تحفة العلية في شرح خطابات الحیدرية المجلد 7

هوية الکتاب

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد 3455 لسنة 2020

مصدر الفهرسة:

IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda

رقم تصنيف

BP193.1.A2 125 2020 :LC المؤلف الشخصي: ابن حبيب الله، محمد، كان حيا 881 للهجرة - مؤلف.

العنوان: تحفة العلية في شرح خطابات الحيدرية: شرح نهج البلاغة /

بيان المسؤولية: افصح الدين محمد بن حبيب الله بن أحمد الحسني الحسيني؛ تحقيق السيد علي الحسني؛ تقديم السيد نبيل الحسني الكربلائي.

بيانات الطبع: الطبعة الأولى.

بيانات النشر: كربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2021 / 1442 للهجرة.

الوصف المادي: 7 مجلد: صور طبق الاصل؛ 24 سم.

سلسلة النشر: (العتبة الحسينية المقدسة؛ 762).

سلسلة النشر: (مؤسسة علوم نهج البلاغة، 190؛ سلسلة تحقيق المخطوطات، 13).

تبصرة ببليوجرافية: يتضمن مراجع ببليوجرافية.

موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة.

موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام) الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40

للهجرة - حديث.

مصطلح موضوعي: الخطب الدينية الإسلامية.

مصطلح موضوعي: البلاغة العربية.

اسم مؤلف اضافي: شرح ل (عمل): الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة

- نهج البلاغة.

اسم مؤلف اضافي: الحسني، علي - محقق.

اسم مؤلف اضافي: الحسني، نبيل، 1384 للهجرة - مقدم.

اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة (كربلاء، العراق)، مؤسسة علوم نهج البلاغة.

جهة مصدرة.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 1

اشارة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد 3455 لسنة 2020

مصدر الفهرسة:

IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda

رقم تصنيف

BP193.1.A2 125 2020 :LC المؤلف الشخصي: ابن حبيب الله، محمد، كان حيا 881 للهجرة - مؤلف.

العنوان: تحفة العلية في شرح خطابات الحيدرية: شرح نهج البلاغة /

بيان المسؤولية: افصح الدين محمد بن حبيب الله بن أحمد الحسني الحسيني؛ تحقيق السيد علي الحسني؛ تقديم السيد نبيل الحسني الكربلائي.

بيانات الطبع: الطبعة الأولى.

بيانات النشر: كربلاء، العراق: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2021 / 1442 للهجرة.

الوصف المادي: 7 مجلد: صور طبق الاصل؛ 24 سم.

سلسلة النشر: (العتبة الحسينية المقدسة؛ 762).

سلسلة النشر: (مؤسسة علوم نهج البلاغة، 190؛ سلسلة تحقيق المخطوطات، 13).

تبصرة ببليوجرافية: يتضمن مراجع ببليوجرافية.

موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة.

موضوع شخصي: علي بن أبي طالب (عليه السلام) الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40

للهجرة - حديث.

مصطلح موضوعي: الخطب الدينية الإسلامية.

مصطلح موضوعي: البلاغة العربية.

اسم مؤلف اضافي: شرح ل (عمل): الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة

- نهج البلاغة.

اسم مؤلف اضافي: الحسني، علي - محقق.

اسم مؤلف اضافي: الحسني، نبيل، 1384 للهجرة - مقدم.

اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة (كربلاء، العراق)، مؤسسة علوم نهج البلاغة.

جهة مصدرة.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية

ص: 2

سلسلة تحقيق المخطوطات وحدة تحقيق الشروحات (13)

تحفة العلیة

في شرح خطاي باالحیدریة

لا فصح الدین محمد بن حبیب الله بن احمد الحسنی الحسینی من العلام القرن الثامن الهجري

الجزء السابع

تحقیق

السید علي الحسني الکربلائي

اصدار

مؤسسة علوم نهج البلاغة

العتبة الحسينية المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة

العتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى

1442 ه - 2021 م

العراق - كربلاء المقدسة - مجاور مقام علي الأكبر (عليه السلام)

مؤسسة علوم نهج البلاغة

الموقع الألكتروني: www.inahj.org

الإيميل: Inahj.org@gmail.com

ص: 4

ومن كلام له عليه السلام كتبه إلى طلحة والزبير مع عمران بن الحصين الخزاعي،

ذكره أبو جعفر الإسكافي في كتاب المقامات في مناقب أمير المؤمنين عليه السلام:

الإسكاف: رستاق كثيرة وقرى كثيرة بين النهروان إلى البصرة كانت عامرة بكثرة أهلها فتفرقوا لما صارت عامرة وهذا الشيخ أو جعفر من تلك البقعة وله كتب كثيرة.

وذكر في المقامات:

«أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ عَلِمْتُمَا وإِنْ كَتَمْتُمَا أَنِّي لَمْ أُرِدِ النَّاسَ حَتَّى أَرَادُونِي»: أي لم اطلب البيعة، ولم أجدها منهم حتى أعطوني إياها أول مرة، وإنما قال: ولم أبايعهم حتى بایعوني فسوي بين الفعلين أزدواجاً كما قال النبي صلى الله وآله «کما تَدين تُودان»(1)والأول لا يكون جزاء.

(2)«وأن كما طلحة والزبیر مِمَّنْ أَرَادَنِي وبَايَعَنِي وإِنَّ الْعَامَّةَ لْمَ تُبَايِعْنِي لِسُلْطَانٍ غَالِبٍ ولَا لِعَرَضٍ حَاضِرٍ»: بل قبلها بواسطة الإلحاح کما سبق غير مرة.

«فَإنِ كُنْتُمَا بَايَعْتُمَانِي طَائِعَیْنِ فَارْجِعَا وتُوبَا إِلَی الله مِنْ قَرِيبٍ وإِنْ كُنْتُمَا بَايَعْتُمَانِي كَارِهَیْنِ فَقَدْ جَعَلْتُمَا لِي عَلَيْكُمَا السَّبِيلَ بِإِظْهَارِكُمَا الطَّاعَةَ وإِسْرَارِ»: اخفاؤکما؛

ص: 5


1- المحاسن للبرقي: ج 1 ص 107؛ الكافي للشيخ الكليني: ج 2 ص 183؛ الكافي أيضاً: ج 5 ص 554؛ الأمالي: ص 505؛ التوحيد: ص 216؛ الخصال: ص 332؛ معاني الأخبار: ص 47؛ من لا يحضره الفقيه: ج 4 ص 21؛ وجميعها: للصدوق؛ فتح الباري لابن حجر: ج 8 ص 119
2- ورد في بعض متون النهج ولْمَ أُبَايِعْهُمْ حَتَّى بَايَعُونِي وإِنَّكُمَا

«الْمَعْصِيَةَ»: الزمهما الطاعة بقياس شرطي(1)تقديره أن يتبعكما أما طوعاً في الواقع أو كرهاً وفي الظاهر؛ فأن كان طوعاً فعليكم بالإطاعة وأن كان کرهاً مخفي الكراهة فعلیکم الإطاعة، إذ المدار على الظاهر وقد قال صلى الله عليه [وآله] وسلم «من بايع إماما فأطاعه صفقه يده فليطعه أن أستطاع؛ فأن جاء آخر ينازعه فأضربوا عنقه»(2)واتفاق العلماء انه لا يجوز أن يعقد الإمامة لخليفتين في عصر واحد؛ سواء أتسعت دار الإسلام أم لا، وقال: صاحب الإرشاد قال: «أصحابنا لا يجوز عقدها لشخصين قال: وعندي لا يجوز عقدها للإثنين في صقع واحد»(3)، وأن بعد ما بينهما، ويجلب بینمها شسوع فللاحتمال فيه مجال، وهو خارج من القواطع، وأعترض عليه بأن هذا غير شدید مخالف لما عليه وهو خارج من القواطع، وأعترض عليه بأن هذا قول غیر سدید مخالف لما عليه السلف، والخلف والظاهر إطلاق الأحاديث ثم أشار إلى أنه لم يكن كرهاً في الواقع بقوله: «ولَعَمْرِي مَا كُنْتُمَا بِأَحَقِّ الْمُهَاجِرِينَ بِالتَّقِيَّةِ والْكِتْمَانِ»: بل هم أعلى منکما، وأرفع مكاناً، وشأناً والحال أنهم بایعوني رغبة لا تقية وكتماناً ثم أكد ما یعلم من سابق كلامه التزاماً من أنه لم یکن کرهاً بقوله:

«وإِنَّ دَفْعَكُمَا هَذَا الأَمْرَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَدْخُلَا فِيه كَانَ أَوْسَعَ»: أسهل «عَلَيْكُمَا مِن خُرُوجِكُمَا مِنْه بَعْدَ إِقْرَارِ كُمَا فيه»: فأنه لازم بالإقرار وقد قال صلى الله عليه [وآله]

ص: 6


1- القياس الشرطي: من القياسات المنطقية وقد تقدم شرح معناه في الأجزاء المتقدم
2- المحلى لابن حزم: ج 9 ص 360؛ عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار: لابن بطريق في ص 318
3- صاحب الارشاد هو إمام الحرمين؛ له كتاب الأرشاد، ولم يصرح أحد باسمه؛ إلا أن العلامة الشيخ عبد الحسين الإميني ذكر نص القول المجمع عليه من علماء العامة؛ ببطلان وحرمة البيعة الثانية، وصحة البيعة الأولى حتی یفی صاحبها؛ في موسوعة الغدير: ج 10 ص 27

وسلم من خلق يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له ولما كان وضع اليد كناية عن العهد وإنشاء البيعة لجرى العادة على وضع اليد حال المعاهدة كنی عن النقص بخلع اليد وترعاها يريد من نقض العهد على وخلع نفسه عن بيعة الإمام لقي الله تعالى لا عذر له ثم أشار إلى بطلان زعمهما أنه قتل بقوله:

«وقَدْ زَعَمْتُمَا أَنِّي قَتَلْتُ عُثْمَانَ فَبَيْنِي وبَيْنَكُمَا»: أي الحكم بيني وبينكما «مَنْ تَخَلَّفَ»: وفي بعض النسخ من يخلف «عَنِّي وعَنْكُمَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ»: أي ليس بناصركما ثم.

«ثُمَّ يُلْزَمُ كُلُّ امْرِئٍ بِقَدْرِ مَا احْتَمَلَ»: أي يلزم كل وحد منا من دم عثمان بقدر ما أحتمل ويقلده وثبت عليه.

فَارْجِعَا أَيُّهَا الشَّيْخَانِ عَنْ رَأْيِكُمَا»: الباطل والمكر والحيلة فأن الله خير الماكرين وأنظر إلى مال حالكما وما نزل عليکما من الخزي والهوان.

«فَإِنَّ الآنَ أَعْظَمَ أَمْرِكُمَا الْعَارُ»: فارجعا مِنْ «قَبْلِ أَنْ يَتَجَمَّعَ الْعَارُ والنَّارُ والسَّلَامُ»: على من أتبع الهدى.

ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية:

«أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الله سُبْحَانَه قَدْ جَعَلَ الدُّنْيَا لِمَا بَعْدَهَا»: أي الآخرة «وابْتَلَى فِيهَا أَهْلَهَا لِيَعْلَمَ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا»: قد سبق الكلام في معنى الابتلاء وقيل معناه كلف أهل الدنيا من العقلاء فيها، ليظهر العلم للملائكة، وغيرهم أيهم أحسن عملاً أو ليعلم رسل الله ذلك وحذف المضاف في الكلام كثير والأصوب ما ذكرناه قبل فليتأمل.

ص: 7

«ولَسْنَا لِلدُّنْيَا خُلِقْنَا ولَا بِالسَّعْيِ فِيهَا أُمِرْنَا»: أي لا بالسعي في عمارتها وزينتها ومن طلب الرزق وسعى في الدنيا لمعيشته وكسوته ومصالح عياله وكفاية مؤنتاهم فليس ذلك السعي للدنيا.

«وإِنَّمَا وُضِعْنَا فِيهَا لِنُبْتَلَي بِهَا وقَدِ ابْتَلَانِي الله بِكَ وابْتَلَاكَ بِي فَجَعَلَ أَحَدَنَا حُجَّةً عَلَى الآخَرِ»: أن كنت على الحق فأنا الحجة عليك، وإلا فبالعكس وأنت تعلم كيفية الحال، وأن من على الحق قال: صلى الله عليه [وآله] وسلم «أمركم بخمس بالجماعة، والسمع، والطاعة، والهجرة، والجهاد في سبيل الله، وأنه من خرج من الجماعة قيد سبر؛ فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يراجع ومن دعوی بدعوى الجاهلية؛ فهو من حصى جهنم، وأن صام، وصلى وزعم أنه مسلم»(1)«فَعَدَوْتَ عَلَى الدُّنْيَا بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ»: عداه يعدوه أي جاوزه وعدا عليه عدوناً أي ظلم فقوله: عدوت يجوز أن يكون من الأول على ما قدمته وأن كان من الثاني كان تقديره فغدوت علي.

«فَطَلَبْتَنِي بِمَا لَمْ تَجْنِ يَدِي ولَا لِسَانِي»: من دم عثمان «وعَصَيْتَه أَنْتَ وأَهْلُ الشَّامِ بِي»: أي الزمتني ذلك الدم، وشددته كما يشدد العصابة الرأس، وإنما ورد بعد أن قال: عصيته ليعطف أسم الظاهر وهو أهل «وأَلَّبَ عَالِمُكُمْ جَاهِلَكُمْ وقَائِمُكُمْ

قَاعِدَكُمْ»: أي وحرض القائم بمعاداتي ومقابلتي من كان قاعداً عن قتالي والتأليب الحريص، والبت الجيش جمعته وهم ألب، إذا كانوا مجتمعين.

«فَاتَّقِ الله فِي نَفْسِكَ ونَازِعِ الشَّيْطَانَ قِيَادَكَ»: حاد به حبلك الذي يقودك به ولا تمكنه من زمامك ونازعته منازعة إذا جاذبته في الخصومة شبه عليه السلام معاوية

ص: 8


1- مسند أحمد بن حنبل: ج 4 ص 130؛ صحيحة أبن حبان: ج 14، ص 125؛ البداية والنهاية لابن كثير: في كل من: ج 2 ص 62؛ وج 10 ص 265؛ قصص الأنبياء لابن كثير أيضاً: ج 2 ص 395

في انقياده للشيطان بالسبع المنقاد فاستعار له العناد ورشحها بالمجاذبة.

«واصْرِفْ إِلَی الآخِرَةِ وَجْهَكَ فَهِيَ طَرِيقُنَا وطَرِيقُكَ واحْذَرْ أَنْ يُصِيبَكَ الله مِنْه بِعَاجِلِ قَارِعَةٍ»: أي من اجل ذلك البهتان الذي وضعته على قتل عثمان فمن هذه ليست للتبيين ولا للتبعيض، وإنما هي أجل ذلك وعاجلاً فارغة، أضافة الصفة إلى الموصوف للتأكيد.

«تَمَسُّ الأَصْلَ وتَقْطَعُ الدَّابِرَ»: يقال قطع الله دابرهم أي أخر من بقي منهم والدابر يقال: للمتأخر للبالغ أما باعتبار المكان أو باعتبار الزمان أو باعتبار الرتبة والمراد هنا المبالغة والاستئصال أراد انت بسبب البغي تستحق هذه العقوبة فاحذروا وأرجع عنه «فَإِنِّي أُولِي»: أحلف «لَكَ بِالله أَلِيَّةً»: يميناً غَیْرَ فَاجِرَةٍ: كاذبة.

«لَئِنْ جَمَعَتْنِي وإِيَّاكَ جَوَامِعُ»: الأقدار فيه أضافة الصفة إلى الموصوف للتأكيد ومجاز الأسناد.

«الأَقْدَارِ لَا أَزَالُ بِبَاحَتِكَ»: عرضتك أي ألزمتك «حَتَّى يَحْكُمَ الله بَيْنَنا»: بالغلبة أو بما یزید.

وهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ»: لأنه مطلع على الضمائر والسرائر.

ومن وصية له عليه السلام وصى بها شريح بن هانئ لما جعله على مقدمته إلى الشام:

«اتَّقِ الله فِي كُلِّ صَبَاحٍ ومَسَاءٍ»: أمر بالاتقاء في جميع الأوقات، وخصص الصباح، والمساء بالذكر لأنهما أشرف الأوقات إذ فيهما تعرج الملائكة، وتنزل ويحتمل أن يكون من التغير بالكل بأشرف الأجزاء؛ فيكون مجاز لغوياً أو

ص: 9

يكون من قبيل الاكتفاء بذكر الطرفين لينقل السامع عنهما إلى الوسط يعلم ما في السموات، وما في الأرض، وقيل أتق الله أي أذكر الله كل صباح، ومساء أن في ذلك لفوائد وعوائد وأراد بالمساء، وقت الغروب إلى أوان النوم روي عنه عليه السلام أن فاطمة رضي الله عنها بنت النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم تشكوا إليه ما يلقى في يدها من الرحی، وبلغها أنه جاء رقيق؛ فلم تصادفه فذكرت ذلك لعائشة؛ فلما أخبرته عائشة قال: فجائنا وقد أخذنا مضاجعنا؛ فذهبنا بقوم فقال: على مكانکما؛ فقعد بيني، وبينهما حتى، وجدت برد قدمه على بطني فقال: إلا أدلكما على خير مما سألتما إذا أخذتما مضجعكما فسبحا ثلاثاً وثلثين، وأحمدا ثلاثاً وثلاثين وكبرا ثلاث وثلاثين؛ فهو خير لكما من خادم عملها ما هو إلاهم بحالها من التسبيح، والتحميد، والتكبير، من طلبها الرقيق؛ فهو من باب تلقي المخاطب بغير ما تطلب إيذاناً بأن الأهم من المطلوب هو البرود للمعاد، والتجافي عن دار الغرور، والصبر على مشاقها، ومتاعبها، وعن بعض بنات النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم أن النبي كان يعلمها؛ فيقول قولي حين تصبحين سبحان الله، وبحمده لاحول ولا قوة إلا بالله ماشاء كان، وما لم يشأ لم يكن أعلم أن الله على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً؛ فأنه من قال حين تصبح، وحفظ حتى يمسي ومن قالها حين يمسي حفظ حتى يصبح أقول المرغبات في هذا الباب كثيرة وأما كثيرة وأما صرف اللفظ عن ظاهرة من غير قرينة فلا يجوز والله أعلم.

«وخَفْ عَلَى نَفْسِكَ الدُّنْيَا الْغَرُورَ»: بدل من الدنيا أي خف غرور الدنيا وفي الصحاح تخوفت عليه الشي أي خفت.

«ولَا تَأْمَنْهَا عَلَى حَالٍ»: فأنها مکاره جذابة قال صلى عليه - وآله - وسلم «أن أكثر ما أخاف عليكم ما يخرج الله من بركات الأرض؛ فقيل ما بركات الأرض؟

ص: 10

فقال: زهرة الدنيا»(1)ومن ثم جعل النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ينفر عنها، وغيره من الأنبياء أيضاً روي أن عيسی صلوات الله عليه قال: «مثل طالب الدنيا كمثل شارب ماء البحر كلما أزاد شرباً أزاد عطشاً».

«واعْلَمْ أَنَّكَ إِنْ لَمْ تَرْدَعْ نَفْسَكَ عَنْ كَثِیرٍ مِمَّا تُحِبُّ مَخَافَةَ مَكْرُوه سَمَتْ بِكَ الأَهْوَاءُ إِلَی كَثِیرٍ مِنَ الضَّرَر»: الردع الدفع والزجر أي من لم يمنع نفسه عن مرادها المحرم عليه يجبرها هواها إلى المضرة فقوله عن كثير من المباح أيضاً فأن تسمين القوة الشهوية فيه مضرة كثيرة روي أنه أوحي الله تعالى إلى عيسى عليه السلام لا تحب؛ فأني لست أحبها، وأحب الآخرة؛ فأنها دار أوحي الله تعالى إلى عيسی عليه السلام لا تحب الدنيا؛ فأني لست أحبها وأحب الآخرة فأنها دار المعد وإليها سيق لكم الميعاد يكفيك منها خرقة من وبر، يستر بها عورتك وفلقة خبز تقطع بها حرارة جوعك وما مثلك فيها بقلة قرار إلا مثل فيء براه، أبدأ على السفر وحد الانتقال وعن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم أنه قال «أتركوا الدنيا لأهلها فأن من أخذ الدنيا فوق ما يكفيه أخذ من جيفة وهو لا يشعر»(2).

«فَكُنْ لِنَفْسِكَ مَانِعاً رَادِعاً ولِنَزْوَتِكَ» ونيتك «عِنْدَ الْحَفِيظَةِ»: الغضب والحمية «وَاقِماً قَامِعاً»: قاهراً، والواقم الذي يرد الشيء أقبح الرد.

يقال: وقمه قهره ورده وفيه تأكيدات ومبالغات لا يخفى وبالله التوفيق.

ص: 11


1- المعجم الأوسط للطبراني: ج 9 ص 15؛ شعب الإيمان للبهيقي ج 7 ص 174؛ إحياء علوم الدين للغزالي: ج 9 ص 162
2- تنبيه الخواطر ونزهة النواظر لورام بن أبي فراس المالكي الاشتري :ص 164؛ إحياء علوم الدين للغزالي: ج 10 ص 7

ومن كتاب له إلى أهل الكوفة عند مسيره من البصرة إلى المدينة:

«أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي خَرَجْتُ مِنْ حَيِّي هَذَا إِمَّا ظَالِماً»: على زعم العدو «وإِمَّا مَظْلُوماً»: عند التحقيق «وإِمَّا بَاغِياً»: وهو الذي يخرج على الإمام العادل عند زعم العدو «وإِمَّا مَبْغِيّاً عَلَيْه»: في الواقع «وإِنِّا أُذَكِّرُ الله مَنْ بَلَغَه كِتَابِي هَذَا لَمَّا نَفَرَ إِلَيَّ»: لما هنا بمعنی حين ولما أن جاء البشير وبمعنى لم ولما يعلم الله الذين جاهدوا وبمعنى إلا، وأن كل نفس لما عليها حافظ إذا قرئ مشدد أي التشديد بالله من أتاه هذا الكتاب وبلغه ما هو مكتوبٌ فيه إلا اتى على عجلة.

«فَإِنْ كُنْتُ مُحْسِناً أَعَانَنِي وإِنْ كُنْتُ مُسِيئاً اسْتَعْتَبَنِي»: طلب الرجوع إلى وهذا الكلام واثق بأنه غير تنال في أنه ليس بمسيء إلا أنه أبرزه في هذا المعرض سلوكاً الطريق الأدب وهضماً لنفسه عليه السلام وجذ بالخواطر السامعين وبالله التوفيق.

ومن كتاب له عليه السلام كتبه إلى أهل الأمصار يقص فيه ما جرى بينه وبين أهل صفين:

وينبههم على أن ما رواه آخر رآه أولاً بعينه المكتحلة بكحل الجواهر من الأنوار الإلهية رأى أنه سيقع، وقائع يضرب لها فؤاد الجليد وتسببت لهولها فود الوليد تذوب لتشعر بأسها زبر الحديد وهم لا يتحملون بل ينتقلون رباً إلى كن المصلحة ولا يصغون أمر الحق موضعه.

«وكَانَ بَدْءُ أَمْرِنَا»: أوله وفيه لغات بدَيٌ وبَدِيٌ وبَدأيٌ «أَنَّا الْتَقَيْنَا والْقَوْمُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ»: والقوم عطف على الضمير في ألتقينا.

«والظَّاهِرُ أَنَّ رَبَّنَا وَاحِدٌ ونَبِيَّنَا وَاحِدٌ ودَعْوَتَنَا فِي الإِسْلَامِ وَاحِدَةٌ»: واو الحال يعني أنهم يوحدون الله أيضاً کما نوحده وفي الظاهر يؤمنون بنبوة محمد.

ص: 12

«ولَا نَسْتَزِيدُهُمْ فِي الإِيمَانِ بِالله والتَّصْدِيقِ بِرَسُولِه ولَا يَسْتَزِيدُونَنَا الأَمْرُ»: والشأن «وَاحِدٌ»: أي الإيمان بالله وبرسوله مشتركاً بيننا ولم يكن سببه الخصومة بيننا.

«إِلَّا مَا اخْتَلَفْنَا فِيه مِنْ دَمِ عُثْمَانَ ونَحْنُ مِنْه بَرَاءٌ»: فيه إشارة إلى أن معاوية وأصحابه كانوا على الباطل وكان ذريعة إلى هذه المخاصمة الشديدة.

«فَقُلْنَا تَعَالَوْا نُدَاوِ مَا لَا يُدْرَكُ الْيَوْمَ»: من استقرار الحق في مقره.

«بِإِطْفَاءِ النَّائِرَةِ»: الإطفاء الأغماد، والنائرة النار الموقدة، ولما شبه ما وقع بينهم بها والفتنة، وسيلة زوال المحبة، والعطوفة، وغيرهما واستعارها لها رشحها بالإطفاء وهو كناية عن تسكين الفتنة «وتَسْكِينِ الْعَامَّةِ»: وضرب المدة «حَتَّى يَشْتَدَّ الأَمْرُ ويَسْتَجْمِعَ»: يجتمع معونات أمر الخلافة وممداتها.

«فَنَقْوَى عَلَى وَضْعِ الْحَقِّ مَوَاضِعَه فَقَالُوا بَلْ نُدَاوِيه»: المجاهرة والمكاشفة بالحرب والخصومة.

«بِالْمُكَابَرَةِ فَأَبَوْا حَتَّى جَنَحَتِ الْحَرْبُ»: مالت من قولهم جنحت السفينة أي مالت إلى أحد جانبيه كناية عن نوع فتور من جانب أعداه «ورَكَدَتْ»: سکت.

«ووَقَدَتْ نِيرَانُهَا»: تبينت ووقعت «وحَمِشَتْ»: التهبت غضباً، تارة جعل الحرب بمنزلة النار وتارت بمنزلة الشخص العضوب(1).

«فَلَمَّا ضَرَّسَتْنَا»: عصتنا الحرب «وإِيَّاهُمْ»: عطف على الضمير المنصوب في ضرستنا وقيل الواو بمعنى مع «ووَضَعَتْ مَخَالِبَهَا»: جعلتها كالسبع الضاري في المضرة.

ص: 13


1- العضوب من العضب، والعضب: السيف القاطع: العين للخليل الفراهيدي: ج 1 ص 283

«فِينَا وفِيهِمْ أَجَابُوا عِنْدَ ذَلِكَ إِلَی الَّذِي دَعَوْنَاهُمْ إِلَيْه فَأَجَبْنَاهُمْ إِلَی مَا دَعَوْا

وسَارَعْنَاهُمْ إِلَی مَا طَلَبُوا»: من إطفاء النائرة وتسكين العامة.

«حَتَّى اسْتَبَانَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ وانْقَطَعَتْ مِنْهُمُ الْمَعْذِرَةُ»: واعترفوا بأنهم أخطاؤا فيما قالوا بل بدأوا به بالمكابرة.

«مَنْ تَمَّ عَلَى ذَلِكَ مِنْهُمْ فَهُوَ الَّذِي أَنْقَذَه الله مِنَ الْهَلَكَةِ»: أي خلصه ونجاه من الهلاك وفي بعض النسخ انتقده، وانتقده استنقذه بمعنی ومفعول محذوف أي أنقذه الله منه.

«ومَنْ لَجَّ وتَمَادَى»: بلغ المدى والغاية فيه ولم يقل ما قررت «فَهُوَ الرَّاكِسُ الَّذِي رَانَ الله عَلَى قَلْبِه»: الراكس الواقع في أمر قد فخامته.

قال تعالى «أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا»(1)أي ردوهم إلى عقوبة كفرهم يقال: دانه أذله وهنا اعتبار للمبالغة جعله منزلة اللازم وأستعمل بعلى وتسبب إلى القلب أي غلب عليه الخذلان «وصَارَتْ دَائِرَةُ السَّوْءِ عَلَى رَأْسِه»: كناية عن الهزيمة وإذا كانت مضافة إلى سوء كانت أسبغ ولقد بالغ في سوء حاله حيث أعتبر السوء محيطاً به واستعار له الدائرة والله أعلم.

ومن كتاب له عيه السلام إلى الأسود بن قطبة صاحب جند حلوان: أسم بلد

«أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْوَالِيَ إِذَا اخْتَلَفَ هَوَاه مَنَعَه ذَلِكَ»: الاختلاف «كَثِیراً مِنَ الْعَدْلِ»: فأنه حينئذ يكون متبعاً للشيطان مبتغياً للكفران بل والجور على الأقران فليكن أمر.

ص: 14


1- سورة النساء: الآية 88

«فَلْيَكُنْ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَكَ فِي الْحَقِّ سَوَاءً»: لا تفاوت بين الشريف والوضيع والشيخ والشاب والرضيع.

فَإِنَّه لَيْسَ فِي الْجَوْرِ عِوَضٌ مِنَ الْعَدْلِ»: وذلك ظاهر لا يحتاج إلى البيان «فَاجْتَنِبْ مَا تُنْكِرُ أَمْثَالَه»: من الأفعال الردية الغير الشرعية.

«وابْتَذِلْ»: ذلك ظاهر لا يحتاج إلى البيان «نَفْسَكَ فِيمَا افْتَرَضَ الله عَلَيْكَ»: فأن القربة في أداء الفرائض وقد قال صلى الله عليه [وآله] وسلم: «إذا حسن أحد إسلامه فكل حسنة يعملها يكتب له بعشر أمثاله إلى سبعمائة ضعف فأجتهد في أداء الفرائض»(1).

«رَاجِياً ثَوَابَه ومُتَخَوِّفاً عِقَابَه»: ثم على دابة حدرة الدنيا فقال:

«واعْلَمْ أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ بَلِيَّةٍ»: وقد سبق بيان كونها دار بليه.

«لَمْ يَفْرُغْ صَاحِبُهَا فِيهَا قَطُّ سَاعَةً إِلَّا كَانَتْ فَرْغَتُه»: في تلك «عَلَيْه حَسْرَةً يَوْمَ

الْقِيَامَةِ»: أي اليوم الموعود؛ أو يوم الموت؛ أو يوم كشف الغطاء، وفي ذلك إيماء إلى قوله صلى الله عليه [وآله] وسلم «أن الله يبغض الصحیح الفارغ لا في شغل الدنيا ولا في شغل الآخرة»(2)قيل يعلم من فحوی کلامه عليه السلام أن الكافر ليس يفعل ضد الإيمان فقط وإنما الضال کافر أيضاً ولي فيه مقال.

ص: 15


1- صحيفة همام بن منبه: ص 38، عمة القاري للعيني: ج 1 ص 253؛ صحیح بن حبان: ج 1 ص 465
2- سنن الدارمي لعبد الله بن الرحمن: ج 2 ص 249؛ السنن الكبرى لأحمد بن الحسين البهيقي: ج 9 ص 30؛ شعب الإيمان أيضاً للبهيقي: ج 7 ص 525؛ عمدة القاري للعيني: ج 11 ص 249

«وأَنَّه لَنْ يُغْنِيَكَ»: لن يجعلك غنياً «عَنِ الْحَقِّ»: القول الصواب والفعل الصواب.

«شَيْءٌ أَبَداً»: أي لا يقوم شيء مقام الحق «ومِنَ الْحَقِّ عَلَيْكَ حِفْظُ نَفْسِكَ»: عن المنهيات.

«والِحْتِسَابُ عَلَی الرَّعِيَّةِ»: طلب الأجر والثواب والإحسان إلى الرعية.

«بِجُهْدِكَ»: بقدر وسعك: ««فَإِنَّ الَّذِي يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنَ الَّذِي يَصِلُ بِكَ والسَّلَامُ»: أراد أن الثواب الواصل إليك غداً من حفظك نفسك واحتسابك الأجر عند الله بجهدك على مصالح الرعية أفضل من الثواب الذي يصل إليك بأعمالك، وقيل معناه أن ثوابك على القيام بأمرهم أعظم من انتفاعهم بك في الدنيا والله الموفق.

ومن كتاب له عليه السلام إلى العمال الذين يطأ الجيش عملهم:

كناية عن الإرسال إليهم واستعار الوطيء نظراً إلى مشابهة عملهم بالموطأ بالرجل بسبب الجيش.

«مِنْ عَبْدِ الله عَلِيٍّ أَمِرِ الْمُؤْمِنِینَ إِلَی مَنْ مَرَّ بِه الْجَيْشُ مِنْ جُبَاةِ الْخَرَاجِ»: جمع الجافي وهو الذي يجمع الخراج.

«وعُمَّالِ الْبِلَادِ أَمَّا بَعْدُ»: بعد حمد الله والصلاة على رسوله صلى الله عليه [وآله] وسلم.

«فَإِنِّي قَدْ سَیَّرْتُ»: أرسلت «جُنُوداً هِيَ مَارَّةٌ بِكُمْ إِنْ شَاءَ الله»: فيه إيماء إلى قول النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ومذهب أهل

ص: 16

الحق أن أرادة الله متعلقة بكل ما كان غير متعلقة بما ليس بكائن على ما أشتهر بين السلف، ومنهم من منع التفضيل بأن يقال أنه يريد الكفر والظلم والفسق كما في يقال أنه خالق الكل ولا يقال خالق القاذورات، والقردة، والخنازير، وللعلماء في ذلك بحث طويل.

«وقَدْ أَوْصَيْتُهُمْ بِمَا يَجِبُ للهِ عَلَيْهِمْ مِنْ كَفِّ الأَذَى»: وإمساكه «وصَرْفِ الشَّذَا»: الجوهري: الشذي مقصور الأذى والشذ والشذي ذياب الكلب وعلى الأول تأكيد وعلى الثاني مبالغة لا يخفى على المتأمل.

«وأَنَا أَبْرَأُ إِلَيْكُمْ وإِلَی ذِمَّتِكُمْ مِنْ مَعَرَّةِ الْجَيْشِ إِلَّا مِنْ جَوْعَةِ الْمُضْطَرِّ لَا يَجِدُ عَنْهَا مَذْهَباً إِلَی شِبَعِه»: البرء والبراء والتبري: التقصي، مما یکره مجاورته والمعرة الجناية.

أي لا أذن أن يجوز الحبس، ويأخذ من أموالكم بدون أذنكم إلا في هذا المقدار وهو: مقدار سد الرمق بشرط أن لا يجد المضطر مذهباً إلى سعة غير ذلك.

«فَنَكِّلُوا»: أخروا و امنعوا وعاقبوا الذي أخذ منه هذا الجنس الذي يمر بكم، شيئاً من أموالكم وهو المراد بمن في قوله:

«مَنْ تَنَاوَلَ مِنْهُمْ شَيْئاً ظُلْماً عَنْ ظُلْمِهِمْ»: دفعاً عن ظلم سائرهم ومن يتعلق بفعل مضمر وظلماً مصدر في موضع الحال ثم أمر بعكس ذلك فقال:

«وكُفُّوا أَيْدِيَ سُفَهَائِكُمْ عَنْ مُضَارَّتِهِمْ»: أي أدفعوهم عن مخالفة هذا الجنس «والتَّعَرُّضِ لَهُمْ فِيمَا اسْتَثْنَيْنَاه»: من جوعه المضطر مِنْهُمْ: ثم نبههم على أنه عليه السلام كان بينهم فقال:

ص: 17

«وأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِ الْجَيْشِ فَارْفَعُوا إِلَيَّ مَظَالِمَكُمْ»: أي ما أخذوه بالظلم.

«ومَا عَرَاكُمْ»: أي ما أعترضكم.

«مِمَّا يَغْلِبُكُمْ مِنْ أَمْرِهِمْ ومَا لَا تُطِيقُونَ دَفْعَه إِلَّا بِالله وبِي فَأَنَا أُغَیِّرُه بِمَعُونَةِ: الله إِنْ شَاءَ الله».

ومن كتاب له عليه السلام إلى كميل بن زياد النخعي وهو عامله على هيت:

أسم بلد على الفرات قال الأصمعي أصله من الهوة(1). ينكر علیه ترکه دفع من يجتاز به من جيش العدو طالبا الغارة: كان قادراً على الدفع.

«أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ تَضْيِيعَ الْمَرْءِ مَا وُلِّيَ عليه»: إياه من دفع العدو وغيره.

«وتَكَلُّفَه مَا كُفِيَ»: والتكليف أسم لما يفعل بمشقة أو بتصنيع أو تشيع ولذلك صار التكلف على ضربتين محمود وهو ما يتحراه الإنسان لتتوصل استعمل به إلى أن يصير الفعل الذي يتعاطاه سهلاً عليه، ويصير كلفاً به ومحباً له، وبهذا النظر استعمل التكليف في تكليف العبادات، والثاني ما يكون مذموماً فهو ما يتحراه الإنسان مراراً وإياه عني بقوله تعالى «قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ»(2)وقول النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم «أنا وأتقياء أمتي براء من التكلف»(3)ومن هذا القبيل ما فعله النخعي فلذا أعتبر عليه السلام.

«لَعَجْزٌ حَاضِرٌ»: لا يخفى عليه من بصر.

ص: 18


1- يُنظر: الصحاح للجوهري: ج 1 ص 271
2- سورة ص: الآية 86
3- قوت القلوب في معاملة المحبوب لابي طالب المكي: ص 161؛ إحياء علوم الدين للغزالي: ج 5 ص 196؛ غريب الحديث والأثر لمجد الدين ابن الأثير النهاية ج 4 ص 196

«ورَأْيٌ مُتَبرم: مهلك «وإِنَّ تَعَاطِيَكَ الْغَارَةَ عَلَى أَهْلِ قِرْقِيسِيَا»: اسم بلد أيضاً

«وتَعْطِيلَكَ مَسَالِحَكَ الَّتِي وَلَّيْنَاكَ»: وهي جمع مسلحة وهي موضع السلاح.

«لَيْسَ بِهَا مَنْ يَمْنَعُهَا»: نصب على الحال من مسالحك وهي البلاد التي تكون بها العساکر وفيها سلاحهم.

«ولَا يَرُدُّ الْجَيْشَ عَنْهَا لَرَأْيٌ شَعَاعٌ»: متفرق وهو خر تعاطيك «فَقَدْ صِرْتَ جِسْراً لِمَنْ أَرَادَ الْغَارَةَ مِنْ أَعْدَائِكَ عَلَى أَوْلِيَائِكَ»: أي صرت شبيهاً بالخسر في معاونة من أراد الغارة من أعدائك مضراً على أوليائك.

« غَیْرَ شَدِيدِ الْمَنْكِبِ»: مجمع عظم والكتف وهو كناية عن عدم التحمل فأن شديد المنكب بحمل الأثقال وشبهوا بالجبال.

«ولَا مَهِيبِ الْجَانِبِ»: مخوف من الهيبة أراد أنه لم يستعمل بما فيه خوف العدو وكما يفعل الأمراء من جمع العسكر وأعدادهم للحرب وغيرها.

«ولَا سَادٍّ ثُغْرَةً»: موضع المخاوفة. «ولَا كَاسِرٍ لِعَدُوٍّ شَوْكَةً»: فيه غاية التعبير إذا من فيه أدنى الرجولية يسعى في دفع المؤذيات والأشواك.

«ولَا مُغْنٍ عَنْ أَهْلِ مِصْرِه»: الضمير راجع إلى موصوف غير المحذوف وفي الحقية إلى كميل.

«ولَا مُجْزٍ»: كاف عَنْ أَمِیرِه: وحاصل هذا الكلام توبيخه وتغييره بوجوه هي بمعزل عن الحاكم الذكي السخي الشجاع وقد قيل البطل من ينظم حسوم الأعداء في رماحه ويبتر رؤوسهم بصفاحه والفارس من يسبق فرسه الرمح ويفرس رمحه الروح والله الموفق.

ص: 19

ومن كتاب له عليه السلام إلى أهل مصر مع مالك الأشتر لما ولاه إمارتها:

«أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الله سُبْحَانَه بَعَثَ مُحَمَّداً نَذِيراً لِلْعَالِمَینَ ومُهَيْمِناً عَلَى الْمُرْسَلِينَ»: أي بعث الله محمد صلى الله عليه [وآله] وسلم بالرسالة منذراً لأمته ومخوفاً لهم بأعلامه إياهم أحوال القيامة وأهوالها مهيمناً أي شاهد على كل نبي كان قبله بالإرسال لأنه علم ذلك بالدلالة.

«فَلَمَّا مَضَى صلى الله عليه -وآله - وسلم تَنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ»: أي جماعة من المسلمون ولذلك أدخل ألف واللام في قوله المسلمون.

«الأَمْرَ»: أمر الخلافة «مِنْ بَعْدِه فَوَ الله مَا كَانَ يُلْقَى فِي رُوعِي ولَا يَخْطُرُ»: يجري «بِبَالِي أَنَّ الْعَرَبَ تُزْعِجُ هَذَا الأَمْرَ»: أزعجه أقلعه من مكانه.

«مِنْ بَعْدِه صلى الله عليه -وآله - عَنْ أَهْلِ بَيْتِه»: إذ كان على علم أن من شروط الخلافة أن يكون الخليفة هاشمياً وفي ذلك أبحاث كثيرة ومراده عليه السلام نفسه القدسية وإنما استبعد ذلك لأنه عليه السلام جمع القرابة والصحابة والصهورة والأخوة والعلم والزهد والعبادة والسخاوة والشجاعة من الفضائل التي ينبغي أن يكون الإمام موصوفاً بها وقد تفرد عليه السلام بتلك.

«ولَا أَنَّهُمْ مُنَحُّوه»: أعطوه عَنِّي مِنْ بَعْدِه: فيه إشارة إلى أن الخلافة كان حقاً له وإنما يعدوها عنه ببعيد الشخص عن ملکه.

«فَمَا رَاعَنِي»: أفزعني إِلَّا انْثِيَالُ النَّاسِ: اجتماعهم يقال أنثال عليه الناس من كل وجه أي أنصبوا وأنثال عليه التراب أنصب.

«عَلَی فُلَانٍ»: أبي بكر «يُبَايِعُونَه فَأَمْسَكْتُ يَدِي»: أي عن متابعته أراد نفي المتابعة.

ص: 20

«حَتَّى رَأَيْتُ رَاجِعَةَ النَّاسِ»: كناية عن المقلدين الذين كانوا على شرف الارتداد ثم ارتدوا والراجعة المرتدون فسمي بهذا الدين يطهرون الإسلام ولم يكونوا مؤمنين.

«قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الإِسْلَامِ يَدْعُونَ إِلَی مَحْقِ دَيْنِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه - وآله -»: أي إهلاكه محقة أهلكه أي يدعون الناس إلى أبطال الدين ومحوه.

«فَخَشِيتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ الإِسْلَامَ وأَهْلَه أَنْ أَرَى فِيه ثَلْماً أَوْ هَدْماً»: الثلم في الحائط خللٌ فيه، والثلم في الأناء انكسار في سقيه، واستعير للخلل الواقع في الدين وكذلك هدم الدين مجاز وفيه ملاحظة تشبه الدين بالدار كما في قوله صلى الله عليه [وآله] وسلم بني الإسلام على خمس.

«تَكُونُ الْمُصِيبَةُ بِه عَلَيَّ أَعْظَمَ مِنْ فَوْتِ وِلَايَتِكُمُ»: أمارتكم.

«الَّتِي إِنَّمَا هِيَ مَتَاعُ أَيَّامٍ قَلَائِلَ يَزُولُ مِنْهَا»: من ولايتكم.

«مَا كَانَ كَمَا يَزُولُ السَّرَابُ»: اللامع في المفازة كالماء يقال: له السراب لانسرابه أي جريانه في مريا العين.

«أَوْ كَمَا يَتَقَشَّعُ السَّحَابُ»: ينكشف ويتفرق السحاب.

«فَنَهَضْتُ فِي تِلْكَ الأَحْدَاثِ»: ما حدث بعد رسول صلى الله عليه وآله - وسلم من التحريف وتغير سنته، أي قمت للدين وإصلاحه بين الأمور الحادثة لا عل أصل معهوده وسنة معروفة.

«حَتَّى زَاحَ»: بُعد وذهب «الْبَاطِلُ»: الأمر الذي تعلق بمن لم يكن يستحقه أو مكان الثلمة «وزَهَقَ»: هلك وبطل «واطْمَأَنَّ»: سكن «الدِّينُ وتَنَهْنَه»: كف

ص: 21

يعني الباطل أي صبرت حتى أطمأن أهل الدين، وتنبه أهل الباطل، وذلك سبب بعد ذلك الباطل، وزوال زهوقه؛ ثم شرع سنن شأنه، وما نال من الملك الجليل أعني مكانه، وأنا أصدر بيان كلامه ببعض أوصافه، وخصائصه مصداقاً لما يتلوه ما أن مدحت محمد بمقالتي لكن مدحت مقالتي بمحمد كان عليه السلام نفس الرسول، وروح البتول، وسيف الله المسلول أمير البررة قاتل الفجرة فضال فقار كل ذي حَبر بذي الفقار مفقص الجيش الجرار عديم الحاب والحجاب مفتوح الباب إلى المحراب عند سد باب سائر الأصحاب، وثابت اللب في مدحض الألباب؛ شفيق الخير، ورفيق الطير صاحب القرابة والقربة وكاسر أصنام الكعبة ضراب يوم الجمل المردود له الشمس عند لطفَل تراك السبلب، وضراب القلل أن الأسود أسود الغاب همتها يوم الكريهة في المسلوب لا السلب.

ونرجع إلى شرح ما قال عليه السلام:

وروي عنه السيد الرضي رضي الله عنه فقال:

«ومِنْه إِنِّي والله لَوْ لَقِيتُهُمْ وَاحِداً»: بالجيم وفي بعض النسخ واحداً بالحاء ولكل وجه.

«وهُمْ طِلَاعُ الأَرْضِ»: أي ملأ الأرض «كُلِّهَا مَا بَالَيْتُ ولَا اسْتَوْحَشْتُ»: لا جربت لأجل نفسي وخوفاً على قلبي والوحشة الهم.

«وإِنِّي مِنْ ضَلَالِهِمُ الَّذِي هُمْ فِيه والْهُدَى الَّذِي أَنَا عَلَيْه لَعَلَى بَصِیرَةٍ مِنْ نَفْسِيِ ويَقِینٍ مِنْ رَبِّي»: من الأولى اتصالية نحو أنت مني بمنزلة هارون من موسی والثانية ابتدائية غيرها.

ص: 22

«وإِنِّي إِلَی لِقَاءِ الله لَمُشْتَاقٌ وحُسْنِ ثَوَابِه لَمُنْتَظِرٌ رَاجٍ»: لا إلى الدنيا وزهراتها فأنها قنطرة لمن عبر وعبرة لمن أعتبر، وينقص من الدور، ويزيد في الفتور وهي فناء لفناء سكانها، والراحل فيها مراحل؛ ثم استدرکه ما توهم من كلامه السابق من عدم الحزن مطلقاً والحال أن حاله أمثاله عليه السلام كحال قلوب الكاملين لها عيون؛ فيرعی ما لا يراه الناضر، وبأجنحة يطير بغير ريش إلى ملکوت رب العالمين؛ فيرعى في رياض القدس طوراً ويشرب من كؤس الوارد، يتباعد عاملوا الرحمن سقاهم من وداد المخلصينا بقوله:

«ولَكِنَّنِي آسَى أَنْ يَلِيَ أَمْرَ هَذِه الأُمَّةِ سُفَهَاؤُهَا وفُجَّارُهَا»: أي ولكني أحزن للذين بأن يصير ولاة الأمر فساقها.

«فَيَتَّخِذُوا مَالَ الله دُوَلًا»: فيتداولون مال الله، وتكون دولتهم بينهم مرة للفجار ومرة للسفهاء «و»: يتخذوا «عِبَادَه خَوَلًا»: خدماً، وخول الرجل جسمه والواحد خائل وقد يكون الخول واحد أو هو أسم يقع على العبد والأَمة «والصَّالِحِینَ

حَرْباً»: محاربین «والْفَاسِقِينَ حِزْباً»: جماعة وطافة وجمعة الأحزاب وهي الطائفة التي يجتمع على محاربة الأعداء.

«فَإِنَّ مِنْهُمُ الَّذِي قَدْ شَرِبَ فِيكُمُ الْحَرَامَ»: الحمر إشارة إلى ما كان من المعتبرة بن شعبة لما شرب الخمر على عهد عمر، وكان والياً من قبله فصلى بالناس سكران وزاد في الركعات وفاء الخمر فشهدوا عليه.

«وجُلِدَ حَدّاً فِي الإِسْلَامِ»: وفي الخبر من شرب الخمر لم يقبل له صلوات أربعين صباحاً؛ فإن تاب تاب الله عليه؛ فإن عاد لم يقبل الله له صلوات أربعين صباحاً؛ فأن تاب تاب الله عليه؛ فإن عاد في الرابعة لم يقبل الله له صلوات أربعين صباحاً،

ص: 23

فأن تاب تاب الله عليه، وسقاه من بهر الجبال، وإذا لم يقبل الله منه الصلاة التي هي أفضل العبادات فلا يقبل منه عبادة أصلاً والمراد هنا عدم ترتيب الثواب لا سقوط القضاء فتدبر.

«وإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُسْلِمْ»: قيل عمرو بن العاص وقيل من هو أكبر منه.

«حَتَّى رُضِخَتْ لَه عَلَى الإِسْلَامِ الرَّضَائِخُ»: الرضخة شيء قليل يرمي على سبيل الرشوة؛ إلى من يرضى لأمر، ويدخل، ونحو ذلك، والجمع الرضائخ واشتقاقه من رضخته أي رميته بالحجارة؛ أراد أنه أعطى على الإسلام العطية.

«فَلَوْ لَا ذَلِكَ»: إلا شتی وأن بعضهم شارب، وبعضهم أسلم بالرشوة.

«مَا أَكْثَرْتُ تَأْلِيبَكُمْ»: تحريصكم «وتَأْنِيبَكُمْ»: توبيخكم وتفرغکم وقيل التأنيب اللوم الشديد.

«وجَمْعَكُمْ وتَحْرِيضَكُمْ ولَتَرَكْتُكُمْ إِذْ أَبَيْتُمْ»: امتنعتم «ووَنَيْتُمْ»: ضعفتم فيه من الصناعات البديعة ما لا يخفی؛ ثم نبههم على أن معاوية قد أستولى على البلاد وفتحها لأجل نفسه فقال:

«أَلَا تَرَوْنَ إِلَی أَطْرَافِكُمْ قَدِ انْتَقَصَتْ وإِلَی أَمْصَارِكُمْ قَدِ افْتُتِحَتْ وإِلَی مَمَالِكِكُمْ تُزْوَى»: تنقص «وإِلَی بِلَادِكُمْ تُغْزَى»: ولما مهد سبب القتال وأنه كان يجتهد للدين أمرهم بالذهاب إلى قتاله فقال: «انْفِرُوا رَحِمَكُمُ الله إِلَی قِتَالِ عَدُوِّكُمْ ولَا تَثَّاقَلُوا

إِلَی الأَرْضِ فَتُقِرُّوا بِالْخَسْفِ»: أي يكن قراركم على الذل والمشقة والنقصان يقال: رضي فلان بالخسف أي النقيصة.

«وتَبُوءُوا»: ترجعوا «بِالذُّلِّ»: فباؤوا بغضب من الله «ويَكُونَ نَصِيبُكُمُ الأَخَسَّ»:

ص: 24

وفيه إشارة إلى أن في ذلك السفر وعدم التناقل ليس ذا بل فيه تجارة رابحة قال: الله سبحانه «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» الآية(1)فالمشتري هو الله سبحانه، والبائع المؤمن والمبيع النفس، والمال الفانيات الفاسدات، والثمن هو الجنة العالية الباقية الخالدة فاستبشروا ببعکم الذی بایعتم به، وقد آن أوان التسليم والبائع إذا قصر في التسليم المبيع إلى المشتري حتى هلك المبيعُ؛ انفسخ البيع وبطل الربح فبادروا إلى التسليم لتستنقذوا الربح العظيم، ولا تناقلوا إلى الدنيا فهي فانية وأسمعوا قول الله تعالى أيها المتثاقلون عن التسليم «مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ»(2)مع أنها معابر لکم؛ أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة؛ فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل إلا قليل ثم رغبهم إلى عدم النوم والتدبر بالليل فقال:

«وإِنَّ أَخَا الْحَرْبِ الأَرِقُ»: لذي لا ينام بالليل لتدبير أمر.

«ومَنْ نَامَ لَمْ يُنَمْ عَنْه والسَّلَامُ»: النوم فسر على أوجه كلها صحيح بنظرات مختلفة قيل هو استرخاء أعصاب الدماغ برطوبات البخار الصاعد إليه وقيل هو أن يتوفي الله النفس من غير موت قال: الله تعالى وهو أصدق القائلين «اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا»(3)وقي النوم موت خفيف، والموت نوم ثقيل

ص: 25


1- سورة التوبة: الآية 111
2- سورة التوبة: الآية 38
3- سورة الزمر: الآية 42

ومن نام لم ينم عنه أي من غفل عن العدو ويكره ونام لم يتركه العدو وما أراد أن يفعل به والله يفعل به والله سبحانه أعلم.

ومن كتاب له عليه السلام إلى أبي موسى الأشعري وهو عامله على الكوفة، وقد بلغه عنه تثبیطه: حبسه ومنعه الناس عن الخروج إليه لما ندبهم: دعاهم لحرب أصحاب الجمل.

«مِنْ عَبْدِ الله عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَی عَبْدِ الله بْنِ قَيْسٍ».

«أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ قَوْلٌ هُوَ لَكَ وعَلَيْكَ: قيل أي قول قاله لأجل نفسه لا للدين ولكن ذلك القول لا منعة له فيه وقيل معناه خلطت الحق بالباطل فهو لك وأما الباطل فعليك.

«فَإِذَا قَدِمَ رَسُولِي عَلَيْكَ فَارْفَعْ ذَيْلَكَ»: عزله بهذا الكلام الحسن عن كونه عاملاً على الكوفة.

«واشْدُدْ مِئْزَرَكَ »: أي شمر مئزرك للمجيء إلى بصرى.

«واخْرُجْ مِنْ جُحْرِكَ»: فيه إغماض منزلته ونقص محله يظهر بأدنی تأمل.

«وانْدُبْ»: أدع «مَنْ مَعَكَ فَإِنْ حَقَّقْتَ»: حققت الأمر أي تحققته وصرت منه على يقین أراد أن كنت مصدقاً في متابعتي «فَانْفُذْ»: أمضي سريعاً وإِنْ «تَفَشَّلْتَ»: جنت «فَابْعُدْ»: أهلك فيه استمالة مخلوطة بالتهديد؛ ثم أقسم يمن الله أن أبا

موسى لا يترك ليفعل ما يشاء بل يؤخذ على يده فقال: «وايْمُ الله»: أي يمین قسمي «لَتُؤْتَیَنَّ مِنْ حَيْثُ أَنْتَ ولَا تُتْرَكُ حَتَّى يُخْلَطَ زُبْدُكَ بِخَاثِرِكَ»: خَثْرَ اللبن فهو خاثر أي خلط.

ص: 26

«وذَائِبُكَ بِجَامِدِكَ وحَتَّى تُعْجَلُ عَنْ قِعْدَتِكَ»: روي بكسر الكاف في زبدك وكذا أخواتها الثلث، وذلك نوع من الفصاحة؛ لأن أصل هذه الكلمة كانت حظاً بالمرأة؛ فجری مثلاً فلما أشار إلى أمير المؤمنين عليه السلام في تمثيله بذلك لم نغيره لأن الأمثال لا تغير، وحاصل تلك واحد لأن ما يفعل به أمير المؤمنين عليه السلام من العقوبة إنما يكون بسبب أفعاله القبيحة وأن أضعف إليه الخلط؛ كان كذلك، والمراد بالألي حتى تجعل أمرك الحسن مخلوطاً بالشديد الصعب، والثانية حتى تسوس حالك وحتى يأتيك من يزعجك عن أمارتك وعن دار أمرك ونهيك.

«وتَحْذَرَ مِنْ أَمَامِكَ كَحَذَرِكَ مِنْ خَلْفِكَ»: أي تخشى من قدامك ومن خلفك يعني أن البلاء والشدائد يأتيك من جميع الجهات والخوف یکون عاماً على كل حال وقيل يخاف لشدة الدنيا قبل خوفك من شدة الآخرة.

ومَا هِيَ بِالْهُوَيْنَى الَّتِي تَرْجُو ولَكِنَّهَا الدَّاهِيَةُ الْكُبْرَى يُرْكَبُ جَمَلُهَا ويُذَلُّ صَعْبُهَا ويُسَهَّلُ جَبَلُهَا»: الهويني تصغير الهوني التي هي تأنيث الأهون أي ما القصة بالهينة، وما هذه الهينة بل هي عظيم نوائية ويقال: ما أدهاك أي ما أصابك ووصف بالداهية بالمفرد والجملة حال عنها فقال: الكبرى ثم قال: يركب حملها، ولوحظ في هذه الاستعارة؛ أن الجمل أذا ركب كان الركوب له من أشد البلاء يقطع به المسافة، ويقطع عنه العلف، والراجة قال: الراغب «والذل ما كان يعد يصعب وشماس من غير قهر، ذل يذل ذلاً»(1)، وذلت الدابة بعد شماس ذلًا وهي ذلول أي ليست بصعبة ففي هاذين إشارة إلى الاشتمال، والإحاطة بمهما ووجه استعارة الصعب المشابه في الإلقاء إلى التهلكة والذل ترشيح، وفيه كناية عن الارتكاز ووجه استعارة الحيل الصلابة والثبات وفي التسهيل إيماء إلى عدم

ص: 27


1- يُنظر: المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني: ص 180

المبالات بما يترتب عليه ويؤخذ سهلاً والحال على خلاف ذلك وذلك بحسب القوة الوهمية والوسوسة الشيطانية وقد سبق التفضيل بعون الله الملك الجليل.

«فَاعْقِلْ عَقْلَكَ»: أي إذا أنتقش صورة الحال على صحيفة الخاطر فأحبس عقلك بالاستعمال ولا تتركه ينزل.

«وامْلِكْ أَمْرَكَ وخُذْ نَصِيبَكَ وحَظَّكَ»: أي لا يجاوز ما ليس لك.

«فَإِنْ كَرِهْتَ فَتَنَحَّ إِلَی غَیْرِ رَحْبٍ ولَا فِي نَجَاةٍ»: أي أن كنت کارهاً أن تجتني إلى معاونتي فأبعد إلى موضع غير رحب وهو سعة المكان وهذا ضد ما يقال لمن يخاطب بالأكرم والجميل مرحباً ولا يحتمل أن يقال: معناه فتح لا مكان مرتفع وأن يقال: النجاة بمعنى المعاونة على ما فيه الخلاص أي فأبعد وأنت لا تنجوا عن عقوبتي.

«فَبِالْحَرِيِّ لَتُكْفَیَنَّ وأَنْتَ نَائِمٌ حَتَّى لَا يُقَالَ أَيْنَ فُلَانٌ»: تأكيد ما قبله أي ما أحد أن يكفي هذا الأمر ولا دونه بك ثم قال:

«واللهِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مَعَ مُحِقٍّ»: أي أن الأمر والشأن الحق يأتيك مع محق والأحسن أن يكون الضمیر لذلك الكلام الذي جرى منه عليه السلام ومع محق هو أمیر

المؤمنن عليه السلام قال:

«ومَا أُبَالِي مَا صَنَعَ الْمُلْحِدُونَ»: المنحرفون عن القصد یعنی معاوية وأتباعهم والله الموفق.

ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية جوابا عن كتاباً منه:

«أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّا كُنَّا نَحْنُ وأَنْتُمْ عَلَى مَا ذَكَرْتَ مِنَ الأُلْفَةِ والْجَمَاعَةِ فَفَرَّقَ بَيْنَنَا

ص: 28

وبَيْنَكُمْ أَمْسِ أَنَّا آمَنَّا»: أي أنتم أهل البغي.

«وكَفَرْتُمْ»: صرتم كفاراً أو أمس كناية عما قبل الإسلام.

«والْيَوْمَ»: واليوم إلى يوم خلافته.

«أَنَّا اسْتَقَمْنَا وفُتِنْتُمْ»: أي أنتم أهل الغي «ومَا أَسْلَمَ مُسْلِمُكُمْ إِلَّا كَرْهاً»: اشارة إلى ما كان من أبي سفيان على ما هو معروف في التواريخ.

«وبَعْدَ أَنْ كَانَ أَنْفُ الإِسْلَامِ»: أوله «كُلُّه لِرَسُولِ الله صلى الله عليه - وآله - وسلم حِزْباً»: بفتح الحاء وكسرها جماعة فيها غلظ وروي حرباً بالراء المهملة أي عدواً.

«وذَكَرْتَ أَنِّي قَتَلْتُ طَلْحَةَ والزُّبَیْرَ وشَرَّدْتُ»: ففرقت «بعَائِشَةَ ونَزَلْتُ بَیْنَ الْمِصْرَيْنِ»: البرة والكوفة «وذَلِكَ»: القتل والتشرد «أَمْرٌ غِبْتَ عَنْه فَلَا عَلَيْكَ»: أي لا ضيق فيه عليك «ولَا الْعُذْرُ فِيه إِلَيْكَ»: فيه إيماء إلى قوله تعالى «وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى»(1)أراد أني لم أفعل ولو فعلت فلا تسأل عن ذلك فلا يجديك قولك بطائل.

«وذَكَرْتَ أَنَّكَ زَائِرِي»: كناية عن الحرب.

«فِي الْمُهَاجِرِينَ والأَنْصَارِ وقَدِ انْقَطَعَتِ الْهِجْرَةُ يَوْمَ أُسِرَ أَخُوكَ»: وفي بعض النسخ أوبك بيّن عليه السلام عُذرَ معاوية، وتلبيسه على الشاميين، وذلك أن النبي صلى الله وآله وسلم قال: لا هجرة بعد الفتح وأن معوية أطهر الإسلام بعد الفتح بستته أشهر ثم أوعده فقال:

ص: 29


1- سورة الأنعام: الآية 164

«فَإِنْ كَانَ فِيه عَجَلٌ فَاسْتَرْفِه»: تاجر وأنفس يقال: رفه عن عزمك وأسترفه أي نفس عنه وفيه اشارة إلى أنه بايع الشيطان، وأنقاد أمره وفي الخبر العجلة من الشيطان وقد سبق.

«فَإِنِّي إِنْ أَزُرْكَ»: استعار الزيارة للحرب أحد الضدين للآخر واسبق من أرزك ففيه تبعية.

«فَذَلِكَ جَدِيرٌ أَنْ يَكُونَ الله إِنَّمَا بَعَثَنِي إِلَيْكَ لِلنِّقْمَةِ»: للعقوبة «مِنْكَ»: لأنه كان على الضلال «وإِنْ تَزُرْنِي فَكَمَا قَالَ أَخُو بَنِي أَسَدٍ مُسْتَقْبِلِينَ رِيَاحَ الصَّيْفِ تَضْرِبُهُمْ بِحَاصِبٍ: ريح بحاصب ریح شديدة يْنَ أَغْوَارٍ: جمع غور.

«وجُلْمُودِ الأشد» يصف في هذا النعت الذي تمثل به عليه السلام، قوماً مسافرين في منخفض واسع من الأرض؛ متصل بجرة ذات أحجار وهم يستقبلون الرياح الشديدة التي يكون وقت الصيف؛ فيضرب الرياح وجوههم بالحصباء ولو لم يستقبلوا تلك الرياح لما، وجدوا ألماً من ذلك أراد أن زيارتي إياك على نهج القويم، والصراط المستقيم، وزيارة معاوية، على عكس ذلك وكما أن استقبال أولئك المستقبلين ليس على ما يليق كذا زيارة معاوية وهذا أوجه الشبه بين الفعلين يوقعونهم إلى التهلكة؛ ثم خوفه تتميماً لا يعاد فقال:

«وعِنْدِي السَّيْفُ الَّذِي أَعْضَضْتُه بِجَدِّكَ وخَالِكَ وأَخِيكَ فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ»: أغضضت السيف بفلان جعلته يغض به، وقد قدمنا أنه عليه السلام قتل يوم بدر جد معاوية من قبل الأم وهو عتبة وقتل خاله وهو الوليد بن عتبة وقتل أخاه حنظلة بن أبي سفيان.

«وإِنَّكَ والله مَا عَلِمْتُ الأَغْلَفُ الْقَلْبِ»: الذي قلبه في غلاف عن ذكر الله قيل

ص: 30

ما مصدر أي علمي والأحسن أن تكون موصولة ولم يقل من علمت كقوله تعالى «فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ»(1)وما يقع لما لا يعقل وصفات ما يعقل وعلى تقدير مصدريتها معناه علمي أن في قلبك في غشاء عن تدبر كلامي ولا تستعمل عقلك فيه وقلب أغلف كأنما أغثي غلا فأفهم لا يعي شيئاً قال تعالى «قُلُوبُنَا غُلْفٌ»(2).

«الْمُقَارِبُ الْعَقْلِ: قليل العقل يقال»: مقارب أي قليل القيمة وقيل العقل ذا وصف بالمقارب فالمراد ما لا يستعمل وشيء مقارب أي وسط بين الجيد والرديء وكذا أذا كان رخيصاً.

«والأَوْلَی أَنْ يُقَالَ لَكَ إِنَّكَ رَقِيتَ سُلَّماً أَطْلَعَكَ مَطْلَعَ سُوءٍ عَلَيْكَ»: مضرته «لَا لَكَ»: نفعة جعل مخالفته بمنزلية بمنزلة السلم حيث يكون كل منهما سبباً لاطلاع ما وجعل نفسه كالراقي عليه وعلل ذلك بقوله: «لأَنَّكَ نَشَدْتَ غَیْرَ ضَالَّتِكَ»: أي طلبت ما لم يضيع منك وهو إماء لمطالبته بدم عثمان.

«ورَعَيْتَ غَیْرَ سَائِمَتِكَ»: أي صرت راعياً لسائماً ليس لك مضمونه مؤكد لما قبل جعله كراعي سائمة الغير في توقع الضر وعدم النفع.

«وطَلَبْتَ أَمْراً لَسْتَ مِنْ أَهْلِه ولَا فِي مَعْدِنِه»: من الخلافة ثم تعجب من معاوية بأمرين بعد قوله من فعله وقربه من طريق أعمامه وأخواله الكفار وذلك

قوله: «فَمَا أَبْعَدَ قَوْلَكَ مِنْ فِعْلِكَ»: أي تقول باللسان أني مسلم وفعلك ليس من أفعال المسلمين.

ص: 31


1- سورة النساء: الآية 2
2- سورة البقرة: الآية 88

«وقَرِيبٌ مَا أَشْبَهْتَ مِنْ أَعْمَامٍ وأَخْوَالٍ حَمَلَتْهُمُ الشَّقَاوَةُ»: صفة أعمام وأخوال.

«وتَمَنِّي الْبَاطِلِ عَلَی الْجُحُودِ بِمُحَمَّدٍ فَصُرِعُوا مَصَارِعَهُمْ»: يعني ببدر.

«حَيْثُ عَلِمْتَ»: ثم وصفهم أيضاً بقوله: «لَمْ يَدْفَعُوا عَظِيماً ولَمْ يَمْنَعُوا حَرِيماً»: أعلم أن عظم الشيء أصله کبر عظم الرجل وغيره ثم أستعير لكل كبير فأجرى مجراه محسوساً كان أو مفعولاً عيناً كان أو معنی قال الله سبحانه «عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ»(1)بل «هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ»(2)«لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ»(3)أذا أستعمل في الأعيان فاصلة أن يقال في الأجزاء المتصلة والكبير يقال في المنفصلة ثم قد يقال في المنفصل عظيم نحو قولهم جيش عظیم ومال عظيم فعلى هذا يحتمل أن يراد تعظیم نفسه القدسية وأن يراد العظيم من الجيش مرتبة، وحربهم الكبير وغيرها ما حولها من مرافقها ونزولها کنی به عن الإحاطة.

«بِوَقْعِ»: ضرب «سُيُوفٍ»: «متعلق أو» لم يدفعوا «مَا خَلَا مِنْهَا الْوَغَى»: صفة سيوف أي لم يخل الحروب منها «ولَمْ تُمَاشِهَا الْهُوَيْنَى»: لم يصاحبها اللين والسهولة بل يقتل ويقاتل ثم أشار إلى ما أشار إليه غير مرة من أنه هي ذلك الأمر على أمر فاسد من طلب إرسال قاتلي عثمان فقال:

«وقَدْ أَكْثَرْتَ فِي قَتَلَةِ عُثْمَانَ»: أي كثرت الكلام في هؤلاء الذين قتلوه وتحققت ما فيه وأنك فيه وانك فيه على الباطل «فَادْخُلْ فِيمَا دَخَلَ فِيه النَّاسُ»: من بيعته

ص: 32


1- سورة الأنعام: الآية 15
2- سورة ص: الآية 67
3- سورة الزخرف: الآية 31

«ثُمَّ حَاكِمِ»: حاصر «الْقَوْمَ إِلَيَّ أَحْمِلْكَ وإِيَّاهُمْ عَلَى كِتَابِ الله تَعَالَی»: فكما يحكم القرآن الكريم يحكم به.

«وأَمَّا تِلْكَ الَّتِي تُرِيدُ»: أي تريدها مني فأن معاوية كان يطلب إليه أن يتركه والياً على الشام کما ولاه عثمان ومن قبله هو يبايعه عليه السلام يقول أن ذلك كان خدعة منه مثل ما يخدع الصبي أذا فطم فيعلل بشيء مما يؤكل ويلعب به عن اللبن قال عليه السلام.

«فَإِنَّهَا خُدْعَةُ الصَّبِيِّ عَنِ اللَّبَنِ فِي أَوَّلِ الْفِصَالِ»: الفطام أي كما أن الصبي يخدع كذلك يخدعني «والسَّلَامُ لأَهْلِه»: أي لست أهلاً للسلام والله الموفق.

ومن كتاب له، إليه أيضاً(1)«أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ آنَ»: قرب «لَكَ أَنْ تَنْتَفِعَ بِاللَّمْحِ الْبَاصِرِ»: أي أتى لك وقت الانتفاع بنظرك في أمور تستبصر بها واللمح الأبصار بنظر خفيف، والاسم اللمحة يقال راتبة لمحاً باصراً من قبيل نهاره صائم وليله نائم أي نظراً بتحديق شديد ومخرجه مخرج لأبن ونام أي ذو لبن وتمر فمعنی باصر ذو بصر.

«مِنْ عِيَانِ الأُمُورِ»: معاينة «فَلقَدْ سَلَكْتَ مَدَارِجَ أَسْلَافِكَ»: المدرجة المذهب والملك والجمع مدارج وسلف الرجل آباؤه المتقدمون والجمع أسلاف أي سرعت ودخلت في طريق آبائك الكفرة بعد إظهار الإسلام.

«بِادِّعَائِكَ الأَبَاطِيلَ»: الباطل ضد الحق وجمعه الأباطيل على غير قياس كأنهم جمعوا أبطالاً.

ص: 33


1- یعني إلى معاوية

«واقْتِحَامِكَ غُرُورَ الْمَیْنِ والأَكَاذِيبِ»: أي بإدخالك النفس في غرور الكذب من غير روية.

«وبِانْتِحَالِكَ»: بادعائك «مَا قَدْ عَلَا عَنْكَ»: أي بعد عنك «وابْتِزَازِكَ»: أي باستلالك لأجل نفسك «لِمَا قَدِ اخْتُزِنَ»: حفظ «دُونَكَ»: وذلك أمر الخلافة وقوله:

«فِرَاراً»: مفعولاً له أي أنما سلك مذهب إسلامه من الطريق المعوجة بسبب هذه الأربعة قراراً.

«مِنَ الْحَقِّ»: قول الحق: «وجُحُوداً»: إنكار «لِمَا هُوَ أَلْزَمُ لَكَ مِنْ لَحْمِكَ ودَمِكَ مِمَّا قَدْ وَعَاه سَمْعُكَ»: أي حفضه أدبه «ومُلِئَ بِه صَدْرُكَ»: وذلك مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من کنت مولاه فعلي مولاه»(1)في اللزوم في قلبه كاللحم والدم في بدنه وقيل أي أنكار لما هو ثابت مستقر في قلبك مما سمعته من رسول الله صلى الله عليه - وآله وسلم بأن هذا الأمر لي وذلك الزم لك من دمك ولحمك ثم قال: أن التجاوز عن الحق ضلال وأقتبس من القرآن الكريم: فقال: «فَمَا ذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ الْمُبِینُ»: ثم أن العدول عما يقتضي الدليل ستر المطابق للواقع وإلى ذلك أشار بقوله: «وبَعْدَ الْبَيَانِ إِلَّا اللَّبْسُ»: أصله ستر الشيء ويقال: ذلك في المعاني يقال: لبست عليه أمره قال تعالى «وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ» ويقال: في الأمر لبسته أي التباس.

ص: 34


1- بصائر الدرجات محمد بن فروخ الصفار: ص 97؛ قرب الأسناد للحميري: ص 57؛ الغارات لإبراهيم بن محمد الثقفي الكوفي: ج 2 ص 685؛ فضائل الصحابة للنسائي: ص 14؛ المستدرك للحاكم النيسابوري في المستدرك: ج 3 ص 110؛ الكافي للشيخ الكليني: ج 1 ص 294؛ الأمالي: ص 50؛ التوحيد: ص 212؛ الخصال: ص 578 عيون أخبار الرضا: ج 2 ص 64؛ وجميعها للصدوق

«فَاحْذَرِ الشُّبْهَةَ واشْتِمَالَهَا عَلَى لُبْسَتِهَا فَإِنَّ الْفِتْنَةَ طَالَمَا أَغْدَفَتْ جَلَابِيبَهَا وأَغْشَتِ

الأَبْصَارَ ظُلْمَتُهَا»: أغدقت المرأة قناعها أرسلته على وجهها وأغدقت الليل أرخی سدوله، وأغدف الصياد الشبكة على الصيد، وفي الخبر أن قلب المؤمن أشد ارتکاضاً من الذنب يصيبه من العصفور حين يغدو به وهنا أما من أغدقت المرأة تشبيهاً لفتنة المرأة المرسلة على وجهها القناع من أن كلامهما مستور المرأة من أعين الناس، والفتنة كونها فتنة مستور عن عيون تابعي الخناس، وفي جلابيها مبالغة لطيفة، وأما لا يخفى، وأما من أغداف الليل بأن شبهة الفتنة بالليل المغدف في أن في كلاً منهما عدم إلا هذا، أما الليل المرخي فيه سدوله؛ فلا يهتدي فيها إلى المطلب بسهولة.

وأما الفتنة فلا تهتدي فيها إلى الحق بسهولة ويحتمل اعتبار المعنى الثالث أيضاً تشبيهاً للفتنة بالصياد من حيث أن الصياد غالب على الصيد الذي في يده كذلك كانت غالبة على أولئك، وحاصل الكلام أن الفتنة قدمت؛ فأنها أرسلت شأنها بعد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وأغشت الأبصار ظلمتها.

«وقَدْ أَتَانِي كِتَابٌ مِنْكَ ذُو أَفَانِینَ مِنَ الْقَوْلِ»: اساليب وهي أنواع من الكلام. «ضَعُفَتْ قُوَاهَا عَنِ السِّلْمِ»: الصلح كأنها سلك فيه مسلك تارك الأدب المستحق

للقتل والضرب والشتم لا الصلح.

«وأَسَاطِيرَ»: أباطيل وأحدها اسطورة.

«لَمْ يَحُكْهَا مِنْكَ عِلْمٌ ولَا حِلْمٌ»: حاك الثوب نسجه تركيب الكلام بنسج الثوب فاستعار له لفضه وأعتبر في الفعل عى التبعية.

«أَصْبَحْتَ مِنْهَا كَالْخَائِضِ فِي الدَّهَاسِ»: رمل لين يسيل من اليد ليصل وجه

ص: 35

التشبيه أن الحائض يهلك فيه، كذلك كان معاوية في معرض هلاك القلب وقد أحاطت عليه بحيث لو أراد أن يخرج عنها كان ذلك عسير عليه.

«والْخَابِطِ فِي الدِّيمَاسِ»: الشرب أي الذي يضرب باليد على الأرض إذا مشى.

«وتَرَقَّيْتَ»: صعدت «إِلَی مَرْقَبَةٍ»: موضع مشرف يرفع عليه من يرصده.

«بَعِيدَةِ الْمَرَامِ نَازِحَةِ الأَعْلَامِ»: الأعلام أي بعيدة الجبال «تَقْصُرُ»: تعجز وتقف «دُونَهَا»: مرقته «الأَنُوقُ»: الرحمة وهو طائر أو کارها على الأماكن الصعبة من رؤوس الجبال.

«ويُحَاذَى بِهَا الْعَيُّوقُ»: نجم أحمر مضيء في طرف المجرة الأيمن يتلوا الثريا لا يتقدمه وأصله عيووق وزنه فيعول فيه مبالغة لا يخفى على الفطن وحاصله انك لا تحدث إليك أهداب مرامك في قلائد الأيام بسهولة بل هو بعيد عنك وأنت بعيد غاية البعد.

«وحَاشَ للهِ أَنْ تَلِيَ لِلْمُسْلِمِينَ بَعْدِي صَدْراً أَوْ وِرْداً»: أي خروجاً أو دخولاً يعني لا خلل لك في الإسلام ولا عقد.

«أَوْ أُجْرِيَ لَكَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ عَقْداً أَوْ عَهْداً»: العهد الإيمان والوثوق والذمة، وبالقاف كعقد السلاح، والبيع، والإجارة، والعتق، ونحوه إذا أنتقش هذا على صفحة خاطرك.

«فَمِنَ الآنَ فَتَدَارَكْ نَفْسَكَ»: أي الحق أمر نفسك يعني تدبر أحرار أمر نفسك.

«وانْظُرْ لَهَا فَإِنَّكَ إِنْ فَرَّطْتَ»: قصرت «حَتَّى يَنْهَدَ إِلَيْكَ»: ينهض نحوك.

«عِبَادُ الله أُرْتِجَتْ عَلَيْكَ الأُمُورُ ومُنِعْتَ أَمْراً هُوَ مِنْكَ الْيَوْمَ مَقْبُولٌ والسَّلَامُ»:

ص: 36

فأن الابتداء يتحمل ما لا يتحمل الانتهاء الشجرة يضرب بالفأس وإذا ألقت عروقها على الأرض فلیست کهي والله أعلم.

ومن كتاب له عليه السلام إلى عبد الله بن العباس رحمه الله وقد مضى هذا الكتاب فيما تقدم بخلاف هذه الرواية:

«أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْمَرْءَ لَيَفْرَحُ بِالشَّيْءِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لِيَفُوتَه ويَحْزَنُ عَلَى الشَّيْءِ الَّذِي

لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَه فَلَا يَكُنْ أَفْضَلَ مَا نِلْتَ فِي نَفْسِكَ مِنْ دُنْيَاكَ بُلُوغُ لَذَّةٍ أَوْ شِفَاءُ غَيْظٍ ولَكِنْ إِطْفَاءُ بَاطِلٍ أَوْ إِحْيَاءُ حَق ولْيَكُنْ سُرُورُكَ بِمَا قَدَّمْتَ وأَسَفُكَ عَلَى مَا خَلَّفْتَ وهَمُّكَ فِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ»: قد مضى شرح هذا الكتاب، وفيه إشارة إلى أن الدنيا دار الغرور والآخرة دار السرور وفي الآخرة إيماء إلى قول النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم «الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر»(1)وأن الآخرة وعد صادق يحكم فيها ملك قادر يحق الحق ويبطل الباطل فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا فأن كل ولد أم يتبعها ولدها.

أبو دارم:

وجدت الدنيا شيئيين ٭٭٭ أحدهما لي لا يفوتني

والثاني لغيري لا يصل إلى ٭٭٭ ففي أي هذين أفني عمري

شقيق: تأملت في القرآن عشرين سنة حتی میزت الدنيا من الآخرة فوجدتها في حرفية وهو قوله عز وجل «وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا

ص: 37


1- المسند للشافعي: ص 67؛ شعب الإيمان أحمد بن الحسين البهيقي: ج 3 ص 216؛ ومجمع الزوائد للهيثمي: ج 2 ص 188؛ عمدة القاري للعيني: ج 9 ص 3

وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ»(1)قيل لرجل من الماضين عند موته كيف وجدت الأمر قال دخلت الدنيا جاهلاً وعشت فيها متحيراً وخرجت منها کارهاً.

حاتم: من أحب الدرهم لنفع الدرهم فهو محب الدنيا، ومن أحب الدرهم الثواب الدرهم فهو محب الآخرة والله الموفق.

ومن كتاب له عليه السلام إلى قثم بن العباس وهو عامله على مكة.

«أَمَّا بَعْدُ فَأَقِمْ لِلنَّاسِ الْحَجَّ»: أي أفعاله من الفرائض والسنن والإقامة بالحجج هو العمل به بعد علمه وتعليمه من لا يعلم كيفيته «وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ»(2)أيام طاعته الله وقيل أيام عقوبته.

«واجْلِسْ لَهُمُ الْعَصْرَيْنِ»: الغداة والعشي وهما أطيب الأوقات.

«فَأَفْتِ الْمُسْتَفْتِيَ»: أستفته؛ ساكنه والفتوى المسألة.

«وعَلِّمِ الْجَاهِلَ وذَاكِرِ الْعَالِمَ»: أي ليقتبس نور العلم من مشكاة قلبه.

«ولَا يَكُنْ لَكَ إِلَی النَّاسِ سَفِيرٌ إِلَّا لِسَانُكَ»: السفير الرسول والمصلح بين القوم أي لا تكن شيء من الأشياء إلا لسانك سفيراً لك إلى الناس أعرابه على هذا أحسن وروي سفيراً بالرفع على أنه أسم كان صفيه إلا لسانك بمعنی غیر لسانك والخبر إلى الناس.

«ولَا حَاجِبٌ إِلَّا وَجْهُكَ»: وأراد نهيه عن أن يكون له سفيراً وحاجب والتعبير بهذا العبارة فيه رعاية مبالغة حسنة وأمثال ذلك في كلام العرب أكثر من يحصي.

ص: 38


1- سورة القصص: الآية 60
2- سورة أبراهيم: الآية 5

«ولَا تَحْجُبَنَّ ذَا حَاجَةٍ عَنْ لِقَائِكَ بِهَا فَإِنَّهَا إِنْ ذِيدَتْ»: منعت ودفعت.

«عَنْ أَبْوَابِكَ فِي أَوَّلِ وِرْدِهَا»: ورودها عليك.

«لَمْ تُحْمَدْ فِيمَا بَعْدُ عَلَى قَضَائِهَا»: وذلك لأن القضاء بعد كسر القلب ليس بمحمود لدى أرباب الألباب.

«وانْظُرْ إِلَی مَا اجْتَمَعَ عِنْدَكَ مِنْ مَالِ الله فَاصْرِفْه»: نفقة «إِلَی مَنْ قِبَلَكَ» عندك.

«مِنْ ذَوِي الْعِيَالِ والْمَجَاعَةِ مُصِيباً بِه»: حال أما من فاعل أصرف أو مفعول له.

«مَوَاضِعَ الْفَاقَةِ»: سد الله مناقرة أعناه وسد وجوه فقره.

«والْخَلَّاتِ»: الخلة الحاجة والفقر وجمعها خلات «ومَا فَضَلَ عَنْ ذَلِكَ فَاحْمِلْه إِلَيْنَا لِنَقْسِمَه فِيمَنْ قِبَلَنَا»: عندنا «ومُرْ أَهْلَ مَكَّةَ أَلَّا يَأْخُذُوا مِنْ سَاكِنٍ أَجْراً»: أجر المسكن.

«فَإِنَّ الله سُبْحَانَه يَقُولُ «سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ»(1): العاكف مبتدأ وسواء الخبر وقيل سواء مبتدأ والعاكف رفع بفعله وسد مسد الخبر، وسواء بالنصب مصدر عمل فيه معنی جعلناه کناية قال: سويناه للناس سواء، ورفع العاكف به أي مستوياً فيه العاكف والباد حال من الضمير في الناس أو من جعلناه.

«فَالْعَاكِفُ الْمُقِيمُ بِه»: يقال عكفه على كذا أي حبسته عليه فأن المقيم حابس نفسه على ذلك «والْبَادِي الَّذِي يَحُجُّ إِلَيْه مِنْ غَیْرِ أَهْلِه»: يقال للمقيم باد وهذا الحكم حابس ليس مخصوصاً به فلذا عممه عليه السلام وفسره بما فسره.

ص: 39


1- سورة الحج: الآية 25

«وَفَّقَنَا الله وإِيَّاكُمْ لِمَحَابِّه والسَّلَامُ»: المحبة الحب وجمعه محاب جمع المحبة نظراً إلى الأشخاص أو إلى تعدد المحبة، ومحبة ذاته سبحانه محبة الرسول ومحبته محبة أهل بيت النبوة، وفيه إشارة إلى شأن المحبة، وأن المحبين بمكان قيل هم کالأطفال أجلسهم على أرائك محبته بل في حجر محبته، ونظر إليهم يعين عاطفته حتی بلغوا مبلغ الرجال الكاملين المكملين، واسبغ عليهم سجالاً مثل سجال النبيين، والصديقين وكتبهم عنده في دوان المقربين المشاهدين الحاضرين كما قال تعالى «فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا»(1)وبالله التوفيق.

ومن كتاب له عليه السلام إلى سلمان الفارسي رحمه الله قبل أيام خلافته.

«أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّمَا مَثَلُ الدُّنْيَا مَثَلُ الْحَيَّةِ لَیِّنٌ مَسُّهَا قَاتِلٌ سَمُّهَا»: وهذا وجه التشبيه بل بأكثر حبه الدنيا أقوى فأنها تؤثر في النفس الناطقة والمس كناية عن الجمع والالتذاذ والسم عما يترتب على ذلك في المال.

«فَأَعْرِضْ عَمَّا يُعْجِبُكَ فِيهَا لِقِلَّةِ مَا يَصْحَبُكَ مِنْهَا وضَعْ عَنْكَ هُمُومَهَا لِمَا أَيْقَنْتَ بِه مِنْ فِرَاقِهَا وتَصَرُّفِ حَالَتِهَا»: وقد سبق الكلام في ذلك «وكُنْ آنَسَ»: أكثر أنساً وسروراً.

«مَا تَكُونُ بِهَا أَحْذَرَ مَا تَكُونُ مِنْهَا»: أي ينبغي أن یکون أنسك وسرورك بالحذر عن الدنيا وكل شيء أحذر منها یکون أنس بها.

«فَإِنَّ صَاحِبَهَا كُلَّمَا اطْمَأَنَّ فِيهَا إِلَی سُرُورٍ أَشْخَصَتْه»: أبعدته الدنيا «عَنْه إِلَی مَحْذُورٍ أَوْ إِلَی إِينَاسٍ أَزَالَتْه عَنْه إِلَی إِيحَاشٍ»: فيليق بالعاقل سيما الكامل الحذر عن

ص: 40


1- سورة النساء: الآية 69

الدنيا والاتصال بالمولى وترك الهوى بالهوى والحزن بما فاته فيما مضى شعر:

أمسك ملامك عني أني كمد ٭٭٭ إذ لاتجد للهوى يوفانضر إلى جسدي

أن لم تصدقني دموعي بالذي شهدت ٭٭٭ أن كان لي جسد ماً كما أجد

فادح الهوى أني لأرحمهم تبلى ٭٭٭ الجسوم وأثیاب الهوى جدد

وبالله التوفيق.

ومن كتاب له عليه السلام إلى الحارث الهمداني: قيل أسم قبيله.

«وتَمَسَّكْ بِحَبْلِ الْقُرْآنِ»: قد سبق فيه الكلام.

«واسْتَنْصِحْه»: أقبل نصيحته: «وأَحِلَّ حَلَالَه وحَرِّمْ حَرَامَه وصَدِّقْ بِمَا سَلَفَ»: مضى «مِنَ الْحَقِّ واعْتَبِرْ بِمَا مَضَى مِنَ الدُّنْيَا لِمَا بَقِيَ مِنْهَا»: كي تعلم أنه في معرض القلوب وأن ما فات لا يعود وأنضر أحوال الجبارة وأطوار القياصرة، وعظ نفسك وقل لك فهنالك ملكت هذا الأرض طراً ودان لك البلاد فكان ماذا، ألست تصير في لحد مضيق ويحثوا التراب هذا ثم هذا. واستفد حال ما بقي مما مضى.

«فَإِنَّ بَعْضَهَا يُشْبِه بَعْضاً وآخِرَهَا لَاحِقٌ بِأَوَّلِهَا وكُلُّهَا حَائِلٌ»: متحول ومتغیر «مُفَارِقٌ»: فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور «وعَظِّمِ اسْمَ الله أَنْ

تَذْكُرَه إِلَّا عَلَى حَقٍّ»: أي لا يحلف بالله كاذباً إشارة إلى ما في الخبر من ولا تحلفوا بالله ألا وأنتم صادقون.

ص: 41

«وأَكْثِرْ ذِكْرَ الْمَوْتِ ومَا بَعْدَ الْمَوْتِ ولَا تَتَمَنَّ الْمَوْتَ إِلّاَ بِشَرْطٍ وَثِيقٍ»: محکم من العمل الصالح ولا يلج في ذهنك النقاد صورة التنافي بين كلامه عليه السلام وبين قول الرسول صلى الله عليه [وآله] وسلم «لا يتمنى أحدكم الموت»(1)وأيضاً العقل الخالص حاکم بأنه لا ينبغي للمؤمن المتزود للآخرة والساعي في ازدياد ما هان عليه من العمل الصالح؛ أن يتمنى مايمنعه عن الترقي، والسلوك لطريق الله، وعليه ما ورد «خیارکم من طال عمره وحسن عمله»(2)لأن من شأنه الازدياد، والترقي من حال إلى حال ومن مقام إلى مقام حتى ينتهي إلى مقام القرب؛ كيف يطلب القطع عن مطلوبه؛ فأن المراد أن لا يتمنى الموت؛ فإن ثُمن فبشرط وثيق والنهي عن تمني الموت، وأن أطلق في الخبر لكن المراد منه المقيد لما في حديث أنس لا يتمنى أحدكم الموت من ضُرٍ أصابه؛ فعلى هذا يكره تمني الموت من ضر أصابه في نفسه؛ أو ماله لأنه في معنى التبرم عن قضاء الله في أمر يضره في دنياه، وينفعه في آخرته ولا يكره التمني لخوف في دينه من الفساد.

«واحْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ يَرْضَاه صَاحِبُه لِنَفْسِه ويُكْرَه لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ»: فأن ذلك ليس من شأن المؤمن المخلص؛ نهي عن الانتشار.

«واحْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ يُعْمَلُ بِه فِي السِّرِّ ويُسْتَحَى مِنْه فِي الْعَلَانِيَةِ»: أن ظهر فاته قبيح وفي الخلوة تعلم ویری من هو عالم بذات الصدور وهو أحق أن يستريح منه.

ص: 42


1- مسند أحمد بن حنبل: ج 2 ص 514؛ سنن الدارمي لعبد الله بن عبد الرحمن: ج 2 ص 313؛ وسنن النسائي: ج 4 ص 3
2- الحديث للنبي صلى الله عليه - وآله -؛ يُنظر: مسند احمد بن حنبل: ج 4 ص 190 باختلاف يسير؛ سنن الدارمي لعبد الله بن عبد الرحمن: ج 2 ص 308 سنن الترمذي: ج 3 ص 387

«واحْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ إِذَا سُئِلَ عَنْه صَاحِبُه أَنْكَرَه أَوْ اعْتَذَرَ مِنْه»: فأنه ليس بمستحسن ويليق بالحذر.

«ولَا تَجْعَلْ عِرْضَكَ غَرَضاً»: الذي يرمي إليه.

«لِنِبَالِ الْقَوْلِ»: استعار المقال للمقول من حيث أن كلاهما بحدس أحدثهما لوح القلب، والثاني سطح الأرض، ولوح العرش مشابهاً للغرض فاستعير له قال: النبي صلى الله عليه آله وسلم «اتقوا مواضع التهم»(1)«ولاَ تَحُدِّثِ النَّاسَ

بِكُلِّ مَا سَمِعْتَ بِه»: إذا لم يتبين لك صدقه وأن تحدث بكل ما سمعته.

