ايضاح الدلائل في شرح الوسائل المجلد 5

هوية الكتاب

بطاقة تعريف:الداوري، مسلم، 1318 -

عنوان العقد:وسائل الشیعة. شرح

عنوان المؤلف واسمه:ايضاح الدلائل في شرح الوسائل/ تقریرا لبحث سماحه مسلم الداوري (دام ظله)؛ بقلم السیدعباس الحسیني، محمدحسین البنای؛ تحقیق مؤسسة الإمام الرضا (علیه السلام) للبحث والتحقیق.

تفاصيل النشر:قم: دار زین العابدین، 1396 -

مواصفات المظهر: ج.

شابک:دوره 978-600-98461-4-6 : ؛ 500000 ریال: ج 1 978-600-98461-5-3 : ؛ 500000 ریال: ج 2 978-600-98461-6-0 : ؛ 400000 ریال: ج 3 978-600-98518-8-1 : ؛ 400000 ریال: ج 4 978-600-98518-9-8 : ؛ ج.5 978-622-7925-72-2 :

حالة الاستماع:فاپا

ملحوظة:أما المجلدان الرابع والخامس من هذا الكتاب فقد كتبهما محمد عيسى البناي.

ملحوظة:ج. 2 - 4 (چاپ اول: 1396).

ملحوظة:ج.5 (چاپ اول: 1401) (فیپا) .

ملحوظة:هذا الكتاب هو وصف الكتاب "وسائل الشیعه الی تحصیل مسائل الشریعة" اثر حرعاملی است.

ملحوظة:کتابنامه.

موضوع:حرعاملی، محمدبن حسن، 1033-1104ق . وسائل الشیعة -- نقد و تفسیر.

موضوع:احادیث شیعه -- قرن 11ق.

Hadith (Shiites) -- Texts -- 17th century

فقه جعفری -- قرن 11ق.

*Islamic law, Ja'fari -- 17th century

احادیث احکام

*Hadiths, Legal

معرف المضافة:حسینی، سیدعباس، 1329 -

معرف المضافة:بنای، محمدعیسی

معرف المضافة:حرعاملی، محمدبن حسن، 1033-1104ق . وسائل الشیعة. شرح

معرف المضافة:موسسه تحقیقاتی امام رضا (علیه السلام)

تصنيف الكونجرس:BP135/ح4و50214 1396

تصنيف ديوي:297/212

رقم الببليوغرافيا الوطنية:4980037

محرر رقمي:محمد منصوری

اطلاعات رکورد کتابشناسی:فاپا

العنوان: ايضاح الدلائل في شرح الوسائل الجزء الثاني

تحقيق: مؤسسة الإمام الرضا (علیه السلام) للبحث والتحقيق

الإخراج الفني: كمال زين العابدين

عدد الصفحات: 603 صفحة

ص: 1

اشارة

ايضاح الدلائل

في شرح الوسائل

تقرير البحث سماحة آية الله الفقيه المحقق

الحاج الشيخ مسلم الداوري

بقلم

الشيخ محمد عيسی البنَّاي

تحقيق

مؤسسة الامام الرضا للبحث والتحقيق العلمي

«الجزء الخامس»

ص: 2

ايضاح الدلائل

في شرح الوسائل

ص: 3

ص: 4

ايضاح الدلائل

في شرح الوسائل

تقرير البحث سماحة آية الله الفقيه المحقق

الحاج الشيخ مسلم الداوري

بقلم

الشيخ محمد عيسی البنَّاي

تحقيق

مؤسسة الامام الرضا للبحث والتحقيق العلمي

«5»

ص: 5

ص: 6

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ اَلْرَحیمْ

ص: 7

ص: 8

كلمة المؤسسة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علی اشرف الانبياء والمرسلين سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

نحمد الله تعالی علی ما وفقنا به من اتمام تحقيق وطبع الجزء الخامس من ايضاح الدلائل في شرح وسائل الشيعة للحر العاملي (رحمه الله تعالی) ونسأل الله العلي القدير ان يوفقنا لاتمام تحقيق وطبع المجلدات الاخری في القريب العاجل انه سميع مجيب.

ولا يفوتنا هنا ان نتقدم بالشكر والامتنان الی اخينا العلامة الفاضل حجة الاسلام والمسلمين الشيخ محمدعيسی البناي علی جهده في تقرير لابحاث الاستاذ الفقيه الاصولي والمفسر الرجالي آية الله الشيخ مسلم الداوري (دام ظله) في شرحه لوسائل الشيعة والذي لفت انظار اساتذة الحوزات العلمية وفضلائها حيث كثر الاتصال بنا من قبلهم مستعلمين ومترقبين صدور المجلدات التي لم تطبع بعد. وهذا مما يدل علی اهمية هذا الكتاب والصدی الذي أخذه في الاوساط العلمية.

ونتقدم بالشكر ايضاً إلی كل الاخوة المحققين الذين شاركوا في تحقيق واخراج هذا الكتاب واخص منهم بالذكر: حجة الاسلام الشيخ مرتضی الصالحي النجفي والشيخ عليرضا الداوري والسيد عباس الحسيني والسيد محمدجواد الرجائي.

وفي الختام: نسأل الله تعالی ان يتقبل منا ذلك اليسير ويجعله خالصاً لوجهه الكريم وهو حسبنا ونعم الوكيل.

ص: 9

ص: 10

أبواب نواقض الوضو ء

ص: 11

ص: 12

أبواب نواقض الوضو ء

أبواب نواقض الوضوء

الفرق بين الناقض والموجب والسبب

النواقض جمع ناقض وهو عنوان يطلق على الحدث في جملة ما يطلق عليه؛ إذ يطلق عليه أيضاً عنوان الموجب، وعنوان السبب. وقد ذكر بعض العلماء كصاحب المدارك أنّ العناوين الثلاثة، مترادفة((1))، وهو الظاهر من الفاضل الهندي في كشف اللثام((2)).

وقال آخرون: إن السبب أعم مطلقاً من الناقض والموجب، وبين الناقض والموجب عموم من وجه، وتوضيح ذلك: أنّه إنّما أطلق الناقض على الحدث الذي يبطل الوضوء باعتبار عروضه للمتوضّي، فلا يسمى الحدث ناقضاً إلا إذا طرأ على المتطهّر.

ويقال له: موجب الوضوء؛ لإيجابه الوضوء عند التكليف بما يشترط بالوضوء.

ويجتمع الناقص والموجب في المحدث بعد أن كان متطهّراً بعد دخول وقت الصلاة وقبل أن يؤديها مثلاً؛ فإنّ هذا الحدث الصادر منه ناقض للطهارة

ص: 13


1- - مدارك الاحكام 1: 141.
2- - كشف اللثام 1: 185.

السابقة، كما أنّه موجب للوضوء الذي هو مقدمة للصلاة.

ويصدق الموجب دون الناقض فيما إذا دخل الوقت وكان محدثاً فأحدث ثانياً مثلاً، فإنّه يصدق على الحدث الثاني أنّه موجب، لأنّ كل حدث سبب للطهارة التي هي مقدمة للعمل المشروط بها، ولا يصدق عليه أنّه ناقض، لأنّه كان محدثاً فلم يطرأ الحدث الثاني على متطهّر حتى ينقض الطهارة.

واما السبب فهو أعم من الناقض والموجب، فيجتمع معهما إذا كان متطهّراً ودخل وقت فريضة وأحدث قبلها، فحدثه سبب، لأنّ الشارع اعتبره سبباً، وهو ناقض، لأنّه نقض الطهارة السابقة، وهو موجب، لأنّه أوجب عليه التطهير مقدمةً للفريضة.

ويصدق السبب وحده في ما إذا كان قد أحدث خارج الوقت ولم تجب عليه أيّة فريضة مشروطة بالوضوء، فإذا أحدث ثانياً، كان هذا الحدث سبباً، لأنّ الحدث سبب شرعي، ولم يكن موجباً، لأنّه لا يجب عليه أي عمل مشروط بالطهارة، وليس بناقض، لأنّه كان محدثاً قبله((1)).

وبهذا يعرف الوجه في تقديم هذه الأبواب علی أبواب أفعال الوضوء وأحكامه؛ فإنّ السبب مقدم علی المسبّب.

ص: 14


1- - ينظر: مفتاح الكرامة 1: 151.

1- بَابُ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُو ءَ إِلَّا الْيَقِينُ بِحُصُولِ الْحَدَثِ دُونَ الظَّنِّ وَالشَّك

اشارة

1- بَابُ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إِلَّا الْيَقِينُ بِحُصُولِ الْحَدَثِ دُونَ الظَّنِّ وَالشَّك

شرح الباب:

اليقين: هو إزاحة الشك، وتحقيق الأمر((1)).

والظنُّ: التَّرَدُّدُ الرَّاجِحُ بين طَرَفَي الاعتِقادِ الغيرِ الجازِمِ((2)).

والشك: نقيض اليقين((3)).

والنَّقض: إِفسادُ ما أبرَمْتَ من عقدٍ أَو بناء((4)). وفي تاج العروس: النَّقضُ في البناء، والحبل، والعهد، وغيره: ضدُّ الإِبرامِ، كالانتِقاضِ والتَّناقُضِ، وفي المُحكم: النَّقضُ: إفساد ما أبرَمتَ من عقدٍ أو بناءٍ، وذَكَرَ الجَوهَرِيّ الحَبلَ والعَهدَ. ونَقضُ البِناءِ هدمُه. وجَعَلَ الزَّمخشَرِيُّ نَقضَ العهدِ من المَجازِ، وهو ظاهرٌ. والمُرادُ من قولِه: وغيرِه، كالنَّقضِ في الأَمرِ، وفي الثُّغورِ، وما أشبَههما((5)).

ص: 15


1- - العين 5: 220، مادة: يقن.
2- - تاج العروس 18: 363، مادة: ظنن.
3- - العين5: 270، مادة: شكّ.
4- - لسان العرب7: 242، مادة: نقض.
5- - تاج العروس10: 168 - 169، مادة: نقض.

والحَدَثُ: الإبداءُ؛ وقد أحدَث: من الحَدَثِ((1)).

وفي المجمع: الحدث اسم للحادثة الناقضة للطهارة شرعاً، والجمع أحداث مثل سبب وأسباب... وهو يعمّ ما خرج من السبيلين وغيره((2)).

وفي اصطلاح الفقهاء - كما عن المدارك - : «الحدث مقول بالاشتراك اللفظي علی الأمور التي يترتّب عليها فعل الطهارة، وعلی الأثر الحاصل من ذلك، والمعنی الأوّل هو المراد هنا»((3)).

وعن غيره أنّ «المراد بالحدث الأثر الحاصل للمكلّف وشبهه، عند حصول أحد الأسباب المخصوصة المتوقف رفعه علی النيّة»((4)).

ولا ريب في حجّيّة اليقين لكاشفيّته التامّة دون الشك؛ إذ لا كاشفيّة له أصلاً، ودون الظن؛ فإنّه وإن أمكن أن تكون له كاشفيّة إلا أنّه لا يتّصف بالحجيّة ما لم يمضه الشارع، ولذا لا ينقض الوضوء بعد تحقّقه إلّا اليقين بحصول الحدث بأحد قسميه الأصغر والأكبر، وأمّا الظن بحصول الحدث أو الشك في حصوله فلا ينقض الوضوء كما هو مقتضی أحاديث الباب.

أقوال الخاصّة:

عدم الاعتناء بالشك بعد اليقين إجماعي عند الخاصّة، قال شيخ الطائفة: «من

ص: 16


1- - لسان العرب2: 134، مادة: حدث.
2- - مجمع البحرين2: 246، مادة: حدث.
3- - مدارك الأحكام1: 141.
4- - مسالك الأفهام1: 12، وقريب منه في حاشية المختصر النافع: 14، ومصباح الفقيه1: 28.

تيقّن الطهارة وشك في الحدث لم يجب عليه الطهارة، وطرح الشك... دليلنا: ما قدّمناه من أنّ الطهارة معلومة، فلا يجب العدول عنها إلا بأمر معلوم والشك لا يقابل العلم، ولا يساويه، فوجب طرحه، وعليه إجماع الفرقة»((1)).

وعن المعتبر أنّ البناء علی الطهارة إجماع((2)).

أقوال العامّة:

ظاهر الأكثر علی عدم الاعتناء بالشك، وفيهم المخالف، قال في المغني: «من تيقّن الطهارة وشك في الحدث أو تيقّن الحدث وشك في الطهارة فهو علی ما تيقّن منهما، يعني إذا علم أنّه توضّأ وشك هل أحدث أو لا بنی علی أنّه متطهّر، وإن كان محدثاً فشك هل توضّأ أو لا فهو محدث يبني في الحالتين علی ما علمه قبل الشك ويلغي الشك، وبهذا قال الثوري وأهل العراق والأوزاعي والشافعي وسائر أهل العلم في ما علمنا إلا الحسن ومالكاً؛ فإنّ الحسن قال: إن شك في الحدث في الصلاة مضی فيها، وإن كان قبل الدخول فيها توضّأ، وقال مالك: إن شك في الحدث إن كان يلحقه كثيراً فهو علی وضوئه، وإن كان لا يلحقه كثيراً توضأ؛ لأنّه لا يدخل في الصلاة مع الشك»((3)).

ص: 17


1- - الخلاف1: 123، مسألة65.
2- - المعتبر1: 171.
3- - المغني1: 193.

[631] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: الرَّجُلُ يَنَامُ وَهُوَ عَلَى وُضُوءٍ أَتُوجِبُ الْخَفْقَةُ((1)*) وَالْخَفْقَتَانِ عَلَيْهِ الْوُضُوءَ؟ فَقَالَ: يَا زُرَارَةُ قَدْ تَنَامُ الْعَيْنُ وَلَا يَنَامُ الْقَلْبُ وَالْأُذُنُ فَإِذَا نَامَتِ الْعَيْنُ وَالْأُذُنُ وَالْقَلْبُ وَجَبَ الْوُضُوءُ. قُلْتُ: فَإِنْ حُرِّكَ إِلَى جَنْبِهِ شَيْ ءٌ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ؟ قَالَ: لَا، حَتَّى يَسْتَيْقِنَ((2)*) أَنَّهُ قَدْ نَامَ حَتَّى يَجِي ءَ مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ بَيِّنٌ وَإِلَّا فَإِنَّهُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ وُضُوئِهِ وَلَا تَنْقُضِ((3)*) الْيَقِينَ أَبَداً بِالشَّكِّ، وَإِنَّمَا تَنْقُضُهُ بِيَقِينٍ آخَرَ((4)*).

[1] - فقه الحديث:

الخفقة: تحريك الرأس بسبب النّعاس((5))، والسؤال عن محقّق الناقض بعد ارتكاز أنّ النوم ناقض للوضوء في ذهن زرارة، فهل يتحقّق بالخفقة التي تذهب أثناءها الرؤية ويتحرّك الرأس عادة مع قصر زمانها؟ ولعلّ منشأ السؤال هو تعطّل حاسّة الرؤية في هذا الزمان القصير، فهل تعطّلها هذا خلال هذا

ص: 18


1- ([1]*) في هامش المخطوط(منه قده) ما لفظه: «خفق: حرّك رأسه وهو ناعس». الصحاح 4- 1469.
2- ([2]*) في هامش الأصل المخطوط(منه قده) ما نصّه: «العجب من الشيخ علي في شرح القواعد حيث أفتى بأنّ ظنّ غلبة النوم كافٍ في نقض الوضوء». راجع جامع المقاصد 3.
3- ([3]*) في المصدر «ينقض» والحرف الأول من هذه الكلمة منقوط في الأصل بنقطتين من فوق ومن تحت.
4- ([4]*) التهذيب1: 8/ 11.
5- - النّعاس: الوسن، الصّحاح3: 983، مادة: نعس، والسِّنة مثله، الصحاح6: 2214، مادة: وسن، وعن فقه اللغة أنه: (أوّل النوم، وهو أن يحتاج الإنسان إلی النوم)، فقه اللغة: 161.

المقدار القصير جدّاً من الزمان موجب لتحقّق النوم؟.

ويحتمل أنّ سؤاله عن الخفقة والخفقتين من جهة الشك في كونهما ناقضين مستقلّين عن النوم؛ إذ هما ليستا من النوم، بل هما من الحالات الحاصلة قبله.

وأجاب الإمام (علیه السلام) بأنّ المدار في الناقضيّة علی تحقّق النوم، ويستكشف تحقّقه بحصول المرتبة الأعلی من مرتبة ذهاب الرؤية، وهي مرتبة ذهاب السمع والعقل، فتحقّق المرتبة الأولی وهي نوم العين لا يحقّق الناقض، بل لا بد من المرتبة الثانية وهي المعبّر عنها في كلام الإمام بنوم القلب والأذن فهي التي يستكشف بها حصول النوم الناقض.

وإطلاق النوم في قوله (علیه السلام) : «قد تنام العين» مع أنّه غير داخل في حقيقة النوم شرعاً، لكون نوم العين صادقاً عرفاً علی إغماضها بالإغماض الخاص الذي يبطل معه إحساسها أو لأجل ذهاب الحاسّة عند بعض الأفراد وإن لم يغمض عينيه، بخلاف نوم نوع الإنسان فإنّه لا يصدق إلّا علی ما يغلب علی السمع والقلب.

وقول زرارة: «فإن حرّك إلی جنبه شيء ولم يعلم به» أي هل يتحقّق النوم بتحريك شيء إلی جنب المشكوك نومه ولم يعلم بتحرّكه؟، والظاهر أنّ المراد تحريك الشيء بغير إصدار صوت، لأنّ عدم سماعه مع التحريك بصوت قد يكون علامة علی ذهاب حاسّة السمع، وقد أجاب (علیه السلام) سابقاً بأن النوم يتحقّق بذهاب حاسّة السمع.

ولذا أجاب (علیه السلام) بأنّ النوم لا يتحقّق بمجرّد ذلك ولا بدّ من اليقين بذهاب حاسّة السمع والعقل، وما لم يحصل اليقين بذلك فإنّه علی وضوئه، ومجرّد الشك في حصول النوم لا ينقض الوضوء.

ص: 19

وقد دلّ آخر هذا الحديث علی أنّ من تيقّن الطهارة وشكّ في الحدث فهو علی طهارته، وبحمل اللام في اليقين علی الجنس - كما هو مقتضی الظاهر، إذ لا قرينة علی كونها للعهد الذكري أو الذهني - يدلّ علی أنّ من تيقّن الطهارة وشكّ في الحدث فهو علی طهارته، فيكون الحديث دالّاً علی الاستصحاب، وتفصيل الكلام له موضع آخر.

ومورد الحديث وإن كان هو الشك في النوم إلّا أنّ تعليله يفيد عدم اختصاص الحكم به، فيشمل الشك في طروّ غيره من النواقض.

ثم إنّ المراد بالشك هنا خلاف اليقين، وهو الموافق لمعناه اللغوي، لا تساوي الطرفين المقابل للظن والوهم واليقين كما هو اصطلاح الفلاسفة، وذلك لقرينتين:

الأولی: الحكم ببقاء الوضوء حتی يتيقّن بالنوم، فما لم يتيقّن به فهو محكوم بالطهارة، سواء ظنّ بالنوم أم شكّ فيه.

والثانية: إنّ الظن بحصول النوم ملازم كثيراً - لو لم يكن دائماً - لعدم علم الشخص بما يحرّك في جنبه، ومع كونه كذلك يكون ترك تفصيل الإمام (علیه السلام) في الجواب دليلاً علی جريان استصحاب الطهارة مطلقاً، سواءً ظنّ بالنوم أم شك فيه((1)).

سند الحديث:

تقدّم الكلام في رجال هذا السند، والمراد بهذا الإسناد - كما في المصدر - : الشيخ المفيد، عن أحمد بن محمد بن الحسن، عن أبيه، عن محمد بن الحسن

ص: 20


1- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 6: 68، بتصرّف كثير.

الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسی، وعن الحسين بن الحسن بن أبان جميعاً، عن الحسين بن سعيد.

وقد مرّ أنّ أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد لم يرد فيه توثيق، فيكون السند ضعيفاً، لكن ما دامت روايات أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد الواردة في الكتب الأربعة كلّها عن أبيه محمد بن الحسن، وللشيخ في الفهرست ثلاثة طرق إلی محمد بن الحسن: اثنان منها ليس فيهما أحمد، وهما معتبران((1))، وهذا الحديث من جملة تلك الروايات فيكون صحيحاً.

وأيضاً قد تقدّم الكلام في أنّ إسناد الشيخ إلی الحسين بن سعيد لجميع كتبه ورواياته عبارة عن سندين، وأحدهما صحيح((2))، مضافاً إلی شهادة الصدوق بأنّ كتب الحسين بن سعيد من الكتب المشهورة المعوّل عليها، فلا تحتاج إلی سند.

وأمّا الإضمار من زرارة فلا يضر، لأنّه من البعيد جدّاً - لعظم فقاهته وجلالة قدره - أن يسأل غير الإمام المعصوم (علیه السلام) وعلی هذا يكون السند صحيحاً.

ص: 21


1- - أصول علم الرجال2: 343.
2- - ايضاح الدلائل1: 471- 472.

[632] 2- وَعَنْهُ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: لَا يُوجَبُ الْوُضُوءُ إِلَّا مِنْ غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ ضَرْطَةٍ تَسْمَعُ صَوْتَهَا أَوْ فَسْوَةٍ تَجِدُ رِيحَهَا((1)*).

[2] - فقه الحديث:

البول والغائط معروفان، وأمّا الضرطة فهي واحدة الضُّراط، وهو صوت الفَيخِ، معروف((2))، والفسوة هي واحدة الفسو وهو: إخراج الريح من الدبر بلا صوت((3)).

فهما يشتركان في كونهما ريحاً يخرج من الدبر، والفرق بينهما أنّ الأولی بصوت والثانية بلا صوت.

وقد دلّ الحديث علی أنّ الوضوء إنّما يجب إذا حصل العلم بأحد هذه الأربعة، ومعنی ذلك انتفاؤه عند الشك، ولعلّ الإتيان بالتقييد بسماع الثالثة ووجدان ريح الرابعة لإيضاح أنّهما لا تنقضان الوضوء إلّا مع العلم بخروجهما، والسماع ووجدان الريح دليل علی تحقّقهما، أو أنّ التقييد المذكور هو في صورة الشك في صدور أحدهما.

وهذا الحديث ليس بصدد حصر نواقض الوضوء، بل هو بصدد بيان ما يوجب الوضوء ممّا يخرج من الإنسان، فهو حصر إضافي، فلا يضرّ عدم ذكر مثل النوم؛ لأنّه ليس ممّا يخرج من الإنسان، ولا مثل المني لأنّه يوجب الغسل.

ص: 22


1- ([1]*) التهذيب1: 346/ 1016.
2- - لسان العرب7: 341، تاج العروس10: 323، مادة: ضرط.
3- - انظر تاج العروس20: 48، مادة: فسو.

سند الحديث:

تقدّم أنّ إسناد الشيخ إلی الحسين بن سعيد لجميع كتبه ورواياته صحيح((1))، وبقيّة رجال السند إماميون ثقات تقدّم ذكرهم، فالسند صحيح.

ص: 23


1- - ايضاح الدلائل1: 471- 472.

[633] 3- وَعَنْهُ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفُخُ فِي دُبُرِ الْإِنْسَانِ حَتَّى يُخَيَّلَ إِلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْهُ رِيحٌ، وَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إِلَّا رِيحٌ تَسْمَعُهَا أَوْ تَجِدُ رِيحَهَا((1)*).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ مِثْلَهُ((2)*).

[3] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ الشيطان ينفخ في دبر الإنسان ليشكّكه في طهارته حتّی يخيّل إليه أنّه قد خرج منه ريح، ولكن لا ينبغي الاعتناء بهذا الشك الحاصل، إلّا أن يحصل له يقين بانتقاض وضوئه عن طريق سماع الريح، أو وجدانها أي شمّها.

وهذا هو مفاد الاستصحاب حيث إنّه كان علی يقين من وضوئه، وبعد تخييل الشيطان له يحصل عنده الشك في بقاء وضوئه، فعليه أن لا يعتني بهذا الشك ويبني علی بقاء وضوئه إلی أن يتبدّل يقينه السابق بالوضوء إلی يقين آخر بارتفاعه بطروّ خروج الريح بأحد قسميها.

سند الحديث:

للحديث سندان:

ص: 24


1- ([1]*) التهذيب1: 347/ 1017، والاستبصار1: 90/ 289.
2- ([2]*) الكافي3: 36/ 3.

الأوّل: سند الشيخ في التهذيب والاستبصار، ورجاله تقدّم الكلام حولهم. وهو صحيح.

والثاني: سند الكليني في الكافي، ومضی الكلام في رجاله، وهو معتبر.

ص: 25

[634] 4- وَ عَنْهُ، عَنِ الْحَسَنِ أَخِيهِ، عَنْ زُرْعَةَ، عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَمَّا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ؟ قَالَ: الْحَدَثُ تَسْمَعُ صَوْتَهُ أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ الْحَدِيثَ((1)*).

[4] - فقه الحديث:

دلّ الحديث علی أنّ الوضوء إنّما يجب إذا حصل اليقين بالحدث، وجعل الطريق إلی حصوله سماع الصوت أو وجدان الريح في خروج الريح، ومعنی ذلك انتقاء وجوب الوضوء عند الشك أو الظنّ، فالظانّ أو الشاك في حصول الحدث باقٍ علی وضوئه، وقد مضی الكلام في التقييد بالسماع أو وجدان الريح في الحديث الثاني.

سند الحديث:

تقدّمت رجاله، وهو موثّق.

ص: 26


1- ([1]*) التهذيب1: 12/ 23، والاستبصار 1: 83/ 262 و86/ 273 و90/ 290 وأورده بتمامه في الحديث 11 من الباب 6 من هذه الأبواب.

[635] 5- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ لِلصَّادِقِ (علیه السلام) : أَجِدُ الرِّيحَ فِي بَطْنِي حَتَّى أَظُنَّ أَنَّهَا قَدْ خَرَجَتْ، فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْكَ وُضُوءٌ حَتَّى تَسْمَعَ الصَّوْتَ أَوْ تَجِدَ الرِّيحَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ إِبْلِيسَ يَجْلِسُ بَيْنَ أَلْيَتَيِ الرَّجُلِ فَيُحْدِثُ لِيُشَكِّكَهُ((1)*).

وَ رَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مِثْلَهُ((2)*)

أَقُولُ: وَ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الْوَسْوَسَةِ فِي النِّيَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى((3)*).

[5] - فقه الحديث:

دلّ الحديث صراحة علی عدم اعتبار الظنّ بالحدث، ولم يستفصل في الحكم بعدم الوضوء بين الظنّ بالحدث وبين الشك فيه فالحكم فيهما واحد، فإذا تيقّن الحدث بسماع صوت الريح أو وجد رائحتها فعليه الوضوء؛ لأنّ وضوءه انتقض يقيناً. وأمّا إذا ظن أو شك في حدوث الناقض جری استصحاب عدم الحدث. وقد مضی وجه التقييد بوجدان الرائحة وسماع الصوت.

والمورد وإن كان خاصّاً بالشك في الطهارة من جهة الريح، لكن يمكن التعدّي عنه إلی غيره للقطع بعدم الفرق.

ص: 27


1- ([1]*) الفقيه 1: 62/ 139.
2- ([2]*) التهذيب 1: 347/ 1018، والاستبصار 1: 90/ 288.
3- ([3]*) تقدّم في الحديث 1 من الباب 10 من أبواب مقدّمة العبادات.

ثمّ أوضح (علیه السلام) أنّ التشكيك ليعيد المكلّف الوضوء هو من فعل إبليس، وقد مضی في الباب العاشر من مقدمات العبادات أنّ الانسياق وراء إيحاءات الشيطان سبب للوسوسة، وهي داء عظيم ولها آثار سوء كالهمّ والغم والاضطراب والخوف ورفع النشاط، وغير ذلك، وأنّ من ضمن علاجها عن أهل بيت العصمة والطهارة هو قول الإمام الباقر أو الصادق (علیهما السلام) : «لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم بنقض الصلاة فتطمعوه؛ فإنّ الشيطان خبيث يعتاد لما عوِّد، فليمض أحدكم في الوهم ولا يكثرنّ نقض الصلاة؛ فإنّه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليه الشك، قال زرارة: ثمّ قال: إنّما يريد الخبيث أن يطاع فإذا عصي لم يعد إلی أحدكم»((1)).

سند الحديث:

لهذا الحديث سندان:

الأوّل: سند الصدوق في الفقيه، وسنده إلی عبدالرحمن بن أبي عبد الله: أبوه2 عن سعد بن عبد الله، عن أيوب بن نوح، عن محمد بن أبي عمير وغيره، عن عبدالرحمن بن أبي عبد الله((2)).

وعبدالرحمن بن أبي عبد الله وثّقه النجاشي في ضمن ترجمة حفيده إسماعيل بن همام بن عبدالرحمن بن أبي عبد الله ميمون البصري. قال: «ثقة هو

ص: 28


1- - الكافي3: 358، باب من شك في صلاته كلّها، ح 2، تهذيب الأحكام2: 188، باب أحكام السهو في الصلاة، ح 48، الاستبصار1: 375، باب من شك فلا يدري صلی ركعة أو اثنتين أو ثلاثاً، ح5.
2- - من لا يحضره الفقيه، المشيخة4: 426.

وأبوه وجدّه»((1))، وورد في أسناد كتاب نوادر الحكمة، وفي تفسير القمي، ولكن في القسم الثاني، وروی عنه المشايخ الثقات((2)). والسند صحيح.

الثاني: سند الشيخ في التهذيب والاستبصار، وهو: الشيخ (رحمه الله) ، عن أبي القاسم جعفر بن محمد عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن الحسن بن علي عن أحمد بن هلال عن محمد بن الوليد عن أبان بن عثمان عن عبدالرحمن بن أبي عبد الله((3)).

والمراد بالشيخ هو الشيخ المفيد (رحمه الله) ، وجعفر بن محمد هو ابن قولويه، وأبوه محمد بن جعفر بن موسی بن قولويه، وسعد بن عبد الله هو الأشعري القمي، وكلهّم ثقات أجلّاء تقدم ذكرهم.

وأمّا الحسن بن علي فقد تقدّم في الحديث الأوّل من الباب الثامن من أبواب الماء المضاف والمستعمل أنّه مشترك بين جماعة((4))

واستقربنا أنّه الزيتوني الأشعري، وقلنا إنّه لم يرد فيه شيء إلّا كونه من رجال كامل الزيارات.

وأمّا أحمد بن هلال فهو العبرتائي، وقد فصّلنا الكلام فيه في كتابنا أصول علم الرجال وخلصنا إلى القول بأنّه ضعيف، لا يعتمد على ما يرويه في الكتب الأربعة إلّا إذا أحرز أنّ روايته كانت قبل انحرافه، أو كانت عن المشيخة لابن

ص: 29


1- - رجال النجاشي: 30/ 62.
2- - أصول علم الرجال1: 226، 303، وج2: 198.
3- - تهذيب الأحكام، المشيخة10: 388، الاستبصار، المشيخة4: 325.
4- - ايضاح الدلائل1: 181.

محبوب أو عن نوادر ابن أبي عمير لشهرة الكتابين((1)).

وأمّا محمد بن الوليد فهو البجلي الخزاز، قال عنه النجاشي: «محمد بن الوليد البجلي الخزاز أبو جعفر الكوفي، ثقة، عين، نقي الحديث، ذكره الجماعة بهذا، روى عن يونس بن يعقوب وحمّاد بن عثمان ومن كان في طبقتهما، وعمّر حتى لقيه محمد بن الحسن الصفار وسعد. له كتاب نوادر»((2)

قال الكشي: «محمد بن الوليد الخزاز ومعاوية بن حكيم ومصدّق بن صدقة ومحمد بن سالم بن عبد الحميد قال أبو عمرو: هؤلاء كلّهم فطحيّة، وهم من أجلّة العلماء والفقهاء والعدول، وبعضهم أدرك الرضا (علیه السلام) وكلّهم كوفيّون»((3)).

وقد مضى جواب السيد الأستاذ في المعجم((4))

عن توهّم منافاة الفطحيّة للعدالة عند الكلام في سند الحديث الثاني من الباب الرابع من أبواب الماء المضاف والمستعمل((5)).

وأمّا أبان بن عثمان فهو الأحمر أحد أصحاب الإجماع كما تقدّم((6)).

فهذا السند بوحده ضعيف.

ص: 30


1- - أصول علم الرجال2: 344 - 347.
2- - رجال النجاشي: 345/ 931.
3- - اختيار معرفة الرجال2: 835.
4- - معجم رجال الحديث19: 223.
5- - إيضاح الدلائل4: 144.
6- - ايضاح الدلائل1: 58.

[636] 6- وَفِي الْخِصَالِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ (علیه السلام) - فِي حَدِيثِ الْأَرْبَعِمِائَةِ - قَالَ: مَنْ كَانَ عَلَى يَقِينٍ فَشَكَّ فَلْيَمْضِ عَلَى يَقِينِهِ؛ فَإِنَّ الشَّكَّ لَا يَنْقُضُ الْيَقِينَ. الْوُضُوءُ((1)*) بَعْدَ الطَّهُورِ عَشْرُ حَسَنَاتٍ فَتَطَهَّرُوا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَسَلَ فَإِنَّ مَنْ كَسِلَ لَمْ يُؤَدِّ حَقَّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، تَنَظَّفُوا بِالْمَاءِ مِنْ نَتْنِ الرِّيحِ الَّذِي يُتَأَذَّى بِهِ، تَعَهَّدُوا أَنْفُسَكُمْ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ مِنْ عِبَادِهِ الْقَاذُورَةَ الَّذِي يَتَأَنَّفُ بِهِ مَنْ جَلَسَ إِلَيْهِ. إِذَا خَالَطَ النَّوْمُ الْقَلْبَ وَجَبَ الْوُضُوءُ، إِذَا غَلَبَتْكَ عَيْنُكَ وَأَنْتَ فِي الصَّلَاةِ فَاقْطَعِ الصَّلَاةَ وَنَمْ؛ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي((2)*) لَعَلَّكَ أَنْ تَدْعُوَ عَلَى نَفْسِكَ((3)*).

[6] - فقه الحديث:

دلّ أوّل الحديث علی أنّ من كان علی يقين فحصل له الشك بعد ذلك - لمكان الفاء الدالّة علی الترتيب - فليمض علی يقينه، وعلّل ذلك بأنّ الشك لا ينقض اليقين، ولكن هل المراد أنّ اليقين زال بحدوث الشك فيكون زمان متعلّق اليقين والشك واحداً المعبّر عنه بقاعدة اليقين أو المراد أنّ اليقين قد بقي إلى زمان الشك فيكون زمان متعلّق اليقين والشك مختلفاً المعبّر عنه بالاستصحاب؟ كلاهما محتمل، وتفصيل الكلام في محلّه.

وقد حوى هذا الحديث آداباً وأحكاماً عديدة، اقتصر الماتن على إيراد

ص: 31


1- ([1]*) وفيه: للوضوء.
2- ([2]*) في المصدر زيادة: تدعو لك أو على نفسك.
3- ([3]*) الخصال: 619 - 629.

بعضها لوقوعها بين كلامين يدلّان على عنوان الباب:

الأوّل: أنّ الوضوء للمتطهّر فيه ثواب مقداره عشر حسنات، ولذا أمر بالطهور ولو كان المكلف متطهّراً لتحصيل هذا الثواب .

الثاني: التحذير من الكسل، فإن التكاسل يؤدّي إلى ترك حقّ الله تعالى أو إلى التهاون في أدائه بحيث لا ينجزه على الوجه المطلوب منه.

الثالث: الأمر بالتنظّف بالماء لإزالة الرائحة الكريهة التي يُتأذّى منها سواء في الجسد أو الثياب، فالماء هو السائل الوحيد المتوفّر والمتاح للجميع القادر على إزالة الفضلات والقاذورات عن الجسد أو الثياب أو غيرهما بدون أن يبقي لها أثر يذكر، وهو معقّم قاتل لكثير من البكتيريا والميكروبات الضارّة والمسبّبة للروائح الكريهة.

الرابع: الأمر بتعاهد النّفس، أي التحفّظ وتجديد العهد في أمر نظافة البدن والثياب وإزالة ما يُستكره من القاذورات عنهما لئلّا يتأذّى بريحها وبمنظرها من يجالسه ويتأنّف أي: يترفع ويتنزّه عنه. وفي تحف العقول: «يتأفّف به»((1))

أي: يقول: أفٍ، تضجّراً من مجالسته، كما أنّه يكون مبغوضاً عند الله.

وقد دلّ آخر الحديث على أنّ النوم إذا خالط ومازج القلب انتقضت الطهارة السابقة، لحصول اليقين بتحقّق الناقض وهو النوم؛ فإنّه يتحقّق بنوم القلب.

وأمّا إذا حصلت المرحلة السابقة على نوم القلب وهي مغالبة نوم العين أثناء في الصلاة، وإن لم يتحقّق نوم العين فعلاً ولم تنتقض طهارته إلّا أنّ الأفضل له

ص: 32


1- - تحف العقول: 110.

أن يقطع الصلاة وينام؛ لأنّه سيكون مسلوب التوجّه، بل لا يدري ما يقول فلعلّه يدعو على نفسه.

ويحتمل أن يكون المراد من الصلاة مطلق الصلاة ويحتمل أن يراد بها صلاة الليل أو غيرها من الصلوات المستحبة؛ فإنّها التي يناسب عروض النوم فيها لتعب وغيره، وإن كان الاحتمال الأوّل لا دافع له.

سند الحديث:

قال الشيخ الصدوق في الخصال: حدّثنا أبي2 قال: حدّثنا سعد بن عبد الله قال: حدّثني محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني، عن القاسم بن يحيی، عن جدّه الحسن بن راشد، عن أبي بصير، ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: حدّثني أبي، عن جدّي، عن آبائه (علیهم السلام) أنّ أمير المؤمنين (علیه السلام) علّم أصحابه في مجلس واحد أربعمائة باب ممّا يصلح للمسلم في دينه ودنياه.

وقد تقدّم منّا توثيق رجال السند في مواضع متعدّدة، وتوثيق القاسم بن يحيی؛ لوروده في كتاب نوادر الحكمة((1))، وورده في سند زيارة لسيّد الشهداء (علیه السلام) ذكر الصدوق أنّها أصحّ الزيارات عنده من طريق الرواية((2))، وورد جدّه الحسن بن راشد في السند نفسه((3))، ومقتضی ذلك وثاقتهما، فالسند معتبر.

ص: 33


1- - أصول علم الرجال1: 234.
2- - من لا يحضره الفقيه2: 598، ذيل الحديث 3200.
3- - ايضاح الدلائل2: 453.

[637] 7- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : إِذَا اسْتَيْقَنْتَ أَنَّكَ قَدْ أَحْدَثْتَ فَتَوَضَّأْ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُحْدِثَ وُضُوءاً أَبَداً حَتَّى تَسْتَيْقِنَ أَنَّكَ قَدْ أَحْدَثْتَ((1)*).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ((2)*).

أَقُولُ: هَذَا مَخْصُوصٌ بِالْوُضُوءِ مَعَ قَصْدِ الْوُجُوبِ لِمَا مَضَى((3)*) وَيَأْتِي((4)*) مِنِ اسْتِحْبَابِ تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ.

[7] - فقه الحديث:

دلّ علی تعليق وجوب الوضوء علی حصول اليقين بالحدث، ثم نهی (علیه السلام) عن إحداث الوضوء، بل حذّر من تجديده ما لم يتيقّن بالحدث، ولم يرد التفصيل بين الظن بالحدث وبين الشك فيه في الحكم بعدم جواز الوضوء، وظاهر الحديث النهي عن تجديد الوضوء إذا لم يحصل اليقين بالحدث، لكن هذا محمول علی تجديد الوضوء بنيّة الوجوب فتكون هي المنهي عنها، ولعلّ علّة هذا النهي هي إيجاب التجديد للوسوسة كلّما عرض للإنسان شك أو ظن بالحدث، وهي مبغوضة للشارع؛ لما لها من

ص: 34


1- ([1]*) الكافي 3: 33/ 1، وأورده في الحديث 1 من الباب 44 من أبواب الوضوء.
2- ([2]*) التهذيب 1: 102/ 268.
3- ([3]*) مضى في الحديث 6 من هذا الباب.
4- ([4]*) يأتي في الباب 8 من أبواب الوضوء.

آثار سيّئة علی الإنسان مرّت الإشارة إلی بعضها في شرح الحديث الخامس من هذا الباب((1)) والباب العاشر من أبواب مقدّمة العبادات((2))، وأمّا تجديد الوضوء بنيّة الاستحباب، فإنّه مندوب إليه ولا إشكال فيه كما يأتي.

سند الحديث:

ذكر له المصنّف سندين:

الأوّل: ما عن الكافي، وفيه: عبد الله بن بكير عن أبيه، وأبوه هو بكير بن أعين الشيباني، وهو أخو زرارة وحمران وعبد الملك وعبدالرحمن، وقد تقدّم توثيقه((3))، وكذا بقيّة أفراد السند، والسند صحيح.

والثاني: طريق الشيخ إلی محمد بن يعقوب، وقد تقدّم الكلام عنه، وهو أيضاً صحيح.

ص: 35


1- - مضی في الصفحة: 18.
2- - ايضاح الدلائل2: 19.
3- - المصدر السابق1: 468.

[638] 8- وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ، عَنِ ابْنِ جُمْهُورٍ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: أُذُنَانِ وَعَيْنَانِ تَنَامُ الْعَيْنَانِ وَلَا تَنَامُ الْأُذُنَانِ، وَذَلِكَ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، فَإِذَا نَامَتِ الْعَيْنَانِ وَالْأُذُنَانِ انْتَقَضَ الْوُضُوءُ((1)*).

[8] - فقه الحديث:

دلّ الحديث علی وجود مرتبتين لحصول النوم، إحداهما مرتبة نوم العينين، بمعنی ذهاب قوّة الإبصار وتعطّلها، وهذه لا اعتبار بها في تحقّق النوم فلا ينتقض الوضوء بحصولها، والأخری نوم الأذنين بمعنی ذهاب حاسّة السمع وتعطّلها، وظاهر الحديث ترتّب نوم الأذنين علی نوم العينين، فإذا طرأ نومهما معاً تحقّق النوم الناقض للوضوء، والظاهر أنّ نومهما معاً يدلّ علی نوم القلب، وإن لم يذكر في هذا الحديث.

سند الحديث:

في السند علي بن محمد: وهو علي بن محمد بن بندار، شيخ الكليني، تقدّم توثيقه في تمهيد الكتاب((2)).

وفي نسخة: أحمد بن محمد((3))، ويحتمل أنّ المراد به أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، الثقة، أو أحمد بن محمد العاصمي ثقة من أجلاء مشايخ الكليني.

ص: 36


1- ([1]*) الكافي 3: 37/ 16.
2- - ايضاح الدلائل1: 26.
3- - جامع أحاديث الشيعة: 2: 423.

وفيه: أحمد بن محمد، وهو هنا مشترك بين أحمد بن محمد بن أبي نصر، وأحمد بن محمد بن عيسى، كما سيتّضح.

وفيه: ابن جمهور، وهو محمد بن جمهور العمي، وقد تقدم أنّ وثاقته وإن لم تثبت عندنا إلّا أنّه يمكن الأخذ بما رواه الشيخ الطوسي عنه وهي الروايات الخالية عن الغلو والتخليط، وهذا الحديث في الكافي لا في كتابي الشيخ.

وفيه: سعد، وهو مشترك بين جماعة تبلغ تسعة عشر في هذه الطبقة، والمعروفون منهم عدّة أشخاص:

بحث رجالي حول سعد

أحدها: سعد الإسكاف، وهو سعد بن طريف، من أصحاب الإمامين الباقر والصادق (علیهما السلام) وهو صحيح الحديث((1))

كما تقدّم.

الثاني: سعد بن أبي خلف الراجز، من أصحاب الإمامين الصادق والكاظم (علیهما السلام) وقد تقدّم أنّه ثقة وله كتاب مشهور((2)

ويروي أحمد بن محمد بن عيسی عنه بواسطة الحسن بن محبوب أو ابن أبي عميره.

الثالث: سعد بن أبي عمرو (عمر)، وهو سعد بن عمر الجلّاب، وسعد الجلّاب أيضاً، من أصحاب الإمامين الباقر والصادق (علیهما السلام) وله روايات، ذكر السيد الأستاذ(قدس سره) عن الوحيد في التعليقة رواية ابن أبي عمير عنه((3))، ولكن لم يثبت ذلك.

ص: 37


1- - رجال الطوسي: 115/ 1147.
2- - رجال النجاشي: 178/ 469.
3- - معجم رجال الحديث: 9: 54.

ويدور الأمر بين هؤلاء الثلاثة، وفيهم غير المعروف بالوثاقة.

كما أنّه يمكن أن يكون المراد بأحمد بن محمد هو أحمد بن محمد بن أبي نصرالبزنطي، إذا دار الأمر بين الأوّلَين، وأمّا أحمد بن محمد بن عيسی فيبعد إرادته؛ لأنّه يروي عن سعد بن أبي خلف بواسطة الحسن بن محبوب. وعلی فرض إرادة سعد بن أبي عمرو لم يتضح المراد من أحمد بن محمد؛ لأنّه لم ترد روايته عنه في أيّ مورد في الكتب الاربعة غير هذا المورد.

وعليه فهذا السند غير معتبر، لاشتراك سعد بين من ثبتت وثاقته ومن لم تثبت، وللإرسال، نعم يمكن تصحيح الحديث علی مبنی قبول شهادة الكليني في الكافي.

ص: 38

[639] 9- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ فِي قُرْبِ الْإِسْنَادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (علیه السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ يَتَّكِئُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يَدْرِي نَامَ أَمْ لَا هَلْ عَلَيْهِ وُضُوءٌ؟ قَالَ: إِذَا شَكَّ فَلَيْسَ عَلَيْهِ وُضُوءٌ. قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ يَكُونُ فِي الصَّلَاةِ فَيَعْلَمُ أَنَّ رِيحاً قَدْ خَرَجَتْ فَلَا

يَجِدُ رِيحَهَا وَلَا يَسْمَعُ صَوْتَهَا؟ قَالَ: يُعِيدُ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ وَلَا يَعْتَدُّ بِشَيْ ءٍ مِمَّا صَلَّى إِذَا عَلِمَ ذَلِكَ يَقِيناً((1)*).

وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ فِي كِتَابِهِ((2)*).

[9] - فقه الحديث:

دلّ الحديث علی عدم انتقاض الطهارة بالشك في النوم، ومفهوم «إذا شك فليس عليه وضوء» أنّه إذا لم يشك فعليه الوضوء.

ودلّ أيضاً علی انتقاض الطهارة بتيقّن خروج الريح في الصلاة، وإن لم يجد الرائحة أو يسمع صوتها، والظاهر أنّ اشتراط وجدان أحد الوصفين مخصوص بحال الشك في خروج الريح كما تقدّم في الأحاديث السابقة. وعليه أن يعيد الوضوء والصلاة، ولا يجوز له البناء علی ما مضی منهما إذا حصل له اليقين بتحقّق خروج الريح.

ثم إنّه لا خصوصيّة لانتقاض الطهارة بتيقّن خروج الريح في الصلاة، فيعمّ

ص: 39


1- ([1]*) قرب الإسناد: 83 الفقرة الأولى، والفقرة الثانية في: 92.
2- ([2]*) مسائل علي بن جعفر 205/ 437 و184/ 358.

الحكم انتقاض الطهارة ولو في غير الصلاة ولو كان الناقض غير الريح.

سند الحديث:

لهذا الحديث سندان:

الأوّل: سند الحميري في قرب الإسناد وفيه: عبد الله بن الحسن، وهو لم يوثّق كما مرّ، وقد سبق أنّه يمكن تصحيح السند بوجوه ثلاثة وبها يمكن تصحيح جميع روايات قرب الإسناد بما فيها روايات عبد الله بن الحسن العلوي إذا كان يروي عن علي بن جعفر((1)).

الثاني: علي بن جعفر عن أخيه الإمام موسی بن جعفر (علیه السلام) في كتاب مسائل علي بن جعفر، وقد ذكرنا سابقاً أنّ للشيخ طريقاً معتبراً إلی هذا الكتاب، وللصدوق طريق آخر معتبر إلی خصوص ما رواه الحميري من مسائل علي بن جعفر، كما في هذا الحديث.

ص: 40


1- - التقيّة1: 452 - 454.

[640] 10- وَرَوَى الْمُحَقِّقُ فِي الْمُعْتَبَرِ عَنْهُ (علیه السلام) قَالَ: إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئاً فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْ ءٌ أَمْ لَا؟ لَمْ يَخْرُجْ((1)*) مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتاً أَوْ يَجِدَ رِيحاً((2)*).

أَقُولُ: وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ((3)*).

المتحصل من الأحادیث

[10] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ من وجد في بطنه شيئاً من حركة الأمعاء وشكّ في خروج الريح منه، لم يكن له أن يرتّب الأثر على ذلك بأن يخرج من المسجد لاعتقاده انتقاض وضوئه، ويكون خروجه لأجل تجديد الوضوء مثلاً، بل لابدّ من العلم بخروج الريح، ويعرف ذلك في حال الشك إمّا بسماع صوتها أو وجدان ريحها.

سند الحديث:

الحديث مرسل.

والحاصل: أنّ في الباب عشرة أحاديث، الأوّلان صحيحان، والثالث صحيح بسنده الأوّل ومعتبر بسنده الثاني، والرابع موثّق، والخامس صحيح بسنده الأوّل وضعيف بسنده الثاني، والسادس معتبر، والسابع صحيح بسنديه، والثامن غير

ص: 41


1- ([1]*) في المصدر: فلا يخرج.
2- ([2]*) المعتبر: 31.
3- ([3]*) يأتي ما يدلّ على ذلك: في الحديث 6 - 8، 11، 12 من الباب 3 من هذه الأبواب وفي الحديث 1 من الباب 9 من هذه الأبواب.

معتبر إلا أنه يمكن تصحيحه، والتاسع معتبر بسنديه، والعاشر ضعيف بالإرسال.

والمستفاد منها أمور منها:

1- أنّ النوم ناقض للطهارة، ويتحقّق بحصول مرتبة ذهاب السمع والعقل، لا بالمرتبة الأولى وهي نوم العين.

2- لزوم حصول اليقين بتحقّق الناقض فلا يكفي حصول الشك أو الظن به.

3- أنّ استصحاب الطهارة جارٍ عند الشك أو الظن بطروّ التناقض لها.

4- أنّ من جملة نواقض الطهارة: النوم وخروج البول والغائط والريح.

5- مرجوحيّة الانسياق وراء تشكيكات إبليس في الطهارة.

6- أنّ الوضوء للمتطهّر مشروع وفيه ثواب.

7- أنّ التكاسل يؤدّي إلی ترك حقّ الله تعالی أو إلی التهاون في أدائه.

8- مطلوبيّة النظافة بالماء لإزالة الرائحة الكريهة.

9- مطلوبيّة تعاهد النفس بالنظافة في البدن واللباس، لئلّا يتأذی من يجالسه.

10- عدم جواز إحداث وضوء بنيّة الوجوب للمتوضّي، واستحباب ذلك له بنيّة الاستحباب.

11- مرجوحيّة إعادة الوضوء كلّما عرض شك في الحدث؛ لإيجاب ذلك الوسوسة.

12- انتقاض الطهارة بتيقّن خروج الريح في الصلاة، وإن لم يجد الرائحة أو يسمع صوتها، فعليه أن يعيد الوضوء والصلاة، ولا يجوز له البناء علی ما مضی منهما إذا حصل له اليقين بتحقّق خروج الريح.

ص: 42

2- بَابُ أَنَّ البَولَ وَالغَائِطَ وَالرِّيحَ وَالمَنِيَّ وَالجَنَابَة تَنقُضُ الوُضُو ءَ

اشارة

2- بَابُ أَنَّ البَولَ وَالغَائِطَ وَالرِّيحَ وَالمَنِيَّ وَالجَنَابَةَ تَنقُضُ الوُضُوءَ

شرح الباب:

ذكر الماتن في هذا الباب خمسة أمور توجب نقض الوضوء، ويجمعها أنّها تتعلّق بالقبل والدبر، فالبول والمني من القبل، والغائط والريح من الدبر، وإنّما ذكر الجنابة بعد ذكره للمني الذي هو موجب لها؛ لأنّ الجنابة حدث قد يحصل بدون إنزال للفاعل والمفعول به بالإيلاج في أحد الفرجين، فهي تنقض الوضوء أيضاً.

وأمّا مثل الرّعاف والحجامة وغيرهما ممّا يخرج من غير السبيلين فلا ينقض الوضوء.

أقوال الخاصّة:

أجمعت الخاصّة على ناقضيّة هذه الأمور الخمسة، وأمّا النوم فسيأتي الكلام عنه في الباب الآتي، قال شيخ الطائفة في المبسوط: «ما ينقض الوضوء على ثلاثة أضرب: أحدها: ينقضه ولا يوجب الغسل، وثانيها: ينقضه ويوجب الغسل، وثالثها: إذا حصل على وجه نقض الوضوء لا غير، وإذا حصل على وجه آخر أوجب الغسل.

ص: 43

فما أوجب الوضوء لا غير: البول والغائط والريح والنوم الغالب على السمع والبصر، وكل ما أزال العقل من إغماء أو جنون أو سكر أو غير ذلك، وما يوجب الغسل فخروج المني على كل حال، والتقاء الختانين والحيض والنفاس ومسّ الأموات من الناس بعد بردهم بالموت وقبل تطهيرهم بالغسل على خلاف بين الطائفة، والقسم الثالث دم الاستحاضة فإنّه إذا خرج قليلاً لا يثقب الكرسف نقض الوضوء لا غير، وإن ثقب أوجب الغسل، ولا ينقض الوضوء شيء سوى ما ذكرناه، وإنّما نذكر ممّا لا ينقض الوضوء ما فيه خلاف بين العلماء أو فيه اختلاف الأخبار عن الأئمة (علیهم السلام) فمن ذاك الوذي والمذي والقيح...»((1)).

ويفهم منه أنّ نقض البول والغائط والريح إجماعي، ولا يوجب الغسل، وكذا خروج المني والجنابة مع ايجابهما الغسل.

أقوال العامّة:

الظاهر أن العامّة أيضاً مجمعون على ناقضيّة ما يخرج من السبيلين، فهم يشتركون مع الخاصّة في ناقضيّة البول والغائط والريح والمني، ودم الاستحاضة، وإن فارقوهم في مثل المذي والوذي.

قال في المغني: إن «الخارج من السبيلين على ضربين: معتاد كالبول والغائط والمني والمذي والودي والريح، فهذا ينقض الوضوء إجماعاً، قال

ص: 44


1- - المبسوط1: 26.

ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أنّ خروج الغائط من الدبر وخروج البول من ذكر الرجل وقبل المرأة وخروج المذي وخروج الريح من الدبر أحداث ينقض كلّ واحد منها الطهارة. ويوجب الوضوء ودم الاستحاضة ينقض الطهارة في قول عامّة أهل العلم إلّا في قول ربيعة»((1)).

ص: 45


1- - المغني1: 160.

[641] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ وَحَرِيزٍ، عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَحَدِهِمَا (علیهما السلام) قَالَ: لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إِلَّا مَا خَرَجَ مِنْ طَرَفَيْكَ أَوِ النَّوْمُ((1)*).

[1] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على أنّه لا ينقض الوضوء شيء ممّا يخرج من الإنسان إلا ما خرج من الطرفين، فلا ينتقض بخروج القيء والرّعاف ونحوهما، فالحديث دالّ على أنّ نواقض الوضوء - بمقتضى القصر - هي النوم وما يخرج من طرفي الإنسان، المعبّر عنهما في غير هذا الحديث بالطرفين الأسفلين؛ لوقوعهما في أسفل الإنسان، والمراد منهما القبل والدبر، وعلى هذا فالإطلاق يشمل كلّ ما يخرج من الإنسان من البول والمني والحيض والاستحاضة والنفاس، والغائط والريح، بلا فرق بين القليل والكثير، بل مقتضى العموم - المستفاد من كلمة (ما) الموصولة - الشمول لكلّ ما يخرج ممّا عدا المذكورات كالمذي والوذي والقيح وغير ذلك، إلا أنّه يقال: إنّ الموصول كما يأتي للعموم يأتي للعهد، والمعهود هو المتعارف هنا، ويضاف إلى ذلك أحاديث حصر النواقض؛ فإنّها تخرج هذه الأمور وأمثالها عن دائرة ما ينقض الوضوء.

والقصر فيه إضافي فلا يقال: إن النواقض لا تنحصر في ما ذكر؛ فإنّ من النواقض السكر والإغماء والجنون، ومسّ الميّت، وغيرها.

ص: 46


1- ([1]*) التهذيب 1: 6/ 2، وأورده أيضاً في الحديث 1 من الباب 3 من هذه الأبواب.

ويحتمل خروج الدماء الثلاثة عن المراد إذا اقتصرنا علی الخطاب - حيث إنّه متوجّه إلی زرارة فيكون المراد صنفه، وهو الرجل، لا نوعه وهو الإنسان - فيخرج الحيض والاستحاضة والنفاس، ويكون الكلام فيما يخرج من طرفي الرجل لا المرأة.

وكأنّ هذا الحديث ردّ علی المخالفين القائلين بناقضيّة الرعاف والقيء ونحوهما للوضوء.

سند الحديث:

تقدّم منّا الكلام في إسناد الشيخ إلی الحسين بن سعيد((1))، وفي هذا السند: حمّاد، وهو حمّاد بن عيسی، وحريز هو حريز بن عبد الله السجستاني، والسند صحيح، مضافاً إلی أنّ كتاب الحسين بن سعيد مشهور غير محتاج إلی الطريق.

ص: 47


1- - ايضاح الدلائل1: 471- 472.

[642] 2- وَعَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیهما السلام) : مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ؟ فَقَالا: مَا يَخْرُجُ مِنْ طَرَفَيْكَ الْأَسْفَلَيْنِ مِنَ الذَّكَرِ وَالدُّبُرِ مِنَ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ أَوْ مَنِيٍّ أَوْ رِيحٍ وَالنَّوْمُ حَتَّى يُذْهِبَ الْعَقْلَ، وَكُلُّ النَّوْمِ يُكْرَهُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تَسْمَعُ الصَّوْتَ((1)*).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَمَّادٍ مِثْلَهُ((2)*).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ زُرَارَةَ مِثْلَهُ إِلَى قَوْلِهِ حَتَّى يُذْهِبَ الْعَقْلَ((3)*).

[2] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث بإطلاقه على ناقضيّة كلّ ما يخرج من الطرفين الأسفلين، بلا فرق بين القليل منه والكثير، وقوله (علیه السلام) «من الذكر والدبر» بيان للطرفين الأسفلين، و(مِنْ) في قوله (علیه السلام) : «من الغائط» بيانيّة، لبيان ما ينقض الوضوء ممّا يخرج من الذكر والدبر، حتّى لا يتوهّم العموم لكلّ ما يخرج، فتخصيصه (علیه السلام) ما يخرج من السبيلين بهذه الأربعة يدلّ على عدم النقض بخروج المذي والوذي والدود والدم والحقنة وأمثالها، وأمّا الدماء الثلاثة فلعلّه (علیه السلام) إنّما لم يذكرها لأنّ الكلام في ما يخرج من طرفي الرجل، كما هو مقتضى الخطاب لزرارة.

ص: 48


1- ([1]*) التهذيب 1: 9/ 15.
2- ([2]*) الكافي 3: 36/ 6.
3- ([3]*) الفقيه 1: 37/ 137.

ويدلّ أيضاً على ناقضية النوم المذهب للعقل، قال الشيخ البهائي(قدس سره) في معنى قوله (علیه السلام) : «وكلّ النوم يكره إلّا أن تكون تسمع الصوت»: «معناه أنّ كل نوم يفسد الوضوء إلّا نوماً يسمع معه الصوت، فعبّر (علیه السلام) عن الإفساد بالكراهة، وهذه الجملة بمنزلة المبيّنة لما قبلها، فكأنّه (علیه السلام) بَيّن أنّ النوم الذي يذهب به العقل علامته عدم سماع الصوت».((1))

سند الحديث:

لهذا الحديث ثلاثة اسانيد:

أوّلها: سند الشيخ في التهذيب، وفيه: أحمد بن الحسن، وهو أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، وقد سبق أنّه من مشايخ المفيد، ولم يرد فيه توثيق، ولكن لشيخ طريقين معتبرين وللصدوق أيضاً طريق صحيح لجميع روايات أبيه((2)).

وأمّا أبوه فهو محمد بن الحسن بن الوليد، والمراد بالصفّار هو محمد بن الحسن، وأمّا أحمد بن محمد فهو أحمد بن محمد بن عيسی، وقد مرّ بيان وثاقتهم وجلالتهم مع بقيّة أفراد السند.

هذا، مضافاً إلى أنّ كتاب الحسين بن سعيد مشهور غير محتاج إلى الطريق، والسند معتبر.

ص: 49


1- - الحبل المتين: 1: 129. أقول: وقال المحدّث الكاشاني في الوافي: «إنّما عبر عن نقض الوضوء بالكراهية لأنّ النواقض مما يستكره» الوافي: 6: 201. ولعلّ ما أفاده الشيخ البهائي أوجه، لأنّ الحديث خصّ النوم بالكراهة، لا مطلق النواقض كما ذهب إليه المحدّث الكاشاني. [المقرّر].
2- - ايضاح الدلائل1: 218.

الثاني: سند الكليني في الكافي، ويشترك مع سند الشيخ في حمّاد ومن بعده، والسند معتبر.

الثالث: سند الصدوق في الفقيه إلى زرارة، وهو: عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن محمد بن عيسى بن عبيد، والحسن بن ظريف، وعلي بن إسماعيل بن عيسی كلّهم عن حمّاد بن عيسى، عن حريز بن عبد الله، عن زرارة بن أعين((1)).

والسند صحيح أعلائي.

ص: 50


1- - من لا يحضره الفقيه، المشيخة4: 425.

[643] 3- وَعَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ فَضَالَةَ، عَنْ عُثْمَانَ يَعْنِي ابْنَ عِيسَى، عَنْ أُدَيْمِ بْنِ الْحُرِّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) يَقُولُ: لَيْسَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إِلَّا مَا خَرَجَ مِنْ طَرَفَيْكَ الْأَسْفَلَيْنِ((1)*).

[3] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على حصر النواقض في ما يخرج من السبيلين، المعبّر عنهما هنا بالطرفين الأسفلين، ولا ريب في أنّ الحصر إضافي بالنسبة إلى ما يخرج من غيرهما كالرّعاف والقيء وغيرهما ممّا عدّه العامّة من النواقض، وكأنّ هذا الحديث ردّ عليهم، وإنّما كان الحصر إضافيّاً لدلالة الأحاديث على وجود نواقض أخرى غير ما ذكر كالنوم وذهاب العقل وغير ذلك، كما أنّ تلك الأحاديث تدلّ أيضاً على أنّه ليس كلّ ما يخرج من السبيلين ناقض.

سند الحديث:

في السند: فضالة، وهو فضالة بن أيّوب.

وفيه: عثمان، وفسّره الماتن بأنّه ابن عيسی، والظاهر أنّ في السند سقطاً، والصحيح: حمّاد بن عثمان بقرينة سائر الروايات، حيث ورد فيها: الحسين بن سعيد عن فضالة عن حمّاد بن عثمان.

وفيه: أديم بن الحرّ، ذكره الشيخ في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ،

ص: 51


1- ([1]*) التهذيب 1: 16/ 36.

ووصفه بالكوفي الخثعمي((1))، وقال عنه النجاشي: «أديم بن الحرّ الجعفي مولاهم، كوفي، ثقة، له أصل»((2)).

ونقل الكشي عن نصر بن الصباح أنّه قال عنه: «أبو الحرّ اسمه أديم بن الحرّ، وهو حذّاء، صاحب أبي عبد الله (علیه السلام) روی نيفاً وأربعين حديثاً عن أبي عبد الله (علیه السلام) ((3))، وعلى هذا فالسند معتبر.

ص: 52


1- - رجال الطوسي: 156/ 1716.
2- - رجال النجاشي: 106/ 267.
3- - اختيار معرفة الرجال2: 636/ 645.

[644] 4- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ جَمِيعاً، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ سَالِمٍ أَبِي الْفَضْلِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: لَيْسَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إِلَّا مَا خَرَجَ مِنْ طَرَفَيْكَ الْأَسْفَلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْكَ بِهِمَا((1)*).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ مِثْلَهُ((2)*).

[4] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على حصر ما ينقض الوضوء في ما يخرج من الطرفين الأسفلين اللذين أنعم الله بهما على الإنسان لحِكَم متعدّدة، من أبرزها كونهما طريقين معدّين لتسهيل خروج فضلات الطعام والشراب من جسمه؛ فإنّ بقاء تلك الفضلات في جسم الإنسان مدّة يوجب تعفّنها وصيرورتهما مواد فاسدة قد تمتزج مع الدم ومنه تنتشر في أجزاء الجسم، ممّا يسبب أمراضاً خبيثة، والحصر هنا إضافي كما تقدّم.

سند الحديث:

ذكر المصنّف سندين لهذا الحديث:

السند الأوّل: سند الكليني، وهو ينحلّ إلى طريقين:

الأوّل: محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان عن صفوان، وقد قلنا إنّ

ص: 53


1- ([1]*) الكافي 3: 35/ 1.
2- ([2]*) التهذيب 1: 10/ 17، والاستبصار 1: 85- 271.

محمد بن إسماعيل مشترك، وإنّ المراد من محمّد بن إسماعيل الذي يروي عن الفضل بن شاذان ويروي عنه الكليني هو محمّد بن إسماعيل النيسابوري البندقي، وهو لم يوثّق، إلّا أنّ روايات الفضل بن شاذان التي يرويها الكليني والشيخ معتبرة، لوجود طريق آخر صحيح للكليني، كما أنّ للشيخ طرقاً تبلغ ثمانية، وبعضها صحيح في الفهرست والمشيخة((1)).

والثاني: أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبدالجبار، عن صفوان بن يحيی.

وفيهما: سالم أبوالفضل، وهو سالم الحنّاط، قال عنه النجاشي: «سالم الحنّاط أبوالفضل، كوفي، مولی، ثقة، روی عن أبي عبد الله (علیه السلام) . ذكره أبوالعباس، روی عنه عاصم بن حميد وإسحاق بن عمار. له كتاب يرويه صفوان»((2)). والسند معتبر.

والسند الثاني: سند الشيخ إلی الكليني، وهو الإسناد السابق نفسه، وهو معتبر أيضاً.

ص: 54


1- - أصول علم الرجال2: 448- 458.
2- - رجال النجاشي: 190/ 508.

[645] 5- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرُّعَافِ وَالْحِجَامَةِ وَكُلِّ دَمٍ سَائِلٍ؟ فَقَالَ: لَيْسَ فِي هَذَا وُضُوءٌ، إِنَّمَا الْوُضُوءُ مِنْ طَرَفَيْكَ اللَّذَيْنِ أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِمَا عَلَيْكَ((1)*).

رَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي الْخِصَالِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ ابْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ الْبَزَنْطِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ الْمُرَادِيِ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ بَدَلَ الرُّعَافِ الْقَيْ ءَ((2)*).

[5] - فقه الحديث:

الرّعاف: الدم يخرج من الأنف((3))، والحجامة: حرفة الحجّام وفعله، والحجّام: المصّاص. قال الأزهري: يقال للحاجم: الحجّام؛ لامتصاصه فم المحجمة((4)).

ويدلّ الحديث علی أنّ الرعاف والحجامة وكلّ دم يسيل ولا يقف علی الجرح - ما عدا الدماء الثلاثة -؛ لما يجيء في الأبواب الآتية لا ينقض الوضوء، بل الوضوء يُنقض بسبب الطرفين، أي: ما يخرج منهما، وهذا ردّ علی مثل أبي

ص: 55


1- ([1]*) الكافي 3: 37/ 13، وأورده أيضاً في الحديث 10 من الباب 7 من هذه الأبواب.
2- ([2]*) الخصال: 34/ 3.
3- - الصحاح4: 1365، مادة: رعف.
4- - تاج العروس16: 129، مادة: حجم.

حنيفة الذي ذهب إلی أنّ الدم إن كان واقفاً علی الجرح فلا ينقض الوضوء، وأمّا إذا كان سائلاً فهو ينقضه، ويدلّ أيضاً علی حصر ما ينقض الوضوء في ما يخرج من الطرفين الأسفلين اللذين أنعم الله بهما علی الإنسان، والحصر إضافي كما سبق.

سند الحديث:

ذكر المصنّف سندين لهذا الحديث:

أوّلهما: سند الكليني، وفيه محمد بن الحسن، وقد قلنا إنّه إمّا الصفار أو الطائي((1))، وكلاهما ثقتان.

وفيه ابن مسكان وهو عبد الله بن مسكان. والسند ضعيف بسهل، ويمكن أن يصحّح الحديث؛ لوجوده في الكافي.

وثانيهما: سند الصدوق في الخصال، وفيه: محمد بن سماعة، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) وقال: «محمد بن سماعة العنزي البكري، كوفي»((2))،وقال عنه النجاشي: «محمد بن سماعة بن موسی بن رويد بن نشيط الحضرمي مولی عبدالجبار بن وائل بن حجر أبوعبد الله والد الحسن وإبراهيم وجعفر وجد معلّی بن الحسن، وكان ثقة في أصحابنا وجهاً. له كتاب الوضوء، وكتاب الحيض، وكتاب الصلاة، وكتاب الحج»((3)).والسند صحيح أعلائي.

ص: 56


1- - ايضاح الدلائل1: 30- 32.
2- - رجال الطوسي: 285/ 4140.
3- - رجال النجاشي: 329/ 890.

[646] 6- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ آدَمَ قَالَ: سَأَلْتُ الرِّضَا (علیه السلام) عَنِ النَّاسُورِ((1)*) أَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ؟ قَالَ: إِنَّمَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ ثَلَاثٌ: الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَالرِّيحُ((2)*).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ((3)*).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي عُيُونِ الْأَخْبَارِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ مِثْلَهُ((4)*).

أَقُولُ: الْحَصْرُ إِضَافِيٌّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّاسُورِ وَنَحْوِهِ، وَكَذَا بَعْضُ أَحَادِيثِ الْحَصْرِ، أَعْنِي مَا لَهُ مُخَصِّصٌ لَمْ يَظْهَرْ كَوْنُهُ مِنْ بَابِ التَّقِيَّةِ.

[6] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على أنّ الناسور غير ناقض للوضوء، مع أنّه يخرج منه الدم، وقد يسيل، ويستفاد من عدم التفصيل أنّه غير ناقض وإن سال، ويدلّ أيضاً على أنّ الناقض محصور في ثلاثة أشياء: البول والغائط والريح، ومن البيّن أنّ هذا الحصر إضافي بالنسبة لما يخرج من الطرفين غير هذه الثلاثة كالدم ونحوه.

ص: 57


1- ([1]*) الناسور: بالسين والصاد: عرق غبر في باطنه فساد فكلّما بدا أعلاه، رجع غبرا فاسداً (لسان العرب 5: 205).
2- ([2]*) الكافي 3: 36/ 2، ويأتي في الحديث 2 من الباب 16 من هذه الأبواب.
3- ([3]*) التهذيب 1: 10/ 18، والاستبصار 1: 86/ 2.
4- ([4]*) عيون أخبار الرضا (علیه السلام) 2: 22/ 47.

سند الحديث:

ذكر المصنّف ثلاثة أسانيد لهذا الحديث:

الأوّل: سند الكليني، وفيه محمد بن يحيى، وهو محمد بن يحيى العطّار الثقة العين، وأحمد بن محمد هو ابن عيسى الأشعري.

وفيه أيضاً: محمد بن سهل، قال عنه النجاشي: «محمد بن سهل بن اليسع بن عبد الله بن سعد بن مالك بن الأحوص الأشعري القمي، روی عن الرضا وأبي جعفر (علیهما السلام) . له كتاب يرويه جماعة»((1)) فله كتاب مشهور، وهو وإن لم يوثّق صريحاً، إلا أنّه ورد في الفقيه وفي مشيخة الفقيه فيمكن اعتبار حديثه؛ لشهادة الصدوق بأنّه لا يروي إلّا عن الكتب المشهورة التي عليها المعوّل وإليها المرجع((2))، كما أنّه ورد في كتاب الخرائج ما يفيد مدحه بما هو تالي تلو التوثيق، وإن كان هو الراوي للرواية، وهو ما رواه أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سهل بن اليسع قال: «كنت مجاوراً بمكة، فصرت إلى المدينة، فدخلت على أبي جعفر الثاني (علیه السلام) وأردت أن أسأله كسوة يكسونيها، فلم يقض لي أن أسأله حتي ودّعته وأردت الخروج فقلت: أكتب إليه وأسأله. قال: فكتبت إليه الكتاب، فصرت إلى مسجد الرسول| على أن أصلّي ركعتين وأستخير الله مائة مرة، فإن وقع في قلبي أن أبعث إليه بالكتاب بعثت به وإلّا خرقته، ففعلت، فوقع في قلبي أن لا أفعل، فخرقت الكتاب، وخرجت من

ص: 58


1- - رجال النجاشي: 367/ 996.
2- - من لا يحضره الفقيه1: 3.

المدينة، فبينما أنا كذلك إذ رأيت رسولاً ومعه ثياب في منديل يتخلّل القطار، ويسأل عن محمد بن سهل القمي حتى انتهى إليَّ، فقال: مولاك بعث إليك بهذا. وإذا مُلاءتان، قال أحمد بن محمد: فقضى [الله] أنّي غسّلته حين مات، وكفّنته فيهم»((1)) والراوندي وإن لم يكن في طبقة أحمد بن محمد إلّا أنّ له طريقاً صحيحاً إلى شيخ الطائفة، والشيخ له طريق صحيح إلى أحمد بن محمد، والرواية دالّة على ما أشرنا إليه؛ فإنّ عناية الإمام (علیه السلام) به وبعث الثوبين إليه، وتكفين أحمد بن محمد له بهما يدلّان على جلالته وحسنه بما هو تالي تلو التوثيق، كما أنّ تصديق أحمد بن محمد للرواية شاهد صدق على صحّتها، أضف إلى ذلك كلّه أنّه يمكن تصحيح الحديث بناء على قبول شهادة الكليني بصحّة أحاديث كتابه.

والثاني: سند الشيخ في التهذيب والاستبصار، وهو كسابقه.

والثالث: سند الصدوق في عيون الأخبار، وهو كسابقيه.

ص: 59


1- - الخرائج والجرائح2: 668.

[647] 7- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فِي الْعِلَلِ وَعُيُونِ الْأَخْبَارِ بِإِسْنَادِهِ الْآتِي، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، عَنِ الرِّضَا (علیه السلام) قَالَ: إِنَّمَا وَجَبَ الْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ مِنَ الطَّرَفَيْنِ خَاصَّةً وَمِنَ النَّوْمِ دُونَ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ((1)*) لِأَنَّ الطَّرَفَيْنِ هُمَا طَرِيقُ النَّجَاسَةِ وَلَيْسَ لِلْإِنْسَانِ طَرِيقٌ تُصِيبُهُ النَّجَاسَةُ مِنْ نَفْسِهِ إِلَّا مِنْهُمَا فَأُمِرُوا بِالطَّهَارَةِ عِنْدَمَا تُصِيبُهُمْ تِلْكَ النَّجَاسَةُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، الْحَدِيثَ((2)*).

[7] - فقه الحديث:

يفيد الحديث أنّ ما يخرج من الطرفين بالإضافة إلی النوم ينقض الوضوء ويوجبه، وهذا المقطع من الحديث تعليل لإيجاب هذه الأمور للوضوء، دون غيرها من النواقض، والعلّة المذكورة هي أنّ السبيلين هما طريق منحصر للنجاسة التي تكون من نفس الإنسان، ولمّا كان هو الذي يتسبّب بحدوثها عن طريق الأكل والشرب كانت هذه النجاسة من نفسه، وتجيء هذه النواقض من الإنسان لا لإرادته لها أو استلذاذه بها، بل هو مكره عليها، فلذا رضي الله سبحانه منه بالوضوء، بخلاف الجنابة؛ فإنّه هو الساعي إلی حصولها والطالب لها، ولذا أوجب عليه الغُسل، كما يأتي في الحديث العاشر.

ولمّا كان حصول هذه الأحداث موجباً لنقض الطهارة السابقة صار العبد غير طاهر، فلا يليق بالقرب من الساحة الربوبيّة فهو بعيد عنها، ولا لياقة لديه

ص: 60


1- ([1]*) في العلل زيادة: قيل.
2- ([2]*) علل الشرائع 257، وعيون أخبار الرضا (علیه السلام) 2: 104.

للقيام بين يدي الجبّار سبحانه؛ فإنّ الحضور عند جناب الحقّ تعالى يتمّ بواسطة الصلاة وتلاوة القرآن، والحضور في تلك الحضرة الطاهرة المقدسة، والقيام اللائق بين يدي الرب الجليل لا يمكن إلا مع الطّهارة.

والوضوء منشأ للطّهارة الروحيّة الباطنيّة وهو السبيل إليها، فبحدوثها تتنوّر الروح وتصفو النفس، وبواسطتها تتشبّه النفس البشريّة بالملائكة الروحانيّين، وتكون لائقة ومستحقّة لأن تتطلّع وتطّلع على ملكوت السماوات والأرضين، وتلك هي الغاية العظمى والمنزلة الكريمة.

وقد ورد عن الإمام الرضا (علیه السلام) في علّة تشريع الوضوء قوله: «يكون العبد طاهراً إذا قام بين يدي الجبّار عند مناجاته إيّاه، مطيعاً له فيما أمره، نقيّاً من الأدناس والنجاسة مع ما فيه من ذهاب الكسل، وطرد النّعاس، وتزكية الفؤاد للقيام بين يدي الجبّار»((1)).

سند الحديث:

السند في العلل: حدثني عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطّار قال: حدثني أبو الحسن علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري قال: قال أبو محمد الفضل بن شاذان النيسابوري. وذكره أيضاً في عيون أخبار الرضا (علیه السلام) .

وفيه: عبد الواحد بن محمد بن عبدوس، وقد تقدّم أنّ الصدوق ترضّى عنه((2)) فيكون ثقة. وعلي بن محمد بن قتيبة تقدّم أنّه ثقة؛ لاعتماد الكشي

ص: 61


1- - عيون أخبار الرضا (علیه السلام) : 2: 111، علل الشرائع: 1: 257، ب 182، ح9.
2- - ايضاح الدلائل2: 181.

عليه((1)). فهذا السند معتبر.

وزاد في العيون سنداً آخر وهو: حدّثنا الحاكم أبو محمد جعفر بن نعيم بن شاذان، عن عمّه أبي عبد الله محمد بن شاذان قال: قال الفضل بن شاذان.

وفيه: جعفر بن نعيم بن شاذان، تقدّم أنّ الصدوق ترضّى عنه((2)) فيكون ثقة، وأمّا محمد بن شاذان فتستفاد وثاقته ممّا ورد في التوقيع الشريف المروي عن الحجّة - أرواحنا فداه - حيث جاء فيه: «وأمّا محمد بن شاذان بن نعيم فهو رجل من شيعتنا»((3))، فقد ذكرنا في كتابنا التقيّة: أن «فيه إشعاراً بمكانته الاجتماعيّة، الأمر الذي دفع إسحاق بن يعقوب للسؤال عنه، كما أنّ في جواب الإمام (علیه السلام) تصريحاً بأنّ محمد بن شاذان ذو شأن عند الأئمة (علیهم السلام) ولذا أضافه (علیه السلام) إليهم وعدّه من شيعتهم، فقد يقال: إنّ ذلك وإن لم يدل صراحة على الوثاقة إلّا أنّه لا يقصر عنها، وبناء على اعتبار سند التوقيع الشريف كما حقّقناه في محلّه من هذا الكتاب((4))... ويترتّب علی ذلك اعتبار جميع روايات الصدوق عن الفضل الواردة عن طريق محمد بن شاذان بن نعيم»((5)) فالسند معتبر أيضاً.

ص: 62


1- - ايضاح الدلائل1: 334.
2- - ايضاح الدلائل2: 265.
3- - الخرائج والجرائح3: 1114.
4- - التقية في فقه أهل البيت (علیهم السلام) 2: 403- 404.
5- - التقية في فقه أهل البيت (علیهم السلام) 3: 152.

[648] 8- وَفِي عُيُونِ الْأَخْبَارِ بِالْإِسْنَادِ الْآتِي، عَنِ الْفَضْلِ قَالَ: سَأَلَ الْمَأْمُونُ الرِّضَا (علیه السلام) عَنْ مَحْضِ((1)*) الْإِسْلَامِ؟ فَكَتَبَ إِلَيْهِ فِي كِتَابٍ طَوِيلٍ: وَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إِلَّا غَائِطٌ أَوْ بَوْلٌ أَوْ رِيحٌ أَوْ نَوْمٌ أَوْ جَنَابَةٌ((2)*).

[8] - فقه الحديث:

هذه قطعة من حديث طويل كتبه الإمام الرضا (علیه السلام) إجابة لسؤال المأمون إيّاه عن محض الإسلام، والمحض هو الخالص الذي لم يخالطه شيء، والمراد الإسلام الخالص الصريح الذي لم يخلط بشيء خارج عنه، فكتب (علیه السلام) أنّ من جملة ذلك هذه النواقض، والحصر هنا في المذكورات إضافي بالنسبة إلی غير المذكورات كالرّعاف والقيء وغيرهما، وكالمذي والودي والوذي.

سند الحديث:

أشار الماتن إلی السندين السابقين في الحديث السابع من هذا الباب، وهما معتبران.

ص: 63


1- ([1]*) في نسخة: «محنة» منه قده.
2- ([2]*) عيون أخبار الرضا (علیه السلام) 2: 123.

[649] 9- وَبِالْإِسْنَادِ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (علیه السلام) فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام) : لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إِلَّا مَا خَرَجَ مِنْ طَرَفَيْكَ اللَّذَيْنِ جَعَلَ((1)*) اللَّهُ لَكَ، أَوْ قَالَ: اللَّذَيْنِ أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِمَا((2)*) عَلَيْكَ((3)*).

[9] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث علی أنّه لا ينقض الوضوء إلّا ما خرج من الطرفين، فلا ينتقض الوضوء بخروج القيء والرّعاف ونحوهما، وعلی هذا فالإطلاق يشمل كلّ ما يخرج من الإنسان من البول والمني والحيض والاستحاضة والنفاس، والغائط والريح، بلا فرق بين القليل والكثير، وأمّا ما عدا المذكورات - كالمذي والوذي والقيح وغير ذلك - وإن كان مقتضی العموم دخولها في النواقض إلّا أنّ أحاديث حصر النواقض تخرجها عن دائرة ما ينقض الوضوء.

والحصر إضافي كما تقدّم في الأحاديث السابقة.

سند الحديث:

السند في العيون: حدّثنا الحاكم أبو محمد جعفر بن نعيم بن شاذان، قال:

ص: 64


1- ([1]*) في المصدر: جعلهما.
2- ([2]*) بهما: ليس في المصدر.
3- ([3]*) عيون أخبار الرضا (علیه السلام) 2: 18/ 44.

حدّثني عمّي أبو عبد الله محمد بن شاذان، قال: حدّثنا الفضل بن شاذان، قال: حدّثنا محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن الرضا (علیه السلام) وهو السند الثاني الذي مضی في الحديث السابع من هذا الباب، وهو معتبر.

ص: 65

[650] 10- وَبِأَسَانِيدِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ فِي جَوَابِ الْعِلَلِ عَنِ الرِّضَا (علیه السلام) قَالَ: وَعِلَّةُ التَّخْفِيفِ فِي الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ وَأَدْوَمُ مِنَ الْجَنَابَةِ فَرَضِيَ فِيهِ بِالْوُضُوءِ لِكَثْرَتِهِ وَمَشَقَّتِهِ وَمَجِيئِهِ بِغَيْرِ إِرَادَةٍ مِنْهُمْ((1)*) وَلَا شَهْوَةٍ، وَالْجَنَابَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا بِالاسْتِلْذَاذِ مِنْهُمْ وَالْإِكْرَاهِ((2)*) لِأَنْفُسِهِمْ((3)*).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ((4)*) وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ هُنَا وَفِي كَيْفِيَّةِ الْوُضُوءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ((5)*).

[10] - فقه الحديث:

علّل الحكم في تشريع الوضوء دون الغسل - عند حدوث البول أو الغائط - لكونه أخفّ مؤونة علی المكلّفين من الغسل، فلو كلّف الله سبحانه بالغُسل عند

ص: 66


1- ([1]*) في نسخة: «منه»،(منه قده).
2- ([2]*) أضاف في هامش الأصل (منه) عن نسخة.
3- ([3]*) عيون أخبار الرضا (علیه السلام) 2: 88/ 1.
4- ([4]*) تقدم ما يدلّ عليه في الأحاديث 2 - 5، 9 من الباب 1 من هذه الأبواب.
5- ([5]*) يأتي ما يدلّ عليه: أ - في الحديث 1 و4 من الباب 3 من هذه الأبواب. ب - وفي الحديث 2، 5 من الباب 5 من هذه الأبواب. ج - وفي الحديث 11 من الباب 6 من هذه الأبواب. د - وفي الحديث 1، 10 من الباب 7 من هذه الأبواب. ه- - وفي الحديث 3، 5 من الباب 15 من هذه الأبواب. و - وفي الحديث 18 من الباب 15 من أبواب الوضوء. ز - وفي الباب 2 من أبواب الجنابة.

حدوثهما لأوجب ذلك نوع مشقّة عليهم، لكثرة ما يبتلون بهما ودوامه، ومجيء هذه النواقض من الإنسان لا لإرادته لها أو استلذاذه بها، بل هو مكره عليها، فلذا رضي الله سبحانه بالوضوء، بخلاف الجنابة فإنّ المكلّف هو الطالب لها والساعي إلی حصولها، وحدوثها إنّما يكون بإرادته واشتهائه، كما أنّها ليست بكثرة الناقضين السابقين ولا في دوامهما، ولذا أوجب عليه الغُسل.

سند الحديث:

الأسانيد في عيون أخبار الرضا (علیه السلام) ثلاثة، وهي:

السند الأوّل: حدّثنا محمد بن علي ماجيلويه (رحمه الله) ، عن عمّه محمد بن أبي القاسم، عن محمد بن علي الكوفي، عن محمد بن سنان.

وفيه: محمد بن علي ماجيلويه ومحمد بن أبي القاسم، وقد مضى أنّهما ثقتان((1))، وأمّا محمد بن علي الكوفي فهو ضعيف، ولكن ما رواه الصدوق في الفقيه عنه خالٍ عن التخليط والغلو والتدليس ولم ينفرد به، وكذا الشيخ في الفهرست((2)) على ما تقدّم((3))، ولكن هذا الحديث ليس في الفقيه ولم يعلم أنّه من كتابه، فيكون هذا السند ضعيفاً به.

وأمّا محمد بن سنان فقد سبق أنّا رجّحنا وثاقته((4))، وللشيخ طريق صحيح في الفهرست إلى كل ما رواه، قال: «وجميع ما رواه إلّا ما كان فيها من تخليط أو

ص: 67


1- - ايضاح الدلائل4: 270 و2: 65.
2- - فهرست الطوسي: 223/ 624.
3- - ايضاح الدلائل2: 243- 245.
4- - أصول علم الرجال2: 402 - 420.

غلو، أخبرنا به جماعة، عن أبي جعفر ابن بابويه، عن أبيه ومحمد بن الحسن جميعاً، عن سعد والحميري ومحمد بن يحيی، عن محمد بن الحسين وأحمد ابن محمد، عنه»((1))، وبهذا الطريق يصحّ الحديث.

السند الثاني: وحدّثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق ومحمد بن أحمد السناني وعلي بن عبد الله الوراق والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب رضي الله عنهم قالوا: حدّثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد ابن إسماعيل، عن علي بن العباس، قال: حدّثنا القاسم بن الربيع الصحاف، عن محمد بن سنان.

وفيه: الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب، وهو المؤدب، وقد ترضّى عنه الصدوق كثيراً فيكون ثقة. وأمّا محمد بن أبي عبد الله الكوفي فهو محمد بن جعفر بن محمد الأسدي، من مشايخ الكليني، وقد سبق أنّه ثقة صحيح الحديث، وكان أحد الأبواب، ومن السفراء الممدوحين((2)).

وأمّا محمد بن إسماعيل فقد سبق أنّه مشترك((3)) والمراد منه هنا البرمكي؛ لروايته عن علي بن العباس، ورواية محمد بن أبي عبد الله الكوفي أو الأسدي عنه. قال عنه النجاشي: «محمد بن إسماعيل بن أحمد بن بشير البرمكي المعروف بصاحب الصومعة أبو عبد الله، سكن قم، وليس أصله منها. ذكر ذلك

ص: 68


1- - فهرست الطوسي: 219 - 220/ 619.
2- - ايضاح الدلائل1: 313- 314.
3- - المصدر السابق: 299.

أبو العباس بن نوح. وكان ثقة مستقيماً. له كتب»((1)).

وأمّا علي بن العباس فهو الجراذيني، وقد تقدّم أنّه ضعيف((2)).

وأمّا القاسم بن الربيع الصحّاف فلم يرد له توثيق، نعم وقع في تفسير علي بن إبراهيم، لكنّه في القسم الثاني منه((3)) فلا يشمله التوثيق. لكن يمكن تصحيح هذا السند كما سبق.

السند الثالث: وحدّثنا علي بن أحمد بن عبد الله البرقي وعلي بن عيسی المجاور في مسجد الكوفة وأبو جعفر محمد بن موسى البرقي بالري4 قالوا: حدّثنا محمد بن علي ماجيلويه، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن محمد بن سنان أنّ عليّ بن موسى الرضا (علیه السلام) كتب إليه في جواب مسائله.

وفيه: علي بن أحمد بن عبد الله البرقي تقدّم أن الصدوق ترضّى عنه((4)).

وأمّا علي بن عيسى ومحمد بن موسی البرقي فقد ترضّى عنهما أيضاً.

وقد تقدّم الكلام في بقيّة السند. فهذا السند معتبر.

المتحصل من الأحادیث

والحاصل: أنّ في الباب عشرة أحاديث، أوّلها صحيح، والثاني معتبر بسنديه الأوّلين، وسنده الثالث صحيح، والثالث والسابع معتبر بسنديه والتاسع معتبر، والرابع والثامن لكلّ منهما سندان والكلّ معتبر، والخامس سنده الأوّل ضعيف وسنده الثاني صحيح أعلائي، والسادس حسن والعاشر لكلّ منهما ثلاثة أسانيد

ص: 69


1- - رجال النجاشي: 341/ 915.
2- - ايضاح الدلائل2: 483- 484.
3- - أصول علم الرجال1: 308.
4- - ايضاح الدلائل2: 428.

ضعاف، ولكن يمكن تصحيحها.

والمستفاد منها أمور منها:

1- أنّ كلّ ما يخرج من الإنسان من البول والمني والحيض والاستحاضة والنفاس، والغائط والريح، ناقض للوضوء.

2- أنّه لا فرق بين القليل والكثير من النواقض المذكورة.

3- أنّ المذي والوذي والقيح والقيء، والدم الخارج من الفم أو غيره حتّى الخارج من السبيلين، والرّعاف والحجامة وغير ذلك لا ينقض الوضوء.

4- أنّ النوم المذهب للعقل ناقض للوضوء، وعلامته عدم سماع الصوت، وأمّا ما يسمع معه الصوت فليس بناقض.

5- أنّ الناسور غير ناقض للوضوء، مع أنّه يخرج منه الدم، وقد يسيل، فهو وإن سال غير ناقض.

6- أنّ العلة أي الحكمة في تشريع الوضوء - عند حدوث البول أو الغائط - دون الغسل، هي أنّ الوضوء أخفّ مؤونة على المكلّفين من الغسل؛ فإنّ في إيجابه مع كثرة الابتلاء بموجبه نوع مشقّة عليهم.

7- أنّ العلة أي الحكمة في تشريع الغسل هي أنّ المكلّف هو الطالب للجنابة، فهي تحدث بإرادته واشتهائه، وحدوثها ليس من الكثرة بحدّ يكون إيجاب الغسل عند حصولها حرجيّاً على المكلّف.

8- أنّ الطهارة الظاهريّة المأمور بها هي منشأ للطّهارة الروحيّة الباطنيّة، وبحصولها تتحصّل اللياقة اللازمة للحضور بين يدي الله سبحانه وتعالى.

ص: 70

3- بَابُ أَنَّ النَّومَ الغَالِبَ عَلَی السَّمعِ يَنقُضُ الوُضُو ءَ عَلَی أَيِّ حَالٍ كَانَ، وَأَنَّهُ لَا يَنقُضُ الوُضُو ءَ شَي ءٌ مِنَ الأَشيَا ءِ غَيرُ الأَحدَاثِ المَنصُوصَةِ

اشارة

3- بَابُ أَنَّ النَّومَ الغَالِبَ عَلَی السَّمعِ يَنقُضُ الوُضُوءَ عَلَی أَيِّ حَالٍ كَانَ، وَأَنَّهُ لَا يَنقُضُ الوُضُوءَ شَيءٌ مِنَ الأَشيَاءِ غَيرُ الأَحدَاثِ المَنصُوصَةِ

شرح الباب:

يتعرّض هذا الباب لبيان حكمين:

أوّلهما: أنّ النوم حدث شرعاً فينقض الوضوء، والمراد به الغالب علی السمع، فإذا تحقّق نقض الوضوء علی أيّ حال كان عليها المتوضّي.

والثاني: أنّ الوضوء لا ينتقض إلّا بطروّ الأحداث المنصوصة لا بغيرها من الأمور.

أقوال الخاصّة:

قال في الحدائق: «المشهور بين الأصحاب وجوب الوضوء بالنوم الغالب علی حاسّتي السمع والبصر علی أيّ حال كان: مضطجعاً أو قاعداً، منفرجاً أو متلاصقاً، وربّما ظهر من كلام علي بابويه في الرسالة وابنه في المقنع عدم النقض به مطلقاً؛ لحصرهما ما يجب إعادة الوضوء به وما ينقضه في البول والمني والغائط والريح»((1)). فيستفاد من كلام الصدوقين - طاب ثراهما - أنّ النوم بنفسه غير ناقض.

ص: 71


1- - الحدائق الناضرة2: 94.

أقوال العامّة:

للعامّة تفصيلات في ناقضيّة النوم بحسب حالات المكلّف وأوضاعه وبحسب النوم نفسه اختلفوا فيها بعد أن قالوا بناقضيّة النوم في الجملة، قال في المغني: «النوم وهو ناقض للوضوء في الجملة في قول عامّة أهل العلم إلّا ما حكي عن أبي موسى الأشعري وأبي مجلز وحميد الأعرج أنّه لا ينقض. وعن سعيد بن المسيب أنّه كان ينام مراراً مضطجعاً ينتظر الصلاة ثم يصلّي ولا يعيد الوضوء... والنوم ينقسم ثلاثة أقسام نوم المضطجع فينقض الوضوء يسيره وكثيره في قول كلّ من يقول بنقضه بالنوم (الثاني) نوم القاعد إن كان كثيراً نقض رواية واحدة وإن كان يسيراً لم ينقض، وهذا قول حمّاد والحكم ومالك والثوري وأصحاب الرأي، وقال الشافعي لا ينقض وإن كثر إذا كان القاعد متمكّناً مفضياً بمحلّ الحدث إلى الأرض... (الثالث) ما عدا هاتين الحالتين وهو نوم القائم والراكع والساجد فروي عن أحمد في جميع ذلك روايتان (إحداهما) ينقض وهو قول الشافعي؛ لأنّه لم يرد في تخصيصه من عموم أحاديث النقض نصّ ولا هو في معنى المنصوص؛ لكون القاعد متحفّظاً لاعتماده بمحلّ الحدث إلى الأرض والراكع والساجد ينفرج محلّ الحدث منهما (والثانية) لا ينقض إلّا إذا كثر، وذهب أبو حنيفة إلى أنّ النوم في حال من أحوال الصلاة لا ينقض وإن كثر... والظاهر عن أحمد التسوية بين القيام والجلوس؛ لأنّهما يشتبهان في الانخفاض واجتماع المخرج، وربما كان القائم أبعد من الحدث؛ لعدم التمكّن من الاستثقال في النوم؛ فإنّه لو استثقل لسقط،

ص: 72

والظاهر عنه في الساجد التسوية بينه وبين المضطجع؛ لأنّه ينفرج محلّ الحدث، ويعتمد بأعضائه على الأرض ويتهيأ لخروج الخارج فأشبه المضطجع...

واختلفت الرواية عن أحمد في القاعد المستند والمحتبي فعنه لا ينقض يسيره، قال أبو داود: سمعت أحمد قيل: له الوضوء من النوم؟ قال: إذا طال، قيل: فالمحتبي قال: يتوضأ، قيل: فالمتكئ؟ قال: الاتكاء شديد والمتساند كأنّه أشد - يعني من الاحتباء - ورأی منها كلّها الوضوء إلّا أن يغفو - يعني قليلاً - وعنه: ينقض يعني بكلّ حال؛ لأنّه معتمد علی شيء فهو كالمضطجع ... واختلف أصحابنا في تحديد الكثير من النوم الذي ينقض الوضوء فقال القاضي: ليس للقليل حدّ يرجع إليه وهو على ما جرت به العادة، وقيل: حدّ الكثير ما يتغيّر به النائم عن هيئته مثل أن يسقط على الأرض. ومنها أن يرى حلماً... ومن لم يغلب على عقله فلا وضوء عليه؛ لأنّ النوم الغلبة على العقل...»((1)).

ص: 73


1- - المغني1: 164- 167.

[651] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ وَحَرِيزٍ، عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَحَدِهِمَا (علیهما السلام) قَالَ: لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إِلَّا مَا خَرَجَ مِنْ طَرَفَيْكَ أَوِ النَّوْمُ((1)*).

[1] فقه الحديث:

دلّ الحديث على ناقضيّة ما يخرج من الطرفين وناقضيّة النوم، وحصر النواقض فيهما، وقد سبق أنّ هذا الحصر إضافي لا حقيقي؛ لوجود نواقض أخرى ذكرتها الأحاديث السابقة، والأحاديث التي تأتي في الأبواب اللاحقة. وما خرج من الطرفين يشمل بإطلاقه البول والمني والغائط والريح والدماء الثلاثة في النساء. وأمّا الدم والدود وغيرها كالمذي والوذي والودي والقيح ممّا يخرج من الطرفين فهو خارج بمقتضى ما يأتي من إخراجها صراحة أو لحصر النواقض.

وأطلق النوم هنا ولم يقيّده بذهاب البصر أو السمع أو العقل، مع أنّ بعض الأحاديث الآتية مقيّدة بذلك، وسيأتي في آخر الباب وجه الجمع بينها، كما لم يفرّق في النوم بين قليله وكثيره، ولا بين كون النائم قائماً أو قاعداً، راكعاً أو ساجداً أو مضطجعاً، ماشياً أو واقفاً، ولا بين كون النوم أثناء الصلاة أو غيرها، فهو ناقض في أيِّ حال وقع بمقتضی الإطلاق.

ص: 74


1- ([1]*) التهذيب 1: 6/ 2، والاستبصارِ 1: 79/ 244، وتقدّم في الحديث 1 من الباب 2 من هذه الأبواب.

سند الحديث:

تقدّم منّا الكلام فيه في سند الحديث الأوّل من الباب الثاني((1))، وقلنا إنّه صحيح. بالإضافة إلی أنّ كتاب الحسين بن سعيد مشهور غير محتاج إلی الطريق.

ص: 75


1- - في الصفحة: 37.

[652] 2- وَعَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ((1)*)، قَالا: سَأَلْنَا الرِّضَا (علیه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يَنَامُ عَلَى دَابَّتِهِ؟ فَقَالَ: إِذَا ذَهَبَ النَّوْمُ بِالْعَقْلِ فَلْيُعِدِ الْوُضُوءَ((2)*).

[2] فقه الحديث:

لعلّ السبب في توجيه السؤال للإمام (علیه السلام) عن النوم علی الدابّة هو ما يراه السائلان من اختلاف العامّة في نقض النوم بحسب أحوال الشخص، وقد دلّ الجواب علی أنّ النوم ناقض للوضوء ولو حصل في حال الركوب علی الدابّة، بل يُتعدّی من هذا الحال إلی غيره من الأحوال؛ إذ لا خصوصيّة لهذا الحال علی غيره. وقد جعل الإمام (علیه السلام) الميزان في تحقّق النوم ذهاب العقل، فذهاب العقل محقّق للنوم في هذا الحال وغيره.

فهذا الحديث فيه تقييد النوم بإذهاب العقل، فليس النوم المطلق هو الناقض، ولكن ذهاب العقل يلازمه عادة عدم السماع، ولذا لم يذكر هنا.

ويمكن أن يستفاد من تعليق نقض النوم علی ذهاب العقل أنّ كلّ ما يذهب العقل من سكر أو جنون أو إغماء فهو ناقض؛ إذ أنّ قوله (علیه السلام) : «إذا ذهب النوم بالعقل» بمنزلة النصّ علی علّة النقض وهو ذهاب العقل، فلا يختصّ سبب ذهاب العقل بالنوم، بل يشمل كل ما يسبّب ذلك.

ص: 76


1- ([1]*) في المصدر: عبيد اللّه.
2- ([2]*) التهذيب 1: 6/ 4 والاستبصار 1: 79/ 245.

سند الحديث:

فيه: محمد بن عبد الله أو عبيد الله، عدّه الشيخ في رجاله بالعنوان الأوّل من أصحاب الامام الرضا (علیه السلام) ((1)) وهو وإن لم يرد فيه شيء، لكن ورد في أسناد كتاب نوادر الحكمة وروی عنه المشايخ الثقات بكلا العنوانين((2)

مع أنّ معه عبد الله بن المغيرة وهو من أصحاب الإجماع فيصحّ ما صحّ سنده إليه، فالسند صحيح بهذين الوجهين.

