ايضاح الدلائل في شرح الوسائل المجلد 4

هوية الكتاب

بطاقة تعريف:الداوري، مسلم، 1318 -

عنوان العقد:وسائل الشیعة. شرح

عنوان المؤلف واسمه:ايضاح الدلائل في شرح الوسائل/ تقریرا لبحث سماحه مسلم الداوري (دام ظله)؛ بقلم السیدعباس الحسیني، محمدحسین البنای؛ تحقیق مؤسسة الإمام الرضا (علیه السلام) للبحث والتحقیق.

تفاصيل النشر:قم: دار زین العابدین، 1396 -

مواصفات المظهر: ج.

شابک:دوره 978-600-98461-4-6 : ؛ 500000 ریال: ج 1 978-600-98461-5-3 : ؛ 500000 ریال: ج 2 978-600-98461-6-0 : ؛ 400000 ریال: ج 3 978-600-98518-8-1 : ؛ 400000 ریال: ج 4 978-600-98518-9-8 : ؛ ج.5 978-622-7925-72-2 :

حالة الاستماع:فاپا

ملحوظة:أما المجلدان الرابع والخامس من هذا الكتاب فقد كتبهما محمد عيسى البناي.

ملحوظة:ج. 2 - 4 (چاپ اول: 1396).

ملحوظة:ج.5 (چاپ اول: 1401) (فیپا) .

ملحوظة:هذا الكتاب هو وصف الكتاب "وسائل الشیعه الی تحصیل مسائل الشریعة" اثر حرعاملی است.

ملحوظة:کتابنامه.

موضوع:حرعاملی، محمدبن حسن، 1033-1104ق . وسائل الشیعة -- نقد و تفسیر.

موضوع:احادیث شیعه -- قرن 11ق.

Hadith (Shiites) -- Texts -- 17th century

فقه جعفری -- قرن 11ق.

*Islamic law, Ja'fari -- 17th century

احادیث احکام

*Hadiths, Legal

معرف المضافة:حسینی، سیدعباس، 1329 -

معرف المضافة:بنای، محمدعیسی

معرف المضافة:حرعاملی، محمدبن حسن، 1033-1104ق . وسائل الشیعة. شرح

معرف المضافة:موسسه تحقیقاتی امام رضا (علیه السلام)

تصنيف الكونجرس:BP135/ح4و50214 1396

تصنيف ديوي:297/212

رقم الببليوغرافيا الوطنية:4980037

محرر رقمي:محمد منصوری

اطلاعات رکورد کتابشناسی:فاپا

العنوان: ايضاح الدلائل في شرح الوسائل الجزء الثاني

تحقيق: مؤسسة الإمام الرضا (علیه السلام) للبحث والتحقيق

الإخراج الفني: كمال زين العابدين

عدد الصفحات: 480 صفحة

ص: 1

اشارة

ص: 2

عکس

ص: 3

ص: 4

الصورة

ص: 5

ص: 6

19 - باب ما ينزح للفأرة والوزغة والسام أبرص والعقرب ونحوها

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

19 - باب ما ينزح للفأرة والوزغة والسام أبرص والعقرب ونحوها

شرح الباب:

الوزغة: الذي يظهر من ابن منظور في «اللسان»: أنّ الوزغ هو سام أبرص، قال: «الوزغ: دويبة. التهذيب: الوزغ سوام أبرص. ابن سيده : الوزغة سام أبرص» وأنّ (أبو بريص - كنية الوزغة - نقله عن ابن سيده)((1)).

ولكن بعض أهل اللغة نصوا على أنّ السام أبرص هو كبار الوزغ، كما نقله ابن منظور نفسه، حيث قال في «اللسان» أيضاً: «سام أبرص، مضاف غير مركب ولا مصروف: الوزغة، وقيل: هو من كبار الوزغ»((2)).

الأقوال:

أقوال الخاصّة:

الظاهر أنّ المشهور على أنّ الفأرة إذا تفسّخت نزح لها سبع دلاء، وعن صاحب «الجواهر»: أنّ على ذلك «الإجماع المحكي المعتضد بالشهرة، بل

ص: 7


1- - لسان العرب 8 : 459، مادة: «وزغ».
2- - لسان العرب 7 : 5، مادة: «برص».

يمكن تحصيله في حال التفسّخ»((1)).

وكذا إذا انتفخت، فقد حكى في «الجواهر» الإجماع عن «الغنية» عليه.

ولكن إذا وقعت الفأرة في البئر ولم تتفسّخ أو تنتفخ فينزح لها ثلاث دلاء، نقل ذلك في «الجواهر» عن «المقنعة» و«السرائر» و«التحرير» و«المعتبر» و«الذكرى» وظاهر «المختلف»((2)).

وفي «المختلف»: «قال الشيخ رحمه الله في النهاية والمبسوط: ينزح للعقرب ثلاث دلاء. وتبعه ابن البرّاج، وأبو الصلاح. ولم يتعرّض لها ابن حمزة وسلّار والشيخ المفيد رحمه الله.

وقال علي بن بابويه في رسالته: إذا وقعت فيها حيّة أو عقرب أو خنافس أو بنات وردان، فاستق منها للحيّة: سبع دلاء، وليس عليك فيما سواها شيء، وهو يدلّ على نفي وجوب النزح عن العقرب، وهو اختيار ابن إدريس»((3)).

أقوال العامّة:

قالت الحنفية: ولا يضرّ موت ما لا دم له سائل في البئر، كالعقرب والضفدع والسمك ونحوها.

وقالت المالكية: إذا كان الحيوان بحريّاً - كالسمك وغيره - ومات في

ص: 8


1- - جواهر الكلام 1 : 246.
2- - جواهر الكلام 1 : 248، وانظر: المقنعة: 66، والسرائر 1 : 77، وتحرير الأحكام 1 : 5، والمعتبر 1 : 72، وذكرى الشيعة 1 : 98، ومختلف الشيعة 1 : 203 - 205.
3- - مختلف الشيعة 1 : 212.

[476] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمُكَارِي، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِذَا وَقَعَتِ الْفَأْرَةُ فِي الْبِئْرِ فَتَسَلَّخَتْ فَانْزَحْ مِنْهَا سَبْعَ دِلَاءٍ»(1).

وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «فَتَفَسَّخَتْ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

البئر فإنّه لا ينجّس الماء، وإذا مات فيها حيوان برّي ليس له دم سائل - كالصرصار والعقرب - فإنّه لا ينجّسها((3)).

[1] - فقه الحديث:

قوله (علیه السلام) : «فتسلّخت»، أي: انكشط جلدها، قال ابن منظور: «سلخ: كشط الإهاب عن ذيه. سلخ الإهاب يسلخه ويسلخه سلخاً: كشطه»((4)).

وفي رواية أخرى «فتفسّخت»، أي: تقطّعت، قال ابن منظور: «يقال: وقع فلان فانفسخت قدمه، وفسخته أنا وتفسّخ عن العظم، وتفسّخ الجلد عن

ص: 9


1- تهذيب الأحكام 1 : 239، ح691، والاستبصار 1 : 39، ح110.
2- انظر: تهذيب الأحكام 1 : 238، ح687 و690. أقول: في هامش الاستبصار أنّ في نسخة: «فتفسّخت».
3- - الفقه على المذاهب الأربعة 1 : 45 - 47.
4- - لسان العرب 3 : 24، مادة: «سلخ».

العظم، ولا يقال إلّا لشعر الميتة وجلدها. وتفسّخت الفأرة في الماء: تقطّعت»((1)).

وعليه فالتفسّخ أشدّ من التسلّخ.

والحديث موافق لأحاديث سابقة في كون النزح سبع دلاء للفأرة، وفي هذا الحديث صرّح بالتفسّخ أو التسلّخ، وظاهره أنّه لم يحصل بذلك التغيّر أو النتن، وإلّا للزم النزح حتى يطيب الماء.

سند الحديث:

سبق أنّ أحمد بن محمد: هو أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، وأبوه هو محمد بن الحسن بن الوليد. وأمّا أحمد بن محمد الذي يروي عنه سعد بن عبد الله: فهو مشترك بين أحمد بن محمد بن عيسى وأحمد بن محمد بن خالد البرقي، فإنَّهما يرويان عن علي بن الحكم، ولكن الظاهر أنّه أحمد بن محمد بن عيسى؛ لأنّ رواياته عن علي بن الحكم أكثر، كما أسلفنا.

وأمّا عثمان بن عبد الملك: فهو الحضرمي، وهو مجهول.

وأمّا أبو سعيد المكاري: فهو هاشم بن حيّان، قال عنه النجاشي: «روىعن أبي عبد الله (علیه السلام) ، له كتاب يرويه جماعة»((2)).

ص: 10


1- - لسان العرب 3 : 45، مادة: «فسخ».
2- - رجال النجاشي: 436 / 1169.

وذكر في باب من اشتهر بكنيته: أنّ له كتاباً((1)).

وقال أيضاً في ترجمة ابنه الحسين: «كان هو وأبوه وجهين في الواقفة، وكان الحسين ثقة في حديثه»((2)). وقوله بوثاقة الابن يشعر بعدم وثاقة الأب، وكونه وجهاً عند الواقفة لا يعتبر به في التوثيق؛ لأنّه ليس بوجه عند الإماميّة.

وقال الشيخ في «الفهرست»: «أبو سعيد المكاري، له كتاب ، أخبرنا به جماعة»((3))، وعدّه في «رجاله» من أصحاب الإمام أبي عبد الله الصادق (علیه السلام) ((4)).

ولكنّه ورد في كتاب «نوادر الحكمة»، وروى عنه المشايخ الثقات((5)) ، فيمكن الجمع بين تضعيفه وتوثيقه بالقول بضعفه في المذهب، ووثاقته في الحديث.

فهذا السند ضعيف بعثمان بن عبد الملك، إلّا أنّه يمكن تصحيحه بكون كتاب أبي سعيد المكاري مشهوراً.

ص: 11


1- - رجال النجاشي: 460 / 1260.
2- - رجال النجاشي: 38 / 78.
3- - فهرست الطوسي: 278 / 879.
4- - رجال الطوسي: 319 / 4753.
5- - أُصول علم الرجال1 : 246، و ج2 : 221.

[477] 2- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادٍ وَفَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْفَأْرَةِ وَالْوَزَغَةِ تَقَعُ فِي الْبِئْرِ؟ قَالَ: «يُنْزَحُ مِنْهَا ثَلَاثُ دِلَاءٍ»(1).

وَعَنْهُ، عَنْ فَضَالَةَ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ، يَعْنِي: عَبْدَ اللَّهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ الفأرة كالوزغة ينزح لها ثلاث دلاء، وهذا الحكم مخالف لما تقدّم، فتحمل على أنّه أقل ما يجزي في الفأرة التي ماتت في البئر ولم تتفسّخ.

سند الحديث:

ذكر المصنّف سندين لهذا الحديث:

أولهما: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار». والمراد بحمّاد: هو حمّاد بن عيسى؛ لأنّ الحسين بن سعيد إنَّما يروي عنه، ولا يروي عن حمّاد بن عثمان إلّا قليلاً على فرض الثبوت، كما أسلفنا، والسند صحيح.

الثاني: سند الشيخ أيضاً في «التهذيب»، وهو صحيح.

ص: 12


1- تهذيب الأحكام 1 : 238، ح688، و245، ح706، والاستبصار 1 : 39، ح106.
2- تهذيب الأحكام 1 : 238، ح689.

[478] 3- وَعَنْهُ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي الْبِئْرِ؟ قَالَ: «سَبْعُ دِلَاءٍ»(1).

وَتَقَدَّمَ حَدِيثٌ آخَرُ مِثْلُهُ(2).

قَالَ الشَّيْخُ: مَا تَضَمَّنَ السَّبْعَ دِلَاءٍ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا قَدْ تَفَسَّخَتْ، وَالثَّلَاثَةَ إِذَا لَمْ تَتَفَسَّخْ؛ لِمَا سَبَقَ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

تقدّمت دلالته في الحديث الثالث من الباب السابع عشر من هذه الأبواب، ومثله الحديث الخامس من الباب الثامن عشر.

سند الحديث:

تقدّم الكلام في هذا السند، وأنّ القاسم: هو القاسم بن محمد الجوهري؛ لروايته عن علي بن أبي حمزة.

وعلي: هو علي بن أبي حمزة البطائني، فالسند معتبر على القول باعتبار روايات البطائني؛ لكونها قبل الوقف.

وللحديث طريق آخر، وهو طريق المحقّق في «المعتبر»، واعتباره مبنيّ على ما سبق في السند الأول.

ص: 13


1- تهذيب الأحكام 1 : 235، ح680، و238 ، ح690.
2- تقدّم في الحديث 3 من الباب 17، وفي الحديث 5 من الباب 18 من هذه الأبواب.
3- لما سبق في الحديث 1، 2 من هذا الباب.

[479] 4- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ أَبِي خَدِيجَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: سُئِلَ عَنِ الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي الْبِئْرِ؟ قَالَ: «إِذَا مَاتَتْ وَلَم تُنْتِنْ فَأَرْبَعِينَ دَلْواً، وَإِذَا انْتَفَخَتْ فِيهِ وَنَتَنَتْ نُزِحَ الْمَاءُ كُلُّهُ»(1).

قَالَ الشَّيْخُ: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ لَمْ يَعْتَبِرْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا.

-----------------------------------------------------------------------------

[4] - فقه الحديث:

هذا الحديث مخالف لما سبقه؛ فإنّه دالّ على نزح أربعين دلواً، وإذا أوجب موت الفأرة تغيّر الماء بسبب طول بقائها في الماء حتى انتفخت، فإنّه ينزح الماء كلّه، وهذا على القاعدة.

وحمل الشيخ - وهو ممن يرى وجوب النزح - نزح الأربعين على الاستحباب، ولم يذهب أحد من الأصحاب إلى وجوب هذا المقدار، وقد سبق في الحديث السابق تفصيله(قدس سره) بين ما إذا تفسّخت الفأرة في البئر فينزح سبع دلاء، وبين ما إذا لم تتفسّخ فيجب نزح ثلاثة فقط.

وأمّا من يرى استحباب النزح، فنزح هذا المقدار محمول عنده على الأفضليّة.

ص: 14


1- تهذيب الأحكام 1 : 239، ح692، والاستبصار 1 : 40، ح111.

سند الحديث:

فيه: محمد بن الحسين: وهو محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، الثقة.

وفيه: عبد الرحمن بن أبي هاشم: والظاهر أنّه عبد الرحمن بن محمد بن أبي هاشم البجلي، وهو منسوب إلى جدّه في هذا السند، قال عنه النجاشي: «أبو محمد جليل من أصحابنا ثقة ثقة، له كتاب نوادر»((1)).

وورد في كتاب «نوادر الحكمة»((2)).

وأمّا أبو خديجة: فهو سالم بن مكرم، وقد يكنّى بأبي سلمة، قال عنه النجاشي: «يقال: أبو سلمة الكناسي ... ثقة ثقة، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (علیهما السلام) ، له كتاب يرويه عنه عدّة من أصحابنا»((3)).

وقد ذكر الكشي عن علي بن الحسن بن فضّال: أنّه صالح((4)).

وضعّفه الشيخ في «الفهرست» فقال: «ضعيف، له كتاب»((5))، وفي «الاستبصار» حيث قال: «وهو ضعيف عند أصحاب الحديث لما لا احتياجإلى ذكره»((6)).

ص: 15


1- - رجال النجاشي: 236 / 623.
2- - أُصول علم الرجال 1 : 226.
3- - رجال النجاشي: 188 / 501.
4- - اختيار معرفة الرجال 2 : 641.
5- - فهرست الطوسي: 141 / 337.
6- - الاستبصار 2 : 36، ح110.

[480] 5- وَعَنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ وَالْحَسَنِ ابْنِ مُوسَى الْخَشَّابِ جَمِيعاً، عَنْ يَزِيدَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ هَارُونَ بْنِ حَمْزَةَ الْغَنَوِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْفَأْرَةِ وَالْعَقْرَبِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ يَقَعُ فِي الْمَاءِ(1) فَيَخْرُجُ حَيّاً، هَلْ يُشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ وَيُتَوَضَّأُ مِنْهُ؟ قَالَ: «يُسْكَبُ مِنْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. وَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ. ثُمَّ يُشْرَبُ مِنْهُ وَيُتَوَضَّأُ مِنْهُ، غَيْرَ الْوَزَغِ فَإِنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِمَا يَقَعُ فِيهِ»(2).

أَقُولُ: الْمُرَادُ بِهَذَا اسْتِحْبَابُ الِاجْتِنَابِ لَا لِلنَّجَاسَةِ، بَلْ لِخَوْفِ السَّمِّ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الصَّدُوقِ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

وقد أشبعنا البحث في شأنه في كتابنا «أُصول علم الرجال»، وبيّنّا إمكان الاعتماد على توثيق النجاشي له((4)).

وعلى هذا فالسند معتبر.

[5] - فقه الحديث:

ظاهره خلاف ما تقدّم من الأحاديث، لكن فيه وقوع المذكورات في

ص: 16


1- في نسخة: البئر. (منه(قدس سره) ).
2- تهذيب الأحكام 1 : 238، ح690، والاستبصار 1 : 41، ح113.
3- راجع: من لا يحضره الفقيه 1 : 21، ح32.
4- - أُصول علم الرجال 2 : 361 - 368.

الماء، وكلامنا في وقوعها في البئر. هذا على هذه النسخة. إلّا أن يقال بشمول الماء للبئر أيضاً؛ بقرينة: «يقع في الماء فيخرج حيّاً».

نعم، في نسخة أُخرى ذكرها الماتن(قدس سره) يكون الحديث داخلاً فيما نحن فيه.

لكن بقرينة قوله (علیه السلام) : «يسكب منه» يراد غير البئر. ولو أراد البئر لقال: ينزح منه.

سند الحديث:

المراد من الضمير في «عنه» هو محمد بن أحمد بن يحيى.

وأمّا يزيد بن إسحاق: فهو يزيد بن إسحاق شعر، قال الكشّي: «إنّه كان من أرفع الناس لهذا الأمر»((1))، أي: الولاية، وهذا مدح عظيم. وعدّه الشيخ من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ((2)) ، وقال عنه النجاشي: «يزيد بن إسحاق بن أبي السخف (السحف) الغنوي، أبو إسحاق، يلقب شعر (شغر)، له كتابيرويه جماعة»((3)).

وقد ورد في أسناد كتاب «نوادر الحكمة»((4)).

وأمّا هارون بن حمزة الغنوي: فقال عنه النجاشي: «هارون بن حمزة

ص: 17


1- - اختيار معرفة الرجال 2 : 864.
2- - رجال الطوسي: 324 / 4847.
3- - رجال النجاشي: 453 / 1225.
4- - أُصول علم الرجال 1 : 243.

[481] 6- وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) مَا يَدُلُّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِنَزْحِ ثَلَاثَةِ دِلَاءٍ لِلْفَأْرَةِ، بَلْ دَلْوَيْنِ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

الغنوي الصيرفي، كوفي، ثقة عين، روى عن أبي عبد الله (علیه السلام) ، له كتاب يرويه جماعة»((2)).

وقال الشيخ في الفهرست: (له كتاب رواه يزيد بن إسحاق شعر عنه)((3)).

وعدّه الشيخ المفيد في «رسالته العدديّة» من الرؤساء الأعلام المأخوذ عنهم الحلال والحرام((4)).

وورد في أسناد كتاب «نوادر الحكمة»((5))، فالسند معتبر.

[6] - فقه الحديث:

تقدّمت دلالته في الحديث الثالث من الباب الثامن عشر.

سند الحديث:

تقدّم أنّه موثّق.

ص: 18


1- تقدّم في الحديث 3 من الباب 18 من هذه الأبواب.
2- - رجال النجاشي: 437 / 1177.
3- - فهرست الطوسي: 260 : 786.
4- - جوابات أهل الموصل: 40.
5- - أُصول علم الرجال 1 : 342.

[482] 7- وَعَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ ابْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبَانٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُثَيْمٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : سَامُّ أَبْرَصَ وَجَدْنَاهُ قَدْ تَفَسَّخَ فِي الْبِئْرِ؟ قَالَ: «إِنَّمَا عَلَيْكَ أَنْ تَنْزَحَ مِنْهَا سَبْعَ دِلَاءٍ»(1)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

[7] - فقه الحديث:

تقدّمت دلالته في الحديث التاسع عشر من الباب الرابع عشر.

سند الحديث:

ذكر الماتن لهذا الحديث سندين:الأول: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»، وتقدّم أن السند معتبر.

وأحمد بن محمد - في أول السند - : هو أحمد بن محمد بن يحيى، وأبوه: هو محمد بن يحيى العطّار.

فائدة رجالّية

إذا روى الشيخ الطوسي عن المفيد، عن أحمد بن محمد، عن أبيه، فالظاهر أنّه أحمد بن محمد بن الوليد؛ لأن الغالب في رواية المفيد كونها

ص: 19


1- 1*) تهذيب الأحكام 1 : 245، ح707، والاستبصار 1 : 41، ح114، ومن لا يحضره الفقيه 1 : 15، ح32، وتقدّم بتمامه في الحديث 19 من الباب 14 من هذه الأبواب.

عن أحمد بن محمد بن الوليد.

وإذا روى الشيخ الطوسي عن الحسين بن عبيد الله، عن أحمد بن محمد، عن أبيه، فهو أحمد بن محمد بن يحيى العطّار.

وقد قلنا بوثاقة أحمد هذا في كتابنا «أُصول علم الرجال»؛ لترضّي الشيخ الصدوق عنه.

وعلى فرض التنزّل عن ذلك فإنّ رواياته عن أبيه معتبرة((1)).

الثاني: سند الصدوق في «الفقيه» إلى يعقوب بن عثيم، ويأتي في ذيل الحديث الثامن، وقد سبق في سند الحديث التاسع عشر من الباب الرابع عشر أنّه عبارة عن طريقين معتبرين، فالسند معتبر.

ص: 20


1- - أُصول علم الرجال 2 : 338 - 341.

[483] 8- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) عَنِ السَّامِّ أَبْرَصَ (يَقَعُ فِي الْبِئْرِ)(1)؟ فَقَالَ: «لَيْسَ بِشَيْ ءٍ، حَرِّكِ الْمَاءَ بِالدَّلْوِ (فِي الْبِئْرِ)(2)»(3).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ أَيْضاً بِإِسْنَادِهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ(4). وَالَّذِي قَبْلَهُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُثَيْمٍ.

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، عَنْ جَابِرٍ، مِثْلَهُ(5).

قَالَ الشَّيْخُ: الْخَبَرُ الْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ؛ لِأَنَّ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ لَا يَفْسُدُ بِمَوْتِهِ الْمَاءُ، وَالسَّامُّ أَبْرَصَ مِنْ ذَلِكَ(6).

-----------------------------------------------------------------------------

[8] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على نفي البأس عن ماء البئر الذي وقع فيه السام أبرص، فالماء لا يفسد بوقوعه فيه، ولا يلزم نزح شيء من الماء، ولعلّ الأمر

ص: 21


1- في نسخة: في البئر ليس قربه (هامش المخطوط). وفي المصدر: في الماء.
2- ليس في المصدر.
3- تهذيب الأحكام 1 : 245، ح708، والاستبصار 1 : 41، ح115.
4- من لا يحضره الفقيه 15 : 1، ح31.
5- الكافي 5 : 3، ح5.
6- الاستبصار 1 : 41.

بتحريك الماء بالدلو لإزالة ما يحصل في النفس من النفرة بسبب وقوع السام أبرص في الماء، أو لأجل أن يستهلك سمّه في الماء.

وقد أضاف الشيخ في «التهذيب»: أنّ الاكتفاء بتحريك الماء إذا لم يكن تفسّخ؛ لأنّه إذا تفسّخ نزح منها سبع دلاء كما مرّ((1)).

إسناد الشیخ الصدوق إلی جابر بن يزيد الجعفي

سند الحديث:

ذكر الماتن ثلاثة أسانيد لهذا الحديث:

الأول: سند الشيخ إلى جابر بن يزيد الجعفي، وهو عبارة عن طرق لكتابيه:

أحدها: طريقه لأصله: أخبرنا به ابن أبي جيّد، عن ابن الوليد، عن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن المفضل بن صالح، عنه.

ورواه حميد بن زياد، عن إبراهيم بن سليمان، عن جابر.

ثانيها: طريقه لكتابه التفسير: أخبرنا به جماعة من أصحابنا، عن أبي محمد هارون بن موسى التلعكبري، عن أبي علي بن همام، عن جعفر بن محمد بن مالك ومحمد بن جعفر الرزّاز، عن القاسم بن الربيع، عن محمدبن سنان، عن عمّار بن مروان، عن منخل بن جميل، عن جابر بن يزيد((2)).

ص: 22


1- - تهذيب الأحكام 1 : 245.
2- - فهرست الطوسي: 95 / 185.

وهو ضعيف بالقاسم بن الربيع ومنخل بن جميل، قال النجاشي: «منخل بن جميل الأسدي بيّاع الجواري، ضعيف فاسد الرواية»((1)). وقال في ترجمة جابر بن يزيد الجعفي: «روى عنه جماعة غمز فيهم وضعّفوا، منهم: عمرو بن شمر، ومفضل بن صالح، ومنخل بن جميل»((2)). وعن الكشّي: «قال محمد بن مسعود: سألت علي بن الحسن عن المنخل بن جميل؟ فقال: هو لا شيء، متّهم بالغلو»((3)).

الثاني: سند الصدوق إلى جابر بن يزيد الجعفي، وهو: محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه، عن عمّه محمد بن أبي القاسم، عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي، عن أبيه، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفي((4)).

وفيه: عمرو بن شمر، وهو أحد الراوين المضعّفين عن جابر، فالطريق ضعيف به، إلّا أنّه يمكن تصحيح رواياته كما تقدّم((5)

لوروده في أسنادكتاب «نوادر الحكمة» وفي «التفسير»، فيمكن الجمع بين التضعيف والتوثيق بالقول: إنّ الضعف في مذهبه لا في روايته، فيكون السند معتبراً.

ص: 23


1- - رجال النجاشي: 421 / 1127.
2- - رجال النجاشي: 128 / 332.
3- - اختيار معرفة الرجال 2 : 664.
4- - من لا يحضره الفقيه 4 : 424 ، المشيخة.
5- - إيضاح الدلائل 1 : 524.

[484] 9- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: قُلْتُ: بِئْرٌ يَخْرُجُ فِي مَائِهَا قِطَعُ جُلُودٍ؟ قَالَ: «لَيْسَ بِشَيْ ءٍ، إِنَّ الْوَزَغَ رُبَّمَا طُرِحَ جِلْدُهُ»، وَقَالَ: «يَكْفِيكَ دَلْوٌ مِنْ مَاءٍ»(1).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُثَيْمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «دَلْوٌ وَاحِدٌ»(2).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ أَيْضاً بِإِسْنَادِهِ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُثَيْمٍ، نَحْوَهُ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

الثالث: سند الكليني، وقد تقدّمت رجاله، وفيه: محمد بن سالم، وقد سبق أنّه مشترك، والظاهر انطباقه على محمد بن سالم السجستاني الذي لم يرد فيه شيء، فهذا السند غير معتبر، إلّا أن يقال باعتبار الحديث؛ لوجوده في «الكافي».

[9] - فقه الحديث:

قوله (علیه السلام) : «ليس بشيء» يدلّ على نفي البأس عن وجود أجزاء الوزغ في ماء البئر، بعد إلغاء خصوصيّة جلده، بل عن وجود أجزاء كل ما لا نفس له سائلة، بعد إلغاء الخصوصيّة عن الوزغ أيضاً.

ص: 24


1- الكافي 3 : 6، ح9.
2- من لا يحضره الفقيه 1 : 15، ح30.
3- تهذيب الأحكام 1 : 419، ح1325.

سند الحديث:

ذكر الماتن ثلاثة أسانيد لهذا الحديث:

الأول: سند الكليني، وهو مرسل.

لكن عبد الله بن المغيرة من أصحاب الإجماع، فعلى القول بأنّ معنى تصحيح ما يصحّ عنهم هو صحة الأحاديث التي تنتهي إليهم بطريق صحيح، فإنّ الحديث معتبر ولو لم نعلم الواسطة بينه وبين الإمام (علیه السلام) ، وكذا على القول بصحة أحاديث «الكافي».

الثاني: سند الصدوق في «الفقيه»، المتقدّم في الحديث التاسع عشر من الباب الرابع عشر من هذه الأبواب، وقد سبق أنّه معتبر.

الثالث: سند الشيخ في «التهذيب». وسنده إلى يعقوب بن عثيم غير موجود لا في «الفهرست»، ولا في مشيختي «التهذيب» و«الاستبصار»، وإن كانت طرق الصدوق طرقاً للشيخ وهو كافٍ في الاعتبار، لكن الشيخ ذكر طريقاً لنفس هذا الحديث مرّ ذكره في الحديث التاسع عشر من الباب الرابع عشر من هذه الأبواب، وهو: بإسناده - أي: الشيخ - عن محمد بن عليبن محبوب، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن أبان، عن يعقوب بن عثيم، عن أبي عبد الله (علیه السلام) ، وقد تقدّم أنّه معتبر.

ص: 25

[485] 10- وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَحَادِيثَ مُتَعَدِّدَةٍ الْأَمْرُ بِنَزْحِ سَبْعِ دِلَاءٍ لِلْفَأْرَةِ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[10] - فقه الحديث:

تقدّم الأمر بنزح سبع دلاء لوقوع الفأرة في الأحاديث: الثاني عشر والثالث عشر من الباب الرابع عشر، والأول والثالث من هذا الباب، وغيرها كما مرّ في الأبواب الخامس عشر والسابع عشر والثامن عشر.

سند الحديث:

تقدّمت أسانيد الجميع.

ص: 26


1- تقدّم في الحديثين 12، 13 من الباب 14 من هذه الأبواب. وفي الحديث 5 من الباب 15 من هذه الأبواب. وفي الأحاديث 3، 4، 11 من الباب 17 من هذه الأبواب. وفي الأحاديث 1، 2، 5 من الباب 18 من هذه الأبواب. وفي الحديثين 1، 3 من هذا الباب.

[486] 11- وَفِي بَعْضِهَا خَمْسُ دِلَاءٍ(1).

[487] 12- وَفِي حَدِيثٍ: يُنْزَحُ الْمَاءُ كُلُّهُ(2)2*).

وَحَمَلَهُ الشَّيْخُ عَلَى التَّغَيُّرِ .

-----------------------------------------------------------------------------

[11] - فقه الحديث:

تقدّم في الحديث السابع من الباب السابع عشر.

سند الحديث:

تقدّم السند، وقلنا: إنّه عبارة عن أربعة طرق، اثنان منها من الصحيح الأعلائي، وواحد صحيح، وواحد معتبر.

[12] - فقه الحديث:

سبق أنّه محمول على تغيّر الماء بوقوعها فيه، فاللازم نزحها كلّها على القاعدة، فلا ينافي ما سبق من الأحاديث.

سند الحديث:

تقدّم أنّه موثق.

ص: 27


1- تقدّم في الحديث 7 من الباب 17 من هذه الأبواب.
2- 2*) تقدّم في الحديث 8 من الباب 17 من هذه الأبواب.

[488] 13- وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ نَزْحِ شَيْ ءٍ لِلْعَقْرَبِ وَأَشْبَاهِهِ(1)و(2).

[489] 14- عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ فِي كِتَابِهِ، عَنْ أَخِيهِ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي بِئْرٍ فَمَاتَتْ، هَلْ يَصْلُحُ الْوُضُوءُ مِنْ مَائِهَا؟ قَالَ: «انْزَحْ مِنْ مَائِهَا سَبْعَ دِلَاءٍ ثُمَّ تَوَضَّأْ وَلَا بَأْسَ»، قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي بِئْرٍ فَأُخْرِجَتْ وَقَدْ تَقَطَّعَتْ، هَلْ يَصْلُحُ الْوُضُوءُ مِنْ مَائِهَا؟ قَالَ: «يُنْزَحُ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْواً إِذَا تَقَطَّعَتْ ثُمَّ يُتَوَضَّأُ وَلَا بَأْسَ»(3)3*).

-----------------------------------------------------------------------------

[13] - فقه الحديث:

مرّ هذا الحكم في الحديث الخامس من هذا الباب. كما مرّ أنّ الحديث الحادي عشر من الباب السابع عشر يدلّ على أنّ ما لا نفس له سائلة كالعقرب والخنفس لا يوجب وقوعه نزح شيء من الماء.

سند الحديث:

سبق أنّ الحديث الخامس من هذا الباب معتبر، وقد مرّ أن الحديث الحاديعشر من الباب السابع عشر له سندان معتبران.

ص: 28


1- تقدّم في الحديث 5 من هذا الباب، وفي آخر الحديث 11 من الباب 17 من هذه الأبواب.
2- في هامش المخطوط: «قد تقدّم ما يدلّ على عدم وجوب نزح شيء للفأرة وغيرها». (منه(قدس سره) ). وتقدّم في الأحاديث 9، 13، 14 من الباب 14 من هذه الأبواب.
3- 3*) مسائل علي بن جعفر: 198، ح422.

[490] 15- وَسَيَأْتِي فِي حَدِيثِ مِنْهَالٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) الْأَمْرُ بِنَزْحِ عَشْرِ دِلَاءٍ لِلْعَقْرَبِ(1).

أَقُولُ: قَدْ عَرَفْتَ وَجْهَ الِاخْتِلَافِ، وَوَجْهَ الْجَمْعِ سَابِقاً.

-----------------------------------------------------------------------------

[14] - فقه الحديث:

دلّ جواب السؤال الأول - وهو عن وقوع فأرةٍ - على لزوم نزح سبع دلاء، وهو موافق لما مرّ من الأحاديث.

وأمّا جواب السؤال الثاني - وهو عن تقطّع الفأرة الملازم لتغيّر بعض الماء - فقد دلّ على لزوم نزح عشرين دلواً، وهو خلاف ما تقدّم من تقدير النزح في الفأرة المتفسّخة، وهذا يدل على أنّ هذه التقديرات ليست للدلالة على انفعال الماء بالنجاسة كما تقدّم.

سند الحديث:

السند معتبر كما مرّ مراراً.

[15] - فقه الحديث:

هذا التقدير لم يسبق في أحاديث الباب، فإنّ الوارد السكب من الماءثلاث مرات، أو أنّه ليس فيه شيء، ولعلّ الأمر بالعشر دلاء هنا لأنّه يظهر من بقيّة الحديث أنّه حصل منها بعض التغيّر؛ فقد قال الراوي بعد ذلك: «قلت:

ص: 29


1- يأتي في الحديث 7 من الباب 22 من هذه الأبواب.

فغيرها من الجيف؟» مما يعني أنها صارت جيفة وغيّرت بعض الماء.

سند الحديث:

فيه: منهال: وهو لم يرد فيه توثيق، وهو منهال بن عمرو الأسدي. عدّه الشيخ في «الرجال» من أصحاب الإمام الباقر (علیه السلام) ، وقال: «منهال بن عمرو الأسدي، مولاهم»((1))

، وقال في أصحاب الصادق (علیه السلام) : «مولاهم كوفي، روى عن علي بن الحسين وأبي جعفر وأبي عبد الله (علیهم السلام) »((2)).

وفي «مستدركات علم الرجال»: أنّه من أصحاب الحسين والسجاد والباقر والصادق صلوات الله عليهم((3)).

وحيث إنّه وقع في أسناد كتاب «نوادر الحكمة» ولم يستثنه ابن الوليد((4)

فهو ثقة.

المتحصل من الأحادیث

فالسند معتبر.

والحاصل: أنّ في الباب خمسة عشر حديثاً، اثنان منها صحاح وهما الثاني والحادي عشر، واثنان موثقان وهما السادس والثاني عشر، والبقيّةمعتبرة.

ص: 30


1- - رجال الطوسي: 147 / 1630.
2- - رجال الطوسي: 306 / 4513.
3- - مستدركات علم رجال الحديث 7 : 515 / 15263.
4- - أُصول علم الرجال 1 : 241.

20 - باب ما ينزح للعذرة اليابسة والرطبة وخرء الكلاب وما لا نص فيه

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

20 - باب ما ينزح للعذرة اليابسة والرطبة وخرء الكلاب وما لا نص فيه

شرح الباب:

المراد بالعذرة: فضلة الإنسان. والمراد بذوبانها في الماء هو تفرّق أجزائها في الماء وشيوعها فيه، ويكفي فيه ذوبان بعضها؛ لعدم الفرق بين القليل والكثير.

وهذا الباب يتضمّن حكم عذرة الإنسان بنوعيها اليابسة والرطبة، وخرء الكلاب، وكل ما لم يرد فيه تحديد في النصوص. والمراد بغير المنصوص: ما لم يثبت حكمه بدليل نقلي. قال صاحب «المدارك»: «اعلم: أنّ المراد بالنص هنا مطلق الدليل النقلي، سواء كان قولاً أو فعلاً، نصّاً بالمعنى المصطلح عليه أو ظاهراً، فيكون المراد بغير المنصوص ما لم يثبت حكمه بدليل نقلي»((1)).

ص: 31


1- - مدارك الأحكام 1 : 101.

الأقوال:

أقوال الخاصّة:

قال صاحب «السرائر»: «وينزح لعذرة ابن آدم الرطبة أو اليابسة المذابة المقطّعة خمسون دلواً، فإن كانت يابسة غير مذابة ولا مقطّعة فعشر دلاء بغير خلاف»((1)).

ونقل الشهرة في «الجواهر» عن «الذكرى» و«كشف اللثام»، ووافقهم فقال: «فالحكم بتحتّم الخمسين هو المشهور كما في الذكرى وكشف اللثام، وهو كذلك، ولعلّه يشمله نفي الخلاف المتقدّم في عبارة السرائر»((2)).وأمّا ما لا نص فيه: فهذه المسألة لا تجري عند القائلين بالطهارة؛ لأنّ استحباب النزح أو وجوبه تعبّداً موقوف على ورود الأمر به، والمفروض عدمه.

وأمّا القائلون بالنجاسة فقد اختلفوا فيها على أقوال، كما في «المدارك»((3)).

أشهرها: ما اختاره المحقّق (رحمه الله) من وجوب نزح الجميع إن أمكن، وإلّافالتراوح((4)).

ص: 32


1- - السرائر 1 : 79.
2- - جواهر الكلام 1 : 230.
3- - مدارك الأحكام 1 : 99.
4- - شرائع الإسلام 1 : 11.

وثانيها: وجوب نزح أربعين، اختاره العلامة في جملة من كتبه((1))، وحكاه في «المختلف» عن ابن حمزة((2))، والشيخ في «المبسوط»، قال فيه: «كل نجاسة تقع في البئر وليس فيها مقدّر منصوص فالاحتياط يقتضي نزح جميع الماء. وإن قلنا بجواز أربعين دلواً منها - لقولهم (علیهم السلام) : ينزح منها أربعون دلواً وإن صارت مبخرة - كان سائغاً. غير أنّ الأول أحوط»((3)).

وظاهره الاعتماد في ذلك على حديث كردويه الآتي، ولكن قال صاحب «المدارك»: «وهذه الرواية لم نقف عليها في شيء من الأُصول»، كما أنّ الشهيد الأول قال في «شرح الإرشاد»: «والحجّة منظور فيها؛ فإنّ هذا الحديث المرسل غير معروف في نقل، ولا موجود في أصل. وإنَّما الرواية المتضمّنة لفظ (مبخرة) نقلها الشيخ وغيره عن ابن أبي عمير ومحمّد بن زكريّا، عن كردويه أنّه سأل أبا الحسن (علیه السلام) عن بئر يدخلها ماء المطر فيه البول والعذرة وخرء الكلاب، قال: ينزح منها ثلاثون دلواً وإن كانت مبخرة» ((4)).

وثالثها: الاكتفاء فيه بنزح ثلاثين. حكاه الشهيد الأول في «شرح الإرشاد» عن السيد جمال الدين بن طاووس في «البشرى»، ونفى عنه البأس((5)).

ص: 33


1- - إرشاد الأذهان 1 : 237، ولم نعثر على هذا القول في بقيّة كتبه، وفي المعالم 1 : 270: وهو اختيار العلامة في بعض كتبه.
2- - مختلف الشيعة 1 : 216، وانظر: الوسيلة: 74 - 75.
3- - المبسوط 1 : 12.
4- - غاية المراد في شرح الإرشاد 1 : 78.
5- - انظر: مدارك الأحكام 1 : 99 - 100.

فالحاصل: أنّ في ما لا نصّ فيه أربعة أقوال:

1- نزح ثلاثين. 2- نزح أربعين. 3- نزح جميع الماء. 4- عدم نزح شيء.

أقوال العامة:

أما الحنابلة؛ فقد قال في «المغني»: «ما يمكن نزحه إذا بلغ قلتين فلا يتنجس بشيء من النجاسات إلّا ببول الآدميين أو عذرتهم المائعة فإنّ فيه روايتين عن أحمد أشهرهما أنّه ينجس بذلك، روي نحو هذا عن علي والحسن البصري»، وكذلك إذا ما سقط فيه شيء نجس((1)).

وأما الشافعية فعندهم أنّ ماء البئر كغيره ينجس إن كان دون القلتين، وإن كان أزيد فلا، ثم إن تنجس وهو قليل لم يطهر بالنزح؛ قال في «المجموع»: «لأنّه إذا نزح بقي قعر البئر نجساً، وقد يتنجس جدران البئر بالنزح أيضاً، بل ينبغي أن يترك ليزداد فيبلغ حدّ الكثرة، فإن كان نبعها قليلاً لا يتوقع كثرته صب فيها ماء ليبلغ الكثرة ويزول التغير إن كان تغير، وإن كان الماء كثيراً طاهراً وتفتّت فيه نجاسة كفأرة تمعّط شعرها بحيث يغلب على الظن أنّه لا يخلو دلو عن شعرة، فإن لم يتغيّر فهو طهور كما كان لكنيتعذّر استعماله، فالطريق إلى ذلك أن يستقى الماء كلّه ليذهب الشعر معه، فإن كانت العين فوارة وتعذّر نزح الجميع فلينزح ما يغلب على الظن أنّ الشعر خرج كلّه»((2)).

ص: 34


1- - المغني 1 : 37.
2- - المجموع 1 : 148.

وأما الحنفية فقالوا: «إذا وقعت في البئر نجاسة نزحت فتكون طهارة لها بإجماع السلف، ومسائل الآبار مبنية على اتباع الآثار دون القياس، فإن وقعت فيها بعرة أو بعرتان من بعر الإبل أو الغنم لم تفسد الماء؛ استحساناً للضرورة، ولا ضرورة في الكثير، وهو ما يستكثره الناظر إليه في المروي عن أبي حنيفة رحمه الله وعليه الاعتماد، ولا فرق بين الرطب واليابس، والصحيح والمنكسر، والروث والخِثي والبعر؛ لأنّ الضرورة تشمل الكل»((1)).

وأما المالكيّة فقد اشتركوا مع الحنابلة والشافعية في أنّه «إذا تنجّس ماء البئر فإنّ التكثير طريق تطهيره عند تنجّسها إذا زال التغيّر. ويكون التكثير بالترك حتّى يزيد الماء ويصل حدّ الكثرة، أو بصبّ ماء طاهر فيه حتّى يصل هذا الحدّ. وأضاف المالكيّة طرقاً أخرى؛ إذ يقولون: إذا تغيّر ماء البئر بتفسّخ الحيوان - طعماً أو لوناً أو ريحاً - يطهر بالنزح، أو بزوال أثر النجاسة بأيّ شيء، بل قال بعضهم: إذا زالت النجاسة من نفسها طهر. وقالوا في بئرالدار المنتنة: طهور مائها بنزح ما يذهب نتنه»((2)).

ص: 35


1- - الهداية شرح بداية المبتدي 1 : 152.
2- - الموسوعة الفقهية 1 : 85.

[491] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، يَعْنِي: ابْنَ الْحَسَنِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَالصَّفَّارِ جَمِيعاً، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ بَحْرٍ(1) ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْعَذِرَةِ تَقَعُ فِي الْبِئْرِ، فَقَالَ: «يُنْزَحُ مِنْهَا عَشْرُ دِلَاءٍ، فَإِنْ ذَابَتْ فَأَرْبَعُونَ أَوْ خَمْسُونَ دَلْواً»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على نزح عشر دلاء للعذرة. ويفهم بقرينة المقابلة من قوله: «فإن ذابت» أنَّها العذرة التي لم تذب ولم تتفتّت. وأمّا العذرة التي ذابت فجاء التقدير فيها بأربعين أو خمسين دلواً.

وقد قيل: إنّ الترديد ب- «أو» من الراوي، كما قيل بعدم معقوليّة التخيير بين الأقل وهو الأربعون، والأكثر وهو الخمسون، ولاسيّما في مقام التطهير، فيتعيّن إرادة الخمسين؛ لاستصحاب النجاسة، وعدم حصول اليقين بالطهارة لو نزح الأقل، وليس المقام من التخيير، بل قد تكون هذه العبارة - لو لمتكن من الراوي - من المجمل، ألقاها الإمام (علیه السلام) لمصلحة اقتضاها المقام،

ص: 36


1- في نسخة: يحيى، (هامش المخطوط).
2- تهذيب الأحكام 1 : 244، ح702، والاستبصار 1 : 41، ح116، ويأتي صدره في الحديث 4 من الباب 22 من هذه الأبواب.

فيكون التكليف الظاهري حينئذٍ لزوم الخمسين.

هذا، ولكنّك عرفت: أنّ هذا كلّه مبني على القول بالنجاسة، وعرفت: أنّ البئر لا تنفعل بالنجاسة، فلا لزوم لهذه الاحتمالات. ويكون الترديد بين الأقل والأكثر - على فرض كونه صادراً من الإمام (علیه السلام) - لغرض بيان ما تزول به الكراهة والاستقذار؛ فإنّ الآبار مختلفة فيما تندفع به النفرة باعتبار قلّة الماء وكثرته، أو يكون لبيان درجات الأفضليّة .

سند الحديث:

أحمد بن محمد الذي يروي عنه سعد بن عبد الله ومحمد بن الحسن الصفار هو أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري.

وفي السند: عبد الله بن بحر: وهو ممّن لم يرد في حقّه توثيق خاص، لكنّه ورد في أسناد كتاب «نوادر الحكمة» و «تفسير القمّي»((1)). وورد في نسخة بعنوان «عبد الله بن يحيى»، وهو أيضاً لا توثيق خاص له، إلّا أنّه ورد في «تفسير القمّي»((2))، فعلى هذا يكون السند معتبراً.

ص: 37


1- - أُصول علم الرجال 1 : 227، 283.
2- - المصدر نفسه 1 : 283.

[492] 2- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْعَذِرَةِ تَقَعُ فِي الْبِئْرِ، قَالَ: «يُنْزَحُ مِنْهَا عَشْرُ دِلَاءٍ، فَإِنْ ذَابَتْ فَأَرْبَعُونَ أَوْ خَمْسُونَ دَلْواً»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

دلالته كالسابق.

سند الحديث:

محمد بن يحيى: هو محمد بن يحيى العطّار، وأحمد بن محمد: هو أحمد بن محمد بن عيسى، والقاسم بن محمد: هو القاسم بن محمد الجوهري، وعلي بن أبي حمزة: هو علي بن أبي حمزة البطائني، والسند ضعيف به. لكنّا قدّمنا غير مرّة إمكان اعتبار رواياته.

ص: 38


1- الكافي 3 : 7، ح11.

[493] 3- وَقَدْ سَبَقَ حَدِيثُ كُرْدَوَيْهِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (علیه السلام) فِي بِئْرٍ يَدْخُلُهَا مَاءُ الْمَطَرِ فِيهِ الْبَوْلُ وَالْعَذِرَةُ وَأَبْوَالُ الدَّوَابِّ وَأَرْوَاثُهَا وَخُرْءُ الْكِلَابِ، قَالَ: «يُنْزَحُ مِنْهَا ثَلَاثُونَ دَلْواً وَإِنْ كَانَتْ مُبْخِرَةً»(1)و(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

قال في «القاموس»: «البخر: فعل البخار. بخرت القدر، كمنع، وبالتحريك: النتن في الفم وغيره، بخر، كفرح ، فهو أبخر، وأبخره الشيء، وكل رائحة ساطعة: بخر»((3)).

فدلّ الحديث على نزح الثلاثين، وإن كانت البئر مبخرة، أي: منتنة.

الفرق بين هذا الحديث والحديثين السابقين

والفرق بين هذا الحديث والأحاديث السابقة في أنّ الأحاديث السابقة كان موردها ورود نجاسة واحدة، أو ما يتوهّم نجاسته، أو يكون قذراً، وأمّا هذا الحديث فمورده عدّة أنواع من النجاسة مجتمعة.

وقد استدل بهذا الحديث - ظاهراً - الشيخ في «المبسوط» على مقدار ما ينزح لما لا نصّ فيه، وقد عرفت أنّ الظاهر وقوع الاشتباه من قلمه(قدس سره) .

ص: 39


1- تقدّم في الحديث 3 من الباب 16 من هذه الأبواب.
2- ورد في هامش المخطوط ما نصّه: «وجد بخط الشيخ في الاستبصار (مُبخِرَة) بضم الميم وسكون الباء وكسر الخاء، ومعناه: المنتنة، ويروى بفتح الميم والخاء، ومعناه: موضع النتن، قاله الشهيد في الشرح».
3- - القاموس المحيط 1 : 369: مادة «بخر».

[494] 4- وَنُقِلَ عَنِ الشَّيْخِ فِي «الْمَبْسُوطِ» أَنَّهُ رَوَى عَنْهُمْ (علیه السلام) أَنَّهُمْ قَالُوا: «يُنْزَحُ مِنْهَا أَرْبَعُونَ دَلْواً وَإِنْ كَانَتْ مُبْخِرَةً»(1).

أَقُولُ: اسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِهَذَا عَلَى مَا لَا نَصَّ فِيهِ(2)، وَبَعْضُهُمْ بِمَا قَبْلَهُ(3)، وَبَعْضُهُمْ بِأَحَادِيثِ الطَّهَارَةِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ نَزْحِ شَيْ ءٍ بِغَيْرِ نَصٍّ(4)، وَبَعْضُهُمْ بِشُبُهَاتِ النَّجَاسَةِ عَلَى نَزْحِ الْجَمِيعِ(5).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

تقدّم الكلام حوله في سند الحديث الثاني من الباب الخامس عشر، وقلنا: إنّه غير معتبر؛لعدم اتحاد كردويه ومسمع، إلّا أنّ كردويه ممّن روى عنه المشايخ الثقات((6))، فيكون ثقة، فالسند معتبر.

[4] - فقه الحديث:

تقدّم منّا نقل كلام الشهيد الأول وصاحب «المدارك» في شرح الباب،

ص: 40


1- المبسوط 1 : 12.
2- منهم الشيخ في المبسوط 1 : 12.
3- وهو العلامة في المختلف 1 : 217، وحكاه الشهيد في غاية المراد 1 : 78، عن السيد جمال الدين بن طاووس (رحمه الله) في البشرى، ونفى عنه البأس.
4- المعتبر 1 : 78، ومدارك الأحكام 1 : 99، وجواهر الكلام 1 : 264.
5- السرائر 1 : 72، والمعتبر 1 : 78، والجامع للشرائع: 19، والبيان: 99.
6- - أُصول علم الرجال 2 : 206.

وقد نصّ كل منهما على عدم وجود هذا الحديث في الأُصول المعروفة، فالشيخ أعلم بما قال. ومجرد ذكر الشيخ لها غير كافٍ في اعتبارها؛ إذ لعلّه وهم فيها، قال في «الجواهر»: «بل الظاهر أنّه كذلك - أي: أنّه وهم فيها - لموافقتها لرواية كردويه»((1)).

وقد استدل به الشيخ في «المبسوط» على مقدار ما ينزح فيما لا نصّ فيه.

واستدل بعضهم بالحديث السابق على ما لا نصّ فيه، كالعلامة في «المختلف»، كما أنّ آخرين أوجبوا نزح جميع الماء إذا لم يرد نص في النجاسة، كما عن صاحب «الجواهر»((2)).

سند الحديث:

ظهر حاله مما تقدّم في فقه الحديث، فهذا الحديث مرسل.

ص: 41


1- - جواهر الكلام 1 : 266.
2- - جواهر الكلام 1 : 264.

[495] 5- وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ عَمَّارٍ، قَالَ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْبِئْرِ يَقَعُ فِيهَا زِنْبِيلُ عَذِرَةٍ يَابِسَةٍ أَوْ رَطْبَةٍ؟ فَقَالَ: «لَا بَأْسَ إِذَا كَانَ فِيهَا مَاءٌ كَثِيرٌ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

مرّ الكلام في دلالته، ولم يوجب الإمام (علیه السلام) فيه شيئاً إذا كان في البئر ماء كثير، فيصلح أن يكون الحديث دليلاً على طهارة ماء البئر. والتقييد بما إذا كان فيها ماء كثير - والمراد به الكثرة العرفيّة اللغويّة كما مرّ - ليفيد أنّ نفي البأس عنها لأجل عدم تغيّرها؛ إذ لو كان ماؤها قليلاً لتغيّر غالباً، فتنجس لا محالة.

سند الحديث:

تقدّم أنّه موثّق.

ص: 42


1- تقدّم في الحديث 15 من الباب 14 من هذه الأبواب.

[496] 6- وَحَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ بِئْرِ مَاءٍ وَقَعَ فِيهَا زِنْبِيلٌ مِنْ عَذِرَةٍ رَطْبَةٍ أَوْ يَابِسَةٍ، أَوْ زِنْبِيلٌ مِنْ سِرْقِينٍ، أَيَصْلُحُ الْوُضُوءُ مِنْهَا؟ فَقَالَ: «لَا بَأْسَ»(1).

أَقُولُ: حَمَلَهُمَا الشَّيْخُ عَلَى الْمَصْنَعِ(2) الزَّائِدِ عَنِ الْكُرِّ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بَعْدَ النَّزْحِ(3)، وَهُمَا بَعِيدَانِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُ هَذَا الِاخْتِلَافِ وَأَمْثَالِهِ(4).

-----------------------------------------------------------------------------

[6] - فقه الحديث:

تقدّم أنّ ظاهر الحديث: السؤال عن وقوع عذرة في البئر بمقدار زنبيل، وأنّه يقتضي انفعال مائها أو لا يقتضيه، وأجابه (علیه السلام) بقوله: «لا بأس»، أي: لا بأس بالوضوء من الماء الذي لاقته عذرة بقدر الزنبيل. فدلالة الحديث على عدم انفعال البئر بملاقاة العذرة واضحة؛ لعدم جواز الوضوء من الماء المتنجّس بالضرورة.

قال المصنّف: إنّ الشيخ حمل الحديثين الأخيرين على أحد احتمالين:

ص: 43


1- تقدّم في الحديث 8 من الباب 14 من هذه الأبواب.
2- قال الأصمعي: المصانع: مساكات لماء السماء يحتفرها الناس، فيملؤها ماء السماء، يشربونها. (تاج العروس) 11 : 288 مادة: «صنع».
3- راجع: الاستبصار 1 : 42، ذيل الحديث 118.
4- تقدّم في ذيل الحديث 21 من الباب 14 من هذه الأبواب.

الأول: أن يكون الماء في مصنع، وهو الحوض الكبير الذي يكون على الطرقات ليستقي منه المارّة، ويكون فيه أكثر من كر، وهو لا ينفعل بالنجاسة حينئذٍ.

الثاني: أن يكون نفي البأس بعد النزح.

ثم استبعدهما؛ ولعلّ الوجه في الاستبعاد:

أمّا الأول؛ فلأنّ المراد من الكثير في الأول هو الكثير العرفي، كما مرّ، لا الكر.

وأمّا الثاني؛ فلأنّه خلاف الظاهر؛ فإنّ الظاهر أنّ نفي البأس قبل النزح، فحمله على ما بعد النزح خلاف الظاهر.

لا يقال: إنّ هذا الاحتمال هو مقتضى الجمع العرفي بين المطلق والمقيّد؛ فإنّ هذين الحديثين دلّا على نفي البأس عن استعمال ماء البئر بعد ملاقاة النجس مطلقاً، وقد دلّت أحاديث أخرى على لزوم النزح بملاقاة النجس، فهذه الأحاديث تقيّد هذين الحديثين المطلقين، وتكون النتيجة: أنّه يجوز التوضؤ بماء البئر الذي لاقى النجاسة بعد أن ينزح منه المقدار المعيّن.

لأنّا نقول: إنّ الأحاديث الآمرة بالنزح ليس فيها دلالة على النجاسة حتى يتأتّى هذا الاحتمال.

سند الحديث:

تقدّم أنّ المصنف ذكر لهذا الحديث سندين:

ص: 44

المتحصل من الأحادیث

أولهما: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»، وهو صحيح.

الثاني: سند «قرب الإسناد»، وهو معتبر.

والحاصل: أنّ في الباب ستة أحاديث، أولها معتبر، وثانيها وثالثها مورد للخلاف، وقلنا بإمكان تصحيحهما، ورابعها مرسل، وخامسها موثّق، وسادسها صحيح.

ص: 45

ص: 46

21- باب ما ينزح من البئر لموت الإنسان وللدم القليل والكثير

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

21- باب ما ينزح من البئر لموت الإنسان وللدم القليل والكثير

شرح الباب:

الأقوال:

أقوال الخاصّة:

ينزح لموت الإنسان في البئر سبعين دلواً. قال صاحب «المدارك»: «هذا مذهب الأصحاب، ومستنده رواية عمار الساباطي... ثمّ قال: وفي طريقها جماعة من الفطحيّة، لكن ظاهر المعتبر اتفاق الأصحاب على العمل بمضمونها، ثمّ قال: والمشهور بين الأصحاب أنّه لا فرق في ذلك بين المسلم والكافر؛ لأنّ الإنسان جنس معرّف باللام، وليس هناك معهود، وتعريف الحقيقة ليس بمراد، فتكون للاستغراق، وهو مفيد للعموم»((1)).

وأمّا الدم فقال العلامة المجلسي في «البحار»: «اختلفوا في حكم الدم: فالمفيد في المقنعة حكم بوجوب خمسة دلاء للقليل، وعشرة للكثير، وقال الشيخ في النهاية والمبسوط: للقليل عشرة وللكثير خمسون، والصدوق قال بوجوب ثلاثين إلى أربعين في الكثير، ودلاء يسيرة في القليل، وإليه ميلالمعتبر والذكرى، وهو أقوى، وقال المرتضى في المصباح: في الدم ما بين

ص: 47


1- - مدارك الأحكام 1 : 75.

الدلو الواحد إلى عشرين، وفي ساير كتب الحديث في جواب السؤال عن الدجاجة والحمامة ينزح منها دلاء يسيرة، وهو أظهر»((1)).

ولم يتعرّض لاستثناء وقوع الدماء الثلاثة، كما نقله في «المعالم» عن الشيخ وجماعة((2)

واحتمل دخوله في غير المنصوص((3)).

أقوال العامّة:

ظهرت مما سبق مفصّلاً في الباب الخامس عشر من هذه الأبواب.

ص: 48


1- - بحار الأنوار 77 : 24.
2- - معالم الدين 1 : 186، والمبسوط1 : 29، والاقتصاد: 253، والمهذّب 1 : 21، والوسيلة: 74، والغنية: 48.
3- - معالم الدين 1 : 204، المسألة 14.

[497] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنِ الْعَمْرَكِيِّ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ ذَبَحَ شَاةً فَاضْطَرَبَتْ فَوَقَعَتْ فِي بِئْرِ مَاءٍ وَأَوْدَاجُهَا تَشْخُبُ دَماً، هَلْ يُتَوَضَّأُ مِنْ ذَلِكَ(1) الْبِئْرِ؟ قَالَ: «يُنْزَحُ مِنْهَا مَا بَيْنَ الثَّلَاثِينَ إِلَى الْأَرْبَعِينَ دَلْواً، ثُمَّ يُتَوَضَّأُ مِنْهَا، وَلَا بَأْسَ بِهِ»، قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ ذَبَحَ دَجَاجَةً أَوْ حَمَامَةً، فَوَقَعَتْ فِي بِئْرٍ، هَلْ يَصْلُحُ أَنْ يُتَوَضَّأَ مِنْهَا؟ قَالَ: «يُنْزَحُ(2) مِنْهَا دِلَاءٌ يَسِيرَةٌ، ثُمَّ يُتَوَضَّأُ مِنْهَا»، وَسَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ يَسْتَقِي مِنْ بِئْرٍ، فَيَرْعُفُ فِيهَا، هَلْ يُتَوَضَّأُ مِنْهَا؟ قَالَ: «يُنْزَحُ مِنْهَا دِلَاءٌ يَسِيرَةٌ(3)»(4).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

الأوداج: قال في «الصحاح»: «الوَدَج والوِدَاج: عرق في العنق، وهما وَدَجَان. يقال: دِجْ دابَّتك، أي: اقطع وَدَجَها. وهو لها كالفَصْد للإنسان»((5)).

وقال في «لسان العرب»: «شَخَبَ أوداجه دماً فانشخبت: قطعها فسالت،ووَدَجٌ شَخِيب: قُطِع، فانشخَبَ دمُه»((6)).

ص: 49


1- في نسخة الفقيه: تلك. (منه(قدس سره) ).
2- في المصدر: ينزف.
3- في المصدر زيادة: ثم يتوضأ منها.
4- تهذيب الأحكام 1 : 246، قطعة من الحديث 709، و 409، ح1288.
5- - الصحاح: 1 : 347، مادة: «ودج».
6- - لسان العرب: 1 : 485، مادة: «شخب».

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنِ الْعَمْرَكِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ أَبِي الْحَسَنِ (علیه السلام) (1)1*).

وَرَوَاهُ الْحِمْيَرِيُّ فِي قُرْبِ الْإِسْنَادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَلَوِيِّ، عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ (علیه السلام) عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (علیه السلام) (2)2*).

وَرَوَى الصَّدُوقُ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ(3)3*).

وَرَوَى الشَّيْخُ الْمَسْأَلَةَ الْأَخِيرَةَ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ مِثْلَهُ(4)4*).

-----------------------------------------------------------------------------

عيّن هذا الحديث مقدار النزح لدم الشاة المذبوحة بما بين الثلاثين دلواً إلى أربعين. وظاهره أنّ الحدّين - وهما الثلاثين والأربعين - داخلان في التحديد، لا كما ذهب إليه المحقّق صاحب «الجواهر» من خروجهما، فقد قال:«والمروي في صحيح علي بن جعفر ما بين ثلاثين إلى أربعين لا (من ثلاثين إلى أربعين)، فكان الأنسب أن يذكر نفس المتن، واحتمال ترادف

ص: 50


1- 1*) الكافي 3 : 6، ح8.
2- 2*) قرب الإسناد: 179.
3- 3*) من لا يحضره الفقيه 1 : 15 ، ح29.
4- 4*) الاستبصار 1 : 44 ،ح123.

العبارتين فيه كلام»((1)).

وظاهره خروج الطرفين عن أن يكونا مرادين في التحديد، ولذا ردّه الشيخ الأعظم بأنّ: «المراد من الصحيحة (من ثلاثين إلى أربعين)، لا ما بينهما، ليخرج الطرفان؛ لأنّ الظاهر دخول الغاية، نظير ما عن المصباح: من أنّ للدم ما بين الواحد إلى العشرين.

وسيأتي قوله : (سألته عمّا يقع في البئر ما بين الفأرة والسنور إلى الشاة)، حيث إنّ المراد من الفأرة إلى الشاة، فما ذكره بعضهم من الخدشة في نقل المصنف(قدس سره) لمعنى الرواية في غير محلّه»((2)).

كما عيّن الحديث الدلاء اليسيرة لما ظاهره القلّة من الدم كدم الدجاجة أو الحمامة أو دم الرعاف.

وقد فهم الفقهاء من هذا الحديث حدّ القليل والكثير، قال العلامة في «المختلف»: «وحديث علي بن جعفر حسن، وهو يدلّ على حكم القليل والكثير وهما - أي حديث علي بن جعفر، وحديث محمد بن إسماعيل -أجود ما وصل إلينا في هذا الباب»((3)).

سند الحديث:

نقل المصنّف الحديث بخمسة أسانيد:

ص: 51


1- - جواهر الكلام 1 : 233.
2- - كتاب الطهارة 1 : 228.
3- - مختلف الشيعة 1 : 200.

سند الشیخ في التهذيب إلی محمد بن يحيی

الأول: سند الشيخ في «التهذيب» إلى محمد بن يحيى، وهو - على ما في مشيختي «التهذيب» و«الاستبصار» - طريقان:

الطريق الأول: الحسين بن عبيد الله وأبو الحسن بن أبي جيد القمّي جميعاً، عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن أبيه محمد بن يحيى العطار. وهو معتبر؛ لترضّي الصدوق عن أحمد بن محمد بن يحيى.

الطريق الثاني: أسانيد الشيخ إلى ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني، عن محمد بن يحيى، وقد تقدّم أنَّها كلّها معتبرة((1)).

وأمّا العمركي بن علي: فهو العمركي الخراساني، أبو محمد البوفكي، وهو ثقة كما تقدّم، فالسند صحيح.

الثاني: سند الكليني، وقد تقدّم الكلام في رجاله، وهو أيضاً صحيح.

الثالث: سند الحميري في «قرب الإسناد»، وقد تقدّم الكلام في رجاله، وسبق أنّه يمكن تصحيح روايات عبد الله بن الحسن العلوي عن جدّه بعدّةطرق، فالسند معتبر.

الرابع: سند الصدوق في «الفقيه» إلى علي بن جعفر لخصوص المسألة الأولى، وقد سبق أنّه طريقان، أحدهما معتبر، والثاني صحيح.

الخامس: سند الشيخ في «الاستبصار» إلى محمد بن علي بن محبوب لخصوص المسألة الثانية، وقد سبق أنّه ثلاثة طرق، أحدها معتبر، والثاني

ص: 52


1- - تهذيب الأحكام10 : 33، والاستبصار 4 : 311.

[498] 2- وَعَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ وَعَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ الْمَدَائِنِيِّ، عَنْ مُصَدِّقِ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ، قَالَ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنْ رَجُلٍ ذَبَحَ طَيْراً فَوَقَعَ بِدَمِهِ فِي الْبِئْرِ، فَقَالَ: «يُنْزَحُ مِنْهَا دِلَاءٌ. هَذَا إِذَا كَانَ ذَكِيّاً فَهُوَ هَكَذَا، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا يَقَعُ فِي بِئْرِ الْمَاءِ فَيَمُوتُ فِيهِ فَأَكْثَرُهُ الْإِنْسَانُ يُنْزَحُ مِنْهَا سَبْعُونَ دَلْواً، وَأَقَلُّهُ الْعُصْفُورُ يُنْزَحُ مِنْهَا دَلْوٌ وَاحِدٌ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فِي مَا بَيْنَ هَذَيْنِ»(1).

قَالَ الْمُحَقِّقُ فِي «الْمُعْتَبَرِ»: إِنَّ رُوَاتَهَا ثِقَاتٌ، وَهِيَ مَعْمُولٌ عَلَيْهَا بَيْنَ الْأَصْحَابِ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

صحيح، والثالث ضعيف.

ومحمد بن الحسين: هو ابن أبي الخطاب، فالسند صحيح.

[2] - فقه الحديث:

دلّ هذا الحديث على ما دلّ عليه الحديث السابق من نزح الدلاء للدم القليل، ودلّ قوله (علیه السلام) : «هذا إذا كان ذكياً فهو هكذا» بالمفهوم على أنّ

ص: 53


1- تهذيب الأحكام 1 : 234، ح678.
2- المعتبر 1 : 62، وفيه: «من يده» بدل «بدمه»، و «فأكبره» بدل «فأكثره».

غير الذكي ليس حكمه هذا التحديد، فإذا لم يرد نص عليه بخصوصه دخل في حكم غير المنصوص.

كما دلّ على أنّ موت الإنسان في البئر بعد وقوعه فيها ينزح له سبعون دلواً، لا ما إذا وقع ميّتاً، وكذا بقيّة ما له روح، فإنّه ينزح له الأقل من السبعين إلى أن يصل الحدّ إلى العصفور فينزح له دلو واحد، وهذا كلّه يدلّ على أنّ النزح هو لإزالة الاستقذار لا لحصول الطهارة؛ فإنّه قد مرّ في بعض الأحاديث المتقدّمة ما يخالف هذا التقدير، وما ذلك إلّا لأجل بيان أنّ الحدّ الأكثر هو الأفضل وإن كان يجزي الأقل.

اشتراك عمرو بن عثمان بين جماعة

سند الحديث:

فيه ممن لم يتقدّم ذكره: عمرو بن عثمان: وهو مشترك بين جماعة:

الأول - وهو أشهرهم - : عمرو بن عثمان الثقفي الخزّاز، قال عنه النجاشي: «عمرو بن عثمان الثقفي الخزّاز، وقيل: الأزدي، أبو علي، كوفي،ثقة، روى عن أبيه عن سعيد بن يسار. وله ابن اسمه محمد، روى عنه ابن عقدة .كان عمرو بن عثمان نقي الحديث، صحيح الحكايات، له كتب»((1)).

وقال الشيخ في «الفهرست»: «عمرو بن عثمان الخزّاز. له كتاب»((2)).

الثاني: عمرو بن عثمان الجابري الهمداني: ذكره الشيخ في أصحاب

ص: 54


1- - رجال النجاشي: 287 / 766.
2- - فهرست الطوسي: 180 / 489.

[499] 3- وَقَدْ سَبَقَ حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ، عَنِ الرِّضَا (علیه السلام) فِي الْبِئْرِ تَقْطُرُ فِيهَا قَطَرَاتٌ مِنْ بَوْلٍ أَوْ دَمٍ - إِلَى أَنْ قَالَ - : «يُنْزَحُ مِنْهَا دِلَاءٌ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

الإمام الصادق (علیه السلام) ((2)).

الثالث: عمرو بن عثمان الجهني: ذكره الشيخ في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) أيضاً((3)).

الرابع: عمرو بن عثمان الرازي: «روى عن أبي الحسن الأول، وروى عنه محمد بن الحسين بن أبي الخطاب. كامل الزيارات: الباب 105، فيفضل زيارة المؤمنين، الحديث1»((4)).

وهو هنا ينطبق على الأول؛ وذلك مقتضى ملاحظة الطبقة، ولكونه الأشهر وصاحب كتب، فينصرف إليه عند الإطلاق، فالسند موثّق.

ثمّ إن كتاب عمار الساباطي مشهور، فلا يحتاج إلى طريق.

[3] - فقه الحديث:

مرّ الكلام في دلالته، وهو موافق للحديثين السابقين الدالّين على نزح

ص: 55


1- تقدّم في الحديث 21 من الباب 14 من هذه الأبواب.
2- - رجال الطوسي: 251 / 3519.
3- - رجال الطوسي: 249 / 3476.
4- - معجم رجال الحديث 14 : 130.

[500] 4- وَحَدِيثُ زُرَارَةَ، قَالَ: «الدَّمُ وَالْخَمْرُ وَالْمَيِّتُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ فِي ذَلِكَ كُلُّهُ وَاحِدٌ يُنْزَحُ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْواً»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

الدلاء للدم القليل، ولم يقيّد بكون الدم من طاهر العين.

سند الحديث:

سبق أنّ المصنّف ذكره بثلاثة طرق:

أولها: سند الكليني في «الكافي»، وقلنا: إنّه صحيح.

الثاني: سند الشيخ في «التهذيب» عن الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني، وهو صحيح كسابقه.الثالث: سند الشيخ في «الاستبصار» بإسناده، عن أحمد بن محمّد، وهو صحيح أيضاً.

[4] - فقه الحديث:

عيّن الإمام (علیه السلام) مقدار ما ينزح في الموارد الأربعة، وهي قطرة الدم وقطرة الخمر والميّت ولحم الخنزير، وهو نزح عشرين دلواً، وهو مخالف للأحاديث المتقدّمة التي عيّنت دلاء يسيرة.

كما أنّ ظاهر قوله: «الميّت» هو ميّت الإنسان، وقد تقدّم في الحديث الثاني من هذا الباب أن المقدّر لموت الإنسان سبعون دلواً.

ص: 56


1- تقدّم في الحديث 3 من الباب 15 من هذه الأبواب.

[501] 5- وَحَدِيثُ كُرْدَوَيْهِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (علیه السلام) فِي الْبِئْرِ يَقَعُ فِيهَا قَطْرَةُ دَمٍ أَوْ نَبِيذٍ مُسْكِرٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ خَمْرٍ، قَالَ: «يُنْزَحُ مِنْهَا ثَلَاثُونَ دَلْواً»(1).

قَالَ الشَّيْخُ: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

المتحصل من الأحادیث

سند الحديث:

تقدم أنّ السند معتبر.

[5] - فقه الحديث:

تقدّمت دلالته وقلنا: إنّ الإمام (علیه السلام) عيّن مقدار ما ينزح في القطرة من هذه الموارد الأربعة بثلاثين دلواً، وهذا التحديد يخالف التحديد بالعشرين دلواً في الحديث السابق، وهذا دليل على أنّ النزح ليس بواجب، ويحمل الحدّ الأقل على الإجزاء، والأكثر على الأفضليّة، كما مرّ غير مرّة.

سند الحديث:

تقدم أنّ السند معتبر.

والحاصل: أنّ في الباب خمسة أحاديث اثنان صحيحان، وهما الأول والثالث، وواحد موثق، وهو الثاني، وأمّا الرابع والخامس فهما معتبران.

ص: 57


1- تقدّم في الحديث 2 من الباب 15 من هذه الأبواب.
2- لم نعثر على قول الشيخ هذا في كتبه.

ص: 58

22 - باب ما ينزح لوقوع الميتة واغتسال الجنب

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

22 - باب ما ينزح لوقوع الميتة واغتسال الجنب

شرح الباب:

الأقوال الخاصّة

أقوال الخاصّة: الحكم بنزح سبع دلاء لاغتسال الجنب مشهور بين الأصحاب كما في «المدارك»

أقوال الخاصّة: الحكم بنزح سبع دلاء لاغتسال الجنب مشهور بين الأصحاب كما في «المدارك»((1)).

والخلاف في هذه المسألة من جهات:

الجهة الأولى: أنّه يحتمل في مقتضى النزح ثلاثة احتمالات:

الأول: وقوع الجنب في البئر.

الثاني: اغتساله فيها.

الثالث: ارتماسه فيها.

الجهة الثانية: هل النزح لسلب الطهوريّة، أم لنجاسة البئر، أم هو تعبّد شرعي؟

الجهة الثالثة: إذا اغتسل الجنب في البئر فهل يرتفع حدث الجنابة عنه، أم لا؟

ص: 59


1- - مدارك الأحكام 1 : 87.

الجهة الرابعة: هل يشترط لنزح السبعة دلاء أن يكون بدن المجنب خالياً عن النجاسة، أم لا؟

وأمّا الميتة فقد مرّ الكلام فيها في تضاعيف الأبواب السابقة.

أقوال العامّة

أقوال العامّة: تقدم الكلام في حكم وقوع الميتة في البئر.

وأمّا اغتسال الجنب فيها «فإن كان البئر معيناً، أي: ماءه جارٍ، فإنّ انغماس الجنب ومن في حكمه لا ينجّسه عند ابن القاسم من المالكيّة، وهو رواية يحيى بن سعيد عن مالك. وهو مذهب الحنابلة إن لم ينو رفع الحدث. وهو اتّجاه من قال من الحنفيّة: إنّ الماء المستعمل طاهر؛ لغلبة غير المستعمل؛ أو لأنّ الانغماس لا يصيّره مستعملاً، وعلى هذا فلا ينزح منه شيء ... .

ويرى الشافعيّة كراهة انغماس الجنب ومن في حكمه في البئر، وإن كان معيناً... .

ومذهب الحنابلة إن نوى رفع الحدث. وإلى هذا يتّجه من يرى من الحنفيّة أنّ الماء بالانغماس يصير مستعملاً، ويرى أنّ الماء المستعمل نجس ينزح كلّه، وعن أبي حنيفة ينزح أربعون دلواً، لو كان محدثاً، وينزح جميعه لو كان جنباً أو كافراً... .

وإذا كان ماء البئر قليلاً وانغمس فيه بغير نيّة رفع الحدث، فالمالكيّة على أنّ الماء المجاور فقط يصير مستعملاً. وعند الشافعيّة والحنابلة الماء على طهوريّته. واختلف الحنفيّة على ثلاثة أقوال ترمز لها كتبهم: (مسألة البئرجحط)، ويرمزون بالجيم إلى ما قاله الإمام من أنّ الماء نجس بإسقاط

ص: 60

الفرض عن البعض بأوّل الملاقاة، والرجل نجس؛ لبقاء الحدث في بقيّة الأعضاء، أو لنجاسة الماء المستعمل. ويرمزون بالحاء لرأي أبي يوسف من أنّ الرجل على حاله من الحدث؛ لعدم الصبّ، وهو شرط عنده، والماء على حاله؛ لعدم نيّة القربة، وعدم إزالة الحدث. ويرمزون بالطاء لرأي محمّد بن الحسن من أنّ الرجل طاهر؛ لعدم اشتراط الصبّ، وكذا الماء؛ لعدم نيّة القربة.

أمّا إذا انغمس في الماء القليل بنيّة رفع الحدث كان الماء كلّه مستعملاً عند الحنفيّة والمالكيّة والشافعيّة، لكن عند الحنابلة يبقى الماء على طهوريّته ولا يرفع الحدث.

وكذلك يكون الماء مستعملاً عند الحنفيّة لو تدلّك ولو لم ينو رفع الحدث؛ لأنّ التدلّك فعل منه يقوم مقام نيّة رفع الحدث»((1)).

ص: 61


1- - الموسوعة الفقهيّة (الكويتيّة) 1 : 82 - 83.

[502] 1- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) عَنِ الْبِئْرِ يَقَعُ فِيهَا الْمَيْتَةُ؟ فَقَالَ: «إِنْ كَانَ لَهَا رِيحٌ نُزِحَ مِنْهَا عِشْرُونَ دَلْواً(1)»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

تقدم في الأبواب السابقة حكم الميتة من الثور والحمار والبعير وما شاكل ذلك إلى العصفور وما أشبهه، وهذا الحديث يخالف تلك الأحاديث في المقدّر لأنواع الميتة، ولكنّه يتفق في الحكم مع الحديث الرابع من الباب السابق حيث قدّر النزح بعشرين دلواً في قطرة الدم وقطرة الخمر والميّت ولحم الخنزير، المخالف لبقيّة الأحاديث الدالّة على نزح دلاء يسيرة فيها.

وقوله (علیه السلام) : «إن كان لها ريح»، يحتمل عود الضمير فيه إلى الميتة، كما يحتمل رجوعه إلى البئر نفسها، مع أنّ الميتة إذا غيّرت الماء فإنّه إمّا أن ينزح منها حتى يزول التغيّر إذا كان المتغيّر بعض الماء، أو ينزح الماء كلّه إذا تغيّر الماء كلّه.

لكن قد يقال: إنّ نزح العشرين للاستحباب إذا رجع الضمير إلى الميتة،وأمّا إذا رجع إلى البئر فقد يكون هذا التقدير لأجل زوال الريح غالباً بنزح

ص: 62


1- ورد في هامش المخطوط ما نصّه: هذا في الجملة يصلح شاهداً لكون وجوب النزح مقيّداً بالتغيّر فتدبّر. (منه(قدس سره) ).
2- من لا يحضره الفقيه 1 : 15، ح34.

هذا المقدار.

سند الحديث:

سند الشيخ الصدوق إلى محمد بن مسلم في من «لا يحضره الفقيه» هو: «علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن جده أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه محمد بن خالد، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم»((1)).