«فَكَفَى بِذَلِكَ»: التحديث: «كَذِباً»: فأن كل ما يسمع أكثره كذب «ولَا تَرُدَّ عَلَى النَّاسِ كُلَّ مَا حَدَّثُوكَ بِه»: أذ بعضه صواب وأن ترد.

«فَكَفَى بِذَلِكَ»: الرد «جَهْلًا واكْظِمِ الْغَيْظَ»: أجترعه.

«وتَجَاوَزْ عِنْدَ الْمَقْدَرَةِ واحْلُمْ عِنْدَ الْغَضَبِ واصْفَحْ مَعَ الدَّوْلَةِ»: يعني إذا كانت الدولة لك فأصفح وأعف عمن تحت حكمك وأن تفعل ما أمرت به.

«تَكُنْ لَكَ الْعَاقِبَةُ»: الثواب الجزيل الذي أُلحق والذكر الجميل عند الخلق.

«واسْتَصْلِحْ»: أي بالشكر «كُلَّ نِعْمَةٍ أَنْعَمَهَا الله عَلَيْكَ ولَا تُضَيِّعَنَّ نِعْمَةً مِنْ نِعَمِ الله عِنْدَكَ»: فيه على وجه مرضي لله «ولْیُرَ عَلَيْكَ أَثَرُ مَا أَنْعَمَ الله بِه عَلَيْكَ»: وفي ذلك نوع من الشكر قال: رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم «ثلاث من کن فيه أواه الله في كنفه ونشر عليه رحمته وأدخله في محبته قيل من ذاك يا رسول

ص: 43


1- تفسير المحيط الأعظم السيد حيدر الآملي: ص 485؛ تفسير الرزاي: ج 2 ص 421. والظاهر أن الرواية مرسلة لم أقف سند لها، حيث أن من نقلها لم يرجعها إلى مضانها

الله؟ قال: من إذا أعطی شکر وإذا قدر غفر وإذا غضب صبر»(1)وروي عنه أيضاً أنه قال: نعمةٌ لا تُشکر؛ خطيئةٌ ولا تُغفر.

«واعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلَ الْمُؤْمِنِینَ أَفْضَلُهُمْ تَقْدِمَةً مِنْ نَفْسِه وأَهْلِه ومَالِه»: أي خيرهم من يقدم نفسه، وأهله في الحروب للدين، وينفق ماله، ويقدم ولا يؤخر والتقدم بالنفس، والأهل على جميع المسلمين، وقاية لهم کما روي في ثلاث مواطن أفضل إذا سار ليلاً أو خاض سبيلاً أو قاد دخیلاً وأعلم أيضاً: «فَإِنَّكَ مَا تُقَدِّمْ مِنْ خَیْرٍ يَبْقَ لَكَ ذُخْرُه ومَا تُؤَخِّرْه يَكُنْ لِغَیْرِكَ خَیْرُه»: ممن عمل «واحْذَرْ صَحَابَةَ»: صحبه مصدر صحب.

«مَنْ يَفِيلُ»: يضعف «رَأْيُه ويُنْكَرُ عَمَلُه فَإِنَّ الصَّاحِبَ مُعْتَبَرٌ بِصَاحِبِه»: ذا الرأي الخطأ نسب إليك ما نسب إليه لأن الصاحب يعتبر بصاحبه وينسب إليه

ما نسب إلى صاحبه. «واسْكُنِ الأَمْصَارَ»: البلاد «الْعِظَامَ فَإِنَّهَا جِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ»: مجمعهم «واحْذَرْ مَنَازِلَ الْغَفْلَةِ والْجَفَاءِ»: أي أهلها «وقِلَّةَ الأَعْوَانِ عَلَى طَاعَةِ الله»: کیلا يتطرق الشيطان.

«واقْصُرْ»: وأحبس «رَأْيَكَ عَلَى مَا يَعْنِيكَ»: يهمك «وإِيَّاكَ ومَقَاعِدَ»: مجالس «الأَسْوَاقِ فَإِنَّهَا مَحَاضِرُ»: مهابط «الشَّيْطَانِ»: ومحاضره «ومَعَارِيضُ الْفِتَنِ»: جمع معرض وهو ما يعرض فيه الشر.

«وأَكْثِرْ أَنْ تَنْظُرَ إِلَی مَنْ فُضِّلْتَ عَلَيْه فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الشُّكْرِ»: وذلك لأن الشكر صرف العبد جميع ما أنعم الله عليه إلى ما خلق لأجله وظاهر عند ملاحظة هذا المعنى أن ذلك من أبواب الشكر.

ص: 44


1- يُنظر المجروحين: لابن حبان: ج 2 ص 93؛ میزان الاعتدال: للذهبي: ج 4 ص 125

«ولَا تُسَافِرْ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ حَتَّى تَشْهَدَ»: تحضر «الصَّلَاةَ إِلَّا فَاصِلًا فِي سَبِيلِ الله»: خارجاً ذاهباً من قوله ولما فصلت العير أي انفصلت عن منازلها بالسير.

«أَوْ فِي أَمْرٍ تُعْذَرُ بِه»: كذهاب الرفيق ونحوه.

«وأَطِعِ الله فِي جَمِيعِ أُمُورِكَ»: أي أرع سبيل الحق وأعمل كما أمرك.

«فَإِنَّ طَاعَةَ الله فَاضِلَةٌ عَلَى مَا سِوَاهَا وخَادِعْ نَفْسَكَ فِي الْعِبَادَةِ»: الخداع إنزال الغير عما هو بصدده بأمر نبذه عن خلاف ما تجمعه، أراد أن العباد على خلاف مقتضى الطبيعة فيقتضي أن يسلك معها سبيل التدريج والمداراة وأن يقول لها مثل ذلك مما يتوقی صورة المخادعة، والنفس كالطفل أن تهمله شب على حب الرضاع، وأن تفطمه ينفطم.

«وارْفُقْ بِهَا ولَا تَقْهَرْهَا وخُذْ عَفْوَهَا»: سهلها أي ما سهل منها وعليها من العبادة.

«ونَشَاطَهَا إِلَّا مَا كَانَ مَكْتُوباً»: مفروضاً «عَلَيْكَ مِنَ الْفَرِيضَةِ فَإِنَّه لَا بُدَّ مِنْ قَضَائِهَا»: آذاها «وتَعَاهُدِهَا عِنْدَ مَحَلِّهَا»: وقت وجوبها ولو كان عسيراً.

«وإِيَّاكَ أَنْ يَنْزِلَ بِكَ الْمَوْتُ وأَنْتَ آبِقٌ مِنْ رَبِّكَ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا»: أي أحذر مصاحبة الفساق وإياك أعني بهذه النصيحة وقد مضى تحقيق إياك من قبل.

«وإِيَّاكَ ومُصَاحَبَةَ الْفُسَّاقِ»: أي وأحذر مصاحبة الفساق وإياك أعني بهذه النصيحة وقد مضى تحقيق إياك من قبل «فَإِنَّ الشَّرَّ بِالشَّرِّ مُلْحَقٌ ووَقِّرِ الله: الوقار العظمة من قوله تعالى «مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا»(1)أي لا تخافون الله عظمة فأن ذلك نصف الدين أذهبوا التعظيم لأمر الله، والشفقة على خلق الله.

ص: 45


1- سورة نوح الآية 13

«وأَحْبِبْ أَحِبَّاءَه»: فأن من أحب قوماً فهو منهم.

«واحْذَرِ الْغَضَبَ فَإِنَّه»: الغضب «جُنْدٌ عَظِيمٌ مِنْ جُنُودِ إِبْلِيسَ والسَّلَامُ»: نهی النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم حين قال رجل لنبي صلى الله عليه [وآله] وسلم أوصني: فقال: «لا تغضب»(1)ثلاث مرات وقال: «إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فأن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع»(2)وقال: «ما تجرع عبد أفضل عند الله عز وجل من جرعة غيظ يكظمها ابتغاء وجه الله تعالى»(3)وبالله التوفيق.

ومن كتاب له عليه السلام إلى سهل بن حنيف الأنصاري

وهو عامله على المدينة في معنى قوم من أهلها: المدينة لحقوا بمعاوية.

«أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالًا مِمَّنْ قِبَلَكَ يَتَسَلَّلُونَ إِلَی مُعَاوِيَةَ»: ي سمعت أن رجلاً من الذين عندك وحواليك يذهبون سرقة إلى معاوية.

«فَلَا تَأْسَفْ»: فلا تحزن «عَلَى مَا يَفُوتُكَ مِنْ عَدَدِهِمْ ويَذْهَبُ عَنْكَ مِنْ مَدَدِهِمْ فَكَفَى لَهُمْ غَيّاً ولَكَ مِنْهُمْ شَافِياً فِرَارُهُمْ مِنَ الْهُدَى والْحَقِّ وإِيضَاعُهُمْ»: إسراعهم.

«إِلَی الْعَمَى والْجَهْلِ»: الغي: جهل من اعتقاد فاسد، وذاك أن الجهل قد يكون من كون الإنسان غير معتقد أعتقاداً صالحاً، ولا فاسداً وقد يكون من أعتقاد شيء

ص: 46


1- تحف العقول لابن شعبة الحراني: ص 47؛ مشكاة الأنوار في غرر الأخبار لعلي الطبرسي: ص 144؛ مسند احمد بن حنبل: ج 2 ص 262
2- مسند احمد بن حنبل: ج 5 ص 152؛ سن أبي داود لسليمان بن الأشعث السجستاني: ج 2 ص 423؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 8 ص 70
3- المجازات النبوية: للشريف الرضي: ص 265؛ مسند احمد بن حنبل ج 1 ص 227؛ شعب الإيان لاحمد بن الحسين البهيقي: ج 6 ص 219

فاسد، وهذا النحو الثاني يقال: له عي قال «مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى»(1)أراد أن هذا الفعل من قرارهم من الهدی يكفي في إثبات جهلهم، وأنهم عمى قلوبهم، ويكنفك شافياً أيضاً من ألم حزبك سما إذا الخطب قوله سبحانه «لّكَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ»(2)وأن الحق مع الحق؛ ثم ذمهم بكونهم من أهل الدنيا يريدون حرثها، وما لهم في الآخرة من نصيب وذلك قوله:

«فَإِنَّمَا هُمْ أَهْلُ دُنْيَا مُقْبِلُونَ عَلَيْهَا ومُهْطِعُونَ إِلَيْهَا»: أي مسرعون إلى أموال الدنيا والحال أنهم.

«وقَدْ عَرَفُوا الْعَدْلَ ورَأَوْه وسَمِعُوه ووَعَوْه»: حفظوه «وعَلِمُوا أَنَّ النَّاسَ عِنْدَنَا فِي الْحَقِّ أُسْوَةٌ»: مستوون، وذلك لأن العدل ميزان الرحمن، وغيره مکیال الشيطان، وفي الخبر أن في الجنة قصراً حوله البروج والمروج له خمسة آلاف باب لا يدخله، ولا يسكنه إلا نبي؛ أو صديق؛ أو شهيد أو أمام عادل.

«فَهَرَبُوا إِلَی الأَثَرَةِ»: أسم من استأثر الشيء استبدت به، ولم يكن لي وكان حقاً لغيري.

«فَبُعْداً لَهُمْ وسُحْقاً»: بعداً نصب على المصدر أي بعد وأبعد عن رحمة الله أو عما يريدون دعاء عليهم، وقيل سحقه جعله بالنار قال الله فسحقاً لأصحاب السعير ثم أكد أنهم هربوا لأجل الطمع وطلب الاستئثار الذي هو مذموم شرعاً وعقلاً بقوله:

«إِنَّهُمْ والله لَمْ يَنْفِرُوا مِنْ جَوْرٍ»: يجور أن يكون من النفرة وهو الذهاب أو من النفار وهو الانجزار «ولَمْ يَلْحَقُوا بِعَدْلٍ»: قيل أي يعادل بل لحقوا بظالم طاغ باغ

ص: 47


1- سورة النجم: الآية 2
2- سورة البقرة: 249

وهو معاوية أقول لا حاجة هنا إلى التأويل المصدر والمقابلة يقتضي أن يكون على معناه.

«وإِنَّا لَنَطْمَعُ فِي هَذَا الأَمْرِ»: الخلافة «أَنْ يُذَلِّلَ الله لَنَا صَعْبَه ويُسَهِّلَ لَنَا حَزْنَه»: حربه «إِنْ شَاءَ الله والسَّلَامُ عليك».

ومن كتاب له عليه السلام إلى المنذر بن الجارود العبدي:

وفيه عزله، وقد كان أستعمله على بعض النواحي فخان الأمانة «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ صَلَاحَ أَبِيكَ غَرَّنِي مِنْكَ وظَنَنْتُ أَنَّكَ تَتَّبِعُ هَدْيَه»: طريقه «وتَسْلُكُ سَبِيلَه فَإِذَا أَنْتَ فِيمَا رُقِّيَ إِلَيَّ عَنْكَ»: أذا مفاجاة ورقي إلى بلغني وأصله أن يكون أنشان في موضع عال فإذا أتاه شيء أرتفع إليه ونحوه ثم ذمه وبالغ فيه فقال:

«لَا تَدَعُ لِهَوَاكَ انْقِيَاداً»: يعني أنك تبذل الوسع في انقياد الهوى فأن الجنة هي المأوى بعد قول الله تعالى «وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ٭ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى»(1) بعد قوله «فَأَمَّا مَنْ طَغَى ٭ وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ٭ فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى»(2)«ولاَ تُبْقِي لِآخِرَتِكَ عَتَاداً»: ذخیرة وعدةَ «عْمُرُ دُنْيَاكَ بِخَرَابِ»: تخريب «آخِرَتِكَ وتَصِلُ عَشِیرَتَكَ بِقَطِيعَةِ دِينِكَ»: وكأنك لم تسمع الدنيا سمهم الله القاتلة لعباد الله تعالى، فأحدروا منها على مقدار، حسب السم في الأدوية، حکی أنه تمنى رجل في مجلس يحي بن معاد المال، فقال له لم تتمنى المال؟ قال المتفضل على الأحوال، فقال: دع أخوانك يكون مؤنتهم على الله أحسنهم، وإذا كان عليك أبغضتهم؛ فأن أبن خلق أدم فتور ثم هدده وغيره وأكد ذلك بالقسم البار فقال:

ص: 48


1- سورة النازعات: الآية 40 - 41
2- سورة النازعات: الآيات: 37 - 39

«ولَئِنْ كَانَ»: أي والله لئن كان «مَا بَلَغَنِي عَنْكَ حَقّاً لَجَمَلُ أَهْلِكَ وشِسْعُ نَعْلِكَ خَیْرٌ مِنْكَ»: أعلم أن الجمل الذي يكون لأب القتيلة؛ ثم يصير مثيراً لهم يسوقه كل واحد منهم ويصرفه في حاجته؛ فهو دليل فيما بينهم حقارة والشسع واحد شسوع البغل التي يشد إلى زمامها ومعلوم أنه لا قيمة له وعرضه عليه السلام من هذا الكلام أنز جاره کیلا يفعل ما فعله مرة أخرى.

«ومَنْ كَانَ بِصِفَتِكَ فَلَيْسَ بِأَهْلٍ أَنْ يُسَدَّ بِه ثَغْرٌ أَوْ يُنْفَذَ بِه أَمْرٌ أَوْ يُعْلَى لَه قَدْرٌ أَوْ يُشْرَكَ فِي أَمَانَةٍ أَوْ يُؤْمَنَ عَلَى جِبَايَةٍ»: نفی لوازم الحكومة ليلزم نفي أهلية الحكومة.

«فَأَقْبِلْ إِلَيَّ حِینَ يَصِلُ إِلَيْكَ كِتَابِي هَذَا إِنْ شَاءَ الله»: قال: السيد رضي الله عنه، والمنذر بن الجارود هذا هو الذي قال فيه أمير المؤمنين عليه السلام إنه لنظار في عطفيه أي: ناظر في جانبيه من المنكر مختال في برديه يقال كثير في شراكيه: الشراك: الشراك السير الذي على ظهر القدم وصفه عليه السلام بأوصاف الذم قيل الكبير منبت نبات البغض ومنبع ماء الغصب: قال: عز کبریاؤه «إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ»(1)وقد أشار السيد رضي الله عنه إلى أن يكون كبره أفضى إلى أفعاله الذميمة من الخيانة وغيرها وفي الخبر قال الله تعالى «خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ»(2)ومصيركم إلى التراب فلا تكبروا على عبادي في حسب ولا مال فتكونوا على أهون من الذر وإنما تجزون يوم القيامة بأعمالكم لا بأحسابكم، وأن المتكبرين في الدنيا أجعلهم يوم القيامة مثل الذر يطاؤهم الناس کما کانت البهائم يطئها في الدنيا وبالله التوفيق.

ص: 49


1- سورة لقمان: الآية 18
2- سورة الروم: الآية 20

ومن كتاب له عليه السلام إلى عبد الله بن العباس:

«أَمَّا بَعْدُ»:

«فَإِنَّكَ لَسْتَ بِسَابِقٍ أَجَلَكَ ولَا مَرْزُوقٍ مَا لَيْسَ لَكَ واعْلَمْ بِأَنَّ الدَّهْرَ يَوْمَانِ يَوْمٌ لَكَ ويَوْمٌ عَلَيْكَ وأَنَّ الدُّنْيَا دَارُ دُوَلٍ فَمَا كَانَ مِنْهَا لَكَ أَتَاكَ عَلَى ضَعْفِكَ ومَا كَانَ

مِنْهَا عَلَيْكَ لَمْ تَدْفَعْه بِقُوَّتِكَ»: وفي هذا الكلام فوائد جمة:

في الأولى التنبه على أن الحي لا يغلب على عقاب الأجل، ويتطرق إلى أركان بناية الخلل، وملاحظة هذه الحال يوقظ العاقل النائم عن سني الغفلة، ويرى بالبصيرة أنه لا ينبغي له أن يوقع الخصومة بين الروح والجسد وقد قال: رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: «لا يزال الخصومة بين الناس حتى يختصم بين الروح والجسد فيقول: الجسد إنما كنت بمنزلة جذع ملقى لا احرك يداً ولا رجلاً لو لا الروح ويقول الروح أنما كنت ريحاً ولو لا الجسد لم استطع إلى عمل شيئاً»(1)فيضرب إنما مثلکما مثل أعمى ومقعد؛ حمل الأعمى المقعد ينصره، وحمله الأعمى برجليه؛ فيسعى إلى العمل؛ فيما قبل الأجل إلى الأجل.

وفي الثانية: إرشاد إلى أن الأحرى للأحرار أن يفوض أمرهم إلى العلي الحكيم الجبار، ولا تطلبوا ما ليس لهم، ويقتعون بما يحتاجون إليه وفي الخبر يا أبن آدم لا بالقليل تقنع، ولا بالكثير تشبع اقتربت الساعة، ولا يزداد الناس على الدنيا إلا حرصاً، ولا يزداد منهم إلا بعدا وفي الثالثة التنبيه على أن الدنيا لا وفاء لها.

وكل شخص له يومان يوم الأقبال ويوم الزوال قيل في الأمثال: بني ملك من الملوك داراً؛ فلما أتمها وضع للناس فيها مأدبة فيأتون ويأكلون، وكان الملك يسألهم

ص: 50


1- لم اعثر على مصدر للحديث ولعله استحسان المصنف أو نقل بالمضمون

هل ترون في دار هذا عيباً؛ فينظرون حواليها ويقولون لا؛ حتى دخل عليه يوماً عابدان؛ فسألهما الملك عن عيب داره فقالا: نعم فيها أعيب العيوب يخرب الدار ويموت أهلها.

وفي الرابعة: أن القسام الرزاق قسم الأرزاق، والمنافع والمضار وجعل بعض الدنيا نافعاً لشخص، وبعضاً أخر ضاراً له لا تغيير لحكمه، ولا تبديل لكلماته ولا دخل لضعف البشر وقوته في النفع والدفع فيليق بك أي عبد الله أن تهرب إلى بابه وأن تلوذ إلى جنابه عن كيد النفس المكارة الأمارة وأن تؤمن بالقدر وأن ما جرى عليه القلم الإلهي في الأزل كذلك يقع من غير خلل وبالله التوفيق.

ومن كتاب له إلى معاوية:

«أَمَّا بَعْدُ»:

«فَإِنِّي عَلَى التَّرَدُّدِ فِي جَوَابِكَ والِاسْتِمَاعِ إِلَی كِتَابِكَ لَمُوَهِّنٌ رَأْيِي ومُخَطِّئٌ فِرَاسَتِي وإِنَّكَ إِذْ تُحَاوِلُنِي الأُمُورَ وتُرَاجِعُنِي السُّطُورَ كَالْمُسْتَثْقِلِ النَّائِمِ تَكْذِبُه أَحْلَامُه والْمُتَحَيِّرِ الْقَائِمِ يَبْهَظُه مَقَامُه لَا يَدْرِي أَلَه مَا يَأْتِي أَمْ عَلَيْه ولَسْتَ بِه غَیْرَ أَنَّه بِكَ أشَبِيه»: الفراسة حسن الظن؛ بأمارة قوية ينقله مقامه موضع قيامه أراد أني على التردد في جوابك لموهن رأي أي أضعف رأي إذا لم أجعل جوابك السكوت، وأن معاوية فيما یحاوله، ويطلبه مني مرة بعد أخرى مراجعاً مثل نائم غلب عليه النوم، وأثقله لا تكون رؤياه، وأحلامه إلا كاذبة؛ ثم أصرت على ذلك مبالغة في ذكره جهله؛ فقال بل ذلك النائم يشبهك لشدة غفلتك ثم أوعده، وأعذر في تأخير توجيه الركاب إليه مقسماً بالله عز وجل فقال:

«وأُقْسِمُ بِالله إِنَّه لَوْ لَا بَعْضُ الِاسْتِبْقَاءِ لَوَصَلَتْ إِلَيْكَ مِنِّي قَوَارِعُ تَقْرَعُ

ص: 51

الْعَظْمَ وتَهْلِسُ اللَّحْمَ»: قبل الاستبقاء وأراد أنه لم يحن أوان القتال، ولو لا ذلك لوصلت إليك مني قوارع تقرع العظم، القرع ضرب شيء على شيء ومنه قرعته بالمقرع قال: الله تعالى «كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ»(1)وتهلس اللحم أي: يذهبه وتسلب البدن الأخذ بمقدم الأسنان؛ ثم أعلمه بأن عدم انقياده بانقياد للشيطان وتأخيره عن متابعة حبیب الرحمن فقال:

«واعْلَمْ أَنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ ثَبَّطَكَ عَنْ أَنْ تُرَاجِعَ أَحْسَنَ أُمُورِكَ وتَأْذَنَ لِمَقَالِ نَصِيحَتِكَ والسَّلَامُ لأَهْلِه»: ثبطه عن الأمر تثيبطاً شغله عنه والمراجعة المعاداة والأذن الاستماع بصحبك أي ناصحك.

ومن حلف له عليه السلام كتبه بين ربيعة واليمن ونقل من خط هشام بن الكلبي: منسوب إلى الكلب حي من قضاعة.

هَذَا: إشارة إلى ما في الذهن وسيفسره «مَا اجْتَمَعَ عَلَيْه أَهْلُ الْيَمَنِ حَاضِرُهَا وبَادِيهَا ورَبِيعَةُ حَاضِرُهَا وبَادِيهَا أَنَّهُمْ عَلَى كِتَابِ الله يَدْعُونَ إِلَيْه ويَأْمُرُونَ بِه ويُجِيبُونَ مَنْ دَعَا إِلَيْه وأَمَرَ بِه لَا يَشْتَرُونَ بِه ثَمَناً»: مثل في القرآن الكبير كثير اشتروا به ثمناً قليلاً لا تشترون بآيات الله ثمناً قليل(2)والمراد من الكل تحذير العلماء عن الطمع في أموال الناس بوسيلة القرآن وقد علم العاقلون أن الرافع هو العلم، والمتبقي هو الورع والمزيل لتلك الرفعة هنا هو الطمع وهذا الطمع لا يبقى، وحده بل ينظم إليه الكثير، والكبر والعجب والبر وترك الكذب، وترك الديانات وظهور الفضائح فعليك أيها العالم بترك المطامع تعيش عزیزاً کریماً ملكاً في الدنيا والآخرة

ص: 52


1- سورة الحاقة: الآية 4
2- ورد في النص القرآني قوله تعالى «وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا» سورة البقرة: الآية 41، وما إورده المصنف أعلاه هو بالمضمون وليس بالنص

«ولَا يَرْضَوْنَ له»: بالكتاب «بِه بَدَلًا وأَنَّهُمْ يَدٌ وَاحِدَةٌ»: كناية عن الاتفاق.

«عَلَى مَنْ خَالَفَ ذَلِكَ وتَرَكَه»: روي عنه عليه السلام قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يقول أنه سيكون فتن قلت: فما المخرج منها یا رسول الله قال: كتاب الله نبأ ما كان قبلكم وخبر ما يكون بعدكم وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل الذي لا يستغني عنه العلماء وهو حبل الله المتين، والذكر الحكيم، والصراط المستقيم من قاله به صدق، ومن حکم به عدل ومن عمل به آجر ومن دعي إليه فقد هدي إلى صراط مستقیم. «أَنْصَارٌ»: أي هم أنصار «بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ دَعْوَتُهُمْ وَاحِدَةٌ»: ثم قال: «لَا يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ»: لأربعة

أشياء وفصّلها فقال: «لِمَعْتَبَةِ عَاتِبٍ ولَا لِغَضَبِ غَاضِبٍ ولَا لِاسْتِذْلَالِ قَوْمٍ قَوْماً ولَا لِمَسَبَّةِ قَوْمٍ قَوْماً»: عدماً هو غالب في نقض العهد وكان قد دار بينهم والمفهوم المخالف ليس بمعتبر.

«عَلَى ذَلِكَ شَاهِدُهُمْ وغَائِبُهُمْ وسَفِيهُهُمْ وعَالِمُهُمْ وحَلِيمُهُمْ وجَاهِلُهُمْ»: شاهدهم وما عطف عليه مبتدأ وعلى ذلك خبره.

«ثُمَّ إِنَّ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ عَهْدَ الله ومِيثَاقَه إِنَّ عَهْدَ الله كَانَ مَسْئُولًا»: وقد تقدم الكلام في نقض العهد وما يترتب عليه «كَتَبَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ»: وفي نسخة مصححة أبو طالب قال: النحويون أن الرجل إذا سمي بكنيته لا يتغير عليه الأعراب ويستوي فيه الرفع والنصب والجر لأنه يحمله مثل كلمته واحدة هذا أبو زيد ورأيت أبو زيد ومررت بزید.

أسماء لشخص واحد وإذا کان کنیته فلا بد أن يكون في حال الرفع بالواو وفي حال النصب بالألف وفي حال الجر بالياء والله أعلم.

ص: 53

ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية من المدينة في أول ما بويع له بالخلافة ذكره الواقدي في كتاب (الجُمل):

«مِنْ عَبْدِ الله عَلِيٍّ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ إِلَی مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ عَلِمْتَ

إِعْذَارِي فِيكُمْ وإِعْرَاضِي عَنْكُمْ حَتَّى كَانَ مَا لَا بُدَّ مِنْه ولَا دَفْعَ لَه والْحَدِيثُ طَوِيلٌ والْكَلَامُ كَثِیرٌ: قد سبق في بعض الخطب وفي بعض الكتب ما لذلك.

«وقَدْ أَدْبَرَ مَا أَدْبَرَ»: من كان قد أدبر طلح والزبیر ومروان بن الحكم وعبد الله بن عامر ولعي بن منبه وأَقْبَلَ مَا أَقْبَلَ: قد بين أيضاً في خطبة قال فيها فما راعني إلا والناس إلي کعرف الضبع ينهالون علي من كل جانب حتى لقد وطئ الحسنان ثم قال فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة ومرقت أخرى وفسق آخرون.

«فَبَايِعْ مَنْ قِبَلَكَ وأَقْبِلْ إِلَيَّ فِي وَفْدٍ مِنْ أَصْحَابِكَ والسَّلَامُ»: وقد تردد معاوية في ذلك وسوقه من يوم إلى يوم حتى أرسلت إليها عائشة أنا نطلب من علي دم عثمان وأنت قرابته منه؛ فغوي معاوية وسلك سبيل الباطل وبعث عبد الله بن عامر إلى البصرة وقيل عثمان بن حنیف عامله عليه السلام بها وقد مر القول في ذلك والله سبحانه أعلم.

ومن وصية له عليه السلام لعبد الله بن العباس عند استخلافه إياه على البصرة

«سَعِ النَّاسَ بِوَجْهِكَ»: أي لا يضايقهم بالكلام الحسن، وبذل البشرة وطلاقة الوجه، وحُسن الخلق، وإظهار البشاشة، وفي الخبر من نظر إلى أخيه نظرة تخيفه أخافه الله يوم القيامة.

«ومَجْلِسِكَ وحُكْمِكَ»: بأن تفسح المجلس للمسلمين وأن يترك المحاكمة

ص: 54

ويستعمل المداراة مع كل واحد.

«وإِيَّاكَ والْغَضَبَ فَإِنَّه طَیْرَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ»: فعلة من طار يطير ويستعمل فيما الأثبات له وقيل يكون من التطاير الذي هو التشائم بالفال الردي ومعناه أحذرك الغضب، وإياك أخص بنصيحتي فأن الشيطان يطيره ويحركه.

«واعْلَمْ أَنَّ مَا قَرَّبَكَ مِنَ الله يُبَاعِدُكَ مِنَ النَّارِ ومَا بَاعَدَكَ مِنَ الله يُقَرِّبُكَ مِنَ النَّارِ»: لم يفصل القول فيه لأن التفصيل التمام متعذر والناقص یوم الاختصاص وبالله التوفيق.

ومن وصية له عليه السلام لعبد الله بن العباس لما بعثه للاحتجاج على الخوارج:

«لَا تُخَاصِمْهُمْ بِالْقُرْآنِ فَإِنَّ الْقُرْآنَ حَمَّالٌ ذُو وُجُوه تَقُولُ ويَقُولُونَ»: أي كثير من القرآن يحتاج إلى التأويل فينبغي أن يحمل على مقضى دليل العقل والكلام إذا فسر به على وجه فيمكن غيرك أن يفسره على وجه آخر.

«ولَكِنْ حَاجِجْهُمْ»: خاصمهم «بِالسُّنَّةِ» أي أذكر الحجة عليهم من سنة رسول الله المجمع عليها؛ «فَإِنَّهُمْ لَنْ يَجِدُوا عَنْهَا مَحِيصاً»: وذلك ان في القرآن هكذا مثلاً «وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى»(1)لم يصرح فيه بأن الباغي من وقى السنة تصريح بأن من خرج عليه، عليه السلام؛ فهوا الباغي الطاغي وفي حقيقة خلافته عليه السلام احاديث كثيرة واحدٌ منها ما روي أبن مسعود قال: قال: رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم «في ليلة وفد الجن يأبن مسعود نُعيت إلى نفسي فقلت استخلفت یا رسول الله؟

ص: 55


1- سورة الحجرات الآية 9

قال من: قلت أبا بكر قال: فسكت ومشی ساعة فتنفس وقال: نعيت إلي فقلت استخلفت یا رسول الله قال: من؟ قلت عمر فسکت ومشی ساعة فتنفس، وقال نعيت إلى نفسي فقلت يا رسول الله استخلفت قال: من قلت علياً قال: والذي نفسي بيده لئن فعلوا وأطاعوه ليدخلن الجنة أجمعين»(1)وقد تقدم قصتهم والله الموفق.

ومن كتاب له عليه السلام أجاب به أبا موسى الأشعري عن كتاب كتبه إليه من المكان الذي أقعدوا: هو وأتباعه فيه للحكومة

وذكر هذا الكتاب سعید بن يحيى الأموي: أنسبه إلى بني أمية بفتح الهمزة والمصغر إذا نسب رد إلى مكره وربما ينسب کما هو: في كتاب (المغازي)(2)«فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ تَغَیَّرَ كَثِیرٌ مِنْهُمْ عَنْ كَثِیرٍ مِنْ حَظِّهِمْ فَمَالُوا مَعَ الدُّنْيَا ونَطَقُوا بِالْهَوَى وإِنِّي نَزَلْتُ مِنْ هَذَا الأَمْرِ مَنْزِلًا مُعْجِباً اجْتَمَعَ بِه أَقْوَامٌ أَعْجَبَتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ وأَنَا

أُدَاوِي مِنْهُمْ قَرْحاً أَخَافُ أَنْ يَكُونَ عَلَقاً ولَيْسَ رَجُلٌ فَاعْلَمْ»: معترضة «أَحْرَصَ الناس»: خبر ليس «عَلَى جَمَاعَةِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ وأُلْفَتِهَا مِنِّي أَبْتَغِي بِذَلِكَ حُسْنَ الثَّوَابِ وكَرَمَ الْمَآبِ وسَأَفِي بِالَّذِي وَأَيْتُ عَلَى نَفْسِيِ وإِنْ تَغَیَّرْتَ عَنْ صَالِحِ مَا فَارَقْتَنِي عَلَيْه فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ نَفْعَ مَا أُوتِيَ مِنَ الْعَقْلِ والتَّجْرِبَةِ وإِنِّي لأَعْبَدُ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ

بِبَاطِلٍ وأَنْ أُفْسِدَ أَمْراً قَدْ أَصْلَحَه الله فَدَعْ مَا لَا تَعْرِفُ فَإِنَّ شِرَارَ النَّاسِ طَائِرُونَ

ص: 56


1- مناقب الإمام أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان الكوفي: ج 582؛ مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب: ج 38 ص 128؛ المناقب للموفق الخوارزمي: ص 114؛ الفضائل لشاذان بن جبرئیل القمي: ص 70؛ صحیح ابن حبان: ج 15 ص 356 بلفظ مغاير في ذيل الحديث؛ المعجم الكبير للطبراني: ج 10 ص 68
2- کتاب المغازي هو: لسعيد بن يحيى الأموي، وقد ذكر ذلك الذهبي في سير اعلام النبلاء ج 9 ص 129؛ في ترجمة يحيى بن سعيد

إِلَيْكَ بِأَقَاوِيلِ السُّوءِ والسَّلَامُ»: أداوي من المداواة، علقاً: دماً غليظاً، سأفي: الوفاء، وأيت: وعَدت، عندئذ استكشف، وقيل أغضب، والمكان الذي اقعدوا فيه أدرج، وضمير أقعدوا راجع إلى حزب من عسكره؛ بعث عليه السلام أربعمائة رجل عليهم شریح بن هاني الخارجي وفيهم أبو موسى الأشعري، وبعث معهم عبد الله بن عباس فصلي بهم وولى أمورهم، ولم يحضر عليه السلام، وبعث معاوية عمرو بن العاص في أربعمائة من أهل الشام، ثم جاء معاوية، فاجتمعوا بذلك المكان، وخرج عمرو بن سعد بن أبي وقاص، فأتی أباه وهو بالبادية، فقال: يا أبه قد بلغك ما كان بين الناس بصفين، وقد حكموا وقد شهدهم نفر من قریش، فاشهدهم فإنك صاحب رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وأحد أهل الشورى، وأنت أحق بالخلافة، فقال: لا أفعل، إني سمعت رسول الله صلَّى الله - عليه - وآله وسلَّم يقول: «إنه تکون فتنة خير الناس فيها الخفي التقي»(1)فكتب أبو موسی کتاباً مشتملاً على هذه الحال، وغيرها مما رآها، ولقد رآها ولقد رآی علیه السلام بمرآة قلبه المشرق ما سيصدر منه ومن عمرو، فقبحه ونهاه عن القيام بالحكومة، وفي صدر الكتاب للجواب أشار إلى كثيراً من عسكره وهم الخوارج أثنا عشر الفاً؛ يعتبروا عن كثير من حظهم، وما كانوا يعطونه بالهوى، وقالوا أنه حکم الرجال في أمر الله، وقد قال الله، فما شاء الرجال والحكم، وقالوا أنه قائل، ولم يثبت ولم يفهم فلان كانوا مؤمنين ما حل لنا قتالهم وشباههم، قالوا وحا نفسه من أمرة المؤمنين؛ فأنه أمير الكافرين ولقد دفع قولهم عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بوجوه جميلة قال: أما قولكم حكم الرجال في أمر الله، وقد قال الله أنا أقرأ علیکم في كتاب الله ما ينقض قولكم؛ أن الله تعالى صير حكمه إلى الرجل في ربع

ص: 57


1- وقعت صفين لابن مزاحم المنقري: ص 583؛ تاريخ الطبري لمحمد بن جرير الطبري: ج 4 ص 49؛ تاریخ الأمم والملوك لأبن الجوزي: ج 5 ص 127

درهم ثمن أرنب وهو قوله «لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ(1)، في المرأة وزوجها «وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا»(2)، فنشتكم الله هل تعلمون أن حكم الرجال في إصلاح ذات بينهم وحقن دمائهم أفضل أم حكمهم في أرنب وبضع امرأة فأنهم يرون أفضل؛ قالوا: بل هذه فقال خرجت من هذه قالوا: نعم؛ ثم قال وأما قولكم قابل ولم يستحل منها ما يستحل من غيرها خرجتم من الإسلام خرجت من هذه قالوا: نعم ثم قال وأما قولكم محا نفسه من أمرة المؤمنين فأن مكاتبة النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم يوم الحديبية كانت مع أبا سفيان بن حرب وسهيل بن عمر قال: يا علي اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله، فو الله لرسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم خير من علي، وقد محا نفسه فرجع منهم الفان وخرج سائرهم فقاتلوا انتهى تفصيل القصة.

بطول الكلام وينافي الغرض؛ ثم أشار إلى أنه عليه السلام كان متعجباً عن موافقة أصحاب معوية مع أنه كان على الباطل وتفرق عسكره عليه السلام وقد كان على الحق ثم شبه عسكره بدواء يوجب زيادة المرض وفي ضمن هذه التشبيه تشبیه آخر يظهر بأدنی تأمل ووجه الشبه كون كل واحد من المشبه والمشبه به جاء بالزيادة زيادة الألم إلى المؤلم ثم أخبره بأنه عليه السلام كان أحرص الناس

ص: 58


1- سورة المائدة الآية 95
2- سورة النساء: الآية 35

على الاجتماع، والألفة لنيل الدنيا بل العقبي وحسن الثواب، وكرم المآب، وبهما الوصال إلى المحبوب الحقيقي الذي إذا نظر إلى جمال جلاله، وجماله ناظر قال، وحقك لا نظرت إلى سواكما بعين مودة حتى ارتكاب وقال: آخر قلبي یریکم على بعدي وإقصائي وحبكم كامن في طي احشائي أنتم سروري وفي تذكاركم أنسي وأنتم البرء من سقمي ومن دائي لا زلت فیکم بکم منکم على وجل إليكم قاصداً في كل معاني؛ ثم أشار إلى أن الوفاء بالعهد واجب؛ ثم نبه على أنه أن خالف رأيه الصالح عليه السلام وما تقرر عنده كان شقياً إلى أن الشقي من أدعى لطفاً لنفس في لوح ذهنه صورة قياس ما أدعاه هكذا أنت أن تعرب عما ذکر کنت من حرام النفع المذكور وكل من كان كذلك فهوا شقي بعيداً له عن التغير ثم أشار إلى شأنه وأنه كان يستنكف ذلك مزيد التنفير؛ ثم كفه عن الأقوال السيئة، ودعي يدع إلى ترك ما لم يكن يعرف علاجه من أمر الحكومة هذا ومع ذلك خدعه عمرو بن العاص؛ روي أنه قال له خبرني عن رأيك فقال: رأي أن تخلع هذين الرجلين، وتجعل الأمر شوری بین المسلمين فيختار المسلمون لأنفسهم من أحبوا قال: له عمروا قال: الرأي ما رأيت، وأقبل إلى الناس فقال: عمرو أن أبا موسى أعلمهم بأن رأينا قد اجتمع؛ فتكلم أبو موسى وقال: أن رأي ورأي عمروا قد اتفق على أمر نرجو أن يصلح الله به أرم هذه الأمة فقال: عمروا صدق، وبرَ أبو موسى فتقدم فتكلم، فتقدم أبو موسى ليتكلم فدعا ابن عباس فقال: له ويحك والله أني أضنه قد خدعك أن أتفقتما قد خدعتما على أمر؛ فقدمه فليتكلم بذلك قبلك فأني لا أمن أن يخالفك قال أنا قد أتفقنا فتقدم أبو موسی فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس إنا قد نضرنا في أمر هذه الأمة؛ فلم نرى أصلح لأمرها ولا ألم لشعثها من أمر قد أتفق عليه رأي ورأي عمرو وهو أن يخلع على معاوية، ويستقبل هذه الأمة أمرها فيولوا من اختاروا وإلا قد

ص: 59

خلعت علياً ومعاوية فاستقبلوا أمرکم وولوا عليكم من رأيتموه لهذا الأمر أهلاً؛ ثم تنحا، وأقبل عمروا وقد قام مقامه فحمد الله وأثنى عليه وقال أن هذا قد قال ما سمعتم وخلع صاحبه وأنا أخلع صاحبه کما خلعه، وأثبت على صاحبي؛ فأنه ولي أبن عفان والطالب بدمه، وأحق الناس بمقامه فقال: له أبو موسی ما لك لا وفقك الله غدرت وفجرت؛ إنما مثلك كمثل کلب أن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث فقال: عمروا وإنما أنت مثلك كمثل الحمار يحمل أسفارا، وحمل شریح بن هاني على عمروا، وفقعه بالسوط، وحمل عمروا على شريح فضربه بالسوط، وقام الناس يحجزون بينهم، والتمس أهل الشام أبا موسى فركب راحلته ولحق بمكة نادماً؛ روي أن عتبة بن أبي سفيان قال لعبد الله بن عباس؛ ما منع علياً أن يبعثك مكان أبي موسى فقال: عبد الله منعه والله من ذلك حاجز القدر، وقصر المدة، ومحبة الابتلاء، أما والله لو بعثني لاعترضت في مدارج نفس عمر، وبأقصا أبرم ومبرم ما نقص؛ أسف إذاً أطار وأطير إذاً أسف ولكن مضي قدر، وبقي أسف والآخرة خير لأمير المؤمنين وكني بالطيران عن السرعة، وجعل الناس كالطيور في ذلك أي طائرون عن السرعة وجعل الناس كالطيور في ذلك أي طائرون ومنتزعون إليك.

وبالله العصمة والتوفيق.

ومن كتاب كتبه لما استخلف إلى أمراء الأجناد: وهذا الكتاب كتبه على عهده.

«أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ مَنَعُوا النَّاسَ الْحَقَّ فَاشْتَرَوْه وأَخَذُوهُمْ بِالْبَاطِلِ فَاقْتَدَوْه»: احتووه کرهوه فيه أرشاد لهم على أتباع الحق وترغيب الناس في أتباعهم، والمراد بالباطل أتباع الهوى كأنه قال لا تتبعوا الهوى؛ فيضلك عن

ص: 60

سبيل الله فتهلك قلوبكم كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأعلم أن الهلاك على ثلاث أوجه افتقاد الشيء عنك وهو عند غيرك موجود كقوله تعالى «هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ»(1)وهلاك الشيء باستحالة وفساد كقوله تعالى عز وجل «وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ»(2)ويقال هلك الطعام والثالث لموت نحو أن الشيء من العالم، وعدمه رأساً وذلك الفناء المشار إليه بقوله كل شيء هالك إلا وجهه، ويقال للعذاب والخوف، والفقر الهلاك وعلى هذا قوله «وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ»(3)«كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ»(4)«فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ»(5)وهو الهلاك الأكبر وعلى هذا قَبِلهُم عليه السلام؛ فإنما هلك من كان قبلكم، وفي نسخ مصححة أشتروه بدل قوله أحيوه يعني أن حكام السوء منعوهم عن الحق فاشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون بدلوا الهدى وأخذوا الغوى والسلام على من أتبع الهدي ولله الحمد والمنة وبه التوفيق والعصمة.

باب المختار من حكم أمير المؤمنين عليه السلام: جمع حكمة وهي إصابة الحق بالعلم والفعل وهي من الله تعالى معرفة الأشياء وإيجادها على غاية الأحكام ومن الناس معرفة الموجودات وفعل الخيرات وأطلقت على الكلمات المذكورة في الباب مجازاً.

ومواعظه ويدخل في ذلك المختار من أجوبه مسائله والكلام القصير الخارج في

ص: 61


1- سورة الحاقة: الآية 29
2- سورة البقرة: الآية 250
3- سورة الأنعام: الآية 26
4- سورة الأنعام: الآية 6
5- سورة الأحقاف: الآية 35

سائر أغراضه»: ومقاصده قال: عليه السلام: «كُنْ فِي الْفِتْنَةِ كَابْنِ اللَّبُونِ لَا ظَهْرٌ فَيُرْكَبَ ولَا ضَرْعٌ فَيُحْلَبَ»: ابن اللبون ولد الناقة؛ إذا أستكمل السنتين، ودخل في الثالثة، وإلا هي أبنة لبون وضعت ولداً غيره على الأغلب فصار لها أبن وهو بكرة يعرف بالأف، واللام فقوله لا ظهر مبتدأ وخبره محذوف أي لا له ظهر وكذا تقدير ولا ضرع، ويُركب منصوب لأنه جواب الأمر، وأن الفتنة متوسطاً؛ لا جاعلاً يده مغلولاً إلى عنقه، ولا باسطاً إياها كل البسط؛ فيقعد ملموماً محسوراً، وعلى الأول يصير ذلیلاً حامل جور الغالب عليه، وهذا تشبيه ويقال: المعنی کن في أيام الفتنة سالماً عن آفاتها کابن اللبون السالم عن تحمل الركوب، والضرع وذلك بالانعزال عن أصحاب الضلال، وفي الخبر قال: رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: «إنها سيكون فتنة القاعد خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي إليها فإذا وقعت فمن كان له أبل فليلحق بأبله ومن كان له غنم فليلحق بغنمه ومن كان له أرض فليلحق بأرضه فقال رجل يا رسول الله أرئيت من لم يكن له أبل ولا غنم ولا أرض قال نعم إلى سيفه فيدق على حده بحجر؛ ثم لينج أن استطاع النجا؛ اللهم هل بلغت ثلاثاً فقال: يا رسول الله أرئيت أن أكرهت حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين فضربني رجل بسيفه أو يجيء منهم؛ فيقتلني قال تبوء بإثمه، وأثمك وتكون من أصحاب النار»(1)کنی بقوله فمن كان له أبل إلى آخره عن الاعتزال عنها والاشتغال بما ينفع نفسه.

قال الشاعر: أن السلامة من تسلي وجار بها؛ أن لا يمر علي وإدخال نوادبها وقَالَ عليه السلام «أَزْرَ ىبِنَفْسِه مَنِ اسْتَشْعَرَ الطَّمَعَ»: جعلها شعاراً قيل العبد حر

ص: 62


1- المصنف لعبد الرزاق الصنعاني: ج 10 ص 119؛ كذلك المصنف لابن أبي شيبة الكوفي: ج 8 ص 591؛ مسند أحمد بن حنبل: ج 1 ص 185؛ سنن الترمذي: ص 239 وفي معظمها اختلاف يسير

ما قنع، والحر عبد ما طمع، وفي الخبر قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم «لأن يأخذ أحدكم حبله: فيأتي بحزمة حطب على ظهره فيبيعها فيكف بها وجهه خير له من أن يسأل الناس اعطوه أو منعوه»(1)وروي أنه عليه السلام سمع يوم عرفة رجلاً يسأل الناس فقال: أفي هذا اليوم وهذا المكان يسأل غير الله فخفقه بالدرة(2)، وأما أن ذلك سبب الاحتقار فواضح لا سترة به.

«ورَضِيَ بِالذُّلِّ مَنْ كَشَفَ عَنْ ضُرِّه»: فأن من المكشوف أن الكاشف الذي کشف القناع عن وجه ضره أي سوء حاله علم أنه يرى بعين الحقارة غالباً فقد رضي بالذل وإلا لم يكشف اختیار.

«وهَانَتْ عَلَيْه نَفْسُه مَنْ أَمَّرَ عَلَيْهَا لِسَانَه»: أن من جعله ذاته منقاداً للسانه يتكلم بما لا يعينه، ويضره وفي حفظ اللسان قد وردة أخبار كثيرة كقوله من حفظ ما بين لحيته، ورجله ضمنت له الجنة، من کف لسانه عن أراض الناس أقال الله عثرته، أملك عليك لسانك، وليسعك بيتك وأبكي على خطيئتك، أي حسن خلقك.

قال: سلیمان بن عبد الرحمن: من نطق فأحسن وهو قادر على أن يصمت فيحسن.

وليس من صمت فأحسن قادر على أن ينطق فيحسن.

«الْبُخْلُ عَارٌ»: أي مذمة من قبيل رجل عدل وهو مذموم شرعاً وعقلاً قال: رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم «خلقان يجبهما الله حسن الخلق والشجاعة

ص: 63


1- السنن الكبرى للنسائي: ج 2 ص 49؛ عدة الداعي ونجاح الساعي لابن فهد الحلي: ص 90؛ تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر الدمشقي ج 29 ص 133
2- الدرة عصا متوسط يمسك بها باليد

وخلقان يبغضهما الله تعالى سوء الخلق»(1)«البخل البخيل بعيد من الله بعيد من الناس بعيد من الجنة قريب من النار»(2)«والْجُبْنُ مَنْقَصَةٌ»: نقصان قيمة المرء وهذا، واضح لا غبار عليه سئل أبن عباس رضي الله عنهما عن الشجاعة، والجبن، والجود، والبخل فقال: الشجاع يقاتل من لا يعرفه والجبان نفر من جنسه والجواد يعطي من يلزمه حقه والبخيل يمنع عن نفسه.

«والْفَقْرُ يُخْرِسُ الْفَطِنَ»: الكيس «عَنْ حُجَّتِه»: عند أرباب الدنيا من كان کیسه صفراً من البيض، والصفر فليبشره بجفاء الدهر وانقطاع الظهر، الدرهم أفقد الرسائل وأنجح المسائل وأنفع الوسائل شعر:

ما المرء إلا بمقلوب أسمه رجلاً ٭٭٭ بالفارسية فافطن أيها الرجل

فأن يكون خالياً مما رمزت به ٭٭٭ فضم ميم أسمه قد جائه الأجل

«والْمُقِلُّ»: أي الفقير «غَرِيبٌ فِي بَلْدَتِه»: اي متباعد عنه إذ یری بعين الاحتقار لا الاعتبار فلا يقرب منه كالغني «الْعَجْزُ آفَةٌ»: أي العجز عن الأمور آفة الرجال ومنقصة لهم إذ الأمور لا تمشي إلا بقوة.

«والصَّبْرُ شَجَاعَةٌ»: أي حبس النفس عند وورد المصائب المؤلمة الكريهة من خصال الشجاع ومن آثار الشجاعة روي عنه عليه السلام أنه قال: قال: النبي

ص: 64


1- شعب الإيمان أحمد بن الحسين البهيقي: ج 6 ص 117؛ أرشاد القلوب لمحمد بن الحسن الديلمي ج 1 ص: 137
2- إحياء علوم الدين للغزالي ج 10 ص 28، تنبيه الخواطر ونزهة النواظر لورام بن أبي فراس المالكي الاشتري (مجموعة ورام): ص 179

صلى الله عليه [وآله] وسلم «الصبر والحلم والسخاوة من إخلاق الأنبياء صلوات الله عليهم فمن أكرمه الله بكرامة الأنبياء أدخله معهم الجنة»(1): شعر:

الصبر يحمد في المواطن كلها ٭٭٭ إلا عليك فأنها لا تحمد

«والزُّهْدُ ثَرْوَةٌ»: أي ترك الدنيا غنی یعني أن ما يترتب على الغني من ترك المسألة يترتب على ترك الدنيا أيضاً کما روي عن عبد الله بن مسعود انه قال: سئل النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ما الغنى قال: «اليأس في ما أيدي الناس»(2)وعلى ما روي عنه عليه السلام من معنى الزهد كونه ثروة معنوية ظاهر روي عنه عليه السلام أنه قال قلت یا رسول الله علمني الزهد؛ فقال: صلى الله عليه [وآله] وسلم «ميل الآخرة في قلبك والموت بين عينيك ولا تنس موقفك بين يدي الله تعالى، وكن من الله تعالى على وجل أد فرائضه وأكفف عن محارمه ونابذ هواك وأعتزل الشك والشبهة والحرص والطمع وأستعمل التواضع، وحسن الخلق، ولين الكلام، وأخضع لقبول الحق من حيث ورد عليك، واجتنب الكبر، والرياء، ومشية الخيلاء، ولا تستصغر النعم، وجازها بالشكر، وأحمده على كل حال، وأنصف من ظلمك، وصل من قطعك واعط من حرمك، وأحسن إلى من أساء إلى من أساء إليك، ولیکن صمتك بفكر وكلامك بذكر، ونظرك اعتباراً، وعاشر الناس بالحسنى، وأصبر على النار وأستهن بالمصيبة، وأطل الفكرة في

ص: 65


1- الحديث للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وليس للنبي صلى الله عليه وآله -؛ الفردوس للديلمي: ج 3 ص 100، ولم أعثر على مصدر آخر للحديث
2- المعجم الأوسط للطبراني: ج 6 ص 55؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 1 ص 286؛ عمدة القاري للعيني: ج 9 ص 50

المعاد، وأجعل شوقك إلى الجنة، وأستعذ بالله من النار، وأمر بالمعروف، وأنه عن المنكر، ولا تأخذك في الله لومة لائم وخذ من الحلال کم شت إذا أمنك: وجانب الشح، والمنع، والسرف، وأعتصم بالإخلاص، والتوكل، ودع الظن وأبن علی أساس اليقين، ومیز ما أشتبه عليك بعقلك، والعاقبة للمتقين، والنار للمجرمين، وقد خاب من أفترى ولا يظلم ربك أحدا»(1).

«والْوَرَعُ جُنَّةٌ»: أي من النار إذ هو في عرف أهل الشرع ترك المبادرة إلى تناول الأعراض الدنيوية وأنت خبير بأمن ترك الدنيا فاز بالعقبی ونجی من سهام آلام النار قال: بعض أهل المعرفة رأيت في النوم كأن القيامة قد قامت والخلق كلهم في الموقف فرأيت طيراً أبيض يأخذ واحداً واحداً من الموقف فيدخلهم الجنة فقلت ما هذا الطير الذي قد من الله تعالى به على عباده فنادى به على عباده فنادى منادي أن هذا شيء يقال له الورع.

«ونِعْمَ الْقَرِينُ الرِّضَی»: بقضاء الله وفي باب الرضا أخبار كثيرة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم أنه قال: «أوحى الله إلى موسى صلوات الله عليه أنك لن تقرب إلي بشيء أحب إلي من الرضا بقضائي»(2)وأختلف في تعريفه قيل هو سرور القلب بمر القضاء وقيل سكون القلب إلى حكام الله تعالى وموافقة الضمير بما رضى وأختار، وقيل فرح القلب وسوره بنزول الأحكام في الحُلو والمر وثيل غير ذلك.

«الْعِلْمُ وِرَاثَةٌ كَرِيمَةٌ»: يعني من كان تراثه من أبيه العلم فقد كرمت وراثته

ص: 66


1- جواهر المطالب في مناقب الإمام علي عليه السلام: لمحمد بن أحمد الدمشقي الباعوني الشافعي في: ص 148
2- الفتوحات المكية لأبن عربي: ج 4 ص 535؛ ولم أعثر على مصادر أخرى للحديث

بخلاف من ورث المال وأورثه لأن العلم تركوا على الأنفاق والمال ينقصه روي عنه عليه السلام أنه قال العلم نهر والحكمة بحر والعلماء حول النهر يطوفون والحكماء في وسط النهر يخوضون، والعارفون في سفن النجاة يسيرون «والآدَابُ

حُلَلٌ مُجَدَّدَةٌ»: قيل أجدت الثوب؛ إذا قطعه على وجه الإصلاح أي: كما أن الشخص يتزين بالحلل يثرين بالآداب وللأدب شعب كثيرة؛ فلذا قال بعضهم الأدب ما يتولد من صفاء القلب، وحضوره مجالسة الخلق على بساط الصدق، ومطالعة الحقائق بقطع العلائق، وأجمع ما قال: بعضهم وضع الأشياء موضعها قال: بعض أهل المعرفة والمراد من الآداب أدب اللسان ترك ما لا يعنيه، وأن كان صدقاً؛ فكيف الكذب، وأدب النفس وهو أن يعرف الخير، ويحرصها عليه، وتعرفها الشر، ويزجرها عنه، وأدب القلب معرفة حقوق الله، والأعراض عن الخطرات المذمومة.

«والْفِكْرُ مِرْآةٌ صَافِيَةٌ»: أي كما يرى صور المحسوسات بالمرآة كذا يرى صور المعقولات بالفكر قيل: التفكير سراج القلب یری به خيره وشره ومنافعه ومضاره، وكل قلب لا يفكر فيه؛ فهوا ظلمات تحيط قبل التفكر على ضربين تفكر في الحق، وتفكر في الخلق، والعبد ممنوع عن التفكر في الحق مندوب إلى التفكر قال: الله تعالى «وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ»(1)«وصَدْرُ الْعَاقِلِ صُنْدُوقُ سِرِّه»: أي لا يفشيه فهو في هذا بمثابة الصندوق.

«والْبَشَاشَةُ حِبَالَةُ الْمَوَدَّةِ»: أراد أن صاحب طلاقة الوجه يصطاد القلوب بها ولا حظ مشابهة الطلاقة للحبالة أعني الألة وما شابه القلوب للصيد.

ص: 67


1- سورة آل عمران: الآية 191

«والِاحْتِمَالُ قَبْرُ الْعُيُوبِ»: أي تحمل المكروه وتكلفه على مشقة ساتر للعيوب كما أن القبر ساتر للميت.

ويرُوِيَ أَنَّه عليه السلام قَالَ فِي الْعِبَارَةِ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى أَيْضاً.

«الْمَسْأَلَةُ خِبَاءُ الْعُيُوبِ»: أي المصالحة بين الناس ستر عيب كل واحد منهم.

«ومَنْ رَضِيَ عَنْ نَفْسِه كَثُرَ السَّاخِطُ عَلَيْه»: أي من تهيأ له أسباب العيش على الوجه المرضي له كثر أفراد الساخط عليه من الحساد وهذا ظاهر لأهل التجربة ودخل خَلَدَ بعض العلماء أن الفاعل بمعنى الفعل أي من أشتغل بقبيح الأفعال ولم يستحي من الملك المتعال وقع في معرض كثيرة سخط القادر القاهر ذي الجلال والإكرام وهذا تأويل من غير ضرورة.

«والصَّدَقَةُ دَوَاءٌ مُنْجِحٌ»: موصل إلى النجح وهو الظفر بالمرام قيل الصدق ثمن نعيم الجنان، وأجرة خدم من الولد، وأن قتيل هدية حبيب الفاني إلى المحبوب الباقي وقيل جاذبة أساب المنح وحاجبة أصحاب المحن روي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم استنزلوا الرزق بالصدقة وفي الخبر تباهت الأعمال فقالت الصدقة أنا أفضلکن قيل لأن فيها تعظيم الحق والشفقة على الخلق وفيه أيضاً تاجروا لله بالصدقة تربحوا.

«وأَعْمَالُ الْعِبَادِ»: في الدنيا «فِي عَاجِلِهِمْ نُصْبُ أَعْيُنِهِمْ فِي آجَالِهِمْ»: نصبَ نصبٌ على الظرف وروي بالرفع على أنه خبر المبتدأ، وهو مصدر نصبت الشيء؛ إذا أقمته، ولذلك قيل للوتر نصب لأنهم رفعوه للعباد «قال عز من قائل «لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا»(1)وقال عليه السلام:

ص: 68


1- سورة الكهف: الآية 49

«اعْجَبُوا لِهَذَا الإِنْسَانِ يَنْظُرُ بِشَحْمٍ ويَتَكَلَّمُ بِلَحْمٍ ويَسْمَعُ بِعَظْمٍ ويَتَنَفَّسُ مِنْ خَرْم»: نفث الأنف وأصل الخرم القطع والمخرم منقطع الأنف وقرأ الصادق في قوله تعالى «اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ»(1)فقال: كيف لا يكون ضعيفاً من ينظر بشحم، ويسمع، بعظم، وينطق بلحم، والكلام في فوائدها قد سبق في أوائل الخطب.

وقَالَ عليه السلام: «إِذَا أَقْبَلَتِ الدُّنْيَا عَلَى أَحَدٍ أَعَارَتْه مَحَاسِنَ غَیْرِه وإِذَا أَدْبَرَتْ عَنْه سَلَبَتْه مَحَاسِنَ نَفْسِه»: قد سمعت أن محاسن جمع حسن على غير قيس أي إذا كان قوم في غنى فكل فعل حسن يحصل من غيرهم يمدحون به وكذلك على عکس ذلك إذا فقراء یکون لهم مكارم وأفعال حسنة فغيرهم من الأغنياء في جوارهم يمدحون به وذلك من الأفعال القبيحة لأهل الدنيا لأجل الطمع، وقال عليه السلام:

«خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ وإِنْ عِشْتُمْ»: وسافرتم «حَنُّوا»: اشتاقوا «إِلَيْكُمْ»: كناية عن الأمر بمعاملة الناس، وهذا من جوامع الكلم استأثر الله بها نبيه ووصيه وفي الترغيب بحسن الخلق أخبار كثيرة وردت أن من أحبكم إلى أحسنكم أخلاقاً، أن من خياركم أحسنكم أخلاقاً، بعثت لأتمم حسن الأخلاق.

وقَالَ عليه السلام «وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى»(2)الصادق عليه السلام لأن يندم على العفو أحب من أن يندم على العقوبة وفي الخبر الحكيم يتغافل والكريم

ص: 69


1- سورة الروم الآية 54
2- سورة البقرة: 237

إذا قدر غفر شعر:

أيا من له القدح المعلى من العلي ٭٭٭ إذا ابتدرت نحو القداح الأكابر

عدا الشرع خف فيه عفوك ناظر ٭٭٭ ولا خير في الأجفان لو لا النواظر

فحملك في الأيام كالمسك فائح ٭٭٭ وعلمك في الإسلام كالنجم زاهر

وقَالَ عليه السلام: «أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ اكْتِسَابِ الإِخْوَانِ وأَعْجَزُ مِنْه مَنْ ضَيَّعَ مَنْ ظَفِرَ بِه مِنْهُمْ»: أي أكثر عجزاً، وهو القصور عن فعل المرام من لم يقدر، وعجز عن تحصيل الإخوان يمدونه، ويعدونه المال ولم ينالو أجهد في الأعمال من يفوز بالمرام فكأنه لا عجز له، وفيه ترغيب إلى ذلك الاكتساب، وأعجز منه من ضيع من ظفر به بالاكتساب منه إذ حينئذ قد يصير عدواً له ينكسر المطلوب في يده، ومن رقي درجة المحبة؛ فقد فاز فوزاً عظيمًا عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم «أن رجلاً له أخ في قرية لأخرى؛ فأرصد الله له على مدرجته ملكاً قال: أين تريد قال: أني أريد أخالي في قرية أخرى قال: هل لك عليه نعمة تريدها قال: لا غير أني أحببته في الله قال: فأبی رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم أليك بأن الله قد احبك كما أحببته فيه»(1).

وقَالَ علي السلام: «إِذَا وَصَلَتْ إِلَيْكُمْ أَطْرَافُ النِّعَمِ فَلَا تُنَفِّرُوا أَقْصَاهَا بِقِلَّةِ الشُّكْرِ»: أطراف النعم أبعاضها التي هي أدناها وأقصاها أبعدها وهذا إيماء إلى من شکر نعم الله التي عنده وأن كانت صغيرة فهو تعالى يعطيه أجزلها.

ص: 70


1- مسند ابن المبارك: ص 15؛ الترغيب والترهيب من الحديث الشريف: لعبد العظيم المنذري: ص 363؛ المجموع للنووي: ج 4 ص 641

وقَالَ عليه السلام: «مَنْ ضَيَّعَه الأَقْرَبُ أُتِيحَ لَه الأَبْعَدُ»: أي قدر له أن عدم الانتفاع مما عنده، فمن ضيع ما عنده، وهو قریب نفعه، ومتناول منفعته، تكلف عناء البعيد الذي هو في غنى عنه، یعني أن عادة الله جارية بأن من لا ينصره في المهمات يُلقى في قلبه الكثير من المتاهات.

وقَالَ عليه السلام: «مَا كُلُّ مَفْتُونٍ يُعَاتَبُ»: ما يقي والفتنة من الأفعال التي تكون من الله تعالى، ومن العبد کالبيلة، والمصيبة، والقتل، والعذاب وغير ذلك من الأفعال الكريهة، ومتى كان من الله يكون على، وجه الحكمة ومتی کان من الإنسان بغير أمر الله يكون ضد ذلك، وأما المدعى فظاهر الصدق ورب مفتون يثاب لا يعاقب، وكيف لا، وقد قال سيدنا البلاء للأنبياء؛ ثم الأولياء؛ ثم الأمثل؛ فالأمثل، وعادة الغيور جارية، بأن يمطر البلاء على من يريد؛ أن يشكر من شراب العشق ولله در من قال:

شرود عقل واله ذله وشربه ٭٭٭ سَكَر باق إلى الإبد

یا عادل العاشقين أرفق على فئة ٭٭٭ أفنوا زمانهم ما لهم ولا كمد

أفناهم الحب والكتمان ٭٭٭ حتى رماهم بلا روح ولا جسد

فالدمع منهمل والعقل مرتحل ٭٭٭ والشجر ماد من الأحشاء والكبد

وقَالَ عليه السلام: «تَذِلُّ الأُمُورُ لِلْمَقَادِيرِ حَتَّى يَكُونَ الْحَتْفُ»: الهلاك «فِي التَّدْبِیرِ»: المقادير يرجع مقدار وهو الشيء الذي يعرف به قدر الشيء كالميزان والمكيال ويستعمل بمعنى القدر الأمور بدابة ذليلة في أنها تابع لها كالذلول

ص: 71

لصاحبه أراد أن الله سبحانه ثبت في اللوح المحفوظ مقادير الخلائق على وفق ما تعلقت به أرادته أزلاً وقدر عين مقادیر هم تعيينا لأساتي خلافه.

«عَنْ قَوْلِ الرَّسُولِ صلى الله عليه - وآله - وسلم غَیِّرُوا الشَّيْبَ»(1): أي اخضبوا شعور رؤوسكم ومحاسنكم «ولَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ فَقَالَ عليه السلام إِنَّمَا قَالَ صلى الله عليه - وآله - وسلم ذَلِكَ والدِّينُ قُلٌّ »: قليل «فَأَمَّا الآنَ وقَدِ اتَّسَعَ نِطَاقُه»: لغة شقة طويلة عريضة تخر على الأرض إذا وهنا مستعار «وضَرَبَ بِجِرَانِه»: أي ضرب الإسلام بصدره على الأرض، وهذا أيضاً استعارة كالبعير إذا أتيح وضرب بصدره على الأرض.

«فَامْرُؤٌ ومَا اخْتَارَ»: كقولهم كل رجل وضيعته(2)أي المرء مختار أن شاء أخضب وأن شاء لم يخضب، وإنما كان الخضاب في أول الإسلام مستحباً وندباً لأن المسلمين كانوا مشتغلين بالغزو والقتال، وكان الكافرون عند قتالهم المؤمنين يرونهم شباباً مسودة شعورهم فيخافونهم فأما اليوم فلا يكون بيننا وبين المشركين حرب وقد كثر المسلمين فلا استحباب في الخضاب.

وقَالَ «مَنْ جَرَى فِي عِنَان أَمَلِه عَثَرَ بِأَجَلِه»: أراد أن مرکب مطية الأمل سقط به أجله في مهوى الهلاك، وفي ذلك تنبيه على عاقبة الأمل، وتنفير عنه الحسن أجتمع ثلاثة نفر؛ فسأل بعضهم بعضاً عن أمله؛ فقال أحدهم ما يأتي علي شهر؛

ص: 72


1- مسند احمد بن حنبل: ج 1 ص 16، الخصال للصدوق: ص 498؛ تحف العقول لابن شعبة الحراني: هامش ص 13؛ سنن النسائي للنسائي: ج 8 ص 138؛ السنن الكبرى لأحمد بن الحسين البهيقي ج 3 ص 311
2- والضيعة: الحرفة، والصناعة، ومنه: «كل رجل وضيعته» معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية لمحمود عبد الرحمن عبد المنعم ج 3 ص 403

إلا ظننت أن أموت فيه وقال: الثاني لم يأتي علي يوم إلا ظننت أن أموت فيه، وقال الثالث ما أمل من اجله بيد غيره، وغرضه عليه السلام من هذا الكلام هذا القسم.

وقَالَ عليه السلام: «أَقِيلُوا ذَوِي الْمُرُوءَاتِ عَثَرَاتِهِمْ فَمَا يَعْثُرُ مِنْهُمْ عَاثِرٌ إِلَّا ويَدُ الله بِيَدِه»: غرضه عليه السلام الترغيب إلى المروة، والفتوة، وأنه فضيلة ساترة للعيوب غافرة للذنوب لا ينبغي أن صاحبه بغير ذنب فما يسقط منهم ساقط في وقت من الأوقات إلا وقدرة الله ترفعه، ولا يتركه في مهاوي الهلاك شبه حالة بحال من سقط عن محل الأوقات إلا وقدرة الله «يَرْفَعُه»: ولا يتركه في مهاوي الهلاك شبه حاله بحال من سقط عن محل ويده غيره فرفعه فاستعير هذا اللفظ.

وقَالَ عليه السلام: «قُرِنَتِ الْهَيْبَةُ بِالْخَيْبَةِ»: أي اليأس مما في أيدي الناس من كان مُهيباً في النفوس، وقيل معناه أن من هاب عدوه خاب من الظفر به.

«والْحَيَاءُ بِالْحِرْمَانِ»: أرد أن صاحب الحياء محروم؛ فأن من منعه الحياء من المسألة لا يعطی.

«والْفُرْصَةُ تَمُرُّمَرَّ السَّحَابِ فَانْتَهِزُوا»: اغتنموا «فُرَصَ الْخَيْرِ»: إبراهيم بن الحسن البصري رحمه الله رأيت أربعة من العباد تکلم كل واحد منهم بكلمة يدخل فيه النصائح، والمواعظ كلها فقال: الأول نفسك مطيتك؛ فارضها في طاعة الله، وقال الثاني إنما أنت مملوك؛ فاجعل على نفسك كل يوم ضريبة، وقال: الثالث إذا استمسکت من يوم فلسانك، وقال الرابع لكل شيء ناصح وناصح الحياء القلب.

وقَالَ عليه السلام: «لَنَا حَقٌّ فَإِنْ أُعْطِينَاه وإِلَّا رَكِبْنَا أَعْجَازَ الإِبِلِ وإِنْ طَالَ السُّرَى»: قال السيد رضي الله عنه.

ص: 73

وهذا القول لطيف الكلام وفصيحه ومعناه أنا إن لم نعط حقنا كنا أذلاء وذلك أن الرديف يركب عجز البعير کالعبد والأسير ومن يجري مجراهما: أقول تفصيل هذا الأجمال قد رأيت في تهذيب اللغة حيث قال: الأزهري قال القيسي أعجاز الأبل جمع وهو مرکب ساق قال ومعناه أن منعنا حقنا ركبنا مركب المشقة وصبرنا عليه وأن طال ولم يضجر منه بحقنا وتأخير إياه عن الإمامة والتقدم فيه فأراد أن منعنا حقنا وأخرنا عن ذلك صبرنا على الأثر عليها وأن طالت الأيام.

وقَالَ عليه السلام: «مَنْ أَبْطَأَ بِه عَمَلُه لَمْ يُسْرِعْ بِه حَسَبُه»: أي من لم يكن له أفعال حسنة؛ فلا ينفعه شرف آبائه الكرام، وأن ليس للإنسان إلا ما سعی.

وقَالَ: عليه السلام «مِنْ كَفَّارَاتِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ»: كذا وقع على إضافة الموصف بالصفة.

«إِغَاثَةُ الْمَلْهُوفِ»: المظلوم يستغيث «والتَّنْفِيسُ عَنِ الْمَكْرُوبِ»: بتفريج الغم الذي يأخذ بالنفس عن صاحبه وفي الخبر من أغاث ملهوفاً كتب الله له ثلاث وسبعين مغفرة واحدة فيها صلاح أمره كله وأثنان وسبعون له درجات يوم القيامة وفيه أشارة إلى أن غفران الذنوب مقدمة فتح باب رحمة الله تعالى في الدنيا والعقبي ومن ثم قدمها في قوله تعالى «لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ»(1)علی قوله: «وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ»(2)ويهديك لأن التحلية بعد التخلية.

وقَالَ: «يَا ابْنَ آدَمَ إِذَا رَأَيْتَ رَبَّكَ سُبْحَانَه يُتَابِعُ عَلَيْكَ نِعَمَه وأَنْتَ تَعْصِيه فَاحْذَرْه»: فأن ذلك من أمارات أن الدنيا لك، روي عن بعض الصحابة أنه قال

ص: 74


1- سورة الفتح: الآية 2
2- سورة يوسف: الآية 6

دخلت على رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش قد أثر الرمال بجنبه علة وسادة من أدم حشوها ليف قلت يا رسول الله أدع الله فليوسع على أمتك فأن فارس قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا وفي رواية أما ترضى أن يكون لهم الدنيا ولنا الآخرة وأيضاً دليل أنه ليس من زمرة المحبوبين إذا البلاء لا البلاء يصيبهم شعر:

أبيلت من أحببت بأحسن البلاء ٭٭٭ وخصصت بالبلوى رجالاً خشع

أحببت بلواهم وطول حنينهم ٭٭٭ وتطلب ضرهم لكي يتخضعوا

وقَالَ عليه السلام «مَا أَضْمَرَ أَحَدٌ شَيْئاً إِلَّا ظَهَرَ فِي فَلَتَاتِ لِسَانِه»: سقطاته والكلام الذي يقع من غير تفكر يقال ذلك فلته أي فجأة إذا لم يكن عن تدبر وتفکر.

«وصَفَحَاتِ وَجْهِه»: بشراته وأفعاله يظهر حاله وأنه صالح أم طالح، ذكي أم غبي قال عز من قائل: عز من قائل: «سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ»(1).

وقَالَ عليه السلام: «امْشِ بِدَائِكَ مَا مَشَى بِكَ»: ما بمعنى المدة والباء بمعنی مع، یعني ما لم يقعد الداء ولم يعجزك عن المشي فأمشي وتخلّد لأن في ذلك قوة وتقوية للطبيعة.

وقَالَ عليه السلام: «أَفْضَلُ الزُّهْدِ إِخْفَاءُ الزُّهْدِ»: أذهبوا بعد عن الرياء شعر: وما الزهد إلا في انقطاع العلائق وما الحق إلا في وجود الحقائق وما الحب إلا حب

ص: 75


1- سورة الفتح الآية 29

من كان قلبه عن الخلق مشغولاً برب الخلائق فصد عن الدنيا وما أتبع الهوى ويختار في الطاعات أرضى الطرائق.

وقَالَ عليه السلام: «إِذَا كُنْتَ فِي إِدْبَارٍ والْمَوْتُ فِي إِقْبَالٍ فَمَا أَسْرَعَ الْمُلْتَقَى»: فيه أيقاظ الغافلين عن سني الغفلة حكي أنه في بعض الكتب السالفة يا أبن آدم عليك بالمبادرة إلى أعداد زادك فأن الموت يأتيك بغتة وأن الله تعالى لا يعذرك.

وقَالَ عليه السلام: «الْحَذَرَ الْحَذَرَ فَوَ الله لَقَدْ سَتَرَ حَتَّى كَأَنَّه قَدْ غَفَرَ»: ومع ذلك فليتق بحالك الإنابة والطاعة وفي الخبر قال: صلى الله عليه [وآله] وسلم «یا أبن آدم أتدري لم خلقت؟ خلقت للحساب وخلقت للنشور والوقوف بين يدي الله تعالى ليس ثمة ثالثة، دار إنما هي الجنة أو النار فان عملت بما يرضي الرحمن فالجنة دارك ومأواك وأن عملت بما يسخطه فالنار ولا يقوم بها جبار عندي ولا شیطان مريد ولا حجر ولا مدر ولا حديد»(1).

وسُئِلَ عليه السلام عَنِ الإِيمَانِ: أي عن أساسه لأن حقيقته هو التصديق بالقلب فقط بجميع ما أوحاه الله وأتی به رسوله صلى الله عليه [وآله] وسلم.

فَقَالَ «الإِيمَانُ عَلَى أَرْبَعِ شعب»(2): جمع شعبة وهي الأغصان وهنا استعارة شبه الإيمان بشجر ولوحظ في ذلك أن الاعتقاد الحق أصله والبواقي بمثابة الأغصان «عَلَى الصَّبْرِ والْيَقِینِ والْعَدْلِ والْجِهَادِ»: ولما لم يكن كل الصبر من الأيمان لأن الصبر من المباح ليس يشترط فيه وكذلك القول في اليقين، لأن العلم اليقين بكثير من الأشياء لا يكون من الأيمان ذكر من أقسام الصبر واليقين والعدل

ص: 76


1- لم أعثر على مصدر للحديث، لعل المصنف ذکر بالمضمون
2- ورد في بعض متون النهج: على أربع: دَعَائِمَ

والجهاد ما هو الإيمان فقال:

«والصَّبْرُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ عَلَى الشَّوْقِ والشَّفَقِ»: الخوف «والزُّهْدِ والتَّرَقُّبِ»: انتظار الموت «فَمَنِ اشْتَاقَ إِلَی الْجَنَّةِ سَلَا عَنِ الشَّهَوَاتِ»: أي طيب نفسه عن جميع ما تشتيه.

«ومَنْ أَشْفَقَ مِنَ النَّارِ»: خاف منها «اجْتَنَبَ الْمُحَرَّمَاتِ ومَنْ زَهِدَ فِي الدُّنْيَا اسْتَهَانَ»: استخف: «بِالْمُصِيبَاتِ ومَنِ ارْتَقَبَ الْمَوْتَ سَارَعَ إِلَی الْخَیْرَاتِ والْيَقِینُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ عَلَى تَبْصِرَةِ الْفِطْنَةِ»: أي يرى الأحوال کما هي: «وتَأَوُّلِ الْحِكْمَةِ»: التأول والتأويل بمعنى وهو تفسير ما یؤل إليه الشيء والحكمة العلم الذي يدفع الإنسان عن فعل القبيح مستعار من حكمة اللجام وهي ما أحاط بحنك الدابة تمنعها من الخروج على مرادها.

«ومَوْعِظَةِ الْعِبْرَةِ وسُنَّةِ الأَوَّلِینَ فَمَنْ تَبَصَّرَ فِي الْفِطْنَةِ تَبَيَّنَتْ: ظهرت لَه الْحِكْمَةُ ومَنْ تَبَيَّنَتْ لَه الْحِكْمَةُ عَرَفَ الْعِبْرَةَ ومَنْ عَرَفَ الْعِبْرَةَ فَكَأَنَّمَا كَانَ فِي الأَوَّلِینَ»: التبصر التأمل والتعرف فمن تبصر في الفطنة أي من نظر وتفكر في العلوم تحققت، وظهرت له حكمة الدين، وإذا كان كذلك أعتبر بذلك ومن قرأ أحوال الماضين، وكانت له عبراً فكأنه كان معهم.

«والْعَدْلُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ عَلَى غَائِصِ الْفَهْمِ وغَوْرِ الْعِلْمِ»: بعده عن الأفهام أي العلم العابر، وغائض الفهم أضافة الصفة إلى الموصوف للتأكيد مستعار من الغوص الذي النزول تحت الماء، وقد غاص في الماء والفهم والغائص الذي يهجم على الشيء فيطلع على ما هو عليه كالذي يغوص على اللؤلؤ.

«وزُهْرَةِ الْحُكْمِ»: حسن الحكمة وعصارتها «ورَسَاخَةِ الْحِلْمِ»: ثبوته «فَمَنْ فَهِمَ

ص: 77

عَلِمَ غَوْرَ الْعِلْمِ»: غور كلي شيء قعره ومن العلم «ومَنْ عَلِمَ غَوْرَ الْعِلْمِ صَدَرَ عَنْ شَرَائِعِ الْحُكْمِ»: مشاربه «ومَنْ حَلُمَ لَمْ يُفَرِّطْ»: لم يقصر «فِي أَمْرِه وعَاشَ فِي النَّاسِ حَمِيداً»: ممدوحاً «والْجِهَادُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ عَلَى الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ والصِّدْقِ فِي الْمَوَاطِنِ»: مواقف الجهاد «وشَنَآنِ الْفَاسِقِينَ»: بغضهم «فَمَنْ أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ شَدَّ ظُهُورَ الْمُؤْمِنِینَ ومَنْ نَهَى عَنِ الْمُنْكَرِ أَرْغَمَ»: أذل «أُنُوفَ المنافقین(1)ومَنْ صَدَقَ فِي الْمَوَاطِنِ قَضىَ مَا عَلَيْه»: ولم يختر ماله:

«ومَنْ شَنِئَ الْفَاسِقِينَ وغَضِبَ للهِ غَضِبَ الله لَه وأَرْضَاه يَوْمَ الْقِيَامَةِ»: ولما ذكر الإيمان ذكر الكفر، والشك لأنهما ضدان له، وبضدها تتبين الأشياء، وأن سئل عن الأيمان فقال:

«والْكُفْرُ عَلَى أَرْبَعِ دَعَائِمَ عَلَى التَّعَمُّقِ»: أي في الكلام التقعر والتباعد منه بأن يتعسف الإنسان في ذلك ويترك ظاهر المحمود الذي يوافق دليل العقل حسناً.

«والتَّنَازُعِ»: التخاصم «والزَّيْغِ»: الميل إلى الباطل «والشِّقَاقِ»: المعادات «فَمَنْ تَعَمَّقَ لَمْ يُنِبْ»: لم يرجع «إِلَی الْحَقِّ ومَنْ كَثُرَ نِزَاعُه بِالْجَهْلِ دَامَ عَمَاه عَنِ الْحَقِّ ومَنْ زَاغَ سَاءَتْ عِنْدَه الْحَسَنَةُ وحَسُنَتْ عِنْدَه السَّيِّئَةُ وسَكِرَ سُكْرَ الضَّلَالَةِ ومَنْ شَاقَّ»: خالف الدين «وَعُرَتْ»: صعب «عَلَيْه طُرُقُه وأَعْضَلَ»: شكل «عَلَيْه أَمْرُه وضَاقَ عَلَيْه مَخْرَجُه»: خروجه من الباطل «والشَّكُّ»: في أصول الدين نوع من الكفر.

«عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ عَلَى التَّمَارِي»: التخاصم «والْهَوْلِ»: الفزع «والتَّرَدُّدِ»: بن الحق والباطل «والِاسْتِسْلَامِ فَمَنْ جَعَلَ الْمِرَاءَ»: مصدر مار الرجل إذا جادلته.

«دَيْدَناً بإعادته لَمْ يُصْبِحْ لَيْلُه»: ولم يطلع شمس اليقين في سماء قلبه.

ص: 78


1- ورد في بعض متون النهج: الْكَافِرِين

«ومَنْ هَالَه»: أخافه «مَا بَیْنَ يَدَيْه نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْه ومَنْ تَرَدَّدَ فِي الرَّيْبِ وَطِئَتْه سَنَابِكُ الشَّيَاطِينِ»: سنابك جمع سنبك وهو معرب أي من كان شاكاً وتردد في الشك غلب عليه الشيطان وأستولى عليه جنوده.

«ومَنِ اسْتَسْلَمَ لِهَلَكَةِ الدُّنْيَا والآخِرَةِ هَلَكَ فِيهِمَا»: وليعلم أن معاني هذا الفصل عجيبة أنيقة وإكثار التفكر فيه مثمر للعلوم الجمة، وبالاستمداد من روحه القدسية الراتعة في رياض دار السلام أعدى مركب البيان في بسيط هذا الكلام؛ فاستمع لما يتلى عليك، ويستخرج من كلامه عليه السلام؛ فنقول بأذن الله سبحانه، وتعالى أنه كان عليه السلام مکاشفاً للأحوال متکلماً على مقتضى الحال كما هو دأب کرام الفصحاء، وفصحاء الكرام، ولما كان من شان السائل والوقت مقتضين للترغيب إلى الصبر الثابت على أحكام الكتاب والسنة، والعدل طلب الاستقامة، وغيرهما مما ذكر حكم بأن الإيمان على أربع شعب، ولمزيد اهتمامه بالصبر قدم قدمه؛ إذ هو كنز من كنوز الجنة كما أخبر به النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم؛ ثم قفاه باليقين؛ إذ هو مشاهدة الغيوب بنور القلب، وملاحظة الأسرار بمخالطة الأفكار، وفي الأخبار سلوا الله اليقين والعافية؛ ثم بالعدل إذ هو ساعة خير من عبادة سبعين سنة من ذكر الجهاد؛ فأن الله سبحانه أظهر الدين، وجعل عزه في الجهاد؛ فمن أخذ منه حظه في زمانه كان كمن شاهد المشاهد كلها، وشارك ما مضى قبله من الغزاة، ومن تباطأ عنه في زمانه؛ فقد أشار إلى أن الصبر أصل الشوق؛ إذ هو لا يحصل بدون الصبر عن محارم الله، وكمال الصبر به، والشفق إذ الخائف من أهوال القيامة يصبر، والزهد لا يتحصل بدونه، وذلك ظاهر، ولما صبر فتح عينه القلبي مآل الحال فينظر الزوال؛ ثم أومأ إلى أن المشتاق إلى الجنة لا يحوم حول اللذات الدنيّة الدنيوية إذا هو يعلم أن الجنة حفت بالمكاره وظاهر أن من خاف

ص: 79

عن النار لا يفعل الحرام؛ إذ نصب عينيه أن الله عزيز ذو انتقام، ومن رغب عن الدنيا استخف بالمصيبات إذا التنقل منشأه الميل إلى الدنيا، ومحبة اقتنائها، ولذاتها، ولهذا قيل أن خمس من أخلاق الزهاد: الشكر على الحلال، والصبر عن الحرام، ولا يبالي متي؛ فأنه النعم ولا يبالى متى أصابه البلاء، ويكون الفقر، والغنى عنده سواء، وظاهر أن اليقين منشأ الأمور الأربعة المتفرعة عليه التي بمنزلة الشعب للشجرة وهي شجرة طيبة أصلها ثابت، وفرعها في السماء.

قال: بعضهم رأس الخيرات كلها اليقين، والعلم، والعقل ومنها الخيرات ولما ذکر معنى الغدر يظهر لك اشتماله على الأربع فتأمل.

ومن أتصف بالفهم الغائص، وصل قعر بحر العلم وري أي الطريق؛ فلا يخبط إذ هو ثمرة الجهل، ومن حلم عاش في الناس حمیداً محموداً لأنه يطفئا نائرة الغضب عند نزول النصب، والتعب وروي عنه عليه السلام؛ أنه قال: أول غرض الحكيم أن يكون الناس أنصاره، وأما اشتمال الجهاد على الأمور الأربعة فظاهر إذ الجهاد أن تجاهد مع نفسك لأجل الخلق، وتجاهد مع الخلق لأجل الحق ومن كان كذلك لا محالة كان موصوفاً بشعب الجهاد وشد ظهور المؤمنين كناية عن تقويمهم، وإرغام أنوف المنافقين عن إذلالهم وذلك لأن الأمر بالمعروف التحريض على ما يطابق العبد باتباع الشرع والتقرب إلى الله تعالى والنهي عن المنكر الزجر عما يبعد العبد من الندم والألم حالاً ومالاً، وظاهرٌ أن من أتصف بهذه الصفة يكون مقوياً ومراغماً ومن معنى الصدق أنه القول بالحق في مواطن الهلكة يظهر أن الصادق عليه السلام قضى ما عليه ما عليه، وأما أن بغض الفاسق، والغضب لله سبب غضب الله وإرضائه؛ فأنه يوجد من أمثاله عليه السلام الذين هم عارفون الأسرار المحجوب عن أفهام أولى الأيدي والأبصار؛ ثم

ص: 80

بقين وأعتبر الدعائم في الكفر والدعامة عماد البيوت للقرب التي هي الخيام تعتمد عليها الدعامتان خشبتا البكرة والجمع دعائم، ولا حظ في ذلك سر لا يظهر إلا لمن له مشكلة كاملة أراد بقوله الكفر على أربع دعائم أن الكافر هذه الأمور القبيحة هجرانه وَدَعاته وذلك القسوة قلبه وفيه «ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا»(1)بخلاف المؤمن؛ فأنه يرى في صفاء مرآة قلبه صورة مآل هذه الحال فيجب عنها إلا بخلاف المؤمن؛ فأنه يرى في صفاء مرآة قلبه صورة مال هذه الحال فيجتنب عنها إلا في الحق «وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً»(2)ومن غرق في لجة الباطل يرجع إلى الحق وهذا الحكم أكثر وظاهر أن من مال عن الطريق يأخذ عكس الواقع يتخذ الحسنة سيئة والسيئة حسنة وما دام على ذلك مسكر سكر الظلالة شبه الظلال بالخمر في الستر المطلق، واستعار المصدر لفعل الضلالة وأشتق منه الفعل ولا يخفى أن من خالف الدين المبين والشرع المتين وعزت عليه طرقه ولا يصل بها إلى المرام واشتد وأشكل عليه ولما صار الباطل ملكة له نفسانية وضاق عليه مخرجه وذلك لا سترة به، والشك وهو اعتدال النقيضين عند الإنسان أصل شعبه إذا التماري اعظم الشك ومن على اليقين لا يفزعه شيء إذ هو كما قال الوراق يقطع كل سبب بینه، وبين الله تعالى من العرش إلى الثرى ويكون مراده الله لا غير ويؤثر رضا الله على كل شيء سواه ومع ذلك كيف يفرغ ويطهر من الشك الذي هو التردد بين النقيضين وذلك ظاهر وينقاد لمهلك الدنيا ولا خفاء أن من صار المرية عادة له لم يزل ظلمتها ولم تشرق عرصة قلبه بنور العلم استعار الليل للجهل، والشك كما أن في ظلمة الليل لا يرى شيء كذلك في ظلمة الشك ورشحها بنصح وکنی بعدم الأصباح عن

ص: 81


1- سورة النور: الآية 40
2- سورة النور: الآية 39

زاوله وليس يخفى أن من خوفه ما بين يديه أي عنده رجع على عقبيه، وينظر إليه كناية عن أن من خاف عن الأمور الدنية بحسب الوسوسة الشيطانية يرجع عن الاشتغال بها وجعل ختام الفصل مسكاً يفوح أعني الإشارة إلى أن المستلم للدنيا الطالب لها هالك وللعقبي ونعميها أيضاً هالك وللإنسان شأن وراء ذلك يليق به نبذ الدنيا والعقبی وراء ظهره، والترقي إلى سماحة الوصول أيام دهره روي أن الله تعالى أوحى إلى داود عليه السلام يا داود أن أحب الأحباء إلى من عبدني لغير نوال ولكن عبدني ليعطي الربوبية حقها ومن أظلم ممن عبدني لجنة أو نار لم أكن أهلاً أن أطاع وأعبد خالصة شعر:

وله خصائص يركضون محبته ٭٭٭ أخبارهم في سالف الأزمان

أختارهم من قبل فطرة حلتهم ٭٭٭ لوداع ولحكمة وإتيان

قال السيد رضي الله عنه: وبعد هذا كلام تركنا ذكره خوف الإطالة والخروج عن الغرض المقصود في هذا الكتاب: وأقول أنا أيضاً اقتصرت في البيان خوفاً للإطالة وأن كان هو المسك ما كررته يتضوع.

