبر إيجاد التوازن المعاشي فيما بينهم.

فالملكية الخاصة وإن كانت لا تحدّ بحدّ ماليّ معيّن في الإسلام، فللمسلم أن ينمي ثروته المشروعة بلا قيد، إلاّ أنّ الإسلام أراد في الملكية حفظ حالة التوازن المعيشي.

وقد عمد الإسلام إلى عدة طرق لأجل الحفاظ على هذا المبدأ، منها: الفروض الماليّة الثابتة والمتكرّرة على الأموال: كالزكاة والخمس، ومنها: تحريم الاحتكار، ومنها: الندب للإنفاق والعطاء والسخاء، وغير ذلك.

والزكاة هي أهم تلك الطرق المشرّعة للحفاظ على ذلك التوازن، إلا أنّه لما كان قسم من المجتمع الإسلامي - ولأسباب تأتي قريباً - محروماً من الزكاة حيث لا يجوز له أن يتناول منها شيئاً، شرّع الخمس ليسدّ تلك الحاجة، الّتي كانت الزكاة تسدّها لغيرهم.

ومع أنّ الزكاة تشترك مع الخمس في أنّ كلّا منهما جزء من مال الناس، إلا أنّه ورد: أنّ الزكاة أوساخ الناس، وقد حرّمت على بني هاشم وأهل البيت(علیهم السلام) دون الخمس، حتّى أنّ الله خصّهم بالخمس، وحرّم عليهم الزكاة.

ولعل السبب في التعبير عن الزكاة بأنّها أوساخ وعن الخمس بأنّه حقّ هو:

أنّ الزكاة لا تخلو من شائبة امتنان من دافع الزكاة، فهي تشبه إلى حدٍّ بعيد نفقة واجبي النفقة، فإنّها لا تخلو من شائبة امتنان من المنفق على من ينفق عليه، وإن وجب عليه الانفاق شرعاً،كما أنّ أكثر الناس يبخل بأطايب

ص: 30

المال في الصدقة، فلا تطيب أنفسها بدفعه، وتحرص على الاختصاص به، لذا خفّف الله عنهم برحمته؛ لعلمه بضعف نيّتهم، وأمر بترك أخذ كرائم الأموال وأطايبها في الزكاة، فأطلق عليها أوساخاً - أي فضلات - ، ولذا سمّيت صدقة، والصدقة لا تخلو من شائبة انكسار في نفس المتصدّق عليه،فلذا حرّمها على بني هاشم؛ إعزازاً لهم، وتكريماً لرئيسهم، وهو النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ).

والخمس حصّة مفروضة على سبيل الشركة مع المالك، فالخمس يشبه حقوق الشركاء، وهو حصّة شائعة تؤخذ من كلّ عين بشروط معيّنة، فأرباب الخمس شركاء بالخمس مع المالك، فهو ملك لهم، فلا يكون في دفع الخمس إلى مستحقّه أيّة منّة، بل خصّ الإمام بالأنفال وبصفو المال؛ امعاناً في إجلال مقامه، وسموّ مرتبته.

ولا يبعد أن يقال: إنّه مال للإمام بالأصالة، لا لفقره، ولذلك يملكه، وإن كان غنياً، ثم إنّه يصرف نصفه إلى فقراء الهاشميين، ويؤيده: أنّه لو كان الهاشميون كلهم أغنياء كان النصف الآخر أيضاً له(1).

وتحريم الزكاة على بني هاشم غير مطلق، بل يستثنى منه ما إذا لم يكفِهم ما يصلهم من الخمس، بحيث ضاقت عليهم سبل المعيشة. وقد ورد عن مولانا الصادق(علیه السلام): «لو كان عدل ما احتاج هاشميّ ولا مطلبي إلى صدقة. إنّ الله تعالى جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم»، ثم قال: «إنّ الرجل إذا لم يجد شيئاً حلّت له الميتة، والصدقة لا تحلّ لأحد منهم

ص: 31


1- شرح أصول الكافي 7: 397 ، شرح الحديث 4 من باب الفيء والأنفال و تفسير الخمس .

إلا أن لا يجد شيئاً، ويكون ممّن يحلّ له الميتة»(1).

وقال صاحب «الجواهر» - تعليقاً على ذيل هذا الحديث ما هذا مضمونه - : قد عبّر(علیه السلام) في ذيل الحديث بهذا التضييق؛ إرشاداً للذرية الطيّبة إلى أن لا يجعلوا كلّ ضرورة وسيلة لتناول أوساخ الناس ويتنزّهوا عن ذلك تنزّههم عن كلّ وسخ وقذر وميتة(2).والمهم عندنا هنا هو القاء نظرة سريعة على خصوص الخمس في زمان النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) من حيث تشريعه، حيث نجد: أنّه قد دلّت الآثار الإسلاميّة من الأحاديث والأخبار التاريخيّة على: أنّ النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) كان يأمر بدفع الخمس من كلّ فائدة وغنيمة، بما للغنيمة من معنى عام شامل لأرباح المكاسب أيضاً، ولم يكن (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) يقتصر على طلب خمس الغنائم الحربيّة والكنوز والمعادن.

بداية تشريع الخمس:

وجاء تشريع الخمس في بدء الدعوة في مكّة المكرّمة على ما يدل عليه حديث مناشدة أمير المؤمنين(علیه السلام) لأصحاب الشورى حيث قال: «نشدتكم بالله... أفيكم أحد كان يأخذ الخمس غيري وغير فاطمة؟» قالوا: اللهم لا(3).

ص: 32


1- الاستبصار 2: 148 الحديث 111 . وسائل الشيعة 9: 276 ، الباب 33 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 1 .
2- جواهر الكلام 15: 410 .
3- كنز العمال 5: 725، الحديث 14243.

الخمس في غنائم الحرب:

وكان أول خمس أخذه (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) في سريّة عبد الله بن جحش إلى بطن نخلة، والّتي وقعت في رجب أو في جمادى الثانية من السنة الثانية للهجرة، في ثمانية، أو اثني عشر رجلاً من المهاجرين، وهي قبل بدر بأشهر.

قال أبو هلال العسكري: ورد عبد الله بن الجحش بالخمس على رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) ، وقسّم الباقي بين أصحابه، فكان أول خمس خمّسه(1).

وأما بالنسبة إلى غزوة بدر الكبرى الّتي نزلت فيها آية الخمس، وابتلي المسلمون فيها بمسألة الغنائم، فإنّ النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) لم يأخذ الخمس لنفسه بعد أن انتهت المعركة، ورأى اختلاف أصحابه على الغنائم وشدّة حرصهم عليها في هذه الواقعة، فما كان منه إلاّ أن أخّر تقسيم الغنائم إلى ما قبل الوصول إلى المدينة، بدون أن يأخذ منها الخمس؛ وذلك ترغيب منه (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) لهم، بعد أن رأى حرصهم عليها، وتكثير لسهامهم، وكان ذلك بإذن من الله سبحانه، وبسماحة من نفسه، ورضا من ذوي القربى.

ثم إنّ التاريخ يحدثنا: بأنّ النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) كما أنّه لم يأخذ الخمس في غزوة بدر، فإنّه لم يأخذه في غيرها أيضاً، فقد ورد عن عمرو بن شعيب: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صدر من حنين وهو يريد الجعرانة، سأله الناس، حتّى دنت به ناقته من شجرة، فتشبكت بردائه، حتّى نزعته عن ظهره، فقال رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ): «ردّوا عليّ ردائي. أتخافون أن لا أقسم بينكم ما أفاء الله عليكم ؟ والذي نفسي بيده، لو أفاء الله عليكم مثل سمر تهامة نعماً

ص: 33


1- الأوائل للعسكري 1:176.

لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلاً، ولا جباناً، ولا كذّاباً» .

فلما نزل رسول الله صلى الله عليه آله وسلم قام في الناس، فقال: «أدّوا الخياط والمخيط؛ فإنّ الغلول عار ونار وشنار على أهله يوم القيامة».

قال: ثم تناول من الأرض وبرة من بعير أو شيئاً، ثم قال: «والذي نفسي بيده، ما لي ممّا أفاء الله عليكم، ولا مثل هذه، إلاّ الخمس، والخمس مردود عليكم»(1).

فهذا النص والذي سبقه يوضّحان: أنّ الخمس كان مشرّعاً، إلا أنّ النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) لم يأخذه، وتنازل عن حقه وحق ذوي القربى؛ لأنّهم لا يصدرون إلاّ عن رأيه، وأنّه كان يقسّم الغنائم فيهم بدون أن يأخذ له أو لقرابته شيئاً من الخمس؛ تأليفاً لقلوبهم، وتقوية لعزائمهم، واحساناً لهم.

هذا كلّه في غنائم الحرب.

الخمس في كلّ فائدة:

وأما غيرها ممّا يغنمه الانسان من: المكاسب وأرباح التجارات والكنوز والمعادن والغوص وغير ذلك ففيه الخمس عند الشيعة الإمامية؛ تبعاً لأئمتهم(علیهم السلام) ، وقد دلّت عليه آية الخمس. قال تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لله خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالمَسَاكِينِ

ص: 34


1- الموطأ 2: 457، كتاب الجهاد باب 13 الحديث 22 ، الاستذكار 5: 77 ب 13 ما جاء في الغلول ح 946 .

وَابْنِ السَّبِيلِ} (1).

نزلت الآية يوم الفرقان، يوم التقى الجمعان، وهي غزوة بدر الكبرى.وقد اتّفق علماء الإمامية على: أنّ المراد من {ما غنمتم}: كلّ ما يغنمه الإنسان من الأموال، بأي سبب مشروع، سواء: كان بالحرب والجهاد ضد الكفار، أم باستخراج المعادن من الأرض، أم بوجدان الكنوز، أم بالغوص، أم بتكسّب في نوع من أنواع التكسّب من: زراعة أو تجارة أو صناعة أوغيرها؛ وفاقاً لما يستفاد من موارد استعمال كلمة الغنيمة، كما في قوله تعالى في شأن الفدية الّتي تؤخذ من الأسير: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}(2)، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ...} (3). ويلاحظ فيها: أنّ الغنيمة أطلقت على الفدية وعلى كلّ ما عند الله من الفوائد، وليس المراد: أنّ عند الله في الجنّة غنيمة حرب.

وعن النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ): «وصفة العاقل: أن يحلم عمّن جهل عليه، ويتجاوز عمّن ظلمه، ويتواضع لمن هو دونه، ويسابق من فوقه في طلب البرّ، وإذا أراد أن يتكلّم تدبّر، فإن كان خيراً تكلّم فغنم، وإن كان شراً

ص: 35


1- سورة الأنفال: 41 .
2- سورة الأنفال: 69 .
3- سورة النساء: 94.

سكت فسلم..»(1).

وعن الإمام الصادق(علیه السلام) في دعاء ليلة النصف من شعبان: «اللهم اجعلني ممّن سعد جدّه، وتوفّر من الخيرات حظّه، واجعلني ممّن سلم فنعم، وفاز فغنم»(2).

وقد كان أبو الحسن موسى بن جعفر(علیه السلام) يدعو عقيب الفريضة بما يلي: «أنت الله الذي لا إله إلا أنت، لقد فاز من والاك، وسعد من ناجاك، وعزّ من ناداك، وظفر من رجاك، وغنم من قصدك، وربح من تاجرك»(3).

إلى غير ذلك من موارد استعمالها.

ووفاقاً لما ذكره اللغويّون في تفسير الغنيمة:

قال في القاموس المحيط: إنها الفوز بالشيء بلا مشقة(4).

وفي العين: الغنم: الفوز بالشيء في غير مشقة(5).

وفي المنجد: غنم الشيء يغنم: فاز به وناله بلا بدل، يقال: غنيمة باردة، أي: طيبة، أو بلا تعب، والغُنم بالغُرم، أي: مقابل به، فكما أنّ المالك يختصّ بالغُنم

ص: 36


1- تحف العقول عن آل الرسول:28.
2- مصباح المتهجد: 575 .
3- مصباح المتهجد: 60 .
4- القاموس المحيط 4: 222 ، مادة (غنم).
5- العين: 722 ، مادة( غنم).

ولا يشاركه فيه أحد، فكذلك يتحمّل الغُرم وحده(1).

ثم إنّ تقييد بعض اللغويين الغنيمة بكونها الفوز بالشيء بلا مشقة لا يمكن المساعدة عليه؛ للزوم عدم شمول الغنيمة لأظهر أفرادها، وهي الغنائم الحربية؛ لأنّه من الواضح بمكان: أنّ ما يغنم في الحروب إنّما يحصل بغاية المشقة، وأيّ مشقة أكبر وأكثر من بذل النفس في سبيل كسب المعركة؟

كما أنّ التقييد بكون الفوز بلا بدل إنّما هو للتمييز بين الغنيمة والمعاوضة، فإنّه يعتبر في صدق الغنيمة أن تكون بلا بدل، دون المعاوضة، فإنّه يعتبر فيها البدل وحصول المبادلة، ولذا كانت المتاجرة في نفسها معاوضة، والربح الحاصل منها فائدة وغنيمة.

والشيء الوحيد الذي استند إليه جماعة من مفسري أهل السنة هو: أنّ الآيات السابقة والآيات اللاحقة لهذه الآية تتعلّق بالجهاد، وهذا يكون قرينة على: أنّ آية ما غنمتم تتعلّق بغنائم الحرب.

ويُلاحظ عليه: أنّ أسباب النزول وسياق الآيات لا يخصّص عموميّة الآية، كما هو معلوم فليس الاستعمال في موردٍ إلاّ تطبيقاً للمعنى الكلّي على مورد خاص.

وبعبارة أوضح: لا مانع من كون مفهوم الآية ذا عموم، وأن يكون سبب نزولها هو غنائم الحرب في الوقت ذاته، فهي من مصاديق هذا المفهوم. ولهذا نظائركثيرة في القرآن الكريم والسنة الشريفة، فيكون الحكم عامّاً ومصداقه

ص: 37


1- المنجد في اللغة: 561 ، مادّة (غنم) .

جزئيّاً وخاصاً.

فعلى سبيل المثال قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}(1) فيها حكم كلّي هو وجوب الالتزام بأوامر النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) ، إلاّ أنّ سبب نزولها هو الأموال الّتي تقع بأيدي المسلمين من دون حرب، وهي المسماة بالفيء.وكذا في قوله تعالى: {لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا}(2)، إذ اشتملت على حكم كلّي، مع أنّ الوارد في سبب نزولها يتعلق بالنساء المرضعات، والأمر موجّه إلى آباء الأطفال الرّضع بأن يعطوا المرضعات أجورهنّ حسب وسعهم. ففي هذين النموذجين وردت الآيتان في أمر خاص، إلاّ أنّه لا يمنع من عموميّة القانون الذي جاءت به.

وقد وافقنا القرطبي منهم؛ حيث صرّح في تفسيره: بأن الآية تشمل - كما تقتضيه اللغة - مطلق الفوائد والأرباح، وأنّها غير مختصّة بغنائم دار الحرب، وذكرها لغنائم دار الحرب إنّما كان من جهة بيان أحد المصاديق، وقد خصّصها فقهاء أهل السنة بغنائم دار الحرب من جهة الاجماع(3).

ومعنى كلامه: أنّهم قد اتّفقوا على خلاف ظاهر الآية، وخلاف المتبادر منها، وليست هذه أول قارورة كسرت في الإسلام.

ص: 38


1- سورة الحشر: 7.
2- سورة البقرة: 233.
3- انظر الجامع لأحكام القرآن 8: 1-4.

مع أنّ دعوى الاجماع هذه لا تتمّ، ولا حجيّة لها بعد ورود الأحاديث الّتي توجب الخمس في الغنائم في غير حال الحرب:

كقوله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) فيما رواه البخاري وغيره: «وفي الركاز الخمس»(1).

والمراد بالركاز هو: الكنز المستخرج من باطن الأرض، وهو يشمل المعدن والكنز؛ لأنّه من الركز، أي: المركوز، سواء من الخالق أو المخلوق.

وقد استفاد بعضهم من هذا الحديث ذاته وجوب الخمس في العنبر واللؤلؤ، فقد روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما ما مفاده: «ليس العنبر بركاز، هو شيء دسره البحر».

ولعله مستند الحسن البصري، فقد روى البخاري بعده أيضاً عن الحسن قوله: «في العنبر واللؤلؤ الخمس؛ فإنّما جعل النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) في الركاز الخمس ليس في الذي يصاب في الماء»(2).

ونحوه قوله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ): «العجماء جرحها جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس»(3).

قال أبو يوسف في «كتاب الخراج»: كان أهل الجاهليّة إذا عطبَ الرجل في قُلَيب جعلوا القليب عَقَله، وإذا قتلته دابة جعلوها عقله، وإذا قتله معدن

ص: 39


1- صحيح البخاري 2: 166 الحديث 1499،كتاب الموطأ 2: 869 كتاب العقول باب 18 الحديث 12 .
2- صحيح البخاري 2: 165 ، الباب 65 .
3- مسند الإمام أحمد بن حنبل 2: 501 ، الحديث 7407 .

جعلوه عقله. فسأل سائل رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) عن ذلك؟ فقال: «العجماء جبّار، والمعدن جبّار، والبئر جبّار، وفي الركاز الخمس» . فقيل له: ما الركاز، يا رسول الله؟ فقال: «الذهب والفضّة الذي خلقه الله في الأرض يوم خلقت»(1).

وعن أنس بن مالك قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم إلى خيبر، فدخل صاحب لنا إلى خربة يقضي حاجته، فتناول لبنة؛ ليستطيب بها، فانهارت عليه تبراً، فأخذها، فأتى بها النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) فأخبره بذلك، قال: «زنها» ، فوزنها فإذا مائتا درهم، فقال النبيّ: «هذا ركاز، وفيه الخمس»(2).

وعليه، فهذه الروايات تفيد وجوب الخمس، وهو غير الزكاة، وقد صرّح أبو يوسف في «كتاب الخراج» بذلك، حيث قال: في كلّ ما أُصيب من المعادن - من قليل أو كثير - الخمس. ولو أنّ رجلاً أصاب في معدن أقلّ من وزن مائتي درهم فضّة أو أقلّ من وزن عشرين مثقالاً ذهباً فإنّ فيه الخمس، ليس هذا على موضع الزكاة، إنّما هو على موضع الغنائم.

وليس في تراب ذلك شيء، إنّما الخمس في الذهب الخالص والفضّة الخالصة والحديد والنحاس والرصاص، ولا يحسب لمن استخرج ذلك من نفقته عليه شيء، قد تكون النفقة تستغرق ذلك كلّه، فلا يجب إذن فيه خمس عليه، وفيه الخمس حين يفرغ من تصفيته قليلاً كان أو كثيراً، ولا يحسب له من نفقته شيء.

ص: 40


1- كتاب الخراج:22.
2- مسند الإمام أحمد بن حنبل 3: 582 ، الحديث 11889 ومجمع الزوائد 3: 77 .

وما استخرج من المعادن سوى ذلك من الحجارة مثل: الياقوت والفيروزج والكحل والزئبق والكبريت والمغرّة فلا خمس في شيء من ذلك، إنّما ذلك كلّه بمنزلة الطين والتراب.قال: ولو أنّ الذي أصاب شيئاً من الذهب أو الفضّة أو الحديد أو الرصاص أو النحاس كان عليه دين فادح لم يُبطل ذلك الخمس عنه؛ ألا ترى: لو أنّ جنداً من الأجناد أصابوا غنيمة من أهل الحرب خُمِّسَت، ولم ينظر أعليهم دين أم لا، ولو كان عليهم دين لم يمنع ذلك من الخمس.

قال: وأمّا الركاز فهو الذهب والفضة الذي خلقه الله عزّ وجلّ في الأرض يوم خلقت، فيه أيضاً الخمس، فمن أصاب كنزاً عاديّاً في غير ملك أحد - فيه ذهب أو فضّة أو جوهر أو ثياب - فإنّ في ذلك الخمس، وأربعة أخماسه للذي أصابه، وهو بمنزلة الغنيمة يغنمها القوم فتخمَّس، وما بقي فلهم(1).

وصدر كلامه يفيد: أنّ الخمس الوارد في هذا الموضع من مصاديق الغنيمة الواردة في آية الخمس، وهو يشهد لاطلاق الآية الشريفة، وإن كان قد خالف الحق الثابت عن أئمة أهل البيت(علیهم السلام) في: أنّ ما استخرج من المعادن من الحجارة مثل: الياقوت والفيروزج والكحل والزئبق والكبريت والمغرّة لاخمس فيه، بل فيه الخمس؛ لأنّه من باب الغنائم الّتي عرفت شمولها لهذا النوع من الفوائد.

فالمتحصّل: أنّه لا وجه لتخصيص الغنائم بغنائم دار الحرب، كما فعله فقهاء العامّة، ويتراءى من بعض أهل اللغة والتفسير؛ لأجل نزولها في غنائم

ص: 41


1- كتاب الخراج:22.

بدر؛ لأنّ المورد لا يكون مخصّصاً بعد عموم اللفظ لغة، وقد ورد عن العترة الطاهرة صلوات الله عليهم أجمعين في تفسير الغنيمة والغنائم أحاديث كثيرة.

ثم إنّ المستفاد من الآية الكريمة: أنّ موضوع الخمس هو الذي غنمه المسلمون، لا مطلق الغنيمة، وإن لم يغنموها، فانتساب الغنم إليهم مقوّم لموضوع الخمس، وعلى هذا فالخمس مغاير للفيء ؛ إذ الفيء - وإن صدق عليه أنّه غنيمة - إلاّ أنّه ليس ممّا غنمه المسلمون، وانتسب الغنم إليهم؛ فإنّه ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، لم يدخل تحت حيازتهم حتّى ينتسب إليهم.

فيكون الفيء بأجمعه راجعاً ابتداء إليه تعالى وإلى رسوله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) وذي القربى؛ بمقتضى قوله تعالى: {وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}(1).

بخلاف ما غنمه المسلمون ودخل تحت سلطنتهم بالحيازة أو الاكتساب بوجه آخر، فإنّ الراجع منه إليه تعالى وإلى رسوله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) وذي القربى إنّما هو خمسه.

ص: 42


1- سورة الحشر: الآيتان 6و7.

الخمس في كتب النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) ورسائله:

يظهر من كثير من الكتب والرسائل: أنّ النبيّ الأكرم (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) كان يأمر بإخراج الخمس من مطلق ما يغنمه الإنسان من أرباح المكاسب وغيرها، وإليك بعض ما ورد في المقام:

1- إن وفد عبد القيس لما قدموا على رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) قالوا: إنّا حيّ من ربيعة، وبيننا وبينك كفار مضر، ولسنا نستطيع أن نأتيك إلاّ في أشهر الحرم فمرنا بأمر إذا نحن أخذنا به دخلنا الجنة، ونأمر به أو ندعو من وراءنا فقال: آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع، اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً فهذا ليس من الأربع، واقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وصوموا رمضان واعطوا من الغنائم الخمس وأنهاكم عن أربع: عن الدباء والنقير والحنتم والمزفّت...(1).

فالنبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) لم يطلب من بني عبد القيس أن يدفعوا غنائم الحرب؛ إذ كانت قبيلة ضعيفة لا تقدر على الحرب والقتال، بل صرّحوا: بأنّهم لا يستطيعون الخروج من حيّهم في غير الأشهر الحرم؛ خوفاً من المشركين، فكيف يحاربون ويغنمون؟

وعلى هذا يكون (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) قد قصد المغنم بمعناه الحقيقي في لغة العرب، وهو ما يفوزون به، وقد أوجب عليهم فيما أوجب أن يعطوا خمس ما يربحون.

ثمّ إنّ إعلان الحرب إنّما هو بيد النبيّ أو من يقوم مقامه بأمره، وليست

ص: 43


1- مسند أحمد بن حنبل 3: 402 ، الحديث 10791، ورواها مع اختلاف يسير البخاري في صحيحه 1: 150 ، الحديث 523 و 2:134 ، الحديث 398 ورواها أيضاً مع اختلاف يسير مسلم في صحيحه 1: 46 ، الحديث 23 .

الحرب على ماكانت عليه الجاهليّة؛ إذ إنّها في الإسلام ترتبط بما يراه النبيّ من مصلحة، والمغانم الّتي تحصل من جرّاء الحرب المشروعة تكون تحت تصرّف النبيّ أو نائبه، فإن كان النبيّ موجوداً في الواقعة كان هو المسؤول عن تقسيم الغنائم، وإن لم يكن موجوداً كان الأمر بيد قائد الجيش المأذون من النبيّ، فيأخذ منها الخمس ويرسلها إلى النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ)، ويقسّم الباقي على أفراد الجيش. وإخراج الخمس في هذه الوصيّة ليس له ارتباط بالأفراد أنفسهم، مع أنّ كلامه (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) احتوى أوامر تختصّ بالفرد وتكون من وظائفه الخاصة: كالإيمان والصلاة والزكاة، والخمس المأمور به هنا هو أحد تلك الأمور وعلى وزانها.

2- كتب (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن: «بسم الله الرحمن الرحيم ... عهد من النبيّ رسول الله لعمرو بن حزم، حين بعثه إلى اليمن، أمره بتقوى الله في أمره كلّه، وأن يأخذ من المغانم خمس الله، وما كتب على المؤمنين من الصدقة من العقار عشر ما سقى البعل وسقت السماء، ونصف العشر ممّا سقى الغرب»(1).

والكلام فيه هو الكلام فيما سبقه.

3 - كتب (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) إلى شرحبيل بن عبد كلال والحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال قيل ذي رعين ومعافر وهمدان: «أما بعد، فقد رجع رسولكم، وأعطيتم من المغانم خمس الله»(2).

ص: 44


1- فتوح البلدان 1: 84 ح 217 ، مكاتيب الرسول 2: 519.
2- المستدرك على الصحيحين 1: 395 ، ومجمع الزوائد 3: 71 ، وكنز العمال 5: 867 الحديث 14573 مع اختلاف يسير .

فقد أخبر (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ): بأنّهم أدّوا ما عليهم من الخمس في مغانمهم، أي: فوائدهم ومكاسبهم، كما أنّهم أدّوا ما عليهم من الصدقة.

قال العلاّمة السيد جعفر مرتضى: «وواضح: أنّنا لم نجد في التاريخ: أنّ حروباً قد جرت بينهم وبين غيرهم بعد إسلامهم، وأنّهم قد غنموا من تلك الحروب غنائم، وخمّسوها، وأرسلوها مع عمرو بن حزم»(1).

4 - كتب (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) إلى سعد هذيم من قضاعة وإلى جذام كتاباً واحداً، يعلّمهم فيه فرائض الصدقة، وأمرهم أن يدفعوا الصدقة والخمس إلى رسوليه: أُبيّ وعنبسة أو من أرسلاه (2).

وليس المراد من الخمس هنا هو: خمس الغنائم؛ لأنّ هاتين القبيلتين قد أسلمتا حديثاً، ولم تخوضا حرباً بعد؛ ليكون المراد خمس الغنائم الحربيّة.

5 - كتب (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) للفجيع ومن تبعه: «من محمد رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) للفجيع ومن معه ومن أسلم وأقام الصلاة وآتى الزكاة وأطاع الله ورسوله وأعطى من المغنم خمس الله ...»(3).

6 - كتب (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) لجنادة الأزدي وقومه ومن تبعه: «ما أقاموا الصلاة وآتوا

ص: 45


1- الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) 5: 203 الخمس في كتب النبي (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) ورسائله ح 3 .
2- الطبقات الكبرى 1:270 .
3- مجمع الزوائد 1: 30 ، وأسد الغابة 4: 350 / 4196 مع اختلاف يسير، والطبقات الكبرى 1: 304 مع اختلاف يسير .

الزكاة وأطاعوا الله ورسوله وأعطوا من المغانم خمس الله وسهم النبيّ(علیهما السلام) وفارقوا المشركين فإنّ لهم ذمة الله وذمة محمد بن عبد الله»(1).

7 - كتب (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) لجهينة بن زيد فيما كتب: «إنّ لكم بطون الأرض وسهولها وتلاع الأودية وظهورها، على أن ترعوا نباتها وتشربوا ماءها، على أن تقرّوا بالخمس»(2).

8 - كتب (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) لمعاذ، قال اليعقوبي:

وكتب صلى الله عليه وآله وسلم مع ذي يزن: أمّا بعد، فإنّي أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو، أما بعد فقد وقع بنا رسولكم مقفلنا من أرض الروم؛ فلقينا بالمدينة، فبلغ ما أرسلتم، وقبلكم، وأنبأنا بإسلامكم، وقتلكم المشركين وأن الله عزوجل قد هداكم بهدايته إن أصلحتم وأطعتم الله، ورسوله، وأقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأعطيتم من المغانم خمس الله تعالى وسهم نبيّه وصفيّه. (3)

9 - كتب (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) لبني ثعلبة بن عامر: عبيد الله بن ميمون بن عمرو بن خباب العبدي، قال: حضرت عمراً ومحمداً والصلت بن كريب العبديين، قال: جاءوا بكتاب، فوضعوه على يد ثمامة بن خليفة، وكانوا تشاحّوا فيه، فقالوا: إنّ جدّنا دفع إلينا هذا الكتاب، وأخبرنا: أنّ صيفي بن عامر دفعه إليه، وذكر

ص: 46


1- الطبقات الكبرى 1: 270 ، وأسد الغابة 1: 356 / 798 مع اختلاف يسير، وكنز العمال 10: 602 الحديث 30305 مع اختلاف يسير .
2- مجمع الزوائد 8: 245 ، وكنز العمال 13: 498 الحديث 37292 مع اختلاف يسير .
3- أسد الغابة 2: 180/1561 ، وكنزل العمال 4: 440 الحديث 11309 مع اختلاف يسير .

صيفي: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كتبه له، فإذا فيه:

«بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد رسول الله لصيفي بن عامر على بني ثعلبة بن عامر: من أسلم منهم وأقام الصلاة وآتى الزكاة وأعطى خمس المغنم وسهم النبيّ والصفيّ فهو آمن بأمان الله» الحديث(1).

10 - كتب (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) لعمرو بن معبد الجهني وبني الخرقة من جهينة وبني الجرمز من جهينة: «من أسلم منهم، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، وأطاع الله ورسوله وأعطى من الغنائم الخمس، وسهم النبيّ الصفيّ، ومن أشهد على إسلامه، وفارق المشركين، فإنّه آمن بأمان الله وأمان محمد. وما كان من الدين مدونة لأحد من المسلمين، قضي عليه برأس المال، وبطل الربا في الرهن، وإنّ الصدقة في الثمار العشر، ومن لحق بهم فإن له مثل ما لهم»(2).

قال العلاّمة السيد جعفر مرتضى: وقد أوجب (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) الخمس في ستّ عشرة رسالة أخرى، بل أكثر، كان قد أرسلها إلى القبائل ورؤسائها، وهي: قبيلة بكاء، وقبيلة بني زهير، وحدس، ولخم، وبني جديس، وللأسبذيين، وبني معاوية، وبني حرقة، وبني قيل، وبني قيس، وبني جرمز، ولأجناده وقومه، وقيس وقومه، ولمالك بن أحمر، ولصيفي بن عامر شيخ بني ثعلبة، والفجيع ومن تبعه، ونهشل بن مالك رئيس بني عامر، ولجهينة بن زيد، وذكر أيضاً في رسالة

ص: 47


1- الإصابة في تمييز الصحابة 3: 368/4131 .
2- الطبقات الكبرى 1: 271 - 272 .

لليمن، ولملوك حمير، ولملوك عمان(1)، وذكر لذلك مصادر كثيرة.

والواضح من هذه الرسائل: أنّ النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) لم يكن يطلب منهم أن يدفعوا خمس غنائم الحرب الّتي اشتركوا فيها، بل كان يطلب ما استحق في أموالهم من خمس وصدقة .

ثم إنّه كان يطلب منهم الخمس، دون أن يشترط في ذلك خوض الحرب واكتساب الغنائم، ولو كان ثمّة اشتراط لذكره (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) .

هذا مضافاً إلى أنّ إعلان الحرب وإخراج خمس الغنائم على عهد النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) كانت من شؤونه (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ)، فما معنى طلبه الخمس من الناس، وتأكيده في كلّ تلك الكتب والرسائل، فظهر: أنّ ما كان يطلبه (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) لم يكن مرتبطاً بغنائم الحرب.

عمّال الخمس:

وقد ظهر ممّا قدّمناه من الكتب والرسائل: أنّ دفع الخمس للنبي (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) وأخذه له كان معروفاً ومشهوراً، ويظهر من النصوص المتقدمة: أنّه كان للنبي (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) عمّالٌ للخمس، كما كان له عمّالاً للصدقات، وإن كان عمّال الخمس قليلين بالنسبة إلى عمّال الصدقات. ولعل ذلك يرجع إلى طبيعة الثروة السائدة في شبه الجزيرة العربيّة، حيث كانت تتألّف من الأنعام والنخيل وبعض المزروعات، ولا ريب في أنّ الأنعام الثلاث والنخل والحنطة والشعير والكرم - إذا يبس - تتعلّق بها الزكاة.

ص: 48


1- الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) 5: 204، ح 5، الخمس في كتب النبي (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) ورسائله .

وأما التجارة فلم يكن لها رواج في أكثر الجزيرة، مضافاً إلى وجود شرط زيادة الربح عن المؤونة، وهو ما لم يكن يتوفر لأغلب الناس يومئذٍ، وليس استخراج المعادن بأحسن حالاً من التجارة، بل يمكن الادعاء: بأنّه لم يكن معمولاً به في ذاك الزمان.

وأما الغوص والكنوز فقليلاً ما يتّفق حصولهما.

ولعلّ عمال الزكاة كانوا مسؤولين أيضاً عن استلام الأخماس، ولم تكن حاجة فعليّة لنصب عمال مختصّين بالأخماس في قبال عمّال الزكاة، ويشهد له ما مرّ من قوله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ): «أما بعد، فقد رجع رسولكم، وأعطيتم من المغانم خمس الله»(1).

كما يمكن أن يكون للسياسة الّتي اتّبعها المتسلّطون على الخلافة بعد النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) الدور الأكبر في إهمال الرواة وكتّاب التأريخ لذكر أسماء عمّال الخمس والحوادث والخصوصيّات المرتبطة بهم؛ لمعارضة ذلك لما انتهجوه من سياسة إقصاء البيت الهاشمي وحرمانه من حقه المشروع من الله سبحانه.

إلا أنّ هناك موارد احتفظ لنا التأريخ بها، أفلتت من مقصّ الرقيب، وبيّنت: أنّ النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) كان يبعث العمّال لأخذ الأخماس وحدها أو مع الزكاة والصدقات.

فمنها: أنّه (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) قد أرسل عمرو بن حزم إلى اليمن، وأمره أن يأخذ من المغانم خمس الله وما كتب على المؤمنين من الصدقة... بأخماس بني عبد

ص: 49


1- المستدرك على الصحيحين 1: 395.

كلال اليمنيين، وقد مرّ ذلك قريباً(1).ومنها: أنه (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ): ولّى علي بن أبي طالب الأخماس باليمن، والقضاء بها(2).

ومعلوم: أنّ أهل اليمن قد أسلموا طوعاً، ولم يكن بينهم وبين غيرهم حرب.

وقد خمّس علي(علیه السلام) الركاز في اليمن(3).

ومنها: أنّه (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) جعل محمية بن جزء - وهو رجل من بني أسد - على الأخماس ففي «صحيح مسلم»، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي: أنّ عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب أخبره: أنّ أباه ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب والعباس بن عبد المطلب قالا لعبد المطلب بن ربيعة وللفضل بن عباس: ائتيا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ... ثم قال لنا: «إنّ هذه الصدقات إنّما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحلّ لمحمد ولا لآل محمّد» . وقال أيضاً: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ادعوا لي محمية بن جزء»، وهو رجل من بني أسد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استعمله على الأخماس(4).

والحاصل: أنّه قد ثبت: أنّ النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) كان يؤكّد على الخمس في كلّ ما يصدق عليه الغنيمة، كما كان يؤكّد على بقيّة الفرائض، ويأخذ الخمس من

ص: 50


1- فتوح البلدان 1: 84 مكاتيب الرسول: 2: 519.
2- الوافي بالوفيّات 1: 69 .
3- زاد المعاد 1: 32، وراجع سنن أبي داود 3: 127 باب كيفية القضاء.
4- صحيح مسلم 2: 754 الحديث 1072 / 168 .

الأرباح، كما يأخذه من غيرها، كما ثبت بعثه للعمّال لأخذ الخمس مع الزكاة جنباً إلى جنب.

هذا كلّه من جهة سعة متعلّق الخمس.

تقسيم الخمس:

المشهور بين الإمامية - تبعاً لأئمة الهدى(علیهم السلام) - : أنّه يقسّم ستّة أقسام: ثلاثة للنبي (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ)، وهي سهم الله، وسهم رسوله، وسهم ذي القربى، وهذه الأقسام بعده للإمام القائم مقامه (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) .

والثلاثة الأخر لليتامى، والمساكين، وأبناء السبيل من بني هاشم، وهذا هو الموجود في آية الخمس.

إلاّ أنّ مَن تقمّصوا الخلافة بعد النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) وأزالوا الحق عن أمير المؤمنين(علیه السلام) أرادوا إضعاف موقف أمير المؤمنين وأهل بيته، بصرف سهم ذوي القربى في الكراع والسلاح، بعد أن اسقطوا سهم رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) . وقد روي عن الحسن وقتادة في سهم ذي القربى: كانت طعمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، فلما توفّي حمل عليه أبو بكر وعمر في سبيل الله(1).

إلا أنّه نقل الفاضلان عن بعض الأصحاب: أنّه يقسّم خمسة أقسام: سهم للرسول (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ)، وسهم لذي القربى يقسّم فيهم، والباقي لليتامى، والمساكين، وأبناء السبيل.

ص: 51


1- المغني 6: 406 ، جامع البيان المجلد السادس الجزء 10: 11 سورة الأنفال الحديث 12513 .

واختلف العامّة، فعن أبي العالية الرياحي موافقة الأول، وعن الشافعي وأبي حنيفة موافقة الثاني، وقالا: إنّ سهماً للرسول (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ)، ومصرفه المصالح، وسهماً لذي القربى، ومصرفه فيهم، والثلاثة الأخر لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من المسلمين كافة(1).

وقد اعترف بعض علماء العامّة في نصوص كثيرة بذلك، إلا أنّهم أسقطوا سهم الله، ودمجوه مع سهم النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) ، فتكون السهام - على هذا - خمسة، كما أنّ آخرين - تصحيحاً لما آل إليه أمر الخلفاء من مواجهة النّص الإلهي والوقوف ضدّه - تصرّفوا في معنى ذوي القربى. وهذه بعض تلك النصوص:

1- عن ابن عباس رضي الله عنه: أنّه كان على ستّة أسهم: لله وللرسول سهمان، وسهم لأقاربه حتّى قبض، فأجرى أبو بكر رضي الله عنه الخمس على ثلاثة، وكذلك روى عن عمر ومن بعده من الخلفاء (2).

2- روى ابن عباس: أنّ أبا بكر وعمر قسّما الخمس على ثلاثة أسهم، ونحوه حكي عن الحسن بن محمد بن الحنفيّة، وهو قول أصحاب الرأي، قالوا: يقسّم الخمس على ثلاثة: اليتامى والمساكين وابن السبيل، وأسقطوا سهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بموته، وسهم قرابته أيضاً (3).

3 - روى أبو يوسف، عن الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس: أنّ الخمس

ص: 52


1- غنائم الأيّام 4: 359 ، المبحث الثاني كم قسم يقسم الخمس .
2- الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل 2: 159 سورة الأنفال: الآية 41 .
3- المغني 6: 406 .

الذي كان يقسّم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على خمسة أسهم: لله وللرسول سهم، ولذوي القربى سهم، ولليتامى سهم، وللمساكين سهم، ولابن السبيل سهم، ثم قسّم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي على ثلاثة أسهم: لليتامى والمساكين وابن السبيل(1).

4 - وقال أبو حيان في «تفسير البحر المحيط»: وذوو القربى معناه: قربى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والظاهر عموم قرباه، فقالت فرقة: قريش كلّها بأسرها ذوو قربى، وقال أبو حنيفة والشافعي: هم بنو هاشم وبنو المطلب استحقّوه بالنصرة والمظاهرة، دون بني عبد شمس وبني نوفل، وقال علي بن الحسين وعبد الله بن الحسن وابن عباس: هم بنو هاشم فقط، قال مجاهد: كان آل محمد لا تحلّ لهم الصدقة، فجعل له الخمس، قال ابن عباس: ولكن أبى ذلك علينا قومنا، وقالوا: قريش كلّها قربى، والظاهر بقاء هذا السهم لذوي القربى، وأنّه لغنيّهم وفقيرهم، وقال ابن عباس كان على ستّة: لله وللرسول سهمان وسهم لأقاربه حتّى قبض فأجرى أبو بكر الخمس على ثلاثة، ولذلك روي عن عمر ومن بعده من الخلفاء، وروي: أنّ أبا بكر منع بني هاشم الخمس، وقال إنّما لكم أن يعطى فقيركم ويزوّج أيّمكم ويخدم من لا خادم له منكم، وإنّما الغنيّ منكم فهو بمنزلة ابن السبيل الغنيّ: لا يعطى من الصدقة شيئاً، ولا يتيم موسر(2).

ص: 53


1- أحكام القرآن للجصاص 3: 79 ، باب قسمة الخمس .
2- تفسير البحر المحيط 4:493 سورة الأنفال: الآية 41 .

القسم الثالث: الخمس بعد زمان النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ):

اشارة

مرّ الخمس بعد رحيل النبيّ الأكرم (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) بمراحل وظروف، قد انعكست عليه سلباً وإيجاباً، وهي كما يلي:

الخمس في عهد أبي بكر:

إنّ أول من منع الخمس عن أهل بيت النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) هو أبو بكر لمّا تولّى الخلافة، بل إنّه جعل ذلك من أولوياته، وقصده من ذلك أن لا يظهر لأمير المؤمنين(علیه السلام) - بعد أن غصب منه الخلافة - أيّة رقة ولين منه. وقد نقل ابن أبي الحديد في هذا الشأن عن متكلم من متكلّمي الإمامية - بعد أن قال له محاوره - : وهل كانت فدك إلا نخلاً يسيراً وعقاراً ليس بذلك الخطير ! قوله في جوابه: ليس الأمر كذلك، بل كانت جليلة جداً، وكان فيها من النخل نحو ما بالكوفة الآن من النخل، وما قصد أبو بكر وعمر بمنع فاطمة عنها إلاّ ألاّ يتقوّى علي بحاصلها وغلّتها على المنازعة في الخلافة، ولهذا أتبعا ذلك بمنع فاطمة وعلي وسائر بني هاشم وبني المطلب حقهم في الخمس؛ فإنّ الفقير الذي لا مال له تضعف همّته ويتصاغر عند نفسه، ويكون مشغولاً بالاحتراف والاكتساب عن طلب الملك والرياسة(1).

فالخليفة - بعد أن تأوّل آية الخمس، فأسقط سهم النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) وسهم ذي القربى بعد موته (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ)، ومنع بني هاشم الخمس، وجعلهم كغيرهم من يتامى المسلمين ومساكينهم وأبناء السبيل - جعل ذلك الحق في السلاح والكراع؛

ص: 54


1- شرح نهج البلاغة 16: 237.

لأنّ سياسته اتّجهت نحو إرسال الجيوش لإخضاع الفئات المعارضة لحكمه، والّتي امتنعت عن بيعته، وعن أداء الزكاة لغير الخليفة الشرعي، فكان لابد له من مجابهتهم، لئلاّ يتضعضع سلطانه، وتزول هيبة ملكه، وقد رأى: أنّ أفضل طريق لذلك - وبه يرمي غرضين بسهم واحد - هو أن يمنع أهل البيت(علیهم السلام) الخمس والفيء، بالاضافة إلى فدك؛ لغرض إضعافهم عن المطالبة بحقهم، وليتفرّق الناس عنهم، ويتركونهم؛ رغبةً في الدنيا، فلا يجد أهل البيت(علیهم السلام) ناصراً لهم عليه من جهة، ويجعل كلّ تلك الموارد الماليّة مادة لا تنضب لحروبه وتقوية سلطانه وجذب الناس إلى صفّه من جهة أخرى.

وقد أرسلت فاطمة÷ تسأله ميراثها من رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) ، ممّا أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، فأبى أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة÷ منها شيئاً، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك، فهجرته فلم تكلّمه حتّى توفّيت، وعاشت بعد النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) ستّة أشهر، فلمّا توفّيت دفنها زوجها علي ليلاً، ولم يؤذن بها أبابكر، وصلّى عليها، الحديث(1).

ولم تثمر محاولات الصدّيقة الطاهرة وأمير المؤمنين(علیهما السلام) شيئاً في ردع أبي بكر عمّا عزم عليه، فما قاما به(علیهما السلام) من: الإنكار وإقامة الحجج الواضحة في موقف بعد موقف وموطن بعد موطن لم يثن الخليفة عن رأيه.

وقد أثّر هذا المنع على آراء بعض الصحابة، وكأنّهم لم يقرءوا القرآن، أو لم يروا النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) يأخذ الخمس. ثمّ إنّهم - بعد اختلافهم - أجمعوا على تقديم رأي الخليفة الذي كان إنكاراً للنّص القرآني وسيرة النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) الذي لا

ص: 55


1- انظر صحيح مسلم 3: 1380 الحديث 1759 .

ينطق عن الهوى، فقد ذكر المؤلّفون: أنّ الصحابة بعد وفاته (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) قد اختلفوا، فقالت طائفة: سهم الرسول للخليفة بعده، وقالت طائفة: سهم ذوي القربى لقرابة الرسول، وقال آخرون: سهم ذوي القربى لقرابة الخليفة. فأجمعوا على أن جعلوا هذين السهمين في الكراع والسلاح(1).

الخمس في عهد عمر:

وفي زمان عمر تابع ما بدأه أبو بكر من سياسة إقصاء أهل البيت(علیهم السلام) عن حقّهم، حتّى بعد أن كثرت الفتوحات واتّسعت البلاد الّتي يحكمها المسلمون، ممّا يعني توافر حق الأسرة الهاشميّة من غنائم تلك الفتوح، حتّى على رأي المخالفين لأهل البيت(علیهم السلام) . إلا أنّ عمر ومتابعيه لم تطب لهم نفس بإيصال الحق الى مستحقيه، واستكثروه عليهم، وتذرّعوا بحجج واهية، وأعذار بالية؛ رغبة منهم - كما قدّمنا - في إضعاف جانب أمير المؤمنين والأسرة الهاشميّة. فأراد عمر - ولغرض في نفسه ولعل منه تقليل الجبهة المعارضة له - أن يعطي بني هاشم شيئاً من الخمس، فأبوا أن يأخذوا إلاّ كلّ سهمهم؛ أخذاً بحقهم الذي شرّعه الله لهم، وأعطاهم إيّاه رسوله مدة حياته الشريفة، فأبوا عليهم ذلك، وحرموهم منه. فقد جاء في جواب ابن عباس لنجدة الحروري حين سأله عن سهم ذوي القربى: لمن هو؟ قوله: هو لنا أهل البيت، وقد كان عمر دعانا إلى أن ينكح منه أيّمنا، ويخدم منه عائلنا، ويقضي منه عن غارمنا، فأبينا إلاّ أن يسلّمه لنا، وأبى ذلك، فتركناه عليه(2).

ص: 56


1- الصحيح من سيرة النبي الأعظم 5: 215 مصير الخمس بعد الرسول (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) في عهد أبي بكر.
2- السنن الكبرى 6: 345 ، المصنف لابن أبي شيبة 7: 699 ب 145 ، الحديث 3 ، سنن النسائي 129:7 الحديث 4140 مع اختلاف يسير .

وروي مثل ذلك عن علي أيضاً، وأنّ عمر عرض عليهم البعض، وقال: إنّه لم يبلغ علمه: أنّه إذا كثر يكون كلّه لهم، فأبوا إلاّ الكل(1).

وجاء في رسالة الإمام الصادق(علیه السلام) في الغنائم ووجوب الخمس لأهله: «وقد قال علي بن أبي طالب صلوات الله عليه: ما زلنا نقبض سهمنا بهذه الآية - التي أولها تعليم، وآخرها تحرّج - حتّى جاء خمس السوس وجندي سابور إلى عمر، وإنّا والمسلمون والعباس عنده .

فقال عمر لنا: إنّه قد تتابعت لكم من الخمس أموال، فقبضتموها حتّى لا حاجة بكم اليوم، وبالمسلمين حاجة وخلل، فأسلفونا حقكم من هذا المال حتّى يأتي الله بقضائه من أول شيء يأتي المسلمين. فكففت عنه؛ لأنّي لم آمن حين جعله سلفاً - لو ألححنا عليه فيه - أن يقول في خمسنا مثل قوله في أعظم منه - عنى ميراث نبينا (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) - حين ألححنا عليه.

فقال له العباس: لا تغمز في الذي لنا يا عمر؛ فإنّ الله قد أثبته لنا بأثبت ممّا أثبت به المواريث بيننا، فقال عمر: وأنتم أحق من أرفق المسلمين، وشفّعني. فقبضه عمر، ثم قال: لا والله، ما آتيهم ما يقبضنا حتّى لحق بالله، ثم ما قدرنا عليه بعده»(2).

وكلام أمير المؤمنين(علیه السلام) واضح لا غبار عليه؛ حيث إنه قرّر: أنّه وبني

ص: 57


1- الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) 5: 215-216، عن مصادر كثيرة.
2- تحف العقول: 347 ، مستدرك الوسائل 7: 305، الباب 5 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام(علیه السلام) الحديث 3 ، بحار الأنوار 93: 204، باب الأنفال ح 1 مع اختلاف يسير .

هاشم كانوا يقبضون سهمهم من الخمس بآية الخمس الواضحة والصريحة في استحقاق قرابة النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) له، وخلاف من خالفها برأيه معارضة صريحة لكتاب الله العزيز وسنّة نبيه القوليّة والعمليّة، وهذا ممّا ينبغي أن لا يرتاب فيه ذو مسكة؛ فإنّ الكتاب المجيد وسنّة نبي الإسلام مقدّمان على فعل أيّ أحد، مهما كان مقامه.

ولذا نجد: أنّ بعض علماء العامّة يعترض على فعل أبي بكر وعمر؛ لما رأى: أنّ فعلهما يصادم ما جاء في الكتاب والسنّة. قال أبو قدامة - وهو بصدد ذكر قسمة الخمس - : وقد روي عن ابن عمر وابن عباس قالا: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسّم الخمس على خمسة.

وما ذكره أبو العالية فشيء لا يدل عليه رأي، ولا يقتضيه قياس، ولا يصار إليه إلاّ بنصّ صحيح يجب التسليم له، ولا نعلم في ذلك أثراً صحيحاً سوى قوله، فلا يترك ظاهر النص وقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفعله من أجل قول أبي العالية.

وما قاله أبو حنيفة فمخالف لظاهر الآية؛ فإنّ الله تعالى سمّى لرسوله وقرابته شيئاً وجعل لهما في الخمس حقاً، كما سمى للثلاثة الأصناف الباقية، فمن خالف ذلك فقد خالف نص الكتاب.

وأما حمل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما على سهم ذي القربى في سبيل الله فقد ذكر لأحمد فسكت، وحرك رأسه، ولم يذهب إليه، ورأى: أن قول ابن عباس ومن وافقه أولى؛ لموافقته كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فإنّ ابن عباس لمّا سئل عن سهم ذي القربى قال: إنّا كنا نزعم: أنّه

ص: 58

لنا، فأبى ذلك علينا قومنا. ولعله أراد بقوله: أبى ذلك علينا قومنا: فعل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في حملهما عليه في سبيل الله ومن تبعهما على ذلك. ومتى اختلف الصحابة وكان قول بعضهم يوافق الكتاب والسنّة كان أولى، وقول ابن عبّاس موافق للكتاب والسنة(1).

الخمس في عهد عثمان:

ولم يكن الحال في زمان عثمان بأحسن من زمان سابقيه، إذ إنّه بمجرد نجاح خطّة الشورى المزعومة أصبح الجو مهيّئاً له ولبني عمومته لجعل مال الله دولة بين الأغنياء منهم، بالاضافة إلى كثير من المخالفات الصريحة للكتاب والسنّة، والّتي لم تكن حتّى في زمان سابقيه.

منها: أنّه آوى طريد رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) الحكم بن أبي العاص، ولم يؤوه أبو بكر ولا عمر، وأعطاه مائة ألف.

ومنها: أنّ رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) تصدّق بمهزور - موضع سوق المدينة - على المسلمين، فأقطعها عثمان الحارث بن الحكم أخا مروان بن الحكم، وأقطع مروان فدك، وهي صدقة رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) ، ولم تزل فدك في يد مروان وبنيه إلى أن تولّى عمر بن عبد العزيز، فانتزعها من أهله، وردّها صدقة.

ومنها: أنّه أعطى أبا سفيان بن حرب مائتي ألف من بيت المال، في اليوم الذي أمر فيه لمروان بن الحكم بمائة ألف من بيت المال.

ص: 59


1- المغني 6: 407 .

ومنها: أنه أعطى خمس فتوح أفريقيا مرة لعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وفي الغزوة الثانية أعطاه لمروان بن الحكم.

ومنها: تولية أعداء الإسلام من أقربائه على البلاد، ومنهم: الوليد بن عقبة بن أبي معيط على الكوفة، وهو ممّن أخبر النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ): أنّه من أهل النار، وعبد الله بن أبي سرح على مصر، ومعاوية بن أبي سفيان على الشام، وعبد الله بن عامر على البصرة، وصرف عن الكوفة الوليد بن عقبة، وولاّها سعيد بن العاص.

إلى غير ذلك.

وقد سار على خطّة من سبقه في إقصاء البيت الهاشمي عن حقّه في الخمس وغيره، حتّى نقم الناس عليه، ممّا أدّى إلى قتله، وكان من جملة ما نقم عليه في هذا الأمر شيئان:

أولهما: أنّ سابقيه وإن كانا قد أخذا الحق من مستحقيه، إلا أنّهما كانا يضعان تلك الأموال في النفقات العامّة الّتي تعود مصلحتها للمسلمين، ومنها: تقوية الجيوش، والبعوث الّتي كانا يبعثانها، وقد خصّصها عثمان بعدهما لأقربائه.

ثانيهما: أنّ سيرة من كان يعطيهم هذه العطايا الهائلة من مال لا يستحقونه كانت سيئة جداً، وكانوا معروفين بالانحراف، وعدم الاستقامة، بل كان بعضهم منبوذاً مطروداً من قبل الرسول (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ).

ص: 60

الخمس في زمان تولّي أمير المؤمنين(علیه السلام) للخلافة الظاهريّة:

اشارة

وما إن قتل عثمان حتّى انثال الناس على بيعة أمير المؤمنين(علیه السلام)، فاشتغل صلوات الله عليه باصلاح بعض ما يمكن اصلاحه ممّا أفسده سابقوه. وأول ذلك ما نقله الكلبي من قوله: ثم أمر(علیه السلام) بكل سلاح وجد لعثمان في داره، ممّا تقوّى به على المسلمين فقبض، وأمر بقبض نجائب كانت في داره من إبل الصدقة، فقبضت، وأمر بقبض سيفه ودرعه، وأمر ألاّ يعرض لسلاح وجد له لم يقاتل به المسلمين، وبالكفّ عن جميع أمواله الّتي وجدت في داره وفي غير داره، وأمر أن ترتجع الأموال الّتي أجاز بها عثمان حيث أصيبت أو أصيب أصحابها .

فبلغ ذلك عمرو بن العاص، وكان بأيلة من أرض الشام، أتاها حيث وثب الناس على عثمان، فنزلها، فكتب إلى معاوية: ما كنت صانعاً فاصنع؛ إذ قشّرك ابن أبي طالب من كلّ مال تملكه، كما تقشّر عن العصا لحاها(1).

وقد استطاع صلوات الله عليه تغيير بعض الأمور المخالفة للشريعة، وترك بعضها الآخر كما هو؛ إذ لم يستطع تغييره؛ لتأصّل الفكر المخالف عند الناس، ومن ذلك قضيّة الخمس وسهم ذوي القربى.وعن محمد بن اسحاق قال: سألت أبا جعفر يعني الباقر كيف صنع علي (رض) في سهم ذي القربى قال: سلك به طريق أبي بكر و عمر (رض).

قال: قلت: وكيف، وأنتم تقولون ما تقولون؟

قال: أما والله ما كانوا يصدرون إلا عن رأيه.

ص: 61


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1: 270. الخطبة 15 .

ولكنه كره أن يتعلق عليه خلاف أبي بكر وعمر(1).

وكان أمير المؤمنين(علیه السلام) يصرّح: بأنّ سهم ذوي القربى حقّ لهم، إلاّ أنّه لم يعطه لهم للسبب المتقدم، كما وجد أسباب أخرى كما في «سنن البيهقي» منها: أنّ حسناً وحسيناً وابن عباس وعبد الله بن جعفر (رض) سألوا عليّاً (رض) نصيبهم من الخمس، فقال: هو لكم حق، ولكنّي محارب معاوية، فإن شئتم تركتم حقكم منه(2).

ثمّ إنّ أمير المؤمنين(علیه السلام) لم يغيّر شيئاً ممّا فعله أبو بكر وعمر في الخمس؛ لأنّ ذلك كان يؤلّب الناس عليه، فإنّ مضاعفات عمل من كان قبله كانت متأصّلة في نفوسهم، لا يريدون عنها بدلاً، فلو غيّر شيئاً ولو يسيراً ممّا جرى عليه سابقوه لثاروا عليه، وادّعوا عليه خلاف أبي بكر وعمر، ولتزلزل حكمه.

كما أنّه إذا كان يريد حرب معاوية فإنّ هذا الأمر الأهمّ يستوجب تأجيل الأمر المهم إلى وقت لا يكون فيه العمل به ذا مضاعفات خطيرة، ولو كان ذلك لا يتمّ إلاّ في زمان الأئمّة(علیهم السلام) من بعده.

وهذا نصّ يكشف شيئاً عن نفسيّة القوم آنذاك، ويرسم صورة واضحة عمّا كان يعانيه أمير المؤمنين(علیه السلام) وبقيّة البيت الهاشمي من جرّاء الالتزام بالحق، ولزوم القيام بحدود الله، والأداء لشرعه، ووضع الأمور في مواضعها، وتوفير الحقوق على أهلها، والمضيّ على منهاج النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ)، وإرشاد الضالّ إلى أنوار هداية الله عز وجلّ:

ص: 62


1- السنن الكبرى للبيهقي 6: 343 ، كنز العمال 4: 518 الحديث 11532 مع اختلاف يسير .
2- السنن الكبرى للبيهقي 6: 343 .

قال له قائل: يا أمير المؤمنين، أرأيت لو كان رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) ترك ولداً ذكراً قد بلغ الحلم، وآنس منه الرشد، أكانت العرب تسلّم إليه أمرها؟ قال: « لا، بل كانت تقتله إن لم يفعل ما فعلْتُ. إنّ العرب كرهت أمر محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وحسدته على ما آتاه الله من فضله، واستطالت أيّامه حتّى قذفت زوجته، ونفرت به ناقته، مع عظيم إحسانه إليها، وجسيم مننه عندها، وأجمعت مذ كان حيّاً على صرف الأمر عن أهل بيته بعد موته، ولولا أن قريشاً جعلت اسمه ذريعة إلى الرياسة، وسلّماً إلى العزّ والإمرة لما عبدت الله بعد موته يوماً واحداً، ولارتدّت في حافرتها، وعاد قارحها جذعاً، وبازلها بكراً.

ثم فتح الله عليها الفتوح، فأثرت بعد الفاقة، وتموّلت بعد الجهد والمخمصة، فحسن في عيونها من الإسلام ما كان سمجاً، وثبت في قلوب كثير منها من الدين ما كان مضطرباً، وقالت: لولا أنّه حق لما كان كذا، ثم نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها، وحسن تدبير الأمراء القائمين بها، فتأكّد عند النّاس نباهة قوم وخمول آخرين، فكنّا نحن ممّن خمل ذكره، وخبت ناره، وانقطع صوته وصيته، حتّى أكل الدهر علينا وشرب، ومضت السنون والأحقاب بما فيها، ومات كثير ممّن يعرف، ونشأ كثير ممّن لا يعرف.

وما عسى أن يكون الولد لو كان ! إنّ رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) لم يقربني بما تعلمونه من القرب للنّسب واللّحمة، بل للجهاد والنصيحة، أفتراه لو كان له ولد هل كان يفعل ما فعلت ! وكذاك لم يكن يقرب ما قربت، ثم لم يكن عند قريش والعرب سبباً للحظوة والمنزلة، بل للحرمان والجفوة.

اللهم إنّك تعلم: أنّي لم أرد الامرة، ولا علو الملك والرياسة، وإنّما أردت القيام

ص: 63

بحدودك، والأداء لشرعك، ووضع الأمور في مواضعها، وتوفير الحقوق على أهلها، والمضيّ على منهاج نبيك، وإرشاد الضالّ إلى أنوار هدايتك»(1).

ثمّ إنّ تلك الظروف الّتي عصفت بزمان أمير المؤمنين(علیه السلام) منذ وفاة رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) إلى زمان تولّيه حكم الأمّة لم تمنعه من بيان الحق، ومحاولة إقامته ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، ومن ذلك مسألة الخمس، فقد أثرت عنه أحاديث كثيرة بشأنه عند الخاصة والعامّة، ونحن نقتصر على بعضها:

أحاديث الخاصة عن أمير المؤمنين(علیه السلام) في الخمس:

1 - عن الحارث بن حصيرة الأزدي قال: وجد رجل ركازاً على عهد أمير المؤمنين(علیه السلام)، فأبتاعه أبي منه بثلاثمائة درهم ومائة شاة متبع، فلامته أمي، وقالت: أخذت هذه بثلاثمائة شاة أولادها مائة، وأنفسها مائة، وما في بطونها مائة. قال: فندم أبي، فانطلق؛ ليستقيله، فأبى عليه الرجل، فقال: خذ منّي عشر شياه، خذ منّي عشرين شاة، فأعياه، فأخذ أبي الركاز، وأخرج منه قيمة ألف شاة، فأتاه الآخر، فقال: خذ غنمك، واتني ما شئت، فأبى، فعالجه فأعياه، فقال: لأضرنّ بك، فاستعدى أمير المؤمنين(علیه السلام) على أبي، فلما قصّ أبي على أمير المؤمنين(علیه السلام) أمره قال لصاحب الركاز: «أدّ خمس ما أخذت؛ فإنّ الخمس عليك؛ فإنّك أنت الذي وجدت الركاز، وليس على الآخر شيء؛ لأنّه إنّما أخذ ثمن غنمه»(2).

ص: 64


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد20: 454/414 .
2- وسائل الشيعة 9: 497، الباب 6 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث1.

2 - عن الحسن بن زياد، عن أبي عبد الله(علیه السلام)، قال: «إنّ رجلاً أتى أمير المؤمنين(علیه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي أصبت مالاً، لا أعرف حلاله من حرامه. فقال له: أخرج الخمس من ذلك المال؛ فإنّ الله عز وجل قد رضي من المال بالخمس، واجتنب ما كان صاحبه يعلم»(1).

3- محمد بن علي بن الحسين قال: «جاء رجل إلى أمير المؤمنين(علیه السلام)، فقال: يا أمير المؤمنين، أصبت مالاً أغمضت فيه، أفلي توبة ؟ قال: ائتني بخمسه، فأتاه بخمسه، فقال: هو لك، إن الرجل إذا تاب تاب ماله معه»(2).

4- عن السكوني، عن أبي عبد الله(علیه السلام) ، قال: «أتى رجل أمير المؤمنين(علیه السلام) فقال: إنّي كسبت مالاً أغمضت في مطالبه حلالاً وحراماً، وقد أردت التوبة، ولا أدري الحلال منه والحرام، وقد اختلط علي. فقال أمير المؤمنين(علیه السلام): تصدّق بخمس مالك؛ فإنّ الله رضي من الأشياء بالخمس، وسائر المال لك حلال»(3).

5- عن سليم بن قيس الهلالي قال: خطب أمير المؤمنين(علیه السلام) ، وذكر خطبة طويلة يقول فيها: «نحن والله عنى بذي القربى، الذي قرننا الله بنفسه وبرسوله فقال: {فَلِلّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} فينا خاصة» - إلى أن قال: - «ولم يجعل لنا في سهم الصدقة

ص: 65


1- وسائل الشيعة 9: 505، الباب10 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث1.
2- وسائل الشيعة 9: 506 ، الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3 .
3- وسائل الشيعة 9: 506 ، الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4 .

نصيباً؛ أكرم الله رسوله وأكرمنا أهل البيت أن يطعمنا من أوساخ الناس، فكذبوا الله وكذبوا رسوله، وجحدوا كتاب الله الناطق بحقنا، ومنعونا فرضاً فرضه الله لنا ...» الحديث(1).

6 - تفسير النعماني بإسناده، عن علي(علیه السلام) قال: «الخمس يخرج من أربعة وجوه: من الغنائم التي يصيبها المسلمون من المشركين، ومن المعادن، ومن الكنوز، ومن الغوص. ويجري هذا الخمس على ستّة أجزاء، فيأخذ الإمام منها سهم الله وسهم الرسول وسهم ذي القربى، ثم يقسّم الثلاثة السهام الباقية بين يتامى آل محمد ومساكينهم وأبناء سبيلهم»(2).

7 - عن الفضيل، عن أبي عبد الله(علیه السلام)، قال: «من وجد برد حبّنا في كبده فليحمد الله على أول النعم». قال: قلت: جعلت فداك، ما أول النعم ؟ قال: «طيب الولادة». ثم قال أبو عبد الله(علیه السلام): «قال أمير المؤمنين(علیه السلام) لفاطمة÷: أحلّي نصيبك من الفيء لآباء شيعتنا؛ ليطيبوا». ثم قال أبو عبد الله(علیه السلام): «إنّا أحللنا أمّهات شيعتنا لآبائهم؛ ليطيبوا»(3).

8 - عن أبي جعفر(علیه السلام): أنّه قال: «إنّ أمير المؤمنين(علیه السلام) حلّلهم من الخمس - يعني: الشيعة - ؛ ليطيب مولدهم»(4).

9 - الحسن بن علي العسكري(علیه السلام) في «تفسيره» عن آبائه، عن أمير

ص: 66


1- وسائل الشيعة 9: 512 ، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث7.
2- وسائل الشيعة 9: 516، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث12.
3- وسائل الشيعة 9: 547، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام(علیه السلام)، الحديث 10.
4- وسائل الشيعة 9: 550 ، الباب 4 من أبواب الانفال وما يختص بالامام(علیه السلام)، الحديث 15 .

المؤمنين(علیهم السلام): أنّه قال لرسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ): «قد علمت يا رسول الله: أنّه سيكون بعدك ملك عضوض وجبر، فيستولى على خمسي (من السبي) والغنائم، ويبيعونه فلا يحلّ لمشتريه؛ لأنّ نصيبي فيه، فقد وهبت نصيبي منه لكل من ملك شيئاً من ذلك من شيعتي؛ لتحلّ لهم منافعهم من مأكل ومشرب، ولتطيب مواليدهم، ولا يكون أولادهم أولاد حرام. قال رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ): ما تصدّق أحد أفضل من صدقتك، وقد تبعت رسول الله في فعلك: أحلّ الشيعة كلّ ما كان فيه من غنيمة وبيع من نصيبه على واحد من شيعتي، ولا أحلّها أنا ولا أنت لغيرهم»(1).

أحاديث العامّة عن أمير المؤمنين(علیه السلام) في الخمس:

منها: ما عن الشعبي: أنّ عليّاً أتى برجل وجد في خربة ألفاً وخمس مائة درهم بالسواد، فقال علي: «لأقضينّ فيها قضاء بيّناً: إن كنت وجدتها في قرية خربة تحمل خراجها قرية عامرة فهي لهم، وإن كانت لا تحمل فلك أربعة أخماس، ولنا خمسه، وسأطيبه لك جميعاً»(2).ومنها: قال محمد بن إسحاق: سألت محمد بن علي فقلت: ما فعل علي(رضی الله عنه) بسهم ذوي القربى حين ولي ؟ فقال: سلك به سبيل أبي بكر وعمر، وكره أن يدعى عليه خلافهما .

قال أبو بكر: لو لم يكن هذا رأيه لما قضى به؛ لأنّه قد خالفهما في أشياء

ص: 67


1- وسائل الشيعة 9: 552-553، الباب 4 من أبواب الانفال وما يختص بالإمام(علیه السلام)، الحديث 20.
2- كنز العمال 6: 553، الحديث 16914.

مثل: الجدّ والتسوية في العطايا وأشياء أخر، فثبت: أنّ رأيه ورأيهما كان سواء في أنّ سهم ذوي القربى إنّما يستحقه الفقراء منهم .

ولمّا أجمع الخلفاء الأربعة عليه ثبتت حجّته بإجماعهم؛ لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «عليكم بسنّتي، وسنّة الخلفاء الراشدين من بعدي».

وفي حديث يزيد بن هرمز، عن ابن عباس، فيما كتب به إلى نجدة الحروري حين سأله عن سهم ذي القربى، فقال: كنّا نرى: أنّه لنا، فدعانا عمر إلى أن نزوّج منه أيّمنا، ونقضي منه عن مغرمنا، فأبينا إلاّ أن يسلّمه لنا، وأبى ذلك علينا قومنا.

وفي بعض الألفاظ: فأبى ذلك علينا بنو عمّنا.

فأخبر: أنّ قومه - وهم أصحاب النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) - رأوه لفقرائهم دون أغنيائهم. وقول ابن عباس: «كنّا نرى: أنّه لنا» إخبار عن أنّ قوله من طريق الرأي، ولا حظّ للرأي مع السنّة، واتّفاق جلّ الصحابة من الخلفاء الأربعة (1).

أقول: إنّ أمير المؤمنين(علیه السلام) لم يغيّر شيئاً ممّا فعله أبو بكر وعمر في الخمس؛ لأنّ ذلك يؤلّب الناس عليه، ويدعون عليه خلاف أبي بكر وعمر.

وقوله: «قال أبو بكر: لو لم يكن هذا رأيه لما قضى به؛ لأنّه قد خالفهما في أشياء مثل: الجدّ والتسوية في العطايا وأشياء أخر، فثبت: أنّ رأيه ورأيهما كان سواء في أنّ سهم ذوي القربى إنّما يستحقه الفقراء منهم» مغالطة واضحة؛ لأنّ الكلام في منع بني هاشم حقهم من الخمس الذي ثبت لهم في زمان

ص: 68


1- أحكام القرآن للجصاص 3: 63 .

النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ)، والذين تولّوا الحكم قبل أمير المؤمنين أجمعوا على منع بني هاشم منه قاطبة، ولم يعطوه للمستحقين من فقراء بني هاشم،وإجماعهم على رأي لا يجعله صواباً، ولا سيّما مع مخالفته لصريح القرآن.

وليس كلّ أنواع الخمس تكون للفقير منهم، بل للإمام(علیه السلام) ما لرسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) من: صفو الغنائم، والأنفال، وما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، وكل هذا حرموا منه.

نعم، إنّ أمير المؤمنين(علیه السلام) قد غيّر بعض الأمور المبتدعة الّتي استطاع تغييرها، ولكن ما استطاع تغييره غيض من فيض، والخطبة الآتية خير شاهد ودليل على ما قلناه.

ثم إنّ ما نقله عن ابن عباس ونسبته إلى الرأي في غير محله؛ فإنّ ابن عباس - وهو حبر الأمّة وتلميذ أمير المؤمنين العالم بالقرآن - يعلن: أنّ هذا الحق ثابت لذوي القربى بالقرآن الكريم، وبفعل النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ)، وما رآه الصحابة خلافاً للقرآن ولفعل النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) لا قيمة له؛ لأنّه رأي رأوه في قبال النص القرآني، والتفسير النبوي.

ثم يقال له: أين السنّة الّتي ادّعيت: أنّ ابن عباس رأى خلافها؟ إن كان المقصود السنّة الّتي ثبتت حجّيتها بالحديث الذي استشهدت به فهذا الحديث من الضعف بمكان، بل هو موضوع لمآرب لا تخفى، وليس هنا محلّ تفصيل ذلك، فليطلب من محلّه.

ويظهر من بعض الروايات: أنّ أمير المؤمنين(علیه السلام) لم يتمكّن من إجراء الخمس كما ينبغي وكما أراده الله، بعد أن ترسّخ في النفوس ما سنّه السابقون

ص: 69

عليه.

فعن سليم بن قيس الهلالي قال: خطب أمير المؤمنين(علیه السلام) فحمد الله وأثنى عليه، ثم صلى على النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ)، ثم قال: «ألا إنّ أخوف ما أخاف عليكم خلتان: اتّباع الهوى، وطول الامل. أمّا اتّباع الهوى فيصدّ عن الحق، وأما طول الامل فينسي الآخرة. ألا إنّ الدنيا قد ترحّلت مدبرة، وإنّ الآخرة قد ترحّلت مقبلة، ولكل واحدة بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا؛ فإنّ اليوم عمل ولا حساب، وإنّ غداً حساب ولا عمل. وإنّما بدء وقوع الفتن من أهواء تتّبع، وأحكام تبتدع، يخالف فيها حكم الله، يتولّى فيها رجال رجالاً. ألا إنّ الحق لو خلص لم يكن اختلاف، ولو أنّ الباطل خلص لم يخف على ذي حجى. لكنّه يؤخذ منهذا ضغث ومن هذا ضغث، فيمزجان، فيجللان معاً، فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه، ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى.

إنّي سمعت رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) يقول: كيف أنتم إذا لبستم فتنة، يربو فيها الصغير، ويهرم فيها الكبير، يجري الناس عليها، ويتّخذونها سنّة، فإذا غيّر منها شيء قيل: قد غيّرت السنّة، وقد أتى الناس منكراً. ثم تشتدّ البليّة، وتسبى الذريّة، وتدقّهم الفتنة، كما تدقّ النار الحطب، وكما تدق الرحا بثفالها(1)، ويتفقّهون لغير الله، ويتعلّمون لغير العمل، ويطلبون الدنيا بأعمال الآخرة» .

ص: 70


1- الثفال - بالكسر - : جلدة تبسط تحت رحا اليد ليقع عليها الدقيق ، ويسمى الحجر الأسفل: ثفالاً بها، والمعنى انها تدقهم دق الرحا للحب إذا كانت مثفلة ولا تثفل إلا عند الطحن .

ثم أقبل بوجهه وحوله ناس من أهل بيته وخاصته وشيعته، فقال: «قد عملت الولاة قبلي أعمالاً، خالفوا فيها رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) متعمّدين لخلافه، ناقضين لعهده، مغيّرين لسنّته. ولو حملت الناس على تركها وحولتها إلى مواضعها وإلى ما كانت في عهد رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) لتفرّق عني جندي حتّى أبقى وحدي، أو قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي وفرض إمامتي من كتاب الله عز وجل وسنّة رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) . أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم(علیه السلام)(1)، فرددته إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ)، ورددت فدك إلى ورثة فاطمة÷ ، ورددت صاع رسول (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) كما كان، وأمضيت قطائع أقطعها رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) لأقوام لم تمض لهم ولم تنفذ، ورددت دار جعفر إلى ورثته، وهدمتها من المسجد(2)، ورددت قضايا من الجور قضي بها (3)، ونزعت نساء تحت رجال بغير حق، فرددتهن إلى أزواجهن (4)، واستقبلت بهن الحكم في الفروج

ص: 71


1- إشارة إلى ما فعله عمر من تغيير المقام عن الموضع الذي وضعه فيه رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) إلى موضع كان فيه في الجاهلية، رواه الخاصة والعامة . راجع كتاب النص والاجتهاد للسيد شرف الدين العاملي ( قدس سرّه ).
2- كأنهم غصبوها وأدخلوها في المسجد. ( الوافي 26: 60 ) .
3- كقضاء عمر بالعول والتعصيب في الإرث، وكقضائه بقطع السارق من معصم الكف ومفصل ساق الرجل خلافاً لما أمر به النبي (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) من ترك الكف والعقب وانفاذه في الطلاق الثلاث المرسلة ومنعه من بيع أمهات الأولاد وإن مات الولد وقال: هذا رأي رأيته فأمضاه على الناس، إلى غير ذلك من قضاياه وقضايا الآخرين. ( الوافي 26: 60). راجع على سبيل المثال:الغدير للعلامة الأميني، والنص والاجتهاد للسيد شرف الدين .
4- كمن طلقت بغير شهود وعلى غير طهر كما أبدعوه ونفذوه وغير ذلك. ( الوافي 26: 60 ).

والأحكام، وسبيت ذراري بني تغلب (1)، ورددت ما قسم من أرض خيبر، ومحوت دواوين العطايا (2)، وأعطيت كما كان رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) يعطي بالسويّة، ولم أجعلها دولة بين الأغنياء(3)، وألقيت المساحة(4)،

ص: 72


1- لأن عمر رفع عنهم الجزية فهم ليسوا بأهل ذمة فيحل سبي ذراريهم كما روي عن الرضا(علیه السلام) أنه قال: إن بني تغلب من نصارى العرب انفوا واستنكفوا من قبول الجزية وسألوا عمر أن يعفيهم عن الجزية ويؤدوا الزكاة مضاعفاً فخشي أن يلحقوا بالروم فصالحهم على أن صرف ذلك عن رؤوسهم وضاعف عليهم الصدقة فرضوا بذلك، وقال محيي السنة (البغوي ) روي أن عمر بن الخطاب رام نصارى العرب على الجزية فقالوا: نحن عرب لا نؤدي ما يؤدي العجم، ولكن خذ منّا كما يأخذ بعضكم من بعض، يعنون الصدقة فقال عمر: هذا فرض الله على المسلمين، قالوا: فزد ما شئت بهذا الاسم لا باسم الجزية، فراضاهم على أن ضعف عليهم الصدقة. (مرآة العقول 25: 134).
2- أشار بذلك إلى ما ابتدعه عمر في عهده من وضعه الخراج على أرباب الزراعات والصناعات والتجارات لأهل العلم وأصحاب الولايات والرئاسات والجند، وجعل ذلك عليهم بمنزلة الزكاة المفروضة، ودوّن دواوين، وأثبت فيها أسماء هؤلاء وأسماء هؤلاء، وأثبت لكل رجل من الأصناف الأربعة ما يعطى من الخراج الذي وضعه على الأصناف الثلاثة، وفضّل في الاعطاء بعضهم على بعض، ووضع الدواوين على يد شخص سمّاه صاحب الديوان، وأثبت له أجرة من ذلك الخراج، وعلى هذه البدعة جرت سلاطين الجور وحكامهم إلى الآن، ولم يكن شيء من ذلك على عهد رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) ولا على عهد أبي بكر وإنّما الخراج للإمام فيما يختص به من الأراضي خاصة يصنع به ما يشاء. ( الوافي 26: 60-61).
3- أي لا أجعله لقوم دون قوم حتى يتداولوه بينهم ويحرموا الفقراء .
4- إشارة إلى ما عدّه الخاصة والعامة من بدع عمر أنه قال: ينبغي مكان هذا العشر ونصف العشر دراهم نأخذها من أرباب الأملاك فبعث إلى البلدان من مسح على أهلها فألزمهم الخراج فأخذ من العراق وما يليها ما كان أخذه منهم ملوك الفرس على كل جريب درهماً واحداً وقفيزاً من أصناف الحبوب وأخذ من مصر ونواحيها ديناراً وإردباً عن مساحة جريب كما كان يأخذ منهم ملوك الإسكندرية، وقد روى محيي السنة وغيره عن علمائهم عن النبي (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) أنه قال: «منعت العراق درهمها وقفيزها ومنعت الشام مدّها ودينارها ومنعت مصر إردبها ودينارها» والإردب لأهل مصر أربعة وستون منّاً وفسره أكثرهم بأنه قد محى ذلك شريعة الإسلام، وكان أول بلد مسحه عمر بلد الكوفة، وتفصيل الكلام في ذكر هذه البدع موكول إلى الكتب المبسوطة التي دونّها أصحابنا لذلك كالشافي للسيد المرتضى (مرآة العقول:25: 134).

وسوّيت بين المناكح (1)، وأنفذت خمس الرسول كما أنزل الله عز وجل وفرضه (2)، ورددت مسجد رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) إلى ما كان عليه (3)، وسددت ما فتح فيه من الأبواب، وفتحت ما سدّ منه(4)، وحرّمت المسح على الخفّين(5)، وحددت على النبيذ (6)، وأمرت بإحلال المتعتين (7)،

ص: 73


1- بأن يزوج الشريف والوضيع كما فعله رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) وزوج بنت عمه مقداداً (مرآة العقول:25: 135).
2- إشارة إلى منع عمر أهل البيت خمسهم كما يأتي بيانه في آخر هذه الخطبة (الوافي 26: 61).
3- يعني أخرجت منه ما زادوه فيه ( الوافي 26: 61 ).
4- إشارة إلى ما نزل به جبرئيل(علیه السلام) من الله سبحانه من أمره النبي (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) بسد الأبواب من مسجده إلا باب علي، وكأنهم قد عكسوا الأمر بعد رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) ( الوافي 26: 62 ).
5- إشارة إلى ما ابتدعه عمر من اجازته المسح على الخفين في الوضوء ثلاثاً للمسافر ويوماً وليلة للمقيم، وقد روت عائشة عن النبي (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) أنه قال: « أشد الناس حسرة يوم القيامة من رأى وضوءه على جلد غيره » ( الوافي 26: 62 ).
6- وذلك أنهم استحلوه ( الوافي 26: 62 ).
7- يعني متعة النساء ومتعة الحج ، قال عمر: « متعتان كانتا على عهد رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) وأنا أحرمهما وأعاقب عليهما: متعة النساء ومتعة الحج » ( الوافي 26: 62 ).

وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات (1)، وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم (2)، وأخرجت من أدخل مع رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) في مسجده ممّن كان رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) أخرجه(3)، وأدخلت من اُخرج بعد رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) ممّن كان رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) أدخله (4)، وحملت الناس على حكم القرآن، وعلى الطلاق على السنّة(5)، وأخذت الصدقات على أصنافها(6) وحدودها(7)، ورددت الوضوء والغسل والصلاة إلى مواقيتها

ص: 74


1- وذلك أن النبي (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) كان يكبّر على الجنائز خمساً ، لكن الخليفة الثاني راقه أن يكون التكبير في الصلاة عليها أربعاً، ككثير من الأحكام التي غيّرها لما يروقه ويعجبه غير آبهٍ لخلاف الله أو الرسول (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) راجع كتاب النّص والاجتهاد في مواضع متعددة.
2- وذلك أنهم يتخافتون بها أو يسقطونها في الصلاة ( الوافي 26: 62 ).
3- لعلّ المراد به أبوبكر وعمر حيث دفنا في مسجد الرسول (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) والمراد باخراج الرسول إياهما سد بابهما عن المسجد (الوافي 26: 62 ).
4- يحتمل أن يكون المراد إدخال نفسه(علیه السلام)، ويحتمل أن يكون المراد ادخال جسد فاطمة÷ ودفنها في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) عند النبي (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ)، ويحتمل أن يكون المراد إدخال من كان ملازماً لمسجد الرسول (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) في حياته كعمار وأضرابه (مرآة العقول 25: 135-136 بتصرف).
5- وذلك أنهم خالفوا القرآن في كثير من الأحكام منها وجوب الاشهاد على الطلاق وعدم وجوبه على النكاح فإنهم عكسوا الأمر في ذلك وأبطلوا عدة من أحكام الطلاق وأبدعوا فيه بآرائهم ( الوافي 26: 62 ).
6- أي أخذتها من أجناسها التسعة وهي الدنانير والدراهم والحنطة والشعير والتمر والزبيب والإبل والغنم والبقر فإنهم أوجبوها في غير ذلك، وتفصيل الكلام موجود في كتب القوم .
7- أي نصبها، فإنهم خالفوا فيها وفي سائر أحكامها( الوافي 26: 62 ).

وشرائعها ومواضعها (1)، ورددت أهل نجران إلى مواضعهم(2)، ورددت سبايا فارس وسائر الأمم إلى كتاب الله وسنة نبيه (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ)(3)، إذاً لتفرّقوا عنّي. والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلاّ في فريضة، وأعلمتهم: أنّ اجتماعهم في النوافل بدعة، فتنادى بعض أهل عسكري ممّن يقاتل معي: يا أهل الإسلام، غيّرت سنّة عمر، ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوّعاً. ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري، ما لقيت من هذه الأمة من الفرقة، وطاعة أئمة الضلالة والدعاة إلى النار .

ص: 75


1- ذلك أنهم خالفوا في كثير منها كابداعهم في الوضوء مسح الاذنين وغسل الرجلين والمسح على العمامة والخفين وانتقاضه بملامسة النساء ومس الذكر وأكل ما مسّته النار وغير ذلك ممّا لا ينقضه، وكابداعهم الوضوء مع غسل الجنابة واسقاط الغسل في التقاء الختانين من غير انزال واسقاطهم من الاذان « حي على خير العمل » وزيادتهم فيه « الصلاة خير من النوم» وتقديمهم التسليم على التشهّد الأول في الصلاة مع أن الفرض من وضعه التحليل منها، وابداعهم وضع اليمين على الشمال فيها، وحملهم الناس على الجماعة في النافلة وعلى صلاة الضحى وغير ذلك ( الوافي 26: 62.-63 ).
2- نجران - بالفتح ثم السكون وآخره نون - وهو في عدة مواضع: منها نجران من مخاليف اليمن من ناحية مكة وبها كان خبر الأخدود وإليها تنسب كعبة نجران، وكانت لربيعة بها أساقفة مقيمون، منهم السيد والعاقب اللذين جاءا إلى النبي(علیه السلام) في أصحابهما، ودعاهم إلى المباهلة وبقوا بها حتى أجلاهم عمر،وفي كيفية أجلاء عمر إيّاهم وسببه راجع فتوح البلدان للبلاذري 1: 78.-79.
3- فيه دلالة على أن تلك السبايا لم تقسّم على وجه مشروع، بل على أنها من حقه(علیه السلام) لدلالة الأخبار على أنها أخذه السلطان الجائر من الكفار بالحرب بغير إذن الإمام فهو له(علیه السلام) ( شرح أصول الكافي 11: 400).

وأعطيت(1) من ذلك سهم ذي القربى الذي قال الله عز وجل: {إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ(2)، فنحن والله عنى بذي القربى الذي قرننا الله بنفسه وبرسوله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ)(3)، فقال تعالى: {فَلِلّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} فينا خاصة {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ - في ظلم آل محمد- إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (4) لمن ظلمهم؛ رحمة منه لنا، وغنى أغنانا الله به، ووصّى به نبيّه (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ)، ولم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيباً؛ أكرم الله رسوله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) وأكرمنا أهل البيت أن يطعمنا من أوساخ الناس، فكذّبوا الله، وكذّبوا رسوله، وجحدوا كتاب الله الناطق بحقّنا، ومنعونا فرضاً فرضه الله لنا. ما لقي أهل بيت نبي من أمّته ما لقينا بعد نبينا (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ)، والله المستعان على من ظلمنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم»(5).

وهذا تصريح منه(علیه السلام) بوقوع التحريف في كلّ هذه الأحكام الّتي ثبتت عن رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ)، وفي هذا النص دلالة على: عظم ما كان يعانيه أمير المؤمنين(علیه السلام) من الأمّة المفتونة بعد نبيها (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ).

ص: 76


1- رجوع إلى الكلام السابق ولعل التأخير من الرواة (مرآة العقول 25: 136).
2- سورة الأنفال: 41 .
3- لأنّ سهمهم دائم قائم لهم إلى يوم القيامة كما كان لله ولرسوله، وأما اليتيم إذا انقطع يتمه فليس له سهم وكذلك أخويه .
4- سورة الحشر: 7 .
5- الكافي 8: 58 ، الحديث 21 .

الخمس في عهد الإمامين الحسن المجتبى والحسين شهيد(علیهما السلام):

استغل معاوية - بعد قضيّة التحكيم - حالة التفكّك والوهن الّتي نابت جيش الإمام أمير المؤمنين(علیه السلام) في العراق، وأخذ يتطلّع لتوسيع رقعة إمارته، بادخال الولايات الخاضعة لسيطرة حكومة أمير المؤمنين(علیه السلام)، فبدأ بارسال الجيوش إليها؛ للإغارة عليها.

وكانت ولاية مصر من أهمّ ما كان يطمح إليه معاوية؛ لكثرة خراجها، فأرسل إليها عمرو بن العاص بجيش كبير، وتمكّن من احتلالها، وقتل واليها محمد بن أبي بكر، والتمثيل به.فيما ظلّ الإمام أمير المؤمنين(علیه السلام) يحاول جاهداً وبمختلف الأساليب أن يجهّز جيشاً يخمد به تمرّد أهل الشام، إلا أنّ أهل العراق قد بدا منهم الضعف والتقاعس عن نصرته، وبقي الوضع على حاله إلى أن اختار الله سبحانه أمير المؤمنين(علیه السلام) إلى جواره، فمضى شهيداً مظلوماً، قد اشبهت محنته محن الأنبياء؛ حيث إنّه دعاهم ليلاً ونهاراً لنصرته، فما زادهم ذلك إلاّ فراراً.

وقد عهد (صلوات الله عليه) قبل استشهاده بالخلافة لابنه الحسن المجتبى(علیه السلام)، وبايعه الناس على ذلك. وعند وصول خبر استشهاد الإمام إلى الشام تحرّك معاوية بجيش كبير - قوامه ستّون ألفاً - نحو العراق؛ ليضمّه إلى ملكه، ويجبر الإمام الحسن(علیه السلام) على الاستسلام.

ونظراً لانهيار معنويّات جيش الإمام الحسن(علیه السلام) والاضطرابات الّتي سادت البصرة والكوفة، بالإضافة إلى استعداد الروم لحرب المسلمين بجيش عظيم، فإنّه صلوات الله عليه لم يجد بدّاً من المصالحة والمسالمة وحقن الدماء.

ص: 77

وكانت أهم بنود الصلح ما يلي: تسليم الخلافة على بلاد المسلمين كلّها إلى معاوية، على أن يعمل بالكتاب والسنّة النبويّة، وأن يكون الأمر بعده إلى الحسن(علیه السلام)، وإن توفي قبل ذلك يكون الأمر للحسين(علیه السلام). ويتعهّد معاوية كذلك بوقف الشتائم ضد الإمام علي(علیه السلام) على المنابر وغيرها، وعدم التعرّض للموالين لأهل البيت(علیهم السلام) بالملاحقة والأذى، وأن يبقى ما في بيت مال الكوفة تحت تصرف الحسن(علیه السلام)(1).

وبهذا بدأ عصر مظلم جديد على الأمة حرمت فيه من أبسط حقوقها، فمعاوية - مضافاً إلى عدم التزامه ببنود الصلح كلّها - قتل سيّد شباب أهل الجنة الإمام الحسن المجتبى(علیه السلام)، بدسّ السمّ إليه على يد زوجته جعدة بنت الأشعث، وتتبّع أثر شيعته تحت كلّ حجر ومدر، فقتلهم وشتّتهم وأخافهم وحرمهم من العطاء.

وقد سعى معاوية وبقيّة بني أميّة في قطع الشجرة، الّتي أصلها ثابت وفرعها في السماء، وهم أهل البيت(علیهم السلام) ؛ وذلك لتبقى الشجرة الملعونة في القرآن، فحرمهم من جميع حقوقهم، ومنها الخمس، فهو ومن سبقه من الخلفاء الثلاثة سواءٌ في المنع، وهو إنّما يسير بسيرتهم في ذلك ويستنّ بسنّتهم، إلا أنّه فاق عليهم في تصرّفه فيه كيف شاء.

فقد روى الحاكم في «المستدرك» عن الحسن قال: بعث زياد الحكم بن عمرو الغفاري على خراسان، فأصابوا غنائم كثيرة، فكتب إليه زياد: أمّا بعد، فإنّ أمير المؤمنين كتب: أن يصطفى له البيضاء والصفراء، ولا تقسّم بين

ص: 78


1- أزمة الخلافة والإمامة وآثارها المعاصرة: 123.

المسلمين ذهباً ولا فضة. فكتب إليه الحكم: أمّا بعد، فإنّك كتبت تذكر كتاب أمير المؤمنين، وإنّي وجدت كتاب الله قبل كتاب أمير المؤمنين، وإنّي أقسم بالله لو كانت السماوات والأرض رتقاً على عبد فاتّقى الله لجعل له من بينهم مخرجاً، والسلام.

أمر الحكم منادياً فنادى: أن اغدوا على فيئكم، فقسّمه بينهم، وإنّ معاوية لما فعل الحكم في قسمة الفيء ما فعل وجّه إليه من قيّده وحبسه، فمات في قيوده، ودفن فيها، وقال: إنّي مخاصم(1).

واستمرّ حرمان بني هاشم من الخمس من زمن معاوية - الذي صار يصطفي لنفسه الصفراء والبيضاء، ولا يقسم بين المسلمين منه ذهباً ولا فضة- إلى زمان ابنه يزيد، الذي لم يختلف عن أبيه في سياسة الإقصاء لبني هاشم، حتّى جاء بأكبر الفظائع: بقتل سيد شباب أهل الجنّة لمّا قام لطلب الاصلاح في أمّة جده، ونتج عن قيامه فضح بني أميّة، بحيث لا يخفى ضلالهم على أحد أصلاً.

زمان الإمام علي بن الحسين السجّاد(علیه السلام):

اشارة

وقد عاصر الإمام علي بن الحسين(علیه السلام) عدة من حكّام بني أميّة، أولهم يزيد بن معاوية الذي لم تطل أيّامه، وبعد هلاكه قام ابنه معاوية بن يزيد الذي عزل نفسه، ممّا أدّى إلى تزلزل الحكومة الأمويّة، فقام مروان بن الحكم طريد رسول الله ورتّب أُمور الدولة، وبعده جاء ابنه عبد الملك بن مروان الذي

ص: 79


1- المستدرك على الصحيحين 3: 442 .

عرف بالتشدّد على بني هاشم، وولّى على الناس المعتدي الغشوم الحجّاج بن يوسف الثقفي، الذي سوّد صحائف التاريخ بظلمه لأهل البيت(علیهم السلام) وشيعتهم، وحرمانهم من جميع حقوقهم. ولذا لم يتمكن الإمام(علیه السلام) من بيان الحق في كثير من الأحكام الشرعيّة، مع أنّ حكّام بني أميّة نصبوا الفقهاء السبعة في المدينة المنوّرة؛ ليصرفوا وجوه الناس عن أهل البيت وعلمهم وفقههم، فلم تتح للإمام(علیه السلام) الفرصة لنشر علومه، وكان (صلوات الله عليه) مرتدياً في أغلب مدّة إمامته رداء التقيّة.وقد استمرّ منعهم لحق آل الله حتّى زمان عمر بن عبد العزيز. فعن علي بن عبد الله بن عباس، وأبي جعفر محمد بن علي(علیه السلام)، قالا: «ما قسم علينا خمس منذ زمن معاوية إلى اليوم»(1).

ولمّا أمر عمر بن عبد العزيز - ولأغراض سياسيّة بحتة - بدفع شيء من الخمس إلى بني هاشم، اجتمع نفر منهم، وكتبوا إليه يشكرونه؛ لصلته رحمه، وفيه: إنّهم لم يزالوا مجفوّين منذ كان معاوية(2).

إلاّ أنّ هذه المحاولة من عمر بن عبد العزيز لم تطل أيّامها، ومن ثَمَّ عاد الوضع كما كان.

ومن هنا انتشرت الأحاديث عن النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) والأئمّة والزهراء(علیهم السلام) حول تحليل الخمس للشيعة؛ ولولا وجوبه لما كان لتحليله معنى.

ص: 80


1- الطبقات الكبرى 5: 391 .
2- الطبقات الكبرى 5: 391 .

وإنّما حلّلوه للظروف القاسية الّتي كانت تمرّ على الشيعة، فأباحوا الخمس؛ لتزكو أموالهم؛ وتطهر أنسابهم.

ولذا حمل الفقهاء (قدّس الله أسرارهم) نصوص إباحة الخمس لشيعتهم في تلك الأحاديث على التحليل المؤقّت؛ لأنّ أمر الخمس بأيديهم، فلهم أن يتنازلوا عنه بطيب أنفسهم، وبسماحة من ذواتهم الشريفة.

من أحاديث الإمام السجّاد(علیه السلام) بشأن الخمس:

1- «تفسير العيّاشي»: عن المنهال بن عمرو، عن علي بن الحسين(علیهما السلام) ، قال: قال - أي: في تفسير {وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} - : «ليتامانا ومساكيننا وأبناء سبيلنا»(1).

2 - «تفسير فرات بن إبراهيم»: جعفر بن محمد بن هشام معنعناً، عن ديلم بن عمرو، قال: إنّا لقيام بالشام، إذ جيء بسبيّ آل محمد(علیهم السلام)، حتّى اُقيموا على الدرج، إذ جاء شيخ من أهل الشام، فقال: الحمد لله الذي مثّلكم، وقطع قرن الفتنة.

فقال علي بن الحسين: «أيّها الشيخ، انصت لي، فقد نصت لك حتّى أبديت لي عمّا في نفسك من العداوة: هل قرأت القرآن؟» . قال: نعم. قال: «هل وجدت لنا فيه حقاً خاصة دون المسلمين؟» . قال: لا. قال: «ما قرأت القرآن» . قال: بلى، قد قرأت القرآن. قال: «فما قرأت الأنفال: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى}

ص: 81


1- تفسير العياشي 2: 63 سورة الأنفال: الآية 41 ، الحديث 63 .

أتدرون من هم؟» . قال: لا. قال: «فإنّا نحن هم» . قال: إنّكم لأنتم هم؟ قال: «نعم».

قال: فرفع الشيخ يده، ثم قال: اللهمّ إنّي أتوب إليك من قتل آل محمد، ومن عداوة آل محمد (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ)(1).

3 - روي عن زين العابدين علي بن الحسين: أنّه قال: «إنّ الخمس لنا». فقيل له: إنّ الله يقول: {وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} فقال: «يتامانا ومساكيننا وأبناء سبيلنا»(2).

زمان الإمامين الباقر والصادق(علیه السلام):

لعلّ الظروف السياسيّة القاسية الّتي عاشها الأئمّة بعد النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) كانت تمنعهم من جباية الخمس؛ لأنّ الجباية كانت من أبرز وظائف السلطان المتسلّط آنذاك، ومن ينازعه في ذلك كان يعدّ خارجاً عن القانون، متمرّداً على السلطة، وكانت تهمة جباية الأموال تلصق بمن يتّصف بالمعارضة لسلطان الوقت، كتهمة جمع السلاح، فكانوا يقولون: فلان يجمع السلاح، ويجبي الأموال، والمراد: أنّه كان يستعدّ للخروج على السلطان وأخذ السلطة منه.

ولكن بعد الانفراج النسبي الذي ساد أوائل عصر العباسيين كانت الظروف

ص: 82


1- تفسير فرات الكوفي: 153 ، وانظر بحار الأنوار 45: 129 ، والمصدر نفسه 93: 202 الباب 24 الحديث 21 . وراجع جامع البيان المجلد 6 الجزء 10: 8 سورة الأنفال الحديث 12502 .
2- فتح القدير 2: 310 سورة الأنفال ، كيف تقسم الغنائم .

تسمح للأئمة(علیهم السلام) بنشر التعاليم الإلهيّة الحقّة، والّتي من جملتها فريضة الخمس في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير، وجبايته بصورة شبه سريّة.

فاحتاج الشيعة في ذاك الوقت إلى مرشدين يهدونهم إلى تعاليم الأئمّة(علیهم السلام) ، فعيّن لهم الأئمّة من يقوم بذلك، وينوب عنهم في أخذ الحقوق المالية، فكانوا يرجعون إلى الوكلاء النوّاب في ذينك تارة، وأخرى يجتمعون بإمامهم إذا تيسّر لهم السفر إليه.وهذا الانفراج النسبي في عصر الصادقين(علیهما السلام) هو ما يفسّر وفرة الأحاديث في مختلف المجالات عنهما(علیهما السلام) ، فلذا نجد: أنّ أكثر الأحكام الشرعيّة قد رويت عنهما؛ لكثرة تلاميذهما، وفسح المجال من قبل العباسيين لهما؛ ليبيّنا ما أرادا من أحكام.

من أحاديث الإمام الباقر(علیه السلام) بشأن الخمس:

1 - عن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر(علیه السلام): ما أيسر ما يدخل به العبد النار؟ قال: «من أكل من مال اليتيم درهماً، ونحن اليتيم»(1).

2 - وعنه أيضاً، عن أبي جعفر(علیه السلام) - في حديث - ، قال: «لا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئاّ حتّى يصل إلينا حقنا»(2).

3 - وعنه أيضاً، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: سمعته يقول: «من اشترى شيئاً

ص: 83


1- وسائل الشيعة 9: 483 ، الباب1 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث1.
2- وسائل الشيعة 9: 484 ، الباب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4 .

من الخمس لم يعذره الله؛ اشترى ما لا يحل له»(1).

4 - وعن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: سألته عن معادن الذهب والفضّة والصفر والحديد والرصاص، فقال: «عليها الخمس جميعاً»(2).

5 - وعنه أيضاً قال: سألت أبا جعفر(علیه السلام) عن الملاحة، فقال: «وما الملاحة ؟» فقال: أرض سبخة مالحة، يجتمع فيه الماء، فيصير ملحاً، فقال: «هذا المعدن فيه الخمس» . فقلت: والكبريت والنفط يخرج من الأرض ؟ قال: فقال: «هذا وأشباهه فيه الخمس»(3).

6 - وعن زرارة، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: سألته عن المعادن: ما فيها، فقال: «كل ما كان ركازاً ففيه الخمس» . وقال: «ما عالجته بمالك ففيه - ما أخرج الله سبحانه منه من حجارته مصفى - الخمس»(4).

7 - وعن أبي عبيدة الحذاء قال: سمعت أبا جعفر(علیه السلام) يقول: «أيّما ذمّيّ اشترى من مسلم أرضاً فإنّ عليه الخمس»(5).

ص: 84


1- وسائل الشيعة 9: 484 ، الباب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5 .
2- وسائل الشيعة 9: 491 ، الباب3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 9: 492 ، الباب3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.
4- وسائل الشيعة 9: 492 ، الباب3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.
5- وسائل الشيعة 9: 505، الباب 9 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث1.

من أحاديث الإمام الصادق(علیه السلام) بشأن الخمس:

1 - عن عيسى بن عبد الله العلوي، عن أبيه، عن جده، عن جعفر بن محمد(علیه السلام)، قال: «إنّ الله - لا إله إلا هو - لمّا حرّم علينا الصدقة أبدلنا الخمس، فالصدقة علينا حرام، والخمس لنا فريضة، والكرامة لنا حلال»(1).

2 - وعن الحلبي، عن أبي عبد الله(علیه السلام): في الرجل من أصحابنا يكون في أوانهم [لوائهم] ، فيكون معهم، فيصيب غنيمة، قال: «يؤدّي خمسنا [خمسها] ، ويطيب له »(2).

3 - وعن عمار بن مروان قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) يقول: «فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه والكنوز الخمس»(3).

4 - وعن ابن أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي عبد الله(علیه السلام)، قال: «الخمس على خمسة أشياء: على الكنوز والمعادن والغوص والغنيمة»، ونسي ابن أبي عمير الخامس(4).

ص: 85


1- الخصال 1: 321 ، باب الخمسة، الحديث 51 ، وسائل الشيعة 9: 483، الباب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.
2- وسائل الشيعة 9: 488، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 8 .
3- وسائل الشيعة 9: 494، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6 .
4- وسائل الشيعة 9: 494، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 7 .

وكلاء الإمام الصادق(علیه السلام):

وأمّا وكلاء الإمام الصّادق(علیه السلام) فكانوا عدّة، وأما الإمام الباقر(علیه السلام) فلم ينقل: أنّه كان له وكلاء، ولعل ذلك لعدم مناسبة نصب الوكلاء في زمانه، كما مرّت الإشارة إليه.

وكيف كان فمن وكلاء الإمام أبي عبد الله الصادق(علیه السلام) المحمودين:1 - حمران بن أعين الشيباني أخو زرارة. قال الشيخ في «الغيبة»: فمن المحمودين حمران بن أعين ....عن زرارة قال: قال أبو جعفر(علیه السلام) - وذكرنا حمران بن أعين - فقال: «لا يرتدّ - والله - أبداً»، ثم أطرق هنيئة، ثم قال: «أجل، لا يرتدّ - والله - أبداً»(1).

2 - المفضّل بن عمر. روى الشيخ في كتاب «الغيبة»: عن هشام بن أحمر قال: دخلت على أبي عبد الله(علیه السلام) - وأنا أريد أن أسأله عن المفضل بن عمر - وهو في ضيعة له في يوم شديد الحرّ، والعرق يسيل على صدره، فابتدأني فقال: «نعم، والله الذي لا إله إلا هو، الرجل المفضل بن عمر الجعفي. نعم، والله الذي لا إله إلا هو، الرجل (هو) المفضل بن عمر الجعفي» حتّى أحصيت بضعاً وثلاثين مرة يكرّرها، وقال: «إنّما هو والد بعد والد»(2) .

وروي عن هشام بن أحمر قال: حملت إلى أبي إبراهيم(علیه السلام) إلى المدينة أموالاً، فقال: «ردّها، فادفعها إلى المفضل بن عمر» . فرددتها إلى جعفي،

ص: 86


1- الغيبة: 346 ، الحديث 296 .
2- الغيبة: 346 ، الحديث 297 .

فحططتها على باب المفضل(1).

وروي عن موسى بن بكر قال: كنت في خدمة أبي الحسن(علیه السلام)، فلم أكن أرى شيئاً يصل إليه إلاّ من ناحية المفضل، ولربما رأيت الرجل يجيء بالشيء فلا يقبله منه، ويقول: «أوصله إلى المفضل»(2).

3 - المعلّى بن خنيس. ذكر الشيخ في كتاب «الغيبة»: وكان من قوّام أبي عبد الله(علیه السلام)، وإنّما قتله داود بن علي بسببه، وكان محموداً عنده، ومضى على منهاجه، وأمره مشهور(3) .

فروي عن أبي بصير قال: لمّا قتل داود بن (علي) المعلّى بن خنيس فصلبه، عظم ذلك على أبي عبد الله(علیه السلام) ، واشتدّ عليه، وقال له: «يا داود ! على ما قتلت مولاي وقيّمي في مالي وعلى عيالي؟ والله، إنّه لأوجه عند الله منك» ، في حديث طويل(4).

وفي خبر آخر: أنّه قال: «أما والله، لقد دخل الجنة»(5).

4 - نصر بن قابوس اللخمي .قال الشيخ النجاشي: نصر بن قابوس اللخمي القابوسي، روى عن أبي عبد الله وأبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا(علیهم السلام) ،

ص: 87


1- الغيبة: 347 ، الحديث 298 .
2- الغيبة: 347 ، الحديث 299 .
3- الغيبة: 347 ، ذيل الحديث 299 .
4- الغيبة 347 ، الحديث 300 .
5- الغيبة:347 ، الحديث 301 .

وكان ذا منزلة عندهم ...) (1).

وعدّه الشيخ المفيد من خاصّة أبي الحسن وثقاته، وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته، وممّن روى النص على الرضا علي بن موسى(علیهما السلام) بالإمامة من أبيه، والإشارة إليه منه بذلك(2).

وقال الشيخ(رحمه الله): فروى: أنّه كان وكيلاً لأبي عبد الله(علیه السلام) عشرين سنة، ولم يعلم: أنّه وكيل، وكان خيّراً فاضلاً(3).

5 - عبد الرحمن بن الحجّاج. قال الشيخ في «الغيبة»: كان عبد الرحمن بن الحجّاج وكيلاً لأبي عبد الله(علیه السلام)، ومات في عصر الرضا(علیه السلام) على ولايته»(4).

زمان الإمامين الكاظم والرضا(علیهما السلام):

كان الانفراج النسبي الذي أفاد منه الإمامان الباقر والصادق(علیهما السلام) قصير المدة، وما فتئ أن عاد عهد التقيّة من جديد في أخريات زمان الإمام الصادق(علیه السلام)، وبلغ أشدّه في أواخر زمان الإمام الكاظم حتّى استشهاده، إلاّ أنّ ذلك لم يمنعه(علیه السلام) من القيام بما يمكنه من بثّ الأحكام وإقامة شريعة الإسلام، ما استطاع لذلك سبيلاً. هذا وقد انتشر التشيّع في زمان الإمامين الكاظم والرضا(علیهما السلام) انتشاراً كبيراً، حتّى وصل إلى بلاط الخلفاء العباسيين

ص: 88


1- رجال النجاشي:427 / 1146.
2- الإرشاد 2: 247 - 248 .
3- الغيبة: 347 الحديث 302 .
4- الغيبة:348 ذيل الحديث 302 .

وقادة الجيوش، وقد كان الإمامان(علیهما السلام) يعلنان - فيما يعلنان من المعارف الإسلامية - أمر فريضة الخمس، ويبيّنان سعة متعلّقه، وكيفيّة تقسيم سهامه، والتأكيد على أدائه، والتشديد في أمره، حتّى وصل الأمر إلى أن أصبح دفع الشيعة للخمس من أبرز ما يعرفون به.

من أحاديث الإمام موسى بن جعفر(علیه السلام) بشأن الخمس:

1 - عن عمران بن موسى، عن موسى بن جعفر، قال: قرأت عليه آية الخمس، فقال: «ما كان لله فهو لرسوله، وما كان لرسوله فهو لنا» . ثم قال: «والله، لقد يسّر الله على المؤمنين أرزاقهم بخمسة دراهم، جعلوا لربهم واحداً، وأكلوا أربعة أحلاّء» . ثم قال: «هذا من حديثنا صعب مستصعب، لا يعمل به ولا يصبر عليه إلاّ ممتحن قلبه للإيمان»(1).

2 - عن سماعة قال: سألت أبا الحسن(علیه السلام) عن الخمس، فقال: «في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير»(2).

3 - عن حمّاد بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح(علیه السلام)، قال: «الخمس من خمسة أشياء: من الغنائم، والغوص، ومن الكنوز، ومن المعادن، والملاحة . ..» الحديث (3).

4 - عن محمد بن علي بن أبي عبد الله [محمد بن علي] ، عن أبي

ص: 89


1- وسائل الشيعة 9: 484، الباب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.
2- وسائل الشيعة 9: 503، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.
3- وسائل الشيعة 9: 487، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.

الحسن(علیه السلام) ، قال: سألته عمّا يخرج من البحر من: اللؤلؤ والياقوت والزبرجد، وعن معادن الذهب والفضة: هل (فيها زكاة) [عليه زكاتها] ؟ فقال: «إذا بلغ قيمته ديناراً ففيه الخمس»(1) .

5 - عن عيسى بن المستفاد، عن أبي الحسن موسى بن جعفر، عن أبيه(علیهما السلام): أنّ رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) قال لأبي ذر وسلمان والمقداد: «اشهدوني على أنفسكم بشهادة أن لا إله إلا الله - إلى أن قال: - وأنّ علي بن أبي طالب وصيّ محمد وأمير المؤمنين [وليّ المؤمنين ومولاهم، وأنّ حقه من الله مفروض واجب] ، وأنّ طاعته طاعة الله ورسوله، والأئمّة من ولده، وأنّ مودّة أهل بيته مفروضة واجبة على كلّ مؤمن ومؤمنة، مع إقام الصلاة لوقتها، وإخراج الزكاة من حلّها، ووضعها في أهلها، وإخراج الخمس من كلّ ما يملكه أحد من الناس، حتّى يرفعه [يدفعه] إلى وليّ المؤمنين وأميرهم، ومن بعده من الأئمّة من ولده. فمن عجز ولم يقدر إلاّ على اليسير من المال فليدفع ذلك إلى الضعفاء من أهل بيتي من ولد الأئمّة ...»(2).

من وكلاء أبي الحسن موسى بن جعفر(علیه السلام) المحمودين:

1 - عبد الله بن جندب البجلي. قال الشيخ في «الغيبة»: كان وكيلاً لأبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا(علیه السلام)، وكان عابداً رفيع المنزلة لديهما، على ما

ص: 90


1- وسائل الشيعة 9: 493، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس،الحديث 5.
2- وسائل الشيعة 9: 553، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام)، الحديث 21.

روي في الأخبار(1).

2 - المفضل بن عمر. وقد تقدّم عن شيخ الطائفة في «الغيبة»: أنّه كان وكيلاً لأبي عبد الله الصادق(علیه السلام) ، وأنّه روي عن هشام بن أحمر قال: حملت إلى أبي إبراهيم(علیه السلام) إلى المدينة أموالاً، فقال: «ردّها، فادفعها إلى المفضل بن عمر»، فرددتها إلى جعفي، فحططتها على باب المفضل(2). وروي عن موسى بن بكر قال: كنت في خدمة أبي الحسن(علیه السلام) ، فلم أكن أرى شيئاً يصل إليه إلاّ من ناحية المفضل، ولربّما رأيت الرجل يجيء بالشيء، فلا يقبله منه، ويقول: «أوصله إلى المفضل»(3).

3 - يونس بن يعقوب البجلي. قال الشيخ النجاشي: يونس بن يعقوب بن قيس أبو علي الجلاّب البجلي الدهني، أمه مُنيَّة بنت عمار بن أبي معاوية الدهني أخت معاوية بن عمار. اختصّ بأبي عبد الله وأبي الحسن(علیهما السلام)، وكان يتوكّل لأبي الحسن(علیه السلام)، ومات بالمدينة في أيّام الرضا(علیه السلام)، فتولّى أمره، وكان حظيّاً عندهم موثّقاً(4).

من أحاديث الإمام علي بن موسى(علیه السلام) بشأن الخمس:

1 - عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا(علیه السلام) ، قال:

ص: 91


1- الغيبة: 348.
2- الغيبة: 347 الحديث 298 .
3- الغيبة: 347 الحديث 299 .
4- رجال النجاشي: 446 / 1207 .

سألته عمّا يجب فيه الخمس من الكنز، فقال: «ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس»(1).

2 - عن علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه، عن أبي الحسن الرضا(علیه السلام) - في حديث - ، قال: «كان لعبد المطلب خمس من السنن أجراها الله له في الإسلام: حرّم نساء الآباء على الأبناء، وسنّ الدية في القتل مائة من الإبل، وكان يطوف بالبيت سبعة أشواط، ووجد كنزاً فأخرج منه الخمس، وسمّى زمزم حين حفرها سقاية الحاج»(2).

3 - عن الريان بن الصلت، عن الرضا(علیه السلام) - في حديث طويل - ، قال: «وأمّا الثامنة فقول الله عز وجل: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} فقرن سهم ذي القربى مع سهمه وسهم رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) - إلى أن قال: - فبدأ بنفسه، ثم برسوله، ثم بذي القربى ... »(3).

4 - عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن الرضا(علیه السلام) ، قال: سئل عن قول الله عز وجل: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} (4)، فقيل له: فما كان لله، فلمن هو ؟ فقال: «لرسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ)، وما كان لرسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) فهو للإمام» فقيل له: أفرأيت إن كان صنف من الأصناف أكثر وصنف أقل: ما يصنع به ؟ قال: «ذاك إلى الإمام. أرأيت

ص: 92


1- وسائل الشيعة 9: 495، الباب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.
2- وسائل الشيعة 9: 496 ، الباب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4 .
3- وسائل الشيعة 9: 515 ، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث10.
4- سورة الأنفال: 41.

رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) كيف يصنع؟ أليس إنّما كان يعطي على ما يرى ؟ كذلك الامام»(1).

5 - عن محمد بن زيد الطبري [محمّد بن يزيد الطبري] قال: كتب رجل من تجّار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا(علیه السلام) يسأله الأذن في الخمس، فكتب إليه: «بسم الله الرحمن الرحيم إنّ الله واسع كريم، ضمن على العمل الثواب، وعلى الضيق الهمّ [وعلى الخلاف العقاب] . لا يحلّ مال إلاّ من وجه أحلّه الله. إنّ الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالاتنا وعلى أموالنا [موالينا] ، وما نبذله ونشتري من أعراضنا ممّن نخاف سطوته فلا تزووه عنّا، ولا تحرموا أنفسكم دعاءنا ما قدرتم عليه؛ فإنّ إخراجه مفتاح رزقكم، وتمحيص ذنوبكم، وما تمهدون لأنفسكم ليوم فاقتكم. والمسلم من يفي لله بما عهد إليه، وليس المسلم من أجاب باللسان وخالف بالقلب والسلام»(2).

6 - وعن محمد بن زيد أيضاً قال: قدم قوم من خراسان على أبي الحسن الرضا(علیه السلام)، فسألوه أن يجعلهم في حلّ من الخمس، فقال: «ما أمحل هذا؟! تمحضونا المودة بألسنتكم، وتزوون عنّا حقّاً جعله الله لنا وجعلنا له [وهو الخمس] ، لا نجعل، لا نجعل، لا نجعل لأحد [أحداً] منكم في حلّ»(3).

ص: 93


1- وسائل الشيعة 9: 519، الباب 2 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 9: 538، الباب 3 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام)، الحديث2.
3- وسائل الشيعة 9: 539 ، الباب 3 من أبواب الأنفال وما يختص بالامام(علیه السلام) ، الحديث 3 .

من وكلاء أبي الحسن الرضا(علیه السلام) المحمودين:

1 - يونس بن عبد الرحمن. قال الشيخ النجاشي عنه: كان وجهاً في أصحابنا، متقدّماً، عظيم المنزلة، ولد في أيّام هشام بن عبد الملك، ورأى جعفر بن محمد(علیهما السلام) بين الصفا والمروة، ولم يرو عنه. وروى عن أبي الحسن موسى والرضا(علیهما السلام) ، وكان الرضا(علیه السلام) يشير إليه في العلم والفتيا. وكان ممّن بذل له على الوقف مال جزيل، وامتنع (فامتنع) من أخذه، وثبت على الحق...قال أبو عمرو الكشي ..قال: حدثني عبد العزيز بن المهتدي - وكان خير قمّي رأيته، وكان وكيل الرضا(علیه السلام) وخاصته - فقال: إنّي سألته فقلت: إنّي لا أقدر على لقائك في كلّ وقت، فعمّن آخذ معالم ديني ؟ فقال: «خذ عن يونس بن عبد الرحمن» . وهذه منزلة عظيمة(1).

2 - عبد الله بن جندب البجلي. وقد مرّ في وكلاء الإمام الكاظم(علیه السلام).

3 - زكريّا بن آدم. يظهر من رواية نقلها الكشي: أنّه كان وكيلاً للإمامين الرضا والجواد(علیهما السلام) ؛ حيث قال: أحمد بن محمد بن عيسى القمي، قال: بعث إلي أبو جعفر(علیه السلام) غلامه، ومعه كتابه، فأمرني أن أصير إليه، فأتيته، فهو بالمدينة نازل في دار بزيع. فدخلت عليه، وسلّمت عليه، فذكر في صفوان ومحمد بن سنان وغيرهما ممّا قد سمعه غير واحد. فقلت في نفسي: استعطفه على زكريا بن آدم؛ لعله أن يسلم ممّا قال في هؤلاء، ثم رجعت إلى نفسي، فقلت: من أنا أن أتعرّض في هذا وفي شبهه، مولاي هو أعلم بما يصنع فقال لي: «يا أبا علي، ليس على مثل أبي يحيى يعجل، وقد كان من خدمته

ص: 94


1- رجال النجاشي:446 / 1208 .

لأبي(علیه السلام) ومنزلته عنده وعندي من بعده، غير أنّي احتجت إلى المال الذي عنده»، فقلت: جعلت فداك، هو باعث إليك بالمال.