وعلي بن أحمد بن عبد الله البرقي: لم يرد فيه شيء، لكن تقدم أنّه من مشايخ الصدوق الذين ترضّى عنهم .

وأمّا أبوه أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي: فقد تقدّم أنّه لم يرد فيه شيء.

وأمّا أحمد بن أبي عبد الله البرقي: فقد تقدّم أنّه ثقة في نفسه.

ويمكن تصحيح الطريق بأنّ للشيخ الصدوق طريقاً صحيحاً بواسطة شيخه محمد بن الحسن بن الوليد وسعد بن عبد الله إلى جميع كتب وروايات أحمد بن أبي عبد الله البرقي((2)).كما أنّ كتب العلاء بن رزين مشهورة، فلا تحتاج إلى طريق.

فالحاصل أنّ السند معتبر.

ص: 63


1- - من لا يحضره الفقيه 4 : 424 ، المشيخة.
2- - أُصول علم الرجال 1 : 182.

[503] 2- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ مُحَمَّدٍ، يَعْنِي: ابْنَ مُسْلِمٍ، عَنْ أَحَدِهِمَا (علیهما السلام) ، مِثْلَهُ. وَزَادَ: وَقَالَ: «إِذَا دَخَلَ الْجُنُبُ الْبِئْرَ نُزِحَ مِنْهَا سَبْعُ دِلَاءٍ»(1).

[504] 3- وَعَنْهُ، عَنْ فَضَالَةَ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَحَدِهِمَا (علیهما السلام) ، قَالَ: «إِذَا دَخَلَ الْجُنُبُ الْبِئْرَ نُزِحَ مِنْهَا سَبْعَةُ(2)2*) دِلَاءٍ»(3)3*).

-----------------------------------------------------------------------------

نزخ سبع دلاء لدوخل الجنب البئر

[2] - فقه الحديث:

دلالته كسابقه. وأمّا الزيادة فقد دلّت على أنّ دخول الجنب في ماء البئر موجب لنزح سبع دلاء مطلقاً، سواء تحقّق منه الغسل أو لم يتحقّق منه، وسواء كانت على بدنه نجاسة أو لم تكن.

سند الحديث:

تقدّمت رجاله، والسند صحيح أعلائي.

[3] - فقه الحديث:

دلالته كسابقه، وهو مطلق لم يتعرّض لما إذا كان على بدنه نجاسة أو لا.

ص: 64


1- تهذيب الأحكام 1 : 244، ح703.
2- 2*) كذا في الأصل، وفي المصدر: سبع.
3- 3*) تهذيب الأحكام 1 : 244، ح704.

[505] 4- وَعَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ ابْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَحْرٍ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْجُنُبِ يَدْخُلُ الْبِئْرَ فَيَغْتَسِلُ مِنْهَا(1)؟ قَالَ: «يُنْزَحُ مِنْهَا سَبْعُ دِلَاءٍ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

المراد من الضمير في «عنه» هو الحسين بن سعيد. وفضالة: هو فضالة بن أيوب، والعلاء: هو العلاء بن رزين، ومحمد: هو محمد بن مسلم، وقد تقدّم الكلام عنهم، والسند صحيح أعلائي.

[4] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على نزح السبع دلاء لدخول الجنب في البئر واغتساله، لا مجرّد دخوله فيها. ولم يتعرّض لما إذا كانت على بدنه نجاسة أم لا، فهو مطلق من هذه الناحية.سند الحديث:

تقدّم هذا السند في الحديث الأول من الباب العشرين، وقد سبق أنّه معتبر.

ص: 65


1- في المصدر: فيها.
2- تهذيب الأحكام 1 : 244، ح702.

[506] 5- وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ زُرَارَةَ أَنَّهُ يُنْزَحُ لِلْمَيْتَةِ عِشْرُونَ دَلْواً(1)1*).

[507] 6- وَفِي حَدِيثِ الْحَلَبِيِّ: «لِوُقُوعِ الْجُنُبِ سَبْعُ دِلَاءٍ»(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

مرّ الكلام في دلالته.

سند الحديث:

تقدّم أنّه معتبر.

[6] - فقه الحديث:

لم يتعرّض هذا الحديث لاغتسال الجنب بعد وقوعه في الماء، كما لم يتعرّض لما إذا كانت على بدنه نجاسة أم لا. وعيّن سبع دلاء لوقوعه في البئر، كسوابقه.

سند الحديث:

تقدّم أنّ المصنّف ذكر سندين لهذا الحديث:

الأول: سند الكليني في «الكافي»، وهو صحيح.

ص: 66


1- 1*) تقدّم في الحديث 3 من الباب 15 من هذه الأبواب.
2- 2*) تقدّم في الحديث 6 من الباب 15 من هذه الأبواب.

[508] 7- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ مِنْهَالٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : الْعَقْرَبُ تُخْرَجُ مِنَ الْبِئْرِ مَيْتَةً؟ قَالَ: «اسْتَقِ مِنْهُ عَشَرَةَ دِلَاءٍ»، قَالَ: قُلْتُ: فَغَيْرُهَا مِنَ الْجِيَفِ؟ قَالَ: «الْجِيَفُ كُلُّهَا سَوَاءٌ، إِلَّا جِيفَةً قَدْ أُجِيفَتْ، فَإِنْ كَانَتْ جِيفَةً قَدْ أُجِيفَتْ فَاسْتَقِ مِنْهَا مِائَةَ دَلْوٍ، فَإِنْ غَلَبَ عَلَيْهَا الرِّيحُ بَعْدَ مِائَةِ دَلْوٍ فَانْزَحْهَا كُلَّهَا»(1).

أَقُولُ: حَمَلَهُ الشَّيْخُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

والثاني: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار» عن محمّد بن يعقوب الكليني، وهو نفس السند السابق، فهو صحيح كسابقه.

[7] - فقه الحديث:

قال الجوهري في «الصحاح»: «الجيفة: جثة الميت وقد أراح»((3))، وقالالفراهيدي في «كتاب العين»: «جافت الجيفة، واجتافت، أي: أنتنت وأروحت»((4)).

ص: 67


1- تهذيب الأحكام 1 : 231، ح667، والاستبصار 1 : 27 ، ح70. وتقدّم ما يدل على ذلك في الحديث 1 من الباب 15 من هذه الأبواب.
2- الاستبصار 1 : 27.
3- - الصحاح 4 : 1340، مادة: «جيف».
4- - كتاب العين 6 : 189، مادة: «جيف».

دلّ الحديث على نزح عشرة دلاء للعقرب الميتة في البئر، وهو خلاف ما تقدّم من الروايات؛ فإنّه لم يرد فيها هذا التحديد، ويظهر منه أنّ بقيّة الجيف لها نفس الحكم، وهو خلاف ما تقدّم أيضاً.

كما دلّ على أنّ الماء إذا تغيّر بالجيف التي أنتنت وغيّرت بعض الماء فإنّه ينزح لها مائة دلو، وهذا التحديد خلاف ما مرّ من النزح حتى يزول التغيّر.

نعم، إذا غلبت الريح الماء وقد تغيّر الماء فاللازم نزح البئر كلّها.

ولذا قال الماتن: حمله الشيخ على الاستحباب؛ لأنّ التقدير في الأحاديث السابقة كان أقل، فيصحّ حمل الزائد على الاستحباب.

المتحصل من الحدیث

سند الحديث:

فيه: منهال: وهو منهال بن عمرو، كما مرّ، والسند غير معتبر به؛ لجهالته، وقد سبق منّا القول، حيث إنّه وقع في أسناد كتاب «نوادر الحكمة»، ولم يستثنه ابن الوليد((1)

فهو ثقة. فالسند معتبر.والحاصل: أنّ في الباب سبعة أحاديث، أربعة منها معتبرة، وهي الأول والرابع والخامس والسابع، واثنان من الصحيح الأعلائي، وهما الثاني والثالث، وواحد صحيح، وهو السادس.

ص: 68


1- - أُصول علم الرجال 1 : 241.

23 - باب حكم التراوح وما ينزح من البئر مع التغير

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

23 - باب حكم التراوح وما ينزح من البئر مع التغير

شرح الباب:

الأقوال:

أقوال الخاصّة:

قال العلامة في «المختلف»: «إذا نجست البئر بالتغيّر بالنجاسة ففي المقتضي لتطهيرها خلاف بين علمائنا، قال الشيخ (رحمه الله) : ينزح ماؤها أجمع، فإن تعذّر ينزح ماؤها إلى أن يزول التغيّر، وأطلق القول بذلك في النهاية والمبسوط .

وقال علي بن بابويه: ينزح أجمع، فإن تعذّر تراوح عليها أربعة رجال يوماً إلى الليل، وهو اختيار ابنه محمد وسلّار.

وقال المفيد (رحمه الله) : ينزح حتى يزول التغيّر، ولم يجعل تعذّر نزح الجميع شرطاً. وهو قول ابن أبي عقيل، وأبي الصلاح، وابن البرّاج.

وفصّل ابن إدريس، فقال: إن كانت النجاسة منصوصة المقدّر نزح، فإن زال التغيّر، وإلّا نزح حتى يزول التغيّر. وإن لم تكن منصوصة المقدّر نزحت أجمع، فإن تعذّر تراوح عليها أربعة يوماً، ولو زال التغيّر في أثناء

ص: 69

اليومأكمل النزح تمام اليوم واجباً.

والوجه عندنا: قول المفيد رحمه الله»((1)).

وقال صاحب «المعالم»: «إذا تغيّر ماء البئر بالنجاسة نجس إجماعاً. وفي القدر الذي يطهر به من النزح خلاف:

فالقائلون بعدم انفعاله بالملاقاة اكتفوا فيه بما يزول معه التغيّر.

وأمّا الذاهبون إلى الانفعال فلهم في المسألة أقوال:

الأوّل: نزح الجميع، فإن تعذّر فالتراوح. ذهب إليه الصدوقان، ويحكى عن المرتضى(قدس سره) ، ووافقهم سلّار.

الثاني: النزح حتّى يزول التغيّر، وهو قول المفيد وجماعة منهم الشهيد في البيان.

الثالث: نزح الجميع، فإن تعذّر فإلى أن يزول التغيّر. ذهب إليه الشيخ (رحمه الله) .

الرابع: نزح الأكثر ممّا يحصل به زوال التغيّر واستيفاء المقدّر، وهو قول ابن زهرة، واختاره الشهيد في الذكرى.

الخامس: نزح أكثر الأمرين من المقدّر ومزيل التغيّر إن كان للنجاسة المغيّرة مقدّر، وإلّا فالجميع، فإن تعذّر فالتراوح. ذهب إليه ابن إدريسووافقه من المتأخّرين الشيخ علي تفريعاً على القول بالانفعال؛ فإنّه لا يقول به.

ص: 70


1- - مختلف الشيعة 1 : 189 - 190.

وهو اختيار والدي في شرح الإرشاد حيث قال فيه بالانفعال.

السادس: نزح الجميع، فإن غلب الماء اعتبر أكثر الأمرين من زوال التغيّر والمقدّر. ذهب إليه الشهيد في الدروس.

وكلام المحقّق في المعتبر محتمل لهذا القول ولإيجاب نزح الجميع، فإن تعذّر نزح حتّى يزول التغيّر ثمّ يستوفى المقدّر، وأرى الاحتمال الأوّل إلى عبارته أقرب.

وربما نسب إليه القول بنزح ما يزيل التغيّر أوّلاً ثمّ المقدّر بعده إن كان لتلك النجاسة مقدّر، وإلّا فالجميع، وإن تعذّر فالتراوح، ولا نعرف لهذه النسبة وجهاً. وقد اختار مضمونها بعض مشايخنا الذين عاصرناهم فيصير قولاً سابعاً.

والثامن: نزح أكثر الأمرين ممّا يزول معه التغيّر، ويستوفى به المقدّر إن كان هناك تقدير، وإلّا اكتفي بزوال التغيّر. ذهب إليه بعض فضلاء المتأخّرين.

وهذا القول هو الأقوى عندي؛ بناء على القول بالانفعال»((1)).

ثمّ ذكر حجة كل قول، ثمّ قال: «إذا وقع في البئر ما يوجب نزح الجميع وتعذّر نزحه لكثرة الماء فالمشهور بين الأصحاب: أنّه يتراوح عليه أربعةرجال يوماً، كلّ اثنين دفعة، وذكر العلّامة في المنتهى أنّه لا يعرف فيه

ص: 71


1- - معالم الدين 1 : 262 - 263.

مخالفاً من القائلين بالتنجيس((1))»((2)).

أقوال العامّة:

مرّ الخلاف بين العامّة في تفاصيل كثيرة في البئر وانفعاله بالنجاسات وغيرها وعدم انفعاله.

وأمّا في كيفيّة تطهير البئر فقد ذهب المالكيّة والشافعيّة والحنابلة إلى أنّه إذا تنجّس ماء البئر فإنّ التكثير طريق تطهيره عند تنجّسها إذا زال التغيّر. ويكون التكثير بالترك حتّى يزيد الماء ويصل حدّ الكثرة، أو بصبّ ماء طاهر فيه حتّى يصل هذا الحدّ.

وأضاف المالكيّة طرقاً أخرى، إذ يقولون: إذا تغيّر ماء البئر بتفسّخ الحيوان طعماً أو لوناً أو ريحاً يطهر بالنزح، أو بزوال أثر النجاسة بأيّ شيء، بل قال بعضهم: إذا زالت النجاسة من نفسها طهر. وقالوا في بئر الدار المنتنة: طهور مائها بنزح ما يذهب نتنه.

ويقصر الشافعيّة التطهير على التكثير فقط إذا كان الماء قليلاً (دون القلّتين)، إمّا بالترك حتّى يزيد الماء، أو بصبّ ماء عليه ليكثر، ولا يعتبرونالنزح لينبع الماء الطهور بعده؛ لأنّه وإن نزح فقعر البئر يبقى نجساً كما تتنجّس جدران البئر بالنزح ... .

ص: 72


1- - منتهى المطلب1 : 73.
2- - معالم الدين 1 : 256.

ويفصّل الحنابلة في التطهير بالتكثير، إذا كان الماء المتنجّس قليلاً، أو كثيراً لا يشقّ نزحه، ويخصّون ذلك بما إذا كان تنجّس الماء بغير بول الآدميّ أو عذرته، ويكون التكثير بإضافة ماء طهور كثير، حتّى يعود الكلّ طهوراً بزوال التغيّر ... .

على أنّ النزح إذا زال به التغيّر وكان الباقي من الماء كثيراً (قلّتين فأكثر) يعتبر مطهّراً عند الشافعيّة.

أمّا الحنفيّة فيقصرون التطهير على النزح فقط... وإذا كان المالكيّة والحنابلة اعتبروا النزح طريقاً للتطهير فإنّه غير متعيّن عندهم، كما أنّهم لم يحدّدوا مقداراً من الدلاء، وإنّما يتركون ذلك لتقدير النازح. ومن أجل هذا نجد الحنفيّة هم الّذين فصّلوا الكلام في النزح... .

فإذا وقعت في البئر نجاسة نزحت، وكان نزح ما فيها من الماء طهارةً لها... .

وقالوا: لو نزح ماء البئر وبقي الدلو الأخير فإن لم ينفصل عن وجه الماء لا يحكم بطهارة البئر، وإن انفصل عن وجه الماء ونحّي عن رأس البئر طهر. وأمّا إذا انفصل عن وجه الماء ولم ينحّ عن رأس البئر والماء يتقاطر فيه لا يطهر عند أبي يوسف. وذكر الحاكم أنّه قول أبي حنيفة أيضاً. وعندمحمّد يطهر.

وإذا وجب نزح جميع الماء من البئر ينبغي أن تسدّ جميع منابع الماء إن أمكن، ثمّ ينزح ما فيها من الماء النجس. وإن لم يمكن سدّ منابعه لغلبة

ص: 73

الماء روي عن أبي حنيفة أنّه ينزح مائة دلو، وعن محمّد أنّه ينزح مائتا دلو، أو ثلاثمائة دلو. وعن أبي يوسف روايتان: في رواية يحفر بجانبها حفرة مقدار عرض الماء وطوله وعمقه ثمّ ينزح ماؤها، ويصبّ في الحفرة حتّى تمتلئ، فإذا امتلأت حكم بطهارة البئر، وفي رواية: يرسل فيها قصبة، ويجعل لمبلغ الماء علامة، ثمّ ينزح منها عشر دلاء مثلاً، ثمّ ينظر كم انتقص، فينزح بقدر ذلك... .

والمالكيّة كما بيّنّا يرون أنّ النزح طريق من طرق التطهير، ولم يحدّدوا قدراً للنزح ، وقالوا: إنّه يترك مقدار النزح لظنّ النازح ... .

قالوا: وينبغي للتطهير أن ترفع الدلاء ناقصةً؛ لأنّ الخارج من الحيوان عند الموت موادّ دهنيّة، وشأن الدهن أن يطفو على وجه الماء، فإذا امتلأ الدلو خشي أن يرجع إلى البئر.

والحنابلة قالوا: لا يجب غسل جوانب بئر نزحت، ضيّقةً كانت أو واسعةً، ولا غسل أرضها، بخلاف رأسها. وقيل: يجب غسل ذلك. وقيل: إنّ الروايتين في البئر الواسعة. أمّا الضيّقة فيجب غسلها روايةً واحدةً.

وقد بيّنّا أنّ الشافعيّة لا يرون التطهير بمجرّد النزح ((1)).

ص: 74


1- - الموسوعة الفقهيّة (الكويتية) 1 : 85 - 88، بتصرّف.

[509] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنِ الصَّدُوقِ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَسَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُصَدِّقِ ابْنِ صَدَقَةَ، عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ - قَالَ: وَسُئِلَ عَنْ بِئْرٍ يَقَعُ فِيهَا كَلْبٌ أَوْ فَأْرَةٌ أَوْ خِنْزِيرٌ، قَالَ: «تُنْزَفُ(1) كُلُّهَا».

قَالَ الشَّيْخُ: يَعْنِي إِذَا تَغَيَّرَ الْمَاءُ .

ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «فَإِنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْمَاءُ فَلْيُنْزَفْ يَوْماً إِلَى اللَّيْلِ يُقَامُ(2) عَلَيْهَا قَوْمٌ يَتَرَاوَحُونَ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ فَيَنْزِفُونَ يَوْماً إِلَى اللَّيْلِ وَقَدْ طَهُرَتْ»(3).

-----------------------------------------------------------------------------

نزخ البئر كلّها لو وقع فیها كلب أو فأرة أو خنزير

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ البئر إذا وقع فيها كلب أو فأرة أو خنزير فإنَّها تنزح بكاملها.

ولكن يشكل على هذا الحديث بأنّ أحداً من أصحابنا لم يوجب نزح

ص: 75


1- نزفت ماء البئر نزفاً، إذا نزحته كلّه، وأنزف القوم: إذا ذهب ماء بئرهم وانقطع. (لسان العرب 9 : 326).
2- في نسخة: «ثم يقام». (منه(قدس سره) )، وكذلك في المصدر.
3- تهذيب الأحكام 1 : 242، ح699، و284، ح832 في ضمن حديث طويل.

وَقَدْ تَقَدَّمَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مُتَفَرِّقَةٌ فِي الْأَبْوَابِ السَّابِقَةِ فِي حُكْمِ تَغَيُّرِ مَاءِ الْبِئْرِ بِالنَّجَاسَةِ، وَقَعَ الْأَمْرُ فِي أَكْثَرِهَا بِنَزْحِ مَا يَذْهَبُ مَعَهُ التَّغَيُّرُ وَفِي بَعْضِهَا بِنَزْحِ الْجَمِيعِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عَدَمِ زَوَالِ التَّغَيُّرِ بِنَزْحِ الْبَعْضِ أَوْ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ إِنْ لَمْ يُحْمَلْ أَصْلُ النَّزْحِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ مَعَ عَدَمِ التَّغَيُّرِ عَلَيْهِ لِمَا عَرَفْتَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

الجميع بموت الكلب والفأرة والخنزير؛ ولعلّه لذلك قال الشيخ بأنّ نزح الماء كلّه إذا تغيّر.

ثمّ إنّه قد دلّ على أنّه إن تعذّر نزح الماء كلّه لغزارته نزحت يوماً كاملاً بأن يتراوح عليها قوم اثنين اثنين، فكل اثنين منهم يريحان الآخرَين ينزحونها يوماً كاملاً.

قال ابن إدريس - في بيان كيفيّة التراوح - : «أن يستقي اثنان بدلو واحديتجاذبانه، إلى أن يتعبا، فإذا تعبا قام الاثنان إلى الاستقاء وقعدا هذان يستريحان، إلى أن يتعب القائمان، فإذا تعبا قعدا، وقاما هذان واستراح

ص: 76


1- 1*) تقدّم في: أ - الحديثين 3 و 4 من الباب 15 من هذه الأبواب. ب - الأحاديث 1 و 4 و 6 و 7 و10 من الباب 14 من هذه الأبواب. ج - الأحاديث 4 و 7 و11 من الباب 17 من هذه الأبواب. د - الحديث 4 من الباب 19 من هذه الأبواب. ه- - الحديث 7 من الباب 22 من هذه الأبواب.

الآخران، وهكذا»((1)).

وفي نسخة - كما هو في المصدر - بعد قوله (علیه السلام) : «فلينزف يوماً إلى الليل»: «ثم يقام عليها قوم» بإضافة كلمة «ثمّ»، فيكون ظاهره لزوم النزح يومين، وهو ممّا لم يذهب إليه أحد.

وكلمة «ثمّ» موجودة في الأُصول المصحّحة على ما نقله الشيخ كاشف الغطاء في «شرح طهارة قواعد الأحكام» حيث قال: «قال في الدلائل: هي موجودة في نسخ التهذيب المصحّحة وفي الذخيرة في الأُصول المصحّحة، وقال البهائي: إنَّها موجودة فيما اطّلعنا عليه من أُصول أصحابنا، وقد نقلها في المعتبر بدونها، والظاهر أنّه لم يقل به أحد».

ثم إنّه(قدس سره) ذكر محاولة لجعل الحديث مع هذه الزيادة موافقاً لما عليه المشهور، فقال: «ولعلّ لفظ ثمّ من كلام الشيخ بسقوط لفظ قال بعدها من القلم، ويؤيده: أنّه قال الشيخ بعد ذلك: ثمّ قال - أعني أبا عبد اللّه - : فإن غلب عليه الماء»((2)).

وهناك محاولات أخرى لجعل الحديث موافقاً لما فهمه المشهور،جمعها كاشف اللثام بقوله: «أي (ثم قال (علیه السلام) ) لتفسير النزف إلى الليل وتفصيله، أو (ثم) للتفصيل، أو المعنى (ثم أقول)، أو (ثم أسمع)، أو المعنى: فإن غلب الماء حتى يعسر نزف الكل، فلينزف إلى الليل حتى ينزف، ثم إن

ص: 77


1- - السرائر 1 : 70.
2- - شرح طهارة قواعد الأحكام: 189 - 190.

غلب حتى لا ينزف، وإن نزف إلى الليل أُقيم عليها قوم يتراوحون»((1)).

كما أنّ هذا الفهم منهم مؤيّد باستدلالهم بهذا الحديث على النزح ليوم واحد، «ويؤيّده أنّ التعطيل غير جائز بالإجماع، كما ادعاه بعض الأصحاب، والاقتصار على نزح البعض تحكّم، ولا قائل بوجوب أزيد من ذلك»((2)).

هذا كلّه إذا كانت كلمة «ثمّ» بالضم، وأمّا إذا كانت بالفتح فلا إشكال في الحديث.

ثمّ إنّ المراد من اليوم في الحديث هو المدّة الزمنيّة الممتدة من الفجر الصادق إلى غروب الشمس، وهو المراد من قول الصدوق: من الغدوة إلى الليل((3))،ونقله في «المعتبر» عن السيد المرتضى((4))، وهو أيضاً المراد من قول الشيخ وابن حمزة: من الغدوة إلى العشيّة أو العشاء((5)).قال في «كشف اللثام»: «وربَّما قيل: من طلوع الشمس»((6)).

ويؤيّد هذا الحديث في الدلالة ما نسب إلى الإمام الرضا (علیه السلام) في «الفقه الرضوي»: «فإن تغيّر الماء وجب أن ينزح الماء كلّه، فإن كان كثيراً وصعب نزحه فالواجب عليه أن يكتري عليه أربعة رجال يستقون

ص: 78


1- - كشف اللثام 1 : 323.
2- - غنائم الأيام 1 : 551.
3- - من لا يحضره الفقيه 1 : 19.
4- - المعتبر 1 : 60.
5- - النهاية ونكتها 1 : 207، والوسيلة: 74.
6- - كشف اللثام 1 : 323.

المتحصل من الحدیث

منها على التراوح من الغدوة إلى الليل»((1)).

سند الحديث:

تقدّمت رجاله، والسند موثّق.

والحاصل: أن في الباب حديثاً واحداً موثقاً.

ص: 79


1- - فقه الرضا (علیه السلام) 94.

ص: 80

24 - باب أحكام تقاربِ البئر والبالوعة

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

24 - باب أحكام تقارب البئر والبالوعة

شرح الباب:

هذا الباب معقود لذكر أمرين:

أحدهما: حكم تقارب البالوعة والبئر. فهل يكون الماء المعطن - بسبب التقارب بينهما - نجساً أو لا؟

صرّح الكثير من الفقهاء((1))

بأنّ مجرّد قرب البالوعة من البئر لا يوجب انفعال ماء البئر ما لم يُعلم بتغيّر مائها بسبب النجاسة السارية إليها من البالوعة على ما هو التحقيق، أو ما لم يعلم بوصول النجاسة إليه وإن لم يتغيّر، كما اختاره كثير من القدماء((2)).

والثاني: تعيين مقدار الفصل المستحب بينهما، سواء في الأرض السهلة أو الأرض الصلبة.

قال في «اللسان»: «البالوعة والبلوعة، لغتان: بئر تحفر في وسط الدار ويضيّق رأسها يجري فيها المطر، وفي الصحاح: ثقب في وسط الدار،

ص: 81


1- - كما في السرائر 1 : 95، ومجمع الفائدة والبرهان 1 : 283، وذخيرة المعاد 1 : 141، ومشارق الشموس 3 : 336، وغيرها.
2- - كما هو الظاهر من المبسوط 1 : 27، والوسيلة: 74، والمهذّب 1 : 21.

والجمع البلاليع، وبالوعة لغة أهل البصرة»((1)).

والمراد بها هنا - على ما في «المدارك» - ما يرمى فيها ماء النزح أو غيره من النجاسات((2)).

ومعنى فوقيّة البئر: أن يكون قرارها أعلى من قرار البالوعة بأن تكون البالوعة أعمق منها، ومنه يعلم معنى تحتيّتها.

الأقوال:

أقوال الخاصّة:

قال العلامة في «المختلف»: «المشهور أنّه يستحب أن يكون بين البئر والبالوعة سبعة أذرع إذا كانت الأرض سهلة وكانت البئر تحت البالوعة، وإن كانت صلبة أو كانت فوق البالوعة فليكن بينها وبينه خمسة أذرع. ذكره الشيخ (رحمه الله) ، وأبو جعفر بن بابويه، وابن البراج، وابن إدريس.

وقال ابن الجنيد: إن كانت الأرض رخوة والبئر تحت البالوعة فليكن بينهما اثنا عشر ذراعاً، وإن كانت صلبة أو كانت البئر فوق البالوعة فليكن بينهما سبع أذرع، وهذا الخلاف في الاستحباب يختلف باختلاف صلابةالأرض ورخاوتها واتساع المجاري وضيقها»((3)).

ص: 82


1- - لسان العرب 8 : 20، مادة: «بلع».
2- - مدارك الأحكام 1 : 102.
3- - مختلف الشيعة 1 : 247.

أقوال العامّة:

قال السرخسي في المبسوط: «وأدنى ما ينبغي أن يكون بين البئر والبالوعة خمسة أذرع في رواية أبي سليمان والنوادر والأمالي، وفي رواية أبي حفص سبعة أذرع.

والحاصل أنّه ليس فيه تقدير لازم بشيء، إنَّما الشرط أن لا يخلص من البالوعة والبئر شيء، وذلك يختلف باختلاف الأراضي في الصلابة والرخاوة. ألا ترى أنّه قال: فإن كان بينهما خمسة أذرع فوجد في الماء ريح البول أو طعمه فلا خير فيه، وإن لم يوجد شيء من ذلك فلا بأس به وإن كان بينهما أقل من خمسة أذرع، فعرفنا أنّ المعتبر هو الخلوص»((1)).

وقال الكاشاني في «بدائع الصنائع»: «وبئر الماء إذا كانت بقرب من البالوعة لا يفسد الماء ما لم يتغيّر لونه أو طعمه أو ريحه. وقدّر أبو حفص المسافة بينهما بسبعة أذرع، وأبو سليمان بخمسة، وذا ليس بتقدير لازم؛ لتفاوت الأراضي في الصلابة والرخاوة، ولكنّه خرج على الأغلب. ولهذا قال محمد بعد هذا التقدير: لو كان بينهما سبعة أذرع ولكن يوجد طعمه أو ريحه لا يجوز التوضؤ به، فدلّ على أنّ العبرة بالخلوص وعدم الخلوص،وذلك يعرف بظهور ما ذكر من الآثار وعدمه»((2)).

وقال ابن نجيم - وهو من الحنفيّة - في «البحر الرائق»: «أنّ المختار

ص: 83


1- - المبسوط1 : 61.
2- - بدائع الصنائع 1 : 78.

[510] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ زُرَارَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَأَبِي بَصِيرٍ كُلُّهُمْ قَالُوا: قُلْنَا لَهُ: بِئْرٌ يُتَوَضَّأُ مِنْهَا يَجْرِي الْبَوْلُ قَرِيباً مِنْهَا أَيُنَجِّسُهَا؟ قَالَ: فَقَالَ: «إِنْ كَانَتِ الْبِئْرُ فِي أَعْلَى(1) الْوَادِي وَالْوَادِي يَجْرِي فِيهِ الْبَوْلُ مِنْ تَحْتِهَا فَكَانَ بَيْنَهُمَا قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ أَوْ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ لَمْ يُنَجِّسْ ذَلِكَ شَيْ ءٌ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ نَجَّسَهَا(2)»، قَالَ: «وَإِنْ كَانَتِ الْبِئْرُ فِي أَسْفَلِ الْوَادِي وَيَمُرُّ الْمَاءُ عَلَيْهَا وَكَانَ بَيْنَ الْبِئْرِ وَبَيْنَهُ تِسْعَةُ(3) أَذْرُعٍ

-----------------------------------------------------------------------------

المعتمد في البعد بين البالوعة والبئر نفوذ الرائحة، إن تغيّر لونه أو ريحه أو طعمه تنجّس، وإلّا فلا. وهكذا في الخلاصة وفتاوى قاضيخان وغيرهما. وصرح في التتارخانيّة: أنّ اعتبار العشر في العشر على اعتبار حال أراضيهم، والجواب يختلف باختلاف صلابة الأرض ورخاوتها»((4)).

[1] - فقه الحديث:

الوادي - كما في «لسان العرب» - : «كل مفرج بين الجبال والتلال والآكام؛ سمي بذلك لسيلانه، يكون مسلكاً للسيل ومنفذاً»((5)).

ص: 84


1- في تهذيب الأحكام «فوق الوادي». (منه(قدس سره) ).
2- في الكافي: ينجسها.
3- في نسخة «سبعة». (منه(قدس سره) ).
4- - البحر الرائق 1 : 140.
5- - لسان العرب 15 : 384، مادة: «ودي».

لَمْ يُنَجِّسْهَا، وَمَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يُتَوَضَّأُ مِنْهُ»، قَالَ زُرَارَةُ: فَقُلْتُ لَهُ: فَإِنْ كَانَ مَجْرَى الْبَوْلِ بِلَصْقِهَا(1)1*) وَكَانَ لَا يَثْبُتُ عَلَى الْأَرْضِ؟ فَقَالَ: «مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَرَارٌ فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، وَإِنِ اسْتَقَرَّ مِنْهُ قَلِيلٌ فَإِنَّهُ لَا يَثْقُبُ الْأَرْضَ وَلَا قَعْرَ لَهُ(2)2*) حَتَّى يَبْلُغَ الْبِئْرَ، وَلَيْسَ عَلَى الْبِئْرِ مِنْهُ بَأْسٌ، فَيُتَوَضَّأُ مِنْهُ. إِنَّمَا ذَلِكَ إِذَا اسْتَنْقَعَ كُلُّهُ»(3)3*).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَهُ(4)4*).

وَعَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ حَمْزَةَ الْعَلَوِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، مِثْلَهُ(5)5*).

-----------------------------------------------------------------------------

يتضمّن هذا الحديث الجواب عن سؤالين:

الحديث الأول و الإجابة عن سؤالين

أولهما: عن البئر التي يستفاد منها يجري البول قريباً منها، فهل ينجسها ذلك، أو لا؟

وأجاب الإمام (علیه السلام) بالتفصيل بين ما إذا كانت البئر في أعلى الوادي،

ص: 85


1- 1*) في نسخة «بلزقها»، هو لزقي وبلزقي ولزيقي، وبالسين والصاد في اللغات الثلاث: بجنبي. (هامش المخطوط - عن الصحاح 4 : 1549).
2- 2*) في تهذيب الأحكام «ولا يغوله». (منه(قدس سره) ).
3- 3*) الكافي 3 : 7، ح2، وتهذيب الأحكام 1 : 410، ح1293.
4- 4*) تهذيب الأحكام 1 : 410 ، ح1293.
5- 5*) الاستبصار 1 : 46، ح128.

إِلَّا أَنَّهُ أَسْقَطَ فِي الْكِتَابَيْنِ قَوْلَهُ: «وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ نَجَّسَهَا»، وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا لَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِهَا؛ لِأَنَّ الْعَلَّامَةَ قَالَ فِي «الْمُنْتَهَى»: إِنَّ الْقَائِلِينَ بِانْفِعَالِ الْبِئْرِ بِالْمُلاقَاةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى عَدَمِ حُصُولِ التَّنَجُّسِ بِمُجَرَّدِ التَّقَارُبِ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِهِ عِنْدَهُمْ لِمُخَالَفَتِهِ لِإِجْمَاعِهِمْ(1)1*).

وَذَكَرَ صَاحِبُ «الْمُنْتَقَى» أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّغَيُّرِ أَوْ عَلَى الِاسْتِقْذَارِ، وَأَنَّ التَّنْجِيسَ وَالنَّهْيَ مَحْمُولَانِ عَلَى غَيْرِ الْحَقِيقَةِ؛ لِضَرُورَةِ الْجَمْعِ(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

وفي «التهذيب»: «فوق الوادي»، وذلك بأن تكون البئر أعلى من الوادي الذي يجري فيه البول، وكانت المسافة بينهما ثلاثة أذرع أو أربعة لم تنفعل البئر، وإن كانت المسافة بينهما أقل من ذلك أوجب ذلك الانفعال.

وظاهر قوله (علیه السلام) : «في أعلى الوادي» هي الفوقيّة بحسب القرار، ويحتمل إرادة الفوقية بحسب الجهة أيضاً .وأيضاً إن كانت البئر في أسفل الوادي - أي: أسفل من الوادي - ويمرّ الماء عليها، أي: البول، وكانت المسافة بينهما تسعة أذرع أو سبعة - كما في نسخة - لم تنفعل البئر، والتعبير عن وادي البول بالماء؛ للإشعار بأنّ الوادي قد وصل إلى الماء. وأمّا إذا كانت المسافة بينهما أقل من ذلك أوجب ذلك الانفعال.

ص: 86


1- 1*) المنتهى1 : 113، والنقل بالمعنى.
2- 2*) منتقى الجمان 1 : 66.

ثانيهما: عن البئر يكون مجرى البول بجانبها وملاصقاً لها مع أنّ البول الذي يجري لا يثبت - وفي «التهذيبين»: لا يلبث مكان لا يثبت - على الأرض، فهل هذا ينجسها أو لا؟

وأجاب الإمام (علیه السلام) بالتفصيل بين ما إذا لم يكن لمجرى البول قرار بأن كان البول ينفذ إلى الأرض ولا يجتمع تحتها في قرارٍ؛ لكون الأرض سهلة، فهنا لا ينفعل ماء البئر بالنجاسة، وكذلك ما إذا استقر من البول مقدار في الأرض؛ لكونها صلبة؛ لأنّ البول حينئذٍ لا يثقب الأرض، كما أنّه لا قعر له، أي: لم يصل إلى الماء حتى يتّصل إلى الماء بمجاريه، فلا يضر قربهما من بعضهما. وفي التهذيبين: «لا يغوله» موضع «لا قعر له»، أي: لا يبادره ولا يسبقه.

قال في «منتقى الجمان»: «مؤدى قوله (علیه السلام) : (لا قعر له) كما في الكافي، و (لا يغوله) كما في الاستبصار، واحد؛ لأنّ وجود القعر - وهو العمق - مظنّة النفوذ إلى البئر، وهو المراد بقوله: (يغوله). قال الجوهري: غاله الشي ءإذا أخذه من حيث لم يدر. وينبغي أن يعلم أنّ مرجع الضمير على التقديرين مختلف، فعلى رواية (لا يغوله) هو موضع البول، وعلى رواية (لا قعر له) البئر. ويقرب كون أحدهما تصحيفاً للآخر؛ لما بينهما في الخط من التناسب»((1)).

وبين ما إذا بقي البول بجانب البئر مدّة طويلة فإنّه يستنقع، بمعنى: أنّ أثره

ص: 87


1- - منتقى الجمان 1 : 64 - 65.

يصل إلى البئر وإن لم يصل إلى الماء.

فهذا الحديث دالّ على حصول التنجيس بالتقارب في بعض الصور المفروضة فيه، ولاسيّما مع إثبات قوله (علیه السلام) : «وإن كان أقل من ذلك ينجّسها» كما هو الموجود في «الكافي».

لكنّ المعارض له كثير كما تقدّم في الأبواب السابقة، وأشرنا إلى الوجه في حمل ما دلّ على الانفعال بالملاقاة فيما سبق، كما أنّ العلامة حكى في «المنتهى»: أنّ القائلين بانفعال ماء البئر «قد اتفقوا على عدم التنجيس بالتقارب جداً»((1)

وهذا يوجب صرف الحديث عن ظاهره وتأويله بوجه تنتفي معه المعارضة والمخالفة.

وقد ذكر صاحب «منتقى الجمان»: أنّ الأقرب في تصوير ذلك الوجه: «أن يقال: إنّ سوق الحديث يؤذن بقصر الحكم في محل يتكثّر ورودالنجاسة عليه ويظن فيه النفوذ. وما هذا شأنه لا يبعد إفضاؤه مع القرب إلى تغيّر الماء خصوصاً مع طول الزمان؛ فلعلّ الحكم بالتنجيس حينئذ ناظر إلى شهادة القرائن بأن تكرر جريان البول في مثله يفضي إلى حصول التغيّر. أو يقال: إنّ كثرة ورود النجاسة على المحل مع القرب يثمر ظن الوصول إلى الماء، بل قد يحصل معه العلم بقرينة الحال وهو موجب للاستقذار، ولا ريب في مرجوحيّة الاستعمال معه، فيكون الحكم بالتنجيس والنهي عن

ص: 88


1- - منتهى المطلب 1 : 113.

الاستعمال محمولين على غير الحقيقة؛ لضرورة الجمع»((1)).

سند الحديث:

ذكر المصنّف ثلاثة أسانيد لهذا الحديث:

الأول: سند الكليني في «الكافي»، ومرّ الكلام في أفراده، والسند صحيح رغم الإضمار؛ لأنّ الظاهر أنّ هؤلاء الأجلاء لا يروون إلّا عن إمام.

الثاني: سند الشيخ في «التهذيب»، ورجاله تقدّم بيان حالهم، والسند صحيح أيضاً.

الثالث: سند الشيخ أيضاً في «الاستبصار»، وقد سبق الكلام في أفراده، والسند صحيح كسابقيه.

ص: 89


1- - منتقى الجمان 1 : 66.

[511] 2- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ السَّرَّاجِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ قُدَامَةَ بْنِ أَبِي زَيْدٍ الْجَمَّازِ(1)، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ كَمْ أَدْنَى مَا يَكُونُ بَيْنَ الْبِئْرِ بِئْرِ الْمَاءِ وَالْبَالُوعَةِ؟ فَقَالَ: «إِنْ كَانَ سَهْلًا فَسَبْعُ أَذْرُعٍ، وَإِنْ كَانَ جَبَلًا فَخَمْسُ أَذْرُعٍ»، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الْمَاءَ يَجْرِي إِلَى الْقِبْلَةِ إِلَى يَمِينٍ، وَيَجْرِي عَنْ يَمِينِ الْقِبْلَةِ إِلَى يَسَارِ الْقِبْلَةِ؛ وَيَجْرِي عَنْ يَسَارِ الْقِبْلَةِ إِلَى يَمِينِ الْقِبْلَةِ، وَلَا يَجْرِي مِنَ الْقِبْلَةِ إِلَى دُبُرِ الْقِبْلَةِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

الحدّ الفاصل بين البئر و البالوعة

[2] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ أقل مقدار لابد أن يفصل بين البئر والبالوعة هو سبعة أذرع في الأرض السهلة، وخمسة في الأرض الجبليّة. ويفهم من الإطلاق في كلّ من الفقرتين: أنّ السبعة أذرع مطلقاً في الأرض السهلة كافية في صيانة الماء عن الاختلاط بالنجس، وكذا الخمسة أذرع في الأرض الصلبة مطلقاً كافية في ذلك؛ ولعلّ مناسبة الحكم والموضوع فيالفقرة الثانية بمنزلة التعليل لكفاية الخمسة أذرع؛ إذ الحكم بكفاية الأقل

ص: 90


1- في المصدر: «الحمّار».
2- الكافي 3 : 8، ح3، ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام 1 : 410، ح1291، والاستبصار 1 : 45، ح127.

من السبعة في حفظ الماء عن الاختلاط بالنجس يراه العرف مناسباً للموضوع، وهو جبليّة الأرض.

كما يفهم من الإطلاق فيهما أيضاً: اعتبار السبعة أذرع في الأرض السهلة مطلقاً، والخمسة في الأرض الجبليّة مطلقاً، فلا يكفي الأقل فيهما.

لا يقال: بأنّ هذا التحديد غير لازم بعد معرفة الحكمة في التباعد، وهي التحفّظ على الماء من النجاسة؛ إذ المصاديق ليست على حدّ سواء في قبول سريان النجاسة؛ لاختلاف الأراضي سهولة ووعورة وغير ذلك، ككون البئر أعلى قراراً من البالوعة، أو كونها واقعة في جهة الشمال التي يجري منها الماء فلا تحتاج صيانة مائها إلى البعد الذي تحتاجه في فرض أسفليّة البئر أو مساواتها مع البالوعة، أو وقوع البئر في غير جهة الشمال.

لأنّه يقال: إنّه لا يجب في الحكمة أن تكون مطّردة، ولذا يجوز أن يعيّن الشارع مقداراً خاصّاً ويعتبره كافياً على الإطلاق، وإن كان فوق الكفاية في بعض الموارد، خصوصاً مع تعذّر تعيين أقلّ ما يجزئ في كلّ واحد واحد من المصاديق بعد اختلافها في الرخاوة والصلابة والفوقيّة والتحتيّة، فيجب التعبّد بمضمون الإطلاق في الفقرتين، والالتزام باستحباب هذا المقدار الخاصّ من البعد من باب التعبّد، والتسليم لأمر الشارع المقدس.

وقد دلّت القطعة الأخيرة من الحديث على أنّ الماء يجري من الشمال،وفائدة معرفة ذلك: أنّ البئر إذا كانت فوق البالوعة - من جهة الشمال - فإنّها أبعد ما تكون عن الانفعال بها؛ لأنّ طبع الماء أن يجري من جهة الشمال

ص: 91

متجهاً لجهة الجنوب لا العكس.

وقد قال المصنّف في الشرح: «ذكر بعض العلماء: أنّ ذلك طبيعة الماء، وأنّه يجري من المشرق إلى المغرب وبالعكس، ومن الشمال إلى الجنوب من غير عكس، إلّا مع قاهر وقاسر ومانع، وذكروا أنّ العيون والأنهار كلّها كذلك إلّا العاصي فإنّه يجري من الجنوب إلى الشمال، ولذلك سمّي العاصي، ولعلّه لمانع أو لحكمة أخرى، ويوجد في العيون والأنهار الصغيرة مثل العاصي، وذلك إمّا لمانع أو لكون الحديثين - أي: هذا الحديث والحديث السادس الآتي - على الأغلبيّة، وإن لم يكن ذلك كليّاً»((1)).

سند الحديث:

ذكر المصنّف سندين لهذا الحديث:

أولهما: سند «الكافي»، والمراد من أحمد بن محمد: هو ابن عيسى؛ وذلك لأنّه هو الراوي لكتاب محمد بن إسماعيل بن بزيع.

وأمّا أبو إسماعيل السراج عبد الله بن عثمان: فلا يبعد أن يكون أخاحمّاد بن عثمان، كما استظهره السيد الأستاذ(قدس سره) ((2)). وثّقه النجاشي صريحاً مع أخيه حمّاد، فقال: «حمّاد بن عثمان بن عمرو بن خالد الفزاري مولاهم، كوفي، كان يسكن عرزم فنسب إليها، وأخوه عبد الله ثقتان، رويا عن أبي

ص: 92


1- - تحرير وسائل الشيعة: 512.
2- - معجم رجال الحديث 11 : 276 / 6991.

عبد الله (علیه السلام) »((1)).

وأمّا قدامة بن أبي زيد الجمّار أو الحمّار كما في «الكافي»: فلا يبعد أنّ الصحيح: ابن أبي يزيد الحمّار، وهو أخو داود بن فرقد أبو يزيد الحمّار((2)

وهو مهمل، فالسند غير معتبر به مع الإرسال، ولكن يمكن تصحيحه على القول بتماميّة شهادة الكليني بصحّة أحاديث «الكافي».

ثانيهما: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»، ذكره في ذيل الحديث الثالث الآتي، وقد تقدّم، وهو كسابقه غير معتبر.

ص: 93


1- - رجال النجاشي: 143 / 371.
2- - أقول: ذُكر لداود أربعة إخوة وهم: يزيد وعبد الرحمن وعبد الحميد وعبد الملك، ولم أجد من ذكر قدامة من ضمنهم في كتب الرجال والتراجم، فلاحظ. المقرّر.

[512] 3- وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ رِبَاطٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْبَالُوعَةِ تَكُونُ فَوْقَ الْبِئْرِ؟ قَالَ: «إِذَا كَانَتْ فَوْقَ الْبِئْرِ فَسَبْعَةُ أَذْرُعٍ، وَإِذَا كَانَتْ أَسْفَلَ مِنَ الْبِئْرِ فَخَمْسَةُ أَذْرُعٍ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَذَلِكَ كَثِيرٌ»(1).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ(2).

وَالَّذِي قَبْلَهُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، مِثْلَهُ.

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ أقل مقدار لابد أن يفصل بين البئر والبالوعة هو سبعة أذرع إذا كانت البالوعة فوق البئر، وخمسة إذا كانت أسفل منها، ويفهم من الإطلاق في كلّ من الفقرتين: أنّ السبعة أذرع مطلقاً كافية في صيانة الماء عن الاختلاط بالنجس إذا كانت البالوعة فوق البئر، وكذا الخمسة أذرع مطلقاً كافية في ذلك إذا كانت أسفل منها، فيقع التعارض بين هذا الحديث وبين حديث قدامة؛ إذ إنّ حديث قدامة عيّن السبعة أذرع فيالأرض السهلة، سواء كانت البالوعة فوق البئر أو لم تكن، وعيّنت الخمسة أذرع في الجبليّة من كل جهة سواء، سواء كانت البالوعة فوق البئر أو لم

ص: 94


1- الكافي 3 : 7، ح1.
2- تهذيب الأحكام 1 : 410، ح1290، والاستبصار1 : 45، ح126.

تكن. وهذا الحديث - وهو حديث الحسن بن رباط - عيّن السبعة أذرع إذا كانت البالوعة فوق البئر، سواء كانت الأرض سهلة أو جبليّة، وعيّن الخمسة أذرع إذا كانت البالوعة أسفل البئر، سواء كانت الأرض سهلة أو جبليّة.

وجه الجمع بين الحديث الثاني و الثالث

ثمّ إنّ قوله (علیه السلام) في آخر الحديث: «وذلك كثير» ظاهر في استحباب هذا التباعد.

وقد نقل الشيخ البحراني (رحمه الله) رأي المشهور في وجه الجمع بين هذا الحديث والحديث السابق وهو حديث قدامة بن أبي زيد الجماز، وبيانه: أن يحمل المطلق من كل منهما على المقيّد من الأخرى، وذلك بالنسبة إلى التقدير بالسبعة؛ فإنّه في حديث الحسن بن رباط مطلق بالنسبة إلى صلابة الأرض ورخاوتها، والحديث الثاني قد اشتمل مع الصلابة على ذكر الخمسة أذرع، فتحمل السبعة في الأول على الرخاوة خاصة؛ جمعاً بين الحديثين، فيكون معنى الحديث الأول: أنّه إذا كانت البالوعة فوق البئر فاللازم البعد بسبعة أذرع ما لم تكن الأرض صلبة فإنّه تكفي الخمسة أذرع حينئذٍ.

والسبعة في الحديث الثاني أيضاً مطلق بالنسبة إلى فوقيّة البالوعة على البئر وعكسه، وقد خصّ السبعة في الحديث الأول بفوقيّة البالوعة والخمسة بعكسه، وحينئذ فتحمل السبعة المطلقة - في الحديث الثاني - على فوقيّةالبالوعة، فيكون معنى الحديث الثاني: إن كان سهلاً فاللازم البعد بسبعة أذرع ما لم يكن قرار البئر أعلى فإنّه تكفي الخمسة.

ص: 95

ويتخلص من ذلك أنّ السبعة حينئذ مقيّدة برخاوة الأرض مع عدم كون قرار البئر أعلى، وهو أعم من أن يكون مساوياً أو يكون قرار البالوعة أعلى((1)).

سند الحديث:

ذكر المصنف لهذا الحديث سندين:

أولهما: سند «الكافي»، وفيه ممّن لم يتقدّم ذكره: الحسن بن رباط: قال عنه النجاشي: «الحسن بن رباط البجلي، كوفي، روى عن أبي عبد الله (علیه السلام) - وإخوته إسحاق ويونس وعبد الله - له كتاب رواية الحسن بن محبوب)((2)

وعدّه الشيخ في «الرجال» من أصحاب الإمامين الباقر والصادق (علیهما السلام) ((3)).

ورواية الحسن بن محبوب عنه لا تثبت وثاقته.

وثانيهما: سند «التهذيب» و«الاستبصار». وأحمد بن محمد الذي يروي عنه الشيخ المفيد هو أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد؛ لأنّ الغالب فيرواية الشيخ المفيد عن أحمد بن محمد هي ما كان عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، كما تقدّمت الإشارة إليه في الباب التاسع عشر من هذه الأبواب.

ص: 96


1- - الحدائق الناضرة 1 : 386 - 387، بتصرف.
2- - رجال النجاشي: 46 / 94.
3- - رجال الطوسي: 131 / 1343، و181 / 2171.

وقد سبق أنّه لم يوثّق، مع أنّه كثير الرواية، ومع ذلك يمكن تصحيح رواياته عن أبيه باعتبار أنّ للشيخ الطوسي طريقين معتبرين إلى جميع روايات أبيه، إلّا أنّ السند - كسابقه - غير معتبر لا لوجود محمد بن سنان فيه - كما يراه المشهور - فإنّا قد أثبتنا وثاقته كما مرّ، وإنَّما لوجود الحسن بن رباط الذي لم يوثّق.

ومع ذلك يمكن التصحيح بناء على تماميّة شهادة الكليني بشأن كتابه «الكافي».

ص: 97

[513] 4- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، أَنَّهُ قَالَ: نَزَلْنَا فِي دَارٍ فِيهَا بِئْرٌ إِلَى جَنْبِهَا بَالُوعَةٌ لَيْسَ بَيْنَهُمَا إِلَّا نَحْوٌ مِنْ ذِرَاعَيْنِ، فَامْتَنَعُوا مِنَ الْوُضُوءِ مِنْهَا فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَدَخَلْنَا عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فَأَخْبَرْنَاهُ، فَقَالَ: «تَوَضَّؤُوا مِنْهَا، فَإِنَّ لِتِلْكَ الْبَالُوعَةِ مَجَارِيَ تَصُبُّ فِي وَادٍ يَنْصَبُّ فِي الْبَحْرِ(1)»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[4] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّه يجوز استعمال البئر التي يفصلها عن البالوعة ذراعان، وذلك ما لم يعلم بتغيّر مائها. ولعلّ في التعليل إشارة إلى ذلك. فسواء حملنا التعليل على ما ذكره المصنّف(قدس سره) في الشرح من: علمه (علیه السلام) الخاص بأنّ تلك البالوعة بعينها لها مجاري تصب في وادٍ ينصب في البحر، وقال: إنّه بعيد. أو على أنّ فرض ذلك - مع كونه بعيداً لبعد البحر، بل ربَّما كان محالاً عادة، إلّا أنّه ممكن عقلاً على بعده - يقتضي عدم النفرة منذلك الماء، وعدم الجزم بالملاقاة، مع عدم حصول العلم واليقين بالتغيّر((3)).

ص: 98


1- ورد في هامش النسخة الثانية من المخطوط ما نصه: يحتمل علمه (علیه السلام) بذلك، وأنّ الإخبار به حقيقة، لكنه بعيد. ويحتمل أن يكون قضية ممكنة إشارة إلى أنّ فرض ذلك مع احتماله - ولو على بعد - يقتضي عدم النفرة من ذلك الماء، وعدم الجزم بالملاقاة؛ لما مرّ من أنّ كل ماء طاهر حتى يعلم أنّه قذر. (منه(قدس سره) ).
2- من لا يحضره الفقيه 1 : 13، ح24.
3- - تحرير وسائل الشيعة: 511.

أو لم نحمله ورددنا علمه إلى أهله، فإنّ النتيجة هي: أنّه لا يكره استعمال هذا الماء بسبب قربه من البالوعة إلّا أن يعلم بتغيّره منها.

سند الحديث:

سند الشيخ الصّدوق إلى أبي بصير: عن محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه، عن عمّه محمد بن أبي القاسم، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير((1)).

والمراد من أبي بصير هنا هو يحيى بن القاسم، بقرينة رواية قائده علي بن أبي حمزة البطائني عنه.

والطريق ضعيف بعلي بن أبي حمزة مؤسس الوقف، إلّا أن توجد قرينة على أنّ روايته كانت قبل وقفه، كما لعلّها موجودة في المقام، وهي رواية محمد بن أبي عمير عنه.

كما أنّه يكفي شهادة الصدوق بصحّة ما في كتابه «من لا يحضره الفقيه».

ص: 99


1- - من لا يحضره الفقيه 4 : 431 ، المشيخة.

[514] 5- وَفِي كِتَابِ «الْمُقْنِعِ» قَالَ: رُوِيَ إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا ذِرَاعٌ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ كَانَ مُبْخِراً إِذَا كَانَ الْبِئْرُ عَلَى أَعْلَى الْوَادِي(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

في بعض النسخ: إذا كان بينهما أذرع، وقد دلّ الحديث على عدم البأس في قرب البئر من البالوعة وإن كان الفاصل بينهما ذراعاً واحداً أو أذرع وإن كانت البئر مبخرة، والبئر المبخرة: التي يشم منها الرائحة الكريهة، كالجيفة ونحوها((2)).

هذا إذا كان البئر على أعلى الوادي، فإنّه يكشف عن أنّ التغيّر في الماء لم يكن بسبب سراية ما في البالوعة إليه، بل كان بسبب آخر غير النجاسة، وإلّا لو علم بكون التغيّر بالنجاسة تعيّن الحكم بها، ووجب الاجتناب عنها، وحصل فيها أقوى أنواع البأس.

سند الحديث:

سبق أن قلنا: إنّا حقّقنا اعتبار مراسيل الشيخ الصدوق في كتابه «المقنع» عن طريق شهادته فيه، واستثنينا الروايات الواردة في السنن؛ لاحتمال قوله بقاعدة التسامح في أدلّة السنن، كما استثنينا الروايات الواردة في رسالة أبيهإليه؛ فإنَّها غير مشمولة لشهادته، وإن كانت معتبرة من وجه آخر((3)).

ص: 100


1- المقنع: 36.
2- - مجمع البحرين 1 : 159، مادة: «بخر».
3- - أُصول علم الرجال 1 : 329 - 332.

[515] 6- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الدَّيْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْبِئْرِ يَكُونُ إِلَى جَنْبِهَا الْكَنِيفُ؟ فَقَالَ لِي: «إِنَّ مَجْرَى الْعُيُونِ كُلِّهَا مِنْ(1) مَهَبِّ الشَّمَالِ، فَإِذَا كَانَتِ الْبِئْرُ النَّظِيفَةُ فَوْقَ الشَّمَالِ وَالْكَنِيفُ أَسْفَلَ مِنْهَا لَمْ يَضُرَّهَا إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا أَذْرُعٌ، وَإِنْ كَانَ الْكَنِيفُ فَوْقَ النَّظِيفَةِ فَلَا أَقَلَّ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ ذِرَاعاً، وَإِنْ كَانَتْ تُجَاهاً بِحِذَاءِ الْقِبْلَةِ وَهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي مَهَبِّ الشَّمَالِ فَسَبْعَةُ أَذْرُعٍ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[6] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على البئر إذا كانت في جهة الشمال والكنيف واقع أسفل منها مع الفصل بينهما بأذرع لم يضرها هذا القرب، وأمّا إذا كان الكنيف واقعاً فوق البئر فلا بد من أن يكون الفاصل بينهما اثني عشر ذراعاً، وأمّا إذا كانا متساويين - بأن لم يكن أحدهما فوق والآخر تحت - فلا بد من أنيكون الفاصل سبعة أذرع، وكل ذلك معلّل بكون مجرى العيون من الشمال.

وهذا الحديث احتجّ به العلامة في «المختلف» لابن الجنيد الذي قال: إن

ص: 101


1- في نسخة «مع». (منه(قدس سره) ).
2- تهذيب الأحكام 1 : 410، ح1292.

كانت الأرض رخوة والبئر تحت البالوعة فليكن بينهما اثنا عشر ذراعاً، وإن كانت صلبة أو كانت البئر فوق البالوعة فليكن بينهما سبعة أذرع، ولكنّه لا يدلّ على تفصيله؛ فإنّه ليس فيه أنّ الأرض رخوة، فلا بد من الاثني عشر حينئذٍ، وليس فيه ذكر للصلبة، ولا أنّه إذا كانت البئر فوق البالوعة فليكن بينهما سبعة أذرع.

سند الحديث:

تقدّم إسناد الشيخ إلى محمد بن أحمد بن يحيى، وقلنا: إنّه معتبر.

وأمّا إبراهيم بن إسحاق: فهو النهاوندي، وقد تقدّم أنّه ضعيف.

وأمّا محمد بن سليمان الديلمي: فقد جمعنا بين تضعيف النجاشي والشيخ له وبين كونه من رجال أسناد «نوادر الحكمة»((1)) بحمل التضعيف على مذهبه. ورميه بالغلو مشكل، وكذا أبوه: فإنّه قد سبق أنّه غمز عليه. وقيل:كان غالياً كذّاباً، ومن الغلاة الكبار، إلّا أنّه ورد في «تفسير القمّي»وأسناد «نوادر الحكمة»((2)).

فهذا السند غير معتبر.

ص: 102


1- - أُصول علم الرجال 1 : 237.
2- - المصدر نفسه 1 : 281، 224.

[516] 7- وَقَدْ سَبَقَ حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (علیه السلام) ، فِي الْبِئْرِ يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْكَنِيفِ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ وَأَقَلُّ وَأَكْثَرُ يُتَوَضَّأُ مِنْهَا؟ قَالَ: «لَيْسَ يُكْرَهُ مِنْ قُرْبٍ وَلَا بُعْدٍ، يُتَوَضَّأُ مِنْهَا وَيُغْتَسَلُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرِ الْمَاءُ»(1).

قَالَ الشَّيْخُ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَخْبَارَ الْمُتَقَدِّمَةَ كُلَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[7] - فقه الحديث:

تقدّمت دلالته. وهذا الحديث يعتبر موضّحاً للأحاديث السابقة، وأنّ تعيين المقادير السابقة إنّما هو تعبدي استحبابي.

سند الحديث:

مرّ أنّ المصنّف ذكر لهذا الحديث ثلاثة طرق:

أولها: مسنداً عن «الكافي»، وقلنا: إنّ السند معتبر.

الثاني: مرسلاً عن «الفقيه»، وقد مرّ مراراً أنَّها معتبرة.

الثالث: مسنداً عن «التهذيب»، وهذا السند معتبر أيضاً.

ص: 103


1- تقدّم في الحديث 4 من الباب 14، وفي الحديث 14 من الباب 3 من هذه الأبواب.
2- تهذيب الأحكام 1 : 411، ح1294، والاستبصار 1 : 46، ح129.

[517] 8- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ فِي «قُرْبِ الْإِسْنَادِ»، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الطَّيَالِسِيِّ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْبِئْرِ يَتَوَضَّأُ مِنْهَا الْقَوْمُ وَإِلَى جَانِبِهَا بَالُوعَةٌ؟ قَالَ: «إِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا عَشَرَةُ أَذْرُعٍ، وَكَانَتِ الْبِئْرُ الَّتِي يَسْتَقُونَ مِنْهَا مِمَّا يَلِي الْوَادِيَ، فَلَا بَأْسَ»(1).

أَقُولُ: قَدْ عَرَفْتَ أَنَّ هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ .

-----------------------------------------------------------------------------

[8] - فقه الحديث:

دلّ على أنّ المقدار الفاصل بين البئر والبالوعة إذا كان عشرة أذرع، وكانت البئر في جهة الشمال، فإنّه الظاهر من كونها تلي الوادي؛ بناء على أنّ مجرى العيون من تلك الجهة. ولم يقل أحد - ظاهراً - بمضمون هذا الحديث، بل هو غير منقول في كتب الاستدلال. ثمّ إنّ اختلاف التقدير بالأذرع دليل على عدم الوجوب، كما هو واضح.

سند الحديث:

فيه: محمد بن خالد الطيالسي: وقد مرّ أنّه وإن لم يرد فيه توثيق صريح إلّا أنّه ورد في أسناد «نوادر الحكمة» بعنوان محمد بن خالد، وهو

ص: 104


1- قرب الإسناد: 32.

الطيالسي، فيعُدّ ذلك توثيقاً له((1))، وأمّا رواية الأجلاء عن شخص فلا تدلّ على الوثاقة عندنا.

والمراد بالعلاء: هو العلاء بن رزين القلاء، الثقة، فالسند معتبر، لكن يمكن تصحيحه أيضاً من جهة أنّ كتب العلاء مشهورة فلا تحتاج إلى الطريق((2)).

المتحصل من الأحادیث

والحاصل: أنّ في الباب ثمانية أحاديث، أولها صحيح، وسادسها ضعيف، والستة الباقية معتبرة.

ص: 105


1- - إيضاح الدلائل 1 : 236.
2- - أُصول علم الرجال 1 : 146.

ص: 106

أبواب الماء المضاف والمستعمل

ص: 107

ص: 108

أبواب الماء المضاف والمستعمل

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

أبواب الماء المضاف والمستعمل

تقسيم الماء إلی مطلق و مضاف

تنقسم المائعات إلى قسمين:

قسم يصحّ سلب عنوان الماء عنه بما له من المعنى، ولا يطلق عليه الماء لا حقيقة ولا مجازاً،كما هو الحال في اللبن والدهن والدبس وغيرها.

والقسم الآخر ما يصحّ إطلاق الماء عليه، وهو أيضاً قسمان:

أحدهما: ما لا يصحّ إطلاق لفظ الماء عليه بما له من المعنى على نحو الحقيقة من غير إضافته إلى شيء .

نعم، يصحّ أن يطلق عليه بإضافته إلى شيء ما، كماء الرمّان؛ فإنّ الماء من غير إضافته إلى الرمّان لا يطلق عليه حقيقة، فلا يقال: إنّه ماء إلّا على سبيل العناية والمجاز. وهذا القسم يسمى بالماء المضاف.

ثانيهما: ما يصحّ إطلاق لفظ الماء عليه على وجه الحقيقة، ولو من غير إضافته إلى شيء، وإن كان ربما يستعمل مضافاً إلى شيء أيضاً، إلّا أنّ استعماله من غير إضافة أيضاً صحيح وعلى وجه الحقيقة، وهذا كماء البحر والبئر ونحوهما، فإنّ إطلاق الماء عليه من غير إضافته إلى البحر أو البئر

ص: 109

إطلاق حقيقي، فإنّه ماء، ويصحّ أيضاً أن يستعمل مضافاً إلى البحر، فيقال:إطلاق حقيقي، فإنّه ماء، ويصحّ أيضاً أن يستعمل مضافاً إلى البحر، فيقال:هذا ماء بحر أو ماء بئر، ويسمى هذا القسم بالماء المطلق((1)).

وممّا ذكرنا يظهر ما في تعريف المحقّق للماء المضاف من أنّه : «كل ما اعتصر من جسم، أو مزج به مزجاّ يسلبه إطلاق الاسم»((2))، حيث أشكل عليه بعدم الاطراد، وبعدم الانعكاس((3)). وكذا تعريف صاحب «المعالم» من أنّه: «ما لا ينصرف إليه لفظ الماء عند الإطلاق في العرف، ويصدق عليه مع القيد»((4)).

وأما الماء المستعمل فالمراد به: الماء القليل الذي استعمل في رفع الحدث أو الخبث.

ص: 110


1- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 2 : 1 - 2، بتصرّف.
2- - شرائع الإسلام 1 : 12.
3- - انظر: مدارك الأحكام 1 : 110، وجواهر الكلام 1 : 308.
4- - معالم الدين (قسم الفقه) 1 : 413.

1 - باب أن المضاف لا يرفع حدثاً ولا يزيل خبثاً

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

1 - باب أن المضاف لا يرفع حدثاً ولا يزيل خبثاً

شرح الباب:

أضاف المصنّف في الشرح قوله: «وكذا المائعات» بعد قوله في عنوان الباب: ولا يزيل خبثاً((1)

وقد تضمّن هذا الباب حكمين من أحكام المضاف:

الأول: أنّه لا يرفع حدثاً، فالوضوء أو الغسل به غير مؤثر في رفع الحدث عن المحدث مطلقاً، بلا فرق بين أن يكون الحدث من الحدث الأصغر أو الأكبر، كما لا فرق في ذلك بين حالة الاختيار والاضطرار.

الثاني: أنّه لا يزيل خبثاً مطلقاً حتى في حال الضرورة.

الأقوال:

أقوال الخاصة:

لا إشكال في كون المضاف طاهراً، ولا خلاف في ذلك عند المسلمين.

وأمّا بالنسبة للحكم الأول: فالظاهر الإجماع على عدم رفع الحدث مطلقاًبالمضاف.

ص: 111


1- - تحرير وسائل الشيعة: 538.

قال العلامة في «المنتهى» - وهو بصدد الكلام عن المضاف - : «ولا يرفع حدثاً إجماعاً منّا»((1)).

وفي «كشف الالتباس»: «وجميع الأصحاب على المنع من استعماله في رفع الحدث وإزالة الخبث، إلّا ابن بابويه؛ فإنّه جوّز الوضوء والغسل بماء الورد، والسيّد المرتضى جوّز إزالة النجاسة بكلّ مائع، وهما متروكان»((2)).

وفي «ينابيع الأحكام»: «المشهور القريب من الإجماع: أنّ المضاف مطلقاً لا يرفع حدثاً مطلقاً، اختياراً ولا اضطرارا ً، بل هو إجماع من أصحابنا حقيقة كما يفصح عنه نقل الإجماعات في كلام غير واحد، بناء على أنّ مخالفة معلوم النسب لا تقدح في انعقاد الإجماع، أو أنّها منقرضة بتأخّر الإجماع. والمخالف من أصحابنا الصدوق على ما حكي عنه في الفقيه قائلاً: (ولا بأس بالوضوء والغسل من الجنابة والاستياك بماء الورد)((3))، وعن الشيخ في الخلاف أنّه حكى عن قوم من أصحاب الحديث منّا أنّهم أجازوا الوضوء بماء الورد((4))، وعن ظاهر ابن أبي عقيل العماني((5)) أنّه جوّز الوضوءحال الضرورة فيقدّم على التيمّم»((6)).

ص: 112


1- - منتهى المطلب 1 : 114.
2- - كشف الالتباس عن موجز أبي العباس 1 : 97.
3- - من لا يحضره الفقيه 1 : 6.
4- - الخلاف 1 : 55.
5- - حكاه عنه في المختلف 1 : 222.
6- - ينابيع الأحكام 1 : 772.

وأمّا الحكم الثاني: فالظاهر الإجماع على عدم إزالته للخبث مطلقاً حتى في حال الاضطرار.

قال في «ينابيع الأحكام»: «المشهور أنّ المضاف كما لا يرفع الحدث لا يرفع الخبث أيضاً، وعن الروض((1)) الإجماع عليه، خلافاً للمفيد في المسائل الخلافيّة((2)

والمرتضى في شرح الرسالة قائلاً فيه : (يجوز عندنا إزالة النجاسة بالمايع الطاهر غير الماء)((3)

ونقل عنه أيضاً في المسائل الناصريّة((4)) جواز ذلك بكل مايع ، وعن المعتبر((5)) أنّه أضاف ذلك إلى مذهبنا، وعن ابن أبي عقيل((6)) أيضاً القول بجواز ذلك حال الضرورة خاصة»((7)).

أقوال العامة:

قال النووي - وهو شافعي - في كتابه «المجموع»: «أمّا حكم المسألة وهو أنّ رفع الحدث وإزالة النجس لا يصحّ إلّا بالماء المطلق، فهو مذهبنا لا خلاف فيه عندنا، وبه قال جماهير السلف والخلف من الصحابة فمن

ص: 113


1- - روض الجنان 1 : 358.
2- - حكاه عنه في المعتبر 1 : 81 .
3- - حكاه عنه في المعتبر 1 : 82.
4- - الناصريات: 105.
5- - لم نجده في المعتبر، ولكنّه موجود في المسائل المصريّة. (الرسائل التسع - للمحقّق الحلي - : 215 - 216).
6- - حكاه عنه في المختلف 1 : 222.
7- - ينابيع الأحكام 1 : 775.

بعدهم. وحكى أصحابنا عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وأبي بكر الأصمّ أنّه يجوز رفع الحدث وإزالة النجس بكل مائع طاهر. قال القاضي أبو الطيب: إلّا الدمع فإنّ الأصمّ يوافق على منع الوضوء به، وقال أبو حنيفة: يجوز الوضوء بالنبيذ على شرط سأذكره في فرع مستقل وأذكر إزالة النجاسة في فرع آخر إن شاء الله تعالى - إلى أن قال - : (فرع) أمّا النبيذ فلا يجوز الطهارة به عندنا على أي صفة كان من عسل أو تمر أو زبيب أو غيرها، مطبوخاً كان أو غيره. فإن نشَّ وأسكر فهو نجس يحرم شربه، وعلى شاربه الحدّ، وإن لم ينشّ فطاهر لا يحرم شربه، ولكن لا تجوز الطهارة به. هذا تفصيل مذهبنا، وبه قال مالك وأحمد وأبو يوسف والجمهور.

وعن أبي حنيفة أربع روايات:

إحداهن: يجوز الوضوء بنبيذ التمر المطبوخ إذا كان في سفر وعدم الماء.

والثانية: يجوز الجمع بينه وبين التيمم، وبه قال صاحبه محمد بن الحسن.

والثالثة: يستحب الجمع بينهما.

والرابعة: أنّه رجع عن جواز الوضوء به، وقال: يتيمم، وهو الذي استقرّ عليه مذهبه، كذا قاله العبدري. قال: وروي أنّه قال: الوضوء بنبيذ التمر منسوخ، وحكى عن الأوزاعي الوضوء بكل نبيذ، وحكى الترمذي عن سفيان الوضوء بالنبيذ»((1)).

ص: 114


1- - المجموع 1 : 92 - 93.

[518] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنِ الصَّدُوقِ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَسَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ يَاسِينَ الضَّرِيرِ، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ مَعَهُ اللَّبَنُ أَيَتَوَضَّأُ مِنْهُ لِلصَّلَاةِ؟ قَالَ: «لَا، إِنَّمَا هُوَ الْمَاءُ وَالصَّعِيدُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على الحكم الأول مطلقاً، وهو عدم جواز الوضوء باللبن للصلاة، ولا خصوصيّة للوضوء؛ إذ لا قائل به ولا دليل عليه، ولا للبن؛ فإنّ مقتضى الحصر نفي أن يكون غير الماء المطلق - فإنّه هو الذي يطلق عليه الماء بلا عناية - والتراب مطهّراً.

سند الحديث:

محمد بن الحسن الذي يروي عنه الصدوق: هو محمد بن الحسن بن الوليد، ومحمد بن يحيى: هو العطار، ومحمد بن أحمد بن يحيى: هو الأشعري القمي صاحب كتاب «نوادر الحكمة»، وحريز: هو حريز بن عبد الله، وقد تقدّمت أفراد السند، والسند معتبر.

ص: 115


1- تهذيب الأحكام 1 : 188، ح540، ورواه في الاستبصار 1 : 14، ح26.

[519] 2- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ، يَعْنِي: ابْنَ مَعْرُوفٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ بَعْضِ الصَّادِقِينَ، قَالَ: «إِذَا كَانَ الرَّجُلُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى اللَّبَنِ فَلَا يَتَوَضَّأْ بِاللَّبَنِ، إِنَّمَا هُوَ الْمَاءُ أَوِ التَّيَمُّمُ»، الْحَدِيثَ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

دلالته كسابقه، وهو قطعة من حديث تأتي تتمّته في الباب اللاحق.

سند الحديث:

فيه: «بعض الصادقين»، وهو ليس نصّاً في المعصومين (علیهم السلام) ، ولكن يحتمل ذلك؛ حيث إنّ ابن المغيرة لا يروي عن غير المعصوم((2))، والظاهر أنّ ما في ذيل الحديث من قوله: «فإن لم يقدر على الماء وكان نبيذاً فإنّي سمعتحريزاً يذكر في حديث ...» هو كلام عبد الله بن المغيرة لا أنّه كلام بعض

ص: 116


1- تهذيب الأحكام 1 : 219، ح628، والاستبصار 1 : 15، ح28، ويأتي بتمامه في الحديث1 من الباب2 من أبواب الماء المضاف.
2- - أقول: هذه القرينة وإن كانت قويّة، وإطلاق الصادقين على الأئمة (علیهم السلام) صحيح فقد أمر الله تعالى بالكون معهم في قوله تعالى: {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}، (سورة التوبة: 119) فالآية مفسّرة بهم، وقد وقع هذا الإطلاق عليهم في أكثر من مورد، لكن هذا المورد ليس منه على الظاهر؛ لأنّه سيأتي في الباب اللاحق في ذيل الحديث الأول - وهو نفس هذا الحديث - : «فإنّي سمعت حريزاً يذكر في حديث أنّ النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ...»، وهو ظاهر في أنّ الناقل غير المعصوم. المقرّر.

أَقُولُ: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ أَحَادِيثِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ فِي أَبْوَابِ الْمَاءِ(1)1*)، وَالنَّجَاسَاتِ(2)2*)، وَالتَّيَمُّمِ(3)3*)، وَالْوُضُوءِ(4)4*)، وَالْغُسْلِ(5)5*)، وَغَيْرِ ذَلِكَ(6)6*). وَمَا يُوهِمُ خِلَافَ ذَلِكَ سَيَأْتِي وَنُبَيِّنُ وَجْهَهُ، وَكُلُّهُ مُوَافِقٌ لِلْعَامَّةِ(7)7*).

-----------------------------------------------------------------------------

الصادقين.

المتحصل من الحدیثين

ثمّ إنّ عبد الله من أصحاب الإجماع، فالسند معتبر على أيّ حال.

والحاصل: أنّ في الباب حديثين معتبرين، وقد دلّا على أنّ المضاف - كاللبن وغيره - لا يرفع الحدث مطلقاً، بل تنحصر الطهارة من الحدث بالماءوالصعيد فحسب.

ص: 117


1- 1*) تقدّم في الأحاديث 1، 3، 5، 10، 12 من الباب 3 من أبواب الماء المطلق، وكذلك في الحديث 2 من الباب 2 من هذه الأبواب.
2- 2*) يأتي في الحديث 5 من الباب 9 من أبواب النجاسات.
3- 3*) يأتي في الباب 1 - 3 من أبواب التيمم.
4- 4*) يأتي في الباب 15، والحديثين 8 ، 11 من الباب 26، والحديثين 1، 2 من الباب 30، والحديث 1 من الباب 37 ، والحديث 2 من الباب 50 ، والحديث 1 من الباب 51 من أبواب الوضوء.
5- 5*) يأتي في الحديثين 1، 2 من الباب 9 من أبواب الأغسال المسنونة.
6- 6*) يأتي في الأحاديث 10 - 15 من الباب 26 من أبواب الجنابة.
7- 7*) وما يوهم خلاف ذلك يأتي في الباب القادم.

ص: 118

2- باب حكم النبيذ واللبن

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

2- باب حكم النبيذ واللبن

شرح الباب:

هذا الباب معقود لبيان حكم استعمال اللبن والنبيذ في الطهارة، وأنّ النبيذ يطلق على أمرين، أحدهما: المسكر، والثاني: الماء الكثير الذي نبذ فيه تمرات قليلة.

الأقوال:

تقدّمت أقوال الخاصة والعامة في حكم رفع الحدث بالمضاف، وكذا رفع الخبث به.

ونضيف هنا: أنّ ابن قدامة نصّ على أنّ من جملة أحكام الماء: «اختصاص حصول الطهارة بالماء؛ لتخصيصه إيّاه بالذكر، فلا يحصل بمائع سواه، وبهذا قال مالك والشافعي وأبو عبيد وأبو يوسف، وروي عن علي رضي الله عنه - وليس بثابت عنه - أنّه كان لا يرى بأساً بالوضوء بالنبيذ، وبه قال الحسن والأوزاعي، وقال عكرمة: النبيذ وضوء من لم يجد الماء، وقال إسحاق: النبيذ حلواً أحبّ إليَّ من التيمم، وجمعهما أحبّ إليَّ، وعن أبي حنيفة كقول عكرمة، وقيل عنه: يجوز الوضوء بنبيذ التمر إذا طبخ واشتد

ص: 119

[520] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ بَعْضِ الصَّادِقِينَ، قَالَ: «إِذَا كَانَ الرَّجُلُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى اللَّبَنِ فَلَا يَتَوَضَّأْ بِاللَّبَنِ، إِنَّمَا هُوَ الْمَاءُ أَوِ التَّيَمُّمُ»، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَاءِ وَكَانَ نَبِيذاً فَإِنِّي سَمِعْتُ حَرِيزاً يَذْكُرُ فِي حَدِيثٍ: أَنَّ النَّبِيَّ(صلی الله علیه و آله و سلم) قَدْ تَوَضَّأَ بِنَبِيذٍ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَاءِ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

عند عدم الماء في السفر ...»((2)).

