ايضاح الدلائل في شرح الوسائل المجلد 1

هوية الكتاب

بطاقة تعريف:الداوري، مسلم، 1318 -

عنوان العقد:وسائل الشیعة. شرح

عنوان المؤلف واسمه:ايضاح الدلائل في شرح الوسائل/ تقریرا لبحث سماحه مسلم الداوري (دام ظله)؛ بقلم السیدعباس الحسیني، محمدحسین البنای؛ تحقیق مؤسسة الإمام الرضا (علیه السلام) للبحث والتحقیق.

تفاصيل النشر:قم: دار زین العابدین، 1396 -

مواصفات المظهر: ج.

شابک:دوره 978-600-98461-4-6 : ؛ 500000 ریال: ج 1 978-600-98461-5-3 : ؛ 500000 ریال: ج 2 978-600-98461-6-0 : ؛ 400000 ریال: ج 3 978-600-98518-8-1 : ؛ 400000 ریال: ج 4 978-600-98518-9-8 : ؛ ج.5 978-622-7925-72-2 :

حالة الاستماع:فاپا

ملحوظة:أما المجلدان الرابع والخامس من هذا الكتاب فقد كتبهما محمد عيسى البناي.

ملحوظة:ج. 2 - 4 (چاپ اول: 1396).

ملحوظة:ج.5 (چاپ اول: 1401) (فیپا) .

ملحوظة:هذا الكتاب هو وصف الكتاب "وسائل الشیعه الی تحصیل مسائل الشریعة" اثر حرعاملی است.

ملحوظة:کتابنامه.

موضوع:حرعاملی، محمدبن حسن، 1033-1104ق . وسائل الشیعة -- نقد و تفسیر.

موضوع:احادیث شیعه -- قرن 11ق.

Hadith (Shiites) -- Texts -- 17th century

فقه جعفری -- قرن 11ق.

*Islamic law, Ja'fari -- 17th century

احادیث احکام

*Hadiths, Legal

معرف المضافة:حسینی، سیدعباس، 1329 -

معرف المضافة:بنای، محمدعیسی

معرف المضافة:حرعاملی، محمدبن حسن، 1033-1104ق . وسائل الشیعة. شرح

معرف المضافة:موسسه تحقیقاتی امام رضا (علیه السلام)

تصنيف الكونجرس:BP135/ح4و50214 1396

تصنيف ديوي:297/212

رقم الببليوغرافيا الوطنية:4980037

محرر رقمي:محمد منصوری

اطلاعات رکورد کتابشناسی:فاپا

العنوان: ايضاح الدلائل في شرح الوسائل الجزء الثاني

تحقيق: مؤسسة الإمام الرضا (علیه السلام) للبحث والتحقيق

الإخراج الفني: كمال زين العابدين

عدد الصفحات: 612 صفحة

ص: 1

اشارة

ص: 2

الصورة

ص: 3

ايضاح الدلائل في شرح الوسائل

ص: 4

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ اَلْرَحیمْ

ص: 5

ص: 6

الصورة

ص: 7

ص: 8

كلمة المؤسسة

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

طبع الجزء الأول من هذا الكتاب قبل عدّة سنوات، وقد نال منذ صدوره استحسان عدد كبير من العلماء الأعلام وطلاب العلم الأفاضل، وما زال الطلب لتكميل أجزائه متواصلاً، والتشجيع على مداومة العمل فيه متوالياً، والحث على إعادة طباعته لنفاذ نسخه مستمراً.

ولما حواه هذا الكتاب من دراسة مفصلة لكتاب وسائل الشيعة الذي تدور عليه رحى استنباط الأحكام الشرعية.

يبحث في هذه الدراسة - بعد شرح عنوان الباب عادة وبيان أقوال الخاصة والعامة - عن ترجمة آحاد الرواة الواقعين في السند لغرض بيان حالهم من حيث الوثاقة وعدمها عند أول ذكر للراوي في الكتاب ويحال في بقية الموارد التي يتكرر فيها إلى الموضع الأول الذي ذكر فيه، وعن تصحيح الرواية بطرق اُخر إذا لم يكن سندها معتبراً، وعن حلّ التعارض الموجود في بعض الموارد بين التوثيق والتضعيف للراوي الواحد، وعن ذكر الطرق إلى أصحاب الكتب من الرواة.

ولما تضمنه من بيان فقه أحاديثه مما يرتبط بعناوين الأبواب وما له صلة

ص: 9

مباشرة به، بياناً يميط اللثام عن وجهها، ويبدي بعضاً مما ستر من جمال معانيها وروعة مضامينها ودقة تعابيرها، وقد روعي في بيان فقه الحديث: ذكر المعاني اللغوية لبعض المفردات فيه، وإيضاح المبهم وحلّ المشكل وتفصيل المجمل وبيان كيفية ومقدار دلالة الحديث على عنوان الباب، ولو كان ذلك بضم أحاديث اُخر توضح المعنى، وحلّ مشكلة التعارض بين متنه وبقيّة المتون السابقة عليه أو اللاحقة له ولو في باب آخر، وذكر الفوائد المستنبطة من الأحاديث في نهاية كل باب.

وبهذا كلّه تميّز هذا الشرح عن غيره من شروح كتاب وسائل الشيعة كما يظهر بأدنى مقارنة بحيث لفت انظار الأعلام والفضلاء في الحوزات العلمية، لانه من ابحاث عالم وفقيه له مكانة رفيعة في الاوساط العلمية في مجال الفقه والاصول والتفسير والرجال، وله آثار علمية قيّمة في هذه المجالات، فإنّ سماحة الشيخ الاستاذ حفظه الله قد سار على نهج استاذه آية الله العظمى السيد أبي القاسم الخوئي (قدس سره) من التعمق في كل تلك المجالات، واحتذى حذوه في التحقيق فيها. ولهذا عقدت مؤسسة الامام الرضا (علیه السلام) العزم على تجديد طباعة هذا الاثر القيم مع بقية الاجزاء.

وتمتاز هذه الطبعة عن سابقتها بما يلي:

1- تصحيح بعض الأخطاء الواقعة في تقييم بعض الأسانيد.