ص: 77


1- - رجال الطوسي: 365/ 5419 و367/ 5468.
2- - أصول علم الرجال1: 237، و2: 210.

[653] 3- وَعَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْعَطَّارِ وَأَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَوَّاضٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ مَنْ نَامَ وَهُوَ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ أَوْ مَاشٍ عَلَى أَيِّ الْحَالاتِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ((1)*).

[3] فقه الحديث:

صرّح (علیه السلام) بناقضيّة النوم للوضوء على أيّ حال من حالات المكلّف، راكعاً أو ساجداً أو ماشياً منفرجاً أو منضمّاً أو غير ذلك، فلا فرق بين انفراج محلّ الحدث وعدمه، ولا فرق بين قليل النوم وكثيره، وفيه ردّ على بعض أقوال العامّة المفصّلة بين الحالات، كما مرّ في بيان أقوالهم.

وليس فيه تقييد النوم بإذهاب السمع أو العقل، فهو مطلق.

سند الحديث:

هذا السند ينحلّ إلی سندين:

الأوّل: الشيخ المفيد، عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه، عن محمد بن يحيى العطّار، عن محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري، عن عمران بن موسی الزيتوني، عن الحسن بن علي بن النعمان، عن أبيه، عن عبد الحميد بن عوّاض.

ص: 78


1- ([1]*) التهذيب 1: 6/ 3، والاستبصار 1: 79/ 247.

والثاني: الشيخ المفيد، عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري، عن عمران بن موسی الزيتوني، عن الحسن بن علي بن النعمان، عن أبيه، عن عبد الحميد بن عوّاض.

وفيهما: عبد الحميد بن عوّاض وهو الطائي، ذكر النجاشي في ضمن ترجمة مرازم بن حكيم: أنّ الرشيد قتله((1)).

وعدّه الشيخ في الرجال من أصحاب الإمامين الباقر والصادق (علیهما السلام) وقال في أصحاب الإمام الكاظم (علیه السلام) : «عبد الحميد بن عوّاض الطائي، ثقة، من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله (علیهما السلام) ((2)). وعليه فالسندان معتبران.

ص: 79


1- - رجال النجاشي: 424/ 1138.
2- - رجال الطوسي: 139/ 1483، و240/ 3291، و339/ 5045.

[654] 4- وَعَنْهُ، عَنِ ابْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَشْعَرِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إِلَّا حَدَثٌ وَالنَّوْمُ حَدَثٌ((1)*).

[4] فقه الحديث:

دلّ على أنّ الوضوء لا ينقضه إلّا حدث، والحدث شرعاً هو أحد الأمور المنصوص عليها كخروج البول أو الغائط أو الريح بقسميه أو المني أو أحد الدماء الثلاثة في المرأة، وأمّا مثل خروج الدم من الفم أو الرّعاف أو الحجامة فليست أحداثاً شرعاً حتى تنقض الوضوء، وفي الحديث تصريح بأنّ النوم حدث، فهو ناقض مستقل، لا أنّ الناقض هو الحدث الذي يحتمل وقوعه في النوم كالريح مثلاً، ولم يقيّد النوم بكونه موجباً لذهاب السمع أو العقل.

سند الحديث:

المراد بابن قولويه هو جعفر بن محمد، وأبوه هو محمد بن قولويه، وسعد هو سعد بن عبد الله الأشعري، وأحمد بن محمد هو ابن عيسی الأشعري كلّهم ثقات وقد تقدّموا.

وأمّا إسحاق بن عبد الله فهو الأشعري القمي، قال عنه النجاشي: «إسحاق ابن عبد الله بن سعد بن مالك الأشعري قمي ثقة، روى عن أبي عبد الله

ص: 80


1- ([1]*) التهذيب 1: 6/ 5، والاستبصار 1: 79/ 246.

و أبي الحسن (علیهما السلام) ، وابنه أحمد بن إسحاق مشهور»((1)).

وذكره الشيخ في جملة أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ((2)). وروى عنه المشايخ الثقات كما في هذا السند. فالسند صحيح.

ص: 81


1- - رجال النجاشي: 73/ 174.
2- - رجال الطوسي: 162/ 1837.

[655] 5- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يَنَامُ وَهُوَ سَاجِدٌ؟ قَالَ: يَنْصَرِفُ وَيَتَوَضَّأُ((1)*).

[5] فقه الحديث:

دلّ على أنّ الوضوء ينقضه حدث النوم، ولم يقيّد بكونه مُذهباً للسمع أو العقل، وإنّما حكم الإمام (علیه السلام) بقطع الصلاة ولزوم الإتيان بالوضوء لأجل تحقّق ما نقض الوضوء وهو النوم، وإن كان قد تحقّق حال السجود، فهو ناقض على أيِّ حال، لا لأنّ المصلّي حال السجود ينفرج محلّ الحدث كما مرّ عن بعض علماء العامّة، بل النوم حدث مستقل موجب لنقض الطهارة.

سند الحديث:

السند في التهذيب فيه: أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، وهولم يوثّق، إلا أنّ الأمر فيه سهل، حيث تقدّم منّا أنّ جميع رواياته في الكتب الأربعة عن أبيه محمد بن الحسن، وأنّ للشيخ طريقين معتبرين إلى أبيه، وليس فيهما أحمد((2))، وبهذا يكون السند خالياً عن الإشكال من جهته، وهذا كلام بعينه يأتي في سند الأحاديث السادس والسابع والثامن من هذا الباب، ومع ذلك مرّ

ص: 82


1- ([1]*) التهذيب 1: 6/ 1، والاستبصار 1: 79/ 243.
2- - ايضاح الدلائل1: 218.

أنّ إسناد الشيخ إلى جميع كتب الحسين بن سعيد في الفهرست سندان أحدهما صحيح((1))، مضافاً الی أن كتابه مشهور.

وأمّا عثمان بن عيسی، فهو جليل من أصحاب الإجماع، وأمّا سماعة فهو سماعة بن مهران، وكتابه مشهور، فالسند صحيح.

ص: 83


1- - ايضاح الدلائل1: 471- 472.

[656] 6- وَعَنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ الْكِنَانِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَخْفِقُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: إِنْ كَانَ لَا يَحْفَظُ حَدَثاً مِنْهُ إِنْ كَانَ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَإِعَادَةُ الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَ يَسْتَيْقِنُ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ فَلَيْسَ عَلَيْهِ وُضُوءٌ وَلَا إِعَادَةٌ((1)*).

[6] فقه الحديث:

دلّ بظاهره على أنّ من كان يخفق وهو الصلاة له صورتان:

الأولى: أن لا يحفظ حدثاً على فرض صدوره، بمعنى أن يكون حاله بحيث لو صدر منه حدث في تلك الحال لما علم به، وهذا يعني أنّ عقله قد ذهب وتحقّق منه النوم، وحكمه أن يتوضأ ويعيد تلك الصلاة؛ لبطلان كلٍّ منهما.

الثانية: أن يستيقن أنّه لم يحدث في الحالة المذكورة. فليس عليه وضوء ولا إعادة للصلاة.

ويفهم منه أنّ النوم ليس بناقض مستقل، خلافاً للأحاديث السابقة. ولعلّه صدر تقيّة.

لكنّ الظاهر أنّ المراد أن عدم حفظ الحدث في الصلاة يستلزم ذهاب العقل، فليس للحدث مدخليّة، بل عدم حفظه له كاشف عن تحقّق النوم. كما أنّ استيقان عدم الحدث لا يكون إلّا مع بقاء العقل؛ فإنّه مع عدم بقاء العقل لا

ص: 84


1- ([1]*) التهذيب 1: 7/ 8، والاستبصار 1: 80/ 250.

يحصل اليقين بعدم الحدث، وإذا كان العقل باقياً فالنوم لم يتحقّق. وبهذا يتّحد المراد مع بقية الأحاديث ولا يكون مخالفاً لها.

سند الحديث:

مضی الكلام في أفراده، وهو معتبر.

ص: 85

[657] 7- وَعَنْهُ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : قَوْلُهُ تَعَالَى {إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ}((1)*) مَا يَعْنِي بِذَلِكَ {إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ}؟((2)*) قَالَ: إِذَا قُمْتُمْ مِنَ النَّوْمِ، قُلْتُ: يَنْقُضُ النَّوْمُ الْوُضُوءَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ إِذَا كَانَ يَغْلِبُ عَلَى السَّمْعِ وَلَا يُسْمَعُ الصَّوْتُ((3)*).

[7] فقه الحديث:

فيه تفسير قوله تعالی: {إذا قُمتُم إِلَی الصَّلاةِ}((4)) بالقيام من النوم، خلافاً لمن فسّره تبعاً للظاهر بإرادة القيام، كما في قوله تعالی: {فَإِذَا قَرَأتَ القُرآنَ فَاستَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجيمِ}((5))، قيّد النوم الناقض للوضوء بما إذا كان يغلب علی السمع فتتعطّل حاسّة السمع فلا يسمع ما حوله من الأصوات، فليس النوم المطلق هو الناقض، فحتّی لو أُطلِق النوم علی بعض مقدماته فهو إطلاق مجازي بعلاقة المشارفة، فليس هو الناقض للوضوء.

ص: 86


1- ([1]*) المائدة 5: 6.
2- ([2]*) المائدة 5: 6.
3- ([3]*) التهذيب 1: 7/ 9، والاستبصار 1: 80/ 251.
4- - سورة المائدة: الآية 6.
5- - سورة النحل: الآية 98.

سند الحديث:

فيه: ابن أذينة، وهو عمر بن أذينة الثقة، وابن بكير وهو عبد الله بن بكير، وقد مرّ توثيقه((1))، وهو من أصحاب الإجماع، لكن يحتمل أنّ الذي روی عنه عمر بن أذينة هو بكير، أي بكير بن أعين لا ابن بكير، وهو ثقة أيضاً كما تقدّم، ولعلّ هذا الاحتمال هو الأقوی، حيث إنّه لم تثبت رواية ابن اذينة عن عبدالله بن بكير، بينما روی ابن اذينة عن بكير في خمسة عشر مورداً، وروی بعنوان عمر بن اذينة عن بكير في تسعة موارد. فالسند معتبر.

ص: 87


1- - ايضاح الدلائل1: 218- 219.

[658] 8- وَعَنْهُ، عَنْ فَضَالَةَ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْخَفْقَةِ وَالْخَفْقَتَيْنِ؟ فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا الْخَفْقَةِ وَالْخَفْقَتَيْنِ((1)*) إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ}((2)*) إِنَّ عَلِيّاً (علیه السلام) كَانَ يَقُولُ: مَنْ وَجَدَ طَعْمَ النَّوْمِ فَإِنَّمَا أُوجِبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ((3)*).

[8] فقه الحديث:

في الكافي والاستبصار: «ما أدري ما الخفقة والخفقتان»((4))، وفي التهذيب: «ما أدري ما الخفقة والخفقتين» كما نقله الماتن عنه، قال العلّامة المجلسي: قوله (علیه السلام) : «والخفقتين على تقدير اشتمال الكلام على لفظة «ما» فالخفقتين: إمّا على سبيل الحكاية، أو بالعطف على«ما» فتأمّل»((5)).

ويُفهم من قوله(قدس سره) : «على تقدير اشتمال الكلام على لفظة «ما»» أنّ بعض نسخ التهذيب خالية عن لفظة «ما».

ولا يُتوهّم أنّ قوله (علیه السلام) : «ما أدري ما الخفقة والخفقتين؟» على ظاهره من

ص: 88


1- ([1]*) في الاستبصار الخفقتان.
2- ([2]*) القيامة 75: 14.
3- ([3]*) التهذيب 1: 8/ 10، والاستبصار 1: 80/ 252.
4- - الكافي3: 37، باب ما ينقض الوضوء وما لا ينقضه، الحديث15، والاستبصار1: 80، باب النوم، الحديث 252.
5- - ملاذ الأخيار1: 58.

الجهل بحقيقتهما، لأنّ هذا التعبير معناه الرّد على توهّم أنّ الخفقة والخفقتين من جملة موضوع الحكم وهو النوم، أو ممّا يترتّب عليهما الحكم المترتّب على الموضوع وهو نقض الوضوء، وهذا هو المتفاهم عرفاً من أمثال هذا التعبير، فهو مثل قول أمير المؤمنين (علیه السلام) حين افتخر طلحة بن أبي شيبة بالمفاتيح، والعباس بالسقاية، فقال علي: ما أدري ما تقولان؟ لقد صلّيت ستة أشهر قبل الناس، وأنا صاحب الجهاد، فنزلت الآية أي قوله تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}((1))((2))، ومعناه نفي أن يكون ما ذكراه من موجبات الفخر الحقيقي.

وقال العلّامة المجلسي حول معنى هذه الجملة: «و كلامه (علیه السلام) يحتمل وجهين:

الأوّل: أنّ المعنى ما أعلم الخفقة والخفقتين اللّتين ذكرهما ابن عباس وغيره، فأشار بذلك إلى بطلانه، لأنّه لو كان حقّاً لكان (علیه السلام) يعلمه.

الثاني: أن يكون المعنى لا يمكننا العلم بكون الخفقة والخفقتين مزيلتان للعقل وناقضتان أم لا؛ لأنّ أفراد النعاس مختلفة، فبعضها يزيل العقل وبعضها لا يزيل، فعلينا بيان القاعدة الكليّة، والجزئيات منوطة بعلم المكلف»((3)).

ص: 89


1- - سورة التوبة: الآية 19.
2- - ينظر: بحار الأنوار36: 38.
3- - ملاذ الأخيار1: 58- 59.

وأمّا ذِكرُه (علیه السلام) للآية الشريفة فلأجل بيان أنّ أمر تحقّق النوم وعدمه موكول إلى المكلّف نفسه، فلكونه ذا بصيرة - أي إدراك باطني ورؤية قلبيّة - على نفسه فإنّه أعلم بنفسه من غيره؛ فإنّ النوم كغيره من الصفات الباطنيّة الوجدانيّة التي تعرض على النفس، ومعه لا يحتاج المكلّف إلى غير وجدانه، فهو المطّلع على أنّه دخل في مرحلة النوم أو أنّه لم يدخل.

وقوله (علیه السلام) : «من وجد طعم النوم» استعارة بالكناية؛ حيث شبّه النوم بالمطعوم اللذيذ، بجامع اللّذة، ولم يذكر المشبّه به، وأثبت للمشبّه الطعم تخييلاً.

ووجدان طعم النوم (ولعلّه الراحة ورفع الكسل) هو بإدراكه الباطني لأوّل مراتبه، فمتی ما وجد من نفسه أنّه نام فقد تحقّق النوم، ولو حصل له التنبّه بعد ذلك بزمان يسير جدّاً.

وقوله (علیه السلام) : «أوجب عليه الوضوء»، يحتمل أن يكون الفعل مبنياً للمعلوم، وللمجهول.

سند الحديث:

فيه الحسين بن عثمان، وقد تقدّم أنّه مشترك بين ثلاثة عناوين، وأنّ كلّهم ثقات، وقد رجّحنا اتّحاد الرواسي مع ابن شريك العامري((1)).فالسند معتبر.

ص: 90


1- - ايضاح الدلائل3: 272- 274.

[659] 9- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) وَذَكَرَ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: مَنْ وَجَدَ طَعْمَ النَّوْمِ قَائِماً أَوْ قَاعِداً فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ((1)*).

[9] فقه الحديث:

هو الحديث السابق نفسه متناً بزيادة «قائمة أو قاعدة فقد وجب عليه الوضوء» فأضاف حالتين من حالات النائم من باب التمثيل لا الحصر((2)).

سند الحديث:

هذا السند ينحلّ إلی سندين:

الأوّل: عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن صفوان بن يحيی، عن عبد الرحمن بن الحجّاج.

وفيه محمد بن يحيى وهو العطّار الثقة، ومحمد بن الحسين هو ابن

ص: 91


1- ([1]*) الكافي 3: 37/ 15.
2- - أقول: ذكر بعض الأعلام دعوى ودفعها، أمّا الدعوى فحاصلها: أنّ الاختلاف بالزيادة يوجب التعارض وخصوصاً في مثل هذا المورد الذي يكون فيه اتحاد الحديثين قريباً، حيث إنّ الراوي عن زيد الشحام في الحديث السابق هو عبد الرحمن بن الحجاج فالموجود هو حديث واحد مضطرب. وحاصل الدفع أن يقال: ليس كل اختلاف بالزيادة موجب للتعارض، والزيادة إنّما توجب التعارض إذا كانت مبدلة للمعنى، وأمّا إذا كانت موجبة لزيادته أو توضيحه - كما في المقام - فلا، ويحتمل أنّ عدم وجودها في الحديث السابق لأجل عدم تعلّق غرض بنقلها. [المقرّر].

أبي الخطّاب الثقة الجليل. فالسند صحيح.

والثاني: عن محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمن بن الحجّاج.

وقد سبق أنّ المراد من محمد بن إسماعيل هو محمد بن إسماعيل البندقي، وهو وإن لم يوثّق، إلّا أنّ روايات الفضل بن شاذان التي يرويها الكليني والشيخ معتبرة؛ لوجود طريق آخر صحيح للكليني، كما أنّ للشيخ طرقاً متعدّدة في الفهرست والمشيخة تبلغ ثمانية طرق وبعضها صحيح((1)).

أضف إلی ذلك أنّ كتب عبد الرحمن بن الحجّاج مشهورة، فلا حاجة للطريق إليها، فالسند قابل للتصحيح بما ذكرناه.

ص: 92


1- - أصول علم الرجال:2: 448 - 458.

[660] 10- وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: لَيْسَ يُرَخَّصُ فِي النَّوْمِ فِي شَيْ ءٍ مِنَ الصَّلَاةِ((1)*).

[10] فقه الحديث:

قال في لسان العرب: ورَخَّصَ له في الأَمر: أَذِنَ له فيه بعد النهي عنه، والاسم الرُّخصةُ. والرُّخُصةُ والرُّخْصةُ: تَرْخِيصُ الله للعبد في أَشياءَ خَفَّفَها عنه.

والرُّخْصةُ في الأمر: وهو خلاف التشديد، وقد رُخِّصَ له في كذا ترْخيصاً فترَخَّصَ هو فيه أي: لم يَسْتَقْصِ، وتقول: رَخَّصْ فلاناً في كذا وكذا أي: أذِنْت له بعد نهيي إيّاه عنه((2)).

ويكون المعنى: ليس يتسامح ويتساهل في النوم في أيّ جزء من أجزاء الصلاة، وعدم ترخيص النوم في الصلاة دالٌّ على قاطعيّته لها، وهو مطلق يشمل النوم العمدي بمعنى أن يتعمّده، وغيره أي: من سبقه النوم وغلبه، كما يشمل قليل النوم وكثيره.

سند الحديث:

قوله: عن جماعة من أصحابنا، في نسخة من الكافي: عن عدّة من

ص: 93


1- ([1]*) الكافي 3: 371/ 16، وأورده في الحديث 1 من الباب 1 من أبواب قواطع الصلاة.
2- - لسان العرب7: 40، مادة: رخص.

أصحابنا((1))، وقوله: يعني عبد الله، من إضافات الماتن(قدس سره) ، ولم ترد هذه الإضافة في الكافي ولا الوافي ولا المرآة، وتعيين ابن سنان هنا في عبد الله هو الصحيح؛ لتكرّر رواية الحسين بن سعيد عن فضالة بن أيوب عن عبد الله بن سنان في موارد كثيرة، وعدم ورودها عن محمد بن سنان. فالسند صحيح.

ص: 94


1- - الكافي6: 316. طبعة دار الحديث.

[661] 11- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سُئِلَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ (علیه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يَرْقُدُ وَهُوَ قَاعِدٌ هَلْ عَلَيْهِ وُضُوءٌ؟ فَقَالَ: لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ مَا دَامَ قَاعِداً إِنْ لَمْ يَنْفَرِجْ((1)*).

أَقُولُ: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى التَّقِيَّةِ لِمَا مَرَّ((2)*) أَوْ عَلَى عَدَمِ غَلَبَةِ النَّوْمِ عَلَى السَّمْعِ لِمَا مَضَى((3)*) وَيَأْتِي((4)*).

[11] فقه الحديث:

قول السائل: «يرقد» من الرُّقَاد وهو النوم((5))، وقوله (علیه السلام) :«إن لم ينفرج» الانفراج: الانفتاح((6))، وهو مقابل للتلاصق والاجتماع، ويحصل بعدم التماسك، لذهاب قوّة الإدراك التي تتمّ بها السيطرة على الأعضاء، ولذا قد يصدر منه حدث أثناء طروّ هذه الحالة عليه؛ كخروج الريح علی الأقل.

وظاهر الحديث أنّه ليس على من نام وهو على هيئة القعود وضوء، إلّا إذاانفرجت وتراخت أعضاؤه ولم تبق على حالها، فإنّه يجب عليه الوضوء.

ص: 95


1- ([1]*) الفقيه 1: 63/ 144.
2- ([2]*) مرّ في الأحاديث 1، 6، 8 من الباب 1، والأحاديث 1، 2، 7، 8 من الباب 2، وكذلك أحاديث هذا الباب من هذه الأبواب.
3- ([3]*) مضى في الحديث 1، 6، 8 من الباب 1، والأحاديث 2، 6، 7. من الباب 3 من هذه الأبواب.
4- ([4]*) يأتي في الحديث 13 من هذا الباب، والحديث 1 من الباب 4 من هذه الأبواب.
5- - الصحاح2: 476، مادة: رقد، لسان العرب3: 183، مادة: رقد.
6- - مجمع البحرين2: 323، مادة: فرج.

والظاهر أنّ الصدوق - خلافاً للمشهور - عمل بهذا الحديث والحديث الآتي فلم يقل باستقلاليّة النوم في الناقضيّة، بل الناقض منحصر في البول والمني والغائط والريح، كما مرّ في شرح الباب.

هذا، ويمكن حمل عدم ناقضيّة الرّقاد حال الجلوس - كما ذكر الماتن(قدس سره) - إمّا على التقيّة؛ حيث إنّ كثيراً من العامّة يرون عدم الناقضيّة إلّا أن يكثر، والشافعي لم يفرّق بين النوم الكثير والقليل في عدم الناقضيّة، كما سبق. وإمّا علی عدم غلبة النوم علی السمع؛ لما اتضح من عدم نقض النوم إلّا إذا غلب علی حاسّة السمع ولو لم يحصل الانفراج.

سند الحديث:

من مراسيل الصدوق، وقد مرّ مراراً القول بأنّها معتبرة((1)).

ص: 96


1- - يُنظر: ايضاح الدلائل1: 91- 94.

[662] 12- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنِ الرَّجُلِ يَخْفِقُ رَأْسُهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ قَائِماً أَوْ رَاكِعاً فَقَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ وُضُوءٌ((1)*).

أَقُولُ: تَقَدَّمَ وَجْهُهُ((2)*) وَيَحْتَمِلُ الْإِنْكَارُ أَيْضاً.

[12] فقه الحديث:

دلّ علی نفي الوضوء مطلقاً عمّن يخفق رأسه حال الصلاة قائماً أو راكعاً، أي سواء لم يحفظ حدثاً منه أو استيقن عدم الحدث، والظاهر أنّ الصدوق عمل به كما ذكرنا، وهو ينافي الأحاديث السابقة الدالّة علی أنّ النوم ناقض.

والماتن ذكر في توجيهه احتمالين:

الأوّل: ما تقدّم في الحديث السادس من هذا الباب من أنّ من خفق في الصلاة ولكنّه استيقن عدم الحدث فلا وضوء عليه؛ لعدم تحقّق النوم المزيل للعقل منه؛ لأنّ الظاهر هنا أنّ المصلّي عنده شعور بأنّه واقف يصلّي أو هو راكع، ولو لم يكن عنده هذا الشعور لسقط علی الأغلب ولم يستمسك في حال القيام أو الركوع.

الثاني: أن يكون قوله (علیه السلام) : «ليس عليه وضوء» إنكاراً، ويكون المعنی أنّ من هذه حاله عليه الوضوء؟!

ص: 97


1- ([1]*) الفقيه 1: 38/ 7.
2- ([2]*) تقدّم وجهه في الحديث 6 من هذا الباب.

سند الحديث:

سند الصدوق إلی سماعة بن مهران: عن أبيه (رحمه الله) عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عثمان بن عيسی العامري، عن سماعة بن مهران((1)

وهو معتبر.

أضف إلی ذلك أنّ كتاب سماعة مشهور فلا يحتاج إلی طريق. والإضمار فيه لا يضرّ؛ لكونه من سماعة.

ص: 98


1- - من لا يحضره الفقيه، المشيخة: 4: 427.

[663] 13- وَفِي الْعِلَلِ وَعُيُونِ الْأَخْبَارِ بِالسَّنَدِ الْآتِي، عَنِ الْفَضْلِ، عَنِ الرِّضَا (علیه السلام) قَالَ: (إِنَّمَا)((1)*) وَجَبَ الْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ مِنَ الطَّرَفَيْنِ خَاصَّةً وَمِنَ النَّوْمِ دُونَ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ((2)*)؛ لِأَنَّ الطَّرَفَيْنِ هُمَا طَرِيقُ النَّجَاسَةِ - إِلَى أَنْ قَالَ: - وَأَمَّا النَّوْمُ فَإِنَّ النَّائِمَ إِذَا غَلَبَ عَلَيْهِ النَّوْمُ يُفْتَحُ كُلُّ شَيْ ءٍ مِنْهُ، وَاسْتَرْخَى فَكَانَ أَغْلَبُ الْأَشْيَاءِ عَلَيْهِ((3)*) فِي مَا يَخْرُجُ مِنْهُ الرِّيحَ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ((4)*).

أَقُولُ: وَأَحَادِيثُ الْحَصْرِ كَثِيرَةٌ تَقَدَّمَ بَعْضُهَا((5)*) وَيَأْتِي الْبَاقِي((6)*).

[13] - فقه الحديث:

نصّ الحديث - طبقاً لما جاء في المصدر - ليس فيه كلمة «إنّما»، والموجود هو قوله: «فإن قال قائل فلم وجب الوضوء»، فلا يوجد حصر مستفاد من أداة الحصر، نعم يظهر الحصر من قوله: «ممّا خرج من الطرفين خاصّة ومن النوم دون سائر الأشياء».

ص: 99


1- ([1]*) في المصدر: فإن قال قائل فلم.
2- ([2]*) وفيه زيادة: قيل.
3- ([3]*) في المصدر: كله.
4- ([4]*) علل الشرائع 257، وعيون أخبار الرضا (علیه السلام) 2: 104.
5- ([5]*) تقدّم في الأحاديث 2، 3، 6، 9 من الباب 1، والأحاديث 1، 6، 8، 10 من الباب 2 من هذه الأبواب.
6- ([6]*) يأتي في الحديث 5 من الباب 5، والحديث 11 من الباب 6 من هذه الأبواب.

وفيه تعليل لإيجاب الوضوء ممّا يخرج من السبيلين؛ لأنّ الطرفين هما طريق النجاسة وليس للإنسان طريق تصيبه النجاسة من نفسه إلّا منهما، وقد ورد في الحديث العاشر من الباب السابق التعليل بأنّه إنّما لم يجب عليه الغسل منها لكثرة الوضوء وتكرّره في اليوم والليلة عدّة مرّات لطروّ أسبابه المذكورة، ولكون ما يخرج من الطرفين ممّا يوجبانه أكثر وأدوم، وإنّما يخرج بلا طلب من المكلّف ولا استلذاذ ولا إكراه لنفسه عليه بخلاف ما يوجب الغسل أعني؛ الجنابة.

كما علّل إيجاب النوم للوضوء بأنّ النائم يفتح كلّ شيء منه ويسترخي، وأغلب ما يخرج منه في ذلك الحال الريح، وهذا يدلّ علی أنّ الناقض هو خروج الريح لا النوم مستقلاً، فهذا الحديث يصلح مدركاً للصدوقين.

سند الحديث:

تقدّم أنّ السندين معتبران((1)).

ص: 100


1- - في الصفحة 51 و52.

[664] 14- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ الْعَبَّاسِ، عَنْ أَبِي شُعَيْبٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُمْرَانَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْداً صَالِحاً (علیه السلام) يَقُولُ: مَنْ نَامَ وَهُوَ جَالِسٌ لَا يَتَعَمَّدُ النَّوْمَ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ((1)*).

أَقُولُ: قَدْ تَقَدَّمَ الْوَجْهُ فِي مِثْلِهِ((2)*).

[14] فقه الحديث:

ظاهره أنّ من نام وهو علی هيئة الجالس بلا أن يتعمّد النوم بأن سبقه وكان أمراً قهريّاً عليه، فلا وضوء عليه، وهذا يعني أنّ النوم غير المتمكّن من الإنسان كنوم الجالس لا ينقض الوضوء، كما هو رأي بعض العامّة.

وقد أشار الماتن إلى الوجه فيه، و هو ما تقدم في ذيل الحديث الحادي عشر من حمل عدم ناقضيّة الرّقاد حال الجلوس - كما تقدّم - إمّا علی التقيّة، وإمّا على عدم غلبة النوم على السمع فلا ينقض إلّا إذا غلب على حاسّة السمع.

سند الحديث:

تقدّم إسناد الشيخ الطوسي إلى محمد بن أحمد بن يحيی، وأنّه معتبر((3))، وأمّا العباس فهو مشترك بين جماعة، ولكن الظاهر أنّه العباس بن معروف الثقة،بقرينة أمثال السند من التهذيب، حيث روى عنه فيها محمد بن أحمد بن يحيى

ص: 101


1- ([1]*) التهذيب 1: 7/ 6.
2- ([2]*) تقدّم في الحديث 11 من هذا الباب.
3- - ايضاح الدلائل3: 53- 54.

الأشعري، وروی هو عن أبي شعيب المحاملي.

وأمّا أبو شعيب فهو صالح بن خالد المحاملي، قال عنه النجاشي: «صالح بن خالد المحاملي أبو شعيب الكناسي، مولى علي بن الحكم بن الزبير مولى بني أسد، روی عن أبي الحسن موسى (علیه السلام) . له كتاب يرويه عنه جماعة، منهم عباس بن معروف»((1)).

وقال في باب من اشتهر بكنيته: «أبو شعيب المحاملي كوفي، ثقة، من رجال أبي الحسن موسى (علیه السلام) ، مولى علي بن الحكم بن الزبير الأنباري»((2)).

وقال الشيخ في أصحاب الإمام الكاظم (علیه السلام) من رجاله: «أبو شعيب المحاملي، ثقة»((3)).

وفي باب من عرف بكنيته من الفهرست: «أبو شعيب المحاملي. له كتاب، أخبرنا به ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن الصفار، عن العباس بن معروف، عن أبي شعيب»((4)).

وصالح بن خالد المحاملي، أبو شعيب الكناسي متّحد مع أبي شعيب المحاملي. ويؤكّده أن الراوي لكتابه هو العباس بن معروف كما ذكره السيدالأستاذ(قدس سره) ((5)).

ص: 102


1- - رجال النجاشي: 201/ 535.
2- - رجال النجاشي: 456/ 1240
3- - رجال الطوسي: 347/ 5180.
4- - فهرست الطوسي: 268/ 822.
5- - معجم رجال الحديث10: 67/ 5813.

وأمّا عمران بن حمران فقال عنه النجاشي: «الأذرعي من أهل أذرعات، روى عن أبي عبد الله (علیه السلام) ((1)). وذكره الشيخ في أصحاب الصادق (علیه السلام) ، وقال: «روى عن أبي الحسن أيضاً»((2)).

نعم لمّا كان عمران هذا واقعاً في أسناد كتاب نوادر الحكمة فهو ثقة فالسند معتبر.

ص: 103


1- - رجال النجاشي: 292/ 786.
2- - رجال الطوسي: 257/ 3631. أقول: قال العلامة المجلسي في ملاذ الأخيار: «والعبد الصالح الصادق (علیه السلام) بقرينة الراوي»، وهذا وإن كان محتملاً لما عرفت من أنّ النجاشي والشيخ ذكرا أنّه روی عن الصادق (علیه السلام) ، ولكنّ الغالب في التعبير عن الإمام بالعبد الصالح هو في الإمام الكاظم (علیه السلام) للتقيّة، وقد صرّح الشيخ بأنّه روى عنه أيضاً، اللهم إلا أن يقال: إنّ اقتصار النجاشي على ذكر أنّه روی عن الصادق (علیه السلام) ، وقول الشيخ: روی عن أبي الحسن أيضاً، فيه إشعار بقلّة رواياته عن الكاظم (علیه السلام) بحيث لم يذكره النجاشي في مَن روی عنه، ولعلّها كانت رواية واحدة أو اثنتين مثلاً ولم يطّلع عليهما، واكتفی الشيخ بما مرّ فهذا يقوّي ما عن العلامة المجلسي(قدس سره) . [المقرّر].

[665] 15- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ، عَنْ بَكْرِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) هَلْ يَنَامُ الرَّجُلُ وَهُوَ جَالِسٌ؟ فَقَالَ: كَانَ أَبِي يَقُولُ: إِذَا نَامَ الرَّجُلُ وَهُوَ جَالِسٌ مُجْتَمِعٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ وُضُوءٌ، وَإِذَا نَامَ مُضْطَجِعاً فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ((1)*).

[15] فقه الحديث:

دلّ علی أنّ ناقضيّة النوم للوضوء من الواضحات عند السائل، ولذا سأل عن أنّ هيئة الجلوس تجامع النوم أم لا، أي هل يتحقّق منه نوم وهو جالس؟.

وظاهر الجواب الذي نسبه إلی أبيه (علیه السلام) أنّ من نام وهو جالس مجتمع أي: أنّ أطرافه غير منفرجة، فليس عليه وضوء، وإذا نام مضطجعاً فعليه الوضوء، ولم يفرّق في الحالتين بين قليل النوم وكثيره.

وهذا الجواب موافق للعامّة، ولعلّ نسبة الجواب إلی الإمام الباقر ترشد إلی التقيّة؛ فإنّ الإمام الباقر كان أوجه عند العامّة، والتقيّة في زمانه أشد فلذا اتقی، واتقی الصادق (علیه السلام) بعدم تصريح الحكم والاكتفاء بنقل جواب أبيه الصادر تقيّة.

سند الحديث:

تقدّم في الباب الأوّل من أبواب الماء المطلق في سند الحديث الخامس

ص: 104


1- ([1]*) التهذيب 1: 7/ 7، والاستبصار 1: 80/ 249.

سند الشيخ إلی سعد بن عبد الله، وقلنا إنّه معتبر((1)).

وأمّا أحمد بن محمد فهو أحمد بن محمد بن عيسی الأشعري.

وفي السند: بكر بن أبي بكر الحضرمي الكوفي، ذكره الشيخ في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ((2))، ورد في تفسير القمي لكنه في القسم الثاني((3)).فالسند ضعيف.

ص: 105


1- - ايضاح الدلائل3: 56.
2- - رجال الطوسي: 173/ 2040.
3- - أصول علم الرجال1: 295.

[666] 16- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُذَافِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي الرَّجُلِ هَلْ يُنْقَضُ وُضُوؤُهُ إِذَا نَامَ وَهُوَ جَالِسٌ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ فِي حَالِ ضَرُورَةٍ((1)*).

أَقُولُ: قَدْ عَرَفْتَ وَجْهَهُ، وَيَحْتَمِلُ الْحَمْلُ عَلَى أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ؛ لِتَعَذُّرِ الْوُضُوءِ لِلتَّصْرِيحِ فِيهِ بِالضَّرُورَةِ وَلِمَا يَأْتِي فِي التَّيَمُّمِ((2)*) وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ((3)*) وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ((4)*).

[16] فقه الحديث:

دلّ علی أنّ الرجل إذا تحقّق منه النوم وهو جالس في المسجد يوم الجمعة فلا وضوء عليه، وعلّل عدم وجوب الوضوء عليه بأنّه في حال ضرورة.

وهذا خلاف ما تقدّم في الأحاديث السابقة حيث دلّت علی نقض الوضوء بالنوم، ثمّ إن عدم النقض فيه مخصوص بكون النائم جالساً في المسجد يوم

ص: 106


1- ([1]*) التهذيب 1: 8/ 13، والاستبصار 1: 81/ 253.
2- ([2]*) يأتي في الحديث 3 من الباب 3 من أبواب التيمم.
3- ([3]*) تقدّم ما يدلّ على ذلك في الحديث 1، 6، 8 من الباب 1 من هذه الأبواب، وفي الحديث 1، 2، 7، 8 من الباب 2 من هذه الأبواب.
4- ([4]*) يأتي ما يدل عليه في الحديث 1 من الباب 27 من أبواب أحكام الخلوة من كتاب الطهارة، وفي الحديث 18 من الباب 15 من أبواب الوضوء.

الجمعة، مع أنّ عدم النقض لا يختص بيوم دون آخر.

وقد حمله الماتن علی وجهين:

الأوّل: ما مضی من الحمل علی التقيّة، حيث ذهب جمع من العامّة إلی أنّ الجالس إذا نام لم ينتقض وضوؤه، ولذا علّل بأنّه في حال ضرورة، أي: للتقيّة.

الثاني: الحمل على أنّه لا وضوء عليه، ولكن عليه أن يتيمّم؛ لتعذّر الوضوء لعدم إمكانه الخروج لأجله، وهي الضرورة المرادة هنا، فإنّ طهارته انتقضت جزماً بالنوم، وما ينقض الوضوء لا اختصاص له ببعض الأيّام دون بعض، وبعد أن يصلي بالتيمّم يتوضأ ويعيد الصلاة، كما أفاده شيخ الطائفة في الاستبصار، واستدلّ على هذا الحمل بما رواه السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن علي (علیهما السلام) ، أنّه سئل عن رجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة لا يستطيع الخروج من المسجد من كثرة الناس يحدث؟ قال: «يتيمّم ويصلّي معهم ويعيد إذا انصرف»((1)).

وأضاف المحدّث الكاشاني في الوافي وجهاً آخر، وهو أنّ «الأظهر أنّه شاكٌّ ومع الشك لا يجب الوضوء ولكن يستحب إلّا في حال الضرورة فيسقط الاستحباب»((2)).

سند الحديث:

تقدّم أنّ سند الشيخ إلى محمد بن علي بن محبوب - في الحديث الثاني

ص: 107


1- - الاستبصار1: 81/ 254.
2- - الوافي6: 258.

عشر من الباب الرابع من مقدمة العبادات - صحيح((1)

والعباس هو العباس بن معروف، ومحمد بن إسماعيل هو ابن بزيع، ومحمد بن عذافر هو الصيرفي، قال عنه النجاشي: «محمد بن عذافر بن عيسى الصيرفي المدائني، ثقة. روی عن أبي عبد الله وأبي الحسن (علیهما السلام) ، وعمّر إلى أيام الرضا (علیه السلام) ومات وله ثلاث وتسعون سنة»((2)).

وذكره الشيخ في أصحاب أبي عبد الله الصادق (علیه السلام) ((3)) ووثّقه في أصحاب الكاظم (علیه السلام) ((4)) وورد في أسناد كتاب نوادر الحكمة((5)).

فالسند صحيح.

الجمع بين أحاديث الباب

أحاديث الباب فيها تعارض من ثلاث جهات:

إحداها: من جهة أنّ بعضها جعلت الناقض هو النوم مطلقاً فيشمل النوم الغالب على السمع والقلب وغير الغالب عليهما، وبعضها جعلته الغالب عليهما.

وطريق الجمع بينها - كما مرّ - أن يقال: إنّ النوم الحقيقي هو ما غلب على السمع والقلب، وأمّا الغالب على العين فقط وبعض مقدّمات النوم كما في الخفقة والخفقتين إذا لم يذق معهما طعم النوم فليس بنوم حقيقة، لصحّة سلب النوم عنه، وإنّما أطلق النوم عليه أحياناً مجازاً بعلاقة المشارفة لكون مَن نامت

ص: 108


1- - ايضاح الدلائل1: 405- 406.
2- - رجال النجاشي: 359/ 966.
3- - رجال الطوسي: 291/ 4247.
4- - رجال الطوسي: 343/ 5113.
5- - أصول علم الرجال1: 238.

عينه مشرفاً على النوم الحقيقي، وعلى هذا فالتقييد في الأحاديث المقيّدة إنّما هو لبيان حقيقة النوم، وليس الغرض أنّ بعض أفراد النوم حقيقة لا تنقض الوضوء، وبهذا يرتفع التنافي بين الأحاديث المطلقة والأحاديث المقيّدة.

ثانيتها: من جهة أنّ بعضها يدلّ على نقض النوم مطلقاً وعلى أيّ حال وهيئة، فلا فرق بين كونه على دابّته أو راكعاً أو ساجداً أو ماشياً أو قائماً أو قاعداً، وبعضها فيه دلالة عدم النقض في بعض الحالات كحال الجلوس أو القيام أو الركوع.

وطريق الجمع بينها أن يقال إمّا بحملها على التقيّة أو لكون المكلّف لم يتحقّق منه النوم، وإنّما دخل في بعض مقدماته، وهي ليست نوماً حقيقة، فلا تكون ناقضة.

ثالثتها: من جهة دلالة بعضها على أنّ النوم ليس ناقضاً مستقلاً، وإنّما احتمال الحدث حينه هو الناقض، وبعضها يدلّ على كونه بنفسه حدثاً.

وطريق الجمع أنّ يقال: أمّا معتبر الكناني - وهو الحديث السادس - فالظاهر أنّ عدم حفظ الحدث في الصلاة يستلزم ذهاب العقل، بل عدم حفظه له كاشف عن تحقّق النوم فليس للحدث مدخليّة.

وأمّا معتبر العلل - وهو الحديث الثالث عشر - فهو وإن كان صريح الدلالة على أنّ العلّة في ناقضيّة النوم غلبة خروج الريح من النائم لاسترخاء مفاصله إلّا أنّه لا يدلّ - كما قال السيد الأستاذ(قدس سره) - على بقاء الطهارة عند العلم بعدم خروج الريح منه. وذلك لأنّ غلبة خروج الريح حالة النوم حكمة لا يدور الانتقاض مدارها، وليست بعلّة حقيقيّة للحكم يدور الحكم مدارها وجوداً

ص: 109

وعدماً، وهذه الحكمة نظير حكمة العدّة الواجبة للطلاق فقد عُلِّل تشريعها لصيانة الأنساب وتحصينها عن الاختلاط، مع أنّ العدّة واجبة على المرأة العقيم وغيرها ممّن لا اختلاط في حقها((1)).

والحاصل:

أنّ في الباب ستّة عشر حديثاً، الأوّل والثاني والخامس والعاشر والسادس عشر صحاح، والثالث معتبر بسنديه، والرابع صحيح والسادس والسابع والثامن والحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر بسنديه والرابع عشر كلّها معتبرة، وأمّا التاسع فهو صحيح بسنده الأوّل ومعتبر بسنده الثاني، وأمّا الخامس عشر فضعيف.

والمستفاد منها أمور منها:

1- أن الأحداث المنصوص عليها تنقض الوضوء.

2- أنّ الوضوء لا ينقضه إلّا ما يسمّى حدثاً شرعاً، فما ليس بحدث شرعاً لا يكون ناقضاً، كالرّعاف والمذي، ومقدّمات النوم وغيرها.

3- النواقض التي نُصّ عليها هي ما تخرج من الطرفين من البول والغائط والريح والمني والدماء الثلاثة في النساء وكذا النوم.

4- النوم حدث مستقل ينقض الوضوء.

5- النوم الناقض للوضوء هو ما ذهب بالعقل والسمع أو أحدهما.

6- لا فرق في ناقضيّة النوم للوضوء بين حالات النائم والهيئات التي يكون عليها، فهو ناقض مطلقاً سواء كان النائم قائماً أو قاعداً، راكعاً أو ساجداً أو مضطجعاً، ماشياً أو واقفاً، ولا بين كون النوم حال الصلاة أو غيرها.

ص: 110


1- - يُنظر: التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي)4: 443- 444.

4- بَابُ حُكْمِ مَا أَزَالَ الْعَقْلَ مِنْ إِغْمَا ءٍ وَجُنُونٍ وَسُكْرٍ وَغَيْرِهَا

اشارة

4- بَابُ حُكْمِ مَا أَزَالَ الْعَقْلَ مِنْ إِغْمَاءٍ وَجُنُونٍ وَسُكْرٍ وَغَيْرِهَا

شرح الباب:

لا ريب في أنّ وجود العقل في الإنسان وصحّة التمييز منه شرط في وجوب النظر والاستدلال في الاعتقاديّات، وشرط أيضاً في صحّة تعلّق العبادات به وفي نفوذ معاملاته، وفي بقيّة الأحكام والتشريعات، ولكن قد تطرأ على الإنسان حالات تؤدّي إلى زوال العقل إمّا كليّاً أو بمرتبة تسقط فيها المسؤوليّة عن المكلّف، فيفقد الوعي والقدرة على تمييز ما يحصل من حوله، ولا يكون بإمكانه تمييز ما هو ضارّ عمّا هو نافع، وما هو صالح عمّا هو فاسد، ويكون التكليف عندئذٍ ساقطاً عنه، ومثال هذه الحالات: الإغماء والجنون والصرع والسكر وشدّة الهمّ أو الغمّ أو الدهشة أو نحو ذلك ممّا يغلب على العقل.

وهناك ما يطرأ على الإنسان ولا يصل به إلى مستوى زوال العقل بالمرة، كالعَتَه.

وفي هذا الباب يتعرّض الماتن(قدس سره) إلى حكم ما أزال العقل، وأنّه هل ينقض الوضوء بزوال العقل بمثل طروّ الإغماء أو الجنون أو السكر، ويظهر من العنوان التوقّف في الناقضيّة؛ إذ لم يبيّن حكم المزيل للعقل، ويستفاد ذلك أيضاً من تعليقه على الحديث الوحيد في هذا الباب.

وأمّا المفردات الواردة هنا فبيانها في اللغة كما يلي:

ص: 111

الإغماء: مصدر أغمي، وفي مجمع البحرين: «يقال: أغمي فهو مُغْمًی مَغْمِيٌّ: إذا حال دون رؤيته غيم أو قترة، وأصل التغمية الستر والتغطية، ومنه أغمي على المريض فهو مُغمًى عليه وغُمِيَ عليه فهو مَغمِيٌّ عليه: إذا ستر عقله وغطي»((1)).

وفي لسان العرب: «غُمِيَ على المريض وأُغْمِيَ عليه: غُشِيَ عليه ثم أفاقَ. وفي التهذيب: أُغمِيَ على فلان إذا ظُنَّ أَنه ماتَ ثم يَرجِع حَيًّا»((2)).

والجنون مرض يوجب سلب العقل وعطبه، فلا يعي ولا يدرك إدراك البشر، بخلاف البَلَه - وهو ضعف العقل - فإنّ صاحبه يدرك ويعي غير أنّه لا يشك في ما يفعل ويسترسل مع الظواهر، وقد يختلط عند العرف البَلَه مع المرتبة الضعيفة من الجنون، والجنون قد يكون مطبقاً، أي دائماً، وهذا خارج عن دائرة التكليف، وقد يكون أدواريّاً فلا يكون غالباً عليه في جميع الأوقات، بل يفيق المريض منه، وهذا هو محل الكلام في هذا الباب.

والصَّرع: «بالفتح: علّة معروفة تشبه الجنون لأنّها تصرع صاحبها»((3)).

والسكر: غيبوبة العقل واختلاطه بسبب تناول الشراب المسكر كالخمر.

والعته: النقصان في العقل من غير جنون أو دَهَش، والمعتوه: «المَدهُوشُ من غير مَسِّ جُنُونٍ. والمَعتُوه والمَخفُوقُ: المجنون، وقيل: المَعتُوه الناقصُ العقل»((4)) ومن البيّن أنّ المعتوه قد يرادف المجنون، وقد يطلق على

ص: 112


1- - مجمع البحرين1: 319، مادة: غما.
2- - لسان العرب15: 137، مادة: غما.
3- - مجمع البحرين4: 359، مادة: صرع.
4- - لسان العرب13: 512، مادة: عته.

المجنون الذاهب العقل في بعض النصوص.

أقوال الخاصّة:

الظاهر أنّ ناقضيّة ما يزيل العقل اتفاقيّة بين علمائنا، ولا يضرّها مخالفة الماتن - كما يظهر من عنوان الباب - والمحدّث البحراني0، ولعلّ ذلك لعدم تماميّة الإجماع عندهما بعد عدم وضوح دلالة النصوص التي استدل بها من يقول بناقضيّة زوال العقل، قال في الجواهر: «كلّ ما أزال العقل أو غطّاه من جنون أو إغماء أو سكر أو غير ذلك، ولو لشدّة المرض أو الخوف أو نحوهما، بلا خلاف أجده، بل في المدارك الإجماع عليه، بل عن التهذيب إجماع المسلمين، كما في المنتهى: لا نعرف خلافاً فيه بين أهل العلم»((1)).

بل عن المحقّق الهمداني: «الإنصاف أنّه قلَّما يوجد في الأحكام الشرعيّة مورد يمكن استكشاف قول الإمام (علیه السلام) ، أو وجود دليل معتبر من اتّفاق الأصحاب مثل المقام، كما أنّه قلَّما يمكن الاطَّلاع على الإجماع لكثرة ناقليه واعتضاد نقلهم بعدم نقل الخلاف كما فيما نحن فيه»((2)).

أقوال العامّة:

لم ينقل أحد الخلاف عنهم، بل ذكر الإجماع عندهم أيضاً، فالحكم إجماعي عند المسلمين، كما ذكره شيخ الطائفة في التهذيب، قال في المغني: «وزوال العقل على ضربين نوم وغيره فأمّا غير النوم وهو الجنون

ص: 113


1- - جواهر الكلام1: 733- 734.
2- - مصباح الفقيه2: 28.

والاغماء والسكر وما أشبهه من الأدوية المزيلة للعقل فينقض الوضوء يسيره وكثيره إجماعاً. قال ابن المنذر: أجمع العلماء على وجوب الوضوء على المغمى عليه»((1)).

ص: 114


1- - المغني1: 164.

[667] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُعَمَّرِ بْنِ خَلَّادٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ (علیه السلام) عَنْ رَجُلٍ بِهِ عِلَّةٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِاضْطِجَاعِ وَالْوُضُوءُ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ وَهُوَ قَاعِدٌ مُسْتَنِدٌ بِالْوَسَائِدِ فَرُبَّمَا أَغْفَى وَهُوَ قَاعِدٌ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، قَالَ: يَتَوَضَّأُ. قُلْتُ لَهُ: إِنَّ الْوُضُوءَ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ لِحَالِ عِلَّتِهِ، فَقَالَ: إِذَا خَفِيَ عَلَيْهِ الصَّوْتُ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ، وَقَالَ: يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ وَيُصَلِّيهَا مَعَ الْعَصْرِ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ((1)*).

وَ رَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ((2)*).

أَقُولُ: اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّيْخُ عَلَى الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ وَلَيْسَ بِصَرِيحٍ، لَكِنَّ الشَّيْخَ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ زَوَالَ الْعَقْلِ مُطْلَقاً يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ مَعَ مُوَافَقَتِهِ لِلِاحْتِيَاطِ، وَأَحَادِيثُ حَصْرِ النَّوَاقِضِ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ النَّقْضِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[1] فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ من أغفى وهو قاعد مستند بالوسائد لمرض فعليه الوضوء وإن شقّ وثقل عليه الوضوء بلزوم تكرّره منه عدّة مرات، ويفهم من إيجاب الوضوء عليه مع مشقّته عليه أنّ المشقّة يسيرة يتحمّل مثلها في العادة وإلّا أوجب الإمام (علیه السلام) عليه التيمّم كما أفاده المحدّث الكاشاني في الوافي((3)

ص: 115


1- ([1]*) الكافي 3: 37/ 14.
2- ([2]*) التهذيب 1: 9/ 14.
3- - الوافي6: 253.

ثم إنّ الإمام (علیه السلام) دلّ السائل على ما يرفع هذه المشقّة الناتجة عن لزوم تكرار الوضوء، وذلك بأن يؤخّر صلاة الظهر ويصلّيها مع العصر يجمع بينهما، وقد يكون ذلك بوضوء واحد لهما، ويؤخّر أيضاً المغرب ويصلّيها مع العشاء يجمع بينهما كذلك.

والاغفاء معناه النوم((1)) فيكون الحديث دالّاً على نقض النوم للوضوء وإن كان حال الجلوس وحال المرض.

هذا، وقد قُرِّب الاستدلال بهذا الحديث على ناقضيّة الإغماء بتقريبين:

التقريب الأوّل: أن الإغفاء إمّا بمعنی الإغماء أو أنّه المراد به في هذا الحديث.

أمّا إذا أريد به الإغماء فالاستدلال واضح حيث إنّ الإغماء حينئذٍ موجب للوضوء، فيكون من جملة النواقض.

وأمّا إذا أريد به الاغماء في خصوص المقام - وإن كان قد يطلق ويراد به النوم - فأيضاً يكون من النواقض؛ لأنّ كلمة «ربَّما» تدلّ علی التكثير، بل هو الغالب فيها على ما صرح به في مغني اللبيب((2))

ويكون قوله: ربَّما أغفى، أي أنّه كثيراً ما يصدر منه الإغفاء، ومن الظاهر أنّ ما يكثر وما يقتضيه المرض والعلّة الشديدة هو الإغماء لا النوم فيكون دليلاً على نقض الوضوء بالإغماء.

وأجيب عنه: بأنّ الإغفاء هنا بمعنى النوم، وإرادة معنی آخر يحتاج إلى

ص: 116


1- - لسان العرب15: 131، مادة: غفا، العين4: 452، مادة: غفو.
2- - مغني اللبيب1: 154.

قرينة و لم تقم قرينة على إرادة الإغماء منه.

وأمّا القرينة المذكورة وهي دلالة كلمة «ربّما» على التكثير وأنّه الغالب فيها، فيكون ما يكثر وتقتضيه العلّة الشديدة هو الإغماء لا النوم، ففيه: أنّ كلمة «ربّما» إنّما تستعمل بمعنی «قد» كما هو الظاهر منها عند الإطلاق فمعنی الجملة حينئذٍ: أنّه قد يطرأ عليه الإغفاء أي: النوم، فيصير صدر الحديث دليلاً على نقض النوم للوضوء وإن كان حال الجلوس.

التقريب الثاني: أنّ الموضوع وإن كان هو الّذي ينام قاعداً لكن قوله (علیه السلام) في ذيل الحديث: «إذا خفي عليه الصوت فقد وجب عليه الوضوء». يدلّ على أنّ خفاء الصوت على المكلّف هو العلّة في انتقاض الوضوء، ومقتضى إطلاقه الشمول لكلّ ما يوجب خفاء الصوت، فلا فرق في ذلك بين أن يستند إلى النوم وبين استناده إلى السكر ونحوه من الأسباب المزيلة للعقل.

وفيه: أنّ الخفاء على نحو الإطلاق لم يجعل مناطاً للانتقاض، بل جُعِل خفاء الصوت في خصوص النائم هو المناط للانتقاض، وهذا لأنّ الضمير في «عليه» راجع إلى الرجل النائم فيكون المقصود أنّه إذا خفي الصوت على هذا الشخص الّذي ربما أغفى فقد وجب عليه الوضوء، فلا دلالة في الحديث على أنّ مجرّد خفاء الصوت - ولو في غير حالة النوم - ينقض الوضوء.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

أوّلهما: سند الكليني، وفيه: محمد بن يحيی وهو محمد بن يحيى العطّار،

ص: 117

وأحمد بن محمد هو أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري.

ومعمّر بن خلّاد، قال عنه النجاشي: «معمّر بن خلّاد بن أبي خلّاد أبو خلّاد بغدادي، ثقة، روى عن الرضا (علیه السلام) . له كتاب الزهد»((1)).

وعدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضا (علیه السلام) ((2)). وورد في أسناد كتاب نوادر الحكمة((3)). والسند صحيح.

الثاني: سند الشيخ إلى الكليني، وهو صحيح كسابقه.

والحاصل: أنّ في الباب حديثاً واحداً، وهو صحيح بسنديه.

المتحصل من الأحادیث

والمستفاد منه:

1- أنّ الإغفاء حال القعود موجب لنقض الوضوء، وإن كان الإغفاء لعلّة ومرض.

2- أنّ المشقة اليسيرة التي تُتحمّل عادة لا ترفع وجوب الوضوء عن المكلّف.

3- أنّ خفاء الصوت على المكلّف هو المناط في تحقّق النوم الناقض للوضوء.

4- جواز تأخير صلاة الظهر وجمعها مع العصر وكذا المغرب مع العشاء تخفيفاً لمن يشقّ عليه الوضوء.

ص: 118


1- - رجال النجاشي: 421/ 1128.
2- - رجال الطوسي: 366/ 5433.
3- - أصول علم الرجال1: 241.

5- بَابُ أَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنَ الدُّبُرِ مِنْ حَبِّ الْقَرْعِ وَالدِّيدَانِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُو ءَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَلَطِّخاً بِالْعَذِرَةِ

اشارة

بَابُ أَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنَ الدُّبُرِ مِنْ حَبِّ الْقَرْعِ وَالدِّيدَانِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُو ءَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَلَطِّخاً بِالْعَذِرَةِ((1))

5- بَابُ أَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنَ الدُّبُرِ مِنْ حَبِّ الْقَرْعِ وَالدِّيدَانِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَلَطِّخاً بِالْعَذِرَةِ.

شرح الباب

ما يخرج من الدبر - غير ما تقدّم في الباب الثاني من هذه الأبواب - لا ينقض الوضوء، إلّا إذا استصحب العذرة، وهو علی قسمين:

أحدهما: طاهر في نفسه، مثل الدود وغيره من الهوام، ومثل الحصی والشعر، وغير ذلك.

والثاني: نجس، كالدم.

ويدلّ علی ذلك ما تقدّم من حصر النواقض في ما مرّ، وما هو صريح أحاديث الباب.

ص: 119


1- - ورد في هامش المخطوط ما نصّه: لو خرج من أحد السبيلين دود أو غيره من الهوام أو حصى أو دم غير الثلاثة أو شعر أو أشياف أو دهن قطره في احليله لم ينقض، إلّا أن تستصحب شيئا من النواقض، ذهب إليه علماؤنا أجمع؛ للأصل ولما تقدّم من الأحاديث، وقال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي والثوري والأوزاعي وأحمد وأبوإسحاق وأبو ثور: إنّه ناقض؛ لعدم انفكاكه من البلّة، وهو ممنوع. ذكره في التذكرة (منه قده). راجع التذكرة 1: 101. وفيها: إسحاق بدل أبي إسحاق والثلاثة بدل البلّة.

والقرع بالفتح فالسكون وبالتحريك في لغة: حمل اليقطين، الواحدة قرعة بالفتح أيضاً، وتسمى الدّباء((1)).

وحبّ القرع قيل: إنّه دود عريض يتولّد في الأمعاء، سمّي به لشبهه به، ولكن قال في مجمع البحرين: والأشبه أنّه ليس بدود، بل هو الحبة السوداء الشونيز في المشهور وهو حبّ معروف((2)).

والظاهر أنّ حبّ القرع يطلق ويراد منه المعنيان، وإن كان ظاهر العنوان إرادة الدود منه، وكيف كان كلّ ما يخرج من الدبر ممّا هو طاهر في نفسه أو كان نجساً لا ينقض الوضوء، إلّا أن تصحبه العذرة.

والعنوان وإن اقتصر على ما يخرج من الدبر - لاقتصار روايات الباب عليه - إلّا أنّ الظاهر عدم الاختصاص فيشمل ما يخرج من القبل غير النواقض المنصوصة إجماعاً.

أقوال الخاصّة:

عدم النقض بخروج المذكورات من دون استصحاب العذرة إجماعي عند الخاصّة، كما عن الخلاف والغنية((3)

وقال العلّامة في التذكرة: «لو خرج من أحد السبيلين دود، أو غيره من الهوام، أو حصى أو دم غير الثلاثة، أو شعر، أو حقنة، أو أشياف، أو دهن قطّره في إحليله، لم ينقض، إلّا أن يستصحب شيئاً من النواقض، ذهب إليه علماؤنا أجمع»((4)) وهو ظاهر المنتهی((5)).

ص: 120


1- - مجمع البحرين4: 378، مادة: قرع.
2- - مجمع البحرين2: 33، مادة: حبب.
3- - الخلاف1: 115. الغنية: 35.
4- - تذكرة الفقهاء1: 101.
5- - منتهی المطلب1: 188.

أقوال العامّة:

المشهور عندهم النقض بخروج الدم و الدود والحصا والشعر مطلقاً وإن لم يستصحب شيئاً من العذرة، والمخالف هو مالك، قال في المغني: «وبهذا قال الثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي، وكان عطاء والحسن وأبو مجلز والحكم وحمّاد والأوزاعي وابن المبارك يرون الوضوء من الدود يخرج من الدبر، ولم يوجب مالك الوضوء من هذا الضرب»((1)) وأضاف ابن رشد إلى مالك ممّن وافقنا: جلّ أصحاب مالك((2)).

ص: 121


1- - المغني1: 160.
2- - بداية المجتهد1: 31.

[668] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنِ الْحَسَنِ ابْنِ أَخِي فُضَيْلٍ عَنْ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : فِي الرَّجُلِ يَخْرُجُ مِنْهُ مِثْلُ حَبِّ الْقَرْعِ؟ قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ وُضُوءٌ((1)*).

[1] فقه الحديث:

دلّ علی أنّ ما يخرج من الرجل من الديدان الصغار التي تشبه حبَّ القرع لا ينقض الوضوء، ولا خصوصيّة للديدان، بل إنّ خروج ما هو طاهر في نفسه وإن قلَّ له الحكم نفسه، نعم، لو خرج ملوّثاً بالعذرة - وإن كان بمقدار قليل جدّاً - نقض الوضوء كما يأتي التصريح به في الحديث الآتي، فلا يتوهّم ظهور الحديث في خروج العذرة بمقدار حبّ القرع، ولا تنافي بين عدم ناقضيّة ما ذكر لخلوّه عن العذرة وإثبات ناقضيّة خروج بعض العذرة معه في بعض الأحيان.

سند الحديث:

فيه: الحسن ابن أخي فضيل، أي فضيل بن يسار، وهو وإن لم يذكر في كتب الرجال إلا أنّه ممّن روی المشايخ الثقات عنه، كما في هذا السند، فيكون ثقة. فالسند معتبر.

ص: 122


1- ([1]*) الكافي 3: 36/ صدر الحديث 5.

[669] 2- قَالَ الْكُلَيْنِيُّ: وَرُوِيَ: إِذَا كَانَتْ مُتَلَطِّخَةً((1)*) بِالْعَذِرَةِ أَعَادَ الْوُضُوءَ((2)*).

[2] فقه الحديث:

دلّ الحديث علی أنّ خروج الديدان الصغار التي تشبه حبَّ القرع وهي ملطّخة بالعذرة موجب لإعادة الوضوء؛ فيستفاد منه أنّ خروج العذرة - لو كان بمقدار قليل جدّاً كالذي يكون علی الديدان - حدث ناقض للوضوء، كما يستفاد أيضاً أنّ الحدث ناقض وإن حصل بغير اختيار من المكلّف؛ إذ خروج الديدان ملطّخة بالعذرة خارج عن اختيار الإنسان.

سند الحديث:

من مراسيل الكليني، ويبتني اعتباره علی قبول شهادة الكليني بصحّة ما في كتابه الكافي، وقد حقّقناه في كتابنا أصول علم الرجال((3)).

ص: 123


1- ([1]*) في المصدر: ملطّخة.
2- ([2]*) الكافي 3: 36/ ذيل الحديث 5.
3- - أصول علم الرجال1: 69 - 103.

[670] 3- وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ ظَرِيفٍ - يَعْنِي ابْنَ نَاصِحٍ((1)*)- عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: لَيْسَ فِي حَبِّ الْقَرْعِ وَالدِّيدَانِ الصِّغَارِ وُضُوءٌ، إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْقَمْلِ((2)*).

وَ رَوَاهُ الصَّدُوقُ مُرْسَلًا((3)*).

مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ مِثْلَهُ((4)*).

[3] فقه الحديث:

دلّ علی أنّ خروج حبّ القرع والديدان الصغار ليس موجباً لنقض الوضوء، ويقيّد بما إذا خرج ذلك ملوّثاً بالعذرة؛ فإنّه ناقض حينئذٍ.

ثمّ إنّ تقييد الديدان بالصغار لا يعني أنّ الكبار لها حكم مغاير - كما هو مقتضی مفهوم الوصف - بل الديدان صغيرها وكبيرها مشتركة في الحكم؛ فإن خرجت ملوّثة بها لم يكن خروجها ناقضاً للوضوء.

وقد احتمل المحقّق في المعتبر أن يكون الوجه في التقييد بالصغار أنّ الكبار

ص: 124


1- ([1]*) يعني ابن ناصح، موجود في التهذيب والاستبصار (منه قده).
2- ([2]*) الكافي 3: 36/ 4.
3- ([3]*) الفقيه 1: 63/ 138.
4- ([4]*) التهذيب 1: 12/ 22، والاستبصار 1: 82/ 256.

بقوّة حركتها وعظمها تستصحب مدّة في الأغلب((1))، ولذا كان خروجها ناقضاً غالباً، وأمّا الصغار فليس الغالب فيها التلوّث بالعذرة، ومثلها مثل القمل الخارج من الجسد والحاصل منه فكما لا يجب في خروجه الوضوء بالاتفاق كذا لا يجب فيها.

ولعلّ هذا التنزيل للردّ علی مشهور العامّة القائلين بالنقض بخروج الدود مطلقاً، وإن لم يكن معه شيء من العذرة.

سند الحديث:

نقل المصنّف الحديث بثلاثة أنحاء:

الأوّل: مسنداً عن الكافي، وفيه: أحمد بن محمد، وقد استظهرنا أنّه ابن عيسی الأشعري القميّ، ومحمد بن إسماعيل هو ابن بزيع.

وفيه: ظريف بن ناصح: قال عنه النجاشي: «ظريف بن ناصح أصله كوفي، نشأ ببغداد، وكان ثقة في حديثه، صدوقاً له كتب»((2))، وعدّه الشيخ من أصحاب الإمام الباقر (علیه السلام) قائلاً: «بيّاع الأكفان»((3)

وقد ورد في أسناد كتاب نوادر الحكمة وتفسير القمي((4)).

وأمّا ثعلبة بن ميمون فقد مرّ أنّه ثقة((5)).

ص: 125


1- - انظر: المعتبر1: 107- 108.
2- - رجال النجاشي: 209/ 553.
3- - رجال الطوسي: 138/ 1465.
4- - أصول علم الرجال1: 225 و282.
5- - ايضاح الدلائل1: 81.

وأمّا عبد الله بن يزيد فقد سبق أنّه لم يرد في حقّه شيء، فهذا السند ضعيف.

الثاني: مرسلاً عن من لا يحضره الفقيه، وقد تقدّم الكلام في اعتبار مراسيله((1)).

الثالث: مسنداً عن التهذيب والاستبصار، وقد مرّ أنّ طرق الشيخ إلی محمد بن يعقوب في المشيخة متعدّدة، وهذا السند كالسند الأوّل.

ص: 126


1- - المصدر السابق: 91- 94.

[671] 4- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادٍ عَنْ حَرِيزٍ، عَمَّنْ أَخْبَرَهُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي الرَّجُلِ يَسْقُطُ مِنْهُ الدَّوَابُ((1)*) وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: يَمْضِي فِي((2)*) صَلَاتِهِ وَلَا يَنْقُضُ ذَلِكَ((3)*).

[4] فقه الحديث:

دلّ علی عدم ناقضيّة ما يسقط من الإنسان من الدود أو الدوابّ للصلاة أو الوضوء، والمراد بالدابة: كل ما يدبّ ويتحرّك علی الأرض، لكنّها مخصوصة هنا بما يتكوّن في الباطن ويخرج من الدبر، وقد ذكر الماتن(قدس سره) أنّه جاء في نسخة: الدود بدل الدواب. والحكم فيهما واحد، بل في كلّ ما يخرج كما مرّ.

والحديث وإن كان مطلقاً؛ إذ ليس فيه تفصيل بين خروج الدواب ملطّخة بالعذرة أو غير ملطّخة إلّا أنّه يقيّد بما إذا لم يكن مع ما يخرج شيء من العذرة.

سند الحديث:

ضعيف بالإرسال، لكن يمكن تصحيحه؛ لوجوده في كتب الحسين بن سعيد المعروفة المشهورة والمعمول عليها.

ص: 127


1- ([1]*) في نسخة الدود، «منه قده».
2- ([2]*) في نسخة: «على»، منه قده.
3- ([3]*) التهذيب 1: 11/ 21، والاستبصار 1: 81/ 255.

[672] 5- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ ابْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ الْمَدَائِنِيِّ، عَنْ مُصَدِّقِ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ فِي صَلَاتِهِ

فَيَخْرُجُ مِنْهُ حَبُّ الْقَرْعِ كَيْفَ يَصْنَعُ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ خَرَجَ نَظِيفاً مِنَ الْعَذِرَةِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْ ءٌ((1)*) وَلَمْ يُنْقَضْ وُضُوؤُهُ، وَإِنْ خَرَجَ مُتَلَطِّخاً بِالْعَذِرَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ، وَإِنْ كَانَ فِي صَلَاتِهِ قَطَعَ الصَّلَاةَ وَأَعَادَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ((2)*).

[5] فقه الحديث:

دلّ علی أنّ خروج الدود الشبيه بحبّ القرع غير مضرّ بالصلاة ولا الوضوء إذا خرج أثناءها نظيفاً من العذرة، وأمّا إذا خرج متلطّخا بالعذرة فقد انتقض وضوؤه فعليه إعادته، وإن كان الخروج كذلك في أثناء الصلاة فقد انتقضت صلاته أيضاً فعليه قطعها وإعادتها مع الوضوء، كما دلّ أيضاً علی أنّ خروج الناقض مبطل للوضوء،

ص: 128


1- ([1]*) ورد في هامش المخطوط ما نصّه «هذا الحديث مرويّ في الوضوء من التهذيب والاستبصار وكما ذكرنا، ورواه في التيمم، وأسقط قوله: كيف يصنع، وقوله: إن كان نظيفاً من العذرة، وهاهنا هو الصحيح، وإن كان المعنى واحداً على التقديرين» (منه قده).
2- ([2]*) التهذيب 1: 11/ 20، و206/ 597، والاستبصار 1: 82/ 258.

وللصلاة وموجب لإعادتهما وإن كان يسيراً لكون ما يستصحبه الدود من العذرة قليلاً عادة.

سند الحديث:

تقدّم أنّ إسناد الشيخ إلی محمد بن أحمد بن يحيی معتبر، وبقيّة السند تقدّم الكلام في أفراده، والسند موثّق.

ص: 129

[673] 6- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أَخِي فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: قَالَ: فِي الرَّجُلِ يَخْرُجُ مِنْهُ مِثْلُ حَبِّ الْقَرْعِ قَالَ: عَلَيْهِ وُضُوءٌ((1)*).

أَقُولُ: حَمَلَهُ الشَّيْخُ عَلَى كَوْنِهِ مُتَلَطِّخاً بِالْعَذِرَةِ لِلتَّفْصِيلِ السَّابِقِ، وَهُوَ قَرِيبٌ، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى التَّقِيَّةِ؛ لِمُوَافَقَتِهِ لَهَا، وَوَجْهُ إِطْلَاقِهِ مُلَاحَظَتُهَا، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ، وَيَحْتَمِلُ حُصُولُ الْغَلَطِ مِنَ النَّاسِخِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ طَرِيقِ الْكُلَيْنِيِ((2)*) فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ بِعَيْنِهِ، وَفِيهِ: لَيْسَ عَلَيْهِ وُضُوءٌ، فَكَأَنَّ لَفْظَ لَيْسَ سَقَطَ مِنْ نُسْخَةِ الشَّيْخِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حَصْرُ النَّوَاقِضِ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ((3)*) وَهُوَ دَالٌّ عَلَى الْمَقْصُودِ هُنَا.

[6] فقه الحديث:

يحتمل في السؤال احتمالان:

أحدهما: أن يكون عن خروج العذرة بمقدار حبّ القرع، فيكون جواب الإمام (علیه السلام) موافقاً لما سبق في الحديث الثاني من الباب من ناقضيّة ما يخرج من العذرة وإن كان يسيراً.

والثاني: أن يكون عن خروج شيء منه من مثل حبّ القرع، كالنواة أو

ص: 130


1- ([1]*) التهذيب 1: 11/ 19، والاستبصار 1: 82/ 257.
2- ([2]*) تقدّم في الحديث 1 من هذا الباب.
3- ([3]*) تقدّم في أحاديث الباب 2 من هذه الأبواب.

الحصی أو غير ذلك، ويكون جواب الإمام (علیه السلام) هنا مخالفاً لما مرّ في أحاديث الباب، وقد ذكر الماتن في توجيهه وجوهاً:

المتحصل من الأحادیث

أوّلها: ما عن شيخ الطائفة من الحمل عن كون الخارج متلطّخاً بالعذرة، فيكون جواب الإمام موافقاً للتفصيل المتقدّم عن الكافي، وقد استقرب الماتن هذا الوجه.

ثانيها: الحمل علی التقيّة لكون مشهور العامّة علی نقض ما يخرج من الدبر مطلقاً، ويكون الإطلاق في جواب الإمام (علیه السلام) بلزوم إعادة الوضوء لأجل ملاحظة التقيّة.

ثالثها: الحمل علی الاستفهام الإنكاري، فيكون موافقاً لبقيّة أحاديث الباب.

رابعها: احتمال الغلط من الناسخ، وأنّ الصحيح ما عن الكافي من وجودكلمة «ليس» فيوافق بقيّة أحاديث الباب.

سند الحديث:

فيه: ابن أخي فضيل، وقد مضی في سند الحديث الأول أنّ اسمه الحسن، وأنّه موثّق، ويحتمل سقوط الواسطة بعده وهو (فضيل). وأمّا بقيّة السند فقد تقدّم الكلام عن أفراده، فهذا السند معتبر.

والحاصل: أنّ في الباب ستة أحاديث: أوّلها وثانيها ورابعها وسادسها معتبرات، وخامسها موثّق، وثالثها ضعيف بسنديه الأوّل والثالث، ومعتبر بالثاني.

ص: 131

والمستفاد منه:

1- أنّ كلّ ما يخرج من الدبر ممّا هو طاهر في نفسه - مأكول أو غير مأكول - أو كان نجساً لا ينقض الوضوء، إلّا أن تصحبه العذرة.

2- أنّ خروج العذرة - ولو كان بمقدار قليل جدّاً - حدث ناقض للوضوء ومبطل للصلاة.

3- أنّ الحدث ناقض للوضوء ومبطل للصلاة وإن حصل بغير اختيار من المكلّف.

ص: 132

6- بَابُ أَنَّ الْقَيْ ءَ وَالْمِدَّةَ

اشارة

بَابُ أَنَّ الْقَيْ ءَ وَالْمِدَّةَ((1)) وَالْقَيْحَ وَالْجُشَا ءَ((2)) وَالضَّحِكَ وَالْقَهْقَهَةَ وَالْقَرْقَرَةَ فِي الْبَطْنِ لَا يَنْقُضُ شَيْ ءٌ مِنْهَا الْوُضُو ءَ

6- بَابُ أَنَّ الْقَيْ ءَ وَالْمِدَّةَ وَالْقَيْحَ وَالْجُشَاءَ وَالضَّحِكَ وَالْقَهْقَهَةَ وَالْقَرْقَرَةَ فِي الْبَطْنِ لَا يَنْقُضُ شَيْ ءٌ مِنْهَا الْوُضُوءَ

شرح الباب:

ما يخرج من بدن الإنسان من غير السبيلين إمّا طاهر وإمّا نجس فالطاهر كالطعام الخارج من الحلق بالتقيّؤ أو التجشّؤ ما لم تصاحبه نجاسة، والنجس كالدم الخارج من الفم أو الجروح.

أمّا القيء فهو الخارج من الجوف من طعام وغيره، والاسْتِقاءُ وهو التكَلُّفُ لذلك، والتَّقَيُّؤُ أبلغ وأكثر.((3))

والمِدَّة: ما يجتمع في الجُرْح من القيح((4)).

وأمّا القيح فهو المِدَّةُ الخالصة لا يخالطها دم، وقيل: هو الصديد الذي كأنّه

ص: 133


1- - المدّة: ما يجتمع في الجرح من القيح (لسان العرب 3: 399).
2- - الجشاء: تنفّس المعدة عند الإمتلاء، وكأنّ صاحبه يريد أن يتقيّأ (لسان العرب 1: 48).
3- - لسان العرب1: 135، مادة: قيأ.
4- - لسان العرب 3: 399، مادة: مدد.

الماء وفيه شُكْلَةُ دَمٍ((1)).

والجشاء: تنفّس المعدة عند الامتلاء((2)).

وأمّا القهقهة فهي الترجيع في الضحك، وقيل: إنّها اشتداده((3)).

والقرقرة: صوت في البطن، يقال: قرقر بطنه أي صوّت، والجمع قراقر((4)).

ولم يذكر الرُّعاف والحجامة في عنوان الباب مع أنّهما وردا في الحديث السادس والسابع من الباب.

أقوال الخاصّة:

الإجماع قائم عند الخاصّة علی أنّ ما ذُكر في عنوان الباب لا يوجب شيء منه نقض الوضوء، وأنّ ما عدا ما يأتي من النواقض، لا ينقض الوضوء((5)). قال العلامة في التذكرة: «القيء لا ينقض الوضوء، سواء قلّ أو كثر، وكذا ما يخرج من غير السبيلين، كالدم والبصاق والرّعاف وغير ذلك، ذهب إليه علماؤنا»((6)).نعم، نسب في المعتبر إلى أبي علي بن الجنيد أنّ من قهقه في صلاته متعمّداً لنظر أو سماع ما أضحكه، قطع صلاته وأعاد وضوءه((7))، والبواقي لا خلاف في عدم ناقضيّتها.

ص: 134


1- - لسان العرب2: 568، مادة: قيح.
2- - العين6: 159، مادة: جشأ، لسان العرب1: 48، مادة: جشأ.
3- - لسان العرب13: 531، مادة: قهقه.
4- - مجمع البحرين3: 457.
5- - منتهی المطلب1: 208.
6- - تذكرة الفقهاء1: 106.
7- - المعتبر1: 116.

أقوال العامّة:

الخلاف متحقّق بين العامّة في ناقضيّة المذكورات، فقد ذكر ابن قدامة في المغني أنّه: «ليس في القهقهة وضوء، روي ذلك عن عروة وعطاء والزهري ومالك والشافعي وإسحاق وابن المنذر، وقال أصحاب الرأي: يجب الوضوء من القهقهة داخل الصلاة دون خارجها.

...والقيء الفاحش والدم الفاحش والدود الفاحش يخرج من الجروح، وجملته أنّ الخارج من البدن من غير السبيل ينقسم قسمين طاهراً ونجساً، فالطاهر لا ينقض الوضوء على حال ما، والنجس ينقض الوضوء في الجملة رواية واحدة، روي ذلك عن ابن عباس وابن عمر وسعيد بن المسيب وعلقمة وعطاء وقتادة والثوري وإسحاق وأصحاب الرأي، وكان مالك وربيعة والشافعي وأبو ثور وابن المنذر لا يوجبون منه وضوءاً، وقال مكحول: لا وضوء إلّا فيما خرج من قبل أو دبر ... وإنّما ينتقض الوضوء بالكثير من ذلك دون اليسير، وقال بعض أصحابنا: فيه رواية أخرى أنّ اليسير ينقض، ولا نعرف هذه الرواية، ولم يذكرها الحلال في جامعه إلا في القلس، واطّرحها.

وقال القاضي: لا ينقض رواية واحدة وهو المشهور عن الصحابة رضي الله عنهم...

وقال أبو حنيفة: إذا سال الدم ففيه الوضوء، وإن وقف على رأس الجرح لم يجب ... والقيح والصديد كالدم فيما ذكرنا وأسهل وأخف منه حكماً عند أبي عبد الله، لوقوع الاختلاف فيه، فإنّه روي عن ابن عمر والحسن أنّهم لم يروا القيح والصديد كالدم، وقال أبو مجلز في الصديد لا شيء إنّما ذكر الله الدم

ص: 135

المسفوح، وقال الأوزاعي في قرحة سال منها كغسالة اللحم: لا وضوء فيه.

وقال إسحاق: كل ما سوى الدم لا يوجب وضوءاً. وقال مجاهد وعطاء وعروة والشعبي والزهري وقتادة والحكم والليث: القيح بمنزلة الدم فلذلك خفّ حكمه عنده واختياره مع ذلك إلحاقه بالدم وإثبات مثل حكمه فيه، لكن الذي يفحش منه يكون أكثر من الذي يفحش من الدم ... والقلس كالدم ينقض الوضوء منه ما فحش ... وقيل عنه - أي عن أبي عبد الله -: إذا كان أقلّ من نصف الفم لا يتوضّأ والأوّل المذهب ... فأمّا الجشاء فلا وضوء فيه لا نعلم فيه خلافاً»((1)).

وأمّا القهقهة فقد وقع فيها الخلاف أيضاً، قال النووي في المجموع: «اختلف العلماء في الضحك في الصلاة إن كان بقهقهة فمذهبنا ومذهب جمهور العلماء أنّه لا ينقض، وبه قال ابن مسعود وجابر وأبو موسی الأشعري، وهو قول جمهور التابعين فمن بعدهم، وروى البيهقي عن أبي الزناد قال: أدركت من فقهائنا الذين يُنتَهی إلى قولهم سعيد بن المسيّب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وأبا بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد بن ثابت وعبيد الله بن عبد الله بن عقبة وسليمان بن يسار ومشيخة جلّة سواهم يقولون: الضحك في الصلاة ينقضها ولا ينقض الوضوء، قال البيهقي: وروينا نحوه عن عطاء والشعبي والزهري، و حكاه أصحابنا عن مكحول ومالك وأحمد وإسحاق وأبي ثور وداود.

وقال الحسن البصري وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وأبو حنيفة: ينقض الوضوء، وعن الأوزاعي روايتان، وأجمعوا أنّ الضحك إذا لم يكن فيه قهقهة لا

ص: 136


1- - المغني1: 169 - 178.

يبطل الوضوء، وعلى أنّ القهقهة خارج الصلاة لا تنقض الوضوء»((1)).

وأمّا القرقرة فقد «انفرد المالكية بالقول أنّ القرقرة - حبس الرّيح - إن كانت تمنع من الإتيان بشيء من الصلاة حقيقة أو حكماً - كما لو كان يقدر على الإتيان به بعسر - فإنّها تبطل الوضوء.

فمن حصره ريح وكان يعلم أنّه لا يقدر على الإتيان بشيء من أركان الصلاة أصلاً، أو يأتي به مع عسر كان وضوؤه باطلاً، فليس له أن يفعل به ما يتوقّف على الطهارة كمسّ المصحف، أمّا إذا كانت القرقرة لا تمنع من الإتيان بشيء من أركان الصلاة فإنّها لا تبطل الوضوء.

وذهب بعض المالكية إلی أنّ القرقرة الشديدة تنقض الوضوء ولو لم تمنع من الإتيان بشيء من أركان الصلاة، والراجح الأوّل.

وذهب جمهور الفقهاء إلی عدم نقض الوضوء بحبس الرّيح، وصرّحوا بكراهة الصلاة معها»((2)).

ونقل ابن حزم عن إبراهيم النخعي إيجابه الوضوء من قرقرة البطن في الصلاة((3)).

ص: 137


1- - المجموع2: 60 - 61.
2- - الموسوعة الفقهيّة33: 151.
3- - المحلّی1: 264.

[674] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلاءِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يَتَجَشَّأُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ شَيْ ءٌ أَيُعِيدُ الْوُضُوءَ؟ قَالَ: لَا((1)*).

[1] - فقه الحديث:

دلّ علی عدم ناقضيّة الجشاء للوضوء، وقوله: يخرج منه شيء، أي يخرج من فمه شيء من الطعام ونحوه إلی خارج الفم. وهو شامل للفاحش واليسير من الجشاء، فالجشاء غير ناقض للوضوء ولو كان الخارج من الفم يسيراً.

سند الحديث:

فيه: أحمد بن محمد، والظاهر أنّه ابن عيسی، وإن كان أحمد بن محمد بن خالد البرقي يروي أيضاً عن علي بن الحكم، والسند معتبر.

ص: 138


1- ([1]*) الكافي 3: 36/ 8.

[675] 2- وَعَنْهُمْ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعَنْ أَبِي دَاوُدَ جَمِيعاً، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ فَضَالَةَ، عَنْ أَبَانٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: إِذَا قَاءَ الرَّجُلُ وَهُوَ عَلَى طُهْرٍ فَلْيَتَمَضْمَضْ((1)*).

[2] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ القيء ليس بناقض للطهارة ومنها الوضوء بلا فرق بين أن يكون القيء يسيراً أو فاحشاً، ولو كان ناقضاً لما اكتفی (علیه السلام) ببيان أنّ عليه المضمضة فقط، والمضمضة: تحريك الماء في الفم((2))، وفي المجمع: هي إدارة الماء في الفم وتحريكه بالأصابع أو بقوّة الفم ثم يمجّه، وتمضمضت بالماء: فعلت مثل ذلك((3)).

وقد حُمل الأمر بالمضمضة هنا علی الاستحباب((4)).

سند الحديث:

فيه: أحمد بن محمد، والظاهر أنّه ابن عيسى؛ لروايته عن الحسين بن سعيد، وفيه أيضاً: أبو داود، وقد سبق في الحديث الثالث من الباب الخامس من أبواب الأسآر((5)) أنّ الشيخ الكليني إن كان يروي عن أبي داود هذا بواسطة

ص: 139


1- ([1]*) الكافي 3: 37/ 10.
2- - العين7: 17، مادة: مض.
3- - مجمع البحرين4: 230، مادة: مضض.
4- - مرآة العقول 13: 118.
5- - ايضاح الدلائل4: 350- 351.

العدّة كما هو أحد الاحتمالين هنا، وهو عطفه على أحمد بن محمد، فالظاهر أنّه سليمان بن سفيان المسترق، المنشد، راوية شعر السيّد الحميري؛ لأنّه المشهور المعروف فينصرف إليه عند الإطلاق.

وأمّا إذا روى عنه بلا واسطة كما هو مقتضى الاحتمال الثاني وهو عطفه على العدّة، فإن كان المراد به أبو داود المسترق فلا ريب في أنّ السند مرسل، لأنّ الكليني توفي سنة تسعة وعشرين وثلاث مائة، بينما توفي أبو داود سنة ثلاثين ومائتين، وإن كان المراد منه شخصاً آخر فهو مجهول.

والظاهر هو الاحتمال الأوّل فلا إرسال.

وأبو داود هذا هو سليمان بن سفيان المسترق، قال عنه النجاشي: «سليمان بن سفيان أبو داود المسترق المنشد مولى كندة ثم بني عدي منهم، روی عن سفيان بن مصعب، عن جعفر بن محمد[ (علیه السلام) ] وعن الربال (الرجال ظ)، وعمّر إلى سنة إحدى وثلاثين ومائتين، قال أبو الفرج، محمد بن موسی بن علي القزويني (رحمه الله) : حدّثنا إسماعيل بن علي الدعبلي قال: حدّثنا أبي، قال: رأيت أبا داود المسترق - وإنّما سمّي المسترق، لأنّه كان يسترقّ الناس بشعر السيّد - في سنة خمس وعشرين ومائتين يحدّث عن سفيان بن مصعب، عن جعفر بن محمد (علیه السلام) ، ومات سليمان سنة إحدى وثلاثين ومائتين»((1)).

وقال الكشي: قال محمد بن مسعود: سألت علي بن الحسن بن فضال، عن أبي داود المسترقّ؟ قال: اسمه سليمان بن سفيان المسترقّ، وهو المنشد وكان ثقة.

ص: 140


1- - رجال النجاشي: 183/ 485.

قال حمدويه: وهو سليمان بن سفيان بن السمط المسترقّ، كوفي يروي عنه الفضل بن شاذان، أبو داود المسترقّ - مشدّدة - مولى بني أعين من كندة، وإنّما سمّي المسترقّ لأنّه كان راوية لشعر السيّد، وكان يستخفّه الناس لإنشاده يسترقّ أي يرقّ على أفئدتهم، وكان يسمّى المنشد، وعاش تسعين سنة، ومات سنة ثلاثين ومائة((1)).

والصحيح في سنة وفاته هو ما ذكره النجاشي؛ لرواية جماعة من الأجلّاء عنه، بعضهم لم يدرك الإمام الصادق جزماً كالفضل بن شاذان الذي أدرك أبا محمد العسكري (علیه السلام) ، والحسن بن محبوب المولود سنة (150)، وعبد الرحمن ابن أبي نجران الذي هو من أصحاب الرضا والجواد (علیهما السلام) ، فلا يمكن أن يروي هؤلاء ومن في طبقتهم عمّن مات قبل وفاة الصادق (علیه السلام) بثمان وعشرين سنة.

وورد في أسناد تفسير القمي((2)) فيكون ثقة.

وفيه أيضاً: فضالة، وهو فضالة بن أيوب، وفيه: أبان، وهو أبان بن عثمان الأحمر؛ لرواية فضالة بن أيوب عنه، وعلی هذا فالسند معتبر.

ص: 141


1- - اختيار معرفة الرجال2: 606/ 577.
2- - أصول علم الرجال1: 290.

[676] 3- وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْقَيْ ءِ هَلْ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ؟ قَالَ: لَا((1)*)((2)*).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، مِثْلَهُ((3)*).

[3] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ القيء لا ينقض الوضوء مطلقاً سواء كان كثيراً قد ملأ الفم أم لا، وسواء كان ما قاءه طعاماً أم غيره كالدم والبلغم وغيرهما، وسواء كان ذلك منه باختياره أم كان بلا اختيار منه.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

ص: 142


1- ([1]*) الكافي 3: 36/ 9.
2- ([2]*) ورد في هامش المخطوط ما نصه: قال العلامة في التذكرة القي ء لا ينقض الوضوء سواء قلّ أو كثر وكذا ما يخرج من غير السبيلين كالدم والبصاق والرعاف وغير ذلك ذهب إليه علماؤنا - ونقله عن جماعة من الصحابة وغيرهم - للأصل ولقولهم (علیهم السلام) لا ينقض الوضوء إلّا ما خرج من طرفيك أو النوم، وقال أبو حنيفة: القي ء إذا كان مل ء الفم أوجب الوضوء وإلّا فلا، وغيره إن كان نجساً وسال أوجب الوضوء. وفيه رواية أخرى: أنّه إن خرج قدر ما يعفى عن غسله وهو قدر الشبر لم يوجب الوضوء. (منه قده) «راجع التذكرة 1: 10».
3- ([3]*) التهذيب 1: 13/ 25، والإستبصار 1: 83/ 259.

الأوّل: سند الكليني، وفيه: ابن أذينة، وهو عمر بن محمد بن عبدالرحمن بن أذينة، شيخ أصحابنا البصريين ووجههم، الثقة.

وفيه أيضاً: أبو أسامة، وهو زيد الشّحام، الثقة، له كتاب مشهور. والسند معتبر.

الثاني: سند الشيخ في التهذيب والاستبصار، وهو سند الكليني نفسه، فالسند أيضاً معتبر.

ص: 143

[677] 4- وَعَنْهُ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: الْقَهْقَهَةُ لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَتَنْقُضُ الصَّلَاةَ((1)*).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ مِثْلَهُ((2)*).

[4] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ القهقهة لا تنقض الوضوء مطلقاً، سواء وقعت عمداً أم سهواً، وسواء حدثت علی وجه لا يمكن دفعها أم لا، كما دلّ علی أنّ القهقهة تنقض الصلاة مطلقاً ولو كانت سهواً أو من دون اختيار.

وفي هذا الحكم الثاني كلام يأتي في كتاب الصلاة.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

الأوّل: سند الكليني، وقد تقدّم الكلام فيه، وهو معتبر.

الثاني: سند الشيخ في التهذيب، وهو أيضاً معتبر.

ص: 144


1- ([1]*) الكافي 3: 364/ 6.
2- ([2]*) التهذيب 2: 324/ 1324، وأورده أيضاً في الحديث من الباب 7 من أبواب قواطع الصلاة.

[678] 5- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْقَلْسِ وَهِيَ الْجُشْأَةُ يَرْتَفِعُ الطَّعَامُ مِنْ جَوْفِ الرَّجُلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ تَقَيَّأَ وَهُوَ قَائِمٌ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: لَا يَنْقُضُ ذَلِكَ وُضُوءَهُ.. الْحَدِيثَ((1)*).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ مِثْلَهُ((2)*).

وَرَوَاهُ ابْنُ إِدْرِيسَ فِي آخِرِ السَّرَائِرِ نَقْلًا مِنْ كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، وَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ بِخَطِّ الشَّيْخِ الطُّوسِيِّ، وَأَنَّ اسْمَهُ كِتَابُ نَوَادِرِ الْمُصَنِّفِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ زُرْعَةَ، عَنْ سَمَاعَةَ مِثْلَهُ((3)*).

[5] - فقه الحديث:

قال في النهاية: القلس بالتحريك، وقيل بالسكون: ما خرج من الجوف ملء الفم أو دونه وليس بقيء، فإن عاد فهو القيء((4)).

وقد دلّ الحديث علی أنّ التجشّؤ وهو ارتفاع الطعام من الجوف من دون الخروج من الحلق - وإلّا كان قيئاً - لا يبطل الوضوء ولو حصل ذلك أثناء

ص: 145


1- ([1]*) الكافي 4: 108/ 6، ويأتي بتمامه في الحديث 7 من الباب 2 من أبواب قواطع الصلاة، وفي الحديث 3 من الباب 10 من أبواب ما يمسك عنه الصائم.
2- ([2]*) التهذيب 4: 264/ 894.
3- ([3]*) كتاب السرائر: 485.
4- - النهاية في غريب الحديث4: 100، مادة: قلس، وانظر لسان العرب6: 179، مادة: قلس.

الصلاة، ومن الواضح أنّ بعض ما لا ينقض الوضوء قد ينقض الصلاة كما في القهقهة فإنّها تنقض الصلاة دون الوضوء، فلعلّ السائل كان يتوهّم أنّ التجشّؤ من جملة ذلك فلذا ذكر في سؤاله أنّ التجشّؤ كان في حال الصلاة.

سند الحديث:

ذكر الماتن ثلاثة أسانيد لهذا الحديث:

أوّلها: سند الكليني، وفيه محمد بن يحيی، وهو العطّار، وأحمد بن محمد، وهو ابن عيسی الأشعري القمي، وعثمان بن عيسی، وهو أحد أصحاب الإجماع، وسماعة، وهو ابن مهران، والإضمار لا يضرّ؛ لكون المضمِر من الأجلّاء على ما فصّلناه. فالسند معتبر.

ثانيها: سند الشيخ في التهذيب، وهو سند الكليني نفسه، فالسند أيضاً معتبر.

ثالثها: ما ذكره ابن إدريس في مستطرفات السرائر عن كتاب محمد بن علي بن محبوب، ولمّا لم يذكر ابن إدريس طرقه إلى الكتب والأصول التي استطرف منها الروايات التي سجّلها في آخر السرائر عدّها كثير من العلماء من المراسيل، وقد مَنَّ الله علينا بمعرفة الطريق، فصارت روايات مستطرفات السرائر خارجة عن حدِّ الإرسال وداخلة في حيّز المسانيد كما حقّقناه((1))، وذلك عن طريق الإجازات التي تضمّنت طريق ابن إدريس إلى جميع مصنفات الشيخ ومرويّاته ومنها كتاب الفهرست، وهي ثمان إجازات، وبضمّ طرق الشيخ إلى الكتب والأصول في الفهرست إلى طريق ابن إدريس إليه

ص: 146


1- - انظر: أصول علم الرجال1: 191- 197.

تكون طرق الشيخ إلى الكتب والأصول في الفهرست طرقاً لابن إدريس أيضاً، وبهذا تكون روايات مستطرفات السرائر مسندة، لا خصوص ما كان يذهب إليه السيد الأستاذ(قدس سره) من استثناء نوادر البزنطي لتواتره، وروايات محمد بن علي بن محبوب، وقد عرضنا هذا التحقيق عليه فاستحسنه واستجوده.

ومن هذا يتضح أنّ سند ابن إدريس إلى كتاب نوادر المصنّف صحيح.

وأمّا الحسن الذي يروي عنه الحسين بن سعيد فهو أخوه: الحسن بن سعيد، وهذا السند قد تقدّم مراراً، وهو موثّق.

ص: 147

[679] 6- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَحْمَدَ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مَحْمُودٍ قَالَ: سَأَلْتُ الرِّضَا (علیه السلام) عَنِ الْقَيْ ءِ وَالرُّعَافِ وَالْمِدَّةِ أَتَنْقُضُ الْوُضُوءَ أَمْ لَا؟ قَالَ: لَا تَنْقُضُ شَيْئاً((1)*).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي عُيُونِ الْأَخْبَارِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مَحْمُودٍ مِثْلَهُ((2)*) إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَالْمِدَّةِ((3)*) وَالدَّمِ.

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْمِدَّةُ مَا يَجْتَمِعُ فِي الْجُرْحِ مِنَ الْقَيْحِ((4)*).

[6] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ خروج القيء، وما يجتمع في الجُرْح من القيح وهو المِدَّة، والرّعاف، والدم - كما في الزيادة المرويّة في العيون - لا تنقض الوضوء، وقوله (علیه السلام) : «شيئاً» وإن كان مطلقاً، فيعمّ الطهارة بأقسامها من الوضوء والغُسل والتيمم، وغيرها كالصلاة، إلّا أنّه سيأتي الكلام في نقض بعض هذه الأشياء لها.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

الأوّل: سند الشيخ في التهذيب والاستبصار، وهو في التهذيب هكذا: الشيخ

ص: 148


1- ([1]*) التهذيب 1: 16/ 34، والاستبصار 1: 84/ 266.
2- ([2]*) عيون أخبار الرضا (علیه السلام) 2: 22/ 46.
3- ([3]*) في نسخة: «المرة»، منه قده.
4- ([4]*) الصحاح 2: 537.

أيّده الله تعالى، عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه، عن محمد بن يحيى، وفي الاستبصار هكذا: الحسين بن عبيد الله عن أحمد بن محمد بن يحيی عن أبيه، ثم يتّحد الطريقان في محمد بن يحيی.

ومحمد بن يحيی عادةً ما يروي عن أحمد بن محمد بن عيسی بلا واسطة، وقد روی عنه هنا بواسطة محمد بن علي بن محبوب، وقول الماتن: «عن أحمد يعني ابن محمد بن عيسى» هذا من إيضاحاته، ولم يوجد في المصدر، وهو صحيح؛ لأنّ أحمد بن محمد بن عيسى هو الراوي عن إبراهيم بن أبي محمود.

هذا، وقد ذكرنا في الباب الثالث من أبواب الماء المطلق عند بيان سند الحديث الثاني عشر أنّ إسناد الشيخ إلى أحمد بن محمد بن عيسی صحيح((1)).

وأمّا إبراهيم بن أبي محمود فقد قال عنه النجاشي: «إبراهيم بن أبي محمود الخراساني ثقة، روى عن الرضا (علیه السلام) . له كتاب يرويه أحمد بن محمد بن عيسی»((2))، وعدّه الشيخ من أصحاب الإمام موسی بن جعفر (علیه السلام) وذكره في أصحاب الإمام الرضا (علیه السلام) قائلاً: «إبراهيم بن أبي محمود، خراساني، ثقة، مولى»((3)).

وورد في أسناد كتاب نوادر الحكمة((4)). وعلى هذا فالسند معتبر.

الثاني: سند الصدوق في عيون أخبار الرضا (علیه السلام) ، وهو صحيح.

ص: 149


1- - ايضاح الدلائل3: 102- 105.
2- - رجال النجاشي: 25/ 43.
3- - رجال الطوسي: 332/ 4941 و351/ 5204.
4- - أصول علم الرجال1: 211.

[680] 7- وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ، عَنْ أَخِيهِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ (علیه السلام) عَنِ الرُّعَافِ وَالْحِجَامَةِ وَالْقَيْ ءِ؟ قَالَ: لَا يَنْقُضُ هَذَا شَيْئاً مِنَ الْوُضُوءِ، وَلَكِنْ يَنْقُضُ الصَّلَاةَ((1)*).

[7] - فقه الحديث:

الرُّعاف هو الدَّمُ الخارِج من الأَنْفِ بِعَيْنهِ((2)). والحِجَامَةُ هي فعل الحجّام، وهو من يمتصّ فم المحجمة، وهي الأداة التي تستعمل في الحجامة قديماً، ومن يقع عليه الحجم هو المحجوم((3))، ولم يورد الماتن الحجامة في عنوان الباب، والمراد هنا أنّ من يحتجم أو يقيء أو يرعَف فإنّه باقٍ على وضوئه، فهذه الأمور لا يوجب شيء منها نقض أيّ صنف من أصناف الوضوء، لكن لو حدث له شيء منها وهو في الصلاة انتقضت، وتمام الكلام في كتاب الصلاة.

سند الحديث:

قوله: «وعن أحمد بن محمد» أي وبإسناد الشيخ عن أحمد بن محمد، وهو ابن عيسی. وقد مضى أنّ طريقه صحيح إلى جميع كتبه ورواياته، وذكر في المشيخة طريقين إليه، ذكرهما بقوله: من جملة ما ذكرته عن أحمد بن محمد ما رويته عن الشيخ (رحمه الله) ، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه،

ص: 150


1- ([1]*) التهذيب 2: 328/ 1346.
2- - تاج العروس12: 233، مادة: رعف، ومجمع البحرين5: 64، مادة: رعف.
3- - انظر: تاج العروس16: 129- 130، مادة: حجم.

عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد.