[1] - فقه الحديث:

قال ابن منظور في «لسان العرب»: «النَّبْذ: طرحك الشيء من يدك أمامك أو وراءك. نبذْت الشيء أنبِذه نبْذاً: إذا ألقيته من يدك، ونَبَّذْته، شُدِّد للكثرة. ونبذت الشيء أيضاً إذا رميته وأبعدته،... وكل طرح: نَبْذٌ، نَبَذَه يَنْبِذه نَبْذاً. والنبيذ: معروف، واحد الأنبذة. ... والنبيذ: ما نُبِذ من عصير ونحوه. وقد نَبَذَ النبيذ وأنبَذه وانتبَذه ونبَّذَه ونبذْتُ نبيذاً إذا اتخذته... وإنَّما سمي نبيذاً؛ لأنّ الذي يتخذه يأخذ تمراً أو زبيباً فينبذه في وعاء أو سقاء عليه الماء ويتركه حتى يفور فيصير مسكراً. والنبذ: الطرح ... وقد تكرّر في الحديث ذكرالنبيذ، وهو ما يعمل من الأشربة من التمر والزبيب والعسل والحنطة والشعير

ص: 120


1- تهذيب الأحكام 1 : 219، قطعة من حديث 628.
2- - المغني 1 : 9.

قَالَ الشَّيْخُ: أَجْمَعَتِ الْعِصَابَةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِالنَّبِيذِ(1)1*).

أَقُولُ: وَيَأْتِي فِي النَّجَاسَاتِ وَالْأَطْعِمَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَةِ النَّبِيذِ(2)2*)، وَتَحْرِيمِهِ(3)3*)، وَوُجُوبِ اجْتِنَابِهِ(4)4*)، فَيَجِبُ حَمْلُ هَذَا عَلَى التَّقِيَّةِ؛ لِمُعَارَضَةِ الْأَحَادِيثِ الْمُتَوَاتِرَةِ، وَلِلْإِجْمَاعِ، وَلِمُوَافَقَتِهِ لِأَشْهَرِ مَذَاهِبِ الْعَامَّةِ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي بَيَانِ النَّبِيذِ الْمَذْكُورِ(5)5*).

-----------------------------------------------------------------------------

وغير ذلك. يقال: نبذت التمر والعنب إذا تركت عليه الماء ليصير نبيذاً، فصرف من مفعول إلى فعيل»((6)).

وقال ابن الأثير في «النهاية»: «يقال: نبذت التمر والعنب، إذا تركت عليه الماء ليصير نبيذاً، فصرف من مفعول إلى فعيل. وانتبذته: اتخذته نبيذاً. وسواء كان مسكراً أو غير مسكر فإنّه يقال له نبيذ. ويقال للخمر المعتصرمن العنب نبيذ. كما يقال للنبيذ خمر»((7)).

ص: 121


1- 1*) الاستبصار 1 : 15، ح28.
2- 2*) يأتي في الباب 38 من أبواب النجاسات.
3- 3*) يأتي في الأبواب 1، 17، 18، 24 من أبواب الأشربة المحرمة.
4- 4*) يأتي في الباب 13 من أبواب الأشربة المحرمة.
5- 5*) يأتي في الحديث الآتي، والأحاديث 9، 11 من الباب 38 من أبواب النجاسات، وكذلك الأحاديث 1، 3، 5 من الباب 24 من أبواب الأشربة المحرمة.
6- - لسان العرب 3 : 511، مادة: «نبذ».
7- - النهاية في غريب الحديث 5 : 7، مادة: «نبذ».

وقد مرّ الكلام في دلالة صدر الحديث على حصر الطهارة في استعمال الماء المطلق أو التراب. وأمّا ذيله وهو قوله: «فإن لم يقدر» الخ، فهو مقول قول عبد الله بن المغيرة. وقد سبق أنّ الظاهر من قوله: «بعض الصادقين» أنّه أحد المعصومين (علیهم السلام) ، وظاهره جواز الوضوء بالنبيذ حال الاضطرار، فيصلح أن يكون دليلاً لابن أبي عقيل الذي جوّز الوضوء بما تغيّر بالطاهر في حال الضرورة.

لكن يبقى الإشكال في هذا المضمون؛ فإنّ النبيذ نجس ومحرّم يجب اجتنابه، فيكون بيان جواز الوضوء به وارداً مورد التقيّة؛ لموافقته لمذهب أبي حنيفة الذي هو أشهر مذاهب العامّة.

نعم، من لا يرى نجاسة كل مسكر يكون هذا الحديث عنده معارضاً لما دل ّ على عدم رفع المضاف للحدث.

ولكن حمله الشيخ الطوسي على ما سيأتي تفسيره من أنّه الماء الكثير الذي ينبذ ويبقى فيه تمرة أو تمرتين فهو ماء مطلق لم يخرج بمخالطة التمر عن الإطلاق، فلا يكون هذا الحديث مخالفاً لما دلّ على المنع.

قال شيخ الطائفة في «التهذيب»: «فأول ما في هذا الخبر: أنّ عبد الله بن المغيرة قال: عن بعض الصادقين، ويجوز أن يكون من أسنده إليه غير إمام،وإن كان اعتقد فيه أنّه صادق على الظاهر، فلا يجب العمل به. والثاني: أنّه أجمعت العصابة على أنّه لا يجوز الوضوء بالنبيذ، فسقط أيضاً الاحتجاج به من هذا الوجه، ولو سلم من هذا كلّه كان محمولاً على الماء الذي طُيِّبَ

ص: 122

بتُمَيْراتٍ طرحن فيه إذا كان الماء مرّاً، وإن لم يبلغ حدّاً يسلبه إطلاق اسم الماء؛ لأنّ النبيذ في اللغة هو ما ينبذ فيه الشيء، والماء المرُّ إذا طرح فيه تُمَيْرَات جاز أن يسمّى نبيذاً، ويدلّ على هذا التأويل»،((1)) ثمّ ذكر حديث الكلبي النسّابة.

سند الحديث:

تقدّم في الباب السابق، وقلنا باعتباره على احتمال إرادة أحد المعصومين (علیهم السلام) من قوله: «عن بعض الصادقين».

ص: 123


1- - تهذيب الأحكام: 1 : 219 - 220. أقول: الظاهر أنّه لا يمكن المساعدة على هذا الحمل؛ إذ المفروض في الحديث عدم القدرة على الماء المطلق، والماء الكثير الملقى فيه تمرتان أو تمرات غير خارج عن الإطلاق، فلا معنى للقول بأنّه غير قادر على الماء المطلق، إلّا إذا لم يُرد من النبيذ ما ذُكر، بل أُريد النبيذ المحرّم المعروف. نعم، الحمل على التقيّة لا غبار عليه. المقرّر.

[521] 2- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَمَاعَةُ بْنُ مِهْرَانَ، وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخَيَّاطِ(1)، عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ الْكَلْبِيِّ النَّسَّابَةِ، أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ النَّبِيذِ؟ فَقَالَ: «حَلَالٌ»، فَقَالَ إِنَّا نَنْبِذُهُ فَنَطْرَحُ فِيهِ الْعَكَرَ وَمَا سِوَى ذَلِكَ؟ فَقَالَ: «شَهْ شَهْ(2)، تِلْكَ الْخَمْرَةُ الْمُنْتِنَةُ»، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ فَأَيَّ نَبِيذٍ تَعْنِي؟ فَقَالَ: «إِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ شَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) تَغَيُّرَ الْمَاءِ وَفَسَادَ طَبَائِعِهِمْ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَنْبِذُوا، فَكَانَ الرَّجُلُ يَأْمُرُ خَادِمَهُ أَنْ يَنْبِذَ لَهُ، فَيَعْمِدُ إِلَى كَفٍّ مِنْ تَمْرٍ فَيَقْذِفُ بِهِ فِي الشَّنِّ(3) فَمِنْهُ شُرْبُهُ وَمِنْهُ طَهُورُهُ»، فَقُلْتُ: وَكَمْ كَانَ

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

قال ابن منظور في «لسان العرب»: «والعَكَر: دُرْدِيُّ كل شيء. وعَكَرُ الشراب والماء والدهن: آخره وخاثره، وقد عَكِر، وشراب عَكِر. وعَكِر الماء والنبيذ عَكَراً إذا كَدِر. وعَكَّرَه وأَعْكَره: جعله عَكِراً. وعَكَّره وأَعْكَره:جعل فيه العَكَر»((4)).

ص: 124


1- في المصدر: الحنّاط. (راجع: معجم رجال الحديث 12: 84 ، وج17 : 58).
2- شه: كلمة استقذار واستقباح. (مجمع البحرين 6 : 351).
3- في هامش الأصل (منه(قدس سره) ) ما لفظه: «الشن: القربة الخلق». (الصحاح 5 : 2146).
4- - لسان العرب 4 : 600، مادة: «عكر».

عَدَدُ التَّمْرِ الَّذِي فِي الْكَفِّ؟ فَقَالَ: «مَا حَمَلَ الْكَفُّ»، فَقُلْتُ: وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ؟ فَقَالَ: «رُبَّمَا كَانَتْ وَاحِدَةً وَرُبَّمَا كَانَتِ اثْنَتَيْنِ»، فَقُلْتُ: وَكَمْ كَانَ يَسَعُ الشَّنُّ مَاءً؟ فَقَالَ: «مَا بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ إِلَى الثَّمَانِينَ إِلَى مَا فَوْقَ ذَلِكَ»، فَقُلْتُ: بِأَيِّ الْأَرْطَالِ؟ فَقَالَ: «أَرْطَالِ مِكْيَالِ الْعِرَاقِ»(1)1*).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، مِثْلَهُ(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

وقال أيضاً: «شه: حكاية كلام شبه الانتهار»((3))، وكذا في «تاج العروس»((4)).

وقال أيضاً: «الشَّنُّ والشَّنَّة: الخَلَقُ من كل آنية صنعت من جلد، وجمعها شِنَان»((5)).

أقول: هذا المقدار قطعة من حديث طويل، وفيه دلائل على إمامة الإمام الصادق (علیه السلام) . ولم يورد المصنّف صدره ولا ذيله؛ لعدم إفادتهما الحكم الفقهي الذي يدخل تحت عنوان الباب، واقتصر على سؤاله الأخير، وهو

ص: 125


1- 1*) الكافي 1 : 283، ح6، وج 6 : 416، ح3، وأورد قطعاً منه في الحديث 4 من الباب 38 من أبواب الوضوء، وفي الحديث 5 من الباب 29 من أبواب مقدمة الطلاق وشرائطه، وفي الحديث 8 من الباب 2 من أبواب الأطعمة المحرّمة.
2- 2*) تهذيب الأحكام 1 : 220، ح629، والاستبصار 1 : 16، ح 29.
3- - لسان العرب 13 : 508، مادة: «شهه».
4- - تاج العروس 19 : 58، مادة: «شهه».
5- - لسان العرب 13 : 241، مادة: «شنن».

السؤال عن النبيذ، فأجابه الإمام (علیه السلام) بالحليّة، فقال الكلبي: إنّهم بعد أن يضيفوا التمر وغيره للماء فإنّهم يضيفون العَكَر، أي: عَكَر الشراب، وهو دُرْدِي الشراب، أي: آخره، أو يضيفوا ما سوى ذلك فيتغيّر به ويصير النبيذ المعروف، فاستقبح الإمام ذلك واستقذره وقال: «شه شه، تلك الخمرة المنتنة»، فاستفسر الكلبي عن النبيذ الذي حكم بحليّته أولاً، فبيّن له الإمام (علیه السلام) أنّ المراد بالنبيذ ها هنا ما ترك فيه قليل تمر أزال ملوحة الماء، فلم يبلغ الشدّة، وكان هذا بأمر النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) لما شكا إليه أهل المدينة ما يلاقونه من تغيّر الماء وفساد طبائعهم بسببه، فهذا الماء يصبح مورداً للشرب وللطهارة.

وأمّا مقدار ما يلقى في الماء من التمر فعيّن الإمام (علیه السلام) أنّ ذلك ما حوته الكف، فقد تكون تمرتين، وقد تكون أكثر.

وقول الراوي بعد ذلك: «فقلت: واحدة أو اثنتين؟» هو وصف للكف لا لعدد التمر؛ لأنّه قد سبق من الإمام الجواب عن عدد التمر، وهو ما حوته الكف، فيكون مراد الراوي السؤال عن عدد الكف، فأجابه الإمام (علیه السلام) بأنّه ربما كانت واحدة، وربما كانت اثنتين. فسأل عن مقدار ما تسعه القربة من الماء، فأجابه الإمام (علیه السلام) بأنّه يسع ما بين الأربعين إلى الثمانين رطلاً أو أكثرمن ذلك. فسأل الراوي عن نوعيّة تلك الأرطال؛ - فإنّ الواقعة كانت في زمن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ، وللمدينة أرطال خاصّة بها، وأيضاً للعراق أرطال خاصّة أشهر في الاستعمال من غيرها حتى في خارج العراق، فأجابه الإمام (علیه السلام) بأنّها أرطال العراق، ومقتضى اكتفاء الإمام (علیه السلام) بإطلاق الرطل في إرادة العراقي

ص: 126

منه كونه هو المنصرف منه بلا قرينة، فلو لم يسأل الراوي لاكتفى الإمام (علیه السلام) بالإطلاق، فتكون هي المرادة عند الإطلاق.

وهذا المقدار من الماء لا يتغيّر بذاك المقدار من التمر، خصوصاً وأنّهم كانوا ينبذونه من الغداة لاستعماله في العشي، أو العكس كما في بعض الأحاديث.

سند الحديث:

ذكر المصنّف ثلاثة أسانيد لهذا الحديث:

أولها: سند الكليني في «الكافي»، وفيه: الحسين بن محمد: وهو الأشعري، شيخ الكليني، ومعلّى بن محمد: هو الزيادي، ومحمد بن علي: هو الهمداني المشهور بأبي سمينة، وكلّهم تقدّمت ترجمتهم، وكتاب سماعة مشهور، فالسند معتبر إلى سماعة.

وأمّا الكلبي النسابة: فلعلّه محمد بن السائب المعروف عند الخاصّة والعامّة بالعلم والفضل. عُدّ من أصحاب الإمامين أبي جعفر الباقروالصادق (علیهما السلام) ((1))، ولم يرد في حقّه توثيق.

نعم، غاية ما ورد هو ما جاء في هذا الحديث من أنّه «فلم يزل الكلبي يدين الله بحب آل هذا البيت حتى مات».

وإطلاق الكلبي النسابة لا ينصرف إلى الحسن بن علوان العامّي - على ما

ص: 127


1- - رجال الطوسي: 145 / 1594 و284 / 4120.

[522] 3- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: لَا بَأْسَ بِالْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ(صلی الله علیه و آله و سلم) قَدْ تَوَضَّأَ بِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ مَاءً قَدْ نُبِذَتْ فِيهِ تُمَيْرَاتٌ، وَكَانَ صَافِياً فَوْقَهَا فَتَوَضَّأَ بِه(1).

-----------------------------------------------------------------------------

صرّح به النجاشي((2))-

لأنّه لم يكن في الشهرة بحيث ينصرف إليه إطلاق الكلبي النسابة، فالسند ممدوح غير معتبر.

الثاني: سند آخر للكليني، وفيه: علي بن عبد الله الخياط أو الحنّاط: وهو مجهول. لكن قلنا: إنّ كتاب سماعة مشهور، فالسند معتبر إلى سماعة.

الثالث: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»، وهو نفس السندين السابقين، فحاله حالهما في عدم الاعتبار من جهة وجود الكلبي.

لكن يمكن تصحيح هذه الأسانيد لكون الأولين في «الكافي»، والثالثمنقولاً عنه، هذا بناء على تماميّة شهادة الكليني في كتابه.

[3] - فقه الحديث:

دلّ على جواز الوضوء بالنبيذ، وهو الماء الكثير الذي وضع فيه تميرات لم تغيّره، ولذا قال وكان - أي: الماء - صافياً فوقها، وعلّل نفي البأس والجواز بفعل النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) فقال: «لأنّ النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) قد توضأ به». والدليل على أنّ المراد بالنبيذ ما ذُكر - لا ما تعارف شربه عند أهل الفسوق - قوله بعد

ص: 128


1- من لا يحضره الفقيه 1 : 11، قطعة من الحديث 20.
2- - رجال النجاشي: 52 / 116.

أَقُولُ: فَالنَّبِيذُ الْمَذْكُورُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ مَاءً مُطْلَقاً، فَلَا إِشْكَالَ فِي شُرْبِهِ وَالطَّهَارَةِ بِهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

ذلك: «فإذا غيّر التمر لون الماء لم يجز الوضوء به. والنبيذ الذي يتوضأ وأحل شربه هو الذي ينبذ بالغداة ويشرب بالعشي، أو ينبذ بالعشي ويشرب بالغداة»((2)).

المتحصل من الأحادیث

سند الحديث:

من مراسيل الصدوق، واعتبارها مبني على قبول شهادته في أول «الفقيه».

والحاصل: أنّ في الباب ثلاثة أحاديث معتبرة، دلّت على أمور، منها:1- حصر الطهارة بالماء والتراب.

2- عدم جواز الطهارة باللبن أو النبيذ وغيرهما من المائعات.

3- أن النبيذ يطلق على أمرين، أحدهما: المسكر، وهذا لا يجوز شربه ولا الوضوء به. والثاني: الماء الكثير الذي نبذ فيه تمرات قليلة لم تغيّره ولا يبقى مدّة ليتغيّر، وقد ورد جواز الشرب منه والوضوء به.

ص: 129


1- 1*) تقدّم في الأحاديث السابقة من هذا الباب.
2- - من لا يحضره الفقيه 1 : 15.

ص: 130

3 - باب حكم ماء الورد

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

3 - باب حكم ماء الورد

شرح الباب:

قال السيد الأستاذ(قدس سره) : «إنّ ماء الورد على ثلاثة أقسام:

أحدها: ما اعتصر من الورد كما يعتصر من الرمان وغيره، ولم يشاهد هذا في الأعصار المتأخرة، ولعلّه كان موجوداً في الأزمنة السالفة.

وثانيها: الماء المقارن للورد، كالماء الذي أُلقي عليه شيء من الورد. وأدنى المجاورة يكفي في صحّة الإضافة والإسناد، فيصحّ أن يطلق عليه ماء الورد، فإنّه لأجل المجاورة يكتسب رائحة الورد ويتعطّر بذلك لا محالة، ولكن هذا لا يخرج الماء المقترن بالورد عن الإطلاق، كما كان يخرجه في القسم السابق؛ وهذا لوضوح أنّ مجرّد التعطّر بالورد باكتساب رائحته لا يكون مانعاً عن إطلاق الماء عليه حقيقة، وهو نظير ما إذا أُلقيت عليه ميتة طاهرة كميتة السمك، واكتسب منها رائحة نتنة، فإنّ ذلك لا يخرجه عن الإطلاق، ويصح استعماله في الوضوء والغسل قطعاً.

نعم، يدخل الماء بذلك تحت عنوان المتغيّر، وهو موضوع آخر له أحكام خاصّة، والمتغيّر غير المضاف؛ إذ المضاف - على ما أسمعناك سابقاً - هو الذي خلطه أمر آخر على نحو لا يصحّ أن يطلق عليه الماء حقيقة بلا

ص: 131

إضافته إلى شيء - كما في ماء الرمّان، وفي القسم المتقدّم من ماء الورد - إلّا على سبيل العناية والمجاز.

وأمّا إذا كان الماء أكثر ممّا أُضيف إليه، بحيث صحّ أن يطلق عليه الماء بلا إضافته، كما صحّت إضافته إلى الورد أيضاً، فهو مطلق، كما عرفت في نظائره من ماء البحر أو البئر ونحوهما.

وثالثها: ماء الورد المتعارف في زماننا هذا، وهو الماء الذي يُلقى عليه مقدار من الورد ثم يغلى فيتقطّر بسبب البخار، وما يؤخذ من التقطير يسمى بماء الورد.

وهذا القسم أيضاً خارج عن المضاف؛ لما قدّمناه من أنّ مجرد الاكتساب وصيرورة الماء متعطّراً بالورد لا يخرجه عن الإطلاق؛ فإنّه إنَّما يصير مضافاً فيما إذا خلطه الورد بمقدار أكثر من الماء، حتى يسلب عنه الإطلاق، كما في ماء الرمّان. وليس الأمر كذلك في ماء الورد، فإنّ أكثره ماء، والورد المخلوط به أقل منه بمراتب، وهو نظير ما إذا صببنا قطرة من عطور كاشان على قارورة مملوءة من الماء، فإنَّها توجب تعطّر الماء بأجمعه، مع أنّ القطرة المصبوبة بالإضافة إلى ماء القارورة في غاية القلّة. فأمثال ذلك لا يخرج الماء عن الإطلاق، وإنَّما يتوهم إضافته من يتوهمها من أجل قلّته، فلو كان المضاف كثير الدوران والوجود خارجاً لما حسبناه إلّا ماء متغيّراً بريح طيّب. ومن هنا لو فرضنا بحراً خلقه الله تعالى بتلك

ص: 132

الرائحة لما أمكننا الحكم بإضافته بوجه»((1)).

الأقوال:

أقوال الخاصة:

تقدّم أنّ المشهور القريب من الإجماع((2))، أو الإجماع عن «المنتهى» وغيره على عدم رفع المضاف للحدث((3))، وسبق أنّ المخالف في ذلك هو الشيخ الصدوق؛ حيث جوّز الوضوء بماء الورد، حيث قال في «الهداية»: «ولا بأس أن يتوضّأ بماء الورد للصلاة، ويغتسل به من الجنابة»((4))، وقال في «الفقيه»: «ولا بأس بالوضوء والغسل من الجنابة والاستياك بماء الورد»((5)).

واستشكل بعض المتأخرين في جميع الأقسام المتقدّمة، ولكن السيد الأستاذ لا يستشكل في الطهارة بماء الورد المتعارف في زماننا، ولا في القسم الثاني إذا كان الماء كثيراً بحيث لم يُعد متغيّراً.

أقوال العامّة:

ذكر ابن قدامة في «المغني»: «أنّ المضاف لا تحصل به الطهارة، وهو

ص: 133


1- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 2 : 19 - 20.
2- - ينابيع الأحكام 1 : 772.
3- - منتهى المطلب 1 : 114، وكشف الالتباس عن موجز أبي العباس: 98.
4- - الهداية: 65.
5- - من لا يحضره الفقيه 1 : 6.

على ثلاثة أضرب:

أحدها: ما لا تحصل به الطهارة رواية واحدة وهو على ثلاث أنواع:

(أحدها) ما اعتصر من الطاهرات كماء الورد وماء القرنفل وما ينزل من عروق الشجر إذا قطعت رطبة.

(الثاني) ما خالطه طاهر فغير اسمه وغلب على أجزائه حتى صار صبغاً أو حبراً أو خلّاً أو مرقاً ونحو ذلك.

(الثالث) ما طبخ فيه طاهر فتغير به كماء الباقلا المغلي.

فجميع هذه الأنواع لا يجوز الوضوء بها ولا الغسل. لا نعلم فيه خلافاً إلّا ما حكي عن ابن أبي ليلى، والأصم في المياه المعتصرة أنَّها طهور يرتفع بها الحدث ويزال بها النجس، ولأصحاب الشافعي وجه في ماء الباقلا المغلي. وسائر من بلغنا قوله من أهل العلم على خلافهم ... .

الضرب الثاني: ما خالطه طاهر يمكن التحرّز منه فغيّر إحدى صفاته - طعمه أو لونه أو ريحه - كماء الباقلا وماء الحمّص وماء الزعفران، واختلف أهل العلم في الوضوء به، واختلفت الرواية عن إمامنا رحمه الله في ذلك، فروي عنه لا تحصل الطهارة به، وهو قول مالك والشافعي وإسحاق. قال القاضي أبو يعلى: وهي أصحّ، وهي المنصورة عند أصحابنا في الخلاف، ونقل عنأحمد جماعة من أصحابه منهم أبو الحارث والميموني وإسحاق بن منصور جواز الوضوء به، وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه... .

الضرب الثالث: من المضاف ما يجوز الوضوء به رواية واحدة، وهو

ص: 134

أربعة أنواع:

(أحدها) ما أضيف إلى محلّه ومقره كماء النهر والبئر وأشباههما لهذا لا ينفك منه ماء، وهي إضافة إلى غير مخالط، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم.

(الثاني) ما لا يمكن التحرّز منه كالطحلب والخز وسائر ما ينبت في الماء، وكذلك ورق الشجر الذي يسقط في الماء أو تحمله الريح فتلقيه فيه، وما تجذبه السيول من العيدان والتبن نحوه فتلقيه في الماء... .

(الثالث) ما يوافق الماء في صفتيه الطهارة والطهوريّة، كالتراب إذا غيّر الماء لا يمنع الطهوريّة؛ لأنّه طاهر مطهر كالماء... .

(الرابع) ما يتغيّر به الماء بمجاورته من غير مخالطة كالدهن على اختلاف أنواعه والطاهرات الصلبة كالعود والكافور والعنبر إذا لم يهلك في الماء ولم يمع فيه لا يخرج به عن إطلاقه؛ لأنّه تغيير مجاورة أشبه ما لو تروّح الماء بريح شيء على جانبه. ولا نعلم في هذه الأنواع خلافاً»((1)).

ص: 135


1- - المغني 1 : 10 - 13.

[523] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ يُونُسَ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (علیه السلام) ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: الرَّجُلُ يَغْتَسِلُ بِمَاءِ الْوَرْدِ وَيَتَوَضَّأُ بِهِ لِلصَّلَاةِ قَالَ: «لَا بَأْسَ بِذَلِكَ»(1).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا خَبَرٌ شَاذٌّ أَجْمَعَتِ الْعِصَابَةُ عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِظَاهِرِهِ، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِمَاءِ الْوَرْدِ: الْمَاءَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْوَرْدُ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى مَاءَ وَرْدٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَصَراً مِنْهُ(2).

أَقُولُ: وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى التَّقِيَّةِ؛ لِمَا مَرَّ(3)، وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّيْخُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ إِطْلَاقِ الِاسْمِ، فَتَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِهِ؛ لِدُخُولِهِ تَحْتَ النَّصِّ.

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث بظاهره على نفي البأس عن الغسل والوضوء بماء الورد للصلاة.

ولكن الأصحاب أجمعوا على ترك العمل بظاهره، كما نقله الشيخ((4)).

ص: 136


1- الكافي 3 : 73، ح12.
2- تهذيب الأحكام 1 : 218، ح627، والاستبصار 1 : 14، ح27.
3- تقدّم في ذيل الحديث 1 من الباب 2 من هذه الأبواب.
4- - تهذيب الأحكام 1 : 219.

ولذا تصدّى الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار» لتوجيهه: باحتمال أن يكون المراد بماء الورد هو الماء الذي وقع فيه الورد واكتسب رائحته؛ فإنّه يسمى ماء ورد وإن لم يكن معتصراً منه، وهو القسم الثاني الذي مرّ ذكره في شرح الباب، وقد سبق أنّ ذلك لا يخرجه عن إطلاق اسم الماء المطلق، فيكون داخلاً تحت النص، وتجوز الطهارة به.

وربَّما يحتمل أنّ لفظ الورد في الحديث هو بكسر الواو، بمعنى الماء المجتمع في الصحراء الذي ترد عليه الدواب وغيرها للشرب، فيكون منشأ السؤال عن جواز الوضوء والغسل به هو ما يُرى من بول الدواب فيه، وما دام اللفظ يحتمل هذين المعنيين ولا معيّن لأحدهما يكون الحديث مجملاً لا يمكن الاستدلال به على شيء.

إلّا أنّ هذا الاحتمال ليس ممّا ينبغي الاعتناء به، ولا الإصغاء إليه؛ لأنّ أرباب الحديث أخذوا الأخبار عن رواتها الموثوق بهم بالقراءة، ووصلت إليهم سماعاً عن سماع وقراءةً بعد قراءة على الكيفيّة التي وصلت إليهم، بلا تصرّف ولا زيادة ولا نقصان. وحيث إنّ راوي الحديث وهو(قدس سره) نقله بفتح الواو حيث استدل به على جواز الوضوء والغسل بالجلاّب، فيجب اتباعه في نقله.

نعم، لو كانت الأخبار في كتاب وواصلة إليهم بالكتابة، وما دامت غير معربة ولا مشكّلة يمكن حينئذٍ أن يتطرّق إليها احتمال الكسر والفتح وغيرهما من الاحتمالات، لكنّك عرفت أنّ الحال ليس كذلك.

ص: 137

سند الحديث:

ذكر المصنّف سندين لهذا الحديث:

أولهما: سند الكليني، وفيه: سهل بن زياد: ولم تثبت وثاقته، ومحمد بن عيسى، عن يونس، وكلاهما وإن كان ثقة في نفسه ومن الأجلاء العظام، إلّا أنّ الصدوق (رحمه الله) نقل عن شيخه ابن الوليد (رحمه الله) أنّه لا يعتمد على حديث محمد بن عيسى، عن يونس، كما في «رجال النجاشي» في ترجمة محمد بن عيسى((1)).

وقد قدّمنا القول فيه في الجزء الأول، وبينّا عدم مقاومة رأي ابن الوليد ولا الصدوق للشهادات والتسالم بين الأصحاب على توثيقه وعدالته، وذكرنا أنّ ابن الوليد والصدوق اعتمداه إذا لم يرو عن يونس بإسناد منقطع((2)).

المتحصل من الحدیث

فالحديث ضعيف بسهل، لكن يمكن تصحيحه على بعض المباني المتقدّمة في أول الكتاب.

الثاني: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»، وهذا السند كسابقه.

والحاصل: أنّ في الباب حديثاً واحداً يمكن اعتباره.

وقد دلّ على عدم البأس بالوضوء والغسل بماء الورد للصلاة، وهذا الحكم واضح بناء على تفسير ماء الورد بما هو المتعارف في زماننا؛ لأنّه ماء مطلق، أو على الماء الذي وقع فيه الورد،؛ فإنّ ذلك لا يخرجه عن الإطلاق.

ص: 138


1- - رجال النجاشي: 333 / 896.
2- - إيضاح الدلائل 1 : 110.

4 - باب حكم الريق

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

4 - باب حكم الريق

شرح الباب:

الأقوال:

أقوال الخاصّة:

الريق - وهو ماء الفم ما دام فيه - وإن عُدّ من المضاف، فلا يطهّر الخبث، قال الشيخ في «الخلاف»: «لا يجوز إزالة النجاسات عند أكثر أصحابنا بالمايعات. وهو مذهب الشافعي»((1))، إلّا أنّه جاء الخلاف من ابن الجنيد في جواز إزالة خصوص الدم به من بين سائر النجاسات، قال العلامة في «المختلف»: «قال ابن الجنيد: لا بأس أن يزال بالبصاق عين الدم من الثوب»((2)).

أقوال العامة:

قال النووي الشافعي في «المجموع»: «أمّا حكم المسألة - وهو أنّ رفع الحدث وإزالة النجس لا يصحّ إلّا بالماء المطلق - فهو مذهبنا لا خلاف فيه

ص: 139


1- - الخلاف 1 : 59، مسألة 8 .
2- - مختلف الشيعة 1 : 493.

عندنا، وبه قال جماهير السلف والخلف من الصحابة فمن بعدهم، وحكى أصحابنا عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وأبي بكر الأصم: أنّه يجوز رفع الحدث وإزالة النجس بكل مائع طاهر. قال القاضي أبو الطيب: إلّا الدمع؛ فإنّ الأصم يوافق على منع الوضوء به، وقال أبو حنيفة: يجوز الوضوء بالنبيذ على شرط»((1)).

وقال في موضع آخر: «إزالة النجاسة لا تجوز عندنا وعند الجمهور إلّا بالماء، فلا تجوز بخلٍّ ولا بمائع آخر. وممّن نقل هذا عنه مالك ومحمد بن الحسن وزفر وإسحاق بن راهويه، وهو أصحّ الروايتين عن أحمد. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف وداود: يجوز إزالة النجاسة من الثوب والبدن بكل مائع يسيل إذا غسل به ثم عصر كالخل وماء الورد، ولا يجوز بدهن ومرق. وعن أبي يوسف رواية: أنّه لا يجوز في البدن بغير الماء»((2)).

وقال الحصكفي - وهو حنفي المذهب - : «(يجوز رفع نجاسة حقيقية عن محلها) ولو إناء أو مأكولاً علم محلها أو لا (بماء ولو مستعملاً) به يفتى (وبكل مائع طاهر قالع) للنجاسة ينعصر بالعصر (كخل وماء ورد) حتى الريق، فتطهر أصبع وثدي تنجس بلحس ثلاثاً (بخلاف نحو لبن) كزيت؛ لأنه غير قالع. وما قيل: إن اللبن وبول ما يؤكل مزيل، فخلاف المختار»((3)).

ص: 140


1- - المجموع 1 : 92.
2- - المصدر نفسه:95. وانظر: بدائع الصنائع 1 : 83 ، والمغني 1 : 9 .
3- - الدر المختار: 46.

[524] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ غِيَاثٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «لَا يُغْسَلُ بِالْبُزَاقِ شَيْ ءٌ غَيْرُ الدَّمِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

قال أبو هلال العسكري - في الفرق بين البزاق والريق - : «قيل: البزاق: ماء الفم إذا خرج منه، وما دام فيه ريق»((2)).

دلّ الحديث على أمرين:

الأول: عدم طهارة شيء من المتنجسات بالنجاسات بالبزاق.

الثاني: وهو استثناء المتنجس بالدم، فإنّه يطهر بالبزاق.

ولهذا الحكم توضيح يأتي في ذيل الحديث الثالث.

سند الحديث:

العباس: هو العباس بن معروف الراوي عن عبد الله بن المغيرة.

وغياث: هو غياث بن إبراهيم كما يستفاد من الحديث اللاحق، قال النجاشي: «غياث بن إبراهيم التميمي الأسدي، بصري، سكن الكوفة، ثقة،روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (علیهما السلام) . له كتاب مبوّب في الحلال

ص: 141


1- تهذيب الأحكام 1 : 423، ح1339.
2- - الفروق اللغوية: 98.

والحرام، يرويه جماعة»((1))، ويظهر منه أنّ كتابه معروف، فلا حاجة للطريق.

وقد ذكره الشيخ في «الرجال» في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ، حيث قال: «غياث بن إبراهيم، أبو محمد التميمي الأسدي، أسند عنه، وروى عن أبي الحسن (علیه السلام) »((2))، كما ذكره في باب من لم يرو عن أحد الأئمة (علیهم السلام) ((3)).

وليس في الروايات التي بأيدينا روايته عن أبي الحسن (علیه السلام) .

كما أنّه غير متحد مع غياث بن إبراهيم الذي ذكره الشيخ في «رجاله» في أصحاب الإمام الباقر (علیه السلام) ، وقال عنه: إنّه بتري((4))؛ لعدم إمكان رواية أحمد بن أبي عبد الله البرقي - المتوفى سنة 280 تقريباً - عن أصحاب الباقر (علیه السلام) بواسطة واحدة وهي إسماعيل بن أبان الراوي لكتاب غياث كما ذكره في طريقه إليه. ونفس الكلام في رواية أحمد عن غياث بواسطة محمد بن يحيى الخزّاز الراوي لكتابه كما عن الشيخ، إلى غير ذلك من الموانع التي تعرّض لها السيد الأستاذ(قدس سره) في «المعجم»((5)).

فالسند صحيح.

ص: 142


1- - رجال النجاشي: 305 / 833.
2- - رجال الطوسي: 268 : 3853.
3- - رجال الطوسي: 435 / 6230.
4- - رجال الطوسي: 142 / 1542.
5- - معجم رجال الحديث 14 : 251.

[525] 2- وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعْدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ ابْنِ حُكَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ غِيَاثِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ (علیه السلام) ، قَالَ: «لَا بَأْسَ أَنْ يُغْسَلَ الدَّمُ بِالْبُصَاقِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

بحث رجالي حول معاوية بن حكيم

[2] - فقه الحديث:

قال ابن منظور في «اللسان»: «البصاق: لغة في البزاق، بصق يبصق بصقاً. الليث: بصق لغة في بزق وبسق»((2)).

ودلالته كدلالة السابق، إذا كان معنى يغسل هو التطهير.

سند الحديث:

موسى بن الحسن: تقدّم أنّه موسى بن الحسن بن عامر بن عمران بن عبد الله بن سعد الأشعري القمي الثقة الجليل.

وأمّا معاوية بن حكيم: فقال عنه النجاشي: «معاوية بن حكيم بن معاوية بن عمار الدهني ثقة، جليل في أصحاب الرضا (علیه السلام) . قال أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله: سمعت شيوخنا يقولون: روى معاوية بن حكيم أربعة وعشرينأصلاً لم يرو غيرها. وله كتب»((3)).

ص: 143


1- تهذيب الأحكام 1 : 425، ح1350.
2- - لسان العرب 10 : 21، مادة: «بصق».
3- - رجال النجاشي: 412 / 1098.

وقال الكشّي: «محمد بن الوليد الخزّاز ومعاوية بن حكيم ومصدّق بن صدقة ومحمد بن سالم بن عبد الحميد، قال أبو عمرو: هؤلاء كلّهم فطحيّة، وهم من أجلّة العلماء والفقهاء والعدول، وبعضهم أدرك الرضا (علیه السلام) ، وكلّهم كوفيون»((1))، فصريح الكشّي أنّ معاوية بن حكيم كان فطحيّاً. وقد يتوهم منافاته لعدّه من العدول، بل ينافيه قول الشيخ: «والذي ذكرناه مذهب معاوية بن حكيم من متقدّمي فقهاء أصحابنا»((2))، وقد اعتنى به الكليني وقال: «وكان معاوية بن حكيم يقول: ليس عليهن عدّة»((3)).

وأجاب السيد الأستاذ في «المعجم» عن توهم منافاة الفطحيّة للعدالة، ولكونه من فقهاء الأصحاب والاعتناء بشأنه بقوله: «أمّا توصيفه بالعدالة فقد ذكرنا في ترجمة محمد بن سالم بن عبد الحميد: أنّ المراد بالعدالة في كلام الكشّي هو الاستقامة في مقام العمل بالمواظبة على الواجبات، والاجتناب عن المحرّمات، وهذا لا ينافي فساد العقيدة من جهة كونه فطحيّاً، وأمّا عدّه من فقهاء أصحابنا والاعتناء بشأنه، فهو من جهة التزامهبالأئمة الاثني عشر وإن زاد عليها واحداً، وهو عبد الله الأفطح، فالمراد من أصحابنا: من يلتزم بإمامتهم، ومعاوية بن حكيم منهم، وممّا يكشف عن ذلك قول النجاشي في ترجمة علي بن الحسن بن علي بن فضال: كان فقيه

ص: 144


1- - اختيار معرفة الرجال 2 : 835.
2- - تهذيب الأحكام 8 : 138، والاستبصار 3 : 338.
3- - الكافي 6 : 86 ، ذيل الحديث 5.

[526] 3- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: رُوِيَ أَنَّهُ لَا يُغْسَلُ بِالرِّيقِ شَيْ ءٌ إِلَّا الدَّمُ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

أصحابنا بالكوفة، ووجههم، وثقتهم، وكان فطحيّاً»((2)).

فالسند معتبر، مضافاً إلى أنّ كتاب غياث معروف فلا حاجة إلى الطريق.

[3] - فقه الحديث:

دلالته كدلالة الحديث الأول تماماً، بل لعلّ الكليني ناظر إليه.

سند الحديث:

هو من مراسيل الكليني، واعتبارها مبني على قبول شهادة الكليني في أول «الكافي» بصحّة ما في كتابه.

أقول: أمّا الحمل على التقيّة فله مجال في الحديث الثاني لا الأول والثالث؛ للحصر فيهما في الدم والريق، وهم لا يحصرون التطهير لا بالريق،ولا يحصرون النجاسات بالدم، كما تقدّم في شرح الباب الأول من هذه الأبواب.

وأمّا جواز إزالة عين النجاسة بالريق، لورود التعبير ب- «يغسل»، وهو بعيد؛ لأنّه لا خصوصيّة للدم في جواز الإزالة بالريق.

ص: 145


1- الكافي 3 : 59، ح8.
2- - معجم رجال الحديث 19 : 223.

أَقُولُ: يَجِبُ حَمْلُ هَذِهِ الْأَخْبَارِ عَلَى التَّقِيَّةِ، أَوْ عَلَى جَوَازِ إِزَالَةِ الدَّمِ بِالرِّيقِ وَإِنِ احْتَاجَ بَعْدَهُ إِلَى التَّطْهِيرِ بِالْمَاءِ؛ لِمَا سَبَقَ وَغَيْرِهِ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

هذا، وأمّا قول المصنّف(قدس سره) : «لما سبق وغيره»: فيريد من قوله: «ما سبق»، أي: ما تقدّم في الباب الأول من هذه الأبواب، ولعلّه يريد بقوله: «غيره»، أي: لغير ما سبق، كحمل الدم على الدم الطاهر، فإنّه لا ضير في إزالته بالريق، أو الحمل على أخذ الماء في الفم ليزيل به الدم، أو الحمل على إزالة الدم الموجود في الفم بالريق.

المتحصل من الأحادیث

والحاصل: أنّ في الباب ثلاثة أحاديث، أولها صحيح، والآخران معتبران.

وقد دلّت بظاهرها على جواز تطهير الدم خاصة بالبزاق، كما ذهب إليه ابن الجنيد، وقد عرفت آنفاً وجوه الحمل فيها.

ص: 146


1- لما سبق في الباب 1 من هذه الأبواب.

5 - باب نجاسة المضاف بملاقاة النجاسة وإن كان كثيراً وكذا المائعات

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

5 - باب نجاسة المضاف بملاقاة النجاسة وإن كان كثيراً وكذا المائعات

شرح الباب:

الأقوال:

أقوال الخاصة:

إذا لاقت المضاف نجاسة نجس بلا فرق بين قليله وكثيره. قال المحقّق في «المعتبر»: «هذا مذهب الأصحاب، لا أعلم فيه خلافاً، قال الشيخ (رحمه الله) في النهاية: فإن وقع فيها - أي: المياه المضافة - شيء من النجاسة لم يجز استعمالها على حال إلّا عند الضرورة((1))، وقال في المبسوط: إذا وقع فيه شيء من النجاسة لم يجز استعماله، قليلاً كان أو كثيراً، قلّت النجاسة أو كثرت، تغيّر أحد أوصافه أو لم يتغيّر((2))»((3)).

ص: 147


1- - النهاية: 3.
2- - المبسوط 1 : 5.
3- - المعتبر 1 : 84.

وقول الشيخ: «لم يجز استعمالها على حال إلّا عند الضرورة» إشارة إلى ما مرّ في أحاديث الباب الثالث عشر من أبواب الماء المطلق من عدم جواز استعمال النجس في الطهارة حتى عند الضرورة، وجواز استعماله في الأكل والشرب خاصّة عندها.

وكذا الكلام في المائعات، وأمّا «لو كانت جامدة ولو في بعض الأحوال - كالدبس والسمن والعسل - لم ينجس بوقوع النجاسة فيها سوى ما اتصل بها، فيكشط ما يكتنفها ويحلّ الباقي»((1)).

واستشكل بعض المتأخرين - كالسيد الحكيم في «المستمسك» - في تنجّس المقدار الكثير كعيون النفط بالنجاسة القليلة، كمباشرة الكافر بالرطوبة المسرية؛ لعدم السراية عرفاً في مثله، فهو نظير عدم السراية إلى العالي الجاري إلى السافل((2)).

أقوال العامّة:

قال في «المغني»: «أمّا غير الماء من المائعات ففيه ثلاث روايات:

إحداهن: أنّه ينجس بالنجاسة وإن كثر... .

والثانية: أنّها كالماء لا ينجس منها ما بلغ القلّتين إلّا بالتغيّر. قال حرب:سألت أحمد قلت: كلب ولغ في سمن أو زيت؟ قال: إذا كان في آنية

ص: 148


1- - مسالك الأفهام 12 : 81.
2- - مستمسك العروة الوثقى 1 : 114.

[527] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِذَا وَقَعَتِ الْفَأْرَةُ فِي السَّمْنِ فَمَاتَتْ، فَإِنْ كَانَ جَامِداً فَأَلْقِهَا وَمَا يَلِيهَا وَكُلْ مَا بَقِيَ، وَإِنْ كَانَ ذَائِباً فَلَا تَأْكُلْهُ، وَاسْتَصْبِحْ بِهِ، وَالزَّيْتُ مِثْلُ ذَلِكَ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

كبيرة مثل حب أو نحوه رجوت أن لا يكون به بأس ويؤكل، وإن كان في آنية صغيرة فلا يعجبني؛ وذلك لأنّه كثير فلم ينجس بالنجاسة من غير تغيير كالماء.

والثالثة: ما أصله الماء كالخل التمري يدفع النجاسة؛ لأنّ الغالب فيه الماء، وما لا فلا، والأُولى أَولى»((2)).

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ الفأرة إذا وقعت في السمن فماتت فإنَّها تنجس ماتلاقيه. وفيه إشارة إلى عدم نجاسة الفأرة في حدّ نفسها؛ حيث قيّدت فيه بالموت، لكن إذا كان السمن جامداً فإنّه يجب إلقاؤها وما لامسته ممّا هو

ص: 149


1- تهذيب الأحكام 9 : 85 ، ح360، وأورده عن الكافي في الحديث 2 من الباب 6 من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة، وأورده كذلك عنه وعن الكافي في الحديث 2 من الباب 43 من أبواب الأطعمة المحرّمة.
2- - المغني 1 : 29.

حولها، ويجوز بعد ذلك أكل ما بقي من السمن. وتخصيص الأكل بالذكر دون غيره من الانتفاعات؛ لأنّه الغرض الأساس من الزيت.

وأمّا إذا كان ذائباً فهو ينفعل بالنجاسة ولا يجوز أكله، وأمّا سائر الانتفاعات فجائزة، وقد صرّح بواحدة منها وهي الاستصباح، وفيه دلالة على عدم طهارته بالماء وغيره بعد أن تنجّس، وإلّا لما أطلق (علیه السلام) النهي عن أكله. وظاهره - على ما يساعد عليه الارتكاز العرفي - كون الذوبان والميعان

علّة لتنجّس الكل. وهذا بمعونة عدم التنجّس إلّا في ملاقي الجامد. وهذا أمر مشترك في كلّ مضاف ومائع، فيستفاد منه عموم الحكم للمضاف وكل مائع بلا فرق بين القليل والكثير فيهما ولا في النجاسة.

سند الحديث:

تقدّم الكلام في أفراد السند، وهو صحيح أعلائي.

ص: 150

[528] 2- وَبِإِسْنَادهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْيَقْطِينِيِّ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: وَقَعَتْ فَأْرَةٌ فِي خَابِيَةٍ فِيهَا سَمْنٌ أَوْ زَيْتٌ، فَمَا تَرَى فِي أَكْلِهِ؟ قَالَ: فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام) : «لَا تَأْكُلْهُ»، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: الْفَأْرَةُ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ أَنْ أَتْرُكَ طَعَامِي مِنْ أَجْلِهَا، قَالَ: فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام) : «إِنَّكَ لَمْ تَسْتَخِفَّ بِالْفَأْرَةِ، وَإِنَّمَا اسْتَخْفَفْتَ بِدِينِكَ؛ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْمَيْتَةَ مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

قال ابن منظور في «اللسان»: «الخابية: الحب، وأصله الهمز؛ لأنّه من خبّأت، إلّا أنّ العرب تركت همزها»((2)).

دلّ الحديث على حرمة أكل ما في الخابية من السمن أو الزيت؛ لملاقاته للفأرة الميتة، ولا بد من القول بأنّ سبب التحريم هو النجاسة؛ وذلك لأنّ مجرد الحرمة بمعناها المتبادر لا توجب عدم أكل السمن أو الزيت الذي ماتت فيه الفأرة؛ فلا منشأ لتحريم أكل ذلك إلّا نجاسته بها؛ فلولا أنّه قد انفعل بها لما كان لتحريم أكله وجه.

بل يمكن أن يقال: إنّ المرتكز في ذهن السائل - على ما يظهر من سؤاله -

ص: 151


1- تهذيب الأحكام 1 : 420، ح1327، والاستبصار 1 : 24، ح60.
2- - لسان العرب 14 : 223، مادة: «خبا».

هو نجاسة الميتة ومنجسيّتها، وإنّما الشبهة الموجودة في ذهنه هي عدم منجسيّة الفأرة؛ لصغرها، فالنجاسة القليلة لا توجب تنجّس الطعام الكثير بملاقاتها له، بل لابد فيه من التأثّر والتغيّر. فردعه الإمام (علیه السلام) بقوله: إنّك لم تستخف بالفأرة ، وإنَّما استخففت بدينك؛ إنّ الله حرّم الميتة من كل شيء من دون فرق بين صغيره وكبيره، فما يترتّب على الميتة الكبيرة من تنجّس الملاقي يترتّب على ميتة الفأرة أيضاً بلا فرق.

سند الحديث:

تقدّم الكلام في أفراد السند، وهو معتبر.

ص: 152

[529] 3- وَعَنْهُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنِ النَّوْفَلِيِّ، عَنِ السَّكُونِيِّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ (علیه السلام) : «أَنَّ عَلِيّاً (علیه السلام) سُئِلَ عَنْ قِدْرٍ طُبِخَتْ وَإِذَا فِي الْقِدْرِ فَأْرَةٌ؟ قَالَ: يُهَرَاقُ مَرَقُهَا، وَيُغْسَلُ اللَّحْمُ، وَيُؤْكَلُ»(1).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ(2).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على الأمر بإراقة المرق إذا وجد فيه فأرة، وما ذلك إلّا لنجاستة؛ لأنّه ماء قليل أو مضاف لاقى نجاسة فينجس. ومن الواضح: أنّ النجاسة لا تختصّ بالفأرة الميتة، فتعمّ جميع النجاسات، كما لا يختصّ المورد بالمرق، وإنَّما يشمل كل مضاف وكل مائع؛ إذ لا قائل بالفصل، وإنَّما يتعيّن إراقته على تقدير صيرورته مضافاً؛ لأنّه لا يقبل التطهير.

وأمّا إذا كان باقياً على إطلاقه تخيّر بين إراقته وتطهيره بالماء الكثير. وأمّا غسلالجامد، كاللّحم؛ فلقبوله التطهير.

ص: 153


1- الاستبصار 25 : 1، ح62، وأورده في الحديث 1 من الباب 44 من كتاب الأطعمة المحرّمة.
2- الكافي 6 : 261، ح3.
3- تهذيب الأحكام 9 : 86 ، ح365.

أَقُولُ: وَالنُّصُوصُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ تَأْتِي فِي النَّجَاسَاتِ(1)1*)، وَكِتَابِ الْأَطْعِمَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

المتحصل من الأحادیث

سند الحديث:

ذكر المصنّف ثلاثة أسانيد لهذا الحديث:

الأول: سند الشيخ في «الاستبصار»، وقد تقدّمت أفراده، والسند موثّق.

الثاني: سند الكليني، وهو موثّق كسابقه.

الثالث: سند الشيخ في «التهذيب»، وهو بإسناده عن محمد بن يعقوب، والباقي هو سند الكليني، فهو موثّق كسابقيه.

والحاصل: أنّ في الباب ثلاثة أحاديث، أولها صحيح، والثاني معتبر، والثالث موثّق بأسانيده الثلاثة.

وقد دلّت على أنّ المضاف وكذا المائعات الذائبة تنفعل بالنجاسة وإن كانت النجاسة قليلة لا تغيّر الأوصاف، وعليه لا يجوز استعمالها فيما يشترطفيه الطهارة.

ص: 154


1- 1*) يأتي في الحديث 8 من الباب 38، والحديث 1 من الباب 51، والحديث 2 من الباب 64، والحديث 1 من الباب 14 من النجاسات.
2- 2*) يأتي في الأحاديث 1 و 2 و 3 و5 و 7 من الباب 43، والحديث 1 من الباب 44، والحديث 3 من الباب 45 من أبواب الأطعمة المحرّمة، وكذلك الباب 6 من أبواب ما يكتسب به.

وأمّا المائعات الجامدة فيختصّ انفعالها بمحلّ الملاقاة، وأمّا بقيّة المائع الذي لم تلاقه النجاسة فلا ينفعل ويجوز استعماله.

ثلاثة فروع

فروع:

الفرع الأول: المصعّد من المضاف هل هو مطلق أو مضاف؟ فيه كلام.

والظاهر أنّه تابع للاسم عرفاً.

الفرع الثاني: المصعّد من المضاف المتنجّس هل هو محكوم بالنجاسة أو الطهارة؟ قولان، والسيد الأستاذ(قدس سره) قال بالثاني؛ للاستحالة، وهو الأقوى.

الفرع الثالث: المضاف النجس إذا استهلك في الكرّ فصار الكرّ مضافاً، هل يحكم بنجاسته أم لا؟ فيه تفصيل: فإنّه تارة يصير مضافاً قبل الاستهلاك فيحكم بالنجاسة؛ لأنّه خرج عن الإطلاق إلى الإضافة حين ملاقاته للمضاف النجس، وأخرى يصير مضافاً بعد الاستهلاك فيحكم بالطهارة؛ لأنّ المضاف النجس حكم عليه بالطهارة بعد أن لاقى الكرّ وقبل انقلاب الكرّ إلى مضاف؛ فالكرّ بعد أن انقلب إلى مضافٍ لم يلاق شيئاً نجساً، بل لاقى طاهراً فلا وجه للحكم بنجاسته، وثالثة يصير مضافاً مقارناً مع الاستهلاك، ففيه إشكال.

ص: 155

ص: 156

6 - باب كراهة الطهارة بماء أسخن بالشمس في الآنية وأن يعجن به

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

6 - باب كراهة الطهارة بماء أسخن بالشمس في الآنية وأن يعجن به

شرح الباب:

ذكر أكثر الفقهاء هذه المسألة والمسألة اللاحقة في بحث المضاف والمستعمل مع أنّ موضوعها خارج عن هذا البحث، فالأحسن ذكرها في بحث الماء المطلق.

وهذا الباب معقود لبيان حكم استعمال الماء المسخّن بالشمس في الطهارة وغيرها من الاستعمالات.

الأقوال:

أقوال الخاصة:

قال صاحب «المعالم»(قدس سره) : «المشهور بين الأصحاب» أنّ الماء إذا أسخنته الشمس في الآنية كره استعماله في الطهارة.

وقد ادّعى فيه الشيخ الإجماع في الخلاف إلّا أنّه اشترط في الحكم القصد إلى ذلك؛ حيث قال: المسخّن بالشمس إذا قصد به ذلك مكروه

ص: 157

إجماعاً((1))، وأطلق في النهاية،((2)) وكذا أكثر الأصحاب، بل صرّح جمع منهم بعدم الفرق»((3)).

وقال في «الجواهر»: «وتكره الطهارة بماء أسخن بالشمس في آنية» كما في المعتبر والنافع والقواعد والتحرير والإرشاد وغيرها، بل في الذخيرة أنّه مشهور بين الأصحاب، بل في الخلاف نقل الإجماع على كراهة الوضوء بالمسخّن بالشمس إن قصد به ذلك. وفي السرائر: إنّ ما أسخنته الشمس بجعل جاعل له في إناء وتعمّده لذلك فإنّه مكروه في الطهارتين معاً فحسب»((4)).

أقوال العامة:

قال ابن قدامة في «المغني»: «ولا تكره الطهارة بالماء المشمّس، وقال الشافعي: تكره الطهارة بماء قصد إلى تشميسه في الأواني، ولا أكرهه إلّا من جهة الطب»((5))، فلم يخالف في ذلك إلّا الشافعي((6)).

ص: 158


1- - الخلاف 1 : 55.
2- - النهاية: 10.
3- - معالم الدين 1 : 395.
4- - جواهر الكلام 1 : 330.
5- - المغني 1 : 17.
6- - انظر: الشرح الكبير 1 : 9.

[530] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْعُبَيْدِيِّ، عَنْ دُرُسْتَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (علیه السلام) ، قَالَ: «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) عَلَى عَائِشَةَ وَقَدْ وَضَعَتْ قُمْقُمَتَهَا فِي الشَّمْسِ، فَقَالَ: يَا حُمَيْرَاءُ، مَا هَذَا؟ قَالَتْ: أَغْسِلُ رَأْسِي وَجَسَدِي، قَالَ: لَا تَعُودِي؛ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ(1)»(2).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي «الْمُقْنِعِ» مُرْسَلًا(3).

وَرَوَاهُ فِي «الْعِلَلِ» وَفِي «عُيُونِ الْأَخْبَارِ» عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، مِثْلَهُ(4).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

القمقم - على ما في «لسان العرب» وغيره - : «ما يسخن فيه الماء من

ص: 159


1- ورد في هامش المخطوط ما نصه: حكم المحقّق في المعتبر بصحة هذه الرواية، واعترض عليه صاحب المدارك بما لا وجه له يعتمد على اصطلاحهم. (منه(قدس سره) ). (المعتبر 1 : 39 - 40، ومدارك الأحكام 1 : 116). أقول: لأنّ الصحيح باصطلاح المتأخرين حادث بعد المحقّق 1 على ما قيل، فلا يريده المحقّق، بل يريد بالصحيح: الثابت عن المعصوم بالتواتر أو القرينة. المقرّر
2- تهذيب الأحكام 1 : 366، ح1113، والاستبصار 1 : 30، ح79.
3- المقنع: 22 .
4- علل الشرائع1 : 281، ح1، وعيون أخبار الرضا (علیه السلام) 2 : 82 ، ح18.

نحاس وغيره، ويكون ضيّق الرأس»((1)).

دلّ الحديث على كراهة استعمال الماء المسخّن بالشمس في إناء - وغسل الرأس والجسد إمّا أن يراد منه معناه الظاهر أو الغُسل الشرعي - لا على حرمة استعماله - وإن كان ظاهر النهي الحرمة - لقرينتين:

الأُولى: قوله(صلی الله علیه و آله و سلم) : «لا تعودي»، وهو منع عن العود في المستقبل، أو نهي عن التعوّد بمعنى العادة، ولو أراد الحرمة الفعليّة لنهى عنه فعلاً((2)).

ص: 160


1- - لسان العرب 12 : 495، مادة: «قمم»، والنهاية في غريب الحديث 4 : 110.
2- - أقول: ذكر المصنّف في الشرح وجوهاً محتملة في النهي الوارد في الحديث تناسب حمله على الحرمة، فلا موجب لصرفه إلى الكراهة: أحدها: أنّه لا معنى للنهي عن الماضي، بل يتعيّن عوده إلى المستقبل، أعني: العود؛ لعدم إمكان ردّ الماضي. الثاني: أنَّها كانت جاهلة وقت إرادة التسخين، ولم يكن بلغها النهي. ولعلّه إشارة إلى أنّ الجاهل الغافل معذور، بخلاف من أراد العود بعد ورود النهي وتوجّهه إليه. الثالث: أنّه يمكن أن يكون التسخين لم يحصل، وإنَّما حصل الوضع، فلا وجه للنهي عن الاستعمال قبل حصول السخونة. الرابع: أنّه يحتمل عدم وجود ماء آخر عندها، فيكون إشارة إلى اختصاص النهي بما إذا وجد ماء آخر. الخامس: أنّه لا إشعار فيه بالرخصة في استعمال ذلك الماء المسخّن قبل العود، بل التعليل شامل له. (تحرير وسائل الشيعة:553). أقول: تكفي الرخصة في استعماله في صَرف النهي عن الحرمة. وهذه الاحتمالات لا تقاوم هذه القرينة. المقرّر.

الثانية: اشتمال الحديث على الحكمة وهي أن استعماله يورث البرص، بمعنى: أن يكون ذلك بحدّ المقتضي لهذا المرض، فهذا يناسب الكراهة لا الحرمة.

وظاهره النهي عن استعمال المسخّن فيما له مساس بالبدن، ولا يختصّ بالطهارة به.

كما أنّ مورد الكراهة إنَّما تكون إذا قصد تسخينه بالشمس لا مطلقاً، ولكنّ الظاهر أنّ قصد التسخين لا دخل له في الحكمة.

بحث رجالي حول إبراهيم بن عبد الحميد

سند الحديث:

ذكر المصنّف هذا الحديث بثلاثة طرق:

الأول: مسنداً عن «التهذيب» و«الاستبصار»، وفيه ممّن لم يتقدّم:

إبراهيم بن عبد الحميد: قال عنه الشيخ في «الفهرست»: «إبراهيم بن عبد الحميد، ثقة. له أصل»((1)

وعدّه في كتاب «الرجال» من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ، وقال: «إبراهيم بن عبد الحميد الأسدي، مولاهم البزّازالكوفي»((2)

كما عدّه في أصحاب الإمام الكاظم (علیه السلام) مرّتين، ونصّ على وقفه في الثانية((3)

وثالثة في أصحاب الإمام الرضا (علیه السلام) ، قائلاً: «إبراهيم بن

ص: 161


1- - فهرست الطوسي: 40 / 12.
2- - رجال الطوسي: 159 / 1774.
3- - رجال الطوسي: 331 / 4925، و332 / 4947.

عبد الحميد، من أصحاب أبي عبد الله (علیه السلام) ، أدرك الرضا (علیه السلام) ، ولم يسمع منه على قول سعد بن عبد الله، واقفي، له كتاب»((1)).

وقال النجاشي: «إبراهيم بن عبد الحميد الأسدي، مولاهم كوفي أنماطي، وهو أخو محمد بن عبد الله بن زرارة لأُمه، روى عن أبي عبد الله [ (علیه السلام) ]، وأخواه الصباح وإسماعيل ابنا عبد الحميد. له كتاب نوادر يرويه عنه جماعة»((2)).

وورد في كتاب «نوادر الحكمة»، وروى عنه المشايخ الثقات((3)

فالسند معتبر.

الثاني: مرسلاً عن «المقنع»، ومراسيله معتبرة على وجهٍ، كما مرّ.

الثالث: مسنداً عن «علل الشرائع» و«عيون أخبار الرضا (علیه السلام) »، وهو معتبر كالأول.

هذا، وقد قال الصدوق في «عيون الأخبار»: «أبو الحسن صاحب هذا الحديث يجوز أن يكون الرضا، ويجوز أن يكون موسى بن جعفر (علیهما السلام) ؛ لأنّ إبراهيم بن عبد الحميد قد لقيهما جميعاً. وهذا الحديث من المراسيل»((4)).

وعلّق عليه العلامة المجلسي (رحمه الله) بقوله: «وأمّا قول الصدوق - رحمه الله - :

ص: 162


1- - رجال الطوسي: 351 / 5195.
2- - رجال النجاشي: 20 / 27.
3- - أُصول علم الرجال 1 : 211 ، وج2 : 179.
4- - عيون أخبار الرضا (علیه السلام) 1 : 88.

[531] 2- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحُسَيْنِ الْفَارِسِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: قَالَ «رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) : الْمَاءُ الَّذِي تُسَخِّنُهُ الشَّمْسُ لَا تَتَوَضَّئُوا بِهِ، وَلَا تَغْتَسِلُوا بِهِ، وَلَا تَعْجِنُوا بِهِ؛ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

إنّ الخبر من المراسيل، فلا أعرف له معنى إلّا أن يريد أنّ الإمام (علیه السلام) أرسله، وهو من مثله بعيد»((2)).

[2] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على كراهة استعمال الماء المسخّن بالشمس، وظاهره النهي عن استعمال المسخّن في الأعم مما له مساس بالبدن أو لا؛ فالكراهة فيغير الطهارة لذلك، ولعدم القول بالفصل، ولورود ما فيه الرخصة وهو الحديث الثالث من الباب.

وظاهره الإطلاق أيضاً، وعدم التقييد بكونه في إناء، وعدم اختصاص الكراهة بالقصد إلى تسخينه بالشمس.

والفقهاء قيّدوا الكراهة بكون الماء المسخّن بالشمس في إناء، وهذا الحديث مطلق، وقاعدة التقييد لا تجري في المستحبات.

ص: 163


1- الكافي 3 : 15، ح5.
2- - بحار الأنوار 78 : 31.

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ(1)1*).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي «الْعِلَلِ» عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنِ النَّوْفَلِيِّ، عَنِ السَّكُونِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، مِثْلَهُ(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

ذكر المصنّف ثلاثة أسانيد لهذا الحديث:

الأول: سند الكليني، وفيه ممن لم يتقدّم ذكره:

الحسن بن أبي الحسين الفارسي: وهو مهمل، لكنّه ورد في أسناد «نوادرالحكمة»((3)).

وفيه أيضاً: سليمان بن جعفر: وهو مشترك بين شخصين:

أحدهما: سليمان بن جعفر: الذي يروي مباشرة عن الإمام الصادق (علیه السلام) ، وهو مجهول.

ثانيهما: سليمان بن جعفر الجعفري: قال النجاشي عنه وعن أبيه: «سليمان

ص: 164


1- 1*) تهذيب الأحكام 1 : 379، ح1177.
2- 2*) علل الشرائع 1 : 281، ح2.
3- - أُصول علم الرجال 1 : 281. أقول: وفيه نقلاً عن تهذيب الأحكام: الحسن بن أبي الحسن الفارسي، والصحيح: الحسن بن أبي الحسين الفارسي، بقرينة سائر الروايات. المقرّر.

بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر الطيار، أبو محمد الطالبي الجعفري، روى عن الرضا (علیه السلام) . وروى أبوه عن أبي عبد الله وأبي الحسن (علیهما السلام) ، وكانا ثقتين. له كتاب»((1)).

ووثّقه الشيخ في «الفهرست»((2)) و«الرجال» عادّاً له في أصحاب الإمامين الكاظم والرضا (علیهما السلام) ((3)

وورد في «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي»((4)).

والظاهر أنّه الثاني؛ لشهرته وكونه صاحب كتاب.

والمراد من إسماعيل بن أبي زياد: هو السكوني.فالسند معتبر؛ لورود الحسن بن أبي الحسين الفارسي في أسناد «نوادر الحكمة»، أو لكون الحديث من جملة أحاديث كتاب «الكافي».

الثاني: سند الشيخ في «التهذيب»، وهو نفس سند الكليني، فيكون معتبراً.

الثالث: سند الصدوق في «العلل»، وقد تقدّمت أفراده فيما سبق، والسند موثق.

ص: 165


1- - رجال النجاشي: 183 / 483.
2- - فهرست الطوسي: 138 / 328.
3- - رجال الطوسي: 338 / 5027، و358 / 5298.
4- - أُصول علم الرجال 1 : 217 و 223.

[532] 3- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ يَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «لَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَوَضَّأَ الْإِنْسَانُ بِالْمَاءِ الَّذِي يُوضَعُ فِي الشَّمْسِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على نفي البأس عن الوضوء بالماء الذي يوضع في الشمس، وهذا الحديث يصلح لصرف ما ظاهره حرمة الوضوء بالمسخّن إلى الكراهة.

سند الحديث:

فيه ممّن لم يتقدّم ذكره:

حمزة بن يعلى: قال عنه النجاشي: «حمزة بن يعلى الأشعري، أبو يعلى القمي. روى عن الرضا وأبي جعفر الثاني (علیهما السلام) ، ثقة وجه. له كتاب يرويه عدّة من أصحابنا»((2)).

والسند ضعيف بالإرسال، إلّا أنّ هذا الحديث كان في كتاب الرحمة لسعد بن عبد الله، وهو بشهادة الصدوق في «الفقيه» من الكتب المشهورةالتي عليها المعوّل وإليها المرجع، فيمكن القول باعتباره.

ص: 166


1- تهذيب الأحكام 1 : 366، ح1114.
2- - رجال النجاشي: 141 / 366.

أَقُولُ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ التَّحْرِيمِ، وَمَا تَقَدَّمَ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ(1)1*)، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ فِي آدَابِ الْحَمَّامِ فِي أَحَادِيثِ النُّورَةِ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

المتحصل من الأحادیث

والحاصل: أنّ في الباب ثلاثة أحاديث معتبرة دلّت على كراهة استعمال الماء المسخّن بالشمس - وإن لم يُقصد تسخينه - في الطهارة وغيرها.

ص: 167


1- 1*) تقدّم في الحديث 2 من هذا الباب.
2- 2*) يأتي في الحديث 4 من الباب 40 من أبواب آداب الحمام.

ص: 168

7 - باب كراهة الطهارة بالماء الذي يسخن بالنار في غسل الأموات وجوازه في غسل الأحياء

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

7 - باب كراهة الطهارة بالماء الذي يسخن بالنار في غسل الأموات وجوازه في غسل الأحياء

شرح الباب:

هذه المسألة كسابقتها محلّها أبواب الماء المطلق، كما سبق التنبيه عليه.

وهذا الباب يحوي حكمين:

الأول: كراهة الطهارة بالماء المسخّن بالنار في غُسل الأموات.

الثاني: عدم كراهة الطهارة بالماء المسخّن بالنار للأحياء.

الأقوال:

أقوال الخاصة:

قال في «المدارك»: «هذا الحكم - أي: كراهة غسل الأموات بالماء المسخن بالنار - مجمع عليه بين الأصحاب، حكاه في المنتهى ... والنهي وإن كان حقيقة في التحريم، لكنّه محمول على الكراهة؛ لاتفاق الأصحاب على أنّ ذلك غير محرّم، قال الشيخ: ولو خشي الغاسل من البرد انتفت الكراهة، وهو حسن»((1)).

ص: 169


1- - مدارك الأحكام 1 : 118.

[533] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ، عَنْ فَضَالَةَ(1)، عَنْ أَبَانٍ، عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام) : «لَا يُسَخَّنُ الْمَاءُ لِلْمَيِّتِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

أقوال العامّة:

قال النووي في «المجموع»: «وأمّا المسخّن فالجمهور أنّه لا كراهة فيه، وحكى أصحابنا عن مجاهد كراهته، وعن أحمد كراهة المسخّن بنجاسة، وليس لهم دليل فيه»((3)).

وقال عبد الرحمن بن قدامة في «الشرح الكبير»: «لا تكره الطهارة به، أي: المسخّن بالنار، لا نعلم فيه خلافاً، إلّا ما روي عن مجاهد أنّه كره الوضوء بالماء المسخن، وقول الجمهور أولى»((4)).

[1] - فقه الحديث:

ظاهر النهي هنا حرمة تسخين الماء لغسل الميت، ولكن لابد من حمله

ص: 170


1- ليس في المصدر. وما في المتن ورد في الوافي 4 : 150 ، المجلد 3 ، وترتيب تهذيب الأحكام 1 : 80.
2- تهذيب الأحكام 1 : 322، ح938، وأورده في الحديث 1 من الباب 10 من أبواب غسل الميت.
3- - المجموع 1 : 91.
4- - الشرح الكبير 1 : 9.

أَقُولُ: وَيَأْتِي أَيْضاً مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي مَحَلِّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

على الكراهة؛ لورود ما يدلّ على جواز ذلك، وهو ما رواه في «الفقيه»: «إلّا أن يكون شتاءاً بارداً، فتوقي الميّت مما توقي منه نفسك»((2)).

سند الحديث:

إسناد الشيخ الطوسي إلى علي بن مهزيار:

ذكر الشيخ في «الفهرست» طريقين لكتب علي بن مهزيار:

أولها: أخبرنا بكتبه ورواياته جماعة، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه، عن أبيه ومحمد بن الحسن، عن سعد بن عبد الله والحميري ومحمد بن يحيى وأحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمد، عن العباس بن معروف، عنه، إلّا كتاب المثالب، فإنّ العباس روى نصفه عنه.

ثانيها: رواها أبو جعفر ابن بابويه، عن أبيه وموسى بن المتوكل، عن سعد بن عبد الله والحميري، عن إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه.

وله وفاة أبي ذرL، وحديث بدر، وإسلام سلمان الفارسيL، ورويناه بهذا الإسناد عنه((3)).

ص: 171


1- 1*) يأتي في الباب 10 من أبواب غسل الميت.
2- - من لا يحضره الفقيه 1 : 142، ح395.
3- - فهرست الطوسي: 152 / 379.

وأمّا إبراهيم بن مهزيار: فلم يرد فيه توثيق خاص، لكن سبق((1)) أنّه ورد في أسناد «نوادر الحكمة»، فيكون ثقة عندنا. كما أنّه ورد في القسم الثاني من «تفسير القمي»، فيكون ثقة عند من يعتبر وثاقة من وقع في القسمين كالسيد الأستاذ(قدس سره) .

ولو غضضنا الطرف عن هذا، فإنّ في الطريق الأول كفاية؛ لخلوِّه عن إبراهيم، ووثاقة بقيّة سلسلة الطريق. فكل ما يرويه الشيخ أو الصدوق عن علي بن مهزيار معتبر بهذا الطريق؛ لأنّه عام لجميع كتبه ورواياته.

هذا، مضافاً إلى عدّ الصدوق كتاب علي بن مهزيار من الكتب المشهورة التي عليها المعوّل وإليها المرجع.

ص: 172


1- - إيضاح الدلائل 1 : 210.

[534] 2- وَعَنِ الْمُفِيدِ، عَنِ الصَّدُوقِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَال:َ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنْ رَجُلٍ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ فِي أَرْضٍ بَارِدَةٍ، وَلَا يَجِدُ الْمَاءَ - إِلَى أَنْ قَالَ: - وَذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : أَنَّهُ اضْطُرَّ إِلَيْهِ وَهُوَ مَرِيضٌ فَأَتَوْهُ بِهِ مُسَخَّناً، فَاغْتَسَلَ فَقَالَ: لَا بُدَّ مِنَ الْغُسْلِ(1)»(2).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ(3)، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بِعُمُومِهِ وَإِطْلَاقِهِ(4).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على جواز الاغتسال بالماء المسخّن عند الاضطرار له، ويفهم منه وجود الحزازة والمرجوحيّة بدون ذلك، ولكن هذه الحزازة والمرجوحية لا تصل إلى حدّ الحرمة؛ لما مرّ في الباب السابع من أبوابالماء المطلق من الترخيص بالاغتسال في الحمّام، ومن المعلوم أنّ ماء

ص: 173


1- ورد في هامش المخطوط ما نصه: حديث محمد بن مسلم مخصوص بالاضطرار؛ لأنّا نقول: لا نصّ في الكراهة حال الاختيار، والنصّ العام شامل للبارد والحار. (منه(قدس سره) ).
2- تهذيب الأحكام 1 : 198، ح576، والاستبصار 1 : 163، ح564.
3- تقدّم ما يدل على الحكم الثاني في الباب 7 من أبواب الماء المطلق.
4- يأتي في الباب 10 من أبواب غسل الميت، والأحاديث 1و4 و6 و7 من الباب 1، والحديث 1 من الباب 13، والحديث 1 و 2 من الباب 27 من أبواب آداب الحمام.

الحمام مسخّن بالنار عادة.

المتحصل من الحدیث

سند الحديث:

تقدّمت أفراده، وهو صحيح أعلائي.

والحاصل: أنّ في الباب حديثين، أولهما معتبر، والثاني صحيح. وقد دلّا على:

1- كراهة الطهارة بالماء الذي يسخّن بالنار في غسل الأموات، ولا يحرم ذلك، بل تنتفي الكراهة إذا خشي الغاسل البرد، وإنّ الميّت يُوقّى ممّا يتوقّى منه الحي.

2- جواز اغتسال الأحياء بالماء المسخّن عند الاضطرار إليه، وأما بدون الاضطرار فمكروه.

ص: 174

8 - باب أن الماء المستعمل في الوضوء طاهر مطهر وكذا بقية مائه

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

8 - باب أن الماء المستعمل في الوضوء طاهر مطهر وكذا بقية مائه

شرح الباب:

الماء المستعمل هو الماء القليل الذي ينفصل عن أعضاء الطهارة((1)

وهو إمّا أن يكون في غُسل أو في وضوء، وكلاهما إمّا أن يكونا لرفع حدث أو لغاية أخرى، فهنا أربعة فروض، والظاهر أنّه لا فرق بين هذه الفروض، والحكم فيها واحد، ولا بين ما يستعمل منه في الغسل والمضمضة والاستنشاق وغيرها ما دام باقياً على كونه ماء.

وهذا الباب معقود لبيان أنّه طاهر في نفسه ومطهر عن الحدث إذا استعمل في وضوء سابق.

وسيأتي في الباب اللاحق أنّ الحكم نفسه - من حيث الطهارة - فيما إذا استعمل في غُسل سابق. وأمّا في كلام الفقهاء فهناك خلاف في رفعه للحدث الأكبر.

ويطلق الماء المستعمل أيضاً على الماء القليل الذي غسلت به الأخباث،

ص: 175


1- - مدارك الأحكام 1 : 127.

ولم يتعرّض له الماتن في هذه الأبواب، واقتصر على ذكر ماء الاستنجاء خاصّة كما يأتي.

وهو إمّا أن يكون مستعملاً في رفع الخبث في الاستنجاء، فهذا طاهر بشروط، ويرفع الخبث أيضاً، وفي رفعه للحدث خلاف.

وإمّا أن يكون مستعملاً في رفع الخبث في غير الاستنجاء، فحكمه مختلف فيه من حيث جواز استعماله في الوضوء أو الغسل، ومن حيث طهارته في نفسه.

ثم إنّ الماتن نصّ على أنّ حكم الماء الباقي الذي لم يتوضأ به هو حكم ماء الوضوء في كونه طاهراً مطهراً.

والمستعمل في التنظيف وإزالة الأوساخ طاهر ومطهّر ما دام مطلقاً.

الأقوال:

أقوال الخاصة:

قال صاحب «المدارك» - عند قول المحقّق: والمستعمل في الوضوء طاهر مطهر - : «هذا الحكم إجماعي عندنا، وخالف فيه أبو حنيفة ... فحكم بأنّه نجس نجاسة مغلّظة...»((1)).

وقال في «الجواهر»: «والماء المستعمل في الوضوء طاهر ومطهّر إجماعاًمحصّلاً ومنقولاً، نصّاً وظاهراً وسنّة عموماً وخصوصاً، من غير فرق بين

ص: 176


1- - مدارك الأحكام 1 : 126.

المبيح والرافع، ولا بين ما يستعمل منه في الغسل والمضمضة والاستنشاق وغيرها بشرط بقاء المائيّة»((1)).

بل عن السيد الأُستاذ: أنّ طهارة المستعمل في الوضوء من ضروريات الفقه، بل قيل: إنّها من ضروريات المذهب((2)).

أقوال العامة:

قال في «المغني»: «(ولا يتوضأ بماء قد وضئ به) يعني: الماء المنفصل عن أعضاء المتوضئ. والمغتسل في معناه. وظاهر المذهب: أنّ المستعمل في رفع الحدث طاهر غير مطهّر لا يرفع حدثاً ولا يزيل نجساً، وبه قال الليث والأوزاعي، وهو المشهور عن أبي حنيفة، وإحدى الروايتين عن مالك، وظاهر مذهب الشافعي. وعن أحمد رواية أخرى أنّه طاهر مطهّر، وبه قال الحسن وعطاء والنخعي والزهري ومكحول وأهل الظاهر، والرواية الثانية لمالك، والقول الثاني للشافعي»((3)).

وقال ابن حزم في «المحلّى»: «والوضوء بالماء المستعمل جائز، وكذلك الغسل به للجنابة، وسواء وجد ماء آخر غيره أو لم يوجد، وهو الماء الذيتوضأ به بعينه لفريضة أو نافلة، أو اغتسل به بعينه لجنابة أو غيرها، وسواء كان المتوضئ به رجلاً أو امرأة - ثم استدل على ذلك، ثم قال: - وهو قول

ص: 177


1- - جواهر الكلام 1 : 358.
2- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 2 : 279.
3- - المغني 1 : 18.

الحسن البصري وإبراهيم النخعي وعطاء بن أبي رباح، وهو أيضاً قول سفيان الثوري وأبي ثور وداود وجميع أصحابنا.

وقال مالك: يتوضأ به إن لم يجد غيره ولا يتيمّم .

وقال أبو حنيفة: لا يجوز الغسل ولا الوضوء بماء قد توضأ به أو اغتسل به، ويكره شربه، وروي عنه أنّه طاهر، والأظهر عنه أنّه نجس، وهو الذي روي عنه نصّاً، وأنّه لا ينجس الثوب إذا أصابه الماء المستعمل إلّا أن يكون كثيراً فاحشاً.