2- زيادة البيان في دلالة بعض الأحاديث، حيث جاء البيان فيها مقتضباً في السابق بعض الشيء.

3- استدراك بعض النكات الدلالية في فقه الحديث.

ص: 10

4- استدراك بعض التراجم، واستدراك ما فات في بعض التراجم الأخرى.

5- ونظراً لصيرورة الجزء الأول ضخماً بسبب هذه الاضافات ارتأينا أن يكون في جزءين مناسبين من حيث عدد الصفحات لتماثل بقيّة الأجزاء الواقعة بعده من حيث الحجم.

ولا يفوتنا هنا أن نتقدّم بالشكر والامتنان إلى كلّ الإخوة المحقّقين، الّذين شاركوا في تحقيق وإخراج هذا الكتاب، أخصّ منهم بالذكر: حجة الإسلام الشيخ مرتضى الصالحي النجفي، وفضيلة الشيخ فالح العبيدي.

ختاما: نسأل الله تعالى أن يتقبل منّا، ويجعله خالصاً لوجهه الكريم وهو حسبنا ونعم الوكيل.

مؤسسة الإمام الرضا (علیه السلام) للبحث والتحقيق العلمي

ص: 11

ص: 12

مقدمّة

الحمد للَّه ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمّد وآله الغرّ الميامين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

وبعد..

فلا ريب في أهمّيّة السنّة الشريفة وعلوّ منزلتها، فإنّها عِدل القرآن الكريم، والمصدر الثاني للتشريع، وبها يُعرف تفسير الكتاب وتأويله، وفرائضه وسننه، وهي المبيّنة لتفاصيل مراداته، وفيها ما تحتاجه البشريّة من معارف ورؤىً وقوانين.

وللأهمّيّة البالغة للسنّة الشريفة حرص أتباع أهل البيت (علیهم السلام) ورواة تراثهم على تدوينها وضبطها في وقت مبكّر من عصر الرسالة الإسلاميّة إلى نهاية الغيبة الصغرى، بينما تعثّر تدوينها عند غيرهم قرابة قرن من الزمن؛ إثر منع الحكّام من تدوين الحديث. ولمّا ارتفع المنع دوّنت السنّة عندهم تحت تأثير السلطات والحكام، فحرّفت الأحكام، ووضعت الأحاديث على ما يوافق رأي السلطة الحاكمة.

وقد كان أتباع أهل البيت (علیهم السلام) بعيدين كلّ البعد عن تأثير الحكومات والعنصريّات والعصبيّات. ويظهر ذلك جليّاً في مدوّناتهم ومجاميعهم في

ص: 13

السنّة الشريفة.

ومن هذه الاستقلاليّة ومن الاستمرار في التدوين برزت كتب تحوي ما سجّله علماء الأمّة ورواة تراث الأئمّة، ممّا رووه عن أئمّة الهدى (علیهم السلام) . وبهذه الكتب خُلّد الحديث الشريف الجامع لأصول الدين وفروع الشريعة، وكان منها أربعمائة كتاب عرفت ب- «الاُصول الأربعمائة».

ثمّ تمخّضت زبدة تلك الاُصول في الكتب الأربعة: كتاب الكافي، وكتاب من لا يحضره الفقيه، وكتاب تهذيب الأحكام، وكتاب الاستبصار.

أما كتاب الكافي: فهو للشيخ محمّد بن يعقوب الكليني، المتوفّى سنة 329 ه- . ويمتاز: بقرب زمانه من الاُصول المعتمدة، وبدقّة ضبطه، وجودة ترتيبه، وحسن تبويبه.

وأما كتاب من لا يحضره الفقيه: فهو لأبي جعفر محمّد بن عليّ بن بابويه القمّي، المتوفّى سنة 381 ه- ، والمعروف بالصدوق.

وأما كتابا التهذيب والاستبصار: فهما لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي، المتوفى سنة 360ه- . والتهذيب شرح لكتاب المقنعة في الفقه لشيخه المفيد (رحمه الله) ، وقد أورد في ذيل مسائله الأحاديث الفقهيّة، وخصّ بعضها بأبواب عنونها بالزيادات في كلّ كتاب.

وأما الاستبصار فقد جعله للأخبار المتعارضة، وتعرّض للجمع فيما بينها إذا أمكن، أو ترجيح بعضها على الآخر.

وقد أصبحت هذه الكتب مرجعاً عامّاً للفقهاء الكرام، ومداراً لاستنباط

ص: 14

الأحكام الشرعيّة. وهذا لا يعني إلغاء غيرها من كتب الحديث وكتب التفسير الروائيّة، على كثرتها وكثرة ما فيها من الأحاديث.

ولمّا كانت الأحاديث المتعلّقة بكل فرع من الفروع الفقهيّة أو المسائل الاعتقاديّة متفرّقة في الكتب الأربعة وغيرها من الكتب المعتبرة، ولم يراع التنظيم في أكثرها، مضافاً إلى صعوبة الإحاطة والعثور على جميع ما يتعلّق بفرع فقهيّ معيّن في تلك الكتب، انبرى علماؤنا لرفع هذه النقائص وغيرها، وسدّ ذلك الخلل.

وممّن تصدّى لهذا العمل الكبير الواسع: الشيخ العلّامة، المحقّق الكبير، والمحدِّث الخبير، محمّد بن الحسن الحرّ العاملي رضوان اللَّه عليه.