وقال لي: إن وصلت إليه فاعلمه: أنّ الذي منعني من بعث المال اختلاف ميمون ومسافر، فقال: «احمل كتابي إليه، ومره أن يبعث إليّ بالمال» . فحملت كتابه إلى زكريا، فوجّه إليه بالمال. قال: فقال لي أبو جعفر(علیه السلام) ابتداءاً منه: «ذهبت الشبهة، ما لأبي ولد غيري»، فقلت: صدقت، جعلت فداك(1).

4 - صفوان بن يحيى. قال الشيخ النجاشي: أبو محمد البجلي بيّاع السابري، كوفي، ثقة ثقة، عين. روى أبوه عن أبي عبد الله(علیه السلام)، وروى هو عن الرضا(علیه السلام)، وكانت له عنده منزلة شريفة. ذكره الكشي في رجال أبي الحسن موسى(علیه السلام)، وقد توكّل للرضا وأبي جعفر(علیهما السلام) ، وسلم مذهبه من الوقف، وكانت له منزلة من الزهد والعبادة، وكان جماعة الواقفة بذلوا له مالاً كثيراً، وكان شريكاً لعبد الله بن جندب وعلي بن النعمان(2).

5 - علي بن مهزيار الأهوازي. يظهر من عبارة الشيخ النجاشي: أنّه كان وكيلاً للرضا(علیه السلام)، قال: روى عن الرضا وأبي جعفر(علیهما السلام) ، واختصّ بأبي جعفر الثاني [(علیه السلام)] ، وتوكّل له، وعظم محلّه منه، وكذلك أبو الحسن الثالث(علیه السلام) ، وتوكّل لهم في بعض النواحي، وخرجت إلى الشيعة فيه توقيعات بكل خير،

ص: 95


1- اختيار معرفة الرجال: 633 / 1115 .
2- رجال النجاشي: 197 / 524 .

وكان ثقة في روايته، لا يطعن عليه، صحيحاً اعتقاده(1).

زمان الإمام الجواد(علیه السلام)

تولى الإمام الجواد(علیه السلام) زمام الإمامة بعد شهادة أبيه الرضا(علیه السلام) مسموماً، وعرفت شيعة أبيه النص عليه منه، وعلمت فضله وعلمه وتفوّقه على سائر أهل البيت الهاشمي، مع صغر سنّه. فانقادت له الشيعة، وظهر أمره في الآفاق، وانتشر التشيّع في زمانه أكثر من ذي قبل، فقام(علیه السلام) بأعباء الإمامة خير قيام، ولم يمنعه صغر سنّه من القيام بوظائفها، كما لم يلحظ الشيعة الفرق بينه وبين آبائه الطاهرين(علیهم السلام)، فقد كانت الشيعة تستفتيه في أحكام دينها، وتأخذ عنه معالمه أصولاً وفروعاً، كما كانت تأخذ عن آبائه(علیهم السلام). وكان(علیه السلام) يظهر لهم المعجزات؛ تثبيتاً لقلوبهم، وإقامة للحجّة عليهم، ويبيّن لهم ما أشكل عليهم من أمور دينهم ودنياهم، ويبثُّ فيهم الوكلاء عنه(علیه السلام) ، يعلّمون من بعدت شقّته منهم معالم الدين، ويرشدونهم، ويعينون محتاجهم، ويقيمون فيهم فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويستلمون الخمس منهم.

وفي زمانه(علیه السلام) صدر منه حكم فيه امتنان وتخفيف على شيعته بشأن الخمس، في السنة الّتي كان السلطان يأخذ الأموال من الشيعة، كما كانت تصيبهم نوائب فيها، فأعمل الإمام ولايته، وأسقط عن الشيعة خمس أرباح المكاسب في تلك السنة؛ تخفيفاً عنهم، ومنّة منه(علیه السلام) عليهم.

ص: 96


1- رجال النجاشي: 253 / 664 .

من أحاديث الإمام محمّد بن علي الجواد(علیه السلام) بشأن الخمس:

1 - عن إبراهيم بن هاشم قال: كنت عند أبي جعفر الثاني(علیه السلام) ، إذ دخل عليه صالح بن محمد بن سهل، وكان يتولّى له الوقف بقم، فقال: يا سيدي، اجعلني من عشرة آلاف [درهم] في حلّ؛ فإنّي قد أنفقتها. فقال له: «أنت في حلٍّ». فلمّا خرج صالح قال أبو جعفر(علیه السلام): «أحدهم يثب على أموال [حقّ] آل محمد وأيتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم فيأخذه، ثم يجيء فيقول: اجعلني في حلّ، أتراه ظنّ: أنّي أقول: لا أفعل. والله، ليسألنّهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤالاً حثيثاً»(1).

2 - عن الحكم بن علبا الأسدي - في حديث - قال: دخلت على أبي جعفر(علیه السلام) ، فقلت له: إنّي ولّيت البحرين، فأصبت بها مالاً كثيراً، واشتريت متاعاً، واشتريت رقيقاً، واشتريت أمّهات أولاد، وولد لي وأنفقت، وهذا خمس ذلك المال، وهؤلاء أمّهات أولادي ونسائي قد أتيتك به ؟ فقال: «أما إنّه كلّه لنا، وقد قبلت ما جئت به، وقد حللتك من أمّهات أولادك ونسائك، وما أنفقت وضمنت لك - عليّ وعلى أبي - الجنّة»(2).

3 - عن علي بن مهزيار قال: كتب إليه أبو جعفر(علیه السلام) - وقرأت أنا كتابه إليه في طريق مكة - قال: «إنّ الذي أوجبت في سنتي هذه وهذه سنة عشرين ومائتين فقط لمعنى من المعاني، أكره تفسير المعنى كلّه؛ خوفاً من الانتشار، وسأفسر لك بعضه [بقيّته] إن شاء الله. إنّ مواليّ - أسأل الله

ص: 97


1- وسائل الشيعة 9: 537، الباب3 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام)،الحديث1.
2- وسائل الشيعة 9: 528، الباب 1 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام)، الحديث13.

صلاحهم - أو بعضهم قصّروا فيما يجب عليهم، فعلمت ذلك، فأحببت أن أطهّرهم وأزكّيهم بما فعلت في عامي هذا من أمر الخمس (في عامي هذا). قال الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}(1).

ولم أوجب ذلك عليهم في كلّ عام، ولا أوجب عليهم إلاّ الزكاة التي فرضها الله عليهم، وإنّما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب والفضة التي قد حال عليهما الحول، ولم أوجب ذلك عليهم في متاع ولا آنية ولا دوابّ ولا خدم ولا ربح ربحه في تجارة ولا ضيعة إلاّ ضيعة، سأفسر لك أمرها؛ تخفيفاً مني عن موالي، ومنّاً منّي عليهم؛ لما يغتال السلطان من أموالهم، ولما ينوبهم في ذاتهم.

فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام، قال الله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (2) .

والغنائم والفوائد - يرحمك الله - فهي الغنيمة يغنمها المرء، والفائدة

ص: 98


1- سورة التوبة: الآيات 103-105.
2- سورة الأنفال: 41.

يفيدها، والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن، ومثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله، ومثل مال يؤخذ ولا يعرف له صاحب...»(1).4 - عن محمد بن الحسن الأشعري قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني(علیه السلام): أخبرني عن الخمس: أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير، من جميع الضروب، وعلى الصنّاع ؟ وكيف ذلك ؟ فكتب بخطّه: «الخمس بعد المؤونة»(2).

من وكلاء الإمام الجواد(علیه السلام):

1 - صفوان بن يحيى. مرّ في وكلاء الإمام الرضا(علیه السلام).

2 - عبد العزيز بن المهتدي القمي الأشعري.

قال شيخ الطائفة في «الغيبة»: خرج فيه عن أبي جعفر(علیه السلام): «قبضت، والحمد لله، وقد عرفت الوجوه التي صارت إليك منها، غفر الله لك ولهم الذنوب، ورحمنا وإيّاكم» . وخرج فيه: «غفر الله لك ذنبك، ورحمنا وإيّاك، ورضي عنك برضائي عنك»(3).

3 - علي بن مهزيار الأهوازي. قال شيخ الطائفة في «الغيبة»: علي بن مهزيار

ص: 99


1- وسائل الشيعة 9: 501، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.
2- وسائل الشيعة 9: 499، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
3- الغيبة: 349 الحديث 305 .

الأهوازي، وكان محموداً:... عن الحسن بن شمون قال: قرأت هذه الرسالة على علي بن مهزيار، عن أبي جعفر الثاني بخطّه: «بسم الله الرحمن الرحيم يا علي، أحسن الله جزاك، وأسكنك جنّته، ومنعك من الخزيّ في الدنيا والآخرة، وحشرك الله معنا. يا علي، قد بلوتك وخبّرتك في النصيحة والطاعة والخدمة والتوقير والقيام بما يجب عليك، فلو قلت: إنّي لم أر مثلك لرجوت أن أكون صادقاً، فجزاك الله جنّات الفردوس نزلاً، فما خفي عليّ مقامك ولا خدمتك في الحرّ والبرد، في الليل والنهار، فأسأل الله إذا جمع الخلائق للقيامة أن يحبوك برحمة تغتبط بها، إنّه سميع الدعاء»(1).

3 - زكريا بن آدم. وقد مرّ في وكلاء الإمام الرضا(علیه السلام).

4- خيران الخادم القراطيسي. قال الكشي(رحمه الله): حمدويه وإبراهيم، قالا: حدثنا محمد بن عيسى، قال: حدثني خيران الخادم، قال: .. قلت: جعلت فداك، إنّه ربّما أتاني الرجل لك قبله الحق، أو يعرف موضع الحق لك، فيسألني عمّا يعمل به؟ فيكون مذهبي آخذ ما يتبرّع في سرّ. قال: «اعمل في ذلك برأيك، فإنّ رأيك رأيي، ومن أطاعك فقد أطاعني».

قال أبو عمرو: هذا يدل على: أنّه كان وكيله، ولخيران هذا مسائل يرويها عنه وعن أبي الحسن(علیه السلام)(2).

ص: 100


1- الغيبة: 349 الحديث 306 .
2- اختيار معرفة الرجال: 646 / 1134 .

5 - إبراهيم بن محمّد الهمداني(1) .

6 - يحيى بن أبي عمران الهمداني.

ويظهر: أنّه والذي قبله كانا من وكلائه(علیه السلام) من رواية «بصائر الدرجات»، عن محمد بن عيسى، قال: حدثني إبراهيم بن محمد، قال: كان أبو جعفر محمد بن علي(علیه السلام) كتب إليّ كتاباً، وأمرني أن لا أفكّه حتّى يموت يحيى بن أبي عمران. قال: فمكث الكتاب عندي سنين، فلمّا كان اليوم الذي مات فيه يحيى بن أبي عمران، فككت الكتاب، فإذا فيه: «قم بما كان يقوم به» أو نحو هذا من الأمر قال (2).

زمان الإمامين الهادي والعسكري(علیه السلام):

نهض الإمام علي الهادي(علیه السلام) بالإمامة صغيراً، كأبيه الذي استشهد مسموماً مظلوماً، وقالت الشيعة بإمامته؛ لنص أبيه عليه، وقد ظهر منه ما ظهر من آبائه الطاهرين(علیهم السلام) من الاحاطة بجميع معالم الشريعة وتفاصيلها، ومن معرفة المغيّبات، والاطّلاع على ما في النفس، وغير ذلك من بحار علومه(علیه السلام).

وفي عصره(علیه السلام) استأنف الحكّام العباسيون التضييق على الشيعة؛ لمّا رأوا من انتشار أمرهم، ونكّلوا بالعلويّين، وظهر عداؤهم للأئمة من أهل البيت(علیهم السلام) بوضوح، بل إنّ المتوكّل هدم قبر سيد الشهداء(علیه السلام) وحرثه، ومنع الناس من

ص: 101


1- وذكره الكشّي في ترجمة محمّد بن إبراهيم بن محمّد الهمداني، وقال: إنّ إبراهيم كان وكيلاً، وكان حجّ أربعين حجّة. اختيار معرفة الرجال: 644 / 1131 .
2- بصائر الدرجات 6: 344 ، الباب 1 الحديث 2 .

زيارته، وأشخص الإمام الهادي(علیه السلام) من المدينة إلى سامراء؛ ليكون تحت مراقبته، وقد تحمّل الإمام(علیه السلام) - كآبائه الطاهرين - أنواع التعسّف والجور في سبيل إحياء القيم ونشر المعارف وتربية رجال العلم والفضيلة.

وأما الإمام العسكري(علیه السلام) فقد لازم أباه الهادي(علیه السلام) منذ أن أشخصه المتوكّل من المدينة إلى سامراء إلى أن استشهد(علیه السلام)، وبقي بعده(علیه السلام) قائماً بشؤون الإمامة، مبلّغاً لأحكام الشريعة والمعارف الحقّة، شأنه في ذلك شأن آبائه الطاهرين، إلاّ أنّه أصابه ما أصاب أباه من الضيق والأذى من خلفاء بني العباس. وكانت الشيعة تأخذ عنه معارف الإسلام وأحكامه بواسطة رجال معروفين من قوّامه في كثير من الأحيان، كما كانوا يستفيدون منه عن طريق المكاتبات في أحيان كثيرة أخرى ، ولم يكن يتسنّى لهم اللقاء به (صلوات الله عليه) في كلّ وقت، ولذا نصب لهم - كآبائه(علیهم السلام) - الوكلاء؛ لتبليغ الأحكام، وحلّ المنازعات، واستلام الحقوق الشرعيّة.

كما قام(علیه السلام) بدور مهم جداً في تهيئة نفوس الشيعة لمسألة غيبة وليّ الله بعده، والتمهيد لانقطاعهم عن الاتّصال المباشر بالإمام(علیه السلام)، وذلك بتقليل اتصاله المباشر معهم، والتعامل كثيراً معهم عن طريق الوكلاء المنصوبين من قبله(علیه السلام).

من أحاديث الإمام علي بن محمّد الهادي(علیه السلام) بشأن الخمس:

1- عن علي بن محمد بن شجاع النيسابوري: أنّه سأل أبا الحسن الثالث(علیه السلام) عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كرّ ما يزكّي، فأخذ منه العشر

ص: 102

عشرة أكرار، وذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرّاً، وبقي في يده ستون كرّاً: ما الذي يجب لك من ذلك؟ وهل يجب لأصحابه من ذلك عليه شيء ؟ فوقّع(علیه السلام): «لي منه الخمس ممّا يفضل من مؤونته»(1).

2 - عن علي بن مهزيار قال: قال لي أبو علي بن راشد: قلت له: أمرتني بالقيام بأمرك، وأخذ حقك، فأعلمت مواليك بذلك، فقال لي بعضهم: وأيّ شيء حقه ؟ فلم أدر ما أجيبه. فقال: «يجب عليهم الخمس» . فقلت: ففي أيّ شيء ؟ فقال: «في أمتعتهم وصنائعهم [وضياعهم]» . قلت [قال]: والتاجر عليه والصانع بيده ؟ فقال [وكذلك]: «إذا أمكنهم بعد مؤونتهم»(2).

3 - وعنه قال: كتب إليه إبراهيم بن محمد الهمداني: أقرأني عليٌّ كتاب أبيك فيما أوجبه على أصحاب الضياع: أنّه أوجب عليهم نصف السدس بعد المؤونة، وأنّه ليس على من لم تقم ضيعته بمؤونته نصف السدس، ولا غير ذلك، فاختلف من قبلنا في ذلك، فقالوا: يجب على الضياع الخمس بعد المؤونة: مؤونة الضيعة وخراجها، لا مؤونة الرجل وعياله .

فكتب - وقرأه علي بن مهزيار - : «عليه الخمس بعد مؤونته، ومؤونة عياله، وبعد خراج السلطان»(3).

4 - عن أبي علي بن راشد قال: قلت لأبي الحسن الثالث(علیه السلام): إنّا نؤتى بالشيء، فيقال: هذا كان لأبي جعفر(علیه السلام) عندنا، فكيف نصنع ؟ فقال: «ما كان

ص: 103


1- وسائل الشيعة 9: 500، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2 .
2- وسائل الشيعة 9: 500، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3 .
3- وسائل الشيعة 9: 500، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.

لأبي(علیه السلام) بسبب الإمامة فهو لي، وما كان غير ذلك فهو ميراث على كتاب الله وسنة نبيّه»(1).

من أحاديث الإمام الحسن بن علي العسكري(علیه السلام)بشأن الخمس:

1 - عن الريّان بن الصلت قال: كتبت إلى أبي محمد(علیه السلام): ما الذي يجب علي - يا مولاي - في غلّة رحى أرض في قطيعة لي، وفي ثمن سمك وبردي وقصب، أبيعه من أجمة هذه القطيعة ؟ فكتب: «يجب عليك فيه الخمس، إن شاء الله تعالى»(2).

2 - قال الكشّي: حكى بعض الثقات بنيسابور: أنّه خرج لإسحاق بن إسماعيل من أبي محمد(علیه السلام) توقيع: «... وفرض عليكم لأوليائه حقوقاً، أمركم بأدائها إليهم؛ ليحلّ لكم وراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم ومآكلكم ومشاربكم ومعرفتكم بذلك النّماء والبركة والثروة، وليعلم من يطيعه منكم بالغيب، قال الله عزّوجلّ: {قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى} (3)، واعلموا: أنّ من يبخل فإنّما يبخل على نفسه، وأنّ الله هو الغنيّ وأنتم الفقراء إليه، لا إله إلاّ هو ...»(4).

ص: 104


1- وسائل الشيعة 9: 537، الباب 3 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام(علیه السلام)، الحديث6.
2- وسائل الشيعة 9: 504، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 9.
3- سورة الشورى: 23 .
4- اختيار معرفة الرجال: 616 / 1088 .

وكلاء الإمامين الهادي والعسكري(علیه السلام):

1 - أيوب بن نوح بن درّاج: قال الشيخ النجاشي: أبو الحسين كان وكيلاً لأبي الحسن وأبي محمد(علیهما السلام) ، عظيم المنزلة عندهما، مأموناً، وكان شديد الورع، كثير العبادة، ثقة في رواياته، وأبوه نوح بن درّاج كان قاضياً بالكوفة، وكان صحيح الاعتقاد، وأخوه جميل بن دراج ...

رأيت بخطّ أبي العباس بن نوح فيما كان وصّى إليّ من كتبه، عن جعفر بن محمد، عن الكشي، عن محمد بن مسعود، عن حمدان النقّاش، قال: كان أيوب من عباد الله الصالحين. قال أبو عمرو الكشي: كان من الصالحين، ومات وما خلّف إلاّ مائة وخمسين ديناراً، وكان عند النّاس أنّ عنده مالاً(1).

وقال شيخ الطائفة في «الغيبة»: ذكر عمرو بن سعيد المدائني - وكان فطحيّاً - قال: كنت عند أبي الحسن العسكري(علیه السلام) - بصريا- ، إذ دخل أيوب بن نوح ووقف قدّامه، فأمره بشيء، ثم انصرف، والتفت إليّ أبو الحسن(علیه السلام) وقال: «يا عمرو، إن أحببت أن تنظر إلى رجل من أهل الجنة فانظر إلى هذا»(2).

2 - علي بن جعفر الهمّاني. قال شيخ الطائفة في «الغيبة»: علي بن جعفر الهماني وكان فاضلاً مرضيّاً، من وكلاء أبي الحسن وأبي محمد(علیهما السلام) . روى أحمد بن علي الرازي، عن علي بن مخلد الأيادي، قال: حدثني أبو جعفر العمري(رضی الله عنه)، قال: حجّ أبو طاهر بن بلال، فنظر إلى علي بن جعفر، وهو ينفق

ص: 105


1- رجال النجاشي:102 / 254 .
2- الغيبة: 349 الحديث 307 .

النفقات العظيمة، فلمّا انصرف كتب بذلك إلى أبي محمد(علیه السلام)، فوقّع في رقعته: «قد كنّا أمرنا له بمائة ألف دينار، ثم أمرنا له بمثلها، فأبى قبوله؛ إبقاء علينا. ما للنّاس والدخول في أمرنا فيما لم ندخلهم فيه» . قال: ودخل على أبي الحسن العسكري(علیه السلام) فأمر له بثلاثين ألف دينار)(1).

3 - أبو علي بن راشد. قال شيخ الطائفة في «الغيبة»: أخبرني ابن أبي جيّد، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن الصفّار، عن محمد بن عيسى، قال: كتب أبو الحسن العسكري(علیه السلام) إلى الموالي ببغداد والمدائن والسواد وما يليها: «قد أقمت أبا علي بن راشد مقام علي بن الحسين بن عبد ربّه، ومن قبله من وكلائي، وقد أوجبت في طاعته طاعتي، وفي عصيانه الخروج إلى عصياني، وكتبت بخطّي»(2) . وروى محمد بن يعقوب، رفعه إلى محمد بن فرج، قال: كتبت إليه أسأله عن أبي علي بن راشد وعن عيسى بن جعفر [بن عاصم] وعن ابن بند، وكتب إليّ: «ذكرت ابن راشد (رحمه الله)، فإنّه عاش سعيداً، ومات شهيداً، ودعا لابن بند والعاصمي، وابن بند ضرب بعمود وقتل، وابن عاصم ضرب بالسياط على الجسر ثلاثمائة سوط، ورمي به في الدجلة»(3).

ويظهر من ترجمة الحسن بن راشد: أنّه كان وكيلاً لأبي محمد العسكري(علیه السلام) .

ص: 106


1- الغيبة: 350 الحديث 308 .
2- الغيبة: 350، الحديث 309 .
3- الغيبة: 351، الحديث 310 .

4 - محمد بن أحمد بن جعفر القمي. قال شيخ الطائفة في أصحاب الإمام العسكري(علیه السلام): محمد بن أحمد بن جعفر القمي وكيله(علیه السلام) ، أدرك أبا الحسن(علیه السلام)(1).

5 - علي بن مهزيار. قد مرّ في وكلاء الإمام الجواد(علیه السلام).

6 - إبراهيم بن عبدة.

7 - الرازي أحمد بن اسحاق.

8 - البلالي محمّد بن علي بن بلال.

9 - المحمودي.

10 - الدهقان.

يظهر ممّا ذكره الشيخ الكشي في «رجاله»: أنّهم من الوكلاء. قال: حكى بعض الثقات بنيسابور: أنّه خرج لإسحاق بن إسماعيل من أبي محمد(علیه السلام) توقيع: «يا إسحاق بن إسماعيل، سترنا الله وإياك بستره،...ومن بعد إقامتي لكم إبراهيم بن عبده، وفقه الله لمرضاته، وأعانه على طاعته، ... وكل من قرأ كتابنا هذا من مواليّ من أهل بلدك، ومن هو بناحيتكم، ونزع عمّا هو عليه منالانحراف عن الحق، فليؤدّ حقوقنا إلى إبراهيم بن عبده، وليحمل ذلك إبراهيم بن عبده إلى الرازي(رضی الله عنه)، أو إلى من يسمّي له الرازي؛ فإنّ ذلك عن أمري ورأيي إن شاء الله. ويا إسحاق، اقرأ كتابنا على البلالي(رضی الله عنه)؛ فإنّه الثقة المأمون العارف بما يجب عليه،

ص: 107


1- رجال الطوسي: 402 / 5899 .

واقرأه على المحمودي عافاه الله، فما أحمدنا له لطاعته. فإذا وردت بغداد فاقرأه على الدهقان وكيلنا وثقتنا، والذي يقبض من موالينا، وكل من أمكنك من موالينا فاقرأهم هذا الكتاب، وينسخه من أراد منهم نسخه إن شاء الله تعالى. ولا يكتم أمر هذا عمّن يشاهده من موالينا، إلاّ من شيطان مخالف لكم»(1).

11 - أحمد بن إسحاق الأشعري. في «دلائل الإمامة»: وكان أحمد بن إسحاق القمّي الأشعري الشيخ الصّدوق، وكيل أبي محمد. فلمّا مضى أبو محمد إلى كرامة الله عز وجل وأقام على وكالته مع مولانا صاحب الزمان ، تخرج إليه توقيعاته، ويحمل إليه الأموال من سائر النواحي الّتي فيها موالي مولانا. فتسلّمها إلى أن استأذن في المسير إلى قم، فخرج الإذن بالمضيّ، وذكر: أنّه لا يبلغ إلى قم، وأنّه يمرض ويموت في الطريق، فمرض بحلوان ومات ودفن بها(رضی الله عنه)(2).

12 - عثمان بن سعيد العمري(رضی الله عنه).

قال الشيخ في «الغيبة»: فأمّا السفراء الممدوحون في زمان الغيبة فأولهم: من نصبه أبو الحسن علي بن محمد العسكري وأبو محمد الحسن بن علي بن محمد ابنه(علیهم السلام) ، وهو الشيخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري(رحمه الله)، وكان أسديّاً(3).

ص: 108


1- اختيار معرفة الرجال: 616 / 1088 .
2- دلائل الإمامة: 503 .
3- الغيبة: 353.

وروى الشيخ في «الغيبة» أيضاً- في حديث: قال الحسن(علیه السلام) لبدر: «فامض، فائتنا بعثمان بن سعيد العمري» . فما لبثنا إلاّ يسيراً حتّى دخل عثمان، فقال له سيدنا أبو محمد(علیه السلام): «امض يا عثمان؛ فإنّك الوكيل والثقة المأمون على مال الله، واقبض من هؤلاء النفر اليمنيّين ما حملوه من المال».

ثم ساق الحديث إلى أن قالا: ثم قلنا بأجمعنا: يا سيدنا ! والله، إنّ عثمان لمن خيار شيعتك، ولقد زدتنا علماً بموضعه من خدمتك، وإنّه وكيلك وثقتك على مال الله تعالى. قال: « نعم، واشهدوا على: أنّ عثمان بن سعيد العمري وكيلي، وأنّ ابنه محمداً وكيل ابني مهديّكم»(1).

13 - جعفر بن سهيل. ذكر شيخ الطائفة في «رجاله»: جعفر بن سهيل الصيقل ، وكيل أبي الحسن وأبي محمد وصاحب الدار(علیهم السلام)(2).

14 - القاسم بن علاء الهمداني. خرج إلى القاسم بن علاء الهمداني وكيل أبي محمد(علیه السلام): أنّ مولانا الحسين(علیه السلام) ولد يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان فصمه (3).

زمان الإمام الحجة بن الحسن(علیه السلام).

تولّى(علیه السلام) الإمامة بعد شهادة أبيه بالسمّ، وعمره خمس سنوات، وغاب بعدها، وبذلك ابتدأت الغيبة الصغرى، الّتي استفاض ذكرها عن الأئمّة(علیهم السلام)

ص: 109


1- الغيبة: 355 الحديث 317 .
2- رجال الطوسي: 398 / 5833 .
3- مصباح المتهجد: 572 .

قبل وقوعها. وفي هذه الغيبة كان الاتّصال بالحجّة(علیه السلام) متيسّراً عن طريق نوابه الخاصين ووكلائه في مختلف البلدان، فكانوا ينقلون للنّاس معالم دينهم وما يحتاجونه من المسائل عنه(علیه السلام)، كما يقبضون الحقوق الشرعيّة، ويوصلونها إليه، وهذا ما يؤكّد اهتمام الإمام(علیه السلام) - إلى جانب اهتمامه بإنقاذ الناس من الضلال وإرشادهم إلى الحق - بمسألة الحق الشرعيّ، بالرغم من حصول الغيبة والاستتار عن النّاس، والظروف القاسية الّتي أحاطت بعصر الغيبة، وأوجبت على الإمام الاستتار، فلم ينقطع أمر الخمس باستشهاد الإمام العسكري(علیه السلام)، والمطالبة به، ولا أداء الشيعة له، بل كانت التوقيعات تتوالى منه(علیه السلام) في التأكيد على أمر الخمس وحرمة استحلال شيء منه، بل وإرسال الرسائل للمطالبة به ممّن يعتقد بإمامته.

واستمر الحال إلى أن جاء دور الغيبة الكبرى، الّتي استتر فيها الإمام(علیه السلام) عن النّاس، فلم يكن يتّصل بالنّاس حتّى عن طريق سفير أو نائب، وعيّن من قبله الفقهاء العدول - الذين هم حصون الإسلام وأمناؤه وورثة الأنبياء وأمناء الرسل - نوّاباً عامّين عنه(علیه السلام). ومن ذلك الوقت توجّهت الشيعة إلى أعظم كيان عندها، وهو كيان المرجعية الدينيّة، وفقهاء المذهب الحق، لأنّهم مستودع المؤمنين على دينهم الذي هو أعزّ الأشياء عندهم وأكرمها عليهم.

وكان من أبرز مهمّات الفقهاء العدول أن يفتوا النّاس بما ورد عنه وعن آبائه الطاهرين(علیهم السلام) من أحاديث، ويقبضوا ما له من حق ويصرفوه فيما يحرزون فيه رضاه، ويكفلوا أيتام آل محمّد، ويدافعوا عن المعارف الحقة بردّ شبهات المخالفين وأعداء الإسلام، ويتولّوا قيادة الطائفة الشيعيّة وتوجيهها، والحفاظ على الكيان الشيعي من الهجمات المسعورة لأعداء آل محمّد(علیهم السلام) ، إلى أن

ص: 110

يأذن الله له بالقيام؛ ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ويقيم دين الله في الأرض، ويستخلفه فيها.

وهذه الوظائف الملقاة على عاتقهم وغيرها تحتاج فيما تحتاج إلى دعم مادّي قوي، فكان سهم الإمام(علیه السلام) في زمن الغيبة خير معين لهم على تأدية تلك الوظائف، وانجاز تلكم الواجبات.

فسهم الإمام(علیه السلام) - إلى جانب أمور أخرى - قد ساهم مساهمةكبرى في حفظ المذهب الحق وأهله على مدى قرون متمادية، وما يزال، فهو الذي حفظ ارتباط الشيعة بمختلف طبقاتهم بالمرجعيّة الدينيّة؛ إذ الفقهاء بمثابة القادة، والشيعة بمثابة الجنود لهم. والمرجعيّة بما لها من المكانة في نفوس المؤمنين كان لها الدور الأكبر في حفظ الدين، وجمع شمل المؤمنين، وسدّ الكثير من حاجاتهم، وكان خير معين لهم على ذلك هو السهم المبارك للإمام(علیه السلام).

كما ساعد السهم المبارك للإمام(علیه السلام) النّاس في التغلّب على آثار إهمال واضطهاد الحكّام لهم عبر القرون الماضية؛ إذ المعروف من سيرة الحكّام أنّهم كانوا يقصون أتباع أهل البيت(علیهم السلام) ، ويضطهدونهم، ويحرمونهم من أبسط حقوقهم كمواطنين.

وساهم كذلك في إنشاء المؤسّسات الّتي تخدم المجتمع، وترفع من مستواه روحيّاً، وماديّاً وفكريّاً، كما ساهم في إنشاء الحوزات العلميّة، ومراكز العلوم الإسلاميّة، وساند إدارتها، وعمّر مكاتب المراجع، وهي الحريصة على نشر علوم أهل البيت(علیهم السلام) ، ورفع حاجة المحتاجين، والاجابة عن مسائل المؤمنين

ص: 111

وحلّ مشاكلهم.

وجعل بإمكان القيادة الدينيّة وكذلك القاعدة الشعبية أن تعيش حرّة في تفكيرها، وفي مواقفها، من دون ارتباط بالحاكم الجائر، أو خضوع له، ولم يعد بإمكانه أن يمارس ضدّهم أيّ ضغط يرونه في غير صالح الدين، ولا أن يستعملهم أداة لتحقيق مآربه، والوصول إلى غاياته.

فهم لا يستمدّون مكانتهم واعتبارهم ولا لقمة عيشهم منه، ولا يفرض عليهم أيّ ارتباط به، إلاّ في حدود الروابط العقائدية والدينيّة(1).

ولعل أهم الخصوصيّات الّتي تمتاز بها المرجعيّة الدينيّة الشيعيّة هي استقلاليّتها عن أيّ سلطة سياسيّة منذ نشأتها حتّى اليوم، فالحوزة العلميّة لدى علماء الإماميّة - بجميع مكوّناتها من فقيه مرجع مجتهد، وأساتذة علماء، وطلاّب ومناهج دراسيّة وأنظمة ماليّة - بقيت مستقلّة عن أيّ نظام سياسي في الدولة، وهذا ما يجعلها حرّة في حركتها، متحرّرة عن أيّة وصاية أو أيّ ارتباط مشبوه، قد يؤدّي إلى مسلكيّة معيّنة، تحرف الحكم الشرعي عن طريقه وتحوّله إلى سلك خاضع لإرادة السلطة، بخلاف سائر المجامع الدينيّة للمذاهب الإسلاميّة، فإنّها نشأت وبقيت تحت وصاية السلطة السياسيّة الحاكمة في بلدها، كما أنّ رأس الهرم العلمي فيها يعيّن من قبل الدولة، وهكذا سائر رؤساء مجالس الإفتاء وغيرهم من المتصدّين للشؤون الدينيّة.

ولذا كان من الطبيعي جداً أن تكون الحوزة العلميّة واقعة تحت ضغط الحكومات المتتالية، كما أنّ من الطبيعي أن تدفع ثمن عدم خضوعها

ص: 112


1- الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) 5: 95 ، الفصل الثالث الغنائم والأسرى .

للسلطات غالياً، وقد كان للسهم المبارك أكبر الأثر في هذه الاستقلاليّة وحريّة الفكر والموقف.

من أحاديث وتوقيعات الإمام الحجة بن الحسن(علیه السلام) بشأن الخمس:

1 - عن أبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي قال: كان فيما ورد على [من] الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري (قدّس الله روحه) في جواب مسائلي إلى صاحب الزمان(علیه السلام): «وأما ما سألت عنه من أمر من يستحلّ ما في يده من أموالنا ويتصرّف فيه تصرّفه في ماله من غير أمرنا فمن فعل ذلك فهو ملعون، ونحن خصماؤه يوم القيامة؛ فقد قال النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ): المستحلّ من عترتي ما حرّم الله ملعون على لساني، ولسان كلّ نبيّ ، فمن ظلمنا كان من جملة الظالمين ، وكانت لعنة الله عليه؛ لقوله تعالى: {أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} (1) ... وأمّا ما سألت عنه من أمر الضياع التي لناحيتنا: هل يجوز القيام بعمارتها، وأداء الخراج منها، وصرف ما يفضل من دخلها إلى الناحية؛ احتساباً للأجر وتقرّباً إليكم [إلينا] فلا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه،فكيف يحلّ ذلك في مالنا ؟! من فعل شيئاً من ذلك من غير أمرنا فقد استحلّ منّا ما حرّم عليه، ومن أكل من أموالنا شيئاً فإنّما يأكل في بطنه ناراً، وسيصلى سعيراً»(2).

ص: 113


1- سورة هود: 18.
2- كمال الدين 2: 520 الباب 45 الحديث 49 ، وسائل الشيعة 9: 541، الباب 3 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام(علیه السلام)، الحديث 7 مع اختلاف يسير .

2 - عن الحسن بن عبد الله بن حمدان ناصر الدولة، عن عمّه الحسين - في حديث - ، عن صاحب الزمان(علیه السلام): أنّه رآه وتحته(علیه السلام) بغلة شهباء، وهو متعمّم بعمامة خضراء، يرى منه سواد عينيه، وفي رجله خفّان حمراوان، فقال: « يا حسين، كم ترزأ على الناحية ؟ ولِمَ تمنع أصحابي عن خمس مالك؟». ثم قال: «إذا مضيت إلى الموضع الذي تريده تدخله عفواً، وكسبت ما كسبت، تحمل خمسه إلى مستحقه»، قال: فقلت: السمع والطاعة. ثم ذكر في آخره: أنّ العمري أتاه، وأخذ خمس ماله بعد ما أخبره بما كان(1).

3 - عن إسحاق بن يعقوب فيما ورد عليه من التوقيعات بخطّ صاحب الزمان(علیه السلام): «أمّا ما سألت عنه من أمر المنكرين لي - إلى أن قال: - وأمّا المتلبّسون بأموالنا فمن استحلّ منها شيئاً فأكله فإنّما يأكل النيران. وأمّا الخمس فقد أبيح لشيعتنا، وجعلوا منه في حلّ إلى أن يظهر أمرنا، لتطيب ولادتهم، ولا تخبث»(2).

4 - ذكر المحدّث النوري(قدس سره) قصّة الحاج علي البغدادي، وهي قصّة طويلة تدلّ على: إقراره(علیه السلام) ، وقبول ما أدّى من الخمس إلى جمع من العلماء(3).

ص: 114


1- وسائل الشيعة 9: 542، الباب 3 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام(علیه السلام)، الحديث9 .
2- وسائل الشيعة 9: 550، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام(علیه السلام)، الحديث16 .
3- ذكر الشيخ الأستاذ (حفظه الله): أنّه عرضها على السيد الخوئي(قدس سره) وذكر أنّها تدل على ثبوت الخمس من قبل الإمام الحجة(علیه السلام)، وقد قبل السيد ذلك وأقرّه عليه ، وقد نقلها شيخنا النوري في النجم الثاقب وقال: لو لم يكن في هذا الكتاب سوى هذه القصة المتقنة الصحيحة الحاوية على فوائد جمة، الحادثة في عصرنا لكفاه شرفاً ونفاسة .

من وكلاء الإمام الحجّة(علیه السلام):

1 - أحمد بن إسحاق الأشعري. وقد تقدّم في وكلاء أبيه(علیه السلام).

2 - عثمان بن سعيد العمري(رضی الله عنه). وقد تقدّم في وكلاء الإمامين الهادي والعسكري(علیهما السلام) .

3 - محمّد بن عثمان بن سعيد العمري(رضی الله عنه). قال الشيخ في «الغيبة»: فلمّا مضى أبو عمرو عثمان بن سعيد قام ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان مقامه؛ بنصّ أبي محمد(علیه السلام) عليه، ونصّ أبيه عثمان عليه، بأمر القائم(علیه السلام)(1). وروى عن محمد بن همام، قال: قال لي عبد الله بن جعفر الحميري: لمّا مضى أبو عمرو (رضي الله تعالى عنه) أتتنا الكتب - بالخطّ الذي كنّا نكاتب به - بإقامة أبي جعفر(رضی الله عنه) مقامه(2).

4 - الحسين بن روح. قال الشيخ في «الغيبة»: علي بن محمد بن متيل، عن عمّه جعفر بن أحمد بن متيل، قال: لمّا حضرت أبا جعفر محمد بن عثمان العمري(رضی الله عنه) الوفاة كنت جالساً عند رأسه، أسأله وأحدّثه، وأبو القاسم بن روح عند رجليه. فالتفت إليّ، ثم قال: أمرت أن أوصي إلى أبي القاسم الحسين بن روح. قال: فقمت من عند رأسه، وأخذت بيد أبي القاسم، وأجلسته في مكاني، وتحوّلت إلى عند رجليه(3).

وعن أبي محمد هارون بن موسى، قال: أخبرني أبو علي محمد بن

ص: 115


1- الغيبة: 359 .
2- الغيبة: 262 ، الحديث 324 .
3- الغيبة: 370 ، الحديث 339 .

همام(رضی الله عنه) وأرضاه: أنّ أبا جعفر محمد بن عثمان العمري (قدّس الله روحه) جمعنا قبل موته، وكنّا وجوه الشيعة وشيوخها، فقال لنا: إن حدث عليّ حدث الموت فالأمر إلى أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي؛ فقد أمرت أن أجعله في موضعي بعدي، فارجعوا إليه، وعوّلوا في أموركم عليه(1).

5 - علي بن محمّد السّمري. قال الشيخ في «الغيبة»: عن أبي عبد الله محمد بن أحمد الصفواني، قال: أوصى الشيخ أبو القاسم(رضی الله عنه) إلى أبي الحسن علي بن محمد السّمري(رضی الله عنه)، فقام بما كان إلى أبي القاسم، فلمّا حضرته الوفاة حضرت الشيعة عنده، وسألته عن الموكّل بعده، ولمن يقوم مقامه، فلم يظهر شيئاً من ذلك، وذكر: أنّه لم يؤمر بأن يوصي إلى أحد بعده في هذا الشأن. (2)

وعن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه قال: حدثني أبو محمد الحسن بن أحمد المكتب، قال: كنت بمدينة السلام في السنة الّتي توفي فيها الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السّمري(قدس سره)، فحضرته قبل وفاته بأيّام، فأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته: «بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمد السّمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك؛ فإنّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيام، فاجمع أمرك، ولا توص إلى أحد، فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامّة، فلا ظهور إلاّ بعد إذن الله تعالى ذكره...» قال: فنسخنا هذا التوقيع، وخرجنا من عنده، فلمّا كان اليوم السادس عدنا إليه، وهو يجود بنفسه، فقيل له: من وصيّك من بعدك ؟ فقال: لله أمر هو

ص: 116


1- الغيبة: 371 ، الحديث 341 .
2- الغيبة: 394 ، الحديث 363 .

بالغه وقضى. فهذا آخر كلام سمع منه (رضي الله عنه وأرضاه)(1).

6 - جعفر بن سهيل الصيقل. وقد تقدّم في وكلاء الإمامين الهادي والعسكري(علیهما السلام) .

7 - حاجز بن يزيد الوشّاء. قال الشيخ في «الغيبة»: عن أحمد بن يوسف الشاشي قال: قال لي محمد بن الحسن الكاتب المروزي: وجّهت إلى حاجز الوشّاء مائتي دينار، وكتبت إلى الغريم بذلك، فخرج الوصول، وذكر: أنّه كان [له] قبلي ألف دينار، وأنّي وجّهت إليه مائتي دينار، وقال: «إن أردت أن تعامل أحداً فعليك بأبي الحسين الأسدي بالري». فورد الخبر بوفاة حاجز(رضی الله عنه) بعد يومين أو ثلاثة، فأعلمته بموته، فاغتمّ. فقلت [له]: لا تغتمّ؛ فإنّ لك في التوقيع إليك دلالتين: إحداهما: إعلامه إيّاك أنّ المال ألف دينار، والثانية أمره إيّاك بمعاملة أبي الحسين الأسدي؛ لعلمه بموت حاجز(2).

8 - أبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي(رحمه الله). قال الشيخ في «الغيبة»: وقد كان في زمان السفراء المحمودين أقوام ثقات، ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل، منهم أبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي(رحمه الله). أخبرنا أبو الحسين بن أبي جيد القمي، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن صالح بن أبي صالح، قال: سألني بعض النّاس في سنة تسعين ومائتين قبض شيء، فامتنعت من ذلك، وكتبت أستطلع الرأي، فأتاني الجواب: «بالرّي محمد بن جعفر

ص: 117


1- الغيبة: 395 ، الحديث 356 .
2- الغيبة: 415 ، الحديث 392 .

العربي، فليدفع إليه؛ فإنّه من ثقاتنا»(1).

9 - إبراهيم بن محمد الهمداني.

10 - أحمد بن حمزة بن اليسع. قال الشيخ في «الغيبة»: ومنهم أحمد بن إسحاق وجماعة خرج التوقيع في مدحهم. روى أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبي محمد الرازي، قال: كنت وأحمد بن أبي عبد الله بالعسكر، فورد علينا رسول من قبل الرجل فقال: «أحمد بن إسحاق الأشعري وإبراهيم بن محمد الهمداني وأحمد بن حمزة بن اليسع ثقات»(2).

القسم الرابع: دفع الشّبهات عن شرعيّة الخمس:

اشارة

يتعرّض المذهب الحقّ اليوم لهجمات شرسة، تتناول مختلف جوانبه أصولاً وفروعاً، يقودها المتضرّرون من انتشار صيته، ويذكي أوارها السائرون في ركابهم، ومن جملة تلك الهجمات الهجمة على فريضة الخمس، عن طريق إثارة الشّبهات حوله، ومحاولة تمييع هذه الفريضة المهمّة، وطمس معالمها. ونحن نتعرّض هنا لأبرز تلك الشّبهات، الّتي تثار حول هذه الفريضة، مع الاجابة عن الجميع بما تسمح به هذه المقدّمة.

ص: 118


1- الغيبة: 415 ، الحديث 391 .
2- الغيبة: 417 ، الحديث 395 .

الشبهة الأولى:

اشارة

أنّ خمس أرباح المكاسب الذي أفتى به فقهاء الإماميّة لو كان من الأحكام الشرعيّة لكان له أثر في عصر الرسول (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) وعصر الخلفاء الأربعة، مع أنّه لا أثر ولا عين له في التاريخ والأخبار، وإنّما كان الرسول (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) يعطي خمس غنائم الحرب.

والجواب:

إنّ هذا الإشكال إنّما يطرح من قبل أحد شخصين: إمّا شخصٌ لا يرى حجّيّة أقوال الأئمّة من أهل البيت(علیهم السلام) ، وأنّ قولهم قول رسول الله (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ)، فيجعل عدم وجود نصّ في هذا الموضوع دليلاً على: عدم حجّيّة أقوالهم(علیهم السلام)؛ حيث إنّه لو كان خمس أرباح المكاسب واجباً لورد ذلك عن النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ)، ولا يثبت وجوب بعده (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ)، فما ورد من وجوبه عن الأئمّة(علیهم السلام) يصادم ما كان عليه سيرة النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) من عدم الوجوب، فلا تكون لأقوالهم(علیهم السلام) حجيّة بعد هذا.

وإمّا شخص يعتقد بعقيدة الشيعة الإماميّة في أئمة أهل البيت(علیهم السلام) ، فيجعل عدم وجدانه للنص المزبور في زمانه (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) دليلاً: إمّا على عدم صدور ما يستفاد منه وجوب الخمس في مطلق الفوائد الّتي يستفيدها المكلف، أو على كون مقصود الأئمّة(علیهم السلام) استحباب الخمس في مطلق الفوائد، كما هو الحال بالنسبة إلى بعض موارد الزكاة.

وكيف كان فقد سبق منّا نقل بعض الرسائل والكتب من قبل النبيّ(علیهما السلام)، وبيّنا: أنّ المراد من الخمس في جميع تلك الموارد هو خمس الأرباح، لا

ص: 119

خمس الغنائم.

ويضاف إليه ما ورد في سورة الحشر من قوله تعالى: {ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى}(1)، إذ الظاهر أنّه من الخمس؛ لقوله تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ}(2)، ولا حقّ لذوي القربى غير الخمس على الظاهر، ومورد الآية الشريفة ليس من الغنائم، بل هو من الفي ء، فيثبت الخمس في غير الغنائم الحربيّة.

وربّما يؤيّد ذلك بما رواه العامّة والخاصّة من ثبوت الخمس في الرّكاز، كما تقدم في أوائل هذه المقدمة.

ولعل عدم انتشار العمل بهذا الحكم يرجع إلى عدم وجود ما يفضل عن المؤونة، مع فقر المهاجرين، وإيثار الأنصار في تلك السنين، وعدم وجود مغنم يعتدّ به إلاّ ما كان يؤخذ من الحروب الّتي خاضها النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ)؛ فإنّ المعادن والكنوز والغوص وأموال التجارة - وهي جميعاً من موارد فريضة الخمس - لم تكن شائعة آنذاك.

كما أنّ المستفاد من الروايات الكثيرة الواردة في الخمس: أنّه موكول إلى ما يراه الأئمة(علیهم السلام) من مصلحة، فإن اقتضت المصلحة أخذه من الشيعة يأخذوه منهم، ويقسّموه على مستحقيه فإن وفى فهو ومع النقص فإنّ الأئمّة(علیهم السلام) يجبرونه من عندهم، وإن اقتضت المصلحة عدم أخذه لم يأخذوه، ولذا نجد الأئمّة يحلّلون شيعتهم من بعض ما يتعلّق به الخمس في

ص: 120


1- سورة الحشر: 7.
2- سورة الإسراء: 26.

فترات يرون المصلحة فيها في التحليل، فلولا وجوبه لما كان لتحليله معنى، وإنما حلّلوه للظروف القاسية الّتي كانت تمرّ بالشيعة، فأباحوا الخمس؛ لتزكو أموال شيعتهم، وتطهر أنسابهم.

الشبهة الثانية:

إنّ صدور تشريع الخمس في الأرباح وثبوته منذ عصر النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) بعيد جداً، بل المطمأن به خلافه؛ إذ مثل هذا الحكم لو كان لشاع وظهر؛ لكثرة الابتلاء به ودواعي نقله من جهة، ولكونه يصبّ في مصلحة الحكّام المتولّين للسلطة بعد النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) من جهة أخرى، فلو كان ثابتاً لسعوا في تطبيقه بلا ريب؛ لأنّه يزيد في شوكتهم وقدرتهم على الظلم.

والجواب عنها بما يلي:

أوّلاً: قد تقدّم في الجواب عن الشبهة الأولى ما يجاب به عن هذه الشبهة.

ثانياً: إنّ غاية ما يدلّ عليه التعليل هو عدم فهم المسلمين قبل عصر الصادقين(علیهما السلام) العموم والشمول لكل فائدة من الآية الشريفة، وهذا لا يدل على: عدم ثبوت ذلك واقعاً، فلعلّ النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) ومن جاء بعده من الأئمّة(علیهم السلام) اخفوا بيانه إلى فترة؛ لمصالح وحكم، لعلّ منها معرفتهم أنّ الحق سيغتصب من أهله المنصوبين من الله سبحانه، فلذا لا داعي لبيان هذا الحكم الذي سيتسبّب بتقوية سلطان الغاصبين، واضفاء شرعيّة أخرى لابتزاز أموال المسلمين، وهو أمر كانوا يداومون عليه بلا وجه حق، فكيف إذا حصلوا على الصبغة الشرعيّة له؟

ص: 121

الشبهة الثالثة:

إنّ تشريع الخمس لبني هاشم قد أسّس الطبقيّة في المجتمع الإسلامي، وجعل أسرة النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) من بني هاشم أسرة مميّزة اجتماعيّاً وماليّاً، بل ومترفّعة على غيرها، فهي لا تأكل من أموال بيت المال الّتي تتجمّع من الزكوات والضرائب؛ لأنّها من أوساخ الناس، بل لها ماليّتها الخاصة في موارد الدولة.

الجواب:

أولاً: إنّ الخمس قد شرّع لسدّ حاجة الأصناف المذكورين في الآية، فنصفه مختصّ ببني هاشم المؤمنين بشرط الحاجة، بعد أن حرّمت عليهم الزكاة، ولا يشمل الأغنياء منهم، إلاّ أنّ في إعطاء الخمس لهم دون غيرهم تكريماً للنبي (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ)، وتأكيداً على قدسيّته ومكانته في نفوس المسلمين، والخمس يعطى لمحتاجهم بقدر مؤنة سنته وما يرفع حاجته، وأمّا الزكاة فيمكن إعطاء مستحقّها مبالغ ضخمة تنقله من الفقر إلى الغنى.

ثانياً: إنّ الإهتمام بالفقراء من أسر الأنبياء أمر حسن ومحبّب لدى العقلاء، وإنّ من يتأمّل في آيات القرآن يشرف على الاطمئنان: بأنّ الله سبحانه قد اختار الأنبياء وأسرهم لتبليغ الدين. قال الله تعالى: {إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(1). وقال بشأن أسر الأنبياء(علیهم السلام): {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ* وَوَهَبْنَا

ص: 122


1- سورة آل عمران: الآيتان 33 و 34.

لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ * وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ}(1).

بل إنّ من جملة الأمور الّتي شرّعها الله عزّوجلّ لحفظ هذا الدين هي تشريع الخمس لفقراء هذه الأسرة؛ فإنّ تشريع الخمس لهم يساهم في إيجاد الشعور بالمسؤوليّة المباشرة عن حفظ هذا الدين والدفاع عنه لدى فئة بعينها.

ومن الطبيعي أن تكون أقرب الفئات إلى الشعور بهذه المسؤوليّة الكبرى هم أهل بيت النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) ؛ بدافع من الشعور الطبيعي.

وممّا يزيد هذا الشعور لديهم ويجعلهم أكثر اندفاعاً إلى التضحية في سبيله أن جعل الله تعالى هذا الخمس، بمثابة ضمانة لهم ولعوائلهم، ووسيلة لتلبية حاجاتهم، الّتي تفرضها مسؤولياتهم تلك... .

ومن ذلك كلّه يتّضح: أنّ العقيدة الحقّة أولى بالاستفادة من ذلك، ولكن في سبيل الخير والحق، فجاء هذا التدبير الإلهي؛ ليحفظ لها وجودها، ويساعد على بقائها، ويخفّف من الأخطار الجسام الّتي سوف تواجهها.

ص: 123


1- سورة الأنعام: الآيات 83 - 89 .

وقد رأينا: أنّ المذاهب الّتي لم يرض عنها الحكّام - حينما واجهت أدنى مقاومة أو معارضة - كان مصيرها التلاشي والاندثار؛ لعدم وجود ضمانات بقاء لها. أمّا مذهب أهل البيت - الذي هو رسالة الله الصافية - فإنّ فيه الكثير من الضمانات التشريعيّة والعلميّة الّتي تساعد على استمراره وبقائه في وجه أعتى القوى الظالمة والحاقدة، حتّى ولو استمر الاضطهاد له ولاتباعه القرون والقرون، كما قد كان ذلك بالفعل. وليكن ذلك هو أحد الأدلة على عظمة هذا الدين، وعلى شمولية وصفاء الإسلام الحنيف(1) .

ثالثاً: أنّ تشريع الخمس لآل النبيّ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) ليس أعظم من تشريع أجر الرسالة المحمديّة من قبل الله سبحانه في القرآن الكريم؛ فإنّه (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) هو النبيّ الوحيد الذي أوجب الله تعالى على أمته إعطاءه أجراً على تبليغ رسالته، وجعل هذا الأجر مودّة آله، فقال عزّ من قائل: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}(2).

الشبهة الرابعة:

أنّ الخمس قد ذكر في الكتاب الكريم مرّة واحدة، بينما ذكرت الزكاة عشرات المرّات، فلماذا التأكيد على الخمس؟ مع أنّ الزكاة موردها أشياء خاصة (الغلاّت الأربع، والنقدين، والأنعام الثلاثة)، بخلاف الخمس، فإنّه يتعلّق بأرباح التجارة كلّها.

ص: 124


1- الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) 5: 95-96 في الغنائم والاسرى .
2- سورة الشورى: 23.

والجواب:

إنّ كثيراً من أحكام الدين نزلت فيها آية قرآنيّة واحدة مثل: بعض آيات الطلاق والحدود، فهل يصحّ التنازل عن الأحكام التي في ضمنها لأنّها وردت في آية واحدة؟

هذا مضافاً إلى أنّه ليس من البعيد أن يراد بالزكاة عموم الحق الواجب في المال، أو مطلق النفقة وإن كانت مستحبّة، وعلى هذا يدخل الخمس في الزكاة، فكلما ذكرت الزكاة ذكر الخمس.

الشبهة الخامسة:

جاء في كتاب «الخمس بين الفريضة الشرعيّة والضريبة المالية» ما يلي:يقول الشيخ المفيد: قد اختلف قوم من أصحابنا في ذلك - أي الخمس - عند الغيبة، وذهب كلّ فريق إلى مقال: فمنهم من يسقط إخراجه لغيبة الإمام، وما تقدّم من الرخص فيه من الأخبار.

- وبعضهم يوجب كنزه - أي دفنه - ويتأوّل خبراً مفاده: أنّ الأرض تظهر كنوزها عند ظهور الإمام القائم مهدي الأنام، وأنّه(علیه السلام) إذا قام دلّه الله سبحانه وتعالى على الكنوز، فيأخذها من كلّ مكان.

- وبعضهم يرى صلة الذريّة وفقراء الشيعة على طريق الاستحباب.

- وبعضهم يرى عزله لصاحب الأمر(علیه السلام)، فإن خشي إدراك المنيّة قبل ظهوره وصّى به إلى من يثق به في عقله وديانته حتّى يسلّم إلى الإمام(علیه السلام) إن

ص: 125

أدرك قيامه، وإلاّ أوصى به إلى من يقوم مقامه في الثّقة والديانة، ثم على هذا الشرط إلى أن يظهر إمام الزمان ... .

وإنّما اختلف أصحابنا في هذا الباب؛ لعدم ما يلجأ إليه من صريح الألفاظ، وإنّما عدم ذلك لموضع تغليظ المحنة، مع إقامة الدليل بمقتضى العقل والأثر من لزوم الأصول في خطر التصرّف في غير المملوك إلاّ بإذن المالك، وحفظ الودائع لأهلها، وردّ الحقوق(1).

أول ما ينبغي أن يلاحظ أن القول الوحيد المستند إلى الأخبار الواردة عن الأئمّة من بين كلّ الأقوال الّتي استعرضها الشيخ المفيد هو القول الأول الذي يسقط إخراج الخمس.

وأمّا باقي الأقوال فهي:

- إمّا عارية عن الدليل بالكلّيّة، أي: الدليل النقلي المتمثّل بقول الإمام(علیه السلام). ويعترف الشيخ المفيد: أنّ الخمس حق لغائب، لم يرسم فيه قبل غيبته شيئاً يجب الانتهاء إليه!

- وإمّا مستندة إلى تأويل.

ويلاحظ أيضاً: أنّ الفقيه أو السّيد لا موقع لهما من إعراب هذه الأقوال جميعاً!(2).

ص: 126


1- المقنعة للشيخ المفيد:285 - 287 .
2- الخمس بين الفريضة الشرعية والضريبة المالية: 15.

الجواب:

سيأتي الكلام في روايات تحليل الخمس بالتفصيل في هذا الكتاب، وسيتضح: أنّ الحق هو ثبوت الخمس في زمان الغيبة، وأنّ التحليل الوارد في تلك الروايات مختص بموارد معينة، وليس اسقاطاً للخمس عن الشيعة بالكلّيّة. فهذا جواب عن القول الأول. ثمّ إنّ حصر الدليل في الدليل النقلي ليس بسديد كما لا يخفى. ولعل ملقي الشبهة غفل أو تغافل عن قول الشيخ المفيد - بعد أن ذكر: أنّه لا نصّ من الأئمّة على التصرّف في الحق في زمن الغيبة - : (مع إقامة الدليل بمقتضى العقل في الأمر من لزوم الأصول في حفظ التصرّف في غير المملوك إلا بإذن المالك، وحفظ الودائع لأهلها، وردّ الحقوق )، فلابدّ من ملاحظة مقتضى القواعد والعمل بها.

وعليه فيجب على من تعلّق الخمس بماله إيصاله إلى الإمام (صلوات الله عليه)، كما هو شأن كلّ مال كان بيد شخص وكان مالكه معلوماً، فيجب إخراجه إليه(علیه السلام): بأن يقبضه إيّاه؛ لأنّه لا يتعيّن بدون القبض، ومن المعلوم عدم إمكان ايصال الأموال إليه(علیه السلام)، ومن ثمّ اختلفت الأقوال في تكليف من تعلّق الخمس بماله.

(والحق: أنّ مقتضى القواعد أن يصرف فيما هو أهم في نظر مالكه، وهو حفظ أساس الدين، ورفع قواعده، ونشر لواء التوحيد بنشر علومه ومعارفه؛ فقد كثرت أعداؤه، واستظهر بعضهم ببعض، فيجب القيام إلى الدعوة إلى سبيل الربّ بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالّتي هي أحسن، فصرف سهم الامام(علیه السلام) في ذلك أهم في نظره قطعاً، إلى أن يقوم بأمر الله، فيرجع

ص: 127

الأمر برمّته(1) إليه، عجل الله تعالى فرجه، وشرّفنا بلقائه )(2).وأمّا وجوب إيصاله إلى الفقيه الجامع للشرائط حتّى يجري ذلك بيده فباعتبار أنّ له الولاية على المال المجهول مالكه، أو المتعذّر إيصاله إليه مع عدم الجهل بحاله كما في المقام.

ولا نقول: بأنّ له الولاية على الامام(علیه السلام) ، فحاشاه أن يكون لغيره ولاية عليه؛ فإنّ له الولاية على الكل باذن الله تعالى، كما قال: {إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ}(3). هذا مضافاً إلى أنّ الفقيه أعرف بمصالح الدين، فيجب الرجوع فيها إليه. وأمّا سهم بني هاشم فمقتضى إطلاق الأدلّة من الكتاب والسنّة وجوب صرفه إليهم في عصر غيبة الإمام(علیه السلام)، كغيره من الأزمنة، كما دلّت تلك الأدلّة على أصل ثبوته(4).

ص: 128


1- في الاصل «بذمته» وما اثبتناه هو الموافق لاستقامة الكلام .
2- زبدة المقال في خمس الرسول والآل:142-143.
3- سورة المائدة: 61.
4- زبدة المقال في خمس الرسول والآل: 143.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين حبيب إله العالمين أبي القاسم محمّد وآله الطاهرين الحجج المعصومين.

كتاب الخمس[1]

[1] وفيه ثلاثة فصول:

الفصل الأوّل: في موارد الخمس .

الفصل الثاني: في المستحقّين للخمس .

الفصل الثالث: في أخبار التحليل والجمع بينها وبين أدلّة الوجوب.

والخمس لغةً « - بالضم والسكون وبضمّتين - : جزء من خمسة»(1).

ص: 129


1- القاموس المحيط 2: 307 باب السين فصل الخاء .

وهو من الفرائض [1]

أو هو: «أخذ واحد من خمسة»، كما فسّره في تاج العروس(1).

وفي الاصطلاح الشرعي: جزء من خمسة أجزاء المال فرضه الله تعالى على عباده؛ نصفه لله وللرسول ولذي القربى، ونصفه الآخر لليتامى والمساكين وابن السبيل من بني هاشم.

أدلّة وجوب الخمس:

اشارة

[1] لا خلاف بين المسلمين في ذلك، بل هو من ضروريات الدين، فمنكره، بل الشّاك فيه يخرج عن المسلمين ويدخل في الكافرين، كما يظهر من الجواهر(2) .

ويدلّ عليه الكتاب والسنّة والإجماع.

أمّا الكتاب فقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (3).

ص: 130


1- تاج العروس من جواهر القاموس 8: 264 مادة «خمس» .
2- جواهر الكلام 16: 5 .
3- سورة الأنفال: 41 .

والآية المباركة صريحة في وجوب الخمس، كما أنّها مؤكدة على ذلك بأمور:

فقد صدّر الكلام بلزوم التنبّه بالأمر بالعلم، وهو وارد للاهتمام بما بعده من حكم، وهذا النوع وارد في القرآن الكريم كثيراً، والمراد من العلم هنا: العمل بمقتضى العلم، ثمّ قرنه ب- «أنّ» المفيدة للتوكيد، وكرّر «أنّ» المؤكّدة، وذكر الجملة الخبرية، ثمّ قيّد الحكم بالإيمان، فيصير حاصل المعنى: إنّ كون الخمس لهؤلاء واجب فأدّوه إن كنتم آمنتم بالله وبما أنزل على النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) .

وبالرغم من أنّ الخطاب في الآية الشريفة متوجّه إلى المؤمنين، لكنّها مع ذلك تقول: إن كنتم آمنتم، وفي ذلك إشارة إلى أنّ ادّعاء الإيمان وحده لا يعدّ دليلاً على الإيمان، بل حتّى المشاركة في ساحة الجهاد مع المعصوم قد لا تكون دليلاً على الإيمان - فإنّ أحد مصاديق الغنيمة في الآية الشريفة هي غنيمة دار الحرب - والجهاد وحده ليس بدليل على الإيمان، فقد تكون وراء ذلك أمور أخرى .

فالمؤمن الكامل هو الّذي يذعن لأوامر الله كافة وينقاد لها، وخاصّة الأوامر والأحكام الماليّة، لإباء أغلب النفوس عن السخاء بها .

فالحاصل: إنّ هذه الأمور تؤكد حكم وجوب الخمس في الآية الشريفة، وأنّه يجب في الغنيمة الحربيّة وفي كلّ ما يستفيده المكلّف ممّا يصدق عليه أنّه غنيمة كما سيأتي.

و قوله تعالى: {فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنْ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا

ص: 131

نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} (1).فقد ورد في تفسير عليّ بن إبراهيم تفسيراً لقوله تعالى: {ولم نك نطعم المسكين}، قال [أي الإمام الصادق(علیه السلام)]: «حقوق آل محمّد من الخمس لذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وهم آل محمّد(علیهم السلام)»(2).

والظاهر أنّ الدلالة تامة حيث إنّ المراد بعدم الإطعام الموجب لدخول النّار هو الإطعام الواجب لا المندوب، فيكون المراد إما مطلق الحقوق الواجبة في الأموال التي منها الخمس إذا غضضنا النظر عن التفسير الوارد في الرواية، أو خصوص الخمس كما ورد في التفسير المذكور.

وقوله تعالى: {كَلاَّ بَل لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} (3). فقد ورد في تفسير عليّ بن إبراهيم أيضاً أنّ المراد بالأيتام هم أيتام آل محمّد(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ)، وأنّ الخطاب في الآية الشريفة للذين غصبوا آل محمّد حقهم وأكلوا أموال اليتامى وفقرائهم وأبناء سبيلهم(4).

وتقريب الدلالة في هذه الآية نظير ما تقدّم في الآية السابقة.

ثم إنّه قد ذكرت في المقام عدّة آيات أخرى ادعي دلالتها على وجوب الخمس، إلاّ أنّه لما كانت الروايات الواردة في تفسيرها ضعيفة، ولم تكن

ص: 132


1- سورة المدّثر: 40 - 45 .
2- تفسير القمي: 2: 395.
3- سورة الفجر: 17 و 18 .
4- تفسير القمي 2: 420 .

دلالتها في نفسها واضحة أعرضنا عن التعرّض لها، واكتفينا بما ذكرناه هنا.

وأمّا السنّة: فقد دلّت عليه طوائف كثيرة من الروايات بلغت حدّ التواتر، وقد تقدّم قسم منها في النبذة التاريخيّة للخمس، ويأتي قسم كبير منها في طيّات البحوث الآتية.

وأمّا الإجماع: فهو محقّق عند الخاصّة وكذلك عند العامة في الجملة - والخلاف بين الفريقين إنّما وقع في بعض الخصوصيات من حيث المورد والمصرف - بل عُدّ منكره كافراً؛ لأنّ إنكاره يعدّ إنكاراً للضرورة من الدين كما تقدّم.

ص: 133

وقد جعلها الله تعالى لمحمّد(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) وذرّيّته عوضاً عن الزكاة إكراماً لهم، ومن منع منه درهماً أو أقلّ كان مندرجاً في الظالمين لهم والغاصبين لحقّهم، بل من كان مستحلاًّ لذلك كان من الكافرين.

ففي الخبر عن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر(علیه السلام): ما أيسر ما يدخل به العبد النّار؟ «قال: مَن أكل من مال اليتيم درهماً، ونحن اليتيم» (1).

وعن الصادق(علیه السلام): «إنّ الله لا إله إلاّ هو لمّا حرّم علينا الصدقة أنزل لنا الخمس، فالصدقة علينا حرام، والخمس لنا فريضة، والكرامة لنا حلال»(2).

وعن أبي جعفر(علیه السلام): «لا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتّى يصل إلينا حقّنا» (3).

ص: 134


1- من لا يحضره الفقيه 2: 41، الحديث 1652، وكمال الدين: 522، الباب 45، الحديث50، ثم قال بعده: «معنى اليتيم هو المنقطع القرين في هذا الموضع، فسمّي النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) بهذا المعنى، يتيماً وكذلك كلّ إمام بعده يتيم بهذا المعنى، والآية في أكل أموال اليتامى ظلماً فيهم نزلت، وجرت من بعدهم في سائر الأيتام»، ووسائل الشيعة 9: 483، الباب1 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1، ومستدرك الوسائل 7: 277، الباب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1، وتفسير العيّاشي 1: 251، تفسير سورة النساء، الحديث 48 .
2- من لا يحضره الفقيه 2: 41، الحديث 1651، والخصال: 321، باب الخمسة، الحديث52، ووسائل الشيعة 9: 483، الباب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2 .
3- الكافي 1: 625، كتاب الحجّة، الباب 187، الحديث 14، ووسائل الشيعة 9: 484، الباب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4 .

وعن أبي عبد الله(علیه السلام): «لا يُعذَر عبدٌ اشترى من الخمس شيئاً أن يقول: يا ربّ اشتريته بمالي، حتّى يأذن له أهل الخمس» (1) [1] .

مصالح تشريع الخمس:

[1] شرّع الخمس للمذكورين في آية الغنيمة لأمور:

أوّلاً: إجلالاً وإكراماً وتعظيماً لهم، لأنّهم ذراري خاتم الأنبياء، وقد قرنهم الله تعالى بنفسه في آية الغنيمة، وجعل مودتهم أجر الرسالة .

وثانياً: تطهيراً وتزكية لأموال العباد الدافعين للخمس .

وثالثاً: عوضاً لهم عن الزكاة والصدقات التي هي أوساخ أيدي الناس.وتظهر هذه الأمور من الروايات الشريفة:

أمّا الأوّل: فتدلّ عليه عدّة من الروايات التي يستفاد منها أنّ الأرض كلّها للإمام(علیه السلام)، وقد عقد الشيخ الكليني(قدس سره) باباً بهذا العنوان في كتابه الكافي.

فمن تلك الروايات: ما ورد في صحيحة أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: وجدنا في كتاب عليّ(علیه السلام): أنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، أنا وأهل بيتي الذين أُورثنا الأرض،

ص: 135


1- تفسير العيّاشي 2: 67، الحديث 60، ووسائل الشيعة 9: 542، الباب 3 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام)، الحديث 11، ومستدرك الوسائل 7: 278، الباب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4 .

ونحن المتّقون، والأرض كلها لنا ... (1).

ومنها: صحيحة عمر بن يزيد قال: رأيت مسمعاً بالمدينة وقد كان حمل إلى أبي عبد الله(علیه السلام) تلك السنة مالاً فردّه أبو عبد الله(علیه السلام)، فقلت له: لم ردّ عليك أبو عبد الله المال الّذي حملته إليه؟ قال: فقال لي: إني قلت له حين حملت إليه المال: إنّي كنت ولّيت البحرين الغوص فأصبت أربع مائة ألف درهم، وقد جئتك بخمسها بثمانين ألف درهم، وكرهت أن أحبسها عنك، وأن أعرض لها وهي حقك الّذي جعله الله تبارك وتعالى في أموالنا.

فقال: أو مالنا من الأرض وما أخرج الله منها إلاّ الخمس؟ يا أبا سيّار، إنّ الأرض كلّها لنا، فما أخرج الله منها من شيء فهو لنا ... (2).

ومنها: ما في معتبرة السريّ بن الربيع، قال: لم يكن ابن أبي عمير يعدل بهشام بن الحكم شيئاً، وكان لا يغب إتيانه، ثمّ انقطع عنه وخالفه، وكان سبب ذلك أنّ أبا مالك الحضرميّ كان أحد رجال هشام ووقع بينه وبين ابن أبي عمير ملاحاة في شيء من الإمامة، قال ابن أبي عمير: الدنيا كلّها للإمام(علیه السلام) على جهة الملك، وأنه أولى بها من الذين هي في أيديهم، وقال أبو مالك: [ليس] كذلك، أملاك النّاس لهم إلاّ ما حكم الله به للإمام من الفيء والخمس

ص: 136


1- الكافي 1: 473، كتاب الحجّة، الباب 162، الحديث 1، والمصدر نفسه 5: 284، الباب 169 في إحياء أرض الموات، الحديث 5، وتهذيب الأحكام 7: 138، الحديث 674 مع اختلاف يسير .
2- الكافي 1: 474، كتاب الحجّة، الباب 162، الحديث 3، وتهذيب الأحكام 4: 126، الحديث 402 مع اختلاف يسير.

والمغنم فذلك له، وذلك أيضاً قد بيّن الله للإمام أين يضعه وكيف يصنع به، فتراضيا بهشام بن الحكم وصارا إليه، فحكم هشام لأبي مالك على ابن أبي عمير فغضب ابن أبي عمير وهجر هشاماً بعد ذلك(1).

وهذه الرواية رواها في المستدرك عن الكافي وفيه: السندي بن الربيع بدل السري بن الربيع(2)، والظاهر أنّه الصحيح، وهو ثقة لرواية صفوان عنه(3). ولوقوعه في أسناد نوادر الحكمة(4).

وهذا الأمر كان واضحاً لدى العارفين بمكانة الإمام(علیه السلام) وعظم منزلته عند الله تعالى، وإن كان ذلك ممّا تأبى نفوس الجاهلين بمقامه(علیه السلام) تصديقه والإذعان به، ولعل هشاماً إنّما أنكره لمصلحة يراها، وهو العارف بمقام الأئمّة(علیهم السلام) والمقدّم في صناعة الجدل والكلام.

وأمّا الثاني: فتدل عليه أيضاً عدّة من الروايات:

منها: موثقة عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله(علیه السلام)، قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) يقول: «إنّي لآخذ من أحدكم الدرهم وإنّي لمن أكثر أهل المدينة مالاً، ما أريد بذلك إلاّ أن تطهّروا»(5).

ص: 137


1- الكافي: 1: 476، كتاب الحجّة، الباب 162، الحديث 9، وتهذيب الأحكام 4: 126، الحديث 402 مع اختلاف يسير .
2- مستدرك الوسائل: 7: 304، الباب 5 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام(علیه السلام)، الحديث2.
3- رجال النجاشي 187 / 496 .
4- تهذيب الأحكام 2: 166، الحديث 711، وراجع: أصول علم الرّجال 1: 224 .
5- الكافي 1: 617، كتاب الحجّة، الباب 186، الحديث 7، ومن لا يحضره الفقيه 2: 44، الحديث 1660، وعلل الشرائع 2: 378، الباب 107، الحديث 1 .

ومنها: صحيحة عليّ بن مهزيار، قال: كتب إليه أبو جعفر(علیه السلام) ... «...فأحببت أن أطهّرهم وأزكيهم بما فعلت في عامي هذا من أمر الخمس، قال الله تعالى: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } (1) »(2).

ومنها: مرفوعة الحسين بن محمّد بن عامر، قال: قال أبو عبد الله(علیه السلام): «من زعم أنّ الإمام يحتاج إلى ما في أيدي النّاس فهو كافر، إنّما الناس يحتاجون أن يقبل منهم الإمام، قال الله عزّوجلّ: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } (3)» (4).

وأمّا الثالث: فتدل عليه كثير من الروايات:

منها: معتبرة الصدوق(قدس سره) عن الصادق(علیه السلام) أنّه قال: إنّ الله لا إله إلاّ هو لما حرّم علينا الصدقة أنزل لنا الخمس، فالصدقة علينا حرام، والخمس لنا فريضة، والكرامة لنا حلال(5).

ص: 138


1- سورة التوبة: 103 .
2- تهذيب الأحكام: 4: 124، الحديث 397، والاستبصار 2: 80 ، الحديث 198 مع اختلاف يسير، ووسائل الشيعة 9: 501، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث5.
3- سورة التوبة: 103 .
4- الكافي 1: 616، كتاب الحجّة، الباب 186، الحديث 1 .
5- من لا يحضره الفقيه 2: 41، الحديث 1651، ووسائل الشيعة: 9: 483، الباب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2 .

ومنها: معتبرة سليم بن قيس الهلالي قال: خطب أمير المؤمنين(علیه السلام) وذكر خطبة طويلة يقول فيها ... ولم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيباً، أكرم الله رسوله وأكرمنا أهل البيت أن يطعمنا من أوساخ النّاس، فكذّبوا الله وكذّبوا رسوله، وجحدوا كتاب الله الناطق بحقّنا، ومنعونا فرضاً فرضه الله لنا،... (1).

ومنها: مرسلة حمّاد عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح(علیه السلام) قال: الخمس من خمسة أشياء: ... وإنّما جعل الله هذا الخمس خاصّة لهم دون مساكين النّاس وأبناء سبيلهم عوضاً لهم من صدقات النّاس تنزيهاً من الله لهم لقرابتهم برسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ)، وكرامة من الله لهم عن أوساخ النّاس، فجعل لهم خاصة من عنده ما يغنيهم به عن أن يصيّرهم في موضع الذلّ والمسكنة... (2).

وغيرها من الروايات .

ثمّ إنّ من مصالح تشريع الخمس أنّه إنّما شرّع ليرتبط به النّاس إلى ذريّة رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ)، فيستحقون بذلك الثواب والتكريم من الله العلي العظيم.

كما أنّه نحو عناية إلهيّة خاصة ببقايا النبوات والرسالات وهم ذريّة الرسول(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) لأنبيائه على ما تحمّلوه من المتاعب والمصاعب العظام في

ص: 139


1- الكافي 8: 55، الحديث 21، ووسائل الشيعة 9: 512، باب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 7 .
2- الكافي 1: 619، كتاب الحجّة، الباب 187، الحديث 4، وتهذيب الأحكام 4: 112، الحديث 365 مع اختلاف يسير، ووسائل الشيعة 9: 513، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 8 .

إعلاء كلمة الله ونشر أحكامه سبحانه وتعالى، فجعل ذريتهم باقية إلى يوم القيامة، وأوجب على المكلفين أداء حقهم تخليداً لذكرهم بين النّاس واهتماماً بشأنهم إلى يوم الدين.

ص: 140

فصل

فيما يجب فيه الخُمس

وهو سبعة أشياء: [1]

الفصل الأوّل: في موارد الخمس

اشارة

[1] في الجواهر إنّ الحصر استقرائي مستفاد من الروايات(1)، وهو كذلك؛ فإنّ المستفاد من مجموع الروايات الواردة في المقام أنّه واجب في سبعة أشياء؛ وذلك أنّ الروايات مختلفة:

ففي بعضها: أنّها خمسة أشياء، كما في صحيحة ابن أبي عمير عن غير واحد، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: الخمس على خمسة أشياء ... (2).

وفي السند(3): أحمد بن زياد عن جعفر الهمداني، وهو غلط والصحيح:

ص: 141


1- جواهر الكلام 16: 5 .
2- الخصال: 322، باب الخمسة، الحديث 53، وقد أكمل الشيخ الصدوق ما نسيه ابن أبي عمير قائلاً: أظنّ الخامس الذي نسيه ابن أبي عمير مالاً يرثه الرجل وهو يعلم أنّ فيه من الحلال والحرام، ولا يعرف أصحاب الحرام فيؤديه إليهم، ولا يعرف الحرام بعينه فيجتنبه، فيخرج منه الخمس، ورواها صاحب وسائل الشيعة 9: 494، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 7 .
3- الموجود في الوسائل طبعة المكتبة الاسلامية .

أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، لأنّه الراوي عن عليّ بن إبراهيم، وهو من مشايخ الصدوق وقد ترضّى عنه كثيراً . ووثّقه في كتاب كمال الدين وتمام النعمة (1) .

وفي معتبرة عمّار بن مروان قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) يقول: فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه والكنوز الخمس (2).

وعمّار بن مروان هو اليشكري الثقة.

ومرسلة حمّاد عن العبد الصالح(علیه السلام) المتقدّمة فقد جاء فيها: «الخمس من خمسة أشياء ...» (3).

وفي مرسل أحمد بن محمّد المرفوع قال: «الخمس من خمسة أشياء...»(4).

وفي بعضها: أنّها أربعة، كما عن تفسير النعماني بإسناده عن عليّ(علیه السلام)

ص: 142


1- كتاب كمال الدين وتمام النعمة: 369.
2- الخصال: 321، باب الخمسة، الحديث 51، ووسائل الشيعة 9: 494، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6 .
3- تهذيب الأحكام 4: 112، الحديث 365، ووسائل الشيعة 9: 487، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4 .
4- تهذيب الأحكام 4: 163، الحديث 364 . وسائل الشيعة: 9: 489، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 11 .

قال: والخمس يخرج من أربعة وجوه ... (1).وفي ثالث: أنّها في شيء واحد، كما في صحيحة عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) يقول: ليس الخمس إلاّ في الغنائم خاصّة(2).

ويؤيّدها ما رواه العياشي عن سماعة عن أبي عبد الله وأبي الحسن’ قال: سألت أحدهما عن الخمس؟ فقال: ليس الخمس إلاّ في الغنائم(3).

ومقتضى الجمع بين هذه الروايات وبين ما دلّ على أنّ الخمس واجب في الأرض التي اشتراها الذمّي من المسلم، وفي المال الحلال المختلط بالحرام، كما سيأتي: أنّ المجموع سبعة أشياء، والعدد غير محصور ولا معتبر، بل يمكن أن يقال بزيادة الأقسام وبقلّتها؛ كأن يضاف إليها مثل العنبر والملاحة أيضاً.

والّذي يكون ضابطاً هو ما يندرج تحت قوله تعالى: {أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} المذكور في الآية المباركة، فإنّ الغنيمة - على ما يأتي بيانها - هي كلّ ما يغنمه الإنسان ويستفيده من غير ترقّب، كما هو معناه لغة والمستعمل فيه عرفاً، وفسّر في الروايات أيضاً، فهو شامل لجميع تلك الأقسام حتّى القسمين

ص: 143


1- نفس المصدر: الحديث 12 .
2- من لا يحضره الفقيه 2: 40، الحديث 1648، وتهذيب الأحكام 4: 109، الحديث 358 والاستبصار 2: 74، الحديث 184، ووسائل الشيعة 9: 485، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1 .
3- تفسير العياشي 2: 66، الحديث 54 وسائل الشيعة: 9: 491، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 15 .

الأوّل: الغنائم المأخوذة من الكفّار من أهل الحرب قهراً بالمقاتلة معهم بشرط أن يكون بإذن الإمام(علیه السلام) [1] .

الأخيرين، فإنّ المال الحلال المخلوط بالحرام، وكذلك الأرض التي اشتراها الذمّي أيضاً من الغنائم التي تصل إلى صاحبها من غير ترقّب، بمعنى عدم ملكيتهما الواقعيّة، بل بمقتضى إذن الشارع وترخيصه، فإنّ مقتضى العلم الإجمالي هو الاجتناب عن المال المختلط، ولكنّ الشارع سوّغ التصرّف فيه بعد إخراج الخمس، وكذلك في الأرض التي يشتريها الذمّي من المسلم.

وبهذا الوجه يمكن الجمع بين الطوائف المختلفة، ويكون الضابط هو ما يصدق عليه عنوان الغنيمة، وإدراج الجميع في قسم واحد - كما ذكره الشهيد(قدس سره) في البيان(1) - فلا يبقى مجال للبحث في أنّ الموارد سبعة أو أقلّ أو أكثر.

المبحث الأوّل: في غنائم دار الحرب:

اشارة

[1] الغنيمة التي تؤخذ من أهل الحرب تارة تكون بالمقاتلة، وأخرى بغيرها كالسرقة والغيلة ونحوها، وما كان بالمقاتلة تارة يكون بإذن الإمام(علیه السلام)، وأخرى بدون إذنه. ومحلّ الكلام هو ما كان بالمقاتلة مع إذن الإمام(علیه السلام)، وأمّا القسمان الآخران وهما ما كانت الغنيمة بالسرقة والغيلة أو كانت المقاتلة

ص: 144


1- البيان: 341 .

التي نتجت عنها الغنيمة بدون إذن الإمام(علیه السلام)، فسيأتي حكمهما.

وأمّا محل الكلام فلا خلاف في وجوب الخمس فيه، ويدلّ عليه الكتاب والسنّة والإجماع عند الفريقين، ولم يختلف اثنان من أهل الإسلام في ذلك.

أمّا الكتاب: فبمفاد الآية الشريفة، وقد تقدّمت، وهي شاملة للغنيمة في دار الحرب، إمّا بالإطلاق أو بالخصوص، كما ادّعي، وكيف كان فهو القدر المتيقّن من الآية الشريفة.

وأمّا السنّة: فقد دلّت عليه كثير من الروايات، حتّى ادّعي تواترها:

منها: صحيحة عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) يقول: «ليس الخمس إلاّ في الغنائم خاصة»(1).

وهي واضحة الدلالة، إلاّ أنّها خصّصت الخمس بالغنائم.

وقد ذكر في توجيه ذلك أمور:

أحدها: ما عن صاحب الوسائل(قدس سره) من أنّ الخمس ليس واجباً بظاهر القرآن إلاّ في الغنائم، وأمّا غير الغنائم فوجوب الخمس إنّما ثبت بالسنّة.وثانيها: ما عن الشيخ الطوسي(قدس سره) من أن المراد بالغنائم: الغنائم بالمعنى اللغوي فتشمل جميع الأصناف التي يجب فيها الخمس(2).

وثالثها: ما عن صاحب الوسائل من: أنّه حمل الحصر فيها على الحصر

ص: 145


1- وسائل الشيعة 485:9، الباب2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1 .
2- الاستبصار 2: 74، مضمون ذيل الحديث 184 .

الإضافي بالنسبة إلى ما ليس بمنصوص(1) .

والأقرب هو الثاني بمعونة الروايات الآتية الواردة في تفسير الغنيمة.

ومنها: صحيحة ابن أبي عمير عن غير واحد، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «الخمس على خمسة أشياء: ... والغنيمة»(2).

وغيرهما من الروايات، إلاّ أنّها مطلقة لم تقيّد بكون الغنيمة فيها قد قوتل عليها.

نعم ورد ذلك في عدّة روايات:

منها: صحيحة معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد الله(علیه السلام): السريّة يبعثها الإمام فيصيبون غنائم كيف تقسّم؟ قال: إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم أخرج منها الخمس لله وللرسول ... (3).

ومنها: صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله(علیه السلام) ... وما بقي قسّم بين من قاتل عليه وولي ذلك(4).

ص: 146


1- الفصول المهمّة 2: 144، الباب 2، الحديث 1411 .
2- الخصال: 322، باب الخمسة، الحديث 53، ووسائل الشيعة 9: 494، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 7 .
3- الكافي 5: 39، كتاب الجهاد، الباب 18، الحديث 1، ووسائل الشيعة 9: 524، الباب 1 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام(علیه السلام)، الحديث 3 .
4- الكافي 5: 41، كتاب الجهاد، الباب 18، الحديث 7، ووسائل الشيعة 15: 112، الباب 41 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، الحديث 5 .

ومنها: صحيحة ربعي بن عبد الله بن الجارود، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «... ثمّ يقسم ما بقي خمسة أخماس، ويأخذ خمسه ثمّ يقسم أربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه»(1).

ومنها: صحيحة عبد الكريم بن عتبة الهاشميّ عن أبي عبد الله(علیه السلام) - في حديث طويل - أنّه قال لعمرو بن عبيد: ... فإن هم أبوا الجزية فقاتلتهم فظهرت عليهم كيف تصنع بالغنيمة؟ قال: أخرج الخمس وأقسم أربعة أخماس بين من قاتل عليه ... (2).

ويؤيّدها روايتان أخريتان:

إحداهما: رواية أبي بصير عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: كلّ شيء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله، فإنّ لنا خُمُسه...(3).

وثانيتهما: رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله(علیه السلام) في الغنيمة قال: «يخرج منها الخمس، ويقسم ما بقي بين من قاتل عليه وولي ذلك...»(4).

ص: 147


1- تهذيب الأحكام 4: 112، الحديث 364 .
2- الكافي 5: 21، كتاب الجهاد، الباب 7، الحديث 1، وتهذيب الأحكام 6: 127، الحديث 261، ووسائل الشيعة 15: 111، الباب 41 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، الحديث 3 مع اختلاف يسير في الأخيرين .
3- الكافي 1: 625، كتاب الحجّة: الباب 187، الحديث 14، ووسائل الشيعة 9: 487، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5 .
4- تهذيب الأحكام 4: 116، الحديث 368، ووسائل الشيعة 9: 489، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 10 .

هذا ويمكن استفادة التقييد أيضاً من الروايات التي وردت في الفيء والأنفال؛ فإنّ المستفاد منها الفرق بين ما كان من أموال فيها إراقة دم أو قتل، وبين ما كان من فتح لم يقاتل عليه ولم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، وهو الفيء، وهو ملك الإمام(علیه السلام)، فمن جهة المقابلة يستفاد أنّ الّذي يخرج خمسه ويقسم باقيه بين المقاتلين هو ما قوتل عليه.

ويمكن استفادة ذلك أيضاً من مكاتبة عليّ بن مهزيار: «... ومثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله ...» (1).

والمراد بالعدو الّذي يسلب فيؤخذ ماله هو العدو الديني لا الشخصي، فما يسلب منه داخلٌ في الغنيمة التي لابد من إخراج خمسها.

وأمّا العداوة الشخصية فلا تسوّغ أخذ المال.

فبهذه الوجوه الثلاثة يمكن تقييد تلك الروايات المطلقة المتقدّمة، فالظاهر عدم الإشكال في الحكم.

وأمّا ما ذكره السيّد الأستاذ(قدس سره) من أنّ: «المستفاد من الآية المباركة، وكذا النصوص على كثرتها صحيحها وسقيمها - التي لا يبعد بلوغ المجموع حدّ التواتر - اختصاص الحكم بالاغتنام الناتج من القتال، والمتحصّل من الغلبة بالمقاتلة، لا مطلق السيطرة على المال كيفما اتّفق...» (2)، فلا يحتاج إلى

ص: 148


1- تهذيب الأحكام 4: 124، الحديث 397، ووسائل الشيعة 9: 501، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5 .
2- المستند في شرح العروة الوثقى، الخمس: 20 .

البحث عن التقييد فإنّها بنفسها مقيدة.

فلا يمكن المساعدة عليه؛ لأنّ لفظ الغنائم والغنيمة شامل لمطلق ما يؤخذ ويستفاد من أهل الحرب، سواء كان بالمقاتلة أم بغيرها.

نعم، لو كانت هذه النصوص مقيدة بالمعركة أو دار الحرب أو بما يصيبه المسلمون من المشركين وأمثال هذه التعابير لكان ما ذكره(قدس سره) تامّاً، مع أنّه لم يرد في شيء منها ذلك.

نعم، جاء القيد الأخير في رواية واحدة فقط، وهي ما رواه السيّد المرتضى(قدس سره) في رسالة المحكم والمتشابه نقلاً عن تفسير النعماني بإسناده عن عليّ(علیه السلام): ... والخمس يخرج من أربعة وجوه: من الغنائم التي يصيبها المسلمون من المشركين ... (1).

ولكنّها ضعيفة سنداً .

وكيف كان يكفينا في المقام الروايات الصحيحة المقيّدة، فما يؤخذ بغير المقاتلة كالسرقة والغيلة والدعوى الباطلة والربا ونحوها لا يكون داخلاً في الغنائم التي يجب فيها الخمس، وسيأتي حكمها فيما بعد.

ص: 149


1- وسائل الشيعة: 9: 489، باب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 12 .

من غير فرق بين ما حواه العسكر وما لم يحوه، والمنقول وغيره كالأراضي والأشجار ونحوها [1] .

[1] يظهر من العبارة: أنّ ما حواه العسكر يجب فيه الخمس، سواء كان منقولاً أم غير منقول، وكذلك ما لم يحوه.

ولكن الّذي يظهر من كلام الأصحاب (قدس سرهم): أنّ المراد بما لم يحوه العسكر هو ما كان غير منقول كالأراضي والأشجار والدور، ففي الشرائع: «الأوّل: غنائم دار الحرب. ممّا حواه العسكر وما لم يحوه، من أرضٍ وغيرها ... »(1).

كما يظهر ذلك من «النهاية»، فقد جاء فيه: «كل ما يغنمه المسلمون من دار الحرب من جميع الأصناف التي قدّمنا ذكرها ممّا حواه العسكر يخرج منه الخمس ... وما لم يحوه العسكر من الأرضين والعقارات وغيرها من أنواع الغنائم يخرج منه الخمس، والباقي يكون للمسلمين قاطبة ... » (2). وكذا في غيرهما من كتب الأصحاب .

ولعل مراد الماتن(قدس سره) أيضاّ ذلك، ويكون العطف تفسيرياً، ولذلك اكتفى به فيما يأتي من كلامه.

وكيف كان: فالمشهور بين الأصحاب، بل في الجواهر: «لا أعرف فيه

ص: 150


1- شرائع الإسلام 1: 133 .
2- النهاية ونكتها 1: 449 .

خلافاً ... بل هو من معقد إجماع المدارك» (1)، عدم الفرق بين المنقول وغيره كالأراضي والأشجار في وجوب الخمس.

وهو الظاهر من الشيخ(قدس سره) في الخلاف فقد قال: «ما لا ينقل ولا يحول من الدور والعقارات والأرضين عندنا أنّ فيه الخمس، فيكون لأهله، والباقي لجميع المسلمين، من حضر القتال ومن لم يحضر، فيصرف انتفاعه إلى مصالحهم ... دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم» (2).

ويمكن استظهاره منه أيضاً في النهاية من عبارته المتقدّمة (3).

واختار بعض المتأخرين اختصاص الخمس بالمنقول كصاحبي الحدائق والمستمسك والسيّد الأستاذ (4).

واستدل على الأوّل بوجوه:

الوجه الأوّل: ظاهر الآية الشريفة: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ ِ خُمُسَهُ ...} الآية (5).

فإنّ الظاهر من الشيء هو العموم والشمول للمنقول وغيره.

ص: 151


1- جواهر الكلام 16: 6 .
2- الخلاف 4: 195، المسألة 18 .
3- في أوائل شرح قول الماتن «من غير فرق بين ما حواه العسكر. . .».
4- الحدائق الناضرة 12: 324 - 325، مستمسك العروة الوثقى 9: 444، المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 10 .
5- سورة الأنفال: 41 .

الوجه الثاني: إطلاق الروايات الدالة على وجوب الخمس في الغنيمة، وهي كثيرة؛ فإنّ إطلاق الغنيمة يشمل كلّ ما يغنمه الغانم، سواء كان منقولاً أو غير منقول، فيؤخذ به ما دام لا يوجد ما يصلح للتقييد .

الوجه الثالث: الروايات الخاصّة:

منها: رواية أبي بصير عن أبي جعفر(علیه السلام): كلّ شيء قوتل عليه على شهادة أن لا إله الله، وأنّ محمّداً رسول الله، فإنّ لنا خمسه..(1).

وعلي بن أبي حمزة وإن كان ضعيفاً فبذلك يقال: بضعف الرواية، إلاّ أنّه يمكن القول باعتبارها لما ذكره النجاشي من أنّ رواياته كانت قبل وقفه(2)، أو بناء على القول بتماميّة شهادة الكليني بصحة روايات كتاب الكافي .

وأمّا من جهة الدلالة فإنّها تدلّ بالعموم على ذلك .

ومنها: صحيحة عمر بن يزيد عن مسمع بن عبد الملك المتقدّمة (3).

ومنها: ما دلّ على تحليل خمس الأرض للشيعة، وهي كثيرة (4).

واستدلّ على الثاني - أي اختصاص الخمس بالمنقول - بوجوه أيضاً:

الوجه الأوّل: ما ورد من الروايات في تقسيم الخمس:

ص: 152


1- وسائل الشيعة 9: 487، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5 .
2- رجال النجاشي: 249 / 656 .
3- وسائل الشيعة 9: 548، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام(علیه السلام)، الحديث 12 .
4- وسائل الشيعة 9: 543، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام(علیه السلام).

منها: صحيحة ربعي بن عبد الله عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: كان رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له، ثمّ يقسّم ما بقي خمسة أخماس ويأخذ خمسه، ثمّ يقسّم أربعة أخماس بين النّاس الذين قاتلوا عليه...(1).

وهي ظاهرة في أنّ المغنم هو المنقول لقوله(علیه السلام): «أتاه» وقوله: «يقسّم ما بقي» وغير ذلك ممّا يدلّ على التقسيم، خصوصاً ما دلّ على أنّ ما فضل من سهم الإمام(علیه السلام) ممّا ينوبه يقسّم بين الغانمين، وأن للإمام أنّ يسدّ النّقص من عنده، كما في مرسلة حماد بن عيسى المتقدّمة فقد جاء فيها: «وله أن يسدّ بذلك المال جميع ما ينوبه من مثل إعطاء المؤلفة قلوبهم وغير ذلك ممّا ينوبه، فإن بقي بعد ذلك شيء أخرج الخمس منه فقسّمه في أهله، وقسّم الباقي على من ولي ذلك، وإن لم يبق بعد سدّ النوائب شيء فلا شيء لهم ...» (2).

فظاهر هذه الروايات أنّ مورد الخمس هي الغنائم المنقولة، فتكون مخصّصة للآية الشريفة والروايات المطلقة.

الوجه الثاني: ما دلّ من الروايات على أنّ الأراضي المفتوحة عنوة ملك للمسلمين، ولم يرد في شيء منها الخمس، كما ورد وجوب الزكاة، فلو وجب الخمس لكان أولى بالذكر من الزكاة، لأنّه يتعلق برقبة الأرض، فعدم

ص: 153


1- وسائل الشيعة 9: 510، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 3 .
2- الكافي 1: 619، كتاب الحجّة، الباب 187، الحديث 4، وتهذيب الأحكام 4: 112، الحديث 365، مع اختلاف يسير، ووسائل الشيعة 9: 524، الباب 1 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام(علیه السلام)، الحديث 4 .

ذكر الخمس فيها يشعر، بل يمكن أن يكون دليلاً على عدم وجوب الخمس في الأرض، وبها تقيّد الروايات المطلقة.

الوجه الثالث: مرسلة حمّاد المتقدّمة حيث ورد فيها: وليس لمن قاتل شيء من الأرضين، ولا ما غلبوا عليه إلاّ ما احتوى عليه العسكر ... والأرضون التي أخذت عنوة بخيل أو ركاب فهي موقوفة متروكة في يدي من يعمّرها ويحييها ويقوم عليها على ما صالحهم الوالي ... (1).

الوجه الرابع: ما أضافه السيّد الأستاذ(قدس سره) من إنكار الإطلاق في الآية وفي الروايات؛ وذلك لأنّ الغنيمة: «هي الفائدة للغانم والربح الّذي يستفيده بشخصه ويدخله في ملكه، وقد حكم بأنّ خمس ما ملكه كذلك يكون للإمام(علیه السلام)، كما حكم بأنّ مقدار الزكاة التي في العين الزكويّة ملك لمصرف الزكاة بعد بلوغ النصاب، أو حَوَلان الحول فيما يعتبر فيه الحول، وأنّ مقدار النصاب في الذهب - مثلاً - بتمامه ملك لمالكه قبل الحَوَلان، وبمجرد أن حال الحول يخرج مقدار الزكاة عن ملكه ويدخل في ملك الفقير، وكذا في الغلاّت بعد صدق الاسم، ويراعى مثل ذلك في الخمس أيضاً، فيخرج ممّا يغتنمه الغانم ويربحه الرابح خمسه عن ملكه، وهذاغير صادق بالإضافة إلى الأراضي الخراجيّة بعد أن لم تكن ملكاً للمقاتلين وغنيمةً لهم بما هم كذلك، بل لعامّة المسلمين إلى يوم القيامة.

نعم، هي غنيمة بمعنى آخر، أي يستفيد منها المقاتل بما أنّه مسلم، لكنّ

ص: 154


1- الكافي 5: 44، باب قسمة الغنائم ح 4، وتهذيب الأحكام 4: 128 الباب 37 باب قسمة الغنائم، ووسائل الشيعة 15: 110، الباب 41 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، الحديث 2 .

الغنيمة بهذا المعنى لا خمس فيها، لوجهين:

أمّا أوّلاً: فلاختصاص أدلة الخمس بالغنائم الشخصيّة وما يكون ملكاً لشخص الغانم، لا ما هو ملك للعنوان الكلّي كما في الأراضي الخراجيّة، حيث إنّها لم تكن ملكاً لأيّ فرد من آحاد المسلمين، وإنّما ينتفع منها المسلم بإزاء دفع الخراج من غير أن يملك رقبتها، بل المالك هو العنوان الكلّي العام، نظير الأوقاف العامة التي هي ملك لعناوين معيّنة.

ومن ثمّ لم يلتزم أحد بوجوب تخميسها، وليس ذلك إلاّ لانتفاء الملك الشخصي والغنيمة الشخصيّة التي هي الموضوع لوجوب الخمس...

وأمّا ثانياً: فلأجل أنّ قولهم: لا خمس إلاّ بعد المؤونة، يكشف عن اختصاصه بمالٍ تُصرَفُ المؤونة في سبيل تحصيله، وهو - كما ترى - خاصّ بالملك الشخصي، إذ لا معنى لإخراج المؤونة فيما يكون المالك هو العنوان الكلّي العام، لعدم كونه ممّن يصرف المؤونة في سبيل تحصيل الغنيمة كما هو ظاهر»(1).

هذا غاية ما يمكن أن يقال من الاستدلال لكل من القولين.

وبالتأمّل يظهر أنّ المهم من هذه الوجوه هما الوجهان الأوّلان من كلا القولين:

دليل القول الأول: ظهور الآية في العموم، وكذلك دعوى إطلاق الروايات الشاملة للأراضي وغيرها.

ص: 155


1- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 9 - 10 .
وقد أشكل عليه بوجهين:

الوجه الأوّل: عدم الظهور في الآية، وعدم الإطلاق في الروايات؛ لأنّ الغنيمة تنصرف إلى ما يغنمه الغانم بنفسه ويملكه لا ما يكون ملكاً للمسلمين، مع أنّ الملك بالعنوان العام لا يكون مورداً لوجوب الخمس، وذلك:

أوّلاً: لأنّ أدلة الخمس مختّصة بما إذا كان المال ملكاً شخصيّاً.

وثانياً: لأنّ أدلة استثناء المؤونة لا تتوافق مع الملك العام.

وهذا الإشكال قابل للمنع، بأن يقال: إنّ الغنيمة وإن كانت منسوبة إلى الغانمين لقوله تعالى: {أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} إلاّ أنه بعنوان كونهم مسلمين، فإنّ الخطاب في قوله تعالى: {واعلموا} متوجّه إلى المسلمين، والوصف إنّما أُخذَ من حيث التعليل وبما أنّهم سبب للغنيمة، وهذا متحقّق في الأراضي المفتوحة عنوة، حيث إنّها ملك للمسلمين، وهم شركاء معهم، فيصح نسبتها إلى الغانمين، وتكون داخلة في (ما غنمتم) وإن كان غيرهم يستفيد منها أيضاً، فدعوى الانصراف في غير محلّها.

وأمّا الأمران المذكوران في الذيل فليسا بشيء؛ لأنّ الزكاة تتعلقّ بالأموال العامّة كالأراضي المفتوحة عنوة مع أنّها ليست أموالاً شخصية، وكذلك تلاحظ الزكاة فيها بعد إخراج المؤونة، على ما نقله السيّد الأستاذ عن صاحب الحدائق(قدس سره) .

الوجه الثاني: إنّ عدم ذكر الخمس في غير المنقول - كما في صحيحة ربعي وغيرها(قدس سره) من الروايات الواردة في الأراضي المفتوحة عنوة - يوجب

ص: 156

الإذعان بعدم وجوبه، وإلاّ لذكر، كما ذكرت الزكاة، بل ذكره أولى من ذكر الزكاة.

وأيضاً التقسيم المذكور في روايات التخميس لا ينطبق على الأراضي؛ لأنّ التقسيم عبارة عن إخراج الخمس منها ثمّ تقسيم الباقي على الغانمين، والحال أنّ الأراضي لا تقسم بهذه الكيفية.وهذا الوجه - وإن كان قويّاً - إلاّ أنه ليس بحيث تطمئن به النّفس، ويكون موجباً لرفع اليد عن ظهور الآية، وذلك لأنّ الروايات الواردة في الأراضي تفسّر فعل النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) في غزواته، والتي كان أغلبها في أراضي المسلمين فلا موضوع لاغتنام الأراضي، فتكون خارجة عن محلّ الابتلاء. وأمّا غزواته التي وقعت في أراضي المشركين فهي وإن وردت فيها روايات لم يذكر فيها الخمس إلاّ أنّ دلالتها ليست من القوّة بحيث توجب رفع اليد عن الإطلاقات.

هذا، مضافاً إلى أنّه قد يستفاد من بعضها التخميس، كما في رواية تحف العقول عن رسالة الصادق(علیه السلام) في الغنائم: ... وأمّا خيبر فإنّها كانت مسيرة ثلاثة أيام من المدينة، وهي أموال اليهود، ولكنّه أوجف عليها خيل وركاب، وكانت فيها حرب فقسّمها على قسمة بدر ... (1).

وأمّا الاستدلال بقوله(علیه السلام) في مرسلة حمّاد: وليس لمن قاتل شيء من الأرضين ... فلا يدلّ على المطلوب أصلاً، بل يدلّ على أنّ الأراضي للمسلمين لا للمقاتلين.

ص: 157


1- تحف العقول: 345، ومستدرك الوسائل 7: 305، الباب 5 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام(علیه السلام)، الحديث 3، وفيه بدل «أوجف عليها»، «أو جف عليه» .

وأمّا عدم تخميسها قبل ذلك فلا دلالة فيها عليه، بل تدل على أن كلّ ما لم يحوه العسكر - سواء كان أرضاً أم غيرها - فليس للمقاتلين.

والحاصل: أنّ ما استدلّ به على القول الثاني كلّه مخدوش، كما أنّ الاستدلال على القول الأوّل بالروايات الخاصّة غير تام. وذلك:

أمّا رواية أبي بصير فهي مورد للطعن في السند كما تقدّم(1).

وأمّا صحيحة عمر بن يزيد فهي ضعيفة دلالة؛ وذلك لأنّ البحرين كلها للإمام(علیه السلام) لا خمسها كما زعم، لما ورد في موثقة سماعة من أنّها لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، فهي من الأنفال وهي للإمام(علیه السلام) وليس للناس فيها سهم(2)، فمقتضى القاعدة هو الأخذ بظاهر الآية وإطلاقات الروايات وفاقاً للمشهور، وفي الشرائع والجواهر: أنّ الإمام(علیه السلام) مخيّر بين إفراز الخمس وإعطائه لأربابه وبين إبقائه وإخراج الخمس من ارتفاعه (3)، والله العالم.

ص: 158


1- تقدّم في شرح قول الماتن «من غير فرق بين ما حواه العسكر...»
2- وسائل الشيعة: 9: 526 الباب 1 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام(علیه السلام)، الحديث 8 .
3- جواهر الكلام 21: 156 بتصرّف توضيحيّ يسير .

بعد إخراج المؤن التي أُنفقت على الغنيمة بعد تحصيلها بحفظ وحمل ورعي ونحوها منها[1] .

استثناء المؤن من خمس الغنائم:

[1] يستثنى من الغنائم أمور:

أحدها: المؤن والمصارف التي بذلت على الغنيمة بعد تحصيلها؛ من حفظ وحمل ورعي ونحو ذلك، حتّى تصل إلى الإمام(علیه السلام)، كما هو المشهور، بل في الجواهر: «لا أجد فيه خلافاً، بل عن الغنية والمنتهى الإجماع عليه» (1)، - وإن كان يظهر من بعض المتأخرين الخلاف في ذلك -.

والدليل على ذلك أمور:

الأمر الأوّل: أنّه مقتضى القاعدة، فإنّها تقتضي لزوم إخراج المؤونة المتعلّقة بالعين المشتركة؛ من حفظ وحمل ورعي ونحوها من الأموال المصروفة في سبيلها من نفس العين، إذ التخصيص ببعض دون بعض تحميل لا دليل عليه، وليس هناك مشخّص آخر يرجع إليه في دليل، فلا يبقى إلاّ الإخراج من نفس العين.

الأمر الثاني: إطلاقات الروايات التي دلّت على أنّ الخمس بعد المؤونة:

ص: 159


1- جواهر الكلام 21: 147 .

منها: صحيحة الأشعري: قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني(علیه السلام): أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصّناع؟ وكيف ذلك؟ فكتب بخطّه: الخمس بعد المؤونة (1).ومنها: صحيحة ابن أبي نصر قال: كتبت إلى أبي جعفر(علیه السلام): الخمس أخرجه قبل المؤونة أو بعد المؤونة؟ فكتب: بعد المؤونة (2).

بناء على أن يكون السؤال بنحو القضيّة الحقيقيّة لا الخارجيّة الشخصيّة كما هو الظاهر .

ومنها: ما ورد في توقيع الإمام الرضا(علیه السلام) إلى إبراهيم بن محمّد الهمداني: إنّ الخمس بعد المؤونة (3). وهذه الرواية حسنة كالصحيحة بإبراهيم بن هاشم، وطريق الصدوق إلى إبراهيم بن محمّد الهمداني معتبر، والرواية صحيحة على مبنانا.

ومنها: معتبرة علي بن مهزيار: {عليه الخمس بعد مؤونته ومؤونة

ص: 160


1- تهذيب الأحكام 4: 108، الحديث 351، ووسائل الشيعة 9: 499، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1 .
2- الكافي 1: 625، كتاب الحجّة، الباب 187، الحديث 13، ووسائل الشيعة 9: 508، الباب 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1 .
3- من لا يحضره الفقيه 2: 42، الحديث 1654، ووسائل الشيعة 9: 508، الباب 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

وبعد إخراج ما جعله الإمام(علیه السلام) من الغنيمة على فعل مصلحة من المصالح [1].

عياله، وبعد خراج السلطان}(1).

فالظاهر أنّه لا إشكال في الحكم؛ فإنّ المؤونة وإن وردت في بعض الروايات بمعنى مصارف الرجل وعياله، ولكنّها في نفسها أعم من ذلك ومن المصارف التي تبذل لتحصيل الشيء مثل مؤونة الحفظ والنقل والرعي.

نعم، يمكن أن يقال: إنّ المؤونة ظاهرة في المؤونة السابقة على الفائدة لا اللاحقة بعد التحصيل، إلاّ أن يقال: إنّ المؤن التي تصرف على الغنيمة إلى أن تصل إلى الإمام(علیه السلام) تعدّ أيضاً من المؤن السابقة على التحصيل؛ فإنّ الانتفاع إنّما يتحقق بعد وصولها إليه(علیه السلام) وتقسيمه لها على المقاتلين.

[1] الأمر الثاني من المستثنيات: ما جعله الإمام(علیه السلام) لشخص أو على فعل لمصلحة من المصالح.

وهذا ممّا لا إشكال فيه، واستدل عليه بوجهين:

الأوّل: أنّ للإمام ولاية مطلقة على ذلك فهو ولي الأمر، وأولى بالمؤمنين من أنفسهم، فإذا أعطى من الغنيمة شيئاً لشخص دخل في الهديّة وترتبت أحكامها عليه.

ص: 161


1- تهذيب الأحكام 4: 108، الحديث 353 والاستبصار 2: 74، الحديث 183، ووسائل الشيعة9: 500، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4 .

الثاني: صحيحة زرارة، قال: الإمام يجري وينفل ويعطي ما يشاء قبل أن تقع السّهام، وقد قاتل رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) بقوم لم يجعل لهم في الفيء نصيباً، وإن شاء قسّم ذلك بينهم (1).

وأصرح منها مرسلة حمّاد عن العبد الصالح(علیه السلام): ... وله أن يسدّ بذلك المال جميع ما ينوبه، من مثل إعطاء المؤلفة قلوبهم، وغير ذلك ممّا ينوبه...(2).

ولكن الظاهر أنّ ذيل الرواية الأولى من كلام زرارة، فيعتبر مرسلاً، كما أنّ الرواية الثانية مرسلة، فهذا الوجه مخدوش، كما أنّ الوجه الأوّل لا ينافي الحكم بلزوم التخميس، فالعمدة في المقام الشهرة وعدم الخلاف.

ص: 162


1- الكافي 1: 624، كتاب الحجّة، الباب 187، الحديث 9، ووسائل الشيعة 9: 523، الباب1 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام)، الحديث 2 وفيه ما شاء بدل «ما يشاء» .
2- نفس المصدر: الحديث 4 .

وبعد استثناء صفايا الغنيمة كالجارية الورقة(1) والمركب الفاره والسيف القاطع والدرع فإنّها للإمام(علیه السلام) [1].

[1] الأمر الثالث من المستثنيات: صفايا الغنيمة:

والظاهر عدم الخلاف في هذا الاستثناء، بل ادعي عليه الإجماع(2)، وتدل عليه عدّة روايات:

منها: صحيحة ربعي بن عبد الله عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: كان رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له، ثمّ يقسم ما بقي...(3).ومنها: رواية أبي بصير عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: سألته عن صفو المال؟ قال «للإمام يأخذ الجارية الروقة والمركب الفاره والسيف القاطع والدرع قبل أن تقسّم الغنيمة فهذا صفو المال» (4).

وفي سند الرواية أحمد بن هلال وهو غير ثقة، ولكن الرواية - مع ذلك -

ص: 163


1- هكذا في العروة، وفي الروايات وكتب اللغة: الروقة، انظر: تهذيب الأحكام 4: 134، الحديث 375، لسان العرب 2: 1623، مادة (روق).
2- انظر منتهى المطلب 8: 574 .
3- تهذيب الأحكام 4: 112، الحديث 364، ووسائل الشيعة 9: 510، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 3 .
4- تهذيب الأحكام 4: 118، الحديث 374، ووسائل الشيعة 9: 528، الباب 1 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام(علیه السلام)، الحديث 15، وفيه «الإمام» بدل «للإمام» .

معتبرة؛ لأنّ للشيخ طريقاً معتبراً إلى جميع كتب وروايات ابن أبي عمير(1).

ومنها: معتبرة عاصم بن حميد عن أبي بصير عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: ولنا الصفي قال: قلت له: وما الصفي؟ قال: الصفي من كلّ رقيق وإبل يبتغي أفضله(2).

والرواية معتبرة لاعتبار كتاب عاصم بن حميد .

ومنها: مرسلة حمّاد عن العبد الصالح(علیه السلام) قال: وللإمام صفو المال أن يأخذ من هذه الأموال صفوها: الجارية الفارهة، والدابة الفارهة، والثوب والمتاع بما يحب أو يشتهي، فذلك له قبل القسمة وقبل إخراج الخمس...(3).

ومنها: موثقة سماعة بن مهران قال: سألته عن الأنفال؟ فقال: كلّ أرض خربة أو شيء يكون للملوك فهو خالص للإمام وليس للناس فيها سهم...(4).

وغيرها من الروايات، فهذا الحكم لا إشكال فيه .

ص: 164


1- الفهرست: 404 / 618 .
2- مستدرك الوسائل 7: 295، الباب 1 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام(علیه السلام)، الحديث 1 .
3- الكافي 1: 619، كتاب الحجّة، الباب 187، الحديث 4، وتهذيب الأحكام 4: 112، الحديث 365، مع اختلاف يسير، ووسائل الشيعة 9: 524، الباب 1 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام(علیه السلام)، الحديث 4 .
4- تهذيب الأحكام 4: 117، الحديث 372، ووسائل الشيعة 9: 526، الباب 1 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام(علیه السلام)، الحديث 8 مع اختلاف يسير .

وكذا قطائع الملوك فإنّها أيضاً له(علیه السلام) [1] .

الأمر الرابع من المستثنيات قطائع الملوك:

[1] وهذا الأمر كسابقه، ممّا تسالم عليه الأصحاب، بل ادعي عليه الإجماع أيضاً، ودلّت عليه روايات متظافرة:

منها: صحيحة محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر(علیه السلام) يقول: «الأنفال هو النفل، وفي سورة الأنفال جدع الأنف»، قال(1): وسألته عن الأنفال؟ فقال: «كلّ أرض خربة أو شيء كان يكون للملوك، وبطون الأودية، ورؤوس الجبال، وما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب فكلّ ذلك للإمام خالصاً» (2).

ومنها: صحيحة داود بن فرقد قال: قال أبو عبد الله(علیه السلام): «قطائع الملوك كلّها للإمام وليس للنّاس فيها شيء» (3).

ص: 165


1- ورد في المقنعة: (وقال) بدل (قال) . المقنعة: 290، وإن لم توجد في بعض نسخ المقنعة كما ذكر في حاشية النسخة المعتمدة لدينا .
2- وسائل الشيعة 9: 532، باب 1 من أبواب الأنفال، الحديث 22، وفي الوافي قال: (النَّفَل) محرّكه: الغنيمة (وجدع الأنف) بالمهملة قطعه يعني في هذه السوّرة قطع أنف الجاحدين لحقوقنا وإرغامهم . راجع الوافي 10: 302 .
3- تهذيب الأحكام 4: 118، الحديث 376، ووسائل الشيعة 9: 525، باب 1 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام(علیه السلام)، الحديث 6 .

ومنها: موثقة إسحاق بن عمار قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن الأنفال؟ فقال: «هي القرى التي قد خربت وانجلى أهلها فهي لله وللرسول، وما كان للملوك فهو للإمام ... » (1).

ومنها: موثقة سماعة المتقدّمة قال: سألته عن الأنفال؟ فقال: كلّ أرض خربة أو شيء يكون للملوك فهو خالص للإمام ... (2).

وغيرها من الروايات، فالحكم واضح.

بقي أمران:

الأوّل: الرضائخ، وهي عبارة عن العطاء اليسير الّذي لا يبلغ سهم الراجل ولا الفارس، وأمرها بيد الإمام، فيعطي النساء والعبيد ونحوهما ممّن لا حقّ له في الغنيمة، والظاهر أنّ حكمها حكم الجعائل .

الثاني: السّلب، وسيأتي حكمه في المتن .

ص: 166


1- تفسير القمّي: 237، تفسير سورة الأنفال، ووسائل الشيعة 9: 531، الباب 1 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام(علیه السلام)، الحديث 20 .
2- وسائل الشيعة 526:9، الباب 1 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام(علیه السلام) ، الحديث 8 .

وأمّا إذا كان الغزو بغير إذن الإمام(علیه السلام) فإن كان في زمان الحضور وإمكان الاستئذان منه فالغنيمة للإمام(علیه السلام) [1] .

الغنائم المأخوذة بغير إذن الإمام(علیه السلام) في زمان الحضور:

[1] المشهور كما في الجواهر(1) أنّ الغنيمة للإمام(علیه السلام) إذا كانت الحرب بغير إذنه (وقوّى جماعة المساواة بين المأذون وغيره في لزوم الخمس وتقسيم الباقي، نسب إلى المنتهى والمدارك(2))، وفصّل صاحب الحدائق بين ما يغنمه المخالفون على وجه الجهاد والتكليف بالإسلام فهو للإمام(علیه السلام)، وبين ما أخذ جهراً وغلبة وغصباً فهو ليس له(3).

ويظهر منه التفصيل بين زمان الحضور فيكون للإمام(علیه السلام)، وبين زمان الغيبة فيخرج خمسه على الأحوط .

ويظهر من الماتن أيضاً التفصيل نفسه .

ويظهر من كلمات الأصحاب: أنّ هذا القول هو المتسالم عليه بينهم.

قال الشيخ في «الخلاف»: إذا دخل قوم دار الحرب وقاتلوا بغير إذن الإمام فغنموا كان ذلك للإمام خاصة، وخالف جميع الفقهاء ذلك. دليلنا: إجماع

ص: 167


1- جواهر الكلام 16: 11 .
2- نفس المصدر 11:16 - 12 .
3- الحدائق الناضرة 12: 322 .

الفرقة وأخبارهم(1).

وقال العلاّمة في المنتهى: «إذا قاتل قوم من غير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة للإمام، ذهب إليه الشيخان والسيّد المرتضى - رحمهم الله - وأتباعهم، وقال الشافعي: حكمها حكم الغنيمة مع إذن الإمام لكنّه مكروه، وقال أبو حنيفة: هي لهم، ولا خمس، ولأحمد ثلاثة أقوال كقولي الشافعي وأبي حنيفة وثالثها لا شيء لهم فيه» (2).

وقال في التذكرة: «كلّ غنيمة غنمت بغير إذن الإمام فإنّها له خاصة، لقول الصادق(علیه السلام): «إذا غزا قوم بغير إذن الإمام: فغنموا، كانت الغنيمة كلّها للإمام، وإذا غزوا بإذن الإمام فغنموا، كان للإمام الخمس» . وقال الشافعي... وذكر نحو ما تقدّم عن المنتهى» (3).

وفي «الرياض» - بعد ذكر الخبر المتقدّم - : «وهذه الرواية وإن كانت مقطوعة أي مرسلة ضعيفة، إلاّ أنّها منجبرة بالشهرة العظيمة المقطوع بها المحكيّة في التّنقيح والمسالك والرّوضة وغيرها من كتب الجماعة، بل في الأوّل أنّ عليها عمل الأصحاب، وفي الأخير أنّه لا قائل بخلافها، وعن الخلاف والحلّي دعوى الإجماع، وهو حجّة أخرى» (4).