وقال أبو يوسف: إن كان الذي أصاب الثوب منه شبر في شبر فقد نجّسه، وإن كان أقل لم ينجّسه.

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إن كان رجل طاهر قد توضأ للصلاة أو لم يتوضأ لها فتوضأ في بئر فقد تنجّس ماؤها كلّه، وتنزح كلّها، ولا يجزيه ذلك الوضوء إن كان غير متوضئ، فإن اغتسل فيها أيضاً أنجسها كلّها، وكذلك لو اغتسل وهو طاهر غير جنب في سبعة آبار نجّسها كلّها.

وقال أبو يوسف: ينجّسها كلّها ولو أنَّها عشرون بئراً. وقالا جميعاً: لا يجزيه ذلك الغسل. فإن طهّر فيها يده أو رجله فقد تنجّست كلّها»((1)).

فظهر من هذا كلّه: أنّ لهم ثلاثة أقوال: قولاً بكونه طاهراً مطهّراً، وقولاً بكونه طاهراً غير مطهّر إلّا إذا لم يجد غيره، وقولاً بكونه نجساً.

ص: 178


1- - المحلى 1 : 183 - 185.

[535] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَحَدِهِمَا (علیهما السلام) ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ(صلی الله علیه و آله و سلم) إِذَا تَوَضَّأَ أُخِذَ مَا يَسْقُطُ مِنْ وُضُوئِهِ فَيَتَوَضَّئُونَ بِهِ(1)»(2).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ مُرْسَلًا(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ الماء الذي استعمله النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) طاهر في نفسه ومطهّر؛ فإنّ أخذ الصحابة لما يسقط من وضوئه وتوضئهم به كان بمرأى من النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ولم ينكر عليهم ولم ينههم عنه، فيدلّ ذلك على أنّ الماء طاهر، وإلّا لما جاز استعماله، وعلى أنّه يجوز استعماله في الوضوء، وإنَّما كانوا يأخذون ما يتساقط منه من ماء الوضوء تبرّكاً به(صلی الله علیه و آله و سلم) ؛ لأنّ هذا الماءلامس جسده الشريف، فهذا ثابت بتقرير النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) لفعلهم، وبتقرير أحد

ص: 179


1- ورد في هامش المخطوط ما نصّه: ذكر الشهيد في ذكرى الشيعة: أنّ الماء المستعمل في نفل الغسل أولى بجواز الاستعمال من ماء الوضوء، وأنّ الخلاف مخصوص بالمستعمل في غسل الجنابة. ورجّح جواز استعماله كذلك جمع من المحقّقين. (منه(قدس سره) ). (راجع: ذكرى الشيعة 1 : 103، بتصرّف).
2- تهذيب الأحكام 1 : 221، ح631.
3- من لا يحضره الفقيه 1 : 10، ح17.

الصادِقَين (علیهما السلام) ؛ لحكايته ذلك وعدم إنكاره.

كما دلّ أيضاً على جواز التبرّك، خلافاً لبعض أهل الخلاف. وكلمة «كان» في الحديث تدلّ على استمرار هذه السيرة منهم على ذلك.

اشتراك الحسن بن علي بين جماعة

سند الحديث:

ذكره الماتن بنحوين:

النحو الأول: مسنداً عن «التهذيب»، وفيه: الحسن بن علي: وهو مشترك - بهذا العنوان - بين جماعة:

منهم: الحسن بن علي بن إبراهيم بن محمد الهمداني؛ لرواية سعد بن عبد الله عنه صريحاً، وهو مجهول. وإرادته هنا بعيدة جداً؛ لإهماله في كتب الرجال أولاً، وقلّة رواية سعد بن عبد الله عنه بنحو لا يناسب إرادته له عند الإطلاق، ولا سيّما مع عدم ثبوت روايته عن أحمد بن هلال، فبملاحظة الراوي والمروي عنه يبعد أن يكون هو المراد هنا.

ومنهم: الحسن بن علي بن فضّال كما عيّنه المحقّق في «المعتبر»((1))، والشيخ الأعظم في كتابه «الطهارة»((2)) في سند مشابه يأتي في الحديثالثاني من هذا الباب والباب التاسع من هذه الأبواب، وهو سند الحديث الثالث عشر، وهو بعيد جداً أيضاً؛ لأنّ سعد بن عبد الله يروي عن الحسن بن

ص: 180


1- - المعتبر1 : 87.
2- - كتاب الطهارة 1 : 355.

علي بن فضال بواسطتين؛ كما أنّه لم تعهد رواية الحسن بن علي بن فضال عن أحمد بن هلال، فإرادته هنا لا تناسب طبقات الرواة. وعدم معهوديّة رواية ابن فضال عن ابن هلال لا تناسب الانصراف إليه عند الإطلاق.

ومنهم: الحسن بن علي بن المغيرة: وثّقه النجاشي((1))، وهو يروي عن ابن هلال، ويروي عنه سعد.

ومنهم: الحسن بن علي الزيتوني: ولم يرد فيه شيء إلّا كونه من رجال «كامل الزيارات»، وليس من مشايخه((2)).

وفيه: أحمد بن هلال: وهو العبرتائي، وقد فصّلنا الكلام فيه في كتابنا «أُصول علم الرجال»، وقلنا: إنّه مختلف فيه، فقد وثّقه جماعة، وضعّفه آخرون، وقد ذهب السيد الأُستاذ إلى القول بوثاقته وإن كان منحرفاً في عقيدته((3))، لكنّا استشكلنا في القول بوثاقته، وناقشنا الوجوه التي استدلّ بهاعلى الوثاقة، وخلصنا إلى القول بأنّه ضعيف، لا يعتمد على ما يرويه في الكتب الأربعة إلّا إذا أُحرز أنّ روايته كانت قبل انحرافه، أو كانت عن

ص: 181


1- - رجال النجاشي: 49 / 106.
2- - ولعلّ الأخير أقرب؛ لقرينتين: الأولى: تكرّر رواية سعد بن عبد الله عن أحمد بن هلال بواسطته. الثانية: أنّ الزيتوني أشعري كالراوي عنه، أعني: سعد بن عبد الله، وهذا يناسب إرادته عند إطلاقه. المقرّر.
3- - معجم رجال الحديث 3 : 152.

[536] 2- وَبِالْإِسْنَادِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «وَأَمَّا الْمَاءُ الَّذِي يَتَوَضَّأُ الرَّجُلُ بِهِ، فَيَغْسِلُ بِهِ وَجْهَهُ وَيَدَهُ فِي شَيْ ءٍ نَظِيفٍ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَهُ غَيْرُهُ وَيَتَوَضَّأَ بِهِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

«المشيخة» لابن محبوب، أو عن «نوادر ابن أبي عمير»؛ لشهرة الكتابين((2)).

فهذا السند ضعيف.

النحو الثاني: مرسلاً عن «الفقيه»، وقد مرّ القول بأنّ مراسيل الصدوق فيه معتبرة.

[2] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على جواز الوضوء من الماء المستعمل في وضوء الغير، ومعنى هذا: أنّ الماء المستعمل في الوضوء طاهر في نفسه، وإلّا لكان في استعماله ثانية بأس، بل هو موجب للتطهّر من الحدث الأصغر.

سند الحديث:

مقصوده من الإسناد إلى أحمد بن هلال هو السند السابق عن «التهذيب»في الحديث الأول، وقد مرّ الكلام فيه. لكن أحمد بن هلال هنا روى عن

ص: 182


1- تهذيب الأحكام 1 : 221، ح630، ورواه في الاستبصار 1 : 27، ح71.
2- - أُصول علم الرجال 2 : 344 - 347.

[537] 3- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سُئِلَ عَلِيٌّ (علیه السلام) : أَيُتَوَضَّأُ مِنْ فَضْلِ وُضُوءِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَحَبُّ إِلَيْكَ، أَوْ يُتَوَضَّأُ مِنْ رَكْوٍ أَبْيَضَ مُخَمَّرٍ؟ قَالَ: «لَا، بَلْ مِنْ فَضْلِ وُضُوءِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِنَّ أَحَبَّ دِينِكُمْ إِلَى اللَّهِ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ السَّهْلَةُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

الحسن بن محبوب، وقد سبق أنّه إذا كانت الرواية من كتاب «المشيخة» فهي معتبرة؛ لشهرة الكتاب، لكن الشأن في إثبات أنّ الرواية هي من كتاب «المشيخة».

لكن ما يسهل الخطب أنّ للشيخ في «الفهرست» طريقين صحيحين إلى جميع كتب وروايات الحسن بن محبوب،كما أنّ كتب عبد الله بن سنان رواها عنه جماعات من أصحابنا((2))، فهي مشهورة لا تحتاج إلى ملاحظة الطريق إليها، وعلى هذا يكون السند معتبراً.

[3] - فقه الحديث:

الركو والركوة: «إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء، والجمع ركاء»((3)).

والمراد من كونه أبيضَ: هو أنّه نظيف غير متّسخ. ومخمّر، أي: مغطى؛ لئلّايدخل فيه شيء. والحنيفيّة: المستقيمة المائلة عن الباطل إلى الحقّ، وهي

ص: 183


1- من لا يحضره الفقيه 1 : 9، ح16.
2- - أًصول علم الرجال 1 : 137.
3- - النهاية في غريب الحديث 2 : 261.

هنا صفة محذوف، والتقدير: الطريقة الحنيفيّة، والسمحة: التي لا تضييق فيها، والسهلة: ما ليس فيها مشقّة وشدّة.

والكلام هنا في بقيّة الماء الذي يتوضأ منه لا في نفس الماء الذي يستعمل في الوضوء كالحديثين السابقين. والمراد بفضل وضوء المسلمين ما يبقى في الإناء ونحوه بعد وضوئهم منه، فالسؤال عن الماء النظيف غاية النظافة أحب إليك يتوضأ منه أم الماء الذي بقي من وضوء المسلمين الذين لا يعلم مدى توقّيهم عن النجاسة؟ فأجاب (علیه السلام) بأنّ الثاني أحبّ إليه؛ فإنّ ظاهرهم الطهارة.

وفيه تصريح بنفي كراهة الوضوء من بقيّة وضوء جماعة المسلمين، وهذا يدلّ على طهارة سؤرهم، بل ضم طرفي التخيير واختيار الإمام للطرف الثاني وهو الوضوء من فضل جماعة المسلمين يشعر بمرجوحيّة اجتناب سؤر المسلمين. وقوله (علیه السلام) : «فإنّ أحبّ دينكم إلى الله الحنيفيّة السمحة السهلة» يشعر أيضاً بذم الوسواس الذي ينشأ منه تجنب سؤرهم؛ فإنّ تجنبه موجب للوقوع في المشقة، ومن المعلوم: أنّ الإسلام هو دين اليسر والسهولة.

سند الحديث:

مرّ أن مراسيل الصدوق في «الفقيه» يمكن القول باعتبارها.

ص: 184

[538] 4- أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنِ ابْنِ الْعَرْزَمِيِّ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ (علیهما السلام) : «أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) كَانَ يَشْرَبُ وَهُوَ قَائِمٌ، ثُمَّ شَرِبَ مِنْ فَضْلِ وُضُوئِهِ قَائِماً، فَالْتَفَتَ إِلَى الْحَسَنِ (علیه السلام) فَقَالَ: يَا بُنَيَّ(1)، إِنِّي رَأَيْتُ جَدَّكَ رَسُولَ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) صَنَعَ هَكَذَا(2)»(3).

أَقُولُ: وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ(4).

-----------------------------------------------------------------------------

[4] - فقه الحديث:

دلّ على استحباب الشرب من بقيّة ماء الوضوء؛ لاستمرار أمير المؤمنين (علیه السلام) على ذلك، المعتضّد بفعل الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) ذلك، وهذا يدلّ على طهارة الباقي من الماء المستعمل في الوضوء، وإلّا لما جاز شربه. وأمّا كون الشرب قائماً، فلعلّه في خصوص شرب بقيّة الوضوء، وأمّا غيره فتوجد أحاديث مفصّلة بين الليل والنهار، ففي الليل يكون الشرب جالساً دون النهار.

ص: 185


1- في المصدر زيادة: بأبي أنت وأُمّي.
2- ورد في هامش النسخة الثانية من المخطوط ما نصّه: الشرب من قيام، ويأتي تخصيصه بالنهار في الأشربة. (منه(قدس سره) ).
3- المحاسن: 580، ح50.
4- يأتي في الحديث 13 من الباب 9 من هذه الأبواب.

المتحصل من الأحادیث

سند الحديث:

فيه: ابن العرزمي: وهو عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله العرزمي، وقد تقدّم توثيقه عن النجاشي. ولا يتوهم الإرسال؛ لوجود الحسين بن سعيد في بعض الأسانيد؛ فإنّ الشيخ في «الفهرست» ذكر طريقه إليه، وفيه: أحمد بن أبي عبد الله - أي: البرقي - عنه((1)

أي: إنّه يروي عنه بلا واسطة، فلا إرسال.

وفيه أيضاً: حاتم بن إسماعيل: وهو المدني، قال النجاشي: «حاتم بن إسماعيل المدني، مولى بني عبد الدار بن قصي، روى عن أبي عبد الله (علیه السلام) ، عامّي، قال الواحدي: مات سنة ست وثمانين ومائة»((2))، فلم يرد فيه شيء، فالسند ضعيف.

والحاصل: أنّ في الباب أربعة أحاديث، رابعها ضعيف، والثلاثة الباقية معتبرة.

وقد دلّت على أنّ الماء المستعمل في الوضوء طاهر في نفسه ومطهّر للحدث الأصغر إذا توضئ به، كما أنّ بقيّة الماء الذي توضّأ منه المسلم كذلك طاهر ومطهّر عن الحدث الأصغر؛ لطهارة سؤر المسلم، ولا يكره استعماله في الوضوء، بل الاجتناب عنه وسواس مذموم، والشريعة سمحة لا تضييق فيها، وسهلة لا مشقة فيها.

ص: 186


1- - فهرست الطوسي: 272 / 846.
2- - رجال النجاشي: 147 / 382.

9 - باب حكم الماء المستعمل في الغسل من الجنابة وما ينتضح من قطرات ماء الغسل في الإناء وغيره وحكم الغسالة

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

9 - باب حكم الماء المستعمل في الغسل من الجنابة وما ينتضح من قطرات ماء الغسل في الإناء وغيره وحكم الغسالة((1))

شرح الباب:

لم يبيّن الماتن(قدس سره) حكم الماء المستعمل في الغسل من الجنابة وما يتبعه من القطرات التي تنتضح منه والغسالة أيضاً في عنوان الباب من حيث رافعيته للحدث؛ وذلك لاختلاف ما يستفاد من أحاديث الباب، واختلاف أقوال العلماء بتبع ذلك.

ولا إشكال في صحّة الغسل والوضوء في المياه المعتصمة وإن اغتسل

ص: 187


1- - جاء في هامش المخطوط الأول ما نصّه: «قال ابن ادريس: الظاهر من الآيات والأخبار طهارة الماء المستعمل في الوضوء والغسل ورفع الحدث به، وحكم بأنّه طاهر ومطهّر، وكذا جماعة من علمائنا». وورد في هامش المخطوط الثاني تتمّة له وهي: «ذكر الشهيد في ذكرى الشيعة: أنّ الماء في نفل الغسل أولى بجواز الاستعمال من ماء الوضوء، وأنّ الخلاف مخصوص بالمستعمل في غسل الجنابة، ورجّح جواز استعماله كذلك جمع من المحقّقين». (منه(قدس سره) ) (راجع: ذكرى الشيعة 1 : 103، بتصرّف، والسرائر 1 : 56).

فيها من الجنابة؛ للإجماع المنعقد على ذلك، وللسيرة المستمرة عند المتشرّعة المعلوم تحققها من صدر الشريعة،كما يظهر ذلك من أسئلة الرواة عن حكم المياه المجتمعة التي يغتسل فيها الجنب وغيره الظاهرة في كون اغتسال المذكورين أمراً متعارفاً. وإنَّما الكلام في صحّة الغسل ثانياً من الماء القليل المستعمل في رفع الحدث الأكبر، وهذا هو الذي وقع فيه الخلاف.

أقوال الخاصة:

قال صاحب «المدارك»: «اختلف الأصحاب في الماء القليل المستعمل في الطهارة الكبرى بعد اتفاقهم على طهارته، فقال الشيخان وابنا بابويه(قدس سره) : إنّه غير رافع للحدث، واحتاط به المصنّف. وذهب المرتضى وابن إدريس* وأكثر المتأخرين إلى بقائه على الطهوريّة، وهو الأظهر... والمراد بالمستعمل: الماء القليل المنفصل عن أعضاء الطهارة. فعلى هذا لو نوى المرتمس في القليل بعد تمام ارتماسه ارتفع حدثه، وصار الماء مستعملاً بالنسبة إلى غيره لا بالنسبة إليه.

وظاهر العبارة: أنّ الخلاف إنَّما وقع في رفع الحدث به ثانياً لا في إزالة الخبث. وبه صرّح العلامة في المنتهى، وولده في الشرح؛ فإنَّهما نقلا إجماع علمائنا على جواز رفع الخبث به.

وربَّما يظهر من عبارة الذكرى تحقّق الخلاف في ذلك أيضاً؛ فإنّه قال - بعد أن نقل عن الشيخ والمصنّف الجواز - : وقيل: لا؛ لأنّ قوته استوفيت فأُلحق

ص: 188

بالمضاف. وهو ضعيف جدّاً. وربَّما كان القول للعامّة كما يشعر به التعليل»((1)).

وهناك قول بالتفصيل بين ما إذا كان الماء المستعمل كرّاً فيرفع الحدث، وبين ما إذا كان أقلّ منه فلا يرفعه، ذكره الشيخ في «المبسوط»، قال(قدس سره) : «ما استعمل في غسل الجنابة والحيض فلا يجوز استعماله في رفع الأحداث وإن كان طاهراً . فإن بلغ ذلك كرّاً أزال حكم المنع من رفع الحدث به؛ لأنّه قد بلغ حدّاً لا يحتمل النجاسة، وإن كان أقلّ من كرّ كان طاهراً غير مطهّر يجوز شربه وإزالة النجاسة به؛ لأنّه ماء مطلق، وإنَّما منع من رفع الحدث به دليل، وباقي الأحكام على ما كانت»((2)).

ويظهر هذا القول من ابن حمزة في «الوسيلة» حيث منع من استعماله ثانياً في رفع الحدث إلّا بعد أن يبلغ كرّاً فصاعداً((3)).

أقوال العامة:

قال في «المغني» - بعد أن ذكر الخلاف بينهم في رافعيّة المستعمل في الوضوء أو الغسل للحدث، والخلاف في طهارته وقد نقلناه في الباب السابق - : «(فصل) وجميع الأحداث سواء فيما ذكرنا - الحدث الأصغر والجنابة والحيضوالنفاس وكذلك المنفصل من غسل الميّت إذا قلنا بطهارته»((4)).

ص: 189


1- - مدارك الأحكام 1 : 126 - 128.
2- - المبسوط 1 : 11.
3- - الوسيلة: 74.
4- - المغني 1 : 20.

[539] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عَنِ الْفُضَيْلِ، قَالَ سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْجُنُبِ يَغْتَسِلُ فَيَنْتَضِحُ مِنَ الْأَرْضِ فِي الْإِنَاءِ؟ فَقَالَ: «لَا بَأْسَ، هَذَا مِمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}(1)»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على نفي البأس عمّا يستهلك من الماء الذي يصيب المغتسِل بسبب رجوعه من الأرض إلى الإناء؛ وذلك لأنّ السائل احتمل أن يؤثر اختلاط الماء بما استعمل في رفع الحدث الأكبر في صحّة الغسل منه، فنفاه الإمام (علیه السلام) ، ونصّ على أنّه لا بأس بالغسل منه؛ لعدم مانعيّة اختلاط هذا المقدار القليل منه، ثم استشهد بالآية الشريفة الدالّة على رفع الحرج في الشريعة.

لا يقال: إنّ المستفاد من الاستشهاد بالآية الشريفة: أنّ هذا المقدار من الماء نجس؛ إمّا لنجاسة الأرض الملاقي لها أو لنجاسة بدن الجنب، وقداستثني من النجاسة بالآية تخفيفاً؛ فإنّه لو منع من استعمال ذلك الماء الذي انتضح فيه من غسل الجنب لحصل الحرج. ومن المعلوم: أنّه لو كان طاهراً فلا منع ولا حرج في ذلك؛ فإنّه متى كان بدن الجنب طاهراً والأرض التي

ص: 190


1- الحج، الآية 78.
2- تهذيب الأحكام 1 : 86، ح225.

يغتسل عليها طاهرة فالمنتضح منها باقٍ على أصله من الطهارة كسائر المواضع الملاقية للماء الطاهر.

فإنّه يقال: يكفي في النكتة التي تترتّب على إيراد الآية هنا بيان عدم المانعيّة من رأس، خلافاً لبعض العامّة، وأنّ ما ذكر هو من الأحكام السهلة التي بنيت الشريعة عليها، فلا يلزم المصير إلى ما ذكر؛ فإنّه لا دليل عليه.

سند الحديث:

تقدم سند الشيخ إلى الحسين بن سعيد، وكذا بقيّة أفراد السند، والمراد من ابن أذينة: هو عمر بن أذينة، والمراد بالفضيل: هو الفضيل بن يسار؛ لرواية عمر بن أذينة عنه، ولروايته عن الإمام الصادق (علیه السلام) من جهة، ولأنّ الإطلاق ينصرف إلى المشهور المعروف. وفي هذا المورد ينصرف إلى ابن يسار الثقة العالم المعدود من جملة أصحاب الإجماع.

فالسند معتبر.

ص: 191

[540] 2- وَعَنْهُ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) يَخْرُجُ مِنَ الْحَمَّامِ فَيَمْضِي كَمَا هُوَ لَا يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ حَتَّى يُصَلِّيَ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أن بقيّة ماء الغسل طاهر، وأنّه يجوز دخول الصلاة به بلا لزوم لإزالته بماء آخر. ويدلّ أيضاً على طهارة غسالة ماء الحمام؛ فإنّ رجلي الإمام (علیه السلام) قد لاقتا غسالة الحمام عند الخروج منه لا محالة، فلو كانت متنجّسة لما ساغ الدخول في الصلاة بدون تطهير محلّها.

سند الحديث:

المراد من الضمير في «عنه» هو الحسين بن سعيد، وصفوان: هو صفوان بن يحيى، وابن بكير: هو عبد الله بن بكير، والسند موثّق.

ص: 192


1- تهذيب الأحكام 1 : 379، ح1174.

[541] 3- وَعَنْهُ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : الْحَمَّامُ يَغْتَسِلُ فِيهِ الْجُنُبُ وَغَيْرُهُ، أَغْتَسِلُ مِنْ مَائِهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، لَا بَأْسَ أَنْ يَغْتَسِلَ مِنْهُ الْجُنُبُ، وَلَقَدِ اغْتَسَلْتُ فِيهِ ثُمَّ جِئْتُ فَغَسَلْتُ رِجْلَيَّ، وَمَا غَسَلْتُهُمَا إِلَّا بِمَا لَزِقَ بِهِمَا مِنَ التُّرَابِ»(1).

أَقُولُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا وَغَيْرُهُ بِمَعْنَاهُ فِي أَحَادِيثِ مَاءِ الْحَمَّامِ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

مضى الكلام في دلالته على طهارة غسالة الحمام، وهو يدلّ على نفي البأس عن الاغتسال بماء قد اغتسل فيه الجنب وغيره، وهذا معناه: أنّ الماء المستعمل في رفع حدث الجنابة وغيره يرفع الجنابة، ومنه يُفهم جواز رفع الحدث الأكبر؛ إذ لا خصوصيّة لاغتسال الجنب بقوله (علیه السلام) : «نعم، لا بأس أن يغتسل منه الجنب».

سند الحديث:

تقدّم هذا السند في الحديث الثاني من الباب السابع من أبواب الماء المطلق،وقد سبق أنّ المراد من أبي أيوب: هو أبو أيوب الخزاز، وأنّ السند صحيح.

ص: 193


1- تهذيب الأحكام 1 : 378، ح1172.
2- تقدّم في الحديث 1،3،6،7،8 من الباب 7 من أبواب الماء المطلق.

[542] 4- وَعَنْهُ، عَنْ أَخِيهِ الْحَسَنِ، عَنْ زُرْعَةَ، عَنْ سَمَاعَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِذَا أَصَابَ الرَّجُلَ جَنَابَةٌ فَأَرَادَ الْغُسْلَ فَلْيُفْرِغْ عَلَى كَفَّيْهِ فَلْيَغْسِلْهُمَا دُونَ الْمِرْفَقِ، ثُمَّ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي إِنَائِهِ، ثُمَّ يَغْسِلُ فَرْجَهُ، ثُمَّ لْيَصُبَّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِلْ ءَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ يَضْرِبُ بِكَفٍّ مِنْ مَاءٍ عَلَى صَدْرِهِ وَكَفٍّ بَيْنَ كَتِفَيْهِ، ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جَسَدِهِ كُلِّهِ، فَمَا انْتَضَحَ مِنْ مَائِهِ فِي إِنَائِهِ بَعْدَ مَا صَنَعَ مَا وَصَفْتُ لَكَ فَلَا بَأْسَ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

كيفّية التخلّص من حزازة الماء المنتضح علی الإناء الذي يغتسل منه

[4] - فقه الحديث:

ذكر الإمام (علیه السلام) كيفيّة، بها يتخلّص المغتسِل من حزازة الماء المنتضح على الإناء الذي يغسل منه، وذلك بأن يفيض الماء على كفيه فيغسلهما دون المرفق، أي: أسفل منه أو عنده، وهو من المستحبات قبل الاغتسال، وفيه مبالغة في التنظيف والأخذ بالاحتياط. واقتصرت بعض الأحاديث على الكف، وبعضها أدخل المرافق، ثم يدخل يده وهي نظيفة في إنائه، ثم يغسل فرجه؛ ليكون بدنه طاهراً قبل الابتداء بالغُسل، ثم يصب على رأسه ملء كفيه ثلاث مرات، ثم يضرب بكف من ماء على صدره، وكف بينكتفيه، ثم يفيض الماء على جسده كلّه وهو الاغتسال عن الجنابة. وقد دلّ الحديث بظاهره على أنّ للكيفيّة المذكورة دخلاً في عدم البأس بالانتضاح

ص: 194


1- تهذيب الأحكام 1 : 132 ، ح364، ويأتي في الحديث 8 من الباب 26 من أبواب الجنابة.

من ماء الغسل في الإناء؛ فإنّه بعد تسليم أنّه لا بأس بانتضاح ماء الغسل في نفسه لا بد أن يكون ثبوت البأس بمخالفة الكيفيّة المذكورة من جهة إخلال المجنب بتطهير فرجه، فإنّه إذا خالف الكيفيّة وغسله في أثناء الغسل كان ذلك موجباً لاختلاط غسالة المني بالغسالة المنفصلة عن ماء الغسل وانفعاله بها، الموجب لانفعال الماء بانتضاحه في الإناء.

ولكن قد يقال: إنّ الفرج إذا لم تكن عليه نجاسة، وخالف المغتسِل الكيفيّة، فأيضاً فيه البأس.

ولكنّ الظاهر أنّ كلمة «بعد» في قوله (علیه السلام) : «فما انتضح من مائه في إنائه بعد ما صنع ما وصفت لك» هي بمعنى: سوى، فيكون المعنى: أنّ ما انتضح من مائه في إنائه سوى ما صنع فلا بأس به، ولا يكون نجساً، ولا مؤثراً في عدم رفع حدث الجنابة باختلاطه بماء الغُسل.

فهي ليست ظرفاً زمانياً هنا، بل هي نظير ما قيل في «الخمس بعد المؤونة» من أنّ الخمس فيما هو سوى المؤونة؛ فإنّ ما وصفه الإمام (علیه السلام) للسائل لم يقتصر على غسل الفرج ليأتي ما ذُكر، بل تعدّاه لغسل الكفين مطلقاً، سواء كانتا قذرتين أم لا، وصبّ الماء على الصدر وبين الكتفين، فتأمّل.

سند الحديث:

تقدّمت رجاله، وهو موثّق.

ص: 195

[543] 5- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْفَضْلِ ابْنِ شَاذَانَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْفُضَيْلِ ابْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: فِي الرَّجُلِ الْجُنُبِ يَغْتَسِلُ فَيَنْتَضِحُ مِنَ الْمَاءِ فِي الْإِنَاءِ؟ فَقَالَ: «لَا بَأْسَ، {ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}(1)»(2).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ كَمَا مَرَّ(3).

وَرَوَاهُ أَيْضاً بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، مِثْلَهُ(4).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

متن الحديث قريب من متن الحديث الأول من هذا الباب، وقد دلّ على نفي البأس عمّا يستهلك من القطرات المنتضحة من اغتسال الجنب، إلّا أنّه يختلف عن الأول في قوله: «فينتضح من الماء في الإناء» بينما في الأول: «فينتضح من الأرض في الإناء».

سند الحديث:

ذكر الماتن هذا الحديث بثلاثة أسانيد:

ص: 196


1- الحج، الآية 78.
2- الكافي 3 : 13، ح7.
3- مرّ في الحديث 1 من هذا الباب.
4- تهذيب الأحكام 1 : 86، ح224.

[544] 6- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ شِهَابِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْجُنُبِ يَغْتَسِلُ فَيَقْطُرُ الْمَاءُ عَنْ جَسَدِهِ فِي الْإِنَاءِ وَيَنْتَضِحُ الْمَاءُ مِنَ الْأَرْضِ فَيَصِيرُ فِي الْإِنَاءِ؟: «إِنَّهُ لَا بَأْسَ بِهَذَا كُلِّهِ»(1).

وَرَوَاهُ الصَّفَّارُ فِي «بَصَائِرِ الدَّرَجَاتِ» عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، نَحْوَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

أولها: سند الكليني في «الكافي»، وقد تقدّم الكلام حول رجاله، والسند معتبر.

ثانيها: سند الشيخ في «التهذيب»، وقد سبق أنّه معتبر.

ثالثها: سند الشيخ أيضاً في «التهذيب» عن الكليني، وهو معتبر كالسند الأول.

[6] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على نفي البأس عمّا ينتضح من الماء الذي يصيب داخل الإناء الذي يغتسل منه، وكذا ما ينتضح بسبب رجوعه من الأرض إلى

ص: 197


1- الكافي 3 : 13، ح6.
2- بصائر الدرجات: 258، ح13، ويأتي صدره في الحديث 2 من الباب 45 من أبواب الجنابة، وتقدّم ذيله في الحديث 11 من الباب 9 من أبواب الماء المطلق.

الإناء؛ وذلك لما سبق من الارتكاز الموجود في ذهن السائل القاضي بأن يؤثّر اختلاط الماء بما استعمل في رفع الحدث الأكبر في صحّة الغسل منه، فنفاه الإمام (علیه السلام) ، ونصّ على أنّه لا بأس بالغسل منه؛ لعدم مانعيّة اختلاط هذا المقدار القليل منه.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

أولهما: سند الكليني في «الكافي»، والمراد من محمد بن يحيى: هو العطار، وأحمد بن محمد: هو ابن عيسى؛ إذ هو الراوي لكتاب محمد بن إسماعيل بن بزيع، فالسند معتبر.

ثانيهما: سند الصفار في «بصائر الدرجات»، وهو عن محمد بن إسماعيل، عن علي بن الحكم، عن شهاب بن عبد ربه، وقد تقدّمت ترجمتهم، والسند معتبر كسابقه.

ص: 198

[545] 7- وَعَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْوَشَّاءِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : أَغْتَسِلُ فِي مُغْتَسَلٍ يُبَالُ فِيهِ وَيُغْتَسَلُ مِنَ الْجَنَابَةِ، فَيَقَعُ فِي الْإِنَاءِ مَا(1) يَنْزُو مِنَ الْأَرْضِ؟ فَقَالَ: «لَا بَأْسَ بِهِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[7] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على حكمين:

أولهما: جواز الاغتسال في مغتسَل يبال فيه.

ثانيهما: نفي البأس عمّا ينتضح من الأرض من ماء الغسل فيصيب داخل الإناء الذي يغتسل منه.

وهذا محمول على أنّ الماء لم يُعلم بإصابته الأرض المتنجّسة بالبول أو بغيره، بأن وقع على محلّ طاهر من الأرض، وإلّا لكان فيه البأس.

أو يحمل على أنّ المغتسَل الذي يبال فيه هو مغتسل الحمّام؛ فإنّه يرد عليه ما ذكر من النجاسات والماء الذي يطهّر ما وردت عليه من المواضع، فلذا قال (علیه السلام) : «لا بأس»؛ إذ الماء الوارد عليها يطهّرها.

أو يحمل على أنّ هذا المحلّ مورد لمظنّة النجاسة؛ ونفي البأس منه (علیه السلام) لإفادة أنّ هذا الظن غير معتبر، بل لا بد من اليقين بإصابة النجاسة في الحكم بها.

ص: 199


1- في المصدر: ماء بدل ما، والملاحظ أنّ المصنّف لا يكتب الهمزة المتطرّفة.
2- الكافي 3 : 14، ح8 .

سند الحديث:

الحسين بن محمد: هو الحسين بن محمد بن عمران الأشعري القمي، تقدّم أنّه من مشايخ الكليني، وهو ثقة. وأمّا معلى بن محمد: فقد تقدّم أنّه الزيادي، وهو ثقة؛ لوروده في «تفسير القمي». وأمّا الوشاء: فقد مرّ أنّه الحسن بن علي الوشاء، من وجوه الطائفة. وأمّا حماد بن عثمان: فهو الناب من أصحاب الإجماع. وأمّا عمر بن يزيد: فقد سبق أنّه مشترك، وينصرف إلى بيّاع السابري الثقة، فالسند موثّق.

ص: 200

[546] 8- وَعَنْهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ حَنَانٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا يَقُولُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : إِنِّي أَدْخُلُ الْحَمَّامَ فِي السَّحَرِ وَفِيهِ الْجُنُبُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، فَأَقُومُ فَأَغْتَسِلُ، فَيَنْتَضِحُ عَلَيَّ بَعْدَ مَا أَفْرُغُ مِنْ مَائِهِمْ؟ قَالَ: «أَلَيْسَ هُوَ جَارٍ؟» قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: «لَا بَأْسَ»(1).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ، مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ أَسْقَطَ قَوْلَهُ: عَنْ حَنَانٍ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[8] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ الفارغ من الغسل إذا انتضح عليه من ماء أهل الحمّام - ومن جملتهم الجنب - فإنّه لا بأس بذلك الماء، ولا يكون نجساً؛ وذلك لكون الماء جارياً، فجريانه هو العلّة في عدم الحكم بحزازة الماء المنفصل. فالإمام (علیه السلام) عيّن ما يكون به عدم البأس وهو كون الماء جارياً، وهذا تقرير منه (علیه السلام) لما في ذهن السائل من عدم جواز استعمال الماء المستعمل، ولذا علّمه طريق عدم البأس في كونه جارياً.

ويفهم منه - على هذا - أنّه إذا لم يكن جارياً ففيه البأس، ويكونالحديث دالّاً على عدم جواز استعمال المستعمل.

ص: 201


1- الكافي 3 : 14، ح3.
2- تهذيب الأحكام 1 : 378، ح1169.

وقد قيل: إنّ المراد بالجريان هو جريان ما في المادّة على الحياض الصغار((1)).

ولكن الظاهر أنّ هذا بعيد؛ لأنّ هذا لا يرتبط بمورد السؤال، فإنّ السؤال كان عن انتضاح ماء أهل الحمّام على من انتهى من اغتساله، وهذا يناسب الانتضاح من غسالتهم، بأن ينتضح منها على المغتسِل بعد وقوعها على أرض الحمّام، أو قبل وقوعها عليها.

ويكون مفاد جوابه (علیه السلام) : أنّه لا بأس بما ينتضح في أرض الحمّام مع جريان الغسالة على الأرض، فإنّ أرض الحمّام تطهر أيضاً - على تقدير تنجّسها - بما يرد عليها من الماء.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

الأول: سند الكليني في «الكافي»، ومرجع الضمير في «عنه» إلى الحسين بن محمد.

وأمّا عبد الله بن عامر: فقال عنه النجاشي: «عبد الله بن عامر بن عمران بن أبي عمر الأشعري، أبو محمد، شيخ من وجوه أصحابنا، ثقة، له كتاب»((2)).

ص: 202


1- - بحار الأنوار 77 : 34، ومرآة العقول 13 : 49، وملاذ الأخيار 3 : 98.
2- - رجال النجاشي: 218 / 570.

[547] 9- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى الْوَاسِطِيِّ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْمَاضِي (علیه السلام) ، قَالَ: سُئِلَ عَنْ مُجْتَمَعِ الْمَاءِ فِي الْحَمَّامِ مِنْ غُسَالَةِ النَّاسِ يُصِيبُ الثَّوْبَ؟ قَالَ: «لَا بَأْسَ»(1).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ(2).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ مُرْسَلًا(3).

-----------------------------------------------------------------------------

والمراد بمحمد بن إسماعيل: هو محمد بن إسماعيل بن بزيع ،كما تشهد به الطبقة، وقد صرّح به في بعض الأسانيد التي روى فيها علي بن مهزيار عنه، والتي روى هو فيها عن حنان.

وحنان: هو حنان بن سدير، وقد تقدّم أنّه ثقة واقفي، فالسند موثّق.

الثاني: سند الشيخ في «التهذيب» إلى علي بن مهزيار، وقد سبق أنّ له إليه طريقين: أحدهما صحيح، والآخر معتبر، فالسند صحيح.

[9] - فقه الحديث:

قول السائل: «مجتمع الماء» إذا كان «مجتمع» اسم مكان، فهو بمعنى المكان الذي يجتمع فيه الماء، وإذا كان اسم فاعل، فإضافته إلى «الماء»

ص: 203


1- الكافي 15 : 3، ح4.
2- تهذيب الأحكام 1 : 379، ح1176.
3- من لا يحضره الفقيه 1 : 10، ح17.

تكون من إضافة الصفة إلى موصوفها ومن قبيل جرد قطيفة، أي: الماء المجتمع.

وقد دلّ الحديث على نفي البأس عمّا ينتضح من ماء غسالة الناس، وهو بإطلاقه يشمل غسالة الجنب، وهو يفيد طهارتها؛ فإنّ كون الماء يجتمع في مكان واحد مع صدوره عن أنواع المغتسلين موجب للتنفّر ومظنّة النجاسة، فإذا أصاب شيئاً كالثوب فإنّه من الممكن توهم البأس فيه؛ لتوهم النجاسة، فحكم الإمام بعدم البأس الذي يظهر منه - ولو ارتكازاً على ما بينّا سابقاً - عدم النجاسة. هذا إذا لم يحصل العلم بنجاسته، وأمّا إذا علم بالنجاسة فإنّه يشمله ما ورد من لزوم الاجتناب عن النجس. وسيأتي في الباب الحادي عشر من هذه الأبواب كراهة الاغتسال بغسالة الحمّام مع عدم العلم بنجاستها.

لا بأس عمّا ينتضح من ماء غسالة الناس

سند الحديث:

ذكر الماتن هذا الحديث بثلاثة طرق:

الأول: مرسلاً عن «الكافي»، وقد مرّ الكلام في رجاله، والسند ضعيف، إلّا أن يُصار إلى اعتبار جميع ما في «الكافي».

الثاني: مرسلاً عن «التهذيب»، والسند إلى أحمد بن محمد بن عيسىمعتبر كما مرّ، ولكن باعتبار اشتراك السند بعده مع سابقه يكون السند ضعيفاً.

الثالث: مرسلاً عن «من لا يحضره الفقيه»، وقد تقدّم أن مراسيله بأنحائها يمكن القول باعتبارها.

ص: 204

[548] 10- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فَقَالَ لَهُ: أَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فِي الْكَنِيفِ الَّذِي يُبَالُ فِيهِ وَعَلَيَّ نَعْلٌ سِنْدِيَّةٌ، فَأَغْتَسِلُ وَعَلَيَّ النَّعْلُ كَمَا هِيَ؟ فَقَالَ: «إِنْ كَانَ الْمَاءُ الَّذِي يَسِيلُ مِنْ جَسَدِكَ يُصِيبُ أَسْفَلَ قَدَمَيْكَ فَلَا تَغْسِلْ [أَسْفَلَ](1) قَدَمَيْكَ»(2).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى الْوَاسِطِيِّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، نَحْوَهُ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[10] - فقه الحديث:

النعل السنديّة: منسوبة إلى السند، وهي إمّا بلاد أو نهر في الهند، أو إلى السنديّة قرية ببغداد، قال الطريحي: «في الحديث: دجاج سندي ونعل سنديّة، كأنهما نسبة إلى السند بلاد، أو السند نهر بالهند غير بلاد السند، أو إلى السندية قرية معروفة من قرى بغداد، تقول سندي للواحد وسِنْد للجماعة، مثل زنجي و زِنْج»((4)).

ص: 205


1- أثبتناه من المصدر.
2- من لا يحضره الفقيه 1 : 19، ح18، وأورده في الحديث 2 من الباب 27 من أبواب الجنابة.
3- تهذيب الأحكام 1 : 133، ح367.
4- - مجمع البحرين 3 : 71.

والذي يظهر من العلامة المجلسي الأول: أنّ النعل السنديّة لها أطراف ولا يدخل الماء فيها، كما هو الحال في النعل العربي((1)).

وعلى كل: يحتمل أنّ غرض السائل السؤال عن جواز الاغتسال من الجنابة وغيرها في الكنيف الذي يبال فيه وهو لابس للنعل السندية. ولعلّ لبسه لها حال الغسل لئلّا تتعدّى النجاسة إلى رجله، فأجاب (علیه السلام) : بأنّه إن علم وصول الماء لأسفل قدميه فلا بأس. ولازم صحّة غسل القدمين بالماء الذي يسيل من جسده جواز الاغتسال بما رفع به الحدث الأكبر، فإنّه لو لم يجز لما نفى الإمام (علیه السلام) البأس عنه، ولما تمّ غسل السائل؛ لأنّ الفرض أنّه لم يخلع تلك النعل، وقد بيّن الإمام (علیه السلام) كفاية وصول الماء الذي يسيل من جسد المغتسل في تماميّة الغسل.

ويحتمل أن يكون سؤال السائل عن النجاسة؛ لأنّه باغتساله في الكنيف يكون في معرض التنجّس بسطحه، فأجاب (علیه السلام) بما يظهر منه عدم التنجّس، مع إفادة لزوم العلم بوصول الماء لتحقّق الغسل. وهنا أيضاً يأتي التقريب المتقدّم، فإنّ تحقّق الغسل بذلك معناه جواز استعمال الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

ص: 206


1- - روضة المتقين 1 : 110.

[549] 11- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُصَدِّقِ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ مُوسَى السَّابَاطِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ وَثَوْبُهُ قَرِيبٌ مِنْهُ، فَيُصِيبُ الثَّوْبَ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي يَغْتَسِلُ مِنْهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ، لَا بَأْسَ بِهِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

الأول: سند الشيخ الصدوق إلى هشام بن سالم، وقد تقدّم، وهو عبارة عن طريقين، أحدهما صحيح، والآخر حسن على المشهور، وصحيح عندنا.

الثاني: سند الشيخ في «التهذيب»، والسند معتبر.

[11] - فقه الحديث:

دلّ على نفي البأس عمّا يصيب الثوب ونحوه من قطرات الماء الذي اغتسل به، فإنّه الذي تتوهم نجاسته في أذهان بعض الناس، ولو كان ذلك من جهة فتوى بعض العامّة بذلك.

سند الحديث:

أحمد بن محمد: هو أحمد بن محمد بن الوليد، وقد سبق أنّه لم يوثّق، لكن للشيخ الطوسي طريقان معتبران لروايات أبيه، كما أنّ للصدوق طريقاً

ص: 207


1- تهذيب الأحكام 1 : 86، ح226.

[550] 12- وَعَنْهُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْمُخْتَارِ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : أَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ فَيَقَعُ الْمَاءُ عَلَى الصَّفَا فَيَنْزُو فَيَقَعُ عَلَى الثَّوْبِ؟ فَقَالَ: «لَا بَأْسَ بِهِ»(1).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ فِي أَحَادِيثِ الْكُرِّ مَا يَتَضَمَّنُ جَوَازَ الْوُضُوءِ مِنْ مَاءٍ قَدِ اغْتَسَلَ فِيهِ الْجُنُبُ إِذَا كَانَ كُرّاً(2)، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

صحيحاً، مع أن كتاب عمّار الساباطي مشهور فلا يحتاج إلى الطريق.

وأمّا بقية رجال السند فقد تقدّم الكلام حولهم، والسند موثّق.

[12] - فقه الحديث:

قال ابن الأثير في «النهاية»: «الصفا في الأصل جمع صفاة، وهي الصخرة والحجر الأملس»((4)).

ص: 208


1- تهذيب الأحكام 1 : 87، ح229.
2- تقدّم في الحديث 2، 6 من الباب 7 من أبواب الماء المطلق.
3- ويأتي في الحديث 1، 2 من الباب 10 من أبواب الماء المضاف، والحديث 8 من الباب 26 من أبواب الجنابة.
4- - النهاية في غريب الحديث 3 : 41.

وقال ابن فارس في «معجم المقاييس»: «نزا ينزو: وثب»((1)).

دلّ الحديث على نفي البأس عن الماء الذي يثب حال الاغتسال فيقع على الثوب ونحوه، وهذا معناه طهارة تلك القطرات.

ولعلّ إيراد الماتن لمثل هذا الحديث هو أنّه يمكن أن يقال: إنّه إذا كان ما تقاطر طاهراً، فإنّه لا يؤثّر في الماء الذي يختلط به، فيصحّ به الغسل.

بحث رجالي حول الحسين بن المختار

سند الحديث:

المراد من مرجع الضمير في «عنه» هو الشيخ المفيد(قدس سره) ، وجعفر بن محمد: هو ابن قولويه، وأبوه: محمد بن قولويه، وسعد: هو سعد بن عبد الله الأشعري، وأحمد بن محمد: هو ابن عيسى.

وأمّا الحسين بن المختار: فهو أبو عبد الله القلانسي، عدّه الشيخ في «رجاله» من أصحاب الصادق (علیه السلام) مع توصيفه بالكوفي((2))، وفي أصحاب الكاظم (علیه السلام) قائلاً : واقفي، له كتاب((3)).

وعدّه الشيخ المفيد في «الإرشاد» - في «فصل من روى النصّ على الرضا علي بن موسى (علیه السلام) بالإمامة من أبيه والإشارة إليه منه بذلك» - من خاصّة الكاظم (علیه السلام) وثقاته، وأهل الورع والعلم، والفقه من شيعته((4)).

ص: 209


1- - معجم مقاييس اللغة 5 : 418، مادة: «نزو».
2- - رجال الطوسي: 183 / 2211.
3- - المصدر نفسه: 334 / 4972.
4- - الإرشاد 2 : 242.

وحكى العلامة في «الخلاصة» عن ابن عقدة، عن علي بن الحسن: أنّه كوفي، ثقة((1)).

فالحاصل: أنّه ثقة، ووقفه - لو سلّم - لما كان مانعاً من الاعتماد عليه؛ لثبوت وثاقته. كيف، ولم يتعرّض لوقفه الشيخ نفسه في «الفهرست» ولا النجاشي في «رجاله»؟! بل كيف يجتمع مع روايته النصّ على الرضا (علیه السلام) ، ونقله لوصيّة الإمام الكاظم (علیه السلام) لولده الرضا (علیه السلام) على ما نقله الكليني في «الكافي»، والصدوق في «العيون»؟!((2)).

فالسند معتبر.

ص: 210


1- - خلاصة الأقوال: 338 / 1.
2- - الكافي 1 : 312 - 313، ح8 و 9، وعيون أخبار الرضا 2 : 7 ، ح39.

[551] 13- وَبِالْإِسْنَادِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «لَا بَأْسَ بِأَنْ يُتَوَضَّأَ بِالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ»، فَقَالَ(1): «الْمَاءُ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ الثَّوْبُ أَوْ يَغْتَسِلُ بِهِ الرَّجُلُ مِنَ الْجَنَابَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُتَوَضَّأَ مِنْهُ وَأَشْبَاهِهِ، وَأَمَّا [الْمَاءُ](2) الَّذِي يَتَوَضَّأُ الرَّجُلُ بِهِ فَيَغْسِلُ بِهِ وَجْهَهُ وَيَدَهُ فِي شَيْ ءٍ نَظِيفٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَهُ غَيْرُهُ وَيَتَوَضَّأَ بِهِ»(3).

أَقُولُ: يُمْكِنُ حَمْلُ هَذَا عَلَى التَّقِيَّةِ؛ لِمُوَافَقَتِهِ لِلْعَامَّةِ، وَأَنْ يُحْمَلَ عَلَى وُجُودِ نَجَاسَةٍ تُغَيِّرُ الْمَاءَ بِقَرِينَةِ آخِرِهِ، وَأَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْكَرَاهَةِ؛ جَمْعاً بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَضَى(4)، وَ يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ(5).

-----------------------------------------------------------------------------

[13] - فقه الحديث:

دلّ الحديث بصدره على نفي البأس عن الوضوء بالماء المستعمل على

ص: 211


1- في الاستبصار 1 : 27، باب الماء المستعمل، ح1: وقال، بدل: فقال.
2- أثبتناه من المصدر.
3- تهذيب الأحكام 1 : 221، ح630، والاستبصار 1 : 27، ح71، وأورد ذيله في الحديث 2 من الباب 8 من هذه الأبواب.
4- تقدم في الأحاديث 1، 3 - 9 من هذا الباب.
5- يأتي في الحديث 1، 2 من الباب 10 من هذه الأبواب.

نحو القضيّة المهملة، وتفصيلها جاء في ذيل الحديث؛ حيث نفى الجواز عن الوضوء بالماء المستعمل في الغسل من الجنابة، والمستعمل في غسل الثوب؛ بناء على إرادة غسله من النجاسة، وأجاز الوضوء للغير من الماء المستعمل في الوضوء بناءً على نظافة الماء.

وهذا هو الاحتمال الثاني الذي ذكره الماتن في معنى الرواية، واما الاحتمال الاول والثالث فهما بعيدان.

الاحتمالات في قوله علیه السلام «و أشباهه»

وقوله (علیه السلام) : «وأشباهه» فيه احتمالات:

أحدها: أن يكون مجروراً عطفاً على الضمير المجرور في «منه». فيكون المعنى: أشباه ما يغسل به الثوب، وأشباه ما يغتسل به من الجنابة، أي: الماء الذي يغسل به الثوب وأشباهه، فيكون ناظراً إلى المستعمل في رفع الخبث، والماء الذي يغتسل به من الجنابة وأشباهها، فيكون ناظراً إلى المستعمل في رفع الحدث الأكبر من الجنابة وغيرها.

ولا ينافي هذا الاحتمال أنّه على خلاف القاعدة المشهورة عند النحاة من عدم جواز العطف على الضمير المجرور إلّا بعد إعادة الجار، وهو مفقود هنا؛ فإنّ الحقيق بالقبول هو جواز ذلك وإن كان خلاف المشهور عندهم، فيجوز أن يقال مثلاً: اللهم صلّ على محمد وآل محمد، بلا إعادة للجار. وقد وردت بهذه الصيغة في كثير من النصوص الشرعيّة، فلا إشكال من هذه الجهة.

الثاني: أن يكون منصوباً عطفاً على قوله: «يتوضّأ»، أي: لا يجوز أن

ص: 212

يستعمل في الوضوء ولا في أشباه الوضوء، كالغسل، فيفيد عدم جواز استعماله في رفع الحدث الأكبر.

ولكن قوله بعد ذلك: «وأمّا الذي يتوضأ به الرجل فيغسل به وجهه ويده في شيء نظيف فلا بأس أن يأخذه غيره ويتوضّأ به» يفيد: أنّ المسوّغ لجواز الوضوء والغسل بالماء المستعمل هو نظافته، والمانع هو نجاسته، فيكون المناط ذلك فيهما، فإنّه لما حكم بعدم الجواز فيما غسل به الثوب أو اغتسل به من الجنابة كان باعتبار نجاسة الثوب وجسد الجنب الموجبة لانفعال الماء الملاقي لهما، ويفهم منه: أنّ الماء إذا كان طاهراً لنظافة الثوب وجسد الجنب فلا مانع من استعمال ذلك الماء في الوضوء أو الغسل ومن ذلك يظهر أن ما ذكره المصنّف - من احتمال كون الثوب طاهراً وكذلك جسد الجنب وحمل الحكم بعدم الجواز على التقية أو الكراهة - بعيدٌ.

الثالث: أن يكون مرفوعاً عطفاً على الماء، أي: وأشباه الماء الذي يغتسل به الجنب ممّا يستعمل في الأغسال الواجبة، كغسل الحيض والنفاس. فالمعنى: أنّه أيضاً لا يجوز الوضوء به.

الرابع: أن يكون مرفوعاً عطفاً على المصدر المنسبك من «أن يتوضّأ»، أي: لا يجوز الوضوء وأشباه الوضوء من الغسل للجنابة أو للحيض أو للنفاس.

سند الحديث:

تقدّم الكلام في أفراده، وقلنا: إنّه ضعيف؛ لمجهوليّة الحسن بن علي

ص: 213

[552] 14- وَرَوَى الشَّهِيدُ فِي «الذِّكْرَى» وَغَيْرِهِ، عَنِ الْعِيصِ بْنِ الْقَاسِمِ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ أَصَابَهُ قَطْرَةٌ مِنْ طَشْتٍ فِيهِ وَضُوءٌ؟ فَقَالَ: «إِنْ كَانَ مِنْ بَوْلٍ أَوْ قَذَرٍ فَيَغْسِلُ مَا أَصَابَهُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

الذي استظهرنا أنّه الزيتوني، وضعف أحمد بن هلال العبرتائي، إلّا أنّه يمكن القول باعتبار السند؛ لأنّ للشيخ في «الفهرست» طرقاً معتبرة إلى جميع كتب وروايات الحسن بن محبوب((2)).

أضف إلى ذلك: أنّ كتب عبد الله بن سنان مشهورة، فلا تحتاج إلى الطريق((3)).

[14] - فقه الحديث:

الوَضوء - بالفتح - : ماء الوضوء((4)).

دلّ الحديث على أنّ القطرة إذا كانت من ماء قد استعمل في وضوء من البول، أو ماء لامس القذر، أي: النجس، فإنّه يجب غسل ما لاقته. فالحكمبوجوب الغسل يُفْهِم نجاسة القطرة، وهذا مطلق، بلا فرق بين أن تكون عين البول والقذر موجودة أو ليست بموجودة؛ لصدق الوضوء من البول أو القذر على غسالة المتنجّس بهما بعد زوال عين النجاسة.

ص: 214


1- ذكرى الشيعة 1 : 84.
2- - فهرست الطوسي: 97 / 162.
3- - أُصول علم الرجال 1 : 137.
4- - القاموس المحيط 1 : 32، مادة: «وضأ».

لكن الظاهر من قوله (علیه السلام) : «إن كان من بول أو قذر» هو بقاء عين البول والقذر في المغسول. والظاهر أنّ القذر بالفتح، فيراد منه سائر الأعيان النجسة غير البول؛ لذكره صريحاً هنا مقابلاً للقذر. فيحتمل أن يكون الأمر بغسل ما أصابته القطرة؛ لوجود ماء يستعان به لتطهير الطشت عن نجاسة البول وغيره قبل البدء بتطهيره بمعونة الدلك ونحوه، وهذا الفعل متعارف وغالب. ولو صبّ عليه ماء آخر منفصلاً أو مستمراً فإنّه يبقى على نجاسته، فإذا كانت القطرة منه فهي محكومة بالنجاسة، بلا خلاف حتى عند القائلين بطهارة الغسالة. فهذا الحديث لا يمكن التمسك به لإثبات أنّ الغسالة نجسة دائماً.

سند الحديث:

ذكر المصنّف هذا الحديث بطريقين:

الأول: طريق الشهيد في «الذكرى». وللشهيد طرق معتبرة إلى شيخ الطائفة، ذكرها الشيخ الحر العاملي في الفائدة الخامسة من «خاتمةالوسائل»، منها الطريقان الحادي عشر والثاني عشر((1)).

وأمّا سند الشيخ إلى العيص بن القاسم، فهو - على ما ذكره في «الفهرست» - : «أخبرنا به ابن أبي جيد، عن ابن الوليد، عن الصفار والحسن

ص: 215


1- - وسائل الشيعة 30 : 174 - 175، الخاتمة.

بن متيل، عن إبراهيم بن هاشم، عن ابن أبي عمير وصفوان، عنه»((1)).

وأمّا العيص بن القاسم: فقد أورد الكشّي فيه مدحاً من الإمام الصادق (علیه السلام) ، قال: «حدّثني صدقة بن حمّاد، عن أبي سعيد الآدمي، عن موسى بن سلام، عن الحكم بن مسكين، عن عيص بن القاسم، قال: دخلت على أبي عبد الله (علیه السلام) مع خالي سليمان بن خالد، فقال لخالي: من هذا الفتى؟ قال: هذا ابن أختي، قال فيعرف أمركم؟ فقال له: نعم، فقال: الحمد لله الذي لم يجعله شيطاناً. ثم قال: يا ليتني وإيّاكم بالطائف أحدّثكم وتونسوني، وتضمن لهم ألّا يخرج [يُحرّجَ] عليهم أبداً»((2)).

لكن الراوي للمدح هو العيص نفسه، فتوثيقه به يستلزم الدور.

بحث رجالي حول العيص بن القاسم

وذكره الشيخ في «الفهرست» قائلاً: «العيص بن القاسم، له كتاب»((3))، وعدّه في «رجاله» من أصحاب الصادق (علیه السلام) ، قائلاً: «عيص بن القاسمالبجلي، كوفي، عربي، وأخوه الربيع، وهما ابنا أخت سليمان بن خالد»((4)).

وقال عنه النجاشي: «عيص بن القاسم بن ثابت بن عبيد بن مهران البجلي، كوفي، عربي، يكنى أبا القاسم، ثقة، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن موسى (علیهما السلام) ، هو وأخوه الربيع ابنا أخت سليمان بن خالد الأقطع. له كتاب»((5)).

ص: 216


1- - فهرست الطوسي: 193 / 547.
2- - اختيار معرفة الرجال 2 : 653.
3- - فهرست الطوسي: 193 / 547.
4- - رجال الطوسي: 263 / 3763.
5- - رجال النجاشي: 302 / 824.

وممّا تجدر الإشارة إليه: أنّ النسخة المطبوعة من «رجال النجاشي» خالية من كلمة «عين» بعد كلمة «ثقة»، لكنّها مذكورة في «الخلاصة» للعلامة، و«رجال ابن داود»، وهما يلتزمان بعبارات النجاشي، كما أنّ التفرشي نقلها في «نقد الرجال» عن النجاشي صراحة، وكذا المازندراني في «منتهى المقال»((1)

فالطريق معتبر.

الثاني: طريق المحقّق إلى العيص بن القاسم، وهو المذكور في الطريق التاسع عشر في الفائدة الخامسة من «خاتمة الوسائل»((2)).هذا، ولا يضر الإضمار في هذا الحديث؛ لأنّ جلالة شأن العيص تمنع من احتمال رجوعه في الأحكام الشرعيّة إلى غير المعصوم.

والحاصل: أنّ في الباب أربعة عشر حديثاً، ثالثها وثامنها - بسنده الثاني -

ص: 217


1- - خلاصة الأقوال: 227 / 18، ورجال ابن داود:150 / 1181، ونقد الرجال3 : 398 / 4068، ومنتهى المقال 5 : 172 / 2259.
2- - وسائل الشيعة 30 : 176 - 177، الخاتمة. أقول: يُفهم وجود الطريق من قول الشيخ الحر العاملي في ذيل الطريق المتمّم للعشرين: (وقد عرف من ذلك الطريق إلى: الكليني ، والصدوق ، والحسن بن محمد الطوسي ..... والمحقّق جعفر بن الحسن بن سعيد، وغيرهم، مّمن تقدّم على الشيخ، أو تأخّر عنه، وقد ذكر في هذا السند. فإنّا نروي كتبهم ورواياتهم بالسند المذكور إليهم، أو إلى الشيخ بأسانيده السابقة - في طرق (تهذيب الأحكام) و (الاستبصار)، وفي (فهرست الطوسي) وفي طرق الصدوق السابقة، وغير ذلك - إلى المشايخ المذكورين - كلّهم - بطرقهم إلى الأئمة (علیهم السلام) ). فيكون الطريق معتبراً كسابقه. المقرّر.

صحيحان، وأمّا الثاني والرابع والسابع والثامن - بسنده الأول - والحادي عشر فهي موثّقة، والبقيّة معتبرة.

المتحصل من الأحادیث

وقد دلّت على أمور، منها:

1- أنّ اختلاط ماء الغُسل بما استعمل في رفع الحدث الأكبر إذا كان مستهلكاً لا يضرّ بصحّة الغُسل منه.

2- أنّ ما يتبقّى على البدن من ماء الغُسل طاهر، ويجوز دخول الصلاة وهو على البدن.

3- أنّ غسالة ماء الحمام طاهرة، وإن كانت غُسالة جُنب إذا لم تكن فيها عين النجاسة.

4- أنّه يجوز رفع الحدث الأكبر بماء اغتسل فيه الجنب وغيره.

5- أنّه يجوز الاغتسال في مغتَسَل يُبال فيه.6- أنّه يجوز الاغتسال بما ينتضح من الأرض فيصيب الإناء حين الاغتسال منه إذا لم يعلم بتنجّس الأرض بنجاسة، ولا يكفي الظن بالنجاسة في لزوم الاجتناب عنه.

7- أنّه لا بأس بما ينتضح في أرض الحمّام مع جريان الغسالة على الأرض، فإنّ أرض الحمّام تطهر أيضاً - على تقدير تنجّسها - بما يرد عليها من الماء.

ص: 218

10 - باب استحباب نضح أربع أكف من الماء لمن خشي عود ماء الغسل أو الوضوء إليه: كف أمامه وكف خلفه وكف عن يمينه وكف عن يساره ثم يغتسل أو يتوضأ

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

10 - باب استحباب نضح أربع أكف من الماء لمن خشي عود ماء الغسل أو الوضوء إليه: كف أمامه وكف خلفه وكف عن يمينه وكف عن يساره ثم يغتسل أو يتوضأ

شرح الباب:

هذا الباب فيه بيان كيفيّة دفع رجوع ماء الغسل أو الوضوء فيه أثناء الاغتسال أو الوضوء. وقد فهم منه بعض الأعلام أنّ الماء المنفصل عن غسل الجنابة إذا رجع في الماء الذي يغتسل به صار جميعه مستعملاً، فلا يُرفع الحدث به((1))، فيكون الإمام (علیه السلام) قد قرّر السائل على ذلك؛ ولذا بيّن (علیه السلام) علاجاً لدفع رجوع ماء الغسل في الماء، وفي هذا تقرير منه (علیه السلام) للسائل بمحذوريته، و بيان لكيفيّة الفرار عنه.

ثم إنّ هذه الأحاديث من الأحاديث المشكلة المعنى، من حيث متعلّق النضح، ومن حيث الحكمة فيه، وللعلماء فيه اختلاف.

والماتن لم يبيّن في العنوان مختاره، لا في متعلّق النضح، ولا الحكمة

ص: 219


1- - انظر: الدرر النجفية 2 : 361، وجواهر الكلام 1 : 362.

منه، واقتصر على ألفاظ الأحاديث التي فهم منها الاستحباب، وقد نقل عن المحقّق في «المعتبر» قولين، في متعلّق النضح والحكمة فيه، كما يأتي في ذيل الحديث الأول.

الأقوال:

أقوال الخاصة:

قال في «المعالم»: «قال الصدوق عليه الرحمة في من لا يحضره الفقيه: فإن اغتسل الرجل في وهدة وخشي أن يرجع ما ينصبّ عنه إلى الماء الذي يغتسل منه، أخذ كفّاً وصبّه أمامه، وكفّاً عن يمينه، وكفّاً عن يساره، وكفّاً من خلفه، واغتسل منه((1)).

وذكر نحو ذلك في المقنع((2)).

وقال أبوه في رسالته: وإن اغتسلت من ماء في وهدة وخشيت أن يرجع ما ينصبّ عنك إلى المكان الذي يغتسل فيه أخذت له كفّاً وصببته عن يمينك، وكفّاً عن يسارك، وكفّاً خلفك، وكفّاً أمامك، واغتسلت منه((3)).

وقال الشيخ في النهاية: متى حصل الإنسان عند غدير أو قليب ولم يكن معه ما يغترف به الماء لوضوئه، فليدخل يده فيه ويأخذ منه ما يحتاج إليه،وليس عليه شي ء. وإن أراد الغسل للجنابة وخاف إن نزل إليها فساد الماء،

ص: 220


1- - من لا يحضره الفقيه 1 : 11.
2- - المقنع: 46.
3- - منتهى المطلب 1 : 138.

[553] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ وَأَبِي قَتَادَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يُصِيبُ الْمَاءَ فِي سَاقِيَةٍ أَوْ مُسْتَنْقِعٍ، أَيَغْتَسِلُ مِنْهُ لِلْجَنَابَةِ أَوْ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ لِلصَّلَاةِ إِذَا كَانَ لَا يَجِدُ غَيْرَهُ، وَالْمَاءُ لَا يَبْلُغُ صَاعاً لِلْجَنَابَةِ، وَلَا مُدّاً لِلْوُضُوءِ، وَهُوَ مُتَفَرِّقٌ، فَكَيْفَ يَصْنَعُ وَهُوَ يَتَخَوَّفُ أَنْ تَكُونَ السِّبَاعُ قَدْ شَرِبَتْ مِنْهُ؟ فَقَالَ: «إِنْ كَانَتْ يَدُهُ نَظِيفَةً فَلْيَأْخُذْ كَفّاً مِنَ الْمَاءِ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ، فَلْيَنْضِحْهُ خَلْفَهُ، وَكَفّاً أَمَامَهُ، وَكَفّاً عَنْ يَمِينِهِ، وَكَفّاً عَنْ شِمَالِهِ، فَإِنْ خَشِيَ أَنْ لَا يَكْفِيَهُ غَسَلَ رَأْسَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ مَسَحَ جِلْدَهُ بِيَدِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِيهِ. وَإِنْ كَانَ الْوُضُوءُ غَسَلَ وَجْهَهُ وَمَسَحَ يَدَهُ عَلَى ذِرَاعَيْهِ وَرَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ. وَإِنْ

-----------------------------------------------------------------------------

فليرش عن يمينه ويساره وأمامه وخلفه، ثمّ ليأخذ كفّاً كفّاً من الماء فليغتسل به((1)

والأصل في ما ذكروه روايات وردت بذلك»((2)).

[1] - فقه الحديث:

الساقية: «النهر الصغير»((3)). والمستنقع - بكسر القاف - : المجتمع والثابت،

ص: 221


1- - النهاية ونكتها 1 : 211.
2- - معالم الدين وملاذ المجتهدين 1 : 345.
3- - القاموس المحيط 4 : 343، مادة: «سقي».

كَانَ الْمَاءُ مُتَفَرِّقاً فَقَدَرَ أَنْ يَجْمَعَهُ، وَإِلَّا اغْتَسَلَ مِنْ هَذَا وَمِنْ هَذَا. وَإِنْ كَانَ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ وَهُوَ قَلِيلٌ لَا يَكْفِيهِ لِغُسْلِهِ فَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيَرْجِعَ الْمَاءَ فِيهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِيهِ»(1).

وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْهَاشِمِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، نَحْوَهُ(2)2*).

وَرَوَاهُ الْحِمْيَرِيُّ فِي «قُرْبِ الْإِسْنَادِ» عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، نَحْوَهُ(3)3*).

وَرَوَاهُ ابْنُ إِدْرِيسَ فِي آخِرِ «السَّرَائِرِ» نَقْلًا مِنْ كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، نَحْوَهُ، إِلَى قَوْلِهِ: «ثُمَّ مَسَحَ جِلْدَهُ بِيَدِهِ»، قَالَ: «ذَلِكَ يُجْزِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى»(4)4*).

-----------------------------------------------------------------------------

قال ابن منظور: «استنقع: اجتمع. واستنقع الماء في الغدير، أي: اجتمع وثبت ... واستنقع في الماء: ثبت فيه يبترد، والموضع مستنقع»((5)).

ص: 222


1- تهذيب الأحكام 1 : 416، ح1315.
2- 2*) تهذيب الأحكام 1 : 367، ح1115.
3- 3*) قرب الإسناد: 180.
4- 4*) السرائر 3 : 609 ، المستطرفات.
5- - لسان العرب 8 : 359 -360، مادة: «نقع».

والظاهر من سؤال السائل الاستفسار عن ثلاثة أمور:

الأول: عن جواز الوضوء بالماء الذي لا يبلغ مدّاً، والغسل بما لا يبلغ صاعاً، فهل يجوز الوضوء أو الغسل بما نقص عن هذين الحدين؟ ولعل منشأ السؤال عن ذلك هو توهم: أنّ الواجد للماء الناقص عن هذين الحدين لا يسوغ له الوضوء؛ باعتباره فاقداً للماء. وظاهر جواب الإمام (علیه السلام) جواز الوضوء أو الغسل بما نقص عن ذلك.

الثاني: أنّ الماء متفرّق غير مجتمع في مكان واحد، وتفرّقه مع قلته يوجب عسر استعماله في الوضوء أو الغسل، وسرعة قبوله للفساد بأدنى نجاسة. وظاهر جواب الإمام (علیه السلام) - بعد أن تكون يد المغتسل نظيفة من النجاسة؛ لأنّه ماء قليل، وهو قابل للفساد - أنّه إن كان الماء يكفيه لغسله، وإلّا اكتفى بغسل رأسه ثلاث مرات ثم مسح جلده بيده. ولعلّ المراد بقوله (علیه السلام) : «غسل رأسه ثلاث مرّات» هو غسله بثلاث أكف، وقد عبّر عن الأكف بالمرّات. ولعلّ الوجه في كون الأكف ثلاثة هو الاستعانة بما ينصب من الرأس على أطراف البدن في غسل سائر البدن. ولعلّ المراد ب- «مسح جلده بيده» في الغُسل هو المسح بما يتحقّق به أقل مسمى الغسل لاالمسح المقابل للغسل، وكذلك الحال في «ومسح يده على ذراعيه» في الوضوء.

الثالث: أنّه يحتمل ورود وارد من كلب ونحوه من السباع على الماء ممّا يمكن أن يفسده وينجّسه، فأجابه (علیه السلام) بجواز استعماله. وحكمه (علیه السلام) بذلك

ص: 223

أَقُولُ: حَكَى الْمُحَقِّقُ فِي «الْمُعْتَبَرِ» فِي تَفْسِيرِ نَضْحِ الْأَكُفِّ قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ رَشُّ الْأَرْضِ لِتَجْتَمِعَ أَجْزَاؤُهَا فَيَمْتَنِعَ سُرْعَةُ انْحِدَارِ مَا يَنْفَصِلُ مِنْ بَدَنِهِ إِلَى الْمَاءِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ بَلُّ جَسَدِهِ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ لِيَتَعَجَّلَ قَبْلَ أَنْ يَنْحَدِرَ مَا يَنْفَصِلُ مِنْهُ وَيَعُودَ إِلَى الْمَاءِ(1).

قَالَ صَاحِبُ «الْمُنْتَقَى»: وَعَجُزُ الْخَبَرِ صَرِيحٌ فِي نَفْيِ الْبَأْسِ، فَحُكْمُ النَّضْحِ لِلِاسْتِحْبَابِ. وَأَمْرُهُ سَهْلٌ. وَكَوْنُ مُتَعَلَّقِهِ الْأَرْضَ هُوَ الْأَرْضَى(2).

-----------------------------------------------------------------------------

يلازم عدم نجاسته ممّا يتوهم من ورود السباع عليه. وبيّن (علیه السلام) كيفيّة استعماله بأخذ قليل من الماء، ويفهم ذلك من قوله (علیه السلام) : «فليأخذ كفّاً من الماء بيد واحدة» وينضحه خلفه، ويأخذ كفّاً آخر وينضحه أمامه، ويأخذ كفّاً ثالثاً وينضحه عن يمينه، ورابعاً وينضحه عن يساره.

وهذا الحديث من الأحاديث التي استدل بها على أنّ الماء المستعمل في غسل الجنابة فيه بأس، فلا يُرفع الحدث بالماء المنفصل عن غسل الجنابة؛

ص: 224


1- المعتبر1 : 88 ، باختلاف يسير في اللفظ.
2- المنتقى 1 : 68، ومراده: أنّه سواء قلنا: إنّ متعلّق النضح هو الأرض أو البدن، فليست الحكمة فيه ما قيل من لزوم عدم انحدار ما ينفصل من البدن إلى الماء. وهذا القول منه(قدس سره) مبني على دلالة الحديث على عدم المنع عن استعمال الماء المستعمل. كما أن القولين المنقولين في المعتبر وغيره مبنيّان على القول بالمنع من استعماله كما هو واضح . المقرّر.

فإنّ الظاهر أنّ المركوز في ذهن السائل: أنّ الماء المستعمل في رفع الحدث لا يجوز رفع الحدث به ثانياً، وأنّه برجوع الماء في الساقية أو المستنقع يصير مستعملاً، وقد قرّر الإمام (علیه السلام) السائل على ذلك، وبيّن (علیه السلام) علاجاً لدفع رجوع الغسالة في الماء.

المراد من النضح و الحكمة فیه

هذا، ولكن آخر الحديث صريح في جواز استعمال الماء وإن رجعت الغسالة فيه. ويقال: إنّ هذا الجواز مختصّ بحال الضرورة؛ لأنّه لا قائل بالاختصاص في المقام، وعليه فيكون الأمر بالنضح للاستحباب.

إشكال إبن إدريس علی جعل الأرض متعلّق النضح

وهذا الحديث من الأحاديث المشكلة المعنى، من حيث متعلّق النضح، ومن حيث الحكمة فيه، وللعلماء فيه اختلاف، وقد نقل الماتن عن المحقّق في «المعتبر» قولين:

أحدهما: أنّ متعلّق النضح الأرض؛ والحكمة فيه اجتماع أجزائها، فيمتنع سرعة انحدار ما ينفصل عن بدن المغتسل إلى الماء.

والثاني: أنّ متعلّقه بدن المغتسل قبل الاغتسال؛ والحكمة فيه بلّ البدن ليعجّل الاغتسال قبل انحدار ما ينفصل منه وعوده إلى الماء((1)).

وأورد ابن إدريس الحلي في «السرائر» على القول الأول: بأنّه ليس بشي ء يلتفت إليه؛ لأنّه إذا ندّت الأرض من هذه الجهات الأربع كان أسرع إلى نزول ما يغتسل به بعد ذلك إلى الماء الباقي قبل فراغ المغتسل من اغتساله

ص: 225


1- - المعتبر 1 : 88.

فيصير الباقي ماء مستعملاً((1)).

وأُجيب - كما نقله العلامة المجلسي في «البحار» - بأنّ التجربة شاهدة بأنّك إذا رششت أرضاً منحدرة شديدة الجفاف ذات غبار بقطرات من الماء، فإنّك تجد كل قطرة تلبس غلافاً ترابيّاً وتتحرك على سطح تلك الأرض على جهة انحدارها حركة ممتدّة امتداداً يسيراً قبل أن تنفذ في أعماقها ثم تغوص فيها، بخلاف ما إذا كان في الأرض نداوة قليلة، فانّ تلك القطرات تغوص في أعماقها ولا تتحرّك على سطحها بقدر تحركها على سطح الجافة. فظهر أنّ الرش محصّل للمطلوب، لا مناقض له((2)).

وأُورد على القول الثاني: بأنّ خشية العود إلى الماء مع تعجّل الاغتسال، ربما كانت أكثر؛ لأنّ الإعجال موجب لتلاحق الأجزاء المنفصلة عن البدنمن الماء، وذلك أقرب إلى الجريان والعود، ومع الإبطاء يكون تساقطها على سبيل التدريج، فربّما بعدت بذلك من الجريان كما لا يخفى((3)).

ونقول: إنّ هذا لو كان مراداً لكان الأولى أن يعبّر بكلمة «على» ويقول: بكفّ على قدامه، وكفّ على خلفه، وعليه يكون القول الأول هو الأظهر ولكن لا يدل على اقرار الامام (علیه السلام) ما ارتكز في ذهن السائل، بل لعل امر الامام (علیه السلام) بالنضح بالأكف من جهة رفع الكراهة او رفع تقذر الماء عرفاً؛

ص: 226


1- - نقله عنه في المنتقى 1 : 67.
2- - بحار الأنوار 77 : 138. وهذا الجواب للشيخ البهائي في مشرق الشمسين: 355.
3- - بحار الأنوار 77 : 143، عن معالم الدين.

لكونه قليلاً ويحتمل القذارة كما ياتي التصريح بذلك في صحيحة الكاهلي.

وقوله (علیه السلام) : «فإن خشي أن لا يكفيه، غسل رأسه ثلاث مرّات، ثم مسح جلده بيده» يدلّ على إجزاء مسح البدن عن غسله عند قلّة الماء، وهو غير مشهور بين الفقهاء. نعم، هو موافق لما ذهب إليه ابن الجنيد من وجوب غسل الرأس ثلاثاً، والاجتزاء بالدهن في بقيّة البدن((1)).

وكذا قوله (علیه السلام) : «وإن كان الوضوء غسل وجهه ومسح يده على ذراعيه ورأسه ورجليه»، فإنّه صريح في كفاية مسح الذراعين عن غسلهما في الوضوء عند قلّة الماء وعدم كفايته.

ويفهم منه: أنّه إذا لم يخش كفايته فإنّه يأتي بالغسل تامّاً، ولا يقتصر على هذه الكيفيّة الاضطراريّة.وقوله (علیه السلام) : «فلا عليه أن يغتسل ويرجع الماء فيه»: كلمة الماء فيه إمّا فاعل ليرجع، أو مفعول لضمير يعود على المغتسِل. وعلى كلٍّ: يدلّ على أنّ الماء إذا لم يكف لغسل تمام أعضاء البدن جاز غسل الأعضاء التي يفي بغسلها به والبقيّة بالغسالة. ومفهوم الشرط يدل على حصول المرجوحية في الغسل بالغسالة في غير هذه الحال، وهي حال وجود الماء الكافي للغسل.

سند الحديث:

ذكر المصنّف أربعة أسانيد لهذا الحديث:

ص: 227


1- - الحدائق الناضرة 1 : 464.

السند الأول: سند الشيخ في «التهذيب»، والمراد بأحمد بن محمد: هو ابن عيسى؛ لكونه يروي عن موسى بن القاسم، وللانصراف، وطريق الشيخ إليه سبق أنّه معتبر.

وموسى بن القاسم: هو ابن معاوية بن وهب البجلي، وقد تقدّم أنّه ثقة.

وأمّا أبو قتادة: فهو علي بن محمد بن حفص، وقد وقع التصريح باسمه مع كنيته مقروناً بموسى بن القاسم. قال عنه النجاشي: «علي بن محمد بن حفص بن عبيد بن حميد، مولى السائب بن مالك الأشعري، أبو قتادة القمي، روى عن أبي عبد الله (علیه السلام) وعمَّر. وكان ثقة - وابنه الحسن بن أبي قتادة الشاعر وأحمد بن أبي قتادة، أعقب - له كتاب»((1)).والسند صحيح أعلائي.

السند الثاني: سند الشيخ في «التهذيب» أيضاً، وقد مضى أنّ سند الشيخ إلى محمد بن علي بن محبوب صحيح.