فقد ألّف كتابه الكبير وسائل الشيعة في مدّة ثماني عشرة سنة، وأتعب نفسه الشريفة في جمعه وتبويبه وتصحيحه وترتيبه، وأخرج فيه الأحاديث المرتبطة بالفروع الفقهيّة، وما يتعلّق بالسنن والآداب الشرعيّة، فصار مشتملاً على جميع أحاديث الأحكام الشرعيّة الموجودة في الكتب الأربعة وغيرها من الكتب المعتمدة التي تبلغ اثنين وثمانين كتاباً، أورد أسماءها، ونقل عنها بلا واسطة، مع ذكر الأسانيد، وحسن الترتيب، وعقد باباً مستقلاًّ لكل حكم. فيه أهمّ الأحاديث ذات الدلالة الواضحة على عنوان الباب، الذي أورده على ما يوافق رأي مشهور الفقهاء، وإن كان مخالفاً لرأيه الشريف. وأما إذا كان الحكم مختلفاً فيه بلا شهرة فإنه يصدره بقوله: «باب حكم كذا» تاركاً استفادة الحكم من أحاديث الباب لمن يقدر على الترجيح بينها، وربما

ص: 15

أضاف أحاديث تعارض ما سبقها في الدلالة، ثمّ أعقبها بما يرفع التنافي بينها من وجوه الجمع. كما أشار في أكثر الأبواب إلى ما يناسب الباب ممّا تقدّم عليه أو تأخّر، ورتّب الأبواب على نسق ترتيب كتاب شرائع الإسلام للمحقّق الحلي (رحمه الله) ، فبلغت تلك الأبواب قرابة السبعة آلاف باب على ما قيل، حوت من الأحاديث - بعد تقطيعها - خمسة وثلاثين ألفاً وثمانمائة وثمانية وستين، وعقد في آخر الكتاب خاتمة اشتملت على فوائد مهمّة، وعددها اثنتا عشرة فائدة.

كما كتب له فهرساً سمّاه ب- «من لا يحضره الإمام (علیه السلام) »؛ لتسهيل العثور على المطلوب. ذكر فيه الكتب والأبواب وعدد أحاديث كلّ باب، وما تدلّ عليه الأبواب من الأحكام، إضافة إلى ما ذكره في عنوان الباب. وهذا - بلا ريب - مجهود جبّار تنوء به العصبة أولو القوّة، مع ما كان للمصنّف من أشغال وكتابات موسوعيّة أخرى.

ولذلك كلّه حظى هذا الكتاب ما لم يحظ غيره، فصار مرجعاً فريداً لفقهائنا الأجلاء منذ تدوينه إلى عصرنا هذا ؛ لما حواه من مزايا ليست في سواه من المجاميع الحديثيّة المعاصرة له، كالوافي والبحار وغيرهما، فما من فقيه إلّا وهو ينهل من معين هذا الكتاب.

وقد قال المحدِّث النوري رضوان اللَّه عليه في شأن كتاب «الوسائل»: «فصار - بحمد اللَّه تعالى - مرجعاً للشيعة، ومجمعاً لمعالم الشريعة، لا يطمع

ص: 16

في إدراك فضله طامع، ولا يغني العالم المستنبط عنه جامع» (1) .

ولذا شرحه العلماء، وعلّقوا عليه، وأوضحوا بعض ما أُجمل فيه.

ولكنّ تلك الشروح لم تتمّ، وكان بعضها مختصّاً بتعيين ما تقدّم وتأخّر في أواخر الأبواب.

وكان من جملة من ألّف في التعليق على «الوسائل»: آية اللَّه العظمى الإمام السيد أبو القاسم الخوئي (قدس سره) ، فقد بيّن فيه - مضافاً إلى بيان ما تقدّم وما تأخّر وتعيين محلّه وبابه - ما يستفاد من أحاديث الباب زائداً على ما استفاده الشيخ الحرّ العاملي، وذكره في عنوان الباب، كما ذكر الأحاديث التي لم يذكرها الشيخ الحرّ العاملي في هذا الباب مع أنّه يدخل تحت عنوان الباب(2) .

وقد ذكر لنا الشيخ الاُستاذ الداوري حفظه اللَّه: أنّ السيد الخوئي (قدس سره) كان يرغب في أن يتصدّى أحد العلماء للقيام بشرح كتاب «الوسائل»، والتعليق عليه، والبحث عن أسانيد أحاديثه بالتفصيل.

وممّن تصدّى لشرح الكتاب: أُستاذنا آية اللَّه الشيخ مسلم الداوري حفظه اللَّه، عبر إلقائه المحاضرات القيّمة المختصّة ببيان الكتاب متناً وسنداً، والمشحونة بالفوائد، حيث جعله محوراً لمحاضراته الفقهيّة. فكان هذا الشرح ثمرة تلك الإفادات، مضافاً إلى ما استفدناه منه حفظه اللَّه خارج

ص: 17


1- مستدرك الوسائل1 : 60 ، مقدمة المؤلف.
2- الذريعة 4 : 352.

البحث. وسيأتي الكلام على مزايا هذا الشرح ضمن الاُمور التي صدّرنا بها هذا الجزء.

وممّا يجدر بنا ذكره هنا - حفظاً للحقوق - أنّا استفدنا ممّا كتبه المرحوم حجة الإسلام والمسلمين الشيخ محمّد عليّ المعلّم (رحمه الله) في خصوص الباب الأول وشطر من الثاني، كما استعنّا بما كتبه زميلنا سماحة حجة الإسلام الشيخ عبد المجيد العيسى في خصوص الباب الأول.

تنبيهات:

1 - أدرجنا جميع هوامش الطبعة الجديدة «للوسائل» بتحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) ، الطبعة الثانية (1414 ه- )؛ إتماماً للفائدة.

2 - جعلنا هوامش المتن مميّزة عن هوامش الشرح بنجمة صغيرة تأتي بعد رقم الحاشية محاطة بقوسين، كما أنّها أصغر حجماً من أرقام هوامش الشرح، وصورتها هكذا: (1٭).

3 - الرقم الأول في المتن المحاط بين معقوفتين هو: رقم التسلسل العام لأحاديث «الوسائل»، والرقم الثاني الذي يليه هو: رقم الحديث في الباب. فمثلاً: [45] 6- يعني: الحديث 45 بحسب التسلسل العام، وهو الحديث 6 من أحاديث الباب.

4 - الرقم المحاط بالمعقوفتين في الشرح - الذي يسبق عبارة (فقه الحديث) - إشارة إلى: أنّ فقه الحديث مرتبط بالحديث الذي يحمل الرقم نفسه في المتن. فمثلاً: [3] - فقه الحديث يعني: أنّ فقه الحديث هذا مرتبط

ص: 18

بالحديث 3 من الباب.

وختاماً نسأل اللَّه تعالى أن يجعل هذا الشرح عملاً خالصاً لوجهه الكريم، وخدمة لأهل العلم، وينفع به الباحثين في الوصول إلى الغرض، كما نفع بأصله، في ظلّ رعاية وليّ أمرنا بقيّة اللَّه الأعظم صاحب الزمان الحجّة بن الحسن أرواحنا له الفداء.