وقد استدل على هذا القول بأمرين:

ص: 168


1- الخلاف 4: 190، المسألة 16 .
2- منتهى المطلب 8: 575، وقد ورد في بعض النسخ: (ففتحوا) بدل (فغنموا) .
3- تذكرة الفقهاء 5: 441 .
4- رياض المسائل 5: 259 .

الأوّل: الإجماع: كما تقدّم.

وفيه: أنّه بعدما ذكرنا كلام جملة من الفقهاء في الاستناد في الحكم إلى الرواية، لا يبقى مجال للاستدلال بالإجماع.

الثاني: الروايات: وهي على طائفتين:

الطائفة الأولى: الروايات الخاصة:

فمنها: ما رواه العبّاس الوراق عن رجل سمّاه عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «إذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلّها للإمام، وإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان الخمس للإمام » (1).

وهي وإن كانت واضحة الدلالة على المراد إلاّ أنّها ضعيفة بالإرسال وبأبي الحسن أحمد بن يسار أو بشار؛ فإنّه لم يوثّق، والقول: بأنّها منجبرة بعمل الأصحاب غير ثابت .

قال السيّد الاستاذ(قدس سره): لمنع الانجبار صغرىً فلم يثبت أنّ عمل مشهور قدماء الأصحاب كان مستنداً لهذه الرواية لجواز استنادهم إلى التسالم الموجود في المسألة لا إلى هذه الرواية .

وكبرىً إذ لا ينجبر ضعف السند بالشهرة، كما أنّ الدلالة أيضاً كذلك(2).

ص: 169


1- تهذيب الأحكام 4: 118، الحديث 377، ووسائل الشيعة 9: 529، باب 1 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام)، الحديث 16، مع اختلاف يسير .
2- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 13، بتصرف في العبارة .

ونقول: إنّ ما أفاده(قدس سره) من منع كبرى الانجبار بالشهرة حقّ بلا ريب، وأمّا منعه لصغرى الانجبار في المقام فهو في غير محلّه، وذلك لتصريح جمع بأنّ عمل الأصحاب كان على هذه الرواية، ففي كشف الرموز: وعليها فتوى كثير من الأصحاب، وما وقفت على مخالف.(1) وفي المقتصر من شرح المختصر: وعليها عمل الأصحاب وبه تأيّد ضعفها(2).

والحاصل: أنّ شهرة العمل متحقّقة إلاّ أنّ الكلام في انجبار ضعف سند الرواية بشهرة العمل بها، وقد أشرنا إلى منع هذه الكبرى، وعليه لا يمكن التمسّك بهذه المرسلة لإثبات الحكم المذكور .

ومنها: صحيحة معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبد الله(علیه السلام): السّريّة يبعثها الإمام فيصيبون غنائم كيف تقسّم؟ قال: «إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم، أخرج منها الخمس لله وللرسول، وقسّم بينهم أربعة أخماس، وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين، كان كلّ ما غنموا للإمام يجعله حيث أحب»(3).

ويمكن استفادة التفصيل من مفهوم القضيّة الشرطيّة وهي قوله(علیه السلام): «إن

ص: 170


1- كشف الرموز 1: 271 - 272 .
2- المقتصر من شرح المختصر: 170، وانظر المهذب البارع 1: 567، وراجع التنقيح الرائع 1: 343، حيث قال: «وهي مشهورة بين الأصحاب وعملهم عليها» .
3- الكافي 5: 39، كتاب الحجّة، الباب 18، الحديث 1، ووسائل الشيعة 9: 524، الباب 1 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام(علیه السلام)، الحديث 3، وفيه: (وقسّم بينهم ثلاثة أخماس) بدل (وقسّم بينهم أربعة أخماس).

قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام» فالشرط مركب من جزئين أحدهما القتال والآخر مع أمير أمّره الإمام، والّذي هو عبارة أخرى عن الإذن، ومفهوم الشرطيّة أنّه إذا انتفى الشرط بجزئيه أو بأحدهما، كما إذا لم يكن قتال أو كان لكن مع عدم الإذن فتكون الغنيمة للإمام(علیه السلام)، وليس للمقاتلين فيها نصيب.

ولكن أشكل على هذا المفهوم بوجهين:

أحدهما: أنّه لا مفهوم للخبر، لأنّ المفروض أنّ الإذن مفروغ عنه في الخبر لقوله: «السرية يبعثها الإمام...»، فالتفصيل حينئذٍ بين القتال وعدمه، فإذا لم يقاتلوا فكلّ ما غنموه يكون للإمام(علیه السلام) .

الثاني: - على فرض ثبوت المفهوم - فهو مختص بزمان حضور الإمام(علیه السلام)، وهو أعرف بوظيفته، ولا يجدي هذا بالنسبة إلى زمان الغيبة.

هذا، ولكن يمكن دفع كلا الإشكالين:

أمّا الأوّل: فبأن يقال: إنّه وإن ورد في صدر الرواية أنّ الإمام يبعث السريّة، إلاّ أنّ الإمام(علیه السلام) قيّد - في القضيّة الشرطيّة - القتال بكونه مع أمير أمّره الإمام(علیه السلام) . فذكر هذا القيد لابد وأن يكون له دخل في الحكم، وإلاّ لزم كونه تكراراً ولغواً ؛ فإنّه من الممكن أن يكون المقاتلون مع أنّهم مع السريّة المبعوثة من قِبل الإمام(علیه السلام) إلاّ أنّهم قاتلوا في مورد لم يكونوا مأذونين فيه، بخلاف ما إذا كان القتال بإذن الأمير المنصوب من قِبل الإمام(علیه السلام)، فإنّ قتالهم حينئذٍ لا ينفك عن إذن الإمام(علیه السلام)، ولذلك قيّد بقيد الأمير، فحينئذٍ يتحقق المفهوم وينتفي الحكم وهو وجوب الخمس وتقسيم الباقي على المقاتلين، فقوله(علیه السلام): «وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين» هو أحد

ص: 171

أفراد المفهوم، ولعلّ الاكتفاء بذكره للاهتمام به أو لوجود المحذور من ذكر الباقي .

وأمّا الثاني: فبأنّها وإن كانت واردة في زمن الحضور، إلاّ أنّ ذلك لا يوجب عدم الفائدة في زمن الغيبة؛ فإنّه بناءً على كفاية إذن الفقيه الجامع للشرائط ابتداءً أو نيابة عن الإمام، يكون حكمه حكم الإمام(علیه السلام) في لزوم إخراج الخمس وتقسيم الباقي على المقاتلين، بخلاف ما إذا كان بدون الإذن.

والحاصل: إنّه يمكن الاستدلال بالرواية على التفصيل.

ومنها: رواية الكشي عن أبي صالح خالد بن حامد (ويحتمل، بل الظاهر أنّه خلف بن حمّاد أبو صالح كما في بعض النسخ، ويروي عنه الكشي كثيراً، وهو الموجود في البحار(1) ) عن أبي سعيد الآدميّ عن بكر بن صالح عن عبد الجبار بن المبارك النهاونديّ قال: أتيت سيّدي سنة سبع ومائتين (تسع ومائتين فقلت: جعلت فداك، إنّي رويت عن آبائك(علیهم السلام): أن كلّ فتح فتح بضلال فهو للإمام(علیه السلام)، فقال(علیه السلام): نعم، قلت: جعلت فداك، فإنّه أتوا بي من بعض الفتوح التي فتحت على الضلالة، وقد تخلّصت من الذين ملكوني بسبب من الأسباب، وقد أتيتك مسترقاً مستعبداً، فقال: قد قبلت، قال: فلما حضر خروجي إلى مكّة ... فقال لي: «انصرف إلى بلادك، وأنت من حجّك وتزويجك وكسبك في حل» ... فقال: «أنت حرّ لوجه الله»... (2).

ص: 172


1- بحار الأنوار 93: 195، الحديث 20 .
2- اختيار معرفة الرجال: 610 / 1076، وقد ورد في بعض النسخ كما ذكر ذلك في الهامش (سنة تسع ومائتين)، ومستدرك الوسائل 7: 300، باب 2 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام)، الحديث 8 ولكن ورد فيها: (سنة تسع ومائتين) .

وهي صالحة للدلالة على المطلوب؛ لأنّ الظاهر من قوله: «أتوا بي من بعض الفتوح التي فتحت على الضلالة» الإشارة إلى فتوحات بني أمية أو بني العبّاس والتي لم تكن بإذن الإمام(علیه السلام)، وكلّ ما يكون من غنائم نتيجة تلك الفتوحات فهي للإمام(علیه السلام)، كما يظهر من قوله: «إنّي رويت عن آبائك(علیهم السلام): أنّ كلّ فتح فتح بضلالة فهو للإمام(علیه السلام)»، بل يعلم منه أنّ هذا الحكم كان معروفاً عند الأصحاب، كما أنّ الإمام(علیه السلام) لم ينكر عليه، بل قال: «نعم» .

وإرادة أنّ خمس ما فتح بضلالة للإمام(علیه السلام) خلاف الظاهر، خصوصاً مع تحليل الإمام(علیه السلام) جميع أمواله وإعتاقه، فإنّه لو كان المراد أنّ له(علیه السلام) خمس المال لم يكن ذلك موجباً لتحليل الجميع والإعتاق إلاّ أن يكون ذلك من باب الولاية أو غيرها.

إلاّ أنّ الإشكال في سند الرواية؛ فإنّ جميع من في السند ضعفاء غير بكر بن صالح لوجوده في أسناد تفسيرالقمي(1) وفي نوادر الحكمة(2)، فتكون الرواية صالحة للتأييد.

ومنها: رواية عبد العزيز بن نافع قال: طلبنا الإذن على أبي عبد الله(علیه السلام) وأرسلنا إليه، فأرسل إلينا: ادخلوا اثنين اثنين، فدخلت أنا ورجل معي، فقلت للرجل: أحبّ أن تحل بالمسألة، فقال: نعم، فقال له: جعلت فداك، إنّ أبي كان ممّن سباه بنو أميّة وقد علمت أنّ بني أميّة لم يكن لهم أن يحرموا

ص: 173


1- تفسير القمي: 35، سورة البقرة: الآية 6 .
2- تهذيب الأحكام 6: 253، الحديث 806، والاستبصار 4: 114، الحديث 290 .

ولا يحللوا، ولم يكن لهم ممّا في أيديهم قليل ولا كثير، وإنّما ذلك لكم، فإذا ذكرت الّذي كنت فيه دخلني من ذلك ما يكاد يفسد عليّ عقلي ما أنا فيه، فقال له: أنت في حلٍّ ممّا كان من ذلك، وكلّ من كان في مثل حالك من ورائي فهو في حلٍّ من ذلك... (1).

وهذه الرواية ضعيفة سنداً بعبد العزيز بن نافع لعدم ثبوت توثيقه، فهي مؤيدة لكونها صالحة من جهة الدلالة.

الطائفة الثانية: الروايات العامّة:

منها: صحيحة عليّ بن مهزيار المتقدّمة: « ... والغنائم والفوائد - يرحمك الله - فهي الغنيمة يغنمها المرء، والفائدة يفيدها ... ومثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله...»(2).

وهي مطلقة، تدل على أنّ الغنيمة يؤخذ خمسها للإمام(علیه السلام) ويقسّم الباقي، سواء كان الاغتنام بإذن الإمام(علیه السلام) أم بدونه.

ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله(علیه السلام): في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم فيكون معهم فيصيب غنيمة، قال: يؤدي خُمُسَهَا ويطيب له(3).

ص: 174


1- الكافي 1: 625، كتاب الحجّة، الباب 187، الحديث 15، ووسائل الشيعة 9: 551، باب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام(علیه السلام)، الحديث 18، ولكن ورد فيها: «أن تحل بالمسألة» بدل «أن تستأذن بالمسألة» .
2- وسائل الشيعة 501:9، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5 .
3- تهذيب الأحكام 4: 109، الحديث 356، ووسائل الشيعة 9: 488، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 8، وفيه «يكون في أوانهم» بدل «يكون في لوائهم» وأيضاً «يؤدّي خُمُسَنَا» بدل «خُمُسَها» .

ودلالتها كالسابقة.

ومنها: رواية عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله(علیه السلام): على كلّ امرىء غنم أو اكتسب الخمس ممّا أصاب لفاطمة ÷ ولمن يلي أمرها من بعدها من ذرّيتها الحجج على النّاس فذاك لهم خاصّة يضعونه حيث شاؤوا، وحرّم عليهم الصدقة ... (1).

وهي وإن تمّت دلالتها، إلاّ أنّها ضعيفة السند بعبد الله بن القاسم الحضرمي، إلاّ أنه يمكن القول باعتبار هذه الرواية لكون كتاب عبد الله بن سنان مشهور على ما يظهر من كلام الشيخ النجاشي(2).

أضف إلى ذلك: أنّ الراوي عن عبد الله الحضرمي هو محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، ويظهر من «الفهرست»(3) أن الشيخ (رحمه الله) يروي كتاب ابن سنان عن ابن أبي عمير، فالظاهر صحّة السند عن الطريق المذكور.

ومنها: رواية أبي بصير عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: كلّ شيء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله، فإنّ لنا خمسه، ولا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس حتّى يصل إلينا حقّنا (4).

ص: 175


1- تهذيب الأحكام 4: 107، الحديث 347، والاستبصار 2: 73، الحديث 180، مع اختلاف يسير، ووسائل الشيعة 9: 503، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 8 .
2- رجال النجاشي: 226 / 594 .
3- فهرست الطوسي: 165 / 433 .
4- الكافي 1: 625، كتاب الحجّة، الباب 187، الحديث 14، ووسائل الشيعة 9: 487، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5 .

وهي تدلّ بإطلاقها على وجوب الخمس سواء كان مع الإذن أم بدونه، وقد تقدّم الكلام في سندها(1).

إلى غير ذلك من الروايات.ويقيّد إطلاق هذه الطائفة من الروايات بالروايات الخاصّة التي دلّت على أنّ الغنيمة مع إذن الإمام(علیه السلام) تخمّس، وتقسّم بعد إخراج الخمس بين المقاتلين، ويكفي في التقييد ورفع اليد عن إطلاقات الروايات صحيح معاوية بن وهب(2) المؤيّد بسائر الروايات، وتسالم الأصحاب.

نعم، ربما يقال: إن صحيحة عليّ بن مهزيار وكذلك صحيحة الحلبي ظاهرة في عدم الفرق بين الإذن وعدمه، ولزوم إخراج الخمس والباقي بعده يكون للغانمين.

فقد جاء في الأولى: « ... ومثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله»، وجاء في الثانية: «يكون معهم فيصيب غنيمة» .

إلاّ أنّه يمكن حمل الأولى على ما إذا كانت الحرب مأذوناً فيها، أو كانت دفاعيّة أو كانت على نحو المرابطة في الثغور، لا أنّها ابتدائية حتّى تنافي الطائفة الخاصة.

أو تحمل على أنّ المراد بالعدو هو ما كان مثل النّاصب، فقد ورد جواز

ص: 176


1- ضمن شرح قول الماتن «من غير فرق بين ما حواه العسكر...»
2- تقدّم في شرح قول الماتن «وأمّا إذا كان الغزو بغير إذن الإمام ...» .

أخذ ماله وإعطاء الخمس منه، كما في صحيحة حفص عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: خذ مال النّاصب حيث ما وجدته وادفع إلينا الخمس(1).

فالمراد من قوله(علیه السلام): «عدوّ يصطلم» يباد ويستأصل(2)،

والإتيان بالمفرد يناسب هذا المعنى الّذي ذكرناه .

كما يمكن حمل الصحيحة الثانية على ما تقدّم من كون الحرب مأذوناً فيها أو كونها دفاعيّة أو على نحو المرابطة، أو تحمل على أنّ المال كلّه للإمام(علیه السلام) لعدم كون الحرب بإذنه إلاّ أنّ الإمام(علیه السلام) اكتفى بمقدار الخمس، وأذن للسائل بأخذ الباقي، كما يظهر هذا من «الجواهر» (3)، أو تحمل الغنيمة في الرواية على الفائدة وما يصيبه من المال من قِبل سلاطين الجور، والإمام(علیه السلام) حكم بإخراج الخمس منها، وقد ورد في موثّقة عمّار عن أبي عبد الله(علیه السلام) أنّه سئل عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل؟ قال: لا، إلاّ أن لا يقدر على شيء [ولا] يأكل ولا يشرب ولا يقدر على حيلة، فإن فعل فصار في يده شيء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت(4)، فبعد قابليتهما للحمل على إحدى هذه الوجوه لا تكونان منافيتين للروايات المقيِّدة.

ص: 177


1- تهذيب الأحكام 4: 107، الحديث 349، والسرائر 3: 644، ولكن ورد فيه: «حيث وجدته»، ووسائل الشيعة 9: 487، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.
2- وهو المستفاد من كتب اللغة. قال ابن منظور: والاصطلام: الاستئصال واصطُلمَ القوم: اُبيدوا، والاصطلام: إذا اُبيد قومٌ من أصلهم. لسان العرب 2: 2229، مادّة «صلم» .
3- جواهر الكلام 16: 127 .
4- تهذيب الأحكام 6: 278، الحديث 915، ووسائل الشيعة 9: 506، الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2 .

وأمّا ما ذكره السيّد الأستاذ(قدس سره) من أنّ النظر في صحيحة الحلبي ليس إلى حيثيّة الإذن، وأنّه لعل هذه الحيثيّة كانت مفروغاً عنها لما ثبت من إمضائهم(علیهم السلام) ما كان يصدر من السلاطين وحكّام الجور في عصرهم من الغزو والجهاد للكفار، وإنّما النظر في السؤال إلى أنّه ما حكم الغنيمة التي يصيبها المقاتل معهم ويستلمها ممّن لا يرى وجوب الخمس (1).

فهو بعيد من جهات:

أوّلاً: إنّ السؤال كان عن نفس الغنيمة لا استلامها من أيديهم(2).

وثانياً: إنّه لم يثبت إذنهم(علیهم السلام) لحكام الجور، بل الظاهر من عدّة روايات خلاف ذلك.

وثالثاً: إنّ العامّة وخلفاءهم يعتقدون بالخمس في الغنيمة الحربيّة.

وعلى كلٍّ، فالرواية ليست معارضة لما دلّ على التفصيل، فالظاهر أنّ قول المشهور هو الأرجح، وأنّه إذا كانت الحرب بإذن الإمام(علیه السلام) فلابّد من التخميس، وإذا كانت بدون إذنه فتكون الغنيمة كلّها للإمام(علیه السلام)، وتدخل في الأنفال ويُحكم بحكمها.

ص: 178


1- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 16، بتصرّف يسير .
2- ما ذكره الشيخ الأستاذ (حفظه الله) هنا صحيح بالنظر للرواية، إلاّ أنّه غير وارد على السيّد الخوئي(قدس سره) وذلك لأنّه صرّح بأنّ السؤال عن حكم الغنيمة لا عن استلامها من أيديهم، حيث قال: «فيسأل عن حكم الغنيمة التي يصيبها المقاتل ويستلمها ممّن لا يرى وجوب الخمس، وأنّه ما هو موقفه تجاه هذه الفريضة» .

وإن كان في زمن الغيبة فالأحوط إخراج خمسها من حيث الغنيمة خصوصاً إذا كان للدعاء إلى الإسلام، فما يأخذه السلاطين في هذه الأزمنة من الكفّار بالمقاتلة معهم من المنقول وغيره يجب فيه الخمس على الأحوط وإن كان قصدهم زيادة الملك لا الدعاء إلى الإسلام [1].

الغنائم في زمان الغيبة:[1] هل يختصّ التفصيل المتقدّم - من الفرق في الحكم بين القتال بإذن الإمام(علیه السلام) وبين القتال بدونه - بزمان الحضور أم أنّه يشمل زمان الغيبة أيضاً؟

ظاهر الأصحاب(1) - وهو الظاهر من صاحب الجواهر(2) أيضاً - عدم الفرق بين زماني الحضور والغيبة، ويظهر من بعض المتأخرين كالسيّد الأستاذ(قدس سره)(3) الفرق بينهما، وأن كلّ ما يؤخذ في زمان الغيبة يحسب من الغنيمة، ولابد من إخراج خمسه.

وأمّا السيّد الماتن(قدس سره) فقد احتاط في إخراج الخمس منها حال الغيبة.

أمّا مستند القول الأوّل: فهو - بعد الإجماع - إطلاق الأدلة الدالة على

ص: 179


1- جواهر الكلام ج 16: 125 .
2- نفس المصدر .
3- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 17 .

اشتراط إذن الإمام(علیه السلام)، كرواية الورّاق وصحيحة معاوية بن وهب(1)، فإنّه لم يفرّق فيهما بين زمان الحضور وبين زمان الغيبة، فإن قلنا بأنّ إذن الإمام(علیه السلام) معتبر بخصوصه في الحروب الابتدائيّة، فمع عدم الإذن مطلقاً - سواء كان مع التمكّن من الاستئذان أو عدمه - يكون كلّ ما يغنم للإمام(علیه السلام).

وأمّا إذا قلنا بأنّ إذن الفقيه يكفي في ذلك، وأنّه قائم مقام الإمام(علیه السلام)، فمع إذنه يخمّس المال ويحكم بحكم الغنيمة، بخلاف ما إذا كان بغير إذنه، وكذلك إذا قلنا بعدم اشتراط الإذن أصلاً فأيضاً يحسب غنيمة ويخرج الخمس.

وأمّا مستند القول الثاني: فهو - كما ذكر السيّد الاستاذ(قدس سره) (2) - التمسّك بإطلاق الغنيمة في الآية المباركة الشامل لزمان الحضور والغيبة، وبإطلاق سائر الروايات، مع عدم ما يصلح للتقييد .

إذ هو إمّا الإجماع وهو دليل لبّي يقتصر على المقدار المتيقن منه، وهو فرض الحضور والتمكّن من الاستئذان.

أو مرسلة الورّاق المتقدّمة، وهي بعد تسليم إطلاقها وشمولها لزماني الحضور والغيبة غير قابلة للاستناد لضعفها بالإرسال غير المنجبر بعمل المشهور عندنا .

أو صحيحة معاوية بن وهب - وهي العمدة - والتقييد فيها بالإذن كان

ص: 180


1- تقدّم تخريجهما في شرح قول الماتن «وأمّا إذا كان الغزو بغير إذن الإمام ...».
2- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 17 .

لأجل عدم اللّغوية، ويكفي في الخروج عنها كون القيد دخيلاً في الحكم بالتخميس.

وأمّا ما زاد على ذلك من أنّ هذا الدخل هل هو على سبيل الإطلاق أو في خصوص زمان الحضور والتمكّن من الاستئذان؟ فلا دلالة فيها عليه، بل يمكن القول بأنّها ظاهرة في الاختصاص بزمان الحضور كما هو مقتضى فرض بعث السريّة من قِبل الإمام وتصدّيه(علیه السلام) لتأمير الأمير.

وعلى هذا فإطلاقات الغنيمة في الكتاب والسنّة القاضية بلزوم التخميس في كلّ غنيمة سواء أكان القتال في زمن الحضور أم في زمن الغيبة محكّمة. من غير فرق بين ما إذا كان القتال للدعاء إلى الإسلام أم لغيره بمقتضى الإطلاق(1).

وما ذكره(قدس سره) وإن كان تامّاً من جهة الإطلاق في الآية والروايات، إلاّ أنّ ما ذكره من عدم تماميّة ما يصلح للتقييد محل نقاش، وذلك:

أمّا ما ذكره في الإجماع من أنّه دليل لبّي ولابد من الاقتصار فيه على القدر المتيقّن وهو زمان الحضور وإمكان الاستئذان، ففيه: أنّ ظاهر نظر المجمعين والناقلين له ليس مقصوراً على زمان الحضور؛ فإنّ طرح الشيخ(قدس سره) المسألة في الخلاف(2)، وذكره للأقوال المختلفة فيها لأنّها شاملة لزمان الحضور وزمان الغيبة، وإلاّ لو كانت مختصّة بزمان الحضور وإمكان الاستئذان لما كان لطرح المسألة فائدة، فلابد من القول بالشمول لزماني الحضور والغيبة.

ص: 181


1- أُنظر المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 16 - 17 .
2- الخلاف 4: 183، المسألة 3 .

هذا على فرض تماميّة الاستدلال بالإجماع، وغضّ النظر عن المناقشة فيه.

وأمّا ما ذكره بالنسبة إلى صحيحة معاوية بن وهب فقد تقدّم(1) أنّ التقييد فيها من جهة مفهوم الشرط، وهو غير مقيّد بزمان الحضور، والتمكّن وعدمه - كسائر الأحكام الكليّة الصادرة عن الأئمّة(علیهم السلام) - وإن كان موردهما هو زمان الحضور إلاّ أنّهما لايختصان به، وإطلاق الخاص والمقيّد يكون مقدماً دائماً على إطلاق العام والمطلق، ومقتضى ذلك عدم الفرق في الغنائم التي تحصل بدون إذن الإمام(علیه السلام) أو من ينوب عنه بين زمن الحضور مع التمكّن من الاستئذان وعدمه وبين زمن الغيبة بدون إذن الفقيه - بناءً على اعتبار إذنه - فهي للإمام(علیه السلام) وحكمها حكم الأنفال، وإن كان الاحتياط فيها - وهو التخميس من حيث الغنيمة - واضحاً .

ص: 182


1- في شرح قول الماتن «وأمّا إذا كان الغزو بغير إذن الإمام ...».

ومن الغنائم التي يجب فيها الخمس: الفداء الّذي يؤخذ من أهل الحرب، بل الجزية المبذولة لتلك السريّة بخلاف سائر أفراد الجزية.

ومنها أيضاً: ما صولحوا عليه، وكذا ما يؤخذ منهم عند الدفاع معهم إذا هجموا على المسلمين في أمكنتهم، ولو في زمن الغيبة، فيجب إخراج الخمس من جميع ذلك قليلاً كان أو كثيراً من غير ملاحظة خروج مؤونة السّنة على ما يأتي في أرباح المكاسب وسائر الفوائد [1] .

احكام سائر أموال الكفّار:

[1] وهي ثمانية:

الأوّل والثاني: الفداء وما صولحوا عليه، وهما على قسمين:

أحدهما: ما يؤخذ بعد الحرب وغلبة المسلمين، وهذا داخل في الغنائم بلا إشكال ويترتب عليه حكمها.

وثانيهما: ما يؤخذ قبل الحرب والقتال ولم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فالظاهر أنّه داخل في الأنفال ويكون من مختصات الإمام(علیه السلام)، وإن كان الاحتياط في إخراج خمسها قبل التصرّف فيها.

الثالث: الجزية، وحكمها حكم الفداء إذا بذلها المشركون للسريّة

ص: 183

مسألة 1: إذا غار المسلمون على الكفّار فأخذوا أموالهم فالأحوط بل الأقوى إخراج خمسها، من حيث كونها غنيمة ولو في زمن الغيبة، فلا يلاحظ فيها مؤونة السنة [1] .

والعسكر، وأمّا إذا بذلوها للوالي - كما هو المتعارف في أخذها من أهل الذمّة - فلا تدخل في الغنيمة، بل تدخل في بيت المال.

الرابع: ما يؤخذ منهم عند الدفاع، والظاهر أنّ حكمه حكم الغنائم؛ لأنّه مشروع ومجاز من قِبل الشارع المقدّس، فهو مأذون فيه بإذن عام، وفيه كفاية عن الإذن الخاص من الإمام(علیه السلام) ؛ إذ لا موضوعيّة للإذن الخاص، مع أنّه يمكن دعوى إذن الإمام الخاص قطعاً ؛ فإنّ الإمام(علیه السلام) لا يرضى بترك الدفاع عن النّفس أو الغير من المؤمنين، وعليه يترتّب عليها أحكام الغنيمة بلا حاجة إلى الاستدلال بإطلاقات الأدلة.

الخامس: ما يؤخذ عند المرابطة، فهذا كسابقه بحكم الغنائم فيخمّس ويقسّم الباقي بين المرابطين، والوجه فيه هو الوجه في القسم الرابع بلا فرق.

السادس: ما يؤخذ بإغارة المسلمين على الكفّار:

[1] إنّ الإغارة على الكفار بلا اتّصاف بعنوان الجهاد ابتداءً أو دفاعاً، بل ولو لمجرد كسب المال، لمّا كان يصدق عليها الغزو بدون إذن الإمام(علیه السلام) فإنّها تدخل في المسألة السابقة. فمن قال: باعتبار الإذن، وأنّ ما يقع بدون الإذن يكون الحاصل منه للإمام(علیه السلام) - كما قوّيناه - فيكون المال المأخوذ من الأنفال.

ص: 184

وكذا إذا أخذوا بالسرقة والغِيلة [1] .

ومَنْ لم يعتبر الإذن فلابد أن يحكم بلزوم إخراج الخمس ثمّ أخذ الباقي لصدق عنوان الغنيمة عليه.

ومن ذهب إلى التفصيل بين زمان الحضور وزمان الغيبة فعليه الحكم بالتفصيل المذكور فيما سبق، وإن كان الاحتياط واضحاً في المقام.

والظاهر أنّ المستند في القول الثاني هو المستند لحكم الماتن(قدس سره) هنا، ومن المحتمل أن يكون المستند له ما ورد في النّاصب من قوله(علیه السلام): خذ مال النّاصب حيثما وجدته وادفع إلينا الخمس(1).

فإنّه يدلّ - بعد إلغاء الخصوصيّة - على وجوب إخراج الخمس ممّا يؤخذ من الكافر الحربي قهراً ثمّ يأخذ الباقي، فالمقام داخل في القسم فيعامل معاملة الغنيمة.

ولكن يبعّد هذا الاحتمال: أنّه(قدس سره) احتاط في النّاصب نفسه بإخراج الخمس مطلقاً، وجعله هنا أقوى، فيُعلم أنّ مستنده ليس حكم النّاصب.

السابع: ما يؤخذ منهم بالسرقة والغيلة:

[1] هذا النوع من الأموال وقع الخلاف فيه من حيث إنّه: هل يحسب من الغنائم بالمعنى الأخص فيجب خمسه ابتداءً وبمجرد حصوله أو أنّه من

ص: 185


1- وسائل الشيعة: 9: 487، باب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6 .

الغنائم بالمعنى الأعم الشامل لمطلق الفائدة فيجب إخراج خمسه بعد مؤونة السنة.

اختار جماعة كالشهيد الثاني(1) وصاحب «الجواهر»(2) والماتن الأوّل.

والظاهر من «الدروس»(3) وجماعة(4) منهم السيّد الأستاذ(قدس سره) الثاني.

واستدل على الأوّل - كما في «الجواهر» (5) - :

أوّلاً: بالأصل، والظاهر أنّ مراده به: إطلاق الآية والروايات الدالة على أنّ المغنم يجب فيه الخمس مطلقاً سواء كان بالقتال أم لا. بعد صدق الغنيمة عليه.

ويحتمل أن يريد بالأصل الأصل العملي، وهي أصالة الاشتغال؛ فإنّ مقتضى الأدلة هو تعلّق الخمس بالفوائد مطلقاً، وأنّ جزءً من خمسة أجزاء المال يكون ملكاً لأرباب الخمس، إنّما يؤخّر إخراجه بعد مؤونة السنة بالنسبة إلى بعض الموارد كالمكاسب والصناعات إرفاقاً بالمالك.

وأمّا فيما لم يقم دليل على ذلك كالغنائم والمعادن والكنوز وغيرها فأصالة الاشتغال حاكمة بعدم جواز التصرّف فيها إلاّ بعد إخراج الخمس

ص: 186


1- مسالك الأفهام 13: 230 .
2- جواهر الكلام 16: 10 .
3- الدروس الشرعية 1: 258 .
4- مستمسك العروة الوثقى 9: 450، والمستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 20 .
5- جواهر الكلام 16: 10 .

منها، فالمقام داخل في هذا الأصل.

وثانياً: بما رواه حكيم مؤذن [ا] بن عيسى عن أبي عبد الله(علیه السلام) في قول الله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ}(1) قال: «هي والله الإفادة يوماً بيوم إلاّ أنّ أبي جعل شيعته(2) في حلٍّ ليزْكوا»(3).

فهذه الرواية أيضاً تدلّ على أنّ الغنيمة هي الفائدة، ولا يعتبر فيها القتال فيكون المقام مشمولاً وداخلاً فيها فيجب تخميسه.

وثالثاً: بمرسلة أحمد بن محمّد قال: حدثنا بعض أصحابنا رفع الحديث قال: الخمس من خمسة أشياء من الكنوز والمعادن والغوص والمغنم الّذي يقاتل عليه ...(4).

ورابعاً: بالتمسك بفحوى ما ورد في ثبوت الخمس في مال النّاصب المأخوذ منه غيلة - كما يظهر من ذيل كلامه(قدس سره) - فإنّ المستظهر عرفاً أنّه بملاك كفره وعدائه العقائدي.

وخامساً: بما ورد في صحيحة عليّ بن مهزيار: «والغنائم والفوائد

ص: 187


1- سورة الأنفال: 41 .
2- في تهذيب الأحكام ووسائل الشيعة: (شيعتنا) .
3- الكافي 1: 624، كتاب الحجّة، الباب 187، الحديث 10 وورد مع اختلاف يسير في تهذيب الأحكام 4: 106، الحديث 343 .وفيه «حكيم مؤذن بني عبس»، ووسائل الشيعة 9: 546، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام)، الحديث 8، وفيه: «حكيم مؤذن بني عيس» .
4- تهذيب الأحكام 4: 111، الحديث 363، ووسائل الشيعة 9: 489، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 11 .

يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء والفائدة يفيدها، والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر عظيم ... ومثل عدوّ يصطلم فيؤخذ ماله...»(1).

فإنّ من الظاهر أنّه العدو في العقيدة المساوق للكافر، لا أنّه العدو الشخصي؛ فإنّ العدو الشخصي لا يجوز أخذ ماله، وقد حكم(علیه السلام) بوجوب إخراج الخمس من ماله المأخوذ منه، وأنّه داخل في الغنيمة والفائدة التي يجب فيها الخمس، ولا يعتبر فيها إخراج المؤونة، خصوصاً بقرينة ما يأتي بعده من قوله(علیه السلام): «فأمّا الّذي أوجب من الغلاّت والضياع في كلّ عام فهو نصف السدس ممّن كانت ضيعته تقوم بمؤونته...» (2).

ولكن أشكل السيّد الأستاذ على هذه الوجوه جميعها، وبيان ذلك بتوضيح منّا:

أمّا على الأصل: - وهو إطلاق الآية الشريفة والروايات - فبأنّ الظاهر من الآية وسائر الروايات أنّ المراد بالمغنم هو الناتج عن القتال والمتحصّل من الغلبة بالمقاتلة كما صرّح بذلك في رواية أبي بصير(3) ومرفوعة أحمد

ص: 188


1- تهذيب الأحكام 4: 124، الحديث 397، والاستبصار 2: 80، الحديث 198 مع اختلاف يسير، ووسائل الشيعة: 9: 501، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5 .
2- نفس المصدر.
3- وسائل الشيعة 487:9، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5 .

بن محمّد(1)، ففي الأولى: «كلّ شيء قوتل عليه»، وفي الثانية: «المغنم الّذي يقاتل عليه»، لا أنّ المراد منه مطلق السيطرة على المال كيفما كان ولو بالسرقة والخديعة.

وإذا قلنا بأنّ معناه مطلق الفائدة فهي الفائدة الخاصّة المذكورة في سائر الروايات وهي خمسة أمور لا مطلقاً.

وعلى فرض الشك فلابدّ من الأخذ بالقدر المتيقن، والرجوع إلى إطلاقات ما دلّ على أنّ الخمس بعد المؤونة.

فالحاصل: أنّ مقتضى هذه الإطلاقات هو عدم لزوم إخراج الخمس إلاّ بعد مؤونة السنة، ومن ذلك يظهر أنّه لا تصل النوبة إلى الأصل العملي.

وأمّا الروايتان: وهما رواية حكيم ومرفوعة أحمد بن محمّد فهما ضعيفتان سنداً ودلالة.

وأمّا الروايات الواردة في النّاصب فالحكم فيها مختصّ بمورده، والقول بالأولويّة أو تنقيح المناط ممنوع كما اعترف به في الجواهر أيضاً، حيث قال(قدس سره): «إذ هو مبني على إرادة الحربي من النّاصب، بمعنى النّاصب للحرب، ولا شاهد له بناء على معروفيّة غير ذلك منه، أو على الأولوية أو المساواة منه، وقد يمنعان بعد تسليم ذلك في النّاصب وأنّه كالحربيين فيه»(2).

وأمّا صحيحة عليّ بن مهزيار فالأمر بالعكس؛ وذلك أنّ قوله(علیه السلام): «ومثل

ص: 189


1- وسائل الشيعة 489:9، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 11 .
2- جواهر الكلام 16: 12 .

نعم، لو أخذوا منهم بالربا أو بالدعوى الباطلة فالأقوى إلحاقه بالفوائد المكتسبة، فيعتبر فيه الزيادة عن مؤونة السنة، وإن كان الأحوط إخراج خمسه مطلقاً[1].

عدوّ يصطلم فيؤخذ ماله» يعضّد ما ذكرناه سابقاً؛ حيث إنّ الإمام(علیه السلام) جعل ما يؤخذ من العدو مصداقاً لمطلق الفائدة، أي الغنيمة بالمعنى الأعم، وأنّها ممّا يجب على المكلفين في كلّ عام، فليس هو داخلاً في الغنيمة بالمعنى الخاص التي يجب تخميسها حين حصولها.

والظاهر أنّ ما ذكره(قدس سره) من المناقشات له وجه، فالقول الثاني هو الأقوى، وإن كان الاحتياط في محله .

الثامن: ما يؤخذ منهم بالمعاملة الربويّة والدعوى الباطلة.

[1] أما ما يؤخذ بالدعوى الباطلة فالظاهر: أنّ حكمه حكم المأخوذ بالسرقة والغيلة؛ فإنّه نوع من الغلبة أيضاً، ولا يحسب من المكاسب ولا يدخل فيها، ويأتي فيه الخلاف المتقدّم .وأمّا ما يؤخذ بالمعاملة الربويّة فحيث إنّه يحسب من المكاسب يجري عليه حكم الأرباح والفوائد. فإن قلنا: بجواز الربا معهم - كما هو المشهور- كانت هذه المعاملة كالمعاملة الصحيحة التي تعدّ فوائدها من أرباح المكاسب والغنائم بالمعنى الأعم، فيخرج الخمس منها بعد المؤونة.

وأمّا لو قلنا بعدم جواز الربا حتّى مع الكفّار، كما ذهب إليه جماعة منهم

ص: 190

مسألة2: يجوز أخذ مال النُصَّاب أينما وُجِد، لكنّ الأحوط إخراج خمسه مطلقاً[1].

السيّد الأستاذ(قدس سره) (1)، فحكمه تكليفاً هي الحرمة عملاً بإطلاق قوله تعالى: {وَحَرَّمَ الرّبا} (2) السليم عمّا يصلح للتقييد، لأنّ الرواية المقيّدة المتضمّنة لجواز الربا مع الكافر ضعيفة السند، فلا يمكن رفع اليد عن إطلاق الآية الشريفة برواية ضعيفة، فهذه المعاملة لا يجوز ارتكابها.

ولكن بعد أخذ المال فالحكم الوضعي هو جواز التملّك وعدم وجوب ردّه إليهم، إمّا من جهة الاستنقاذ من أموالهم إذا كانوا حربيين وإمّا من جهة قاعدة الإلزام إذا كانوا ذميين، حيث إنّهم يجيزون هذا النوع من المعاملات فيؤخذون بما التزموا به على أنفسهم، فعلى كلّ تقدير لا يخرج ما يؤخذ عن هذا الطريق عن التكسّب، ولذلك يحكم بحكمه ويكون من الغنائم بالمعنى الأعم، والظاهر عدم الخلاف في حكم المسألة.

حكم مال الناصب:

[1] نسب إلى المشهور جواز أخذ ماله - كما في المستمسك(3)، بل نسبه

ص: 191


1- المستند في شرح العروة الوثقى، الخمس: 21 .
2- سورة البقرة: 275 .
3- مستمسك العروة الوثقى: 9: 451 .

في الحدائق إلى الطائفة المحقة سلفاً وخلفاً (1) فحينئذٍ يجب إخراج الخمس منه إما ابتداءً أو بعد المؤونة.

وفي مقابله القول بعدم جواز أخذ مال النّاصب كما لا يجوز أخذ مال المرتد وإن كان بحكم الكافر ويحكم بنجاسته. واختاره السيّد البروجردي(قدس سره)(2).

ففي المقام قولان:

الأوّل: الجواز، استدلّ له بعدّة روايات:

منها: صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «خذ مال النّاصب حيث ما وجدته وادفع (وابعث) إلينا الخمس»(3).

ومنها: صحيحة المعلّى بن خنيس قال: قال أبو عبد الله(علیه السلام): «خذ مال النّاصب حيث ما وجدته، وابعث إلينا بالخمس» (4) .

ومنها: رواية إسحاق بن عمّار قال: قال أبو عبد الله(علیه السلام): «مال النّاصب وكلّ شيء يملكه حلال لك، إلاّ امرأته؛ فإنّ نكاح أهل الشرك جائز؛

ص: 192


1- الحدائق الناضرة 12: 324 .
2- زبدة المقال في خمس الرسول والآل 13: 15 .
3- وسائل الشيعة 487:9، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6 .
4- تهذيب الأحكام 4: 108، الحديث 350، وذكرها الشيخ بسند صحيح آخر: عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم عن فضالة عن سيف عن أبي بكر عن المعلّى بن خنيس، تهذيب الأحكام 6: 337، الحديث 1153، مع اختلاف يسير، والسرائر 3: 606 و 607، مع اختلاف يسير في الأخير، ووسائل الشيعة 9: 488، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6، والمصدر نفسه 17: 298، الباب 95 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1 مع اختلاف يسير فيهما .

وذلك أنّ رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) قال: لا تسبّوا أهل الشرك فإن لكلّ قوم نكاحاً، ولولا أنّا نخاف عليكم أن يُقتل رجل منكم برجل منهم، والرجل منكم خير من ألف رجل منهم، ومائة ألف منهم لأمرناكم بالقتل لهم، ولكن ذلك إلى الإمام»(1).

وهي واضحة الدلالة، إلاّ أنّ في سندها إرسالاً، فتكون مؤيّدة للصحيحتين المتقدّمتين.

الثاني: عدم الجواز، لضعف ما أقيم على القول الأوّل، فقد أجاب السيّد البروجردي(قدس سره)(2) عن ذلك:

أوّلاّ: بأنّ المشهور أعرضوا عن العمل بظاهر الروايتين ولم يقولوا بحلّية مال كلّ ناصبي أينما وجد ولاسيّما مع تعميم النّاصب لكلّ من اعتقد بغير الحقّ وأنّ الخلافة بعد النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) لغير أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(علیه السلام)، ولأجل ذلك حملهما الحلّي في المستطرفات على ناصب الحرب للمسلمين(3).

وثانياً: إمكان منع دلالتهما على ذلك باحتمال أن يكون المراد حلّية أخذ مال النّاصب لخصوص المخاطب، أو أن يكون المراد من النّاصب شخصاً معيّناً من جهة كون اللام للعهد أو إرادة الخصوصيّة في كليهما، ولذلك

ص: 193


1- تهذيب الأحكام 6: 337، الحديث 1154، ووسائل الشيعة 15: 80، الباب 26 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، الحديث 2، وليس فيه «لك» بعد كلمة «حلال»، والمصدر نفسه 17: 299، الباب 95 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2 .
2- أُنظر زبدة المقال: 14.- 15 .
3- راجع السرائر 3: 644 .

تكون دلالتهما على حلّية مال كلّ ناصب منتحلٍ للإسلام ومنكر لضروري الدين - وهو حبّ أهل البيت(علیهم السلام) - الثابت بقوله تعالى: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}(1) قاصرة.

وهذا بمجرده لا يوجب إباحة أمواله كما في المرتدّ، فلابد من الأخذ بإطلاقات ما دلّ على مصونيّة واحترام من انتحل الإسلام.

ثم إنّه(قدس سره) ذكر حملاً آخر وذكر إشكالاً.

أمّا الحمل: فهو احتمال أن يكون المراد بأخذ مال النّاصب في الروايتين: أخذ مال الحكّام الغاصبين للخلافة من أهل البيت(علیهم السلام)، وهو مال مختلط بالحرام، ويكون دفع الخمس بهذا الاعتبار، كما ورد في معتبرة عمّار عن أبي عبد الله(علیه السلام) إنه سئل عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل؟ قال: «لا، إلاّ أن لا يقدر على شيء، ولا يأكل ولا يشرب ولا يقدر على حيلة، فإن فعل فصار في يده شيء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت» (2).

وأمّا الإشكال: فهو أنّه على فرض قدح إعراض المشهور عنهما، وتماميّة دلالتهما إلاّ أنّهما معارضتان بروايات أخر تدل على حرمة أموال الخارجين على أمير المؤمنين(علیه السلام)، والنّاصبين له الحرب في الجمل وصفّين والنهروان، وهي بمجموعها ربما تكون متواترة، وفيها المعتبرة كمعتبرة مسعدة بن زياد

ص: 194


1- سورة الشورى: 23 .
2- تهذيب الأحكام 6: 287، الحديث 915، ووسائل الشيعة 9: 506، الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2، ونفس المصدر 17: 202، الباب 48 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 3 مع اختلاف يسير .

عن جعفر بن محمّد عن أبيه (علیهما السلام) عن مروان بن الحكم قال: « لما هزمنا عليّ(علیه السلام) بالبصرة ردّ على النّاس أموالهم، من أقام بيّنة أعطاه، ومن لم يقم بيّنة حلّفه، قال: فقال له قائل: يا أمير المؤمنين أقسم الفيء بيننا والسبي ...» (1).

وبعد التعارض إمّا أن يجمع بينهما بأنّ هدر أموالهم إنّما هو للإمام وولي الأمر خاصة. لا لكلّ أحد، وإمّا أن يحكم بسقوط الروايتين إذا لم يصح الجمع المذكور، إذ المعارض لهما قطعي السند - ولو إجمالاً - . وإما أن يحكم بالتعارض والتساقط ثمّ الرجوع إلى عمومات حرمة المال بانتحال الإسلام.

ثمّ إنّ تفسير النّاصب بناصب الحرب على المسلمين هو المذكور في السرائر فإنّه بعد أن ذكر روايتي حفص والمعلَّى قال: «النّاصب المعنيّ في هذين الخبرين، أهل الحرب؛ لأنّهم ينصبون الحرب للمسلمين، وإلاّ فلا يجوز أخذ مال مسلم، ولا ذمّي على وجه من الوجوه» (2).

وقد أجاب عنه في الحدائق:

أوّلاً: بأنّ إطلاق النّاصب على أهل الحرب خلاف المعروف لغة وعرفاً وشرعاً.

ص: 195


1- علل الشرائع 2: 603، الباب 385، الحديث 69، ورواها الشيخ بسنده عن محمّد بن أحمد بن يحيى عن أبي جعفر عن أبيه عن وهب عن حفص عن أبيه عن جدّه عن مروان بن الحكم (لعنه الله) قال: ... الحديث . تهذيب الأحكام 6: 132، الحديث 273، ووسائل الشيعة 15: 78، الباب 25 من أبواب جهاد العدو، الحديث 5 .
2- السرائر2: 18 .

وثانياً: بأنّ إطلاق المسلم على النّاصب وأنّه لا يجوز أخذ ماله من حيث الإسلام خلاف ما عليه الطائفة المحقّة سلفاً وخلفاً من الحكم بكفر النّاصب ونجاسته وجواز أخذ ماله، بل قتله. وإنّما الخلاف بينهم في مطلق المخالف هل يحكم بإسلامه أم بكفره؟ وهو نفسه ممّن اختار القول بالكفر(1).

وقد يظهر من الشيخ الأنصاري(قدس سره) تأييد السرائر حيث قال: «ويظهر من الحدائق: اتفاق الطائفة المحقّة على الحكم بجواز أخذ مال النّاصب، وهو بعيد.

والظاهر من شرحي المفاتيح والإرشاد - للمحققين البهبهاني والأردبيلي - : الاتفاق على الخلاف فيما ادّعاه.

وأوّل الحلي خبر الجواز بالنّاصب للحرب للمسلمين، لا ناصب العداوة للشيعة، ولعله لعدم الخروج بها عن الأصول والعمومات. وهو حسن» (2).

إلاّ أنّ هذه الوجوه كلّها قابلة للمناقشة:

أمّا دعوى الشهرة أو الاتفاق فهي غير ثابتة، وذلك لأنّ الّذي يظهر من جماعة من الأعلام خلاف ذلك، فقد قال الفاضل النراقي(قدس سره) في المستند: «مثل مال أهل الحرب: مال النّاصب والخارجي وسائر من يحل ماله ممّن انتحل الإسلام، فيجب إخراج خمسه، لصحيحة حفص ورواية المعلّى المتقدّمتين» (3).

ص: 196


1- الحدائق الناضرة: 12: 323 .
2- كتاب الخمس: 23 .
3- مستند الشيعة 10: 16 .

وجعل في مناهج المتقين القول به أظهر(1)، وهو الظاهر من الماتن(قدس سره)، ويمكن استظهار ذلك من الشيخ(قدس سره) أيضاً حيث ذكر الصحيحتين في التهذيب(2) ولم يؤولهما بشيء.

فعلى هذا تكون دعوى الاتفاق غير ثابتة.

وأمّا عدم تعرّض القدماء للمسألة فلا يدل على الإعراض، ولعلّه كان من جهة التقيّة أو غيرها. بل يمكن تحصيل الشهرة على ذلك بما ورد في أنّ سابّ أمير المؤمنين أو أحد الأئمّة أو الصديقة الطاهرة(علیهم السلام) يقتل ويباح دمه - كما ذكرناه مفصلاً في مبحث التقيّة في الجهاد(3) - فإن النّصب وإن كان أعم، ولكنّه لا ينفك بحسب العادة عن السّب والشتم فلا يكون دمه محترماً فضلاً عن ماله، حتّى ورد في بعض الروايات النهي عن التصدّق عليه كما في صحيحة عمر بن يزيد، قال: سألته عن الصدقة على النّصاب وعلى الزيديّة؟ فقال: لا تصدّق عليهم بشيء ولا تسقهم من الماء إن استطعت...(4).

بل ورد أنّه لا يغاث إذا استغاث، كما في أصل زيد النرسي عن أبي عبد الله(علیه السلام): ... فأمّا النّاصب فلا يرقّن قلبك عليه، ولا تطعمه ولا تسقه، وإن مات جوعاً أو عطشاً، ولا تغثه وإن كان غرقاً أو حرقاً فاستغاث فغطّه

ص: 197


1- مناهج المتقين في فقه أئمة الحقّ واليقين: 119 .
2- تهذيب الأحكام 4: 107 - 108، الحديث 349 و 350 .
3- التقيّة في فقه أهل البيت(علیهم السلام) 2: 97 - 108 .
4- تهذيب الأحكام 4: 49، الحديث 141، ووسائل الشيعة 9: 222، الباب 5 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 5 .

ولا تُغثه ...(1)، وغيرهما من الروايات التي يستفاد منها أنّه في الجواز كالكافر الحربي، فدعوى الشهرة فضلاً عن عدم الخلاف على عدم الحكم مشكل.

وأمّا الحمل الأوّل: فلما ذكره المحدّث البحراني من أنّه خلاف اللغة والعرف والشرع، خصوصاً مع قوله(علیه السلام): «حيثما وجدته» .

وأمّا الحمل الثاني: فلأنّ تخصيص الحكم بالمخاطب مع إذنٍ خاص له من باب الولاية خلاف ما هو المتعارف منهم(علیهم السلام) من بيان الأحكام الشرعية على نحوٍ كلي، مع أنّ السؤال لم يكن عن ناصبي مخصوص ومعيّن، بل كان السؤال عن مطلق مال النّاصب.

وأمّا الحمل الثالث: فلأن حمل النّاصب على الحكّام وسلاطين الجور بعيد غايته، فإنّه ليس كلّ المال الّذي بأيديهم ملكاً لهم، بل فيه ما هو تابع لبيت المال. فلا يراد من إطلاق النّاصب، خصوصاً مع قوله(علیه السلام): «حيثما وجدته» الّذي لا يستثني من أموال النّاصب شيئاً.

والحاصل: أنّ هذه الوجوه من الحمل بعيدة عن الصحيحتين، وهي ارتكاب لخلاف الظاهر بلا دليل.

وأمّا الإشكال الأخير: وهو أنّه على فرض تماميّة دلالتهما يقع التعارض بينهما وبين ما ورد من فعل أمير المؤمنين(علیه السلام) بالخوارج والنّاصبين له الحرب في الجمل وصفين، فإنّه(علیه السلام) قد أرجع أموالهم إليهم، فلعلّه كان من جهة الرحمة لهم والمنّة عليهم، كما يظهر من ذيل الرواية من أنّه(علیه السلام) عمل فيهم

ص: 198


1- مستدرك وسائل الشيعة 7: 197، الباب 19 من أبواب الصدقة، الحديث 1 .

بما سار عليه النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) في مشركي قريش.

وكذلك يظهر من بعض الروايات أنّه(علیه السلام) لم يقطع عنهم حصتهم من بيت المال، مع أنّه ليس لهم حقّ فيه لبغيهم وخروجهم على إمام زمانهم(1).

والحاصل: أنّه لا يثبت التعارض بين الطائفتين حتّى يقال بتقديم إحداهما أو التساقط والرجوع إلى العمومات والإطلاقات.

والظاهر أنّ مقتضى القاعدة هو العمل بظاهر الصحيحتين، وهو الجواز ووجوب إخراج الخمس. وربّما يؤيّده صحيحة ابن مهزيار ففيها: «... ومثل عدوّ يصطلم فيؤخذ ماله»(2) بناءً على أنّ الاصطلام ليس قيداً في الموضوع، بل هو تمهيد لأخذ المال، وإن كان الاحتياط هو عدم الإقدام على ذلك إلاّ بإذن الإمام(علیه السلام) أو نائبه، كما تقدّم بحثه في كتاب التقيّة(3).

ثمّ إنّه بناء على القول بجواز أخذ مال النّاصب، لا إشكال في وجوب تخميسه، إلاّ أن الكلام في أنّه من الغنيمة فيخمّس ابتداءً وبمجرد حصوله؟ أو أنّه محسوب من الفوائد فيخمّس بعد المؤونة؟

الظاهر من الصحيحتين المتقدمتين هو الأوّل؛ فإنّ قوله(علیه السلام): «خذ مال النّاصب حيث ما وجدته وادفع إلينا الخمس»(4)، أو «... وابعث إلينا

ص: 199


1- مستدرك الوسائل 11: 65، الباب 24 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، الحديث 9 .
2- تقدم تخريجه في شرح قول الماتن «الأول الغنائم المأخوذة . . .».
3- أُنظر: التقية في فقه أهل البيت(علیهم السلام) 2: 103 .
4- تقدّم تخريجه في شرح قول الماتن «مسألة2: يجوز أخذ مال النصّاب. . .».

بالخمس»(1) ظاهر في دفع الخمس من المأخوذ نفسه، لا في دفع ما بقي منه إلى سنة، فمقتضى ظاهر الصحيحتين هو لزوم التخميس ابتداءً من غير انتظار.

وعلى فرض الشك فهل مقتضى الأصل هو ذلك أو لا؟

الظاهر من كلام السيّد الأستاذ(قدس سره) في المقام أنّ الأصل هو عمومات الأدلة الدالة على وجوب الخمس في المال وعدم جواز التصرّف في ملك الغير - أي الخمس المتعلّق بالإمام(علیه السلام) - إلاّ بإذنه .

وذلك بأن يقال: إنّ ظاهر الأدلة هو تعلّق الخمس بالمال منذ التسلّط عليه ويكون جزء من خمسة أجزائه ملكاً للإمام(علیه السلام)، غاية الأمر أنّه قام الدليل على جواز التأخير في الدفع والتصرّف في تمام المال إلى نهاية السنة تسهيلاً على المالك وإرفاقاً به، وأنّه لا خمس إلاّ في الفاضل بعد مؤونة السنة، وهذا الترخيص قد ثبت في طائفة من تلك الأموال التي تعلّق بها الخمس، وهي الفوائد من المكاسب والصناعات، فإذا شك في سعة هذا الدليل وضيقه وأنّه هل يشمل المال المأخوذ من النّاصب أو لا، كان المرجع هو عدم جواز التصرّف إلاّ أن يثبت بالدليل، ومقتضى الأصل عدمه، ونتيجة ذلك وجوب التخميس ابتداءً من غير إخراج مؤونة السنة(2).

ولكنّ ما ذكره(قدس سره) هنا ينافي الأصل الّذي ذكره في المأخوذ بالسرقة والغيلة(3)، فإنّه(قدس سره) ذكر أنّ مقتضى الأصل هو إطلاق ما دلّ على أنّ الخمس

ص: 200


1- تقدّم تخريجه في شرح قول الماتن «مسألة2: يجوز أخذ مال النصّاب. . .».
2- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 23 .
3- المصدر المتقدّم: 20 .

وكذا الأحوط إخراج الخمس ممّا حواه العسكر من مال البغاة إذا كانوا من النصّاب ودخلوا في عنوانهم، وإلاّ فيشكل حليّة مالهم[1] .

بعد المؤونة، وقد خرجنا عنه في بعض الأموال كالغنيمة والكنز والمعدن وغيرها، وبقي ما لم يقم دليل على إخراجه.

وحيث إنّا رجّحنا الأصل الثاني، وقلنا بتقديم إطلاق المقيّد على إطلاق العمومات، فيكون مقتضى الأصل هو وجوب الإخراج بعد مؤونة السنة، إلاّ أنّه مع وجود الدليل لا تصل النوبة إلى الأصل.

والأقوى هو إخراج الخمس ابتداءً، كما ذكره الماتن(قدس سره) .

حكم مال البغاة:

[1] وينبغي الكلام فيه في مقامين، فإنّه تارة تكون أموالهم ممّا لم يحوها العسكر من المنقول وغيره وأخرى تكون ممّا حواه العسكر.

أمّا المقام الأوّل: فالظاهر من الجواهر عدم الجواز فقد قال: «لا يجوز تملّك شيء من أموالهم التي لم يحوها العسكر سواء كانت ممّا تنقل كالثياب والآلات أو لا تنقل كالعقارات؛ لتحقق الإسلام المقتضي لحقن الدم والمال، بلا خلاف أجده في شيء من ذلك، بل في المسالك هو موضع وفاق، بل في صريح المنتهى والدروس ومحكي «الغنية» و«التحرير» الإجماع عليه، بل

ص: 201

يمكن دعوى القطع به بملاحظة ما وقع من أمير المؤمنين(علیه السلام) في حرب أهل البصرة والنهر بعد الاستيلاء عليهم» (1).

واستُدلّ على ذلك بما رواه الصدوق(قدس سره) من أنّه «قد روي أنّ النّاس اجتمعوا إلى أمير المؤمنين(علیه السلام) يوم البصرة فقالوا: يا أمير المؤمنين اقسم بيننا غنائمهم، قال: أيّكم يأخذ أُم المؤمنين في سهمه؟» (2).

وبما رواه أبو البختري عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه، عن مروان بن الحكم قال: «لمّا هزمنا عليّ(علیه السلام) بالبصرة ردّ على النّاس أموالهم، من أقام بيّنة أعطاه، ومن لم يقم بيّنة على ذلك حلّفه. فقال له قائلون: يا عليّ اقسم الفيء بيننا والسبي، قال: فلما أكثروا عليه قال: أيّكم يأخذ أُم المؤمنين في سهمه؟ فسكتوا» (3).

وهذه الرواية وردت بطريق آخر معتبر عن مسعدة بن زياد عن جعفر بن محمّد(علیهما السلام) (4).

ص: 202


1- جواهر الكلام 21: 339 .
2- علل الشرائع 1: 154، الباب 123، الحديث 2، ووسائل الشيعة 15: 79، الباب 25 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، الحديث 7 .
3- قرب الإسناد: 132، الحديث 461، ورواه الشيخ الطوسي بسند آخر عن «محمّد بن أحمد بن يحيى عن أبي جعفر عن أبيه عن وهب عن حفص عن أبيه عن جده عن مروان بن الحكم (لعنه الله) قال: ... الحديث» . تهذيب الأحكام 6: 132، الحديث 273، مع اختلاف يسير، ووسائل الشيعة 15، 78، الباب 25، من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، الحديث 5 مع اختلاف يسير .
4- علل الشرائع 2: 603، الباب 385، الحديث 69، ووسائل الشيعة 15: 78، الباب 25 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، ذيل الحديث 5 .

ثم قال صاحب الجواهر: «لكن في المختلف والمسالك نسبته إلى المشهور، ولعلّه لما في الدروس، قال: «ونقل الحسن(1) أنّ للإمام(علیه السلام) ذلك إن شاء؛ لمفهوم قول عليّ(علیه السلام): إنّي مننت على أهل البصرة كما مَنّ رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) على أهل مكة، وقد كان لرسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) أن يسبي فكذا الإمام(علیه السلام)، وهو شاذ» (2).

ثم قال(قدس سره): «بل لم نعرفه لأحد منّا» (3).

فالظاهر - تبعاً للجواهر - أنّ الحكم بذلك وإن كان من جهة المنّ أو التقيّة - كما استفاضت به النصوص إلاّ أنّه(علیه السلام) سار فيهم بذلك حتّى يقتدى به، ويحقن بذلك دماء الشيعة، كما ورد في صحيحة زرارة عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: لولا أنّ علياً(علیه السلام) سار في أهل حربه بالكفّ عن السبي والغنيمة للقيت شيعته من النّاس بلاءً عظيماً، ثمّ قال: واللهِ لسيرته كانت خيراً لكم ممّا طلعت عليه الشمس» (4).

وغيرها من الروايات التي يظهر منها أنّ الحكم جارٍ على ما سار عليه أمير المؤمنين(علیه السلام) حتّى يظهر القائم(علیه السلام)، وأنّه إذا قام(علیه السلام) سار فيهم بالسيف والسبي.

ص: 203


1- وهو ابن أبي عقيل العمانيّ الحذّاء(قدس سره) الفقيه والمتكلم المعروف .
2- جواهر الكلام 21: 334 .
3- جواهر الكلام 21: 334 - 335 .
4- علل الشرائع 1: 180، الباب 122، الحديث 10، ووسائل الشيعة 15: 79، الباب 25 من أبواب الجهاد، الحديث 8 .

وأمّا المقام الثاني: - وهو ما إذا كانت أموال البغاة ممّا حواه العسكر- فهو على نحوين:

فإنّه تارة يكون ذلك في حال الحرب وقبل أن تضع الحرب أوزارها، فلا إشكال في جواز التصرّف فيها بالإتلاف ونحوه ممّا يتوقّف القتال عليه؛ من قتل فرس المقاتل الباغي، أو كسر سيفه أو فتق درعه ونحو ذلك.

كما لا إشكال في عدم الضمان؛ لأنّ الإتلاف لأموال الباغي كان بإذن من ولي الأمر ومن مَن هو أولى بالتصرّف، والإذن بقتاله يقتضي جواز قتله فضلاً عن إتلاف ماله، وقد أمر أمير المؤمنين(علیه السلام) بعقر جمل عائشة فعقر من غير أن يخرج من ضمانه.

وأخرى يكون ذلك بعد الانتهاء من الحرب وبعد أن تضع الحرب أوزارها، فهنا تارة يكون البغاة من النّصّاب فالمشهور هو الجواز، لما تقدّم من حلّية دمه وماله وعدم احترامه وإن لم يقاتل فضلاً عمّا لو قاتل(1).

وأخرى لا يكونون من النصّاب، وإنّما خرجوا وقاتلوا لأغراض أخرى من طلب الرئاسة أو حطام الدنيا. وقد وقع الخلاف بين الأصحاب فيه.

فذهب جماعة إلى جواز الأخذ والتصرّف في أموالهم، وأنّها تقسّم بين المقاتلين كما في الكافر الحربي، بل ادعى الشيخ(قدس سره) الإجماع عليه، فقال: «ما يحويه عسكر البغاة يجوز أخذه والانتفاع به، ويكون غنيمة تقسّم في المقاتلة، وما لم يحوه العسكر لا يُتعرّض له وقال الشافعي: «لا يجوز ... دليلنا

ص: 204


1- تقدّم في شرح قول الماتن «مسألة2، يجوز أخذ مال النصّاب أينما وجد. . .».

إجماع الفرقة وأخبارهم ...» (1) .

وقال في النهاية: «ويجوز للإمام أن يأخذ من أموالهم ما حوى العسكر، ويقسّم على المقاتلة حسب ما قدّمناه، وليس له ما لم يحوه العسكر، ولا له إليه سبيل على حال» (2).

وقال السيّد في الغنية: «ولا يغنم ممّن أظهر الإسلام من البغاة والمحاربين إلاّ ما حواه العسكر من الأموال والأمتعة التي تخصّهم فقط ... كلّ ذلك بدليل الإجماع المشار إليه» (3).

وقال العلاّمة في المختلف: «وقال ابن أبي عقيل: تقسّم أموالهم التي حواها العسكر... وجوّز ابن الجنيد قسمة ما حواه العسكر أيضاً، وهو اختيار ابن البرّاج وأبي الصلاح»(4).

وقال في التذكرة: «أموال أهل البغي التي لم يحوها العسكر لا تخرج عن ملكهم، ولا تجوز قسمتها بحال. أمّا ما حواه العسكر من السلاح والكراع والدوابّ والأثاث وغير ذلك فللشيخ قولان:

أحدهما: أنّها تقسّم بين أهل العدل، وتكون غنيمة كأموال المشركين... وبه قال ابن الجنيد.

ص: 205


1- الخلاف: 5: 346، المسألة 17 .
2- النهاية ونكتها 2: 12 .
3- غنية النزوع 203 - 204 .
4- مختلف الشيعة 4: 463 - 464 .

والثاني: أنّه لا تحلّ قسمتها، بل هي باقية على ملكهم لا تجوز قسمتها ولا استغنامها، وبه قال السيّد المرتضى وابن إدريس وكافّة العلماء ... » (1).

وقال في المسالك: «القول بالجواز للأكثر، ومنهم المصنّف والعلاّمة في المختلف، ومن حججهم سيرة عليٍّ(علیه السلام) في أهل الجمل، فإنّه قسّمه بين المقاتلين ثمّ ردّه على أربابه» (2).

وذهب آخرون إلى عدم الجواز منهم السيّد المرتضى(قدس سره) في الناصريات حيث قال: «لا يجوز غنيمة أموالهم وقسمتها كما تقسّم أموال أهل الحرب، ولا أعلم خلافاً بين الفقهاء في ذلك .

ومرجع النّاس كلّهم في هذا الموضع على ما قضى به أمير المؤمنين(علیه السلام) في محاربي البصرة، فإنّه منع من غنيمة أموالهم، فلما روجع(علیه السلام) في ذلك قال: «أيّكم يأخذ عائشة في سهمه»؟! ... وإنّما اختلف الفقهاء في الانتفاع بدواب أهل البغي وبسلاحهم في حال قيام الحرب.

فقال الشافعيّ: لا يجوز ذلك. وقال أبو حنيفة: يجوز ما دامت الحرب قائمة...»(3).

ومنهم الشيخ فقد قال في المبسوط: «إذا انقضت الحرب بين أهل العدل والبغي إما بالهزيمة أو بأن عادوا إلى طاعة الإمام، وقد كانوا أخذوا الأموال

ص: 206


1- تذكرة الفقهاء 9: 424، المسألة 251 .
2- مسالك الأفهام 3: 93 .
3- المسائل الناصريات: 27، كتاب الجهاد، المسألة السادسة والمائتان .

وأتلفوا وقتلوا، نظرت فكلّ من وجد عين ماله عند غيره كان أحقّ به، سواء كان من أهل العدل أو أهل البغي، لما رواه ابن عبّاس: أنّ النبيّ(علیه السلام) قال: المسلم أخو المسلم لا يحل دمه وماله إلّا بطيبة من نفسه، وروي أنّ عليّاً(علیه السلام) لمّا هزم النّاس يوم الجمل قالوا له: يا أمير المؤمنين ألا تأخذ أموالهم؟ قال: لا؛ لأنّهم تحرّموا بحرمة الإسلام فلا تحلّ أموالهم في دار الهجرة.

وقد روى أصحابنا: أنّ ما يحويه العسكر من الأموال فإنّه يغنم، وهذا يكون إذا لم يرجعوا إلى طاعة الإمام، فأمّا إن رجعوا إلى طاعته فهم أحقّ بأموالهم»(1).

ومنهم ابن إدريس، قال في السرائر: «الصحيح ما ذهب السيّد المرتضى(رضی الله عنه) إليه، وهو الّذي اختاره، وأُفتي به، والّذي يدل على صحّة ذلك ما استدلّ به(رضی الله عنه)، وأيضاً فإجماع المسلمين على ذلك، وإجماع أصحابنا منعقد على ذلك ... وقول الرسول(علیه السلام): لا يحلّ مال امرىء مسلم إلاّ عن طيب نفس منه، وهذا الخبر قد تلقته الأمة بالقبول، ودليل العقل يعضّده ويشيّده، لأنّ الأصل بقاء الأملاك على أربابها ...» (2).

ومنهم الشهيد الأوّل، قال في الدروس: «ولا تقسّم أموالهم التي لم يحوها العسكر إجماعاً . وجوّز المرتضى قتالهم بسلاحهم وعلى دوابّهم، لعموم

ص: 207


1- المبسوط في فقه الإمامية 7: 266 .
2- السرائر 2: 19 - 20 .

{فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ} (1)، وما حواه العسكر إذا رجعوا إلى طاعة الإمام حرام أيضاً، وإن أصرّوا فالأكثر على أنّ قسمته كقسمة الغنيمة، وأنكره المرتضى وابن إدريس، وهو الأقرب، عملاً بسيرة عليّ(علیه السلام) في أهل البصرة، فإنّه أمر بردّ أموالهم فأخذت حتّى القدور» (2).

ومنهم المحقق في الشرائع قال: «وهل يؤخذ ما حواه العسكر ممّا ينقل ويحوّل؟ قيل: لا، لما ذكرناه من العلّة، وقيل: نعم، عملاً بسيرة عليّ(علیه السلام)، وهو الأظهر» (3).

والقائلون بالجواز - على ما في الجواهر(4) - هم العماني والإسكافي والشيخ في محكي الخلاف والنهاية والجمل، والقاضي والحلبي وابن حمزة، والفاضل في المختلف وثاني الشهيدين والكركي على ما حكي عن بعضهم.

والحاصل: إنّ المسألة ذات قولين:

ذهب أكثر الأصحاب إلى الجواز، بينما صار بعضهم إلى عدم الجواز.

وربّما يستفاد من بعضهم التفصيل بين رجوع أهل البغي إلى فئة تجمع شملهم وتوحّدكلمتهم فتجوز قسمة الأموال، إضعافاً لهم وحسماً لمادة فسادهم، وبين ما إذا لم تكن لهم فئة يرجعون إليها فلا تجوز القسمة،

ص: 208


1- سورة الحجرات: 9 .
2- الدروس الشرعية 2: 42 .
3- شرائع الإسلام 1: 257 .
4- جواهر الكلام 21: 339 .

لحصول الغرض فيهم ؛ من تفريق كلمتهم وتبدد شملهم. كما في تذكرة الفقهاء للعلاّمة(1)، وهو الظاهر من بعض الروايات أيضاً.

استدل على القول بالجواز بوجوه ثلاثة:

أحدها: الإجماع، ادعاه الشيخ في الخلاف (2).

ولا يخفى ما فيه، فإنّه مع وجود دعوى الإجماع على الخلاف من السيّد وابن إدريس يتعارضان.

مضافاً إلى أنّه إجماع منقول لا حجيّة فيه.

الثاني: سيرة أمير المؤمنين(علیه السلام) في يوم الجمل، فإنّه(علیه السلام) قسّم الغنائم دون النساء والذراري.

وفيه: أوّلاً: دعوى السيرة على الخلاف، وأنّه(علیه السلام) لم يقسّم الغنائم، بل ردّ إليهم حتّى قدورهم، حتّى أنّه استدل بذلك على عدم الجواز.

وثانياً: - على فرض ثبوت ذلك - لا يدل على الجواز مطلقاً؛ لأنّ القضيّة شخصيّة، فلعلّ ذلك كان لجهة من الجهات ككونهم خوارج أو نصّاب، كما أنّه إذا ثبت ردّ الغنائم عليهم لم يدل على عدم الجواز لاحتمال ابتناء الردّ على المنّ منه(علیه السلام)، ولمصالح يعلمها هو(علیه السلام) .

الثالث: الأخبار الدالة على الجواز، وأشار إليها الشيخ في الخلاف بقوله:

ص: 209


1- تذكرة الفقهاء 9: 425، المسألة 251 .
2- الخلاف: 5: 346، المسألة 17 .

«وأخبارهم» (1).

وفيه: أنّ كلامه هذا في حكم الإرسال، ولم يذكر رواية خاصّة تدل على الحكم، وكذلك ما ذكره العماني فإنّه أيضاً مرسل.

نعم وردت في المستدرك عدّة روايات تدل على ذلك:

منها: رواية الدعائم عن أمير المؤمنين(علیه السلام) أنّه قال: ما أجلب به أهل البغي من مال وسلاح وكراع(2) ومتاع وحيوان وعبد وأمة وقليل وكثير، فهو فيء يُخمّس ويقسّم كما تقسّم غنائم المشركين(3).

ومنها: رواية شرح الأخبار لصاحب الدعائم: عن موسى بن طلحة بن عبيد الله - وكان فيمن أسر يوم الجمل وحبس مع من حبس من الأسارى بالبصرة - فقال: كنت في سجن عليّ(علیه السلام) بالبصرة، حتّى سمعت المنادي ينادي: أين موسى بن طلحة بن عبيد الله؟ قال: فاسترجعت واسترجع أهل السجن وقالوا: يقتلك، فأخرجني إليه فلما وقفت بين يديه قال لي: «يا موسى»، قلت: لبيك يا أمير المؤمنين، قال: قل أستغفر الله، قلت: أستغفر الله وأتوب إليه، ثلاث مرّات، فقال لمن كان معي من رسله: خلّوا عنه، وقال لي: اذهب حيث شئت، وما وجدت لك في عسكرنا من سلاح أو كراع فخذه، واتّق الله فيما تستقبله من أمرك، واجلس في بيتك. فشكرت وانصرفت. وكان

ص: 210


1- الخلاف 5: 346، المسألة 17 .
2- الكُراعُ: السلاح، وقيل: هو اسم يجمع الخيل والسلاح، لسان العرب 4: 3419 .
3- دعائم الإسلام 1: 396، ومستدرك الوسائل 11: 56، الباب 23 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، الحديث 2 .

عليّ(علیه السلام) قد أغنم أصحابه ما أجلب به أهل البصرة إلى قتاله - أجلبوا به يعني أتوا به في عسكرهم - ولم يعرض لشيء غير ذلك لورثتهم، وخمّس ما أغنمه ممّا أجلبوا به عليه، فجرت أيضاً بذلك السنّة (1).

ومنها: رواية كتاب الهداية الكبرى: عن محمّد بن علي، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق(علیه السلام) - في حديث طويل، في قصة أهل النهروان، إلى أن قال - : قال لهم عليّ(علیه السلام): فأخبروني ماذا أنكرتم عليّ؟ ... وأحللت لكم الكراع والسلاح وحرّمت الذراريّ، فأيّكم يأخذ عائشة زوجة النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) في سهمه؟ قالوا: صدقت والله في جوابك، وأصبت وأخطأنا، والحجّة لك...(2).

ودلالتها وإن كانت واضحة إلاّ أنّ أسانيدها ضعيفة فلا تصلح للاعتماد عليها.

هذا وقد استدل في المختلف على الجواز بعدّة أمور، منها:

أوّلاً: ما رواه ابن أبي عقيل من أنّ رجلاً من عبد القيس قام يوم الجمل فقال: يا أمير المؤمنين ما عدلت حين تقسّم بيننا أموالهم ولا تقسّم بيننا نساءهم ولا أبناءهم، فقال له: إن كنت كاذباً فلا أماتك الله حتّى تدرك غلام ثقيف، وذلك أنّ دار الهجرة حرّمت ما فيها، وأنّ دار الشرك أحلّت ما

ص: 211


1- شرح الأخبار 1: 4، 389، الحديث 331، ومستدرك الوسائل 11: 57، الباب 23، من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، الحديث 5 .
2- الهداية الكبرى: 135 ومستدرك وسائل الشيعة 11: 59، باب 23 من أبواب جهاد العدو، الحديث 9 .

فيها، فأيّكم يأخذ أمّه من سهمه؟، فقام رجل فقال: وما غلام ثقيف يا أمير المؤمنين؟ قال: عبد لا يدع لله حرمة إلاّ انهتكها(1)، قال: يُقتل أو يموت؟ قال: بل يقصمه الله قاصم الجبارين.

وثانياً: إنّ البغاة كفّار عند بعض علمائنا فجاز قسمة أموالهم.

وثالثاً: إنّ بعض الشيعة جوّز سبي ذراريهم فأموالهم أولى.

ورابعاً: إنّ هذا هو قول الأكثر فيتعيّن المصير إليه، إذ تطرّق الغلط إلى الأكثر أندر من تطرّقه إلى الأقل، فيغلب على الظن صواب حكم الأكثر وخطأ الأقل.

وخامساً: إنّ عصمة النفس أولى من عصمة المال، فإباحة المال أولى من إباحة النفس.

وسادساً: ما رواه الإمام الصادق(علیه السلام) عن أبيه(علیه السلام) قال: «... إنَّ أبي حدثني - وكان خير أهل الأرض وأعلمهم بكتاب الله وسنّة نبيّه(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) - أنّ رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) قال: من ضرب النّاس بسيفه ودعاهم إلى نفسه وفي المسلمين من هو أعلم منه فهو ضالّ متكلّف»(2). وإذا كان ضالاًّ جاز قسمة ماله(3).

ص: 212


1- هكذا في المصدر وهي خطأ، والصحيح «انتهكها» كما في جملة من الكتب الروائية وغيرها، أو «هتكها»كما في بعض نسخ «المختلف» وغيره.
2- تهذيب الأحكام 6: 151 .
3- مختلف الشيعة 4: 464 - 465 .

ولا يخفى ضعف هذه الأمور، حتّى قال في الجواهر: «ما كنّا لنؤثر وقوعها منه»(1).

والمتحصّل: إنّا لم نجد حجّة تامة على الجواز، فتبقى العمومات حينئذ سليمة، خصوصاً بملاحظة ما ورد من مراعاة أمير المؤمنين(علیه السلام) لحال شيعته من بعده؛ فإنّه قد علم أنّ الدولة تكون بيد أعدائه من بعده فسار فيهم بالمنّ حتّى يقتدى به، ويحقن بذلك دماء الشيعة، ولولا أنّه(علیه السلام) سار فيهم بالكفّ عن السبي والغنيمة للقيت شيعته من النّاس بلاءً عظيماً، وسيرته(علیه السلام) خير لشيعته ممّا طلعت عليه الشمس، كما ورد في صحيح زرارة المتقدّم(2).

والقول بعدم الجواز قد اختاره صاحب الجواهر(3)،

والسيّد الأستاذ (4).

نعم لا يضمن ما تلف من مال الباغي حال الحرب من دابة أو سلاح أو غيرهما، وإن كان المباشر للإتلاف من الفئة العادلة، والوجه فيه واضح كما تقدّم.

ص: 213


1- جواهر الكلام 21: 341 .
2- تقدّم ذكره في المسألة2 ضمن شرح قول الماتن «وكذا الأحوط إخراج الخمس. . .».
3- جواهر الكلام 21: 341 - 342 .
4- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 26 .

مسألة 3: يشترط في المغتنم أن لا يكون غصباً من مسلم أو ذمّي أو معاهد أو نحوهم ممّن هو محترم المال، وإلاّ فيجب ردّه إلى مالكه، نعم لو كان مغصوباً من غيرهم من أهل الحرب لا بأس بأخذه وإعطاء خمسه وإن لم تكن الحرب فعلاً مع المغصوب منهم. وكذا إذا كان عند المقاتلين مال غيرهم من أهل الحرب بعنوان الأمانة؛ من وديعة أو إجارة أو عارية أو نحوها [1] .

[1] الغنيمة التي كانت من أموال المسلمين أو ممّن يحترم ماله كالذمي والمعاهد. فأخذت منه غصباً أو كانت عند المغنوم منهم أمانة أو عارية ونحوها. هل تقسّم بين المقاتلين أو يجب ردّها إلى أربابها؟ بعد عدم الإشكال في عدم الفرق في الغنيمة المأخوذة من دار الحرب بين ما إذا كانت ملكاً للمحاربين أو كانت ملكاً لمحارب آخر وإن لم يكن من أهل الحرب فعلاً.

وعدم الفرق أيضاً فيه بين ما غصبوه منه وبين ما كان عندهم بعنوان الأمانة من: وديعة أو أجارة أو غيرهما.

فيه قولان:

المشهور، بل ادعي عليه الإجماع في «الغنية» والظاهر من المنتهى والتذكرة هو وجوب الردّ، سواء عرف صاحبه قبل القسمة أم بعدها (1)، بل لم ينسب الخلاف إلاّ إلى الشيخ(قدس سره) في النهاية والقاضي في بعض كتبه.

ص: 214


1- غنية النزوع 1: 205، ومنتهى المطلب 14: 382 - 383، وتذكرة الفقهاء 9: 259 - 261

والقول الثاني: عدم وجوب الردّ، بل يغرم الإمام القيمة لأربابه من بيت المال، حكي عن الشيخ في النهاية(1) وعن القاضي والاسكافي أنّ المماليك للمقاتلين(2).

واستدلّ للأوّل - مضافاً إلى عمومات أدلة احترام مال المسلم - بجملة من الروايات:

منها: صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: سأله رجل عن الترك يغيرون على المسلمين فيأخذون أولادهم فيسرقون منهم أيردّ عليهم؟ قال: نعم، والمسلم أخو المسلم، والمسلم أحقّ بماله أينما وجده(3).

وهذه الرواية وإن كان موردها السرقة لا الغزو على وجه الاغتنام والجهاد، إلاّ أنّها واضحة في المراد من جهة ذيلها.

ومنها: ما رواه الحسن بن محبوب في كتاب المشيخة عن عليّ بن رئاب، عن طربال، عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: سئل عن رجل كانت له جارية فأغار عليه المشركون فأخذوها منه، ثمّ إنّ المسلمين بعدُ غزوهم فأخذوها فيما غنموا منهم فقال: إن كانت في الغنائم وأقام البيّنة أنّ المشركين أغاروا عليهم فأخذوها منه ردّت عليه، وإن كانت قد اشتريت وخرجت من المغنم فأصابها ردّت عليه برمتها، وأُعطي الّذي اشتراها الثمن من المغنم من

ص: 215


1- النهاية ونكتها 2: 10 .
2- حكاه عنهما صاحب جواهر الكلام 21: 224 .
3- تهذيب الأحكام 6: 136، الحديث 288، ووسائل الشيعة 15: 98، الباب 35 من أبواب جهاد العدو، الحديث 3 .

جميعه، قيل له: فإن لم يصبها حتّى تفرّق الناس وقسّموا جميع الغنائم فأصابها بعد؟ قال: يأخذها من الّذي هي في يده إذا أقام البيّنة، ويرجع الّذي هي في يده إذا أقام البيّنة على أمير الجيش بالثمن(1).

وهذه الرواية واضحة الدلالة على المراد، إلاّ أنّ طربالاً الواقع في سندها لم يرد فيه توثيق فتكون مؤيدة للصحيحة السابقة.

ومنها: ما رواه في الدعائم عن أبي عبد الله(علیه السلام) أنّه قال: ما أخذ المشركون من أموال المسلمين ثمّ ظُهر عليهم ووُجِدَ في أيديهم فأهله أحقّ به، ولا يخرج مال المسلم من يديه إلاّ ما طابت به نفسه(2).

وهذه الرواية أيضاً - كسابقتها - مؤيّدة للصحيحة المتقدمة.

واستدل على الثاني بمرسلة هشام عن بعض أصحاب أبي عبد الله(علیه السلام)، عن أبي عبد الله(علیه السلام) في السبي يأخذ العدو من المسلمين في القتال من أولاد المسلمين أو من مماليكهم فيحوزونه، ثمّ إنّ المسلمين بعد قاتلوهم فظفروا بهم وسبوهم وأخذوا منهم ما أخذوا من مماليك المسلمين وأولادهم الذين كانوا أخذوهم من المسلمين كيف يصنع بما كانوا أخذوه من أولاد المسلمين ومماليكهم؟ قال: فقال: أمّا أولاد المسلمين فلا يقامون في سهام

ص: 216


1- تهذيب الأحكام 6: 137، الحديث 291، والاستبصار 3: 12، الحديث 11 ولكن وردت الرواية عن أبي عبد الله(علیه السلام)، مع اختلاف يسير، ووسائل الشيعة 15: 99، الباب 35 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، الحديث 5 مع اختلاف يسير .
2- دعائم الإسلام 1: 383، ومستدرك وسائل الشيعة 11: 88، الباب 33 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، الحديث 2 مع اختلاف يسير .

المسلمين، ولكن يردون إلى أبيهم وأخيهم وإلى وليّهم بشهود، وأمّا المماليك فإنّهم يقامون في سهام المسلمين فيباعون وتعطى مواليهم قيمة أثمانهم من بيت مال المسلمين(1).

إلاّ أنّه أُشكل(2) على الاستدلال بها من جهات:

إحداها: أنّها ضعيفة السند؛ فإنّها مرسلة، ولم يعمل بها المشهور حتّى يقال إنّ عملهم جابر لضعف سندها.

ثانيتها: أنّها أخصّ من المدعى؛ فإنّها قد تعرّضت لخصوص المماليك من العبيد والإماء، دون سائر الأموال المغتنمة.

اللهمّ إلاّ أن يقال بعدم الفرق أو عدم القول بالفصل، وكلاهما محلّ تأمّل.

ثالثتها: أنّها معارضة بصحيحة هشام نفسه المتقدّمة(3).

وعلى فرض التعارض والتساقط يكون المرجع في المقام العمومات المتقدّمة.

ولم يوجد دليل آخر على الحكم، فالظاهر أنّ ما ذهب إليه المشهور هو الأقوى.

نعم، في المقام رواية أخرى، وهي صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله(علیه السلام)

ص: 217


1- وسائل الشيعة 15: 97 - 98، الباب 35 من أبواب جهاد العدو و ما يناسبه، الحديث 1 .
2- راجع المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 27 .
3- تقدّم تخريجه في شرح المسألة3 «يشترط في المغتنم . . .».

قال: سألته عن رجل لقيه العدوّ وأصاب منه مالاً أو متاعاً ثمّ إنّ المسلمين أصابوا ذلك، كيف يصنع بمتاع الرجل؟ فقال: «إذا كانوا أصابوه قبل أن يحوزوا متاع الرجل ردّ عليه، وإن كانوا أصابوه بعدما حازوه فهو فيء المسلمين فهو أحقّ بالشفعة»(1).

وهي وإن كانت صحيحة السند إلاّ أنّها مجملة من حيث الدلالة، حيث إنّه ذُكر في قوله(علیه السلام): «أن يحوزوا» احتمالات:

أحدها: أنّ المراد بالحيازة هي المقاتلة فيكون المعنى: أنّ إصابة المتاع إن كانت قبل المقاتلة والاغتنام فإنّه يردّ على صاحبه، وإن كانت بعد القتال فهو فيء للمسلمين. وهذا الاحتمال شاهد على قول الشيخ(قدس سره) من جهة دلالته على أنّه لا يردّ المال على صاحبه إذا أصابوه بعد القتال، بل يكون للمقاتلين، إلاّ أنّه لا يوافق قول الشيخ من جهة أخرى وهي أنّه(قدس سره) قال بردّ الثمن على صاحب المال، مع أنّ المستفاد من الرواية أنّه أحقّ بالشفعة أي أنّ له حقّ الشراء مقدّماً على سائر الناس، هذا، مع بعد هذا الاحتمال في نفسه؛ فإنّ حمل الحيازة على القتال بعيد.

ثانيها: أن يكون المراد بالحيازة القسمة(2)، وضمير «أصابوه» راجع إلى صاحب المتاع، فيكون المعنى: إذا أصابوا صاحب المال قبل القسمة رُدّ إليه،

ص: 218


1- الكافي 5: 39، كتاب الجهاد الباب 16، الحديث 2، وتهذيب الأحكام 6: 136، الحديث 289 مع اختلاف يسير، ووسائل الشيعة 15: 98، الباب 35 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، الحديث 2 .
2- جواهر الكلام 21: 224 .

وإن أصابوه بعد القسمة فهو فيء للمسلمين، ويكون لصاحب المال حقّ الشفعة.

ثالثها: أن يكون المراد بها الاستيلاء على المال واغتنامه، مع عود الضمير في «أصابوه» إلى الرجل صاحب المال، فيكون المعنى: إنّه إن عُرف صاحب المال قبل أن يغتنم فهو له، وإن كان ذلك بعد الاغتنام فهو للمسلمين، وحينئذٍ يكون المال من مجهول المالك، ومجهول المالك لو عرف صاحبه بعد الصرف المقرّر من قِبل الشرع - كالصدقة ونحوها - لم يستحقّ صاحبه شيئاً وهو غير قابل للرجوع به على من صرفه، إذ هو غير ضامن من حيث إنّ التصدّق كان بإذنٍ من الشارع فلا ضمان بعده وإن عثر على مالكه. والاغتنام في المقام بمثابة التصدّق في سائر الموارد، ولمّا كان مأذوناً فيه من قِبل الشارع فلا يستتبعه ضمان وإن عثر على مالك المال.

وهذا بخلاف ما إذا كان ذلك قبل الاغتنام فإنّه لا يكون من مجهول المالك، وصاحبه أحقّ به.

وقد جعل السيّد الأستاذ(قدس سره) هذا الاحتمال هو الأقرب من الاحتمالين السابقين(1).

هذا، ولا يبعد أن يقال بأقربيّة الاحتمال الثاني من جهة وجود هذا التفصيل بين العامة فقد حكاه في الجواهر عن أبي حنيفة والثوري والأوزاعي ومالك وأحمد في إحدى الروايتين، بل نقله الجمهور عن عمرو الليث وعطا والنخعي

ص: 219


1- المستند في شرح العروة الوثقى، الخمس: 28 .

وإسحاق(1).

مع وجود روايتين أيضاً من طرقنا وهما:

الأولى: مرسلة جميل عن رجل عن أبي عبد الله(علیه السلام) في رجل كان له عبد فأدخل دار الشرك ثمّ أخذ سبياً إلى دار الإسلام قال: إن وقع عليه قبل القسمة فهو له، وإن جرى عليه القسم فهو أحقّ بالثمن(2).

الثانية: رواية الجعفريات بإسناده عن عليّ(علیه السلام) قال: إذا سبيت دابة الرجل من المسلمين أو شيء من ماله، ثمّ ظفر به المسلمون بعد، فهو أحقّ به ما لم يبع ويقسّم، فإن هو أدركها بعدما انباع وتقسّم فهو أحقّ بالثمن(3).

وهما وإن كانتا ضعيفتين فلا يمكن الاعتماد عليهما في الحكم، إلاّ أنّهما تصلحان لأن تكونا قرينتين على إرادة الاحتمال الثاني.

وعلى كلّ تقدير - سواء قلنا بأقوائيّة الاحتمال الثالث أو الاحتمال الثاني - فإنّ الرواية تخرج عن صلاحية الاستدلال بها على ما اختاره الشيخ(قدس سره)، فلا يبقى في المقام غير مرسلة هشام، وهي ليست بحجّة.

فالأقوى ما ذهب إليه المشهور من لزوم ردّ المال إلى صاحبه مطلقاً سواء

ص: 220


1- جواهر الكلام 21: 225 .
2- تهذيب الأحكام 6: 136، الحديث 290، والاستبصار 3: 12، الحديث 9، مع اختلاف يسير ووسائل الشيعة 15: 98، الباب 35 من أبواب جهاد العدو، الحديث 4 مع اختلاف يسير .
3- مستدرك وسائل الشيعة: 11: 88، باب 33 من أبواب جهاد العدو، الحديث 1 .

مسألة 4: لا يعتبر في وجوب الخمس في الغنائم بلوغ النصاب عشرين ديناراً، فيجب إخراج خمسه قليلاً كان أو كثيراً على الأصح [1].كان قبل القسمة أم بعدها، فإن كان بعدها فالغانم يرجع إلى الإمام أو أمير الجيش، وهو إمّا أن يعيد التقسيم إذا كان ذلك قبل التفرّق أو يقوم بإعطاء عوضه من بيت المال المعدّ لمصالح المسلمين.

الغنيمة والنصاب:

[1] هل يعتبر النصاب في وجوب الخمس في الغنائم أو لا؟

المعروف، بل المتسالم عليه بين الأصحاب عدم اعتبار ذلك في وجوب الخمس في الغنائم، وقد نسب إلى المفيد(قدس سره) أنّه قال: يعتبر النصاب(1) وهو بلوغ الغنيمة مقدار عشرين ديناراً.

ولم يعرف هذا القول من غيره، كما لم نجد الدليل على ما ذكره(قدس سره)، فمقتضى إطلاقات الأدلة الواردة في الغنيمة من الكتاب والسنّة وجوب تخميس الغنيمة مطلقاً سواء وصلت لحد العشرين ديناراً أم لم تصل. .

ص: 221


1- راجع الجواهر 16: 13 .

مسألة 5: السَّلَب من الغنيمة فيجب إخراج خمسه على السالب[1].

حكم السَّلَب:

[1] وقد وقع الخلاف في أنّ السَّلَب: هل يختص بالمقاتل السالب أو أنّه غنيمة فيشترك فيها جميع المقاتلين بعد إخراج خمسه كسائر الغنائم؟

والكلام يتم في موضعين: الأوّل: في تعيين الموضوع، والثاني: في حكمه.

أمّا الموضع الأوّل: فالأموال التي تعود للمقتول على قسمين:

فقسم منها يكون معه سواء كان ممّا يتقوّى به في القتال كالسلاح والمغفر والبيضة والدابة التي يركبها إجماعاً أم لم يكن ممّا يتقوّى به كالسوار والتاج والطوق والخاتم وكلّ ما يتّخذه للزينة، والهميان الّذي يتّخذه للنّفقة على المشهور. فهذه داخلة في أموال السَّلّب.

وقسم منها منفصل عنه كالرحل والعبد والدواب التي عليها أحماله والسلاح الّذي ليس معه، وهذه خارجة عن أموال السَّلَب.

والميزان في العدّ من أحد القسمين هو العرف، فإنّه لم يرد في المقام نصّ خاص.

فإن كان دخوله في السَّلَب محرزاً فهو، وإلاّ - إذا شكّ في ذلك - بني على

ص: 222

الخلاف في الحكم:

فإذا قلنا بأنّ حكمه أنّه يكون للقاتل بجعل الإمام وشرطه له، لا أنّه له ابتداءً، كان داخلاً في الغنيمة، فيؤخذ بعمومات الغنيمة؛ وذلك لأنّ الشبهة حينئذ مفهوميّة، فهل يكون من الجعائل فيستثنى من وجوب تخميس الغنائم، أو أنّه غنيمة فيخمّس؟ ولابد من الخروج عن هذه الشبهة بالقدر المتيقّن وهو الغنيمة.

وأمّا إذا قلنا بأنّ السَّلَب حقّ للقاتل ابتداءً، ولا يتوقّف على الشرط وجعل الإمام له ذلك فحينئذ يكون من الدوران بين كونه حقاً للقاتل فقط وبين أن يكون له ولغيره، ولا أصل في البين، فلابد من المصالحة.

ثم إنّه يشترط في كونه للقاتل أمور:

أحدها: أن يكون المقتول من المقاتلين الذين يجوز قتلهم، فلو كان المقتول صبيّاً أو شيخاً فانياً أو امرأة لم يستحقّ القاتل سلَبه.ثانيها: أن يكون المقتول ممتنعاً، فلو قتل أسيراً له أو لغيره أو كان المقتول مثخناً بالجراح أو عاجزاً عن المقاومة لم يستحقّ سلَبه أيضاً.

ثالثها: قال العلاّمة في المنتهى: «إنّما يستحقّ السَّلَب بشرط أن يقتله والحرب قائمة، سواء قتله مقبلاً أو مدبراً، أمّا لو انهزم المشركون فقتله لم يستحقّ السَّلَب، بل كان غنيمة، إذ لا تغرير بمال، بخلاف ما لو كانت الحرب قائمة فقتله وهو مدبر فإنّه يستحقّ السَّلَب، وإن قتله منهزماً لوجود التغرير؛ ولأنّ الحرب فرّ وكرّ ... وإنّما أعطي السَّلَب من قتل مبارزاً؛ لما فيه من

ص: 223

التغرير؛ ولأنّه يكفي المسلمين شرّه، والمنهزم بعد انقضاء الحرب لا شرّ له، ولم يغرّر قاتله بنفسه في قتله، فلا يستحق سَلَبه»(1).

ولكن هذا الشرط حسن إذا لم يستفد من إطلاق الجعل؛ لأنّ السَّلَب مختص بحال الحرب، وأمّا مع عدم استفادة ذلك منه فلا موقع لهذا الشرط.

هذا، وأمّا الأسر فلا يوجب السَّلَب وإن قتله الإمام، خلافاً لمكحول، حيث ذهب إلى أنّ من أسر مشركاً فله سَلَبه. وقال بعض العامّة: إن استبقاه الإمام كان له فداؤه أو رقبته وسَلَبه؛ لأنّه كفى المسلمين شرّه(2).

ولا يخفى ما في كلا القولين، لعدم الدليل على ذلك.

نعم، للإمام الجعل في ذلك، كما له الجعل لغيره من الأفعال ممّا يكون فيه مصلحة من المصالح.

وأمّا الموضع الثاني - وهو حكمه - : فقد اختلف في أنّ السَّلَب هل هو حقّ للقاتل بجعل الإمام أو أنّ له هذا الحقّ ابتداءً ؟

ذهب المشهور إلى الأوّل، وذهب جماعة من العامّة إلى الثاني، قال الشيخ(قدس سره) في الخلاف: « السَّلَب لا يستحقّه القاتل، إلاّ أن يشترط له الإمام. وبه قال أبو حنيفة ومالك.

وقال الشافعي: هو للقاتل وإن لم يشترط له الإمام. وبه قال الأوزاعيّ والثوريّ وأحمد بن حنبل. دليلنا: أنّه إذا شرطه استحقّه بلا خلاف، وإذا لم

ص: 224


1- منتهى المطلب 14: 310 - 311 .
2- تذكرة الفقهاء 9: 217 بتصرف يسير في أول العبارة .

يشترط له ليس على استحقاقه دليل» (1).

والظاهر أنّ القول الأوّل هو المتسالم عليه بين الأصحاب ولم ينسب الخلاف إلاّ إلى الاسكافي(2) وهو المطابق لقاعدة «المؤمنون عند شروطهم»، وأنّ الإمام أولى بالمؤمنين من أنفسهم فله الجعل والشرط والتصرّف في الأموال التي يغنمها المسلمون وصرفها في مصالح المسلمين، وأمّا بدون ذلك فلم يوجد دليل على استحقاق السَّلَب للقاتل غير بعض الروايات الضعيفة من الخاصّة والعامَة:

فممّا ورد من الخاصة: ما رواه في الدعائم عن جعفر بن محمّد(علیهما السلام) أنّه قال: ما أخذه المشركون من أموال المسلمين، ثمّ ظُهرَ عليه ووُجدَ في أيديهم، فأهله أحقّ به، ولا يُخرج مال المسلم من يديه إلّا ما طابت به نفسه، فإذا جعل صاحب الجيش جُعلاً لمن قتل قتيلاً وفعل شيئاً من أمر الجهاد وما يُنْكَى به العدوّ وسمّاه، وَفى له بما جعل له، وأخرجه من جملة الغنيمة قبل القَسم، وسلَب القتيل لمن قتله من المسلمين ويؤخذ منه الخمس(3).

وما رواه في الجعفريات عن الحسين بن عليّ (علیهما السلام): «أنّ علياً(علیه السلام) كان يباشر القتال بنفسه، وكان لا يأخذ السَّلَب»(4).

ص: 225


1- الخلاف: 4: 185، المسألة 8 .
2- جواهر الكلام 21: 186 .
3- دعائم الإسلام: 1: 383 .
4- النوادر: 138، الحديث 184، ومستدرك الوسائل 11: 127، الباب 61 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، الحديث 13 .

ومنها: ما رواه أيضاً بإسناده عن عليّ بن أبي طالب(علیه السلام) قال: لمّا كان يوم خيبر بارزت مرحباً فقلت: ما كان رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) علّمني أن أقوله: اللهم انصرني ولا تنصر عليَّ اللهم اغلب لي ولا تغلب عليَّ، اللهم تولّني ولا تولّ عليَّ، اللهم اجعلني لك ذاكراً لك شاكراً لك راهباً لك منيباً مطيعاً، أقتل أعداءك، فقتلت مرحباً يومئذٍ، وتركت سلَبه، وكنت أقتل ولا آخذ السّلَب(1).

وممّا ورد عن طريق العامة: ما رواه أبو قتادة أنّه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم»: «من قتل قتيلاً فله سلَبه»(2). عن أنس بن مالك قال: لقد استلب أبو طلحة يوم حنين وحده عشرين رجلاً (3).

وهذه الروايات وإن كانت بظاهرها تدلّ على أنّ السَّلَب للقاتل، ولكنّها ضعيفة الأسناد، مضافاً إلى أنّها موافقة لفتوى الشافعي وابن حنبل وجماعة من العامّة (4)، فلا تصلح للاعتماد عليها في الحكم كما هو واضح.

ص: 226


1- مستدرك وسائل الشيعة 11: 109، الباب 46 من أبواب جهاد العدو، الحديث 16 .
2- السيرة النبوية 4: 99، ورواها أنس أيضاً قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه [وآله] قال يوم حنين: «من قتل قتيلاً فله سلّبه» . المصنّف 8: 551، الحديث 6 .
3- السيرة النبوية 4: 99، وقال ابن شيبة في المصنّف: فقتل أبو طلحة يومئذٍ عشرين رجلاً فأخذ أسلابهم. المصنّف 7: 648، الحديث 3 .
4- الخلاف 4: 185، المسألة 8 .

الثاني: المعادن [1] .

المبحث الثاني: في المعادن:

اشارة

[1] لا إشكال في وجوب الخمس فيه عندنا، وعليه الإجماع محصلاً ومنقولاً، بل في الغنية نفي الخلاف في معادن الذهب والفضة(1).

وقال الشيخ في الخلاف: «المعادن كلّها يجب فيها الخمس من الذهب والفضّة والحديد والصفر والنحاس والرصاص ونحوها ممّا ينطبع وممّا لا ينطبع كالياقوت والزبرجد والفيروزج ونحوها، وكذلك القير والموميا والملح والزجاج وغيره.

وقال الشافعي: لا يجب في المعادن شيء إلاّ الذهب والفضّة فإنّ فيهما الزكاة، وما عداهما ليس فيه شيء انطبع أو لم ينطبع.

وقال أبو حنيفة: كلّما ينطبع مثل الحديد والرصاص والذهب والفضّة ففيه الخمس. وما لا ينطبع فليس فيه شيء مثل الياقوت والزمرد والفيروزج فلا زكاة فيه؛ لأنّه حجارة.

وقال أبو حنيفة ومحمّد: في الزيبق الخمس ...» (2).

ص: 227


1- غنية النزوع: 128 .
2- الخلاف 2: 116 - 117، المسألة 138 .

فالّذي يظهر من العامة أيضاً وجوب الخمس فيها في الجملة، ويدلّ على ذلك الكتاب والسنة والإجماع.

أمّا الكتاب: فقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلهِ خُمُسَه} الآية(1) بناءً على أن يكون المراد من الغنيمة: كلّ ما يغنمه الإنسان، والحصول على المعدن داخل في الغنيمة بلا إشكال.

وأمّا السنّة: فنصوص مستفيضة:

منها: صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: سألته عن معادن الذهب والفضّة والصفر والحديد والرصاص؟ فقال: «عليها الخمس جميعاً»(2).

ومنها: صحيحة الحلبي - في حديث - سأل أبا عبد الله(علیه السلام) عن الكنز كم فيه؟ فقال: «الخمس»، وعن المعادن كم فيها؟ قال: الخمس، وعن الرصاص والصفر والحديد وما كان من المعادن كم فيها؟ فقال: يؤخذ منها كما يؤخذ من معادن الذهب والفضّة(3).

ص: 228


1- سورة الأنفال: 41 .
2- تهذيب الأحكام 4: 106، الحديث 344، وقد روى الكليني قريباً منها. أنظر: الكافي 1: 624، كتاب الحجّة الباب 187، الحديث 8، ووسائل الشيعة 9: 491، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1 .
3- من لا يحضره الفقيه 2: 40، الحديث 1647، وردت مع اختلاف يسير في كلّ من تهذيب الأحكام 4: 107، الحديث 345، ووسائل الشيعة 9: 492، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2، والكافي 1: 626، كتاب الحجّة الباب 187، الحديث 19 .

ومنها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: سألته عن المعادن، ما فيها: فقال: كلّ ما كان ركازاً ففيه الخمس، وقال: ما عالجته بمالك ففيه - ما أخرج الله منه من حجارته مصفّى - الخمس(1).

وأمّا الإجماع فقد تقدّم ثبوته بكلا قسميه. كما نقله في الجواهر عن الخلاف والسرائر والمنتهى والتذكرة والمدارك وغيرها (2).

وعليه فلا إشكال من جهة الحكم .

ص: 229


1- تهذيب الأحكام 4: 107، الحديث 346، ووسائل الشيعة 9: 492، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3 .
2- جواهر الكلام 16: 13 - 14 .

من الذهب والفضّة والرصاص والصفر والحديد والياقوت والزبرجد والفيروزج، والعقيق والزئبق والكبريت والنفط والقير والسبخ والزاج والزرنيخ والكحل والملح، بل والجص والنورة وطين الغَسل وحجر الرحى والمغْرَة - وهي الطين الأحمر - على الأحوط . وإن كان الأقوى عدم الخمس فيها من حيث المعدنيّة، بل هي داخلة في أرباح المكاسب فيعتبر فيها الزيادة عن مؤونة السنة.والمدار على صدق كونه معدناً عرفاً [1].

تحديد المعادن:

[1] والكلام في المعدن يكون في عدّة جهات:

الجهة الأولى: جهة الموضوع.

ظاهر كلمات أكثر اللّغويين في إرادة المحل، جاء في القاموس المحيط: المعدن كمجلس: منبت الجواهر من ذهب ونحوه، لإقامة أهله فيه دائماً، أو لإنبات الله عزّوجلّ إيّاه فيه، ومكان كلّ شيء فيه أصله(1).

وزاد في تاج العروس: وقال الليث: المعدن: مكان كلّ شيء يكون فيه أصله ومبدؤه، نحو معدن الذهب والفضّة، والأشياء والجمع: المعادن، ومنه

ص: 230


1- القاموس المحيط 4: 350 .

حديث بلال بن الحارث: أنّه أقطعه معادن القبليّة وهي المواضع التي تستخرج منها جواهر الأرض(1) .

وفي النهاية لابن الأثير: المعادن، المواضع التي تستخرج منها جواهر الأرض كالذهب والفضّة والنحاس وغير ذلك، وأحدها: معدن، والعدن: الإقامة والمعدن: مركز كلّ شيء(2). وكذا في غيرها من كتب اللغة(3).

وعن بعضهم إرادة الحالّ، كما هو المحكي عن المغرب، قال في ذخيرة المعاد: وفي المغرب: عدن بالمكان أقام به، ومنه المعدن لما خلق الله تعالى في الأرض من الذهب والفضّة؛ لأنّ الناس يقيمون به الصيف والشتاء، وقيل: لإنبات الله تعالى فيه جوهرهما وإنباته إيّاه في الأرض حتّى عدن فيها أي نبت(4).

وفي تهذيب اللغة: ومعدن الذهب والفضّة سمي معدناً لإنبات الله جلّ وعزّ فيه جوهرهما وإثباته إيّاه في الأرض حتّى عدن أي ثبت فيها(5).

ومن الواضح أنّ بعضهم خصّ المعدن بالذهب والفضّة، وعمّمها آخرون لجواهر الأرض، بعد أن كان المعدن بشكل مطلق يطلق على المنبت والمحل، فهنا إطلاقان في اللغة: إطلاق عام ويراد به المحلّ والمنبت، وإطلاق بالإضافة

ص: 231


1- تاج العروس 18: 371 .
2- النهاية 3: 192 .
3- أُنظر: مجمع البحرين 6: 281، والمصباح المنير: 397 .
4- ذخيرة المعاد: 478 .
5- تهذيب اللغة 2 / 218 - 219 .

فيقال: معدن الذهب ومعدن الفضّة وهكذا.

وما قاله اللغويون وإن كان أظهر لموافقته لوضع اللفظ بحسب الهيئة، إلاّ أنّه لما كان الغرض هو بيان الموضوع للحكم الشرعي - وهو الحالّ - فلذا فسّره الفقهاء به.

ثمّ إنّهم اختلفوا في تحديد المعدن، فقال بعضهم: إنّه مطلق ما يكون في الأرض ولو كان مائعاً: كالقير والنفط وأمثاله: مع كونه خارجاً عن حقيقة الأرض وله قيمة، كما عن «التذكرة» و«المنتهى» (1). وقال آخرون: إنّه مطلق ما يكون في الأرض وإن لم يكن خارجاً عنها: كالأحجار الكريمة وطين الغسل وغيرهما، كما يظهر من «المصباح» و«اللسان»، و«الروضة البهيّة»(2).

فلذا يختلف الموضوع سعة وضيقاً، ولكنّ المناط هو ما جعل موضوعاً في الروايات، ويصدق عليه اسم المعدن عرفاً، وهو كلّ ما يستخرج من الأرض ويعظم الانتفاع به، سواء كان من جنس الأرض كالأحجار الكريمة أم من غير جنسها كالفلزّات من الذهب والفضّة والرصاص، ونحوها من النفط والكبريت.

فلابد من اعتبار ما يستفاد من الروايات، فإنّها هي المحدّدة للموضوع:

فمنها: صحيحة زرارة المتقدّمة: قال: سألته عن المعادن، ما فيها؟ فقال:

ص: 232


1- تذكرة الفقهاء 5: 409، منتهى المطلب 8: 514 .
2- المصباح المنير: 397 «مادّة عدن»، ولسان العرب 3: 2535، «مادّة عدن»، والروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقية 2: 66 .

«كلّ ما كان ركازاً ففيه الخمس»(1).

وهي تدلّ على أنّ كلّ ما كان ثابتاً ومركوزاً في مكان وله قيمة فهو متعلّق للخمس، سواء صدق عليه اسم المعدن أم لم يصدق.ومنها: صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة أيضاً(2) فقد ذكر فيها مصاديق للمعدن.

وعليه، فما ذكره الشهيد الثاني في المسالك - من أنّ المعادن، «جمع معدِن - بكسر الدال - وهو هنا كلّ ما استخرج من الأرض ممّا كان منها بحيث يشمل على خصوصيّة يعظم الانتفاع بها، ومنها الملح والجص وطين الغسل وحجارة الرحى والمغرّة» (3)- تفسير جامع للمعدن الّذي هو موضوع الخمس، ولكن يضاف إليه: أو ممّا لم يكن منها ليشمل مثل النفط والقير وأمثالهما.

ص: 233


1- وسائل الشيعة 492:9، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3 .
2- وسائل الشيعة 491:1، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1 .
3- مسالك الأفهام 1: 458 .

وإذا شكّ في الصدق لم يلحقه حكمها فلا يجب خمسه من هذه الحيثيّة، بل يدخل في أرباح المكاسب ويجب خمسه إذا زادت عن مؤونة السنة من غير اعتبار بلوغ النّصاب فيه[1].

الشكّ في صدق المعدن:

[1] إذا شكّ في ذلك كما في الجص والنورة وطين الغسل، والطين الأحمر وهو المغرّة ونحوها، فمقتضى الأصل هو عموم ما دلّ على أن كلّ ما أفاد النّاس من قليل أو كثير ففيه الخمس بعد المؤونة؛ لأنّ المشكوك يصدق عليه أنّه فائدة يقيناً، وقد خصّص هذا العام بالأدلة الدالة على لزوم تخميس المعادن فوراً بلا انتظار إلى سنة، مع اعتبار النّصاب فيها أيضاً، إلاّ أنّ هذا فيما علم كونه من المعادن، وأمّا فيما شكّ في صدق المعدن عليه فيكون الشك فيه من الشك في مفهوم المخصّص المنفصل من جهة السعة والضيق، ومقتضى القاعدة هو الاقتصار على القدر المتيقن، والرجوع في المشكوك إلى عموم العام وهو وجوب التخميس بعد المؤونة، وحينئذٍ لا يعتبر فيه النّصاب أيضاً.

هذا، ولكن إذا قلنا بأنّ المرجع بعد الشك هو الأصل العملي لسقوط العام عن الحجّية من جهة إجمال المخصّص، فمع كونه فائدة إلاّ أنّه لا يجب فيه الخمس إلاّ بعد مؤونة السنة؛ لأصالة البراءة، وأيضاً لا يجب فيه الخمس إلاّ بعد بلوغه حدّ النّصاب، للأصل المذكور أيضاً.

ومن هذا يظهر أنّ ما ذكره السيّد الأستاذ(قدس سره) بدواً من أنّ المرجع هو

ص: 234

ولا فرق في وجوب إخراج خمس المعدن بين أن يكون في أرض مباحة أو مملوكة، وبين أن يكون تحت الأرض أو على ظهرها [1].

الأصل العملي ومع ذلك لم يذكر فيه النّصاب(1) محل نظر.

ثم إنّ ما ذكره بعد ذلك من التمسّك بأصالة العموم، لا يخلو من تهافت.

خمس المعدن وإباحة الأرض:

[1] الجهة الثانية: إنّه لا فرق في الحكم بوجوب الخمس في المعدن بين أن يكون من أرضٍ مباحة أو مملوكة، ولا بين ما إذا كانت الأرض مملوكة للمستخرج أو ملكاً لآخر مع كونها مؤجّرة للمخرج ولا بين أن تكون مملوكة للمسلمين أو مملوكة للكافر. فإنّه في جميع التقادير يجب الخمس؛ لإطلاق الأدلة. فإنّها جعلت الخمس في جميعها على رقبة المعدن بلا فرق بين هذه الأقسام بلا كلام.

إنّما الكلام في أنّ الوجوب على المالك أو على المخرج، وسيأتي التعرّض لذلك إن شاء الله تعالى.

ص: 235


1- المستند في شرح العروة الوثقى، الخمس: 35 .

ولا بين أن يكون المخرج مسلماً أو كافراً ذمّياً، بل ولو حربيّاً، ولا بين أن يكون بالغاً أو صبيّاً وعاقلاً أو مجنوناً، فيجب على وليّهما إخراج الخمس [1].

خمس المعدن وشخص المخرج:

[1] الجهة الثالثة: هل يجب الخمس على المخرج إذا كان كافراً أو صغيراً أو مجنوناً؟

والكلام يقع في مقامين:

المقام الأوّل: فيما إذا كان المخرج كافراً .

والمقام الثاني فيما إذا كان المخرج صغيراً أو مجنوناً .

الخمس وتكليف الكفّار:

أمّا المقام الأوّل: فالظاهر من غير واحد من الفقهاء التسالم على الحكم بوجوب الخمس والزكاة على الكافر كغيرهما من الفروع، بل يظهر من بعضهم الإجماع على ذلك.

واختار السيّد الأستاذ(قدس سره) تبعاً لصاحب الحدائق والمحدّث الاسترابادي والكاشاني: عدم الوجوب(1).

ص: 236


1- المستند في شرح العروة الوثقى، الزكاة 1: 121، الحدائق الناضرة 3: 39 - 40، وانظر: الفوائد المدنيّة: 448 - 449، والوافي 2: 82 ، بيان الحديث 523، وتفسير الصافي 2: 494، سورة السجدة: 7 .

وحيث إنّ المسألة من فروع الكبرى الكلّية، وهي أنّ الكفار هل هم مكلّفون بالفروع كما أنّهم مكلفون بالأصول أو لا؟ اقتضى المقام بسط الكلام فيها. فالبحث يقع في أمرين:

الأمر الأوّل: في كلام الفقهاءحول المسألة. والأمر الثاني: في بيان الأدلّة على القولين في المسألة.

كلام الفقهاء حول المسألة:

أمّا الأمر الأوّل: فالظاهر من غير واحد من الفقهاء التسالم على الحكم بوجوب الخمس على الكافر، بل يظهر من بعضهم الإجماع على ذلك. واختار قلّة من أصحابنا عدم الوجوب، كما سيظهر من نقل الأقوال.

قال العلاّمة في التذكرة عند بيان شروط الفطرة: «الإسلام ليس شرطاً في الوجوب، بل تجب على الكافر الفطرة وإن كان أصليّاً، عند علمائنا أجمع، لكن لا يصح منه أداؤها» (1).

وقال سيّد المدارك: «الغسل يجب على الكافر عند حصول سببه، لكن لا يصحّ منه في حال كفره. أمّا الوجوب فمذهب علمائنا وأكثر العامّة؛ تمسكاً بعموم اللفظ المتناول للكافر وغيره، وزعم أبو حنيفة أنّ الكافر غير مخاطب

ص: 237


1- تذكرة الفقهاء 5: 371 .

بشيء من الفروع. ولا ريب في بطلانه» (1).

وقال صاحب الجواهر فيه: «والكافر تجب عليه الزكاة بلا خلاف معتدّ به فيه بيننا؛ لأنّها من الفروع التي قد حكي الإجماع في كتب الفروع والأصول على خطابه بها»(2).

وقال المحقق الهمداني في مصباحه - كتاب الطهارة - : «وأمّا أصل وجوب الغسل عليه وكذا غيره من التكاليف الواجبة في الشريعة فلا إشكال، بل لا خلاف فيه على الظاهر عندنا؛ فإنّه لم ينقل الخلاف فيه من أحد من الخاصّة والعامّة إلاّ من أبي حنيفة.

نعم اختار الخلاف صاحب الحدائق وفاقاً لما حكاه عن المحدّث الكاشاني واستظهره من المحدث الأمين الاسترآبادي»(3).

إلى غير ذلك من كلمات الأصحاب التي لا تخفى على المتتبّع(4) وهي بمضمون ما نقلناه هنا.

بيان أدلّة القولين في المسألة:

وأمّا الأمر الثاني: وهو في بيان أدلة القولين في المسألة.

ص: 238


1- مدارك الأحكام 1: 276 .
2- جواهر الكلام 15: 61 .
3- مصباح الفقيه 3: 268 .
4- راجع على سبيل المثال: كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري 2: 567، منتهى المطلب 2: 188، مستند الشيعة 2: 282، مفتاح الكرامة 11: 104 .

استدل على قول المشهور - بعد الإجماع - بالكتاب والسنّة والعقل.

أمّا الكتاب: فبعدّة آيات شريفة:

منها: قوله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(1).

فلو كانوا غير مكلّفين بالفروع ولم يوضع عليهم قلم التكليف، وكانت المحرّمات والواجبات مباحة في حقهم لما صحّ مؤاخذتهم ومساءلتهم عن أعمالهم، فمن ذلك يظهر أنّهم مكلّفون بالفروع.

ومنها: قوله تعالى: { قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ}(2).

ومنها: قوله تعالى: { وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}(3).

ومنها: قوله تعالى: {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى}(4).