وقَالَ عليه السلام: «فَاعِلُ الْخَیْرِ خَیْرٌ مِنْه وفَاعِلُ الشَّرِّ شَرٌّ مِنْه»: إذ هما مصدران لهما لغيرهما والخير والشر من أبدئهما.

وقَالَ عليه السلام: «كُنْ سَمْحاً»: جواداً؛ فأن الله سبحانه؛ فأن يحب السماحة ولو على تمرات ويحب الشجاعة ولو على قتل حیات کذا قاله النبي الأمي صلى الله عليه [وآله] وسلم:

ص: 82

«ولَا تَكُنْ مُبَذِّراً»: الذي يفسد ماله فأن الله لا يحب المسرفين.

«وكُنْ مُقَدِّراً»: الذي ينفق نفقة العيال بالتقدير.

«ولَا تَكُنْ مُقَتِّراً»: لذي يضيق النفقة على عياله.

وقَالَ عليه السلام: «أَشْرَفُ الْغِنَى تَرْكُ الْمُنَى»: قد سبق الكلام فيه.

وقَالَ عليه السلام: «مَنْ أَسْرَعَ إِلَی النَّاسِ بِمَا يَكْرَهُونَ»: من قول أو فعل «قَالُوا فِيه بِمَا لَا يَعْلَمُونَ»: وهذا واضح عند أهل التجربة.

وقَالَ عليه السلام: «لمَنْ أَطَالَ الأَمَلَ»: الرجا «أَسَاءَ الْعَمَلَ»: ولأن ذلك يميت القلب ولذا قيل أن للأمل خنجر يذبح بها القلب بعض العارفين لو نكح الحرص الأمل ولدهما الحرمان.

وقَالَ عليه السلام: «وقَدْ لَقِيَه عِنْدَ مَسِیرِه إِلَی الشَّامِ دَهَاقِینُ أهل الأَنْبَارِ»: أرباب تلك البلدة وهي على الفرات من الجانب الشرقي وهيت من الجانب الغربي.

«فَتَرَجَّلُوا لَه»: أي كانوا ركباناً وفرساناً فنزلوا وصاروا راجلين «واشْتَدُّوا بَیْنَ يَدَيْه»: أي عدوا قدام أمير المؤمنين عليه السلام فمنعهم عن ذلك بقوله:

«مَا هَذَا الَّذِي صَنَعْتُمُوه فَقَالُوا خُلُقٌ مِنَّا نُعَظِّمُ بِه أُمَرَاءَنَا فَقَالَ والله مَا يَنْتَفِعُ بِهَذَا أُمَرَاؤُكُمْ وإِنَّكُمْ لَتَشُقُّونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ فِي دُنْيَاكُمْ»: أي يحملون تلك المشقة عليها ويتكلفون ذلك العدم ومع التحيل عليها يقال: على النفس شقا من المشقة «وتَشْقَوْنَ بِه: يصيرون» أشقياء «فِي آخِرَتِكُمْ ومَا أَخْسَرَ الْمَشَقَّةَ وَرَاءَهَا الْعِقَابُ»: محله النصب على الحال من المشقة ولو قال وما أخسر مشقة لكان ورائها العقاب صفتها.

ص: 83

فقال: ما أبين الخسران في هذه المشقة كائنة وعقوبة الله بعدها وإنما تكون باحتمال المشقة الثواب إذا كان مشروعاً.

«وأَرْبَحَ الدَّعَةَ مَعَهَا الأَمَانُ مِنَ النَّارِ»: أي ما أربح تلك الراحة ومعها الأمان وقد سبق الكلام في أمثال هذه الاستعارة.

وقَالَ عليه السلام «لِابْنِه الْحَسَنِ يَا بُنَيَّ احْفَظْ عَنِّي أَرْبَعاً وأَرْبَعاً»: لم يقل ثمانية لأن أربع خصال منها على الأثبات وأربع خصال منها على النفي.

«لَا يَضُرُّكَ مَا عَمِلْتَ مَعَهُنَّ»: بل ينفعك «إِنَّ أَغْنَى الْغِنَى الْعَقْلُ»: أي أكثر عناء وذلك ظاهر ووجه الاستعارة أن بكل منهما يحصل ما يحتاج إليه وفائدة العقل أكثر فلذا كان أغني.

«وأَكْبَرَ الْفَقْرِ الْحُمْقُ»: أذ هو أكثر بلاء وابتلاء.

«وأَوْحَشَ الْوَحْشَةِ الْعُجْبُ»: وذلك لأن صاحبه يرى نفسه خیر من غیره فلذا ينفر عنه إلا أذا كان سلطاناً أو ذا مال فيقرب منه لأجل الطمع.

«وأَكْرَمَ الْحَسَبِ حُسْنُ الْخُلُقِ»: وله شعب كثيرة؛ فلذا اختلف العلماء في تعريفه؛ الحسن البصري: حسن الخلق بسط الوجه، وكف الأذى، وبذل الندى؛ حكم أن لا تظلم، ولا تمنع ولا تجفوا أحداً؛ أو أن ظلم غفر، وأن منع شکر؛ وأن أبتلى صبر، أهل الرياضة: صدق التحمل وحب الآخرة وبغض الدنيا وقيل غير ذلك وإنما كان أكرم الحسب لأنه أكثر فائدة وأوفر عائدة. أنس بن مالك: أن العبد ليبلغ بحسن خلقة أعلى درجة في الجنة وهو غير عابر وأن العبد ليبلغ بسوء خلقه أسفل درك في جهنم وهو غير عابد.

ص: 84

«يَا بُنَيَّ إِيَّاكَ ومُصَادَقَةَ»: مودة «الأَحْمَقِ»: من سبق بكلامه فكره وهو لا يتأجل عند النطق هل ذلك الكلام صواب أم لا فيتكلم به من غفلة.

«فَإِنَّه يُرِيدُ أَنْ يَنْفَعَكَ فَيَضُرَّكَ وإِيَّاكَ ومُصَادَقَةَ الْبَخِيلِ»: من لا يعطي ما يجب عليه من الزكاة والخمس وغيرهما.

«فَإِنَّه يَقْعُدُ عَنْكَ»: عن نصرتك «أَحْوَجَ مَا تَكُونُ» إِلَيْه: ما مصدرية ونصب أحوج عليه من الزكاة والخمس وغيرهما.

«وإِيَّاكَ ومُصَادَقَةَ الْفَاجِرِ»: الفاسق المائل.

«فَإِنَّه يَبِيعُكَ بِالتَّافِه»: اليسير الحقير وذلك لأنه سبق ستره الديانة فلا يحفظ حق المصادقة.

«وإِيَّاكَ ومُصَادَقَةَ الْكَذَّابِ فَإِنَّه كَالسَّرَابِ يُقَرِّبُ عَلَيْكَ الْبَعِيدَ ويُبَعِّدُ عَلَيْكَ الْقَرِيبَ»: اللامع مع المفازة قت الهاجرة وذلك لا نساربه وجريانه في مراي العين

يقال: السراب فيما لا حقيقة له قال الله تعالى كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء في نطفة

ولا صفاء في لفظه وهو الميت سواء لأن قول الميت لا يسمع وقول الكاذب لا يقبل.

وقَالَ عليه السلاَم: «لا قُرْبَةَ بِالنَّوَافِلِ إِذَا أَضَرَّتْ بِالْفَرَائِضِ»: وهذا واضح مستغنی عن البيان.

وقَالَ عليه السلام: «لِسَانُ الْعَاقِلِ وَرَاءَ قَلْبِه وقَلْبُ الأَحْمَقِ وَرَاءَ لِسَانِه» قال السيد الرضي رضي الله عنه: وهذا من المعاني العجيبة الشريفة والمراد به أن العاقل لا يطلق لسانه إلا بعد مشاورة الروية ومؤامرة الفكرة والأحمق تسبق حذفات لسانه: سقطاته التي ترمي رمياً والمحدقة شيء يرمي به الحجر وغيره کالمقلاع ونحوه.

ص: 85

«وفلتات كلامه»: قريب من الفلتة والغفلة والفجأة.

«مراجعة فكره ومماخضة رأيه»: مفعول سبق.

«فكأن لسان العاقل تابع لقلبه وكأن قلب الأحمق تابع للسانه»: حکی عن أبراهيم بن رستم أنه قال: صحبت عوف بن عون رحمهما الله أربعاً وعشرين سنة فما أضن أن الملائكة كتبت عليه حرفاً؛ وإنما ذلك لكثرة التفكر، وفي الخبر من صدق لسانه، وطال صمته، وسلم الناس شره؛ فذلك لكثرة العاقل، وأن كان لا يقرأ كتاب الله تعالى.

أبو الدرداء: العاقل الذي يتواضع لما فوقه، ولا يحتقر من تحته، ويمسك الفضل من منطقه، ويخالط الناس بأخلاقهم قال السيد: وقد روي عنه عليه السلام هذا المعنى: المذكور بروايته السابقة: بلفظ آخر وهو قوله: «قَلْبُ الأَحْمَقِ فِي فِيه ولِسَانُ الْعَاقِلِ فِي قَلْبِه ومعناهما واحد»: نعم في هذه الرواية نوع مبالغة ليس في الأولى وفي كلتا الروايتين التنبيه على التأويل في كلام يراد أن يتكلم به وعلى حفظ اللسان أقسم بالله عبد الله بن مسعود فقال: والذي لا إلاه إلا هو ما على الأرض شيء أحوج إلى طول السجن من اللسان.

وقَالَ عليه السلام: «لِبَعْضِ أَصْحَابِه فِي عِلَّةٍ اعْتَلَّهَا جَعَلَ الله مَا كَانَ مِنْ شَكْوَاكَ حَطَّاً لِسَيِّئَاتِكَ فَإِنَّ الْمَرَضَ لَا أَجْرَ فِيه ولَكِنَّه يَحُطُّ السَّيِّئَاتِ ويَحُتُّهَا حَتَّ

الأَوْرَاقِ وإِنَّمَا الأَجْرُ فِي الْقَوْلِ بِاللِّسَانِ والْعَمَلِ بِالأَيْدِي والأَقْدَامِ وإِنَّ الله سُبْحَانَه يُدْخِلُ بِصِدْقِ النِّيَّةِ والسَّرِيرَةِ الصَّالِحَةِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِه الْجَنَّةَ» قال: السيد الرضي، وأقول: صدق علیه السلام إن المرض لا أجر فيه لأنه ليس من قبيل ما يستحق عليه العوض لأن العوض يستحق على ما كان في مقابلة فعل الله تعالى

ص: 86

بالعبد من الآلام، والأمراض، وما يجري مجرى ذلك، والأجر والثواب يستحقان على ما كان في مقابلة فعل العبد فبينهما فرق قد بينه عليه السلام کما يقتضيه علمه الثاقب ورأيه الصائب: شبه عليه السلام حالة المريض، وإصابة المرض جسده؛ ثم محو السيئات عنه سريعاً بحالة الشجرة، وهبوب الرياح الخريفية وتناثر الأوراق منها سريعاً، وتجردها عنه فهو تشبه تمثيلي لانتزاع الأمور المتوهمة في المشبه من المشبه به فوجه التشبيه الإزالة الكلية على سبيل السرعة لا الكمال، والنقصان لأن إزالة الذنوب عن الإنسان سبب کماله، وازالة الأوراق عن الشجرة سبب نقصانها ولفظ الخبر هكذا ما من مسلم يصبه إذا من مرض فما سواه إلا حط الله به سيئاته كما يحيط الشجر ورقها قول السيد تفسیر کلامه عليه السلام أن المرض لا أجر له ليس ذلك على الأطلاق، وذلك لأن المريض إذا احتمل المشقة التي حملّها الله عليه احتسابا كان له أجر الثواب على ذلك والعوض على المرض.

فعلى فعل العبد إذا كان مشروعاً الثواب، وعلى فعل الله إذا على سبيل الاعتبار العوض أقول الإطلاق هنا محمول على إن أصل المرض سبب تكفير السيئات وهو جانب العبد جهة إعطاء الثواب، وكأني بك تقول: فما تقول: في قوله صلى الله عليه [وآله] وسلم: «الطاعون شهادة لكل مسلم»(1)فأنه يدل على أن نفس الطاعون مستجلب الجزاء؛ فأقول: مبين المعنى من الحديث حديث آخر على أنه صلى الله عليه [وآله] وسلم سئل عن الطاعون فقال: «أنه عذاب مبين يبعثه لله على من يشاء وأن الله جعله رحمة للمؤمنين ليس من أحد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابراً محتسباً يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا ما كان له مثل آجر

ص: 87


1- مسند أحمد بن حنبل: ج 3 ص 15؛ فتح الباري لابن حجر: ج 10 ص 162؛ عمدة القاري للعيني: ج 24 ص 128

شهيد»(1)؛ فأنه يدل على أن الأجر متفرع على أنه يصبر وهو قادر على الخروج متوكلاً على الله تعالى ابتغاء مرضات الله طالب لثوابه لا لغرض آخر هذا، وأنت خبير بأن مرض المؤمن ذلك شأنه إذ هو مشروط بالأيمان ولأجل ذلك قال: رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم «مثل المؤمن كمثل الزرع لا يزال الريح تميله، ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء، ومثل المنافق كمثل الشجرة الأرزة لا تهتز حتی تستحصد»(2)إشارة إلى أن المؤمن ينبغي له أن يرى نفسه في الدنيا عارية معزولة عن استيفاء اللذات والشهوات معروضة للحوادث والمصيبات.

وقَالَ عليه السلام: «فِي ذِكْرِ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ»: ومدائحه وهو مات قبل الفتنة.

«يَرْحَمُ الله خَبَّابَ بْنَ الأَرَتِّ فَلَقَدْ أَسْلَمَ رَاغِباً وهَاجَرَ طَائِعاً وقَنِعَ بِالْكَفَافِ ورَضِيَ عَنِ الله وعَاشَ مُجَاهِداً».

«طُوبَى لِمَنْ ذَكَرَ الْمَعَادَ وعَمِلَ لِلْحِسَابِ وقَنِعَ بِالْكَفَافِ»: ما كف عن الناس أي أعني وفي الحديث اللهم أجعل رزق آل محمد کفافاً.

«ورَضِيَ عَنِ الله»: ومن فوائد الإسلام هدم ما كانت قبله صغيرة أو كثيرة وأما الهجرة فلا تكفر المظالم، ولا يقطع فيها أيضاً بغفران الكبائر التي بين الله وبين العناد نعم تهدم الصغائر، وأما المجاهدة ففوائده أكثر من أن يحصى وأكثر من أن تستقصي، وأما ذكر المعاد، فيمنع العصيان، والعمل للحساب يوصل إلى الحنان،

ص: 88


1- يُنظر: البداية والنهاية لابن كثير: ج 2 ص 172؛ کنز العامال للمتقي الهندي: ج 10 ص 77
2- يُنظر: المصنف لعبد الرزاق الصنعاني: ج 11 ص 196؛ مسند احمد بن حنبل: ج 2 ص 284 سنن الترمذي: ج 4 ص 227؛ شعب الإيمان لاحمد بن الحسين البهيقي: ج 7 ص 143

وقد النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم تغريباً إلى القناعة وتنفيراً عن الزيادة من لم يرض بالقوت شغل قلبه، واتعب نفسه، وخسر في الخزنة عند الميزان، وفي الخبر من رضي عن الله رضي الله عنه.

وقَالَ عليه السلام: «لَوْ ضَرَبْتُ خَيْشُومَ الْمُؤْمِنِ بِسَيْفِي هَذَا عَلَى أَنْ يُبْغِضَنِي مَا أَبْغَضَنِي ولَوْ صَبَبْتُ الدُّنْيَا بِجَمَّاتِهَا»: بجملتها «عَلَى الْمُنَافِقِ عَلَى أَنْ يُجِبَّنِي مَا أَحَبَّنِي وذَلِكَ أَنَّه قُضِيَ فَانْقَضَى»: مضى «عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ أَنَّه قَالَ: «يَا عَلِيُّ

لَا يُبْغِضُكَ مُؤْمِنٌ ولَا يُحِبُّكَ مُنَافِقٌ»(1)، ولفظ الحديث هکذا لا يجب علياً منافق ولا يبغضه مؤمن.

ولله در الشافعي قال:

حب علي بن أبي طالب ٭٭٭ فرض على الحاضر والغائب

لا يقبل التوبة عن تائب ٭٭٭ إلا بحب علي بن ابي طالب

وأما البغض والمحبة فلموافقة الطريق ومخالفتها.

وقَالَ عليه السلام: «سَيِّئَةٌ تَسُوءُكَ خَیْرٌ عِنْدَ الله مِنْ حَسَنَةٍ تُعْجِبُكَ»: وذلك لأن مفسدة العجب والتكبر أكثر السری کل معصية عن شهوة تأمل غفرانها وكل معصية عن كبر لا تأمل غفرانها لأن معصية إبليس كأن أصلها من الكبر.

ص: 89


1- مسند أحمد بن حنبل: ج 1 ص 95؛ سنن الترمذي: ج 5 ص 306؛ سنن النسائي: ج 8 ص 116؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 9 ص 133؛ فتح الباري لابن حجر: ج 1 ص 60 الأمالي: ص 197، والخصال: ص 558، وعلل الشرائع: ج 1 ص 145؛ معاني الأخبار: ص 60. وجميعها للصدوق

وقَالَ عليه السلام: «قَدْرُ الرَّجُلِ عَلَى قَدْرِ هِمَّتِه»: يعني قيمة الرجل على حسب قدر همته فأن غلب همته غلبت قیمته.

وصِدْقُه عَلَی قَدْرِ مُرُوءَتِه»: لأنها أمر طبيعي ينشأ منه الصدق.

«وشَجَاعَتُه عَلَى قَدْرِ أَنَفَتِه»: حميته وعبر عن القوة الغضبية إذا أثارت وكثرة بالحمية ومن هذا يظهر لك أن الشجاعة على قدرها.

«وعِفَّتُه عَلَى قَدْرِ غَيْرَتِه»: أي للدين فمن كان غيرته أكثر كان عفته أكثر والغيرة على النساء معروفة.

وقَالَ عليه السلام: «الظَّفَرُ بِالْحَزْمِ والْحَزْمُ بِإِجَالَةِ الرَّأْيِ والرَّأْيُ بِتَحْصِینِ الأَسْرَارِ»: يتحصل منه أن النظر يحفظ الأسرار قيل الحزم أشد الآراء والغفلة أشد الأعداء، من قعد عن حيلته أقامته الشدائد ومن نام عن عدوه أنبهته الشدائد إذا أذكى الملك اللبيب سراج الفكر أضاء ظلام الأمر.

وأما أن الرأي يحفظ الأسرار فلأن الإفساد یوجب الإفساد ومن؛ ثم قيل من أفشى سرك أفسد أمرك وقد سبق في أوائل الكتاب بيان ذلك مستوفي.

«احْذَرُوا صَوْلَةَ الْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ واللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ»: اللئيم الدني الأصل الشحيح النفس ضد الكريم والجوع والشبع محمولان على ظاهرهما احتمال أن لا يكون الجوع كناية عن ضيق اليد والشبع عن وسعتها والسبب في ذلك أن التكريم يشتد تلك الحالة عليه لأنه ليست من شأنه واللئيم يسعى في الفساد إذا أشبع.

وقَالَ عليه السلام: «قُلُوبُ الرِّجَالِ وَحْشِيَّةٌ»: أي بمنزلة حيوان البر يستوحش من الناس ويستبعد «فَمَنْ تَأَلَّفَهَا»: أي من طلبت ألفتها «أَقْبَلَتْ إِلَيْه»: وأحبته

ص: 90

وذلك يكون بالمصاحبة.

والمسامحة وغيرهما من الأخلاق الحسنة ويختلف باختلاف الأوقات والأشخاص.

وقَالَ عليه السلام: «عَيْبُكَ مَسْتُورٌ مَا أَسْعَدَكَ جَدُّكَ»: بحثك قبل أي ما دمت غيباً لا يظهر لا تظهر معايبك عند الناس والفقير منتهك الستر عندهم.

وقَالَ عليه السلام: «أَوْلَی النَّاسِ بِالْعَفْوِ أَقْدَرُهُمْ عَلَى الْعُقُوبَةِ»: إذا الأولوية بحسب القدرة.

وقَالَ عليه السلام: «السَّخَاءُ مَا كَانَ ابْتِدَاءً»: أي أوان عدم المسألة.

«فَأَمَّا مَا كَانَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَحَيَاءٌ وتَذَمُّمٌ»: أي استكشاف لأن السخاء والسخاوة: الجود والجود بذل المقتنيات من غير مسألة وصفت الله تعالى بالجود لأنه كل شيء خلقه ثم أهتدی.

وقَالَ عليه السلام: «لَا غِنَى كَالْعَقْلِ ولَا فَقْرَ كَالْجَهْلِ ولَا مِیرَاثَ كَالأَدَبِ ولَا ظَهِیرَ»: معین «كَالْمُشَاوَرَةِ»: أراد أن العقل يتوسل به إلى تحصيل الكمالات واللذات الدنية، والدنيوية بخلاف الغني، والمال، وكما أن الفقير عاجز عن تحصيل المرام الجاهل وعجزه أكثر؛ إذ عجز ذاك في الدنيا، وهذا في البيان والعقبی، ولك وجه الجمع بين تنفيره عن الفقير حيث جعل منفراً عنه بجعله؛ فقراً وترغيب النبي الأمي إليه فأقول: الفقر قسمان ممدوح وهو الترك مع الغنى القلبي، ومذموم، وهو الفقر الظاهري مع فقر القلبي، ومن هذا قال: عليه الصلاة والسلام أشقى الأشقياء من جمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة أراد به فقر القلب، وأما الفقر الممدوح؛ فقد أختلف في تعريفه قيل إرسال النفس في أحكام الله تعالى، وقيل

ص: 91

ملازمة القلة، واستحباب الذلة، وقيل الأنس بالمعدوم، والوحشة بالمعلوم، وقيل إظهار الغني مع كمال المسكنة، وقيل غير ذلك وروي عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم أنه قال «إظهار الغني مع كمال المسكنة»(1)وقيل: غير ذلك وروي عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم أنه قال «أن الله تعالى يقول لعباده الفقراء يوم القيامة يا عبادي أنتم عندي بمنزلة أبنائي ولكم عندي فضيلة ولكم عندي في الخلق شفاعة عبادي سلوني ما شئتم حتى أعطيكم فأني راض عنکم وليس لكم اليوم عندي حبس ولا عذاب»(2)

وقَالَ عليه السلام: «الصَّبْرُ صَبْرَانِ صَبْرٌ عَلَى مَا تَكْرَه»: وهو الصبر على المصيبة. «وصَبْرٌ عَمَّا تُحِبُّ»: وهو الصبر على الاشتغال بالذات.

الحسن البصري: الصبر صبران أحدهما أفضل من الآخر الصبر على المصيبة حسن وعما نهى الله تعالى أحسن.

وقَالَ عليه السلام: «الْغِنَى فِي الْغُرْبَةِ وَطَنٌ والْفَقْرُ فِي الْوَطَنِ غُرْبَةٌ»: يريد أن صاحب الغني في الغربة يجتمع إليه ويحترم وأهل البلدان ينزلونه دورهم فكأنه ليس تغريب، وفي الأسناد مجاز لطيف، والفقير في بلده يرى بعين الحقارة ولا يتوجه إليه فكأنه غريب وذلك لمحبة الدنيا.

وقَالَ عليه السلام: «الْقَنَاعَةُ مَالٌ لَا يَنْفَدُ»: روي أن عيسى صلوات الله عليه قال: لأصحابه يا معشر الحواريين لأنتم أغنى من الملوك قالوا وكیف یا روح الله

ص: 92


1- لم اعثر على مصدر للحديث بل وجدته في شرح أصول الكافي لمولي محمد صالح المازندراني: ج 1 ص 241، بصيغة شرح ولحديث أمير المؤمنين عليه السلام «الغني والفقر بعد العرض على الله سبحانه
2- لم أعثر على مصدر للحديث فلعله أستحسان من المصنف أو نقل بالمضمون

وليس نملك شيئاً قال: أنتم ليس عنكم شيء ولا تريدونه وهم عنهم أشياء ولا يكفهم.

وقَالَ عليه السلام: «الْمَالُ مَادَّةُ الشَّهَوَاتِ»: قال عز من قائل «أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ»(1)وقَالَ عليه السلام: «مَنْ حَذَّرَكَ»: من النقمة «كَمَنْ بَشَرَّكَ»: أي بالنعمة في أن كل واحد منهما يحثك وغير ذلك.

وقَالَ عليه السلام: «اللِّسَانُ سَبُعٌ»: أي بمنزلة الأسد «إِنْ خُلِّيَ عَنْه عَقَرَ»: عض وفي غريب الحديث(2)من عض شبدعه أمن من تعرض غيره والشبدع العقرب شبه اللسان به لما فيه من جراحات القلب.

وقَالَ عليه السلام: «الْمَرْأَةُ عَقْرَبٌ حُلْوَةُ اللَّسْبَةِ»: اللدغة أي المرأة بالأفعال الجاذبة يلدغ ويخدع فهي في ذلك كالعقرب.(3).

وقَالَ عليه السلام: «الشَّفِيعُ جَنَاحُ الطَّالِبِ»: فكما أن الطير بالجناح يطير وتوصل إلى المرام كذلك الطالب بالشفيع يجد المطلوب ويفوز بالمقصود.

وقَالَ عليه السلام: «أَهْلُ الدُّنْيَا كَرَكْبٍ يُسَارُ بِهِمْ وهُمْ نِيَامٌ»: الناس نيام فإذا

ص: 93


1- سورة الأنفال: الآية 28
2- غريب الحديث لابن قتيبة الدينوري في ج 3 ص 368، وفيه قال: من عض على شبدعه سلم من الآثام. يريد: من عض على لسانه وسكت، ولم يخض مع الخائضين. وأصل الشبدع، العقرب، شبه اللسان بها، لأنه يلسع به الناس. قال الجعدي في وصف واش: من المتقارب: يخبركم أنه ناصح ٭٭٭ وفي نصحه ذنب العقرب
3- ورد في بعض متون النهج: وقَالَ عليه السلام: إِذَا حُيِّيتَ بِتَحِيَّةٍ فَحَيِّ بِأَحْسَنَ مِنْهَا وإِذَا أُسْدِيَتْ إِلَيْكَ يَدٌ فَكَافِئْهَا بِمَا يُرْبِي عَلَيْهَا والْفَضْلُ مَعَ ذَلِكَ لِلْبَادِئِ

ماتوا انتبهوا.

ساكن الدنيا راحل وأنفاسه فيها مراحل والركب في كلامه عليه السلام جمع راكب وكما أن الركب يسارع بهم وهم نائمون إلى ما يراد بهم كذلك أهل الدنيا يساقون إلى الموت وهم غافلون.

«وقَالَ فَقْدُ الأَحِبَّةِ غُرْبَةٌ»: فكما أن الغربة سبب الوحشة كذلك فقد الأحبة وهذا وجه التشبه وامتثال هذه الكلمات من باب التشبيه البليغ.

وقَالَ عليه السلام: «فَوْتُ الْحَاجَةِ أَهْوَنُ مِنْ طَلَبِهَا إِلَی غَیْرِ أَهْلِهَا»: فأن الطلب إلى غير أهله عار.

وقَالَ عليه السلام: «لَ تَسْتَحِ مِنْ إِعْطَاءِ الْقَلِيلِ فَإِنَّ الْحِرْمَانَ أَقَلُّ مِنْه»: وفي الخبر من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب فأن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم ولده حتى تكون كالجبل.

وقَالَ عليه السلام: «الْعَفَافُ»: وهو حصول حالة للنفس يمتنع عن غلبة الشهوة.

«زِينَةُ الْفَقْرِ»: فأن الفقر بدون العفاف كالعجوزة الشوهاء المردودة ومعها کالمرآة الحسنة المزينة المحبوبة، وكما أن الزينة سبب قبول المزين بها كذلك العفاف ذريعة كون الفقر مقبولاً لله(1). وقَالَ عليه السلام: «إِذَا لْمَ يَكُنْ مَا تُرِيدُ فَلَا(2)تبك كيف كنت»: وروي فلا تبالي وهذا على الأصل لأن الباء سقط في الجزم وهذا كاف

ص: 94


1- ورد في متون النهج: والشُّكْرُ زِينَةُ الْغِنَى
2- ورد في بعض متون النهج: تُبَلْ مَا كُنْتَ

إلا أنه ربما يحذف الأف أيضاً للتخفيف كقولهم لم يكن ثم يقولون للتخفيف لم يك نهی عن المبالات زمان عدم حصول المراد إذ حينئذ يلقى نفسه في جب الغم والمشقة.

وقَالَ عليه السلام: «لَا تَرَى الْجَاهِلَ إِلَّا مُفْرِطاً»: مسرفاً «أَوْ مُفَرِّطاً»: مقصراً إذ الاعتدال ثمرة العلم.

وقَالَ عليه السلام: «إِذَا تَمَّ الْعَقْلُ نَقَصَ الْكَلَامُ»: وذلك لكثرة تفكر العاقل التام العقل يقول خيراً أو يصمت اقتداءً بالنبي صلى الله عليه [وآله] وسلم.

وقَالَ عليه السلام: «الدَّهْرُ يُخْلِقُ الأَبْدَانَ ويُجَدِّدُ الآمَالَ ويُقَرِّبُ الْمَنِيَّةَ»: الموت لأنه مقدر.

«ويُبَاعِدُ الأُمْنِيَّةَ»: الرجاء «مَنْ ظَفِرَ بِه نَصِبَ»: في حفظ المال «ومَنْ فَاتَه تَعِبَ»: في جمعه وما هو إلا لهو ولعب وقد سبق الكلام في أمثال هذا الكلام مراراً.

وقَالَ عليه السلام: «مَنْ نَصَبَ نَفْسَه لِلنَّاسِ إِمَاماً فَلْيَبْدَأْ بِتَعْلِيمِ نَفْسِه قَبْلَ تَعْلِيمِ غَیْرِه ولْيَكُنْ تَأْدِيبُه بِسِیرَتِه»: يعني يفعل الحسنات ويجتنب السيئات لينظر إليه فيقتدى به.

«قَبْلَ تَأْدِيبِه بِلِسَانِه»: أوحى الله تعالى إلى عيسى صلوات الله عليه أن عظ نفسك فأن اتعظت فعظ الناس وإلا فأستحي مني.

«ومُعَلِّمُ نَفْسِه ومُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالإِجْلَالِ»: والتعظيم «مِنْ مُعَلِّمِ النَّاسِ ومُؤَدِّبِهِمْ»: أذ هو أعلى وأشق وفي الخبر إذا أراد الله تعالى بعبد خيراً جعل له واعظاً من نفسه يأمره وينهاه.

ص: 95

وقَالَ عليه السلام: «نَفَسُ الْمَرْءِ خُطَاه إِلَی أَجَلِه»: كما أن الشخص يصل إلى المقصد بالخطوات كذا يصل إلى العقبي بالأنفاس وعدد نفسه مسطور في اللوح المحفوظ بالقلم الإلهي.

وقَالَ عليه السلام: «كُلُّ مَعْدُودٍ مُنْقَص»: ذاهب وفان «وكُلُّ مُتَوَقَّعٍ»: منتظر «آتٍ» فلا تغرنکم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور فأن زمن حياتكم معدود بالموت متوقع وأراد أن كل منتظر انتظاره ناشيء من الشرع أو الدليل القطعي العقلي.

وقَالَ عليه السلام: «إِنَّ الأُمُورَ إِذَا اشْتَبَهَتْ»: والتبست «اعْتُبِرَ آخِرُهَا بِأَوَّلِهَا»: والاعتبار العبرة بالحال التي يتوصل بها إلى معرفة المشاهدة إلى ما ليس بمشاهدة يعني يعلم آخر الأمر من أوله أن خيراً فخير وأن شراً فشر.

يحيى بن معاذ التفكر والاعتبار يخرجان من قلب المؤمن عجائب المنطق في الحكمة يرضا عنه الحكماء ويخضع له العلماء ويعجب منه الفقهاء ويسرع إليه الأدباء.

حکی أن حاتم الأصم دخل بستاناً بغداد فرأى بصلاً دقيقاً ضعيفاً فقال: لصاحب البستان ما بال البصل دقيق مصفراً فقال: لأنه ذو حشیش فخرج منها حاتم؛ ثم مر بها بعد مدة؛ فرأى البصل أستغلظ ساقه وأستحکم أصله فقال لصاحبه ما بال البصل أراه مترعرعاً مستحکماً فقال: لأني نقيته من الحشيش فأعتبر الحاتم بذلك وقال: يا نفس ما لم تبق غرضك من المعاصي والمعايب لا یکون عملك عملاً ولا طاعتك طاعة.

«ومِنْ خَبَرِ ضِرَارِ بْنِ حَمْزَةَ الضَّبَائِيِّ عِنْدَ دُخُولِه عَلَى مُعَاوِيَةَ ومَسْأَلَتِه لَه عَنْ

ص: 96

أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ عليه السلام»: ضباب قبيلة وضرار هذا كان من أصحاب علي عليه السلام فدخل بعد، وفاته على معاوية؛ فقال له صف لي علياً فقال وتعفيني عن ذلك فقال: والله لتفعلن.

وقَالَ عليه السلام: «فَأَشْهَدُ لَقَدْ رَأَيْتُه فِي بَعْضِ مَوَاقِفِه»: مواقف عبادته بين يدي الله.

«وقَدْ أَرْخَى اللَّيْلُ سُدُولَه»: جمع سدل وهو ما أسبل على الهودج من الثياب وذكرها هاهنا مجازاً من قبيل التخيل والكناية.

«وهُوَ قَائِمٌ فِي مِحْرَابِه قَابِضٌ عَلَى لْحِيَتِه يَتَمَلْمَلُ تَمَلْمُلَ السَّلِيمِ ويَبْكِي بُكَاءَ الْحَزِينِ»: تململ عل فراشه إذا لم يستقرض من الوجع كأنه على ملة وهي الرماد الحار والتسليم الملدوغ سمي به ثقالاً أي لعله يسلم کما يسمى البرية مفازة أي سيفوز من يدخلها وإنما هي مهلكة.

«ويَقُولُ يَا دُنْيَا يَا دُنْيَا إِلَيْكِ عَنِّي»: هذا الخطاب مع الدنيا مجاز يعتبره البلغاء أخبر بذلك أنه طيب نفسه عن زخارفها وأنه لا يرغب فيها أي خذي زينتك عني إليك فأني وهدت فيك، ويتعلق إليك بفعل مضمر أي أجمعي زينتك إليك وكذا يتعلق عني بفعل مضمر أي وأستر بها عني ثم أستفهم عل سبيل الأنكار قال: «أَبِي تَعَرَّضْتِ»: أي أتعرضت بنفسي يقال تعرضت لفلان بكذا أي تصديت له به.

«أَمْ إِلَيَّ تَشَوَّقْتِ»: الشوق الانتظار يقال: تشوقت إلى الشيء أي تطلعت وتشوقت الجارية تزینت يقول: يا دنيا تزينت للجلوة إلى وإلي ها هنا يتعلق بتشوقت.

«لَا حَانَ حِينُكِ»: لا قرب وقتك «هَيْهَاتَ غُرِّي غَیْرِي لَا حَاجَةَ لِي فِيكِ قَدْ

ص: 97

طَلَّقْتُكِ ثَلَاثاً لَا رَجْعَةَ فِيهَا»: وأنت خبير بأن هذا مجاز أي تركتك تركاً لا أرجع إليك بعده وتقديره طلقتك ثلاث تطلیقات ونصب ثلاثاً على الظرف أو المصدر ولما كان مبنى الكلام على استعارة لم يتوجه ما قیل نسأل فيقال أنتم تقولون أن التطليقات لا يقع بمرة فو كانت كذلك لما قال عليه السلام هذه الكلمة ومتی كان تزويجها طلقها فتأمل ولا تغفل.

«فَعَيْشُكِ قَصِیرٌ وخَطَرُكِ»: قدرك ومنزلك «يَسِیرٌ»: كل منهما بالقياس إلى العقبى «وأَمَلُكِ حَقِیرٌ آه مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ»: وآه من كذا يقال عند الشكاية وإنما هو توجع وأصله أوه فقلبوا الواو ألفاً.

«وطُولِ الطَّرِيقِ»: إلى المنزل الدائم «وبُعْدِ السَّفَرِ وعَظِيمِ الْمَوْرِدِ»: الورد إلى الآخرة، وقد سلف الكلام فيه، وصدرها هذا الكلام أيضاً بقتله فيما سبق روی أنه لما أنتهی ضرارً إلى هذا بکی معاوية حتى خضل لحيته وقال: رحم الله أبا الحسن کان والله كذلك فكيف حزنك عليه یا ضرار قال حزن من ذبح ولدها في حجرها فهي لا ترقي دمعتها ولا يسكن حزنها.

ومِنْ كَلَامٍ لَه عليه السلام لِلسَّائِلِ الشَّامِيِّ لَمَّا سَأَلَه أَكَانَ مَسِيرُنَا إِلَى الشَّامِ بِقَضَاءٍ مِنَ الله وقَدَرٍ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ هَذَا مُخْتَارُه:

وكان الشامي سأله عليه السلام فقال: أكان مسيرك إلى الشام بقضاء من الله وقدر فقال عليه السلام نعم فقال: إذا كان كذلك لا تستحق به الثواب فقال: «وَيْحَكَ»: كلمة ترحم «لَعَلَّكَ ظَنَنْتَ قَضَاءً لَازِماً وقَدَراً حَاتِماً»: أي واحد واجباً قاطعاً بين عليه السلام أن القضاء في اللغة، وأن كان بمعنى الحكم؛ فقد يكون بمعنى الأمر والقضاء مشترك بين الأمر والحكم، وتستعمل فيهما حقيقة وإنما يحمل على أحدهما القرينة ولا تختص بأحدهما إلا الدلالة منفصلة ومراده عليه

ص: 98

السلام في هذا الموضع الأمر كقوله تعالى «وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ»(1)أي أمراً وحاصله أن القدر ما قدره الله من القضاء فالأول يكون بالإجبار والثاني بالاختيار وقد ذكر عليه السلام مصرحاً أن المراد بذلك التخيير وأستدل عليه بقوله: «لَوْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ»: أي ولو كان ذلك الذين ظنت كذلك في الواقع.

«لَبَطَلَ الثَّوَابُ والْعِقَابُ وسَقَطَ الْوَعْدُ والْوَعِيدُ»: لأنها متفرغة على الاختيار لا الإجبار.

«إِنَّ الله سُبْحَانَه أَمَرَ عِبَادَه تَخْيِيراً»: بين الفعل والترك.

«ونَهَاهُمْ تَحْذِيراً وكَلَّفَ يَسِیراً ولَمْ يُكَلِّفْ عَسِیراً»: صعباً لا يكلف الله نفساً إلا وسعها.

«وأَعْطَى عَلَى الْقَلِيلِ»: عمل القليل كَثِیراً: ثواباً كثيراً من جاء الحسنة فله عشر أمثالها.

«ولَمْ يُعْصَ مَغْلُوباً ولَمْ يُطَعْ مُكْرِهاً»: بكسر الراء أسم فاعل وفتحها مصدر أي لم يطع أكراهاً.

«ولَمْ يُرْسِلِ الأَنْبِيَاءَ لَعِباً»: إشارة إلى مفسدة أخرى من مفاسد کون القضاء قضاء لازماً.

«ولَمْ يُنْزِلِ الْكُتُبَ لِلْعِبَادِ عَبَثاً ولَا خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأَرْضَ ومَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا»: ولو كان كذلك لكان الإرسال لعباً ولا تزال عبثاً لأنهما لتبيين الأحكام وتوضيح مناهج الحلال والحرام مع الاضطرار لا فائدة، وفي الأخبار والإظهار وقد سبق

ص: 99


1- سورة الإسراء: الآية 23

الكلام مفصلاً تفصيلاً ما في أثناء بیان الخطب وقد روي هذا الكلام برواية أبسط وقد نقلهما ثم أقتبس من القرآن الكريم فقال: «ذَلِكَ»: أي في القدر ««ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ»»(1)روي أنه قال لمن قال أني ملك: الخير والشر والطاعة والمعصية تملكها مع الله أو يملكها بدون الله فأن قلت أملكها مع الله فقد أدعت أنك شريك الله وأن قلت أملكها بدون الله فقد أدعيت أنك أنت الله فتاب الرجل على يده.

وقَالَ عليه السلام: «خُذِ الْحِكْمَةَ»: وقد عرفت المراد بها.

«أَنَّى كَانَتْ»: لكي كيف كانت وأين كانت ومتی کانت.

«فَإِنَّ الْحِكْمَةَ تَكُونُ فِي صَدْرِ الْمُنَافِقِ فَتَلَجْلَجُ»: تستقر وتطمئن فِي «صَدْرِه حَتَّى

تَخْرُجَ فَتَسْكُنَ إِلَی صَوَاحِبِهَا فِي صَدْرِ الْمُؤْمِنِ الْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ فَخُذِ الْحِكْمَةَ ولَوْ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ»: وفي الحديث الكلمة الحكمة ضالة الحكيم فحيث، وحدها فهو أحق بها والمراد الحكمة المفيدة التي أحكمت مباينها بالعلم، والعقل، ويدل على معنى فيه دقة، ومالك الحكمة الفقه في دين الله وقال العلم الحكمة، ونور یهدي الله به من يشاء، وليس بكثرة المسائل وضالته أي مطلوب أي المؤمن يطلب الحكمة؛ فإذا وجد فهو أحق بها أي بالعمل، وأبتعاها أيضاً كأنها يطلب المؤمن؛ فإذا أوصل إليها استقر، والمعنى أن كلمة الحكمة ربما تكلم بها من ليس لها بأهل؛ ثم وقعت إلى أهلها فهو احق بها ومن الذي قالها كالضالة إذا؛ وجدهها صاحبها؛ فأنه أحق بها غيره والمراد أن الناس متفاوتون في فهم المعاني واستنباط الحقائق المحتجبة واستكشاف الأمور المرموزة؛ فينبغي أن لا ينكر من قصر؛ فهمه عن أدراك حقائق الآيات ودقائق الأحاديث على من رزق فهماً، وألهم تحقیقاً وكما

ص: 100


1- سورة ص: الآية 27

أن صاحب الضالة لا ينضر إلى خساسته من وجدها عنده كذلك المؤمن والحكيم لا ينظر إلى خساسة من تفوه الحكمة بل يأخذها منه أخذ صاحب الضالة أو كما أن الرجل إذا وجد ضالته في مصنعه فسبيله أن لا يتركها بل يأخذ ويتفحص عن صاحبها حتى يجدها؛ فيردها عليه كذلك من سمع كلاماً لم يفهم معناه أو لا يبلغ کنهه؛ فعليه أن لا يضيع، ويحمله إلى من أفقه منه فلعله يفهم منه ما لا يفهم ويستنبطه منه ما لا يستنبطه أو كما أن صاحب الضالة أخذ ضالته من يجدها لا يحل له منع مالكها منها فأنه أحق بها كذلك العالم إذا سئل عن معنى ورأي في مسائل فطانة واستعداداً كذلك العلم فعليه أن يعلمه إياه ولا يحل له منعة منه والله سبحانه أعلم.

وقَالَ عليه السلام: «قِيمَةُ كُلِّ امْرِئٍ مَا يُحْسِنُه»: أي ما يأتي به حسناً من العلم، والعمل فيه تنبيه على أن المقصود من خلق الله الإنسان ليس ذاته من حيث هو بل المعرفة، والعمل، وسلك طريق الإيهام ليذهب به كل مذهب يصل إليه الأفهام، وهذه الكلمة من جوامع الكلم التي تجيء على أشرف السياقة وألطف البلاغة، وأعلى المباني وهي الكلمات الوجيزة المحتومة على المعاني يلتفت بها الأسماع، وتميل إليها الطباع کما جاء في الحديث حكاية عن الله تعالى أعددت لعبادي الصالحين فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

وكما قال عليه إسلام: في موضع آخر قيمة كل أمر همته وهذا الكلمة حليت بحلية البلاغة وزينت بكسوة الفصاحة وهو القول الفصل والنطق الجزل والمعنى الصحيح والبيان الصريح ولقد صدق السيد رضي الله عنه في قوله:

وهذه الكلمة التي لا تصاب لها قيمة: أي لا يوجد ولا توزن بها حكمة ولا تقرن إليها كلمة.

ص: 101

«وقَالَ أُوصِيكُمْ بِخَمْسٍ»: أي خمس خصال.

«لَو ضَرَبْتُمْ»: ذهبتم «إِلَيْهَا»: خصال «آبَاطَ الإِبِلِ»: جمع الإبط أي لو سافرتم السفر البعيدة إلى العلم بتلك الكلمات التي أوصيكم بها وجرحتم الإبل في طلبها وسيرتموها عجلة.

«لَكَانَتْ لِذَلِكَ أَهْلًا»: ثم أشار إلى التفصيل بقوله:

«لَا يَرْجُوَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَّا رَبَّه»: فأن مما سواه راج والراجي لا ينبغي أن يكون مرجواً.

«ولَا يَخَافَنَّ إِلَّا ذَنْبَه»: فأن الخوف من الذنب يورث التهذيب والخوف من غيره والخوف من غيره يورث التهذيب.

«ولَا يَسْتَحِیَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إِذَا سُئِلَ عَمَّا لَا يَعْلَمُ أَنْ يَقُولَ لَا أَعْلَمُ»: لألا يضل غيره فيزداد وباله.

«ولَا يَسْتَحِيَنَّ أَحَدٌ إِذَا لَمْ يَعْلَمِ الشَّيْءَ أَنْ يَتَعَلَّمَه وعَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ»: أي أوصيكم به وقد علمت أن المعني به حبس النفس ومنعها عما تشتهيه وأمساك النفس عن الجزع.

«فَإِنَّ الصَّبْرَ مِنَ الإِيمَانِ كَالرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ»: أراد الإيمان الكامل أذ لا يحصل بدون الصبر وللإشارة إلى عظمة شأنه جعله بمنزلة الرأس التي هي أشرف أجزاء البدن، وكما أن الرأس جزء من البدن كذلك الصبر جزء الإيمان وفي الحديث الصبر من الإيمان بمنزلة الصبر من الجسد ولا إيمان لمن لا صبر له.

وترقى في موضع آخر فقال: الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شکر وفي الحملة الصبر له شأن وكثيراً ما رغب النبي، والوصي فيه، ولم يكتف هنا بالتشبيه بل قال:

ص: 102

«ولَا خَيْرَ فِي جَسَدٍ لَا رَأْسَ مَعَه ولَا فِي إِيمَانٍ لَا صَبْرَ مَعَه»: مزيداً للتأكيد والترغيب.

وقَالَ عليه لسلام: «لِرَجُلٍ أَفْرَطَ »: تجاوز الحد «فِي الثَّنَاءِ عَلَيْه وكَانَ لَه مُتَّهِماً أَنَا دُونَ مَا تَقُولُ وفَوْقَ مَا فِي نَفْسِكَ»: ولقد رأى عليه السلام بعينه المكحل يكحل الجواهر الإلهي ما في ضميره؛ فقال له ذلك وقَالَ عليه السلام: «بَقِيَّةُ السَّيْفِ»: يعني زين العابدین علیه السلام.

«أَبْقَى عَدَداً وأَكْثَرُ وَلَداً»: فأنه عليه الإسلام کان دوحة حسينية؛ قد وصل أغصانها مشارقها، ومغاربها تلبس بلباس الوجود منه عليه السلام؛ شبه رحاب محمد بن علي الباقر(1)؛ عبد الله أبو الأرقط(2)، عمر بن علي(3)؛ زید بن علي(4)

ص: 103


1- وهو الإمام الخامس من إئمة أهل بيت النبي صلى الله عليه - وآله -؛ بعد أبيه علي بن الحسین زین العابدين؛ بن الإمام الحسين الشهيد بكربلاء بن الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله تعالى لعليهم اجمعين
2- يقول: السيد محمد مهدي الموسوي الخرسان؛ في تحقيق مستطرفات السرائر «باب النوادر» (موسوعة إبن إدريس الحلي) هامش ص 226؛ «كان في الأصل محمد بن عبد العزيز الأرقط، والصواب ما أثبتناه فهو محمد بن عبد الله الباهر شقيق الإمام الباقر، (وكان صهر الإمام الباقر (على ابنته أم سلمة، وأولدها ولده إسماعيل، فمرض فعلّم الإمام الصادق (أخته أم سلمة أن تدعو لولدها بأن تصعد إلى السطح بارزة إلى السماء وتصلّي ركعتين وتقول: (اللهمّ إنّك وهبته لي ولم يك شيئاً اللهمّ إنّي استوهبکه مبتدئاً فأعرنيه). وقد ذكر الشيخ الطوسي الأرقط هذا في أصحاب الإمام الصادق (وقال: مات سنة 148 وله ثمان وخمسون سنة، راجع 279 رجال الطوسي
3- عمر ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام والعمركي البوفكي وهو أيضا أخ للإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام؛ يُنظر مستطرفات السرائر لابن إدريس الحلي: ص 170
4- لم يرد في الأصل بن؛ وهو المقصود به زید بن علي بن الحسين؛ الذي قتل وصلب بالكناسة موضع قريب من الكوفة سنة 120 وقیل 121 وقيل 122 ه؛ يُنظر الإرشاد للمفيد: ص 268 - 269، فرق الشيعة: ص 58، الملل والنحل: ص 137

الحسين الأصغر؛ علي بن علي(1)عليه السلام؛ لم أصفهم لأنهم شموس أعلى من الشمس، وهي: لا تحتاج إلى التعريف.

وقَالَ عليه السلام: «مَنْ تَرَكَ قَوْلَ لَا أَدْرِي أُصِيبَتْ مَقَاتِلُه»: جمع مقتل وهو موضع القتل من بدن الإنسان أي أصبت عجزه؛ فأنه لا يزال يسل حتى يعلم أنه لا يعلم وروي أصبت كلمته أي كلمة لا أدري فيه ترغيب إلى إن الشخص لو سئل عن شيء لا يعلم يقول لا أدري وفي الحديث قال: النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم «يا أيها الناس من علم شيئاً فليقل به ومن لم يعلم فليقل الله أعلم فأن من العلم أن يقول لما لا يعلم الله أعلم»(2)قال الله لنبيه «قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ»(3)والله أعلم عبارة عن لا أدري أي بعض العلم قول لا أدري وذلك أن المفتي لما أفتي كل ما سئل لا يخلو أما أن يكون جَدّ عالم أو يكون بخلافه کما ورد حتى إذا لم يبق عالماً أتخذ الناس رؤساء جهالاً فسئلوا فافتوا بغير علم فضلوا أو أضلوا أو يكون متوسطاً يميز بين ما يعلم وما لا يعلم فيفتي بما يعلم ويقول الله أعلم فيما لا يعلم کما سئل مالك عن أربعين مسألة فقال: في ست وثلاثين لا أدري.

وقَالَ عليه السلام «رَأْيُ الشَّيْخِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ جَلَدِ الْغُلَامِ ورُوِيَ مِنْ جَلد الْغُلَامِ»: وذلك لأن المشايخ يكونون أولي تجربة وأكثر رأيهم صواب والشبان وأن كانوا أصحاب فطانة فكثيراً ما يحبطون إذ لا تجربة لهم وأكثر رأيهم صواب

ص: 104


1- علي بن علي: هو أبو الحسن الأفطس؛ وهو بن علي بن الحسین زین العابدين علي السلام وهو أيضا أخ للإمام الباقر
2- مسند أحمد بن حنبل: ج 1 ص 381؛ مجمع الزوائد: للهيثمي: ج 1 ص 180؛ فتح الباري لأبن حجر: ج 8 ص 440
3- سورة ص: الآية 86

والشبان وأن كانوا أصحاب فطانة فكثيراً ما يخبطون إلا تجربة لهم وأكثر الأمور الدنيوية التجريبية.

وقَالَ عليه السلام «عَجِبْتُ لِمَنْ يَقْنَطُ ومَعَه الِاسْتِغْفَارُ»: وروي أن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم قال حكاية عن الله تعالى يقول: يا عبادي أنكم تخبطون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغروني اغفر لکم.

وحَكَى عَنْه أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَاقِرُ عليه السلام أَنَّه قَالَ: «كَانَ فِي الأَرْضِ أَمَانَانِ مِنْ عَذَابِ الله وقَدْ رُفِعَ أَحَدُهُمَا فَدُونَكُمُ الآخَرَ فَتَمَسَّكُوا بِه أَمَّا الأَمَانُ الَّذِي رُفِعَ فَهُوَ رَسُولُ الله صلى الله عليه - وآله - وأَمَّا الأَمَانُ الْبَاقِي فهو الِاسْتِغْفَارُ»: وفي الحديث «ما أصر من أستغفر وأن عاد في اليوم سبعين مرة»(1)وروي أيضاً عنه صلى الله عليه [وآله] وسلم أنه قال أن الله تعالى يقول: «لأني لأهم بأهل الأرض عذاباً فإذا نظرت إلى عمار بيوتي والمتحابين والمستغفرين بالأسحار صرفته عنهم»(2).

ثم استشهد على أنه كان رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم أماناً.

قَالَ الله تَعَالَى «وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ»(3)أما الأول فلأنه صلى الله عليه [وآله] وسلم كان رحمة للعالمين وشفيعاً للمذنبين، والقاصين ولله من قال ما محمد إلا شفاء السقيم وهادي

ص: 105


1- السنن الكبرى لأحمد بن الحسين البهيقي ج 10 ص 188؛ إحياء علوم الدين للغزالي: ج 3 ص 565؛ فتح الباري لابن حجر: ج 1 ص 103
2- شعب الإيمان لاحمد بن الحسين البهيقي ج 3 ص 82؛ تفسير الرزاي لفخر الدين الرازي: ج 4 ص 15؛ الكمل لعبد الله بن عدي الجرجاني: ج 4 ص 61؛ مجمع البيان للشيخ الطبرسي: ج 2 ص 255؛ الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي): ج 4 ص 39
3- سورة الأنفال: الآية 33

الصراط المستقيم والدليل إلى النعيم المقيم والمخبر عن عذاب اليوم العقيم طوبی لمن تقلد طوق منيته، وسلك سبیل سنته، وشيد أساس سننه وأقام شرائع دينه وشعار يقينه ما ضنك بمن عمره التنزيل وخدمه جبرائیل ومیکائیل کفی شرفاً، ومجداً لمن كان النبي له جداً أولى الناس بالمروَة من كان نبوة النبوة وأبيض يستسقى الغمام بوجه ثمال اليتامی عصمة الأرامل يلوذ به الهلاك من آل هاشم فهم عنده في نعمة وفواضل اللهم وفقنا لمتابعته وجنبنا عن مخالفته قال: السيد رضي الله عنه.

وهذا من محاسن الاستخراج ولطائف الاستنباط.

وقال عليه السلام: «إذا أقبلت الدنيا على قوم أعارتهم محاسن غيرهم وإذا أدبرت عنهم سلبتهم محاسن أنفسهم»: قد سبق مثل هذا الكلام وبيان معناه.

وقَالَ عليه السلام: «مَنْ أَصْلَحَ مَا بَيْنَه وبَیْنَ الله أَصْلَحَ الله مَا بَيْنَه وبَیْنَ النَّاسِ ومَنْ أَصْلَحَ أَمْرَ آخِرَتِه أَصْلَحَ الله لَه أَمْرَ دُنْيَاه ومَنْ كَانَ لَه مِنْ نَفْسِه وَاعِظٌ كَانَ عَلَيْه مِنَ الله حَافِظٌ»: أي من يسلك سبيل الحق، وقدم قدم الصدق وصفي الاعتقاد والعمل عن غش الرياء والسمعة بحيث يخرج عن عهدة الجواب أو أن الحساب جعل الله أمره بين الناس كما ينبغي، وهذا على سبيل الإجمال، وعليك استخراج التفصيل من نفسك، ومن جعل أمر آخرته صالحاً مطابقاً لمقتضى قوانين الدين المبين جعل مراميه على وجه يليق به موصولاً بحصول الوصول وفي تحت هذه الكلمة الكلية جزيئات كثيرة وفوائد يطول الكلام بتفصيلها، ومن جعل نفسه الناطقة ناصحاً له أرسل الله إليه من عنده معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله.

وقَالَ عليه السلام: «الْفَقِيه كُلُّ الْفَقِيه»: يعني كامل الفقه «مَنْ لَمْ يُقَنِّطِ النَّاسَ

ص: 106

مِنْ رَحْمَةِ الله»: فأن التقنيط من أمارات الجهل به تعالی.

«ولَمْ يُؤْيِسْهُمْ مِنْ رَوْحِ الله»: من رحمة الله «ولَمْ يُؤْمِنْهُمْ مِنْ مَكْرِ الله»: فأن ذلك جهل بأنه تعالى قهار.

وقال عليه السلام: «أَوْضَعُ الْعِلْمِ»: أي أخس وأرذل «مَا وُقِفَ عَلَی اللِّسَانِ».

وقَالَ: «إِنَّ هَذِه الْقُلُوبَ تَمَلُّ»: تضجر «كَمَا تَمَلُّ الأَبْدَانُ فَابْتَغُوا لَهَا طَرَائِفَ الْحِكَمِ»: جمع طريفة وهي الحكمة المستخدمة بكون طرفه عهدكم.

«وأَرْفَعُه مَا ظَهَرَ فِي الْجَوَارِحِ والأَرْكَانِ»: أراد أن العلم الرفيع هو ما يعمل به ويعلم فإذا كان يتكلم به فحسب فذاك علم وضيع لا يكون له ثواب عظيم إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه.

وقَالَ عليه السلام: «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفِتْنَةِ»: فأن ذلك استعاذة عن الفتنة مطلقاً ولا وجه لذلك «لأَنَّه لَيْسَ أَحَدٌ إِلَّا وهُوَ مُشْتَمِلٌ

عَلَى فِتْنَةٍ»: من الفتن وما به الاختيار، وبعض ذلك مطلوب مرغوب وليس بذلك إلا الاستعادة عن المطلوب.

«ولَكِنْ مَنِ اسْتَعَاذَ فَلْيَسْتَعِذْ مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ»: وهي الأموال والأولاد.

«فَإِنَّ الله سُبْحَانَه يَقُولُ واعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ومَعْنَى ذَلِكَ»: والكلام «أَنَّه يَخْتَبِرُهُمْ بِالأَمْوَالِ والأَوْلَادِ لِيَتَبَیَّنَ السَّاخِطَ لِرِزْقِه والرَّاضِيَ بِقِسْمِه»: بان وبان وتبین وأستبان وبین كلما يتعدى ولا يتعدى والله يعلم كل شيء قبل

وجوده كما قال:

«وإِنْ كَانَ سُبْحَانَه أَعْلَمَ بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ»: وإنما يتحقق ذلك عند الوجود:

ص: 107

عباد الله وإلى ذلك أشار بقوله:

«ولَكِنْ لِتَظْهَرَ الأَفْعَالُ الَّتِي بِهَا يُسْتَحَقُّ الثَّوَابُ والْعِقَابُ لأَنَّ بَعْضَهُمْ يُحِبُّ الذُّكُورَ ويَكْرَه الإِنَاثَ وبَعْضَهُمْ يُحِبُّ تَثْمِیرَ الْمَالِ ويَكْرَه انْثِلَامَ الْحَالِ»: انحلاله وقال السيد الرضي، وهذا من غریب ما سمع منه في التفسير: وقد سبق الكلام في معنى الابتلاء مستقصى فيه فلا وجه لأعادته.

«وسُئِلَ عليه السلام عَنِ الْخَیْرِ مَا هُوَ فَقَالَ لَيْسَ الْخَیْرُ أَنْ يَكْثُرَ مَالُكَ ووَلَدُكَ»: فأن المعني به ما برعت فيه الكل كالعقل مثلاً والعدل والفضل والشيء النافع وكثرة المال والولد قد يكون شراً وذلك ظاهر.

«ولَكِنَّ الْخَیْرَ أَنْ يَكْثُرَ عِلْمُكَ وأَنْ يَعْظُمَ حِلْمُكَ»: بتفاخر «وأَنْ تُبَاهِيَ النَّاسَ بِعِبَادَةِ رَبِّكَ»: ولأجل اقتضاء المقام حصر عليه السلام الخبر فيها.

«فَإِنْ أَحْسَنْتَ»: في العبادة والعمل «حَمِدْتَ الله»: على اقداره إياك على طاعته.

«وإِنْ أَسَأْتَ اسْتَغْفَرْتَ الله»: هذه الجملة شرطية صورة وإنشائية معنى وفي الخبر أربع خصال من كن فيه بنى الله تعالى في الجنة له بيتاً، من كانت عصمة أمره لا إلاه إلا الله، وإذا أصابته مصيبته قال أنا لله وإذا أعطى شيئاً قال الحمد لله وإذا أذنب قال أستغفر الله.

«ولَا خَیْرَ فِي الدُّنْيَا إِلَّا لِرَجُلَیْنِ رَجُلٍ أَذْنَبَ ذُنُوباً فَهُوَ يَتَدَارَكُهَا بِالتَّوْبَةِ»: فأنها خير وأي خير، والحال أنها خلع ثوب الدنس، وقطع العرق النجس وقد قال صلى الله عليه [وآله] وسلم أيفرح أحدكم براحلته إذا ضلت ثم وجدها قالوا نعم یا رسول الله قال فو الذي نفس محمد بيده الله تعالى أشد فرحاً بتوبة عبده أذا تاب من أحدكم إلى راحلته إذا وجدها ثم التوبة في الشرع ترك الذنب لقبحه والندم

ص: 108

على ما فرط والعزيمة على ترك المعاودة وتدارك ما أمكنه أن يتدارك من الأعمال بالإعادة فمتی اجتمع هذه الأربع فقد كمل شرائط التوبة وتاب إلى الله تعالى.

وارد بعض المحققين فقال: أن كان الذنب يتعلق ببني آدم فله شرط آخر وهو رد المظلمة إلى صاحبها أو تحصيل البراءة منه والتوبة أهم قواعد الإسلام وهي أول مقامات سالكي الآخرة وأنشد بعضهم في مناجاته:

لو لم ترد نیل ما أرجو وأطلبه ٭٭٭ من جود كفّيك ما علمتني الطلبا

یرید به قوله تعالى «اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا»(1).

«ورَجُلٍ يُسَارِعُ فِي الْخَیْرَاتِ»: أومأ عليه السلام في الجواب إلى قوله تعالى «أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ ٭ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ ٭ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ ٭ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ ٭ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ ٭ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ٭ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ»(2)وكأني بك تستشعر عن كيفية صحة الدعاء الذي يتوجهون به عند الدخول في الصلوات من قولكم الخير في يديك والشر ليس إليك ويريدون في الدعاء اللهم أنت خالق الخير والشر فجوابه أن المراد بالأول أن الأفعال التي فعلها الله وأمر بها حسنة كلها وليس القبائح من أفعاله تعالى ولا من أوامره ومعنى الثاني أنه تعالى خالق الجنة والنار.

ص: 109


1- سورة نوح: الآية 10
2- سورة المؤمنون: الآيات: 55 - 61

ثم أشار إلى أن التوبة المقبولة لها شأن وصاحبها عند الله بمكان وتعجب من تصورها قليلة مع أن عملاً مع المقبول وهي التقوى ليس بقليل وذلك قوله:

«ولَا يَقِلُّ عَمَلٌ مَعَ التَّقْوَى وكَيْفَ يَقِلُّ مَا»: الذي «يُتَقَبَّلُ»: ما موصولة عبارة عن التوبة النصوح وبالله التوفيق.

وقَالَ عليه السلام «إِنَّ أَوْلَی النَّاسِ بِالَأنْبِيَاءِ أَعْلَمُهُمْ بِمَا جَاءُوا بِه ثُمَّ تَلَا «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ»» الآية(1): أي أحقهم به وأقربهم منه من الولي القريب عن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم أن لكل نبي ولاة من النبين وأن ولي منهم وأبي خليل ربي إبراهيم ثم قرأ «إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ» الآیَةَ(2).

«ثُمَّ قَالَ إِنَّ وَلِيَّ مُحَمَّدٍ مَنْ أَطَاعَ الله وإِنْ بَعُدَتْ لُحْمَتُه وإِنَّ عَدُوَّ مُحَمَّدٍ مَنْ عَصَى الله وإِنْ قَرُبَتْ قَرَابَتُه»: والسر فيه أن نظر الشرع إلى الحسب لا النسب ومن ثم قيل أنما المؤمنون أخوة ولذلك قال تعالى «يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ٭ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ»(3)«فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ»(4)«وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ»(5)والعداوة الدينية المخالفة في الطريقة المستقيمة.

وقال عليه السلام: «وقد سَمِعَ رَجُلًا مِنَ الْحَرُورِيَّةِ»: أي الخوارج تنسب إلى

ص: 110


1- سورة آل عمران: الآية 68
2- سورة آل عمران: الآية 68
3- سورة الشعراء الآية 88 - 89
4- سورة المؤمنون: الآية 101
5- سورة الذاريات: الآية 56

حزور أو حزوری بمد وتقصير وهي قرية كان أول مجتمعهم.

«يَتَهَجَّدُ»: هجد، وتهجد أي سهر وهو من الأضداد ومنه قيل لصلاة الليل التهجد.

«ويَقْرَأُ فَقَالَ نَوْمٌ عَلَى يَقِینٍ خَیْرٌ مِنْ صَلَاةٍ فِي شَكٍّ»: فأن صلاة الشاك فيما يجب الاعتقاد فيه لا نفع له ونوم الموقن له نفع.

وقَالَ: «اعْقِلُوا»: أحبسوا «الْخَبَرَ إِذَا سَمِعْتُمُوه عَقْلَ رِعَايَةٍ»: حفظ «لَا عَقْلَ رِوَايَةٍ فَإِنَّ رُوَاةَ الْعِلْمِ كَثِیرٌ ورُعَاتَه قَلِيلٌ».

وقال عليه السلام: «وسَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: «إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ»(1)فَقَالَ: «إِنَّ قَوْلَنَا «إِنَّا للهِ» إِقْرَارٌ عَلَى أَنْفُسِنَا بِالْمُلْكِ: لأن التقدير إنا لله مُلكاً وملَّكاً».

«و «إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ» إِقْرَارٌ عَلَى أَنْفُسِنَا بِالْهُلْكِ»: أي إقرار بأن مرجع الكل إليه وإليه المصير وفيما قاله عليه السلام تلميح إلى ما قيل من أن من أعترف بالملك والملك لله تعالى في الأشياء كلها والتسليم له في تقديره والإقرار بحكمته البالغة في تدبيره، وأن عقولنا وأدركانا مقصرة وأين لنا معاشر الخفافيش مع عموشة إبصارنا الاعتراض على طلوع الشمس السراج المنير لمصلحة العالم فأن اضطرت نفس أو تخالج في الباطن داعيته فعليك أيها المسكين بقولك أنا لله ومن تصرف في ملکه فلا اعتراض ولا أعراض.

وقَالَ: «ومَدَحَه قَوْمٌ فِي وَجْهِه فَقَالَ اللهُمَّ إِنَّكَ أَعْلَمُ بِي مِنْ نَفْسِيِ وأَنَا أَعْلَمُ بِنَفْسِيِ مِنْهُمْ اللهُمَّ اجْعَلْنَا خَیْراً مِمَّا يَظُنُّونَ واغْفِرْ لَنَا مَا لَا يَعْلَمُونَ»: لم يرض عليه

ص: 111


1- سورة آل عمران: الآية 156

السلام بما قالوا هو في مدحته ودعا الله مغفرته وما كان إلا لانشراح صدره بالأنوار القدسية والأسرار الإلهية.

وقَالَ عليه السلام «لَا يَسْتَقِيمُ»: ولا تتم «قَضَاءُ الْحَوَائِجِ إِلَّا بِثَلَاثٍ»: أي خصال ثلاث «بِاسْتِصْغَارِهَا»: استصغارها وجدتها صغيراً «لِتَعْظُمَ»: فأن الهمة إذا كانت عالية بصد المرام وتنتهي إلى التمام بخلاف عكس ذلك «وبِاسْتِكْتَامِهَا»: طلب كتمانها «لِتَظْهَرَ»: وتصير موجوداً والأظهار قبل الشروع يفوت المقصود لأن غيره من الأعداء يشتغل بالمنع.

«وبِتَعْجِيلِهَا لِتَهْنُؤَ»: تصير هنأ فأن في التأخير آفات هذا وأعلم أن مراده عليه السلام الترغيب إلى هذا الحلال ومن هذا القبيل كثيراً في الأحاديث.

وقَالَ عليه السلام: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُقَرَّبُ فِيه إِلَّا الْمَاحِلُ»: الذي يسعى بالناس إلى السلطان والمحل المكر والكيد يقال: محل به أي سعی به الملك فهو محال، وفي الدعاء، ولا تجعله ماحلاً مصدقاً، وقيل هو الذي يتكلم بكل ما يشتهي من الباطل والهزل ولا يبالي.

«ولَا يُظَرَّفُ فِيه إِلَّا الْفَاجِرُ»: أي لا يدعي طريقاً ولا ينتسب إلى الظرافة إلا الرجل الفاسق.

«ولَا يُضَعَّفُ»: أي لا يدعى ضعيفاً.

«فِيه إِلَّا الْمُنْصِفُ»: العادل «يَعُدُّونَ الصَّدَقَةَ فِيه غُرْماً»: غرامة «وصِلَةَ الرَّحِمِ»

«مَنّاً والْعِبَادَةَ اسْتِطَالَةً عَلَى النَّاسِ»: استطالة عليه أي تطاول، واستطالوا عليهم أي قتلوا منهم أكثر مما كانوا قتلوا.

ص: 112

«فَعِنْدَ ذَلِكَ»: المذكور يَكُونُ «السُّلْطَانُ بِمَشُورَةِ الإماء»: جمع الأمة.

«وإِمَارَةِ الصِّبْيَانِ وتَدْبِیرِ الْخِصْيَانِ»: جمع خصي هذا الخبر من أخبار الغيب التي تفشت في لوح ذهنه من اللوح وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

«وقد ورُئِيَ عَلَيْه السلام وعليه إِزَارٌ خَلَقٌ مَرْقُوعٌ»: من الرقعة «فَقِيلَ لَه فِي ذَلِكَ»: لتجددنه.

فَقَالَ: «يَخْشَعُ لَه الْقَلْبُ وتَذِلُّ بِه النَّفْسُ ويَقْتَدِي بِه الْمُؤْمِنُونَ»: أي ولأجل ذلك لبسه.

وقال عليه السلام: «إِنَّ الدُّنْيَا والآخِرَةَ عَدُوَّانِ مُتَفَاوِتَانِ»: استعاره العدو وللدنيا والعقبي من حيث أنهما لا يجتمعان في محل غالباً ومتفاوتان «وسَبِيلَانِ مُخْتَلِفَانِ»: استعارة العدو وللدنيا والعقبي من حيث أنهما لا يجتمعان في محل غالباً ومتفاوتان.

«فَمَنْ أَحَبَّ الدُّنْيَا وتَوَلَّاهَا أَبْغَضَ الآخِرَةَ وعَادَاهَا»: من المعاداة «وهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْمَشْرِقِ والْمَغْرِبِ ومَاشٍ بَيْنَهُمَا كُلَّمَا قَرُبَ مِنْ وَاحِدٍ بَعُدَ مِنَ الآخَرِ وهُمَا بَعْدُ ضَرَّتَانِ»: أي هما كضرتين في عدم الاجتماع في محل واحد.

«وعَنْ نَوْفٍ الْبَكَالِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عليه السلام ذَاتَ لَيْلَةٍ وقَدْ خَرَجَ مِنْ فِرَاشِه فَنَظَرَ فِي النُّجُومِ فَقَالَ لِي يَا نَوْفُ أَرَاقِدٌ أَنْتَ أَمْ رَامِقٌ»: أي نائم أم يقضان، يرمق ينضر يقال: أرمقته إذا نظرت إليه وقيل رامق بمعنى أرمق وهو الذي يمسك الرمق ويدفع النوم الغالب.

«فَقُلْتُ بَلْ رَامِقٌ قَالَ يَا نَوْفُ طُوبَى لِلزَّاهِدِينَ فِي الدُّنْيَا الرَّاغِبِینَ فِي الآخِرَةِ أُولَئِكَ قَوْمٌ اتَّخَذُوا الأَرْضَ بِسَاطاً وتُرَابَهَا فِرَاشاً ومَاءَهَا طِيباً والْقُرْآنَ شِعَاراً

ص: 113

والدُّعَاءَ دِثَاراً»: أي أتخذوا کلام الله لكثرة ملازمته بالقراءة بمنزلة الشعار وهو الثوب التحتاني واتخذوا الدعاء سلاحاً يقي البدن کالدثار وهو الثوب الفوقاني.

«ثُمَّ قَرَضُوا الدُّنْيَا: قطعوها قَرْضاً عَلَى مِنْهَاجِ»: طريق «الْمَسِيحِ»: عیسی بن مريم عليهما السلام، يقال: أنما سمي المسيح لأنه كان يسيح في الأرض عبد الله بن سعيد الجعفي قال: عيسى ابن مريم عليهما السلام بيتي المسجد وطيبي الماء وأُدامي الجوع وشعاري الخوف ودابتي رجلي ومصلاي في الشتاء مشارق الشمس وسراجي القمر بالليل وجلسائي الزمني والمساكين.

وأمسي وليس لي شيء واصبح وليس لي شيء وأنا بخير فمن أغنى مني.

عبيد بن عمير قال: كان عیسی بن مریم علیه السلام لا يرفع غداء لعشاء ولا عشاء لغد يقول أن مع كل يوم رزقه وكان يلبس الشعر ويأكل الشجر وينام حيث أمسي وفي الجملة ارتياضه وزهده مشهور.

«يَا نَوْفُ إِنَّ دَاوُدَ عليه السلام قَامَ فِي مِثْلِ هَذِه السَّاعَةِ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ إِنَّهَا لَسَاعَةٌ لَا يَدْعُو فِيهَا عَبْدٌ إِلَّا اسْتُجِيبَ لَه إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَشَّاراً»: الذي يقعد على الطريق ويأخذ عُشر أموال من يمر وكذا من يأخذ العُشر في البلد من الطاري يقال: عشرت القوم أعشرتهم إذا أخذت منهم عُشر أموالهم.

«أَوْ عَرِيفاً»: النقيب دون الرئيس والعريف والعارف كالعليم والعالم والعراف الكاهن.

«أَوْ شُرْطِيّاً»: أعوان الظلمة وأحدهم شرطي سموا بذلك لأنهم جعلوا أنفسهم علامة يعرفون بها.

ص: 114

«أَوْ صَاحِبَ عَرْطَبَةٍ وهِيَ الطُّنْبُورُ أَوْ صَاحِبَ كَوْبَةٍ وهِيَ الطَّبْلُ وقَدْ قِيلَ أَيْضاً إِنَّ الْعَرْطَبَةَ الطَّبْلُ والْكَوْبَةَ الطُّنْبُورُ»: الجوهري: العرطبة التي في الحديث العود من الملاهي ويقال الطبل ولعل من الحصر التنفير عن هذه الخصال ويحتمل أن لم يكن في زمن داود عليه السلام الذنوب العظام سواها وقال النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم أن في الليل ساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل خير من أمر الدنيا والآخرة، إلا أعطاه إياه.

وقَالَ عليه السلام: «إِنَّ الله افْتَرَضَ عَلَيْكُمْ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا وحَدَّ لَكُمْ حُدُوداً فَلَا تَعْتَدُوهَا»: تجاوزها «ونَهَاكُمْ عَنْ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا»: أي لا يأخذوا ما حرم الله من قولهم انتهاك الحرمة أي يتناولها بما يحل.

«وسَكَتَ لَكُمْ عَنْ أَشْيَاءَ ولَمْ يَدَعْهَا نِسْيَاناً فَلَا تَتَكَلَّفُوهَا»: أيما إلى قباحة فعل من سلفوا من بني إسرائيل من أنهم تجاوزوا عن النهج القويم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله والمراد من بیني إسرائيل من أنهم تجاوزا عن النهج القويم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله والمراد أمرهم بالقيام بالواجبات وأخذ الحلال حلالاً والحرام حراماً والمباح مباحاً وأن الاجتناب عن المباح تضيق ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.

وقال: «لَا يَتْرُكُ النَّاسُ شَيْئاً مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ»: لطلب صلاح: «لِاسْتِصْلَاحِ دُنْيَاهُمْ إِلَّا فَتَحَ الله عَلَيْهِمْ مَا هُوَ أَضَرُّ مِنْه» وقَالَ عليه السلام: «رُبَّ عَالِمٍ قَدْ قَتَلَه

جَهْلُه وعِلْمُه مَعَه لَا يَنْفَعُه»: رب عالم ترك علمه فلم يعلم به وعمل بجهله فهلك ومعه العلم.

وقَالَ: «لَقَدْ عُلِّقَ بِنِيَاطِ هَذَا الإِنْسَانِ بَضْعَةٌ»: قطعة من اللحم.

ص: 115

«هِيَ أَعْجَبُ مَا فِيه»: والنياط عرق علق به القلب من الوتين فإذا أقطع مات صاحبه وهو النيط أيضاً منه قولهم رماه الله بالنيط أي بالموت.

«وذَلِكَ الْقَلْبُ»: أي وذلك الأعجب الذي في الإنسان مسمی بالقلب وهومن حيث الصورة قطعة لحم صنوبري مودع في الصدر من الجانب الأيسر وذلك منبع الروح ومعدنه وبين سبب العجب بقوله: «وذَلِكَ أَنَّ لَه مَوَادَّ مِنَ الْحِكْمَةِ»: وهي الصواب من القول والعمل.

«وأَضْدَاداً مِنْ خِلَافِهَا»: إذا صلح صلح الجسد وإذا فسد فسد الجسد روي عنه عليه السلام أنه قال: ما من مؤمن إلا وله أربع عيون عينان في الرأس فيبصر بهما أمور الطاعة: وعينان في القلب فيبصر بهما أمور الغيب فإذا أراد الله بعبد خيراً فتح عينيه في قلبه أن القلوب على النفوس رؤس بصلاحها صلحت عيون نفوس فإذا الرئيس يقيم عند فساد صار الرئيس وجنده منكوساً ثم أشار إلى أحواله العارضة له المتولدة بعضها من بعض فقال: «فَإِنْ سَنَحَ»: عرض «لَه الرَّجَاءُ أَذَلَّه الطَّمَعُ وإِنْ

هَاجَ بِه الطَّمَعُ أَهْلَكَه الْحِرْصُ وإِنْ مَلَكَه الْيَأْسُ قَتَلَه الأَسَفُ وإِنْ عَرَضَ لَه الْغَضَبُ اشْتَدَّ بِه الْغَيْظُ »: غليان النفس من الغضب «وإِنْ أَسْعَدَه»: ساعده «الرِّضَی»: أي تهيأ له مرامه على الوجه المرضي عنده «نَسِيَ التَّحَفُّظَ»: التحرز وقيل التيقظ وقلة الغفلة.

«وإِنْ غَالَه»: غلبه «الْخَوْفُ شَغَلَه الْحَذَرُ»: عن الخوف «وإِنِ اتَّسَعَ لَه الأَمْرُ اسْتَلَبَتْه

الْغِرَّةُ»: وقيل الشيطانية وأوقعته في مهاوي الشهوة والاستمتاع بلذات الدنيا.

«وإِنْ أَصَابَتْه مُصِيبَةٌ فَضَحَه الْجَزَعُ»: يقال: فضحه فأفتضح إذا أنكشف مساوئه والاسم الفضيحة.

ص: 116

«وإِنْ أَفَادَ مَالًا أَطْغَاه الْغِنَى»: جعله طاغياً عاصياً.

«وإِنْ عَضَّتْه الْفَاقَةُ»: الفقر «شَغَلَه الْبَلَاءُ»: عن طاعة الله وعبادته «وإِنْ جَهَدَه»: تعبه «الْجُوعُ قَعَدَ بِه الضَّعْفُ»: أقعده وأعجزه.

«وإِنْ أَفْرَطَ بِه الشِّبَعُ كَظَّتْه»: جهدته «الْبِطْنَةُ»: كثرة الأكل يقال كظة الطعام بكظة والكظة بكسر الكاف شيء يعتري من امتلاء، وكظى هذا الأمر جهدني من الكرب.

«فَكُلُّ تَقْصِیرٍ بِه مُضِرٌّ وكُلُّ إِفْرَاطٍ لَه مُفْسِدٌ»: فينبغي أن يكون الشخص العاقل بين بين.

وأمثال هذه الأحكام سبق بيانها في أثناء الخطب وغيرها.

وقَالَ عليه السلام: «نَحْنُ النُّمْرُقَةُ الْوُسْطَى بِهَا يَلْحَقُ التَّالِي وإِلَيْهَا يَرْجِعُ الْغَالِي»: النمرقة وسادة صغيره، والتالي التابع، والعالي الذي يجاوز الحد قيل أي نحن ذو النمرقة الوسطى؛ فحذف المضاف، والنمرقة العظمى للرسول وأما الرعية إذا اتخذ أمراء فلهم النمرقة الدنيا يقول نحن العبيد الله وأن حججاً له فلسنا بأنبياء فأمر بأوسط بين الأمرين، وقيل أراد نحن أهل البيت النمرقة الوسطى الذين من تمسك بولايتنا، وأقتدي بهدايتنا أطمأن على الحق وأستقر دينه على الهدى وأمن من الضلالة والردی کما من أتكأ على النمرقة الوسطى أستقر عليها ووثق بالراحة مطمئناً آمناً من التعب والنصب.

وقَالَ عليه السلام: «لَا يُقِيمُ أَمْرَ الله سُبْحَانَه إِلَّا مَنْ لَا يُصَانِعُ»: صانع فلان فلاناً أعطاه الرشوة.

ص: 117

«ولَا يُضَارِعُ»: ضارع الفقير الغني تواضع له لماله «ولَا يَتَّبِعُ الْمَطَامِعَ»: وذلك الحصر للمبالغة وظاهر أن من يعطي الرشوة ومن يعطي يميل إلى جانب فلا يقر الحق في موضعه وكذا من يضارع ويتبع المطامع وأمرهما ظاهر.

وقَالَ: «وقَدْ تُوُفِّيَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ الأَنْصَارِيُّ بِالْكُوفَةِ بَعْدَ مَرْجِعِه»: وقت رجوعه سهل «مَعَه»: مع أمیر المؤمنین «مِنْ صِفِّینَ وكَانَ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيْه»: تحسراً وتحزناً.

«لَوْ أَحَبَّنِي جَبَلٌ لَتَهَافَتَ»: تساقط وتهدم أي لو نفعني جبل وانتفاع الناس من الجبل أكثر من انتفاعهم بالأرض هذا إذا حمل الكلام على وضعه وحقيقته على أن المجاز في مثل هذا الموضع حسن أراد أن سهل بن حنيف کان لي ناصراً، ومعيناً بالسان واليد، والقلب فمات سريعاً، وقد كان موته مصيبة لي قال السيد في بیان حاصل المعنى: ومعنى ذلك أن المحنة تغلظ عليه فتسرع المصائب إليه ولا يفعل ذلك إلا بالأتقياء الأبرار والمصطفين الأخيار.

وهذا مثل قوله: «مَنْ أَحَبَّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَلْيَسْتَعِدَّ لِلْفَقْرِ جِلْبَاباً» وقد يؤول ذلك على معنى آخر ليس هذا موضع ذكره.

وأن للخبر وجوهاً ثلاثاً أحدها: ما قال أبو عبيد من أن المراد من أحبنا فليستعد لفقره يوم القيامة ما نخبره به من الثواب والقرب إلى الله ولم يرد الفقر به في الدنيا إلا ما نرى؛ فيمن يحبهم کما في سائر الناس من الغني والفقر وقال أبن قتيبة فيه، وجهاً ثانياً وهو أنه أراد من أحبنا فليصبر على القليل من الدنيا والتقنع منها وقال المرتضى فيه وجهاً ثالثاً أي أحبنا فليزلم نفسه ولیقدها إلى الطاعات وليذللها على الصبر عما كره منها والله سبحانه أعلم.

ص: 118

وقَالَ عليه السلام: «لَا مَالَ أَعْوَدُ مِنَ الْعَقْلِ»: أي أنفع من العائدة وهي النعمة جعل من أفراد المال مجازاً ووجه الاستعارة الانتفاع.

«ولَا وَحْدَةَ أَوْحَشُ»: أشد وحشة «مِنَ الْعُجْبِ»: الكبر.

«ولَا عَقْلَ كَالتَّدْبِیرِ»: لتحصيل المآرب «ولَا كَرَمَ كَالتَّقْوَى»: في جذب القلوب «ولَا قَرِينَ كَحُسْنِ الْخُلُقِ ولَا مِیرَاثَ كَالأَدَبِ»: في النفع «ولَا قَائِدَ كَالتَّوْفِيقِ ولَا

تِجَارَةَ كَالْعَمَلِ الصَّالِحِ»: ومن لا فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين «ولَا رِبْحَ كَالثَّوَابِ ولَا وَرَعَ كَالْوُقُوفِ عِنْدَ الشُّبْهَةِ ولَا زُهْدَ كَالزُّهْدِ فِي الْحَرَامِ»: والرغبة عنه.

«ولَا عِلْمَ كَالتَّفَكُّرِ ولَا عِبَادَةَ كَأَدَاءِ الْفَرَائِضِ ولَا إِيمَانَ كَالْحَيَاءِ والصَّبْرِ»: أي ولا شيء من أجزاء الإيمان أكثر نفعاً وأكبر فائدة منهما.

«ولَا حَسَبَ كَالتَّوَاضُعِ ولَا شَرَفَ كَالْعِلْمِ»: فن صاحبه شريف في الدنيا والعقبى.

«ولَا عِزَّ كَالْحِلْمِ»: فأن الحليم عزیز عند الناس.

«ولَا مُظَاهَرَةَ»: معاونة «أَوْثَقُ مِنَ مُشَاوَرَةِ»: أحكم وأشد إتماناً وهي مشتقة من شرب العسل أي استخرجته من موضعه وقد أوضحت معنی کل من العالم وغيره فيما سبق فلذا لم نعده.

وقَالَ عليه السلام: «إِذَا اسْتَوْلَی الصَّلَاحُ عَلَى الزَّمَانِ وأَهْلِه ثُمَّ أَسَاءَ رَجُلٌ الظَّنَّ بِرَجُلٍ لَمْ تَظْهَرْ مِنْه حَوْبَةٌ فَقَدْ ظَلَمَ»: حوبة صفة رجل وهي الهوان والذل وروي خومة أي أثم.

وبخط الرضي حربة فكأنه من المحروب وهو المشقوق أو من الحارب وهو سارق البعير يقال: حرب فلان بأبل فلان، بحرب حاربه والحربة المرة الواحدة

ص: 119

ولو قلنا أنه فعله من الحراب لم يستبعد أي يكون ظالماً من يسيء الظن برجل ما لم يظهر حزأت(1)في دينه.

«وإِذَا اسْتَوْلَی الْفَسَادُ عَلَى الزَّمَانِ وأَهْلِه فَأَحْسَنَ رَجُلٌ الظَّنَّ بِرَجُلٍ فَقَدْ غَرَّرَ»: حمل نفسه على الغرور أما الأول فلأن المظنون به في زي الصلاح واللائق بحاله إحسان الظن به فمن أساء بالضن به فقد وضع ذلك في غير موضعه وهو المعنى بالظلم وأما الثاني فلان الظان المادح حينئذ يجعله مغروراً وذلك ظاهر وأن الفساد لا يظلم أحد إذا أساء الظن برجل من أهله.

«وقِيلَ لَه عليه السلام كَيْفَ نَجِدُكَ يَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَقَالَ عليه السلام: كَيْفَ يَكُونُ حَالُ مَنْ يَفْنَى بِبَقَائِه»: أي يكون بقاؤه سبباً لفنائه.

«ويَسْقَمُ بِصِحَّتِه»: ويكون صحته سبباً لسقامة. «ويُؤْتَى مِنْ مَأْمَنِه»: ويأتيه الشر والمحذور من مأمنه أي من حيث أمن يجيء الشر والمحذور منه وفيه إيمان إلى أن أجدني بين الخوف والرجاء أخاف كيف يكون حالي ومن أجل ذلك لا يطيب عيشي ولا يطمئن قلبي وقد روي عني النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم أن المؤمن لا يطمئن قلبه ولا يسكن روعه حتى يخلف جسر جهنم.

ولله در من قال:

خلق أبن آدم على غفلة ٭٭٭ لولا ذلك ما هنأ عيشه

ص: 120


1- حزأت الإبل أحزؤها، أي: ضممتها وسقتها واحزوزات الإبل: اجتمعت واحزوزا الطائر: ضم جناحيه وتجافي عن بيضه: يُنظر العين للخليل الفراهيدي: ج 3 ص 274

وقَالَ عليه السلام: «كَمْ مِنْ مُسْتَدْرَجٍ بِالإِحْسَانِ إِلَيْه ومَغْرُورٍ بِالسَّتْرِ عَلَيْه ومَفْتُونٍ بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيه ومَا ابْتَلَى الله أَحَداً بِمِثْلِ الإِمْلَاءِ لَه»: الاستدراج الأجد على الغرة كما قال تعالى «سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ»(1)أي نمهلهم؛ ثم نأخذهم كما يرمي الرامي في الدرجة؛ فيندرج شيئاً بعد شيء حتى تصل إلى العلو، وقيل الاستدراج من الله تعالى؛ أن تتابع على عبده النعم؛ أبلاغاً للحجة، وإقامة للمعذرة، والعبد، وقيل الاستدراج من الله تعالى أن تتابع على عبده النعم إبلاغاً

للحجة، وإقامة للمعذرة، والعبد مقيم على الإساءة مصر على المعصية، وذهاباً بالعذاب بسوء خسارة؛ فأخذهم الله بغتة حین لا عذر له ولا حجة؛ والمفتون

الذي عرض للفتنة، والإملاء الإمهال قال جل من قائل «وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ»(2)اشتقاقه من أمليت بمعنى أمهلت، وأخرت وأطلت له مدة وزماناً، وملاؤه من الدهر أي حيناً والإملاء أعظم الابتلاء إذ سببه يصدر عن المبتلى جرائم لا يكاد يحصيها ولا تستقصى.

وقَالَ عليه السلام: «هَلَكَ فِيَّ رَجُلَانِ مُحِبٌّ غَالٍ»: هو الذي أعتقد فيه الإلهية أو النبوة.

«ومُبْغِضٌ قَالٍ»: أسم فاعل من قلا يقلي، وقلا يقي أي أبغض وذكر قائل لمناسبة غال.

وقَالَ عليه السلام: «إِضَاعَةُ الْفُرْصَةِ غُصَّةٌ»: أي يترتب عليها غصص كثیرة حتى كأنها هي.

ص: 121


1- سورة الأعراف: الآية 128
2- سورة الأعراف: الآية 183

وقَالَ عليه السلام: «مَثَلُ الدُّنْيَا كَمَثَلِ الْحَيَّةِ لَیِّنٌ مَسُّهَا والسَّمُّ النَّاقِعُ الطري فِي جَوْفِهَا يَهْوِي إِلَيْهَا»: يسقط إليها «الْمغِرّورُ الْجَاهِلُ ويَحْذَرُهَا ذُو اللُّبِّ الْعَاقِلُ وقال عليه السلام»:

«وقد سُئِلَ عَنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ أَمَّا بَنُو مَخْزُومٍ فَرَيْحَانَةُ قُرَيْشٍ»: مخزوم أبو قبيلة قریش وهو مخزوم بن بعظه بن مرة بن کعب بن لؤي بن غالب فريحانة قريش أي ذكاهم وفيه استعارة حسنة لطيفة.

«نُحِبُّ حَدِيثَ رِجَالِهِمْ والنِّكَاحَ فِي نِسَائِهِمْ وأَمَّا بَنُو عَبْدِ شَمْسٍ فَأَبْعَدُهَا رَأْياً»: ههمة وذكاء «وأَمْنَعُهَا لِمَا وَرَاءَ ظُهُورِهَا»: يجوز أن يكون ذماً أي رأيهم بعيد من الصواب ويمنعون المال الذي كسبوا من الأنفاق بخلاً ويجوز أن يكون مدحاً أي يمنعون حرمهم وحريمهم أن يستباح ورأيهم بعيد عال يحيلون آرائهم كذا قيل كونه ذماً أقوى وأنسب بسياق الكلام يظهر بالتأمل الصادق.