وآخر دعوانا أن الحمد للَّه ربِّ العالمين.

وصلّى اللَّه على محمّد وآله الطاهرين.

عبّاس الحسيني محمّد عيسى البنّاي

قم المقدّسة

ص: 19

ص: 20

تمهيد: فیه اثنا عشر أمراً

اشارة

في بيان اُمور يحسن ذكرها قبل الشروع في أبواب الكتاب:

الأمر الأوّل:

إنّ ممّا يكثر ذكره في الوسائل عند النقل عن الكليني (قدس سره) : التعبير ب-«عدّة من أصحابنا»، فلابدّ من بيان هذه العبارة.

وأكثر ما يرد التعبير بها في أوّل السند، بعد ذكر الكليني، أو محمّد بن يعقوب، وأمّا ذكر العدّة في وسط السند فهو قليل.

والراوي بعد العدّة في أكثر الموارد هو أحد ثلاثة أشخاص:

1 - أحمد بن محمّد بن عيسى.

2 - أحمد بن محمّد بن خالد.

3 - سهل بن زياد.

وهناك أشخاص آخرون ورد ذكرهم بعد العدّة في كلام الكليني غير هؤلاء الثلاثة، ولكنَّ ذلك في موارد قليلة لا تتجاوز مورداً أو موردين، وهم تسعة أشخاص:

1 - جعفر بن محمّد.

2 - سعد بن عبد اللَّه.

ص: 21

3 - الحسين بن الحسن بن يزيد.

4 - أحمد بن الحسن.

5 - عليّ بن أسباط.

6 - عليّ بن الحسن بن صالح الحلبي.

7 - عليّ بن الحسن بن فضّال.

8 - محمّد بن عبد اللَّه.

9 - إبراهيم بن إسحاق الأحمر.

كما أنّه قد تذكر العدّة في أثناء السند في «الكافي» وغيره، ولم يفصّل غالباً أو يبيّن المراد منهم.

نعم، ورد في عدّة أسانيد من «الكافي»: الحسن بن محمّد بن سماعة، عن غير واحد، عن أبان، وقد ورد في أسانيد اُخرى التصريح بأسمائهم.

والمقصود بقوله: «غير واحد» هم: جعفر بن محمّد بن سماعة، والميثمي، والحسن بن حمّاد(1)

، على ما نقله صاحب «الوسائل»(2) .

كما أنّه لم يرد بيان أو تعريف بأفراد العدّة من الكليني نفسه، إلّا في الحديث الأوّل من كتابه، حيث قال: «حدّثني عدّة من أصحابنا، منهم:

محمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن محمّد»(3) ، وفي الحديث الثاني من

ص: 22


1- تهذيب الأحكام 7 : 130، ب 9، ح 570.
2- وسائل الشيعة: 30 : 149 ، الفائدة الثالثة.
3- الكافي: 1 : 10 ، كتاب العقل والجهل، ح 1.

كتاب الحجّة، حيث قال: «عدّة من أصحابنا منهم: عبد الأعلى، وأبو عبيدة، وعبد اللَّه بن بشر الخثعمي، سمعوا ...»(1)

، على أنّ في المورد الثاني بيان العدّة من آخر السند، والكلام إنّما هو في العدة التي يروي عنها الكليني (قدس سره) ، وهي في أوّل السند.

وما ذكره صاحب «الوسائل» من: أنّه وجد في بعض نسخ «الكافي» من كتاب العتق هكذا: «عدّة من أصحابنا: عليّ بن إبراهيم، ومحمّد بن جعفر، ومحمّد بن يحيى، وعليّ بن محمّد بن عبد اللَّه القمّي، وأحمد بن عبد اللَّه وعليّ بن الحسن جميعاً، عن أحمد بن محمّد بن خالد»(2) لم يصل إلينا؛ فإنّ نسخ «الكافي» الموجودة ليس فيها ذكر لهذه العدّة، حتّى إنّ صاحب «الوسائل» نفسه في كتاب العتق لم يعتمد على ذلك، وإنّما نقلها بعنوان النسخة، وإن استظهر (قدس سره) في الخاتمة أنّ الرواة «المذكورين من جملة العدّة التي تروي عن ابن خالد»(3) .

وعلى كلّ تقدير، فإنّ التعبير بالعدّة أو غير واحد أو جماعة أو نحوها لا يُعدّ إرسالاً عند المشهور، بل هو في حكم المسند الصحيح، وإن لم يعرِّف الكليني (قدس سره) في «الكافي» العدّة التي يروي عنها.

نعم قال العلّامة في الفائدة الثالثة:

ص: 23


1- الكافي1 : 261 ، باب: أنّ الأئمّة يعلمون علم ما كان وما يكون، ح 2.
2- وسائل الشيعة 30 : 148.
3- المصدر نفسه.

«قال الشيخ الصدوق محمّد بن يعقوب الكليني في كتابه الكافي في أخبار كثيرة: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، قال: والمراد بقولي: (عدّة من أصحابنا): محمّد بن يحيى، وعليّ بن موسى الكمنداني، وداود بن كورة، وأحمد بن إدريس، وعليّ بن إبراهيم بن هاشم».

وقال: «كلّ ما ذكرته في كتابي المشار إليه: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، فهم: عليّ بن إبراهيم، وعليّ بن محمّد بن عبد اللَّه بن اُذينة، وأحمد بن عبد اللَّه بن اُميّة، وعليّ بن الحسن».

وقال: «وكلّ ما ذكرته في كتابي المشار إليه: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، فهم: عليّ بن محمّد بن علّان، ومحمّد بن أبي عبد اللَّه، ومحمّد بن الحسن، ومحمّد بن عقيل الكليني»(1)

هذا، ولم يذكر العلّامة مستنده فيما نقله؛ ولعلّه نقل ذلك عن بعض كتب الكليني (قدس سره) .