ومن جملة ما ذكرته عن أحمد بن محمد ما رويته عن أبي الحسين بن أبي جيد، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد.

والطريق الأوّل صحيح والثاني معتبر.

وأمّا الحسن بن علي بن يقطين فقد تقدّمت وثاقته((1)).

وأمّا الحسين فهو أخو الحسن، عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الرضا (علیه السلام) ووثّقه((2)). وورد في أسناد كتاب نوادر الحكمة((3)).

وأمّا أبوهما وهو علي بن يقطين فقد تقدّم الكلام في وثاقته وجلالته((4))، وعلى هذا فالسند صحيح.

ص: 151


1- - ايضاح الدلائل1: 351.
2- - رجال الطوسي: 355/ 5259.
3- - أصول علم الرجال1: 219.
4- - ايضاح الدلائل3: 423.

[681] 8- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْكُوفِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ غَالِبِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ رَوْحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْقَيْ ءِ؟ قَالَ: لَيْسَ فِيهِ وُضُوءٌ وَإِنْ تَقَيَّأْتَ مُتَعَمِّداً((1)*).

[8] - فقه الحديث:

دلّ على أنّ القيء لا ينقض الوضوء، سواء كان قليلاً أم كثيراً، وسواء كان ما قاءه طعاماً أم غيره، بل الحديث صريح في عدم نقضه حتى لو تقيّاً المكلّف متعمّداً مطلقاً، ولو كان ذلك في حال الصلاة، نعم في بطلان الصلاة به - كما هو ظاهر بعض الأحاديث في هذا الباب - كلام يأتي في محلّه من كتاب الصلاة.

سند الحديث:

فيه: الحسن بن علي الكوفي، وهو الحسن بن علي بن عبد الله بن المغيرة البجلي، وقد مضى أنّه ثقة((2)).

وأمّا غالب بن عثمان فعدّه الشيخ من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) قائلاً: «غالب بن عثمان المنقري، مولاهم السماك الكوفي»، وقال عنه عند ذكره في أصحاب الإمام الكاظم (علیه السلام) : واقفي((3))، وقال عنه النجاشي: «غالب بن عثمان

ص: 152


1- ([1]*) التهذيب 1: 13/ 28، والاستبصار 1: 83/ 261.
2- - ايضاح الدلائل1: 58.
3- - رجال الطوسي: 267/ 3841، و341/ 5091.

المنقري، مولى، كوفي، سمّال - بمعنی كحّال - وقيل: إنّه مولی آل أعين، روی عن أبي عبد الله (علیه السلام) ثقة. له كتاب يرويه عنه جماعة»((1)).

وأمّا روح بن عبدالرحيم فقال عنه النجاشي: «روح بن عبدالرحيم شريك المعلّی بن خنيس كوفي، ثقة، روی عن أبي عبد الله (علیه السلام) . له كتاب رواه عنه غالب بن عثمان»((2))، وعدّه الشيخ من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ((3)). وعليه فالسند موثّق.

ص: 153


1- - رجال النجاشي: 305/ 835.
2- - رجال النجاشي: 168/ 444.
3- - رجال الطوسي: 204/ 2617.

[682] 9- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: لَيْسَ فِي الْقَيْ ءِ وُضُوءٌ((1)*).

[9] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ القيء غير ناقض للوضوء مطلقاً، سواء كان قليلاً أم كثيراً، وسواء كان ما قاءه طعاماً أم غيره، وبإطلاقه يشمل ما لو كان إخراجه عن عمد.

سند الحديث:

فيه أحمد بن محمد، وهو ابن عيسی، وقد تقدّم بيان إسناد الشيخ إليه، وفيه: الحسن بن علي، وهو ابن فضّال، وفيه أيضاً: ابن سنان، والظاهر أنّه محمد، وقد رجّحنا وثاقته((2)). وأمّا ابن مسكان فهو عبد الله، وأبو بصير هو ليث بن البختري؛ لرواية عبد الله بن مسكان عنه. وعلی هذا فالسند معتبر.

ص: 154


1- ([1]*) التهذيب 1: 13/ 28، والاستبصار 1: 83/ 261.
2- - اصول علم الرجال2: 402- 420.

[683] 10- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ رَهْطٍ سَمِعُوهُ يَقُولُ: إِنَّ التَّبَسُّمَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَنْقُضُ الصَّلَاةَ، وَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، إِنَّمَا يَقْطَعُ الضَّحِكُ الَّذِي فِيهِ الْقَهْقَهَةُ((1)*)((2)*).

أَقُولُ: ذَكَرَ الشَّيْخُ أَنَّ الْقَطْعَ مَخْصُوصٌ بِالصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِيهَا لَا فِي الْوُضُوءِ.

[10] - فقه الحديث:

دلّ على أنّ مجرّد التبسّم في حال الصلاة لا ينقضها، كما لا ينقض الوضوء حتّی لو صدر حال الصلاة، بخلاف الضحك المشتمل على القهقهة، فإنّه يقطع الصلاة، ولا يوجب نقض الوضوء، وإنّما قلنا إنّه يقطع الصلاة فقط؛ لأنّ القطع لا يقال إلّا في الصلاة - كما أفاده شيخ الطائفة الطوسي - فيقال: قطع صلاته، وانقطعت صلاته، ولم تجر العادة بأن يقال: انقطع وضوئي.

ص: 155


1- ([1]*) جاء في هامش المخطوط ما نصّه: قال العلّامة في التذكرة: القهقهة لا تنقض الوضوء وإن وقعت في الصلاة لكن تبطلها، ذهب إليه أكثر علمائنا، ثمّ نقله عن بعض العامّة واستدلّ عليه بالأصل وأحاديث الحصر إلى أن قال: وقال ابن الجنيد منّا: من قهقه في صلاته قطع صلاته وأعاد وضوءه؛ لرواية سماعة، وقال أبو حنيفة: «يجب الوضوء بالقهقهة في الصلاة وهو مرويّ عن الحسن والنخعيّ، وبه قال الثوري، وعن الأوزاعي روايتان ...(منه قده)، راجع التذكرة 1: 12.
2- ([2]*) التهذيب 1: 12/ 24، والاستبصار 1: 86/ 274، وأورده أيضاً في الحديث 3 من الباب 7 من أبواب قواطع الصلاة.

سند الحديث:

فيه: رهط، وهم ما دون العشرة، ومن المستبعد جدّاً أن لا يكون فيهم ثقة، مضافاً إلى أنّ المرسِل ابن أبي عمير، فيكون السند معتبراً.

ص: 156

[684] 11- وَعَنْهُ، عَنِ الْحَسَنِ أَخِيهِ، عَنْ زُرْعَةَ، عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَمَّا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ؟ قَالَ: الْحَدَثُ تَسْمَعُ صَوْتَهُ أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وَالْقَرْقَرَةُ فِي الْبَطْنِ إِلَّا شَيْئاً تَصْبِرُ عَلَيْهِ، وَالضَّحِكُ فِي الصَّلَاةِ وَالْقَيْ ءُ((1)*).

أَقُولُ: قَوْلُهُ إِلَّا شَيْئاً تَصْبِرُ عَلَيْهِ، أَيْ تَحْبِسُهُ وَلَا تُخْرِجُهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الرِّيحِ فَإِخْرَاجُهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ دُونَ مُجَرَّدِ الْقَرْقَرَةِ.

[11] - فقه الحديث:

دلّ على أنّ ما ينقض الوضوء أمور:

أوّلها: الحدث، وفُسّر هنا بالريح التي يُسمع صوتها، أو التي لا يكون لها صوت ولكن يوجَد ريحُها، وقد سبق في الباب الأوّل من هذه الأبواب أنّها بنوعيها ناقضة للوضوء.

ثانيها: القرقرة في البطن، وهي الصوت الصادر من البطن، ولابد من حمله على صدور الحدث معه، والقرينة هي قوله (علیه السلام) بعد ذلك: «إلّا شيئاً تصبر عليه»، أي فلا يخرج منك، فإنّه حينئذٍ غير ناقض.

ثالثها ورابعها: الضحك في الصلاة، والقيء، وهو مخالف لما مرّ في هذا الباب، ولعلّه مستند ابن الجنيد القائل بناقضيّة الضحك حال الصلاة للوضوء،وقد حمله الشيخ في التهذيب على صدور ضحك مُضْعِفٍ وقيء كذلك، لا

ص: 157


1- ([1]*) التهذيب 1: 12/ 23، والاستبصار 1: 83/ 262 و86/ 273 و90/ 290.

يملك معهما نفسه، ولا يأمن أن يكون قد أحدث، والأظهر حمله على التقيّة لمعروفيّتهما بين العامّة.

سند الحديث:

تقدّمت رجاله، وهو موثّق.

ص: 158

[685] 12 - وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: الرُّعَافُ وَالْقَيْ ءُ وَالتَّخْلِيلُ يُسِيلُ الدَّمَ إِذَا اسْتَكْرَهْتَ شَيْئاً يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَإِنْ لَمْ تَسْتَكْرِهْهُ لَمْ يَنْقُضِ الْوُضُوءَ((1)*).

أَقُولُ: حَمَلَهُمَا الشَّيْخُ عَلَى التَّقِيَّةِ؛ لِمُوَافَقَتِهِمَا لِلْعَامَّةِ، وَجَوَّزَ حَمْلَهُمَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ.

[12] - فقه الحديث:

التخليل هو تخليل ما بين الأسنان، ويحتمل في الاستكراه أن يكون بمعنی النّفرة والاشمئزاز، ولعله بسبب الكثرة فيكون موافقاً لما عن بعض العامّة من أنّ الدم والقيء والقلس إذا كان فاحشاً نقض الوضوء وإلّا لم ينقضه. واحتمل المجلسي الثاني أن يكون الاستكراه كناية عن التقيّة، أي إن خفت ضرراً((2)).

واحتمل الشيخ أن يكون هذا الحديث والحديث الذي قبله محمولين علی الاستحباب.

لكن الصحيح هو الحمل علی التقيّة لا الاستحباب؛ والوجه في ذلك: أنّه توجد كبری مفادها أنّه إذا تعارضت أصالة الظهور وأصالة الجهة سقطت

ص: 159


1- ([1]*) التهذيب 1: 13/ 26، والاستبصار 1: 83/ 263.
2- - ملاذ الأخيار1: 84.

أصالة الظهور دون أصالة الجهة، ففي المقام إذا وردت عدّة أحاديث تدلّ علی عدم نقض الوضوء بأمور معيّنة، وورد حديث أو حديثان يدلّان علی نقضه بها، دار الأمر بين التصرّف في الجهة فنحملهما علی التقيّة ونتركهما، أو التصرّف في الدلالة، أي أصالة الظهور بالقول: إنّ ظهور الطائفة الأولی في الوجوب ملغي، وهو محمول علی الاستحباب.

لكن السيد الأستاذ(قدس سره) ذهب إلی عدم انطباق الكبری علی المقام - وهو الصحيح - لأنّ النقض وعدم النقض في الطائفتين إرشاد إلی الفساد وعدمه، فلا حكم مولوي فيهما، «وظاهر أنّ الانتقاض وعدم الانتقاض أمران متناقضان، ولا معنی للفساد أو الانتقاض استحباباً، إذن لا بدّ من حمل الطائفة الأولی علی التقيّة فلا يبقی بذلك معنی ومقتض للحكم بالاستحباب. نعم لا بأس بالتوضّؤ برجاء المطلوبيّة»((1)).

سند الحديث:

فيه صفوان وهو ابن يحيی، ومنصور وهو ابن حازم، والسند صحيح.

ص: 160


1- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي)4: 462.

[686] 13- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: قَالَ الصَّادِقُ (علیه السلام) : لَا يَقْطَعُ التَّبَسُّمُ الصَّلَاةَ وَتَقْطَعُهَا الْقَهْقَهَةُ وَلَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ((1)).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ((2)) وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ((3)).

[13] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ التبسم في حال الصلاة لا يقطعها، وأمّا القهقهة فتقطع الصلاة مطلقاً، سواء وقعت عمداً أم سهواً، وهي لا تنقض الوضوء مطلقاً وإن وقعت حال الصلاة، عمداً أو سهواً.

المتحصل من الأحادیث

سند الحديث:

من مراسيل الصدوق، وقد سبق مراراً الكلام في اعتبارها((4)).

والحاصل: أنّ في الباب ثلاثة عشر حديثاً، فالأحاديث المعتبرة هي: الأوّل، والثاني، والثالث والرابع بطريقيهما، والخامس بطريقيه الأوّلَين والسادس بسنده الأوّل، والتاسع، والعاشر، والثالث عشر. والصحيحة هي: السادس بطريقه الثاني، والسابع، والثاني عشر. والموثقة هي: الخامس بطريقه الثالث، والثامن، والحادي عشر.

ص: 161


1- ([1]*) الفقيه 1: 240/ 1062، وأورده في الحديث 4 من الباب 7 من أبواب قواطع الصلاة.
2- ([2]*) تقدّم في الباب 2 من هذه الأبواب.
3- ([3]*) يأتي في الحديث 1، 5، 8، 10 من الباب الآتي والباب 2 من أبواب قواطع الصلاة.
4- - ايضاح الدلائل1: 91- 94.

والمستفاد منها أمور، منها:

1- أنّ الجشاء والقيء، وما يجتمع في الجُرْح من القيح - وهو المِدِّة - والرّعاف، والدم - ولو كان خروجه بمثل التخليل، أو الحجامة - كلّها غير ناقضة للوضوء.

2- أنّه لا فرق في عدم ناقضيّة هذه الأمور بين القليل منها والكثير، ولا بين حدوثها عن عمد وغيره.

3- أنّ التبسّم في حال الصلاة لا ينقضها، كما أنّه لا ينقض الوضوء حتّی لو صدر حال الصلاة، بخلاف الضحك المشتمل علی القهقهة، فإنّه يقطع الصلاة، ولا يوجب نقض الوضوء وإن صدرت القهقهة حال الصلاة.

4- القرقرة في البطن لا تنقض الوضوء ولا تقطع الصلاة.

ص: 162

7- بَابُ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُو ءَ رُعَافٌ وَلَا حِجَامَةٌ وَلَا خُرُوجُ دَمٍ غَيْرُ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ وَالنِّفَاسِ

اشارة

7- بَابُ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ رُعَافٌ وَلَا حِجَامَةٌ وَلَا خُرُوجُ دَمٍ غَيْرُ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ وَالنِّفَاسِ

شرح الباب:

هذا الباب معقود لبيان أنّ الدم الذي يخرج من الإنسان كالرّعاف، ودم الجروح وما يخرج من أحد السبيلين أو يُخرجه كالحجامة والفصد، وما يُخرجه للتبرّع به أو للتحليل أو لغير ذلك لا ينقض الوضوء قلّ أو كثر. واستثناء دم الحيض والاستحاضة والنفاس مستفاد من غير هذا الباب.

أقوال الخاصّة:

قال صاحب الجواهر: «ولا دم ولو خرج من أحد السبيلين عدا الدماء الثلاثة» للأصل، بل الأصول، والاجماع المنقول، بل المحصّل»((1)

وقد مضی في الباب السابق قول العلامة في التذكرة: «القيء لا ينقض الوضوء، سواء قلّ أو كثر، وكذا ما يخرج من غير السبيلين، كالدم والبصاق والرّعاف وغير ذلك، ذهب إليه علماؤنا»((2)).

ص: 163


1- - جواهر الكلام1: 416.
2- - تذكرة الفقهاء1: 106.

أقوال العامّة:

تقدّم في الباب السابق أنّهم مختلفون في نقض الدم للوضوء، فما يخرج من البدن من غير السبيل - ومنه الدم - ينقض الوضوء عندهم في الجملة رواية واحدة، روي ذلك عن ابن عبّاس وابن عمر وسعيد بن المسيّب وعلقمة وعطاء وقتادة والثوري وإسحاق وأصحاب الرأي، وكان مالك وربيعة والشافعي وأبو ثور وابن المنذر لا يوجبون منه وضوءاً، وقال مكحول: لا وضوء إلّا في ما خرج من قبل أو دبر... وإنّما ينتقض الوضوء بالكثير من ذلك دون اليسير، وقال بعض أصحابنا: فيه رواية أخری أنّ اليسير ينقض... وقال أبو حنيفة: إذا سال الدم ففيه الوضوء وإن وقف علی رأس الجرح لم يجب... وقال إسحاق: كلّ ما سوی الدم لا يوجب وضوءاً((1)).

ص: 164


1- - المغني1: 175- 178.

[687] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ، عَنْ فَضَالَةَ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يَأْخُذُهُ الرُّعَافُ وَالْقَيْ ءُ فِي الصَّلَاةِ كَيْفَ يَصْنَعُ؟ قَالَ: يَنْفَتِلُ فَيَغْسِلُ أَنْفَهُ وَيَعُودُ فِي صَلَاتِهِ، وَإِنْ تَكَلَّمَ فَلْيُعِدْ صَلَاتَهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ وُضُوءٌ((1)*).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ مِثْلَهُ((2)*).

بحث رجالي حول عبدالأعلي مولی آل سام

[1] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ المصلّي إذا طرأ عليه الرّعاف والقيء، فإن أمكنه غسل الرّعاف والعود إلی الصلاة انفتل عن الصلاة، أي انصرف عنها وغسل أنفه ثمّ عاد إلی صلاته وبنی عليها من حيث توقّف، وصحّت صلاته، ما لم يكن قد تكلّم، لكون الكلام من قواطع الصلاة، فإذا تكلّم عمداً كان عليه إعادة صلاته، وظاهره الإطلاق في الغَسل والبناء وإن استلزم مبطلاً غير الكلام من الاستدبار ونحوه، لكن يجب تقييده بما إذا لم يستلزم مبطلاً آخر، أو حمله علی ذلك، إذ لم يقل أحد من علمائنا بعدم بطلان الصلاة بغير الكلام.

وأمّا الوضوء فلم ينتقض فلا موجب لإعادته. ولم يتعرّض (علیه السلام) لغسل الفم

ص: 165


1- ([1]*) الكافي 3: 365/ 9، ويأتي في الحديث 4 من الباب 2 من أبواب قواطع الصلاة.
2- ([2]*) التهذيب 2: 323/ 1323، ورواه بسند آخر في التهذيب 2: 318/ 1302، والاستبصار 1: 403/ 1536 إلى قوله: وإن تكلم فليعد صلاته.

من القيء، ويمكن أن يكون ذلك لوضوحه، أو لعدم مانعيّته للصلاة؛ إذ القيء ليس بنجس.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

الأوّل: سند الكليني، وقد مضی الكلام في أفراده، وهو صحيح.

الثاني: سند الشيخ في التهذيب والاستبصار إلی الحسين بن محمد شيخ الكليني، فالشيخ يروي عن الكليني بأسانيده في المشيخة، ويروي بتلك الأسانيد عن الحسين بن محمد، فالسند صحيح أيضاً.

ورواه الشيخ بسند آخر في التهذيب، وهو: «سعد بن عبد الله، عن موسی بن الحسن، عن السندي بن محمد، عن العلا بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (علیه السلام) »((1)).

وفيه موسی بن الحسن، وهو موسی بن الحسن بن عامر الأشعري، قال عنه النجاشي: «موسی بن الحسن بن عامر بن عمران بن عبد الله بن سعد الأشعري القمي أبو الحسن ثقة عين جليل. صنّف ثلاثين كتاباً»((2)). وذكره الشيخ في رجاله في من لم يرو عن واحد من الأئمة (علیهم السلام) ، وقال: روی عنه الحميري((3))، وقال عنه في الفهرست: «موسی بن عامر، له كتاب الحج، أخبرنا به جماعة،

ص: 166


1- - تهذيب الأحكام2: 318، الحديث 1302.
2- - رجال النجاشي: 406/ 1078.
3- - رجال الطوسي: 449/ 6381.

عن أبي جعفر بن بابويه، عن أبيه، عن الحميري، عنه»((1)).

قال السيد الأستاذ(قدس سره) : «ظاهر كلام الشيخ أنّ راوي كتاب موسی بن الحسن بن عامر هو الحميري نفسه، وصريح كلام النجاشي أنّ الحميري رواه بواسطة أبيه، ولعلّ الواسطة قد سقط عن كلام الشيخ في الفهرست والرجال»((2)).

وكيف كان فهذا السند صحيح أيضاً.

ص: 167


1- - فهرست الطوسي: 245/ 728.
2- - معجم رجال الحديث20: 44/ 12785.

[688] 2- وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنِ الْحَلَبِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ رَعَفَ فَلَمْ يَرْقَ رُعَافُهُ حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ؟ قَالَ: يَحْشُو أَنْفَهُ بِشَيْ ءٍ ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يُطِيلُ إِنْ خَشِيَ أَنْ يَسْبِقَهُ الدَّمُ((1)*).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ((2)*).

وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَمَاعَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) مِثْلَهُ((3)*).

[2] - فقه الحديث:

رقأ الدمع رقوءاً، ورقأ الدم يرقأ رقأ ورقوءاً (إذا انقطع)((4)). ويحشو أنفه بشيء، أي يملؤه بالقطن ونحوه، جاء في لسان العرب: «احْتَشتْ أَي استَدْخلَتْ شيئاً يمنع الدم من القطن؛ قال الأزهري: وبه سمّي القُطْنُ الحَشْوَ؛ لأَنّه تُحْشَی به الفُرُش وغيرها.

ابن سيده: وحَشا الوِسادة والفراشَ وغيرهما يَحْشُوها حَشْواً ملأَها، واسم ذلك الشيء الحَشْوُ، علی لفظ المصدر»((5)).

ص: 168


1- ([1]*) الكافي 3: 365/ 10، ويأتي في الحديث 10 من الباب 2 من أبواب قواطع الصلاة.
2- ([2]*) التهذيب 2: 323/ 1322.
3- ([3]*) التهذيب 2: 333/ 1371 نحوه.
4- - العين5: 202، مادة: رقأ.
5- - لسان العرب14: 180، مادة: حشا.

وقد دلّ علی أنّ الرّعاف لا ينقض الوضوء، وإن استمر إلی وقت الصلاة فبإمكان المكلّف أن يصلّي به لكن يُدخل في أنفه شيئاً كالقطن ونحوه حتی لا يخرج الدم منه ويتنجّس، وهذا ظاهر في أنّ الرّعاف لا يقطع الصلاة أيضاً، وأمّا النهي عن إطالته الصلاة عند خشية أن يفاجأه الدم فهو إرشاد إلی التحرّز عن إيقاع الصلاة مع الدم مهما أمكن.

سند الحديث:

ذكر الماتن ثلاثة أسانيد لهذا الحديث:

أولّها: سند الكافي، وقد تقدّم أنّ أفراده ثقات، وعليه فالسند معتبر.

ثانيها: سند الشيخ في التهذيب، وهو سند الكافي نفسه، فالسند معتبر أيضاً.

ثالثها: سند الشيخ في التهذيب أيضاً، وهو معتبر. كما أنّ كتاب سماعة مشهور، فلا حاجة إلی السند.

ص: 169

[689] 3- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحَدِهِمَا (علیهما السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ تَخْرُجُ بِهِ الْقُرُوحُ لَا تَزَالُ تَدْمَى كَيْفَ يُصَلِّي قَالَ يُصَلِّي وَإِنْ كَانَتِ الدِّمَاءُ تَسِيلُ((1)*).

أَقُولُ: وَفِي مَعْنَاهُ أَحَادِيثُ أُخَرُ تَأْتِي فِي مَحَلِّهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى((2)*).

[3] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ استمرار خروج الدم من القروح حتّی حال الصلاة لا يضرّ بها، وظاهره أنّ القليل والكثير من الدم سواء، كما أنّه لا ينقض الوضوء وإلّا لما صحّت الصلاة.

سند الحديث:

فيه: محمد بن الحسين، وهو محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب، وصفوان وهو ابن يحيی، والعلاء وهو ابن رزين، ومحمد وهو ابن مسلم الثقفي، وكلّهم من أجلّاء الطائفة كما تقدّم، فهذا السند صحيح.

ص: 170


1- ([1]*) التهذيب 1: 348/ 1025، و256/ 744 بسند آخر، والإستبصار 1: 177/ 615 ويأتي في الحديث 4 من الباب 22 من أبواب النجاسات والحديث 4 من الباب 2 من أبواب قواطع الصلاة.
2- ([2]*) يأتي في الباب 22 من أبواب النجاسات.

[690] 4- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: لَوْ رَعَفْتُ دَوْرَقاً((1)*) مَا زِدْتُ عَلَى أَنْ أَمْسَحَ مِنِّي الدَّمَ وَأُصَلِّيَ((2)*).

[4] - فقه الحديث:

الدَّوْرَق: بالفتح فالسكون الجرّة ذات العروة، وهو مكيال للشراب معروف، يسع علی ما قيل أربعة أمنان، وهو معرّب، وفي بعض النسخ الذَّوْرَف وهو أيضاً مكيال للشراب((3))، والغرض من ذكره هنا بيان كثرة الدم، أي لو رعفت هذا المقدار الكثير الذي يملأ دورقاً لما أعدت وضوئي واكتفيت بمسح الدم فقط وأصلّي، والظاهر أنّ مراده مسح الدم بالماء لأجل التطهير، كما تدلّ عليه الأحاديث الآتية، وقد جاء فيها التعبير بالغسل والتنقية، وهذا يعني أنّ الرّعاف وإن كان كثيراً لا ينقض الوضوء، وفيه ردّ علی العامّة القائلين بأنّ الوضوء ينتقض بالدم الكثير دون اليسير.

ص: 171


1- ([1]*) في هامش المخطوط، منه قده «الدورق: إناء للشراب».
2- ([2]*) التهذيب 1: 15/ 32، والاستبصار 1: 84/ 265.
3- - أقول: جاء في الطبعة التي حقّقها الشيخ عبدالرحيم الرباني من الوسائل: (زورقاً)، وعن بعضٍ تفسير الركوة بالزورق الصغير، ثم بيانه بأنّه إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء، وهو المناسب هنا ويكون قريباً من الدورق، انظر بحار الأنوار2: 273 في الهامش، وإحياء علوم الدين3: 67، في الهامش أيضاً. [المقرّر].

سند الحديث:

تقدّم أنّ أسناد الشيخ إلی محمد بن أحمد بن يحيی متعدّدة وفيها الصحيح والمعتبر((1))، كما تقدّم أنّ أحمد بن أبي عبد الله هو أحمد بن محمد بن خالد البرقي، ثقة في نفسه((2))، وأبوه محمد بن خالد تعارض فيه تضعيف النجاشي وتوثيق الشيخ في رجاله، وجمعنا بينهما بأنّه ثقة في نفسه إلا أنّه ضعيف في الحديث، بمعنی أنّه يروي عن الضعفاء، ويعتمد المراسيل((3)).

وأمّا أحمد بن النضر فهو الخزّاز، وقد مضی أنّه ثقة((4)).

وأمّا عمرو بن شمر فهو الجعفي، وقد تقدّم أنّ النجاشي ضعّفه بقوله عنه: «ضعيف جداً»، ولم يتعرّض الشيخ لضعفه، وقد ورد في أسناد تفسير القمي، وجمعنا بين التضعيف والتوثيق بحمل الضعف علی مذهبه لا روايته((5)).

وأمّا جابر فهو جابر بن يزيد الجعفي، وقد حقّقنا وثاقته من سبعة وجوه في كتابنا أصول علم الرجال((6))، وعليه فهذا السند معتبر.

ص: 172


1- - ايضاح الدلائل3: 53- 54.
2- - ايضاح الدلائل1: 70.
3- - ايضاح الدلائل1: 77.
4- - ايضاح الدلائل2: 183.
5- - ايضاح الدلائل1: 524.
6- - أصول علم الرجال2: 348- 354.

[691] 5- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَمَاعَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِذَا قَاءَ الرَّجُلُ وَهُوَ عَلَى طُهْرٍ فَلْيَتَمَضْمَضْ، وَإِذَا رَعَفَ وَهُوَ عَلَى وُضُوءٍ فَلْيَغْسِلْ أَنْفَهُ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِيهِ وَلَا يُعِيدُ وُضُوءَهُ((1)*).

[5] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ القيء لا يوجب نقض الطهارة، فمن قاء وهو علی طهارة فعليه أن يتمضمض، للتنظيف استحباباً؛ لكون القيء طاهراً، وإن نقل الشيخ في المبسوط القول بنجاسته عن بعض الأصحاب((2))، فإنّ الأمر بالمضمضة لا يدلّ علی نجاسته؛ إذ البواطن كالفم والأنف والأذن إذا تنجّست تطهر بزوال عين النجاسة عنها إجماعاً كما ذكر المجلسي (رحمه الله) ((3))، فيكون الأمر بالمضمضة محمولاً علی الاستحباب.

كما دلّ الحديث بالصراحة علی أنّه إذا رعف وهو علی وضوء لم ينتقض وضوؤه، وأجزأه أن يغسل أنفه.

سند الحديث:

تقدّم الكلام في أفراده، وهو معتبر، ولا يضر إضماره؛ لأنّه من مضمرات أبي بصير.

ص: 173


1- ([1]*) التهذيب1: 15/ 31 والاستبصار 1: 85/ 270.
2- - المبسوط1: 38.
3- - ملاذ الأخيار1: 90- 91.

[692] 6- وَبِإِسْنَادِهِ (عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ)((1)*) عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَعْقُوبَ الْهَاشِمِيِّ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْحِجَامَةِ أَفِيهَا وُضُوءٌ؟ قَالَ لَا... الْحَدِيثَ((2)*).

[6] - فقه الحديث:

دلّ علی عدم نقض الحجامة للوضوء، بلا فرق بين أن يكون الخارج بها قليلاً أو كثيراً، خلافاً للعامّة القائلين بانتقاض الوضوء بخروج الكثير من الدم دون اليسير، وعن بعضهم أنّ اليسير ينقض أيضاً.

سند الحديث:

الصحيح هو: وبإسناد عن محمد بن علي بن محبوب، لأنّه روی عنه في حديثٍ وبعده بخمسة أحاديث قال في أوائلها كلّها: وعنه، وهذا الحديث مثلها فالضمير يرجع إليه.

وفي السند: علي بن يعقوب الهاشمي، وقد سبق أنّه لم يرد فيه شيء((3)).

وأمّا عبد الأعلی فهو عبد الأعلی مولی آل سام، عدّه الشيخ في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ((4)) أورد الكشي رواية مادحة له، وهي: عن عبد الأعلی،قال:

ص: 174


1- ([1]*) في المصدر: محمّد بن عليّ بن محبوب.
2- ([2]*) التهذيب 1: 349/ 1031، ويأتي بتمامه في الحديث 1 من الباب 56 من أبواب النجاسات.
3- - ايضاح الدلائل2: 458.
4- - رجال الطوسي: 242/ 3326.

قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) : إنّ الناس يعتبون عليّ بالكلام وأنا أكلّم الناس، فقال: أمّا مثلك من يقع ثمّ يطير فنعم، وأمّا من يقع ثمّ لا يطير فلا((1)).

كما ذُكرت للقول بوثاقته وجوه ناقشها سيدنا الأستاذ في المعجم، وهي:

الأوّل: أنّ رواية الكشي تدلّ علی رضا الإمام (علیه السلام) بمناظرته، وأنّه كان يستحسنه، وهو دليل الحسن.

والجواب عنه:

أوّلاً: بأنّ الرواية لم تثبت إلّا من طريق عبد الأعلی نفسه، فإن كان ممّن يوثق بقوله مع قطع النظر عن هذه الرواية فلا حاجة إلی الاستدلال بها، وإلّا فلا يصدّق في روايته هذه أيضاً.

وثانياً: أنّه لا ملازمة بين أن يكون الرجل قويّاً في الجدل والمناظرة، وأن يكون ثقة في أقواله، والمطلوب في الراوي هو الثاني دون الأوّل.

الثاني: أنّه متّحد مع عبد الأعلی بن أعين العجلي المتقدّم، وهو ثقة بشهادة الشيخ المفيد وعلي بن إبراهيم كما تقدّم، ويدل علی الاتحاد: ما في رواية محمد بن يعقوب والشيخ من التصريح بأنّ عبد الأعلی بن أعين هو عبد الأعلی مولی آل سام، كما تقدّم في عبد الأعلی بن أعين.

والجواب عنه أنّ غاية ما يثبت بذلك: أنّ عبد الأعلی مولی آل سام هو ابن أعين، ولا يثبت بذلك الاتحاد، إذ من الممكن أن يكون عبد الأعلی العجلي غير عبد الأعلی مولی آل سام، ويكون والد كلّ منهما مسمّی بأعين.

ص: 175


1- - اختيار معرفة الرجال2: 610/ 578.

ويكشف عن ذلك عدّ الشيخ كلّاً منهما مستقلّاً في أصحاب الصادق (علیه السلام) ، وهو أمارة التعدّد.

ثمّ إنّ الوحيد(قدس سره) ذكر في التعليقة أنّه يظهر من الأخبار فضله وتديّنه.

منها: ما في الكافي: الجزء 1، باب ما يجب علی الناس عند مضيّ الإمام (علیه السلام) 89، الحديث2، ويروي عنه جعفر بن بشير بواسطة، وفيه إشعار بوثاقته، وكذا كونه كثير الرواية ورواياته مفتي بها، ويروي عنه غير جعفر من الأجلّة (إنتهی).

أقول: أمّا رواية الكافي فلا دلالة فيها إلّا علی كون عبد الأعلی شيعيّاً، وقد سأل الإمام (علیه السلام) عن أمر الإمامة وعمّا يجب علی الناس بعد مضيّ الإمام (علیه السلام) .

وأمّا رواية جعفر بن بشير فلا دلالة فيها علی الوثاقة في ما إذا كانت بلا واسطة، فضلاً عمّا إذا كانت مع الواسطة، وكذلك الكلام في رواية الأجلّاء عنه.

وأمّا كون رواياته مفتي بها، فهو علی تقدير تسليمه لا يدلّ علی وثاقة الراوي كما هو ظاهر.

والمتحصّل أنّ الرجل لم تثبت وثاقته ولا حسنه((1)).

والأمر كما أفاد(قدس سره) ، فهذا السند ضعيف.

ص: 176


1- - معجم رجال الحديث10: 279- 280/ 6240.

[693] 7- وَعَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ((1)*)، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَ((2)*) مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أبي الْخَطَّابِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ أَبِي حَبِيبٍ الْأَسَدِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَرْعُفُ وَهُوَ عَلَى وُضُوءٍ قَالَ: يَغْسِلُ آثَارَ الدَّمِ وَيُصَلِّي((3)*).

[7] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ وظيفة من جاءه الرّعاف وكان علی وضوء أن يغسل آثار الدم التي أصابت بدنه أو لباسه فقط، ثمّ يصلّي، ومعنی هذا أنّه ليس عليه إعادة وضوئه، فالرعاف ليس بناقض للوضوء.

سند الحديث:

هكذا ورد السند في التهذيب، لكن في الاستبصار روی عن الشيخ المفيد عن أبي القاسم جعفر بن قولويه الثقة بدل أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، مع أنّا ذكرنا فيما سبق أنّ روايات أحمد الواردة في الكتب الأربعة كلّها عن أبيه محمد بن الحسن، وأنّ للشيخ طريقين معتبرين إلی محمد بن الحسن ليس فيهما أحمد((4)).

وورد فيه أيضاً: سعد بن عبد الله ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب، وهو

ص: 177


1- ([1]*) في الاستبصار: أبي القاسم جعفر بن محمّد.
2- ([2]*) في الاستبصار: عن.
3- ([3]*) التهذيب 1: 14/ 30، والاستبصار 1: 85/ 269.
4- - أصول علم الرجال2: 343.

غريب؛ إذ أنّ سعد بن عبد الله تلميذٌ لمحمد بن الحسين بن أبي الخطاب ومن غير المعهود تقارنهما، ثمّ إنّ مقتضاه أن يروي سعد عن جعفر بن بشير بلا واسطة، وهو غير ممكن((1))، وعلی هذا فالصحيح - كما في الاستبصار - أن يكون ما في السند هكذا: سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن جعفر بن بشير.

وأمّا أبو حبيب الأسدي فلم يستبعد السيّد الأستاذ اتحاده مع أبي حبيب، الراوي عن محمد بن مسلم((2))، ومع أبي حبيب ناجية((3))، وناجية بن أبي عمارة الذي عدّه الشيخ من أصحاب الباقر (علیه السلام) ((4)).

وعدّه البرقي من أصحاب الباقر (علیه السلام) أيضاً، كما عدّ ناجية الصيداوي من أصحاب الصادق (علیه السلام) ((5)).

وقال الكشي: «حدّثني محمد بن مسعود، قال: سألت علي بن الحسن بن فضّال عن نجيّة، قال: هو نجيّة، واسم آخر أيضاً ناجية بن أبي عمارة الصيداوي، قال:وأخبرني بعض ولده أنّ أبا عبد الله (علیه السلام) كان يقول: انج نجيّة، فسمّي بهذا الاسم.

ص: 178


1- - والوجه في ذلك - كما أفاده بعض المتتبّعين - أنّ وفاة سعد كانت سنة إحدی وثلاثمائة، وقيل سنة تسع وتسعين ومائتين، ومات جعفر بن بشير (رحمه الله) بالأبواء سنة ثمان ومائتين، (انظر رجال النجاشي: 178/ 467، و119/ 304)، فلم يدركه سعد هذا ليروي عنه. [المقرّر].
2- - معجم رجال الحديث22: 112/ 14095.
3- - المصدر نفسه: 20: 128/ 12980.
4- - رجال الطوسي: 147/ 1632.
5- - رجال البرقي: 116/ 194، و255/ 678.

حمدويه بن نصير قال: الصيدا بطن من بني أسد، قال: وكان رجل من أصحابنا يقال له نجيّة القواس، وليس هو بمعروف»((1)).

قال السيد الأستاذ(قدس سره) : «أقول: يريد حمدويه بقوله هذا أنّ نجيّة القوّاس مغاير لناجية بن أبي عمارة المعروف، وهو غير معروف... ثمّ إنّ الرواية المتقدّمة وإن دلّت علی حسن الرجل في الجملة إلا أنّها ضعيفة فلا اعتماد عليها، فالرجل مجهول الحال»((2)).

أقول: لكنّه ورد في أسناد كتاب نوادر الحكمة بعنوان ناجية((3)). وروی عنه المشايخ الثقات بعنوان أبي حبيب((4))، فيكون ثقة، وعلی هذا فالسند معتبر.

ص: 179


1- - اختيار معرفة الرجال2: 478/ 480.
2- - معجم رجال الحديث20: 129/ 12981.
3- - أصول علم الرجال1: 242.
4- - أصول علم الرجال2: 220.

[694] 8- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ أَبِي هِلَالٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) أَيَنْقُضُ الرُّعَافُ وَالْقَيْ ءُ وَنَتْفُ الْإِبْطِ الْوُضُوءَ؟ فَقَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهَذَا؟ هَذَا قَوْلُ الْمُغِيرَةِ بْنِ سَعِيدٍ، لَعَنَ اللَّهُ الْمُغِيرَةَ، يُجْزِيكَ مِنْ الرُّعَافِ وَالْقَيْ ءِ أَنْ تَغْسِلَهُ وَلَا تُعِيدُ الْوُضُوءَ((1)*).

[8] - فقه الحديث:

المغيرة بن سعيد مولی بجيلة كان يدعو أوّلاً إلی محمّد بن عبد الله بن الحسن، ثمّ غلا في حقّهم (علیهم السلام) وكان يكذب علی الإمام الباقر (علیه السلام) ، بل كان يدسّ في أحاديث أصحاب الإمام الباقر (علیه السلام) أحاديث لم يحدّث بها، وقد جاءت أحاديث في ذمّه ولعنه والبراءة منه. والقول بأنّ الرّعاف والقيء ونتف الإبط ينقض الوضوء من جملة أقواله التي كذب فيها علی الإمام (علیه السلام) ولذا بيّن (علیه السلام) للسائل أنّ عليه أن يجتنب هذا القول، ثمّ لعن المغيرة بن سعيد.

وبعد ذلك بيّن له الوظيفة في الرّعاف والقيء بقوله (علیه السلام) : «يجزيك من الرعاف والقيء أن تغسله ولا تعيد الوضوء» وهو ظاهر في كفاية الغسل فيهما بلا حاجة إلی إعادة الوضوء، لكونهما غير ناقضين له.

هذا، ويمكن أن يجعل هذا الحديث دليلاً للقول بنجاسة القيء؛ لكون الأمر فيه بالغَسل ظاهراً في الوجوب، لكن يمكن أن يجاب بأنّ الأمر بالغسل لا

ص: 180


1- ([1]*) التهذيب 1: 349/ 1026.

ينحصر بما هو متنجّس، بل قد يكون لأجل إزالة الاستقذار الحاصل منه لا النجاسة، أضف إلی ذلك ما ورد ممّا يدلّ علی عدم نجاسة القيء كما مرّ.

سند الحديث:

فيه: محمد بن الحسين، وهو محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب الثقة الجليل.

وفيه أيضاً: أبو هلال، وهو أبو هلال الرازي، عدّه البرقي من أصحاب الصادق (علیه السلام) ((1))، وقد روی عنه المشايخ الثقات((2))، فيكون ثقة. كما أنّ في السند عثمان بن عيسی وهو من أصحاب الإجماع، فيصحّ ما صحّ عنه، فهذا السند معتبر.

ص: 181


1- - رجال البرقي:268/ 739.
2- - أصول علم الرجال2: 223.

[695] 9- وَعَنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ أَخَذَهُ تَقْطِيرٌ مِنْ قُرْحِهِ((1)*) إِمَّا دَمٌ وَإِمَّا غَيْرُهُ؟ قَالَ: فَلْيَضَعْ((2)*) خَرِيطَةً وَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُصَلِّ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ بَلَاءٌ ابْتُلِيَ بِهِ، فَلَا يُعِيدَنَّ إِلَّا مِنَ الْحَدَثِ الَّذِي يُتَوَضَّأُ مِنْهُ((3)*).

[9] - فقه الحديث:

التقطير هو السيلان قطرة قطرة، قال في الصحاح: «تقطير الشيء: إسالته قطرة قطرة»((4))، والخريطة: وعاء من أدم وغيره يشدّ علی ما فيه، والجمع خرائط ككريمة وكرائم((5)).

وهذا السؤال عن رجل عنده تقطير من قرحة، وفي نسخة من فرجه إمّا دم وإمّا غيره، وأحاديث الباب التاسع عشر تؤيّد النسخة الثانية، وعلی كلتا النسختين تكون وظيفته جعل خريطة لمنع النجاسة من الانتشار وإصابة البدن ثمّ الوضوء والصلاة، فلا أثر للقطرات في إيجاب الوضوء عليه؛ لعجزه عن حبسها أو منعها. وإنّما يعيد الوضوء إذا كان الخارج منه الحدث الذي يُتوضّأ منه مثل البول والمني فهو الذي يوجب نقض الوضوء، والغرض أنّ ما ليس

ص: 182


1- ([1]*) في نسخة «فرجه»، (منه قده).
2- ([2]*) في نسخة «فليصنع» ، (منه قده).
3- ([3]*) التهذيب 1: 349/ 1027.
4- - الصحاح2: 796، مادة: قطر.
5- - مجمع البحرين4: 245، مادة: خرط.

بحدث وإن خرج من الفرج فهو لا ينقض الوضوء، كما تقدّم في نظائر هذا الحديث في ما سبق.

سند الحديث:

تقدّمت أفراده، وهو معتبر، ولا يضرّه الإضمار؛ لكونه من سماعة بن مهران.

ص: 183

[696] 10- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرُّعَافِ وَالْحِجَامَةِ وَكُلِّ دَمٍ سَائِلٍ؟ فَقَالَ: لَيْسَ فِي هَذَا وُضُوءٌ، إِنَّمَا الْوُضُوءُ مِنْ طَرَفَيْكَ اللَّذَيْنِ أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِمَا عَلَيْكَ((1)*).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ((2)*).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ أَيْضاً بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ مِثْلَهُ((3)*).

[10] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث علی أنّ الرّعاف والحجامة وكل دم يسيل ولا يقف علی الجرح لا ينقض الوضوء، بل الوضوء يلزم بسبب الطرفين، أي مايخرج منهما.

ويدلّ علی حصر النواقض في ما يخرج من السبيلين، المعبّر عنهما هنا بالطرفين، والحصر إضافي بالنسبة إلی ما يخرج من غيرهما كالرّعاف والحجامة وكلّ دم سائل وغيرهما مما عدّه العامّة من النواقض، وكأنّ هذا الحديث ردّ عليهم، وإنّما كان الحصر إضافيّاً لدلالة الأحاديث علی وجود نواقض أخری غير ما ذكر كالنوم وذهاب العقل وغير ذلك، كما أنّ تلك الأحاديث تدلّ أيضاً علی أنّه ليس كلّ ما يخرج من السبيلين ناقض. ويختصّ النقض بخروج البول والغائط منهما والريح، وأمّا مثل الدم الذي يخرج من

ص: 184


1- ([1]*) التهذيب 1: 15/ 33.
2- ([2]*) الكافي 3: 37/ 13.
3- ([3]*) الاستبصار 1: 84/ 1.

أحدهما فلا ينقض الوضوء ما لم تصاحبه النجاسة كما مرّ، ويستثنی منه الدماء الثلاثة الطارئة علی النساء، فإنّ حكمها نقض الوضوء كما سيجيء.

سند الحديث:

ذكر المصنف ثلاثة أسانيد لهذا الحديث:

أوّلها: سند الشيخ في التهذيب والاستبصار، وهو بإسناده عن محمد بن الحسن، وإسناده إليه فيهما هكذا: أخبرني الشيخ أيّده الله تعالی (وفي الاستبصار: رحمه الله) قال أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن محمد بن الحسن... إلی آخره.

وقد مرّ الكلام في بقية هذا السند عند بيان سند الحديث الخامس من الباب الثاني من هذه الأبواب، وهو ضعيف بسهل بن زياد.

وثانيها: سند الكليني، وقد سبق أنّه ضعيف بسهل، ويمكن أن يصحّح الحديث لوجوده في الكافي.

وثالثها: سند الشيخ إلی الكليني، وهو كسابقه.

وقد ذكر الماتن سنداً آخر له في الحديث الخامس من الباب الثاني وهو سند الصدوق في الخصال، وقلنا إنّه صحيح أعلائي.

ص: 185

[697] 11- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ (علیه السلام) يَقُولُ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي أَنْفِهِ فَيُصِيبُ خَمْسَ أَصَابِعِهِ الدَّمُ قَالَ: يُنَقِّيهِ وَلَا يُعِيدُ الْوُضُوءَ((1)*).

[11] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ الدم وإن كثر لا ينقض الوضوء، سواء خرج في أثناء الصلاة أم لا، وقوله: «فيصيب خمس أصابعه الدم» يعني أنّ الدم كثير حتّی أنّه كلّما أدخل إصبعاً من أصابع يده أصاب الدم، فعليه أن ينقّيه أي يغسله فقط ولا يعيد الوضوء، لأنّ خروج الدم وإن كان بمقدار كثير ليس من جملة النواقض.

سند الحديث:

فيه: أحمد بن محمد، وهو أحمد بن محمد بن عيسی الأشعري، والسند صحيح.

ص: 186


1- ([1]*) التهذيب 1: 348/ 1024.

[698] 12- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ الْحُرِّ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنْ رَجُلٍ أَصَابَهُ دَمٌ سَائِلٌ؟ قَالَ: يَتَوَضَّأُ وَيُعِيدُ. قَالَ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَائِلًا تَوَضَّأَ وَبَنَى. قَالَ: وَيَصْنَعُ ذَلِكَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ((1)*).

أَقُولُ: يَأْتِي تَأْوِيلُهُ((2)*).

[12] - فقه الحديث:

هذا الحديث فيه إجمال، فإن كان السؤال عن إصابة الدم السائل في الصلاة، فالحكم بإعادة الصلاة له مجال، ويوجّه بكون إزالته تحتاج إلی الفعل الكثير غالباً، بخلاف غير السائل؛ فإنّه قد لا يستلزم الفعل الكثير الماحي لصورة الصلاة فله أن يبني علی صلاته بعد أن يتوضّأ، لكنّه - مع هذا - مخالف للأحاديث السابقة حيث أوجب عليه الوضوء في هذا الحال.

ومع ذلك أيضاً لا يمكن الالتزام بالإعادة في السعي بين الصّفا والمروة؛ لأنّ غَسل وتطهير الأعضاء غير مفسد للسعي.

وإن كان السؤال عن إصابة الدم السائل في الطواف، فهذا التفصيل بين الدم السائل وغيره لو سُلّم أنّ له وجهاً، إلا أنّه لا يمكن الالتزام بالإعادة في السعي بين الصفا والمروة؛ لعدم فساد السعي بتطهير العضو.

والظاهر أنّه صدر تقيّة.

ص: 187


1- ([1]*) الإستبصار 1: 84/ 267، والتهذيب 1: 350/ 1032.
2- ([2]*) يأتي تاويله في ذيل الحديث 13 من هذا الباب.

سند الحديث:

قال في التهذيب: وبهذا الإسناد، وكان الإسناد السابق هو: عنه، أي محمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال، عن علي بن يعقوب الهاشمي، عن مروان بن مسلم وهذاالسند متكرّر في التهذيب.

وقد تقدّم أنّ علي بن يعقوب الهاشمي لم يذكر بشيء، ولكن مروان ابن مسلم له كتاب يرويه جماعة، فكتابه مشهور((1))، وعليه فلا يضرّ وجود علي بن يعقوب الهاشمي قبله. هذا كلّه بالنسبة إلی السند المذكور في التهذيب والذي أشار إليه الماتن هنا بقوله (و بإسناده عن أيوب بن الحر)((2)).

وأمّا أيّوب بن الحر فقد عدّه البرقي في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ، وقال: «جعفي، كوفي»((3)) وعدّه الشيخ أيضاً في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) مع توصيفه بالكوفي، قائلاً: أسند عنه. وفي أصحاب الإمام الكاظم (علیه السلام) ، مع توصيفه بمولی طريف((4)). وقال عنه في الفهرست: «أيّوب

ص: 188


1- - ايضاح الدلائل2: 536.
2- . رجال النجاشي: 103/ 256.
3- - رجال البرقي: 190/ 355.
4- - رجال الطوسي: 166/ 1926، و331/ 4935.

بن الحر، ثقة، له كتاب أخبرنا به عدّة من أصحابنا»((1)).

وقال عنه النجاشي: «أيّوب بن الحر الجعفي، مولی، ثقة، روی عن أبي عبد الله (علیه السلام) ذكره أصحابنا في الرجال، يعرف بأخي أديم، له أصل»((2)). وعليه فالسند معتبر((3)).

ص: 189


1- - فهرست الطوسي: 56/ 60.
2- - رجال النجاشي: 103/ 256.
3- - ولكن في الاستبصار: «وما رواه أيّوب بن الحر...» وظاهره أنّ الشيخ روی بسنده عن أيوب بن الحر وارتضاه صاحب الوسائل، وإسناد الشيخ إلی أيوب بن الحر لم يذكره في مشيخة التهذيبين، نعم ذكره في الفهرست بقوله: «له كتاب أخبرنا به عدّة من أصحابنا عن أبي المفضل عن ابن بطّة عن اَحمد بن أبي عبد الله [عن أبيه] عن أيوب بن الحر» وهذا الطريق ضعيف بأبي المفضّل وابن بطّة، إلّا أنّه مع ذلك يمكن تصحيح الطريق إليه من جهة أخری وهي: بما أنّ للصدوق طريقا صحيحاً إلی روايات أيوب بن الحر، وحيث إنّ للشيخ طريقاً معتبراً إلی جميع روايات الصدوق وكتبه فيكون طريق الصدوق إلی أيوب بن الحر طريقاً للشيخ وبهذا يصير طريق الشيخ إليه معتبراً.

[699] 13- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ ابْنِ بِنْتِ إِلْيَاسَ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ رَأَيْتُ أَبِي صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ رَعَفَ بَعْدَمَا تَوَضَّأَ دَماً سَائِلًا فَتَوَضَّأَ((1)*).

أَقُولُ: حَمَلَهُمَا الشَّيْخُ عَلَى التَّقِيَّةِ وَجَوَّزَ حَمْلَهُمَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَعَلَى غَسْلِ الْمَوْضِعِ فَإِنَّهُ يُسَمَّى وُضُوءاً بِقَرِينَةِ مَا سَبَقَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَصِيرٍ((2)*) وَأَبِي حَبِيبٍ((3)*) وَغَيْرِ ذَلِكَ((4)*). قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى: الْحَمْلُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ بِتَأْوِيلٍ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الْفِعْلِ لَا إِشْعَارَ فِيهِ بِالْوُجُوبِ. انْتَهَى((5)*).

وَيَحْتَمِلُ الْحَمْلُ عَلَى حُصُولِ حَدَثٍ آخَرَ مِنْ رِيحٍ وَنَحْوِهَا، وَعَلَى تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ.

[13] - فقه الحديث:

دل علی أنّ الإمام (علیه السلام) رعف بعدما توضّأ دماً سائلاً فتوضأ بعد ذلك، وفعل الإمام وإن كان لا يخلو من رجحان، لكن لا يلزم من ذلك أن يكون الوضوء

ص: 190


1- ([1]*) التهذيب 1: 13/ 29، والإستبصار 1: 85/ 268.
2- ([2]*) تقدّم في الحديث 5 من هذا الباب.
3- ([3]*) تقدّم في الحديث 7 من هذا الباب.
4- ([4]*) تقدّم في الحديث 8 من هذا الباب.
5- ([5]*) منتقى الجمان 1: 134.

منه علی نحو الوجوب فيستفاد منه أنّ الرعاف ناقض، ولا الاستحباب؛ لاحتمال كون الفعل صدر منه تقيّة، نعم، لو كان في الحديث أمر بالوضوء وقام الإجماع علی عدم الوجوب في هذا المورد لكان الحمل علی الاستحباب متعيّناً، لكن الموجود هو فعلٌ، والفعل مجمل.

وأمّا حمل الوضوء فيه علی غسل الموضع فلا يناسب هنا، لأنّه قال رعف بعدما توضّأ فتوضّأ، والوضوء الأول هو الوضوء الاصطلاحي لا اللغوي، فالظاهر أنّ الوضوء الثاني كذلك، وصرفه عن هذا الظاهر يحتاج إلی قرينة مفقودة في المقام.

وأمّا الحمل علی حصول حدث آخر، وعلی تجديد الوضوء أيضاً فبعيد، ولا قرينة عليه أصلاً.

سند الحديث:

فيه: الحسن بن علي ابن بنت إلياس، وهو الحسن بن علي بن زياد الوشّاء المتقدّم في الحديث العاشر من الباب الأول من أبواب مقدّمة العبادات((1))، «يكنّی بأبي محمد الوشّاء، وهو ابن بنت الياس الصيرفي، خزّاز، من أصحاب الرضا (علیه السلام) ، وكان من وجوه هذه الطائفة، روی عن جدّه إلياس»((2)).

وذكره البرقي في أصحاب الكاظم (علیه السلام) أيضاً، وعدّه من أصحاب

ص: 191


1- - ايضاح الدلائل1: 115.
2- - رجال النجاشي: 39/ 80.

الرضا (علیه السلام) بعنوان (الحسن بن علي الخزّاز) وفي أصحاب الإمام الهادي (علیه السلام) بعنوان «الحسن بن علي الوشاء، يلقّب بربيع»((1)).

وعدّه الشيخ في أصحاب الإمام الرضا (علیه السلام) قائلاً: «الحسن بن علي الخزّاز، ويعرف بالوشّاء، وهو ابن بنت إلياس، يكنّی أبا محمد، وكان يدّعی أنّه عربي كوفي، له كتاب) وأيضاً في أصحاب الإمام الهادي (علیه السلام) ((2)).

وقد مرّ في الموضع المشار إليه أنّه ورد أيضاً في أسناد كتاب نوادر الحكمة وتفسير القمي((3)). وعلی هذا فالسند صحيح.

ص: 192


1- - رجال البرقي: 311/ 136، و339/ 52، و355/ 9.
2- - رجال الطوسي: 354/ 5244، و385/ 5665.
3- - أصول علم الرجال1: 218، 279.

[700] 14- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ فِي قُرْبِ الْإِسْنَادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (علیه السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ اسْتَاكَ أَوْ تَخَلَّلَ فَخَرَجَ مِنْ فَمِهِ دَمٌ أَيَنْقُضُ ذَلِكَ الْوُضُوءَ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ يَتَمَضْمَضُ((1)*).

قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ كَانَ فِي صَلَاتِهِ فَرَمَاهُ رَجُلٌ فَشَجَّهُ فَسَالَ الدَّمُ؟ فَقَالَ: لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَكِنَّهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ((2)*).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي أَحَادِيثِ حَصْرِ النَّوَاقِضِ وَغَيْرِهَا((3)*)، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَعَلَى اسْتِثْنَاءِ دَمِ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ وَالنِّفَاسِ((4)*).

[14] - فقه الحديث:

اشتمل الحديث علی بيان حكم مسألتين:

الأولی: أنّ من خرج الدم بفعلٍ منه كمن استاك أو تخلّل فخرج بسبب ذلك

ص: 193


1- ([1]*) قرب الإسناد: 83.
2- ([2]*) نفس المصدر: 88.
3- ([3]*) تقدّم ما يدلّ على ذلك في الأحاديث 2- 5 من الباب 1 من هذه الأبواب. وفي أحاديث الباب 2 من هذه الأبواب. وفي الأحاديث 1، 4، 13 من الباب 3 من هذه الأبواب. وفي الأحاديث 6، 7، 12 من الباب السابق.
4- ([4]*) يأتي ما يدلّ عليه في الحديثين 16، 17 من الباب 30 من أبواب الحيض.

من فمه دم بأيّ مقدارٍ فهو باقٍ علی وضوئه، فإنّ مجرّد خروج الدم من الفم ليس من جملة النواقض، فلا يوجب نقض الوضوء، ولكن عليه أن يتمضمض، والتمضمض إمّا لأجل إزلة المنفّر، وإمّا لأنّه مستحب، كما مرّ في نظائره.

الثانية: أنّ من خرج الدم بفعلٍ من غيره كمن رُمي فشُجَّ فسال الدم منه بأيّ مقدارٍ أيضاً، فهو باقٍ علی وضوئه، فإنّ مجرد خروج الدم منه وإن كان بسبب غيره ليس من جملة النواقض، فلا يوجب نقض الوضوء، ولكن لو حدث له ذلك في أثناء الصلاة أوجب قطع الصلاة، وسيأتي ما هو المقدار المعفو عنه من الدم في الصلاة في محلّه.

المتحصل من الأحادیث

سند الحديث:

تقدّم الكلام فيه، وهو معتبر.

والحاصل: أنّ في الباب أربعة عشر حديثاً، الأوّل صحيح بسنديه، وكذا الثالث والعاشر بسنده الثالث والحادي عشر والثالث عشر، والبقيّة معتبرات، ما عدا السادس والعاشر بسنده الأوّل فهما ضعيفان.

والمستفاد منها أمور منها:

1- أنّ الرّعاف والقيء لا ينقضان الوضوء، وإذا حدثا أثناء الصلاة وأمكن غسل الموضع أمكنه أن يبني علی الصلاة، ولا يحتاج إلی الإعادة إلّا أن يكون قد أتی بما يبطلها أثناء ذلك كالتكلّم مثلاً.

2- أنّ الرّعاف إن استمر إلی وقت الصلاة فبإمكان المكلّف أن يصلّي به، لكن يحشو أنفه بالقطن ونحوه حتّی لا يخرج الدم منه ويتنجّس.

ص: 194

3- أنّ استمرار خروج الدم من القروح حتّی حال الصلاة لا يضرّ بها ولا بالوضوء، بلا فرق بين القليل والكثير من الدم.

4- أنّ الرّعاف لا ينقض الوضوء وإن كان كثيراً، وكذا كلّ دمٍ سائل.

5- أنّ القيء لا يوجب نقض الطهارة، فمن قاء وهو علی طهارة فعليه أن يتمضمض، للتنظيف استحباباً.

6- أنّ الحجامة لا تنقض الوضوء، وكذا نتف الإبط.

7- من كان عنده تقطير فعليه أن يتوضّأ ويصلّي فإنّ التقطير غير مانع منهما، نعم لابدّ له من التحفّظ عن سريان النجاسة أثناءالصلاة ولو بجعل خريطة ونحوها.

8- أنّ ما ليس بحدث وإن خرج من الفرج كالدم ونحوه لا ينقض الوضوء، ما لم يستصحب حدثاً.

9- أنّ من خرج منه الدم بفعلٍ منه كمن استاك أو تخلّل فهو باقٍ علی وضوئه.

10- أنّ من خرج الدم منه بفعلٍ من غيره كمن رُمي فشُجَّ فسال الدم منه فهو باقٍ علی وضوئه، ولكن لو حدث له ذلك في أثناء الصلاة أوجب قطع الصلاة.

ص: 195

ص: 196

8- بَابُ أَنَّ إِنْشَادَ الشِّعْرِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُو ءَ

اشارة

8- بَابُ أَنَّ إِنْشَادَ الشِّعْرِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ

شرح الباب:

الشعر صناعة لفظيّة تستعملها جميع الأمم، والغرض منه التأثير علی النفوس لتحريك عواطفها، من سرور أو حزن، ومن شجاعة أو جُبن، وغير ذلك، والركن المقوّم له - بعد الوزن والألفاظ - هو التخييل والتصوير، وكلّما كان التخييل دقيقاً ومعبّراً كان له الأثر الأبلغ في نفس السامع، وقد اشتهر أنّ الشعر أكذبه أعذبه، والمراد أنّ التعبير في الشعر كلّما كان مستغرباً وفيه صور خياليّة غريبة فإنّه يكون أكثر جلباً لانتباه النفس وإثارة لانفعالها بسبب غرابته.

والكلام الشعري من شأنه أن يحبّب المبغوض للنّفس ويبغّض المحبوب لها.

ولمّا كانت له أهميّة كبيرة جدّاً في نشر المعرفة والفضائل والمناقب، وكان طريقاً سهلاً للدعاية إلی ولاء أهل البيت (علیهم السلام) ومسلكاً واسعاً لإفشاء المظلوميّة النازلة بفنائهم انبری المعصومون (علیهم السلام) لحثّ من يحسن الشعر إلی قوله فيهم مدحاً ورثاء، وأعطوا علی قوله الجوائز الخطيرة من الأموال، وبشّروهم وكلَّ من يأتي بعدهم بأنّ لهم من الله الثواب والكرامة والتأييد منه سبحانه وتعالی.

قال في مجمع البحرين: «الشعر العربي بالكسر فالسكون: هو النظم الموزون، وحدّه أن يركّب تركيباً متعاضداً وكان مقفّی موزوناً مقصداً به ذلك، قال في

ص: 197

المصباح: فما خلا من هذه القيود أو بعضها لا يسمّی شعراً ولا صاحبه شاعراً، ولهذا ما ورد في الكتاب موزوناً فليس بشعر لعدم القصد والتقفية، ولا كذلك ما يجري علی بعض ألسنة الناس من غير قصد، لأنّه مأخوذ من شعرت إذا فطنت وعلمت، فإذا لم يقصده فكأنّه لم يشعر به، وهو مصدر في الأصل، يقال شعرت أشعر من باب قتل إذا قتلته. وجمع الشاعر شعراء كصالح وصلحاء»((1)).

وقد ورد في الأحاديث الشريفة ما يدلّ علی الحزازة في إنشاد الشعر في المساجد وفي شهر رمضان، وسيأتي في محلّه إن شاء الله تعالی.

وهذا الباب معقود لبيان عدم كون إنشاد الشعر من النواقض للوضوء، وقد تقدّم ما يدلّ على حصر النواقض في أشياء معيّنة، فيكون غيرها غير ناقض له.

أقوال الخاصّة:

سبق أنّ إجماع الطائفة قائم على أنّ خروج البول والغائط والرّيح والنّوم ناقض للوضوء، وأنّ الأحاديث في الأبواب السابقة حصرت ما ينقض الوضوء في هذه الأمور بالإضافة إلى الاستحاضة وما يوجب الغسل كما يأتي، وعلى هذا لا يكون الشعر من جملة ما ينقض، قال العلامة في المنتهى: «إنشاد الشّعر وكلام الفحش والكذب والغيبة والقذف غير ناقض، وهو إجماع علماء الأمصار سواء كان في الصّلاة أو خارجاً عنها»((2)).

ص: 198


1- - مجمع البحرين3: 350- 351، مادة: شعر.
2- - منتهی المطلب1: 230.

أقوال العامّة:

لم نجد في ما اطلعنا عليه من كتبهم التعرّض للخلاف أو الوفاق في ناقضيّة إنشاد الشعر للوضوء وعدم ناقضيّته له، نعم ما نقلناه عن العلّامة في المنتهی قد يستفاد منه أنّ هذا الحكم مجمع عليه عند الكلّ، وقال الشيخ إبراهيم بن محمد الحلبي في غنية المتملّي عند تعداده لأنواع الوضوء الثلاثة، وهي الفرض والواجب والمندوب: «وهو الوضوء للنّوم إذا أراده، والوضوء على الوضوء، بأن يتوضّأ كلّما أحدث، والوضوء بعد الغيبة والكذب وبعد إنشاد الشعر...»((1))

ولكنّه لم ينقل خلافاً أو وفاقاً.

نعم، «حكي عن أحمد رواية أنّ الوضوء ينتقض بالغيبة، وذهب الحنفيّة والشافعيّة إلى استحباب الوضوء الشرعي من الكلام القبيح كالغيبة والنميمة والكذب والقذف وقول الزور والفحش وأشباهها»((2))، والشعر قد يكون فيه هذه الأمور، ولكن من الواضح أنّه قد يخلو عنها ولا يكون فيه إلّا الحق والصدق والدعوة إلى الدين والعقيدة وجميع الفضائل، فلا يكون إيجاب الوضوء أو استحبابه شاملاً له.

ص: 199


1- - غنية المتملي شرح منية المصلي: 7- 8.
2- - الموسوعة الفقهية43: 399.

[701] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ مَيْسَرَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنْ إِنْشَادِ الشِّعْرِ هَلْ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ؟ قَالَ: لَا((1)*).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ مُرْسَلًا((2)*).

أَقُولُ: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حَصْرِ النَّوَاقِضِ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ((3)*).

[1] - فقه الحديث:

أنْشَدَ الشِّعْرَ: قَرَأَه ورفَعَه وأَشَادَ بذِكْرِه((4))، وأنشد الشعر إنشاداً، وهو النشيد فعيل بمعنى مفعول. ونشيد الشعر: قراءته((5)).

وهذا الحديث دالّ على أنّ إنشاد الشعر مطلقاً غير ناقض للوضوء، سواء كان الشعر قليلاً كالبيت والبيتين أم كثيراً كالقصيدة الطويلة أو القصيرة. وسواء حوى الشعر حقّاً أم باطلاً، وسواء كان الشعر في مدح المعصومين (علیهم السلام) أو رثائهم أم لا.

ص: 200


1- ([1]*) التهذيب 1: 16/ 37، والاستبصار 1: 86/ 275.
2- ([2]*) الفقيه 1: 38/ 142.
3- ([3]*) تقدّم في عدة أحاديث في الأبواب 1، 2، 3، وفي الحديث 10 من الباب 7 من هذه الأبواب.
4- - تاج العروس5: 279، مادة: نشد.
5- - مجمع البحرين3: 151، مادة: نشد.

والمنشد للشعر إمّا أن يقرأ شعر نفسه وإمّا شعر غيره، وعلى كلّ تقديرٍ لا ينقض إنشاده له الوضوء.

سند الحديث:

ذكر الماتن هذا الحديث بنحوين:

الأوّل: مسنداً بسند الشيخ في التهذيب والاستبصار، وهو معتبر.

الثاني: مرسلاً عن من لا يحضره الفقيه، وهو أيضاً معتبر علی بعض المباني((1)).

ص: 201


1- - ايضاح الدلائل1: 91- 94.

[702] 2- وَمَا رُوِيَ مِنْ إِنْشَادِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) الشِّعْرَ فِي بَعْضِ الْخُطَبِ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ خَرَجَ لِلْوُضُوءِ((1)*).

[2] - فقه الحديث:

دلّ على فعل أمير المؤمنين (علیه السلام) من إنشاد الشعر في بعض خطبه على المنبر البيت والبيتين والشطر من الشعر، وتلك الخطب كانت في المسجد، وقبل الصلاة كما في صلاة الجمعة أو بعدها كما في صلاة العيد، ولم يكن يخرج منه للوضوء بعد الإنشاد، ولو كان لنقل ولو مرّة واحدة.

سند الحديث:

الخطب التي أنشد فيها أمير المؤمنين (علیه السلام) الشعر متعدّدة، إحداها الخطبة الشقشقيّة المشهورة، حيث تمثل فيها (علیه السلام) ببيتٍ للأعشی، والتي ذكرت في غير نهج البلاغة بأسانيد متعدّدة، واستشهد بها اللغويّون.

وكيف كان فالخطب المذكورة في كتاب نهج البلاغة محذوفة الأسانيد فهي بحكم المرسلة، وإن كانت مسندة في غيره.

ص: 202


1- ([1]*) نهج البلاغة 1: 59/ 24.

[703] 3- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَخِيهِ الْحَسَنِ، عَنْ زُرْعَةَ، عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ نَشِيدِ الشِّعْرِ هَلْ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ أَوْ ظُلْمِ الرَّجُلِ صَاحِبَهُ أَوِ الْكَذِبِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ شِعْراً يَصْدُقُ فِيهِ أَوْ يَكُونَ يَسِيراً مِنَ الشِّعْرِ الْأَبْيَاتَ الثَّلَاثَةَ وَالْأَرْبَعَةَ فَأَمَّا أَنْ يُكْثِرَ مِنَ الشِّعْرِ الْبَاطِلِ فَهُوَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ((1)*).

أَقُولُ: حَمَلَهُ الشَّيْخُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَحَكَى بَعْضُ عُلَمَائِنَا انْعِقَادَ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ وَذَلِكَ دَالٌّ عَلَى تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ.

[3] - فقه الحديث:

مرّ عن المجمع أنّ النشيد فعيل بمعنى مفعول، ونشيد الشعر: قراءته، فنشيد الشعر هو إنشاده نفسه، وقد دلّ الحديث على أنّ إنشاد الشعر ناقض للوضوء، وكذا ظلم الآخرين، والكذب، لكن يستثنی من الشعر الناقض ما يكون صدقاً أو يكون قليلاً كالثلاثة والأربعة أبيات، وأمّا الإكثار من الشعر المحتوي على الباطل من القول فهو ينقض الوضوء. وهذا مخالف للحديث الأوّل.

وحملُ الشيخ له على استحباب الوضوء عند صدور أحد هذه الأمور للإجماع على عدم وجوبه، فيه: أنّ التعبير بالنقض يأباه، فلا يقال إنّ الأمر الفلاني ينقض الوضوء استحباباً.

نعم لو ورد الأمر بالوضوء عقيب شيء وقام الإجماع على عدم الوجوب

ص: 203


1- ([1]*) التهذيب 1: 16/ 35، والاستبصار 1: 87/ 276.

أمكن حينئذٍ حمل الأمر على استحباب الوضوء عقيب ذلك الشيء.

ويبعد الحمل على التقيّة أيضاً لعدم معروفيّة القائل بالنقض من العامّة في عصر النص، نعم التوجيه الأوّل الذي ذكره الشيخ في الاستبصار وجيه، وهو أن يكون تصحَّف على الراوي فيكون قد روى بالصاد غير المعجمة دون الضاد المنقّطة؛ لأنّ ذلك مما ينقص ثواب الوضوء((1)).

وقد دلّت الأحاديث على أنّ فعل الذنوب والمعاصي والمكروهات تنقص العبادات.

المتحصل من الأحادیث

سند الحديث:

تقدّم الكلام في السند مراراً، وهو موثّق.

فالحاصل: أنّ في الباب ثلاثة أحاديث، أوّلها معتبر بسنديه، والثاني ضعيف، والثالث موثّق.

والمستفاد منها أمور، منها:

1- أنّ إنشاد الشعر مطلقاً غير ناقض للوضوء، سواء كان الشعر قليلاً أم كثيراً، وسواء كان حقّاً أم باطلاً.

2- أنّ إنشاد الشعر وظلم الآخرين والكذب ينقص كمال الوضوء.

3- الشعر الصادق أو القليل كالثلاثة والأربعة أبيات، لا يوجب نقص كمال الوضوء.

4- أنّ الإكثار من الشعر المحتوي على الباطل ينقص الوضوء.

ص: 204


1- - الاستبصار1: 87، باب 52 من أبواب ما ينقض الوضوء وما لا ينقضه، ذيل الحديث2.

9- بَابُ أَنَّ الْقُبْلَةَ وَالْمُبَاشَرَةَ وَالْمُضَاجَعَةَ وَمَسَّ الْفَرْجِ مُطْلَقاً وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا دُونَ الْجِمَاعِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُو ءَ

اشارة

9- بَابُ أَنَّ الْقُبْلَةَ وَالْمُبَاشَرَةَ وَالْمُضَاجَعَةَ وَمَسَّ الْفَرْجِ مُطْلَقاً وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا دُونَ الْجِمَاعِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ

شرح الباب:

القُبْلة: اللَّثمة معروفة، والجمع القُبَل وفعله التَّقْبِيل، وقد قَبَّل المرأَةَ والصبيَّ((1)).

والمباشرة هي الجماع، وبقيد دون الجماع يكون معناها الملامسة بالبشرة، أو بخصوص الذكر ومنه التفخيذ، وغيره، قال الزبيدي في تاج العروس: «أصلُه من لَمْسِ بَشَرةِ الرجلِ بَشَرَةَ المرأةِ، وقد يَرِدُ بمعنَی الوَطْءِ في الفِرْجِ، وخارجاً منه»((2)).

وفُسّرت المضاجعة بالاضطجاع والنوم مع شخصٍ، قال في لسان العرب: أَضْجَعَه وضاجَعَه مُضاجَعَة: اضْطَجَعَ معه((3))، وخصّص الأزهري هنا فقال: ضاجَعَ.

ص: 205


1- - لسان العرب11: 544، مادة: قبل.
2- - تاج العروس6: 88، مادة: بشر.
3- - أي نام.

.الرجلُ جاريته إِذا نام معها في شِعار واحد((1))، وهو ضَجِيعُها وهي ضَجِيعَتُه((2)).

والمراد بمسّ الفرج مطلقاً، أي القبل والدبر من الرجل والمرأة، وسواء كان الممسوس فرج نفسه أو فرج غيره، يحلّ له لمسه أو يحرم عليه، وسواء كان المسّ لظاهر الفرج أو باطنه، وبظاهر الكف أو بباطنه، عمداً أو نسياناً.

أقوال الخاصّة:

الأمور المذكورة في عنوان الباب لا تنقض الوضوء، وعليه أكثر علماء الإماميّة، وخالف بعضهم فذهب إلى النقض في بعضها:

أمّا القُبلة فقال العلّامة: «القبلة لا تنقض الوضوء، ذهب إليه أكثر علمائنا، وقال ابن الجنيد: من قبّل بشهوة للجماع، ولذّة في المحرّم نقض الطهارة، والاحتياط إذا كانت في محلّل إعادة الوضوء»((3)).

وأمّا لمس المرأة فعدم النقض به «لم ينقل عن أحد فيه خلاف حتّى ابن الجنيد، والأصول والأخبار والإجماعات دالّة عليه((4)).

وأمّا مسّ الفرج مطلقاً باطناً وظاهراً من المحرّم والمحلَّل فأكثر علمائنا على عدم نقضه للوضوء، قال العلّامة: «مسّ القبل والدبر باطناً أو ظاهراً من المحرّم أو المحلّل لا ينقض الوضوء ولا يوجبه، ذهب إليه أكثر علمائنا كالشيخين (رحمهما الله) ،

ص: 206


1- - الشِعار هو ما ولي شَعْرَ جسد الإنسان دون ما سواه من الثياب، والجمع أَشْعِرَةٌ وشُعُرٌ.
2- - لسان العرب8: 219، مادة: ضجع.
3- - مختلف الشيعة1: 259.
4- - جواهر الكلام1: 419.

وابن أبي عقيل، وأتباعهم»((1))، ولكن خالف في ذلك الصدوق وابن الجنيد فقالا: إنّ مس باطن الدبر أو الإحليل يوجب إعادة الوضوء، وكذا فتح الإحليل، قال في الفقيه: «وإذا مسّ الرجل باطن دبره أو باطن إحليله فعليه أن يعيد الوضوء، وإن كان في الصلاة قطع الصلاة وتوضأ وأعاد الصلاة، وإن فتح إحليله أعاد الوضوء والصلاة»((2)) وقال ابن الجنيد في المختصر - على ما نقله عنه المحقّق في المعتبر - : «إنّ من مسّ ما انضم عليه الثقبان نقض وضوءه، وقال أيضاً: مَنْ مسّ ظاهر الفرج من غيره بشهوة تطهّر إذا كان محرّماً، ومَنْ مسّ باطن الفرجين فعليه الوضوء من المحرّم والمحلّل»((3)).

أقوال العامّة:

وقع الاختلاف بين علماء العامّة في إيجاب الأمور المذكورة للوضوء:

أمّا لمس المرأة أو تقبيلها فقال ابن رشد في بداية المجتهد: «اختلف العلماء في إيجاب الوضوء من لمس النساء باليد، أو بغير ذلك من الأعضاء الحسّاسة، فذهب قوم إلى أنّ من لمس امرأة بيده مفضياً إليها ليس بينها وبينه حجاب ولا ستر فعليه الوضوء، وكذلك من قبّلها، لأنّ القُبلة عندهم لمسٌ ما، سواء التذّ أو لم يلتذ، وبهذا القول قال الشافعي وأصحابه إلّا أنّه مرّة فرّق بين اللامس والملموس، فأوجب الوضوء على اللامس دون الملموس، ومرّة سوّى بينهما،

ص: 207


1- - مختلف الشيعة1: 257.
2- - من لا يحضره الفقيه1: 65.
3- - المعتبر1: 114.

ومرّة فرّق أيضاً بين ذوات المحارم والزوجة فأوجب الوضوء علی من لمس الزوحة دون ذوات المحارم ومرّة سوّى بينهما.

وذهب آخرون إلى إيجاب الوضوء من اللمس إذا فارقته اللذة، أو قصد اللذة في تفصيل لهم في ذلك، وقع بحائل أو بغير حائل بأيّ عضو اتفق ما عدا القُبلة؛ فإنّهم لم يشترطوا لذّة في ذلك، وهو مذهب مالك وجمهور أصحابه، ونفی قوم إيجاب الوضوء لمن لمس النساء، وهو مذهب أبي حنيفة، ولكلٍّ سلف من الصحابة إلّا اشتراط اللذة؛ فإنّي لا أذكر أحداً من الصحابة اشترطها»((1)).

وقد ذكر بعض مفسّري العامّة الرأي الموافق للخاصّة في معنی الملامسة وأنّها الجماع، ونسبوه إلى بعض الصحابة، بل قالوا بأنّه الصحيح، مستدلّين بروايات صحيحة عندهم((2)).

وأمّا مسّ الذكر فقال ابن رشد فيه: «اختلف العلماء فيه على ثلاثة مذاهب: فمنهم من رأى الوضوء فيه كيفما مسّه، وهو مذهب الشافعي وأصحابه وأحمد وداود، ومنهم من لم ير فيه وضوءاً أصلاً، وهو أبو حنيفة وأصحابه، ولكلا الفريقين سلفٌ من الصحابة والتابعين.

وقوم فرّقوا بين أن يمسّه بحال، أو لا يمسه بتلك الحال، وهؤلاء افترقوا فيه فرقاً: فمنهم من فرّق فيه بين أن يلتذَّ أو لا يلتذّ، ومنهم من فرّق بين أن يمسّه

ص: 208


1- - بداية المجتهد1: 34.
2- - الدرّ المنثور في تفسير المأثور2: 166- 167، روح المعاني5: 56.

بباطن الكف، أو لا يمسّه، فأوجبوا الوضوء مع اللذّة، ولم يوجبوه مع عدمها، وكذلك أوجبه قوم مع المسّ بباطن الكف، ولم يوجبوه مع المسّ بظاهرها، وهذان الاعتباران مرويّان عن أصحاب مالك، وكأنّ اعتبار باطن الكف راجع إلى اعتبار سبب اللذّة.

وفرّق قوم في ذلك بين العمد والنسيان، فأوجبوا الوضوء منه مع العمد، ولم يوجبوه مع النسيان، وهو مروي عن مالك، وهو قول داود وأصحابه. ورأى قوم أنّ الوضوء من مسّه سنّة لا واجب. قال أبو عمر: وهذا الذي استقرّ من مذهب مالك عند أهل المغرب من أصحابه، والرواية عنه فيه مضطربة»((1)).

ص: 209


1- - بداية المجتهد1: 35.

[704] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُصَدِّقِ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي الْمَرْأَةِ تَكُونُ فِي الصَّلَاةِ فَتَظُنُّ أَنَّهَا قَدْ حَاضَتْ؟ قَالَ: تُدْخِلُ يَدَهَا فَتَمَسُّ الْمَوْضِعَ فَإِنْ رَأَتْ شَيْئاً انْصَرَفَتْ وَإِنْ لَمْ تَرَ شَيْئاً أَتَمَّتْ صَلَاتَهَا((1)*).

مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى مِثْلَهُ((2)*).

[1] - فقه الحديث:

قوله: فتظنّ أنّها قد حاضت أي تظنّ أنّ الدم سال منها، والظنّ هنا يشمل الشك، وقد دلّ جوابه (علیه السلام) علی عدم الاعتناء بالظنّ بالحدث، وأنّه لابدّ من حصول العلم به فلو علمت به قطعت الصلاة، وإلّا أتمّت صلاتها، ودلّ أيضاً علی عدم بطلان الوضوء بمسّ الفرج لغرض، والغرض هنا هو استعلام حالها من حيث بقاء طهارتها أو انتقاضها.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

الأوّل: سند الكليني، وفي هذا السند: محمد بن يحيى وهو القمّي، ومحمد بن أحمد هو ابن يحيى القمّي، وأحمد بن الحسن بن علي هو ابن

ص: 210


1- ([1]*) الكافي 3: 104/ 1.
2- ([2]*) التهذيب 1: 394/ 1222 وأورده أيضاً في الحديث 1 من الباب 44 من أبواب الحيض.

فضّال، وعمرو بن سعيد هو المدائني، ومصدّق بن صدقة هو المدائني، وعمّار بن موسى هو الساباطي وقد مضى الكلام في أفراده، وهو موثّق.

الثاني: سند الشيخ في التهذيب إلى محمد بن أحمد بن يحيی القمّي، وقد تقدّم أنّه معتبر، وبقيّة أفراد هذا السند كما في سابقه، فيكون موثّقاً أيضاً.

ص: 211

[705] 2- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: لَيْسَ فِي الْمَذْيِ مِنَ الشَّهْوَةِ وَلَا مِنَ الْإِنْعَاظِ((1)*) وَلَا مِنَ الْقُبْلَةِ وَلَا مِنْ مَسِّ الْفَرْجِ وَلَا مِنَ الْمُضَاجَعَةِ وُضُوءٌ وَلَا يُغْسَلُ مِنْهُ الثَّوْبُ وَلَا الْجَسَدُ((2)*).

[2] - فقه الحديث:

المَذْيُ: «بالتسكين: ما يخرج عند الملاعبة والتقبيل، وفيه الوضوء، مَذَى الرجلُ والفَحْلُ - بالفتح - مَذْياً وأَمْذَى - بالألف - مثله، وهو أَرَقُّ ما يكون من النطفة، والاسم المَذْيُ والمَذِيُّ، والتخفيف أَعلى»((3)).

والإنعاظ: مصدر، «أَنْعَظَ الرَّجُلُ والمَرأَةُ: عَلَاهُمَا الشَّبَقُ واشْتَهَيَا الجِمَاعَ، وهَاجَا»((4)).

والمضاجعة مرّ معناها في شرح الباب، والظاهر حملها هنا علی المضاجعة دون الفرج كما لا يخفی.

وقد ذُكر لهذا الحديث احتمالان:

الاحتمال الأوّل: أن يكون قوله (علیه السلام) : (ولا من الإنعاظ) معطوفاً على قوله: (من الشهوة) فيصير الحديث متعرّضاً لعدم النقض بخروج المذي

ص: 212


1- ([1]*) أنعظ الرجل: إذا اشتهى الجماع(مجمع البحرين 4: 292).
2- ([2]*) التهذيب 1: 19/ 47 و1: 253/ 734. والاستبصار 1: 93/ 10 و1: 174/ 1.
3- - لسان العرب 15: 274، مادة: مذي.
4- - تاج العروس10: 496، مادة: نعظ.

فقط، حيث إنّ المعطوفات تكون أسباباً لخروجه، ويكون المعنى: ليس في المذي الذي يخرج بسبب الشهوة، أو الانعاظ، أو القبلة، أو مسّ الفرج، أو المضاجعة وضوء.

ويؤيّد هذا الاحتمال أمران:

أحدهما: العدول عن كلمة (في) إلى كلمة (من) في المعطوفات كلّها، ولو لم تكن معطوفة على قوله: (من الشهوة) لناسب أن تذكر كلمة (في) بدل كلمة (من)، فيقال: ليس في المذي من الشهوة ولا في الإنعاظ ولا في القبلة ولا في مس الفرج ولا في المضاجعة وضوء.

ثانيهما: ذكر حكم غسل الثوب والجسد من إصابة المذي لهما، وهو مناسب للمذي.

الاحتمال الثاني: أن يكون قوله (علیه السلام) (ولا من الإنعاظ) معطوفاً على قوله: (في المذي) فيصير الحديث متعرّضاً لخمسة أمور لا يوجب حصولها نقض الوضوء، ويكون المعنى: ليس في المذي الذي يخرج بسبب الشهوة وضوء، ولا في الانعاظ وضوء إلی آخره.

ويؤيّد هذا الاحتمال: أنّ المذي من الشهوة يجتمع مع الإنعاظ و القبلة ومسّ الفرج والمضاجعة، وحينئذٍ لا وجه للمقابلة، فيكون الإنعاظ - مثلاً - ولو مع خروج المذي غير ناقض للوضوء، وكذا البواقي((1)).

ص: 213


1- - انظر: ملاذ الأخيار1: 105- 106، وكشف الأسرار3: 97- 98.

وسيأتي في الباب الثاني عشر من هذه الأبواب - بعد علاج المتعارضات - أنّ المذي لا ينقض الوضوء.

سند الحديث:

قد سبق أنّ أحد طريقي الشيخ إلى الحسين بن سعيد صحيح((1))، و«غير واحد من أصحابنا» ليس إرسالاً، فالسند صحيح.

ص: 214


1- - ايضاح الدلائل1: 471- 472.

[706] 3- وَعَنْهُ، عَنْ فَضَالَةَ وَابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ وَحَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) قَالَ: لَيْسَ فِي الْقُبْلَةِ وَلَا الْمُبَاشَرَةِ وَلَا مَسِّ الْفَرْجِ وُضُوءٌ((1)*).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ جَمِيلٍ، عَنْ زُرَارَةَ((2)*).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ مُرْسَلًا((3)*).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ أَيْضاً بِالإِسْنَادِ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: وَلَا الْمُلَامَسَةِ((4)*).

[3] - فقه الحديث:

دلّ علی عدم نقض الوضوء بالقبلة أو المباشرة أو مسّ الفرج أو الملامسة - وهي المسّ والإمساك والمصافحة ونحو ذلك باليد أو بغيرها من أعضاء البدن - وهذه الأمور مطلقة فسواء كان الزوج هو الذي قبّل زوجته أم الزوجة قبّلت الزوج فإنّه لا يوجب الوضوء، وكذا البواقي بلا فرق. وسيأتي بيان المراد من الملامسة للنساء المرادة في الآية الشريفة في الحديث الآتي.

ص: 215


1- ([1]*) التهذيب 1: 22/ 54، والاستبصار 1: 87/ 277.
2- ([2]*) الكافي 3: 37/ 12.
3- ([3]*) الفقيه 1: 38/ 9.
4- ([4]*) التهذيب 1: 23/ 59.

سند الحديث:

أورد الماتن هذا الحديث بأربعة أنحاء:

الأوّل: بإسناد الشيخ عنه أي الحسين بن سعيد، وكذا ما يأتي من أحاديث هذا الباب إلی الحديث التاسع. والسند صحيح.

الثاني: بسند الكليني، وهو معتبر.

الثالث: بنقل الفقيه مرسلاً، وهو أيضاً معتبر، بناءً علی ما مرّ مراراً((1)).

الرابع: بسند الشيخ أيضاً في التهذيب - بنحو الإشارة لا التصريح -، وهو: الشيخ - أي المفيد (رحمه الله) - عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه، عن محمد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن محمد بن عيسی، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن جميل، عن زرارة. وقد مرّ أنّ أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد لم يوثق، إلا أنّ للشيخ طريقين معتبرين لجميع روايات أبيه((2))، فالسند معتبر.

ص: 216


1- - ايضاح الدلائل1: 91- 94.
2- - المصدر السابق: 218.

[707] 4- وَعَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) مَا تَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَدْعُو جَارِيَتَهُ فَتَأْخُذُ بِيَدِهِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِنَّ مَنْ عِنْدَنَا يَزْعُمُونَ أَنَّهَا الْمُلَامَسَةُ؟ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ مَا بِذَلِكَ بَأْسٌ، وَرُبَّمَا فَعَلْتُهُ، وَمَا يُعْنَى بِهَذَا {أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ}((1)*) إِلَّا الْمُوَاقَعَةُ فِي الْفَرْجِ((2)*)((3)*).

[4] - فقه الحديث:

دلّ على أنّ الملامسة الناقضة للوضوء هي المواقعة في الفرج، وأنّ المسّ والإمساك باليد - ولو لم تحصل به شهوة غالباً كما في الاستعانة بإمساك يد الجارية لغرض الوصول إلى المسجد - ونحوهما ليس هو الملامسة الموجبة للطهارة المائيّة أو الترابيّة، فلا بأس به، إذ لا يوجب إعادة الوضوء، ولاحزازة فيه ولا إثم.

وقوله (علیه السلام) : «وربما فعلته» أي ولم أتوضّأ، وهو تأكيد على عدم نقض المسّ بفعل الإمام (علیه السلام) نفسه.

والألف واللام في كلمة الملامسة في قول السائل: «يزعمون أنّها الملامسة» عهديّة، أي الملامسة الواردة في الآية.

ص: 217


1- ([1]*) النساء 4: 43، والمائدة 5: 6.
2- ([2]*) في التهذيب «دون الفرج»، (منه قده).
3- ([3]*) التهذيب 1: 22/ 55، والاستبصار 1: 87/ 278.

وقد وافقنا بعض مفسّري العامّة في معنى الملامسة في الآية وأنّها كاللمس كناية عن الجماع، ونسبوه إلى بعض الصحابة، بل قالوا بأنّه الصحيح، كما مرّ في شرح الباب. وإنّما كنّى بالملامسة عن الجماع لأنّ بما يتوصّل إليه كما أفاده بعض علمائنا((1)).

وأمّا على النسخة التي نقلها الماتن في الهامش وهي: «إلا المواقعة دون الفرج» فأيضاً تدلّ على عدم النقض باللمس والإمساك والمصافحة ونحو ذلك، وإن دلّت على النقض بمثل التفخيذ، لكنّه مخالف لما يأتي من أحاديث الباب المفسّرة للملامسة بخصوص الجماع، فالظاهر أنّ هذه النسخة غير صحيحة.

سند الحديث:

الضمير في قوله: «عنه» يرجع إلى الحسين بن سعيد كما قدّمنا، وأحمد بن محمد هو ابن أبي نصر البزنطي، وأمّا أبو مريم فهو أبو مريم الأنصاري وقد مرّ أنّه عبد الغفّار بن القاسم((2))، وكتابه مشهور، فالسند صحيح.

ص: 218


1- - انظر كنز العرفان1: 25.
2- - ايضاح الدلائل3: 227.

[708] 5- وَعَنْهُ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنِ الْحَلَبِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْقُبْلَةِ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ((1)*).

[5] - فقه الحديث:

دلّ على عدم نقض الوضوء بالقبلة، وذلك لأنّ الظاهر أنّ تقدير خبر لا النافية المحذوف في جواب الإمام (علیه السلام) هو: «بها» أي لا بأس بالقبلة، ونفي البأس المطلق يشمل الحكمين الوضعي وهو عدم نقض الوضوء بها، والتكليفي وهو جواز القبلة وعدم حرمتها للمتوضّي، وان كان السؤال عن الحكم الوضعي.

سند الحديث:

صفوان هو صفوان بن يحيی، وابن مسكان هو عبد الله بن مسكان، وقد تقدّم القول في وثاقتهم وجلالتهم((2)).

وأمّا الحلبي فهو مشترك بين أربعة:

أحدهم: يحيى بن عمران بن علي الحلبي، تقدّم توثيقه بأكثر من وجه((3)).

الثاني: عمران بن علي بن أبي شعبة الحلبي، عدّه البرقي والشيخ في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ((4)) وقد تقدّم توثيقه ضمن ترجمة أخيه محمد بن علي((5)).وعدّه

ص: 219


1- ([1]*) التهذيب 1: 22/ 58، والاستبصار 1: 88/ 279.
2- - ايضاح الدلائل1: 75 و 88.
3- - المصدر السابق: 149.
4- - رجال البرقي: 224/ 523، ورجال الطوسي: 256/ 3622.
5- - ايضاح الدلائل2: 65.

الشيخ المفيد في رسالته العدديّة من الفقهاء والأعلام، المأخوذ منهم الحلال والحرام، والفتيا والأحكام، الذين لا يطعن عليهم ولا طريق لذمّ واحد منهم((1)).

الثالث: عبيد الله بن علي الحلبي، عدّه البرقي في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) قائلاً: «كوفي وكان متجره إلى حلب فغلب عليه هذا اللّقب، مولى ثقة صحيح، له كتاب، وهو أول كتاب صنّفه الشيعة»((2))، وعدّه الشيخ أيضاً من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) قائلاً: «عبيد الله بن علي بن أبي شعبه الحلبي الكوفي، مولى بني عجل»((3)) وقال عنه في الفهرست: «عبيد الله بن علي الحلبي، له كتاب مصنّف معوّل عليه، وقيل: إنّه عرض على الصادق (علیه السلام) ، فلمّا رآه استحسنه وقال: ليس لهؤلاء - يعني المخالفين - مثله»((4)).

وقال النجاشي: «عبيد الله بن علي بن أبي شعبة الحلبي مولى بني تيم اللات بن ثعلبة أبو علي، كوفي، كان يتّجر هو وأبوه وإخوته إلى حلب فغلب عليهم النسبة إلى حلب، وآل أبي شعبة في الكوفة بيت مذكور من أصحابنا، وروى جدّهم أبو شعبة عن الحسن والحسين (علیهما السلام) ، وكانوا جميعهم ثقات مرجوعاً إلى ما يقولون، وكان عبيد الله كبيرهم ووجههم، وصنّف الكتاب المنسوب إليه وعرضه على أبي عبد الله (علیه السلام) وصحّحه، قال عند قراءته: أترى لهؤلاء مثل

ص: 220


1- - جوابات أهل الموصل في العدد والرؤية: 45.
2- - رجال البرقي: 154/ 178.
3- - رجال الطوسي: 234/ 3193.
4- - فهرست الطوسي: 174/ 466.

هذا؟. والنسخ مختلفة الأوائل، والتفاوت فيها قريب، وقد روی هذا الكتاب خلق من أصحابنا، عن عبيد الله، والطرق إليه كثيرة، ونحن جارون على عادتنا في هذا الكتاب، وذاكرون إليه طريقاً واحداً، أخبرنا غير واحد عن علي بن حبشي بن قوني الكاتب الكوفي، عن حُميد بن زياد، عن عبيد الله بن أحمد بن نهيك عن ابن أبي عمير عن حمّاد عن الحلبي»((1)).

الرابع: محمد بن علي الحلبي، وقد تقدّم توثيقه((2)).

أمّا الأوّل فهو يروي عن عبد الله بن مسكان، فلا يراد هنا.

وأمّا الثاني فالراوي عنه في عدّة طرق: حمّاد بن عيسی وحمّاد بن عثمان، مضافاً إلى أنّ المشهور لا ينصرف إليه.

وأمّا الثالث - وهو عبيد الله - فإنّ طرق الشيخ في الفهرست كلّها تنتهي إلى حمّاد بن عثمان أيضاً، فهو راوي كتابه، قال: «أخبرنا به الشيخ المفيد (رحمه الله) ، عن أبي جعفر ابن بابويه، عن أبيه ومحمد بن الحسن جميعاً، عن سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري، عن أحمد وعبد الله ابني محمد بن عيسى الأشعري، عن محمد بن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن الحلبي.

وأخبرنا به ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن الصفّار، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي.

وأخبرنا به جماعة، عن التلعكبري، عن أبي عيسى عبيد الله بن محمد بن

ص: 221


1- - رجال النجاشي: 230- 231/ 612.
2- - ايضاح الدلائل2: 64- 65.

الفضل بن هلال الطائي، قال: حدّثنا أحمد بن علي بن النعمان، قال: حدّثنا السندي بن محمد البزّاز، قال: حدّثنا حمّاد بن عثمان ذو الناب، عنه»((1)).

وكذا طريق النجاشي إليه فإنّه ينتهي إلى حمّاد كما عرفت.

وبهذا يظهر أنّ المراد بالحلبي هنا هو محمد بن علي الحلبي، والقرينة على ذلك - بضمّ ما تقدم هنا - أن الراوي عنه في هذا السند هو عبد الله بن مسكان، وقد ورد عبد الله بن مسكان في طريق النجاشي والصدوق إلى محمد بن علي بن أبي شعبة، قال النجاشي: «له كتب، منها: كتاب في الإمامة، وكتاب في الحلال والحرام، وأكثره عن محمد بن علي الحلبي»((2)).

وقال الصدوق: «وما كان فيه عن محمد بن علي الحلبي فقد رويته عن أبي ومحمد بن الحسن ومحمد بن موسی بن المتوكل2، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أيّوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الله بن مسكان، عن محمد بن علي الحلبي»((3)).

وقال النجاشي في ترجمة محمد بن علي بن أبي شعبة: «وله كتاب مبوّب في الحلال والحرام، أخبرنا ابن نوح عن البزوفري عن حُميد قال: حدّثنا الحسن بن محمد بن سماعة قال: حدّثنا الحسين بن ...((4)) عن ابن مسكان عنه به»((5)).

ص: 222


1- - فهرست الطوسي: 174/ 466.
2- - رجال النجاشي: 214/ 559.
3- - من لا يحضره الفقيه، المشيخة4: 427.
4- - بياض في أصل النسخة.
5- - رجال النجاشي: 325/ 885.

فيظهر من هذا أنّ راوي كتاب محمد بن علي الحلبي في الحلال والحرام هو عبد الله بن مسكان، كما هو الحال في هذا السند((1)).

نعم، ذكر الشيخ أنّ طريقه في الفهرست إلى محمد بن علي الحلبي هو: «ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن الصفّار، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي بن فضّال، عن أبي جميلة المفضّل بن صالح، عنه»((2)) فلم يكن الراوي عنه عبد الله بن مسكان.

وقد أورد في التهذيب حديثين وكرّرهما في الاستبصار وفي سندهما عبد الله بن مسكان عن عبيدالله الحلبي((3)) لكنهما مورد تأمّل، لما عرفت من كون الراوي عن محمد بن علي هو عبد الله بن مسكان.

وعلی هذا فالسند صحيح.

ص: 223


1- - أقول: ومن القرائن أيضاً أنّ الشيخ في التهذيب أورد في بعض الموارد السند مصرّحاً بأنّ من يروي عنه صفوان هو عبد الله، ومن يروي عنه عبد الله هو محمد بن علي الحلبي، هكذا: صفوان بن يحيى، عن عبد الله بن مسكان، عن محمد بن علي الحلبي، كما في الجزء 4: 32،كتاب الزكاة، باب زكاة مال الغائب والدين والقرض، الحديث 80، والجزء 6: 380، باب المكاسب، الحديث 1117 [المقرّر].
2- - فهرست الطوسي: 205/ 586.
3- - تهذيب الأحكام3: 157، ح 238، وج5: 32، ح 96، والاستبصار1: 453، ح 1757، وج2: 157، ح 514.

[709] 6- وَعَنْهُ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ مَسَّ فَرْجَ امْرَأَتِهِ؟ قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْ ءٌ، وَإِنْ شَاءَ غَسَلَ يَدَهُ، وَالْقُبْلَةُ لَا يُتَوَضَّأُ مِنْهَا((1)*).

[6] - فقه الحديث:

دلّ الحديث علی أمرين:

الأوّل: أنّ مسّ فرج الزوجة لا ينقض الوضوء؛ لأنّ قوله (علیه السلام) : ليس عليه شيء، أي ليس عليه شيء لا تكليفاً ولا وضعاً، فليس عليه إثم، وليس عليه الوضوء.

نعم، له أن يغسل يده بعد المس، ولعلّه لإزالة نفور النفس من استعمال اليد في ملامسة المأكولات وغيرها بعد ذلك بلا غَسلٍ لليد، ولكنّه لا يجب.

الثاني: أنّ تقبيل الزوجة لايوجب الوضوء، ولو كان ذلك بشهوة، بمقتضى الإطلاق.

سند الحديث:

القاسم بن محمد تقدّم أنّه مشترك بين ستة عشر في هذا العنوان((2))، والمعروفون من بينهم أربعة، وعيّنّا هناك سبيل التمييز بينهم، والمراد به هنا الجوهري بقرينة رواية الحسين بن سعيد عنه، وروايته عن أبان بن عثمان الذي هومن أصحاب

ص: 224


1- ([1]*) التهذيب 1: 22/ 57، والاستبصار 1: 88/ 281.
2- - ايضاح الدلائل3: 426- 427.

الإجماع. وأمّا عبد الرحمن فقد تقدّم في الباب الأوّل من هذه الأبواب أنّه ثقة((1)).