«وأَمَّا نَحْنُ فَأَبْذَلُ لِمَا فِي أَيْدِينَا وأَسْمَحُ عِنْدَ الْمَوْتِ بِنُفُوسِنَا»: يعني أشجع الناس في الحروب.

«وهُمْ»: أي بنوا أمية «أَكْثَرُ»: عدد «وأَمْكَرُ»: أشد مكر «وأَنْكَرُ»: وأكثر أنكار «ونَحْنُ أَفْصَحُ وأَنْصَحُ وأَصْبَحُ»: أي أحسن وجوهاً وأما كونهم أفصح لأنهم أتوا الكلمة الجامعة، والعبارات الأنيقة المعجبة، والرائقة، وكفى بهذا الخطب والكتب، والحكم الواقعة في هذا الكتاب شهیداً؛ بأنه كان عليه السلام أفصح الفصحاء بعد النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم.

وأما كونهم أنصح؛ فلأن النصيحة الترغيب في الآخرة، والتنفير عن الدنيا ولم يوجد مثله عليه السلام في مذاهب عليه السلام في، وتلك شاهدة أيضاً وأما كونه

ص: 122

أصبح؛ فأعلم أن الصباحة الجمال، وقد صبح بالضم، وأصبح افعل من ذلك، وقد روي أنه كان عليه السلام ربعة من الرجال أدعج(1)العنين حسن الوجه كأنه القمر ليلة البدر حسناً ضخم البطن عريض المنكبين شن الكفين أصلع کث اللحية أدم اللون مشاش(2)کمشاش الأسد الضاري لا يبين عضه من ساعده أن امسك ذراعه رجل أمسك بنفسه فلن يستطيع أن يتنفس شديد الساعد والید كان عنقه أبريق فضة وقد روي من رآه يعجب من جماله فقال سبحان الله وعن أبي حمرا قال:

كنا عند النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم «من سره أن ينظر إلى أدم في علمه ونوح في فهمه وإبراهيم في حلمه فلينظر إلى علي بن أبي طالب»(3).

وقَالَ: «شَتَّانَ مَا بَیْنَ عَمَلَیْنِ عَمَلٍ تَذْهَبُ لَذَّتُه وتَبْقَى تَبِعَتُه»: وعقوبته وهو العمل وهو العمل الدنيوي.

«وعَمَلٍ تَذْهَبُ مَئُونَتُه ويَبْقَى أَجْرُه»: وهو: العمل الآخر وي أي بعد كل منها عن الأخر عن الأخر في كونه صواباً وذاك في كونه خطأ.

«وقيل قد تَبِعَ جِنَازَةً فَسَمِعَ رَجُلًا يَضْحَكُ فَقَالَ كَأَنَّ الْمَوْتَ فِيهَا»: الدنيا «عَلَى غَيْرِنَا كُتِبَ»: قدر «وكَأَنَّ الْحَقَّ فِيهَا عَلَى غَيْرِنَا وَجَبَ»: ومع ذلك فليس لنا أن

ص: 123


1- أدعج بمعنی: دعج: الدعج: شدة سواد العين وشدة بياضه؛ العين للخليل الفراهيدي: ج 1 ص 19
2- المشاش: والمشاشة: واحدة المشاش، وهي رؤوس العظام اللينة التي يمكن مضغها؛ يُنظر الصحاح للجوهري :ج 3 ص 10
3- کمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص 25؛ وروضة الواعظين للفتال النيسابوري: ص 128؛ المسترشد للمحمد بن جریر الطبري (الشيعي): ص 287؛ الأمالي للشيخ الطوسي: ص 417؛ مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي، هامش ص 177

نضحك، ويليق بنا أن البكاء، والترع من خشية الله سئل عن ضحكه عليه السلام؛ فقيل نعم والإيمان في قلبه أعظم من الجبل يدل على أنه لم يتجاوز إلى ما يميت القلب، وتزلزل به الإيمان كما ورد أن كثرة الضحك تميت القلب.

«وكَأَنَّ الَّذِي نَرَى مِنَ الأَمْوَاتِ سَفْرٌ عَمَّا قَلِيلٍ إِلَيْنَا عَائِدُوْن»: عرضه عليه السلام أن معنا أمرو إذا لاحظناها ومن جعل الضحك دأباً له فكأنه من غفلة كشخص لا يعرض لتلك الأمور.

«نُبَوِّئُهُمْ أَجْدَاثَهُمْ»: تسكينهم قبورهم.

«ونَأْكُلُ تُرَاثَهُمْ كَأَنَّا مُخَلَّدُونَ بَعْدَهُمْ ثُمَّ قَدْ نَسِينَا كُلَّ وَاعِظٍ»: حالة ذات وعظ راعي ما يراعى في التعريض.

«ووَاعِظَةٍ ورُمِينَا بِكُلِّ فَادِحٍ وجَائِحَةٍ»: مصيبة مستأصلة وروي قد يستأكل واعظ وواعظة وأمنا كل جائحة أي يستأكل: قائل يعظ الناس وكل كلمة فيها

الوعظ أي كلمة فيها الوعظ أي كلمة ذات وعظ وردت من الله ورسوله.

«وقَالَ عليه السلام: طُوبَى لِمَنْ ذَلَّ فِي نَفْسِه»: قد مر الكلام فيه ذل من الذلة لا من الذل أي لا يكون بكثیر ويعزز في نفسه وأراد أي تواضعاً لله وتذللاً.

«وطَابَ كَسْبُه وصَلَحَتْ سَرِيرَتُه»: سره واعتقاده.

«وحَسُنَتْ خَلِيقَتُه»: خلقه «وأَنْفَقَ الْفَضْلَ مِنْ مَالِه وأَمْسَكَ الْفَضْلَ»: الزيادة «مِنْ لِسَانِه وعَزَلَ عَنِ النَّاسِ»: أبعد عنهم.

«شَرَّه ووَسِعَتْه السُّنَّةُ ولَمْ يُنْسَبْ إلَی الْبِدْعَةِ»: أي كفته سنة رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وأنها واسعة قيل أي يكون السنة واسعة له غیر ضيقة عنه

ص: 124

فهو يعمل بها مستغنياً عن البدعة، وروي ولم يعدها إلى البدعة ومعنى الروايتين أنه إلى البدعة التي قاس مالك وأحمد بن حنبل وغيرها.

«ومن الناس من ينسب هذا الكلام إلى رسول الله صلى الله عليه - وآله -»: لم أر هذا الكلام بلفظه في كتب الأحاديث لكن رأيت ما يفيد معناه قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ما أحدث قوم بدعة مثلها من السُنة فتمسك بسنة خير من أحداث بدعة خير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلال من يمسك بشيء عند فساد أمتي فله أجر مائة شهيد.

وقَالَ عليه السلام: «غَیْرَةُ الْمَرْأَةِ كُفْرٌ وغَیْرَةُ الرَّجُلِ إِيمَانٌ»: وذلك لأن الله أحل لكل رجل حر أربع زوجات في دفعة واحدة؛ فينبغي لكل واحدة منهن أن ترضى بذلك وأن رضي الرجل أن ينظر أجنبي إلى زوجته فهو للزنا فذلك كفر والله سبحانه أعلم.

وقَالَ: «لأَنْسُبَنَّ الإِسْلَامَ نِسْبَةً لَمْ يَنْسُبْهَا أَحَدٌ قَبْلِي الإِسْلَامُ هُوَ التَّسْلِيمُ»: لأمر الله «والتَّسْلِيمُ هُوَ الْيَقِینُ»: بالله وباليوم الآخر وبالثواب والجزاء.

والْيَقِینُ هُوَ التَّصْدِيقُ»: بالله ورسوله «والتَّصْدِيقُ هُوَ الإِقْرَارُ»: بما يجب الإقرار به.

«والإِقْرَارُ هُوَ الأَدَاءُ»: أداء ما أفترض به «والأَدَاءُ هُوَ الْعَمَلُ الصالح»: واعلم أيها الطالب للتحقيق أن الإسلام الين يقال: أسلم دخل في الإسلام والتسليم بذل الرضاء بالحكم، واليقين العلم مع زوال الشك نسب عليه السلام الذي هو الانقياد لرسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم على وجه فقال: هو أن يرضى الإنسان بحكم الله؛ أو إظهار ذلك ولا يوصف اليقين إلا العلم الاستدلالي

ص: 125

فجعل التصديق المخصوص الذي هو الإيمان أصلاً رفيعاً عالياً أول مراتبه مراقبة الإسلام من جانب، والثاني التسليم، والثالث اليقين ثم جعل الإقرار ألو درجات الجانب الآخر للتصديق هو الإيمان من فوق إلى تحت، وثانيها الأداء وثالثها العمل بالجوارح وإنما قال: هذا ذاك وأن كان غير بيّن لشدة الاتصال بينهما کما قال: أبو يوسف وأبو حنيفة أي منزل منزلته فالإقرار؛ ثمرة التصديق والأداء يكون بعد الإقرار، ويتفرع عليه، والعمل المشروع يكون بعد ذلك، والصحيح أن هذه الثلاثة التي أولها الإسلام على العكس والقلب هذا وعليك بالتأمل الصادق والله الموفق.

وقَالَ عليه السلام: «عَجِبْتُ لِلْبَخِيلِ يَسْتَعْجِلُ الْفَقْرَ الَّذِي مِنْه هَرَبَ»: قيل أي يدخل في الفقر وأن كان عيناً والمقصود أنه لا ينفق على عياله ولا على نفسه ولا في حق مثل من يجد، واستعجلته طلبة عجلته.

«ويَفُوتُه الْغِنَى الَّذِي إِيَّاه طَلَبَ»: أي يمر به ويمضي عليه ولا يقف عنده.

فَيَعِيشُ فِي الدُّنْيَا عَيْشَ الْفُقَرَاءِ ويُحَاسَبُ فِي الآخِرَةِ حِسَابَ الأَغْنِيَاءِ»: وسبب التعجب علم البخيل بذلك والعمل بخلافه.

«وعَجِبْتُ لِلْمُتَكَبِّرِ الَّذِي كَانَ بِالأَمْسِ نُطْفَةً ويَكُونُ غَداً جِيفَةً»: أراد أن هذه الحالة تقتضي التواضع ومع ذلك الظاهر التكبر عجبت قال رسول الله صلى الله - وآله وسلم؛ قال الله تعالى خلقكم من التراب، ومصيركم إلى التراب فلا تتكبر وبالجملة على عبادي.

وعن الحسن العجب من أبن آدم يغسل الروث بيده كل يوم مرات ثم يتكبر وبالجملة الأمور المقتضية للتدخل في الإنسان كثيرة في كلامه عليه السلام إيماء إلى

ص: 126

أن الكبر ما دخل في قلب إلا نقص العقل بقدره.

«وعَجِبْتُ لِمَنْ شَكَّ فِي الله»: أي في وجوده «وهُوَ يَرَى خَلْقَ الله»: وهو عالم بأن المخلوق لا بد له من خالق، وأعلم أنه عليه السام أشار إلى وجود اقتناعي

في العلم بوجود الصانع بيان ذلك أنه لا يشك أحد في وجود صانع قادر حكيم؛ وقد أشیر إليها في أكثر من ثمانین موضعاً من كتاب الله تعالى كقوله تعالى «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ»(1)وكقوله تعالى «وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ»(2)وقوله تعالى «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ»(3)وكقوله تعالى «أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ»(4)وكقوله تعالى «وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِين»(5)إلى غير ذلك من مواضع الإرشاد إلى الاستدلال

بالعالم الأعلى من الأفلاك، والكواكب، وحركاتها، وأوضاعها، وبالعالم الأسفل من طبقات العناصر، وغرائب امتزاجها والآثار العلوية، والسفلية وأحوال

المعادن، والنباتات، والحيوانات سيما ألإنسان، وما أودع بدنه مما يشهد به علم

ص: 127


1- سورة البقرة: الآية 164
2- سورة فصلت: الآية 37
3- سورة فصلت: الآية 53
4- سورة المرسلات: الآية 20
5- سورة الروم: الآية 22

التشريح، وروحه مما ذكر في علم النفس، ومبنى الكل على أن افتقار الممكن(1)إلى المجود(2)والحادث إلى المحدث(3)، ضروري تشهد به الفطرة وأن فاعل العجائب والغرائب على الوجه الأوفق لا يكون إلا قادراً حكيماً فأن قيل سلمنا ذلك لكن لم لا يجوز أن يكون ذلك الصانع جوهر أرواحنا من جملة الممكنات دون الواجب تعالى وتقدس؟

فالجواب: من وجوه: الأول أنه يعلم بالحدس، والتخمين أن الصانع لمثل هذا لا يكون إلا غنياً مطلقاً لا يفتقر إليه كل شيء، ولا يفتقر هو إلى شيء بل يكون وجوده لذاته؛ فيكون الدليل من الإقناعيات، والاستكثار منها كثيراً ما يقوى الظن بحيث يفضي إلى اليقين الثاني.

أن ذهن العاقل ينساق إلى أن هذا الصانع أن كان هو الواجب الخالق فذاك وأن كان مخلوقاً؛ فخالقه أولى بأن يكون قادراً حكيماً ولا يذهب ذلك إلى غير النهاية لظهور أدلة بطلان التسلسل فيكون المنتهي إلى الواجب تعالى ولهذا صرح في كثير من المواضيع بأن تلك الآيات إنما هي لقوم يعقلون الثالث أن المقصود بالإرشاد إلى هذه الاستدلالات تنبيه من لا يعترف بوجود صانع يكون منه المبدأ، وإليه المنتهى، وله الأمر، والنهي وكونه ملجأ الكل عند انقطاع الرجاء من المخلوقات مذكور في بعض المواضيع م التنزيل كقوله تعالى فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله وكقوله تعالى «فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى

ص: 128


1- الممكن: من المصطلحات الفلسفية: ومعناه المخلوق
2- الموجد: كذلك من المصطلحات الفلسفية: ومعناه الله تعالى جل ثناؤه
3- الحادث والمحدث: الحادث: هو المخلوق والمحدث: هو الله تعالى جل کبریاؤه

الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ»(1)وكقوله تعالى «أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ»(2)وكقوله تعالى «وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ»(3)إلى غير ذلك تنبيهاً على أنه مع نبوته بالأدلة القطعية، والوجوه الإقناعية مشهورة يعترف به الجمهور من المعترفين بالنبوة وغيرهم أما بحسب الفطرة أو بحسب التهدي إليهم بالاستدلالات الجمة على ما نقل من الأعراب انه قال البعرة تدل على البعير، وآثار القدم تدل على المسير، فسماء ذات بروج وأرض ذات فجاج لا تدل على الطيف الخبير، ومع ذلك أنكار الصانع أمر عجیب والله الموفق.

«وعَجِبْتُ لِمَنْ نَسِيَ الْمَوْتَ وهُوَ يَرَى الْمَوْتَى وعَجِبْتُ لِمَنْ أَنْكَرَ النَّشْأَةَ الأُخْرَى وهُوَ يَرَى النَّشْأَةَ الأُولَی»: تلك الإعادة بعيدة الموت كان كمن الكفار من قریش ينكرونها، ويقولون من يحيى العظام، وهي رميم، وقال تعالى، ولقد علمتم النشأة الأولى أي المرة الأولى من الإنشاء، وهو الابتداء للخلق حين خلقهم من نطفة، وعلقة، ومضغة فو لا تذكرون أي هلا تعتزون وتستدلون بالقدرة عليها، وعلى النشأة الثانية التي الأخيرة؛ إذ أفضل الخلق من كونه نطفة؛ ثم علقة؛ ثم مضغة؛ ثم عظاماً ثم كسونا لحماً؛ ثم كونه إنساناً قيل يشتمل الإنسان من كونه نطفة إلى یهرم ويموت على سبعة وثلاثين حالاً، نطفة؛ ثم معلقة؛ ثم مضغة؛ ثم عظماً؛ ثم خلقاً آخر؛ ثم جنیناً؛ ثم وليداً ثم؛ رضيعاً؛ ثم فطیماً یافعاً؛ ثم مترعرعاً ثم

ص: 129


1- سورة العنكبوت: الآية 65
2- سورة النمل الآية 62
3- سورة التوبة الآية 65

حروزاً(1)ثم مراهقاً؛ ثم محتلمًا؛ ثم بالغاً؛ ثم أمرد ثم طاراً؛ ثم نافلًا ثم مسطراً؛

ثم مطرحاً؛ ثم صملاً؛ ثم مليحاً؛ ثم مستوياً؛ ثم مصعداً؛ ثم مجتمعاً؛ ثم والشباب يجمع ذلك كله؛ ثم ملهوفاً؛ ثم كهلاً؛ ثم أسمط؛ ثم شيخاً ثم أسبت ثم حوقلاً ثم مقتاتاً ثم هماً وهرماً ثم ميتاً.

قال: جل من قائل «لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ»(2).

وعَجِبْتُ لِعَامِرٍ دَارَ الْفَنَاءِ وتَارِكٍ دَارَ الْبَقَاءِ: وسبب التعجب ظاهر لأنه عاقل ويعمل بخلافه.

وقال عليه السلام: مَنْ قَصَّرَ فِي الْعَمَلِ: أي لفعل الطاعات ابْتُلِيَ بِالْهَمِّ: وجزاء سيئة سيئة.

«ولَا حَاجَةَ للهِ فِيمَنْ لَيْسَ للهِ فِي مَالِه ونَفْسِه نَصِيبٌ»: أي من العبادة بالبدن وبالمال أعني الزكاة لا تذهب إلى المفهوم المخالف فأن الله سبحانه هو الغني المطلق وذيل غناه منزه عن غبار الافتقار بل هذه العبارة دائرة في السُنة أهل البلاغة في عدم الإعطاء وهنا في عدم أبلاء النشاط.

وقَالَ عليه السلام: «تَوَقَّوُا الْبَرْدَ فِي أَوَّلِه وتَلَقَّوْه فِي آخِرِه فَإِنَّه يَفْعَلُ فِي الأَبْدَانِ كَفِعْلِه فِي الأَشْجَارِ أَوَّلُه يُحْرِقُ وآخِرُه يُورِقُ»: أي اجتنبوا البرد واستروا أبدانكم بالثياب في أول الشتاء؛ فبرده في أول الأمر مضر وانزعوا ثيابكم واخلعوا في آخر الشتاء سريعاً؛ فأن ذلك ينفع الأبدان وتبین ذلك بشاهد وهو أن الريح في آخر الشتاء تلقح الأشجار وتورقها وفي أول الشتاء تحرقها وردف برد الربيع من

ص: 130


1- حروزاً: من التحرز وهو مرحلة من الوعي تسبق المراهقة
2- سورة الانشقاق: الآية 19 - 20

الأخبار الصحيحة عن ربيع القلوب وورد الأرواح صلى الله عليه [وآله] وسلم أنه قال «اغتنموا برد الربيع؛ فأنه يعمل بأبدانكم كما يعمل باشجاركم»(1).

وقَالَ عليه السلام: «عِظَمُ الْخَالِقِ عِنْدَكَ يُصَغِّرُ الْمَخْلُوقَ فِي عَيْنِكَ»: لأن الحق إذا أستولى على سر قهره فلم يترك فيه عظماً لغيره وفي الأحاديث ساعد الله أقوى من ساعدك ومواساة أحد من مواساة وأيضاً تضمحل عظمة لغيره وفي الأحاديث ساعد الله أقوى من ساعدك ومواساتك وأيضاً تضمحل عظمة غيره عند ملاحظة عظمته.

وقَالَ عليه السلام: «وقَدْ رَجَعَ مِنْ صِفِّینَ فَأَشْرَفَ عَلَى الْقُبُورِ بِظَاهِرِ الْكُوفَةِ يَا أَهْلَ الدِّيَارِ الْمُوحِشَةِ»: المحزنة «والْمَحَالّ»: المنازل «الْمُقْفِرَةِ»: الخالية «والْقُبُورِ الْمُظْلِمَةِ يَا أَهْلَ التُّرْبَةِ يَا أَهْلَ الْغُرْبَةِ يَا أَهْلَ الْوَحْدَةِ يَا أَهْلَ الْوَحْشَةِ»: تعداد هذه الأحوال أيقاض للغافلين عن معنى الغفلة ومزيد بقضة اليقظان.

«أَنْتُمْ لَنَا فَرَطٌ سَابِقٌ»: أي فارطون سابقون.

«ونَحْنُ لَكُمْ تَبَعٌ لَاحِقٌ»: أي لا حقون وإنما أفرد سابق ولا حق وأن كان كلاهما وصف جماعة لأن فرط، وتبع مفرد لأن كليهما مصدر، ومعنى بهما هنا الجمع ويستوي المصدر في الواحد والجمع يقال فرط وهما فرط وهم فرط، والفرط الذي يتقدم الوارد؛ فيهيئ لهما الدار قيل لك سابق.

«أَمَّا الدُّورُ»: أي دياركم «فَقَدْ سُكِنَتْ وأَمَّا الأَزْوَاجُ»: أزواجكم.

«فَقَدْ نُكِحَتْ وأَمَّا الأَمْوَالُ»: أموالكم «فَقَدْ قُسِمَتْ هَذَا خَبَرُ مَا عِنْدَنَا فَمَا خَبَرُ مَا عِنْدَكُمْ»: يعني لا يطلعه على الله «ثُمَّ الْتَفَتَ عليه السلام إِلَی أَصْحَابِه فَقَالَ

ص: 131


1- لعل الحديث مرسل لم أعثر على مصدره؛ فقط ذكره أبن حمدون في التذكرة الحمدونية: ج 5 ص 418؛ بلفظ مقارب قال: ويقال برد الربيع مونق

أَمَا لَوْ أُذِنَ لَهُمْ فِي الْكَلَامِ لأَخْبَرُوكُمْ أَنَّ خَیْرَ الزَّادِ التَّقْوَى» إذ هي نافعة قد سق الكلام في التقوى غير مرة وقوله جل من قائل «وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ»(1).

وقَالَ عليه السلام: «وقَدْ سَمِعَ رَجُلًا يَذُمُّ الدُّنْيَا أَيُّهَا الذَّامُّ لِلدُّنْيَا الْمُغْتَرُّ بِغُرُورِهَا لَمْخْدُوعُ بِأَبَاطِيلِهَا أَتَغْتَرُّ بِالدُّنْيَا ثُمَّ تَذُمُّهَا أَنْتَ الْمُتَجَرِّمُ عَلَيْهَا أَمْ هِيَ الْمُتَجَرِّمَةُ عَلَيْكَ»: التجرم: التنحي، وهو: أن ينسب إليه الجرم والجناية أي أنت المدعي على الدنيا والاستفهام هنا على سبيل التوضيح وأَم متصلة ويجوز أن يكون إخباراً وأَم منقطعة ويقال: بجزم فلان على أي أدعي دنيا على لم أفعله.

«مَتَى اسْتَهْوَتْكَ»: أي متى طلبت هوايتك وسقوطك.

«أَمْ مَتَى غَرَّتْكَ أَبِمَصَارِعِ آبَائِكَ مِنَ الْبِلَى أَمْ بِمَضَاجِعِ أُمَّهَاتِكَ تَحْتَ الثَّرَى»: بيّن بهما أن أحوال الدنيا بأن تجعلها عبرة لنفسك وعظة أولي من أن يعتريها.

«كَمْ عَلَّلْتَ بِكَفَّيْكَ وكَمْ مَرَّضْتَ»: داویت وعالجت المريض «بِيَدَيْكَ بْتَغِي»: تطلب لهم.

«لَهُمُ الشِّفَاءَ وتَسْتَوْصِفُ لَهُمُ»: للإباء «الأَطِبَّاءَ»: أي تطلب صفوة الدواء لهم.

(2)«لْمَ يَنْفَعْ أَحَدَهُمْ إِشْفَاقُكَ»: خوفك «ولْمَ تُسْعَفْ»: لم تعط مرادك.

«فِيه بِطَلِبَتِكَ»: مطلوب «ولَمْ تَدْفَعْ عَنْه»: عن أحدهم «بِقُوَّتِكَ وقَدْ مَثَّلَتْ لَكَ بِه»: أي بأحدهم «الدُّنْيَا نَفْسَكَ»: أي جعلت مثالاً وضربت مثلاً يقال مثلت له

ص: 132


1- سورة البقرة: الآية 197
2- ورد في بعض متون النهج: غَدَاةَ لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ دَوَاؤُكَ ولاَ يْجُدِي عَلَيْهِمْ بُكَاؤُكَ

تمثيلاً إذا صورت له مثالاً بالكناية وغيرها في أمر مجمل وفصلته له أي مثلت لك أن الدنيا جعلت أحدهم مثلاً لنفسك فيعتبر به وتعلم أن حالك مثل حاله في الدنيا.

«وبِمَصْرَعِه مَصْرَعَكَ»: أي تعلم أن مصرعك مثل مصرعه.

«إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ صِدْقٍ لِمَنْ صَدَقَهَا»: ويروي صدقها بالتشديد أرد أن الدنيا كانت على نفسها بالفناء، والذهاب يعني تقول لها انت ذاهبة زائلة وعلى الرواية الثانية معناه قال لها أنت صادقة فيما دللت عليه من الفناء ومثلت لها مصارع الآباء والإقراء.

«ودَارُ عَافِيَةٍ لِمَنْ فَهِمَ»: علم «عَنْهَا ودَارُ غِنًى لِمَنْ تَزَوَّدَ مِنْهَا ودَارُ مَوْعِظَةٍ لِمَنِ اتَّعَظَ»: قبل الوعظ «بِهَا مَسْجِدُ»: أي هي مسجد «أولياء الله ومُصَلَّى مَلَائِكَةِ الله»: زمرة منهم ينزلون الغداة ويصعدون الرواح وزمرة بعكس ذلك.

«ومَهْبِطُ»: منزل «وَحْيِ الله ومَتْجَرُ»: موضع تجارة «أَوْلِيَاءِ الله اكْتَسَبُوا فِيهَا الرَّحْمَةَ ورَبِحُوا فِيهَا الْجَنَّةَ»: وإذا كانت حال الدنيا كذلك.

«فَمَنْ ذَا يَذُمُّهَا وقَدْ آذَنَتْ»: أعلمت «بِبَيْنِهَا»: بفراقها «ونَادَتْ بِفِرَاقِهَا ونَعَتْ نَفْسَهَا وأَهْلَهَا فَمَثَّلَتْ لَهُمْ بِبَلَائِهَا الْبَلَاءَ»: أي صورت لهم البلاء ببلاء أهلها

«وشَوَّقَتْهُمْ»: حملتهم على الشوق «بِسُرُورِهَا إِلَی السُّرُورِ رَاحَتْ»: من الرواح بِعَافِيَةٍ وابْتَكَرَتْ: جائت مبتكرة بِفَجِيعَةٍ: مصيبة تَرْغِيباً: في العافية «وتَرْهِيباً»: عن مصائبها «وتَخْوِيفاً»: عن عذاب الآخرة.

وتَحْذِيراً فَذَمَّهَا رِجَالٌ»: أهل المعصية «غَدَاةَ النَّدَامَةِ وحَمِدَهَا آخَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»: يعني أهل الطاعة إذا رؤا الثواب بحاصل کلامه عليه السلام ذمه من ذم

ص: 133

الدنيا يعني ينبغي أن يذم العاصي نفسه لأنه مقصر ولا تقصير لدنيا إذ نودي بلسان الحال ما نودي، ولو يتخذ من حيث المحبة ففيها فوائد جمة ولو اتخذت من تلك الحيثية لكانت لعباً ولهواً وشاغلة عن الله تعالى وكيف لا وهي محل کسب الكمال، واكتساب أسباب، وصال ذي الجلال، ومرقاة الأبرار، ومعارج أولى الأبصار، وقد قال: النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم «أوحى الله تعالى إلى الدنيا من خدمني؛ فأخدميه ومن خدمك فاستخدميه»(1)ولا بأس عليك أن تقول كيف يكون مذامها الصادرة من النبي صلى عليه - وآله - السلام والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم يرجع إلا الدنيا ملعون ملعونة ما فيها إلا ذکر لو كانت الدنيا تعدل عند الله جنح بعوضة ماسقي کافر شربة، وأمثالها كثيرة؛ فأقول في مقام التنفير عنها ذكر المنفرات، ولا يدل على أن ليس لها جهة الحسن کما یقال تنفيراً للمريض العسل مُرةً مقيئة، ومن ثم قال صلى الله عليه [وآله] وسلم «أن هذا المال حلوة خضرة؛ فمن أخذه ووضعه في حقه فنعم المعونة هو ومن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع»(2)وقال أبن عباس رضي الله عنهما أن الله جعل الدنيا ثلاث أجزاء جزء للمؤمن وجزء للمنافق وجزء للكافر؛ فالمؤمن من يتزود والمنافق يتزين، والكافر يتمتع، وأخذ الدنيا لأجل التزود منها حسن، وغيره قبيح وذكرتهم الدنيا فذكروا وحدتهم فصدقوا ووعظتهم؛ فاتعظوا يعني أن الدنيا ذكرتهم مصائب أهلها وحدثتهم أحاديث الماضين فصدقوا الدنيا في حديثها فاعتبروا(3).

ص: 134


1- عيون الأخبار لابن قتيبة الدينوري: ج 2 ص 254، تاریخ بغداد للخطيب البغدادي: ج 8 ص 44؛ والموضوعات لابن الجوزي: ج 3 ص 136؛ تهذيب الكمال للمزي: ج 5 ص 78؛
2- مسند أحمد بن حنبل: ج 3 ص 7؛ سنن الدارمي لعبد الله بن الرحمن الدارمي: ج 1 ص 388
3- ورد في بعض متون النهج ذَكَّرَتُهْمُ الدُّنْيَا فَتَذَكَّرُوا وحَدَّثَتْهُمْ فَصَدَّقُوا ووَعَظَتْهُمْ فَاتَّعَظُوا

وقَالَ عليه السلام: «إِنَّ للهِ مَلَكاً يُنَادِي فِي كُلِّ يَوْمٍ لِدُوا لِلْمَوْتِ واجْمَعُوا لِلْفَنَاءِ وابْنُوا لِلْخَرَابِ»: ليست اللام فيها للعرض وإنما هي للغاية نحو قوله تعالى «فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا»(1)وفي الخبر ما طلعت الشمس إلا وبجنبها ملكان يناديان يسمع الخلائق غير الثقلين يا أيها الناس هلموا إلى ربكم ما قل وكفى خير مما كثر وألهي.

وقَالَ عليه السلام: «الدُّنْيَا دَارُ مَمَرٍّ لَا دَارُ مَقَرٍّ»: في الخبر الدنيا فنظرة الآخرة فاعتبروها ولا تعمروها.

«والنَّاسُ فِيهَا رَجُلَانِ رَجُلٌ بَاعَ فِيهَا نَفْسَه فَأَوْبَقَهَا»: اهلكها «ورَجُلٌ ابْتَاعَ نَفْسَه» أشترى نفسه عن الدنيا بطاعة الله «فَأَعْتَقَهَا»: قدر مر الكلام في مثله مراراً فلا يعاد.

وقَالَ عليه السلام: «لَا يَكُونُ الصَّدِيقُ صَدِيقاً حَتَّى يَحْفَظَ أَخَاه فِي ثَلَاثٍ»: أي ثلاث حالات «فِي نَكْبَتِه وغَيْبَتِه ووَفَاتِه»: وذلك لن الصداقة صدق الاعتقاد في المودة وظاهران من أحواله لا تكون كذلك ولا يكون له صداقة حقيقة وإنما يكون شبيهاً بالمنافق.

وقَالَ عليه السلام: «مَنْ أُعْطِيَ أَرْبَعاً»: أربع مسائل حاجات «لَمْ يُحْرَمْ أَرْبَعاً»: خصال «مَنْ أُعْطِيَ الدُّعَاءَ لَمْ يُحْرَمِ الإِجَابَةَ ومَنْ أُعْطِيَ التَّوْبَةَ لَمْ يُحْرَمِ الْقَبُولَ ومَنْ أُعْطِيَ الِاسْتِغْفَارَ لَمْ يُحْرَمِ الْمَغْفِرَةَ ومَنْ أُعْطِيَ الشُّكْرَ لَمْ يُحْرَمِ الزِّيَادَةَ».

وتصديق ذلك: المدعی کتاب الله سبحانه قال الله عز وجل في الدعاء «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ»(2)فأن أستجب جواب أدعوني، وهو على تقدير الشرط، والجزاء

ص: 135


1- سورة القصص: الآية 8
2- سورة غار الآية 60

أي أن دعوتموني أستجب لكم، وقضية هذه القضية عدم أن لا يتخلف الاستجابة عن الدعوة هذا، والمقصود الدعاء بشرائطه کما تحقق في موضعه وكذلك الاستغفار والشكر.

وقال: «في الاستغفار «وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا»(1)وقال في الشكر «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ»(2)وقال في التوبة «إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ»: أي قبول التوبة على الله تعالى لمن عمل سيئة جهلاً ثم تاب من قريب قبيل الموت «فَأُولئِكَ يَتُوبُ الله عَلَيْهِمْ»: يتقبل الله توبتهم.

«وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا»(3)وقَالَ عليه السلام: في «الصَّلاَةُ قُرْبَانُ كُلِّ تَقِيٍّ»: القربان بالضم ما يتقرب به إلى الله تعالى بقول منه قريب الله قرباناً ويقرب إلى الله بشيء طلب به القربة عنده.

و«والْحَجُّ جِهَادُ»: أي ثوابه مثل الجهاد «كُلِّ ضَعِيفٍ ولِكُلِّ شَيْءٍ زَكَاةٌ وزَكَاةُ الْبَدَنِ الصِّيَامُ»: فأنه يطهره عن الأجزاء الفاسدة والأخلاط الردية.

«وجِهَادُ الْمَرْأَةِ حُسْنُ التَّبَعُّلِ»: أي حسن صحته المرآة مع بعلها أي زوجها وهذا ضرب من الجهاد النفسي وفيه فوائد كثيرة.

وقَالَ عليه السلام: «اسْتَنْزِلُوا الرِّزْقَ بِالصَّدَقَةِ»: فأنها جاذبة أسباب المنجح أصحاب المحن روي عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم «مانقص مال من

ص: 136


1- سورة النساء: الآية 110
2- سورة ابراهيم: الآية 7
3- سورة النساء: الآية 17

صدقة إلا فتصدقوا»(1).

وقَالَ عليه السلام: «مَنْ أَيْقَنَ»: بالعوض والبذل «بِالْخَلَفِ جَادَ بِالْعَطِيَّةِ»: وأكثر الناس كذلك وليس بذاك.

وقَالَ عليه السلام: «تَنْزِلُ الْمَعُونَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَئُونَةِ»: أي على قدر مؤنة الشخص، وعياله والمؤنة يهْمز، ولا يُهْمزَ فعوله، وقال: الفراء مفعلة من الأين، وهو التعب، والشدة، وقيل هي مفعلة من الأون، والخروج، والعدل لا يقبل على الإنسان، والأون الدعة السكينة والرفق أي يعطى تعالى إياه قدر ما يحتاج إليه، وأن عصى بل، ويزيد على ذلك، وبذلك سبقت رحمته غضبه.

قَالَ عليه السلام: «مَا عَالَ مَنِ اقْتَصَدَ»: لم يسرف ولم يقتر(2).

وقَالَ عليه السلام: «قِلَّةُ الْعِيَالِ أَحَدُ الْيَسَارَيْنِ»: اليسار واليسر الغني.

وقَالَ عليه السلام: «التَّوَدُّدُ»: التقرب إلى الناس بالمودة وأن يفعل فعلاً یوده الناس لذلك الفعل.

«نِصْفُ الْعَقْلِ»: لأن العقل نصفان عقل المعاد ونصف عقل المعاش وهذا هو.

وقَالَ عليه السلام: «الْهَمُّ نِصْفُ الْهَرَمِ»: لأن الشيب أما بالسن وأما بالغم.

وقَالَ عليه السلام: «يَنْزِلُ الصَّبْرُ عَلَى قَدْرِ الْمُصِيبَةِ ومَنْ ضَرَبَ يَدَه عَلَى فَخِذِه

ص: 137


1- قرب الأسناد للحميري القمي: ص 118؛ الكافي للشيخ الكليني: ج 4 ص 3؛ التوحيد: للشيخ الصدوق: ص 68؛ الخصال للصدوق: ص 631
2- يقتر: بمعنی يبخل

عِنْدَ مُصِيبَتِه حَبِطَ أجره»(1): أي من المصيبة وتلقاها بالصبر والرضاء فله العوض، والثواب على الصبر على ذلك، ومن لا يصبر، وجزع لا يكون له ثواب، وأن كان له عوض؛ فيحبط أجره الذي هو الثواب دون العوض.

وقَالَ عليه السلام: «كَمْ مِنْ صَائِمٍ لَيْسَ لَه مِنْ صِيَامِه إِلَّا الْجُوعُ والظَّمَأُ»: العطش «وكَمْ مِنْ قَائِمٍ»: في الليل للعبادة «لَيْسَ لَه مِنْ قِيَامِه إِلَّا السَّهَرُ والْعَنَاءُ»: التعب أي هم كثيرون، وأما واما الزمرة المقبولة طاعاتهم، وقليل ما هم لأن أكثر الناس قلبوهم لاهمية؛ فهم الذين أماتوا نفوسهم فأحياهم الحي القيوم الحياة الطيبة قبل يوم المعاد وأطعمهم من يحب فواكه الجنان الوصل وطرف هدایا فيض الفضل في روضات رضوان رب العباد.

«حَبَّذَا نَوْمُ الأَكْيَاسِ وإِفْطَارُهُمْ»: حبذا أصله حبب ذا أي نعم شيء نوم الأكياس يعني الذين اشتغلوا العقول؛ فهم أكياس والأكياس يبادرون على الأكل والنوم لأنهم ينامون ويأكلون على بينة أن ينفقوا بهما على الطاعة فإذا هم في عين الطاعة.

وقَالَ عليه السلام: «سُوسُوا»: احفظوا «إِيمَانَكُمْ بِالصَّدَقَةِ وحَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ»: أي أخرجوا زكاة أموالكم فأن سياستكم في الأيمان على أنفسكم بالعبادة المأتاة التي هي الصدقة، وأكثر ما يقال للزكاة الواجبة والصدقة للسنة ثم يتداخلان.

«وادْفَعُوا أَمْوَاجَ الْبَلَاءِ بِالدُّعَاءِ»: أما حفظ الصدقة فلما مر من أنها تدفع ميتة السوء ولأنها تطفئ الخطيئة على ما ورد به الخبر وأما تحصين الأموال بالزكاة

ص: 138


1- ورد في بعض متون النهج: عَمَلُه

فلقوله صلى الله عليه [وآله] وسلم «حصنوا أموالكم بالزكاة وداو مرضاكم بالصدقة»(1)ومن ثم قيل الزكاة قيد النعم، وصيد النسم وأما دفع البلاء بالدعاء أعدوا للبلاء الدعاء وقال أيضاً إذا كان في البلدة رجل صالح أو أمرأة صالحة يدفع الله البلاء بدعائهما، وأمثال هذه الأخبار كثيرة وبالله التوفيق.

«ومِنْ كَلَامٍ لَه لِكُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ النَّخَعِيِّ رحمه الله»: كميل تصغير أكمل کزهير وأزهر وقد كان من قبيلة ن اليمن.

«قَالَ: كُمَيْلُ بْنُ زِيَادٍ أَخَذَ بِيَدِي أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: عليه السلام فَأَخْرَجَنِي إِلَی الْجَبَّانِ »: أي المقبرة «فَلَمَّا أَصْحَرَ»: دخل في الصحراء تَنَفَّسَ الصُّعَدَاءَ: نصب على المصدر أي رفع نفسه كما يرفع المتلهف الحزين أحباباً وهذا الفصل في صفة العلماء منتزع من کلام طويل له عليه السلام ومعروف، وكان أمير عليه السلام أخرج كميل إلى موضع خال ثم وصاه فدعاه أولاً إلى حفظ ما يسمعه من العلم فقال:

«فَاحْفَظْ عَنِّي مَا أَقُولُ لَكَ ثُمَّ قَالَ يَا كُمَيْلَ بْنَ زِيَادٍ إِنَّ هَذِه الْقُلُوبَ أَوْعِيَةٌ فَخَيْرُهَا أَوْعَاهَا»: أحفظها للعلم اللدني ثم قسم أصناف الناس على أقسام ثلاث فقال:

«النَّاسُ ثَلَاثَةٌ أحدها عَالِمٌ رَبَّانِيٌّ»: وهو العارف بالله تعالى المتأله قال تعالى «كُونُوا رَبَّانِيِّينَ» قال: الأزهري هم رباب العلم الذين الذي يعلمون بما يعملون وأصله من الرب کما یربون المتعلمين بصغار العلوم قبل كبارها وزيدت النون،

ص: 139


1- الانتصار للشريف المرتضى: ص 213؛ وأيضاً في رسائل المرتضى للشريف المرتضى: ج 3 ص 219؛ الدعوات لقطب الدين الراوندي: ص 111؛ الكافي للشيخ الكليني: ج 4 ص 61

والأف للمبالغة في النسب أبو عبيدة: هم العلماء بالحلال والحرام، ثعلب: إنما قيل للعلماء ربانيون لأنهم يربون العلم أي يقومون به يقال لمن قام بإصلاح نفسه شيء دائماً قد ربه یربه؛ فهو رب له، وقيل أنه منسوب إلى الرب على غير قياس، والرب من أسماء الله، ولا يقال في غيره تعالى إلا بالإضافة في الفايق الرباني المنسوب إلى الرب بزيادة الأف والنون للمبالغة وهو العالم الرابح في العلم الذي أمر الله به أو يطلب بعلمه وجه.

«و»: والصنف الثاني «مُتَعَلِّمٌ عَلَى سَبِيلِ النَجَاةٍ»: أي الذي يتعلم لينجوا بذلك لا ليجادل ويفاخر، و: والصنف الثالث: «هَمَجٌ رَعَاعٌ أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ»: أراد الصنف الثالث أرذل الناس الذين يتبعون كل مبتدع ينعق ويدعوا الناس الباطل، والهمج ذناب صغيرة كالبعوض يقع على، وجه الحمر في الفايق: الهمج جمع هجمة، وهي ذباب صغيرة يقع على وجوه النعم، والحمير، وقيل هو ضرب من البعوض شبه به الأراذل من الناس، وقيل همج رعاع السفلة والرعاع الطّعام.

«يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ رِيحٍ»: تبين وجه الاستعارة أراد کما أن الهمج يميل وينتقل من مكان إلى آخر مع أدنی ریح كذلك هؤلاء يتركون المذهب الحق وينتقلون إلى الباطل بأدني تلبيس، وتشكيك، ولوحظ في ذلك تشبيه الأمور المشكلة الملبسة بالريح ووجهه يظهر بأني تأمل في بياننا.

«لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ»: ولو اختبطوا.

«ولَمْ يَلْجَئُوا إِلَی رُكْنٍ وَثِيقٍ»: محكم ولو الجؤا لما وقعوا في مهاوي التهلكة «يَا كُمَيْلُ الْعِلْمُ خَیْرٌ مِنَ الْمَالِ»: فأنه حياة القلب من العمى ونور البصر من الظلم وقوة الأبدان من الضعف، وكفاك خبرته ما روي أنه قال: صلى الله عليه

ص: 140

[وآله] وسلم «أن باباً من العلم يتعلمه الرجل ويعمل به خير له من أن لو كان أبو قبیس(1)ذهباً فأنفقه في سبيل الله»(2)وبين عليه السلام کونه خيراً بوجه آخر وذلك قوله: «الْعِلْمُ يَحْرُسُكَ وأَنْتَ تَحْرُسُ الْمَالَ والْمَالُ تَنْقُصُه النَّفَقَةُ والْعِلْمُ يَزْكُوا

عَلَى الإِنْفَاقِ وصَنِيعُ الْمَالِ»: الفعل الحسن.

«يَزُولُ بِزَوَالِه»: بزوال المال وقيل أي أن الذي يصادفك كصنع صنعته عنده ومعروف أوليته إياه أذا ذهب ذلك ذهبت مودته وما ذكرنا أشمل وأولى وإنما مثل العلم كمثل سراج على الطريق يقتبس منه الذاهب والجائي وينتفع منه به ولا ينقص.

«يَا كُمَيْلَ بْنَ زِيَادٍ مَعْرِفَةُ الْعِلْمِ دِينٌ يُدَانُ بِه»: نبات به یعنی أن تحصيل العلوم المتعلقة بمعرفة الله تعالى، ومعرفة النبي والأئمة عليهم السلام، ومعرفة ما يجب معرفته عقلاً، وشرعاً، وهو الدين الذي يجب التبين به والاعتقاد له والمحافظة له.

«لا يَكْسِبُ الإِنْسَانُ الطَّاعَةَ فِي حَيَاتِه وجَمِيلَ الأُحْدُوثَةِ»: البناء الجميل واحدة الأحاديث.

«بَعْدَ وَفَاتِه والْعِلْمُ حَاكِمٌ والْمَالُ مَحْكُومٌ عَلَيْه يَا كُمَيْلُ هَلَكَ خُزَّانُ الأَمْوَالِ وهُمْ أَحْيَاءٌ»: مؤكدة لما قبله يحتمل أن يحتمل أن يراد أنهم باقون آثاراً أو أراد أن العلماء باقون ما بقي الدهر منوراً بأنوار.

(3)«أَعْيَانُهُمْ»: أشخاصهم «مَفْقُودَةٌ وأَمْثَالُهُمْ»: صورهم «فِي الْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ»: أقول المعني ببقاء العلماء أبداً هذا المعنى.

ص: 141


1- أبو قبیس: المراد به جبل أبي قبيس المحاذي للمسجد الحرام
2- تفسير الرازي للرازي: ج 2 ص 180
3- ورد في بعض متون النهج: والْعُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ

ها: حرف التنبيه أي انتبهوا لما أقول لكم.

«إِنَّ هَاهُنَا لَعِلْماً جَمّاً»: أي أن في صدري علماً كثيراً استدلالياً وما يجري مجراه.

«وأَشَارَ بِيَدِه إِلَی صَدْرِه لَوْ أَصَبْتُ»: وجدت «لَه حَمَلَةً»: جمع حامل يحتمل، لو التمني، والشرط والجزاء محذوف أي لحملته لكني لم أجد، ولما ذکر کثرة علومه شکا رعيته أنهم لا يتحلون من وجوه غير حسنة أما أن يتعلم للدنيا وأما أن يكتفي بالتقليد، وأما أن يكون مستفاداً الشهوات نفسه مشغولاً بالذات لا ينظر إلى العلم أو يكون حريصاً يجمع المال وغيره فلا يتفرع للتعلم وذلك قوله:

«بَلَى أَصَبْتُ لَقِناً»: متعلماً «غَیْرَ مَأْمُونٍ عَلَيْه»: لا يؤمن أضاعته ولا يوثق به استعماله.

«مُسْتَعْمِلًا آلَةَ الدِّينِ لِلدُّنْيَا ومُسْتَظْهِراً»: ومستعيناً «بِنِعَمِ الله عَلَى عِبَادِه وبِحُجَجِه عَلَى أَوْلِيَائِه»: الله «أَوْ مُنْقَاداً لِحَمَلَةِ الْحَقِّ لَا بَصِیرَةَ»: معرفة له.

«لَه فِي أَحْنَائِه»: الجوانب الواحدة حنوة أي لا علم له بفحواه ولا بما في ضمنه ووسطه.

«يَنْقَدِحُ»: يظهر ويتولد «الشَّكُّ فِي قَلْبِه لأَوَّلِ عَارِضٍ مِنْ شُبْهَةٍ أَلَا لَا ذَا ولَا ذَاكَ»: بل يكومن من زمرة مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء قيل ولا ذاك إشارة إلى اللقن الذي تقدم ذكره، وتقدير الكلام لا يكن ذا وذاك، ويجوز أن يكون المعنى لا هذا النقاد بحمله الحق محمود عند الله ناج ولا ذاك اللقن، ويجوز حمل الدعاء أي لا كان ذا ولا ذاك.

«أَوْ مَنْهُوماً»: حريصاً «بِاللَّذَّةِ سَلِسَ الْقِيَادِ»: سهل الانقياد «لِلشَّهْوَةِ أَوْ مُغْرَماً»:

ص: 142

حريصاً «الْجَمْعِ والِادِّخَارِ لَيْسَا»: أي ليس المنهوم المغرم.

«مِنْ رُعَاةِ الدِّينِ فِي شَيْءٍ أَقْرَبُ شَيْءٍ شَبَهاً بِهِمَا الأَنْعَامُ السَّائِمَةُ»: الراعية التي ترعى وجه المشابهة الأكل والشرب والنوم والنكاح والغفلة عن الآخرة قال جل من قائل «أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ»(1).

«كَذَلِكَ يَمُوتُ الْعِلْمُ بِمَوْتِ حامِلِيه»: يعني إذا كان على هذا يذهب بينهم ويموت حتى لا يرى له أثر عندهم ثم استثنى فقال:

«اللهُمَّ بَلَى»: والعرب يستثني باللهم كما يستثنون بإنشاء الله في آخر الكلام؛ ثم ذكر عليه السلام لا يخلو الزمان من العلوم الدينية أما أن يكون ظاهراً بين الخلائق لكونه أمناً؛ ولكثرة أوليائه وأما أن يكون غائباً مستوراً لكونه خائفاً على نفسه بسبب كثرة أعدائه، وقلة أوليائه وذلك قوله:

«لَا تَخْلُو الأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ للهِ بِحُجَّةٍ»: إمام «إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً وإِمَّا خَائِفاً مَغْمُوراً»: مستور ثم أشار إلى ذلك فقال:

«لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَجُ الله وبَيِّنَاتُه»: إشارة إلى قوله تعالى «لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ»(2)وأعلم أن الأمامية رحمهم الله أوو إلى هذا الكلام ليدفعوا ما أورد مخالفوهم عليهم حيث قالوا يجب نصب الإمام على الله تعالى لأنه إذا كان لهم رئيس قاهر يمنعهم من المحظورات ويحثهم الواجبات كانوا معه أقرب إلى الطاعات، وأبعد عن المعاصي منهم بدونه، واللطف واجب على الله ثم أعترض عليهم مخالفوهم، وقالوا إنما يكون منفعة، ولطفاً واجباً إذا كان ظاهراً قاهراً زاجراً

ص: 143


1- سورة الأعراف: الآية 179
2- سورة النساء: الآية 165

عن القبائح قادراً على تنفيذ الأحكام وأعلاء لواء کلام الإسلام، وهذا ليس يلازم عندكم؛ فالإمام الذي أدعيتم، وجوبه ليس بلطف والذي هو لطف ليس بواجب فأجابوا بأن وجود الإمام الذي ادعيتم وجوبه ليس بلطف والذي هو لطف لیس بواجب فأجابوا بأن وجود الإمام لطف سواء تصرف أم لم يتصرف على ما نقل من أأمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: لا تخلو الأرض عن قائم لله بحجة أما ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مضمور لئلا تبطل حجج الله وبيناته وتصرفه الظاهر آخر وفيه بحث طويل الذيل وقد أطيل في موضعه في آخر الكتب الكلامية.

«وكَمْ ذَا»: في موضع النصب على الظرف وذا في موضع الرفع بفعل مضمر أي مر مراراً كثيرة وقيل إشارة إلى تطاول الخوف على أولاده عليهم الذين هم حجج الله وكن آخرهم مغموراً مستوراً يعلوه الخوف يقال غمره الماء أي أعلاه.

«وأَيْنَ أُولَئِكَ والله»: استعاد لأزمنتهم وأن هم في أكثر الأحوال مظلومون مستورون مشردون.

«الَأقَلُّونَ عَدَداً»: مثل قوله تعالى «ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ ٭ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ»(1)إشارة إلى أن في آخر الزمان لا يكون في كل وقت وزمان إلا واحد منهم فالأوصياء والأنبياء في الزمن الأول كانوا في عهد واحد جماعة كثيرة وفي آخر الزمان منذ عهد رسول الله إلى قيام الساعة لا يكون في كل حين إلا وصي وقيل أولئك إشارة إلى العلماء الراسخين في العلم أي هم أقلون عدداً «والأَعْظَمُونَ عِنْدَ الله قَدْراً»: ومنزلة وكفی به فضلاً قوله صلى الله عليه [وآله] وسلم «إذا اجتمع العالم والعابد على الصراط قيل للعابد أدخل الجنة فقم بعبادتك، وقيل للعالم قم ها هنا فأشفع

ص: 144


1- سورة الواقعة: الآية 13 14

لمن أحييت فأنك لا تشفع لأحد إلا شفعت مقام الأنبياء»(1)والأخبار الواردة في بیان رفعة شأن العالمين كثيرة سيما أولاده عليهم السلام الين جمعوا بين العلم والسيادة.

«بِهِمْ يَحْفَظُ الله حُجَجَه وبَيِّنَاتِه حَتَّى يُودِعُوهَا»: من الوديعة «نُظَرَاءَهُمْ»: أمثالهم. «ويَزْرَعُوهَا فِي قُلُوبِ أَشْبَاهِهِمْ»: الزرع الإنبات وحقيقة ذلك تكون بالأمور الإلهية دون البشرية ولذلك قال «أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ ٭ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ»(2)فنسب الزرع إليه ونفى الزرع عنهم ونسبه إلى نفسه وإذا نسبه إلى العبد فلكونه فاعلاً للأسباب التي هي سبب الزرع ثم أستعير فقيل زرع الله فقيل زرع الله ولدك وهنا استعارة أيضاً شبه إلقاء الأسرار إلى النظراء بالزرع فكما أن الزرع يزين الأرض كذلك الإلقاء مزين للقلب وأيضاً لكل منهما ثمرة وثمرة ذلك الزرع أقوى فائدة أتم.

«هَجَمَ بِهِمُ الْعِلْمُ عَلَى حَقِيقَةِ الْبَصِیرَةِ»: أي على معرفة والمعرفة أي صارت لهم معرفتهم للأشياء عين اليقين.

«وبَاشَرُوا رُوحَ»: راحة «الْيَقِینِ واسْتَلَانُوا»: وحدوا ليناً سهلاً «مَا اسْتَوْعَرَه الْمُتْرَفُونَ»: المتنعمون أي وجدوه وعراً صعباً.

«وأَنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ»: حزن «مِنْه الْجَاهِلُونَ»: وذلك كونهم أهداف سهام البلاء، وذلك لأنه سبحانه تجلى لهم فشاهدوا جمال المحبوب وعجائب الملكوت والغيوب وتمتعت بالمشاهدة عين فؤادهم، وأجلسهم على بساط الأنس مقربين في

ص: 145


1- کنز العمال للمتقي الهندي: ج 1 ص 163: مرسلة: ولم يرجع الحديث إلى مضانه
2- سورة الواقعة: الآية 63 - 64

حضيرة القدس، ولما رأوا أن الكمال فيما استوحش منه الجاهلون طلبوه ورضوا به وفرحوا بوصوله.

«وصَحِبُوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْمَحَلِّ الأَعْلَى»: أي بالجنة ودرجاتها العالية بل بمقعد صدق عند مليك مقتدر.

«أُولَئِكَ خُلَفَاءُ الله فِي أَرْضِه والدُّعَاةُ إِلَی دِينِه»: الخلافة النيابة عن الغير أما الغيبة المنوب عنه أو لموته وأما لعجزه، وأما التشريف المستخلف وعلى هذا الوجه أستخلف الله أولياؤه في الأرض، وهم أمة قائمة يتلون آيات الله أناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليم الآخر ويأمرون بالمعروف ويهنون عن المنكر ويسارعون بالخيرات.

قوم في الحمى كرام ٭٭٭ مستيقظون والوری نیام

أولوا مقامات علت وأحوال دارت عليهم في الهوى كؤوس نور البرايا للهدی شموس ليسوا کشموس في السماء.

«آه آه»: كلمة توجع أصله أوه.

«شَوْقاً»: مفعول له «إِلَی رُؤْيَتِهِمْ»: ولما توجه تلقاء مدین تصورهم وغلب عليه السلام غلبة الشوق إليهم وأوه لعدم حضورهم لديه.

ولم يرد أن يتكلم بعد في هذا المجلس فأمر كميل بالانصراف بقوله:

«انْصَرِفْ يَا كُمَيْلُ إِذَا شِئْتَ»: وأيضاً لما وصل إلى مقصوده عليه السلام من تفهیم الكميل صفاة أولياء الله ليبقى في أثرهم، أمره بالانصراف على وجه لم يمل.

ص: 146

وقال عليه السلام: «الْمَرْءُ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِه»: أي حال المرء فحذف المضاف والمخبو المستور ومعناه أن الرجل إذا تكلم يظهر کونه فصيحاً أو معجماً أو عالماً أو جاهلاً أو خيراً أو شراً أو أن لم ينطق كان جميع ذلك مستوراً عليه عند العامة.

«وقَالَ عليه السلام»: «هَلَكَ امْرُؤٌ لَمْ يَعْرِفْ قَدْرَه»: قيل لفظه الخبر ومعناه الأمر أي أعرف قدرك لا يهلك لأن من لا يعرف قدره كونه عبداً ذليلاً لله العزيز وهو قدره لا يمكنه طاعته وعبادته فيهلك وكذلك من عرف فيما بين الناس محله ولم يتجاوز مقداره من بائقهم.

وقَالَ عليه السلام: «لِرَجُلٍ سَأَلَه أَنْ يَعِظَه لَا تَكُنْ مِمَّنْ يَرْجُو الآخِرَةَ بِغَیْرِ عَمَلٍ»: فأن الله سبحانه صيرها لعمل ونبه على ذلك بقوله «جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(1).

«ويُرَجِّي التَّوْبَةَ بِطُولِ الأَمَلِ»: يعني يؤخرها بسب طول الأمل يقال رجأت الأمر قال الله تعالى «تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ» ثم ذکر نیفاً وعشرين موعظة كل واحدة منها يشتمل على معنين مختلفين أو متضادين وألفاظها منعكسة.

«يَقُولُ فِي الدُّنْيَا بِقَوْلِ الزَّاهِدِينَ»: أي يتزين في المقال بقول الزهاد في الدنيا.

«ويَعْمَلُ فِيهَا بِعَمَلِ الرَّاغِبِينَ»: وفي الأعمال يعمل من يرغب في الدنيا.

«إِنْ أُعُعْطِيَ مِنْهَا لَمْ يَشْبَعْ وإِنْ مُنِعَ مِنْهَا لَمْ يَقْنَعْ»: أي أن أعطي الكثير من الدنيا لم يشبع وأن منع الكثير منها لم يقنع بقليلها.

ص: 147


1- سورة السجدة: الآية 17

«يَعْجِزُ عَنْ شُكْرِ مَا أُوتِيَ»: أعطي أي معرفة قدر ما أعطي وصرفه لما يرضى المنعم.

«ويَبْتَغِي الزِّيَادَةَ فِيمَا بَقِيَ يَنْهَى ولَا يَنْتَهِي»: عن المنكر.

«ويَأْمُرُ بِمَا لَا يَأْتِي»: لا يفعل «يُحِبُّ الصَّالِحِینَ ولَا يَعْمَلُ عَمَلَهُمْ»: أي مثل عملهم.

«ويُبْغِضُ الْمُذْنِبِینَ وهُوَ أَحَدُهُمْ يَكْرَه الْمَوْتَ لِكَثْرَةِ ذُنُوبِه ويُقِيمُ»: يحفظ «عَلَى مَا يَكْرَه الْمَوْتَ له»: لأجله من المعاصي.

«إِنْ سَقِمَ ظَلَّ نَادِماً وإِنْ صَحَّ أَمِنَ لَاهِياً»: ساهياً غلاً.

«يُعْجَبُ بِنَفْسِه إِذَا عُوفِيَ»: أي يكون له العجب عند العافية.

«ويَقْنَطُ»: يئس «إِذَا ابْتُلِيَ إِنْ أَصَابَه بَلَاءٌ دَعَا مُضْطَرّاً»: أي دعا الله اضطراراً.

«وإِنْ نَالَه رَخَاءٌ أَعْرَضَ مُغْتَرّاً»: أي أن أصابته نعمة أعرض عن الدعاء.

«تَغْلِبُه نَفْسُه عَلَی مَا يَظُنُّ»: يعني الدنيا وأحوالها.

«ولَا يَغْلِبُهَا عَلَی مَا يَسْتَيْقِنُ»: يعني الموت «يَخَافُ عَلَی غَيْرِه»: بأقل وأهون.

«بِأَدْنَى مِنْ ذَنْبِه ويَرْجُو»: الجنة «لِنَفْسِه بِأَكْثَرَ مِنْ عَمَلِه»: الشيء إِنِ «اسْتَغْنَى بَطِرَ وفُتِنَ»: إذا أصابته فذهب بعقله «وإِنِ افْتَقَرَ قَنِطَ ووَهَنَ»: ضعف «يُقَصِّرُ إِذَا عَمِلَ ويُبَالِغُ إِذَا سَأَلَ»: عن غره شيئاً «إِنْ عَرَضَتْ لَه شَهْوَةٌ أَسْلَفَ الْمَعْصِيَةَ» قدمها «وسَوَّفَ التَّوْبَةَ»: أخرها قائلاً سوف «وإِنْ عَرَتْه»: أعرضته.

«مِحْنَةٌ انْفَرَجَ»: أنكشف «عَنْ شَرَائِطِ الْمِلَّةِ»: أحكام الشريعة.

ص: 148

«يَصِفُ الْعِبْرَةَ ولَا يَعْتَبِرُ ويُبَالِغُ فِي الْمَوْعِظَةِ ولَا يَتَّعِظُ فَهُوَ بِالْقَوْلِ مُدِلٌّ»: واثق.

«ومِنَ الْعَمَلِ مُقِلٌّ»: يعني إذا أمر بالصلوات والزكاة والصوم والحج يقول أفعل ذلك جميعاً وجميع وثوقه بالقول، ويكون مقلاً وما يندرج تحته يعني يرى الغنيمة التي هي الزكاة ونحوها.

«يُنَافِسُ فِيمَا يَفْنَى ويُسَامِحُ فِيمَا يَبْقَى يَرَى الْغُنْمَ مَغْرَماً»: غرامة ومن الأعراب من يتخذ مغرماً «والْغُرْمَ»: أمر الدنيا وما يجري مجراه أي يرون منع الزكاة والأخماس الذي هو الغرم والهلاك اللازم «مَغْنَماً»: غنيمة عاجلة «يَخْشَى الْمَوْتَ»: يخاف نزوله «ولَا يُبَادِرُ الْفَوْتَ»: فوات الفرصة «يَسْتَعْظِمُ»: يجد عظيماً

«مِنْ مَعْصِيَةِ غَیْرِه مَا يَسْتَقِلُّ»: بحد قليلاً «أَكْثَرَ مِنْه مِنْ نَفْسِه ويَسْتَكْثِرُ مِنْ طَاعَتِه مَا يَحْقِرُه»: يصغره «مِنْ طَاعَةِ غَیْرِه فَهُوَ عَلَى النَّاسِ طَاعِنٌ ولِنَفْسِه مُدَاهِنٌ»: غاش يقال داهنت أي غششت وقال قوم داهنت بمعنى واریت قال الله تعالى «وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ»(1)والمداهنة كالمضايقة.

«اللهْوُ مَعَ الأَغْنِيَاءِ أَحَبُّ إِلَيْه مِنَ الذِّكْرِ مَعَ الْفُقَرَاءِ يَحْكُمُ عَلَى غَیْرِه لِنَفْسِه ولَا يَحْكُمُ عَلَيْهَا»: عى يقينها «لِغَیْرِه يُرْشِدُ غَیْرَه ويُغْوِي نَفْسَه فَهُوَ يُطَاعُ»: في غیر رضى الله «ويَعْصِيِ»: في مرضاة الله.

«ويَسْتَوْفِي»: حق نفسه «ولَا يُوفِي»: حق الغیر «ويَخْشَى الْخَلْقَ فِي غَیْرِ رَبِّه ولَا يَخْشَى رَبَّه فِي خَلْقِه»: أي يخشى إيذاء الخلق ولا يؤذيهم إذ كان لهم رئيس وله مثابة ومنزلة في مراقبة جانبه وحفظ حقه وهو غير الله ولا يخاف عقاب الله في حق خلقه بل ويظلمهم.

ص: 149


1- سورة القلم: الآية 9

ولو لم يكن في هذا الكتاب إلا هذا الكلام لكفى به موعظة ناجعة: نافعة وحكمة بالغة وبصيرة لمبصر وعبرة لناظر مفکر: يحتمل أن يكون هذا الكلام م كلامه عليه السلام وهذا إشارة في هذا الكلام إلى ويخشى إلى آخره والمراد به أن يخشى الخلق في شغل القلب، ولا يخشى الله وأجلاء القلب عن غير الله وفيه تلميح إلى ما ورد في الأخبار من أنه تعالى يقول أني لا انظر غلى صورة العبد ولا إلى ماله ولكن أنظر إلى قلبه، وعمله؛ فأن كان قلبه طيباً وعمله صالحاً فقد نال مني الجنة وروي عنه عليه السلام أنه قال: قلوبهم ملى الداء ولا داء أشد من حب الدنيا، ولا دواء اكبر من ترکها فاتركوا الدنيا تصلوا إلى روح الآخرة.

قيل قلوبهم أي قلوب بعض العلماء وروي أنه قال صلى الله عليه [وآله] وسلم «اليدان جناحان والرجلان بريدان والعينان دليلان والأذنان قمع والرئة نفس واللسان ترجمان والكبد رحمة والطحال ضحك والكليتان مكر فإذا صلح الملك صلحت جنوده وإذا فسد الملك فسد جنوده»(1)وفي الخبر تنبيه أيضاً على إصلاح وأمان هذه الموعظة، كما المواعظ کافية فيما ذكره فأن من أضطرب قلبه مما علم من سطوة المعبود لا يفعل خلاف مقصود الودود ويميل إلى الصعود ونفر عن الجحود ومن ثم قال صلى الله عليه [وآله] وسلم «رأس الحكمة مخافة الله»(2)ولهذا ندب صلى الله عليه [وآله] وسلم إلى خوف الله من أجتهد من أمتي بترك شهوة من شهوات الدنيا فيتركها من مخافة الله أمنه الله تعالى من الفزع الكبر، وأدخله الجنة وأول من يريد الحوض على رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم

ص: 150


1- مسند الشاميين للطبراني: ج: 1 ص 420؛ الكامل لعبد الله بن عدي الجرجاني في الكامل: ج 2 ص 215
2- من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق: ج 4 ص 376؛ شعب الإيمان لاحمد بن الحسن البهيقي: ج ص 470

والذابلون الناحلون السائحون الذين إذا جن عليهم الليل استقبلوا بخوف، وحزن من خاف الله تعالى خاف منه كل شيء ويحتمل أن يكون من كلام السيد

رضي الله عنه وهذا الكتاب إشارة إلى نهج البلاغة، ومعنى الكلام أنه لو لم يكن في

الكتاب إلا هذا الكلام لكفى موعظة؛ فأنه يشمل على غرر الفرائد ودرر الفرائد، وفيه مواعظ بليغة تنبيه للعاقل أن على يعمل ولا ينبغي له أن يرجوا من غیر عمل «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ»(1)وقد جعل سبحانه جزاء الأعلى جواز ذي الجال جزاء بما كانوا يعملون، وما الرجاء المجرد إلا لهو، ولعب وقد سبق ذلك مراراً الثاني النهي عن تأخیر التوبة وطول الأمل وقد قال صلى الله عليه [وآله] وسلم «يا أيها الناس توبوا إلى الله فأني اتوب في اليوم مئة مرة»(2)وقال أيضاً: «أن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب المسيء بالنهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب المسيء بالليل»(3)قال القشیري هذا كناية عن الرفق بالمسنيين بأن لا يعالجهم بالعقوبة، وبسط اليد عن إفاضة الرحمة وقد عرفت ما في طول

الأمل الثالث النهي عن مخالفة القول العمل فأن ذلك من علامات النفاق وأمارات الشقاق الرابع النهي عما لا ينتهي عنه، وفي ضمنه أيضاً فوائد أخرى

ونواهي أخر روي أن رجلاً قال لأبن عباس أني أريد أن أعظ الناس فقال: له أن لم تخش أن تفتضح بثلاث آيات من كتاب الله تعالى فعظ الأول قوله تعالى «أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ»(4)

ص: 151


1- سورة الزلزلة: الآية 7
2- الطبقات الكبرى لابن سعد ج 6 ص 49؛ الدعاء للطبراني: ص 512 ؛ ورياض الصالحین للنووي: ص 63
3- مسند أحمد بن حنبل: ج 4 ص 395؛ السنن الكبرى لاحمد بن الحسین البهيقي: ج 8 ص 136
4- سورة البقرة الآية 44

والثاني: قوله تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ»(1)والثالث: في قصة شعيب عليه السلام خبراً عنه قوله «وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ»(2)فقال: أعلمت بهذه الآيات؟ قال لا: قال: فأبدأ بنفسك.

الخامس الترغيب في عمل الصلحاء، وهلم جراً ولا شك أن من كتب هذه المواعظ بمداد العین في ورق قلبه، وجعلها نصب عينيه، ولا يزهده وعمل بمقتضاه جعل الله سبحانه قلبه معدن أسراره واختصه من بین الأمة بطوالع أنواره وصفاه من كدورات البشرية ورقاه إلى محل المشاهدة بما تجلى له من الحقائق الأحدية اللهم وفقنا للاتعاظ بأقواله والأتباع لأحواله؛ وقَالَ: «لِكُلِّ امْرِئٍ عَاقِبَةٌ حُلْوَةٌ أَوْ مُرَّةٌ»: أي يكون عاقبة المطيع الثواب وعاقبة العاصي العقاب.

«وقَالَ لِكُلِّ مُقْبِلٍ إِدْبَارٌ»: فأن ذلك مبني على الزوال «ومَا أَدْبَرَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ»: أن مخففة من الثقيلة أراد أن من بطر بالأقبال الدنيوي فقد خسر وأساء الظن وفيه تنفیر عن هذا الأقبال وترغيب في تحصيل مرقاة الأحوال.

وقَالَ: «لَا يَعْدَمُ الصَّبُورُ الظَّفَرَ وإِنْ طَالَ بِه الزَّمَانُ»: وفي الخبر أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب.

وقَالَ عليه السلام: «الرَّاضِي بِفِعْلِ قَوْمٍ كَالدَّاخِلِ فِيه مَعَهُمْ»: إن حسناً فحسن وأن أساء فسيء.

«وعَلَى كُلِّ دَاخِلٍ فِي بَاطِلٍ إِثْمَانِ إِثْمُ الْعَمَلِ بِه وإِثْمُ الرِّضَی بِه»: أراد أن من رضي بالأعمال السيئة الصادرة من قوم وأن لم يفعل فله مثل فاعله من العقابن

ص: 152


1- سورة الصف: الآية 2
2- سورة هود الآية 88

وأما من عمل ذلك، ورضي به؛ فله أثمان، وقد فضلهما، ويستحق عقابین(1).

وقَالَ عليه السلام: «مَا اخْتَلَفَتْ دَعْوَتَانِ إِلَّا كَانَتْ إِحْدَاهُمَا ضَلَالَةً: إذ لا يجتمع النقيضان. وقَالَ عليه السام: «مَا شَكَكْتُ فِي الْحَقِّ مُذْ أُرِيتُه»: أي لم يجلس على وجه يقيني غبار الشك في نبوة محمد صلى الله عليه [وآله] وسلم من ابتداء دعوته، ويقال معناه لما تجلى لي ربي ما شككت في أنه الملك الحق المبین وذلك لانشراح صدره بالأنوار، ولمعان قلبه من أنوار الأسرار سئل عنه عليه السلام

تعبد من ترى؟ أو من لا ترى قال: بل أعبد من أرى لا رؤية عيان ولكن رؤية القلب بمشاهدة الإيمان.

وقَالَ عليه السلام: «مَا كَذَبْتُ ولَا كُذِّبْتُ ولَا ضَلَلْتُ ولَا ضُلَّ بِي وقَالَ عليه السلام لِلظَّالِمِ الْبَادِي غَداً بِكَفِّه عَضَّةٌ»: قال جل من قائل «وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا»(2)وذلك عبارة عن الندم عما جرى به عادة الناس أن يفعلوا.

وقَالَ عليه السلام: «الرَّحِيلُ وَشِيكٌ»: أي سريع الانتقال من محل الارتحال ومن قدم إلى الدنيا؛ فهو بمثابة المرتحل؛ فيوشك أن ينتقل، ويرتحل إلى العقبى قد قامت القيامة يا أيها النيام هبوا عن النيام وكفوا عن الحرام فالصبح حین لاح قد

أسود بالدجى والبدر حن تم قد اعتم بالظلام.

وقَالَ عليه السلام: «مَنْ أَبْدَى صَفْحَتَه لِلْحَقِّ هَلَكَ»: قد سبق بيانه.

وقَالَ عليه السلام: «اعْتَصِمُوا بِالذِّمَمِ فِي أَوْتَادِهَا»: أعتصم بالله وأستعصم إذا

ص: 153


1- ورد في بعض متون النهج: وأُسْمِعْتُمْ إِنِ اسْتَمَعْتُمْ
2- سورة الفرقان: الآية 27

أمتنع بلطفه عن المعصية وروي، واعتصموا بالذمم في أوتادها أي في حفظ أوتادها

والذمم العقوبة أي إذا عاهدت الله في شيء أو عاقدت أحد من الخلق فأمتنع من نقص ذلك بأن الحكم أوتاد يعني من حفظ العهود ومراعاة أسبابها فأنه ملاذ

ومعتصم له.

وقَالَ عليه السلام: «عَلَيْكُمْ بِطَاعَةِ مَنْ لَا تُعْذَرُونَ بِجَهَالَتِه»: أي أطيعوا الله ورسوله وحججه فحقوقهم عظيمة ولا تعذر حد بجهالتهم فمعرفتهم واجبة ويحتمل أنه أرد نفسه القدسية.

وقَالَ عليه السلام: «قَدْ بُصِّرْتُمْ إِنْ أَبْصَرْتُمْ وقَدْ هُدِيتُمْ إِنِ اهْتَدَيْتُمْ»: يعني أن الله سبحانه قد نصب رايات آيات ألوهيته، وأعطاكم أعينكم فافتحوا وأنظروها وكذا رفع أعلام نبوة رسوله، وأوضح لكم الدين القويم والصراط المستقيم فأسلكوها ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن ذكر الله وهذه القضية شرطية صورة وإنشائية معنى وفيها تنبيه عى أن لا تواني من جانب الفياض فلو وقع فمنكم.

وقَالَ عليه السلام: «عَاتِبْ أَخَاكَ بِالإِحْسَانِ إِلَيْه وارْدُدْ شَرَّه بِالإِنْعَامِ عَلَيْه»: العتاب مخاطبة الأذلال، ومذاكرة الموجدة تقول عاتبته، ويبقى الود ما بقي العتاب ثم استعير لفعل المحسن من حيث أن كلاهما تمسك عن الشر أراد أن العتاب

القولي قلما يفيد، والفعلي من الإحسان بجذب القلوب ويوصل إلى المطلوب ومن ثم أمر الله سبحانه الإنسان.

وقَالَ عليه السلام: «مَنْ وَضَعَ نَفْسَه مَوَاضِعَ التُّهَمَةِ فَلَا يَلُومَنَّ مَنْ أَسَاءَ بِه الظَّنَّ»: بل لتسلم نفسه.

وقَالَ: «مَنْ مَلَكَ اسْتَأْثَرَ»: أي على الأغلب كل من صار ملكاً على قوم ظلمهم

ص: 154

وأخذ لنفسه حقوقهم واستأثر استبد لنفسه بحق الغير.

وقَالَ عليه السام: «عمَنِ اسْتَبَدَّ»: تفرد «بِرَأْيِه هَلَكَ»: أي لم يفز بمرامه ومقصوده النهي عن الاستبداد.

«ومَنْ شَاوَرَ الرِّجَالَ شَارَكَهَا فِي عُقُولِهَا»: يعني أذا فعل بالعقول فكأنه شاركهم فيها.

وقَالَ عليه السلام: «مَنْ كَتَمَ سِرَّه كَانَتِ الْخِیَرَةُ بِيَدِه»: فيه إرشاد إلى كتمان ما يراد أن يفعل قد سبق مثل ذلك.

وقَالَ عليه السلام: «الْفَقْرُ الْمَوْتُ الأَكْبَرُ»: وروي الأحمر أي الأشد مبالغة رائقة والمراد فقر ذو فاقه لا صبر له، قال صلى اله عليه وآله وسلم «كاد الفقر أن

يكون كفراً»(1)فلا ينافي قوله صلى الله عليه [وآله] وسلم «الفقر أزين للمؤمن من الغدار الجيد على خد الفرس»(2).

وقَالَ عليه السلام: «مَنْ قَضَى حَقَّ مَنْ لَا يَقْضِيِ حَقَّه فَقَدْ عَبَدَه»: لما مر وقَالَ عليه السلام: «لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ»: لقوله صلى الله عليه [وآله] وسلم السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة.

وقَالَ عليه السلام: «لَا يُعَابُ الْمَرْءُ بِتَأْخِيرِ حَقِّه»: فأن ذلك إحسان وفاعله يمدح.

ص: 155


1- الكافي للشيخ الكليني: ج 2 ص 307؛ الأمالي للشيخ الصدوق: ص 371؛ عوالي اللئالي: لابن أبي جمهور الأحسائي: ج 2 ص 714
2- غريب الحديث للحربي: ج 1 ص 267؛ الكافي للشيخ الكليني: ج 2 ص 265؛ والمبسوط: للسرخسي: ج 27 ص 145

«إِنَّمَا يُعَابُ مَنْ أَخَذَ مَا لَيْسَ لَه»: وذلك ظاهر.

وقَالَ: «الإِعْجَابُ يَمْنَعُ الِازْدِيَادَ»: أي أعجاب المرء بنفسه من شيء له يمنع به غیر الله سبحانه أن يراد بل ينقص، وذلك لأنه صفة منافية لشأن الإنسان روي أن معاوية خطب مرة وقال: في خطبته أن الله تعالى يقول «وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ»(1)فعلى من يلومني؛ إذا قصرت في عطاياكم؛ فقام إليه الأحنف وقال: ما نلومك على ما في خزائن الله إنما نلومك على ما انزل الله لنا من خزائنه فجعلت أنت في خزائنك وحال بيننا وبينك بخیرك، وبكثرتك فسكت فكأنما القمه حجراً.

وقَالَ عليه السلام: «الَأمْرُ قَرِيبٌ»: قال جل من قائل «وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ»(2).

«والِصْطِحَابُ قَلِيلٌ»: أي البقاء في الدنيا مع الأحياء قليل.

«وقَالَ عليه السلام: «قَدْ أَضَاءَ الصُّبْحُ لِذِي عَيْنَیْنِ»: هذه الكلمة أیضاً من جوامع الكلم ومن معناها أنه أضاء صبح المعرفة لمن أكتحل عيناً قلبه بإثمد

الشوق، والطلب، والذوق فبصرنا فتنفس فيهما جمال المعرفة، والمحبة وغيرهما من الإكرام، والقال فيقول بلسان الحال، والقال يا عارف الدنيا بأسرارها من عرف الدنيا من اختارها.

ص: 156


1- سورة الحجر: الآية 21
2- سورة النحل: الآية 77

لا يكرم النفس إذا ما اشتهت ٭٭٭ إذ هي لا تعلم أخطارها

ما التفت النفس إلى راحة ٭٭٭ لو عرف الأنفس مقدارها

وأما من عمي عيناه فلم يطلع الصبح له بل وقع في ظلمات بعضها فوق إذا أخرج يده لم يكد يراها ولأن من الدهر إلا في جموحه، ولا من الصبح المضيء

عموده.

وقَالَ: «تَرْكُ الذَّنْبِ أَهْوَنُ مِنْ طَلَبِ الْمَعُونَةِ»: فأن الذنب يغلب النفس الأمارة بالسوء، ويرديه إلى مهاوي الهاك، وذلك لتكدر القلب، ولا شك أن مخالفته أصعب.

وقَالَ عليه السلام: «كَمْ مِنْ أَكْلَةٍ مَنَعَتْ أَكَلَاتٍ»: ضرب هذا المثل عامر بن الظرب العدواني وفي سببه قيل لما توجه تلقاء مكة ليحج بخزعل أبناء زمانه رأى

ملكاً من ملوك غسان؛ فلم يرض به فقال: أنا أدله فلما فرغوا من الحج وذهب كلٌ إلى وطنه أ سل الملك إليه ليدعوه ووعده إعطاء الأموال والأجلال فذهبوا إليه؛ ثم عزاهم وأكرمهم؛ ثم وقف عامر عى ما في ضمیره فعزم الهزيمة فمنعه القوم؛ فقالوا الرأي نائم والهوى يقضان وأراد أن الفرار مع الإعزاز ليس من العقل حتى؛ إذا أدبروا فقالوا لم نر كاليوم وفد قوم أقل ولا أبعد من نوال منك

فقال: مهلا فليس عى الرزق فوت وغَنِمَ من نجا، من الموت ومن لا ير باطناً(1)يعش واهِنا.

ص: 157


1- باطناً: يقال: باطنا أيسر من معاناة الجفاء مع الودّ ظاهرا؛ زهر الآداب وثمر الألباب لابراهيم بن علي الحصري: ج 1 ص 249

وقَالَ عليه السلام: «النَّاسُ أَعْدَاءُ مَا جَهِلُوا»: هذا ايضاً من الأمثال: ومن كلامه أيضاً عليه السلام: والجاهلون لأهل العلم أعداء وذلك لأن سبب المحبة

لمعرفة وسبب العداوة عدمها.

وقَالَ عليه السلام: «مَنِ اسْتَقْبَلَ وُجُوه الآرَاءِ عَرَفَ مَوَاقِعَ الْخَطَإِ»: وذلك واضح.

وقَالَ عليه السلام: «مَنْ أَحَدَّ سِنَانَ الْغَضَبِ للهِ قَوِيَ عَلَى قَتْلِ أَشِدَّاءِ الْبَاطِلِ»: هذه الإضافة للبيان، واستعار للغضب السنان من حيث أن كلامهما آلة مكروه

وقد رمز إلى أن الغضب لله ممدوح بخلاف العضب للدنيا فأنه مذموم كما عرفت، وقيل الأشياء في الباطل حقيقة، ويحتمل المجاز أيضاً وهي القوي الوهمية فأن من جذبتهم العناية الإلهية وجاءتهم عناية الفضل تركوا الفضل، وسافروا إلى منازل الوصول، واستعانوا في سفرهم على سلوك الطريق بزاد التقوى المعجون بماء التوفيق، ورَضوا خيلهم في رياض الرياضة وضموراها بلجام منع الالتفات إلى مولاها، وزجروها وضربوها وحركوها بأعمال أعمال الشوق، وركضوها إلى غاية المنى في ميدان الشوق وذبحوا نفوس الهوى بسيوف المخالفة، وطعنوا؛ فرسان الطبع برماح ترك العادات السالفة وطهر بماء الدموع الطهور نجاسات الذنوب،

والعيوب ولم يكن جميع ذلك إلا من احداد سنان الغضب لله بجرد السيف الضد بعد تجرد الذكر، وفكر حسب عن كل مشغل به النفس أن رامت هواها وحاولت

خلافاً ولم ترجع إلى الطاعة أقل.

وقَالَ عليه السلام: «إِذَا هِبْتَ»: أي خفته: «أَمْراً فَقَعْ فِيه فَإِنَّ شِدَّةَ تَوَقِّيه»: احسَابه «أَعْظَمُ مِمَّا تَخَافُ مِنْه»: فأن قيل الوقوع فيه نذهب به الوهم إلى صوب

فيزداد خوفاً وقبل الوقوع يرتفع ذلك وقد سبق مثل هذا الكلام مراراً.

ص: 158

وقَالَ: «آلَةُ الرِّيَاسَةِ سَعَةُ الصَّدْرِ»: فأن من وسع صدره يريد خطرة وذلك لأن الملك الأبد له من التحمل، والتحمل، وذا لا يكون إلا بسعة الصدر شبه

بالمكان فاستعير له السعة والضيق باعتبار أحواله.

وقَالَ: «ازْجُرِ الْمُسِيءَ بِثَوَابِ الْمُحْسِنِ»: فان ذلك جالب لقلته.

وقَالَ عليه السلام: «احْصُدِ الشَّرَّ مِنْ صَدْرِ غَیْرِكَ بِقَلْعِه مِنْ صَدْرِكَ»: شبه صورة الشر بالشوك في الأضرار، ورشح بالحصد، وكنى به عن الأذهاب وذلك لما قتل من أن له سريرة صالحة أو سننه يظهر الله تعالى منها عليه رداء يعرف به ويعمل معه بحسب ذلك.

وقَالَ عليه السلام: «اللَّجَاجَةُ تَسُلُّ الرَّأْيَ»: أي التمادي والعناد في تعاطي الفعل المزجور عنه ينتزع الرأي المستقيم عن السقيم، وذلك لأنها متولده أما

من التكبر؛ أو غیره من الأمور الفاسدة فهو فاسد؛ يفسد ما يبني عليه وقد سبق النهي عنها.

وقَالَ عليه السلام: «الطَّمَعُ رِقٌّ»: عبودية «مُؤَبَّدٌ»: فيه مبالغة حسنة ونهى عن

الطمع وشبه الطامع بالعبد في ذلته.

وقَالَ عليه السلام: «ثَمَرَةُ التَّفْرِيطِ»: التقصیر «النَّدَامَةُ»: شبه التفريط بالشجرة الخبيثة وجعل ما يحصل منها من الندامة بمنزلة الثمرة.

«وثَمَرَةُ الْحَزْمِ السَّلَامَةُ »: أي ضبط الرجل أمره وأخذه بالثقة عن اختلافه وزواله وذلك لرعاية الشرائط ودفع الموانع.

وقَالَ عليه لسلام: «مَنْ لَمْ يُنْجِه الصَّبْرُ أَهْلَكَه الْجَزَعُ»: يعني إذا وقع في واقعة

ص: 159

دوابها الصبر؛ فلم يصبر، وجزع هلك به قال: «الجنيد رضي الله عنه يقول: الله تعالى لو أن أبن أدم قصدني في أول المصائب لرآى مني العجائب ولو أنقطع إلي في أول النوائب لشاهد مني الغرائب، ولكنه أنرف إلى أشكاله فرد في أشغاله»(1)حُكي أنه سئل السري رحمه الله عن الصبر فجعل يتكلم فيه فدب على رحله عقرب؛ فجعل يضربه بإبرته فقيل له لم لا تدفعه قال: أستحي من الله أن أتكلم في حال ثم أخالف ما أتكلم فيه.

وقَالَ عليه السلام: «عَجَبَاه أَتَكُونُ الْخِلَافَةُ بِالصَّحَابَةِ والْقَرَابَةِ».

وقال عليه السلام: بشعر قريب من هذا المعنى:

فأن كتب بالشورى ملكت أمورهم ٭٭٭ فكيف بهذا والمشيرون غيب

وإن كنت بالقربى حججت ٭٭٭ خصيمهم فغيرك أولى بالنبي وأقرب

وبالشورى بمشاورة الناس؛ فكيف بهذا أي كيف احتجاجكم بالشورى حججت خصمهم غلبت الحجة مخاصمهم أي من يخاصمك في جملتهم أي كيف

يملك أمر الأمة بادعائك الشورى يعني بني هاشم كانوا غائبین يوم السقيفة وأراد بالغیرة نفسه القدسية صدر الجملة الأولى واعجبا للدلالة على أن إيثارك

غیره بالخلافة، وتركه ينبغي أن يتعجب منه العاقل لأنه أمرٌ غريب إذ هو من قبيل اختيار الأضعف، وترك الأقوى لأن فيه عليه السلام شيئين مقتضيین الصحابة والقرابة، وفي غیره سبب واحد وفي البيت إشارة إلى قياس شرطي مركب من

ص: 160


1- يُنظر: شرح اصول الكافي للشيخ لمولى محمد صالح المازندراني: ج 11 ص 458؛ ولم يُرجع الشيخ الخبر لمضانه

حمليته، ومنفصلة يلزم المخاطب أن لا دليل له في تملكه أمر الخلافة تقرير لو كان بدليل؛ فأما الشورى؛ أو القربى لم يكن الأولى إذ كان المشيرون غياً.

ولم تكن الثانية لأن غيرك كان أقرب من النبي ينتج أن لا دليل لك وبناء الدليل على تسليمة الحصر.

وقَالَ عليه السلام: «إِنَّمَا الْمَرْءُ فِي الدُّنْيَا غَرَضٌ»: هدف «تَنْتَضِلُ»: يرمي «فِيه الْمَنَايَا»: شبه المنايا بالسهام والمرء بالهدف وفي ضمن ذلك تشبيه بالقادر بالرامي وقد سبق وجه التشبيه مراراً «ونَهْبٌ»: غارة «تُبَادِرُه»: تسارع إليه «الْمَصَائِبُ»:

فكما أن الناهب يحيط تصرفه بالمنهوب كذلك تشتمل المصائب على الشخص.

«ومَعَ كُلِّ جُرْعَةٍ شَرَقٌ»: هو الأغتصاص في الماء «وفِي كُلِّ أَكْلَةٍ»: بالضم اللقمة وبالفتح المرة الواحدة «غَصَصٌ»: هذه مبالغة لطيفة حسنة.

«ولَا يَنَالُ الْعَبْدُ نِعْمَةً إِلَّا بِفِرَاقِ أُخْرَى ولَا يَسْتَقْبِلُ يَوْماً مِنْ عُمُرِه إِلَّا بِفِرَاقِ آخَرَ مِنْ أَجَلِه فَنَحْنُ أَعْوَانُ الْمَنُونِ»: المنية لأنها تقطع المدة وتنقص العدة أي نحن متعرضون لأسباب المهلكة؛ فكانا أعوانها، ولم يدخل في الأمور العظام لما أهلكتنا.

«وأَنْفُسُنَا نَصْبُ»: هدف «الْحُتُوفِ»: الهلاك «فَمِنْ أَيْنَ نَرْجُو الْبَقَاءَ وهَذَا اللَّيْلُ والنَّهَارُ لَمْ يَرْفَعَا مِنْ شَيْءٍ شَرَفاً»: منزلاً شريفاً ومكانا رفيعاً.

«إِلَّا أَسْرَعَا الْكَرَّةَ فِي هَدْمِ مَا بَنَيَا وتَفْرِيقِ مَا جَمَعَا»: قد مر وجه مثل هذا الأسناد إلى الزمان، وأنه مما جرت عليه السنة الفصحاء، والبلغاء وكل من هذه الفقرة يعاضد ما قبلها، والمقصود التنبيه على الزوال، واختلال الأحوال فلا يليق بالعاقل إلا الزهید في الدنيا؛ نعم العاقل يرغب فيها ومسيل الغصص في مجاري القلوب جارية، ولا نسوا الحياة في طرف عين عارية، وكل من أتخذ غيره من

ص: 161

حسبه، ولياً في هذه الدار؛ فهو على شفا جرف الوداع، والاجتماع في أيام قلائل كأنه لا اجتماع ولله در من قال:

يعانق بعضهم بعضاً وداعاً ٭٭٭ وداع مفارق عدم اجتماعاً

فما من واصل إلا ويوماً ٭٭٭ ستمنعه يد الدنیا خداعاً

وقال عليه السلام: «لَا خَیْرَ فِي الصَّمْتِ عَنِ الْحُكْمِ كَمَا أَنَّه لَا خَیْرَ فِي الْقَوْلِ بِالْجَهْلِ»: يعني من علم شيئاً؛ فليتكلم به؛ فأن كتمه أُلجم يوم القيامة بلجام من نار وأن لم يعلم؛ فلا يتفوه بالجهل الحكم الغير المطابق بل ليقل الله أعلم.