إلى غير ذلك من الآيات الدالّة على أنّ الأعمال الواجبة كانت مطلوبة من الكفّار والمشركين والدالّة على أنّهم سيحاسبون على تركهم الواجبات وفعلهم المحرّمات.

ص: 239


1- سورة الحجر: 92 - 93 .
2- سورة المدثر: 43 - 44 .
3- سورة فصلت: 6 - 7 .
4- سورة القيامة: 31 - 32 .

أضف إلى ذلك: ما دلّ على ثبوت التكاليف على النّاس من عمومات وإطلاقات الخطابات الواردة في الكتاب الكريم: كقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً }(1)، وقوله تعالى: {وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِين} (2)، وقوله تعالى: { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه}(3)، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ} (4)، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً} (5)، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} (6)، إلى غير ذلك من الآيات الشاملة لجميع النّاس .

وأمّا السنّة: فإنّه تدلّ على ذلك كثير من الروايات التي يستفاد منها أنّ الأحكام مفترضة على كافة العباد، وأنّها جزء الإيمان.

منها: رواية أبي بصير(7) قال: سمعته يسأل أبا عبد الله(علیه السلام) ... - إلى أن سأل -

ص: 240


1- سورة التوبة: 103 .
2- سورة آل عمران: 97 .
3- سورة الزلزلة: 7 - 8 .
4- سورة البقرة: 21 .
5- سورة البقرة: 168 .
6- سورة النساء: 1 .
7- يمكن القول باعتبار الرواية على مبنى الشيخ الاستاذ (حفظه الله) وإن ورد في سندها: صالح بن السندي، وابن أبي حمزة، فإنّ الأوّل ورد في أسناد كتاب نوادر الحكمة، والثاني كانت رواياته قبل قوله بالوقف، وذلك لقرينة كلام النجاشي عنه: روى عن أبي الحسن موسى وروى عن أبي عبد الله(علیه السلام) ثم وقف. فإنّ المستفاد منه أنّ رواياته كانت قبل قوله بالوقف، وبقرينة رواية جعفر بن بشير عنه يستفاد أنّ الرواية كانت في حال استقامته.

عن الدين الذي افترض الله عزّوجلّ على العباد، ما لا يسعهم جهله ولا يقبل منهم غيره، ما هو؟ ... فقال: شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ)، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً، وصوم شهر رمضان، ثمّ سكت قليلاً، ثم قال: والولاية - مرّتين- ...،(1).

ومنها: صحيحة سليمان بن خالد، وهي بمضمون الرواية السابقة(2).

وغيرهما من الروايات، وبهذا يعلم أنّهم مأمورون بالإسلام والإيمان، ومكلّفون بالصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها من الأحكام.

وأمّا العقل: فاستدل:

أوّلاً: بوجود المقتضي لتكليفهم وعدم المانع منه، فإنّه - بناء على مذهب العدليّة من وجود المصالح والمفاسد في متعلّقات الأحكام، بلا فرق بين الأفراد، سواء أدرك العقل حسنها كوجوب ردّ الأمانة أو قبحها كأكل مال الغير بلا وجه حقّ أم لم يدرك ذلك - يحكم العقل بشمول التكاليف لكلّ أفراد الإنسان بلا اختصاص لها بأفراد دون آخرين.

ص: 241


1- الكافي 2: 26، كتاب الإيمان والكفر الباب 13، الحديث 11، ووسائل الشيعة 1: 18، الباب 1 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 12، مع اختلاف يسير في المتن .
2- من لا يحضره الفقيه 1: 204، الحديث 612، ووسائل الشيعة 1: 19، الباب 1 من أبواب مقدّمة العبادات، الحديث 17 .

وأمّا بناء على قول الأشاعرة - من عدم تبعيّة الأحكام للمصالح والمفاسد الواقعيّة - فكذلك من جهة عمومات الخطابات وإطلاقاتها الشاملة لجميع الأفراد من دون اختصاص بفرد دون آخر.

وأمّا عدم كون الكفر مانعاً من التكليف فلعدم تصوّر الوجه في ذلك إلاّ من جهة عدم اعتقادهم بأصل الدين، وعدم صحّة عملهم لو امتثلوا التعاليم بدون الدخول في الإسلام، وسيأتي إن شاء الله أنّ هذا غير مانع.وثانياً: بلزوم المساواة بين من صدرت عنه عظائم الجرائم من الكفار كظلم المؤمنين وقتلهم وسبي ذراريهم وتخريب الكعبة وإحراق المصحف الشريف وبين الكافر الّذي لم يصدر عنه شيء من ذلك - إذا قلنا بأنّهم غير مكلّفين بالفروع - بل تلزم المساواة - لو قلنا بعدم تكليفهم بها - بين الكافر الّذي أعان المسلمين وآواهم وشيّد أركان الدين وبين من قتل النّاس من شرق الأرض إلى غربها ونهب الأموال وأفسد في الأرض، وعذابهما واحد في الآخرة. وبطلان هذا من البديهيات.

واستدل النافون بوجوه:

أحدها: عدم المقتضي لتكليفهم؛ فإنّ ما ذكر من العمومات والإطلاقات على قسمين: فقسم منها مختصّ بالمؤمنين، وليس فيها عموم أو إطلاق وهي أكثرها.

والقسم الآخر: وإن كان لها عموم أو إطلاق إلاّ أنّها مخصّصة أو مقيّدة بغيرها من الآيات، وبيان ذلك: إنّ قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَة}(1)

ص: 242


1- سورة التوبة: 103 .

جاء بعده قوله عزّوجلّ: {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ}، والكافر غير قابل للتطهير والتزكية والصلاة عليه، فهذه قرينة على الاختصاص بالمؤمن، فلا يطالب بالزكاة من كان كافراً. فهذه الآية لا تصلح للاستدلال بها على تكليف الكفّار بالفروع.

وكذلك قوله تعالى: {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِين}(1) وقوله تعالى: {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى} (2)،

لاحتمال أن يكون عدم الإتيان إشارة إلى ترك الواجب بترك الإسلام والتكذيب لأمر الآخرة.

وكذلك قوله عزّوجلّ:{وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ* الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاة}276) لاحتمال أن يكون عدم إعطاء الزكاة دليلاً على الشرك ومثبتاً له، وأنّ تارك الزكاة مشرك عملاً وكافر بالآخرة، فمع وجود هذا الاحتمال لا يصح الاستدلال بهذه الآيات على تكليف الكفّار بالفروع .

وأمّا قوله تعالى: {الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}(3)، فالمراد بالنكاح هنا هو الوطئ الخارجي لا عقد النكاح؛ لأنّ ذلك محرّم بين المسلم والمشركة وبين المسلمة والمشرك باتفاق المسلمين، فيكون المراد من الآية الشريفة ما هو المتعارف خارجاً - بمقتضى قانون السنخيّة، وأنّ شبه الشيء منجذب إليه

ص: 243


1- سورة المدثّر: 43 - 44 .
2- سورة القيامة: 31 .
3- سورة النور: 3 .

- من أنّ الزاني لا يجد مَن يزني بها إلاّ زانية مثله أو مشركة، وكذا الزانية لا تجد من يزني بها إلاّ زانٍ مثلها أو مشرك، وحرّم ذلك على المؤمنين، فخص هنا حرمة الزنا بالمؤمن دون الكافر والمشرك.

ثانيها: بسيرة النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) والمعصومين(علیهم السلام)، بل المسلمين قاطبة خلفاً عن سلف، فإنّها قائمة على عدم مؤاخذة الكفّار حتّى الذمّي منهم بشي ء من الأحكام، فلا يؤمرون بالصلاة، ولا بالصيام، ولا بالحج، كما لا ينهون عن شرب الخمر، أو القمار، أو الإفطار في شهر رمضان، ولا تجري عليهم الحدود، إلاّ فيما دلّ عليه دليل بالخصوص، مع أنّهم لو كانوا مكلّفين بالفروع لوجب ذلك، ولو من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ولم يرد عن النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) أو أحد المعصومين(علیهم السلام) أنّه أخذ منهم الزكاة، أو طالبهم بها، ولو كان لبان ونقل إلينا(1).

وذلك يدلّ على أنّهم غير مكلّفين إلاّ بالأصول.

ثالثها: بالروايات وهي على طائفتين:

الأولى: الروايات الدالّة على توقّف التكليف على الإقرار بالشهادتين.

فمنها: ما رواه الكليني في الصحيح عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر(علیه السلام): أخبرني عن معرفة الإمام منكم واجبة على جميع الخلق؟ فقال: «إنّ الله عزوجلّ بعث محمداً(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) إلى النّاس أجمعين رسولاً وحجّة لله على جميع خلقه في أرضه، فمن آمن بالله وبمحمد رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) واتّبعه

ص: 244


1- مستند العروة الوثقى، كتاب الزكاة 1: 121.-122 بتصرّف .

وصدّقه، فإنّ معرفة الإمام منّا واجبة عليه، ومن لم يؤمن بالله وبرسوله ولم يتبعه ولم يصدّقه ويعرف حقّهما، فكيف يجب عليه معرفة الإمام وهو لا يؤمن بالله ورسوله ويعرف حقّهما؟» (1).وهذه الرواية من حيث السند صحيحة، ومن حيث الدلالة واضحة، فإنّه إذا لم تجب معرفة الإمام قبل الإيمان بالله ورسوله وهي من أهم الواجبات، فعدم وجوب الفروع والأحكام التي تؤخذ من الإمام(علیه السلام) بطريق أولى.

ومنها: ما رواه القمي في تفسيره بسنده عن أبان بن تغلب، قال: قال لي أبو عبد الله(علیه السلام): «يا أبان أترى أنّ الله عزّوجلّ طلب من المشركين زكاة أموالهم، وهم يشركون به حيث يقول: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}؟» قلت له: كيف ذلك جعلت فداك فسّره لي؟ فقال: «... يا أبان إنّما دعا الله العباد إلى الإيمان به، فإذا آمنوا بالله وبرسوله افترض عليهم الفرائض» (2).

وهذه الرواية واضحة الدلالة على أنّ الخطاب بالتكاليف مشروط بالإيمان بالله ورسوله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ).

ومنها: ما رواه الطبرسي في الاحتجاج عن أمير المؤمنين(علیه السلام): «... فكان أوّل ما قيّدهم به الإقرار بالوحدانيّة والربوبيّة والشهادة بأن لا إله إلا الله، فلما أقرّوا بذلك تلاه بالإقرار لنبيّه(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) بالنبوة والشهادة له بالرسالة، فلمّا انقادوا لذلك فرض عليهم الصلاة ثمّ الصوم ثمّ الحج ثمّ الجهاد

ص: 245


1- الكافي 1: 235، كتاب الحجّة الباب 64، الحديث 3 .
2- تفسير القمي: 262:2، سورة فصّلت: 7 .

ثمّ الزكاة...»(1).

وهذه الرواية واضحة الدلالة؛ فإنّها تدلّ على أنّ الأحكام شرّعت تدريجاً وأوّلها الإقرار بالوحدانيّة والربوبيّة، ويتلوه الإقرار بالنبوّة، وهكذا.

ومنه يعلم: أنّه ما لم يتحقق الإيمان بالله ورسوله فلا تكليف بسائر الأحكام.

الثانية: الروايات الدالّة على وجوب طلب العلم والحثّ عليه(2)، كقوله(علیه السلام): «قال رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ): طلب العلم فريضة على كلِّ مسلم...»(3).

والمستفاد من هذه الروايات أنّ الوجوب إنّما هو على المسلم دون مطلق البالغ العاقل حتّى يكون شاملاً للكافر.

رابعها: بالعقل، ودلالته من وجهين:

الأوّل: أنّ الكفّار جاهلون بالأحكام، وجهلهم وإن كان مركباً إلاّ أنّه لا يمكن توجيه الخطاب إليهم، فإنّ تكليف الجاهل بما هو جاهل - تصوّراً أو تصديقاً، أي بسيطاً أو مركّباً - تكليف بما لا يطاق، وهو محال .

ص: 246


1- الاحتجاج 1: 601، وبحار الأنوار 90: 122 .
2- بصائر الدرجات 1: 8، الباب 1، الحديث 2 و 4 و 5، ووسائل الشيعة 27: 25 - 30، الباب 4 من أبواب صفات القاضي، الأحاديث 15 و 17 و 20 و 21 و 23 و 24 و 25 و 26 و 27 و 28 و 35 .
3- المحاسن 1: 353، باب فرض طلب العلم، الحديث 745، وبصائر الدرجات 1: 8، الباب1، الحديث 1 و 3، ووسائل الشيعة 27: 26، الباب 4 من أبواب صفات القاضي، الحديث 16 و 18 .

الثاني: أنّ تكليف الكفّار بالفروع حال كفرهم تكليف بما لا يصح منهم؛ لما تقرّر من أنّ صحّة العبادة مشروطة بالإسلام وقصد القربة، وإن كان المراد بذلك هو تكليفهم بعد الإسلام فهو مناف لما ورد من أنّ الإسلام يَجبُّ ما كان قبله(1).

وما قيل في الجواب عن هذين الوجهين: من أنّ عدم التمكّن إنّما هو بسوء الإختيار لعدم قبولهم الإسلام، فإنّهم لو قبلوه لكانوا متمكّنين من الأداء والقضاء، وقد تقرّر أنّ الإمتناع بالإختيار لا ينافي الإختيار عقاباً وإن نافاه خطاباً، فالتكليف وإن كان ساقطاً بمناط امتناع خطاب العاجز ولكن الملاك الفعلي الملزم متحقّق، وتفويته موجب للعقاب بحكم العقل، ومن ذلك يعلم أنّه لا مانع من القول بأنّ الكفّار مكلّفون بالفروع كالمسلمين بمناط واحد.

مدفوع بما أجاب به السيّد الأستاذ(قدس سره) وحاصله: أنّ هذا وإن كان ممكناً ثبوتاً إلاّ أنّه عارٍ عن الدليل في مرحلة الإثبات؛ إذ لا طريق لنا إلى استعلام ملاكات الأحكام من غير ناحية الأوامر أنفسها، والمفروض امتناع تعلّق الأمر في المقام؛ لعدم قبوله للإمتثال في حال من الحالات، ومعه كيف يستكشف تحقّق المناط والملاك ليكون تفويته المستند إلى سوء الاختيار مستوجباً للعقاب؟ (2).

فأدلّة الأحكام التكليفيّة قاصرة الشمول .

ص: 247


1- مصباح الفقيه 13: 91.-92 قريب منه، والمستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الزكاة 1: 123 .
2- مستند العروة الوثقى، كتاب الزكاة 1: 124 .

وأمّا أدلّة الأحكام الوضعيّة فالظاهر أنّ الوارد منها في الزكاة لا إطلاق له؛ لأنّها واردة في مقام بيان المقدار لا في مقام بيان الموارد.والمتحصّل: أنّ الخطابات لا تشمل الكفّار لا تكليفاً ولا وضعاً.

والتحقيق: أنّ في أدلّة كلّ من الطرفين مجالاً للتأمّل .

أمّا أدلة المشهور ففيها:

أوّلاً: إنّ التمسّك بالآيات بكلا القسمين غير تام:

أمّا القسم الأوّل من الآيات ففيه: أنّ الآية الأولى وهي قوله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وإن وردت في شأن كفّار قريش كما دلّت عليه بعض الروايات(1) إلاّ أنّ المراد بالموصول في قوله تعالى: {عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُون} هو ما أشارت إليه الآيات المتقدّمة عليها وهي قوله: {كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ * الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ}(2) أي أنّ فعلهم هو جعل القرآن عضين وسيسألون عنه، وهو من الأصول قطعاً ولا ربط له بالفروع. ومع هذا الاحتمال فالدلالة ساقطة.

وأمّا الآيات الأخرى كقوله تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ...} وقوله تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} وقوله تعالى: {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى* وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} وغيرها فقد تقدّم الجواب عنها في أدلّة النافين.

ص: 248


1- تفسير البرهان 4: 416، سورة الحجر: 92 - 93 .
2- سورة الحجر: 90 - 91.

وأمّا القسم الثاني من الآيات وهي العمومات والإطلاقات ففيها: ما أجاب به السيّد الأستاذ(قدس سره) .

وحاصله: أنّ توجيه التكليف بالفروع إلى الكافر ممتنع؛ إذ لا يصحّ العمل منه حال الكفر، وبعد إسلامه يسقط التكليف عنه؛ لأنّ الإسلام يجبُّ ما كان قبله فكيف يكون مكلفاً؟(1).

ونظير ذلك ما أشكل به صاحب المدارك، وملخّصه: أنّ تكليف الكافر بالأداء في الوقت ممكن بأن يختار الإسلام فيصلي أداء، وأمّا تكليفه بالقضاء فمتعذّر، لعدم التمكّن من امتثاله، لا في حال الكفر؛ لعدم صحّته منه بعد فقد شرط الطهارة وعدم قصد القربة، مضافاً إلى اشتراط العبادة بالولاية فضلاً عن الإسلام، ولا في حال الإسلام؛ لسقوطه عنه عندئذ بمقتضى حديث الجبّ وغيره، فالتكليف غير قابل للامتثال في كلتا الحالتين، ومعه كيف يصحّ تعلّقه به؟!(2).

فالعمومات والإطلاقات التي ادّعي أنّها شاملة للكفّار قاصرة الدلالة.

وأمّا ما ورد في أدلّة النافين من أنّها مخصّصة أو مقيّدة بما ورد في بعض الآيات الأخرى الدالة على توجيه الخطاب للمؤمنين كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ...} وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ...} وغيرهما فهو في غير محلّه؛ وذلك لأنّ المقام ليس من موارد التخصيص والتقييد، إذ المفروض أنّ كلًّا

ص: 249


1- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الزكاة 1: 123 بتصرّف .
2- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الزكاة 1: 123، ومدارك الأحكام 5: 42 .

منها مثبت للتكليف، ولا تنافي بينها ليخصّص العام أو يقيّد المطلق.

ويتلوه في الضعف: الإشكال بأنّ الكفّار جاهلون بالأحكام، ويمتنع شمول التكليف للجاهل؛ ووجه الضعف: أنّ التكاليف ليست مختصّة بالعالم، بل هي مشتركة بين العالم والجاهل، وإلاّ لزمت المحاذير الكثيرة المذكورة في محلّها.

وثانياً: إنّ التمسّك بالروايات على شمول التكليف للكفّار غير تام أيضاً، ويظهر الإشكال فيها ممّا تقدم في الآيات، فإنّ هذه الروايات وإن كان ظاهرها يدلّ على أنّ الكفّار مكلّفون بالفروع إلاّ أنّها محمولة على الروايات التي استدلّ بها النافون على أنّ تكليفهم بالفروع مشروط بالإقرار بالشهادتين.

هذا، والعمدة هو الإشكال الأول، وقد وصفه السيّد الأستاذ بأنّه حسن لا مدفع عنه، ولكنّه عقّب ذلك بقوله: أجل قد يجاب عنه [بما حاصله]: أنّه وإن لم يكن هناك تكليف إلاّ أنّ مناط التكليف موجود، وهو قدرته على قبول الإسلام والاتيان بالواجب في وقته والقضاء في خارجه، وقد فوّت على نفسه بسوء اختياره.ودفعه(قدس سره) بما تقدّم وخلاصته: أنّه وإن كان ممكناً ثبوتاً إلاّ أنّه في مقام الإثبات عارٍ عن الدليل؛ إذ لا طريق لاستعلام ملاكات الأحكام إلاّ من ناحية الأوامر أنفسها، والمفروض امتناع تعلّق الأمر في المقام(1).

ولكن الظاهر أنّ أصل الإشكال والمناقشة في الجواب قابلان للدفع.

ص: 250


1- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الزكاة 1: 123-124 بتصرّف .

أمّا أصل الإشكال، فإنّه مضافاً إلى أنّ هذا الوجه مختصّ بالعباديات ولا يرد في التوصليات، يمكن القول: إنّ الكافر قد يتسنّى له الإتيان بالتكليف العبادي في بعض الحالات، كما إذا قبل الإسلام بعد دخول الوقت، فإنّه يجب عليه الإتيان بالصلاة ولا تسقط عنه، فهو في حال كفره مأمور بالعبادة وبعد إسلامه يصحّ اتيانها منه.

نعم لو أسلم بعد خروج الوقت فلا يمكنه الإتيان بالعبادة صحيحة في الوقت وليس عليه القضاء. وحيث إنّه يمكنه الإتيان بالعبادة في بعض الحالات كما ذكرنا صحّ تعلّق التكليف به ولا يلزم المحذور المتقدّم، وهو عدم إمكان الإتيان بالفعل أصلاً، فأصل الإشكال غير وارد.

وأمّا ما ذكر من المناقشة في الجواب عنه بعدم الطريق لاستعلام ملاك الحكم من غير ناحية الأوامر أنفسها، والمفروض امتناع تعلّق الأمر في المقام ففيه:

أوّلاً: أنّه يكفي في كشف المناط الدليلان العقليّان المتقدّمان اللذان استند إليهما المشهور.

وثانياً: أنّ نفس حديث الجبّ الذي يبتني هذا الإشكال عليه يدلّ على ذلك، فإنّ الجبّ هو القطع ومفاد ذلك أنّ التكليف ثابت عليه، وأنّ جميع الآثار واللوازم مترتبة عليه، لكنّ الإسلام أسقطها عنه بقبوله الإسلام تسهيلاً وتخفيفاً عليه.

وقد ورد هذا المضمون في روايات أخرى منها: ما رواه الكليني بسنده عن فضيل بن عيّاض، قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن الرجل يُحسن في

ص: 251

الإسلام، أيؤاخذ بما عمل في الجاهليّة؟ فقال: «قال النبي(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ): من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهليّة، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأوّل والآخر»(1) . نعم هي مقيّدة بالإحسان في الإسلام.

وممّا يؤكد ذلك أيضاً ما ورد في معتبرة أبي عمرو الزهري (الزبيديّ - الزبيري) عن أبي عبد الله(علیه السلام) حيث ورد فيها: «... لأنّ حكم الله عزّوجلّ في الأولين والآخرين وفرائضه عليهم سواء إلا من علّة أو حادث يكون، والأوّلون والآخرون أيضاً في منع الحوادث شركاء، والفرائض عليهم واحدة، يسأل الآخرون من أداء الفرائض عمّا يسأل عنه الأوّلون ويحاسبون عمّا به يحاسبون...» (2).

والظاهر منها أنّ جميع الأفراد في الحكم والفرائض سواء.

نعم قد يقال: إنّ المراد بذلك المؤمنون بقرينة السياق، وحينئذ فلا شاهد فيها، ولكن لا يبعد قوة الاحتمال الأوّل أي عمومها وشمولها لغير المؤمنين.

والحاصل: أنّه بناء على عدم ورود الاشكال - كما هو الظاهر - فعموم الآيات وإطلاقاتها شاملة للكافر كشمولها للمسلم، وكذلك الروايات الدالّة

ص: 252


1- الكافي 2: 433، كتاب الإيمان والكفر، الباب 205، الحديث 2، وصحيح البخاري 8: 62، الحديث 6921، وسنن الدارمي 1: 13، باب ما كان عليه الناس قبل مبعث النبي(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ)، الحديث 1، وصحيح مسلم: 78، الحديث 219، والسنن الكبرى 9: 123.
2- الكافي 5: 13، كتاب الجهاد، الباب 14، الحديث 1، وتهذيب الأحكام 6: 110، الحديث 224، ووسائل الشيعة 15: 34، الباب 9 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، الحديث1 مع اختلاف يسير فيهما .

على أنّ العمل بالأركان جزء من الإيمان، فإنّها باقية على حالها من الدلالة من دون حاجة إلى التصرّف فيها.

وأمّا أدلّة النافين فالظاهر: أنّها قابلة للبحث:

أمّا الوجه الأوّل: فقد ظهر ما فيه ممّا تقدّم، فإنّ المقتضي موجود ولا وجه لحمل العمومات والإطلاقات على خصوص المؤمنين.

وأمّا ما ذكره السيّد الأستاذ(1) في هذا المقام من التمسّك بقوله تعالى: {الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً... وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} فهو منه عجيب؛ لأنّ الآية الشريفة ممّا وقع فيها الخلاف، من جهة أنّ الحرمة تشريفيّة أو تكليفيّة، وأنّها منسوخة أو لا، وإذا كان الأمر كذلك فكيف يستدل بها على ما نحن فيه؟!وأمّا الوجه الثاني وهو عمدة ما استدل به السيّد الأستاذ في المستند(2)، ومثله صاحب الحدائق(3) ففيه: أنّ المفروض هو منع الكافر عن التجاهر بالمحرّمات، وأمّا العبادات فحيث إنّها مشروطة بقصد القربة فلا أثر للأمر بها، وأمّا المعاملات وسائر الأحكام فهي جارية على الكافر كما تجري على المسلم.

هذا، وقد ورد في معتبرة صفوان بن يحيى، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر

ص: 253


1- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الزكاة 1: 120 .
2- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الزكاة 1: 123 .
3- الحدائق الناضرة 3: 39-42 .

قالا: ذكرنا له الكوفة، وما وضع عليها من الخراج، وما سار فيها أهل بيته، فقال: «من أسلم طوعاً تركت أرضه في يده، وأخذ منه العشر ممّا سقت السماء والأنهار، ونصف العشر ممّا كان بالرّشا فيما عمّروه منها، وما لم يعمّروه منها أخذه الإمام فقبّله ممّن يعمّره وكان للمسلمين، وعلى المتقبّلين في حصصهم العشر ونصف العشر، وليس في أقلّ من خمسة أوساق شي ء من الزكاة، وما أخذ بالسيف فذلك إلى الإمام يقبّله بالّذي يرى، كما صنع رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) بخيبر، قبّل سوادها وبياضها يعني أرضها ونخلها، والنّاس يقولون: لا تصلح قبالة الأرض والنخل، وقد قبّل رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) خيبر، وعلى المتقبّلين - سوى قبالة الأرض - العشر ونصف العشر في حصصهم...»(1).

وبمضمونها صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: ذكرت لأبي الحسن الرضا(علیه السلام) الخراج وما سار به أهل بيته، فقال: «العشر ونصف العشر على من أسلم تطوعاً، تركت أرضه في يده وأخذ منه العشر ونصف العشر فيما عمّر منها...» الحديث (2).

وهاتان الروايتان معتبرتان(3) من حيث السند وواضحتان من حيث الدلالة،

ص: 254


1- الكافي 3: 505، كتاب الزكاة، الباب 276، الحديث 2، وتهذيب الأحكام 4: 36، الحديث 96، والمصدر نفسه 4: 104، الحديث 340 مع اختلاف يسير في الموردين، ووسائل الشيعة 9: 182، الباب 4 من أبواب زكاة الغلاّت، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 4: 119، الحديث 342، ووسائل الشيعة 9: 184، الباب 4 من أبواب زكاة الغلاّت، الحديث 4 مع اختلاف يسير في المتن .
3- قد يقال: بأنّ الرواية الأولى في سندها علي بن أحمد بن أشيم وهو مجهول فلا تكون متعبرة. وجوابه: أنّ اعتبارها بناء على كون ابن أبي نصر عطفاً على علي بن أحمد بن أشيم كما استظهره صاحب الوسائل(رحمه الله)، وهو ليس ببعيد لكثرة رواية أحمد بن محمد بن عيسى عنه، كما أنّه راوٍ لكتابه وواقع في طريق الصدوق إليه.

فإنّ المستفاد من الرواية الأولى أنّ الزكاة كانت واجبة على أهل خيبر وهم اليهود الذين كانوا يقطنون أرض خيبر (1)ولم يكن أحد من المسلمين فيها، وهي أمر آخر غير قبالة الأرض، ويعني ذلك أنّهم مكلّفون بالزكاة.

وقد أشكل السيّد الأستاذ على الرواية الأولى من كلتا الجهتين:

أمّا من جهة السند فهي ضعيفة لوقوع عليّ بن أحمد بن أشيم في طريقها، وهو ممّن لم يرد فيه توثيق.

وأمّا من جهة الدلالة فلأنّ فيها:

أوّلاً: أنّه لم يظهر منها كفر المتقبّل، ولعل القبالة مع من أسلم منهم.

وثانياً: مع التسليم بكون الطرف كافراً ولكن مفادها وجوب العشر عليهم بمقتضى الشرط في ضمن العقد الواقع على قبالة الأرض، وهو أجنبي عن تعلّق الزكاة عليهم ابتداء الذي هو محلّ الكلام، فلا مساس لها بتكليف الكفّار بالفروع بوجه (2).

وما ذكره(قدس سره) غير تام.

أمّا الإشكال في سند الرواية فهو غير وارد؛ وذلك لأنّها وردت بسند آخر

ص: 255


1- معجم البلدان 1: 409-410 .
2- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الزكاة 1: 122 .

معتبر وهي الرواية الثانية المتقدّمة، وقد أوردها صاحب الوسائل بتمامها في موضع آخر من كتابه (1).

وعلى فرض أنّ كلتا الروايتين واحدة، واحتمال سقوط عليّ بن أحمد بن أشيم من السند فهو وإن كان بعيداً في نفسه إلاّ أنّه يمكن تصحيح سند الرواية من جهة أخرى وهي أنّ للشيخ طرقاً متعددة معتبرة إلى جميع روايات صفوان بن يحيى(2).

وعليه، فلا وجه لتضعيف سند الرواية.

وأمّا الإشكال في الدلالة ففي ما ذكره أوّلاً ما تقدّم من أنّ خيبر أرض كان يقطنها اليهود، ولذا فإنّ إطلاق أهل خيبر ينصرف إليهم خصوصاً مع جعله(علیه السلام) ذلك في مقابل القسمين الآخرين من قبالة الأرض للمسلمين.

وثانياً: أنّ ظاهر الرواية يدلّ على أنّ الحكم بالعشر أو نصف العشر ليس من جهة الشرط، بل هو مقتضى القاعدة، فقد ذكر هذا المقدار في القسمين الآخرين أيضاً من دون أن يكون هناك شرط، وكذلك في قوله(علیه السلام): «وعلى المتقبّلين سوى قبالته الأرض العشر ونصف العشر في حصصهم» فإنّ ظاهره أنّ الحكم هو وجوب العشر أو نصفه من دون شرط في البين.والحاصل: أنّ دلالة الرواية تامّة وأنّ الكفّار مكلّفون بالفروع في الجملة.

وممّا يؤيّد ذلك ما ورد في بعض روايات العامّة من أنّ الكفّار مأمورون

ص: 256


1- وسائل الشيعة 15: 158، الباب 72 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، الحديث 2 .
2- الفهرست: 241 / 356 .

بأحكام الإسلام، فقد روى أبو داود عن قيس بن عاصم قال: أتيت النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) أريد الإسلام فأمرني أن أغتسل (1). وأورد البيهقي في سننه عدّة روايات بهذا المضمون(2) .

وهي واضحة الدلالة وفي بعض الروايات ما يشعر بأنّ الغسل كان معروفاً عندهم، فقد روي عن سعد بن معاذ، وأُسيّد بن حضير حين أرادا الإسلام أنّهما سألا مصعب بن عمير، وأسعد بن زرارة: كيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الأمر؟ فقالا: نغتسل ونشهد شهادة الحقّ (3).

وهذه الروايات وإن كانت ضعيفة من حيث السند وقد وردت من طرق العامّة إلاّ أنّها مؤيدة لما ذكرناه.

ومن ذلك يظهر أنّ دعوى قيام السيرة على عدم تكليف الكفّار بالفروع غير تامّة، بل يمكن دعوى قيامها على العكس.

وأمّا الوجه الثالث فقد ناقش صاحب العوائد(4) فيه بوجوه:

الأوّل: عدم حجّية شي ء من تلك الأخبار، وعلى فرض اعتبارها سنداً ودلالة لابدّ من طرحها، لمخالفتها لعمل العلماء الأخيار، وشهرة القدماء، وآيات الكتاب العزيز، وعمومات الأخبار المتواترة.

ص: 257


1- سنن أبي داود: 81، كتاب الطهارة، الحديث 355 .
2- السنن الكبرى للبيهقي 1: 171- 172 .
3- المغني 1: 207 .
4- عوائد الأيّام: 289 - 290 .

وفيه: أنّه مع فرض تماميّة السند والدلالة تكون مخصّصة للآيات وعموم الروايات، وأمّا مخالفتها لعمل العلماء وشهرة القدماء فإنّه يتوقّف على إحراز الشهرة عند القدماء، فإن تمَّ إحرازها كانت موجبة لوهن الروايات كما بينّاه في مباحثنا الأصولية، ولكنّ الكلام في إحراز الشهرة.

نعم، لو قيل بالمعارضة بين ظواهر هذه الروايات وبين ظواهر ما دلّ على تكليف الكفّار قدّمت الأدلّة المثبتة لكثرتها وموافقتها للكتاب.

الثاني: أنّ الروايتين الأخيرتين ضعيفتان من حيث السند فلا تصلحان للاستدلال، بل إنّ الرواية الثالثة لا دلالة فيها أصلاً، وسيأتي الإشكال في الثانية.

الثالث: أنّ الرواية الأولى وإن كانت معتبرة السند إلاّ أنّ دلالتها غير تامّة. لما يلي:

أوّلاً: أنّ موردها الأصول الإعتقادية؛ فإنّها واردة في أمر الولاية، ومن المعلوم عدم حجّيّة خبر الواحد فيها.

وثانياً: أنّه مع الغضّ عن ذلك إلاّ أنّه لا دلالة فيها على المطلوب أصلاً؛ وذلك لأنّ المراد بكون الكفّار مكلّفين بالفروع، هو: أنّ الله سبحانه وتعالى طلب منهم أن يؤمنوا ثمّ يصلّوا مثلاً، فهم حال كفرهم مكلّفون بالإتيان بذلك الترتيب، أي: الإيمان أوّلاً ثمّ الصلاة، حتّى لو تركوهما معاً يترتّب على تركهم الصلاة ما يترتّب على ترك المؤمن إيّاها من العقاب والقضاء لولا الدليل على سقوطه، وغير ذلك. ولم يرد أنّ الله طلب منهم أن يصلّوا ولو مع الكفر، وإنّما ذلك شأن المطلوب منهم بلا ترتيب. ولاشك أنّ المولى إذا

ص: 258

أمر عبده بأشياء مرتباً فيقول له حين كونهما في البصرة: إذهب إلى بغداد، فإذا دخلتها ابن لي فيها بيتاً، فإذا بنيته فافرشه، وإذا فرشته اكنس فرشه، وإن تركت واحداً منها، أضربك عشرة أسواط، يكون العبد مكلّفاً بالذهاب إلى بغداد، وبناء البيت فيه، وفرشه، وكنس فرشه، ويقال عرفاً: إنّه مكلّف بجميع هذه الأمور، ولا يقال في شي ء منها: إنّه تكليف بما لا يطاق، ولو ترك الجميع يستحقّ بترك كلّ منها ضرب عشرة أسواط، ومع ذلك يصحّ أن يقال: إنّه لم يكلّفه ببناء البيت وهو في البصرة، ولا بالافتراش وهو لم يبن البيت بعد، وأنّه ما لم يدخل بغداد كيف يجب عليه بناء البيت؟ ومعناه: أنّ هذا التكليف ترتيبي، لم يطلب المتأخّر إلاّ بعد المتقدّم، فالترتيب في المطلوب لا في الطلب، فمعنى الرواية: أنّ الله سبحانه وتعالى لم يطلب معرفة الإمام وهو لم يعرف الله، أي حال عدم معرفته أو الزكاة حال الشرك، بل طلبه بالترتيب، أي طلب الترتيب، ألا ترى أنّ الله سبحانه طلب الصلاة من المؤمنين مطلقاً، ومع ذلك يصحّ أن يقال: إنّ الله سبحانه أمر العباد بعد دخول الوقت بالطهارة ثمّ الصلاة ثمّ ندبهم إلى التعقيب، أو أن يقال: مَن لم يتطهّر من الحدث، فكيف تجب عليه الصلاة وهو محدث؟ نظير قوله: فكيف يجب عليهمعرفة الإمام وهو لا يؤمن بالله؟ ويرد هذا بعينه على الرواية الثانية، فإنّ قوله: «وهم يشركون» صريح في الحاليّة، أي لم يطلب منهم الزكاة في هذا الحال، وهذا ظاهر غاية الظهور .

هذا، ولكن ما أفاده(قدس سره) مورد للتأمّل:

أمّا ما ذكره أوّلاً ففيه: أنّ أصل وجوب المعرفة وإن كان من الأصول الإعتقادية التي يجب فيها المعرفة والعلم وعقد القلب عليها، ولا يكون خبر

ص: 259

الواحد حجّة فيها، إلاّ أنّ في جواب الإمام(علیه السلام) بيان مرتبة هذا الواجب وأنّه بعد معرفة الله تعالى والنبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) وتصديقهما، وفي مثله لا مانع من العمل بخبر الواحد كما بيّن في محلّه من علم الأصول.

وأمّا ما ذكره ثانياً ففيه: أنّ الوارد في صدر الرواية والسؤال عن وجوب معرفة الإمام على جميع الخلق لا يخلو: إمّا أن يكون بمعنى مطلوبيّتها من جميع الخلق، وحينئذ فما ذكره متين جداً، وهكذا في الروايتين الأخيرتين، وإمّا أن يكون بمعنى الوجوب التكليفي فما أفاده غير تام؛ إذ لا تكليف عليهم حينئذ.

وأمّا قوله(علیه السلام): «فكيف تجب معرفة الإمام وهو لا يؤمن بالله» فهو قابل للحمل على كلا المعنيين .

وبناء على عدم الظهور في أحد الأمرين فيناقش في الرواية بأنّها مجملة من هذه الجهة، ولا يبعد الحمل على المعنى الأوّل للجمع بينها وبين ما تقدّم من الروايات - المعتضدة بالآيات - الدالّة على ثبوت التكليف على الكفّار.

وأمّا الرواية الثانية ففيها: أنّ التفسير المذكور لعلّه من البطون التي لا تمنع العمل بظواهرها ولا تزاحمه؛ فإنّ ألفاظ الآية ليست مجملة أو متشابهة.

وأمّا ما ورد في طلب العلم والحثّ عليه ففيه: أنّه لا يستفاد منه الحصر بحيث لا يجب على غير المسلم، على أنّ هناك روايات (1) وردت في هذا

ص: 260


1- وسائل الشيعة 27: 24-28، الباب 4 من أبواب صفات القاضي، الأحاديث 12 و 15 و 17 و 24 و 25 .

ويجوز للحاكم الشرعي إجبار الكافر[1] على دفع الخمس ممّا أخرجه وإن كان لو أسلم سقط عنه مع عدم بقاء عينه.

الشأن مطلقة من دون التقييد بالمسلم، ولعلّ تخصيص المسلم بالذكر في بعضها لكونه هو المستفيد من علمه والمنتفع به دون غيره، أو أشرفيّته أو لغير ذلك.

وأمّا الدليل العقلي فقد تقدّم الجواب عنه.

والحاصل: عدم تماميّة أدلّة النافين، وقد تقدّم أنّ بعض أدلّة المثبتين تامّة فالأظهر هو قول المشهور.

[1] ثمّ إنّه يتفرّع على ذلك أمران:

الأوّل: إجبار الكافر على دفع الخمس أو الزكاة.

نسب إلى جماعة منهم العلاّمة في المنتهى(1)، واختار الشهيد الثاني في المسالك (2) وصاحب الجواهر(3) والماتن وغيرهم، أنّ للإمام(علیه السلام) أو نائبه أخذهما قهراً من الكافر، وتبرأ ذمّته تبعاً.

وأورد على ذلك السيّد الأستاذ(قدس سره) إيرادات ثلاثة، والتزم بالأخير منها:

ص: 261


1- انظر منتهى المطلب 8: 306 .
2- مسالك الأفهام 1: 363 .
3- جواهر الكلام 15: 63 .

الأوّل: أنّ الخمس والزكاة من العبادات التي تفتقر إلى قصد التقرّب المتعذّر من الكافر، فكيف يسوغ أخذها قهراً ممّن لا تصحّ عبادته؟وأجاب عنه: بأنّ تعذّر رعاية العباديّة لا تسوّغ إهمال حقوق الفقراء وعدم استنقاذها من الممتنع بعد أن كان الحاكم الشرعي وليّاً عليهم في استيفاء أموالهم، كما هو الحال في الممتنع، أي أنّه وإن كان يصحّ منه الخمس والزكاة إن أدّاهما باختياره، ولكن في صورة الأخذ قهراً لا يتحقّق قصد القربة منه، فكما يقال باكتفاء أخذ الإمام(علیه السلام) أو نائبه هناك فكذلك في المقام.

الثاني: أنّ الزكاة والخمس يتعلّقان بالعين، إمّا بنحو الإشاعة، أو الكلّي في المعيّن، أو الشركة في الماليّة، وعلى أيّ تقدير فاختيار التطبيق والتعيين في المدفوع بيد صاحب المال دون غيره، فكيف يعيّن الحاكم الشرعي ما يأخذه منه قهراً؟

وأجاب عنه بإمكان الاستدلال عليه بأدلّة التقاصّ من الممتنع؛ إذ لا قصور في شمولها للمقام الذي هو في الحقيقة من صغريات ذاك الباب، فكما أنّ المالك أو من له الولاية على المال المغصوب كولي الصغير يجوز له الاستنقاذ والتقاصّ ولو من غير الجنس ممّا يعادله في الماليّة، وتعيين الحقّ فيه نافذ وممضى بمقتضى تلك الأدلّة فكذا فيما نحن فيه لوحدة المناط.

الثالث: إنّا ولو سلمنا تكليف الكفّار بالفروع إلاّ أنّ المفروض سقوط الزكاة والخمس بمجرد اختيار الإسلام، ولا سيّما إذا كانت العين تالفة؛ إذ لا خلاف ولا كلام في السقوط مع التلف، وعليه، فبأي موجب تؤخذ الزكاة أو الخمس منه قهراً بعد أن لم يصح منه حال الكفر، ولم يطلب منه حال

ص: 262

الإسلام؟

ومنه يظهر: أنّ تكليفه بذلك لو سلّم لا يستدعي المطالبة منه قهراً بوجه، ولاسيّما بعد ما ورد في صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر(علیه السلام) في أهل الجزية يؤخذ من أموالهم ومواشيهم شي ء سوى الجزية؟ قال: «لا»(1). وغيرها من الروايات.

وعليه، فأخذ شي ء منه مناف لصراحة هذه النصوص في أنّه لا شي ء عليه ما عدا الجزية .

على أنّ السيرة العمليّة خلفاً عن سلف قائمة على عدم مطالبته بها؛ إذ لم يعهد في عصر النبي(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) ولا في عهد الخلفاء جباية الزكوات والأخماس من الكفّار، ولم ينقل ذلك في تاريخ ولا رواية (2).

ولا يخفى إمكان دفع هذا الإيراد، وذلك لأنّ ملخّص ما ذكره(قدس سره) أنّ جواز الأخذ مناف لمقتضى القاعدة والنصّ والسيرة، فيقال:

أمّا القاعدة التي ذكرها وهي أنّه لا يصحّ منه حال الكفر، ولا يطلب منه بعد الإسلام، فهي وإن كانت صحيحة كما تقدّم إلاّ أنّ الطلب منه حال الكفر ممكن بلا مانع، ومقتضى ذلك صحّة الأخذ منه قهراً، وذلك أحد آثار الطلب والتكليف، وكذا إذا دفع عنه وكيله المسلم، فقد يقال بالصحّة أيضاً؛ فإنّه من

ص: 263


1- الكافي 3: 559، كتاب الزكاة، الباب 315، الحديث 7، ووسائل الشيعة 15: 151، الباب 68 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، الحديث 3 .
2- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الزكاة 1: 125 - 127 .

آثار الطلب.

وأمّا النصّ فقد تقدّم ما يعارضه، وهي صحيحة البزنطي، ولابدّ من الجمع بينهما، إمّا بالإشتراط وعدمه، أو بوجه آخر.

وأمّا السيرة فيدفعها الصحيحة المتقدّمة، فإنّها على خلافها، وعلى فرض الثبوت فهي دليل لبّيّ يحتمل فيها أنّ عدم التصدّي للأخذ من الكفّار؛ لعلّه لعدم الإحتياج أو لمصالح أخرى، فلا تدلّ على عدم الجواز.

وعليه، فالظاهر - بناء على القول بأنّ الكفّار مكلّفون بالفروع - جواز الأخذ منهم قهراً.

وأما إذا أسلم الكافر بعد وجوب الخمس عليه:

وتفرض هذه المسألة تارة فيما إذا كانت العين تالفة، وأخرى فيما إذا كانت باقية.

أمّا في صورة التلف فلا إشكال ولا خلاف في السقوط للسيرة القطعيّة القائمة في عصر النبي(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) والوصي(علیه السلام) على ذلك؛ إذ لم يعهد منهما مطالبة من أسلم بدفع ما فاته من الخمس أو الزكاة في حال الكفر، ولم يرد ذلك ولو في رواية ضعيفة.

وأمّا في صورة بقاء العين فعلى القول بأنّهم غير مكلفين فلا إشكال في عدم الوجوب أيضاً.

وأمّا على القول بأنّهم مكلّفون - كما عليه المشهور - فقد وقع الخلاف فيه بين الأعلام.

ص: 264

والمشهور هو السقوط، بل ادعى في الجواهر أنّه لم يجد فيه خلافاً ولا توقّفاً قبل الأردبيلي والخراساني وسيّد «المدارك»، بل ليس في كلام الأوّل على ما قيل سوى قوله: كأنّ ذلك للإجماع والنصّ، مثل «الإسلام يجبّ ما قبله»، وهو خال عن التوقف فضلاً عن الخلاف، فانحصر ذلك فيهما(1).

وفي مقابل قول المشهور ذهب هؤلاء الأعلام وتبعهم السيّد الأستاذ(2)، وسيّد المرتقى(3) إلى القول بعدم السقوط؛ وذلك لتضعيفهم مستند المشهور وهو النبوي: «الإسلام يجبّ ما قبله»(4)، من حيث السند والدلالة.

أمّا من جهة السند فلعدم روايته من طرقنا لا في كتب الحديث ولا في الكتب الإستدلاليّة للفقهاء المتقدّمين كالشيخ ومن سبقه ولحقه، ما عدا ابن أبي جمهور الأحسائي في عوالي اللئالي(5) الذي لا يخفى ما في المؤلّف والمؤلَّف، حتّى طعن فيه من ليس من شأنه الطعن كصاحب الحدائق (6).

ص: 265


1- جواهر الكلام 15: 61 .
2- مدارك الأحكام 5: 42، وكفاية الأحكام: 35، والمستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الزكاة 1: 129 - 130 .
3- المرتقى إلى الفقه الأرقى، كتاب الزكاة 1: 229 - 230 .
4- عوالي اللئالي 2: 54، المسلك الرابع، الحديث 145، والمصدر نفسه: 224، باب الصلاة، الحديث 38 .
5- عوالي اللئالي 2،: 54 و 224.
6- الحدائق الناضرة 1: 99، المقدّمة السادسة، قال: وما عليه الكتاب من نسبة صاحبه إلى التساهل في نقل الأخبار والاهمال وخلط غثّها بسمينها وصحيحها بسقيمها كما لا يخفى على من وقف على الكتاب المذكور .

ودعوى الإنجبار موهونة جدّاً غير قابلة للتصديق؛ إذ كيف يحتمل استناد المشهور إلى رواية لم يذكروها في كتبهم الروائيّة ولا الإستدلاليّة، على أنّ الإنجبار ممنوع كبرويّاً.

ويؤيّد ذلك ما رواه الشيخ بإسناده عن جعفر بن رزق الله قال: قُدّم إلى المتوكّل رجل نصراني فجر بامرأة مسلمة فأراد أن يقيم عليه الحدّ فأسلم، فقال يحيى بن أكثم: قد هدم إيمانه شركه وفعله، وقال بعضهم: يضرب ثلاثة حدود، وقال بعضهم: يفعل كذا وكذا، فأمر المتوكّل بالكتاب إلى أبي الحسن الثالث(علیه السلام) وسؤاله عن ذلك، فلّما قرأ الكتاب، كتب: «يضرب حتّى يموت»، فأنكر يحيى بن أكثم، وأنكر فقهاء العسكر ذلك، وقالوا: يا أمير المؤمنين سله عن هذا، فإنّه شي ء لم ينطق به كتاب، ولم تجى ء به السنّة، فكتب: إنّ فقهاء المسلمين قد أنكروا هذا وقالوا: لم تجى ء به سنّة ولم ينطق به كتاب، فبيّن لنا لِمَ أوجبت عليه الضرب حتّى يموت؟ فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ}(1)، قال: فأمر به المتوكل فضرب حتّى مات(2).

فإنّها صريحة في عدم اعتناء الإمام بمضمون حديث الجب، وإنّما هو أمر

ص: 266


1- سورة غافر: 84 - 85..
2- الكافي 7: 259، كتاب الحدود، الباب 154، الحديث 2، وتهذيب الأحكام 10: 37، الحديث 135، ووسائل الشيعة 28: 141، الباب 36 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 2، مع اختلاف يسير فيهما .

معروف عند العامّة ومروي من طرقهم، ولذا أنكروا عليه حكمه، ولم يثبت عندنا، فالحديث المزبور ساقط لا يمكن الاستناد إليه في حكم من الأحكام.

وأمّا الدلالة فإنّ الحديث قد ورد في مجمع البحرين بمتن آخر وهو: «الإسلام يجبّ ما قبله، والتوبة تجبّ ما قبلها من الكفر والمعاصي والذنوب»(1).

وهو بهذه الصيغة أجنبيّ عن المقام؛ لأنّه يشير إلى مطلب آخر، وهو الغفران عن ذنب الكفر، كما أنّ التوبة توجب العفو عن سائر الذنوب، فيكون الإسلام بعد الكفر نظير الارتداد بعد الإسلام، فكما أنّ الثاني يوجب الحبط ومحو الأعمال السابقة بمقتضى قوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}(2)، فكذلك الأوّل يوجب العفو عمّا سبق وجبّ ما وقع(3).

وأمّا الإشكال على الحديث بأنّه يلزم بناء على عموميّته تخصيص الأكثر لأنّ أكثر الأحكام حينئذ ساقطة كالعقود والإيقاعات والضمانات والحدود وما شاكلها فغير وارد؛ لأنّ المراد به الأحكام المختصّة بالإسلام فهي المجبوبة والمحكومة بالسقوط لو حصلت مناشئوها حال الكفر كفوات الصلوات أو الصيام وأمثال ذلك، وأمّا الأحكام المشتركة بين جميع الأديان - فضلاً عمّا يعمّ المتديّن ومن لا يعتنق الدين ممّا جرت عليه سيرة العقلاء- فالحديث غير

ص: 267


1- مجمع البحرين 2: 21، مادّة جبب .
2- سورة الزمر: 65.
3- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الزكاة 1: 128 - 131، بتصرّف .

ناظر إلى جبّها جزماً، فالإشكال ممّا لا يلتفت إليه(1).

هذا، ولا يخفى ما في مناقشته من كلتا الجهتين:

أمّا بالنسبة إلى السند فإنّ الحديث معروف عند العامّة ومروي عندهم بعدّة طرق، وورد في كتب الخاصّة كما في تفسير القمّي(2)، وورد مضمونه في مناقب ابن شهر آشوب فقد نقل عن كتاب شرح الأخبار عن أبي عثمان النهدي (البدري) قال: جاء رجل إلى عمر فقال: إنّي طلّقت امرأتي في الشرك تطليقة، وفي الإسلام تطليقتين، فما ترى؟ فسكت عمر، فقال له الرجل: ما تقول؟ قال: كما أنت حتّى يجي ء عليّ بن أبي طالب، فجاء علي، فقال: قصّ عليه قصّتك، فقصّ عليه القصة، فقال علي(علیه السلام): «هدم الإسلام ما كان قبله، هي عندك على واحدة»(3)، ورواه الشيخ بل استدلّ به في موضعين من الخلاف.أحدهما: في مسألة من وجب عليه حدّ من حدود الله كشرب الخمر، أو الزنا، أو السرقة من غير المحاربين ثمّ تاب قبل قيام البيّنة عليه بذلك، حيث قال بسقوط الحد بالتوبة، واستدلّ بوجوه منها قوله: وروي عن النبي(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) أنّه قال: «الإسلام يجبّ ما قبله»، وفي بعضها: «التوبة تجبّ ما قبلها»(4).

وثانيها: في مسألة الجزية على الذمّي إذا حال عليه الحول ثمّ مات أو

ص: 268


1- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الزكاة 1: 130، بتصرّف .
2- تفسير القمي: 27:2، سورة الإسراء: 90 .
3- مناقب آل أبي طالب 2: 405، وشرح الأخبار 2: 317، الحديث 654، مع اختلاف يسير.
4- الخلاف 5: 469 - 468، كتاب قطاع الطريق، المسألة 13.

أسلم فإنّه حكم بالسقوط، واستدلّ عليه بقوله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ): «الإسلام يجبّ ما قبله». وقال: إنّه يفيد سقوطها؛ لأنّ عمومه يقتضي ذلك(1).

كما استدل به ابن زهرة في «الغنية» على ذلك حيث قال: وإذا أسلم الذمّي وقد وجبت عليه الجزية بحؤول الحول سقطت عنه بالإسلام، بدليل الإجماع المشار إليه، ويعارض المخالف بقوله: «الإسلام يجبّ ما قبله»(2).

وذكر ابن إدريس في مناقشة الشيخ في مسألة الصوم وأنّه يجب بشرط الإسلام: إن أراد بقوله: فإنّما يجب بشرط الإسلام، الصيام، فغير واضح؛ لأنّ عندنا العبادات أجمع واجبة على الكفّار، وإن أراد بقوله: فإنّما يجب بشرط الإسلام، القضاء والكفارة فصحيح؛ لأنّ القضاء فرض ثانٍ، والكفّارة، فقول الرسول(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ): يسقطهما «الإسلام يجبّ ما قبله»، والأصل أيضاً براءة الذمّة.

وقال في مناقشته أيضاً في تفصيله في مسألة من أتى بهيمة فأولج ولم ينزل، حيث حكم بوجوب القضاء دون الكفارة: لمّا وقفت على كلامه كثر تعجّبي، والذي دفع به الكفارة، به يرفع القضاء... فقد كلّفه القضاء بغير دليل، وأي مذهب لنا يقتضي وجوب القضاء، بل أصول المذهب تقتضي نفيه، وهي براءة الذمة، والخبر المجمع عليه(3).

وأراد بالخبر المجمع عليه هو حديث الجبّ كما لا يخفى.

ص: 269


1- الخلاف 5: 547 - 548، كتاب الجزية، المسألة 11 .
2- غنية النزوع 1: 202-203 .
3- السرائر 1: 383- 384 .

واستدلّ به العلاّمة في أكثر من موضع من «التذكرة»:

منها: ما ذكره في قضاء الصلاة حيث قال: وإنّما يجب القضاء تبعاً لوجوب الأداء، فلا يجب على الصبي والمجنون القضاء إجماعاً، وكذا الكافر؛ لقوله(علیه السلام): «الإسلام يجبّ ما قبله»(1).

ومنها: ما ذكره في الزكاة حيث قال: لو أسلم بعد فوات الوقت سقطت عنه إجماعاً؛ لقوله(علیه السلام): «الإسلام يجبّ ما قبله»(2).

ومنها: ما ذكره في قضاء الصوم حيث قال: فلو فات الكافر الأصلي شهر رمضان ثمّ أسلم لم يجب عليه قضاؤه بإجماع العلماء؛ لقوله(علیه السلام): «الإسلام يجبّ ما قبله»(3).

واستدل به أيضاً فخر المحقّقين في عدّة مواضع من الإيضاح:

منها: ما ذكره في الجزية تعليقاً على قول والده: فإن أسلم قبل الأداء سقطت... حيث قال: أقول: هذا مذهب الشيخ(رحمه الله)، وابن البرّاج، وابن الجنيد، وابن إدريس؛ لقوله(علیه السلام): «الإسلام يجبّ ما قبله ...» والأقوى السقوط؛ لأنّ الجزية أثر الكفر، وآثار الكفر يقطعها الإسلام، وهي أولى بحكم قوله(علیه السلام): «الإسلام يجبّ ما قبله ...»(4).

ص: 270


1- تذكرة الفقهاء 2: 349 .
2- تذكرة الفقهاء 5: 372 - 371.
3- تذكرة الفقهاء 6: 169.
4- إيضاح الفوائد 1: 386 .

وعبّر المحقق الأردبيلي عن الحديث بأنّه المقبول بين العامّة والخاصّة(1).

هذا وقد استدل بهذا الحديث جمع كثير من الفقهاء غير من ذكرنا، بل لا تكاد تعثر على كتاب فقهي استدلالي لم يذكر فيه الحديث ويستدل به، فمن الغريب جداً ما ذكره السيّد الأستاذ ولم نعرف له وجهاً. فإنّه مذكور في كلمات الخاصّة كثيراً، وهو مشهور عند العامّة.

على أنّا إذا اعتمدنا على ما ذكره ابن إدريس والمحقق الأردبيلي لا يبقى مجال للإشكال في سنده.وقد ورد مضمون هذا الحديث في الكافي(2) إلاّ أنّه مقيّد بالإحسان كما تقدّم، مضافاً إلى أنّ هذا الحديث معتضد بظاهر الكتاب وهو قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}(3) فإنّ مقتضى عموم قوله: {مَا قَدْ سَلَفَ}، شموله للأعمال أيضاً .

وأمّا عن ورود الحديث في العوالي فقد ذكرنا في مباحثنا الرجالية(4) ما يتعلّق بالكتاب ومؤلفه وقلنا: إنّ قسماً من روايات الكتاب معتبرة، ولا يبعد أن يكون هذا الحديث منها فإنّه قد أورده في موضعين من العوالي(5) وفي

ص: 271


1- مجمع الفائدة والبرهان 3: 206 .
2- الأصول من الكافي 2: 461، باب أنه لا يؤاخذ المسلم بما عمل في الجاهليّة، الحديث 1 و 2.
3- سورة الأنفال: 38 .
4- أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق 1: 380 - 389 .
5- عوالي اللئالي 2: 54، المسلك الرابع، الحديث 145، والمصدر نفسه، 224، باب الصلاة، الحديث 38 .

كلّ منهما يذكره تحت عنوان قال، وقد بيّنا الفرق بين هذا التعبير وبين التعبير بقوله: روى، فلاحظ(1) .

وأمّا ما ذكره(قدس سره) من التأييد برواية جعفر بن رزق الله(2) فهو غير تام؛ وذلك لأنّه إذا لم تدل الرواية على تقرير الحديث وتثبيته فهي لا تدل على نفيه قطعاً، فإنّ الإمام(علیه السلام) لم ينكر الحديث، بل خصّه بأنّ الإسلام بعد الأخذ ورؤية العذاب غير نافع استناداً إلى الآية الشريفة كما يذهب إلى ذلك بعض العامّة.

وأمّا بالنسبة إلى الدلالة فيقال: إن كان أصل الحديث هو ما نقله صاحب «المجمع»، واكتفى المستدلون به في موارد كثيرة من الفقه بنقل جزء منه، فالإشكال تام.

ويؤيّده ما رواه أحمد في مسنده بسنده عن عمرو بن العاص... الإسلام يجبّ ما كان قبله من الذنوب(3) .

ولكن ذلك بعيد جداً؛ فإنّ رفع اشتغال الذمّة بالتكاليف غير العفو عن الذنوب، ولا ملازمة بينهما، مضافاً إلى أنّه بناء على ذلك لا وجه لاستدلال الفقهاء بالحديث في جميع تلك الموارد.

ص: 272


1- أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق 1: 384 .
2- الكافي 7: 259، كتاب الحدود، الباب 154، الحديث 2، وتهذيب الأحكام 10: 37، الحديث 135، ووسائل الشيعة 28: 141، الباب 36 من أبواب حدّ الزّنا، الحديث 2، مع اختلاف يسير فيهما .
3- مسند الإمام أحمد بن حنبل 5: 234، الحديث 17372 .

وعلى فرض التسليم يمكن التمسّك في المقام بالسيرة القطعيّة التي استدلّ بها على سقوط التكليف عن ذمّة الكافر إذا كانت العين تالفة، فيقال: إنّ نفس هذه السيرة تدل على سقوطه في صورة بقاء العين، إذ لم يرد عن النبي(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) أو الوصي(علیه السلام) أنّهما سألا كافراً بعد إسلامه عن بقاء العين أو تلفها وأخذ الخمس أو الزكاة في صورة البقاء، وعدم الأخذ في صورة التلف، فالسيرة بناء على اشتغال ذمّته بالزكاة قائمة على سقوط الزكاة أو الخمس.

فالأقوى في المقام هو ما ذهب إليه المشهور.

الخمس وأموال الصغير والمجنون:

وأمّا الصغير والمجنون فالمشهور هو تعلّق الخمس بمالهما، وفي الزكاة عدم التعلّق.

والوجه في الفرق بين الموردين: إمّا لإطلاق أدلّة وجوب إخراج الخمس من المعدن وهي شاملة لهما، وإمّا لأنّه غير مشمول لحديث الرفع لاختصاصه بالأحكام التكليفيّة دون الوضعيّة، وعدم ورود دليل خاص في المقام على نفي الخمس عنهما بخلاف الزكاة.

هذا، وقد أشكل السيّد الأستاذ(قدس سره) في المقام واستظهر السقوط عنهما(1)، وبيّن عدم الوجوب في كتاب الزكاة وذلك بعدم تماميّة كلا الأمرين:

أمّا الأوّل فحاصل الإشكال فيه: أنّ الأدلّة وإن أفادت أنّ الحكم في المقام

ص: 273


1- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 36 .

وضعي، وأنّ الفقراء شركاء في العين الزكويّة بحسب اختلاف الموارد، وهكذا الخمس خصوصاً لما يظهر من قوله تعالى: {واعلَمُوا أنّ مَا غَنِمْتُمُ مِنْ شَي ء...}(1) إلاّ أنّها برمّتها ليست إلاّ في مقام بيان تعيين المقدار بعد الفراغ عن أصل ثبوت الزكاة أو الخمس بشرائطهما المقرّرة، وليست متعرّضة لمورد الثبوت، ومن يتعلّق به الزكاة أو الخمس ليتمسّك بإطلاقها لعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة، فهي قاصرة الشمول للصبي والمجنون، فلا تصل النوبة إلى البحث حول الدليل الحاكم أي حديث الرفع.

وأمّا الثاني - وهو حديث الرفع - ففيه: أنّ الظاهر منه هو عدم الجعل والتكليف على الصبي والمجنون، بمعنى أنّ كلّ ما يوجب الكلفة عليهما فهو موضوع عنهما، سواء كان من الأحكام التكليفيّة أو الوضعيّة، فإنّ إطلاق الحديث يعمّ الوضع والتكليف بمناطواحد، ولا وجه لاختصاصه بالأحكام التكليفيّة دون الوضعيّة، إذ لا ريب في أنّ الزكاة أو الخمس نقص في المال وموجب لوقوع صاحبه في الكلفة فهو مرفوع عنهما بمقتضى الإطلاق.

نعم، حيث إنّ لسان الحديث الإمتنان فهو لا يعمّ الضمانات؛ لأنّ شموله لها يستلزم خلاف الإمتنان على الآخرين، وأمّا غير ذلك فلا قصور في شموله لكلّ ما يوجب الوقوع في الكلفة من تكليف ووضع.

فعلى فرض ثبوت الإطلاق وشمول الأدلّة للصبي والمجنون لابدّ من رفع اليد عنها بمقتضى حديث الرفع(2).

ص: 274


1- سورة الأنفال: 41 .
2- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الزكاة 1: 5 - 7 .

والحاصل: أنّا إذا قلنا بثبوت الإطلاقات الشاملة للصبي والمجنون في باب الخمس، وقلنا بأنّ حديث الرفع يختصّ بالأحكام التكليفيّة دون الوضعيّة فلابدّ من الالتزام بقول المشهور من تعلّق الخمس بمالهما ويجب على الولي دفعه، إلاّ أنّه على هذا لا يختصّ بالمعدن، بل هو شامل لجميع ما يتعلّق به الخمس من الكنز، والغوص، والأرض التي يشتريها الذمّي من المسلم، والمال المختلط بالحرام، وأرباح المكاسب الزائدة على المؤونة، فيجب دفع الخمس من مالهما في جميع هذه الأقسام لوحدة المناط في الجميع.

وأمّا إذا لم يثبت أحد الأمرين بأن لم يحرز الإطلاق، أو قلنا بعموم الحديث للحكم التكليفي والوضعي كما هو الظاهر، فلابدّ من الحكم بعدم تعلّق الخمس بمالهما خلافاً للمشهور وتبعاً للمدارك والسيّد الأستاذ(قدس سره).

نعم في المال المختلط بالحرام حيث إنّ إخراج الخمس لا كلفة فيه على الصبي والمجنون، بل إنّ تطهير المال عن الحرام مصلحة لهما، قد يقال بوجوب الخمس فيه.

وفيه بحث سيأتي في موضعه.

ص: 275

ويشترط في وجوب الخمس في المعدن بلوغ ما أخرجه عشرين ديناراً [1].

النصاب في خمس المعدن:

[1] وقد اختلفت كلمات الأعلام في ذلك، والمستفاد منها أنّ لهم في المسألة ثلاثة أقوال:

الأوّل: عدم الاعتبار وهو المشهور بين القدماء(1)، بل ادعى الشيخ في الخلاف(2)، وابن إدريس في السرائر(3) الإجماع على ذلك.

الثاني: اعتبار بلوغه ديناراً، وإليه ذهب الصدوق في المقنع والفقيه(4)، وأبو الصلاح في الكافي(5).

الثالث: اعتبار بلوغه عشرين ديناراً، وهو المنسوب إلى الشيخ في النهاية والمبسوط(6)، وبه قال ابن حمزة في الوسيلة(7)، وعليه عامّة المتأخرين(8).

ص: 276


1- جواهر الكلام 16: 19.
2- الخلاف 2: 119، كتاب الزكاة، المسألة 142.
3- كتاب السرائر 1: 493 و 494 .
4- المقنع: 172، ومن لا يحضره الفقيه: 2:39، الحديث 1646 .
5- الكافي في الفقه: 170.
6- النهاية ونكتها 1: 448، والمبسوط 1: 237 .
7- الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 138 .
8- مدارك الأحكام 5: 365.

ومنشأ هذه الأقوال هو اختلاف الروايات، فإنّها على ثلاث طوائف:

الأولى: ما دلّ على وجوب إخراج الخمس من المعدن مطلقاً، وهي عدّة روايات:

منها: صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: سألته عن معادن الذهب والفضّة والصفر والحديد والرصاص، فقال: «عليها الخمس جميعاً»(1).

ومنها: صحيحته الأخرى، قال: سألت أبا جعفر(علیه السلام) عن الملاّحة، فقال: «وما الملاّحة؟» فقال: (فقلت): أرض سبخة مالحة يجتمع فيها الماء فيصير ملحاً، فقال: «هذا المعدن، فيه الخمس» قلت: فالكبريت، والنفط يخرج من الأرض، قال: فقال: «هذا وأشباهه فيه الخمس»(2).ومنها: صحيحة الحلبي، (في حديث) قال: سألت أباعبد الله(علیه السلام) عن الكنز كم فيه؟ فقال: «الخمس»، وعن المعادن كم فيها؟ فقال: «الخمس»، وعن الرصاص والصفر والحديد وما كان من المعادن كم فيها؟ قال: «يؤخذ منها كما يؤخذ من معادن الذهب والفضّة»(3).

ص: 277


1- تهذيب الأحكام 4: 106، الحديث 344، ووسائل الشيعة 9: 491، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1، ورواها في الكافي 1: 624، كتاب الحجّة، الباب 187، الحديث 8 مع اختلاف يسير .
2- من لا يحضره الفقيه 2: 41، الحديث 1650، وتهذيب الأحكام 4: 107، الحديث 348، ووسائل الشيعة 9: 492، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4 مع اختلاف يسير فيهما .
3- من لا يحضره الفقيه 2: 40، الحديث 1647، ووسائل الشيعة 9: 492، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2 مع اختلاف يسير .

ومنها: معتبرة عمّار بن مروان، قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) يقول: «فيما يخرج من المعادن، والبحر، والغنيمة، والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه، والكنوز، الخمس»(1)، وغيرها من الروايات.

الثانية: ما دلّ على أنّ إخراج الخمس من المعدن إنّما يجب إذا بلغت قيمته عشرين ديناراً:

وهي صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن(علیه السلام) عمّا أخرج المعدن من قليل أو كثير هل فيه شي ء؟ قال: «ليس فيه شي ء حتّى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين ديناراً»(2).

الثالثة: ما دلّ على أنّ الإخراج إنّما يجب إذا بلغت قيمة المعدن ديناراً:

وهي ما رواه محمّد بن عليّ عن أبي الحسن(علیه السلام) قال: سألته عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد، وعن معادن الذهب والفضّة ما فيه؟ قال: «إذا بلغ ثمنه [قيمته] ديناراً ففيه الخمس»(3).

ص: 278


1- الخصال: 321، باب الخمسة، الحديث 51، ووسائل الشيعة 9: 494، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6 .
2- تهذيب الأحكام 4: 122، الحديث 390، ووسائل الشيعة 9: 494، الباب 4 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1 .
3- الكافي 1: 627، كتاب الحجّة، الباب 187، الحديث 21، وورد في كلّ من: لا يحضره الفقيه 2: 39، الحديث 1646، وتهذيب الأحكام 4: 122، الحديث 391، والمصدر نفسه 4: 108، الحديث 355، ووسائل الشيعة 9: 493، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5، مع اختلاف يسير .

والظاهر أنّ بين هذه الطوائف الثلاث تنافياً، إلاّ أن يرفع بالجمع بينها ويقال: إنّ الطائفة الأولى مطلقة والأخيرتين مقيدتان، ومقتضى حمل الإطلاق على التقييد هو رفع اليد عن إطلاق الطائفة الأولى وحملها على إحدى الطائفتين، والقول بلزوم النصاب إما ببلوغ دينار أو عشرين ديناراً.

وقد أشكل عليه بأنّ كلتا الطائفتين غير صالحتين لتقييد إطلاق الطائفة الأولى وذلك:

أمّا حديث اعتبار الدينار، فإنّه ضعيف سنداً ودلالة وعملاً.

أمّا ضعف السند فلأنّ الراوي عن الإمام(علیه السلام) هو محمّد بن عليّ بن أبي عبد الله، ولم يرد فيه ما يدلّ على وثاقته، وهو لم يرو في الكتب الأربعة إلاّ روايتين إحداهما هذه الرواية، والثانية في الصلاة رواها عنه عليّ بن أسباط(1).

وأمّا ضعف الدلالة، فلأنّه يحتمل أنّ جواب الإمام(علیه السلام) راجع إلى صدر الحديث، وهو السؤال عمّا يخرج من البحر، وليس شاملاً لما ورد في الذيل وهو السؤال عن المعادن، وإلى هذا المعنى ذهب صاحب الوسائل(2).

ويؤيّده تذكير الضمير في جواب الإمام بقوله(علیه السلام): «إذا بلغ قيمته ديناراً ففيه الخمس».

ص: 279


1- الكافي 3: 483، كتاب الصلاة، الباب 266، الحديث 12، وتهذيب الأحكام 2: 112، الحديث 452 .
2- وسائل الشيعة 9: 493، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

ولو كان شاملاً للمعادن أيضاً لقال: إذا بلغت قيمتها بتأنيث الضمير.

مضافاً إلى أنّ الصدوق ذكر الرواية في «المقنع» (1) من دون هذه الجملة أي: «وعن معادن الذهب والفضة هل فيها زكاة».

وإن كان لا يبعد أنّه(قدس سره) قد أسقط هذه الجملة من الرواية مقتصراً على موضع الشاهد منها؛ وذلك لأنّه أورد الرواية في الفقيه(2) وفيها هذه الجملة.

وأمّا ضعف العمل بالرواية؛ فلأنّ الحديث شاذ لم يعمل به غير الحلبي، فلا ينهض لمقاومة سائر الروايات الدالّة على أنّ الخمس في المعادن مطلقاً من دون اعتبار النصاب، أو إذا بلغ عشرين ديناراً.

هذا، ولا يخفى أنّ ضعف السند وإن كان قابلاً للدفع، فإنّ أحمد بن محمّد بن أبي نصر وهو أحد المشايخ الذين لا يروون ولا يرسلون إلاّ عن الثقة، قد روى عن محمّد بن عليّ بن أبي عبد الله كما في نفس هذه الرواية، مضافاً إلى وقوعه في أسناد نوادرالحكمة(3) ولم يستثنه ابن الوليد، وكلا الأمرين أمارتان على الوثاقة على ما بيّنّاه في محله(4)، ولكن يكفي في الإشكال على دلالة الرواية وعدم صلاحيتها للتقييد كلّ من الوجهين الآخرين.

ص: 280


1- المقنع 172.
2- من لا يحضره الفقيه 2: 21، باب الخمس، الحديث 1.
3- تهذيب الأحكام 2: 112، الحديث 452، وانظر: أصول علم الرّجال بين النظريّة والتطبيق 1: 238 / 438 .
4- أُنظر أُصول علم الرجال بين النظريّة والتطبيق 1: 210، والمصدر نفسه 2: 161 - 165 .

وأمّا حديث اعتبار العشرين ديناراً فهو وإن كان صحيح السند إلاّ أنّه غير صالح للتقييد لوجوه كما في «المصباح»(1) «والمستند» (2):

أحدها: أنّه موهون بإعراض المشهور من قدماء الأصحاب عنه؛ فإنّهم أفتوا بوجوب إخراج الخمس من المعدن مطلقاً، اعتماداً على روايات الطائفة الأولى، مع أنّ بعض هذه الروايات ليست في مقام بيان المقدار، وإنّما كانت في مقام بيان أصل التشريع، على أنّ هذه الصحيحة كانت بمرأى منهم، وذلك يوجب سقوطها وعدم الاعتماد عليها.

وقد أجاب عنه السيّد الأستاذ(قدس سره) بأنّه بعد تسليم كبرى الوهن بالإعراض - خصوصاً إذا كان الإعراض من القدماء القريبين من زمان صدور الروايات على ما بيّن في الأصول - إلاّ أنّ الكلام في الصغرى، فإنّها غير ثابتة؛ لأنّ الشيخ وابن حمزة وهما من القدماء قد عملا بها، كما عمل بها جمهور المتأخرين. مضافاً إلى أنّ أصل تحقّق الإعراض غير ثابت، وأنّ المعلوم أنّ أربعة أو خمسة أشخاص لم يعملوا بها، ولا ريب في عدم تحقّق الإعراض بهذا المقدار(3) .

وثانيها: أنّ دلالة الصحيحة على المدعى غير تامّة؛ وذلك لأنّه لم يتعرّض فيها إلى الخمس بوجه لا سؤالاً ولا جواباً، فلعلّ المراد أنّ السؤال كان عن زكاة الذهب والفضة بعد الإخراج من معدنهما، وبما أنّهما غير مسكوكين

ص: 281


1- مصباح الفقيه14: 25 - 26.
2- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 38 .
3- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 38 .

حينئذ ولا زكاة إلاّ في المسكوك فجوابه(علیه السلام) بالوجوب بعد بلوغ النصاب محمول على التقيّة لموافقته لمذهب الشافعي(1) .

وأجيب عنه:

أوّلاً: أنّ السؤال في الصحيحة عام لا يختص بالذهب والفضّة؛ لقوله: «عمّا أخرج المعدن من قليل أو كثير».

وثانياً: أنّ اختصاص لفظ الشي ء بالزكاة في السؤال ممّا لا وجه له؛ فإنّه لفظ عام شامل لكلّ ما افترضه الله تعالى في المال ومنه الخمس، فجوابه(علیه السلام): «ليس فيه شي ء ...» أي ليس فيه شي ء ممّا افترضه الله من الزكاة أو الخمس.

وثالثاً: أنّ قوله(علیه السلام): «ما يكون في مثله الزكاة» قرينة على أنّ المراد من السؤال شي ء آخر غير زكاة الذهب والفضّة، حيث جعله مماثلاً لها، وإلاّ لكانت هذه الجملة ملغيّة وأصبحت مستدركة، وكان الأحرى أن يقول: «حتّى يبلغ عشرين ديناراً» وليس ذلك الشي ء إلاّ الخمس.

ويؤيّد ذلك: ما رواه البزنطي نفسه في صحيحته الأخرى عن أبي الحسن الرّضا(علیه السلام)، قال: سألته عمّا يجب فيه الخمس من الكنز؟ فقال: «ما يجب الزكاة في مثله، ففيه الخمس»(2) .

كما يؤيّده أيضاً رواية محمّد بن عليّ بن أبي عبد الله المتقدمّة.

ص: 282


1- الأم 2: 42، والفقه على المذاهب الأربعة 1: 615.
2- من لا يحضره الفقيه 2: 40، الحديث 1649، ووسائل الشيعة 9: 495، الباب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2 مع اختلاف يسير .

والمستفاد من كلّ ذلك أنّ المراد بالشي ء في الرواية هو الخمس(1) .

الثالث: أنّه يلزم من تقييد المطلقات بهذه الصحيحة ارتكاب التقييد في صحيحة محمّد بن مسلم الثانية المتقدّمة في الطائفة الأولى الدالّة على وجوب الخمس في الملح المتّخذ من الأرض، وهو كما ترى؛ إذ قلّما يتّفق في مثله بلوغ النصاب المذكور، فيلزم منه حمل المطلق على الفرد النادر، ولاسيّما إذا اعتبرنا في الإخراج أن يكون دفعة واحدة، فإنّ فرض كون الخارج بمقدار عشرين ديناراً نادر جداً(2) .

وأجيب عن ذلك:

أوّلاً: بمنع الندرة، ولاسيّما في الأمكنة التي يعزّ وجود الملح فيها، وخصوصاً لمن اتخذ الملاحة مكسباً ومتجراً يستعين بالعمّال على الاستخراج، والغالب في ذلك هو بلوغ النصاب، فالندرة غير مسلّمة ولا أقل أنّها غير مطّردة.وثانياً: وعلى فرض التسليم بذلك لكن المحذور إنّما يتوجّه لو كان الحكم في الصحيحة بالملح بما هو ملح وليس كذلك، بل علّق عليه بما هو معدن؛ لقوله(علیه السلام): «هذا المعدن فيه الخمس» فموضوع الحكم هو المعدن، والملح فرد من أفراد الموضوع، لا أنّه بنفسه هو الموضوع. ولاشكّ أنّ العبرة في الندرة وعدمها ملاحظتها بالإضافة إلى نفس الموضوع والطبيعيّ الذي تعلّق به الحكم، ومن المعلوم أنّ تقييد المعدن بما هو معدن بعشرين ديناراً لا ندرة فيه بوجه؛ لكثرة أفراد البالغ من هذه الطبيعة وإن قلّ أو ندر البالغ في

ص: 283


1- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 38 .
2- مصباح الفقيه 14: 26 .

خصوص فرد منه(1).

أقول: الظاهر أنّ معقد الإجماع في كلام الشيخ وابن إدريس هو أصل النصاب لا أصل الحكم. قال الشيخ: قد بيّنا أنّ المعادن فيها الخمس، ولا يراعى فيها النصاب، وبه قال الزهري، وأبو حنيفة، كالركاز سواء، إلاّ أنّ الكنوز لا يجب فيها الخمس إلاّ إذا بلغت الحدّ الذي فيه الزكاة... وأومأ الشافعي في الزكاة إلى اعتبار النصاب ماءتي درهم، وذهب غيرهم إلى أنّ المعادن كالركاز، وفيها الخمس... .

دليلنا: إجماع الفرقة، وروى أبو هريرة: أنّ النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) قال: «في الركاز الخمس...(2)»(3).

وقال ابن إدريس: إجماع أصحابنا منعقد على استثناء الكنوز واعتبار المقدار فيها، وكذلك الغوص، ولم يستثنوا غير هذين الجنسين فحسب، بل إجماعهم منعقد على وجوب إخراج الخمس من المعادن جميعها على اختلاف أجناسها قليلاً كان المعدن أو كثيراً، ذهباً كان أو فضّة، من غير اعتبار مقدار، وهذا إجماع منهم بغير خلاف(4) .

وشهادة هذين العلمين إن لم يثبت بها الإجماع فلا أقلّ من أنّها لو خلّيت ونفسها لكان فيها دلالة على إعراض مشهور القدماء عن الصحيحة الدالّة

ص: 284


1- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 41 - 42 .
2- سنن أبي داود 3: 181، الحديث 3085، وسنن ابن ماجه 2: 839، الحديث 2509 .
3- الخلاف 2: 119 - 120، كتاب الزكاة، المسألة 142.
4- السرائر 1: 494 .

بعد استثناء مؤونة الإخراج [1] والتصفية ونحوهما فلا يجب إذا كان المخرج أقل منه وإن كان الأحوط إخراجه إذا بلغ ديناراً بل مطلقاً.

على اعتبار أنّ النصاب عشرون ديناراً، وعدم العمل بها، وإذا ثبت إعراضهم سقطت الرواية عن الحجّيّة كما بيّناه في الأصول، ولا يجدي حينئذ عمل المتأخرين بها. ولعلّ القدماء حملوا الرواية على التقيّة لجهات كانت ظاهرة عندهم، كعدم التصريح في الرواية بالخمس، أو لمطابقتها لفتوى الشافعي أو لغير ذلك. إلاّ أنّ الذي يوهن الإجماع فتوى الشيخ نفسه في كتابيه النهاية والمبسوط على وفق الصحيحة، ولولا ذلك لتعيّن القول الأول، ولكن مع هذا فمقتضى البراءة عند الشك هو القول باعتبار النصاب المذكور، وإن كان الأحوط إخراج الخمس إذا بلغ ديناراً، وأحوط منه إخراجه مطلقاً كما ذكر الماتن.

استثناء مؤونة إخراج وتصفية المعدن:

[1] الجهة الرابعة: في استثناء مؤونة الإخراج وعدمه:

ثمّ إنّه هل يعتبر في الخمس مؤونة الإخراج والتصفية أو لا؟

فها هنا مسائل:

المسألة الأولى: هل يجب الخمس بعد استثناء المؤونة في الباقي، أو

ص: 285

يجب إخراج الخمس من الجميع قبل الاستثناء، بمعنى أنّه لو كان الخارج بمقدار ثلاثين ديناراً وكانت المؤونة المصروفة عشرة دنانير فهل يتعلّق الوجوب بالعشرين أو الثلاثين؟

والمشهور بين الفقهاء، بل المقطوع به هو الأول كما في المدارك(1)، بل دعوى الإجماع عليه كما في الخلاف .

قال الشيخ في الخلاف: وقت وجوب الخمس في المعادن حين الأخذ، ووقت الإخراج حين التصفية والفراغ منه، ويكون المؤونة وما يلزم عليه من أصله، والخمس فيما بقي... وأمّا احتساب النفقة من أصله فعليه إجماع الفرقة(2).

ومع ذلك كلّه فقد استدلّ على الحكم بوجوه:الأوّل: أنّ الحكم بإخراج الخمس بعد استثناء المؤونة هو المطابق لمقتضى القاعدة، مع قطع النظر عن الدليل الخاص، وذلك بعد تماميّة مقدّمتين:

الأولى: أنّ المستفاد من الأدلّة أنّ الخمس - في أكثر موارده - إنّما يتعلّق بالربح أو الغنيمة أو الفائدة، كما هو أحد المعاني التي دلّت عليه صحيحة ابن سنان المتقدّمة حيث قال(علیه السلام): «ليس الخمس إلاّ في الغنائم خاصّة»(3) .

الثانية: أنّ من المعلوم أنّ ما يصرف على إخراج المعدن وتصفيته يستثنى

ص: 286


1- مدارك الأحكام 5: 392 .
2- الخلاف 2: 119، كتاب الزكاة، المسألة 140.
3- وسائل الشيعة 9: 485، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

من الربح والفائدة والغنيمة واقعاً وعرفاً، فإذا أنفق شخص مّا عشرين ديناراً على إخراج المعدن أو نسج سجّادة مثلاً، ثمّ حصل من كلّ منهما ثلاثون ديناراً فلا يقال: إنّ ربحه من كلّ منهما ثلاثون ديناراً، بل يقال: إنّه ربح عشرة دنانير، إذ لا يعدّ ما أنفقه لأجل التحصيل ربحاً وفائدة.

والنتيجة: أنّه لابدّ من استثناء المؤونة ممّا أنفقه على إخراج المعدن وتصفيته، والباقي هو الذي يعدّ ربحاً وفائدة، ويتعلّق به الخمس.

الثاني: بما ورد في جملة من النصوص الدالّة على أنّ الخمس بعد المؤونة، فإنّ بعضها ظاهر في مؤونة تحصيل الفائدة، بل بعضها صريح في ذلك، وقد تقدّمت في مبحث غنائم الحرب.

الثالث: بما ورد من النص الخاص، وهي صحيحة زرارة عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال: «كلّ ما كان ركازاً ففيه الخمس» وقال: «ما عالجته بمالك ففيه ممّا أخرج الله منه من حجارته مصفى، الخمس»(1) .

وهي صريحة في أنّ الخمس إنّما يتعلّق بالمصفّى أي ما يبقى بعد إخراج المؤونة المصروفة في علاجه. فالظاهر أنّه لا ينبغي الإشكال في حكم المسألة.

المسألة الثانية: هل يعتبر النصاب بعد المؤونة أو قبلها؟ فلو كان الخارج من المعدن بمقدار ثلاثين ديناراً وفرضنا أنّ النصاب عشرون ديناراً، وكانت

ص: 287


1- تهذيب الأحكام 4: 107، الحديث 346، وسائل الشيعة 9: 492، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3 .

المؤونة المصروفة عليه خمسة عشر ديناراً، فعلى الأوّل لا يجب الخمس؛ لأنّ الباقي بعد الاستثناء دون النصاب، وعلى الثاني يجب فيه الخمس؛ لأنّ المجموع أكثر من النصاب.

ذهب المشهور(1) إلى الأوّل، بل في الجواهر(2) أنّ ظاهر المنتهى والتذكرة الإجماع عليه، حيث نسب العلّامة الخلاف فيه إلى بعض العامّة، واستظهر صاحب المدارك(3) الثاني، واختاره السيّد الأستاذ(4).

استدل لما ذهب إليه المشهور بأمور:

الأوّل: بما ذكره صاحب الجواهر(قدس سره) من أنّه مقتضى الأصل. والمراد به أصل البراءة.

الثاني: بما ذكره(قدس سره) أيضاً من أنّ ظاهر المنساق إلى الذهن من مجموع الأدلّة هو ملاحظة النصاب بعد استثناء المؤونة(5) .

الثالث: بما ذكره شيخنا الأنصاري(قدس سره) من أنّ الظاهر من قوله(علیه السلام): «ليس فيه شي ء حتّى يبلغ عشرين ديناراً»(6) هو وجوب الخمس فيه إذا بلغ

ص: 288


1- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 44 .
2- جواهر الكلام 16: 83 .
3- مدارك الأحكام 5: 392 .
4- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 44 .
5- جواهر الكلام 16: 83 .
6- كذا نقلها الشيخ الأنصاري «(قدس سره)»، وفي الوسائل: قال(علیه السلام): «ليس فيه شيء حتّى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين ديناراً» . وسائل الشيعة 9: 494، الباب 4 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1 .

عشرين بأن يكون الخمس في نفس العشرين، ولا يتأتّى ذلك إلاّ إذا اعتبر العشرون بعد المؤونة(1) .

هذا، ولكن جميع هذه الوجوه قابلة للمناقشة:

أمّا الأوّل فقد ناقش فيه السيّد الأستاذ بما حاصله: أنّ أصل البراءة إن كان المراد به البراءة من أصل وجوب الخمس فغير تام؛ لأنّ ثبوت الخمس مقطوع به على كلّ تقدير، ولو من باب مطلق الفائدة وأرباح المكاسب، ولا مجال حينئذ لجريان أصالة البراءة، وإن كان المراد به من جهة كونه معدناً فهذا وإن كان له وجه، لكن لا مجال للتمسّك بالأصل في المقام؛ وذلك للإطلاق في صحيحة البزنطي المقتضي لوجوب الإخراج بعد بلوغ المجموع حدّ النصاب سواء أكان ذلك بعد استثناء المؤن أيضاً أم لا(2) .وأمّا الوجه الثاني ففيه: أنّ ما ذكره وإن كان تامّاً؛ إذ الخمس لا يتعلّق إلاّ بالفائدة وليست المؤونة من الفائدة، إلاّ أنّ ذلك غير مفيد في المقام، وإنّما يفيد في المسألة السابقة كما تقدّم، وأمّا في محل الكلام وهو ملاحظة النصاب قبل استثناء المؤونة أو بعده فلا يفيد. فلا يمكن الإستدلال بهذا الوجه لإثبات المدّعى.

وما ذكر من المؤيّد من عدم الخلاف في المسألة لا تأييد فيه؛ إذ ليس هو

ص: 289


1- كتاب الخمس: 127 .
2- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 44 .

بإجماع، وعلى فرض كونه إجماعاً فليس بحجّة.

وأمّا الوجه الثالث ففيه: أنّ مفهوم الرواية وإن كان هو قولنا: إذا بلغ عشرين ديناراً ففيه شي ء، إلاّ أنّه لابدّ من تقييده بأنّ ذلك بعد استثناء المؤونة ولا يخلو القيد إمّا أن يكون راجعاً لصدر الرواية وهو المعدن، وإمّا أن يكون راجعاً إلى ذيلها وهو البلوغ بعد الاستثناء، فإن رجع القيد إلى الأوّل فلابدّ من ملاحظة النصاب بعد الاستثناء وهو الموافق لقول المشهور، وإن رجع القيد إلى الثاني فلابدّ من ملاحظة النصاب قبل الاستثناء، وهو الموافق للقول الآخر، وحيث لم يعلم مرجع القيد للشّك في ذلك فدعوى الظهور في الرواية غير مسموعة.

ومع الإجمال في الرواية فالمرجع هو إطلاقات أدلة وجوب الخمس.

والحاصل: أنّ مقتضى القاعدة هو ما اختاره صاحب المدارك والسيّد الأستاذ(قدس سره) من عدم ملاحظة النصاب بعد استثناء المؤونة، بل الملاحظ هو بلوغ النصاب، نعم المؤونة لا يجب إخراج خمسها كما لا يخفى.

المسألة الثالثة: هل المعتبر في النصاب هو بلوغه خصوص عشرين ديناراً حيث يساوي كلّ دينار منه مثقالاً شرعياً من الذهب معادلاً لثلاثة أرباع مثقال صيرفي، وهو المساوي لثمانية عشر حمصة.

أو أنّ المعتبر في النصاب هو الماليّة التي يلاحظ فيها زمان صدور الرواية حيث يساوي كلّ دينار منه عشرة دراهم كما هو الحال في الزكاة؟

فيه قولان:

ص: 290

الأوّل: وهو اعتبار خصوص عشرين ديناراً، وإليه ذهب صاحب الجواهر(1)،

والمحقق الهمداني(2)، وصاحبا المستمسك(3)،

والمستند(4) .

والثاني: وهو اعتبار الماليّة، وإليه ذهب الشهيد في البيان(5)، وتبعه السيّد البروجردي(6) وجماعة.

ومنشأ الخلاف هو ما ورد في صحيحة البزنطي المتقدّمة من قوله(علیه السلام): «حتّى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين ديناراً».

فإن جعل الموضوع هو قوله: «ما يكون في مثله الزكاة»، وقوله: «عشرين ديناراً» من باب المثال فهو مطابق للقول الثاني، وإن جعل الموضوع قوله: «عشرين ديناراً»، ويكون قوله: «ما يكون في مثله الزكاة» من باب المقدّمة والتوطئة، فهو مطابق للقول الأوّل؛ إذ أنّ لفظة عشرين ديناراً تكون حينئذ تفسيراً وبياناً للجملة السابقة.

وقد استدل للقول الأوّل بوجهين:

أحدهما: ما ذكره السيّد الأستاذ(قدس سره) تبعاً للمصباح، وحاصله: أنّ المتبادر

ص: 291


1- جواهر الكلام 16: 18.
2- مصباح الفقيه، كتاب والخمس: 14 : 30 - 31 .
3- مستمسك العروة الوثقى 9: 458 .
4- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 45 .
5- البيان: 342 .
6- زبدة المقال في خمس الرسول والآل: 21 .

من النص إنّما هو قيمة عشرين ديناراً وقت الإخراج، فإنّ ظاهر الدليل أنّ لهذا العنوان أي عشرين ديناراً خصوصيّة وموضوعيّة في تشخيص النصاب(1).

ثانيهما: ما ذكره السيّد الحكيم(قدس سره) في المستمسك، وحاصله: أنّ قوله(علیه السلام): «حتّى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة» مجمل؛ لاختلاف النصاب الملحوظ وأنّه نصاب الذهب أو الفضة أو أقلّهما أو أكثرهما، ولا قرينة على تعيين أحدهما، إلاّ أنّ قوله(علیه السلام) بعده: «عشرين ديناراً» رافع لهذا الإجمال فيتعيّن التقويم به لا غير، فلا يكفي في معدن الفضّة بلوغ مائتي درهم إذا لم تكن قيمتها عشرين ديناراً(2) .هذا، ولكن كلا الوجهين قابلان للمناقشة:

أمّا الأوّل ففيه: أنّا إذا لاحظنا حال الراوي وهو أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي الذي هو من أجلّ الرواة وأعلمهم ومن العارفين بكلماتهم(علیهم السلام) فإذا سأل الإمام(علیه السلام) عن النصاب وأجابه فهل يقال: إنّ المتبادر إلى ذهنه هو خصوص عشرين ديناراً، أو إنّ المتبادر إلى ذهنه هو مفهوم الجملة الأولى أي قوله(علیه السلام): «حتّى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة». بل نقول: إنّه لو لم يتبادر إلى ذهنه الجملة الأولى لما صحّ تبادر خصوص العشرين ديناراً؛ لأنّ لفظة عشرين ديناراً تالية لتلك الجملة، ولذا لم نفهم معنى لتبادر خصوص عشرين ديناراً، وعهدة ذلك على مدّعيه .

وأمّا الثاني ففيه: أنّ دعوى الإجمال غير تامّة؛ لأنّ الإمام(علیه السلام) قد أراد من

ص: 292


1- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 45 .
2- مستمسك العروة الوثقى 9: 458 .

ولا يعتبر في الإخراج أن يكون دفعة [1]، فلو أخرج دفعات وكان المجموع نصاباً وجب إخراج خمس المجموع، وإن أخرج أقل من النصاب فأعرض ثمّ عاد وبلغ المجموع نصاباً فكذلك على الأحوط .

الجملة معنىً معيّناً قطعاً، وإلّا لكانت لغواً، وليس هذا المعنى إلّا كون هذه الجملة هي الموضوع، ويكون قوله(علیه السلام) بعد ذلك: عشرين ديناراً من باب المثال.

ويؤيّد ذلك ما ورد في الكنز(1) حيث عبّر(علیه السلام) بنفس المعنى، من دون تعقيبه ب- «عشرين ديناراً»، وعليه فلا إجمال.

والحاصل: أنّ الأقوى هو لحاظ الماليّة في النصاب، إلّا أنّ الإحتياط يقتضي مراعاة أقلّ الأمرين.

تعدّد دفعات إخراج المعدن:

[1] هل المعتبر في النصاب أن يكون إخراج المعدن دفعة واحدة أو لا؟

فإن قلنا بالاعتبار فلابدّ من صدق الوحدة حقيقة كما إذا أخرج مقدار النصاب دفعة واحدة، أو حكماً كما إذا كان الإخراج على دفعات متوالية بحيث لا يضرّ بصدق الوحدة العرفيّة كالإخراج بالدلاء - مثلاً - متوالياً من

ص: 293


1- وسائل الشيعة 9: 495، الباب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2 .

دون فصل كثير بينها.

وإن قلنا: بعدم الاعتبار فيلاحظ النصاب بعد الإخراج، وإن كان بدفعات غير متوالية والفاصل بينها كثيراً .

وقد اختلفت كلمات العلماء في ذلك على أربعة أقوال:

فذهب جماعة إلى القول بعدم الاعتبار وهو مذهب الشهيدين في الدروس(1) والمسالك(2)،

والمدارك(3)،

والجواهر(4)،

والذخيرة(5)، وإليه ذهب الماتن.

وذهب جماعة منهم السيّد الحكيم(6)،

والسيّد الأستاذ(7) - قدس سرّهما- إلى القول باعتبار الوحدة.

ومنهم من فصّل بين الإعراض عمّا أخرج أوّلاً وعدمه، فإن لم يعرض عنه ضمّ اللاحق إلى السابق، فإن بلغ المجموع النصاب وجب الخمس، ومع الإعراض فلا يجب، وهو مذهب جماعة منهم العلامة(8)، والشيخ

ص: 294


1- الدروس الشرعية 1: 260.
2- مسالك الأفهام 1: 459.
3- مدارك الأحكام 5: 367.
4- جواهر الكلام 16: 19.
5- ذخيرة المعاد: 478 .
6- مستمسك العروة الوثقى 9: 460.
7- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 45 - 46 .
8- منتهى المطلب 8: 550 .

الأنصاري(1)".

وفصّل آخرون بين البقاء والتلف، فإن كان المخرج أوّلاً موجوداً محفوظاً ضمّ إليه اللاحق ولوحظ مقدار النصاب، وأمّا إذا تلف بحيث لم يبق منه شي ء فلا يجب. وهو الظاهر من المحقق الهمداني(2).

استدل للقول الأوّل بإطلاقات الأدلّة؛ إذ لم يرد فيها التقييد بدفعة واحدة أو إخراج واحد أو بدفعات، وإنّما ورد أنّه متى بلغ حدّ النصاب فيجب إخراج الخمس بلا فرق بين الدفعة والدفعات.واستدل للقول الثاني بأنّ الروايات وإن كانت مطلقة إلاّ أنّ التقييد يمكن أن يستفاد من صحيحة البزنطي المتقدّمة، فإنّ ظاهرها يدلّ على بلوغه عشرين ديناراً في دفعة واحدة، أو ما في حكمها، لا في دفعات متغايرة.

وأوضح السيّد الأستاذ(قدس سره) وجه الظهور بقوله: أنّ المنسبق من النص بحسب الفهم العرفي في أمثال المقام كون الحكم انحلاليّاً ومجعولاً على سبيل القضيّة الحقيقيّة، فيلاحظ كلّ إخراج بانفراده واستقلاله بعد انعزاله عن الإخراج الآخر كما هو المفروض، فهو بنفسه موضوع مستقل بالإضافة إلى ملاحظة النصاب في مقابل الفرد الآخر من الإخراج، نظير ما لو علّق حكم على الشراء مثلاً فقيل إنّه متى اشتريت منّاً من الحنطة فتصدّق بكذا، فاشترى نصف منّ ثمّ اشترى نصف منّ آخر، فإنّ شيئاً من الشراءين غير مشمول للدليل؛ لعدم صدق المنّ وإن صدق على المجموع، وليس ذلك إلاّ لأجل

ص: 295


1- كتاب الخمس: 127 .
2- مصباح الفقيه 14: 33 .

لزوم ملاحظة كلّ فرد بحياله واستقلاله؛ نظراً إلى الإنحلال والتعدّد وعدم الإنضمام.

والذي يكشف عن ذلك بوضوح أنّه لو أخرج ما دون النصاب بانياً على الإكتفاء به فصرفه وأتلفه من غير تخميسه لعدم وجوبه حينئذ على الفرض، ثمّ بدا له فأخرج الباقي، فإنّ هذا الإخراج الثاني لا يحدث وجوباً بالإضافة إلى السابق التالف بلا إشكال؛ لظهور النص في عروض الوجوب مقارناً للإخراج لا في آونة أخرى بعد ذلك كما لا يخفى، فإذا تمّ ذلك في صورة التلف تمّ في صورة وجوده أيضاً لوحدة المناط وهو ظهور النص في المقارنة(1) .

هذا، ولكنّ ما ذكره(قدس سره) وإن كان تامّاً كبروياً لما قرّرناه في محلّه من علم الأصول من أنّ الأحكام انحلاليّة وأنّ لكلّ موضوع حكماً مستقلاً بحياله، إلاّ أنّ ما ذكره من جهة الصغرى في خصوص المقام غير تام؛ إذ لا ينطبق على ما نحن فيه، وذلك لأنّه لو كان الوارد في الروايات أنّ وجوب الخمس مترتب على الإخراج لكان ما ذكره تامّاً، ولكن لم يرد في الروايات ذلك، فإنّ أكثر ما ورد في الروايات هو وجوب الخمس على المعدن من دون ذكر للإخراج، وإنّما ورد الإخراج في كلام السائل لا في كلام الإمام فليس للإخراج موضوعيّة وخصوصيّة ليكون هو المناط في الحكم.

وممّا يؤيّد ذلك ما ورد في صحيحة محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر(علیه السلام) عن الملاحة، فقال: «وما الملاحة؟» فقال: (فقلت): أرض سبخة مالحة يجتمع فيه الماء فيصير (ويصير) ملحاً، فقال: «هذا المعدن فيه

ص: 296


1- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 46 - 49 .

الخمس» فقلت: والكبريت، والنفط يخرج من الأرض، قال: فقال: «هذا وأشباهه فيه الخمس» (1) .

ووجه التأييد أنّ الملح لا يحتاج إلى إخراج، فإنّه يتكوّن على ظاهر الأرض، ومع ذلك عدّه الإمام(علیه السلام) من المعدن، فيعلم أنّ الإخراج لا خصوصيّة له، وإنّما المناط هو تحصيل المعدن على أيّ كيفيّة كانت.

نعم، ورد الإخراج في كلام الإمام(علیه السلام) في رواية واحدة وهي ما رواه عمار بن مروان قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) يقول: «فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه والكنوز، الخمس» (2) .

وهذه الرواية مطلقة وبضمّها إلى صحيحة البزنطي المتقدّمة وتقييدها بها يتنقّح من ذلك أنّ الموضوع هو الإخراج إذا بلغ المخرج عشرين ديناراً.

ولكن الرواية وإن كانت تامّة من حيث السند إلاّ أنّها غير تامّة من حيث الدلالة.

أمّا تماميّة السند فلأن الراوي عن الإمام(علیه السلام) وإن كان مشتركاً إلاّ أنّ المراد به الثقة؛ وذلك لأنّ عمّار بن مروان مردّد بين ثلاثة أشخاص وهم في طبقة واحدة:

الأوّل: عمّار بن مروان القندي ولم يرد فيه توثيق.

ص: 297


1- وسائل الشيعة 9: 492، باب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 9: 494، باب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.

الثاني: عمّار بن مروان الكلبي ولم يرد فيه توثيق أيضاً.

الثالث: عمّار بن مروان اليشكري، وقد وثّقه النجاشي(1) وذكر أنّ له كتاباً.وذكره الشيخ أيضاً في الفهرست بعنوان عمّار بن مروان، وقال: إنّ له كتاباً، وطريقه إليه هو: أخبرنا أبو عبد الله (المفيد) عن محمّد بن عليّ بن الحسين (الصدوق) عن أبيه عن سعد بن عبد الله والحميري ومحمد بن يحيى وأحمد بن إدريس عن أحمد بن محمّد ومحمد بن الحسين، عن محمّد بن سنان عنه(2). ويشترك طريق الشيخ وطريق النجاشي في محمّد بن سنان.

وقد يقال: حيث لم يعلم أنّه الأخير فلا يمكن الإعتماد على هذه الرواية.

وقد يجاب: إنّ المراد به هو الأخير؛ لأنّه هو المعروف من بين هؤلاء الثلاثة فينصرف إليه.

وفيه: أنّ ذلك صحيح لولا القرينة الدالّة على عدم كونه اليشكري، وذلك من جهة الراوي عنه، وهو الحسن بن محبوب، فإنّه هو الراوي عن الكلبي لا اليشكري كما في طريق الصدوق إليه(3)، وأمّا الراوي عن اليشكري فهو محمّد بن سنان(4) .

ص: 298


1- رجال النجاشي: 291 / 780 .
2- الفهرست: 335 / 526 .
3- من لا يحضره الفقيه 4: 498، المشيخة .
4- معجم رجال الحديث 13: 274 / 8657 .

وقد يظهر من بعضهم دعوى اتحاد اليشكري والكلبي(1) .

وقد ناقش السيّد الأستاذ في ذلك بأمور:

أوّلاً: بتعدّد الراوي عن عمّار بن مروان، فإنّ الراوي عن اليشكري هو محمّد بن سنان، والراوي عن الكلبي هو الحسن بن محبوب .

وثانياً: أنّ ما ورد في مشيخة الفقيه من عمّار بن مروان الكلبي هو تصحيف محمّد بن مروان الكلبي؛ وذلك لأنّ الشيخ الصدوق روى عن محمّد بن مروان وابتدأ به في السند في الفقيه مع أنّه لم يذكر إليه طريقاً في المشيخة، فمن المظنون أنّ الطريق هو طريقه إلى محمّد بن مروان، مضافاً إلى أنّ ما رواه الصدوق في الفقيه عن عمّار بن مروان الكلبي قد رواه الكليني في الكافي عن محمّد بن مروان الكلبي، وسنده إليه هو عين السند في المشيخة إلاّ في الراوي عن الإمام فهو في الفقيه عمّار بن مروان وفي الكافي محمّد بن مروان، وبذلك يظن أن المذكور في المشيخة فيه تحريف من سهو القلم أو من غلط النسّاخ والصحيح محمّد بن مروان الكلبي، وأمّا عمّار بن مروان الكلبي فلا وجود له(2) .

مع أنّ الصدوق قد روى عن محمّد بن مروان الكلبي في عدّة موارد في «الفقيه»، ولم يذكر سنده إليه في المشيخة، وهذا ممّا يؤيّد أنّ المذكور في المشيخة هو محمّد بن مروان، على أنّه يستبعد أن يذكر الصدوق غير المعروف الذي ليس له كتاب ويهمل المعروف صاحب الكتاب الذي له

ص: 299


1- جامع الرواة 1: 612، وراجع معجم رجال الحديث 13: 275 .
2- معجم رجال الحديث 13: 275 - 276 .

طريق إلى كتابه.

ولكن قد يقال: إنّه قد ورد في روايتين أخريين بعنوان عمّار بن مروان الكلبي(1)، فما أفاده السيّد الأستاذ من عدم وجود عمار بن مروان الكلبي بعيد، نعم لم يثبت أنّ له رواية في الكتب الأربعة ولكن الشيخ الكليني(رحمه الله) لم يصفه بالكلبي، فوجود هذا العنوان بعيد .

وأمّا تصحيح السند من جهة رواية ابن أبي عمير عن عمّار بن مروان وقد قرّرنا في محلّه أنّ ذلك أمارة على التوثيق فهو غير تام في المقام؛ وذلك لاحتمال أن يكون المراد بعمّار بن مروان الذي روى عنه ابن أبي عمير هو اليشكري الثقة، فيكون من التأكيد لا التأسيس فلا ينفع ذلك في المقام.

والحاصل: أنّ العنوان المذكور في الرواية ينصرف إلى المشهور المعروف صاحب الكتاب وهو اليشكري ويحكم باعتبار السند.

وأمّا ضعف الدلالة فهو أنّ في الفعل في قوله: «فيما يخرج» ضميراً يرجع إلى الخمس، والخمس وقع متأخراً في اللفظ إلّا أنّه متقدّم في الرتبة؛ لأنّه مبتدأ وخبره في ما يخرج، والضمير هو نائب الفاعل، والمراد هو بيان حكم المعادن وأنّ فيها الخمس، وليس في مقام بيان أن الإخراج موضوع للحكم. وعلى فرض التسليم والقول بأنّ الإخراج وقع موضوعاً في الرواية إلاّ أنّه يقال: إنّ الإخراج حيث ورد مورد الغالب فرتّب الحكم عليه لا من جهة الخصوصيّة فيه، وعليه فلا يمكن القول بأنّ الحكم ينحلّ بعدد الدفعات، فما ذكر من الدليل وما أوضحه السيّد الأستاذ(قدس سره) في غير محلّه، ومثله ما ذكره

ص: 300


1- المحاسن 2: 103، الحديث 1274، الفقيه 2: 274، الحديث 2428 .

وإذا اشترك جماعة في الإخراج [1] ولم يبلغ حصة كلّ واحد منهم النصاب ولكن بلغ المجموع نصاباً فالظاهر وجوب خمسه.

من الشاهد فإنّه في غير محلّه أيضاً؛ لأنّ المعتبر في وجوب الخمس أن يكون في حوزة المالك وتحت يده ومع تلفه فلا يجب الخمس، وأمّا مع بقائه فلا مانع من ضمّ اللاحق إليه ويكون مشمولاً للحكم.

والحاصل: أنّ الظاهر من الأدلّة أنّه لا فرق في الإخراج بين أن يكون في دفعة واحدة أو في دفعات، سواء كان مع الإعراض أو بدونه ما دام في ملكه فإنّه مشمول لأدلة وجوب الخمس، فالأقوى من هذه الأقوال هو القول الرابع.

اشتراك جماعة في إخراج المعدن:

[1] اختلفت كلمات الأعلام فيما إذا اشترك جماعة في الإخراج فهل المعتبر بلوغ النصاب في حصة كلّ منهم، أو أنّ المعتبر هو بلوغ مجموع ما أخرجوه نصاباً؟

والمنسوب إلى الأكثر ومنهم الشهيد في المسالك(1)،والمحقق الهمداني في المصباح(2)،والسيّد البروجردي(3) القول بالأوّل، بل في الجواهر: لا أعرف

ص: 301


1- مسالك الأفهام 1: 459.
2- مصباح الفقيه: 14 : 35 .
3- زبدة المقال في خمس الرّسول والآل: 22 .

من صرّح بخلافه(1) .

وذهب جماعة منهم صاحب الحدائق(2)، وصاحب المستند(3)،

والسيّد الحكيم(4) إلى القول الثاني، وهو ظاهر الشيخ الأنصاري(5)،

واختاره السيّد الأستاذ(6) .

واستدل للقول الثاني بإطلاق الصحيحة المتقدّمة؛ لأنّ العبرة فيها بالإخراج دون المخرج، وأنّ المدار هو بلوغ ما أخرج مقدار النصاب سواء كان المخرج واحداً أو متعدّداً .

وأمّا القول الأوّل فقد استدل له بوجوه:

الأوّل: بحمله على الزكاة؛ فإنّها والخمس من باب واحد، فكما أنّ المعتبر في الزكاة بلوغ حصّة كلٍّ حدَّ النصاب فكذلك الخمس .

والظاهر أنّ الوجه في حمل الخمس على الزكاة: أنّ الخمس بدل عن الزكاة.

وأمّا ما قيل من أنّ الوجه في ذلك هو ما ورد في الصحيحة من قوله(علیه السلام):

ص: 302


1- جواهر الكلام 16: 20.
2- الحدائق الناضرة 12: 331.
3- مستند الشيعة 10: 61.
4- مستمسك العروة الوثقى 9: 460.
5- كتاب الخمس: 34.
6- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 47 .

«حتّى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة» وظاهر إطلاق المثليّة بين الخمس والزكاة هو الوجه فغير تام؛ لأنّ المثليّة إنّما هي من جهة المقدار لا من جميع الجهات.

الثاني: دعوى ظهور الصحيحة في ذلك؛ لأنّ الإخراج الذي رتب عليه الحكم بوجوب الخمس لا يكون بلا مخرج، فإن لوحظ المخرج واحداً استقام المعنى وصحّ وإن لوحظ الأعم فغير تام، للزوم تالٍ فاسد منه، وذلك لو فرض أنّ المخرج غير شريك كما لو أخرج شخص ما نصف النصاب وأخرج آخر النصف الآخر فلا يحكم بوجوب الخمس عليهما بلا إشكال، وعليه فلا يصحّ أن يقال: إنّ الرواية تشمل المتعدّد، وبناء على ذلك فالصحيحة ظاهرة في أنّ المخرج واحد لا متعدّد.

الثالث: بما ذكره المحقق الهمداني وهو أنّ المتبادر من الصحيحة سؤالاً وجواباً بواسطة المناسبات المغروسة في الذهن ليس إلاّ إرادة حكم ما يستفيده الشخص من المعدن مباشرة أو تسبيباً فهي بمنزلة ما لو قال: سألته عمّا يستفيده الشخص من المعدن(1) .

وبناء عليه، فالمعتبر هو بلوغ حصّة كلّ شخص حدّ النصاب دون المجموع.

وقد ناقش السيّد الأستاذ(قدس سره) في الوجه الأوّل بأنّ قياس الخمس على الزكاة قياس مع الفارق؛ لاختلاف لسان الدليل، فإنّ موضوع الحكم هناك - أي في الزكاة - النتاج الحاصل في ملك المالك فيلاحظ النصاب في ملكه الشخصي، وأمّا في المقام فالاعتبار بنفس الإخراج من غير نظر للمخرج،

ص: 303


1- مصباح الفقيه 14: 35 .

سواء أكان ما أخرج ملكاً لشخص واحد أم لأشخاص عديدين(1).وناقش في الثاني بأنّ مقتضى وحدة الإخراج كون المخرج واحداً حقيقة أو حكماً كما إذا كانوا شركاء، وأمّا مع التعدّد ولم يكونوا شركاء فلا يعدّ إخراجاً واحداً، بل لكلّ واحد إخراج على حدة(2) .

وأمّا الثالث فالظاهر أنّه غير تام؛ لأنّ الحكم بوجوب الخمس في المعدن وإن كان يتوجّه إلى الأفراد وهو في طول تسلّطهم وملكيتهم إلاّ أنّ الكلام في الملكيّة لكلّ شخص أو الأعم، والرواية مطلقة من هذه الجهة، ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين الشخص الواحد أو الأشخاص، وعليه فإذا لم يعد لكلّ واحد من الأشخاص تسلّط مستقل فالذي ينبغي ملاحظته هو المجموع بل هو الأحوط.

ص: 304


1- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 48 .
2- انظر المصدر نفسه: 45 .

وكذا لا يعتبر اتحاد جنس المخرج [1] فلو اشتمل المعدن على جنسين أو أزيد وبلغ قيمة المجموع نصاباً وجب إخراجه، نعم لو كان هناك معادن متعدّدة اعتبر في الخارج من كلّ منها بلوغ النصاب دون المجموع وإن كان الأحوط كفاية بلوغ المجموع خصوصاً مع اتحاد جنس المخرج منها سيما مع تقاربها بل لا يخلو عن قوة مع الاتحاد والتقارب وكذا لا يعتبر استمرار التكون ودوامه فلو كان معدن فيه مقدار ما يبلغ النصاب فأخرجه ثمّ انقطع جرى عليه الحكم بعد صدق كونه معدناً[2].

تعدّد جنس المخرج و تعدّد المعادن:

[1] الظاهر عدم الخلاف بين الفقهاء القائلين باعتبار النصاب في عدم اعتبار اتحاد جنس المخرج، فيلاحظ قيمة المجموع. نعم نسب الخلاف إلى بعض الجمهور في خصوص الذهب والفضّة بأن لا يضمّ أحدهما إلى الآخر.

والوجه في عدم الاعتبار هو إطلاق الصحيحة المتقدّمة وأنّ العبرة بالمخرج الذي هو الفائدة من المعدن، بلا فرق بين أن يكون من جنس واحد أو من جنسين، فإنّ عنوان ما أخرج من المعدن صادق على الجميع.

[2] إذا تعدّدت المعادن فتارة يكون الجنس واحداً، وأخرى يكون مختلفاً، وعلى كلا التقديرين فتارة تكون المعادن متقاربة المواضع، وأخرى متباعدة، فهل يعتبر النصاب من الجميع أو أنّ المعتبر هو أن يكون لكلّ منها نصاب على حدة؟

ص: 305

ذهب الشهيد في الدروس(1) إلى القول بملاحظة الجميع، وتبعه كاشف الغطاء(2) .

وظاهر جماعة منهم صاحب الجواهر(3)، والمحقق الهمداني(4)، القول بأنّ المعتبر هو أن يكون لكلّ منها نصاب على حدة.

ويظهر من الماتن(قدس سره) أنّ الاعتبار بالمجموع إذا كانت المعادن متقاربة مع اتحاد الجنس.

وظاهر المستمسك(5) والسيّد الأستاذ أنّ التقارب والاتحاد في الجنس إذا كان موجباً لصدق وحدة المعدن عرفاً،(6) كما في آبار النفط المتقاربة باعتبار وحدة المادة والانبعاث من منبع مشترك فيلاحظ المجموع وإلاّ فلا.

استدل للقول الأوّل بوجهين:

أحدهما: إطلاق الصحيحة المتقدّمة حيث ورد فيها فيما يخرج من المعدن، فإنّ المعتبر هو المخرج وأنّه إذا بلغ حدّ النصاب وجب فيه الخمس، وأمّا أن يكون ذلك من معدن واحد أو متعدّد من جنس واحد أو من جنسين

ص: 306


1- الدروس الشرعيّة 1:260.
2- كشف الغطاء: 200:4 .
3- جواهر الكلام 16:20.
4- مصباح الفقيه 14: 33 - 34 .
5- مستمسك العروة الوثقى 9: 461.
6- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 48 - 49 .

أو أكثر فهي من هذه الجهة مطلقة شاملة لكلّ منها؛ إذ أنّ عنوان ما أخرج من المعدن يصدق على الجميع.

ثانيهما: دعوى ظهور المعدن في الجنس وهو صادق على الواحد والمتعدّد من جنس واحد أو من أجناس متعدّدة.

واستدل للقول الثاني بمنع الإطلاق والظهور، بل إنّ المنصرف إليه هو ما يخرج من المعدن أي ما يخرج من معدن واحد كما يقال: الكنز إذا بلغ بمقدار كذا أي كلّ كنز وهكذا الغنيمة، فالمتبادر هو الوحدة لا المؤلّف من عدّة معادن أو كنوز أو غنائم فإنّه خلاف الظاهر.وقد يقال: إنّ دعوى التبادر إن كانت لظهور الجنس في الوحدة فلم يحرز ذلك، وإن كان الظهور من جهة قلّة الأفراد فذلك لا يوجب الانصراف، وإحراز الانصراف في مثل المقام مشكل، نعم لا يبعد القول بالانصراف العرفي، ولذا فمقتضى الاحتياط هو القول الأوّل خصوصاً إذا صدق عليها الوحدة عرفاً من جهة التقارب والاتحاد في الجنس.

ثمّ إنّه لا يعتبر في المعدن استمرار التكوّن والدوام، بل إذا كان هناك معدن وفيه مقدار النصاب وأخرج ثمّ انقطع جرى عليه الحكم بعد صدق كونه معدناً؛ إذ لا يعتبر صدق الدوام والاستمرار.

ويؤيّد ذلك ما ورد في صحيحة زرارة عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال: «كلّ ما كان ركازاً ففيه الخمس ...»(1) .

ص: 307


1- وسائل الشيعة 9: 492، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3 .

(مسألة: 6) لو أخرج خمس تراب المعدن قبل التصفية فإن علم بتساوي الأجزاء في الاشتمال على الجوهر أو بالزيادة فيما أخرجه خمساً أجزأ وإلاّ فلا لاحتمال زيادة الجوهر فيما يبقى عنده [1] .

والركاز هو كلّ ما كان مركوزاً سواء كان له منبع أم لا، فحصره في المعدن أو ظهور ما له مادة كما نسب إلى كاشف الغطاء(1) ممّا لا وجه له.

إخراج خمس المعدن قبل التصفية:

[1] هل يعتبر في إخراج الخمس من المعدن تصفيته من ترابه أو لا؟ فيصحّ إخراجه قبل التصفية وإن كان المعدن مشتملاً على التراب.

وفيه أربع صور: فتارة يعلم بتساوي الأجزاء في الاشتمال على الجوهر، وأخرى يعلم بزيادة الجوهر، وثالثة يعلم بالنقيصة، ورابعة لا يعلم بأيّ منهما.

ولا إشكال في عدم الإجزاء بالنسبة إلى الصورتين الأخيرتين أي: في حالة إخراج الخمس من القسم الّذي يعلم بنقيصة الجواهر فيه عن تراب المعدن، وفي حالة عدم علمه بذلك. أمّا في صورة النقيصة فواضح، وأمّا في صورة الجهل فلابدّ من الفحص.