ونقل النجاشي في ترجمة الكليني عنه: «كلّما كان في كتابي عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، فهم: محمّد بن يحيى، وعليّ بن موسى الكمنداني، وداود بن كورة، وأحمد بن إدريس، وعليّ بن إبراهيم بن هاشم»(2)

وما ذكره النجاشي في كتابه مطابق لما نقله العلّامة، ودليل على صدقه.

ص: 24


1- خلاصة الأقوال: 430 ، الفائدة الثالثة.
2- رجال النجاشي: 378 / 1026.

ثمّ إنّ هذه العِدد الثلاث معتبرة في الجملة؛ وذلك لاشتمال كلّ واحدة منها على أكثر من شخص قد ورد النصّ على توثيقه. بيان ذلك:

أمّا العدّة الأولى: - وهي التي تروي عن أحمد بن محمّد بن عيسى - فهي تشتمل على خمسة أشخاص، كما ذكر العلاّمة والنجاشي، ثلاثة منهم ثقات، وهم:

الأوّل: محمّد بن يحيى العطّار، وقد نصّ النجاشي على وثاقته قائلاً: «شيخ أصحابنا في زمانه، ثقة، عين، كثير الحديث»(1) .

وقال الشيخ - في ذكر أسماء من لم يرو عن واحد من الأئمة (علیهم السلام) - : «محمّد بن يحيى العطّار، روى عنه الكليني، قمّي، كثير الرواية»(2)

الثاني: أحمد بن إدريس، قال النجاشي: «أحمد بن إدريس بن أحمد، أبو عليّ، الأشعريّ، القمّي، كان ثقة، فقيهاً في أصحابنا، كثير الحديث، صحيح الرواية»(3)

وذكر الشيخ مثله(4)

الثالث: عليّ بن إبراهيم، قال النجاشي: «علي بن إبراهيم بن هاشم، أبو الحسن، القمّي، ثقة في الحديث، ثبت، معتمد، صحيح المذهب، سمع

ص: 25


1- رجال النجاشي: 353 /946.
2- رجال الطوسي: 439 /6274.
3- رجال النجاشي: 92/228 .
4- فهرست الطوسي: 71 /81.

فأكثر»(1) .

وأمّا الآخران - وهما: عليّ بن موسى الكمنداني (الكمنذاني) وداود بن كورة أبو سليمان القمّي، الأول ثقة، والثاني لم يرد في حقه توثيق.

وأمّا العدّة الثانية: - وهي التي تروي عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي - فهي تشتمل على أربعة أشخاص، ثلاثة منهم ثقات أيضاً، وهم:

الأوّل: عليّ بن إبراهيم بن هاشم، وقد تقدّم.

الثاني: عليّ بن محمّد بن عبد اللَّه بن اُذينة، كما في «الوسائل»(2) . والصحيح أنّه ابن بنته، أي أنّ البرقي جدّه لأمّه، وهو عليّ بن محمّد بن بندار، الملقّب أبوه ب- «ماجيلويه»، وهو ثقة.

قال النجاشي: «عليّ بن أبي القاسم عبد اللَّه بن عمران البرقي، المعروف أبوه ب- «ماجيلويه»، يكنّى أبا الحسن، ثقة، فاضل، فقيه، أديب، رأى أحمد بن محمّد البرقي، وتأدّب عليه، وهو ابن بنته»(3)

الثالث: عليّ بن الحسن، والصحيح: عليّ بن الحسين السعدآبادي، وهو من مشايخ ابن قولويه(4)، وقد حقّقنا في محلّه(5): أنّ مشايخ ابن قولويه في

ص: 26


1- رجال النجاشي: 260/680 .
2- وسائل الشيعة30 : 148، الفائدة الثالثة.
3- رجال النجاشي: 261 /683.
4- كامل الزيارات: 216، باب36 ، ح314.
5- اُصول علم الرجال 1 : 323 و 324.

«كامل الزيارات» كلّهم ثقات.

الرابع: أحمد بن عبد اللَّه، عن أبيه. والصحيح: ابن ابنه؛ فإنّ البرقي جدّه لأبيه، فهو حفيده، وهو يروي عن جدّه، ولم يرد فيه توثيق.

وأمّا العدّة الثالثة: - وهي التي تروي عن سهل بن زياد - فهي تشتمل على أربعة أشخاص، اثنان منهم موثّقان، وهما:

الأوّل: عليّ بن محمّد بن علّان، والظاهر أنّ لفظ «ابن» الثانية زائدة؛ فإنّ عليّ بن محمّد هو: المعروف ب- «علّان»، وهو ثقة. قال النجاشي: «عليّ بن محمّد بن إبراهيم بن أبان الرازي الكليني، المعروف ب- (علّان)، يكنّى أبا الحسن، ثقة، عين»(1)

، وهو خال الكليني وشيخه، كما ذكره النجاشي في ترجمة الكليني(2)

والثاني: محمّد بن أبي عبد اللَّه، وهو محمّد بن جعفر بن محمّد بن عون الأسدي، أبو الحسين الكوفي، وهو ثقة. قال النجاشي: «محمّد بن جعفر بن محمّد بن عون الأسدي، أبو الحسين الكوفي، ساكن الريّ، يقال له: محمّد بن أبي عبد اللَّه، كان ثقة، صحيح الحديث، إلّا أنّه روى عن الضعفاء»(3)

وقال الشيخ في كتابه «الغيبة»: «وقد كان في زمان السفراء المحمودين

ص: 27


1- رجال النجاشي: 260/682 .
2- المصدر نفسه: 377.
3- المصدر نفسه: 373/1020.

أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل، منهم: أبو الحسين محمّد بن جعفر الأسدي (رحمه الله) ... ثمّ قال: ... ومات الأسدي على ظاهر العدالة، لم يتغيّر ولم يطعن عليه»(1)

وأمّا الثالث: وهو محمّد بن الحسن، فقد اختلفت الأقوال في المعنيّ به، والمشهور أنّه محمّد بن الحسن الصفّار، وهو الظاهر من الفاضل الاسترابادي وصاحب «الوسائل» والكاظمي وغيرهم(2)؛

يروي عنه الكليني في واحد وتسعين مورداً مصرِّحاً باسمه، وهو من الأجلّاء الثقات. قال النجاشي: «كان وجهاً في أصحابنا القمّيين، ثقة، عظيم القدر، راجحاً، قليل السقط في الرواية»(3)

وقيل: هو محمّد بن الحسن البرناني، الذي روى عنه الكشّي(4)

، ولم يرد فيه توثيق.