وعلى هذا فالسند معتبر.

ص: 225


1- - في الصفحة: 18.

[710] 7- وَعَنْهُ، عَنْ فَضَالَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يَعْبَثُ بِذَكَرِهِ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ((1)*).

[7] - فقه الحديث:

العبث: «بالتحريك: اللّعب، يقال: عبث يعبث - من باب علم عبثاً بالتحريك -: لعب وعمل ما لا فائدة فيه، كمن ينزف الماء من البحر إلی البحر عابثاً»((2)) فقوله: يعبث بذكره، أي بلا غرض. والعبث بالذكر مطلق فيشمل مسّ ظاهره وباطنه، أي إذا فتحه، وقوله: لا بأس به، أي تكليفاً ووضعاً، فليس ذلك محرّماً ولا ناقضاً للوضوء، وإن كان منافياً للخشوع والاقبال علی الله تعالی المطلوبين للمصلّي.

سند الحديث:

تقدّمت أفراده، وهو صحيح.

ص: 226


1- ([1]*) التهذيب 1: 346/ 1014، والإستبصار 1: 88/ 282 من غير أن يذكر محمّد بن أبي عمير، وأورده في الحديث 2 من الباب 26 من أبواب القواطع.
2- - مجمع البحرين2: 259، مادة: عبث.

[711] 8- وَعَنْهُ، عَنْ أَخِيهِ الْحَسَنِ، عَنْ زُرْعَةَ، عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يَمَسُّ ذَكَرَهُ أَوْ فَرْجَهُ أَوْ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يُعِيدُ وُضُوءَهُ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، إِنَّمَا هُوَ مِنْ جَسَدِهِ((1)*).

أَقُولُ: وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي قَوَاطِعِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا((2)*)، وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي أَحَادِيثِ حَصْرِ النَّوَاقِضِ((3)*).

[8]- فقه الحديث:

دلّ على أن مسّ هذه الأعضاء حال الصلاة لا يوجب الوضوء ولو كان عبثاً، وإذا لم ينقض المسّ المذكور الوضوء في الصلاة، فكذا في غير حال الصلاة

سند الحديث:

تقدّمت رجاله، وهو موثّق.

ص: 227


1- ([1]*) التهذيب 1: 346/ 1015، والإستبصار 1: 88/ 283.
2- ([2]*) يأتي في الباب 26 من أبواب قواطع الصلاة.
3- ([3]*) تقدّم في الأبواب 1- 3، والحديث 10 من الباب 7 من أبواب نواقض الوضوء.

[712] 9- وَعَنْهُ، عَنْ عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام)

قَالَ: إِذَا قَبَّلَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ مِنْ شَهْوَةٍ أَوْ مَسَّ فَرْجَهَا أَعَادَ الْوُضُوءَ((1)*).

[9] - فقه الحديث:

دلّ على نقض الوضوء بتقبيل الرجل المرأة بشهوة أو بمسّ فرجها ولو من دون شهوة، كما هو مقتضى الإطلاق، وهذا الحديث ممّا احتج به الصدوق وابن الجنيد على نقض الوضوء بتقبيل المرأة بشهوة أو بمسّ فرجها، وهو خلاف ما عليه أكثر علمائنا، وما يظهر من الأحاديث المتقدّمة، وموافق للعامّة فيحمل على التقيّة.

سند الحديث:

فيه: عثمان، وهو ابن عيسی، وابن مسكان وهو عبد الله. فهو صحيح.

ص: 228


1- ([1]*) التهذيب 1: 22/ 56، والإستبصار 1: 88/ 280.

[713] 10- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُصَدِّقِ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ مُوسَى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَمَسُّ بَاطِنَ دُبُرِهِ؟ قَالَ نَقَضَ وُضُوءَهُ، وَإِنْ مَسَّ بَاطِنَ إِحْلِيلِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ قَطَعَ الصَّلَاةَ وَيَتَوَضَّأُ وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ، وَإِنْ فَتَحَ إِحْلِيلَهُ أَعَادَ الْوُضُوءَ وَأَعَادَ الصَّلَاةَ((1)*).

أَقُولُ: يَجِبُ حَمْلُ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى التَّقِيَّةِ لِمُوَافَقَتِهِمَا لَهَا، قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَصْحَابِ((2)*).

[10]- فقه الحديث:

دلّ علی أنّ من كان علی وضوء ثم مسّ باطن دبره انتقض وضوؤه، وكذا إذا مسّ باطن إحليله، هذا إذا كان في غير حال الصلاة، وأمّا إذا كان ذلك منه وهو يصلّي فإنّ ذلك يبطل الصلاة فعليه أن يعيدها بعد إعادة الوضوء، وقوله (علیه السلام) : «وإن فتح إحليله» يحتمل أنّ المراد فتح مجری الإحليل، ويحتمل أنّه كشفُ الإحليل، وهذا الحديث ممّا احتجّ به الصدوق وابن الجنيد علىنقض الوضوء بمسّ باطن الفرج، أو فتح الإحليل، وإذا حدث شيء من ذلك

ص: 229


1- ([1]*) التهذيب 1: 45/ 127، والاستبصار 1: 88/ 284. ورواه أيضاً في التهذيب 1: 348/ 1023.
2- ([2]*) جاء في هامش المخطوط ما نصّه: «قد نقل العلامة في التذكرة [1- 10] وغيرها [المنتهى 1: 35] مضمون الحديثين عن جماعة كثيرين من العامّة، بل عن أكثرهم» (منه قده).

أثناء الصلاة فهو قاطع لها أيضاً. فيقطع الصلاة ويتوضّأ ثم يعيد الصلاة.

وقال الشيخ في توجيهه: الوجه في هذا الخبر أن نحمله على أنّه إذا صادف هناك شيئاً من النجاسة فإنّه يجب عليه حينئذ إعادة الوضوء والصلاة((1)). وهو جمع تبرّعي.

سند الحديث:

تقدّمت أفراده، وهو موثّق.

الجمع بين الأحاديث:

جمع أكثر الأصحاب بين هذين الحديثين وأحاديث الباب بحملهما على التقيّة؛ لأنّ أحاديث الباب دالّة على عدم الناقضيّة، وقد سبق في شرح الباب أنّ المشهور بين العامّة - ما عدا الحنفيّة - هو الناقضيّة فيكون الحديثان موافقَين لهم، ويكونان - من جهة أخرى - مخالفين للأحاديث الحاصرة للنواقض في ما مرّ.

أضف إلى ذلك شذوذهما وعدم عمل الأصحاب بهما، مضافاً إلی أنّهما مخالفان للكتاب، بخلاف بقيّة الأحاديث فإنّها موافقة لإطلاق الكتاب.

نعم، ورد في الكتاب: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ}((2))، فلو كان المراد مطلق المسّ كان موافقاً لهما إلّا أنّ الوارد في أحاديثنا أنّ المراد بالملامسة:الجماع، فيكون ظاهر الكتاب مرجّحاً لبقية أحاديث الباب.

ص: 230


1- - الاستبصار1: 89، ذيل الحديث: 284.
2- - سورة النساء: الآية 43، وسورة المائدة: الآية 6.

وهنا جمع آخر وهو حمل الحديثين على الاستحباب، فمن مسّ الأشياء المذكورة أعاد الوضوء استحباباً، وهذا الوجه ذكره الشيخ وجماعة((1)).

ويوجد حمل ثالث وهو أنّ المراد من الوضوء في الحديث التاسع هو غَسل اليد، كما عن الشيخ في التهذيب((2))، ويحمل الحديث العاشر على أنّه إذا صادف هناك شيئاً من النجاسة فإنّه يجب عليه حينئذٍ إعادة الوضوء والصلاة، ومن لم يصادف شيئاً من ذلك لم يكن عليه شيء((3)).

ولا يُصار إلى الحمل على التقيّة إذا صحّ أحد الحملين الأخيرين؛ لتقدّم التصرّف الدلالي على التصرّف الجهتي.

ولكن قد يقال بِبُعد هذين الحملين، وهو الصحيح، فقد ذكر في العروة أنّ جماعة من العلماء ذكروا استحباب الوضوء في موارد، ومنها ما في هذين الحديثين - وتبعهم السيد الحكيم في المستمسك ((4))- ثم قال صاحب العروة: «لكن الاستحباب في هذه الموارد غير معلوم»، واستصوبه السيد الأستاذ(قدس سره) ((5))، والدليل على ذلك: أنّ ظاهر الروايات المعارضة عدم كونها في مقام بيانالحكم المولوي حتى يقال إنّ المستفاد منها الوجوب أو الاستحباب، بل

ص: 231


1- - تهذيب الأحكام1: 22، ذيل الحديث56، مختلف الشيعة1: 259، كشف اللثام1: 193، جواهر الكلام1: 419.
2- - تهذيب الأحكام1: 22، ذيل الحديث 56.
3- - الاستبصار1: 89، باب 53، ذيل الحديث 8.
4- - مستمسك العروة الوثقی1: 264.
5- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي)4: 457- 461.

ظاهرها بيان الحكم بناقضيّة تلك الأمور للوضوء، فالحمل على استحباب الوضوء في هذه الموارد غير صحيح، نعم، التوضّؤ بعد هذه الأمور برجاء المطلوبيّة لا بأس به.

وأمّا الحمل الآخر - وهو أنّ المراد من الوضوء في الحديث التاسع هو غَسل اليد، والحمل في الحديث العاشر على أنّه إذا صادف في الموضع شيئاً من النجاسة - فهو حمل تبرّعي وغير صحيح؛ إذ جاء في التاسع: «أعاد الوضوء» أي الوضوء الاصطلاحي ولا معنى لإعادة الوضوء اللغوي، الذي هو بمعنى الغَسل، ولو سلّمنا إرادة الغَسل فهو وإن تمّ في مسّ الفرج لكن لا يتمّ في القبلة، وقد ورد الجواب عنهما معاً.

وأمّا العاشر فإنّه قد لا يتّفق خروج شيء مع الملامسة.

والحاصل: أنّ الوجه هو الحمل على التقيّة.

ص: 232

[714] 11- الْفَضْلُ بْنُ الْحَسَنِ الطَّبْرِسِيُّ فِي مَجْمَعِ الْبَيَانِ، عَنْ عَلِيٍّ (علیه السلام) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا}((1)*) أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْجِمَاعُ (خَاصَّةً)((2)*)((3)*).

[11] - فقه الحديث:

دلّ على أنّ المراد من ملامسة النساء في قوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ} خصوص الجماع، فهو الناقض للوضوء دون ما زعمه أكثر العامّة من أنّه في الآية: اللمس والمماسّة بالبشرة، فإذا مسّ الرجل المرأة فقد انتقض وضوؤه.

سند الحديث:

طريق الماتن(قدس سره) إلى كتاب مجمع البيان معتبر - كما سبق((4)) - مضافاً إلى شهرة الكتاب بلا ريب، وقد مرّ - في ذيل الحديث الثاني عشر من الباب العشرين من أبواب مقدّمات العبادات - بيان جلالة مصنِّفه الشيخ الفضل بن الحسن الطبرسي، وأنّ له طريقاً إلى جميع كتب وروايات الشيخ والصدوق أيضاً، إلا أنّا نقول هنا: ليس للشيخ الطوسي أو الصدوق طريق إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) ، فهذا الحديث مرسل.

ص: 233


1- ([1]*) النساء 4: 43.
2- ([2]*) ليس في المصدر.
3- ([3]*) مجمع البيان 2: 52.
4- - ايضاح الدلائل2: 252.

[715] 12- مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ الْعَيَّاشِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ، عَنِ الْحَلَبِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: (اللَّمْسُ)((1)*) هُوَ الْجِمَاعُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ سَتِيرٌ((2)*) يُحِبُّ السَّتْرَ فَلَمْ يُسَمِّ كَمَا تُسَمُّونَ((3)*).

[12] - فقه الحديث:

الألف واللام في كلمة اللمس عهديّة، أي الملامسة الواردة في قوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ} وفسّرها (علیه السلام) بالجماع، فيكون هو ما ينقض الوضوء، وإنّما لم يصرّح به تعالى لأنّه ستّار يحب الستر، فلم يسمّه كما يسمّونه الناس ويتلفّظون به باللفظ الصريح، وهذا من جملة أدب القرآن، فهو يكنّي عمّا تأبى الطباع عن التصريح به، ويصون اللسان عن التصريح به، كما فعل في لفظ الغائط والفرج وغيرهما.

سند الحديث:

محمد بن مسعود العيّاشي، صاحب التفسير المعروف باسمه، قال عنه النجاشي: «محمد بن مسعود بن محمد بن عيّاش السلمي السمرقندي أبو النضر المعروف بالعيّاشي، ثقة، صدوق، عين من عيون هذه الطائفة، وكان يروي عن الضعفاء كثيراً. وكان في أوّل أمره عامّي المذهب، وسمع حديث العامّة، فأكثر

ص: 234


1- ([1]*) ليس في المصدر.
2- ([2]*) في المصدر: ستار.
3- ([3]*) تفسير العيّاشي 1: 243/ 141.

منه ثم تبصّر وعاد إلينا، وكان حديث السِّن، سمع أصحاب علي بن الحسن بن فضّال وعبد الله بن محمد بن خالد الطيالسي وجماعة من شيوخ الكوفيّين والبغداديّين والقميّين. قال أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله: سمعت القاضي أبا الحسن علي بن محمد قال لنا أبو جعفر الزاهد: أنفق أبو النضر على العلم والحديث تركة أبيه سائرها، وكانت ثلاثمائة ألف دينار، وكانت داره كالمسجد بين ناسخ أو مقابل أو قارئ أو معلِّق، مملوءة من الناس، وصنّف أبو النضر كتباً، منها: كتاب التفسير...»((1)).

وقال عنه الشيخ: «محمد بن مسعود العياشي، من أهل سمرقند، وقيل: إنّه من بني تميم، يكنى أبا النضر، جليل القدر، واسع الأخبار، بصير بالروايات، مطّلع عليها. له كتب كثيرة تزيد على مائتي مصنَّف، ذكر فهرست كتبه ابن إسحاق النديم»((2)).

وقال أيضاً: «محمد بن مسعود بن محمد بن عيّاش السمرقندي، يكنّی أبا النضر، أكثر أهل المشرق علماً وفضلاً وأدباً وفهماً ونبلاً في زمانه، صنَّف أكثر من مائتي مصنَّف ذكرناها في الفهرست، وكان له مجلس للخاص ومجلس للعام (رحمه الله) »((3)).

وطريق النجاشي إلى كتب العياشي ومن جملتها التفسير هو: «أخبرني أبو

ص: 235


1- - رجال النجاشي: 350/ 944.
2- - فهرست الطوسي: 212/ 604.
3- - رجال الطوسي: 440/ 6282.

عبد الله بن شاذان القزويني قال: أخبرنا حيدر بن محمد السمرقندي قال: حدّثنا محمد بن مسعود»((1)).

وهذا الطريق صحيح.

وأمّا طريق الشيخ في الفهرست إلى كتب العياشي فهو: «أخبرنا بجميع كتبه ورواياته جماعة من أصحابنا، عن أبي المفضّل، عن جعفر بن محمد بن مسعود العيّاشي، عن أبيه»((2)).

وهذا الطريق ضعيف بأبي المفضّل وبجعفر بن محمد بن مسعود العيّاشی، لكن يُصحّح بأنّ للشيخ طريقاً إلى مصنّفات ومرويّات الكشّي، والكشّي روى جميع مصنّفات العيّاشي، فيكون للشيخ طريق صحيح إلى التفسير، ففي الفهرست: أخبرنا به جماعة، عن أبي محمد هارون بن موسى، عن محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي((3)).

وقد صرّح النجاشي بأنّه صحب العياشي وأخذ عنه وتخرّج عليه وفي داره التي كانت مرتعاً للشيعة وأهل العلم((4))، وعن الشيخ في الرجال أنّ الكشي من غلمان العيّاشي((5))، ويظهر من إجازة الآقا حسين الخونساري: أن الشيخ يروي مصنَّفات ومرويّات أبي عمرو الكشّي بواسطة الشيخ الجليل هارون بن موسى التلعكبري((6)).

ص: 236


1- - رجال النجاشي: 353/ 944.
2- - فهرست الطوسي: 215/ 604.
3- - فهرست الطوسي: 217/ 614.
4- - رجال النجاشي: 372/ 1018.
5- - رجال الطوسي: 440/ 6288.
6- - بحار الأنوار107: 90.

والكشّي روی جميع مصنفات العيّاشي وبهذا يكون للشيخ طريق صحيح إلى التفسير.

والظاهر أنّ المراد بالحلبي هنا: محمد بن علي بن أبي شعبة، لأنّ له كتاباً في التفسير دون عبيد الله أو غيره من الحلبيين.

فالحاصل: أنّ السند معتبر.

ص: 237

[716] 13- وَعَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: اللَّمْسُ الْجِمَاعُ((1)*).

[13] - فقه الحديث:

دلّ على أنّ المراد من الملامسة في قوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ} هو الجماع، فيكون هو الناقض للوضوء، لا الملامسة بين الرجل والمرأة التي هي بمثل المصافحة أو الإمساك باليد وأمثالهما.

سند الحديث:

لم يُعلم طريق العيّاشي إلى منصور بن حازم، فالسند ضعيف ولكن يمكن تصحيحه من جهة طريق الشيخ (رحمه الله) إلی كتابه وهو صحيح.

ص: 238


1- ([1]*) تفسير العيّاشي 1: 243/ 140.

[717] 14- وَعَنِ الْحَلَبِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ سَأَلَهُ قَيْسُ بْنُ رُمَّانَةَ فَقَالَ لَهُ: أَتَوَضَّأُ ثُمَّ أَدْعُو الْجَارِيَةَ فَتُمْسِكُ بِيَدِي فَأَقُومُ فَأُصَلِّي أَعَلَيَّ وُضُوءٌ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ اللَّمْسُ، قَالَ لَا، وَاللَّهِ مَا اللَّمْسُ إِلَّا الْوِقَاعَ، يَعْنِي الْجِمَاعَ ثُمَّ قَالَ: كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام) بَعْدَ مَا كَبِرَ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَدْعُو الْجَارِيَةَ فَتَأْخُذُ بِيَدِهِ فَيَقُومُ فَيُصَلِّي((1)*).

[14] - فقه الحديث:

دلّ على أنّ لمس المرأة لا ينقض الوضوء، وفيه ردّ على من زعم من العامّة أنّه اللمس الوارد في الآية، فقد زعموا أنّ المراد من {أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ} هو اللمس والمباشرة باليد ونحوها، وهو الذي نفاه الإمام (علیه السلام) ، بل وأكّد النفي بالقسم بالله على أنّ المراد من اللمس فيها هو الجماع، ولكنّه لم يصرّح بالجماع في الآية.

وفيه الاستشهاد بفعل الإمام الباقر (علیه السلام) وهو أنّه (علیه السلام) كان يستعين بالجارية لكبره فتأخذ بيده بعد أن يتوضّأ فيقوم ويصلّي ولا يعيد الوضوء، ممّا يعني أنّ لمس المرأة لا يوجب نقض الوضوء، وهذا الاستشهاد تأكيد منه (علیه السلام) للحكم بعدم النقض.

سند الحديث:

لم يُعلم طريق العياشي إلى الحلبي، ويمكن الحكم بصحة السند ممّا تقدّم

ص: 239


1- ([1]*) تفسير العيّاشي 1: 243/ 142.

في الحديثين المتقدّمين.

فالحاصل: أنّ في الباب أربعة عشر حديثاً، الأوّل موثّق بسنديه، وكذا الثامن والعاشر، والثالث صحيح بسنده الأوّل ومعتبر بأسانيده الثاني والثالث والرابع، وأمّا الثاني والرابع والخامس والسابع والتاسع فصحاح، وأمّا السادس والثاني عشر فمعتبران، وأمّا الحادي عشر والثالث عشر والرابع عشر فيمكن القول بصحّتها.

المتحصل من الأحادیث

والمستفاد منها أمور، منها:

1- عدم نقض الوضوء بمسّ الفرج لغرض، كاستعلام المرأة لحالها من الحيض ونحوه.

2- عدم نقض الوضوء بالقُبلة أو المباشرة دون الفرج أو الملامسة، سواء كان ذلك من الرجل أو المرأة.

3- مسّ الفرج أو الدبر ظاهراً وباطناً حال الصلاة لا يوجب الوضوء ولو كان عبثاً، بل وفي غير حال الصلاة أيضاً.

4- المذي والإنعاظ والمضاجعة لا تنقض الوضوء.

5- أنّ المراد من ملامسة النساء في قوله تعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ} خصوص الجماع، فهو الناقض للوضوء دون ما زعمه أكثر العامّة من أنّه فيها: اللمس والمماسّة بالبشرة.

ص: 240

10- بَابُ أَنَّ مُلَاقَاةَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ لِلْبَدَنِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُو ءَ

اشارة

10- بَابُ أَنَّ مُلَاقَاةَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ لِلْبَدَنِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ

شرح الباب:

الحديثان الواردان في هذا الباب في وطء العذرة أو البول، أي: النجسين، لكن عنوان الباب أشمل من الوطء بالرِّجل؛ وذلك لعدم خصوصيّة الوطء بالرِّجل في الحكم بعدم الانتقاض، ولذا عبّر الماتن بالملاقاة للبدن، والحكم هو عدم نقض الوضوء بذلك، ويدلّ عليه أيضاً الأحاديث التي حصرت النواقض في أمور معيّنة، فيكون سواها غير ناقض. هذا، ولم نجد من تعرّض لهذا الفرع بخصوصه من الخاصّة والعامّة.

ص: 241

[718] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ وَعَلِيِّ بْنِ حَدِيدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ جَمِيعاً عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حَرِيزٍ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) رَجُلٌ وَطِئَ عَلَى عَذِرَةٍ فَسَاخَتْ((1)*) رِجْلُهُ فِيهَا أَيَنْقُضُ ذَلِكَ وُضُوءَهُ وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُهَا؟ فَقَالَ: لَا يَغْسِلُهَا إِلَّا أَنْ يَقْذَرَهَا، وَلَكِنَّهُ يَمْسَحُهَا حَتَّى يَذْهَبَ أَثَرُهَا وَيُصَلِّي((2)*).

[1] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ ملاقاة الرّجل للعذرة لا تنقض الوضوء، ولا خصوصيّة للرِّجل بل يعمّ ذلك جميع البدن، ولا يختصّ بملاقاة العذرة فقط، بل يشمل الحكم غيرها. ثمّ إنّ هذا الحديث ممّا استدل به علی تطهير الأرض لباطن القدم عن طريق مسحه بالأرض حتی يذهب أثر النجاسة ولا يبقی من أجزائها شيء وإلّا لم تطهر الرِّجل، وهذا ما يدلّ عليه جعلُ غاية المسح ذهاب الأثر حيث قال (علیه السلام) : «يمسحها حتى يذهب أثرها»، وقد دلّ على أنّ المسح يكفي في الطهارة بلا حاجة إلى الغسل، إلّا إذا استقذر رجله، كما لو كانت أجزاء النجاسة متفشّية بين الأصابع وأعلى من باطن الرِّجل، وفي الحديث جهات من البحث يأتي ذكرها في الباب الثاني والثلاثين من أبواب النجاسات عند تكرار

ص: 242


1- ([1]*) ساخت قوائمه في الأرض: غابت (منه قده). الصحاح 1: 424.
2- ([2]*) التهذيب 1: 275/ 809.

الماتن له هناك، إن شاء الله.

سند الحديث:

ينحلّ هذا السند المقرون إلى ثلاثة أسانيد:

الأوّل: محمد بن الحسن، أي: شيخ الطائفة الطوسي، عن المفيد محمد بن محمد بن النعمان، عن جعفر بن محمد بن قولويه، عن أبيه محمد بن جعفر بن موسی بن قولويه، عن سعد بن عبد الله الأشعري، عن أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، عن الحسين بن سعيد الأهوازي، عن حمّاد بن عيسی الجهني، عن حريز بن عبد الله السجستاني، عن زرارة بن أعين الشيباني. وهو صحيح.

الثاني: محمد بن الحسن، أي شيخ الطائفة الطوسي، عن المفيد محمد بن محمد بن النعمان، عن جعفر بن محمد بن قولويه، عن أبيه محمد بن جعفر بن موسی بن قولويه، عن سعد بن عبد الله الأشعري، عن أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، عن علي بن حديد بن حكيم، عن حمّاد بن عيسى الجهني، عن حريز بن عبد الله السجستاني، عن زرارة بن أعين الشيباني وعلي بن حديد وإن كان في وثاقته خلاف إلا أنّا رجحنا وثاقته((1)). وهو معتبر.

الثالث: محمد بن الحسن، أي شيخ الطائفة الطوسي، عن المفيد محمد بن محمد بن النعمان، عن جعفر بن محمد بن قولويه، عن أبيه محمد بن جعفر بن موسی بن قولويه، عن سعد بن عبد الله الأشعري، عن أحمد بن محمد بن عيسی الأشعري، عن عبدالرحمن بن أبي نجران، عن حمّاد بن عيسی الجهني، عن حريز بن عبد الله السجستاني، عن زرارة بن أعين الشيباني. وهو صحيح.

ص: 243


1- - ايضاح الدلائل1: 463- 464.

[719] 2- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنِ الْحَلَبِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي الرَّجُلِ يَطَأُ فِي الْعَذِرَةِ أَوِ الْبَوْلِ أَيُعِيدُ الْوُضُوءَ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنْ يَغْسِلُ مَا أَصَابَهُ((1)*).

أَقُولُ: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَحَادِيثُ الْحَصْرِ لِلنَّوَاقِضِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ((2)*) وَيَنْبَغِي الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ أَوْ تَخْصِيصِ الْغَسْلِ بِمَا إِذَا أَصَابَتِ النَّجَاسَةُ غَيْرَ أَسْفَلِ الْقَدَمِ لِمَا يَأْتِي فِي النَّجَاسَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى((3)*).

[2]- فقه الحديث:

دلّ علی أنّ ملاقاة الرِّجل للعذرة أو البول لا توجب إعادة الوضوء، وهذا يعني أنّ الوضوء لا ينتقض بملاقاة العذرة أو البول، كما دلّ علی لزوم غَسل ما أصابه منهما.

سند الحديث:

فيه: علي بن محمد شيخ الكليني، وهو مشترك بين ثقتين كما تقدّم: أحدهما: علي بن محمد بن إبراهيم بن أبان المعروف بعلّان، وهو خال

ص: 244


1- ([1]*) الكافي 3: 39/ 4، وللحديث ذيل.
2- ([2]*) تقدم في الأبواب 1- 3 والحديث 10 من الباب 7 من هذه الأبواب.
3- ([3]*) يأتي في الباب 32 من أبواب النجاسات.

الكليني. والثاني: علي بن محمد بن عبد الله بن عمران (ابن بندار)((1)).

وفيه أيضاً ابن مسكان وهو عبد الله، والحلبي هو محمد بن علي بن أبي شعبة، لرواية عبد الله بن مسكان عنه كما تقدّم((2)).

والحديث ضعيف بسهل بن زياد، ولكن يمكن تصحيحه بأنّ الشيخ يروي جميع كتب وروايات الشيخ الكليني، فهذا الحديث من جملة مرويّات الشيخ، وهو يروي أيضاً كتب وروايات محمد بن سنان - إلّا ما كان فيها من تخليط أو غلوّ - بطريق صحيح، فيكون هذا الطريق الصحيح طريقاً إلى هذا الحديث.

الجمع بين الحديثين:

قال الماتن: ينبغي أن يجمع بينهما بأحد نحوين:

الأوّل: أنّ من أصابته النجاسة من الأرض في رجله مخيّر بين أن يمسحها بالأرض حتى يذهب أثرها، كما هو مقتضى الحديث الأوّل، وأن يغسلها حتّى يذهب أثر النجاسة. والحديثان مثبتان ولا ينفي أحدهما الآخر.

الثاني: أنّ من أصابته النجاسة من الأرض فله أن يمسحها بالأرض، كما هو مقتضى الحديث الأوّل، لكن إذا كانت النجاسة قد تعدّت أسفل القدم فهنا لابدّ من الغَسل، ولا يكفي المسح.

ص: 245


1- - ايضاح الدلائل1: 132- 133
2- - في الصفحة: 212.

فالحاصل: أنّ في الباب حديثين، الأوّل ينحل إلى ثلاثة أسانيد أوّلها وثالثها من الصحيح، وثانيها معتبر، والثاني ضعيف، ويمكن تصحيحه.

والمستفاد منهما أمور، منها:

1- أنّ ملاقاة البدن للعذرة أو البول لا توجب نقض الوضوء.

2- أنّ مسح النجاسة عن الرِّجل بالأرض يكفي في طهارتها، وتكون الأرض من جملة المطهّرات، ولا حاجة إلى الغسل.

3- إذا تعدّت النجاسة باطن الرِّجل لم يكفِ في طهارتها مسحها بالأرض، بل لابدّ من غَسلها بالماء.

ص: 246

11- بَابُ أَنَّ لَمْسَ الْكَلْبِ وَالْكَافِرِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُو ءَ

اشارة

11- بَابُ أَنَّ لَمْسَ الْكَلْبِ وَالْكَافِرِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ

شرح الباب:

من جملة الأمور التي قد يتوهّم أنّها ناقضة للوضوء: لمس الكلب والكافر، لمبغوضيّتهما ولما في الحثّ الأكيد علی الاجتناب عنهما، وقد جاء الحكم بعدم نقض الوضوء بمسّهما دفعاً لذاك التوهّم، ويدلّ عليه أيضاً الأحاديث التي حصرت النواقض في أمور معيّنة، فيكون سواها غير ناقض، وأحاديث الباب وإن كان موردها المجوسي، وفي أحدها الكلب السلوقي، لكن ما في عنوان الباب من ذكر الكلب مطلقاً ومن ذكر الكافر بدل المجوسي هو الصحيح؛ إذ لا فرق بين أفراد الكلاب من حيث النوع ولا بلد المنشأ، كما لا فرق بين أقسام الكفّار.

ص: 247

[720] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْكَلْبِ السَّلُوقِيِ((1)*)؟ فَقَالَ: إِذَا مَسِسْتَهُ فَاغْسِلْ يَدَكَ((2)*).

[1] - فقه الحديث:

دلّ على أنّ الكلب السلوقي - وهو كلب الصيد - نجس؛ للأمر بغَسل اليد، وكذا غيره من الكلاب لما مرّ في الباب الأوّل من أبواب الأسآر وما يأتي في الباب الثاني عشر من أبواب النجاسات وغيرهما، ودلّ أيضاً على أنّ وظيفة من مسّ الكلب هي غَسل اليد فقط، وهو بإطلاقه يشمل الماسّ المتوضّئ وغيره، فلمّا لم يفصّل الإمام (علیه السلام) بين المتوضّي وغيره عُلم أنّه لا توجد وظيفة على الماسّ مطلقاً سوى غَسل اليد، فهذا الحديث بإطلاقه يدلّ على ما في عنوان الباب.

سند الحديث:

فيه: ابن محبوب وهو الحسن بن محبوب، والعلاء، وهو العلاء بن رزين، والسند معتبر.

ص: 248


1- ([1]*) السلوق: قرية باليمن ينسب إليها الدروع والكلاب، (منه قده). الصحاح 4: 1498.
2- ([2]*) الكافي 6: 553/ 12 وأورده في الحديث 9 من الباب 12 من أبواب النجاسات.

[721] 2- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَحَدِهِمَا (علیهما السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ صَافَحَ مَجُوسِيّاً؟ قَالَ: يَغْسِلُ يَدَهُ، وَلَا يَتَوَضَّأُ((1)*).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ كَمَا يَأْتِي فِي النَّجَاسَاتِ((2)*).

[2] - فقه الحديث:

دلّ على نجاسة المجوسي، وعلى وجوب غسل ما يلاقيه، وعلى أنّ مسّ المجوسي ومصافحته لا توجب الحدث كي يحتاج في رفعه إلى الوضوء، والوضوء المنفي هنا هو الوضوء الاصطلاحي لا اللغوي بقرينة ذكر غسل اليد.

سند الحديث:

ذكر الماتن سند الشيخ في التهذيب، وفيه: صفوان، وهو ابن يحيی، والعلاء وهو ابن رزين، والسند صحيح.

وأشار إلى سند الكليني، وهو ما يأتي في الحديث الثالث من الباب الرابع عشر من أبواب النجاسات، والسند هكذا: أبو علي الأشعري، وهو أحمد بن إدريس عن محمد بن عبد الجبّار، عن صفوان، وهو ابن يحيى، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، وهو صحيح.

ص: 249


1- ([1]*) التهذيب 1: 263/ 765.
2- ([2]*) يأتي في الحديث 3 من الباب 14 من أبواب النجاسات.

[722] 3- وَعَنْهُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْكَلْبِ يُصِيبُ شَيْئاً مِنْ جَسَدِ الرَّجُلِ((1)*)؟ قَالَ: يَغْسِلُ الْمَكَانَ الَّذِي أَصَابَهُ((2)*).

أَقُولُ: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضاً أَحَادِيثُ حَصْرِ النَّوَاقِضِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ((3)*).

[3]

- فقه الحديث:

دلّ علی نجاسة الكلب مطلقاً سواء كان سلوقياً أم غيره، وعلی وجوب غسل ما يلاقيه فقط، وهو بإطلاقه يشمل المتوضي وغيره، فلمّا لم يفصّل الإمام (علیه السلام) بين المتوضّي وغيره عُلم أنّه لا توجد وظيفة علی من أصابه الكلب مطلقاً سوی غَسل المكان الذي أصابه، وظاهره لزوم الغَسل مطلقاً وإن لم يكن قد لاقاه برطوبة، وقد ذهب إليه بعضهم، وأنّ النجاسة في الملاقاة برطوبة نجاسة عينيّة، وفي الملاقاة بيبوسة نجاسة حكميّة، لكنّ المشهور أوجبوا الغَسل من الملاقاة برطوبة فقط((4)).

سند الحديث:

قوله: «وعنه» أي عن الحسين بن سعيد، وحمّاد هو حمّاد بن عيسی الجهني، وحريز هو حريز بن عبد الله السجستاني، والسند صحيح.

ص: 250


1- ([1]*) في الموضع الثاني من التهذيب: الإنسان.
2- ([2]*) التهذيب 1: 23/ 61 و262/ 762 بسند آخر، والاستبصار 1: 90/ 287 وأورده في الحديث 4 من الباب 12 من أبواب النجاسات.
3- ([3]*) تقدّمت في الأبواب 1- 3، وفي الحديث 10 من الباب 7 من هذه الأبواب.
4- - انظر: ملاذ الأخيار 1: 114، كشف الأسرار3: 85.

[723] 4- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: مَنْ مَسَّ كَلْباً فَلْيَتَوَضَّأْ((1)*).

[5] - فقه الحديث:

ظاهره أنّ من مسّ كلباً مطلقاً ولو بدون رطوبة يلزمه الوضوء، وهذا مخالف للأحاديث الصحيحة المتقدّمة، ولذا حمله الشيخ في التهذيب والاستبصار علی غَسل اليد؛ لأنّه يسمّی وضوءاً في اللغة، وحينئذٍ لا ينافي ما تقدّم من الأحاديث.

سند الحديث:

فيه: أحمد بن محمد، وهو أحمد بن محمد بن عيسی الأشعري، والسند صحيح.

ص: 251


1- ([1]*) التهذيب 1: 23/ 60، والاستبصار 1: 89/ 286.

[724] 5- وَعَنْهُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ، عَنْ عِيسَى بْنِ عُمَرَ مَوْلَى الْأَنْصَارِ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام)

عَنِ الرَّجُلِ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُصَافِحَ الْمَجُوسِيَّ؟ فَقَالَ: لَا، فَسَأَلَهُ أَيَتَوَضَّأُ إِذَا صَافَحَهُمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ مُصَافَحَتَهُمْ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ((1)*).

أَقُولُ: حَمَلَ الشَّيْخُ الْوُضُوءَ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى غَسْلِ الْيَدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى وُضُوءاً، قَالَ: لِإِجْمَاعِ الطَّائِفَةِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ نَقْضَ الْوُضُوءِ.

[2] - فقه الحديث:

دلّ هذا الحديث على حكمين:

الأوّل: مبغوضيّة مصافحة المجوسي الذي هو أحد أقسام الكفّار، ولعلّ الحكمة من ذلك تنفير المؤمنين من المخالطة لهم إمعاناً في التبعيد عن طريقتهم، فلو أحرز عدم التأثّر بهم ارتفعت المبغوضيّة.

الثاني: أنّ مصافحة المجوسي تنقض الوضوء، وظاهره إرادة الوضوء الاصطلاحي، لا غَسل اليد؛ لأنّ قوله (علیه السلام) : «إنّ مصافحتهم تنقض الوضوء» لا يتناسب مع الحمل على غَسل اليد، فلا يقال إنّ ملامستهم تنقض التنظيف، فلابدّ من إرادة الوضوء الاصطلاحي، ويبقى أنّ هذا الحديث لا يعارض الأحاديث الصحاح المتقدّمة لضعفه سنداً.

ص: 252


1- ([1]*) التهذيب 1: 347/ 1020، والاستبصار 1: 89/ 285.

سند الحديث:

فيه: أبو عبد الله الرازي، وهو: محمد بن أحمد الرازي الجاموراني، قال النجاشي: «أبو عبد الله الجاموراني ابن بطّة، عن البرقي، عن أبي عبد الله الجاموراني بكتابه»((1))، وعدّه الشيخ في الرجال في من لم يرو عن واحد من الأئمّة (علیهم السلام) مرتين فقال: «أبو عبد الله الجاموراني الرازي... روى عنهم محمد بن أحمد بن يحيی»، ثم قال: «أبو عبد الله الجاموراني... روى عنهم أحمد بن أبي عبد الله»((2)). وقال في الفهرست: «أبو عبد الله الجاموراني، له كتاب، رويناه بهذا الإسناد - أي: عدّة من أصحابنا عن أبي المفضل عن ابن بطة - عن أحمد بن أبي عبد الله، عنه»((3))،فالرجل لم يوثّق، بل قد ضُعّف فقد كان محمد بن الحسن بن الوليد يستثني من رواية محمد بن أحمد بن يحيى ما رواه عن أبي عبد الله الرازي الجاموراني، وصدّقه أبو العباس بن نوح ثم قال: وتبعه أبو جعفر ابن بابويه (رحمه الله) على ذلك إلّا في محمد بن عيسى بن عبيد فلا أدري ما رابه فيه، لأنّه كان على ظاهر العدالة والثقة»((4))، وذكر الشيخ في الفهرست الاستثناء عن الشيخ الصدوق((5)).

ص: 253


1- - رجال النجاشي: 456/ 1238.
2- - رجال الطوسي: 451/ 6412، و452/ 6426.
3- - الفهرست: 273/ 850.
4- - رجال النجاشي: 348/ 939.
5- - الفهرست: 222/ 622.

وفيه: الحسن بن علي بن أبي حمزة، أي البطائني، وقد مرّ أنّ له توثيقاً معارضاً بالتضعيف بالكذب فيعامل معاملة المجهول((1)).

وفيه: سيف بن عميرة، وقد تقدّم انّه ثقة كتابه مشهور((2)).

وفيه: عيسی بن عمر مولى الأنصار، لم يرد فيه شيء، واحتمل السيد الأستاذ(قدس سره) أنّه متّحد مع عيسی بن عمر الأسدي الكوفي من أصحاب الإمامين الباقر والصادق (علیهما السلام) ((3))، ولم يرد فيه غير قول الشيخ أسند عنه، وعلى هذا فالسند ضعيف.

فالحاصل: أنّ في الباب خمسة أحاديث، أوّلها معتبر، والثاني صحيح بسنديه، والثالث والرابع صحيحان، والخامس ضعيف.

المتحصل من الأحادیث

والمستفاد منها أمور، منها:

1- نجاسة الكلب السلوقي، بل جميع الكلاب، وكذا المجوسي، بل جميع الكفّار.

2- لزوم غسل ما يلاقيه الكلب والكافر.

3- عدم نقض الوضوء بلمس الكلب أو الكافر.

4- مبغوضيّة مصافحة المجوسی.

ص: 254


1- - ايضاح الدلائل1: 244- 245.
2- - ايضاح الدلائل2: 169.
3- - معجم رجال الحديث14: 221/ 9227.

12-بَابُ أَنَّ الْمَذْيَ وَالْوَذْيَ وَالْوَدْيَ وَالْإِنْعَاظَ وَالنُّخَامَةَ وَالْبُصَاقَ وَالْمُخَاطَ لَا يَنْقُضُ شَيْ ءٌ مِنْهَا الْوُضُو ءَ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ الْوُضُو ءُ مِنَ الْمَذْيِ عَنْ شَهْوَةٍ

اشارة

بَابُ أَنَّ الْمَذْيَ وَالْوَذْيَ وَالْوَدْيَ وَالْإِنْعَاظَ وَالنُّخَامَةَ وَالْبُصَاقَ وَالْمُخَاطَ لَا يَنْقُضُ شَيْ ءٌ مِنْهَا الْوُضُو ءَ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ الْوُضُو ءُ مِنَ الْمَذْيِ عَنْ شَهْوَةٍ((1))

12- بَابُ أَنَّ الْمَذْيَ وَالْوَذْيَ وَالْوَدْيَ وَالْإِنْعَاظَ وَالنُّخَامَةَ وَالْبُصَاقَ وَالْمُخَاطَ لَا يَنْقُضُ شَيْ ءٌ مِنْهَا الْوُضُوءَ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ مِنَ الْمَذْيِ عَنْ شَهْوَةٍ

شرح الباب:

المَذْيُ: «بالتسكين: ما يخرج عند الملاعبة والتقبيل، وفيه الوضوء، مَذَى الرجلُ والفَحْلُ - بالفتح - مَذْياً وأَمْذَی - بالألف - مثله، وهو أَرَقُّ ما يكون من النطفة، والاسم المَذْيُ والمَذِيُّ، والتخفيف أَعلى»((2)).

وَالْوَذْي: «بالذال المعجمة الساكنة والياء المخفّفة، وعن الأموي بتشديد الياء: ماء يخرج عقيب إنزال المني. وفي الحديث: «هو ما يخرج من الأدواء» بالدال المهملة جمع داء وهو المرض وذِكر الوذي مفقود في كثير من كتب اللغة»((3)).

وَالْوَدْي: «بسكون الدال وكسرها وتشديد الياء، وهو على ما قيل أصحّ

ص: 255


1- - جاء في هامش المخطوط، منه قده: «المدي: بالدال المهملة الساكنة، ماء ثخين يخرج عقيب البول، وهو غير ناقض إجماعاً، قاله في التذكرة، المدارك» راجع التذكرة: 11 والمدارك: 33.
2- - لسان العرب15: 274، مادة: مذي.
3- - مجمع البحرين1: 433، مادة: وذا.

وأفصح من السكون: البلل اللّزج الذي يخرج من الذكر بعد البول»((1)).

وَالْإِنْعَاظ: مصدر «أَنْعَظَ الرَّجُلُ والمَرأَةُ: عَلَاهُمَا الشَّبَقُ واشْتَهَيَا الجِمَاعَ، وهَاجَا»((2)).

وَالنُّخَامَة: «بالضم: النُّخاعةُ. نَخِمَ الرجلُ نَخَماً ونَخْماً وتَنَخَّمَ: دفع بشيء من صَدْرِه أَو أَنفِه، واسم ذلك الشيء النُّخامةُ، وهي النُّخاعةُ وتَنَخَّمَ أَي نَخَع»((3)).

وَالْبُصَاق: «البصاق، كغراب، والبساق والبزاق: ماء الفم إذا خرج منه، وما دام فيه: فريق»((4)

و«البَزْقُ والبَصْق: لغتان في البُزاق والبُصاق، بَزَق يَبْزُق بَزْقاً»((5)).

وَالْمُخَاط: بضم الميم: «ما يسيل من أنف الحيوان من الماء»((6)).

وأحاديث الباب متعرّضة لحكم خروج المني مطلقاً أو بشهوة، ولحكم خروج الودي والوذي، والماتن أضاف في عنوان الباب: الإنعاظ؛ لكونه مفهوماً من بعض الأحاديث الدالّة على وجود الشهوة، كما أضاف: النّخامة والمخاط والبصاق أو البزاق، لا لأجل القول بناقضيّتها عند العامّة، بل لورودها مشبّهاً بها في بعض أحاديث الباب فيُفهَم حكمها - وهو عدم الناقضيّة - بالأولويّة، حيث ورد تشبيه المذي والودي بها من حيث كونها فضلات طاهرة

ص: 256


1- - المصدر نفسه، مادة: ودا.
2- - تاج العروس 10: 496، مادة: نعظ.
3- - لسان العرب12: 572، مادة: نخم.
4- - القاموس المحيط3: 213، مادة: بصق.
5- - لسان العرب10: 19 مادة: بزق.
6- - مجمع البحرين4: 273، مادة: مخط.

بالاتفاق وكونها غير ناقضة، وعدم الناقضيّة في المشبّه به واضح لا ريب فيه فلذا جُعل في تلك الأحاديث مشبّهاً به.

أقوال الخاصّة:

قام إجماع الإماميّة على عدم نقض هذه الأمور المذكورة في عنوان الباب للوضوء، قال العلّامة(قدس سره) في التذكرة: «المذي والودي - وهو ما يخرج بعد البول ثخين كدر - لا ينقضان الوضوء، ذهب إليه علماؤنا أجمع»((1)).

وقال في المختلف: «اتفق أكثر علمائنا على أنّ المذي لا ينقض الوضوء ولا أعلم فيه مخالفاً منّا إلّا ابن الجنيد فإنّه قال: إن خرج عقيب شهوة ففيه الوضوء»((2)).

أقوال العامّة:

تقدّم في الباب الثاني من هذه الأبواب نقل كلام ابن قدامة في إجماعهم على نقض ما يخرج من السبيلين ومنه المذي والودي((3))، قال في المغني: إنّ «الخارج من السبيلين على ضربين: معتاد كالبول والغائط والمني والمذي والودي والريح، فهذا ينقض الوضوء إجماعاً، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أنّ خروج الغائط من الدبر... وخروج المذي وخروج الريح من الدبر أحداث ينقض كل واحد منها الطهارة، ويوجب الوضوء»((4)).

ص: 257


1- - تذكرة الفقهاء1: 105.
2- - مختلف الشيعة1: 261.
3- - في الصفحة: 34.
4- - المغني1: 160.

وعن ابن رشد: أنّ خروج المذي والودي على وجه الصحّة ناقض بالاتفاق، قال في بداية المجتهد: «اتفقوا في هذا الباب على انتقاض الوضوء من البول والغائط، والريح، والمذي، والودي؛ لصحّة الآثار في ذلك، إذا كان خروجها على وجه الصحة»((1)).

ص: 258


1- - بداية المجتهد1: 31.

[725] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَحَدَهُمَا (علیهما السلام) عَنِ الْمَذْيِ((1)*)؟ فَقَالَ: لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَلَا يُغْسَلُ مِنْهُ ثَوْبٌ، وَلَا جَسَدٌ، إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُخَاطِ وَالْبُصَاقِ((2)*)((3)*).

[1] - فقه الحديث:

دلّ صراحة على عدم ناقضيّة المذي للوضوء مطلقاً، قلّ أو كثر، سواء أكان بشهوة أم من دونها، وعلى عدم نجاسته؛ إذ لا يُغسل منه ثوب ولا جسد إذا أصابهما، وتنزيله منزلة المخاط والبصاق (البزاق) يبيّن أنّ المذي مثلهما في كلا الحكمين؛ إذ هما من الفضلات الطاهرة بلا خلاف، كما أنّه لا ينتقض الوضوء بخروجهما، وغَسلهما يكون لأجل استقذارهما فقط.

سند الحديث:

ذكره الماتن بسندين:

الأوّل: سند الكليني، وقد سبق الكلام في أفراده، وهو معتبر.

الثاني: سند الصدوق في كتابه علل الشرائع، وسيذكره في ذيل الحديث الثاني من الباب، وهو معتبر.

ص: 259


1- ([1]*) المذي: ما يخرج عند الملاعبة والتقبيل عن الصحاح للجوهري - هامش المخطوط -، الصحاح 6: 2490.
2- ([2]*) في المصدر: البزاق.
3- ([3]*) الكافي 3: 39/ 3 وعلل الشرائع: 296/ 3.

[726] 2- وَعَنْهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ((1)*) قَالَ: إِنْ سَالَ مِنْ ذَكَرِكَ شَيْ ءٌ مِنْ مَذْيٍ أَوْ وَدْيٍ وَأَنْتَ فِي الصَّلَاةِ فَلَا تَغْسِلْهُ، وَلَا تَقْطَعْ لَهُ الصَّلَاةَ، وَلَا تَنْقُضْ لَهُ الْوُضُوءَ، وَإِنْ بَلَغَ عَقِبَيْكَ، فَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ النُّخَامَةِ، وَكُلُّ شَيْ ءٍ خَرَجَ مِنْكَ بَعْدَ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ مِنَ الْحَبَائِلِ((2)*) أَوْ مِنَ الْبَوَاسِيرِ وَلَيْسَ بِشَيْ ءٍ، فَلَا تَغْسِلْهُ مِنْ ثَوْبِكَ إِلَّا أَنْ تَقْذَرَهُ((3)*).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ وَزُرَارَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) نَحْوَهُ((4)*).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي الْعِلَلِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ((5)*).

وَالَّذِي قَبْلَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، مِثْلَهُ((6)*).

[2] - فقه الحديث:

قوله (علیه السلام) : «عقبيك»: العقبان مثنی عقب، جاء في لسان العرب: «عَقِبُ القَدَم

ص: 260


1- ([1]*) في نسخة العلل: «عن أبي جعفر (علیه السلام) » (منه قده).
2- ([2]*) حبائل الذكر: عروقه (لسان العرب 11: 136).
3- ([3]*) الكافي 3: 39/ 1.
4- ([4]*) التهذيب 1: 21/ 52 والاستبصار 1: 94/ 305. وفيهما إلى قوله: من الحبائل.
5- ([5]*) علل الشرائع 295/ 1.
6- ([6]*) علل الشرائع 296/ 3.

وعَقْبُها: مؤَخَّرُها... وتجمع على أَعْقاب»((1)).

وحَبائِل الذكر: عروقه((2)).

والبواسير جمع باسور: «الباسور كالنَّاسُور، أَعجمي: داء معروف ويُجمَعُ البَوَاسِيرَ، قال الجوهري: هي علّة تحدث في المقعدة وفي داخل الأَنف أيضاً»((3)).

دلّ على عدم ناقضيّة المذي للوضوء مطلقاً، قلّ أو كثر، يُفهم ذلك من قوله (علیه السلام) : «ولا تقطع له الصلاة، ولا تنقض له الوضوء وإن بلغ عقبيك»، أي وإن كثر وسال حتى بلغ مؤخّر قدمك، سواء أكان خروجه بشهوة أم من دونها، ودلّ أيضاً على أنّه لا يوجب قطع الصلاة، كما دلّ على طهارته وعدم لزوم غَسله، إلّا أن يحصل الاستقذار منه عند العرف فيغسله حينئذٍ كما يغسل سائر الأوساخ، ويشاركه في كلّ ذلك الودي، بل كل شيء يخرج بعد الوضوء - غير البول والمني وما يصاحباه - لا ينقض الوضوء ولا يقطع الصلاة، وهو طاهر لا يلزم غَسله.

سند الحديث:

أورد الماتن له ثلاثة أسانيد:

أوّلها: سند الكليني، وفيه قوله: «وعنه، عن أبيه» أي عن علي بن إبراهيم، عن

ص: 261


1- - لسان العرب1: 611، مادة: عقب.
2- - لسان العرب11: 136، مادة: حبل.
3- - لسان العرب4: 59، مادة: بسر.

أبيه إبراهيم بن هاشم، وفيه: حمّاد، أي ابن عيسی، وحريز، أي ابن عبد الله، والسند معتبر.

وثانيها: سند الشيخ في التهذيب والاستبصار، وقد سبق الكلام في أفراده، وهو صحيح.

وثالثها: سند الصدوق في كتابه علل الشرائع، وقد سبق الكلام في أفراده، وهو معتبر.

ص: 262

[727] 3- وَعَنْهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) عَنِ الْمَذْيِ يَسِيلُ حَتَّى يُصِيبَ الْفَخِذَ؟ قَالَ: لَا يَقْطَعُ صَلَاتَهُ، وَلَا يَغْسِلُهُ مِنْ فَخِذِهِ، إِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَخْرَجِ الْمَنِيِّ، إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ النُّخَامَةِ((1)*).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي الْعِلَلِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، مِثْلَهُ((2)*).

[3] - فقه الحديث:

دلّ علی طهارة المذي، وعدم نقضه للوضوء ولا قطعه للصلاة، وإن كان كثيراً بحيث يصيب الفخذ، سواء أكان خروجه عن شهوة أم عن غيرها، والعلّة في ذلك أنّه لم يخرج من مخرج المني الذي هو نجس وناقض للطهارة وقاطع للصلاة ويلزم غَسله من الثوب أو الجسد، بل هو كالنخامة التي لا يضرّ وجودها فلا يجب غَسلها عن الجسد للصلاة؛ إذ هي ليست نجسة، نعم، تغسل للاستقذار، كما أنّها غير ناقضة للطهارة بلا خلاف.

سند الحديث:

ذكر الماتن له سندين:

الأول: سند الكليني، وقد سبق الكلام في أفراده، وهو معتبر.

والثاني: سند الصدوق في كتابه علل الشرائع، وقد سبق الكلام في أفراده، وهو معتبر.

ص: 263


1- ([1]*) الكافي 3: 40/ 4.
2- ([2]*) علل الشرائع: 296/ 2.

[728] 4- وَعَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْوَشَّاءِ، عَنْ أَبَانٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ مُصْعَبٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) يَقُولُ: لَا نَرَى فِي الْمَذْيِ وُضُوءاً وَلَا غَسْلًا مَا أَصَابَ الثَّوْبَ مِنْهُ إِلَّا فِي الْمَاءِ الْأَكْبَرِ((1)*).

مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، مِثْلَهُ((2)*).

[4] - فقه الحديث:

قوله (علیه السلام) : «لا نرى» إمّا أن يكون من تفخيم المتكلّم نفسه، أو هو على الحقيقة فيراد به: أهل البيت (علیهم السلام) ، وعلى كلٍّ يكون نفي الوضوء والغَسل لما يصيب الثياب منه إمّا هو بيان الإمام (علیه السلام) نفسه وإمّا أنّه بيان أهل البيت (علیهم السلام) للحكم الواقعي، وسواء أكان خروجه عن شهوة أم غيرها، وأنّ الطهارة والغَسل من الماء الأكبر أي المني، في قِبال رأي أهل الخلاف، حيث إنّهم يرون الوضوء منه، كما يرونه نجساً((3)).

سند الحديث:

ذكر الماتن له سندين:

الأول: سند الكليني، وفيه: الحسين بن محمد وهو الأشعري، وقد تقدّم أنّه

ص: 264


1- ([1]*) الكافي 3: 54/ 6، ويأتي في الحديث 1 من الباب 4 والحديث 6 من الباب 7 من أبواب الجنابة.
2- ([2]*) التهذيب 1: 17/ 41 والاستبصار 1: 91/ 294.
3- - سنن ابن ماجة1: 168/ 504، نيل الأوطار1: 64.

من مشايخ الكليني، روى عنه كثيراً، ووثّقه النجاشي، وورد في القسم الثاني من التفسير((1))، لكن وروده في القسم الثاني من التفسير ليس دليلاً علی وثاقته.

ومعلّی بن محمد، هو الزيادي، وقد مضى أنّه ثقة وإن قال عنه النجاشي: «مضطرب الحديث والمذهب»((2)).

والوشّاء، هو الحسن بن علي، وقد مضى توثيقه((3)).

وأبان: هو أبان بن عثمان، لرواية الوشّاء عنه، وفي بعض الموارد التصريح باسم أبيه مع اسمه.

وعنبسة بن مصعب سبق أنّه وَقَف على أبي عبد الله (علیه السلام) ((4))، روى عنه المشايخ الثقات((5)). وعلى هذا فالسند معتبر.

والثاني: سند الشيخ، عن الكليني، والسند كسابقه معتبر.

ص: 265


1- - ايضاح الدلائل1: 114.
2- - المصدر نفسه.
3- - المصدر السابق: 115.
4- - المصدر السابق3: 125.
5- - أصول علم الرجال2: 204.

[729] 5- وَعَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) الْمَذْيُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ؟ قَالَ: لَا، وَلَا يُغْسَلُ مِنْهُ الثَّوْبُ، وَلَا الْجَسَدُ إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبُزَاقِ وَالْمُخَاطِ((1)*).

[5] - فقه الحديث:

دلّ على عدم نقض المذي مطلقاً للوضوء، سواء أكان خروجه قليلاً أم كثيراً وعن شهوة أم غير شهوة، كما هو مقتضى الإطلاق، كما دلّ على أنّه طاهر فلا يغسل منه الثوب ولا الجسد لكونه من الفضلات الطاهرة مثل البزاق والمخاط.

سند الحديث:

فيه: أحمد بن محمد، وهو أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، بقرينة رواية الشيخ المفيد عنه، والأسانيد التي مضت والتي تأتي، وهو وإن لم يرد فيه توثيق لكنّ رواية المفيد عن أبيه - محمد بن الحسن بن الوليد لجميع كتبه ورواياته - معتبرة.

وفيه: الصفّار، وهو محمد بن الحسن، وأحمد بن محمد بن عيسى، وهو الأشعري القمي، وأبوه: محمد بن عيسى الأشعري، قال عنه النجاشي: «محمد بن عيسى بن عبد الله بن سعد بن مالك الأشعري أبو علي، شيخ القميّين، ووجه

ص: 266


1- ([1]*) التهذيب 1: 17/ 40، والاستبصار 1: 91/ 293.

الأشاعرة، متقدّم عند السلطان، ودخل على الرضا (علیه السلام) وسمع منه، وروی عن أبي جعفر الثاني (علیه السلام) . له كتاب الخطب»((1)

والظاهر وثاقته؛ فإنّ مدحه بكونه شيخ القميين ووجه الأشاعرة حسنٌ لا يقلّ عن التوثيق.

وفيه أيضاً: ابن أذينة، وهو عمر بن أذينة. فالسند معتبر.

ص: 267


1- - رجال النجاشي: 338/ 905.

[730] 6- وَبِالْإِسْنَادِ عَنِ الصَّفَّارِ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ أَبِي مَسْرُوقٍ النَّهْدِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الطَّاطَرِيِّ، عَنِ ابْنِ رِبَاطٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام)

قَالَ: يَخْرُجُ مِنَ الْإِحْلِيلِ الْمَنِيُّ وَالْمَذْيُ وَالْوَذْيُ وَالْوَدْيُ، فَأَمَّا الْمَنِيُّ فَهُوَ الَّذِي يَسْتَرْخِي لَهُ الْعِظَامُ، وَيَفْتُرُ مِنْهُ الْجَسَدُ، وَفِيهِ الْغُسْلُ، وَأَمَّا الْمَذْيُ يَخْرُجُ مِنْ شَهْوَةٍ وَلَا

شَيْ ءَ فِيهِ، وَأَمَّا الْوَدْيُ فَهُوَ الَّذِي يَخْرُجُ بَعْدَ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الْوَذْيُ فَهُوَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الْأَدْوَاءِ، وَلَا شَيْ ءَ فِيهِ((1)*).

[6] - فقه الحديث:

دلّ على أنّ المني يوجب الغسل، وأنّ علامته استرخاء العظام وفتور الجسد - أي ضعفه وانكساره - بعد خروجه، وأنّ المذي لا يوجب نقض الطهارة وعلامته أنّه يخرج غالباً بسبب الشهوة، كما دلّ على أنّ علامة الودي أن يخرج بعد البول، وأنّ الوذي لا ينقض الطهارة أيضاً، وعلامته أنّه يخرج من الأدواء، والظاهر أنّ المراد بها العِلَل، أي أنّه يخرج بسببها، وسيأتي في الحديث الرابع عشر من هذا الباب وهو صحيح عبد الله بن سنان: أنّ المياه التي تخرج من الإحليل ثلاثة، ولم يذكر الوذي.

سند الحديث:

قوله: وبالإسناد عن الصفّار، - وهو ما ذكره في التهذيب والاستبصار قبل هذا الحديث - : الشيخ المفيد، عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن الصفّار.

ص: 268


1- ([1]*) التهذيب 1: 20/ 48، والاستبصار 1: 93/ 301.

وأمّا طرقه إلى محمد بن الحسن الصفّار في الفهرست((1)) فهي:

1- أخبرنا بجميع كتبه ورواياته ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عنه.

وابن أبي جيّد من مشايخ النجاشي فهو ثقة، فهذا الطريق معتبر.

2- وأخبرنا بذلك أيضاً جماعة، عن ابن بابويه، عن محمد بن الحسن، عن محمد بن الحسن الصفّار، عن رجاله، إلّا كتاب بصائر الدرجات، فإنّه لم يروه عنه ابن الوليد.

وهذا الطريق صحيح؛ لأنّ الشيخ المفيد من ضمن الجماعة التي تروي عن الشيخ الصدوق.

3- وأخبرنا به الحسين بن عبيد الله، عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن أبيه، عن الصفار. وهو ضعيف بأحمد بن محمد بن يحيى علی ما هو معروف، لكنّا رجّحنا وثاقته لترضّي الصدوق عنه، والظاهر أنّ هذا الطريق لكتاب بصائر الدرجات.

وزاد طريقين في مشيخة التهذيب والاستبصار((2))، أحدهما الطريق الأوّل المذكور في الفهرست، وثانيهما:

4- الشيخ أبو عبد الله محمد بن النعمان والحسين بن عبيد الله وأحمد بن عبدون كلّهم عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه. وهو ضعيف بأحمد بن محمد بن الحسن، لكن سبق أنّ للشيخ طريقين معتبرين

ص: 269


1- - فهرست الطوسي: 221/ 621.
2- - تهذيب الأحكام10، المشيخة: 73، الاستبصار4، المشيخة: 325.

إلى جميع روايات أبيه.

وأمّا الهيثم فهو شيخ محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمّي صاحب النوادر قد مرّ أنّه ممدوح، بل ثقة؛ لوجوده في كتاب النوادر.

وأمّا ابن رباط فهو علي بن الحسن بن رباط، وقد تقدّمت وثاقته((1))، فالسند إليه معتبر، ولكنّه مبتلی بالإرسال بعده.

ص: 270


1- - ايضاح الدلائل1: 79.

[731] 7- وَبِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْمَذْيِ؟ فَقَالَ: إِنَّ عَلِيّاً (علیه السلام) كَانَ رَجُلًا مَذَّاءً، فَاسْتَحْيَا أَنْ يَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ|، لِمَكَانِ فَاطِمَةَ÷ فَأَمَرَ الْمِقْدَادَ أَنْ يَسْأَلَهُ وَهُوَ جَالِسٌ، فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ| لَيْسَ بِشَيْ ءٍ((1)*).

[7] - فقه الحديث:

قوله: «كان رجلاً مذّاء»: مذّاء صيغة مبالغة على وزن فعّال من المذي، أي يخرج منه المذي كثيراً وفي أوقات كثيرة، وقد دلّ الحديث على عدم نقض الوضوء بخروج المذي وإن كان كثيراً، كما أنّ المذي ليس بنجس، فمَن كان يخرج منه المذي كثيراً لم يجب عليه شيء، كما هو ظاهر قوله: «ليس بشيء»، أي ليس عليه غُسل ولا وضوء، ولا تطهير.

ويُفهم من الاستحياء من السؤال أنّ المذي كان عن شهوة.

والظاهر أنّ ذكر حادثة أمير المؤمنين (علیه السلام) مع المقداد2 إنّما هو لأجل التقيّة؛ فإنّ القوم رووها بأنحاء مختلفة، وإن نقلوا جواباً آخر للنبي|، كما ستأتي الإشارة إليه في الحديث التاسع.

سند الحديث:

إسناد الشيخ إلى الحسين بن سعيد سبق بيان صحّته مراراً((2))، وفي السند:

ص: 271


1- ([1]*) التهذيب 1: 17/ 39، والاستبصار 1: 91/ 292.
2- - ايضاح الدلائل1: 471- 472.

صفوان وهو ابن يحيى الثقة الجليل، وفيه: إسحاق بن عمّار، وقد مرّ بيان وثاقته وشهرة كتابه((1))، وعليه فالسند صحيح.

ص: 272


1- - المصدر السابق: 475.

[732] 8- وَعَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَنْظَلَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْمَذْيِ؟ فَقَالَ: مَا هُوَ عِنْدِي إِلَّا كَالنُّخَامَةِ((1)*).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، نَحْوَهُ((2)*).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي الْعِلَلِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، مِثْلَهُ((3)*).

[8] - فقه الحديث:

يظهر من تشبيه المذي بالنخامة أنّه مثلها في كونه من الفضلات الطاهرة التي تخرج من جسم الإنسان، فلا يلزم غَسله عن الجسم والثوب، اللّهم إلّا أن يستقذره فله أن يغسله، وهو مثل النخامة أيضاً في أنّه لا يوجب نقض الطهارة.

سند الحديث:

ذكر الماتن ثلاثة أسانيد لهذا الحديث:

الأوّل: سند الشيخ في التهذيب والاستبصار، وفيه: أحمد بن محمد، وقد سبق أنّه أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد.

وفيه عمر بن حنظلة، وقد مرّ أنّا قبلنا وثاقته بوجهين: أحدهما رواية المشايخ

ص: 273


1- ([1]*) التهذيب 1: 17/ 38، والاستبصار 1: 91/ 291.
2- ([2]*) الكافي 3: 39/ 2.
3- ([3]*) علل الشرائع: 296/ 4.

الثقات عنه، والآخر معتبرة يزيد بن خليفة الدالّة على أنّه صدوق لا يكذب((1)).

وعليه فالسند معتبر.

والثاني: سند الكليني، وفيه: محمد بن يحيى، أي العطار، وأحمد بن محمد، أي ابن عيسى الأشعري، وهو يروي هنا عن الحسن بن علي بن فضّال، وهذا السند أيضاً معتبر.

والثالث: سند الصدوق في كتاب علل الشرائع عن أبيه، وهو سند الكليني نفسه، فهو أيضاً معتبر.

ص: 274


1- - ايضاح الدلائل1: 296- 297.

[733] 9- وَعَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (علیه السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْمَذْيِ؟ فَأَمَرَنِي بِالْوُضُوءِ مِنْهُ، ثُمَّ أَعَدْتُ عَلَيْهِ سَنَةً أُخْرَى، فَأَمَرَنِي بِالْوُضُوءِ مِنْهُ وَقَالَ: إِنَّ عَلِيّاً (علیه السلام) أَمَرَ الْمِقْدَادَ- أَنْ يَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ| وَاسْتَحْيَا أَنْ يَسْأَلَهُ فَقَالَ: فِيهِ الْوُضُوءُ. قُلْتُ: وَإِنْ لَمْ أَتَوَضَّأْ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ((1)*).

[9] - فقه الحديث:

دلّ على وجوب الوضوء في المذي مطلقاً، سواء أكان عن شهوة أم لم يكن؛ لعدم الاستفصال في الجواب، وهذا محمول إمّا على التقيّة، والشاهد عليه الاستشهاد بقضيّة أمير المؤمنين (علیه السلام) المعروفة عند القوم، وقد جاء جواب النبي| فيها موافقاً لهم، وإمّا على الاستحباب؛ لأنّ السائل بعد سماعه جواب الإمام (علیه السلام) واستشهاده بقضيّة أمير المؤمنين (علیه السلام) كأنّه لم يفهم وجوب الوضوء فقال مستفهماً: وإن لم أتوضّأ؟، وجواب الإمام (علیه السلام) بعدم البأس يعطي أنّ الوضوء غير واجب وإنّما هو مستحب، ولو كان المراد من قضيّة الأمير الوجوب لما حَسُن من السائل السؤال عن عدم الوضوء.

هذا وسيتكرّر هذا المتن في الحديث السابع عشر من دون هذا الذيل.

سند الحديث:

فيه: محمد بن إسماعيل، وهو محمد بن إسماعيل بن بزيع، تقدّم أنّه ثقة ثقة عين، صحيح، ومن صالحي هذه الطائفة، كثير العمل((2))، فهذا السند صحيح.

ص: 275


1- ([1]*) التهذيب 1: 18/ 43 ولاحظ الاستبصار 1: 92/ 295.
2- - ايضاح الدلائل1: 299- 300.

[734] 10- وَبِإِسْنَادِهِ عَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمُكَارِي، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : الْمَذْيُ يَخْرُجُ مِنَ الرَّجُلِ؟ قَالَ: أَحُدُّ لَكَ فِيهِ حَدّاً؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، جُعِلْتُ فِدَاكَ، قَالَ: فَقَالَ: إِنْ خَرَجَ مِنْكَ عَلَى شَهْوَةٍ فَتَوَضَّأْ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْكَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَيْكَ فِيهِ وُضُوءٌ((1)*).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ فِي أَحَادِيثِ الْقُبْلَةِ أَنَّ الْمَذْيَ عَنْ شَهْوَةٍ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَيُحْمَلُ هَذَا وَأَمْثَالُهُ عَلَى التَّقِيَّةِ أَوِ الِاسْتِحْبَابِ((2)*).

[10] - فقه الحديث:

دلّ على التفصيل بين المذي الخارج عن شهوة ففيه الوضوء، وبين المذي الخارج لا عن شهوة فليس فيه الوضوء. ويأتي فيه الحملان المتقدّمان في الحديث السابق.

سند الحديث:

قوله: وبإسناده عن الصفّار، أي الشيخ المفيد، عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه، عن الصفّار. وقد تقدّمت أسانيد الشيخ في الفهرست ومشيختي التهذيب والاستبصار في الحديث السادس من هذا الباب((3)).

ص: 276


1- ([1]*) التهذيب 1: 19/ 44، والاستبصار 1: 93/ 297.
2- ([2]*) تقدّم في الحديث 2 من الباب 9 من هذه الأبواب.
3- - في الصفحة: 258- 259.

وفي السند: موسی بن عمر، وقد سبق أنّه مشترك((1))، والظاهر أنّ المراد به هنا هو موسی بن عمر بن يزيد بن ذبيان الصيقل، وقلنا هناك إنّه متّحد مع موسی بن عمر الحضيني الذي عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الإمام الهادي (علیه السلام) ((2)). ولم يرد في حقّه توثيق، إلّا أنّه ورد في أسناد نوادر الحكمة، فيكون ثقة.

وفيه: أبو سعيد المكاري، وهو هاشم بن حيّان، وقد مضى عن النجاشي أنّه وجه في الواقفة((3))، ووثّق ابنه الحسين ولم يتعرّض له مع أنّه ذكره معه حيث قال: «كان هو وأبوه وجهين في الواقفة، وكان الحسين ثقة في حديثه»((4)). وقوله بوثاقة الابن يشعر بعدم وثاقة الأب، ولكنّه ورد في كتاب نوادر الحكمة وروى عنه المشايخ الثقات((5)

فيمكن الجمع بين تضعيفه وتوثيقه بالقول بضعفه في المذهب ووثاقته في الحديث. وعلى هذا فالسند معتبر.

ص: 277


1- - ايضاح الدلائل3: 369.
2- - رجال الطوسي: 392/ 5775.
3- - ايضاح الدلائل4: 10- 11.
4- - رجال النجاشي: 38/ 78.
5- - أصول علم الرجال1: 246، وج2: 221.

[735] 11- وَعَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ، عَنْ أَخِيهِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ (علیه السلام) عَنِ الْمَذْيِ أَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ مِنْ شَهْوَةٍ نَقَضَ((1)*).

[11] - فقه الحديث:

قوله (علیه السلام) : «إن كان من شهوة نقض» بيان بالمنطوق لحكم خروج المذي في حال الشهوة، ويدلّ بالمفهوم على حكم خروجه لا عن شهوة، فهذا الحديث يدلّ على التفصيل بين المذي الخارج عن شهوة فهو ينقض الوضوء، وبين الخارج لا عن شهوة فلا ينقض الوضوء.

سند الحديث:

تقدّم سند الشيخ إلى الصفّار في الحديث السابق وغيره، وفي السند: أحمد بن محمد، وهو إمّا أحمد بن محمد بن عيسى أو أحمد بن محمد بن خالد البرقي؛ لروايتهما عن الحسن بن علي بن يقطين، ولكن رواية أحمد بن محمد بن عيسی عنه أكثر، وعند الإطلاق ينصرف إليه، فهاتان قرينتان على إرادة أحمد بن محمد بن عيسی.

وأمّا الحسن وأخوه الحسين وأبوهما فقد تقدّم بيان وثاقتهم، فالسند صحيح.

ص: 278


1- ([1]*) التهذيب 1: 19/ 45، والإستبصار 1: 93/ 298.

[736] 12- وَعَنْهُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُكَيْمٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ رِبَاطٍ، عَنِ الْكَاهِلِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ (علیه السلام) عَنِ الْمَذْيِ؟ فَقَالَ: مَا كَانَ مِنْهُ لِشَهْوَةٍ((1)*) فَتَوَضَّأْ مِنْهُ((2)*).

[12] - فقه الحديث:

دلّ علی التفصيل بين المذي الخارج عن شهوة ففيه الوضوء، وبين المذي الخارج لا عن شهوة فليس فيه الوضوء. ويأتي فيه الحملان المتقدّمان.

سند الحديث:

قوله: «وعنه» أي عن محمد بن الحسن الصفّار، وفيه: الكاهلي، وقد سبق أنّه عبد الله بن يحيی، وأنّه كان وجهاً عند أبي الحسن (علیه السلام) ((3)). والسند معتبر.

ص: 279


1- ([1]*) في نسخة «بشهوة» (منه قده).
2- ([2]*) التهذيب 1: 19/ 46، والإستبصار 1: 93/ 299.
3- - ايضاح الدلائل2: 492.

[737] 13- وَبِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ فِي كِتَابِ الْمَشِيخَةِ((1)*)، عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: اغْتَسَلْتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِالْمَدِينَةِ، وَلَبِسْتُ أَثْوَابِي، وَتَطَيَّبْتُ فَمَرَّتْ بِي وَصِيفَةٌ فَفَخَّذْتُ لَهَا فَأَمْذَيْتُ أَنَا وَأَمْنَتْ هِيَ، فَدَخَلَنِي مِنْ ذَلِكَ ضِيقٌ، فَسَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْكَ وُضُوءٌ، وَلَا عَلَيْهَا غُسْلٌ((2)*).

أَقُولُ: وَيَأْتِي وَجْهُ نَفْيِ الْغُسْلِ فِي مَحَلِّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ((3)*).

[13] - فقه الحديث:

دلّ على عدم ناقضيّة المذي الخارج بشهوة؛ فإنّ مورده من أظهر موارد خروج المني بشهوة لحصول التفخيذ، وهو يلازم خروج المذي عن شهوة عادة.

ولعلّ الوجه في نفي الغسل عنها - مع قوله: وأمنت هي - أنّها اشتبهت أو لم يتحقّق أنّ الخارج منها مني، أو أنّها أحسّت بانتقال المني عن محلّه إلى موضع آخر ولم يخرج منه شيء، وغير ذلك من الوجوه التي سيذكرها الماتن في أبواب الجنابة.

سند الحديث:

إسناد الشيخ إلى كتاب المشيخة للحسن بن محبوب في الفهرست((4)) أربعة طرق:

ص: 280


1- ([1]*) في المصدر زيادة: بلفظ آخر.
2- ([2]*) التهذيب 1: 121/ 322.
3- ([3]*) يأتي في الحديث 22 من الباب 7 من أبواب الجنابة.
4- - فهرست الطوسي: 96/ 162.

1- أخبرنا بجميع كتبه ورواياته عدّة من أصحابنا، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن الهيثم بن أبي مسروق ومعاوية بن حكيم وأحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب. وهذا الطريق صحيح.

2- وأخبرنا ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن الصفّار، عن أحمد بن محمد ومعاوية بن حكيم والهيثم بن أبي مسروق، كلّهم عن الحسن بن محبوب. وهذا الطريق صحيح أيضاً.

3- وأخبرنا أحمد بن محمد بن موسی بن الصلت، عن أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، عن جعفر بن عبيد الله، عن الحسن بن محبوب. فيه: أحمد بن محمد بن موسی بن الصلت الأهوازي، من مشايخ النجاشي، فهو ثقة، وفيه أيضاً: جعفر بن عبيد الله، والظاهر أنّ الصحيح: ابن عبد الله، وهو المعروف برأس المذرى، قال عنه النجاشي: «كان وجهاً في أصحابنا، وفقيهاً، وأوثق الناس في حديثه»((1))، فهذا الطريق معتبر.

4- وأخبرنا بكتاب المشيخة قراءة عليه أحمد بن عبدون، عن علي بن محمد بن الزبير، عن أحمد بن الحسين بن عبد الملك الأودي (وفي نسخة: الأزدي)، عن الحسن بن محبوب. وهو ضعيف بعلي بن محمد بن الزبير؛ حيث لم تثبت وثاقته.

ص: 281


1- - رجال النجاشي: 120/ 306.

وفي مشيخة التهذيب والاستبصار ذكر الطريقين الثاني والرابع، وأضاف((1)):

5- وأخبرني به - أي ما أخذه من كتبه ومصنّفاته - أيضاً الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان (رحمه الله) والحسين بن عبيد الله وأحمد بن عبدون، عن أبي الحسن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه محمد بن الحسن بن الوليد، عن الحسن بن محبوب. وفيه: أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، وقد مرّ تصحيحه في هذا الباب.

وزاد في مشيخة التهذيب((2)):

6- بهذا الإسناد - أي: الحسين بن عبيد الله وأبو الحسين بن أبي جيد جميعاً، عن أحمد بن محمد بن يحيی، عن أبيه محمد بن يحيى العطّار - عن أحمد بن محمد - أي: ابن عيسی - عن الحسن بن محبوب. وهو معتبر.

7- بهذه الأسانيد - إشارة إلى أسانيد الشيخ في أوائل المشيخة إلى محمد بن يعقوب الكليني، وقد مضت في بيان طرق الشيخ الكليني - عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن الحسن بن محبوب((3)). وهو معتبر.

وأمّا عمر بن يزيد فقد مرّ أنّه مشترك بين الصيقل وبيّاع السابري((4))، والمعروف هو الثاني، وإليه ينصرف عند الإطلاق، وأنّه ثقة جليل. وعلى هذا فالسند صحيح.

ص: 282


1- - تهذيب الأحكام، المشيخة10: 75، والاستبصار، المشيخة4: 318- 319.
2- - تهذيب الأحكام، المشيخة10: 75.
3- - تهذيب الأحكام، المشيخة10: 52.
4- - ايضاح الدلائل1: 325.

[738] 14- وَعَنْهُ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ - يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ - عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: ثَلَاثٌ يَخْرُجْنَ مِنَ الْإِحْلِيلِ وَهُنَّ: الْمَنِيُّ، وَفِيهِ((1)*) الْغُسْلُ، وَالْوَدْيُ فَمِنْهُ الْوُضُوءُ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ دَرِيرَةِ((2)*) الْبَوْلِ قَالَ: وَالْمَذْيُ لَيْسَ فِيهِ وُضُوءٌ، إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْأَنْفِ((3)*).

قَالَ الشَّيْخُ: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ تَرَكَ الِاسْتِبْرَاءَ بَعْدَ الْبَوْلِ وَخَرَجَ مِنْهُ شَيْ ءٌ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مِنْ بَقِيَّةِ الْبَوْلِ انْتَهَى.

وَيُمْكِنُ الْحَمْلُ عَلَى التَّقِيَّةِ، وَعَلَى الِاسْتِحْبَابِ.

[14] - فقه الحديث:

الدريرة - بوزن شعيرة - هي السيلان، فتكون دريرة البول سيلانه.

دلّ الحديث على أنّ المياه التي تخرج من الإحليل ثلاثة:

أوّلها: المني، وفيه الغُسل.

وثانيها: الودي وفيه الوضوء، وعُلّل بأنّه يخرج من دريرة البول، ولا معنى لخروجه من سيلان البول، ولا معنى أيضاً لخروجه من محلّ سيلانه لاشتراك المياه الثلاثة في الخروج منه، فيبقى أن يراد: أنّه يخرج مع سيلان البول كأنّه منه.

وحمله الشيخ(قدس سره) على من ترك الاستبراء بعد البول وخرج منه بلل، فإنّه

ص: 283


1- ([1]*) في المصدر: فمنه.
2- ([2]*) دريرة البول: سيلانه (مجمع البحرين 3/ 301).
3- ([3]*) التهذيب 1: 20/ 49، والاستبصار 1: 94/ 302.

يكون من بقيّة البول، لا أنّه رطوبة أخرى، وسيأتي ما فيه عند بيان الجمع بين الأحاديث.

وثالثها: المذي وليس فيه وضوء، فهو من الفضلات الطاهرة.

سند الحديث:

قوله: «وعنه» أي عن الحسن بن محبوب، وما ورد في التهذيب من أنّه: الحسن بن علي بن محبوب الظاهر أنّه غير صحيح، إذ ليس في كتب الرجال: الحسن بن علي بن محبوب.

وقول الماتن: «يعني عبد الله» توضيحاً للمراد من ابن سنان، هو من إضافات الماتن ولا توجد في المصدر، ولكنّه صحيح؛ لرواية الحسن بن محبوب عن عبد الله بن سنان، ورواية عبد الله عن الإمام مباشرة. والسند صحيح.

ص: 284

[739] 15- وَبِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حَرِيزٍ، عَمَّنْ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: الْوَدْيُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، إِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُخَاطِ وَالْبُزَاقِ((1)*).

[15] - فقه الحديث:

دلّ بالصراحة على أنّ الودي لا ينقض الوضوء، وأنّه مثل المخاط والبزاق في الطهارة وعدم نقض الطهارة.

سند الحديث:

فيه: حمّاد وهو ابن عيسی، وحريز وهو ابن عبد الله كما مرّ. والسند ضعيف بالإرسال، لكن يصحّح الحديث بكونه من كتاب الحسين بن سعيد، وهو من جملة الكتب المشهورة والمعوّل عليها، فيكون الحديث معتبراً.

ص: 285


1- ([1]*) التهذيب 1: 21/ 51، والاستبصار 1: 94/ 304.

[740] 16- وَعَنْهُ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَقْطِينٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ (علیه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يُمْذِي - وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ - مِنْ شَهْوَةٍ أَوْ مِنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ؟ قَالَ: الْمَذْيُ مِنْهُ الْوُضُوءُ((1)*).

أَقُولُ: حَمَلَهُ الشَّيْخُ عَلَى التَّعَجُّبِ لَا الْإِخْبَارِ، قَالَ: وَيُمْكِنُ أَنْ نَحْمِلَهُ عَلَى التَّقِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ يُوَافِقُ مَذْهَبَ أَكْثَرِ الْعَامَّةِ. انْتَهَى.

وَيُمْكِنُ الْحَمْلُ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِ((2)*).

[16] - فقه الحديث:

دلّ على ناقضيّة المذي مطلقاً، سواء أكان عن شهوة أم لم يكن، بل هنا صرّح في السؤال بالإطلاق فقال: من شهوة أو من غير شهوة.

وحمل الشيخ جوابَ الإمام (علیه السلام) على التعجّب، وحمل الماتن له على الإستفهام الانكاري بعيد؛ لأنّه ليس في السؤال: أنّ المذي هل فيه وضوء، ليصحّ التعجّب منه أو يُستَفهَم إنكاراً بسببه، وإنّما الموجود: أنّ المذي مطلقاً في الصلاة ما هو حكمه؟، فجاء الجواب بأنّ فيه الوضوء، فيبقى الحمل على التقيّة أو الحمل على الاستحباب.

ص: 286


1- ([1]*) التهذيب 1: 21/ 53، والاستبصار 1: 95/ 306.
2- ([2]*) نقل العلامة في التذكرة: أنّ الجمهور إلّا مالكاً قائلون: بأنّ المذي ينقض الوضوء، وكذا الودي(منه قدّه) راجع التذكرة 1: 10.

سند الحديث:

قوله: «عنه» أي الحسين بن سعيد، وفي السند: يعقوب بن يقطين، عدّه البرقي من أصحاب الإمام موسی بن جعفر (علیه السلام) ((1))، وذكره الشيخ في أصحاب الإمام الرضا (علیه السلام) قائلاً: «يعقوب بن يقطين، ثقة»((2)).وعلی

هذا فالسند صحيح.

ص: 287


1- - رجال البرقي: 320/ 176.
2- - رجال الطوسي: 369/ 5489.

[741] 17- وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ قَالَ: سَأَلْتُ الرِّضَا (علیه السلام) عَنِ الْمَذْيِ؟ فَأَمَرَنِي بِالْوُضُوءِ مِنْهُ ثُمَّ أَعَدْتُ عَلَيْهِ فِي سَنَةٍ أُخْرَى فَأَمَرَنِي بِالْوُضُوءِ مِنْهُ، وَقَالَ: إِنَّ عَلِيّاً (علیه السلام) أَمَرَ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ| وَاسْتَحْيَا أَنْ يَسْأَلَهُ فَقَالَ: فِيهِ الْوُضُوءُ((1)*).

أَقُولُ: حَمَلَهُ الشَّيْخُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، قَالَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي تَرَكَ بَعْضَ الْخَبَرِ؛ لِمَا مَرَّ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْخَبَرِ بِعَيْنِهِ مِنْ جَوَازِ تَرْكِ الْوُضُوءِ((2)*)، وَالْحَمْلُ عَلَى التَّقِيَّةِ مُمْكِنٌ، وَيَكُونُ أَمْرُ الْمِقْدَادِ مَنْسُوخاً.

[17] - فقه الحديث:

متن هذا الحديث هو متن الحديث التاسع، إلّا أنّه خالٍ عن قوله في الذيل: «قلت: وإن لم أتوضّأ؟ قال: لا بأس»، ولا يضرّ وروده من دون هذه الزيادة؛ فإنّه إذا دار الأمر بين الزيادة والنقيصة فإنّ الأصل هو عدم الزيادة، فيؤخذ بما في الحديث التاسع، على ما هو المعروف.

ص: 288


1- ([1]*) التهذيب 1: 18/ 42، والاستبصار 1: 92/ 295.
2- ([2]*) مرّ في الحديث 7 من هذا الباب.

سند الحديث:

سبق الكلام في إسناد الشيخ إلى أحمد بن محمد بن عيسى، في الحديث الثاني عشر من الباب الثالث من أبواب الماء المطلق، وقلنا إنّ له عدّة طرق معتبرة((1)).

ومحمد بن إسماعيل بن بزيع سبقت الإشارة في الحديث التاسع إلى جلالته((2)).والسند معتبر.

ص: 289


1- - ايضاح الدلائل3: 102- 105.
2- - في الصفحة: 264.

[742] 18- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) لَا يَرَى فِي الْمَذْيِ وُضُوءاً، وَلَا غَسْلَ((1)*) مَا أَصَابَ الثَّوْبَ مِنْهُ((2)*).

[18] - فقه الحديث:

دلّ على عدم نقض المذي مطلقاً للوضوء، سواء أكان خروجه قليلاً أم كثيراً وعن شهوة أم عن غير شهوة، كما دل على أنّه طاهر فلا يغسل منه الثوب.

سند الحديث:

من مراسيل الصدوق في الفقيه، ومرّ مراراً البحث في أنّها معتبرة((3)).

ص: 290


1- ([1]*) في نسخة: «غسلاً» (منه قده).
2- ([2]*) الفقيه 1: 39/ 149.
3- - ايضاح الدلائل1: 91- 94.

[743] 19- قَالَ: وَرُوِيَ أَنَّ الْمَذْيَ وَالْوَدْيَ بِمَنْزِلَةِ الْبُصَاقِ وَالْمُخَاطِ فَلَا يُغْسَلُ مِنْهُمَا الثَّوْبُ، وَلَا الْإِحْلِيلُ((1)*).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ((2)*)، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ هُنَا((3)*)، وَفِي النَّجَاسَاتِ((4)*).

[19] - فقه الحديث:

دلّ علی طهارة المذي والودي، وأنّهما كالبصاق والمخاط الطاهرين بالاتفاق فلا يغسل منهما الثوب ولا الإحليل.

سند الحديث:

من مراسيل الصدوق في الفقيه، والكلام فيه كما سبق.

الجمع بين الأحاديث:

الأحاديث الموجودة في هذا الباب بالنسبة للمذي على أربع طوائف:

الطائفة الأولى: دلّت على عدم كون المذي ناقضاً للوضوء، وهي تسعة أحاديث.

ص: 291


1- ([1]*) الفقيه 1: 39/ 150.
2- ([2]*) تقدّم ما يدلّ على ذلك في الباب 1، 2، والحديث 10 من الباب 7 والحديث 5 من الباب 9 من هذه الأبواب.
3- ([3]*) يأتي في الباب 13 من هذه الأبواب.
4- ([4]*) يأتي في الحديث 1 من الباب 16، والباب 17 من النجاسات.

والطائفة الثانية: دلّت على كونه ناقضاً، وهي حديثان وردا بنحو الإطلاق.

والطائفة الثالثة: دلّت على أنّه إذا كان عن شهوة فهو ناقض، وهي أربعة أحاديث.

والطائفة الرابعة: دلّت على عدم ناقضيّته إذا كان عن شهوة، وهي ثلاثة أحاديث.

والنسبة بين الطائفتين الأولى والثانية هي التباين، فهما متعارضتان، والترجيح مع الطائفة الأولى من جهاتٍ:

الجهة الأولى: أنّها مشهورة فترجّح على الطائفة الثانية.

الجهة الثانية: أنّها موافقة لإطلاق الكتاب، وهو قوله تعالى: {يا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيدِيكُمْ إِلَی الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَی الْكَعْبَينِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}((1))، أي إذا قمتم من النوم أو غيره من الأحداث الصغيرة إلى الصلاة فتوضّؤوا، وإن كنتم جنباً فاغتسلوا، فمن فعل ذلك كان له الدخول في الصلاة مطلقاً، أي سواء خرج منه المذي بعد الوضوء أو الغسل أم لم يخرج، فالآية تدلّ بإطلاقها على عدم انتقاض الوضوء بالمذي، وأمّا الطائفة الثانية فهي مخالفة لإطلاق الكتاب فتسقط عن الحجيّة.

الجهة الثالثة: أنّها مخالفة للعامّة، بينما الطائفة الثانية موافقة لهم.

ص: 292


1- - سورة المائدة: الآية6.

وعلى فرض تماميّة التعارض تتساقط الطائفتان والمرجع حينئذٍ العمومات، وهي الأحاديث الحاصرة لنواقض الوضوء في ثلاثة نواقض أو أربعة أو خمسة، وخروج المذي ليس منها.

وأمّا الطائفتان الثالثة والرابعة فهما متعارضتان أيضاً والنسبة بينهما هو التباين، والترجيح للطائفة الرابعة بالمرجّحات المتقدّمة في الطائفة الأولى، وهنا مع قطع النظر عن المرجّحات في الطائفة الأولى نقول: إنّ الطائفة الثالثة لا تصلح - في نفسها - لتقييد الطائفة الأولى؛ وذلك: لأنّ المذي إذا كان هو السائل الرقيق الخارج عن شهوة كانت الطائفة الثالثة تعارض الطائفة الأولى بالتباين؛ لدلالة الثالثة على أنّ المذي - وهو السائل الخارج عند الشهوة - ناقض للوضوء، ودلالة الأولى على أنّ المذي - بهذا المعنی - غير ناقض له، والترجيح مع الطائفة الأولى كما مرّ آنفاً.

وأمّا إذا كان المذي هو الأعم من السائل الذي يخرج عند الشهوة أو لا معها فكذلك لا تصلح للتقييد؛ لأنّ الغالب والمنصَرَف إليه من المذي هو ما يخرج عن شهوة، وندرة خروجه لا عن شهوة، وتخصيص موردها - مع كثرتها وتواترها الإجمالي، ومع التأكيد بأنّ المذي كالنخامة وغيرها من الفضلات - بالفرد النادر غير صحيح، فلابدّ من إلغائها أو حملها على الاستحباب.

وقد ظهر من هذا أنّ مقتضى الجمع بين هذه الطوائف: أنّ ما دلّ على نقض المذي للوضوء مطلقاً أو إذا كان خروجه عن شهوة إمّا ملغی أو يلزم حمله

ص: 293

على التقيّة، كما هو اختيار السيد الأستاذ(قدس سره) ((1))، ولعلّه المشهور.

ولكنّ السيد الحكيم(قدس سره) جمع بينها بالحمل على الاستحباب((2))، إذ القاعدة عند الدوران بين التصرّف في الجهة والتصرّف في الظهور هي تقديم التصرّف في الظهور، والأحاديث الدالّة على النقض ولو من دون شهوة ظاهرة في وجوب الوضوء، فيُتَصَرَّف فيها بحملها على استحباب الوضوء عقيب خروج المذي.

والشاهد على ذلك ما ورد في الحديث التاسع من قوله: «فَقَال: فِيهِ الوُضُوءُ. قُلتُ: وَإِنْ لَم أَتَوَضَّأْ؟ قال: لَا بَأْسَ» فهو مطلق شامل لما كان خروجه عن شهوة ولما كان خروجه لا عنها، ولا يضرّ ورود هذا الحديث نفسه من دون هذه الزيادة، وهو الحديث السابع عشر؛ فإنّه إذا دار الأمر بين الزيادة والنقيصة فإنّ الأصل هو عدم الزيادة، فيؤخذ بما في الحديث التاسع، هذا هو المعروف، وفيه كلام.

وما ذكره السيد الحكيم(قدس سره) واضح إذا أمكن، والسيد الأستاذ(قدس سره) ينكر إمكان حملها على الاستحباب، لورود الأخبار بالنقض وعدم النقض، وهذا ممّا لا يقبل التصرّف في ظهوره؛ لأنّهما عبارة عن الإخبار عن الفساد وعدمه، والفساد والنقض ليس لهما مراتب، فلا يمكن الجمع بينهما عرفاً؛ لما عرفت من عدم قبول الفساد والنقض للشدّة والضعف، وعليه لابد من الجمع الجهتي،

ص: 294


1- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي)4: 453- 455.
2- - مستمسك العروة الوثقی2: 262.

وترجّح الطائفة الأولى بما ذكرناه.

لكن يلحظ عليه: أنّه ذُكر الوضوء مع النقض ومع عدمه فيظهر من هذا أنّ للنقض مراتب، فيكون المنتَقض بخروج المذي هو الطهارة الكاملة لا أصل الطهارة، وعلى هذا يصحّ كلام السيّد الحكيم، فتدبّر.

وأمّا بالنسبة للودي فقد ورد ذكره في أربعة أحاديث، وهي: الثاني وهو معتبر أو صحيح زرارة، والسادس وهو مرسل علي بن الحسن بن رباط، والرابع عشر وهو صحيح عبد الله بن سنان، والخامس عشر وهو معتبر حماد.

أمّا مرسل ابن رباط فلم يرد فيه حكم الودي، واقتصر على تفسيره فقط، كما مرّ، اللّهم إلّا أن يستفاد حكمه من المذكور في المذي بقرينة السياق. فهذا المرسل خارج عن دائرة التعارض على كلّ حال، فيبقی صحيح زرارة ومعتبر حمّاد الدالّان على عدم انتقاض الوضوء بخروج الودي، وصحيح عبد الله بن سنان الدالّ على الانتقاض بخروجه، وقد سبق أنّ الشيخ حمل صحيح زرارة على من ترك الاستبراء بعد البول؛ لكون الخارج حينئذٍ من بقيّة البول فينتقض الوضوء، فلا يتنافى مع صحيح عبد الله بن سنان.

هذا، لكنّه حمل لا يمكن قبوله؛ لأنّ هذا الحكم مختصّ بما إذا لم يستبرئ من البول واشتبه في البلل الخارج بعده بأن دار أمره بين البول والمذي مثلاً لما يأتي في الباب اللاحق، وأمّا إذا علم بأنّ الخارج ليس ببول وأنّه إمّا ودي أو مذي أو غيرهما فلا موجب للقول بانتقاض الوضوء؛ إذ لم يتحقّق سببه، وحينئذٍ نقول: إنّ الحديثين متعارضان ولا بدّ من الترجيح بينهما، وهو يتمّ بما تقدّم من الوجوه في

ص: 295

المذي، ويجري فيه الحمل على استحباب الوضوء بعد خروجه كما مرّ آنفاً.

المتحصل من الأحادیث

والحاصل: أنّ في الباب تسعة عشر حديثاً، الأوّل معتبر بسنديه الاوّل والثاني، والثاني معتبر بسنديه الأوّل والثالث وصحيح بسنده الثاني، والثالث معتبر بسنديه وكذا الرابع، والخامس والثامن بأسانيده الثلاثة والعاشر والثاني عشر والسابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر كلّها معتبرة، والسابع والتاسع والحادي عشر والثالث عشر والرابع عشر والسادس عشر كلّها صحاح، وأمّا السادس فضعيف بالإرسال، ومثله الخامس عشر إلّا أنّه يمكن تصحيحه.

المتحصل من الأحادیث

والمستفاد منها أمور، منها:

1- عدم ناقضيّة المذي للوضوء مطلقاً، قل أو كثر، سواء أكان بشهوة أم بدونها، وعدم نجاسته، وهو لا يوجب قطع الصلاة.

2- عدم ناقضيّة الودي والوذي للوضوء مطلقاً، قلّ أو كثر، وعدم نجاسته، وهو لا يوجب قطع الصلاة.

3- أنّ كلّ شيء يخرج بعد الوضوء - غير البول والمني وما يصاحباه - لا ينقض الوضوء، ولا يقطع الصلاة.

4- أنّ المني نجس يجب تطهير الثوب والجسد منه لما يشترط فيه الطهارة كالصلاة، وخروجه موجب للغُسل.

5- أنّ النخامة والبصاق والمخاط لا يجب غَسلها عن الجسد لما يشترط فيه الطهارة؛ لعدم كونها نجسة، وتغسل للاستقذار، كما أنّها غير ناقضة للطهارة.

ص: 296

13- بَابُ حُكْمِ الْبَلَلِ الْمُشْتَبِهِ الْخَارِجِ بَعْدَ الْبَوْلِ وَالْمَنِيِ

اشارة

13- بَابُ حُكْمِ الْبَلَلِ الْمُشْتَبِهِ الْخَارِجِ بَعْدَ الْبَوْلِ وَالْمَنِيِ

شرح الباب:

ما يخرج من الإنسان بعد البول أو المني علی قسمين:

أحدهما: ما يُعلم أنّه بول أو مني، فيحكم عليه بحكمهما سواء حصل الاستبراء قبل خروجه أم لم يحصل.

وثانيهما: ما لا يُعلم أنّه بول أو مني، ويُصطلح عليه: البلل المشتبه.

وهذا الباب معقود لبيان حكم البلل المشتبه، وهو علی قسمين؛ فإنّه تارة يخرج بعد البول وأخری بعد المني، وحكمه يختلف تبعاً لحصول الاستبراء قبله وعدمه، والاستبراء لغة: طلب البراءة((1)

والمراد من الاستبراء هنا في هذا الباب: طلب براءة الذكر من البول أو المني، وفي أحاديث الباب بيانٌ لكيفية الاستبراء من البول، وإن كان فيها اختلاف، وأمّا الاستبراء من المني فيتحقّق بخروج البول بعده، لأنّه ينظّف مجرى المني منه.

أقوال الخاصّة:

لا خلاف بين الخاصّة في عدم الاعتناء بالبلل المشتبه بعد الاستبراء، ونقل

ص: 297


1- - لسان العرب1: 33، مادة: برأ.

الاتفاق بينهم على ذلك((1))، والمشهور هو استحباب الاستبراء عن البول قال العلّامة في المختلف: «ذهب الشيخ في الاستبصار إلى وجوب الاستبراء من البول، والمشهور الاستحباب»((2)).

وسيأتي منّا في آخر الباب الكلام حول الأقوال في كيفيّة الاستبراء.

أقوال العامّة:

تقدّم في الباب الثاني من هذه الأبواب نقل إجماعهم على نقض ما يخرج من السبيلين ومنه المذي والودي، فإذا اشتبه البلل الخارج بين المني والمذي أو اشتبه بين البول والودي لم يكن له أثر؛ لقولهم بالناقضيّة في الجميع، وكذا لو خرجت رطوبة أخرى من السبيلين غير ما ذُكر فإنّها ناقضة أيضاً عند أكثرهم وإن كان خروجها نادراً، «وبهذا قال الثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي، وكان عطاء والحسن وأبو مجلز والحكم وحمّاد والأوزاعي وابن المبارك يرون الوضوء من الدود يخرج من الدبر، ولم يوجب مالك الوضوء من هذا الضرب... فأمّا الودي فهو ماء أبيض ثخين يخرج بعد البول كدراً فليس فيه وفي بقيّة الخوارج إلّا الوضوء»((3))، وهو صريح في ناقضيّة كلّ ما يخرج من السبيلين.

نعم، لهم في الاستبراء من الخارج من السبيلين قولان: قول بالوجوب، و هو

ص: 298


1- - انظر: مفتاح الكرامة1: 231.
2- - مختلف الشيعة: 271.
3- - المغني1: 160 و163.

قول الحنفيّة والمالكيّة وبعض الشافعيّة، وقول بالاستحباب، وهو قول جمهور الشافعيّة والحنابلة((1)).

وذكر بعضهم في كيفيته أنّه «يستحب أن يمكث بعد البول قليلاً ويضع يده علی أصل الذكر من تحت الأنثيين ثمّ يسلته إلی رأسه فينتر ذكره ثلاثاً برفق، قال أحمد: إذا توضّأت فضع يدك في سفلتك ثمّ اسلت ما ثَمّ حتّی ينزل ولا تجعل ذلك من همّك، ولا تلتفت إلی ظنّك»((2)).