وإنّما الكلام في الصورتين الأوليين، فذهب صاحب المدارك(2)، والمحقّق

ص: 308


1- كشف الغطاء: 201:4 .
2- مدارك الأحكام5:368.

الهمداني(1)، والسيّد الحكيم(2)، والسيّد الأستاذ(3)، إلى عدم الاعتبار.

والذي يظهر من صاحب الجواهر(4) والشيخ الأنصاري(5) القول بالاعتبار بمعنى أنّه لابدّ من تصفية المعدن من خليطه ومن ثمّ إخراج خمسه.

واستدل على ذلك بظهور صحيحة زرارة عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال: «كلّ ما كان ركازاً ففيه الخمس» وقال: «ما عالجته بمالك ففيه ما أخرج الله سبحانه منه من حجارته مصفّى الخمس»(6) .

وموضع الشاهد هو الجملة الأخيرة، فإنّ ظاهرها يدلّ على أنّ وجوب الخمس بعد التصفية، وأمّا قبلها فليس بواجب، وعليه فلا يجتزى بإخراج الخمس قبل وجوبه.

وقد أشكل السيّد الأستاذ(قدس سره) تبعاً للمحقق الهمداني بعدم ظهور الصحيحة في ذلك، وإنّما ظاهرها يدلّ على تعلّق الخمس بالمعدن بعد تصفيته من المؤونة، بمعنى أنّ الرواية في مقام تعيين مورد الخمس ومركزه، وأنّه خالص الجوهر ومصفّاه أي بعد استثناء المؤن المصروفة في سبيل العلاج والاستخراج.

ص: 309


1- مصباح الفقيه 14: 40 .
2- مستمسك العروة الوثقى 9: 462 .
3- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 49 - 51 .
4- جواهر الكلام 16: 21 .
5- كتاب الخمس: 36.
6- وسائل الشيعة 9: 492، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.

ويشهد على ذلك أمور:

الأوّل: أنّ المعدن قد لا يكون مخلوطاً بالتراب كما إذا كان عقيقاً ونحوه.الثاني: أنّ اللازم من ذلك أنّه لو أخرج المعدن عن ملكه قبل التصفية بناقل من بيع أو هبة أو نحوهما لم يجب الخمس حينئذ لا على البائع - لأجل إخراجه عن ملكه قبل تعلّق الخمس به - لفرض عدم الوجوب قبل التصفية، ولا على المشتري؛ بناء على اختصاص الوجوب بالمستفيد من المعدن ومن يملكه عن طريق الإخراج لا بسائر الأسباب فيكون هذا نحو تخلّص وفرار عن أداء الخمس ولا يظنّ أن يلتزم به الفقيه(1) .

الثالث: أنّه قد ورد في رواية الحارث بن حضيرة الأزديّ أنّ الخمس على من وجده لا على من اشتراه قال: وجد رجل ركازاً على عهد أمير المؤمنين(علیه السلام) فابتاعه أبي منه بثلاثمائة درهم ومائة شاة متبع، فلامته أمّي وقالت: أخذت هذه بثلاثمائة شاة، أولادها مائة، وأنفسها مائة، وما في بطونها مائة، قال: فندم أبي فانطلق ليستقيله فأبى عليه الرجل، فقال: خذ منّي عشر شياه، خذ مني عشرين شاة فأعياه، فأخذ أبي الركاز وأخرج منه قيمة ألف شاة، فأتاه الآخر فقال: خذ غنمك وآتني ماشئت فأبى، فعالجه فأعياه، فقال: لأضرّنّ بك، فاستعدى إلى أمير المؤمنين - صلوات الله عليه - على أبي فلمّا قصّ أبي على أمير المؤمنين(علیه السلام) أمره، قال لصاحب الركاز: «أدِّ خمس ما أخذت، فإنّ الخمس عليك، فإنّك أنت الذي وجدت الركاز، وليس

ص: 310


1- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 50 - 51 .

على الآخر شي ء؛ لأنّه إنّما أخذ ثمن غنمه»(1) .

وهذه الرواية تدلّ على أنّ الخمس على من وجد المعدن لا على من اشتراه، وقد باعه الواجد قبل التصفية، ومع ذلك حكم الإمام بأنّ خمسه على واجده، فالرواية واضحة الدلالة على أنّ الخمس قبل التصفية، وإلّا لكان على المشتري.

والمستفاد من ذلك كلّه أنّ المراد من التصفية في الصحيحة المتقدّمة هو تصفية المعدن عن المؤونة، وليست في مقام بيان وقت وجوب الخمس، وإلّا لزم من ذلك عدم وجوب الخمس فيما إذا استعمل المعدن بعد إخراجه وقبل تصفيته، وكذا إذا نقله عن ملكه ببيع ونحوه، والالتزام به بعيد جداً.

والحاصل: أنّ المراد من التصفية هو إسقاط ما بذل على المعدن من المؤونة.

ثمّ على فرض التسليم بأنّ المراد من التصفية هو الأعم أي من الخليط والمؤونة إلّا أنّ الصحيحة لا تدلّ على أنّ وقت تعلّق الخمس بعد التصفية، وإنّما تدلّ على أنّ إعطاء الخمس بعد التصفية، نعم تعلّق الوجوب به بعد إخراجه، وذلك نظير إعطاء الخمس من أرباح المكاسب، فإنّ وجوبه من حين الحصول على الربح، فليست الرواية ظاهرة في أنّ تعلّق الخمس بعد

ص: 311


1- الكافي 5: 320، كتاب المعيشة، الباب 191، الحديث 48، وتهذيب الأحكام 7: 202، الحديث 986، ولكن ورد «الحارث بن الحارث الأزدي» بدل «الحارث بن حضيرة الأزدي»، وكذلك يوجد اختلاف يسير في المتن، ووسائل الشيعة 9: 497، الباب 6 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1، وفيه «الحارث بن حصيرة الأزدي»، واختلاف يسير في متنه.

التصفية.

وأمّا ما ذكر من الشواهد فهي محل تأمّل.

أمّا الشاهد الأوّل ففيه: أنّه خارج موضوعاً عن محلّ الكلام، ولا مجال للاشكال به.

وأمّا الشاهد الثاني ففيه أنّه يمكن القول بأنّ الخمس على الواجد البائع لا على المشتري، وأنّه بعد التصفية لا قبلها، وعلى فرض عدم تصفية المشتري يبقى الوجوب على البائع معلّقاً إلى حين التصفية، ويؤيّد ذلك ما دلّت عليه رواية الأزدي المتقدّمة.

وأمّا الشاهد الثالث ففيه: أنّ الرواية وإن كانت من حيث الدلالة تامّة إلاّ أنّها من حيث السند ضعيفة.

والحاصل: أنّ ما ذكر من الشواهد غير تامّة، وإن كان الظهور في محلّه.

ص: 312

(مسألة: 7) إذا وجد مقداراً من المعدن مخرجاً مطروحاً في الصحراء [1] فإن علم أنه خرج من مثل السيل أو الريح أو نحوهما أو علم أن المخرج له حيوان أو إنسان لم يخرج خمسه وجب إخراج خمسه على الأحوط إذا بلغ النصاب، بل الأحوط ذلك وإن شك في أنّ الإنسان المخرج له أخرج خمسه أم لا.

الحكم فيما لو وجد إنسان معدناً مطروحاً في الصحراء:

[1] هل يعتبر الأخذ من المعدن شرطاً في وجوب الخمس، أو يكفي في تحقّق الوجوب وجود المعدن مطروحاً خارج منبته؟ وعلى الأوّل فهل المعتبر إخراج المالك أو من بحكمه كالأجير والمأذون ونحوهما، أو أنّ المعتبر إخراج من تحقّق منه القصدوإن كان أجنبياً؟ وفي صورة عدم الاعتبار هل يكفي في الوجوب إخراج من لا يتحقّق منه القصد كالحيوان أو السيل ونحوهما أو لا؟

فها هنا جهات ثلاث من البحث:

الأولى: أنّ ظاهر المشهور هو عدم الاعتبار، وأشكل فيه المحقق الأردبيلي(1)، وذهب كاشف الغطاء(2) إلى القول بالاعتبار، وهو ظاهر المحقّق

ص: 313


1- مجمع الفائدة والبرهان 4: 308 .
2- كشف الغطاء: 201:4.

الهمداني(1)، وتبعه السيّد الأستاذ(2) .

واستدل للمشهور بإطلاق الروايات الدالّة على وجوب الخمس في المعدن أي سواء كان عن طريق الاستخراج أو غيره، ولو بسبب غير اختياري؛ فإنّ العبرة فيه بتملّك المعدن وأخذه بعدما خرج من موضعه، وإن كان بسبب آخر كريح أو سيل أو زلزلة ونحو ذلك، فعلى جميع هذه التقادير يصدق عليه أنّ المالك استفاده وتسلّط عليه، ولا خصوصيّة للاخراج والأخذ منه.

وناقش السيّد الأستاذ(قدس سره) في ذلك بأنّ الظاهر من الروايات أيضاً كالعرف واللغة أنّ المعدن بمعنى منبت الجوهر إلاّ أنّ في إسناد الخمس إليه تجوزاً فيراد منه ما يخرج منه تسمية للحالّ باسم المحل بعد وضوح عدم تخميس نفس المنبت، فخصوصيّة الإخراج وإفصال الحالّ عن محلّه - أي الأخذ منه - ملحوظة في هذا الإطلاق لا محالة.

ويشهد على ذلك ما ورد من التعبير بالركاز في صحيحة زرارة حيث قال(علیه السلام) فيها: «كلّ ما كان ركازاً ففيه الخمس»(3) فإنّ المراد به ما كان مركوزاً أي ثابتاً ونابتاً في الأرض فلا يشمل المطروح المنفصل عنه.

والوصف وإن لم يكن له مفهوم بالمعنى المصطلح إلاّ أنّه يدلّ لا محالة على عدم تعلّق الحكم بالطبيعي الجامع وإلاّ لأصبح التقييد لغواً محضاً، ومن ثمّ كان الظاهر من القيد أن يكون احترازياً فهو مشعر بالعليّة وإن لم تكن

ص: 314


1- مصباح الفقيه 14: 37 .
2- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 55 .
3- وسائل الشيعة 9: 492، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.

منحصرة(1) .

والظاهر أنّ ما أفاده السيّد(قدس سره) تام، وإن خالفناه في أخذ الإخراج موضوعاً للخمس ونفينا ذلك كما تقدّم، وقلنا: إنّه لم يؤخذ الإخراج قيداً في الروايات، وإنّما ورد في كلام السائل، بل قلنا: إنّ صحيحة محمّد بن مسلم(2) تدلّ على عدم الخصوصيّة للإخراج في وجوب الخمس؛ لأنّ الملاحة المذكورة في الرواية لا تحتاج إلى الإخراج وقد عدّها الإمام(علیه السلام) من المعدن.

وأمّا في ما نحن فيه فنقول: إنّ الخمس لا يتعلّق بالمعدن في نفسه، وإنّما يتعلّق به بشرط الأخذ منه وفصله عن محلّه.

وبيان ذلك: أنّ صحّة تعلّق الخمس بالمعدن تتوقّف على تقدير مصحّح للتعلّق، ولا يخلو المقدّر إمّا أن يكون هو الإخراج، وإمّا أن يكون هو التسلّط، وإمّا أن يكون هو الأخذ.

أمّا الإخراج فلا موضوعيّة له كما تقدّم، وأمّا التسلّط فكذلك؛ لأنّ مجرد تسلّط الشخص على الأرض التي تحتوي على المعدن لا يكفي في تعلّق الخمس بها، كما إذا اشترى أرضاً يعلم بوجود معدن في باطنها فما لم يخرجه ويأخذ منه لا يجب عليه الخمس.

وعليه فيتعيّن أن يكون المقدّر هو الأخذ وهو المعتبر في وجوب الخمس.

وأمّا المعدن المطروح على الأرض فلا يصدق عليه الأخذ منه، بل يقال:

ص: 315


1- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 52-53 .
2- وسائل الشيعة 9: 492، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.

إنّه أخذ ما كان معدناً، وهو ليس معدناً، بل شي ء مطروح على الأرض.

ولذلك، لا يقال لمن اشترى ذهباً: إنّه أخذ المعدن، بل يقال: اشترى شيئاً كان معدناً.

وما ذكره(قدس سره) من الاستشهاد بصحيحة زرارة من قوله(علیه السلام): «كلّ ما كان ركازاً ففيه الخمس» في محلّه، بمعنى أنّه لابدّ من الأخذ من الركاز ليصحّ تعلّق الخمس به، ولا إشكال في أنّ الأخذ من المطروح على الأرض ليس أخذاً من الركاز.

وظاهر الجملة، الدلالة على الفعليّة، ولحاظ الشأنيّة فيها خلاف الظاهر.نعم، يصدق على المطروح أنّه غنيمة وفائدة، ويجب فيها الخمس من هذه الجهة لا من جهة كونه معدناً، بل لأنّه من مصاديق مطلق الفائدة.

وأمّا ما يقال من: أنّ وجوب الخمس فيما إذا لم يكن بالإخراج وكان مطروحاً أولى من وجوبه إذا كان بالإخراج فلم نعرف له وجهاً؛ لأنّ قيد الأخذ معتبر في عنوان المعدنيّة وإن كان المطروح على الأرض غنيمة ويجب فيه الخمس لكن لا بعنوان كونه معدناً، نظير ما إذا حاز شيئاً غير الجوهر، إذ يجب فيه الخمس مع أنّه ليس من المعدن، فقياس ما لا يحتاج إلى الإخراج بما يحتاج إليه في غير محلّه.

وعلى فرض الإجمال ودعوى أنّه لا يستفاد قيد الأخذ من الروايات وكان مورداً للشك فتكون الروايات مجملة، والمرجع حينئذ هو الأصل العملي وهو البراءة في المقام.

ص: 316

ومن ذلك يظهر الحكم في الجهة الثالثة وهي ما إذا كان المخرج للمعدن حيواناً ونحوه، فإنّه تارة لا يكون الحيوان معلّماً على الإخراج كما هو ظاهر المتن، وتارة يكون معلّماً ففي الصورة الأولى يلحق بالخارج من نفسه أو المطروح، لأنّ الأخذ المعتبر لم يتحقّق، كما لم يتحقّق التملّك من الحيوان أو شأنيّة التملّك منه.

نعم يصدق عليه عنوان الغنيمة والفائدة، وهذا بخلاف مثل الصبي والمجنون والعبد فإنّ هؤلاء وإن لم يتحقّق منهم القصد للإخراج في بعض الحالات إلاّ أنّ الخمس يجب على الولي أو المولى في الجملة؛ لتحقّق الملكيّة فيهم أو الشأنيّة في التملّك، وسيأتي في الجهة الثانية بيان ذلك.

وأمّا في الصورة الثانية فهي بحكم الأخذ والإخراج من نفس الشخص المرسل فيجب عليه الخمس بلا إشكال؛ لأنّ الحيوان المعلّم بمثابة الآلة التي يستعين بها المالك على الإخراج.

وأمّا الجهة الثانية وهي ما إذا كان المخرج إنساناً ففيها خمس صور:

الأولى: أن يكون المخرج صبياً أو مجنوناً أو عبداً أو أجيراً.

أمّا الصبي والمجنون فتارة لا يتحقّق منهما قصد التملّك والحيازة، وحكمهما حكم الحيوان إذا أخرج المعدن، وحكم المعدن المطروح على الأرض، والأقوى عدم وجوب الخمس.

وأخرى يتحقّق القصد منهما ويملكان ما أخرجاه، إلاّ أنّ في وجوب الخمس عليهما خلافاً قد مرّ ذكره، فذهب المشهور إلى وجوبه على الولي

ص: 317

من مالهما، وذهب صاحب «المدارك»(1) إلى عدم الوجوب وتبعه السيّد الأستاذ(2).

وأمّا الأجير والعبد فحكمهما واضح، فإنّه يجب على المؤجّر والمولى أداء خمسه؛ لأنّهما هما المالكان وليس العبد والأجير.

الثانية: أن يكون المخرج شخصاً بالغاً من دون قصد للإخراج والحيازة، كما إذا حفر الأرض لغرض آخر كإحداث بناء، أو بئر أو نحوهما فاتّفق العثور على المعدن فأخذه وطرحه من دون أن يتملّكه، وفي هذه الصورة لا يجب عليه الخمس؛ لعدم تحقّق شرطه وهو التملّك.

وأمّا بالنسبة لواجده فيأتي فيه الخلاف المتقدّم، ويكون حكمه حكم المعدن المطروح فإنّ أخذه ليس أخذاً من المعدن، والأقوى عدم وجوب الخمس عليه من جهة كونه معدناً، وإن كان عليه الخمس من جهة كونه فائدة وغنيمة فيدخل في أرباح المكاسب.

الثالثة: أن يكون المخرج البالغ قاصداً للحيازة فتملّكه، ثمّ أعرض عنه وطرحه من غير أن يخرج خمسه علماً أو احتمالاً، أمّا في صورة العلم بعدم إخراج الخمس فلا إشكال في جواز أخذ الواجد له وتملّكه إيّاه، ولكن لا يجب عليه الخمس من جهة كونه معدناً سواء قلنا بأن الإخراج والأخذ من المعدن شرط في وجوب تعلّق الخمس أو لا؛ وذلك لأنّه - على كلا التقديرين - لم يكن الواجد هو المالك الأوّل، وإنّما يجب الخمس على من أخرجه

ص: 318


1- مدارك الأحكام 5: 390 .
2- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 36 .

وتملّكه أوّلاً، وأمّا غيره ممّن وقع الملك في يده بعد ذلك كالمالك الثاني أو الثالث فلا يجب عليه الخمس بعنوان كونه معدناً، وهذا ممّا لا إشكال فيه.نعم، بناء على تعلّق الخمس بالعين يكون للواجد أربعة أخماس منه فقط ويبقى خمس المال لمستحقّيه، ولابدّ من أدائه إليهم، ويفرّق بين الوجدان وبين الإخراج بأمور:

منها: أنّه ليس له دفع قيمته أو تبديله فيما إذا أراد المستحقّ نفس العين.

ومنها: أنّه لا يحقّ له التصرّف فيه وإن كان قصد الضمان.

ومنها: أنّه لا يعتبر في إعطائه لمستحقّيه قصد القربة.

ومنها: أنّ الخمس يتعلّق بالباقي في ما إذا زاد عن مؤونة سنته لدخوله في أرباح المكاسب.

وهذا بخلاف ما إذا كان وجوب إخراج الخمس من جهة كونه معدناً؛ إذ لابدّ من ملاحظة هذه الأمور.

هذا كلّه فيما إذا لم نقل بأنّ المورد مشمول لأخبار التحليل وأنّها مختصّة بمن انتقل المال إليه من كافر أو مخالف، وأمّا بناء على القول بشمولها للعاصي كما اختاره السيّد الأستاذ(قدس سره) (1) فلا يجب عليه إعطاء الخمس مطلقاً، أي لا من جهة كونه معدناً، ولا من جهة كونه مالاً للغير، وسيأتي البحث مفصّلاً حول روايات التحليل وبيان مدى دلالتها وما يستفاد منها.

ص: 319


1- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 348 - 349 .

وأمّا في صورة الاحتمال فقد احتاط الماتن بوجوب إخراج الخمس على الواجد، ولعلّ الوجه في تردّده هنا هو من جهة أنّ لحاظ مقتضى الاستصحاب - وهو بقاء حقّ صاحب الخمس في المال - يقتضي الحكم بوجوب الأداء على الواجد، ومن جهة أنّ لحاظ أصالة الصحّة أو العمل بمقتضى قاعدة اليد لظهورها في الملكيّة الطلقة المقدّمتين على الاستصحاب يقتضي الحكم بعدم وجوب الأداء عليه.

هذا وقد ناقش في المستمسك في ذلك بقوله: والأوّل ممنوع، والثاني يتوقّف على استمرار اليد في زمانين: زمان العلم، وزمان الشك، وهو غير معلوم، فتأمل. على أنّك قد عرفت أنّ حجّيّة اليد - التي يكون حدوثها معلوم الخلاف - على الملكيّة الطلقة غير واضحة، بل المشهور عدمها(1) .

والمستفاد من كلامه عدم المانع من العمل بمقتضى الاستصحاب والحكم بوجوب أداء الخمس على الواجد.

ثمّ إنّ الوجه في عدم جريان أصالة الصحّة في المقام هو: احتمال أنّ أصالة الصحّة إن أريد بها الأحوال بمعنى الحمل على ظاهر العدالة والثقة فلا ربط لها بالمقام، وإن أريد بها الأفعال فهي فرع صدور فعل منه يتّصف بالصحّة تارة وبالفساد أخرى، بمعنى أن يكون للفعل فردان صحيح وفاسد كعقد البيع أو النكاح وأمثالهما فيحمل فعله على الصحيح دون الفاسد، وتترتّب عليه آثاره الشرعيّة والوضعيّة، فإنّ العمدة في دليل أصالة الصحّة هي السيرة فلابدّ من الاقتصار على القدر المتيقّن منها، وهو في مثل هذه الموارد.

ص: 320


1- مستمسك العروة الوثقى 9: 462 - 463 .

وأمّا في ما نحن فيه حيث لم يصدر منه فعل وإنّما قصد الإعراض عن المال فلم يحرز أنّه مشمول للسيرة فهو خارج عن موضوع أصالة الصحة.

ويمكن الجواب عن هذا الإشكال بأنّ الإعراض أيضاً من الأفعال، غاية الأمر أنّه فعل جانحي، وهو كالفعل الجارحي في إمكان حمله على الصحّة إذا ترتّب عليه أثر شرعي، نظير ما ورد من النهي عن كثير من الظن(1). وعليه، فإذا كان لإعراضه فردان صحيح وفاسد وترتّب عليه أثر شرعي فلا مانع من شموله لأصالة الصحّة.

والصحيح في الإشكال أن يقال: إنّ المشهور في جريان أصالة الصحّة هو إحراز قابليّة المحل كإحراز قابليّة المتصرّف أيضاً، فإذا شككنا في أنّ مجري العقد صبي أو شككنا في أنّ المال له أو لغيره أو أنّ المبيع خمر مثلاً فلا مجال لجريان أصالة الصحّة في البيع كما هو مقرّر في محلّه، وفي ما نحن فيه لم نحرز قابليّة المحل؛ لاحتمال أن يكون متعلّق الإعراض أنّ بعض المال ملك للغير، على أنّه يمكن إثبات أنّ مقداراً من المال ملك للغير بالاستصحاب.لا يقال: إنّ أصالة الصحّة من الأمارات وهي مقدّمة على الاستصحاب الذي هو من الأصول.

لأنّه يقال: إنّه قد تقرّر في محلّه أنّ الأصل يتقدّم على الأمارة فيما إذا كان جارياً ومنقّحاً لموضوع الأمارة، وعليه فلا إشكال في عدم جريان أصالة الصحّة إمّا في نفسها لعدم إحراز قابليّة المحل، وإمّا من جهة إحراز عدم القابليّة بالاستصحاب.

ص: 321


1- سورة الحجرات: 12 .

وأمّا ما ذكره(قدس سره) من الوجهين في عدم جريان قاعدة اليد حيث ذكر الأوّل بقوله: والثاني يتوقّف على استمرار اليد في زمانين: زمان العلم وزمان الشك وهو غير معلوم فتأمل، ففيه: أنّه غير تام، وتأمّله(قدس سره) في محلّه؛ لأنّه لا يفرّق في ترتّب الأثر الشرعي والحكم بأنّ المال الذي كان تحت يده ملكاً له بين الزمانين، أي قبل الشك وحين الشك، فإنّه إذا كان ملكاً له حيث كان تحت يده سابقاً فبعد إعراضه عنه لا يزول عن ملكه ويبقى ملكاً له على فرض عدم الإعراض، ويترتّب عليه أثر صحّة الاستملاك لجميع المال وانتقاله إلى الواجد فهذا الوجه غير تام.

وأمّا الوجه الثاني الذي ذكره بقوله: على أنّك عرفت أنّ حجّيّة اليد - التي يكون حدوثها معلوم الخلاف - على الملكيّة الطلقة غير واضحة، فهو تام، وذلك نظير ما إذا علمنا من الأوّل أنّ المال ملك للغير، وكانت يده عليه أمانيّة بإجارة أو عارية أو نحوهما ثمّ احتملنا أنّه انتقل إليه بهبة أو ببيع أو نحوهما، أو علمنا بأنّه كان وقفاً حين حدوث يده عليه أو غصباً ثمّ احتملنا حصول مسوّغ للملكيّة ويده على المال - حينئذ - لا تدلّ على الملكيّة، والمقام من هذا القبيل حيث إنّ يده كانت من الأوّل على مقدار من المال - وهو الخمس - غير داخل في ملكه، بل هو حقّ الغير ولا نعلم أنّه انتقل إليه بعد ذلك بدفع قيمته مثلاً أو ضمانه أو لا، فيده - حينئذ - غير مفيدة للملكيّة.

وهذا ممّا لا خلاف فيه، وهو الوجه في المقام.

وقد يتوهّم أنّ في المقام إشكالين:

الأوّل: أنّه بناء على ذلك يلزم النقض بجريان الاستصحاب في كلّ مال

ص: 322

انتقل عن صاحبه إلى الغير ببيع ونحوه، لاحتمال عدم أداء البائع الخمس الواجب عليه فيه، فيجب على المشتري إخراج خمسه، ولا يجوز له التصرّف فيه قبل ذلك.

الثاني: أنّ وجوب الخمس حكم شرعي يترتّب على تملّك المخرج للمعدن، فهو في طول ملكيّته، بمعنى أنّ المعدن كان ملكاً للمخرج في أوّل حدوث يده عليه، ولم يكن الخمس ملكاً لأربابه من الأوّل حتّى يستصحب بقاؤه، فحينئذ لا يكون حدوث اليد معلوم الخلاف.

ولكنّهما مدفوعان: أمّا الأوّل فواضح، فإنّ النقض غير وارد؛ لأنّه لم يعلم أنّ المال الذي في يد البائع مثلاً وانتقل إلى المشتري كان متعلّقاً للخمس، فلعلّه كان من ماله الخالص من الخمس من فوائد سنته السابقة، أو كان من الإرث أو الهبة التي لا يجب فيها الخمس، أو من الموارد المشمولة للتحليل كأن يكون من كافر أو مخالف، وعليه فكيف يقال: بأنّا نعلم بوجوب الخمس من باب الفائدة على ما في يد البائع من باب الفائدة.

وأمّا الثاني فيدفع بأنّ الظاهر من الروايات والأدلّة أنّ مقدار الخمس ليس ملكاً لصاحب المال من الأوّل، وإنّما له حقّ الاختصاص؛ لأنّه الشريك الأعظم، ولذا له أن يعطي قيمته أو يعيّن المستحق ويعطيه إيّاه.

والحاصل: أنّ الاستصحاب ببقاء الملك على مقدار الخمس يتصرّف في موضوع اليد ويحكم ببقاء المال للغير، فلا تكون حيازته موجبة للملكيّة، ولابدّ من أداء الخمس على الواجد لصاحبه.

الرابعة: أن يكون المخرج قاصداً للتملّك إلاّ أنّه طرحه على الأرض ولم

ص: 323

يقصد الإعراض عنه وإنّما تشاغل عنه فضيّع مكانه أو منعه مانع من نسيان وغيره.

وفي هذه الصورة لا يجوز للواجد تملّكه؛ لأنّه لم يخرج عن ملك صاحبه، وكذا لا يجوز للواجد إخراج خمسه؛ لأنّه تصرّف في مال الغير بدون إذنه، ويكون المال حينئذ إمّا بحكم اللّقطة إذا كان من جهة التضييع، أو من قبيل مجهول المالك، والأولى الرجوع إلى الحاكم الشرعي الذي يتولّى إخراج خمسه أوّلاً ثمّ يصرفه في موارده ثانياً .الخامسة: إذا كان المخرج إنساناً ولم يحرز شي ء ممّا تقدّم، فلم يعلم أنّه قصد تملّكه أو لا، وعلى فرض قصد التملّك فهل أخرج خمسه أو لا؟ وهل طرحه معرضاً عنه أو لا؟

وفي هذه الصورة يجوز للواجد تملّكه إلاّ أنّ في وجوب إخراج خمسه عليه ما مرّ من الخلاف في اعتبار قيد الأخذ من المعدن وعدمه، فإن قلنا بالاعتبار فلا يجب عليه الخمس إلاّ من باب مطلق الفائدة بعد إخراج مؤونة السنة، فحكم هذه الصورة حكم الصورة الأولى.

بقي أمران:

الأوّل: أنّ ما ذكرناه من عدم وجوب الخمس على الواجد - في أكثر هذه الصور وإنّما يجب إخراجه من باب الفائدة وفي صورة واحدة من باب أداء حقّ الغير - فيما إذا كان المعدن منتشراً على وجه الأرض متفرّقاً بحيث لا يصدق عليه الأخذ من المعدن، وأمّا إذا كان مجتمعاً على حالته الأولى - وإن كان على وجه الأرض - فالأحوط لزوماً إخراج خمسه على الواجد؛ إذ لا

ص: 324

(مسألة: 8) لو كان المعدن في أرض مملوكة فهو لمالكها[1] وإذا أخرجه غيره لم يملكه بل يكون المخرج لصاحب الأرض وعليه الخمس من دون استثناء المؤونة لأنّه لم يصرف عليه مؤونة.

يبعد صدق الأخذ من المعدن، وإن كان على وجه الأرض.

الثاني: قد أفاد السيّد الأستاذ(قدس سره) بأنّ الظاهر أنّ الصورة الأخيرة هي مراد الماتن، حيث إنّه الفرد الشائع الذائع، وإلاّ فالوجوه السابقة فروض نادرة، إذ كيف وأنّى لنا استعلام ضميره وإحراز نيّته من قصد الإخراج وعدمه، أو نيّة الإعراض وعدمها(1) .

وفيه: أنّه يمكن أن يقال: إنّ قول الماتن: أو إنسان لم يخرج خمسه، إنّما يكون في فرض وجوب الخمس عليه، وهو ملازم لقصد التملّك، فالذي يظهر أنّ مقصود الماتن غير هذه الصورة من بقيّة الصور المتقدّمة.

تبعيّة المعدن للأرض:

[1] المعدن المستخرج على أربعة أقسام: فتارة يُستخرج من الملك الشخصي، وأخرى يُستخرج من ملك الغير، وثالثة ممّا هو ملك لعامّة المسلمين كالأراضي المفتوحة عنوة العامرة حال الفتح، ورابعة ممّا هو ملك للإمام(علیه السلام) كالأراضي الموات حال الفتح.

ص: 325


1- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 55 .

أمّا القسم الأوّل فالحكم فيه واضح، إذ لا إشكال في أنّه ملك للمخرج الذي هو المالك، ويجب عليه إخراج خمسه عند توفّر الشرائط المتقدمّة.

وأمّا القسم الثاني فالظاهر عدم الخلاف بين القدماء بأنّه لصاحب الأرض مطلقاً كما في الجواهر(1)،

والمدارك(2)،

وغيرهما، وعليه خمسه من غير استثناء المؤونة التي صرفها المخرج؛ لأنّه لم يكن الإخراج بإذن المالك.

ولكن للسيّد الأستاذ(قدس سره) تفصيل في المقام حيث أفاد بأنّ ذلك إنّما يتم فيما إذا كان المعدن في الطبقات العالية القريبة من ظاهر الأرض، وأمّا الطبقات السافلة البعيدة عن ظاهر الأرض كآبار النّفط العميقة جداً بحيث تبلغ الفرسخ أو الفرسخين أو الآبار العميقة المستحدثة أخيراً لاستخراج المياه من عروق الأرض البالغة في العمق والبعد نحو ما ذكر أو أكثر فالحكم بأنّ المعدن لمالك الأرض مشكل، بل ممنوع، وإنّما هو للمخرج(3).

ثمّ تطورت المسألة بحثاً وتحقيقاً واتخذت أبعاداً مختلفة، حتّى أنّ بعضهم أنكر أن يكون المعدن مطلقاً إذا كان تحت الأرض للمالك، بل هو للمخرج، واعتبر بعضهم إجازة الإمام أو الحاكم مطلقاً حتّى إذا كان المعدن على وجه الأرض.

ونظراً لهذا التحوّل في فقه هذه المسألة يحسن بنا أن نستعرض أدلة هذه الأقوال:

ص: 326


1- جواهر الكلام 16: 22 .
2- مدارك الأحكام 5: 368 .
3- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 56 - 57 .

أمّا القول الأوّل - وهو المعروف - فيمكن الاستدلال له بوجهين:

الأوّل: بالتبعيّة الثابتة بالسيرة العقلائيّة الممضاة شرعاً، فإنّ العرف والعقلاء يرون أنّ ما في باطن الأرض وكذا ما على ظهرها من توابعها، داخل في ملك مالكها، فإنّ من يشتري أرضاً أو تنتقل إليه فهو مالك لرقبتها ويتبعها كلّ ما في بطنها أو على ظهرها، ولا يختصّ ذلك بما هو في الطبقة الترابيّة الرقيقة القريبة من ظاهر الأرض، وهذه السيرة كانت جارية في جميع الأزمنة حتّى زمن الأئمّة(علیهم السلام) فهي متصلة وممضاة من قبلهم(علیهم السلام)، ولذلك لم يفرّق أحد في الملك الشخصي فيما إذا كان المخرج هو المالك بين ما إذا كان المعدن قريباً من ظاهر الأرض أو كان بعيداً في باطنها فحكموا بأنّه ملك لصاحب الأرض ومن توابع ملكه وعليه خمسه.

الثاني: بما ورد في شأن الكعبة المشرّفة وأنّها قبلة من تخوم الأرض إلى السماء كما في موثقة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: سأله رجل قال: صلّيت فوق أبي قبيس العصر فهل يجزي ذلك والكعبة تحتي؟ قال: «نعم، إنّها قبلة من موضعها إلى السماء»(1) .

وفي ما رواه الصدوق مرسلاً قال: قال الصادق (علیه السلام): «أساس البيت من الأرض السابعة السفلى إلى الأرض السابعة العليا»(2) .

ص: 327


1- تهذيب الأحكام 2: 359، الحديث 1598، ووسائل الشيعة 4: 339، الباب 18 من أبواب القبلة، الحديث 1 .
2- من لا يحضره الفقيه 2: 246، الحديث 2319، ووسائل الشيعة 4: 339، الباب 18 من أبواب القبلة، الحديث 3 .

وبضم إحدى الروايتين إلى الأخرى تكون النتيجة أنّ الكعبة قبلة من تخوم الأرض أي من الأرض السابعة السفلى إلى السماء، وما نحن فيه من هذا القبيل فإنّ مالك الأرض كما أنّه يملك رقبة الأرض كذلك يملك أعماقها وأجواءها.

وقد أجاب السيّد الأستاذ(قدس سره) عن كلا الوجهين:

أمّا عن الأوّل فخلاصته أنّ التبعيّة إمّا أن يكون منشؤها إحياء الأرض؛ إذ أنّ إحياءها وتملّكها يوجبان تملّك ما في بطنها من المعادن والركائز، لأنّ كلّ أرض مملوكة بأيّ سبب من الأسباب لابدّ وأن تنتهي إلى سبب واحد هو الأصيل في عروض الملكيّة عليها، وخروجها عن الإباحة الأصليّة، وهو قصد الحيازة والإحياء الصادر من أول يد وقعت عليها، وعلى ضوئه يتفرّع سائر التملّكات العارضة عليها يداً بعد يد. فيقال بأنّ إحياءها إحياء لما فيها.

وإمّا أن يكون منشؤها مجرد قيام السيرة العقلائيّة والشرعيّة على ذلك، فتلحق الطبقة السافلة بالعالية والباطنة بمحتوياتها بالظاهرة في الملكيّة بقانون التبعيّة، وإن لم يتم هذا الإلحاق من ناحية الإحياء.

أمّا المنشأ الأوّل فواضح أنّ هذا السبب لا يستتبع الملكيّة، ولا يؤثر في الخروج عن الإباحة الأصليّة إلاّ في إطار مدلوله ومفاده، أي بمقدار ما يتعلّق به الإحياء والحيازة، وهو ظواهر تلك الأراضي، فإنّها المتّصفة بالإحياء دون بواطنها، ولاسيّما إذا لم تعدّ من أجزاء الأرض كالذهب والفضّة والنّفط والقير ونحوها، فهي باقية على ما هي عليه من الإباحة.

وأمّا المنشأ الثاني ففيه أنّ السيرة وإن كانت قائمة ولكن لا إطلاق لها،

ص: 328

والمتيقّن من موردها ما يعدّ عرفاً من توابع الأرض وملحقاتها كالسرداب والبئر وما يكون عمقه لا يتجاوز عن حدود الصدق العرفي، فما يوجد أو يتكوّن ويستخرج من خلال ذلك فهو لصاحب الأرض بالتبعيّة.

وأمّا الخارج عن نطاق هذا الصدق كالفرسخ والفرسخين من العمق والبعد عن ظاهر الأرض فلا سيرة في مثله ولا تبعيّة ولا دليل على إلحاق نفس الطبقة السافلة بالعالية في الملكيّة فضلاً عن محتوياتها من المعادن، وكذلك الحال بالنسبة إلى الهواء والفضاء فإنّ القدر المتعارف تابع له دون العالي منها، ولذا فإنّ عبور الطائرات وأمثالها لا يحتاج إلى الإذن في الاستطراق، ولا يعدّ تصرّفاً في ملك الغير، فيبقى المقدار الزائد على الإباحة الأصليّة، وكلّ من وضع يده عليه يكون مالكاً، وإن كان المستخرج غير صاحب الأرض، غايته يكون آثماً وعاصياً في الاستطراق والاستخراج لو لم يكن بإذن صاحبه، بل يكون ضامناً لو استلزم نقصاً أو ضرراً على المالك.

وأمّا عن الثاني فحاصل جوابه أنّ ما ورد في الكعبة الشريفة خاصّ بها، فإنّه لم يرد في غيرها، مضافاً إلى أنّ الرواية ضعيفة ولا يمكن الاعتماد عليها(1) .وحاصل ما ذكره(قدس سره) يرجع إلى دعويين:

الأولى: أنّ الطبقات العالية القريبة من ظاهر الأرض تابعة لملكيّة الأرض، ويملكها صاحب الأرض لا من باب الحيازة، بل من باب التبعيّة.

الثانية: أنّ الطبقات السافلة البعيدة عن ظاهر الأرض وكذا الفضاء العالي

ص: 329


1- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 56- 57 .

البعيد جداً باقية على إباحتها الأصليّة ويملكها من أحياها؛ لعدم الدليل على التبعيّة.

أمّا الدعوى الأولى فالظاهر أنّها تامّة، ويدلّ عليها مضافاً إلى السيرة القائمة ما ورد في صحيحة الصفّار - على ما رواه الشيخ في التهذيب: كتب محمّد بن الحسن الصفّار إلى أبي محمّد(علیه السلام) في رجل اشترى من رجل أرضاً بحدودها الأربعة، وفيها زرع ونخل وغيرهما من الشجر، ولم يذكر النخل ولا الزرع ولا الشجر في كتابه، وذكر فيه أنّه قد اشتراها بجميع حقوقها الداخلة فيها والخارجة منها، أيدخل الزرع والنخل والأشجار في حقوق الأرض أم لا؟ فوقّع(علیه السلام): «إذا ابتاع الأرض بحدودها وما أغلق عليه بابها فله جميع ما فيها إن شاء الله»(1) .

والظاهر من قوله(علیه السلام): «فله جميع ما فيها» يدلّ على شموله لتوابع الأرض ويدخل في ملك المشتري.

وأمّا الدعوى الثانية فيمكن تأييدها بأنّه وإن لم تجر سيرة العقلاء ولم يرد عن الشرع عند انتقال الأرض تعيين الحدّ والحريم من الجهتين العليا والسفلى مع تعيين حدود وحريم الجهات الأربع إلاّ أنّ معنى ذلك ليس هو أنّ الحد الأعلى يمتدّ إلى عنان السماء، وأنّ الحد الأسفل ينحدر إلى منتهى الأرض، بل ينصرف إلى ما هو المتعارف، وليس معنى المتعارف مجملاً وجزافاً، بل له ملاك معيّن، وهو مقدار حاجة مالك الأرض الذي يستلزم الإخلال والضرر في الأرض لو لم يكن تابعاً للأرض. وأمّا الزائد على هذا المقدار فهو خارج

ص: 330


1- تهذيب الأحكام 7: 125، الحديث 613، والمصدر نفسه: 141، الحديث 685 .

عن حدّ ملك الأرض وتوابعها.

والشاهد على ذلك أنّه لا تقع المعاملة على الزائد بالبيع والشراء أو الهبة أو غير ذلك، كما أنّه لو كانت الأرض مسجداً فلا يحكم بحرمة تنجيسه أو حرمة دخول الجنب فيه، وهكذا لو فرضنا أنّ شخصاً اشترى مقداراً من رأس الجبل فلا يقال لمن تصرّف في سفحه الأسفل ببناء ونحوه: إنّه تصرف في ملك الغير، ولا يعدّ السفح داخلاً في ملكه، على أنّه لو كان الزائد داخلاً في ملك صاحب الأرض وتابعاً له إلى منتهى الأرض للزم التزاحم في الملكيّة بالنسبة لمن يملك الجهة المقابلة في الطرف الآخر من الأرض وذلك بمقتضى كرويّة الأرض.

وهكذا القول بالنسبة إلى الفضاء فما كان بمقدار الحاجة فهو حقّ لصاحب الأرض وتابع لملكه، وما زاد فلا، فإذا أراد شخص أن يبني بناءاً في الفضاء فوق أرض المالك بحيث يمنع الهواء أو يحجب ضوء الشمس أو غير ذلك من المنافع والحقوق المستفادة من الفضاء عدّ غاصباً ولا يجوز له التصرّف، وأمّا إذا لم يكن من ذلك شي ء ولم يخل بأيّ من المنافع كما إذا فرض أنّه بنى على بعد فرسخين أو أكثر بحيث لا يرى أو يرى كالنجمة مثلاً فلا يعدّ متصرّفاً في ملك الغير.

والحاصل: أنّه بالنظر إلى الملاك المذكور - وهو مقدار الحاجة - يختلف الحال بالنسبة إلى الأملاك والمالكين، فإن كان المالك هو الدولة فتوابع ملكها من أعماق الأرض وأجوائها أكثر ممّا لو كان المالك شخصاً من سائر النّاس، ولذا فإنّ استطراق الطائرات أجواء دولة أخرى يعدّ خرقاً للمجال الجوّي

ص: 331

وتجاوزاً على الحدود، ولابدّ فيه من الإذن والاتفاق؛ وذلك لأنّه ربّما يوجب الضرر والإخلال بملك الدولة، ولكن لو كانت تلك الطائرات مرتفعة جداً بحيث لايعدّ ضرراً على الدولة كالأقمار المصنوعة والمركبات الفضائيّة فلا يعدّ ذلك تجاوزاً على حريم الدولة وتصرّفاً في ملكها.

وهكذا الحال بالنسبة إلى أعماق الأرض كآبار النّفط وبحيرات المياه الموجودة في جوف الأرض كلّها تعدّ من توابع الدولة وإن كانت عميقة جداً، ولا حقّ لدولة أخرى في التصرّف فيها من دون إذن مسبق أو اتفاق مبرم بين الدولتين.

وعليه فملاك السيرة العقلائيّة في عدّ شي ء تابعاً للملك وعدمه إنّما هو إذا كان معلوماً، فلا يشكل بعد ذلك بأنّ الإحالة على العرف من الإحالة على أمر مجهول.

ومن هذا كلّه يمكن تأييد ما ذكره السيّد الأستاذ(قدس سره) بأنّ هذا التفصيل موافق للسيرة لا أنّه من باب القدر المتيقّن منها.وأمّا ما ذكره من الجواب عن الرواية فما أورده من حيث الدلالة في محلّه إذ لم يرد في غيرها. وأمّا من حيث السند فالرواية الأولى موثّقة فهي معتبرة السند، والثانية وإن كانت مرسلة ولكنّها من مرسلات الفقيه التي يمكن القول باعتبارها بشهادة الصدوق.

وأمّا القول الثاني: وهو أنّ التصرّف في المعدن يحتاج إلى إذن الإمام(علیه السلام) أو الحاكم حتّى لو كان في الأملاك الشخصيّة وهو المنسوب للمفيد والكليني

ص: 332

والديلمي والقاضي والقمّي في تفسيره وغيرهم كما «في الجواهر»(1) فقد استدل له بما ورد من الروايات الدالّة على أنّ المعادن من الأنفال وأنّها للإمام(علیه السلام).

منها: موثقّة إسحاق بن عمّار، قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن الأنفال فقال: «هي القرى التي قد خربت وانجلى أهلها، فهي لله وللرسول، وما كان للملوك فهو للإمام، وما كان من الأرض الخربة(2) لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، وكلّ أرض لا ربّ لها، والمعادن منها، ومن مات وليس له مولى فماله من الأنفال»(3) .

ومنها: رواية أبي بصير عن أبي جعفر(علیه السلام) أنّه سمعه يقول: لنا الأنفال، قلت: وما الأنفال؟ قال: «منها المعادن والآجام، وكلّ أرض لا ربّ لها، وكلّ أرض باد أهلها فهو لنا»(4) وهي واضحة الدلالة .

ومنها: رواية داود بن فرقد عن أبي عبد الله(علیه السلام) (في حديث) قال: قلت: وما الأنفال؟ قال: «بطون الأودية، ورؤوس الجبال، والآجام، والمعادن، وكلّ أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، وكلّ أرض ميتة قد جلا

ص: 333


1- جواهر الكلام 16: 129، والمصدر نفسه 38: 108 قريب منه .
2- في تفسير القمّي: أرض الجزية .
3- تفسير القمّي: 254:1 ، سورة الأنفال: 1، ووسائل الشيعة 9: 532، الباب 1 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام(علیه السلام)، الحديث 20، مع اختلاف يسير .
4- تفسير العياشي 2: 52، سورة الأنفال، الحديث 11، ووسائل الشيعة 9: 533، الباب 1 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام(علیه السلام)، الحديث 28 .

أهلها، وقطائع الملوك»(1) وهي كالرواية السابقة من حيث الدلالة.

ومنها: صحيحة مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله(علیه السلام) (في حديث) قال: قلت له...: إنّي كنت وليت الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم، وقد جئت بخمسها ثمانين ألف درهم، وكرهت أن أحبسها عنك، وأعرض لها وهي حقّك الذّي جعل الله تعالى لك في أموالنا، فقال: «أو ما لنا من الأرض وما أخرج الله منها إلاّ الخمس؟!! يا أبا سيّار الأرض كلّها لنا فما أخرج الله منها من شي ء فهو لنا...»(2) .

ومنها: ما نقله صاحب المستدرك من كتاب عاصم بن حميد الحنّاط عن أبي بصير عن أبي جعفر(علیه السلام) أنّه قال: «ولنا الصفيّ»، قال: قلت له: وما الصفيّ؟ قال: «الصفيّ من كلّ رقيق وابل يبتغي أفضله ثمّ يضرب بسهم، ولنا الأنفال» قال: قلت له: وما الأنفال؟ قال: «المعادن منها، والآجام، وكلّ أرض لا ربّ لها، ولنا ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، وكانت فدك من ذلك»(3).وهي

واضحة الدلالة.

هذا، ولكنّ الاستدلال بهذه الروايات غير تام لقصورها سنداً ودلالة،

ص: 334


1- تفسير العيّاشي 2: 54، سورة الأنفال، الحديث 21 . ووسائل الشيعة 9: 534، الباب 1 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام(علیه السلام)، الحديث 32.
2- الكافي 1: 474، كتاب الحجّة، الباب 162، الحديث 3، ووردت في كلّ من: تهذيب الأحكام 4: 126، الحديث 402، ووسائل الشيعة 9: 548، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام)، الحديث 12 مع اختلاف يسير فيهما .
3- مستدرك الوسائل 7: 295، الباب 1 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام(علیه السلام)، الحديث 1 .

أو دلالة فقط، أمّا القاصرة سنداً ودلالة فرواية أبي بصير ورواية داود بن فرقد فإنّهما قد وردتا في «تفسير العيّاشي»، وهما ضعيفتان من حيث السند والدلالة، أمّا ضعف السند فلأنّ العياشي حذف أسانيد روايات تفسيره روماً للاختصار، وبذلك سقط اعتبارها من هذه الناحية، وأمّا ضعف الدلالة فلأنّه يمكن أن يقال: إنّ من المحتمل أن يكون المراد من أنّ المعادن من الأنفال - كما ورد في هاتين الروايتين - أي بحسب طبعها الأوّلي قبل الحيازة والإحياء كسائر الفقرات المذكورة في كلتا الروايتين من الأراضي الخربة والآجام وغيرها، فإنّها بعد الحيازة والإحياء تصبح ملكاً، فكذلك المعادن، فيكون مفاد الروايتين مفاد الروايات التي تقدّمت في أول الكتاب الدالّة على أنّ الأرض كلّها للإمام(علیه السلام)، فالمقصود هو أنّها للإمام بحسب طبعها الأولي قبل الحيازة، وهذا المعنى لا ينافي أن تكون ملكاً بسبب الحيازة والإحياء ولكن في طول ملكيّة الإمام(علیه السلام) .

وهذا المعنى وإن كان بعيداً عن ظاهر الروايتين إلاّ أنّه يمكن ترجيحه بوجوه:

الأوّل: بقرينة تلك الروايات، ومقتضى الجمع بينها وبين الروايات التي تدلّ على أنّ الحيازة سبب للملكيّة، فما وقع ملكاً من جهتها وفرّع عليها من النقل والانتقال بالبيع والشراء وغيرهما خارج عن الروايتين، كما أنّ ما يقع عليه الحيازة أيضاً من المعادن يصبح ملكاً لمن حازه، ولا يحتاج إلى إذن من الإمام(علیه السلام)؛ لأنّ الحيازة سبب للملكيّة كما قرّره الإمام(علیه السلام) بنفسه.

ويؤيّد ذلك ما ورد في العوالي أنّه(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) قال:«عادي الأرض لله ولرسوله،

ص: 335

ثمّ هي لكم منّي، فمن أحيى مواتاً فهي له»(1) .

الثاني: قيام سيرة المتشرّعة القطعيّة على استخراج المعادن من الأراضي الموات فضلاً عن المملوكة، ويعتبرون أنّ نفس الإحياء سبب للملكيّة، ولا يرون حاجة إلى أخذ الإذن فيها، فكذلك الأراضى المملوكة حيث يعتبرون أنّ ما فيها من المعادن تابع للأرض كما تقدّم.

وقد يخدش في هذا الوجه بأنّه لعلّ قيام السيرة كان من باب ثبوت الإذن من الإمام(علیه السلام) لشيعته كما ورد في بعض الروايات.

الثالث: إنّ المستفاد من نفس روايات الخمس وجوبه على مخرج المعدن، مع أنّه لو كانت المعادن كلّها للإمام(علیه السلام) فلا معنى لوجوبه على غير الإمام(علیه السلام) الذي هو المالك، والقول بأنّها مختصّة بالأراضي المملوكة غير تام؛ لأنّ وجود المعادن فيها قليل جداً على أنّ نفس الإشكال يرد فيها أيضاً.

وقد يناقش في هذا الوجه أيضاً بأنّه من المحتمل أن يكون هذا المقدار من المال وهو الخمس طسقاً أي أجرة في مقابل الاستفادة من ملك الإمام(علیه السلام)، وقد رضي(علیه السلام) بالتصرّف في ملكه في مقابل هذا المقدار، على أن يصرف في الموارد المعيّنة من قبله(علیه السلام)، وقد وردت الإشارة بذلك في بعض الأخبار، كما في رواية عمر بن يزيد قال:... فقال أبو عبد الله(علیه السلام): «كان أمير المؤمنين(علیه السلام) يقول: من أحيا أرضاً من المؤمنين فهي له، وعليه طسقها يؤدّيه إلى الإمام في حال الهدنة، فإذا ظهر القائم فليوطّن نفسه على

ص: 336


1- عوالي اللئالي 1: 44، الفصل الرابع، الحديث 58، والمصدر نفسه 3: 481، باب إحياء الموات، الحديث 5، إلاّ أن فقرة «فمن أحيى مواتاً فهي له» غير موجودة في هذا الحديث .

أن تؤخذ منه»(1) .

والحاصل: أنّ دلالة الروايتين على المدّعى غير تامّة.

وأمّا الروايات الباقية فهي وإن كانت معتبرة السند إلاّ أنّها من حيث الدلالة غير تامّة.

أمّا اعتبار أسنادها فلأنّ الرواية الأولى موثقة، فقد رواها عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن فضالة بن أيوب، عن أبان بن عثمان، عن إسحاق بن عمّار.

وأمّا رواية المستدرك فلأنّ المحدّث النوريّ نقلها من كتاب عاصم بن حميد، وقد بيّنا في محلّه(2) أنّ للكتاب عدّة طرق وبعضها معتبر، وأمّا عاصم بن حميد فهو من الثقات(3)

الأجلاء، فلا إشكال في سند الرواية.

وأمّا رواية مسمع فهي معتبرة أيضاً، فإنّ مسمعاً ثقة كما نقله الكشي(4) عن ابن فضال، وذكره النجاشي وقال عنه: شيخ بكر بن وائل بالبصرة، ووجهها، وسيّد المسامعة(5)، وروى عنه المشايخ الثقات(6)، ووقع في أسناد نوادر

ص: 337


1- تهذيب الأحكام 4: 127، الحديث 403، ووسائل الشيعة 9: 549، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام(علیه السلام)، الحديث 13 .
2- أنظر: أصول علم الرّجال بين النظريّة والتطبيق 2: 36 .
3- رجال النجاشي: 301 / 821 .
4- رجال الكشي: 376 / 560 .
5- رجال النجاشي: 420 / 1124 .
6- تهذيب الأحكام 10: 239، الحديث 13، والإستبصار 4: 406، الحديث 4، ووسائل الشيعة 29: 329، الباب 25 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 5، وراجع: أصول علم الرجال بين النظريّة والتطبيق 2: 212 .

الحكمة ولم يستثنه ابن الوليد(1)، فلا إشكال في وثاقته.

وأمّا عمر بن يزيد الواقع في سند الرواية فقد يقال بأنّه مشترك بين ثلاثة أشخاص وهم: عمر بن يزيد البصري، وله رواية واحدة في التهذيب(2) ولم يرد فيه توثيق، وعمر بن يزيد بن ذبيان الصيقل، وقد ذكره النجاشي(3) والشيخ(4) ولم يوثّقاه، وقال النجاشي: له كتاب وذكر طريقه وهو ينتهي إلى محمّد بن زياد، ولم يذكر الشيخ في الفهرست أنّ له كتاباً. نعم ذكر ابن داود توثيقه عن النجاشي(5)، ولكن نسخ النجاشي الموجودة خالية عنه. وعمر بن يزيد بيّاع السابري، وقد عنونه النجاشي بعنوان عمر بن محمّد بن يزيد، وقال عنه: مولى ثقيف، كوفي، ثقة، جليل، أحد من كان يفد في كلّ سنة(6) .

والمذكور في سند الرواية ليس هو الأول، أي عمر بن يزيد البصري؛ فإنّه غير معروف، وليس له غير رواية واحدة في الكتب الأربعة، فيبقى الترديد بين الصيقل، وبيّاع السابري، وكلاهما في طبقة واحدة، ولا يمكن تمييز أحدهما

ص: 338


1- تهذيب الأحكام 1: 353 الحديث 979، والمصدر نفسه 5: 66 الحديث 242، والمصدر نفسه: 212، الحديث 799، والاستبصار 2: 219، الحديث 544، والمصدر نفسه: 278، الحديث 702 . انظر: أصول علم الرّجال بين النظريّة والتطبيق 1: 202 .
2- تهذيب الأحكام 5: 396، الحديث 1540 .
3- رجال النجاشي: 286 / 763 .
4- رجال الشيخ: 253 / 3549 .
5- رجال ابن داود: 146 / 1139 .
6- رجال النجاشي: 283 / 751 .

عن الآخر من جهة الراوي وهو ابن محبوب؛ فإنّه لم يرد في طريق كلّ منهما.

وقد يقال: بأنّهما متّحدان، ولكن الاطمئنان بذلك مشكل، فإنّ مقتضى تعدّد العنوان هو التغاير، خصوصاً أنّه ورد في ترجمة بيّاع السابري أنّه مولى ثقيف، وكنيته أبو الأسود، ولقبه بيّاع السابري(1)، وروى عن أبي عبد الله(علیه السلام) وأبي الحسن(علیه السلام)، ونصّ النجاشي على وثاقته.

وأمّا الصيقل فقد جاء في ترجمته أنّه مولى بني نهد، وكنيته أبو موسى، ولقبه الصيقل، وعدّ في أصحاب الصادق(علیه السلام) (2) .وعليه فالقول باتّحادهما بعيد جداً.

ولكن مع ذلك يمكن القول باعتبار سند الرواية في المقام وذلك:

أوّلاً: لأنّ المطلق ينصرف إلى المشهور والمعروف، ومن المعلوم أنّ المشهور منهما هو بيّاع السابري، فإنّ له كتاباً، وذكر النجاشي ثلاثة طرق إليه، بخلاف الصيقل فإنّه وإن ذكر النجاشي أنّ له كتاباً وذكر طريقه إليه(3) لكن لم يتعرّض له الشيخ فيعلم أنّه لم يصل إليه كتابه، مضافاً إلى أنّه لم يرد عنه رواية في الكتب الأربعة.

ومن ذلك يستظّهر أنّ المراد بعمر بن يزيد المطلق هو: بيّاع السابري.

وثانياً: أنّ النجاشي ذكر طريقه إلى عمر بن يزيد الصيقل، وهو ينتهي إلى

ص: 339


1- رجال النجاشي: 283 / 751 .
2- رجال النجاشي: 286 / 763 .
3- رجال النجاشي: 286 / 763 .

محمّد بن زياد عنه، والمراد به محمّد بن أبي عمير، وقد ذكرنا في محلّه(1) أنّ رواية أحد المشايخ الثقات عن شخص أمارة على الوثاقة، فيمكن القول بوثاقة الصيقل، وحينئذ فلا أثر لتعدّد العنوان.

والنتيجة هي اعتبار سند الرواية ولا إشكال فيها.

وإنّما الإشكال في دلالة هذه الروايات فإنّ فيها:

أوّلاً: ما تقدّم من الوجه الأوّل على الروايات القاصرة سنداً من أنّ المراد من كون المعادن للإمام(علیه السلام) هو ما إذا كانت على طبعها الأوّلي، ولا ينافي ذلك ورود الملكيّة عليها بالأسباب الشرعيّة في طول ملكيّة الإمام(علیه السلام).

وممّا يؤيّد ذلك ما ورد في معتبرة مسمع حيث حكم الإمام(علیه السلام) بأنّ ما في أيدي سوى الشيعة فإنّ كسبهم من الأرض حرام عليهم حتّى يقوم القائم(2).

ومعنى ذلك أنّه حرام في الواقع، وأمّا في الظاهر فهو حلال، ويحكم بملكيّتهم له، ويجوز شراؤه منهم، وأنّ ما في أيديهم ملك لهم، ولا يجوز التصرّف فيه بدون إذنهم.

وثانياً: تختصّ الموثّقة - من المناقشة - بأنّ الضمير فيها في قوله: «وكلّ أرض لا ربّ لها والمعادن منها» وإن كان يحتمل رجوعه إلى صدر الرواية أي الأنفال إلاّ أنّه يحتمل أيضاً رجوعه إلى كلّ أرض لا ربّ لها

ص: 340


1- أُنظر أصول علم الرجال بين النظريّة والتطبيق 2: 144 .
2- وسائل الشيعة 9: 548، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام)، الحديث 12 .

فتكون المعادن من قبيل الأرض التي لا ربّ لها.

والذي يرجّح هذا الاحتمال قرب مرجع الضمير، والتصريح بذكر الأنفال في ذيل الرواية مع أنّ مقتضى القواعد الأدبية أنّ الإضمار بعد الذكر لا قبله، مضافاً إلى ما ذكره صاحب الجواهر(1) والمحقق الهمداني في المصباح من أنّه ورد في بعض النسخ: «فيها» بدل «منها»، وقال: فعلى هذا تكون أظهر في إرادة المعنى المزبور(2)، ولم نعثر على ما ذكره(قدس سره) في نسخ الرواية في كتب الروايات.

ثمّ إنّ هناك احتمالاً ثالثاً وهو أن يكون مرجع الضمير في منها إلى جميع ما تقدّم من القرى التي خربت والأرض الخربة، والأرض التي لا ربّ لها، فيصبح مفاد الرواية أنّ المعادن أحد هذه الأمور؛ وذلك لأنّ اختصاص مرجع الضمير بالأرض التي لا ربّ لها بعيد في نفسه. اللهم إلاّ أن يرجح بما تقدّم، وعليه فيبقى الأمر مردداً بين هذين الاحتمالين.

وثالثاً: على فرض التسليم إلاّ أنّه قد ورد في معتبرة مسمع قوله(علیه السلام): «وكلّ ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون ومحلّل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا»(3) . وفيها صرح الإمام(علیه السلام) بالتحليل، ولا حاجة بعد ذلك إلى الاستئذان.

لا يقال: إنّ هذا تحليل وتمليك من قبلهم(علیهم السلام)، لا أنّ سبب الملكيّة هو

ص: 341


1- جواهر الكلام 16: 130 .
2- مصباح الفقيه 14: 257 .
3- وسائل الشيعة 9: 548، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام(علیه السلام)، الحديث 12.

(مسألة: 9) إذا كان المعدن في معمور الأرض المفتوحة عنوة[1] التي هي للمسلمين فأخرجه أحد من المسلمين ملكه وعليه الخمس.

الإحياء أو الحيازة.

لأنّه يقال: إنّ تحليلهم(علیهم السلام) إذن عام، وأمّا الحيازة أو الإحياء، فهو سبب للملكيّة الخاصّة في طول إذن الإمام(علیه السلام).

فالظاهر أنّ الأقوى هو ما اختاره المشهور من عدم اعتبار الإذن وإن كان الاحتياط حسناً.

اخراج المعدن من الأرض العامرة المفتوحة عنوة:

[1] وأمّا القسم الثالث وهو ما إذا كان المعدن مستخرجاً ممّا هو ملك لعامّة المسلمين كالأراضي المفتوحة عنوة العامرة حال الفتح، فقد اختلف الأصحاب على ثلاثة أقوال، فالمشهور كما في الجواهر(1) نقلاً وتحصيلاً أنّها من المباحات الأصليّة، فيملكها كلّ من أحياها، بل قيل: إنّه يلوح من المبسوط والسرائر نفي الخلاف فيه. وفي مفتاح الكرامة: اتفاق الفريقين على ذلك(2).

ص: 342


1- جواهر الكلام 38: 108، وانظر: المبسوط 1: 236، والسرائر 1: 492 .
2- مفتاح الكرامة 7: 46.

والمنسوب إلى جماعة منهم الحلّي أنّها تابعة للأرض فتكون ملكاً للمسلمين(1).

ونسب إلى المفيد والكليني وسلاّر وعلي بن إبراهيم أنّها من الأنفال فتكون ملكاً للإمام(علیه السلام)(2).

ثمّ إنّه بناء على القول الأوّل فهل يختصّ التملّك بالمسلم أو يشمل الكافر أيضاً، أو يفرّق بينهما؟ فها هنا مقامان:

المقام الأوّل: في أصل المسألة وقد ذكرنا أنّ فيها أقوالاً ثلاثة.

أمّا القول الأوّل وهو المشهور فقد استدل له - كما في الجواهر(3) - بوجوه:

الأوّل: بالأصل لقوله تعالى: {خَلَقَ لَكُم مَا في الأرْضِ جَميعَاً}(4)، وهو يدلّ على أنّ ما في الأرض يكون مباحاً للمؤمنين، وهم فيها شرع سواء مثل الماء والنّار والكلأ، فتكون من المباحات الأصليّة وكلّ من حازها وأحياها فهي ملك له.

هذا مع عدم الدليل على الخروج عن هذا الأصل؛ لأنّ عمدة الدليل أحد وجهين:

أحدهما: الأدلّة الدالّة على أنّ هذه الأرض ملك للمسلمين، وهو غير تام

ص: 343


1- جواهر الكلام16: 129.
2- جواهر الكلام 16: 129 و 38: 108 .
3- جواهر الكلام 38: 108 - 109.
4- سورة البقرة: 29 .

لقصورها عن الشمول لما في باطن الأرض، فإنّ المذكور فيها رقبة الأرض وأنّ منافعها وخراجها للمسلمين، وأمّا ما في باطنها فلم يرد فيه، ولا في رواية واحدة بأنّها ملك للمسلمين.

ثانيهما: السيرة العقلائيّة على إلحاق ما في باطن الأرض في الطبقات العالية بنفس الأرض، وهو غير تام أيضاً؛ لاختصاص هذه السيرة في الأملاك الشخصيّة وهي القدر المتيقّن، وأمّا في غيرها - كما في ما نحن فيه - من المعادن التي تكون في الأراضي المملوكة لعامّة المسلمين فلم يثبت وجودها، فمقتضى الأصل هو بقاؤها على الإباحة الأصليّة.

الثاني: بقيام السيرة القطعيّة المستمرّة في سائر الأعصار والأمصار في زمان تسلّطهم(علیهم السلام) وغيرهم على الأخذ منها من دون أخذ الإذن منهم(علیهم السلام) ولا من المسلمين لا في الأراضي الموات، ولا في العامرة المفتوحة عنوة المملوكة للمسلمين، فإنّ بناء الشرع والعرف قد استقرّ على جواز استملاكها وحيازتها، وذلك دليل على أنّها باقية على الإباحة، وليست تابعة لرقبة الأرض، وإلاّ لم يجز تملّكها بدون رعاية إذن المسلمين ومصلحتهم.

الثالث: أنّه المستفاد من أدلّة وجوب الخمس؛ لأنّ هذه الأدلّة مع كثرتها إذا حملت على خصوص من يخرج المعدن من ملكه الشخصي الذي هو أقل القليل لزم من ذلك حمل المطلقات على الفرد النادر جداً؛ إذ من الضروري أنّ أكثر المتصدّينلاستخراج المعادن إنّما يستخرجونها من الصحاري والبراري والفلوات والمناطق الجبليّة التي هي ملك للمسلمين، أو للإمام(علیه السلام)، لا من أملاكهم الشخصيّة.

ص: 344

وهذا الوجه وإن جعله صاحب الجواهر(1) مشعراً إلاّ أنّ السيّد الأستاذ(قدس سره) قد عدّه دليلاً موجباً لليقين والقطع بالحكم(2) .

الرابع: بما ورد عن النبي(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) أنّه قال: من سبق إلى ما لا يسبقه إليه المسلم فهو أحقّ به(3) .

فإنّ عموم هذه الرواية شامل للمقام، وهي وإن كانت ضعيفة من حيث السند إلاّ أنّ مضمونها موافق للسيرة العقلائيّة.

ويؤكدها أوّلاً: ما ورد من قوله(علیه السلام): « ... ومن استولى على شي ء منه فهو له»(4).

وثانياً: ما رواه السكوني عن أبي عبد الله(علیه السلام) أنّ أمير المؤمنين(علیه السلام) قال: في رجل أبصر طائراً فتبعه حتّى سقط على شجرة، فجاء رجل آخر فأخذه؟ فقال أمير المؤمنين(علیه السلام): «للعين ما رأت، ولليد ما أخذت»(5).

ووجه التأكيد أنّ مقتضى إطلاق هاتين الروايتين شمولهما لمحلّ الكلام

ص: 345


1- جواهر الكلام 16: 129.
2- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 59 .
3- عوالي اللئالي 3: 480، باب إحياء الموات، الحديث 4، ومستدرك الوسائل 17: 111، باب 1 من أبواب إحياء الموات، الحديث 4 .
4- تهذيب الأحكام 9: 260، الحديث 1079 .
5- الكافي 6: 235، كتاب الصيد، الباب 153، الحديث 6، ووردت في كلّ من كتاب من لا يحضره الفقيه 3: 112، الحديث 3434، وتهذيب الأحكام 9: 56، الحديث 257، ووسائل الشيعة 23: 391، الباب 38 من أبواب الصيد، الحديث 1، مع اختلاف يسير فيها .

فإنّ مضمونهما موافق لتلك الرواية .

هذا، ولكن يمكن المناقشة في هذه الأدلّة جميعها:

أمّا الوجه الأوّل ففيه: أنّه يكفي في الخروج عن الأصل نفس التبعيّة لملكيّة الأرض فإنّ المفروض أنّ الأرض مملوكة للمسلمين، وما في باطنها تابع لها كسائر الأملاك بالسيرة القائمة على التبعيّة، إذ لا فرق فيها بين الأملاك الشخصيّة وغيرها؛ لأنّ الملاك في التبعيّة في الجميع واحد، وليس الملاك من جهة المالك فإنّه لا فرق في التبعيّة بين كون المالك واحداً أو جماعة من الأشخاص كألف شخص مثلاً أو أزيد أو الإمام(علیه السلام)، وإنّما الملاك هو الملكيّة، والباطن تابع لها .

نعم، في الأنفال حيث يستفاد من الروايات أنّ الإمام(علیه السلام) قد أذن في التصرّف فيها بالإحياء في زمان الغيبة وهي ملك له(علیه السلام) فتكون كالمباحات الأصليّة، فيصح استملاكها بالإحياء، وكذلك ما في الباطن من المعادن، وأمّا بالنسبة إلى ملك المسلمين فلم يرد الإذن فيبقى الحكم فيها على التبعيّة.

وأمّا الوجه الثاني ففيه: أنّ وجود السيرة المتصلة وإن كان تامّاً بالنسبة إلى الأراضي الموات ورؤوس الجبال وبطون الأودية ونحوها من الأنفال، وأنّ من استخرج منها شيئاً ملكه من دون حاجة إلى الإذن إلاّ أنّه بالنسبة إلى الأراضي الخراجيّة غير تام؛ إذ لم تثبت هذه السيرة، وقد صرح السيّد الأستاذ(قدس سره) بذلك في قوله: وليس ببعيد قيام السيرة على الخلاف(1) .

ص: 346


1- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 58 .

وعليه، فإحراز السيرة مطلقاً غير ثابت.

وأمّا الثالث فقد ظهر جوابه ممّا تقدم، فإنّ هذه الروايات لو كانت مختصّة بالأراضي الشخصيّة لورد الإشكال، وأمّا إذا كانت شاملة للأنفال من الصحاري والقفار ورؤوس الجبال وبطون الأودية فلا يلزم التقييد بالفرد النادر كما هو واضح.

وأمّا الرابع ففيه: أنّه غير تام سنداً ودلالة:

أمّا الرواية الأولى - موضع الاستدلال - فمن كلتا الجهتين؛ لأنّها من جهة السند ضعيفة، ومن جهة الدلالة وإن كانت مطلقة إلاّ أنّها مقيّدة بما إذا لم يكن ملكاً للغير، كما في الأملاك الشخصيّة.

وأمّا الرواية الثانية فهي وإن كانت معتبرة السند إلاّ أنّها خارجة عن محلّ الكلام؛ لأنّها واردة في ميراث الأزواج، والتقييد في قوله(علیه السلام): «منه»، يفيد أنّه خاص بالأموال المشتركة بين الزوجين، فهي خاصة بموردها فلا تجري في غيره، ولم يلتفت سيدنا الأستاذ(1) إلى هذا القيد ولذلك استشهد بها.وأمّا الرواية الثالثة فإنّها وإن كانت معتبرة السند أيضاً إلاّ أنّها مخصوصة بما إذا لم يكن للطير مالك، وإلاّ فلا يجوز تملّك مال الغير بمجرّد وضع اليد عليه.

والحاصل: أنّ جميع هذه الأدلة لا يخلو عن إشكال، ولم يبق في البين إلاّ دعوى صاحب الجواهر(قدس سره) الشهرة على الحكم، وأمّا دعوى عدم الخلاف

ص: 347


1- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 59 .

وإن أخرجه غير المسلم ففي تملّكه إشكال [1] وأمّا إذا كان في الأرض الموات حال الفتح فالظاهر أن الكافر أيضاً يملكه وعليه الخمس.

فهي غير ثابتة؛ لذهاب جماعة كالمفيد والكليني وسلاّر وغيرهم - كما تقدّم - إلى خلاف ذلك.

والظاهر أنّ دعوى الشهرة لا توجب الاطمئنان بالحكم، فمقتضى القاعدة هو التوقّف في المسألة والأخذ بالاحتياط كما هو رأي السيّد الأستاذ(قدس سره) في «المنهاج»(1)، بل قال فيه بالاحتياط الوجوبي، ومثله السيّد الحكيم في «المستمسك»(2) .

إخراج غير المسلم المعدن من أرض المسلمين:

[1] المقام الثاني وهو أنّه بناء على القول المشهور فهل يختصّ التملّك بالمسلم أو يعمّ الكافر أو فيه تفصيل؟

والمنسوب إلى المشهور هو عدم الفرق بين المسلم والكافر، فكلّ من أخرج معدناً ملكه(3) .

ص: 348


1- منهاج الصالحين 1: 327، المسألة 1196 .
2- مستمسك العروة الوثقى 9: 464 .
3- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 61 .

والمستفاد من كلمات جماعة منهم المحقّق والعلاّمة والشهيد وغيرهم - على ما نقله صاحب الجواهر - عدم جوازه للكافر مطلقاً(1) .

وذهب الشيخ إلى التفصيل بين الحكم التكليفي والوضعي، فلا يجوز للكافر إخراج المعدن، ولكنّه إذا عصى أو استأذن واستخرجه ملكه(2) .

وللماتن تفصيل آخر بين الأراضي الموات والأنفال التي هي ملك للإمام(علیه السلام) فيملك الكافر ما استخرجه منها، وبين الأراضي الخراجيّة المملوكة للمسلمين ففي تملّكه إشكال.

أمّا القول المشهور فقد استدلّ له بوجوه:

الأوّل: بالسيرة القطعيّة القائمة على عدم الفرق بين المؤمن والكافر كما هو ظاهر «الجواهر»(3) .

الثاني: بالإجماع المستفاد من كلمات بعضهم، وقد استدل الشيخ في الخلاف(4) به وبالأخبار على عدم الفرق بين المسلم والكافر بالنسبة إلى الأراضي والأنفال، وإن كان فصّل(قدس سره) بين الأراضي والمعادن في الحكم التكليفي.

الثالث: بعموم الروايات الدالّة على أنّ من أحيى أرضاً فهي له، وهي كثيرة:

ص: 349


1- جواهر الكلام 38: 11- 12، و 16: 23 .
2- الخلاف 2: 120 - 121 .
3- جواهر الكلام 38: 108 .
4- الخلاف 2: 121، المسألة 144 .

منها: صحيحة (الفضلاء) زرارة، ومحمد بن مسلم، وأبي بصير، وفضيل، وبكير، وحمران، وعبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن أبي جعفر، وأبي عبد الله(علیهما السلام)، قالا: قال رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ): «من أحيا أرضاً مواتاً فهي له»(1).

ومقتضى إطلاق هذه الصحيحة شمولها للكافر أيضاً.

ومنها: صحيحة محمّد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر(علیه السلام) يقول: أيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض وعمروها فهم أحقّ بها وهي لهم(2) .وهذه الرواية أوضح دلالة من الرواية السابقة، وذلك بملاحظة قوله: «أيّما قوم»، وهو شامل للكافر.

ومنها: صحيحته الأخرى عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: سألته عن الشراء من أرض اليهود والنصارى، فقال: «ليس به بأس، وقد ظهر رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) على خيبر فخارجهم على أن يترك الأرض في أيديهم يعملونها ويعمرونها، وما بأس لو اشتريت منها شيئاً، وأيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض فعمروه فهم أحقّ به وهو لهم»(3) .

ص: 350


1- تهذيب الأحكام 7: 138، الحديث 673، ووسائل الشيعة 25: 412، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، الحديث 5 .
2- الكافي 5: 284، كتاب المعيشة، الباب 169، الحديث 1، وتهذيب الأحكام 7: 179، الحديث 671، الاستبصار 3: 107، الحديث 380، ووسائل الشيعة 25: 412، الباب 1 من أبواب إحياء الموات، الحديث 4.
3- من لا يحضره الفقيه 3: 239، الحديث 3879، وورد في كلّ من: تهذيب الأحكام 4: 129، الحديث 406، والاستبصار 3: 159، الحديث 390، ووسائل الشيعة 15: 156، الباب 71 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، الحديث 2 مع اختلاف يسير فيها .

وهذه الصحيحة أظهر في دلالتها من السابقتين لظهور قوله(علیه السلام): «أيّما قوم...» في إرادة الكفار، فإذا ملكوا الأرض بالإحياء فملكيّتهم لما في باطنها بطريق أولى، كما أنّ قوله(علیه السلام): وعمروه شامل لما يستخرجونه منها.

ومنها: موثقة السكوني عن أبي عبد الله(علیه السلام)، قال: «قال رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ): من غرس شجراً، أو حفر وادياً بديّاً لم يسبقه إليه أحد، وأحيا أرضاً ميتة، فهي له؛ قضاء من الله ورسوله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ)»(1). وحفر الوادي أعم من الإستخراج وغيره، فلا يبعد القول: بشمولها لما نحن فيه.

ومنها: صحيحة أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن شراء الأرضين من أهل الذمّة، فقال: «لا بأس بأن يشتري منهم إذا عملوها وأحيوها فهي لهم، وقد كان رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) حين ظهر على خيبر وفيها اليهود خارجهم على أن يترك الأرض في أيديهم يعملونها ويعمرونها»(2).

وهذه الرواية قريبة المضمون من صحيحة محمّد بن مسلم الثانية المتقدّمة.

ص: 351


1- الكافي 5: 285، كتاب المعيشة، الباب 169، الحديث 6، ومن لا يحضره الفقيه 3: 240 الحديث 3880، مع اختلاف يسير، وتهذيب الأحكام 6: 329، الحديث 1106، ولكنّ السند فيه أرجعَ إلى الرواية السابقة وهو فيها: ... عن السكونيّ عن جعفر عن أبيه عن عليّ(علیهم السلام)، والمصدر نفسه 7: 137، الحديث 670، ووسائل الشيعة 25: 413، الباب 2 من أبواب إحياء الموات، الحديث 1، مع اختلاف يسير .
2- تهذيب الأحكام 7: 134، الحديث 657، وورد في كلّ من الاستبصار 3: 159، الحديث 388، ووسائل الشيعة 25: 416، الباب 4 من أبواب إحياء الموات، الحديث 1، مع اختلاف يسير .

إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة .

ويمكن الاستظهار من هذه الروايات على تمّلك الكافر لما يستخرجه من المعدن بالإحياء بوجوه ثلاثة:

أحدها: بالأولويّة، فإنّ الكافر إذا كان يملك الأرض بالإحياء فملكيّته لما في بطنها من المعادن التابعة لها بطريق أولى.

ويؤيّد ذلك فهم العرف كما لا يخفى .

ثانيها: بدلالة قوله(علیه السلام): «يعملونها أو عملوها» كما في الروايتين الثالثة والخامسة، فإنّ العمل مطلق يشمل ما إذا كان باستخراج المعدن.

ثالثها: بدلالة قوله(علیه السلام) في موثّقة السكوني: «أو حفر وادياً بديّاً» فإنّ حفر الوادي شامل لما نحن فيه من استخراج المعدن أيضاً أو غيره من الأغراض الأخرى.

والنتيجة أنّ هذه الروايات تدلّ على أنّ إحياء المعادن لا يختصّ بالمسلمين.

أقول: أمّا الاستظهار من الوجهين الأخيرين فهو غير تام؛ وذلك لأنّ الظاهر من عمل الأرض هو زرعها أو غرسها ونحو ذلك ممّا يحصل برقبة الأرض من الفوائد، وأمّا استخراج المعدن منها فغير ظاهر منها، ولاسيما أنّ الإستخراج عمل في الأرض لا عمل الأرض.

وأمّا بالنسبة للوجه الأخير فالظاهر أنّ حفر الوادي إنّما هو للزرع، أو لإصلاح الأرض، أو لمدّ قنوات الماء ونحو ذلك، لا أنّه لاستخراج المعادن

ص: 352

وإلاّ فلا يختصّ ذلك بالوادي.

نعم الظاهر من الوجه الأوّل أنّه تام، فإنّ المستفاد من الروايات المتقدّمة وبمقتضى الفهم العرفي هو أنّه إذا كان إحياء نفس الأرض جائزاً للكافر ويسوغ له تملّكها فجواز إحياء ما في الأرض من المعادن وتمّلكه بطريق أولى.

هذا، ولكن هذه الروايات على قسمين:الأوّل: ما ورد في أرض أهل الذمّة كصحيحة محمّد بن مسلم الثانية وصحيحة أبي بصير، فإنّ قوله(علیه السلام): «أيّما قوم أحيوا شيئاً من الأرض وعملوها فهم أحقُّ بها»، وقوله(علیه السلام): «لا بأس بأن يشتريها منهم إذا عملوها وأحيوها فهي لهم»، واردان عقيب السؤال عن شراء أرض أهل الذمّة التي صولحوا عليها والضمير في قوله: «عملوها وأحيوها» راجع إلى أراضيهم، فقد يقال باختصاص الحكم بأراضيهم التي هي في أيديهم وصولحوا عليها، دون الأراضي المملوكة للمسلمين، ولا أقل من الشك في ذلك فتكون الدلالة مجملة، ولا يمكن الأخذ بإطلاقها.

الثاني: ما ورد من الروايات على نحو الإطلاق كصحيحة محمّد بن مسلم الأولى، وصحيحة الفضلاء، ومعتبرة السكوني، وهي بإطلاقها شاملة للأراضي العامرة المفتوحة عنوة ولا تختصّ بما في أيديهم.

إلاّ أنّ بإزاء هذه الروايات عدّة روايات أخرى تدل على التقييد بالمسلم أو المؤمن .

ص: 353

منها: صحيحة أبي خالد الكابليّ عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: «وجدنا في كتاب عليّ(علیه السلام) أنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين، أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الأرض، ونحن المتّقون، والأرض كلّها لنا، فمن أحيا أرضاً من المسلمين فليعمرها وليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي، وله ما أكل منها، فإن تركها أو أخربها وأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها فهو أحقّ بها من الّذي تركها، فليؤدّ خراجها إلى الإمام من أهل بيتي، وله ما أكل منها، حتّى يظهر القائم(علیه السلام) من أهل بيتي بالسيف فيحويها، ويمنعها، ويخرجهم منها، كما حواها رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) ومنعها، إلاّ ما كان في أيدي شيعتنا فإنّه يقاطعهم على ما في أيديهم ويترك الأرض في أيديهم»(1) .

وموضع الشاهد من هذه الرواية قوله(علیه السلام): «فمن أحيى أرضاً من المسلمين».

وهذا القيد يخرج الكافر، فلا يكون مشمولاً بذلك.

ومنها: معتبرة عمر بن يزيد، قال: سمعت رجلاً من أهل الجبل يسأل أبا عبد الله(علیه السلام) عن رجل أخذ أرضاً مواتاً تركها أهلها فعمّرها، وكرى أنهارها، وبنى فيها بيوتاً، وغرس فيها نخلاً وشجراً، قال: فقال أبو عبد الله(علیه السلام): كان أمير المؤمنين(علیه السلام) يقول: من أحيا أرضاً من المؤمنين فهي له، وعليه

ص: 354


1- الكافي 1: 473، كتاب الحجّة، الباب 162، الحديث 1، ووردت في كلّ من: تهذيب الأحكام 7: 138، الحديث 674، والاستبصار 3: 156، الحديث 383، ووسائل الشيعة 25: 414، الباب 3 من أبواب إحياء الموات، الحديث 2 مع اختلاف يسير فيها .

طسقها يؤديه إلى الإمام في حال الهدنة، فإذا ظهر القائم(علیه السلام) فليوطّن نفسه على أن تُؤخذ منه(1) .

وهي واضحة الدلالة حيث قيّد ذلك بالمؤمنين فلا يشمل الكافر قطعاً.

ومنها: صحيحة مسمع بن عبد الملك المتقدّمة وموضع الشاهد منها قوله(علیه السلام): «وكلّ ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محلّلون ومحلّل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا فيجبيهم طسق ما كان في أيدي سواهم، فإنّ كسبهم من الأرض حرام عليهم حتّى يقوم قائمنا فيأخذ الأرض من أيديهم ويخرجهم منها صغرة»(2) .

وهو يدل على اختصاص ذلك بالشيعة دون سواهم، فإنّ قوله(علیه السلام): فإنّ كسبهم من الأرض حرام عليهم... يدلّ على عدم جوازه لغير الشيعة، كما أنّ الرواية السابقة كذلك، فإنّ المقصود من المؤمنين هم الشيعة وسيأتي تحقيق ذلك قريباً.

ومنها: رواية الحارث بن المغيرة النصريّ، قال: دخلت على أبي جعفر(علیه السلام) فجلست عنده، فإذا نجيّة قد استأذن عليه فأذن له، فدخل فجثا على ركبتيه، ثمّ قال: جعلت فداك إنّي أريد أن أسألك عن مسألة والله ما أريد بها إلاّ فكاك رقبتي من النار، فكأنّه رقّ له فاستوى جالساً فقال: «يا نجيّة سلني، فلا

ص: 355


1- تهذيب الأحكام 4: 127، الحديث 403، ووسائل الشيعة 9: 549، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام)، الحديث 13، والطسق كغلس: الوظيفة من خراج الأرض المقرّرة عليها، فارسي معرّب - قاله الجوهري، ذكر في مجمع البحرين 5: 206 مادة (طسق).
2- وسائل الشيعة 9: 548، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام)، الحديث 12.

تسألني عن شي ء إلاّ أخبرتك به» . قال: جعلت فداك ما تقول في فلان وفلان؟ قال: «يا نجيّة إنّ لنا الخمس في كتاب الله، ولنا الأنفال، ولنا صفو المال، وهما والله أوّل من ظلمنا حقّنا في كتاب الله». (إلى أن قال): «اللهم إنّا قد أحللنا ذلك لشيعتنا»، قال: ثمّ أقبل علينا بوجهه وقال: «يا نجيّة، ما على فطرة إبراهيم(علیه السلام) غيرنا وغير شيعتنا»(1) .

والرواية من حيث الدلالة لا بأس بها بقرينة الروايات المتقدّمة.إلاّ أنّ الكلام في سندها، فإنّ فيه جعفر بن محمّد بن حكيم ولم يرد فيه توثيق، وأمّا عبد الكريم بن عمرو الخثعمي والحارث بن المغيرة النصريّ الواقعان في السند فهما ثقتان، وقد عبّر النجاشي(2) عن كلّ منهما بقوله: ثقة ثقة.

والحاصل أنّ الرواية مؤيّدة لما تقدّم.

ولعلّ هناك غيرها من الروايات وفي ما ذكرناه كفاية، والمستفاد من مجموع هذه الروايات أنّها على ثلاث طوائف:

الأولى: وتدلّ على العموم، وعدم الفرق بين المسلم والكافر.

الثانية: وتدلّ على جواز ذلك بالنسبة للكفّار فيما إذا كانت الأراضي تحت أيديهم.

ص: 356


1- تهذيب الأحكام 4: 127، الحديث 404، ووسائل الشيعة 9: 549، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام(علیه السلام)، الحديث 14، مع اختلاف يسير في المتن .
2- رجال النجاشي: 245 / 645، و 139 / 361 .

الثالثة: وتدلّ على عدم الجواز مطلقاً، وإنّما هو خاصّ بالمسلمين، بل في أكثر روايات هذه الطائفة اختصاصه بالشيعة دون سواهم.

هذا، ولكنّ الوجهين الأوّلين غير تاميّن.

أمّا الأوّل وهو الاستدلال بالسيرة فيحتاج إثباتها إلى مؤونة كثيرة؛ وذلك لأنّ فعل الكافر ليس بحجّة، وأمّا عدم منع المسلمين إيّاه فلا دلالة فيه؛ لعدم وضوح أنّه هل كان مع بسط اليد أو لا؟ أو أنّه لم يتحقّق أصلاً؟ فدعوى السيرة في المقام وجعلها حجّة غير تامّة؛ لعدم حصول الاطمئنان بها على المدعى.

هذا، مضافاً إلى ذهاب جماعة إلى أنّ المعادن مختصّة بالإمام(علیه السلام)، ولابدّ من استئذانه حال حضوره، أو استئذان نائبه الخاص أو العام حال غيبته.

وأمّا الثاني - وهو الإجماع - فمع كونه منقولاً فإنّ أصل دعوى الإجماع في مثل هذه المسألة التي وقعت موقع الخلاف موهون جداً، فلا يعتمد عليه.

وأمّا الوجه الثالث - وهو الروايات - وهي العمدة في المقام فالتحقيق أنّا ذكرنا أنّها على ثلاث طوائف، فهل يؤخذ بالطائفة الأولى وهي العمومات المعتضدة بالشهرة، بل بدعوى السيرة القطعيّة فيحكم بتملّك الكافر والمسلم؟ أو يفصّل بين الأراضي التي في أيدي أهل الذمّة فيقال بتملّكهم إذا أحيوا شيئاً منها أو استخرجوا المعدن منها، دون غيرها ممّا هو في أيدي المسلمين كما هو مقتضى الطائفة الثانية؟ أو يفصّل بين الحكم التكليفي والوضعي، فيقال بعدم جواز التصرّف والاستخراج بالنسبة للكافر، ولكنّه لو خالف واستخرج دخل في ملكه كما هو مذهب الشيخ(قدس سره) ؟ أو يقال بعدم جواز التصرّف

ص: 357

والاستخراج لأحد إلاّ لمن أذن له الإمام(علیه السلام)، وهم الشيعة فقط كما دلّت عليه الطائفة الثالثة؟

فقد يقال: إنّ الأقوى هو الأوّل إذا تمّت دعوى السيرة والإجماع، وأمّا مع المناقشة فيها فالظاهر هو القول الثاني، إن قلنا بتماميّة دلالة الطائفة الثانية ونهوضها على تقييد الطائفتين الأولى والثالثة كما يظهر من صاحب الوسائل حيث عنون باباً من الوسائل بذلك، وهو الظاهر من العلاّمة في قواعده أيضاً على ما نقله صاحب الجواهر، وإن اختلف كلامه في غيره من كتبه، قال في باب الإحياء: وأسباب الاختصاص ستّة الأوّل العمارة... إلاّ أنّ المعمور الحرب(1) يملك بما تملك به سائر أموالهم، ومواتها الذي لا يذبّ المسلمون عنه فإنّها تملك بالإحياء للمسلمين والكفّار بخلاف موات الإسلام فإنّ الكافر لا يملكها بالإحياء(2) .

وأمّا إذا قلنا بضعف دلالتها وعدم نهوضها على التقييد فالأقوى هو القول الأخير، وهو مفاد روايات الطائفة الثالثة والموافقة للاحتياط أيضاً.

وأمّا تفصيل الشيخ(قدس سره) فلم يعرف له وجه، وقد ناقشه صاحب المدارك، وفيه:

أوّلاً: عدم الدليل على منع الذمّي من ذلك بعد العموم في أدلّة الحيازة وشمولها له وللمسلم بمناط واحد.

ص: 358


1- كذا في الجواهر، وفي المصدر: معمور دار الحرب.
2- جواهر الكلام 38: 30 .

(مسألة:10) يجوز استئجار الغير لإخراج المعدن فيملكه المستأجر [1] وإن قصد الأجير تملّكه لم يملكه.

وثانياً: وقوع التنافي بين الصدر والذيل من كلامه؛ لأنّ موضوع كلامه إن كان المعدن في الأرض المملوكة صحّ المنع ولا وجه للملك، وإن كان في الأرض المباحة صحّ الملك ولا وجه للمنع(1) .

هذا، وقد وجّه السيّد الأستاذ(قدس سره) قول الشيخ(قدس سره) بأنّ الكلام في الإخراج دون الإحياء، وأنّ الإخراج بدون الإحياء يحتاج إلى الإذن من الإمام(علیه السلام) أو من المسلمين وهو غير حاصل، فالتصدّي له ممنوع؛ لتوقّفه على الإذن، ولكنّه لو خالف وعصى واستخرج فما استخرجه يدخل في ملكه (2) . وهو كما ترى.

ثمّ إنّه قد ظهر ممّا تقدّم أدلّة سائر الأقوال ولا نرى حاجة إلى تفصيل كلّ منها.

استئجار الغير لإخراج المعدن:

[1] ولهذه المسألة عدّة صور، فإنّه تارة يكون المعدن في الملك الشخصي للمستأجر وقد تقدّم حكمها. وأُخرى يكون في الأرض الموات ويملكه كلّ

ص: 359


1- مدارك الأحكام 5: 368، والمستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 62 .
2- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 64 - 65 .

من أحياه وأخرجه - وهي محل الكلام - لأنّه حينئذ قد يكون الاستئجار على الحيازة الشخصيّة، وقد يكون الاستئجار على الحيازة في الذمّة، وفي كلّ من هاتين الحالتين قد يقصد الأجير تملّك المستأجر وقد يقصد تملّك نفسه.

أمّا في الحالة الأولى - أي فيما إذا كانت الإجارة على الحيازة الشخصيّة وقصد الأجير تملّك المستأجر - فإنّ المعدن المستخرج للمستأجر.

وأمّا في الحالة الثانية - وهي ما إذا قصد تملّك نفسه مع كون الإجارة شخصيّة - فكذلك، كما هو الظاهر من المتن؛ لأنّ الأجير حينئذ بمنزلة الآلة، ولا اعتبار بقصده لمخالفته عقد الإجارة، فيكون قصده لغواً لا أثر له.

وأمّا الحالة الثالثة فحكمها حكم الصورة الأولى، فإنّ قصد الأجير تملّك المستأجر نافذ وفاءاً بعقد الإجارة فيكون ملكاً له.

وأمّا الحالة الرابعة فالظاهر دخول المستخرج في ملك الأجير إذا قصد تملّك نفسه؛ وذلك لأنّ قصد التملّك لنفسه لا ينافي الإجارة لوقوعها في الذمّة، فتبقى ذمته مشغولة حتّى يفي.

ثمّ إنّه لايبعد أن يكون المراد في المتن هو ما كانت الإجارة فيه شخصيّة فلا يدخل المستخرج في ملك الأجير.

ص: 360

(مسألة: 11) إذا كان المخرج عبداً كان ما أخرجه لمولاه وعليه الخمس. [1]

إخراج العبد للمعدن:

[1] لهذه المسألة خمس صور: فإنّ العبد تارة يقصد أن يكون ما أخرجه لمولاه، وأُخرى يقصد أن يكون لنفسه، وثالثة يقصد أن يكون للغير، ورابعة لا يقصد به الحيازة والتملّك مع قصد المولى ذلك، أو بدونه.

والظاهر أنّ المعدن المستخرج في الصور الأربع الأولى للمولى؛ لأنّ العبد فيها بمنزلة الآلة فهو وما يملكه لمولاه وقصده لنفسه أو للغير لا أثر له.

وأمّا الصورة الأخيرة وهي أن لا يقصد كلّ منهما التملّك، فبناء على اعتبار قصد التملّك في الإحياء والحيازة لا يكون ما أخرجه العبد ملكاً لأحدهما كما إذا حفر الأرض بقصد إخراج الماء فصادف المعدن، وتكون هذه الصورة خارجة عن محل الكلام.

وأمّا بناء على عدم اعتبار قصد التملّك فيكون داخلاً في ملك المولى لما تقدّم.

ص: 361

(مسألة: 12) إذا عمل فيما أخرجه قبل إخراج خمسه عملاً يوجب زيادة قيمته [1] كما إذا ضربه دراهم أو دنانير أو جعله حليّاً أو كان مثل الياقوت والعقيق فحكّه فصّاً مثلاً اعتبر في إخراج الخمس مادته فيقوّم حينئذ سبيكة أو غير محكوك مثلاً ويخرج خمسه، وكذا لو اتّجر به فربح قبل أن يخرج خمسه ناوياً الإخراج من مال آخر ثمّ أداه من مال آخر، وأمّا إذا اتّجر به من غير نيّة الإخراج من غيره فالظاهر أن الربح مشترك بينه وبين أرباب الخمس.

التصرّف في المعدن قبل إخراج الخمس:

[1] فصّل الماتن بين ما إذا كانت الزيادة في القيمة ناشئة من إحداث عمل في المعدن كضربه دراهم أو دنانير أو صياغته حليّاً فحكم بعدم وجوب الخمس في الزيادة، وبين ما إذا كانت الزيادة ناشئة من الاتجار بالمعدن، وفصّل فيه أيضاً بين ما إذا كان ناوياً إخراج الخمس من مال آخر قبل الإتّجار فحكم بعدم الوجوب في الزيادة، وبين ما إذا لم يكن ناوياً لذلك فحكم بالوجوب في الجميع.

ولهذه المسألة ثلاث صور: فإنّ الزيادة تارة تكون من جهة القيمة السوقية، وأُخرى تكون من جهة العمل، وهي على قسمين فقد تكون ناشئة من الصياغة ونحوها، وقد تكون ناشئة من الإتجار.

ص: 362

أمّا الصورة الأولى وهي ما كانت الزيادة من جهة القيمة السوقيّة فلا إشكال في وجوب الخمس في الجميع، وهو مقتضى جميع الأقوال في كيفيّة تعلّق الخمس بالمال.

وأمّا الصورة الثانية فقد حكم السيّد(قدس سره) في المتن تبعاً للجواهر(1)،

والمسالك(2)،

والمدارك(3)، بعدم وجوب الخمس في الزائد.

ويمكن أن يستدلّ على ذلك بأحد وجهين:

الأوّل: - كما في المستمسك(4) - بأنّ مستحق الخمس إنّما يملك خمس المادة، والصفة بتمامها لعاملها، فلا تدخل في التقويم.

الثاني: أنّ الخمس يتعلّق بماليّة العين، لا أنّه يتعلّق بنفس العين، فلابدّ حينئذ من ملاحظة الماليّة قبل زيادة القيمة، فتقوّم ماليّة العين في زمان تعلّق الخمس ووجوبه، وأمّا الهيئة فلا دخل لها في الحقّ أصلاً.

وقد أشكل السيّد الأستاذ(قدس سره) على كلا الوجهين:

أمّا على الوجه الأوّل فحاصله أنّ الهيئة من حيث هي لا ماليّة لها، ولا يقسّط الثمن عليها، ولا شأن لها إلاّ ازدياد ماليّة المادة المتلبّسة بها، لأوفريّة رغبة العقلاء إليها بالإضافة إلى المجرّدة عنها، لا أنّ لنفس تلك الهيئة حظاً

ص: 363


1- جواهر الكلام 16:
2- مسالك الأفهام 1: 459 .
3- مدارك الأحكام 5: 368 .
4- مستمسك العروة الوثقى 9: 466 .

من المال.

والشاهد على ذلك أنّه لم يلتزم أحد بجواز بيع المادة دون الهيئة أو العكس، أو يقال بالشركة بين شخصين في العين على أن تكون المادة لأحدهما والهيئة للآخر، كما في الفرش المنسوج بالشكل الخاص، أو نقوش الكتاب وأوراقه، وغير ذلك من سائر الهيئات والعوارض، فلا يقال بأنّ المادة لشخص والهيئة لشخص آخر، وهكذا الكيفيّات كالحرارة والبرودة ونحوهما، وإن كان الماء البارد - مثلاً - في الصيف أغلى ثمناً، لكن ليس لصفة البرودة مقدار من الثمن يدفع بإزائها.

ومن ذلك كلّه يعلم أنّ الهيئة لا ماليّة لها، وإلاّ لزم استحقاق الغاصب قيمة ما أحدثه في العين من الهيئة وهو مقطوع الفساد، بل يجب عليه ردّ المادة بهيئتها الفعليّة، وإن أوجبت زيادة الماليّة، وعلى ذلك فالتعليل بأنّ الصفة بتمامها لعاملها في غير محلّه.

وأمّا على الثاني فبأنّ صور كيفيّة تعلّق الخمس بالمال وإن كانت متعدّدة - كما سيأتي في المسألة الخامسة والسبعين - وأنّ تعلّقه هل هو حقّ تعلّق بالماليّة أو تعلّق بالعين على نحو الإشاعة أو أنّه على نحو الكلي في المعيّن؟ إلاّ أنّ الظاهر من الأدلة والذي ادعي فيه عدم الخلاف واختاره الماتن(قدس سره) أنّه متعلّق بالعين، لا أنّه متعلق بالماليّة، وحينئذ تكون العين بخصوصياتها الشخصيّة مشتركة بين المالك وبين مستحقي الخمس، فلابدّ من ملاحظة الصفات والهيئات كالمواد عند التقويم ومن ثمّ إخراج الخمس، بلافرق بين القول بأنّه على نحو الإشاعة أو على نحو الكلي في المعيّن، وعليه فلا

ص: 364

وجه للحكم بعدم وجوب الخمس في الزيادة، فالأقوى لزوم إخراج خمس المجموع(1) .

ويمكن المناقشة فيما ذكره على الوجه الأوّل بأنّ ما أفاده من عدم تحقّق الشركة في المادة والهيئة وإن كان صحيحاً إلاّ أنّ هذا لا يلازم عدم جعل مال بإزاء الهيئة، بل الظاهر أنّ كلّ ما يوجب ازدياد قيمة المادة له قسط من الثمن، سواء كانت الهيئة من قبيل نقش الفرش، أو طبع الكتاب وأمثالهما، أو كانت من قبيل الكيفيّات والعوارض كبرودة الماء وحرارته، أو كانت من قبيل الأوصاف من الكمال والصحّة، كيف وقد يجعل بإزاء الأجل قسط من الثمن، وعليه فالقول بأنّه ليس بإزاء الهيئة مال في غير محلّه، بل جعل المال بإزائها أولى من جعله بإزاء الأجل أو الأوصاف.

وأمّا عدم استحقاق الغاصب لعمله الموجب للزيادة؛ فلأنّ الغاصب مأخوذ بأشق الأحوال، نعم الاشتراك خارجاً في التملّك بين المادة والهيئة غير متحقّق عرفاً وشرعاً، وحينئذ يصحّ أن يعلّل الحكم بعدم تعلّق الخمس بالزيادة بأنّها مال للمخرج، أي من مختصّاته ونتيجة عمله، وهو خارج عن نفس المعدن الذي ورد أنّ الخمس إنّما يتعلّق بالمصفّى منه.

هذا، ولكن مع ذلك لابدّ من التفصيل بين ما إذا كان العمل قبل إخراج المعدن من منبته حتّى يكون وجوب الخمس متعلّقاً به بعد ذلك، ولم يكن المكلّف عاصياً بالتأخير كما ربّما يظهر من المدارك(2)، أو تكون مصلحة

ص: 365


1- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 67 - 68 .
2- مدارك الأحكام 5: 368 وفي استظهار شيخنا الأستاذ (حفظه الله) تأمّل، فإن عبارة صاحب المدارك لا يظهر منها ذلك فإنّه قال: «لو لم يخرج من المعدن حتّى عمله دراهم أو دنانير أو حليّاً...» ولا شك أنّ عمله دراهم أو دنانير أو حليّاً لا يتم إلاّ بعد إخراج المعدن من منبته. فلاحظ.

المستحقين في التأخير مع إجازة الحاكم الشرعي فيجوز، وبين ما إذا كان بعد الإخراج مع عدم المصلحة في التأخير وعدم إجازة الحاكم، وحينئذ يكون تصرّفه غير جائز، ولم يكن له حقّ في عمله في المعدن فيحكم عليه بوجوب أداء الخمس من الجميع، ولعلّ نظر الماتن إلى الأول.

وأمّا الصورة الثالثة فقد فصّل الماتن بين ما إذا نوى الأداء ثمّ اتجر بالمعدن، وبين ما إذا لم ينو فحكم بعدم وجوب إخراج خمس الزيادة في الأوّل دون الثاني.

وقد أشكل على هذا التفصيل بأنّ مجرّد النيّة لا أثر لها ما لم يؤدّه خارجاً.

نعم، إذا نوى وأدى الخمس فبمقتضى ولايته على الأداء من مال آخر يكون جميع المعدن داخلاً في ملكه، وما يكسبه من الإتجار به فهو له.

والظاهر أنّ هذه الصورة تدخل فيما يأتي من المصنّف في المسألة الخامسة والسبعين من أرباح المكاسب، وأنّه إذا كانت المعاملة شخصيّة فتصرّفه في المال يكون فضولياً، فإن أمضاه الحاكم فهو، وإلاّ كان البيع بالنسبة إلى مقدار الخمس باطلاً، وأمّا إذا كانت المعاملة في الذمّة فهي صحيحة، ولكن لا تبرأ ذمّته بمقدار الخمس، ويرجع الحاكم به إن كانت العين موجودة، وبقيمته إن كانت تالفة، مخيراً بين الرجوع على المالك أو الآخذ.

ص: 366

(مسألة: 13) إذا شكّ في بلوغ النصاب وعدمه فالأحوط الاختبار[1].

الشكّ في بلوغ النصاب:

[1] هذه المسألة لا تختصّ بالخمس، بل تعمّ كلّ واجب مشروط لم يعلم بتحقّق شرطه، فهل يمكن الرجوع إلى الأصل من الاستصحاب أو البراءة ويقال بعدم الوجوب، أو لابدّ من الفحص والاختبار؟

وفي المقام قولان:

استدل للقول بوجوب الاختبار بأمور:

الأوّل: اهتمام الشارع المقدّس بإدراك الواقع في مثل هذه الأمور بحيث لا يرضى الشارع بالوقوع في خلاف الواقع.

وأُجيب عنه: بأنّ إحراز اهتمام الشارع مشكل، فإنّه لو كان من الأمور المهمّة التي لا يرضى الشارع بتركها لكان الدليل تامّاً، وحينئذ لابدّ من الاحتياط بالاختبار، ولكن لم يثبت أنّ هذه الموارد منها.الثاني: العلم الإجمالي بالوقوع في مخالفة الواقع كثيراً، وهو مانع عن الرجوع إلى الأصل.

وأُجيب عنه: بأنّ الوقوع في مخالفة الواقع إذا كان بالنسبة إلى شخص

ص: 367

الشاك الذي يجري في حقّه الأصل بأن يعلم أنّه يقع في مخالفة الواقع في بعض الموارد فعلاً أو بعد ذلك فهو مانع عن جريان الأصل، وأمّا إذا لم يعلم بذلك وإن علم بالنسبة إلى بعض الأشخاص الذين يجرون الأصل بأنّهم يقعون في خلاف الواقع إجمالاً فهو ليس مانعاً عن جريان الأصل في حقّ الشاك، فإنّا نعلم قطعاً أنّ بعض من يرجعون إلى أصالة الطهارة يقعون في خلاف الواقع، ولكن هذا لا يوجب عدم جواز الرجوع إلى أصالة الطهارة.

الثالث: إنّ المراد من الشك هو التحيّر في الوظيفة، وعدم الحجّة على الواقع، وفي مقابله العلم أي إحراز الحجّة، وعليه فلابدّ من صدق التحيّر عرفاً في الرجوع إلى الأصل، فإذا توقّف الواجب على مجرّد المحاسبة أو الاختبار أو الاستعلام فلا يقال عرفاً إنّه شاك ومتحيّر في وظيفته، فإنّ التتبع والفحص وإن لم يكن واجباً في الشبهات الموضوعيّة - بل ادعي عليه الإجماع - إلاّ أنّ هذا المقدار من الفحص أي بمقدار أن يرجع إلى دفتره أو كاتبه لا يصدق عليه عنوان الشاك والمتحيّر، فإطلاقات أدلّة الأصول إمّا أنّها غير شاملة لمثل هذا الشخص، وإمّا أنّها مورد شك في شمولها له، وعلى كلّ تقدير فالإحتياط بلزوم الاختبار والفحص في مثل هذه الموارد في محلّه .

هذا تمام الكلام في خمس المعدن.

ص: 368

الثالث: الكنز [1] وهو المال المذخور في الأرض أو الجبل أو الشجر، والمدار الصدق العرفي.

المبحث الثالث: في الكنز:

اشارة

[1] المبحث الثالث في الكنز، وقد اتفق المسلمون قاطبة على وجوب الخمس فيه.

قال الشيخ في الخلاف(1) : الركاز هو الكنز المدفون، يجب فيه الخمس بلا خلاف، ويراعى عندنا فيه أن يبلغ نصاباً يجب في مثله الزكاة، وهو قول الشافعي في الجديد.

وقال في القديم: يخمّس قليله وكثيره، وبه قال مالك وأبو حنيفة.

والمستفاد من ذلك أنّ أصل وجوب الخمس في الكنز ممّا لا خلاف فيه.

نعم اختلف العامّة في مصرف خمس الكنز.

قال الشيخ: مصرف الخمس من الركاز والمعادن مصرف الفي ء، وبه قال أبو حنيفة.

وقال الشافعي وأكثر أصحابه: مصرفها مصرف الزكاة، وبه قال مالك، والليث بن سعد.

ص: 369


1- الخلاف 2: 121، كتاب الزكاة، المسألة 146.

وقال المزني وابن الوكيل من أصحاب الشافعي: مصرف الواجب في المعدن مصرف الصدقات، وأمّا مصرف حقّ الركاز فمصرف الفي ء(1).

وقال ابن قدامة في المغني: وما كان من الركاز وهو دفن الجاهلية قلّ أو كثر ففيه الخمس لأهل الصدقات وباقيه له... .

ثمّ قال: وأوجب الخمس في الجميع الزهري، والشافعي، وأبو حنيفة، وأصحابه، وأبو ثور، وابن المنذر، وغيرهم...(2).

ثمّ إنّه يمكن الاستدلال على وجوب الخمس في الكنز مضافاً إلى الإجماع بالكتاب والسنّة.

أمّا الكتاب فقوله تعالى: {واعلَمُوا أنّمَا غَنِمْتُمُ مِنْ شَي ء فأنّ لله خُمْسُه}(3).بناء على أنّ المراد بالغنيمة هي كلّ ما يغنمه الإنسان من فائدة، كما سيأتي بيان ذلك مفصّلاً. وقد ورد تفسير الغنيمة بالكنز في بعض الروايات باعتباره أحد مصاديقها، وسيأتي نقل بعضها قريباً.

وأمّا السنّة فهي عدّة من الروايات:

منها: معتبرة ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «الخمس على خمسة أشياء: على الكنوز، والمعادن، والغوص، والغنيمة» ونسي

ص: 370


1- الخلاف 2: 124، كتاب الزكاة، المسألة 152.
2- المغني والشرح الكبير 2: 610.
3- سورة الأنفال: 41.

ابن أبي عمير الخامس(1) .

وهي واضحة الدلالة.

ومنها: صحيحة زرارة، عن أبي جعفر(علیه السلام)، قال: سألته عن المعادن: ما فيها؟ فقال: «كلّ ما كان ركازاً ففيه الخمس... (2)».

وهي شاملة للكنز قطعاً، إن لم تكن ظاهرة فيه ؛ لتعبير الإمام(علیه السلام) بالركاز الذي هو الكنز .

ومنها: صحيحة الحلبي - في حديث - سأل فيه أبا عبد الله(علیه السلام) عن الكنز كم فيه؟ فقال:«الخمس ...»، وعن المعادن: كم فيها؟ قال: «الخمس...» (3).

ومنها: صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا(علیه السلام) قال: سألته عمّا يجب فيه الخمس من الكنز، فقال: «ما تجب الزكاة في مثله ففيه الخمس»(4) .

ومنها: رواية حماد بن عمرو وأنس بن محمّد عن أبيه جميعاً، عن الصادق(علیه السلام) عن آبائه(علیهم السلام) (في ضمن وصيّة النبي(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) لعليّ(علیه السلام))، قال: «يا

ص: 371


1- وسائل الشيعة 494:9، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 7 .
2- تهذيب الأحكام 4: 107، الحديث 346، ووسائل الشيعة 9: 492، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3 .
3- من لا يحضره الفقيه 2: 40، الحديث 1647، وتهذيب الأحكام 4: 107، الحديث 345، ووسائل الشيعة 9: 492، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2، مع اختلاف يسير.
4- من لا يحضره الفقيه 2: 40، الحديث 1649، ووسائل الشيعة 9: 495، الباب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2 مع اختلاف يسير في المتن .

عليّ إنّ عبد المطّلب(علیه السلام) سنّ في الجاهليّة خمس سنن أجراها الله عزّوجلّ في الإسلام» (إلى أن قال:) «ووجد كنزاً فأخرج منه الخمس وتصدّق به، فأنزل الله عزّوجلّ: { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلهِ خُمُسَهُ}»(1) .

والرواية واضحة الدلالة، فإنّها تدل على أنّ الخمس في الكنز من سنن عبد المطّلب التي أمضاها الله في الإسلام.

وأمّا من حيث السند فقد رواها الصدوق في الفقيه بسند ضعيف، وروى بمضمونها في «العيون» عن أحمد بن الحسين القطان، قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد الكوفيّ، قال: حدثنا عليّ بن الحسين بن عليّ بن الفضال، عن أبيه، قال: سألت أبا الحسن عليّ بن موسى الرضا (علیهما السلام)...(2) .

وفي هذا السند علي بن الحسين بن علي بن الفضال والصحيح هو علي بن الحسن، وفيه ايضاً: أحمد بن الحسين القطّان والصحيح هو الحسن بدل الحسين، وهو من مشايخ الصدوق، ولم يرد فيه توثيق، نعم ترحّم الصدوق عليه(3) ولا دلالة فيه على التوثيق كما ذكرناه في محلّه .

ولكنّ الشيخ الصدوق وصفه بالعدل في موضع آخر، قال في «الأمالي»:

ص: 372


1- من لا يحضره الفقيه 4: 352، الحديث 5765، ووسائل الشيعة 9: 496، الباب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4 .
2- عيون أخبار الرضا(علیه السلام) 1: 189، الباب 18، الحديث 1 .
3- راجع على سبيل المثال علل الشرائع 2: 351، الحديث 3، والأمالي: 680، المجلس السادس والثمانون، الحديث 1 .

وحدثنا بهذا الحديث شيخ لأهل الحديث يقال له: أحمد بن الحسن القطّان، المعروف بأبي عليّ بن عبد ربه العدل(1) .

فقد يقال: إن ذلك يعدّ توثيقاً له.

وأشكل السيّد الأستاذ(قدس سره) بأنّ الصدوق لم يصفه بالعدل، وإنّما ذكر أنّه كان معروفاً بأبي عليّ بن عبد ربه العدل، ومعنى هذا أنّ العدل كان لقباً له - وكلمة العدل وكلمة الحافظ والمقري ونحوها من الألقاب - وأين هذا من توصيفه بالعدالة، ولا يبعد في أن يكون الرجل من العامّة(2).

ولكن قد يقال: إنّ الإتيان بهذا الوصف خصوصاً بعد تكنيته بأبي عليّ وذكر لقبه يدلّ على تعظيمه وتجليله، على أنّ المتعارف من هذه التعابير حينما يقال فلان معروف بالزهد والتقوى أنّ ذلك توصيف له بالزهد والتقوى ولا أقل من دلالته على الحسن هذا، لكن الصحيح أنّ الشيخ الصدوق ترضّى عليه في عدّة موارد(3)، أضف إلى ذلك أنّ للشيخ الطوسي طريقاً صحيحاً فيالفهرست إلى كتب وروايات الحسن بن علي بن فضال، قال في الفهرست اخبرنا بكتبه ورواياته(4) عن عدّة من أصحابنا عن محمد بن علي بن الحسين

ص: 373


1- الأمالي: 660، المجلس الثالث والثمانون، الحديث 6.
2- معجم رجال الحديث 2: 93.
3- الخصال 1: 272 باب الأربعة الحديث 99، و 2: 470 باب العشرة الحديث 10 .
4- النسخة التي في أيدينا من كتاب الفهرست للشيخ الطوسي وردت (اخبرنا بجميع رواياته) ولكن نقل السيد الخوئي(قدس سره) في معجم رجال الحديث 6: 48 / 2991 عن فهرست الشيخ (اخبرنا بكتبه ورواياته) وكذلك شيخنا الأستاذ (حفظه الله) في أصول علم الرجال بين النظريّة والتطبيق 1: 166 .

عن محمد بن الحسن وعن أبيه عن سعد ... فيظهر أنّ للشيخ الصدوق(رحمه الله) طريقاً صحيحاً إلى جميع روايات ابن فضّال وبناء على ذلك فيمكن القول باعتبار سند الرواية.

ومنها: رواية الحرث بن حصيرة الأزدي، قال: وجد رجل ركازاً على عهد أمير المؤمنين(علیه السلام) فابتاعه أبي منه بثلاثمائة درهم ومائة شاة متبع، فلامته أمي وقالت: أخذت هذه بثلاثمائة شاة، أولادها مائة، وأنفسها مائة، وما في بطونها مائة؟ قال: فندم أبي، فانطلق ليستقيله، فأبى عليه الرجل، فقال: خذ مني عشر شياه، خذ مني عشرين شاة، فأعياه، فأخذ أبي الركاز وأخرج منه قيمة ألف شاة، فأتاه الآخر فقال: خذ غنمك وائتني ما شئت، فأبى، فعالجه فأعياه، فقال: لأضرّن بك، فاستعدى أمير المؤمنين(علیه السلام) على أبي، فلما قصّ أبي على أمير المؤمنين(علیه السلام) أمره قال لصاحب الركاز: «أدّ خمس ما أخذت فإنّ الخمس عليك، فإنّك أنت الذي وجدت الركاز وليس على الآخر شي ء؛ لأنّه إنّما أخذ ثمن غنمه»(1) .

والرواية وإن كانت من حيث الدلالة واضحة إلاّ أنّها من حيث السند مرسلة، فتكون مؤيّدة كالرواية السابقة.

ومنها: معتبرة عمّار بن مروان، قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) يقول: «فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم

ص: 374


1- وسائل الشيعة 9: 497، الباب 6 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

يعرف صاحبه والكنوز الخمس»(1) .

والرواية من حيث السند معتبرة كما تقدّم، ومن حيث الدلالة واضحة.

والمستفاد من هذه الروايات وجوب الخمس في الكنز.

ثمّ إنّ الكلام يقع في جهات:

الجهة الأولى: قصد الادّخار في الكنز:

هل يعتبر في صدق الكنز أن يكون مع قصد الإدّخار أو لا؟ بل يتناول كلّ مال مستتر في الأرض، ولو لم يكن عن قصد أو بقصد آخر غير الادّخار كالحفظ والإخفاء ونحو ذلك.

والمشهور هو الثاني، وذهب الشهيد الثاني في المسالك والروضة إلى الأول.

قال في المسالك: يعتبر في الادّخار كونه مقصوداً ليتحقّق الكنز، فلا عبرة باستتار المال بالأرض بسبب الضياع، بل يلحق باللّقطة، ويعلم ذلك بالقرائن الحاليّة كالوعاء(2).

وقال في الروضة: وهو المال المذخور تحت الأرض قصداً...(3) .

ص: 375


1- وسائل الشيعة 9: 497، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.
2- مسالك الأفهام 1: 460.
3- الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة 2: 68.

وربما يظهر ذلك من المحقق الهمداني(قدس سره) حيث قال: إنّ إطلاق المذخور على العاري عن القصد مبني على ضرب من التوسع، فلا يبعد أن يكون إطلاق اسم الكنز عليه أيضاً من هذا الباب(1) .

بل ينسب هذا القول إلى كلّ من فسّر الكنز بالمال المذخور بدعوى أنّ القصد مأخوذ في مفهوم الادّخار بحكم التبادر والانسباق.