وقيل: هو محمّد بن الحسن المحاربي. قال النجاشي: «جليل، من أصحابنا، عظيم القدر، خبير باُمور أصحابنا»(5) .

وقيل: هو محمّد بن الحسن بن عليّ أبو المثنّى، كوفي. قال النجاشي:

ص: 28


1- الغيبة: 415 - 417 .
2- خاتمة المستدرك 21 : 516 ، الفائدة الرابعة.
3- رجال النجاشي: 354/948.
4- اختيار معرفة الرجال 1 : 414/307.
5- رجال النجاشي: 350/943.

«ثقة، عظيم المنزلة في أصحابنا»(1) .

وقيل: هو محمّد بن الحسن بن الوليد، وهو من مشايخ الصدوق المعروف بالعدالة والدقّة.

وقيل: هو محمّد بن الحسن القمّي، الذي وصف بأنّه نظير ابن الوليد في الرواية.

وقيل: هو محمّد بن الحسن بن بندار القمّي، المتّحد مع السابق على قولٍ(2).

وقيل(3):

هو محمّد بن الحسن بن عليّ بن عبد اللَّه بن المغيرة، وهذا ليس له ذِكر في كتب الرجال.

وقيل: هو محمّد بن الحسن الطائي الرازي، المذكور في طريق النجاشي إلى كتاب عليّ بن العبّاس الخراذيني (الجراذيني) (4). وقد روى عنه الكليني في كتاب الجهاد(5) مصرّحاً باسمه، إلّا أنّه لم يرد فيه توثيق

ص: 29


1- رجال النجاشي: 382/1039.
2- وهو للأستاذ الاكبر. راجع: تعليقة البهبهاني على منهج المقال: 290، كما جاء في خاتمة المستدرك 3 : 529، الفائدة الرابعة.
3- نسب هذا القول السيد البروجردي (قدس سره) إلى بعض، لكن السيد قال بأننا لم نظفر على ولد للحسن بن عليّ بن عبد الله بن المغيرة اسمه محمد. (مقدمة أسانيد كتاب الكافي المطبوعة في مجلّد حياة السيد البروجردي: 344، الثاني والثلاثون: محمّد بن الحسن).
4- رجال النجاشي: 255/668، عليّ بن العباس الجراذيني.
5- الكافي5 : 23، باب الجهاد مع من يكون، ح3.

صريح، واستظهره السيّد البروجردي (قدس سره) (1).

وقيل: هو محمّد بن الحسن الطاطري.

وقيل: هو محمّد بن الحسن الميثمي.

والظاهر أنّ المترجّح من كلّ ما ذكر اثنان:

أحدهما: الصفّار؛ لشهرته، وقربه من الكليني في الطبقة؛ حيث إنّه توفّي سنة (290ه-)، والكليني توفي سنة (329ه-)، وبقرينة المروي عنه؛ فإنّ بعضاً ممّن وقعوا بعد محمّد بن الحسن قد روى عنهم الصفّار، كسهل بن زياد.

وأمّا ابن الوليد، فقد توفّي بعد الكليني بأربع عشرة سنة، وهو يروي عن الصفّار، فكيف يروي عنه الكليني؟!

وأمّا الباقون، فلا دليل على كونهم في طبقة الكليني، بل إنّ بعضهم لم يثبت لهم وجود في كتب الرجال، كما في محمّد بن الحسن بن عليّ بن عبد اللَّه بن المغيرة، وكذا الطاطري، ولعلّه مصحّف الطائي، كما في بعض نسخ «الكافي».

وثانيهما: الطائي، وممّا يقرّب أن يكون هو المراد أمور:

أحدها: أنّه ورد في رواية من «الكافي» التصريح به، بناءً على ثلاث نسخ منه، موافقة «للوافي» و«الوسائل»، وإن كان في بعض نسخه: الطاطري،

ص: 30


1- في المقدمة الرابعة من مقدمة كتابه «أسانيد كتاب الكافي» المطبوعة في مجلّد حياة المؤلف: 346.

والظاهر أنّه غلط؛ لعدم وجوده في كتب الرجال.

ثانيها: أنّه ورد في طريق النجاشي إلى كتاب عليّ بن عبّاس الجراذيني الرازي التصريح به، فقد قال: «أخبرنا الحسين بن عبيد اللَّه، عن ابن أبي رافع، عن محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن الحسن الطائي الرازي، قال: حدّثنا عليّ بن العبّاس ...»(1).

ثالثها: أنّه وردت رواية محمّد بن الحسن الطائي عن سهل في كتابي «التوحيد» و«الأمالي» في عدّة موارد، ولم ترد رواية الصفّار عنه إلّا في موردين: أحدهما في «التهذيب»، واحتمال التصحيف موجود فيه، والثاني في «الفقيه»، وهو قابل للتأمّل.

وكذلك لم ترد روايته عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر في الكتب الأربعة، ولا عن صالح بن أبي حمّاد، ولا عن عبد اللَّه بن أحمد، ولا عن عبد اللَّه بن الحسن، وغيرهم ممّن قد روى عنهم محمّد بن الحسن، إلّا أنّه سيأتي في مطاوي الكتاب القرائن الدالّة على أنّه الصفّار.

هذا، وقد ورد تارة بعنوان محمّد بن الحسن الرازي، وأخرى بعنوان محمّد بن الحسين بن الحسن الرازي الطائي.

وقد قال الشيخ منتجب الدين فيه: «فاضل، صالح»(2) ، وبذلك يحكم بوثاقته.

ص: 31


1- رجال النجاشي: 255/668 .
2- فهرست أسماء علماء الشيعة ومصنّفيهم: 190.

وكيف كان، فالأمر دائر بين الصفّار والطائي، وكلاهما ثقتان.