ص: 299


1- - الموسوعة الفقهية3: 168.
2- - المغني1: 146.

[744] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعَنْ أَبِي دَاوُدَ جَمِيعاً، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنْ رَجُلٍ بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ ثُمَّ وَجَدَ بَلَلًا؟ قَالَ: لَا يَتَوَضَّأُ، إِنَّمَا ذَلِكَ مِنَ الْحَبَائِلِ((1)*).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَعْفُورٍ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قال: لَا شَيْ ءَ عَلَيْهِ وَلَا يَتَوَضَّأُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ((2)*).

[1] - فقه الحديث:

دلّ على عدم نقض البلل الخارج بعد البول للوضوء، ودلّ أيضاً علی أنّه لا يقطع الصلاة، وإلّا لنصّ على ذلك، وظاهره الإطلاق فيشمل ما إذا بال ثمّ استبرأ وما إذا لم يستبرئ ويأتي في الأحاديث ما يقيّد هذا الإطلاق.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

الأوّل: سند الكليني، وهو سند مقرون ينحلّ إلى سندين:

أوّلهما: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد.

وثانيهما: عدّة من أصحابنا، عن أبي داود، عن الحسين بن سعيد.

ص: 300


1- ([1]*) الكافي 3: 19/ 2.
2- ([2]*) الفقيه 1: 38/ 147.

وأحمد بن محمد فيهما هو أحمد بن محمد بن عيسی؛ لروايته عن الحسين بن سعيد.

وأبو داود سبق أنّ المراد به سليمان بن سفيان المسترق المنشد((1)). وأنّ الكشّي وثّقه، وورد في أسانيد تفسير القمي.

والعلاء في كلا السندين هو العلاء بن رزين، والسند صحيح.

والثاني: سند الصدوق إلی عبد الله بن أبي يعفور، وسنده إليه هكذا: أحمد بن محمد بن يحيی العطّار2، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن عبد الله بن أبي يعفور((2)).

ولا يضرّ وجود أحمد بن محمد بن يحيی العطّار الذي لم يرد فيه توثيق خاص في السند؛ لترضّي الشيخ الصدوق عنه، فهو ثقة، فهذا السند معتبر.

ص: 301


1- - ايضاح الدلائل4: 350- 351.
2- - من لا يحضره الفقيه 4: 427، المشيخة.

[745] 2- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي الرَّجُلِ يَبُولُ ثُمَّ يَسْتَنْجِي ثُمَّ يَجِدُ بَعْدَ ذَلِكَ بَلَلًا؟ قَالَ: إِذَا بَالَ فَخَرَطَ مَا بَيْنَ الْمَقْعَدَةِ وَالْأُنْثَيَيْنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَغَمَزَ مَا بَيْنَهُمَا ثُمَّ اسْتَنْجَى فَإِنْ سَالَ حَتَّى يَبْلُغَ السُّوقَ فَلَا يُبَالِي((1)*).

وَ رَوَاهُ الصَّدُوقُ مُرْسَلًا((2)*).

[2] - فقه الحديث:

الخرط: هو القبض باليد على طرف الشيء ثم إمرارها إلى طرفه الآخر، قال ابن منظور: «خَرَطْتُ الورقَ: حَتَتُّه، وهو أنْ تَقْبِضَ على أَعلاه ثم تُمِرَّ يدك عليه إلى أَسفله، وفي المثل: دُونه خَرْطُ القَتادِ. قال أَبو الهيثم: خَرَطْتُ العُنْقُودَ خَرْطاً إِذا اجتذبت حبّه بجميع أَصابعك، وما سقط منه فهو الخُراطةُ»((3)).

دلّ الحديث بمنطوقه على أنّ مَن جاء بالخرطات لا يعتدّ بما يخرج منه بعدها من البلل المشتبه، وإن كان كثيراً بحيث بلغ السوق، جمع الساق وهو ما بين الكعب والركبة، وبلوغ البلل إلى الساق شيء نادر، فقيّد عدم الاعتداد

ص: 302


1- ([1]*) التهذيب 1: 20/ 50، والاستبصار 1: 94/ 303.
2- ([2]*) الفقيه 1: 39/ 148.
3- - لسان العرب 1: 284، مادة: خرط.

بالبلل المشتبه بحصول الخرطات ثلاث مرّات، ويفهم من عدم الاعتداد عدم النقض للطهارة وعدم نجاسة البلل أيضاً، وأمّا قوله: «وغمز ما بينهما» فهو عبارة أخرى عن الخرط ما بين المقعدة والأنثيين، فيكون العطف تفسيريّاً.

سند الحديث:

نقل المصنّف الحديث بنحوين:

الأوّل: مسنداً عن التهذيب والاستبصار، وسند الشيخ إلى محمد بن أحمد بن يحيی معتبر كما تقدّم، وعبد الملك بن عمرو لم يرد فيه توثيق، لكنّه ورد في أسناد كتاب نوادر الحكمة((1))، وعلى هذا فالسند معتبر.

الثاني: مرسلاً عن من لا يحضره الفقيه، وقد تقدّم الكلام في اعتبار مراسيله((2)).

ص: 303


1- - أصول علم الرجال1: 228.
2- - ايضاح الدلائل1: 91-94.

[746] 3- وَعَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الْبَرْقِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ حَفْصِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي الرَّجُلِ يَبُولُ؟ قَالَ: يَنْتُرُهُ ثَلَاثاً ثُمَّ إِنْ سَالَ حَتَّى يَبْلُغَ السُّوقَ((1)*) فَلَا يُبَالِي((2)*).

[3] - فقه الحديث:

النَّتْرُ: الجَذْبُ بِجَفاءٍ، نَتَرَه يَنْتُرُه نَتْراً فانْتترَ. واستَنْترَ الرجلُ من بَوْلِه: اجْتَذَبَه واستخرج بقيّته من الذَّكَرِ عند الاستنجاء. وفي الحديث: إِذا بال أَحدكم فلْيَنْتُرْ ذكَرَه ثلاث نَتَراتٍ، يعني بعد البول، هو الجَذْب بقوّة((3)).

دلّ على أنّ الاستبراء بعد البول هو بنتر الذكر وجذبه بقوّة ثلاث مرّات، وأحاديث الباب مختلفة في بيان كيفيّة حصول الاستبراء كما يأتي، ودلّ أيضاً على أنّ الفائدة المترتّبة على الاستبراء هي عدم الاعتناء بالبلل المشتبه، فهو طاهر وليس بناقض للوضوء وإن كان كثيراً، وهذا الحديث يقيّد إطلاق الحديث الأوّل، ومثله معتبر محمد بن مسلم الآتي في أبواب أحكام الخلوة، حيث جاء فيه: «قلت لأبي جعفر (علیه السلام) : رجل بال ولم يكن معه ماء؟، قال: يعصر أصل ذكره إلى طرفه ثلاث عصرات، وينتر طرفه فإن خرج بعد ذلك شيء

ص: 304


1- ([1]*) في المصدر: الساق.
2- ([2]*) التهذيب 1: 27/ 70، والاستبصار 1: 48/ 136.
3- - لسان العرب 5: 190، مادة: نتر.

فليس من البول، ولكنّه من الحبائل»((1))، وكان من حقّه أن يذكر في هذا الباب.

سند الحديث:

فيه: أحمد بن محمد عن أبيه، أي أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد عن أبيه محمد بن الحسن بن الوليد، وأحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد لم يرد فيه توثيق، فيكون السند ضعيفاً، لكن ما دامت روايات أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد الواردة في الكتب الأربعة كلّها عن أبيه محمد بن الحسن، وللشيخ في الفهرست ثلاثة طرق إلى محمد بن الحسن: اثنان منها ليس فيهما أحمد، وهما معتبران((2)) فيمكن القول بأنّ الطريق إليه معتبر.

وأمّا أحمد بن محمد الذي يروي عنه سعد بن عبد الله فهو أحمد بن محمد بن عيسی.

وعلى هذا فالسند معتبر.

ص: 305


1- - وسائل الشيعة 1: 320، ب 11 من أبواب أحكام الخلوة، ح2.
2- - أصول علم الرجال 2: 343.

[747] 4- وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ أَبِي مَسْرُوقٍ النَّهْدِيِّ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مِسْكِينٍ، عَنْ سَمَاعَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ مُوسَى (علیه السلام) إِنِّي أَبُولُ ثُمَّ أَتَمَسَّحُ بِالْأَحْجَارِ فَيَجِي ءُ مِنِّي الْبَلَلُ((1)*) مَا يُفْسِدُ سَرَاوِيلِي؟ قَالَ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ((2)*).

[4] - فقه الحديث:

فيه نفي البأس عن البلل بعد البول والتمسّح بالأحجار، وبعد الاستبراء كما في المصدر، ويحتمل إرادة عدم البأس في البلل المذكور - بغضّ النظر عن الملاقاة - فلا يحكم بكونه بولاً، وإلّا فإنّ ملاقي النجس يتنجّس، ويحتمل حمله علی التقيّة.

سند الحديث:

سند الشيخ إلی محمد بن علي بن محبوب صحيح كما مرّ((3))، وأمّا الهيثم بن أبي مسروق فقد تقدّم أنّه ممدوح، وهو من مشايخ صاحب النوادر((4)) فهو ثقة.

وأمّا الحكم بن مسكين فقد سبق أيضاً أنّه ورد في أسانيد نوادر الحكمة، وروی عنه المشايخ الثقات((5)

فهو ثقة.

وأمّا سماعة فهو سماعة بن مهران، فهذا السند معتبر.

ص: 306


1- ([1]*) في المصدر: بعد استبرائي.
2- ([2]*) التهذيب 1: 51/ 150، والاستبصار 1: 56/ 165.
3- - ايضاح الدلائل1: 405- 406.
4- - المصدر السابق3: 129- 130.
5- - المصدر السابق: 130.

[748] 5- وَبِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام) : مَنِ اغْتَسَلَ وَهُوَ جُنُبٌ قَبْلَ أَنْ يَبُولَ ثُمَّ يَجِدُ بَلَلًا فَقَدِ انْتَقَضَ غُسْلُهُ، وَإِنْ كَانَ بَالَ ثُمَّ اغْتَسَلَ ثُمَّ وَجَدَ بَلَلًا فَلَيْسَ يَنْقُضُ غُسْلَهُ، وَلَكِنْ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ؛ لِأَنَّ الْبَوْلَ لَمْ يَدَعْ شَيْئاً((1)*).

[5] - فقه الحديث:

دلّ على أنّ من اغتسل من الجنابة قبل أن يستبرئ من المني بالبول وخرج منه بلل مشتبه فقد انتقض غُسله، وعليه إعادته، وأمّا إن كان خروج البلل المشتبه بعد الاستبراء بالبول والغُسل لم ينتقض غُسله، فليس عليه إعادة غُسله، وعلّل ذلك بأنّ البول لم يدع شيئاً، أي لم يُبقِ شيئاً من المني في المجرى فما خرج من البلل - بعد البول - ليس منيّاً فليس بناقض للغسل، فهذا تعليل لقوله: فليس ينقض غُسله، لا لقوله: ولكن عليه الوضوء.

وأمّا أنّ عليه الوضوء فهو محمول على عدم وقوع الاستبراء من البول.

سند الحديث:

سند الشيخ إلى الحسين بن سعيد طريقان أحدهما صحيح كما مرّ((2))، وحمّاد هو حمّاد بن عيسی؛ لتوسّطه بين الحسين بن سعيد وحريز بن عبد الله مضافاً إلی أنّ كتابه مشهور ومعوّل عليه، فهذا السند صحيح.

ص: 307


1- ([1]*) التهذيب 1: 144/ ذيل الحديث 407، والاستبصار 1: 119/ ذيل الحديث 402، ويأتي في الحديث 7 من الباب 36 من أبواب الجنابة.
2- - ايضاح الدلائل1: 471- 472.

[749] 6- وَعَنْهُ، عَنْ أَخِيهِ((1)*) الْحَسَنِ، عَنْ زُرْعَةَ، عَنْ سَمَاعَةَ - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: فَإِنْ كَانَ بَالَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ فَلَا يُعِيدُ غُسْلَهُ، وَلَكِنْ يَتَوَضَّأُ وَيَسْتَنْجِي((2)*).

أَقُولُ: ذَكَرَ الشَّيْخُ أَنَّهُمَا مَحْمُولَانِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ أَوْ عَلَى خُرُوجِ شَيْ ءٍ مِنْ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ بِقَرِينَةِ الِاسْتِنْجَاءِ.

[6] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ من اغتسل من الجنابة بعد أن استبرأ من المني بالبول وخرج منه بلل مشتبه بعد الغُسل فغُسله باقٍ لم ينتقض، وليس عليه إعادته، ولكن يتوضّأ ويستنجي، وهذا محمول علی عدم وقوع الاستبراء من البول، فالوضوء والاستنجاء؛ لأنّ البلل الخارج محكوم بكونه بولاً.

سند الحديث:

تقدّمت ترجمة رجاله، وهو موثّق.

ص: 308


1- ([1]*) أثبتناه من المصدر.
2- ([2]*) التهذيب 1: 144/ 406، والاستبصار 1: 119/ 401. وأورده بتمامه في الحديث 8 من الباب 36 من أبواب الجنابة.

[750] 7- وَعَنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فَقَالَ: إِنِّي رُبَّمَا بُلْتُ فَلَا أَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ وَيَشْتَدُّ ذَلِكَ عَلَيَّ؟ فَقَالَ: إِذَا بُلْتَ وَتَمَسَّحْتَ فَامْسَحْ ذَكَرَكَ بِرِيقِكَ فَإِنْ وَجَدْتَ شَيْئاً فَقُلْ: هَذَا مِنْ ذَاكَ((1)*)((2)*).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ((3)*).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ بِإِسْنَادٍ عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) وَذَكَرَ مِثْلَهُ((4)*).

وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ مِثْلَهُ((5)*).

أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَسْحُ بِالرِّيقِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ لِئَلَّا تَتَعَدَّى.

[7] - فقه الحديث:

دلّ هذا الحديث علی أمور:

منها: جواز مسح مخرج البول بالحجر ونحوه عند فقد الماء، وهذا لا يعني

ص: 309


1- ([1]*) الوجه في حديث سماعة وحنان، أنّ البواطن لا تنجس لما يأتي، وأنّ ملاقاة البلل الطاهر من المخرج غير متيقنة غالباً، وهو طاهر غير ناقض للطهارة فلا بأس به، مع احتماله التقيّة (منه قده).
2- ([2]*) التهذيب 1: 353/ 1050.
3- ([3]*) الكافي 3: 20/ 4.
4- ([4]*) الفقيه 1: 41/ 160.
5- ([5]*) التهذيب 1: 348/ 1022.

أنّ المسح المذكور مطهّر لمخرج البول، بل فائدته عدم انتشار النجاسة وتعدّيها عن المخرَج.

ومنها: أنّ العرق الملاقي لمخرج البول قبل الاستنجاء بالماء نجس، وإن تمسّحَ المحدِثُ بحجر أو نحوه، وكذا البلل الذي قد يخرج بعد الاستبراء.

ومنها: أنّ طريق التخلّص من البناء على نجاسة الثوب أو الجسد الملاقيين للعرق الموجود على مخرج البول، أو للبلل الذي يخرج أحياناً بعد الاستبراء هو أن يمسح ذكره بريقه - في غير محلّ النجاسة لئلّا تتعدّی - فلو وجد بللاً في جسده أو في ثوبه بنی على أنّه من الريق الذي هو طاهر، لا من العرق أو البلل المتنجّسين بالمخرَج، ولا يجب التطهير إلّا إذا كان التنجّس أمراً يقينيّاً.

سند الحديث:

نقل المصنّف الحديث بأربعة أسانيد:

الأوّل: سند الشيخ في التهذيب، وهو موثّق.

الثاني: سند الكليني في الكافي، وهو معتبر.

الثالث: سند الصدوق في الفقيه، وإسناده إلى حنان بن سدير في المشيخة ثلاثة أسانيد((1)):

أوّلها: أبوه ومحمد بن الحسنG، عن سعد بن عبد الله، وعبد الله بن جعفر الحميري جميعاً، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن حنان.

ص: 310


1- - من لا يحضره الفقيه 4: 428، المشيخة.

وثانيها: محمد بن الحسن (رحمه الله) ، عن محمد بن الحسن الصفّار، عن عبد الصمد بن محمد، عن حنان. وعبد الصمد بن محمد من مشايخ محمد بن أحمد بن يحيی صاحب كتاب نوادر الحكمة((1))، فيكون ثقة.

وثالثها: محمد بن علي ماجيلويه (رحمه الله) ، عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن حنان بن سدير. وهذه الأسانيد الثلاثة معتبرة.

الرابع: سند الشيخ في التهذيب أيضاً، وإسناده إلى محمد بن أحمد بن يحيى عدّة طرق في الفهرست والمشيخة، وأكثرها معتبر كما سبق(2).

والمراد بأحمد بن محمد هو أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، والسند صحيح.

ص: 311


1- - أصول علم الرجال1: 226.
2- - ايضاح الدلائل3: 53- 54.

[751] 8- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ سَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ (علیه السلام) فِي الْخَصِيِّ يَبُولُ فَيَلْقَى مِنْ ذَلِكَ شِدَّةً وَيَرَى الْبَلَلَ بَعْدَ الْبَلَلِ؟ قَالَ: يَتَوَضَّأُ وَيَنْتَضِحُ فِي النَّهَارِ مَرَّةً وَاحِدَةً((1)*).

وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعْدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مَعْرُوفٍ، عَنْ سَعْدَانَ مِثْلَهُ((2)*).

[8] - فقه الحديث:

الخصي هو مَن سُلّت منه الخصيتان، قال ابن منظور: (خَصی الفحلَ خِصاءً، ممدود: سَلَّ خُصْيَيْه، يكون في الناس والدواب والغنم)((3)).

الانتضاح هو الترشّش، قال الفيومي: (نضحتُ الثوبَ (نَضْحاً) من باب ضَرَبَ ونَفَعَ وهو البَلُّ بالماء والرَّش و(يُنضَحُ) من بول الغلام أي يُرَشُّ ... و(انتضَحَ) البولُ على الثوب تَرَشَّشَ((4)).

لمّا كان الخصي يرى البلل بعد البول، وتتكرّر رؤيته له وجب عليه الوضوء عن البول، وبلّ ثوبه أو محلّ فرجه مرّة في النهار عن البول الخارج بعد ذلك

ص: 312


1- ([1]*) التهذيب 1: 353/ 1051.
2- ([2]*) التهذيب 1: 424/ 1349.
3- - لسان العرب 14: 229، مادة: خصا.
4- - المصباح المنير: 609، مادة: نضح.

تخفيفاً

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ سَعْدَانَ(بْنِ)((1)*) عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ (علیه السلام) وَ ذَكَرَ مِثْلَهُ((2)*).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ مُرْسَلًا عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (علیهما السلام) مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: ثُمَّ يَنْضِحُ ثَوْبَهُ((3)*).

أَقُولُ: يَحْتَمِلُ كَوْنُ الْبَلَلِ مُشْتَبِهاً وَالنَّضْحِ مُسْتَحَبّاً وَالْوُضُوءِ غَيْرَ مَأْمُورٍ بِهِ إِلَّا مَرَّةً بِسَبَبِ الْبَوْلِ فَلَا يَكُونُ وَاجِباً لِأَجْلِ الْبَلَلِ وَيَحْتَمِلُ كَوْنُ الْبَلَلِ مَعْلُوماً أَنَّهُ مِنَ الْبَوْلِ وَحِينَئِذٍ فَالْوُضُوءُ وَاجِبٌ وَكَذَا النَّضْحُ.

عليه، كما هو الحال في المربيّة ذات الثوب الواحد. ويحتمل أن يراد بالوضوء تطهير وغَسل محلّ البلل المشكوك مرّة واحدة في النهار استحباباً بعد الوضوء عن البول، ويكون الحديث موافقاً لعنوان الباب على هذا الاحتمال.

سند الحديث:

نقل المصنّف الحديث بأربعة أنحاء:

الأوّل: مسنداً عن التهذيب، وسند الشيخ إلى محمد بن علي بن محبوب

ص: 313


1- ([1]*) ليس في المصدر.
2- ([2]*) الكافي 3: 20/ 6.
3- ([3]*) الفقيه 1: 43/ 168.

صحيح كما مرّ((1)). وفي هذا السند سعدان بن مسلم، واسمه عبد الرحمن بن مسلم، وسعدان لقبه، وقد سبق أنّه ممّن روى عنه المشايخ الثقات، وورد في أسناد كتاب نوادر الحكمة وتفسير القمّي((2)

وأمّا عبد الرحيم فالظاهر أنّه عبد الرحيم القصير، وقد مضى أنّه ورد في أسناد تفسير القمّي، وروی عنه المشايخ الثقات((3)). وعلى هذا فالسند معتبر.

والثاني: مسنداً عن التهذيب أيضاً، وسند الشيخ إلى سعد - أي سعد بن عبد الله الأشعري - تقدّم أنّ له أربعة طرق اثنان في المشيخة صحيحان واثنان في الفهرست أحدهما صحيح والآخر معتبر((4)).

والمراد من أحمد بن محمد هو أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري، وهذا السند معتبر أيضاً.

والثالث: مسنداً عن الكافي، فيه أحمد بن محمد والظاهر أنّه ابن عيسی((5)).

وفيه: أحمد بن إسحاق، وهو أحمد بن إسحاق بن عبد الله الأشعري، أبو علي القمّي، تقدّم توثيقه عن الشيخ، وبيان النجاشي والشيخ لجلالته وعظم

ص: 314


1- - ايضاح الدلائل1: 405- 406.
2- - ايضاح الدلائل1: 256.
3- - المصدر السابق: 319.
4- - المصدر السابق3: 56.
5- - أقول: توجد موارد كثيرة روى فيها الحسين بن محمد عن أحمد بن إسحاق عن سعدان بن مسلم في الكافي، ولم يتوسّط أحمد بن محمد بين الحسين وأحمد، فلعلّ وجود أحمد بن محمد في هذا السند زيادة من النّساخ، كما أفاده السيد البروجردي(قدس سره) (راجع: ترتيب أسانيد الكافي1: 376- 377). [المقرّر].

منزلته عند الأئمة (علیهم السلام) ((1)).

وفيه أيضاً: سعدان بن عبد الرحمن، والموجود في المصدر: سعدان عبد الرحمن، وقد سبق أنّ سعدان اسمه عبد الرحمن، فلعلّ الموجود هنا تصحيف: سعدان عبد الرحمن، فالسند معتبر.

والرابع: مرسلاً عن من لا يحضره الفقيه، وقد سبق الكلام في اعتبارها((2)).

ص: 315


1- - ايضاح الدلائل2: 144- 145.
2- - المصدر السابق1: 91- 94.

[752] 9- وَبِإِسْنَادِهِ عَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى قَالَ: كَتَبَ إِلَيْهِ رَجُلٌ هَلْ يَجِبُ الْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ مِنَ الذَّكَرِ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ؟ فَكَتَبَ: نَعَمْ((1)*).

أَقُولُ: حَمَلَهُ الشَّيْخُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ تَارَةً وَعَلَى التَّقِيَّةِ أُخْرَى لِمُوَافَقَتِهِ لِلْعَامَّةِ، وَحَمَلَهُ الْعَلَّامَةُ عَلَى كَوْنِ الْخَارِجِ مِنْ بَقِيَّةِ الْبَوْلِ، وَالْجَمِيعُ مُتَّجِهٌ((2)*).

وَقَدْ تَقَدَّمَتْ أَحَادِيثُ اشْتِرَاطِ الْيَقِينِ بِحُصُولِ الْحَدَثِ((3)*) وَأَحَادِيثُ حَصْرِ النَّوَاقِضِ وَفِيهَا دَلَالَةٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ هُنَا((4)*).

[9] - فقه الحديث:

هذا الحديث مخالف لبقيّة أحاديث الباب، فقد دلّ بظاهره علی أنّ البلل الخارج من الذكر بعد الاستبراء ناقض للوضوء، وقد حمله الشيخ تارة علی الاستحباب وأخری علی التقيّة، كما حمله العلّامة في المنتهی علی كون الخارج من بقيّة البول فيجب منه الوضوء.

وقال الماتن بأنّ الجميع متّجه.

ولكن الحمل على الاستحباب بعيد؛ فإنّ التعبير ب-«يجب» في كلام السائل يبعّده.

وأمّا حمل العلّامة فكذلك؛ لأنّ الاستبراء هو الاستخلاص من البول، فلا بول في المجرى حتى يُحكم بأنّ البلل بول، وعليه فقول الماتن: والجميع متّجه،

ص: 316


1- ([1]*) التهذيب 1: 28/ 72، والاستبصار 1: 49/ 138.
2- ([2]*) المنتهى 1: 42.
3- ([3]*) تقدمت في الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء.
4- ([4]*) تقدّمت في البابين 2، 3 من أبواب نواقض الوضوء.

خلاف الظاهر.

وأمّا الحمل على التقيّة فلا بأس به، لكون العامّة ترى ناقضيّة ما يخرج بعد الاستبراء وهو الودي، ويؤيّده أنّ هذا الحديث مكاتبة فيقوی فيها احتمال الصدور عن تقيّة موافقةً لما هم عليه. وهو الأظهر عند السيد الأستاذ(قدس سره) .

وأمّا السيد الحكيم(قدس سره) فلم يذكر الحمل على التقيّة؛ لذهابه إلى أنّ التصرّف في الظهور والدلالة ما دام ممكناً لا تصل النوبة إلى التصرّف في الجهة.

سند الحديث:

تقدّم في الباب السابق((1))

أنّ للشيخ ثلاث طرق إلى الصفّار في الفهرست: اثنان معتبران والثالث صحيح، وفي المشيخة طريق معتبر.

وأمّا محمد بن عيسى فهو مشترك بين محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ومحمد بن عيسى الأشعري، والد أحمد، لكنّ رواية الصفار عن الأوّل منهما كثيرة جداً، وأمّا روايته عن الثاني فهي قليلة، ولعلّها لا تتجاوز مورداً واحداً في الكتب الأربعة، فالظاهر أنّه محمد بن عيسى العبيدي، وكيف كان فالأمر سهل بعد أن كان كلاهما من الثقات، وعليه فالسند صحيح.

ص: 317


1- - في الصفحة: 258- 259.

[753] 10- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ فِي قُرْبِ الْإِسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الطَّيَالِسِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قُلْتُ: الرَّجُلُ يَبُولُ وَيَنْتَفِضُ وَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَجِدُ الْبَلَلَ بَعْدَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ شَيْئاً((1)*)، إِنَّمَا ذَلِكَ مِنَ الْحَبَائِلِ((2)*).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ((3)*) وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فِي أَحْكَامِ الْخَلْوَةِ وَالْجَنَابَةِ وَغَيْرِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ((4)*).

[10] - فقه الحديث:

قوله: ينتفض، أي يزيل ويدفع ويتمسّح، فيكون عبارة أخری عن الاستبراء، قال ابن الأثير: ««ابغني أحجاراً أستنفض بها» أي أستنجي بها، وهو من نفض الثوب؛ لأنّ المستنجي ينفض عن نفسه الأذى بالحجر: أي يزيله ويدفعه. ومنه حديث ابن عمر «أنّه كان يمرّ بالشعب من مزدلفة فينتفض ويتوضّأ». ومنه

ص: 318


1- ([1]*) في المصدر: بشي ء.
2- ([2]*) قرب الإسناد 60.
3- ([3]*) تقدّم في الحديث 2، 14 من الباب السابق.
4- ([4]*) يأتي في: أ - الحديث 2 من الباب 11 من أبواب أحكام الخلوة. ب - الحديث 1 من الباب 13 من أبواب الجنابة. ج - يأتي في الباب 36 من الجنابة. د - الحديث 5 من الباب 1 من أبواب قواطع الصلاة.

الحديث «أتی بمنديل فلم ينتفض به» أي لم يتمسّح»((1)).

دلّ على أنّ من استبرأ بعد البول ثمّ وجد بللاً فهذا البلل ليس شيئاً أو ليس بشيء، أي أنّه طاهر فلا يجب غَسل الموضع الذي أصابه من ثوب أو جسد، كما أنّه ليس من النواقض، وهو من الحبائل أي عروق الذكر أو عروق الظهر، فليس وزانه وزان البول.

سند الحديث:

فيه محمد بن خالد الطيالسي، وقد سبق أنّه لم يرد فيه شيء((2))، وتوثيقه لورود عنوان محمد بن خالد في أسناد كتاب النوادر متوقّف علی كونه الطيالسي لا شخص آخر، والظاهر أنّه الطيالسي((3)).

وفيه أيضاً: إسماعيل بن عبد الخالق، قال عنه النجاشي: «إسماعيل بن عبد الخالق بن عبد ربّه بن أبي ميمونة بن يسار، مولى بني أسد، وجه من وجوه أصحابنا وفقيه من فقهائنا، وهو من بيت الشيعة، عمومته شهاب وعبد الرحيم ووهب وأبوه عبد الخالق كلّهم ثقات، رووا عن أبي جعفر وأبي عبد الله (علیهما السلام) . وإسماعيل نفسه

ص: 319


1- - النهاية في غريب الحديث والأثر5: 97.
2- - ايضاح الدلائل1: 236.
3- - أقول: الظاهر أنّه الطيالسي، فيكون ثقة لوروده في أسناد كتاب نوادر الحكمة؛ وذلك لوجود نظائر هذا السند في نوادر الحكمة نقلها الشيخ في التهذيب والاستبصار، روی فيها محمد بن يحيی المعاذي عنه بعنوان محمد بن خالد الطيالسي أو بعنوان الطيالسي، وروی هو عن سيف بن عميرة، وفي بعضها روی عن سيف بن عميرة، والراوي عنه فيها شخص آخر غير محمد بن يحيى المعاذي، وعليه يكون السند معتبراً [المقرّر].

روی عن أبي عبد الله وأبي الحسن (علیهما السلام) . له كتاب رواه عنه جماعة»((1)).

وقال الكشي: «حدّثني أبو الحسن حمدويه بن نصير قال: سمعت بعض المشايخ يقول: - وسألته عن وهب وشهاب وعبد الرحمن بني عبد ربّه وإسماعيل بن عبد الخالق بن عبد ربّه؟ - قال: كلّهم خيار فاضلون كوفيّون»((2)).

وذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الإمام السجّاد (علیه السلام) قائلاً: «إسماعيل بن عبد الخالق لحقه، وعاش إلى أيّام أبي عبد الله (علیه السلام) »، وذكره أيضاً في أصحاب الإمام الباقر (علیه السلام) مع توصيفه بالجعفي، وفي أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) مع توصيفه بالأسدي((3))

فهذا السند معتبر.

الأقوال في الاستبراء بالخرطات، وكيفيّة الجمع بين الأحاديث:

المشهور أنّ المطلقات تقيّد بالمقيّدات ثمّ يجمع بين المقيّدات، فيقال في المقام: إنّ الاستبراء يكون بتسع خرطات، قال السيّد اليزدي(قدس سره) في العروة: «الاستبراء، والأولى في كيفيّاته أن يصبر حتى تنقطع دريرة البول، ثمّ يبدأ بمخرج الغائط فيطهّره، ثمّ يضع إصبعه الوسطى من اليد اليسرى على مخرج الغائط، ويمسح إلى أصل الذكر ثلاث مرات، ثمّ يضع سبّابته فوق الذكر وإبهامه تحته ويمسح بقوّة إلى رأسه ثلاث مرّات، ثمّ يعصر رأسه ثلاث مرّات، ويكفي سائر الكيفيّات مع مراعاة ثلاث مرّات»((4)).

ص: 320


1- - رجال النجاشي: 27/ 50.
2- - اختيار معرفة الرجال2: 713/ 783.
3- - رجال الطوسي: 110/ 1075، 125/ 1250، 159/ 1785.
4- - العروة الوثقی1: 322.

وقوله: «والأولى في كيفيّاته» حيث لم يوجد هذا الترتيب في أحاديث الباب، فلا تكون هذه الكيفيّة لازمة.

وأمّا وضع الإصبع الوسطى من اليد اليسرى على مخرج الغائط فلم يرد إلّا في المستدرك عن علي (علیه السلام) قال: «قال لنا رسول الله| من بال فليضع إصبعه الوسطى في أصل العجان ثمّ يسلتها ثلاثاً»((1)).

وأمّا وضع السبّابة فوق الذكر والإبهام تحته فلم ترد به النصوص، وقد قال الفقهاء: إنّ العكس - وهو وضع السبّابة تحت الذكر والإبهام فوقه - أولى وأسهل وأنسب.

وقد اختلفت كلمات الفقهاء في عدد المسحات المعتبرة في الاستبراء على أقوال أربعة - على ما ذكره السيد الأستاذ(قدس سره) ((2)) - :

القول الأوّل: اعتبار أن تكون المسحات تسعاً بأن يمسح من مخرج الغائط إلى أصل القضيب ثلاث مرّات بقوّة ويمسح القضيب ثلاثاً ويعصر الحشفة وينترها ثلاثاً كما ذكره صاحب العروة وهو ما ذهب إليه المشهور.

والقول الثاني: ما عن جملة من العلماء من كفاية الست بالمسح من مخرج النجو إلى أصل القضيب ثلاثاً وينتره ثلاثاً.

والقول الثالث: ما عن علم الهدى وابن الجنيد من أنّ المسحات المعتبرة في الاستبراء ثلاث، وهو بأن ينتر الذكر من أصله إلى طرفه ثلاثاً.

ص: 321


1- - مستدرك الوسائل1: 260، ب 10 من أبواب أحكام الخلوة، ح2.
2- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 4: 391.

والقول الرابع: ما عن المفيد(قدس سره) في المقنعة من أنّ المعتبر أن يمسح بإصبعه الوسطى تحت أنثييه إلى أصل القضيب مرّة أو مرّتين أو ثلاثاً ثمّ يضع مسبحته تحت القضيب وإبهامه فوقه ويمرّهما عليه باعتماد قوي من أصله إلى رأس الحشفة مرّة أو مرّتين أو ثلاثاً ليخرج ما فيه من بقيّة البول. وظاهر هذا الكلام عدم اعتبار العدد في الاستبراء والمدار فيه على الوثوق بالنقاء.

هذه هي أقوال المسألة ومنشأ اختلافها هو اختلاف الأحاديث الواردة في المقام.

كيفيّة استفادة قول المشهور من الأحاديث:

جاء في معتبر عبد الملك بن عمرو: «إذا بال فخرط ما بين المقعدة والاُنثيين ثلاث مرّات، وغمز ما بينهما ثمّ استنجی» وهو دالّ على كفاية خرط ما بين المقعدة والأنثيين ثلاثاً وغمز ما بينهما، وفي معتبر حفص بن البختري: «ينتره ثلاثاً»، وهو دالّ على مسح الذكر ثلاثاً، وفي معتبر محمد بن مسلم: «يعصر أصل ذكره إلى طرفه ثلاث عصرات، وينتر طرفه»، وهو دالّ على مسح الحشفة، بالإضافة إلى عصر أصل الذكر إلى طرفه، وما دام لا يوجد مانع من تقييد المطلق منها بالمقيّد، يقيّد معتبر عبد الملك بن عمرو بمعتبر حفص، ويقيّد معتبر حفص بمعتبر محمد بن مسلم، والنتيجة هي أنّ المعتبر في الاستبراء تسع مسحات، كما هو قول المشهور.

المتحصل من الأحادیث

والحاصل: أنّ في الباب عشرة أحاديث، أوّلها صحيح بسنده الأوّل ومعتبر بسنده الثاني، وخامسها صحيح، وسادسها موثّق، وسابعها موثّق بسنده الأوّل، ومعتبر بالثاني والثالث وصحيح بالرابع والتاسع صحيح، والبقيّة معتبرة

ص: 322

بأسانيدها.

والمستفاد منها أمور، منها:

1- أنّ البلل المشتبه طاهر ولا ينقض الطهارة.

2- أنّ الاستبراء من البول يتحقّق بفعل الخرطات التسع على ما هو المشهور.

3- أنّ الاستبراء من المني يتحقّق بخروج البول بعده.

4- أنّ للاستبراء كيفيات متعدّدة، لكن المشهور أن يمسح من مخرج الغائط إلى أصل القضيب ثلاث مرّات بقوّة ويمسح القضيب ثلاثاً ويعصر الحشفة وينترها ثلاثاً.

5- أنّ فائدة الاستبراء عدم الاعتداد بما يخرج منه بعده من البلل المشتبه، وإن كان كثيراً، فلا يجب عليه إعادة الوضوء، ولا الغسل.

6- أنّه إذا اغتسل من الجنابة قبل أن يستبرئ من المني بالبول وخرج منه بلل مشتبه فقد انتقض غُسله، وعليه إعادته.

7- أنّه يجوز مسح مخرج البول بالحجر ونحوه عند فقد الماء، ويبقى مخرج البول على نجاسته، وما يلاقيه من البلل ينجس.

8- أنّ طريق التخلّص من البناء على نجاسة الثوب أو الجسد الملاقيين للعرق الموجود على مخرج البول، أو للبلل الخارج بعد الاستبراء هو: أن يمسح ذكره بريقه - في غير محلّ النجاسة لئلّا تتعدّی - فيبني على أنّ البلل من الريق، لا من غيره.

9- أنّ الخصي الذي يجد البلل بعد البول يغسل محلّ البلل المشكوك مرّة واحدة في النهار استحباباً بعد الوضوء عن البول، ولو خرج بعد ذلك مراراً لم يعتن به.

ص: 323

ص: 324

14- بَابُ أَنَّ تَقْلِيمَ الْأَظْفَارِ وَالْحَلْقَ وَنَتْفَ الْإِبْطِ وَأَخْذَ الشَّعْرِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُو ءَ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ مَسْحُ الْمَوْضِعِ بِالْمَا ءِ إِذَا كَانَ بِالْحَدِيدِ

اشارة

14- بَابُ أَنَّ تَقْلِيمَ الْأَظْفَارِ وَالْحَلْقَ وَنَتْفَ الْإِبْطِ وَأَخْذَ الشَّعْرِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ مَسْحُ الْمَوْضِعِ بِالْمَاءِ إِذَا كَانَ بِالْحَدِيدِ

شرح الباب:

تقليم الأظفار هو أخذ ما طال منها، قال في مجمع البحرين: «قَلَمْتُ الظفر: أخذت ما طال منه. وقَلَّمْتُ بالتشديد: مبالغة وتكثير»((1)).

وحلق الشعر هو إزالته، ونتف الإبط: نزع الشعر النابت فيه، قال ابن منظور: «النَّتْفُ: نزع الشعر وما أَشبهه»((2)).

وهذه الأمور من جملة المسنونات المتعلّقة بالنظافة، وقد ورد الحثّ عليها والترغيب فيها، بل وذمّ تركها كما يأتي في أبواب آداب الحمّام والتنظيف والزينة إن شاء الله، لكنّ المقصود من إيرادها هنا هو بيان أنّها غير ناقضة للوضوء.

ص: 325


1- - مجمع البحرين6: 140، مادة: قلم.
2- - لسان العرب9: 323، مادة: نتف.

أقوال الخاصّة:

لم ينقل عن الخاصّة قاطبة القول بالنقض بالأمور المذكورة في عنوان الباب، ولذا قال في الجواهر: «من غير خلاف أجده، بل الإجماع منقول عليه»((1)).

نعم، الخلاف في أخذ الشعر بالحديد من حيث استحباب المسح بالماء على محلّ الأخذ ووجوبه، ويظهر من الماتن وبعض المحدّثين الاستحباب.

أقوال العامّة:

أكثر العامّة على عدم النقض بتلك الأمور الواردة في عنوان الباب، ولكن يظهر من الحديث الأوّل الآتي أنّهم يرون النقض، قال في بدائع الصنائع: «من توضّأ ثم جزّ شعره أو قلم ظفره أو قصّ شاربه أو نتف إبطيه لم يجب عليه ايصال الماء إلى ذلك الموضع عند عامّة العلماء، وعند إبراهيم النخعي يجب عليه في قلم الظفر وجزّ الشعر وقصّ الشارب»((2)).

وقال ابن قدامة في المغني: «ومتى غسل هذه الشعور ثمّ زالت عنه أو انقلعت جلدة من يديه أو قصّ ظفره أو انقلع لم يؤثّر في طهارته، قال يونس بن عبيد: ما زاده إلّا طهارة، وهذا قول أكثر أهل العلم، وحكي عن ابن جرير أنّ ظهور بشرة الوجه بعد غسل شعره يوجب غسلها»((3)).

ص: 326


1- - جواهر الكلام1: 417.
2- - بدائع الصنائع1: 33.
3- - المغني1: 100.

وقال في موضع آخر: «حكي عن مجاهد والحكم وحمّاد في قصّ الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط الوضوء، وقول جمهور العلماء بخلافهم، ولا نعلم لهم في ما يقولون حجّة»((1)).

وقال في قصّ الأظفار: «يستحب غسل رؤس الأصابع بعد قصّ الأظفار»((2)).

ص: 327


1- - المصدر السابق: 196.
2- - المصدر السابق: 72.

[754] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ مُحَمَّدٍ الْحَلَبِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ عَلَى طُهْرٍ فَيَأْخُذُ مِنْ أَظْفَارِهِ أَوْ شَعْرِهِ أَيُعِيدُ الْوُضُوءَ؟ فَقَالَ: لَا، وَلَكِنْ يَمْسَحُ رَأْسَهُ وَأَظْفَارَهُ بِالْمَاءِ، قَالَ: قُلْتُ: فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ فِيهِ الْوُضُوءَ، فَقَالَ: إِنْ خَاصَمُوكُمْ فَلَا تُخَاصِمُوهُمْ وَقُولُوا: هَكَذَا السُّنَّةُ((1)*).

مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ مِثْلَهُ((2)*).

[1] - فقه الحديث:

دلّ على أنّ من كان على طهارة وقصّ أظفاره أو حلق شعره فإنّه باقٍ على طهارته ولا يعيد وضوءه، والأخذ في السؤال هنا مطلق فيشمل الأخذ بالحديد والأخذ بغيره، فيكون مسح موضع القص أو الحلق راجحاً سواء كان الأخذ بالحديد أم بغيره، لكنّ الماتن قيّد استحباب المسح بالماء بما إذا كان الأخذ بالحديد كما سيأتي أيضاً عن الشيخ، فهذا الحديث وإن كان مطلقاً إلا أنّه يقيّد بما دلّ على الاستحباب إذا كان الأخذ بالحديد، وقد يقال بأنّ كلا الدليلين لا منافاة بينهما حتى يقيّد المطلق بالمقيّد، فيكون المسح راجحاً على التقديرين، إلّا أن يقال إنّ في المقام قرينتين تعيّنان الأخذ بالاستحباب إذا كان بالحديد،

ص: 328


1- ([1]*) الكافي 3: 37/ 11.
2- ([2]*) التهذيب 1: 345/ 1010، والاستبصار 1: 95/ 307.

إحداهما تبادر الأخذ بالحديد، وثانيهما عدم القائل بالاستحباب إذا لم يكن الأخذ بالحديد، ويظهر منه أنّ العامّة في ذلك الزمان كانوا يرون أنّ حلق الشعر وقصّ الأظفار من جملة نواقض الوضوء، ولذا أمر (علیه السلام) بعدم مخاصمتهم إذا أظهروا الخصومة بشأن ذلك، وقوله (علیه السلام) : «قولوا: هكذا السنّة»، أي قولوا لهم في مقام الجواب: هكذا السنّة، ويحتمل أن يراد من السنّة: السنّة عندهم كما يحتمل أن يراد بها: السنة عندنا، ففيه إيهام.

ويكون المراد أنّ السنّة هي عدم الوضوء بسبب قصّ الأظفار أو حلق الشعر، أو هي استحباب المسح بالماء بعد ذلك، أو هي كلا الأمرين.

سند الحديث:

لهذا الحديث سندان:

الأوّل: سند الكليني، وفيه: محمد بن إسماعيل، وهو البندقي النيسابوري، وقد مرّ أنّه لم يوثّق((1))، فيكون السند ضعيفاً به، لكن يمكن تصحيح أحاديث الكليني عن الفضل بن شاذان؛ لأنّ للكليني طريقاً آخر صحيح كما أنّ للشيخ طرقاً في الفهرست والمشيخة، وبعضها صحيح كما تقدّم((2))، ولا يقال: إنّ طرق الشيخ هي لجملة ممّا رواه الشيخ عنه لا لجميع كتب وروايات الفضل، فهذا التصحيح لا يتمّ، لأنّا نقول: إنّ المهم في المقام أنّ من جملة ما رواه الشيخ عن الفضل هو ما كان عن الكليني إلى الفضل كما في هذا السند، ولا يضرّ في

ص: 329


1- - ايضاح الدلائل3: 81.
2- - انظر: أصول علم الرجال2: 448- 458.

المقام أن لا يكون له طريق إلى جميع ما رواه الفضل، وفيه: ابن مسكان وهو عبد الله بن مسكان، وفيه أيضاً: محمد الحلبي وهو محمد بن علي الحلبي. وعلى هذا فالسند معتبر.

والثاني: سند الشيخ في التهذيبين، وقد مضى الكلام في إسناد الشيخ إلى الكليني((1))، فالسند كسابقه معتبر.

ص: 330


1- - ايضاح الدلائل1: 82- 83.

[755] 2- وَبِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) : الرَّجُلُ يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ وَيَجُزُّ شَارِبَهُ وَيَأْخُذُ مِنْ شَعْرِ لِحْيَتِهِ وَرَأْسِهِ هَلْ يَنْقُضُ ذَلِكَ وُضُوءَهُ؟ فَقَالَ: يَا زُرَارَةُ، كُلُّ هَذَا سُنَّةٌ، وَالْوُضُوءُ فَرِيضَةٌ، وَلَيْسَ شَيْ ءٌ مِنَ السُّنَّةِ يَنْقُضُ الْفَرِيضَةَ، وَإِنَّ ذَلِكَ لَيَزِيدُهُ تَطْهِيراً((1)*).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ زُرَارَةَ، مِثْلَهُ((2)*).

[2] - فقه الحديث:

دلّ على أنّ تقليم الأظفار وجزّ الشارب والأخذ من شعر اللّحية والرأس لا ينقض الوضوء؛ لأنّ هذه الأمور سنّة والوضوء فريضة، وما هو من السنّة لا ينقض الفريضة، وهذه كبرى لها تطبيقاتها ومنها محلّ الكلام، ولعلّ المراد من زيادة التطهير زيادة الثواب، وقد نُقل عن ابن الأثير معنيان آخران:

أحدهما: تحسين الهيئة وإزالة القباحة في طول الأظفار.

والثاني: أنّه أقرب إلى تحصيل الطهارة الشرعيّة على أكمل الوجوه، لما عساه يحصل تحتها من الوسخ المانع من وصول الماء إلى البشرة((3)).

ص: 331


1- ([1]*) التهذيب 1: 346/ 1013، والاستبصار 1: 95/ 308، وأورده في الحديث 1 من الباب 83 من أبواب النجاسات.
2- ([2]*) الفقيه 1: 38/ 140.
3- - استقصاء الاعتبار2: 88.

سند الحديث:

نقله الماتن بسندين:

أوّلهما: سند الشيخ في التهذيبين، وقد تقدّم الكلام في إسناده إلى الحسين بن سعيد، وفي شهرة كتبه((1))، وكذا بقيّة أفراد السند، والسند صحيح.

وثانيهما: سند الصدوق، وإسناده إلى زرارة، وقد تقدّم في الحديث الثاني من الباب الثاني من هذه الأبواب((2)) أنّه صحيح أعلائي.

ص: 332


1- - ايضاح الدلائل1: 471- 472.
2- - في الصفحة: 40.

[756] 3- وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَعْرَجِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) آخُذُ مِنْ أَظْفَارِي وَمِنْ شَارِبِي وَأَحْلِقُ رَأْسِي أَفَأَغْتَسِلُ؟ قَالَ: لَا، لَيْسَ عَلَيْكَ غُسْلٌ، قُلْتُ: فَأَتَوَضَّأُ؟ قَالَ: لَا، لَيْسَ عَلَيْكَ وُضُوءٌ قُلْتُ: فَأَمْسَحُ عَلَى أَظْفَارِي الْمَاءَ، فَقَالَ((1)*): هُوَ طَهُورٌ لَيْسَ عَلَيْكَ مَسْحٌ((2)*).

[3] - فقه الحديث:

دلّ على عدم نقض الأخذ من الأظفار والشارب والرأس للغسل أو الوضوء، وعلى أنّ ذلك طهور فلا يجب المسح على الأظفار ولا على محلّ شعر الشارب والرأس بالماء بعد الأخذ منها ولا يستحبّ ذلك، وهذا بظاهره مخالف لما دلّ على الاستحباب كالحديث الأوّل، هذا ويمكن الجمع بحمل نفي المسح هنا على سبيل الوجوب، فيكون معنی «ليس عليك مسح»: لا يجب عليك مسح، فلا ينافي استحبابه.

سند الحديث:

تقدّم الكلام في إسناد الشيخ إلى سعد بن عبد الله((3))، وبقيّة أفراد السند، وهو صحيح.

ص: 333


1- ([1]*) في المصدر زيادة: لا.
2- ([2]*) التهذيب 1: 346/ 1012، والاستبصار 1: 95/ 309، وأورده في الحديث 1 من الباب 60 من أبواب آداب الحمام، والحديث 1 من الباب 3 من أبواب الجنابة، والحديث 2 من الباب 83 من أبواب النجاسات.
3- - ايضاح الدلائل3: 56.

[757] 4- وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُصَدِّقِ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: الرَّجُلُ يَقْرِضُ مِنْ شَعْرِهِ بِأَسْنَانِهِ أَيَمْسَحُهُ بِالْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ، إِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْحَدِيدِ((1)*).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ مِثْلَهُ((2)*).

أَقُولُ: ذَكَرَ الشَّيْخُ أَنَّ الْمَسْحَ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيدِ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَهُوَ حَسَنٌ.

[4] - فقه الحديث:

فيه دفع توهّم أنّ مجرّد الأخذ من الشعر ولو بمثل القرض بالأسنان موجب للزوم المسح بالماء أو لاستحبابه قبل الصلاة، وقد دلّ الحديث علی أنّ رجحان المسح بالماء مخصوص بما إذا كان أخذ الشعر بالحديد، وأمّا إذا أُخذ بمثل القرض بالأسنان فالمسح بالماء ليس فيه رجحان ولا بأس بعدمه.

والرجحان في المسح بالماء إذا كان الأخذ بالحديد قد يراد به الوجوب، لكنّه مندفع بملاحظة بقيّة الأحاديث المرخّصة في ترك المسح، فالحمل علی الاستحباب كما نقله الماتن عن الشيخ واستحسنه حسنٌ.

ص: 334


1- ([1]*) التهذيب 1: 345/ 1011، والاستبصار 1: 96/ 310.
2- ([2]*) الكافي 3: 38/ 17.

سند الحديث:

ذكر له الماتن سندين:

الأوّل: سند الشيخ في التهذيبين، وقد سبق الكلام في إسناد الشيخ إلی محمد بن أحمد بن يحيی، وأنّه معتبر((1))، وفي السند: أحمد بن الحسن وهو أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال، وعمرو بن سعيد وهو الساباطي المدائني، وهما مع مصدّق بن صدقة وعمّار بن موسی الساباطي من الثقات. والسند معتبر.

والثاني: سند الكليني في الكافي، وفيه محمد بن يحيی وهو محمد بن يحيی العطّار، وأحمد بن محمد وهو أحمد بن محمد بن عيسی((2)). والسند موثّق.

ص: 335


1- - ايضاح الدلائل3: 53- 54.
2- - أقول: الظاهر أنّ الصحيح - كما في المصدر - : أحمد بن إدريس ومحمد بن يحيی، عن محمد بن أحمد، عن أحمد بن الحسن، كما في أسانيد عديدة، فأحمد بن إدريس القمي ومحمد بن يحيی العطّار من مشايخ الكليني روی عنهما متعاطفين وغير متعاطفين عن محمد بن أحمد بن يحيی بن عمران الأشعري، وهو يروي عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال. [المقرّر].

[758] 5- وَبِالْإِسْنَادِ عَنْ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي الرَّجُلِ إِذَا قَصَّ أَظْفَارَهُ بِالْحَدِيدِ أَوْ جَزَّ شَعْرَهُ أَوْ حَلَقَ قَفَاهُ فَإِنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَمْسَحَهُ بِالْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، سُئِلَ فَإِنْ صَلَّى وَلَمْ يَمْسَحْ مِنْ ذَلِكَ بِالْمَاءِ؟ قَالَ يُعِيدُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ الْحَدِيدَ نَجِسٌ، وَقَالَ: لِأَنَّ الْحَدِيدَ لِبَاسُ أَهْلِ النَّارِ، وَالذَّهَبَ لِبَاسُ أَهْلِ الْجَنَّةِ((1)*).

وَبِالْإِسْنَادِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ يَمْسَحُ بِالْمَاءِ وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ((2)*).

أَقُولُ: ذَكَرَ الشَّيْخُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ دُونَ الْإِيجَابِ؛ لِأَنَّهُ شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِلْأَخْبَارِ الْكَثِيرَةِ انْتَهَى.

وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى التَّقِيَّةِ لِمَا مَرَّ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَيَأْتِي أَيْضاً مَا يَدُلُّ عَلَى طَهَارَةِ الْحَدِيدِ((3)*) وَفِي أَحَادِيثِ حَصْرِ النَّوَاقِضِ السَّابِقَةِ دَلَالَةٌ عَلَى الْمَقْصُودِ هُنَا((4)*) وَتَقَدَّمَ فِي أَحَادِيثِ الرُّعَافِ أَيْضاً مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ((5)*).

[5] - فقه الحديث:

الجَزُّ: القطع، يقال: جَزَزْتُ الصوفَ والفجل أَجُزُّهُ جَزّاً: إذا قطعته وأخذتهبِالْمِجَزِّ بكسر الميم وفتح الجيم((6)).

ص: 336


1- ([1]*) الاستبصار 1: 96/ 311.
2- ([2]*) التهذيب 1: 425/ 1353.
3- ([3]*) يأتي في الحديث 6 من هذا الباب.
4- ([4]*) تقدّم في الباب 3 من هذه الأبواب.
5- ([5]*) تقدّم في الحديث 7 من الباب 6، والحديث 6، 10 من الباب 7 من هذه الأبواب.
6- - مجمع البحرين4: 9، مادة: جزز.

وقد دلّ علی أنّ من قصّ أظفاره أو حلق شعر رأسه أو قفاه بالحديد فإنّ عليه أن يمسح موضع القص أو الحلق بالماء قبل أن يصلّي، وظاهره لزوم ذلك؛ لأنّه قال في الجواب عمّن صلّی من دون أن يمسح الموضع بالماء: إنّ عليه إعادة الصلاة أو المسح بالماء وإعادة الصلاة كما في التهذيب، معلّلاً ذلك بنجاسة الحديد وبأنّه لباس أهل النار، كما أنّ لباس أهل الجنّة الذهب.

وهذا الحديث مخالف لما يأتي ممّا يدلّ على طهارة الحديد كما في الحديث التالي.

وقد ذكر له الماتن حملين:

أوّلهما: ما عن الشيخ(قدس سره) من الحمل على استحباب المسح بالماء وإعادة الصلاة، ولعلّه لخباثة الحديد، ولكن يبقى الكلام في وجه إعادة الصلاة.

وثانيهما: الحمل على التقيّة؛ لما مرّ في الحديث الأوّل من هذا الباب من أنّ العامّة في ذلك الزمان كانوا يرون حلق الشعر وقصّ الأظفار من جملة نواقض الوضوء فلذا أمر (علیه السلام) بإعادة الصلاة.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

الأوّل: سند الشيخ في الاستبصار إلى عمّار، وهو عمّار الساباطي، وقد مرّذكره في الباب الرابع من أبواب الماء المطلق((1))، والسند موثّق.

ص: 337


1- - ايضاح الدلائل3: 115.

والثاني: سند الشيخ في التهذيب إلى إسحاق بن عمّار((1))، وقد مرّ ذكره في الباب المتقدّم ذكره، وبيّنا أنّه صحيح إليه، وعليه فالسند موثّق.

كما يمكن عدّ طريق الصدوق المتقدّم في الباب التاسع من أبواب الأسآر((2)) طريقاً للشيخ؛ لروايته جميع كتب وروايات الشيخ الصدوق، وطريقه في المشيخة هكذا: «أبي2، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن علي بن إسماعيل، عن صفوان بن يحيى، عن إسحاق بن عمار»((3))، وهذا الحديث بهذا الطريق من جملتها، فيكون السند موثقاً.

ص: 338


1- - أقول: الظاهر أنّ الصحيح - كما في السند السابق عليه في التهذيب، وفي مواضع عديدة منه، وفي الاستبصار 1: 96، ب 57 من أبواب ما ينقض الوضوء وما لا ينقضه، ح 5 - : عمّار بن موسی أي الساباطي. [المقرّر].
2- - ايضاح الدلائل4: 410.
3- - من لا يحضره الفقيه4: 423، المشيخة.

[759] 6- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يَأْخُذُ مِنْ أَظْفَارِهِ وَشَارِبِهِ أَيَمْسَحُهُ بِالْمَاءِ؟ فَقَالَ: لَا، هُوَ طَهُورٌ((1)*).

[6] - فقه الحديث:

قوله (علیه السلام) : «أظفاره»، في نسخة: أظافيره، وهي جمع أظفور، كأسبوع وأسابيع، دلّ على عدم وجوب مسح محلّ الأظفار والشارب بالماء إذا أخذ المكلّف منهما، والظاهر في الأخذ أن يكون بالحديد فيكون هذا الحديث دالّاً على طهارة الحديد، ويحتمل في قوله (علیه السلام) : «هو طهور»، أن يراد أنّ موضع الأخذ طاهر فلا يحتاج إلى تطهير، أو يراد أنّ الأخذ من الأظفار والشارب مطهِّر فكيف يكون موجبا للتطهير؟

سند الحديث:

سند الصدوق إلى إسماعيل بن جابر - كما في المشيخة - : «وما كان فيه عن إسماعيل بن جابر فقد رويته عن محمد بن موسی بن المتوكل2، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن محمد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن إسماعيل بن جابر»، وهو معتبر، وأمّا إسماعيل بن جابر فقد تقدّم أنّه الجعفي((2)) وهو ثقة، وعلى هذا فالسند معتبر.

ص: 339


1- ([1]*) الفقيه 1: 38/ 141.
2- - ايضاح الدلائل2: 389.

[760] 7- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ فِي قُرْبِ الْإِسْنَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّهُ سَأَلَ أَخَاهُ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ (علیه السلام) عَنْ رَجُلٍ أَخَذَ مِنْ شَعْرِهِ وَلَمْ يَمْسَحْهُ بِالْمَاءِ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي قَالَ: يَنْصَرِفُ فَيَمْسَحُهُ بِالْمَاءِ وَلَا (يُعِيدُ صَلَاتَهُ)((1)*) تِلْكَ((2)*).

[7] - فقه الحديث:

دلّ على أنّ من أخذ من شعره - وظاهره الأخذ بالحديد - ولم يمسح موضع الأخذ بالماء وصلی فإنّ عليه أن يمسح الموضع بالماء بعد الصلاة ولا يعيدها، وهو محمول على استحباب المسح بالماء. هذا بحسب ما نقله الماتن، ولكنّ الموجود في المصدر: «ولا يعتدّ بصلاته»، وهو يدلّ على أنّ عليه قطع الصلاة والمسح بعد ذلك بالماء، ولا يعتدّ بتلك الصلاة التي صلّاها من دون أن يمسح بالماء، فعليه أن يعيدها بعد المسح بالماء. ويمكن حمل ذلك على الاستحباب.

سند الحديث:

فيه: عبد الله بن الحسن، وهو لم يوثّق كما مرّ((3))، وقد سبق أنّه يمكن تصحيح السند بوجوه ثلاثة وبها يمكن تصحيح جميع روايات قرب الإسناد بما فيها روايات عبد الله بن الحسن العلوي إذا كان يروي عن علي بن جعفر((4)).

ص: 340


1- ([1]*) في المصدر: يعتدّ بصلاته.
2- ([2]*) قرب الإسناد: 91.
3- - ايضاح الدلائل1: 391.
4- - التقيّة1: 452- 454.

وعليه فالسند معتبر.

والحاصل: أنّ في الباب سبعة أحاديث، الأوّل معتبر بسنديه، والثاني صحيح بسنديه، والثالث صحيح، والرابع معتبر بسنده الأوّل وموثّق بسنده الثاني، والخامس موثّق بسنديه، والسادس والسابع معتبران.

المتحصل من الأحادیث

والمستفاد منها أمور، منها:

1- أنّ تقليم الأظفار وجزّ الشارب والأخذ من شعر اللحية والرأس لا ينقض الوضوء ولا الغسل.

2- أنّ تقليم الأظفار وجزّ الشارب والأخذ من شعر اللحية والرأس سنّة وطهور وزيادة تطهير.

3- أنّه لا يجب المسح بالماء علی الأظفار ولا علی محلّ شعر الشارب والرأس بعد الأخذ منها بالحديد وإنّما يستحب ذلك.

4- أنّ استحباب المسح بالماء مخصوص بما إذا كان أخذ الظفر أو الشعر بالحديد، دون ما إذا أُخذ بغيره.

5- أنّ الحديد طاهر فلا يلزم تطهير ما لاقاه.

ص: 341

ص: 342

15- بَابُ أَنَّ أَكْلَ مَا غَيَّرَتِ النَّارُ بَلْ مُطْلَقَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاسْتِدْخَالَ أَيِّ شَيْ ءٍ كَانَ لَا يَنْقُضُ الْوُضُو ءَ

اشارة

15- بَابُ أَنَّ أَكْلَ مَا غَيَّرَتِ النَّارُ بَلْ مُطْلَقَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاسْتِدْخَالَ أَيِّ شَيْ ءٍ كَانَ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ

شرح الباب:

من جملة الأمور التي قد يتوهّم نقضها للوضوء: أكل ما غيّرت النار أو مسّته من اللحم أوالعجين أوغيرهما، وكذا شرب ألبان أوأبوال الأنعام الثلاثة بغضّ النظر عن خباثتها أوحرمتها، ومطلق الأكل والشرب، وإدخال أيِّ شيء ولو لم يكن أكلاً أوشرباً.

وأحاديث الباب حصرت الناقض في ما يخرج من المخرجين، ونفت النقض عن تناول ما ذُكر بالخصوص أو بالعموم.

أقوال الخاصّة:

قال العلّامة في التذكرة: «لا وضوء من أكل ما مسّته النار ذهب إليه علماؤنا أجمع، وبه قال علي (علیه السلام) ، وجماعة من الصحابة، وعامّة الفقهاء»((1))، وقال أيضاً: «أكل لحم الجزور لا يوجب الوضوء، ذهب إليه علماؤنا أجمع، وهو قول أكثر العلماء»((2)).

ص: 343


1- - تذكرة الفقهاء1: 114.
2- - المصدر نفسه.

أقوال العامّة:

قال ابن رشد: «اختلف الصدر الأوّل في إيجاب الوضوء من أكل ما مسّته النار، لاختلاف الآثار الواردة في ذلك عن رسول الله|. واتفق جمهور فقهاء الأمصار بعد الصدر الأوّل على سقوطه ... ولكن ذهب قوم من أهل الحديث: أحمد وإسحاق، وطائفة غيرهم أنّ الوضوء يجب فقط من أكل لحم الجزور»((1)).

قال ابن قدامة في المغني: «إنّ أكل لحم الإبل ينقض الوضوء على كلّ حال نيئاً ومطبوخاً عالماً كان أو جاهلاً، وبهذا قال جابر بن سمرة ومحمد بن إسحاق وإسحاق وأبو خيثمة ويحيی بن يحيى وابن المنذر وهو أحد قولي الشافعي. قال الخطابي ذهب إلى هذا عامّة أصحاب الحديث، وقال الثوري ومالك والشافعي وأصحاب الرأي لا ينقض الوضوء بحال»((2))، وقال أيضاً: «وما عدا لحم الجزور من الأطعمة لا وضوء فيه سواء مسّته النار أو لم تمّسه، هذا قول أكثر أهل العلم وروي ذلك عن الخلفاء الراشدين وأُبي بن كعب وابن مسعود وابن عبّاس وعامر بن ربيعة وأبي الدرداء وأبي أمامة وعامّة الفقهاء، ولا نعلم اليوم فيه خلافاً. وذهب جماعة من السلف إلى إيجاب الوضوء ممّا غيّرت النار، منهم ابن عمر وزيد بن ثابت وأبو طلحة وأبو موسی وأبو هريرة وأنس وعمر بن عبد العزيز وأبو مجلز وأبو قلابة والحسن والزهري»((3)).

ص: 344


1- - بداية المجتهد1: 36.
2- - المغني1: 179.
3- - المصدر نفسه: 184.

[761] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنْ أَلْبَانِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَأَبْوَالِهَا وَلُحُومِهَا؟ فَقَالَ: لَا تَوَضَّأْ مِنْهُ الْحَدِيثَ((1)*).

مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، مِثْلَهُ((2)*).

[1] - فقه الحديث:

للحديث تتمّة كان الأولی للماتن إيرادها لاختلاف المعنی بين نقل الكليني ونقل الشيخ، أمّا علی نقل الكليني فهي: «إن أصابك منه شيء أو ثوباً لك، فلا تغسله إلّا أن تتنظّف»، ويكون المراد بالوضوء: الغَسل، فمعنی «لا توضّأ منه - أي ممّا ذُكر - إن أصابك منه شيء»: لا تغسل الثوب والبدن إن أصابك شيء، فلا تغسله إلّا إن أردت التنظيف.

وأمّا علی نقل التهذيب والاستبصار، فهي: «وإن أصابك شيء منه أو ثوباً لك، فلا تغسله إلا أن تتنظّف» فيكون المراد الوضوء الاصطلاحي، والحديث دالّ علی ما في عنوان الباب، وهو عدم نقض الأكل والشرب للوضوء، والواو استئنافية، والجملة الشرطية بعدها دالّة علی أنّ إصابة تلك الألبان والأبوال واللحوم للجسدأو الثوب لا توجب التطهير، والغَسل إنّما يكون للتنظيف لا التطهير.

ص: 345


1- ([1]*) الكافي 3: 57/ 2، ويأتي بتمامه في الحديث 5 من الباب 9، وقطعة منه في الحديث 6 من الباب 7 من أبواب النجاسات.
2- ([2]*) التهذيب 1: 264/ 771، والاستبصار 1: 178/ 620.

سند الحديث:

أورد الماتن له سندين:

أولّهما: سند الكليني، وقد سبق الكلام في أفراده، وفيه: حمّاد، أي ابن عيسی، وحريز، أي ابن عبد الله السجستاني، وهو معتبر.

وثانيها: سند الشيخ في التهذيب والاستبصار، وقد سبق الكلام فيه، وهو معتبر أيضاً.

ص: 346

[762] 2- وَبِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ النَّضْرِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) هَلْ يُتَوَضَّأُ مِنَ الطَّعَامِ أَوْ شُرْبِ اللَّبَنِ أَلْبَانِ الْبَقَرِ وَالْإِبِلِ وَالْغَنَمِ وَأَبْوَالِهَا وَلُحُومِهَا؟ فَقَالَ: لَا يُتَوَضَّأُ مِنْهُ((1)*).

[2] - فقه الحديث:

الظاهر أنّ المراد بالوضوء هو الوضوء الاصطلاحي الشرعي، لا الغَسل، فيكون الحديث دالّاً على أنّ تناول الطعام وشرب ألبان الإبل والغنم وأبوالها وأكل لحومها لا ينقض الوضوء، ولعلّ الداعي للسؤال عن ذلك هو ما عند طائفة من العامّة من نقض الوضوء بأكل ما مسّته النار، وأكل لحم الإبل وشرب اللبن.

سند الحديث:

فيه: النضر، وهو النضر بن سويد، وقد مرّ أنّه ثقة صحيح الحديث((2))، وفيه أيضاً سليمان بن خالد وقد سبق أنّه ثقة((3))، وعلى هذا فالسند صحيح.

ص: 347


1- ([1]*) التهذيب 1: 350/ 1035، والاستبصار 1: 96/ 312.
2- - ايضاح الدلائل1: 149.
3- - المصدر السابق: 76.

[763] 3- وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ أَعْيَنَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) عَنِ الْوُضُوءِ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ؟ فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْكَ فِيهِ وُضُوءٌ، إِنَّمَا الْوُضُوءُ مِمَّا يَخْرُجُ، لَيْسَ مِمَّا يَدْخُلُ((1)*).

[3] - فقه الحديث:

دلّ على أنّ تناول ما غيّرت النار لا ينقض الوضوء، وحصر الوضوء بما يخرج، أي من السبيلين، من بول أو غائط أو ريح، لا ممّا يدخل وإن لم يكن طعاماً مسّته النار أم لم تمسّه.

سند الحديث:

تقدّم الكلام في أفراده، وهو صحيح.

ص: 348


1- ([1]*) التهذيب 1: 350/ 1034.

[764] 4- وَعَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُصَدِّقِ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنْ رَجُلٍ تَوَضَّأَ ثُمَّ أَكَلَ لَحْماً وَسَمْناً((1)*) هَلْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَغْسِلَ يَدَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَإِنْ كَانَ لَبَناً لَمْ يُصَلِّ حَتَّى يَغْسِلَ يَدَهُ، وَيَتَمَضْمَضَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ| يُصَلِّي وَقَدْ أَكَلَ اللَّحْمَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَغْسِلَ يَدَهُ، وَإِنْ كَانَ((2)*) لَبَناً لَمْ يُصَلِّ حَتَّى يَغْسِلَ يَدَهُ، وَيَتَمَضْمَضَ((3)*).

أَقُولُ: حَمَلَهُ الشَّيْخُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ نَقْضِ الْوُضُوءِ.

[4] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ من كان علی وضوء ثم أكل لحماً وسمناً أو سمكاً - كما في نسخة - فله أن يصلّي من غير أن يغسل يده، وأمّا لو كان ما تناوله لبناً فلا يصلّي حتی يغسل يده ويتمضمض، وفيه الاستشهاد بفعل النبي|، وقد حمله الشيخ في الاستبصار علی استحباب غَسل اليد والمضمضة قبل الصلاة، دون الفرض والإيجاب، وهو يدلّ علی نفي نقض الوضوء حتّی لو تنزّلنا وقلنا إنّ الأمر بغَسل اليد والمضمضة محمول علی الوجوب.

ص: 349


1- ([1]*) في نسخة: أو سمكاً (منه قده).
2- ([2]*) وفي نسخة: أكل (منه قده).
3- ([3]*) التهذيب 1: 350/ 1033، والاستبصار 1: 96/ 313.

سند الحديث:

فيه: أحمد بن الحسن بن علي وهو ابن فضّال، وعمرو بن سعيد هو المدائني، ومصدّق بن صدقة هو المدائني، وعمّار بن موسی هو الساباطي وقد مضی الكلام في أفراده، وهو موثّق.

ص: 350

[765] 5- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فِي الْعِلَلِ، عَنْ أَبِيهِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبَانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُورَمَةَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ مُثَنًّى الْحَنَّاطِ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ| تَوَضَّؤُوا مِمَّا يَخْرُجُ مِنْكُمْ((1)*) وَلَا تَوَضَّؤُوا((2)*) مِمَّا يَدْخُلُ؛ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ طَيِّباً وَيَخْرُجُ خَبِيثاً((3)*).

أَقُولُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَحَادِيثِ حَصْرِ النَّوَاقِضِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ((4)*)، وَيَأْتِي فِي الْأَطْعِمَةِ فِي أَحَادِيثِ عَدَمِ وُجُوبِ غَسْلِ الْيَدِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَلَا بَعْدَهُ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ((5)*).

[5] - فقه الحديث:

دلّ على نفي الوضوء من كلّ ما يؤكل أو يُشرب ونقض المأكول والمشروب الخارج من السبيلين، وأنّه خبيث، والظاهر أنّه بمعنی النجس، يُتوضّأ منه ويقيّد بما دلّ علی عدم ذلك من المذي والوذي والدم والقيح والنخامة وغيرها مما تقدّم.

ص: 351


1- ([1]*) منكم: ليس في المصدر.
2- ([2]*) في نسخة: تتوضّؤوا (منه قده).
3- ([3]*) علل الشرائع: 282/ 1.
4- ([4]*) تقدّم في الباب 3 من هذه الأبواب.
5- ([5]*) يأتي في الباب 49، 64 من أبواب آداب المائدة.

سند الحديث:

هذا السند مقرون ينحلّ إلى أربعة أسانيد:

أحدها: الصدوق، عن أبيه، عن محمد بن يحيى، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمد بن أورمة، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن مثنّی الحنّاط، عن منصور بن حازم، عن سعيد بن أحمد، عن ابن عبّاس.

والثاني: الصدوق، عن أبيه، عن محمد بن يحيى، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمد بن أورمة، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن مثنّى الحنّاط، عن منصور بن حازم، عن سعيد بن أحمد، عن ابن عبّاس.

والثالث: الصدوق، عن محمد بن الحسن، عن محمد بن يحيى، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمد بن أورمة، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن مثنّی الحنّاط، عن منصور بن حازم، عن سعيد بن أحمد، عن ابن عبّاس.

والرابع: الصدوق، عن محمد بن الحسن، عن محمد بن يحيى، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمد بن أورمة، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن مثنّى الحنّاط، عن منصور بن حازم، عن سعيد بن أحمد، عن ابن عبّاس.

وفيه: محمد بن أورمة، قال عنه النجاشي: «أبو جعفر القمّي ذكره القمّيون وغمزوا عليه ورموه بالغلو حتی دُسّ عليه من يفتك به، فوجدوه يصلّي من أوّل الليل إلى آخره فتوقّفوا عنه. وحكی جماعة من شيوخ القمّيين عن ابن الوليد أنّه قال: محمد بن أورمة طعن عليه بالغلو، وكلّ (فكل) ما كان في كتبه ممّا وجد في كتب الحسين بن سعيد وغيره فقل به، وما تفرّد به فلا تعتمده، وقال

ص: 352

بعض أصحابنا: إنّه رأى توقيعاً من أبي الحسن الثالث (علیه السلام) إلى أهل قم في معنی محمد بن أورمة وبراءته ممّا قذف به. وكتبه صحاح، إلا كتاباً ينسب إليه، ترجمته تفسير الباطن، فإنّه مخلّط.

كتبه: «كتاب الوضوء، كتاب الصلاة ... »((1))، وعدّه الشيخ في أصحاب الإمام الرضا (علیه السلام) ، وضعّفه في باب من لم يرو عن واحد من الأئمة (علیهم السلام) ((2))، وقال في الفهرست: «له كتب مثل كتب الحسين بن سعيد، وفي رواياته تخليط، أخبرنا بجميعها - إلّا ما كان فيها من تخليط أو غلو - ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عنه.

وقال أبو جعفر ابن بابويه: محمد بن أورمة طعن عليه بالغلو، فكلّما كان في كتبه ممّا يوجد في كتب الحسين بن سعيد وغيره، فإنّه معتمد عليه ويفتی به، وكلّما تفرّد به لم يجز العمل عليه ولا يعتمد»((3)).

وقال ابن الغضائري: «محمد بن أورمة أبو جعفر القمّي، اتهمه القمّيون بالغلو، وحديثه نقيّ لا فساد فيه، وما رأيت شيئاً ينسب إليه تضطرب فيه النفس إلّا أوراقاً في تفسير الباطن، وما يليق بحديثه، وأظنّها موضوعة عليه، ورأيت كتاباً خرج من أبي الحسن علي بن محمد (علیهما السلام) إلى القمّيين في براءته ممّا قذف به (وحسن عقيدته، وقرب) منزلته.

ص: 353


1- - رجال النجاشي: 329/ 891.
2- - رجال الطوسي: 367/ 5463، 448/ 6362.
3- - فهرست الطوسي: 220/ 620.

وقد حدّثني الحسن بن محمد بن بندار القمّي (رحمه الله) قال: سمعت مشايخي يقولون: إنّ محمد بن أورمة لمّا طعن عليه بالغلو (اتفقت...) الأشاعرة ليقتلوه، فوجدوه يصلي الليل من أوّله إلى آخره ليالي عديدة، فتوقّفوا عن اعتقادهم»((1)).

والحاصل: أنّ نسبة الغلو غير ثابتة، كما أنّه رُوي عنه ما ينافي الغلو وما يدلّ على قوّة إيمانه وحسن عقيدته.

ثمّ إنّ هناك رواية تدلّ على جلالته وهي ما رواها الراوندي في الخرائج حيث قال: «روي عن ابن أورمة قال: حملت امرأة معي شيئاً من حلي وشيئاً من دراهم وشيئاً من ثياب فتوهّمتُ أنّ ذلك كلّه لها ولم أحتط عليها أنّ ذلك لغيرها فيه شيء؟، فحملت إلى المدينة مع بضاعات لأصحابنا فوجّهت ذلك كلّه إليه، وكتبت في الكتاب إنّي قد بعثت إليك من قبل فلانة بكذا، ومن قبل فلان وفلان بكذا، فخرج في التوقيع: قد وصل ما بعثت من قبل فلان وفلان ومن قبل المرأتين، تقبّل الله منك ورضي الله عنك وجعلك معنا في الدنيا والآخرة.

فلمّا سمعت ذكر المرأتين شككت في الكتاب أنّه غير كتابه، وأنّه قد عمل على دونه؛ لأنّي كنت في نفسي على يقين أنّ الذي دفعت إليَّ المرأة كان كلّه لها، وهي امرأة واحدة، فلمّا رأيت امرأتين اتهمت موصل كتابي، فلمّا انصرفت إلى البلاد جاءتني المرأة فقالت: هل أوصلت بضاعتي؟ فقلت: نعم، قالت:

ص: 354


1- - الرجال لابن الغضائري: 93- 94/ 133.

وبضاعة فلانة؟ قلت: هل كان فيها لغيرك شيء؟ قالت: نعم، كان لي فيها كذا ولأختي فلانة كذا، قلت: بلی أوصلت [ذلك. وزال ما كان عندي]»((1)).

وهي وإن كانت مرسلة، وهو الراوي لها وعليه لا تستفاد وثاقته منها، إلا أنّ للراوندي طريقاً صحيحاً للشيخ الطوسي، وهو واسطة واحدة، ويتكوّن من جماعة من الثقات منهم الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن المحسن الحلبي، على ما في مقدمة كتابه الخرائج والجرائح((2))، وللشيخ طريق معتبر إلى محمد بن أورمة، وبهذا يكون طريق الراوندي إليه معتبراً، وتكون الرواية دالّة على القدر المتيقّن وهو حُسنه.

وفيها أيضاً: سعيد بن أحمد، والظاهر أنّه عامّي، وذكره بعضهم باسم سعيد بن يحمد، ولم يُنقل عن أحد من علماء العامّة قدح فيه، قال ابن أبي حاتم الرازي: «سعيد بن محمد أبو السفر الهمداني روی عن ابن عبّاس والبراء بن عازب وناجية بن كعب، روى عنه أبو إسحاق الهمداني ومطرف ويونس بن أبي إسحاق وابنه عبد الله وشعبة ومالك بن مغول، سمعت أبي يقول ذلك. حدّثنا عبد الرحمن حدثنا ابن أبي خيثمة فيما كتب إليّ قال: سألت يحيى بن معين عن أبي السفر فقال اسمه: سعيد بن أحمد الثوري، ثور همدان كوفي ثقة. سمعت أبي يقول: أبو السفر صدوق»((3)).

ص: 355


1- - الخرائج والجرائح1: 378، بحار الأنوار50: 52/ 26.
2- - المصدر نفسه: 17.
3- - الجرح والتعديل4: 73/ 307.

وقال ابن شاهين: «و أبو السفر سعيد بن أحمد الثوري، ثور همدان ثقة كوفي»((1)).

وقال المزي: «قال أبو بكر بن أبي خيثمة، عن يحيى بن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: صدوق، قيل: مات سنة اثنتي عشرة أو ثلاث عشرة ومئة. روى له الجماعة»((2)).

فإن أوجبت أقوالهم الاطمئنان بوثاقته فهو وإلّا بقي بلا توثيق.

وعلى هذا فالأسانيد الأربعة كلّها معتبرة إذا حصل الاطمئنان بوثاقة سعيد بن أحمد.

والحاصل: أنّ في الباب خمسة أحاديث، الأوّل معتبر بسنديه، والثاني والثالث صحيحان، والرابع موثّق، والخامس معتبر بأسانيده الأربعة على تقدير.

المتحصل من الأحادیث

والمستفاد منها أمور، منها:

1- عدم نقض الأكل والشرب للوضوء، وإصابة ألبان الأنعام وأبوالها ولحومها للجسد أو الثوب لا توجب التطهير، وغَسلها عنهما إنّما يكون للتنظيف لا التطهير.

2- أنّ تناول ما غيّرت النار لا ينقض الوضوء، والموجب للوضوء محصور بما يخرج من السبيلين إلا ما استثني سابقاً.

3- الراجح غَسل اليد والمضمضة قبل الصلاة إذا تناول لبناً.

ص: 356


1- - تاريخ أسماء الثقات: 99/ 452.
2- - تهذيب الكمال11: 102/ 2375.

16- بَابُ أَنَّ اسْتِدْخَالَ الدَّوَا ءِ وَخُرُوجَ النَّدَى وَالصُّفْرَةِ مِنَ الْمَقْعَدَةِ وَالنَّاصُورِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُو ء

اشارة

16- بَابُ أَنَّ اسْتِدْخَالَ الدَّوَاءِ وَخُرُوجَ النَّدَى وَالصُّفْرَةِ مِنَ الْمَقْعَدَةِ وَالنَّاصُورِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوء

أقوال الخاصّة:

قال العلّامة في التذكرة: «لو خرج من أحد السبيلين دود، أو غيره من الهوام، أو حصی أو دم غير الثلاثة، أو شعر، أو حقنة، أو أشياف، أو دهن قطّره في إحليله، لم ينقض، إلّا أن يستصحب شيئاً من النواقض، ذهب إليه علماؤنا أجمع»((1))، وذكر نحوه في المنتهی((2)).

أقوال العامّة:

قال في المغني: «إن قطّر في إحليله دهناً ثمّ عاد فخرج نقض الوضوء،... ولو احتشى قطناً في ذكره ثمّ خرج وعليه بلل نقض الوضوء... فإن خرج ناشفاً ففيه وجهان:

أحدهما: ينقض لأنّه خارج من السبيل فأشبه سائر الخوارج.

ص: 357


1- - تذكرة الفقهاء1: 101.
2- - منتهی المطلب1: 188.

والثاني: لا ينقض لأنّه ليس بين المثانة والجوف منفذ فلا يكون خارجاً من الجوف.

ولو احتقن في دبره فرجعت أجزاء خرجت من الفرج نقضت الوضوء، وهكذا لو وطئ امرأته دون الفرج فدبّ ماؤه فدخل الفرج ثمّ خرج نقض الوضوء وعليهما الاستنجاء؛ لأنّه خارج من السبيل لا يخلو من بلّة تصحبه من الفرج، فإن لم يعلما خروج شيء منه احتمل وجهين:

أحدهما: النقض فيهما؛ لأنّ الغالب أنّه لا ينفك عن الخروج فنقض كالنوم.

والثاني: لا ينقض؛ لأنّ الطهارة متيقّنة فلا تزول عنها بالشك، لكن إن كان المحتقن قد أدخل رأس الزّراقة ثم أخرجه نقض الوضوء، وكذلك لو أدخل فيه ميلاً أو غيره ثمّ خرج نقض الوضوء؛ لأنّه خارج من السبيل فنقض كسائر الخارج.

فصل: قال أبو الحارث سألت أحمد عن رجل به علّة ربما ظهرت مقعدته؟ قال: إن علم أنّه يظهر معها ندی توضّأ، وإن لم يعلم فلا شيء عليه، ويحتمل أنّ أحمد إنَّما أراد ندى ينفصل عنها؛ لأنّه خارج من الفرج متّصل فنقض كالخارج علی الحصی، فأمّا الرطوبة اللازمة لها فلا تنقض...»((1)).

ص: 358


1- - المغني1: 161- 162.

[766] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنِ الْعَمْرَكِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى (علیه السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ هَلْ يَصْلُحُ أَنْ يَسْتَدْخِلَ الدَّوَاءَ ثُمَّ يُصَلِّيَ وَهُوَ مَعَهُ أَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ؟ قَالَ: لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَلَا يُصَلِّي حَتَّى يَطْرَحَهُ((1)*).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ((2)*).

وَرَوَاهُ الْحِمْيَرِيُّ بِالْإِسْنَادِ السَّابِقِ((3)*).

[1] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ استدخال الدواء وبقاءه في الجوف لا ينقض الوضوء، ودلّ قوله (علیه السلام) : «ولا يصلّي حتّی يطرحه» علی أنّه إذا طرحه لم ينقض الوضوء أيضاً، وقد حُمل النهي عن الصلاة قبل إخراج الدواء علی الكراهة، وعُلّل ذلك - كما في ملاذ الأخيار - بأنّ الدواء غالباً يُسهّل، فيمكن أن يجيء منه حدث في الصلاة بإيجاد سببه، أو لمنافاته لحضور القلب، أو لكلا الأمرين((4)).

سند الحديث:

ذكر له الماتن ثلاثة أسانيد:

الأوّل: سند الكليني، وفيه: محمد بن يحيی، وهو العطّار، وفيه أيضاً:

ص: 359


1- ([1]*) الكافي 3: 36/ 7، وأورده أيضاً في الحديث 1 من الباب 33 من أبواب قواطع الصلاة.
2- ([2]*) التهذيب 1: 345/ 1009.
3- ([3]*) قرب الإسناد: 88.
4- - ملاذ الأخيار3: 6.

العمركي، وهو العمركي بن علي أبو محمد البوفكي الخراساني، والسند صحيح.

والثاني: سند الشيخ في التهذيب، وقد مضی الكلام في إسناد الشيخ إلی الكليني((1))، فالسند كسابقه صحيح.

والثالث: سند الحميري في قرب الإسناد، وقد سبق أنّ فيه: عبد الله بن الحسن، وهو لم يوثّق كما مرّ، وقد سبق أنّه يمكن تصحيح السند((2)). وعليه فالسند معتبر.

ص: 360


1- - ايضاح الدلائل1: 82- 83.
2- - التقيّة1: 452- 454 و ايضاح الدلائل1: 391- 393.

[767] 2- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ آدَمَ قَالَ: سَأَلْتُ الرِّضَا (علیه السلام) عَنِ النَّاصُورِ((1)*) أَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ؟ قَالَ: إِنَّمَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ ثَلَاثٌ: الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَالرِّيحُ((2)*).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ كَمَا مَرَّ، وَكَذَا الصَّدُوقُ((3)*).

[2] - فقه الحديث:

دلّ على أنّ الناسور غير ناقض للوضوء، سواء سال الدم منه أم لم يسل، كما دلّ على حصر الناقض في ثلاثة أشياء: البول والغائط والريح، وهذا الحصر إضافي بالنسبة لما يخرج من الطرفين غير هذه الثلاثة كالدم ونحوه.

سند الحديث:

ذكر المصنّف ثلاثة أسانيد لهذا الحديث، وتكلّمنا فيها عند بيان سند الحديث السادس من الباب الثاني من هذه الأبواب((4)):

الأوّل: سند الكليني، وقد سبق أنّ محمد بن سهل ممدوح، ويمكن تصحيح الحديث بناء على قبول شهادة الكليني والصدوق بصحّة أحاديث كتابيهما.

والثاني: سند الشيخ في التهذيب والاستبصار، وهو كسابقه.

والثالث: سند الصدوق في عيون الأخبار، وهو كسابقيه.

ص: 361


1- ([1]*) في المصدر: الناسور.
2- ([2]*) الكافي 3: 36/ 2.
3- ([3]*) تقدّم عنهما في الحديث 6 من الباب 2 من أبواب نواقض الوضوء.
4- - في الصفحة: 48- 49.

[768] 3- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ السِّنْدِيِّ، عَنْ صَفْوَانَ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ أَبَا الْحَسَنِ (علیه السلام) وَأَنَا حَاضِرٌ فَقَالَ: إِنَّ بِي جُرْحاً فِي مَقْعَدَتِي فَأَتَوَضَّأُ ثُمَّ أَسْتَنْجِي ثُمَّ أَجِدُ بَعْدَ ذَلِكَ النَّدَى وَالصُّفْرَةَ تَخْرُجُ مِنَ الْمَقْعَدَةِ أَفَأُعِيدُ الْوُضُوءَ؟ قَالَ: قَدْ أَنْقَيْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: لَا، وَلَكِنْ رُشَّهُ بِالْمَاءِ وَلَا تُعِدِ الْوُضُوءَ((1)*).

وَعَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَشْيَمَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ بِي خُرَاجاً((2)*).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَشْيَمَ، عَنْ صَفْوَانَ مِثْلَهُ((3)*).

[3] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ من كان به جرح أو خراج في المقعدة ووجد - بعد الاستنجاء وغَسل الموضع وتنقيته عن الغائط - صفرة وندی تخرج من المقعدة، لم يجب عليه الوضوء، فإنّ خروج الصفرة والندی بعد الاستنجاء غير ناقض للوضوء، والأمر برشّ الموضع بالماء إمّا أن يراد به غَسل الموضع لنجاسة الصفرة، وإمّا

ص: 362


1- ([1]*) التهذيب 1: 347/ 1019.
2- ([2]*) التهذيب 1: 46/ 131.
3- ([3]*) الكافي 3: 19/ 3.

يراد به الرش حقيقة لأجل دفع توهّم نجاسة الندى والصفرة بناء على طهارتهما، لكون الأصل طهارتهما، ولعدم العلم بكون الصفرة دماً مخلوطاً، كما أفاده العلّامة المجلسي(قدس سره) ((1)).

سند الحديث:

ذكر المصنّف ثلاثة أسانيد لهذا الحديث:

الأوّل: سند الشيخ في التهذيب، وقد سبق أنّ طريقه إلى محمد بن علي بن محبوب صحيح((2)).

وفي السند: علي بن السندي، قال عنه الكشّي «نصر بن الصباح قال: علي بن إسماعيل ثقة، وهو علي بن السندي لقب إسماعيل بالسندي»((3)). لكن نصر بن الصباح البلخي وإن نقل عنه الكشّي في عدّة موارد من كتابه إلا أنّه غالٍ فلا يعتمد على كلامه .

ومن أين لنا العلم باتحاد علي بن السندي مع علي بن إسماعيل بن شعيب؟، فهما وإن كانا في طبقة واحدة واشتركا في بعض من يرويان عنه ومن يروي عنهما إلّا أنّ ما يختلفان فيه - في الراوي عنهما ومن رويا عنه - أكثر، ولم يرد في علي بن السندي ما يدلّل على وثاقته بالخصوص، إلّا أنّه ورد في أسناد كتاب نوادر الحكمة((4)).

ص: 363


1- - مرآة العقول13: 63.
2- - ايضاح الدلائل1: 405- 406.
3- - اختيار معرفة الرجال2: 860/ 1119.
4- - أصول علم الرجال1: 230.

وأمّا صفوان فهو صفوان بن يحيى، وعلى هذا كلّه فالسند معتبر.

والثاني: سند الشيخ أيضاً في التهذيب، وفيه: أحمد بن محمد، وهو أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري.

وأمّا علي بن أشيم فقد ذكره الشيخ في أصحاب الإمام الرضا (علیه السلام) قائلاً: «علي بن أحمد بن أشيم، مجهول»((1))، وعليه يكون السند ضعيفاً.

والثالث: سند الكليني، وفيه : محمد بن يحيی، وهو العطّار، والسند ضعيف، ولكن يمكن أن يصحّح بناء على قبول شهادة الكليني بصحّة ما في الكافي.

ص: 364


1- - رجال الطوسي: 363/ 5380.

[769] 4- وَعَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَصْرٍ قَالَ: سَأَلَ الرِّضَا (علیه السلام) رَجُلٌ، وَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ صَفْوَانَ((1)*).

أَقُولُ: وَفِي أَحَادِيثِ حَصْرِ النَّوَاقِضِ دَلَالَةٌ عَلَى مَضْمُونِ الْبَابِ، وَتَقَدَّمَ أَيْضاً مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ((2)*).

المتحصل من الأحادیث

[4] - فقه الحديث:

متنه كمتن الحديث السابق فيدلّ على ما دلّ عليه سابقه.

سند الحديث:

الضمير في «عنه» يرجع إلى محمد بن يحيى العطّار، وهو غير موجود في المصدر، لكنّه لابدّ منه، وإلّا كان مرسلاً، فهذا السند معلّق على سابقه، وأحمد ابن محمد هو ابن عيسى الأشعري، وابن أبي نصر هو أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، فالسند صحيح.

والحاصل: أنّ في الباب أربعة أحاديث، أوّلهما صحيح بسنديه الأوّل والثاني، ومعتبر بسنده الثالث، وثانيها حسن بأسانيده الثلاثة، وثالثها معتبر بسنده الأوّل وضعيف بسنده الثاني والثالث، وإن كان يمكن تصحيح السند الثالث، ورابعها صحيح.

ص: 365


1- ([1]*) الكافي 3: 19/ ذيل الحديث 3.
2- ([2]*) تقدّم ما يدلّ على ذلك في الباب 2، من هذه الأبواب، خصوصاً في الحديث 6 منه، وفي الحديث 3، 5 من الباب 15 من هذه الأبواب.

والمستفاد منها أمور، منها:

1- أنّ استدخال الدواء وبقاءه في الجوف وطرحه بعد ذلك لا ينقض الوضوء.

2- كراهة الصلاة بالدواء المستدخل في الجوف.

3- أنّ الناسور غير ناقض للوضوء مطلقاً، سال الدم منه أم لم يسل.

4- أنّ الناقض الخارج من الطرفين محصور في ثلاثة أشياء: البول والغائط والريح.

5. أنّ خروج الصفرة والندی من المقعدة - بعد الاستنجاء - غير ناقض للوضوء، والأمر بالرشّ إمّا لنجاسة الصفرة أو لدفع توهّم نجاستها.

ص: 366

17- بَابُ أَنَّ قَتْلَ الْبَقَّةِ وَالْبُرْغُوثِ وَالْقَمْلَةِ وَالذُّبَابِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُو ءَ وَكَذَا الْكَذِبُ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْأَئِمَّةِ (علیهم السلام)

اشارة

17- بَابُ أَنَّ قَتْلَ الْبَقَّةِ وَالْبُرْغُوثِ وَالْقَمْلَةِ وَالذُّبَابِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَكَذَا الْكَذِبُ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْأَئِمَّةِ (علیهم السلام)

شرح الباب:

تضمّن عنوان الباب حكمين:

أوّلهما: أنّ قتل المذكورات لا ينقض الوضوء، وهو المستفاد من الحديث الوحيد في هذا الباب.

وثانيهما: أنّ الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمّة (علیهم السلام) - وإن كان موبقاً - لكنّه لا ينقض الوضوء، وهو المستفاد من ظاهر أحاديث الباب الثاني من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

الأقوال:

لا خلاف عند الخاصّة في أنّ قتل المذكورات لا ينقض الوضوء، ولم نجد من العامّة قائلاً بالنقض بذلك.

وأمّا الكذب على الله ورسوله والأئمة (علیهم السلام) فلم يذهب أحد من الخاصّة إلى القول بنقضه، وحملوا ما دلّ بظاهره عليه على استحباب إعادة الوضوء، وعلى نقص ثوابه.

ص: 367

[770] 1- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ حَمَّادٍ، عَنِ الْحَلَبِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي الرَّجُلِ يَقْتُلُ الْبَقَّةَ وَالْبُرْغُوثَ وَالْقَمْلَةَ وَالذُّبَابَ فِي الصَّلَاةِ أَيَنْقُضُ صَلَاتَهُ وَوُضُوءَهُ؟ قَالَ: لَا((1)*).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ حَمَّادٍ مِثْلَهُ((2)*).

أَقُولُ: أَحَادِيثُ حَصْرِ النَّوَاقِضِ السَّابِقَةُ دَالَّةٌ عَلَى جَمِيعِ مَضْمُونِ الْبَابِ((3)*)، وَيَأْتِي فِي كِتَابِ الصَّوْمِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَا ظَاهِرُهُ انْتِقَاضُ الْوُضُوءِ بِالْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ| وَعَلَى الْأَئِمَّةِ (علیهم السلام) وَأَنَّ الشَّيْخَ حَمَلَهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَعَلَى نَقْصِ الثَّوَابِ((4)*).

[1] - فقه الحديث:

البقّة: البعوضة، والجمع البق((5)). وقال ابن منظور: «ويقال: البقُّ الدَّارِجُ في حِيطان البيوت، وقيل: هي دُوَيْبَة مثل القملة حمراء منتنة الريح تكون في السُّرُر والجُدُر، وهي التي يقال لها بنات الحصير إذا قتلتها شَممت لها رائحة اللَّوْز المُرّ»((6)).

ص: 368


1- ([1]*) الفقيه 1: 241/ 1070، وأورده في الحديث 1 من الباب 20 من قواطع الصلاة.
2- ([2]*) الكافي 3: 367/ 2.
3- ([3]*) تقدّم في الباب 2 من هذه الأبواب.
4- ([4]*) يأتي في الباب 2 من أبواب ما يمسك عنه الصائم.
5- - الصحاح4: 1451، مادة: بقق.
6- - لسان العرب10: 23، مادة: بقق.

البرغوث: بضم الباء حشرة وثّابة عضوض((1)).

القَمْلة: جمعها: القَمْل، وهي حشرة صغيرة مؤذية تتغذّی علی الدم وتكون في شعر الإنسان أو الحيوان أو ريش الطيور، و«قيل تتولّد من العرق والوسخ إذا أصاب ثوباً أو بدناً أو ريشاً أو شعراً حين يصير المكان عفناً»((2)).

الذّباب: قال الطريحي: «الذُّبَابُ كغراب معروف، وجمعه في الكثرة «ذِبَابٌ» بالكسر وفي القلة «أَذِبَّةٌ» بكسر الذال، والواحدة «ذُبَابَةٌ»، ولا تقل ذبّانة، وأصله من الذَّبِّ وهو الطرد»((3)).

دلّ على أنّ قتل البقّة والبرغوث والقملة والذّباب حال الصلاة لا ينقض الوضوء ولا يقطع الصلاة، والأحاديث الحاصرة للنواقض تدلّ على عدم ناقضيّة ما عداها، كما أنّ الفعل القليل غير الماحي لصورة الصلاة - كقتل المذكورات - ليس من قواطعها.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

أوّلهما: سند الصدوق في الفقيه، والمراد بحمّاد هو حمّاد بن عثمان وسند الصدوق إليه: عن أبيه2، عن سعد بن عبد الله، والحميري جميعاً، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان((4))، وهو صحيح.

ص: 369


1- - مختار الصحاح: 33، مادة: برغث.
2- - مجمع البحرين5: 455، مادة: قمل.
3- - مجمع البحرين2: 57- 58، مادة: ذبب.
4- - من لا يحضره الفقيه4: 453، المشيخة.

وثانيهما: سند الكليني في الكافي، وهو معتبر.

المتحصل من الأحادیث

والحاصل: أنّ في الباب حديثاً واحداً صحيحاً بسنده الأوّل، ومعتبراً بسنده الثاني.

والمستفاد منه: أنّ قتل البقّة والبرغوث والقملة والذّباب حال الصلاة لا ينقض الوضوء ولا يقطع الصلاة.

ص: 370

18- بَابُ عَدَمِ وُجُوبِ إِعَادَةِ الْوُضُو ءِ عَلَى مَنْ تَرَكَ الِاسْتِنْجَا ءَ وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى وَوُجُوبِ إِعَادَةِ الصَّلَاةِ حِينَئِذٍ

اشارة

18- بَابُ عَدَمِ وُجُوبِ إِعَادَةِ الْوُضُوءِ عَلَى مَنْ تَرَكَ الِاسْتِنْجَاءَ وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى وَوُجُوبِ إِعَادَةِ الصَّلَاةِ حِينَئِذٍ

شرح الباب:

هذا الباب معقود لبيان أمرين:

الأوّل: عدم وجوب إعادة الوضوء على من ترك الاستنجاء وتوضأ.

والثاني: وجوب إعادة الصلاة على من ترك الاستنجاء وتوضّأ وصلّی.

أقوال الخاصّة:

أمّا بالنسبة إلى الأمر الأوّل فهو «صريح المشهور نقلاً وتحصيلاً شهرة كادت تكون إجماعاً، بل هي كذلك عند التأمّل عدم وجوب إعادة الوضوء عند ترك الاستنجاء من غير فرق بين العمد والنسيان... خلافاً للمنقول عن الصدوق، فأوجب إعادة الوضوء، والمعروف في النقل عنه في خصوص نسيان غسل مخرج البول، لكن قد يظهر من المنقول من عبارة المقنع شموله للمخرجين، وعلى كلّ حال فالخلاف منحصر فيه، إذ لم أجد له موافقاً من المتقدّمين

ص: 371

والمتأخّرين، فلعلّ خلافه غير قادح في الإجماع»((1)).

وأمّا بالنسبة إلى الأمر الثاني ف-««من ترك غسل» أي تطهير الظاهر من خروج الغائط المسمّى «النجو أو البول وصلّی أعاد الصلاة عامداً كان أو ناسياً أو جاهلاً» كما في المبسوط والمعتبر والنافع والمنتهی والمختلف والقواعد والدروس وغيرها... وكيف كان فقد نسبه في المنتهى إلى أكثر علمائنا وفي المختلف إلى المشهور مع التصريح فيه بالإعادة في الوقت والخارج، وفي المدارك أنّ المسألة جزئيّة من جزئيّات من صلّى مع النجاسة... قيل: إنّه لم ينقل الخلاف هنا في وجوب الإعادة وقتاً وخارجاً إلّا عن ظاهر ابن الجنيد، حيث خصّص الوجوب بالوقت، وعن الصدوق حيث نفى الإعادة في الوقت»((2)).