وقَالَ عليه السلام: «يَا ابْنَ آدَمَ مَا كَسَبْتَ فَوْقَ قُوتِكَ فَأَنْتَ فِيه خَازِنٌ لِغَیْرِكَ»: فيه ترغيب المحتاج في قدر الاحتياج، وتنفيره عن جميع زخارف الدنيا الدنية وترغيبه في تحصيل المعارف الدينية، وروي عنه عليه السلام أنه قال جمع فوائد الدنيا غرور، ولا يبقى لمسرور سرور فقل للشامتين بنا أفيقوا فأن نوائب الدنيا تدور.

وقَالَ عليه السلام: «إِنَّ لِلْقُلُوبِ شَهْوَةً وإِقْبَالًا وإِدْبَاراً فَأْتُوهَا مِنْ قِبَلِ شَهْوَتِهَا وإِقْبَالِهَا فَإِنَّ الْقَلْبَ إِذَا أُكْرِه»: حمل على الأمر وهو کاره.

«عَمِيَ»: وسیجیئ مثل هذا الكلام أيضاً، والمراد الأمر بمحافظة ميلان النفس الناطقة إلى ما يفعل، وذلك يحصل يتحدد بصور منفعته، وذلك الفعل فأن المنتهى يسعي والمعرض.

ص: 162

وكَانَ يَقُولُ: «مَتَى أَشْفِي غَيْظِي إِذَا غَضِبْتُ أَحِینَ أَعْجِزُ عَنِ الِانْتِقَامِ»: والقصاص «فَيُقَالُ لِي لَوْ صَبَرْتَ أَمْ حِینَ أَقْدِرُ عَلَيْه فَيُقَالُ لِي لَوْ عَفَوْتَ»: مراده عليه السلام من هذا أن كظم الغيض بالتحقق وذلك لأن وقوع الغضب أما أوان العجز؛ أو زمان القدرة وفي كل منهما لا يليق أما حين العجز فلان العاجز يجب عليه أن يصبر، وإلى ذلك أشار بقوله: لو صبرت أي لو صبرت لكان خيراً لك وأما القدرة؛ فلأن اللائق بالقادر العفو قال: جل من قائل: «وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ»(1)وإلى ذلك وماء بقوله لو غفرت أي لكان خيراً لك لما مر ولقوله «صلى الله عليه [وآله] وسلم من كظم غيظاً وهو يقدر على أنفاذه ملاء الله تعالى أمناً وإيمناً»(2)روي أنه قال عليه السلام: وأصبر على الدهر لا تغضب على أحد فلا يرى غير ما في اللوح مخطوط ولا تقيمن بدار لا انتفاع بها والأرض واسعة والرزق مقسوم.

وقَالَ: «وقَدْ مَرَّ بِقَذَرٍ عَلَى مَزْبَلَةٍ هَذَا مَا بَخِلَ بِه الْبَاخِلُونَ» ورُوِيَ فِي خَبَرٍ آخَرَ أَنَّه قَالَ: «هَذَا مَا كُنْتُمْ تَتَنَافَسُونَ» تتحاسدون «فِيه بِالأَمْسِ»: يعني مآل أموال الدنيا هذا، وهذا التنافس عليه فطوبى لمن رأى من الأول الأخرة وترك الدنيا بحذافيرها؛ فيرها وسلك سبيل الباطن الظاهر.

وقَالَ: «لَمْ يَذْهَبْ مِنْ مَالِكَ مَا وَعَظَكَ»: يعني أن الله تعالى إذا أذهب بعض مالك على طريق الامتحان والابتلاء فاتعظت بذلك لم يكن ذلك المال الذي ذهب ذاهباً والحاصل أن دام فائدة المال باقية فكأنه باق.

ص: 163


1- سورة آل عمران: الآية 134
2- يُنظر: المواقف: للإيجي: ج 3 ص 266. ولم أعثر على مصادر أخرى للحديث

وقَالَ عليه السلام: «إِنَّ هَذِه الْقُلُوبَ تَمَلُّ كَمَا تَمَلُّ الأَبْدَانُ فَابْتَغُوا لَهَا طَرَائِفَ الْحِكْمَةِ»: وروي عنه عليه السلام أيضاً أنه قال روحوا القلوب وابتغوا لها طرائف الحكمة؛ فأنها تمل کما تمل الأبدان أي أطلبوا لها من العلوم ما يعجبها وينشطها کي تقتلها وتعمل بمقتضاها، ومن طرائف الحكمة ما في هذا الكتاب من المواعظ، والنصائح طوبى لمن جعلها مفتاح قلبه، ومصباح لبه وويل من أتخذه ظهرياً، ونبذه منسياً ومنها ما روي أنه قال عليه السلام إلى أبنه الحسن عليهما السلام عليك ببر الوالدين کليهما وبر ذوي القربى، وبر الأباعد؛ فلا تصحبن إلا تقياً مهدياً عفيفاً زکیا منجز للمواعيد وقارن إذا قارنت حراً مؤدباً فتى من بني الأحرار بن المشاهد، وكف الأذى، واحفظ لسانك وأرتقب؛ فديتك في ود الخليل المساعد، ونافس ببذل المال في طلب العلي بهمة محمود الخلائق ما وجد، وكن واثقاً بالله في كل حادث يصيبك مدى الأيام من عين حاسد وبالله فاعتصم ولا ترج غيره ولائك في النعماء منه يجاحد، وغض عن المكروه طرفك، وأجتنب أذي الجار وأستمسك بحبل المحامد في النعماء، ولا تبنِ للدنيا بناء مؤمل خلود فما حي عليها بخالد وبالجملة؛ فأقول الطرفة من الحكمة كنز مدفون من جواهر العوائد أو بحر مشحون بنفائس الفرائد بتقريرات ترتاح لها النفوس وتوضیحات تهتز لها الشموس.

وقَالَ عليه السلام «لَمَّا سَمِعَ قَوْلَ الْخَوَارِجِ لَا حُكْمَ إِلَّا للهِ كَلِمَةُ حَقٍّ يُرَادُ بِهَا بَاطِلٌ»: الخوارج يسمون المحكمة لأنكارهم أمر الحكمين وقولهم لا حكم إلا بالله وقد سبق توضيح هذا الكلام.

وقَالَ عليه السلام: «فِي صِفَةِ الْغَوْغَاءِ هُمُ الَّذِينَ إِذَا اجْتَمَعُوا غَلَبُوا وإِذَا تَفَرَّقُوا لَمْ يُعْرَفُوا» وقِيلَ بَلْ قَالَ: «هُمُ الَّذِينَ إِذَا اجْتَمَعُوا ضَرُّوا وإِذَا تَفَرَّقُوا نَفَعُوا فَقِيلَ قَدْ

ص: 164

عَرَفْنَا مَضَرَّةَ اجْتِمَاعِهِمْ فَمَا مَنْفَعَةُ افْتِزَاقِهِمْ فَقَالَ يَرْجِعُ أَصْحَابُ الْمِهَنِ»: أي الحرف

جمع حرفه «إِلَی مِهْنَتِهِمْ فَيَنْتَفِعُ النَّاسُ بِهِمْ كَرُجُوعِ الْبَنَّاءِ إِلَی بِنَائِه والنَّسَّاجِ إِلَی مَنْسَجِه

والْخَبَّازِ إِلَی مَخْبَزِه»: أقول لكل من التفسيرين وجه إذ المجتمعون في الغوغاء جمع لا تعارف بينهم، وبعد التفرق لا يعرف بعضهم بعضاً وعادة الناس أنهم يتركون صناعئهم ويحثون إلى معركة الغوغاء فيضرون وبعد الترك والاشتغال بالصنائع ينفعون.

وقَالَ عليه السلام: «وقد أُتِيَ بِجَانٍ»: الذي يجني جنانه «ومَعَه غَوْغَاءُ فَقَالَ لَا مَرْحَباً بِوُجُوه لَا تُرَى إِلَّا عِنْدَ كُلِّ سَوْأَةٍ»: لا مرحباً دعاء عليها أي لا يجد مكاناً رحباً وممتعناً من قبيل قوله تعالى «مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ»(1)«قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ»(2)والسوءة فعلة من السوء والمراد هنا السنة المنكرة.

وقَالَ عليه السلام: «إِنَّ مَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ مَلَكَیْنِ يَحْفَظَانِه فَإِذَا جَاءَ الْقَدَرُ خَلَّيَا بَيْنَه وبَيْنَه»: القدر قال: عز سلطانه «لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ»(3)ومصباح أمثال هذا العلم أُخذ من مشكاة النبوة.

«وإِنَّ الأَجَلَ جُنَّةٌ حَصِينَةٌ»: يعني من كان عمره إلى أجل معین لطفاً له ولغيره من المكلفين؛ فأن الله لا يخلي بينه، وبين من يريد قتله بل بفعل الطافاً ينزجر بفعلها

ص: 165


1- سورة ص: الآية 59
2- سورة ص: الآية 60
3- سورة الرعد الآية 11

القاتل عن قتله لئلا يبطل الطاف المكلفين فكان أجله ترس(1)تستر هو به.

وقَالَ عليه السلام: «وقَدْ قَالَ لَه طَلْحَةُ والزُّبَیْرُ نُبَايِعُكَ عَلَى أَنَّا شُرَكَاؤُكَ فِي هَذَا الأَمْرِ»: الخلافة «لَا ولَكِنَّكُمَا شَرِيكَانِ فِي الْقُوَّةِ والِاسْتِعَانَةِ وعَوْنَانِ عَلَى الْعَجْزِ والأَوَدِ»: العوج يعني الخلافة لا يقبل الشركة وأنتما تستحقان أن يقوى أمرهما ويحفظاها بقدر الإمكان عن الزلل، والخلل وقصتهما قد سبق بعضها.

وقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا الله الَّذِي إِنْ قُلْتُمْ سَمِعَ وإِنْ أَضْمَرْتُمْ عَلِمَ»: فان الله سميع عليم.

«وبَادِرُوا الْمَوْتَ الَّذِي إِنْ هَرَبْتُمْ مِنْه أَدْرَكَكُمْ»: «أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ»(2)«قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ»(3)«وإِنْ أَقَمْتُمْ أَخَذَكُمْ وإِنْ نَسِيتُمُوه ذَكَرَكُمْ»: يعني لا بد من الملاقاة فلا تضعوا الأوقات وإذا جاء أمر الله لا مرد له روي أنه قال عليه السلام:(4)

ص: 166


1- [ترس]: الترس جمعه ترسة، وتراس، وأتراس، وتروس. قال يعقوب: ولا تقل أترسة. ورجل تارس: ذو ترس. ورجل تراس: صاحب ترس. والتترس: التستر بالترس. وكذلك التتريس. والمترس: خشبة توضع خلف الباب؛ يُنظر الصحاح للجوهري: ج 3 ص 310
2- سورة النساء: الآية 78
3- سورة الجمعة: الآية 8
4- الأبيات للإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام وليست للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام. وقد ذكرت كثير من المصادر هذه الأبيات بمقدار ليس بتمام ما ذكر المصنف

باتوا على قلل الأجبال تحرسهم ٭٭٭ غلب الرجال فما أغنتهم القلل

واستنزلوا بعد عزعن معاقلهم ٭٭٭ فأودعوا حفرا يا بئس ما نزلوا

ناداهم صارخ من بعد ما قبروا ٭٭٭ أين الأسرة والتيجان والحلل؟

أين الوجوه التي كانت منعمة؟ ٭٭٭ من دونها تضرب الأستار والكلل

فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم ٭٭٭ تلك الوجوه عليها الدود يقتتل

قد طالما أكلوا دهرا وما شربوا ٭٭٭ فأصبحوا بعد طول الأكل قد اكلوا

وطالما عمروا دورا لتحصنهم ٭٭٭ ففارقوا الدور والأهلن وانتقلوا

وطالما كنزوا الأموال وادخروا ٭٭٭ فخلفوها على الأعداء وارتحلوا

أضحت منازلهم قفرا معطلة ٭٭٭ وساكنوها إلى الأجداث قد رحلوا

سل الخليفة إذ وافت منیتّه ٭٭٭ اين الجنود وأين الخيل والخول

اين الكنوز الّتي كانت مفاتحها ٭٭٭ تنوء بالعصبة المقوين لو حملوا

هيهات ما منعوا ضيما ولا دفعو ٭٭٭ عنك المنيّة إذ وافى بها الأجل

ولا الرّشاد فعتها عنك لو بذلوا ٭٭٭ ولا الرقي نفعت شيئاً ولا الحيل

ما بال ذكرك منسياً ومطرحاً ٭٭٭ وكلهم باقتسام المال قد شغلوا

وكيف ترجوا دوام العيش متصلاً ٭٭٭ وروحه بحبال الموت متصلوا

ص: 167

وقَالَ عليه السلام: «لَا يُزَهِّدَنَّكَ فِي الْمَعْرُوفِ مَنْ لَا يَشْكُرُه لَكَ فَقَدْ يَشْكُرُكَ عَلَيْه مَنْ لَا يَسْتَمْتِعُ بِشَيْءٍ مِنْه وقَدْ تُدْرِكُ مِنْ شُكْرِ الشَّاكِرِ أَكْثَرَ مِمَّا أَضَاعَ الْكَافِرُ «وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ»(1)» يعني أن أحسنت إلى غيرك فلم يشكرك لا ترغيب عن الإحسان بسبب الكفران؛ فأن المُحْسِنَ إذا لم يشكره المُحْسِنَ إليه فقد شكره غيره ولو لم يشكر أصلاً فأن الله يحب المحسنين وكفا به کرامة وشرفاً محبة الله سبحانه لا تقابل بشيء.

ومن تر عيناه عليه السلام في الإحسان فلا تدري السكون متى يكون.

وقَالَ عليه السلام: «كُلُّ وِعَاءٍ يَضِيقُ بِمَا جُعِلَ فِيه إِلَّا وِعَاءَ الْعِلْمِ فَإِنَّه يَتَّسِعُ بهِ»: يعني القلب قال تعالى وهو اصدق القائلين لا يسعني أرضي ولا أسمائي ولكن يسعني قلب عبد المؤمن، وفي الخبر أن الله تعالى في الأرض أوان إلا وهي القلوب.

وقَالَ: «أَوَّلُ عِوَضِ الْحَلِيمِ مِنْ حِلْمِه أَنَّ النَّاسَ أَنْصَارُه عَلَى الْجَاهِلِ»: في العبارة إشارة إلى أن فوائد الحكم كثيرة وفي الخبر أن الرجل ليدرك بالحلم درجة الصائم القائم ومن ثم قيل أن الحلم اكتساب المدح من الملوك والمدح من المملوك.

وقَالَ عليه السلام: «إِنْ لَمْ تَكُنْ حَلِيماً فَتَحَلَّمْ»: تكلف الحلم.

«فَإِنَّه قَلَّ مَنْ تَشَبَّه بِقَوْمٍ إِلَّا أَوْشَكَ»: قرب «أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ»: أراد أن الحلم أحسن فأن لم يكن فتنة الحليم حسن قال: قال: النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم «تحملوا تحملوا تسروا وإذا غضب أحدكم: فیسکت ثلاث مرات»(2).

وقَالَ عليه السلام: «عليكم مَنْ حَاسَبَ نَفْسَه رَبِحَ ومَنْ غَفَلَ عَنْهَا خَسِرَ»:

ص: 168


1- سورة آل عمران: الآية 134
2- لم أعثر على مصدر للحديث

واعلم أن التاجر الذي له رأس مال وهو: يبيع، ويشتري، ويطلب من تجارته سلامة رأس المال والربح فالواجب عليه أن يتحرى فيها من يعامله، ويحاسب رأس ماله من الصحة، وغيرها من آلاء الله عليه؛ فينبغي أن يعامل الله تعالى بالإيمان بالله ورسوله، والمجاهدة مع النفس، وأعداء الدين لئلا يغبن، ويربح في الدنيا والآخرة قال تعالى «هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ٭ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ»(1)ويجتنب معاملة الشيطان وتلك بترك الحساب فتضيع رأس السنة ماله مع الربح، والغفلة عنه، وقد سبق الكلام في استيفاء الحساب، وأن الذين أشتغلوا بالدنيا، واشتروا الضلالة بالهدی؛ فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين، ومن خاف الله تعالى امن من الفزع الأكبر.

«ومَنْ خَافَ»: الله تعالى أَمِنَ: من الفزع الأكبر «ومَنِ اعْتَبَرَ أَبْصَرَ»: رأي «ومَنْ أَبْصَرَ فَهِمَ»: علمه على وجه «ومَنْ فَهِمَ عَلِمَ»: الشيء على جميع أراد أن للعلم مراتب الأول الاعتبار؛ فاعتبروا يا أولي الأبصار الثاني لا أدراك الثالث التجلي والانكشاف ولأجل شرف العلم قال عليه السلام رضينا قسمة الجبار فينا لنا علم وللأعداء مال فأن المال يفني عن قريب وأن العلم باق لا يزال.

وقَالَ: «لَتَعْطِفَنَّ الدُّنْيَا عَلَيْنَا بَعْدَ شِمَاسِهَا عَطْفَ الضَّرُوسِ عَلَى وَلَدِهَا»: ناقة ضروس سيئة الخلق بعض حالتها عند الحلب أخبر عليه السلام عن عسر حاله ثم عن تبدل أدبار الدنيا بأقبالها، وشموسها بذلتها، وقد شبهها عليه السلام بالضروس في الأضرار والفرار؛ ثم شبهها في الالتصاق كل ذلك بحسب إعسار غير الآخر ورشح الاستعارتين بالعطف والشماس.

ص: 169


1- سورة الصف الآية 11 - 12

وتَلَا عَقِيبَ ذَلِكَ «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ»(1)» عنهم الملك لأن الإمامة في الدين إنما يتم بالتمكن في الأرض، ومع ذلك رأي بعين البصيرة مآل المحال ولم يدخر شيئاً من المال وقال إذا جادت الدنيا عليك؛ فجد بها على الناس طراً أنها يتقلب فلا الجود يمنعها إذا هي أقبلت ولا البخل يبقيها إذا هي تذهب.

وقَالَ عليه السلام: «اتَّقُوا الله تَقِيَّةَ مَنْ شَمَّرَ تَجْرِيداً وجَدَّ تَشْمِيراً وكَمَّشَ فِي مَهَلٍ وبَادَرَ عَنْ وَجَلٍ ونَظَرَ فِي كَرَّةِ الْمَوْئِلِ وعَاقِبَةِ الْمَصْدَرِ ومَغَبَّةِ الْمَرْجِعِ»: شمر أزرار رفعه، وشمر في الأمر خف فيه، وأصل التجريد التعرية من الثبات، وجرد نفسه من الأشعار إخراج منها، والتجريد التشذيب، أكمش: أعجل والمهل بالتحريك التودة، بادر: سارع نظر: تفکر، كرة: رجعة: المؤمل: الملجأ، والمصدر: المخرج، مغبة المرجع عقبة المعاد أمر عليه السلام المخاطبين بالتقوى من كان معتزلا للدنيا منخلعاً قلبه منها وشمر عن ساق الجد، ولم يحم حول جمع الجد لما رأى بعين البصيرة؛ أن الدهر قد فسد والكرام قد خجلت عراصها، ورمت لسنين قلاصها؛ فكيف بغيرهم وبتفكر في أمور المعاد والرجوع إلى ميعاد العباد حاصله؛ أمر بالزهد الحقيقي وترك الأمل والخلاص في العمل ومن أسبابه أن ينصح نفسه ويعضه بقوله: عليه السلام تؤمل في الدنيا طويلاً ولا ندري إذا جن ليل هل نعيش إلى الفجر فكم من صحيح مات من غير علة وكم من مریض عاش دهراً وكم من فتى يصبح ويمسي آمناً وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري.

وقَالَ عليه السلام: «الْجُودُ حَارِسُ الأَعْرَاضِ»: وذلك لجذبة القلوب «والْحِلْمُ فِدَامُ السَّفِيه»: الفدام ما يوضع في فم الإبريق ليصفي ماء يُجعل فيه، والفدام ما

ص: 170


1- سورة القصص: لآية 5

يشد به المجوس فمه.

يعني أن السفينة إذا أحملت عنه أقلع عن سفهه فكان حلمك فدام له.

«والْعَفْوُ زَكَاةُ الظَّفَرِ»: يعني كما أن الله ذا الجلال يريد المال بإخراج الزكاة يريد الظفر ويعين المظفر بالعفو.

«والسُّلُوُّ»: زوال محنتك «عِوَضُكَ مِمَّنْ غَدَرَ»: إشارة إلى الغدر يزيل المحبة ويورث العداوة.

«والِاسْتِشَارَةُ عَيْنُ الْهِدَايَةِ»: أي المشاورة نفسها عرضة الترغيب في المشورة.

«وقَدْ خَاطَرَ»: أشرف على الهلاك.

«مَنِ اسْتَغْنَى بِرَأْيِه والصَّبْرُ يُنَاضِلُ الْحِدْثَانَ»: یرامي حادثة الدهر بلاؤه أصبر قليلاً فبعد العسر يسر وكل أمر له، وقت وتدبير وللمهمين في حالتنا نظر وفوق تدبيرنا لله تقدير.

«والْجَزَعُ مِنْ أَعْوَانِ الزَّمَانِ»: قد عرفت أن دأب البلغاء نسبة الخير والشر إلى الزمان يعني أن من عمى بصيرته، ويكدر سريرته يجيء إليه أعوان الزمان وهي ما تعينه في إصابة المكروه منها الجزع، والفزع والطغيان، وأما من أشرق قلبه بنور العرفان، وأنفتح عين بصيرته؛ فتوكل على المنان، وقليل ما هم ولذا قال: عليه الرضوان؛ مات الوفاء فلا رفد ولا طمع إلا في الناس للناس إلا اليأس، والجزع؛ فأصبر على ثقة بالله وارض به؛ فالله أكرم أن يرجی ويتبع.

وقال عليه السلام: «وأَشْرَفُ الْغِنَى تَرْكُ الْمُنَى»: والاعتماد على المولى وكونه أشرف ظاهر إذ ينجيه عن المهالك مطلقاً، وفيه استعارة حسنة وقال عليه السلام:

ص: 171

«وكَمْ مِنْ عَقْلٍ أَسِیرٍ تَحْتَ هَوَى أَمِیرٍ»: أي رب شخص غلب على عقله هواه فاضله الله على علم، وختم على سمعه، وقلبه وجعل على بصره غشاوة ووجه استعارة أسير للعقل وأمير للهوى ظاهر.

«ومِنَ التَّوْفِيقِ حِفْظُ التَّجْرِبَةِ»: أي أسباب توفيق الملك العلام، الأنام للمرام كثيرة منها حفظ التجربة ظاهر.

«والْمَوَدَّةُ قَرَابَةٌ مُسْتَفَادَةٌ»: أي المحبة قرابة تحصل بالكسب بخلاف قرابة النسبي وجعلها نفس القرابة فيه مبالغة حسنة.

«ولَا تَأْمَنَنَّ مَلُولًا»: الملول: السريع الصحر أي: لا اعتماد على من يميل ويصحر كثيراً.

وقَالَ عليه السلام: «عُجْبُ الْمَرْءِ بِنَفْسِه أَحَدُ حُسَّادِ عَقْلِه»: أي من تبع الوهم ونصر سبب زوال تصرف العقل.

وقَالَ: «أَغْضِ عَلَى الْقَذَى والأَلَمِ تَرْضَ أَبَداً»: الأعضاء إدناء الجفون أي الدهر محفوف بالمنكرات، ومن صار بصدد دفع كلها لم يقدر؛ فلم يرض أبداً وأما قد، وفد ففي مقدرة الشخص، ومن أدنى الجفون على بعضها، ويدفع بعضها فقد رضي.

وقَالَ عليه السلام: «مَنْ لَانَ عُودُه»: أي سهل جانبه «كَثُفَتْ أَغْصَانُه»: كثرت أعوانه وأحبابه ويقال كيف أي غلظت یعني من حسن خلقه كثرت حسناته وعظم أحاسنه، وقيل هو مأخوذ من قول الله تعالى «وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ»(1)وأما سوء الخُلق ليس له دواء وقَالَ عليه السلام: «الْخِلاَفُ يْهَدِمُ

ص: 172


1- سورة الأعراف: الآية 58

الرَّأْيَ»: أي من وجد شيئاً من حطام الدنيا تطاول على الناس.

وقَالَ عليه السلام: «مَنْ نَالَ اسْتَطَالَ»: أي من وجد شيئاً من حطام الدنيا تطاول على الناس.

وقَالَ عليه السلام: «فِي تَقَلُّبِ الأَحْوَالِ عِلْمُ جَوَاهِرِ الرِّجَالِ»: أي يعرف طباعهم أهي محمودة أم لئيمة بتغير أحوال الدنيا؛ فأن محمود الطبع لا يتغير أعماله ولا يتبدل أحواله بل کما کان یکون على النهج القويم، والمنهج المستقيم فالمرء الصادق في الاعتقاد لا ينقص عبادته، ولا يزول عادته أن سطا الدهر وغلب وسلب منه ما کسب وانعكس الحال وانقلب ويكتب بمداد العين في ورق القلب قوله عليه السلام: فلا تجزع وأن اعتسرت يوماً فقد أيسرت في دهر طويل، ولا تيأس فأن اليأس كفرٌ لعل الله يغني عن قليل ولا تظنن بربك ظن السوء فأن الله أولى بالجميل رأيت العسر يتبعه يسار وقول الله أصدق كل قيل.

وقَالَ عليه السلام: «حَسَدُ الصَّدِيقِ مِنْ سُقْمِ الْمَوَدَّةِ»: فأن صحيح المحبة يرتاح إذا رأى رفيقه الصديق ناعم المنال ساحب الأذيال.

وقَالَ عليه السلام: «أَكْثَرُ مَصَارِعِ الْعُقُولِ تَحْتَ بُرُوقِ الْمَطَامِعِ»: أي المطامع التي كالبروق في سرعة الزوال ومن؛ ثم يقال هو أخص أفعال الشيطان وأضر أحوال الإنسان وعنه عليه السلام لا تخضعن لمخلوق على طمع فأن ذلك وهن منك في الدين واسترزق الله مما في خزائنه فأن ذلك بين الكاف والنون أن الذي أنت ترجوه وتأمله من البرية مسكين بن مسكيين.

وقَالَ عليه السلام: «لَيْسَ مِنَ الْعَدْلِ الْقَضَاءُ عَلَى الثِّقَةِ بِالظَّنِّ»: أي لا تقضي بالظن السيء على من كان ثقة عندك وصار موثوقاً به.

ص: 173

وقَالَ: «بِئْسَ الزَّادُ إِلَی الْمَعَادِ الْعُدْوَانُ عَلَى الْعِبَادِ»: أي لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً فالظلم مرتعه يفضي إلى الندم.

تنام عينيك والمظلوم منتبه ٭٭٭ يدعوا عليك وعين الله لم تنمي

وقَالَ: «مِنْ أَشْرَفِ أَعْمَالِ الْكَرِيمِ غَفْلَتُه عَمَّا يَعْلَمُ»: من سوء أفعال اللئيم وكونه ظاهر.

وقَالَ: «مَنْ كَسَاه الْحَيَاءُ ثَوْبَه لَمْ يَرَ النَّاسُ عَيْبَه»: راعى عليه السلام هذا الكلام المجاز في الأسناد، والاستعارة أما الأول؛ ففي أسناد الكسوة إلى الحياء وأما الثاني ففي استعارة الثواب له، ووجه المشابهة ستر العيب؛ فأن الحياء انقباض النفس عن المحارم، وتركه لذلك وقد يستعمل مجازاً في مثل قوله صلى الله عليه [وآله] وسلم «أن الله تعالى يستحي من ذي الشيبة المسلم أن يعذبه»(1)فليس يراد به انقباض النفس؛ إذ هو تعالى منزه عن الوصف بذلك وإنما المراد به ترك تعذيبه.

وقال عليه السلام: «بِكَثْرَةِ الصَّمْتِ تَكُونُ الْهَيْبَةُ»: فأن من رآه يخيل إليه أن للصامت شأن فيبهت منه بخلاف كثرة المنطق؛ فأنها سنن الغافل ويبدي مساوي الجاهل، وتصغير في أعين الناس.

«وبِالنَّصَفَةِ»: النصاف «يَكْثُرُ الْمُوَاصِلُونَ»: أي الواصلون لك بمودتهم.

«وبِالإِفْضَالِ تَعْظُمُ الأَقْدَارُ وبِالتَّوَاضُعِ تَتِمُّ النِّعْمَةُ»: أي إذا كان الملك يعامل

ص: 174


1- المصنف لعبد الرزاق الصنعاني: ج 11 هامش ص 138 باختلاف يسير؛ وكذلك المصنف لابن أبي شيبة الكوفي: ج 5 ص 224؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 10 ص 149

الرعية بالأفضال، والأنعام عظم قدره عندهم، وإذا تواضع منهم، ويتم نعمته لا يغتر عليه.

«وبِاحْتِمَالِ الْمُؤَنِ يَجِبُ السُّؤْدُدُ»: أي السيادة فأن المحتمل جاذب للتحمل.

«وبِالسِّيرَةِ الْعَادِلَةِ»: المستقيمة «يُقْهَرُ الْمُنَاوِئُ»: المعادي ناواه: عاداه.

«وبِالْحِلْمِ عَنِ السَّفِيه تَكْثُرُ الأَنْصَارُ عَلَيْه»: ولما یری من حملة يتوجه النصار إليه.

وقَالَ عليه السلام: «الْعَجَبُ لِغَفْلَةِ الْحُسَّادِ عَنْ سَلَامَةِ الأَجْسَادِ»: يعني أن الحسود إذا رأى نعمة على غيرة حسده عليه؛ فكيف لا يحسد على عافية الناس وهي أعظم النعم وقيل معناه أنهم غافلون عن سلامة الأجساد أعود عليهم أن يتعبوا أنفسهم بالجسد.

وقَالَ: «الطَّامِعُ فِي وِثَاقِ الذُّلِّ»: الوثاق القيد وانت خبير فأنه لو قال الطامع الذليل لم يفسد فايدة قوله في وثاق الذل.

وقال: «عليه السلام وسُئِلَ عَنِ الإِيمَانِ فَقَالَ الإِيمَانُ مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ وإِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ وعَمَلٌ بِالأَرْكَانِ»: أي أزين الأيمان فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامة وإنما قلنا ذلك لأن حد الإيمان هو التصدیق بالقلب لله تعالى في جميع أوامره ونواهيه فهذه الأشياء الثلاث كالحلي للتصديق.

وَقَالَ: «عليه السلام مَنْ أَصْبَحَ»: صار «عَلَى الدُّنْيَا حَزِيناً»: أي على فوات الدنيا.

«فَقَدْ أَصْبَحَ لِقَضَاءِ الله سَاخِطاً»: إذا لا يجري شيء في ملكه وملكوته إلا بقضائه ومراده النهي عن ذلك.

ص: 175

«ومَنْ أَتَى غَنِيّاً فَتَوَاضَعَ لَه لِغِنَاه ذَهَبَ ثُلُثَا دِينِه»: إذ ربه ينزل به والشكاية عن الفعل شكاية عن فاعله.

«ومَنْ أَصْبَحَ يَشْكُو مُصِيبَةً نَزَلَتْ بِه فَقَدْ أَصْبَحَ يَشْكُو رَبَّه»: ليس هذا على الأطلاق، وإنما يكون كذلك؛ إذا ذاهبة في أمور الدين، وأحكام الشرع طمعاً لما له، وتواضعاً لغنائه لا لنقمته، وإنما يذهب بثلثا دينه، ولو أعتقد له بالقلب بعد اللسان، والبدن ذهب كل دينه، وقد مر ما روي عنه عليه السلام الأبيات في هذا المعني.

«ومَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَمَاتَ فَدَخَلَ النَّارَ فَهُوَ مِمَّنْ كَانَ يَتَّخِذُ آيَاتِ الله هُزُواً»: سخريتنا واتخاذ الآيات هزوا: أن يقرأها ويقر بها ولا يعمل بها، ومن يعمل بها فينال بذلك العروة الوثقى والدرجة العليا.

وفي الخبر أنه قال صلى الله عليه [وآله] وسلم: «ثلاث يوم القيامة على كثيب من مسك أسود لا يهولهم فزع ولا ينالهم حساب حتى يفرغ ما بين الناس رجل قرأ القرآن ابتغاء وجه الله ورجل أم قوماً وهو راضون عنه وأهل القرآن أهل الله وخاصته»(1).

«ومَنْ لَهِجَ»: حرص «قَلْبُه بِحُبِّ الدُّنْيَا الْتَاطَ قَلْبُه مِنْهَا»: التصق بقلبه حبه «بِثَلَاثٍ هَمٍّ لَا يُغِبُّه»: لا يذهب به يقال أعنه كذا أتاه يوماً ولا يأتيه يوماً.

«وحِرْصٍ لَا يَتْرُكُه وأَمَلٍ لَا يُدْرِكُه»: ومن ثم سعی من سعى في دفعها.

ص: 176


1- مجمع الزوائد للهيثمي: ج 1 ص 327؛ تاریخ بغداد للخطيب البغدادي: ج 4 ص 124؛ ربيع الأبرار ونصوص الأخبار: للزخشري: ج 2 ص 280؛ إحياء علوم الدين للغزالي: ج 2 ص 261

وقَالَ عليه السلام: «كَفَى بِالْقَنَاعَةِ مُلْكاً»: فأن القناعة منجية عن مهلكة الالتماس.

«وبِحُسْنِ الْخُلُقِ»: قد مر الكلام في حسن الخلق مراراً.

«نَعِيمًا وسُئِلَ عَنْ قَوْلِه تَعَالَی «فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً»(1)فَقَالَ هِيَ الْقَنَاعَةُ»: ضمير المفعول راجع إلى مؤمن أي يتلذذه بعلمه فوق تلذذ صاحب المال والجاه ولا يبطل تلذذه إعساره إذ يرضيه الله تعالى بقسمته ويقنعه ويقبل أهتمامه بحفظ المال، والكافر لا يهنأ عيشه بالمال والجاه إذ يرضيه الله تعالى حرصاً وخوف فوات.

وروي أنه قال عليه السلام:

سأقنع ما بقيت بقوت يوم ٭٭٭ ولا أبغي مكاثرة بمال

هب الدنيا تساق إليك عفوا ٭٭٭ أليس مصير ذاك إلى زوال

وقَالَ عليه السلام: «شَارِكُوا الَّذِي قَدْ أَقْبَلَ عَلَيْه الرِّزْقُ فَإِنَّه أَخْلَقُ لِلْغِنَى وأَجْدَرُ بِإِقْبَالِ الْحَظِّ عَلَيْه»: ومن أدبر عنه فيذهب بمال الشريك فيصبر.

وقَالَ عليه السلام: «فِي قَوْلِه تَعَالَی «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ»(2)الْعَدْلُ الإِنْصَافُ والإِحْسَانُ التَّفَضُّلُ»: أقول فسره عليه السلام نظراً إلى المقام ويقال يأمر بالعدل الاعتدال وهو التحلية بالأوساط الحمدية في باب الأعمال كأداء الواجبات والسنن بين البطالة، والترهيب وفي باب الأخلاق کالحكمة بين البلاهة والدهاء

ص: 177


1- سورة النحل: الآية 97
2- سورة النحل: الآية 90

والعفة بين العنة والشدة والجور بين البخل والتبذير والشجاعة بين التهور والجبن والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه وهو التخلية ذكره لعدم دخوله في العدل لأنه ميل إلى الحق.

وقَالَ عليه السلام: «مَنْ يُعْطِ بِالْيَدِ الْقَصِیرَةِ يُعْطَ بِالْيَدِ الطَّوِيلَةِ»: قال السيد رحمه الله: ومعنى ذلك أن ما ينفقه المرء من ماله في سبيل الخير والبر وإن كان يسيرا فإن الله تعالى يجعل الجزاء عليه عظيما كثيرا واليدان هاهنا عبارة عن النعمتين ففرق بين نعمة العبد ونعمة الرب تعالى ذكره بالقصيرة والطويلة فجعل تلك قصيرة وهذه طويلة لأن نعم الله أبدا تضعف على نعم المخلوق أضعافا كثيرة إذ كانت نعم الله أصل النعم كلها فكل نعمة إليها ترجع ومنها تنزع.

أقول: فعلى ما قاله السيد رضي الله عنه نظراً إلى الظاهر وإلا فالنعم كله لله وفي الخبر أنه قال أبو ذر يا نبي الله أرئيت الصدقة ماذا هي قال اضعاف مضاعفة وعند الله المزيد أشار صلى الله عليه [وآله] وسلم إلى التوسعة والكثرة من الثواب الذي يعطي جزاء لعمل وقوله تعالى «وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا»(1)فقوله من لدنه أي من عنده تفضلًا على تفضل وكلامه عليه السلام يمكن أن يحمل على هذا المعنى وحمل اليد القصيرة على النعم تفضلاً على النعم الدنيوية واليد الطويلة على النعمة الآخروية ليس ببعيد روي أنه قال عليه السلام(2):

ص: 178


1- سورة النساء الآية 40
2- الأبيات للإمام الحسين؛ يُنظر مناقب آل أبي طالب لابن أبي شهر آشوب: ج 3 ص 246؛ البداية والنهاية لابن كثير: ج 8 ص 228

فان تكن الدنيا تعد نفيسة ٭٭٭ فدار ثواب اللّه أعلى وأنبل

وان تكن الأموال للترك جمعها ٭٭٭ فما بال متروك به الحر يبخل

وان تكن الأرزاق قسما مقدرا ٭٭٭ فقلة حرص المرء في الكسب أجمل

وان تكن الأبدان للموت أنشئت ٭٭٭ فقتل امرئ بالسيف في الله أفضل

حكاية بعض أهل المعرفة أسلم نصراني ببغداد أيام الشبلي رحمة الله فقال: له كيف شئت إسلامك قال: كنت في حالة النصراني أكرم النصارى وأجودهم فرزقت بذلك.

الإسلام فصاح الشبلي وقال إذا كان من أكرم في الدين الناقص فالله يرزقه الدين الكامل فمن يكرم في الشريف فماذا يتعامل معه الرب اللطيف؟.

وقَالَ عليه السلام: «لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ»(1).

«وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ»(2).

ولما برزوا لجالوت وجنوده وقد علم عليه السلام ذلك الحكم بالتجربة.

وقَالَ عليه السلام: «خِيَارُ خِصَالِ النِّسَاءِ شِرَارُ خِصَالِ الرِّجَالِ الزَّهْوُ والْجُبْنُ

ص: 179


1- سورة آل عمران: الآية 154
2- سورة البقرة: الآية 250

والْبُخْلُ»: الزهو التكبر والمزهو من زهت عليه وللعرب أحرف لا يتكلمون بها إلا على سبيل المفعول به، وأن كان بمعنى الفاعل مثل قولهم: وهي الرجل، وغيرها ثم بين علي السلام وجه ذلك قال: «فَإِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ مَزْهُوَّةً لَمْ تُمَكِّنْ مِنْ نَفْسِهَا

وإِذَا كَانَتْ بَخِيلَةً حَفِظَتْ مَالَهَا ومَالَ بَعْلِهَا وإِذَا كَانَتْ جَبَانَةً فَرِقَتْ»: خافت «مِن كُلِّ شَيْءٍ يَعْرِضُ لَهَا»: فيحصل لها جناح الإيمان من الخوف ولعله أراد أن هذه الخصال: أشرف من خصال المرأة نظراً إلى شأنها وهو المطلوب منها وبالنسبة إلى الرجل عكس ذلك وكيف لا يكون كذلك وكتب الأحاديث مشحونة بالوعيد على التكبر وأن المتكبر لا يدخل الجنة وكذا البخيل والله تعالى أعلم.

وقِيلَ لَه عليه السلام: «صِفْ لَنَا الْعَاقِلَ فَقَالَ هُوَ الَّذِي يَضَعُ الشَّيْءَ مَوَاضِعَه»: هذا تعريف شامل للعاقل الكامل أطلق الشيء وأراد الأشياء والمراد أن يضع كل شيء موضعه اللائق، وأنت خبير بأن هذا التعريف أخص وأولى من تعاريفه الأخرى مثل ما قيل العاقل الذي ترك ملامة من لا يعقل العاقل إذا أبتلى بشرین مال إلى أقلها قبحاً، العاقل من إذا أبتلى بشرین مال إلى أقلها قبحاً العاقل من إذا زل أو أخطأ تدارك ذلك بتوبة، العاقل الذي ذهب دنياه لآخرته، وقريب من تعريفه عليه السلام ما قيل العاقل من يبصر مواضع خطواته قبل أن يضعها وفي الخبر أن قوماً دخلوا على رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فقالوا یا رسول الله «من أعلم الناس؟ قال: العاقل، قالوا يا رسول الله فمن اعبد الناس؟ قال: العاقل، قالوا من أفضل الناس؟ قال: العاقل، قالوا يا رسول الله أليس العاقل من تمت مروءته وظهرت فصاحته وجادت کفه وعظمت منزلته»(1)فقال

ص: 180


1- يُنظر: بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث: لعلي بن أبي بكر الهيثمي: ص 260؛ والتذكرة الحمدونية: لأبن حمدون: ج 3 ص 236؛ ونهاية الأرب في فنون الأدب: للنويري: ج 3 ص 231؛ وأحياء علوم الدين: للغزالي: ج 1 ص 147

رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم كل ذلك «كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ»(1)العاقل هو المتقي وأن كان في الدنيا قضا دیناً قال رضي الله عنه.

«فَقِيلَ فَصِفْ لَنَا الْجَاهِلَ فَقَالَ قَدْ فَعَلْتُ» قال الرضي: يعني أن الجاهل هو الذي لا يضع الشيء مواضعه؛ فكأن ترك صفته صفة له إذ كان بخلاف وصف العاقل: توضيحه أن العاقل والجاهل ضدان في أصل الوضع فإذا عرفت حقيقة أحدهما توجد الآخر على عكسهما مثلاً القبيح والحسن فأن القبيح ماله مدخل في إسحاق الذم على الأكثر والحسن على خلافه.

وقَالَ عليه السلام: «والله لَدُنْيَاكُمْ هَذِه أَهْوَنُ»: أحقر وأسهل فِي «عَيْنِي مِنْ عِرَاقِ خِنْزِيرٍ فِي يَدِ مَجْذُومٍ»: عراق جمع وهو عظم قد أخذ عنه اللحم وهو جمع غریب مثل رجال ورجل وقيد ذلك بيد المجذوم لأن عراق الخنزير لا يكون إلا في يد نصراني فإذا كان مجذوماً كان أهون.

وقَالَ عليه السلام: «إِنَّ قَوْماً عَبَدُوا الله رَغْبَةً»: رغبة في الثواب «فَتِلْكَ عِبَادَةُ التُّجَّارِ» حالهم في العبادة مثل حال التجار في المعاملة.

«وإِنَّ قَوْماً عَبَدُوا الله رَهْبَةً»: خوفاً من العقاب «فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْعَبِيدِ»: العابد فيها شبيه بالعبد في المهنة.

«وإِنَّ قَوْماً عَبَدُوا الله شُكْراً فَتِلْكَ عِبَادَةُ الأَحْرَارِ»: أشار إلى أن العبادة هي غاية الشكر على أصول النعم؛ فمن صلى الله عليه تعالى لوجوب ذلك له فهو عبادة، ومن صلى، وصام وحج وتزکی طمعاً في الجنة وخوفاً من النار فليس ذلك بعبادة

ص: 181


1- سورة الزخرف: الآية 35

ولله در قائلهم(1):

كانت لقلبي أهواء مفرقة ٭٭٭ فاستجمعت من رأتك العين أهواي

فصار يحسدني من كنت أحسده ٭٭٭ فصرت مولى الوری مذصرت مولاي

تركت للناس دنياهم ودينهم ٭٭٭ شغلا بحبك يا ديني ودنياي

وقَالَ عليه السلام: «الْمَرْأَةُ شَرٌّ كُلُّهَا وشَرُّ مَا فِيهَا أَنَّه لَا بُدَّ مِنْهَا»: فيه من المبالغات الجارية على ألسنة البلغاء.

وقَالَ: «مَنْ أَطَاعَ التَّوَانِيَ»: التقصیر «ضَيَّعَ الْحُقُوقَ ومَنْ أَطَاعَ الْوَاشِيَ»: النمام «ضَيَّعَ الصَّدِيقَ»: كلاهما ظاهر أن، والمقصود النهي عن التواني وقبول کلام الواشي.

وقَالَ عليه السلام: «الْحَجَرُ الْغَصِيبُ فِي الدَّارِ رَهْنٌ عَلَى خَرَابِهَا» ويروى هذا الكلام عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم قال السيد رضي الله عنه ولا عجب أن يشتبه الکلامان لأن مستقاهما من قليب، ومفرغهما من ذنوب: في كلامه عليه السلام بیان مسألة فرعية فقهيه هي: أن لا يملك الغاصب الحجر المغصوب، والدار التي بنى فيه ففي معرض استحقاق الهدم فرعية فقهية هي أن لا يملك الغاصب الحجر المغصوب، والدار التي فيه ففي معرض استحقاق الهدم، وبعض العلماء نسب العلماء نسب هذا الكلام إلى النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم وبعضهم نسبوا إليه عليه السلام.

ص: 182


1- القائل عبد الملك بن أبي نصر بن عمر الجيلي، يُنظر: ذیل تاریخ بغداد لابن النجار البغدادي: ج 1 ص 81

وذهب السيد إلى تجويز صوابیه كل من المنتسبين وان نسبة الكلامان وأشار إلى وجه ذلك بأن مأخذهما واحد وهو الكلام الإلهي أستعير القليب لما فيه المعاني التي هي بمثابة الماء ورشح بذكر الاستقاء كناية عن الأخذ والذنوب للتراكيب، والتأليف الأنيقة المعجبة ووجهها أن بالذنوب يصب الماء على الأرض وبالألفاظ يصب المعاني على أراضي القلوب یرید أن كلامي المصطفى والمرتضى متشابهان من حيث الفصاحة والبلاغة والجزالة والمأخذ المصب.

وقَالَ عليه السلام: «يَوْمُ الْمَظْلُومِ عَلَى الظَّالِمِ أَشَدُّ مِنْ يَوْمِ الظَّالِمِ عَلَى الْمَظْلُومِ»: فأن ذلك يوم الحساب ويوم العذاب كان عند ربك كالف مما تعدون في الشدة روي عنه عليه السلام؛ أنه قال أما، والله أن الظلوم شؤم ولا يزال المسيء هو الظلوم إلى الديان يوم الدين يمضي وعند الله يجتمع الخصوم سيعلم في الحساب إذا التقيانا غداً عند المليك من الظلوم.

وقَالَ عليه السلام: «اتَّقِ الله بَعْضَ التُّقَى»: أي بقدر الوسع «وإِنْ قَلَّ واجْعَلْ بَيْنَكَ وبَیْنَ الله سِتْراً وإِنْ رَقَّ»: بريد إلى أحسنه التقوى.

وقَالَ عليه السلام: «إِذَا ازْدَحَمَ»: كثر «الْجَوَابُ خَفِيَ الصَّوَابُ»: إذ يختلف الكلام ويستر بسننه المرام.

وقَالَ عليه السلام: «إِنَّ للهِ فِي كُلِّ نِعْمَةٍ حَقّاً فَمَنْ أَدَّاه زَادَه مِنْهَا ومَنْ قَصَّرَ فِيه خَاطَرَ بِزَوَالِ نِعْمَتِه»: وأشرف على الهلاك قال عز من قائل «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ»(1)وروي عنه عليه السلام وكم رأينا من ذي ثروة لم يقلوا بالشكر أقبالها تاهو على الدينا بأموالهم وقيدوا بالبخل أقفالها

ص: 183


1- سورة إبراهيم: الآية 7

لو شكروا النعمة جازهم مقالة الشكر الذي قالها لئن شكرتم لأزيدنكم لكنما كفرهم غالباً.

وقَالَ عليه السلام: «إِذَا كَثُرَتِ الْمَقْدِرَةُ قَلَّتِ الشَّهْوَةُ»: وذلك النقصان ما يقدر له وقال لديه.

وقَالَ عيله السلام: «احْذَرُوا نِفَارَ النِّعَمِ فَمَا كُلُّ شَارِدٍ بِمَرْدُودٍ»: وفي طلبه تضييع الأوقات أي فينبغي أن يهون عليه المسير ودعته ويتخذه ظهرياً ولا يسعی في رده وقد سبق مثل هذا الكلام غير مرة.

وقَالَ عليه السلام: «الْكَرَمُ أَعْطَفُ مِنَ الرَّحِمِ»: أي الكريم أعطف على الإنسان من القريب أي أشفق.

وقَالَ عليه السلام: «مَنْ ظَنَّ بِكَ خَیْراً فَصَدِّقْ ظَنَّه»: أي أعمل على وفق ما يظن بك.

وقَالَ عليه السلام: «أَفْضَلُ الأَعْمَالِ مَا أَكْرَهْتَ نَفْسَكَ عَلَيْه»: لأنها أكثر مشقة وقد تقرر أن أفضل الأعمال أحمرها(1).

وقَالَ عليه السلام: «عَرَفْتُ الله سُبْحَانَه بِفَسْخِ الْعَزَائِمِ وحَلِّ الْعُقُودِ ونَقْضِ الْهِمَمِ»: أي نظرت في أحوال نفسي؛ فأني ربما أعزم وأعقد على نزل أمر ثم تنحل تلك العقدة من غير موجب لذلك؛ فاعلم بهذا الظن في هاذين الأمرين أنها من مقلب القلوب، والأبصار وبيده أزمتها وكل شيء مسخر له فنحو هذا هو الطريق إلى معرفة الله تعالى.

ص: 184


1- احمرها: بمعنى أشدها قسوة على البدن وعند الفعل الشديد يحمر الوجه

وقَالَ عليه السلام: «مَرَارَةُ الدُّنْيَا حَلَاوَةُ الآخِرَةِ وحَلَاوَةُ الدُّنْيَا مَرَارَةُ الآخِرَةِ»: وهذا الحكم أكثري لا كلي، ويحال على ذهنك الثاقب الفضيل والتأمل في مثل قوله عليه السلام رب فتی دنیاه موفورة ليس له من بعدها أخرة وآخر دنياه مذمومة تتبعها آخرة؛ فاخرة وآخر قد حاز کليهما قد جمع الدنيا مع الآخرة وآخرى يحرم کليهما ليس له دنيا ولا آخرة.

وقَالَ عليه السلام: «فَرَضَ الله الإِيمَانَ»: وهو أن يقر العبد بوحدانية الله تعالى وصفاته اللائقة وبجميع ما جاء به من عنده ومن كتب ورسل ويعتقد ذلك بقلبه.

«تَطْهِیراً مِنَ الشِّرْكِ»: إذ يتكدر صفحة قلوب أبن آدم به فمن آمن بالله لا يشرك عد عشرين شيئاً من الشرعيات وذكر سبب وجوبها.

«والصَّلَاةَ تَنْزِيهاً»: تعبداً «عَنِ الْكِبْرِ»: لأن المصلي يلين ويخشع ولأجل هذا المعنى أسبق الصلاة من صليت العود أي لينه بإجالة النار وأطلقت عليها فمن صلى لله تعالى فلا كبر له.

«والصِّيَامَ ابْتِلَاءً لإِخْلَاصِ»: إذ هو بين العبد وبين الله.

«والزَّكَاةَ تَسْبِيباً لِلرِّزْقِ»: أي أنما أوجبها الله على الأغنياء سبباً لأرزاق الفقراء.

«والْحَجَّ تَقْرِبَةً لِلدِّينِ»: ومن ثم قال صلى الله عليه [وآله] وسلم هذا البيت دعامة الإسلام، ومن خرج يوم هذا البيت من حاج أو معتمر كان مضموناً على الله تعالى أن قبضه أن يدخله الجنة، وأن رده أن يرده بآخر وغنيمة.

«والْجِهَادَ عِزّاً لِلإِسْلَامِ»: وهذا ظاهر إذ المجاهد يحارب مخالف الدين.

ص: 185

«والأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ مَصْلَحَةً لِلْعَوَامِّ»: لا الخواص الذين أشرقت قلوبهم وأصاب بأنوار العرفان أذ ذلك يكفيهم أمراً ونهياً وأما العوام فأمرهم يحتاج إلى الأمر بالمعروف.

«والنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ رَدْعاً لِلسُّفَهَاءِ»: زجراً دفعاً «وصِلَةَ الرَّحِمِ مَنْمَاةً»: زيادة «لِلْعَدَدِ والْقِصَاصَ حَقْناً»: حبساً «لِلدِّمَاءِ» «وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»(1)«وإِقَامَةَ الْحُدُودِ إِعْظَاماً لِلْمَحَارِمِ»: المحرمات «وتَرْكَ شُرْبِ الْخَمْرِ تَحْصِيناً لِلْعَقْلِ ومُجَانَبَةَ السَّرِقَةِ إِيجَاباً لِلْعِفَّةِ»: ولو لم يشرع لم یکن موجبة إذ هي حالة يمتنع النفس عن غلبه الشهوة.

«وتَرْكَ الزِّنَى تَحْصِيناً لِلنَّسَبِ وتَرْكَ اللِّوَاطِ تَكْثِیراً لِلنَّسْلِ»: إذ هو يحصل من المحل المعلوم.

«والشَّهَادَاتِ اسْتِظْهَاراً»: معاونة «عَلَى الْمُجَاحَدَاتِ»: المنكرات «وتَرْكَ الْكَذِبِ تَشْرِيفاً»: تعظيماً «لِلصِّدْقِ والسَّلَامَ أَمَاناً مِنَ الْمَخَاوِفِ والأَمَانَةَ نِظَاماً لِلأُمَّةِ والطَّاعَةَ تَعْظِيمًا لِلِإمَامَةِ»: التي أشار إليها في قوله عز من قائل «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا»(2)واعلم أنه عليه السلام لم يرد حصر الأسباب، والفوائد وفي كل من الواجبات، والسنن كثير من العوائد، وقد ذكر من فوائد الإيمان الخوف، والرجاء، والحب، والشوق، والأمانة والحياء، والافتقار، والتعظيم، والحرمة، والرحمة، والتوكل، والقناعة والاستقامة، والصبر، والشكر، والرضا، والتسليم، وقال صلى الله عليه [وآله] وسلم «مثل الصلوات الخمس کمثل نهر جار على باب

ص: 186


1- سورة البقرة: الآية 179
2- سورة الأحزاب: الآية 72

أحدكم كثير الماء فيغتسل فيه كل يوم خمس مرات فما يبقى عليه من الدرن»(1)وفي غيرها من الواجبات والسنن والآداب فوائد يطول الكتاب بذكرها بعضها مذكور في مواضعه وبعضها يعلم بالتأمل.

وكَانَ يَقُولُ: «أَحْلِفُوا الظَّالِمَ إِذَا أَرَدْتُمْ يَمِينَه بِأَنَّه بَرِيءٌ مِنْ حَوْلِ الله وقُوَّتِه فَإِنَّه إِذَا حَلَفَ بِهَا كَاذِباً عُوجِلَ بالْعُقُوبَةَ»: ولم يمهل وعبارة الحلف أن يقال أن فعلت كذا فأنا برئ من حول الله وقوته، وهذا النوع من الكلام مختلف العلماء في أنه هل يسمى في عرف الشرع يمناً، وهل يتعلق الكفارة بالحنث فذهب الأمامية وكذا النخعي، والاوزاعي، والنوري، وأحمد، وإسحاق إلى أنه يمين يوجب الكفارة بالحنث فيها، وذهب مالك، والشافعي، وأبو عبيدة أن ليس بيمين، ولا كفارة فيه، وقيل كان في الأول الحلف كذلك؛ ثم اتفقوا على أنه يكره بغير أسماء الله تعالى، وصفاته سواء في ذلك النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم، والكعبة، والملائكة، والأمانة، والحياة، والروح، وغير ذلك، وأن الحلف على البت؛ ثم سئل عن أنه تعالى أقسم بمخلوقاته كقوله تعالى «وَالصَّافَّاتِ صَفًّا»(2)«وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا»(3)وأجيب بأذن الله تعالى أن يقسم بما شاء من مخلوقاته تنبيهاً على شرفها وأنشد في المعنى:

ويفتح من سواك عندي الشيء وبفعله فيحسن منك ذاك وأول قوله صلى الله عليه [وآله] وسلم: «أفح وأبيه» أن هذه كلمة تجري على اللسان ولا يقصد بها اليمين.

ص: 187


1- يُنظر: المصنف: لأبن أبي شيبة الكوفي: ج 2 ص 281، ومسند احمد بن حنبل: ج 3 ص 357؛ وصحیح أبن حبان: لأبن حبان في: ج 5 ص 13؛ وشعب الإيمان: أحمد بن الحسين البهيقي: ج 3 ص 41
2- سورة الصافات: الآية 1
3- سورة الذارايات: الآية 1

وإِذَا حَلَفَ بِالله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ لَمْ يُعَاجَلْ: قيل أراد بذلك أنه أذا حلف لغوا لقوله عز من قائل «لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ»(1)أقول الحكم صحيح والقرآن صريح لكن سياق كلامه عليه السلام یأبي عن ذلك فأنه عليه السلام علل قوله لم يعاجل أي لا يعاجل الحالف بالطريقة المذكورة بقوله: لأَنَّه قَدْ وَحَّدَ

الله سَبْحَانَه: وظاهر الكلام يدل على أن قلوبنا بالله الذي لا آله هو ليس بحلف بل هو إقرار بوحدانيته سبحانه لا يتعلق بذلك كفارة نعم يأثم؛ هذا والإيمان قسمان بالإضافة إلى الحكم؛ قسم لا مؤاخذة فيه وهو يمين اللغوا، وقسم فيه المؤاخذة، وهو نوعان؛ مؤاخذة دنياوية في اليمين في المستقبل إذا حنث فيها، وهي الكفارة، وقسم فيها المؤاخذة في الآخرة، وهي اليمين الغموس في الدنيا لا بالكفارة هذا، والحاجة ماسة إلى تقوية الغروم، والقصود لتعارض الدواعي، وطريان البواعث الفاسخة للغروم، وللحاجة إلى الجمع، ومصلحة النظام؛ فالحلف مع الإمام تحقيقاً لألف، والاعتماد وتقوية للملة وذلك باليمين، فكان أعهد اليمين مصلحة من هذا الوجه؛ ثم ربما يحنث ضرورة أو قصداً بأن يرى الحنث خيراً؛ فالله تعالى جعل الخيرات المذكورة في القرآن العزيز ماحية لسيئة الحنث، وترك اليمين، وحلف في الغرم المؤكد لأنه لو لم يكفر اعتقد الناس أنه لا يفيء بالوعد إذ بقوله يلتحق نبهات الحمير ورعاء البعير؛ فجعل الله تعالى برحمته، وفضله الكفاره ساتره لقبح الحلف مطهر لأيمانه، وعزمه واعتقاده، والله سبحانه أعلم.

وقَالَ عليه السلام: «يَا ابْنَ آدَمَ كُنْ وَصِيَّ نَفْسِكَ فِي مَالِكَ واعْمَلْ فِيه مَا تُؤْثِرُ أَنْ يُعْمَلَ فِيه مِنْ بَعْدِكَ»: الوصاية استنابة بعد الموت أراد أنك توصي شخصاً وتأمره بأن يصرف مالك بعد موتك في، وجوه الخير؛ فأن الأولى بك أن تعمل

ص: 188


1- سورة البقرة: الآية 225

بيدك، وأن تكون أنت، وصيك، ولا يخفى، وجه استعارة الوصي.

وقَالَ عليه السلام: «الْحِدَّةُ ضَرْبٌ»: نوع «مِنَ الْجُنُونِ»: غیر مستحكم «لأَنَّ صَاحِبَهَا يَنْدَمُ»: إنما كان نوعاً من الجنون لأن العقل يقتضي الحلم والجدة لقصور العقل:

«فَإِنْ لَمْ يَنْدَمْ فَجُنُونُه مُسْتَحْكِمٌ»: فيه غاية التنفير عن الجدة ولله در قائل:

إذا لم يكن في ذي الحياة عدو به حلم ٭٭٭ فأن رحيق الموت أحلى وأعذب

وقَالَ عليه السلام: «صِحَّةُ الْجَسَدِ مِنْ قِلَّةِ الْحَسَدِ»: فأن كثرة الحسد أعظم أمراض أعراض البشر وقد سبق الكلام في ذلك مستوفي.

وقَالَ عليه السلام: «لِكُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ النَّخَعِيِّ يَا كُمَيْلُ مُرْ أَهْلَكَ أَنْ يَرُوحُوا فِي كَسْبِ الْمَكَارِمِ»: راح يروح رواحاً نقيض غداً يغدوا وغدواً.

«ويُدْلِجُوا فِي حَاجَةِ مَنْ هُوَ نَائِمٌ»: أدلج القوم إذ ساروا من أول الليل فإذا ساروا من آخره فقد أدلجوا بتشديد الدال ثم رغب في ذلك بالقسم البار.

«فَوَ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُه الأَصْوَاتَ»: أي لا يعزب عن سمعه مثقال ذرة منها.

«مَا مِنْ أَحَدٍ أَوْدَعَ قَلْباً سُرُوراً إِلَّا وخَلَقَ الله لَه مِنْ ذَلِكَ السُّرُورِ لُطْفاً فَإِذَا نَزَلَتْ بِه نَائِبَةٌ»: مصيبة «جَرَى إِلَيْهَ كَالْمَاءِ فِي انْحِدَارِه حَتَّى يَطْرُدَهَا عَنْه كَمَا تُطْرَدُ غَرِيبَةُ الإِبِلِ»: أي خلق تعالی بدل ذلك السرور، وعوضه ملكاً ذا لطف ويبعث ذلك الملمك اللطيف عند كل بلية على عجلة ليخلصه منها، ونحو من هذا قوله الشاعر:

ص: 189

فليت لنا من ماء زمزم شربة ٭٭٭ مبردة باتت على الطهيان(1)

شبه أولاً النائبة بالسبع الضاري في المضرة واستعار لها الطرد وکنی عن الإزالة ثم شبه ذلك بطرد الأبل الوحشية في السرعة والله أعلم.

وقَالَ عليه السلام: «إِذَا أَمْلَقْتُمْ»: افتقرتم «فَتَاجِرُوا الله بِالصَّدَقَةِ»: قريب من کلام الله سلف منه استنزلوا الرزق بالصدقة، ولأهل التأويل أن يقولوا إذا صرتم، فقيراً قليلة الطاعات؛ فتاجروا الله بالصدقات الجنات «مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ»(2)ولأمر ما صار الكرم حلفاً له عليه السلام حتى قال داري مباح على من نزل وزادي مباح على ما أكل أقدم ما عندنا حاضر وأن لم يكن غير خبز وخل.

وقَالَ: «الْوَفَاءُ لأَهْلِ الْغَدْرِ غَدْرٌ عِنْدَ الله والْغَدْرُ بِأَهْلِ الْغَدْرِ وَفَاءٌ عِنْدَ الله»: أي أنهاء العهد والعمل بمقتضاه لأهل الغدر ترك العهد ونقضه في حكم الغدر ويترتب عليه أثره عند الله، والعذر في حقهم في حكم الوفاء وذلك إذا كان الغادر على الحق لأن الموفي تمهيد في المعصية والغادر لا.

وقَالَ عليه السلام: «كَمْ مِنْ مُسْتَدْرَجٍ بِالإِحْسَانِ إِلَيْه ومَغْرُورٍ بِالسَّتْرِ عَلَيْه ومَفْتُونٍ بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيه ومَا ابْتَلَى الله سُبْحَانَه أَحَداً بِمِثْلِ الإِمْلَاءِ لَه»:

قال: الرضي وقد مضى هذا الكلام؛ فيما تقدم إلا أن فيه هاهنا زيادة جيدة مفيدة ويعجبني هذا الكلام؛ إذ لا تفاوت بين هذا، وما تقدم إلا بلفظ سبحانه، وليس فيه زيادة والله سبحانه أعلم قال رضي الله:

ص: 190


1- ووالطَّهيَان: خشبة يُبرَّد عليها الماء؛ لسان العرب لأبن منظور: ج 13 ص 128
2- سورة البقرة: الآية 245

فصل نذكر فيه شيئا من غریب کلامة المحتاج إلى التفسير وفي حديثه عليه السلام:

فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ ضَرَبَ يَعْسُوبُ الدِّينِ بِذَنَبِه فَيَجْتَمِعُونَ إِلَيْه كَمَا يَجْتَمِعُ قَزَعُ الْخَرِيفِ يعسوب الدين اليعسوب السيد العظيم المالك لأمور الناس يومئذ والقزع قطع الغيم التي لا ماء فيها: اليعسوب في أصل اللغة هو ملك النحل ثم قيل للسيد قومه وسمي رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم علياً عليه السلام یعسوب المؤمنين لأنه قال «مَثل الْمؤمن مثل النحلة لا يأكل إلا طيباً ولا يضع إلا طيباً»(1)وكان التشبيه صائباً من الجانبين والظرب الإسراع في السير، وضرب البعير في جهاده يفر، وضرب بذنبه تجمع معنى الضرب الذي هو أصل الباب المعروف ومعنی هاذين أيضاً وحديثه عليه السلام هذا في شأن مهدي آل محمد عليه السلام، وفي قيامه قال فإذا ذلك أي إذا امتلأت الأرض ظلماً وجوراً أسرع في القيام والخروج بمنزلة البعير الذي ينفر عند إسراع سيره فضرب بذنبه وبالغ في الإسراع فإذا حصل الخروج وقام بالأمر أجتمع إليه من كل جانب أصحابه الذين ينصرونه سراعاً كاجتماع قطع من السحاب متفرقة وإنما قيد الخريف يكون السحاب بلا ماء فيكون أسرع في الاجتماع يقال قزع يقزع إذا خف في عدمه هارباً.

وفي حديثه عليه السلام: «هَذَا الْخَطِيبُ الشَّحْشَحُ» يريد الماهر بالخطبة الماضي فيها وكل ماض في كلام أو سير فهو شحشح والشحشح في غير هذا الموضع البخيل الممسك»: قيل صعصعة بن صوحان كان من خيار شيعة علي عليه السلام، ومن خطبائهم فقال: هذا الخطيب الشحشح، والشحشح العيون، والشجاع أي سريعة

ص: 191


1- السنن الكبرى للنسائي: ج 6 ص 376؛ صحيحة أبن حبان: ج 1 ص 482؛ المعجم الأوسط: للطبراني: في ج 3 ص 111؛ والمعجم الكبير أيضاً للطبراني ج 19 ص 204

السير، ويقال: الشحشح المواظب على الشيء الماضي فيه حتى يقال للماضي في خطبته شحشح قال ذ الرمة:

لَدُنْ غَدوْةً حتى إِذا امْتَدَّتِ الضُّحىَ ٭٭٭ وحَثَّ القَطِيِنَ الشَّحْشحانُ المُكَلَّفُ(1)

وأما الشحشح بمعنى البخيل فلم أر في كتب اللغة، وفي الجوهري الشحيح البخيل.

وفي حديثه عليه السلام: «إِنَّ لِلْخُصُومَةِ قُحَماً: يريد بالقحم المهالك يقحم أصحابها في المهلك والمتالف في الأكثر»: أي لا تخاصموا إنساناً؛ فأن الخصومة بقحم صاحبها على ما يريده أي يري في نفسه في القحم، والشدائدي قال: قحم في الأمور أي رمي بنفسه؛ فيها من غير رؤية، والقحمة بالضم المهلكة والقحمة الشديد.

ومن ذلك قحمة الأعراب، وهو أن تصيبهم السنة: ويقال أصابتهم القحمة إي غذا قحطوا، واصابتهم الشدة فدخلوا بلاد الخصب، والبوادي.

فتتعرق أموالهم: أي مواشيهم، والمال يقع على الأبل البقر، وعرفته أخذته من العظم.

فذلك تقحمها فيهم: تعرفت اللحم، وعرفته أخذته من العظم.

وقد قيل فيه وجه آخر وهو أنها تقحمهم بلاد الريف: كثير النعمة.

أي تحوجهم إلى دخول الحضر عند محول البدو وقحطه.

ص: 192


1- يعني الحادي: يُنظر: لسان العرب لابن منظور: ج 2 ص 496؛ والشَّحْشَحُ والشَّحْشاح أَيضاً: القويُّ

وفي حديثه عليه السلام: «إِذَا بَلَغَ النِّسَاءُ نَصَّ الْحِقَاقِ فَالْعَصَبَةُ أَوْلَی»: ویری نص الحقائق، والنص منتهى الأشياء، ومبلغ أقصاها کالنص في السير لأنه أقصى ما تقدر عليه الدابة، وتقول نصصت الرجل عن الأمر: إذا استقصیت مسألته عنه لتستخرج ما عنده فيه فنص الحقاق يريد به الإدراك لأنه منتهى الصغر، والوقت الذي يخرج منه الصغير إلى حد الكبير، وهو من أفصح الكنايات عن هذا الأمر، وأغربها يقول؛ فإذا بلغ النساء ذلك فالعصبة أولى بالمرأة من أمها إذا كانوا محرما مثل الإخوة، والأعمام، وبتزويجها إن أرادوا ذلك.

والحقاق محاقة الأم للعصبة في المرأة، وهو الجدال، والخصومة، وقول كل واحد منهما للآخر أنا أحق منك بهذا يقال منه حاققته حقاقا مثل جادلته جدالا، وقد قيل إن نص الحقاق بلوغ العقل، وهو الإدراك لأنه عليه السلام إنما أراد منتهی الأمر الذي تجب فيه الحقوق، والأحكام، ومن رواه نص الحقائق؛ فإنما أراد جمع حقيقة هذا معنى ما ذكره أبو عبيد القاسم بن سلام والذي عندي أن المراد بنص الحقاق هاهنا بلوغ المرأة إلى الحد الذي يجوز فيه تزويجها، وتصرفها في حقوقها تشبيها بالحقاق من الإبل، وهي جمع حقة وحق، وهو الذي استكمل ثلاث سنين، ودخل في الرابعة، وعند ذلك يبلغ إلى الحد الذي يتمکن؛ فيه من ركوب ظهره، ونصه في السير، والحقائق أيضا جمع حقة - فالروايتان جميعا ترجعان إلى معنی واحد: وهو بلوغ المرأة على الحد المذكور الجوهري: جمع الحقاق حقق کما يقال: کتبٌ وكتب ومنه قول أبن المسيب بن علس مثل الفسيل صغارها الحق، وربما جمع على حقائق مثل أفال، وأفائل قال الزاجر ومستند أمر من أتاق لسن بأنياب، ولا حقائق وأعلم أن الظاهر على التفسير الأول الحقاق بالوقت المذكور وقد فسره رضي الله عنه بالجدال، فيلزم أن يكون مجازاً من قبيل أطلاق أسم

ص: 193

المطروق على الظرف توهم الملام تزویج ابنتها لكن العصبة أولى، وفي الخبر لا تزوج المرأة، المرأة لا تزوج المرأة نفسها؛ فأن الزانية هي التي تزوجها، وأعلم أن مبنى هذا الحكم أنه هل يجوز للمرأة تزويج نفسها أم لا؟ فذهب طائفة إلى المنع الجواز مثل الشعبي، والزهري وقالو: ولیس الولي من أكان العقد صحة النكاح بل من تمامه، وآخرون إلى المنع معتصمين بقوله صلى الله عليه [وآله] وسلم أيما أمرة نكحت نفسها فنکاحها باطل وكلامه عليه السلام يجر كل طائفة تأخذ بغواص الفكر ما تأخذ وكل حزب بما لديهم؛ فرحون وعلى التفسير الثاني؛ فالمراد بنص الحقاق الإدراك التام وهو في أوان البلوغ والحقاق يحتمل أن يكون بمعنی الحقوق وضميره راجع إلى المنتهى لا إلى الأمر فتدبر والحقيقة تارة تستعمل في الشيء الذي له ثبات ووجود كقوله صلى الله عليه [وآله] وسلم لحارثة لكل حق حقيقة؛ فما حقيقة إيمانك، وفلان يحمي حقيقته أي يحق عليه أن يحمي، وفي تعارف الفقهاء والمتكلمين اللفظ المستعمل فيما وضع له من أصل اللغة، وحمل الحقيقة على المعنى الأخر في هذا الموضع ليس بصحيح وعلى التقدير، والتأويل يحمل على أحد المعنين الأولين؛ فتأمل قال الراغب نص الحقائق أي الحد الذي يحق لهن التزویج؛ فالعصبة أولى في ذلك وأما تفسيره رضي الله عنه؛ فمني على الاستعارة وهو شائع ذائع في كلام الفصحاء لا يحتاج إلى فيه إلى تكليف أو تعسف؛ فلذا قال وهذا أشبه بطريقة العرب من المعنى المذكور أولاً؛ وفي حديثه عليه السلام: «إِنَّ

الإِيمَانَ يَبْدُو لْمُظَةً»: لفظة «فِي الْقَلْبِ كُلَّمَا ازْدَادَ الإِيمَانُ ازْدَادَتِ اللُّمْظَةُ» واللمظة مثل النكتة أو نحوها من البياض ومنه قيل فرس ألمظ إذا كان بجحفلته شيء من البياض: هي للحافر کالسفه للإنسان وتقدير الكلام علامة الإيمان أي أن علامته تبدو بیاض في قلب من آمن أول مرة؛ ثم إذا أقر باللسان ازدادت تلك الثلاثة، وإذا عمل بالجوارح عملاً صالحاً أزادت وهكذا هلم جراً ويعكس ذلك في العمل

ص: 194

السيء قال صلى الله عليه [وآله] وسلم أن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه؛ فأن تاب واستغفر صقل قلبه وأن زاد زادت حتى تعلوا قلبه فذلكم الران الذي ذكر الله تعالى «كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ»(1)وتحقيق الكلام في هذا المقام أن المعني بالقصد الأول بالأعمال الظاهرة وأمر بمحاسنها، والنهي عن مقابحها، وهو ما تكسب النفس منها من الأخلاق الفاضلة، والهيئات الذميمة؛ فمن عمل صالحاً أثر في نفسه وبازدياد العمل يزداد الضياء والصفا، ومن أذنب ذنباً أثر ذلك أيضاً وأورث لها كدورة ما فان تحقق قبحه؛ وتاب عنه زال وصار النفس مصقولة صافية، وأن أنهمك فيه، وأصر عليه زاد الأثر وقسا في النفس، وأستعلى عليها وصار من أهل الطبع، ولا دواء لهذا الداء مثل الانكسار، والاعتراف بالتقصير وهضم النفس، وكفاك شاهداً قوله عليه السلام مع طهارة ذيله عن غبار الذنوب ذنوبي أن فكرت فيه كثيرة ورحمة ربي من ذنوبي أوسع فما طمعي في صالح قد عملته، وكني في رحمة الله أطمع فيا رب أرجوا غفرانك فذاك برحمة وأن تكن الأخرى فما كنت اصنع.

وفي حديثه عليه السلام: «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا كَانَ لَه الدَّيْنُ الظَّنُونُ يَجِبُ عَلَيْه أَنْ يُزَكِّيَه لِمَا مَضَى إِذَا قَبَضَه»: فالظنون الذي لا يعلم صاحبه أيقبضه من الذي هو عليه أم لا؛ فكأنه الذي يظن به، فمرة يرجوه ومرة لا يرجوه: أي أن ينقضه من المديون مرة ومرة لا ترجوه، وهذا الحكم من الأحكام الشرعية الفرعية إذا كان لشخص دین على آخر، وتم الحول، ولم يكن على يقين القبض لم يجب عليه حينئذ إخراج زكاته، وإذا قبضه فيجب عليه إخراج زكاة ما مضى قال رضي الله عنه:

وهو من أفصح الكلام وكذلك كل أمر تطلبه ولا تدري على أي شيء أنت

ص: 195


1- سورة المطففين: الآية 14

منه فهو ظنون وعلى ذلك قول الأعشى: من يجعل الجد الظنون الذي جنب صوب اللجب الماطر مثل الفراتي إذا ما طما يقذف بالبوصي والماهر.

والجد البئر العادية في الصحراء: لكن هي مؤمن والظنون التي لا يعلم هل فيها ماء أم لا: صوب اللجب مطر السحاب الذي له صياح من الرعد والبرق والفراتي الفرات والتشبيه للتأكيد طمي أرتفع والبوطي ضرب من سفن البحر الحادق بالسباحة ومضى البيت ان العاقل لا يجعل حكم بين لا ماء ولا يمطر حولها كحکم نهر الفرات المعروف وإذا كان مفعولاً بمعنى الفاعل فهو بمعنی الرجل السيء الظن.

وفي حديثه عليه السلام: «أنَّه شَيَّعَ جَيْشاً بِغَزْيَةٍ فَقَالَ اعْذِبُوا عَنِ النِّسَاءِ مَا اسْتَطَعْتُمْ» ومعناه اصدفوا: أعرضوا عن ذكر النساء وشغل القلب بهن وامتنعوا من المقاربة لهن لأن ذلك يفت في عضد الحمية: جعلها بمنزلة الشخص وأستعار لها العضد.

ويقدح في معاقد العزيمة ويكسر عن العدو: جعلها كالحبل المعقود المشدود.

ويلفت: يصرف عن الإبعاد في الغزو فكل من امتنع من شيء فقد عذب عنه والعاذب والعذوب الممتنع من الأكل والشرب.

وفي حديثه عليه السلام: «كَالْيَاسِرِ الْفَالِجِ يَنْتَظِرُ أَوَّلَ فَوْزَةٍ مِنْ قِدَاحِه» الياسرون هم الذين يتضاربون بالقداح على الجزور والفالج القاهر والغالب يقال فلج عليهم وفلجهم وقال الراجز: لما رأيت فالجا قد فلجا: هذا بعد كلام في وصف أهل الآخرة الذين يعملون لهاشم شبههم بالياسر الذين يلعبون بالميسر وهو قمار العرب بالأزلام وقد سبق مثله.

ص: 196

وفي حديثه عليه السلام: «كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ الله صلى الله عليه - وآله - وسلم فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَّا أَقْرَبَ إِلَی الْعَدُوِّ مِنْه» ومعنى ذلك أنه إذا عظم الخوف من العدو واشتد عضاض الحرب؛ فزع المسلمون إلى قتال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم بنفسه؛ فينزل الله عليهم النصر به، ويأمنون مما كانوا يخافونه بمكانه وقوله عليه السلام: إذا احمر البأس كناية عن اشتداد الأمر أو الحرب: أي اذا اشتد شدة الحرب أتقيناها برول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، فحذف المفعول، واتقى ويومي بمعنی يقال وقاه الله كذا أي حفظه فيوقي وأتقي.

وقد قيل في ذلك: القول أعني أحمر الناس أقوال: أحدها: أحمر لونهم، الثاني أحمر أستعمل في المعنى أشتد الاستعارة بالكناية.

شبه حمي الحرب بالنار التي تجمع الحرارة والحمرة بفعلها ولونها ومما يقوي ذلك قول رسول الله صلى الله عليه [وآله] وقد رأى مجتلد: جلد البأس يوم حنين وهي حرب هوازن: قبيلة من قيس وهو هواز بن منصور بن عكرمة بن حفص بن قيس غيلان.

الآن حمي: حر الوطيس فالوطيس مستوقد النار: فشبه التنور وقيل هو الضراب في الحرب وقيل هو الوطاء الذي يطس الناس أي يذقهم وقال الأصمعي: هو حجارة مدورة إذا حميت لم يقدر أحد بطولها ولم يسمع هذا الكلام من أحد من قبل النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم وهو من فصیح الکلام عبر به عن اشتباك الحرب وقيامها على ساق.

فشبه رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ما استحر من جلاد القوم باحتدام النار وشدة التهابها: فاستعير له الوطيس ورشح بالحمي قال رضي الله عنه:

ص: 197

انقضى هذا الفصل ورجعنا إلى سنن الغرض الأول في هذا الباب وهو ذكر المختار من كلامه عليه السلام.

وقَالَ عليه السلام: «لَمَّا بَلَغَه إِغَارَةُ أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ عَلَى الأَنْبَارِ فَخَرَجَ بِنَفْسِه مَاشِياً حَتَّى أَتَى النُّخَيْلَةَ»: بظهر الكوفة «فأَدْرَكَه النَّاسُ وقَالُوا يَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ

نَحْنُ نَكْفِيكَهُمْ فَقَالَ مَا تَكْفُونَنِي أَنْفُسَكُمْ فَكَيْفَ تَكْفُونَنِي غَيْرَكُمْ»: أي لا يجدون أنفسكم في ربعة متابعي ولا يدفعون ضررها عني فكيف يدفعون غيركم عني ثم نبههم ووبخهم علة شدة شكيمتهم وأنهم ظلموا أنفسهم بامتناع ما من قبول قوله بقوله:

«إِنْ كَانَتِ الرَّعَايَا قَبْلِي لَتَشْكُو حَيْفَ»: ظلم «رُعَاتِهَا وإِنَّنِي الْيَوْمَ لأَشْكُو حَيْفَ رَعِيَّتِي كَأَنَّنِي الْمَقُودُ وهُمُ الْقَادَةُ أَوِ الْمَوْزُوعُ»: المدفوع «وهُمُ الْوَزَعَةُ»: جمع الوازع بمعنى الدافع.

عن الحسن البصري: قال: لابد للناس من وازع يكفهم أي سلطان رمز عليه السلام إلى أنه كان يتجرع الغصص من كأس الزمان ويتحمل ما يعرض له من الجدثان ويقول رضيت بما قسم الله لي وفوضت أمري إلى خالقي.

فلما قال عليه السلام هذا القول في كلام طويل قد ذكرنا مختاره في جملة الخطب تقدم إليه رجلان من أصحابه فقال أحدهما إني لا أملك إلا نفسي وأخي فمر بأمرك يا أمير المؤمنين ننقد له فقال عليه السلام «وأَيْنَ تَقَعَانِ مِمَّا أُرِيدُ»: أي لا يحصل مرامي منکما على ضلالة؛ فأجاب عليه السلام وفيما أجاب أصاب عليه السلام(1).

ص: 198


1- ورد في بعض متون النهج: الْحَارِثَ بْنَ حَوْطٍ أَتَاه فَقَالَ أَتَرَانِي أَظُنُّ أَصْحَابَ الْجَمَلِ كَانُوا عَلَى ضَلَالَةٍ

فَقَالَ: «يَا حَارِ»: ترخیم یا حارث ويجوز یا حار بضم الراء «إِنَّكَ نَظَرْتَ تَحْتَكَ ولَمْ تَنْظُرْ فَوْقَكَ»: أي أنك على كس ما ينبغي أن يكون ذلك وتوضيح الكلام أنك كمن أرد أن ينظر إلى آثار قدرة الصانع في السماء؛ فنظر إلى الأرض فتراها مکدرة، ولا تنظر إلى السماء؛ فتراها مشرقة مزينة بزينة الكواكب الدالة على وجدود الصانع الواهب أو انك نظرت إلى من هم تحتك رتبة فتوهمت ما توهمت، ولم تنظر إلى جميع من فوقك، ولو نظرت لقلب.

واعجباه كيف ينسب الخطاء إلى أولياء المقربين، والأبرار الصالحين المطهرين من الصفات المذمومات المتحلين بمحاسن الصفات المحمودات المتخلقين بأخلاق المولى جل وعلا المشمرين في طاعة الله تعالى المتأدبين بآداب الشريعة والسنة الغراء المرتفعين عن حضيض الرخص إلى معالم عزائم ذروة العلى.

«فَحِرْتَ»: تحیرت «إِنَّكَ لَمْ تَعْرِفِ الْحَقَّ فَتَعْرِفَ»: وفي بعض النسخ «مَنْ أَتَاه ولَمْ تَعْرِفِ الْبَاطِلَ فَتَعْرِفَ مَنْ أَتَاه»: وروي بالباء.

وروي عليه السلام قال يا حار أنه الملبوس عليك أن الحق لا يعرف بالرجال وإنما الرجال يعرفون بالحق؛ فاعرف الحق تعرف أهله قلوا أم كثروا وأعرف الباطل تعرف أهله قلوا أم كثروا ثم قال: لنا ما تدعون بغير الحق إذا میز الصحاح من المراض عرفتم حقنا فجحدتموه کما عرف السواد من البياض كتاب الله شاهدنا علیکم وقاضينا الإله فنعم قاض.

فَقَالَ: «الْحَارِثُ فَإِنِّي أَعْتَزِلُ مَعَ سَعِيدِ بْنِ مَالِكٍ وعَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ»: أي أبعد منکما یعني أمير المؤمنين وطلحة والزبير وروي أن هذا كان بصفين فيكون المراد بذلك الأمير عليه السلام ومعاوية لا أكون في الحرب عليك ولا معك.

ص: 199

فَقَالَ عليه السلام: «إِنَّ سَعِيداً وعَبْدَ الله بْنَ عُمَرَ لَمْ يَنْصُرَا الْحَقَّ»: الذي كان معه «ولَمْ يَخْذُلَا الْبَاطِلَ»: الذي كان مع مخالفه.

وقَالَ عليه السلام: «صَاحِبُ السُّلْطَانِ كَرَاكِبِ الأَسَدِ يُغْبَطُ»: يحسد «بِمَوْقِعِه وهُوَ أَعْلَمُ بِمَوْضِعِه»: فيه تبين وجه الشبهة وأحد طرفي التشبيه محسوس والآخر متخيل، والمقصود أن العوام ينضرون إلى الحال؛ فيحسدونه، وهو يرى المال فلا یرید وقد يذهب زمام الاختيار من يده وذلك لصعوبة رعاية شرائطها شعر:

إذا صحت الملوك فالبس من التوقي أجل ملبس

وأدخل إذا دخلت أعمى وأخرج إذا ما خرجت أخرس

وقَالَ: «أَحْسِنُوا فِي عَقِبِ غَيْرِكُمْ»: ولده وولد ولده «تُحْفَظُوا فِي ولدكم»(1).

وقَالَ عليه السلام: «إِنَّ كَلَامَ الْحُكَمَاءِ إِذَا كَانَ صَوَاباً كَانَ دَوَاءً وإِذَا كَانَ خَطَأً كَانَ دَاءً»: يحتمل وجوهاً ثلاثة أحدها قول الأطباء إذا كان صواباً كان العمل به دواء مزيلاً لمرض المريض، وأن كان لا فيصير سبباً لزيادة المرض ثانيها أن العلماء إذا قالوا للسائل من أمر الدين صواباً كان ذلك دواء الداء جهله وأن لا؛ فيزيد جهله ثالثها أن من يريد أن يرى غيره سبيل الوصول لو قال له صواباً كان دواء لرمد عينه القلبي، وإلا فيقوى الغطاء، وقليل ما هم وهم قوم أختارهم من قبل فطرة خلقهم لودائع ولحكمة وبيان.

«وسَأَلَه رَجُلٌ أَنْ يُعَرِّفَه الإِيمَانَ فَقَالَ إِذَا كَانَ الْغَدُ فَأْتِنِي حَتَّى أُخْبِرَكَ عَلَى أَسْمَاعِ

ص: 200


1- ورد في بعض متون النهج: عَقِبِكُمْ

النَّاسِ»: تنبيه على أنه أمر مهتم به «فَإِنْ نَسِيتَ مَقَالَتِي حَفِظَهَا غَیْرُكَ فَإِنَّ الْكَلَامَ

كَالشَّارِدَةِ»: كالناقة المتفرقة وهي الضالة «يَنْقُفُهَا»: بحدها ويضفر بها.

«هَذَا ويُخْطِئُهَا هَذَا»: هذان کنایتان عن شخصين.

كذلك الكلام وقد ذكرنا ما أجابه به عليه السلام فيما تقدم من هذا الباب وهو قوله: «الإيمان على أربع شعب»: على الصبر واليقين والعدل والجهاد وقد استوفيت الكلام في ذلك.

وقَالَ: «يَا ابْنَ آدَمَ لَا تَحْمِلْ هَمَّ يَوْمِكَ الَّذِي لَمْ يَأْتِكَ عَلَى يَوْمِكَ الَّذِي قَدْ أَتَاكَ فَإِنَّه إِنْ يَكُ مِنْ عُمُرِكَ يَأْتِ الله فِيه بِرِزْقِكَ»: وذلك من الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس يعني أن يكون على طريقة أهل البيت عليهم السلام وهم سموهم بالله قد علقت فما لهم هم يسموا إلى أحد فمطلب القوم مولاهم وسيدهم بأحسن مطلبهم للواحد الصمد.

وقَالَ: «أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْناً مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْماً مَا وأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْناً مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْماً مَا»: هو تاماً أي على رسلك والهون السكينة والوقار وهو نصب على الحال، وما صلة زائدة تفيد إيهاماً ما في الكلام يعني لا ينبغي أن يفرط في المحبة، والعداوة بل الوسط؛ فتأمل وأنت خبير بأن المراد مودة من هو من جنسه الموجود معه؛ فلا تندرج في هذا الحكم الله ورسوله، والأئمة السالفة وحبذا نعم ما قيل:

حبك لي في القفار شرد بي ٭٭٭ آه من الحب أم خوف الفراق أزعجني

أه من الخوف نسبة حالي ٭٭٭ يناحر غرقاً نجا من التحريم بآه

ص: 201

وقَالَ عليه السلام: «النَّاسُ فِي الدُّنْيَا عَامِلَانِ عَامِلٌ عَمِلَ فِي الدُّنْيَا لِلدُّنْيَا قَدْ شَغَلَتْه دُنْيَاه عَنْ آخِرَتِه يَخْشَى عَلَى مَنْ يَخْلُفُه الْفَقْرَ وييَأْمَنُه عَلَى نَفْسِه فَيُفْنِي عُمُرَه فِي مَنْفَعَةِ غَیْرِه»: روی بجعله مع الضمير العائد على من وإذا حذف فللتخفيف يعني أنه يخاف على مخلفيه من الأهل والولد أن يفتقر وأبعده ولهم كثيراً من المال على نفسه فقرة في آخرته فلا يقدم زاداً ولا يجمع تحصيله لآخرته.

«وعَامِلٌ عَمِلَ فِي الدُّنْيَا لِمَا بَعْدَهَا فَجَاءَه الَّذِي لَه مِنَ الدُّنْيَا بِغَیْرِ عَمَلٍ»: کما قسمة القدرة الإلهية في الأزل وجرى عليه القلم قال عليه السلام:

دع الحرص على الدنيا وفي دنياك لا تطمع ٭٭٭ فان الرزق مقسوم وكذا المرء لا يقنع

«فَأَحْرَزَ الْحَظَّیْنِ مَعاً ومَلَكَ الدَّارَيْنِ جَمِيعاً فَأَصْبَحَ وَجِيهاً»: ذا جاه «عِنْدَ الله لَا يَسْأَلُ الله حَاجَةً فَيَمْنَعُه»: مفعول يسأل، وحاجة تميزاً وهو مفعول وهو بدل وفي الخبر أن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره ولا يسكن مكاناً فيه حار ولا نعيم في الدنيا ولرزق ويكره أن يكون له عقار يقول ودمعته في الخد جاريه إلهي أن قلبي مستطار.

«ورُوِيَ أَنَّه ذُكِرَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي أَيَّامِه حَلْيُ الْكَعْبَةِ»: ما التي تزينت بها.

«وكَثْرَتُه فَقَالَ قَوْمٌ لَوْ أَخَذْتَه فَجَهَّزْتَ بِه جُيُوشَ الْمُسْلِمِينَ كَانَ أَعْظَمَ لِلأَجْرِ ومَا تَصْنَعُ الْكَعْبَةُ بِالْحِلْي»: جمع الحلي کيدي ويدي قال عز شأنه «مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ» «فَهَمَّ عُمَرُ بِذَلِكَ وسَأَلَ عَنْه أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَقَالَ إِنَّ هَذَا

ص: 202

الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه - وآله - وسلم والأَمْوَالُ أَرْبَعَةٌ أَمْوَالُ الْمُسْلِمِينَ فَقَسَّمَهَا بَیْنَ الْوَرَثَةِ فِي الْفَرَائِضِ»: کما بين في قوله جل سلطانه «يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ٭ وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ» الآيتین(1)«والْفَيْءُ»: ما ينل من الكفار بعد ما تضع الحرب أوزارها قسمة على مستحقيه.