وأمّا محمد بن أحمد بن إسماعيل الهاشمي: فقد تقدّم في الحديث الثاني من الباب الثامن من أبواب الماء المطلق بعنوان محمد بن أحمد العلوي، من شيوخ أصحابنا، كما عن النجاشي في ضمن ترجمة العمركي البوفكي((2))، وهو دالّ على الحسن، كما أنّه ورد في أسناد كتاب «نوادر

ص: 228


1- - رجال النجاشي: 272 / 713.
2- - المصدر نفسه: 303 / 828 .

الحكمة»((1)

فهو ثقة.

وأمّا عبد الله بن الحسن: فقد سبق أنّه لم يوثّق، ولكن يمكن تصحيح السند؛ لأنّ الشيخ نفسه له عدّة طرق لكتاب «المسائل» لعلي بن جعفر:

الأول: عن جماعة، عن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، عن محمد بن يحيى، عن العمركي الخراساني البوفكي، عن علي بن جعفر.

الثاني: عن الصدوق، عن أبيه ، عن سعد والحميري وأحمد بن إدريس وعلي بن موسى كلّهم، عن أحمد بن محمد، عن موسى بن القاسم البجلي، عنه.

وهذان الطريقان صحيحان.

فهذا السند معتبر.

السند الثالث: سند الحميري في قرب «الإسناد»، وفيه: عبد الله بن الحسن: وهو لم يوثّق كما سبق، لكن يمكن تصحيح السند بما ذكرناه في كتابنا «التقيّة» من الوجوه الثلاثة التي يمكن بها تصحيح جميع روايات «قرب الإسناد» بما فيها روايات عبد الله بن الحسن العلوي إذا كان يروي عن علي بن جعفر((2)).

السند الرابع: سند ابن إدريس إلى كتاب محمد بن علي بن محبوب، وقد تقدّم اعتباره، ولكن في السند بعد ابن محبوب: محمد بن أحمد بن

ص: 229


1- - أُصول علم الرجال 1 : 235.
2- - التقيّة 1 : 452 - 454.

[554] 2- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي صَاحِبٌ لِي ثِقَةٌ(1)، أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يَنْتَهِي إِلَى الْمَاءِ الْقَلِيلِ فِي الطَّرِيقِ، فَيُرِيدُ أَنْ يَغْتَسِلَ وَلَيْسَ مَعَهُ إِنَاءٌ، وَالْمَاءُ فِي وَهْدَةٍ، فَإِنْ هُوَ اغْتَسَلَ رَجَعَ غُسْلُهُ فِي الْمَاءِ، كَيْفَ يَصْنَعُ؟ قَالَ: «يَنْضِحُ بِكَفٍّ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَكَفّاً مِنْ خَلْفِهِ، وَكَفّاً عَنْ يَمِينِهِ، وَكَفّاً عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

إسماعيل الهاشمي: وهو ثقة عندنا كما تقدّم آنفاً، وفيه أيضاً: عبد الله بن الحسن: الذي مرّ أنّه لم يوثق، فهذا السند ضعيف، ولكن يمكن تصحيحه بما مرّ في السند الثاني للشيخ(قدس سره) .

[2] - فقه الحديث:

هذا الحديث أصرح من سابقه في أنّ المركوز في ذهن السائل وجود المحذور في استعمال الماء القليل - المستعمل في رفع الجنابة - ثانياً في رفع الحدث.

ولا بد من فرض خلو يد المغتسل من النجاسة، وإلّا لفسد الماء بها؛ لقلّته.

ص: 230


1- في هامش المخطوط: «الظاهر أنّ الذي وثّقه ابن مسكان هو محمد بن ميسر، والله أعلم». (منه(قدس سره) ).
2- تهذيب الأحكام 1 : 417، ح1318، والاستبصار 1 : 28، ح72.

وَرَوَاهُ الْمُحَقِّقُ فِي «الْمُعْتَبَرِ» نَقْلًا مِنْ كِتَابِ «الْجَامِعِ» لِأَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُيَسِّرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) (1)1*).

وَنَقَلَهُ ابْنُ إِدْرِيسَ فِي آخِرِ «السَّرَائِرِ» مِنْ كِتَابِ «نَوَادِرِ الْبَزَنْطِيِّ»، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُيَسِّرٍ، مِثْلَهُ(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

وأمّا تفسير المراد من النضح والحكمة فيه فقد مضى بيانه في الحديثالأول.

سند الحديث:

ذكر الماتن ثلاثة أسانيد لهذا الحديث:

السند الأول: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»، وقد تقدّم سند الشيخ إلى الحسين بن سعيد، وقلنا: إنّ له سندين، أحدهما معتبر.

والمراد من ابن سنان هنا: هو محمد بن سنان الذي ضعّفه المشهور، لكن قلنا بوثاقته كما مرّ غير مرّة، وإنَّما عيّنّاه في محمد؛ لأنّ الحسين بن سعيد يروي كثيراً عن محمد بن سنان، ولم ترد روايته عن عبد الله إلّا في مورد واحد.

ص: 231


1- 1*) المعتبر1 : 88.
2- 2*) السرائر3 : 555، المستطرفات.

كما أنّ المراد من ابن مسكان: هو عبد الله بن مسكان كما مرّ.

وأمّا صاحبه الثقة: فلا يبعد أن يراد به محمد بن ميسر؛ وذلك للتصريح به في عدّة أسانيد((1)).

أضف إلى ذلك أنّ كتاب محمد بن ميسر مشهور((2))، فلا يحتاج للطريق،فهذا السند معتبر.

اشتراك عبدالكريم بين جماعة

السند الثاني: سند المحقّق في «المعتبر»، وفيه: عبد الكريم: وهو مشترك بين جماعة، والمعروف منهم ثلاثة:

الأول: عبد الكريم بن عمرو بن صالح الخثعمي الملقّب بكرّام، وقد تقدّم أنّه ثقة.

الثاني: عبد الكريم بن عتبة الهاشمي: ذكره الشيخ في أصحاب الإمام الكاظم (علیه السلام) قائلاً: «عبد الكريم بن عتبة الهاشمي، ثقة، روى عن أبي عبد الله (علیه السلام) »((3)).

الثالث: عبد الكريم بن هلال: قال عنه النجاشي: «عبد الكريم بن هلال

ص: 232


1- - أقول: حتى لو لم يُشخّص الثقة فإنّ ذلك لا يضرّ بعد أن كان الموثّق ثقة، ولا يقل توثيقه عن توثيق مشايخ الرجال، والموثِّق له هنا هو عبد الله بن مسكان من العلماء الأعلام والرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام بشهادة الشيخ المفيد، ومن أصحاب الإجماع الذين يصحّ ما صحّ إليهم، وكفى به معدِّلاً. المقرّر.
2- - أُصول علم الرجال 1 : 149.
3- - رجال الطوسي: 339 / 5052

الجعفي الخزاز مولى، كوفي، ثقة، عين، يقال له الخلقاني، روى عن أبي عبد الله (علیه السلام) ، له كتاب»((1)).

والمراد به هنا هو الأول، وذلك:

أولاً: لأنّ أحمد بن محمد بن أبي نصر يروي عنه كثيراً.

وثانياً: لأنّ أحمد بن محمد بن أبي نصر يروي عنه كتابه ،كما صرّحبذلك الشيخ في «الفهرست»((2)).

وثالثاً: لأنّ أحمد بن محمد بن أبي نصر لم يرو عن الآخرين.

نعم، روى عن الهاشمي بواسطتين، فلا يمكن إرادته هنا، بل حتى لو لم يمكن تحديده هنا لم يضر ذلك باعتبار السند؛ لأنَّهم ثقات كما ذكرنا.

والحاصل: أنّ هذا السند معتبر أيضاً.

السند الثالث: سند ابن إدريس في «السرائر»، وحاله حال السند الثاني، فهو أيضاً معتبر.

ص: 233


1- - رجال النجاشي: 246 / 646.
2- - فهرست الطوسي: 178 / 480.

[555] 3- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنِ الْكَاهِلِيِّ(1)، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) يَقُولُ: «إِذَا أَتَيْتَ مَاءً وَفِيهِ قِلَّةٌ فَانْضِحْ عَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ يَسَارِكَ وَبَيْنَ يَدَيْكَ وَتَوَضَّأْ»(2).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

دلالته على استحباب النضح عند قلة الماء واضحة، ولكنّه اقتصر هنا على ثلاث جهات في النضح.

ولعلّ استحباب النضح من أحكام قلّة الماء ولو لم يفرض رجوع الماء؛ فإنّه لا عين ولا أثر لرجوع الماء هنا، لا في كلام السائل، ولا في كلام الإمام (علیه السلام) .

ويحتمل أن يراد بالوضوء هنا الاستنجاء، فلا يدلّ على استحباب النضح للوضوء الاصطلاحي، قال الشيخ حسن في «المنتقى»: «قلت: النضح هنا للأرض قطعاً، وهو قرينة على إرادته أيضاً من الخبر السابق. والظاهر: أنّالمراد من التوضأ الاستنجاء، فإنّه يستعمل فيه كثيراً كما سبق التنبيه عليه.

ص: 234


1- في نسخة تهذيب الأحكام: عبد الله بن يحيى. (منه(قدس سره) )، وهو الكاهلي.
2- الكافي 3 : 3، ح1.
3- تهذيب الأحكام 1 : 408، ح1283.

والتحرّز بالنضح من عود الماء المستعمل إلى الماء الذي يتطهّر منه إنَّما يتوجّه في الاستنجاء لا في الوضوء بمعناه المتعارف كما لا يخفى»((1)).

المتحصل من الأحادیث

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

الأول: سند الكليني، وفيه: أحمد بن محمد: وهو ابن عيسى، وعلي بن الحكم: هو الكوفي، وقد تقدّم أنّه ليس بمشترك، وفيه الكاهلي: وهو عبد الله بن يحيى - كما في نسخة «التهذيب»على ما ذكره الماتن في الهامش، وهو الموجود في «التهذيب» المطبوع - الذي تقدّم أنّه كان وجهاً عند أبي الحسن (علیه السلام) ووصّى به علي بن يقطين، فالسند معتبر.

الثاني: سند الشيخ في «التهذيب»، وهو نفس السند المتقدّم عن الكليني، فالسند معتبر أيضاً.

والحاصل: أنّ في الباب ثلاثة أحاديث معتبرة الأسناد.

والمستفاد من أحاديث الباب أمور، منها:

1- استحباب النضح في الجهات الأربع أو الثلاث لمن أراد الوضوء أو الغسل من الماء القليل في الوهدة أو الساقية؛ إمّا للتعبّد كما لعلّه الظاهر منعنوان الباب، أو لأحد الاحتمالين: إمّا لأجل اجتماع أجزاء الأرض فيمتنع سرعة انحدار ما ينفصل عن بدن المغتسل إلى الماء.أو لأجل بلّ بدن

ص: 235


1- - منتقى الجمان 1 : 69.

المغتسل ليعجل الاغتسال قبل انحدار ما ينفصل منه وعوده إلى الماء.

2- إجزاء مسح البدن عن غسله عند قلّة الماء، وهو غير مشهور بين الفقهاء، وهو موافق لما ذهب إليه ابن الجنيد من وجوب غسل الرأس ثلاثاً والاجتزاء بالدهن في بقيّة البدن.

3- كفاية مسح الذراعين عن غسلهما في الوضوء عند قلّة الماء وعدم كفايته.

4- عند عدم خشية كفاية الماء فإنّه يأتي بالغسل تامّاً، ولا يقتصر على هذه الكيفيّة الاضطراريّة.

ص: 236

11 - باب كراهة الاغتسال بغسالة الحمام مع عدم العلم بنجاستها وأن الماء النجس لا يطهر ببلوغه كراً

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

11 - باب كراهة الاغتسال بغسالة الحمام مع عدم العلم بنجاستها وأن الماء النجس لا يطهر ببلوغه كراً

شرح الباب:

تضمّن هذا الباب حكمين:

أولهما: كراهة الاغتسال بغسالة الحمّام مع عدم العلم بنجاستها.

وغسالة الحمّام هي: «الماء المنفصل عن المغتسلين فيه، الذي لا يبلغ الكثرة حال الملاقاة»((1)).

ثانيهما: أنّ الماء النجس لا يطهر ببلوغه كراً.

والماتن أورد في هذا الباب خصوص ما يستدلّ به على الحكم الأول، ولم يورد ما يكون دليلاً على الحكم الثاني.

ولكن يمكن استفادة الحكم الثاني من إطلاق الروايات الناهية عن استعمال ماء الغسالة، باعتبار شمول النهي لما بلغ كراً وغيره، وهذا مبني على القول بنجاسة غسالة الحمّام((2)).

ص: 237


1- - تمهيد القواعد الأُصولية والعربية: 309.
2- - أقول: بما أن الماتن(قدس سره) لا يرى نجاسة غسالة الحمّام، فهذا الكلام لا يفيد في توجيه عدم ذكر الأحاديث الدالة على الحكم، فيكون الماتن قد أغفل مستند الحكم الثاني في عنوان الباب. المقرّر.

الأقوال:

أقوال الخاصة:

اختلفت أقوالهم في غسالة ماء الحمّام على ثلاثة أقوال:

القول الأول: النجاسة مطلقاً، وقد اختاره الشيخ في «النهاية»((1)

والصدوق في «الفقيه»، ووالده في «رسالته». وعلّله الصدوق بأنّه يجتمع فيه غسالة اليهودي والمجوسي والنصراني والمبغض لآل محمد (علیهم السلام) ، وهو أشرّهم((2)).

القول الثاني: النجاسة إلّا مع العلم بخلوه عن النجاسة، اختاره المحقّق في «المعتبر»((3))، والعلامة في «التذكرة» و«القواعد»((4)).

القول الثالث: الطهارة، واختاره العلامة في «المنتهى»، والشهيد الثانيفي «روض الجنان»، ونسب المجلسي الأول القول بالكراهة في شرحه

ص: 238


1- - النهاية: 5.
2- - أقول: الظاهر من التعليل الذي ذكره الصدوقان أنَّهما يريان أنّ الماء إذا خلا من اجتماع غسالة المذكورين فهو طاهر، ولا مانع من استعماله، ويكون قولهما موافقاً لقول المحقّق الآتي، فالقول بكونهما يريان النجاسة مطلقاً في محل المنع. المقرّر.
3- - المعتبر 1 : 92.
4- - تذكرة الفقهاء 1 : 38، وقواعد الأحكام 1 : 186.

[556] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ حَمْزَةَ ابْنِ أَحْمَدَ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ أَوْ سَأَلَهُ غَيْرِي عَنِ الْحَمَّامِ؟ قَالَ: «ادْخُلْهُ بِمِئْزَرٍ وَغُضَّ بَصَرَكَ، وَلَا تَغْتَسِلْ مِنَ الْبِئْرِ الَّتِي يَجْتَمِعُ فِيهَا مَاءُ الْحَمَّامِ؛ فَإِنَّهُ يَسِيلُ فِيهَا مَا يَغْتَسِلُ بِهِ الْجُنُبُ وَوَلَدُ الزِّنَا وَالنَّاصِبُ لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، وَهُوَ شَرُّهُمْ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

الفارسي على «الفقيه» إلى أكثر المتأخرين((2)).

أقوال العامة:

تقدّم في الباب السابع من أبواب الماء المطلق: أنّ ماء الحمّام إذا كان جارياً من الميزاب ويخلص بعضه إلى بعض فهو معتصم، فلا ينجس وإن وقعت فيه نجاسة أو توضأ منه إنسان عن أبي حنيفة وأبي يوسف؛ لأنّه بمنزلة الماء الجاري((3))، وكذا عن أحمد((4)).

[1] - فقه الحديث:

تعرّض هذا الحديث إلى ثلاثة أمور في جواب السؤال عن الحمّام:

ص: 239


1- تهذيب الأحكام 1 : 373، ح1143، وأورد صدره في الحديث 2 من الباب 3 من أبواب آداب الحمّام.
2- - منتهى المطلب 1 : 147، وروض الجنان 1 : 429، وغنائم الأيام 1 : 524.
3- - بدائع الصنائع 1 : 72 .
4- - الشرح الكبير 1 : 232 .

النهي عن الاغتسال من البئر تحريمي أو تنزيهي

الأول: الأمر بدخول الحمّام بمئزر؛ لاحتمال وجود الناظر المحترم، وستر العورة عنه واجب مع وجوده، فالأمر ظاهر في الاستحباب.

الثاني: الأمر بغضّ البصر؛ لأنّ الحمّام مظنّة كشف العورات، فيكون الأمر مستحبّاً إلّا أن يرى عورة فعلاً فيجب غضّ البصر حينئذٍ.

الثالث: النهي عن الاغتسال من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمّام بعد أن ينفصل من المغتسلين.

ويحتمل أن يراد من هذا النهي التحريم، وحينئذٍ فإمّا أن يراد أنّ العلّة في المنع هي اجتماع غسالة الجنب وولد الزنا والناصب، فيجب الاجتناب عنها؛ لوجود غسالة الناصب يقيناً حينئذٍ، فيجب الاجتناب عنها لنجاسته.

وإمّا أن يراد أنّ سيلان كل واحدة من الغسالات المذكورة علّة مستقلة للمنع عن الاغتسال من البئر المجتمعة فيها غسالات المذكورين، فيدلّ على عدم جواز الاغتسال بما استعمل في رفع الجنابة.

ويحتمل أن يراد من هذا النهي الكراهة، كما اختاره الماتن بقرينة كون الأمرين السابقين للاستحباب، وقرينة التعليل في النهي؛ فإنّ احتمال النجاسة من غير يقين لا يستلزم وجوب الاجتناب، وإن كان وجودها أغلبيّاً، إلّا أنّ هذا غير مجدٍ بعد أن كان اليقين والعلم شرطاً في الحكم بالنجاسة ليترتّبعليه وجوب الاجتناب((1)).

ص: 240


1- - تحرير وسائل الشيعة: 582، بتصرّف.

ومن القرائن أيضاً - غير ما ذكره(قدس سره) - : أنّه (علیه السلام) علّل النهي عن الاغتسال بغسالة ماء الحمّام في هذا الحديث أيضاً بأنّه ممّا اغتسل به ولد الزنا، مع أنّه لا منع عن الاغتسال بغسالته إلّا على القول بنجاسته، كما عن السيد المرتضى، ويعزى إلى ابن إدريس والصدوق، وهو ضعيف جداً، وعليه فلا بد من حمل المنع عن الاغتسال بغسالته على الكراهة، فيحمل ما ورد من المنع عن الغسل بغسالة الجنب على الكراهة أيضاً؛ لوحدة السياق.

ثم إن الغسالة لما كانت مستقذرة في نفسها عند العرف، وغير معدّة لأن يغتسل بها في الحمّام، فالاغتسال فيها - على ما في بعض النصوص - لا بد أن يكون لبعض الدواعي الخاصّة، كالشفاء من العين، فيقرب جداً أن يكون هذا النهي للردع عن هذا الاعتقاد، وبيان مرجوحيّة الاغتسال في هذه الغسالة، لا أنّه وارد لبيان المانعيّة عن الاغتسال به بحيث لا يصح الغسل.

سند الحديث:

تقدّم الكلام عن صحة طريق الشيخ إلى محمد بن علي بن محبوب.

وأمّا العدة في هذا السند وإن لم تعلم، إلّا أنّ أقلّها ثلاثة، ويبعد جدّاً أن لا يكون فيهم ثقة، وقد عبّر بعضهم عن هذا الحديث بالمرسل.

وأمّا محمد بن عبد الحميد: فهو محمد بن عبد الحميد بن سالم العطّار، وقد تقدّم أنّه ثقة؛ لوروده في كتاب «نوادر الحكمة»؛ ورواية المشايخ الثقات عنه.

ص: 241

وأمّا حمزة بن أحمد: فقد ذكره الشيخ في أصحاب الإمام الكاظم (علیه السلام) ((1))، ولم يرد فيه توثيق.

فهذا السند ضعيف به.

وقول الراوي: «سألته أو سأله غيري» يدل على احتياطه في الرواية، مع أنّه غير مؤثر في الرواية، لا في السؤال، ولا في الجواب.

ص: 242


1- - رجال الطوسي: 335 / 4982.

[557] 2- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «مَنِ اغْتَسَلَ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي قَدِ اغْتُسِلَ فِيهِ فَأَصَابَهُ الْجُذَامُ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ»، فَقُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ (علیه السلام) : إِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ: إِنَّ فِيهِ شِفَاءً مِنَ الْعَيْنِ؟ فَقَالَ: «كَذَبُوا، يَغْتَسِلُ فِيهِ الْجُنُبُ مِنَ الْحَرَامِ وَالزَّانِي وَالنَّاصِبُ الَّذِي هُوَ شَرُّهُمَا، وَكُلٍّ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ(1)، ثُمَّ يَكُونُ فِيهِ شِفَاءٌ مِنَ الْعَيْنِ؟»(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

التحذير عن الاغتسال بالغسالة

[2] - فقه الحديث:

دلّ التحذير عن الاغتسال من الماء الذي قد اغتُسل فيه، وهو عبارة أخرى عن الغسالة، وأنّ المغتسل فيه في معرض الإصابة بالجذام على كراهته لا على المانعيّة، فإنّ هذا التعبير في قوة التعليل، ولا يدلّ على وجوب الاجتناب كما في نظائره. كما أنّه لا يدلّ إلّا على أنّ الاغتسال فيه مقتضٍ للإصابة بالجذام، فلا يدلّ على أنّ حصول الجذام له أغلبي، فضلاً عن أنّه كلّي.

وهذه الغسالة لما كانت مستقذرة وغير معدة للاغتسال بها في الحمّام،

ص: 243


1- في المصدر: وكلّ خلق من خلق الله.
2- 2*) الكافي 6 : 503، ح38.

فالاغتسال فيها يكون لبعض الدواعي الخاصة، كالشفاء من العين كما صرّح به السائل، فيقرب جدّاً أن يكون نهي الإمام (علیه السلام) عن الاغتسال فيها للردع عن هذا الاعتقاد الخاطئ، وبيان مرجوحيّة الاغتسال في هذه الغسالة التي هي بقايا ما يغتسل به المبغوضون من الله تعالى، وهم: الجنب من الحرام والزاني والناصب، لا أنّه وارد لبيان المانعيّة عن الاغتسال به بحيث لا يصح الغسل.

وقد دلّ على رجحان اجتناب عرق الجنب من الحرام بالزنا وغيره، إلّا أنّه ليس بصريح في نجاسته.

كما دلّ على أنّ الناصب شرّ من الزاني والمجنب من الحرام، ومن كل من خلقه الله، فكيف يكون في ما اغتسل منه الشفاء من العين؟!

والمراد من أنّه شفاء من العين هنا: إصابة العين، أي: الحسد، أولاً: بقرينة استعمال «من»، وثانياً: من التعبير بالعين الذي ورد في أحاديث الاستشفاء من إصابة العين، مثل تتمّة هذا الحديث التي لم ينقلها الماتن، وهي: «إنَّما شفاء العين قراءة الحمد والمعوذتين وآية الكرسي والبخور بالقسط والمر واللبان»((1)).

وعليه: لا يصح ما ذكره الماتن في شرحه على الوسائل من أنّه شفاءللعين((2))، أي: إنّه شفاء لأمراض العين.

ص: 244


1- - الكافي 6 : 503 ، ح38.
2- - تحرير وسائل الشيعة: 583.

سند الحديث:

الحسين بن محمد: هو الحسين بن محمد بن عمران الأشعري الثقة، ومحمد بن يحيى: هو العطار.

وأمّا علي بن محمد بن سعد: فهو الأشعري القمي، روى عنه الكليني كثيراً بواسطة الحسين بن محمد ومحمد بن يحيى، ولكن لم يرد فيه توثيق.

وأمّا محمد بن سالم: فقد تقدّم أنّه مشترك بين ثلاثة: ابن أبي سلمة السجستاني الذي لم يرد فيه توثيق، وابن شريح المختلف في وثاقته، وابن عبد الحميد الثقة.

والظاهر أنّ المراد به هنا الأول؛ لرواية علي بن محمد بن سعد لكتاب ابن أبي سلمة.

وأمّا موسى بن عبد الله بن موسى: فلم يرد فيه شيء، وليس له في الكتب الأربعة إلّا هذا الحديث.

وأمّا محمد بن علي بن جعفر: فهو وإن عُدّ من أصحاب الإمام الرضا (علیه السلام) إلّا أنّه لم يرد فيه شيء، فالسند ضعيف، إلّا على القول بتماميّة شهادة الكليني في «الكافي»، فيكون معتبراً.

ص: 245

[558] 3- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ ابْنِ الْحَكَمِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (علیه السلام) ، - فِي حَدِيثٍ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا تَغْتَسِلْ مِنْ غُسَالَةِ مَاءِ الْحَمَّامِ؛ فَإِنَّهُ يُغْتَسَلُ فِيهِ مِنَ الزِّنَا، وَيَغْتَسِلُ فِيهِ وَلَدُ الزِّنَا وَالنَّاصِبُ لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، وَهُوَ شَرُّهُمْ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

دلالته قريبة من دلالة الحديث الأول، حيث إنّه لا يمكن الاغتسال إلّا من موضع يجتمع فيه الماء، بقرينة قوله (علیه السلام) هنا: «فإنّه يغتسل فيه»، فيكون المعنى: لا تغتسل من الموضع الذي يجتمع فيه ماء الحمام، وعلّة النهي هو اغتسال المذكورين.

سند الحديث:

فيه: أحمد بن محمد: والظاهر أنه أحمد بن محمد بن عيسى؛ لروايته عن علي بن الحكم، كما أنّه المنصرف إليه عند الإطلاق، كما مرّ غير مرة، وهذا الحديث مرسل، إلّا أن يقال بتماميّة شهادة الكليني، فيعتبر بذلك.

ص: 246


1- الكافي 6 : 498، ح10.

[559] 4- وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، عَنِ ابْنِ جُمْهُورٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «لَا تَغْتَسِلْ مِنَ الْبِئْرِ الَّتِي تَجْتَمِعُ فِيهَا غُسَالَةُ الْحَمَّامِ؛ فَإِنَّ فِيهَا غُسَالَةَ وَلَدِ الزِّنَا، وَهُوَ لَا يَطْهُرُ إِلَى سَبْعَةِ آبَاءٍ، وَفِيهَا غُسَالَةُ النَّاصِبِ، وَهُوَ شَرُّهُمَا. إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ خَلْقاً شَرّاً مِنَ الْكَلْبِ، وَإِنَّ النَّاصِبَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنَ الْكَلْبِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[4] - فقه الحديث:

دلالته على النهي عن الاغتسال من مجمع الغسالات واضحة، وقد سبق الكلام فيها. وفيه: التعليل بأنّ في البئر غسالة ولد الزنا وهو لا يطهر إلى سبعة آباء، أي: من الأسفل، فيكون هذا دليلاً على نجاسته كما ذهب إليه السيد المرتضى(قدس سره) ، ونسب إلى ابن إدريس وإلى الصدوق، وينبغي على هذا أن يحمل عدم الطهارة في أولاده على الطهارة المعنويّة؛ لعدم القول بنجاستهم ظاهراً.

ويدفعه - كما عن السيد الأستاذ(قدس سره) - : أنّ هذا الحديث ناظر إلى بيان الخباثة المعنويّة المتكوّنة في ولد الزنا، وأن آثارها لا تزول إلى سبعة آباء، ولا نظر له إلى الطهارة المبحوثة هنا.

ويدلّ على ذلك: أنّ المتولد من ولد الزنا ممّن لا كلام عندهم - أي:

ص: 247


1- الكافي 3 : 14، ح1.

السيد وقرينيه - في طهارته، فضلاً عن طهارته إلى سبعة آباء.

وما ورد من روايات الباب التي يظهر منها نجاسته محمولة على الخباثة المعنويّة المتكوّنة فيه، خصوصاً وقد قرن ولد الزنا في بعضها بالجنب والزاني، مع أنَّهما ممّا لا إشكال في طهارتهما((1)).

ثم إنّ هذه الخباثة المعنويّة هي بنحو المقتضي للفساد وبغض أهل البيت لا أنَّها على نحو العلّة التامّة حتى يقال: إنّه يدلّ على إثبات الجبر، وقد ورد في بعض الروايات: «إنّ ولد الزنا يستعمل، إن عمل خيراً جزئ به، وإن عمل شراً جزئ به»((2)).

وفي الحديث أيضاً بيان محل الناصب عند الله وهوانه، وأنّه أهون عنده تعالى من الكلب الذي لم يخلق خلقاً شرّاً منه. والوجه في كون الناصب شرّاً من غيره من المخلوقات هو أنّه عدو - في الحقيقة - لله وللرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) وللأئمة (علیهم السلام) .

سند الحديث:

سبق الكلام في هذا السند، وقلنا: إنه ضعيف، لكن قد يصحّح الحديثعن طريق القول بأنّ كتاب ابن أبي يعفور مشهور، فلا حاجة للطريق، أو لوجوده في «الكافي».

ص: 248


1- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 3 : 66.
2- - الكافي 8 : 238، ح322.

[560] 5- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فِي «الْعِلَلِ»، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَعْفُورٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «وَإِيَّاكَ أَنْ تَغْتَسِلَ مِنْ غُسَالَةِ الْحَمَّامِ؛ فَفِيهَا تَجْتَمِعُ غُسَالَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ وَالنَّاصِبِ لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، وَهُوَ شَرُّهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَخْلُقْ خَلْقاً أَنْجَسَ مِنَ الْكَلْبِ، وَإِنَّ النَّاصِبَ لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ لَأَنْجَسُ مِنْهُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

دلالته على النهي عن الاغتسال من غسالة الحمّام كسوابقه، إلّا أنّ التعليل هنا باجتماع غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي بالإضافة للناصب الذي هو شرهم وأنجس من الكلب.

فإذا قيل: إنّ العلّة في المنع هي اجتماع غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي والناصب فيجب الاجتناب عنها؛ لوجود غسالة الناصب يقيناً حينئذٍ، فيجب الاجتناب عنها لنجاسته القطعيّة، وإن كان في نجاسة غيره من المذكورين خلاف.

وأمّا إذا قيل: إن كلّ واحدة من الغسالات المذكورة علّة مستقلّة للمنع

ص: 249


1- علل الشرائع 1 : 292.

أَقُولُ: هَذِهِ الْأَحَادِيثُ لَهَا مُعَارِضَاتٌ تَقَدَّمَ بَعْضُهَا فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ(1)1*)، وَبَعْضُهَا فِي أَحَادِيثِ مَاءِ الْحَمَّامِ(2)2*)، وَيَأْتِي بَاقِيهَا فِي بَحْثِ النَّجَاسَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى(3)3*). وَلَهَا مُعَارِضَاتٌ عَامَّةٌ تُؤَيِّدُ جَانِبَ الطَّهَارَةِ، وَلِذَلِكَ حَمَلْنَا هَذِهِ الْأَحَادِيثَ عَلَى الْكَرَاهَةِ. عَلَى أَنَّهُ قَدْ فُرِضَ فِيهَا الْعِلْمُ بِحُصُولِ النَّجَاسَةِ فَلَا إِشْكَالَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

-----------------------------------------------------------------------------

عن الاغتسال من البئر المجتمعة فيها غسالات المذكورين، فيدلّ على عدم جواز الاغتسال بغسالة الحمّام.

وقد سبق أنّ النهي هنا محمول على الكراهة؛ بقرينة التعليل في بعضها، ولورود الأحاديث الدالّة على طهارة الغسالة إلّا أن يعلم بنجاستها، فإنّه توجد أحاديث تقدّم بعضها تدلّ على جواز الاغتسال من غسالة الحمّام مثل معتبر محمد بن مسلم، قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) : الحمّام يغتسل فيه الجنب وغيره، أغتسل من مائه؟ قال: «نعم، لا بأس أن يغتسل منه الجنب، ولقد اغتسلت فيه، ثم جئت فغسلت رجلي، وما غسلتهما إلّاممّا لزق بهما من التراب»((4)).

ص: 250


1- 1*) تقدّم في الباب 9 من هذه الأبواب.
2- 2*) تقدّم في الباب 7 من أبواب الماء المطلق.
3- 3*) يأتي في الحديث 9 من الباب 14 ، والحديثين 13، 14 من الباب 27 من أبواب النجاسات.
4- - وسائل الشيعة 1 : 148، ب7 من أبواب الماء المطلق، ح2.

فإنّ فيه تصريحاً من الإمام (علیه السلام) بأنّ ما فعله من غسل رجليه بعد اغتساله لم يكن لملاقاتهما لماء الحمّام، بل لما لزق بهما من التراب، لا للاجتناب عن ماء الحمّام، فعدم غسله لهما إلّا من التراب ظاهر في طهارتهما وطهارة الغسالة الملاقية لهما.

وكذا غيره من الأحاديث.

سند الحديث:

فيه: محمد بن الحسن: وهو ابن الوليد، والسند موثق.

الجمع بين الأحاديث:

لا بد من حمل أحاديث الباب على استحباب التنزّه عن الغسالة لتقذّرها بالقذارة المعنويّة؛ لأنَّها مسّت اليهودي والنصراني والجنب وولد الزنا وغيرهم ممّن لا يخلون من القذارة معنى، بل ورد النهي عن الاغتسال بما قد اغتُسِل فيه، وإن كان المغتسِل في غاية النظافة والورع كما في الحديث الثاني من الباب: «من اغتسل من الماء الذي قد اغتُسِل فيه فأصابه الجذام فلا يلومنّ إلّا نفسه»؛ فإنّه شامل حتى لمن لم يكن من هذه العدّة المبغوضة.

ويدلّ أيضاً على أنّ النهي عن الاغتسال في غسالة الحمّام تنزيهي:الأحاديث المتقدّمة في الباب السابع من أبواب الماء المطلق الدالّة على طهارة غسالة الحمّام.

ويمكن الجمع بينها أيضاً بحمل ما دلّ على النهي عن الاغتسال بغسالة

ص: 251

الحمّام على النهي عن الاغتسال في المكان الذي يجتمع فيه ماء الغسالة، وحمل ما دلّ على جواز الاغتسال بماء الحمّام على ماء الحمّام الذي اغتسل فيه غيره، فلاحظ.

والحاصل: أنّ في الباب خمسة أحاديث، أولها ضعيف، وثانيها وثالثها ورابعها معتبر، وخامسها موثّق.

المتحصل من الأحادیث

والمستفاد منها أمور، منها:

1- كراهة الاغتسال بغسالة الحمّام مع عدم العلم بنجاستها.

2- استحباب دخول الحمّام بمئزر عند احتمال وجود الناظر المحترم، فلو علم بوجوده وجب ستر العورة عنه.

3- استحباب غض البصر عند احتمال رؤية عورات الآخرين، فلو رأى عورة وجب الغض حينئذٍ.

4- كراهة الاغتسال من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمّام بعد أن ينفصل من المغتسلين.

5- لزوم الاجتناب عن غسالة الناصب، منفردة أم مجتمعة مع غيرها ولو كانت غسالات طاهرة؛ لليقين بنجاستة ونجاسة غسالته.6- النهي عن الاغتسال بغسالة الحمّام لغرض الاستشفاء من العين، بل الاغتسال فيها قد يورث الجذام.

7- رجحان الاجتناب عن عرق الجنب من الحرام.

8 - أنّ الناصب شرّ من الزاني والمجنب من الحرام، ومن كل من خلقة

ص: 252

الله تعالى، وأهون على الله من الكلب الذي لم يخلق خلقاً شراً منه، وكل ذلك لعداوته في الحقيقة لله سبحانه وللرسول ولأهل البيت (علیهم السلام) .

9- أنّ المتولد من الزنا طاهر، وما ورد من عدم طهارته محمول على الخباثة المعنويّة المتكوّنة فيه بسبب الزنا بنحو المقتضي للفساد وبغض أهل البيت (علیهم السلام) ، فلا جبر.

ص: 253

ص: 254

12 - باب جواز الطهارة بالمياه الحارة التي يشم منها رائحة الكبريت وكراهة الاستشفاء بها

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

12 - باب جواز الطهارة بالمياه الحارة التي يشم منها رائحة الكبريت وكراهة الاستشفاء بها

شرح الباب:

تعرّض الماتن في هذا العنوان لحكمين:

الأول: جواز الطهارة بالمياه الحارّة التي تقارنها رائحة الكبريت، ويدلّ عليه الحديث الأول صراحة.

الثاني: كراهة الاستشفاء بها، وتدلّ عليها الأحاديث الثلاثة، ومقتضاها الاقتصار في الكراهة على الاستشفاء، ولا يبعد أن تعمّ بقيّة الاستعمالات؛ للتعليل الوارد فيها، فيكون الوضوء بها جائزاً مع كراهة.

وقد ورد في بعض الأحاديث تعليل لكراهة هذه المياه، فمنها ما في «الكافي» عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: «إنّ نوحاً (علیه السلام) لما كان في أيام الطوفان دعا المياه كلّها فأجابته إلّا ماء الكبريت والماء المرّ، فلعنهما»((1)).

ص: 255


1- - الكافي 6 : 389 ، ح2.

وفي «الكافي» أيضاً: عن أبي سعيد عقيصا التيمي، قال: مررت بالحسن والحسين صلوات الله عليهما وهما في الفرات مستنقعان في إزارين - إلى أن قال: - ثم قالا: «إلى أين تريد؟» فقلت: إلى هذا الماء، فقالا: «وما هذا الماء؟» فقلت: أريد دواءه أشرب من هذا المرّ لعلّة بي، أرجو أن يخفّ له الجسد، ويسهل البطن، فقالا: «ما نحسب أنّ الله جل وعز جعل في شيء قد لعنه شفاء»، قلت: ولم ذاك؟ فقالا: «لأنّ الله تبارك وتعالى لما آسفه((1)) قوم نوح (علیه السلام) فتح السماء بماء منهمر، وأوحى إلى الأرض فاستعصت عليه عيون منها فلعنها وجعلها ملحاً أجاجاً».

وفي رواية حمدان بن سليمان: أنَّهما (علیهما السلام) قالا: «يا أبا سعيد، تأتي ماء ينكر ولايتنا في كل يوم ثلاث مرات؟! إن الله عز وجل عرض ولايتنا على المياه، فما قبل ولايتنا عذب وطاب، وما جحد ولايتنا جعله الله عز وجل مرّاً أو ملحاً أجاجاً»((2)).

أقوال الخاصّة:

الظاهر أنّه لا خلاف في جواز الطهارة بماء الحمّات، والحكم بكراهة التداوي به هو رأي الكثير من الفقهاء، قال الشيخ حسن في «معالم الدين»: «ولا بأس بالطهارة بماء الحمّات، وهي العيون الحارّة التي يشمّ منها رائحةالكبريت. ولا نعرف في ذلك من الأصحاب مخالفاً إلّا ابن الجنيد فإنّه قال

ص: 256


1- - آسفه: أي أغضبه. وماء منهمر أي منسكب منصب .
2- - الكافي 6 : 389 ، ح3.

في المختصر: ماء الحمّات التي لا يوجد إلّا والرائحة المكروهة مقارنة لها كالكبريت وغيره ممّا أكره الطهارة به، وابن البراج حيث قال بكراهة استعمالها، فيما يحكى عنه((1)

ولم نقف لما قالاه على حجّة.

نعم ذكر الصدوق (رحمه الله) في من لا يحضره الفقيه: أنّ النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) نهى أن يستشفى بها، وقال: إنّها من فوح جهنم((2)

وروى في الكافي عدّة أخبار تدلّ على ذلك، ومن ثَم حكم كثير من الأصحاب بكراهة التداوي بها»((3)).

أقول: قوله: «ولم نقف لما قالاه على حجّة»، يجاب عنه بأنّ التعليل الوارد في الأحاديث يفيد التعميم لجميع الاستعمالات، كما هو غير بعيد((4)).

أقوال العامّة:

تقدم نقل كلام ابن قدامة في المضاف، وأنّ من المضاف ما يجوز الوضوء به رواية واحدة، وهذا يعني اتفاق جميع المذاهب على ذلك، وهوأربعة أنواع، وذكر أنّ ثاني تلك الأنواع: «ما لا يمكن التحرّز منه كالطحلب والخز وسائر ما ينبت في الماء، وكذلك ورق الشجر الذي يسقط في الماء

ص: 257


1- - المهذب 1 : 27.
2- - من لا يحضره الفقيه 1 : 14 ، ح25.
3- - معالم الدين1 : 402 - 403.
4- - أقول: صريح الحديث الأول - بناء على أنّه من كلام الإمام (علیه السلام) - أنّه لم ينه عن التوضي بها، فكيف يُصار إلى الجواز مع الكراهة؟ اللهم إلّا أن يقال: إنّ المعنى: لم ينه عن التوضي بها نهي تحريم، وهو بعيد. المقرّر.

[561] 1- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَمَّا مَاءُ الْحَمَّاتِ(1) فَإِنَّ النَّبِيَّ(صلی الله علیه و آله و سلم) إِنَّمَا نَهَى أَنْ يُسْتَشْفَى بِهَا وَلَمْ يَنْهَ عَنِ التَّوَضِّي بِهَا، قَالَ: وَهِيَ الْمِيَاهُ الْحَارَّةُ الَّتِي تَكُونُ فِي الْجِبَالِ يُشَمُّ مِنْهَا رَائِحَةُ الْكِبْرِيتِ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

أو تحمله الريح فتلقيه فيه، وما تجذبه السيول من العيدان والتبن نحوه فتلقيه في الماء، وما هو قرار الماء كالكبريت والقار وغيرهما إذا جرى عليه الماء فتغيّر به، أو كان في الأرض التي يقف الماء فيها، وهذا كلّه يعفى عنه؛ لأنّه يشق التحرّز منه. فإن أخذ شيء من ذلك فألقي في الماء وغيّره كان حكمه حكم ما يمكن التحرّز منه من الزعفران ونحوه؛ لأنّ الاحتراز منه ممكن».

[1] - فقه الحديث:

الاستشفاء بالمياه المذكورة يعمّ الشرب منها والجلوس فيها وبقيّة الاستعمالات الأخر المرتبطة بذلك، فما يعدّ استشفاء بها فهو مكروه، وقوله: «ولم ينه عن التوضي بها» يحتمل أنّه من قول الإمام (علیه السلام) فيكون استدلالاًمنه (علیه السلام) بأنّه ماء، ولم يرد من النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) نهي عن التطهر به، فهو باقٍ على أصل الجواز. ويحتمل أنّه من الصدوق(قدس سره) ، ولا ملازمة بين النهي عن الاستشفاء به - لخروجه من فيح جهنم، والذي قد يمنع عن حصول الشفاء به - وعدم جواز التطهّر به.

ص: 258


1- الحمة: العين الحارة يستشفى بها المرضى، (منه(قدس سره) ). (الصحاح 5 : 1904).
2- من لا يحضره الفقيه 1 : 13، ح24.

[562] 2- قَالَ: وَقَالَ (علیه السلام) : «إِنَّهَا مِنْ فَوْحِ(1)1*) جَهَنَّمَ»(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

من مراسيل الصدوق، وقد مضى أنّ التحقيق اعتبارها.

[2] - فقه الحديث:

الفوح: انتشار الرائحة وسطوع الحرّ وفورانه.

وفي نسخة: فيح، أي: الغليان.

وهذا كالتعليل لكراهة الاستشفاء بها، ولا تعرّض له لحكم التوضي أو غيره منها.

نعم، يمكن أن يقال: إن التعليل يفيد كراهة مطلق الاستعمالات حتى التطهّر منها، لكنه مبني على كبرى غير متيقنة، وهي: أنّ ما فيه حرّ جهنميكره استعماله، وإن كانت غير بعيدة.

سند الحديث:

من مراسيل الصدوق أيضاً، فهو كسابقه.

ص: 259


1- 1*) في نسخة «فيح»، فاحت القدر تفوح: غلت، (منه(قدس سره) ). (الصحاح 1 : 393).
2- 2*) من لا يحضره الفقيه 1 : 14، ح25.

[563] 3- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) عَنِ الِاسْتِشْفَاءِ بِالْحَمَّاتِ(1)، وَهِيَ الْعُيُونُ الْحَارَّةُ الَّتِي تَكُونُ فِي الْجِبَالِ الَّتِي تُوجَدُ مِنْهَا رَائِحَةُ الْكِبْرِيتِ، فَإِنَّهَا مِنْ فَوْحِ(2) جَهَنَّمَ»(3).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، مِثْلَهُ(4)5*).

أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ بَعْضِهِمْ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ، مِثْلَهُ(5)6*).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

صرّح المقدس الأردبيلي وصاحب «كفاية الأحكام» بأنّ هذا التعليل يفيد كراهة مطلق الجلوس فيها، وعن بعضهم - كصاحب «الرياض» - التعميم لمطلق الاستعمالات((6)).

ولكن هذا متوقّف على تماميّة كبرى: أنّ كل ما فيه حرّ جهنم يكره

ص: 260


1- في المصدر: بالحميّات.
2- وفيه: فيح.
3- الكافي 6 : 389، ح1.
4- 4*) تهذيب الأحكام 9 : 101، ح441.
5- 5*) المحاسن: 579، ح47.
6- - مجمع الفائدة والبرهان 11 : 279، وكفاية الأحكام 2 : 253.

استعماله؛ إذ خروج هذه المياه من فيح جهنم قد ينتج عنه عدم حصول الشفاء بواسطتها، وهذا لا يمنع أن يستفاد منها في أمور أخرى غير التداوي، فتأمل.

سند الحديث:

ذكر الماتن ثلاثة أسانيد لهذا الحديث:

أولها: سند الكليني، وفيه: مسعدة بن صدقة: وقد تقدّم أنّه مشترك بين شخصين، أحدهما عامي بتري من أصحاب الإمام الباقر (علیه السلام) ، ولم يرد فيه توثيق، والآخر من أصحاب الإمامين الصادق والكاظم (علیهما السلام) ، ويروي عنه هارون بن مسلم، فيكون هو المراد هنا؛ لروايته عن الإمام الصادق، ورواية هارون بن مسلم عنه.

أضف إلى ذلك: أنّه لم ترد رواية مسعدة بن صدقة عن أبي جعفر (علیه السلام) في شيء من الكتب الأربعة.

ومسعدة الثاني ثقة؛ لوقوعه في أسناد كتاب «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي»((1)

فهذا السند معتبر.

ثانيها: سند الشيخ في «التهذيب» عن الكليني، وقد مرّ أنّ للشيخ عدّةطرق معتبرة إلى الشيخ الكليني، فهذا السند معتبر.

ثالثها: سند البرقي في «المحاسن»، وهو ضعيف بالإرسال.

ص: 261


1- - أُصول علم الرجال 1 : 240، 287.

[564] 4- وَعَنْ بَعْضِهِمْ، عَنْ هَارُونَ، عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) ، قَالَ: «إِنَّ النَّبِيَّ(صلی الله علیه و آله و سلم) نَهَى أَنْ يُسْتَشْفَى بِالْحَمَّاتِ الَّتِي تُوجَدُ فِي الْجِبَالِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

المتحصل من الأحادیث

[4] - فقه الحديث:

هذا الحديث مطلق يعمّ جميع المياه الحارّة التي توجد في الجبال، فيشمل المياه التي يشم منها رائحة الكبريت والمياه التي ليست لها تلك الرائحة، وقد ثبت في محلّه: أنّه لا يحمل المطلق على المقيّد في المكروهات والمستحبات، وقد يقال بحمل هذا المطلق على ما تقدّم من الأحاديث التي فيها كراهة المياه الحارّة التي يشم منها رائحة الكبريت، كما صنعه الماتن في عنوان الباب، وقد عرفت ما فيه.

سند الحديث:

السند ضعيف بالإرسال.

فالحاصل: أنّ في الباب أربعة أحاديث، الأول والثاني من مراسيل الصدوق التي يمكن القول باعتبارها، والثالث معتبر، والرابع ضعيف.

ويستفاد منها جواز الطهارة بالمياه الحارّة والتي تكون في الجبال، بلافرق بين التي يشم منها رائحة الكبريت والتي لا يشمّ منها ذلك؛ لبقائها على

ص: 262


1- المحاسن: 579، ح48، ويأتي ما يدلّ على ذلك في الباب 24 من أبواب الأشربة المباحة من كتاب الأطعمة والأشربة.

الطهارة. ومجرّد اشتمالها على رائحة الكبريت لا يخرجها عن الطهارة؛ لعدم كون الكبريت من النجاسات؛ لأنَّها محصورة معلومة، ولا يخرجها أيضاً عن الإطلاق، وإن كره الاستشفاء بها بالشرب أو الجلوس أو غير ذلك.

ص: 263

ص: 264

13 - باب طهارة ماء الاستنجاء

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

13 - باب طهارة ماء الاستنجاء

شرح الباب:

من جملة المستثنيات من نجاسة الماء القليل: ماء الاستنجاء، وهو الماء المستعمل في إزالة النجو، أي: الغائط على ما فسّره به الزبيدي في «تاج العروس»، حيث قال: «من الكناية: نجا فلان ينجو نجواً: إذا أحدث من ريح أو غائط. يقال: ما نجا فلان منذ أيام، أي: ما أتى الغائط»((1))، فالنجو: هو ما يخرج من الموضع المعتاد من غائط أو ريح، وهو لا يشمل البول، فغسله ليس استنجاء، وإنما ألحق به للملازمة العرفيّة؛ فإنّ العادة جارية على الاستنجاء من الغائط والبول في مكان واحد، وقد حكم على ماء الاستنجاء بالطهارة، فيستفاد منه طهارة الماء الذي أزيل به البول أيضاً.

أقوال الخاصة:

لا إشكال عند الفقهاء في عدم البأس بماء الاستنجاء إذا لم يكن متغيّراً بالنجاسة، ولم يقع على نجاسة خارجة عن محلّه؛ لأنّه حينئذٍ يكون خارجاً عن صدق الاستنجاء، لكن هل ذلك لجهة العفو عنه؟ كما ذهب إليه

ص: 265


1- - تاج العروس20 : 219، مادة: «نجو».

المرتضى في «المصباح»، وهو ظاهر «المعتبر»((1))، والشهيد في «الذكرى»((2))، فتكون طهارة ملاقيه مستثناة عن قاعدة انفعال القليل بالنجاسة وخارجة تخصيصاً، فماء الاستنجاء وإن كان محكوماً بالنجاسة إلّا أنّه لا ينجس ما يلاقيه، أو لأنّه طاهر كما ذهب إليه الشيخان - كما في «المعتبر» - واختاره في «الشرائع»، واختاره صاحب «الحدائق»، وقوّاه ونسبه إلى المحقّق الأردبيلي في «شرح الإرشاد»((3)) ، بل نُقل عليه الإجماع كما في «المدارك»((4))، فتكون طهارة ملاقيه على طبق القاعدة.

وتظهر الثمرة بين القولين في جواز استعماله فيما يشترط فيه الطهارة ثانياً، أو إزالة النجاسة، فلا يجوز ذلك على القول الأول دون الثاني.

وهناك قول ثالث لبعضهم كصاحب «العروة»، والسيد الحكيم في «المستمسك»، وهو التفصيل بين الخبث فيرفعه واستعماله في رفع الحدث وما يشترط فيه الطهارة((5)).

وقد ذكروا لطهارة ماء الاستنجاء شروطاً:

الأول: عدم تغيّره في أحد الأوصاف الثلاثة.

ص: 266


1- - المعتبر 1 : 91.
2- - ذكرى الشيعة 1 : 83.
3- - الحدائق الناضرة: 1 : 469، 477.
4- - مدارك الأحكام 1 : 125.
5- - العروة الوثقى 1 : 102، ومستمسك العروة الوثقى 1 : 228.

الثاني: عدم وصول نجاسة إليه من الخارج.

الثالث: عدم التعدّي الفاحش على وجه لا يصدق معه الاستنجاء.

الرابع: أن لا يخرج مع البول أو الغائط نجاسة أخرى مثل الدم.

الخامس: أن لا تكون فيه الأجزاء من الغائط بحيث يتميّز.

السادس: سبق الماء على اليد، وهذا الشرط غير مرضي عند بعض المحقّقين قدس الله أسرارهم.

أقوال العامّة:

قال في «المغني»: «ما أزيلت به النجاسة إن انفصل متغيّراً بالنجاسة أو قبل طهارة المحل فهو نجس؛ لأنّه تغيّر بالنجاسة، أو ماء قليل لاقى محلاً نجساً لم يطهره فكان نجساً كما لو وردت عليه... وإن انفصل غير متغيّر من الغسلة التي طهر بها المحل، فإن كان المحلّ أرضاً فهو طاهر رواية واحدة... وإن كان غير الأرض ففيه وجهان: قال أبو الخطاب: أصحّهما: أنّه طاهر، وهو مذهب الشافعي ... والثاني: أنه نجس، وهو قول أبي حنيفة، واختاره أبو عبد الله بن حامد؛ لأنّه ماء قليل لاقى محلاً نجساً»((1)).

ص: 267


1- - المغني 1 : 48.

[565] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عَنِ الْأَحْوَلِ، يَعْنِي: مُحَمَّدَ بْنَ النُّعْمَانِ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : أَخْرُجُ مِنَ الْخَلاءِ فَأَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ، فَيَقَعُ ثَوْبِي فِي ذَلِكَ الْمَاءِ الَّذِي اسْتَنْجَيْتُ بِهِ؟ فَقَالَ: «لَا بَأْسَ بِهِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّه لا بأس بالثوب الملاقي لماء الاستنجاء بلا ريب، لكن هل تستند طهارته إلى طهارة ماء الاستنجاء الذي لاقاه، ويكون عدم تنجّسه بسبب عدم المقتضي لنجاسته؛ باعتبار الماء طاهراً، أو أنّ طهارته مستندة لهذا الحديث وأمثاله ممّا دلّ على أنّ ماء الاستنجاء لا ينجس ملاقيه، فيكون ماء الاستنجاء مستثنى من منجسيّة النجاسات والمتنجسات، فهو لا ينجس ملاقيه وإن كان هو في نفسه محكوماً بالنجاسة؟ احتمالان.

فقوله (علیه السلام) : «لا بأس به» يحتمل أن يكون راجعاً إلى وقوع ثوبه في الماء، وعندها يكون الحديث دالّاً على طهارة ماء الاستنجاء؛ إذ نفي البأس كان عن نفس الماء. ويحتمل أن يرجع إلى نفس الثوب، فلا يكون هذا الحديث دالّاً على طهارة الماء المستعمل في الاستنجاء؛ إذ لعلّ طهارة الثوب مستندة إلى تخصيص ما دلّ على منجسيّة المتنجّسات، فلا تعرّضللحديث لكون الماء طاهراً أم لا.

ص: 268


1- الكافي 3 : 13، ح5.

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ، مِثْلَهُ، وَزَادَ: «لَيْسَ عَلَيْكَ شَيْ ءٌ»(1)1*).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

وهذان الاحتمالان متكافئان، فالحديث مجمل من ناحية الدلالة على طهارة ماء الاستنجاء، وإن كان مبيّناً لطهارة ملاقيه.

لكن مع ذلك يقال: إنّ لازم طهارة الملاقِي طهارة نفس الماء عرفاً، بعد عدم معهوديّة وجود نجس غير منجّس، فطهارة الملاقِي الثابتة بهذا الحديث تدلّ بالملازمة العرفيّة على طهارة الماء الذي لاقاه.

وعليه يجوز شربه واستعماله فيما يشترط فيه الطهارة ما لم يقم دليل آخر على عدم كفايته في رفع الحدث أو الخبث.

وإطلاق الحديث يقتضي عدم الفرق بين الاستنجاء من البول أو الغائط، ولا بين المخرج المعتاد وغيره، ولا بين الخارج المتعدّي وغيره إلّا أن يتفاحش على وجه لا يصدق على إزالته اسم الاستنجاء.

والظاهر اختصاص الحكم بغسل محلّ الغائط أو البول، فلا يشمل غسلالمحل من المني أو الدم؛ لندرتهما، فلا مشقّة في الحكم بنجاسة الملاقي للماء الذي غسل به موضعهما، كما أنّ المتبادر من نفي البأس هو نفي

ص: 269


1- 1*) من لا يحضره الفقيه 1 : 41، ح162.
2- 2*) تهذيب الأحكام 1 : 85، ح223.

البأس باعتبار النجاسة المخصوصة وهي الغائط أو البول، لا باعتبار غيرها.

وهذا الحديث وإن كان مختصّاً بنفي البأس عن وقوع الثوب في ماء الاستنجاء إلّا أنّه من الواضح عدم خصوصيّة له، فيشمل غير الثوب أيضاً، خصوصاً بعد ما ورد الجواب عن السؤال على وجه عام، فيكون الحكم وارداً فيه بعنوان كلّي، وإن كان الباعث على السؤال مورداً خاصّاً.

سند الحديث:

ذكر الماتن ثلاثة أسانيد لهذا الحديث:

الأول: سند الكليني، وهو حسن على المشهور بإبراهيم بن هاشم، وقد قلنا بوثاقته، فيكون السند صحيحاً.

الثاني: سند الصدوق إلى محمد بن النعمان، وهو: عن محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه، عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير والحسن بن محبوب جميعاً، عن محمد بن النعمان((1)

والطريق حسن لولا وجود محمد بن علي ماجيلويه الذي لم يوثّق، إلّا أنّه قد ترضّى عنه الشيخ الصدوق كثيراً منفرداً كما في هذا الطريق، ومنضماًإلى غيره، والترضي آية الوثاقة، فالسند معتبر.

الثالث: سند الشيخ إلى محمد بن يعقوب الكليني، وقد مضى مراراً أن للشيخ عدّة طرق معتبرة، فهذا السند صحيح.

ص: 270


1- - من لا يحضره الفقيه 4 : 428 ، المشيخة.

[566] 2- وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي «الْعِلَلِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الْعِيزَارِ(1)، عَنِ الْأَحْوَلِ أَنَّهُ قَالَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - : الرَّجُلُ يَسْتَنْجِي فَيَقَعُ ثَوْبُهُ فِي الْمَاءِ الَّذِي اسْتَنْجَى(2) بِهِ؟ فَقَالَ: «لَا بَأْسَ»، فَسَكَتَ فَقَالَ: «أَوَتَدْرِي لِمَ صَارَ لَا بَأْسَ بِهِ؟» قَالَ: قُلْتُ: لَا وَاللَّهِ، فَقَالَ: «إِنَّ(3) الْمَاءَ أَكْثَرُ مِنَ الْقَذَرِ»(4).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

يحتمل في قوله (علیه السلام) : «لا بأس» أن يراد نفي البأس عن الثوب، ويكون نفي البأس الذي معناه الطهارة راجعاً إلى الثوب، لكن دلّ التعليل بأنّ الماءأكثر من القذر على أنّ نفي البأس هو عن الماء، فهو لا يتغيّر بملاقاته للنجاسة، وهو طاهر، ولأجل طهارته لا ينجس الثوب الذي لاقاه.

لكن هذه الدلالة مخدوشة؛ لأنّ التعليل لا يمكن المصير إليه، فإنّ معنى التعليل: أنّ الماء القليل لا ينفعل بملاقاة النجس إلّا إذا تغيّر به، وقد مرّ أنّ

ص: 271


1- في المصدر: العنزا.
2- في المصدر: يستنجي.
3- في المصدر: لأنّ.
4- علل الشرايع 1 : 287، ح1.

هذا غير صحيح؛ لما دلّ من الأحاديث المتقدّمة على انفعال الماء القليل بمجرد ملاقاة النجس وإن لم يتغيّر به؛ وأنّ التغيّر إنَّما يعتبر في الكر.

بحث رجالي حول العيزار

سند الحديث:

محمد بن الحسين: هو ابن أبي الخطاب، وقوله هنا: «عن رجل» في المصدر زيادة: من أهل المشرق، وهو مجهول.

وأمّا العيزار كما هنا، ولعلّه الصحيح، أو العنزا كما في المصدر: فهو مهمل في كتبنا، وهو مذكور في كتب العامّة، ففي «التاريخ الكبير» للبخاري قال عنه: «عيزار بن حريث العبدي الكوفي، رأى عمرو بن حريث»((1)

وقال ابن حجر في «تقريب التهذيب»: «العيزار - بفتح أوله، وسكون التحتانيّة بعدها زاي، وآخره راء - ابن حريث العبدي الكوفي، ثقة من الثالثة، مات بعد سنة عشر ومائة»((2)).وأضاف في «تهذيب التهذيب»: «قال ابن معين والنسائي: ثقة. وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: مات في ولاية خالد على العراق. قلت: ووثّقه العجلي»((3)).

وأمّا الأحول: فهو محمد بن النعمان، المعروف بمؤمن الطاق.

ص: 272


1- - التاريخ الكبير 7 : 79.
2- - تقريب التهذيب 1 : 768 / 5299.
3- - تهذيب التهذيب 8 : 182 / 379.

وفي طبعة «الوسائل» التي علّق عليها المحقّق الشيخ عبد الرحيم الرباني الشيرازي: «عن رجل، عن العيزار، أو عن الأحول أنّه قال ...»، فيكون العيزار راوياً عن الإمام الصادق (علیه السلام) مباشرة؛ لأنّه (علیه السلام) ولد سنة ثلاث وثمانين من الهجرة، والعيزار مات بعد سنة عشر ومائة، فإذا فرضنا أنّه مات في السنة التي بعدها فإنّ عمر الإمام (علیه السلام) حينها ثمان وعشرين سنة، فلقاؤه بالإمام (علیه السلام) ممكن.

والسند ضعيف، إلّا أن يقال: إنّ في السند يونس بن عبد الرحمن، وهو من أصحاب الإجماع، فيصحّ ما صحّ عنه.

وقد يقال: إنّ كتب يونس التي كتبها في الفقه معتمد عليها بنقل الصدوق عن شيخه ابن الوليد إلّا ما رواه عن محمد بن عيسى. فإذا كان الاعتماد بمعنى تصحيح السند صحّ أيضاً، لكن هذا الطريق متوقّف على وجود الحديث في كتبه.

فهذا السند معتبر بهذين الوجهين.

ص: 273

[567] 3- وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ ابْنِ الْحَكَمِ، عَنِ الْكَاهِلِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: قُلْتُ: أَمُرُّ فِي الطَّرِيقِ فَيَسِيلُ عَلَيَّ الْمِيزَابُ فِي أَوْقَاتٍ أَعْلَمُ أَنَّ النَّاسَ يَتَوَضَّئُونَ؟ قَالَ: «لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ، لَا تَسْأَلْ عَنْهُ»(1).

أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُضُوءِ الِاسْتِنْجَاءُ.

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

دلّ بنفي البأس على طهارة ماء الاستنجاء، الذي هو المراد من الوضوء هنا، وإن كان المتبادر هو وضوء الصلاة، فإنّه غير المحتاج إلى قرينة، والقرينة على إرادة الاستنجاء هي سؤال الراوي، مع ما كان معهوداً في تلك الأزمنة من جعلهم الكنيف في سطوح المساكن.

كما دلّ على نفي استحباب الاجتناب؛ للنهي عن السؤال عن طهارته ونجاسته.

سند الحديث:

أحمد بن محمد: وإن كان مشتركاً بين أحمد بن محمد بن عيسى وأحمد بن محمد بن خالد، إلّا أنّا استظهرنا كونه الأول كما تقدّم. وأمّا عليبن الحكم: فقد مضى الكلام في اشتراكه بين الثقة وغيره، وقد حقّقنا

ص: 274


1- الكافي 3 : 13، ح3، وتقدّم ذيله في الحديث 5 من الباب 6 من أبواب الماء المطلق.

[568] 4- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبَانِ ابْنِ عُثْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَسْتَنْجِي ثُمَّ يَقَعُ ثَوْبِي فِيهِ وَأَنَا جُنُبٌ؟ فَقَالَ: «لَا بَأْسَ بِهِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

أنّه ليس بمشترك، وأمّا الكاهلي: فهو عبد الله بن يحيى الكاهلي، والسند ضعيف بالإرسال، إلّا على القول بتماميّة شهادة الكليني في «الكافي»، فيكون معتبراً.

[4] - فقه الحديث:

في هذا الحديث احتمالان:

الأول: أنّ نفي البأس عن الثوب الملاقي لغسالة المني بقرينة قوله: «وأنا جنب»، فيخرج الحديث عن باب طهارة ماء الاستنجاء، ويدخل في باب عدم انفعال الماء القليل بالملاقاة حينئذ، ويكون من أحد الأدلّة عليه، وقد مضى الكلام في هذا الحكم.

الثاني: أنّ نفي البأس عن الثوب الملاقي لماء الاستنجاء، ولا مدخليّةلكونه جنباً في الماء، فليس نظر السائل إلى وجود غسالة للمني أصلاً، بل الماء الذي لاقاه الثوب هو ماء الاستنجاء،كما هو الأظهر؛ لأنّ إضافة قوله:

ص: 275


1- تهذيب الأحكام 1 : 86، ح227.

احتمالان في قوله علیه السلام «لا بأس به»

«وأنا جنب» مستندة إلى ما كان يتوهّم في تلك الأزمنة من نجاسة الماء الملاقي لبدن الجنب، وهذا غير عزيز في الأحاديث كما هو واضح.

والحاصل: أنّه على كلا الاحتمالين لا تعرّض لطهارة الماء المستعمل في الاستنجاء ونجاسته في هذا الحديث. ونفي البأس إنَّما هو عن الثوب ونحوه الملاقي لماء الاستنجاء.

نعم، على القول بالملازمة العرفيّة بين طهارة الملاقِي وطهارة الماء الملاقَى تثبت طهارته، وعليه يجوز استعماله فيما يشترط فيه الطهارة ما لم يقم دليل آخر على الخلاف.

سند الحديث:

فيه: سعد: وهو سعد بن عبد الله الأشعري القمي، وأحمد بن محمد: هو أحمد بن محمد بن عيسى، والسند معتبر.

ص: 276

[569] 5- وَبِالْإِسْنَادِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ جَمِيعاً، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ، عَنْ لَيْثٍ الْمُرَادِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عُتْبَةَ الْهَاشِمِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يَقَعُ ثَوْبُهُ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي اسْتَنْجَى بِهِ، أَيُنَجِّسُ ذَلِكَ ثَوْبَهُ؟ قَالَ: «لَا»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

دلّ الحديث أيضاً على عدم نجاسة الثوب الملاقي لماء الاستنجاء، وليس فيه تعرّض لطهارة ماء الاستنجاء نفسه، وليس فيه دلالة على أنّ عدم نجاسة الثوب مستند إلى طهارة الماء، أو أنّه مستند إلى تخصيص ما دلّ على منجسيّة المتنجّسات.

ولكن يأتي فيه ما تقدم في سوابقه من دلالة الملازمة العرفيّة بين طهارة الملاقِي وطهارة الماء الملاقَى على طهارته.

سند الحديث:

فيه: أحمد بن محمد: وهو أحمد بن محمد بن عيسى كما في سند الحديث السابق، والسند صحيح.

ص: 277


1- تهذيب الأحكام 1 : 86، ح228، ويأتي ما يدلّ على ذلك في الحديث 1 من الباب 60 من أبواب النجاسات.

والحاصل: أنّ في الباب خمسة أحاديث، خامسها صحيح، وأولها حسن، ورابعها معتبر، وثانيها وثالثها ضعيفان يمكن تصحيحهما.

المتحصل من الأحادیث

والمستفاد من أحاديث الباب أمور، منها:

1- طهارة ما يلاقي ماء الاستنجاء.

2- طهارة ماء الاستنجاء بالملازمة العرفيّة بين طهارة الملاقِي والملاقَى.

3- نفي استحباب الاجتناب عن الماء المشكوك نجاسته.

ص: 278

14 - باب جواز الوضوء ببقية ماء الاستنجاء وكراهة اعتياده إلاّ مع غسل اليد قبل دخول الإناء

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

14 - باب جواز الوضوء ببقية ماء الاستنجاء وكراهة اعتياده إلّا مع غسل اليد قبل دخول الإناء

شرح الباب:

تضمّن عنوان الباب ثلاثة أحكام:

الأول: جواز الوضوء ببقيّة ماء الاستنجاء. وقد تقدّم في الباب السابق الكلام في طهارة ماء الاستنجاء، وأنّه إذا حكم بطهارته فإنّه يجوز استعماله في كل ما تشترط الطهارة فيه.

الثاني: كراهة اعتياد الوضوء من فضل ماء الاستنجاء.

الثالث: أنّ كراهة الوضوء من بقيّة ماء الاستنجاء فيما إذا لم يغسل يده قبل إدخالها الإناء، وأمّا إذا غسلها قبله فلا كراهة.

ص: 279

[570] 1- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ فِي «قُرْبِ الْإِسْنَادِ»، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَلَوِيِّ، عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَتَوَضَّأُ فِي الْكَنِيفِ بِالْمَاءِ يُدْخِلُ يَدَهُ فِيهِ، أَيَتَوَضَّأُ مِنْ فَضْلِهِ لِلصَّلَاةِ؟ قَالَ: «إِذَا أَدْخَلَ يَدَهُ وَهِيَ نَظِيفَةٌ فَلَا بَأْسَ، وَلَسْتُ أُحِبُّ أَنْ يَتَعَوَّدَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَغْسِلَ يَدَهُ قَبْلَ ذَلِكَ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

المراد من الوضوء في الكنيف هو الاستنجاء. وتقييد اليد التي يريد إدخالها في الماء القليل بالنظافة عن النجاسة يدلّ على انفعال الماء القليل بملاقاته لليد القذرة. وقد دلّ الحديث على جواز الطهارة من بقيّة ماء الاستنجاء بشرط أن يبقى الماء على طهارته، ولذا قيّدت اليد بكونها نظيفة عن القذر. كما دلّ قوله (علیه السلام) : «ولست أحب أن يتعوّد ذلك» على كراهة ومرجوحيّة تعوّد الوضوء للصلاة من بقيّة ماء الاستنجاء؛ فإنّ ماء الوضوء - كما يستفاد من عدّة أحاديث - ينبغي أن يكون أنظف ما يمكن للمكلّف أن يحصل عليه من المياه، وأبعدها عن الأقذار والشبهات، واعتياد الوضوء ببقيّة ماء الاستنجاء ينافي ذلك.

نعم، مع غسل اليد قبل إدخالها الإناء الذي فيه بقيّة ماء الاستنجاء ترتفع هذه الكراهة؛ لأنّ الماء سيصير حينئذ نظيفاً بعيداً عن القذارة والشبهة.

ص: 280


1- قرب الإسناد: 179.

المتحصل من الأحادیث

سند الحديث:

سبق هذا السند بعينه، وعبد الله بن الحسن العلوي: لم يوثّق، وقلنا بإمكان تصحيح السند بعدّة وجوه، فالسند معتبر.

فالحاصل: أنّ في الباب حديثاً واحداً ضعيفاً، إلّا أنّه يمكن تصحيحه.

وقد دلّ على أمور، منها:

1- طهارة ماء الاستنجاء.

2- جواز الوضوء ببقيّة ماء الاستنجاء.

3- كراهة اعتياد الوضوء من فضل ماء الاستنجاء.

4- ارتفاع الكراهة بغسل اليد قبل إدخالها الإناء الذي فيه بقيّة ماء الاستنجاء.

5- انفعال ماء الاستنجاء لكونه قليلاً بملاقاة النجاسة.

ص: 281

ص: 282

أبواب الأسآر

ص: 283

ص: 284

أبواب الأسآر

-----------------------------------------------------------------------------

أبواب الأسآر

الأسآر: جمع سؤر، وقد اختلفت كلمات اللغويين في تحديد معناه من حيث السعة والضيق، فعن «القاموس»: «السؤر - بالضم - : البقيّة، والفضلة»((1))، فلم يشترط المباشرة بالفم، ولم يخصّه بالشراب دون غيره، وعن «الصحاح»: «يقال: إذا شربت فأسئر، أي: أبق شيئاً من الشراب في قعر الإناء»((2)

ففسّر السؤر بما يبقى بعد الشرب، وهو مخصوص بمباشرة الشراب لا غيره، والمباشرة بالفم لا بغيره من أعضاء الجسد.

وعن «مجمع البحرين» : «الأسآر: جمع سؤر بالضم فالسكون، وهو بقيّة الماء التي يبقيها الشارب في الإناء أو في الحوض، ثم استعير لبقيّة الطعام، قاله في المغرب وغيره. وعن الأزهري: اتفق أهل اللغة أنّ ساير الشيء باقيه، قليلاً كان أو كثيراً»((3)).

كما اختلفت كلمات الفقهاء أيضاً، فعن ابن إدريس: السؤر: عبارة عمّا

ص: 285


1- - القاموس المحيط 2 : 43 ، مادّة: «سأر».
2- - الصحاح 2 : 675، مادّة: «سأر».
3- - مجمع البحرين 3 : 322، مادّة: «سأر».

شرب منه الحيوان، أو باشره بجسمه، من المياه وسائر المائعات((1))، وعن المحقّق في «المعتبر»: أنّه بقيّة المشروب((2)

وعن المحقّق الخراساني: أنّه خصوص الماء الملاقي لجسم حيوان((3)).

قال في «المدارك»: «والأظهر في تعريفه في هذا الباب: أنّه ماء قليل لاقاه فم حيوان. وعرّفه الشهيد((4)) (رحمه الله) ومن تأخر عنه((5)) بأنّه ماء قليل باشره جسم حيوان، وهو غير جيّد. أمّا أولاً: فلأنّه مخالف لما نصّ عليه أهل اللغة، ودلّ عليه العرف العام، بل والخاص أيضاً، كما يظهر لمن تتبّع الأخبار وكلام الأصحاب ...»((6)).

والمتيقّن من السؤر ما باشره الحيوان بفمه من الشراب.

وإنّما عقد للأسآر أبواباً على حدة ولم يجعلها مندرجة في ما مضى من الأبواب المعقودة لبيان حكم الملاقاة للنجاسة والمتنجّس وغيرهما؛ لأجل اختصاصها ببعض الأحكام، كالمنع عن سؤر ما لا يوكل لحمه؛ تنزيهاً على المشهور، أو تحريماً على قول.

ولما كان لسؤر بعض الحيوانات بعض الخصوصيّات جعل المصنّف لها

ص: 286


1- - السرائر 1 : 85.
2- - المعتبر 1 : 93.
3- - اللمعات النيرة 34.
4- - البيان: 46.
5- - منهم الشهيد الثاني في الروضة البهيّة 1 : 46.
6- - مدارك الأحكام 1 : 128.

أبواباً تخصّها.

ولذا جعل لسؤر الكلب والخنزير مثلاً باباً على حدة، فإنّ لولوغهما حكماً خاصّاً من تعفير الإناء بالتراب في ولوغ الكلب، ثم غسله إذا كان التطهير بالماء القليل، والغسل سبع مرات في ولوغ الخنزير.

ثم إن سؤر الحيوان تابع للحيوان في الحكم، فإن كان الحيوان نجساً - كالكافر والكلب والخنزير - كان سؤره كذلك، وإن كان محرّم الأكل فمختلف فيه ما عدا ما لا يمكن الاحتراز منه، وإن كان طاهراً مكروه الأكل كان سؤره مكروهاً، وإن كان طاهراً محلّل الأكل فلا بأس بسؤره.

ص: 287

ص: 288

1 - باب نجاسة سؤر الكلب والخنزير

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

1 - باب نجاسة سؤر الكلب والخنزير

شرح الباب:

الكلب: كل سبع عقور، وغلب على هذا النابح((1))، وقال الزبيدي في «تاج العروس» بعد نقله لما تقدّم: «قال شيخنا: بل صار حقيقة لغوية فيه، لا تحتمل غيره، ولذلك قال الجوهري وغيره: هو معروف، ولم يحتاجوا لتعريفه؛ لشهرته»((2)).

ولا يدخل كلب الماء في الحكم بنجاسة الكلب؛ حملاً للفظ على الفرد المتعارف الشائع.

والخنزير معروف، والمراد من الولوغ شربه الماء، أو مائعاً آخر، بطرف لسانه. قال الجوهري: «ولغ الكلب في الإناء يلغ ولوغاً، أي: شرب ما فيه بأطراف لسانه»((3)).

وقوّى جماعة إلحاق لطعه الإناء بشربه((4))، وأما وقوع لعاب فمه فالأقوى

ص: 289


1- - القاموس المحيط 1 : 125. مادّة: «كلب».
2- - تاج العروس 2 : 380، مادّة: «كلب».
3- - الصحاح 4 : 1329، مادّة: «ولغ».
4- - انظر: جامع المقاصد 1 : 191، ومجمع الفائدة والبرهان 1 : 367، والحدائق الناضرة 5 : 475.

فيه عدم اللحوق، وإن كان أحوط، بل قال بعضهم: إنّه الأقوى((1)).

والمتفق عليه بينهم هو وجوب غسل الإناء وتعفيره بالتراب، وأمّا عدد الغسلات فقد اختلفوا فيه على أربعة أقوال:

الأوّل: اشتراط غسل الإناء من الولوغ سبعاً إحداهنّ بالتراب، واختاره الإسكافي على ما حكاه عنه المحقّق في «المعتبر»((2)

وقوّاه المحدّث الكاشاني في «مفاتيح الشرائع»((3)).

ويمكن أن يستدلّ له بموثقة عمّار بن موسى أنه سأله عن الإناء يشرب فيه النبيذ؟ فقال: «تغسله سبع مرات، وكذلك الكلب»((4)).

إلّا أنّ الاستدلال بها مخدوش: بأنّ الإناء الذي يشرب فيه النبيذ يغسل ثلاث مرات كسائر الآنية المتنجّسة، ولا يجب غسله سبعاً. نعم، يستحب غسله سبعاً، فيكون في سؤر الكلب كذلك.

الثاني: اشتراط غسل الإناء ثلاثاً إحداهنّ بالتراب، وهو المشهور((5))، بلادّعي عليه الإجماع((6))، ولا خلاف فيه بين القدماء إلّا من الإسكافي.

ص: 290


1- - نهاية الأحكام 1 : 294.
2- - المعتبر 1 : 458.
3- - مفاتيح الشرائع 1 : 75.
4- - وسائل الشيعة 25 : 368، ب30 من أبواب الأشربة المحرمة، ح2.
5- - كفاية الأحكام 1 : 71.
6- - جواهر الكلام 6 : 355.

الثالث: الاكتفاء بالمرّة بعد التعفير، بلا فرق بين الماء القليل والمعتصم، ومال إليه في «المدارك»((1)).

الرابع: التخيير، وقد مال إليه في «جامع المدارك»؛ للجمع بين الروايات، حيث قال: «فالأولى أن يجمع بين الطرفين بالتخيير، فإن اختار التعفير يكتفي بالغسل مرّة أو مرّتين، وإلّا فلا بدّ من الغسل سبع مرّات»((2)).

أقوال الخاصّة:

وقع الاتفاق بين علماء الإماميّة على أنّ الكلب والخنزير نجسان عيناً، وكذا سؤرهما، قال الشيخ في «الخلاف»: «الكلب نجس العين، نجس اللعاب، نجس السؤر ... دليلنا إجماع الفرقة ...»((3))، وقال العلامة في «التذكرة»: «الكلب والخنزير نجسان عيناً ولعاباً، ذهب إليه علماؤنا أجمع»((4))، وقال في المنتهى: «الكلب والخنزير نجسان عيناً، قاله علماؤناأجمع»((5)).

نعم، استثنى السيد المرتضى شعر الكلب والخنزير، بل كل ما لا تحلّه

ص: 291


1- - مدارك الأحكام 2 : 390 - 391.
2- - جامع المدارك 1 : 233.
3- - الخلاف1 : 176 - 177.
4- - تذكرة الفقهاء 1 : 66.
5- - منتهى المطلب 3 : 210.

الحياة((1))، وأحاديث الباب وغيرها تدفعه.