أقوال العامّة:

أمّا بالنسبة إلى الأمر الأوّل فهم على قولين: قول بعدم صحّة الوضوء إذا سبق الاستنجاء، على رواية عند الحنابلة، بل اقتصر عليه صاحب كشّاف القناع، وقد نقل عن الشافعي في رواية، وقال الشافعيّة: هذا في حقّ السليم.

وقول بصحّته، لأنّ الاستنجاء من سنن الوضوء قبله عند الحنفيّة والشافعيّة والرواية المعتمدة للحنابلة، فلو أخّره جاز وفاتته السنيّة، وهو مذهب الشافعي الذي استصوبه أتباعه في النقل عنه((3)).

ص: 372


1- - جواهر الكلام2: 367- 368.
2- - جواهر الكلام2: 364.
3- - انظر: الموسوعة الفقهية4: 115، المجموع2: 97، المغني1: 90- 91، كشّاف القناع1: 80.

وأمّا بالنسبة إلى الأمر الثاني فإنّ «الطهارة من النجاسة في بدن المصلّي وثوبه شرط لصحّة الصلاة في قول أكثر أهل العلم منهم ابن عبّاس وسعيد بن المسيّب وقتادة ومالك والشافعي وأصحاب الرأي، ويروى عن ابن عبّاس أنّه قال: ليس على ثوب جنابة، ونحوه عن أبي مجلز وسعيد بن جبير والنخعي، وقال الحارث العكلي وابن أبي ليلى: ليس في ثوب إعادة، ورأى طاوس دماً كثيراً في ثوبه وهو في الصلاة فلم يباله، وسئل سعيد بن جبير عن الرجل يرى في ثوبه الأذى وقد صلّی فقال: اقرأ عليَّ الآية التي فيها غسل الثياب»((1)).

ص: 373


1- - المغني1: 714.

[771] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ، عَنْ أَخِيهِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (علیه السلام) فِي الرَّجُلِ يَبُولُ فَيَنْسَى غَسْلَ ذَكَرِهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَ الصَّلَاةِ؟ قَالَ: يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَلَا يُعِيدُ الْوُضُوءَ((1)*).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ نَحْوَهُ((2)*).

[1] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ ترك الاستنجاء من البول نسياناً لا ينقض الوضوء، إلّا أنّ عليه أن يغسل ذكره لما يشترط فيه الطهارة من الخبث.

سند الحديث:

أورد الماتن الحديثَ بسندين:

أوّلهما: سند الكيني في الكافي، وقد تقدّمت أفراده، وهو صحيح.

وثانيهما: سند الشيخ في التهذيبين، وقد سبق الكلام في طريق تصحيح روايات أحمد بن محمد بن الحسن عن أبيه محمد بن الحسن في الكتب

ص: 374


1- ([1]*) الكافي 3: 18/ 15.
2- ([2]*) التهذيب 1: 48/ 138، والاستبصار 1: 53/ 155.

الأربعة((1))، والمراد بمحمد بن أبي حمزة هو الثمالي الذي تقدّم توثيقه بعدّة توثيقات((2))، وعليه فالحديث معتبر.

ص: 375


1- - ايضاح الدلائل1: 218.
2- - المصدر السابق3: 423.

[772] 2- وَعَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ، عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي الرَّجُلِ يَبُولُ وَيَنْسَى أَنْ يَغْسِلَ ذَكَرَهُ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وَيُصَلِّيَ؟ قَالَ: يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ وَلَا يُعِيدُ الْوُضُوءَ((1)*).

[2] - فقه الحديث:

دلّ على أنّ ترك الاستنجاء من البول نسياناً لا ينقض الوضوء، ولو كان التذكّر بعد الصلاة، لكن في تركه نسياناً إعادة الصلاة بعد أن يطهّر ذكره من النجاسة، والحديث وإن كان مورده نسيان الاستنجاء من البول إلا أنّه يشمل نسيان الاستنجاء من الغائط أيضاً، كما سيأتي في الباب العاشر من أبواب أحكام الخلوة، ومعنى هذا أنّ طهارة البدن من النجاسة شرط في صحة الصلاة، وربّما يُفهم من لفظ الإعادة: الإعادة في الوقت لا غير - كما هو التعبير المعهود في كلمات الفقهاء - فيوافق رأي ابن الجنيد، لكن قال العلّامة المجلسي: «ظاهره موافق للمشهور من الإعادة في الوقت وخارجه، إذ تخصيص لفظ «الإعادة» بالوقت من مصطلحات المتأخّرين»((2)).

سند الحديث:

قوله: «وعنه» أي عن محمد بن يحيی (العطّار)، وأحمد هو ابن محمد بن

ص: 376


1- ([1]*) الكافي 3: 18/ 16.
2- - ملاذ الأخيار1: 208.

عيسى الأشعري، وابن فضّال هو الحسن بن علي، وابن بكير هو عبد الله بن بكير بن أعين، وقد تقدّم الكلام حولهم، والحديث وإن كان ضعيفاً بالإرسال إلّا أنّه يمكن تصحيحه علی مبنی قبول شهادة الكليني بصحّة ما في الكافي، أو لوجود عبد الله بن بكير وهو من أصحاب الإجماع فيصحّ ما صحّ عنه.

ص: 377

[773] 3- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي نَصْرٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) أَبُولُ وَأَتَوَضَّأُ وَأَنْسَى اسْتِنْجَائِي ثُمَّ أَذْكُرُ بَعْدَ مَا صَلَّيْتُ؟ قَالَ: اغْسِلْ ذَكَرَكَ، وَأَعِدْ صَلَاتَكَ، وَلَا تُعِدْ وُضُوءَكَ((1)*).

[3] - فقه الحديث:

دلالته كسابقه.

سند الحديث:

تقدّم أنّ إسناد الشيخ إلی محمد بن الحسن الصفّار إلی جميع كتبه ورواياته صحيح بطريق ومعتبر بآخر((2)).

وفي السند: عمرو بن أبي نصر قال عنه النجاشي: «عمرو بن أبي نصر واسمه زيد، وقيل: زياد، مولی السكون، ثم مولی يزيد (زيد) بن فرات الشَرعَبِيّ، ثقة، روی عن أبي عبد الله (علیه السلام) ، وهم أهل بيت له كتاب»((3)). وروى عنه المشايخ الثقات كما في هذا السند، وعلى هذا فالسند صحيح.

ص: 378


1- ([1]*) التهذيب 1: 46/ 133، والاستبصار 1: 52/ 150.
2- - في الصفحة: 259.
3- - رجال النجاشي: 290/ 778.

[774] 4- وَبِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ قَالَ: ذَكَرَ أَبُو مَرْيَمَ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّ الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ بَالَ يَوْماً وَلَمْ يَغْسِلْ ذَكَرَهُ مُتَعَمِّداً فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فَقَالَ: بِئْسَ مَا صَنَعَ، عَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَ ذَكَرَهُ، وَيُعِيدَ صَلَاتَهُ، وَلَا يُعِيدُ وُضُوءَهُ((1)*).

[4] - فقه الحديث:

الحكم بن عتيبة، عُدّ في أصحاب علي بن الحسين زين العابدين، ومحمد الباقر، وجعفر الصادق (علیهم السلام) ، وحدّث عنهم، وقد وردت روايات في ذمّه، وقال السيد الأستاذ(قدس سره) : «لا شبهة في ذمّ الرجل، وانحرافه عن أبي جعفر (علیه السلام) ، لكنّه مع ذلك حكم الشيخ النوري بوثاقته في النقل؛ لرواية الأجلّة عنه، ولكنّك قد عرفت في ما تقدّم أنّه لا دلالة في ذلك، فالرجل لا يعتدُّ بروايته»((2)).

وقد دلّ الحديث على أنّ الترك العمدي للاستنجاء كالترك غير العمدي في الحكم، فهو لا ينقض الوضوء، وإنّما يوجب إعادة الصلاة.

سند الحديث:

تقدّم أنّ إسناد الشيخ إلى الحسين بن سعيد صحيح بطريق ومعتبر بآخر إلى جميع كتبه ورواياته((3))، وفي السند: ابن أذينة وهو عمر بن أذينة.

ص: 379


1- ([1]*) التهذيب 1: 48/ 137، والاستبصار 1: 53/ 154.
2- - معجم رجال الحديث7: 184/ 3875.
3- - ايضاح الدلائل1: 471- 472.

وأمّا أبو مريم الأنصاري فهو عبد الغفّار بن القاسم بن قيس بن قهد أو فهد، عدّه الشيخ في رجاله تارة في أصحاب الإمام علي بن الحسين (علیه السلام) وأخرى في أصحاب الإمام الباقر (علیه السلام) وثالثة في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ((1)).

وقال عنه النجاشي: «عبد الغفّار بن القاسم بن قيس بن قيس بن قهْد أبو مريم الأنصاري، روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله (علیهما السلام) ثقة. له كتاب يرويه عدّة من أصحابنا» ويفهم منه أنّ كتابه مشهور، ووثّقه مرّة أخرى في ضمن ترجمته لأخيه عبد المؤمن((2)). وعلى هذا فالسند صحيح.

ص: 380


1- - رجال الطوسي: 118/ 1205، و140/ 1490، و241/ 3316.
2- - رجال النجاشي: 246- 247/ 649 و249/ 655.

[775] 5- وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مَعْرُوفٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ((1)*)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْخَزَّازِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي نَصْرٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يَبُولُ فَيَنْسَى أَنْ يَغْسِلَ ذَكَرَهُ وَ يَتَوَضَّأُ؟ قَالَ: يَغْسِلُ ذَكَرَهُ، وَ لَا يُعِيدُ وُضُوءَهُ((2)*).

[5] - فقه الحديث:

دلّ على أنّ ترك الاستنجاء من البول نسياناً لا ينقض الوضوء، إلّا أنّ عليه أن يطهّر ذكره.

سند الحديث:

تقدّم أنّ إسناد الشيخ إلى سعد بن عبد الله معتبر((3))، والمراد من أحمد بن محمد هو ابن عيسى الأشعري.

وأمّا محمد بن يحيى الخزّاز فقد قال عنه النجاشي: «محمد بن يحيى الخزّاز كوفي، روى عن أصحاب أبي عبد الله (علیه السلام) ، ثقة، عين. له كتاب نوادر»((4)). وورد في أسناد كتاب نوادر الحكمة((5))، وفي القسم الثاني من تفسير القمّي بعنوان

ص: 381


1- ([1]*) علّق المصنِّف في الهامش: (علي بن أسباط) ليس في نسخة.
2- ([2]*) التهذيب 1: 48/ 139، والاستبصار 1: 54/ 156.
3- - ايضاح الدلائل3: 56.
4- - رجال النجاشي: 359/ 964.
5- - أصول علم الرجال1: 240.

محمد بن يحيى((1)) لأنّ الظاهر أنّه الخزّاز بقرينة روايته عن طلحة بن زيد فيكون ثقة عند مَن يعتبر شهادة القمي شاملة لكلا القسمين. وعلى هذا فالسند معتبر.

ص: 382


1- - أصول علم الرجال1: 312.

[776] 6- وَعَنْهُ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَامِرٍ الْقَصَبَانِيِّ، عَنِ الْمُثَنَّى الْحَنَّاطِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي نَصْرٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : إِنِّي صَلَّيْتُ فَذَكَرْتُ أَنِّي لَمْ أَغْسِلْ ذَكَرِي بَعْدَ مَا صَلَّيْتُ أَفَأُعِيدُ؟ قَالَ: لَا((1)*).

أَقُولُ: حَمَلَهُ الشَّيْخُ عَلَى عَدَمِ إِعَادَةِ الْوُضُوءِ دُونَ الصَّلَاةِ، وَهُوَ جَيِّدٌ جِدّاً؛ لِمَا صَرَّحَ بِهِ هَذَا الرَّاوِي بِعَيْنِهِ سَابِقاً((2)*)، وَلِمَا يَأْتِي((3)*).

[6] - فقه الحديث:

دلّ بظاهره على عدم لزوم إعادة الصلاة التي نسي الاستنجاء قبلها، ولعلّ مَن خصّص وجوب إعادة الصلاة بالوقت، أو نفی إعادتها فيه استند إلى مثل هذا الحديث، وحملُ الشيخِ له على عدم إعادة الوضوء دون الصلاة بعيد؛ لأنّ السؤال كان عن الصلاة، فيكون هذا الحديث منافياً لما دلّ على لزوم إعادة الصلاة.

سند الحديث:

قوله: «وعنه» أي عن سعد بن عبد الله، والحسن بن علي بن عبد الله بن المغيرة هو الحسن بن علي الكوفي المتقدّم ذكره في الحديث الأوّل من الباب

ص: 383


1- ([1]*) التهذيب 1: 51/ 148، والاستبصار 1: 56/ 163.
2- ([2]*) تقدّم في الحديث السابق.
3- ([3]*) يأتي في الحديثين 7، 9 من هذا الباب.

الأوّل من أبواب مقدّمات العبادات((1))، وأمّا المثنّى الحنّاط فقد مرّ أنّه مشترك بين موثّقين((2))، وعليه يكون السند معتبراً.

ص: 384


1- - ايضاح الدلائل1: 58.
2- - المصدر السابق: 118.

[777] 7- وَعَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ((1)*) وَالْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: تَوَضَّأْتُ يَوْماً وَلَمْ أَغْسِلْ ذَكَرِي ثُمَّ صَلَّيْتُ((2)*) فَسَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فَقَالَ: اغْسِلْ ذَكَرَكَ، وَأَعِدْ صَلَاتَكَ((3)*).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ مِثْلَهُ((4)*).

وَبِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ مِثْلَهُ((5)*).

[7] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ من ترك الاستنجاء فإنّ عليه إعادة الصلاة التي صلّاها من دونه، وليس عليه إعادة الوضوء؛ فإنّ الاقتصار علی ذكر حكم الصلاة يفيد أنّ الوضوء ليس مثلها في الحكم وإلّا لذكره، وترك الاستنجاء هنا كان للنسيان لا التعمّد، لورود كلمة «فذكرت» في المصدر بعد قوله: ثمّ صلّيت.

سند الحديث:

أورد الماتن الحديثَ بثلاثة أسانيد:

ص: 385


1- ([1]*) في المصدر زيادة: «عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن»، وكتب المصنّف في الهامش (عن الحسين وهو غير جيد).
2- ([2]*) في المصدر زيادة: فذكرت.
3- ([3]*) التهذيب 1: 51/ 149، والاستبصار 1: 53/ 152 و56/ 164.
4- ([4]*) الكافي 3: 18/ 14.
5- ([5]*) الكافي 3: 19/ 2.

السند الأوّل: سند الشيخ في التهذيبين، وهو ينحلّ إلى سندين:

أحدهما: الشيخ بإسناده عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبيه محمد بن عيسى، عن محمد بن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة.

وثانيهما: الشيخ بإسناده عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة. والسندان صحيحان.

والسند الثاني: سند الكليني في الكافي، وهو معتبر.

والسند الثالث: سند الشيخ في التهذيب عن الحسين بن سعيد، ولم أعثر عليه في المصدر بلفظ قريب من هذا اللفظ، إلّا أن يريد الحديث التاسع الآتي وهو ما رواه عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن منصور بن حازم، عن سليمان بن خالد، عن أبي جعفر (علیه السلام) في الرجل يتوضأ فينسی غسل ذكره، قال: «يغسل ذكره ثم يعيد الوضوء».

والمضمون واحد؛ إذ إعادة الوضوء المصرّح بها هنا تُفهم من إعادة الصلاة في الحديث الذي هو محلّ الكلام. ولكن لو كان هو المراد فلم جاء به بعد أن أشار إليه؟ والتخريج الذي ذكره محقّقو هذه الطبعة من الوسائل اشتباه قطعاً، إذ خرّجوه من الكافي اعتماداً على عود الضمير في قول الماتن: «وبإسناده عن الحسين بن سعيد مثله» إلی الكليني، مع أنّه يرجع إلی الشيخ، ومع ذلك فمضمون الحديث الذي أشاروا إليه مختلف تماماً مع هذا الحديث.

ص: 386

[778] 8- وَعَنْهُ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) إِنْ((1)*) أَهْرَقْتَ الْمَاءَ وَنَسِيتَ أَنْ تَغْسِلَ ذَكَرَكَ حَتَّى صَلَّيْتَ فَعَلَيْكَ إِعَادَةُ الْوُضُوءِ وَغَسْلُ ذَكَرِكَ((2)*).

قَالَ الشَّيْخُ: يَعْنِي إِذَا لَمْ يَكُنْ قَدْ تَوَضَّأَ، فَأَمَّا إِذَا تَوَضَّأَ وَنَسِيَ غَسْلَ الذَّكَرِ لَا غَيْرُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إِعَادَةُ الْوُضُوءِ، ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِمَا تَقَدَّمَ((3)*).

أَقُولُ:

وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْوُضُوءِ الِاسْتِنْجَاءُ؛ فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ كَثِيراً فِي الْأَحَادِيثِ، وَيَكُونُ الْعَطْفُ تَفْسِيرِيّاً، وَيَحْتَمِلُ الْحَمْلُ عَلَى خُرُوجِ شَيْ ءٍ مِنَ الْبَوْلِ عِنْدَ الِاسْتِبْرَاءِ بَعْدَ الْوُضُوءِ؛ فَإِنَّهُ أَكْثَرِيٌّ غَالِبٌ.

[8] - فقه الحديث:

المراد بإهراق الماء هنا هو التبوّل، وقد دلّ الحديث علی أنّ من بال ونسي أن يغسل ذكره حتی صلّی فإنّ عليه أن يعيد الوضوء الذي توضّأه قبل الصلاة، وهذا منافٍ لما مرّ من الأحاديث الدالّة علی عدم إعادة الوضوء.

وحملُ الشيخ له على ما إذا لم يكن قد توضّأ فإنّ عليه حينئذٍ الوضوء بعيد؛ لوجود طلب إعادة الوضوء، وهو لا يكون إلّا في ما هو متحقّق.

ص: 387


1- ([1]*) في المصدر: إذا.
2- ([2]*) التهذيب 1: 47/ 136، والاستبصار 1: 53/ 153.
3- ([3]*) تقدّم في الحديثين 4، 5 من هذا الباب.

ومثله في البعد حمل الماتن له على إرادة الاستنجاء من الوضوء، لوجود طلب إعادة الوضوء، ولا معنى لطلب إعادة الاستنجاء هنا؛ إذ الفرض أنّه ناسٍ للاستنجاء فيُطلَبُ الإتيان به لا إعادته، كما أنّ العطف التفسيري خلاف الظاهر.

والحمل على خروج شيء من البول عند الاستبراء بعد الوضوء، حيث إنّه أمر أكثري غالب أيضاً بعيد؛ لأنّه قد يقال بأنه غير أكثري.

فالظاهر أنّ المتّجه الحمل على التقيّة.

سند الحديث:

قوله: «وعنه» أي عن سعد بن عبد الله، وفيه: الحسين بن عثمان، وقد تقدّم أنّه مشترك بين ثلاثة كلّهم ثقات((1))، والسند معتبر.

ص: 388


1- - ايضاح الدلائل3: 272- 274.

[779] 9- وَعَنْهُ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ((1)*)، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) فِي الرَّجُلِ يَتَوَضَّأُ فَيَنْسَى غَسْلَ ذَكَرِهِ؟ قَالَ: يَغْسِلُ ذَكَرَهُ ثُمَّ يُعِيدُ الْوُضُوءَ((2)*).

أَقُولُ: حَمَلَهُ الشَّيْخُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَيَحْتَمِلُ الْحَمْلُ عَلَى التَّقِيَّةِ فِيهِ وَفِي الَّذِي قَبْلَهُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ فِي مَسِّ الْفَرْجِ((3)*) وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَيَأْتِي أَحَادِيثُ فِي هَذَا الْمَعْنَى فِي أَحْكَامِ الْخَلْوَةِ وَفِي النَّجَاسَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ((4)*)، وَتَقَدَّمَ فِي أَحَادِيثِ حَصْرِ النَّوَاقِضِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ((5)*).

[9] - فقه الحديث:

الحديث متضمّن لمعنى الحديث السابق، بل هو أوضح منه، ولا تأتي فيه الوجوه الثلاثة المتقدّمة، فإنّ أكثريّة خروج شيء من البول عند الاستبراء قد عرفت ما فيه، ولفظ الإعادة يُبعد الحملين الأوّلين، وقوله (علیه السلام) : «يغسل ذكره ثمّ يعيد الوضوء» صريح في أنّ المراد من الوضوء هو الوضوء الشرعي لا

ص: 389


1- ([1]*) جاء في هامش المخطوط، (منه قده) ما نصه: «العجب من العلامة في المنتهى أنّه قال عند تضعيف الرواية الأخيرة: إنّ سليمان بن خالد لم ينص الأصحاب على توثيقه، وهي غفلة واضحة منه». راجع المنتهى 1: 43.
2- ([2]*) التهذيب 1: 49/ 142، والاستبصار 1: 54/ 158.
3- ([3]*) تقدّم في الحديث 10 من الباب 9 من أبواب نواقض الوضوء.
4- ([4]*) يأتي في الباب 10 من أبواب أحكام الخلوة.
5- ([5]*) تقدّم في الأبواب 1 و2 و3 من أبواب نواقض الوضوء.

الاستنجاء، ولذا عطف بثمّ، نعم، يأتي في هذا الحديث ما تقدّم من الحمل على التقيّة.

ثمّ إنّه يوجد حديث ثالث موافق لهما في المضمون يأتي في الباب العاشر من أبواب أحكام الخلوة وهو موثّق سماعة، قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام) : «إذا دخلت الغائط فقضيت الحاجة فلم تهرق الماء ثم توضّأت ونسيت أن تستنجي فذكرت بعدما صلّيت فعليك الإعادة، وإن كنت أهرقت الماء فنسيت أن تغسل ذكرك حتّى صليت فعليك إعادة الوضوء والصلاة وغَسل ذكرك؛ لأنّ البول مثل البراز»((1)).

المتحصل من الأحادیث

سند الحديث:

قوله: «وعنه» أي عن سعد بن عبد الله، وفيه: سليمان بن خالد، وقد مضی توثيقه بأكثر من وجه((2)). وعليه فالسند معتبر.

والحاصل: أنّ في الباب تسعة أحاديث، أوّلها صحيح بسنده الأوّل ومعتبر بسنده الثاني، وثانيها ضعيف بالإرسال إلّا أنّه يمكن القول باعتباره، وثالثها ورابعها صحيحان، وسابعها صحيح بسنده الأوّل ومعتبر بسنده الآخر، وباقي الأحاديث معتبرة.

والمستفاد منها أمور، منها:

ص: 390


1- - وسائل الشيعة1: 319، ب 10 من أبواب أحكام الخلوة، ح 5.
2- - ايضاح الدلائل1: 76.

1- أنّ ترك الاستنجاء من البول نسياناً لا ينقض الوضوء.

2- أنّ من ترك الاستنجاء من البول عليه أن يغسل ذكره لما يشترط فيه الطهارة من الخبث.

3- أنّ ترك الاستنجاء نسياناً يوجب إعادة الصلاة بعد تطهير الموضع من النجاسة.

4- أنّ الترك العمدي للاستنجاء كالترك غير العمدي في الحكم، فهو لا ينقض الوضوء، وإنّما يوجب إعادة الصلاة، بعد غَسل الموضع.

ص: 391

ص: 392

19- بَابُ حُكْمِ صَاحِبِ السَّلَسِ وَالْبَطَنِ

اشارة

19- بَابُ حُكْمِ صَاحِبِ السَّلَسِ وَالْبَطَنِ

شرح الباب:

السلَس: اسم للخارج من الإنسان، كسلَس البول وسلَس المذي وسلس الريح، قال الفيومي في المصباح: «رجل «سلِس» بالكسر بيّن «السلَس» بالفتح و«السلاسة» أيضاً سهل الخُلق و«سلس» البول استرساله وعدم استمساكه لحدوث مرض بصاحبه وصاحبه «سلِس» بالكسر»((1)).

والبَطَن: داء البَطْن، والمبطون: عليل البطن((2)).

أقوال الخاصّة:

يوجد عند الخاصّة قولان في المسلوس:

القول الأوّل: أنّه يتوضّأ لكلّ صلاة عندها، فلا يجمع بين صلاتين فما زاد بوضوء، وهذا القول هو «المشهور بين الأصحاب نقلاً وتحصيلاً، بل قد يظهر من الخلاف دعوى الإجماع عليه»((3)).

ص: 393


1- - المصباح المنير1: 285، مادة: سلس.
2- - لسان العرب13: 54، مادة: بطن.
3- - جواهر الكلام2: 319.

القول الثاني: أنّه «يصلّي بوضوء واحد صلوات إلى أن يحدِثَ حدثاً آخر، كما عن المبسوط، ومال إليه بعض متأخّري المتأخّرين»((1)).

وأمّا المبطون ففيه قولان أيضاً:

القول الأوّل: إذا تجدّد حدث المبطون في الصلاة يتطهّر ويبني، «كما في الوسيلة، ومحتمل النهاية، والمعتبر، والنافع، والمنتهى، والذكرى، والدروس، واللّمعة، والروضة، وغيرها من كتب متأخّري المتأخّرين، وعن الجامع والإصباح، بل هو المشهور نقلاً وتحصيلاً»((2)).

القول الثاني: التفصيل بين من يتمكّن من الصلاة مع الطهارة فإنّه يتطهّر ويستأنف الصلاة من جديد، ومن لا يتمكّن فيبني على صلاته «قال العلّامة في المختلف والقواعد والإرشاد، وعن التذكرة ونهاية الإحكام: إنّه إن كان يتمكّن من حفظ نفسه بمقدار الصلاة تطهّر واستأنف الصلاة من رأس، وإن لم يكن متمكّناً من ذلك بأن كان دائماً لا ينقطع بني على صلاته من غير تجديد في الأثناء كصاحب السلس»((3)).

أقوال العامّة:

ذكر الحنفيّة «أنّ المستحاضة ومن به سلس البول أو استطلاق البطن أو انفلات الريح أو رعاف دائم أو جرح لا يرقأ يتوضّؤون لوقت كلّ صلاة...

ص: 394


1- - المصدر نفسه.
2- - جواهر الكلام2: 325.
3- - المصدر نفسه: 326.

ويصلّون بذلك الوضوء في الوقت ما شاءوا من الفرائض والنوافل... ويبطل الوضوء عند خروج وقت المفروضة بالحدث السابق وهو الصحيح وهو قول أبي حنيفة، وقال زفر: يبطل بدخول الوقت، وقال أبو يوسف ومحمد: يبطل بهما.

ويبقى الوضوء ما دام الوقت باقياً بشرطين: أن يتوضّأ لعذره، وأن لا يطرأ عليه حدث آخر كخروج ريح أو سيلان دم من موضع آخر.

وذهب المالكيّة إلى أنّ السلس إن فارق أكثر الزمان ولازم أقلّه فإنّه ينقض الوضوء فإن لازم النصف وأولى الجل أو الكل فلا ينقض، هذا إذا لم يقدر علی رفعه، فإن قدر على رفعه فإنّه ينقض مطلقاً ... وندب الوضوء عندهم إن لازم السلس أكثر الزمن وأولى نصفه لا إن عمّه فلا يندب، ومحلّ الندب في ملازمة الأكثر إن لم يشق، لا إن شقّ الوضوء ببرد ونحوه فلا يندب...

وذكر الشافعيّة ستّة شروط يختصّ بها من به حدث دائم كسلس واستحاضة، وهي: الشد، والعصب، والوضوء لكلّ فريضة بعد دخول الوقت... وتجديد العصابة لكلّ فريضة، ونيّة الاستباحة على المذهب، والمبادرة إلى الصلاة في الأصح... ويتوضّأ لكل فرض ولو منذوراً... ويصلّي به ما شاء من النوافل فقط، وصلاة الجنازة لها حكم النافلة، ولو زال العذر وقتاً يسع الوضوء والصلاة كانقطاع الدم مثلاً وجب الوضوء وإزالة ما على الفرج من الدم ونحوه... .

ص: 395

والحنابلة في هذا كلّه كالشافعيّة إلّا في مسألة الوضوء لكلّ فرض فإنّهم ذهبوا إلى أنّ صاحب الحدث الدائم يتوضّأ لكلّ وقت، ويصلّي به ما شاء من الفرائض والنوافل كما ذكر الحنفيّة.

والفقهاء - سوى المالكيّة - متّفقون على وجوب تجديد الوضوء للمعذور، وقال المالكيّة باستحبابه كما سبق، والوضوء يكون بعد دخول الوقت عند الشافعيّةوالحنابلة»((1)).

ص: 396


1- - الموسوعة الفقهية25: 188- 189.

[780] 1- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ حَرِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) أَنَّهُ قَالَ: إِذَا كَانَ الرَّجُلُ يَقْطُرُ مِنْهُ الْبَوْلُ وَالدَّمُ إِذَا كَانَ حِينَ الصَّلَاةِ اتَّخَذَ كِيساً وَجَعَلَ فِيهِ قُطْناً ثُمَّ عَلَّقَهُ عَلَيْهِ وَأَدْخَلَ ذَكَرَهُ فِيهِ ثُمَّ صَلَّى، يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ وَيُعَجِّلُ الْعَصْرَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ وَيُعَجِّلُ الْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَيَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصُّبْحِ((1)*).

[1] - فقه الحديث:

الكِيس بالكسر: واحد أكياس الدراهم، وهو ما يخاط من خِرَقٍ مثل حِمْل وأحمال، وما يصنع من أديم وخِرَق فلا يقال له كيس، بل هو خريطة((2)).

وقد دلّ الحديث على أنّ وظيفة من يقطر من ذكره البول أو الدم أن يتحفّظ أوّلاً عن انتشار النجاسة على الثوب والبدن بأن يتّخذ كيساً ويجعل فيه قطناً ويدخل فيه ذكره، ثمّ يصلّي يجمع بين الصلاتين: الظهر والعصر، يؤخّر الظهر ويعجّل العصر بأذان وإقامتين، ويؤخّر المغرب ويعجّل العشاء بأذان وإقامتين، وقد قال جماعة في كيفيّة الجمع بين الصلاتين: أن يوقع صلاة الظهر في آخر فضيلتها ويوقع العصر في أوّل وقتها ليقع كلّ منهما في الفضيلة، وكذا يفعل في المغرب والعشاء.

ص: 397


1- ([1]*) الفقيه 1: 38/ 146، والتهذيب 1: 348/ 1021.
2- - مجمع البحرين4: 102، مادة: كيس.

وقوله (علیه السلام) : «ويفعل ذلك في الصبح»، أي أنّه يتّخذ الكيس عند إرادة أداء صلاة الصبح، أو أنّ المراد ذلك مع الوضوء، واحتمل المجلسي(قدس سره) مضافاً إلى هذين الاحتمالين: أنّ المراد جميع ما تقدّم، ويكون المراد بالجمع والتأخير والتعجيل: الجمع بين صلاة الليل وصلاة الصبح، فيؤخّر الأولى ويعجّل الثانية((1)).

وقد دلّ أيضاً على كفاية وضوء واحد للصلاتين، فلا يلزم تجديد الوضوء كلّما تجدّد الحدث الخاص وهو الحدث الذي ابتُلي به.

سند الحديث:

أورده الماتن بسندي الصدوق والشيخ.

أمّا الصدوق فله ثلاث طرق إلى حريز في مشيخة الفقيه:

الأوّل: - ما ذكره ضمن طريقه إلى زرارة بن أعين - وهو: عن أبيه (رضی الله عنه) ، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن محمد بن عيسی بن عبيد، والحسن بن ظريف، وعلي بن إسماعيل بن عيسی كلّهم عن حمّاد بن عيسى عن حريز بن عبد الله، وهو طريقه أيضاً إلى حمّاد بن عيسی((2)).

الثاني: عن أبيه ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما، عن سعد بن عبد الله والحميري ومحمد بن يحيى العطّار وأحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد وعلي بن حديد وعبد الرحمن بن أبي نجران، عن حمّاد بن عيسى الجهني، عن حريز بن عبد الله السجستاني.

ص: 398


1- - ملاذ الأخيار3: 13.
2- - من لا يحضره الفقيه4: 425، المشيخة.

الثالث: عن أبيه ومحمد بن الحسن ومحمد بن موسی بن المتوكّل رضي الله عنهم، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن علي بن إسماعيل ومحمد بن عيسی ويعقوب بن يزيد والحسن بن ظريف، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز بن عبد الله السجستاني((1)).

وكلّ من الطرق الثلاثة صحيح.

وأمّا طريقه إلى كتاب زكاة حريز فهو: محمد بن الحسن (رضی الله عنه) عن محمد بن الحسن الصفّار، عن العبّاس بن معروف، عن إسماعيل بن سهل، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز بن عبد الله.

وأيضا: أبوه (رضی الله عنه) عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز. وهذا السند معتبر.

وأمّا الشيخ فله إلى كتب وروايات حريز ثلاثة طرق، وهي:

الأوّل: أخبرنا بجميع كتبه ورواياته الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان المفيد (رحمه الله) ، عن جعفر بن محمد بن قولويه، عن أبي القاسم جعفر بن محمد العلوي الموسوي، عن ابن نهيك، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن حريز.

وأبو القاسم جعفر بن محمد العلوي الشريف الصالح من مشايخ ابن قولويه، وابن نهيك هو عبيد الله بن أحمد بن نهيك أبو العبّاس النخعي، الشيخ الصدوق الثقة. فهذا الطريق معتبر.

ص: 399


1- - من لا يحضره الفقيه4: 443، المشيخة.

الثاني: وأخبرنا عدّة من أصحابنا، عن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر ومحمد بن يحيى وأحمد بن إدريس وعلي بن موسی بن جعفر كلّهم، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد وعلي بن حديد وعبد الرحمان بن أبي نجران، عن حمّاد بن عيسی الجهني، عن حريز. وهذا الطريق صحيح.

الثالث: وأخبرنا الحسين بن عبيد الله، عن أبي محمد الحسن بن حمزة العلوي، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز((1)).

والحسن بن حمزة العلوي الطبري فاضل أديب عارف فقيه زاهد ورع، كثير المحاسن، له كتب وتصانيف كثيرة((2))، فهذا الطريق معتبر.

وقد عدَّ الصدوق في أوّل الفقيه كتاب حريز من الكتب المعتمدة المعوّل عليها، وعليه فهو غنيّ عن السند.

ص: 400


1- - فهرست الطوسي: 118/ 249.
2- - فهرست الطوسي: 104/ 195.

[781] 2- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام)

الرَّجُلُ يَعْتَرِيهِ الْبَوْلُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى حَبْسِهِ؟ قَالَ: فَقَالَ لِي: إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى حَبْسِهِ فَاللَّهُ أَوْلَى بِالْعُذْرِ يَجْعَلُ خَرِيطَةً((1)*).

[2]

- فقه الحديث:

دلّ على لزوم جعل الخريطة - أي إذا صلّی - وعدم العفو عن النجاسة لولا ذلك، ويظهر من الاقتصار على ذكر الخريطة - وهي ما يصنع من أديم وخِرَق كما تقدّم - عدم وجوب الوضوء، فلا أثر لقطرات البول في إيجاب الوضوء لعجز المكلّف عن حبسها، ودلّ أيضاً علی أنّ صلاة المسلوس عذريّة، فتكون بدلاً عن الصلاة التامّة، وعليه لا تصل النوبة إلى هذه الوظيفة مع التمكّن من الصلاة الاختياريّة ولو في فترة من الوقت، سواء في أوّله أم في وسطه أم في آخره؛ لأنّ المطلوب صرف وجود الصلاة الاختياريّة في الوقت، ومع التمكّن منها لا تصل النوبة إلى الصلاة الاضطراريّة. ويجب الوضوء لغير التقطير من الأحداث أو للبول الاختياري؛ لأنّه حينئذٍ غير معذور، والعذر مخصوص بالتقطير فقط.

ويُفهم من إثبات أولويّة الله تعالی بالعذر أنّ ما تقدّم جارٍ في كلّ ما هو من قِبله تعالی، فالعلّة تعمّ الغائط والريح، وعليه يلزم جعل الخريطة ونحوها علی المبطون أيضاً.

سند الحديث:

تقدّم الكلام في أفراده، وهو معتبر.

ص: 401


1- ([1]*) الكافي 3: 20/ 5.

[782] 3- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) عَنِ الْمَبْطُونِ؟ فَقَالَ: يَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ((1)*).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَصْرٍ، مِثْلَهُ((2)*).

[3] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ صلاة المبطون عذريّة فتكون بدلاً عن الصلاة التامّة، ويحتمل في الحديث معنيان:

أحدهما: أنّ صاحب البطن الغالب يتوضّأ قبل الصلاة ويصلّي ولا يعتني بما خرج منه، بل يبني علی صلاته.

وثانيهما: أنّه يتوضّأ ويصلّي فإذا خرج منه الغائط في أثناء صلاته يتوضّأ ثم يبني علی صلاته.

والأظهر هو الاحتمال الأوّل.

سند الحديث:

تقدّم أنّ إسناد الشيخ إلی أحمد بن محمد بن عيسی معتبر((3)) ، وابن بكير هو عبد الله بن بكير، فالسند معتبر.

ص: 402


1- ([1]*) التهذيب 3: 305/ 941.
2- ([2]*) الكافي 3: 411/ 7.
3- - ايضاح الدلائل3: 102- 105.

[783] 4- وَبِإِسْنَادِهِ عَنِ الْعَيَّاشِيِّ أَبِي النَّضْرِ - يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ مَسْعُودٍ - قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نُصَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) قَالَ: صَاحِبُ الْبَطَنِ الْغَالِبِ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَرْجِعُ((1)*) فِي صَلَاتِهِ فَيُتِمُّ مَا بَقِيَ((2)*).

[4] - فقه الحديث:

ظاهر في أنّ صاحب البطن الغالب يتوضّأ ويصلّي فإذا خرج منه الغائط في أثناء صلاته يتوضّأ ثمّ يبني علی صلاته، ودلّ علی أن التوضّؤ أثناء الصلاة لا يُعدّ من الفعل الكثير الماحي لصورة الصلاة.

سند الحديث:

تقدّم سند الشيخ إلى محمد بن مسعود العيّاشي في الحديث الثاني عشر من الباب التاسع من أبواب نواقض الوضوء وقلنا: إنّه ضعيف بأبي المفضّل وبجعفر بن محمد بن مسعود العيّاشي، لكن يُصحّح بأنّ للشيخ طريقاً صحيحاً إلى مصنَّفات ومرويّات الكشّي((3)).

وفي السند: محمد بن نصير، قال عنه الشيخ: «محمد بن نصير، من أهل

ص: 403


1- ([1]*) ليس في موضع من التهذيب (ثم يرجع) هامش المخطوط.
2- ([2]*) التهذيب 1: 350/ 1036.
3- - في الصفحة: 225.

كش، ثقة جليل القدر كثير العلم، روى عنه أبو عمرو الكشّي»((1)).

وفيه: محمد بن الحسين، وهو محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب. فالسند معتبر.

ص: 404


1- - رجال الطوسي: 440/ 6284.

[784] 5- وَعَنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنِ الْحَلَبِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: سُئِلَ عَنْ تَقْطِيرِ الْبَوْلِ؟ قَالَ يَجْعَلُ خَرِيطَةً إِذَا صَلَّى((1)*).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ((2)*).

[5] - فقه الحديث:

مرّ بيانه عند شرح معتبر منصور بن حازم في الحديث الثاني من هذا الباب((3)).

سند الحديث:

قوله: «عنه» أي العيّاشي، ومحمد بن عيسى هو ابن عبيد، وحمّاد هو ابن عثمان، والحلبي، هو عبيد الله بن علي الحلبي، كما تقدّم بيانه((4))، والسند معتبر.

تتمّة:

مرّ في الباب السابع من هذه الأبواب موثّق سماعة((5)) قال: سألته عن رجل أخذه تقطير من فرجه (قرحه) إمّا دم، وإمّا غيره؟ قال: فليضع خريطة، وليتوضّأ

ص: 405


1- ([1]*) التهذيب 1: 351/ 1037.
2- ([2]*) تقدّم في الحديث 9 من الباب 7 من أبواب نواقض الوضوء.
3- - في الصفحة: 385.
4- - في الصفحة: 211.
5- - في الصفحة: 172.

وليصلّ، فإنَّما ذلك بلاء ابتلي به، فلا يعيدنَّ إلّا من الحدث الذي يتوضّأ منه((1)). وقد سبق أنّ نسخة: فرجه هي الأصح.

وقد دلّ على أنّ المسلوس لا يعيد وضوءه، وأنّ الحدث الخاص وهو تقطير البول الحاصل منه ليس بحدث في حقّه، وأنّه بلاء ابتلي به من قبل الله سبحانه، وهو غير مستند إلى اختياره فلا يجب عليه إعادة الوضوء في أثناء صلاته، إلّا أن يصدر منه حدث آخر موجب للوضوء مغاير له كإخراج الريح ونحوه.

والعلّة تعمّم الحكم إلى غير مورد الحديث أيضاً؛ لأنَّها تدلّ على أنّ كلّ حدث غير اختياري - والذي هو بلاء من قبل الله سبحانه - لا يعاد منه الوضوء، وإنّما يعاد من الحدث الاختياري المتعارف، وهو كما يشمل السلس يشمل البطن.

ويوجد حديث آخر لم يذكره الماتن، وهو ما رواه الصدوق في الفقيه عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) أنّه قال: صاحب البطن الغالب يتوضأ ويبني على صلاته((2)). وليس فيه: (ثمّ يرجع في صلاته فيتمّ ما بقي).

هذا، وقد مضى أنّ طريق الصدوق إلى كتب وروايات محمد بن مسلم ضعيف؛ لعدم توثيق أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله، وأنّه يمكن تصحيحه بطريق الشيخ الصدوق الصحيح إلى جميع كتب وروايات أحمد بن أبي عبد الله بواسطة شيخه محمد بن الحسن وسعد بن عبد الله حيث إنّ

ص: 406


1- - وسائل الشيعة1: 266، ب 7 من أبواب نواقض الوضوء، ح 9.
2- - من لا يحضره الفقيه1: 363، ح 1043.

الصدوق يروي جميع كتبهما ورواياتهما((1)).

كما يمكن تصحيحه من جهة ما يظهر من طريق الشيخ إلى جميع كتب وروايات أحمد بن محمد بن خالد البرقي؛ فإنّ من جملتها: ابن أبي جيد، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن أبي عبد الله بجميع كتبه ورواياته((2)). وهو طريق صحيح أيضاً.

وعلى هذا تكون الأحاديث الواردة في المسلوس والمبطون سبعة: أربعة في المسلوس، وثلاثة في المبطون.

المتحصل من الأحادیث

والحاصل: أنّ في الباب خمسة أحاديث، أوّلها صحيح بأسانيد الصدوق الثلاثة، ومعتبر بسندي الشيخ الأوّل والثالث، وصحيح بسنده الثاني كما ذكرنا، وبقيّة أحاديث الباب معتبرة.

وقد أضفنا إلى أحاديث الباب حديثين: أوّلهما موثّق سماعة في المسلوس، وثانيهما معتبر محمد بن مسلم في المبطون، فصار مجموع أحاديث الباب سبعة.

تتميم في حكم دائم الحدث:

مَن استمرّ به الحدث يختلف حكمه باختلاف الصور الآتية:

الصورة الأولى: أن يجد فترة في جزء من الوقت يمكنه أن يأتي فيها بالصلاة من دون أن يتجدّد صدور الحدث - ولو مع الاقتصار على واجباتها -

ص: 407


1- - إيضاح الدلائل4: 63.
2- - فهرست الطوسي: 64/ 65.

ففي هذه الصورة يجب ذلك، ويلزمه التأخير سواء كانت الفترة في أوّل الوقت أو في وسطه أو في آخره، فلا يجوز له الإتيان بالصلاة في غير تلك الفترة.

والسبب في ذلك وجود طائفتين من الإطلاقات:

احداها: ما دلّ على اشتراط الصلاة بالطهارة وأنّه لا صلاة إلا بطهور.

والأخری: ما دلّ على ناقضيّة البول والغائط ونحوهما للوضوء.

ولا يمكن رفع اليد عن إطلاق الأولى؛ لأنّه لو جاز أن يصلّي المسلوس والمبطون من غير طهارة للزم تجويز الصلاة مع أحداث اختياريّة أخرى كإخراج الريح مثلاً؛ لأنّهما محدثان والمحدث لا يحدث ثانياً، مع أنّه لا يمكن الالتزام بصحّة صلاتهما حينئذٍ بلا ريب.

ورفع اليد عن الطائفة الثانية وإن كان ممكناً إذا وجد الدليل - والدليل هو أحاديث هذا الباب فتكون مقيّدة للإطلاقات المذكورة - إلّا أنّ الظاهر عدم إمكان تقييدها لها؛ لأنّها مخصوصة بصورة عدم إمكان الصلاة بالطهارة، وصلاة المسلوس والمبطون عذريّة بدلاً عن التامّة المأمور بها، والفرض أنّه يمكنه الصلاة التامّة بطهارة، فيجب ذلك، ولذا كان ما نُسب إلى المحقق الأردبيلي(قدس سره) من جواز الصلاة في كل وقت أراده ولو مع الحدث((1))

بعيداً لما ذكرناه.

وأمّا إذا وجبت عليه المبادرة لكون الفترة في أوّل الوقت فأخّرها إلى آخر الوقت عصی لكن صلاته صحيحة؛ لأنّها لا تسقط؛ لشمول إطلاقات أحاديث

ص: 408


1- - مجمع الفائدة والبرهان: 1: 112.

الباب لها، فيكون لها بدل وهو الصلاة مع التحفّظ عن انتشار النجاسة.

الصورة الثانية: أن لا يجد فترة يمكنه أن يأتي فيها بالصلاة مع الطهارة إلا أنّ صدور الحدث لا يزيد على مرّتين أو ثلاثة أو أزيد بما لا مشقّة في التوضّؤ في أثناء الصلاة والبناء فوظيفته - على المشهور - الوضوء والاشتغال بالصلاة بعد أن يضع الماء إلى جنبه فإذا خرج منه شيء توضّأ بلا مهلة وبنی على صلاته.

ويتمّ الكلام فيها بالبحث حول مقتضى القاعدة ومقتضى النصوص.

أمّا بالنسبة إلى مقتضى القاعدة فإنّه يوجد إطلاقان:

أحدهما: اشتراط الصلاة بالطهارة.

وثانيهما: اعتبار الطهارة حتى في الأكوان المتخلّلة، وهو الإطلاق المستفاد من أدلّة القواطع من الاستدبار والحدث ونحوهما.

وقد رفعنا اليد عن الإطلاق الثاني في المسلوس والمبطون بمقتضی أحاديث الباب الدالّة على أنّ الحدث غير قاطع في حقّهما وإلّا لسقطت عنهما الصلاة؛ لعدم تمكّنهما من الصلاة التامّة المأمور بها، ويبقى الإطلاق الأوّل على حاله، فلا وجه لرفع اليد عنه في سائر أفعال الصلاة، فعليه تحصيل الطهارة لها إذا أحدث في أثنائها.

والحاصل أنّ مقتضى القاعدة هو عدم اعتبار الطهارة في المسلوس والمبطون مع لزوم تحصيلها لسائر الأفعال إذا أحدثا في أثنائها.

وأمّا كون التوضّؤ في أثناء الصلاة ماحيا لصورتها، فإنّه وإن ادّعي، إلّا أنّه لا يرجع إلى محصّل، فقد ورد ما هو أكثر منه كما في أخذ المرأة الطفل ووضعه

ص: 409

في حجرها وثديها في فمه حتی يشبع وهو غير موجب لبطلان الصلاة بعد كونه فعلاً لأجل الصلاة، نعم الفعل الكثير الأجنبي عن الصلاة هو الذي ارتكز في أذهان المتشرّعة بطلان الصلاة به.

وأمّا بالنسبة إلى مقتضى النصوص فيستفاد بالنظر البدوي من موثّق سماعة لزوم وضوء واحد بعد جعل الخريطة ثمّ الصلاة؛ حيث ورد فيه: «فليضع خريطة، وليتوضّأ وليصلِّ»((1)). وكذا صحيح حريز الوارد فيه الجمع بين الصلاتين((2)

أي بوضوء واحد بعد جعل الخريطة، وإن أمكن أن يقال بأنه مخالف لموثّق سماعة حيث دلّ على لزوم الوضوء لو أراد أن يصلّي صلاةً بعد الجمع بين الظهرين أو العشاءين.

وفي القبال دلّت النصوص الواردة في المبطون على لزوم تجديد الوضوء كما في الحديث الرابع من هذا الباب وهو معتبر محمد بن مسلم((3)) حيث جاء فيه: «يتوضّأ ثمّ يرجع في صلاته فيتمّ ما بقي» فيتمّ الجمع بين الطائفتين بالقول بلزوم تجديد الوضوء، فيرتفع التنافي بينهما.

ولكن النظر الدقيق يقتضي غير هذا، وتفصيله أن نقول:

إنّ موثّق سماعة تظهر منه ثلاثة أمور:

أوّلها: أن يجعل خريطة ويتوضّأ ويصلي.

ص: 410


1- - ينظر: الصفحة: 172.
2- - ينظر: الصفحة: 381.
3- - ينظر: الصفحة: 387.

وثانيها: أنّ هذا لا يختصّ بالمسلوس؛ لعموم التعليل.

وثالثها: عدم جواز إعادة الوضوء إلّا بحدث آخر موجبٍ للوضوء غير البول أو بالبول الاختياري.

وما يظهر من بعضهم من عدم شمول الموثّق للبول، لأنّ قول السائل: «رجل أخذه تقطير من فرجه إمّا دم، وإمّا غيره» يفيد بظاهره أنّ ما يخرج من الفرج إمّا دم أو غير الدم، وغير الدم قد يراد به المذي أو الوذي أو ما يترشّح من القرح أو الجرح، والقرينة على ذلك ما في الجواب من قوله (علیه السلام) : «لا يعيدنَّ إلّا من الحدث الذي يتوضّأ منه» فإنّ المراد منه البول والغائط الاختياريّين، فلا يكون المراد من «غيره» البول.

ولكنّ الظاهر - تبعاً للسيد الأستاذ((1))

- أنّ المراد من «غيره» هو البول؛ إذ لا معنی للسؤال عن المذي والوذي؛ لأنّ الصلاة لا تبطل بخروجهما، ولو كانا مرادين لكان المناسب في الجواب أن يقال: إنّه طاهر أو نجس، وأمّا الجواب بأنّه بلاء، وأنّه لا يوجب الوضوء إلّا الحدث المتعارف من البول والغائط المتعارفين فهو قرينة على أنّ المراد به هو البول.

وبهذا يظهر أنّ موثق سماعة تامّ الدلالة.

وعلى هذا نقول إنّ صحيح حريز - وهو الحديث الأوّل من هذا الباب - يخالف الأمر الثالث المستفاد من الموثّق؛ إذ دلّ على الجمع بين الصلاتين، ولابدّ من إعادة الوضوء بعد أن يأتي بهما، فلو أراد أن يصلّي بعد الظهرين مثلاً

ص: 411


1- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 6: 215.

لاحتاج إلى وضوء جديد. ومثله نصوص المبطون لدلالتها على لزوم تجديد الوضوء، وهذا منافٍ لموثّق سماعة الدال على أنّ بول المسلوس غير موجب للانتقاض.

ويمكن أن يقال: إنّ معتبر حريز ليس فيه تجديد الوضوء، بل اقتصر علی بيان الجمع بين الصلاتين، فيستفاد العفو عن النجاسة بمقدار الصلاتين، وأمّا الوضوء فهو باقٍ، ولابدّ من تطهير البدن بعد الصلاتين.

وأمّا نصوص المبطون فإنّ معتبر محمد بن مسلم الذي لم يذكره الماتن جاء فيه قوله: «صاحب البطن الغالب يتوضّأ ويبني على صلاته»((1)) ويحتمل فيه معنيان:

أحدهما: أنّ صاحب البطن الغالب يتوضّأ قبل الصلاة ويصلّي ولا يعتني بما خرج منه، بل يبني على صلاته.

وثانيهما: أنّه يتوضّأ ويصلّي فإذا خرج منه الغائط في أثناء صلاته يتوضّأ ثمّ يبني على صلاته.

والأظهر هو الاحتمال الأوّل. ويعضده الحديث الثالث من الباب(2)؛ فإنّ فيه: «يبني على صلاته».

وأمّا الحديث الرابع منه ففيه: «يتوضّأ ثمّ يرجع في صلاته فيتمّ ما بقي»، ويظهر منه أنّه يتوضّأ في أثناء الصلاة ويبني على صلاته. فينافي الثالث، بل

ص: 412


1- - من لا يحضره الفقيه1: 363، ح 1043.
2- - ينظر: الصفحة 386.

وينافي موثّق سماعة.

وقد قال بعضهم بالتفصيل بين المسلوس والمبطون، فللأوّل وضوء واحد، دون الثاني.

إلّا أنّا نقول بأنّ موثّق سماعة يشمل - بعموم التعليل - المسلوس والمبطون، ولا يبعد حمل الحديث الرابع على الاستحباب؛ لأنّ موثّق سماعة صريح في الدلالة على عدم وجوب الإعادة، حيث جاء فيه: «لا يعيدنَّ إلّا من الحدث الذي يتوضّأ منه» ومفاده أقوى من ظهور الأمر في الوجوب في «يتوضّأ ثمّ يرجع في صلاته» وعلى هذا يُحمل على استحباب تجديد الوضوء.

فالحاصل: أنّ المسلوس والمبطون يكفيهما وضوء واحد للصلاتين اللتين جمعاها في زمان، بل لما بعدهما من الصلوات، ويكون هذا تخصيصاً في أدلّة ناقضيّة البول والغائط بأحاديث الباب.

نعم، يستحبّ لهما تجديد الوضوء حال الصلاة كلّما تجدّد خروج البول أو الغائط بما لا يكون حرجيّاً عليهما، لكن عليهما تبديل القطن وتطهير البدن والثياب من النجاسة لكلّ صلاتين؛ لأنّا إنّما رفعنا اليد عن مانعيّة نجاسة البدن والثياب بمقدار الصلاتين بمقتضی صحيح حريز المتقدّم لا أزيد منه.

الصورة الثالثة: أن لا يجد فترة يمكنه أن يأتي فيها بالصلاة مع الطهارة أيضاً، وصدور الحدث منه كثير بحيث يشقّ عليه التوضّؤ في أثناء الصلاة والبناء بعد كلّ حدث، ويكون في ذلك عسر أو حرج، فهنا يتوضّأ مرّة واحدة ويصلّي به أيَّ صلاة شاءها، ولا ينتقض إلّا بالحدث الاختياري - على ما بنينا

ص: 413

عليه من أنّ الوضوء في المسلوس والمبطون لا ينتقض بالبول والغائط بوجه، وإنَّما يتوضّآن مرّة واحدة، وهو يكفي لجميع صلواتهما، ولا يجب عليهما الوضوء في أثناء صلاتهما، بل هذه الصورة أولى من سابقتها؛ لأنّ ما ذُكر هي الوظيفة في حال عدم العسر والحرج، فهي معهما بطريق أولى - وأمّا على قول المشهور من السقوط للحرج أو يسقط بتحقّق الحرج فلابدّ من التطهير والوضوء إلى أن يتحقّق الحرج وحينئذٍ يسقط عنه ذلك.

وظاهر المشهور أنّ الوظيفة تسقط عنه مطلقاً سواء تحقّق الحرج أم كان المورد حرجيّاً، ولكن قد يقال - كما يظهر من السيدين الحكيم والأستاذ0((1)) - بلابديّة التفصيل على قول المشهور، فتسقط الوظيفة بعد تحقّق الحرج لا قبله.

الصورة الرابعة: أن لا يجد فترة يمكنه أن يأتي فيها بالصلاة مع الطهارة أيضاً، وصدور الحدث منه مستمر بلا انقطاع، وهذا يكفيه وضوء واحد لجميع صلواته، وله أن يصلّي صلوات عديدة بوضوء واحد، وهو بحكم المتطهّر إلى أن يطرأ عليه حدث آخر من نوم أو نحوه أو يخرج منه البول أو الغائط الاختياريّان، والسبب فيه هو ما ذكرناه في الصورة الثانية من كفاية الوضوء للمسلوس قبل الصلاة وعدم وجوب تجديد الوضوء عليه، بل هذه الصورة أولى من تلك الصورة.

ص: 414


1- - مستمسك العروة الوثقی 2: 570، والتنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 6: 220- 221.

ثلاثة فروع حول المسلوس و المبطون:

الفرع الأول: هل تجب على المسلوس والمبطون المبادرة إلى الصلاة بعد الوضوء بلا مهلة أو لا؟.

ظاهر المشهور هو وجوب المبادرة عليهما، وذهب جماعة منهم السيد الأستاذ(قدس سره) إلى عدم وجوبها مطلقاً((1)). وفصّل بعضهم بين الصورة الثانية والثالثة على تأمّل، ولا يجب البدار في الصورة الرابعة كما يظهر من السيد الحكيم((2)).

أمّا عدم وجوب المبادرة فوجهه ما تقدّم مِنَّا من التمسّك في وظيفتهما بموثّق سماعة الذي هو الأصل في هذه المسألة، وقد جاء فيه: «فليضع خريطة، وليتوضّأ وليصلّ، فإنَّما ذلك بلاء ابتلي به، فلا يعيدنَّ إلّا من الحدث الذي يتوضأ منه»((3))، فما يخرج منه بعد أن يتوضّأ وجوباً لا يوجب نقض الوضوء وهو بحكم العدم، بل الوضوء باقٍ إلى أن يحدِث بحدث اختياري، فلا تجب عليه المبادرة مطلقاً، وأمّا في الصورة الأولى فقد فرض فيها التمكّن من الطهارة والصلاة، ولا وجه لوجوب المبادرة فيها.

وأمّا وجه وجوب المبادرة - كما هو المشهور - فهو لزوم التحفّظ على الطهارة بقدر الإمكان، فإذا تمكن من الحفاظ ولو على أوّل جزء من الصلاة وجب ذلك، ويتحقّق التمكّن المذكور بالمبادرة إليها فتجب.

ص: 415


1- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 6: 224.
2- - مستمسك العروة الوثقی2: 573.
3- - ينظر: الصفحة 172.

هذا، ولكن ناقش السيد الأستاذ(قدس سره) ما يظهر منه التعميم لجميع الصور حتى على قولهم، وقال بأنّ لزوم البدار - على ما ذهبوا إليه - مختصّ بالصورة الثالثة فقط، وأمّا الصورة الأولى فبما أنّ المكلف يجب عليه حينئذ ايقاع الصلاة مع الطهارة في الوقت الذي يتمكّن منهما فيه فلا مجال لايجاب المبادرة معه.

وكذا الصورة الثانية؛ لأنّه وإن وجب عليه الوضوء قبل الصلاة وفي أثنائها إذا حدث حدث إلا أنّه إذا توضأ قبل الصلاة لا تجب عليه المبادرة إليها لعدم الدليل على وجوبها.

نعم، إذا أحدث قبل الصلاة وجب عليه إعادة الوضوء كما يجب عليه إذا أحدث أثناءها، وأمّا المبادرة فلا وجوب لها بوجه.

وأظهر منهما الصورة الرابعة، حيث إنّه بعد رفع اليد فيها عن دليل الاشتراط والقاطعية والانتقاض لا يكون حدثه موجباً للطهارة حينئذ، أو أنّ حدثه ليس بحدث ناقض أو لا يجب عليه الوضوء، ومعه كيف تجب عليه المبادرة إلى الصلاة؟

نعم، في الصورة الثالثة يمكن القول بوجوب المبادرة؛ لأنّ وظيفة المكلف تحصيل الطهارة في أوّل الصلاة من دون تجديدها في أثنائها، فالمكلف يتمكّن فيها من ايقاع أوّل جزء من صلاته مع الطهارة فيجب عليه ذلك بالمبادرة إليها، ولا يسوغ له تفويت التمكّن من هذا المقدار من الصلاة((1)).

وأمّا السيد الحكيم(قدس سره) فوافق السيد الأستاذ في الصورة الثالثة، وأمّا في

ص: 416


1- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 6: 224- 225.

الصورة الثانية فذهب إلى إمكان القول بوجوب البدار عليهما على تأمّل؛ لأنّ في البدار تقليلاً لتكرار الحدث((1)).

هذا، ولكنّ الظاهر وجوب البدار في جميع الصور، وذلك:

لأنّه في الصورة الأولى وإن كان يمكنه الإتيان بالصلاة مع الطهارة في فترةٍ، إلا أنّه حيث يُحتمل خروج البول مثلاً ولو في الجزء الأخير من الصلاة يجب عليه البدار، إلا أن يطمئن أو يعلم بوجود الفترة الكافية لإيقاع الصلاة مع الطهارة فيها.

وأمّا في الصورة الثانية فإنّه إذا أحدث قبل الصلاة وجب عليه إعادة الوضوء كما يجب عليه ذلك إذا أحدث أثناءها علی المشهور، هذا من جهة الطهارة من الحدث لكن الأمر مختلف من جهة الطهارة من الخبث، فإنّ السيد الأستاذ(قدس سره) وإن اختار أنّه لا يجب عليه تطهير المحل من النجاسة قبل الصلاة عند الجمع بين الصلاتين، إلا أنّ الأحوط عند المشهور وجوب التطهير، فإذا لم يبادر إلى الصلاة أمكن خروج البول مثلاً قبلها، فحتى على ما ذهب إليه(قدس سره) من عدم لزوم تطهير محل النجاسة يلزم التحفّظ عن النجاسة الجديدة لكونها نجاسة زائدة فيجب البدار إلى الصلاة للتحفّظ عن النجاسة الزائدة.

وأمّا في الصورة الثالثة فالمكلّف يتمكّن فيها من ايقاع أوّل جزء من صلاته مع الطهارة الحدثيّة فيجب عليه ذلك بالمبادرة إليها، وكذا الكلام في إيقاعها مع الطهارة من الخبث.

ص: 417


1- - مستمسك العروة الوثقی2: 573.

وأمّا في الصورة الرابعة فمع أنّ الحدث مستمرّ به، ولا يمكنه التحفّظ عن الحدث والخبث، إلا أنّه على القول بلزوم تقليل النجاسة يجب البدار، كما في الصلاة بثوبين نجسين فإنّه يطرح أحدهما تقليلاً للنجاسة.

والحاصل: أنّه يمكن القول بوجوب البدار في جميع الصور بناء على قول المشهور.

الفرع الثاني: هل يجب عليهما الوضوء لقضاء التشهد والسجدة المنسيّين وصلاة الاحتياط، والنوافل أو لا؟.

أمّا بالنسبة إلى السجدة والتشهد المنسيّين وصلاة الاحتياط فعلی ما اخترنا يكتفي بوضوئه للصلاة، لكون السجدة والتشهد المقضيّين من أجزاء الصلاة فلهما حكم الصلاة، وأمّا على ما اختاره صاحب العروة فيتمّ هذا في الصورة الثالثة دون غيرها، وتفصيل ذلك:

أمّا في الصورة الأولى فمن الواضح أنّ عليه الإتيان بالصلاة مع الطهارة، والأجزاء المنسيّة هي من جملة الصلاة، فلأجل أنّه متمكّن من الصلاة مع الطهارة في جزء من الوقت فيجب عليه الإتيان بالصلاة وأجزائها المنسيّة في ذلك الزمان، لكون تلك الأجزاء من الصلاة.

وأمّا في الصورة الثانية فيجب عليه تجديد الوضوء لقضاء الأجزاء المنسيّة؛ لأنّ حدوث الحدث في الأثناء يوجب الوضوء بعده؛ وإذا حدث حدث بين صلاته والأجزاء المنسيّة وجب الوضوء بعده؛ لارتفاع الطهارة السابقة بالحدث.

وأمّا في الصورة الرابعة فإنّ الطهارة فيها لا تنتقض بالحدث غير الاختياري،

ص: 418

وله أن يأتي بالأجزاء المنسيّة من غير طهارة.

وعلى هذا فتختص المسألة بالصورة الثالثة، وفيها لا حاجة لتجديد الوضوء لأجل قضاء الأجزاء المنسيّة؛ لكونها من الصلاة، لا أنّها واجب مستقل حتى يعتبر فيها الطهارة أو عدم الحدث. فكما أنّه لا يجب الوضوء أثناء الصلاة كذلك لا يجب لقضاء الأجزاء؛ لأنّها من جملة أجزاء الصلاة يؤتى بها مع مخالفة الترتيب والمحل.

وأمّا بالنسبة إلى صلاة الاحتياط فإن كانت متمّمة للصلاة الناقصة في الواقع، فحالها حال أجزاء الصلاة نفسها، بل هي عين أجزاء الصلاة، والفرق بينهما أنّ أجزاء الصلاة متّصلة بخلاف صلاة الاحتياط فإنّها منفصلة، وما دام لا يجب الوضوء عن الحدث في أثناء الأجزاء الصلاتية فكذا لا يجب في صلاة الاحتياط أيضاً؛ لأنَّها هي أجزاء الصلاة بعينها.

وأمّا إذا كانت صلاة الاحتياط واجباً مستقلّاً غير جابر لنقص الصلاة لكونها تامّة في الواقع لم يجب الوضوء لها؛ لأنّ الفرض أنّه إذا لم يتوضّأ لها وأتى بها فاسدة لم يضرّ بصحة صلاته التي أتى بها.

وأمّا بالنسبة إلى النوافل فلا يكفيها وضوء فريضتها، بل يشترط الوضوء لكلّ ركعتين منها؛ لأنّ عدم انتقاض الوضوء بالحدث مخصوص بما إذا كانا أثناء الصلاة الواحدة، وأمّا بعده فدليل الانتقاض يقتضي البطلان بالحدث فيجب عليهما الوضوء لبقيّة الصلوات المستحبة أو الفرائض هذا هو القول المشهور

ص: 419

الذي ذكره صاحب العروة(قدس سره) ((1)).

وأمّا على ما اخترناه فلا يلزم الوضوء لها لعدم انتقاض طهارتهما بالحدث غير الاختياري.

الفرع الثالث: يجب على المسلوس التحفّظ من تعدّي بوله بكيس فيه قطن أو نحوه والأحوط غسل الحشفة قبل كلّ صلاة.

وأمّا الكيس فلا يلزم تطهيره وإن كان أحوط، والمبطون أيضاً إن أمكن تحفّظه بما يناسب يجب، كما أنّ الأحوط تطهير المحل أيضاً إن أمكن من غير حرج.

اشتمل هذا الفرع على ثلاثة أمور:

الأوّل: وجوب التحفّظ من تعدّي البول على المسلوس.

الثاني: أنّ الأحوط غسل الحشفة قبل كل صلاة.

الثالث: عدم وجوب تطهير الكيس.

أمّا الأوّل فلاعتبار طهارة البدن والثياب في الصلاة فلا يجوز تنجيسهما فيها، ما عدا مقدار الخريطة أو الكيس.

وأمّا الثالث فلأنّه ورد: «يجعل خريطة إذا صلّى» والغرض التحفّظ عن تعدّي النجاسة، وهي إمّا من قبيل المحمول المتنجّس وهو غير موجب لبطلان الصلاة - على القول بذلك - وإمّا إنّه من الملبوس الذي لا تتمّ فيه الصلاة، ونجاسة ما لا يتم فيه الصلاة من الثياب معفوّ عنها كما في الجورب والقلنسوة ونحوهما.

ص: 420


1- - العروة الوثقی1: 460.

وأمّا الثاني فهو محلّ الخلاف، فعن صاحب العروة أنّ الأحوط وجوباً غسل الحشفة قبل كل صلاة، والوجه فيه: أنّ مقتضى القاعدة وجوب التطهير؛ لاعتبار طهارة البدن واللباس في الصلاة إلّا ما خرج بدليل، ولم يرد في النصوص عدم وجوب التطهير قبل الصلاة صراحة، والموجود فيها هو جعل الخريطة، وغاية ما تدلّ عليه أنّ النجاسة معفوّ عنها أثناء الصلاة، وأمّا قبل الصلاة فهي غير متعرّضة له.

نعم قد يقال - كما عن السيد الحكيم(قدس سره) - : إنّ عدم التعرّض فيها لتطهير الحشفة مع كونها في مقام البيان ظاهر في عدم وجوبه((1)).

ولكن يمكن القول بأنّ النصوص واردة في مقام بيان الطهارة الحدثيّة في الصلاة، لا الخبثيّة، ولا ملازمة بين عدم كون الحدث ناقضاً وبين وجوب تطهير الخبث.

فعلى القاعدة لابدّ من القول بوجوب غَسل محلّ البول قبل الصلاة، ولذا قال في العروة: الأحوط غسل الحشفة، وهو قول المشهور.

وقد ذكر السيد الأستاذ(قدس سره) أنّ المستفاد من صحيح حريز العفو عمّا يخرج من البول بين الصلاتين فلا يجب التطهير، فالنجاسة أثناء الصلاتين وما بين الصلاتين معفوّ عنها إلى مقدار صلاتين، وأمّا في الزائد عنها فإنّ مقتضى القاعدة وجوب إزالة النجاسة قبل الصلاة.

وأمّا المبطون فالنجاسة في أثناء الصلاة معفوّ عنها كما هو الحال في

ص: 421


1- - مستمسك العروة الوثقی2: 574.

المسلوس، وأمّا النجاسة قبل الصلاة فمقتضى القاعدة وجوب إزالتها إن أمكن، فعليه تطهير المحل قبل كلّ صلاة؛ لاختصاص صحيح حريز بخروج البول والدم، وعدم اشتماله على ما هو كالعلّة حتى يتعدّى عنه إلى الغائط، هذا، ولم يُذكر المبطون في هذا الصحيح، ولا في ما روي عن محمد بن مسلم، وعليه فيجب إزالة نجاسة الغائط قبل الصلاة، ولا عفو عنه((1)).

ص: 422


1- - انظر: التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 6: 227- 229.

أَبْوَابُ أَحْكَامِ الْخَلْوَةِ

ص: 423

ص: 424

أبواب أحكام الخلوة

الخلوة: هي المحل الخالي، والذي ينفرد فيه الإنسان بنفسه، والمراد هنا المحل الذي يتخذه الإنسان لأجل تخلية البدن من البول أو الغائط، فما يفعله فيها تخلية وتخلّي، والفاعل متخلّي، وهذه الأبواب معقودة لبيان ما يجب وما يحرم وما يستحب وما يكره للمتخلي، ولذا عنونها الماتن بأبواب أحكام الخلوة، دون أبواب آداب الخلوة لكون الأولی أعم، ولعل وجه تعلّق هذه الأبواب بالوضوء بحيث تقدَّم علی أبحاثه أنّ الغالب في من أراد الوضوء هو التخلّي أوّلاً، ولذا ناسب أن تتقدّم هذه الأبواب علی أبواب الوضوء.

ص: 425

ص: 426

1- بَابُ وُجُوبِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَتَحْرِيمِ النَّظَرِ إِلَى عَوْرَةِ الْمُسْلِمِ غَيْرِ الْمُحَلَّلِ رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَة

اشارة

1- بَابُ وُجُوبِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَتَحْرِيمِ النَّظَرِ إِلَى عَوْرَةِ الْمُسْلِمِ غَيْرِ الْمُحَلَّلِ رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَة

شرح الباب:

تضمّن عنوان الباب حكمين:

الأوّل: وجوب ستر العورة عن الناظر المحترم، سواء كان من المحارم أم لا، رجلاً كان أو امرأة.

الثاني: حرمة النظر إلی عورة المسلم غير المحلَّل رجلاً كان أو امرأة. والمراد بالمحلَّل - وهو المستثنی من حرمة النظر إلی العورة - الزوج والزوجة والمولی وأمته التي جاز له الاستمتاع بها، أو التي حُلّلت له فيجوز لكل منهما النظر إلی عورة الآخر.

ويظهر من العنوان أنّ حرمة النظر إلی العورة - عند الماتن(قدس سره) - مختصّة بعورة المسلم دون عورة الكافر.

ووجوب ستر العورة وإن كان لا اختصاص له بالمتخلّي لكن لما كان انكشاف العورة من لوازم التخلّي ذكروا هذا الحكم هنا فيه بخصوصه.

ص: 427

أقوال الخاصّة:

وجوب ستر العورة وحرمة النظر إليها مجمع عليه إجماعاً محصّلاً ومنقولاً، بل تدلّ عليه ضرورة الدين في الجملة((1))، والنصوص المستفيضة.

والمراد بالعورة في الرجل: القبل والدبر والأنثيان، وعن «القاضي إنّها من السرّة إلی الركبة وهو خيرة «الوسيلة» والتقي [أي الحلبي في كتابه: الكافي في الفقه] إلی نصف الساق»((2)). وأمّا المرأة فكلّها عورة عدا الوجه والكفّين علی الخلاف فيهما.

وهناك تفصيل في عورة المحارم والصغير والصغيرة، وعورة الأمة في الصلاة وغيرها، وأحكام نظر المرأة للرجل والرجل للمرأة وكلاهما للخنثی، وغير ذلك مما لا يتعلّق به الغرض هنا، وبيانه في محلّه من كتاب الصلاة وكتاب النكاح.

أقوال العامّة:

قال ابن رشد: «اتفق العلماء علی أنّ ستر العورة فرض بإطلاق»((3)) أي في حال الصلاة وغيرها.

وأما نظر الغير إلی العورة فقد «اتفق الفقهاء علی أنّه يحرم نظر الرجل إلی عورة المرأة الأجنبيّة الشابّة... ثم اختلفوا في تحديد العورة التي يحرم النظر إليها علی أقوال: فالحنفية والمالكية علی جواز النظر إلی الوجه والكفّين من

ص: 428


1- - جواهر الكلام2: 4.
2- - مفتاح الكرامة1: 216.
3- - بداية المجتهد1: 94.

الأجنبيّة إن لم يكن بشهوة، ولم يغلب علی الظن وقوعها، ويحرم النظر إلی ما عدا ذلك بغير عذر شرعي، واتفق الشافعية علی حرمة النظر إليهما بغير عذر شرعي، وهو المذهب عند الحنابلة، وظاهر كلام أحمد، وروي عن أحمد أنّ الأحوط عدم النظر مطلقاً، وهو قول القاضي من الحنابلة.

وروی الحسن بن زياد عن أبي حنيفة جواز النظر إلی الوجه والكفّين والقدمين من المرأة الأجنبية بغير شهوة وذكره الطحاوي، وهو قول بعض فقهاء المالكية((1)).

واتفق الفقهاء أيضاً علی حرمة نظر الرجل إلی عورة رجل آخر بغير عذر شرعي، ولو بغير شهوة((2)). وبقية تفاصيل النظر كالنظر إلی المرأة المسنّة والغلام وغير ذلك تأتي في مواضعها.

وأما حدّ العورة من الرجل عندهم، «فذهب مالك والشافعي إلی أنّ حدّ العورة منه ما بين السرة إلی الركبة، وكذلك قال أبو حنيفة، وقال قوم: العورة هما السوأتان فقط من الرجل... وقد قال بعضهم: العورة: الدبر، والفرج، والفخذ»((3)).

وأما حدّها من المرأة عندهم فمختلف فيه، «فأكثر العلماء علی أنّ بدنها كلّه عورة، ما خلا الوجه والكفّين. وذهب أبو حنيفة إلی أنّ قدمها ليست بعورة. وذهب أبو بكر بن عبد الرحمن وأحمد إلی أنّ المرأة كلّها عورة»((4)).

ص: 429


1- - الموسوعة الفقهية40: 341- 345.
2- - المصدر نفسه: 354.
3- - بداية المجتهد1: 95.
4- - المصدر نفسه.

[785] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: لَا يَنْظُرِ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ أَخِيهِ((1)*).

[1] - فقه الحديث:

دلّ علی الحكم الثاني من الحكمين اللذين عنوَن بهما الماتن البابَ، وهو حرمة النظر إلی عورة المسلم؛ حيث إنّ النهي عن النظر إلی عورة الأخ ظاهر في حرمته، والمراد من الأخ هنا هو مطلق المسلم؛ فإنّه لا يُطلق في النصوص علی غيره من أصحاب الأديان، وهذه القضيّة بإطلاقها تشمل الحي والميّت بلا فرق، فلا يجوز النظر إلی عورة المسلم وإن كان ميّتاً.

سند الحديث:

تقدّم أنّ إسناد الشيخ إلی محمد بن علي بن محبوب له ثلاثة طرق أحدها صحيح وآخر معتبر((2))، والعباس هنا هو العباس بن معروف، وحماد هو حماد بن عيسی؛ لروايته عن حريز، أي حريز بن عبد الله. وعلی هذا فالسند صحيح.

ص: 430


1- ([1]*) التهذيب 1: 374/ 1149، وأورده أيضاً في الحديث 1 من الباب 3 من أبواب آداب الحمام.
2- - ايضاح الدلائل1: 405- 406.

[786] 2- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الصَّادِقِ، عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) عَنِ النَّبِيِّ| - فِي حَدِيثِ الْمَنَاهِي - قَالَ: إِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فِي فَضَاءٍ مِنَ الْأَرْضِ فَلْيُحَاذِرْ عَلَى عَوْرَتِهِ.

وَقَالَ: لَا يَدْخُلَنَّ أَحَدُكُمُ الْحَمَّامَ إِلَّا بِمِئْزَرٍ، وَنَهَى أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، وَقَالَ: مَنْ تَأَمَّلَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ لَعَنَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، وَنَهَى الْمَرْأَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ، وَقَالَ: مَنْ نَظَرَ إِلَى عَوْرَةِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ أَوْ عَوْرَةِ غَيْرِ أَهْلِهِ مُتَعَمِّداً أَدْخَلَهُ اللَّهُ مَعَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَبْحَثُونَ عَنْ عَوْرَاتِ النَّاسِ، وَلَمْ يَخْرُجْ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يَفْضَحَهُ اللَّهُ إِلَّا أَنْ يَتُوبَ((1)*).

[2] - فقه الحديث:

دلّ هذا المقطع من الحديث علی كلا الحكمين اللذين عنوَن بهما الماتن البابَ، فالأول: هو لزوم ستر العورة إذا أراد الاغتسال في فضاء من الأرض؛ لأنّه حينئذٍ يكون معرّضاً للنظر إليها من قِبل غيره ممّن يحرم عليه النظر إلی عورته، وقوله (علیه السلام) : «لا يدخلنّ أحدكم الحمام إلّا بمئزر»، يفيد أيضاً لزوم ستر العورة؛ لما قدّمناه من العلّة.

ص: 431


1- ([1]*) الفقيه 4: 2- 11 بشكل متفرّق، في المناهي.

والثاني: حرمة نظر الرجل عمداً إلی عورة المسلم، وهذا الحكم يعمّ الرجل والمرأة، فلا يجوز للرجل أن ينظر إلی عورة رجل أو امرأة، وكذا المرأة لا يجوز لها النظر إلی عورة رجل أو امرأة، وقد صرّح بالنهي عن أن تنظر المرأة إلی عورة المرأة، ويستثني من ذلك نظر الرجل إلی عورة أهله، أي زوجته، والزوجة إلی عورة زوجها، ثم ذكر (علیه السلام) الآثار المترتبة علی النظر إلی عورة غير المحلّل فقال: «من تأمّل عورة أخيه المسلم لعنه سبعون ألف ملك»، والتأمل يدلّ علی أنّ النظرة متعمّدة لا أنّها اتفاقية غير مقصودة، ويدلّ عليه أيضاً ما في الفقرة اللاحقة من قوله: «متعمداً». ويدخله الله أيضاً مع المنافقين الذين كانوا يبحثون - في دار الدنيا - عن عورات الناس. كما لا يخرجه من الدنيا حتی يفضحه، إلا أن تتقدّم منه التوبة عن هذا الذنب، وحينها ترتفع جميع هذه الآثار؛ فإنّ التائب من الذنب كمن لا ذنب له.

سند الحديث:

تقدّم أنّ إسناد الصدوق إلی شعيب بن واقد ضعيف، كما أنّ شعيب بن واقد لم يوثّق أيضاً((1)).

وأما الحسين بن زيد فقد مرّ أنّه الملقب بذي الدمعة، وأنّه موثّق؛ لرواية المشايخ الثقات عنه((2))، ووروده في أسناد نوادر الحكمة((3)).

ص: 432


1- - ايضاح الدلائل4: 418- 419.
2- - المصدر السابق: 419.
3- - اصول علم الرجال1: 219.

ويمكن أن يقال باعتبار هذا الحديث؛ لوروده في الفقيه، وقد شهد الصدوق باعتبار رواياته.

ص: 433

[787] 3- قَالَ: وَسُئِلَ الصَّادِقُ (علیه السلام) عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ}((1)*) فَقَالَ كُلُّ مَا كَانَ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ حِفْظِ الْفَرْجِ فَهُوَ مِنَ الزِّنَا إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَإِنَّهُ لِلْحِفْظِ مِنْ أَنْ يُنْظَرَ إِلَيْهِ((2)*).

[3] - فقه الحديث:

الغض: النقص، فيكون معنی يغضّوا من أبصارهم: ينقصوا من نظرهم عمّا حرّم الله عليهم، وقد أطلق لهم ما سوی ذلك، يقال: غَضَّ طرفه غِضَاضاً بالكسر وغَضَاضة بفتحتين: خفضه وتحمَّل المكروه((3)).

ويتحقّق حفظ الفرج بأن لا يُستعمل في الزنا ونحوه، ولكن أضيف هنا الحفظ من أن يُنظر إليه من قِبل الناظر المحترم، وعليه يكون الحديث دالّاً علی لزوم غضّ البصر عن عورات الآخرين، لأنّ تقدير الآية: قل لهم غضّوا من أبصاركم، وقوله: يغضّوا جواب لهذا الأمر المحذوف. والأمر ظاهر في الوجوب، وكذا الكلام في ما عطف عليه، فيكون التقدير: واحفظوا فروجكم، فيدلّ أيضاً علی لزوم حفظ الفرج، المفسّر هنا بحفظ الفرج من أن يُنظر إليه، وإن كان المراد به في بقيّة الموارد من كتاب الله الحفظ من الزنا.

ص: 434


1- ([1]*) النور 24: 30.
2- ([2]*) الفقيه 1: 63/ 235.
3- - مجمع البحرين4: 218، مادة: غضض.

سند الحديث:

من مراسيل الصدوق، وقد مرّ مراراً أنّها معتبرة((1)).

ص: 435


1- - ايضاح الدلائل1: 91- 94.

[788] 4- وَفِي ثَوَابِ الْأَعْمَالِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ مَاجِيلَوَيْهِ، عَنْ عَمِّهِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: مَنْ دَخَلَ الْحَمَّامَ فَغَضَّ طَرْفَهُ عَنِ النَّظَرِ إِلَى عَوْرَةِ أَخِيهِ آمَنَهُ اللَّهُ مِنَ الْحَمِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ((1)*).

[4] - فقه الحديث:

دلّ علی وجوب حفظ العين من النظر إلی عورة المسلم، وهو المراد من الأخ هنا كما مرّ، وهذا موجب للأمن من الحميم في يوم القيامة، ولا يختصّ هذا الحكم بهذا المورد وهو من دخل الحمّام، بل يعمّ جميع الأماكن والأحوال؛ إذ لا خصوصيّة للمورد، وإنّما خُص بالذكر لأجل أنّ الحمام مورد انكشاف العورة ووجود الناظر المحترم عادة، ويفهم منه أنّ النظر إليها يوجب الحميم يوم القيامة.

سند الحديث:

فيه: محمد بن علي ماجيلويه، وهو وإن لم يوثق صريحاً، إلا أنّ الصدوق ترضّی عنه كثيراً في كتبه فيكون ثقة.

وفيه أيضاً: محمد بن علي الأنصاري، ولم يرد بهذا العنوان في الكتب الأربعة، لكن الملقب بالأنصاري شخصان:

ص: 436


1- ([1]*) ثواب الأعمال: 36/ 1، وأورده أيضاً في الحديث 4، الباب 3 من أبواب آداب الحمام.

أحدهما: محمد بن علي بن حمزة الأنصاري، ورد ذكره في طريق خلف بن محمد.

وثانيهما: محمد بن علي بن يحيی الأنصاري، ذكره النجاشي في ترجمة حريز بن عبد الله، وذكر أنّ له كتاباً.

والظاهر أنّ المراد به هنا هو الثاني؛ لانطباقه عليه من حيث الطبقة، لكنّه كالأول لم يوثّق.

وفيه أيضاً: عبد الله بن محمد، وهو مشترك بين جماعة، والمعروفون منهم أحد عشر شخصاً:

أحدهم: عبد الله بن محمد أبو بكر الحضرمي، قال عنه ابن شهر آشوب إنّه من خواص أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) . ووردت في حقّه روايات مادحة، وورد في أسناد تفسير القمي، وروی عنه المشايخ الثقات((1)).

الثاني: عبد الله بن محمد الأسدي، الحجّال، قال عنه النجاشي: «عبد الله بن محمد الأسدي مولاهم، كوفي، الحجّال المزخرف، أبو محمد، وقيل: إنّه من موالي بني تيم، ثقة ثقة، ثبت، له كتاب يرويه عدّة من أصحابنا»((2)) ووثّقه الشيخ في أصحاب الإمام الرضا (علیه السلام) قائلاً: «مولی تيم الله، ثقة»((3)).

الثالث: عبد الله بن محمد البلوي، ذكره الشيخ في الفهرست قائلاً: «عبد الله

ص: 437


1- - أصول علم الرجال1: 289 و2: 219.
2- - رجال النجاشي: 226/ 595.
3- - رجال الطوسي: 360/ 5332.

ابن محمد البلوي، وبلي قبيلة من أهل مصر، وكان واعظاً فقيهاً. له كتب، منها كتاب الأبواب، وكتاب المعرفة، وكتاب الدين وفرائضه، ذكره ابن النديم»((1)) وقال عنه النجاشي في ترجمة محمد بن الحسن بن عبد الله الجعفري: «البلوي رجل ضعيف مطعون عليه»((2)).

الرابع: عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا، ذكره الشيخ في الفهرست قائلاً: «عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا، عامي المذهب، له كتب، منها: مقتل الحسين (علیه السلام) ، ومقتل أمير المؤمنين (علیه السلام) ، وغيرهما»(3) ولكن السيد الأستاذ(قدس سره) استظهر أنّ اسمه عبد الله بن أبي الدنيا، قال: «صريح كلام الشيخ أنّ أبا الدنيا جدّ عبد الله، ولكن ظاهر كلام علماء الرجال من العامّة: أنّ أبا الدنيا هو والد عبد الله. قال ابن حجر في التقريب: «عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان القرشي مولاهم أبو بكر بن أبي الدنيا البغدادي صدوق، حافظ، صاحب تصانيف، من الثانية عشر، مات سنة إحدی وثمانين بعد المائة وله ثلاث وسبعون»»((4)).

الخامس: عبد الله بن محمد الحصيني العبدي، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضا (علیه السلام) قائلاً: «عبد الله بن محمد الحصيني العبدي، كان من

ص: 438


1- - فهرست الطوسي: 169/ 444.
2- - رجال النجاشي: 324/ 884.
3- - فهرست الطوسي: 170/ 449.
4- - معجم رجال الحديث11: 325/ 7112.

الأهواز»((1)). وقال عنه النجاشي: «عبد الله بن محمد بن حُصين الحصيني الأهوازي، روی عن الرضا (علیه السلام) ، ثقة ثقة، له كتاب يرويه عدّة من أصحابنا»((2)).

السادس: عبد الله بن محمد الدعلجي، قال عنه النجاشي: «عبد الله بن محمد ابن عبد الله أبو محمد الحذّاء الدعلجي، منسوب إلی موضع خلف باب الكوفة ببغداد، يقال له الدعالجة، كان فقيهاً عارفاً، وعليه تعلّمت المواريث، له كتاب الحج»((3)) فهو من مشايخ النجاشي.

السابع: عبد الله بن محمد التميمي الرازي، قال عنه النجاشي: «عبد الله بن محمد بن علي بن العباس بن هارون التميمي الرازي، له نسخة عن الرضا (علیه السلام) »((4)).

الثامن: عبد الله بن محمد بن عيسی، وهو أخو أحمد بن محمد بن عيسی، روی أربعة وأربعين حديثاً في الكتب الأربعة((5)).

التاسع: عبد الله بن محمد بن قيس، قال الشيخ في الفهرست: «له كتاب، رواه عباد بن يعقوب الرواجني، عنه»((6)) فسند الشيخ إليه مرسل.

العاشر: عبد الله بن محمد الجعفي، روی خمسة عشر حديثاً في الكتب

ص: 439


1- - رجال الطوسي: 360/ 5333.
2- - رجال النجاشي: 227/ 597.
3- - رجال النجاشي: 230/ 609.
4- - رجال النجاشي: 228/ 603.
5- - معجم رجال الحديث11: 333/ 7140.
6- - فهرست الطوسي: 174/ 465.

الأربعة... روی عن أبي جعفر وأبي عبد الله (علیهما السلام) . وروی عنه آدم بن إسحاق، وصالح بن عقبة((1)). وقال النجاشي في ترجمة جابر بن يزيد الجعفي: «وهذا عبد الله بن محمد يقال له: الجعفي، ضعيف»((2)).

الحادي عشر: عبد الله بن محمد النهيكي، قال عنه النجاشي: «ثقة، قليل الحديث، جمعت نوادره كتاباً»((3)).

والقابل للانطباق علی هذا العنوان شخصان كلاهما ثقة:

أحدهما: عبد الله بن محمد الأسدي، الحجّال؛ فإنّ كتابه معروف، ويمكن من حيث الطبقة أن يروي عن عبد الله بن سنان.

والثاني: عبد الله بن محمد الحصيني العبدي، فهو من أصحاب الإمام الرضا (علیه السلام) .

ولا يبعد إرادة الحجّال هنا.

والحاصل: أنّ هذا السند ضعيف بمحمد بن علي الأنصاري.

ولكن يمكن تصحيح الحديث؛ لكونه من كتب عبد الله بن سنان، وقد «روی هذه الكتب عنه جماعات من أصحابنا لعظمه في الطائفة وثقته وجلالته»((4))، وعليه فلا حاجة للنظر في الطريق إلی كتبه.

ص: 440


1- - معجم رجال الحديث11: 336/ 7150.
2- - رجال النجاشي: 128/ 332.
3- - رجال النجاشي: 229/ 605.
4- - رجال النجاشي: 214/ 558.

[789] 5- عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمُرْتَضَى فِي رِسَالَةِ الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ نَقْلًا مِنْ تَفْسِيرِ النُّعْمَانِيِّ بِسَنَدِهِ الْآتِي عَنْ عَلِيٍّ (علیه السلام) فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ}((1)*) مَعْنَاهُ: لَا يَنْظُرُ أَحَدُكُمْ إِلَى فَرْجِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ، أَوْ يُمَكِّنُهُ مِنَ النَّظَرِ إِلَى فَرْجِهِ، ثُمَّ قَالَ: {قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَ}((2)*) أَيْ: مِمَّنْ يُلْحِقُهُنَّ النَّظَرَ، كَمَا جَاءَ فِي حِفْظِ الْفُرُوجِ، فَالنَّظَرُ سَبَبُ إِيقَاعِ الْفِعْلِ مِنَ الزِّنَا وَغَيْرِهِ((3)*).

أَقُولُ: وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آدَابِ الْحَمَّامِ، وَكِتَابِ النِّكَاحِ((4)*).

[5] - فقه الحديث:

بيّن الحديث أنّ معنی غض البصر وحفظ الفروج هو عدم النظر إلی فرج المؤمن، وعدم تمكين الغير من النظر إلی فرجه، وبهذا يكون الحديث دالّاً علی كلا الحكمين، حرمة النظر إلی فرج المؤمن وحرمة تمكينه من النظر إلی فرجه، وبيّن بعد ذلك أنّ الالتزام بهذين الحكمين أزكی للمؤمنين، أي: أنفع

ص: 441


1- ([1]*) النور 24: 30.
2- ([2]*) النور 24: 31.
3- ([3]*) المحكم والمتشابه: 64.
4- ([4]*) يأتي ما يدلّ على ذلك في الباب 3 و6 و9 من أبواب آداب الحمام، وفي الباب 104 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه.

لدينهم ودنياهم، وأطهر لهم، وأنفی للتهمة، وأقرب إلی التقوی((1)).

ثم بيّن أنّ الحكمين موجّهان للمؤمنات أيضاً فعليهن أن يغضضن بصرهن عمّا لا يحل لهن النظر إليه، وأن يحفظن فروجهن ممن يُلحقُهنّ نظرَه، وهو كلّ من لا يحلّ له النظر إليهنّ.

وفي البحار: «مما يلحقهن من النظر»((2))، فيكون المعنی: ليحفظن فروجهنّ من الذي يلحقهن بسبب النظر من الزنا ونحوه، فإنّ النظر سبب ومقدمة لإحداث فعل الزنا وغيره، وهذه القضيّة حِكمة هذا الحكم لا أنّها علة؛ وذلك لانفكاك النظر عن الإيقاع في الفعل في بعض الموارد.

سند الحديث:

مرّ أنّ السند غير معتبر((3)).

والحاصل: أنّ في الباب خمسة أحاديث، أوّلها صحيح، والبقيّة ضعاف، لكن يمكن القول باعتبارها ما عدا الخامس.

تتميم:

يوجد هنا إشكالان:

أحدهما: أنّ المراد بالعورة هو الغيبة وإذاعة السر وإظهار العيب، حيث حصر المراد من العورة في ذلك كما في صحيح عبد الله بن سنان قال: قلت له:

ص: 442


1- - تفسير مجمع البيان7: 241.
2- - بحار الأنوار77: 182، ح 31.
3- - إيضاح الدلائل1: 241- 245.

عورة المؤمن علی المؤمن حرام؟ قال: «نعم»، قلت: تعني سفليه؟ قال: «ليس حيث تذهب، إنّما هي إذاعة سرّه»((1)).

ومعتبرة زيد الشحام عن أبي عبد الله (علیه السلام) في ما جاء في الحديث عورة المؤمن علی المؤمن حرام قال: «ما هو أن ينكشف فتری منه شيئاً، إنما هو أن تروي عليه أو تعيبه»((2))، وغيرهما مما ظاهره عدم حرمة النظر إلی العورة، كما سيأتي في الباب الثامن من أبواب آداب الحمام. فتكون أحاديث الباب دالّة علی حرمة غيبة المؤمن وكشف ما ستره من العيوب، لا حرمة النظر إلی عورته.

والجواب: أن نحمل ما ورد في هذه الأحاديث علی الغيبة وغيرها في خصوص هذه الموارد، لا أنّ المراد بالعورة الغيبة وما شابهها في جميع الموارد، فإنّ هذا غير ممكن في أكثرها، فقد جاء في أحاديث الباب النهي عن النظر إلی عورة الأخ المسلم وتأملها، وورد الأمر بغضّ الطرف عن النظر إليها، وورد أيضاً لزوم المحاذرة عن أن يُنظر إليها، وهذا كلّه يأبی تفسيرها بالغيبة وهتك الستر وغيرهما، فلا موقع للقول بظهور ما رواه عبد الله بن سنان وما رواه زيد الشحّام في عدم حرمة النظر إلی العورة.

الثاني: ورد في جملة من الأحاديث كراهة النظر إلی العورة، كما في معتبر ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) أيتجرّد الرجل عند صبّ الماء تری عورته أو يصب عليه الماء أو يری هو عورة الناس؟ فقال: «كان أبي يكره ذلك

ص: 443


1- - الكافي2: 359، باب الرواية علی المؤمن، ح 2.
2- - المصدر نفسه: ح 3.

من كلّ أحد»((1)). ومعتبر الصدوق عن الصادق (علیه السلام) أنّه قال: «إنّما [أ]كره النظر إلی عورة المسلم، فأمّا النظر إلی عورة من ليس بمسلم مثل النظر إلی عورة الحمار»((2)).

فلو لم يكن مخافة خلاف الاجماع لأمكن القول بكراهة النظر إلی العورة دون التحريم، وهذا هو مقتضی الجمع بين ما دلّ علی حرمة النظر - كأحاديث الباب - وبين هذه الأحاديث.

والجواب: أنّ الكراهة الواردة في الروايات لا يراد منها الكراهة الاصطلاحية، لأنّها اصطلاح مستحدث، ومعنی الكراهة الحرمة والبغض إلا إذا دلّ دليل علی خلاف ذلك، وعلی هذا إما أن تكون هذه النصوص ظاهرة في الحرمة وإمّا مجملة، فلا يمكن جعلها قرينة علی إرادة الكراهة الاصطلاحية أينما وردت.

فروع حول ستر العورة

الفرع الأول: وجوب ستر العورة إنّما يكون عن الناظر المحترم، والمراد به الرجل والمرأة والعبد سواء كان من المحارم أم لا، رجلاً كان أو امرأة، حتی عن المجنون والطفل المميّز، إلا ما استثني من الزوجين والأمة.

ص: 444


1- - الكافي6: 501، باب الحمام، ح 28، ووسائل الشيعة2: 33، باب 3 من أبواب آداب الحمام، ح3.
2- - من لا يحضره الفقيه1: 114، باب غسل يوم الجمعة، ح 236، ووسائل الشيعة 2: 36، باب 6 من أبواب آداب الحمام، ح 2.

ويدلّ عليه من الكتاب قوله تعالی: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكی لهم إن الله خبير بما يصنعون}((1))؛ فإنّ في حذف المتعلق دلالة علی العموم إلا ما استثني من الزوجين والأمة. وهو أيضاً مقتضی إطلاق أحاديث الباب.

وأمّا غير المميّز والمجنون غير المدرك فلا يجب ستر العورة عنهما؛ لأنّ ظاهر الأدلّة منصرفة عنهما؛ إذ هي ناظرة إلی الناظر المدرك دون الناظر الفاقد للشعور والادراك.

الفرع الثاني: في المقصود من العورة

قال السيد اليزدي في العروة: «العورة في الرجل: القبل والبيضتان والدبر، وفي المرأة: القبل والدبر»((2)).

وهنا حكمان:

الحكم الأول: العورة في الرجل: القبل والبيضتان والدبر، وهو «المشهور بين الأصحاب نقلاً وتحصيلاً، بل في الخلاف وعن السرائر الإجماع عليه، كما عن المعتبر والمنتهی الإجماع علی أنّ الركبة ليست من العورة، وفي التحرير وجامع المقاصد وظاهر التذكرة الإجماع علی خروجها، والسرّة من العورة»((3))، وعن القاضي أنّها من السرّة إلی الركبتين((4)).

ص: 445


1- - سورة النور: الآية 30.
2- - العروة الوثقی1: 305.
3- - جواهر الكلام8: 182.
4- - المهذب1: 83.

وفي المرأة: القبل والدبر، واحتاط السيد الاستاذ(قدس سره) فقال: إنّها ما بين السرّة والركبة علی الأحوط((1)).

أما دليل المشهور فهو ظاهر الأدلّة من الآية والأخبار حيث دلّت علی أنّ العورة والفرج يلزم سترهما، والظاهر أنّ العورة والفرج والسوءة أيضاً من الألفاظ المترادفة، ومعناها ما يستحيي ويأبی الطبع البشري من إظهاره، والقدر المتيقّن منها هو القضيب والبيضتان والدبر في الرجل، والقبل والدبر في المرأة بالنسبة إلی النساء - وإلا فبالنسبة إلی الأجنبي من الرجال تمام بدنها غير الوجه والكفّين عورة، علی الخلاف فيهما - هذا هو القدر المتيقّن، وما زاد علی ذلك يحتاج إلی دليل.

نعم، وردت طائفتان من الروايات، إحداهما تدلّ علی أنّ المراد بالعورة ما بين السرّة والركبة، والثانية تدلّ علی أنّها القبل والدبر.

أمّا الطائفة الأولی: فهي ثلاث روايات:

إحداها: رواية قرب الإسناد، عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه (علیه السلام) أنّه قال: «إذا زوّج الرجل أمته فلا ينظرنّ إلی عورتها، والعورة ما بين السرّة والركبة»((2)).

وهي معتبرة؛ لأنّ الحسين بن علوان ثقة، وإن قال النجاشي في ترجمته: «مولاهم كوفي عامي، وأخوه الحسن يكنی أبا محمد ثقة، رويا عن

ص: 446


1- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي)4: 320.
2- - وسائل الشيعة21: 148، باب 44 من أبواب نكاح العبيد والإماء، ح7.

أبي عبد الله (علیه السلام) ، وليس للحسن كتاب، والحسن أخصّ بنا وأولی»((1))، لأنّ التوثيق راجع إليه لا إلی أخيه الحسن، كما نبّه عليه السيد الأستاذ(قدس سره) ، حيث قال في ترجمة أخيه الحسن - بعد نقل كلام النجاشي -: «واستفاد بعضهم: أنّ التوثيق في كلامه راجع إلی الحسن، ولكنه فاسد، بل التوثيق راجع إلی الحسين؛ فإنّه المترجم، وجملة «وأخوه الحسن يكنی أبا محمد» جملة معترضة، وقد تكرّر ذلك في كلام النجاشي في عدّة موارد، منها في ترجمة محمد بن أحمد بن عبد الله أبي الثلج»((2)).

وقد أيّدنا ذلك للقرينة المذكورة في كلام السيد الأستاذ، هذا مضافاً إلی وقوعه في أسناد كتاب نوادر الحكمة((3)).

وقد أدرجه العلامة في القسم الثاني من الخلاصة، ونقل عن ابن عقدة قوله: «إنّ الحسن كان أوثق من أخيه وأحمد عند أصحابنا»((4))، وهو دالٌّ علی توثيق الحسين، لكنّ طريق العلامة إلی كتاب ابن عقدة وقع مورداً للمناقشة، فيكفي توثيق النجاشي له، ووجوده في أسناد كتاب نوادر الحكمة والنتيجة أنّ هذه الرواية معتبرة.