ولكن الظاهر هو القول المشهور، وذلك لأنّه وإن كان ربّما يستفاد من المعاجم اللغوية كالمصباح(2) والمجمع(3) وغيرهما - حيث فسّر كنزت المال كنزاً من باب ضرب يضرب جمعته وادّخرته - أخذ القصد فيه، ولكن لا إشكال في أنّه بحسب الإطلاقات والاستعمالات العرفيّة يشمل مطلق المدفون سواء كان عن قصد أو لا، كما يقال لمن وجد مالاً في الأرض - وإن كان فيها بواسطة الزلزلة أو الخسف ونحو ذلك - أنّه وجد كنزاً بلا عناية، فاللفظ في الإطلاقات العرفيّة أعم، وما ورد في الروايات يحمل على التفاهم العرفي دون المعنى اللغوي.

ومع التنزّل وفرض الشك في صدق الكنز مع عدم إحراز القصد فوجوب الخمس ليس منحصراً في عنوان الكنز، بل ورد بعنوان الركاز أيضاً كما في صحيحة زرارة المتقدّمة، ومعتبرة زيد بن عليّ عن آبائه(علیهم السلام) قال: قال رسول

ص: 376


1- مصباح الفقيه: 45:14 .
2- المصباح المنير: 542.
3- مجمع البحرين: 32: 4.

الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ): «العجماء جبار.... وفي الركاز الخمس...»(1) .

ورواية الحرث بن حصيرة المتقدمة(2)، ورواية أبي عبيد القاسم بن سلام بإسناد متصل إلى النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) أنّه كتب لوابل بن حجر الحضرمي ولقومه: «من محمّد رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) إلى الأقيال العباهلة من أهل حضرموت بإقام الصلاة... وفي السيوب الخمس».

قال الصدوق: قال أبو عبيد:... والسيوب الركاز...(3) .

وهذه الروايات تدلّ على أنّ الخمس يجب في الركاز، والعمدة من هذه الروايات الأوليتان وأمّا الأخيرتان فهما ضعيفتان. والرواية الثانية هي العمدة في استدلال العامّة على وجوب الخمس في الكنز.

والركاز في اللغة ككتاب بمعنى المركوز أي المدفون، والركز: الصوت الخفي(4)، ومنه قوله تعالى: {أو تسمع لهم ركزاً} (5) .

والمعنى مطلق من دون تقييده بالقصد.

ويؤيّد ذلك ما ورد في صحيحة عليّ بن يقطين من تفسير الركاز بالصامت

ص: 377


1- وسائل الشيعة 29: 272، الباب 32 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 5.
2- في شرح قول الماتن« الثالث الكنز وهو المال المذخور . . . ».
3- وسائل الشيعة 9: 117، الباب 6 من أبواب زكاة الأنعام، الحديث 4.
4- مجمع البحرين 4: 21 .
5- سورة مريم: 98.

المنقوش(1).

فالركاز هو المال الثابت المركوز في الأرض سواء كان مع قصد ادّخاره أو لا، ومع وجود هذا العنوان فلا مجال للتشكيك في الحكم.

الجهة الثانية: دفن الكنز في الأرض:

هل يعتبر في الكنز أن يكون مدفوناً في الأرض أو لا يعتبر فيشمل ما كان في الجبل أو الشجر أو الجدار؟

ظاهر التقييد في جملة من كلمات الفقهاء واللّغويين هو الاعتبار، بل صريح كاشف الغطاء(2)، حيث حكم بعدم وجوب الخمس في المدفون في غير الأرض ودخوله في حكم اللّقطة.

ولكن الظاهر هو التعميم؛ لأنّ الكنز لغة وعرفاً لا يختصّ بالمدفون في الأرض، بل الملاك هو كونه مستوراً عن الأعين بحيث لا يمكن الوصول إليه عادة، بلا فرق بين أن يكون في الأرض أو الجدار أو الشجر، وخصوصيّة المكان لا دخل لها.

نعم إذا كان في موضع يمكن العثور عليه بسهولة كالصندوق ونحوه فلا يعدّ ذلك كنزاً أو ركازاً بحسب الصدق العرفي.

ص: 378


1- الكافي 3: 511، كتاب الزكاة، الباب 279، الحديث 8، وتهذيب الأحكام 4: 11، الحديث 19، والاستبصار 2: 6، الحديث 13، ووسائل الشيعة 9: 154، الباب 8 من أبواب زكاة الذهب والفضة، الحديث 2.
2- كشف الغطاء: 202:4 .

سواء كان من الذهب أو الفضة المسكوكين أو غير المسكوكين أو غيرهما من الجواهر [1] .

الجهة الثالثة:

[1] الجهة الثالثة:

هل يختصّ وجوب الخمس في الكنز بما إذا كان من الذهب والفضّة المسكوكين، كما هو المشهور عند القدماء، أو يشمل مطلق الذهب والفضّة، بل مطلق الجواهر والأموال الثمينة كما هو المشهور عند المتأخرين ومنهم الماتن؟

والظاهر من معنى الكنز أنّه يصدق على الأخير، وهو مطلق الجواهر والأموال الثمينة، بل هو ظاهر كلّ من فسّر الكنز بالمال المذخور، والروايات الواردة كلّها مطلقة ولم يرد فيها التقييد بشي ء خاص.

ولكن مع ذلك مال المحقق الهمداني(1)، وتبعه السيّد الحكيم(2)، والسيّد الأستاذ(قدس سره)(3) إلى القول الأوّل أي بما إذا كان الكنز من الذهب والفضّة المسكوكين.

وأمّا في غيرهما فيجب فيه الخمس من باب مطلق الفائدة؛ وذلك لورود نصّ خاص في المقام، وهو صحيح البزنطي، أحمد بن محمّد بن أبي نصر

ص: 379


1- مصباح الفقيه14 : 47 - 51.
2- مستمسك العروة الوثقى 9: 468 - 469 .
3- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 77.

عن أبي الحسن الرضا(علیه السلام) قال: سألته عمّا يجب فيه الخمس من الكنز، فقال: «ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس»(1).

فإنّ الظاهر من السؤال في قوله: «عمّا يجب فيه الخمس» هو السؤال عن الماهيّة لا عن المقدار والكميّة، والمعنى أيّ شي ء يجب فيه الخمس؟ وجواب الإمام(علیه السلام) بقوله: «ما يجب الزكاة في مثله» معناه: في شي ء يجب فيه الزكاة. ومن المعلوم أنّ النقدين المسكوكين هما الشي ء المماثل في الزكاة، فيختصّ الكنز بهما دون غيرهما، وبهذه الرواية تقيّد تلك الروايات المطلقة.

هذا، ولكنّ صاحب الرياض(قدس سره) (2) أسند إلى الأصحاب أنّهم فهموا من الصحيحة المماثلة في المقدار لا في النوع، نظير صحيحة البزنطي الأخرى الواردة في المعدن قال: سألت أبا الحسن(علیه السلام) عمّا أخرج المعدن من قليل أو كثير هل فيه شي ء؟ قال: «ليس فيه شي ء حتّى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين ديناراً»(3) .

فإنّ الجواب فيها واحد، وهو اعتبار النصاب المقدّر بعشرين ديناراً في تلك الصحيحة، فحيث لم يقدّر فتحمل على أنّه إن كان ذهباً فعشرون ديناراً، وإن كان فضّة فمائتا درهم، وإن كان غيرهما فأقل النصب الزكويّة(4).

ص: 380


1- وسائل الشيعة 9: 495، الباب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.
2- رياض المسائل 5: 249.
3- وسائل الشيعة 9: 494، الباب 4 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
4- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 78.

وأجاب عنه السيّد الأستاذ(قدس سره) بالفرق بين الصحيحتين فإنّ ظاهر الصحيحة الأولى كما تقدّم هو السؤال عن الجنس، وظاهر الثانية هو السؤال عن المقدار لقول السائل من قليل أو كثير، وقول الإمام(علیه السلام): «حتّى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين ديناراً»، فإنّ هاتين الجملتين تجعلان هذه الصحيحة كالصريحة في تعلّق السؤال بالكم والمقدار، بخلاف السؤال في الصحيحة الأولى، فبين السؤالين بون بعيد، ولا وجه لقياس أحدهما بالآخر.

هذا مضافاً إلى أنّ الحمل على إرادة الذهب والفضّة لازمه الحمل على الفرد النادر؛ لأنّ استخراج الذهب والفضة من معدنهما صعب مستصعب لا يمكن عادة أن يقوم به إلاّ جماعة كثيرون، وفي الأغلب يكون المتصدي لها أعضاء الدول والحكومات(1).

ولكن يمكن أن يعلّق على ما أجاب السيّد(قدس سره): بأنّ قوله(علیه السلام): «يجب في مثله الزكاة» ظاهر(2) في إرادة المقدار والكم.

وعلى فرض التنزّل وتساوي الاحتمالين فيوجب إجمال المخصّص

ص: 381


1- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 78.
2- في دعوى الظهور تأمّل، فإنّ قوله «في مثله»، لا يظهر منه إرادة المثليّة في المقدار إن لم يكن العكس، إذ المتبادر من المثليّة هو الجنس والذات، لا الكم الذي هو عارض على الذات، كما هو واضح، وعليه، فلا تصل النوبة إلى تساوي الاحتمالين الذي يلزم منه الإجمال في المخصّص المنفصل ويتعيّن الأخذ بالإطلاقات. وأمّا المؤيدات الثلاثة فهي غير ناهضة، فإنّ فهم الأصحاب ليس بحجّة، ورواية المفيد مرسلة، والغنيمة أمر مشترك في الجميع، والفوريّة في إخراج الخمس أو مرور السنة أمران خارجان؛ لأنّهما ثابتان بدليليهما الخاصين، فالظاهر أنّ ما ذكره السيّد الخوئي(قدس سره) هو الأقوى.

وسواء كان في بلاد[1] الكفّار الحربيين أو غيرهم أو في بلاد الإسلام في الأرض الموات أو الأرض الخربة التي لم يكن لها مالك أو في أرض مملوكة له بالإحياء أو بالابتياع مع العلم بعدم كونه ملكاً للبائعين وسواء كان عليه أثر الإسلام أم لا، ففي جميع هذه يكون ملكاً لواجده وعليه الخمس.

المنفصل ولابدّ من الأخذ بالعمومات.

ويؤيّد ما ذكرنا

أوّلاً: فهم الأصحاب، بل ادعي عدم الخلاف بينهم(1) .

وثانياً: بما رواه المفيد(رحمه الله) في المقنعة قال: وسئل الرضا(علیه السلام) عن مقدار الكنز الذي يجب فيه الخمس؟ فقال: «ما يجب فيه الزكاة من ذلك ففيه الخمس...»(2) وهي واضحة الدلالة.

وثالثاً: ما ورد في الآية الشريفة من وجوب الخمس في الغنيمة والكنز على إطلاقه تشمله الغنيمة، فيجب الإخراج فوراً من دون حاجة إلى مرور سنة عليه، فالأحوط إن لم يكن أظهر ما ذكره الماتن.

الجهة الرابعة: في المكان الذي يوجد فيه الكنز:

[1] ولهذه المسألة عشر صور؛ لأنّه تارة يوجد في بلاد الكفّار، وأخرى في

ص: 382


1- رياض المسائل 5: 240 .
2- المقنعة: 283، ووسائل الشيعة 9: 497، الباب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث6.

بلاد المسلمين، وثالثة يوجد في أرض ليست للمسلمين ولا للكفّار .

وعلى التقادير الثلاثة فإمّا أن يكون عليه أثر الإسلام كأن يكون مسكوكاً بسكّة الإسلام وإمّا أن لا يكون عليه أثره.

وفي الصورتين الأوليين تارة يكون في الأرض العامّة التي ليس لها مالك كالأراضي الموات أو الخربة، وأُخرى يكون في أرض مملوكة لشخص بالإحياء أو الابتياع.

والظاهر عدم الخلاف بين الأصحاب في أربع من هذه الصور، وهي ما يوجد في أرض الكفّار مطلقاً، بل دعوى الإجماع(1) في كلمات غير واحد على أنّه لواجده وعليه الخمس.

ويلحق بها صورتان أخريان وهما ما يوجد من الكنز في أرض ليست للمسلمين والكفّار مطلقاً.

وكذا لا خلاف فيما إذا وجد في أرض المسلمين ولم يكن عليه أثر الإسلام سواء كان في الأراضي العامّة أو الشخصيّة إذا علم بعدم كونه ملكاً للبائعين، فإنّ الظاهر أنّه لا كلام فيها أيضاً في كون الكنز الموجود فيها ملكاً لواجده وعليه الخمس.

وإنّما وقع الخلاف بين الأعلام في الصورتين الباقيتين وهما:

الأولى: ما إذا وجد الكنز في الأراضي العامّة كالموات، وعليه أثر الإسلام، ويدخل في ذلك ما يوجد في الأراضي المملوكة للمسلمين وهي المفتوحة

ص: 383


1- جواهر الكلام 16: 28.

عنوة، بناء على عدم تبعيّة ما في جوفها لها، ومثلها ما في الآجام وبطون الأودية إذا كان عليه أثر الإسلام.

وقد نسب إلى جماعة منهم الشيخ في المبسوط والمحقق في الشرائع والعلامة والشهيدان القول بأنّه داخل في اللقطة(1) فيجري عليه حكمها.

ونسب إلى جماعة آخرين منهم الشيخ في الخلاف، وابن إدريس في السرائر، وصاحب المدارك، القول بأنّه داخل في عنوان الكنز(2) ويجري عليه حكمه.

ويمكن أن يستدل على الأوّل بوجوه أربعة:

الأوّل: بالأصل فإنّ الملكيّة أمر حادث يحتاج إلى دليل، ومقتضى الأصل عدم التملّك بمجرد الوجدان، وبقائه على ملك مالكه.

الثاني: إنّ اشتماله على أثر الإسلام وكونه في دار الإسلام أمارة قويّة على أنّ مالكه شخص محترم من مسلم أو ذمّي، وحيث إنّه لم يثبت أنّه في ء للمسلمين فلا يجوز تملّكه، بل يجب الفحص عنه.

الثالث: أنّه مشمول لتعريف اللّقطة، وهو المال الضائع الذي عليه أثر ملك إنسان، وهو يصدق على ما وجد في دار الإسلام، فلابدّ من إجراء حكم اللّقطة عليه.

الرابع: بموثقّة محمّد بن قيس عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: «قضى عليّ(علیه السلام)

ص: 384


1- جواهر الكلام 16: 29.
2- جواهر الكلام 16: 29.

في رجل وجد ورقاً في خربة أن يعرّفها، فإن وجد من يعرفها وإلاّ تمتّع بها»(1) .

وحمل الورق على الكنز إمّا بقرينة قوله: «أن يعرّفها»؛ فإنّه أمر ممكن إذا كان مذخوراً تحت الأرض وعليه علامة تميّزه بحيث يمكن تعريفه، أمّا لو كان مطروحاً على وجه الأرض فهو كسائر الورق؛ إذ ليس له علامة مميّزة فلا يقبل التعريف.

وإمّا من جهة الإطلاق فإنّه شامل لما كان مطروحاً على وجه الأرض أو مذخوراً في الخربة، وعلى كلا التقديرين فالرواية تدلّ على أنّه لا يجوز تملّكه، بل لابدّ من تعريفه وإجراء حكم اللّقطة عليه.وقد أُجيب عن هذه الوجوه - كما في الجواهر(2) والمصباح(3) - بأنّها غير تامّة.

أمّا الأوّل فيندفع بأصالة عدم جريان يد محترمة عليه، فيجوز تملّكه كما لو وجد في دار الحرب، فإنّ المحترم إنّما هو مال المسلم أو الذمّي، وأمّا غيره فلا احترام له، فمع الشك في وضع المسلم يده على هذا المال فالأصل يقتضي عدمه، ونتيجة ذلك جواز استملاك الواجد له.

ص: 385


1- تهذيب الأحكام 6: 346، الحديث 1199، ووسائل الشيعة 25: 448، الباب 5 من أبواب اللّقطة، الحديث 5 .
2- جواهر الكلام 16: 29 - 30 .
3- مصباح الفقيه 14: 58 - 59 .

وأمّا الثاني ففيه: أنّ وجود أثر الإسلام مع كونه في دار الإسلام لا يوجبان العلم بكون المال لمسلم، بل غايته الظن بذلك وهو ليس بحجّة ولا يعوّل عليه في مقابل الأصول المعتبرة.

وأمّا الثالث ففيه: أنّ دعوى كونه لقطة لصدق تعريفها عليه ممنوعة؛ لأنّ اللّقطة مال ضائع، والكنز مال مدفون عن قصد.

وأمّا الرابع ففيه:

أوّلاً: عدم وضوح دلالتها على أن الورق كنز، بل الظاهر أنّه ورق مطروح على وجه الأرض، وليس مدفوناً في جوفها، ولا أقل من الإجمال في الرواية فلا تصلح دليلاً على المدعى.

وثانياً: على فرض التسليم ولكن لعلّ الخربة كانت لمالك معروف، والمراد بالتعريف هو تعريف الورق لمالك الخربة، ولا مناص من الحمل على ذلك، لما ورد في صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: سألته عن الدار يوجد فيها الوَرِق؟ فقال: «إن كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم، وإن كانت خربة قد جلا عنها أهلها، فالذي وجد المال أحقّ به»(1) .

ومثلها صحيحته الأخرى عن أحدهما(علیهما السلام) في حديث: قال: وسألته عن الورِق يوجد في دار، فقال: «إن كانت معمورة فهي لأهلها، وإن كانت خربة فأنت أحقّ بما وجدت»(2) .

ص: 386


1- الكافي 5: 133، كتاب المعيشة، الباب 81، الحديث 5، وتهذيب الأحكام 6: 340، الحديث 1169، ووسائل الشيعة 25: 447، الباب 5 من أبواب اللّقطة، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 6: 339، الحديث 1165، ووسائل الشيعة 25: 447، الباب 5 من أبواب اللّقطة، الحديث 2 .

وبهاتين الصحيحتين يقيّد إطلاق موثّقة محمّد بن قيس المتقدّمة، وتحمل على ما إذا كانت الخربة لمالك معروف، ومع عدمه فما يوجد في جوفها فهو للواجد.

وعلى فرض التعارض يتساقطان، ويرجع إلى الأصل المتقدّم من جواز الاستملاك بمقتضى أصالة عدم وضع يد محترم عليه.

ولكن قد أشكل غير واحد من الأعلام على هذا الأصل بأنّ مقتضى الأصل عدم جواز التصرّف في مال أحد ما لم يثبت جوازه، فإنّ أخذ المال والتصرّف فيه ظلم وتعدّ وهو قبيح إلاّ ما ثبت جوازه بدليل، كمال الكافر الحربي، فلابدّ من إحراز ذلك.

وأمّا إذا شككنا في أنّ المال لمسلم أو لحربي فمقتضى الأصل عدم جواز التصرّف فيه، لا أنّ الأصل هو الجواز إلاّ إذا ثبت أنّه لمسلم.

وممّا يوضّح ذلك أنّه لا ينبغي الشك في أنّا لو وجدنا شخصاً في البادية مثلاً وشككنا في أنّه مسلم أو ذمّي محقون الدم، أو أنّه كافر حربي فلا يجوز لنا أخذ أمواله بأصالة عدم إسلامه .

وبمقتضى الأصل والسيرة العقلائيّة، وحكومة العقل القاضي بقبح الظلم، وبما ثبت من الشارع - من قوله(علیه السلام) في التوقيع الشريف «...فلا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه...»(1) يتبيّن: أنّ الأصل عدم جواز

ص: 387


1- وسائل الشيعة 9: 054، الباب 3 من أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام(علیه السلام)، الحديث 6 .

التصرّف في مال الغير إلاّ مع الإذن من المالك، وأمّا أصالة عدم وضع يد المسلم على المال فهو ممّا لا أساس له .

ودلالته واضحة وسنده معتبر فإنّ الصدوق قد رواه عن أربعة من مشايخه وهم محمّد بن أحمد السناني، وعلي بن أحمد بن محمّد الدقاق، والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب، وعلي بن عبد الله الوراق جميعاً عن أبي الحسين محمّد بن جعفر الأسدي، والأسدي من الوكلاء الممدوحين الثقات، وأمّا مشايخ الصدوق فإنّهم وإن لم يرد فيهم توثيق إلاّ أنّ الشيخ الصدوق قد ترضّى عنهم، وقد قرّرنا في محلّه أنّ الترضي عن شخص أمارة على وثاقته(1) .وأمّا القول الثاني فقد استدل عليه بوجوه:

الأوّل: أنّ مقتضى الأصل وإن كان هو عدم جواز التصرّف في مال الغير بغير إذنه إلاّ أنّ في المقام أصلاً موضوعيّاً مقدّماً على هذا الأصل، وهو أصالة عدم الوارث لمالك الكنز، ويحرز بهذا الأصل أنّ الكنز من الأنفال ويكون ملكاً للإمام(علیه السلام) بتبعيّته للأرض، وقد أباح الإمام(علیه السلام) لشيعته ما يكون ملكاً له لواجده في مقابل إخراج الخمس.

وبذلك يخرج عن أصالة عدم جواز التصرّف في مال الغير بغير إذنه، ولا يجري عليه حكم اللّقطة أو حكم مجهول المالك.

وبيانه: أنّه إذا علمنا أنّ الكنز لشخص محترم المال كمسلم أو ذمي أو احتملنا ذلك، سواء كان صاحبه موجوداً أو كان الموجود وارثه كأن يكون

ص: 388


1- أصول علم الرّجال بين النظريّة والتطبيق 2: 317 .

الكنز مدفوناً منذ عهد قريب لم تمض عليه مدّة زمنيّة طويلة، فمقتضى الأصل المذكور عدم جواز التصرّف فيه، ولابد من التعريف به، وأمّا إذا علمنا أنّه مدفون منذ زمن بعيد كأن يرجع إلى مئات السنين كما هو الغالب في الكنوز حيث لا يحتمل أن يكون صاحبه حيّاً، بل يقطع بموته، وقد خرج من ملكه فحينئذ إن علمنا بأنّ له وارثاً محترم المال كمسلم أو ذمّي وقد انتقل المال إليه نسلاً بعد نسل إلى زماننا فلابدّ من الفحص، ويكون المال في حكم مجهول المالك، ولا يجوز تملّكه، وأمّا إذا لم يحرز ذلك كما هو الغالب؛ إذ لا وجود للوارث فعلاً إمّا لعدم وجوده أصلاً أو لانقراضه فمقتضى القاعدة أصالة عدم الوارث وانتقال المال إلى الإمام(علیه السلام)؛ لأنّ الكنز أصبح لا مالك له فيكون تابعاً للأرض المدفون فيها وفيئاً للإمام(علیه السلام) وقد أباحه(علیه السلام) لشيعته، فيستملكه الواجد بإذن الإمام(علیه السلام) وعليه إخراج خمسه.

الثاني: أنّ الثابت بالسيرة العقلائيّة والعرفيّة، بل المتشرّعيّة خلفاً عن سلف أنّهم يعتبرون الكنز لا مالك له؛ إذ الملكيّة أمر اعتباري عقلائي، ومرور القرون يوجب قطع علاقة الملكيّة بين المال وصاحبه وعدم اعتبارها بنظرهم كما في النسب، ومع انقطاع الملكيّة عن صاحبها اختيارياً كان كما في صورة الإعراض، أو قهريّاً كما في الموجود في الأرض الخربة التي مرّ على خرابها زمن طويل بحيث لا تحفظ إضافته إلى مالك مخصوص، إمّا لهلاكه أو لضياع النسبة حتّى أنّه لو وجده المالك لا يرى لنفسه حقّ اختصاصه به، ولا يحفظ نسبته إليه، لا لاشتباه الأمر عليه، وإنّما لانقطاع الصلة بينه وبين المال واضمحلالها، وحينئذ فالعرف يرى أنّ المال من المباحات الأصليّة، وعليه جرت العادة، ولذلك استقرّت السيرة على حيازة الآثار الباقية في البلدان

ص: 389

القديمة المعلوم كونها للمسلمين كالكوفة وبغداد ونحوهما وما فيها من آثار بني أمية وبني العبّاس ومن تلاهم ممّن يحكم بإسلامهم ظاهراً، فإنّ أحداً من المتشرّعة لا يتوقّف في تملّك ما بقي من آثارهم وكنوزهم ومدّخراتهم عند العثور عليها.

والحاصل: أنّ الأموال التي ليس لها مالك معروف على قسمين:

أحدهما: ما يعدّه العرف بلا مالك بحيث لو سئل عن مالكه لقيل: إنّه لا مالك له.

ثانيهما: ما لا يسلب عرفاً إضافته إلى مالك، بل يقال: إنّ مالكه غير معروف، وهذا القسم إمّا أن يكون لقطة إن كان المال ضائعاً من مالكه، وإمّا أن يكون مجهول المالك، وحكمهما وجوب التعريف.

وأمّا القسم الأوّل فيدخل في المباحات الأصليّة ومقتضى الأصل جواز التصرّف فيه وتملّكه بالحيازة؛ فإنّها من الأسباب المملّكة للمباحات.

الثالث: دلالة صحيحتي محمّد بن مسلم المتقدّمتين، فإنّ المذكور فيهما أنّ الورق الذي يوجد في الدار أو كانت الدار خربة وقد انجلى عنها أهلها يكون ملكاً للواجد وإلاّ فهو لهم. وهما واضحتا الدلالة بناء على أنّ المراد بالورق هو الكنز المدفون أو يشمله إطلاقه، وليس المراد به خصوص اللّقطة كما هو ليس ببعيد.

الرابع: ما دلّ من الروايات الواردة في وجوب الخمس في الكنز، وهي وإن لم يصرّح في أكثرها بذلك لورودها في مقام بيان وجوب الخمس فقط

ص: 390

لا في مقام بيان كيفيّة تملّكه، وكأنّما هو أمر مفروغ عنه إلاّ أنّه يمكن استفادة ذلك من بعض الروايات.

منها: معتبرة عمّار بن مروان، قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) يقول: «فيما يخرج من المعادن، والبحر، والغنيمة، والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه، والكنوز، الخمس»(1) .وهي من حيث السند تامّة كما تقدّم، ومن حيث الدلالة كذلك، فإنّ الكنز جاء عقيب ذكر المعادن والبحر والغنيمة التي يملكها واجدها، والمستفاد بحسب الفهم العرفي أنّ الكنز لواجده أيضاً، غاية الأمر أنّ عليه الخمس والباقي له، ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين ما كان عليه أثر الإسلام أو لم يكن.

ومنها: معتبرة ابن أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «الخمس على خمسة أشياء: على الكنوز، والمعادن، والغوص، والغنيمة...»(2) .

وهي من حيث السند تامّة، ومن حيث الدلالة كالرواية السابقة.

ثمّ إن بعض هذه الأدلّة وإن كان لا يخلو عن نظر إلاّ أنّها من حيث المجموع لا بأس بها.

وإلى هذا القول ذهب أكثر المتأخرين واختاره الماتن، وهو الأقوى.

ص: 391


1- وسائل الشيعة 9: 494، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.
2- وسائل الشيعة9: 494، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 7.

ولو كان في أرض مبتاعة [1] مع احتمال كونه لأحد البائعين عرّفه المالك قبله، فإن لم يعرفه فالمالك قبله وهكذا فإن لم يعرفوه فهو للواجد وعليه الخمس.

[1] الصورة الثانية: ما إذا وجد الكنز في ملك شخصي واحتمل كونه للغير، وفيها عدّة فروض:

الفرض الأوّل: أن يكون الكنز في ملكه، والملك قد انتقل إلى الواجد بناقل شرعي كالبيع أو الهبة أو الإرث أو نحو ذلك.

ذهب المشهور - وفي الجواهر(1) لا أجد فيه خلافاً بيننا، وعن المنتهى دعوى الإجماع عليه - إلى أنّه لابدّ من الرجوع به إلى البائع، فإن عرفه وإلاّ فالمالك الذي قبله وهكذا، فإذا حصل اليأس ولم يعرفه أحد فإن لم يكن عليه أثر الإسلام فهو لواجده، وإن كان عليه أثر الإسلام فيأتي فيه الخلاف المتقدّم في الصورة الأولى، أي إمّا أن يكون لقطة، وإمّا أن يكون للواجد.

ونسب إلى جماعة - كما في المستند - القول بأنّه يدفع للبائع من غير سؤال وتعريف(2) .

وفصّل السيّد الأستاذ(قدس سره) بين ما إذا احتمل أن يكون له مالك فلابدّ من التعريف بلا فرق بين البائع وغيره، ومع اليأس يتصدّق به، وبين ما إذا لم

ص: 392


1- جواهر الكلام 16: 31.
2- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 86 .

يحتمل ذلك فهو لواجده وعليه خمسه(1) .

واستدل للقول الأوّل بوجوه:

أحدها: قاعدة اليد:

بتقريب أنّ اليد التي كانت على هذا المال أمارة على الملك، ومن ثمّ وجب الرجوع إلى ذي اليد، فإن عرفه فهو وإلاّ سقطت يده عن الحجّية باعترافه أنّ المال ليس له، وتحيى عندئذ اليد السابقة؛ إذ هي إنّما سقطت عن الأماريّة لمكان اليد التي بعدها، فإذا سقطت اللاحقة سلمت السابقة.

وقد نوقش هذا الوجه:

أوّلاً: بما ذكره السيّد الأستاذ(قدس سره)(2) من أنّ القاعدة لو تمّت فهي حجّة مطلقاً بلا توقّف على الدعوى من ذي اليد، بل هي حجّة حتّى مع الشك وجهل ذي اليد بالملكيّة، ولأجله يدفع إلى وارثه لو كان ميّتاً، ولا حاجة إلى التعريف، بل لابد وأن يدفع إليه ابتداء، ولا تصل النوبة إلى الأيدي السابقة.

وثانياً: بما ذكره(قدس سره)(3) أيضاً من أنّ قاعدة اليد إنّما تتّصف بالحجيّة وأنّها أمارة على الملكيّة فيما إذا كانت اليد فعليّة، فتكون اليد القائمة على الأرض يداً أيضاً على ما في باطنها من الكنز بالتبع، وأمّا اليد السابقة الزائلة فعلاً

ص: 393


1- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 87 .
2- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 86 .
3- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 86 - 87 .

بالتمليك إلى شخص آخر فهي خارجة عن درجة الاعتبار، ولا أماريّة لها بوجه.بل لعلّ العادة قاضية بالقطع بجهالة ذي اليد عمّا في الأرض من الكنز، وإلاّ فكيف يبيع الأرض ولا يستخرجه لنفسه.

وقد يكشف عن سقوط الحجيّة ذيل صحيحتي محمّد بن مسلم المتقدّمتين حيث قال(علیه السلام) فيهما: «وإن كانت خربة قد جلى عنها أهلها فالذي وجد المال أحقّ به»(1) «فإن كانت خربة فأنت أحقّ بما وجدت»(2) فإنّهما دالّتان على سقوط اليد عن الملكيّة بالجلاء والإعراض، وإذا سقطت اليد بالإعراض فسقوطها بالانتقال بالبيع ونحوه بطريق أولى.

ثالثاً: بما ذكره المحقق الهمداني(قدس سره)(3) من أنّه بناء على حجّيّة اليد وأماريتها على الملكيّة فمقتضاها عدم الترتيب المذكور للتعريف بالنسبة للأيدي السابقة؛ نظراً إلى تساوي الجميع في عدم اليد لهم وقت التعريف كمساواتهم فيها قبله، وقرب زمان يد أحدهم من يد المعرّف لا يقتضي ترجيحه على غيره.

وقد يجاب عن هذه المناقشات بوجهين:

الأوّل: أن يقال: إنّ الذي انتقل عن البائع إنّما هو الأرض فقط، وأمّا المال

ص: 394


1- وسائل الشيعة 25: 447، الباب 5 من أبواب اللّقطة، الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 25: 447، الباب 5 من أبواب اللّقطة، الحديث 2.
3- مصباح الفقيه 14: 67 .

أي الكنز فهو باق تحت يده ولم يبعه، نظير من باع داره وكان فرشه باقياً فيها، فإنّه لا إشكال في فعليّة يده عليه وأماريّتها على فرشه ما لم يبعه.

وقد يقال في مقابل هذا الوجه: إنّ الصحيح إنكار أصل اليد على الكنز، فإنّ يد البائع كانت على الأرض وقد باعها، وأمّا كون يده على المال فلم يثبت، ولا دليل على أنّ مجرد يده على الأرض أمارة على ملكيّة ما في جوفها، فإنّ أدلّة حجيّة اليد سواء كانت لفظيّة أو لبّيّة لا يستفاد منها ذلك.

ولا يخفى وضوح الإشكال على أصل الوجه والجواب عنه.

أمّا أصل الإشكال ففيه: أنّ يد البائع على الكنز إنّما هو بتبع يده على الأرض، ولا معنى لبقاء التابع مع زوال المتبوع، وقياسه على بيع الدار مع وجود الفرش والأثاث فيها قياس مع الفارق؛ لأنّ يده على الفرش والآثاث على نحو الاستقلال لا بالتبع.

على أنّ المناقشة الأولى تبقى بلا جواب، مضافاً إلى أنّه يلزم تقديم البائع الأوّل على الثاني أي على العكس ممّا ذهب إليه المشهور؛ إذ على هذا الفرض لم يكن البائع الأوّل قد باع الكنز على البائع الثاني، وإنّما باع الأرض فقط فلابد من إعطاء الكنز له دون البائع اللاحق.

وأمّا الجواب عنه ففيه: أنّ اليد أمارة على ملكيّة كلّ ما كان تحت يده وتصرّفه سواء كان على ظاهر وجه الأرض أو تحتها، فكلّ ما أحاطت به عرفاً فاليد أمارة على ملكيّة ذي اليد له.

وممّا يوضّح ذلك أنّه لو كان المدفون غير الكنز من سائر الأموال كالحنطة

ص: 395

والشعير والألبسة ونحوها فهل يتوقّف في الحكم ويشكل بأماريّة اليد على ملكيّتها؟

وبناء على ذلك فأصل إنكار أماريّة اليد على ما في جوف الأرض إذا لم تكن خارجة عن العرف والعادة في غير محلّه.

الثاني: ما ذكره المحقق الهمداني(قدس سره) (1) وحاصله: أنّ هذا النحو من اليد التبعيّة الغير المستقلة على ما في جوف الأرض لا يتم ظهورها في الملكيّة لصاحب اليد إلاّ بضميمة الإدّعاء، إمّا لضعف أماريّتها في نفسها، وإمّا لوجود ما يضعّفها، وهو إقدامه على بيع داره مع عدم استخراجه الكنز، وبناء على أنّ اعتبار اليد ليس تعبديّاً محضاً - بل هو إمضاء لما عليه بناء العقلاء وما جرت عليه سيرتهم وهم لا يرون لليد السابقة اعتباراً أزيد من قبول ادّعائه للملكيّة وتقديم قوله على غيره ممّن لم تكن له يد عليه أصلاً أو كانت قبل ذلك - فلا إشكال في نظر العرف والعقلاء في أنّ لهذه اليد مزيّة على غيرها، وهكذا الأيدي السابقة بالنسبة إلى غيرهما.

وهذا الوجه وإن كان قريباً من الذهن وموافقاً للذوق الفقهي إلاّ أنّه إنّما يتم فيما إذا كان له دليل من الشرع وإلاّ فلا يصحّ التعويل عليه.

وثانيها: الروايات

الدالّة على ذلك، وهي ثلاث، استدل الشيخ الأنصاري(2) منها بروايتين:

ص: 396


1- مصباح الفقيه 14: 65 .
2- كتاب الخمس: 150 .

الأولى: موثقّة اسحاق بن عمّار، قال: سألت أبا إبراهيم(علیه السلام) عن رجل نزل في بعض بيوت مكة، فوجد فيها نحواً من سبعين درهماً مدفونة، فلم تزل معه، ولم يذكرها حتّى قدم الكوفة، كيف يصنع؟ قال: «يسأل عنها أهل المنزل لعلّهم يعرفونها»، قلت: فإن لم يعرفوها؟ قال: «يتصدّق بها»(1) .

الثانية: صحيحة عبد الله بن جعفر (الحميري) قال: كتبت إلى الرجل(علیه السلام) أسأله عن رجل اشترى جزوراً أو بقرة للأضاحي، فلما ذبحها وجد في جوفها صرّة فيها دراهم، أو دنانير، أو جوهرة، لمن يكون ذلك؟ فوقّع(علیه السلام): «عرّفها البائع فإن لم يكن يعرفها فالشي ء لك رزقك الله إيّاه»(2) .

الثالثة: موثقّة محمّد بن قيس - المتقدّمة - عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: «قضى عليّ(علیه السلام) في رجل وجد ورقاً في خربة أن يعرّفها، فإن وجد من يعرفها وإلاّ تمتّع بها»(3) .

ودلالة هذه الرواية على وجوب التعريف لذي اليد السابق واضحة، نعم لا يجب التعريف لغيره ممّن كانت يده على المال قبل ذي اليد الأخير.

هذا، ولكن ضعّف غير واحد من الأعلام الاستدلال بهذه الروايات بأنّها

ص: 397


1- تهذيب الأحكام 6: 340، الحديث 1171، ووسائل الشيعة 25: 448، الباب 5 من أبواب اللّقطة، الحديث3 .
2- الكافي 5: 134، كتاب المعيشة، الباب 81، الحديث 9، من لا يحضره الفقيه 3: 296، الحديث 4065، وتهذيب الأحكام 6: 341، الحديث 1174، ووسائل الشيعة 25: 452، الباب 9 من أبواب اللّقطة، الحديث 1، مع اختلاف يسير فيها .
3- وسائل الشيعة 25: 448، الباب 5 من أبواب اللّقطة، الحديث 5.

أجنبيّة عن محل الكلام؛ إذ أنّ محلّ الكلام هو الكنز المدفون في أرض ابتيعت ولم يعلم بوجود المالك مع احتمال وجوده وعدمه، وقد يعبّر عنه في العرف بأنّه مال لا مالك له، والحال أنّ مورد هذه الروايات هو العلم بوجود المالك المحترم، غاية الأمر عدم معرفته بشخصه.

وبيان ذلك: أنّ الرواية الأولى تدل - بمقتضى طبيعة الحال - على أنّ البيت الذي وجدت فيه الدراهم مدفونة من البيوت المعدّة للإيجار، ولنزول الحجّاج والزوّار، ولأجله يظنّ قوياً أنّ الدراهم المدفونة إمّا أن تكون لحاجّ نزل بالدار ودفنها فيها، وإمّا أنّها لصاحب الدار، وإن كان هذا بعيداً.

وحيث إنّ صاحب الدار أدرى بمن نزل فيها وأعرف بهم فلابدّ من الرجوع إليه للاستعلام عن ذلك المالك المجهول، فإن لم يعرفه تصدّق بها عن مالكها كما هو مقتضى القاعدة.

وأمّا الرواية الثانية: فدلالتها على أنّ المال لمالك محترم أوضح، فإنّ ما يوجد في جوف الحيوان شي ء حادث جديد، على أنّه لم يكن ابتلاع الحيوان له قد مضى عليه مدّة طويلة، وإنّما يوم أو يومان قبل ذبحه على ما تقتضيه طبيعة ابتلاع شي ء وبقائه في الجوف، ولذا يُطمأن إلى أنّه لمالك معيّن، إمّا لبائعه أو لغيره، فالمال من أبرز أفراد مجهول المالك ولابدّ فيه من التعريف.

وحيث إنّ البائع هو الأقرب فيرجع به إليه فإن عرفه فهو، وإن لم يعرفه فهو لواجده، كما حكم الإمام(علیه السلام) بأنّه رزق من الله، وإنّما حكم الإمام(علیه السلام) بذلك؛ إمّا لأنّ كون المال لغير البائع بعيد فيكون في حكم اليأس من الظفر بالمالك، وإمّا لخصوصيّة في ما يوجد في جوف الدابّة، وإما لجهة ولايته(علیه السلام)

ص: 398

فأذن بالتصرّف فيه.

وعلى كلّ، فهذه الرواية أجنبيّة عن المقام.

وأمّا الرواية الثالثة: فإنّها وإن كانت مطلقة إلاّ أنّه قد تقدّم أنّها مقيّدة بصحيحتي محمّد بن مسلم، والمستفاد منها بعد التقييد أنّ الخربة إن كان لها أهل وجب التعريف كما هو مقتضى القاعدة؛ إذ مع وجود أهلها وعدم جلائهم لا يصدق أنّ الورق لا مالك له، بل من المظنون أنّ له مالكاً محترماً وهو إمّا أهل الخربة وإمّا شخص آخر دفنه فيها، وعلى كلّ حال فهو من مجهول المالك ولابدّ من تعريفه، وبذلك يتبيّن أنّ الروايات الثلاث أجنبيّة عمّا نحن فيه.

ثمّ إنّه على فرض التسليم بدلالة الروايات إلاّ أنّه لا يناسب ما ذهب إليه المشهور من مراعاة الترتيب في التعريف؛ لأنّ الظاهر منها بل صريحها وجوب التعريف لذي اليد السابقة فقط.وقد يقال: إنّه يصحّ التمسك بهذه الروايات في خصوص الرجوع إلى ذي اليد السابق من جهة تنقيح المناط، حيث إنّ المستفاد من الروايات هو أنّ لزوم الرجوع إلى المالك السابق دون غيره إنّما هو لكونه ذا يد، ولا خصوصيّة للمال بين كونه لقطة أو مجهول المالك أو كنزاً، فنفس كون يده عليه سابقاً هو المقتضي لتعريفه إيّاه، وأمّا الاكتفاء به وعدم وجوب تعريف غيره ممّن سبقه؛ فلعدم الموضوع له في الروايات، وعدم احتمال كون المال لذي اليد الأسبق.

أمّا في الصرّة فلأنّه عادة يكون ابتلاع الحيوان لها قد وقع في يوم أو يومين

ص: 399

قبل الذبح، فلا تخلو الصرّة إمّا أن تكون للبائع أو لشخص آخر ومن البعيد أن تكون للبائع الأسبق.

وأمّا الدراهم التي وجدت مدفونة في بعض بيوت مكّة فهي عادة إمّا أن تكون لصاحب الدار أو للنازلين فيها من الزوّار والحجّاج الذين يعرفهم المالك الفعلي لا المالك الأسبق، وبذلك يمكن الاستدلال بهذه الروايات على قول المشهور.

ولكن لا يخفى ما في هذا التصحيح من الضعف؛ فإنّ هذا الوجه إنّما يتم مع عدم احتمال خصوصيّة في المورد، وأمّا مع الاعتراف بأنّ موردهما أجنبي عن المقام، فكيف يتعدّى منه إلى غيره؟ ولا يبعد أن يكون في موردهما وهو اللّقطة خصوصيّة تقتضي هذا الحكم، وإحراز عدم الخصوصيّة مشكل.

والتحقيق في المقام أن يقال: إنّه يصحّ الاستدلال على قول المشهور بكلا الوجهين أي القاعدة والنص.

أمّا دلالة القاعدة فيقال: إنّ اليد كما أنّها أمارة على الملكيّة كذلك يترتب عليها آثار أخرى، مثل الضمانات والمنافع والحقوق والتذكية وقبول قول ذي اليد في الطهارة والنجاسة وغيرها من الآثار، ومنها حقّ الاختصاص بالمال المدفون، فأماريّتها بالنسبة إلى الملكيّة وإن كانت زائلة ولكنّها بالنسبة إلى هذه الآثار قد تكون باقية، ولابدّ حينئذ من الرجوع في هذا الحقّ بالمال المدفون إلى البائع، فإن عرفه فهو حقّ له، ويعطى إيّاه بلا مطالبته ببيّنة أو حلف أو نحو ذلك، وإن أنكره فيرجع إلى ذي اليد السابق عليه؛ لأنّ له حقّ الاختصاص حينئذ، وهكذا كلّ الأيدي السابقة، فإنّ لها هذا الحقّ على

ص: 400

وإنّ ادّعاه المالك السابق فالسابق أعطاه بلا بيّنة، وإن تنازع المّلاك يجري فيه حكم التداعي، ولو ادّعاه المالك السابق إرثاً وكان له شركاء نفوه دفعت إليه حصّته، وملك الواجد الباقي وأعطى خمسه، ويشترط في وجوب الخمس فيه النصاب وهو عشرون ديناراً [1].

الترتيب، فإذا أنكره كلّ منهم سقط حقّ الاختصاص ويأتي فيه الخلاف المتقدّم من أنّه يكون لواجده أو أنّ حكمه حكم مجهول المالك.

وأمّا دلالة النص فيمكن التمسّك بالموثّقة من قوله(علیه السلام): «لعلهم يعرفونها»، والظاهر من هذه الجملة أنّها بمنزلة الكبرى، ويستفاد منها حكم كلي وهو أنّ كلّ من يحتمل في حقه أو يرجى أن يعرف المال - وإن لم يكن هو مالك البيت كما في زماننا فعلاً - فلابدّ من الرجوع إليه.

وفي المقام حيث إنّ ذوي الأيدي هم الذين يرجى فيهم معرفة المال فلابدّ من الرجوع إليهم على الترتيب المتقدّم.

فالظاهر أنّ قول المشهور هو الأقوى الموافق للقاعدة والنص، المؤيّد بدعوى الإجماع، المطابق للاحتياط.

[1] الفرض الثاني: أن يكون الكنز في ملك الغير:

ولا إشكال في أنّه لا يجوز للواجد أخذه وتملّكه ما لم يعلم برضى المالك، فإن أخذه مع الرضا أو بدونه عصياناً أو اتفاقاً فلا شبهة في أنّه لا يجوز له

ص: 401

تملّكه بدون التعريف للمالك، فإن ادّعاه المالك وجب عليه دفعه له، وهذا ممّا لا كلام فيه.

وإنّما الكلام في جهتين:

الأولى: في تكليف الواجد.

الثانية: في تكليف المالك.

أمّا الجهة الأولى: فإنّ الواجد إذا عرّف المال للمالك فأنكره أو علم الواجد بأنّ المال ليس للمالك، بل لغيره، ففي الصورة الأولى ذكر الشيخ(1) بأنّ حكمه هو وجوب التعريف للمالك فإن لم يعرفه فهو له.

ولكن لا يبعد تقييد هذا الحكم بما إذا لم يكن الكنز قديماً بحيث يعلم أنّه ليس لمالك الدار وإلاّ دخل في المباحات الأصليّة، فإن قلنا بأنّه تابع للأرض وأنّ من ملك الأرض ملكه بلا حاجة إلى القصد فلابدّ من الرجوع به إلى المالك، وإلاّ فهو للواجد، فيجوز له حيازته وتملّكه .

نعم إذا كان في الكنز علامة على أنّه حادث إمّا في ملك صاحب الدار أو قبله فلابدّ من الرجوع إلى المالك، فإن عرفه فهو، وإن أنكره رجع به إلى المالك السابق عليه ثمّ إلى الأسبق وهكذا، فإن أنكره الجميع فهو لواجده أو بحكم مجهول المالك على ما مرّ من الخلاف المتقدّم.

وفي الصورة الثانية وهي ما إذا علم أنّه ليس للمالك فلا يسوغ للواجد إعطاؤه إيّاه، بل يكون أمانة في يده، فإن عرف صاحبه أعطاه إيّاه، وإن لم

ص: 402


1- كتاب الخمس: 142 .

يعرفه فلابدّ من التعريف لمن يرجى أنّه له، فإذا أيس من وجدان صاحبه ففيه ما تقدّم من الخلاف السابق، أي إمّا أن يكون لواجده، وإمّا أن يكون بحكم مجهول المالك.

وأمّا الجهة الثانية: وهي تكليف المالك فلها ثلاث حالات: لأنّه تارة يعلم بأنّ المال له، وأنّه حصل بفعله أو بفعل من انتقل منه إليه، بإرث ونحوه وحكمه واضح، وأُخرى يعلم بأنّه ليس له وحكمه واضح أيضاً إذ ليس له أخذه.

وثالثة يحتمل: أنّه له وأنّه حصل بفعله ولكن عرض له النسيان ففي هذه الحالة: هل يحكم بأنّ المال له نظير من وجد في داره شيئاً لم يعلم أنّه له وذلك بمقتضى كونه ذا يد ولإطلاق بعض الروايات المتقدّمة(1) ؟ أو يحكم بعدم كون المال له للأصل؟، أو يفصّل بين ما إذا كانت الدار مشتركة في التصرّف بينه وبين غيره فهو بحكم اللّقطة، وبين ما إذا كانت مختصّة به فهو له كما يظهر من صحيحة جميل بن صالح قال: قلت لأبي عبد الله(علیه السلام): رجل وجد في منزله ديناراً؟ قال: «يدخل منزله غيره؟» قلت: نعم كثير، قال: «هذا لقطة»، قلت: فرجل وجد في صندوقه ديناراً؟ قال: «يدخل أحد يده في صندوقه غيره أو يضع غيره فيه شيئاً؟» قلت: لا، قال: «فهو له»(2).

والاحتمالات في هذه الحالة متكافئة ولابدّ من العمل بالاحتياط.

ص: 403


1- وسائل الشيعة 25: 447، الباب 5 من أبواب اللّقطة، الحديث 1 - 2.
2- الكافي 5: 337 كتاب المعيشة، باب اللّقطة والضالة، الحديث 3، ومن لا يحضره الفقيه 3: 293، الحديث 4053، وتهذيب الأحكام 6: 449، الحديث 289، ووسائل الشيعة 25: 446، الباب 3 من كتاب اللّقطة الحديث 1، مع اختلاف يسير فيها .

(مسألة: 14) لو وجد الكنز في أرض مستأجرة أو مستعارة [1] وجب تعريفهما وتعريف المالك أيضاً، فإن نفياه كلاهما كان له وعليه الخمس، وإن ادعاه أحدهما أعطي بلا بيّنة، وإن ادّعاه كلّ منهما ففي تقديم قول المالك وجه؛ لقوة يده، والأوجه الاختلاف بحسب المقامات في قوة إحدى اليدين.

وجدان الكنز في أرض مستاجرة أو مستعارة:

[1] الفرض الثالث:

ما إذا استأجر الدار أو استعارها ثمّ وجد الكنز فيها، فإن كان من الكنوز القديمة بحيث يعلم أو يطمئن أنّه ليس له مالك فعلاً - وهذه الصورة هي محلّ الكلام بين الأعلام - فالحكم فيها أنّه لواجده، ولا يجب الرجوع به لا إلى المالك ولا إلى للمستأجر والمستعير؛ لعدم جريان يد أيّ منهما عليه.

وإن لم يكن من الكنوز القديمة كما إذا كان عليه علامة تدلّ على أنّه مستحدث كما إذا كان مضروباً بسكّة رائجة فالحكم فيها واضح؛ لأنّه إن علم الواجد أنّه لنفسه فهو له، ولا يجب عليه التعريف، بل لا يحكم عليه بحكم الكنز، وإن لم يعلم أنّه لنفسه فيجب عليه تعريفه لمالك الدار، فإن عرفه فهو له، وإن لم يعرفه عرّفه للمالك السابق وهكذا، فإذا أنكره الجميع جرى فيه ما تقدّم من الخلاف في أنّه لواجده أو هو بحكم المجهول.

ص: 404

ومحل الكلام فيما إذا علم أنّه لنفسه وأخذه ثمّ علم مالك الدار بالحال وادّعاه، فهل يحكم بتقديم يد الواجد؟ لأنّ يده على الدار فعلاً كما يظهر من المسالك(1)، أو يحكم بتقديم قول المالك؟ كما هو الظاهر من الشيخ في المبسوط(2)؛ لأنّ الظاهر أنّه ملكه،وأصالة يده وفرعيّة يد المستأجر، ولكنّه في الخلاف قال بتقديم قول المستأجر مع يمينه(3)، أو يقال بمراعاة أقوى اليدين منهما - كما سيأتي في كلام الماتن - فتقدّم يد المالك فيما إذا كانت مدّة الإجارة أو الإعارة إلى حين العثور على الكنز قصيرة جداً كاليوم واليومين مثلاً، أو تقدّم يد المستأجر أو المستعير كما إذا كان المالك لم يسكن في الدار منذ إنشائها، بل آجرها أو أعارها من دون أن يتصرّف فيها، أو تدخل المسألة في باب التداعي؛ لأنّ لكلّ منهما يداً على الدار فللمالك يد على الرقبة وملكيّتها، وللمستأجر يد على منافعها؟

وحينئذ إن أقام أحدهما البيّنة دون الآخر فالمال له، وإن أقام كلّ منهما البيّنة كلّفا بالحلف، فإن حلف أحدهما دون الآخر فالمال له، وإن حلفا معاً أو نكلاً معاً فحينئذ يحكم بتنصيف المال بينهما، وذلك هو المستفاد من روايتين في المقام:

الأولى: موثّقة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله(علیه السلام) «أن أمير المؤمنين(علیه السلام) اختصم إليه رجلان في دابّة، وكلاهما أقاما البيّنة أنّه أنتجها، فقضى بها

ص: 405


1- مسالك الأفهام 1: 468 .
2- المبسوط 1: 328 .
3- الخلاف 2: 123، كتاب الزكاة، المسألة 151 .

للّذي في يده، وقال: لو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين»(1).

وهذه الموثّقة وإن كانت مطلقة ولم تقيّد بالحلف والنكول إلاّ أنّ المستفاد من الرواية الثانية وهي موثّقة إسحاق بن عمّار عن أبي عبد الله(علیه السلام):«أن رجلين اختصما إلى أمير المؤمنين(علیه السلام) في دابّة في أيديهما وأقام كلّ واحد منهما البيّنة أنّها نتجت عنده، فأحلفهما عليّ(علیه السلام)، فحلف أحدهما، وأبى الآخر أن يحلف، فقضى بها للحالف، فقيل له: فلو لم تكن في يد واحد منهما وأقاما البيّنة؟ قال: أُحلّفهما فأيّهما حلف ونكل الآخر جعلتها للحالف، فإن حلفا جميعاً جعلتها بينهما نصفين، قيل: فإن كانت في يد أحدهما وأقاما جميعاً البيّنة؟ قال: أقضي بها للحالف الذي هي في يده»(2) .

بعد الجمع بين الروايتين وتقييد الأولى بالثانية هو ما ذكرناه.

نعم، لم يذكر في هذه الموثّقة حكم ما إذا نكلا عن الحلف معاً ولكن بمقتضى إطلاق قوله: «لو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين» يستفاد حكم نكولهما معاً، أي سواء حلفا معاً أو لم يحلفا أو نكلا معاً أو حلف أحدهما دون الآخر. وإطلاقها يشمل جميع الصور خرجت الصورة الأخيرة

ص: 406


1- الكافي 7: 419، كتاب القضاء والأحكام، الباب 266، الحديث 6، وتهذيب الأحكام 6: 262، الحديث 65، والاستبصار 3: 39، الحديث 133، مع اختلاف يسير، ووسائل الشيعة 27: 250، الباب 12 من أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى، الحديث 3 .
2- الكافي 7: 419، كتاب القضاء والأحكام، الباب 266، الحديث 2، وتهذيب الأحكام 6: 261، الحديث 62، ووسائل الشيعة 27: 250، الباب 12 من أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى، الحديث 2، مع اختلاف يسير فيهما .

بمقتضى الموثّقة الثانية وبقي الباقي.

ومن هنا يظهر الحكم في الفرض الذي عنونه الماتن(قدس سره)، من أنّه إذا وجد كنزاً في أرض مستأجرة أو مستعارة لشخص آخر غير الواجد، وحكمه حكم ما تقدّم من أنّه تارة يكون من الكنوز القديمة، فلا يجب التعريف لا للمالك ولا للمستأجر أو المستعير، وأخرى يكون من الكنوز المستحدثة، فيجب عليه تعريفه لهما، فإن نفياه كلاهما عرّفه للمالك السابق وهكذا، فإن أنكره الجميع جرى فيه الخلاف المتقدّم من كونه لواجده أو يكون بحكم مجهول المالك.

وإن ادّعاه أحدهما أعطاه الواجد إيّاه بلا مطالبته بالبيّنة، وإن ادّعاه كلّ منهما ففي تقديم قول مالك الأرض، أو تقديم قول المستأجر، أو مراعاة أقوى اليدين بحسب اختلاف المقامات كما مرّ بيانه، أو تدخل المسألة في باب التداعي وجوه قد تقدّم بيان حكم كلّ منهما.

ثمّ إنّ ها هنا مسائل:

المسألة الأولى: تنازع الملاّك وادّعاء الملكيّة:

إذا تنازع الملاّك وادعى كلّ واحد منهم ملكيّة الكنز، فتارة يكون الملاّك شركاء في الأرض كالورثة من طبقة واحدة، وأخرى يكونون على نحو الترتيب، والظاهر من الماتن هو الثاني، وبناء عليه فهل يقدّم قول المالك الأخير كما هو مقتضى الترتيب في التعريف كما في المسالك(1)، أو يتساوى الجميع في الدعوى لاشتراكهم في اليد السابقة على المال، وفي عدم اليد

ص: 407


1- مسالك الأفهام 1: 461 .

لأيّ منهم وقت التعريف، وقرب زمان يد أحدهم من يد المعرّف لا تقتضي ترجيحه على غيره كما في الجواهر(1) .

وبناء على ذلك فالمسألة تدخل في باب التداعي، فإذا كان لأحدهم بيّنة دون الآخرين فالمال له، وإذا أقاموا البيّنة، فإن حلف أحدهم دون الآخرين حكم له بالمال، وإن حلفوا جميعاً أو بعضهم قسّم المال بينهم كما هو مقتضى الموثّقتين المتقدّمتين.

المسألة الثانية: ادّعاء المالك ملكيّة الكنز بالإرث:

إذا ادّعى المالك أنّ الكنز له عن طريق الميراث، فإن كان منفرداً فالمال كلّه له، وإن كان له شركاء في الطبقة فتارة يعترفون بذلك فيعطى لكلّ نصيبه، وأخرى ينكرون، وحينئذ يعطى المدّعي بمقدار حصته؛ إذ لا يستحقّ أكثر منه بإقراره.

والظاهر جريان الحكم المتقدّم في الباقي، فلابدّ من تعريف المالك الأسبق فالأسبق وهكذا، فإن اعترف أحدهم أعطي إيّاه، ولا تلازم بين الحكم ظاهراً بحصّة منه للمدّعي الأوّل وبين الحكم بكون الباقي لشخص آخر، كما في تقسيم المال عند التداعي بين عدّة أفراد، وإذا أنكره الجميع فهل يكون الباقي للواجد كما قوّاه صاحب الجواهر(2) ؟ أويكون بحكم مجهول المالك؟ أو يعطى للحاكم الشرعي؟ أو يحكم بإبقائه حتّى يدّعوه؟ احتمالات.

ص: 408


1- جواهر الكلام 16: 32 .
2- جواهر الكلام 16: 33 .

المسألة الثالثة: النصاب في الكنز:

بناء على ما تقدّم في المسألة السابقة من إعطاء المدّعي حصّته وإنكار الجميع فالباقي للواجد وعليه خمسه، ولكن هل يعتبر بلوغ النصاب فيه؟ أو يكفي بلوغ النصاب في المجموع؟ وجهان:

من أنّ المقدار المدفوع إلى المدّعي ملك شخصي فهو خارج عن حكم الكنز، فلابدّ من اعتبار بلوغ النصاب في الباقي، كما اختاره الماتن(قدس سره)، ومن أنّ المال إذ كان مدفوناً ولم يكن الدفن من المالك فيصدق عليه أنّه كنز، ويكفي حينئذ بلوغ النصاب في المجموع، وكما يجب الخمس على الواجد كذلك يجب على المدّعي.

والظاهر هو التفصيل في المسألة بأنّ المدّعي إذا كان ادّعاؤه من جهة الميراث مع عدم علمه بدفن المورّث فهو داخل في حكم الكنز بالنسبة إليه، وحينئذ يكفي بلوغ النصاب في المجموع وعليه خمسه، وأمّا إذا ادّعاه من غير جهة الميراث أو من جهته مع علمه بدفن المورّث له فلا يصدق عليه أنّه كنز بالنسبة إليه، ولا يجب عليه الخمس، ولابدّ حينئذ من اعتبار بلوغ النصاب في الباقي.

وأمّا مقدار النصاب فهو عشرون ديناراً إن كان من الذهب المسكوك، ومائتا درهم إن كان من الفضّة المسكوكة، ومقدار ماليّة أحدهما إن كان من غيرهما، كما تقدّم أنّ ذلك هو المستفاد من صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر (البزنطي) عن أبي الحسن الرضا(علیه السلام) قال: سألته عمّا يجب فيه الخمس

ص: 409

من الكنز، فقال: «ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس»(1).

وقلنا بأنّ ظاهر الرواية هو السؤال عن المقدار، وعلى فرض كون السؤال عن الأعم فهو شامل للمقدار أيضاً، فتدلّ على أنّ حدّ النصاب في الكنز هو الحدّ في الزكاة كما ذكرنا.

والدعوى - بأنّ اعتبار النصاب بعشرين ديناراً في الذهب والفضّة وغيرهما كما ورد في صحيحة البزنطي(2) الأخرى الواردة في المعدن حيث يستفاد منها أنّ الاعتبار بعشرين ديناراً لاختصاصه بالذكر دون غيره، ولعلّ ما ورد في بعض الروايات(3) من اعتبار مائتي درهم لكونها تساوي عشرين ديناراً في ذلك الوقت - يمكن القول بها في المعدن، ولكنّ مقتضى الجمود على النصّ في الكنز هو ما ذكرناه من التفصيل.

ص: 410


1- وسائل الشيعة 9: 495، الباب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 9: 495، الباب 4 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
3- الكافي 3: 507، كتاب الزكاة، الباب 278، الحديث 1، ومن لا يحضره الفقيه 2: 13، الحديث 1600، والاستبصار 2: 20، الحديث 38 .

(مسألة: 15) لو علم الواجد أنّه لمسلم موجود - هو أو وارثه - في عصره مجهول [1]، ففي اجراء حكم الكنز أو حكم مجهول المالك عليه وجهان. ولو علم أنّه كان ملكاً لمسلم قديم فالظاهر جريان حكم الكنز عليه.

المسألة الرابعة: علم الواجد أنّ الكنز لمسلم:

[1] لواجد الكنز بالنسبة إلى وجود المالك وعدمه ست صور:

لأنّه إما أن يعلم بأنّ الكنز ليس له مالك كما إذا وجده في بلاد الكفر أو الأراضي التي كانت بأيدي الكفّار ولم يكن عليه أثر الإسلام، أو يشك في ذلك، والحكم في هاتين الصورتين واضح لما تقدّم من أنّ الكنز فيهما للواجد وعليه الخمس.

وإمّا أن يعلم بأنّه لمسلم كأن يكون عليه أثر الإسلام مثلاً، ولكنّه تارة يعلم بشخص المالك بعينه، وأخرى يعلم بوجوده أو وارثه إجمالاً، وثالثة يعلم بعدم وجوده، ورابعة يشك في وجوده أو وجود وارثه.أمّا في صورة العلم بشخص المالك فالحكم فيها أيضاً واضح؛ إذ لابدّ من دفع المال إليه ولا يجوز له التصرّف فيه إلاّ بإذنه.

وأمّا في صورة العلم الإجمالي بوجوده فقد تردّد الماتن(قدس سره) وذكر أنّ فيها وجهين، أي إمّا أن يكون بحكم مجهول المالك، وإمّا أن يكون بحكم

ص: 411

الكنز، ولعلّ تردّده لوقوع الخلاف بين الأصحاب، فإنّ الذي يظهر من غير واحد منهم أنّه لواجده، والمستفاد من جماعة آخرين أنّه بحكم المجهول، والثاني هو الظاهر؛ فإنّ المستفاد من موثّقة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم(علیه السلام) عن رجل نزل في بعض بيوت مكّة فوجد فيه نحواً من سبعين درهماً مدفونة، فلم تزل معه ولم يذكرها حتّى قدم الكوفة، كيف يصنع؟ قال: «يسأل عنها أهل المنزل لعلّهم يعرفونها» قلت: فإن لم يعرفوها؟ قال: «يتصدّق بها»(1) .

وهذه الرواية تدل:

أوّلاً: على أنّ المال المدفون غير تابع للملك حتّى يجب دفعه للمالك.

وثانياً: أنّه ليس للواجد إذا علم بوجود المالك ولو إجمالاً فلا يجري عليه حكم الكنز، بل لابدّ عليه من تعريفه ثمّ التصدّق به إذا لم يجد المالك.

ومن ذلك يظهر أنّه بحكم مجهول المالك وليس هناك دليل معارض لها في موردها حتّى تصرف عن ظاهرها أو يحمل الأمر بالتصدّق على الاستحباب كما قيل.

أمّا الصورتان الأخيرتان وهما صورة العلم بعدم وجود المالك - لمضيّ مدّة طويلة على موته مع العلم بعدم الوارث - وصورة الشك في وجود الوارث فحكم الماتن(قدس سره) بجريان حكم الكنز عليه فيهما.

واستدلّ السيّد الأستاذ(قدس سره) على ذلك بأنّ المال ينتقل إلى الإمام(علیه السلام) في

ص: 412


1- وسائل الشيعة 25: 448، باب 5 من أبواب اللّقطة، الحديث 3.

كلتا الصورتين، أمّا مع العلم بعدم الوارث فواضح، وأمّا في صورة الشك فبمقتضى أصالة عدم الوارث؛ لأنّ المال حينئذ يدخل في الفي ء، كما ورد في بعض النصوص المعتبرة، ويجري عليه حكم الكنز(1) .

والمراد ببعض النصوص المعتبرة هو ما ورد في موثّقة إسحاق بن عمّار، قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن الأنفال، فقال: «هي القرى التي قد خربت وانجلى أهلها، فهي لله وللرسول، وما كان للملوك فهو للإمام،... ومن مات وليس له مولى فماله من الأنفال»(2) .

المؤيّدة بمرسلة حمّاد بن عيسى، عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح(علیه السلام) (في حديث)، قال: «وللإمام صفو المال...، وله بعد الخمس الأنفال... وهو وارث من لا وارث له...»(3) .

ومرفوعة أحمد بن محمّد عن بعض أصحابنا يرفع الحديث (إلى أن قال:) «وما كان من فتح لم يقاتل عليه... وميراث من لا وارث له فهو له خاصّة...»(4).

ص: 413


1- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 98 .
2- تفسير القمّي: 237، سورة الأنفال، الآية: 1، ووسائل الشيعة 9: 524، الباب 1 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام(علیه السلام)، الحديث 20 .
3- الكافي 1: 619، كتاب الحجّة، الباب 187، الحديث 4، وتهذيب الأحكام 4: 112، الحديث 365، ووسائل الشيعة 9: 524، الباب 1 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام(علیه السلام)، الحديث 4 .
4- تهذيب الأحكام 4: 111، الحديث 363، ووسائل الشيعة 9: 529، الباب 1 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام(علیه السلام)، الحديث 17 .

وقد يقال: إنّ المال على فرض كونه من مصاديق ميراث من لا وارث له، والقول بجريان استصحاب عدم الوارث المقتضي لكونه من الأنفال فيصبح للإمام(علیه السلام) لا يجوز تملّكه بالحيازة، بل يجب دفعه إلى الحاكم؛ لأنّ أخبار التحليل لا يستفاد منها جواز تملّك كلّ ما هو للإمام(علیه السلام) وإلاّ لصحّ تملّك مجهول المالك، والخمس، ومال المسلم الذي يموت ولا وارث له، وغيرها ممّا تعود ملكيّته للإمام(علیه السلام) مع أنّه لا قائل به.

وعلى فرض الإذن والإباحة منه(علیه السلام) في التملّك فلا وجه لوجوب الخمس إلاّ بعنوان مطلق الفائدة؛ لأنّه هبة من الإمام(علیه السلام) نظير من يتملّك مجهول المالك بإذن الحاكم الشرعي.

والظاهر عدم تماميّة كلا الإيرادين؛ لأنّ المستفاد من بعض الروايات كصحيحة مسمع(1) المتقدّمة أنّ الأرض وما يخرج منها للإمام(علیه السلام)، وقد أحلّها(علیه السلام) لشيعته. والكنز المدفون من مصاديق ما يخرج من الأرض كالمعدن، والفرق بينهما أنّ المعدن نابتفي الأرض دون الأوّل وهو لا يضرّ بصدق الإخراج من الأرض، فحكمهما واحد، وحيث يصدق عليه عنوان الكنز فلابدّ من إخراج خمسه.

ص: 414


1- وسائل الشيعة 9: 548، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام(علیه السلام)، الحديث 12.

(مسألة: 16) الكنوز المتعدّدة لكلّ واحد حكم نفسه في بلوغ النصاب وعدمه[1] فلو لم يكن آحادها بحدّ النصاب وبلغت بالضّم لم يجب فيها الخمس نعم المال الواحد المدفون في مكان واحد في ظروف متعدّدة يضمّ بعضه إلى بعض فإنّه يعد كنزاً واحداً وإن تعدّد جنسها.

المسألة الخامسة: الكنوز المتعدّدة:

[1] قد تقدّم الكلام مفصّلاً في اعتبار النصاب في المعادن المتعدّدة وعدمه، وقلنا إنّ الظاهر من الأدلة أنّ لكلّ معدن أو كنز حكم نفسه في اعتبار بلوغ النصاب وعدمه لا أنّه بلحاظ المجموع، فإنّ قوله(علیه السلام) في صحيحة البزنطي: «... ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس»(1) - بعد السؤال عمّا يجب فيه الخمس من الكنز - ظاهر بحسب الفهم العرفي في أنّه كنز واحد، فإذا كان مقداره يساوي مقدار ما يجب فيه الزكاة فيجب فيه الخمس.

أمّا في صورة الجمع وضم بعض الكنوز إلى بعض فهو خارج عن فهم العرف ولا دليل عليه.

نعم، إذا كانت الكنوز في محل واحد بحيث عدّه العرف كنزاً واحداً وإن كانت في ظروف متعدّدة أو من أجناس مختلفة فيجب الخمس إذا بلغ

ص: 415


1- وسائل الشيعة 9: 495، الباب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

(مسألة: 17) في الكنز الواحد لا يعتبر الإخراج دفعة بمقدار النصاب [1] فلو كان مجموع الدفعات بقدر النصاب وجب الخمس وإن لم يكن كلّ واحدة منها بقدره.

المجموع حدّ النصاب، ولا اعتبار بوحدة الظرف أو الجنس، وإنّما الاعتبار بوحدة الكنز حينئذ وهو محرز عرفاً.

وأمّا إذا وجد الكنز في أمكنة متعدّدة سواء كانت متباعدة أو متقاربة من جنس واحد أو أجناس مختلفة فلا يجب الخمس فيها إلاّ إذا بلغ كلّ واحد منها حدّ النصاب، وإن كان الأحوط هو إخراج الخمس فيها إذا كانت الأماكن متقاربة.

المسألة السادسة: عدم اعتبار كون الإخراج دفعة واحدة:

[1] وذلك لأنّ الحكم بوجوب الخمس في الكنز غير منوط بالإخراج، بل المعتبر فيه وجدانه وتملّكه سواء أخرجه في دفعة واحدة، أو في دفعات متعدّدة، أو أبقاه في موضعه، بل ربّما يرى الواجد أنّ إبقاءه في مكانه أولى من إخراجه، ومع ذلك يجب عليه الخمس.

ص: 416

ولا يقاس الكنز بما تقدّم في المعدن، فإنّه مضافاً إلى الوجدان يعتبر فيه الإخراج بمعنى الأخذ على ما تقدّم بيانه، فما لم يأخذه فلا يجب عليه الخمس.

(مسألة: 18) إذا اشترى دابة ووجد في جوفها شيئاً [1] فحاله حال الكنز الذي يجده في الأرض المشتراة في تعريف البائع وفي إخراج الخمس إن لم يعرفه ولا يعتبر فيه بلوغ النصاب.

المسألة السابعة: الموجود في بطن الدابّة من الجواهر والدراهم ونحوها:

[1] ويقع البحث فيها في ثلاثة مواضع:

الأوّل: في ما تقتضيه القاعدة.

الثاني: في ما يقتضيه النص الخاص.الثالث: في حكمه من حيث وجوب الخمس وعدم اعتبار بلوغ النصاب.

أمّا الموضع الأوّل فإنّ الواجد تارة يعلم بأنّ ما وجده لمالك محترم حي كما إذا كان الحيوان يعيش في بلاد المسلمين، أو كان عليه آثار تدل على أنّه لمالك محترم حيّ.

وأخرى لا يعلم بذلك، كما إذا كان الحيوان يرعى في الصحاري فوجد جوهرة مثلاً وابتلعها، أو كان الحيوان يعيش في بلاد الكفّار، أو في أرض مشتركة بينهم وبين المسلمين، أو لم تكن عليه آثار تدلّ على أنّه لمالك محترم حيّ ففي هذه الصورة يملكه الواجد من دون احتياج إلى تعريف.

وأمّا الصورة الأولى فتارة يكون الحيوان في ضمن قطيع وأخرى يكون

ص: 417

منفرداً، فإن كان في ضمن قطيع فما ابتلعه الحيوان بحكم التالف، ويملكه الواجد فهو نظير مال شخص غرق في البحر والمالك يعرض عنه لعدم تمكنّه من استرداده، وهكذا المقام فإنّ صاحب المال لا يمكنه أن يذبح جميع القطيع ليعثر عليه فهو معرض عن ماله عادة أو بحكم المعرض وتنقطع ملكيّته عنه .

وإن كان الحيوان منفرداً فتارة يكون قد نشأ وتربّى عند المالك الفعلي، وأخرى عند غيره وانتقل إليه ببيع ونحوه، فإن كانت نشأة الحيوان في ملكه فتارة لا يكون في معرض للغير بمعنى أنّه في ملكه الخاص به فما وجده في جوفه فهو له. وهو نظير ما يجده في صندوقه أو بيته المختصّ به، وأخرى لا يكون كذلك، بل هو عرضة لدخول الغير عليه، ولا يختصّ به فما وجده في جوفه بحكم اللّقطة أو مجهول المالك.

وأمّا إذا كان الحيوان منتقلاً إليه ببيع أو نحوه فتارة يكون أهليّاً كالبقر والغنم، وأخرى يكون وحشيّاً كالغزال، وثالثة يكون بحريّاً كالسمك.

فإن كان وحشيّاً أو بحريّاً فما في جوفه فهو لواجده، وإن كان أهليّاً فلابدّ من تعريفه لذي اليد السابقة، فإن عرفه أُعطي إيّاه، وإن لم يعرفه عرّفه لذي اليد الأسبق وهكذا مع ملاحظة قابليّة بقاء المال في بطن الحيوان مدة تستوعب انتقاله من يد إلى يد، وإلاّ اقتصر على مقدار ما يحتمل فيه البقاء، وإن لم يعرفه الجميع فيأتي فيه ما تقدّم من الخلاف من أنّ المال هل يكون بحكم مجهول المالك أو يكون لواجده؟

وأمّا الموضع الثاني وهو ما يقتضيه النص الخاص فقد روى الكليني بسند صحيح عن عبد الله بن جعفر الحميري قال: كتبت إلى الرجل(علیه السلام) أسأله عن

ص: 418

رجل اشترى جزوراً أو بقرة للأضاحي فلمّا ذبحها وجد في جوفها صرّة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة لمن يكون ذلك؟ فوقّع(علیه السلام): «عرّفها البائع فإن لم يكن يعرفها فالشي ء لك رزقك الله إيّاه»(1) .

ورواه الشيخ(2) باسناده عن الكليني، كما رواه الصدوق(3) بإسناده عن الحميري باختلاف يسير.

وظاهر الرواية أنّ الحيوان الذي وقع عليه الشراء أعمّ من أن يكون في ضمن قطيع أو منفرداً، فإنّ قوله اشترى جزوراً أو بقرة للأضاحي كما في الكافي، أو... جزوراً أو بقرة أو شاة أو غيرها للأضاحي أو غيرها كما في الفقيه شامل لكلتا الصورتين.

وقد حكم الإمام(علیه السلام) بتعريف ما وجده في جوف الحيوان للبائع، فإن لم يعرفه فهو للمشتري رزقه الله إيّاه. فهي مخالفة للقاعدة في الصورتين معاً؛ لأنّه إن اشتراه من قطيع فقد تقدّم أنّ مقتضى القاعدة عدم لزوم التعريف ويكون المال له.

وإن كان منفرداً فإنّه وإن كان التعريف موافقاً لمقتضى القاعدة ولكن إذا لم يعرفه البائع فقد حكم الإمام بأنّ المال له مع أنّه يعلم أنّ المال لمالك محترم حي وحكمه أن يدخل في مجهول المالك لا في ملك المشتري.

ص: 419


1- الكافي 5: 134، كتاب المعيشة، الباب 81، الحديث 9، ووسائل الشيعة 25: 452، الباب 9 من أبواب اللّقطة، الحديث 1 - 2 .
2- تهذيب الأحكام 6: 341، الحديث 1174 .
3- من لا يحضره الفقيه 3: 296، الحديث 4065 .

وأمّا بقية الصور فلا تنافي بينها وبين الرواية، فإنّ موردها ما إذا علم أنّ المال لمالك محترم كما تقدّم.

وقد يقال: إنّ المراد بقوله(علیه السلام): «فالشي ء لك رزقك الله إيّاه» ليس معناه أن يكون للمشتري، بل بمعنى أنّ له التصرّف فيه مع ضمانه لصاحبه، فإذا جاء أو ظفر به أعطاه إيّاه، نظير ما ورد في اللّقطة من أنّه إذا لم يجد صاحبها بعد التعريف فله أن يجعلها كبعض أمواله على أن يضمنها لصاحبها، وهكذا ما نحن فيه فلا تكون الرواية مخالفة للقاعدة.ولا يخفى أنّ ذلك خلاف ظاهر الرواية؛ إذ لايفهم العرف من قوله: «فالشي ء لك رزقك الله إيّاه» أنّه مضمون عليه إذا جاء صاحبه، بل الظاهر من قوله: «رزقك الله إيّاه» أنّه من أطيب أمواله، لا أنّه من مال الغير ويجوز له التصرّف فيه بشرط الضمان، فهذا التوجيه غير صحيح، على أنّه مخالف لما نسب إلى فهم الأصحاب من الرواية.

ثمّ إنّ ظاهر الرواية أنّ التعريف يختصّ بالبائع دون من كان قبله، أي ذي اليد السابقة على يد البائع.

اللهم إلاّ أن تحمل الرواية على الغالب بأن يقال: إنّ اختصاص الرجوع إلى البائع فيما إذا لم يحتمل أن المال لغيره فإنّ ابتلاع الحيوان للمال وبقاءه في جوفه عادة إنّما يكون في مدّة قصيرة لا في مدّة طويلة تستوعب تعاقب أيد عديدة على الحيوان، ومن ذلك يفهم أنّه لا خصوصيّة للبيع وإنّما ذكره الإمام(علیه السلام) لأنّه كان مورداً للسؤال فحكم(علیه السلام) بتعريف البائع وإلاّ فالتعريف شامل لكلّ ناقل وإن كان بهبة أو صلح أو نحوهما.

ص: 420

والحاصل: أنّ الرواية حيث كانت معتبرة سنداً وواضحة دلالة ومورداً - لعمل الأصحاب - فيؤخذ بها، ولابدّ حينئذ من القول بأنّها مخصّصة للقاعدة.

ومن ذلك يظهر ما في كلام السيّد الأستاذ(قدس سره) (1) من توجيه الرواية ومحاولة تطبيقها على القاعدة بأنّ ما ابتلعته الدابّة من المال بمثابة التالف الموجب لإعراض صاحبه عنه.

فإنّ ما ذكره(قدس سره) وإن كان تامّاً في بعض الصور إلاّ أنّه ليس بتام في بعضها الآخر، مضافاً إلى أنّ الحكم حينئذ بتعريف البائع على خلاف القاعدة.

وأمّا الموضع الثالث وهو حكم ما وجد في جوف الدابّة من جهة وجوب الخمس من دون مراعاة بلوغه النصاب ففيه وجوه كما يظهر من صاحب «الجواهر» حيث قال: ظاهره - أي صحيح الحميري - عدم الخمس أيضاً كما هو مقتضى الأصل أيضاً، لكن في «المدارك» إنّه قطع به الأصحاب، وظاهره «كالكفاية» و«الحدائق» الاتفاق عليه، لكن المذكور فيها بعد ذلك أنّ ظاهرهم اندراجه في مفهوم الكنز، وهو بعيد. نعم، يمكن دخوله في قسم الأرباح. قلت: بل جزم في «الحدائق» بذلك، وببطلان اندراجه في الكنز(2) .

والمستفاد من كلامه(قدس سره) أنّ في المقام قولين:

الأوّل: إلحاقه بالكنز.

والثاني: أن يكون من أرباح المكاسب.

ص: 421


1- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 101 .
2- جواهر الكلام 16: 36 .

واحتمل(قدس سره) بعد الإشكال على كلا القولين أن يكون قسماً مستقلاً بناء على القول بعموم الغنيمة لكلّ فائدة، وهو الظاهر من المحقق الهمداني(1)، وقد استظهره صاحب الجواهر(2) من عبارة ابن إدريس حيث قال في السرائر: وكذلك إن ابتاع بعيراً أو بقرة أو شاة وذبح شيئاً من ذلك، فوجد في جوفه شيئاً قلّ عن مقدار الدرهم، أو كثر، عرّفه من ابتاع ذلك الحيوان منه، فإن عرفه أعطاه إيّاه، وإن لم يعرفه أخرج منه الخمس بعد مؤونته طول سنته؛ لأنّه من جملة الغنائم والفوائد، وكان له الباقي...(3) .

ولكن أشكل عليه بأنّه إذا لم يدخل في الأرباح وكان من الفوائد والغنائم فلا يعتبر فيه مؤونة السنة، بل لابدّ من أداء خمسه حين الوجدان؛ لأنّ اعتبار المؤونة مختص بالأرباح، اللهم إلاّ أن يقال بأنّ أدلة اعتبار المؤونة عامّة تشمل الأرباح وغيرها، وإنّما خرج منها غنائم الحرب والكنز والمعدن ومقتضى ذلك اعتبار المؤونة(4) .

والظاهر أنّ هذا هو الأقوى؛ لما تقدّم من أنّ أدلة اعتبار المؤونة مطلقة فتشمل المقام أيضاً، وإن كان مقتضى الاحتياط أداءه من حين الوجدان.

وبذلك يظهر عدم اعتبار النصاب في ما يوجد في جوف الدابة، فإنّ بلوغ النصاب إنّما يعتبر فيما إذا كان ملحقاً بالكنز، وأمّا إذا قلنا بأنّه من الأرباح أو

ص: 422


1- مصباح الفقيه 14: 78 .
2- جواهر الكلام 16: 36
3- السرائر 2: 105 .
4- جواهر الكلام 16: 37 .

وكذا لو وجد في جوف السمكة المشتراة [1] مع احتمال كونه لبائعها وكذا الحكم في غير الدابّة والسمكة من سائر الحيوانات.

من الفوائد المستقلّة فلا دليل على اعتبار ذلك.

المسألة الثامنة: الموجود في جوف السمكة وغيرها من سائر الحيوانات:

[1] المشهور في ما وجد في جوف الحيوان البحري كالسمكة ونحوها، أو البرّي الوحشي كالغزال ونحوه، هو أنّه ملك لواجده، من دون حاجة إلى تعريفه، وعليه خمسه، ولم ينقل الخلاف فيه عن أحد غير ما تقدّم في عبارة «السرائر» (1)، وما حكي عن «التذكرة»(2) من الميل إلى مساواة السمكة للدابّة مطلقاً في التعريف للبائع.

ومذهب المشهور هو الموافق لمقتضى القاعدة والنصوص الواردة.

أمّا ما تقتضيه القاعدة فهو أنّ ما يوجد في جوف السمكة أو غيرها من الحيوانات البحريّة أو البريّة تارة يكون من جنس اللؤلؤ والمرجان أو الجواهر المتكوّنة في البحر والأرض أو الجبال، وحكمه أنّه من المباحات، ولا يحتمل أن يكون له مالك محترم حي.

وأخرى يكون من الأموال كالخاتم والسوار والدراهم والدنانير الرائجة

ص: 423


1- السرائر 2: 105 .
2- حكاه في مدارك الأحكام 5: 374، وانظر تذكرة الفقهاء 17: 275، المسألة 374 .

ممّا يعلم أنّ لها مالكاً وقعت منه في البحر فابتلعته السمكة، أو في الصحراء فابتلعه الغزال.

وعلى أي تقدير فالعادة تقضي بأنّ صاحبه قد أعرض عنه، وأنّه بحكم التالف لليأس من العثور عليه، وحكمه أنّه من المباحات ويملكه الواجد.

نعم، إذا كانت السمكة في ماء محصور أو الغزال في مكان كذلك، أو لم يكن الحيوان صيداً من البحر أو البر، بل ربّاه مالكه في داره أو في أحواض خاصّة كما هو متعارف الآن، فالظاهر لحوقه بالحيوان الأهلي في وجوب التعريف للبائع بمقتضى القاعدة ويخرج هذا القسم عن النصوص الآتية، وقد تقدّم حكمه.

وقد يقال: إنّ مقتضى القاعدة في المقام وجوب التعريف للبائع؛ وذلك لما حكي عن العلامة في التذكرة: من أنّ القصد إلى حيازة السمكة يستلزم القصد إلى حيازة جميع أجزائها وما يتعلّق بها(1) .

ونحوه ما ذكره ابن إدريس في السرائر حيث قال: وكذلك حكم من ابتاع سمكة فوجد في جوفها درّة أو سبيكة وما أشبه ذلك؛ لأنّ البائع باع هذه الأشياء ولم يبع ما وجده المشتري، فلذلك وجب عليه تعريف البائع(2) وبناء على ذلك فلابدّ من الرجوع للبائع.

وقد أجيب عن ذلك:

أوّلاً: بأنّ الحيازة التي هي إنشاء استيلاء على شي ء، وسبق إلى ما لم يسبق

ص: 424


1- جواهر الكلام 16: 38 .
2- السرائر 2: 105 .

إليه أحد تحتاج إلى القصد، وهو منتفٍ في المقام؛ لتقوّمه بالالتفات مع فرض الغفلة والجهل بما في جوف السمكة مطلقاً، فكيف يصدق عليه عرفاً أنّه مستولٍ وذو يد على شي ء لم يطّلع عليه ولم يعلم بأصل وجوده؟

وثانياً: بأنّه على فرض التسليم فظاهر التصدّي للبيع أنّه باع السمكة على الوجه الذي استملكها به، فيملك المشتري السمكة بعين ملكيّة البائع لها، فكما أنّه كان مالكاً لما في جوفها تبعاً فكذلك المشتري، فإنّه يملك ما في جوفها بتبع الشراء بمناط واحد.

إلاّ أن يقال: إنّ القصد معتبر في البيع بخلاف الحيازة فإنّه يكفي فيها التبعيّة.

والمهم في المقام هو الجواب الأول.والشاهد على ذلك أنّه لو كانت الحيازة التبعيّة صحيحة للزم إعطاء المال للبائع ابتداء بلا تعريف؛ لأنّه ملكه وإن لم يكن مدّعياً ولأفتى بذلك الأعلام أو لدلّ دليل على ذلك، والحال أنّه خلاف الظاهر إن لم يكن المقطوع بخلافه، كما في الجواهر(1) . مضافاً إلى أنّ حال الجوهرة الموجودة في جوف السمكة حال سمكة أخرى في بطنها، ولاشك في عدم وجوب الرجوع بها إلى البائع، وأنّها ملك للمشتري.

اللهمّ إلا أن يقال: إنّ وجود سمكة في جوف أخرى إما أنّه كثير الوقوع، وإمّا أنّه يجعل بإزائها مقدار من الثمن؛ وذلك لأنّها توزن في ضمن وزن السمكة الكبيرة، كما هو الغالب في بيع السمك حيث يباع بالوزن، فيتحقّق

ص: 425


1- جواهر الكلام 16: 38 .

قصد إجمالي لبيع ما في جوفها، وإن لم يكن تفصيلاً، وذلك كافٍ، بخلاف وجود جوهرة في جوف السمكة.

والحاصل أنّ القاعدة تامّة.

وأمّا ما تقتضيه النصوص فقد وردت في المقام عدّة روايات:

منها: رواية أبي حمزة عن أبي جعفر(علیه السلام) في حديث، أنّ رجلاً عابداً من بني إسرائيل كان محارفاً، فأخذ غزلاً فاشترى به سمكة، فوجد في بطنها لؤلؤة فباعها بعشرين ألف درهم، فجاء سائل فدقّ الباب فقال له الرجل: ادخل فقال له: خذ أحد الكيسين، فأخذ أحدهما وانطلق، فلم يكن بأسرع من أن دقّ السائل الباب، فقال له الرجل: ادخل فدخل فوضع الكيس في مكانه ثمّ قال: كل هنيئاً مريئاً أنا ملكٌ من ملائكة ربك، إنّما أراد ربّك أن يبلوك فوجدك شاكراً، ثمّ ذهب(1) .

والرواية من حيث الدلالة ظاهرة فيما ذكرنا؛ فإن الواجد لم يرجع إلى البائع، بل تصرف فيه وهو موافق لمقتضى القاعدة.

وأمّا من حيث السند ففيه محمّد بن الفضيل، وهو مشترك ولكنّ الظاهر أنّ المراد به محمّد بن الفضيل الأزدي؛ فإنّه هو المشهور المعروف، وله كتاب، وقد ورد فيه التوثيق والتضعيف، ويمكن الجمع بينهما بحمل التضعيف على عقيدته حيث إنّه رمي بالغلو، والتوثيق على روايته، ونتيجة ذلك اعتبار روايته،

ص: 426


1- وسائل الشيعة 25: 453، الباب 10 من أبواب اللّقطة، الحديث 1، عن الكافي باختصار، وفي تفصيله راجع الكافي 8: 296، الحديث 585 .

وقد حقّقنا حاله في غير هذا الموضع.

وأمّا أبو حمزة فهو الثمالي بقرينة الراوي عنه؛ فإن محمّد بن الفضيل يروي عن الثمالي كثيراً وهو من الأجلاّء الثقات، وبناء على ذلك فالظاهر أنّ الرواية معتبرة السند.

ومنها: رواية الراوندي عن حفص بن غياث، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «كان في بني إسرائيل رجلٌ، وكان محتاجاً فألحّت عليه امرأته في طلب الرزق، فابتهل إلى الله في الرزق فرأى في النوم، أيّما أحبّ إليك، درهمان من حلّ أو ألفان من حرام؟ فقال: درهمان من حلّ، فقال: تحت رأسك، فانتبه فرأى الدرهمين تحت رأسه، فأخذهما واشترى بدرهم سمكة، وأقبل إلى منزله، فلما رأته المرأة أقبلت عليه كاللائمة، وأقسمت أن لا تمسّها، فقام الرجل إليها فلما شقّ بطنها إذا بدّرتين فباعهما بأربعين ألف درهم»(1) .

وهي من حيث الدلالة كالرواية السابقة؛ إذ لم يرجع إلى البائع، فيدلّ ذلك على أنّ ما في جوف السمكة لواجده.

وأمّا من حيث السند فبحسب الظاهر هي مرسلة؛ إذ لم يذكر الراوندي طريقه إلى حفص بن غياث.

ولكن يمكن تصحيح الرواية بأنّ حفص بن غياث روى كتاباً عن أبي

ص: 427


1- قصص الأنبياء: 187، ووسائل الشيعة 25: 453، الباب 10 من أبواب اللّقطة، الحديث 2.

عبدالله(علیه السلام) وللشيخ(1) والصدوق(2) طرقاً معتبرة إلى كتابه.

وأمّا الراوندي وهو سعيد بن هبة الله فله طرق معتبرة أيضاً إلى روايات الشيخ والصدوق(3)، ومنها هذه الرواية.

وبناء على ذلك فتخرج الرواية عن حد الإرسال وتدخل في السند المعتبر.

وأمّا حفص بن غياث فهو وإن كان من العامّة إلاّ أنّ الشيخ ذكر في العدّة أنّ الطائفة عملت برواياته(4)، وأنّ كتابه معتمد(5)، فلا إشكال في اعتبار الرواية.ومنها: ما رواه الراوندي أيضاً بإسناده عن أبي حمزة عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: «كان في بني إسرائيل عابد، وكان محارفاً تنفق عليه امرأته، فجاعوا يوماً فدفعت إليه غزلاً، فذهب فلا يشترى بشي ء، فجاء إلى البحر فإذا هو بصيّاد قد اصطاد سمكاً كثيراً فأعطاه الغزل، وقال: انتفع به في شبكتك فدفع إليه سمكة فرفعها وخرج بها إلى زوجته، فلمّا شقّتها بدت من جوفها لؤلؤة فباعها بعشرين ألف درهم»(6) .

وهي من حيث الدلالة كالرواية السابقة، ولكنّها من حيث السند غير تامّة

ص: 428


1- الفهرست: 158 / 242 .
2- من لا يحضره الفقيه 4: 473، المشيخة .
3- بحار الأنوار 104: 48، 49، 159 .
4- العدة في أصول الفقه 1: 149، الباب الثاني، الفصل 5 .
5- الفهرست 158 / 242 .
6- وسائل الشيعة 25: 454، الباب 10 من أبواب اللّقطة، الحديث 3: 295.

فإنّ فيه محمّد بن علي، والظاهر أنّه أبو سمينة الصيرفي، المنصوص على ضعفه(1)، فتكون الرواية مؤيّدة.

ومنها: ما رواه الصدوق بإسناده، عن الزّهري قال: كنت عند عليّ بن الحسين(علیه السلام) فجاءه رجل من أصحابه، فقال له عليّ بن الحسين(علیه السلام): «ما خبرك أيّها الرجل؟» فقال الرجل: خبري - يابن رسول الله - أنيّ أصبحت وعليّ أربعمائة دينار دَين لا قضاء عندي لها... فبكى علي بن الحسين(علیهما السلام) بكاءً شديداً، فقلت له: ما يبكيك يابن رسول الله؟ فقال: «وهل يعدّ البكاء إلاّ للمصائب والمحن الكبار... قال: فأيّة محنة ومصيبة أعظم على حُرّ مؤمن من أن يرى بأخيه المؤمن خلّة فلا يمكنه سدّها» - ... فقال عليّ بن الحسين(علیه السلام): «قد أذن الله في فرجك. يا فلانة، احملي سحوري وفطوري». فحملت قرصتين، فقال علي بن الحسين(علیهما السلام) للرجل: «خذهما فليس عندنا غيرهما؛ فإنّ الله يكشف عنك بهما، وينيلك خيراً واسعاً منهما». فأخذهما الرجل ودخل السوق لا يدري ما يصنع بهما.. فمرّ بسمّاك قد بارت عليه سمكة قد أراحت فقال له: سمكتك هذه بائرة عليك وإحدى قرصتيّ هاتين بائرة عليّ فهل لك أن تعطيني سمكتك البائرة وتأخذ قرصتي هذه البائرة؟ فقال: نعم، فأعطاه السمكة وأخذ القرصة، ثم مرّ برجلٍ معه ملح قليل مزهود فيه فقال له: هل لك أن تعطيني ملحك هذا المزهود فيه بقرصتي هذه المزهود فيها؟ قال: نعم، ففعل، فجاء الرجل بالسمكة والملح... فلما شقّ بطن السمكة وجد فيها لؤلؤتين فاخرتين، فحمد الله عليهما، فبينما هو في سروره ذلك إذ قرع بابه، فخرج ينظر من بالباب، فإذا صاحب السمكة

ص: 429


1- رجال النجاشي 2: 216 - 217 .

وصاحب الملح قد جاءا يقول كلّ واحد منهما له: يا عبد الله، جَهدنا أن نأكل نحن أو أحد من عيالنا هذا القرص، فلم تعمل فيه أسناننا.. فلمّا استقرّ بعد انصرافهما عنه قرع بابه، فإذا رسول علي بن الحسين(علیهما السلام)، فدخل فقال: إنّه يقول لك: «إنّ الله قد أتاك بالفرج، فاردد إلينا طعامنا، فإنّه لا يأكله غيرنا...»(1).

وهي من حيث الدلالة كالروايات السابقة، وأمّا من حيث السند فإنّها بحسب الصناعة غير تامّة السند، فإنّ محمّد بن عبد الله بن يزيد لم يرد فيه توثيق.

وأمّا سفيان بن عيينة فهو وإن واقع في اسناد «تفسير القمي»(2) إلاّ أنّه عاميّ فلا يشمله التوثيق .

وأمّا الزهري وهو محمّد بن مسلم بن شهاب(3) فقد كان عاملاً لبني أميّة فعاقب رجلاً فمات الرجل في العقوبة، فخرج هائماً وتوحّش، ودخل إلى غار فطال مقامه تسع سنين، قال: وحج عليّ بن الحسين(علیه السلام) فأتاه الزهري، فقال له عليّ بن الحسين(علیه السلام): «إنّي أخاف عليك من قنوطك ما لا أخاف عليك من ذنبك، فابعث بدية مسلّمة إلى أهله، واخرج إلى أهلك ومعالم دينك» . فقال له: فرّجت عنّي، يا سيدي، { اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ

ص: 430


1- الأمالي: 537، المجلس التاسع والستوّن، الحديث 3، ووسائل الشيعة 25: 454، الباب10 من أبواب اللّقطة، الحديث 4 مع اختلاف كثير في المتن .
2- تفسير القمّي: 67، سورة البقرة: 200 .
3- راجع رجال الطوسي: 294 / 4292 .

رِسَالَتَهُ}(1) ورجع إلى بيته، ولزم عليّ بن الحسين، وكان يعدّ من أصحابه. ولذلك قال بعض بني مروان: يا زهري، ما فعل نبيّك عليّ بن الحسين(علیه السلام)(2).

وهذا ممّا يدلّ على حسن حاله، كما أنّه واقع في أسناد «تفسير القمي»(3).

والحاصل أنّ الرواية وإن لم تكن تامّة السند إلاّ أنّها مؤيدة لما تقدّم.

ومنها: ما ورد في «التفسير المنسوب للإمام الحسن العسكري(علیه السلام)» في حديث طويل: أنّ رجلاً فقيراً اشترى سمكة فوجد فيها أربع جواهر ثمّ جاء بها إلى رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ)، وجاء تجّار غرباء، فاشتروها منه بأربعمائة ألف درهم. فقال الرجل: ما كان أعظم بركة سوقي اليوم، يا رسول الله! فقال رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ): «هذا بتوقيرك محمّداً رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) وتوقيرك علياً أخا رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) ووصيّه، وهو عاجل ثواب الله لك، وربح عملك الذي عملته»(4).

وهي من حيث الدلالة تامّة إلاّ أنّ الكلام في سندها، فإنّه غير تام، وقد حقّقنا ذلك في مباحثنا الرجاليّة(5). فالرواية مؤيّدة لما تقدّم، والعمدة في

ص: 431


1- سورة الأنعام: 124 .
2- المناقب 4: 173، مستدرك الوسائل 18: 222، الباب 10 من أبواب القصاص في النفس، الحديث 3، وبحار الأنوار 46: 132، الحديث 22 .
3- تفسير القمّي: 176، سورة المائدة: 95 .
4- تفسير الإمام العسكري(علیه السلام): 602 - 604، الحديث 357 ، ووسائل الشيعة 25: 454، الباب 10 من أبواب اللّقطة، الحديث 5 .
5- أصول علم الرجال بين النظريّة والتطبيق 1: 501 .

(مسألة: 19) إنّما يعتبر النصاب في الكنز بعد إخراج مؤونة الإخراج[1].المقام الروايتان الأوليان.

وجميع هذه النصوص موافقة لمقتضى القاعدة فلا إشكال في الحكم.

المسألة التاسعة: في استثناء مؤونة الإخراج:

[1] لا إشكال في أنّ ما يُصرف على إخراج الكنز يُستثنى من الخمس، وإنّما الإشكال في أنّه هل يعتبر إخراج المؤونة قبل ملاحظة النصاب أو بعدها؟ فإذا بذل على إخراج الكنز عشرة دنانير مثلاً، وكان مقدار الكنز عشرين ديناراً، فعلى الأوّل لا يجب الخمس؛ لأن العشرة الباقية لا تبلغ حدّ النصاب، وعلى الثاني يجب الخمس في العشرة الباقية، وقد تقدّم في خمس المعدن أنّ المشهور ومنهم الماتن ذهبوا إلى الأوّل، بل ادعي عدم الخلاف فيه، واستدلوا عليه بوجوه.

ولكن ناقشنا فيها وقلنا بعدم تماميّة ما استدلوا به، وأنّه لا دليل على أنّ الخمس بعد استثناء المؤونة، أي قبل ملاحظة النصاب، بل الظاهر من الرواية هو أنّ حدّ النصاب متعلّق بنفس الكنز، والمتيقّن هو عدم تعلّق الخمس بالمؤونة، لقيام الدليل على استثنائها، وأمّا استثناء المؤونة قبل ملاحظة النصاب فلا دليل عليه، فالأقوى والأحوط هو وجوب الخمس في الباقي، فكذلك المقام على حدّ سواء.

ص: 432

(مسألة:20) إذا اشترك جماعة في كنز فالظاهر كفاية بلوغ المجموع نصاباً وإن لم تكن حصة كلّ واحد بقدره [1].

المسألة العاشرة: في الكنز المشترك:

[1] لا فرق في وجوب الخمس في الكنز بين أن يكون لواحد أو لجماعة، إذا بلغ مجموع الحصص نصاباً، والوجه في ذلك هو ظاهر النصوص الدالّة على أنّه يجب الخمس في الكنز، فإنّه المتعلّق لوجوب الخمس إذا بلغ مقدار النصاب، سواء كان الكنز لواجد واحد أو متعدّد، ولم يؤخذ في المتعلّق حصّة كلّ واحد من الكنز حتّى يقال باعتبار بلوغ النصاب في كلّ حصّة.

ومن ذلك يظهر أنّه إذا كان هناك كنوز متعدّدة فمقتضى ظاهر الأدلّة أنّ لكلّ كنز حكماً خاصّاً به، وإن كانت لشخص واحد، ولا يعتبر بلوغ المجموع حدّ النصاب كما تقدّم فلا تنافي بين الحكمين كما قيل.

هذا تمام الكلام في خمس الكنز.

ص: 433

(الرابع) الغوص[1] وهو إخراج الجواهر من البحر مثل اللؤلؤ والمرجان وغيرهما.

المبحث الرابع: في الغوص:

[1] وهو إخراج الجواهر من البحر، معدنيّاً كان كاللؤلؤ، أو نباتيّاً كاليسر والمرجان.

ولا إشكال في وجوب الخمس فيه، فقد تسالم عليه الفقهاء، بل عن غير واحد الإجماع عليه كظاهر «الانتصار»(1)، و«التذكرة»(2)، وصريح «الغنية»(3)، و«المنتهى»(4) .

وتدلّ عليه مضافاً إلى الآية الشريفة، عدّة من الروايات:

منها: صحيحة الحلبي، قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن العنبر، وغوص اللّؤلؤ، فقال(علیه السلام): «عليه الخمس» (5) .

ص: 434


1- الانتصار: 225 - 226، المسألة 114 .
2- تذكرة الفقهاء 5: 419 .
3- غنية النزوع 2: 129 .
4- منتهى المطلب 8: 534 .
5- الكافي 1: 628، كتاب الحجّة، الباب 187، الحديث 28، وتهذيب الأحكام 4: 107، الحديث 354، ووسائل الشيعة 9: 498، الباب 7 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1 .

وهي واضحة الدلالة وصحيحة السند.

ومنها: صحيحة ابن أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «الخمس على خمسة أشياء: على الكنوز، والمعادن، والغوص...»(1) .وهي واضحة الدلالة، وأمّا من حيث السند فهي وإن ورد فيها التعبير عن غير واحد، إلاّ أنّ ذلك لا يعني الإرسال في السند، بل يدلّ على: أنّ الرواية مشهورة معروفة رواها أكثر من واحد، فهي مسندة وإن لم يصرّح فيها باسم الراوي.

وعلى فرض أنّها مرسلة فهي معتبرة أيضاً؛ فإنّ ابن أبي عمير لا يروي إلاّ عن الثقة على ما حقّقناه في محلّه.

ومنها: رواية عمّار بن مروان، قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) يقول: «فيما يخرج من المعادن، والبحر، والغنيمة، والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه، والكنوز، الخمس»(2) .

والرواية من حيث الدلالة تامّة، فإنّه وإن لم يصرّح فيها بالغوص بلفظه إلاّ أنّ في قوله(علیه السلام): «فيما يخرج من المعادن والبحر» دلالة عليه.

وأمّا سند الرواية فقد تقدّم البحث فيه.

ومنها: رواية محمّد بن عليّ عن أبي الحسن(علیه السلام): سألته عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ، والياقوت، والزبرجد، وعن معادن الذهب والفضّة، ما فيه

ص: 435


1- وسائل الشيعة 9: 494، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 7.
2- وسائل الشيعة 9: 494، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.

فقال: «إذا بلغ ثمنه ديناراً ففيه الخمس»(1) .

وهي من حيث الدلالة واضحة، وأمّا من حيث السند فإنّ محمّد بن عليّ بن أبي عبد الله لم يرد فيه توثيق، ولكن يمكن القول بوثاقته لرواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر عنه كما في هذه الرواية، وهي أمارة على الوثاقة كما حقّقناه في محلّه.

ومنها: رواية حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح(علیه السلام) قال: «الخمس من خمسة أشياء: من الغنائم، والغوص، ومن الكنوز، ومن المعادن، والملاحة...» الحديث(2) .

وهي وإن كانت واضحة الدلالة، إلاّ أنّها ضعيفة السند بالإرسال إلا أن يقال باعتبارها حيث إن حمّاد بن عيسى من أصحاب الاجماع فيحكم بصحّة ما رواه كما استظهرناه في محلّه .

ومنها: رواية أحمد بن محمد قال: حدّثنا بعض أصحابنا، رفع الحديث، قال: «الخمس من خمسة أشياء: من الكنوز والمعادن والغوص والمغنم

ص: 436


1- الكافي 1: 627، كتاب الحجّة، الباب 187، الحديث 21، ومن لا يحضره الفقيه 2: 39، الحديث 1646، وتهذيب الأحكام 4: 108، الحديث 355، ووسائل الشيعة 9: 493، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5 مع اختلاف يسير .
2- الكافي 1: 619، كتاب الحجّة، الباب 187، الحديث 4، وتهذيب الأحكام 4: 112، الحديث 365، مع اختلاف يسير، ووسائل الشيعة 9: 487، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4 .

الذي يقاتل عليه... » الحديث(1) . وهي وإن كانت واضحة الدلالة إلاّ أنّها ضعيفة بالإرسال والرفع والإضمار .

ومنها: ما نقله السيّد المرتضى نقلاً من «تفسير النعماني» بإسناده عن عليّ(علیه السلام) قال: «وأمّا ما جاء في القرآن من ذكر معايش الخلق وأسبابها فقد أعلمنا سبحانه ذلك من خمسة أوجه... والخمس يخرج من أربعة وجوه: من الغنائم التي يصيبها المسلمون من المشركين، ومن المعادن، ومن الكنوز، ومن الغوص»(2) .

وهي من حيث الدلالة واضحة، ولكنّها من حيث السند غير تامّة لضعف الطريق إلى تفسير النعماني.

والحاصل: أنّ الروايات الأربع الأولى معتبرة، وأمّا الثلاث الباقية فهي مؤيّدة، فأصل الحكم لا إشكال فيه.

ثمّ إنّ البحث يقع في جهات:

الجهة الأولى: في عموم الحكم:

ذهب المشهور إلى أنّ الخمس يتعلّق بالجواهر المستخرجة من البحر بالغوص معدنيّة كانت أو نباتيّة.

ص: 437


1- تهذيب الأحكام 4: 111، الحديث 363، ووسائل الشيعة 9 : 489، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 11 .
2- وسائل الشيعة 9: 489، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 12 .

وذهب صاحب المدارك إلى اختصاصه باللؤلؤ والعنبر(1)؛

لأنّهما المنصوص عليهما في صحيحة الحلبي، وأمّا سائر الروايات فهي ضعيفة الأسناد عنده، والتعدّي منهما إلى غيرهما من سائر الجواهر يتوقّف على القول بعدم الفصل، ولم يثبت.وقد أجيب:

أوّلاً: أن العنبر واللؤلؤ لم يردا في كلام الإمام(علیه السلام)، بل في كلام السائل، ولا خصوصيّة لهما على غيرهما من سائر الجواهر النفيسة، نعم لو ورد ذلك في كلام الإمام(علیه السلام) لكان لما ذكره وجه.

وثانياً: أنّ ما ادّعاه من ضعف أسناد الروايات الدالّة على الشمول وعدم الاختصاص باللؤلؤ والعنبر غير تام، فقد ذكرنا آنفاً ثلاث روايات معتبرة عدا صحيحة الحلبي تدلّ على أنّ الموضوع أعمّ.

ولا يخفى أنّ هذا الجواب إنّما يرد بناء على ما حقّقناه في مباحثنا الرجاليّة، ولذا فقد يقال بعدم وروده على صاحب المدارك.

الجهة الثانية: في الموضوع:

وقد اختلف في أنّ الموضوع هل هو ما يخرج من البحر؟ أو ما يخرج بالغوص؟

ومردّ ذلك إلى أنّ كلا العنوانين قد وردا في الروايات المتقدّمة، ففي

ص: 438


1- مدارك الأحكام 5: 375 .

صحيحتي الحلبي وابن أبي عمير عنوان الغوص، وفي معتبرتي عمّار بن مروان ومحمد بن عليّ بن أبي عبد الله عنوان ما يخرج من البحر، والنسبة بين العنوانين عموم من وجه، فإنّ مايخرج من البحر أعمّ ممّا يخرج بالغوص أو بغيره من الآلات. كما أنّ الغوص أعمّ ممّا يكون من البحر أو غيره من الشطوط والأنهار الكبيرة كدجلة والفرات والنيل.

ومن أجل ذلك اختلفت أنظار الأعلام في أنّ الاعتبار هل يكون بصدق كلا العنوانين معاً فيقيّد أحدهما بالآخر، فيكون الموضوع ما يخرج من البحر بالغوص كما اختاره جماعة منهم المحقّق في «الشرائع»(1)،

والمحقّق الهمداني في «المصباح»(2) .

أو أنّ الاعتبار بصدق كلّ منهما موضوعاً مستقلاً؛ لعدم الموجب لتقييد أحدهما بالآخر، كما اختاره السيّد الأستاذ(قدس سره) (3) .

أو أنّ كلا العنوانين لا اعتبار بهما؛ لأنّهما وردا مورد الغالب، والموضوع هو ما يخرج من الماء، سواء كان من البحر أو النهر، وسواء كان بالغوص أو بالآلة، بل حتّى لو كان على الساحل أو وجه الماء، كما يظهر من جماعة، منهم صاحب «الوسيلة»(4) .

أو أنّ الاعتبار بالغوص؛ لأنّه ورد في الروايات المعتبرة، وما ورد في بعضها

ص: 439


1- شرائع الإسلام 1: 180 .
2- مصباح الفقيه 14: 87.
3- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 109 .
4- الوسيلة إلى نيل الفضيلة، كتاب الخمس: 136.

بعنوان ما يخرج من البحر فإنّما ورد مورد الغالب، كما يظهر من «الجواهر»(1)،

و«المستمسك» (2) . هذا، ولكن السيّد الحكيم(قدس سره) حيث تأمّل في شمول الغوص في الأنهار والشطوط، وأشكل على الماتن(3) في تعميمه الحكم لها فيرجع قوله إلى الأول.

أو أنّ الاعتبار بما يخرج من البحر سواء كان بالغوص أو بغيره عكس القول المتقدّم كما يظهر من الشهيد الأوّل في «البيان» (4)، وجزم به الشهيد الثاني في «المسالك» (5) .

والحاصل: أنّ في المسألة خمسة أقوال.

أمّا القول الأوّل فقد استدل عليه بدليلين:

الأوّل: أنّ الظاهر من النصوص والفتاوى انحصار ما يجب فيه الخمس في خمسة أشياء، وعليه فلا يصح الأخذ بكلا العنوانين على نحو الاستقلال في الحكم، وإلّا لزم أن يكون الموجب للخمس ستّة أشياء، وهو منافٍ للحصر المذكور في الروايات، فلا محيص عن إرجاعها إلى معنى واحد إمّا بتقييد أحدهما بالآخر، أو بوجه آخر، والأشبه بالقواعد هو الأوّل؛ لصلاحيّة كلّ منهما لتقييد الآخر، ويجمع بينهما في مقام العمل بهذه القاعدة، فيكون

ص: 440


1- جواهر الكلام16: 41.
2- مستمسك العروة الوثقى9: 483.
3- مستمسك العروة الوثقى9: 483 و 486.
4- البيان، كتاب الخمس: 345.
5- مسالك الأفهام 1: 463.

الموضوع هو ما أخرج من البحر بالغوص.الثاني: أنّه على فرض التنزّل والشك في وجوب الخمس في غير مورد الجمع تصل النوبة إلى الأصل، والمرجع حينئذ هو أصالة البراءة عن الوجوب؛ لأنّ مجمع العنوانين هو الذي يجب فيه الخمس قطعاً، وأمّا غيره فمورد للشك وهو مجرى البراءة.

وأجيب عنهما:

أمّا الأوّل فبأنّ بعض هذه الروايات كصحيحة ابن أبي عمير وإن كانت ظاهرة في الحصر إلاّ أنّه لا مناص من رفع اليد عن هذا الظهور، حيث إنّ ما يخرج من البحر بغير الغوص يجب فيه الخمس قطعاً، إمّا من جهة صدق عنوان ما يخرج من البحر، وإمّا من جهة أنّه داخل في عنوان الفائدة والربح، ولا فرق بينهما في أصل الوجوب، وإنّما الفرق بينهما من جهة استثناء مؤونة السنة وعدمه، مع أنّه غير داخل في الخمسة المذكورة في الرواية.

واحتمال دخوله في عنوان الغنيمة الوارد في الرواية كما ذكره صاحب الوسائل(1) بعيد جداً، وإلاّ لدخل فيه سائر الأقسام المذكورة أيضاً كالمعادن والكنوز لا أن تجعل قسيمة للغنيمة.

وما قيل: من أنّه يمكن انتزاع عنوان واحد عام لكلا الأمرين فيقال مثلاً ما يخرج من الماء، وبذلك يندفع عدم الحصر.

ففيه: أنّ انتزاع العنوان الواحد العام يستلزم رفع اليد عن كلا العنوانين وهو

ص: 441


1- وسائل الشيعة 9: 486، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، ذيل الحديث 1 .

خلاف الفرض.

وأمّا عن الثاني فقد ظهر ممّا تقدّم أنّ مقتضى الأصل الجاري في المقام هو الاشتغال لا البراءة؛ وذلك لأنّه بعد القطع واليقين باشتغال الذمّة بخمس ما أخرج من البحر وأنّه ملك لأربابه فيتوقّف جواز التصرّف على إحراز الإذن، وما دام كونه شاكّاً ولم يحرز الإذن فلا يجوز له التصرّف في المال، ويجب إخراج خمسه بمجرد حيازته وتملّكه.

وفيه بحث سيأتي.

وأمّا القول الثاني وهو مختار السيّد الأستاذ(قدس سره) فقد استدل عليه(1) بأنّ المقتضي - وهو الأخذ بإطلاق كلّ من القسمين من الروايات المعتبرة التي دلّ بعضها على وجوب الخمس في كلّ ما أخرج بالغوص، سواء كان من البحر أو من غيره، وبعضها الآخر دلّ على وجوبه في كلّ ما أخرج من البحر سواء كان بغوص أو غيره - موجود، ولا تنافي بينهما؛ لأنّهما مثبتان، فلا وجه لرفع اليد عنهما وإرجاع كلّ منهما أو أحدهما إلى الآخر.

وما يمكن أن يكون مانعاً إحدى دعويين: إمّا دعوى انصراف المطلق إلى الفرد الغالب واختصاصه به، فيقال: إنّ الغالب في الغوص أن يكون في البحر، كما أنّ الغالب في الإخراج من البحر أن يكون بالغوص، فترفع اليد عن كلا الإطلاقين، ويقيّد كلّ منهما بالآخر.

وتندفع بعدم المحذور من شمول المطلق للفرد النادر، وإنّما الممنوع

ص: 442


1- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 109 - 110 .

اختصاصه به.

على أنّ الندرة غير مسلّمة فإنّ الغوص في الأنهار العظيمة لاستخراج ما أودعه الله سبحانه وتعالى فيها من الجواهر والنفائس أمر شائع متعارف، كإخراجها من البحر بالآلة.

وإمّا بدعوى أنّ المتراءى من النصوص هو انحصار ما يجب فيه الخمس في الخمسة، فلو كان كلّ من العنوانين المذكورين موضوعاً مستقلاً للحكم لأصبح متعلّق الوجوب ستة لا خمسة، وهو منافٍ للحصر.

وتندفع بما تقدّم في الجواب الأوّل عن القول الأول.

وللمناقشة في جميع ما ذكره(قدس سره) مجال:أمّا ما استدل به على وجود المقتضي ففيه: أنّه إنّما يتمّ فيما إذا احتمل تعدّد ملاك الوجوب، كما إذا ورد الأمر مثلاً بإكرام الهاشمي، ثمّ الأمر بإكرام العالم، ففي مثل هذا المورد حيث يحتمل أن يكون لكلّ من الحكمين موضوع مستقل أمكن القول بالأخذ بإطلاق كلّ من الأمرين.

وأمّا إذا لم يحتمل ذلك، بل كان الظاهر من النصوص بحسب الفهم العرفي، وكذا ظاهر فتاوى الأصحاب، أنّ الحكم واحد وموضوعه واحد، وهو إما الغوص، وإما ما يخرج من البحر - كما ورد في الروايات - وهما لفظان أريد بهما معنى واحد، والاختلاف إنّما هو من جهة التعبير لا من جهة تعدّد الحكم والموضوع، فلا يتمّ ما ذكره(قدس سره) من الأخذ بهما، كما في ما نحن فيه، فإنّ ظاهر ما يدلّ على وجوب الخمس فيما يخرج من البحر، وكذا

ص: 443

ما يدلّ على وجوب الخمس في الغوص، في نظر العرف أنّه حكم واحد لموضوع واحد وردا بتعبيرين مختلفين.

ويؤيّد ذلك ما ورد من الروايات الدالّة على أنّ الخمس في خمسة أشياء المستفاد منها الحصر. كما يؤيّده أيضاً ظاهر الفتاوى؛ فإنّه لم يرد فيها ما يدلّ على تعدّد الموضوع أو عدّهما عنوانين مستقلّين.

وما ذكره(قدس سره) من لزوم رفع اليد عن هذا الظهور بالنسبة إلى أرباح المكاسب، فهو على فرض التسليم، وعدم دخوله في الغنيمة مقصور على مورده بمقدار ما قام عليه الدليل دون رفع اليد عن أصل الظهور.

وأمّا ما ذكره(قدس سره) من جهة المانع فإيراده على الدعوى الأولى مندفع بأنّه إذا ادعي الانصراف إلى الفرد الغالب فبطبيعة الحال يتحقّق للّفظ ظهور في هذا الفرد، ولا يبقى وجه لاختصاصه بالفرد النادر.

فما ذكره من عدم المحذور في شموله للفرد النادر ليس جواباً عن دعوى الانصراف.

اللهمّ إلاّ أن يمنع أصل الانصراف كما ورد في ذيل كلامه.

وأمّا إيراده على الدعوى الثانية فيندفع بما ذكرنا من لزوم الاقتصار على المقدار المتيقّن وهو ما قام عليه الدليل كأرباح المكاسب ولا يتعدّى إلى غيره، هذا مع احتمال دخول الأرباح في أحد الخمسة.

وأمّا ما ذكره من أنّ الأصل الجاري في المقام - على فرض الشك - هو الاشتغال دون البراءة ففيه: أنّ المتيقّن هو تعلّق الخمس بالمال، وأنّه حقّ

ص: 444

لأربابه، أمّا أنّه لابدّ من أدائه فوراً أو بعد مضي سنة فهو مورد للشك، وفيه تجري أصالة البراءة عن الفوريّة، مضافاً إلى أن النوبة لا تصل إلى الأصل العملي، بل لنا في المقام أصل لفظي كما اعترف به - في غير هذا المقام (1) - من إطلاق أنّ الخمس بعد المؤونة يشمل جميع الموارد إلاّ ما استثني من الغنيمة والمعدن مثلاً، وهذا المورد مشمول لتلك الإطلاقات. فالظاهر أنّ ما أفاده(قدس سره) غير تام.