أقوال العامّة:

وقع الخلاف بينهم في نجاسة سؤر الكلب والخنزير، قال في «المغني»: «الحيوان قسمان: نجس وطاهر، فالنجس نوعان:

أحدهما: ما هو نجس رواية واحدة، وهو الكلب والخنزير وما تولّد منهما أو من أحدهما، فهذا نجس عينه وسؤره وجميع ما خرج منه، وروي ذلك عن عروة، وهو مذهب الشافعي وأبي عبيد، وهو قول أبي حنيفة في السؤر خاصة. وقال مالك والأوزاعي وداود: سؤرهما طاهر يتوضأ به ويشرب، وإن ولغا في طعام لم يحرم أكله، وقال الزهري: يتوضّأ به إذا لم يجد غيره، وقال عبدة بن أبي لبابة والثوري وابن الماجشون وابن مسلمة: يتوضّأ ويتيمّم. قال مالك: ويغسل الإناء الذي ولغ فيه الكلب تعبّداً...»((2)).

ص: 292


1- - الناصريات: 100 - 101.
2- - المغني 1 : 41.

[571] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حَرِيزٍ، عَنِ الْفَضْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «إِذَا أَصَابَ ثَوْبَكَ مِنَ الْكَلْبِ رُطُوبَةٌ فَاغْسِلْهُ، وَإِنْ مَسَّهُ جَافّاً فَاصْبُبْ عَلَيْهِ الْمَاءَ»، الْحَدِيثَ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على نجاسة الكلب، وسريان نجاسته إلى الثوب مع الرطوبة، وذلك للأمر بغسل الثوب، ولا يؤمر بغسل الثوب إلّا إذا كان متنجّساً، وأمّا إذا مسّ الكلب الثوب ولم تكن رطوبة منه أو من الثوب فلا يجب الغسل، بل ورد الأمر بصبّ الماء على الثوب، والمراد بالصبّ غير الغسل، قال الشيخ البهائي في «الحبل المتين»: «والفرق بين غسل الثوب وصبّ الماء عليه: أنّ الغسل ما كان معه عصر، وبدونه يكون صبّاً، قاله المحقّق في المعتبر((2)

وبه قطع العلامة في المنتهى في بحث الولوغ، فإنّه قال: لو كان المغسول ممّا يفتقر إلى العصر لم يحتسب له غسلة إلّا بعد عصره،((3)) انتهى»((4)).

وقد فهم منه بعض العلماء الرش، استحباباً، كما عن العلامة في

ص: 293


1- تهذيب الأحكام 1 : 261، ح759، وأورده في الحديث 2 من الباب 26، وأورده بتمامه في الحديث 1 من الباب12 من أبواب النجاسات.
2- - المعتبر 1 : 435.
3- - منتهى المطلب 3 : 342.
4- - الحبل المتين 1 : 425 - 426.

«المختلف»((1))

، وإنَّما صِير إلى الاستحباب؛ لأنّه ليس في الأمر بالصبّ دلالة على النجاسة، بل ولا إشعار؛ لأنّ النجاسة لا تزول بالنضح والرش ونحوهما، ممّا لا يصدق عليه مسمى الغسل بضرورة الفقه.

ولم يذكر في الحديث الولوغ، ولا اللطع. وإذا كان السؤر بمعنى بقيّة المشروب فلا تعرّض في الحديث له، فلا يكون مرتبطاً بهذا الباب، ولذا لم يذكر في «جامع أحاديث الشيعة». نعم، إذا كان السؤر بالمعنى الواسع الذي ذكره السيد الأستاذ(قدس سره) ، أمكن القول بدلالة الحديث عليه.

سند الحديث:

حمّاد: هو حمّاد بن عيسى؛ لما تقدّم، وحريز: هو حريز بن عبد الله السجستاني، والفضل أبو العباس: هو الفضل بن عبد الملك البقباق، والسند صحيح أعلائي.

ص: 294


1- - مختلف الشيعة 1 : 493.

[572] 2- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنِ الْعَمْرَكِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: وَسَأَلْتُهُ عَنْ خِنْزِيرٍ شَرِبَ مِنْ إِنَاءٍ كَيْفَ يُصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: «يُغْسَلُ سَبْعَ مَرَّاتٍ»(1)و(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على نجاسة الخنزير، وسريان نجاسته إلى الإناء والماء؛ لكونه ماء قليلاً بسبب شربه من الإناء، وشربه إنَّما يكون بولوغه فيه. وتستفاد هذه الدلالة من الأمر بغسل الإناء، ولا يؤمر بغسله إلّا إذا كان متنجّساً. كما دلّ على لزوم الغسل سبعاً من شربه من الإناء، فلا يكفي غسله دون ذلك.

سند الحديث:

العمركي: هو العمركي بن علي، أبو محمد البوفكي، وتقدّم أنّه ثقة، فالسند صحيح أعلائي.

ص: 295


1- ورد في هامش المخطوط ما نصّه: لم أجده في الكافي، وكذا لم يجده الشيخ بهاء الدين في مشرق الشمسين، وقال: كأنه أخذه من غير الكافي من مؤلفات الكليني. (منه(قدس سره) (.
2- تهذيب الأحكام 1 : 261، ح760، وأورده بتمامه في الحديث 1 من الباب 13 من أبواب النجاسات.

[573] 3- وَعَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، يَعْنِي: ابْنَ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْكَلْبِ يَشْرَبُ مِنَ الْإِنَاءِ؟ قَالَ: «اغْسِلِ الْإِنَاءَ»، الْحَدِيثَ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على لزوم غسل الإناء لتنجّسه بولوغ الكلب؛ لما مرّ في الحديث الأول، مضافاً إلى نجاسة الكلب وتنجّس الإناء. وليس في الجواب بيان تعدّد الغسل، ولا لزوم التعفير بالتراب. لكن يقيّد بما في صحيح البقباق الآتي؛ حيث ورد فيه الأمر بالغسل بالتراب.

سند الحديث:

تقدّم الكلام في رجال السند، وهو صحيح أعلائي.

ص: 296


1- تهذيب الأحكام 1 : 225، ح644، والاستبصار 1 : 18، ح39، وأورده بتمامه في الحديث3 من الباب الآتي.

[574] 4- وَعَنْهُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حَرِيزٍ، عَنِ الْفَضْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنْ فَضْلِ الْهِرَّةِ وَالشَّاةِ وَالْبَقَرَةِ وَالْإِبِلِ وَالْحِمَارِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْوَحْشِ وَالسِّبَاعِ، فَلَمْ أَتْرُكْ شَيْئاً إِلَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ؟ فَقَالَ: «لَا بَأْسَ بِهِ»، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى الْكَلْبِ؟ فَقَالَ: «رِجْسٌ نِجْسٌ لَا تَتَوَضَّأْ بِفَضْلِهِ، وَاصْبُبْ ذَلِكَ الْمَاءَ، وَاغْسِلْهُ بِالتُّرَابِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ثُمَّ بِالْمَاءِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[4] - فقه الحديث:

المراد بفضل هذه الدواب المذكورة هو السؤر بمعنى بقيّة الماء، بقرينة الجواب عن فضل الكلب وذكر عدم جواز الوضوء بفضله، والأمر بصبّ ذلك الماء. والحديث صريح في طهارة سؤر السباع وبقيّة الأسآر ما عدا سؤر الكلب، وإن كان هذا العموم مخصّصاً بسؤر الخنزير، وكذا الكافر أيضاً. نعم، تنفع دلالته فيما لا نصّ فيه، فيحكم بطهارته؛ لاندراجه تحت هذا العموم. والظاهر من قول السائل: فلم أترك شيئاً إلّا سألته عنه، أنّ المراد: لم أترك شيئاً ممّا خطر في بالي إلّا سألته عن سؤره.

وفيه عدم جواز الوضوء بذلك الماء، والأمر بصبّه، ولعلّه للاحتراز من

ص: 297


1- تهذيب الأحكام 1 : 225، ح646، والاستبصار 1 : 19، ح40، ويأتي صدره في الحديث1 من الباب 11 من أبواب النجاسات، وذيله في الحديث 1 من الباب 70 من أبواب النجاسات.

استعمال الغير له.

كلمات الفقهاء حول التعفير

ثم إنّه لم يذكر فيه الولوغ في الإناء صريحاً، إلّا أنّه يمكن استفادته من الأمر بالغسل بالتراب، ومن قوله: «لا تتوضّأ بفضله»، ومن الأحاديث المشابهة.

والحديث صريح في تقدّم التعفير بالتراب على الغسل بالماء. وظاهر إطلاق الأمر بالتعفير عدم سقوطه حتى لو غُسل الإناء في الماء الكثير أو الجاري.

وأمّا تعدّد الغسل فلا يستفاد من هذا الحديث، فتكمل دلالته من الأحاديث الأخرى الدالّة على لزوم تعدّد الغسل.

نعم، نقل المحقّق في «المعتبر» والعلامة في «التذكرة» زيادة كلمة «مرّتين» بعد قوله: «ثم بالماء»((1))، فعلى هذا لا إشكال في التعدّد.

ولم يرد التعفير إلّا في كلمات الفقهاء أعلى الله مقامهم، وقد خلت منه النصوص. نعم، الوارد في هذا الحديث الأمر بالغسل بالتراب، وقد اختلف الفقهاء في المراد منه، فقال بعضهم - كابن إدريس وكاشف اللثام والسيد الأستاذ((2))-

: إنّه لابد أن يمتزج التراب بالماء، ويدلك به الإناء بعد ذلك،حتى يتحقّق الغسل؛ لأنّ حقيقة الغسل جريان المائع على الجسم المغسول، والتراب لا يجري وحده، فيكون الغسل بالماء مع التراب، كما هو المتعارف

ص: 298


1- - المعتبر 1 : 458، وتذكرة الفقهاء 1 : 83.
2- - السرائر 1 : 91، وكشف اللثام 1 : 495، والتنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 4 : 45.

في غسل الآنية عند إرادة إزالة الأقذار العرفيّة.

واشترط بعضهم أن لا يكون في الغسل بالتراب ماء، فيكون المراد من الغسل المسح، وإطلاق الغسل عليه مجاز بجامع إزالة القذر في كليهما، وذهب إلى هذا الاشتراط العلامة في «التذكرة» و«القواعد»((1)).

وخيّر بعضهم بين مزج الماء بالتراب وعدمه، اختاره الشهيد الأول في «الذكرى» و«الدروس»((2)).

سند الحديث:

تقدّم هذا السند في الحديث الأول من هذا الباب، وهو صحيح أعلائي.

ص: 299


1- - تذكرة الفقهاء 1 : 85 ، وقواعد الأحكام 1 : 198.
2- - ذكرى الشيعة 1 : 125، والدروس الشرعية 1 : 125.

[575] 5- وَعَنْهُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حَرِيزٍ، عَمَّنْ أَخْبَرَهُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَصُبَّهُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

دلّ على نجاسة الكلب بجميع أجزائه، وأنّه إذا ولغ في الإناء فيلزم إهراقه، والأمر بإهراقه وصبّه لعلّه للاحتراز من استعمال الغير له.

سند الحديث:

السند ضعيف بالإرسال، لكن يمكن تصحيحه بكون الحديث من كتب الحسين بن سعيد، وكتبه مشهورة معوّل عليها، والشيخ يرويه من كتابه.

هذا، مضافاً إلى أنّ حمّاداً من أصحاب الإجماع، فيكون ما صحّ إليه صحيحاً على الأقوى.

ص: 300


1- تهذيب الأحكام 1 : 225، ح645.

[576] 6- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ شُرَيْحٍ، قَالَ: سَأَلَ عُذَافِرٌ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - وَأَنَا عِنْدَهُ - عَنْ سُؤْرِ السِّنَّوْرِ وَالشَّاةِ وَالْبَقَرَةِ وَالْبَعِيرِ وَالْحِمَارِ وَالْفَرَسِ وَالْبَغْلِ وَالسِّبَاعِ يُشْرَبُ مِنْهُ أَوْ يُتَوَضَّأُ مِنْهُ؟ فَقَالَ: «نَعَمِ، اشْرَبْ مِنْهُ وَتَوَضَّأْ»، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: الْكَلْبُ؟ قَالَ: «لَا»، قُلْتُ: أَلَيْسَ هُوَ سَبُعٌ؟ قَالَ: «لَا وَاللَّهِ إِنَّهُ نَجَسٌ، لَا وَاللَّهِ إِنَّهُ نَجَسٌ»(1).

وَعَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، مِثْلَهُ(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

[6] - فقه الحديث:

دلّ الحديث بالصراحة على طهارة أنواع الدواب المذكورة فيه، ويستفاد هذا من حكم الإمام (علیه السلام) بجواز الشرب والتوضّي من سؤرها، فسؤرها طاهر وهي كذلك طاهرة.

وأمّا الكلب فحكم الإمام (علیه السلام) بأنّه نجس، وأكّد (علیه السلام) ذلك بالقسم مرّتين؛ وذلك لقلع الشبهة الموجودة في ذهن السائل من أنّ الكلب من السباع، فيكون داخلاً في جملة ذوي الأسآر الطاهرة، ويمكن أن يكون مصدر هذهالشبهة هم العامّة؛ فإنّ جملة من فقهاء المدينة كان رأيهم طهارة سؤر

ص: 301


1- تهذيب الأحكام 1 : 225، ح647، والاستبصار 1 : 19، ح41.
2- تهذيب الأحكام 1 : 225، ح648.

الكلب، فيكون قوله (علیه السلام) : «لا والله إنه نجس»، رادعاً عمّا في ذهن السائل من الشبهة، لا أنّه وارد لنفي كونه من السباع؛ فإنّه منها بلا ريب عند أهل اللغة والعرف، بل هو لإثبات أنّه نجس من بين السباع التي تقدّم أنَّها طاهرة السؤر، ومعنى ذلك: أنّه لا يجوز شرب سؤره، ولا التوضّي منه.

سند الحديث:

لهذا الحديث سندان:

الأول: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»، وفيه ممّن لم يتقدّم ذكره: معاوية بن شريح: ولم يرد فيه توثيق خاص، وإنَّما ذكره الشيخ في «الفهرست» قائلاً: «معاوية بن شريح، له كتاب»((1)

لكن روى عنه المشايخ الثقات((2))، فيكون ثقة، فالسند معتبر.

الثاني: سند الشيخ أيضاً في «التهذيب»، وأحمد: هو أحمد بن محمد بن عيسى.

وفيه ممّن لم يتقدّم: معاوية بن ميسرة: وقد ذكره النجاشي بهذا العنوان،وقال: «معاوية بن ميسرة بن شريح بن الحارث الكندي، القاضي»((3))، وعدّه الشيخ في «رجاله» من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ، وقال: «معاوية بن

ص: 302


1- - فهرست الطوسي: 248 / 739.
2- - أصول علم الرجال 2 : 213.
3- - رجال النجاشي: 410 / 1093.

ميسرة بن شريح القاضي الكندي الكوفي»((1))، واقتصر في «الفهرست» على قوله: «معاوية بن ميسرة. له كتاب»((2)).

فلم يرد فيه توثيق خاص، لكن روى عنه المشايخ الثقات ((3))، فيكون ثقة.

هذا، وقد يقال: إنّه متّحد مع معاوية بن شريح، وتكون نسبته إلى جده، وهو كثير في أسماء الرواة.

لكن يبعده أنّ الشيخ ذكر العنوانين في «الفهرست»، كما أنّ للصدوق طريقاً لكل واحد منهما ((4)

فلا يكونان متّحدين.

وعلى كلٍّ فالسند معتبر.

ص: 303


1- - رجال الطوسي: 303 / 4460.
2- - فهرست الطوسي: 248 / 743.
3- - أصول علم الرجال 2 : 213.
4- - من لا يحضره الفقيه 4 : 430، 467، المشيخة.

[577] 7- وَعَنْهُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «لَيْسَ بِفَضْلِ السِّنَّوْرِ بَأْسٌ أَنْ يُتَوَضَّأَ مِنْهُ وَيُشْرَبَ، وَلَا يُشْرَبُ سُؤْرُ الْكَلْبِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَوْضاً كَبِيراً يُسْتَقَى مِنْهُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[7] - فقه الحديث:

فيه نفي البأس عن استعمال سؤر السنور في الشرب والوضوء؛ وما ذلك إلّا لطهارته وطهارة سؤره. وفيه أيضاً: النهي عن شرب سؤر الكلب؛ لنجاسته ونجاسة سؤره فيما إذا كان ما شرب منه ماء قليلاً، وهو دليل على انفعال الماء القليل بورود النجاسة عليه كالكلب هنا، وأمّا إذا كان الماء كثيراً - كما في الأحواض الكبيرة التي تكون على الطرقات في ذاك الزمان، وغيرها ممّا هو ماء كثير - فإنّه لا بأس بالشرب منه؛ لأنّه يزيد على الكر بكثير كما تقدّم، وهو دليل على أنّ الماء الكثير لا ينفعل بورود النجاسة عليه.

سند الحديث:

فيه: أبو جعفر أحمد بن محمد: وهو أحمد بن محمد بن عيسىالأشعري، والسند معتبر.

ص: 304


1- تهذيب الأحكام 1 : 226، ح650، وتقدّم ذيله في الحديث 3 من الباب 9 من أبواب الماء المطلق.

[578] 8 - وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَعْفُورٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ خَلْقاً أَنْجَسَ مِنَ الْكَلْبِ»(1).

أَقُولُ: وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ(2)، وَيَأْتِي مَا ظَاهِرُهُ الْمُنَافَاةُ، وَنُبَيِّنُ وَجْهَهُ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[8] - فقه الحديث:

فيه دلالة على أنّ الكلب نجس بلا استثناء شيء منه، والنجس إذا لاقى ماء قليلاً نجّسه، فيكون سؤره أيضاً نجساً. والحديث في مقام بيان النجاسة المغلّظة للكلب، ومع ذلك فالناصب أنجس منه كما تقدّم، ولا تعرّض في هذا الحديث لكيفيّة تطهير هذه النجاسة.

سند الحديث:

تقدّم أنّ السند موثق.

والحاصل: أنّ في الباب ثمانية أحاديث، سبعة منها معتبرة، وواحد ضعيف السند وهو الحديث الخامس، لكن قلنا بإمكان اعتباره.

وهذه الأحاديث مختصّة بالولوغ، وفيها تعفير الإناء بالتراب أوّلاً ويُعدّغسلةً؛ لكونه بالماء، ثم يغسل الإناء مرتين، لكن لفظ الولوغ لم يرد إلّا في

ص: 305


1- تقدّم في الحديث 5 من الباب 11 من أبواب الماء المضاف.
2- يأتي في الباب 12 والباب 13 من أبواب النجاسات.
3- يأتي ما ظاهره المنافاة في الحديث 6 من الباب القادم.

الحديث الخامس، وليس فيه ذكر لا لغسل الإناء، ولا التعفير بالتراب. وأمّا الحديث الرابع فورد فيه الغسل بالتراب لكن لم يرد فيه الولوغ، إلّا أنّ المراد بالشرب هو الولوغ؛ فإنّ شرب الكلب يكون بالولوغ، فيختصّ الحكم المذكور بالولوغ. وأمّا إذا لم تكن نجاسة الماء من جهة الولوغ بأن صار في الإناء لعاب الكلب، فلا دليل على وجوب التعفير.

كما أنّ هذا الحكم مختصّ بالسؤر الذي هو المائع، لا غيره، كما هو مورد هذه الأحاديث، ولكن لا خصوصيّة للماء؛ فإنّ بعضها مطلق كالرابع فقد ورد فيه: «فضل الهرّة ...» .

كما أنّ الحكم مختصّ بالإناء، ويشمل مثل الدلو والقربة، فلا يعم غيره ممّا يُعدّ ظرفاً للمائعات - كالثوب والبدن ونحوهما - إذا وصل إليه شربه أو ولوغه.

ثم إنّ حديث علي بن جعفر دلّ على لزوم غسل الإناء سبع مرات من شرب الخنزير، وظاهر إطلاقه: أنّه يلزم التعدّد حتى لو كان غسله في الكثير.

ص: 306

2 - باب طهارة سؤر السنور وعدم كراهته

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

2 - باب طهارة سؤر السنور وعدم كراهته

شرح الباب:

السنور حيوان أليف معروف، ومفسّر عند أهل اللغة بالهرّ، ولفظه مؤنث، وإن أريد به الذكر، قال في «اللسان»: «السُّنَّارُ والسِّنَّوْرُ: الهِرُّ، مشتق منه، وجمعه السَّنَانِيرُ»((1)

وقال في «الصحاح»: «الهرّ: السنور، والجمع هررة مثال قرد وقردة. والأنثى هرّة، وجمعها هرر، مثل قربة وقرب»((2))، وله أسماء متعدّدة، فيقال له - غير ما ذكرناه - : القط، والضيّون، والخيدع، والخيطل، والدم((3)).

وإفراد الماتن للبحث عن طهارة سؤره باباً خاصّاً لعلّه لبيان عدم كراهته، باعتبار أنّه من جملة السباع فله حكمها من طهارة السؤر مع الكراهة، فيكون السبب في إفراده عنها هو بيان عدم الكراهة.

أقوال الخاصّة:

لا إشكال في طهارة سؤر السنور، أمّا على مذهب من قال بطهارة سؤر ما

ص: 307


1- - لسان العرب 4 : 381، مادة: «سنر».
2- - الصحاح 2 : 853.
3- - حياة الحيوان الكبرى 2 : 48، وعنه في بحار الأنوار 62 : 67.

لا يؤكل لحمه - وهم المشهور، كما تأتي الإشارة إليه في البابين الرابع والخامس من هذه الأبواب - فواضح، وأمّا على قول من ذهب إلى نجاسة سؤر ما لا يؤكل لحمه - كشيخ الطائفة وابن إدريس - فلاستثنائهم إيّاها عن الحكم بنجاسة السؤر مع ما لا يمكن التحرّز منه.

ولكن الكلام في استثنائه عن الحكم بكراهة سؤر ما لا يؤكل لحمه، فعن جماعة ومنهم الماتن - كما في عنوان الباب - التصريح بعدم كراهته، وعن آخرين - على ما هو ظاهر إطلاق فتاواهم في كراهة سؤر ما يؤكل لحمه - كراهته أيضاً.

وأمّا الكلام في المطهّر لفمه، وأنّه هل هو زوال عين النجاسة فقط وإن عُلم بعدم ملاقاته لمطهّرٍ، كالماء الكثير أو الجاري أو القليل إذا كان بحيث يُطهّر، أو أنّه يعتبر احتمال الملاقاة للمطهّر بالإضافة إلى زوال عين النجاسة، فلا يطهر مع العلم بعدم الملاقاة، فقد اختلف فيه الفقهاء، قال صاحب «المدارك»: «إنّ مقتضى الأخبار - المتضمّنة لنفي البأس عن سؤر الهرّة وغيرها من السباع - طهارتها بمجرد زوال العين؛ لأنَّها لا تكاد تنفك عن النجاسات، خصوصاً الهرة، فإنّ العلم بمباشرتها للنجاسة متحقّق في أكثر الأوقات، ولولا ذلك للزم صرف اللفظ الظاهر إلى الفرد النادر، بل تأخير البيان عن وقت الحاجة، وإنّه ممتنع عقلاً. وبذلك صرّح المصنّف فيالمعتبر((1))، والعلامة في التذكرة والمنتهى((2))، فإنّهما قالا: إنّ الهرّة لو أكلت

ص: 308


1- - المعتبر 1 : 99.
2- - تذكرة الفقهاء 1 : 42، ومنتهى المطلب 1 : 161.

ميتة ثم شربت من الماء القليل لم ينجس بذلك، سواء غابت أو لم تغب. وقوّى العلامة في النهاية نجاسة الماء حينئذ، ثم جزم بأنَّها لو غابت عن العين واحتمل ولوغها في ماء كثير أو جارٍ لم ينجس؛ لأنّ الإناء معلوم الطهارة، ولا يحكم بنجاسته بالشك. وهو مشكل»((1)).

أقوال العامّة:

قال في «المجموع» - وهو شافعي المذهب - : «ومذهبنا أنّ سؤر الهرّة طاهر غير مكروه... وحكى صاحب الحاوي مثل مذهبنا عن عمر بن الخطاب وعلي وأبي هريرة والحسن البصري وعطاء والقاسم بن محمد، وكره أبو حنيفة وابن أبي ليلى سؤر الهرّ، وكذا كرهه ابن عمر. وقال ابن المسيب وابن سيرين: يغسل الإناء من ولوغه مرة، وعن طاووس قال: يغسل سبعاً، وقال جمهور العلماء: لا يكره كقولنا، وقال أبو حنيفة: الحيوان أربعة أقسام: أحدها: مأكول كالبقر والغنم فسؤره طاهر، والثاني: سباع الدواب كالأسد والذئب فهي نجسة، والثالث: سباع الطير كالبازي والصقر فهيطاهرة السؤر إلّا أنّه يكره استعماله، وكذا الهرّ...» ((2)).

ص: 309


1- - مدارك الأحكام 1 : 133.
2- - المجموع 1 : 172 - 173.

[579] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي الْهِرَّةِ أَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، وَيُتَوَضَّأُ مِنْ سُؤْرِهَا(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

فيه احتمالان:

الأول: أنّ الهرّة من أهل بيت صاحبها، أي: أنّها من أهل الدار، فلا يمكن التحرّز عنها مع كثرة الابتلاء بها، ولكونها من أهل بيت صاحبها تترتّب عليه أحكام، منها: أنّه لا ينبغي له منعها من الأكل والشرب، وينبغي له إكرامها وإطعامها، وترك أذاها وضربها وظلمها.

الثاني: أنَّها في حكم أهل الدار.

ويترتّب على الاحتمالين - وإن كان الأول أظهر - أنّها طاهرة، ويتوضّأ من سؤرها، ولا يكره، ولو كان سؤرها مكروهاً لما كان وجه لعدّها من أهل بيت الرجل.

سند الحديث:

تقدّم ذكر رجاله، وهو صحيح أعلائي.

ص: 310


1- تهذيب الأحكام 1 : 226، ح652.

[580] 2- وَعَنْهُ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «فِي كِتَابِ عَلِيٍّ (علیه السلام) : إِنَّ الْهِرَّ سَبُعٌ، وَلَا بَأْسَ بِسُؤْرِهِ، وَإِنِّي لَأَسْتَحْيِي مِنَ اللَّهِ أَنْ أَدَعَ طَعَاماً لِأَنَّ الْهِرَّ أَكَلَ مِنْهُ»(1).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

يستفاد منه: أنّ الهرّ من جملة السباع، وكأنّ هذا الكلام تمهيد للحكم بعدم البأس بسؤره، وفيه احتمالان:

الأول: أنّ هذا استثناء من كراهة سؤر السباع، ويكون محصّل المعنى: أنّ سؤر السباع مكروه إلّا سؤر الهرّ فإنّه لا يكره.

والثاني: أنّ الهرّ لما كان سبعاً فسؤره كسؤر جميع السباع يجوز استعماله، إلّا ما استثني في الباب السابق من الكلب والخنزير.

بل قد يستفاد من قوله (علیه السلام) : «وإنّي لأستحيي من الله أن أدع طعاماً لأنّ الهرّ أكل منه» نفي الكراهة أيضاً، فإنّ فيه دلالة على الاستمرار،

ص: 311


1- تهذيب الأحكام 1 : 227، ح655 .
2- الكافي 3 : 9، ح4.

بمعنى: أن الإمام (علیه السلام) لا يدع الطعام الذي أكل منه الهرّ، وهذا لا يختص بمرة أو اثنتين، فلو كان سؤر الهرّ مكروهاً - لكونه من السباع - لما استمر الإمام عليه، أو لما التزم بأنّه يستمر عليه فيما يُستقبل، بل إنّه لا معنى للاستحياء من الله تعالى في ترك المكروه، والذي ينبغي الاستحياء منه تعالى هو في فعله.

والحديث دالّ أيضاً على أنّ السؤر لا يختصّ بالمائع؛ للتعبير بالطعام فيه، والغالب على الطعام أن يكون جامداً، ولقرينة قوله: «لأنّ الهرّ أكل منه»، بل حتى لو قلنا: إن مفهوم الطعام عام يصدق على كل ما يسمى طعاماً، فإنّه يكفي في إثبات المراد كون الجامد من أفراده.

عدم اختصاص السئور بالمائع

سند الحديث:

لهذا الحديث سندان:

الأول: سند الشيخ في «التهذيب»، وهو صحيح أعلائي.

الثاني: سند الكليني، وهو معتبر.

ص: 312

[581] 3- وَعَنْهُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْكَلْبِ يَشْرَبُ مِنَ الْإِنَاءِ؟ قَالَ: «اغْسِلِ الْإِنَاءَ»، وَعَنِ السِّنَّوْرِ؟ قَالَ: «لَا بَأْسَ أَنْ تَتَوَضَّأَ مِنْ فَضْلِهَا؛ إِنَّمَا هِيَ مِنَ السِّبَاعِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

تضمّن الحديث حكمين:

الأول: وجوب غسل الإناء من شرب الكلب منه، وهذا دالّ على نجاسة الكلب ونجاسة لعابه، لكن لم يُحدد فيه كميّة الغسل، ولم يُشترط التعفير، فالحديث مطلق من هذه الجهة، ويقيّد بالأحاديث المتقدّمة في الباب السابق الدالّة على التعفير بالتراب ثم الغسل مرتين بالماء.

الثاني: نفي البأس عن الوضوء من فضل السنور؛ وما ذلك إلّا لطهارة سؤرها. وقوله (علیه السلام) : «إنّما هي من السباع» يفيد أنّ السنور داخلة في جملة السباع، وكأنّ حكم السباع كان معلوماً وواضحاً.

سند الحديث:

تقدّم ذكر رجاله، وهو صحيح أعلائي.

ص: 313


1- تهذيب الأحكام 1 : 225، ح644، والاستبصار 1 : 18، ح39.

[582] 4- وَعَنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «كَانَ عَلِيٌّ (علیه السلام) يَقُولُ: لَا تَدَعْ فَضْلَ السِّنَّوْرِ أَنْ تَتَوَضَّأَ مِنْهُ؛ إِنَّمَا هِيَ سَبُعٌ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

اشتراك محمد بن الفضیل بين شخصين

[4] - فقه الحديث:

دلّ على كراهة التوقي من سؤر السنور، والتوضي منه، وهذا دليل على طهارتها وطهارة سؤرها. وقوله (علیه السلام) : «إنّما هي سبع» كالتعليل لعدم كراهة سؤرها، وأنّها داخلة في جملة السباع المعلوم عدم كراهة سؤرها.

سند الحديث:

تقدّم أنّ محمد بن الفضيل مشترك بين محمد بن الفضيل الضبي الثقة، وبين محمد بن الفضيل الأزدي، المتّحد مع الكوفي الصيرفي الأزرق، والذي وثّقه المفيد في «الرسالة العدديّة»، وورد في «تفسير القمي» وكتاب «نوادر الحكمة»، وروى عنه المشايخ الثقات، لكن ضعّفه الشيخ، وقال عنه النجاشي: إنّه يرمى بالغلو. وقد جمعنا بين التضعيف والتوثيق بحمل الضعف على العقيدة لا الحديث.

والذي ينصرف إليه العنوان هو الثاني الأزدي؛ فإنّه المعروف صاحب الكتاب، فالسند معتبر.

ص: 314


1- تهذيب الأحكام 1 : 227، ح653.

[583] 5- وَعَنْهُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ زُرْعَةَ، عَنْ سَمَاعَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «أَنَّ عَلِيّاً (علیه السلام) قَالَ: إِنَّمَا هِيَ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

لم يصرّح في الحديث بمرجع الضمير «هي»، ولكنّ المراد به الهرّة بقرينة فهم شيخ الطائفة وقبله الحسين بن سعيد حيث أوردا هذا الحديث في هذا المقام، وللتصريح بمرجع الضمير في الحديث الأول والذي رواه الشيخ أيضاً عن الحسين بن سعيد، ولأنّ وصفها بهذا الوصف لا يناسب غيرها من الدواب.

والحديث كالحديث الأول يدلّ على أنَّها طاهرة ويتوضّأ من سؤرها ولا يكره، ولو كان سؤرها مكروهاً لما كان وجه لعدّها من أهل بيت صاحبها.

سند الحديث:

تقدّمت رجاله، وهو موثّق.

ص: 315


1- تهذيب الأحكام 1 : 227، ح654.

[584] 6- وَعَنْهُ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْوُضُوءِ مِمَّا وَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ وَالسِّنَّوْرُ، أَوْ شَرِبَ مِنْهُ جَمَلٌ أَوْ دَابَّةٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، أَيُتَوَضَّأُ مِنْهُ أَوْ يُغْتَسَلُ؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِلَّا أَنْ تَجِدَ غَيْرَهُ فَتَنَزَّهَ عَنْهُ»(1).

أَقُولُ: حُكْمُ الْكَلْبِ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى التَّقِيَّةِ، أَوْ عَلَى بُلُوغِ الْمَاءِ كُرّاً؛ لِمَا سَبَقَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَصِيرٍ(2) وَغَيْرِهِ(3).

وَقَالَ صَاحِبُ «الْقَامُوسِ»: الْكَلْبُ كُلُّ سَبُعٍ عَقُورٍ، وَغَلَبَ عَلَى هَذَا النَّابِحِ، انْتَهَى(4).

أَقُولُ: فَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى السِّبَاعِ غَيْرَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ.

-----------------------------------------------------------------------------

[6] - فقه الحديث:

دلّ على جواز الوضوء والغسل من سؤر الكلب والسنور أو الجمل أو الدابّة وغيرها، كما دلّ على أنّ هذا الجواز بلا حزازة مخصوص بما إذا لم يجد ماء غيره يتوضّأ أو يغتسل به.

وهذا الحديث مخالف لأحاديث الباب والباب السابق من جهتين:

ص: 316


1- تهذيب الأحكام 1 : 226، ح649.
2- تقدّم في الحديث 7 من الباب السابق.
3- تقدّم في الحديث 1، 3 - 5، 8 من الباب السابق.
4- القاموس 1 : 125.

الأولى: أنّه جوّز الوضوء والغسل ممّا ولغ فيه الكلب، وقد سبق: أنّ الكلب نجس عندنا بجميع أجزائه، فيكون سؤره نجساً لا يجوز استعماله فيما يشترط فيه الطهارة.

الثانية: أنّه أثبت رجحان التنزّه عن الماء الذي ولغ فيه السنور إذا وجد غيره، وقد مرّ ما يدلّ على عدم كراهة فضل السنور.

وقد أجاب الماتن عن الجهة الأولى بثلاثة أمور:

الأول: حمل الحكم في الكلب على التقيّة؛ فإنّ جماعة من العامّة صرّحوا بطهارة سؤره.

الثاني: أنّ الماء هنا من الكثير، وما دام كذلك فشرب الكلب منه لا يصيّره منفعلاً بالنجاسة، كما مرّ في الباب السابق.

الثالث: أنّ الكلب يطلق على كل سبع عقور. نعم، غلب على النابح المعروف، فيمكن حمل الكلب هنا على سبع ليس بكلب ولا خنزير، وقد عرفت أنّ أسآرها طاهرة.

ولكن يُبعد هذا الحمل التصريح بأنّه غلب على النابح، فيحمل عليه إلا إلّا لقرينة.

وأمّا الجهة الثانية: فلم يتعرّض لها الماتن، والظاهر أنّ هذه الفقرة تنافي بقيّة الأحاديث أيضاً، فلابد من توجيهها.

ويمكن أن يقال: إنّ المصنّف اعتمد على وجه التقيّة، فلم يحتج للتنبيه على أنّ هذا الحديث ينافي الحكم الذي اختاره من عدم كراهة سؤر السنور.

ص: 317

ثمّ إنّ هذا الأمر بالتنزّه - مع وجود ماء غيره - مخصوص بالوضوء والغسل، فلا يعمّ الشرب، ولعلّ ذلك بسبب أنّ المطلوب في ماء الوضوء أن يكون أنظف المياه، فلذا اختصّ بمزيد اهتمام، فالتنزّه لهذه الجهة، وإلّا لو كان المراد أنّه مكروه كبقيّة الأسآر لما كان هناك فرق بين استعماله في الوضوء واستعماله في الشرب. ولعلّ هذا هو الوجه في عدم اعتبار هذا الحديث منافياً لما استفاده الماتن من بقيّة الأحاديث من الحكم بعدم الكراهة.

سند الحديث:

المراد بابن سنان: هو محمد بن سنان؛ لأنّ الحسين بن سعيد لا يروي عن عبد الله بن سنان، والمراد من ابن مسكان: هو عبد الله بن مسكان، فالسند معتبر.

ص: 318

[585] 7- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: قَالَ الصَّادِقُ (علیه السلام) : «إِنِّي لَا أَمْتَنِعُ مِنْ طَعَامٍ طَعِمَ مِنْهُ السِّنَّوْرُ، وَلَا مِنْ شَرَابٍ شَرِبَ مِنْهُ»(1).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ(2)، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[7] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على نفي الكراهة عن سؤر السنور من الطعام والشراب؛ لأنّ الفعل المضارع المنفي يفيد الاستمرار، والمعصوم لا يداوم على المكروه.

وهو يدلّ كذلك على أنّ المراد من السؤر الأعم من المائعات.

المتحصل من الأحادیث

سند الحديث:

من مراسيل الصدوق، والأظهر اعتبارها.

والحاصل: أنّ في الباب سبعة أحاديث، الثلاثة الأول صحاح أعلائيّة، والرابع والسادس والسابع معتبرات، والخامس موثّق.

وكلّها دلّت على طهارة السنور، وأنّه من السباع، لكن سؤره غير مكروه، فيجوز الشرب والأكل والوضوء منه بلا حزازة أصلاً.

نعم، دلالة الحديث السادس غير واضحة، وفيه احتمالات بها ينسجم معبقيّة الأحاديث.

ص: 319


1- من لا يحضره الفقيه 1 : 8 ، ح11.
2- تقدّم ما يدل على ذلك في الحديث 4، 6، 7 من الباب 1 من أبواب الأسآر.
3- يأتي في الحديث 1، 5 من الباب 11 من أبواب النجاسات.

ص: 320

3 - باب نجاسة أسآر أصناف الكفار

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

3 - باب نجاسة أسآر أصناف الكفار

شرح الباب:

ينقسم الكفار إلى أقسام:

الأول: المنكرون للمبدأ والمعاد، والمشركون، والمرتدّون.

الثاني: أهل الكتاب من اليهود والنصارى، ويلحق بهم المجوس.

الثالث: من كان بحكم الكافر، وهم الغلاة والنصّاب.

الرابع: المنكرون لضروري من ضروريّات الإسلام.

والظاهر عدم الخلاف عند الإماميّة في الحكم على القسم الأول بالنجاسة، والمشهور على نجاسة الأقسام الثلاثة الباقية، والسؤر تابع في الحكم لحكمهم.

أقوال الخاصّة:

قال السيد المرتضى في «الانتصار»: «وممّا انفردت به الإماميّة: القول بنجاسة سؤر اليهودي والنصراني وكل كافر، وخالف جميع الفقهاء في ذلك»((1)).

ص: 321


1- - الانتصار: 88 .

وقال العلامة في «التذكرة»: «الأسئار كلّها طاهرة إلّا سؤر نجس العين، وهو الكلب والخنزير والكافر على الأشهر ... ثم قال: - الكافر عندنا نجس ... ثم قال: - فروع:

الأول: لا فرق بين أن يكون الكافر أصليّاً أو مرتدّاً، ولا بين أن يتديّن بملّة أو لا، ولا بين المسلم إذا أنكر ما يعلم ثبوته من الدين ضرورة وبيّنة، وكذا لو اعتقد المسلم ما يعلم نفيه من الدين ضرورة .

الثاني: حكم الشيخ بنجاسة المجبّرة والمجسّمة((1))، وقال ابن إدريس بنجاسة كل من لم يعتقد الحق إلّا المستضعف((2)

... والأقرب طهارة غير الناصب؛ لأنّ عليّاً (علیه السلام) لم يجتنب سؤر من باينه من الصحابة .

الثالث: الناصب - وهو من يتظاهر ببغضة أحد من الأئمة (علیهم السلام) - نجس، وقد جعله الصادق (علیه السلام) شرّاً من اليهود والنصارى((3)

والسر فيه: أنَّهما منعا لطف النبوة وهو خاص، ومنع هو لطف الإمامة وهو عام.

وكذا الخوارج؛ لإنكارهم ما علم ثبوته من الدين ضرورة، والغلاة أيضاًأنجاس؛ لخروجهم عن الإسلام وإن انتحلوه»((4)).

وقال الشيخ حسن ابن الشهيد في «المعالم»: «وجملة ما حكوا هنا

ص: 322


1- - المبسوط 1 : 14.
2- - السرائر 1 : 84.
3- - الكافي 3 : 11، ح6، وتهذيب الأحكام 1 : 223 ، ح639، والاستبصار 1 : 18 ، ح37.
4- - تذكرة الفقهاء 1 : 39، المسألة: 11، و ص67 - 68، المسألة: 22.

الخلاف في نجاسته باعتبار الاختلاف فيما هو سؤره، خمسة أسئار:

الأوّل: سؤر اليهود والنصارى، فحكى المحقّق في المعتبر عن المفيد أنّ له فيه قولين: أحدهما النجاسة، ذكره في أكثر كتبه((1))، والآخر الكراهيّة، ذكره في الرسالة العزيّة.

وظاهر ابن الجنيد القول بالكراهية أيضاً؛ فإنّه قال في المختصر: والتنزّه عن سؤر جميع من يستحلّ المحرّمات من ملَّي وذمّي وما ماسّوه بأبدانهم أحبّ إليّ إذا كان الماء قليلاً. وأكثر الأصحاب على الأوّل؛ إذ لا نعرف بينهم الخلاف من غير ما ذكرناه .

الثاني: سؤر المجسّمة والمجبّرة، فذهب الشيخ في بعض كتبه إلى نجاسته((2)

ووافقه في المجسّمة بعض الأصحاب، وخالفه بعض. والأكثرون على خلافه في المجبّرة .

الثالث: سؤر كلّ من لم يعتقد الحقّ غير المستضعف، فقال ابن إدريسبنجاسته((3)

وسيأتي الكلام في باب النجاسات نقل بعض الأصحاب عن المرتضى القول بنجاسة غير المؤمن، وهو يقتضي نجاسة سؤره، ونفى ذلك الباقون ممّن وصل إلينا كلامه.

الرابع: سؤر ولد الزنا، فيحكى عن المرتضى القول بنجاسته؛ لأنّه كافر .

ص: 323


1- - المعتبر 1 : 96.
2- - المبسوط 1 : 14.
3- - السرائر 1 : 84.

ويعزى القول بكفره إلى ابن إدريس أيضاً. وربّما نسب إلى الصدوق القول بنجاسة سؤره، وكلامه ليس بصريح فيه؛ فإنّه قال في من لا يحضره الفقيه : ولا يجوز الوضوء بسؤر اليهودي والنصراني وولد الزنا والمشرك وكلّ من خالف الإسلام ((1)).

وعدم جواز الوضوء به أعمّ من الحكم بنجاسته، إلَّا أنّ ذكره مع المشرك ونحوه قرينة على إرادة النجاسة، ولا نعرف بذلك [قائلاً] سواهم .

الخامس: سؤر ما عدا الخنزير من أنواع المسوخ، فذهب الشيخ إلى نجاستها، فينجس سؤرها((2))، واستثناها ابن الجنيد ممّا حكم بطهارة سؤره مع حكمه بطهارة سؤر السباع، وقرنها في الاستثناء بالكلب والخنزير. وظاهر ذلك القول بنجاستها أو نجاسة لعابها كما حكاه الفاضلان عن بعضالأصحاب((3))، وبه صرّح سلَّار في رسالته((4))، وربّما ظهر من سوق كلامه كونها في معنى الكلب، فيوافق قول الشيخ أيضاً. وجزم في المختلف بنسبة القول بنجاستها إليه((5))، وحكي ذلك عن ابن حمزة أيضاً. والباقون على طهارتها بحيث لا نعرف في ذلك [خلافاً] من سوى من ذكر»((6)).

ص: 324


1- - من لا يحضره الفقيه 1 : 8.
2- - الخلاف 1 : 587.
3- - المعتبر 1 : 99، ومنتهى المطلب 1 : 162.
4- - المراسم: 37.
5- - مختلف الشيعة 1 : 229.
6- - معالم الدين وملاذ المجتهدين: 355 - 357.

أقوال العامّة:

قال في «المغني»: «الآدمي فهو طاهر، وسؤره طاهر، سواء كان مسلماً أو كافراً عند عامّة أهل العلم ... ويكره استعمال أواني المشركين وثيابهم ... والمشركون على ضربين: أهل كتاب وغيرهم، فأهل الكتاب يباح أكل طعامهم وشرابهم والأكل في آنيتهم ما لم يتحقّق نجاستها.

قال ابن عقيل: لا تختلف الرواية في أنّه لا يحرم استعمال أوانيهم؛ وذلك لقول الله تعالى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ}((1)).

وقال النووي: «فرع: قول المصنّف يكره استعمال أواني المشركين، يعنيبالمشركين الكفار، سواء أهل الكتاب وغيرهم، واسم المشركين يطلق على الجميع»((2)).

وقال أيضاً: «هذا الذي ذكرناه من الحكم بطهارة أواني الكفار وثيابهم هو مذهبنا ومذهب الجمهور من السلف، وحكى أصحابنا عن أحمد وإسحاق نجاسة ذلك؛ لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}»((3)).

وفي البدائع: «أمّا السؤر الطاهر المتّفق على طهارته فسؤر الآدمي بكل حال، مسلماً كان أو مشركاً، صغيراً أو كبيراً، ذكراً أو أنثى، طاهراً أو نجساً،

ص: 325


1- - المغني 1 : 43 و 68.
2- - المجموع 1 : 256.
3- - المصدر نفسه 1 : 264.

[586] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدٍ الْأَعْرَجِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنْ سُؤْرِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ؟ فَقَالَ: «لَا»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

حائضاً أو جنباً، إلّا في حال شرب الخمر»((2)).[1] - فقه الحديث:

في الحديث احتمالان:

الأول: أن يكون المراد من كلمة «لا» النفي، والمنفي محذوف، أي: لا يجوز شرب سؤر اليهودي والنصراني مثلاً.

الثاني: أن يكون المراد من كلمة «لا» النهي، والمنهي عنه محذوف، أي: لا تشرب من سؤر اليهودي والنصراني مثلاً.

ولعلّ الوجه في الحذف - على الاحتمالين - هو التقيّة بحيث لا يمكن للإمام (علیه السلام) أن يصرّح بأكثر من هذا؛ لأنّ مشهور العامّة على الخلاف.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

ص: 326


1- الكافي 3 : 11، ح5، ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام 1 : 223، ح638، والاستبصار 1 : 18، ح36، وأورده في الحديث 8 من الباب 14 من أبواب النجاسات.
2- - بدائع الصنائع 1 : 63.

[587] 2- وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ، عَنِ الْوَشَّاءِ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) أَنَّهُ كَرِهَ سُؤْرَ وَلَدِ الزِّنَا، وَسُؤْرَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَالْمُشْرِكِ، وَكُلِّ مَا(1) خَالَفَ الْإِسْلَامَ، وَكَانَ أَشَدُّ ذَلِكَ عِنْدَهُ سُؤْرَ النَّاصِبِ(2).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ(3)، وَكَذَا الَّذِي قَبْلَهُ.

-----------------------------------------------------------------------------

ثلاثة احتمالات في مراد من الكراهة

الأول: سند الكليني، وقد تقدّمت رجاله، والسند صحيح.

الثاني: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»، وهو نفس سند الكليني، فالسند أيضاً صحيح.

[2] - فقه الحديث:

دلّ على مرجوحيّة سؤر المذكورين، وأشديّة مرجوحيّة سؤر ناصب العداوة لأهل البيت (علیهم السلام) ، ويحتمل في الكراهة هنا ثلاثة احتمالات:

الأول: التحريم، كما في قوله تعالى - بعد ذكر المحرمات من قتل النفس وأكل مال اليتيم وغيرهما - : {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَمَكْرُوهاً}((4))، فاستعمل لفظ الكراهة في المحرّم، وهذا واضح في سؤر

ص: 327


1- كتب المصنّف فوقها «من» عن نسخة.
2- الكافي 3 : 11، ح6.
3- تهذيب الأحكام 1 : 223، ح639، والاستبصار 1 : 18، ح37.
4- - الإسراء، الآية 38.

اليهودي والنصراني والمشرك، لكن الإشكال في ولد الزنا؛ فإنّه طاهر، وهذا لا يجتمع مع تحريم سؤره هنا، إلّا على ما يحكى عن السيد المرتضى وابن إدريس والصدوق على الظاهر من القول بنجاسته كما مرّ.

نعم، القول بكراهة سؤره متجه على القول بطهارته.

الثاني: الكراهة بمعنى المرجوحيّة، وهي الكراهة بالمعنى الأعم من الحرمة والكراهة الاصطلاحيّة، فيراد من بعض الموارد الحرمة ومن بعضها الكراهة الاصطلاحيّة.

الثالث: الكراهة الاصطلاحيّة، أي: المرجوحيّة الخاصّة، ولها قرينتان:

القرينة الأولى: قوله (علیه السلام) : «وكان أشدّ ذلك عنده سؤر الناصب»، فإنّ الكراهة الاصطلاحيّة هي التي تكون أشدّ، لا الحرمة.

القرينة الثانية: ما جاء في الحديث الثاني من الباب الخامس الآتي وبنفس السند - ولعلّه كان حديثاً واحداً - من أنّه (علیه السلام) كان يكره سؤر كل شيء لا يؤكل لحمه، والمراد هنا الكراهة الاصطلاحيّة، وهي الدائرة على ألسن الرواة، وهو المستفاد من أحاديث ذلك الباب، وقد وافق الماتن المشهور على ذلك كما في عنوان الباب.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

الأول: سند «الكافي»، وهو مرسل، ولكن يمكن القول باعتباره على القول باعتبار أحاديث «الكافي».

ص: 328

[588] 3- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ الْمَدَائِنِيِّ، عَنْ مُصَدِّقِ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ هَلْ يَتَوَضَّأُ مِنْ كُوزِ أَوْ إِنَاءِ غَيْرِهِ إِذَا شَرِبَ مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ يَهُودِيٌّ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ»، فَقُلْتُ: مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ الَّذِي شَرِبَ مِنْهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

الثاني: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»، عن الكليني، فهو كسابقه.

[3] - فقه الحديث:

ظاهره مخالف لما تقدّمه؛ فإنّه يجوّز الوضوء من سؤر اليهودي، وهذا دالّ على طهارة سؤره.

ولذا حمله الشيخ على من ظنّه يهودياً ولم يتحقّق أنّه يهودي، بقرينة قوله: «على أنّه يهودي»، ولا يحكم على السؤر بالنجاسة إلّا إذا كان متيقناً من كونه من يهودي.

واحتمل الماتن أنّ هذا الحديث خرج مخرج التقيّة، وقد مرّ أنّ أكثر العامّة على طهارة أصناف الكفار.

ص: 329


1- تهذيب الأحكام 1 : 223، ح641، والاستبصار 1 : 18، ح38.

أَقُولُ: حَمَلَهُ الشَّيْخُ عَلَى مَنْ ظَنَّهُ يَهُودِيّاً وَلَمْ يَتَحَقَّقْهُ، فَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالنَّجَاسَةِ إِلَّا مَعَ الْيَقِينِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى التَّقِيَّةِ.

وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي النَّجَاسَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

هذا، ولكن توجد أحاديث متعدّدة تدلّ على طهارة خصوص أهل الكتاب تأتي في أبواب النجاسات وفي أبواب الأطعمة والأشربة.

والحاصل: أنّ هناك طوائف من الروايات تدلّ على نجاستهم، وفي مقابلها روايات تدلّ على طهارتهم، فإمّا أن يقال بالتعارض بينهما، أو يُصار إلى الجمع بينهما، ويأتي الكلام في ذلك، ولذا نقول بأن نجاستهم موضع تأمّل، والاحتياط لا يترك.

سند الحديث:

تقدمت رجاله، والسند موثّق.

والحاصل: أنّ في الباب ثلاثة أحاديث، أولها صحيح، والثاني مرسل يمكن القول باعتباره، والثالث موثّق.

وهي دالّة على نجاسة الكفار بجميع أصنافهم، ونجاسة أسآرهم، ولزوم الاجتناب عنها، وإن كان في القول بنجاسة أهل الكتاب تأمّل، خلافاً لما هو المشهور عند العامّة من طهارتهم وطهارة أسآرهم.

ص: 330


1- 1*) يأتي ما يدلّ على ذلك في الباب 14 من أبواب النجاسات.

4 - باب طهارة أسآر أصناف الأطيار وإن أكلت الجيف مع خلو موضع الملاقاة من عين النجاسة

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

4 - باب طهارة أسآر أصناف الأطيار وإن أكلت الجيف مع خلو موضع الملاقاة من عين النجاسة

شرح الباب:

الأطيار: جمع الطير، كما في «المصباح»((1)). وفي «العين»: «ويجمع الطير على أطيار جمع الجمع»((2)).

والجيف: جمع جيفة، قال في «لسان العرب»: «الجِيفةُ: معروفة جُثَّةُ الميت، وقيل: جثّة الميت إذا أَنْتَنَتْ ... وجمع الجيفة - وهي الجُثَّة الميتة المنتنة - : جِيَفٌ، ثم أَجْيافٌ»((3)).

أقوال الخاصّة:

قال الشيخ في «الخلاف»: «يجوز الوضوء بفضل السباع، وسائر البهائم، والوحش، والحشرات، وما يؤكل لحمه، وما لا يؤكل لحمه، إلّا الكلب

ص: 331


1- - المصباح المنير: 382.
2- - كتاب العين 7 : 447 ، مادة «طير».
3- - لسان العرب 9 : 37 - 38، مادّة: «جيف».

والخنزير ... دليلنا إجماع الفرقة»((1)).

وقال العلامة في «التذكرة»: «الأسئار كلّها طاهرة إلّا سؤر نجس العين، وهو الكلب والخنزير والكافر على الأشهر ... وحكم الشيخ في المبسوط بنجاسة ما لا يؤكل لحمه من الإنسيّة عدا ما لا يمكن التحرّز عنه، كالفأرة والحية والهرة»((2)) .

وهذا يفيد أنّ كلّ ما حكم عليه بالطهارة شرعاً من الحيوانات فسؤره طاهر، وقد قام الإجماع عليه كما عن «الغنية»((3)) و«الخلاف»((4)

وهو صريح «السرائر» حيث قال: «فأمّا ما حرم شرعاً فجملته أنّ الحيوان ضربان: طاهر ونجس، فالنجس: الكلب والخنزير، وما عداهما كلّه طاهر في حال حياته، بدلالة إجماع أصحابنا، المنعقد على أنّهم أجازوا شرب سؤرها والوضوء منه، ولم يجيزوا ذلك في الكلب والخنزير بحال»((5)).

أقوال العامّة:

اختلف العامّة - بعد اتفاقهم على طهارة أسآر المسلمين وبهيمة الأنعام -في أسآر الحيوانات والطيور، فمنهم من زعم أنّ كل حيوان طاهر السؤر،

ص: 332


1- - الخلاف 1 : 187 - 188، المسألة 144.
2- - تذكرة الفقهاء 1 : 39 -40.
3- - غنية النزوع: 45.
4- - الخلاف 1 : 187 - 188، المسألة 144.
5- - السرائر 3 : 118.

ومنهم من استثنى من ذلك الخنزير فقط، وهذان القولان مرويان عن مالك. ومنهم من استثنى من ذلك الخنزير والكلب، وهو مذهب الشافعي، ومنهم من استثنى من ذلك السباع عامة وهو مذهب ابن القاسم، ومنهم من ذهب إلى أن الأسئار تابعة للّحوم، فإن كانت اللّحوم محرمة فالأسئار نجسة، وإن كانت مكروهة فالأسئار مكروهة، وإن كانت مباحة فالأسئار طاهرة((1)).

قال في «المغني»: «(النوع الثاني) ما اختلف فيه وهو سائر سباع البهائم إلّا السنور وما دونها في الخلقة، وكذلك جوارح الطير والحمار الأهلي والبغل، فعن أحمد أنّ سؤرها نجس، إذا لم يجد غيره تيمم وتركه، روي عن ابن عمر أنّه كره سؤر الحمار، وهو قول الحسن وابن سيرين والشعبي والأوزاعي وحماد وإسحاق. وعن أحمد أنّه قال في البغل والحمار إذا لم يجد غير سؤرهما تيمم معه، وهو قول أبي حنيفة والثوري. وهذه الرواية تدلّ على طهارة سؤرهما؛ لأنّه لو كان نجساً لم تجز الطهارة به. وروي عن إسماعيل بن سعيد: لا بأس بسؤر السباع؛ لأنّ عمر قال في السباع: ترد علينا ونرد عليها، ورخّص في سؤر جميع ذلك الحسن وعطاء والزهري ويحيى الأنصاري وبكير بن الأشج وربيعة وأبو الزناد ومالك والشافعي وابنالمنذر...»((2)).

ص: 333


1- - انظر: بداية المجتهد 1 : 26 - 27.
2- - المغني 1 : 42 - 43.

[589] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «فَضْلُ الْحَمَامَةِ وَالدَّجَاجِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَالطَّيْرِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على نفي البأس عن سؤر الحمامة والدجاج، بل كل طير، والسؤر مطلق يشمل الماء وغيره، كما أنّ الطير هنا مطلق يشمل الطيور الأهليّة وغيرها، فيكون عطف الطير على الحمامة والدجاج من عطف العام على الخاص.

وهذا الحديث ساكت عن حال تلوّث منقار الطير بالقذر وعدمه، إلّا أنّه لابدّ من تقييده بما يأتي في أحاديث الباب، من لزوم خلو المنقار من النجاسة حتى يحكم بعدم انفعال الماء القليل بالشرب به منه.سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

الأول: سند الكليني في «الكافي»، والمراد من القاسم بن محمد: هو الجوهري؛ لرواية الحسين بن سعيد عنه، وهو ثقة؛ لرواية المشايخ الثقات

ص: 334


1- الكافي 3 : 9، ح2، ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام 1 : 228، ح659.

عنه،كما أوضحناه سابقاً.

وفي السند علي بن أبي حمزة فيكون ضعيفاً به، إلّا أنّه تقدّم منّا مراراً: أنّه إذا كانت هناك قرينة على أنّ ما رواه كان صادراً منه قبل وقفه كان معتبراً، ويمكن أن تكون القرينة وجود هذا الحديث في كتاب الحسين بن سعيد، وكذا وجوده في «الكافي»، فيمكن القول باعتباره.

الثاني: سند الشيخ في «التهذيب»، وهو عن الكليني، فالسند كسابقه.

ص: 335

[590] 2- وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ وَمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى جَمِيعاً، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَمْرِو ابْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُصَدِّقِ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: سُئِلَ عَمَّا تَشْرَبُ مِنْهُ الْحَمَامَةُ؟ فَقَالَ: «كُلُّ مَا أُكِلَ لَحْمُهُ فَتَوَضَّأْ مِنْ سُؤْرِهِ وَاشْرَبْ»، وَعَنْ مَاءٍ شَرِبَ مِنْهُ بَازٌ أَوْ صَقْرٌ أَوْ عُقَابٌ؟ فَقَالَ: «كُلُّ شَيْ ءٍ مِنَ الطَّيْرِ يُتَوَضَّأُ مِمَّا يَشْرَبُ مِنْهُ إِلَّا أَنْ تَرَى فِي مِنْقَارِهِ دَماً، فَإِنْ رَأَيْتَ فِي مِنْقَارِهِ دَماً فَلَا تَوَضَّأْ مِنْهُ وَلَا تَشْرَبْ»(1).

وَرَوَاهُمَا الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

الجواب عن سؤالين

[2] - فقه الحديث:

تضمّن هذا الحديث الجواب عن سؤالين:

أمّا السؤال الأول: فقد كان عن سؤر الحمامة، وجاء الجواب عامّاً، فقد دلّ الحديث

بالعموم من ناحية المنطوق على جواز التوضي والشرب من سؤر كل ما يؤكل لحمه، وما يؤكل لحمه يشمل الطيور التي يؤكل لحمها، والحيوانات التي يؤكل لحمها.

كما دلّ من ناحية المفهوم على أنّ ما لا يؤكل لحمه لا يتوضّأ من سؤره ولايشرب، ولا بدّ من استثناء الطيور؛ لأنَّها ذكرت في العام الموجود في المنطوق.

ص: 336


1- الكافي 3 : 9، ح5.
2- تهذيب الأحكام 1 : 228، ح660، والاستبصار 1 : 25، ح64.

وأمّا السؤال الثاني: فقد كان عن سؤر الباز والصقر والعقاب، وجاء الجواب أيضاً عامّاً لكل الطيور، فكل طير يجوز استعمال سؤره في الشرب، وما ذلك إلّا لطهارته، ولا يوجد طائر نجس العين حتى يتبع السؤر الطائر فيها، واستثني من ذلك ما إذا شوهد في منقاره دماً؛ لأنّ السباع من الطيور لا تنفك مناقيرها عن التنجّس بالدم، فإذا شوهد الدم في المنقار وشربت من الماء القليل كان ذلك موجباً لانفعاله لا محالة، وعليه لا يجوز الوضوء منه ولا الشرب. ومفهوم هذا الجواب يعطي: أنّه إذا لم يشاهد الدم على المنقار فلا يحكم بنجاسة الماء القليل الذي لاقاه، وهذا شامل لما إذا غاب الطير واحتمل أنّه لاقى الماء القليل فطهر منقاره، ولما إذا لم يغب أصلاً لكن لم يشاهد على منقاره دم عند شربه من الماء القليل، فزوال عين النجاسة كافٍ في الحكم بالطهارة، ولا يحتاج إلى الغيبة.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

الأول: سند الكليني في «الكافي»، وفيه محمد بن أحمد: وهو محمد بن أحمد بن يحيى صاحب كتاب «نوادر الحكمة»، والسند موثّق.

الثاني: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»، وهو عن الكليني، فالسند موثّق أيضاً.

ص: 337

[591] 3- وَزَادَ فِي الْأَخِيرِ: وَسُئِلَ عَنْ مَاءٍ شَرِبَتْ مِنْهُ الدَّجَاجَةُ؟ قَالَ: «إِنْ كَانَ فِي مِنْقَارِهَا قَذَرٌ لَمْ تَتَوَضَّأْ مِنْهُ وَلَمْ تَشْرَبْ، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ فِي مِنْقَارِهَا قَذَراً تَوَضَّأْ مِنْهُ وَاشْرَبْ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

دلّت هذه الزيادة على أنّ رؤية القذر - والظاهر منه النجاسة - في منقار الدجاجة يمنع من الحكم بطهارة الماء القليل الذي شربت منه، وأمّا إذا لم يحصل العلم بوجود القذر في منقارها، فلا مانع من الحكم ببقاء الماء على الطهارة بعد شربها منه، فيجوز الشرب والوضوء منه، ولا حاجة إلى أن تغيب ويحصل الاحتمال بكون منقارها قد لاقى الماء الكثير وطهر بذلك. ولا خصوصيّة للدجاجة، فيعم - على الأقل - كل طائر مأكول اللحم.

سند الحديث:

هو سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»، عن الكليني، فهو موثّق أيضاً.

ص: 338


1- الاستبصار 1 : 25، ح64، وتهذيب الأحكام 1 : 284، قطعة من الحديث 832 .

[592] 4- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بِالْإِسْنَادِ. وَذَكَرَ الزِّيَادَةَ، وَزَادَ: «وَكُلُّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَلْيَتَوَضَّأْ مِنْهُ وَلْيَشْرَبْهُ».

وَسُئِلَ عَمَّا(1) يَشْرَبُ مِنْهُ بَازٌ أَوْ صَقْرٌ أَوْ عُقَابٌ؟ قَالَ: «كُلُّ شَيْ ءٍ مِنَ الطَّيْرِ يُتَوَضَّأُ مِمَّا يَشْرَبُ مِنْهُ إِلَّا أَنْ تَرَى فِي مِنْقَارِهِ دَماً(2) فَلَا تَتَوَضَّأْ مِنْهُ وَلَا تَشْرَبْ»(3).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ مُرْسَلًا، نَحْوَهُ(4).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ(5)، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ(6).

-----------------------------------------------------------------------------

[4] - فقه الحديث:

دلّت هذه الزيادة على جواز التوضّي والشرب من سؤر كلّ ما يؤكل

ص: 339


1- في المصدر: عن ماء.
2- في المصدر زيادة: فإن رأيت في منقاره دماً.
3- تهذيب الأحكام 1 : 284، قطعة من الحديث 832، وأورد قطعة منه في الحديث 1 من الباب 53 من أبواب النجاسات.
4- من لا يحضره الفقيه 1 : 10، ح18، وأورده في الحديث 6 من الباب 8 من أبواب الماء المطلق.
5- تقدّم ما يدل عليه في الحديث 6 من الباب 2 من هذه الأبواب.
6- يأتي ما يدل على ذلك في الباب الآتي، والحديث 1 - 3 من الباب 11 من أبواب النجاسات.

لحمه، وما يؤكل لحمه يشمل الطيور التي يؤكل لحمها، والحيوانات التي يؤكل لحمها.

ويدلّ مفهومها على أنّ ما لا يؤكل لحمه لا يتوضّأ من سؤره ولا يشرب، فالطيور الوحشيّة التي لا يؤكل لحمها لا يتوضّأ ولا يشرب من سؤرها، إلّا أنّ الجواب عن السؤال عن سؤر الباز والصقر والعقاب بعموم جواز الشرب والوضوء من سؤرها - بل كل طير، الشامل للأهلي والوحشي - يقيّد هذا المفهوم.

ومع هذا، فإنّ منطوق ما دلّ على جواز الشرب والوضوء من سؤر غير مأكول اللحم - ومنه الطير غير مأكول اللحم - لا يعارَض بهذا المفهوم، فإنّ المفهوم لا يعارِض المنطوق.

نعم، يمكن القول بأنّ عدم البأس والأمر بشرب سؤرها والوضوء منه معناه عدم المنع من ناحية النجاسة، فغاية ما يفيده طهارة الماء، وأما ما يستفاد من المفهوم من المنع عن استعماله فمعناه الكراهة، فيلتئم المنطوق والمفهوم، فيحكم بطهارة سؤر ما لا يؤكل لحمه مع ثبوت الكراهة في استعماله في الشرب والوضوء، كما لعلّه لا يأباه التعبير بالكراهة في مرسل الوشاء الآتي في الباب اللاحق.

سند الحديث:

ذكر الماتن هذا الحديث بطريقين:

الأول: مسنداً عن شيخ الطائفة في «التهذيب»، وهو سند «التهذيب»

ص: 340

السابق، فهو موثّق.

الثاني: مرسلاً، وهو من مراسيل الصدوق، وقد ذكرنا أنّه يمكن القول باعتبارها.

والحاصل: أنّ في الباب أربعة أحاديث، أولها معتبر، والثلاثة الباقية موثقات، وقد دلّت على طهارة أسآر الطيور بأنواعها الأهليّة والوحشيّة حتى لو عُلم بتلوّث مناقيرها سابقاً بالنجاسة، سواء غابت أم لم تغب، ما دام لم يعلم بوجود النجاسة فعلاً قبل أن تشرب من الماء القليل، بل دلّت الأحاديث على طهارة سؤر كل ما يؤكل لحمه وإن لم يكن طيراً.

ص: 341

ص: 342

5 - باب طهارة سؤر بقية الدواب حتى المسوخ وكراهة سؤر ما لا يؤكل لحمه

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

5 - باب طهارة سؤر بقية الدواب حتى المسوخ وكراهة سؤر ما لا يؤكل لحمه

شرح الباب:

احتوى عنوان الباب على ثلاث مسائل:

الأولى: طهارة سؤر بقيّة الدواب غير ما تقدّم.

الثانية: طهارة سؤر المسوخ، وهي على ما ذكره الصدوق في «الفقيه»: «القردة والخنزير والكلب والفيل والذئب والفأرة والأرنب والضب والطاووس والنعامة والدعموص والجري والسرطان والسلحفاة والوطواط والبقعاء والثعلب والدب واليربوع والقنفذ»((1)

وقال العلامة المجلسي: «اعلم أنّ أنواع المسوخ غير مضبوطة في كلام أكثر الأصحاب، بل أحالوها على هذه الروايات وإن كان في أكثرها ضعف على مصطلحهم، فالذي يحصل من جميعها ثلاثون صنفاً: الفيل والدب والأرنب والعقرب والضب والوزغ والعظاية والعنكبوت والدعموص والجري والوطواط والقرد والخنزير والكلب والزهرة وسهيل وطاووس والزنبور والبعوض والخفاش والفأر

ص: 343


1- - من لا يحضره الفقيه 3 : 336.

والقملة والعنقاء والقنفذ والحيّة والخنفساء والزمير والمارماهي والوبر والورل، لكن يرجع بعضها إلى بعض»((1)).

الثالثة: كراهة سؤر ما لا يؤكل لحمه، وهي ما حرم أكله من الحيوانات والطيور.

أقوال الخاصّة:

تقدّم: أنّ الإجماع قائم على أنّ كلّ ما حكم عليه بالطهارة شرعاً من الحيوانات فسؤره طاهر، كما عن «الغنية»((2))، و«الخلاف»((3))، وصريح عبارة «السرائر»((4))، وقد عزاه في «الحدائق» إلى جمهور المتأخّرين((5))، ولم يرد الاستثناء من هذه الكليّة إلّا عن الشيخ في التهذيبين، من المنع من الوضوء والشرب من سؤر غير مأكول اللحم عدا السنّور والطير كما في «التهذيب»((6))، أو غير الفأرة والطيور من البازي والصقر والعقاب وغيرهاكما في «الاستبصار»((7))، معلّلا له فيه بمشقّة الاحتراز عنها.

ص: 344


1- - بحار الأنوار 62 : 230.
2- - غنية النزوع: 45.
3- - الخلاف 1 : 187 - 188، المسألة 144.
4- - السرائر 3 : 118.
5- - الحدائق الناضرة 1 : 429.
6- - تهذيب الأحكام 1 : 224.
7- - الاستبصار 1 : 25.

وعنه أيضاً في «المبسوط»((1)): المنع من سؤر ما لا يؤكل لحمه من الحيوان الغير الآدميّ والطيور إلاّ ما لا يمكن التحرّز عنه، كالهرّة والفأرة، وربّما نقل ذلك عن «المهذّب»((2)) أيضاً .

وعن ابن إدريس أنّه حكم بنجاسة سؤر ما أمكن التحرّز عنه ممّا لا يؤكل لحمه من حيوان الحضر غير الطيور، قائلاً بأنّه: «لا بأس بأسآر الفأر والحيّات وجميع حشرات الأرض»((3)).

والمشهور في المسوخ هو الطهارة أيضاً.

وأمّا ما لا يؤكل لحمه فقد حكم بكراهة سؤره.

قال الشيخ حسن في «المعالم»: «الخامس: سؤر ما عدا الخنزير من أنواع المسوخ، فذهب الشيخ إلى نجاستها، فينجس سؤرها((4))، واستثناها ابن الجنيد ممّا حكم بطهارة سؤره مع حكمه بطهارة سؤر السباع، وقرنها في الاستثناء بالكلب والخنزير، وظاهر ذلك القول بنجاستها أو نجاسة لعابها كماحكاه الفاضلان عن بعض الأصحاب((5))، وبه صرّح سلَّار في رسالته((6)

وربّما ظهر من سوق كلامه كونها في معنى الكلب، فيوافق قول الشيخ

ص: 345


1- - المبسوط 1 : 10.
2- - المهذب 1 : 25.
3- - السرائر 1 : 85 ، وانظر: ينابيع الأحكام 1 : 851 .
4- - الخلاف 1 : 587، المسألة 306.
5- - المعتبر 1 : 99، ومنتهى المطلب 1 : 162.
6- - المراسم : 37.

[593] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ يُونُسَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «لَا بَأْسَ أَنْ تَتَوَضَّأَ مِمَّا شَرِبَ مِنْهُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

أيضاً. وجزم في المختلف بنسبة القول بنجاستها إليه((2))، وحكي ذلك عن ابن حمزة أيضاً. والباقون على طهارتها بحيث لا نعرف في ذلك [خلافاً] من سوى من ذكر»((3)).

أقوال العامّة:

قد ظهرت أقوالهم مما نقلناه سابقاً في الباب السابق.

[1] - فقه الحديث:

دلّ منطوق الحديث على جواز الوضوء ممّا شرب منه ما يؤكل لحمه،وهذا لازم لملزوم هو طهارة الحيوان نفسه وطهارة سؤره، وقد يقال: بأنّ المفهوم يدلّ على أنّ الوضوء ممّا شرب منه غير مأكول اللحم فيه بأس، وقد مرّ أن المرتكز في أذهان العرف أن البأس في أمثال المقام معناه النجاسة، وهذا ليس من جهة أنّ للوصف مفهوماً فيقال بأنّه حجّة، بل من جهة أنّه إذا لم نقل بأنّ لهذا الوصف فائدة كان الإتيان به لغواً ما دام

ص: 346


1- الكافي 3 : 9، ح1، ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام 1 : 224، ح642.
2- - مختلف الشيعة 1 : 229.
3- - معالم الدين 1 : 357.

ما يؤكل لحمه يشارك غير المأكول في الحكم.

سند الحديث:

فيه: محمد بن عيسى: وهو العبيدي، عن يونس: يعني يونس بن عبد الرحمن، وهما ثقتان جليلان إلّا أنّ ابن الوليد استثنى من روايات «نوادر الحكمة» ما يرويه محمد بن عيسى عن يونس، وهذا اجتهاد منه. ثم إنّه حتى لو تم ما ذكره إلّا أنّ روايته هنا مقبولة؛ لأنّه لم يتفرّد بروايته، فالسند صحيح.

ص: 347

[594] 2- وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ أَيُّوبَ ابْنِ نُوحٍ، عَنِ الْوَشَّاءِ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ سُؤْرَ كُلِّ شَيْ ءٍ لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

دلّ ظاهر الحديث على ثبوت الكراهة في سؤر كل ما لا يؤكل لحمه، وحملها الشيخ وغيره على الحرمة، لكن الكراهة في اللّغة أعمّ من الحرمة، فالحديث مجمل لم يعلم أن الكراهة فيه على أي نحو، فلا يكون هذا الحديث دالّاً على حرمة سؤر ما لا يؤكل.

سند الحديث:

ذكر الماتن أنّ له سندين:

الأول: سند الكليني في «الكافي»، وقد تقدّم بعينه في الحديث الثاني من الباب الثالث من هذه الأبواب، وقلنا: إنّه مرسل، فهو ضعيف، ولكن يمكن القول باعتباره على القول باعتبار أحاديث «الكافي».

الثاني: سند الشيخ في «التهذيب»، لكنّه غير موجود فيه، فالظاهر أنّ قول الماتن في الحديث الآتي: «وكذا ما قبله» من سهو القلم.

ص: 348


1- الكافي 3 : 10، ح7.

[595] 3- وَعَنْ أَبِي دَاوُدَ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَخِيهِ الْحَسَنِ، عَنْ زُرْعَةَ، عَنْ سَمَاعَةَ، قَالَ: سَأَلْتُهُ هَلْ يُشْرَبُ سُؤْرُ شَيْ ءٍ مِنَ الدَّوَابِّ وَيُتَوَضَّأُ مِنْهُ؟ قَالَ: «أَمَّا الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ(1) فَلَا بَأْسَ»(2).

مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، مِثْلَهُ(3)، وَكَذَا مَا قَبْلَهُ(4).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

دلّ الحديث بالمنطوق على نفي البأس عن الشرب والوضوء من سؤر الإبل والبقر والغنم، ويجمعها: سؤر الحيوان المحلّل الأكل بلا كراهة. ودلّ بالمفهوم على ثبوت البأس في سؤر الحيوان غير ما مرّ، وهو يشمل ما كان محرم الأكل كالسباع، ومكروه الأكل كالبغال والخيل والحمير.

لكن سيأتي نفي البأس عن سؤر الدواب الشامل لهذين النوعين، فلا يعارض المفهومُ المنطوقَ الدالّ بالصراحة على طهارة السؤر، فيحمل على كراهة سؤر ما لا يؤكل لحمه.

ص: 349


1- لفظ «والغنم» ليس في تهذيب الأحكام. (منه(قدس سره) ).
2- الكافي 3 : 9، ح3.
3- تهذيب الأحكام 1 : 227، ح656.
4- كذا في الأصل، ولم يرد الحديث السابق في تهذيب الأحكام.

بحث رجالي حول أبي داود

سند الحديث:

ذكر له الماتن سندين:

الأول: سند الكليني في «الكافي»، وفيه: أبو داود: والشيخ الكليني يروي عن أبي داود هذا بواسطة العدّة تارة، وبدونها أخرى، فإذا روى عنه بواسطة العدّة فالظاهر أنّه سليمان بن سفيان المسترق، المنشد راوية شعر السيد الحميري؛ لأنّه المشهور المعروف فينصرف إليه الاطلاق.

وأمّا إذا روى عنه بلا واسطة، كما في هذا السند، فإن كان المراد به أبا داود المسترق فلا ريب في أنّ السند مرسل؛ لأنّ الكليني توفي سنة تسعة وعشرين وثلاثمائة، بينما توفي أبو داود سنة ثلاثين ومائتين، وإن كان المراد منه شخصاً آخر فهو مجهول.

وقد استظهر المجلسي الأول (رحمه الله) : أنّ أبا داود هذا هو سليمان المسترق، قال: «وكان له كتاب يروي الكليني عن كتابه، ويروي عنه بواسطة الصفّار وغيره، ويروي بواسطتين أيضاً عنه، ولما كان الكتاب معلوماً عنه بقول أبو داود، أي: روى، فالخبر ليس بمرسل»((1)).

وأيّده المحدّث الكاشاني في هامش «الوافي» والوحيد البهبهاني في تعليقته على «منهج المقال»((2)).

وعلّق ولده العلامة المجلسي الثاني عليه بقوله: «وكونه المسترق عندي

ص: 350


1- - مرآة العقول 13 : 36.
2- - الوافي 6 : 72، وتعليقة على منهج المقال: 375.

غير معلوم، ولم يظهر لي من هو إلى الآن، ففيه جهالة»((1)).

وأمّا السيد الأستاذ(قدس سره) فإنّه قال: «ما ذكره المجلسي الأول مع أنّه بعيد في نفسه، لو تمّ، فإنَّما يتمّ فيما بدأ السند بأبي داود. وأمّا فيما بدأ السند بعدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، وعطف على العدّة أبو داود، فلا يتم فيه ما ذكره جزماً، فإنّ العدّة تروي عن أبي داود كما مرّ، فلولا أنّ محمد بن يعقوب يروي عن أبي داود بلا واسطة لم يكن وجه لعطف أبي داود على العدّة أصلاً، فما ذكره المجلسي الثاني من أن أبا داود مجهول هو الصحيح»((2)).

ولا يخفى أنّه قد ورد في أربعة موارد بجرّ أبي داود عطفاً على أحمد بن محمد، كما جاء في أربعة عشر مورداً بالرفع، في ستة منها ورد مقروناً بالعدّة، والثمانية الباقية منفرداً، أي: إنّ الكليني روى عنه بلا واسطة فيها، فمقتضى الجمود على الألفاظ هو ما ذكره المجلسي الأول (رحمه الله) .

والسند مضمر، لكنّ مضمرات مثل سماعة حجّة، ويمكن أن يصحّح بأنّه من كتب الحسين بن سعيد المعتمدة، فالسند معتبر.

الثاني: سند الشيخ في «التهذيب»، وهو نفس السند المتقدّم، فهو معتبرأيضاً.

ص: 351


1- - مرآة العقول 13 : 36.
2- - معجم رجال الحديث 22 : 160 - 161.