ثانيتها: رواية بشير النبال قال: سألت أبا جعفر (علیه السلام) عن الحمام فقال تريد الحمام؟ فقلت: نعم، قال فأمر بإسخان الحمّام ثم دخل فاتزر بإزار فغطّی

ص: 447


1- - رجال النجاشي: 52/ 116.
2- - معجم رجال الحديث5: 376/ 2929.
3- - أصول علم الرجال1: 219.
4- - خلاصة الأقوال: 338/ 1337.

ركبتيه وسرّته ثم أمر صاحب الحمام فطلی ما كان خارجاً من الإزار، ثم قال: «اخرج عنّي» ثم طلی هو ما تحته بيده، ثم قال: «هكذا فافعل»((1)).

وهي ضعيفة السند.

الثالثة: حديث الأربعمائة المروي في الخصال عن علي (علیه السلام) : «إذا تعرّی الرجل نظر إليه الشيطان فطمع فيه فاستتروا، ليس للرجل أن يكشف ثيابه عن فخذه ويجلس بين قوم»((2)).

وسند حديث الأربعمائة معتبر كما مرّ((3)).

وأمّا الطائفة الثانية - وهي ما دلّ علی أنّ العورة هي القبل والدبر - فهي روايتان:

إحداهما: مرسلة الصدوق عن الصادق (علیه السلام) : «الفخذ ليس من العورة»((4)).

والأخری: مرسلة أبي يحيی الواسطي عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن الماضي (علیه السلام) قال: «العورة عورتان: القبل والدبر، فأما الدبر مستور بالألتين فإذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة»((5)).

وأشكل علی الطائفتين بضعف السند، ومع الغض عن هذه الناحية تحمل

ص: 448


1- - الكافي6: 501، باب الحمام، ح 22.
2- - الخصال: 630.
3- - في الصفحة: 23.
4- - من لا يحضره الفقيه1: 119، ح 253.
5- - الكافي 6: 501، باب الحمام، ح 26.

الطائفة الأولی علی الاستحباب، خصوصاً الروايتين الأخيرتين، والحمل علی الاستحباب بناء علی قاعدة التسامح، فإنّها إن ثبتت فبها وإلّا لم يمكن الحمل علی الاستحباب.

هذا، ولكن حيث إنّ رواية قرب الإسناد معتبرة - كما أسلفنا - والظاهر من قوله (علیه السلام) «لا ينظرنّ إلی عورتها» المفسّرة بعد ذلك أنّها: «ما بين السرّة والركبة»: أنّ النظر إلی العورة التي هي بهذا المقدار حرام لا مكروه، فحملها علی الاستحباب بعيد جدّاً.

ولكن بما أنّ موردها الأمة يمكن القول بالأخذ بالقدر المتيقّن، وهو أنّ عورة المرأة ما بين السرّة والركبة، ولذا احتاط السيد الأستاذ(قدس سره) فيها بما بين هذين الحدّين.

ولو فرضنا وجود المعارِض لهذه الرواية يخصّ العورة بالقبل والدبر، فلا مناص من رفع اليد عنه لموافقته للتقية؛ حيث إنّ أكثر العامّة يرون أنّ العورة هي ما بين السرّة والركبة.

قال ابن قدامة في المغني: «إنّها من الرجل ما بين السرّة والركبة، نصّ عليه أحمد في رواية جماعة، وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وأكثر الفقهاء، وفيه رواية أخری: إنّها الفرجان، قال مهنا: سألت أحمد ما العورة؟ قال: الفرج والدبر وهذا قول ابن أبي ذئب وداود... وروی الدارقطني بإسناده عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جدّه قال: قال رسول الله صلی الله عليه وسلم «إذا زوّج أحدكم عبده أمته أو أجيره فلا ينظر إلی شيء من عورته؛ فإنّ ما تحت السرّة

ص: 449

إلی الركبة عورة» وفي لفظ: «ما بين سرّته وركبته من عورته»، وهذا نص، والحر والعبد في هذا سواء لتناول النص لهما جميعاً»((1)

وبما أنّ الحسين بن علوان عامّي فلا تبعد التقيّة.

ولكن الانصاف أنّه لابدّ من الجمود علی مدلول الطائفة الأولی، لضعف الطائفة الثانية، والاحتياط يقتضي ما ذهب إليه السيد الأستاذ(قدس سره) .

الحكم الثاني: لزوم ستر لون العورة دون الحجم؛ لأنّ ظاهر الأدلة الدالة علی حرمة النظر إلی عورة الغير ووجوب حفظها عن نظر الغير إليها هو حرمة النظر إلی العورة نفسها، وبما أنّ اللون حاكٍ عنها فيحرم النظر إليه، فالمدار علی النظر إلی البشرة، ومرادهم من حرمة النظر إلی لون البشرة أنّ الحرمة متوجّهة إلی العورة نفسها؛ إذ لا مدخلية للونها في الحكم؛ فإنّه لو سترها بزجاج ملوّن، فقد ستر اللون لكنّه لم يستر العورة نفسها، وأمّا حجم العورة فلا يجب ستره ولا يحرم النظر إليه؛ لعدم صدق النظر إلی العورة، وإن كان الأحوط تركه، وقد نقل الوجوب عن المحقق الكركي((2)).

ويمكن أن يؤيّد هذا برواية عبيد الله الرافقي [الدابقي، المرافقي] - في حديث - أنّه دخل حمّاماً بالمدينة، فأخبره صاحب الحمام أنّ أبا جعفر (علیه السلام) كان يدخله فيبدأ فيطلي عانته وما يليها، ثم يلفّ إزاره علی أطراف إحليله ويدعوني فأطلي سائر بدنه [جسده]، فقلت له يوماً من الأيام: إنّ الذي تكره أن

ص: 450


1- - المغني1: 615- 616.
2- - جامع المقاصد2: 95.

أراه قد رأيته، قال: «كلّا، إنّ النورة سترة»((1)).

وبرواية محمد بن عمر عن بعض من حدثه أنّ أبا جعفر (علیه السلام) كان يقول: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر»، قال: فدخل ذات يوم الحمام فتنوّر فلما أطبقت النورة علی بدنه ألقی المئزر، فقال له مولی له: بأبي أنت وأمي إنّك لتوصينا بالمئزر ولزومه، ولقد ألقيته عن نفسك، فقال: «أما علمت أنّ النورة قد أطبقت العورة»((2)).

نعم، ما يتراءی تحت الساتر الرقيق المعبّر عنه بالشبح يجب ستره ويحرم النظر إليه؛ لأنّ مثل هذا الساتر لا يمنع عن وقوع النظر إلی العورة نفسها؛ لما فيه من الخلل والفُرَج، ويصدق معه النظر إلی العورة حقيقة فلا يمكن الاكتفاء به في الستر الواجب.

الفرع الثالث: قال السيد اليزدي في العروة: «لو رأی عورة مكشوفة وشك في أنّها عورة حيوان أو إنسان، فالظاهر عدم وجوب الغض عليه، وإن علم أنّها من إنسان وشك في أنّها من صبي غير مميّز أو من بالغ أو مميّز، فالأحوط ترك النظر، وإن شك في أنّها من زوجته أو مملوكته أو أجنبيّة فلا يجوز النظر ويجب الغض عنها، لأنّ جواز النظر معلّق علی عنوان خاص وهو الزوجية أو المملوكية فلا بد من إثباته. ولو رأی عضواً من بدن إنسان لايدري أنّه عورته أو غيرها من أعضائه جاز النظر وإن كان الأحوط الترك»((3)).

ص: 451


1- - وسائل الشيعة2: 53، ب18 من أبواب آداب الحمام، ح1.
2- - المصدر نفسه، ح2.
3- - العروة الوثقی1: 308.

يوجد في هذا الفرع أربعة أحكام:

الأوّل: لو رأی عورة مكشوفة وشك في أنّها عورة حيوان أو إنسان لا يجب الفحص؛ لعدم إحراز الموضوع وهو عورة الانسان فتجري البراءة عن حرمة النظر إلی المشكوك فيه؛ لكون الشبهة موضوعيّة تحريميّة.

الثاني: إن علم أنّها عورة إنسان لكنها مردّدة بين ما يجوز النظر إليها وما لا يجوز النظر إليها، كأن شكّ في أنّها من صبي غير مميّز أو من بالغ أو مميز، فالأحوط وجوباً - كما في المتن - ترك النظر، والظاهر أنّ الوجه فيه هو التمسّك بعموم ما دلّ علی عدم جواز النظر.

وذهب جماعة إلی الجواز؛ لأنّ موضوع وجوب الغض هو عورة الإنسان المميّز أو البالغ، وأما غير المميز فعدم الغض جائز، والاحتياط إنّما هو لشمول العام لغير المميّز عند بعضهم.

مضافاً إلی أنّ الأصل الموضوعي جارٍ في المقام؛ فإنّ التمييز والبلوغ مسبوقان بالعدم، فيستصحبان، ومعه لا تصل النوبة لاستصحاب الحكم وهو أصالة البراءة المقتضية لجواز النظر أيضاً.

الثالث: إن شك في أنّها من زوجته أو مملوكته أو أجنبيّة فلا يجوز النظر، ويجب الغض عنها؛ لأنّ جواز النظر معلّق علی عنوان خاص وهو الزوجيّة أو المملوكيّة، فلا بد من إثباته كسائر العناوين الوجوديّة. إذ إنّ وجوب الغض عام خرج منه بالتخصيص: الزوجة والمملوكة، فلا بد من إحراز المخصص وإلا لزم الأخذ بالعام، وأمّا في الخروج التخصصي - كما في الحكمين

ص: 452

السابقين - فلا حاجة معه للإحراز، ويكفي الشك.

الرابع: لو رأی عضواً من بدن إنسان لا يدري أنّه عورته أو غيرها من أعضائه جاز النظر؛ لأنّ موضوع الغض هو عنوان العورة، ولم يُحرز، ومعه تجري أصالة البراءة عن حرمة النظر إلی المشكوك؛ لكون الشبهة موضوعية تحريمية. وإن كان الأحوط الترك، ولعل الوجه في أحوطية الترك هو حسن الاحتياط في كل حال.

ص: 453

ص: 454

2- بَابُ عَدَمِ جَوَازِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا عِنْدَ التَّخَلِّي وَكَرَاهَةِ اسْتِقْبَالِ الرِّيحِ وَاسْتِدْبَارِهَا وَاسْتِحْبَابِ اسْتِقْبَالِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِب

اشارة

2- بَابُ عَدَمِ جَوَازِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا عِنْدَ التَّخَلِّي وَكَرَاهَةِ اسْتِقْبَالِ الرِّيحِ وَاسْتِدْبَارِهَا وَاسْتِحْبَابِ اسْتِقْبَالِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِب

شرح الباب:

تضمّن هذا العنوان ثلاثة أحكام:

أوّلها: عدم جواز استقبال القبلة واستدبارها عند التخلّي، بلا فرق بين كون التخلّي في الأبنية أو الصحاري.

وثانيها: كراهة استقبال الريح أو استدبارها حال التخلّي.

وثالثها: استحباب استقبال المشرق أو المغرب، وعن بعضٍ وجوبه، للأمر به في الحديث الخامس من الباب والأمر يفيد الوجوب، ولتحريم استقبال القبلة واستدبارها ولا يتم إلا باستقبال المشرق أو المغرب لمن كانت قبلته ناحية الشمال أو الجنوب؛ لقولهم: «ما بين المشرق والمغرب قبلة»، وقد ردّ عليه الماتن في هامشٍ له بقوله: «إنّ الأوامر في مثله للاستحباب غالباً، خصوصاً بعد النهي، بل ورودها بعد النهي للجواز أغلب، حتی قطع كثير من العلماء بعدم

ص: 455

إفادتها للوجوب»((1)).

أقوال الخاصّة:

القول بحرمة استقبال القبلة واستدبارها حال التخلّي - بلا فرق بين كون المتخلّي في صحراء أو بناء - هو المشهور، بل ادعي عليه الإجماع، قال في الجواهر: «هو خيرة المبسوط والخلاف والسرائر والمعتبر والنافع والمنتهی والإرشاد والقواعد وجامع المقاصد وغيرها، بل هو المشهور نقلاً وتحصيلاً، بل في الخلاف وعن الغنية الإجماع عليه»((2)

وعن ابن الجنيد: استحباب الاجتناب في الصحراء، ولم يتعرّض للاستدبار، ونقل عن سلار: الكراهة في البنيان، ويلزم منه الكراهة أو التحريم في الصحراء((3)).

وأفاد السيد الأستاذ(قدس سره) أنّ الحرمة من المسائل المتسالم عليها عند الأصحاب حيث لم ينقل فيها الخلاف إلّا عن جماعة من متأخّري المتأخّرين منهم صاحب المدارك(قدس سره) حيث ذهب إلی كراهتهما((4)).

أقوال العامّة:

أكثر العامّة علی عدم جواز استقبال القبلة أو استدبارها في الصحاري، والجواز في الأبنية قال في المغني: «لا يجوز استقبال القبلة في الفضاء لقضاء الحاجة في

ص: 456


1- - وسائل الشيعة1: 302، باب 2 من أبواب أحكام الخلوة، هامش ح5.
2- - جواهر الكلام2: 14.
3- - ينظر: مدارك الأحكام1: 157.
4- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 4: 333- 334.

قول أكثر أهل العلم... فأمّا في البنيان أو إذا كان بينه وبين القبلة شيء يستره ففيه روايتان:

(إحداهما): لا يجوز أيضاً، وهو قول الثوري وأبي حنيفة لعموم الأحاديث في النهي.

(والثانية): يجوز استقبالها واستدبارها في البنيان، روي ذلك عن العباس وابن عمر رضي الله عنهما، وبه قال مالك والشافعي وابن المنذر، وهو الصحيح؛ لحديث جابر وقد حملناه علی أنّه كان في البنيان... وعن أحمد أنّه يجوز استدبار الكعبة في البنيان والفضاء جميعاً»((1)).

ولا خلاف بين الفقهاء في أنّه يكره لقاضي الحاجة إذا كانت الحاجة بولاً أو غائطاً رقيقاً أن يستقبل مهبّ الريح، لئلّا يصيبه رشاش الخارج فينجّسه((2)).

ص: 457


1- - المغني1: 154- 155.
2- - الموسوعة الفقهية34: 8.

[790] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، رَفَعَهُ قَالَ: خَرَجَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ عِنْدِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) وَأَبُو الْحَسَنِ مُوسَى (علیه السلام) قَائِمٌ، وَهُوَ غُلَامٌ، فَقَالَ لَهُ أَبُو حَنِيفَةَ: يَا غُلَامُ، أَيْنَ يَضَعُ الْغَرِيبُ بِبَلَدِكُمْ؟ فَقَالَ: اجْتَنِبْ أَفْنِيَةَ الْمَسَاجِدِ وَشُطُوطَ الْأَنْهَارِ وَمَسَاقِطَ الثِّمَارِ وَمَنَازِلَ النُّزَّالِ وَلَا تَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ وَارْفَعْ ثَوْبَكَ وَضَعْ حَيْثُ شِئْتَ((1)*).

[1] - فقه الحديث:

قوله: أين يضع الغريب ببلدكم؟ سؤال عن مكان وضع الغريب حاجته من البول أو الغائط، وتخصيصه السؤال بالغريب لكون أهل البلد غالباً ما يكون لهم مكان مهيّأ يقضون فيه حاجتهم بخلاف الغريب عن البلد.

وأجاب الإمام (علیه السلام) بأنّ لطالب قضاء الحاجة أن يقضيها في أيّ مكان شاء ما دام يجتنب قضاءها في أماكن خاصّة، وهي:

أفنية المساجد، وقد جاء الفناء بمعنيين في كتب اللغة، فعن النهاية ولسان العرب أنّه: المتسع أمام الدار((2))، وعن الصحاح ولسان العرب أيضاً أنّها: ما امتدّ من جوانبها((3)). وشطوط الأنهار، وهي جمع شط، وفسّر

ص: 458


1- ([1]*) الكافي 3: 16/ 5، ورواه الشيخ في التهذيب 1: 30/ 79، وأورده في الحديث 2 من الباب 15 من أبواب أحكام الخلوة.
2- - النهاية في غريب الحديث والأثر3: 477، مادة: فنا، ولسان العرب 15: 165، مادة: فني.
3- - الصحاح 6: 2457، مادة: فني، ولسان العرب14: 342، مادة: رها، و15: 165، مادة: فني.

الشط بشاطِئ النهر وجانبه((1)).

ومساقط الثمار، وهي جمع مسقط، وقد جاء: «مَسْقِطُ الشيء ومَسْقَطُه: موضع سقُوطه»((2)).

ومنازل النزّال جمع منزل، وهو موضع النزول، والنُّزّال هم المسافرون، وقد جاء في الوافي: «منازل النُّزّال: الظلال المعدّة لنزول القوافل والمتردّدين من شجرة أو جبل أو جدار أو غيرها»((3)).

وسيأتي في أحاديث الباب الخامس عشر من هذه الأبواب التصريح بأماكن أخری يكره الجلوس لقضاء الحاجة عليها كالطرق النافذة ومواضع اللعن، وغيرهما.

ثم نهی (علیه السلام) عن استقبال القبلة بالغائط أو البول، وهذا يدلّ علی حرمة استقبال القبلة عند قضاء الحاجة؛ لظهور النهي في الحرمة، ولم يتعرّض الحديث لاستدبار القبلة، وهو بإطلاقه يشمل الأبنية والصحاري كما يشمل الاستقبال بمقاديم البدن حين البول نحو القبلة، والاستقبال بالعورة فقط وإن لم تكن مقاديم البدن إليها.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث أحدهما هنا والآخر بعد الحديث الثاني:

ص: 459


1- - لسان العرب7: 334، مادة: شطط.
2- - لسان العرب7: 316، مادة: سقط.
3- - الوافي6: 106، باب آداب التخلي، ذيل حديث 7.

الأول: سند الكليني، وهو ضعيف بالرفع، ويمكن أن يقال باعتباره علی مبنی قبول شهادة الكليني باعتبار أحاديث كتابه.

والثاني: سند الشيخ إلی الكليني، وهو: أخبرني الشيخ أيّده الله تعالی قال: أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد عن محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم، رفعه، والكلام فيه كسابقه.

ص: 460

[791] 2- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بِإِسْنَادِهِ، رَفَعَهُ قَالَ: سُئِلَ أَبُو الْحَسَنِ (علیه السلام) مَا حَدُّ الْغَائِطِ؟ قَالَ: لَا تَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ، وَلَا تَسْتَدْبِرْهَا، وَلَا تَسْتَقْبِلِ الرِّيحَ، وَلَا تَسْتَدْبِرْهَا((1)*).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، وَكَذَا الَّذِي قَبْلَهُ((2)*).

مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سُئِلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (علیه السلام) ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ((3)*).

وَرَوَاهُ فِي الْمُقْنِعِ مُرْسَلًا عَنِ الرِّضَا (علیه السلام) مِثْلَهُ((4)*).

[2] - فقه الحديث:

يطلق الحدّ علی المنع والفصل بين الشيئين، ففي لسان العرب: «الحدّ: الفصل بين الشيئين لئلّا يختلط أحدهما بالآخر، أو لئلّا يتعدّی أحدهما علی الآخر»((5))، ويطلق علی الأحكام الشرعية؛ لأنّها فاصلة بين الحلال والحرام، ففي مجمع البحرين: «الحدود الشرعية عبارة عن الأحكام الشرعية، مثل حدّ الغائط كذا، وحدّ الوضوء كذا، وحدّ الصلاة كذا... ومنه «أقمتم حدوده»، أي أحكامه وشرائعه»((6)).

ص: 461


1- ([1]*) الكافي 3: 15/ 3.
2- ([2]*) التهذيب 1: 26/ 65 و33/ 88. والاستبصار 1: 47/ 131.
3- ([3]*) الفقيه 1: 18: 47.
4- ([4]*) المقنع: 7.
5- - لسان العرب 3: 140، مادة: حدد.
6- - مجمع البحرين3: 34.

وعليه فكان سؤال السائل عن الحكم الشرعي في التخلّي، وقد كنّی عنه بالغائط. وجاء الجواب بالنهي عن استقبال القبلة واستدبارها وهو ظاهر في الحرمة، وكذا النهي عن استقبال الريح واستدبارها لولا القطع بعدم حرمتهما، فيحمل النهي علی الكراهة.

لا يقال: إنّ النهي عن استقبال الريح واستدبارها قرينة علی عدم حرمة استقبال القبلة واستدبارها، للقطع بعدم حرمة استقبال الريح واستدبارها حال التخلّي، وقد وقعا في سياق واحد، فلا يكون المراد من النهي الحرمة فيهما، بل يراد منه الكراهة.

فإنّه يقال - كما أفاد الماتن(قدس سره) في ذيل الحديث السابع - : إنّ الفرق بين القبلة والريح وقولنا بالتحريم في الأولی والكراهة في الثانية هو ثبوت حرمة القبلة وشرفها بضرورة الدين، وعمل الأصحاب، وزيادة النصوص الواردة بهذا الخصوص، والمبالغة والتشديد في أمر القبلة، وهو مقتضی الاحتياط، وغير ذلك من الأمور، وأمّا الريح فلم يرد فيها غير حديثين في هذا الباب.

وقد عُلّل عدم استقبال الريح واستدبارها بعلّتين: «إحداهما: أنّ الريح يردّ البول، فيصيب الثوب وربما لم يعلم الرجل ذلك، أو لم يجد ما يغسله، والعلّة الثانية: أنّ مع الريح ملَكاً فلا يُستقبل بالعورة»((1)).

سند الحديث:

ذكر الماتن سند الحديث بأربعة أنحاء:

ص: 462


1- - بحار الأنوار 77: 194، باب 2 من أبواب آداب الخلاء والاستنجاء، ح 53.

الأول: الكليني عن محمد بن يحيی - أي: العطار - بإسناده ولم يُعلم إسناده، كما أنّ السند مرفوع، ويمكن تصحيحه بناء علی قبول شهادة الكليني بصحة ما في الكافي.

والثاني: الشيخ بسنده إلی الكليني، ولكنّه لم يصرّح بأخذه من الكافي ولم يذكر الكليني في السند في كلا كتابيه، حيث قال في التهذيب: «أخبرني الشيخ أيّده الله تعالی قال: أخبرني أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه، عن محمد بن يحيی العطار وأحمد بن إدريس جميعاً، عن محمد بن أحمد بن يحيی، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن عبد الحميد بن أبي العلاء أو غيره، رفعه»((1)).

وقال في الاستبصار: «وبهذا الإسناد - أي الشيخ (رحمه الله) ، عن أحمد بن محمد، عن أبيه - عن محمد بن يحيی»، إلی آخر السند((2)).

وهو ضعيف - بطريقيه - إلا أن يُلتزم بأنّه مأخوذ من الكافي - كما ذكره الماتن - مع قبول شهادة الكليني بصحة ما في الكافي.

والثالث: الصدوق مرسلاً في الفقيه، ويصحّح بناء علی قبول شهادة الصدوق في كتابه الفقيه((3)).

والرابع: الصدوق مرسلاً في المقنع، ويصحّح بناء علی قبول شهادة الصدوق في كتابه المقنع((4)).

ص: 463


1- - تهذيب الأحكام1: 26، ح 65.
2- - الاستبصار 1: 47، ح 131.
3- - ايضاح الدلائل1: 91- 94.
4- - ينظر: اصول علم الرجال1: 327- 332.

[792] 3- وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الصَّادِقِ عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) أَنَّ النَّبِيَّ| قَالَ - فِي حَدِيثِ الْمَنَاهِي - : إِذَا دَخَلْتُمُ الْغَائِطَ فَتَجَنَّبُوا الْقِبْلَةَ((1)*).

[3] - فقه الحديث:

قوله: «إذا دخلتم»، لا يبعد ظهوره في إرادة الدخول في الأبنية لقضاء الحاجة. وعلی أيِّ فقد دلّ بإطلاقه علی وجوب اجتناب القبلة بالبول أو الغائط استقبالاً واستدباراً، سواء كان ذلك بمقاديم البدن أو بالعورة فحسب.

سند الحديث:

تقدّم أنّ سند الصدوق إلی شعيب بن واقد ضعيف((2))، وأمّا شعيب فهو مجهول، والحسين بن زيد هو الحسين بن زيد بن علي بن الحسين (علیه السلام) ، وقد تقدّم أنّه ثقة؛ لرواية المشايخ الثقات عنه، فهذا السند ضعيف، ويمكن تصحيحه بناء علی قبول شهادة الصدوق بصحة ما في الفقيه.

ص: 464


1- ([1]*) الفقيه 4: 3/ 1.
2- - ايضاح الدلائل4: 418- 419.

[793] 4- قَالَ: وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ| عَنِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ((1)*).

[4] - فقه الحديث:

دلّ بإطلاقه علی شمول النهي عن استقبال القبلة بالبول والغائط للصحاري والأبنية. كما أنّ إطلاقه يشمل الاستقبال بمقاديم البدن مع البول نحو القبلة، والاستقبال بالعورة فقط وإن لم تكن مقاديم البدن إليها.

سند الحديث:

من مراسيل الصدوق، وقد مرّ مراراً أنّها معتبرة((2)).

ص: 465


1- ([1]*) الفقيه 1: 180/ 851.
2- - ايضاح الدلائل1: 91- 94.

[794] 5- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْهَاشِمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيٍّ (علیه السلام) قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ|: إِذَا دَخَلْتَ الْمَخْرَجَ فَلَا تَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ، وَلَا تَسْتَدْبِرْهَا، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا((1)*)((2)*).

[5] - فقه الحديث:

قوله: «إذا دخلت المخرج» المراد به بيت الخلاء، قال في مجمع البحرين: «المخرج بالفتح مكان خروج الفضلات - أعني الكنيف -»((3)).

والنهي فيه مطلق يشمل الاستقبال والاستدبار في الأبنية وفي غيرها، كما يشمل الاستقبال بالبول والفرج وعدمه، وعليه فيحرم الاستقبال بالبدن فقط كما

ص: 466


1- ([1]*) التهذيب 1: 25/ 64، والاستبصار 1: 47/ 130.
2- ([2]*) قد ذهب بعضهم إلى وجوب استقبال المشرق أو المغرب للأمر في هذا الحديث، ولتحريم استقبال القبلة واستدبارها، ولا يتمّ إلّا باستقبال المشرق أو المغرب لقولهم (علیهم السلام) : «ما بين المشرق والمغرب قبلة»، وهو مردود بأنّ الأوامر في مثله للاستحباب غالباً، خصوصاً بعد النهي، بل ورودها بعد النهي للجواز أغلب، حتّى قطع كثير من العلماء بعدم إفادتها للوجوب، وحديث القبلة مخصوص بالناسي واللّه أعلم (منه قده). و للزيادة راجع المدارك 1: 160 ومفتاح الكرامة 1: 50 والجواهر 2: 7، وأمّا صاحب ذخيرة المعاد 16- 24 فقال: والظاهر أنّ التشريق والتغريب مستحب.
3- - مجمع البحرين2: 294، مادة: خرج.

يحرم الاستقبال بالفرج.

والأمر بالتشريق أو التغريب إنّما هو لمن كانت قبلته جهة الجنوب أو الشمال فهذا الحكم مختصّ به، وأمّا من كانت قبلته جهة الشرق أو الغرب فلا بدّ له من أن يتّجه نحو الشمال أو الجنوب، كما لا يخفی.

سند الحديث:

فيه: أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، وقد سبق أنّ وجوده في السند لا يضرّ به؛ لأنّ رواياته في الكتب الأربعة كلّها عن أبيه، وللشيخ ثلاثة طرق إلی محمد بن الحسن اثنان منها ليس فيهما أحمد((1)

وبهذا يقال باعتبار رواياته.

وفيه: محمد بن يحيی، وهو العطار، ومحمد بن الحسين، وهو ابن أبي الخطاب.

وفيه أيضاً: محمد بن عبد الله بن زرارة، وهو أخو إبراهيم بن عبد الحميد الأسدي((2)

وقد ذكر النجاشي في ترجمة الحسن بن علي بن فضال «عن علي بن الريّان عن محمد بن عبد الله بن زرارة بن أعين قال: كنّا في جنازة الحسن فالتفت إليَّ وإلی محمد بن الهيثم التميمي فقال لنا: ألا اُبشركما؟ فقلنا له: وما ذاك؟ فقال: حضرت الحسن بن علي قبل وفاته، وهو في تلك الغمرات، وعنده محمد بن الحسن بن الجهم فسمعته يقول له: يا أبا محمد تشهّد، قال: فتشهّد

ص: 467


1- - ايضاح الدلائل1: 218.
2- - رجال النجاشي: 20/ 27.

الحسن فعبر عبد الله، وصار إلی أبي الحسن (علیه السلام) ، فقال له محمد بن الحسن: وأين عبد الله؟ فسكت، ثم عاد فقال له: تشهّد، فتشهّد وصار إلی أبي الحسن (علیه السلام) ، فقال له: وأين عبد الله؟ يردّد ذلك عليه ثلاث مرات، فقال الحسن: قد نظرنا في الكتب فما رأينا لعبد الله شيئاً.

قال أبو عمرو الكشي: كان الحسن بن علي فطحياً يقول بإمامة عبد الله بن جعفر فرجع، قال ابن داود في تمام الحديث: فدخل علي بن أسباط فأخبره محمد بن الحسن بن الجهم الخبر قال: فأقبل علي بن أسباط يلومه، قال: فأخبرت أحمد بن الحسن بن علي بن فضال بقول محمد بن عبد الله فقال: حرَّف محمد بن عبد الله علی أبي، قال: وكان والله محمد بن عبد الله أصدق عندي لهجة من أحمد بن الحسن؛ فإنّه رجل فاضل ديّن»((1)).

وبانضمام أنّ أحمد بن الحسن بن علي بن فضال ثقة في الحديث بتصريح النجاشي((2)) يكون محمد بن عبد الله بن زرارة أوثق منه.

وروی الشيخ في التهذيب عن علي بن الحسن بن فضال أنّ محمد بن عبد الله بن زرارة أوصی في جميع تركته أن تباع ويحمل ثمنها إلی أبي الحسن (علیه السلام) ... وكتب إليه أحمد بن الحسن ودفع الشيء بحضرتي إلی أيوب بن نوح... وكتب (علیه السلام) : قد وصل ذلك، وترحّم علی الميت، وقرأت الجواب((3)).

ص: 468


1- - رجال النجاشي: 35 - 36/ 72.
2- - رجال النجاشي: 80/ 194.
3- - تهذيب الأحكام9: 195، باب الوصية بالثلث وأقل منه وأكثر، ذيل الحديث 785.

وهذا يدلّ علی مدحه.

وأما عيسی بن عبد الله الهاشمي فهو عيسی بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب (علیه السلام) . وأبوه عبد الله بن محمد، وجده محمد بن عمر، ولم يرد فيهم شيء، إلا أنّهم وقعوا في أسناد كتاب نوادر الحكمة((1)) فهم ثقات.

وعلی هذا كلّه فالسند معتبر.

ص: 469


1- - أصول علم الرجال1: 233 و228 و249.

[795] 6- وَبِالْإِسْنَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى وَأَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ((1)*)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ أَوْ غَيْرِهِ، رَفَعَهُ قَالَ: سُئِلَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (علیه السلام) مَا حَدُّ الْغَائِطِ؟ قَالَ: لَا تَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ، وَلَا تَسْتَدْبِرْهَا، وَلَا تَسْتَقْبِلِ الرِّيحَ، وَلَا تَسْتَدْبِرْهَا((2)*).

[6] - فقه الحديث:

مضی بيانه في الحديث الثاني من هذا الباب.

سند الحديث:

قوله وبالإسناد، أي بالإسناد السابق في الحديث الخامس إلی محمد بن يحيی العطار، وهو كما في التهذيب: أخبرني الشيخ أيّده الله تعالی - أي المفيد - قال: أخبرني أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد عن أبيه، عن محمد بن يحيی العطار وأحمد بن إدريس جميعاً، عن محمد بن أحمد بن يحيی... الخ.

وأمّا في الاستبصار فلم يذكر أحمد بن إدريس قريناً لمحمد بن يحيی العطار، كما نبّه عليه الماتن في حاشية منه.

وقد تقدّم الكلام في بقيّة أفراد السند وأنّهم ثقات، ولكن السند مرفوع، مضافاً إلی عدم معلوميّة طرف الترديد مع عبد الحميد بن أبي العلاء، فيكون السند ضعيفاً.

ص: 470


1- ([1]*) لم يرد في الاستبصار: أحمد بن إدريس (هامش المخطوط).
2- ([2]*) التهذيب 1: 26/ 65 و33/ 88 والاستبصار 1: 47/ 131.

نعم في الوسائل المطبوعة بتحقيق الشيخ عبد الرحيم الرباني جاء السند من دون ترديد هكذا: «عبد الحميد بن أبي العلاء وغيره» خلافاً للتهذيب في موضعين وللاستبصار والوافي وجامع الأحاديث.

ص: 471

[796] 7- وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ أَبِي مَسْرُوقٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (علیه السلام) وَفِي مَنْزِلِهِ كَنِيفٌ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَنْ بَالَ حِذَاءَ الْقِبْلَةِ ثُمَّ ذَكَرَ فَانْحَرَفَ عَنْهَا إِجْلَالًا لِلْقِبْلَةِ وَتَعْظِيماً لَهَا لَمْ يَقُمْ مِنْ مَقْعَدِهِ ذَلِكَ حَتَّى يُغْفَرَ لَهُ((1)*).

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي الْمَحَاسِنِ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ بَهْرَامَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ جُمَيْعٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ|: مَنْ بَالَ حِذَاءَ الْقِبْلَةِ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ((2)*).

أَقُولُ: صَدْرُ الْحَدِيثِ غَيْرُ صَرِيحٍ فِي الْمُنَافَاةِ، لِاحْتِمَالِ انْتِقَالِ ذَلِكَ الْكَنِيفِ إِلَيْهِ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، أَوْ كَوْنِهِ غَيْرَ مِلْكٍ لَهُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَعَدَمُ تَغْيِيرِهِ إِمَّا لِقُرْبِ الْعَهْدِ أَوْ عَدَمِ الْإِمْكَانِ أَوْ ضِيقِ الْبِنَاءِ أَوْ لِلتَّقِيَّةِ أَوْ لِإِمْكَانِ الْجُلُوسِ مَعَ الِانْحِرَافِ عَنِ الْقِبْلَةِ أَوْ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ لِوُجُودِ غَيْرِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّ الْفَارِقَ بَيْنَ الْقِبْلَةِ وَالرِّيحِ بِالتَّحْرِيمِ وَالْكَرَاهَةِ ثُبُوتُ حُرْمَةِ الْقِبْلَةِ وَشَرَفِهَا بِالضَّرُورَةِ، وَعَمَلُ الْأَصْحَابِ، وَزِيَادَةُ النُّصُوصِ، وَالْمُبَالَغَةُ وَالتَّشْدِيدُ وَالِاحْتِيَاطُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَيَأْتِي أَيْضاً مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ((3)*).

[7] - فقه الحديث:

فيه حكاية وجود كنيف مستقبل القبلة في منزل الإمام (علیه السلام) ، ثم بيان

ص: 472


1- ([1]*) التهذيب 1: 26/ 66 و352/ 1043 والاستبصار 1: 47/ 132.
2- ([2]*) المحاسن: 54/ 82.
3- ([3]*) يأتي ما يدلّ على ذلك في الحديث 7 من الباب 15، وفي الحديث 6 من الباب 33 من هذه الأبواب.

الإمام (علیه السلام) المتضمّن أنّ من بال في جهة القبلة ثم ذكر أنّه مستقبل لها فانحرف عنها لأجل إجلالها وتعظيمها كان جزاؤه الغفران قبل أن يقوم من محلّ تخليّه؛ إذ تعظيمه للقبلة تعظيم لآية الله وحرمه وبيته تعالی الذي نسبه إلی نفسه وجعل له الحرمة العظيمة.

استدلّ به سلار وابن الجنيد في جواز التخلّي مستقبلاً القبلة في الأبنية، لأنّ بناء الكنيف في بيت الإمام (علیه السلام) كان إلی القبلة، ولكن بناء الكنيف مستقبلاً القبلة لا يستلزم جواز الجلوس عليه من دون انحراف عنها عند قضاء الحاجة.

لا يقال: إنّ الظاهر من هذا الحديث كراهة الاستقبال أثناء قضاء الحاجة، لا حرمته بقرينة أنّ الانحراف عن القبلة إجلال وتعظيم لها، أو يقال: إنّ عدم الاستقبال لها مستحب.

فإنّه يقال إنّ هذا إشعار باستحباب عدم الاستقبال أو كراهة الاستقبال، لكنّه لا يرفع اليد عن ظواهر الأحاديث به. وقد أفاد الماتن(قدس سره) : إنّ ما في صدر الحديث من وجود كنيف مستقبل القبلة في منزل الإمام (علیه السلام) لا ينافي حرمة استقبال القبلة حال التخلّي؛ لاحتمال انتقال البيت إلی الإمام (علیه السلام) وكنيفه مستقبل القبلة، أو كون البيت غير ملك للإمام (علیه السلام) فالتصرّف فيه بتحويل جهة الكنيف يحتاج إلی إذن المالك، ولعلّ تحصيل الإذن غير متيسّر. وإنما لم يغيّره الإمام (علیه السلام) - علی فرض شرائه للبيت - إمّا لقرب العهد بشراء البيت، أو لعدم إمكانه للتغيير ولو لضيق البناء، أو للتقيّة، أو لإمكان الجلوس عليه مع الانحراف عن القبلة، أو لعدم الحاجة إليه لوجود كنيف آخر في البيت، أو لنحو ذلك من الأسباب.

ص: 473

المتحصل من الأحادیث

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

الأوّل: سند الشيخ في التهذيبين، وقد تقدّم أنّ إسناده إلی محمد بن علي بن محبوب ثلاثة طرق أحدها صحيح والثاني معتبر((1))، وأمّا الهيثم بن أبي مسروق فقد مضی أنّه ممدوح، بل ثقة((2)). وأمّا محمد بن إسماعيل فهو ابن بزيع، وعلی هذا فالسند معتبر.

والثاني: سند البرقي في المحاسن، وفيه: الحارث بن بهرام، ولم يذكر في الأصول الرجاليّة، لكن روی عنه المشايخ الثقات((3)) فيكون ثقة.

وفيه أيضاً: عمرو بن جميع، وقد مضی أنّه ضعيف الحديث((4)). وعليه فالسند ضعيف.

والحاصل: أنّ في الباب سبعة أحاديث، أوّلها معتبر بطريقيه، والسادس ضعيف، والسابع معتبر بأحد طريقيه، والبقيّة معتبرة.

وقد ذكر المحدّث النوري في المستدرك خمسة أحاديث أخر، جاء فيها النهي عن الاستقبال والاستدبار، واختص أحدها بذكر النهي عن الاستقبال، لكنّها كلّها ضعيفة الإسناد.

ص: 474


1- - ايضاح الدلائل1: 405- 406.
2- - المصدر السابق3: 129.
3- - أصول علم الرجال2: 184.
4- - ايضاح الدلائل2: 206.

وزاد العلّامة المجلسي في البحار حديثين أحدهما الحديث الثالث نفسه من هذا الباب، لكنّه نقله عن أمالي الصدوق، والآخر عن الهداية، وهو قوله: «ولا يجوز أن يجلس للبول والغائط مستقبل القبلة ولا مستدبرها، ولا مستقبل الهلال ولا مستدبره»((1)).

فروع ثلاثة حول التخلّي

الفرع الأول: يحرم في حال التخلّي استقبال القبلة واستدبارها بمقاديم بدنه، وإن أمال عورته إلی غيرهما، والأحوط ترك الاستقبال والاستدبار بعورته فقط، وإن لم يكن مقاديم بدنه إليهما، ولا فرق في الحرمة بين الأبنية والصحاري، والقول بعدم الحرمة في الأول ضعيف، والقبلة المنسوخة كبيت المقدس لا يلحقها الحكم، والأقوی عدم حرمتهما في حال الاستبراء والاستنجاء وإن كان الترك أحوط. ولو اضطر إلی أحد الأمرين تخيّر، وإن كان الأحوط الاستدبار، ولو دار أمره بين أحدهما وترك الستر مع وجود الناظر وجب الستر، ولو اشتبهت القبلة لا يبعد العمل بالظن، ولو تردّدت بين جهتين متقابلتين اختار الأخريين، ولو تردّدت بين المتصلتين فكالترديد بين الأربع، التكليف ساقط فيتخيّر بين الجهات.

وهذا الفرع فيه أحكام:

الحكم الأول: حرمة استقبال القبلة واستدبارها حال التخلّي.

وقد سبق بيان الأقوال، وأنّ المشهور الحرمة، بل هي من المتسالم عليه

ص: 475


1- - بحار الأنوار77: 191، باب 2 من أبواب آداب الخلاء والاستنجاء، ح 48.

بينهم، إلا من بعض متأخّري المتأخرين منهم صاحب المدارك(قدس سره) حيث ذهب إلی كراهتهما.

وأمّا القدماء فوقع الاتفاق منهم علی الحرمة، وعن ابن الجنيد: استحباب الاجتناب في الصحراء، وعن سلار: الكراهة في البنيان.

والدليل علی الحرمة هو التسالم وروايات الباب، لكن أورد علی الروايات من جهة السند والدلالة.

أمّا من جهة السند فبأنّها كلّها ضعيفة، فلا يمكن التمسك بها، بناء علی عدم جبر عمل المشهور لضعف السند، وعدم حجيّة الإجماع. وحينئذٍ يصار إلی البراءة عن حرمة الاستقبال والاستدبار كما عن صاحب المدارك، بل يمكن القول بوجود الدليل علی عدم الحرمة، وهو الحديث السابع من الباب؛ حيث إنّ لحنه يفيد الكراهة؛ فإنّ الانحراف عن القبلة لو كان واجباً، والبقاء علی الاستقبال حراماً لأمر به الإمام (علیه السلام) ، وأمّا تسجيل الثواب لمن انحرف عن القبلة حال التخلّي فغاية ما يدلّ عليه هو استحباب الانحراف عنها حاله.

وأمّا علی القول بحجيّة الإجماع والتسالم فيمكن المصير إلی القول بالحرمة.

وأمّا بناء علی قبول مبنی جبر عمل المشهور لضعف السند فيصار أيضاً إلی الحرمة، كما التزم به السيد الحكيم في المستمسك((1)).

هذا، ولكن سبق أنّ سند بعضها معتبر، وعليه فلا تكون أحاديث الباب كلّها ضعيفة، وتكون البقيّة مؤيّدة.

ص: 476


1- - مستمسك العروة الوثقی2: 194.

وأمّا من جهة الدلالة فبأنّها مشتملة علی ما ليس بمحرّم بالاتفاق كاستقبال الريح أو استدبارها حيث إنّه مسلّم الكراهة، وقد وقع في سياق واحد مع النهي عن استقبال القبلة واستدبارها حال التخلّي، فيكون قرينة علی أنّ المراد من النهي فيها الكراهة لا الحرمة.

وفيه: إنّ هذا بمجرّده لا يشكّل قرينة علی صرف ظهور النهي في الحرمة إلی الكراهة؛ لأنّ الظهور حجّة ولا ترفع اليد عنه إلا بقرينة أقوی علی خلافه وهي مفقودة هنا.

الحكم الثاني: إنّ المحرّم - بناء علی حرمة الاستقبال والاستدبار حال التخلّي - هل هو استقبال القبلة أو استدبارها بمقاديم البدن، وإن أمال المتخلّي عورته عن القبلة إلی جهة الشرق أو الغرب وبال إلی غير القبلة، أو أنّ المحرّم هو البول إلی القبلة سواء كان مستقبلاً لها بمقاديم البدن أم لم يكن.

فيه أقوال: المشهور أنّ المحرّم هو استقبال القبلة أو استدبارها بمقاديم البدن، وإن أمال المتخلّي عورته عن القبلة. وعن بعضهم أنّه البول إلی القبلة سواء كان مستقبلاً لها بمقاديم البدن أم لم يكن، وعن ثالث أنّه الاستقبال بمقاديم البدن والفرج.

وهذا الاختلاف لاختلاف المبنی؛ فمن صحّح بعض أحاديث الباب، أو كان يری جابريّة عمل المشهور حكم بحرمة الاستقبال بمقاديم البدن والفرج، لورود النهي عن استقبال القبلة بالبول أو الغائط في بعضها كما في الحديث الرابع، وهي بإطلاقها تشمل الاستقبال بمقاديم البدن وعدمه، كما أنّ بعضها

ص: 477

كالحديث الخامس اشتمل علی النهي عن استقبال القبلة واستدبارها حيث قال: «إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة ولا تستدبرها» وإطلاقه يشمل الاستقبال بالبول والفرج وعدمه، وحيث لا تنافي بين الجهتين يؤخذ بكلتيهما ويُلتَزَم بحرمة كلٍّ من الاستقبال بالبدن والاستقبال بالفرج، وإن كان قد يجتمعان، فيستقبل القبلة بمقاديم بدنه وعورته، بل هذا هو المتعارف.

وأمّا من لم يصح عنده شيء من أحاديث الباب ولم يعتقد بجبر عمل المشهور للحديث الضعيف، وثبت عنده الإجماع والتسالم علی حرمة الاستقبال حكم بحرمة الاستقبال بمقاديم البدن والفرج معاً، كما هو المتعارف حال التخلّي؛ لأنّه هو المتيقّن ممّا قام الاجماع علی حرمته، وأمّا خصوص الاستقبال بالبدن دون الفرج أو الاستقبال بالفرج دون البدن فلا يمكن إثبات حرمتهما بواسطة التسالم والإجماع، لوجود المخالف في كلٍّ منهما.

الحكم الثالث: حرمة استقبال القبلة واستدبارها في الأبنية والصحاري.

المشهور حرمة استقبال القبلة واستدبارها في الأبنية والصحاري حال التخلّي، بل ادّعي عليه الإجماع والتسالم، كما مرّ، وذهب ابن الجنيد وسلّار وكذا عن المفيد5 - علی ما حكی عنهم - إلی القول بعدم الحرمة في الأبنية.

فإذا كان المدرك هو الأخبار فلا مناص من الالتزام بعدم الفرق في الحرمة بين الأبنية والصحاري؛ وذلك لإطلاق أحاديث الباب، من غير تقييدها بالأبنية.

لا يقال: إنّ التخلّي مستقبلاً القبلة في الأبنية جائز بمقتضی بناء الكنيف مستقبلاً القبلة في بيت الإمام (علیه السلام) ، كما أنّ الانحراف عن القبلة إجلال وتعظيم

ص: 478

لها، وهذه قرينة علی عدم حرمة الاستقبال، وإلّا لنهی الإمام عنه، أو يقال: إنّ عدم الاستقبال لها مستحب.

لأنّا نقول: إنّ بناء الكنيف مستقبلاً القبلة لا يستلزم جواز الجلوس عليه من دون انحراف عنها عند قضاء الحاجة.

كما أنّ وجود كنيف مستقبل القبلة في منزل الإمام (علیه السلام) لا يلازم جواز الاستقبال في الأبنية؛ كما تقدّم(1).

وأمّا إن كان المدرك هو الإجماع والتسالم فلا بدّ من الاقتصار علی غير الأبنية، لوجود المخالف في الأبنية، فلا يحرم فيها، ومع الشك في حرمة استقبال القبلة واستدبارها في الأبنية يرجع إلی البراءة وإن كان تركهما حتی في الأبنية هو الأحوط.

الحكم الرابع: القبلة المنسوخة - كبيت المقدس - لا يلحقها الحكم.

لعدم الدليل عليه؛ فإنّ المنع من الاستقبال والاستدبار في النصوص ينصرف إلی القبلة الفعليّة للمسلمين، والإجماع المذكور مختصّ بها، فلا يشمل غيرها، وكون القبلة المنسوخة هي القبلة للمسلمين سابقاً غير كافٍ في الشمول؛ لظهور القبلة في النصوص فيما هو القبلة الفعليّة للمسلمين، لا ما كان كذلك سابقاً، وعلی هذا لا موجب لإلحاق الحكم بها.

الحكم الخامس: الأقوی عدم حرمة استقبال القبلة أو استدبارها في حال

ص: 479


1- - في الصفحة: 453.

الاستبراء والاستنجاء وإن كان الترك أحوط.

والكلام يقع في مقامين.

المقام الأول: في الاستبراء، وقد قيل إنّ حاله حال خروج البول في حرمة الاستقبال والاستدبار، ولكنّ الظاهر أنّ الحكم في النصوص الواردة قد تعلّق بالتبوّل، لا بمجرّد خروج قطرة أو قطرتين منه، وما يخرج بالاستبراء هو الثاني فلا يتعلّق به الحكم، وهو الحرمة، كما أنّ الإجماع والتسالم هو علی حرمة استقبال القبلة أو استدبارها لدی البول أو الغائط دون الاستبراء، ومع ذلك فإنّ الاحتياط حسن.

المقام الثاني: في الاستنجاء، والمعروف هو عدم حرمة الاستقبال والاستدبار حاله؛ إذ الأدلة مختصّة بمورد البول والغائط، ولم يرد في النصوص نهي عن استقبال القبلة أو استدبارها حال الاستنجاء.

وأمّا ما عن صاحب الحدائق(قدس سره) من أنّ «الظاهر - إلحاق حال الاستنجاء بذلك، لرواية عمار الساباطي، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: «قلت له: الرجل يريد أن يستنجي كيف يقعد؟ قال: كما يقعد للغائط...»»((1)) بتقريب أنّه كما أنّ القعود للغائط مستقبل القبلة أو مستدبراً لها حرام فكذلك القعود للاستنجاء بمقتضی هذا الحديث فمناقش؛ لأنّ الرواية منصرفة إلی كيفية الاستنجاء بلحاظ بدن المتخلّي، وكيفيّة القعود للاستنجاء، ولا نظر لها إلی لحاظ أمر آخر خارج عن كيفيّة القعود للاستنجاء كالاستقبال والاستدبار.

ص: 480


1- - الحدائق الناضرة2: 41.

وبيانه: أنّ السائل يسأل عن كيفيّة القعود للاستنجاء، فهل يعتبر فيها شيء زائد عن القعود للغائط، كما هو الحال عند بعض العامّة من استحباب أن يرخي المستنجي نفسه ويفرّج فخذيه لئلّا ينقبض المحل علی ما فيه من الأذی فيؤدّي ذلك إلی بقاء النجاسة.

وأجاب الإمام (علیه السلام) بأنّ كيفية القعود للاستنجاء ككيفيّته للتخلّي فلا يعتبر في القعود له شيء زائد.

هذا، ولا ريب في أنّ الاحتياط حسن، وهو سبيل النجاة.

الحكم السادس: لو اضطر إمّا إلی الاستقبال وإمّا الاستدبار تخيّر بينهما، وإن كان الأحوط الاستدبار.

والحكم بالتخيير هو مقتضی قاعدة التزاحم، كما هو الشأن في كلّ واجبين لم يمكن العمل بهما معاً، أو محرّمين لم يمكن تركهما معاً، إذا لم يكن أحدهما أهمّ أو محتمل الأهميّة، وأمّا أنّ الاحتياط حينئذٍ هو استدبار القبلة؛ فلأنّ استدبارها أقرب إلی إجلالها وتعظيمها؛ فإنّ الاستقبال أعظم قبحاً.

لكنّ الصحيح في المقام أنّ المسألة إنّما تكون صغری لكبری التزاحم إذا كان مدركها نصوص الباب، وأمّا إذا كان مدركها التسالم والإجماع فإنّها تندرج في كبری دوران الأمر بين التعيين والتخيير، وبيان ذلك: أنّ المدرك إذا كان هو الروايات فمقتضی إطلاقها عدم الفرق في حرمة الاستقبال والاستدبار بين الاختيار والاضطرار، ومعه تندرج المسألة في كبری التزاحم؛ لعدم قدرة المكلّف علی امتثال التكليفين مع الاضطرار إلی ترك أحدهما، وحينئذٍ لابدّ من

ص: 481

الرجوع إلی مرجّحات المتزاحمين، فيقدّم أهمهما، وحيث إنّ الحرمة في استقبال القبلة أهمّ عند العرف، ولكثرة الروايات الدالة علی حرمته بخلاف الاستدبار فيكون محتمل الأهميّة علی الأقل، وهذا يوجب تقديمه علی الاستدبار عند التزاحم، فيتعيّن عليه الاستدبار، ويكون الاحتياط به وجوبيّاً حينئذ.

وأمّا إذا كان المدرك هو التسالم والإجماع فلكونه دليلاً لُبيّاً واتضحت به حرمة الاستقبال أو الاستدبار في الجملة، ولا يستفاد منه حرمتهما مطلقاً حتی في موارد عدم تمكّن المكلّف من كليهما، وبما أنّ المكلّف قد عجز عن أحدهما فلا يحتمل حرمتهما معاً في حقّه، وعلی هذا تكون الحرمة في حال الاضطرار إمّا مجعولة في استقبال القبلة علی نحو التعيين؛ لاحتمال كونها أهمّ، أو أنّها مجعولة لاستقبالها واستدبارها علی نحو التخيير. ولا بد من تقديم التخيير عند دوران الأمر بينه وبين التعيين بحسب الجعل؛ لجريان الأصل النافي للتعيين، ويكون المكلّف مخيّراً بين الاستقبال أو الاستدبار، ويكون الاحتياط بالاستدبار احتياطاً استحبابيّاً.

الحكم السابع: لو دار الأمر بين أحدهما وترك الستر مع وجود الناظر وجب الستر.

وهذا الفرض يتصوّر فيما إذا كان في غير القبلة ودبرها ناظر محترم لا يمكن التستّر عنه، فيدور أمر المكلّف بين ترك استقبال القبلة واستدبارها والبول من دون تستّر وبين البول مستقبلاً لها أو مستدبراً مع التستّر.

وهنا لا يوجد فرق عملي بين المبنيين؛ فإنّه إن كان المدرك هو الأخبار وقع

ص: 482

التزاحم بين حرمة كشف العورة وحرمة الاستقبال أو الاستدبار، ولمّا كانت حرمة كشف العورة أهمّ في ارتكاز المتشرّعة، وللروايات الواردة في الستر، فتقدّم حرمة كشف العورة علی حرمة الاستقبال والاستدبار، وعلی هذا يجوز للمكلف أن يبول مستقبل القبلة أو مستدبراً لها.

وإن كان المدرك هو التسالم والإجماع فقد سبق أنّه لا يقتضي حرمة الاستقبال والاستدبار إلّا في الجملة، وفي غير مورد التزاحم، وأمّا معه فلا مقتضي لحرمتهما فيجوز للمكلّف أن يبول مستقبل القبلة أو مستدبراً لها.

الحكم الثامن: لو اشتبهت القبلة لا يبعد العمل بالظن، ولو تردّدت بين جهتين متقابلتين اختار الأخريين، ولو تردّد بين المتصلتين فكالترديد بين الأربع، التكليف ساقط فيتخيّر بين الجهات.

ذهب صاحب العروة وجمع كثير من الفقهاء إلی اعتبار العمل بالظن إذا اشتبهت القبلة، والمستند لهم في ذلك صحيحة زرارة قال: قال أبو جعفر (علیه السلام) : «يجزئ التحرّي أبداً إذا لم يعلم أين وجه القبلة»((1)). وهي تدلّ علی كفاية الأخذ في باب القبلة بما هو أحری وأرجح في نظر المكلّف، ومقتضی إطلاقها حجّية الظن في تعيين القبلة بلا فرق في الأحكام المترتبة عليها بين الصلاة والدفن والذبح، والاستقبال والاستدبار في التخلّي. وإن احتمل بعضهم اختصاصها بمورد الصلاة.

ص: 483


1- - الكافي3: 285، باب وقت الصلاة في يوم الغيم والريح ومن صلی لغير القبلة، ح 7، ووسائل الشيعة4: 307، باب 6 من أبواب القبلة، ح1.

والحكم في اختيار الجهتين الأخريين المتقابلتين اللتين لم تقعا طرفاً للترديد واضح؛ لأنّهما ليستا قبلة يقيناً فيلزمه اختيار أحدهما.

وأمّا لو تردّد بين الجهتين المتصلتين فهو كالترديد بين الجهات الأربع، فيكون التكليف بحرمة الاستقبال والاستدبار ساقطاً فيتخيّر بين الجهات كما مرّ بيانه في الحكم السادس، هذا تمام الكلام في الفرع الأوّل.

الفرع الثاني:

يتحقّق ترك الاستقبال والاستدبار بمجرد الميل إلی أحد الطرفين ولا يجب التشريق أو التغريب وإن كان أحوط.

وذلك لصدق عدم الاستقبال والاستدبار عرفاً عند الميل إلی أحد الطرفين. وهذه النتيجة واحدة علی كلا المدركين: فإنّ المدرك إذا كان هو الروايات فهي قد دلّت علی حرمة استقبال القبلة واستدبارها ولم تدلّ علی وجوب التشريق أو التغريب. نعم ورد في رواية عيسی بن عبد الله الهاشمي قوله|: «ولكن شرّقوا أو غرّبوا».

لكن ناقشه السيد الحكيم(قدس سره) بضعف السند وعدم العامل به، فيحمل علی استحباب التشريق أو التغريب((1)).

وقد يقال: إنّ الرواية معتبرة، وعدم عمل المشهور بها غير موهن لها، وما دامت معتبرة فيلزم التشريق أو التغريب.

إلا أنّه يناقش في دلالتها؛ لأنّ المستفاد منها عرفاً الميل إلی جهة الشرق أو الغرب والانحراف عن القبلة، لا محاذاتهما، كما هو المتعارف في محاوراتنا

ص: 484


1- - مستمسك العروة الوثقی2: 200.

العرفيّة.

وأمّا إذا كان المدرك هو التسالم والإجماع فلأنّه دليل لبّي يقتصر فيه علی المقدار المتيقّن وهو حرمة التخلّي إلی القبلة فقط، فلا إجماع علی حرمة التخلّي منحرفاً عن القبلة إلی الشرق أو الغرب.

الفرع الثالث:

الأحوط في مَن يتواتر بوله أو غائطه مراعاة ترك الاستقبال والاستدبار بقدر الامكان، وإن كان الأقوی عدم الوجوب.

وهذا يختلف باختلاف مدرك الحكم فإنّ مدرك حرمة الاستقبال والاستدبار إن كان هو الإجماع والتسالم فيقتصر علی المقدار المتيقّن من الحرمة، وهو حرمة الاستقبال والاستدبار علی المتخلّي المختار، ولم يعلم قيامهما علی الحرمة في حقّ المتخلّي المضطر.

وإن كان المدرك هو الأخبار فإن كان المستفاد منها حرمة الاستقبال والاستدبار بالبول والغائط وبمقاديم البدن، فالاستقبال والاستدبار بمقاديم البدن أمرٌ اختياري له، وإن كان البول والغائط خارجين عن اختياره فيحرم عليه الاستقبال والاستدبار.

وأمّا إن كان المستفاد منها الشمول للاستقبال والاستدبار بالبول والغائط - كما اخترناه - فلا يحرم علی من تواتر بوله أو غائطه استقبال القبلة واستدبارها؛ لعدم كون ذلك تحت اختياره.

فالأقوی هو أنّ الأخبار واردة في الشخص المتعارف الذي يكون بوله وغائطه تحت اختياره، لا التفصيل بين الاستقبال بمقاديم البدن والاستقبال

ص: 485

بالبول أو الغائط.

ومع ذلك فالأحوط ترك الاستقبال والاستدبار بقدر الإمكان، وأمّا الزائد علی ذلك فلا يحرم، للحرج المنفي في الشريعة.

ص: 486

3- بَابُ اسْتِحْبَابِ تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ وَالتَّقَنُّعِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَة

اشارة

3 - بَابُ اسْتِحْبَابِ تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ وَالتَّقَنُّعِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَة

شرح الباب:

من جملة آداب التخلّي: تغطية الرأس والتقنّع عندإرادة قضاء الحاجة، وهي إحدی سنن النبي|، وقد ورد في هذا الباب الإشارة إلی إحدی الحِكم من الأمر بذلك، وهي الحياء من الله تعالی ومن المَلكين اللذين يكونان مع الإنسان، وقد ذكر الشيخ المفيد(قدس سره) حِكماً أخری كالأمن من عبث الشيطان، ومن وصول الرائحة الخبيثة إلی دماغه، وهو سُنّة من سنن النبي|، وفيه اظهار الحياء من الله تعالی؛ لكثرة نعمه علی العبد، وقلّة الشكر منه((1)). وفي الفقيه: أنّه للإقرار بأنّه غير مبرّئ نفسه من العيوب((2)).

أقوال الخاصّة:

قال المحقّق في المعتبر: «يستحب تغطية الرأس عند دخول الخلاء والتسمية، وعليه اتفاق الأصحاب»((3)). وقال العلّامة المجلسي: «المشهور بين

ص: 487


1- - المقنعة: 39.
2- - من لا يحضره الفقيه1: 24.
3- - المعتبر1: 133.

الأصحاب استحباب تغطية الرأس في الخلاء، والذي يظهر من الأخبار والتعليلات الواردة فيها وفي كلام بعض الأصحاب أنّه يستحب التقنيع بأن يسدل علی رأسه ثوباً يقع علی منافذ الرأس، ويمنع وصول الرائحة الخبيثة إلی الدماغ، وإن كان متعمّماً، وهذا أظهر وأحوط»((1)).

وفي الجواهر: «من المندوبات تغطية الرأس، كما في الهداية والمقنعة والمبسوط والمعتبر والقواعد والإرشاد والذكری والروض والمدارك وكشف اللثام وغيرها، بل في المعتبر والذكری الاتفاق عليه»((2)).

أقوال العامّة:

قال النووي: «ويستحب أن لا يدخل الخلاء حافياً ولا مكشوف الرأس»((3))، وقال ابن عابدين: «إذا أراد أن يدخل الخلاء ينبغي أن يقوم قبل أن يغلبه الخارج، ولا يصحبه شيء عليه اسم معظّم، ولا حاسر الرأس، ولا مع القلنسوة بلا شيء عليها»((4))، وذكر الحطاب الرعيني أنّ من جملة آداب قاضي الحاجة: تغطية رأسه((5))، وقال ابن قدامة: «ويستحب أن يغطّي رأسه»((6)).

ص: 488


1- - بحار الأنوار77: 183، ب 2 من أبواب آداب الخلاء والاستنجاء، ذيل الحديث 33.
2- - جواهر الكلام2: 55.
3- - روضة الطالبين1: 178.
4- - حاشية ردّ المحتار1: 373.
5- - مواهب الجليل1: 390.
6- - المغني 1: 158.

[797] 1- مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ الْمُفِيدُ فِي الْمُقْنِعَةِ قَالَ: إِنَّ تَغْطِيَةَ الرَّأْسِ إِنْ كَانَ مَكْشُوفاً عِنْدَ التَّخَلِّي سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ النَّبِيِّ|((1)*).

[1] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ مثل جعل الثوب علی الرأس - إن كان قبل ذلك مكشوفاً - سُنّة من سنن النبي|، وهو المراد بتغطية الرأس، قال ابن منظور: «غَطَی الشيءَ يَغْطِيه غَطْياً وغَطَّی عليه وأَغْطاه وغَطَّاه: سَتَره وعَلاه»((2)). وما دام هذا الأمر من السنن النبوية فهو راجح ومورد للتأسّي.

سند الحديث:

للماتن طرق متعدّدة معتبرة إلی كتاب المقنعة ذكرها في الفائدة الخامسة من خاتمة وسائل الشيعة، أضف إلی ذلك شهرة الكتاب شهرة عظيمة، وشرح شيخ الطائفة له بكتابه تهذيب الأحكام، لكن الكلام في أنّ المتن المنقول لم يسنده الشيخ المفيد إلی معصوم، فهو مرسل، وإن ذكر أنّ تغطية الرأس عند التخلي سنّة من سنن النبي| بنحو الجزم؛ لكونه مأخوذاً من الروايات.

ص: 489


1- ([1]*) المقنعة: 3 باختلاف.
2- - لسان العرب15: 130، مادة: غطي.

[798] 2- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ أَوْ رَجُلٍ عَنْهُ، عَمَّنْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) أَنَّهُ كَانَ يَعْمَلُهُ إِذَا دَخَلَ الْكَنِيفَ يُقَنِّعُ رَأْسَهُ وَيَقُولُ سِرّاً فِي نَفْسِهِ: بِسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ، تَمَامَ الْحَدِيثِ((1)*).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ مُرْسَلًا((2)*).

[2] - فقه الحديث:

قوله: «أنّه كان يعمله» قال المجلسي: «لعلّ الضمير مبهم، يفسره قوله «يقنّع رأسه» أو راجع إلی شيء أسقطه الشيخ من الخبر، أو إلی شيء مقدّر بقرينة المقام، أو كان يعمل فصحِّف»((3)).

دلّ علی أنّ عمل الإمام (علیه السلام) مستمر علی أنّه إذا دخل الكنيف أي أراد دخوله يقنِّع رأسه، والظاهر اختصاص ذلك بالكنيف فلا يعم ما إذا كان التخلّي في غيره كالصحاري مثلاً، والتقنّع هو لبس القناع، وفُسِّر القناع في اللسان بأنّه أوسع من المقنعة، قال: «القناع: أَوْسَعُ من المِقْنعةِ، وقد تَقَنَّعَتْ به وقَنَّعَتْ رأْسَها. وقَنَّعْتُها: أَلبستها القِناعَ فتَقنَّعَتْ به... والقِناعُ والمِقْنَعةُ: ما تتَقَنَّعُ به المرأَةُ من ثوب

ص: 490


1- - التهذيب 1: 24/ 62.
2- - الفقيه 1: 17/ 41.
3- - ملاذ الأخيار1: 119.

تُغَطِّي رأْسَها ومحاسِنَها»((1))، فيكون المعنی أنّه يغطي رأسه بثوب ونحوه.

ودلّ أيضاً علی أدب آخر من آداب التخلّي وهو أنّه كان يقول دعاءً أوّله: «بسم الله وبالله»، وكان يقول سرّاً في نفسه، إمّا إخفاتاً، أي بحيث لا يسمعه غيره لو كان، وإمّا بإخطار ذلك في باله كما هو شأن الكلام النفسي، ولا يبعد أن تكون تتمّة الدعاء والتي لم يذكرها الشيخ هي ما أورده الصدوق في الفقيه، وهو: «بسم الله وبالله ولا إله إلا الله، ربّ أخرج مني الأذی، سرحاً بغير حساب، واجعلني لك من الشاكرين في ما تصرفه عني من الأذی والغم الذي لو حبسته عني هلكت، لك الحمد اعصمني من شرّ ما في هذه البقعة، وأخرجني منها سالماً وحُل بيني وبين طاعة الشيطان الرجيم»، وسيأتي في الحديث السابع من الباب الخامس من هذه الأبواب، ويكون هو مراد الشيخ بقوله: تمام الحديث.

سند الحديث:

ذكر الماتن الحديث بنحوين:

النحو الأول: عن التهذيب مسنداً، وفيه: محمد بن يحيی، وهو العطار، ومحمد بن أحمد بن يحيی، وهو محمد بن أحمد بن يحيی بن عمران الأشعري، وأحمد بن أبي عبد الله، وهو أحمد بن محمد بن خالد البرقي.

وهذا السند ينحلّ إلی سندين:

أحدهما: محمد بن الحسن، عن المفيد، عن أحمد بن محمد بن الحسن،

ص: 491


1- - لسان العرب8: 300، مادة قنع.

عن أبيه، عن محمد بن يحيی، عن محمد بن أحمد بن يحيی، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن علي بن أسباط، عمّن رواه، عن أبي عبد الله (علیه السلام) .

وثانيها: محمد بن الحسن، عن المفيد، عن أحمد بن محمد بن الحسن، عن أبيه، عن محمد بن يحيی، عن محمد بن أحمد بن يحيی، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن رجل، عن علي بن أسباط، عمّن رواه، عن أبي عبد الله (علیه السلام) .

وكلاهما ضعيف بالإرسال.

والنحو الثاني: عن الفقيه مرسلاً، وقد مرّ مراراً أنّ مراسيله معتبرة((1)).

ص: 492


1- - ايضاح الدلائل1: 91- 94.

[799] 3- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْمَجَالِسِ وَالْأَخْبَارِ بِإِسْنَادِهِ الْآتِي((1)*) عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ| - فِي وَصِيَّتِهِ لَهُ - قَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ اسْتَحْيِ((2)*) مِنَ اللَّهِ فَإِنِّي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَظَلُّ حِينَ أَذْهَبُ إِلَى الْغَائِطِ مُتَقَنِّعاً بِثَوْبِي اسْتِحْيَاءً((3)*) مِنَ الْمَلَكَيْنِ اللَّذَيْنِ مَعِي، يَا أَبَا ذَرٍّ أَتُحِبُّ أَنْ تَدْخُلَ الْجَنَّةَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، قَالَ: فَاقْصُرِ الْأَمَلَ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ نُصْبَ عَيْنِكَ، وَاسْتَحْيِ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ((4)*).

[3] - فقه الحديث:

الحياء: «هو الانقباض والانزواء عن القبيح مخافة الذم»((5))، ومنشؤه شرف النفس وشفقتها من أن يصدر عنها القبيح، أو يظهر منها، فالنفس الكريمة الجوهر والشريفة تنفر من القبائح فلا تقربها، والحياء من الله هو مرتبة من الحياء ويتحقّق بعدم ترك أوامره تعالی عند توفّر الدواعي لذلك، وبالاجتناب عن نواهيه لدی تهيّؤ أسباب المعاصي، بل يتعدّی الحياء من الله عن هذا المقدار؛ فإنّ العبد إذا تصوّر عظمة الله سبحانه وتعالی ولاحظ عظيم النعم المتواترة عليه في كل آنٍ، استشعر في نفسه التقصير عن أداء شكر نعمة واحدة

ص: 493


1- ([1]*) يأتي في الفائدة الثانية من الخاتمة/ رقم 49.
2- ([2]*) في المصدر: استح.
3- ([3]*) وفيه: أستحي.
4- ([4]*) أمالي الطوسي 2: 147.
5- - مجمع البحرين1: 116، مادة: حيا.

من نعمه التي أنعمها عليه بلا استحقاق منه لها، وهي كثيرة لا تُحصی، ومُنعِمها الربّ العظيم الجليل، فيتداخله حياء منه تعالی إزاء هذا التقصير العظيم في حقّ الرب الجليل.

ومن جملة تلك النعم أن هيّأ له سبحانه الطعام والشراب لإمداده بالحياة والقوّة، ومَنَّ عليه بأعضاء في جسمه تقطّعه وتهضمه وتنقله إلی محالّه المحتاجة إليه بعد معالجته ليتناسب معها، وأنعم عليه بعضوين يستعين بهما علی إخراج ما زاد وفضل من الطعام والشراب وهما القبل والدبر؛ وهما يسهّلان خروج الفضلات إلی خارج الجسم؛ لأنّ في بقائها مضرّة عظيمة للجسم، ومن نعم الله العظيمة علی الإنسان أن «جعل الله سبحانه المنفذ المهيّأ للخلاء من الإنسان في أستر موضع منه، فلم يجعله بارزاً من خلفه، ولا ناشراً من بين يديه، بل هو مغيّب في موضع غامض من البدن، مستور محجوب، يلتقي عليه الفخذان، وتحجبه الأليتان بما عليهما من اللحم فيواريانه، فإذا احتاج الانسان إلی الخلاء وجلس تلك الجلسة ألفی ذلك المنفذ منه منصباً مهيّئاً لانحدار الثفل، فتبارك الله من تظاهرت آلاؤه ولا تحصی نعماؤه»((1)).

وبعد هذا كلّه حقّ للإنسان أن يذوب خجلاً وحياءً من الباري تعالی، وخصوصاً في حال التخلّي؛ إذ إنّ علمه بقرب الله منه واطلاعه عليه يشعره بالحياء منه، فهو في حالٍ لا يرضی الإنسان بمشاهدة غيره له، فكيف بمن له الإنعام الكامل التام عليه، ومثله يقال في الحياء من الملَكين الكريمين.

ص: 494


1- - بحار الأنوار3: 76، باب 4، توحيد المفضل.

وتقنّعه| بثوبه ظاهره أنّ ذلك بالإضافة إلی تغطية رأسه، وعلّل ذلك بالاستحياء من الملكين اللذين معه.

المتحصل من الأحادیث

سند الحديث:

تقدّم الكلام في السند((1))، وهو ضعيف.

والحاصل: أنّ في الباب ثلاثة أحاديث، ثانيها معتبر بأحد سنديه، والحديثان الآخران ضعيفان.

والمستفاد منها أمور، منها:

1- أنّ تغطية الرأس عند التخلّي سُنّة من سنن النبي|.

2- من المسنون التقنّع حال التخلّي، والدعاء بالمأثور سرّاً.

3- أنّ الحياء من الله أمر مطلوب، وهو فضيلة عظيمة، وكذا الحياء منه ومن الملَكين الكريمين حين التخلّي.

ص: 495


1- - ايضاح الدلائل1: 430- 436.

ص: 496

4- بَابُ اسْتِحْبَابِ التَّبَاعُدِ عَنِ النَّاسِ عِنْدَ التَّخَلِّي وَشِدَّةِ التَّسَتُّرِ وَالتَّحَفُّظ

اشارة

4- بَابُ اسْتِحْبَابِ التَّبَاعُدِ عَنِ النَّاسِ عِنْدَ التَّخَلِّي وَشِدَّةِ التَّسَتُّرِ وَالتَّحَفُّظ

شرح الباب:

التستّر عن الناس بحيث لا يراه أحد عند إرادة التخلّي، وشدة التستّر حاله - بعد ستر العورة - والتحفّظ عن أن يری منه الناظر شيئاً هما أدبان حواهما هذا الباب، ويحصل الأوّل بمثل الابتعاد عمّن معه، أو الدخول في بناء، أو حفرة. ويحصل الثاني بمثل عدم رفع الثوب إلّا عند الوصول إلی الأرض.

أقوال الخاصّة:

قال في الجواهر: ««ويستحب فيه ستر البدن» أي استتار الشخص نفسه عند إرادة التخلّي، إمّا بأن يبعد المذهب، أو يلج في حفيرة، أو يدخل بناء»((1)).

ويظهر من الشيخ النراقي في المستند أنّه المشهور بين العلماء حيث قال: «الفصل الثاني: في مستحباتها - أي الخلوة - زيادة علی ما علم ممّا سبق، فمنها: الاستتار عن الناس في الغائط خاصّة بحيث لا يراه أحد، بأن يبعد أو يدخل بيتاً أو يلج حفيرة، لاشتهاره بين العلماء، والتأسّي بالنبي، فإنّه لم يُرَ علی غائط قط»((2)).

ص: 497


1- - جواهر الكلام2: 6.
2- - مستند الشيعة1: 383.

أقوال العامّة:

ذكروا أنّ من المسنونات الاستتار حال التخلّي، والتباعد عن الناس، أمّا الاستتار عن الناس ف-«يُسنّ عند المالكية والشافعية والحنابلة لقاضي الحاجة أن يستتر عن النظر... وعند الشافعية: أنّ محل عدّ ذلك من الآداب، أي المستحبات إذا لم يكن بحضرة من يری عورته ممّن لا يحلّ له نظرها، أمّا بحضرته فيكون سترها واجباً، إذ كشفها بحضرته حرام، واعتمده المتأخرون منهم، وهذه موافق لقواعد المذاهب الثلاثة الأخری»((1)).

وأمّا الابتعاد عن الناس في الفضاء فقد «ذكر المالكية والشافعية والحنابلة أنّه يندب لقاضي الحاجة إذا كان بالفضاء التباعد عن الناس... واشترط الحنابلة لذلك أن لا يجد ما يستره عن الناس، فإن وجد ما يستره عن الناس كفی الاستتار عن البعد، والمالكية والشافعية صرّحوا بأنّ الاستتار لا يغني عن الابتعاد إذا كان قاضي الحاجة في الفضاء»((2)).

ص: 498


1- - الموسوعة الفقهية34: 18- 19.
2- - المصدر نفسه: 19.

[800] 1- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْمِنْقَرِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: إِذَا سَافَرْتَ مَعَ قَوْمٍ فَأَكْثِرِ اسْتِشَارَتَهُمْ - إِلَى أَنْ قَالَ: - وَإِذَا أَرَدْتَ قَضَاءَ حَاجَتِكَ فَأَبْعِدِ الْمَذْهَبَ((1)*) فِي الْأَرْضِ((2)*).

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي الْمَحَاسِنِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْمِنْقَرِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ أَوْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) مِثْلَهُ((3)*).

[1] - فقه الحديث:

تضمّن هذا الحديث وصايا لقمان الحكيم لابنه، وهي وصايا تتعلّق بالسفر مع الآخرين، ومحل الشاهد من تلك الوصايا قوله: «وإذا أردت قضاء حاجتك فأبعد المذهب في الأرض»، والأمر بالإبعاد في المذهب حتی يحصل له الاستتار عن الناس فلا يرونه عند قضائه للحاجة، والغرض من حكاية الإمام (علیه السلام) لهذه الوصيّة بيان راجحيّة مضمونها، وإلّا لنبّه (علیه السلام) بعد حكايتها علی أنّ ذلك غير راجح في شرعنا أو علی أنّه مباح. ويشهد لهذا الحديث الثالث الآتي الحاكي لسيرة النبي|؛ فإنّ التزام النبي| بأمر ومداومته عليه يدلّ علی رجحانه وكونه مورداً للتأسي به فيه.

ص: 499


1- - هو الموضع الذي يتغوّط فيه (مجمع البحرين 2: 62).
2- - الفقيه 2: 194/ 884 أورده بتمامه في الحديث 1 من الباب 52 من أبواب آداب السفر.
3- - المحاسن 375/ 145.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

الأول: سند الصدوق إلی سليمان بن داود المنقري، وإسناده إليه: «أبي2 عن سعد بن عبد الله، عن القاسم بن محمد الأصبهاني، عن سليمان بن داود المنقري المعروف بابن الشاذكوني»((1))، وحماد بن عيسی تقدّم الكلام عن جلالته((2))، فالسند معتبر.

الثاني: سند البرقي في المحاسن، وهو عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن المنقري، عن حماد بن عثمان أو حماد بن عيسی عن أبي عبد الله (علیه السلام) .

والظاهر أنّ المنقري يروي هنا عن حماد بن عيسی؛ فإنّ روايته عنه هي المستمرّة، ولم نجد روايته عن حماد بن عثمان، وعلی أيّ تقدير فالسند معتبر.

ص: 500


1- - من لا يحضره الفقيه4: 467، المشيخة.
2- - ايضاح الدلائل1: 68.

[801] 2- الْفَضْلُ بْنُ الْحَسَنِ الطَّبْرِسِيُّ فِي مَجْمَعِ الْبَيَانِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: مَا أُوتِيَ لُقْمَانُ الْحِكْمَةَ لِحَسَبٍ وَلَا مَالٍ وَلَا بَسْطٍ فِي جِسْمٍ وَلَا جَمَالٍ وَلَكِنَّهُ كَانَ رَجُلًا قَوِيّاً فِي أَمْرِ اللَّهِ مُتَوَرِّعاً فِي اللَّهِ سَاكِناً سِكِّيتاً - وَذَكَرَ جُمْلَةً مِنْ أَوْصَافِهِ وَمَدَائِحِهِ إِلَى أَنْ قَالَ: - وَلَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ عَلَى بَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ قَطُّ وَلَا

اغْتِسَالٍ؛ لِشِدَّةِ تَسَتُّرِهِ وَتَحَفُّظِهِ فِي أَمْرِهِ - إِلَى أَنْ قَالَ:- فَبِذَلِكَ أُوتِيَ الْحِكْمَةَ وَمُنِحَ الْقَضِيَّةَ((1)*)((2)*).

[2] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ جمع لقمان للفضائل المذكورة في الحديث هو ما أوجب أن يعطيه الله تعالی الحكمة، وصواب الحكم في القضاء، لا لأجل حسبٍ ولا مال ولا بسط في جسم ولا جمال، ومن جملة تلك الفضائل التي كانت له علی الدوام: شدّة تستّره وتحفّظه عن أن يراه أحد حال التخلّي وحال الاغتسال، فلم يره أحد من الناس وهو علی بول ولا غائط، وذكر الإمام (علیه السلام) لهذه الفضائل لغرض الاقتداء بلقمان، ومنها شدّة التستّر والتحفّظ عند التخلّي.

سند الحديث:

تقدّم أنّ طريق الماتن(قدس سره) إلی كتاب مجمع البيان معتبر، مضافاً إلی شهرة الكتاب بلا ريب، وقد مرّ بيان جلالة مصنِّفه، وأنّ له طريقاً إلی جميع كتب

ص: 501


1- ([1]*) القضاء: الحكم، والقضيّة مثله. (الصحاح 6: 2463).
2- ([2]*) مجمع البيان 4: 317.

وروايات الشيخ والصدوق أيضاً((1))، إلا أنّ الكلام في الطريق منهما إلی الإمام الصادق (علیه السلام) ، فإنّه غير مذكور، وعليه فهذا الحديث مرسل.

ص: 502


1- - ايضاح الدلائل2: 252.

[802] 3- وَرَوَى الشَّهِيدُ الثَّانِي فِي شَرْحِ النَّفْلِيَّةِ عَنِ النَّبِيِّ| أَنَّهُ لَمْ يُرَ عَلَى بَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ((1)*).

[3] - فقه الحديث:

دلّ علی أن سيرة النبي| مستمرة علی التستّر عن الناس عند إرادة قضاء الحاجة، بحيث أنّه| لم يره أحد علی تلك الحال، والتأسّي به ومتابعته في ذلك لا ريب في رجحانه، وكونه من المكرمات.

سند الحديث:

للماتن طرق متعدّدة معتبرة إلی كتاب الفوائد المليّة لِشرح الرِّسالةِ النَفْليّة ذكرها في الفائدة الخامسة من خاتمة وسائل الشيعة، أضف إلی ذلك شهرة نسبة الكتاب إلی الشهيد الثاني(قدس سره) ، لكن الكلام في أنّ المتن المنقول لم يذكر سنده، فهو مرسل.

ص: 503


1- ([1]*) شرح النفلية: 17.

[803] 4- قَالَ: وَقَالَ (علیه السلام) : مَنْ أَتَى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ((1)*).

[4] - فقه الحديث:

دلّ علی الأمر بالاستتار عند الإتيان للغائط، وهو محلّ قضاء الحاجة، والاستتار هنا قد يكون بمعنی أن يخفي نفسه عن الناس باختيار موضع لا يرونه فيه، وقد يراد به أن يستر - مع ذلك - حتی غير العورة كأن لا يرفع ثوبه إلّا عند قرب جلوسه لقضاء الحاجة.

سند الحديث:

مرّ الكلام فيه في الحديث السابق.

ص: 504


1- ([1]*) شرح النفلية: 17.

[804] 5- عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الْإِرْبِلِيُّ فِي كَشْفِ الْغُمَّةِ، عَنْ جُنَيْدِ((1)*) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: نَزَلْنَا النَّهْرَوَانَ فَبَرَزْتُ عَنِ الصُّفُوفِ وَرَكَزْتُ رُمْحِي وَوَضَعْتُ تُرْسِي إِلَيْهِ وَاسْتَتَرْتُ مِنَ الشَّمْسِ، فَإِنِّي لَجَالِسٌ إِذْ وَرَدَ عَلَيَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) فَقَالَ: يَا أَخَا الْأَزْدِ مَعَكَ طَهُورٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَنَاوَلْتُهُ الْإِدَاوَةَ((2)*) فَمَضَى حَتَّى لَمْ أَرَهُ، وَأَقْبَلَ وَقَدْ تَطَهَّرَ فَجَلَسَ فِي ظِلِّ التُّرْسِ((3)*).

أَقُولُ: وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ((4)*).

[5] - فقه الحديث:

دلّ علی شدّة تستّر أمير المؤمنين (علیه السلام) وتحفّظه عن أن يراه أحد حال التخلي، فقد ابتعد عن الرائين له حتی لم يُر، مع أنّه كان في ساحة معركة، لكنّ ذلك لم يمنعه من تطبيق هذا الأمر المندوب.

سند الحديث:

تقدّم في الحديث الخامس عشر من الباب الثامن من أبواب الماء المطلق بيان جلالة علي بن عيسی الأربلي، وأنّ للماتن طريقاً إلی كتابه((5)).

ص: 505


1- ([1]*) في المصدر: جندب.
2- ([2]*) الاداوة: إناء صغير من جلد يتطهر به ويشرب منه (مجمع البحرين 1: 24).
3- ([3]*) كشف الغمّة 1: 277.
4- ([4]*) يأتي ما يدلّ على ذلك في الحديث 7 من الباب 15 من هذه الأبواب.
5- - إيضاح الدلائل3: 234- 235.

وأمّا جنيد بن عبد الله، وفي المصدر: جندب بن عبد الله الأزدي، عدّه الشيخ من أصحاب أمير المؤمنين (علیه السلام) بعنوان جندب((1)). وفي الإرشاد: أنّه حثّ أمير المؤمنين (علیه السلام) علی القيام بعد بيعة الناس لعثمان، فأخبره أنّ هذا الأمر لا يكون، وقال (علیه السلام) له: يا جندب، ليس هذا زمان ذاك، ثم ذكر أنّه رجع بعد ذلك إلی العراق، قال: «فكنت كلّما ذكرت للناس شيئاً من فضائل علي بن أبي طالب (علیه السلام) ومناقبه وحقوقه زبروني ونهروني، حتی رُفع ذلك من قولي إلی الوليد بن عقبة ليالي وَلِينا، فبعث إليّ فحبسني حتی كلم فيّ فخلّی سبيلي»((2))، وفيه أيضاً: أنّه كان في جيش أمير المؤمنين (علیه السلام) في وقعة النهروان فعرض له الشك في جواز قتاله مع قُرّاء القرآن، ثم استيقن واستقر، لما رأی من أمير المؤمنين (علیه السلام) من إخباره عن الغيب ومطابقته للواقع((3)).

وروی في الاختصاص عن أحمد بن هارون الفامي، عن محمد بن الحسن، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسی، عن أبي عبد الله محمد بن خالد البرقي، عن أحمد بن النضر الخزاز، عن عمرو بن شمر عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر (علیه السلام) قال: «شهد مع علي بن أبي طالب (علیه السلام) من التابعين ثلاثة نفر بصفّين شهد لهم رسول الله| بالجنّة ولم يرهم: أويس القرني، وزيد بن صوحان العبدي، وجندب الخير الأزدي رحمة الله

ص: 506


1- - رجال الطوسي: 59/ 497.
2- - الارشاد1: 243.
3- - المصدر السابق: 317- 318.

عليهم»((1))، وعلی هذا فالرجل ممدوح.

ولكنّ طريق الإربلي إلی جندب بن عبد الله غير مذكور، فالسند ضعيف.

والحاصل: أنّ في الباب خمسة أحاديث، أوّلها معتبر بسنديه، والبقيّة ضعاف.

المتحصل من الأحادیث

والمستفاد منها أمور، منها:

1- محبوبيّة التستّر عن الناس بحيث لا يراه أحد عند إرادة التخلّي.

2- محبوبيّة شدّة التستّر حال التخلّي - بعد ستر العورة - والتحفّظ عن أن يری منه الناظر شيئاً.

3- أنّ جمع لقمان للفضائل ومنها شدّة تستّره وتحفّظه عن أن يراه أحد حال التخلّي والاغتسال، هو ما أوجب أن يعطيه الله تعالی الحكمة، وصواب الحكم في القضاء.

ص: 507


1- - الاختصاص: 81.

ص: 508

5- بَابُ اسْتِحْبَابِ التَّسْمِيَةِ وَالِاسْتِعَاذَةِ وَالدُّعَا ءِ بِالْمَأْثُورِ عِنْدَ دُخُولِ الْمَخْرَجِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ وَالْفَرَاغِ وَالنَّظَرِ إِلَى الْمَا ءِ وَالْوُضُو ء

اشارة

5- بَابُ اسْتِحْبَابِ التَّسْمِيَةِ وَالِاسْتِعَاذَةِ وَالدُّعَاءِ بِالْمَأْثُورِ عِنْدَ دُخُولِ الْمَخْرَجِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ وَالْفَرَاغِ وَالنَّظَرِ إِلَى الْمَاءِ وَالْوُضُوء

شرح الباب:

التسمية مصدر سمّی، وهي قول: باسم الله، والاستعاذة مصدر استعاذ، وفي الصحاح: «عذت بفلان واستعذت به، أي لجأت إليه، وهو عياذي، أي ملجئي»((1)). والاستعاذة بالله بمعنی طلب العوذ أي الاعتصام والتحرّز من الشيطان أو غيره من الشرور بالالتجاء إليه سبحانه؛ لكونه هو من يدفع كلّ شرّ، ويتحقّق معناها في نفس المستعيذ بذكر الاستعادة كما إذا قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ونحوه ممّا يدلّ علی الاعتصام بالله والالتجاء إليه من الشيطان الرجيم.

وقد دلّت الأحاديث علی أنّ الخلاء محلّ الشياطين، وفي هذا الباب بيان استحباب التسمية والاستعاذة والدعاء بالمأثور عند دخول الخلاء وعند الخروج منه، وهي نصّ في عدم كراهة ذكر الله تعالی في الخلاء، وأمّا ما يتعلّق

ص: 509


1- - الصحاح2: 566، مادة: عوذ.

بالدعاء بالمأثور عند النظر إلی الماء، فلم يذكر الماتن هنا ما يدلّ عليه، بل أخّره إلی الباب السادس عشر من أبواب الوضوء، كما أشار إلی ذلك في نهاية هذا الباب.

أقوال الخاصّة:

وقع الاتفاق بين علمائنا علی أنّ التسمية من جملة المندوبات، قال في الجواهر: ««التسمية» اتفاقاً كما في المعتبر، وهو الحجّة»((1)) ثم ذكر أنّ من جملة المندوبات: ««الدعاء عند الاستنجاء» بالمأثور من قوله: «اللهم حصّن فرجي وأعفّه، واستر عورتي، وحرّمني علی النار» «وعند الفراغ» منه، «الحمد لله الذي عافاني من البلاء، وأماط عنّي الأذی»... «والدعاء بعده» أو عنده، بقوله: «بسم الله، الحمد لله الذي رزقني لذّته وأبقی قوّته في جسدي، وأخرج عنّي أذاه، يا لها نعمة، ثلاثاً»»((2)).

أقوال العامّة:

جاء عن غير واحد من علمائهم أنّ «السنّة أن يقول عند دخول الخلاء: «باسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث». ويقول إذا خرج: «غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عنّي الأذی وعافاني»، وسواء في هذا البنيان والصحراء»((3)).

ص: 510


1- - جواهر الكلام2: 56.
2- - جواهر الكلام2: 59.
3- - روضة الطالبين1: 177 وكشّاف القناع1: 65 و76، والمجموع1: 74- 75.

[805] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ يُونُسَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) يَقُولُ: إِذَا دَخَلْتَ الْمَخْرَجَ فَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخَبِيثِ الْمُخْبِثِ الرِّجْسِ النِّجْسِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، فَإِذَا خَرَجْتَ فَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِنَ الْخَبِيثِ الْمُخْبِثِ، وَأَمَاطَ عَنِّي الْأَذَى، وَإِذَا تَوَضَّأْتَ فَقُلْ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ، وَاجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ((1)*).

مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ مِثْلَهُ((2)*).

[1] - فقه الحديث:

دلّ علی الأمر بقول هذا الدعاء عند الدخول إلی الخلاء وعند الخروج منه، وهو هنا للندب لا الوجوب، وفيه الابتداء بقول بسم الله في الدخول والخروج، لأنّهما من الأعمال، وفي التسمية استعانة بالله علی العمل ولو كان يسيراً، ثم أمر بالاستعاذة عند الدخول، والاستعاذة التجاء إلی الله تعالی واعتصام به ليدفع عن العبد شرّ كل ذي شرٍّ، وهنا وقعت الاستعاذة من شرّ الشيطان الذي هو أعظم الشرور، ووصفه بأوصاف وهي: الخبيث والمُخْبِثُ، والخَبِيثُ: ضِدُّ الطَّيِّبِ من الرِّزْق والولدِ والناس((3))، والمُخْبِثُ: الذي يُعَلِّمُ الناسَ

ص: 511


1- ([1]*) الكافي 3: 16/ 1، وأورد قطعة منه في الحديث 1 من الباب 26 من أبواب الوضوء.
2- ([2]*) التهذيب 1: 25/ 63.
3- - لسان العرب2: 141، مادة: خبث.

الخُبْثَ((1)). وفي النهاية «الخبيث ذو الخبث في نفسه، والمخبِث الذي أعوانه خبثاء، كما يقال للذي فرسه ضعيف: مضعِف. وقيل: هو الذي يعلِّمهم الخبث ويوقعهم فيه»((2))، وفي مجمع البحرين: «يقال الخبيث الذكر من الشياطين، والمخبِث الذي يعلِّم الناس الخبث»((3))، والرجس: القذر، وقد يعبّر به عن الحرام والفعل القبيح، والعذاب، واللعنة، والكفر، والمراد في هذا الحديث الأول((4))، والنَّجْسُ والنِّجْسُ والنَّجَسُ: القَذِرُ من الناس ومن كل شيء قَذِرْتَه((5))، قال ابن الأثير في النهاية: «قال الفرّاء: إذا بدأوا بالنجس ولم يذكروا معه الرجس فتحوا النون والجيم، وإذا بدأوا بالرجس ثم أتبعوه النجس كسروا الجيم»((6)).

والشيطان: البعيد من الرحمة، قال ابن الأثير في النهاية: «إن جعلت نون الشيطان أصليّة كان من الشطن: البعد، أي بعد عن الخير، أو من الحبل الطويل، كأنّه طال في الشر. وإن جعلتها زائدة كان من شاط يشيط إذا هلك، أو من استشاط غضباً إذا احتدّ في غضبه والتهب، والأوّل أصح»((7))؛ لأنّه يقال تشيطن.

ص: 512


1- - لسان العرب2: 141، مادة: خبث.
2- - النهاية في غريب الحديث 2: 6، مادة: خبث.
3- - مجمع البحرين2: 251، مادة: خبث.
4- - النهاية في غريب الحديث2: 200، مادة: رجس.
5- - لسان العرب6: 226، مادة: نجس.
6- - النهاية في غريب الحديث2: 200، مادة: رجس.
7- - النهاية في غريب الحديث2: 475، مادة: شطن.

والرجيم: أي المرجوم باللّعنة المطرود من مواضع الخير، لا يذكره مؤمن إلّا لعنه((1))، وقال المجلسي الأوّل في معنی الرجيم: «المرجوم بلعنة الله والملائكة، أو الطريد من السماء أو من الجنة»((2)).

وأمّا عند الخروج فقد أمر - بعد التسمية - بالحمد لله تعالی علی المعافاة من الخبيث المخبث من أن يتسلّط عليه. وقوله: وأماط عني الأذی، يعني أبعد عنّي الفضلات التي تؤذي.

ثم أمر عند التوضّؤ بقول: أشهد أن لا إله إلا الله إلی آخره، والظاهر أنّ المراد بالتوضّؤ هنا التطهّر عن الخبث؛ فإنّ الخلاء يسمی المتوضأ أيضاً، وقوله: اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهّرين، أي من مكثري التوبة ومن الطاهرين من النجاسات، وقوله: والحمد لله رب العالمين، أي علی ما دفع من الأذی وعافی من الشيطان وحفظ قوّة الطعام وسهّل خروج الأذی، ووفّق لشكر هذه النعم، أو لغيرها من النعم.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

الأول: سند الكليني، وفيه: محمد بن عيسی، وهو ابن عبيد، ويونس، وهو ابن عبد الرحمن، ومعاوية بن عمّار، وهو الدهني، والسند صحيح.

الثاني: سند الشيخ عن الكليني، وهو كسابقه.

ص: 513


1- - مجمع البحرين6: 68، مادة: رجم.
2- - روضة المتقين1: 214.

[806] 2- وَبِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَحَدِهِمَا (علیهما السلام) قَالَ: إِذَا دَخَلْتَ الْغَائِطَ فَقُلْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الرِّجْسِ النِّجْسِ الْخَبِيثِ الْمُخْبِثِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَإِذَا فَرَغْتَ فَقُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِنَ الْبَلَاءِ، وَأَمَاطَ عَنِّي الْأَذَى((1)*).

[2] - فقه الحديث:

مضی تفسير مفردات الدعاء في شرح الحديث الأوّل.

وقوله: الحمد لله الذي عافاني من البلاء، يحتمل أن يراد من البلاء شرّ الشيطان ووسوسته، أو ما يتسبّب به بقاء الفضلات في بدن الإنسان من أمراض وعلل.

وقوله: إذا فرغت، يحتمل إرادة إذا فرغت من قضاء الحاجة كما يحتمل إرادة الخروج من الخلاء، ولعلّه الأقرب بقرينة باقي الأحاديث؛ فإنّها نصّت علی أنّ الذكر المخصوص يقال عند الخروج من الخلاء.

سند الحديث:

تقدّم أنّ سند الشيخ إلی الحسين بن سعيد صحيح، ويوجد له سند آخر معتبر((2))، والقاسم بن محمد هو الجوهري؛ لرواية الحسين بن سعيد الأهوازي عنه، وأمّا علي بن أبي حمزة فهو البطائني، فالسند ضعيف به، إلا أن يقال بأنّ

ص: 514


1- ([1]*) التهذيب 1: 351/ 1038.
2- - ايضاح الدلائل1: 471- 472.

رواياته كانت قبل وقفه، وهذا هو سبب الاعتماد عليها، فيكون السند معتبراً.

ص: 515

[807] 3- وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ - يَعْنِي ابْنَ مَعْرُوفٍ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَيْمُونٍ الْقَدَّاحِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ عَلِيٍّ (علیهم السلام) أَنَّهُ كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلَاءِ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَزَقَنِي لَذَّتَهُ وَأَبْقَى قُوَّتَهُ فِي جَسَدِي وَأَخْرَجَ عَنِّي أَذَاهُ، يَا لَهَا نِعْمَةً((1)*)، ثَلَاثاً((2)*).

[3]- فقه الحديث:

تعرّض هذا الحديث لما يقال عند الخروج من الخلاء، ولم يتعرّض لما يقال عند الدخول إليه.

وفيه الحمد علی نعمة رزق لذّة الطعام، وكون الطعام ذا لذّة أمر مهم جدّاً ليتحرّك الإنسان إلی طلبه، ولولا ذلك لما طلبه أو تثاقل عن طلبه، وهذا إن دام واستمر أدّی إلی انحلال البدن بالتدريج ومن ثمّ إلی هلاك الإنسان، وفيه أيضاً الحمد علی نعمة أخری وهي إبقاء قوة الطعام في جسد الإنسان، إذ الطعام بعد هضمه يتوزّع علی جميع أجزاء جسم الإنسان ويمدّها بالقوّة اللازمة لها للقيام بوظائفها، وفيه أيضاً نعمة ثالثة عظيمة وهي إخراج أذی الطعام، والذي لو بقي في جسم الإنسان لأوجب أمراضاً عديدة ومن ثَمّ أدّی إلی الهلاك.

وأفاد المجلسي الثاني في قوله (علیه السلام) : «يا لها نعمةً» أنّ اللام في «لها» للتعجّب، كما هو الحال في قولهم: «يا للماء»، ونعمةً منصوبة علی أنّها تمييز

ص: 516


1- ([1]*) في المصدر: يا لها من نعمة.
2- ([2]*) التهذيب 1: 29/ 77 و1: 351/ 1039.

يفسّر الضمير المبهم في «لها»، كما في «ربّه رجلاً»، ويحتمل أنّ الضمير يرجع إلی النعم التي ذكرت في الدعاء، أو يرجع إلی ما دلّ عليه المقام من النعم((1))، وقد جاء في المصدر: «يا لها من نعمة».

وقوله: ثلاثاً، إمّا أن يراد أنّه كان يقول الجملة الأخيرة وهي «يا لها نعمةً، أو يا لها من نعمة» ثلاث مرات أو يراد أنّه كان يقول الدعاء كلّه ثلاث مرات.

بحث رجالي حول صباح الحذاء

سند الحديث:

تقدّم أنّ سند الشيخ إلی محمد بن علي بن محبوب صحيح(2)،

ويوجد له سند آخر معتبر، وقول الماتن: «يعني ابن معروف» إضافة منه للتوضيح، وهي صحيحة؛ لرواية محمد بن علي بن محبوب عنه وروايته عن عبد الله بن المغيرة، لكنّها ليست موجودة في المصدر. والسند صحيح.

ص: 517


1- - ينظر: ملاذ الأخيار1: 138.
2- - ايضاح الدلائل1: 405- 406.

[808] 4- وَعَنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ جَعْفَرٍ (علیهم السلام) قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ|: إِذَا انْكَشَفَ أَحَدُكُمْ لِبَوْلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَغُضُّ بَصَرَهُ((1)*).

[4] - فقه الحديث:

دلّ علی مطلوبيّة قول بسم الله عند كشف العورة للبول، أو غيره كالجماع وعند تبديل الملابس عند الانتهاء من الحمّام ونحوه، وفائدة التسمية أنّ الشيطان يغضّ بصره عن المسمِّي.

قال العلامة المجلسي الثاني في معنی غضّ الشيطان لبصره: «والظاهر أنّ المراد بغضّ البصر إعراض الشيطان عنه بالاستعانة بالله تعالی وذكر اسمه، ولا يوقعه في الوساوس الباطلة التي تكون في الخلوة غالباً»((2)).

سند الحديث:

قوله: (وعنه)، أي عن محمد بن علي بن محبوب، ومحمد بن الحسين هو محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب.

«قال الفاضل التستري (رحمه الله) : الذي أظنّه في السند الغلط، ويصحّ بالقلب، بأن يكون السند هكذا: عن جعفر عن أبيه عن آبائه قال: قال النبي| إلی آخره، كما سيجيء بلا فاصلة. نعم يبقی الإشكال في رواية الحسن بن علي الذي يروي عنه محمد بن الحسين عن الصادق (علیه السلام) ، ولا يبعد سقوط شيء من

ص: 518


1- - التهذيب 1: 353/ 1047.
2- - ملاذ الأخيار3: 29.