وأمّا القول الثالث فقد استدلّ عليه بأنّ المتّبع في مثل هذه الموارد التي ورد الحكم فيها على موضوعين بينهما عموم وخصوص من وجه، هو رعاية ما هو الأظهر بنظر العرف، وهو يختلف بحسب المقامات، فربّما يكون الأظهر في مقامٍ دخالة حيثيّة القيد وفي مقام آخر عدم دخالته وإلغاء خصوصيّته.

والظاهر من أخبار الباب ولاسيّما من جهة ذكر ما يخرج من البحر في رديف الكنوز والمعادن، كون المراد ما يستفاد من قعر الماء في قبال ما يستفاد من قعر الأرض .

نعم، القدر المتيقّن منه صورة كون المستفاد من سنخ الجواهر، لا مثل السمك ونحوه، والعرف يلغي خصوصيّة البحريّة وكذلك الغوصيّة قطعاً، فيشمل الحكم لما يستفاد من قعر الشطوط، ولما يخرج بالآلات بلا غوص .

ويرد عليه:

أوّلاً: أنّه لا فرق بين هذا القول وبين القول الثاني المتقدّم في النتيجة، وإذا لم يكن ثمّة فرق فلا وجه لرفع اليد عن كلّ من العنوانين والأخذ بالجامع

ص: 445


1- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 46.

الانتزاعي مع صلاحيّة الأخذ بكلّ منهما مستقلاً وبلا محذور.وثانياً: بأنّ رفع اليد عن كلا العنوانين وحملهما على معنى آخر وهو الجامع الانتزاعي في معنى أنّ بيان الإمام(علیه السلام) وكلامه قاصر عن أداء المراد وشموله لجميع الأفراد، وإنّما ذكر الإمام(علیه السلام) الموضوع بعنوان الفرد الغالب لا بعنوانه الواقعي.

وهذا - مضافاً إلى بعده في نفسه - خلاف للظاهر، اللهم إلاّ أن تكون هناك قرينة قائمة على ذلك.

وعليه، فالظاهر أنّ العنوانين معتبران أحدهما أو كلاهما.

وقد يقال: إنّ في المقام قرينتين على ذلك:

الأولى: ما ورد في صحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد الله(علیه السلام) عن العنبر وغوص اللؤلؤ، فقال: «عليه الخمس...» الحديث(1) .

حيث كان السؤال عن العنبر واللؤلؤ وهما موضوع واحد، كما يستفاد من سائر الروايات حيث ورد فيها أنّ الخمس في خمسة أشياء - كما تقدّم - ولم يذكر العنبر موضوعاً مستقلاً، على أنّ العنبر ربّما لا يؤخذ بالغوص، بل قد يكون على سطح الماء، أو على الساحل، وهو ضرب من الطيب معروف كما في معاجم اللغة وقيل: العنبر سمكة بحرية يتّخذ من جلدها التراس، والعنبر المشموم، وقيل: إنّه يخرج من قعر البحر يأكله بعض دوابّه لدسومته فيقذفه رجيعاً، فيطفو على الماء، فتلقيه الريح إلى الساحل(2) .

ص: 446


1- وسائل الشيعة 9: 498، الباب 7 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1 .
2- لسان العرب 3: 2775، مادّة «عنبر»، ومجمع البحرين: 415 - 416، مادّة «عنبر»، والصحاح 2: 759، مادّة «عنبر»، والنهاية في غريب الحديث 3: 306، مادّة «عنبر» .

والمستفاد من ذلك أنّه تارة يؤخذ من قعر البحر، وأخرى من سطح الماء، وثالثة من الساحل، فالذي يظهر من عطف غوص اللؤلؤ عليه أنّه لا يعتبر في العنبر الغوص، وإلاّ لكان داخلاً فيه، فالموضوع هو ما يخرج من قعر الماء، سواء كان بالغوص أو بغيره، في مقابل ما يخرج من قعر الأرض.

الثانية: ما ورد في صحيحة مسمع بن عبد الملك (في حديث) قال: قلت لأبي عبد الله(علیه السلام): إنّي كنت ولّيت الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم، وقد جئت بخمسها ثمانين ألف درهم، وكرهت أن أحبسها عنك، وأعرض لها، وهي حقّك الذي جعل الله تعالى لك في أموالنا، فقال: «وما لنا من الأرض وما أخرج الله منها إلاّ الخمس؟!! يا أبا سيّار الأرض كلّها لنا، فما أخرج الله منها من شي ء فهو لنا» قال: قلت له: أنا أحمل إليك المال كلّه، فقال لي: «يا أبا سيّار قد طيّبناه لك، وحلّلناك منه، فضمّ إليك مالك...»(1) .

والمستفاد منها أنّ الخمس في الغوص؛ لأنّه ممّا يخرج من الأرض بلا فرق بين البر أو البحر ولا خصوصيّة للبحريّة أو للغوصيّة، فكلّ ما يخرج من قعر الماء ففيه الخمس.

ولا يخفى أنّ كلتا القرينتين وإن يُستأنس منهما بالحكم ولكن لا توجبان الظهور والاطمئنان؛ وذلك لأنّ العنبر موضع خلاف بين الأعلام - كما سيأتي - ونسب إلى المشهور أنّ الخمس إنّما يتعلّق منه بما أخذ من قعر البحر بالغوص وأمّا ما يكون منه على وجه الماء أو على الساحل فلا.

ص: 447


1- وسائل الشيعة 9: 548، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام(علیه السلام)، الحديث 12.

وأمّا صحيحة مسمع فلا دلالة فيها؛ لأنّ تعليل الإمام(علیه السلام) بأن الأرض كلّها لهم(علیهم السلام) لا ينافي أنّ الخمس يتعلّق ببعضها دون بعض ممّا يخرج من الماء أو من الأرض كما في المعدن والكنز فإنّهما قسمان من الأرض لا كلّ الأرض.

والحاصل: أنّ هذا الدليل غير تامّ.

وأمّا القول الخامس فقد استدل عليه بأنّ التعبير بالغوص غالبي؛ لأنّ التصدّي لإخراج الجواهر من البحر غالباً، بل دائماً لم يكن إلاّ بالغوص، لأنّه كان الحرفة الوحيدة والطريق المنحصر في استخراج الجواهر البحريّة به، ولذلك جاء عنواناً وموضوعاً في بعض الروايات، وإلّا فلا خصوصيّة له فلو أخرجت الجواهر بالآلة لكانت أولى بتعلّق الخمس بها ممّا أخرج بعمل شاق خطير وهو الغوص.

وممّا يؤيّد هذا القول أنّ نفس الغوص لم يكن متعلّقاً للخمس لكونه حرفة وعملاً، وإنّما المتعلّق هو ما يحصل بالغوص أي ما يخرج به من البحر وهو عين العنوان الآخر.ومن ذلك يظهر أنّ المعتبر هو عنوان ما يخرج من البحر وإن كانت روايات الغوص أكثر.

وأمّا التصرّف في قيد البحريّة بأن يقال: إنّه من باب الغلبة أيضاً، وأنّ المراد به ما يخرج من الماء فهو خلاف ظاهر الجمود على العنوان، مضافاً إلى أنّ الإمام(علیه السلام) كان يمكنه أن يجعل العنوان هو ما يخرج من الماء ليكون شاملاً لغير البحر، مع أنّه لم يرد في شيء من النصوص ما يشعر بالأعمّية، وهذا ممّا يوجب التحفّظ على العنوان والالتزام به.

ص: 448

معدنيّاً كان او نباتيّاً لا مثل السمك ونحوه من الحيوانات[1].

ومن ذلك أيضاً يظهر ما في الاستدلال على القول الرابع من أنّ النصوص المشتملة على ذكر الغوص واردة في مقام الحصر، ولا كذلك نصوص ما يخرج من البحر فيتعيّن أن تكون مقيّدة لإطلاق غيرها(1) .

فالأقوى هو القول الخامس والأحوط هو الثاني.

الجهة الثالثة: في متعلق الخمس:

[1] هل متعلّق الخمس هنا مطلق ما يتكوّن في البحر ويُخرج منه من: الجمادات والنباتات النفيسة والأسماك ونحوها من الحيوانات، أو يختص بغير الأسماك والحيوانات؟

المشهور هو الثاني، بل لم يعرف القائل بالأوّل غير ما حكاه الشهيد في «بيانه»(2) عن بعض معاصريه، والمحكي عن الشيخ في «التذكرة»(3)

و«المنتهى»(4) من تعلّق الخمس به لو أخذ غوصاً.

ولكنّه ضعيف جداً، وذلك:

ص: 449


1- مستمسك العروة الوثقى 9: 483 .
2- البيان: 345 - 346 .
3- تذكرة الفقهاء 5: 420 .
4- منتهى المطلب 8: 536 .

أوّلاً: لعدم المقتضي، فإنّ ظاهر النصوص الواردة في المقام بعنوان ما يخرج من البحر أو بعنوان الغوص منصرفة عنه قطعاً إلى مايتكوّن في البحر من المعادن والنباتات، وما من شأنه أن يؤخذ بالغوص، خصوصاً مع اقتران الإخراج في النصوص بالمعادن التي تتكوّن في باطن الأرض، ومن المعلوم أنّ شأن الأسماك والحيوانات البحريّة أن تؤخذ بالاصطياد لا بالغوص.

وثانياً: جريان السيرة القطعيّة على عدم إخراج الخمس من الأسماك بعنوان ما يخرج من البحر أو بعنوان الغوص، ولو كان واجباً لشاع وذاع لكثّرة الابتلاء به، نعم إخراج الخمس منه بعنوان الفائدة أمر آخر.

ومن ذلك يظهر أنّ ما يؤخذ من سطح الماء لا يصدق عليه أنّه أُخرج من البحر، فإنّ الأخذ من وجه الماء غير الإخراج منه، وأولى بذلك ما يلقيه البحر على الساحل ففي هذين الموردين يجب الخمس فيهما بعنوان الفائدة والربح، وإن كان الأحوط إخراجه بعنوان الغوص.

ص: 450

فيجب فيه الخمس بشرط أن يبلغ قيمته ديناراً [1] فصاعداً فلا خمس فيما ينقص عن ذلك.

الجهة الرابعة: في مقدار النصاب:

[1] المشهور - نقلاً وتحصيلاً كما في «الجواهر»(1) - شهرة كادت تكون إجماعاً أنّ النصاب هو بلوغ قيمته ديناراً، وهو الظاهر من «التذكرة»(2)،

و«المنتهى» (3)، و«التنقيح» (4)، و«الحدائق» (5) .

ولم ينقل الخلاف إلاّ عن الشيخ المفيد في المسائل الغريّة فإنّه اعتبر بلوغ النصاب ما قيمته عشرون ديناراً، ولم يعرف له مأخذ كما اعترف به غير واحد(6).

أمّا المشهور فقد استدل بما رواه أحمد بن محمّد بن أبي نصر (البزنطي)، عن محمّد بن عليّ بن أبي عبد الله، عن أبي الحسن(علیه السلام) قال: سألته عمّا يخرج

ص: 451


1- جواهر الكلام 16: 40.
2- تذكرة الفقهاء 5:419.
3- منتهى المطلب 8: 551.
4- التنقيح الرائع 1: 338.
5- الحدائق الناضرة 12: 344 .
6- جواهر الكلام 16: 40.

من البحر من اللؤلؤ والياقوت، والزبرجد، وعن معادن الذهب والفضّة هل فيها زكاة؟ فقال: «إذا بلغ قيمته ديناراً ففيه الخمس» (1) .

ورواه الصدوق مرسلاً(2).

وقد أشرنا في ما تقدّم إلى أنّ سند الرواية وإن كان فيه محمّد بن عليّ بن أبي عبد الله ولم يرد فيه توثيق، إلاّ أنّه يكفي في توثيقه رواية البزنطي عنه، مضافاً إلى وقوعه في أسناد نوادر الحكمة(3) .

واحتمال كونه محمّد بن عليّ أبا سمينة المشهور بالكذب بعيد في نفسه؛ إذ لم يذكر بهذا العنوان في كتب الرجال، مع أنّه لو سلّم فلا يضرّ ذلك باعتبار الرواية، فإنّ للشيخ - كما في الفهرست(4) - طرقاً معتبرة إلى رواياته وكتبه ممّا ليس فيه غلو أو تدليس أو تخليط أو ممّا ينفرد به ولا يعرف من غير طريقه. كما وقع في طرق الصدوق إلى غير واحد من الرواة(5)، اللهم إلاّ أن يقال بأنّه غير أبي سمينة كما استظهره السيّد الأستاذ(قدس سره)(6) .

كما يبعد أيضاً احتمال سقوط كلمة عشرين من الرواية؛ بقرينة وحدة السياق، حيث اشتملت الرواية على ذكر معادن الذهب والفضّة عقيب ما

ص: 452


1- وسائل الشيعة 9: 493، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.
2- من لا يحضره الفقيه 2:21، الحديث 1646.
3- أصول علم الرجال بين النظريّة والتطبيق 1: 238 .
4- الفهرست: 146.
5- معجم رجال الحديث 17: 321 -322 .
6- معجم رجال الحديث 17: 321.

يخرج من البحر، كما في معتبرة عمّار بن مروان المتقدّمة. وكذا احتمال أنّ مستند الشيخ المفيد في فتواه هو وجود هذه الكلمة.

والوجه فيه: أنّ وحدة السياق لا توجب وحدة النصاب، وأنّ الشيخ المفيد(قدس سره) قد روى هذه الرواية في «المقنعة»(1) من دون كلمة عشرين، فالدعوى بأنّ مستنده هذه الرواية بعيد جداً.

وبالجملة فالظاهر: أنّ الرواية صالحة للاستناد إليها، وقد عمل بها المشهور، واستندوا إليها في اعتبار بلوغ النصاب ديناراً، وإن اختلفوا في المعدن.

وقد تقدّم الكلام فيه مفصلاً.

نعم، إذا قلنا بضعف الرواية وأنّ عمل المشهور ليس جابراً لضعفها، فإنّ تمّ الإجماع على اعتبار أنّ النصاب دينار، فهو وإلاّ فلابدّ من الأخذ بالإطلاقات الدالّة على وجوب الخمس في الغوص أو ما يخرج من البحر سواء كانت قيمته ديناراً أو أقل أو أكثر، كما اختاره السيّد الأستاذ(قدس سره) (2) .

وقد تقدّم الكلام فيه مفصلاً .

ص: 453


1- المقنعة: 283.
2- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 114.

ولا فرق بين اتحاد النوع وعدمه [1] فلو بلغ قيمة المجموع ديناراً وجب الخمس، ولا بين الدفعة والدفعات فيضّم بعضها إلى بعض .

مسائل:

المسألة الاولى: تنوّع جنس المخرج وتعدّد دفعات الإخراج:

[1] لا فرق في اعتبار النصاب المذكور بين اتحاد الجنس كما إذا كان جميع المخرج لؤلؤاً وبين اختلافه، كما إذا كان لؤلؤاً ومرجاناً؛ لإطلاق الغوص عليها.

وكذا لا فرق بين الدفعة والدفعات إذا كانت متعاقبة بحيث تعدّ غوصاً واحداً، وأمّا إذا كانت متباعدة كمرّة في اليوم الأوّل مثلاً وأخرى في اليوم الثاني بحيث لا يعدّ غوصاً واحداً عرفاً فالظاهر عدم ضمّ إحداهما إلى الأخرى، بل لابدّ من بلوغ كلّ منهما النصاب.

ص: 454

كما أن المدار على ما أخرج مطلقاً وإن اشترك فيه جماعة لا يبلغ نصيب كلّ منهم النصاب [1] ويعتبر بلوغ النصاب بعد إخراج المؤن كما مرّ في المعدن [2].

[1] وكذلك لا فرق بين كون الغائص واحداً أو اثنين أو جماعة على نحو الاشتراك، فإنّ ظاهر الأدلّة هو الاعتبار بما أخرج في غوص واحد سواء كان تحقّقه بشخص واحد أو أكثر. نعم، إذا لم يكن على نحو الشركة، بل كان إخراج كلّ منهم لنفسه فلابدّ من اعتبار النصاب في نصيب كلّ واحد.

المسألة الثانية: النصاب واستثناء المؤونة:

[2] هل يعتبر بلوغ النصاب قبل استثناء المؤن أو بعده؟

قد تقدّم الخلاف في ذلك في مبحثي المعدن والكنز، وقلنا: بأنّ الظاهر من الأدلّة هو اعتبار النصاب قبل إخراج المؤونة خلافاً للمشهور، وهكذا في المقام، فإذا بلغ المخرج من البحر ديناراً وكانت المؤونة نصف دينار وجب الخمس في النصف الآخر.

وأمّا على المشهور فلا يجب؛ لعدم بلوغ النصاب بعد استثناء المؤونة.

ص: 455

والمخرج بالآلات من دون غوص في حكمه على الأحوط [1] وأمّا لو غاص وشدّه بآلة فأخرجه فلا إشكال في وجوبه،نعم لو خرج بنفسه على الساحل أو على وجه الماء فأخذه من غير غوص لم يجب فيه من هذه الجهة بل يدخل في أرباح المكاسب فيعتبر فيه مؤونة السنة ولا يعتبر فيه النصاب.

المسألة الثالثة: أنحاء الإخراج من البحر:

[1] ما يؤخذ من البحر على أنحاء: فتارة يكون بالغوص وأخرى بالآلة، وثالثة يكون مركباً من الغوص والآلة، كما إذا غاص في الماء وشدّ محلّ اللؤلؤ بحبل ثمّ خرج من الماء وجر الحبل فأخرجه، و رابعة لا يكون بهما كما إذا كان على الماء أو على الساحل فأخذه.

أمّا الأوّل والثالث فهما داخلان فيما أخرج من البحر بالغوص بلا إشكال، لصدق الغوص عليهما معاً، وعدم اشتراط كونه مستقلاً.

وأمّا الثاني فيجب فيه الخمس بناء على إلغاء اعتبار عنوان الغوص وحمله على الغالب كما تقدّم، أو بناء على إلغاء كلا العنوانين، وأمّا بناء على اعتباره فقط، أو مع عنوان البحريّة معاً فلا يجب الخمس إلاّ من باب الفائدة فيدخل في أرباح المكاسب.

وأمّا الرابع فيجب فيه الخمس بناء على إلغاء كلا العنوانين، وأمّا بناء على اعتبارهما معاً أو اعتبار أحدهما فلا يجب من باب الغوص، بل من باب

ص: 456

(مسألة: 21) المتناول من الغوّاص [1] لايجري عليه حكم الغوص إذا لم يكن غائصاً وأمّا إذا تناول منه وهو غائص أيضاً فيجب عليه إذا لم ينو الغواص الحيازة وإلاّ فهو له ووجب عليه الخمس.

الأرباح والمكاسب بعد المؤونة ولا يعتبر فيه النصاب.

المسألة الرابعة: أخذ الجوهر من الغائص:

[1] وله أربع صور: فتارة يكون الأخذ خارج البحر، ولا إشكال في أنّه لا يجب على الآخذ الخمس، بل يجب على الغائص إذا كان ناوياً للحيازة والتملّك، وأخرى يكون الأخذ داخل البحر، وكان الآخذ تحت الماء بعنوان الغوص فإن لم ينو الغائص الحيازة وجب الخمس على الآخذ بلا إشكال؛ لصدق الإخراج من البحر بالغوص عليه من دون اعتبار للاستقلال في الغوص.وأمّا إذا كان الغائص ناوياً للحيازة وقصد التملّك، فإن قلنا باعتبار عنوان الغوص سواء اعتبرت البحريّة استقلالاً أو لا، فيجب الخمس على الغائص؛ لأنّه بمجرد أخذه من البحر صدق عليه الأخذ بالغوص فيجب عليه الخمس، وإن لم يخرجه من الماء؛ لعدم اعتبار ذلك فيه حسب الفرض.

وإذا قلنا بعدم اعتبار الغوص - كما تقدّم - بل المعتبر هو عنوان ما يخرج من البحر، أو قلنا باعتبار العنوانين معاً، فلا يجب الخمس على الغائص، بل يجب على الآخذ؛ لأنّه يصدق عليه أنّه أخرجه من البحر بالغوص.

ص: 457

وثالثة يكون الأخذ تحت الماء ولم يكن الآخذ ناوياً للغوص بأن كان ناوياً لعمل آخر، فأخذ الجوهر من الغائص. فإن قلنا باعتبار عنوان الغوص أو باعتباره مع عنوان ما يخرج من البحر معاً، فلا يجب عليه الخمس، فإذا كان الغائص غير ناوٍ للحيازة والتملّك، فلا يجب عليهما الخمس من هذه الجهة، ويجب من جهة الأرباح.

وإن قلنا باعتبار عنوان ما يخرج من البحر فقط، أو باعتبار كلّ من العنوانين مستقلاً، فيجب الخمس على الآخذ وهو واضح.

ورابعة يكون الأخذ خارج البحر ولم يكن الغائص ناوياً للحيازة والتملّك كما إذا غاص بعنوان آخر فصادفه شي ء وأخرجه فتبيّن أنّه جوهر وأخذه منه شخص، والظاهر عدم وجوب الخمس عليهما؛ بناء على اعتبار الأخذ بأحد العنوانين. أمّا عدم وجوبه على الغائص؛ فلأنّه لم يقصد التملّك وهو شرط في وجوب الخمس عليه، وأمّا عدم وجوبه على الآخذ؛ فلعدم صدق عنوان الغوص أو عنوان الإخراج من البحر عليه.

نعم، بناء على إلغاء كلا العنوانين فالظاهر وجوبه على الآخذ؛ لأنّه في حكم ما إذا كان على الساحل.

ص: 458

(مسألة: 22): إذا غاص من غير قصد للحيازة فصادف شيئاً ففي وجوب الخمس عليه وجهان والأحوط اخراجه [1].

المسألة الخامسة: الغوص من غير قصد للحيازة:

[1] إذا غاص في البحر غير قاصد للحيازة فظفر بجوهر، فهل يجب فيه الخمس؟

وقد احتاط الماتن بإخراج الخمس، والظاهر أنّه لا وجه للاحتياط، فإنّ المستفاد من الأدلّة على جميع الأقوال هو وجوب الخمس؛ وذلك لعدم اعتبار قصد الحيازة من أوّل الأمر في صدق الغوص، أو ما يخرج من البحر.

أمّا الثاني فواضح، وأمّا الأوّل فكذلك؛ لأنّه يصدق على ما أخرجه أنّه شي ء أخذه بالغوص، لا بوجه آخر من الآلات أو على الماء أو على الساحل، ولا يعتبر في صدق عنوان الغوص أن يكون مقيّداً بشي ء معيّن.

ص: 459

(مسألة: 23) إذا أخرج بالغوص حيواناً وكان في بطنه شي ء من الجواهر فإن كان معتاداً وجب فيه الخمس [1] وإن كان من باب الاتفاق بأن يكون بلع شيئاً اتفاقاً فالظاهر عدم وجوبه وإن كان أحوط.

المسألة السادسة: إخراج حيوان بالغوص كان في بطنه جوهر:

[1] إذا أخرج بالغوص حيواناً وكان في بطنه شي ء من الجواهر، فهل يجب فيه الخمس أو لا؟

وقد فصّل الماتن بين ما إذا كان ذلك معتاداً كالصدف الذي يتكوّن في بطنه اللؤلؤ على ما قيل، فيجب الخمس؛ لصدق عنوان الغوص لأجل العثور على تلك الجوهرة مثلاً، وبين ما إذا لم يكن ذلك متعارفاً، بل كان الأمر من باب الاتفاق، فلا يجب عليه الخمس؛ لعدم صدق عنوان الغوص المتعارف عليه، وإطلاقات أدلّة الغوص منصرفة عن مثله، نعم، يجب عليه الخمس من باب الفائدة والأرباح كما إذا وجدها خارج الماء.

ولكنّ الظاهر أنّ ذلك فيما إذا لم يعلم بوجود الجوهر في بطن الحيوان قبل الإخراج، وأمّا لو اتّفق له العلم بذلك صدق عليه عنوان الغوص كما تقدّم، فيجب عليه الخمس حينئذ.

ص: 460

(مسألة: 24) الأنهار العظيمة كدجلة والنيل والفرات حكمها حكم البحر بالنسبة إلى مايخرج بالغوص إذا فرض تكوّن الجوهر فيها كالبحر[1].

المسألة السابعة: حكم الأنهار العظيمة:

[1] ذكر الماتن أنّ حكم الأنهار العظيمة حكم البحر، وهو إنّما يبتني على القول بإلغاء العنوانين وهو واضح، وأمّا بناء على الأخذ بكلا العنوانين مستقلاً أو معاً أو الأخذ بأحدهما فقد يشكل - كما في المستمسك(1) - في إلحاق الأنهار الكبيرة في الحكم بوجهين:

الأوّل: من جهة القول بعدم صدق عنوان البحر عليها جزماً.

والثاني: من جهة أنّ عنوان الغوص الذي يتّخذ منه منصرف إلى الغوص في البحر، ولا يشمل الغوص في الأنهار.

والظاهر عدم تماميّة كلا الوجهين؛ وذلك لأنّ البحر قد يطلق على الأنهار العظيمة في اللغة والعرف، وورد في الآيات القرآنية كما في قوله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا}(2).

ص: 461


1- مستمسك العروة الوثقى 9: 483 و 486 .
2- سورة فاطر: 12.

(مسألة: 25) إذا غرق شي ء في البحر وأعرض مالكه عنه فأخرجه الغوّاص ملكه، ولا يلحقه حكم الغوص على الأقوى [1] وإن كان من مثل اللؤلؤ والمرجان لكن الأحوط إجراء حكمه عليه.

فلا وجه لاختصاصه بغير الأنهار، كما لا وجه للقول بانصراف الغوص إلى البحر فيما إذا فرض تكوّن الجواهر في الأنهار وتعارف النّاس على الغوص فيها للحصول عليها(1) .

المسألة الثامنة: إخراج متاع غارق:

[1] إذا غرق متاع في البحر وأعرض عنه صاحبه فأخرجه الغائص ملكه، ولا يجب فيه الخمس وفي هذه المسألة حكمان:

الأوّل: ملكيّة الغائص.

الثاني: عدم وجوب الخمس فيه من جهة الغوص.

أمّا الأوّل فقد دلّت عليه روايتا السكوني، وهما:

الأولى: ما رواه الكليني بسنده عن السكوني عن أبي عبد الله(علیه السلام) - في حديث - عن أمير المؤمنين(علیه السلام) قال: «وإذا غرقت السفينة وما فيها فأصابه النّاس، فما قذف به البحر على ساحله فهو لأهله، وهم أحقّ به، وما

ص: 462


1- الميزان في تفسير القرآن 17: 28 .

غاص عليه النّاس وتركه صاحبه فهو لهم»(1) .

الثانية: ما رواه الشيخ في التهذيب بسنده عن الشعيري - وهو السكونّي - قال: سئل أبو عبد الله(علیه السلام) عن سفينة انكسرت في البحر، فأخرج بعضه بالغوص، وأخرج البحر بعض ما غرق فيها، فقال: أمّا ما أخرجه البحر فهو لأهله، الله أخرجه، وأمّا ما أخرج بالغوص فهو لهم وهم أحقّ به(2) .

والفرق بين الروايتين: أنّ الأولى قيّد فيها ملك الغائص بترك صاحبه له، وهو معنى الإعراض عنه، وهو موافق لمقتضى القاعدة، وعليه مذهب المشهور من أنّ الإعراض سبب لقطع علقة الملكيّة بين المال وصاحبه، لا لمجرّد حكم التلف من الغرق في البحر ونحوه؛ فإنّ ذلك لا يوجب القطع، بل ما دام المال باقياً فصاحبه أحقّ به ما لم يعرض عنه.

وأمّا الرواية الثانية فهي مطلقة من هذه الجهة فتدلّ على أنّ المال للغائص سواء أعرض عنه صاحبه أو لا، فيكون الغرق في حكم التلف، وموجب لسلب الملكيّة عن صاحبه، ولكنّ الكلام في السند فإنّ الشيخ نقلها من كتاب نوادر الحكمة وذلك كافٍ في اعتبارها واعتبار سندها، ولذا فإنّ أمية بن عمرو الواقع في سندها وكذا منصور بن العبّاس وإن لم يرد فيهما توثيق إلاّ

ص: 463


1- الكافي 5: 244، كتاب المعيشة، الباب 145، الحديث 5، ومن لا يحضره الفقيه 3: 256، الحديث 3930 مرسل، وتهذيب الأحكام 7: 197، الحديث 956 مع اختلاف يسير، ووسائل الشيعة 25: 455، الباب 11 من أبواب اللّقطة، الحديث 1 .
2- تهذيب الأحكام 6: 256، الحديث 822، ووسائل الشيعة 25: 455، الباب 11 من أبواب اللّقطة، الحديث 2 .

أنّه حيث وقعا في نوادر الحكمة يحكم بوثاقتهما على ما حقّقناه في محله(1)، ولكنّ الإشكال في من روى عنه صاحب نوادر الحكمة، وهو أبو عبد الله، فإن كان هو البرقي فالرواية معتبرة، وإن كان هو الرازي الجاموراني - كما هو الظاهر - فهو ممّن استثناه ابن الوليد ويحكم بضعفه، وحينئذ فكيف نقل الشيخ هذه الرواية من دون أن يشير إلى ضعف سندها؟، فالمسألة تحتاج إلى تتبّع.

ولكن مقتضى الجمع بين الروايتين على فرض اعتبار سند الرواية الثانية هو حمل المطلق على المقيّد والأخذ بالرواية الأولى.

وأمّا الثاني فلانصراف العنوانين - وهما ما يخرج من البحر والغوص - إلى ما يتكوّن في البحر، وأمّا ما وقع في البحر من الخارج فلا يكون مشمولاً لهما، نعم إذا كان المال من اللؤلؤ والمرجان فلا يبعد شمولهما له؛ وذلك لعدم تقييد عنوان ما يخرج من البحر أو ما يكون بالغوص بما إذا كان الأخذ من البحر ابتدائياً، فما أخرج من البحر وأعيد فيه جرى عليه حكم الغوص.

ص: 464


1- أصول علم الرجال بين النظريّة والتطبيق 1: 210 .

(مسألة 26) إذا فرض معدن من مثل العقيق أو الياقوت أو نحوهما تحت الماء بحيث لا يخرج منه إلاّ بالغوص فلا إشكال في تعلّق الخمس به، لكنّه هل يعتبر فيه نصاب المعدن أو الغوص وجهان والأظهر الثاني[1].

المسألة التاسعة: إخراج معدن بالغوص:

[1] إذا فرض معدن في قعر البحر كالعقيق والياقوت، وأخرج بالغوص، فهل يدخل تحت عنوان الغوص، أو عنوان المعدن، أو تحت كلا العنوانين؟

الظاهر أنّه داخل في الغوص وذلك لوجهين:

الأوّل: من جهة إطلاق ما يخرج من البحر أو ما يخرج بالغوص، فإنّه شامل له بلا فرق بين أن يكون معدناً أو غيره، وانصرافهما إلى خصوص اللؤلؤ؛ لأنّه المتعارف بلا وجه، بل يدلّ على ما ذكرنا معتبرة محمّد بن عليّ بن أبي عبد الله(1)،

الواردة في أنّ الياقوت والزبرجد إذا أخرجا من البحر وجب فيهما خمس الغوص مع أنّهما من سنخ المعادن.

الثاني: أنّ أدلّة المعادن ظاهرة فيما إذا أخرجت من البحر كمعتبرة عمّار بن مروان(2) فيما يخرج من المعادن والبحر، ومعتبرة ابن أبي عمير(3) الدالّة

ص: 465


1- وسائل الشيعة 9: 493، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.
2- وسائل الشيعة 9: 494، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.
3- وسائل الشيعة 9: 494، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 7.

(مسألة: 27) العنبر إذا أخرج بالغوص جرى عليه حكمه [1] وإن أخذ على وجه الماء أو الساحل ففي لحوق حكمه له وجهان والأحوط اللحوق وأحوط منه إخراج خمسه وإن لم يبلغ النصاب أيضاً.

على أنّ الخمس على خمسة أشياء: منها المعادن والغوص. وغيرهما، وبقرينة المقابلة يستفاد منها ذلك.

وعلى فرض التسليم والقول بعدم دخوله تحت خصوص عنوان الغوص فهو داخل في كلا العنوانين، ويحكم فيه بخمس الغوص؛ وذلك لعدم التنافي بين العنوانين، فمن حيث دخوله تحت عنوان المعدن يجب فيه الخمس إذا بلغ قيمته عشرين ديناراً، ومن حيث دخوله تحت عنوان الغوص يجب فيه الخمس أيضاً إذا بلغ قيمته مقدار دينار، والأوّل لا ينفي وجوب الخمس عليه بعنوان آخر كالغوص أو الفائدة؛ لأنّه من قبيل عدم وجود الاقتضاء فيه لنفي الآخر فلا يزاحم ما فيه الاقتضاء.

المسألة العاشرة: أخذ العنبر من سطح الماء أو الساحل:

[1] لا خلاف في وجوب الخمس في العنبر كما في الجواهر(1)، بل

ص: 466


1- جواهر الكلام 16: 44.

في المدارك(1)، والحدائق(2)، الإجماع عليه، كظاهر الغنية(3)، أو صريحها، لصحيح الحلبي(4) المتقدّم، وإنّما الخلاف في أنّه عنوان مستقل لا نصاب له ويجب فيه الخمس سواء أخرج من البحر أو أخذ من سطح الماء أو من الساحل كما هو ظاهر النهاية(5)، والوسيلة(6)، والسرائر(7)، ومال إليه في المدارك(8)، والحدائق(9)، واستقربه في الكفاية(10)، أو أنّه داخل في عنوان الغوصمطلقاً فيراعى فيه نصاب الغوص، كما هو ظاهر كاشف الغطاء(11)، أو أنّه داخل في عنوان المعدن مطلقاً فيعتبر فيه نصابه، كما عن المفيد في المسائل الغريّة(12)، أو التفصيل بين ما إذا أخرج من البحر فيدخل في الغوص ويعتبر فيه نصابه، وبين ما إذا أخذ من سطح الماء أو الساحل فيدخل في

ص: 467


1- مدارك الأحكام 5:377.
2- الحدائق الناضرة 12: 345.
3- غنية النزوع 2: 129.
4- وسائل الشيعة 9: 498، الباب 7 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
5- النهاية ونكتها 1: 448 .
6- الوسيلة: 136 .
7- السرائر 1: 490 .
8- مدارك الأحكام 5: 378 .
9- الحدائق الناضرة 12: 346 .
10- كفاية الأحكام: 1: 211.
11- كشف الغطاء 4: 203 .
12- مدارك الأحكام 5: 378.

المعدن ويعتبر فيه نصابه، ونسب إلى الأكثر منهم المحقّق في الشرائع(1)، وصرّح به في المنتهى(2)، والتذكرة(3)، أقوال.

أمّا القول الأوّل فهو مقتضى إطلاق صحيحة الحلبي، قال: سألت أبا عبدالله(علیه السلام) عن العنبر وغوص اللؤلؤ، فقال: «عليه الخمس»(4) فإنّ ظاهرها وجوب الخمس فيهما مطلقاً، خصوصاً أنّ غوص اللؤلؤ ورد معطوفاً على العنبر في الرواية، وفيه الإشعار بالمغايرة، فلا يكون من الغوص ولا يعتبر فيه نصابه.

والإطلاق وإن ورد في كلام السائل ولكن حيث إنّ الإمام(علیه السلام) لم يفصّل ولم يقيّد في الجواب بشي ء آخر، فلا مانع من التعويل عليه.

وأمّا الثاني وهو أنّه يلحق بالغوص؛ لأنّه يخرج من البحر، فيلزم حينئذ إلحاق حكم الغوص به، فيعتبر فيه من النصاب ما يعتبر في الغوص.

وفيه: أنّ العنبر لو كان أخذه منحصراً من تحت الماء بالغوص لكان هذا الوجه تاماً، وأمّا إذا كان يؤخذ من سطح الماء أو الساحل فلا يتمّ.

وأمّا الثالث فقد استدل عليه بوجهين:

أحدهما: أنّ العنبر عين في البحر، نظير عين الزاج والكبريت، وقد تقدّم أنّ

ص: 468


1- شرائع الإسلام 1: 180.
2- منتهى المطلب 8: 536.
3- تذكرة الفقهاء 5: 420.
4- وسائل الشيعة 498:9، الباب 7 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1 .

المعدن إذا ظهر على وجه الأرض فأخذ ترتّب عليه حكم المعدن، وكذلك العنبر.

ثانيهما: أنّ العنبر حيث إنّ له مكاناً خاصّاً يتكوّن فيه وهو البحر فيصدق على ذلك المكان بأنّه معدن أي منبته وعلى ذلك فإنّ العنبر من المعادن.

ولكن في كلا الوجهين تأمل:

أمّا الأوّل ففيه: أنّ كون العنبر عيناً في البحر هو أحد محتملاته، وهناك عدّة محتملات أُخر كما تقدّم.

وأمّا الثاني ففيه: أنّ صدق المعدن على البحر خلاف ما يفهم عرفاً، وإلاّ لكان كلّ ما يوجد في البحر ويتكوّن فيه معدناً كالسمك مثلاً، فينبغي عدّه من المعادن، وهو معلوم البطلان، وعلى فرض التسليم فإلحاقه بالمعدن مطلقاً حتّى إذا أخذ بالغوص غير تامّ؛ لأنّ المعدن إذا أخرج بالغوص كان حكمه حكم الغوص كما تقدّم، فلابدّ فيه من اعتبار نصاب الغوص.

وأمّا الرابع فإنّه وإن كان شقّه الأوّل يمكن القول به إلاّ أنّ شقّه الثاني لا يخلو من الإشكال، فإنّ إلحاق العنبر المأخوذ من وجه الماء أو الساحل بالمعدن بلا وجه؛ لما تقدّم من عدم ثبوت كونه من المعادن.

ثمّ إنّ هناك وجهاً آخر اختاره السيّد الأستاذ(قدس سره)، وحاصله: أنّه إذا أخذ العنبر بالغوص فهو داخل فيه، ويعتبر نصابه، وإذا أخذ من وجه الماء أو الساحل فلا يلحق بالغوص ولا بالمعدن، بل له حكم آخر مستقل، وهو وجوب الخمس فيه مطلقاً؛ لعدم اندراجه في أحد العنوانين، وعدم دخوله في

ص: 469

الخامس: المال الحلال المخلوط بالحرام [1]، على وجه لا يتميّز مع الجهل بصاحبه وبمقداره فيحل بإخراج خمسه.

الروايات الحاصرة لا يضرّ بذلك، وما ذكره المحقّق الهمداني مدفوع بعدم ثبوت الإجماع التعبدي على الانحصار، وعدم المانع من جعله عنواناً مستقلاً مع مساعدة الدليل عليه(1).وهذا الوجه وإن كان متيناً إلاّ أنّ في رفع اليد عن إطلاق الصحيحة المتقدّمة التي تقتضي القول بوجوب الخمس فيه مطلقاً، مؤيداً بوروده في الرواية في مقابل الغوص إشكالاً، ومع الشك في تقييدها بأدلّة الغوص تجري أصالة الإطلاق وعدم التقييد، فالقول الأوّل وهو وجوب الخمس على العنبر مطلقاً بلا اعتبار أيّ من النصابين هو الأحوط إن لم يكن الأقوى.

المبحث الخامس: في المال الحلال المختلط بالحرام:

اشارة

[1] المال الحلال المخلوط بالحرام، وله عدّة صور: فإنّه تارة لا يعلم بالمقدار ولا بصاحبه، وأخرى يعلم بمقدار المال ولا يعلم بصاحبه، وثالثة العكس، ورابعة يعلم بهما معاً، وكلّ من ذلك إمّا أن يكون المال موجوداً في الخارج، وإمّا أن يكون ثابتاً في الذمّة، فهذه ثمان صور.

ويقع البحث في كلّ واحدة منها:

ص: 470


1- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 124.

الجهل بمقدار المال وبصاحبه:

أمّا الصورة الأولى وهي ما إذا كان مقدار المال وصاحبه كلاهما مجهولين مطلقاً، أي حتّى على نحو الإجمال، فالكلام فيها من جهتين:

الأولى: في الحكم: والمشهور وجوب الخمس في المال، بل نسب إلى أكثر علمائنا كما في المنتهى(1)، وإلى اجماعهم كما هو ظاهر الغنية(2)، وفي مقابله قول بعدم وجوب الخمس، بل يكون المال من مجهول المالك ويجري عليه حكمه، وهو المنسوب إلى جماعة من القدماء(3)، وتأمّل فيه المحقّق الأردبيلي(4)، ومال إليه صاحب المدارك(5)، وصاحب الذخيرة(6)، وغيرهما(7).

أمّا المشهور فقد استدل عليه بعدّة روايات:

منها: معتبرة عمّار بن مروان قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) يقول: «فيما يخرج من المعادن والبحر، والغنيمة، والحلال المختلط بالحرام، إذا لم يعرف صاحبه، والكنوز، الخمس»(8) .

ص: 471


1- منتهى المطلب 8: 541 .
2- غنية النزوع 2: 129.
3- مستند الشيعة 10: 39.
4- مجمع الفائدة والبرهان 4: 320 - 322 .
5- مدارك الأحكام 5: 387 - 389 .
6- ذخيرة المعاد: 484 .
7- مستند الشيعة 10: 39.
8- وسائل الشيعة 9: 494، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.

وهي واضحة الدلالة ومعتبرة السند كما تقدّم.

ومنها: معتبرة ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «الخمس على خمسة أشياء: على الكنوز، والمعادن، والغوص، والغنيمة» ونسي ابن أبي عمير الخامس(1) .

وذكر صاحب المستند عن بعض مشايخه نقلاً عن الصدوق أنّ الخامس الذي نسيه: مال يرثه الرجل وهو يعلم أنّ فيه من الحلال والحرام، ولا يعرف أصحاب الحرام بجنسه، فيخرج منه الخمس(2) .

وظاهر الكلام أنّ الصدوق(قدس سره) فسّر الخامس بذلك على وجه الجزم، فيمكن الاستدلال بهذه الرواية.

ولكن الموجود في «الخصال» هكذا: أظن الخامس الذي نسيه ابن أبي عمير مالاً يرثه الرجل... الخ(3) .

وهذا لا يفيد الجزم، وإنّما هو تصريح بالظن وبالمنسي، والظن ليس بحجّة في المقام، وعلى فرض صحّة ما ذكره في المستند فيحتمل أن يكون اجتهاداً من الصدوق حيث استفاد ذلك من الروايات كالرواية المتقدّمة، ومع ذلك فلا تكون حجّة على المطلوب.

وعلى كلّ حال، فلا يتمّ الاستدلال بهذه الرواية، والعمدة هي الرواية

ص: 472


1- وسائل الشيعة 9: 494، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 7.
2- مستند الشيعة 10: 39 - 40 .
3- الخصال: 291، باب الخمسة، الحديث 53 .

الأولى، وإن ناقش صاحب المستند فيها سنداً ودلالة.

أمّا في السند فقد ذكر أنّه تفحّص في كتاب الخصال فلم يجد الرواية.وأمّا في الدلالة فبأنّ المراد بالخمس في المقام ليس بمعناه المعهود، بل المراد هو دفعه بعنوان الصدقة(1) .

والظاهر عدم تماميّة كلا الأمرين؛ فإنّ الرواية مذكورة في نسخ «الخصال» الموجودة عندنا، كما أنّ صاحب «الوسائل»(2) نقلها عن «الخصال»، وكذا صاحب «الحدائق» (3)، وهكذا جامع أحاديث الشيعة(4) .

ولعل النسخة التي كانت عنده لم تكن الرواية فيها، كما أشار إلى ذلك بقوله: ولعل نسخ الكتاب مختلفة(5) . أو كانت موجودة ولم يظفر بها.

وعلى كلّ تقدير فالرواية ثابتة.

وأمّا حمل الخمس على خلاف المعنى المصطلح في الرواية فهو بعيد جداً؛ فإنّه خلاف الفهم العرفي، حيث جعل فيها رديفاً لسائر ما يتعلّق به الخمس من المعدن، والكنز، والغوص، وعلى هذا فلا وجه لحمل الخمس في الرواية على غير المعنى المصطلح.

ص: 473


1- مستند الشيعة 10: 39.
2- وسائل الشيعة 9: 494، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 7 .
3- الحدائق الناضرة 12: 343 .
4- جامع أحاديث الشيعة 8: 539، الباب 7 من أبواب فرضه وفضله وعلته، الحديث 3 .
5- مستند الشيعة 10: 40 .

ومنها: ما ورد في مكاتبة عليّ بن مهزيار قال: كتب إليه أبو جعفر(علیه السلام) - وقرأت أنا كتابه إليه في طريق مكة - قال «... ومثل مال يؤخذ لا يعرف له صاحب....»(1).

فإنّ المراد بالمال ليس هو الغنيمة؛ فإنّ لها صاحباً، إلاّ أنّه غير معلوم، كما أنّه لا يعرف مقداره؛ فإنّ هذا التعبير وارد في روايات المال المختلط بالحرام. والمال في هذه الرواية وإن كان مطلقاً، ولكن بقرينة سائر الروايات ومقتضى القواعد لابدّ من حمله على ما إذا لم يكن مقداره معلوماً. وعليه فالظاهر من الرواية هو المال المختلط بالحرام .

وهي من حيث السند معتبرة، فيمكن التمسّك بها في المقام .

ومنها: ما رواه الحسن بن زياد، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «إنّ رجلاً أتى أمير المؤمنين(علیه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي أصبت مالاً لا أعرف حلاله من حرامه، فقال له: أخرج الخمس من ذلك المال؛ فإنّ الله عزّوجلّ قد رضي من المال بالخمس، واجتنب ما كان صاحبه يعلم»(2).

فإنّها تدلّ على: أنّ حليّة المال المختلط بالحرام تتوقّف على إخراج الخمس.

وقد ناقش بعضهم فيها سنداً ودلالة:

أمّا من جهة السند فلاشتماله على الحكم بن بهلول وهو مجهول، والحسن

ص: 474


1- وسائل الشيعة 9: 501، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5 .
2- وسائل الشيعة 9: 505، الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1 .

بن زياد وهو مشترك بين الثقة وغيره.

وأمّا من جهة الدلالة ففيها:

أوّلاً: أنّ الظاهر من مورد الرواية هو المال المختلط بالحرام قبل الانتقال إليه بإرث أو هبة أو نحوهما من الأسباب، أي أنّه كان مختلطاً بالحرام عند المنتقل عنه، لا عند المنتقل إليه، حتّى يكون داخلاً في محل الكلام.

وثانياً: أنّه ورد في بعض النسخ: يعمل بدل يعلم، وقد فسّرت بأنّه إذا كان يعمل الربا، وذلك قرينة على أنّ المراد بالمال هو مال انتقل إليه من شخص آخر، فتكون الرواية أجنبيّة عن المقام.

ولكن يمكن الجواب عن كلتا المناقشتين:

أمّا من جهة السند فإنّ الحسن بن زياد وإن كان مشتركاً بين الثّقة وهو العطّار وغيره وهو الصيقل، وكلاهما مشهوران، ولكلّ منهما كتاب، مضافاً إلى أنّ للصيقل روايات كثيرة في الكتب الأربعة، ولكنّ الظاهر أنّ المراد من الحسن بن زياد عند إطلاقه هو الصيقل بقرينة أنّ الشيخ عنونه في الفهرست(1) بعنوان الحسن بن زياد، وذكر أنّ له كتاباً كما ذكر طريقه إليه، بعد أنذكر الحسن بن زياد العطّار وقال عنه: إنّ له أصلاً، فيعلم من ذلك أنّ المراد بالحسن بن زياد هو الصيقل؛ لعدم وجود شخص آخر بهذا الاسم وله كتاب غيره.

ثمّ إنّه وإن لم يرد فيه توثيق إلاّ أنّه يمكن اعتبار روايته والحكم بوثاقته

ص: 475


1- الفهرست: 132 / 189 .

لوقوعه في أسناد نوادر الحكمة(1) .

نعم، يبقى الإشكال من جهة الحكم بن بهلول فإنّه مجهول، على أنّ في هذا السند غرابة من جهة أخرى وهي أنّ عليّ بن جعفر يروي عن أبيه بثلاث وسائط؛ لأنّ السند هكذا: محمّد بن الحسن بإسناده عن سعد، عن يعقوب بن يزيد، عن عليّ بن جعفر، عن الحكم بن بهلول، عن أبي همام، عن الحسن بن زياد، عن أبي عبد الله.

وهو وإن كان في نفسه ممكناً إلاّ أنّ ذلك خلاف المتعارف.

وأمّا من جهة الدلالة فالظاهر من كلمة أصبت مالاً هو بمعنى كسبت مالاً كما ورد نظائره في سائر الروايات، لا أنّه بمعنى ورثت مالاً أو نحوه كالهبة وغيرها.

والشاهد على ذلك أنّه قال: لا أعرف حلاله من حرامه، ولو كان منتقلاً إليه بعد الاختلاط لكان عليه أن يقول لا أعرف أنّه حلال أو حرام؛ فإنّ المال إذا كان مخلوطاً عند المنتقل عنه فبعد الانتقال إليه لا يعلم أنّه أعطي مالاً حلالاً أو حراماً، على أنّ الظاهر وجود الحرام في المال وقد رضي الله بالخمس ليصبح حلالاً.

وأمّا وجود كلمة يعمل في بعض النسخ بدل يعلم فالظاهر أنّه من غلط النسّاخ؛ إذ لا يستقيم المعنى، فإنّ صاحب المال هو السائل لا المنتقل عنه، مع أنّه على هذا التقدير يدخل في المخلوط فلا وجه للاجتناب عنه كلّه.

ص: 476


1- تهذيب الأحكام 8 : 53، الحديث 181 .

هذا مع أنّ هذه اللفظة لم ترد في الكتب الروائية الأُخرى.

والحاصل أنّ الدلالة تامة، فتكون الرواية مؤيّدة.

ومنها: موثقّة السكونيّ عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «أتى رجل أمير المؤمنين(علیه السلام)، فقال: إني كسبت مالاً أغمضت في مطالبه، حلالاً وحراماً، وقد أردت التوبة، ولا أدري الحلال منه والحرام، وقد اختلط عليّ؟ فقال أمير المؤمنين(علیه السلام): تصدّق بخمس مالك، فإنّ الله قد رضي من الأشياء بالخمس، وسائر المال لك حلال»(1) .

وهي وإن كانت من حيث السند معتبرة إلاّ أنّها من جهة الدلالة غير واضحة؛ فإنّها بناء على نقل الصدوق ظاهرة في المطلوب، إذ ورد في الفقيه: «فأخرج خمس مالك»(2)، وأمّا بناء على نقل الكليني والشيخ وهو «تصدّق بخمس مالك»، فليست ظاهرة؛ إذ يحتمل أن يكون المراد هو الصدقة دون الخمس المصطلح، كما يحتمل أنّ المراد به الخمس، وحمل التصدّق على خلاف المعنى المصطلح.

وقد أيّد الاحتمال الثاني:

أوّلاً: بما ذكره شيخنا الأنصاري(قدس سره) من أنّه قيل: قد ورد في كثير من

ص: 477


1- الكافي 5: 125، كتاب المعيشة، الباب 73، الحديث 5، ومن لا يحضره الفقيه 3: 189، الحديث 3716 مع اختلاف يسير، تهذيب الأحكام 6: 320، الحديث 1065، ووسائل الشيعة 9: 506، الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4 مع اختلاف يسير أيضاً .
2- من لا يحضره الفقيه 3: 117، باب الدين والقروض، الحديث 35.

الروايات إطلاق الصدقة على الخمس(1) .

وقد أورد عليه السيّد الأستاذ(قدس سره): بأنّه لم تحضرنا رواية أطلق فيها التصدّق على الخمس(2) .

وفيه: - أنه قد ورد في بعض الروايات إطلاق الصدقة على الخمس.

منها: رواية حمّاد بن عمرو، وأنس بن محمد، عن أبيه جميعاً، عن الصادق، عن آبائه(علیهم السلام) (في وصيّة النبي(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) لعليّ(علیه السلام)) قال: «يا عليّ إنّ عبد المطّلب سنّ في الجاهليّة خمس سنن أجراها الله له في الإسلام - إلى أن قال - : ووجد كنزاً فأخرج منه الخمس، وتصدّق به»(3).ومنها: صحيحة عليّ بن مهزيار، قال: كتب إليه أبو جعفر (علیه السلام) «...وسأفسر لك بعضه إن شاء الله، إنّ مواليّ أسأل الله صلاحهم أو بعضهم قصّروا فيما يجب عليهم، فعلمت ذلك فأحببت أن أطهّرهم وأُزكّيهم بما فعلت من أمر الخمس في عامي هذا، قال الله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهّرهم وتزكّيهم ...}(4) .

ومنها: رواية الحسين بن محمّد بن عامر بإسناده رفعه، قال: قال أبو عبدالله(علیه السلام): «من زعم: أنّ الإمام يحتاج إلى ما في أيدي النّاس فهو

ص: 478


1- كتاب الخمس: 108.
2- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 128.
3- وسائل الشيعة 496:9، باب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.
4- وسائل الشيعة 501:9، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.

كافر، إنّما النّاس يحتاجون أن يقبل منهم الإمام، قال الله عزوجل: {خذ من أموالهم صدقة تطهّرهم وتزكيهم بها} (1) .

وعليه، فهذه الروايات تدلّ على أنّ الصدقة قد تطلق على الخمس، فما ذكره الشيخ(قدس سره) تام ولا إشكال فيه.

وثانياً: بما ورد في ذيل الرواية من قوله(علیه السلام): «فإنّ الله رضي من الأشياء بالخمس»(2)، فإنّ المراد الخمس المصطلح، ممّا يؤيّد: أنّ المراد بالتصدّق هو الخمس.

ولكن مع ذلك فالرواية ليست بواضحة وسيأتي الكلام فيها.

ومنها: ما رواه الصدوق قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين(علیه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين أصبت مالاً وأغمضت فيه أفلي توبة؟ قال: ائتني بخمسه، فأتاه بخمسه، فقال: هو لك، إنّ الرجل إذا تاب تاب ماله معه(3) .

وهي من جهة الدلالة واضحة، وأمّا من جهة السند فهي مرسلة، فإن قلنا بأنّها مشمولة لشهادة الصدوق في أول الفقيه بأنّه لا يودع كتابه إلاّ ما كان مستخرجاً من كتب مشهورة عليها المعوّل وإليها المرجع، فالرواية معتبرة،

ص: 479


1- الكافي 1: 616، كتاب الحجّة، الباب 186، الحديث 1، وجامع أحاديث الشيعة 8: 588، الباب 5 من أبواب من يستحق الخمس ومن لا يستحق، الحديث 1 .
2- وسائل الشيعة 9: 506، الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4 .
3- من لا يحضره الفقيه 2: 43، الحديث 1657، ووسائل الشيعة 9: 506، الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3 .

وقد حقّقنا ذلك في مباحثنا الرجالية(1) وإلاّ فلا.

ومنها: معتبرة عمّار، عن أبي عبد الله(علیه السلام) أنّه سئل عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل؟ قال: «لا، إلاّ أن لا يقدر على شي ء، يأكل ولا يشرب ولا يقدر على حيلة، فإن فعل فصار في يده شي ء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت»(2) .

وهي وإن كانت من حيث السند معتبرة إلاّ أنّ دلالتها غير واضحة؛ إذ لم يرد فيها فرض الاختلاط كما أنّها واردة في العمل للسلطان، ولعل إذن الإمام(علیه السلام) بالعمل إنّما هو في مقابل إرسال الخمس كما في غيرها من الروايات، وإلاّ فجميع المال حرام، وأمّا من جهة دفع الخمس فغير معلومة؛ إذ يحتمل أن تكون لجهة أنّ مال السلطان غالباً ما يختلط فيه الحلال بالحرام، ويحتمل أن تكون غنيمة فعليه أن يدفع خمسها، ويحتمل أن تكون لجهة أخرى.

وهذه الاحتمالات مانعة عن ظهور الرواية في المطلوب، وإن كان الاحتمال الأوّل هو الأقوى.

وأمّا القول الثاني فقد اُستدل عليه بوجهين:

الأوّل: بالأصل مع عدم نهوض الروايات المتقدّمة لرفع اليد عنه والتمسّك

ص: 480


1- أصول علم الرجّال بين النظريّة والتطبيق 1: 413 .
2- تهذيب الأحكام 6: 378، الحديث 36، ووسائل الشيعة 9: 506، الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2، ورواه الصدوق مرسلاً في المقنع: 539 .

بها على وجوب الخمس؛ لضعفها سنداً أو دلالة أو سنداً ودلالة.

الثاني: أنّه ورد بإزائها روايات تدلّ على نفي وجوب الخمس وجواز التصرّف في المال إذا لم يعرف الحرام بعينه.

منها: ما ورد في جواز الشراء من عامل السلطان في جباية الزكاة وهو يظلم، كموثّقة إسحاق بن عمّار، قال: سألته عن الرجل يشتري من العامل وهو يظلم، قال: «يشتري منه ما لم يعلم أنّه ظلم فيه أحداً»(1) .

وكصحيحة أبي عبيدة عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: سألته عن الرجل منّا يشتري من السلطان من إبل الصدقة وغنم الصدقة وهو يعلم أنّهم يأخذون منهم أكثر من الحقّ الذي يجب عليهم؟ قال: فقال: «ما الإبل إلاّ مثل الحنطة والشعير وغير ذلك، لا بأس به حتّى تعرف الحرام بعينه...»(2) .

ومنها: ما ورد في المال المخلوط بالربا، كما في صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: أتى رجل إلى أبي(علیه السلام) فقال: إنّي ورثت مالاً وقد علمت أنّ صاحبه الذي ورثته منه قد كان يربي، وقد عرف أنّ فيه ربا، وأستيقن ذلك، وليس يطيب لي حلاله لحال علمي فيه، وقد سألت فقهاء أهل العراق، وأهل

ص: 481


1- الكافي 5: 228، كتاب المعيشة، الباب 136، الحديث 3، وتهذيب الأحكام 6: 326، الحديث 1093، والمصدر نفسه 7: 119، الحديث 577، ووسائل الشيعة 17: 221، الباب 53 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2 .
2- الكافي 5: 227، كتاب المعيشة، الباب 136، الحديث 2، وتهذيب الأحكام 6: 326، الحديث 1094، والمصدر نفسه 7: 119، الحديث 579، ووسائل الشيعة 17: 219، الباب 52 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 5 .

الحجاز، فقالوا: لا يحل أكله. من أجل ما فيه، فقال له أبو جعفر(علیه السلام): «إن كنت تعلم بأنّ فيه مالاً معروفاً رباً وتعرف أهله فخذ رأس مالك، ورد ما سوى ذلك، وإن كان مختلطاً فكله هنيئاً، فإنّ المال مالك، واجتنب ما كان يصنع صاحبه...»(1) .

والظاهر عدم تماميّة كلا الوجهين:

أمّا الأوّل فلما تقدّم من أنّ بعض الروايات تامّة السند والدلالة، فلا تصل النوبة للتمسّك بالأصل.

وأمّا الثاني فلأنّ ما ذكر من الروايات لا يصادم تلك الروايات الدالّة على وجوب الخمس.

أمّا رواية الشراء ففيها:

أوّلاً: أنّها أجنبيّة عن محل الكلام؛ لعدم العلم الإجمالي بوجود الحرام فيما يشتريه من العامل أو السلطان، لاحتمال أن يكون ما اشتراه حلالاً لا ظلم فيه.

وثانياً: أنّه على فرض الإطلاق وشموله لموارد العلم الإجمالي فيمكن تقييدها بهذه الروايات الدالّة على وجوب الخمس فلا تنافي بينها.

وأمّا رواية الإرث ففيها:

أوّلاً: ما تقدّم من الاحتمال الأوّل؛ إذ لعل المال الذي ورثه كان خالياً

ص: 482


1- تهذيب الأحكام 7: 21، الحديث 70، ووسائل الشيعة 18: 129، الباب 5 من أبواب الربا، الحديث 3 مع اختلاف يسير .

ومصرفه [1] مصرف سائر أقسام الخمس على الأقوى.

عن الربا، وأنّ المراد من قوله(علیه السلام): «وإن كان مختلطاً فكله هنيئاً» هو كونه مختلطاً عند صاحبه وهو المورّث، فتكون الرواية أجنبيّة عن المقام.

وثانياً: أنّه على فرض كون المراد به الاختلاط عند الوارث فلابد من القول بتخصيص هذا المورد: إمّا لتسهيل الأمر على العباد في خصوص المال المختلط بالربا فهو حكم خاص بمورده، وإمّا أنّه وإن كان يتعلّق به الخمس لكن الإمام(علیه السلام) بمقتضى ولايته أحلّ ذلك المال للوارث.

والحاصل: أنّه مع وجود هذه الوجوه كيف ترفع اليد عن الروايات المتقدّمة الدالّة على وجوب الخمس، فالظاهر أنّ الأقوى هو قول المشهور.

الجهة الثانية: في مصرف خمس المال الحلال المختلط بالحرام:

اشارة

[1] وقد اختلفت كلمات الأعلام في أنّ مصرف خمس المال المختلط بالحرام هل هو مصرف الخمس؟ كما هو مذهب المشهور(1) أو أنّ مصرفه مصرف الزكاة؟ وهم الفقراء، كما هو قول صاحب المدارك(2) أو كلّ منهما على نحو التخيير؟ كما هو قول المحقق الهمداني(3).

ص: 483


1- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 124.
2- مدارك الأحكام 5: 388.
3- مصباح الفقيه، 14: 158/ - 160.

ومنشأ الخلاف هو ما ورد في الروايات، فلابدّ من ملاحظة ما يستفاد منها وهي على طائفتين:

الأولى: ظاهرة، بل بعض رواياتها صريح في أنّ مصرفه هو مصرف الخمس المصطلح كمعتبرة عمّار المتقدّمة، فإنّها واضحة الدلالة على ذلك، وهكذا سائر الروايات ما عدا رواية السكوني بناء على نقل الكليني والشيخ كما تقدّم.الثانية: ما يظهر منها أنّ مصرفه مصرف مجهول المالك، فيتصدّق به على الفقراء، كرواية السكوني بناء على نقل الكليني والشيخ، لقوله(علیه السلام): «تصدّق بخمس مالك» . وظاهر لفظ التصدّق هو أن مصرف هذا الخمس هو الفقراء ونحوهم ممّن تصرف الزكاة عليهم، كما في الآية الشريفة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ...}(1) .

ويؤيّد ذلك، بل يدلّ عليه الروايات الواردة في اللّقطة أو مجهول المالك الدالّة على أنّه إذا يئس من الظفر بصاحب المال تصدّق به عنه؛ وأنّ ذلك أقرب طرق إيصال النفع إليه، فيدور الأمر حينئذ بين قوّة الظهور في إحدى الطائفتين، فإن كانت الأولى أقوى ظهوراً فالأرجح قول المشهور، وإن كانت الثانية هي الأقوى ظهوراً فالأرجح قول صاحب المدارك، وإلاّ فالتخيير وهو قول المحقق الهمداني.

ولا يبعد القول بأنّ ظهور الطائفة الأولى أقوى، وذلك من وجوه:

ص: 484


1- سورة التوبة: 60 .

الأوّل: أنّ ذكره في عداد سائر ما يجب فيه الخمس من المعدن والكنز وغيرهما ممّا يقوّي ظهور الخمس في معناه المصطلح، بل هو كالصريح في ذلك، فلا يقاومه ظهور التصدّق في معناه الاصطلاحي وهو التصدّق على الفقراء.

الثاني: أنّ التصدّق قد أطلق في لسان الأدلّة على الخمس أيضاً كما تقدّم بعض ذلك، وهذا يوجب ضعف ظهوره في التصدّق على الفقراء فيما نحن فيه، بل يحتمل أنّ المراد منه هو المعنى الجامع وهو كلّ مال أو عمل يتقرّب به إلى الله سبحانه الشامل للخمس أيضاً.

الثالث: أنّه قد ورد في ذيل هذه الرواية قوله: «فإنّ الله قد رضي من الأشياء بالخمس» ولم يعهد أنّ الله تعالى قد أوجب الخمس في ما عدا الموارد المعروفة من الغنيمة والمعدن والكنز والغوص وغيرها ممّا هو معلوم، فكأنه(علیه السلام) أراد تطبيق كبرى الخمس بمعناه المصطلح على هذا المورد أيضاً.

هذا كلّه مع أنّ أصل وجود كلمة «تصدّق» غير ثابت، فمن جميع ذلك يظهر قوة قول المشهور وضعف القول الثاني.

وأمّا القول الثالث وهو ما ذهب إليه المحقق الهمداني من التخيير بين الأمرين من إخراج الخمس وصرفه على أربابه، وبين التصدّق به على الفقراء، فقد قال في وجه ذلك: إنّ المستفاد من رواية السكوني ومرسلة المفيد هو أنّ المراد بثبوت الخمس في الحلال المختلط بالحرام هو أنّ الشارع جعل تخميسه بمنزلة تشخيص الحرام وإيصاله إلى صاحبه في كونه موجباً لحل الباقي؛ لقوله(علیه السلام): «إن الله قد رضي من الأشياء بالخمس وسائر المال

ص: 485

لك» فليس ثبوت الخمس فيه كثبوته في الكنز ونحوه في كونه بالفعل مملوكاً لبني هاشم، وإن كان قد يوهمه خبر ابن مروان.

والذي يتحصّل من مجموع النصوص والفتاوى بعد إرجاع بعضها إلى بعض إنّما هو شرعيّة الخمس لتحليل المال الممتزج بالحرام، لا كون المال مشتركاً بينه وبين أرباب الخمس، وليس الأمر بالخمس والصدقة في مثل المقام ظاهراً في الوجوب العيني - والصحيح (التعيني) - حتّى لا يجوز التخلّص من الحرام بنحو آخر، فلا ينافيه جواز التصدّق بجميع المال، أو بجميع ما فيه من الحرام في ضمن المجموع، أو بمقدار الخمس منه عن صاحبه، كما يستفاد منها أيضاً أنّه بمنزلة ما لو قال لو أخرجت خمس ذلك المال يحل لك الباقي، لا أنّه يجب عيناً عليك إخراج خمسه تعبّداً.

فإذا قلنا: بظهور خبر السكوني في التصدّق بالخمس، لا الخمس المصطلح - كما يقتضيه الإنصاف - لكان مقتضى الجمع بينه وبين غيره ممّا ظاهره إرادة الخمس المعروف هو الالتزام بجواز كلّ منهما، وكون المكلّف مخيّراً بين التصدّق بخمسه أو صرفه في مصرف الخمس المصطلح، فالقول به غير بعيد، إن لم ينعقد الإجماع على خلافه، فليتأمل(1).

وما ذكره(قدس سره) واضح لا نرى فيه شيئاً، وإن كان السيّد الأستاذ(قدس سره) قد أطال في مناقشته(2). لكن ما ذكره المحقق الهمداني يبتني على ثبوت كلمة التصدّق في رواية السكوني، وأمّا مع فرض عدم ثبوتها كما تقدّم فلا تصل

ص: 486


1- انظر مصباح الفقيه 14: 158 -- 160 .
2- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 129 - 133 .

وأمّا إن علم المقدار ولم يعلم المالك تصدّق به عنه، والأحوط أن يكون بإذن المجتهد الجامع للشرائط[1].

النوبة إلى هذا القول.والنتيجة أن هذا القول والقول الثاني كليهما من وادٍ واحد.

العلم بالمقدار والجهل بصاحب المال:

[1] وأمّا الصورة الثانية: وهي ما إذا علم بالمقدار وجهل المالك فبيانه: أنّ العلم بالمقدار تارة يكون بشخصه كما إذا علم أنّ هذا الدينار بخصوصه ملك للغير، ولا يتحقّق حينئذ فيه اختلاط، وأخرى يعلم بالمقدار لكن لا بشخصه، وهذا يوجب الاختلاط، إمّا على نحو الإشاعة، كما إذا علم بأنّ ثلث المال للغير، وإمّا على نحو الكلي في المعيّن، كما إذا علم بأنّ ديناراً واحداً من بين عدّة دنانير للغير، وعلى كلّ تقدير فتارة يكون هذا المقدار مساوياً لخمس المال، وأخرى يكون أقل، وثالثة يكون أكثر.

والمشهور في جميع هذه الحالات هو التصدّق بالمقدار مطلقاً، بل استظهر شيخنا الأنصاري(قدس سره) اتفاق الأصحاب عليه وعدم الخلاف فيه(1) .

ولكن يظهر من صاحب الحدائق قولٌ بوجوب الخمس مطلقاً إلاّ مع العلم بكون مقدار الحرام أكثر من الخمس فيجب التصّدق بالزائد، واختار هو

ص: 487


1- كتاب الخمس: 252.

وجوب الخمس مطلقاً حتّى في صورة العلم بأنّه أكثر(1)، ففي المقام أقوال ثلاثة:

أمّا القول الثاني فإنّه وإن نسبه صاحب «الحدائق» إلى بعضهم، لكن لم يعرف له قائل، ولم يذكر له مستند؛ وذلك لأنّه إمّا أن يقال: بأنّ روايات الباب لا تشمل هذه الحالة أصلاً، بل هي ظاهرة فيما إذا لم يعلم بالمقدار مطلقاً، ولابد حينئذ من الالتزام بقول المشهور، وإمّا أن يقال إنّها شاملة لها، وهي تدلّ على حليّة الباقي، ولا دليل حينئذ على وجوب التصدّق بالزائد، وبضميمته إلى الخمس يصبح الباقي حلالاً، كما هو مقتضى القول الثالث، فالالتزام بالشمول وعدمه معاً ممّا لا وجه له.

وأمّا القول الثالث فاستدل عليه صاحب الحدائق(2):

أوّلاً: بأنّ روايات الخمس تشمل بإطلاقها غير المتميّز سواء كان الاختلاط بالأقل أو بالأكثر، كموثقة عمّار بن مروان وغيرها، بخلاف روايات التصدّق فإنّها مختصّة بالمال المتميّز، وأمّا المختلط فلم يرد ما يدل على التصدّق به، ولو في رواية واحدة، وبناء على ذلك فما نحن فيه داخل في أخبار الخمس.

وثانياً: أنّ قياس المال المختلط بالحرام بالمتميّز قياس مع الفارق؛ وذلك لأنّ المالك للمال المتميّز معيّن، غير أنّه مجهول الشخص، وحيث لا يمكن إيصال المال إليه فيتصدّق به عنه، فإنّه نحو إيصال إليه، وأمّا المالك للحصّة المختلطة فغير معلوم، بل المال مشترك بينهما، ومن المعلوم أنّ عزل حصّة

ص: 488


1- الحدائق الناضرة 12: 365 .
2- الحدائق الناضرة 12: 364 - 365 .

الغير يحتاج إلى إذن من المالك أو وليّه؛ لأنّ الشركة سارية في كلّ درهم درهم وجزء جزء منه، فالتقسيم على نحو تتشخّص به حصّة الغير يحتاج إلى دليل، وهو مفقود في المقام، فلابدّ من الرجوع إلى أخبار الخمس.

هذا، ولكن ناقش السيّد الأستاذ(قدس سره) في كلا الوجهين:

أمّا في الوجه الأوّل فبأنّ اختصاص نصوص التصدّق بمجهول المالك بالمال المعيّن المتميّز وعدم شمولها للمختلط لا أثر له ولا دخل له في المقام، وإنّما المؤثر هو إطلاق أدلّة الخمس وعدمه؛ وذلك لأنّه إذا قلنا بإطلاق أدلّة الخمس، وأنّ المال المختلط بالحرام مطلقاً، سواء كان المقدار معلوماً أو مجهولاً يجب إخراج خمسه، فلابدّ من العمل بها، وإن كانت أدلّة التصدّق مطلقة فإنّها تقيّد بروايات الخمس.

وأمّا بناء على عدم إطلاق أدلّة الخمس فلابدّ من القول بالتصدّق، سواء قلنا بأنّ أدلّة التصدّق مطلقة أو لم نقل، أو قلنا بأنّها مختصّة بما إذا كان المال متميّزاً كما هو الظاهر، فإنّ روايات التصدّق كلّها واردة في خصوص المال المميّز الذي كان مالكه مجهولاً، إلاّ رواية عليّ بن أبي حمزة، فإنّ الظاهر منها أنّها مطلقة تشمل المميّز وغيره؛ لأنّها وردت في من أصاب مالاً كثيراً من بني أُميّة، وقد أغمض في مطالبه، وأمره الإمام(علیه السلام) بالخروج عن جميع ما كسب في ديوانهم بالردّ إلى من عرف صاحبه والتصدّق عمّن لم يعرف(1).

فإنّه من البعيد جدّاً أن يكون هذا الشخص عارفاً بجميع أشخاص الأموال

ص: 489


1- الكافي 5: 100، كتاب المعيشة، الباب 62، الحديث 4، وتهذيب الأحكام 6: 288، الحديث 920، ووسائل الشيعة 17: 199، الباب 47 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1 .

التي تكون لغيره، بل بطبيعة الحال يكون بعضها معلوماً، وبعضها مختلطاً كالنقود مثلاً، فأعطاه الإمام(علیه السلام) الولاية بإعطاء من يعلم من هذا المال مقدار ماله، والتصدّق عمّن لا يعرف أيضاً بمقدار ماله.

ولكنّها ضعيفة السند بإبراهيم بن إسحاق النهاوندي، وهو ضعيف، فلا يعتمد عليها.

فتبيّن: أنّ مورد روايات التصدّق خاص، ولا يشمل المقام إلاّ بناء على إلغاء الخصوصيّة بأن يقال: إن السؤال وإن وقع في كلام الراوي عن المميّز ولكن بحسب المتفاهم العرفي لا خصوصيّة له من جهة المورد، فتكون شاملة لغير المميّز أيضاً.

وعلى أيّ تقدير، فالعبرة بشمول أدلّة الخمس وعدمه، ولا أثر لإطلاق أدلّة التصدّق وعدمه.

والظاهر عدم إطلاق أدلّة الخمس، والأقوى أنّها في نفسها قاصرة الشمول؛ إذ لا يكاد يحتمل وجوب التخميس على من يعلم بوجود دينارين محرّمين في ضمن عشرة آلاف من دنانيره المحلّلة، كما لا يحتمل الاكتفاء بالتخميس لمن يعلم بوجود دينار أو دينارين محلّلين قد اختلطا في ضمن عشرة آلاف من الدنانير المغتصبة، بحيث يحلّ له الباقي بعد أداء خمس المجموع، ولا سيّما إذا كان متعمّداً في الخلط، للتوصّل إلى هذه الغاية، فإنّ هذا لعلّه مقطوع البطلان بضرورة الفقه.

فالظاهر من أخبار الخمس أنّ مقدار الحلال والحرام مشكوك من أول الأمر بحيث لا يعلم الحلال من الحرام، الظاهر في الجهل المطلق.

ص: 490

وأمّا في الثاني فبأنّه على فرض عدم شمول أخبار الخمس للمقام فإمّا أن نقول بشمول أخبار التصدّق من باب إلغاء خصوصيّة المورد، وأنّ الإمام(علیه السلام) أعطى من بيده المال الولاية لإيصاله إلى صاحبه ولو بأن يدفع له القيمة، سواء كان مميّزاً أو غير مميّز كما دلّت عليه صحيحة يونس بن عبد الرحمن حيث قال فيها الإمام(علیه السلام): «فبعه وتصدّق بثمنه، قال له: على من، جعلت فداك؟ قال: «على أهل الولاية»(1) .

وفي معتبرة داود بن أبي يزيد، عن أبي عبد الله(علیه السلام) حيث قال(علیه السلام): «... فاذهب فاقسمه في إخوانك..»(2) .

وبناء على هذا فالحكم في المقام واضح.

وأمّا إذا لم نقل بشمولها، وقلنا باختصاصها بالمال المتميّز فيمكن تعيين المخلوط وعزله أو تقسيمه بمراجعة الحاكم الشرعي من الإمام أو نائبه، ولا أقلّ من عدول المؤمنين؛ إذ أنّ الأمر يدور في المقام بين أن يمنع الشخص من التصرّف لمجرّد الاختلاط، وبين أن يبقى المال حتّى يتلف، وبين أن يتملّك، وبين عزله بالرجوع إلى الحاكم الشرعي أو عدول المؤمنين، وإيصاله إلى صاحبه بالتصدّق عنه، فإنّه نحو إيصال إليه، والوجوه الثلاثة الأولى كلّها باطلة، فيتعيّن الوجه الأخير، فما ذكره المشهور هو الأوجه(3) .

ص: 491


1- تهذيب الأحكام 6: 455، الحديث 29، ووسائل الشيعة 25: 450، الباب 7 من أبواب اللّقطة، الحديث 2 .
2- الكافي 5: 138، كتاب المعيشة، الباب 81، الحديث 7، ومن لا يحضره الفقيه 3: 296، الحديث 4066، ووسائل الشيعة 25: 450، الباب 7 من أبواب اللّقطة، الحديث 1.
3- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 134 - 137 .

هذا، وقد يقال - تأييداً لصاحب الحدائق - : بأنّ روايات الخمس تشمل ما إذا كان مقدار الحرام أكثر من مقدار الحلال، وذلك بما ورد في بعض الروايات، كمعتبرة عمّار عن أبي عبد الله(علیه السلام) أنّه سئل عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل؟ قال: «لا، إلاّ أن لا يقدر على شي ء، يأكل، ولا يشرب، ولا يقدر على حيلة، فإن فعل فصار في يده شي ء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت»(1).

فإنّه مع نهي الإمام(علیه السلام) عن العمل للسلطان إذ أنّ أمواله كلّها أو أكثرها من الحرام إلاّ أنّه(علیه السلام) حكم بإخراج الخمس وحلّية الباقي من دون تفصيل بين القلّة والكثرة.

ولكنّ الظاهر عدم تماميّة هذا التأييد؛ وذلك لأنّه وإن لم يكن في المقام تفصيل بين الأقل والأكثر ولكن لعلّه لعدم المورد، إذ المفروض أنّ الشخص لم يكن له شي ء ولا يقدر على الأكل والشرب وليس له حيلة، فكلّ ما يصل إليه فهو من الجائر، وحيث إنّ أموال الجائر اختلط فيها الحلال بالحرام ولم يعلم بمقدار الحرام منه ولا بصاحبه وحينئذ فاللازم هو إخراج الخمس.

وعلى فرض التسليم بأنّ جميع المال أو أكثره حرام فما حكم به الإمام(علیه السلام) حكم خاصّ من مقام ولايته(علیه السلام)، وأنّه أذن في التصرّف في المال بعد إخراج خمسه، فليست الرواية شاهدة على المدعى، على أنّه قد ورد ما يخالفها كما في رواية عليّ بن أبي حمزة حيث أمر الإمام(علیه السلام) بالخروج عن جميع ما اكتسبه من ديوان الجائرين فخرج منه حتّى بقي وليس له مال ولا حيلة، ولذا

ص: 492


1- وسائل الشيعة 9: 506، الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.

قال عليّ بن أبي حمزة: فقسمت له قسمة واشترينا له ثياباً وبعثنا إليه بنفقة(1).

فالظاهر أنّ هذا الحكم ولائي خاص منه(علیه السلام).

وقد يقال - تأييداً للقول الثاني الذي نقله صاحب الحدائق(قدس سره) عن بعضهم - : بأنّ لروايات الخمس إطلاقاً بالنسبة للمال المختلط بالحرام، فتشمل ما إذا كان مجهولاً مطلقاً، أو تفصيلاً وإن علم بمقداره إجمالاً؛ إذ يصدق عليه أنّه مختلط لا يعرف صاحبه، ولكن حيث إنّه قد علّل إعطاء الخمس بأنّه موجب لتطهير المال، فإن كان الحرام أقل من الخمس فالتطهير يتحقّق بدفع مقداره، ولا حاجة إلى إخراج الخمس، وحينئذ يكون خارجاً عن الحكم.

وأمّا إذا كان أكثر فيلزم إخراج الخمس حتّى يتحقّق تطهير المال، فإنّ موضوع الخمس وهو المال المختلط بالحرام باق بعد إعطاء الخمس، وحينئذ فإمّا أن يكرّر الخمس حتّى يعلم بعدم بقاء الحرام في المال، وإمّا أن يعطي الزائد على الخمس مستقلّاً قبل إخراج الخمس ثمّ التخميس بعد ذلك، وبه يحصل العلم بطهارة المال من الحرام.

والظاهر عدم تماميّة هذا الوجه أيضاً، وذلك:

أوّلاً: أنّا تارة نقول بانصراف أخبار الخمس عن شمولها لما علم إجمالاً بمقدار الحرام إذا كان المعلوم أقل، وحينئذ لا فرق بين الأقل والأكثر، فإنّ معنى الانصراف هو أنّ الموضوع في هذه الأخبار هو المال المختلط من جهة الشخص والمقدار معاً، فلا وجه للتفصيل بين الأقل والأكثر، وإلاّ لزم الجمع

ص: 493


1- وسائل الشيعة 17: 199، الباب 47 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1.

بين الانصراف وعدمه في الأكثر على فرض بقاء مقدار أقل من الخمس في المرّة الثانية، كما إذا علمنا بوجود عشر الخمس مثلاً في الباقي بعد إخراج الخمس الأول، وهذا ممّا لا يمكن الالتزام به.

وأخرى نقول بأنّها شاملة لما علم إجمالاً بالمقدار، وليست منصرفة عنه، وأنّ المراد بالاختلاط من جهة الشخص فقط، فيتعيّن المصير إلى قول صاحب الحدائق.

وثانياً: بناء على ما ذكر في ذيل الرواية بأنّ الخمس إنّما شرّع لتطهير المال، فالظاهر أنّه لابدّ من القول بالانصراف إلى خصوص الأكثر لا الأقل؛ إذ أنّ إخراج الخمس موجب لطهارة المال فيما إذا كان مقدار الحرام أقل من الخمس قطعاً.

وأمّا إذا علمنا أنّ مقدار الحرام أكثر فإخراج الخمس لا يوجب التطهير، وحينئذ فلا موجب للحكم بإخراج الخمس على العكس ممّا ذكره القائل وأمّا تكرار الخمس فلا دليل عليه.

وثالثاً: حيث إنّ الحكم بوجوب الخمس في المال المختلط بالحرام أمر تعبّدي، وهو على خلاف القاعدة؛ إذ أنّ مقتضاها إيصال المال إلى صاحبه بأيّ نحو من الإيصال ولو بالتصدّق عنه، فلابدّ من رفع اليد عنها بالمقدار المتيقّن، وهو ما إذا كان مجهولاً على الإطلاق أي من جهة المقدار والشخص، وأمّا في غير هذه الصورة فحيث إنّها مورد للشك فمقتضى القاعدة هو التصدّق بالمقدار المعلوم إجمالاً عن صاحبه بلا فرق بين أن يكون أقل أو مساوياً أو أكثر كما هو مذهب المشهور.

ص: 494

ولكن الأقوى حينئذ الرجوع إلى المجتهد الجامع للشرائط كما ذكره الماتن(قدس سره) ؛ وذلك لأنّ الظاهر من بعض الروايات أنّ المال الذي لم يعرف صاحبه يرجع أمره إلى الإمام(علیه السلام)، كما في معتبرة داود بن أبي يزيد، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: قال رجل: إنّي قد أصبت مالاً وإنّي قد خفت فيه على نفسي، ولو أصبت صاحبه دفعته إليه وتخلّصت منه، قال: فقال أبو عبد الله(علیه السلام): «والله، لو أصبته كنت تدفعه إليه؟» قال: إي والله، قال: «فأنا والله، ماله صاحب غيري». قال: فاستحلفه أن يدفعه إلى من يأمره، قال: فحلف، فقال: «فاذهب فاقسمه في إخوانك، ولك الأمن ممّا خفت منه». قال: فقسّمته بين إخواني(1).

والمستفاد منها أنّ المال لا يعرف صاحبه، وإنّما هو للإمام(علیه السلام) من جهة مقام الولاية؛ وذلك لقرائن في نفس الرواية تدل على ذلك. منها: استحلاف الإمام الرجل أن يدفع المال إلى من يأمره، ولو كان ملكاً للإمام لم يلزم ذلك، ومنها: قوله(علیه السلام): «ولك الأمن ممّا خفت»، وتأمين الإمام(علیه السلام) له باعتبار أنّ أمر المال بيده(علیه السلام) لمقام ولايته، وإلاّ فلا وجه للخوف، ومنها: غيرهما من القرائن.وإذا كان أمر المال المميّز الذي لا يعرف صاحبه إلى الإمام(علیه السلام)، فأمر المال الذي لا تميّز فيه إليه من باب أولى.

وأمّا سند الرواية فقد وردت بطريقين:

أحدهما: طريق الكليني وفيه موسى بن عمر وهو مشترك بين ابن يزيد،

ص: 495


1- وسائل الشيعة 25: 450، الباب 7 من أبواب اللّقطة، الحديث 1.

وابن بزيع، وكلّ منهما مشهور وله كتاب، والأوّل وإن لم يرد فيه توثيق إلاّ أنّه من مشايخ صاحب نوادر الحكمة(1) فيكون ثقة .

والظاهر من حيث الطبقة بقرينة رواية سعد أنّه هو المراد في هذا الطريق، فالرواية بهذا الطريق معتبرة.

وثانيهما: طريق الصدوق، وقد رواها بإسناده عن الحجّال عن داود بن أبي يزيد، ولكنّه لم يذكر في المشيخة طريقه إلى الحجّال، وهو عبد الله بن محمّد الأسدي الثقة، وإنّما ذكر طريقه إلى داود بن أبي يزيد الذي روى عنه الحجّال، وهذا لا يثبت أنّه نفس طريقه إلى الحجّال. ولكن يستفاد من الفهرست(2) طريق الصدوق إلى كتاب الحجّال، وهو أنّه رواه عن أبيه عن عليّ بن حسن بن عليّ الكوفي عن أبيه عن الحجّال وهو طريق معتبر.

هذا، مضافاً إلى ما يظهر من النجاشي(3) من أنّ كتاب الحجّال من الكتب المعروفة المشهورة، وعليه فلا يحتاج إلى الطريق.

والظاهر أنّ الصدوق نقل الرواية من كتاب الحجّال، فمن هذه الجهة يحكم باعتبار الرواية سنداً كما أنّها ظاهرة دلالة.

وأيضاً في صحيحة يونس بن عبد الرحمن قال: سئل أبو الحسن الرضا(علیه السلام) - وأنا حاضر - قال: «إذا كان كذا [أي لم يعرف صاحبه] فبعه وتصدّق

ص: 496


1- الاستبصار 3: 206 الحديث 525، وانظر أصول علم الرجال بين النظريّة والتطبيق 1: 241.
2- الفهرست: 293 / 439 .
3- رجال النجاشي: 226 / 595 .

ولو انعكس بأن علم المالك وجهل المقدار [1] تراضيا بالصلح ونحوه، وإن لم يرض المالك بالصلح ففي جواز الاكتفاء بالأقل أو وجوب إعطاء الأكثر وجهان، الأحوط الثاني، والأقوى الأوّل إذا كان المال في يده.

بثمنه». قال له: على من جعلت فداك؟ قال: «على أهل الولاية»(1) .

وظاهرها يدلّ على أنّ إذن الإمام(علیه السلام) في التصرّف في مال الغير ببيعه والتصدّق بثمنه على أهل الولاية إنّما هو من مقام الإمامة.

والحاصل: أنّ قول المشهور وهو التصدّق بالمال مع الإذن من الحاكم الشرعي هو الأقوى.

وعلى فرض عدم ثبوت اعتبار الإذن فهو أحوط بلا إشكال، فإنّه تصرّف في مال الغير بدون إذن، ومقتضى الأصل عدم جواز ذلك، إلاّ مع إذن الولي، وهو الإمام(علیه السلام) ومع عدم التمكّن منه فالحاكم الشرعي.

العلم بصاحب المال والجهل بالمقدار:

[1] وأمّا الصورة الثالثة: وهي ما إذا كان المالك معلوماً، وقدر المال مجهولاً مطلقاً، إجمالاً وتفصيلاً، فلها حالات: لأنّ المال تارة يكون في يده، وأخرى في يد آخر أجنبي، وثالثة لا يكون في يد أحد.

ص: 497


1- وسائل الشيعة 25: 450، الباب 7 من أبواب اللقطة، الحديث 2.

وفي الحالة الأولى تارة تكون من الاشتباه بين الأقل والأكثر بالامتزاج كالسمن بالسمن، وأخرى يكون بالاختلاط كالدينار بالدنانير، وثالثة بالتباين كاشتباه الشاة مع المعز.

فإن أمكن إيقاع المصالحة بينهما اختياراً فهو، والاّ ففي المقام أقوال أربعة:

الأوّل: وجوب دفع الأقل مطلقاً، وهو المنسوب إلى جماعة منهم ظاهر المدارك(1) .الثاني: وجوب دفع الأكثر مطلقاً، ونسب إلى جماعة أيضاً منهم المحقّق الهمداني(2).

الثالث: وجوب دفع الخمس فقط، وإن احتمل الزيادة أو النقيصة، وهو قول العلامة في التذكرة(3) .

الرابع: وجوب التصالح ولو اجباراً كما في الجواهر عن جماعة(4) بأن يعطى المتيقّن لصاحبه، ويعيّن المشكوك بالقرعة أو غير ذلك .

وذهب السيّد الماتن إلى أنّ الأقوى هو الأوّل إذا كان المال في يده.

وفصّل السيّد الأستاذ(قدس سره) بين ما إذا كان في يده، وكان الاشتباه بين الأقل والأكثر فكما ذكره الماتن، وبين ما إذا كان من المتباينين أو ليس تحت يده،

ص: 498


1- مدارك الأحكام 5: 388.
2- مصباح الفقيه 14: 178 .
3- تذكرة الفقهاء 5: 422.
4- جواهر الكلام 16: 75 .

فيرجع إلى القرعة(1) .

أمّا القول الأوّل فقد استدلّ عليه: بأنّ المقدار المعلوم من المال أنّه للغير لابدّ من دفعه إليه، وأمّا الزائد على ذلك فهو مورد للشك، ومقتضى أصالة البراءة عن المشكوك هو عدم وجوب دفع الزائد عمّا يتيقّن الاشتغال به.

وفيه: أنّه بعد فرض عدم العلم بكون المشكوك ملكاً له أو للغير فبأيّ وجه يتملّكه، ومقتضى أصالة عدم تحقّق سبب الملكيّة هو عدم جواز التملّك، ولا يجوز التصرّف في المال المشكوك.

وأمّا القول الثاني فقد استدلّ عليه بأنّ اشتغال الذمّة بمال الغير معلوم إجمالاً، ومقتضى العلم الإجمالي هو التنجّز في الموارد المشتبهة، فلابدّ من دفع ما يتيقّن معه البراءة تحصيلاً للجزم بالخروج عن عهدة التكليف، وحينئذ فلا مورد لجريان أصالة البراءة في الأطراف المشكوكة حتّى يعلم بعدم اشتغال ذمّته، وزوال العلم الإجمالي حقيقة.

وفيه: أنّه إذا علم الغير بأنّه ملك له جاز له أخذه والتصرّف فيه، وأمّا إذا لم يعلم بذلك فما هو المسوّغ لأخذه مع العلم بأنّ من بيده المال لا يعطيه إيّاه مجّاناً، ولا يهبه إيّاه، بل إنّما يعطيه إيّاه بعنوان أنّه حقّ وملك له.

وأمّا القول الثالث فقد استدل عليه بما ورد في ذيل رواية الحسن بن زياد عن أبي عبد الله(علیه السلام) حيث قال(علیه السلام): «فإنّ الله عزّوجلّ قد رضي من المال

ص: 499


1- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 145.

بالخمس»(1).

والمستفاد من هذه الرواية أنّ الخمس تحديد لمقدار الحرام المجهول مقداره بلا دخل للجهل بمالكه فيه.

وفيه: أنّ مورد هذه الرواية وغيرها من روايات الباب هو ما إذا كان المالك الذي تكون ولايته منتقلة إلى الله سبحانه وتعالى أو إلى وليّه مجهولاً، وأمّا إذا كان المالك معلوماً فهو خارج عن مورد هذه الروايات، والتعدّي عن موردها إلى غيره بلا وجه ويحتاج إلى الدليل.

وأمّا القول الرابع فقد استدل عليه بأنّ الزائد المشكوك فيه مال مردّد بين شخصين لا طريق إلى إحراز كونه لأحدهما، وفي هذه الحالة لابدّ من الصلح ولو قهراً، فإنّ الصلح هو حكمه الواقعي، فإن أبى أحد الشخصين عن المصالحة فلابدّ من إيقاعها مع وليّه عنه، وهو الحاكم إن لم يكن قادراً على إجباره على الصلح، ويحكم الحاكم حينئذ بينهما بالتنصيف، لقاعدة العدل والانصاف؛ فإنّ اختصاص المال بأحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجّح، وأمّا التنصيف بينهما فهو الموافق للقاعدة التي جرت عليها السيرة العقلائيّة في كلّ مال مردّد بين شخصين من غير مرجّح في البين؛ وذلك لأنّ فيه إيصالاً للمال إلى مالكه ولو في الجملة، فيعطى النصف لغير المالك مقدّمة للعلم بوصول النصف الآخر إلى مالكه، فيكون حال المقدمة العلميّة حال المقدمة الوجوبيّة، كما إذا توقّف الإيصال على صرف مقدار من المال كأجرة الحمل أو العمل، فإنّه لا ينبغي الإشكال في جوازه مقدّمة للايصال، فكذلك الحال

ص: 500


1- وسائل الشيعة 9: 505، الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

في المقدمة العلميّة.

وهذه القاعدة مؤيّدة بما ورد في بعض الأخبار:منها: معتبرة السكوني عن الصادق(علیه السلام) عن أبيه(علیه السلام)، قال: «يعطى صاحب الدينارين ديناراً، ويقتسمان الدينار الباقي بينهما نصفين»(1) .

ومنها: صحيحة عبد الله بن المغيرة عن غير واحد من أصحابنا، عن أبي عبد الله(علیه السلام) في رجلين كان معهما درهمان، فقال أحدهما: الدرهمان لي، وقال الآخر، هما بيني وبينك، فقال: «أمّا الذي قال هما بيني وبينك فقد أقرّ بأنّ أحد الدرهمين ليس له، وإنّه لصاحبه، ويقسم الآخر بينهما»(2).

وما نحن فيه من هذا القبيل، فإنّ المال المشكوك بين المالكين مردّد بين أن يكون للغير أو لمن بيده المال، فهو نظير الدينار المردّد بين شخصين، والمناط فيهما وهو لزوم الترجيح بلا مرجّح موجود فيهما معاً، فلابدّ من المصالحة عليهما بهذا النحو.

ويؤيّد ذلك ما ورد في موثّقة إسحاق بن عمّار قال: قال أبو عبد الله(علیه السلام) قال: في الرجل يبضعه الرجل ثلاثين درهماً في ثوب، وآخر عشرين درهماً في ثوب، فبعث الثوبين ولم يعرف هذا ثوبه ولا هذا ثوبه؟ قال: «يباع الثوبان فيعطى صاحب الثلاثين ثلاثة أخماس الثمن، والآخر خمسي الثمن

ص: 501


1- من لا يحضره الفقيه 3: 37، الحديث 3281، وتهذيب الأحكام 6: 233، الحديث 14 ووسائل الشيعة 18: 452، الباب 12 من أبواب أحكام الصلح، الحديث 1 مع اختلاف يسير.
2- وسائل الشيعة 18: 450، الباب 9 من أبواب أحكام الصلح، الحديث 1.

»، قلت: فإنّ صاحب العشرين قال لصاحب الثلاثين: اختر أيّهما شئت؟ قال: «قد أنصفه»(1) .

والحاصل أنّ مقتضى القاعدة هو الحكم بالتنصيف.

وقد ناقشه المحقّق الهمداني(2)

إجمالاً، والسيّد الأستاذ(3)

تفصيلاً، وحاصل المناقشتين: أنّ هذا القول إنّما يصحّ بناء على ثبوت أمرين:

الأوّل: عدم جريان الأصل في أطراف العلم الإجمالي مطلقاً، أي لا في خصوص كلّ فرد، ولا في الفرد المشكوك فيه لا بعينه، فإذا لم يمكن الرجوع إلى أصالة البراءة في الفرد المشكوك على نحو كلّي، ولا الرجوع إلى قاعدة اليد أيضاً في الزائد المشكوك لا بعينه، فهذا القول تامّ.

الثاني: ثبوت قاعدة التنصيف في المقام، لموافقتها للسيرة العقلائيّة وإمضاء الشارع،

ولكن ثبوت كلا الأمرين محل إشكال .

أمّا الأوّل: فلأنّه وإن كان الأصل بالنسبة إلى كلّ فرد من الأفراد بخصوصه وكذا كلّ طرف من أطراف العلم الإجمالي، غير جار، للتعارض فيما بينهما، فلا يجوز التصرّف في شي ء منه لا خارجاً ولا اعتباراً كالبيع والشراء، إلاّ أنّ جريانه بالنسبة إلى الكلّي أي المشكوك الزائد عن المقدار المعلوم لا بعينه

ص: 502


1- وسائل الشيعة 18: 451، الباب 11 من أبواب أحكام الصلح، الحديث 1.
2- مصباح الفقيه، كتاب الزكاة والخمس: 14: 179.
3- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 145.- 148 .

محل خلاف بين الأعلام أيضاً، وتحقيق ذلك في علم الأصول.

ومثاله: إذا علمنا بنجاسة أحد الثوبين واحتملنا نجاسة الثوب الآخر أيضاً، لوقوع قطرة بول على أحدهما، كما نحتمل وقوعها على الثوب الآخر، فلا تجري في كلّ واحد من الثوبين بالخصوص أصالة الطهارة؛ لسقوط الأصل في كلّ منهما بالمعارضة، ولا يجوز ترتيب آثار الطهارة على شي ء منهما بخصوصه، ولكن في جريان أصالة الطهارة في الفرد الآخر غير المعلوم لدينا باعتبار أنّ أحدهما لا بعينه متنجّس قطعاً والآخر لا بعينه مشكوك النجاسة خلاف بينهم، فإن قلنا بالجريان وأنّ التعارض يختصّ بكلّ فرد بخصوصه، وأنّ الفرد الكلي لا بعينه لا معارض له بعد تماميّة أركانه، فحينئذ يترتّب عليه - على فرض الجريان - جواز تكرار الصلاة في كلا الثوبين؛ إذ معه نقطع بوقوع الصلاة في ثوب محكوم بالطهارة، بمقتضى الأصل، كما يحكم بصحّة الصلاة بعد الفراغ منها، وإن انكشف الخلاف أي بأنّهما كانا نجسين؛ وذلك لأنّه أوقع الصلاة في الثوب الطاهر بحكم الشارع في ظاهر الشرع.

وإن قلنا بعدم جريان الأصل مطلقاً حتّى في الفرد المشكوك لا بعينه، فلا تجوز الصلاة في الثوبين معاً؛ لعدم إحراز طهارة أحدهما شرعاً، لا واقعاً ولا ظاهراً، كما لا يحكم بصحّة الصلاة أيضاً.

وما نحن فيه من هذا القبيل، فإنّ في المقام أصلين:

أحدهما: أصالة البراءة عن الزائد المشكوك لا بعينه، وهذا الأصل لا يفيد أيّاً من الشخصين أي الغير ومن بيده المال؛ إذ أنّ جريان أصالة البراءة بحيث يحكم بعدم وجوب دفع الزائد المشكوك للغير لا يثبت بها كون المال

ص: 503

المشكوك ملكاً لمن بيده المال إلاّ بناء على القول بالأصل المثبت.

وثانيهما: أصالة اليد، فإنّها تفيد في إثبات ملكيّة الزائد المشكوك لمن بيده المال، بناء على جريانها بالنسبة إليه.

ونتيجة ذلك: الحكم بأنّ المقدار الأقل للغير؛ فإنّه القدر المتيقّن، والباقي لمن بيده المال، فإذا فرض أنّ المال عشرة دنانير، وعلم أنّ بعضها حرام ولكنّه مردّد بين دينارين وخمسة دنانير، فبناء على جريان أصالة اليد يكون الديناران ملكاً للغير، فإنّها القدر المتيقّن، وخمسة له، وأمّا الثلاثة الباقية فهي مشكوك فيها، فبناء على جريان القاعدة تكون هذه الثلاثة له أيضاً، فمجموع ما يصبح له ثمانية، وحيث إنّ المال مختلط ولا تميّز فيه، فلابدّ من أخذ هذه النسبة في التقسيم، فإن كان الاختلاط بنحو الامتزاج بحيث لا يمكن التمييز بينهما كالسمن بالسمن، أو الحليب بالحليب، فتجعل النسبة في التقسيم على الربع، كنسبة الاثنين إلى الثمانية، فيعطى للغير ربع المال والباقي له.

وإن كان الاختلاط بنحو يمكن التمييز فيه كالدينار بالدنانير أو الشاة بالمعز، فإن تراضيا بالتقسيم بينهما فهو، وإلاّ فلابدّ من الرجوع إلى القرعة، فإنّها لكلّ أمر مشكل، وكلّ واحد من الدنانير أو الشياه مردّد بين أن يكون له أو للغير.

وطريقة القرعة: أن تؤخذ عشر رقاع ويكتب في اثنتين فيها اسم الغير وفي ثمانية منها اسمه، فما ظهر منها باسمه من المال فهو له.

هذا إذا كان المال تحت يده، وأمّا إذا لم يكن تحت يده سواء كان تحت يد ثالث أو لم يكن تحت يد أحد، فليس في هاتين الحالتين أصل جارٍ،

ص: 504

ولابدّ في الزائد المشكوك من الرجوع فيه إلى القرعة؛ لأنّها لكلّ أمر مشكل، ولا تلاحظ حينئذ النسبة في التقسيم.

وأمّا الثاني: فقد اشكل عليه: بأنّ القاعدة في نفسها غير تامّة؛ إذ لم يثبت بناء ولا سيرة من العقلاء على ذلك حتى تكون ممضاة لدى الشارع(1).

ولكن علينا أن نركّز البحث عن هذه القاعدة .

قاعدة العدل والإنصاف:

اشارة

فالبحث فيها من جهات:

الأولى: في أصل ثبوت القاعدة.

الثانية: في بيان حدودها سعة وضيقاً.

الثالثة: في نسبتها مع قاعدة القرعة.

أمّا الجهة الأولى فقد يقال: بأنّ أصل القاعدة ثابت لورود الحكم بالتنصيف في كثير من الروايات، وهي على طوائف:

منها: ما ورد في الصلح، كصحيحة عبد الله بن المغيرة، عن غير واحد من أصحابنا، عن أبي عبد الله(علیه السلام) في رجلين كان معهما درهمان، فقال أحدهما: الدرهمان لي، وقال الآخر: هما بيني وبينك، فقال: «أمّا الذي قال هما بيني وبينك فقد أقرّ بأنّ أحد الدرهمين ليس له، وأنّه لصاحبه، ويقسم الآخر بينهما»(2) .

ص: 505


1- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 147 .
2- وسائل الشيعة 18: 450، الباب 9 من أبواب أحكام الصلح، الحديث 1.

ومنها: ما ورد في الوديعة، كمعتبرة السكوني، عن الصادق، عن أبيه(علیه السلام)، في رجل استودع رجلاً دينارين، فاستودعه آخر ديناراً، فضاع دينار منها، قال: «يعطى صاحب الدينارين ديناراً، ويقسم الآخر بينهما نصفين»(1) .ومنها: ما ورد في ادّعاء كلّ من المتنازعين أنّ الشي ء له، وهو تحت أيديهما معاً، كموثقّة إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد الله(علیه السلام) «أنّ رجلين اختصما إلى أمير المؤمنين(علیه السلام) في دابّة في أيديهما، وأقام كلّ واحد منهما البيّنة أنّها نتجت عنده، فأحلفهما عليّ(علیه السلام) فحلف أحدهما وأبى الآخر أن يحلف، فقضى بها للحالف، فقيل له: فلو لم تكن في يد واحد منهما وأقاما البيّنة؟ فقال: أُحلّفهما فأيّهما حلف ونكل الآخر جعلتها للحالف، فإن حلفا جميعاً جعلتها بينهما نصفين، قيل: فإن كانت في يد أحدهما وأقاما جميعاً البيّنة؟ قال: أقضي بها للحالف الذي في يده» (2) .

وبمضمونها موثّقة غياث بن إبراهيم(3) .

ونحوها رواية ابن طرفة أنّ رجلين ادّعيا بعيراً فأقام كلّ منهما بيّنة فجعله

ص: 506


1- وسائل الشيعة 18: 452، الباب 12، كتاب الصلح، الحديث 1 مع اختلاف يسير .
2- الكافي 7: 419، كتاب القضاء والأحكام، الباب 266، الحديث 2، تهذيب الأحكام 6: 261، الحديث 62، والاستبصار 3: 38، الحديث 130 مع اختلاف يسير فيهما، ووسائل الشيعة 27: 250، الباب 12 من أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى، الحديث 2 .
3- الكافي 7: 419، كتاب القضاء والأحكام، الباب 266، الحديث 6، وتهذيب الأحكام 6: 262، الحديث 65، والاستبصار 3: 39، الحديث 133، ووسائل الشيعة 27: 250، الباب 12 من أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى، الحديث 3 .

عليّ(علیه السلام) بينهما(1) .

ومنها: ما ورد في التنازع على متاع البيت بين الزوجين، كصحيحة رفاعة النخّاس، عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: «إذا طلّق الرجل امرأته وفي بيتها متاع فلها ما يكون للنساء، وما يكون للرجال والنساء قسّم بينهما» قال: «وإذا طلّق الرجل المرأة فادّعت أنّ المتاع لها وادّعى الرجل أنّ المتاع له، كان له ما للرّجال، ولها ما يكون للنّساء، وما يكون للرّجال والنّساء قسّم بينهما»(2) .

ونحوها موثّقة يونس بن يعقوب، عن أبي عبد الله(علیه السلام)، في امرأة تموت قبل الرجل أو رجل قبل المرأة، قال: «ما كان من متاع النساء فهو للمرأة، وما كان من متاع الرجال والنساء فهو بينهما...»(3) .

ومنها: ما ورد في ميراث الخنثى، كصحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله(علیه السلام) قال: قلت له: المولود يولد له ما للرجال وله ما للنساء؟ قال: «يورث من حيث سبق بوله، فإن خرج منهما سواء، فمن حيث ينبعث، فإن كانا

ص: 507


1- من لا يحضره الفقيه 3: 36، الحديث 3279، وتهذيب الأحكام 6: 262، الحديث 66، والاستبصار 3: 60، الحديث 134، ووسائل الشيعة 18: 451، الباب 10 من أبواب أحكام الصلح، الحديث 1 .
2- من لا يحضره الفقيه 3: 111، الحديث 3433، وتهذيب الأحكام 6: 255، الحديث 818، والاستبصار 3: 68، الحديث 153، ووسائل الشيعة 26: 216، الباب 8 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 4 .
3- تهذيب الأحكام 9: 260، الحديث 1079، ووسائل الشيعة 26: 216، الباب 8 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 3 .

سواء، ورث ميراث الرجال وميراث النساء» (1) .

هذا ما عثرنا عليه من الروايات الواردة في المقام، ولعلّ هناك روايات أخرى.

ثمّ إنّ المستفاد من كلمات بعض الفقهاء التعويل على هذه القاعدة في بعض المواطن مع عدم ورود رواية فيها.

منها: ما ذكره السيّد الأستاذ(قدس سره) في الفرع الثالث من المسألة الثانية من تعارض الضررين حيث قال: الثالث: أن يكون غير مستند إلى فعل شخص، بأن يكون بآفة سماويّة، وقد نسب إلى المشهور في مثله لزوم اختيار أقل الضررين، وأنّ ضمانه على مالك الآخر، ولا نعرف له وجهاً - إلى أن قال - : والصحيح أن يقال: إنّه إذا تراضى المالكان بإتلاف أحد المالين بخصوصه ولو بتحمّلهما الضرر على نحو الشركة فلا إشكال حينئذ؛ لأنّ الناس مسلّطون على أموالهم، وإلاّ فلابدّ من رفع ذلك إلى الحاكم، وله إتلاف أيّهما شاء ويقسّم الضرر بينهما بقاعدة العدل والإنصاف الثابتة عند العقلاء(2) .

ومنها: ما ذكره في مسألة اختلاف العقود، حيث قال: إذا اختلفا في مال معيّن فادّعى كلّ منهما أنّه اشتراه من زيد وأقبضه الثمن، فإن اعترف البائع لأحدهما دون الآخر، فالمال للمقرّ له، وللآخر إحلاف البائع...، وإن لم يعترف البائع أصلاً فإن أقام أحدهما البيّنة على مدعاه حكم له، وللآخر

ص: 508


1- الكافي 7: 167، كتاب المواريث، الباب 90، الحديث 3، ووسائل الشيعة 26: 285، الباب 2 من أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه، الحديث 1 مع اختلاف يسير .
2- مصباح الأصول 2: 563 - 564 .

إحلاف البائع، فإن حلف سقط حقّه، وإن ردّ الحلف إليه، فإن نكل سقط حقّه أيضاً، وإن حلف ثبت حقّه في أخذ الثمن منه، وإن أقام كلّ منهما البيّنة على مدّعاه أو لم يقيما جميعاً توجّه الحلف إلى البائع، فإن حلف على عدم البيع من كلّ منهما سقط حقّهما، وإن حلف على عدم البيع من أحدهما سقط حقّه خاصّة، وإن نكل وردّ الحلف إليهما فإن حلفا معاً قسّم المال بينهما نصفين، وإن لم يحلفا جميعاً سقط حقّهما...(1) .

ومنها: ما ذكره أيضاً في دعوى المواريث حيث قال: إذا كان لامرأة ولد واحد، وماتت المرأة وولدها، وادّعى أخ المرأة أنّ الولد مات قبل المرأة، وادّعى زوجها أنّ المرأة ماتت أوّلاً ثمّ ولدها، فالنزاع بين الأخ والزوج إنّما يكون في نصف المال وسدس مال الولد، وأمّا النصف الآخر من مال المرأة وخمسة أسداس مال الولد فللزوج على كلا التقديرين، فعندئذ إن أقام كلّ منهما البيّنة على مدّعاه حكم بالتنصيف بينهما مع حلفهما، وكذلك الحال إذا لم تكن بيّنة وقد حلفا معاً...(2) .

ومنها: ما ذكره صاحب الجواهر(قدس سره) في المسألة السابعة من موجبات الضمان حيث قال: (إذا اصطدم حرّان) بالغان عاقلان قاصدان لذلك دون القتل، ولم يكن ممّا يقتل غالباً (فماتا ف- ) هو من شبه العمد، لكن يكون (لورثة كلّ واحد منهما نصف ديته،ويسقط النصف) الآخر (وهو قدر نصيبه، لأنّ كلّ واحد منهما تلف بفعله وفعل غيره) فيهدر النصف مقابل فعله، ويضمن

ص: 509


1- مباني تكملة المنهاج 1: 67- 68 المسألة 75 .
2- مباني تكملة المنهاج 1: 75 - 76 المسألة 84 .

شريكه النصف، بلا خلاف أجده بيننا(1) .

وقال: (ولو تصادم حاملان) فأسقطتا وماتتا (سقط نصف دية كلّ واحدة) منهما بجنايتها على نفسها (وضمنت نصف دية الأخرى) كما لو تصادم الرجلان(2) .

وما أفاده(قدس سره) وإن كان لا ينطبق على ما نحن فيه إلاّ أنّ له مساساً به حيث حكم فيه بالتنصيف.

ومنها: ما ذكره الشيخ الأنصاري(قدس سره) في مسألة تعارض المقوّمين في خيار العيب حيث قال: لو تعارض المقوّمون فيحتمل تقديم بيّنة الأقل للأصل. وبيّنة الأكثر لأنّها مثبتة. والقرعة لأنّها لكلّ أمر مشتبه. والرجوع إلى الصلح لتشبّث كلّ من المتبايعين بحجّة شرعيّة ظاهريّة، والمورد غير قابل للحلف لجهل كلّ منهما بالواقع، وتخيّر الحاكم لامتناع الجمع وفقد المرجّح.

لكنّ الأقوى من الكلّ ما عليه المعظم من وجوب الجمع بينهما بقدر الإمكان؛ لأنّ كلاً منهما حجّة شرعيّة، فإذا تعذّر العمل به في تمام مضمونه وجب العمل به في بعضه، فإذا قوّمه أحدهما بعشرة فقد قوّم كلاً من نصفه بخمسة، وإذا قوّمه الآخر بثمانية فقد قوّم كلاً من نصفه بأربعة، فيعمل بكلّ منهما في نصف المبيع، وقولهما وإن كانا متعارضين في النصف أيضاً كالكل فيلزم ممّا ذكر طرح كلا القولين في النصفين إلاّ أنّ طرح قول كلّ منهما في النصف مع العمل به في النصف الآخر أولى في مقام امتثال أدلّة العمل بكلّ

ص: 510


1- جواهر الكلام 43: 63.
2- جواهر الكلام 43: 68.

بيّنة من طرح كليهما أو أحدهما رأساً، وهذا معنى قولهم: «إنّ الجمع بين الدليلين والعمل بكلّ منهما - ولو من وجه - أولى من طرح أحدهما رأساً» ولذا جعل في تمهيد القواعد من فروع هذه القاعدة: الحكم بالتنصيف فيما لو تعارضت البيّنتان في دار في يد رجلين يدّعيهما كلّ منهما.

بل ما نحن فيه أولى بمراعاة هذه القاعدة من الدليلين المتعارضين في أحكام الله تعالى...(1) .

هذا ما وقفنا عليه من كلمات الفقهاء، ولعلّ لهم ولغيرهم كلمات أخرى في مواطن أخرى، وفي ما ذكرناه كفاية.

والمستفاد من ذلك أنّ هذه القاعدة ممّا لا إشكال فيها، وأنّ بناء العقلاء عليها، وعدم الخلاف فيها مؤيّد بالروايات المتقدّمة، فما ذكره السيّد الأستاذ(قدس سره) من عدم ثبوتها ممّا لا وجه له، بل هو نفسه استند إليها وذكر أنّها ثابتة عند العقلاء كما تقدّم.

والذي يظهر أنّ كلماته(قدس سره) في ثبوت القاعدة وعدمه مضطربة جداً، فإنّه أنكر ثبوتها في المقام مع أنّه قال - في مسألة الاختلاف في الأملاك فيما إذا تنازع شخصان في مال، قال: فيه صور:

الأولى: أن يكون المال في يد أحدهما.

الثانية: أن يكون في يد كليهما.

الثالثة: أن يكون في يد ثالث.

ص: 511


1- كتاب المكاسب 5: 405 - 406 .

الرابعة: أن لا تكون عليه يد.

وقال في بيان الصورة الثانية: ففيها أيضاً قد تكون لكلّ منهما البيّنة، وأخرى تكون لأحدهما دون الآخر، وثالثة لا بيّنة أصلاً، فعلى الأوّل إن حلف كلاهما أو لم يحلفا معاً قسم المال بينهما بالنسبة.

وقال في الصورة الرابعة: فعلى الأوّل إن حلفا جميعاً أو نكلا جميعاً كان المال بينهما نصفين... وإن حلفا معاً كان المال بينهما نصفين، وإن لم يحلفا كذلك أقرع بينهما.

وذكر في وجه الحكم بالقرعة أنّ ذلك لعموم دليل القرعة، وعدم الترجيح في البين، وقاعدة العدل والإنصاف لم تثبت مطلقاً(1) .والظاهر من كلامه اعترافه بثبوتها في الجملة.

هذا، وقد ذكر في مسألة اختلاف المقوّمين في الأرض - بعدما نقل كلام الشيخ(قدس سره) في الجمع بين المقوّمين، وأنّ مقتضاه هو الأخذ بالنصف - فقال: وقلنا إنّه لا وجه لهذا الوجه؛ لأنّه إذا كان من جهة الجمع بين الدليلين كما ذهب إليه الشيخ الطوسي، وذكر أنّ الجمع بين الدليلين مهما أمكن أولى من الطرح، كما أنّ هذا يظهر من أول كلام المصنّف، وهو الذي ذكره المصنف في التعادل والتراجيح من الرسائل، وأشكل عليه بأنّه لا وجه للجمع بين الدليلين بذلك، حيث إنّه طرح لهما، وهو مخالفة قطعيّة، إلاّ أن يكون هنا قرينة على ذلك، كما إذا وردا من شخص واحد، أو من في حكم شخص

ص: 512


1- مباني تكملة المنهاج 1: 49 - 56 المسألة 59.

واحد.

وإن كان المراد من ذلك هو قاعدة العدل والإنصاف والجمع بين الحقوق، كما يظهر من ذيل كلامه، فهو وإن كان متيناً؛ لقيام السيرة القطعيّة عليه في الحقوق الماليّة، بل ورد عليه الخبر في الودعي، فإنّ العرف قاضٍ بجواز بذل مقدار من المال مقدمة للعلم بوصول مقدار منه إلى صاحبه، نظير المقدّمات الوجوديّة كبذل مقدار من المال لإيصال المقدار الآخر إلى صاحبه، وهو حسن...(1) .

وبملاحظة كلماته(قدس سره) في المواضع المختلفة يتبيّن أنّها ليست على نظم واحد، بل هي مختلفة.

والحاصل: هو ما ذكرناه من أنّ القاعدة ثابتة، وتؤيدها النصوص المتقدّمة، والتزام الفقهاء بها في عدّة موارد كما تقدّم، ومنهم سيدنا الأستاذ(قدس سره) .

وأمّا الجهة الثانية وهي بيان حدود قاعدة التنصيف فالمذكور في كلام السيّد الأستاذ - (قدس سره)كما تقدّم - أنّها تتّجه في الأمانات الشرعيّة التي لا يكون فيها ذو اليد ضامناً.

ولكنّ الظاهر من الروايات والفتاوى عدم الاختصاص.

أمّا الروايات فإنّه وإن كان أكثر موارد الروايات هو الأمانات كما في الودعي، والصلح، والتنازع على أثاث البيت بين الزوجين، ولكن ورد بعضها في غير الأمانات كما في التنازع على الدابّة إذا كانت في أيدي المتنازعين

ص: 513


1- مصباح الفقاهة 7: 291.

كما دلّت عليه موثّقة إسحاق بن عمّار المتقدّمة فإنّ قوله: «فلو لم تكن في يد واحد منهما» شامل بإطلاقه لما إذا كانت الدابّة في يد ثالث أو في أيديهما معاً.

وكذا صريح المرسل عن النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) - على ما ذكره صاحب الجواهر(1)- أنّ رجلين تنازعا دابّة ليس لأحدهما بيّنة فجعلها النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) بينهما(2) .

فالمستفاد من هذه الموارد أنّ يد كلّ من المتنازعين ليست أمانيّة قطعاً.

وهكذا صحيحة عبد الله بن المغيرة المتقدمة؛ فإنّها مطلقة أو ظاهرة في أنّ المال في أيديهما.

وأمّا فتاوى الأصحاب فالذي يظهر من كلماتهم هو القول بالتنصيف، فقد ذكر صاحب الجواهر(قدس سره) في مسألة ما إذا كان المال المتنازع عليه في يد المتنازعين، ولم يكن لأيّ منهما بيّنة: أنّ الحكم هو التنصيف مدعياً عدم الخلاف فيه، بل الإجماع بقسميه عليه(3) .

وكذا في مسألة ما إذا أقام كلّ منهما بيّنة فتعارضتا، وكانت العين في يدهما، قال: بلا خلاف أجده بين من تأخّر عن القديمين: الحسن وأبي علي.(4).