«فَقَسَّمَه عَلَى مُسْتَحِقِّيه»: قيل للنبي صلى الله عليه [وآله] وسلم كان في الفيء أربعة أخماس وخمس الخمس الباقي فكان له أحد وعشرون سهماً من خمسة وعشرين والأربعة الباقية لذوي القربى واليتامى والمساكين وأبن السبيل.

«والْخُمُسُ فَوَضَعَه الله حَيْثُ وَضَعَه»: وكان فيئاً خاصاً لرسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يضعه حيث أراه الله تعالى من حاجته وثوابته.

ص: 203


1- سورة النساء: الآية 11 - 12

«والصَّدَقَاتُ فَجَعَلَهَا الله حَيْثُ جَعَلَهَا»: وذلك الأصناف الثمانية الفقراء والمساكين والعاملون عليها، والمؤلفة قلوبهم، وفي الرقاب، والغارمون وفي سبيل الله وأبن السبيل.

«وكَانَ حَلْيُ الْكَعْبَةِ فِيهَا يَوْمَئِذٍ فَتَرَكَه الله عَلَی حَالِه ولَمْ يَتْرُكْه»: حلي الكعبة.

«نِسْيَاناً»: إذ ساحة علمه المحيط بكل شيء منزه عن غبار النسيان.

«ولَمْ يَخْفَ عَلَيْه مَكَاناً»: تميز أي لم يخف حليها على الله وروي لم يخف عنه أي لم

يستر الله عن محمد مكاناً منه والأول أصح.

«فَأَقِرَّه حَيْثُ أَقَرَّه الله ورَسُولُه»: وقد أومأ إلى رد قول من قال لعمر ما تصنع الكعبة بالحلي، وتوضيح الكلام أن يقال قد مست الحاجة الرسول زمن الرسول إلى إصلاح حال الجيوش، ومع ذلك لم يأمر الله عز وجل بتعرية الكعبة عن الحلي ولم يفعل الرسول؛ فلو كان الأولى ما ظن المشكك لفعل لكن لم يفعل فيعلم أن ما ظنه وهم، وليس بصواب بل بتعظيم الكعبة في الحقيقة تعظيم رب الأرباب لأن توفير الدار توقیرها صاحبها ومن ثم ينعقد النذر فيه فلو نذر أن يستر ویزین صح ولزم «فَقَالَ لَه عُمَرُ»: حين يحلى له الصواب له عليه السلام.

«لَوْلَاكَ لَافْتَضَحْنَا»: بخالفة أمر الله ورسوله «وتَرَكَ الْحَلْيَ بِحَالِه رُوِيَ أَنَّه رُفِعَ إِلَيْه رَجُلَانِ سَرَقَا مِنْ مَالِ الله أَحَدُهُمَا عَبْدٌ مِنْ مَالِ الله والآخَرُ مِنْ عُرُوضِ النَّاسِ

فَقَالَ أَمَّا هَذَا فَهُوَ مِنْ مَالِ الله ولَا حَدَّ عَلَيْه مَالُ الله أَكَلَ بَعْضُه بَعْضاً وأَمَّا الآخَرُ فَعَلَيْه الْحَدُّ وَقَطَعَ يَدَه»: مدلول العابرة أن عبداً من الغنيمة سرق شيئاً من مال الغنيمة؛ فلم يقطع، وقطع يد الآخر الذي هو من عرض الناس أي من العامة، وإنما قطعة لأنه سرق نصاباً من الغنيمة من حرز ولم يكن له نصيب فيها؛ فأن

ص: 204

كان له نصيب في الغنيمة فالحكم أن ينظر في المسروق فان كان وفق نصيبة فلا قطع عليه، وان كان أكثر من حقه وكان الزيادة دون النصاب أو كمثل؛ فأن كان ربع دینار؛ فصاعداً أو ما قيمته قيمة علمية فعليه القطع واله أعلم.

وقَالَ: «لَوْ قَدِ اسْتَوَتْ قَدَمَايَ مِنْ هَذِه الْمَدَاحِضِ لَغَیَّرْتُ أَشْيَاءَ»: ومن المعلوم أن المداحض جمع هو الموضع الذي يزلق به، ولم يقل لو ثبت قدماي لأنه عليه السلام كان ثابت القدم، وأن لم تستو حالها للمداحض التي أخذتها المبتدعون.

وقَالَ: «اعْلَمُوا عِلْماً يَقِيناً أَنَّ الله لَمْ يَجْعَلْ لِلْعَبْدِ وإِنْ عَظُمَتْ حِيلَتُه واشْتَدَّتْ طَلِبَتُه وقَوِيَتْ مَكِيدَتُه أَكْثَرَ مِمَّا سُمِّيَ لَه فِي الذِّكْرِ الْحَكِيمِ ولَمْ يَحُلْ بَیْنَ الْعَبْدِ فِي ضَعْفِه وقِلَّةِ حِيلَتِه وبَیْنَ أَنْ يَبْلُغَ مَا سُمِّيَ لَه فِي الذِّكْرِ الْحَكِيمِ والْعَارِفُ لِهَذَا الْعَامِلُ بِه أَعْظَمُ النَّاسِ رَاحَةً فِي مَنْفَعَةٍ والتَّارِكُ لَه الشَّاكُّ فِيه أَعْظَمُ النَّاسِ شُغُلًا فِي مَضَرَّةٍ»: أي ولم الله بين العبد، وبلوغه ما قدر له في الذكر الحكيم أي اللوح المحفوظ وإطلاق الذكر مجازا من حذف المضاف، وأقامه المضار وإليه مقامه والمعنى ينفقوا أن القوي المختال لا يزاد عمره ورزقه على ما سماه الله له في اللوح المحفوظ بقوته، واحتياله، ولا ينقص الضعيف، والعاجز مما سماه الله فيه منهما لضعفه، وعجزه، ومن عرف ذلك، وعمل به فقد استراح قلبه وبدنه وإنما ينتفع بما يخصه، ومن ترك معرفة ذلك أوشك فيه فهو مشغول القلب، والبدن مستضر، ولا ينافي بينه ما روي عنهم عليهم السلام من أن العبد يزاد في عمره ورزقه؛ إذا ألح في الدعاء وزاد في الطاعات، وأجتنب عن المعاصي لأنه يتغير ألطافه، ومصالحه بذلك إلا یری؛ أنه تعالى أمرنا بأن نقول اللهم امدد لنا في أعمارنا، وأوسع لنا في أرزاقا، وإذا ارتكبت الفواحش، وغير طريقته الحسنة ينقص الله رزقه وعمره «إِنَّ اللَّهَ

ص: 205

لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ»(1)والله تعالى علام الغيوب يكتب في اللوح أشياء مشروطه وأشياء مطلقة؛ فما كان على الإطلاق ختم لا يغير، وما كان مشروطاً يجوز أن يكون مثبتاً في اللوح أن فلاناً أن وصل رحمه مثلاً يعيش سنة، وأن قطع رحمه؛ فثلاث سنين، وإنما يكون ذلك بحصول الشرط، وقد قال تعالى «يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ»(2)حذا الأغنياء بأن قال كم غنی بوجد على العزة لغناه وطيب قلوب الفقراء بأن الابتلاء ربما يكون من أعظم النعماء لهم وذلك لقوله:

«ورُبَّ مُنْعَمٍ عَلَيْه مُسْتَدْرَجٌ بِالنُّعْمَى ورُبَّ مُبْتَلًى مَصْنُوعٌ لَه بِالْبَلْوَى»: من قولهم صنع الله معروفاً وكأني بك تقول فما تقول مع هذا الكلام فيما روي عنه عليه السلام أنه قال بلوت أمور الناس عشرين حجة وجربت صرف الزمان في العسر واليسر فلم أر بعد الدنين خيراً من الغنى ولم أر بعد الكفر أشد من الفقر فيه؛ فأن تصريح بأن الفقر قريب من الكفر وفي ذلك جعله نعمة من الله فأقول نظر عليه السلام في هذا إلى حال الشخص بالقياس إلى الناس والأمور الدنيوية، وفي ذاك بالقياس إلى نفسه والجهات الآخروية فتدبر.

«فَزِدْ أَيُّهَا الْمُسْتَنْفِعُ»: أي المصغي «فِي شُكْرِكَ وقَصِّرْ مِنْ عَجَلَتِكَ وقِفْ عِنْدَ مُنْتَهَى رِزْقِكَ»: ثم خاطب الجماعة بعج أن خصص واحداً منهم بقوله:

وقَالَ عليه السلام: «لَا تَجْعَلُوا عِلْمَكُمْ جَهْلًا ويَقِينَكُمْ شَكَّاً»: أي إذا علمتم شيئاً فلا ينبغي أن لا يكون له أثر في دفعكم عما له أثر في دفعكم عما لا يعنيكم فيكون قد جعلتم العلم بمنزلة الجهل بأن لا يكون لكم لطف في علم.

ص: 206


1- سورة الرعد الآية 11
2- سورة الرعد الآية 39

«إِذَا عَلِمْتُمْ فَاعْمَلُوا وإِذَا تَيَقَّنْتُمْ»: أن زمان الأحكام والنقض والإبرام في يد الملك العلام «فَأَقْدِمُوا»: في دائرة طاعته ولا يجاروا عما أمركم به أو نهاكم عنه.

وقَالَ عليه السلام: «إِنَّ الطَّمَعَ مُورِدٌ»: أي مورد لطامع في باب الذي طمع فيه.

«غَيْرُ مُصْدِرٍ»: أي لا يصير سبباً للإصدار ما أراده به منه.

«وضَامِنٌ غَیْرُ وَفِيٍّ»: من باب التشبيه البليغ أي كالضامن بصفة عدم الوفاء وما به يبعث الشخص إلى المسألة ولا يحصل مرامه.

«ورُبَّمَا شَرِقَ شَارِبُ الْمَاءِ قَبْلَ رِيِّه»: شرق بالماء غص به ذلك بحسب القضاء السابق والتقدير الإلهي «فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ»(1)وهنا كناية عن أنه لا يجب أن يفوز الطالب بتمام المطلوب والطامع بما طمع فيه بل فيما تخلف عنه المرام ويصير سبباً لتضييع الأنام.

كم ساع ليثرى لم ينله ٭٭٭ وآخرى ما سعى لحق الثراء

وساع يجمع الأموال جمعاً ٭٭٭ ليورثها أعاديه الشقاء

«وكُلَّمَا عَظُمَ قَدْرُ الشَّيْءِ الْمُتَنَافَسِ فِيه عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ لِفَقْدِه»: وذلك لشدة المحبة.

«والأَمَانِيُّ تُعْمِي أَعْیُنَ الْبَصَائِرِ»: حتى لا يرى عواقب الأمور وهي أنما يحصل لقصور العقل فأن كما له فطام النفس عن الشهوات ونزع القلب عن الأماني والشبهات وخلو السير عن النظر إلى الخلق والرجوع بالكلية إلى الحق.

ص: 207


1- سورة الأعراف: الآية 34

«والْحَظُّ يَأْتِي مَنْ لَا يَأْتِيه»: حتى لا يرى عواقب الأمور وهي أنما يحصل لقصور العقل فأن كماله فطام النفس عن الشهوات وخلو السير عن النظر إلى الخلق والرجوع بالكلية إلى الحق.

وقَالَ عليه السلام: «اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ تُحَسِّنَ فِي لَامِعَةِ الْعُيُونِ عَلَانِيَتِي»: من إضافة الصفة إلى المصوف أي عند العيون اللامع لمع البرق أضاء ويفتح فيما أضن لك سريرتي محافظاً على رياء الناس من نفسي بجميع ما أنت مطلع عليه.

(1)«مِنِّي فَأُبْدِيَ لِلنَّاسِ حُسْنَ ظَاهِرِي وأُفْضَيِ إِلَيْكَ بِسُوءِ عَمَليِ تَقَرُّباً إِلیَ عِبَادِكَ وتَبَاعُداً مِنْ مَرْضَاتِكَ»: حال أي متقرباً وتباعداً من مرضاتك فيه بقبيح الرياء وتثبيته المرائين عن سني الغفلة وإشارة إلى تحسين الإخلاص ولما كان ذلك صعباً لاذ منها بالله سبحانه، وفي الرياء أخبار كثيرة من أطعم طعاماً ریاء وسمعة اطعمه الله من صديد جهنم.

اللهم أني أعوذ بك من حب الحزن قيل وما الحزن یا رسول الله؟ قال: واد في قعر جهنم يتعوذ منه جهنم كل يوم أربعمائة مرة اعد الله تعالى للفقراء المرائيين اللهم طهر قلبي من النفاق وعملي من الرياء ولساني من الكذب وعيني من الخيانة فانك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

«لَا والَّذِي أَمْسَيْنَا مِنْه فِي غُبْرِ لَيْلَةٍ دَهْمَاءَ تَكْشِرُ عَنْ يَوْمٍ أَغَرَّ مَا كَانَ كَذَا وكَذَا»: غير الليل بقياه دهماء سوداء، الكسر: التبسم وتبدوا مع الكسر الأسنان،

ص: 208


1- ورد في بعض متون النجف: وتُقَبِّحَ فِيمَا أُبْطِنُ لَكَ سِرَيرَتيِ مُحَافِظاً عَلىَ رِثَاءِ النَّاسِ مِنْ نَفْسِيِ بِجَمِيعِ مَا أَنْتَ مُطَّلِعٌ عَلَيْه

وحالة ظهور الصح من الليل شبهة بحالة ظهور الأسنان من الفم؛ فلهذا استعار ورشح، وهذا من أحسن الإيمان وكذا وكذا كناية عما نسبه إليه الغاوون من حب الخلافة، والمال وغيرهما مما دل وهذه الحقيقي يرى عنه.

وقَالَ علية السلام: «قَلِيلٌ تَدُومُ عَلَيْه أَرْجَى مِنْ كَثِیرٍ مَمْلُولٍ مِنْه»: أي أكثر رجاء لأن يترتب عليه الجزاء، وذلك الجزاء وذلك لأن صاحبه ينشط ويرعی ما لابد من بخلاف عکسه؛ فأن العامل كثيراً أما يهمل ما يحتاج إليه في صحته وكونه نافعاً.

وقَالَ عليه السلام: «إِذَا أَضَرَّتِ النَّوَافِلُ بِالْفَرَائِضِ فَارْفُضُوهَا»: يعني أن الشخص ربما يتقدم بالنوافل، ويمل من ذلك سيئاً لترك الفرائض أو بعض الفرائض مطلقاً وليس يحقق أن یکون بل ينبغي لمن يصير حاله كذلك ترك النوافل قدر ما يحل بالفرائض.

وقَالَ عليه السلام: «مَنْ تَذَكَّرَ بُعْدَ السَّفَرِ اسْتَعَدَّ»: أي من تذكر بعد سفر الآخرة وشدائده وأهواله استعد لذلك بالأعمال الرضية والخصال المرضية.

وقَالَ عليه السلام: «لَيْسَتِ الرَّوِيَّةُ كَالْمُعَايَنَةِ مَعَ الإِبْصَارِ فَقَدْ تَكْذِبُ الْعُيُونُ أَهْلَهَا»: أهلها أي لا يحصل الاطلاع على أحوال المرئي بمجرد رؤيته وأبصار بل ربما يكون حسن الصورة قبيح الفعال وربما يكون قبيح الصورة سيء الأعمال بل يتحصل بالبحث والمصاحبة وغير ذلك «ولَا يَغُشُّ الْعَقْلُ مَنِ اسْتَنْصَحَه»: وروي من أنصحه أي لا يكون من طلب منه النصيحة ومصداق ذلك ما روي عنه عليه السلام؛ أنه قال: قال: لي رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم «إذا تقرب الناس إلى خالقهم بأنواع البر فتقرب إلى الله بأنواع العقل تسبقهم الدرجات والزلف عند

ص: 209

الناس في الدنيا وعند الله في الآخرة»(1)وذلك لأن العقل الخالص لا يخطئ.

وقَالَ عليه السلام: «بَيْنَكُمْ وبَیْنَ الْمَوْعِظَةِ حِجَابٌ مِنَ الْغِرَّةِ»: الغفلة ولو لم يكن لصار مال الحال نصب عين لكل واحد فلم يشتغل بما لا ينفعه.

وقَالَ عليه السلام: «جَاهِلُكُمْ مُزْدَادٌ وعَالِمُكُمْ مُسَوِّفٌ»: أي يريد الزيادة ويزداد من الدنيا ويسوف توبته.

وقَالَ عليه السلام: «قَطَعَ الْعِلْمُ عُذْرَ الْمُتَعَلِّلِنَ»: أي أرباب التعلل العالمين بما يتعللون فيه لا عذر لهم بخلاف الجاهل والناسي.

وقَالَ عليه السلام: «كُلُّ مُعَاجَلٍ يَسْأَلُ الإِنْظَارَ وكُلُّ مُؤَجَّلٍ يَتَعَلَّلُ بِالتَّسْوِيفِ»: قول سوف وعاجله بذنبه أخذه ولم يهمله أي كل معاجل يسل أنظار الرحمة ويتجرعه وكل مهمل يتعلل في العبادات وأفعال الخير قال عز من قائل «خُلِقَ هَلُوعًا ٭ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ٭ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا»(2).

وقَالَ عليه السلام: «مَا قَالَ النَّاسُ لِشَيْءٍ طُوبَى لَه إِلَّا وقَدْ خَبَأَ»: ستر لَه «الدَّهْرُ يَوْمَ سَوْءٍ»: قد مر غير مرة مثل هذا الكلام.

«وسُئِلَ عَنِ الْقَدَر فَقَالَ طَرِيقٌ مُظْلِمٌ فَلَا تَسْلُكُوه وبَحْرٌ عَمِيقٌ فَلَا تَلِجُوه وسِرُّ الله فَلَا تَتَكَلَّفُوه»: معنى القدرة هاهنا ما لا نهاية له من معلومات الله فأنه لا طريق لنا إليه ولا إلى مقدوراته، وقيل هو ما يكون مكتوباً في اللوح المحفوظ وما دللنا على تفصيله وليس لنا بتكلفه.

ص: 210


1- لم أعثر على مصدر للحديث سوى ما أورده المتقي الهندي في كنز العمال ولم يرجع الحديث إلى مضانه ولعله مرسل
2- سورة المعارج: الآية 19 - 21

ويقال اللوح المحفوظ القدر والكتاب، القدر كان كل شيء قدره الله كتبه وسئل أبن عباس عن القدر فقال: هو تقدير الأشياء كلها أول مرة؛ ثم قضاها وفصلها وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال: الناس في القدر على ثلاث منازل من جعل للعبادة الأمر مشيئته فيه فقد صادر الله ومن أضاف إلى الله تعالى شيئاً هو منزه عنه؛ فقد افترى على الله كذباً، ورجل قال أن رحمت بفضل الله، وان عذبت فبعدل الله؛ فذلك الذي أسلم له دينه ودنياه وقد استوفي جملة الكلام في القدر برفيق توفيق خالق القدرة.

هذا وقد قيل هذه المناهي الثلاث لمن سأله عن القدر ليس على الشياع على وجه؛ فعلى الأول كأنه عليه السلام نهی عن ذلك المخاطب عن سلوك طريق معرفة قضاء الله وقدره ونهی کل من يكون في منزله ذلك السائل أن يتكلم في ذلك فأما أهل العلم والمحققون فلا، وعلى تقدير ونهي المجادلة والمخاصمة والنزاع وأنهم إذا وجدوا حكماً من أحكامه تعالى لا يقطعون على أنه لهذا الوجه وذلك الحكم لهذا الوجه ولا يطلبون علم جميع ذلك على سبيل بل يقتصرون على العلم به جملة بأن جميع قضاء الله وقدره حق وصواب وحكمه.

وقَالَ: «إِذَا أَرْذَلَ الله عَبْداً حَظَرَ عَلَيْه الْعِلْمَ»: أرذل الله العبد واستزله وجده رذلاً وهو الخسيس الدني، ونحوه قول النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم «ما أسترذل الله عبداً إلا خطر عليه العلم والأدب»(1)وفيه دليل على الجهالة من الرذالة ولا شرف لمن لا علم له.

ص: 211


1- الكامل لعبد الله عجي الجرجاني: ج 2 ص 339؛ مسند الشهاب لمحمد بن سلامة القظاعي ج 2 ص 17؛ أسد الغابة لأبن اثیر، ج 1 ص 199؛ میزان اعتدال للذهبي: ج 1 ص 151

وقَالَ عليه السلام: «كَانَ لِي فِيمَا مَضَى أَخٌ فِي الله»: قيل أراد عثمان بن مظعون وقيل عنى به أبا ذر الغفاري «وكَانَ يُعْظِمُه فِي عَيْنِي صِغَرُ الدُّنْيَا فِي عَيْنِه وكَانَ خَارِجاً مِنْ سُلْطَانِ بَطْنِه»: أي كنت أستعظم هذا الصديق لاستصغاره الدنيا ولم يكن لبطنه ملكة عليه وذكر لهذا علامتين فقال: «فَلَا يَشْتَهِي مَا لَا يَجِدُ ولَا يُكْثِرُ إِذَا وَجَدَ»: من نعم الدنيا وذلك لأن الدرجة العليا والعروة الوثقى والغاية القصوى من ترك الدنيا وقطع المألوفات والمستحسنات.

وكَانَ أَكْثَرَ دَهْرِه صَامِتاً فَإِنْ قَالَ بَذَّ الْقَائِلِینَ»: أي كان يكثر السكوت إلا عن الخير ولو قال غلب القائلين.

«ونَقَعَ غَلِيلَ السَّائِلِينَ»: نفع الماء العطش سکنه والعليل والغلة العطش وأنت خبير مما تقدم غير مرة، أن هنا استعارة عن أنه إذا سأل سائل عن علم أو مشکل فيه يبين الجواب ولا يدله الصواب.

«وكَانَ ضَعِيفاً مُسْتَضْعَفاً»: يعني كان يكثر الصيام والقيام حتى صار ضعیفاً في بدنه، ولم يكن يتغلب على المؤمنين حتى عدوه ضعيفاً يقال استضعفه أي عده ووجده ضعيفاً لتواضعه، وأن كان قوياً، أبن السكيت قال: الضعف كثرة القتال.

«فَإِنْ جَاءَ الْجِدُّ فَهُوَ لَيْثُ غَابٍ وصِلُّ وَادٍ»: يعني أن كان وقت المحاربة مع أعداء الدين فهو على قوة الأسد، وهيئة الأفعى، وهذا مقتبس من الأثنين التين نزلا فيه وفي الأئمة من أولاده عليهم السلام أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين رحماء بينهم والليث الأسد الوثاب ووصفه بالعادي لأنه إذا عدا كان جائعاً فصولته أشد روي عاد بالعين غير المعجمة أسم فاعل من العدوان وهو اشد الظلم، وتجاوز الحد والتعدي، ويقال للرجل إذا کان دهناً منكراً أنه أصل

ص: 212

اصلاله أي حية من الحيات، وأصل الصل الحية التي لا ينتفع منها الرقية؛ ثم شبه الشجاع المهيب به، وإذا أضيف إلى الصفا فيقال صل صفا، وصل إذا كان أخبث مثل الأفعى المنكرة، والجد الحقيقة، وهو ضد الهزل، والاجتهاد في الأمر أيضاً وشبهه بهما لكونه غالباً على العدو مرة باللسان وأخرى بالسان.

«لَا يُدْلِي بِحُجَّةٍ حَتَّى يَأْتِيَ قَاضِياً»: أدلى الحجة أحتج بها إذا قبل المجيء لدى القاضي الاحتجاج بالحجة لغو.

«وكَانَ لَا يَلُومُ أَحَداً عَلَى مَا يَجِدُ الْعُذْرَ فِي مِثْلِه حَتَّى يَسْمَعَ اعْتِذَارَه»: أي كان من عادته الحسنة أن لا يسرع بملامة.

«وكَانَ لَا يَشْكُو وَجَعاً إِلَّا عِنْدَ بُرْئِه»: لأن الشكاية عن الوجع أو أنه شكاية من الله سبحانه وهذا أليس من دأب العاقلين سيما العالمين العاملين وما عند الصحة ففيها نوع من الشكر.

«وكَانَ يَقُولُ مَا يَفْعَلُ ولَا يَقُولُ مَا لَا يَفْعَلُ»: عملاً بقوله: جل قوله «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ٭ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ»(1).

«وكَانَ إِذَا غُلِبَ عَلَى الْكَلَامِ لَمْ يُغْلَبْ عَلَى السُّكُوتِ»: أراد أنه كان يراعي المقام وبحسب ذلك يتلكم بالكلام.

«وكَانَ عَلَى مَا يَسْمَعُ أَحْرَصَ مِنْه عَلَى أَنْ يَتَكَلَّمَ»: لأن في سماع ما لم يسمع مزید علم.

ص: 213


1- سورة الصف: الآية 2 - 3

«وكَانَ إِذَا بَدَهَه»: فجیئة «أَمْرَانِ يَنْظُرُ أَيُّهُمَا أَقْرَبُ إِلَی الْهَوَى فَيُخَالِفُه»: هذه الجملة الأسمية مفعول نظروا لا ينصب أیهما لأن ما قبل الاستفهام لا يعمل في لفظه لأن للاستفهام صدر الكلام.

«فَعَلَيْكُمْ بِهَذِه الْخَلَائِقِ فَالْزَمُوهَا وتَنَافَسُوا»: أرغبوا فيها «فِيهَا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِيعُوهَا فَاعْلَمُوا أَنَّ أَخْذَ الْقَلِيلِ خَیْرٌ مِنْ تَرْكِ الْكَثِیرِ»: فأن لم تجدوا الاستطاعة عليها وهي القوة يعني أن لم تقدروا على التخلق بجميع هذه الأخلاق الحميدة فيعودوا ببعضها.

وقَالَ عليه السلام: «لَوْ لَمْ يَتَوَعَّدِ الله عَلَى مَعْصِيَتِه لَكَانَ يَجِبُ أَلَّا يُعْصَى شُكْراً لِنِعَمِه»: معناه أن النعم توجب الشكر، ويعظم حق مواليها سو أعقب الشكر في المستأنف زيادة؛ أو لا، وإذا كان هذا حكماً لازماً فمن حقه أن يتبع النعم، ولا يضاع؛ فلذلك علينا شكر المنعم، وتعظيمه حقاً لسالف إحسانه وأن أمن من الضر من جهته عند التقصير، وأنساً من أفضاله في المستقبل كذلك حق الله إلا أن المشقة في الشكر توجب الثواب في المستقبل ولو لا المشقة لكان حكمه ما ذكرناه، وقيل لو لم يتناول الدواء لأجل زوال المرض لو وجب أن يتناول الحفظ الصحة وملخص الكلام ومحصله أن هنا أمران يوجب الشكر على المنعم عليه.

وقَالَ عليه السلام: «وقَدْ عَزَّى الأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ عَنِ ابْنٍ لَه يَا أَشْعَثُ إِنْ تَحْزَنْ عَلَى ابْنِكَ فَقَدِ اسْتَحَقَّتْ مِنْكَ ذَلِكَ الرَّحِمُ»: قال: قوم يبقى بنوعه ويعني يبقى نوع الإنسان نسبة بالتوالد والتناسل وما قدر الله لإنسان واحد بقاء من أبتدأ إلى انتهائها؛ فالوالد يتصور بقاؤه من بقاء ولده وبقاؤه محبوب فبقاء ولده الذي هو بقاء النوع أيضاً محبوب؛ فالوالد يجزع على ولده أكثر مما يجزع عل غيره لأنه على فوات بقاء شخصه لأنه فيأخره منه لأنه ببقاء الولد يبقى نوع الإنسان.

ص: 214

«وإِنْ تَصْبِرْ فَفِي الله مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ خَلَفٌ»: عوض ولمزيد الاهتمام بالصبر أعاد وكرر فقال: نوع الإنسان.

«يَا أَشْعَثُ إِنْ صَبَرْتَ جَرَى عَلَيْكَ الْقَدَرُ وأَنْتَ مَأْجُورٌ»: معطي الأجر والثواب على الصبر عند المصيبة يقال آجره الله بما جرى أي أثابه والأجر الثواب.

«وإِنْ جَزِعْتَ جَرَى عَلَيْكَ الْقَدَرُ وأَنْتَ مَأْزُورٌ»: الوزر الإثم والتنقل فهو مأزور أي عوقب وقوماً زورا اصله موزور فهم للازدواج بينه وبين مأجور:

«يَا أَشْعَثُ ابْنُكَ سَرَّكَ وهُوَ بَلَاءٌ وفِتْنَةٌ وحَزَنَكَ»: حین موته «وهُوَ ثَوَابٌ ورَحْمَةٌ»: «إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ»(1)وقَالَ عليه السلام: «عَلىَ قَبْرِ رَسُولِ الله سَاعَةَ دَفْنِه إِنَّ الصَّبْرَ لَجَمِيلٌ إِلَّا عَنْكَ وإِنَّ الْجَزَعَ لَقَبِيحٌ إِلَّا عَلَيْكَ وإِنَّ الْمُصَابَ بِكَ لَجَلِيلٌ وإِنَّه قَبْلَكَ وبَعْدَكَ لَجَلَلٌ»: الجلل العزاء العظيم وهنا ليس المراد أيضاً الهين، ومعنى ما قال عند دفن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم أن المصاب بك قبلك؛ أي قبل موتك جلل من جنب کنا بحدره، وبعدك جلل الاختلال الأحوال، ونزول الأهوال بموتك وإنما بحسن الجزع یموت رسول الله لأنه ثلمة في دين الله وما أحسن الجزع على انثلام الدين.

«وقَالَ عليه السلَام»: «لا تَصْحَبِ الْمَائِقَ»: الأحمق والموت حمق في غباوة.

«فَإِنَّه يُزَيِّنُ لَكَ فِعْلَه ويَوَدُّ»: يتمنى «أَنْ تَكُونَ مِثْلَه».

وقال عليه السلام: «وقَدْ سُئِلَ عَنْ مَسَافَةِ مَا بَیْنَ الْمَشْرِقِ والْمَغْرِبِ فَقَالَ مَسِیرَةُ يَوْمٍ لِلشَّمْسِ»: یعنی معلوم بهذا الوجه وأما كمية طولها وعرضها وأنه بكم يوم

ص: 215


1- سورة الزمر الآية 10

تقطع وذراعها فهي معلومة لله.

وقَالَ عليه السلام: «أَصْدِقَاؤُكَ ثَلَاثَةٌ وأَعْدَاؤُكَ ثَلَاثَةٌ فَأَصْدِقَاؤُكَ صَدِيقُكَ وصَدِيقُ صَدِيقِكَ وعَدُوُّ عَدُوِّكَ، وأَعْدَاؤُكَ عَدُوُّكَ وعَدُوُّ صَدِيقِكَ وصَدِيقُ عَدُوِّكَ»: وذلك لأن الصداقة والعداوة لا يجتمعان في محل وتسري الصداقة من محب المحب إلى المحبوب. وقَالَ عليه السلام: «لِرَجُلٍ رَآه يَسْعَى عَلَى عَدُوٍّ لَه بِمَا فِيه إِضْرَارٌ بِنَفْسِه إِنَّمَا أَنْتَ كَالطَّاعِنِ نَفْسَه لِيَقْتُلَ رِدْفَه»: ووجه التشبيه جعل كل منهما في نفسه معرض التلف لقتل شخص آخر والردف المرتدف وهو الذي يركب خلف الراكب، وكل شيء تبع شيئاً فهو ردفه.

وقَالَ عليه السلام: «مَا أَكْثَرَ الْعِبَرَ»: محل الاعتبار «وأَقَلَّ الِاعْتِبَارَ»:ففي كل شيء له آية تدل على أنه واحد.

وقَالَ عليه السلام: مَنْ بَالَغَ فِي الْخُصُومَةِ أَثِمَ»: فأن المبالغ لا يكتفي بسلوك الدفع «ومَنْ قَصَّرَ فِيهَا ظُلِمَ ولَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَّقِيَ الله مَنْ خَاصَمَ»: وذلك لغلبة القوة الغضبية عليه.

وقَالَ عليه السلام: «مَا أَهَمَّنِي ذَنْبٌ أُمْهِلْتُ»: أخرت «بَعْدَه حَتَّى أُصَلِّيَ رَكْعَتَیْنِ وأَسْأَلَ الله الْعَافِيَةَ»: هذا تعليمه عليه السلام إيانا وآذان الصلاة يدفع

خواطر السوء فمن خلج في صدره ذنب؛ فليشتغل بالصلوات؛ فأنها ينتهي عن الفحشاء والمنكر وقريب من هذا ما روي أنه قال صلى الله عليه [وآله] وسلم أن الغضب من الشيطان وأن الشيطان خلق من النار وإنما يطفئ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ.

وسُئِلَ عليه السلام: «كَيْفَ يُحَاسِبُ الله الْخَلْقَ عَلَى كَثْرَتِهِمْ فَقَالَ كَمَا يَرْزُقُهُمْ

ص: 216

عَلَى كَثْرَتِهِمْ فَقِيلَ كَيْفَ يُحَاسِبُهُمْ ولَا يَرَوْنَه».

فَقَالَ عليه السلام: «كَمَا يَرْزُقُهُمْ ولَا يَرَوْنَه»: قاس السائل قدرة الحميد إلى قدرة العبيد وحساب الوهاب على محاسبة أولي الألباب غافلاً عن شمول قدرته تعالى لكل موجود، وممكن معنى أنه يصح تعلقها به فدفع عنه عليه السلام بنظير مسلم عنده، وقد مر الكلام مستوفي في الحساب والله أعلم بالصواب.

وقَالَ عليه السلام: «رَسُولُكَ تَرْجُمَانُ عَقْلِكَ»: يعني إذا بعثت رسولاً إلى أحد فليكن لساناً فطناً فأنه دلالة على کمال عقلك والترجمان تفسير لسان بلسان آخر.

«وكِتَابُكَ أَبْلَغُ مَن يَنْطِقُ عَنْكَ»: لأن الكتاب ينح عن موانع أبرزا تمام المرام بخلاف الحكم أكثري لا كلي.

وقَالَ عليه السلام: «مَا الْمُبْتَلَى الَّذِي قَدِ اشْتَدَّ بِه الْبَلَاء بِأَحْوَجَ إِلَی الدُّعَاءِ الَّذِي لَا يَأْمَنُ الْبَلَاءَ»: ففي كلتا الحالتين يحتاج إلى الدعاء في الأولى لدفع البلاء وفي الثانية لأدامة العافية؛ فليداوم على هذا الدعاء اللهم هب لنا عافية واجعل كافية علينا

جنة باقية واقية.

وقَالَ عليه السلام: «النَّاسُ أَبْنَاءُ الدُّنْيَا ولَا يُلَامُ الرَّجُلُ عَلَى حُبِّ أُمِّه»: قد سبق وجه استعارة الأبناء للدنيا، وكأني بك تقول ألم يذم الرسول صلى الله عليه [وآله] وسلم على محبة الدنيا حيث قال «حب الدنيا رأس كل خطيئة»(1)من أحب دنياه أضر بآخرته، وغيرهما أكثر من أن يحصى ويستقصي في هذا المقام، فأقول لم يلم على محبتها من حيث هي إذ هي طبيعته بل أدامتها والعمل بمقتضاها، والانهماك في فنائها، والحرص في جمعها، وغير ذلك من المهلكات.

ص: 217


1- الكافي للشيخ الكليني: ج 2 ص 131؛ الخصال: ص 25؛ تفسير الرازي: ج 12 ص 67

وقَالَ عليه السلام: «إِنَّ الْمِسْكِينَ رَسُولُ الله»: يعني أن الفقير الذي يأتي إلى بابك ويسألك على غير هذا الوجه؛ فهو رسول من عند الله إليك ليحمل عند شيئاً إلى الآخرة حيث يكون أحوج إليه منه إلا أليك، ونحوه ما روي عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم «هدية الله إلى المؤمن السائل إلى بابه»(1)وإذا كان كذلك.

«فَمَنْ مَنَعَه فَقَدْ مَنَعَ الله ومَنْ أَعْطَاه فَقَدْ أَعْطَى الله»: ومن هذا القبيل ما روي في الخبر أنه قال صلى الله عليه [وآله] وسلم «أن الله تعالى يقول يوم القيامة يا أبن آدم استطعمتك؛ فلم تطعمني قال: يا رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين قال أما علمت أنه ستطعمك عبدي فلان؛ فلم تطعمه أما علمت أنك لو اطعمته

لوجدت ذلك عندي»(2)والحاصل يعود إلى الثواب والعقاب.

وقَالَ عليه السلام: «مَا زَنَى غَيُورٌ قَطُّ»: أي من له الغيره على أهله لا يطيق أن ينظر اجنبي إلى أهله ولا يزني ولا ينظر في غيره أبداً إذ يختلج في خاطره أنه لو فعل لفُعِل(3).

وقَالَ عليه السلام: «كَفَى بِالأَجَلِ حَارِساً»: يعني ما لم ينقضي الأجل لم ينظر إليه تأهب الخلل.

ص: 218


1- التمحيص لمحمد بن همام الأسكافي: ص 74 باختلاف يسير؛ ولسان الميزان لابن حجر: ج 3 ص 44؛ ومسند الشهاب محمد بن سلامة القظاعي: ج 1 ص 120
2- مسند ابن راهويه: ج 1 ص 115؛ الأمالي للشيخ الطوسي: ص 630؛ الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف للسيد أبن طاووس، ص 323
3- بمعنى لو فعل بالنظر إلى غير ما يحل له؛ لفُعِلَ به أن يُظرُ إلى عرضه؛ يُنظر الكافي للشيخ الكليني: ج 5 ص 552 «فعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لما أقام العالم الجدار أوحى الله تبارك وتعالى إلى موسى (عليه السلام) أني مجازي الأبناء بسعي الآباء إن خيراً فخير وإن شراً فشر، لا تزنوا فتزني نساؤكم ومن وطئ فراش امرءٍ مسلم، وطي فراشه کما تدين تدان»

وقَالَ عليه السلام: «يَنَامُ الرَّجُلُ عَلَى الثُّكْلِ»: فقدان المرأة ولدها «ولَا يَنَامُ عَلَى الْحَرَبِ»: سلب المال، وإذا أقبل الرجل فقد قتل وأخذ وإذا سلب ماله فقد قتل هو وعياله وأهل قال تعالى، والفتنة اشد من القتل قال: السيد رضي الله عنه.

قال الرضي: ومعنى ذلك أنه يصبر على قتل الأولاد ولا يصبر على سلب الأموال.

وقَالَ عليه السلام: «مَوَدَّةُ الآبَاءِ قَرَابَةٌ بَيْنَ الأَبْنَاءِ»: إذ الحب يتوارث.

«والْقَرَابَةُ إِلَی الْمَوَدَّةِ أَحْوَجُ مِنَ الْمَوَدَّةِ إِلَی الْقَرَابَةِ»: وذلك لأن القرابة لا يكون إلا بالمودة، وأما المودة فقد تكون بدون القرابة.

وقَالَ عليه السلام: «اتَّقُوا ظُنُونَ الْمُؤْمِنِینَ فَإِنَّ الله تَعَالَی جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ»: ويقرب من هذا ما روي عن أنس أنه قال: مروا بجنازة فاثنوا عليها خيراً فقال: «النبي وجبت ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شراً فقال وجبت، فقيل له ما وجبت؟ فقال: هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض»(1).

وتوضيح الكلام أن الذي أثنوا عليه أو ضنوا به خيراً أو أمنه الصلاح والخيرات في حياته وما يقولون في حياته وما يقولون في شأنه يكون مطابقاً للواقع وكذا في جانب الشر والحاصل أن الله يقبل شهادتهم ويصدق ظنونهم في حق المُثنى علیه کرامة لهم وتفضيلاً عليهم كالدعاء والشهادة والشفاعة إذ هم بمكان ومنزلة عند الله.

ص: 219


1- مسند احمد بن حنبل: ج 3 ص 117؛ سنن النسائي: ج 4 ص 50؛ المصنف لابن أبي شيبة الكوفي: ج 2 ص 246

وقَالَ عليه السلام: «لَا يَصْدُقُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَكُونَ بِمَا فِي يَدِ الله أَوْثَقَ مِنْه بِمَا فِي يَدهِ»: إذ صدق الأيمان يلزمه الاعتماد وهو يستلزم الوثوق.

وقَالَ عليه السلام: لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وقَدْ كَانَ بَعَثَه إِلَی طَلْحَةَ والزُّبَیْرِ لَمَّا جَاءَ إِلَی الْبَصْرَةِ يُذَكِّرُهُمَا شَيْئاً مِمَّا سَمِعَه مِنْ رَسُولِ الله فِي مَعْنَاهُمَا: في شأنهما.

«فَلَوَى »: أعرض «عَنْ ذَلِكَ فَرَجَعَ إِلَيْه فَقَالَ إِنِّي أُنْسِيتُ ذَلِكَ الأَمْرَ فَقَالَ إِنْ كُنْتَ كَاذِباً فَضَرَبَكَ الله بِهَا بَيْضَاءَ»: نصب على الحال «لَامعَةً»: مضيئة أي رماك الله بعلة «لَا تُوَارِيهَا»: لا يسترها «الْعِمَامَةُ»: أي البرص فأصاب أنسا هذا الداء في وجهه فكان لا يرى إلا مبرقعا: وفي النسخ متبرقعاً يقال: برقعه فتبرقع أي البسه وكان النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم يقول طلحة والزبير أنكما لتحاربان علياً، وأتما ظالمان، وكان أنس حاضر؛ فلما كان يوم الجمل قال: له عليه السلام لأنس ذکر طلحة والزبير ما سمعت رسول الله يقول: لهما في حقي وفي حربهما لي فمنفعة أنسان عن ذلك وهو قوله فلو أي أنس عن ذلك أي أميل عنه وقال يا أنس ذلك فدعا عليه السلام عليه بأن يجعله الله أبرص ففعل.

وقَالَ عليه السلام: «إِنَّ لِلْقُلُوبِ إِقْبَالًا وإِدْبَاراً فَإِذَا أَقْبَلَتْ فَاحْمِلُوهَا عَلَى النَّوَافِلِ وإِذَا أَدْبَرَتْ فَاقْتَصِرُوا بِهَا عَلَى الْفَرَائِضِ»: معنى هذا الكلام کما تقدم أنها تقبل بالنشاط إلى الطاعات مرة ومرة تدبر؛ فإذا كانت مقبلة فاحملوها على النوافل أي كلفوها وأدعوها إلى فعل النوافل، وإلا لا لأنه يفضي إلى ترك الفرائض والنافلة من العبادات الزائدة على الواجبات والفرائض هي الواجبات السمعية.

وقَالَ عليه السلام: «وفِي الْقُرْآنِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ وخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ»: ذكر أن في كتاب الله الذي هو القرآن يليه نافعه لمن تدبرها وهو أحوال

ص: 220

الأمم الماضية لما عصوا الله دمرهم، ومن فعل مثل فعلهم رأي مثل ما رأوا وخير المتاب في الجنة لطاغية في الدنيا، وذكر المعاقب في النار يوم القيمة لعصيانه في الدنيا وحكم ما بين الخلق من انقضاء، والقصاص، والحدود وغيرهما من الشرعیات فمن نظر فيها أنتفع بها.

وقَالَ: «رُدُّوا الْحَجَرَ مِنْ حَيْثُ جَاءَ فَإِنَّ الشَّرَّ لَا يَدْفَعُه إِلَّا الشَّرُّ»: رخصة لمن أزاده الغير بالغير والرمي والقتل فدافعه بمثل ذلك إذا علم أن لا دفع إلا به فأن ذلك جائز شرعاً وعقلاً فأن أدى إلى أهلاك الظالم فلا شيء على الدافع إذا لم يتعد.

وقَالَ عليه السلام: «لِكَاتِبِه عُبَيْدِ الله بْنِ أَبِي رَافِعٍ أَلِقْ دَوَاتَكَ وأَطِلْ جِلْفَةَ قَلَمِكَ وفَرِّجْ بَيْنَ السُّطُورِ وقَرْمِطْ بَيْنَ الْحُرُوفِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَجْدَرُ بِصَبَاحَةِ الْخَطِّ»: ارفع کان مولى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم والقت الدوات اصلحت مدادها ويعني بالحلقة سنان القلم الخطو وقرمط بين الحروف ضم بعضها إلى بعض.

وقَالَ عليه السلام: «أَنَا يَعْسُوبُ الْمُؤْمِنِینَ والْمَالُ يَعْسُوبُ الْفُجَّار»: اليعسوب ملك النحل شبه المؤمنين الذين هم شیعته بالنحل لكونهم ضعفاء يستضعفهم كل واحد کالنحل يستضعفها كل طائر ثن أنهم لا يأكلون إلا الحلال ولا يقولون إلا ما لا يكون حسناً كالنحل لا يأكل إلا طيباً ولا يضع إلا طيباً ويروى أن النحل إذ وقع، واقع منها على نجاسة؛ ثم دخل موضعه أخرجه اليعسوب، وربما قتله فقال أنا من المؤمن كاليعسوب بين النحل أمرهم، وأنهاهم وأدبهم وهم تبع لي على محبته وحكمه ماض فهم سراً وعلانية قال السيد رضي الله عنه.

«قال الرضي ومعنى ذلك»: أي قوله عليه السلام «أن المؤمنين يتبعونني والفجار يتبعون المال کما تتبع النحل يعسوبها» وهو رئيسها بين وجه الشبه في

ص: 221

استعارة اليعسوب له وللمال.

وقَالَ: «لَه بَعْضُ الْيَهُودِ مَا دَفَنْتُمْ نَبِيَّكُمْ حَتَّى اخْتَلَفْتُمْ فِيه فَقَالَ لَه إِنَّمَا اخْتَلَفْنَا عَنْه لَا فِيه»: أي خلاف صحابة رسول الله بأن تقلوا هذا يقوم ويحفظ أمر فلان ويقول ذاك بل يقوم به فلان وما اختلفنا فيه أي في أمره صلى الله عليه [وآله] وسلم وكلنا مقر بصحة أمره.

ولَكِنَّكُمْ مَا جَفَّتْ أَرْجُلُكُمْ مِنَ الْبَحْرِ حَتَّى قُلْتُمْ لِنَبِيِّكُمْ «اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ»(1)القم اليهودي الحجر بأن قال أباكم لما دخل موسی علیه السلام عليه السلام البحر جعله الله يبساً ومن بهم جميعاً إلى فلما عبروا قوماً ورأوا قوماً يعكفون على أصنام لهم قالوا لموسى أجعل لنا آلة كما لهم آلهة لضعف اعتقادهم مع قوة الأعجاز الذي رآه.

وقِيلَ: لَه بِأَيِّ شَيْءٍ غَلَبْتَ الأَقْرَانَ فَقَالَ: «مَا لَقِيتُ رَجُلًا إِلَّا أَعَانَنِي عَلَی نَفْسِه»:

قال السيد الرضي يومئ عليه السلام إلى تمكن هيبته في القلوب: يعني أني ما تغلبت على أحد قط إلا بمجاهدة أعداء الله، وذلك ببذل مجهودي فبعد ذلك ما من أحد من الأقران في الحرب بلقائي إلا ويعلم أني أقصر وهو يخافني لشدة مجاهدتي، وقلة أنفاسي على عدائي الدين فيتمكن هيئتي في قلوبهم ولحشوتي ومجاهدتي في سبيل الله.

وقَالَ عليه السلام: «لِابْنِه مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ الْفَقْرَ فَاسْتَعِذْ بِالله مِنْه فَإِنَّ الْفَقْرَ مَنْقَصَةٌ لِلدِّينِ مَدْهَشَةٌ لِلْعَقْلِ»: أي مدعاة إلى الدهش وهو التحیر «دَاعِيَةٌ لِلْمَقْتِ»: البغض والفقر ممقوت إلى الناس مبغض لهم يبين

ص: 222


1- سورة الأعراف: الآية 138

عليه السلام أن لفقره هذه الأمة تلك الجلال الثلاث السيئة وأمر محمد بن الحنفية أبنه أن يستعيذ بالله من الفقر بكثرة الاستغفار، ولا ينافي بينه، وبين قول النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم الله أحيني مسكيناً وأمسي مسکيناً من له كفاف، وبلغه والفقير من لا شيء له؛ ثم الفقر هو الحاجة ولم يكن مستكين يظهر حاجته إلا إلى تعالى وقَالَ عليه السلام: «لِسَائِلٍ سَأَلَه عَنْ مُعْضِلَةٍ»: مسألة مشكلة.

«سَلْ تَفَقُّهاً ولَا تَسْأَلْ تَعَنُّتاً»: أي سئل للتعلم لا للتعنت يقال جائني فلان متعنتاً إذا جاء يطلب زلتك والعنت الإثم والعنت الوقوع في أمر الوقوع في أمر شاق.

«فَإِنَّ الْجَاهِلَ الْمُتَعَلِّمَ شَبِيه بِالْعَالِمِ وإِنَّ الْعَالِمَ الْمُتَعَسِّفَ شَبِيه بِالْجَاهِلِ الْمُتَعَنِّتِ»: التعسف الأخذ على غير طريق وهذا وجه المشابهة بينه والجاهل وعكس ذلك وجه المشابهة بين الجاهل المتعلم والعالم.

وقَالَ عليه السلام: «لِعَبْدِ الله بْنِ الْعَبَّاسِ وقَدْ أَشَارَ إِلَيْه فِي شَيْءٍ لَمْ يُوَافِقْ رَأْيَه لَكَ أَنْ تُشِیرَ عَلَيَّ وأَرَى فَإِنْ عَصَيْتُكَ فَأَطِعْنِي»: معنى الكلام أن عبد الله بن العباس أشار إليه في حكومة البصرة أو غير ذلك والتمس منه شيئاً ولم يوافق ذلك رأيه عليه السلام فقال: له عليه السلام هذا الكلام وأذن له أن يلتقي إليه ما يحظر بباله وإذا اتحد عليه السلام عليه ضده وجب عليه المتابعة.

ورُوِيَ: أَنَّه عليه السلام: «لَمَّا وَرَدَ الْكُوفَةَ قَادِماً مِنْ صِفِّینَ مَرَّ بِالشِّبَامِيِّينَ»(1): بكسر الشين وبفتحها وكان بخط الرضي رضي الله عنه والشنام خشبة يعرض في فم الحدي لئلا يرضع «فَسَمِعَ بُكَاءَ النِّسَاءِ عَلَى قَتْلَى صِفِّینَ وخَرَجَ إِلَيْه حَرْبُ بْنُ

ص: 223


1- الشبام: حيّ في الكوفة يسكنه الهمدانين ومن أهل اليمن ومن أهل حضرموت؛ يُنظر: لسان العرب: ج 10 ص 412؛ القاموس المحيط للفيروز آبادي: ج 4 ص 124

شُرَحْبِيلَ الشِّبَامِيِّ وكَانَ مِنْ وُجُوه قَوْمِه فَقَالَ»: عطر مشام روحه بفوائح روائح العلم وزین جوارحه وأركانه بحلل العبادة.

فقال له: «أَتَغْلِبُكُمْ نِسَاؤُكُمْ عَلَى مَا أَسْمَعُ أَلَا تَنْهَوْنَهُنَّ عَنْ هَذَا الرَّنِینِ»: الهمزة للاستفهام على سبيل التوبيخ، ولا للنفي، وأن شددت لا كان بمعنی هلا للتخصيص والوجه هو الأول يقال ورنت المرأة ترن رنيناً أي صاحب وإذا أورد النهي للزين فكيف للنياحة التي هي عمل الجاهلية.

«وأَقْبَلَ حَرْبٌ يَمْشِيِ مَعَه وهُوَ عليه السلام رَاكِبٌ فَقَالَ عليه السام ارْجِعْ فَإِنَّ مَشْيَ مِثْلِكَ مَعَ مِثْلِي فِتْنَةٌ لِلْوَالِي ومَذَلَّةٌ لِلْمُؤْمِنِ»: فيه رد دأب الحكام وأشار إلى وجه ذلك بأنه يورث العجب وفيه مذلة للمؤمن من حيث الإيمان وسلك عليه السلام مسلك التواضع فأنه حقيق بأن يجعل تراب قدمه في العين فكيف المشي في ركابه.

وقَالَ عليه السلام «وقَدْ مَرَّ بِقَتْلَى الْحَوَارِجِ يَوْمَ النَّهْرَوَانِ بُؤْساً لَكُمْ»: البؤس والبأس والبأساء العطف يقتضي المغايرة ويحتمل التفسير احتمالا(1)«غَرَّتُهْمْ بِالأَمَانِيِّ وفَسَحَتْ»: سعت «لَهُمْ بِالْمَعَاصِي ووَعَدَتْهُمُ الإِظْهَارَ: التغلب «فَاقْتَحَمَتْ بِهِمُ النَّارَ»: أي أنفسهم يعني دخلتها بهم لما فعلت بهم هذه الأشياء الثلاث المهلكة ثم أمر بتقوى الله إخلاصاً لا رياء.

وقَالَ: «اتَّقُوا مَعَاصِيَ الله فِي الْخَلَوَاتِ فَإِنَّ الشَّاهِدَ هُوَ الْحَاكِمُ»: الذي يشهدك، ويحضرك ويعلم أحوالك، ويطلع على إسرارك؛ فأنه غداً هو القاضي الذي يحكم،

ص: 224


1- ورد في بعض متون النهج هذه الزيادة: لَقَدْ ضَرَّكُمْ مَنْ غَرَّكُمْ فَقِيلَ لَه مَنْ غَرَّهُمْ يَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَقَالَ الشَّيْطَانُ الْمُضِلُّ والأَنْفُسُ الأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ

وهو الله تعالى، وقيل المراد بشاهد العدل العالم بحالك فلا حاجة إلى أن يشهد.

وقَالَ عليه السلام: «لَمَّا بَلَغَه قَتْلُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إِنَّ حُزْنَنَا عَلَيْه عَلَى قَدْرِ سُرُورِهِمْ بِه»: سرور معاوية وأصحابه.

«إِلَّا أَنَّهُمْ نَقَصُوا بَغِيضاً ونَقَصْنَا حَبِيباً»: الاستثناء بمنزلة قولهم نعم الرجل فلان إلا أنه شجاع وإشارة إلى الفرق بين النقصيّن وأن من قبل منهم فینال مرتبة السعداء ومن خالف فيدرك درك الأشقياء.

وقَالَ عليه السلام: «الْعُمُرُ الَّذِي أَعْذَرَ الله فِيه إِلَی ابْنِ آدَمَ سِتُّونَ سَنَةً»: لفظ الخبر هكذا من عمّره الله ستين سنة لم يبق له عذر في الرجوع إلى الله تعالى بطاعته في مدة هذه المهلة، وما تشاهد فيها من الآيات، والعبرة مع ما أرسل إليه من الإنذار وأنه لينادي مناد من قبل الله عز وجل إنباء السنتين أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجائكم النذر.

وقَالَ: «مَا ظَفِرَ مَنْ ظَفِرَ الإِثْمُ بِه»: في بعض النسخ بالإثم يعني ما فاز من فاز بزخارف الدنيا وجمعها وقد أتم في ذلك فأن في الحقيقة أسر لا فوز.

«والْغَالِبُ بِالشَّرِّ مَغْلُوبٌ»: في يد من لا يد فوق يده.

وقَالَ عليه السلام: «إِنَّ الله سُبْحَانَه فَرَضَ فِي أَمْوَالِ الأَغْنِيَاءِ أَقْوَاتَ الْفُقَرَاءِ فَمَا جَاعَ فَقِیرٌ إِلَّا بِمَا مُتِّعَ بِه غَنِيٌّ والله تَعَالَی سَائِلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ»: ما مصدرية ويجوز أن يكون موصولة فيه تنفير عن البخل وترغيب في الصدقة وقد سبق أمثاله مراراً.

وقَالَ عليه السلام: «الِاسْتِغْنَاءُ عَنِ الْعُذْرِ أَعَزُّ مِنَ الصِّدْقِ بِه»: يعني أن لا يأتي ما يحتاج فيه إلى العذر خيراً لك من أن يأتيه، وتكون لك فيه عذر صادق

ص: 225

وقريب منه قوله صلى الله عليه [وآله] وسلم «إياك وما تعتذر منه»(1)ويجوز أن يكون المراد لا ترتكب ذنباً لكيلا تحتاج إلى التوبة؛ فأنك تكون عزيز النفس مع الاستغناء عن التوبة، وإذا صرت مذنباً ثم تبت توبة نصوحاً أو أعذرت نفسك فكم من مذلة، ومهانة قد جرت عليك قصوراً فيك أبداً بعد التوبة أيضاً.

وقَالَ عليه السلام: «أَقَلُّ مَا يَلْزَمُكُمْ للهِ أَلَّا تَسْتَعِينُوا بِنِعَمِه عَلَى مَعَاصِيه»: أراد ما يلزم العبد لله من أجل النعمة الشكر والكلام الحملي فيه صرف العبد جميع ما أنعم الله إلى الخلق وأعطاه لأجله وأن عجزتم فلا أقل من أن لا تصرفوها ما أنعم الله عليكم في المحرمات.

وقَالَ عليه السلام: «إِنَّ الله سُبْحَانَه جَعَلَ الطَّاعَةَ غَنِيمَةَ الأَكْيَاسِ عِنْدَ تَفْرِيطِ الْعَجَزَةِ»: الكيّس جودة القريحة جعل الطاعة غنيمة الأكياس لأنهم يفعلوها بالمحاربة مع النفس الأمارة كما يأخذ الغانمون الغنيمة بالجهاد مع الكفار.

وقَالَ عليه السلام: «السُّلْطَانُ وَزَعَةُ الله فِي أَرْضِه»: جمع الوازع وهو الكاف الدافع قيل المراد بالسلطان الحجة وهو كالمصدر المارد به هنا الجمع.

وقَالَ عليه السلام: «فِي صِفَةِ الْمُؤْمِنِ الْمُؤْمِنُ بِشْرُه فِي وَجْهِه وحُزْنُه فِي قَلْبِه»: إذ لا تسكن روعته ولا تطمئن من اضطرابه حتى يخلف جسر جهنم واما إظهار السرو فلأن العبوس من أمارت أصحاب النار.

«أَوْسَعُ شَيْءٍ صَدْراً»: يسع صدره ما في السموات والأرض حتى يخليه سبحانه.

ص: 226


1- الحديث ليس للنبي صلى الله عليه وآله بل هو للإمام الحسين عليه السلام؛ يُنظر تحف العقول لابن شعبة الحراني في ص 248، وفي مصباح الشريعة: ص 163؛ أن الحديث للإمام الصادق عليه السلام

«وأَذَلُّ شَيْءٍ نَفْساً»: أخذ بزمامهما ولا يتركها کیلا يتجاوز عن الشريعة الغراء المحمدية والطريقة العليا العلية الأحمدية أو من الذل إذ هو في غاية المذلة عنده.

«يَكْرَه الرِّفْعَةَ»: إذ هي توجب مفاسد كما لا يخفی.

«ويَشْنَأُ»: ببعض «السُّمْعَةَ»: أن يسمع بعمله الذي عمله الله سبحانه إذ في الخبر من سمع سمع الله به والمراد أن من أظهر عمله للناس ریاء سمع الله به أي فضحه يوم القيامة وأعلم أن التسميع قبيح وإذا سمع ومدح فلا.

قال أبو ذر: قيل لرسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: أرأيت الرجل يعمل العمل الخير، ويحمده الناس عليه، وفي رواية أخرى يحبه الناس عليه قال تلك عاجل يسري یعني هو في عمله ذاك ليس مرائياً فيعطيه الله به ثوابين في الدنيا، وهو حمد الناس له وفي الآخرة ما أعد له.

«طَوِيلٌ غَمُّه»: لما ذكر من أهوال القيامة وعدم عمله بمال حاله.

«بَعِيدٌ هَمُّه»: تأكيد لما قبله وهذا على ما قيل من أن الهم: الحزن الذي يذنب الإنسان ويقال الهم ما هممت به في نفسك وهو الأصل کما قیل جل شأنه إذا همت طائفتان منكم أن يفشلا فعلى هذا يقال المراد بعبد مقصده إذ هم لا يرضون بالحياة الدنية الدنيوية.

«كَثِيرٌ صَمْتُه»: لعدم الوقوع في مفاسد كثيره، وقد سبق تحقيقه.

«مَشْغُولٌ وَقْتُه»: أما بالإفادة أو بالاستفادة والطاعة والعبادة.

«شَكُورٌ»: كثير الشكر لآلاء ربه الله ونعمائه صَبُورٌ: كثير الصبر على المكاره.

«مَغْمُورٌ»: مستور «بِفِكْرَتِه ضَنِینٌ»: بخيل «بِخَلَّتِه»: إذ كان بفتح الحاء كان

ص: 227

المعنى أنه لا يعرض حاجته على الناس وينحل وإذا كان بضمها كان المعنى أنه إذا حال واحداً وصادفه ضن بمودته ويحل بها ولم يضيعه.

«سَهْلُ الْخَلِيقَةِ»: الطبيعة «لَيِّنُ الْعَرِيكَةِ»: أن قيد أنقاد وأن أبيح أستباح.

«نَفْسُه أَصْلَبُ مِنَ الصَّلْدِ»: الحجر الصلب الأملس لا بد للشيطان عليه ولا ينفذ سهام وسوسته فيه «وهُوَ أَذَلُّ مِنَ الْعَبْدِ»: لا يلوي عنقه من ربقة الإسلام أصلاً قال بعض أهل العلم المؤمن الذي إذا خوف بالله فرق قلبه وأنقاد لأمره خوفاً من عقابه.

وقَالَ عليه السلام: «لَوْ رَأَى الْعَبْدُ الأَجَلَ ومَصِیرَه لأَبْغَضَ الأَمَلَ وغُرُورَه»: إذ هو مهلك كل الإهلاك.

وقَالَ: «لِكُلِّ امْرِئٍ فِي مَالِه شَرِيكَانِ الْوَارِثُ والْحَوَادِثُ»: وروي في الخبر على وجه آخر وهو بشر مال البخيل بحادث أو وارث(1).

وقَالَ عليه السلام: «الدَّاعِي بِلَا عَمَلٍ كَالرَّامِي بِلَا وَتَرٍ»: والمشبه والمشبه به شریکان في عدم الانتفاع بالمقصود إليه «يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ»(2).

وقَالَ عليه السلام «الْعِلْمُ عِلْمَانِ مَطْبُوعٌ ومَسْمُوعٌ ولَا يَنْفَعُ الْمَسْمُوعُ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمَطْبُوعُ»: أي العلم علمان عقلي وشرعي ولا ينفع العمل بالشرعيات إذا لم يكن العلم بالاعتقاد، وقيل المراد به العلم الضروري الذي يحصل ببداهة العقول.

ص: 228


1- ورد في بعض النسخ: وقَالَ: الْمَسْئُولُ حُرٌّ حَتَّى يَعِدَ
2- سورة فاطر: الآية 10

وقَالَ عليه السلام: «صَوَابُ الرَّأْيِ بِالدُّوَلِ يُقْبِلُ بِإِقْبَالِهَا ويَذْهَبُ بِذَهَابِهَا»: أي من كان له الدولة في الدنيا فرأيه صواب إذا ذهب له صواب الرأي وقد تقدم مثل هذا الكلام وبسط الكلام فيه.

وقَالَ: «الْعَفَافُ زِينَةُ الْفَقْرِ والشُّكْرُ زِينَةُ الْغِنَى»: فكما الزينة تزين المتزين بها كذلك الفقر والشکر یزینان أيهما تزینا معنوياً لا صورياً.

وقَالَ عليه السلام: «يَوْمُ الْعَدْلِ عَلَى الظَّالِمِ أَشَدُّ مِنْ يَوْمِ الْجَوْرِ عَلَى الْمَظْلُومِ»: قد تقدم بعينه وسبق بيانه ولا يخفی صدقه على المتأمل.

وقَالَ عليه السلام: «الأَقَاوِيلُ مَحْفُوظَةٌ والسَّرَائِرُ مَبْلُوَّةٌ»: مختبرة وهي ما أسر في القلوب من العقائد والنيات وغيرها وما أخفى من الأعمال وبلاؤها يعرفها وتصحفها والتمييز بين ما طاب منها، وما خبث وعن معاذ بن جبل سالت النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم عن قوله تعالى «يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ»(1)ما هذه السرائر التي تبلى بها العباد يوم القيامة فقال: «سرائركم هي أعمالكم الصلاة والصيام والزكاة والوضوء، والغسل من الجنابة، وكل مفروض لأن الأعمال كلها سرائر خفية فأن أساء قال صليت ولم يصل وأن توضأ ولم يتوضأ».

«كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ»(2)فعيل بمعنى فاعل أي ثابت مقيم وقيل مفعول أي كل أمرأ مقام في جزاء ما قدر من عمله ولما كان الرهن يتصور منه حبسه أستعير ذلك للمحتبس أي شيء كان قال الله تعالى «كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ»(3)وقد تقدم

ص: 229


1- سورة الطارق: الآية 9
2- سورة المدثر: الآية 38
3- سورة الطور: الآية 21

الكلام في مثل هذا أيضاً(1).

«والنَّاسُ مَنْقُوصُونَ مَدْخُولُونَ»: دخل فلان فهو مدخول أي في عقله، أي دغل وغلة والمعنى فهم الدغل وفيهم النقيصة وهي العيب.

«إِلَّا مَنْ عَصَمَ الله سَائِلُهُمْ مُتَعَنِّتٌ»: متأثم من العنت وهو الإثم.

«ومُجِيبُهُمْ مُتَكَلِّفٌ»: متحشم في الجواب إلا ما شاء معه لقلة عمله.

«يَكَادُ أَفْضَلُهُمْ رَأْياً يَرُدُّه عَنْ فَضْلِ رَأْيِه الرِّضَی والسُّخْطُ ويَكَادُ أَصْلَبُهُمْ عُوداً تَنْكَؤُه(2)اللَّحْظَةُ وتَسْتَحِيلُه الْكَلِمَةُ الْوَاحِدَةُ»: وصف فاضل زماننا بأنه إذا رضي عن أحد يقبل محاله وإذا سخط عن آخر يدفع حقه، ثم ومن كان مسموماً بأنه صُلب العوادي ثابت القد يتغير بأقل شيء حتی تنکاه اللحظة من نکات الفرحة إذ فسرتها وأدميتها وتستحيله بحيلة كأستجاب بمعنى: أجاب.

وقَالَ علية السلام: «مَعَاشِرَ النَّاسِ اتَّقُوا الله فَكَمْ مِنْ مُؤَمِّلٍ مَا لَا يَبْلُغُه: مرامه وبَانٍ مَا لَا يَسْكُنُه وجَامِعٍ مَا سَوْفَ يَتْرُكُه ولَعَلَّه مِنْ بَاطِلٍ جَمَعَه ومِنْ حَقٍّ مَنَعَه»: والتمييز صعب أَصَابَه حَرَاماً: كونه حراماً «واحْتَمَلَ بِه آثَاماً»: جزاء الإثم كذا فسر به ومنشأه أن المفسر رأي العلماء المحققين قالوا في التفسير لقوله تعالى «وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا»(3)أي جزاء الإثم فغفل عن أنه حذف المضاف ونهن المضاف إليه مقامه.

ص: 230


1- ورد في بعض متون النهج: الْغِنَى الَأكْبُرَ الْيَأْسُ عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ
2- تَنْكَؤه: تسيل دمه وتجرحه: يُنظر متن نهج البلاغة تصنيف صبحي الصالح: ص 724
3- سورة الفرقان: الآية 68

«فَبَاءَ بِوِزْرِه»: أي نهض بنقله ولا يقال باء إلا بالسر.

«وقَدِمَ عَلَى رَبِّه آسِفاً»: الأسف اشد الحزن وقد أسف على ما فاته وتأسف أي تلهف وأسف عليه غضب.

«لَاهِفاً»: متحسراً «قَدْ خَسِرَ الدُّنْيا»: لأنه لم يبل «والآخِرَةَ»: أيضاً لحرمانه عن ما أعده الله للمتين «ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِینُ»: الذي لا يخفى على ذي بصيرة.

وقَالَ عليه السلام: «مِنَ الْعِصْمَةِ تَعَذُّرُ الْمَعَاصِي»: من يحتمل أن تكون ابتدائية وأن تكون بتعظيمه فعلى الأول معناه يقدر المعاصي ناشئ من العصمة إذ هي ملكة نفسانية مانعة صاحبها عن المعاصي وعلى الثاني المراد أن العصمة سمعت بعضها يعذر المعاصي.

وقَالَ عليه السلام: مَاءُ وَجْهِكَ جَامِدٌ يُقْطِرُه السُّؤَالُ فَانْظُرْ عِنْدَ مَنْ تُقْطِرُه: وفي الخبر المسائل کدوح یکدح بها الرجل وجهه أي يريق بالسؤال ماء وجهه كأنه جرحه وفي كلامه عليه السلام شبه طراوة الوجه بالماء وأثبت له لازم من لوازم المشبه به وهو الجمود كناية عن الثبوت ورشحها بالتقطير وکنی به عن إزالته ثم أمره بالتحري في من يسأل الرجل ذا سلطان أي ذا حكم وملك بیده بیت المال فأنه يجوز أن يسأل حقه من بيت المال وأختلف العلماء في عطية السلطان فحرمها قوم وأباحها قوم وكرهها قوم والصحيح أنه أن غلب الحرام في يده حرمت وأن لم تغلب الحرام فمباح أن لم يكن للقابض مانع من استحقاق الأخذ وروي أنه عليه السلام قال:

ص: 231

لقلع ضرس، وضنك حبس ٭٭٭ ونزع نفس، وردُّ أمس

وحمل عار، ونفخ نار ٭٭٭ وبيع دار بعشر فلس

وقود قرد، ونسج برد ٭٭٭ ودبغ جلد بغیر شمس

وقتل عم وشرب دم ٭٭٭ وحمل غم، ونقل رمس

أهون من وقفة بباب ٭٭٭ تلقاك حجابها بعبس

وقَالَ عليه السلام: «الثَّنَاءُ بِأَكْثَرَ مِنَ الِاسْتِحْقَاقِ مَلَقٌ والتَّقْصِیرُ عَنِ الِاسْتِحْقَاقِ عِيٌّ أَوْ حَسَدٌ»: الملق اللطف الشديد حتى يعطي الإنسان بلسانه ما ليس في قبله مع مذلة على البدن والتقصير مع القدرة حسد وبدونها عي ولطف، ولطف المسامحة في هذا الكلام لا يخفى على أحد له مسكة.

وقَالَ: «أَشَدُّ الذُّنُوبِ مَا اسْتَهَانَ بِه صَاحِبُه»: وإنما كان أشد لأن علقة المصاحبة يقتضي أن تقتضي أن يتعظم الصاحب بالصاحب ونظر الشارع في الألفة والدين قائم بها، وفي جعل كونه أشد مبالغة حسنة، والمقام لأن الغرض التنفير التام عن ذلك، وفيه تلميح إلى أن على المحب والمصاحب أن يسعى فيما زاد الصديق محبة روي عنه عليه السلام أنه قال:

ما ودني أحد إلا بذلت له ٭٭٭ من المودة ما يبقى على الأبد

ولا قلاني وان كنت المحب له ٭٭٭ إلا دعوت له الرحمن بالرشد

ولا ائتمنت على سر فبحت له ٭٭٭ ولا مددت إلى غیر الجميل يدي

ولا أقول نعم يوماً فأتبعها ٭٭٭ بلا، ولو ذهبت بالمال والولد

ص: 232

وقَالَ عليه السلام: «مَنْ نَظَرَ فِي عَيْبِ نَفْسِه اشْتَغَلَ عَنْ عَيْبِ غَیْرِه»: بل بذمها

ويشتغل بالتدارك.

«ومَنْ رَضِيَ بِرِزْقِ الله لَمْ يَحْزَنْ عَلَی مَا فَاتَه»: وهذا غني عن البيان.

«ومَنْ سَلَّ سَيْفَ الْبَغْيِ قُتِلَ بِه»: يحتمل الظاهر والإضافة للملابسة ويحتمل أن نسبة البغي بالسيف وإضافة إليه للبيان وسل ترشيح.

«ومَنْ كَابَدَ الأُمُورَ»: قاساها «عَطِبَ» هلك وهذا أيضاً يحتمل الظاهر والتأويل «ومَنِ اقْتَحَمَ اللُّجَجَ»: دخل اللجج معظم البحر.

«غَرِقَ»: هذا أيضاً كذلك وعلى الظاهر ظاهر التأويل أن يقال ومن دخل في الحجج بحار الصفات الإلهية وأراد الوصول إلى سواحل الذات غرق ولم يصل ومن هذا القبيل ما قيل:

تحيد الحب أجناد مجندة فيها الصواعق والحيات، والأُسدُ، فأن أخذت يميناً خفت صاعقة وأن أخذت شمالاً راعني الأسد.

وأن تقدمت فأن البحر معترض وأن تأخرت فالنيران بمتقد فناظر.

«ومَنْ دَخَلَ مَدَاخِلَ السُّوءِ اتُّهِمَ»: ومن ثم قيل اتقوا مواضع التهم.

«ومَنْ كَثُرَ كَلَامُه كَثُرَ خَطَؤُه ومَنْ كَثُرَ خَطَؤُه قَلَّ حَيَاؤُه»: فمن كثر كلامه قل حياؤه.

«ومَنْ قَلَّ حَيَاؤُه قَلَّ وَرَعُه»: فمن كثر كلامه قل ورعه.

«ومَنْ قَلَّ وَرَعُه مَاتَ قَلْبُه» فمن كثر كلامه مات قلبه.

ص: 233

«ومَنْ مَاتَ قَلْبُه دَخَلَ النَّارَ»: فمن كثر كلامه دخل النار فنعما هذا القياس المفصول النتائج.

أما المقدمة الأولى؛ فلأنه يتكلم بما يعنيه ويضره مما يوجب الفسوق، وأما الثانية: فظاهرة إذ كثرة الحياء مانعة عن التكلم؛ فضلاً عن كثرة الكلام وأما الثالثة فلأن كمال الورع بكمال الحياء إذ هو مانع عن القيام بالمنهي عنه وأما الرابعة فلأن حياة العلم بالقلب ونزول نور الإيمان وليس ذاك إلا بكمال الورع وأما الخامسة: فظاهرة وفي الخبر من كثر كلامه كثر سقطه ومن كثر سقطه کثرت ذنوبه ومن كثرت ذنوبه فالنار أولى به.

«ومَنْ نَظَرَ فِي عُيُوبِ النَّاسِ فَأَنْكَرَهَا ثُمَّ رَضِيَهَا لِنَفْسِه فَذَلِكَ الأَحْمَقُ بِعَيْنِه»: لأن الحمق قلة العقل ومن كان كذلك فهو قليل العقل.

«والْقَنَاعَةُ مَالٌ لَا يَنْفَدُ»: قد سبق بيانه مراراً.

«ومَنْ أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ رَضِيَ مِنَ الدُّنْيَا بِالْيَسِیرِ»: إذ يتصور وينتقش في لوح قلبه أن الكثير نصیر.

«ومَنْ عَلِمَ أَنَّ كَلَامَه مِنْ عَمَلِه قَلَّ كَلَمُه إِلَّا فِيمَا يَعْنِيه وقَالَ لِلظَّالِمِ مِنَ الرِّجَالِ ثَلَاثُ عَلَامَاتٍ يَظْلِمُ مَنْ فَوْقَه بِالْمَعْصِيَةِ ومَنْ دُونَه بِالْغَلَبَةِ ويُظَاهِرُ: يعاون الْقَوْمَ

الظَّلَمَةَ».

وقَالَ عليه السلام: «عِنْدَ تَنَاهِي الشِّدَّةِ تَكُونُ الْفَرْجَةُ وعِنْدَ تَضَايُقِ حَلَقِ الْبَلَاءِ يَكُونُ الرَّخَاءُ»: قد مر غير مرة مثل هذه الاستعارة ووجها الترغيب في الرحمة والمغفرة لا في الخبأ يقول؛ إذا أشتعل نار الشدة؛ فأطفئها ما في وسعك بماء ولا تنال جهداً في توسيع حلق البلاء ليحصل الرخاء، والخروج عنها في الجملة.

ص: 234

وقَالَ عليه السلام: «لِبَعْضِ أَصْحَابِه لَا تَجْعَلَنَّ أَكْثَرَ شُغُلِكَ بِأَهْلِكَ ووَلَدِكَ»: اي الشغل القليل مندوب بالنسبة إلى مثل ذلك المخاطب ثم برهن ذلك.

«فَإِنْ يَكُنْ أَهْلُكَ ووَلَدُكَ أَوْلِيَاءَ الله فَإِنَّ الله لَا يُضِيعُ أَوْلِيَاءَه وإِنْ يَكُونُوا أَعْدَاءَ الله فَمَا هَمُّكَ وشُغُلُكَ بِأَعْدَاءِ الله»: فعلى كلا التقديرين لا ينبغي لك أن تجعل أكثر شغلك بأهلك.

وقَالَ عليه السلام: «أَكْبَرُ الْعَيْبِ أَنْ تَعِيبَ مَا فِيكَ مِثْلُه»: أي فيه تنفير عن ذلك.

«وهَنَّأَ بِحَضْرَتِه رَجُلٌ رَجُلًا بِغُلَامٍ وُلِدَ لَه فَقَالَ لَه لِيَهْنِئْكَ الْفَارِسُ فَقَالَ لَا تَقُلْ ذَلِكَ ولَكِنْ قُلْ شَكَرْتَ الْوَاهِبَ وبُورِكَ لَكَ فِي الْمَوْهُوبِ وبَلَغَ أَشُدَّه ورُزِقْتَ

بِرَّه»: ليهنئك الفارس من بهائي الجاهلية والفارس ربما يهلك الإنسان وكره عليه السلام التهنئة بذلك، وأمره أن يقال شكرت الواهب هو الله تعالى وهذا دعاء، وأن كان لفظة الخبر، وكذلك ما بعده بلغ أشده أي عاش طويلاً قتل، وتحقيقه أن يعيش إلى قرب أربعين سنة.

وبَنَى رَجُلٌ مِنْ عُمَّالِه بِنَاءً فَخْماً: عظيماً «فَقَالَ أَطْلَعَتِ الْوَرِقُ»: الدرهم رُءُوسَهَا»: استعارة حسنة على إظهار الغنى وعليك من نفسك استخراجه والشبهة.

«إِنَّ الْبِنَاءَ يَصِفُ لَكَ الْغِنَى»، وقِيلَ لَه عليه السلام: «لَوْ سُدَّ عَلَى رَجُلٍ بَابُ بَيْتِه وتُرِكَ فِيه مِنْ أَيْنَ كَانَ يَأْتِيه رِزْقُه» فَقَالَ عليه السلام: «مِنْ حَيْثُ يَأْتِيه أَجَلُه»: كان القائل قليل العقل، قاس الغائب الكامل القدرة على الشاهد الناقص؛ فأجاب عليه السلام بأن سد الباب مانع بالنسبة إلى القدير الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

ص: 235

«وعَزَّى قَوْماً عَنْ مَيِّتٍ مَاتَ لَهُمْ» فَقَالَ عليه السلام: «إِنَّ هَذَا الأَمْرَ»: الموت «لَيْسَ لَكُمْ بَدَأَ ولَا إِلَيْكُمُ انْتَهَى: تسلية لهم قال الموت عام لا يختص بکم وقاطع الأجل أن لم يكن اليوم فقد يكون.

«وقَدْ كَانَ صَاحِبُكُمْ هَذَا يُسَافِرُ فَعُدُّوه فِي بَعْضِ أَسْفَارِه فَإِنْ قَدِمَ عَلَيْكُمْ وإِلَّا قَدِمْتُمْ عَلَيْه».

وقَالَ عليه السلام: «أَيُّهَا النَّاسُ لِيَرَكُمُ الله مِنَ النِّعْمَةِ وَجِلِینَ كَمَا يَرَاكُمْ مِنَ النِّقْمَةِ فَرِقِینَ»: خائفين أي إذا أنعم الله عليكم في الدنيا فينبغي أن تكونوا خائفين فيراكم تعالی كذلك كما يراكم، وما مصدرية.

إبراهيم بن عبد الله قال سمعت أن الله عز وجل أوحي إلى نبيه؛ وخليله إبراهيم صلوات الله عليه ما هذا الرجل الشديد يا رب كيف لا أوجل ولا أكون على وجل آدم أبي صلوات الله عليه كان محله من القرب منك خلقته ونفخت من روحك، وأمرت الملائكة بالسجود له؛ فبزله واحدة أخرجته من جوارك؛ فأوحى الله تعالى إليه يا إبراهيم أما علمت أن معصية الحبيب على الحبيب شديد.

إِنَّه مَنْ وُسِّعَ عَلَيْه فِي ذَاتِ يَدِه»: أي حاله من الغني والفقر.

«فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ اسْتِدْرَاجاً»: أخذ على الغرة «فَقَدْ أَمِنَ مَخُوفاً ومَنْ ضُيِّقَ عَلَيْه فِي ذَاتِ يَدِه فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ اخْتِبَاراً فَقَدْ ضَيَّعَ مَأْمُولًا»: أراد أن بالغني أن يري بعين البصيرة مآل الحال وأن ذلك استدراج وإمهال من الملك المتعال كي ينفق في سبيل الله المال، وبالمضيق عليه أن لا يقنط من رحمته، ولم يقدم في دائرة معصية، ولأن ظن أن من أولاه الله الألاء؛ فليحمه، ومن لا فليعصمه بل قد يكون العالم محروماً والجاهل مرزوقاً كما روي عنه عليه السلام:

ص: 236

كم من أديب فطن عالم ٭٭٭ مستكمل العقل مقل عديم

ومن جهول مكثر ماله ٭٭٭ ذلك تقدير العزيز العليم

وقَالَ عليه السلام: «يَا أَسْرَى الرَّغْبَةِ أَقْصِرُوا فَإِنَّ الْمُعَرِّجَ عَلَى الدُّنْيَا لَا يَرُوعُه مِنْهَا إِلَّا صَرِيفُ أَنْيَابِ الْحِدْثَانِ»: ناداهم بهذا النداء للتعسير وأستعير لهم أسرى لغلبة الرعية في الدنيا عليهم، ومغلوب بينهم على الدنيا والمعرج العاطف عليها الميال، والمقيم لديها لا يروعه لا يخوفه وصريف أثبات الدثان صوب أسنان الدهر، وهذا كناية لطيفة عن أمارة البطش الشديد من الدهر مستعار من صريف باب البعير النائح، وعليك باستخراج وجه الشبه وتعيين المشبه والمشبه به.

«أَيُّهَا النَّاسُ تَوَلَّوْا مِنْ أَنْفُسِكُمْ»: يعني أدبوا أنفسكم ولا تتركوا «تَأْدِيبَهَا»: إلى الليل والنهار.

«واعْدِلُوا بِهَا عَنْ ضَرَاوَةِ عَادَاتِهَا»: يقال ضري الكلب ضراوة أي تعود وأضره صاحبة عوده وفي النسخ ضراوة أي أعدلوا بها عما يركز منکم من الاشتغال بالدنيا الدنية.

وقَالَ عليه السلام: «لَا تَظُنَّنَّ بِكَلِمَةٍ خَرَجَتْ مِنْ أَحَدٍ سُوءاً وأَنْتَ تَجِدُ لَهَا فِي الْخَیْرِ مُحْتَمَلًا»: أي ليحتمل كلمة ذات وجهين على الوجه الخير، فأن ذلك لفوائد كثيرة منها نائرة إطفاء الغضب، ومن هذا القبيل ما سماه العلماء أسلوب الحكيم كقول: القبعثري للحجاج لما قاله له متوعدا بالقيد لأحملنك على الأدهم مثل الأمير يحمل على الأدهم والأشهب فإنه أبرز وعيده في معرض الوعد، وكذا

ص: 237

قوله لما قال له في الثالثة أنه حديد لأن يكون حديداً خير من أن يكون بليداً قال الشاعر:

أتت تشتكي عندي مزاولة القرى ٭٭٭ وقد رأت الضيفان ينحون منزلي

فقلت كأني ما سمعت كلامها ٭٭٭ هم الضيف جدي في قراهم وعجلي

وقَالَ عليه السلام: «إِذَا كَانَتْ لَكَ إِلَی الله سُبْحَانَه حَاجَةٌ فَابْدَأْ بِمَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِه ثُمَّ سَلْ حَاجَتَكَ فَإِنَّ الله أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ حَاجَتَیْنِ فَيَقْضِيَ إِحْدَاهُمَا

ويَمْنَعَ الأُخْرَى».

وقَالَ عليه السلام: «مَنْ ضَنَّ بِعِرْضِه فَلْيَدَعِ الْمِرَاءَ»: أي يحل بنفسه وأحبها فليترك الجدال إذا المجادلة قد تقضي إلى وقائع كثيرة.

وقَالَ عليه السلام: «مِنَ الْخُرْقِ»: البله والحمق «الْمُعَاجَلَةُ قَبْلَ الإِمْكَانِ والأَنَاةُ»: السكون «بَعْدَ الْفُرْصَةِ»: وذلك ظاهر فأن كامل يتحرى لا يعجل ولا يؤخر.

وقَالَ عليه السلام: «لَا تَسْأَلْ عَمَّا لَا يَكُونُ فَفِي الَّذِي قَدْ كَانَ لَكَ شُغُلٌ»: أي طب نفساً بالحلال عن الحرام، وبما رزقك الله عما لم يؤتك أي لم يعطك فأنه كاف مع أنك بسببه تشغل عن الطاعات، وروي لا تسأل عما لم يكن يعني قد كان قبلك من العبر ما لو اعتبرت تسأل عن الأحوال التي لا تكون ولا تضيع وقتك بذلك.

وقَالَ عليه السلام: «الْفِكْرُ مِرْآةٌ صَافِيَةٌ»: يرى فيها صور المعقولات تسأل عن الأحوال التي لا تكون، ولا تضيع وقتك بذلك.

ص: 238

«والِاعْتِبَارُ مُنْذِرٌ نَاصِحٌ وكَفَى أَدَباً لِنَفْسِكَ تَجَنُّبُكَ مَا كَرِهْتَه لِغَیْرِكَ الْعِلْمُ مَقْرُونٌ بِالْعَمَلِ»: أي من نور قلبه بنور العلم زین أركانه، وجوارحه بحلل الأعمال روي عنه عليه السلام أنه قال: العلم ثلاثة أحرف عينه من العليين ولأمه من اللطف، وميمه من الملك يبلغ صاحبه إلى الدرجات والزلفي في الدنيا والعقبي وإلى ملك الآخرة.

«فَمَنْ عَلِمَ عَمِلَ والْعِلْمُ يَهْتِفُ بِالْعَمَلِ فَإِنْ أَجَابَه وإِلَّا»: إن لم يجبه «ارْتَحَلَ عَنْه»: يهتف يصح وأن لم ير فاعله كما يقال: هتف به هاتف من الملائكة شبه العلم بمن يدعوا يسير وجليسه في محل موحش؛ فاستعير الهتف والارتحال له وحاصل الكلام أن العلم، والعمل يحفظان عن الشخص الزلل فأن عمل کما أمره الملك العلام يدوم نور قلبه من العلم، وإلا فإلى الانعدام، والعلم من حيث هو إلى لجذب العالم إلى الطاعات سيما إذا كان مع استمتاع المنفرات عن ترکها مثل ما روي: أن مثَل الذي يتعلم العلم ولا يعمل به كمثل أمرئة زنت في السر؛ فحملت فظهر حبلها؛ فافتضحت فذلك من لا يعمل بعلمه يفضحه الله تعالى يوم القيامة على رؤوس الأشهاد.

وقَالَ عليه السلام: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَتَاعُ الدُّنْيَا حُطَامٌ مُوبِئٌ»: أي مال الدنيا، وسمي بالحطام، وهو ما یکسر من اليبس لحقارتها الذي تأتي بالوباء وهو مرض عام يقال: أوبأت الأرض؛ فهي موبئة ووبئت فهي وبيئة.

«فَتَجَنَّبُوا مَرْعَاه»: المرعي الرعي والموضع والمصدر وفي المثل مرعي ولا کالسعدان أمر بالتزهيد في الدنيا ومتاعها.

«قُلْعَتُهَا أَحْظَى مِنْ طُمَأْنِينَتِهَا»: يقال هم على قلعة أي على رحلة أحظى أكثر

ص: 239

خطوة أي دولة وانتفاعاً «ويكفيها»(1)«أَزْكَى»: أنمى وأظهر مِنْ «ثَرْوَتَهِا»: كثرة مالها «حُکِمَ عَلَى مكُثْرِ مِنْهَا»: من كثر ماله «بِالْفَاقَةِ»: الفقر «وأُعِینَ مَنْ غَنِيَ عَنْهَا بِالرَّاحَةِ»: وروي وأعني بدال أعين أي أغناه الله عيناً «ومن غنى بالراحة»: أي من أستغني عنها أي عن طلب الدنيا «مَنْ رَاقَه»: أعجبه «زِبْرِجُهَا»: زینها «أَعْقَبَتْ نَاظِرَيْه كَمَهاً»: ورنت عينيه عمی، والكمه أبلغ العمي.

«ومَنِ اسْتَشْعَرَ الشَّغَفَ بِهَا»: أي جعل الحرص بالدنيا شعاره «مَلأَتْ ضَمِیرَه أَشْجَاناً»: أحزاناً لَهُنَّ»: للأشجان «رَقْصٌ»: غليان واضطراب «عَلَى سُوَيْدَاءِ»: حبة «قَلْبِه»: بسبب مکره في تحصيلیه وعدم حصولها والحال أن:

ما لا يكون فلا يكون بحيلة ٭٭٭ أبدا وما هو كائن فيكون

سيكون هو كائن في وقته ٭٭٭ وأخو الجهالة متعب محزون

يسعى القويّ فلا ينال بسعيه ٭٭٭ حظَّا ویحظی عاجز ومهین(2)

«هَمٌّ يَشْغَلُه وغَمٌّ يَحْزُنُه كَذَلِكَ حَتَّى يُؤْخَذَ بِكَظَمِه»: مجرى نفسه «فَيُلْقَى بِالْفَضَاءِ مُنْقَطِعاً أَبْهَرَاه»: عرقان متصلان بالقلب.

«هَيِّناً عَلَى الله فَنَاؤُه وعَلَى الإِخْوَانِ إِلْقَاؤُه»: أي ويجب عليهم ملاقاته وانتقالهم من دار الفناء إلى دار البقاء.

«وإِنَّمَا يَنْظُرُ الْمُؤْمِنُ إِلَی الدُّنْيَا بِعَیْنِ الِاعْتِبَارِ»: كقوله تعالى عز من قائل: «قُلِ

ص: 240


1- ورد في بعض متون النهج وبُلْغَتُهَا
2- الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني: ج 20 ص 275 عن ابن أبي لهيعة قال: حفر في بعض أفنية مكة، فوجد فيه حجر عليه منقوش الأبيات أعلاه

انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ»:(1)«ويَقْتَاتُ مِنْهَا»: بطلب القوت منها «بِبَطْنِ الِاضْطِرَارِ»: أي باضطرار البطن «ويَسْمَعُ فِيهَا بِأُذُنِ الْمَقْتِ والإِبْغَاضِ»: يعني أن أسمع أن أحداً يصف الدنيا يغيظ، ولا يميل إليها وذلك لبصارة بصيرته، ولما قيل من أن العبادة من الفقير كعقد جوهر على حسناء، والعبادة من العني كشجرة خضراً على مزبلة قال بعضهم ما أنصفنا إخواننا الأغنياء يحبوننا في الله، ويفارقوننا في الدنيا؛ فأنه يأتي يوم يسرهم ان يكونوا بمنزلنا، ولا يسرنا أن نكونَ بمنزلتهم.

وفي هذا المعنى، ولا قط يغيظ أهل دنیاهم؛ فأنهم غداً يغبطونك يحزنون ويفرح فما ذاك إلا فتنة أي فتنة بها نطقت طه عن الحق الفصيح أعني قوله تعالى «وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى»(2)وروي أن حليب الناس جميل الشيم.

أبراهيم ابن أدهم أتاه رجل بعشرة آلاف ردهم فأبى أن يقبلها وقال: يزيد أن تمحوا أسمي من ديوان الفقراء بعشرة آلاف درهم لا أفعل ولله در القائل:

ولست بميال إلى جانب الغنی ٭٭٭ إذا كانت العلياء في جانب الفقر(3)

«إِنْ قِيلَ أَثْرَى»: كثر ماله «قِيلَ أَكْدَى»: قل خيري قال تعالى «وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى»(4)أي قطع القليل.