الرجال في البين، ولا أستبعد أن يكون الساقطة بعد الحسن بن علي النوفلي عن السكوني»((1)).

هذا، ولكن يمكن أن يقال: إنّ المراد من الحسن بن علي هو الإمام العسكري (علیه السلام) ، ويقرّب ذلك أنّ الشيخ عدّ في رجاله محمد بن الحسين بن أبي الخطاب من أصحابه (علیه السلام) ، فيتمّ ما ذكره، ولو من دون القلب المذكور.

ولعلّ من البعيد أن يكون المراد منه هو الحسن بن علي بن فضّال، فيكون راوياً عن أبيه علي، عن آبائه؛ فإنّه وإن كان ممّن يروي عنه محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب مكرّراً، ويروي هو عن الصادق (علیه السلام) بواسطة تارة وباثنتين أخری، بل بثلاث إلّا أنّه لم يُعهد روايته عن أبيه عن آبائه عن الصادق أو الباقر (علیهما السلام) .

وسيأتي في الحديث التاسع من هذا الباب((2)) أنّ الصدوق(قدس سره) رواه عن أبي جعفر الباقر (علیه السلام) ((3)).

فالسند صحيح علی تقدير صحّة الاحتمال الذي ذكرناه.

ص: 519


1- - ملاذ الأخيار3: 28.
2- - في الصفحة: 504.
3- - من لا يحضره الفقيه1: 25، أحكام التخلّي: ح 43.

[809] 5- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ| إِذَا أَرَادَ دُخُولَ المتوضّأ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الرِّجْسِ النِّجْسِ الْخَبِيثِ الْمُخْبِثِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، اللَّهُمَّ أَمِطْ عَنِّي الْأَذَى وَأَعِذْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَإِذَا اسْتَوَى جَالِساً لِلْوُضُوءِ قَالَ: اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنِّي الْقَذَى وَالْأَذَى، وَاجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ، وَإِذَا انْزَحَرَ((1)*) قَالَ: اللَّهُمَّ كَمَا أَطْعَمْتَنِيهِ طَيِّباً فِي عَافِيَةٍ فَأَخْرِجْهُ مِنِّي خَبِيثاً فِي عَافِيَةٍ((2)*).

[5] - فقه الحديث:

المتوضّأ هو الكنيف والخلاء، وقد دلّ الحديث علی مطلوبيّة هذا الدعاء عند إرادة دخول الخلاء تأسّياً برسول الله|.

وقوله: «وإذا استوی جالساً للوضوء»، لعلّ المراد من الوضوء هنا قضاء الحاجة الموجبة للوضوء، كما يعبّر عن الكنيف بالمتوضّأ، لا أنّ المراد الوضوء الشرعي، فيدلّ حينئذٍ علی استحباب الدعاء المذكور عند الاستنجاء.

وقوله: «قال اللهم أذهب عني القذی والأذی»، الظاهر أنّ المراد بالقذی النجاسات وبالأذی لازمها، وقوله: «وإذا انزحر قال: اللهم كما أطعمتنيه طيّباً في عافية» يعني - كما أفاده المجلسي الأوّل - إذا خرج الغائط أو إذا عسر

ص: 520


1- ([1]*) في نسخة: تزحر، الزحير والزحار: استطلاق البطن (منه قده) الصحاح 2: 668 وفي لسان العرب 4: 319، الزحير والزحار والزحارة: إخراج الصوت أو النفس بأنين عند عمل أو شدة.
2- ([2]*) الفقيه 1: 16/ 37.

خروجه كما هو الظاهر، فإنّه يقول: اللهم كما اطعمتني الطعام طيباً وأنا في عافية منك فأخرج مني فضلاته وأنا صحيح البدن في عافية بلا مرضٍ من احتباس أو إسهال أو غيرهما((1)).

سند الحديث:

مرّ مراراً أنّ مراسيل الصدوق في الفقيه معتبرة((2)).

ص: 521


1- - انظر: روضة المتقين1: 215.
2- - ايضاح الدلائل1: 91- 94.

[810] 6- قَالَ: وَكَانَ (علیه السلام) إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الْحَافِظِ الْمُؤَدِّي، فَإِذَا خَرَجَ مَسَحَ بَطْنَهُ وَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَخْرَجَ عَنِّي أَذَاهُ، وَأَبْقَى فِيَّ قُوَّتَهُ، فَيَا لَهَا مِنْ نِعْمَةٍ لَا يَقْدِرُ الْقَادِرُونَ قَدْرَهَا((1)*).

[6] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ من الآداب عند دخول الخلاء أن يقول: «الحمد لله الحافظ المؤدّي»، أي الحافظ لما لابد من حفظه، والدافع لما لابد من دفعه. كأنّه يقول الحمد لله الذي يحفظنا بالقوّة الماسكة ويدفع عنّا المضار بالقوة الدافعة.

وأنّ من الآداب أيضاً مسح البطن بعد الخروج من الخلاء وقول: «الحمد لله الذي أخرج عني أذاه، وأبقی فيّ قوته فيالها من نعمة لا يقدر القادرون قدرها»، والضمير في أذاه وفي قوّته يرجعان إلی الطعام، وقد وقع الحمد علی نعمة جليلة من نِعم الله سبحانه لا يقدر القادرون قدرها، وهي تسهيل إخراج أذی الطعام، والذي لو بقي لأوجب أمراضاً عديدة ومن ثَمّ أدّی إلی الهلاك، وإبقاء قوّة الطعام المستخلَص قبل إخراج بقاياه التي يستغني عنها البدن؛ فإنّ الحياة الإنسانيّة قائمة في بقاء الفرد ودوام النوع علی الطعام في جملة أمور أخری مهمّة، فلو لم يكن طعام لتحلّل البدن وانحلّت قواه، ومن ثَمّ مات، والله سبحانه جعل التدبير في جسم الإنسان بحيث يُهضم الطعام ثم يحصل امتصاص لما رقّ منه، وتوزيعه علی أجزاء الجسم لتعويض ما فُقد من أنسجة الجسم

ص: 522


1- ([1]*) الفقيه 1: 17/ 40.

وأجزائه وإعطائها القوّة علی القيام بوظائفها.

سند الحديث:

تقدّم أنّ مراسيل الصدوق في الفقيه معتبرة((1)).

ص: 523


1- - ايضاح الدلائل1: 91- 94.

[811] 7- قَالَ: وَكَانَ الصَّادِقُ (علیه السلام) إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ يُقَنِّعُ رَأْسَهُ وَيَقُولُ فِي نَفْسِه: بِسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، رَبِّ أَخْرِجْ مِنِّي الْأَذَى سَرْحاً بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَاجْعَلْنِي لَكَ مِنَ الشَّاكِرِينَ فِي مَا تَصْرِفُهُ عَنِّي مِنَ الْأَذَى، وَالْغَمِّ الَّذِي لَوْ حَبَسْتَهُ عَنِّي هَلَكْتُ، لَكَ الْحَمْدُ، اعْصِمْنِي مِنْ شَرِّ مَا فِي هَذِهِ الْبُقْعَةِ، وَأَخْرِجْنِي مِنْهَا سَالِماً وَحُلْ بَيْنِي وَبَيْنَ طَاعَةِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ((1)*).

وَ رَوَاهُ الشَّيْخُ كَمَا مَرَّ((2)*).

[7] - فقه الحديث:

دلّ علی استحباب التقنّع عند الدخول إلی الخلاء، وعلی الإخفات بالدعاء المذكور كما تقدّم.

قوله: «بسم الله وبالله» يعني - كما أفاده المجلسي الأوّل - أستعين أو أتبرّك باسمه وبذاته، أو يكون قوله وبالله حالاً، يعني أستعين به والحال أنّ وجودي وحياتي وحولي وقوّتي به تعالی «ولا إله إلا الله» والحال أنّه ليس إله سواه حتی يمكن تخيّل الاستعانة به. «رب أخرج عني الأذی» أي ما يؤذيني من الأحداث الثلاثة «سرحاً» أي سريعاً بلا انقباض وعسر «بغير حساب» متلبّساً بأن لا تحاسبني علی هذه النعمة الجليلة ولا تقاصّني بها، لأنّك إن حاسبتني عليها ذهبت حسناتي بواحدة منها، بل [الواحدة] مقترنة بنعم لا تتناهی «واجعلني لك

ص: 524


1- ([1]*) الفقيه 1: 17/ 41.
2- ([2]*) مرّ في الحديث 2 من الباب 3 من هذه الأبواب.

من الشاكرين في ما تصرفه عنّي من الأذی والغم الذي لو حبسته عنّي هلكت» أي وفّقني لأن أشكر أبداً، وأكون من جملة الشاكرين في جميع ما تصرفه عنّي من البلايا والغموم التي لو لم تصرفه ولا تصرفه عنّي لكنت من الهالكين، ومن جملتها دفع هذا الأذی. «لك الحمد»يعني لمّا كان جميع الكمالات لك وجميع النعم منك فجميع المحامد مختصّ بك «اعصمني من شرّ ما في هذه البقعة وأخرجني منها سالماً» فإنّه لمّا كان الخلاء محلّ الشياطين استعاذ بالله من شرّ ما فيه من البلايا وشرّهم بتسلّطهم ظاهراً وباطناً عليه، ولمّا كان هذا العدو لا يفارقه أبداً ويوسوسه دائماً بالمعاصي والمخالفات استعاذ منه بقوله: «وحُل بيني وبين طاعة الشيطان الرجيم» أي كن حائلاً بيني وبينه حتی لا يصل إليَّ ولا يعبّدني ولا يجعلني مطيعاً له، فإنّه لا حول عن المعاصي ولا قوّة علی الطاعات إلّا بك وبعونك وفضلك((1)).

سند الحديث:

ذكر الماتن هذا الحديث بنحوين:

الأول: مرسلاً عن الفقيه، ومرّ أنّ مراسيله معتبرة((2)).

والثاني: مسنداً عن التهذيب، وقد مرّ في الحديث الثاني من الباب الثالث من هذه الأبواب وقلنا: إنّ السند ينحل إلی سندين((3))، وكلاهما ضعيف بالإرسال.

ص: 525


1- - روضة المتقين1: 219- 220، بتصرّف يسير.
2- - ايضاح الدلائل1: 91- 94.
3- - في الصفحة: 471- 472.

[812] 8- وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، رَفَعَهُ إِلَى الصَّادِقِ (علیه السلام) أَنَّهُ قَالَ: مَنْ كَثُرَ عَلَيْهِ السَّهْوُ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَقُلْ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ: بِسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الرِّجْسِ النِّجْسِ الْخَبِيثِ الْمُخْبِثِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ((1)*).

[8] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ من جملة السنن عند دخول الخلاء قول الدعاء المذكور، وقد تقدّم شرح مفرداته، وأنّ من آثاره رفع كثرة السهو في الصلاة؛ لوجود طلب الاستعانة باسم الله وذاته، والالتجاء إليه سبحانه من الشيطان الرجيم لدفع وساوسه وتسويلاته.

سند الحديث:

إسناد الصدوق إلی سعد بن عبد الله في المشيخة هو: «أبي، ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما، عن سعد بن عبد الله بن أبي خلف»((2))، وهو سند صحيح أعلائي، لكنّ سند هذا الحديث مرفوع، فيكون ضعيفاً بالرفع، إلّا أن يقال بشمول شهادة الصدوق لكلّ ما في كتابه الفقيه، فيكون معتبراً.

ص: 526


1- ([1]*) الفقيه 1: 17/ 42.
2- - من لا يحضره الفقيه4: 424، المشيخة.

[813] 9- قَالَ: وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ (علیه السلام) إِذَا انْكَشَفَ أَحَدُكُمْ لِبَوْلٍ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَلْيَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَغُضُّ بَصَرَهُ عَنْهُ حَتَّى يَفْرُغَ((1)*).

وَ رَوَاهُ فِي ثَوَابِ الْأَعْمَالِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّوْفَلِيِّ، عَنِ السَّكُونِيِّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ (علیه السلام) ، مِثْلَهُ((2)*).

[9] - فقه الحديث:

متنه كالحديث الرابع المتقدّم بزيادة «حتی يفرغ» أي حتّی يفرغ من قضاء حاجته ويستر عورته.

سند الحديث:

ذكر الماتن هذا الحديث بنحوين:

الأول: مرسلاً عن الفقيه، ومرّ مراراً أنّ مراسيله معتبرة((3)).

والثاني: مسنداً عن ثواب الأعمال، والنوفلي هو الحسين بن يزيد، والسكوني هو إسماعيل بن أبي زياد، والسند موثّق.

ص: 527


1- ([1]*) الفقيه1: 18/ 43.
2- ([2]*) ثواب الأعمال: 30/ 1.
3- - ايضاح الدلائل1: 91- 94.

[814] 10- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ السِّنْدِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ صَبَّاحٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - أَنَّهُ سُئِلَ وَهُوَ عِنْدَهُ: مَا السُّنَّةُ فِي دُخُولِ الْخَلَاءِ؟ قَالَ: يَذْكُرُ اللَّهَ، وَيَتَعَوَّذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، فَإِذَا فَرَغْتَ قُلْتَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا أَخْرَجَ مِنِّي مِنَ الْأَذَى فِي يُسْرٍ وَعَافِيَةٍ((1)*).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي الْعِلَلِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ السِّنْدِي،ِ مِثْلَهُ((2)*).

أَقُولُ: وَأَمَّا الدُّعَاءُ عِنْدَ النَّظَرِ إِلَى الْمَاءِ فَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى((3)*).

[10] - فقه الحديث:

جاء جواب الإمام (علیه السلام) عن سؤال السائل عن السنّة في دخول الخلاء متضمّناً لذكر بعض المسنونات في الدخول والخروج، ويظهر من جوابه (علیه السلام) أنّ السؤال كان عن السنّة في الأقوال التي تذكر عند الدخول فذكر (علیه السلام) منها: ذكر الله سبحانه وتعالى، ويتحقّق بأيّ ذِكر من الأذكار كالحمد لله وبسم الله ونحوهما ممّا هو مأثور كما تقدّم. والتعوّذ بالله من الشيطان الرجيم، ويتحقّق بقول: «أعوذ

ص: 528


1- ([1]*) الكافي 3: 69/ 3 يأتي ذيله في الحديث 5 من الباب 18 من أبواب أحكام الخلوة.
2- ([2]*) علل الشرائع: 276/ 4.
3- ([3]*) يأتي في الباب 16 من أبواب الوضوء، وتقدّم ما يدلّ على ذلك في الحديث 2 من الباب 3 من هذه الأبواب.

بالله من الشيطان الرجيم» أو «أعوذ بالله من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم» أو غير ذلك ممّا فيه الاستعاذة من الشيطان، والالتزام بالمأثور - كما في الأحاديث السابقة - هو الأفضل. وأمّا عند الفراغ من الحاجة أو عند الخروج من الخلاء فالسنّة أن يقول: «الحمد لله على ما أخرج منّي من الأذی في يسر وعافية».

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

الأول: سند الكليني، وفيه: صالح بن السندي، وقد مرّ أنه ثقة؛ لوروده في أسناد كتاب نوادر الحكمة، كما مرّ أنّ جعفر بن بشير ثقة جليل القدر((1)).

وأمّا صبّاح الحذّاء فهو صبّاح بن صبيح، قال عنه النجاشي: «صبّاح بن صبيح الحذّاء الفزاري مولاهم، إمام مسجد دار اللؤلؤ بالكوفة، ثقة، عين، روى عن أبي عبد الله (علیه السلام) . له كتاب يرويه عنه جماعة»((2)). وذكره الشيخ في الفهرست وقال: «له كتاب، أخبرنا به جماعة»(3)

فكتابه مشهور.

وعدّه الشيخ في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) مرّتين، قائلاً في المرّة الأولى: «الصباح بن صبيح الفزاري، مولاهم، إمام مسجد دار اللؤلؤ»، وفي المرّة الثانية: «الصباح الحذاء الكوفي»((4))، ويظهر منه تعدّدهما، ولكن لا ينبغي الشك في

ص: 529


1- - ايضاح الدلائل1: 117.
2- - رجال النجاشي: 201- 202/ 538.
3- - فهرست الطوسي: 148/ 368.
4- - رجال الطوسي: 226/ 3047 و3050.

كونهما شخصاً واحداً؛ وذلك لما أفاده السيد الأستاذ(قدس سره) في المعجم من «اقتصار الشيخ في الفهرست على ترجمة صباح الحذاء، واقتصار النجاشي على ترجمة صباح بن صبيح، وطريق كلّ منهما إليه حميد، عن القاسم بن إسماعيل، عن عبيس بن هشام، عنه. ومن المحتمل أن ذكر الشيخ له متعدّداً إنّما هو لوروده بعنوانين في الروايات، والله العالم»((1)).

وأمّا أبو أسامة فهو زيد الشحّام، الثقة. وعلى هذا فالسند معتبر.

والثاني: سند الصدوق في كتاب العلل، وفيه: أحمد بن محمد، وهو أحمد بن محمد بن خالد البرقي، كما يظهر من طريق الشيخ في الفهرست؛ فإنّه هو الراوي عن صالح بن السندي كتابه((2))، فهذا السند أيضا معتبر.

والحاصل: أنّ في الباب عشرة أحاديث، أوّلها صحيح بسنديه، وكذا الثالث، والرابع صحيح على تقديرٍ، والثاني والخامس والسادس والثامن معتبرة الأسناد، والسابع معتبر بسنده الأوّل، وضعيف بسنده الثاني، والتاسع والعاشر معتبران بكلا سنديهما.

المتحصل من الأحادیث

والمستفاد منها أمور، منها:

1- مطلوبيّة التسمية عند دخول الخلاء، وعند الخروج منه، وعند كشف العورة مطلقاً.

2- مطلوبيّة الاستعاذة والالتجاء إلى الله تعالى لدفع وساوس الشيطان الرجيم.

ص: 530


1- - معجم رجال الحديث10: 100- 101/ 5887.
2- - فهرست الطوسي: 147/ 358.

3- من سنن الخلاء الدعاء بالمأثور عند دخول الخلاء، وعند الخروج منه، وكذا عند الفراغ من قضاء الحاجة.

4- من جملة السنن مسح البطن بعد الخروج من الخلاء.

5- أثر التسمية عند إرادة كشف العورة إعراض الشيطان عن الإنسان، وعدم إيقاعه في الوساوس الباطلة التي تكون في الخلوة غالباً.

ص: 531

ص: 532

6- بَابُ كَرَاهَةِ الْكَلَامِ عَلَى الْخَلَا ء

اشارة

6- بَابُ كَرَاهَةِ الْكَلَامِ عَلَى الْخَلَاء

أقوال الخاصّة:

لا خلاف بين الخاصّة في كراهة الكلام على الخلاء بغير القرآن والذكر، ما عدا الصدوق (رحمه الله) حيث عبّر بعدم الجواز، قال في الجواهر: «لعلّه لا خلاف في الحكم بين الأصحاب، لتصريح كثير من القدماء والمتأخّرين به سوى ما يظهر من الفقيه، حيث قال: لا يجوز، ولعلّ مراده الكراهة»((1)).

أقوال العامّة:

إذا كان الكلام على الخلاء بغير القرآن فهو مكروه عندهم وإن كان بذكر، «فقد نصَّ الفقهاء في المذاهب الأربعة على كراهة التكلّم حال قضاء الحاجة بذكر أو غيره، وفيه خلاف لبعض المالكيّة ... وقد صرّح الحنفيّة بأنّ الكراهة في حال قضاء الحاجة سواء كانت بولاً أو غائطاً، وأنّه يكره التكلّم كذلك في موضع الخلاء، ولو في غير حال قضاء الحاجة، وقد صرّح المالكيّة والشافعيّة والحنابلة باستثناء حالة الضرورة»((2)).

ص: 533


1- - جواهر الكلام2: 73.
2- - الموسوعة الفقهية34: 10.

[815] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ أَوْ غَيْرِهِ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (علیه السلام) أَنَّهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ| أَنْ يُجِيبَ الرَّجُلُ آخَرَ((1)*) وَهُوَ عَلَى الْغَائِطِ أَوْ يُكَلِّمَهُ حَتَّى يَفْرُغَ((2)*).

مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فِي الْعِلَلِ((3)*)، وَفِي عُيُونِ الْأَخْبَارِ((4)*) عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ وَغَيْرِهِ جَمِيعاً مِثْلَهُ.

[1] - فقه الحديث:

فيه نهي عن التكلّم مع الغير ابتداءً وجواباً، وهو محمول على الكراهة، فيكون ظاهره كراهة التكلّم مع الغير حال قضاء الحاجة، سواء كانت بولاً أو غائطاً، وأن يجيب غيره حاله. لكن لم يدلّ على كراهة مطلق الكلام، بل ظاهره كراهة التكلّم مع الغير ابتداءً وجواباً.

سند الحديث:

ذكر الماتن هذا الحديث بثلاثة أنحاء:

ص: 534


1- ([1]*) في العلل: أحدا. (منه قده).
2- ([2]*) التهذيب 1: 27/ 69. والفقيه 1: 21.
3- ([3]*) علل الشرائع: 283/ 2.
4- ([4]*) عيون أخبار الرضا 1: 274/ 8.

الأوّل: مسنداً في التهذيب، عن محمد بن أحمد بن يحيی بن عمران الأشعري، وقد سبق أنّ له عدّة طرق معتبرة((1))، وصفوان هو صفوان بن يحيى، لكن الإشكال في هذا السند في الترديد بين إبراهيم بن هاشم وبين غيره المبهم، فيكون السند ضعيفاً.

والثاني: مسنداً في علل الشرائع وعيون أخبار الرضا (علیه السلام) ، وفيه: الحسين بن أحمد بن إدريس، شيخ الصدوق، وقد مرّ أنّه ترضّى عنه((2))، وأبوه أحمد بن إدريس الثقة((3))، وبقيّة السند كسابقه، مع فارق وهو قوله: «وغيره»، فيكون السند معتبراً، وأمّا قوله: «جميعاً» فهو من إضافات الماتن ولا توجد في المصدرين.

والثالث: مرسلاً عن الفقيه، وقد ذكره الماتن في ذيل الحديث الآتي، ومرّ أنّ مراسيله معتبرة((4)).

ص: 535


1- - ايضاح الدلائل3: 53- 54.
2- - المصدر السابق1: 484.
3- - المصدر السابق: 25.
4- - المصدر السابق: 91- 94.

[816] 2- وَفِي الْعِلَلِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيِّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ النَّخَعِيِّ، عَنْ عَمِّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ يَزِيدَ النَّوْفَلِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) لَا تَتَكَلَّمْ عَلَى الْخَلَاءِ فَإِنَّهُ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْخَلَاءِ لَمْ تُقْضَ لَهُ حَاجَةٌ((1)*).

وَرَوَاهُ فِي الْفَقِيهِ مُرْسَلًا((2)*) وَكَذَا الَّذِي قَبْلَهُ نَحْوَهُ.

[2] - فقه الحديث:

فيه نهي عن التكلّم مطلقاً سواء كان التكلّم مع الغير ابتداءً وجواباً أم لم يكن، وهو محمول على الكراهة، وعُلّل بأنّ من تكلّم وهو على الخلاء لم تُقض له حاجة، وفي الفقيه: «لَمْ تُقْضَ حَاجَتُه» وظاهر التعليل أنّ المراد مطلق الحاجة، ويكون الكلام علی الخلاء مقتضياً لعدم خروج الحدث، ويحتمل أن يكون المراد منه الحاجة الخاصّة وهي خروج الحدث لانشغاله عنه.

وسيأتي في الحديث السابع من الباب السابع من هذه الأبواب أنّه لم يرخّص في الكنيف في أكثر من آية الكرسي، ويحمد الله، وآية. وفي الحديث التاسع من الباب نفسه: إذا عطس أحدكم وهو على الخلاء فليحمد الله في نفسه. وهما يدلّان بالأولويّة على كراهة الكلام غير الذكر.

ص: 536


1- ([1]*) علل الشرائع: 283/ 1.
2- ([2]*) الفقيه 1: 21/ 61. يأتي ما يدلّ عليه في الحديث 21 من الباب 49 من أبواب جهاد النفس.

المتحصل من الحدیثين

سند الحديث:

فيه: علي بن أحمد، وهو علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقّاق، وقد مضى أنّ الشيخ الصدوق ترضّى عنه((1)).

وفيه أيضاً: محمد بن أبي عبد الله الكوفي، وهو محمد بن جعفر الأسدي الثقة.

وأمّا موسی بن عمران النخعي فقد سبق أنّه لم يوثّق((2))، وأمّا عمّه الحسين بن يزيد النوفلي فقد ورد في النوادر، كما مرّ((3)).

وعلي بن سالم، إمّا هو الكوفي الذي روى عنه يونس بن عبد الرحمن كما سبق((4)) أو أنّه علي بن أبي حمزة البطائني، وأبوه: سالم لم يرد فيه شيء كما مرّ((5)). وعلى هذا فالسند ضعيف.

والحاصل: أنّ في الباب حديثين، أوّلهما معتبر بسنديه الثاني والثالث، وثانيهما ضعيف.

والمستفاد منهما أمور، منها:

1- كراهة التكلّم مع الغير حال قضاء الحاجة، وأنْ يجيب غيره حاله.

2- كراهة الكلام على الخلاء، وإن لم يكن مع الغير.

3- أنّ من تكلّم وهو على الخلاء لم تُقض له حاجة.

ص: 537


1- - ايضاح الدلائل1: 152.
2- - المصدر السابق: 314.
3- - المصدر نفسه.
4- - المصدر السابق1: 549 و ج2: 218- 219.
5- - المصدر السابق2: 219.

ص: 538

7- بَابُ عَدَمِ كَرَاهَةِ ذِكْرِ اللَّهِ وَتَحْمِيدِهِ وَقِرَا ءَةِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ عَلَى الْخَلَا ء

اشارة

7- بَابُ عَدَمِ كَرَاهَةِ ذِكْرِ اللَّهِ وَتَحْمِيدِهِ وَقِرَاءَةِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ عَلَى الْخَلَاء

شرح الباب:

هذا الباب تتمّة للباب السابق وهو معقود لبيان عدم كراهة ذكر الله تعالى وتحميده وقراءة آية الكرسي على الخلاء، والأحاديث الواردة في الباب كالناظرة لما عند العامّة من كراهة الكلام على الخلاء وإن كان ذكراً لله تعالى، وأمّا قراءة القرآن فهم بين محرّم لها وبين كاره كما يأتي، بلا فرق بين سوره، بينما جوّز الخاصّة قراءة القرآن، واستثنوا آية الكرسي من كراهة الكلام على الخلاء، وآية الكرسي هي آية واحدة، وورد في بعض الأخبار أنّها تقرأ في بعض الموارد إلى «هم فيها خالدون»، قال السيّد الحكيم في المستمسك: «الظاهر من آية الكرسي الآية المشتملة على لفظ الكرسي التي آخرها: «وهو العلي العظيم»، وقد قيل: إنّه المقرر عند القرّاء والمفسرّين، ويظهر ذلك بأدنى ملاحظة لكلماتهم، وفي بعض الأخبار المرويّة في مجمع البيان أنّها خمسون كلمة، ولا ينطبق إلا عليها، وعليه ففي كلّ مورد وردت مطلقة حملت على ذلك، إلا أن تقيّد بمثل إلى قوله تعالى: «هم فيها خالدون»((1)). فعلى هذا يكره

ص: 539


1- - مستمسك العروة الوثقی2: 249.

قراءة الآيتين الثانية والثالثة، والكراهة في أمثال المقام هي بمعنى قلّة الثواب، كما لا يخفی.

أقوال الخاصّة:

نقل الشيخ النراقي الإجماع على الجواز في كل ما جاء فيه نهي في هذه الموارد، وهو الموجب لحمل ما ظاهره الحرمة على الكراهة((1))، وقد ذكر جماعة في كتبهم استثناء ذكر الله تعالى وأطلق جماعة القول بعدم كراهة قراءة آية الكرسي، أي سواء كان يقرؤها بينه وبين نفسه أم يقرؤها بحيث يسمعه غيره، منهم الشيخ في النهاية والمبسوط، والمحقّق في الشرائع، ويحيى بن سعيد الحلي في الجامع للشرائع، وقيّد ابن حمزة عدم كراهة قراءتها بما إذا قرأها بينه وبين نفسه، وذكر في علّة ذلك: لئلّا يفوت شرف فضلها((2)).

أقوال العامّة:

تقدّم في شرح الباب السابق أنّهم يرون كراهة الكلام على الخلاء، وإن كان الكلام ذِكراً من الأذكار.

وأمّا قراءة القرآن ففيها قولان عندهم: «الأوّل: أنّها حرام، وهو المذهب عند الحنابلة وقول للمالكيّة. والثاني: أنّها مكروهة، وهو مذهب الشافعيّة وقول للحنابلة»((3)).

ص: 540


1- - مستند الشيعة1: 403.
2- - انظر: مفتاح الكرامة1: 246.
3- - الموسوعة الفقهية34: 10.

[817] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) قَالَ: مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ الَّتِي لَمْ تُغَيَّرْ أَنَّ مُوسَى سَأَلَ رَبَّهُ فَقَالَ: إِلَهِي، إِنَّهُ يَأْتِي عَلَيَّ مَجَالِسُ أُعِزُّكَ وَأُجِلُّكَ أَنْ أَذْكُرَكَ فِيهَا، فَقَالَ: يَا مُوسَى، إِنَّ ذِكْرِي حَسَنٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ((1)*).

[1] - فقه الحديث:

دلّ على أنّ التوراة الموجودة في أيدي أهل الكتاب مغيّرة محرّفة، وأنّ المحفوظة عن التغيير والتبديل كما أنزلت على موسى (علیه السلام) هي عند أهل البيت (علیهم السلام) قوله: «يأتي عليّ مجالس اُعزّك واُجلّك أن أذكرك فيها» أي إنّه يحتاج بمقتضى الطبيعة الإنسانيّة إلى أن يجلس مجالس ذات مرتبة نازلة كمجلس التخلّي والجماع والاستحمام، وهي لخساستها يُجلّ الله ويُعظم ويُعز من أن يُذكر فيها، فهو على نبيّنا وآله وعليه أفضل التحية والسلام لشدّة تعلّقه بالله تعالى وحبّه له يريد ذكره في كل آنات حياته، لكن طبيعته البشريّة تقتضي أن يجلس تلك المجالس وهي ليست بالمكان الذي يناسب ذكر الله فيها ظاهراً لِخساسة شأنها، فجاءه الجواب بأنّ ذكر الله حسن على كلّ حال.

ويفهم منه استحباب الذكر لشرفه في أيّ حال كان عليها العبد فسواء كان في مكان شريف أم لا، وسواء كان في حال الطهارة أم في حال التخلّي.

ص: 541


1- ([1]*) الكافي 2: 361/ 8 وأورده في الحديث 2 من الباب 1 من أبواب الذكر من كتاب الصلاة.

سند الحديث:

فيه: محمد بن يحيی، وهو العطّار، وأبو حمزة، وهو الثمالي، والسند صحيح أعلائي.

ص: 542

[818] 2- وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوب، عَنِ ابْنِ رِئَابٍ، عَنِ الْحَلَبِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: لَا بَأْسَ بِذِكْرِ اللَّهِ وَأَنْتَ تَبُولُ، فَإِنَّ ذِكْرَ اللَّهِ حَسَنٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَلَا تَسْأَمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ((1)*).

[2] - فقه الحديث:

دلّ علی مطلوبيّة الذكر في حال التبوّل والكون في الخلاء، ثم علّل ذلك بأنّ ذكر الله حسن على كلّ حال سواء كان الذاكر متطهّراً أم غير متطهّر، وسواء كان في حال التخلّي أم لم يكن، ثم نهی عن السأم أي الملل والضجر من ذكر الله تعالى، ولازمه مطلوبيّة إدامة ذكر الله تعالى، وكراهة الغفلة عن ذلك؛ فإنّ الغفلة عن ذكر الله تعالى توجب قسوة القلب، وإذا قسا القلب بَعُدَ صاحبه عن الله سبحانه وهلك.

سند الحديث:

فيه: ابن محبوب، وهو الحسن بن محبوب السرّاد، وابن رئاب هو علي بن رئاب الكوفي، والحلبي، وقد تقدّم أنّه مشترك بين أربعة من الثقات((2))، ولعلّ المراد به هنا محمد بن علي الحلبي.

والسند ضعيف بسهل بن زياد، ولكن يمكن تصحيحه بأنّ الشيخ يروي جميع كتب وروايات الشيخ الكليني، فهذا الحديث من جملة مرويات الشيخ،

ص: 543


1- ([1]*) الكافي 2: 360/ 6.
2- - في الصفحة: 209.

وهو يروي أيضاً جميع كتب وروايات الحسن بن محبوب بطريق صحيح((1)) فيكون هذا الطريق الصحيح طريقاً إلى هذا الحديث. وعلى هذا فالسند معتبر.

ص: 544


1- - أصول علم الرجال1: 166.

[819] 3- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فِي الْعِلَلِ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنِ الْعَمْرَكِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ (علیهما السلام) قَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى مُوسَى (علیه السلام) : يَا مُوسَى، لَا تَفْرَحْ بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَلَا تَدَعْ ذِكْرِي عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الْمَالِ تُنْسِي الذُّنُوبَ، وَإِنَّ تَرْكَ ذِكْرِي يُقْسِي الْقُلُوبَ((1)*).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّوْفَلِيِّ، عَنِ السَّكُونِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) مِثْلَهُ((2)*).

وَفِي الْخِصَالِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ، عَنْ فَضَالَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) مِثْلَهُ((3)*).

[3] - فقه الحديث:

الخطاب لنبيّ الله موسى (علیه السلام) ، والمقصود أمّته، لعصمته وتنزّهه عن التنزّل للاُمور الدنيوية كالفرح بالمال ونسيان الذنوب، وإخبار الإمام (علیه السلام) به لكونه من الوصايا الإلهية التي لا تختص باُمّة موسى (علیه السلام) ، بل هي صالحة لتربية جميع الاُمم.

وما أوحاه الله تعالى إلى موسى أمران ولكل منهما أثر:

ص: 545


1- ([1]*) علل الشرائع: 81/ 2، وأورده أيضاً في الحديث 1 من الباب 2 من أبواب الذكر من كتاب الصلاة.
2- ([2]*) الكافي 2: 360/ 7.
3- ([3]*) الخصال: 39/ 23.

الأوّل: النهي عن الفرح بكثرة المال، وأثر الفرح بكثرة المال نسيان الذنوب؛ وذلك لأنّ كثرة المال عند أغلب الناس توجب تقوية الشهوات، وأقوى الشهوات حبّ الإنسان للجاه والسيطرة على من هو دونه، وهي شهوة تتقوّى بالمال والثروة؛ لاحتياجها إلى إعداد الأسباب والوسائل، وللمال النصيب الأوفر في تسبيب تلك الأسباب، فإذا استغنی الإنسان وأصبح من ذوي الجاه والنفوذ طغى واشتغل بالدنيا وغفل عن الآخرة، وهذا يؤدّي إلى نسيان التوبة عن ذنوبه فهو في شغل دائم عنها، إلّا من رحم الله.

والثاني: النهي عن ترك ذكر الله على كلّ حال، وأثر ترك ذكر الله قسوة القلب، وهي مسبَّبة عن الغفلة عن ذكر الله تعالى، والغفلة حجاب عظيم بين العبد وربّه، وعن طريقها يدخل الشيطان إلى قلب العبد ويستولي عليه فيقسو قلبه، ومن قسا قلبه بَعُدَ عن ربّه، ولم تؤثّر فيه المواعظ ولا الوعيد بالعقاب، وفي هذا كلّ هلاكه.

لكن الذكر رافع للغفلة ودافع لها، وبه ينسدّ الباب الذي يدخل منه الشيطان إلى قلب الإنسان، ولذا جاء الحثّ على الذكر والمداومة عليه في كلّ حال، ولو كان ذلك الحال خسيساً كحال التخلّي، لما له من الأثر الكبير في الارتباط بالله تعالى، والبُعد من الشيطان، وهو السبب القوي في رقّة القلب المقابلة لقسوته.

سند الحديث:

ذكر الماتن هذا الحديث بثلاثة أسانيد:

الأوّل: سند الصدوق في كتاب علل الشرائع، وفيه: محمد بن يحيى، وهو

ص: 546

العطّار، والعمركي، وهو العمركي بن علي البوفكي، والسند صحيح.

والثاني: سند الكليني، وقد تقدّم الكلام مكرّراً في رجاله، وهو معتبر.

والثالث: سند الصدوق في كتاب الخصال، وفيه: أحمد بن محمد بن يحيى العطّار شيخه، وقد ترضّى عنه، وأبوه محمد بن يحيى العطّار الثقة الجليل، والحسين بن إسحاق، وهو الحسين بن إسحاق التاجر، وقد مرّ أنّه لم يرد فيه شيء((1))، وفضالة هو فضالة بن أيوب، وإسماعيل بن أبي زياد وهو السكوني، والسند ضعيف، ولكن يمكن تصحيحه بأنّ الشيخ يروي جميع كتب وروايات الشيخ الصدوق، فهذا الحديث من جملة مرويّات الشيخ، وهو يروي أيضاً جميع كتب وروايات علي بن مهزيار بطريق صحيح، وكذا روايات السكوني((2)) فيكون كلّ من الطريقين الصحيحين طريقاً إلى هذا الحديث. وعلى هذا فالسند معتبر.

ص: 547


1- - ايضاح الدلائل1: 492.
2- - أصول علم الرجال1: 165 و168.

[820] 4- وَفِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ وَعُيُونِ الْأَخْبَارِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأُشْنَانِيِّ الْعَدْلِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْرَوَيْهِ الْقَزْوِينِيِّ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْفَرَّاءِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) عَنِ النَّبِيِّ| أَنَّ مُوسَى لَمَّا نَاجَى رَبَّهُ قَالَ: يَا رَبِّ أَبَعِيدٌ أَنْتَ مِنِّي فَأُنَادِيَكَ أَمْ قَرِيبٌ فَأُنَاجِيَكَ؟ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: أَنَا جَلِيسُ مَنْ ذَكَرَنِي، فَقَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ إِنِّي أَكُونُ فِي حَالٍ أُجِلُّكَ أَنْ أَذْكُرَكَ فِيهَا؟ قَالَ: يَا مُوسَى، اذْكُرْنِي عَلَى كُلِّ حَالٍ((1)*).

وَرَوَاهُ فِي الْفَقِيهِ مُرْسَلًا((2)*).

[4] - فقه الحديث:

قوله: «يا ربّ أبعيد أنت منّي فاُناديك أم قريب فاُناجيك»، يحتمل في صدور هذا السؤال من نبيّ الله موسى (علیه السلام) مع علمه بقرب الله سبحانه - على ما ذكره المجلسي الثاني - ثلاثة احتمالات:

أوّلها: أنّه سؤال عن أدب الدعاء، وأنّه هل يرفع صوته بالدعاء، كمن ينادي بعيداً؛ لأنّه إذا نظر إلى نفسه وجدها في غاية البعد عنه تعالى أو يُسرّ به ويخفت كمن يناجي مُجالِسه القريب؛ لأنّه إذا نظر إليه تعالى فهو أقرب من كلّ قريب،

ص: 548


1- - التوحيد: 182/ 17 وعيون أخبار الرضا (علیه السلام) 2: 46/ 175. و أورده في الحديث 3 من الباب 1 من أبواب الذكر من كتاب الصلاة.
2- - الفقيه 1: 20/ 58.

فكأنّه يقول لا أدري في دعائي لك أنظر إلى حالي أو إلى حالك.

ثانيها: أنّه سؤال لغيره، لا له (علیه السلام) كما في قضيّة سؤال رؤية الله جلّ وعلا.

ثالثها: أنّه سؤال من قِبَلِ قومه، ذكره موسى في مناجاته مع الله سبحانه.

وقد جاء الجواب بقوله تعالى: «أنا جليس من ذكرني»، وهو كناية عن الحضور لدى الذاكرين له سبحانه، أي أنا قريب ممّن يذكرني أسمع مناجاته إذا ناجاني فلا حاجة إلى الإجهار بالذكر والدعاء، كما لا يحتاج الجليس إلى رفع الصوت، أو ينبغي أن يلاحظوا في الذكر جهة قربي، لا جهة بُعدهم، وهو أنسب بأدب الدعاء، ويدلّ على أن الأنسب بالذكر الإسرار لا الإجهار، إلّا أن يكون الغرض من رفع الصوت التذكير لا الذكر فقط كالأذان والخطبة ونحوهما، فيرفع صوته بقدر الحاجة((1)).

وقوله: «يا موسى اذكرني على كلّ حال»، يدلّ على استحباب الذكر لشرفه في أيّ حال كان عليها العبد فسواء كان في مكان شريف أم لا، وسواء كان في حال الطهارة أم في حال التخلّي.

سند الحديث:

ذكر الماتن هذا الحديث بنحوين:

الأوّل: مسنداً في التوحيد وعيون الأخبار، وفيه: الحسين بن محمد الأشنانيّ العدل، وهو أبو عبد الله الأشناني الدارمي الفقيه العدل: من مشايخ الصدوق(قدس سره) حدّثه ببلخ. ولم يرد فيه شيء.

ص: 549


1- - ينظر: مرآة العقول12: 122- 123.

وأمّا بالنسبة لكلمة العدل فليست تعديلاً له، قال السيد الأستاذ(قدس سره) : «لا يبعد أن الرجل من العامّة، وأنّ كلمة العدل من ألقابه، وهذه كلمة تطلق على الكُتّاب في القضاء والحكومات، فيقال: كاتب العدل، وقد تقدّم نحوه في أحمد بن الحسن القطان»((1)).

وأمّا داود بن سليمان الفراء، فقد مرّ أنّه لم يرد فيه شيء سوى أنّ له كتاباً عن الرضا (علیه السلام) ، ووقع في أسناد كامل الزيارات، وكذّبه العامّة((2)).

والحاصل أنّ هذا السند ضعيف.

والثاني: مرسلاً عن الفقيه، ومرّ أنّ مراسيله معتبرة((3)).

ص: 550


1- - معجم رجال الحديث6: 210/ 3302.
2- - ايضاح الدلائل2: 310.
3- - المصدر السابق1: 91- 94.

[821] 5- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ، عَنْ حَكَمِ بْنِ مِسْكِينٍ، عَنْ أَبِي الْمُسْتَهِلِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: إِنَّ مُوسَى (علیه السلام) قَالَ: يَا رَبِّ، تَمُرُّ بِي حَالاتٌ أَسْتَحْيِي أَنْ أَذْكُرَكَ فِيهَا فَقَالَ: يَا مُوسَى، ذِكْرِي عَلَى كُلِّ حَالٍ حَسَنٌ((1)*).

[5] - فقه الحديث:

مضى بيانه في الأحاديث السابقة.

سند الحديث:

تقدّم أنّ سند الشيخ إلى علي بن الحسن بن فضّال ضعيف، لكن سبق بيان وجهٍ في اعتباره((2))، وأمّا علي بن أسباط بن سالم فهو ثقة، والحكم بن مسكين الثقفي موثّق كما مضى((3))، وأمّا أبو المستهل فلم يرد فيه شيء، وسليمان بن خالد مضى الكلام في وثاقته((4)). وعلى هذا فالسند ضعيف.

ص: 551


1- ([1]*) التهذيب 1: 27/ 68.
2- - إيضاح الدلائل4: 371- 372.
3- - المصدر السابق3: 130.
4- - المصدر السابق: 76.

[822] 6- وَعَنْهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ زُرَارَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) قَالَ: قُلْتُ: الْحَائِضُ وَالْجُنُبُ يَقْرءَانِ شَيْئاً؟ قَالَ: نَعَمْ، مَا شَاءَا إِلَّا السَّجْدَةَ، وَيَذْكُرَانِ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى كُلِّ حَالٍ((1)*).

[6] - فقه الحديث:

قوله: «يقرءان شيئاً»، أي شيئاً من القرآن، بقرينة الجواب، وقوله (علیه السلام) : «نعم، ما شاءا إلّا السجدة» دالّ على جواز قراءة الحائض والجنب للقرآن كلّه، وعدم حرمته ماعدا السجدة، وهي السور الأربع التي فيها السجدة الواجبة، المسمّاة بسور العزائم، وقد سمّيت السجدة، لأنّ السجود مذكور فيها، كما يقال سورة البقرة وسورة المائدة لذكر البقرة في الاُولى والمائدة في الثانية، وقد نقل في الجواهر الإجماع على حرمة قراءة سور العزائم، وقراءة أبعاضها((2))، وسيأتي ما يدلّ على كراهة قراءتهما للقرآن في حال الجنابة والحيض، وفي الحديث الآتي ما يدلّ على كراهة قراءتهما للقرآن حال التخلّي ما عدا آية الكرسي، أو آية اُخرى من القرآن، وعلى نقل الصدوق: «أو آية الحمد لله رب العالمين».

وقوله: «ويذكران الله تعالی علی كلّ حال» شامل لحال الحيض والجنابة والتخلّي ولغيرها من الأحوال، فدلّ علی عدم كراهة ذكر الله في كلّ حال.

ص: 552


1- ([1]*) التهذيب 1: 26/ 67 و129/ 352 وفي الاستبصار 1: 115/ 384. وأورده في الحديث 4 من الباب 19 من أبواب الجنابة.
2- - جواهر الكلام3: 43.

سند الحديث:

قوله: وعنه، أي عن علي بن الحسن بن فضّال، وفيه حريز، وهو حريز بن عبد الله السجستاني، وحريز روی الحديث عن زرارة تارة وعن محمد بن مسلم الثقفي اُخری، فهما سندان، فالسند معتبر.

ص: 553

[823] 7- وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُذَافِرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ التَّسْبِيحِ فِي الْمَخْرَجِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: لَمْ يُرَخَّصْ فِي الْكَنِيفِ فِي أَكْثَرَ مِنْ آيَةِ الْكُرْسِيِّ، وَيَحْمَدُ اللَّهَ وَآيَةٍ((1)*)((2)*).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ((3)*) بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ وَ((4)*) آيَة الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ((5)*).

أَقُولُ: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ، بِمَعْنَى نُقْصَانِ الثَّوَابِ، لِمَا مَضَى((6)*) وَيَأْتِي((7)*).

[7] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ قراءة القرآن غير مرخّص بها حال التخلّي ما عدا آية الكرسي، وآية من القرآن - بناء علی نقل الماتن - أو آية من القرآن - بناء علی ما جاء في

ص: 554


1- ([1]*) في المصدر: أو آية.
2- ([2]*) التهذيب 1: 352/ 1042.
3- ([3]*) الفقيه 1: 19/ 57.
4- ([4]*) في الفقيه: أو.
5- ([5]*) سورة الفاتحة: الآية2
6- ([6]*) مضى في الأحاديث 1 و2 و3 و4 و5 و6 من هذا الباب والحديث 1 من الباب 5 من هذه الأبواب.
7- ([7]*) يأتي في الأحاديث 8 و9 من هذا الباب، وفي الحديث 2 من الباب 1 والحديث 1 من الباب 2 من أبواب الذكر والحديث 2 من الباب 45 من أبواب الأذان والإقامة.

التهذيب - وما عدا حمد الله، فيكون المعنی أنّ المرخّص للمتخلّي قراءة إمّا آية الكرسي، مع حمد الله تعالى، وإمّا آية، أي آية من القرآن مع حمد الله تعالى، وفي نقل الصدوق: «أو آية الحمد الله ربّ العالمين» فعليه فالمرخّص للمتخلّي إمّا آية الكرسي، مع حمد الله تعالى، وإما آية: الحمد لله ربّ العالمين.

ثم إنّ عدم الترخيص هو بمعنی الكراهة، للإجماع المتقدّم على الجواز، ولما في الحديث السادس المتقدّم الصريح في الجواز، وسيأتي في الحديث الثامن ما يعضّده، والكراهة هنا بمعنی نقصان الثواب، كما ذكر الماتن(قدس سره) .

سند الحديث:

ذكر الماتن هذا الحديث بسندين:

الأوّل: سند الشيخ في التهذيب، وهو سنده إلى محمد بن علي بن محبوب، وقد تقدّم أنّه ثلاث طرق أحدها صحيح والآخر معتبر والثالث ضعيف((1))، وفيه: محمد بن عبد الحميد، وهو محمد بن عبد الحميد بن سالم العطّار، وقد سبق أنّ توثيق النجاشي يرجع إلى أبيه لا إليه((2))، ولكنّه ثقة؛ لوروده في كتاب النوادر ورواية المشايخ الثقات عنه.

وفيه أيضاً: محمد بن عمر بن يزيد بياع السابري وقد سبق أنّ المشايخ الثقات رووا عنه((3)) فيكون ثقة، ومحمد بن عذافر الصيرفي المدائني الثقة كما

ص: 555


1- - ايضاح الدلائل1: 405- 406.
2- - المصدر السابق2: 312.
3- - المصدر السابق: 446.

سبق((1))، وعمر بن يزيد، وهو بياع السابري الثقة الجليل كما سبق تعيينه؛ لكونه صاحب كتاب، دون الصيقل((2)). فالسند معتبر.

والثاني: سند الصدوق في الفقيه، وإسناده إلى عمر بن يزيد في المشيخة هو ثلاثة طرق، قال(قدس سره) : «وما كان فيه عن عمر بن يزيد فقد رويته عن أبي2 عن محمد بن يحيى العطار، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد بن عمير، وصفوان بن يحيى، عن عمر بن يزيد.

وقد رويته أيضاً عن أبي2 عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن محمد بن عبد الحميد، عن محمد بن عمر بن يزيد، عن الحسين بن عمر بن يزيد، عن أبيه عمر بن يزيد.

ورويته أيضاً عن أبي (رحمه الله) ، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن محمد بن عبد الجبار، عن محمد بن إسماعيل، عن محمد بن عباس، عن عمر بن يزيد»((3))، والطريق الأول صحيح والثاني معتبر، والثالث ضعيف. وعلى هذا يكون السند صحيحاً.

ص: 556


1- - في الصفحة: 98.
2- - ايضاح الدلائل1: 325.
3- - من لا يحضره الفقيه4: 425، المشيخة.

[824] 8- وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ (عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ)((1)*)، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ الْحَلَبِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: سَأَلْتُهُ أَتَقْرَأُ النُّفَسَاءُ وَالْحَائِضُ وَالْجُنُبُ وَالرَّجُلُ يَتَغَوَّطُ((2)*) الْقُرْآنَ؟ فَقَالَ: يَقْرَءُونَ مَا شَاءُوا((3)*).

[8] - فقه الحديث:

دلّ على أنّ قراءة القرآن كلّه جائزة للنفساء والحائض والجنب والمتغوّط، وهذا لا ينافي الكراهة بمعنی نقصان الثواب في هذه الأحوال، فلا تنافي بينه وبين الحديث السابع؛ لأنّ هذا الحديث ناظر لجواز القراءة، وذاك ناظر للكراهة.

سند الحديث:

تقدّم أنّ للشيخ خمس طرق إلى أحمد بن محمد بن عيسى في المشيخة: اثنان منها صحيحان وثلاثة معتبرات، وفي الفهرست طريقان معتبران، والثالث طريق إلى المبوّبة (كتاب النوادر) صحيح((4)). وقد مرّ الكلام في بيان جلالة أفراد السند، وهو صحيح.

ص: 557


1- ([1]*) لم يرد في التهذيب.
2- ([2]*) في التهذيب: المتغوط.
3- ([3]*) التهذيب 1: 128/ 348، ورواه في الاستبصار 1: 114/ 381، أورده في الحديث 6 من الباب 19 من أبواب الجنابة.
4- - ايضاح الدلائل3: 102- 105.

[825] 9- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ فِي قُرْبِ الْإِسْنَادِ،عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ،عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ،عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ (علیهما السلام) قَالَ: كَانَ أَبِي يَقُولُ: إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ عَلَى خَلَاءٍ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ فِي نَفْسِهِ((1)*).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ((2)*)، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى((3)*).

[9] - فقه الحديث:

دلّ على جواز أن يذكر المتخلّي في نفسه حمدَ الله بعد العطاس، وقد مضى في الباب الخامس أنّ ذكر الحمد هو من جملة الأذكار التي تقال عند الفراغ من الخلاء أو من قضاء الحاجة، فيكون لذكره في النفس هنا خصوصيّة بعد العطاس، ولا نظر للحديث إلى ما تعرّضت له الأحاديث الآتية في الباب اللاحق من استحباب حكاية الأذان أو قراءة آية الكرسي وبعض القرآن وغير ذلك من الأذكار التي مرّت، وإنّما هو بصدد ما يقال بعد العطاس في حال التخلّي، فلا منافاة بينها.

سند الحديث:

تقدّم الكلام حول اعتبار الطريق إلى كتاب قرب الإسناد((4)) وجلالة

ص: 558


1- ([1]*) قرب الإسناد: 36.
2- ([2]*) تقدّم في الباب 5 من أبواب الخلوة.
3- ([3]*) يأتي في الباب الآتي.
4- - ايضاح الدلائل1: 391- 393.

مؤلّفه((1))، وأمّا هارون بن مسلم فهو هارون بن مسلم بن سعدان الكاتب، وقد سبق أنّه ثقة وجه((2))، كما سبق أنّ مسعدة بن صدقة شخصان، وأنّ من يروي عنه هارون بن مسلم هو الثقة((3)). فالسند معتبر.

والحاصل: أنّ في الباب تسعة أحاديث، أوّلها صحيح أعلائي، وثانيها معتبر، وثالثها صحيح بسنده الأوّل ومعتبر بسنديه الثاني والثالث، ورابعها ضعيف بسنده الأوّل ومعتبر بسنده الثاني، وخامسها ضعيف، وسادسها معتبر، وسابعها معتبر بسنده الأوّل وصحيح بسنده الثاني، وثامنها صحيح، وتاسعها معتبر.

المتحصل من الأحادیث

والمستفاد منها اُمور، منها:

1- استحباب ذكر الله تعالى في أيّ حال كان عليها العبد، ولو حال التخلّي.

2- استحباب المداومة على ذكر الله تعالى، وكراهة السأم من ذكره.

3- الأنسب بالذكر الإسرار لا الإجهار، إلّا ما كان الإجهار فيه مطلوباً.

4- أنّ ترك ذكر الله يورث قسوة القلب، والفرح بالمال يورث نسيان الذنوب.

5- جواز قراءة القرآن كلّه للنفساء والحائض والجنب ما عدا سور العزائم.

6- جواز قراءة القرآن كلّه للمتخلّي.

ص: 559


1- - المصدر السابق: 205- 206.
2- - ايضاح الدلائل1: 289.
3- - المصدر السابق: 290.

7- كراهة قراءة القرآن حال التخلّي ما عدا حمد الله وآية الكرسي، وآية من القرآن أو آية الحمد لله ربّ العالمين، والكراهة بمعنی نقصان الثواب.

8- جواز أن يذكر المتخلّي في نفسه ذكر الحمد بعد العطاس.

ص: 560

8- بَابُ عَدَمِ كَرَاهَةِ حِكَايَةِ الْأَذَانِ عَلَى الْخَلَا ءِ وَاسْتِحْبَابِهِ

اشارة

بَابُ عَدَمِ كَرَاهَةِ حِكَايَةِ الْأَذَانِ عَلَى الْخَلَا ءِ وَاسْتِحْبَابِهِ((1))

8- بَابُ عَدَمِ كَرَاهَةِ حِكَايَةِ الْأَذَانِ عَلَى الْخَلَاءِ وَاسْتِحْبَابِهِ

شرح الباب:

هذا الباب تتمّة للبابين السابقين، وفيه بيان عدم كراهة حكاية الأذان ولو علی الخلاء، بل إنّ حكايته مستحبّة للمتخلّي، والمراد من حكاية الأذان هو أن يقول مثل ما يقوله المؤذّن عند سماعه له، من غير فصل معتدٍّ به، وإلّا لم تصدق الحكاية، بل يكون أذاناً مستأنفاً.

أقوال الخاصّة:

قال الشيخ النراقي في المستند: «يستحب حكاية الأذان عند سماعه بلا خلاف كما قيل، بل بالإجماع كما استفاض به النقل»((2))، والإجماع هنا على استحباب حكايته فيشمل حكايته على الخلاء. وذكر في الجواهر أنّ استحباب حكايته على الخلاء هو المشهور((3))، وقال في موضع آخر: «يستحب لمن سمع

ص: 561


1- - ورد في هامش المخطوط ما نصه: ذكر الشهيد الثاني في بعض كتبه أنّ هذه المسالة ليس فيها نص أصلاً ومثله كثير جدّاً، ووجه ذلك غالباً أنّهم كانوا يقتصرون على مطالعة التهذيب، (منه قده) (راجع الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 1: 88).
2- - مستند الشيعة4: 537.
3- - جواهر الكلام2: 74.

الأذان أن يحكيه، إجماعاً بقسميه، بل المنقول منهما متواتر أو مستفيض جداً»((1)) فيشمل المقام.

أقوال العامّة:

ظاهرهم الاتفاق على استحباب حكاية الأذان «يُسنّ لمن سمع الأذان متابعته بمثله، وهو أن يقول مثل ما يقول... ويسنّ أن يقول عند الحيعلة: لا حول ولا قوة إلا بالله... ولو سمع مؤذّناً ثانياً أو ثالثاً استحب له المتابعة أيضاً، وما سبق هو باتفاق إلّا أنّ المشهور عند المالكية أن يحكي السامع لآخر الشهادتين فقط، ولا يحكي الترجيع، ولا يحكي الصلاة خير من النوم ولا يبدلها بصدقت وبررت، ومقابل المشهور أنّه يحكي لآخر الأذان»((2))، ولكن في حال الخلاء سبق أنّهم نصّوا علی كراهة التكلّم حال قضاء الحاجة بذكر أو غيره. «ومن الأذكار التي نصّوا عليها - أي المالكيّة والشافعيّة والحنابلة - أنّه لا يحمد إن عطس، ولا يشمّت عاطساً، ولا يجيب المؤذّن، ولا يردّ السلام، ولا يسبّح... وقد ذكر صاحب الإنصاف من الحنابلة رواية عن أحمد أنّه لا يكره إجابة المؤذّن في تلك الحال، وبها أخذ الشيخ تقي الدين، والمذهب أنّه يكره»((3)).

ص: 562


1- - المصدر نفسه9: 121.
2- - الموسوعة الفقهية2: 372.
3- - الموسوعة الفقهية34: 11.

[826] 1- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) أَنَّهُ قَالَ لَهُ: يَا مُحَمَّدَ بْنَ مُسْلِمٍ لَا تَدَعَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَوْ سَمِعْتَ الْمُنَادِيَ يُنَادِي بِالْأَذَانِ وَأَنْتَ عَلَى الْخَلَاءِ فَاذْكُرِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَقُلْ كَمَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ((1)*).

وَفِي الْعِلَلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ حَرِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ مِثْلَهُ((2)*).

[1] - فقه الحديث:

دلّ على النهي - المحمول على الكراهة - عن ترك ذكر الله في حال من الأحوال، فكأنّه قال: اذكر الله على كل حال كنت فيها، فيفهم منه مطلوبية المداومة على ذكره تعالى، كما دلّ على مطلوبية ذكره تعالى في حال التخلّي، فإنّ حال التخلّي حال خسيسة فيتوهّم أنّها لا تناسب تعظيم الله سبحانه فلا يحسن ذكره تعالى فيها، فجاء النهي عن ترك ذكر الله، ولو في حال التخلّي، كما دلّ على مطلوبية حكاية الأذان عند سماعه له، بأن يقول كما يقول المؤذّن، وظاهر ذلك أنّه يستحب له قول جميع فصول الأذان حتى الحيعلات، وفيه كلام عند الفقهاء، وأنّ على من يحكي الأذان أن يستبدلها بالحوقلة، وهي قول: لا حول ولا قوة إلا بالله.

ص: 563


1- ([1]*) الفقيه 1: 187/ 892 وأورده في الحديث 2 من الباب 45 من أبواب الأذان والإقامة.
2- ([2]*) علل الشرائع: 284/ 2.

ثم إنّ إطلاق الأذان يشمل أذان الإعلام وأذان الجماعة وأذان المنفرد.

سند الحديث:

ذكر الماتن هذا الحديث بسندين:

الأوّل: سند الصدوق في الفقيه، وهو إسناده إلى محمد بن مسلم، وقد سبق أنّه معتبر((1)).

والثاني: سند الصدوق أيضاً في كتاب علل الشرائع، وفيه: يعقوب بن يزيد وهو الأنباري الثقة الصدوق، والسند صحيح.

ص: 564


1- . ايضاح الدلائل4: 63.

[827] 2- وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيِّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ النَّخَعِيِّ، عَنْ عَمِّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ يَزِيدَ النَّوْفَلِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : إِنْ سَمِعْتَ الْأَذَانَ وَأَنْتَ عَلَى الْخَلَاءِ فَقُلْ مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ، وَلَا تَدَعْ ذِكْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي تِلْكَ الْحَالِ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ حَسَنٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ مُوسَى (علیه السلام) كَمَا سَبَقَ((1)*)((2)*).

[2] - فقه الحديث:

دلّ علی مطلوبيّة حكاية الأذان عند سماعه له حال التخلّي، بأن يقول كما يقول المؤذّن. وفيه نهي عن ترك ذكر الله في حال التخلّي لتوهّم عدم مناسبته في تلك الحال لتعظيم الله سبحانه وتعالی، وعلّل (علیه السلام) ذلك بأنّ ذكر الله حسن علی كلّ حال، فإنّ الكون في حال دنيّة خسيسة لا يسلب الحسن عن ذكر الله تعالی، ثم ذكر (علیه السلام) حديث موسی مع الله سبحانه عن حيائه من ذكره له تعالی في المجالس التي هي من نوع مجلس التخلّي، وجواب الله له كما مرّ في الباب السابق.

سند الحديث:

مرّ أنّ هذا السند ضعيف((3)).

ص: 565


1- ([1]*) تقدّم في الحديث 4 من الباب السابق.
2- ([2]*) علل الشرائع: 284/ 1.
3- - في الصفحة: 513.

[828] 3- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ السِّنَانِيِّ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ الْقَاسِمِ الْعَلَوِيِّ، عَن جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ الْكُوفِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمَرْوَزِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُقْبِلٍ الْمَدِينِيِ((1)*) قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (علیه السلام) : لِأَيِّ عِلَّةٍ يُسْتَحَبُّ لِلْإِنْسَانِ إِذَا سَمِعَ الْأَذَانَ أَنْ يَقُولَ كَمَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ؟ فَقَالَ: لِأَنَّ ذَلِكَ يَزِيدُ فِي الرِّزْقِ((2)*).

أَقُولُ: سَيَأْتِي فِي أَحَادِيثِ حِكَايَةِ الْأَذَانِ مَا هُوَ مُطْلَقٌ عَامٌّ يَشْمَلُ هَذِهِ الْحَالَةَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ((3)*).

[3] - فقه الحديث:

دلّ علی أنّ استحباب حكاية الأذان عند سماعه ولو كان ذلك حال التخلّي كان معروفاً في ذلك العصر، وإنّما سأل الراوي عن العلّة في استحباب ذلك، فأجاب الإمام (علیه السلام) بأنّ هذا العمل يزيد في الرزق. ولعلّ في التعبير بالرزق دون المال ونحوه للدلالة علی الشمول لكلّ ما يقال له رزق، فيعم الرزق المادّي كالمال والمعنوي كالتوفيق للطاعات والمثوبات.

سند الحديث:

فيه: محمد بن أحمد السناني المكتب ترضّی عنه الصدوق كثيراً كما

ص: 566


1- ([1]*) في المصدر: المدائني وقد ورد في كتب الرجال باللّفظين.
2- ([2]*) علل الشرائع: 284/ 4.
3- ([3]*) يأتي في الباب 45 من أبواب الأذان.

تقدّم((1))، فهو ثقة، وفيه أيضاً: حمزة بن القاسم العلوي، قال عنه النجاشي: «حمزة بن القاسم بن علي بن حمزة بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب [ (علیه السلام) ]، أبو يعلی ثقة، جليل القدر، من أصحابنا، كثير الحديث... أخبرنا الحسين بن عبيد الله، قال: حدّثنا علي بن محمد القلانسي، عن حمزة بن القاسم بجميع كتبه»((2)).

والظاهر أنّه هو من ترجمه الشيخ في الرجال، حيث قال: «حمزة بن القاسم، يكنّی أبا عمرو، هاشمي، عباسي، روی عنه التلعكبري». وفي موضع آخر: «حمزة بن القاسم العلوي العباسي، يروي عن سعد بن عبد الله، روی عنه التلعكبري إجازة»((3))؛ وذلك لأنّ علي بن محمد القلانسي في طبقة التلعكبري، ويريد بكونه عباسياً أنّه من ولد العباس بن أمير المؤمنين، ولذا قال: العلوي.

وفيه أيضاً: جعفر بن محمد بن مالك الكوفي، وقد سبق أنّ توثيقه من الشيخ معارض بتضعيف النجاشي له، فلا يمكن الحكم بوثاقته((4)).

وأمّا جعفر بن سليمان المروزي فلم يرد فيه شيء. وسليمان بن مقبل المدائني أو المدني أبو أيوب، وإن عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الكاظم (علیه السلام) ((5)) إلا أنّه لم يرد في حقه شيء. وعلی هذا فالسند ضعيف.

ص: 567


1- - ايضاح الدلائل2: 15.
2- - رجال النجاشي: 140/ 364.
3- - رجال الطوسي: 422/ 6088 و424/ 6104.
4- - ايضاح الدلائل2: 436.
5- - رجال الطوسي: 338/ 5026.

والحاصل: أنّ في الباب ثلاثة أحاديث، أوّلها معتبر بسنده الأول وصحيح بسنده الآخر، وثانيها وثالثها ضعيفان.

والمستفاد منها أمور، منها:

1- النهي عن ترك ذكر الله في حال من الأحوال؛ لأنّ ذكر الله تعالی حسن علی كل حال.

2- استحباب حكاية الأذان عند سماعه حال التخلّي.

3- أنّ حكاية الأذان عند سماعه ولو كان ذلك حال التخلّي يزيد في الرزق المادي والمعنوي.

ص: 568

فهارس الكتاب

اشارة

1- فهرس الأعلام المترجمين في الكتاب

2- فهرس الكنی والألقاب

3- فهرس الأسانيد

4- فهرس المصادر

5- فهرس مطالب الكتاب

ص: 569

ص: 570

1- فهرس الأعلام المترجمين في الكتاب

- أ -

إبراهيم بن أبي محمود (الخراساني) (ب6 ح 6).......................................149

إسحاق بن عبد الله الأشعري (القمي) (ب 3 ح 4)......................................80

إسماعيل بن عبد الخالق (ب 13 ح 10)...................................................319

أيوب بن الحر (ب 7 ح 12)...................................................................188

- ب -

بكر بن أبي بكر الحضرمي (الكوفي) (ب 3 ح 15)..................................105

- ج -

جعفر بن سليمان المروزي (ب 8 ح 3)...................................................567

جنيد (جندب) بن عبد الله الأزدي (ب 4 ح 5)........................................506- ح -

الحارث بن بهرام (ب 2 ح7)..................................................................474

الحسن بن أخي فضيل (ب 5 ح 1).........................................................122

الحسن بن علي ابن بنت إلياس (ب 8 ح 13)...........................................191

الحسين بن علي بن يقطين (ب 6 ح 7)....................................................151

الحسين بن محمد الأشنانيّ العدل (ب 7 ح 4).........................................549

حمزة بن القاسم العلوي (ب 8 ح 3).......................................................567

ص: 571

- ر -

روح بن عبد الرحيم (ب 6 ح 8)............................................................153

- س -

سالم أبو الفضل (سالم الحنّاط) (ب 2 ح 4)...............................................54سعد بن أبي عمرو (عمر) (ب 1 ح 8).......................................................37

سليمان بن مقبل المدائني أو المدني أبو أيوب (ب 8 ح 3).......................567

- ص -

صباح الحذاء = الصباح بن صبيح الفزاري (ب 5 ح 10)...........................529

- ظ -

ظريف بن ناصح (ب 5 ح 3)..................................................................125

- ع -

عبد الأعلی مولی آل سام (ب 7 ح 6).....................................................174

عبد الرحمن بن أبي عبد الله (ب 1 ح 5)...................................................28

عبد الحميد بن عواض (الطائي) (ب 3 ح 3)..............................................79

عبد الصمد بن محمد (ب 13 ح 7).........................................................311

عبد الله بن محمد (الهاشمي، والد عيسی بن عبد الله) (ب 2 ح 5).............469

عبد الله بن محمد (مشترك) (ب 1 ح 4)..................................................437

عبد الله بن محمد أبو بكر الحضرمي (ب 1 ح 4).....................................437

عبد الله بن محمد الأسدي الحجال (ب 1 ح 4).......................................437

ص: 572

عبد الله بن محمد البلوي (ب 1 ح 4)......................................................437

عبد الله بن محمد التميمي الرازي (ب 1 ح 4).........................................439

عبد الله بن محمد الجعفي (ب 1 ح 4)....................................................439

عبد الله بن محمد الحصيني العبدي (ب 1 ح 4).......................................438

عبد الله بن محمد الدعلجي (ب 1 ح 4)..................................................439

عبد الله بن محمد النهيكي (ب 1 ح4)....................................................440

عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا (ب 1 ح 4).............................................438

عبد الله بن محمد بن عيسی (ب 1 ح 4)..................................................439

عبد الله بن محمد بن قيس (ب 1 ح 4)....................................................439

عبد الملك بن عمرو (ب 13 ح 2)..........................................................303

عبيد الله بن علي الحلبي (ب 9 ح 5).......................................................220

علي بن أشيم (ب 16 ح 3)....................................................................364

علي بن السندي (ب 16 ح 3).................................................................363

عمران بن علي بن أبي شعبة الحلبي (ب9 ح 5).......................................219

عمران بن حمران (ب 3 ح 14)..............................................................103

عمرو بن أبي نصر (السكوني) (ب 18 ح3)............................................378

عيسی بن عبد الله الهاشمي (ب 2 ح 5)...................................................469

عيسی بن عمر مولی الأنصار (ب 11 ح 5)..............................................254

- غ -

غالب بن عثمان (المنقري) (ب 6 ح 8)...................................................152

ص: 573

- م -

محمد بن الوليد (البجلي، الخزاز) (ب 1 ح 5)...........................................30

محمد بن أورمة (ب 15 ح 5)................................................................352

محمد بن سهل (بن اليسع الأشعري القمي) (ب 2 ح 6)..............................58

محمد بن شاذان (ب 2 ح 7)....................................................................62

محمد بن عبد الله بن زرارة (ب 2 ح 5)...................................................467محمد بن عبد الله أو عبيد الله (ب 3 ح 2)..................................................77

محمد بن عذافر (الصيرفي) (ب 3 ح 16)................................................108

محمد بن علي الأنصاري (ب 1 ح 4) مشترك..........................................436

محمد بن علي بن حمزة الأنصاري (ب 1 ح 4).......................................437

محمد بن علي الكوفي (ب2 ح 10)..........................................................67

محمد بن علي ماجيلويه (ب 1 ح 4).......................................................436

محمد بن علي بن يحيی الأنصاري (ب 1 ح 4).......................................436

محمد بن عمر (الهاشمي جدّ عيسی بن عبد الله) (ب 2 ح 5)....................469

محمد بن عيسی الأشعري (ب 12 ح 5)..................................................266

محمد بن مسعود العياشي (ب 9 ح12)...................................................236

محمد بن نصير (ب 19 ح 4)..................................................................403

محمد بن يحيی الخزاز (ب 18 ح 5)......................................................381

معمّر بن خلّاد (ب 4 ح 1)......................................................................118

ص: 574

موسی بن الحسن (بن عامر الأشعري) (ب 7 ح 1)...................................166

- ي -

يعقوب بن يقطين (ب 12 ح 16)............................................................287

ص: 575

ص: 576

2- فهرس الكنی والألقاب

أبو حبيب الأسدي= ناجية بن أبي عمارة (ب 7 ح 7)...............................178

أبو داود (سليمان بن سفيان) المنشد، المسترق (ب 6 ح 2).......................139

أبو سعيد المكاري (هاشم بن حيّان) (ب 12 ح 10).................................277

أبو شعيب (صالح بن خالد) (ب 3 ح 14)................................................102

أبو عبد الله الرازي (محمد بن أحمد الرازي الجاموراني) (ب 11 ح 5)........253

أبو المستهل (ب7 ح 5).........................................................................551

أبو مريم الأنصاري (عبد الغفار بن القاسم بن قيس) (ب 18 ح 4).............380

أبو هلال (الرازي) (ب 7 ح 8)..................................................................181

ص: 577

ص: 578

3- فهرس الأسانيد

أسناد الشيخ الصدوق

سنده إلی إسماعيل بن جابر (ب 14 ح 6)...............................................339

سنده إلی زرارة (ب 2 ح 2).....................................................................50

سنده إلی عبد الله بن أبي يعفور (ب 13 ح 1)..........................................301

سنده إلی حنان بن سدير (ب 13 ح 7)....................................................310

سنده إلی حريز بن عبد الله (ب 19 ح 1).................................................398

سنده إلی حمّاد بن عثمان (ب 17 ح 1)..................................................369

سنده إلی سليمان بن داود المنقري (ب4 ح 1)........................................500

سنده إلی سعد بن عبد الله (ب 5 ح 8)....................................................525

سنده إلی عمر بن يزيد (ب 7 ح7)........................................................554

أسناد الشيخ الطوسي

سنده إلی (محمد بن الحسن) الصفار (ب 12 ح 6)..................................269

سنده إلی كتاب المشيخة للحسن بن محبوب (ب 12 ح 13)....................280

سنده إلی محمد بن مسعود العياشي (ب 9 ح 12)....................................234

سنده إلی أحمد بن محمد بن خالد البرقي (ب19، في التتمة التي ذكرناها)..........407

سنده إلی حريز بن عبد الله (ب 19 ح 1).................................................399

أسناد ابن ادريس

سنده إلی محمد بن علي بن محبوب (ب 6 ح 5)....................................146

ص: 579

ص: 580

4- فهرس المصادر

1- القرآن الكريم

2- الاختصاص، فخر الشيعة أبي عبد الله محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقب بالشيخ المفيد، صححه وعلق عليه: علي أكبر الغفاري، منشورات جماعة المدسين في الحوزة العلمية، قم المقدسة.

3- اختيار معرفة الرجال المعروف برجال الكشي، شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي(قدس سره) ، تصحيح وتعليق: المعلم الثالث ميرداماد الاستربادي، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، 1404ه-، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) .

4- الإرشاد في معرفة حجج الله علی العباد، لأبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الشيخ المفيد (مطبوع ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد)، تحقيق: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لتحقيق التراث، الطبعة الثانية، 1414ه-، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان.

5- الاستبصار، الشيخ الطوسي، تحقيق وتعليق: السيد حسن الخرسان، الطبعة الرابعة، 1363ه- ش، دار الكتب الاسلامية، طهران.

6- استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار، العلامة المحقق الشيخ محمد بن الحسن بن الشهيد الثاني، تحقيق: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الأولى، محرم 1420 ه- ق، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث.

7- أصول علم الرجال، تقرير بحث آية الله الشيخ مسلم الداوري، بقلم الشيخ محمد علي المعلّم، تصحيح: الشيخ حسن العبودي، الطبعة الرابعة، 1434ه-،

ص: 581

مؤسسة الإمام رضا (علیه السلام) للبحث والتحقيق العلمي.

8- إيضاح الدلائل، تقرير بحث آية الله الشيخ مسلم الداوري، بقلم السيد عباس الحسيني والشيخ محمد عيسی البنّاي، الطبعة الثانية، 1430ه-، دار الهدی، قم.

9- بحار الأنوار، العلامة الشيخ محمد باقر المجلسي، تحقيق: السيد إبراهيم الميانحي، محمد الباقر البهبودي، الطبعة الثانية المصححة، 1403ه- - 1983م، مؤسسة الوفاء، بيروت - لبنان.

10- بداية المجتهد ونهاية المقتصد، الإمام القاضي أبو الوليد محمد بن أحمد ابن رشد القرطبي الأندلسي الشهير (بابن رشد الحفيد)، تنقيح وتصحيح: خالد العطار، إشراف مكتب البحوث والدراسات، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان.

11- بدائع الصنائع، علاء الدين ابو بكر الكاساني الحنفي، الطبعة الأولی، 1409ه- - 1989م، المكتبة الحبيبية، كويتة - باكستان.

12- تاج العروس، محمد مرتضی الواسطي الزبيدي، تحقيق: علی شيري، 1414ه-، دار الفكر، بيروت.

13- تاريخ أسماء الثقات، الحافظ عمر بن شاهين، تحقيق: صبحي السامرّائي، الطبعة الأولی، 1404ه-، الدار السلفيّة، الكويت.

14- تحف العقول، أبو محمد الحسن بن علي الحرّاني، تحقيق: علي أكبر الغفاري، الطبعة الثانية، 1404ه-، مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

ص: 582

15- تذكرة الفقهاء، العلامة الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر، تحقيق: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الأولى، محرم 1414ه-، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، قم.

16- ترتيب أسانيد الكافي، آية الله العظمى السيد آقا حسين الطباطبائي البروجردي، تخريج واستدراك: الشيخ محمود درياب النجفي، الطبعة الأولی، 1385ه-.ش، منشورات مؤسسة آية الله العظمى البروجردي.

17- التقيّة في فقه أهل البيت (علیهم السلام) ، تقرير بحث آية الله الشيخ مسلم الداوري، بقلم الشيخ محمد علي المعلّم، تحقيق: مؤسسة الإمام الرضا (علیه السلام) ، 1438.

18- التنقيح في شرح العروة الوثقی، تقرير بحث آية الله العظمی السيد الخوئي، بقلم الشهيد الشيخ ميرزا علي الغروي، الطبعة الثالثة، 1428ه-، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي.

19- تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، تحقيق وتعليق: السيد حسن الخرسان، الطبعة الرابعة، 1365ه- ش، دار الكتب الاسلامية، طهران.

20- تهذيب الكمال، الحافظ يوسف المزي، تحقيق: الدكتور بشّار عواد معروف، الطبعة الرابعة، 1406ه- - 1985م، مؤسسة الرسالة.

21- جامع أحاديث الشيعة، تحت إشراف أية الله العظمی السيد البروجردي، نشر دار الأولياء، بيروت.

22- جامع المقاصد في شرح القواعد، المحقق الثاني الشيخ علي بن الحسين الكركي، تحقيق: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الأولی،

ص: 583

1408ه-، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، قم المشرفة.

23- الجرح والتعديل، الحافظ عبد الرحمن الرازي، الطبعة الأولی، 1371ه- - 1952م، نشر دار إحياء التراث العربي، بيروت.

24- جوابات أهل الموصل، الشيخ المفيد، تحقيق: الشيخ مهدي نجف، الطبعة الثانية، 1414ه- - 1993م، دار المفيد، بيروت.

25- جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن النجفي، تحقيق: الشيخ عباس القوچاني، الطبعة الثانية، 1365ه- ش، دار الكتب الإسلامية، طهران.

26- حاشية ردّ المحتار علی الدر المختار شرح تنوير الأبصار في فقه الإمام أبي حنيفة النعمان، لخاتمة المحققين محمد أمين الشهير بابن عابدين، إشراف: مكتب البحوث والدراسات، 1415ه-، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان.

27- الحبل المتين، الشيخ البهائي العاملي، تحقيق: السيد بلاسم الموسوي الحسيني، الطبعة الأولی، 1424ه-، مجمع البحوث الإسلامية، مشهد المقدسة.

28- الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، الفقيه المحدث الشيخ يوسف البحراني، تحقيق وتعليق وإشراف: محمد تقي الإيرواني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرفة.

29- الخرائج والجرائح، قطب الدين الراوندي، تحقيق ونشر: مؤسّسة الإمام المهدي (علیه السلام) ، الطبعة الأولی، 1409.

ص: 584

30- الخصال، للشيخ الجليل الأقدم الصدوق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، صححه وعلّق عليه: علي أكبر الغفاري، 1403ه-، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرفة.

31- خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، العلامة الحلي أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي، تحقيق: الشيخ جواد القيومي، الطبعة الأولی، 1417ه-، مؤسسة نشر الفقاهة.

32- الخلاف، الشيخ الطوسي، تحت إشراف الشيخ مجتبی العراقي، الطبعة السابعة، 1429ه-، مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

33- الدرّ المنثور في تفسير المأثور، عبد الرحمن السيوطي، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت.

34- رجال ابن الغضائري، أحمد بن الحسين الغضائري، تحقيق: السيد محمد رضا الجلالي، الطبعة الأولی، 1422ه-، دار الحديث، قم.

35- رجال البرقي، أحمد بن عبد الله البرقي، تحقيق: حيدر محمد علي البغدادي، الطبعة الأولی، 1430ه-، مؤسسة الإمام الصادق (علیه السلام) ، قم.

36- رجال البرقي، أحمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن خالد البرقي، تحقيق: حيدر محمد علي البغدادي، الطبعة الثانية، 1433ه- ق، مؤسسة الإمام الصادق (علیه السلام) ، قم المقدسة.

37- رجال الطوسي، الشيخ الطوسي، تحقيق: جواد القيومي الاصفهاني، الطبعة الرابعة 1428ه-، مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

ص: 585

38- رجال النجاشي، أحمد بن علي النجاشي، تحقيق: السيد موسی الشبيري الزنجاني، الطبعة الثامنة، 1427ه-، مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

39- روح المعاني، محمود الآلوسي البغدادي، تعليق: محمد أحمد الأمد وعمر عبد السلام السلامي، الطبعة الأولی، 1420ه-، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

40- روضة الطالبين، للإمام أبي زكريا يحيی بن شرف النووي الدمشقي، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ علي محمد معوض، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.

41- روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه للصدوق، العلامة المولی محمد تقي المجلسي، توثيق وتدقيق وتصحيح: قسم التحقيق في مؤسسة دار الكتاب الإسلامي، الطبعة الأولی، 1429ه-، نشر مؤسسة دار الكتاب الإسلامي.

42- سنن ابن ماجة، محمد بن يزيد القزويني ابن ماجة، تحقيق وتعليق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر.

43- الصحاح، الجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور العطّار، الطبعة الرابعة، 1407 - 1987م، دار العلم للملايين، بيروت.

44- العروة الوثقی، السيد محمد كاظم اليزدي، الطبعة الثالثة، 1426ه-، تحقيق ونشر مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

45- علل الشرائع، الشيخ الصدوق، تقديم السيد محمد صادق بحر العلوم،

ص: 586

منشورات المكتبة الحيدرية، النجف الأشرف، 1385ه- - 1966م.

46- العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي، تحقيق: الدكتور مهدي المخزومي، الدكتور إبراهيم السامرائي، الطبعة الثانية، 1410ه-، مؤسسة دار الهجرة.

47- عيون أخبار الرضا (علیه السلام) ، الشيخ الصدوق، تصحيح وتعليق: الشيخ حسين الأعلمي، الطبعة الثانية، 1426ه-، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت.

48- غنية المتملّي شرح منية المصلي، الشيخ إبراهيم بن محمد الحلبي، تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادري، الطبعة الأولی، 1417ه-، مؤسسة الإمام الصادق (علیه السلام) ، قم.

49- غنية المتملي شرح منية المصلي، الشيخ إبراهيم بن محمد الحلبي، طبعة حجرية، 1312ه- .

50- غنية النزوع، السيد ابن زهرة الحلبي، تحقيق الشيخ ابراهيم البهادري، الطبعة الاولی، 1417، مؤسسة الامام الصادق (علیه السلام) ، قم.

51- فقه اللغة وسرّ العربيّة، أبو منصور الثعالبي، تحقيق: الدكتور فائز محمد، الطبعة الثانية، 1416 ه- - 1996م، دار الكتاب العربي، بيروت.

52- الفهرست، الشيخ الطوسي، تحقيق: الشيخ جواد القيّومي، الطبعة الثانية، 1422ه-، مؤسسة نشر الفقاهة.

53- القاموس المحيط، محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، نشر دار العلم للجميع، بيروت.

54- الكافي، الشيخ محمد بن يعقوب الكليني، تصحيح وتعليق: علي أكبر

ص: 587

الغفّاري، الطبعة الثالثة، 1367ه- ش، دار الكتب الإسلامية، طهران.

55- كشّاف القناع، الشيخ منصور البهوتي، تحقيق: محمد حسن إسماعيل الشافعي، الطبعة الأولی، 1418ه-، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلميّة، بيروت.

56- كشف الأسرار في شرح الاستبصار، السيد نعمة الله الجزائري، حققه وعلق وأشرف عليه: المفتي السيد طيّب الموسوي الجزائري، الطبعة الأولى، 1420ه-، مؤسسة دار الكتاب (الجزائري).

57- كشف اللثام، الشيخ محمد الاصفهاني المعروف بالفاضل الهندي، الطبعة الاولی، 1416ه-، تحقيق ونشر مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

58- كنز العرفان، جمال الدين المقداد السيوري، نشر المكتبة المرتضويّة لإحياء آثار الجعفريّة، 1384ه-.

59- لسان العرب، محمد بن مكرم بن منظور، الناشر: أدب الحوزة، 1405ه-، قم.

60- المبسوط، الشيخ الطوسي، تحقيق: السيد محمد تقي الكشفي، نشر المكتبة المرتضوية لإحياء آثار الجعفرية، 1387.

61- مجمع البحرين، الشيخ فخر الدين الطريحي، تحقيق السيد أحمد الحسيني، نشر المكتبة المرتضوية، الطبعة المحققة الاولی، 1386.

62- مجمع البيان في تفسير القرآن، أمين الاسلام أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي، تحقيق وتعليق: لجنة من العلماء والمحققين والأخصائيين، الطبعة

ص: 588

الأولی، 1415 ه- - 1995م، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت - لبنان.

63- المجموع، محي الدين النووي، نشر دار الفكر.

64- المحلّی، ابن حزم الأندلسي، الناشر دار الفكر.

65- مختار الصحاح، محمد بن عبد القادر، ضبط وتصحيح: أحمد شمس الدين، الطبعة الأولی، 1415، دار الكتب العلميّة، بيروت.

66- مختلف الشيعة، العلامة الحلّي، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الأولی، 1412ه- .

67- مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام، الفقيه المحقق السيد محمد بن علي الموسوي العاملي، تحقيق: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الأولی، 1410ه-، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، قم المشرفة.

68- مرآة العقول، العلامة المجلسي، تصحيح: السيد جعفر الحسيني، الطبعة الثالثة، 1370، دار الكتب الإسلامية، طهران.

69- مسالك الأفهام، الشهيد الثاني، الطبعة الأولی، 1413ه-، تحقيق ونشر مؤسسة المعارف الإسلامية، قم.

70- مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، خاتمة المحدثين الحاج ميرزا حسين النوري الطبرسي، تحقيق: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة المحققة الأولى، 1408ه-، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، بيروت.

71- مستمسك العروة الوثقی، فقيه العصر آية الله العظمى السيد محسن1- الطباطبائي الحكيم، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي،

ص: 589

1404ه- ق، قم - إيران.

72- مستند الشيعة في أحكام الشريعة، المولی العلامة الفقيه أحمد بن محمد مهدي النراقي، الطبعة الأولی، ربيع الأول 1415ه-، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، مشهد المقدسة.

73- مصباح الفقيه، الشيخ آغا رضا الهمداني، تحقيق محمد الباقري ونورعلي النوري، الطبعة الثانية، 1348، نشر آواي منجي، قم.

74- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، أحمد بن محمد المقري الفيومي، تحقيق: الدكتور عبد العظيم الشناوي، الطبعة الثانية، دار المعارف، القاهرة.

75- المعتبر في شرح المختصر، المحقّق الحلّي، تحقيق عدّة من الأفاضل، الطبعة الاولی، 1407، نشر مؤسسة سيد الشهداء، قم.

76- معجم رجال الحديث، السيد أبو القاسم الخوئي، الطبعة الخامسة، 1413ه- - 1992م.

77- مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، ابن هشام الأنصاري، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا - بيروت، 1411ه-.

78- المغني، عبد الله بن قدامة، نشر دار الكتاب العربي، بيروت.

79- مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة، السيد محمد جواد الحسيني العاملي(قدس سره) ، تحقيق وتعليق: الشيخ محمد باقر الخالصي, الطبعة الأولى، 1419ه-، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرفة.

ص: 590

80- المقنعة، الشيخ المفيد، الطبعة الثانية، 1410ه-، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

81- ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار، الشيخ محمد باقر المجلسي، الطبعة الأولى، 1406ه-، مكتبة آية الله المرعشي النجفي.

82- من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، الطبعة الثانية، 1404ه-، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، قم.

83- منتقی الجمان، الشيخ حسن بن الشهيد الثاني، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الطبعة الأولی، 1362ه- ش، مؤسسة النشر الإسلامي، قم.

84- منتهی المطلب، العلامة الحلّي، تحقيق ونشر: قسم الفقه في مجمع البحوث الاسلامية، الطبعة الاولی، 1412ه-، مشهد المقدسة.

85- المهذب، الفقيه الأقدم القاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي، الطبعة الأولی، 1406ه-، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المشرفة.

86- مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، لأبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربي المعروف بالحطاب الرعيني، ضبطه وخرج آياته وأحاديثه: الشيخ زكريا عميرات، الطبعة الأولی، 1416ه- - 1995م، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.

87- الموسوعة الفقهيّة، هيئة كبار علماء الإسلام، الطبعة الثانية، 1404ه-، إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الكويت.

ص: 591

88- النهاية في غريب الحديث والأثر، مجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري (ابن الأثير)، تحقيق: محمود محمد الطناحي، الطبعة الرابعة، 1364ه- ش، مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر، قم.

89- نيل الأوطار، محمد الشوكاني، نشر دار الجيل، بيروت، 1973.

90- الوافي، المولی محمد محسن، المشتهر بالفيض الكاشاني، تحقيق: ضياء الدين الحسيني العلامة الأصفهاني، الطبعة الأولی، 1406ه-، نشر مكتبة الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) العامة، اصفهان.

ص: 592

5- فهرس مطالب الكتاب

أبواب نواقض الوضوء..............................................................................11

الفرق بين الناقض والموجب والسبب... 13

1- بَابُ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إِلَّا الْيَقِينُ بِحُصُولِ الْحَدَثِ دُونَ الظَّنِّ وَالشَّك (عدد الأحاديث 10) ص15

شرح الباب... 15

أقوال الخاصّة. 16

أقوال العامّة. 17

بحث رجالي حول سعد.. 37

المتحصل من الأحاديث... 41

2- بَابُ أَنَّ البَولَ وَالغَائِطَ وَالرِّيحَ وَالمَنِيَّ وَالجَنَابَة تَنقُضُ الوُضُوءَ (عدد الأحاديث 10) ص42

شرح الباب... 43

أقوال الخاصّة. 43

أقوال العامّة. 44

المتحصل من الأحاديث... 69

ص: 593

3- بَابُ أَنَّ النَّومَ الغَالِبَ عَلَی السَّمعِ يَنقُضُ الوُضُوءَ عَلَی أَيِّ حَالٍ كَانَ، وَأَنَّهُ لَا

يَنقُضُ الوُضُوءَ شَيءٌ مِنَ الأَشيَاءِ غَيرُ الأَحدَاثِ المَنصُوصَةِ (عدد الأحاديث 16) ص71

شرح الباب... 71

أقوال الخاصّة. 71

أقوال العامّة. 72

الجمع بين أحاديث الباب... 108

والحاصل: 110

4- بَابُ حُكْمِ مَا أَزَالَ الْعَقْلَ مِنْ إِغْمَاءٍ وَجُنُونٍ وَسُكْرٍ وَغَيْرِهَا (عدد الأحاديث 1) ص111

شرح الباب... 111

أقوال الخاصّة. 113

أقوال العامّة. 113

المتحصل من الأحاديث... 118

5- بَابُ أَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنَ الدُّبُرِ مِنْ حَبِّ الْقَرْعِ وَالدِّيدَانِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَلَطِّخاً بِالْعَذِرَةِ

(عدد الأحاديث 6) ص119

شرح الباب... 119

ص: 594

أقوال الخاصّة. 120

أقوال العامّة. 121

المتحصل من الأحاديث... 131

6- بَابُ أَنَّ الْقَيْ ءَ وَالْمِدَّةَالْقَيْحَ وَالْجُشَاءَ وَالضَّحِكَ وَالْقَهْقَهَةَ وَالْقَرْقَرَةَ فِي الْبَطْنِ لَا

يَنْقُضُ شَيْ ءٌ مِنْهَا الْوُضُوءَ

(عدد الأحاديث 13) ص133

شرح الباب... 133

أقوال الخاصّة. 134

أقوال العامّة. 135

المتحصل من الأحاديث... 161

7- بَابُ أَنَّهُ لَا

يَنْقُضُ الْوُضُوءَ رُعَافٌ وَلَا

حِجَامَةٌ وَلَا خُرُوجُ دَمٍ غَيْرُ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ وَالنِّفَاسِ

(عدد الأحاديث 14) ص163

شرح الباب... 163

أقوال الخاصّة. 163

أقوال العامّة. 164

بحث رجالي حول عبدالأعلي مولی آل سام............................................164

المتحصل من الأحاديث... 194

ص: 595

8- بَابُ أَنَّ إِنْشَادَ الشِّعْرِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ

(عدد الأحاديث 3) ص197

شرح الباب... 197

أقوال الخاصّة. 198

أقوال العامّة. 199

المتحصل من الأحاديث... 204

9- بَابُ أَنَّ الْقُبْلَةَ وَالْمُبَاشَرَةَ وَالْمُضَاجَعَةَ وَمَسَّ الْفَرْجِ مُطْلَقاً وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا دُونَ الْجِمَاعِ لَا

يَنْقُضُ الْوُضُوءَ

(عدد الأحاديث 14) ص205

شرح الباب... 205

أقوال الخاصّة. 206

أقوال العامّة. 207

الحلبي مشترك بين أربعة أشخاص.... 219

الجمع بين الأحاديث... 230

بحث رجالي حول محمد بن مسعود العياشي.. 234

المتحصل من الأحاديث... 240

10- بَابُ أَنَّ مُلَاقَاةَ

الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ لِلْبَدَنِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ (عدد الأحاديث 2) ص241

ص: 596

شرح الباب... 241

المتحصل من الحديثين.. 246

11- بَابُ أَنَّ لَمْسَ الْكَلْبِ وَالْكَافِرِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ (عدد الأحاديث 5) ص247

شرح الباب... 247

المتحصل من الأحاديث... 254

12- بَابُ أَنَّ الْمَذْيَ وَالْوَذْيَ وَالْوَدْيَ وَالْإِنْعَاظَ وَالنُّخَامَةَ وَالْبُصَاقَ وَالْمُخَاطَ لَا يَنْقُضُ شَيْ ءٌ مِنْهَا الْوُضُوءَ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ مِنَ الْمَذْيِ عَنْ شَهْوَةٍ (عدد الأحاديث 19) ص255

شرح الباب... 255

أقوال الخاصّة. 257

أقوال العامّة. 257

الجمع بين الأحاديث... 291

المتحصل من الأحاديث... 296

13- بَابُ حُكْمِ الْبَلَلِ الْمُشْتَبِهِ الْخَارِجِ بَعْدَ الْبَوْلِ وَالْمَنِيِ (عدد الأحاديث 10) ص297

شرح الباب... 297

أقوال الخاصّة. 297

ص: 597

أقوال العامّة. 298

كيفيّة استفادة قول المشهور من الأحاديث... 322

المتحصل من الأحاديث... 322

14- بَابُ أَنَّ تَقْلِيمَ الْأَظْفَارِ وَالْحَلْقَ وَنَتْفَ الْإِبْطِ وَأَخْذَ الشَّعْرِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ مَسْحُ الْمَوْضِعِ بِالْمَاءِ إِذَا كَانَ بِالْحَدِيدِ (عدد الأحاديث) ص325

شرح الباب... 325

أقوال الخاصّة. 326

أقوال العامّة. 326

المتحصل من الأحاديث... 341

15- بَابُ أَنَّ أَكْلَ مَا غَيَّرَتِ النَّارُ بَلْ مُطْلَقَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاسْتِدْخَالَ أَيِّ شَيْ ءٍ كَانَ لَا

يَنْقُضُ الْوُضُوءَ

(عدد الأحاديث 5) ص343

شرح الباب... 343

أقوال الخاصّة. 343

أقوال العامّة. 344

بحث رجالي حول محمد بن أورمة.........................................................342

المتحصل من الأحاديث... 356

ص: 598

16- بَابُ أَنَّ اسْتِدْخَالَ الدَّوَاءِ وَخُرُوجَ النَّدَى وَالصُّفْرَةِ مِنَ الْمَقْعَدَةِ وَالنَّاصُورِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوء

(عدد الأحاديث 4) ص357

أقوال الخاصّة. 357

أقوال العامّة. 357

المتحصل من الأحاديث... 365

17- بَابُ أَنَّ قَتْلَ الْبَقَّةِ وَالْبُرْغُوثِ وَالْقَمْلَةِ وَالذُّبَابِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَكَذَا الْكَذِبُ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْأَئِمَّةِ (علیهم السلام) (عدد الأحاديث 1) ص367

شرح الباب... 367

الأقوال..................................................................................................357

المتحصل من الحديث... 370

18- بَابُ عَدَمِ وُجُوبِ إِعَادَةِ الْوُضُوءِ عَلَى مَنْ تَرَكَ الِاسْتِنْجَاءَ وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى وَوُجُوبِ إِعَادَةِ الصَّلَاةِ

حِينَئِذٍ

(عدد الأحاديث 9) ص371

شرح الباب... 371

أقوال الخاصّة. 371

أقوال العامّة. 372

ص: 599

المتحصل من الأحاديث... 390

19- بَابُ حُكْمِ صَاحِبِ السَّلَسِ وَالْبَطَنِ (عدد الأحاديث 9) ص382

شرح الباب... 393

أقوال الخاصّة. 393

أقوال العامّة. 394

المتحصل من الأحاديث... 407

تتميم في حكم دائم الحدث... 407

ثلاثة فروع حول المسلوس والمبطون.. 415

أَبْوَابُ أَحْكَامِ الْخَلْوَةِ..............................................................................423

1- بَابُ وُجُوبِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَتَحْرِيمِ النَّظَرِ إِلَى عَوْرَةِ الْمُسْلِمِ غَيْرِ الْمُحَلَّلِ رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَة (عدد الأحاديث 5) ص427

شرح الباب... 427

أقوال الخاصّة. 428

أقوال العامّة. 428

بحث رجالي في تمييز عبدالله بن محمد..................................................426

المتحصل من الأحاديث... 442

فروع حول ستر العورة. 444

ص: 600

2- بَابُ عَدَمِ جَوَازِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا عِنْدَ التَّخَلِّي وَكَرَاهَةِ اسْتِقْبَالِ الرِّيحِ وَاسْتِدْبَارِهَا وَاسْتِحْبَابِ اسْتِقْبَالِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِب (عدد الأحاديث 7) ص455

شرح الباب... 455

أقوال الخاصّة. 456

أقوال العامّة. 456

المتحصل من الأحاديث... 474

فروع ثلاثة حول التخلّي.. 475

الفرع الأول وفيه ثمانية أحكام. 475

الفرع الثاني.. 484

الفرع الثالث... 485

3- بَابُ اسْتِحْبَابِ تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ وَالتَّقَنُّعِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَة

(عدد الأحاديث 3) ص487

شرح الباب... 487

أقوال الخاصّة. 487

أقوال العامّة. 488

المتحصل من الأحاديث... 495

4- بَابُ اسْتِحْبَابِ التَّبَاعُدِ عَنِ النَّاسِ عِنْدَ التَّخَلِّي

وَشِدَّةِ التَّسَتُّرِ وَالتَّحَفُّظ (عدد الأحاديث 5) ص497

ص: 601

شرح الباب... 497

أقوال الخاصة........................................................................................486

أقوال العامّة. 498

المتحصل من الأحاديث... 507

5- بَابُ اسْتِحْبَابِ التَّسْمِيَةِ وَالِاسْتِعَاذَةِ وَالدُّعَاءِ بِالْمَأْثُورِ عِنْدَ دُخُولِ الْمَخْرَجِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ وَالْفَرَاغِ وَالنَّظَرِ إِلَى الْمَاءِ وَالْوُضُوء (عدد الأحاديث 10) ص509

شرح الباب... 509

أقوال الخاصّة. 510

أقوال العامّة. 510

بحث رجالي حول صباح الحذاء.............................................................517

المتحصل من الأحاديث... 530

6- بَابُ كَرَاهَةِ الْكَلَامِ عَلَى الْخَلَاء (عدد الأحاديث2) ص533

أقوال الخاصّة. 533

أقوال العامّة. 533

المتحصل من الحديثين.. 537

7- بَابُ عَدَمِ كَرَاهَةِ ذِكْرِ اللَّهِ وَتَحْمِيدِهِ وَقِرَاءَةِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ عَلَى الْخَلَاء (عدد الأحاديث 9) ص539

ص: 602

شرح الباب... 539

أقوال الخاصّة. 540

أقوال العامّة. 540

المتحصل من الأحاديث... 559

8- بَابُ عَدَمِ كَرَاهَةِ حِكَايَةِ الْأَذَانِ عَلَى الْخَلَاءِ وَاسْتِحْبَابِهِ

(عدد الأحاديث 3) ص561

شرح الباب... 561

أقوال الخاصّة. 561

أقوال العامّة. 562

المتحصل من الأحاديث... 568

فهارس الكتاب ص569

1- فهرس الأعلام المترجمين في الكتاب... 571

2- فهرس الكنی والألقاب... 577

3- فهرس الأسانيد.. 579

4- فهرس المصادر. 581

5- فهرس مطالب الكتاب... 593

ص: 603

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.