وقال في المسالك: لا إشكال في الحكم بها بينهما نصفين، لكن اختلف

ص: 514


1- جواهر الكلام 40: 402.
2- السنن الكبرى 10: 255، ولكن ورد فيها: «ليس لواحد منهما بيّنة فجعلها بينهما نصفين» .
3- جواهر الكلام 40: 402.
4- جواهر الكلام 40:410.

في سببه(1).

ونسب صاحب الرياض الحكم بالتنصيف إلى الأشهر الأقوى وقال: بل عليه عامّة متأخري أصحابنا إلاّ نادراً(2) .والحاصل من ذلك كلّه أنّ الحكم لا يختصّ بما إذا كانت اليد أمانيّة، بل يشمل غيرها لدلالة الروايات وفتاوى الأصحاب.

ثمّ إنّ الروايات المتقدّمة لا تختصّ بمواردها من الوديعة أو الدابّة أو البعير وإنّما ذكرت من باب المثال، بل الظاهر من الروايات أنّ الإمام(علیه السلام) في مقام بيان الضابطة الكليّة في باب القضاء والحكم بأنّ كلّ مورد لم تقم فيه حجّة على استحقاق أحد المتنازعين وأمكن الجمع بين الحقّين ولو في البعض قطعاً قدّم على إعطاء الحقّ لشخص واحد وحرمان الآخر رأساً احتمالاً.

وأمّا الجهة الثالثة وهي نسبة القاعدة إلى قاعدة القرعة. فهل أنّ قاعدة التنصيف حاكمة على قاعدة القرعة؛ لأنّ في العمل بالتنصيف إيصالاً للحقّ إلى صاحبه كما هو المستفاد من بعض الروايات الواردة فيها فلا يبقى معها مجال لقاعدة القرعة؟ أو بالعكس؛ لأنّها لكلّ أمر مشتبه ظاهراً وواقعاً؟ أو أنّ بين القاعدتين تعارضاً وأنّ قاعدة القرعة هي المرجّحة؟ أو لا تعارض بين القاعدتين لاختلاف موارد كلّ منهما؟ وجوه.

أمّا الوجه الأوّل وهو حكومة قاعدة التنصيف على قاعدة القرعة، فهو

ص: 515


1- مسالك الأفهام 14: 81 .
2- رياض المسائل 15: 213 .

الظاهر من كلام الشيخ الأنصاري(قدس سره) حيث قال: إنّ قاعدة الجمع حاكمة على دليل القرعة؛ لأنّ المأمور به هو العمل بكلّ من الدليلين لا بالواقع المردّد بينهما، إذ قد يكون كلاهما مخالفاً للواقع، فهما سببان مؤثّران بحكم الشارع في حقوق النّاس، فيجب مراعاتها، وإعمال أسبابها بقدر الإمكان، إذ لا ينفع توفية حقّّ واحد مع إهمال حقّ الآخر رأساً(1) .

وقد يستفاد من كلام صاحب الجواهر(قدس سره) أيضاً حيث قال فيما إذا كانت العين في يد ثالث:... ولو قال ليست لي، أو لا أعرف صاحبها، أو هي لأحدكما، ولا أعرف عينه، ففي القواعد: قرع بينهما لتساويهما في الدعوى وعدم البيّنة، وفي التحرير، وكشف اللثام: فمن خرجت باسمه حلف وكانت له، فإن نكل حلف الآخر، وإن نكلا قسّمت بينهما، ثمّ قال: والوجه عندي التحالف وفاقاً للتذكرة، فإن حلفا أو نكلا كانت بينهما وإلاّ فللحالف .

قلت: لا وجه للقرعة بعد ظهور الأدلّة في التنصيف مع التساوي في السبب المقتضي للملك... وحينئذ فلا إشكال ولا اشتباه حتّى يحتاج إلى القرعة(2) .

هذا، وقد ذكر وجهاً آخر في مسألة ما إذا كان المال في يديهما وتعارضت البيّنتان كما سيأتي.

ثمّ إنّ هذا الوجه يبتني على أمرين:

أحدهما: أنّ الحكم بالتنصيف والتقسيم الوارد في الروايات من باب

ص: 516


1- كتاب المكاسب 5: 408.
2- جواهر الكلام 40:409.

الحكم والقضاء، وأمّا إذا كان من باب المقدّمة العلميّة أو التصالح فغير تام.

والمذكور في الروايات أنّ الإمام(علیه السلام) جعل المال بينهما نصفين وهو أعمّ من أن يكون من جهة الحكم أو من جهة التصالح.

ثانيهما: أن لا تكون النسبة بينهما أعم مطلقاً كما سيأتي القول بذلك، فإنّه بناء عليه لا يبقى وجه للحكومة كما هو واضح.

وأمّا الوجه الثاني وهو حكومة قاعدة القرعة على قاعدة التنصيف فقد يقال: إنّ المستفاد من بعض روايات القرعة أنّها تصيب الواقع، كما في صحيحة أبي بصير عن أبي جعفر(علیه السلام) قال: «بعث رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) علياً(علیه السلام) إلى اليمن... فقال النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ): إنّه ليس من قوم تقارعوا (تنازعوا) ثمّ فوّضوا أمرهم إلى الله عزّوجلّ، إلاّ خرج سهم المحقّ»(1) .

وفي صحيحة جميل قال: قال الطيّار لزرارة: ما تقول في المساهمة أليس حقاً؟ فقال زرارة: بلى هي حق، وقال الطيار: أليس قد رووا أنّه يخرج سهم المحقّ؟ قال: بلى، قال: فتعال حتّى أدّعي أنا وأنت شيئاً، ثمّ نساهم عليه، وننظر هكذا هو؟ فقال له زرارة: إنّما جاء الحديث بأنّه ليس من قوم فوّضوا أمرهم إلى الله ثمّ اقترعوا إلاّ خرج سهم المحقّ، فأمّا على التجارب فلم يوضع على التجارب...(2) .

ص: 517


1- الكافي 5: 491، كتاب النكاح، الباب 325، الحديث 2، وتهذيب الأحكام 8: 255 مع اختلاف يسير، الحديث 592، والاستبصار 3: 369، الحديث 1320، ووسائل الشيعة 21: 172، الباب 5713 من أبواب نكاح العبيد والإماء، الحديث 4 .
2- تهذيب الأحكام 6: 205، الحديث 584، ووسائل الشيعة 27: 257، الباب 13 من أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى، الحديث 4 مع اختلاف يسير .

وفي معتبرة محمّد بن حكيم قال: سألت أبا الحسن(علیه السلام) عن شي ء فقال لي: «كلّ مجهول ففيه القرعة». قلت له: إنّ القرعة تخطى ء وتصيب، قال: «كلّ ما حكم الله به فليس بمخطى ء»(1) .وفي مرسلة الصدوق قال: وقال الصادق(علیه السلام): «ما تقارع قوم ففوّضوا أمرهم إلى الله تعالى إلاّ خرج سهم المحقّ»، وقال(علیه السلام): «أيّ قضيّة أعدل من القرعة إذا فوّض الأمر إلى الله... » (2) .

إلى غير ذلك من الروايات .

وبناء على أنّ تشخيص الواقع ومعرفته يتميّز بالقرعة فلا يبقى مجال لقاعدة التنصيف؛ لأنّ فيها إعطاء بعض المال لغير المستحق.

ويرد عليه: بأنّ موضوع القرعة هو المجهول والمشتبه، أي مجهول الحكم واقعاً وظاهراً، ومع وجود الطريق إلى الحكم واقعاً أو ظاهراً فلا يصدق عليه الجهل أو الاشتباه، وإلاّ لزم تقدّمها على الأمارات والأصول.

نعم، لو قيل إنّ الموضوع في القرعة هو الأعم ولا يختصّ بالمشتبه أو المجهول فالمناقشة غير واردة.

ص: 518


1- من لا يحضره الفقيه 3: 92، الحديث 3392، وتهذيب الأحكام 6: 207، الحديث 593، ووسائل الشيعة 27: 259، الباب 13 من أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى، الحديث 11.
2- من لا يحضره الفقيه 3: 92، الحديث 3393، ووسائل الشيعة 27: 261، الباب 13 من أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى، الحديث 13، ولكن ورد فيه «ما تنازع قوم» بدل «ما تقارع» .

وأمّا الوجه الثالث: وهو أنّ بين القاعدتين تعارضاً، وترجّح قاعدة القرعة على قاعدة التنصيف، فهو الظاهر من كلام المحقق الآشتياني حيث قال في مسألة تعارض البيّنتين ولم يكن المال في أيديهما أو يد أحدهما: إنّ الأخبار الواردة في الرجوع إلى القرعة كثيرة، كما أنّ الأخبار الدالّة على التنصيف في صورة تعارض البيّنتين أيضاً كثيرة، وكلّ منهما على قسمين: أحدهما: الدالّة على الرجوع إلى القرعة أو التنصيف مطلقاً. والثاني: الدالّة على الرجوع إليها أو إلى التنصيف بعد الحلف، فالأخبار الواردة بأسرها بين أربع طوائف(1) ... ثمّ ذكر الروايات إلى أن قال: فبعد طرح هذا الخبر تصير النسبة بين أخبار التنصيف والقرعة التباين الكلّي، فلابد من الرجوع إلى المرجّحات السنديّة والمضمونيّة على القول به.

فإذاً نقول: إنّ الترجيح مع أخبار القرعة؛ لكونها أصحّ سنداً، ومعمولاً بها عند المشهور، وموافقة للإجماع المنقول عن الغنية.

وأمّا أخبار التنصيف فلم نجد من عمل بها إلاّ الشيخ(رحمه الله) في بعض الصور(2)... إلى أن قال: وأمّا لو كان من جهة الاختلاف في دلالة الأخبار وكون المراد منها أيّ شي ء... فيكون الحكم بعد التكافؤ أيضاً الأخذ بالقرعة لعموماتها(3) .

والظاهر من كلامه، بل صريحه القول بالتعارض وترجيح أخبار القرعة

ص: 519


1- كتاب القضاء 2: 962 .
2- كتاب القضاء 2: 965 .
3- كتاب القضاء 2: 966 .

سنداً ودلالة.

نعم، حكم في صورة كون المال في أيديهما بالتنصيف، ونقل عن بعض مشايخه نفي الخلاف عنه، إلاّ أنّه قال إنّ إثبات يد كلّ منهما على نصف المال سبب لملكيّته، وموجب لكونه منكراً بالنسبة إليه ومدّعياً بالنسبة إلى الآخر(1) .

فيكون الحكم بالتنصيف - على فرض عدم البيّنة منهما أو تعارضهما - على القاعدة.

والكلام في هذا الوجه سيظهر ممّا يأتي.

وأمّا الوجه الرابع وهو عدم التعارض بين القاعدتين؛ لاختلاف مورد كلّ منهما، فهو الظاهر من كلام صاحب الجواهر، والسيّد الأستاذ «قدس سرهما».

أمّا صاحب الجواهر فقد قال: فالتحقيق أن يقال: إنّه يمكن استفادة ترجيح الحكم المزبور في خصوص هذه الصورة بتخصيص نصوص القرعة بما إذا تساوت البيّنتان عدداً وعدالة، ولم تكن العين في أيديهما، أمّا الأوّل فواضح، وأمّا الثاني فلما سمعته من النص الدال على التنصيف في ما إذا كان بأيديهما(2).

وأمّا السيّد الأستاذ(قدس سره) فقد قال: وقد يتوهم معارضة هذه المعتبرة - أي معتبرة إسحاق بن عمّار - بصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله المتقدّمة الدالّة على أنّ اليمين إذا تساوت الشهود عدلاً وعدداً تتعيّن بالقرعة، من

ص: 520


1- كتاب القضاء 2: 903 - 906 .
2- جواهر الكلام 40: 426 .

دون فرق بين كون المدّعى به في يد أحدهما، أو في يد كليهما، أو لا يد لأحد عليه، ولكنّه يندفع بأنّ مورد الصحيحة ليس خصوص دعوى المال، فتكون معتبرة إسحاق أخصّ؛ لاختصاصها بدعوى المال. نعم نلتزم بالقرعة في دعوى المال في مورد واحد على ما تقدّم(1) .والمستفاد من كلام العلمين القول بأخصّية دليل التنصيف، وإن كان ظاهر الجواهر أنّه أخصّ من جهة واحدة، وظاهر السيّد أنّه أخصّ من جهتين.

ولكن قد يشكل على ما اختص به السيّد الأستاذ(قدس سره) بأنّه قد ورد في روايات القرعة في خصوص المال أيضاً.

منها: موثّقة سماعة، عن أبي عبد الله(علیه السلام)، قال: إنّ رجلين اختصما إلى عليّ(علیه السلام) في دابّة، فزعم كلّ واحد منهما أنّها أنتجت على مذوده، وأقام كلّ واحد منهما بيّنة سواء في العدد، فأقرع بينهما سهمين...(2) .

ومنها: معتبرة عبد الله بن سنان، قال: سمعت أبا عبد الله(علیه السلام) يقول: «إنّ رجلين اختصما في دابّة إلى عليّ(علیه السلام)، فزعم كلّ واحد منهما أنّها نتجت عنده على مذوده، وأقام كلّ واحد منهما البيّنة سواء في العدد، فأقرع بينهما سهمين...»(3) .

ص: 521


1- مباني تكملة المنهاج 1: 64 .
2- من لا يحضره الفقيه 3: 93 الحديث 3396 وفيه «نتجت» نسخة، وتهذيب الأحكام 6: 263، الحديث 68، والاستبصار 3: 40، الحديث 136، ووسائل الشيعة 27: 254، الباب 12 من أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى، الحديث 12 .
3- تهذيب الأحكام 6: 266، الحديث 74، والاستبصار 3: 41، الحديث 141، مع اختلاف يسير في المتن، ووسائل الشيعة 27: 255، الباب 12 من أبواب كيفيّة الحكم وأحكام الدعوى، الحديث 15.

وسند الرواية الثانية وإن كان فيه عليّ بن مطر، ولم يرد فيه توثيق، ولكن يكفي في اعتبار روايته، رواية صفوان بن يحيى عنه، كما في نفس هذه الرواية؛ وذلك أمارة على الوثاقة، وقد حقّقناه في محلّه من مباحثنا الرجاليّة(1)، فكلتا الروايتين معتبرتان، وموردهما المال. فما ذكره السيّد(قدس سره) غير تام.

وأمّا ما ذكره صاحب الجواهر(قدس سره) فالظاهر أنّه تام؛ لأنّه وإن ورد الحكم بالتنصيف في موثّقة السكوني الواردة في الودعي، مع عدم كون الدراهم في أيديهما، إلاّ أنّه يمكن أن يقال: إنّ اعتراف الودعي - المستودع - بأنّ لأحدهما درهمين، وللآخر درهماً، هو في حكم كون المال في أيديهما، وكذا ما ورد في اختلاف الزوجين على متاع البيت.

ويؤيّده ما ورد في الدعائم، عن عليّ(علیه السلام) أنّه قضى في البيّنتين تختلفان في الشي ء الواحد يدّعيه الرجلان، أنّه يقرع بينهما فيه إذا عدّلت بيّنة كلّ واحد منهما، وليس في أيديهما، فأمّا إن كان في أيديهما فهو فيما بينهما نصفان بعد أن يستحلفا فيحلفا، أم ينكلا عن اليمين، فإن حلف أحدهما ونكل الآخر كان ذلك لمن حلف منهما، وإن كان في يدي أحدهما فإنّما البيّنة فيه على المدّعي...(2) .

ص: 522


1- أُصول علم الرجال بين النظريّة والتطبيق 2: 144 .
2- دعائم الإسلام 2: 522، الحديث 1863، ومستدرك الوسائل 13: 444، الباب 6 من أبواب كتاب الصلح، الحديث 1 .

والحاصل: أنّ مقتضى الجمع بين أخبار قاعدة التنصيف، وأخبار قاعدة القرعة هو تخصيص أخبار قاعدة التنصيف بالمال الذي يكون في أيدي المتنازعين، وأمّا في غير هذه الصورة من الحقوق والأموال التي ليست في أيديهما فهي مورد لأخبار القرعة.

وقد ظهر ممّا تقدّم حكم صور المسألة، فإنّ المال إذا كان تحت يده فإن رضي بالتصالح فهو، وإلاّ فإن ادّعى المالك بأنّ الزائد له، وأقام البيّنة حكم له به، وإن لم يقم البيّنة فلابدّ من إحلاف من بيده المال، فإذا نكل وحلف المالك حكم له به، وإلاّ فيثبت المال لمن بيده، فلا إشكال في كون المال المشكوك للمالك أو له.

وإنّما الإشكال في تشخيص مال المالك وتمييزه عنه، فنقول: لابدّ من أخذ النسبة بين ما ثبت للمالك وبين ما ثبت له - كالخمس والربع مثلاً - وتكتب رقاع بهذه النسبة على ما تقدّم في كلام السيّد(قدس سره)، ويقرع بينهما، وبذلك يميّز المال؛ إذ لا وسيلة أخرى للتمييز، بلا فرق بين كون اشتباه مال المالك بماله للاختلاط أو الامتزاج بين المالين، كما لا فرق بين كون المال مثليّاً أو قيميّاً، ففي جميع هذه الصور إنّما يتميّز المال بالقرعة.

وأمّا إذا كان المال تحت أيديهما واستيلائهما عليه، فمع عدم التراضي بالصلح فإن أقام كلّ منهما البيّنة أو حلفا معاً فالمال بينهما نصفان؛ بقاعدة التنصيف ويكون حكم هذه الحالة حكم التداعي.

وبعد ثبوت المال لهما أو لأحدهما فلابدّ من تشخيص حقّ كلّ منهما وتمييزه عن حقّ الآخر، من أخذ النسبة والرجوع إلى القرعة، كما تقدّم في

ص: 523

وإن علم المالك والمقدار وجب دفعه إليه [1].

الحالة الأولى، وإن كانت هذه الحالة غير مفروضة في الكلام.وأمّا إذا لم يكن المال تحت أيديهما بأن كان تحت يد ثالث، أو لم يكن تحت يد أصلاً، فالحكم حينئذ مع عدم التراضي والتصالح هو أنّه إن أقاما البيّنة أو لم يقيماها، أو حلفا معاً أو لم يحلفا، فالمرجع هو القرعة لتعيين المشكوك، وأنّه لأيّ منهما، ثمّ تمييز مال المالك عن ماله بالقرعة أيضاً بعد أخذ النسبة على النحو المتقدّم.

والحاصل: أنّ القرعة لازمة لتمييز مال المالك في جميع الحالات، مضافاً إلى أنّه يحكم بها لتعيين المشكوك بأنّه للمالك أو له في الفرض الأخير.

فما حكم به السيّد الأستاذ(قدس سره) من أنّه لابدّ من الرجوع إلى القرعة وإن كان تاماً، ولكن لا لما ذكره من عدم تماميّة قاعدة التنصيف، بل بمقتضى الجمع بين القاعدتين كما تقدّم بيانه.

هذا، ومع ذلك لابدّ من القرعة لتشخيص أحد المالين عن الآخر، ولعل عدم تعرّضه لذلك اتكالاً على ما تقدّم في سابقه.

العلم بصاحب المال وبالمقدار:

[1] أمّا الصورة الرابعة وهي ما إذا كان المالك والمقدار كلاهما معلومين فحكمها وجوب دفع المال إلى صاحبه، بلا خلاف ولا إشكال، وحينئذ فإن

ص: 524

مسألة 28: لا فرق في وجوب إخراج الخمس وحلّية المال بعده بين أن يكون الاختلاط بالإشاعة أو بغيرها، كما إذا اشتبه الحرام بين أفراد من جنسه أو من غير جنسه [1] .

كان المقدار متميّزاً في نفسه أعطي صاحبه، وإن كان مشتبهاً في أمواله فلابدّ إمّا القبول بالتراضي أو الرجوع إلى الحاكم الشرعي أو القرعة لتشخيص المقدار على النحو المتقدّم.

ولعلّ عدم تعرّض الماتن للتفصيل إمّا لوضوحه وإمّا لما يأتي في تقسيم المال المشترك.

عدم الفرق في الحكم عند اختلاف الاختلاط:

[1] والوجه في ذلك أنّ مقتضى إطلاق النصوص التي منها قوله: «لا أعرف حلاله من حرامه»(1) الشمول لجميع أنحاء الاختلاط، بلا فرق بين الاختلاط بنحو الإشاعة الموجبة للشركة في كلّ جزء جزء، وبين الاختلاط صرفاً في الأعيان الخارجيّة كاختلاط الدراهم بالدنانير أو الكتاب والفرش أو غير ذلك من الأجناس المختلفة المختلط بعضها ببعض، مع العلم بكون بعضها له وبعضها لغيره، فكلّ عين باقية على ملك مالكها الواقعي وإن لم تتميّز، كما هو الغالب في موارد الاختلاط في الخارج .

ص: 525


1- تهذيب الأحكام 4: 109، الحديث 357، والمصدر نفسه 4: 122، الحديث 389، ووسائل الشيعة 9: 505، الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1 .

مسألة 29: لا فرق في كفاية إخراج الخمس في حليّة البقيّة في صورة الجهل بالمقدار أو المالك بين أن يعلم إجمالاً زيادة مقدار الحرام أو نقيصته عن الخمس، وبين صورة عدم العلم ولو إجمالاً، ففي صورة العلم الإجمالي بزيادته عن الخمس أيضاً يكفي إخراج الخمس، فإنّه مطهّر للمال تعبّداً، وإن كان الأحوط مع إخراج الخمس المصالحة مع الحاكم الشرعي أيضاً بما يرتفع به يقين الشغل وإجراء حكم مجهول المالك عليه، وكذا في صورة العلم الإجمالي بكونه أنقص من الخمس، وأحوط من ذلك المصالحة معه بعد إخراج الخمس بما يحصل معه اليقين بعدم الزيادة [1].

الحكم في حال وجود علم إجمالي بمقدار الحرام:

[1] تارة يعلم إجمالاً بزيادة مقدار الحرام عن الخمس كما إذا علم أن ثلثي المال أو ثلاثة أرباعه حرام. وأخرى يعلم بنقيصته عنه، كما إذا علم أنّ الحرام لا يتجاوز العُشر، وثالثة لا يعلم بالزيادة ولا بالنقيصة.

أما الصورة الثالثة فالأمر فيها واضح .

وأما الصورتان الأوليان فقد حكم الماتن(قدس سره) بكفاية التخميس فيهما وأنّه مطهّر للمال تعبّداً، بمقتضى روايات التخميس، مثل معتبرة عمّار بن مروان(1)،

ص: 526


1- وسائل الشيعة 494:9، الباب 3 من أبواب ما يجب، فيه الخمس، الحديث 6 .

فإنّها تشمل ما إذا كان المعلوم أقل أو أكثر من الخمس، وجميع ما ورد في باب التصدّق بمجهول المالك خاص بالمال المتميّز. وأما المال المخلوط فلم يرد التصدّق به فتشمله روايات التخميس .

لكن قد يقال: إنّ مطهّريّة التخميس للمال تعبّداً إنّما هي في المتفاهم من الدليل القائم في المسألة وهي الجهالة المطلقة المستقرّة في مقدار المال والمالك حين الدفع، لكن مع العلم بزيادة الحرام عن الخمس أو نقيصته عنه يكون الدليل منصرفاً عن هاتين الصورتين؛ لأنّ الحكم التعبّدي إنّما يفيد فيما هو مشكوك لا في المعلوم، ولا أقل من الشك في شموله لهما، والشكّ في الشمول كافٍ في عدم الشمول.

بل ذكر في الجواهر: أنّ تطهير مال الغير وتحليله من غير رضاه مخالف للضرورة(1) فالأقوى هو التصدّق مع إذن الحاكم الشرعي كما عليه المشهور، وقد تقدّم في الصورة الثانية، وعلى فرض عدم ثبوت اعتبار الإذن فلاريب أنّه أحوط؛ حيث إنّه تصرّف في مال الغير بدون إذنه، ومقتضى الأصل عدم جوازه .

ص: 527


1- جواهر الكلام 16: 75 .

مسألة 30: إذا علم قدر المال ولم يعلم صاحبه بعينه لكن علم في عدد محصور، ففي وجوب التخلّص من الجميع ولو بإرضائهم بأيّ وجه كان، أو وجوب إجراء حكم مجهول المالك عليه، أو استخراج المالك بالقرعة، أو توزيع ذلك المقدار عليهم بالسويّة، وجوه، أقواها الأخير. وكذا إذا لم يعلم قدر المال وعلم صاحبه في عدد محصور فإنّه بعد الأخذ بالأقلّ كما هو الأقوى أو الأكثر كما هو الأحوط يجري فيه الوجوه المذكورة[1].

الحكم في حال وجود علم إجمالي بالمالك:

[1] وفي هذا الحال وجوه، بل أقوال:

الأوّل: وجوب التخلّص من المال ولو بإرضاء جميع الأطراف بأن يعطي كلّ فرد هذا المقدار من المال، وهو مذهب جماعة واختاره السيّد الأستاذ(قدس سره)(1)، وقيل هو المشهور(2) .

الثاني: وجوب إجراء حكم مجهول المالك عليه، واختاره بعض الأعلام.

الثالث: القول باستخراج المالك بالقرعة، وهو مذهب جماعة منهم السيّد

ص: 528


1- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 150 .
2- مصباح الفقيه 14: 176 .

الحكيم(قدس سره) (1) .

الرابع: القول بالتقسيط وتوزيع المال على جميع الأفراد، كما عن جماعة وقوّاه الماتن(قدس سره).

الخامس: أن يعطى المقدار المتيقّن للحاكم، ويطهّر الباقي، ويتولّى الحاكم تقسيم المال على الأفراد أو الإقراع بينهم، وهو ما احتمله الشيخ الأنصاري(قدس سره)(2) .

السادس: التفصيل بين القول الأوّل إذا كان الاستيلاء على المال بالعدوان، وبين القول الثالث أو الرابع إذا كان الاستيلاء عليه بغير عدوان، كما إذا كان أمانة في يده أو غصبها شخص ثالث، وخلط بماله، وهو الذي اختاره المحقق الهمداني(3) .

والظاهر أنّ أضعف الوجوه هو الثاني؛ وذلك لاختصاص الروايات بالمجهول المطلق بحيث لا يمكن إيصال المال إليه، أو أنّه معروف وليس مجهولاً، ولكن لا يتمكّن من الإيصال إليه، كما تقدّم في الروايات التي ذكرناها في القسم الأول.

وأمّا ما نحن فيه فحيث إنّه يتمكّن من إيصال المال إلى المالك إمّا بالاحتياط أو بالتقسيم فكيف يجوز التصرّف في ماله والتصدّق به عنه.

ص: 529


1- مستمسك العروة الوثقى 9: 495.
2- كتاب الخمس: 247 - 248 .
3- مصباح الفقيه 14: 176 .

ويتلوه في الضعف الوجه الرابع وهو التوزيع وتقسيم المال على الأفراد اتكالاً على قاعدة العدل والإنصاف، أو على الأخبار الدالّة على ذلك من تقديم الموافقة القطعيّة في البعض على الموافقة الاحتماليّة في الكل.وذلك لما تقدّم مفصّلاً من الكلام في القاعدة، وقد قلنا: إنّ موردها ما إذا كان المال في أيدي المتداعيين لا مطلقاً.

وأمّا القول بالقرعة فقد أشكل فيه: بأنّ رواياتها لا تشمل المقام؛ إذ أنّ موضوعها هو الأمر المشكل والمشتبه، أي ما كان مجهولاً من جهة الحكم الظاهري والواقعي، وأمّا مع وجود حكم وإن كان ظاهرياً فلا تصل النوبة إلى القرعة حتّى ولو كان المقام مورداً لجريان الأصل.

والمقام كذلك: إذ أنّه بعد العلم بالضمان فمع تردّد المالك بين أشخاص محصورين فمقتضى العلم الإجمالي هو وجوب الخروج عن العهدة بإرضاء المالك من بينهم، ومع إمكانه ولو بإعطاء مال من كيسه فليس المقام من الأمر المشكل حتّى يكون المرجع هو القرعة.

وأمّا القول الأوّل وهو المنسوب إلى المشهور من أنّه مع العلم بمقدار الحرام والعلم بمالكه في ضمن عدد محصور فلابدّ من دفع المال إليه، وتحصيل الجزم بتفريغ الذمّة، إمّا بالصلح أو بدفع المال إلى الجميع، ولو بأضعافه لدى الإمكان، فقد أشكل عليه: بأنّ هذا قد يوجب ضرراً عظيماً على من بيده المال، وهو منفي في الإسلام، وحينئذ فيدخل في الأمر المشكل، وحكمه القرعة.

وأجيب عنه:

ص: 530

أوّلاً: بأنّ الحكم الواقعي بنفسه ليس ضرريّاً ليكون منفيّاً، وإنّما الضرر ناشٍ من حكم العقل بوجوب الاحتياط وإحراز الامتثال، على أنّ حديث «لا ضرر» إنّما يتكفّل بنفي الضرر الناشئ من قبل الحكم فقط دون غيره، وهو أجنبي عن المقام.

وثانياً: بأنّه على فرض التسليم فهو معارض بضرر المالك، بناء على التقسيم أو القرعة، أمّا على الأوّل فلأنّ المال لا يصل إلى صاحبه بتمامه، بل بعضه فيتضرّر بالنسبة للبعض الآخر.

وأمّا على الثاني فلاحتمال عدم وصول المال بتمامه إليه، ومع انضمام استصحاب عدم وصول المال إليه يتحقّق الضرر المنفي، فيعارض الضرر ويحكم بتساقطهما، ويعود العلم الإجمالي منجّزاً.

ولكن يمكن المناقشة في كلا الوجهين:

أمّا الأوّل: ففيه: أنّه قد يقال بعدم اختصاص نفي الضرر بالضرر الناشى ء من الحكم الواقعي فقط، بل يشمل الناشى ء من الحكم الظاهري أيضاً، وإن كان من جهة الأصل؛ لصدق الضرر على ذلك.

وأمّا الثاني: ففيه: أنّه إذا تمّت أدلّة التنصيف أو القرعة فهي حاكمة على أدلّة نفي الضرر، فإنّ موردها هو ما إذا كان فيه ضرر، أو احتمال الضرر فلا معنى لملاحظة النسبة والقول بالتعارض والحكم بالتساقط.

ولكن مع ذلك كلّه يأتي الكلام في قاعدة نفي الضرر بأنّ الضرر الناشى ء من نفس الشخص بحيث يكون هو السبب في حدوثه غير مشمول لأدلّة نفي

ص: 531

الضرر.

ولا يبعد أن يقال إنّ الفروض المحتملة في المقام مختلفة وباختلافها يختلف حكم كلّ منها، فقد يحكم بالأوّل في بعضها، وفي بعضها يحكم بالثالث، وفي بعضها بالرابع وتفصيل ذلك:

أنّه تارة يكون الخلط بعدوان كما إذا كان هو الغاصب والمستولي على مال الغير، وأخرى يكون بغير عدوان كما إذا كان المال أمانة في يده فاختلط بماله، وأخرى يكون بغير عدوان ولكنّه بفعل ثالث، كما إذا غصبه شخص وخلط المالين معاً.

وعلى كلّ هذه التقادير فتارة يكون كلّ واحد من هؤلاء المحصورين يدّعي ملكيّة المال، وأخرى لا يدّعيه أحد ولا ينكره، بل يطلب حقّه إن كان له حق.

أمّا الفرض الأوّل وهو ما إذا كان الخلط بعدوان، سواء كان كلّ من الأفراد يدّعي المال لنفسه أو لا، فلابد فيه من إيصال المال إلى المالك؛ لقاعدة على اليد ما أخذت، ولا تكفي التخلية بين المال ومالكه، ولذا لو كان الإيصال يوجب صرف مال زائد لزمه ذلك، وعليه فالأوجه هو القول الأوّل من لزوم إعطاء المال وإرضاء جميع الأفراد بأيّ وسيلة كانت، حتّى يعلم بفراغ ذمّته، إذا لم يترتّب على ذلك ضرر شديد بحيث لا يتحمّل عادة، وأمّا إذا لزم ذلك كما إذا استوجب استنفاذ جميع ماله أو إعطاء أضعافه إليهم، وهو ممّا يعلم قطعاً بأنّه منفي شرعاً، فحينئذ تدخل المسألة في حكم ما إذا تعذّرت معرفة المالك، أو تعذّر إيصال المال إليه، ولابدّ من مراجعة الحاكم الشرعي وإعطاء

ص: 532

المال إليه أو إبقائه في يده حتّى يحكم الحاكم بالإعطاء.

فإن كان كلّ منهم يدّعي المال كلّفهم الحاكم بإقامة البيّنة ثمّ أحلفهم فإذا أقام أحدهم البيّنة، أو حلف حكم بأنّ المال له، وإذا أقام البيّنة أكثر من واحد أو أقامها جميعهم أو حلفوا كذلك فمقتضى ما تقدّم إجراء القرعة بينهم، فإنّ المال ليس في أيديهم فيقرع بين الجميع، أو بين من أقام البيّنة أو حلف.

وأمّا إذا لم يدّع المال أحد منهم فالحكم هو القرعة بين الجميع ابتداءً.

وأمّا الفرض الثاني فيكتفى بالتخلية بين المال وبينهم؛ لعدم وجوب إيصال المال إلى المالك بأكثر من ذلك، والخلاف في كون المال لأيّ منهم راجع إليهم، ولا شأن لمن بيده المال في ذلك، ولرفع الاختلاف فيما بينهم لابدّ من الرجوع إلى الحاكم الشرعي، فإذا أقام أحد البيّنة أو حلف حكم الحاكم بأنّ المال له، وإذا أقامها أكثر من واحد أو جميعهم، أو حلفوا كذلك، أو لم تكن لهم بيّنة ولم يحلفوا فالحكم حينئذ هو إجراء قاعدة التنصيف عليهم فيقسّط المال بينهم بالسويّة، هذا إذا كان كلّ منهم يدّعي المال.

وأمّا مع عدم ادّعاء أيّ منهم فالظاهر أنّ تعيين المالك بالقرعة كالفرض السابق.

وأمّا الفرض الثالث وهو ما إذا كان الخلط بفعل شخص ثالث فيكتفى بالتخليّة بين المال وبينهم، وبذلك تبرأ ذمّته ويخلص ماله عن الحرام إلاّ أنّ ذمّة الفاعل لا تبرأ إلاّ بإيصال المال إلى مالكه، فعليه إرضاء الجميع ولو بصرف مال زائد ما لم يستلزم المشقّة والضرر، وإلاّ فإن لزم الضرر الشديد وتعذّر عليه كان حكمه حكم الفرض الأوّل من الرجوع إلى الحاكم الشرعي، وهو

ص: 533

يتكفّل بطلب البيّنة والإحلاف، وفي صورة تساوي البيّنات أو حلف الجميع أو نكولهم جميعاً يقرع بين الجميع، أو بين من أقام البيّنة أو حلف منهم إذا كانوا أكثر من واحد، فإنّه داخل أيضاً في قاعدة القرعة.

هذا إذا كان كلّ منهم يدّعي المال، وأمّا إذا لم يكن أحد يدّعيه فالحكم هو القرعة ابتداءً.

والحاصل: أنّه مع عدم الادّعاء منهم في الفروض الثلاثة فالحكم هو القرعة، وأمّا إذا ادّعى كلّ منهم المال ففي الفرض الأوّل يجب الإرضاء مع الإمكان وإلاّ فلابدّ من الرجوع إلى الحاكم الشرعي، فإن تساوت البيّنات أو حلفوا جميعاً أو لم يقيموا بيّنة أو لم يحلفوا أقرع بينهم.

وفي الفرض الثاني لابدّ من الرجوع إلى الحاكم الشرعي، فإن تساووا في البيّنة والحلف أو عدمهما قسّط المال بينهم بالسويّة.

وفي الفرض الثالث يجب إرضاء الأطراف مع الإمكان، وإلاّ فلابدّ من الرجوع إلى الحاكم الشرعي، وفي صورة التساوي في البيّنة والحلف وعدمهما يقرع بينهم.

ص: 534

مسألة 31: إذا كان حقّ الغير في ذمّته لا في عين ماله فلا محلّ للخمس، وحينئذ فإن علم جنسه ومقداره ولم يعلم صاحبه أصلاً أو علم في عدد غير محصور تصدّق به عنه بإذن الحاكم أو يدفعه إليه، وإن كان في عدد محصور ففيه الوجوه المذكورة، والأقوى هنا أيضاً الأخير، وإن علم جنسه ولم يعلم مقداره بأن تردّد بين الأقلّ والأكثر أخذ بالأقل المتيقّن ودفعه إلى مالكه إن كان معلوماً بعينه، وإن كان معلوماً في عدد محصور فحكمه كما ذكر، وإن كان معلوماً في غير المحصور، أو لم يكن علم إجمالي أيضاً تصدّق به عن المالك بإذن الحاكم، أو بدفعه إليه، وإن لم يعلم جنسه وكان قيميّاً فحكمه كصورة العلم بالجنس؛ إذ يرجع إلى القيمة ويتردّد فيها بين الأقل والأكثر، وإن كان مثليّاً ففي وجوب الاحتياط وعدمه وجهان [1].

الحكم فيما إذا كان حق الغير ثابتاً في الذمة:

اشارة

[1] ويقع الكلام في هذه المسألة في مواضع ثلاثة:

الأوّل: في صور المسألة.

الثاني: في دخولها في مسائل الخمس أو أنّها من ملحقاتها.

الثالث: في بيان حكم كلّ من صورها.

ص: 535

أمّا الأوّل: فإنّ الصور التي يتعلّق الحرام فيها بالذمّة هي نفس الصور التي يتعلّق فيها الحرام بالعين الخارجيّة، فتارة يكون المالك والمال كلاهما معروفين، وأُخرى يكونان مجهولين، وثالثة يكون المال معلوماً والمالك مجهولاً، ورابعة بالعكس.

ولم يذكر الماتن(قدس سره) الصورة الأولى، ولعلّه لوضوح حكمها ممّا سبق.

وأمّا بقيّة الصور: فالثانية تقدّمت.

وأمّا الثالثة فهي أن يكون الحرام معلوماً والمالك غير معلوم، إمّا لأنّه في عدد محصور، وإمّا في عدد غير محصور، وإمّا لأنّه غير معلوم أصلاً.

وأمّا الرابعة فأن يكون المال مجهولاً، والجهل به إما بمقداره بأن لا يعلم أنّه دينار أو ديناران. وإما بجنسه سواء كان قيميّاً كما إذا كان لا يعلم أنّه شاة واحدة أو بقرة واحدة، أو مثليّاً كما إذا كان لا يعلم بأنّه دينار أو درهم، أو حنطة أو شعير، أو شكّ في كونه مثليّاً أو قيميّاً كالمردّد بين الحنطة والشاة.

وأمّا الثاني: فقد ذكر الماتن(قدس سره) أنّ هذه الصور ليست من مسائل الخمس إذ لا محلّ لها؛ لعدم الموضوع، إذ لا يتصوّر الاختلاط في الأموال إذا كانت متعلّقة بالذمّة فلا تشملها روايات الخمس، وتكون هذه الصور من ملحقات مسائل الخمس لا منها.

وخالف في ذلك صاحب الجواهر(1)، والشيخ الأنصاري(2)، والسيّد

ص: 536


1- جواهر الكلام 16: 76.
2- كتاب الخمس: 269.

الأستاذ(قدس سره) (1) وغيرهم، بأنّ ذلك يتّجه فيما لو كان تلف المال الحرام قبل الخلط.

وأمّا إذا وقع الاختلاط بين الحلال والحرام ثمّ تلف بعد ذلك فقد تحقّق موضوع المال المخلوط بالحرام، فيمكن أن يقال بوجوب الخمس في صور الجهل بالمال الحرام المخلوط بالحلال إذا تلفا معاً، وبذلك تبرأ الذمّة إذا كان إخراج الخمس من المجموع فتكون هذه الصور مشمولة لأدلّة الخمس، فإنّ المال المختلط قبل التلف كان متعلّقاً لحقّ الهاشميين كما في سائر ما يتعلّق به الخمس من المعدن والكنز وأمثالهما، وهكذا الحال بعد التلف.

نعم لو كان المال الحرام قد تلف قبل الاختلاط بالحلال لم يتحقّق موضوع المال المخلوط بالحرام واشتغلت ذمّة المتلف (الضامن) بنفس المال الحرام.

هذا، ولكن ذهب المحقّق الهمداني(قدس سره) إلى القول بعدم الخمس حتّى في الصورة الأولى؛ احتجاجاً بأنّ الحكم بإخراج الخمس من المال المخلوط بالحرام ليس على حسب تعلّقه بغيرهما ممّا يتعلّق به الخمس - كالمعدن والكنز - في كونه حقّاً فعليّاً لبني هاشم، بل الحرام الممتزج به ملك لصاحبه، ولكنّ الشارع جعل تخميس المال بمنزلة إيصال ما فيه الحرام إلى أهله في الخروج عن عهدته.

ومقتضى ذلك اشتغال ذمّته عند التصرّف والإتلاف لا أنّ الهاشمي يشترك معه في المال، فهو مثل المال الحرام المتميّز الذي أتلفه وجهل مقداره(2) .

ص: 537


1- مستند العروة الوثقى، كتاب الخمس: 155.
2- مصباح الفقيه 14: 161 .

وأمّا الثالث وهو حكم كلّ من الصور المذكورة فبيانه كما يلي:أمّا حكم الصورة الأولى وهي ما إذا كان المالك والمال المتعلّق بالذمّة كلاهما معلومين فهو واضح، وقد تقدّم.

وأمّا الصورة الثالثة وهي ما إذا كان المال معلوم المقدار، غير معلوم المالك فلها ثلاثة فروض:

فتارة يعلم به إجمالاً في عدد محصور، وأُخرى في عدد غير محصور، وثالثة لا يعلم به أصلاً ولو في عدد غير محصور.

أمّا ما كان في عدد غير محصور فكأن يعلم باشتغال ذمّته لواحد من أهل البلد الفلاني، أو العشيرة الفلانيّة، ولا يعرف شخصه.

وأمّا كونه لا يعلم به ولو في عدد غير محصور، فكأن يعلم باشتغال ذمّته لواحد من الناس من دون أن يعلم أنّه من أيّ بلد، أو أيّ عشيرة، فدائرة هذا الأخير أوسع من الثاني.

أمّا الفرض الأوّل فيجري فيه ما تقدّم من الوجوه من التصدّق بالمال أو تقسيمه، أو القرعة، أو إرضاء الجميع.

وقد قوّى الماتن القول بالتقسيم، وتقدّم ما فيه، وقلنا: إنّ المقام يقتضي التفصيل بين ما إذا كان خلط المالين عن عدوان، أو عن أمانة، أو عن شخص ثالث، فعلى الأوّل يجب إرضاء جميع الأفراد إلاّ أن يستلزم الحرج فينتهي الأمر إلى القرعة، وعلى الثاني أو الثالث يلزم التخلية بين المال وبينهم، وبها تتحقّق براءة الذمّة، ثمّ يجب عليهم إقامة البيّنة أو الحلف بعد الرجوع إلى

ص: 538

الحاكم الشرعي، وتكليفهم بذلك فيما إذا كان كلّ منهم يدّعي المال، وعلى فرض التساوي ينتهي الأمر في الثاني إلى التقسيم لقاعدة العدل والإنصاف، وفي الثالث إلى القرعة.

ثمّ إنّ الظاهر أنّ المراد من المحصور هو الحصر العرفي الذي هو موضوع البحث في العلم الإجمالي على أن يكون منجّزاً للتكليف، وليس المراد به معنى آخر كبقاء المال عند التوزيع بحيث لا تبقى له ماليّة محفوظة عند العرف، كتقسيم مائة فلس على مائة شخص، فإنّ هذه الشبهة لا تعدّ محصورة في المقام، وإن ادّعي ذلك، احتجاجاً بأنّ النكتة الثبوتيّة فيما نحن فيه تقتضي ذلك، فإنّ العرف لا يرى في مثل هذا المورد شبهة محصورة بحيث يصلح المال لتوزيعه على الأفراد.

كما أنّه مقتضى النكتة الإثباتيّة وهي إطلاقات الروايات الواردة في الحكم بالتصدّق إذا لم يعرف صاحبه، الشاملة لمن كان في عدد محصور أو غير محصور، وإنّما تخصّص تلك الإطلاقات بدليل لبّي بغير المحصور، حيث يقال: إنّ الغرض من التصدّق هو إيصال المال إلى صاحبه، ويكون التصدّق أحد الطرق إليه، فيقيّد لبّاً بما إذا كان المالك معلوماً في عدد محصور، والإيصال إنّما يتم بإعطائه المال ولو بعضه.

وهذه النكتة لا تأتي إذا كان الإعطاء في حكم التلف؛ لعدم إيصال المال إلى صاحبه كما في المثال المتقدّم، فلابدّ حينئذ من ملاحظة مقدار المال وعدد المحصورين الذين يحتمل أن يكون المالك من بينهم(1).

ص: 539


1- بحوث في الفقة كتاب الخمس 346:1 .

وهذه الدعوى لا ترجع إلى محصّل، ولا نظنّ أنّ أحداً يلتزم بها، فإنّ ما ذكر من النكتتين محل إشكال.

وعلى فرض تماميّتهما فإنّما تتمّان فيما إذا كان الحكم بالتوزيع والتقسيم من الأوّل، لا بعد طلب إقامة البيّنة، أو الحلف، والحكم بإعطاء جميع المال لمن أقام البيّنة أو حلف.

وأمّا الفرضان الثاني والثالث فالحكم فيهما هو التصدّق، ويدلّ عليه مضافاً إلى عدم الخلاف فيه، وأنّ أقرب طرق إيصال المال إلى صاحبه إيصال نفعه إليه - روايتان:

الأولى: صحيحة يونس بن عبد الرحمن قال: سئل أبو الحسن الرضا(علیه السلام) - وأنا حاضر - إلى أن قال: رفيق كان لنا بمكّة، فرحل منها إلى منزله ورحلنا إلى منازلنا، فلما صرنا في الطريق أصبنا بعض متاعه معنا، فأيّ شي ء نصنع به؟ قال: فقال: «تحملونه حتّى تحملوه إلى الكوفة»، قال: لسنا نعرفه، ولا نعرف بلده، ولا نعرف كيف نصنع، قال: «إذا كان كذا فبعه وتصدّق بثمنه»، قال له: على من جعلت فداك؟ قال: «على أهل الولاية»(1) .

وهي من جهة السند صحيحة، ومن جهة الدلالة واضحة، فإنّها وإن كان موردها العين الخارجيّة وهو متاع الرفيق، ولذا أمر بحمله ثمّ ببيعه والتصدّق بثمنه، ولكنّ المستفاد منها بحسب الفهم العرفي إلغاء هذه الخصوصيّة كإلغاء خصوصيّة كون الواقعة في السفر إلى مكّة ونحو ذلك، وأنّ المناط في التصدّق

ص: 540


1- تهذيب الأحكام 6: 455، الحديث 310، ووسائل الشيعة 25: 450، الباب 7 من أبواب اللقطة، الحديث 2، مع اختلاف يسير في المتن .

هو عدم التمكّن من إيصال المال إلى صاحبه سواء كان عيناً أو ديناً في الذمّة.

على أنّه يمكن إرجاع ما في الذمّة إلى الخارج بتسليمه إلى الحاكم الشرعي الذي هو وليّ من لا وليّ له، أو إلى عدول المؤمنين ثمّ بعد التمييز يُتصدّق به.

الثانية: رواية معاوية بن وهب عن أبي عبد الله(علیه السلام) في رجل كان له على رجل حقّ، ففقده ولا يدري أين يطلبه، ولا يدري أحيّ هو أم ميت، ولا يعرف له وارثاً، ولا نسباً، ولا بلداً؟ قال: «أطلب»، قال: فإنّ ذلك قد طال، فأتصدّق به؟ قال: «اطلبه»(1) .

فإنّ قوله: «حق» شامل لما في الذمّة بلا إشكال، ويظهر من قوله: «فأتصدّق به؟» أنّ المرتكز عند الأصحاب هو التصدّق بالمال إذا لم يظفر بالمالك، فتكون الرواية دليلاً على المدّعى.

ولكن يمكن المناقشة في سند الرواية ودلالتها.

أمّا من جهة السند فإنّ في طريقها رجلين أبا ثابت، وفي نسخة ابن ثابت، وابن عون، وهما غير معروفين.

نعم، ذكر السيّد الأستاذ(قدس سره) في المعجم: أنّ أبا ثابت هو أبو ثابت

ص: 541


1- الكافي 7: 153، كتاب المواريث، الباب 88، الحديث 2، ومن لا يحضره الفقيه 4: 331، الحديث 5713 مع اختلاف يسير، وتهذيب الأحكام 9: 331، الحديث 1388، والاستبصار 4: 272، الحديث 737، ووسائل الشيعة 26: 297، الباب 6 من أبواب ميراث الخنثى، الحديث 2 .

الأنصاريّ الأسديّ، وعدّه البرقيّ في أصحاب الصّادق(علیه السلام) (1).

ولا يمكن تصحيح سند الرواية؛ بالقول: إنّ كتاب معاوية بن وهب معروف مشهور ويرويه جماعة كما ذكر ذلك الشيخ في الفهرست(2) وعليه فلا حاجة حينئذ إلى السند؛ لأنّنا لم نجد العبارة في فهرست الشيخ (رحمه الله)، وما هو موجود غير دالّ على ذلك، وعلى فرض التسليم فقد ذكر النجاشي أنّ لمعاوية بن وهب كتباً منها كتاب فضائل الحج(3) . ولم يعلم أنّ الرواية منقولة من كتابه المشهور.

وأمّا من جهة الدلالة: فلأنّ الإمام(علیه السلام) لم يأمر بالتصدّق، وإنّما هو من كلام السائل، ولم يجبه الإمام(علیه السلام) بذلك، بل أمره بالفحص عن صاحب المال، فلا تدلّ الرواية على التصدّق.

ويكفي في المقام لإثبات الحكم الرواية الأولى مؤيّدة بما تقدّم.

وأمّا الصورة الرابعة وهي ما إذا كان المال مجهولاً فلها فروض:

الأوّل: ما إذا كان المال مجهولاً من جهة المقدار، والمالك قد يكون معلوماً بعينه وقد يكون معلوماً في محصور، أو في عدد غير محصور أو غير معلوم كما تقدّم بيانه.

فإن كان المقدار مردّداً بين الأقل والأكثر - مثليّاً كان أو قيميّاً - فالظاهر

ص: 542


1- معجم رجال الحديث 22: 80 / 14023 .
2- الفهرست: 463 / 738 .
3- رجال النجاشي: 412 / 1097 .

من كلام الماتن وغيره هو الحكم بوجوب إعطاء الأقل، وأمّا الزائد فتجري فيه البراءة؛ وذلك لانحلال العلم الإجمالي بين الأقل والأكثر.

نعم إذا أقام المالك البيّنة على أنّ له الأكثر ثبتت دعواه، وإلاّ فيحكم بأنّ الزائد لمن بيده المال بمقتضى قاعدة اليد.

وأمّا الحكم من جهة المالك فقد ظهر ممّا تقدّم في الصورة السابقة.

الثاني: ما إذا كان المال مجهولاً من جهة الجنس، وكان الترديد بين قيميّين، كما إذا تردّد المال في ذمّته بين شاة أو بقرة.

والحكم في هذا الفرض يرجع إلى الفرض السابق أيضاً؛ لأنّ القيمي عند التلف ينتقل إلى القيمة في الذمّة، وحينئذ فيدور الأمر في ذمّة المتلف بين الأقل والأكثر، فتجري البراءة في الزائد، إلاّ أن يقيم المالك البيّنة على نحو ما تقدّم.

الثالث: ما إذا كان المال مجهولاً من جهة الجنس أيضاً ولكن الترديد بين مثليّين أو أحدهما مثلي والآخر قيمي، كما إذا تردّد المال بين الحنطة والشعير، أو بين الحنطة والشاة، والحكم في هذا الفرض مشكل؛ لأنّ المثلي عند التلف لا ينتقل إلى القيمة، بل ينتقل إلى المثل في ذمّة المتلف، فيدور الأمر في ذمّته بين شيئين متباينين؛ لأنّ ذمّة المتلف اشتغلت بالحنطة أو الشعير، أو بين قيمة الشاة ونفس الحنطة، وإن كانت النسبة بين قيمتهما تدور بين الأقل والأكثر، ولكنّ القيمة لا تلاحظ، بل الملاحظ هو مثل المال لانشغال الذمّة به، فتكون من دوران الأمر بين المتباينين، وقد اختلفت فيه الأقوال، وهي ستة:

ص: 543

أحدها: الحكم بالتنصيف.

ثانيها: الحكم بالقرعة.

وقد ذكرهما السيّد الأستاذ(قدس سره) واختار الثاني منهما(1) .

ثالثها: الحكم بالاحتياط بإعطاء المالك أعلى الجنسين حتّى يحصل الفراغ اليقيني، وهو أحد الاحتمالين الذين ذكرهما الماتن بقوله: وجهان.

رابعها: الحكم بإعطاء الأقل وتجري البراءة في الزائد كما في صورة التردّد في المقدار.

خامسها: الحكم بإعطاء أقلّ الجنسين إذا رضي المالك، ومع عدم الرضا ينصّف الجنسان، ويعطى نصف كلّ منهما، ولعلّه يرجع الى القول الأول .

سادسها: التفصيل بين ما إذا كانت يده عدوانيّة فعليه أن يعطي الأعلى منهما، وإلاّ فينصّف الجنسان كما في القول السابق.

أمّا القول الأوّل فقد ذكر السيّد الأستاذ(قدس سره) وجهه وقال: ربّما يقال، بل قيل: بالتوزيع؛ عملاً بقاعدة العدل والإنصاف...

وأجاب عنه بقوله: ولكنّه لا وجه له أصلاً؛ إذ معه يعلم تفصيلاً بعدم فراغ ذمّته عن ضمان النصف الآخر، اللهم إلاّ أن يحصل التراضي، وهو أمر آخر، وإلاّ فبدونه لابدّ من الخروج عن عهدة تمام المال غير المتحقّق بالتوزيع المزبور، على أنّ القاعدة لا أساس لها كما أسلفناك.

ص: 544


1- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 158 - 159 .

وأمّا القول الثاني وهو ما اختاره(قدس سره) فقد ذكر في وجهه أنّه لا مناص من أداء أحدهما الواقعي المردّد بينهما ودفعه إلى مالكه بتمامه وكماله، وهو يتحقّق بتمكينه منهما معاً، فيسلّمه كلا العينين، وبذلك يخرج عن عهدة الضمان المعلوم في البين، للقطع بإيصال تمام المال إلى صاحبه، غايته أنّ ذلك المال الواصل مردّد بين المالين فيعيّن عندئذ بالقرعة التي هي لكلّ أمر مشكل، وحيث انتهى الأمر إلى القرعة فله التصدّي لها من أول الأمر(1) .

ويرد على الأوّل ما تقدّم من ثبوت القاعدة عند العقلاء، وأنّها ممضاة شرعاً وعُمل بها في كثير من الموارد في الفقه، كما اعترف بها السيّد الأستاذ(قدس سره) نفسه في بعض المواضع كما أسلفنا.

فإذا فرض جريان القاعدة في المقام فلا يبقى مجال لما ذكره(قدس سره) من أنّه لم يحصل العلم بفراغ ذمّته عن ضمان النصف كما لا يخفى.

ويرد على الثاني أنّه مع تسليم العينين إلى المالك بمقتضى العلم الإجمالي باشتغال ذمّته بإحداهما هو ذلك، أي ما ذكره(قدس سره)، ولكن في كون المورد - بعد ذلك - من موارد قاعدة التنصيف أو قاعدة القرعة، بحث يأتي.

وأمّا القولان - الثالث والرابع - اللذان ذكرهما الماتن(قدس سره) فوجه الأوّل منهما وهو إعطاء أعلى العينين قيمة، قد تبيّن ممّا تقدم من أنّه مقتضى الاحتياط ومنجزيّة العلم الإجمالي؛ لاشتغال ذمّته.

ويرد عليه - ما تقدّم - في مسألة الترديد بين المتباينين في العينين الخارجيتين -

ص: 545


1- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 159.

من أنّ التسليم لازم إذا كانت يده عدوانيّة، وأمّا إذا لم تكن كذلك فيكفي التخلية بين المال والمالك، وحينئذ إن لم يكن مدعياً للأعلى قيمة منهما دخل في الأمر المشكل وتعيينه بالقرعة.

وإن كان مدعياً للأعلى قيمة منهما، فإن أقام البيّنة أو حلف فله ذلك وإلاّ فهو من موارد قاعدة التنصيف؛ لوقوع يدهما على المال.

وأمّا الثاني وهو إعطاء أقل العينين قيمة فقد ذكر بعض الأعلام الوجه فيه حيث إنّه بعد أن ذكر أنّ قاعدة العدل والإنصاف لا تجري في المقام لاختصاصها بالمال المردّد بين الشخصين أو الأشخاص المحصورين بخلاف تردّده بين المالين، قال: فلا محيص عن العمل بذلك بمقتضى القاعدة بعد عدم قيام الإجماع على عدم وجوب الاحتياط، نعم ليس للمالك أيضاً أخذ شي ء من هذه الأجناس، فلا محيص إلاّ عن إسقاط الخصوصيّة واختيار القيمة وحينئذ فالأمر يدور بين الأقل والأكثر، فلا يأخذ المالك إلاّ مقدار الأقل لا أنّ الدافع لا يكون مكلّفاً إلاّ بالأقل(1).

وما أفاده(قدس سره) لا يخلو عن مناقشة، فإنّه إذا كان الترديد بين المالين موجباً لتعذّر تسليم المثلي انتقل الضمان إلى القيمة، وحينئذ يدور الأمر بين الأقل والأكثر. فما ذكره(قدس سره) صحيح، ولكنّ الظاهر عدم كون الترديد موجباً للتعذّر ولم يعد منه، فمع إمكان إعطاء المثل وحفظ الخصوصيّة العينيّة بتسليم كلا المالين إلى المالك إفراغاً لذمّته فعليه ذلك، ولكن ليس للمالك أن يأخذ إلاّ ماله، وحينئذ إن لم يكن مدعياً عيّن المال بالقرعة، وإلاّ فبقاعدة العدل

ص: 546


1- حاشية المرحوم السيد الشاهرودي(قدس سره) على العروة الوثقى، كتاب الخمس، المسألة 31 .

والتنصيف كما تقدّم.

ومن ذلك يظهر وجه القولين الأخيرين وما يرد عليهما.

والحاصل: أنّ مقتضى القاعدة - كما ذكرنا في العين الخارجية - هو الاحتياط بتسليم كلتا العينين إلى المالك إذا كان عن عدوان ثمّ يعيّن المال بالقرعة مع فرض عدم كونه مدعياً، وإذا لم يكن عن عدوان فبتمكينه من المالين، ثمّ تعيين حقّه منهما مع الدعوى بالتنصيف، وبدونها يعيّن بالقرعة على ما تقدّم.

وأمّا الصورة الثانية:- وهي ما لو كان كلّ من المال والمالك مجهولين – فيتضح حكمها من الصور السابقة؛ فإنّ الجهل بالمالك يتصوّر على ثلاثة فروض، كما أنّ الجهل بالمال كذلك.

فتارة يجهل به شخصاً ولكن يعلم به إجمالاً في عدد محصور، وأخرى في عدد غير محصور، وثالثة لا يُعلم به أصلاً ولو في عدد غير محصور.

أمّا إذا علم المالك إجمالاً في عدد محصور، والمال مجهول أيضاً: إمّا من جهة المقدار، بأن كان مردّداً بين الأقل والأكثر - مثليّاً أو قيميّاً - اقتصر على إعطاء الأقل وجرت البراءة في الأكثر، وحينئذ تأتي الوجوه المتقدّمة في إيصال المال للمالك، وهي التصدّق أو تقسيم المال أو القرعة أو إرضاء الجميع. وقد تقدّم مختارنا فيها، وهو التفصيل بين ما إذا كان خلط المالين عن عدوان فيجب إرضاء جميع الأفراد إذا لم يستلزم الحرج، وإلاّ انتقل للقرعة. وبين ما إذا لم يكن عن عدوان وكانت يده يد أمانة، أو كان الاختلاط مسبباً عن شخص ثالث فيخلى بين المال وبينهم، وبهذا تفرغ الذمّة .

ص: 547

وإمّا من جهة الجنس، وكان الترديد بين قيميين، فإنّه يقتصر هنا على إعطاء الأقل أيضاً؛ لأنّ القيمي إذا تلف فإنّه ينتقل إلى القيمة في الذمّة، فيدور الأمر في ذمّة المتلف بين الأقل والأكثر، وتجري البراءة عن الزائد كما سبق، وطريق تفريغ الذمّة هو بأحد الوجوه المتقدّمة من التصدّق وغيره.

وإمّا من جهة الجنس، وكان الترديد بين مثليين أو بين مثلي وقيمي، وقد مرّ الخلاف في هذا الفرض؛ لأنّ المثلي لا ينتقل للقيمة عند التلف، بل ينتقل إلى المثل في ذمّة المتلف، ويكون الأمر من الدوران بين المتباينين، وقد سبق أنّ مقتضى القاعدة هو الاحتياط بتسليم المال كله إلى المالك إذا كان الاختلاط فيه عن عدوان، ثمّ يعيّن حقه بالقرعة، فإذا تعيّنت الوظيفة في المال فطريق تفريغ الذمّة بالإيصال إلى المالك المجهول هو بأحد الوجوه التي تقدّمت.

هذا كلّه إذا لم يوجد مدّع للمال.

وأما إذا وجد وأقام بيّنة على أنّ له الأكثر أو الأعلى قيمة من الجنسين سُلّم له بمقتضى البيّنة، هذا فيما إذا كان الجهل بالمال من جهة المقدار، وكان التردّد بين الأقل والأكثر، أو التردّد من جهة الجهل بالجنس بين قيميين.

وأما إذا كان المال مجهولاً من جهة الجنس المردّد بين مثليين أو بين مثلي وقيمي، فإنّه يُصار إلى التنصيف إذا أقام البيّنة، كما تقدّم ذلك كلّه.

وأما إذا علم بالمالك في عدد غير محصور أو لم يعلم به أصلاً فقد تقدّم أنّ الحكم هو التصدّق بما يتعيّن من الأقل - بعد إجراء البراءة عن الأكثر- أو المعيّن بواسطة القرعة.

ص: 548

مسألة 32: الأمر في إخراج هذا الخمس إلى المالك كما في سائر أقسام الخمس، فيجوز له الإخراج والتعيين من غير توقّف على إذن الحاكم، كما يجوز دفعه من مالٍ آخر وإن كان الحقّ في العين [1].

إخراج خمس المال المختلط وإذن الحاكم الشرعي:

[1] لعلّ من المناسب جعل هذه المسألة في ختام فروع المال المختلط بالحرام.

وكيف كان، فالظاهر أنّ ولاية الإخراج في هذا المورد - كسائر موارد الخمس - إنّما هي بيد المالك، فإنّه إذا قلنا: إن سنخ الخمس هنا متّحد مع سائر أقسام الخمس وتعلّقه كتعلقه في سائر الأقسام فلا حاجة إلى إذن الحاكم في الإخراج، كما يجوز له الأداء من مالٍ آخر، كما هو الحال في سائر موارد الخمس؛ لعين الأدلّة التي دلّت على ذلك بمناط واحد.

وأمّا إذا قلنا باختلاف السنخ مع بقيّة الموارد فأيضاً يمكن الاستدلال بإطلاق الروايات الدالّة على إخراج الخمس بلا تقيّد بالإذن، كما أنّه يمكن استفادة جواز دفع الخمس من مالٍ آخر من مثل صحيحة يونس التي ورد فيها الأمر بالبيع والتصدّق بالقيمة.

ص: 549

مسألة 33: لو تبيّن المالك بعد إخراج الخمس فالأقوى ضمانه، كما هو كذلك في التصدّق عن المالك في مجهول المالك، فعليه غرامته له حتى في النصف الذي دفعه إلى الحاكم بعنوان أنّه للإمام(علیه السلام)[1].

تبيّن المالك بعد إخراج الخمس:

[1] في المسألة ثلاث صور:

فإنّه تارة يتبيّن المالك قبل إخراج الخمس، وأخرى يتبيّن بعد إخراجه، وثالثة لا يتبيّن.

ولا إشكال في لزوم إعطاء المالك ماله، وعدم جواز الإخراج في الصورة الأولى.

كما أنّه لا خلاف في عدم الضمان في الصورة الأخيرة.

إنّما الكلام في الصورة الثانية، وأنّه إذا تبيّن المالك بعد إخراج الخمس فهل يحكم بالضمان على المخرِج هنا وكذلك في التصدّق بمجهول المالك، أو لا يجب الضمان؟

اختار الأول جماعة منهم الشهيد الثاني في الروضة والشهيد الأول في البيان والشيخ جعفر الكبير في كشف الغطاء، على ما في الجواهر، وقوّاه

ص: 550

فيه(1).

وعلى الثاني أكثر محشّي «العروة»، كالسيد الحكيم في «المستمسك» والسيد الاستاذ(2) .

ويمكن الاستدلال على القول الأول بوجوه:

الوجه الأول: بقاعدة اليد، فإنّ يده عدوانيّة تستتبع الضمان، ولا دليل على سقوط الضمان إذا لم يؤدِّ المال إلى صاحبه.

وإذن الشارع بإعطاء المال للغير - باعتبار أنّه بدل الحيلولة - فهو ترخيص مؤقّت مرتبط بما إذا لم يعرف ولم يتبيّن صاحبه، فمقتضى القاعدة ثبوت الضمان.

الوجه الثاني: بقاعدة الإتلاف المتحقّق بالإخراج وبالتصدّق في مجهول المالك، فإنّها تقتضي الضمان. ومجرد إذن الشارع بالإخراج والتصدّق لا ينافي الضمان؛ فإنّ المستفاد من الروايات أنّ جواز التصرّف وحليّة بقيّة المال يتوقّفان عليهما. وأمّا الحكم الوضعي وهو الضمان فهي ساكتة عنه، فيكون الضمان على طبق القاعدة.

الوجه الثالث: بالروايات الدالّة على الضمان في اللّقطة إذا تبيّن المالك بعد التصدّق، ولم يرض المالك بالتصدّق. وبما ورد في الودعي الذي أودعه

ص: 551


1- جواهر الكلام 16: 75 .
2- مستمسك العروة الوثقى 9: 501، والمستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 160 - 161 .

اللّصوص مالاً فتصدّق عن صاحبه، ثم تبيّن المالك، فإنّ عليه الضمان أيضاً(1)، فإنّ المستفاد منها إلغاء الخصوصيّة، فتكون قاعدة كليّة، وأن كل مورد رخّص فيه الشارع التصدّق وإعطاء مال الغير عند الجهل بالمالك فيحكم بعدم ضمان المخرج إذا لم يتبيّن المالك، وأما مع التبيّن فإنّ المعطي ضامن.

وقد أجاب السيد الأستاذ(قدس سره) عن هذه الوجوه بما نصّه:

«الظاهر عدم الضمان؛ لأنّ الموجب له إمّا اليد، أو الإتلاف المتحقّق بالإخراج وأداء الخمس، وشيء منهما لا يتم.

أمّا اليد: فلأنّها لو أوجبت الضمان المطلق حتى بعد الأداء لم يفرّق في ذلك بين صورتي تبيّن المالك وعدمه، لوحدة المناط الموجب للضمان وهو اليد، وعدم وجود تأثير للتبيّن في ذلك بوجه، فيلزم الإيصاء به والإخراج من التركة، لكونه ديناً ثابتاً في الذمّة، فلا يظنّ الالتزام به من فقيه، كيف؟! وهو خلاف ظاهر رواية عمّار(2) وصريح رواية السكوني(3) الناطقة بحليّة بقيّة المال بعد التخميس، فإنّ الحكم بالحليّة في تمام الباقي لا يجتمع مع الضمان أبداً.

ولو أريد به الضمان المعلّق على المطالبة لا الضمان المطلق فهو وإن كان

ص: 552


1- الكافي 5: 314، كتاب المعيشة، الباب 191، الحديث 21، ومن لا يحضره الفقيه 3: 298، الحديث 4068، وتهذيب الأحكام 6: 344، الحديث 1190 و 1191، والمصدر نفسه 7: 163، الحديث 794، والاستبصار 3: 176، الحديث 440، ووسائل الشيعة 25: 463، الباب 17 من أبواب اللّقطة، الحديث 2، والباب 18 منها، الحديث 1 .
2- وسائل الشيعة 9: 506، الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2 .
3- نفس المصدر: الحديث 4 .

منوطاً بالتبيّن، إلاّ أنّ الضمان بهذا المعنى يحتاج إلى الدليل، ولا دليل عليه في المقام بوجه، وإنّما ثبت ذلك في خصوص اللّقطة بالدليل الخاص حسبما عرفت، ولا مقتضي للتعدّي عن مورده.

فالصحيح أنّ اليد وإن كانت موجبة للضمان إلاّ أنّه ارتفع بحكم الشارع بالتخميس والتصدّي له خارجاً بأمرٍ من ولي الأمر، الثابتة له الولاية التشريعيّة، والتكوينيّة، فلا أثر بعد ذلك لصورتي تبيّن المالك وعدمه كما بيّناه.

وأمّا الضمان بقاعدة الإتلاف ففيه:

أولاً: منع الصغرى، لجواز كون المدفوع خمساً من قسم المال الحلال، فلم يحرز إتلاف مال الغير بالإخراج.

وثانياً: لو سلّم العلم بكونه من الحرام أو من المخلوط فيجري فيه ما ذكرناه في ضمان اليد بعينه، فلاحظ» (1) .

وأمّا عن الوجه الثالث فبأنّ «هذا الضمان ليس من الضمان المتعارف المتحقّق بملاك الإتلاف الحاصل حين التصدّق، كيف؟! وإلاّ كان ضامناً حتى قبل أن يوجد صاحبه، كما هو الحال في سائر موارد الإتلافات لمجهول المالك الموجبة للضمان قبل معرفة المالك وبعده، ولكان اللازم الإخراج من التركة ريثما يوجد صاحبه، فلابدّ من الإيصاء بذلك، وهو كما ترى.

بل إنّ هذا الضمان إنّما يتحقّق بمجرد مطالبة المالك بتعبّد من الشارع، فلا ضمان قبل المطالبة ولا أثر للإتلاف الحاصل بالتصدّق بعد أن كان مستنداً

ص: 553


1- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 163 - 164 .

إلى إذن الولي كما عرفت، وإنّما هناك ضمان متعلّق على طلبه غير مرتبط بالإتلاف السابق، وأنّه لو ظهر ورضي بالصدقة فهو، وإن طالب فيضمن المتصدّق بنفس المطالبة.

وبالجملة: فالضمان الثابت في اللّقطة ضمان باختيار المالك وطلبه، ويجب الخروج عن العهدة بعد المطالبة لا قبلها، وقد ثبت ذلك بدليل خاص في مورد مخصوص، وليس ذلك من الضمان بالإتلاف بوجه» (1) .وحاصل كلامه(قدس سره):

أولاً: عدم تماميّة قاعدتي اليد والإتلاف في أنفسهما للمقام بملاحظة ما ورد من الأمر بالإخراج وحلّيّة باقي المال على نحو الإطلاق، مضافاً إلى منع صغرى الإتلاف.

وثانياً: عدم صحّة التعدّي عن مورد اللّقطة والحكم بالضمان هنا؛ لأنّه ثبت هناك بدليل خاص وبالتعبّد من الشارع، بخلاف المقام فإنّه لا دليل على ذلك، فالتعدّي غير صحيح.

ويمكن الجواب عن كليهما.

أمّا عن الأول: وهو قصور دليلي اليد والإتلاف فبأن يقال: بأنّه لا إشكال في إطلاق قاعدتي اليد والإتلاف وأنّهما شاملتان لما إذا تبيّن المالك قبل الإتلاف أو التصدّق، ولما لم يتبيّن أصلاً.

وهذا الإطلاق مقيّد بروايات الباب الدالّة على التصدّق أو التخميس ما

ص: 554


1- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 161 - 162 .

دام لم يظهر المالك. فرفع اليد عن الإطلاق لابدّ أن يكون بمقدار المقيّد لا أكثر، وهو صورة ما إذا لم يتبيّن المالك أصلاً، وهو القدر المتيقّن، فلا شمول لصورة ما إذا تبيّن المالك بعد الإخراج، كما لا شمول لما إذا تبيّن المالك قبل الإخراج، ويكون قوله(علیه السلام): «وباقي المال لك حلال» مخصوصاً بما إذا لم يتبيّن المالك أصلاً، والغرض: أنّ أدلّة الإتلاف واليد تقيّد بخصوص هذه الصورة، وهذا لا يوجب انقلاب عدم الضمان إلى الضمان، وحينئذٍ يكون الضمان في مقامنا على القاعدة بلا حاجة إلى دليل. وعلى فرض الشك في ذلك وعدم إحراز الإطلاق لهذه الصورة، فإنّه يمكن التمسّك بالإطلاق الثابت للقاعدتين؛ لأنّه تقييد منفصل.

نعم، إذا ثبت إطلاق الروايات في المقام وأنّها شاملة لصورة تبيّن المالك بعد ذلك، كانت مقدمة على القاعدتين لا محالة، ولكن لا طريق إلى إحراز ذلك، لوجهين غير تامين:

أمّا الوجه الأول: فهو قوله(علیه السلام) بحليّة بقيّة المال من أوّل الأمر، لا مشروطاً بالشرط المتأخّر .

ويرد عليه:

أولاً: أنّ الإخراج متفرّع على إذن الشارع في مجهول المالك فلا ينافي عدم الإطلاق .

وثانياً: أنّ الحكم بالحلّيّة يتلاءم مع القطع بالضمان، كما في حديث

ص: 555

السفرة(1)، فكيف مع احتماله؟

وأمّا الوجه الثاني، فهو: أنّ الأمر بالإخراج من قبل الشارع لا يتلاءم مع الحكم بالضمان.

وفيه: أنّ الأمر بالإخراج قد ورد بعد السؤال عن علاج المشكلة وهي عدم جواز التصرّف في المال المختلط بالحرام؛ لأنّه من أطراف العلم الإجمالي بوجود الحرام فيه، كما ورد في موثّقة السكوني المتقدّمة وهي قول السائل: إنّي كسبت مالاً أغمضت في مطالبه حلالاً وحراماً، وقد أردت التوبة، ولا أدري الحلال منه والحرام، وقد اختلط عليّ... الحديث(2)، لا أنّه أمر ابتدائي وحكم من الشارع على نحو الإطلاق .

فلا وجه للاستدلال بالوجهين على إحراز الإطلاق .

وأمّا ما ذكره(قدس سره) من منع صدق صغرى الإتلاف فيرد عليه: أنّه يصدق الإتلاف فيما إذا كان الاختلاط على نحو الإشاعة قطعاً، وأمّا إذا لم يكن بهذا النحو وكانت عين مال الغير موجودة في أمواله ومع ذلك أعطاه من مال نفسه،

ص: 556


1- الكافي 6: 297 كتاب الأطعمة الباب 219، باب نوادر، الحديث 2، وتهذيب الأحكام 9: 89 الحديث 432، ووسائل الشيعة 3: 493، الباب 50 من أبواب النجاسات والأواني والجلود، الحديث 11، والمصدر نفسه 25: 468، الباب 23 من أبواب كتاب اللّقطة، الحديث 1، مع اختلاف يسير فيهما .
2- الكافي 5: 120، كتاب المعيشة، الباب 73 باب المكاسب الحرام الحديث 5، ومن لا يحضره الفقيه 3: 189، الحديث 3719 مع اختلاف يسير في المتن، وتهذيب الأحكام 6: 320، الحديث 1065، ووسائل الشيعة 9: 506، الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث4 .

فهو وإن لم يلزم الإتلاف إلاّ أنّ إشكال منع المالك عن ماله وحرمانه منه مع بقاء ماله ومطالبته به أشدّ، وهو خلاف مذاق الشارع ومرتكزات المتشرّعة.

وأمّا عن الثاني: فبأن الحكم بالتعبّد في مورد اللّقطة والوديعة بعيد جداً وهو أيضاً خلاف فهم العرف؛ وذلك أنّه إذا فرض عدم الحق لصاحب المال في ذمّة المعطي، فكيف يجبر الشارع المعطي بالضمان له، ولا سيّما ضمان نفس المال الذي أعطاه، أيمال المالك لا أقل ولا أكثر، فهذا خلاف السيرة المعلومة من الشارع وفهم المتشرّعة، وإذا كان الضمان من جهة إتلافه ويده على مال الغير فهذا بعينه مقتضى القاعدة، وليس هناك تعبّد خاص، فيستفاد أنّ عدم الضمان مقيّد بما إذا لم يتبيّن المالك أصلاً، وأمّا مع تبيّنه فمقتضى القاعدة والاستئناس من الروايات الضمان؛ فإنّه قد ورد فيها الأمر إمّا بالتصدّق أو التملّك أو الحفظ، ولم يرد في روايات المال المخلوط بالحرام التعرّض لما إذا تبيّن المالك كما هو الحال في اللّقطة، ويمكن أن يكون ذلك للمفروغيّة عن الضمان في الفرض.

هذا، ثم إنّ الظاهر من كلام الماتن(قدس سره) الحكم بالضمان بعد تبيّن المالك في الإعطاء من أصل المال، لا تخصيص الضمان بالخمس؛ لأنّه داخل تحت الصورة الثالثة المتقدّمة وهي ما إذا كان المال معلوماً والمالك مجهولاً، فنسبة القول بتخصيص الضمان بالخمس، ثم استغراب صدور ذلك منه في غير محلّه.

ص: 557

مسألة 34: لو علم بعد إخراج الخمس أنّ الحرام أزيد من الخمس أو أقل لا يسترد الزائد على مقدار الحرام في الصورة الثانية.

وهل يجب عليه التصدّق بما زاد على الخمس في الصورة الأولى، أو لا؟ وجهان، أحوطهما الأول، وأقواهما الثاني [1].

تبيّن مقدار المال الحرام بعد إخراج الخمس:

[1] فروض المسألة فيها صور ثلاث:

فتارة يعلم بالمقدار تفصيلاً أو إجمالاً قبل إخراج الخمس، وأخرى يعلم به بعد إخراج الخمس، وثالثة لا يعلم المقدار أصلاً.

وحكم الصورتين الأولى والثالثة واضح، إنّما الكلام في الصورة الثانية:

فإذا علم بالمقدار بعد إخراج الخمس فتارة يعلم بأنّه كان أقل من الخمس وأخرى يعلم بأنّه أكثر منه.

أما إذا علم بأنّ مقدار الحرام كان أقل من الخمس فالظاهر عدم الخلاف في أنّه لا يسترد الزائد عن مقدار الخمس؛ لما ثبت من قولهم(علیهم السلام): «إنّ ما كان لله لا يرجع» (1) في روايات اللّقطة وغيرها، فإنّ ما وقع من الإعطاء

ص: 558


1- مستدرك الوسائل 1: 113، الباب 12 من أبواب مقدمات العبادات، الحديث 14 .

والتصدّق لمّا كان بأمر من الشارع الحاكم بوجوب تخميس المخلوط، اجتمع ذلك مع قصد التقرّب ورضا المعطي، فإنّه لا يرد ولا يسترجع، فإنّ الزائد كان واقعاً بإزاء جواز تصرّف المعطي في بقيّة المال، حيث إنّ الاجتناب عن المال كلّه كان مقتضى العلم الإجمالي لئلاّ يقع في الحرام الواقعي، إلاّ أنّه بعد دفع الخمس وفي ضمنه الزيادة صار المال الباقي حلالاً وطاهراً وارتفع المنع عن التصرّف فيه. وبعد هذا لا يصح له الاسترداد؛ لأنّ الزيادة لم تكن بلا عوض، بل كان عوضها تحليل بقيّة المال له.

نعم، إذا لم يكن الإعطاء بأمر من الشارع أو إذن منه، بل دفع الخمس بتخيّل وجوبه عليه استرجعه مع بقاء العين لدى انكشاف الخلاف.

وأمّا إذا علم بأنّ مقدار الحرام كان أكثر من الخمس ففي المسألة وجوه:

أحدها: ما نسب إلى الشهيد(قدس سره) من وجوب التصدّق في الجميع، فيسترجع الخمس ثم يتصدّق بتمام الحرام لأهل الصدقة(1) .

ثانيها: ما عن صاحب الجواهر والسيد الأستاذ": من أنّ الباقي بعد التخميس موضوع جديد للمال المخلوط بالحرام للعلم بوجود الحرام فيه، فإن علم مقداره ومالكه دفعه إليه، وإن علم مقداره ولم يعلم مالكه تصدّق به بعنوان مجهول المالك، وإن لم يعلم مقداره ولا مالكه تعلّق به خمس آخر(2).

ثالثها: ما عن الشيخ الأنصاري والماتن وصاحب المستمسك: من

ص: 559


1- البيان: 347 .
2- المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 166 .

الاجتزاء بالتخميس السابق، وعدم وجوب شيء عليه(1) .أمّا القول الأول فضعفه واضح؛ وقد ذكره الشهيد بنحو الاحتمال، وقد مرّ أنّه بعد دفع المال بأمر الشارع ورضا المعطي لا وجه للاسترجاع، فالمدفوع كان خمساً لا صدقة لترجع، فالقول بالتصدّق مخالف لظاهر الدليل القاضي بلزوم التخميس.

هذا مضافاً إلى أنّه لا دليل على حرمة التصدّق على بني هاشم فيما عدا الزكاة الواجبة، فلا مقتضي للاسترجاع منهم.

وأمّا الوجه الثالث فقد استدل له بإطلاق الروايات؛ فإنّ المستفاد منها كفاية عدم العلم بالمقدار حين التخميس، سواء علم بعد ذلك بزيادة الحرام أم لم يعلم، وأنّ الحكم بحلّيّة بقيّة المال بعد التخميس مع بقاء الجزء الحرام فيه خلفٌ.

مع أنّا لو قلنا بعدم الإجزاء وأنّ الموضوع في الروايات مقيّد بعدم العلم بالخلاف فلا وجه للفرق بين العلم بالنقيصة أو الزيادة، فكما أنّه يقال بعدم الاسترداد في صورة العلم بالزيادة، فكذا يقال بعدم وجوب شيء في صورة النقيصة.

ولكن وجه الفرق قد تقدّم عند التعرّض للصورة الأولى، وأنّه بعدما تصدّق بأمر الشارع ورضا المعطي عن قصد القربة لا يصح له أن يسترجع ويبطل العمل بحكم الروايات.

ص: 560


1- كتاب الخمس: 271 - 272، ومستمسك العروة الوثقى 9: 503 .

مسألة 35: لو كان الحرام المجهول مالكه معيّناً فخلطه بالحلال ليحلّله بالتخميس خوفاً من احتمال زيادته على الخمس فهل يجزؤه إخراج الخمس، أو يبقى على حكم مجهول المالك؟ وجهان، والأقوى الثاني [1] ؛ لأنّه كمعلوم المالك، حيث إنّ مالكه الفقراء قبل التخليط.

وأمّا الجواب عن الإطلاق - فقد تقدّم في المسألة السابقة - : أنّ ظاهر الروايات هو عدم العلم بالمقدار والجهل به على الإطلاق، لا خصوص الجهل عند التخميس، وعلى فرض الشك يتمسّك بما دلّ على وجوب التصدّق بالمال المجهول إذا علم مقداره، ولازم ذلك أنّه إذا علم تفصيلاً بالمقدار الزائد فلابدّ من التصدّق به بعنوان مجهول المالك، وإذا علم إجمالاً بوجود الحرام فيه بعد التخميس الأول تعلّق به خمس آخر لتحقّق موضوع آخر للمال المخلوط بالحرام، فإن دفع الخمس وانكشف وجود الحرام في الباقي بعد التخميسين أيضاً تشكّل موضوع آخر للمال المخلوط بالحرام فيتعلّق به خمس آخر، وهكذا، وعليه فيتعيّن القول الثاني .

خلط الحرام المعلوم مقداره المجهول مالكه بالحلال:

[1] في المسألة ثلاثة أقوال:

أحدها: الإجزاء مطلقاً، وهو قول صاحب الجواهر(قدس سره)، وإن احتمل قويّاً

ص: 561

تكليف مثله بإخراج ما يقطع معه بالبراءة؛ إلزاماً له بأشقّ الأحوال(1) . ونسبه الشيخ الأنصاري(قدس سره) إلى كاشف الغطاء(2) .

ثانيها: عدم الإجزاء مطلقاً، بل يجب عليه التصدّق، وهو الظاهر من الماتن والسيد الأستاذ(3) " .

ثالثها: التفصيل بين صورة الخلط بالاختيار فيقال بعدم إجزاء إخراج الخمس، وبين صورة الخلط لا عن اختيار فيقال بالإجزاء.

أمّا القول الأول فقد استدل له بإطلاق الروايات، وأنّ الموضوع فيها هو المال المختلط بالحرام غير المتميّز سواء كان عدم التميّز والاختلاط عن اختيار أم لا. والغالب في موارد الاختلاط كونه بعد التمييز وتشخيص مقدار الحرام في ظرفه، إمّا مع معرفة المالك أو بدونها، كالمال الربوي أو المشترى من السارق ونحو ذلك من الأموال التي يكتسبها الرجل ويغمض في مطالبها حلالاً وحراماً، فمقتضى إطلاق الروايات شمولها للمقام، وأنّ اختصاصها بما كان بلا اختيار وتميّز حملٌ على الفرد النادر.

وقد أجيب عن هذا الوجه:

بانصراف الروايات عن هذه الصورة؛ فإنّ الظاهر من روايات الخمس

ص: 562


1- جواهر الكلام 16: 76 .
2- كتاب الخمس: 266 .
3- . المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الخمس: 167 .

كمعتبرة السكوني(1) النظر إلى من يريد التوبة ويقصد التخلّص عن مشكلة الاختلاط وهو لا يعلم بأنّ هذا الخلط موجب للخمس المطهّر للمال، ولذا سأل السائل الإمام(علیه السلام) عنعلاج ذلك، فلا تشمل ما إذا كان الخلط عمداً لغرض التخميس فراراً عن احتمال الزيادة على الخمس كما هو المفروض في المقام، فالنصّ منصرف عن هذا الفرض جزماً.

وكذلك المال المختلط بالحرام إذا كان معلوم المقدار أو المالك من الأول ثم صار مجهولاً فأيضاً هو خارج عن إطلاق الروايات؛ لأنّ حكمه معلوم قبل الاختلاط، وهو التصدّق على الفقراء، فهو في حكم معلوم المالك من جهة معلوميّة مصرفه، لا أنّ مالكه الفقراء، لأنّه من الواضح بمكان أنّ المال المجهول مالكه باقٍ على ملك مالكه الأصلي قبل الإعطاء والتصدّق، ولا يخرج عن ملكه إلاّ بالإخراج والتصدّق، فبناءً على ذلك يكون حكمه الشرعي معلوماً غير محتاج إلى السؤال وطلب حل المشكلة.

وهذا ما استدل به الماتن(قدس سره) على القول الثاني تبعاً للشيخ الأنصاري(قدس سره).

ولكنّ الظاهر أنّ الأقوى هو القول الثالث، وذلك - مضافاً إلى أنّ حمل الروايات على الاختلاط بلا اختيار حمل على الفرد النادر - لإمكان القول بظهور بعضها في أنّ الاختلاط وقع بعد العلم بالمقدار أو المالك أو أحدهما، خصوصاً معتبرة السكوني، لقوله: «وقد أردت التوبة ولا أدري الحلال منه والحرام وقد اختلط عليّ ...» فإنّه يظهر منها أنّه كان يعلم الحرام ثم اختلط عليه مع ماله الحلال، وهو الآن يريد التوبة، فأمره الإمام(علیه السلام) بالتخميس.

ص: 563


1- وسائل الشيعة 9: 506، الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4 .

مسألة 36: لو كان الحلال الذي في المختلط ممّا تعلّق به الخمس وجب عليه بعد التخميس للتحليل خمس آخر للمال الحلال الذي فيه [1] .

لو كان الحلال المختلط بالحرام ممّا تعلّق به الخمس:

[1] هذه المسألة تتضمّن حكمين وهما محل خلاف:

الأول: إذا كان المال المختلط بالحرام متعلّقاً لخمس آخر، كما إذا كان غنيمة أو معدناً أو كنزاً أو من الفوائد بعد المؤونة فهل يتعلّق به خمس واحد أم يلزم تخميس آخر للعنوان الثاني. فالمشهور على تعدّد الخمس بتعدّد العنوان، وحكي عن بعضهم - كما في الحواشي النجّاريّة - الاكتفاء بخمس واحد(1).

الثاني: بناءً على لزوم تعدّد الخمس، هل يقدّم خمس التحليل على خمس العنوان الآخر كما يظهر من غير واحد أو يقدّم التخميس الآخر على تخميس التطهير، كما يظهر من السيد الأستاذ(قدس سره)(2) أو يخيّر بينهما كما يظهر من الشيخ الأعظم(قدس سره) (3) .

ص: 564


1- جواهر الكلام 16: 76 .
2- المستند في شرح العروة الوثقى، الخمس: 169 - 170 .
3- كتاب الخمس: 263 .

والكلام في هذين الحكمين يقع في مقامين:

أمّا المقام الأول: فإنّ قول المشهور هو الموافق للقاعدة؛ لأنّ مقتضى إطلاقات أدلّة كل واحد من العناوين الموجبة للخمس هو تعدّد الخمس بتعدّد أسبابه، ولا دليل على سقوط أحدها بامتثال الآخر.

هذا، ويمكن الاستدلال على الاكتفاء بتخميس واحد:

أولاً: بإطلاق قوله(علیه السلام) - في معتبرة السكوني - : «وسائر المال لك حلال»(1)، فإنّه يشمل ما إذا كان المال متعلّقاً لخمس آخر لوجود عنوان آخر موجب للتخميس وما لم يكن كذلك.

وأجيب عن هذا الوجه:

بأنّه واضح الضعف؛ لأنّ الحكم بالحلّيّة في بقيّة المال ناظر إلى جهة اختلاطه بالحرام لا من جميع الجهات فالتحليل إضافي، ولذلك إذا كان المال زكويّاً فإنّ زكاته لا تسقط.

وثانياً: بما ذكره المحقق الهمداني(قدس سره) من أن حمل خبر السكوني - الذي صدر الأمر فيه بالتصدّق بخمس ماله - على إرادة الخمس الاصطلاحي من حيث الاختلاط فقط مع وروده في المال المجتمع بالكسب في الأزمنة السابقة الذي يتعلّق به خمس الاكتساب أيضاً غالباً لا يخلو عن بعد خصوصاً مع ما فيه من التعليل بأنّ الله رضي من الأشياء بالخمس، وقياس الخمس على سائر الحقوق المتعلّقة بماله ممّا يختلف معه نوعاً ومستحقاً كالزكاة قياس

ص: 565


1- وسائل الشيعة 9: 506، الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4 .

مع الفارق.

وأجيب عن هذا الوجه أيضاً:

بأنّ هذا الاستبعاد إنّما يكون في محلّه إذا كان السؤال عن مطلق ما في هذا المال من الحقوق الشرعيّة، إلاّ أنّه ليس كذلك، بل كان السؤال عن كيفيّة التخلّص عن محذور الحرام المختلط فقط ليكون سائر المال له، فمقتضى تطبيق الجواب على السؤال هو حلّيّة بقيّة المال من هذه الجهة فقط.

ولكنّ الإنصاف، أنّ الاستبعاد في محلّه بالنسبة إلى الاكتساب وأرباح التجارة؛ لعدم اجتماع المال دفعة واحدة عادة في الأزمنة السابقة، بل يتطلّب ذلك أزمنة طويلة، مع أنّه لو كان العهد قريباً لكان عالماً بالحلال والحرام في أمواله، لا أنّه لا يعلم الحلال من الحرام ويشتبه عليه ذلك، فقوله(علیه السلام): «وسائر المال لك حلال» ظاهر في كفاية التخميس مرة واحدة.

وبهذا يمكن التفريق بين خمس الأرباح وبين سائر العناوين الأخرى الموجبة للخمس، لوجود الدليل عليه وهو الخبر المعتبر الظاهر في الاكتفاء بخمس واحد في خمس الأرباح، وعدم الدليل في بقيّة العناوين فلا يكتفى بتخميس واحد، وإن كان الاحتياط هو الحكم بعدم الاكتفاء في الجميع.

وأمّا المقام الثاني: فهو في تقديم أيّ التخميسين، وفيه ثمرة عمليّة تتحقّق على الكيفيّتين؛ فإنّه إذا فرض أنّ مجموع المال مائة وخمسة وعشرون ديناراً مثلاً، فعلى طريقة الماتن(قدس سره) يخرج خمس المجموع أولاً وهو الخمسة والعشرون، فتبقى المائة، ثم يخمّس المائة مرة ثانية من جهة خمس الأرباح فيبقى له ثمانون ديناراً.

ص: 566

وأمّا على الطريقة الثانية فإنّه يخرج خمس الأرباح أولاً، وعليه يلاحظ المقدار المتيقّن من الحلال ويخرج خمسه ثم يخرج خمس الباقي للتطهير، ففي المثال السابق إذا كان المقدار المتيقّن من الحلال خمسة وسبعون ديناراً مثلاً فيخرج منه خمسة عشر ديناراً وهي خمس الأرباح، فيبقى مائة وعشرة دنانير وخمسها للتحليل اثنان وعشرون ديناراً فيبقى له ثمانية وثمانون ديناراً. فتكون الزيادة والنقصان على هذه الطريقة مرتبطة بالمقدار المتيقّن من المال الحلال.

ثمّ إنّه يوجد احتمال آخر في الطريقة الثانية وهي أن يقدّر للمال الحلال الحد الأكثر ويخرج منه الخمس ثم يخرج الخمس من المخلوط، فمثلاً: الحد الأكثر للمال الحلال في المثال السابق مائة وعشرون ديناراً، فإذا أخرج خمسها وهو أربعة وعشرون ديناراً وجمعنا الباقي مع الحرام المحتمل فيكون مائة وواحد فيخرج خمس الجميع للتطهير وهو عشرون ديناراً وخُمس الدينار، فيبقى له ثمانون ديناراً وأربعة أخماس الدينار.

وهذا الاحتمال وإن كان أحوط، إلاّ أنّه لا دليل عليه؛ فإنّ الأصل عدم تعلّق الخمس إلاّ بالمقدار المتيقّن من ماله، وهذا المقدار يشكّ في أنّه من ماله وفوائده، فأصالة البراءة محكّمة.

وقد يقال: بأنّ قاعدة اليد تقتضي أنّ المال ملكه، فيكون المقدار الزائد والذي هو في يده ملكاً له ومن الفوائد فيخرج خمسه، وإن لم تثبت هذه القاعدة بالنسبة للكنز والمعادن مثلاً، فإنّه وإن ثبت بها أنّ ما في يده ملكه إلاّ أنّه لا يثبت بها أنّه كنز أو معدن لكونه أصلاً مثبتاً.

ص: 567

ولكن أجيب عنه: بأنّ قاعدة اليد غير جارية في هذا المقام، للعلم بأنّه ليس كل المال له، ولو كانت القاعدة غير ملغاة شرعاً هنا لكان لابدّ من الحكم بأنّ المقدار الأكثر من المال له والباقي مجهول المالك، فيخرج عن عنوان المال المخلوط بالحرام الذي لم يعرف مقداره وصاحبه، ويدخل في مسألة ما إذا كان المال معلوماً والمالك مجهولاً والّتي يلزم فيها التصدّق عن صاحب المال، وبهذا يكون المورد خارجاً عن موضوعه، فلذا تكون قاعدة اليد غير جارية. فلا يعتنى بهذا الاحتمال.

وهنا احتمالان آخران:أحدهما: الأخذ بالمقدار المتيقّن من الحرام وتخميس الباقي للفائدة.

الثاني: الأخذ بالمقدار الأكثر من الحرام وتخميس الباقي للفائدة.

إلاّ أنّهما يرجعان إلى الفرضين المتقدّمين، فإنّ الأول عبارة أخرى عن الأخذ بالحد الأكثر من الحلال، كما أنّ الثاني عبارة أخرى عن الأخذ بالحدّ الأقل من الحلال.

والمهم في المقام هو الدليل على تعيين أحد الطريقين الأوّلين، فنقول:

أمّا الطريق المشهور وهو الطريق الأول، فالوجه فيه واضح، فإنّه لابدّ أولاً من تخميس المال للتحليل حتى يتبيّن ماله الحلال، ولا يكون متحيّراً وشاكّاً فيه، ثم يخرج خمسه بالعنوان الآخر من الفائدة أو الكنز أو غيرهما، فإنّه من المعلوم عدم تعلّق الخمس بالعنوان الآخر بجميع المال، والأخذ بالقدر المتيقّن وإجراء الأصل إنّما يصح إذا لم يكن طريق من علمٍ أو علميّ إلى

ص: 568

تشخيص المال الحلال، والمفروض إمكانه هنا بواسطة حكم الشارع بحلّيّة المال بعد خمس التحليل.

وأمّا الطريق الثاني: فقد ذكر السيد الأستاذ(قدس سره) في وجهه: أنّ موضوع هذا النوع من الخمس هو المال المؤلّف من صنفين هما الحلال والحرام، فبعضه له وبعضه حرام لا يعرف صاحبه، وأمّا المشتمل على صنف آخر بحيث لا يكون له ولا يكون من المال الحرام الذي لا يعرف صاحبه فهو خارج عن أدلّة المال المختلط.

والمقام من هذا القبيل، فإنّ الخمس الذي تعلّق بحصّته من مجموع المال، ليس له ولا هو من المال الحرام، بل هو ملك للإمام(علیه السلام) وللسادة، وعليه فلابدّ من استثنائه وإخراجه أولاً ليكون المال حلالاً مخلوطاً بالحرام فقط ولا يوجد صنف ثالث، ثم يخمّس بعد ذلك للتحليل وبعنوان الاختلاط(1) .

هذا ويمكن الخدشة في كلا الطريقين:

أمّا الطريق الأول: فلما أفاده السيد الأستاذ(قدس سره) من أنّ ظاهر الأخبار وجوب تخميس المال المخلوط بالحرام، وموضوع هذا الوجوب هو المال الحلال المخلوط بالحرام، فالموضوع هو المال المركّب من صنفين، حلال لصاحب المال، وحرام لغيره، وأمّا المشتمل على صنف ثالث ليس له ولا هو من المال الحرام فهو غير مشمول لتلك الأخبار(2) .

ص: 569


1- المستند في شرح العروة الوثقى، الخمس: 169 .
2- نفس المصدر.

هذا، مضافاً إلى أنّه يلزم حينئذٍ - بناءً على تقديم تخميس التحليل - تخميس خمس الفائدة الموجودة في المجموع، والخمس لا يخمّس.

وأمّا الطريق الثاني، فبأنّه:

أولاً: إنّما يجوز له التصرّف في المال المخلوط إذا كان في الذمّة، بأن تلف فإنّه يتعلّق بذمته، وحينئذٍ يجوز له إعطاء مقدار الخمس الحلال أولاً ثم إعطاء خمس المختلط.

وأمّا إذا كان المال الخارجي مختلطاً بالحرام إمّا على نحو الإشاعة أو على نحو عدم التميّز فكيف يتصرّف فيه ويعطي خمس الفائدة مع أنّ فيه مال الغير على الأول أو احتمال كونه للغير على الثاني.

وثانياً: إنّه بعد إخراج خمس الربح والفائدة من المتيقّن حليّته يعلم تفصيلاً بأنّ خمساً من المقدار الزائد ليس له قطعاً؛ لأنّه لا يخلو إمّا أن يكون الزائد كلّه له فيتعلّق به الخمس من جهة الفائدة، وإمّا أن يكون لغيره فجزؤه وهو الخمس للغير يقيناً، وإمّا أن يكون بعضه له وبعضه لغيره، وهنا يكون خمسه مشتركاً بين أرباب الخمس وبين الغير، فالعلم الإجمالي بوجود مالٍ للغير في الباقي مردّد بين أرباب الخمس وبين المالك المجهول منجّز.

إلاّ أنّ الظاهر أنّ الإشكالين قابلان للدفع، وذلك:

أمّا الأول: فيقال بأنّ المقصود بالإخراج ليس هو التصرّف في المخلوط وإعطاء خمسه لأرباب الخمس، بل هو مجرّد عزل مقدار الخمس من المجموع، وهذا لا يعدّ تصرّفاً في المال المخلوط.

ص: 570

مسألة 37: لو كان الحرام المختلط في الحلال من الخمس أو الزكاة أو الوقف الخاص أو العام فهو كمعلوم المالك على الأقوى، فلا يجزؤه إخراج الخمس حينئذٍ [1] .

وأمّا الثاني: فلانحلال العلم الإجمالي بإعطاء خمس التحليل للمجموع الباقي، فإنّ فيه المقدار الزائد المشكوك كونه من ماله، فإذا أدّى الخمس فحينئذٍ إن كان ماله واقعاً فقد أدّى خمس هذا المقدار وفرغت ذمّته قطعاً فينحلّ العلم الإجمالي لا محالة بلا حاجة إلى قصد عنوان خمس الفائدة أو عنوان مجهول المالك.

لكنّه إذا قصد عنوان التحليل مثلاً عند إخراج الخمس وكان له واقعاً فيكون خمس فائدة، فالظاهر هو الإجزاء ولا يحكم عليه بالإعادة.

فمقتضى القاعدة صحّة الطريق الثاني، وإن كان له اختيار الطريق الأول، فإنّه لا محذور فيه شرعاً.

لو كان الحرام المختلط بالحلال من الخمس أو الزكاة أو الوقف:

[1] الظاهر من المشهور ومنهم الشيخ الأنصاري وصاحب الجواهر والماتن (1) أنّه حينئذٍ ليس من المخلوط فلا يجزي التخميس، ولابدّ حينئذ من مراجعة الحاكم الشرعي والتراضي معه.

ص: 571


1- كتاب الخمس: 267، وجواهر الكلام 16: 77 .

وعن الشيخ كاشف الغطاء(قدس سره) التفصيل بين الأوقاف فتكون كمعلوم المالك، وبين الاختلاط بالخمس أو الزكاة فتكون كالمجهول والذي يحكم عليه بالتخميس(1) .

ولكن الظاهر عدم الفرق بين الموارد المذكورة؛ حيث إنّ أدلّة الخمس في مورد المال المختلط مقيّدة بما إذا لم يعرف صاحب المال الذي اختلط بالمال الحلال، كما في معتبرة عمّار بن مروان(2) وصحيحة ابن مهزيار(3)، أو لم يعلم صاحبه كما في رواية الحسن بن زياد(4)، ولا فرق في المالك المعلوم الذي يجب إيصال المال إليه بين المالك الشخصي وبين المالك الكلّي كما هو الحال في هذه الموارد، فلابدّ من مراجعة الحاكم الشرعي الذي له الولاية على الكلّي، والتراضي معه بالمصالحة أو غيرها؛ لأجل تخليص المال من مشكلة الخلط. وبهذا تدخل المسألة في صورة ما إذا كان المالك معلوماً والمال مجهولاً، فلا يجزؤه إخراج الخمس للتحليل؛ وذلك لانصراف أدلّة الاختلاط عن مثل هذا الفرض، لكون الموضوع فيها هو الخلط بمال يجهل صاحبه الشخصي أو الكلّي، والفرض أنّا نعلم صاحب المال، وأنّه الكلّي، وإن جهلنا الشخص.

ولعلّ وجه تفصيل الشيخ كاشف الغطاء(قدس سره) بين الأوقاف وغيرها هو أنّ الروايات الواردة تشمل ما إذا كان الكلّي المعبّر عنه بالجهة هي الإمام(علیه السلام)،

ص: 572


1- كشف الغطاء: 4: 206 .
2- وسائل الشيعة 9: 494، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6 .
3- وسائل الشيعة 9: 502، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5 .
4- وسائل الشيعة 9: 506، الباب 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1 .

مسألة 38: إذا تصرّف في المال المختلط قبل إخراج الخمس بالإتلاف لم يسقط وإن صار الحرام في ذمّته فلا يجري عليه حكم ردّ المظالم على الأقوى، وحينئذٍ فإن عرف قدر المال المختلط اشتغلت ذمّته بمقدار خمسه، وإن لم يعرفه ففي وجوب دفع ما يتيقّن معه بالبراءة، أو جواز الاقتصار على ما يرتفع به يقين الشغل، وجهان، الأحوط الأول، والأقوى الثاني [1].

ويكون مفادها: أنّ كل مال حرام يرجع أمره للإمام(علیه السلام) إذا اختلط بمال المكلّف فإنّ الشارع يرضى في تحليله بإخراج الخمس.

وهذه الروايات منصرفة عن المالك الشخصي المعلوم أو الجهة المعلومة والتي تكون كالمالك الشخصي، كما في الأوقاف العامّة أو الخاصّة. إلاّ أنّك عرفت الموضوع في أدلة الاختلاط وانصرافها عن الفرض بوزانٍ واحد، فهذا التفصيل في غير محلّه.

التصرّف في المال المختلط بالإتلاف قبل إخراج الخمس:

[1] التصرّف في المال قد يكون بالإتلاف وقد يكون بالنقل والانتقال.أمّا الثاني فسيأتي التعرّض له من قبل الماتن(قدس سره) في المسألة اللاحقة.

وأمّا الأول فهو على نحوين:

النحو الأول: أن يعرف مقدار المال المخلوط.

النحو الثاني: ما إذا نسي المقدار.

ص: 573

أمّا النحو الأول: فهل يكون حكمه الصرف في أرباب الخمس كما كان الحكم قبل التلف أو يكون حكمه حكم ردّ المظالم فلابدّ من إعطائه للفقراء؟ يبتني حكم المسألة على نحو تعلّق الخمس بالمال المخلوط، فهل هو كتعلّقه بسائر الأقسام فيكون الكل من سنخ واحد، بحيث إنّه بمجرد الخلط يكون الخمس ملكاً فعليّاً لأرباب الخمس، وذلك بالولاية الشرعيّة؟

أو أنّه من سنخ آخر حيث إنّه يبقى الحرام على ملك مالكه الواقعي، ولكنّ الشارع للتسهيل على المكلّفين شرّع للمكلّف تخميس العين لتخليصها عن الحرام. من غير أن يكون الخمس ملكاً لأربابه من أول الأمر.

فعلى الأول وهو الأقوى - لا فرق في وجوب التخميس وصرف الخمس في محلّه بين وجود المال المخلوط وبين تلفه، فإنّه لا موجب لسقوط الخمس بالإتلاف؛ لعدم دورانه مدار بقاء المال، فينتقل الخمس إلى الذمّة.

وأمّا على الثاني - كما قوّاه المحقّق الهمداني(قدس سره) - فينتقل المال الحرام الباقي على ملك مالكه إلى ذمّة المكلّف، فلا يوجد خلط في الذمّة حتى يحتاج إلى التطهير، بل الذمّة مشغولة حينئذٍ بنفس الحرام الواقعي، فلابدّ من الخروج عن عهدة الضمان المتعلّق بمال الغير، ولا طريق لذلك حينئذٍ إلاّ بإعطائه بعنوان ردّ المظالم. وقد تقدّمت مناقشته(1).

فما ذكره الماتن واختاره الشيخ الأنصاري وصاحب الجواهر " هو الأقوى.

وأمّا النحو الثاني - وهو ما إذا نسي ولم يعرف مقدار المال - فهل لابد من إخراج ما يتيقّن معه من براءة ذمّته، أو يكتفى بإخراج ما يرتفع به يقين الشغل،

ص: 574


1- في الصفحة: 478 .

مسألة 39: إذا تصرّف في المختلط قبل إخراج خمسه ضمنه كما إذا باعه - مثلاً - فيجوز لولي الخمس الرجوع عليه، كما يجوز له الرجوع على من انتقل إليه، ويجوز للحاكم أن يمضي معاملته فيأخذ مقدار الخمس من العوض إذا باعه بالمساوي قيمةً أو بالزيادة، وأمّا إذا باعه بأقلّ من قيمته فإمضاؤه خلاف المصلحة. نعم لو اقتضت المصلحة ذلك فلا بأس [1].

أو أنّه لابد من الصلح مع الإمام(علیه السلام) أو من يقوم مقامه، فيه وجوه، الأحوط الأول، والأقوى الثاني، واستوجه صاحب الجواهر(قدس سره) الثالث، حيث قال: «فالوجه حينئذٍ الصلح مع إمكانه» (1)؛ لكونه من معلوم الصاحب أو كمعلومه.

ولا إشكال في أنّ الصلح أو دفع ما يتيقّن معه ببراءة الذمّة أحوط؛ لاحتمال اشتغال ذمته بالأكثر وهو حسن على كلّ حال. إلاّ أنّ مقتضى القاعدة هو وجوب دفع الأقل؛ لانحلال العلم الإجمالي باشتغال الذمّة به، والشكّ في التكليف بالزائد عن المقدار المتيقّن، والذي هو مجرى البراءة.

التصرّف في المال المختلط بالنقل قبل إخراج الخمس:

[1] بما أنّ المتصرّف لم يكن مالكاً لمقدار الخمس فلا جرم يضمن هذا المقدار، ويكون التصرّف فيه بمثل البيع ونحوه فضوليّاً محتاجاً إلى إجازة ولي الأمر، وهو الحاكم الشرعي.

فإن اختار الردّ جاز له الرجوع على كلّ من البائع والمشتري؛ لأنّ

ص: 575


1- جواهر الكلام 16: 77 .

المشتري أيضاً ضامن بمقتضى اليد، وإن كان للمشتري الرجوع إلى البائع إذا كان جاهلاً بالحال فيكون قرار الضمان عليه. وإن اختار الإمضاء أخذ مقدار الخمس من العوض إذا كانقد باعه بالمساوي قيمة أو بالزيادة. وأمّا لو باعه بالأقل فإذا كان في الإمضاء مصلحة لأرباب الخمس جاز له الإمضاء، وإلاّ لم يجز لكونه خلاف المصلحة.

وستأتي هذه المسألة في الأرباح إن شاء الله تعالى، وفيها أنّه لو اتّجر به قبل إخراج الخمس كانت المعاملة فضوليّة بالنسبة إلى مقدار الخمس الخ(1).

وهذا على القاعدة كما في الزكاة أيضاً فيما إذا باع العين التي تعلّقت بها الزكاة.

ولكن يمكن تصحيح المعاملة مطلقاً في المقام بلا حاجة إلى الإجازة، وذلك بأدلّة التحليل، كما إذا كان المشتري مؤمناً ملتزماً بالخمس، لما ورد من أنّهم(علیهم السلام) أباحوا الخمس لشيعتهم حفظاً للمناكح والمساكن والمتاجر عن الحرام، فإذا قلنا بشمولها للمقام حكم بصحّة البيع بالنسبة إلى المشتري ويتعلّق الخمس بالعوض الذي حصل للبائع.

نعم، إذا باعه بالأقل ففيه كلام.

وإذا لم نقل بشمول نصوص التحليل للمقام، وقلنا بإلحاق الخمس بالزكاة، فتفسد المعاملة في حصّة الخمس؛ لأنّه باع مالاً لا يملك خمسه، فتتوقّف صحّة البيع على إجازة الحاكم الشرعي.

والحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

ص: 576


1- العروة الوثقى 296:4، كتاب الخمس، المسألة 75 .

فهرس المحتويات

كلمة المؤسسة 9

مقدمة في تاريخ الخمس 13

القسم الأول: حال الخمس والغنيمة قبل الإسلام: 18

القسم الثاني: الخمس في زمان النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ): 29

بداية تشريع الخمس: 32

الخمس في غنائم الحرب: 33

الخمس في كلّ فائدة: 34

الخمس في كتب النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ) ورسائله: 43عمّال الخمس: 48

تقسيم الخمس: 51

القسم الثالث: الخمس بعد زمان النبيّ(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمْ): 54

ص: 577

الخمس في عهد أبي بكر: 54

الخمس في عهد عمر: 56

الخمس في عهد عثمان: 59

الخمس في زمان تولّي أمير المؤمنين(علیه السلام) للخلافة الظاهريّة: 61

أحاديث الخاصة عن أمير المؤمنين(علیه السلام) في الخمس: 64

أحاديث العامّة عن أمير المؤمنين(علیه السلام) في الخمس: 67

الخمس في عهد الإمامين الحسن والحسين(علیهما السلام): 77

زمان الإمام علي بن الحسين السجّاد(علیه السلام): 79

من أحاديث الإمام السجّاد(علیه السلام) بشأن الخمس: 81

زمان الإمامين الباقر والصادق(علیه السلام): 82

من أحاديث الإمام الباقر(علیه السلام) بشأن الخمس: 83

من أحاديث الإمام الصادق(علیه السلام) بشأن الخمس: 85

وكلاء الإمام الصادق(علیه السلام): 86

زمان الإمامين الكاظم والرضا(علیهما السلام): 88

من أحاديث الإمام موسى بن جعفر(علیه السلام) بشأن الخمس: 89

من وكلاء أبي الحسن موسى بن جعفر(علیه السلام) المحمودين: 90

من أحاديث الإمام علي بن موسى(علیه السلام) بشأن الخمس: 91

من وكلاء أبي الحسن الرضا(علیه السلام) المحمودين: 94

زمان الإمام الجواد(علیه السلام) 96

من أحاديث الإمام الجواد(علیه السلام) بشأن الخمس: 97

من وكلاء الإمام الجواد(علیه السلام): 99

ص: 578

زمان الإمامين الهادي والعسكري(علیه السلام): 101

من أحاديث الإمام الهادي(علیه السلام) بشأن الخمس: 102

من أحاديث الإمام الحسن العسكري(علیه السلام)بشأن الخمس: 104

وكلاء الإمامين الهادي والعسكري(علیه السلام): 105

زمان الإمام الحجّة بن الحسن(علیه السلام). 109

من أحاديث وتوقيعات الإمام الحجّة بن الحسن(علیه السلام) بشأن الخمس: 113

من وكلاء الإمام الحجّة(علیه السلام): 115

القسم الرابع: دفع الشّبهات عن شرعيّة الخمس: 118

الشبهة الأولى: 119

الشبهة الثانية: 121

الشبهة الثالثة: 122

الشبهة الرابعة: 124

الشبهة الخامسة: 125

أدلّة وجوب الخمس: 130

مصالح تشريع الخمس: 135

الفصل الأوّل: في موارد الخمس 141

المبحث الأوّل: في غنائم دار الحرب: 144

الكلام في تعميم الخمس للمنقول وغيره من الغنائم 150

استثناء المؤن من خمس الغنائم: 159

الغنائم المأخوذة بغير إذن الإمام(علیه السلام) في زمان الحضور: 167

ص: 579

الغنائم في زمان الغيبة: 179

أحكام سائر أموال الكفّار: 183الثامن: ما يؤخذ منهم بالمعاملة الربويّة والدعوى الباطلة. 190

حكم مال الناصب: 191

حكم مال البغاة: 201

الغنيمة والنصاب: 221

حكم السَّلَب: 222

المبحث الثاني: في المعادن: 227

تحديد المعادن: 230

الشكّ في صدق المعدن: 234

خمس المعدن وإباحة الأرض: 235

خمس المعدن وشخص المخرج: 236

الخمس وتكليف الكفّار: 236

كلام الفقهاء حول المسألة: 237

الخمس وأموال الصغير والمجنون: 273

النصاب في خمس المعدن: 276

استثناء مؤونة إخراج وتصفية المعدن: 285

تعدّد دفعات إخراج المعدن: 293

اشتراك جماعة في إخراج المعدن: 301

تعدّد جنس المخرج و تعدّد المعادن: 305

إخراج خمس المعدن قبل التصفية: 308

ص: 580

الحكم فيما لو وجد إنسان معدناً مطروحاً في الصحراء: 313

تبعيّة المعدن للأرض: 325

اخراج المعدن من الأرض العامرة المفتوحة عنوة: 342

إخراج غير المسلم المعدن من أرض المسلمين: 348استئجار الغير لإخراج المعدن: 359

إخراج العبد للمعدن: 361

التصرّف في المعدن قبل إخراج الخمس: 362

الشكّ في بلوغ النصاب: 367

المبحث الثالث: في الكنز: 369

الجهة الأولى: قصد الادّخار في الكنز: 375

الجهة الثانية: دفن الكنز في الأرض: 378

الجهة الثالثة: هل يختصّ وجوب الخس في الكنز بما إذا كان

من الذهب والفضة المسكوكين أو يشمل مطلق الجواهر؟ 379

الجهة الرابعة: في المكان الذي يوجد فيه الكنز: 382

لو وجد الكنز في دار الإسلام وعليه أثر الإسلام 383

لو وجد الكنز في أرضه المنتقلة إليه بناقل شرعي 392

لو كان الكنز في ملك الغير: 401

وجدان الكنز في أرض مستاجرة أو مستعارة: 404

المسألة الأولى: تنازع الملاّك وادّعاء الملكيّة: 407

المسألة الثانية: ادّعاء المالك ملكيّة الكنز بالإرث: 408

المسألة الثالثة: النصاب في الكنز: 409

ص: 581

المسألة الرابعة: علم الواجد أنّ الكنز لمسلم: 411

المسألة الخامسة: الكنوز المتعدّدة: 415

المسألة السادسة: عدم اعتبار كون الإخراج دفعة واحدة: 416

المسألة السابعة: الموجود في بطن الدابّة من الجواهر والدراهم ونحوها: 417

المسألة الثامنة: الموجود في جوف السمكة وغيرها من سائر الحيوانات: 423

المسألة التاسعة: في استثناء مؤونة الإخراج: 432المسألة العاشرة: في الكنز المشترك: 433

المبحث الرابع: في الغوص: 434

الجهة الأولى: في عموم الحكم: 437

الجهة الثانية: في الموضوع: 438

الجهة الثالثة: في متعلق الخمس: 449

الجهة الرابعة: في مقدار النصاب: 451

المسألة الاولى: تنوّع جنس المخرج وتعدّد دفعات الإخراج: 454

المسألة الثانية: النصاب واستثناء المؤونة: 455

المسألة الثالثة: أنحاء الإخراج من البحر: 456

المسألة الرابعة: أخذ الجوهر من الغائص: 457

المسألة الخامسة: الغوص من غير قصد للحيازة: 459

المسألة السادسة: إخراج حيوان بالغوص كان في بطنه جوهر: 460

المسألة السابعة: حكم الأنهار العظيمة: 461

ص: 582

المسألة الثامنة: إخراج متاع غارق: 462

المسألة التاسعة: إخراج معدن بالغوص: 465

المسألة العاشرة: أخذ العنبر من سطح الماء أو الساحل: 466

المبحث الخامس: في المال الحلال المختلط بالحرام: 470

الصورة الأولى:الجهل بمقدار المال وبصاحبه والكلام فيها من جهتين: 471

الجهة الأولى في الحكم: 471

الجهة الثانية في مصرف الحكم 483

الصورة الثانية: العلم بالمقدار والجهل بصاحب المال: 487

الصورة الثالثة: العلم بصاحب المال والجهل بالمقدار: 497

قاعدة العدل والإنصاف: 505الصورة الرابعة: العلم بصاحب المال وبالمقدار: 524

عدم الفرق في الحكم عند اختلاف الاختلاط: 525

الحكم في حال وجود علم إجمالي بمقدار الحرام:

526

الحكم في حال وجود علم إجمالي بالمالك: 528

الحكم فيما إذا كان حق الغير ثابتاً في الذمة: 535

إخراج خمس المال المختلط وإذن الحاكم الشرعي: 549

تبيّن المالك بعد إخراج الخمس: 550

تبيّن مقدار المال الحرام بعد إخراج الخمس: 558

خلط الحرام المعلوم مقداره المجهول مالكه بالحلال: 561

لو كان الحلال المختلط بالحرام ممّا تعلّق به الخمس: 564

ص: 583

لو كان الحرام المختلط بالحلال من الخمس أو الزكاة أو الوقف: 571

التصرّف في المال المختلط بالإتلاف قبل إخراج الخمس: 573

التصرّف في المال المختلط بالنقل قبل إخراج الخمس: 575

فهرس المحتويات 577

ص: 584

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.