[596] 4- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ وَمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنْ سُؤْرِ الدَّوَابِّ وَالْغَنَمِ وَالْبَقَرِ، أَيُتَوَضَّأُ مِنْهُ وَيُشْرَبُ؟ قَالَ: «لَا بَأْسَ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[4] - فقه الحديث:

دلّ على طهارة الدواب جميعها، وذلك بنفي البأس صراحة عن سؤرها بلا استثناء، ونفي البأس هو نفي للنجاسة كما مرّ من ارتكاز ذلك عند المتشرّعة.

سند الحديث:

تقدّم الكلام عن رجاله، وهو صحيح أعلائي.

ص: 352


1- تهذيب الأحكام 1 : 227، ح657.

[597] 5- وَعَنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُلْوَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) : كُلُّ شَيْ ءٍ يَجْتَرُّ(1) فَسُؤْرُهُ حَلَالٌ، وَلُعَابُهُ حَلَالٌ»(2).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ مُرْسَلًا(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ كل حيوان يجتر فسؤره ولعابه حلال، بمعنى: أنّه لا يحرم استعمال فضله في الشرب والطهارة، والحيوان الذي يجتر هو البعير والشاة، فيكون هذا المنطوق ناظراً لما يؤكل لحمه، وهو مؤيّد للكبرى التي قدّمناها من أن ما كان حلالاً فسؤره تابع له في الحليّة، ومفهومه: أن ما لايؤكل لحمه فسؤره ليس كذلك.

إلّا أنّه ينافيه منطوق مثل الحديث السابق، والمفهوم لا يعارض المنطوق، فيحمل على كراهة سؤر ما لا يؤكل لحمه.

ص: 353


1- يجتر: هو من الاجترار، وهو أن يجر البعير من الكرش ما أكل إلى الفم فيمضغه مرة ثانية. (مجمع البحرين 3 : 244). الجرة: ما يخرجه البعير للاجترار. «منه(قدس سره) ». (الصحاح 2 : 611).
2- تهذيب الأحكام 1 : 228، ح658.
3- من لا يحضره الفقيه 1 : 8، ح9.

بحث رجالي حول عبداللّه بن الحسن

سند الحديث:

ذكر الماتن هذا الحديث بطريقين:

الأول: مسنداً عن الشيخ في «التهذيب»، وفيه: محمد بن أحمد: وهو محمد بن أحمد بن يحيى، وأمّا الحسين بن علوان: فهو مختلف في توثيقه، وقد سبق أنّ الأقوى وثاقته.

وفي السند أيضاً: عبد الله بن الحسن: الملقب بالمحض، ذكره الشيخ في أصحاب الإمام الباقر (علیه السلام) قائلاً: «عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، أبو محمد، شيخ الطالبيين رضي الله عنه»((1))، وذكره أيضاً في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ((2)).

قال السيد الأستاذ - بعد أن نقل عن ابن المهنا قوله فيه: «عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب (علیهم السلام) ، وإنَّما سمّي المحض؛ لأنّ أباه الحسن بن الحسن، وأمّه فاطمة بنت الحسين، وكان يشبّه برسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) ، وكان شيخ بني هاشم في زمانه، وقيل له: بم صرتم أفضل الناس؟ قال: لأنّ الناس كلهم يتمنّون أن يكونوا منّا، ولا نتمنّى أن نكون من أحد. وكان قويّ النفس شجاعاً»((3))- : ثمّ إنّ الروايات قد كثرت في ذمعبدالله هذا، فروى الصفار، عن العباس بن معروف، عن حمّاد بن سليمان،

ص: 354


1- - رجال الطوسي: 139 / 1468.
2- - رجال الطوسي: 228 / 3092.
3- - عمدة الطالب لابن عنبة: 101.

عن ابن مسكان، عن سليمان بن هارون، قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) : إن العجليّة يزعمون أنّ عبد الله بن الحسن يدّعي أنّ سيف رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) عنده، قال (علیه السلام) : والله لقد كذب، فوالله ما هو عنده، وما رآه بواحدة من عينيه قطّ، ولا رآه أبوه، إلّا أن يكون رآه عند علي بن الحسين (علیه السلام) ، وإن صاحبه لمحفوظ، ومحفوظ له، ولا يذهبن يميناً ولا شمالاً؛ فإنّ الأمر واضح. والله لو أنّ أهل الأرض اجتمعوا على أن يحولوا هذا الأمر من موضعه الذي وضعه الله ما استطاعوا، ولو أن خلق الله كلّهم جميعاً كفروا حتى لا يبقى أحد جاء الله لهذا الأمر بأهل يكونون هم أهله.

وذكر(قدس سره) أيضاً: أنّ الصحيح كما في «البحار»: حمّاد بن عيسى، كما أنّ سليمان بن هارون هو العجلي الثقة، فيكون الحديث صحيحاً، ثم ذكر عدّة روايات ذامة له، ثم قال بعد ذكر رواية عن السيد ابن طاووس وبعض أسانيدها صحيحة: «هذه الرواية لو سلمت أنَّها منقولة عن الشيخ الطوسي بجميع طرق السيد ابن طاووس إليه التي بعضها صحيح، فلا إشكال في أنَّها من شواذ الروايات، ولا يمكن أن تقع معارضة للروايات المشهورة في ذم عبد الله بن الحسن، على أنّه كيف يمكن رواية المفيد لهذه الرواية مع روايته عن عبد الله بن الحسن مكالمته لأبي عبد الله (علیه السلام) بما تقشعرّ منهالجلود، وقوله: هذا حديث مشهور لا تختلف العلماء بالآثار في صحّته.

والمتحصّل ممّا ذكرناه: أنّ عبد الله بن الحسن مجروح، مذموم، ولا أقل

ص: 355

من أنّه لم يثبت وثاقته أو حسنه»((1)).

هذا، ولكن يمكن أن يكون الذمّ الوارد في حقّه من جهة حبّه للرئاسة، وإلّا فقد سبق منّا هنا نقل ترضّي الشيخ الطوسي عنه، مضافاً إلى رواية ابن أبي عمير عنه((2)).

الثاني: مرسلاً، وهو من مراسيل الصدوق، وقد ذكرنا أنّه يمكن القول باعتبارها.

ص: 356


1- - معجم رجال الحديث 11 :170 - 175.
2- - أُصول علم الرجال 2 : 199.

[598] 6- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ فِي «قُرْبِ الْإِسْنَادِ»، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ فَضْلِ(1) الْبَقَرَةِ وَالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ يُشْرَبُ مِنْهُ وَيُتَوَضَّأُ؟ قَالَ: «لَا بَأْسَ»(2).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ(3)، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ(4).

-----------------------------------------------------------------------------

[6] - فقه الحديث:

في المصدر: «سألته عن فضل ماء البقرة»، وكيف كان: فالسؤال وقع عن سؤر البقرة والشاة والبعير، فأجاب (علیه السلام) بنفي البأس، ومقتضى إطلاق نفي البأس هو طهارتها وطهارة سؤرها بلا كراهة، فيجوز الشرب من فضلها والوضوء والصلاة فيه.

سند الحديث:

فيه: عبد الله بن الحسن: وهو لم يوثق كما سبق، وذكرنا في كتابنا «التقيّة» إمكان تصحيح السند بوجوه ثلاثة بها يمكن تصحيح جميعروايات قرب الإسناد بما فيها روايات عبد الله بن الحسن العلوي إذا كان

ص: 357


1- في المصدر: ماء.
2- قرب الإسناد: 179.
3- تقدّم ما يدلّ على ذلك في الحديث 4 ، 6 من الباب 1 من هذه الأبواب.
4- يأتي في الباب 6، 9 من هذه الأبواب.

يروي عن علي بن جعفر((1)).

المتحصل من الأحادیث

والحاصل: أنّ في الباب ستة أحاديث، أولها ورابعها صحيحان، والبقيّة معتبرة.

وقد دلّت على طهارة سؤر الدواب التي يؤكل لحمها والتي لا يؤكل إلّا ما استثني من الكلب والخنزير، كما دلّت بالمنطوق أو بالمفهوم على كراهة سؤر ما لا يؤكل لحمه.

هذا، ولكن الحديثان الرابع والسادس من الباب الأول قد ورد فيهما نفي البأس مطلقاً، وجواز الشرب والوضوء بلا حزازة حتى في سؤر غير مأكول اللحم، وكذا الحديث الرابع من هذا الباب، فتعارض أحاديث الباب الدالّة على المنع عن سؤر غير مأكول اللحم، وأنّ الحلال والذي لا بأس فيه هو سؤر ما يؤكل لحمه.

ويكون الجمع بين الطائفتين بحمل البأس في سؤر ما لا يؤكل على الكراهة، ويؤيّده الحديث الثاني من الباب، وهو مرسل الوشاء.

ص: 358


1- - التقيّة في فقه أهل البيت (علیهم السلام) 1 : 452 - 454.

6 - باب كراهة سؤر الجلال

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

6 - باب كراهة سؤر الجلال((1))

شرح الباب:

عرّف الجلال في اللغة بما أكل وبما تتبع النجاسة، لكنه لم يقيّد بما نص عليه الفقهاء من أنه ما نبت عليه لحمه واشتد عليه عظمه، قال ابن منظور في «اللسان»: «إِبِل جلَّالة: تأْكل العَذِرة،... وال-جَلَّالة : البقرة التي تتبع النجاسات ... والجِلَّة: البعر، فاستعير ووضع موضع العَذِرة، يقال: إِن بني فلان وَقودهم الجِلَّة ووقودهم الوَألة، وهم يَجْتَلُّون الجِلَّة، أَي: يلقطون البعر. ويقال: جَلَّت الدابة الجِلَّة واجْتَلَّتها فهي جالَّة وجَلَّالة، إِذا التقطتها»((2)).

قال السيد العاملي في «المدارك» في بيان معنى الجلال: «المراد بالجلال: المتغذي بعذرة الإنسان محضاً إلى أن ينبت عليه لحمه واشتد عظمه بحيث

ص: 359


1- - جاء في هامش المخطوط ما لفظه: «استدل علماؤنا على كراهة سؤر الجلال بحديث هشام، وأحاديث ما لا يؤكل لحمه، ودلالة الثاني ظاهرة واضحة، ودلالة الأول مبنيّة على أنّهم أجمعوا على تساوي حكم العرق والسؤر هنا، بل في جميع الأفراد، والفرق إحداث قول ثالث. وأيضاً فإنّ بدن الحيوان لا يخلو أبداً من العرق إمّا رطباً وإمّا جافاً، فيتصل السؤر به، فحكمه حكمه، وعلى كل حال فضعف الدلالة منجبر بأحاديث ما لا يؤكل لحمه». (منه(قدس سره) ).
2- - لسان العرب 11 : 119، مادة: «جلل».

يسمى في العرف جلالاً قبل أن يستبرأ بما يزيل الجلل»((1)).

ثم إنّ وصف الجلل يرتفع باستبراء الحيوان أو الطير مدة، والاستبراء: «هو ربط الجلال وحبسه عن أكل النجاسات مدة مقدرة من الشرع، وفي كمية القدر خلاف، ومحصله - على ما ذكره بعض المحققين - : استبراء الناقة بأربعين يوماً، والبقرة بعشرين، وقيل بثلاثين، والشاة بعشرة، والبطة وشبهها بخمسة، وفي الفقيه بثلاثة أيام، وروي ستة أيام، والدجاجة وشبهها بثلاثة أيام، والسمك بيوم وليلة، وما عدا هذه المذكورات بما يزيل حكم الجلل، ومرجعه إلى العرف»((2)).

أقوال الخاصّة:

صرّح جماعة بكراهة سؤر الجلال كما عن السيد في «الجمل»، وكذا في «المراسم» و«الشرائع» و«المعتبر» و«التذكرة» و«التحرير» و«الدروس» و«اللمعة» وغيرها، وعن جماعة القول بالمنع. ونسب إلى الشيخ في «المبسوط» المنع عن سؤر آكل الجيف، وفي «النهاية» المنع عن سؤر الجلال، ولكن حملوه على الكراهية؛ حيث إنّه حيوان طاهر، ولا يؤكل لحمه، فيحكم بكراهة سؤره. نعم، نسب في «المختلف» إلى ابن الجنيدالحكم بنجاسة ال-جلّال((3)).

ص: 360


1- - مدارك الأحكام 1 : 130.
2- - مجمع البحرين1 : 51، مادة: «برأ».
3- - انظر: مفتاح الكرامة 1 : 339 -340، ومختلف الشيعة 1 : 229 و 231.

أقوال العامّة:

الظاهر أنّهم متفقون على كراهة سؤر الحيوان ال-جلّال، قال السمرقندي: «الأسآر على أربعة أوجه: سؤر متفق على طهارته من غير كراهة، وسؤر مختلف في طهارته ونجاسته، وسؤر مكروه، وسؤر مشكوك فيه.

أمّا السؤر الطاهر المتفق على طهارته: فهو سؤر الآدمي بكل حال، إلّا في حال شرب الخمر فإنّه نجس؛ لنجاسة فمه. وكذا سؤر ما يؤكل لحمه من الأنعام والطيور، إلّا الإبل الجلالة والبقر الجلالة، والدجاجة المخلاة، فإنّ سؤرها مكروه؛ لاحتمال نجاسة فمها، حتى إذا كانت محبوسة لا يكره»((1)).

ص: 361


1- - تحفة الفقهاء 1 : 53.

[599] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ(1)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «لَا تَأْكُلُوا لُحُومَ ال-ْجَلَّالَةِ(2)، فَإِنْ أَصَابَكَ مِنْ عَرَقِهَا فَاغْسِلْهُ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

حرمة أكل لحوم الجلالة

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث بظاهره على حرمة أكل لحوم الجلالة، وهذا شامل للحيوان الجلال وللطير الجلال، فيلحق الجلال بغير مأكول اللحم، فعليه لا يجوز الصلاة في أجزائه التي منها العرق، وهذا يشكّل قرينة على أنّ الأمر بغسل عرقها هو من جهة عدم جواز الصلاة في عرقها، فلا يدلّ الأمر بالغسل على النجاسة، بل لا تصريح فيه بثبوت البأس في السؤر فلا تثبت الكراهة بهذا المقدار من البيان.

ولكن لما كان سؤر ما لا يؤكل لحمه محكوماً بالكراهة مطلقاً، فهوالدليل على ذلك.

ص: 362


1- في المصدر زيادة: عن أبي حمزة ، وهداية المحدثين: 27، والوافي 3 : 16، كتاب الأطعمة والأشربة.
2- في المصدر: الجلاّلات، والجلالة من الحيوان: التي تأكل الجلة والعذرة. (لسان العرب 11 : 119 مادة: «جلل»(.
3- الكافي 6 : 250، ح1، وأورده في الحديث 1 من الباب 15 من أبواب النجاسات، وفي الحديث 1 من الباب 27 من أبواب الأطعمة المحرمة.

أَقُولُ: وَسَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي أَبْوَابِ النَّجَاسَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ(1)1*).

وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى كَرَاهِيَةِ سُؤْرِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ(2)2*)، وَهَذَا مِنْهُ، وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى الطَّهَارَةِ هُنَا كَحَدِيثِ الْفَضْلِ(3)3*) وَغَيْرِهِ(4)4*).

-----------------------------------------------------------------------------

وقد يقال: إنّ السؤر لا يختلف عن العرق، فله حكمه، ولم يذهب أحد من العلماء إلى التفريق بين حكم العرق وبين السؤر، فما دامت الحزازة من عرق الجلال موجودة - ولا أقلّ من ثبوت الكراهة من الأمر بالغسل - فكذا السؤر، فالجلال لما كان أحد أفراد غير مأكول اللحم فما دام متلبّساً بهذا الوصف ولم يُستبرأ فإنّ السؤر يكون مكروهاً بهذا الاعتبار.

لكن لا بد من تقييد هذا الحكم بخلو موضع الملاقاة من النجاسة، فالسؤر طاهر إذا خلا فم الحيوان أو منقار الطير من النجاسة حين الملاقاة.

سند الحديث:

أحمد بن محمد: هو ابن عيسى كما تقدّم مراراً، وفي المصدر زيادة: «عن أبي حمزة» بعد هشام بن سالم، فيكون المراد به أبو حمزة الثمالي،

ص: 363


1- 1*) يأتي ما يدلّ على ذلك في الحديث 2 من الباب 15 من أبواب النجاسات.
2- 2*) تقدّم على كراهة سؤر ما لا يؤكل لحمه في الحديث 2 من الباب 5 من هذه الأبواب.
3- 3*) تقدّم في الحديث 4 من الباب 1 من هذه الأبواب.
4- 4*) تقدّم في الحديث 6، 7 من الباب 1، والأحاديث 1، 4، 6 من الباب 2 من هذه الأبواب.

المتحصل من الحدیث

والسند صحيح.

والحاصل: أن الباب يحوي حديثاً واحداً، وهو صحيح السند، ويدلّ على حرمة أكل لحوم الحيوانات والطيور الجلالة، وعلى لزوم غسل عرقها، ولم يفرّق أحد بينه وبين السؤر، فلذا كان له حكمه، لكنّ الأمر بغسل عرقها لا يدلّ على النجاسة؛ لوجود الأحاديث الكثيرة الدالّة على الطهارة، وبهذا أفتى المشهور، فكذا السؤر بلا فرق.

ص: 364

7 - باب طهارة سؤر الجنب

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

7 - باب طهارة سؤر الجنب

شرح الباب:

سبق الكلام في أنّ الماء القليل المستعمل في رفع الحدث الأكبر طاهر، وإنَّما الخلاف عند الخاصّة والعامّة في رفعه للحدث ثانياً.

وهذا الباب معقود لبيان طهارة سؤر الجنب، أي: الفاضل من ماء غسله، بناء على تفسير السؤر بما باشره جسم الحيوان لا خصوص فمه.

أقوال الخاصّة:

قال العلامة في «المنتهى»: «يجوز للرجل أن يستعمل فضل وضوء المرأة وغسلها، وبالعكس ما لم يكن هناك نجاسة عينيّة، وهو قول أكثر أهل العلم»((1)).

وقال الشيخ حسن في «المعالم»: «قال المحقّق في المعتبر: لا بأس أن يستعمل الرجل فضل وضوء المرأة إذا لم يلاق نجاسة عينيّة، وكذا الرجل؛ لما ثبت من بقائه على التطهير ((2))، وهو حسن، وليس يعرف فيه بين

ص: 365


1- - منتهى المطلب 1 : 164.
2- - المعتبر 1 : 100.

الأصحاب خلاف، بل ادّعى عليه الشيخ في الخلاف إجماع الفرقة ((1))»((2)).

أقوال العامّة:

قال النووي في «المجموع»: «اتفق العلماء على جواز وضوء الرجل والمرأة واغتسالهما جميعاً من إناء واحد؛ لهذه الأحاديث السابقة، واتفقوا على جواز وضوء الرجل والمرأة بفضل الرجل. وأمّا فضل المرأة فيجوز عندنا الوضوء به أيضاً للرجل، سواء خلت به أم لا، قال البغوي وغيره: ولا كراهة فيه؛ للأحاديث الصحيحة فيه، وبهذا قال مالك وأبو حنيفة وجمهور العلماء، وقال أحمد وداود: لا يجوز إذا خلت به، وروي هذا عن عبد الله ابن سرجس والحسن البصري وروي عن أحمد كمذهبنا، وعن ابن المسيّب والحسن كراهة فضلها مطلقاً»((3)).

ص: 366


1- - الخلاف 1 : 128، المسألة 72.
2- - معالم الدين 1 : 373.
3- - المجموع 2 : 190.

[600] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْفَضْلِ ابْنِ شَاذَانَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ الْعِيصِ بْنِ الْقَاسِمِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنْ سُؤْرِ الْحَائِضِ؟ فَقَالَ: «لَا تَوَضَّأْ مِنْهُ، وَتَوَضَّأْ مِنْ سُؤْرِ الْجُنُبِ إِذَا كَانَتْ مَأْمُونَةً ثُمَّ تَغْسِلُ يَدَيْهَا قَبْلَ أَنْ تُدْخِلَهُمَا الْإِنَاءَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) يَغْتَسِلُ هُوَ وَعَائِشَةُ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ، وَيَغْتَسِلَانِ جَمِيعاً»(1).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى مِثْلَهُ(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ التوضؤ من سؤر الحائض مكروه مطلقاً، ولو كانت مأمونة في التحفّظ عن النجاسة، كما دلّ على جواز التوضؤ من سؤر الجنب إذا كانت مأمونة في التحفّظ عن النجاسة. ولفظ الجنب يطلق على المذكر والمؤنث، والمراد هنا: المرأة الجنب، وإنَّما قلنا بأنّ الحديث يدلّ على كراهة سؤر الحائض مطلقاً؛ لأنّ الإمام (علیه السلام) فصّل بين الحائض والجنب، وقيّد جواز التوضؤ من سؤر الجنب بما إذا كانت مأمونة، ولم يقيّد الحائضبهذا القيد، والتفصيل قاطع للشركة، فلا تشترك الحائض مع الجنب في هذا

ص: 367


1- الكافي 3 : 10، ح2.
2- 2*) تهذيب الأحكام 1 : 222، ح633، والاستبصار 1 : 17، ح31.

القيد، ويكون محصّل الحديث حينئذٍ: أنّ سؤر الحائض مكروه مطلقاً حتى لو كانت الحائض مأمونة، لكن سؤر الجنب لا يكره إلّا إذا كانت غير مأمونة. وتكون دلالة هذا الحديث على الكراهة مطلقاً أقوى من دلالة سائر الأحاديث المطلقة التي ستأتي في الباب الآتي وغيره.

والتقييد بالمأمونة لإخراج مقابلها، وهي غير المأمونة، لا المتهمة؛ لأنَّها أخصّ من غير المأمونة، فمجهولة الحال داخلة في من كره سؤرها بمقتضى هذا الحديث وغيره، وقد عبّر بعضهم - كالشيخ في «النهاية» والسيد علم الهدى في «المصباح» على ما نقله عنه المحقّق، والعلامة في «النهاية»((1)) - بالمتّهمة، مع أنّ المأمون لا يقابل المتّهم، فتكون مجهولة الحال خارجة عنه على ظاهر عباراتهم، فالصحيح أنّ الكراهة مخصوصة بالتوضؤ بسؤر الحائض إذا لم تكن بمأمونة، وهي تشمل المتّهمة ومجهولة الحال. فهذا الحديث وأمثاله - ممّا سيمر في الباب الآتي وغيره - يقيّد المطلقات التي ستأتي في الباب الآتي وغيره والتي دلّت على كراهة سؤر الحائض مطلقاً.

ويفهم منه أيضاً أنّ السؤر مطلق المباشرة بالجسم، لا ما كان بخصوص الفم.

هذا كلّه بناء على نقل الكليني للحديث، لكن الموجود في «التهذيب»و«الاستبصار»: «بعد السؤال عن سؤر الحائض، فقال: توضأ منه [به]»((2)

ص: 368


1- - النهاية: 4، والمعتبر 1 : 99، ونهاية الأحكام 1 : 239.
2- - تهذيب الأحكام 1 : 222، ح16، والاستبصار 1 : 17، ح2.

ففيهما الأمر بالوضوء من سؤر الحائض، لا النهي عنه، وعليه يكون التقييد بالمأمونة للحائض وللجنب أيضاً.

الاحتمالات في قوله علیه السلام «تغسل یدیها...»

قال السيد الأستاذ(قدس سره) : «إن قلنا بسقوط الرواية عن الاعتبار وعدم إمكان الاعتماد عليها من أجل اضطراب متنها حسب نقلي الشيخ والكليني" فهو. وأمّا إذا احتفظنا باعتبارها وقدّمنا رواية الكافي المشتملة على كلمة (لا) على رواية التهذيب والاستبصار؛ لأنّه أضبط من كليهما، فلا مناص من الالتزام بتعدّد مرتبتي الكراهة؛ وذلك لأنّ دلالة الرواية على الكراهة مطلقاً أقوى من غيرها كما مرّ؛ لاشتمالها على التفصيل القاطع للشركة، فنلتزم بمرتبة من الكراهة في سؤر مطلق الحائض كما نلتزم بمرتبة أشدّ منها في سؤر الحائض غير المأمونة؛ جمعاً بين الطائفتين»((1)).

وقوله (علیه السلام) : «تغسل يديها قبل أن تدخلهما الإناء»، فيه ثلاثة احتمالات - كما عن العلامة المجلسي - :

الأول: ما عن الشيخ البهائي في «مشرق الشمسين» من كونه جملة برأسها تتضمّن أمر الحائض بغسل يديها قبل إدخالهما الإناء.

الثاني: أن يكون قيداً آخر لاستعمال سؤر الجنب، فيكون المعنى: توضّأمن سؤر الجنب إذا توفر قيدان: إذا كانت مأمونة، وإذا كانت تغسل يديها قبل إدخالهما الإناء.

ص: 369


1- - التنقيح (موسوعة الإمام الخوئي) 2 : 372.

الثالث: أن يكون بياناً لكون الجنب مأمونة((1)).

ثم إنّ ذيل الحديث فيه استشهاد من الإمام (علیه السلام) بفعل الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) ، وأنّه كان يغتسل مع عائشة من إناء واحد، ويغتسلان جميعاً - وفي بعض الأحاديث: مع بعض أزواجه، ممّا يدلّ على تكرار الفعل منه(صلی الله علیه و آله و سلم) ، وفيها أنّه كان يبتدئ هو بالغسل ثم تغتسل زوجته بما فضل - ممّا يدلّ على أنّه لا كراهة في سؤر المرأة الجنب مع القيد المذكور.

هذا، وأضاف الصدوق في «المقنع» و«من لا يحضره الفقيه» قوله: «ولا بأس أن تغتسل المرأة وزوجها من إناء واحد، ولكن تغتسل بفضله، ولا يغتسل بفضلها»((2)).

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

السند الأول: سند الكليني في «الكافي»، وفيه: محمد بن إسماعيل: وقدمرّ أنّه مشترك بين جماعة، والمراد به هنا هو النيسابوري البندقي؛ لروايته عن الفضل بن شاذان، وعدم رواية ابن بزيع ولا البرمكي عنه، ولأنّ الشيخ الكليني يبعد أن يروي عن البرمكي وابن بزيع بلا واسطة، وهو لم يوثّق كما

ص: 370


1- - انظر: مرآة العقول 13 : 39. أقول: سيأتي في أبواب الجنابة الأمر بغسل الكفّين قبل الغسل، أو غسل الكفّين دون المرفق، أو من المرفق على اختلاف النصوص، ولعلّه من جملة آداب الغسل. المقرّر.
2- - المقنع: 40 ، ومن لا يحضره الفقيه 1 : 17.

أوضحنا ذلك كلّه في كتابنا أُصول علم الرجال((1)).

وقلنا هناك: إنّه يمكن تصحيح ما يرويه الكليني عن محمد بن إسماعيل النسيابوري بطريقين:

الأول: أنّ للكليني طريقاً صحيحاً إلى جميع روايات الفضل بن شاذان التي رواها في «الكافي».

الثاني:أنّ للشيخ طريقاً صحيحاً إلى الفضل بن شاذان في «المشيخة»، وظاهره: أنّه إلى روايات الفضل بلا اختصاص لها بما في التهذيبين؛ لقوله: «ما ذكرته»، ولم يقل: «ما ذكرته في هذا الكتاب» كما قال في بعض طرقه الأخرى((2)).

وأمّا العيص بن القاسم: فقد تقدّم الكلام في وثاقته، فالسند معتبر.

السند الثاني: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»، وسنده إلى علي بن الحسن بن فضال هو: أحمد بن عبدون المعروف بابن الحاشر سماعاًوإجازة، عن علي بن محمد بن الزبير، عن علي بن الحسن بن فضال((3))، وهو ضعيف بعلي بن محمد بن الزبير الذي لم يوثّق، ويمكن تصحيحه بالقول: إنّ أحمد بن عبدون كما أنّه شيخ للشيخ الطوسي كذلك هو شيخ للنجاشي الذي روى جميع كتب علي بن الحسن بن فضال بطريق آخر صحيح((4)

ص: 371


1- - أُصول علم الرجال 2 : 449 - 452.
2- - أصول علم الرجال 2 : 454 - 457.
3- - تهذيب الأحكام 10 : 56، المشيخة.
4- - رجال النجاشي: 258 / 676.

[601] 2- وَبِالْإِسْنَادِ، عَنِ الْعِيصِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) هَلْ يَغْتَسِلُ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، يُفْرِغَانِ عَلَى أَيْدِيهِمَا قَبْلَ أَنْ يَضَعَا أَيْدِيَهُمَا فِي الْإِنَاءِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

ولم يتعرّض للاختلاف بين ما رواه أحمد بن عبدون بطريقه وبين ما رواه بطريقه الآخر الصحيح، ومن هذا يظهر اعتبار طريق الشيخ أيضاً؛ حيث إنّ صحة الطريق عند النجاشي توجب الصحة عند الشيخ، فالسند معتبر.

[2] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على جواز اغتسال الرجل والمرأة من إناء واحد، ممّا يعطي أنّ سؤر المجنب طاهر ويجوز الغسل به، وهذا الحديث دالّ على أنّ السؤرلا يختصّ بما لاقاه الفم.

ولكن يفرغان على أيديهما الماء قبل أن يضعاها في الإناء، هذا إذا كانت على أيديهما نجاسة، بل ولو لم تكن؛ لأنّ الأمر بالإفراغ مطلق، فيكون أمراً تعبديّاً. ولم يرد تحديد اليد في هذا الحديث، وسيأتي اختلاف النصوص في تحديد المقدار الذي يُغسل منهما في أبواب الجنابة.

سند الحديث:

السند كالسابق، فيكون معتبراً.

ص: 372


1- الكافي 3 : 10، ح2، وأورده في الحديث 2 من الباب 32 من أبواب الجنابة.

[602] 3- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ شِهَابِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي الْجُنُبِ يَسْهُو فَيَغْمِسُ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا: أَنَّهُ لَا بَأْسَ إِذَا لَمْ يَكُنْ أَصَابَ يَدَهُ شَيْ ءٌ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

عدم البأس في غمس الجنب یدة في الإناء

[3] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على نفي البأس أي النجاسة إذا غمس المجنب يده في الإناء، فإنّه وإن كان ما يحويه الإناء قليلاً لا يبلغ الكر مهما بلغ الإناء في الحجم إلّا أنّ ملاقاة بدن الجنب لهذا الماء القليل لا توجب نجاسته، فسؤر الجنب طاهر في نفسه، كما دلّ بالمفهوم على انفعال الماء القليل إذا غمسها وفي يده شيء، أي: قذارة؛ وذلك لثبوت البأس من ناحية المفهوم، وقد كرّرنا أنّ المتفاهم من البأس هو النجاسة في أمثال المقام.

سند الحديث:

محمد بن يحيى: هو العطار، ومحمد بن إسماعيل: وإن كان مشتركاً إلّا أنّ المراد منه هنا: محمد بن إسماعيل بن بزيع؛ لروايته عن علي بن الحكم دون المسمين بهذا الاسم؛ فإنَّهم لا رواية لهم عنه، كما مرّ - في سند الحديث السادس من الباب التاسع من أبواب الماء المضاف والمستعمل -

ص: 373


1- الكافي 3 : 11، ح3، وتقدّم في الحديث 3 من الباب 8 من أبواب الماء المطلق.

[603] 4- وَعَنْهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ رَزِينٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَحَدِهِمَا (علیهما السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَبُولُ وَلَمْ يَمَسَّ يَدَهُ شَيْ ءٌ، أَيَغْمِسُهَا فِي الْمَاءِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَإِنْ كَانَ جُنُباً»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

التصريح بأنّه ابن بزيع، وقد ذكر الماتن في شرحه: أن في هذا السند واسطة ساقطة بين محمد بن يحيى ومحمد بن إسماعيل، وقال : «فإنّه بناء السند على سند سابق كما مرّ في المقدمات، والظاهر أنّ الواسطة أحمد بن محمد كما مرّ في أحاديث البئر وغيرها، أشار إليه صاحب المنتقى»((2))، وما أفاده تامّ، أجزل الله ثوابه، وكيف كان فالسند معتبر.

[4] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على عدم تأثير غمس المحدث يده الخالية عن النجاسة في الماء، وكذا الجنب، وهو يعطي أنّ سؤر الجنب طاهر، ولا تؤثّر ملاقاة يده للماء القليل. نعم، لا بدّ أن يستثنى من هذا الشمول ماء الوضوء، فإنّ عدم غسل اليد قبل إدخالها الإناء وإن خلت عن القذارة يؤثّر في إناء الوضوءفعل خلاف الأولى، كما أفاده حفيد الشهيد الثاني((3)).

ص: 374


1- الكافي 3 : 12، ح4، وأورده أيضاً في الحديث 1 من الباب 28 من أبواب الوضوء.
2- - تحرير وسائل الشيعة: 603.
3- - استقصاء الاعتبار 1 : 357.

[604] 5- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى الْوَاسِطِيِّ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْهَاشِمِيِّ - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ وَهُوَ جُنُبٌ فَتَمَسُّ يَدُهُ الْمَاءَ قَبْلَ(1) أَنْ يَغْسِلَهَا؟ قَالَ: «لَا بَأْسَ»، وَقَالَ: أَدْخُلُ الْحَمَّامَ فَأَغْتَسِلُ فَيُصِيبُ جَسَدِي بَعْدَ الْغُسْلِ جُنُباً أَوْ غَيْرَ جُنُبٍ؟ قَالَ: «لَا بَأْسَ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

مرجع الضمير في «عنه» هو محمد بن يحيى، ومحمد بن الحسين: هو ابن أبي الخطاب، والسند صحيح أعلائي.

[5] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على نفي البأس عن الماء الذي تلاقيه يد الجنب قبل أن يغسلها، ولا بدّ من تقييد هذا الإطلاق بما إذا كانت يده نظيفة لا نجاسة عليها.

كما دلّ على عدم البأس بإصابة الجنب الجسد.

وكلتا الفقرتين تدلّان على أنّ جسد الجنب طاهر إذا لم تكن عليه نجاسةعرضيّة، فما يلاقيه لا يتأثّر بشيء، فسؤره طاهر لا بأس به.

ص: 375


1- كتب المصنّف فوق «يده» علامة نسخة، وكتب «من غير» بدل كلمة «قبل» عن نسخة.
2- تهذيب الأحكام 1 : 378، ح1171.

[605] 6- الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيُّ فِي «أَمَالِيهِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ مَخْلَدٍ، عَنِ الرَّزَّازِ، عَنْ حَامِدِ بْنِ سَهْلٍ، (عَنْ أَبِي غَسَّانَ)(1)، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ، قَالَتْ: أَجْنَبْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) فَاغْتَسَلْتُ مِنْ جَفْنَةٍ وَفَضَلَتْ(2) فِيهَا فَضْلَةٌ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) يَغْتَسِلُ(3) فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) ، إِنَّهَا فَضْلَةٌ مِنِّي، أَوْ قَالَتْ: اغْتَسَلْتُ، فَقَالَ: «لَيْسَ الْمَاءُ جَنَابَةً»(4).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ(5)، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ(6).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

تقدّم الكلام فيه، وهو مبتلى بالإرسال.

[6] - فقه الحديث:

الجفنة هي القصعة، أي: الصحفة، قال ابن منظور في «اللسان»: «الجَفْنة:معروفة، أَعظمُ ما يكونُ من القِصاع، والجمع جِفانٌ وجِفَنٌ؛ عن سيبويه،

ص: 376


1- ليس في المصدر. راجع تهذيب التهذيب 4 : 334.
2- في نسخة «ففضلت». (منه(قدس سره) ).
3- في المصدر: اغتسل منه.
4- أمالي الطوسي 2 : 6، وأورده أيضاً في الحديث 6 من الباب 32 من أبواب الجنابة.
5- تقدّم في الباب 8 من أبواب الماء المطلق، وكذلك الباب 9 من أبواب الماء المضاف.
6- يأتي في الحديث 6 من الباب 32 من أبواب الجنابة، والباب 28 من أبواب الوضوء.

كهَضْبةٍ وهِضَب، والعدد جفَنات، بالتحريك؛ لأَنّ ثانيَ فَعْلةٍ يُحَرَّك في الجمع إذا كان اسماً، إلّا أَن يكون ياءً أَو واواً فيُسَكَّنُ حينئذ. وفي الصحاح: الجَفْنة كالقَصْعة»((1)).

وقد دلًّ الحديث على عدم وجود الحزازة في بقيّة سؤر المغتسل من الجنابة، فللآخرين أن يغتسلوا منه، فيجوز للرجل والمرأة أن يشتركا في الغسل من ماء واحد في إناء واحد، لكن هذا الحديث يدلّ على جواز اغتسال الرجل بفضل المرأة، وهذا مخالف لما مرّ من أنّ النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) كان هو الذي يبتدئ بالغسل ثم تغتسل زوجته، وقد استفاد منها الصدوق (رحمه الله) أنّه لا يغتسل الرجل بفضل المرأة، ولا بأس بأن تغتسل هي بفضل غسله، قال(قدس سره) : «ولا بأس أن تغتسل المرأة وزوجها من إناء واحد، ولكن تغتسل بفضله ولا يغتسل بفضلها»((2)).

لكن ممّا يهوّن الخطب أنّ هذا الحديث عامّي.

سند الحديث:

فيه: ابن مخلد: وهو أبو الحسن، محمد بن محمد بن محمد بن مخلد، المتوفى بعد سنة 417 من الهجرة، من مشايخ الشيخ الطوسي، ولم يرد فيحقّه شيء. نعم، قال عنه الخطيب البغدادي: «كتبنا عنه، وكان صدوقاً»((3)

ص: 377


1- - لسان العرب 13 : 89 ، مادة «جفن».
2- - المقنع:40 ، ومن لا يحضره الفقيه 1 : 17.
3- - تاريخ بغداد 3 : 450 / 1618، وسير أعلام النبلاء 17 : 370 / 233.

وثّقه ابن سعد في طبقاته. وقال التستري في «قاموس الرجال»: «روى ابن الشيخ - في أوّل الجزء الرابع عشر من «أماليه» - عن الشيخ، عنه في ذي الحجّة سنة 417 ه- في داره درب السلولي في القطيعة، روى عنه عشرين خبراً، وأخباره دالّة على أنّه عامّي; بل خبره الثاني: أنّ النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم) فدّى سعداً بأبويه، من موضوعات العامّة»((1)).

وفيه: الرزاز: وهو لقب لجماعة، لكن الظاهر أنّ المراد به هنا محمد بن عمرو الرزاز؛ لما يأتي من التصريح باسمه في نفس سند هذا الحديث، والذي سيمر في الباب الثاني والثلاثين من أبواب الجنابة الحديث السادس، ولم يرد فيه شيء.

نعم، وثّقه في «سير أعلام النبلاء»((2)).

وفيه أيضاً: حامد بن سهل: قال عنه البغدادي: «أبو جعفر، يعرف بالثغري... وقال الدارقطني: كان ثقة... أخبرنا محمد بن عبد الواحد، حدّثنا محمد بن العباس، قال: قرئ على ابن المنادي وأنا أسمع، قال: حامد بن سهل الثغري مات في جمادى الآخرة سنة ثمانين ومائتين.

قال غيره: توفي يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من جمادى الآخرة»((3)).

ص: 378


1- - قاموس الرجال 9 : 551.
2- - سير أعلام النبلاء 15 : 385 / 208.
3- - تاريخ بغداد 8 : 163 - 164.

وفيه أيضاً: أبو غسان: هذا على نسخة «الوسائل»، وهو غير موجود في «التهذيب»، وهو مشترك بين شخصين:

الأول: حميد بن راشد: قال عنه النجاشي: «أبو غسان الذهلي، له كتاب»((1))، وعدّه الشيخ من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ((2))، وذكر في «الفهرست» أنّ له كتاباً((3)).

الثاني: عبد الله بن خالد بن نجيح: قال النمازي في «المستدركات»: «روى ابنا بسطام في كتاب الطب ص50 عنه، عن حماد بن عيسى، وكمباج 14 / 510، وجد ج 62 / 95. وكذا في الطب ص 53 عنه، عن ابن مسعود»((4)).

ولم يرد فيهما توثيق.

ص: 379


1- - رجال النجاشي: 133 / 342.
2- - رجال الطوسي: 192 / 2393. أقول: وبقي حميد بن سعدة، الذي عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ، وهو مكنى بأبي غسان أيضاً، قال الشيخ في الرجال: «حميد بن سعدة، يكنى أبا غسان، روى عنه جعفر بن بشير». (رجال الطوسي: 195 / 2435). وأيضاً: محمد بن مطرف، وقد عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ، وقال: «محمد بن مطرف، أبو غسان المدني». (رجال الطوسي: 296 / 4322). ثم إنّ الظاهر كون المكنى بهذه الكنية من العامّة، فلا يراد به الأول الذي ذكره النجاشي؛ لالتزامه بذكر مصنفي الإماميّة، وإن ذكر غيرهم بيّن مذهبه. المقرّر.
3- - فهرست الطوسي: 278 / 885.
4- - مستدركات علم رجال الحديث 5 : 7 / 8258.

ولكن في «المعجم الكبير» للطبراني ورد سند هذا الحديث هكذا: «أبو غسان، مالك بن إسماعيل ومحمد بن سعيد الأصبهاني وعاصم بن علي، قالوا: ثنا شريك، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن ميمونة»((1))، فهذه الكنية لمالك بن إسماعيل، وقد قال في حقّه عمر بن شاهين: «أبو غسان، مالك بن إسماعيل، صدوق، ثبت، متقن، إمام من الأئمة، ولولا كلمته لما كان يفوقه بالكوفة أحد، قاله عثمان بن أبي شيبة»((2))، وقال ابن سعد في «طبقاته»: «كان أبو غسان ثقة صدوقاً متشيّعاً شديد التشيّع»((3)).

بحث رجالي حول شريك بن عبدالله النخعي

وفيه أيضاً: شريك: وهو مشترك بين ثلاثة:

الأول: شريك العامري: روى عن أمير المؤمنين (علیه السلام) .الثاني: شريك بن الأعور النخعي: من أصحاب أمير المؤمنين (علیه السلام) ((4)).

الثالث: شريك بن عبد الله النخعي: كان قاضياً بالكوفة، ومات سنة 177ه- ، وله قصة معروفة بشأن شهادة محمد بن مسلم وأبي كريبة الأزدي عنده، وهي: «عن زرارة، قال: شهد أبو كريبة الأزدي ومحمد بن مسلم الثقفي عند شريك بشهادة وهو قاض، فنظر في وجوههما مليّاً، ثم قال:

ص: 380


1- - المعجم الكبير 23 : 425.
2- - تاريخ أسماء الثقات: 219 / 1328.
3- - الطبقات الكبرى 6 : 405.
4- - رجال الطوسي: 68 / 621 ، معجم رجال الحديث 1 : 26 / 5723.

جعفريان فاطميان! فبكيا، فقال لهما: ما يبكيكما؟ قالا له: نسبتنا إلى أقوام لا يرضون بأمثالنا أن يكونوا من إخوانهم؛ لما يرون من سخف ورعنا، ونسبتنا إلى رجل لا يرضى بأمثالنا أن يكونوا من شيعته، فإن تفضّل وقبلنا فله المن علينا والفضل، فتبسّم شريك، ثم قال: إذا كانت الرجال فلتكن أمثالكم، يا وليد، أجزهما هذه المرة، قال: فحججنا فخبرنا أبا عبد الله (علیه السلام) بالقصة، فقال: ما لشريك شركه الله يوم القيامة بشراكين من نار»((1)).

وقال الذهبي في «ميزان الاعتدال»: «قال ابن معين: شريك بن عبد الله بن سنان بن أنس النخعي، جده قاتل الحسين [عليه السلام] ... وقال إبراهيم بن أعين، قلت لشريك: أرأيت من قال: لا أفضل أحداً؟ قال: هذا أحمق قد فضل أبو بكر وعمر!!

وعن شريك قال: لا يفضل عليّاً على أبي بكر إلّا من كان مفتضحاً.

وروى أبو داود الرهاوي أنّه سمع شريكاً يقول: علي خير البشر، فمن أبى فقد كفر ثم ذكر عدّة أقوال عنه تفيد أنّه كان يوالي أمير المؤمنين (علیه السلام) ، وينقم على معاوية، ثم قال: - معاوية بن صالح، سألت أحمد عن شريك، فقال: كان عاقلاً، صدوقاً محدّثاً، وكان شديداً على أهل الريب والبدع»((2)).

وبسبب التهافت فيما روي عنه في مسألة تفضيله لأمير المؤمنين (علیه السلام) على من تقدّمه لم يُعلم مذهبه فيها.

ص: 381


1- - اختيار معرفة الرجال 1 : 384.
2- - ميزان الاعتدال 2 : 271 ، ومعجم رجال الحديث 10 : 28.

قال السيد الأستاذ: «ثم الظاهر من قول أحمد: كان شديداً على أهل الريب والبدع، هو ما صرح به في الروايات المتقدّمة من أنه كان يرد شهادة من ينتمي إلى جعفر بن محمد (علیهما السلام) ، فكان له معهم عداء، وإن كان هو يعتقد بجلالة جعفر بن محمد (علیهما السلام) ، لو صحّ ما ذكره الكشّي، عن يحيى بن عبد الحميد الحماني»((1)).

وكيف كان: فالمراد به هنا هو هذا الثالث، ولم يوثّق.

وفيه أيضاً: سماك: وهو مشترك بين جماعة، وهم:

الأول: سماك بن عبد عوف: من أصحاب الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) ((2)).

الثاني: سماك بن حرب الذهلي: أبو المغيرة، من أصحاب الإمامالسجاد (علیه السلام) ((3)).

الثالث: سماك بن خرشة: أبو دجانة الأنصاري الخزرجي، ورد فيه من المدح ما عن أبان بن عثمان، عن الصادق (علیه السلام) قال: «لما كان يوم أحد انهزم أصحاب النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ، حتى لم يبق معه إلّا علي (علیه السلام) وأبو دجانة، فقال له النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) : أما ترى قومك؟ فقال: بلى، فقال(صلی الله علیه و آله و سلم) : الحق بقومك، قال: ما على هذا بايعت الله ورسوله، قال: أنت في حلّ، قال: والله لا تتحدّث قريش أنّي خذلتك وفررت حتى أذوق ما تذوق، فجزاه النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) خيراً»،

ص: 382


1- - معجم رجال الحديث10 : 28.
2- - رجال الطوسي: 67 / 611.
3- - المصدر نفسه: 115 / 1143.

الحديث((1)).

وما عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله (علیه السلام) ، قال: «يخرج مع القائم (علیه السلام) من ظهر الكوفة سبعة وعشرون رجلاً، خمسة عشر من قوم موسى (علیه السلام) الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون، وسبعة من أهل الكهف، ويوشع بن نون، وسلمان، وأبو دجانة الأنصاري، والمقداد، ومالك الأشتر، ويكونون بين يديه أنصاراً وحكّاماً»((2)).

الرابع: سماك بن مخرمة الأسدي: من أتباع معاوية، وهو صاحب مسجد سماك الملعون، وكان عثمانيّاً.

ولعلّ العنوان ينطبق على الثاني بحسب الطبقة، لكنّه لم يوثّق.

وفيه أيضاً: عكرمة: وهو مشترك، لكنّه هنا مولى ابن عباس، نقل الكشّي عن زرارة، قال: قال أبو جعفر (علیه السلام) : «لو أدركت عكرمة عند الموت لنفعته»، قيل لأبي عبد الله (علیه السلام) : بم ذا ينفعه؟ قال: «كان يلقنه ما أنتم عليه، فلم يدركه أبو جعفر (علیه السلام) ، ولم ينفعه».

قال الكشّي: وهذا نحو ما يروى لو اتخذت خليلاً لاتخذت فلاناً خليلاً، لم يوجب لعكرمة مدحاً، بل أوجب ضده((3)).

وقد روى روايات كثيرة في مدح أمير المؤمنين (علیه السلام) ، وقيل: إنه مات

ص: 383


1- - علل الشرائع 1 : 7.
2- - الإرشاد 2 : 376.
3- - اختيار معرفة الرجال 2 : 477 - 478.

في زمان أبي جعفر (علیه السلام) ، وكان منقطعاً إليه، ونسب إليه أنّه كان من الخوارج، وضعفه العامّة كصاحب «ميزان الاعتدال» و«تذكرة الحفّاظ» و«وفيات الأعيان»، وقالوا: إنه كذّاب وضّاع زنديق((1)).

بحث رجالي حول ابن عباس

وفيه أيضاً: ابن عباس: وهو عبد الله بن العباس، الملقب بحبر الأمة، استفاضت الروايات على جلالته وانقطاعه لأمير المؤمنين والحسنين (علیهم السلام) ، فمنها: ما رواه الشيخ المفيد في «الإرشاد» عن أبي مخنف لوط بن يحيى، قال: حدّثني أشعث بن سوار، عن أبي إسحاق السبيعي وغيره، قالوا: خطبالحسن بن علي (علیهما السلام) في صبيحة الليلة التي قبض فيها أمير المؤمنين (علیه السلام) ، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) ، ثم قال: «لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون بعمل، ولا يدركه الآخرون بعمل، لقد كان يجاهد مع رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) فيقيه بنفسه . . . (إلى أن قال) وما خلّف صفراء ولا بيضاء إلّا سبعمائة درهم فضلت عن عطائه أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله - إلى أن قال - : فالحسنة مودتنا أهل البيت»، ثم جلس، فقام عبد الله بن العباس رحمه الله بين يديه، فقال: معاشر الناس هذا ابن نبيّكم ووصي إمامكم، فبايعوه، فاستجاب له الناس، فقالوا: ما أحبّه إلينا وأوجب حقّه علينا، وبادروا إلى البيعة له بالخلافة وذلك في يوم الجمعة الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة، فرتّب العمال

ص: 384


1- - ميزان الاعتدال 3 : 93 - 97 / 5716، وتذكرة الحفاظ1 : 95 - 96 / 87، ووفيات الأعيان 3: 265 - 266 / 421.

وأّمر الأمراء، وأنفذ عبد الله بن العباس إلى البصرة، ونظر في الأمور((1)).

قال السيد الأستاذ: «والأخبار المرويّة في كتب السير والروايات الدالّة على مدح ابن عباس وملازمته لعلي ومن بعده الحسن والحسين (علیهم السلام) كثيرة، وقد ذكر المحدّث المجلسي(قدس سره) مقداراً كثيراً منها في أبواب مختلفة من كتابه البحار، من أراد الاطلاع عليها فليراجع سفينة البحار في مادة عبس. ونحن وإن لم نظفر برواية صحيحة مادحة، وجميع ما رأيناه من الروايات في إسنادها ضعف، إلّا أنّ استفاضتها أغنتنا عن النظر في إسنادها، فمنالمطمأن به صدور بعض هذه الروايات عن المعصومين إجمالاً»((2)).

إلّا أنّه توجد روايات ذامّة له، لكنّها بين موضوع وضعيف، فلا يثبت بها الذم، منها ما رواه الكشّي عن طاووس، قال: كنّا على مائدة ابن عباس ومحمد بن الحنفيّة حاضر فوقعت جرادة، فأخذها محمد، ثم قال: هل تعرفون ما هذه النقط السود في جناحها؟ قالوا: الله أعلم، فقال: أخبرني أبي علي بن أبي طالب (علیه السلام) أنّه كان مع النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ، ثم قال: «هل تعرف يا علي هذه النقط السود في جناح هذه الجرادة؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم، فقال(صلی الله علیه و آله و سلم) : مكتوب في جناحها أنا الله رب العالمين خلقت الجراد جنداً من جنودي أصيب به من أشاء من عبادي».

فقال ابن عباس: فما بال هؤلاء القوم يفتخرون علينا يقولون: إنَّهم أعلم

ص: 385


1- - الإرشاد 2 : 7.
2- - معجم رجال الحديث 11 : 250.

منا؟ فقال محمد: ما ولدهم إلّا من ولدني، قال: فسمع ذلك الحسن بن علي (صلوات الله عليهما) فبعث إليهما وهما بالمسجد الحرام، فقال لهما: «أمّا إنّه قد بلغني ما قلتما إذ وجدتما جرادة، فأمّا أنت يا ابن عباس ففي من نزلت هذه الآية {لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ}، في أبي أو في أبيك؟» وتلا عليه آيات من كتاب الله كثيراً، ثم قال: «أما والله لولا ما تعلم (نعلم) لأعلمتك عاقبة أمرك ما هو، وستعلمه، ثم إنّك بقولك هذا مستنقص في بدنك، ويكون الجرموز من ولدك، ولو أذن لي فيالقول لقلت ما لو سمع عامّة هذا الخلق لجحدوه وأنكروه»((1)).

بحث رجالي حول ميمونة زوجة النبي صلی الله علیه و آله و سلم

وهي ضعيفة بعدّةٍ من رواتها.

ولنعم ما قاله السيد الأستاذ في حقه - بعد أن ناقش الروايات الذامّة من ناحية السند ومن ناحية الدلالة - : «المتحصّل ممّا ذكرنا: أنّ عبد الله بن عباس كان جليل القدر، مدافعاً عن أمير المؤمنين والحسنين (علیهم السلام) ، كما ذكره العلامة وابن داود»((2)).

وفيه أيضاً: ميمونة: وهي ميمونة بنت الحارث بن حزن الهلالية، زوج النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ، أخت أم الفضل زوجة العباس، فهي خالة ابن عباس، ذكرها الشيخ فيمن روى عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ((3))، ونقل العلامة المجلسي: أنّه «خطبها

ص: 386


1- - اختيار معرفة الرجال 1 : 275.
2- - معجم رجال الحديث 11 : 256.
3- - رجال الطوسي: 52 / 436.

للنبي(صلی الله علیه و آله و سلم) جعفر بن أبي طالب، وكان تزويجها وزفافها وموتها وقبرها بسرف، وهو على عشرة أميال من مكة في سنة سبع، وماتت في سنة ست وثلاثين»((1))، وهي آخر امرأة تزوج بها النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ، وهي أفضل نسائه بعد أم سلمة التي تتلو خديجة في الفضل رضي الله عنهن((2)).

وممّا ورد في معرفتها وحبّها لأمير المؤمنين (علیه السلام) ما رواه يزيد بن الأصم،قال: قدم شقير بن شجرة العامري المدينة، فاستأذن على خالتي ميمونة بنت الحارث زوج النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) وكنت عندها، فقالت: ائذن للرجل، فدخل، فقالت: من أين أقبل الرجل؟ قال: من الكوفة، قالت: فمن أي القبائل أنت؟ قال: من بني عامر، قالت: حييت ازدد قرباً، فما أقدمك؟ قال: يا أم المؤمنين، رهبت أن تكبسني الفتنة لما رأيت من اختلاف الناس فخرجت، قالت: فهل كنت بايعت عليّاً (علیه السلام) ؟ قال: نعم، قالت: فارجع فلا تزولن عن صفّه، فوالله ما ضَلّ، ولا ضُلّ به .

قال: يا أمّاه فهل أنت محدثتي في علي بحديث سمعته من رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) ؟ قالت: اللهم نعم، سمعت رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) يقول: «علي آية الحق، وراية الهدى. علي سيف الله يسلّه على الكفّار والمنافقين، فمن أحبّه فبحبي أحبّه، ومن أبغضه فببغضي أبغضه، ومن أبغضني أو أبغض عليّاً لقي الله عز وجل ولا حجّة له»((3)).

ص: 387


1- - بحار الأنوار 22 : 192.
2- - المصدر نفسه: 193.
3- - الأمالي للشيخ الطوسي: 505.

وقد نقل العلامة المامقاني وتبعه الشيخ التستري رواية تدلّ على أنَّها مؤمنة امتحن الله قلبها للإيمان، وهي: عن أبي جعفر (علیه السلام) ، قال: «قال النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم) : لا ينجو من النار وشدّة نفيضها وزفيرها وحميمها من عادى عليّاً وترك ولايته، وأحبّ من عاداه، فقالت ميمونة: ما أعرف في أصحابك من يحبّ عليّاً (علیه السلام) إلاّ قليلاً، فقال النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم) : القليل منالمؤمنين كثير، ومن تعرفين منهم؟ قالت: أبا ذر والمقداد وسلمان، وقد تعلم أنّي أُحبّ عليّاً (علیه السلام) بحبّك إيّاه، فقال: صدقت إنّك امتحن الله قلبك للإيمان»((1)

فالمرأة في غاية الجلالة والرفعة.

وهذا السند ضعيف.

والحاصل: أنّ في الباب ستة أحاديث، الثلاثة الأول معتبرة، والرابع صحيح أعلائي، وأمّا الاثنان الباقيان فهما غير معتبرين.

وقد دلّت الأحاديث على طهارة سؤر الجنب، وجواز التوضي والغسل منه إذا كان مأموناً أو غير متّهم. فالجنابة بنفسها لا توجب نجاسة بدن الجنب بحيث إنّه إذا لامس ماء أو شيئاً برطوبة سرت النجاسة إليه، بل ذلك مخصوص بما إذا كان على يده أو بدنه نجاسة عينيّة.

ص: 388


1- - تنقيح المقال 3 : 83 ، وقاموس الرجال 12 : 346.

8 - باب طهارة سؤر الحائض وكراهة الوضوء من سؤرها إذا لم تكن مأمونة

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

8 - باب طهارة سؤر الحائض وكراهة الوضوء من سؤرها إذا لم تكن مأمونة

شرح الباب:

هذا الباب معقود لبيان حكمين:

الأول: طهارة سؤر الحائض، ويتفرّع عليه جواز الشرب منه.

والثاني: كراهة الوضوء من سؤرها إذا لم تكن مأمونة، وغير المأمونة هي التي لا تؤمن من التحفّظ من النجاسة.

أقوال الخاصّة:

قال العلامة في «المختلف»: «أطلق الشيخ في المبسوط((1)) والمرتضى في المصباح كراهة سؤر الحائض. وقيّد في النهاية الكراهة بالحائض المتهمة»((2))، أي: قيد كراهة السؤر بالمتهمة. وجاء التقييد بالمتهمة أيضاً في: «الوسيلة والسرائر والمعتبر والتذكرة والتحرير ونهاية الإحكام والإرشاد

ص: 389


1- - المبسوط 1 : 10.
2- - مختلف الشيعة 1 : 232.

واللمعة وغيرها، وفي المقنعة والمراسم والجامع والمهذب والشرائع والذكرى عبّر بغير المأمونة ... وكل من عبّر بالمتهمة استند إلى ما دلّ على كراهة سؤر غير المأمونة. وعدّى الحكم في البيان إلى كل ما لا يؤمن، واستحسنه في الروضة، واستظهره الفاضل في شرحه، وهو الظاهر من الشيخين والعجلي والمحقّق في الأطعمة. والأستاذ أنّه في غاية القوة، ونفى عنه الجودة في

المدارك»((1)).

أقوال العامّة:

تقدم عن «المغني» أنّ الآدمي وسؤره طاهر مطلقاً عند عامّة أهل العلم، وحكى عن النخعي: «أنّه كره سؤر الحائض، وعن جابر بن زيد لا يتوضأ منه»((2)).

وقال ابن رشد في «البداية»: «اختلف العلماء في أسئار الطهر على خمسة أقوال: فذهب قوم إلى أنّ أسئار الطهر طاهرة بإطلاق، وهو مذهب مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، وذهب آخرون إلى أنّه يجوز للرجل أن يتطهّر بسؤر المرأة، ويجوز للمرأة أن تتطهّر بسؤر الرجل، وذهب آخرون إلى أنّه يجوز للرجل أن يتطهّر بسؤر المرأة ما لم تكن المرأة جنباً، أو حائضاً، وذهب آخرون إلى أنّه لا يجوز لواحد منهما أن يتطهّر بفضل صاحبه إلّا أن يشرعا معاً، وقال قوم: لا يجوز وإن شرعا معاً، وهو مذهبأحمد بن حنبل»((3)).

ص: 390


1- - مفتاح الكرامة 1 : 343 - 345.
2- - المغني 1 : 43.
3- - بداية المجتهد 1 : 29.

[606] 1- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ جَمِيعاً، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «اشْرَبْ مِنْ سُؤْرِ الْحَائِضِ، وَلَا تَتَوَضَّ مِنْهُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على جواز الشرب من سؤر الحائض، وهذا الجواز مستفاد من وقوع الأمر بعد توهّم الحظر، كما دلّ على النهي عن الوضوء من سؤرها، وهو يفيد الكراهة؛ لأنّه إن كان سؤرها طاهراً جاز الوضوء منه، وإن لم يكن طاهراً لم يجز شربه، وما دام الشرب جائزاً فمعناه: أنّه لا يجب اجتنابه في الوضوء، فلم يبق إلّا الكراهة. ولعلّ كراهة استعماله في الوضوء لما سبق منّا غير مرّة من مطلوبيّة أن يكون ماء الوضوء أنظف ماء يُقدر عليه. وإطلاق الفقهاء القول بالكراهة في الشرب والوضوء ينافيه هذا الحديث صراحة، لكنّه أفاد الكراهة مطلقاً، ولم يقيّد الحائض بما إذا لم تكن مأمونة.

سند الحديث:

محمد بن يحيى: هو العطار، ومحمد بن الحسين: هو ابن أبي الخطاب كما مرّمراراً، ومحمد بن إسماعيل: سبق أنّه مشترك، وقد عينّاه في البندقي النيسابوري.

ص: 391


1- الكافي 3 : 10، ح1.

وأمّا عنبسة: فهو مشترك بين شخصين:

الأول: عنبسة بن مصعب: وقد سبق أنّه من أصحاب الإمام الباقر((1))، والصادق((2)

والكاظم (علیهم السلام) ((3))، وعن الكشي عن حمدويه: عنبسة بن مصعب ناووسي، واقفي على أبي عبد الله (علیه السلام) ، وإنما سميت الناووسية برئيس كان لهم يقال له: فلان بن فلان الناووس((4))، لم يرد فيه شيء، ولكن روى عنه المشايخ الثقات((5)).

والثاني: عنبسة بن بجاد العابد: عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الباقر (علیه السلام) ((6))، ومن أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ((7))، قال عنه النجاشي: «مولى بني أسد، كان قاضياً، ثقة، روى عن أبي عبد الله (علیه السلام) . له كتاب»((8))،كما ذكر الشيخ في «الفهرست» أنّ له كتاباً ((9))، ونقل الكشي عن حمدويه، قال:

ص: 392


1- - رجال الطوسي: 141 / 1519.
2- - رجال الطوسي: 261 / 3722.
3- - رجال الطوسي: 340 / 5096.
4- - اختيار معرفة الرجال 2 : 659.
5- - أُصول علم الرجال 2 : 204.
6- - رجال الطوسي: 141 / 1518.
7- - رجال الطوسي: 261 / 3725.
8- - رجال النجاشي: 302 / 822.
9- - فهرست الطوسي: 192 / 544.

[607] 2- وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ ابْنِ الْحَكَمِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الْحَائِضِ يُشْرَبُ مِنْ سُؤْرِهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَلَا تَتَوَضَّ مِنْهُ»(1).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُكَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الْحُسَيْنِ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

سمعت أشياخي يقولون: عنبسة بن بجاد كان خيّراً فاضلاً((3)).

والمراد به هنا هو الأول؛ بقرينة التصريح باسم أبيه في سند الحديث السادس من الباب، فالسند معتبر.

[2] - فقه الحديث:

دلالته كدلالة الحديث السابق، لكن الفرق هو وقوع الجواب بجواز الشرب بعد السؤال عنه، بينما في الحديث السابق وقع الكلام ابتداء من الإمام (علیه السلام) . وهو مطلق كسابقه فلم يقيّد الكراهة.سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

ص: 393


1- الكافي 3 : 10، ح3.
2- تهذيب الأحكام 1 : 222، ح635، والاستبصار 1 : 17، ح33.
3- - اختيار معرفة الرجال 2 : 670.

بحث رجالي حول الحسين بن أبي العلاء

الأول: سند الكليني في «الكافي»، وفيه: الحسين بن أبي العلاء: قال عنه النجاشي: «الحسين بن أبي العلاء الخفاف، أبو علي الأعور، مولى بني أسد، ذكر ذلك ابن عقدة، وعثمان بن حاتم بن منتاب، وقال أحمد بن الحسين رحمه الله: هو مولى بني عامر، وأخواه علي وعبد الحميد، روى الجميع عن أبي عبد الله (علیه السلام) ، وكان الحسين أوجههم. له كتب»((1))، وهذا مدح يفيد الحُسن، ويمكن أن يقال: إنّه لما ذُكر في «كتاب الرجال» لابن عقدة الذي جمع فيه الثقات من أصحاب أبي عبد الله الصادق (علیه السلام) فيكون ثقة. وعدّه الشيخ من أصحاب الإمامين الباقر والصادق (علیهما السلام) ((2))، وقال في «الفهرست»: «الحسين بن أبي العلا. له كتاب يعدّ في الأصول»((3))، وهذا مدح أيضاً، لكن المهم أنّ المشايخ الثقات رووا عنه((4))، وورد في أسناد كتاب «نوادر الحكمة»((5))، كما ورد في «تفسير القمي» لكن في القسمالثاني منه((6))، فالسند معتبر.

الثاني: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»، وسنده إلى علي بن الحسن بن فضال مرّ ذكره، وقلنا: إنّه ضعيف بعلي بن محمد بن الزبير؛

ص: 394


1- - رجال النجاشي: 53 ، ح117.
2- - رجال الطوسي: 131 / 1339، وص182 / 2202.
3- - فهرست الطوسي: 107 / 204.
4- - أُصول علم الرجال 2 : 186.
5- - المصدر نفسه 1 : 218.
6- - المصدر نفسه 1 : 298.

[608] 3- وَعَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْوَشَّاءِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) أَيَتَوَضَّأُ الرَّجُلُ مِنْ فَضْلِ الْمَرْأَةِ؟ قَالَ: «إِذَا كَانَتْ تَعْرِفُ الْوُضُوءَ، وَلَا تَتَوَضَّ(1) مِنْ سُؤْرِ الْحَائِضِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

حيث إنّه لا توثيق له، وذكرنا إمكان تصحيحه.

وأمّا الحسين: فهو الحسين بن أبي العلاء، فالسند معتبر.

[3] - فقه الحديث:

دلّ على عدم الكراهة في التوضي من سؤر المرأة العارفة بكيفيّة الوضوء، فإنها حينئذٍ تكون مظنة عدم الابتلاء بالنجاسة؛ لمعرفتها بالأحكام الخاصة بالوضوء، وأمّا الحائض فسؤرها منهي عنه، وهذا النهي نهي كراهة كما مرّ في نظيره، وهو مطلق لا يختصّ بغير المأمونة.

سند الحديث:

الحسين بن محمد: هو الحسين بن محمد بن عمران الأشعري القمي، شيخ الكليني، وقد مرّ أنّه ثقة، ومعلى بن محمد: هو الزيادي، والوشاء: هو الحسن بن علي، فالسند معتبر.

ص: 395


1- في المصدر: يتوضأ.
2- الكافي 3 : 11، ح4.

[609] 4- عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ فِي كِتَابِهِ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْحَائِضِ؟ قَالَ: «تَشْرَبُ(1) مِنْ سُؤْرِهَا، وَلَا تَتَوَضَّأُ(2) مِنْهُ»(3).

[610] 5- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (علیه السلام) فِي الرَّجُلِ يَتَوَضَّأُ بِفَضْلِ الْحَائِضِ؟ قَالَ: «إِذَا كَانَتْ مَأْمُونَةً فَلَا بَأْسَ»(4)4*).

-----------------------------------------------------------------------------

[4] - فقه الحديث:

دلّ أيضاً على جواز الشرب من سؤر الحائض، وكراهة الوضوء منه، وقد سبق ما يصلح أن يكون تعليلاً لذلك.

سند الحديث:

السند معتبر، كما مرّ.

[5] - فقه الحديث:

دلّ على نفي البأس عن الوضوء بسؤر الحائض إذا كانت مأمونة، فإنّ

ص: 396


1- في المصدر: يشرب.
2- في المصدر: يتوضأ.
3- مسائل علي بن جعفر: 142، ح166.
4- 4*) تهذيب الأحكام 1 : 221، ح632، والاستبصار 1 : 16، ح30.

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْقَيْدِ أَيْضاً(1)1*)، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

ظاهر حال المسلمة أنَّها لا تباشر الماء المعدّ للطهارة والشرب إلّا وهي طاهرة اليدين، ومفهومه: أنّها إذا لم تكن مأمونة ففي سؤرها البأس، وقال الماتن(قدس سره) : «وتقدّم ما يدلّ على هذا القيد، ويأتي ما يدلّ عليه، وما تقدّم إنَّما هو على رواية الشيخ، لا على رواية الكليني، وهو الحديث الأول من الباب السابق.

وأمّا ما يأتي فهو إشارة إلى الحديث التاسع من هذا الباب، والحديث الأول من الباب الثامن عشر، وهو صحيح ميسر، قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) : آمر الجارية فتغسل ثوبي من المني فلا تبالغ في غسله، فأصلي فيه، فإذا هو يابس؟ قال: «أعد صلاتك، أما إنك لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شيء»، والحديث الثاني من الباب الثامن والعشرين من أبوابالنجاسات، وهو معتبر العيص بن القاسم، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل يصلي في ثوب المرأة وفي إزارها ويعتمّ بخمارها؟ قال: «نعم، إذا كانت مأمونة».

ص: 397


1- 1*) تقدّم ما يدلّ على القيد في الحديث 1 من الباب 7 من هذه الأبواب.
2- 2*) يأتي ما يدلّ على القيد في الحديث 9 من هذا الباب، والحديث 1 من الباب 18، والحديث2 من الباب 28 من أبواب النجاسات.

[611] 6- وَعَنْهُ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ مُصْعَبٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «سُؤْرُ الْحَائِضِ تَشْرَبُ مِنْهُ وَلَا تَوَضَّأُ»(1).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ كَمَا مَرَّ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

لكن الأخيرين لا يدلّان على القيد؛ فإنّه لا ربط لهما بالتوضي بسؤر الحائض، فأولهما يدلّ على إعادة الصلاة إذا كان الغاسل للثوب الجارية غير المأمونة، وثانيهما يدلّ على كراهة الصلاة في خمار الحائض إذا لم تكن مأمونة، وليس فيهما تعرّض للوضوء.

سند الحديث:

فيه: محمد بن أبي حمزة: وهو محمد بن أبي حمزة الثمالي، والسند معتبر.

[6] - فقه الحديث:

دلالته كدلالة الحديث: الأول والثاني والرابع.سند الحديث:

ذكر الماتن له سندين:

ص: 398


1- تهذيب الأحكام 1 : 222، ح634، والاستبصار 1 : 17، ح32.
2- مرّ في الحديث 1 من هذا الباب.

[612] 7- وَعَنْهُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ، عَنْ عَمِّهِ يَعْقُوبَ بْنِ سَالِمٍ الْأَحْمَرِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ هَلْ يُتَوَضَّأُ مِنْ فَضْلِ وُضُوءِ(1)3*) الْحَائِضِ؟ قَالَ: «لَا»(2)4*).

-----------------------------------------------------------------------------

الأول: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»، وهو معتبر.

الثاني: سند الكليني، وتقدّم في الحديث الأول من الباب أنّه معتبر.

[7] - فقه الحديث:

دلّ على كراهة التوضّؤ من سؤر الحائض مطلقاً، سواء كانت مأمونة، بمعنى: أنّها تتحفّظ عن النجاسة، أو غير مأمونة، وقلنا: إنّ غير المأمونة يشمل مجهولة الحال والمتهمة.

سند الحديث:

تقدّم الكلام في رجال السند، وهو معتبر.

ص: 399


1- 1*) وضوء: ليس في المصدر.
2- 2*) تهذيب الأحكام 1 : 222، ح636، والاستبصار 1 : 17، ح34.

[613] 8- وَعَنْهُ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ حَجَّاجٍ الْخَشَّابِ، عَنْ أَبِي هِلَالٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «الْمَرْأَةُ الطَّامِثُ أَشْرَبُ مِنْ فَضْلِ شَرَابِهَا، وَلَا أُحِبُّ أَنْ أَتَوَضَّأَ(1) مِنْهُ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[8] - فقه الحديث:

الطامث: هي الحائض، ودلالته كدلالة الحديث: الأول والثاني والرابع والسادس، مع خصوصية: أنّ الذي يشرب من السؤر هو الإمام (علیه السلام) ، وهو الذي كرّه التوضي منه أيضاً.

سند الحديث:

فيه: حجاج الخشاب: قال عنه النجاشي: «حجاج بن رفاعة، أبو رفاعة - وقيل: أبو علي - الخشاب كوفي، روى عن أبي عبد الله (علیه السلام) ، ثقة، ذكره أبو العباس. له كتاب يرويه عدّة من أصحابنا»((3))، وعدّه الشيخ من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ((4))، ونصّ في «الفهرست» على أنّ له كتاباً ((5))، وورد

ص: 400


1- في تهذيب الأحكام: تتوضأ.
2- تهذيب الأحكام 1 : 222، ح637، والاستبصار 1 : 17، ح35.
3- - رجال النجاشي: 144 / 373.
4- - رجال الطوسي: 192 / 2382.
5- - فهرست الطوسي: 121 / 260.

[614] 9- مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ فِي آخِرِ «السَّرَائِرِ» نَقْلًا مِنْ كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ رِفَاعَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِنَّ سُؤْرَ الْحَائِضِ لَا بَأْسَ بِهِ أَنْ تَتَوَضَّأَ مِنْهُ إِذَا كَانَتْ تَغْسِلُ يَدَيْهَا»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

في أسناد كتاب «نوادر الحكمة»((2)).

وفيه: أبو هلال: وهو أبو هلال الرازي، عّده البرقي في «رجاله» من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ((3)

وروى عنه المشايخ الثقات((4))، فالسند معتبر.

[9] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على نفي البأس عن سؤر الحائض، فيجوز التوضي منه إذا كانت تغسل يديها، وهو عبارة أخرى عن كونها مأمونة وتراعي الطهارة في أمورها، وقد قلنا سابقاً: إنّ ظاهر حال المسلمة أنَّها لا تباشر الماء المعدّللطهارة والشرب إلّا وهي طاهرة اليدين، هذا بعد إحراز كونها مأمونة.

سند الحديث:

تقدّم الكلام في اعتبار سند ابن إدريس إلى كتاب محمد بن علي بن

ص: 401


1- السرائر 3 : 609.
2- - أُصول علم الرجال 1 : 216.
3- - كتاب الرجال: 44.
4- - أُصول علم الرجال 2 : 223.

أَقُولُ: قَدْ عَرَفْتَ وَجْهَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَخْبَارِ مِنَ الْعُنْوَانِ وَهُوَ الَّذِي يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ وَغَيْرِهِ وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

محبوب، كما ذكرنا أنّ نسخته بخط شيخ الطائفة كانت عنده. وأمّا العباس: فهو العباس بن معروف.

وأمّا رفاعة: فهو رفاعة بن موسى الأسدي، قال عنه النجاشي: «رفاعة بن موسى الأسدي النخّاس، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (علیهما السلام) ، كان ثقة في حديثه، مسكوناً إلى روايته، لا يعترض عليه بشيء من الغمز، حسن الطريقة. له كتاب مبوّب في الفرائض»((2)).

وعدّه الشيخ في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ، قائلاً: «رفاعة بن موسىالأسدي النخّاس، كوفي»((3))، وقال في «الفهرست»: «رفاعة بن موسى النخاس، ثقة. له كتاب»((4)). وروى عنه المشايخ الثقات، وورد في أسناد كتاب «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي»((5))، فالسند صحيح.

ص: 402


1- 1*) تقدّم ما يدل على ذلك في الحديث 1 من الباب 7 من هذه الأبواب، ويأتي ما يدلّ عليه في الحديث 2 من الباب 28 من أبواب النجاسات، والحديث 1 من الباب 46 من أبواب الجنابة.
2- - رجال النجاشي: 166 / 438.
3- - رجال الطوسي: 205 / 2632.
4- - فهرست الطوسي: 129 / 296.
5- - أُصول علم الرجال 2 : 192، و ج 1 : 221، 280.

المتحصل من الأحادیث

والحاصل: أنّ هذا الباب احتوى على تسعة أحاديث معتبرة، سبعة منها مطلقة، تدلّ على طهارة سؤر الحائض وجواز الشرب منه، والنهي عن الوضوء منه مطلقاً، واثنان مقيّدان بما إذا كانت مأمونة أو كانت تغسل يديها.

ص: 403

ص: 404

9 - باب طهارة سؤر الفأرة والحية والعظاية والوزغ والعقرب وأشباهه، واستحباب اجتنابه، وطهارة سؤر الخنفساء

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

9 - باب طهارة سؤر الفأرة والحية والعظاية والوزغ والعقرب وأشباهه، واستحباب اجتنابه، وطهارة سؤر الخنفساء

شرح الباب:

أقوال الخاصّة:

قال في «الجواهر»: «يكره سؤر (الفأرة) كما في التحرير والقواعد والذكرى، وعن الوسيلة والمهذب والجامع، وهو الأقوى، خلافاً لما يظهر من المقنعة والتهذيب في باب تطهير الثياب، كما عن النهاية والمبسوط فيه أيضاً من وجوب غسل ما تلاقيه برطوبة، ومثله المنقول عن الفقيه... (و) لا خلاف فيما أجد في عدم المنع من سؤر (الحيّة) بالخصوص مع عدم الموت، لكن قد تدخل في كلام من منع من سؤر ما لا يؤكل لحمه،... نعم، يكره سؤر الحيّة كما في التحرير والقواعد والإرشاد وظاهر الذكرى، وعن الدروس والبيان والروض، وهو المنقول عن الشيخ وأتباعه، لكن عبارته المحكيّة عنه تدلّ على أفضليّة الاجتناب، ويظهر من المعتبر والمنتهى كصريح المدارك عدم الكراهة وعدم أفضليّة الاجتناب ... (و) كذا يكره سؤر (ما مات فيه الوزغ والعقرب)، ولا يمنع على المشهور بين الأصحاب

ص: 405

نقلاً وتحصيلاً، خلافاً لما يظهر من المقنعة في باب تطهير الثياب؛ حيث أوجب غسل ما يلاقيه الوزغ برطوبة، كما عن النهاية أيضاً فيه وفي المقام ...»((1)).

وعن «السرائر»: «لا بأس بأسآر الفأر والحيّات وجميع حشرات الأرض»((2)).

أقوال العامّة:

قال ابن قدامة في «المغني»: «السنّور وما دونها في الخلقة كالفأرة وابن عرس فهذا ونحوه من حشرات الأرض، سؤره طاهر يجوز شربه والوضوء به، ولا يكره، وهذا قول أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين من أهل المدينة والشام وأهل الكوفة وأصحاب الرأي إلّا أبا حنيفة فإنّه كره الوضوء بسؤر الهرّ، فإن فعل أجزأه، وقد روي عن ابن عمر أنّه كرهه، وكذلك يحيى الأنصاري وابن أبي ليلى، وقال أبو هريرة: يغسل مرّة أو مرّتين، وبه قال ابن المنذر، وقال الحسن وابن سيرين: يغسل مرّة، وقال طاوس: يغسل سبعاً كالكلب»((3)).

ص: 406


1- - جواهر الكلام 1 : 383.
2- - السرائر 1 : 85.
3- - المغني 1 : 44.

[615] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْعَمْرَكِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْعَظَايَةِ(1) وَالْحَيَّةِ وَالْوَزَغِ يَقَعُ فِي الْمَاءِ فَلَا يَمُوتُ، أَيُتَوَضَّأُ مِنْهُ لِلصَّلَاةِ؟ قَالَ: «لَا بَأْسَ بِهِ»، وَسَأَلْتُهُ عَنْ فَأْرَةٍ وَقَعَتْ فِي حُبِّ دُهْنٍ وَأُخْرِجَتْ قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ، أَيَبِيعُهُ مِنْ مُسْلِمٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَيَدَّهِنُ مِنْهُ»(2).