«وإِنْ فُرِحَ لَه بِالْبَقَاءِ حُزِنَ لَه بِالْفَنَاءِ هَذَا»: أي خذ هذا أو مضى هذا.

ص: 241


1- سورة يونس: الآية 101
2- سورة طه: الآية 131
3- الأغاني لابي الفرج الأصفهاني: ج 13 ص 154
4- سورة النجم: الآية 34

«ولَمْ يَأْتِهِمْ يَوْمٌ فِيه يُبْلِسُونَ»: يقنطون يقال: أبلس من رحمة الله أي يئس ثم أشار إلى حكمه تعالى ووضعه الثواب والعقاب فقال:

وقَالَ: «إِنَّ الله سُبْحَانَه وَضَعَ الثَّوَابَ عَلَى طَاعَتِه والْعِقَابَ عَلَى مَعْصِيَتِه»: الأول فضل والثاني عدل «ذِيَادَةً لِعِبَادِه»: دفعاً للعباد «عَنْ نِقْمَتِه»: عقوبته «وحِيَاشَةً»: جمعاً «لَهُمْ إِلَی جَنَّتِه»: ثم وصف أهل هذا الزمان بأن الفتنة تكون بسببهم ويخرج منهم إلى غيرهم ومن سد عن تلك الفتنة ويفرق عنها یردونه فيها.

وقَالَ عليه السلام: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَبْقَى فِيهِمْ مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا رَسْمُه» : أثره أي تكون المصاحف ويقرأ القرآن ولا يعمل بما فيه من الأحكام. «ومِنَ

الإِسْلَامِ إِلَّا اسْمُه ومَسَاجِدُهُمْ يَوْمَئِذٍ عَامِرَةٌ مِنَ الْبِنَاءِ خَرَابٌ مِنَ الْهُدَى سُكَّانُهَا وعُمَّارُهَا شَرُّ أَهْلِ الأَرْضِ مِنْهُمْ تَخْرُجُ الْفِتْنَةُ وإِلَيْهِمْ تَأْوِي الْخَطِيئَةُ يَرُدُّونَ مَنْ شَذَّ

عَنْهَا فِيهَا ويَسُوقُونَ مَنْ تَأَخَّرَ عَنْهَا إِلَيْهَا يَقُولُ الله سُبْحَانَه فَبِي حَلَفْتُ لأَبْعَثَنَّ عَلَى أُولَئِكَ فِتْنَةً»: أي جزاء فتنة وأخلي بينهم وبين فتنة وقعت وأخذلهم. «تَتْرُكُ الْحَلِيمَ فِيهَا حَیْرَانَ وقَدْ فَعَلَ»: أي قد خذلهم الله تعالى.

«ونَحْنُ نَسْتَقِيلُ الله»: نطلب الإقالة «عَثْرَةَ الْغَفْلَةِ»: وفي الخبر قال صلى الله عليه [وآله] وسلم «تكون فتنة تستنظف العرب قتلاها في النار اللسان فيها أشد من وقع السيف»(1)وإنما هم من أهل النار ما قصدوا بتلك المقاتلة والخروج إليها أعلاء الدين أو دفع ظالم أو إغاثة بحق وإنما كان قصدهم التناغي والتشاجر طمعاً في الملك، والمال، وكان أمير المؤمنين علي عليه السلام هو المحق المصيب في تلك الحروب وكانت القضايا مشتبه حتى أن جماعة من الصحابة تحيروا فيها؛

ص: 242


1- مسند أحمد بن حنبل: ج 2 ص 212؛ سنن ابن ماجه لمحمد بن یزید القزويني: ج 2 ص 1312؛ سنن الترمذي: ج 3 ص 320

فاعتزلوا الطائفتين، ولم يقاتلوا، ولم یيقنوا الصواب لم ساحروا عن مساعدته.

«ورُوِيَ أَنَّه قَلَّمَا اعْتَدَلَ بِه الْمِنْبَرُ»: استقام به وفيه ما لا يخفى على ذي مسكة.

«إِلَّا قَالَ أَمَامَ الْخُطْبَةِ أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا الله فَمَا خُلِقَ امْرُؤٌ عَبَثاً»: لعباً «فَيَلْهُوَ ولَا تُرِكَ سُدًى»: مهلاً «فَيَلْغُوَ»: فيفحش قال عز من قائل «أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ»(1)لا بل خلقتم لمعرفتنا وعبادتنا وقد سبق بيان أمثال هذا الكلام غير مرة.

«ومَا دُنْيَاه الَّتِي تَحَسَّنَتْ لَه بِخَلَفٍ مِنَ الآخِرَةِ الَّتِي قَبَّحَهَا سُوءُ النَّظَرِ عِنْدَه»: «قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا»(2)وقال صلى الله عليه [وآله] وسلم «ليس لأبن آدم حق فيما سوى هذه الخصال بيت يسكنه وثوب یوري به عورته»(3)وخلف الخبز والماء ومن أشعاره الملاح:

النفس تبكي على الدنّيا وقد علمت ٭٭٭ أن السلامة منها ترك ما فيها

لا دار للمرء بعد الموت يسكنها ٭٭٭ إلَّا الَّتي كان قبل الموت بانيها

فإن بناها بخير طاب مسكنها ٭٭٭ وإن بناها بشرّ خاب ثاويها

أين الملوك الَّتي كانت مسلَّطة ٭٭٭ حتّى سقاها بكأس الموت ساقيها

لكلّ نفس وإن كانت على ٭٭٭ وجل من المنيّة آمال تقويّها

فالمرء يبسطها والدّهر يقبضها ٭٭٭ والنفس تنشرها والموت تطوبها

ص: 243


1- سورة المؤمنون: 115
2- سورة النساء: الآية 77
3- يُنظر: سنن الترمذي: للترمذي: ج 4 ص: 3

«ومَا الْمَغْرُورُ الَّذِي ظَفِرَ مِنَ الدُّنْيَا بِأَعْلَى هِمَّتِه كَالآخَرِ الَّذِي ظَفِرَ مِنَ الآخِرَةِ بِأَدْنَى سُهْمَتِه»: نصبيه.

وقَالَ «لَا شَرَفَ أَعْلَى مِنَ الإِسْلَامِ»: يعني متابعة الشريعة، والأعراض عن الطبيعة، وظاهر أن لا شرف أعلى من شرف الإسلام؛ إذ هو في الدنيا والعقبي.

«ولَا عِزَّ أَعَزُّ مِنَ التَّقْوَى»: من قبيل ليل اليل أي في التقوى غاية العزة.

«ولَا مَعْقِلَ»: ملجأ «أَحْسَنُ مِنَ الْوَرَعِ»: الخروج من كل شبهة ومحاسبة النفس في كل لحظة وذلك حصن حصين لا يدخله المسوس ومن الآثار النبوية لو صليتم حتى تكونوا حنايا وصمتم حتى تكونوا كالأوتار وجرى من أعينكم الدموع مثل الأنهار فما نفعكم إلا بالورع.

«ولَا شَفِيعَ أَنْجَحُ مِنَ التَّوْبَةِ»: إذ التوبة النصوح سبب للنجاة كلها.

«ولَ كَنْزَ أَغْنَى مِنَ الْقَنَاعَةِ»: إذ صاحبها في الراحة في كلتا الدارين.

«ولَا مَالَ أَذْهَبُ لِلْفَاقَةِ مِنَ الرِّضَی بِالْقُوتِ»: فان من رضي بالقوت وتوكل على الحي الذي لا يموت لم يفتقر إلى غيره لأجل المسألة.

«ومَنِ اقْتَصَرَ عَلَى بُلْغَةِ الْكَفَافِ فَقَدِ انْتَظَمَ الرَّاحَةَ وتَبَوَّأَ خَفْضَ الدَّعَةِ»: البلغة ما يبلغ به العيش والكفاف من الرزق القوت وهو ما كف عن الناس أي أعني النفس تجزع أن تكون فقيرة، والفقر خير من غنى يطغيها، وغنى النفوس هو الكفاف، وأن أنت فجميع ما في الأرض، ولا يكفيها تبوء منزلاً نزلته وتبوء خفض الدعة أي ألزم الراحة من قنع، والإضافة بمعنی کري اليوم.

«والرَّغْبَةُ مِفْتَاحُ النَّصَبِ ومَطِيَّةُ التَّعَبِ»: شبه تارة الرعية بالمفتاح من حيث

ص: 244

أنها آلة فتح باب النصب وتارة بالمطية من حيث أن التعب يرد عليه فكأنه تركبها، وفيه إشارة إلى مسألة، وهي أن الإتيان بالفعل الاختياري لا يتصور إلا لمن رغب فيه أولاً وقد برهن على ذلك في موضعه.

«والْحِرْصُ والْكِبْرُ والْحَسَدُ دَوَاعٍ إِلَی التَّقَحُّمِ فِي الذُّنُوبِ»: وفي الخبر أنه قال صلى الله عليه [وآله] وسلم في ثلاث الفخر والحسد والحرص أما الفخر فمنع ابليس لعنه الله أن يسجد لأدم صلوات الله عليه والحرص حمل آدم على أن أكل من الشجرة والحسد حمل أبن آدم على أن قتل آخاه رغبة في حب الدنيا والنساء الأخرة.

«والشَّرُّ جَامِعُ مَسَاوِئِ الْعُيُوبِ»: أي هو ضد الخير وهو أمر كلي تحيته أفراد كثيرة وقد قسم إلى شر مطلق كعدم العقل مثلاً وإلى شر مقید کالمال.

وقَالَ: «لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله الأَنْصَارِيِّ يَا جَابِرُ قِوَامُ الدِّينِ والدُّنْيَا بِأَرْبَعَةٍ عَالِمٍ مُسْتَعْمِلٍ عِلْمَه»: يحتمل عالم وما بعده الخبر والبيان والرفع على الخيرية يريد أن القسام الأزلي قسم الناس أربعة أقسام ومدار الدنيا عليهم قسم أوقد وافي مشكاة صدورهم مصابيح العلوم، وقسم يقتبسون من نورهم ويستضیؤن بما في صدورهم، وقسم توجههم الله بتيجان الغنى، وهم ينفقون أموالهم فيما يحب الله تعالى، ويرضى والقسم الرابع الفقراء، وهم الذين توكلوا وتحملوا وجمعوا يفرغوا للطاعات البينة، وجمعوا بين العبادات القلبية والبدنية وأطلع الحق سبحانه وتعالى على قلبوهم؛ فلم يجد حباً لغيره فأكرمهم بقربه ووهب لهم ما لا تفهمه العقول من فضله، وخيره؛ فإذا ضيع العالم علمه أستكشف الجاهل أن يتعلم وأما إذا عرف قدر العلم وعمل على ما اقتضاه فالمفسدون يترددون إليه ويتعلمون منه.

ص: 245

«وإِذَا بَخِلَ الْغَنِيُّ بِمَعْرُوفِه بَاعَ الْفَقِیرُ آخِرَتَه بِدُنْيَاه»: لأنه يمدح ويكذب وقد يفضي إلى ذنوب أخرى ثم اشار إلى أن الأموال في يد الغنى كلها لله تعالى كالعارية فأن عمل فيه كما أمره الله يديم وإلا فلا وذلك قوله: «مَنْ كَثُرَتْ نِعَمُ الله عَلَيْه كَثُرَتْ حَوَائِجُ النَّاسِ إِلَيْه فَمَنْ قَامَ للهِ فِيهَا بِمَا يَجِیبُ فِيهَا عَرَّضَهَا لِلدَّوَامِ والْبَقَاءِ

ومَنْ لَمْ يَقُمْ فِيهَا بِمَا يَجِبُ عَرَّضَهَا لِلزَّوَالِ والْفَنَاءِ»: ثم أشار إلى مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال:(1)

«أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ إِنَّه مَنْ رَأَى عُدْوَاناً يُعْمَلُ بِه ومُنْكَراً يُدْعَى إِلَيْه فَأَنْكَرَه بِقَلْبِه فَقَدْ سَلِمَ وبَرِئَ ومَنْ أَنْكَرَه بِلِسَانِه فَقَدْ أُجِرَ وهُوَ أَفْضَلُ مِنْ صَاحِبِه ومَنْ أَنْكَرَه

بِالسَّيْفِ لِتَكُونَ كَلِمَةُ الله هِيَ الْعُلْيَا وكَلِمَةُ الظَّالِمِینَ هِيَ السُّفْلَی فَذَلِكَ الَّذِي أَصَابَ سَبِيلَ الْهُدَى وقَامَ عَلَى الطَّرِيقِ ونَوَّرَ فِي قَلْبِه الْيَقِینُ»: روى الطبري في تاريخه عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى الفقيه وكان ممن خرج لقتال الحجاج مع أبن الأشعث أنه قال: فيم كان يخصص به الناس على الجهاد إني سمعت علياً عليه السلام يقول يوم لقينا أهل الشام أيها المؤمنون الفصل ومعناه أن الأمر والشأن من رأي عدونا وهو أشد الظلم يعمل به قوم أي يظلمون عباد الله أو رأى منكراً كالزنى واللواط وشرب الخمر يدعو إلى فعلها قوم غيرهم ولم يمكنه الأنكار بالقلب فيكون منکراً باللسان أيضاً فأنكره بلسانه فله الأجر والثواب زيادة على سلامته من عذاب الدنيا وعذاب الآخرة وأن أمكنه الأنكار بالسيف، وفعل فذلك اعظام وتعظيم

ص: 246


1- ورد في بعض متون النهج: هذه الزيادة ولعلها سقط من المصنف وجَاهِلٍ لاَ يَسْتَنْكِفُ أَنْ يَتَعَلَّمَ وجَوَادٍ لَا يَبْخَلُ بِمَعْرُوفِه وفَقِیرٍ لَا يَبِيعُ آخِرَتَه بِدُنْيَاه فَإِذَا ضَيَّعَ الْعَالِمُ عِلْمَه اسْتَنْكَفَ الْجَاهِلُ أَنْ يَتَعَلَّمَ يَا جَابِرُ ورَوَى ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي تَارِيخِه: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى الْفَقِيه وكَانَ مِمَّنْ خَرَجَ لِقِتَالِ الْحَجَّاجِ مَعَ ابْنِ الأَشْعَثِ أَنَّه قَالَ فِيمَا كَانَ يَحُضُّ بِه النَّاسَ عَلَى الْجِهَادِ إِنِّي سَمِعْتُ عَلِيّاً رَفَعَ الله دَرَجَتَه فِي الصَّالِحِینَ وأَثَابَه ثَوَابَ الشُّهَدَاءِ والصِّدِّيقِینَ يَقُولُ يَوْمَ لَقِينَا أَهْلَ الشَّامِ

للشريعة التي هي كلمة الله إزاله واستخفاف لبدعة الظلمة ويورث السخرة أخرجت نورها وتنوير أزهارها والتنوير بالإنارة والإضاءة أيضاً ونور هاهنا يجوز أن يكون مستعار من الموضعين.

«وفِي كَلَامٍ آخَرَ لَه يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى فَمِنْهُمُ الْمُنْكِرُ لِلْمُنْكَرِ بِيَدِه ولِسَانِه وقَلْبِه فَذَلِكَ الْمُسْتَكْمِلُ لِخِصَالِ الْخَیْرِ ومِنْهُمُ الْمُنْكِرُ بِلِسَانِه وقَلْبِه والتَّارِكُ بِيَدِه فَذَلِكَ مُتَمَسِّكٌ بِخَصْلَتَیْنِ مِنْ خِصَالِ الْخَیْرِ ومُضَيِّعٌ خَصْلَةً ومِنْهُمُ الْمُنْكِرُ بِقَلْبِه والتَّارِكُ بِيَدِه ولِسَانِه فَذَلِكَ الَّذِي ضَيَّعَ أَشْرَفَ الْخَصْلَتَیْنِ مِنَ الثَّلَاثِ وتَمَسَّكَ بِوَاحِدَةٍ ومِنْهُمْ تَارِكٌ لإِنْكَارِ الْمُنْكَرِ بِلِسَانِه وقَلْبِه ويَدِه فَذَلِكَ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ»: هذه الرواية وردت في حق من أمكنه الأنكار باليد واللسان والقلب فإن أنكر فقد أتم أسباب الخير وأن أنكر بأثنين فهو مضيع لأشرف الخصال وتمسك بادناها من وجه وبأشرفها من وجه، فأن ترك الأنكار مع القدرة بثلاثتها فهو قلبه مع كونه حياً بدنه وأعلم أنه إنما يأمر وينهي من كان عالماً بما يأمر به وينهى عنه کما ستشير عليه السلام وذلك يختلف باختلاف السيء فأن كان من الواجبات الظاهرة، والمحرمات المشهورة كالصلاة والصيام والربا والخمر ونحوها؛ فكل المسلمين عالم بها، وأن كان من دقائق الأفعال، والأقوال ومما يتعلق بالاجتهاد لم يكن للعوام مدخل فيه، ولا لهم إنكاره بل ذلك للعلماء والعلماء أنما ينكرون ما أجمع عليه الأئمة الهداة أما المختلف فيه فلا أنکار فيه لأن أعلى أحد المذهبين كل مجتهد نصيب؛ وينبغي للأمر والناهي أن يرفق ليكون أقرب ليكون إلى تحصيل المطلوب فقد قال الإمام عليه السلام من وعظ أخاه شراً فقد نصحه ومن، وعظ علانية فقد فضحه، وسامه وأعلم أن باب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر باب عظيم في الدين به قوام الأمر وملائكته وإذا سد عم العقاب الصالح، والطالح ومن قال ومن هنا قال

ص: 247

عليه السلام.

«ومَا أَعْمَالُ الْبِرِّ كُلُّهَا والْجِهَادُ فِي سَبِيلِ الله عِنْدَ الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ إِلَّا كَنَفْثَةٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ»: النفث قذف الريق القليل وقوله الحي أي منسوب إلى لجة البحر والمراد هنا المبالغة في القلة والكثرة ومن فوائدهما «إِنَّ الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ والنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ لَا يُقَرِّبَانِ مِنْ أَجَلٍ ولَا يَنْقُصَانِ مِنْ رِزْقٍ»: بخلاف خلاف ذلك فأنه ينقص من الرزق ويحق الكل بعمل البعض قال صلى الله عليه [وآله] وسلم أن الله تعالى لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه فإذا فعلوا ذلك عذب الله العامة، والخاصة حكي بعض الأئمة كان إذا رأى منكراً ولم يستطيع أن يغيره بالدم أياماً كثيرة.

«وأَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ»: أي اكثر ثواباً «كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ إِمَامٍ جَائِرٍ»: وروي كلمة حق ومن قال عند الجائر الخشن أنما يكون ذلك أفضل الأعمال إذا كان يؤثر فيه، ولا يكون مفسدة للقائل في نفسه بذلك، ولا في ماله، ولا في غيره وأن أستنصره من قبل الظالم، وكان في عزة الإسلام ينبغي أن يقول أيضاً؛ فأن لم يكن كذلك فليس له أن يقول إلا قولاً ليناً لعله يتذكره ويخشى ثم ذكر أنه ينبغي أن يعرف المعروف، والمنكر أولاً حتى يمكن الأمر بذلك، والنهي عن هذا وذلك قوله:

وعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عليه السلام يَقُولُ: «أَوَّلُ مَا تُغْلَبُونَ عَلَيْه مِنَ الْجِهَادِ الْجِهَادُ بِأَيْدِيكُمْ ثُمَّ بِأَلْسِنَتِكُمْ ثُمَّ بِقُلُوبِكُمْ فَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ بِقَلْبِه مَعْرُوفاً ولَمْ يُنْكِرْ مُنْكَراً قُلِبَ فَجُعِلَ أَعْلَاه أَسْفَلَه وأَسْفَلُه أَعْلَاه»: ثم أشار إلى أول زمان الحق الباطل وآخرهما بقوله:

وقَالَ عليه السلام: «إِنَّ الْحَقَّ ثَقِيلٌ مَرِيءٌ»: أي العمل على متقتضى الشريعة.

ص: 248

«وإِنَّ الْبَاطِلَ خَفِيفٌ وَبِيءٌ»: يعني أن الحق في بدئه يقتل على العامل لأنه خلاف مقتضى الطبيعة وآخره مريء دافع لعطش المثوبة وأن الباطل أوله على العامل لأنه خلاف مقتضى الطبع لكن عاقبته شر ووباء وفيه كناية عن الثقل وعدم التحمل.

وقَالَ عليه السلام: «لَا تَأْمَنَنَّ عَلَى خَیِرْ هَذِه الُأمَّةِ عَذَابَ الله لِقَوْلِه تَعَالَی «فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ»(1)أي لا يأمن من أخذه العبد من حيث إلا یحتسب إلا القوم الخاسرون عقولهم، وفيه تنبيه على أن لا يأمن دائماً فلا يليق بالغير أن يأمنه عليه عذابه.

«ولَا تَيْأَسَنَّ لِشِّر هَذِه الُأمَّةِ مِنْ رَوْحِ الله لِقَوْلِه تَعَالَی «إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ»(2)»: روح الله رحمته المريحة من الشدة لم يقل منه ليشير بظهور حصوله لمن لم ييأس ولم يقل من روحه ليدل على أنه مقتضى جمعيته إلا القوم الكافرون بقدرته على؛ إفاضة الروح بعد مضي مدة في الشدة وسنته في إفاضة اليسر من العسر سیما في حق من أحسن الظن به، وفيه إرشاد إلى أن الشخص يجب عليه أن يكون بين الخوف والرجاء وعلى الناصح أن يقيمه في ذلك.

وقَالَ عليه السلام: «الْبُخْلُ جَامِعٌ لِمَسَاوِئِ الْعُيُوبِ وهُوَ زِمَامٌ يُقَادُ بِه إِلَی كُلِّ سُوءٍ»: وكفاك شاهد قصة قارون وأمثاله.

وقَالَ عليه السلام: «يَا ابْنَ آدَمَ الرِّزْقُ رِزْقَانِ رِزْقٌ تَطْلُبُه ورِزْقٌ يَطْلُبُكَ فَإِنْ لَمْ تَأْتِه أَتَاكَ فَلَا تَحْمِلْ هَمَّ سَنَتِكَ عَلَى هَمِّ يَوْمِكَ كَفَاكَ كُلُّ يَوْمٍ عَلَى مَا فِيه فَإِنْ تَكُنِ

السَّنَةُ مِنْ عُمُرِكَ فَإِنَّ الله تَعَالَی سَيُؤْتِيكَ فِي كُلِّ غَدٍ جَدِيدٍ مَا قَسَمَ لَكَ وإِنْ لَمْ تَكُنِ

ص: 249


1- سورة الأعراف الآية 99
2- سورة يوسف: الآية 87

السَّنَةُ مِنْ عُمُرِكَ فَمَا تَصْنَعُ بِالْهَمِّ فِيمَا لَيْسَ لَكَ»: خلاصة كلام أن وصول الرزق، وعدم وصوله منوط بالمشيئة الإلهية وما قُدرَ لشخص كأنه يطلبه وما لم يقدر له فلا يناله الطالب بالكد وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويده ملائ لا يغيضها نفقة فبالحري أن لا يشتغل العاقل بطلب الرزق عن عبادة الرازق؛ فأن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ولقد ألجم عليه السلام بلجام الإلزام من يحمل هم سنته على هم يومه بقضيته شرطية لا شك في حصول تاليها عل تقدير حصول مقدمها، وقضية أخرى دالة على أن هم الشخص لما ليس له بذاك، وحاصلهما الترغيب في تفویض الرزق إلى الله تعالى والتوكل على الله، وحبذا ما قيل إذا تأمل الإنسان بعقله، وفهمه ونظر إلى لطف الله تعالى بمكانه في باب الرزق، ولا غنی عن الاضطراب؛ فأنه تعالى وتقدس يرزق الجنين في بطن أمه من قبل سرتها؛ فيوصله الله تعالى بلا تکلف؛ ثم بعد خروجه من الرحم ينقل رزقه إلى ثدي أمه قوله تعالى «وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ»(1)سقا من غير وكاء خرج اللبن بوقت حاجته ويمسك بوقت استغنائه.

سئل بعض أهل المعرفة هل يشك المؤمن الصادق في رزقه قال أن المؤمن قال: أن المؤمن لا يشك في أصل الرزق وهو يعتقد أن رازقه هو الله تعالى وأنه القادر على إيصاله إليه، ولكن شکه من وراء ذلك؛ فأنه يتمنى أن يعلم أنه من أين يأتي، وكيف يأتي، ومتى يأتي، وذلك عيب محجوب عنه قيل الرابعة رضي الله عنها قد غلا السعر بالبصرة قالت لو كانت وزن حبة من الطعام بمثقال من الذهب ما باليت؛ فأن علينا أن نعبده كما أمر وعليه أن يرزقنا کما وعدنا.

قال: الثوري أن خوف العبد من رزقه بعد ضمان الله تعالى له أتعلمون مما قال

ص: 250


1- سورة البلد: الآية 10

ضمان الله تعالى له صفة الربوبية، والاعتماد عليه صفة العبودية وإنما يخاف العبد

لأنه عاجز ولا يجوز أن يكون العاجز بلا خوف وحكي عن سعدون المجنون رضي الله عنه؛ أنه إذا أشتد به الجوع رمى بطرفه إلى السماء ويقول: أتتركني وقد فتحت حلقاً؛ فأنك لا تضيع من خلقته وأنك ضامن للرزق حتى بودي ما ضمنت كما

خلقته، وأني واثق بك يا ألاهي ولكن القلوب كما علمته؛ ثم اشار عليه السلام إلى أن الرزق المقدر للشخص يصل إليه ألبته ولا يغلب عليه غالب في أخذه فقال:

«ولَنْ يَسْبِقَكَ إِلَی رِزْقِكَ طَالِبٌ ولَنْ يَغْلِبَكَ عَلَيْه غَالِبٌ ولَنْ يُبْطِئَ عَنْكَ مَا قَدْ قُدِّر»: وفي بعض النسخ ولا يسبقك بغیر الواو فيكون كالبيان للكلام المتقدم،

ولن يغلب عليه غالب الصبر للرزق قيل أي كن يأخذ رزقك غالب على، وجه الحلال بأن تسارع إليه، وتجتهد له وأن أمكنه أن يأخذ رزقك على، وجه الغضب والظلم؛ فإما بالاستحقاق؛ فلا يمكن.

أقول: الرزق في الأصل مصدر سمي به المرزوق وهو ما يساقه تعالى إلى الحيوان فأنتفع به فيدخل فيه رزق الإنسان، والدواب وغيرهما من المأكول وغیره، ويخرج ما لم ينتفع به، وأن كان السوق للانتفاع يقال فيمن ملك شيئاً، وتمكن

من الانتفاع به، ولم ينتفع أن ذلك لم يصر رزقا قاله وعلى هذا يصح أن كل أحد يستوفي، ولا يأكل أخذ رزق غیره ولا الغیر رزقه بخلاف ما إذا اكتفى بمجرد

صحة الانتفاع، والتمكن منه على ما يراه بعض العلماء نظراً إلى أنواع الأطعمة والثمرات يسمى أرزاقاً ويؤمر بالإنفاق من الأرزاق، ولهذا اختاروا في تفسیر المعنى المصدري التمكن من الانتفاع وفي المعنى ما يصح به الانتفاع، ولم يكن لأحد منعة احراز عن الحرام، وعما أبيح للضيف مثلاً قبل أن يأكل، ومن فسره بما ساقه الله تعالى إلى العبد فأكله لم يجعل غیر المأكول رزقاً عرفاً وأن صح لغة

ص: 251

حيث قال رزقه الله تعالى ولداً صالحاً وظاهر كلامه عليه السلام ينادي بالأول ثم أراد أن تنبه النوام في مراقد الطبيعة عن سني الغفلة فقال:

«رُبَّ مُسْتَقْبِلٍ يَوْماً لَيْسَ بِمُسْتَدْبِرِه ومَغْبُوطٍ»: مسرور «فِي أَوَّلِ لَيْلِه»: والذي يتمنى مثل حاله لحسنها «قَامَتْ بَوَاكِيه فِي آخِرِه»: من أشعاره عليه السلام:

ألا هل إلى طول الحياة سبيل ٭٭٭ وأنى وهذا الموت ليس يحول

وإني وإن أصبحت بالموت موقنا ٭٭٭ فلي أمل من دون ذاك طويل

وللدهر ألوان تروح وتغتدي ٭٭٭ وإن نفوسا بينهن تسيل

و منزل حق لا معرج دونه ٭٭٭ لكل امرئ منها إليه سبيل

قطعت بأيام التعزز ذكره ٭٭٭ وكل عزيز ما هناك ذليل

أرى علل الدنيا علي كثیرة ٭٭٭ وصاحبها حتى الممات عليل

إذا انقطعت يوما من العيش مدتي ٭٭٭ فإن بكاء الباكيات قليل

وقَالَ عليه السلام: «الْكَلَامُ فِي وَثَاقِكَ مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ بِه فَإِذَا تَكَلَّمْتَ بِه صِرْتَ فِي وَثَاقِه»: فيه ترغب إلى حفظ اللسان ويؤكد قوله: «فَاخْزُنْ لِسَانَكَ كَمَا تَخْزُنُ ذَهَبَكَ ووَرِقَكَ فَرُبَّ كَلِمَةٍ سَلَبَتْ نِعْمَةً وجَلَبَتْ نِقْمَةً»: الثوري لا يتكلم بلسانك ما تكسر به اسنانك.

وقَالَ: «لَا تَقُلْ مَا لَا تَعْلَمُ بَلْ لَا تَقُلْ كُلَّ مَا تَعْلَمُ فَإِنَّ الله فَرَضَ عَلَى جَوَارِحِكَ كُلِّهَا فَرَائِضَ»: وهي صرفها إلى ما خلقت لأجلها «يَحْتَجُّ بِهَا

ص: 252

عَلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قال جل سلطانه «إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا»(1)تسأل هذه الأعضاء عما قاله يستشهد بها كما قال يوم «يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ»(2)والمعنى لا تستعمل هذه الأعضاء في محرم وقيل استعمله في دلائل توحيد الله ولا ترض بالتقليد.

وقَالَ علي السلام: «احْذَرْ أَنْ يَرَاكَ الله عِنْدَ مَعْصِيَتِه ويَفْقِدَكَ عِنْدَ طَاعَتِه فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ»: أمره بالحذر أن يراه الله تعالى زمن المعصية والمراد نهيه إذ رؤيته تعالى لازم لمعصيته إذ ما من موجود يصح أن يرى إلا ويراه سبحانه وتعالى ولا یحجبه حاجب أنه هو السميع البصير فيكون من باب أطلاق اللازم وأرادة الملزوم ولقد أعجب فحذف مفعول تفقدها هنا فتأمل وأن لم تحذر فتكون من الخاسرين أعمالًا «الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا»(3).

«وإِذَا قَوِيتَ فَاقْوَ عَلَى طَاعَةِ الله وإِذَا ضَعُفْتَ فَاضْعُفْ عَنْ مَعْصِيَةِ الله»: يعني في كلا الزمانين أعد قواك وأركانك في ميدان الطاعة وأعظ فارسك أعنى النفس الناطقة صولجان العبادة كي تسلب منه زر السعادة وأما المعصية زمن القوة، وترك العبادة أوان الضعف؛ فليس بذاك وقد مر أمثال هذا الكلام وأنه عليه السلام بالغ في التزهيد في الدنيا وفنائها.

وقَالَ عليه السلام: «الرُّكُونُ إِلَی الدُّنْيَا مَعَ مَا تُعَايِنُ مِنْهَا جَهْلٌ»: من سرعة الانتقال وزوال المال، وعروض الأهوال جهل معنی مقتضياً للأحوال الخارجة عن النظام ويحتمل حمله على الأصل على المبالغة، وهو خلو النفس من العلم،

ص: 253


1- سورة الأسراء: الآية 36
2- سورة النور: الآية 24
3- سورة الكهف: الآية 104

ويستعمل أيضاً في اعتقاد الشيء بخلاف ما هو عليه، وفي فعل الشيء بخلاف ما حقه؛ أن يفعل وحمله على أحد من هاذين المعنین هنا محتمل أيضاً يظهر بأدنى تأمل.

«والتَّقْصِیرُ فِي حُسْنِ الْعَمَلِ إِذَا وَثِقْتَ بِالثَّوَابِ عَلَيْه غَبْنٌ»: نقصان يعني أنك واثق بالثواب عليه بالآيات القرآنية، والأحاديث النبوية والكلمات المرضية فلا

تقصر في الأعمال السيئة، والخصال المرضية تمنع من شيمتهم غرار فما بعد العشية

من غرار.

«والطُّمَأْنِينَةُ»: السكون «إِلَی كُلِّ أَحَدٍ قَبْلَ الِاخْتِبَارِ لَه عَجْزٌ»: أصله التأخر عن الشيء وصار في التعارف أسماً للقصور عن فعل الشيء وهو ضد القدرة أراد

النهي عن طمأنينة الشخص إلى آخر والاعتماد عليه قبل الاختبار وإظهار السر عنده، وذلك لأن الأخلاق الذميمة من الحسد وغره على أكثر الأشخاص غالبة،

ومن أشعاره عليه السلام لا تودع السر إلا عند ذي كرم والسر عند كرام الناس مكتوم السر عندي بي بيت له علق قد ضاع مفتاحه والباب محتوم.

وقَالَ عليه السلام: «مِنْ هَوَانِ الدُّنْيَا عَلَى الله أَنَّه لَا يُعْصَى إِلَّا فِيهَا ولَا يُنَالُ مَا عِنْدَه إِلَّا بِتَرْكِهَا»: وذلك لأنهما ضربان لا يجتمعان كما مر يحيى بن معاذ أترك

الدنيا كلها قبل أن يتركه، وعمر قبره قبل أن يدخله وأرضى ربه قبل أن يلقاه شعر:

قالوا غدا العبد ماذا أنت لأنسه فقلت ٭٭٭ خلعة مشتاق حبة جزعاً

فقر وصبر ثوبان بهما وتحتهما ٭٭٭ قلب يري ألفة الأعاد والجمعا

ص: 254

«وقَالَ: مَنْ طَلَبَ شَيْئاً نَالَه أَوْ بَعْضَه»: قال عز من قائل «وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا»(1)يعني أن النعم في خزانة واجب الوجود يعطي بحسب

ما يريد وفيه نوع تنفیر من الحرص، وطلب جمع الدنيا وقد أشار عليه السلام إلى أن غنى العاصي وأن كان خیر بحسب الظاهر؛ فهو شر في الحقيقة وفقر المؤمن عكس ذلك.

وقَالَ عليه السلام: «مَا خَیْرٌ بِخَیْرٍ بَعْدَه النَّارُ ومَا شَرٌّ بِشَرٍّ بَعْدَه الْجَنَّةُ»: ومن أشعاره عليه السلام:

رضيت من الدنيا بقوت وشملة ٭٭٭ وشربة ماء كوزها متكسر

«وكُلُّ نَعِيمٍ دُونَ الْجَنَّةِ فَهُوَ مَحْقُورٌ»: وذلك من وجوه منها قلة بقاية وجميع أمور الدنيا كذلك ألم ترا أن الدهر يوم وليلة يكران من سبب جديد إلى سبب

فقل الجديد الثوب لابد من بلى وقل لاجتماع الشمل لابد من شت.

«وكُلُّ بَلَاءٍ دُونَ النَّارِ عَافِيَةٌ وذلك أيضاً»: وذلك أيضاً من وجوه منها دوامها ثم أشار إلى أن أشد البلاء، وأكثر تبعة مرض الشك، والنفاق وأفضل النعم وأكبرها راحة ميل القلب إلى الاعتقاد، والأعمال كما أمره خالق العباد فقال:

وقَالَ: «أَلَا وإِنَّ مِنَ الْبَلَاءِ الْفَاقَةَ وأَشَدُّ مِنَ الْفَاقَةِ مَرَضُ الْبَدَنِ: وذلك ظاهر وأَشَدُّ مِنْ مَرَضِ الْبَدَنِ مَرَضُ الْقَلْبِ»: وذلك لتفاوت الأثرين فأن المرض البدني سبب الألم الدنيوي والمرض القلبي ذريعة العذاب الآخروي.

ص: 255


1- سورة الشورى: الآية 20

«أَلَا وإِنَّ مِنْ صِحَّةِ الْبَدَنِ تَقْوَى الْقَلْبِ»: فأن صاحبه أكرم عند الله، وعن جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام ذلك، إلا ترى في قلبك شيئاً سوى الله وقد سبق مني كلام في بيان مراتب التقوى، وأن تقوى الجنان إيثار محبة الله شعر:

شغلت قلبي بما لديك فما ٭٭٭ ينفك طول الحياة من فكري

أنستني منك بالوداد وقد ٭٭٭ أوحشتني من جميع ذا البشر

وقَالَ عليه السلام: «لِلْمُؤْمِن»(1): أي الصالح «ثَلاَثُ سَاعَاتٍ فَسَاعَةٌ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّه»: وهي أوقات الصلوات «وسَاعَةٌ يَرُمُّ»: يصلح «مَعَاشَه»: ويروي یروم بمعني يطلب.

«وسَاعَةٌ يُخَلِّي بَیْنَ نَفْسِه وبَیْنَ لَذَّتِهَا فِيمَا يَحِلُّ ويَجْمُلُ»: ولا يحوم حول المنهيات بخلاف الفاسق، وأنت خبير بأن ذلك بالقياس إلى بعض، والمؤمنون اصناف وأعلى منهم مبادر إلى الطاعة مستكثرين من الحسنة، ورع عند الشبهة عظیم الدین شديد الخوف حسن الخلق کریم الطباع قائم بالخشوع لازم للخضوع مستشعر بالقناعة حافظ للجماعة صدوق أمين عطوف رؤف.

«ولَيْسَ لِلْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ شَاخِصاً»: ذاهباً من بلد إلى بلد.

«إِلَّا فِي ثَلَاثٍ مَرَمَّةٍ»: مصلحة «لِمَعَاشٍ أَوْ خُطْوَةٍ فِي مَعَادٍ»: بفتح الحاء وضمها وكسرها المُنزلة.

ص: 256


1- ورد في بعض متون النهج مَنْ أَبْطَأَ بِه عَمَلُه لْمَ يُسِرْعْ بِه نَسَبُه: وفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: مَنْ فَاتَه حَسَبُ نَفْسِه لَمْ يَنْفَعْه حَسَبُ آبَائِه

«أَوْ لَذَّةٍ فِي غَيْرِ مُحَرَّمٍ »: ومن أشعاره عليه السلام:

تغرب عن الأوطان في طلب العلى ٭٭٭ وسافر ففي الاسفار خمس فوائد

تفرج هم واكتساب معيشة ٭٭٭ وعلم وآداب وصحبة ماجد

فان قيل في الأسفار ذل ومحنة ٭٭٭ وقطع الفيافي وارتكاب الشدائد

فموت الفتى خیر له من معاشه ٭٭٭ بدار هوان بین واش وحاسد

ثم أمر بالتزهيد في الدنيا والتنفير عنها فقال:

«ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُبَصِّرْكَ الله عَوْرَاتِهَا»: أي تزهد زهداً حقيقياً يفتح الله عین قلبك فترى مفاتحتها، وقد سبق وجه استعارة العورات، والسر في ذلك أن الزاهد يتلألأ في ظلمات، وهمه أنوار الإيمان، وبحسب ذلك يتجلى ما قاله حبيب الملك

الديان وكلما كان أزهد كان أشد رؤية ولله در من قال:

أخص الناس بالإيمان عبد ٭٭٭ حفيف الحال مسكنه القفار

له في الليل حظ من صلاة ٭٭٭ ومن صوم إذا طلع النهار

وقوت النفس يأتي من كفاف ٭٭٭ وكان له على ذاك اصطبار

وفيه عفة وبه خمول ٭٭٭ إليه بالأصابع لا يشار

و قل الباكيات عليه لما ٭٭٭ قضى نحبا وليس له يسار

فذاك قد نجا من كل شر ٭٭٭ ولم تمسسه يوم البعث نار

ص: 257

«ولَا تَغْفُلْ»: عن خطرات الدنيا «فَلَسْتَ بِمَغْفُولٍ عَنْكَ»: بالمنية بمخالبها تأخذك والله سبحانه يحاسبك فسمع لأن تكون من اصحاب اليمین لا من أصحاب الشمال «فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ٭ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ٭ وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا ٭ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ ٭ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا ٭ وَيَصْلَى سَعِيرًا»(1).

وقَالَ عليه السلام: «تَكَلَّمُوا تُعْرَفُوا فَإِنَّ الْمَرْءَ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِه»: قد سبق الكلام في بيان ذلك غیر مرة.

وقَالَ عليه السلام: «خُذْ مِنَ الدُّنْيَا مَا أَتَاكَ وتَوَلَّ عَمَّا تَوَلَّی عَنْكَ»: منها ولا يتبعها وان صرت فقیراً إذ هو خیر من الغني وذلك أن الفقیر خیرٌ من الغني وأن

قليل المال خیر من الثري لقاك مخلوقاً عصى الله للغنى ولم ير مخلوقاً عصى الله للفقر.

«فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَفْعَلْ فَأَجْمِلْ فِي الطَّلَبِ»: ولا تبالغ فأن ذلك مذموم شرعاً وعقلاً قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم «قمت على باب الجنة وكان عامة من دخلها المسكين وأصحاب الجد محبوسون»(2)أي الأغنياء.

وقَالَ عليه السلام: «رُبَّ قَوْلٍ أَنْفَذُ مِنْ صَوْلٍ»: حمله إذا تكلم به المتكلم في المقام.

وقَالَ عليه السلام: «كُلُّ مُقْتَصَرٍ عَلَيْه كَافٍ» في المطلوب المقتصر من بقائه وقدرته على الطاعة كقليل القوت مثلاً وهلم جراً.

ص: 258


1- سورة الانشقاق: الآيات: 7 - 12
2- مسند أحمد بن حنبل: ج 5 ص 209؛ المعجم الكبير: للطبراني: ج 1 ص 170 شعب الإيمان: أحمد بن الحسين البهيقي: ج 7 ص 303

وقَالَ عليه السلام: «الْمَنِيَّةُ ولَا الدَّنِيَّةُ والتَّقَلُّلُ ولَا التَّوَسُّلُ»: روي بنصب الأربعة وبرقعها، وعلى النصب معناه احتمل الموت، والرنة ولا تحتمل ما يعيبك وعلى الرفع تقديره المنية ملتزمة، والدنية غير ملتزمة، ومثله قولهم النار ولا العار وقوله، والتقلل أي ألزم القليل من الرزق، ولا تتوسل إلى الأغنياء لتناول ما عندهم وفي التنفير عن السؤال قال: ما أعتاض باذل وجه لسؤاله عوضاً ولو نال المُني بسؤال، وإذا السؤال مع السؤال وريبة رجح السؤال وخف كل نوال.

«ومَنْ لَمْ يُعْطَ قَاعِداً لَمْ يُعْطَ قَائِماً»: أي من لم يرزق بالطلب السهل فلا ينفع التشدد حث على ترك المبالغة في طلب الدنيا؛ فأن الإجمال في طلب الرزق بدرك.

«والدَّهْرُ يَوْمَانِ يَوْمٌ لَكَ»: يقبل عليك وقدر انتفاعك فيه.

«ويَوْمٌ عَلَيْكَ»: فيه ما يضرك «فَإِذَا كَانَ لَكَ فَلَا تَبْطَرْ وإِذَا كَانَ عَلَيْكَ فَاصْبِرْ»: ولا تعدل عن الصراط المستقيم سيجعل الله بعد عسر یسری.

لا تجزعن من الهزال فربما ٭٭٭

مات السمين وعوفي المهزول

وقَالَ عليه السلام: «مُقَارَبَةُ النَّاسِ فِي أَخْلَاقِهِمْ أَمْنٌ مِنْ غَوَائِلِهِمْ»: جمع غائلة وهي الحقد؛ فأن منشأ الحسد البخل الزيادة وحينئذ محتمل المقارنة فلا يكون الحسد وهذا الكلام خبر صورة، وإنشاء معنى أي قارب الناس في أخلاقهم؛ فأن ذلك وسيلة الألفة لا الحقد والسر في ذلك أن منشأ الحسد بخل الزياد في المحسود هنا مفقود.

وقَالَ عليه السلام: «لِبَعْضِ مُخَاطِبِيه وقَدْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ يُسْتَصْغَرُ مِثْلُه عَنْ قَوْلِ

ص: 259

مِثْلِهَا»(1): أي شأن تلك الكلمة كان عالياً أن يتكلم بها مثل ذلك القائل وغالب ضني أنها كانت في التوحيد.

«لَقَدْ طِرْتَ شَكِيراً وهَدَرْتَ سَقْباً قال الرضي والشكير هاهنا أول ما ينبت من ريش الطائر قبل أن يقوى ويستحصف والسقب الصغیر من الإبل ولا يهدر إلا بعد أن يستفحل»: يستحكم أنما قال هاهنا لأنه في غیر هذا الموضع تطلق على ما ينبت حول من أصلها قال: الشاعر ومن غصة ما تبین شكيرها، وربما قالوا

الشعر: الضعيف شكير قال أبن مقبل شكير جحافله قد لین وأنت خبیر بأن هذين المعنيین هنا غیر مناسب والسفت الصغیر من الإبل ولا تهدر إ لا بعد أن

تستفحل أقول هنا أيضاً بهذا المعنى، وفي غیر هذا الموضع له معنيان: الطويل من كل شيء مع نزاره وعمود الخبأ وأراد أنك شبيه بالطیر الطائر بالريش الضعيف، وتريد أن تكون مثل الإبل القوي شبه عليه السلام سیرة في ميدان العلم بالطیران

بالريش الضعيف، وتكملة الفحل، وكل من كان كذلك كان كذلك؛ فليس للاهي بقواه الضعيف أن يهدر بشقيقة من طار عقله في هواه، وترك ما سواه، وقال من

قلب أواه قلب شرود، وعقل له، وأدلة، وشربة سكرها باق إلى الأبد يا عاذل

ص: 260


1- في بعض النسخ ورده هذه الزيادة: وقَالَ عليه السلام: نِعْمَ الطِّيبُ الْمِسْكُ خَفِيفٌ مَحْمِلُه عَطِرٌ رِيحُه. وقَالَ عليه السلام: ضَعْ فَخْرَكَ واحْطُطْ كِبْرَكَ واذْكُرْ قَبْرَكَ. وقَالَ عليه السلام: إِنَّ لِلْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ حَقّاً وإِنَّ لِلْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ حَقّاً فَحَقُّ الْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ أَنْ يُطِيعَه فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا فِي مَعْصِيَةِ الله سُبْحَانَه وحَقُّ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِد أَنْ يُحَسِّنَ اسْمَه ويُحَسِّنَ أَدَبَه ويُعَلِّمَه الْقُرْآنَ. وقَالَ عليه السلام: الْعَیْنُ حَقٌّ والرُّقَى حَقٌّ والسِّحْرُ حَقٌّ والْفَأْلُ حَقٌّ والطِّیَرَةُ لَيْسَتْ بِحَقٍّ والْعَدْوَى لَيْسَتْ بِحَقٍّ والطِّيبُ نُشْرَةٌ والْعَسَلُ نُشْرَةٌ والرُّكُوبُ نُشْرَةٌ والنَّظَرُ إِلَی الْخُضْرَةِ نُشْرَةٌ

العاشقين أرفق على فئة أفنوا زمانهم ما لهم، ولا كمد أفناهم الحب، والكتمان قاطبة حتى رمائهم بلا روح ولا جسد؛ فالدمع منهمل والعقل مرتحل والشجو ماد من الأحشاء والكبد.

وقَالَ عليه السلام: «مَنْ أَوْمَأَ إِلَی مُتَفَاوِتٍ خَذَلَتْه الْحِيَلُ»: أي من يتبع الفائت لم ينفع التدبير يعني أن الفائت لا يستدرك لقوله تعالى «لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ»(1)وقيل المعنى من أشار إلى أمر مختلف لا يساعده التدبير في صلاح ذلك كمن نبا من الحق، وعماد من الباطل، وعاد إلى ذلك يكون في العاقبة محذولاً، وقيل المراد بالمختلف المتشابه من القرآن كأنه أمر المستدل أن لا يستدل بالمختلف الذي هو المتشابه؛ فأنه أن فعل ذلك لا ينصره الختل، وأن استدل بالمحكم فهو منصور.

وقَالَ عليه السلام: «وقَدْ سُئِلَ عَنْ مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إِلَّا بِالله؟ فقال: إِنَّا لَا نَمْلِكُ مَعَ الله شَيْئاً ولَا نَمْلِكُ إِلَّا مَا مَلَّكَنَا فَمَتَى مَلَّكَنَا مَا هُوَ أَمْلَكُ بِه مِنَّا كَلَّفَنَا ومَتَى أَخَذَه مِنَّا وَضَعَ تَكْلِيفَه عَنَّا»: وقد فسرها الصادق عليه السلام بوجه آخر فقال: لا حول على ترك المعاصي لا قوة على فعل الطاعات إلا بالله تعالى وقال: بعض المحققين من أهل اللغة الحال لما يختص به الإنسان وغيره من الأمور المتغيرة في نفسه، وجسمه ومقتنياته والحول ما له من القوة في أحد هذه الأصول الثلاثة، ومنه قيل لا حول ولا قوة ألا بالله.

أقول: المعنى الذي ذكره عليه السلام ما یدرکه من هذا العبارة فرسان میدان الفصاحة والبلاغة وهو معنی زائد على منطوقه اللغوي.

ص: 261


1- سورة الحديد: الآية 23

وقَالَ عليه السلام: «لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وقَدْ سَمِعَه يُرَاجِعُ الْمُغِیرَةَ بْنَ شُعْبَةَ كَلَاماً دَعْه يَا عَمَّارُ فَإِنَّه لَمْ يَأْخُذْ مِنَ الدِّينِ إِلَّا مَا قَارَبَه مِنَ الدُّنْيَا»: قاربه روی بالباء والنون في بعض النسخ قارب منا أشار إلى قلة عمله وأنه لا يليق بالإفادة والإعادة.

«وعَلَی عَمْدٍ لَبَسَ عَلَی نَفْسِه لِيَجْعَلَ الشُّبُهَاتِ عَاذِراً لِسَقَطَاتِه»: العمد قصد الشيء

والاستناد إليه وقد كان على قصد ستر عليه الحق فجعل الشبهات عاذر لسقطاته.

وقَالَ عليه السلام: «مَا أَحْسَنَ تَوَاضُعَ الأَغْنِيَاءِ لِلْفُقَرَاءِ طَلَباً لِمَا عِنْدَ الله وأَحْسَنُ مِنْه تِيه الْفُقَرَاءِ عَلَى الأَغْنِيَاءِ اتِّكَالًا عَلَى الله»: والمراد أن الفقراء يستحب أن لا يتواضعوا للأغنياء بل يعتزلون عنهم، ويحتجبون منهم، ويتوكلون على الله سبحانه في الرزق وإلا فالتكبر قبيح من كل أحد لأن الكبرياء يليق بالحق إذ الخلق محل النقص؛ فإذا تكبر تكلف أن يصف بغير ما يليق بنعته.

قيل هتك ستره من جاوزه قدره، وحسن تواضع الأغنياء لما ذكر عار عن لباس الاحتقار، وما أحسنه تيه الفقراء اعتماداً على الله تعالى؛ فلانهم بذلك ينالون درجات عاليات أعلاها درجة المحبة، وكفی به شاهداً قول الرسول صلى الله عليه [وآله] وسلم «أن الله تعالى يحب من خلقه الأصفياء الإخفاء الشعث رؤوسهم المغبرة، وجوههم الخمصة بطونهم الذين إذا استأذنوا على الأمراء لم يؤذن لهم وأن خَطبوا المنعمات لم ینکحوا، وأن غابوا لم يفتقدوا وأن طلعوا لم يفرح بطلعتهم، وأن مرضوا لم يعادوا وأن ماتوا لم يشهدوا»(1).

قال: السري القطي رحمه الله خرجت يوماً على المقابر فإذا ببهلول فقلت له

ص: 262


1- صفاة الشيعة للشيخ الصدوق: ص 14 بلفظ مقارب؛ تاريخ مدينة دمشق لابن عساکر الدمشقي: في ج 9 ص 423

أي شيء تصنع هاهنا قال أجالس قوماً لا يؤذونني وأن غبت لا يغتابونني فقلت لا يكون جائعاً فولى وإنشاء يقول:

نجوع فان لجوع من علم التقی ٭٭٭ وأن طويل الجوع يوماً سيشبع

وقَالَ عليه السلام: «مَا اسْتَوْدَعَ الله امْرَأً عَقْلًا إِلَّا اسْتَنْقَذَه بِه يَوْماً مَا»: أي ما أستحفظه الله تعالى إياه إلا لغرض حسن وهو أنه يستعمل فيتخلص به من نار جهنم، وفي بعض النسخ أستنقضه أي خلصه، ونجاه بالفعل في الدنيا والآخرة قال: أهل الأصول هو حسن تمیز العزيز بين خير الخيرين وشر الشرین وهو متفاوت في العقلاء يزيد بالتجارب وينقص بالإعقال وهو قوة وبصارة يحدثها الله تعالى في نبيه المتصفين بالعقول بها يستدرك العلوم وفي الحديث: العقل نور في القلب يفرق بين الحق والباطل.

وقَالَ عليه السلام: «مَنْ صَارَعَ الْحَقَّ صَرَعَه»: يجوز أن يراد بالحق ذات الله تعالى وتقدس وحينئذ المراد بالمصارعة مخالفة أمره وأن يراد به معنى الصواب أي من عدل عن طريق الصواب صرع في مهاوي الهلكة وهاهنا يحتمل أيضاً احتمالا ما أن يراد بالحق کونه عليه السلام أمام الحق وأن الخلافة حقه.

وقَالَ عليه السلام: «الْقَلْبُ مُصْحَفُ الْبَصَرِ»: اشارة إلى قوة الحافظة التي للإنسان، وكون البصر جاسوساً: قيل المصحف في المعنى مأخوذ من أصحف أي جمعت فيه الصحف، وأنت خبير بأن هاهنا استعارة ووجهها كون كل من التشبيه والمشبه به المجتمع وارد على القلب القوة الحافظة لا الجوهر التي تعبر عنها بالنفس الناطقة، وقد أشار إليه أبو علي الرود ناري حيث قال: المشاهدات

ص: 263

للقلوب، والمكاشفات للأسرار والمعاينات للبصائر والمرئيات للأبصار قلوب العارفين لها عيون ترى ما لا يراه الناظرونا.

وقَالَ عليه السلام: «التُّقَى رَئِيسُ الأَخْلَاقِ»: غذ عليه مدارها کالرئيس بالنسبة إلا قومه.

وقَالَ عليه السلام: «لَا تَجْعَلَنَّ ذَرَبَ لِسَانِكَ»: حدته «عَلَى مَنْ أَنْطَقَكَ»: يعني من أنطقك فلا تهجه ولا تشتمه ولا تجعلن «بَلَاغَةَ قَوْلِكَ عَلَى مَن سَدَّدَكَ»: وفقك للسداد والصواب أي لا يعارض إياه بفصاحة الكلام بل أطرق رأسك وأسمع قوله بمسمع القلب، وقد نهى عليه السلام عن الشتم وشبه الشاتم بالكلب النائح في أثبات مشتملة على النصائح يقطر منها روح الروح وهي هذه:

اصحب خيار الناس تنج مسلما ٭٭٭ ومن صحب الأشرار یوما سيجرح

واياك يوما أن تمازح جاهلا ٭٭٭ فتلقي الذي لا تشتهي حين تمزح

ولا تك عريضا تشاتم من دني ٭٭٭ فتشبه كلبا بالسفاحة ينبح

إذا ما كريم جاء يطلب حاجة ٭٭٭ فقل قول حر ماجد يتسمح

فبالرأس والعينين مني قضاؤها ٭٭٭ ومن يشتري حمد الرجال سيربح

وقَالَ عليه السلام: «كَفَاكَ أَدَباً لِنَفْسِكَ اجْتِنَابُ مَا تَكْرَهُه مِنْ غَیْرِكَ»: قد مر غير مره.

وقَالَ عليه السلام: «مَنْ صَبَرَ صَبْرَ الَأحْرَارِ»: وهم «الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا

ص: 264

بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ»(1)ويتحملون في نيران الصبر على فقدان الصبر على فقدان المألوف وعدم وجدان المطلوب وربما قال بعضهم لو أن البحر أصبح لي مداد ودخله والفرات وكل واد وينبت الأرض أقلاماً حميماً أعين به على ذاك المداد وعشت مخلداً أبكي واشكوا واكتبه إلى يوم التناد إذا لم استطع إحصاء ما بي من الشوق المبرح في الفؤاد وتقدیر کلامه عليه السلام من صبر صبراً مثل الأحرار نال من فيض الفياض الوهاب ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشراً «إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ»(2)«وإِلاَّ»: أي وأن لم تصبر ذلك الصبر «سَلَا سُلُوَّ الأَغْمَارِ»: زال عنه محنته والأغمار الغافلون ووصل أليه مضرته ولا فائدة له في ذلك وقد يقال هذه الجملة شرطية صورة وإنشائية معنی أي أصبر على ثقة بالله وأرض به.

وفِي خَبَرٍ آخَرَ أَنَّه عليه السلام: «قَالَ لِلأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ مُعَزِّياً عَنِ ابْنٍ لَه: إِنْ صَبَرْتَ صَبْرَ الأَكَارِمِ وإِلَّا سَلَوْتَ سُلُوَّ الْبَهَائِمِ»: بالغ عليه السلام في هذه الرواية يعني أن الجزع من شأن البهائم فأن جزعت کنت شبيها بها.

وقَالَ عليه السلام: «فِي صِفَةِ الدُّنْيَا تَغُرُّ وتَضُرُّ وتَمُرُّ»: يعز النائم القلب أي تصيب عزته غفلته في اليقظة، ونصره ويمر سريعاً، ومن أشعاره عليه السلام:

إنما الدنيا فناء ليس للدنيا ثبوت ٭٭٭ إنما الدنيا كبيت نسجته العنكبوت

ولقد يكفيك منها أيها الطالب قوت ٭٭٭ ولعمري عن قليل كل من فيها يموت

ص: 265


1- سورة آل العمران: الآية 191
2- سورة الزمر: الآية 10

«إِنَّ الله تَعَالَی لَمْ يَرْضَهَا ثَوَاباً لأَوْلِيَائِه ولَا عِقَاباً لأَعْدَائِه»: بل رضي الجنة ثواباً بالأولياء والنار عقاباً لأعدائه وإنما خلقها مزرعة للآخرة وباعتبار آخر فنظرة لها.

وفي الحديث يقول الدنيا يوم القيامة يا رب أجعلني لأدنى أوليائك نصيباً لهم اليوم ثم شبه عليه السلام أهل الدنيا بقوم ركبٍ حلوا في بادية ليسكنو إليها فنزل بهم بعثه فصاح سابقهم فارتحلوا اضطرارا فذلك قوله عليه السلام: «وإِنَّ أَهْلَ الدُّنْيَا كَرَكْبٍ بَيْنَا هُمْ حَلُّوا إِذْ صَاحَ بِهِمْ سَائِقُهُمْ فَارْتَحَلُوا»: وهذا من التشبيه التمثيلي ووجه التشبيه سرعة الرحيل، وقلت المكث وعدم الرضى وقلة الاختيار روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم «نام على حصير فقام، وقد آثر في جسده فقال لو أمرتنا أن نبسط لك ونعمل فقال: مالي وللدنيا وما أنا والدنيا إلا كراكب أستضل تحت شجرة ثم راح وتركها»(1).

وقَالَ عليه السلام لِابْنِه الْحَسَنِ عليه السلام: «لَا تُخَلِّفَنَّ وَرَاءَكَ شَيْئاً مِنَ الدُّنْيَا فَإِنَّكَ تَخَلِّفُه لأَحَدِ رَجُلَیْنِ إِمَّا رَجُلٌ عَمِلَ فِيه بِطَاعَةِ الله فَسَعِدَ بِمَا شَقِيتَ بِه وإِمَّا

رَجُلٌ عَمِلَ فِيه بِمَعْصِيَةِ الله فَشَقِيَ بِمَا جَمَعْتَ لَه فَكُنْتَ عَوْناً لَه عَلَى مَعْصِيَتِه ولَيْسَ

أَحَدُ هَذَيْنِ حَقِيقاً أَنْ تُؤْثِرَه عَلَى نَفْسِكَ قَالَ الرَّضِيُّ ويُرْوَى هَذَا الْكَلَامُ عَلَى وَجْه آخَرَ وهُوَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الَّذِي فِي يَدِكَ مِنَ الدُّنْيَا قَدْ كَانَ لَه أَهْلٌ قَبْلَكَ وهُوَ صَائِرٌ إِلَی

أَهْلٍ بَعْدَكَ وإِنَّمَا أَنْتَ جَامِعٌ لأَحَدِ رَجُلَیْنِ رَجُلٍ عَمِلَ فِيمَا جَمَعْتَه بِطَاعَةِ الله فَسَعِدَ بِمَا شَقِيتَ بِه أَوْ رَجُلٍ عَمِلَ فِيه بِمَعْصِيَةِ الله فَشَقِيتَ بِمَا جَمَعْتَ لَه ولَيْسَ أَحَدُ هَذَيْنِ أَهْلًا أَنْ تُؤْثِرَه عَلَى نَفْسِكَ ولَا أَنْ تَحْمِلَ لَه عَلَى ظَهْرِكَ»: معطوف على أن يؤثره ومفعول له محذوف أي وأن لا تحمل بقلا لأجله على طهرك نهی علیه السلام أبنه

ص: 266


1- مسند أحمد بن حنبل: ج 1 ص 441؛ المستدرك للحاكم النسيابوري: ج 4 ص 310؛ ومجمع الزوائد للهيثمي: ج 10 ص 326

الحسن عن ابقاء المال بعد الانتقال، وقد نبهه على أنه أن ترك؛ فأما عليه الحساب ولغيره الثواب، وأما عليه العقاب کما على غيره العقاب؛ فأن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم لم يترك مالاً، وقد شكى إلى رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم الجوع فرفعنا، وعن بطوننا حجر، فرفع رسول الله عن بطنه عن حجرين فمعراج الفقر وصلوا عقبيه الوصال وزادتهم حالاً إلى حال قيل في شأنهم:

إذا أورد وا الأطال باهت بهم عجيا ٭٭٭ وأم لمسوا عودا زهی غضیا رطبا

وان وطنوا يوماً على ظهر صخرة ٭٭٭ فلا ينبت الصماء من وطنهم عسيبا(1)

وان ورد البحر الأجاج سوارياً ٭٭٭ لأصبح ماء البحر من ريقهم عذبا

وإذا كان الحال کما ذکرت «فَارْجُ لِمَنْ مَضَى رَحْمَةَ الله ولِمَنْ بَقِيَ رِزْقَ الله»: من ولدك أو آبائك رحمهم الله.

وقَالَ عليه السلام: «لِقَائِلٍ قَالَ بِحَضْرَتِه أَسْتَغْفِرُ الله ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ»: أي فقدتك والدتك والثكل فقدان المرأة ولدها بأن يموت أو يقتل وإنما يقال هذه الكلمة لمن يفعل أمراً منكراً أو يقول شيئاً عجيباً:

«أَتَدْرِي مَا الِاسْتِغْفَارُ»؟: أي أتعلم أي شيء الاستغفار، وما للاستفهام وله صدر الكلام ومحله الرفع بالابتداء، والاستغفار خبر المبتدأ، ومحل الجملة نصب لأنها مفعول تدري.

«أن الِاسْتِغْفَارُ دَرَجَةُ الْعِلِّيِّنَ»: أي أعلى الأمكنة مجاهدة علیّون السماء السابعة

ص: 267


1- عسيبا: جريدة من النخل كشط خوصها. كم أخرجه عبد الرزاق الصنعاني في المصنف: ج 3 هامش ص 185

حيث يسكن الكروبيون تکریماً وتعظیماً قتادة تحت قائمة العرش اليمني.

الفراء هو: واحد كما تقول لقيت منه البرحين(1)، وعلیّون الجنة في ارتفاع بعد ارتفاع لا غاية له وقيل هو منقول من جمع على فعلين من العلو کسجين من السجن وقيل عليون سدرة المنتهى، وهو الذي ينتهي إليه كل شيء من أمر الله سبحانه.

«وهُوَ اسْمٌ وَاقِعٌ عَلَى سِتَّةِ مَعَانٍ أَوَّلُهَا النَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى والثَّانِي الْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ الْعَوْدِ إِلَيْه أَبَداً والثَّالِثُ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَی الْمَخْلُوقِینَ حُقُوقَهُمْ حَتَّى تَلْقَى الله أَمْلَسَ»: نقي الصحيفة من المظالم والأوزار. «لَيْسَ عَلَيْكَ تَبِعَةٌ»: ما يتبعه الطالب.

والرَّابِعُ «أَنْ تَعْمِدَ إِلَی كُلِّ فَرِيضَةٍ عَلَيْكَ ضَيَّعْتَهَا فَتُؤَدِّيَ حَقَّهَا والْخَامِسُ أَنْ تَعْمِدَ إِلَی اللَّحْمِ الَّذِي نَبَتَ عَلَى السُّحْتِ»: أي الحرام الذي بسحت يفَسّر ويستأصل.

«فَتُذِيبَه بِالأَحْزَانِ حَتَّى تُلْصِقَ الْجِلْدَ بِالْعَظْمِ ويَنْشَأَ بَيْنَهُمَا لَحْمٌ جَدِيدٌ والسَّادِسُ أَنْ تُذِيقَ الْجِسْمَ أَلَمَ الطَّاعَةِ كَمَا أَذَقْتَه حَلَاوَةَ الْمَعْصِيَةِ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَقُولُ أَسْتَغْفِرُ الله»: ولأجل أن يقال: الاستغفار في مواضع متعددة أختلف في تعريفه فقيل الاستغفار

طلب المغفرة بعد رؤية قبح المعصية والإعراض عنها وقيل استصلاح الأمر الفاسد قولاً، وفعلاً يقال أغفروا هذا الأمر أي أصلحوه بما ينبغي أن يصلح له، وقيل طلب محو الأوزار بحسن الأوزار اعتذار وقيل استقلال الصالحات والإقبال عليها، واستنكار الفاسدات، والإعراض عنها ومراده عليه السلام بقوله: اسم واقع على ستة معان أن يقال في هذه المحال وكأني بك تقول النبي المطهر المزكی صلوات الله عليه، وسلامه قال: أنه ليغان على قلبي، وأني لأستغفر الله في اليوم

ص: 268


1- والبَرِحِیَن والبَرُحِیَن، بكسر الباء وضمها، والبَرَحِيَن أَي الشدائد والدواهي: كما أورده أبن منظور في لسان العرب: ج 2 ص 410

مائة مرة هل استغفاره من هذه الأقسام فأقول: نعم على رأي بعض العلماء؛ فأن في الغين ذكر العلماء وجوهاً أحدها المراد به فترات وغفلات من الذكر الذي شانه الدوام عليه فإذا أفتر عنه أو غفل عنه عد ذلك ذنباً واستغفرت منه.

وثانيهما همه بسبب أمته، وما أطلع عليه من أحوالهم بعده ويستغفر لهم، وثالثهما قيل اشتغاله بالمنظر في مصالح أمته، وأمورهم ومحاربة العدو ومداراتهم وتأليف المؤلفة، ونحو ذلك من معاشرة الأزواج، والأكل والشرب والنوم وذلك كله مما يحجبه عن عظیم مقامه فرآه ذنباً بالنسبة إلى ذلك المقام العلي وهو حضوره في حضيرة القدس، ومشاهدة ومراقبته وفراغه مع الله مما سواه فيستغفر لذلك ورابعها قيل يحتمل أن الغين هو السكينة التي تغشى قلبه لقوله تعالى «فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ»(1)فالاستغفار لإظهار العبودية والافتقار والشكر لما أولاه.

وخامسها: قيل يحتمل أن الغين، وهو حال حسنة وافتقار فالاستغفار شكر لها قال المحاسبي خوف المقربين خوف أجلال وإعظام.

وسادسها شيء يعتري القلوب مما ينجذب به النفس ومن كلمات أبي حفص السهروردي: لا ينبغي أن يعتقد أن الغين نقص في حالة النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم بل هو کمال أو تتمة وهذا السر دقيق لا يكشف إلا بمثال وهو أن الجفن المسبل على حدقته ليبصر وأن كانت صورته صورة نقصان من حيث هو أسبال، وتغطية على ما من شأنه أن يكون بادیاً مکشوفاً فأن المقصود من حلق العين أدراك المدركات الحسية، وذلك لا يتأتى إلا بانبعاث الأشعة الحسية من داخل على مذهب آخرين؛ فكيف ما قدر لا يتم المقصود ألا بانكشاف العين، وعراتها عما من انبعاث الأشعة عنها، ولكن لما كان الهواء المحيط بالأبدان الحيوانية قلما يخلوا

ص: 269


1- سورة الفتح الآية 26

عن الإغبرة الثائرة بحركة الرياح فلو كانت الحدقة دائمة الانكشاف لاستضرت بملاقاتها وتراكمها عليها فأسبلت أغطية الجفون عليها، وقاية لها ومصقلة لها لتتصل الحدقة بإسبال الأهداب ورفعها لحقة حركة الجفن فيدوم جلاؤها، ويحتد نظرها فالجفن، وأن كان نقصاً ظاهراً فهو كمال حقيقته؛ فهو كمال حقیقته فهکذا لم يزل بصيرة النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم متعرضة لن يصدأ بالأغبرة الثائرة من أنفاس الأغيار؛ فلأجرم دعت الحاجة إلى إسبال جفن من العين على حدقته بصیرته ستراً لها، ووقاية وصقالاً عن تلك الأغبرة المثارة بروية الأغيار وانفاسها فصح أن العين، وأن كانت صورته نقصاً فمعناه کمال وصقال حقیقته ثم قال: وأيضاً أن روح النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم لم تزل في الترقي إلى مقامات القرب مستتبعة للقلب في رقتها إلى مركزها ولو قال إلى محيطها لكان أبلغ لفضاً، ومعنى على ما لا يخفى وهكذا كان القلب يستتبع نفسه الزكية، ولا خفاء أن حركة الروح، والقلب أسرع وأتم من نهضته النفس، وحرکتها، وكان خطی النفس تقصير عن هدير الروح والقلب فجاء العروج والولوج في حريم القرب، ولحوقها بهما فاقتضت العواطف الربانية على الضعفاء من الأمة أبطأ حركة القلب بإلقاء الغين عليه لئلا يسرع القلب، ويسرح في معارج الروح ومدارجها فتنقطع علاقة النفس عنه لقوة الانجذاب فيصير العباد مهملين محرومين عن الاستنارة بأنوار النبوة، والاستضاءة بمشكاة مصباح الشريعة حيث كان يري صلى الله عليه [وآله] وسلم أبطأ القلب بالغين الملقي عليه قصور النفس بناء وترقي الروح إلى الرفيق الأعلى كان يفزع إلى الاستغفار إذ لم يفي قواهما في سرعة اللحوق بها وهذا من أعز مقول في هذا المعنى وأحسن مشروع فيه ورتب عليه السلام هذا الترتيب ترقياً من الأدنى إلى الأعلى، وغير الأسلوب وجاء إلى الخطاب لحسن الموقع، وبالجلمة أقول لا تنس نفسك أن الله ساتر واستغفر الله من ذنب تباشره

ص: 270

كم من هوى لك مقرون بمعصية أصبحت تتركه والله غافره.

وقَالَ عليه السلام: «الْحِلْمُ عَشِیرَةٌ»: يعني أن الرجل كما يتمتع بالعشیرة يتمتع بالحلم ويتوفر لأجله.

وقَالَ عليه السلام: «مِسْكِينٌ ابْنُ آدَمَ مَكْتُومُ الأَجَلِ مَكْنُونُ الْعِلَلِ مَحْفُوظُ الْعَمَلِ تُؤْلِمُه الْبَقَّةُ وتَقْتُلُه الشَّرْقَةُ وتُنْتِنُه الْعَرْقَةُ»: مسكين أبن آدم المبتدأ مؤخر

وخبره مقدم وبنون مسكين على أصله ويحذف أيضاً تنوينه تخفيفاً كقراءة قل هو الله أحد ثم ذكر مسكنة أبن آدم بستة أشياء لا تدركه متى يكون آجله أي

وقت موته فانه مكتوم مستور منه ومن غیره لاقتضاء مصلحة عامة ذلك وعلله وأمراضه مكنونة مستورة عنه لا يعلم متى يصیر مريضاً ويحفظ أعماله بالنفیر

والقطمیر «فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ٭ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ»(1)ويؤذيه أقل شيء حتى البق يؤلمه بطنته، وشرق بالماء أي يغص به فيهلك والشرقة الغصة ويصیر بدنه ميتاً بأقل عرق يسيل منه فكيف تأمن من هذه حاله أو كيف يفتخر ومن أشعاره المعجبة عليه السلام:

سلام على أهل القبور الدوارس ٭٭٭ كأنهم لم يجلسوا في المجالس

ولم يشربوا من بارد الماء شربة ٭٭٭ ولم يأكلوا من كل رطب ويابس

حرا سار أخوتها واكناف فارس ٭٭٭ وما كنت عن ملك العراق بآيس

ولم يتنحى جيش إذا الموت قد دنا ٭٭٭ وكان معي تسعين ألف فارس

خرجت من الدنيا كما كنت أولاً ٭٭٭ خرجت من الدنيا بثبوت كرابس

ص: 271


1- سورة الزلزلة: الآية 7 - 8

ورُوِيَ أَنَّه عليه السلام: «كَانَ جَالِساً فِي أَصْحَابِه فَمَرَّتْ بِهِمُ امْرَأَةٌ جَمِيلَةٌ فَرَمَقَهَا الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقَالَ إِنَّ أَبْصَارَ هَذِه الْفُحُولِ طَوَامِحُ»: طمح بصره إلى الشيء أرتفع والأبصار طوامح «وإِنَّ ذَلِكَ»: كونها طامحة «سَبَبُ هِبَابِهَا»: كالهيب ينبت اليبس للفساد، وصوته عند هيجانه شبهوا في الميلان، وغیره من أسباب الشهوة باليبس فاستعير لها الهيئات.

«فَإِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَی امْرَأَةٍ تُعْجِبُه فَلْيُلَامِسْ أَهْلَه فَإِنَّمَا هِيَ امْرَأَةٌ كَامْرَأَتِه»: وعم جابر قال: قال: رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم «أن المرأة تقبل في صورة الشيطان، وتدبر في صورة شيطان؛ إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلى أمرأته فليواقعها فأن ذلك يرد ما في نفسه»(1)أقول: جعل صلى الله عليه [وآله] صورة الشيطان ضرفاً لأقبالها عل سبيل التجريد كما يقول رأيت فيك أسد أي ليست غیر الأسد لأن أقبالها داع للإنسان إلى ستر النظر أليها كالشيطان

الداعي إلى الشر والوسواس، وعلى هذا إدبارها لأن الظرف رائداً القلب؛ فيتعلق القلب بها عند الأدبار؛ فيخيل للوصول إليها الحماسي وكنت إذا أرسلت طرفك رائداً لقلبك يوماً اتبعتك المناظر رأيت الذي لأكله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر أبو حامد النظر مبدأ الزنى فحفظه مهم وهو عسیر من حيث أنه قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر.

أبو حامد: النظر مبدأ الزنى فحفظه مهم، وهو عسیر من حيث أنه قد يستهان به ولا يعظم الخوف منه، والآفات كلها تنشأ منه، قال: العلماء معناه:

ص: 272


1- مسند أحمد بن حنبل: ج 3 ص 330؛ سنن أبي داود لسليمان بن الأشعث السجستاني: ج 1 ص 477؛ سنن الترمذي: ج 2 ص 314؛ السنن الكبرى لأحمد بن الحسین البهيقي: ج 7 ص 90

الإشارة إلى الهوى والدعاء إلى الفتنة بما جعل الله تعالى في نفوس الرجال من الميل إلى النساء والالتذاذ بالنظر إليهن وما يتعلق بهن فهي شبيهة بالشيطان في دعاية إلى الشر بوسوسته وتزينه له، ويستنبط من هذا أنه ينبغي لها أن لا تخرج إلا لضرورة ولا تلبس ثياباً فأخره، وينبغي للرجل أن لا ينظر إليها ولا ثيبها، وفيه أنه لا بأس

بالرجل أن يطلب أمرئته إلى الوقائع في النهار وأن كانت مشتغلة لما يمكن تركه لأنه ربما غلبت على الرجل شهوته فيتضرر بالتأخر في بدنه أو قلبه.

فَقَالَ: رَجُلٌ مِنَ الْخَوَارِجِ قَاتَلَه الله كَافِراً مَا أَفْقَهَه؛ قاتله الله تعالى يقال: عند التعجب وكافر حال من الضمیر المنصوب في قاتله وما أفقه أي ما أعظم فقه وما

أكثر علمه بالشرعيات.

فَوَثَبَ الْقَوْمُ لِيَقْتُلُوه فَقَالَ: عليه السلام «رُوَيْداً»: أمهلوا وأرفقوا «إِنَّمَا هُوَ سَبٌّ بِسَبٍّ أوَ عَفْوٌ عَنْ ذَنْبٍ»: وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفى وأصلح فأجره على الله وهذا لا يوجب القتل.

وقَالَ: «كَفَاكَ مِنْ عَقْلِكَ مَا أَوْضَحَ لَكَ سُبُلَ غَيِّكَ مِنْ رُشْدِكَ»: أي العقل لا تكون موجباً لأعمال الحسنة، وإنما هو الغي من الرشد وعلم من ضده فعلى الغافل أن يستعمل عقله؛ فإذا نظر وعلم الحق والباطل أختار لنفسه الحق دون الباطل.

وقَالَ عليه السلام: «افْعَلُوا الْخَیْرَ ولَا تَحْقِرُوا مِنْه شَيْئاً»: قيل الخیر يراد به الإحسان إلى الضعفاء والأنعام عليهم بدلالة قوله:

«فَإِنَّ صَغِیرَه كَبِیرٌ وقَلِيلَه كَثِیرٌ»: أقول والعلم عند الله الظاهر المراد الترغيب في فعل الخبر، وأن القليل من الخیر كثیر عند الله ثوابه ومصداقه ما قاله صلى الله

ص: 273

عليه [وآله] وسلم «لا تحتقرن شيئاً من المعروف»(1).

«ولَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنَّ أَحَداً أَوْلَی بِفِعْلِ الْخَیْرِ مِنِّي»: أي لا يقل أحدكم الشيعة أن غيره أول وأحق بأن يفعل الخير منه.

«فَيَكُونَ والله كَذَلِكَ»: لأنه إذا تفادى عن فعل الخير وتحاماه ولم ينقاد غيره عن فعل الخير كان هذا هو غيره أولى بفعل الخير وقال: الصادق عليه السلام «ليس من شيعتنا من في جيرانه من هو أعبد منه»(2)وكن المراد العموم أولى كما لا يخفى.

«إِنَّ لِلْخَیْرِ والشَّرِّ أَهْلًا فَمَهْمَا تَرَكْتُمُوه مِنْهُمَا كَفَاكُمُوه أَهْلُه»: هذا الضمير هنا أقيم مقام المظهر تقديره فمتى تركتم واحداً منهما، وروي فمتى تركتموه منهما أي؛ فالذي تركتموه من الخبر، والشر لفعله من جعل نفسه أهلاً لذلك يعني لا تكن كسلان عن فعل الخير، والإحسان إذا، وجدت مستحقاً فأنك أن لم تحسن إليه يغنيه الله بفضله ويفيض ممن يحب فعل الخیرات من يكفيك ذلك ويسيء إليه، وأنت بريء من كل كراهة وقد ذاق هو جزاء أفعاله القبيحة، وعافية الله عاجلاً وآجلاً والحاصل الترغيب في التأخر عن فعل الشر، والتعجيل في فعل الخیر، ولا يرج فعل الخیر يوماً إلى غد لعل غداً يأتي وأنت فقيد.

وقَالَ عليه السلام: «مَنْ أَصْلَحَ سَرِيرَتَه أَصْلَحَ الله عَلَانِيَتَه ومَنْ عَمِلَ لِدِينِه كَفَاه الله أَمْرَ دُنْيَاه ومَنْ أَحْسَنَ فِيمَا بَيْنَه وبَیْنَ الله أَحْسَنَ الله مَا بَيْنَه وبَیْنَ النَّاسِ»:

ص: 274


1- مسند أحمد بن حنبل: ج 6 ص 81؛ کنز الفوائد لأبي الفتح الكراجكي: ص 95؛ سنن أبي داود لسليمان بن الأشعث السجستاني: ج 2 ص 266؛ سنن الترمذي للترمذي: ج 3 ص 179
2- المقنعة للشيخ المفيد: ص 119 بلفظ مقارب؛ الكافي للشيخ الكليني: ج 2 ص 79؛ دعائم الإسلام: للقاضي النعمان المغربي: ج 10 ص 56 وقريب منه في منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة لقطب الدين الروندي: ص 439

قد مر الكلام في بيان منهما غیر مرة وروي أحسن الله ما بينه وبن الناس.

وقَالَ عليه السلام: «الْحِلْمُ غِطَاءٌ سَاتِرٌ»: تبین ما يستره «والْعَقْلُ حُسَامٌ قَاطِعٌ»: تبین ما يقطعه.

«فَاسْتُرْ خَلَلَ خُلُقِكَ بِحِلْمِكَ وقَاتِلْ هَوَاكَ بِعَقْلِكَ»: يصح من هذا وجه الشبهة في استعارة الحسام له.

وقَالَ عليه السلام: «إِنَّ للهِ عِبَاداً يَخْتَصُّهُمُ»: يخصهم «الله بِالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ فَيُقِرُّهَا فِي أَيْدِيهِمْ مَا بَذَلُوهَا»: مدة بذلهم إياها للعباد «فَإِذَا مَنَعُوهَا نَزَعَهَا مِنْهُمْ»: إخراجها وسبلها «ثُمَّ حَوَّلَهَا إِلَی غَيْرِهِمْ».

وقَالَ عليه السلام: «لَا يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يَثِقَ بِخَصْلَتَیْنِ الْعَافِيَةِ والْغِنَى بَيْنَا»: أي بین أوقات «تَرَاه مُعَافًی إِذْ سَقِمَ وبَيْنَا تَرَاه غَنِيّاً إِذِ افْتَقَرَ»: فاللائق بحال ذي العافية أن يضع وعند القدرة تشري درجات الجنة ومحال الغنى أن يعرضه الله ليضاعفه

له أضعافاً كثیرة:

إذا جادت الدنيا عليك فجد بها ٭٭٭ على الناس طرا قبل أن تتفلت

فا الجود يفنيها إذا هي أقبلت ٭٭٭ ولا البخل يبقيها إذا ما تولت(1)

وقَالَ عليه السلام: «مَنْ شَكَا الْحَاجَةَ إِلَی مُؤْمِنٍ فَكَأَنَّه شَكَاهَا إِلَی الله ومَنْ شَكَاهَا إِلَی كَافِرٍ فَكَأَنَّمَا شَكَا الله»: أما الأول فلأن المؤمن حزب الله وأما الثاني فلأن

ص: 275


1- البيتين للإمام الحسين بن عليه بن أبي طالب عليهما السلام؛ يُنظر مناقب آل ابي طالب لابن شهر آشوب: ج 3 ص 222

الكافر من أعداء الله فالشكاية إليه شكاية عن الله والأول محمود لا عند المتوكل قال عز شأنه حكاية عن يعقوب النبي «إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ» (1)وقال تشتكي إلى الله والثاني مذموم شرعاً وعقلاً قال: الدمشقي قلت للبسطامي ما التوكل فقال لي: أي شيء سمعت فيه فقلت أصحابنا يقولون لو أن أهل الجنة فيها يتنعمون وأهل النار فيها يعذبون ثم وقع لك التمييز بينهما خرجت من حد التوكل فإظهار البث عندهم مذموم.

وقَالَ عليه السلام: «فِي بَعْضِ الأَعْيَادِ إِنَّمَا هُوَ عِيدٌ لِمَنْ قَبِلَ الله صِيَامَه وشَكَرَ قِيَامَه»: في الليل والقيام بالتراويح(2)فيه لأن العيد كل يوم في مسرة ولا مسرة أعظم من ذلك وعلى ذلك قوله تعالى أنزل علينا مائدة من السماء يكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا وأنه منك.

«وكُلُّ يَوْمٍ لَا يُعْصَی الله فِيه فَهُوَ عِيدٌ»: جعل ما به المسرة بمنزلة المسرة.

وقَالَ عليه السلام: «إِنَّ أَعْظَمَ الْحَسَرَاتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَسْرَةُ رَجُلٍ كَسَبَ مَالًا فِي غَیْرِ طَاعَةِ الله»: وإنما كان أعظم لدخول المال تحت تصرفه وتقصيره ولو لم يمتلك لكان حسرته أقل «فَوَرِثَه رَجُلٌ فَأَنْفَقَه فِي طَاعَةِ الله سُبْحَانَه فَدَخَلَ بِه الْجَنَّةَ ودَخَلَ

الأَوَّلُ بِه النَّارَ».

وقَالَ عليه السلام: «إِنَّ أَخْسَرَ النَّاسِ صَفْقَةً»: مستعار من صفقة البائع والمشتري وهو ضرب أحدهما اليد على يد الآخر عند البيع.

ص: 276


1- سورة يوسف الآية 86
2- ذكر المصنف صلاة التراويح على مذهب من يعتقد بصحتها من العامة، وأما عند الأمامية فهي بدعة أحدثها عمر بن الخطاب في أيام حكومته، ولا يسعنا المقام ذكر التفاصيل فمن شاء فليراجع

«وأَخْيَبَهُمْ سَعْياً رَجُلٌ أَخْلَقَ بَدَنَه»: جعله خلقاً وهذا أيضاً استعارة ووجها قد سبق في كلامنا في بيان كلامه عليه السلام غير مرة.

«فِي طَلَبِ مَالِه ولَمْ تُسَاعِدْه الْمَقَادِيرُ عَلَى إِرَادَتِه فَخَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا بِحَسْرَتِه وقَدِمَ عَلَى الآخِرَةِ بِتَبِعَتِه: أي وناله السعة ما يتبع من العقوبة، وإنما كان أحسنهم سعياً إذ لا ذنباً له، ولا أجرة بخلاف من نال الدنيا، وسبب ذلك أن طول الأمل ينسي الآخرة قد خسر الدنيا، والآخرة ذلك هو الخسران المبين فطوبى لمن أستدرك ما فات من الأيام باستصلاح ما هو آت في واردات الظلام، وتذكار الذنب، ومداوات العيب، وارتفاع الهمم بالبكاء والتضرع في حنادس(1)الظلم، والدياجر حليف زفير الظلام ينوح على ذنبه، فالقلب منه جريح بكامن حذار الذنب في يوم بعثه واقله فعل هناك قبيح تراه إذا ما جنه الليل جالساً يبث بما في قلبه، وينوح، ويذكر ما أمضاه في طول دهره؛ فيبكي واسواع الدموع سفوح يحاف، ويخشى أن يجري بفعله إذا ضمنه بعد الممات صريح.

وقَالَ عليه السلام: «الرِّزْقُ رِزْقَانِ طَالِبٌ ومَطْلُوبٌ»: ما قدر للشخص كالطالب له ومطلوب يبتغيه الطالب.

«فَمَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا طَلَبَه الْمَوْتُ حَتَّى يُخْرِجَه عَنْهَا ومَنْ طَلَبَ الآخِرَةَ طَلَبَتْه الدُّنْيَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رِزْقَه مِنْهَا»: وقد سبق مثل هذا الكلام غير مرة.

وقَالَ عليه السلام: «إِنَّ أَوْلِيَاءَ الله»: وأحباؤه «هُمُ الَّذِينَ نَظَرُوا إِلَی بَاطِنِ الدُّنْيَا»: الذي يدرك بنظر دقيق فرا وبعين البصيرة أن «الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ

ص: 277


1- (حندس) في الحديث قام الليل في حندسه أي في ظلامه. هذا ما ذكره الطريحي في مجمع البحرين: ج 4 ص 16

هِيَ دَارُ الْقَرَارِ»(1).

«إِذَا نَظَرَ النَّاسُ إِلَ ظَاهِرِهَا»: ورؤا برزخها فعشقوها وتركوا ما هو أعلى منها. «واشْتَغَلُوا بِآجِلِهَا إِذَا اشْتَغَلَ النَّاسُ بِعَاجِلِهَا فَأَمَاتُوا مِنْهَا»: أي من حرصها «مَا

خَشُوا أَنْ يُمِيتَهُمْ وتَرَكُوا مِنْهَا»: صالح الناس أي أعذار الغنى الذي الناس إذ علموا من خبر الصادق المصدوق؛ أن الفقراء يسبقون إلى الأغنياء يوم القيامة الجنة بأربعين خريفاً وأن الغني جاذب للشيطان والشيطان يجذب إلى المعاصي ويدهش يوم الميزان ويشهد عليه أركانه أوان حساب الديان «الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ»(2)ففي كل عضو منه للسقم منطق يكلم عندنا بلسان فصيح يخبر عما ناله أنه به وبالوجد والتعذيب منه مريح وغير ذلك مما اختاروه واشتهر بينهم.

«بِهِمْ عُلِمَ الْكِتَابُ»(3): تأويل الكتاب، وتغييره فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه. «وبِه عَلِمُوا»: أي وبالكتاب علم مما بهم من وجهم كثيرة.

«وبِهِمْ قَامَ الْكِتَابُ»: أي بمكان قام أحكام القرآن وعمل بها وأجرى حدود الجناة.

«وبِه قَامُوا»: أي وبالقرآن قام أمرهم يرجون الجنة ويخافون أنار ولا رجاء ولا خوف أعلى فيهما وإلى ذلك أومأ بقوله:

ص: 278


1- سورة غافر: أية: 39
2- سورة يس: الآية 65
3- في بعض متون النهج وردة هذه الزيادة: مَا عَلِمُوا أَنَّه سَيَتُرْكُهُمْ ورَأَوُا اسْتِكْثَارَ غَيِرْهِمْ مِنْهَا اسْتِقْلَالًا ودَرَكَهُمْ لَهَا فَوْتاً أَعْدَاءُ مَا سَالَمَ النَّاسُ وسَلْمُ مَا عَادَى النَّاسُ

«لَا يَرَوْنَ مَرْجُوّاً فَوْقَ مَا يَرْجُونَ»: من الثواب «ولَا مَخُوفاً فَوْقَ مَا يَخَافُونَ»: من العقاب عليل يحيف بأجل ذو صباته سقيم بداء الخوف وهو صحيح الخوف سخي يبذل النفس لله في الذي أحبه، وفيما قد نهاه شحيح.

وقَالَ عليه السلام: «اذْكُرُوا انْقِطَاعَ اللَّذَّاتِ وبَقَاءَ التَّبِعَاتِ»: العقوبات.

وقَالَ عليه السلام: «اخْبُرْ تَقْلِه»: الخبرة المعرفة ببواطن الأمور، والقلى شدة البغض أي أعرف مال حال من ضل سعيه في الدنيا وأن تعرفها ببعض الدنيا ولا تحبها «لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ»(1)والله در من قال:

إلا أن الدنيا سراب مكذب ٭٭٭

وكل صريح في هواه معذب

وروي ثعلب عن ابن الأعرابي قال المأمون لولا أن عليا عليه السلام قال: اخبر تقله لقلت أقله تخبر: أما قله تخبر حمل مأمور أخبر على معنى اختبر أي أن تبعضه تختبره لك، وجه فأن من أختبر ما لا يحصل مرامه منه يبغضه ومن أبغض آخر يختبره، ومن الناس من روي هذا الرسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، ومما يقوي أنه من كلام أمير المؤمنين ما حكاه ثعلب عن أبن الأعرابي ثم ذكر أن ثلاثة أشياء تكون مع ثلاثة زيادة النعمة من الله مع الشكر، وإجابة الدعاء مع ملازمة العبد له، والمغفرة مع التوبة.