والنتيجة: أنّ العدّة الاُولى تشتمل على ثلاثة من الموثّقين، والعدّة الثانية تشتمل على ثلاثة من الموثّقين أيضاً، والعدّة الثالثة تشتمل على اثنين أو ثلاثة من الموثّقين، ومن ذلك يُعلم أنّ العِدد الثلاث مورد للاعتبار والقبول، على أنّنا لو لم نعرف أنّ من أفراد هذه العِدد أشخاصاً ثقاتٍ، لم يُستبعد الحكم باعتبارها أيضاً؛ لقضاء العادة بأنّ الذي يروي عن عدّة أشخاص في عرض واحد لابدّ أن يكون فيهم شخص واحد - على الأقل - ثقة، فكيف إذا كان هناك نصّ على وثاقة بعضهم، كما بيّنا؟!

ثمّ إنّ وقوع العدّة في وسط السند أو آخره لا يعني أنّ الرواية مرسلة. فالتعبير بجماعة، أو غير واحد، أو نحو ذلك ليس إرسالاً في السند؛ وذلك لورود التصريح في عدّة أسانيد بأسماء المقصودين، كما أشار إلى ذلك صاحب «الوسائل» في الفائدة الثالثة من الخاتمة(1)،

بل لا يبعد القول باعتبار السند مع تماميّة سائر الشرائط؛ لما ذكرنا من قضاء العادة بذلك.

الأمر الثاني:

أنّ صاحب «الوسائل» (رحمه الله) كثيراً ما يعبّر عند نقله الرواية عن الشيخ الطوسي (رحمه الله) ، أو الشيخ الصدوق، أو غيرهما بقوله: «وروى بإسناده» وربما يقال: إنّ المراد بهذه اللفظة جمع سند، فتكون الهمزة مفتوحة. ولكنّ الظاهر

ص: 32


1- وسائل الشيعة 30 : 149، الفائدة الثالثة.

أنّ المراد منها هو المصدر، وأنّ الهمزة مكسورة؛ وذلك لأنّه قد لا يكون للشيخ الصدوق أو الشيخ - قدّس سرّهما - غير هذا السند في بعض الموارد، وإن كان له عدّة أسانيد في موارد اُخرى، فكون المراد بهذه اللفظة الجمع ليس صحيحاً دائماً.

على أنّ التعبير بالمصدر قد يؤدّي معنى الجمع، فالقدر المتيقّن هو إرادة المصدر؛ لأنّه وافٍ بالغرض. مضافاً إلى أنّه لو أراد التعدّد لعبّر بصيغة منتهى الجمع، وهي أسانيد، كما في بعض الموارد.

ثمّ إنّ التعبير «بإسناده» يدلّ على أنّ هناك سنداً لم يُذكر، ولابدّ من الفحص عنه في «المشيخة» أو الطرق إلى الكتب؛ لمعرفة أفراده، وملاحظة وثاقتهم وعدمها.

فإذا قال صاحب «الوسائل» مثلاً: «روى الشيخ بإسناده، عن محمّد بن يعقوب» فمعنى ذلك أنّ بين الشيخ وبين الكليني واسطة، لا أنّه يروي عنه مباشرةً. وعليه فلا يكتفى بما هو مذكور في السند من دون ملاحظة الواسطة.

وسوف نبيّن - إن شاء اللَّه - المراد ب- «إسناده»، ونتعرّض لكلّ فرد من أفراد السند المذكور في «المشيخة» أو الفهرست أو غيرهما من جهة الوثاقة وعدمها.

الأمر الثالث:

أنّ من عادة صاحب «الوسائل» - على ما ذكر في خاتمة الكتاب - أن

ص: 33

يصرّح باسم الكتاب الذي ينقل الحديث منه ومؤلّفه، غير الكتب الأربعة، فإنّه يصرّح باسم مؤلّفيها، ولا يصرّح بأسماء الكتب. فما كان مبدوءاً بعنوان محمّد بن يعقوب فهو من «الكافي»، وكذا ما كان معطوفاً عليه. وما كان مبدوءاً بعنوان محمّد بن عليّ بن الحسين فهو من كتاب «من لا يحضره الفقيه»، وكذا ما كان معطوفاً عليه. وما كان مبدوءاً بعنوان محمّد بن الحسن فهو من «التهذيب» أو «الاستبصار»، وكذا ما كان معطوفاً عليه.

وما لم ينتقل من اسم إلى اسم فهو باقٍ على الرواية عن صاحب العنوان الأوّل.

وأمّا إذا روى في أوّل حديثٍ عن عنوان محمّد بن يعقوب مثلاً، ثمّ قال بعده: ورواه الصدوق بإسناده نحوه، أو قال: ورواه الشيخ مثله، فهذا لا يعدّ انتقالاً عن الرواية عن صاحب العنوان، الذي هو محمّد بن يعقوب في المثال.

نعم، إذا قال بعد ذلك: محمّد بن الحسن... فإنّه انتقال من الرواية عن محمّد بن يعقوب في «الكافي» إلى الرواية عن محمّد بن الحسن في «التهذيب» أو «الاستبصار».

الأمر الرابع:

أنّ صاحب «الوسائل» قد يعقّب بعد أن يورد الرواية بقوله: ورواه البرقي في المحاسن مثلاً، أو يقول: وروى البرقي مثله، أو يقول: وروى البرقي نحوه. وهذه التعابير الثلاثة كثيرة في «الوسائل»، كما أنّها كذلك في «جامع

ص: 34

أحاديث الشيعة»، وبينهما جهة اشتراك وجهة اختلاف.

أمّا جهة الاشتراك، فهي أنّ الرواية واحدة في هذه الموارد الثلاثة، وإلّا لو كانت رواية أخرى لذكرها على نحو الاستقلال، من دون حاجة للعطف.

وأمّا جهة الاختلاف، فإنّ قوله: «رواها» يعني أنّ الرواية بعينها هي الرواية السابقة من دون زيادة ونقيصة.

وأمّا إذا قال: «مثله» فالمراد أنّها ليست عين الرواية السابقة، بل فيها زيادة أو نقيصة.

وأمّا إذا قال: «وروى نحوه» فالمراد أنّها ليست عين الرواية السابقة أيضاً، بل فيها زيادة ونقيصة معاً، وإن كان الجميع رواية واحدة.

وهذا الذي ذكرنا في تفسير المثل والنحو إنّما هو على النحو الغالب، وإلّا ففي بعض الموارد قد يقع خلاف ما تقدّم ذكره.