وَرَوَاهُ الْحِمْيَرِيُّ فِي «قُرْبِ الْإِسْنَادِ»، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، مِثْلَهُ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

تضمّن الحديث بيان حكمين:

الأول: في أنّ وقوع العظاية والحية والوزغ في الماء بدون موت لا يوجب انفعال الماء؛ وذلك لطهارتها جميعاً، فيجوز أن يستعمل ذلك الماء في الوضوء للصلاة.

الثاني: في أنّ وقوع الفأرة في حب الدهن ونحوه ثم إخراجها منه حيّة

ص: 407


1- العظاية: وهي دويبة معروفة، وقيل: هو السام الأبرص. (النهاية 3 : 260) .
2- تهذيب الأحكام 1 : 419، ح1326، والاستبصار 1 : 23، ح58، وج1 : 24، ح61، وأورده في الحديث 1 من الباب 33 من أبواب النجاسات.
3- قرب الإسناد: 261.

لا ينجّسه، ويكون سؤرها طاهراً، فيجوز الادّهان به وبيعه من مسلم، فهو حلال وطاهر، ولا يجوز بيع المتنجّس للمسلم، مع أنّ الفأرة لا تنفك عن النجاسة في موضع بولها وبعرها((1)).

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

الأول: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار» إلى العمركي، ولم يتعرّض الشيخ في «المشيخة» لسنده إلى العمركي، ولكنّه ذكر إسناده إلى علي بن جعفر، وقد وقع فيه العمركي، قال(قدس سره) : «وما ذكرته عن علي بن جعفر فقد أخبرني به الحسين بن عبيد الله، عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن أبيه محمد بن يحيى، عن العمركي النيسابوري البوفكي، عن علي بنجعفر»((2)). وهذا الحديث من جملة ما أخرجه الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»، فالسند صحيح.

ص: 408


1- - أقول: لكن يمكن أن يقال: إنّه لا يدلّ على طهارة الدهن بعد إخراجها حيّة؛ لأنّ الاستفادة منه لا تنحصر في الأكل وما يشترط فيه الحليّة حتى يكون ذلك دليلاً على الحليّة والطهارة، بل الاستفادة منه قد تكون للادّهان به وللاستصباح به، وبيعه للمسلم لأجل هذا الغرض، ولذلك لم يذكر في الحديث غيره من الانتفاعات، ولا ريب أنّه لا يشترط الطهارة ولا الحليّة فيما يدهن به؛ إذ يستطيع تطهير بدنه بعد ذلك، ولا ريب أيضاً في عدم اشتراط طهارة ما يستصبح به. هذا إذا قصرنا النظر على هذا الحديث. فتأمل. المقرّر.
2- - تهذيب الأحكام 10 : 86 ، المشيخة.

[616] 2- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) كَانَ يَقُولُ: «لَا بَأْسَ بِسُؤْرِ الْفَأْرَةِ إِذَا شَرِبَتْ مِنَ الْإِنَاءِ أَنْ يُشْرَبَ مِنْهُ وَيُتَوَضَّأَ مِنْهُ»(1).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ أَيْضاً بِإِسْنَادِهِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

هذا، مضافاً إلى أنّ النجاشي ذكر في «رجاله»: أنّ للعمركي كتابين، وهما الملاحم والنوادر، وذكر طريقه إلى نوادره، وهو: أخبرنا محمد بن علي بن شاذان، عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن عبد الله بن جعفر، عنه به((3))، والظاهر أنّ أحاديث الأحكام من نوادره.

الثاني: سند الحميري في «قرب الإسناد»، وفيه: عبد الله بن الحسن: الذي لم يوثّق، لكنّا قلنا بإمكان تصحيحه بطرق متعدّدة، فالسند معتبر.

[2] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على جواز الشرب والوضوء من سؤر الفأرة إذا شربت من الماء القليل بقرينة قوله (علیه السلام) : «من الإناء»؛ وذلك لأنّ الفأرة حيوان طاهر، فيكون سؤرها تابعاً لها، ما لم يوجد عليها نجاسة، وإلّا انفعل الماء بملاقاتها. وهذا لا يعني عدم استحباب اجتناب سؤرها.

ص: 409


1- تهذيب الأحكام 1 : 419، ح1323، والاستبصار 1 : 26، ح65.
2- من لا يحضره الفقيه 1 : 14، ح28.
3- - رجال النجاشي: 304 / 828.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

الأول: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»، وهو موثّق.

الثاني: سند الصدوق إلى إسحاق بن عمار، قال في «مشيخة الفقيه»: «وما كان فيه عن إسحاق بن عمار فقد رويته عن أبي رضي الله عنه، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن علي بن إسماعيل، عن صفوان بن يحيى، عن إسحاق بن عمار»((1)).

كما يمكن عدّ طريق الصدوق طريقاً للشيخ أيضاً؛ فإنه يروي جميع كتب وروايات الشيخ الصدوق، وهذا الحديث بهذا الطريق من جملتها، فالسند موثّق.

ص: 410


1- - من لا يحضره الفقيه 4 : 423 ، المشيخة.

[617] 3- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ وُهَيْبٍ، عَنْ حَفْصٍ(1)، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنْ حَيَّةٍ دَخَلَتْ حُبّاً(2) فِيهِ مَاءٌ وَخَرَجَتْ مِنْهُ؟ قَالَ: «إِذَا وَجَدَ مَاءً غَيْرَهُ فَلْيُهَرِقْهُ»(3).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، مِثْلَهُ(4).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

الحبّ: من الظروف التي يحتفظ فيها بالماء، وله أحجام مختلفة، والغالب أنَّها لا تبلغ الكر، فيكون الماء فيها قليلاً، وقوله (علیه السلام) : «إذا وجد ماء غيره فليهرقه» ظاهر في التنزّه عن الماء الذي لامسته الحيّة واستحباب الإراقة، لا في النجاسة، وإلّا لما كان للقيد معنى، ولكان اللازم إراقته؛ لعدم جواز الانتفاع به في الشرب ولا في الوضوء، فإنّ معناه - وهو مفهوم الشرطيّة - : أنّه إذا لم يجد ماء غيره فلا يهرقه، ولازمه جواز استعماله، وجواز الاستعمال مساوق للطهارة، وخصوصاً أنّ الحيّة من الحيوانات الطاهرة.

نعم، يمكن أن يكون التنزّه والأمر بالإهراق لاحتمال وجود السم في

ص: 411


1- كذا في المخطوط، وفي الاستبصار والكافي: وهيب بن حفص.
2- في تهذيب الأحكام: جباً.
3- تهذيب الأحكام 1 : 413، ح1302، والاستبصار 1 : 25، ح63.
4- الكافي 3 : 73، ح15.

الماء، فلا يستعمل في الشرب ولا في الوضوء؛ لاحتمال دخول السم في منافذ البدن عند التوضّي.

بحث رجالي حول حفص بن غياث

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

الأول: سند الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»، وفيه: محمد بن الحسين: وهو ابن أبي الخطّاب، ووهيب عن حفص كما في مخطوط «الوسائل»، والصحيح هو: وهيب بن حفص؛ بقرينة التصريح بذلك في كثير من الروايات التي روى فيها عن أبي بصير، كما في الحديث الخامس من الباب الخامس من أبواب الدفن وما يناسبه، فقد ذكره الماتن بسندين، وفيهما: محمد بن الحسين، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير، وكذا الحديث الثاني من الباب الثامن عشر من أبواب التيمم، والحديث الخامس من الباب الرابع عشر من أبواب النجاسات والأواني والجلود، بينما لم يرد وهيب عن حفص إلّا في هذا المورد، ووهيب هذا ثقة؛ لأنّ النجاشي قال عنه: «وهيب بن حفص أبو علي الجريري، مولى بني أسد، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (علیهما السلام) ، ووقف، وكان ثقة، وصنّف كتباً: كتاب تفسير القران وكتاب فيالشرائع مبوّب»((1))، وورد في «تفسير القمي»((2))، فالسند موثّق.

ص: 412


1- - رجال النجاشي: 431 / 1159.
2- - أُصول علم الرجال 1 : 313 . أقول: لكنّه وارد في القسم الثاني من التفسير. والذي يعتمده الشيخ الأستاذ - حفظه الله - هو ورود الراوي في القسم الأول منه. المقرّر.

[618] 4- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ وَالْحَسَنِ بْنِ مُوسَى الْخَشَّابِ جَمِيعاً، عَنْ يَزِيدَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ هَارُونَ بْنِ حَمْزَةَ الْغَنَوِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْفَأْرَةِ وَالْعَقْرَبِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ يَقَعُ فِي الْمَاءِ فَيَخْرُجُ حَيّاً هَلْ يُشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ وَيُتَوَضَّأُ مِنْهُ(1)؟ قَالَ: «يُسْكَبُ مِنْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ يُشْرَبُ مِنْهُ وَيُتَوَضَّأُ مِنْهُ غَيْرَ الْوَزَغِ فَإِنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِمَا يَقَعُ فِيهِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

الثاني: سند الكليني، وهو موثّق كسابقه.

[4] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على طهارة الفأرة والعقرب وما أشبهها كالحيّة، وهو لازمالحكم بطهارة سؤرها إذا خرجت حيّة، بعد أن يسكب من الماء ثلاث مرات، ولو بأن تكون ثلاثة أكف؛ طلباً للنزاهة والنظافة وزوال نفرة النفس من الماء الذي وقعت فيه. ولا فرق في ذلك بين قليل الماء وكثيره. ولو كان الماء قد تنجّس بذلك لم يكفِ الصب من الماء ثلاثاً إذا كان قليلاً، فتكون علّة السكب في وقوع مثل العقرب وأمثاله - ممّا فيه سم - وجود ضرر

ص: 413


1- في نسخة: به. (منه(قدس سره) ).
2- تهذيب الأحكام 1 : 238، ح690، والاستبصار 1 : 24، ح59، وأورده في الحديث5 من الباب19 من أبواب الماء المطلق.

حاصل في الماء، وهذا الضرر غير نافذ إلى الماء كلّه، بل هو مخصوص بأعاليه، فلذا يتخلّص منه بالسكب ولو مثل ثلاثة أكف منه، والعلّة في مثل الفأرة إزالة النفرة والاستقذار من النفس. وممّا يؤيّد هذا الحمل - وهو الاستقذار لا النجاسة - جواب الإمام (علیه السلام) بعموم الجواز للقليل والكثير، مع أن الكثير لا يتنجّس بوقوع المذكورات فيه، بينما الاستقذار العرفي موجود، وهو كافٍ في الحكم بما ذكر من السكب.

واستثنى منه الوزغ؛ وعلّله بأنّه لا ينتفع بما يقع فيه، وقد يحمل التعليل على أنّه لا ينتفع بما يقع فيه لأجل تنجّسه بالوزغ، ولذا قال المحقّق الهمداني: «وهذه الرواية ممّا يستظهر منها نجاسة الوزغة»((1))، لكنّه في محل المنع؛ إذ الثابت طهارة ما لا نفس له سائلة، ودلّ عليه في هذا الباب الحديث صراحة، ويأتي ما يدلّ عليه في الباب اللاحق، فيكون المراد بعدم الانتفاع بما وقع فيه شدّة الكراهة؛ لما فيه من السميّة، لا من جهة النجاسة.

سند الحديث:

تقدّم الكلام في رجال هذا السند، وقلنا: إنّه معتبر.

ص: 414


1- - مصباح الفقيه 7 : 168.

[619] 5- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَمَاعَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْخُنْفَسَاءِ تَقَعُ فِي الْمَاءِ، أَيُتَوَضَّأُ بِهِ(1)؟ قَالَ: «نَعَمْ، لَا بَأْسَ بِهِ»، قُلْتُ: فَالْعَقْرَبُ؟ قَالَ: «أَرِقْهُ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

قال الخليل في «كتاب العين»: «الخنفساء: دويبة سوداء تكون في أصول الحيطان»((3))، وهي ممّا لا دم له ويكون لها بعر.

وقد جاء السؤال عن حكم الوضوء من الماء الذي تقع فيه الخنفساء والعقرب، وقد تبيّن الحكم من الحديث السابق، فالخنفساء من العموم، والعقرب من التصريح به، ولكن بين الحديثين فرق، حيث ورد الأمر بالسكب من الماء ثلاثاً في الحديث السابق، وإراقة الماء لوقوع العقرب في هذا الحديث، والظاهر منه إراقة الماء كلّه. والاختلاف بين الحديثين في السكب في الأول وعدمه في الثاني دليل على أنّ السكب هناك كان للتنزّه.

سند الحديث:

تقدّم الكلام في رجال هذا السند، وقلنا: إنّه موثق.

ص: 415


1- كتب المصنّف على «به» علامة نسخة، وفي الاستبصار «منه».
2- تهذيب الأحكام 1 : 230، ح664، والاستبصار 1 : 27، ح69.
3- - كتاب العين 4 : 331، مادة: «خنف».

[620] 6- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَمَاعَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنْ جَرَّةٍ وُجِدَ فِيهَا خُنْفَسَاءُ قَدْ مَاتَتْ؟ قَالَ: «أَلْقِهَا وَتَوَضَّأْ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ عَقْرَباً فَأَرِقِ الْمَاءَ وَتَوَضَّأْ مِنْ مَاءٍ غَيْرِهِ»(1).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[6] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أمرين:

الأول: الجواب عن سؤال الراوي حول الجرّة التي وجد فيها خنفساء قد ماتت، بعدم البأس في الوضوء بالماء القليل الذي ماتت فيه، وما ذلك إلّا لطهارتها وطهارة سؤرها، وإنَّما أمر الإمام (علیه السلام) بإلقائها للاستقذار العرفي، وجوّز الوضوء منه بعد ذلك.

الثاني: البيان الابتدائي من الإمام (علیه السلام) وبلا أن يسبقه سؤال، وهو ما إذاكان الموجود في الماء القليل عقرباً، فالوظيفة هي إراقة الماء، ومعناها عدم إمكان الاستفادة منه.

وقد يقال: إنّ الأمر بإراقة ذلك الماء لا وجه له إلّا النجاسة. إلّا أنّه لا يمكن

ص: 416


1- الكافي 3 : 10، قطعة من الحديث 6، وأورده في الحديث 4 من الباب 35 من أبواب النجاسات.
2- تهذيب الأحكام 1 : 229 ، ح662.

القبول به؛ وذلك لأنّ الأمر بالإراقة يمكن أن يكون لوجود السم في العقرب كما هو مرتكز في الأذهان، ولم يوجب (علیه السلام) غسل الجرّة بعد الإراقة حتى يدلّ على النجاسة.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

الأول: سند الكليني، وفيه: أحمد بن محمد: وهو ابن عيسى؛ لرواية محمد بن يحيى عنه، ولانصراف هذا العنوان إليه عند الإطلاق، كما أنّ الظاهر أنّه هو الذي يروي عن عثمان بن عيسى في غير هذا المورد، والسند موثّق.

الثاني: سند الشيخ في «التهذيب»، وقد تقدّم الكلام فيه مراراً، والسند موثّق كسابقه.

ص: 417

[621] 7- مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) - فِي حَدِيثِ الْمَنَاهِي - : أَنَّ النَّبِيَّ(صلی الله علیه و آله و سلم) نَهَى عَنْ أَكْلِ سُؤْرِ الْفَأْرِ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الشیخ الصدوق إلی شعيب بن واقد

[7] - فقه الحديث:

النهي ظاهر في الحرمة، فما أكلت منه الفأرة نجس لا يجوز أكله بمقتضى هذا النهي، ويكون هذا الحديث دالّاً على نجاسة الفأرة، لكن لابد من حمل هذا النهي على التنزيه؛ إذ لا ينحصر النهي فيما ذكر من إفادة النجاسة، أضف إلى ذلك ما ورد من عدم البأس في سؤرها، وهذا الحديث لا يدلّ على حكم الماء من حيث الشرب والتوضّي.

سند الحديث:

سند الصدوق إلى شعيب بن واقد قال(قدس سره) في «المشيخة»: «وما كان فيه عن شعيب بن واقد في المناهي فقد رويته، عن حمزة بن محمد بن أحمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، قال: حدّثني أبو عبد الله عبد العزيز بن محمد بن عيسى الأبهري، قال: حدّثنا أبو عبد الله محمد بن زكريا الجوهري الغلابي البصري، قال: حدّثنا شعيب بن واقد، قال: حدثنا الحسين بن زيد، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه،

ص: 418


1- من لا يحضره الفقيه 4 : 2، ح1.

عن آبائه، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیهم السلام) قال: نهى رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) عن الأكل على الجنابة وقال: إنّه يورث الفقر، وذكر الحديث بطوله كما في هذا الكتاب»((1)).

وهذا السند ضعيف؛ فإنّ عبد العزيز الأبهري مجهول، وقال السيد الأستاذ: إنّه ضعيف أيضاً بحمزة بن محمد - وهو حمزة بن محمد بن أحمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (علیهم السلام) - «فإنّ حمزة بن محمد لم يوثّق»((2))، لكنّا قد أسلفنا أنّه من جملة مشايخ الصدوق الذين ترضّى عنهم، فيكون ثقة.

وأمّا شعيب بن واقد: فهو مجهول أيضاً.

وأمّا الحسين بن زيد: فهو الحسين بن زيد بن علي بن الحسين (علیهما السلام) ، الملقّب بذي الدمعة، ولم يرد فيه غير أنّ أبا عبد الله (علیه السلام) ربّاه وزوّجه، وهو دالّ على عناية الإمام (علیه السلام) به، وهو مدح قويّ، لكنّه لا يرقى إلى التوثيق، ومع ذلك قلنا فيما سبق: إنّه روى عنه المشايخ الثقات، فهو ثقة.

والحاصل أن هذا السند غير معتبر إلّا على القول بتماميّة شهادة الصدوق على صحّة روايات كتاب «من لا يحضره الفقيه».

ص: 419


1- - من لا يحضره الفقيه 4 : 532، المشيخة.
2- - معجم رجال الحديث 10 : 37.

[622] 8 - عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ فِي «قُرْبِ الْإِسْنَادِ»، عَنِ السِّنْدِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيّاً (علیه السلام) قَالَ: «لَا بَأْسَ بِسُؤْرِ الْفَأْرِ أَنْ يُشْرَبَ مِنْهُ وَيُتَوَضَّأَ»(1).

أَقُولُ: وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى بَعْضِ الْمَقْصُودِ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

المتحصل من الأحادیث

[8] - فقه الحديث:

دلّ الحديث صراحة على نفي البأس عن الشرب والتوضّي مطلقاً من سؤر الفأر، ولكن لابد أن يقيّد بما دلّ على كراهته.

سند الحديث:

تقدّم الكلام في توثيق الحميري واعتبار كتابه.

وأمّا السندي بن محمد: فهو أبان بن محمد، وهو ابن أخت صفوان بن يحيى، وتقدّم أنّه ثقة ووجه في الأصحاب الكوفيين، بالإضافة إلى أنّه ورد في أسناد كتاب «نوادر الحكمة».

وأمّا أبو البختري: فقد مضى أنّه وهب بن وهب، فالسند معتبر.

والحاصل: أنّ الباب يحتوي على ثمانية أحاديث، أولها صحيح، والثاني والثالث والخامس والسادس من الموثقات، والرابع والثامن من المعتبرات،وأما السابع فهو معتبر على قول.

ص: 420


1- قرب الإسناد: 150.
2- يأتي في الباب الآتي، وفي الحديث 14 من الباب 49 من أبواب جهاد النفس.

10 - باب طهارة سؤر ما ليس له نفس سائلة وإن مات

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

10 - باب طهارة سؤر ما ليس له نفس سائلة وإن مات

شرح الباب:

حشرات الأرض على ثلاثة أنواع: الأول: ما له نفس سائلة، والمراد من النفس هنا الدم، وقد مضى حكمه وحكم سؤره. الثاني: ما لا نفس له سائلة، وقد مضى بعض الكلام فيه وأنّه طاهر، وسؤره تابع له وإن مات في الماء ونحوه. الثالث: ما لا دم له أصلاً، وهذا ملحق بما ليس له نفس سائلة، كالذباب والنمل والجراد والعلق والديدان والسرطان وغيرها.

أقوال الخاصّة:

قال في «الجواهر»: «في المنتهى: اتفق علماؤنا على أنّ ما لا نفس له سائلة من الحيوانات لا ينجس بالموت، ولا يؤثّر في النجاسة ما يلاقيه من الماء وغيره، وفي المعتبر أنّه مذهب علمائنا أجمع»((1)).

أقوال العامّة:

قال ابن قدامة في «المغني»: «لا ينجس بالموت، ولا ينجس الماء إذا مات فيه - أي: ما لا نفس له سائلة - في قول عامّة الفقهاء، قال ابن المنذر: لا

ص: 421


1- - جواهر الكلام 1 : 389.

[623] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُصَدِّقِ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: سُئِلَ عَنِ الْخُنْفَسَاءِ وَالذُّبَابِ وَالْجَرَادِ وَالنَّمْلَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ يَمُوتُ فِي الْبِئْرِ وَالزَّيْتِ وَالسَّمْنِ وَشِبْهِهِ؟ قَالَ: «كُلُّ مَا لَيْسَ لَهُ دَمٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

أعلم في ذلك خلافاً إلّا ما كان من أحد قولي الشافعي، قال: فيها قولان (أحدهما): ينجس قليل الماء، قال بعض أصحابه: وهو القياس، (والثاني): لا ينجس وهو الأصلح للنّاس. فأمّا الحيوان في نفسه فهو عنده نجس قولاً واحداً؛ لأنّه حيوان لا يؤكل، لا لحرمته فينجس بالموت كالبغل والحمار»((2)).

[1] - فقه الحديث:

ظاهر الحديث أنّ كلّ ما ليس له دم فهو طاهر ولا بأس بسؤره، وهذا بقرينة السؤال عن المصاديق التي لا دم لها كالجراد ونحوه، فإنّه يفيد بيان الحكم لما لا دم له، لا لما لا يسيل دمه مع وجود الدم له.

ص: 422


1- تهذيب الأحكام 1 : 230، ح665، وفي ص284، ذيل الحديث832 ، وفي الاستبصار 1 : 26، ح66، وأورده في الحديث 1 من الباب 35 من أبواب النجاسات.
2- - المغني 1 : 39.

[624] 2- وَعَنْهُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، يَعْنِي: أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (علیهما السلام) ، قَالَ: «لَا يُفْسِدُ الْمَاءَ إِلَّا مَا كَانَتْ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

تقدّم أنّ سند الشيخ إلى محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري معتبر، وتقدّم أنّ أحمد بن الحسن: هو أحمد بن الحسن بن علي بن فضال، وأنّ عمرو بن سعيد: هو عمرو بن سعيد الساباطي المدائني، وتقدّم أنّ بقيّة أفراد السند ثقات، والسند موثّق.

[2] - فقه الحديث:

دلّ بمنطوقه على أنّ ما كانت له نفس سائلة فإنّه يفسد الماء، والظاهر من إفساد الماء معناه المفهوم عرفاً وهو النجاسة، ولا تكون إلّا بموته أو بوجود مدفوعه في الماء، ويستثنى ما كان مدفوعه طاهراً، فإنّه لا يؤثّر في انفعال الماء، ودلّ بمفهومه على طهارة ميتة ما لا نفس له سائلة وما ليس له دم أصلاً، وأنّ موتها لا يوجب فساد الماء.

ص: 423


1- تهذيب الأحكام 1 : 231، ح669، والاستبصار 1 : 26، ح67، وأورده في الحديث 2 من الباب 35 من أبواب النجاسات.

بحث رجالي حول حفص بن غياث

سند الحديث:

فيه: حفص بن غياث: وهو عامّي المذهب، قال عنه النجاشي: «حفص بن غياث بن طلق بن معاوية بن مالك بن الحارث بن ثعلبة بن ربيعة بن عامر بن جشم بن وهبيل بن سعد بن مالك بن النخع بن عمرو بن علة بن خالد بن مالك بن أدد، أبو عمر القاضي، كوفي، روى عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (علیه السلام) ، وولي القضاء ببغداد الشرقيّة لهارون، ثم ولّاه قضاء الكوفة، ومات بها سنة أربع وتسعين ومائة. له كتاب - وذكر طريقه إليه ثم قال: - وهو سبعون ومائة حديث أو نحوها، وروى حفص عن أبي الحسن موسى (علیه السلام) »((1)).

وعدّه الشيخ في أصحاب الإمام الباقر (علیه السلام) ، ونصّ على أنّه عامّي((2)

وذكره في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ((3))، وفي أصحاب الإمام الكاظم (علیه السلام) ((4))، وفي من لم يرو عن واحد من الأئمة (علیهم السلام) ((5)).

وقال في «الفهرست»: «حفص بن غياث القاضي، عامّي المذهب . له كتاب

ص: 424


1- - رجال النجاشي: 134 / 346.
2- - رجال الطوسي: 133 / 1371.
3- - المصدر نفسه: 188 / 2318.
4- - المصدر نفسه: 335 / 4985.
5- - المصدر نفسه: 425 / 6122.

معتمد»((1))، فذكر أنّ كتابه معتمد، مع أنّ في طريقه إليه ولده محمد بن حفص.

قال الشيخ في «عدّة الأصول»: «ولأجل ما قلناه - من كون الراوي ثقة وإن كان مخالفاً - عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث، وغياث بن كلوب، ونوح بن دراج، والسكوني، وغيرهم من العامّة عن أئمتنا (علیهم السلام) فيما لم ينكروه ولم يكن عندهم خلافه»((2)).

وهذا توثيق عام من الشيخ لهؤلاء العامّة. كما أنّه ورد في أسناد كتاب «نوادر الحكمة»((3))، وقد ورد في أسناد «تفسير القمي» إلّا أنّ شهادة علي بن إبراهيم لا تشمله؛ لأنَّها لا تشمل غير الإمامي، فالسند موثّق.

ص: 425


1- - فهرست الطوسي: 116 / 242.
2- - عدّة الأصول 1 : 149.
3- - أُصول علم الرجال 1 : 220.

[625] 3- وَبِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «كُلُّ شَيْ ءٍ يَسْقُطُ فِي الْبِئْرِ لَيْسَ لَهُ دَمٌ مِثْلُ الْعَقَارِبِ وَالْخَنَافِسِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على طهارة كل ما ليس له دم، ولذا فإنّه إذا وقع في البئر لم يوجب نجاسته وإن مات، وليس في الحديث تعرّض لما له دم ولكنّه ليس بسائل. ونفي البأس هنا مطلق، فيشمل ما إذا وقعت وخرجت حيّة، وما إذا ماتت في الماء.

سند الحديث:

تقدّم أنّ ابن سنان: هو محمد بن سنان؛ لأنّ الحسين بن سعيد يروي كثيراً عن محمد بن سنان، ولا يروي عن عبد الله إلّا في مورد واحد، وقد تقدّم أنّه ثقة على الأقوى. هذا، مضافاً إلى أنّ الحديث مذكور في كتاب الحسين بن سعيد، فيعتبر لذلك.

وابن مسكان: هو عبد الله بن مسكان، فالسند معتبر.

ص: 426


1- تهذيب الأحكام 1 : 230، قطعة من الحديث 666، والاستبصار 1 : 26، 68، وأورده في الحديث 3 من الباب 35 من أبواب النجاسات.

[626] 4- مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، رَفَعَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «لَا يُفْسِدُ الْمَاءَ إِلَّا مَا كَانَتْ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ»(1).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[4] - فقه الحديث:

دلالته كدلالة الحديث الثاني.

سند الحديث:

ذكر الماتن سندين لهذا الحديث:

الأول: سند الكليني في «الكافي»، وهو ضعيف؛ لأنّه مرفوع، إلّا أن يصحّح بكفاية وجوده في «الكافي».

الثاني: سند الشيخ في «التهذيب»، وهو مرفوع كسابقه.

ص: 427


1- الكافي 3 : 5، ح4، وأورده في الحديث 5 من الباب 36 من أبواب النجاسات.
2- تهذيب الأحكام 1 : 231 ، ح668.

[627] 5- عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ فِي «قُرْبِ الْإِسْنَادِ»، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَلَوِيِّ، عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (علیهما السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْعَقْرَبِ وَالْخُنْفَسَاءِ وَأَشْبَاهِهِنَّ تَمُوتُ فِي الْجَرَّةِ أَوِ الدَّنِّ(1) يُتَوَضَّأُ مِنْهُ لِلصَّلَاةِ؟ قَالَ: «لَا بَأْسَ بِهِ»(2).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ(3)، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ(4).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على نفي البأس عن الماء القليل الذي يكون في الجرة أو الدن ويموت فيه ما لا دم له كالعقرب والخنفساء والذباب والجراد وغيرها، وهو دالّ على طهارتها حيّة وميّتة، فيجوز الوضوء بالماء الذي ماتت فيه، وهذا التصريح بنفي البأس هنا يوجب حمل الأمر بإراقة ما مات فيه العقرب على الاستحباب، لأجل التحرّز عن السمّ المتوهّم فيه كما مرّ.

سند الحديث:

تقدّم الكلام في هذا السند مراراً، وقلنا: إنّ فيه عبد الله بن الحسن، وهو

ص: 428


1- الدن: أصغر من الحبّ، ولا يثبت في الأرض إلّا أن يحفر له. (راجع: لسان العرب 13 : 159).
2- قرب الإسناد: 178.
3- تقدّم في الباب السابق.
4- يأتي في الأبواب 33، 35 من أبواب النجاسات.

لم يوثّق، لكن يمكن تصحيحه بثلاثة طرق((1))، فالسند معتبر.

المتحصل من الأحادیث

والحاصل: أنّ في الباب خمسة أحاديث؛ الأولان موثّقان، والثالث والخامس معتبران، والرابع ضعيف يمكن القول باعتباره.

وقد دلّت على أنّ ما ليس له نفس سائلة طاهر، وسؤره كذلك حتى لو مات في الماء وأشباهه، وأنّه يجوز الوضوء به.

ص: 429


1- - التقيّة في فقه أهل البيت 2 : 454.

ص: 430

11 - باب حكم العجين بالماء النجس

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

11 - باب حكم العجين بالماء النجس

شرح الباب:

أقوال الخاصّة:

قال السيد العاملي في «المدارك»: «إذا عجن العجين بالماء النجس لم يطهر إذا خبز، قاله الشيخ في التهذيب وموضع من النهاية((1)

وأكثر الأصحاب؛ لأنّ العجين ينجس بالماء النجس، والنار لم تحلّه، بل جفّفته وأزالت بعض رطوبته، وذلك لا يكفي في التطهير... وقال الشيخ في موضع من النهاية: إنّه يطهر بالخبز((2))»((3)).

أقوال العامّة:

قال في «المغني»: «وإن تنجس العجين ونحوه فلا سبيل إلى تطهيره؛ لأنّه لا يمكن غسله»((4)).

ص: 431


1- - النهاية: 590.
2- - النهاية: 8 .
3- - مدارك الأحكام 2 : 369.
4- - المغني 1 : 36.

[628] 1- مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَمَا أَحْسَبُهُ إِلَّا (عَنْ)(1) حَفْصِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ، قَالَ: قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي الْعَجِينِ يُعْجَنُ مِنَ الْمَاءِ النَّجِسِ كَيْفَ يُصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: «يُبَاعُ مِمَّنْ يَسْتَحِلُّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على عدم إمكانيّة الاستفادة من العجين المتنجّس بالماء النجس، إلّا ببيعه ممّن يستحلّ أكل الميتة. وقد يقال: هذا معناه أنّه لا طريق إلى تطهيره ولو بخبزه.

لكنّا نقول: لم يثبت أنّ الإمام (علیه السلام) في مقام بيان جميع الخصوصيّات، فالظاهر أنّه كان بصدد إبراز طريق واحد على نحو الجواز في التخلّص من المتنجّس، ونظيره ما ورد في إهراق الخمر، مع أنّه يمكن تخليله.

سند الحديث:

محمد بن الحسين: هو محمد بن الحسين بن أبي الخطاب الثقة الجليل.والسند صحيح على المشهور إذا كان المراد ببعض أصحابنا هو حفص

ص: 432


1- ليس في المصدر.
2- تهذيب الأحكام 1 : 414، ح1305، والاستبصار 1 : 29، ح76، وأورده في الحديث 3 من الباب 7 من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة.

[629] 2- وَبِالْإِسْنَادِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «يُدْفَنُ وَلَا يُبَاعُ»(1).

أَقُولُ: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالْأَوَّلُ عَلَى الْجَوَازِ .

-----------------------------------------------------------------------------

بن البختري، كما هو الظاهر، وإلّا كان مرسلاً فلا يكون معتبراً.

ولكن نقول: إنّ السند معتبر عندنا حتى على فرض عدم معلوميّة هذا البعض؛ لأنّ السند من مراسيل ابن أبي عمير الذي عرف عنه أنّه لا يروي ولا يرسل إلّا عن ثقة.

رفع التنافي بين الحدیث الأول و الثاني

[2] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على وجوب الدفن وحرمة البيع؛ لأنّ الأمر ظاهر في الوجوب، والنهي ظاهر في الحرمة، لكنّه ينافي ما مرّ في الحديث الأول من جواز بيعه على مستحلّه.

وفي المقام حملان لرفع هذا التنافي:

الأول: ما ذكره الماتن من حمل الدفن وعدم البيع على الاستحباب، والبيع ممّن يستحلّ الميتة غايته الجواز، فلا تنافي بينهما.

الثاني: حمل البيع المنهي عنه على كونه من غير المستحلّ، والبيع في

ص: 433


1- تهذيب الأحكام 1 : 414، ح1306، والاستبصار 1 : 29، ح77، وأورده في الحديث 4 من الباب 7 من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة.

[630] 3- وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَحَادِيثِ الْبِئْرِ: أَنَّ الْعَجِينَ الْمَذْكُورَ إِذَا أَصَابَتْهُ النَّارُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ إِلَّا أَنَّ الْمَاءَ هُنَاكَ مِنْ مَاءِ الْبِئْرِ، وَقَدْ عَرَفْتَ عَدَمَ نَجَاسَتِهِ بِالْمُلاقَاةِ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

الحديث الأول للمستحلّ كما هو مصرّح به.

سند الحديث:

المراد بالإسناد: هو الإسناد السابق في الحديث الأول، وقد قلنا باعتباره، وقد تقدّم أنّ للشيخ ثلاثة طرق معتبرة إلى ابن أبي عمير، ولا يضر الإرسال؛ لأنّ ابن أبي عمير لا يرسل إلّا عن ثقة.

[3] - فقه الحديث:

تقدّم الحديثان: معتبر ابن الزبير، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن البئر يقع فيها الفأرة أو غيرها من الدواب فتموت، فيعجن من مائها، أيؤكل ذلك الخبز؟ قال: «إذا أصابته النار فلا بأس بأكله».

ومرسل ابن أبي عمير، عن أبي عبد الله (علیه السلام) في عجين عجن وخبز، ثم عُلم أنّ الماء كانت فيه ميتة؟ قال: «لا بأس، أكلت النار ما فيه».وأنّه قد يتوهّم منهما أنّ النار مطهّرة للمتنجّس.

وقلنا: إنّ النار ليست من المطهّرات، وإنّ غاية ما يدلّ عليه ارتفاع

ص: 434


1- تقدّم في الحديثين 17 و 18 من الباب 14 من أبواب الماء المطلق.

الحزازة التنزيهيّة بها.

كما أنّ المسؤول عنه في الحديث الأول هو العجين الذي عجن بماء البئر الذي ماتت فيه الفأرة، وهو غير معلوم النجاسة؛ لاحتمال أنّ الماء لم يتغيّر بها، فيكون باقياً على طهارته؛ لما تقدّم من أنّ ماء البئر معتصم، ولا ينفعل قليله بالنجاسة؛ لوجود المادة، إلّا أن يتغيّر بها، وحينئذٍ تختصّ النجاسة بالمقدار المتغيّر.

وأمّا الثاني فقد استظهرنا أنّ العجين عجن من ماء البئر، وإن لم يصرّح به فيه، وإن صرّح في مرسل الصدوق بأنّه ماء البئر، وقلنا: إنّ إصابة النار للعجين لعلّها كناية عن زوال سؤر الميتة، فإصابة النار للمتنجّس تُذهب بالاستقذار لما لامسته الميتة.

ثم إنّ الميتة لم يعلم أنَّها ميتة ما له نفس سائلة؛ إذ قد تكون ميتة ما ليس له نفس سائلة كالعقرب والخنفساء وغيرهما، فلا يكون العجين متنجّساً أصلاً، وإصابة النار له مذهبة للاشمئزاز منه.

المتحصل من الأحادیث

سند الحديث:

المشار إليه في قول الماتن «وقد تقدم» هما الحديث السابع عشر من الباب الرابع عشر من أبواب الماء المطلق، وقد قلنا: إنّه ضعيف، والحديثالثامن عشر وذكرنا أنّه معتبر.

والحاصل: أنّ في الباب حديثين ذكرهما الماتن صراحة، وحديثين أشار إليهما.

ص: 435

أمّا الحديثان اللذان صرّح بهما: فأولهما صحيح عند المشهور على تقدير إرادة حفص بن البختري من البعض، ومعتبر على تقدير الإرسال وعدم معرفة الواسطة؛ لأنّه من مراسيل ابن أبي عمير.

وأمّا الحديثان اللذان أشار إليهما: فهما حديث ابن الزبير، وهو ضعيف، ومرسل محمد بن أبي عمير، وهو معتبر.

وقد دلّت هذه الأحاديث على جواز بيع العجين المتنجّس على من يستحلّ أكل الميتة، كما دلّت على جواز دفنه وعدم بيعه، ودلت أيضاً على أنّ النار ليست من جملة المطهّرات، وتجفيفها للعجين لا يوجب الاستحالة، فلا يحكم بطهارته إذا تعرّض للنار. فلا بد من التصرّف في جهة أخرى من المسألة كالقول بأنّ العجين لم يتنجّس؛ إمّا لكون الماء كراً، أو ماء بئر غير منفعل بالنجاسة، وعليه فيجوز أكله؛ لعدم المانع منه حينئذٍ. أو أنّ المراد من إصابة النار للعجين هو إذهابها لسؤر الميتة وإيجابها عدم الاستقذار منه بعد أن تكون الميتة ممّا لا نفس له سائلة.

ثمّ إنّه يمكن تطهير العجين المتنجّس بأن يخبز ثمّ يوضع في الكر حتى ينفذ الماء إلى جميع أجزائه، كما في الحليب المتنجّس حيث يُعمل جبناًثمّ يوضع في الكر. والله العالم بالصواب.

ص: 436

فهارس الكتاب

اشارة

1- فهرس الأعلام المترجمين في الكتاب.

2- فهرس الكنى والألقاب.

3- فهرس الأسانيد.

4- فهرس المصادر.

5- فهرس مطالب الكتاب.

ص: 437

ص: 438

1- فهرس الأعلام المترجمين في الكتاب

- أ -

إبراهيم بن عبد الحميِد (ب6 ح1)................................................................. 161

أحمد بن هلال (ب8 ح1).......................................................................... 181

- ح -

حاتم بن إسماعيل (ب8 ح4)....................................................................... 186

حامد بن سهل (ب7 ح6)........................................................................... 378

حجاج الخشاب (ب8 ح8)......................................................................... 400

الحسن بن أبي الحسين الفارسي (ب6 ح2)....................................................... 164

الحسن بن رباط (ب24 ح3)...................................................................... 96

الحسن بن علي (ب8 ح1)......................................................................... 180

الحسن بن علي الزيتوني (ب8 ح1).............................................................. 181

الحسن بن علي بن إبراهيم بن محمد الهمداني (ب8 ح1)....................................... 180

الحسن بن علي بن فضال (ب8 ح1)............................................................. 180

الحسن بن علي بن المغيرة (ب8 ح1) ........................................................... 181

الحسين بن أبي العلاء (ب8 ح2)................................................................. 394

ص: 439

الحسين بن المختار (ب9 ح12)................................................................... 209

حفص بن غياث (ب10 ح2)...................................................................... 424

حمزة بن أحمد (ب11 ح1)........................................................................ 242

حمزة بن يعلى (ب6 ح3).......................................................................... 166

حميد بن راشد (ب7 ح6).......................................................................... 379

- ر-

رفاعة (ب8 ح9)................................................................................... 402

- س -

سليمان الديلمي (ب24 ح6)....................................................................... 102

سليمان بن جعفر (ب6 ح2)....................................................................... 164

سليمان بن جعفر الجعفري (ب6 ح2)............................................................ 164

سليمان بن سفيان المسترق (ب5 ح3)............................................................ 350

سماك (مشترك) (ب7 ح6)........................................................................ 382

سماك بن حرب الذهلي (ب7 ح6)................................................................ 382

سماك بن خرشة (ب7 ح6)........................................................................ 382

سماك بن عبد عوف (ب7 ح6)................................................................... 382

سماك بن مخرمة الأسدي (ب7 ح6)............................................................. 383

ص: 440

- ش -

شريك (مشترك) (ب7 ح6)...................................................................... 380

شريك العامري (ب7 ح6)......................................................................... 380

شريك بن الأعور النخعي (ب7 ح6)............................................................. 380

شريك بن عبد الله النخعي (ب7 ح6)............................................................. 380

شعيب بن واقد (ب9 ح7).......................................................................... 419

- ع -

عبد الرحمن بن أبي هاشم (ب19 ح4)........................................................... 15

عبد العزيز الأبهري (ب9 ح7)................................................................... 419

عبد الكريم بن عتبة الهاشمي (ب10 ح2)........................................................ 232

عبد الكريم بن هلال (ب10 ح2).................................................................. 232

عبد الله بن الحسن (ب5 ح5)...................................................................... 354

عبد الله بن بحر (ب20 ح1)....................................................................... 37

عبد الله بن خالد بن نجيح (ب7 ح6).............................................................. 379

عبد الله بن عامر (ب9 ح8)....................................................................... 202

عثمان بن عبد الملك (ب19 ح1)................................................................. 10

عكرمة (ب7 ح6).................................................................................. 383

علي بن عبد الله الخياط أو الحنّاط (ب2 ح2).................................................... 128

ص: 441

علي بن محمد بن سعد (ب11 ح2)............................................................... 245

عمرو بن عثمان (مشترك) (ب21 ح2).......................................................... 54

عمرو بن عثمان الثقفي الخزّاز (ب21 ح2)..................................................... 54

عمرو بن عثمان الجابري الهمداني (ب21 ح2)................................................. 54

عمرو بن عثمان الجهني (ب21 ح2)............................................................ 55

عمرو بن عثمان الرازي (ب21 ح2)............................................................ 55

عنبسة (ب8 ح1)................................................................................... 392

عنبسة بن بجاد العابد (ب8 ح1).................................................................. 392

العيزار (ب13 ح2)................................................................................ 272

العيص بن القاسم (ب9 ح14)..................................................................... 216

- غ -

غياث (ب4 ح1).................................................................................... 141

- ق -

قدامة بن أبي زيد الجمّار أو الحمّار (ب24 ح2)................................................ 93- م -

محمد بن أحمد بن إسماعيل الهاشمي (ب10 ح1)............................................... 228

ص: 442

محمد بن الحسين (ب13 ح2)..................................................................... 272

محمد بن سليمان الديلمي (ب24 ح6)............................................................ 102

محمد بن علي بن جعفر (ب11 ح2)............................................................. 245

محمد بن علي ماجيلويه (ب13 ح1).............................................................. 270

معاوية بن حكيم (ب4 ح2)........................................................................ 143

معاوية بن شريح (ب1 ح6)....................................................................... 302

معاوية بن ميسرة (ب1 ح6)....................................................................... 302

منخل بن جميل (ب19 ح8)....................................................................... 23

منهال (ب19 ح15)................................................................................ 30

موسى بن عبد الله بن موسى (ب11 ح2)........................................................ 245

ميمونة (ب7 ح6).................................................................................. 386

- و -

وهيب بن حفص (ب9 ح3)........................................................................ 412

- ه- -هارون بن حمزة الغنوي (ب19 ح5)............................................................ 17

- ي -

يزيد بن إسحاق (ب19 ح5)....................................................................... 17

ص: 443

ص: 444

2- فهرس الكنى والألقاب

ابن عباس (ب7 ح6)............................................................................... 384

ابن العرزمي (ب8 ح4)........................................................................... 186

ابن مخلد (ب7 ح6)................................................................................ 377

أبو إسماعيل السراج عبد الله بن عثمان (ب24 ح2)............................................ 92

أبو خديجة (ب19 ح4)............................................................................ 15

أبو داود (ب5 ح3)................................................................................. 350

أبو سعيد المكاري (ب19 ح1).................................................................... 10

أبو غسان (ب7 ح6)............................................................................... 379

أبو قتادة (ب10 ح1)............................................................................... 228

أبو هلال (ب8 ح8)................................................................................ 401

الأحول (ب13 ح2)................................................................................ 272

الرزاز (ب7 ح6).................................................................................. 378

الكلبي النسابة (ب2 ح2)........................................................................... 127

ص: 445

ص: 446

3- فهرس الأسانيد

اسناد الشيخ الصدوق

سنده إلى جابر بن يزيد الجعفي (ب19 ح8)..................................................... 23

سنده إلى محمد بن مسلم (ب22 ح1)............................................................. 63

سنده إلى أبي بصير (ب24 ح4).................................................................. 99

سنده إلى محمد بن النعمان (ب13 ح1).......................................................... 270

سنده إلى إسحاق بن عمار (ب9 ح2)............................................................. 410

سنده إلى شعيب بن واقد (ب9 ح7)............................................................... 418

اسناد الشيخ الطوسي

سنده إلى جابر بن يزيد الجعفي (ب19 ح8) .................................................... 22

سنده إلى يعقوب بن عثيم (ب19 ح9) ........................................................... 25

سنده إلى محمد بن يحيى (ب21 ح1) ............................................................ 52

سنده إلى علي بن مهزيار (ب7 ح1) ............................................................ 171

سنده إلى أحمد بن هلال (ب8 ح2)............................................................... 182

سنده إلى علي بن الحسن بن فضال (ب7 ح1)................................................... 371

ص: 447

سنده إلى العمركي (ب9 ح1)..................................................................... 408

اسناد ابن ادريس

سند الشهيد في الذكرى إلى العيص بن القاسم (ب9 ح14)..................................... 215

ص: 448

4- فهرس المصادر

1- القرآن الكريم.

2- اختيار معرفة الرجال، الشيخ الطوسي، تصحيح وتعليق: مير داماد الأسترابادي، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، 1404، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث.

3- إرشاد الأذهان، العلامة الحلي، تحقيق الشيخ فارس حسون، الطبعة الاُولى، 1410، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

4- الإرشاد، الشيخ المفيد، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الثانية، 1414، 1993م، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

5- الاستبصار، الشيخ الطوسي، تحقيق وتعليق: السيد حسن الموسوي الخرسان، الطبعة الرابعة، 1363 ش، دار الكتب الإسلامية، طهران.

6- استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار، الشيخ محمد بن الحسن بن الشهيد الثاني، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الأولى، 1419 ه- ق، قم.

ص: 449

7- أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق، تقرير بحث آية الله الشيخ مسلم الداوري، تقرير الشيخ محمّد علي المعلم، الطبعة الرابعة، 1434 ه- ، تصحيح الشيخ حسن العبودي، مؤسسة الإمام الرضا عليه السلام للبحث والتحقيق العلمي.

8- الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد، الشيخ الطوسي، منشورات مكتبة جامع چهل ستون طهران، 1400 ه- .

9- الأمالي، الشيخ الطوسي، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية، مؤسسة البعثة، الطبعة الاُولى، 1414 ، دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع، قم.

10- الانتصار في انفرادات الإمامية، السيد المرتضى علم الهدى، موسسة النشر الاسلامي التابعة لجامعة المدرسين بقم المقدسة.

11- إيضاح الدلائل، تقرير بحث آية الله الشيخ مسلم الداوري، بقلم السيد عباس الحسيني والشيخ محمد عيسى البنّاي، الطبعة الثانية 1430ه- 2009م، منشورات دار الهدى قم.

12- بحار الانوار، العلامة المجلسي، الطبعة الثانية المصححة، 1403، 1983م، مؤسسة الوفاء بيروت لبنان.

13- البحر الرائق شرح كنز الدقائق، الشيخ زين الدين ابن نجيم المصري، تحقيق الشيخ زكريا عميرات، الطبعة الأولى 1418 ه- 1997م ، منشورات دار الكتب العلمية بيروت.

ص: 450

14- بداية المجتهد ونهاية المقتصد، محمد بن أحمد القرطبي الأندلسي الشهير بابن رشد الحفيد، تحقيق خالد العطار، دار الفكر بيروت، 1415ه- 1995م.

15- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، أبو بكر الكاشاني، الطبعة الأولى 1409 ه- 1989م، المكتبة الحبيبية، كويته باكستان.

16- بصائر الدرجات، محمد بن الحسن الصفار، تصحيح وتعليق وتقديم: الحاج ميرزا حسن كوچه باغي 1404، 1362 ش، منشورات الأعلمي، طهران.

17- البيان، الشهيد الأول، تحقيق الشيخ محمد الحسّون، الطبعة الأولى 1412، قم.

18- تاج العروس من جواهر القاموس، محب الدين أبو الفيض محمد مرتضى الحسيني الواسطي، تحقيق على شيري، نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت.

19- تاريخ أسماء الثقات، الحافظ عمر بن شاهين، تحقيق صبحي السامرائي، الطبعة الأولى 1404 ه- ، نشر الدار السلفية الكويت.

20- التاريخ الكبير، محمد بن إسماعيل البخاري، نشر المكتبة الإسلامية، ديار بكر تركيا.

21- تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي، دراسة وتحقيق: مصطفى عبدالقادر عطا، الطبعة الاُولى، 1417، 1997م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

ص: 451

22- تحرير الأحكام، العلامة الحلي، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري، إشراف: جعفر السبحاني، الطبعة الاُولى، 1420، مؤسسة الإمام الصادق (علیه السلام) .

23- تحرير وسائل الشيعة وتحبير مسائل الشريعة، الشيخ محمّد بن الحسن الحر العاملي، تحقيق: محمّد بن محمّد الحسين القائيني، الطبعة الاُولى، 1422 ه- قم المقدسة.

24- تحفة الفقهاء، علاء الدين السمرقندي، الطبعة الثانية 1414ه- 1994م، دار الكتب العلمية بيروت.

25- تذكرة الحفاظ، الذهبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.

26- تذكرة الفقهاء، العلامة الحلي، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، محرم 1414، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، قم.

27- تعليقة على منهج المقال، الوحيد البهبهاني.

28- تقريب التهذيب، ابن حجر، دراسة وتحقيق: مصطفى عبدالقادر عطا، الطبعة الثانية، 1415، 1995م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

29- التقية في فقه أهل البيت (علیهم السلام) ، تقرير بحث آية الله الشيخ مسلم الداوري، بقلم الشيخ محمّد علي المعلم، الطبعة الاُولى، 1419 ه- ، قم المقدسة.

30- تمهيد القواعد الأصولية والعربية، الشهيد الثاني.

ص: 452

31- التنقيح في شرح العروة الوثقى، تقريرأبحاث آية الله العظمى السيد الخوئي، بقلم الشهيد الشيخ ميرزا علي الغروي، الطبعة الثالثة، 1428 ه- ، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي.

32- تنقيح المقال، للعلامة الشيخ عبد الله المامقاني، الطبعة الحجرية، نشر جهان - ايران.

33- تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، تحقيق وتعليق: السيد حسن الموسوي الخرسان، الطبعة الرابعة، 1365 ش، دار الكتب الإسلامية، طهران.

34- تهذيب التهذيب، ابن حجر، الطبعة الاُولى، 1404، 1984م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

35- جامع أحاديث الشيعة، السيد البروجردي، دار الأولياء ، بيروت - لبنان.

36- جامع المدارك، السيد أحمد الخوانساري، تحقيق علي أكبر الغفاري، الطبعة الثانية 1405ه- 1364ش، نشر مكتبة الصدوق طهران.

37- جامع المقاصد في شرح القواعد، الشيخ علي بن الحسين الكركي، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الثانية 149ه- 2008م، بيروت.

38- الجامع للشرائع، يحيى بن سعيد الحلّي، تحقيق جمع من الفضلاء، الناشر مؤسسة سيد الشهداء العلمية 1405، قم.

ص: 453

39- جوابات أهل الموصل، الشيخ المفيد، تحقيق الشيخ مهدي نجف، الطبعة الثانية 1414ه- ، نشر دار المفيد للطباعة والنشر، بيروت.

40- جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن النجفي، تحقيق وتعليق: الشيخ عباس القوچاني، الطبعة الثانية، 1365 ش، دار الكتب الإسلامية، طهران.

41- الحبل المتين في إحكام أحكام الدين، الشيخ البهائي، تحقيق السيد بلاسم الموسوي الحسيني، الطبعة الثانية 1429 ه- ، نشر مجمع البحوث الإسلامية، مشهد.

42- الحدائق الناضرة، المحقق البحراني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

43- خلاصة الأقوال، العلامة الحلي، تحقيق الشيخ جواد القيومي، الطبعة الاُولى، عبد الغدير 1417، مؤسسة نشر الفقاهة.

44- الخلاف، الشيخ الطوسي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

45- الدرّ المختار، محمد بن علي الحنفي الحصكفي، تحقيق عبدالمنعم خليل ابراهيم، الطبعة الأولى 1423ه- ، نشر دار الكتب العلمية بيروت.

46- الدرر النجفيّة من الملتقطات اليوسفيّة، الشيخ يوسف البحراني، نشر دار المصطفى لإحياء التراث.

47- الدروس الشرعيّة، الشهيد الأول، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

ص: 454

48- ذخيرة المعاد، المحقق السبزواري، طبعة حجرية مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث.

49- ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، الشهيد الأول، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، محرم 1419، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، قم.

50- رجال ابن داود، تقي الدين الحسن بن علي داود الحلي، تحقيق السيد صادق آل بحر العلوم، منشورات الرضي، قم المقدسة.

51- رجال الطوسي، الشيخ الطوسي، تحقيق جواد القيومي الإصفاني، الطبعة الاُولى، رمضان المبارك 1415، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

52- رجال النجاشي، النجاشي، الطبعة الثامنة، 1427، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجامعة المدرسين بقم المشرفة.

53- الرسائل التسع، المحقق الحلّي ، تحقيق رضا الأستادي، الطبعة الأولى 1413ه- نشر مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي بقم.

54- روض الجنان، طبعة حجرية، الشهيد الثاني، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، قم المشرفة.

55- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، الشهيد الثاني، تحقيق وتعليق السيد محمد كلانتر، الطبعة الاُولى والثانية، 1386، 1398، منشورات جامعة النجف الدينية.

ص: 455

56- روضة المتقين، محمد تقي المجلسي، تحقيق حسين الموسوي الكرماني وعلي پناه اشتهاردي، الطبعة الثانية 1406ه- ، نشر مؤسسة كوشانپور للثقافة الإسلامية.

57- السرائر والمستطرفات، ابن إدريس الحلي، الطبعة الخامسة، 1428 ه-، موسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة.

58- سير أعلام النبلاء، الذهبي، إشراف وتخريج: شعيب الأرنؤوط، تحقيق، حسين الأسد، الطبعة التاسعة، 1413، 1993م، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان.

59- شرائع الإسلام، المحقق الحلي، مع تعليقات: السيد صادق الشيرازي، الطبعة الثانية، 1409، انتشارات استقلال، طهران.

60- الشرح الكبير، عبد الرحمن بن قدامة، طبعة جديدة بالاُوفست، دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

61- شرح طهارة قواعد الأحكام، الشيخ جعفر بن خضر كاشف الغطاء، نشر مؤسسة كاشف الغطاء .

62- الصحاح، الجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور العطار، الطبعة الرابعة، 1407، 1987م، دار العلم للملايين بيروت لبنان.

63- الطبقات الكبرى، محمد بن سعد، دار صادر، بيروت.

64- عدة الأصول، الشيخ الطوسي، تحقيق محمد رضا الأنصاري القمي، الطبعة الاُولى، ذي الحجة 1417، 1376 ش.

ص: 456

65- العروة الوثقى، للسيد محمد كاظم اليزدي ، تحقيق موسسة النشر الإسلامي، الناشر: موسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المقّدسة، الطبعة الاُولى 1420ه- ق.

66- علل الشرائع، الشيخ الصدوق، تقديم: السيد محمد صادق بحر العلوم، 1385، 1966م، منشورات المكتبة الحيدريةومطبعتها، النجف الأشرف.

67- عمدة الطالب، ابن عنبة، تصحيح محمد حسن آل الطالقاني، الطبعة الثانية 1380 ه- 1961م ، منشورات المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف.

68- عيون أخبار الرضا (علیه السلام) ، الشيخ الصدوق، تصحيح وتعليق وتقديم: الشيخ حسين الأعلمي، 1404، 1894م، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان.

69- غاية المراد في شرح نكت الإرشاد، الشهيد الأول محمد بن مكّي، تحقيق رضا مختاري، الطبعة الأولى 1414ه- ، نشر مكتب الإعلام الإسلامي بقم المقدسة.

70- غنائم الأيام في مسائل الحلال والحرام، الميرزا أبو القاسم القمي، تحقيق عباس تبريزيان، الطبعة الاُولى، 1417 ه- ، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، قم.

ص: 457

71- غنية النزوع، السيد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي، تحقيق الشيخ ابراهيم البهادري، الطبعة الأولى 1417ه- ، نشر مؤسسة الإمام الصادق (علیه السلام) .

72- الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الأولى 1412 ه- ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة.

73- فقه الرضا (علیه السلام) ، علي بن بابويه، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الأولى 1406ه- ، نشر المؤتمر العالمي للإمام الرضا (علیه السلام) .

74- الفقه على المذاهب الأربعة، عبد الرحمن الجزيري، الطبعة الأولى 1419ه- ، منشورات دار الثقلين، بيروت.

75- الفهرست، الشيخ الطوسي، تحقيق الشيخ جواد القيومي، الطبعة الاُولى، شعبان المعظم 1417، مؤسسة نشر الفقاهة.

76- قاموس الرجال، الشيخ محمد تقي التستري، الطبعة الاُولى، 1419 ه- د، قم. مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

77- القاموس المحيط، محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، نشر دار العلم للجميع بيروت.

ص: 458

78- قرب الاسناد، الحميري القمي، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، 1413، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، قم، إيران.

79- قواعد الأحكام، لحسن بن يوسف بن المطهر المعروف بالعلامة الحلّي، الطبعة الاُولى 1419 ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة.

80- الكافي، الشيخ الكليني، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الطبعة الخامسة، 1363 ش، دار الكتب الإسلامية، طهران.

81- كامل الزيارات، الشيخ جعفر بن محمّد بن قولويه القمي، تحقيق الشيخ جواد القيومي، لجنة التحقيق، الطبعة الاُولى 1417 ه- .

82- كتاب الأم، محمد بن إدريس الشافعي، الطبعة الثانية 1403ه- ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.

83- كتاب الطهارة، الشيخ الأنصاري، تحقيق لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، الطبعة الاُولى، 1415 ، المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى السنوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري.

84- كشف الالتباس عن موجز أبي العباس، الشيخ مفلح الصيمري، الطبعة الأولى 1417 ه- ، تحقيق ونشر مؤسسة صاحب الأمر (علیه السلام) .

ص: 459

85- كشف اللثام، الفاضل الهندي، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الاُولى، 1416، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

86- كفاية الأحكام، محمد باقر السبزواري، تحقيق مرتضى الواعظي الأراكي، الطبعة الأولى 1423ه- ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة.

87- لسان العرب، محمد بن مكرم ابن منظور، نشر أدب الحوزة قم، 1405ه- .

88- اللمعات النيّرة في شرح تكملة التبصرة، الشيخ محمد كاظم الآخوند الخراساني، تحقيق السيد صالح المدرسي، الطبعة الأولى 1422ه- ، الناشر مرصاد، قم.

89- مجمع البحرين، الشيخ الطريحي، تحقيق السيد أحمد الحسيني، الطبعة الثانية، 1408، 1367 ش، مكتب نشر الثقافة الإسلامية.

90- مجمع الفائدة والبرهان، المحقق الأردبيلي، تحقيق الحاج آغا مجتبى العراقي، الشيخ علي پناه الاشتهاردي، الحاج آغا حسين اليزدي الأصفهاني، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة.

91- المجموع، محيي الدين النووي، دار الفكر.

ص: 460

92- المحاسن، أحمد بن محمد بن خالد البرقي، تصحيح وتعليق: السيد جلال الدين الحسيني (المحدث)، 1370، 1330ش، دار الكتب الإسلامية، طهران.

93- المحلّى بالآثار، ابن حزم الأندلسي، نشر دار الفكر.

94- مختصر بصائر الدرجات، الحسن بن سليمان الحلّي، الطبعة الأولى 1370ه- ، منشورات المطبعة الحيدريّة، النجف الأشرف.

95- مختلف الشيعة، العلامة الحلي، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية، ذي القعدة 1413، مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

96- مدارك الأحكام، السيد محمد العاملي، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، مشهد المقدسة. الطبعة الاُولى، محرم 1410، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، قم المشرفة.

97- مرآة العقول، العلامة المجلسي، الطبعة الثالثة، 1370 دار الكتب الإسلامية.

98- المراسم العلويّة، حمزة بن عبدالعزيز الديلمي، تحقيق السيد محسن الحسيني الأميني، نشر المعاونيّة الثقافيّة للجمع العالمي لأهل البيت (علیهم السلام) 1414 ه- .

99- مسالك الأفهام، الشهيد الثاني، تحقيق مؤسسة المعارف الإسلامية، الطبعة الاُولى، 1413، مؤسسة المعارف الإسلامية، قم، إيران.

ص: 461

100- مسائل الناصريات، السيد الشريف المرتضى، تحقيق مركز البحوث والدراسات العلمية، نشر رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية 1417، طهران.

101- مسائل علي بن جعفر، الطبعة الاُولى 1409 ه- ، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - قم المشرفة.

102- مستدركات علم رجال الحديث، الشيخ علي النمازي الشاهرودي، الطبعة الاُولى، ربيع الآخر 1412 ه- .

103- مستمسك العروة الوثقى، السيد محسن الحكيم، الطبعة الرابعة 1404، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، قم، إيران.

104- مشارق الشموس، المحقق الخوانساري، طبعة حجرية، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث.

105- مشرق الشمسين، الشيخ البهائي، منشورات مكتبة بصيرتي قم، طبعة حجرية.

106- مصباح الفقيه، آقا رضا الهمداني، تحقيق محمد باقري وجماعة، الطبعة الأولى 1416ه- ، مؤسسة الجعفرية لإحياء التراث الإسلامي ومؤسسة النشر الإسلامي بقم.

107- المصباح المنير، أبو العباس أحمد الفيومي، الطبعة الأولى في ايران 1405ه- ، نشر مؤسسة دار الهجرة.

ص: 462

108- معالم الدين وملاذ المجتهدين (قسم الفقه)، الشيخ حسن بن الشهيد الثاني العاملي، تحقيق السيد منذر الحكيم، الطبعة الأولى 1418ه- ، مؤسسة الفقه للطباعة والنشر، قم.

109- معجم رجال الحديث، السيد الخوئي، الطبعة الخامسة، 1413، 1992م.

110- معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس، تحقيق عبدالسلام محمد هارون، نشر مكتب الإعلام الإسلامي 1404ه- ، قم.

111- مفاتيح الشرائع، المولى محسن الفيض الكاشاني، الطبعة الأولى، نشر مكتبة آية الله المرعشي النجفي، قم ايران.

112- مفتاح الكرامة، السيد محمد جواد العاملي، تحقيق وتعليق: الشيخ محمد باقر الخالصي، الطبعة الاُولى، 1419، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

113- المقنع، الشيخ الصدوق، تحقيق لجنة التحقيق التابعة لمؤسسة الإمام الهادي (علیه السلام) ، نشر مؤسسة الإمام الهادي (علیه السلام) 1415ه- .

114- المقنعة، الشيخ المفيد، الطبعة الأولى 1413ه- ، نشر المؤتمر العالمي للشيخ المفيد، قم.

115- ملاذ الأخيار، العلاّمة المجلسي، تحقيق السيد مهدي الرجائي، نشر مكتبة آية الله المرعشي قم 1406ه- .

ص: 463

116- من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الطبعة الثانية، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

117- منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان، الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني، تصحيح وتعليق علي اكبر الغفاري، الطبعة الأولى 1362ه- ش، منشورات جماعة المدرسين بقم المقدسة.

118- منتهى المطلب، العلامة الحلي، تحقيق قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية، الطبعة الاُولى، 1412، مجمع البحوث الإسلامية، إيران، مشهد.

119- منتهى المقال في أحوال الرجال، الشيخ محمد بن اسماعيل المازندراني، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، 1419ه- .

120- المهذب البارع، ابن فهد الحلي، تحقيق الشيخ مجتبى العراقي، غرة رجب المرجب 1407، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

121- الموسوعة الفقهيّة (الكويتيّة)، هيئة كبار علماء الإسلام، نشر مكتبة العلوم الإسلامية، بلوجستان باكستان، 2011م - 1432ه- .

122- ميزان الاعتدال، الذهبي، تحقيق علي محمد البجاوي، الطبعة الاُولى، 1382، 1963م، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان.

ص: 464

123- نقد الرجال، السيد مصطفى الحسيني التفرشي، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الأولى 1418ه- .

124- نهاية الأحكام، العلاّمة الحلّي، تحقيق السيد مهدي الرجائي، الطبعة الثانية 1410ه- ، مؤسسة اسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع، قم.

125- النهاية في غريب الحديث، ابن الأثير، تحقيق طاهر أحمد الزاوي، محمد محمد الطناحي، الطبعة الرابعة 1364ه- . ش، مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر، قم.

126- نكت النهاية - (النهاية ونكتها) ، تحقيق ونشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسن بقم المقدسة، الطبعة الأولى 1412ه-.

127- هداية المحدّثين، محمد أمين بن محمد علي الكاظمي، تحقيق السيد مهدي الرجائي، نشر مكتبة آية الله المرعشي النجفي، 1405ه-.

128- الهداية شرح بداية المبتدي، علي بن أبي بكر المرغيناني، الطبعة الأولى 1417ه- ، منشورات إدارة القرآن والعلوم الإسلامية، كراتشي باكستان.

129- الوافي، الفيض الكاشاني، تحقيق ضياء الدين الحسيني العلاّمة الاصفهاني، الطبعة الأولى 1406ه- ، نشر مكتبة الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) العامّة، اصفهان.

ص: 465

130- وسائل الشيعة (آل البيت)، الحر العاملي، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الثانية، 1414، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث بقم المشرفة.

131- الوسيلة، ابن حمزة الطوسي، تحقيق: الشيخ محمد الحسون، إشراف: السيد محمود المرعشي، الطبعة الاُولى 1408، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي.

132- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، ابن خلّكان، تحقيق إحسان عباس، نشر دار الثقافة، لبنان.

133- ينابيع الأحكام في معرفة الحلال والحرام، السيد علي الموسوي القزويني، تحقيق السيد علي العلوي القزويني، الطبعة الأولى 1424ه- ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدسة.

ص: 466

5- فهرس مطالب الكتاب

19- باب ما ينزح للفأرة والوزغة والسام أبرص والعقرب ونحوها

(عدد الأحاديث 15) ص7

شرح الباب.......................................................................................... 7

أقوال الخاصّة....................................................................................... 7

أقوال العامّة......................................................................................... 8

فائدة رجاليّة......................................................................................... 19

سند الشيخ الطوسي إلى جابر بن يزيد الجعفي................................................... 22

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 30

20- باب ما ينزح للعذرة اليابسة والرطبة وخرء الكلاب وما لا نصّ فيه

(عدد الأحاديث 6) ص31

شرح الباب.......................................................................................... 31

أقوال الخاصّة....................................................................................... 32

أقوال العامّة......................................................................................... 34

الفرق بين الحديث الثالث والحديثين السابقين..................................................... 39

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 45

ص: 467

21- باب ما ينزح من البئر لموت الإنسان وللدم القليل والكثير

(عدد الأحاديث 5) ص47

أقوال الخاصّة....................................................................................... 47

اقوال العامّة......................................................................................... 48

سند الشيخ في التهذيب إلى محمد بن يحيى....................................................... 52

اشتراك عمرو بن عثمان بين جماعة.............................................................. 54

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 57

22- باب ما ينزح لوقوع الميتة واغتسال الجنب

(عدد الأحاديث 7) ص59

أقوال الخاصّة....................................................................................... 59

أقوال العامّة......................................................................................... 60

نزح سبع دلاء لدخول الجنب البئر................................................................ 64

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 68

23- باب حكم التراوح وما ينزح من البئر مع التغير

(عدد الأحاديث 1) ص69

أقوال الخاصّة....................................................................................... 69

أقوال العامّة......................................................................................... 72

نزح البئر كلّها لو وقع فيها كلب أو فأرة أو خنزير.............................................. 75

المتحصل من الحديث.............................................................................. 79

ص: 468

24- باب أحكام تقارب البئر والبالوعة

(عدد الأحاديث 8) ص81

شرح الباب.......................................................................................... 81

أقوال الخاصّة....................................................................................... 82

أقوال العامّة......................................................................................... 83

الحديث الأول والإجابة عن سؤالين............................................................... 85

الحدّ الفاصل بين البئر والبالوعة................................................................... 90

وجه الجمع بين الحديث الثاني والثالث............................................................ 95

المتحصل من الأحاديث ............................................................................ 105

أبواب الماء المضاف والمستعمل ص107

تقسيم الماء إلى مطلق ومضاف.................................................................... 109

1- باب أن المضاف لا يرفع حدثا ولا يزيل خبثا

(عدد الأحاديث 2) ص111

شرح الباب.......................................................................................... 111

أقوال الخاصّة....................................................................................... 111

أقوال العامّة......................................................................................... 113

المتحصل من الحديثين............................................................................. 117

ص: 469

2- باب حكم النبيذ واللبن

(عدد الأحاديث 3) ص119

شرح الباب.......................................................................................... 119

الأقوال............................................................................................... 119

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 129

3- باب حكم ماء الورد

(عدد الأحاديث 1) ص131

شرح الباب.......................................................................................... 131

أقوال الخاصّة....................................................................................... 133

أقوال العامّة......................................................................................... 133

المتحصل من الحديث.............................................................................. 138

4- باب حكم الريق

(عدد الأحاديث 3) ص139

أقوال الخاصّة....................................................................................... 139

أقوال العامّة......................................................................................... 139

بحث رجالي حول معاوية بن حكيم................................................................ 143

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 146

ص: 470

5- باب نجاسة المضاف بملاقاة النجاسة وإن كان كثيراً وكذا المائعات

(عدد الأحاديث 3) ص147

أقوال الخاصّة....................................................................................... 147

أقوال العامّة......................................................................................... 148

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 154

ثلاثة فروع.......................................................................................... 155

6- باب كراهة الطهارة بماء اُسخن بالشمس في الآنية وأن يعجن به

(عدد الأحاديث 3) ص157

شرح الباب.......................................................................................... 157

أقوال الخاصّة....................................................................................... 157

أقوال العامّة......................................................................................... 158

بحث رجالي حول ابراهيم بن عبدالحميد......................................................... 161

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 167

7- باب كراهة الطهارة بالماء الذي يسخّن بالنار في غسل الأموات

وجوازه في غسل الأحياء(عدد الأحاديث 2) ص169

شرح الباب.......................................................................................... 169

أقوال الخاصّة....................................................................................... 169

أقوال العامّة......................................................................................... 170

ص: 471

إسناد الشيخ الطوسي إلى علي بن مهزيار........................................................ 171

المتحصل من الحديثين............................................................................. 174

8- باب أن الماء المستعمل في الوضوء طاهر مطهّر وكذا بقيّة مائه

(عدد الأحاديث 4) ص175

شرح الباب.......................................................................................... 175

أقوال الخاصّة....................................................................................... 176

أقوال العامّة......................................................................................... 177

اشتراك الحسن بن علي بين جماعة............................................................... 180

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 186

9- باب حكم الماء المستعمل في الغسل من الجنابة وما ينتضح من قطرات

ماء الغسل في الإناء وغيره وحكم الغسالة

(عدد الأحاديث 14) ص187

شرح الباب.......................................................................................... 187

أقوال الخاصّة....................................................................................... 188

أقوال العامّة......................................................................................... 189

كيفيّة التخلّص من حزازة الماء المنتضح على الإناء الذي يغتسل منه......................... 194

لا بأس عمّا ينتضح من ماء غسالة الناس......................................................... 204

بحث رجالي حول الحسين بن المختار............................................................ 209

الاحتمالات في قوله (علیه السلام) «وأشباهه»............................................................... 212

ص: 472

بحث رجالي حول العيص بن القاسم.............................................................. 216

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 218

10- باب استحباب نضح أربع أكف من الماء لمن خشي عود ماء الغسل

أو الوضوء إليه: كفّ أمامه وكفّ خلفه وكفّ عن يمينه وكفّ عن

يساره ثم يغتسل أو يتوضأ

(عدد الأحاديث 3) ص219

شرح الباب.......................................................................................... 219

أقوال الخاصّة....................................................................................... 220

المراد من النضح والحكمة فيه..................................................................... 225

إشكال إبن إدريس على جعل الأرض متعلّق النضح ............................................ 225

اشتراك عبدالكريم بين جماعة..................................................................... 232

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 235

11- باب كراهة الاغتسال بغسالة الحمام مع عدم العلم بنجاستهاوأن الماء النجس لا يطهر ببلوغه كرّاً

(عدد الأحاديث 5) ص237

شرح الباب.......................................................................................... 237

أقوال الخاصّة....................................................................................... 238

أقوال العامّة......................................................................................... 239

النهي عن الاغتسال من البئر تحريمي أو تنزيهي............................................... 240

ص: 473

التحذير عن الاغتسال بالغُسالة .................................................................... 243

الجمع بين الأحاديث................................................................................ 251

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 252

12- باب جواز الطهارة بالمياه الحارّة التي يشمّ منها رائحة الكبريت

وكراهة الاستشفاء بها

(عدد الأحاديث 4) ص255

شرح الباب.......................................................................................... 255

أقوال الخاصّة....................................................................................... 256

أقوال العامّة......................................................................................... 257

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 262

13- باب طهارة ماء الاستنجاء

(عدد الأحاديث 5) ص265شرح الباب.......................................................................................... 265

أقوال الخاصّة....................................................................................... 265

أقوال العامّة......................................................................................... 267

بحث رجالي حول العيزار......................................................................... 272

احتمالان في قوله (علیه السلام) «لا بأس به»................................................................ 275

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 278

ص: 474

14- باب جواز الوضوء ببقيّة ماء الاستنجاء وكراهة اعتياده

إلا مع غسل اليد قبل دخول الإناء

(عدد الأحاديث 1) ص279

شرح الباب.......................................................................................... 279

المتحصل من الحديث.............................................................................. 281

أبواب الأسآر ص283

معنى الأسآر......................................................................................... 285

1- باب نجاسة سؤر الكلب والخنزير

(عدد الأحاديث 8) ص289

شرح الباب.......................................................................................... 289

أقوال الخاصّة....................................................................................... 291

أقوال العامة......................................................................................... 292

كلمات الفقهاء حول التعفير......................................................................... 298

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 305

2- باب طهارة سؤر السنور وعدم كراهته

(عدد الأحاديث 7) ص307

شرح الباب.......................................................................................... 307

أقوال الخاصّة....................................................................................... 307

ص: 475

أقوال العامّة......................................................................................... 309

عدم اختصاص السؤر بالمائع...................................................................... 312

اشتراك محمد بن الفضيل بين شخصين.......................................................... 314

الجواب عن مخالفة الحديث السادس لأحاديث الباب............................................. 317

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 319

3- باب نجاسة أسآر أصناف الكفار

(عدد الأحاديث 3) ص321

شرح الباب.......................................................................................... 321

أقوال الخاصّة....................................................................................... 321

أقوال العامّة......................................................................................... 325

ثلاثة احتمالات في المراد من الكراهة............................................................ 327

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 330

4- باب طهارة أسآر أصناف الأطيار وإن أكلت الجيف مع خلوّ

موضع الملاقاة من عين النجاسة

(عدد الأحاديث 4) ص331

شرح الباب.......................................................................................... 331

أقوال الخاصّة....................................................................................... 331

أقوال العامّة......................................................................................... 332

الجواب عن سؤالين................................................................................. 336

ص: 476

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 341

5- باب طهارة سؤر بقيّة الدواب حتى المسوخ

وكراهة سؤر ما لا يؤكل لحمه

(عدد الأحاديث 6) ص343

شرح الباب.......................................................................................... 343

أقوال الخاصّة....................................................................................... 344

أقوال العامّة......................................................................................... 346

بحث رجالي حول أبي داود........................................................................ 350

بحث رجالي حول عبدالله بن الحسن.............................................................. 354

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 358

6- باب كراهة سؤر الجلاّل

(عدد الأحاديث 1) ص359

شرح الباب ......................................................................................... 359

أقوال الخاصّة....................................................................................... 360

أقوال العامّة......................................................................................... 361

حرمة أكل لحوم الجلاّلة............................................................................ 362

المتحصل من الحديث.............................................................................. 364

ص: 477

7- باب طهارة سؤر الجنب

(عدد الأحاديث 6) ص365

شرح الباب ......................................................................................... 365

أقوال الخاصّة....................................................................................... 365

أقوال العامّة......................................................................................... 366

الاحتمالات في قوله (علیه السلام) «تغسل يديها ...» ....................................................... 369

عدم البأس في غمس الجنب يده في الإناء........................................................ 373

بحث رجالي حول شريك بن عبدالله النخعي...................................................... 380

بحث رجالي حول ابن عباس...................................................................... 384

بحث رجالي حول ميمونة زوجة النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) .......................................................... 386

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 388

8- باب طهارة سؤر الحائض وكراهة الوضوء من سؤرها

إذا لم تكن مأمونة

(عدد الأحاديث 9) ص389

شرح الباب.......................................................................................... 389

أقوال الخاصّة....................................................................................... 389

أقوال العامّة......................................................................................... 390

بحث رجالي حول الحسين بن أبي العلاء......................................................... 394

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 403

ص: 478

9- باب طهارة سؤر الفأرة والحيّة والعظاية والوزغ والعقرب

وأشباهه واستحباب اجتنابه وطهارة سؤر الخنفساء

(عدد الأحاديث 8) ص405

أقوال الخاصّة....................................................................................... 405

اقوال العامّة......................................................................................... 406

بحث رجالي حول وهيب بن حفص............................................................... 412

سند الشيخ الصدوق إلى شعيب بن واقد........................................................... 418

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 420

10- باب طهارة سؤر ما ليس له نفس سائلة وإن مات(عدد الأحاديث 5) ص421

شرح الباب.......................................................................................... 421

أقوال الخاصّة والعامّة.............................................................................. 421

بحث رجالي حول حفص بن غياث............................................................... 424

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 429

11- باب حكم العجين بالماء النجس

(عدد الأحاديث 4) ص431

أقوال الخاصّة والعامّة.............................................................................. 431

رفع التنافي بين الحديث الأول والثاني............................................................ 433

المتحصل من الأحاديث............................................................................ 435

ص: 479

فهارس الكتاب ص437

1- فهرس الأعلام المترجمين في الكتاب......................................................... 439

2- فهرس الكنى والألقاب........................................................................... 445

3- فهرس الأسانيد.................................................................................. 447

4- فهرس المصادر................................................................................. 449

5- فهرس مطالب الكتاب............................................................................ 467

ص: 480

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.