وقَالَ عليه السلام: «مَا كَانَ الله لِيَفْتَحَ عَلَى عَبْدٍ بَابَ الشُّكْرِ ويُغْلِقَ عَنْه بَابَ الزِّيَادَةِ ولَا لِيَفْتَحَ عَلَى عَبْدٍ بَابَ الدُّعَاءِ ويُغْلِقَ عَنْه بَابَ الإِجَابَةِ ولَا لِيَفْتَحَ لِعَبْدٍ بَابَ التَّوْبَةِ ويُغْلِقَ عَنْه بَابَ الْمَغْفِرَةِ»: فأن رحمته سبق غضبه ولأجل ذلك كان

ص: 279


1- سورة عبس: الآية 37

ذلك كذلك سبحانه من مليك عز قدرته سبحانه من كريم عفوه سيفاً دليل الأول «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ»(1)دليل الثاني «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ»(2)دليل الثالث «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ»(3).

(4)«وسُئِلَ عليه السلام: أَيُهُّمَا أَفْضَلُ»: أي شيء أفضل «الْعَدْلُ أَوِ الْجُودُ فَقَالَ عليه السلام: «الْعَدْلُ يَضَعُ الأُمُورَ مَوَاضِعَهَا والْجُودُ يُخْرِجُهَا مِنْ جِهَتِهَا»: وقع المضارع موقع المصدر واسند إليهما مجازاً ذلك لأن العدل فعل الرحمن ولأنه طلب الاستقامة والجود وقيل بذل اليسار وقيل بذر زروع الزيادة عنه.

«والْعَدْلُ سَائِسٌ عَامٌّ»: يشمل من له الوجود بالفعل وغيره.

«والْجُودُ عَارِضٌ خَاصٌّ»: لا يشمل غيره.

«فَالْعَدْلُ أَشْرَفُهُمَا وأَفْضَلُهُمَا»: لأن الأعم أشرف من الأخص ومن ثم قال صلى الله عليه [وآله] وسلم ومن ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم «بالعدل

قامت السموات والأرضون»(5)

وقَالَ عليه السلام: «النَّاسُ أَعْدَاءُ مَا جَهِلُوا»: وقد عرفت أن هذا صار مثلاً «كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»(6)ويحبون قيل العدو التجاوز ومنافات الالتئام

ص: 280


1- سورة إبراهيم: 7
2- سورة غافر الآية 60
3- سورة التحريم: الآية 8
4- ورد في نسخة: قَالَ عليه السلام: أَوْلیَ النَّاسِ بِالْكَرَمِ مَنْ عُرِفَتْ بِه الْكِرَامُ
5- الكافي للشيخ الكليني: ج 5 ص 266؛ عوالي اللئالي لابن أبي جمهور الحسائي: ج 4 ص 103
6- سورة المؤمنون: الآية 53

فتارة يعتبر بالقلب فيقال له العداوة والمعاداة وتارة في الإخلال بالعدالة فيقال له العدوان والظاهر أن الالتئام للجاهل لما جهله.

وقَالَ عليه السلام: «الزُّهْدُ كُلُّه بَیْنَ كَلِمَتَیْنِ مِنَ الْقُرْآنِ قَالَ الله سُبْحَانَه «لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ»(1)تحزنوا على ما فاتكم من عروض الدنيا.

««وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ»: ومَنْ لَمْ يَأْسَ عَلَى الْمَاضِي ولَمْ يَفْرَحْ بِالآتِي فَقَدْ أَخَذَ الزُّهْدَ بِطَرَفَيْه»: وأعلم أن ما روي عنه أفضل ما أعطى محمد بن موسى: الزهد لا تفزع بما أوتيت، ولا تحزن على ما فاتك أقول الزهد تحويل القلب من الأسباب إلى رب الأسباب، ومن أتصف بهاذين الوصفين حول قلبه إذ الميلان فرع الفرح، والمحبة، ومن أشعاره الأنيقة عليه السلام:

لئن سائني دهر عزمت تصبرا ٭٭٭ وكل بلاء لا يدوم بسير

وان سرني لم أبتهج بسروره ٭٭٭ وكل سرور لا يدوم حقير

ومن رأى بعين اليقين هذا المعنى فقد جذب إليه أهدابه وأعلم ان الزهد له شعب كثيرة ومراده عليه السلام أن الوصفين يصيران المتصف بهما بأوصاف آخر بعض العلماء أصل الزهد أربعة أشياء الحلم في الغضب والجود في القلة والورع في الخلوة وصدق القول عند من يخاف منه أو ترجوا. إبراهيم بن آدم: الزهد ثلاث أحرف زاء، وهاء، ودال، فالزاء ترك الزينة، والهاء ترك الهوى، والدال ترك الدنيا.

وروي عنه عليه السلام: أنه قال: الزهد أن لا تبالي من ملك الدنيا من مؤمن، ومن کافر عند الله قصر الأمل وتنقية القلب وأن لا تفرح بالثناء ولا تغتم بالذم

ص: 281


1- سورة آل عمران: الآية 153

إلا فيما لا يعينه، وأن لا تحسد على الدنيا، وأن تحب العلم، والعلماء وان لا تطلب الرفعة أو السرف أقول، وما الزهد إلا في انقطاع العلائق عن الدنيا وأما ما أتبع الهوى، ويختار في الطاعات أرضى الطرائق وبالله التوفيق.

وقَالَ عليه السلام: «الْوِلَايَاتُ»: جمع الولاية وهي الأمارة.

«الرِّجَالِ مَضَامِیرُ»: جمع المضمار وهو الموضع الذي يضمر فيه الخيل وتضمیر الفرص أن يعلقه حتى يسمن ثم يرده إلى القوت وذلك في أربعين يوماً، وهذه المدة تسمى المضمار وقد سبق مثل هذا الكلام غير مرة أقول: يحتمل أن يقال المراد أن فائدة الولايات تضمير الملوك أقرانهم على استعاره المضامير لها، وعلى أن يكون الإضافة لأدنى ملابسة أي فائدة دنيوية لا آخروية إلا من توفقه العناية الإلهية؛ فيزرع بذر السعادة، وأن يقال شبه الناس أولى الناس بالأفراس والولايات مضامیر فكان في المضامير يسمن الأفراس كذلك في أزمنة الحكومة تسمن الأحكام، وحمل التسمين على الظاهر، وعلى الكناية عن الأسباب له مجال في هذا المقال، وخلاصته أن أرباب الولاية لا كأصحاب الولاية، وكيف، وهم شاهدوا الجمال المحبوب، وعجائب الملكوت والغيوب وتنعمت بالمشاهدة عين الفؤاد وأجلسهم على بساط الأنس مقربين في حضرة القدس وصرفهم في ملكه، فهم الملوك في الحقيقة في جميع البلاد، وملوك على التحقيق ليس لغيرهم من الملك إلا أسمه وعقابه أولئك هم أهل الولاية نالهم الله فضله وثوابه.

قَالَ عليه السلام: «مَا أَنْقَضَ»: أكسر «النَّوْمَ لِعَزَائِمِ الْيَوْمِ»: أراد شيئاً فلا تغفل عنه ولينظر إليه إلى أوان حصوله وليحصل شرائط وصوله وأن لا فلا وهذه الكلمة صارت مثلاً.

ص: 282

وقَالَ عليه السلام: «لَيْسَ بَلَدٌ بِأَحَقَّ بِكَ مِنْ بَلَدٍ خَیْرُ الْبِلَادِ مَا حَمَلَكَ»: أي لو لم يمض أيامك في بلد فأنتقل منه إلى بلد آخر ليطيب عيشك فيه فأن ذلك محمود موصل فلا المقصود وأما عكسه فمذموم وصاحبه ملموم ومن أشعاره عليه السلام في هذا المعنى:

اصبر على الدهر لا تغضب على أحد ٭٭٭ فلا ترى غيرما في اللوح مخطوط

ولا تقمن بدار لا انتفاع بها ٭٭٭

فالأرض واسعة والرزق مبسوط

وقَالَ عليه السلام: «وقَدْ جَاءَه نَعْيُ الأَشْتَرِ»: خبر الموت وروى نعي الأشتر والنعي، والناعي الذي من يعتد بخبر الموت وقال الأصمعي كانت العرب إذا مات منها میت له قدر، ومنزلة ركب راكب فرساً وجعل يسير في الناس ويقول نعى فلان أي ذو نعاية يعني أنا مظهر خبر وفاته.

«مَالِكٌ ومَا مَالِكٌ»: تعجب من جولته، وشجاعته ودوام خدمته وصلابته في الدين المبين والحق المتين، وأنه لم يعدل عن الصراط المستقيم بوسوسته الشيطان الرجيم.

«لَوْ كَانَ جَبَلًا لَكَانَ فِنْداً ولَوْ كَانَ حَجَراً لَكَانَ صَلْداً لاَ يَرْتَقِيه الْحَافِرُ»: الفرس «ولَا يُوفِي»: يرتقي «عَلَيْه الطَّائِرُ»: يظهر منه وجه الشبه بالتأمل.

قال: السيد الرضي رضي الله عنه والفند المنفرد من الجبال: الراغب: الفند: بكسير الفاء شمراخ الجبال وبه سمي الرجل فبدأ والفند بفتح الفاء ضعف الرأي.

ص: 283

وقال عليه السلام: «قَلِيلٌ مَدُومٌ عَلَيْه خَیْرٌ مِنْ كَثِیرٍ مَمْلُولٍ مِنْه»: أي الذي يمل منه فأن البركة فيه أكثر وأن كان صالحاً كان أكثر ثواباً.

وقَالَ عليه السلام: «إِذَا كَانَ فِي رَجُلٍ خَلَّةٌ»: خصلة «رَائِقَةٌ»: معجبة نزوعك بحسنها «فَانْتَظِرُوا أَخَوَاتِهَا»: أمثالها من الخصال الحسنة فأن بعضها يجذب بعضاً.

وقَالَ عليه السلام: «لِغَالِبِ بْنِ صَعْصَعَةَ أَبِي الْفَرَزْدَقِ»: الشاعر المشهور.

«فِي كَلَامٍ دَارَ بَيْنَهُمَا مَا فَعَلَتْ إِبِلُكَ الْكَثِیرَةُ قَالَ: دَغْدَغَتْهَا الْحُقُوقُ»: أي فرقتها الحقوق الديون وغيرها «يَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَقَالَ عليه السلام: «ذَلِكَ أَحْمَدُ سُبُلِهَا»: صوب فعله ورغبه فيه وفيه رمز أ، من حري هذا الصراط المستقيم فيعطيه أكثر ما ذهب من يده الرؤوف الرحيم، وكون هذا السبيل احمد السبل ظاهر فإن صاحبه ممدوح بكل لسان بل عند الرحمن المنان.

وقَالَ عليه السلام: «مَنْ عَظَّمَ صِغَارَ الْمَصَائِبِ ابْتَلَاه الله بِكِبَارِهَا»: وذلك لأنه نوع شكاية من الله مع أنها لا يليق بذلك بل الصبر في المصائب كلها محمود بل، وفي غيرها أيضاً، وتعظيم المصائب عبارة عما جرت عليه دأب السفهاء من النوحة وغيرها، وأما البكاء الصرف المحمود قال النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم في هذا المعنى خليلي، والله لا من ملمة تدوم على حي وأن هي جلت فأن نزلت يوماً؛ فلا يخضعن لها، ولا تكثر الشكوى إذا النعل زلت فكم من كريم يبتلى بنوائب فصابرها حتى محت واضمحلت.

وقَالَ عليه السلام: «مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْه نَفْسُه هَانَتْ عَلَيْه شَهَوَاتُه»: كرامتها عليه كناية عن مداراتها ومواساتها ولا ينافي ذلك إلا بأسبابه محمد بن على الترمذي: ذكر الله يُطيب القلوب، ويلينه فإذا خلا عن الذكر أصابته حرارة النفس ونار

ص: 284

الشهوات فقسی، ویبس وامتنعت الأعضاء من الطاعة؛ فإذا مدتها انكسرت كالشجرة إذا يبست لا تصلح إلا للقطع ويصير وقوداً للنار عاذنا الله منها أقول العجب ممن يقطع الأودية، والمفاوز القفار ليصلي إلى بيته، وحرمة لأن فيه آثار أنبيائه كيف لا يقطع نفسه هواه حتى يصل إلى قلبه فأن فيه آثار مولاه.

وقَالَ عليه السلام: «مَنِ اتَّجَرَ بِغَیْرِ فِقْه فَقَدِ ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا»: ارتطم في الوجل وقع فيه وارتطم على الرجل أمره شذب عليه مذاهبه ووجه الملازمة ظاهر والجاهل بمقابح الربا إذا أتجر في ماله بطريق الربا فقد وقع في نار قال عز من قائل «الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ»(1)وهي كثيرة؛ فأهما وأضمنها ما يتعلق به من تفريق ذات البين، وأبطال مصلحة النظام، وزرع الأجر والأحقاد في الصدور وأثارة الغضب، والعداوة، والبغضاء بين الناس، والتواد، والتحاب في الله عز وجل وزوال الألفة، والموافقة وبطلان المراعاة، والإحسان بين مصلحة الملة إلا بقهر الأعداء ودفع سرهم ولو لا ذلك لفتنوا المؤمنين، ولشوشوا على المؤمنين العوام عقائدهم ولا يتم الدفاع إلا باتحاد الكلمة وكمال الألفة وأن يكونوا کنفس، واحدة، والربا یزیل ذلك كله؛ فلما كان مبنى الأمر على الدعوة والاستمالة، وذلك ببذل النفس، والمال، والإيثار على الروح والقتال كما قال الله تعالى «وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ»(2)فكيف يليق به الربا وهو غاية الشح بإمساك ما في يده وطلب القليل من الفقير قيل قال: بعض الشعراء بلسان أكل الربا:

ص: 285


1- سورة البقرة الآية 275
2- سورة الحشر: الآية 9

ونجی إذا كان الجحيم خزانتي ٭٭٭ ماذا بخل ببهجي وبهائي

يبتلى العذاب محاسني ٭٭٭ وبشبهها ويطول مني في الجحيم نكايتي

ويقول لي الجبار جلا جلاله ٭٭٭ يا عبد السوء أنت من أعدائي

بارزتني وعصيت أمري جاهلاً ٭٭٭ أنسيت عهدي ثم يوم لقائي

ونرى وجوه الباذلين كأنها ٭٭٭ بدر بدا في ليلة ظلمائي

هذا وعلى التأويل يحتمل هذه الكلمة معاني كثيرة فتأمل.

وقَالَ عليه السلام: «مَا مَزَحَ امْرُؤٌ مَزْحَةً إِلَّا مَجَّ مِنْ عَقْلِه مَجَّةً»: استعار من مج فلان الماء من فيه أي رمی به قليلاً قليلا أردا أن العقل يأمر بالوقار واستعمال الأوقات بتذکار الأذكار، والطاعات؛ فإذا ذاعت وخالف؛ فكأنه مجه وأعلم أنه عليه السلام تکلم بهذا الكلام في المقام المقتضي للنهي عن المزاح، وإلا فاضل المزاح ليس بمنتهی کما سبق، وقد سبق أنه كان عليه السلام ورسول الله يمزح كان يداعب حتى قالوا يا رسول الله أنك تداعبنا قال «أني لا اقول إلا حقا»(1)قال العلماء المنتهي عنه ما يسقط المهابة والوقار وأما سلم من هذا؛ فهو الذي كان النبي يفعله، وكذلك الوصي على الندرة لمصلحة وتطييب نفس المخاطب، ومؤانسته وهو سنة مستحبة فأعلم هذا فأنه مما يعظم الاحتياج إليه.

وقَالَ عليه السلام: «زُهْدُكَ فِي رَاغِبٍ فِيكَ نُقْصَانُ حَظٌّ ورَغْبَتُكَ فِي زَاهِدٍ فِيكَ

ص: 286


1- مسند أحمد بن حنبل: ج 2 ص 360؛ السنن الكبرى لاحمد بن الحسين البهيقي: ج 10 ص 248؛ عمدة القاري: للعيني: ج 22 ص 196

ذُلُّ نَفْسٍ»: لا يخفى حسن مجاز الأسناد أو ما بيان الأول فهو أن الراغب في شخص ببذل ماله لجهاته، وله منه نصيب، وحظ إذا لم يزهد فيه، وأن زهد فيه وأعرض عنه؛ فلا فیکون ناقص الحظ، وأما بیان الثاني؛ فهو أن الراغب في الشخص المعرض عنه لذاهب فيه يصير عنده حقیراً ذليلاً بحسب الأفعال المذلة المؤلفة في اعتقاده أقول: وقد تكون المخالطة مع الناس ذلاً سهل بن عبد الله: مخالطة الولي للناس ذل، وتفرده عز؛ فما رأيت ولياً لله إلا منفرداً.

وقَالَ عليه السلام: «مَا لِابْنِ آدَمَ والْفَخْرِ أَوَّلُه نُطْفَةٌ وآخِرُه جِيفَةٌ ولَا يَرْزُقُ نَفْسَه ولَا يَدْفَعُ حَتْفَه»: الواو بمعنى مع إذا يصيب الفخر وإذا كسرته فللعطف والمعنى أن في الإنسان صفات النقصان فلا يليق بشخص أن يفتخر على آخر من الاخوان عن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم قال الله تعالى خلفتكم من التراب ومصيركم إلى التراب فلا تتكبروا على عبادي في حسب ولا مال فتكونوا على أهون من الذر وإنما تجزون يوم القيامة بأعمالكم لا بأحسابكم وان المتكبرين في الدنيا نعم قد يحسن الفخر والتكبر بحسب الضرورة روى أن أبا دجانة كان يمشي بالخيلاء بين الصفين يوم أحد فقال النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم «أن هذه المشية يبغضه الله تعالى»(1)إلا في هذا المكان:

عجبت من الكريم أتاه حر ٭٭٭

فلم ينهض لتعظيم اللقاء

تقاعد عنه عن سفه وكبر ٭٭٭ وقام بعقب ذاك إلى الخلاء

ص: 287


1- الكافي للشيخ الكليني: ج 5 ص 8؛ تحف العقول لأبن شعبة الحراني: هامش: ص 344؛ والأختصاص: للشيخ المفيد: ص 149

وقال عليه السلام: «الْغِنَى والْفَقْرُ بَعْدَ الْعَرْضِ عَلَى الله»: أي بهما يوم القيامة يبينان ويظهران بعد العرض على الله تعالى وبعد الفراغ من الحساب ويحتمل وجوهاً الأول:

أن الفقر الآخر، والغنى الآخروي، وذلك الذي أشار إليه صلى الله عليه [وآله] وسلم بقوله: «أتدرون ما المفلس قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال: أن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا، وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته؛ فأن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أحد من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار»(1)وفي الخبر أن المفلس حقيقة هذا، وأما من ليس له مال ومن قل ماله فالناس يسمونه فقيراً بغني ویسار يحصل له بعد ذلك في حياته بخلاف ذلك الفقير المفلس فأنه يهلك الهلاك التام الثاني المراد غنی القلب، وفقره وفي الخبر أشقى الأشقياء من جمع عليه فقر الدنيا، وعذاب الأخرة أراد به؛ فقر القلب، وبئس مثل فقر القلب.

ونعم میل الغنى القلب الفقير الحال ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا لا بارك الله في الدنيا بلا دين الثالث المراد أن الغنى وأثر الفقر في يوم القيامة وفي الخبر يا معشر الفقراء إلا أبشركم أن فقراء المسلمين يدخلون الجنة قبل أغنياهم بنصف يوم وهو خمسمائة عام الرابع المراد بالغنى الأخلاق وبالفقر عدمها وقريب من ذلك ما في أثباته عليه السلام ليس البلية في أيامنا عجباً أن السلامة فيها اعجب العجب، ليس الجمال بأثواب يرثها أن الجمال العلم والأدب، ليس اليتيم من قد مات والده أن اليتيم يتيم العقل والحسب الخامس: المراد بالفقر أرذل النفس في

ص: 288


1- مسند أحمد بن حنبل: ج 2 ص 303؛ سنن الترمذي: ج 4 ص 36

حكم الله تعالى أو ملازمة القلة واستحباب الذلة أو الأنس بالمعدوم والوحشة بالمعلوم أو إظهار الغني مع كمال المسكنة أو رياضة النفس مع رعاية الروح أو الرضى بما قضى له مع طيب القلب، وبالغنی الرضا بالموجود، والصبر على المفقود والأعراض عن الدنيا والعقبي، والأقبال على المولى أو القناعة أو ترك الشهوات أو التمكن من النفع مع ارتفاع الضرر؛ أو القلب مع القلة أو ستر الحال، وقطع الآمال وترك القيل والقال أو بغض الدنيا؛ أو الاستظهار بالمولى وفي الأخبار عن أبن عباس قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم فقال: يا رسول الله ما الفقر؟ قال: «خزانة من زائن الله تعالى»(1)ثم قال ما الفقر یا رسول الله؟ قال: كرامة من كرامة الله تعالى، ثم قال: ما الفقر یا رسول الله: قال شيء لا يعطيه الله تعالى إلا نبياً مرسلاً أو مؤمناً کریماً على الله تعالى وفي الأحاديث أيضاً عن عبد الله بن مسعود قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم ما الغني؟ قال: «اليأس مما في أيدي الناس»(2)الشاعر:

عليك باليأس من الناس ٭٭٭

إنّ غنی نفسك في اليأس

وبالجملة فهذه الاوصاف تظهر آثاره في ذلك اليوم.

وقَالَ عليه السلام: «مَا زَالَ الزُّبَیْرُ رَجُلًا مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ حَتَّى نَشَأَ ابْنُه الْمَشْئُومُ عَبْدُ الله».

ص: 289


1- المعجم الأوسط للطبراني: ج 6 ص 55؛ المعجم الكبير كذلك للطبراني : ج 10 ص 129؛ مسند الشهاب لمحمد بن مسلم القضاعي: ج 1 ص 146
2- المصنف لابن أبي شيبة الكوفي: ج 8 ص 306 بأختلاف يسير؛ الكافي للشيخ الكليني: ج 2 ص 149 بلفظ مقارب؛ الأمالي للشيخ الصدوق: ص 401؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 10 ص 286

وسُئِلَ مَنْ أَشْعَرُ الشُّعَرَاءِ فَقَالَ عليه السلام: «إِنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَجْرُوا فِي حَلْبَةٍ تُعْرَفُ الْغَايَةُ عِنْدَ قَصَبَتِهَا فَإِنْ كَانَ ولَا بُدَّ فَالْمَلِكُ الضِّلِّيلُ»: يريد بالحلبة الميدان ولم يجروا في حلبة أي لم يجروا الخيل، والأفراس في ميدان، واحد فحذف وفيه من الشبهات ما لا يخفى على الفطن، والعرب يضع القصب في آخر الميدان الذي يسابق الخيل فيها للرهان؛ فمن سبق فرسه کانت تلك القصبة في يده فلا حاجة في ذلك إلى شاهدي عدل، وإنما سمي إمرء القیس ضليلاً وهو بناء المبالغة لأنه ضل عن أمر عظيم وهو ملك أبيه بسبب قيله للشعر.

وقَالَ عليه السلام: «أَلَا حُرٌّ يَدَعُ هَذِه اللُّمَاظَةَ لأَهْلِهَا»: اللماظة في الأصل ما بقي في الفم من الطعام، وکنی هاهنا بذلك عن الدنيا لحقارتها، وقلة قدرها وروي هذه المماظة، ومظة يمظه مدة، والمظمظة الماء الحائر في أسفل الحوض والمظيظأ، وجد منهم فارس الروم كان بأسهم بينهم واشتقاق الماضة يجوز من حميمها.

«إِنَّه لَيْسَ لَأنْفُسِكُمْ ثَمَنٌ إِلَّا الْجَنَّةَ» قال عز من قائل «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ» أي أستبدل من المؤمنين لا الكافرين انفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة حياتها، ونعميها الحاصل بالأموال وقد سبق وجه هذه الاستعارة غير مرة.

«فَلَا تَبِيعُوهَا إِلَّا بِهَا»: ومن باع بغيره فما ربحت تجارتهم ومن جاهد في سبيل الله وباع نفسه فقد فاز فوزاً عظیماً سقياً له من جاهد، متهجد لله يقصر دونه الخدام فقد تجاوره بدار القدس في ملك يدوم له به الانعام في قصر یاقوت وساحة جوهر فيها قباب زبرجد، وختام ومن المليك تحية اتيهم في كل وقت تحية وسلام.

وقَالَ عليه السلام: «الإِيمَانُ أَنْ تُؤْثِرَ الصِّدْقَ حَيْثُ يَضُرُّكَ عَلَى الْكَذِبِ حَيْثُ

ص: 290

يَنْفَعُكَ»: إذ الإيثار فرع الاعتقاد، وهو مشعر به وفيه ترغيب في أيثار الصدق على الكذب فکیف حين لا ينفع الكذب، وقد جعله بعض الأئمة من نواقض الوضوء بعض الحكماء الكذاب، والميت سواء لأن فضيلة الحي النطق فإذا لم يوثق بكلامه فقد بطلت حياته حرمت المني أن كنت حسبك في الهوى وعوقبت بالهجران أن كنت كاذباً ومن عجبت الأيام أنك هاجري ولا زالت تبدي العجائبا.

«وأَلَّا يَكُونَ فِي حَدِيثِكَ فَضْلٌ عَنْ عَمَلِكَ»: فأن ذلك يدل على کمال الإيمان إذا هو شأن العالم الورع العامل بقول الرسول صلى الله عليه [وآله] وسلم «من علم شيأً فليقل به ومن لم يعلم فليقل الله أعلم فأن من العلم أن يقول لما يعلم الله أعلم»(1)قيل ذلك من علامة الإيمان ومنجية الخدمة وثمرة الحكمة لا نظفر به إلا الغواصون في بحار الجاهدات.

«وأَنْ تَتَّقِيَ الله فِي حَدِيثِ غَیْرِكَ»: لايقول في شانه ما نهی عنه الشارع قيل هذه المرتبة فرع الاستقامة وهي فرع شجرة المحنة أحب الله قوماً فاستقاموا على طرق الوداد ولم يناموان سقاهم بالصفا كأسا دهاقاً فتحابوا من محبته وهاموا فلا يقولون وأن يقولا فعن علمهم.

«وقَالَ عليه السلام: يَغْلِبُ الْمِقْدَارُ عَلَى التَّقْدِيرِ حَتَّى تَكُونَ الآفَةُ فِي التَّدْبِیرِ»: أي قد لا يبقى تقدير والتفكر في الشيء نظر العقل وبناؤه عليه على المقدار الذي قدر له فتكون الآفة والنقصان في التدبير.

وقَالَ عليه السلام: «الْحِلْمُ والأَنَاةُ تَوْأَمَانِ يُنْتِجُهُمَا عُلُوُّ الْهِمَّةِ»: أي الحلم وهو

ص: 291


1- فتح الباري لابن حجر: ج 13 ص 246؛ عمدة القاري للعيني: ج 25 ص 46؛ صحيح ابن حبان: ج 14 ص 548؛ تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: ج 8 ص 380

ظبط الشيء عند هيجان الغضب، والأناة أي التؤدة توأمان لا ينفك أحدهما عن صاحبه، وظاهران من أتصف بهما یکون عالي الهمة كثيراً لا يحتمل الغضب في أمر جزئي، وفي الخبر الحليم يتغافل، والكريم إذا قدر غفر هذا ولو فسر الحلم بالعقل ما ينجيه صاحب من ملازمة الدنيا؛ وندامة العقبي وقول أهل الأدب العقل الحبس والعاقل من حبس الأشياء في موضعها ووضعها فيها ومن علومهم الأئمة عليهم السلام ترك زبرج الدنيا وزخرفها وقولهم اللهم اجعلنا من الذين تاهت أرواحهم في الملكوت، وكشفت لها حجب الجبروت وخضوا في بحر اليقين وتنزهوا في زهر ریاض المتقين وركبوا سفينة التوكل، وأقلعوا بشرائع التوسل، وساروا بريح المحبة في جداول قرب العزة، وحطوا بشاطئ الإخلاص؛ فنبذوا الخطايا، وحملوا الطاعات برحمتك يا أرحم الراحمين وأنشد بعضهم:

ركب المحب إلى الحبيب سفينة يجري ٭٭٭ من الخطرات في أمواج بأحسنها

يجري به متفرداً بعلومه في جنح ليل داج؛ فالقلب وفيه زجاجة قد علقة بسلاسل المنهاج متوقد بالنور من زیتونة يسقی سراجات فاق كل سراج كل ذلك من العقل، وعلو الهمة أقول نالوا بهمتهم العوالي عرين مكرمات مجد المعالي ناحلاً بيض غرائس الأنوار في جناب سرور معارف الأسرار بعد ما جاهدوا في سلوك الطريق عساکر الهوى لما عرضوا للصد، والتعويق وذبحوا نفوس الهوى بسيوف المخالفة وطعنوا فرسان الطبع ما برح ترك العادات السالفة وظهور إيماء الدموع الطهور لنجاسات الذنوب والعيوب وسائر الشرور حتی صحت لهم العبادة المفتقرة إلى الطهارة كالصلاة والصوم ودواء قلوبهم من أمراض علل حب الدنيا وسائر الحظوظ والجاه وأحدقوا أشجار وحشتها بنار حزن القلب،

ص: 292

والآهات وطيبوها بماء ورد الأوراد وأحيوا ميتها بذكر الله، واعجباً منا كيف تعرف تلك المواهب، والأحوال، ولا يتداوي من الداء العضال الذي ينشأ حال فيبرء مثلهم من الأسقام التي أمرت منا القلوب؛ فيصر على مرارة الماهم التي صبروا عليها حتى يسقى مثلهم ويزول عنا على العيوب لقد عجز تأويلنا إلى الهوي والف العادة ولم يخرج عن الرعونات، والطباع التي خرج عنها السامة، ولم يتعظ بوعظ لسوء حظ، لتساعدنا السعادة، وإلا فنحن بغرف مراهم الداء التي تدوی به السعداء وفيها قلب مستند مراهم أسقام القلوب بواقع بهاء برء معلول وإيقاظ نائم وليس طبيب في جميع الورى سوى طبيب قلوب أو طبيب معالم فهذا يداوي الناس من داء جهلهم، وذهناً يأبی عنه الذكاء غيرنا هم بفتق لرتق في غوامض مشکل ورتق لفتق من طعام مخاصم عن السنة الغرا يذب مجاهد بأبيض مسلول من العلم صارم، وهكذا يسقي كل قلب معلل بداء هوی طبع النفوس الظوالم فيتسم طيباً فاح من جانب الحمى لذلك من كوم الهوى غير شاتم وينظر نور من جمال مخير، ويسمع تكليماً خلا من نام فيا أسفاً یا حسرتاً یا مصیبتاً، ويا ضيعة الأعمار شوق المواسم کما لم يكن كالعِير لقرية يتآكل المني والمكارم يموت، ولم ينظر جمال جلاله ولم يذق طعم الحب مثل البهائم فلو شاهدت ذاك الجمال عيوننا سکرنا وغبنا عن جميع العوالم وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ويرجى لعبد فارغ الباب لازم سارب، وفق وأعف وافتح، وعافنا وصلي على المختار من آل هاشم.

وقَالَ عليه السلام: «الْغِيبَةُ جُهْدُ الْعَاجِزِ»: في جعله جهداً مبالغة لا يخفى على الفطن، والمقصود أن من له خبث السريرة، ولوث العقيدة عاجزاً عن أن يضرب بسنان اللسان المغتاب تلقاء، وجهه يشتغل في غيبته بغيبته جاهلاً بأنها أشد من الزنا لأن الرجل يزني فيتوب الله عليه وأن صاحب الغيبة لا يغفر حتى يغفر له

ص: 293

صاحبها ومن ما صدر من منبع النبوة والمروة الغيبة تنقض الوضوء والصلاة(1).

وقَالَ عليه السلام: «رُبَّ مَفْتُونٍ بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيه»: أي لقيته أو وجدته أو ما شأنه ذلك أي كم شخص يتغير حاله بالأوصاف، ويتزلزل بالمدح وأن علم أنه کذب، وذلك لقصور فيه وأما صاحب الكمال فلا ينتقل بذلك من حال إلى حال ولأجل أن في المدح فتنة الممدوح، وكذب المادح قال عليه الصلاة والسلام «إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوهم التراب»(2)والحمد لله للفَّياض الوهاب(3)، قال

ص: 294


1- وهذا ضعيف لاسند له
2- الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف للسید بن طاووس: 493؛ 4 ص 351؛ سنن أبي داود لسليمان بن الأشعث السجستاني: ج 2 ص 437؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج 6 ص 185
3- ورد في بعض متون النهج هذه الزيادة من قصار الكلمات لمولانا أمير المؤمنين صلوات الله تعالى عليه: «مَنْهُومَانِ لَا يَشْبَعَانِ طَالِبُ عِلْمٍ وطَالِبُ دُنْيَا». وقال عليه السلام: الدُّنْيَا خُلِقَتْ لِغَيْرِهَا ولَمْ تُخْلَقْ لِنَفْسِهَا. وقَالَ عليه السلام: إِنَّ لِبَنِي أُمَيَّةَ مِرْوَداً يَجْرُونَ فِيه ولَوْ قَدِ اخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ ثُمَّ كَادَتْهُمُ الضِّبَاعُ لَغَلَبَتْهُمْ. وقَالَ عليه السلام: فِي مَدْحِ الأَنْصَارِ هُمْ والله رَبَّوُا الإِسْلَامَ كَمَا يُرَبَّى الْفِلْوُ مَعَ غَنَائِهِمْ بِأَيْدِيهِمُ السِّبَاطِ وأَلْسِنَتِهِمُ السِّلَاطِ. وقَالَ عليه السلام: الْعَیْنُ وِكَاءُ السَّه قال: الرضي وهذه من الاستعارات العجيبة كأنه شبّه السّتة بالوعاء والعين بالوكاء فإذا أطلق الوكاء لم ينضبط الوعاء وهذا القول في الأشهر الأظهر من كلام النبي وقد رواه قوم لأمير المؤمنين وذكر ذلك المبرد في كتاب المقتضب في باب اللفظ بالحروف وقد تكلمنا على هذه الاستعارة في كتابنا الموسوم بمجازات الآثار النبوية. وقَالَ عليه السلام: فِي كَلَامٍ لَه: ووَلِيَهُمْ وَالٍ فَأَقَامَ واسْتَقَامَ حَتَّى ضَرَبَ الدِّينُ بِجِرَانِه. وقَالَ (عليه السلام): یأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ عَضُوضٌ - يَعَضُّ الْمُوسِرُ فِيه عَلَى مَا فِي يَدَيْه - ولَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ قَالَ الله سُبْحَانَه - ٭ (ولا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) ٭ - تَنْهَدُ فِيه الأَشْرَارُ وتُسْتَذَلُّ الأَخْيَارُ - ويُبَايِعُ الْمُضْطَرُّونَ - وقَدْ نَهَى رَسُولُ الله (صلى الله عليه وآله) عَنْ بَيْعِ الْمُضْطَرِّينَ 469 - وقَالَ (عليه السلام): يَهْلِكُ فِيَّ رَجُلَانِ مُحِبٌّ مُفْرِطٌ وبَاهِتٌ مُفْتَرٍ قال الرضي: وهذا مثل قوله (عليه السلام) هَلَكَ فِيَّ رَجُلَانِ مُحِبٌّ غَالٍ ومُبْغِضٌ قَالٍ. 470 - وسُئِلَ عَنِ التَّوْحِيدِ والْعَدْلِ فَقَالَ (عليه السلام) - التَّوْحِيدُ أَلَّا تَتَوَهَّمَه والْعَدْلُ أَلَّا تَتَّهِمَه. 471 - وقال (عليه السلام): لَا خَيْرَ فِي الصَّمْتِ عَنِ الْحُكْمِ كَمَا أَنَّه لَا خَيْرَ فِي الْقَوْلِ بِالْجَهْلِ. 472 - وقَالَ (عليه السلام) فِي دُعَاءٍ اسْتَسْقَى بِه - اللهُمَّ اسْقِنَا ذُلُلَ السَّحَابِ دُونَ صِعَابِهَا قال الرضي - وهذا من الكلام العجيب الفصاحة - وذلك أنه (عليه السلام) شبه السحاب ذوات الرعود والبوارق - والرياح والصواعق - بالإبل الصعاب التي تقمص برحالها وتقص برکبانها - وشبه السحاب خالية من تلك الروائع - بالإبل الذلل التي تحتلب طيعة وتقتعد مسمحة. 473 -: وقيل لَه (عليه السلام) لَوْ غَیَّرْتَ شَيْبَكَ يَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ فَقَالَ (عليه السلام) - الْخِضَابُ زِينَةٌ ونَحْنُ قَوْمٌ فِي مُصِيبَةٍ يُرِيدُ وَفَاةَ رَسُولِ الله ص صلى الله عليه وآله. 474 - وقَالَ (عليه السلام): مَا الْمُجَاهِدُ الشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ الله بِأَعْظَمَ أَجْراً - مِمَّنْ قَدَرَ فَعَفَّ - لَكَادَ الْعَفِيفُ أَنْ يَكُونَ مَلَكاً مِنَ الْمَلَائِكَةِ. 475 - وقَالَ (عليه السلام): الْقَنَاعَةُ مَالٌ لَا يَنْفَدُ قال الرضي وقد روى بعضهم هذا الكلام لرسول الله صلى الله عليه وآله. 476 -: وقَالَ (عليه السلام) لِزِيَادِ ابْنِ أَبِيه - وقَدِ اسْتَخْلَفَه لِعَبْدِ الله بْنِ الْعَبَّاسِ عَلَى فَارِسَ وأَعْمَالِهَا - فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ كَانَ بَيْنَهُمَا نَهَاه فِيه عَنْ تَقَدُّمِ الْخَرَاجِ - . اسْتَعْمِلِ الْعَدْلَ واحْذَرِ الْعَسْفَ والْحَيْفَ - فَإِنَّ الْعَسْفَ يَعُودُ بِالْجَلَاءِ والْحَيْفَ يَدْعُو إِلَی السَّيْفِ. 477 - وقَالَ (عليه السلام): أَشَدُّ الذُّنُوبِ مَا اسْتَخَفَّ بِهَا صَاحِبُه. 478 - وقَالَ (عليه السلام): مَا أَخَذَ الله عَلَى أَهْلِ الْجَهْلِ أَنْ يَتَعَلَّمُوا - حَتَّى أَخَذَ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُعَلِّمُوا. 479 - وقَالَ (عليه السلام): شَرُّ الإِخْوَانِ مَنْ تُكُلِّفَ لَه قال الرضي لأن التكليف مستلزم للمشقة وهو شر لازم عن الأخ المتكلف له فهو شر الإخوان. 480 - وقَالَ (عليه السلام): إِذَا احْتَشَمَ الْمُؤْمِنُ أَخَاه فَقَدْ فَارَقَه قال الرضي يقال حشمه وأحشمه إذا أغضبه وقيل أخجله أو احتشمه طلب ذلك له وهو مظنة مفارقته، وهذا حين انتهاء الغاية بنا إلى قطع المختار من کلام أمير المؤمنين عليه السلام، حامدين لله سبحانه على ما منِّ به من توفيقنا لضم ما انتشر من أطرافه، وتقريب ما بعد من أقطاره. وتقرر العزم کما شرطنا أولا على تفضيل أوراق من البياض في آخر كل باب من الأبواب، ليكون لاقتناص الشارد، واستلحاق الوارد، وما عسى أن يظهر لنا بعد الغموض، ويقع إلينا بعد الشذوذ، وما توفيقنا إلا بالله: عليه توكلنا، وهو حسبنا ونعم الوكيل. وذلك في رجب سنة أربع مائة من الهجرة، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم الرسل، والهادي إلى خير السبل، وآله الطاهرين وأصحابه نجوم اليقين. تم - والحمد لله - نهج البلاغة وقَالَ (عليه السلام): يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ عَضُوضٌ - يَعَضُّ الْمُوسِرُ فِيه عَلَى مَا فِي يَدَيْه - ولَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ قَالَ الله سُبْحَانَه - ٭ (ولا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) ٭ - تَنْهَدُ فِيه الأَشْرَارُ وتُسْتَذَلُّ الأَخْيَارُ - ويُبَايِعُ الْمُضْطَرُّونَ - وقَدْ نَهَى رَسُولُ الله (صلى الله عليه وآله) عَنْ بَيْعِ الْمُضْطَرِّينَ. 469 - وقَالَ (عليه السلام): يَهْلِكُ فِيَّ رَجُلَانِ مُحِبٌّ مُفْرِطٌ وبَاهِتٌ مُفْتَرٍ قال الرضي: وهذا مثل قوله (عليه السلام) هَلَكَ فِيَّ رَجُلَانِ مُحِبٌّ غَالٍ ومُبْغِضٌ قَالٍ ونَحْنُ قَوْمٌ فِي مُصِيبَةٍ يُرِيدُ وَفَاةَ رَسُولِ الله صلى الله عليه -وآله - وسلم. وقَالَ عليه السلام: مَا الْمُجَاهِدُ الشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ الله بِأَعْظَمَ أَجْراً مِمَّنْ قَدَرَ فَعَفَّ لَكَادَ الْعَفِيفُ أَنْ يَكُونَ مَلَكاً مِنَ الْمَلَائِكَةِ. وقَالَ عليه السلام: الْقَنَاعَةُ مَالٌ لَا يَنْفَدُ قال الرضي وقد روى بعضهم هذا الكلام لرسول الله صلى الله عليه - وآله - وسلم. وقَالَ عليه السلام: لِزِيَادِ ابْنِ أَبِيه وقَدِ اسْتَخْلَفَه لِعَبْدِ الله بْنِ الْعَبَّاسِ عَلَى فَارِسَ وأَعْمَالِهَا فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ كَانَ بَيْنَهُمَا نَهَاه فِيه عَنْ تَقَدُّمِ الْخَرَاجِ اسْتَعْمِلِ الْعَدْلَ واحْذَرِ الْعَسْفَ والْحَیْفَ فَإِنَّ الْعَسْفَ يَعُودُ بِالْجَلَاءِ والْحَيْفَ يَدْعُو إِلَی السَّيْفِ. وقَالَ عليه السلام: أَشَدُّ الذُّنُوبِ مَا اسْتَخَفَّ بِهَا صَاحِبُه. وقَالَ عليه السلام: مَا أَخَذَ الله عَلَى أَهْلِ الْجَهْلِ أَنْ يَتَعَلَّمُوا حَتَّى أَخَذَ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُعَلِّمُوا. وقَالَ عليه السلام: شَرُّ الإِخْوَانِ مَنْ تُكُلِّفَ لَه قال الرضي لأن التكليف مستلزم للمشقة وهو شر لازم عن الأخ المتكلف له فهو شر الإخوان. وقَالَ عليه السلام: إِذَا احْتَشَمَ الْمُؤْمِنُ أَخَاه فَقَدْ فَارَقَه قال: الرضي يقال حشمه وأحشمه إذا أغضبه وقيل أخجله أو احتشمه طلب ذلك له وهو مظنة مفارقته وهذا حین انتهاء الغاية بنا إلى قطع المختار من كلام أمیر المؤمنین عليه السلام، حامدين لله سبحانه على ما منّ به من توفيقنا لضم ما انتشر من أطرافه، وتقريب ما بعد من أقطاره

السيد الرضي رضي الله عنه: وهذا آخر انتهاء الغاية بنا إلى قطع المختار من کلام

ص: 295

ص: 296

أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام حامدين لله سبحانه على ما من به من توفيقنا لضم ما أنتشر من أطرافه وتقريب ما بعد من أقطاره ومقررين العزم کما شرطناه أولاً على التفصيل أورق من البياض في آخر كل باب من الأبواب فیکون لأقتناص الشارد واستلحاق الوارد.

وما عساه أن يظهر لنا بعد الغموض، ويقع إلينا بعد الشذوذ، وما توفيقنا إلا بالله عليه توكلنا، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

أقول: سبحان ربك رب العزة عما يصوفون والحمد لله رب العالمين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين هذا آخر ما أردنا إتيانه في هذه الأوراق ذخيرة ليوم التناد وذريعة ليوم التلاق مستعيناً بالعليم الخلاق مستمداً بالحكيم الرزاق مستعيناً بالخالق السبع الطباق مسبحاً بحمده بالعشي والإشراق مصلياً على متمم نکارم الأخلاق ومطهر القلوب من دنس الشرك والنفاق محمد الذي ذلت له الأعناق ونسخ شرائع النبيين على الإطلاق ونور أنوار ملته وشريعته الأطراف والأكناف مسلماً على آله وعترته وأصحابه بالاتفاق تيمناً وتبركاً لخزانة كتب الحضَرة العلية السلطانية الأعظمية الأعدلية خلد الله ملکه وسلطانه وأبّد

ص: 297

خلافته وأوضح على العالمين برهانه وشيد قواعد الدين والشرع بظلال جلاله ومهد قواعد الإسلام والإيمان بمیامین عدله وأفضاله وكان ذلك في يوم السبت لتسع وعشرين خلون من صفر ختم بالخير والظفر لسنة أحدى وثمانين وثمانمائة هجرية نبوية على يمين مؤلف الكتاب بعون الله المك الوهاب الكريم الثواب العبد الضعيف الفقير إلى رحمة ربه الغني المغني محمد بن حبیب الله بن أحمد الحسني الحسيني الملقب بأفصح الدين أحسن الله عواقب داريه وغفر له ولوالديه ولجميع المؤمنين أنه مجيب الدعوات ومفيض الخيرات وهو على كل شيء قدير وبالإجابة جدير ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ص: 298

مصادر ومراجع الموسوعة

بسم الله الرحمن الرحيم

1 - القرآن الكريم

2 - القاموس المحيط، محمد بن يعقوب (الفيروز آبادي)، (ت - 817)، مؤسسة الرسالة، بیروت، (ط 1).

3 - الخرائج والجرائح، قطب الدين الراوندي، (ت - 573 ه)، تحقيق: مؤسسة الإمام المهدي (عليه السلام)، بإشراف السيد محمد باقر الموحد الأبطحي، (ط 1)، ذي الحجة 1409.

4 - الوافي بالوفيات، صلاح الدين بن أيبك الصفدي، (ت - 764 ه)، تحقيق أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، دار إحياء التراث - بیروت، (ط 1)، 1420 - 2000 م.

5 - الخصال، أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق، (ت - 381 ه)، تحقيق: وتصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة (ط 1)، 18 ذي القعدة الحرام 1403 - 1362 ش.

6 - الغارات، إبراهيم بن محمد الثقفي الكوفي (ت - 283 ه)، تحقيق: السيد جلال الدين الحسيني الأرموي المحدث، ملاحظة؛ طبع على طريقة أوفست في مطابع بهمن.

7 - الهداية الكبرى: الحسين بن حمدان الخصيبي، (ت - 334 ه)، (ط 4)، م مؤسسة البلاغ للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت لبنان، 1411 - 1991.

8 - الصحيفة السجادية: الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، (ت - 94 ه)، (ط 1)، دفتر نشر الهادي، 1418.

ص: 299

9 - الاقتصاد: شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، (ت - 460 ه)، (ط 1)

الخيام - قم، 1400.

10 - الشافي في الامامة، الشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي، (ت - 436)،

(ط 1) مؤسسة إسماعيليا، قم 1410.

10 - الكافي، محمد بن يعقوب بن اسحاق الكليني الرازي، (ت - 329)، تحقيق: وتصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري،، حيدري، دار الكتب الإسلامية - طهران، 11، (ط 1) 1363 ش.

الإصابة، أحمد بن حجر الهيثمي المكي، (ت - 852 ه)، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، دار الكتب العلمية - بيروت، (ط 1) 1415.

11 - الأمالي، الشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي، (ت - 436 ه)، تحقيق: وتصحيح وتعليق السيد محمد بدر الدين النعساني الحلبي، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، (ط 1)، 11321، - 1907 م

11 - الاقتصاد، شیخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، (ت - 460)، (ط 1)

الخيام - قم، 1400.

12 - الأمثال والحكم المستخرجة من نهج البلاغة، محمد الغروي، (معاصر)، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة. (ط 3) 1415.

13 - الإعتصام، المحقق الأصولي أبي إسحاق إبراهيم بن موسی بن محمد اللخمي الشاطبي الغرناطي، (ت - 790ه)، تحقيق: وتعريف السيد محمد رشيد رضا، دار الكتب العلمية - بيروت، (ط 1).

14 - المبسوط، شمس الدين السرخسي (ت - 483)، دار المعرفة للطباعة والنشر

والتوزيع - بيروت.

ص: 300

15 - أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين، (ت - 1371 ه)، تحقيق وتخریج: حسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات - بیروت، (ط 1).

16 - البليغ في المعاني والبيان والبديع، أحمد أمين الشيرازي، (معاصر)، (ط 1) المطبعة:

مؤسسة النشر الإسلامي، 1422.

17 - التحقيق في كلمات القرآن الكريم، حسن المصطفوي، (معاصر)، مؤسسة الطباعة والنشر وزارة الثقافة والإرشاد الإسلام، (ط 1) 1417.

18 - العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي، (ت - 175 ه)، تحقيق: الدكتور مهدي المخزومي، والدكتور إبراهيم السامرائي، مؤسسة دار الهجرة - ایران قم. (ط 2) 1409.

19 - الشعر والشعراء، أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، (ت - 276 ه)، تحقيق وشرح أحمد محمد شاكر، المطبعة: دار الحديث والناشر: دار الحديث - القاهرة 1427 - 2006 م.

20 - الصحاح، اسماعیل بن حماد الجوهري، (ت - 393 ه) تحقيق: أحمد عبد الغفور

العطار، دار العلم للملايين - بيروت (ط 4) 1407 - 1987 م.

21 - المجازات النبوية، الشريف الرضي، (ت - 406 ه) تحقيق وشرح: طه محمد الزيتي منشورات مكتبة بصيرتي - قم، (ط 1).

22 - الاحتجاج، أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب، (ت - 548 ه)، تحقيق وتعليق وملاحظات: السيد محمد باقر الخرسان، (ط 1)، دار النعان للطباعة والنشر - النجف الأشرف، 1386 - 1966 م.

23 - الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، للشهيد السعيد، محمد بن جمال الدين مكي العاملي للشهيد الأول، (ت - 786 ه) شرح الشهيد السعيد، زين الدين الجبعي العاملي، الشهيد الثاني، تحقيق: السيد محمد کلانتر، (ت - 465 ه)، منشورات جامعة

ص: 301

النجف الدينية. (ط 2).

24 - المسترشد، محمد بن جریر الطبري (الشيعي)، (ت - ق 4 ه)، تحقيق: الشيخ أحمد المحمودي، (ط 1) سلمان الفارسي - قم 1415.

25 - المستدرك، الحافظ أبي عبد الله الحاكم النيسابوري، (ت - 405 ه)، تحقيق وإشراف:

يوسف عبد الرحمن المرعشلي، دار المعرفة - بيروت، (ط 1)

26 - المقنعة، فخر الشيعة أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقب بالشيخ المفيد رحمه الله (ت - 413 ه)، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي، مؤسسة النشر الإسلامي، التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة (ط 2)، 1410.

27 - المخصص، أبي الحسن علي بن إسماعيل النحوي اللغوي الأندلسي المعروف بابن سيده، (ت - 458 ه)، تحقيق: لجنة إحياء التراث العربي، دار إحياء التراث العربي، - بيروت، (ط 1).

28 - إرشاد القلوب، الحسن بن محمد الديلمي، (ت - ق 8 ه)، أمير - قم، (ط 2) 1415 - 1374 ش.

29 - النكت الإعتقادية، فخر الشيعة أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقب بالشيخ المفيد رحمه الله (ت - 413 ه)، تحقيق: رضا المختاري، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت، (ط 2): 1414 - 1993.

30 - البداية والنهاية، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي المعروف بابن کثیر، (ت - 774)، (ط 1) تحقیق و تدقیق وتعلیق: علي شيري، دار إحياء التراث العربي - بيروت، 1408 - 1988 م.

31 - الإكمال في أسماء الرجال، شیخ ولي الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله، المعروف الخطيب التبريزي، (ت -741 ه)، تحقیق وتعليق: أبي أسد الله بن الحافظ محمد

ص: 302

عبد الله الأنصاري مؤسسة أهل البيت (عليهم السلام)، (ط 1).

31 - المصنف، عبد الرزاق الصنعاني (ت - 211 ه)، تحقيق: الشيخ المحدث حبيب وحبیب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي بيروت، (ط 1)، 1403.

32 - المصنف، أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي، (ت - 235)، تحقيق وتعليق: سعيد اللحام، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت، (ط 1)، جماد الآخرة 1409 - 1989 م.

33 - الرسائل العشر، شیخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، (ت - 460

ه)، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

34 - الأمالي، أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين ابن موسی بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق، (ت - 381 ه)، مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة، (ط، 1) 1417.

35 - الاستیعاب، ابن عبد البر (ت - 463)، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار الجيل - بیروت (ط 1) 1412 - 1992 م.

36 - أُسد الغابة، أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (ت - 630 ه)، دار الكتاب العربي - بیروت، (ط 1) 1415 ه - 1994 م.

37 - السنن الكبرى، أبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، (ت - 458 ه)،

تحقيق: دار الفكر، (ط 1) دار المعرفة - بيروت، 1413 ه. ق.

38 - الكامل في التاريخ، أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، عز الدين ابن الأثير (ت - 630 ه)، (ط 1) دار صادر، دار 1386 - 1966 م.

ص: 303

39 - التعديل والتجريح، المؤلف؛ سلیمان بن خلف بن سعد ابن أيوب الباجي المالك (ت - 474 ه) تحقيق: الأستاذ أحمد البزار، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، (ط 1) 1413 ه. ق.

40 - التبيان في تفسير القرآن،، شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، (ت - 460 ه)، تحقیق وتصحیح: أحمد حبيب قصير العاملي، مكتب الإعلام الإسلامي

41 - أوائل المقالات، فخر الشيعة أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقب بالشيخ المفيد رحمه الله (ت - 413 ه)، تحقيق: الشيخ إبراهيم الأنصاري، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت، (ط 2) 1414 - 1993 م.

42 - مناقب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، محمد بن سليمان الكوفي، (ت - 300ه)، تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية - قم المقدسة، (ط 1) النهضة، 1412.

43 - مناقب علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الحافظ الخطيب أبي الحسن علي بن محمد بن محمد الواسطي الجُلاّبي الشافعي الشهير بابن المغازلي، (ت - 483 ه)، انتشارات سبط النبي، (ط 1)، 1426 - 1384 ش.

44 - الحكايات، فخر الشيعة أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقب بالشيخ المفيد رحمه الله (ت - 413 ه)، تحقيق: السيد محمد رضا الحسيني الجلالي، (ط 2)، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت 1414 - 1993 م.

45 - المعجم الكبير، للحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، (ت - 360 ه)، تحقیق وتخریج: حمدي عبد المجيد السلفي، دار إحياء التراث العربي (ط 2).

46 - الصمت وآداب اللسان، أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن قیس البغدادي الأموي القرشي المعروف بابن أبي الدنيا، (ت - 281 ه)، تحقيق: أبو إسحاق

ص: 304

الحويني، (ط 1) دار الكتاب العربي - بيروت 1410.

47 - الزهد حسين بن سعيد الكوفي، (ت - ق 3)، تحقیق میرزا غلام رضا عرفانیان، (ط 1) المطبعة العلمية، 1399.

48 - الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف، السيد رضي الدين علي بن موسی بن

جعفر بن طاووس، (ت - 664 ه)، الخيام (ط 1) 1399.

49 - الخلاف، شیخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، (ت - 460 ه)، تحقيق: جماعة من المحققين، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة 1407.

50 - التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار، زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، السَلامي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحنبلي (ت - 795 ه) تحقيق: بشير محمد عيون، دار النشر مكتبة المؤيد - الطائف، دار البيان - دمشق، (ط 1).

51 - المعجم الأوسط، أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، (ت - 360)، تحقیق ومراجعة: طارق بن عوض الله بن محمد 254 عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، دار الحرمين بلد الناشر، القاهرة، 1415 (ط 1).

52 - المناقب الموفق الخوارزمي (ت - 568 ه)، تحقيق: الشيخ مالك المحمودي، مؤسسة سيد الشهداء (عليه السلام): مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ربيع الثاني 1414، (ط 1).

53 - الإرشاد، فخر الشيعة أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقب بالشيخ المفيد رحمه الله (ت - 413 ه)، تحقيق: مؤسسة آل البيت، (عليهم السلام) لتحقيق التراث، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت، (ط 1) 1414 - 1993 م.

54 - الأمالي، شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، (ت - 460 ه)،

ص: 305

الشيخ الطوسي، (ت - 460 ه)، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية - مؤسسة البعثة، دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع - قم، (ط 1) الطبعة: الأولى: سنة الطبع: 1414.

55 - المحلى، أبو محمد علي بن أحمد بن سعید بن حزم الظاهري، دار الفكر، (ت - 456 ه)، (ط 1)

56 - الإكمال في أسماء الرجال، شیخ ولي الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله الخطيب التبريزي، (ت - 741 ه)، تحقيق وتعليق: أبي أسد الله بن الحافظ محمد عبد الله الأنصاري، مؤسسة أهل البيت عليهم السلام، (ط 1).

57 - المحاسن، أحمد بن محمد بن خالد البرقي (ت - 274 ه)، تحقيق: تصحيح وتعليق: السيد جلال الدين الحسيني دار الكتب الإسلامية - طهران (المحدث)، (ط 1)، 1370 - 1330 ش.

58 - الفتوح، أحمد بن أعثم الكوفي، (ت - 314 ه)، تحقيق: علي شيري، دار الاضواء (ط 1).

59 - الإيضاح، الفضل بن شاذان الأزدي، (ت - 260)، تحقيق: السيد جلال الدين الحسيني الأرموي، مؤسسة انتشارات وچاپ دانشگاه تهران، (ط 1) 1363 ش.

60 - الموطأ، مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني (ت - 179 ه)، تحقيق: المحقق: محمد مصطفى الأعظمي، مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية - أبوظبي - الإمارات (ط 1)،، 1425 ه - 2004 م.

61 - العثمانية، أبی عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، (ت - 255 ه)، تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون، دار الكتاب العربي - مصر، (ط 1)، 1374 ه = 1955 م.

62 - اختیار معرفة الرجال (رجال الكشي)، شیخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، (ت - 460 ه)، تحقيق وتصحيح وتعليق: میر داماد الأسترابادي والسيد

ص: 306

مهدي الرجائي، بعثت قم (ط 1)، 1404.

63 - اختیار مصباح السالكين، الشيخ ميثم بن علي بن میثم البحراني، (ت - 689 ه)، تحقیق وتقديم وتعليق: الدكتور شیخ محمد هادي الأميني، مؤسسة الطبع والنشر التابعة للآستانة الرضوية المقدسة (ط 1)، 1408 - 1366 ش.

64 - الملل والنحل، أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبي بكر أحمد الشهرستاني، (ت - 548 ه)، تحقيق: محمد سيد كيلاني، دار المعرفة - بيروت، (ط 1).

65 - الاحتجاج، أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي، 548: تحقيق:

تعليق وملاحظات: السيد محمد باقر الخرسان، دار النعمان للطباعة والنشر - النجف الأشرف، (ط 1)، 1386 - 1966 م.

66 - السنة، للحافظ أبي بكر عمرو بن أبي عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني، (ت - 287 ه)، تحقيق: بقلم محمد ناصر الدين الألباني، (المكتب الإسلامي - بيروت)، (ط 3)، 1413 - 1993 م.

67 - المنطق، الشيخ محمد رضا المظفر، (ت - 1383 ه) مؤسسة النشر الإسلامي

التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، (ط 1).

68 - المفردات في غريب القرآن، أبي القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب

الأصفهاني، (ت - 425 ه)، دفتر نشر الكتاب ،(ط 1)، 1404.

69 - الصراط المستقيم، علي بن يونس العاملي النباطي البياضي، (ت - 877 ه)، تحقیق، تصحیح وتعليق: محمد الباقر البهبودي، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، (ط 1) 1384.

70 - المستدرك، للحافظ أبي عبد الله الحاكم النيسابوري، (ت - 405 ه)، تحقيق وإشراف: يوسف عبد الرحمن المرعشلي، دار المعرفة - بيروت، (ط 1).

ص: 307

71 - الأعلام، خير الدين الزركلي، (ت - 1410 ه)، دار العلم للملايين - بیروت، (ط 5)، أيار - مایو 1980.

72 - الناصریات، علي بن الحسين الموسوي، المعروف بالشريف المرتضى (ت - 436 ه)، تحقيق: مركز البحوث والدراسات العلمية الطبعة، مؤسسة الهدى، (ط 1) 1417 - 1997 م

73 - المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروکین، محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن مَعْبدَ، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي، (ت - 354 ه)، تحقيق محمود ابراهیم زاید،: دار الوعي - حلب، (ط 1) 1396 ه.

74 - البداية والنهاية، إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي أبو الفداء، (ت - 774 ه)، مكتبة المعارف - بيروت، (ط 1)

75 - إرشاد القلوب، الحسن بن محمد الديلمي، (ت - ق 8 ه)، أمير - قم، (ط 2)، 1415 - 1374 ش.

76 - الجامع لاحکام القرآن (تفسير القرطبي)، لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري

القرطبي، (ت - 671 ه)، دار القرطبي - بيروت 1405 ه - 1985 م.

77 - بناء المقالة الفاطمية في نقض الرسالة العثمانية، السيد رضي الدين علي بن موسی بن جعفر بن طاووس المعروف بالسید ابن طاووس، (ت - 664ه)، تحقيق: السيد علي العدناني الغريفي، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث - قم، (ط 1) 1411 - 1991.

78 - ترتيب إصلاح المنطق، يوسف يعقوب بن إسحاق، (ت - 244 ه)، تحقيق وترتیب وتقديم وتعليق،: الشيخ محمد حسن بكائي، مؤسسة الطبع والنشر في الآستانة الرضوية المقدسة، (ط 1) 1412.

ص: 308

79 - تاج العروس، محب الدين أبي فيض السيد محمد مرتضى الحسيني الواسطي الزبيدي، (ت - 1205 ه)، تحقيق: علي شيري، دار الفكر - بيروت، (ط 1)، 1414 - 1994 م.

80 - تقريب المعارف، أبو الصلاح تقي بن نجم الحلبي، (ت - 447 ه)، تحقيق فارس تبریزیان الحسون، (ط 1) 1417 - 1375 ش.

81 - تاريخ مدينة دمشق، أبي القاسم علي بن الحسن إبن هبة الله بن عبد الله الشافعي المعروف بابن عساکر، (ت - 571 ه)، تحقيق: علي شيري، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت لبنان، 1415.

82 - تاریخ بغداد، أحمد بن علي أبو بكر الخطيب البغدادي، (ت - 463 ه)، دار الكتب العلمية - بيروت (ط 1).

83 - تفسير السلمي، أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين بن موسى الأزدي السلمي، (412 ه)، تحقيق: سید عمران، دار الكتب العلمية، (ط 1)، 1421 - 2001 م.

84 - تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورام)، ورام بن أبي فراس المالكي الاشتري، (ت - 605)، حيدري - دار الكتب الإسلامية - طهران، (ط 2)، 1368 ش.

85 - تفسير الرازي، فخر الدين أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علي القرشي التيمي البكري، الطبرستاني الأصل، الرازي المولد، الشافعي الأشعري، (ت - 606 ه)، (ط 1).

86 - تخريج الأحاديث والآثار، جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف بن محمد الزيلعي، 762 ه)، تحقيق: عبد الله بن عبد الرحمن السعد، دار ابن خزيمة - الرياض، (ط 1) 1414.

87 - تلخيص الخلاف وخلاصة الاختلاف: المؤلف: الشيخ مفلح بن حسن بن

ص: 309

رشيد المعروف بالصيمري، (ت - ق 7): تحقيق: السيد مهدي الرجائي، سيد الشهداء - قم 1408.

88 - تفسير مجمع البيان، الشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي، (ت - 548 ه)، تحقیق وتعليق: لجنة من العلماء والمحققين الأخصائيين، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بیروت، 1415 - 1995 م.

89 - تفسير المحيط الأعظم والبحر الخظم في تأويل كتاب الله العزيز المحكم: المؤلف: السيد حيدر الآملي، (ت - 782 ه)، تحقيق: السيد محسن الموسوي التبريزي، الأسوة (ط 4)، 1428.

90 - تصحيفات المحدثين، الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري، (ت - 382 ه)، تحقيق: محمود أحمد ميرة، المطبعة العربية الحديثة - القاهرة، (ط 1)، 1402 - 1982 م.

91 - تفسير الكشف والبيان عن تفسير القرآن (تفسير الثعلبي)، أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي النيسابوري، المعروف بالثعلبي، (ت - 427 ه) تحقيق: أبي محمد بن عاشور، مراجعة وتدقيق الأستاذ نظير الساعدي، دار إحياء التراث العربي - بیروت، (ط 1)، 1422 - 2002 م.

92 - تفسير البحر المحيط، محمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الأندلسي، (ت - 745 ه)، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود - الشيخ علي محمد معوض، شارك في التحقيق: د. زکریا عبد المجيد النوقي، د. أحمد النجولي الجمل، دار الكتب العلمية - بيروت، (ط 1)، 1422 - 2001 م.

93 - تفسير الإمام العسكري، المنسوب إلى الإمام الحسن بن علي العسكري (عليه السلام)، (ت - 260 ه)، تحقيق: مدرسة الإمام المهدي (عليه السلام)، مهر - قم المقدسة، (ط 1) 1409.

ص: 310

94 - تفسير السمعاني، أبو المظفر منصور بن محمد السمعاني، (ت - 489 ه)، تحقيق: ياسر بن إبراهيم وغنيم بن عباس بن غنيم، دار الوطن - الرياض، (ط 1)، 1418 - 1997 م.

95 - المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي، لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي (ت - 597 ه)، تحقيق: دراسة وتحقيق: محمد عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية - بیروت، 1412 - 1992 م.

96 - تهذيب التهذيب، أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني، (ت - 852 ه)، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت، (ط 1)، 1404 - 1984 م. تهذيب الكمال، يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف، أبو الحجاج، جمال الدين ابن الزكي أبي محمد القضاعي الكلبي المزي، (ت - 742 ه)، تحقيق: د. بشار عواد معروف وضبط وتعليق: الدكتور بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة - بیروت، (ط 1): 1406 - 1985 م.

97 - تصحيح اعتقادات الإمامية، المقنعة، فخر الشيعة أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقب بالشيخ المفيد رحمه الله (ت - 413 ه)، تحقيق: حسين درگاهي، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت، 1414 - 1993 م.

98 - تذكرة الحفاظ، أبو عبد الله شمس الدين محمد الذهبي، (ت - 748 ه)،: دار إحياء التراث العربي - بيروت، (ط 1).

99 - تفسير أبي حمزة الثمالي، لأبي حمزة ثابت بن دينار الثمالي، (ت - 148 ه)، حققه وأعاد جمعه وتأليفه: عبد الرزاق محمد حسين حرز الدين مراجعة وتقديم: الشيخ محمد هادي معرفة، دفتر نشر الهادي، (ط 1)، 1420 - 1378 ش.

ص: 311

100 - تفسير القمي، علي بن إبراهيم القمي، (ت - 329 ه)، تحقيق: تصحیح وتعلیق وتقديم: السيد طيب الموسوي الجزائري، مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر - قم، (ط 3)، صفر 1404.

101 - ثواب الأعمال، أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق، (ت - 381 ه)، تحقيق: تقديم: السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان، أمير - قم، 1368 ش.

102 - جواهر الفقه، الفقيه الأقدم القاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي المعروف بالقاضي ابن البراج، (ت - 481 ه)، تحقيق: إبراهيم بهادري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، (ط 1)، 1411.

103 - جامع الخلاف والوفاق بين الإمامية وبين أئمة الحجاز والعراق، علي بن محمد القمي، (ت - ق 7): تحقيق الشيخ حسين الحسيني البيرجندي، پاسدار إسلام - قم (ط 1).

104 - جمهرة الأمثال، الشيخ الأديب أبي هلال العسكري أبي هلال العسكري، (ت - 395 ه) تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم وعبد المجيد قطامش، دار الجيل - بیروت، (ط 2)، صفر 1384 - يونيه 1964م.

105 - جامع البيان عن تأویل آي القرآن، محمد بن جرير الطبري، (ت - 310 ه)، تحقيق: تقديم: الشيخ خليل الميس، ضبط وتوثيق وتخریج: صدقي جميل العطار، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت، (ط 1)، 1415 - 1995 م.

106 - جمال الأسبوع، السيد رضي الدين علي بن موسی بن جعفر بن طاووس؛ (ت - 664)، تحقيق: جواد قیومي الإصفهاني، مؤسسة الآفاق، (ط 1)، 1371 ش.

107 - خصائص الأئمة، أبي الحسن محمد بن الحسين بن موسى الموسوي البغدادي،

ص: 312

(ت - 406 ه)، تحقيق: محمد هادي الأميني، مجمع البحوث الإسلامية - الآستانة الرضوية المقدسة - مشهد - إيران، (ط 1) ربیع الثاني 1406.

108 - رسائل الشريف المرتضى، علي بن الحسين الموسوي، (ت - 436)، تحقيق وتقديم: السيد أحمد الحسيني: إعداد: السيد مهدي الرجائي، دار العلم للملايين - بیروت، سيد الشهداء - قم (ط 1)، 1405.

109 - روضة الواعظين، الشيخ العلامة زين المحدثين محمد بن الفتال النيسابوري الشهيد، (508 ه)، تحقيق: تقديم: السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان، منشورات الشريف الرضي - قم. (ط 1)

110 - دعائم الإسلام، أبي حنيفة النعمان بن محمد بن منصور بن أحمد بن حيون التميمي المغربي المعروف بالقاضي النعمان المغربي، (ت - 363 ه)، تحقيق: آصف بن علي أصغر فیض، دار المعارف - القاهرة، (ط 1) 1383 - 1963 م.

111 - دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، أحمد بن الحسين البيهقي، (ت - 458 ه)، حققه ووثق أصوله وخرج حديثه وعلق عليه: الدكتور عبد المعطي قلعجي، (ط 1) دار الكتب العلمية - بيروت، 1405 - 1985 م.

112 - ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، محمد بن جمال الدين مكي العاملي الجزيني قدس سره الشريف المعروف بالشهيد الأول (ت - 786 ه): تحقيق: مؤسسة آل البيت (ع) لإحياء التراث، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث - قم، (ط 1) 1419.

113 - سنن الدارمي، عبد الله بن الرحمن الدارمي، (ت - 255 ه)، مطبعة الاعتدال - دمشق، (ط 1)، 1349 ه.

114 - سنن أبي داود، سلیمان بن الأشعث أبو داود السجستاني الأزدي، (ت 275 ه)، تحقیق ومراجعة: محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر، (ط 1).

ص: 313

115 - سنن الترمذي، الحافظ أبي عیسی محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، (ت - 279 ه)، تحقيق وتصحيح: عبد الوهاب عبد اللطيف، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت، (ط 2)، 1403 - 1983 م.

116 - سير أعلام النبلاء، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قایماز الذهبي، (ت - 748 ه)، تحقيق وإشراف وتخریج: شعيب الأرنؤوط وحسين الأسد، مؤسسة الرسالة - بيروت، (ط 9) 1413 - 1993 م.

117 - سنن النسائی، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن بحر النسائي (303 ه)، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت، (ط 1) 1348 - 1930 م.

118 - شرح الرضي على الكافية، رضي الدين الأستراباذي، (ت - 686 ه)، تحقیق وتصحیح وتعليق يوسف حسن عمر، مؤسسة الصادق - طهران، (ط 1) 1395 - 1975 م.

119 - شواهد التنزيل لقواعد التفضيل، (ت - ق 5)، تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي، مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي - مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، (ط 1) 1411 - 1990 م.

120 - شرح مئة كلمة لأمير المؤمنین، کمال الدين میثم بن علي بن میثم البحراني (ت - 679 ه)، تحقیق وتصحیح وتعليق: میر جلال الدين الحسيني الأرموي المحدث، (ط 1).

121 - شرح أصول الكافي، مولى محمد صالح المازندراني، (ت - 1081 ه) تحقيق: مع تعليقات: الميرزا أبو الحسن الشعراني، ضبط وتصحيح: السيد علي عاشور، المطبعة: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع، (ط 1)، 1421 - 200.

122 - شرح المواقف، عبد الرحمن بن أحمد الإيجي بشرحه للمحقق السيد الشريف علي بن محمد الجرجاني، (ت - 816ه): تحقيق: شرح: علي بن محمد الجرجاني، مطبعة

ص: 314

السعادة - مصر، (ط 1) 1325 - 1907 م.

123 - شرح نهج البلاغة، ابن میثم بن علي البحراني، (ت - 679 ه)، حققه وعني بتصحيحه عدة من الأفاضل وقوبل بعدة نسخ موثوق بها، چاپخانه دفتر تبلیغات اسلامي، (ط 1) 1362 ش.

124 - شرح المقاصد في علم الکلام، مسعود بن عمر بن عبد الله الشهير بسعيد الدين التفتازاني، (ت - 793 ه)، دار المعارف النعمانية، (ط 1) 1401 - 1981 م

125 - شعب الإيمان، أحمد بن الحسين البيهقي، (ت - 458)، تحقيق: أبي هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول، تقديم: دكتور عبد الغفار سلیمان البندار، (ط 1) 1410 - 1990 م.

126 - شرح معاني الآثار، أحمد بن محمد بن سلمة الأزدي الحجري المصري الطحاوي، (ت 321 ه)، تحقيق وتعليق: محمد زهري النجار، دار الكتب العلمية، (ط 3) 1416 - 1996 م.

127 - شرح الأخبار، أبي حنيفة النعمان بن محمد التميمي المغربي (ت - 363 ه)، تحقيق، السيد محمد الحسيني الجلالي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، (ط 2) 1414.

128 - شرح نهج البلاغة، عزّ الدّين أبو حامد عبد الحميد بن هبة الله بن محمّد بن محمّد بن حسين بن أبي الحديد المدائنيّ، (ت - 656 ه)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية - عيسى البابي الحلبي وشركاه، (ط 1) 1378 - 1959 م.

129 - شفاء السقام، أبي الحسن تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي الكبير، (ت - 756 ه)، (ط 4) 1419.

130 - صحيح ابن حبان، علاء الدين علي بن بلبان الفارسي المعروف بابن حبان

ص: 315

(ت - 739 ه)، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، (ط 2)، 1414 - 1993 م

131 - صحيفة همام بن منبه، أبو عقبة همام بن منبه بن کامل بن سيج اليماني الصنعاني الأبناوي (ت - 131 ه) تحقيق: علي حسن علي عبد الحميد، دار عمار - بيروت، (ط 1)، 1407 ه - 1978 م.

132 - طبقات الشافعية الكبرى، عبد الوهاب بن علي السبكي، (ت - 771)، تحقيق: محمود محمد الطناحي - عبد الفتاح محمد الحلو، دار إحياء الكتب العربية - فيصل عيسى البابي الحلبي، (ط 1).

133 - طبقات خليفة، خليفة بن خياط العصفري (شباب)، (ت - 240 ه)، تحقيق: الدكتور سهیل زکار، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت، 1414 - 1993 م.

134 - علل الشرائع، أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق، (ت -381 ه)، الشيخ الصدوق الوفا أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق، (ت - 381 ه)، تحقيق وتقديم: السيد محمد صادق بحر العلوم، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها - النجف الأشرف، 1385 - 1966 م.

135 - علل الدارقطني، علي بن عمر الدارقطني (ت - 385 ه)، تحقيق: محفوظ الرحمن زین الله السلفي، (ط 1)، دار طيبة - الرياض: والناشر: دار طيبة الرياض 1405.

136 - عيون الأخبار، أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، (ت - 276 ه)،

منشورات محمد علي بيضون - دار الكتب العلمية، (ط 3)، 1424 - 2003 م.

137 - عمدة القاري، بدر الدين محمود بن أحمد العيني، (ت - 762 ه)، دار إحياء التراث العربي - بيروت، (ط 1).

138 - عمدة عيون صحاح الاخبار في مناقب إمام لأبرار، الحافظ يحيى بن الحسن الأسدي الحلي، المعروف بابن البطريق ابن البطريق، (ت - 600)، مؤسسة النشر

ص: 316

الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، (ط 1)، جمادي الأولى 1407.

139 - عوالي اللئالي، للشيخ المحقق المتتبع محمد بن علي بن إبراهيم الأحسائي، (ط 1).

140 - المعروف بابن أبي جمهور، (ت - 880 ه)، تحقيق: تقديم: السيد شهاب الدين

النجفي المرعشي والحاج آقا مجتبی العراقي، سيد الشهداء - قم، 1403 - 1983 م.

141 - عدة الداعي ونجاح الساعي، أحمد ابن فهد الحلي، (ت - 841 ه)، تحقيق وتصحيح احمد الموحدي القمي، مكتبة وجداني - قم، (ط 1).

142 - فرحة الغري، السيد عبد الكريم بن طاووس تحقيق: السيد تحسين آل شبيب

الموسوي، دار محمد (صلى الله عليه وآله)، (ط 1)، 1419 - 1998 م.

143 - فهرست ابن النديم، محمد بن إسحاق أبو الفرج النديم المعروف بابن النديم البغدادي، (ت - 438 ه): تحقيق: رضا - تجدد، دار المعرفة - بيروت، سنة الطبع: 1398 - 1978.

144 - قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد، الشيخ محمد بن علي بن عطية الحارثي المشهور بأبي طالب المكّي، (ت - 386 ه)، تحقيق وضبطه وصححه: باسل عيون السود، دار الكتب العلمية - بيروت، (ط 1)، 1417 - 1997 م.

145 - قصص الأنبياء، الفداء إسماعيل بن كثير المعروف بابن کثیر، (ت - 774 ه)، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، دار التأليف - مصر، (ط 1) 1388 - 1968 م.

146 - کشف الغمة في معرفة الأئمة، علي بن أبي الفتح الإربلي، (ت - 693 ه)، دار

الأضواء - بيروت، (ط 2) 1405 - 1985 م.

ص: 317

147 - کشف المشكل من حديث الصحيحين، أبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي (ت -597 ه)، تحقيق: الدكتور علي حسين البواب، دار الوطن للنشر - الرياض، 1418 - 1997 م.

148 - کنز الفوائد، أبي الفتح محمد بن علي الكراجكي، (ت - 449 ه)، غدیر، مكتبة المصطفوي - قم، 1369 - 1369 ش.

149 - کشف الیقین، الحسن بن یوسف بن المطهر الحلي المعروف بالعلامة الحلي، (ت - 726 ه): تحقيق: حسين الدرگاهي، طهران - إيران، (ط 1)، 1411.

150 - کتاب سلیم بن قیس، سلیم بن قیس الهلالي الكوفي، (ت - ق 1)، تحقيق: محمد باقر الأنصاري الزنجاني، نگارش والناشر، (ط 1)، 1422 - 1380 ش.

151 - کنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي، (ت - 975 ه)، تحقيق ومراجعة: محمود عمر الدمياطي، دار الكتب العلمية - بیروت، (ط 1) 1419 ه - 1998 م.

152 - کمال الدين وتمام النعمة، أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابویه القمي الصدوق (ت - 381 ه)، تحقیق وتصحیح وتعليق علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، محرم الحرام 1405 - 1363 ش

153 - كفاية الأثر، أبي القاسم علي بن محمد بن علي الخزاز القمي الرازي المعروف بالحزاز القمي، (ت - 400 ه)، تحقيق: السيد عبد اللطيف الحسيني الكوهكمري الخوئي، الخيام - قم، (ط 1)، 1401.

154 - لسان العرب، أبي الفضل جمال الدين محمد بن مکرم ابن منظور الإفريقي المصري، (ت - 711 ه)، نشر أدب الحوزة، (ط 1)، 1405.

155 - مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، أبي الفضل علي الطبرسي، (ت - ق 7 ه)،

ص: 318

تحقيق: مهدي هوشمند، دار الحديث، (ط 1)، 1418.

156 - مقدمة فتح الباري، ابن حجر العسقلاني، (ت - 852 ه) دار إحياء التراث العربي - بيروت، (ط 1)، 1408 - 1988 م.

157 - معارج نهج البلاغة، علي بن زید البيهقي، (ت - 565 ه) تحقیق، محمّد تقي دانش پژوه إشراف السيد محمود المرعشي، بهمن - قم، 1409.

158 - مناقب آل أبي طالب، أبي عبد الله محمد بن علي بن أبي نصر بن أبي حبيشي السروي المازندراني، (ت - 588 ه) المعروف بابن شهر آشوب، تحقيق: تصحيح وشرح ومقابلة: لجنة من أساتذة النجف دالأشرف، الطبعة 1376 - 1956 م.

159 - معاني الأخبار، أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق، (ت - 381 ه)، تحقيق تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، 1379 - 1338 ش.

160 - مطلوب كل طالب، رشيد الوطواط، (ت - 573 ه)، تحقيق: تصحيح وإهتمام: میر جلال الدين الحسيني الأرموي المحدث، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، (ط 1) 1382 - 1342 ش.

161 - موارد الظمآن إلى زوائد، ابن حبان علي بن أبي بكر الهيثمي أبو الحسن، (ت - 807ه)، تحقيق ومراجعة محمد عبد الرزاق حمزة، دار الكتب العلمية، (ط 1).

162 - مشارق أنوار اليقين، الحافظ رجب البرسي، (ت - 813 ه)، تحقيق: السيد علي عاشور، مؤسسة الأعلمی للمطبوعات - بیروت، 1419 - 1999 م.

163 - مجمع الأمثال، لأبي الفضل أحمد بن محمد النيسابوري المعروف بالميداني، (ت - 518 ه)، المعاونية الثقافية للآستانة الرضوية المقدسة، آذر 1366 ش.

ص: 319

164 - میزان الاعتدال، أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان المعروف بالذهبي، (ت - 748)، تحقيق، علي محمد البجاوي، دار المعرفة للطباعة والنشر - بیروت، (ط 1) 1382 - 1963 م.

165 - معجم لغة الفقهاء، محمد قلعجي، معاصر، دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع، دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت، (ط 1) 1408 - 1988 م.

166 - مسند أحمد بن حنبل، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الذهلي (ت - 241 ه) دار صادر - بيروت، (ط 1).

167 - مسند الشهاب، محمد بن سلامة القضاعي، (ت - 454 ه) تحقيق: حمدي عبد

المجيد السلفي، مؤسسة الرسالة - بیروت، 1405 - 1985 م.

168 - منتهى المطلب، الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي المعروف بالعلامة الحلي، (ت - 726 ه)، تحقيق: قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية، مؤسسة الطبع والنشر في الآستانة الرضوية المقدسة، (ط 1)، 1412.

169 - منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، قطب الدين أبي الحسين سعيد بن هبة الله المعروف بالراوندي، (ت - 573 ه) تحقيق: السيد عبد اللطيف الكوهكمري، مكتبة آية الله المرعشي العامة - قم، (ط 1)، الخيام - قم، 1406.

170 - مكارم الأخلاق، الشيخ الجليل رضي الدين أبي نصر الحسن بن الفضل الطبرسي، (ت - 548 ه)، منشورات الشريف الرضي، (ط 1) 1392 - 1972 م.

171 - مجمع الزوائد، للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، (ط 1)، (ت - 807 ه)، 1408 - 1988م.

172 - مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة، المنسوب للإمام الصادق (عليه السلام)، (ت - 148 ه)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بیروت، (ط 1) 1400 - 1980 م.

ص: 320

173 - مسند الشاميين، الحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الطبراني، الطبراني، (ت - 360 ه)، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، مؤسسة الرسالة - بیروت، (ط 1)، 1417 - 1996 م.

174 - مصادر نهج البلاغة وأسانيده، السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب، دار الزهراء - بيروت، (ط 1) 1409 - 1988 م.

175 - مجمع الفائدة: المؤلف: المحقق الشيخ أحمد الأردبيلي، (ت - 993 ه)، تحقيق: الحاج آغا مجتبی العراقي، الشيخ علي پناه الاشتهاردي، الحاج آغا حسين اليزدي الأصفهاني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

176 - منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، حبیب الله الهاشمي الخوئي، (ت - 1324 ه)، تحقيق: سيد إبراهيم الميانجي، بنیاد فرهنگ امام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، (ط 4)

177 - مختار الصحاح، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، (ت - 721 ه)، تحقیق وضبط وتصحيح: أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية - بيروت، (ط 1)، 1415 - 1994 م.

178 - مستطرقات السرائر، الشيخ الفقيه أبي جعفر محمد بن منصور ن أحمد بن إدريس الحلي، (ت - 598)، تحقيق: لجنة مؤسسة النشر الإسلامي، (ط 2)، 1410.

179 - مختصر أخبار شعراء الشيعة وأخبار السيد الحميري، (ت - 384 ه)، تحقيق: محمد هادي الأميني، شركة الكتبي للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت، (ط 2)، 1413 - 1993 م.

180 - مناقب علي بن أبي طالب (عليه السلام) وما نزل من القرآن في علي (عليه السلام)، أحمد بن موسی ابن مردويه الأصفهاني، (ت - 410)، حققه وجمعه ورتبه وقدم

ص: 321

له: عبد الرزاق محمد حسين حرز الدين، دار الحديث، (ط 2) 1424 - 1382 ش.

181 - مناقب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، محمد بن سليمان الكوفي، (ت - 300 ه) تحقيق: الشيخ محمد باقر المحمودي،: مجمع إحياء الثقافة الإسلامية - قم المقدسة، (ط 1)، محرم الحرام 1412.

182 - معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية، محمود عبد الرحمن عبد المنعم، (معاصر)، دار الفضيلة، (ط 1).

183 - مجمع البحرین، فخر الدين الطريحي، (ت - 1085 ه)، چاپخانهء طراوت، (ط 2)، شهریور ماه 1362 ش.

184 - مصباح المتهجد، شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، (ت -

460 ه)، مؤسسة فقه الشيعة - بيروت، ( ط 1) 1411 - 1991 م.

185 - ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار، محمد باقر المجلسي المعروف بالعلامة المجلسي، (ت - 1111 ه)، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، الخيام - قم، (ط 1) 1406

186 - معجم مقاییس اللغة، أحمد بن فارس بن زكريا المعروف بابن فارس، (ت - 395)، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، مكتبة الإعلام الإسلامي، (ط 1)، 1404.

187 - مسند أبي يعلى، أحمد بن علي بن المثنى التميمي المعروف بأبي يعلى الموصلي،

(ت - 307 ه)، تحقيق: حسین سلیم أسد، دار المأمون للتراث، (ط 1).

188 - منطق المشرقيين، أبو علي سينا المعروف بالشيخ الرئيس، (ت - 428 ه)، الولاية - قم، (ط 2)، 1405.

189 - مسند بن أبي أوفي، یحیی بن محمد بن صاعد بن كاتب الهاشمي البغدادي، (ت - 318 ه)، سعد بن عبد الله آل الحميد، مكتبة الرشد - الرياض، (ط 1) 1408.

ص: 322

190 - من لا يحضره الفقيه، أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق، (ت - 381 ه) تحقيق: تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، (ط 2).

191 - نهج الإيمان، زين الدين علي بن يوسف بن جبر المعروف بابن جبر، (ت - ق 7)، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، مجتمع إمام هادي (عليه السلام) مشهد، (ط 1)، 1418.

192 - نهاية الأرب في فنون الأدب، شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويريّ، (ت - 733)، مطابع گوستاتسوماس وشركاه، (ط 44118).

193 - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: المؤلف: ابن خلکان، (ت - 681 ه)، تحقيق: إحسان عباس، دار الثقافة بیروت، (ط 1).

194 - وقعة صفين، نصر ابن مزاحم المنقري، (ت - 212 ه)، تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون، المدني - مصر، (ط 2)، 1382.

195 - نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة، الشيخ المحمودي، (معاصر)، مؤسسة

الأعلمی للمطبوعات - بيروت، (ط 1).

196 - نهج الحق وكشف الصدق، الحسن بن يوسف بن المطهر الحالي المعروف بالعلامة الحلي، (ت - 726 ه)، تحقيق وتقديم: السيد رضا الصدر، تعليق الشيخ عين الله الحسني الأرموي، ستارة - قم، (ط 1) ذي الحجة 1421.

ص: 323

ص: 324

المحتويات

ومن كلام له عليه السلام كتبه إلى طلحة والزبير مع عمران بن الحصين الخزاعي...5

ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية:...7

ومن وصية له عليه السلام وصى بها شریح بن هانئ لما جعله على مقدمته إلى الشام...9

ومن كتاب له إلى أهل الكوفة عند مسيره من البصرة إلى المدينة:...12

ومن كتاب له عليه السلام كتبه إلى أهل الأمصار يقص فيه ما جرى بينه وبين أهل صفين:...12

ومن كتاب له عيه السلام إلى الأسود بن قطبة صاحب جند حلوان:...14

ومن كتاب له عليه السلام إلى العمال الذين يطأ الجيش عملهم:...16

ومن كتاب له عليه السلام إلى كميل بن زياد النخعي وهو عامله على هیت...18

ومن كتاب له عليه السلام إلى أهل مصر مع مالك الأشتر لما ولاه إمارتها:...20

ومن كتاب له عليه السلام إلى أبي موسى الأشعري وهو عامله على الكوفة...26

ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية جوابا عن كتاباً منه:...28

ومن كتاب له عليه السلام إلى عبد الله بن العباس رحمه الله وقد مضى هذا الكتاب فيما تقدم بخلاف هذه الرواية:...37

ص: 325

ومن كتاب له عليه السلام إلى قثم بن العباس وهو عامله على مكة...38

ومن كتاب له عليه السلام إلى سلمان الفارسي رحمه الله قبل أيام خلافته...40

ومن كتاب له عليه السلام إلى الحارث الهمداني: قيل أسم قبيله...41

ومن كتاب له عليه السلام إلى سهل بن حنيف الأنصاري...46

ومن كتاب له عليه السلام إلى المنذر بن الجارود العبدي:...48

ومن كتاب له عليه السلام إلى عبد الله بن العباس:...50

ومن كتاب له إلى معاوية:...51

ومن حلف له عليه السلام كتبه بين ربيعة واليمن ونقل من خط هشام بن الكلبي: منسوب إلى الكلب حي من قضاعة...52

ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية من المدينة في أول ما بويع له بالخلافة ذكره الواقدي في كتاب (الجُمل):...54

ومن وصية له عليه السلام لعبد الله بن العباس عند استخلافه إياه على البصرة...54

ومن وصية له عليه السلام لعبد الله بن العباس لما بعثه للاحتجاج على الخوارج...55

ومن كتاب له عليه السلام أجاب به أبا موسى الأشعري عن كتاب كتبه إليه من المكان الذي أقعدوا: هو وأتباعه فيه للحكومة...56

ومن كتاب كتبه لما استخلف إلى أمراء الأجناد: وهذا الكتاب كتبه على عهده...60

ص: 326

ومِنْ كَلَامٍ لَه عليه السلام لِلسَّائِلِ الشَّامِيِّ لَمَّا سَأَلَه أَكَانَ مَسِيرُنَا إِلَی الشَّامِ بِقَضَاءٍ مِنَ الله وقَدَرٍ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ هَذَا مُخْتَارُه:...98

«ومِنْ كَلَامٍ لَه لِكُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ النَّخَعِيِّ رحمه الله»: کمیل تصغير أكمل کزهير وأزهر وقد كان من قبيلة ن اليمن...139

مصادر ومراجع الموسوعة...299

محتويات الكتاب...325

ص: 327

ص: 328

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.