الأمر الخامس:

أنّ ممّا يبتلى به في الأسانيد هو العناوين المشتركة، وسبب الاشتراك يعود إجمالاً إلى أحد هذه الأمور:

أحدها: ورود الرواية مشتملة على ذكر اسم الراوي مجرّداً عن الأب والجدّ واللقب، كأن يرد في بعض الروايات «أحمد» أو «الحسين».

ثانيها: ورود الرواية مشتملة على ذكر الكنية فقط، مثل: أبي جعفر، أو أبي يحيى، أو ابن العرزمي، أو ابن سنان، وغيرهم.

ص: 35

ثالثها: التشابه في الاسم واسم الأب مع كونهما في زمان واحد، أو أزمنة مختلفة، مثل: أحمد بن محمّد، ومحمّد بن يحيى، وغيرهما.

رابعها: التشابه في اللقب أو النسبة، كالكلبي، أو القاضي، أو البغدادي، وغيرها.

وهناك أسباب أخرى تتّضح من مراجعة أسانيد الأحاديث.

والمهمّ هو العلاج وبيان قواعد يتميّز بها المراد من العنوان؛ حتّى يتبيّن حال الرواية، وأنّها معتبرة أو لا.

وهي أمور:

الأوّل: ملاحظة طبقة الراوي والمروي عنه، و بهذا الأمر يمكن تشخيص كثير من المشتركات، وتمييز بعضها عن بعض.

الثاني: ملاحظة الأسانيد المتشابهة والمكرّرة، فمع ملاحظة هذه الأسانيد يمكن تشخيص المشترك وتبيينه.

الثالث: نصّ أحد أعلام الرجاليّين وأهل الحديث على تعيين المراد من العنوان المشترك، كما إذا ورد عن أحدهم مثلاً: «كلّما قلت: أحمد بن محمّد، فهو أحمد بن محمّد بن عيسى مثلاً»، أو يظهر ذلك بواسطة القرائن.

الرابع: كون أحد الأشخاص من المشتركين في الاسم معروفاً في الرواية دون الباقين؛ من جهة أنّ له كتاباً أو أصلاً، ولم يكن للآخرين ذلك. فالمطلق ينصرف بحسب العادة إلى المعروف.

الخامس: كون أحد المشتركين معروفاً بالرواية؛ لكثرة رواياته في

ص: 36

الكتب دون الباقين؛ للوجه المتقدّم.

السادس: وجود طريق آخر للرواية وقع فيه العنوان المطلق مقيّداً، كما يوجد ذلك في كثير من روايات «التهذيب» و«الاستبصار»، وقد يوجد في «الكافي» و«الفقيه» أيضاً.

فهذه أصول التمييز بين المشتركات، التي سوف نعتمد عليها في هذا المجال.

الأمر السادس:

أنّ هناك وجوهاً ذكرت في مقدار اعتبار روايات الوسائل، وهي تختلف في مدى اعتبار الروايات كلّاً أو بعضاً، وهي:

الوجه الأوّل: ما ذكره المحدّثون - كما هو رأي المؤلّف(1) وصاحب «الحدائق»(2) - من أنّ جميع ما في الكتب المعتبرة لا يحتاج إلى الفحص عن أسانيده، فكلّها معتبرة.

الوجه الثاني: ما ذكره جماعة من المحقّقين، من أنّ ما في الكتب الأربعة، أو «الكافي» و«الفقيه» معتبر.

الوجه الثالث: أنّ كلّ ما عمل به المشهور فهو معتبر، وما أعرضوا عنه فليس بمعتبر.

ص: 37


1- الفوائد الطوسية: 10، الفائدة الأولى.
2- الحدائق الناضرة 1 : 14.

الوجه الرابع: ما ذهب إليه مشهور المتأخّرين، من أنّه لابدّ من ملاحظة كلّ فرد وقع في أسانيد الروايات، فإن كان ورد فيهم توثيق فهي معتبرة وإلّا فلا يحكم باعتبارها.

وسوف نعتمد في توثيق الأشخاص على ما يلي:

1 - كتاب النجاشي.

2 و 3 - فهرست الشيخ ورجاله.

4 - رجال الكشّي، وهو المسمّى ب- «اختيار معرفة الرجال».

5 - فهرست الشيخ منتجب الدين.

6 - معالم العلماء، لابن شهرآشوب.

7 - ما ذكره ابن الغضائري، إلّا أنّه من باب التأييد.

8 - ما ورد في تفسير عليّ بن إبراهيم في القسم الأوّل.

9 - ما ورد في نوادر الحكمة في قسم المستثنى منه.

10 - رواية المشايخ الثقات عن شخصٍ، والمشايخ الثقات: محمّد بن أبي عمير، وصفوان بن يحيى، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، ويونس بن عبد الرحمن.

وقد نسلك في تصحيح الرواية طرقاً أخرى من قبيل: شهرة الكتاب، أو كون الكتاب ممّا اعتُمِد عليه، وغير ذلك. فإن لم نجد تصحيحاً للرواية بهذه الطرق أشرنا إلى أحد المسالك المتقدّمة، وإن كان فيها نظر عندنا، كما حقّقناه في «أصول علم الرجال».

ص: 38

وليس مقصودنا من التعرّض للأسانيد بهذا النحو الردّ على سائر المباني أو تضعيفها، خصوصاً مبنى المحدِّث الجليل صاحب الوسائل (رحمه الله) ، فلعلّه - واللَّه العالم - هو الصواب.

إنّما المقصود أن يكون الشرح شاملاً لجميع المباني؛ لغرض تسهيل الاستفادة من الشرح، كلّ حسب مبناه.

الأمر السابع:

بناءً على الأمر السادس قد يقع التعارض في بعض الموارد، كما وقع في محمّد بن خالد البرقي؛ حيث ذكر النجاشي في ترجمته: «وكان محمّد ضعيفاً في الحديث»(1).

وذكر الشيخ في أصحاب الرضا (علیه السلام) أنّه ثقة(2) .

فحينئذٍ إن أمكن الجمع بينها ارتفع التعارض، كأن يقال: إنّ المراد بكونه ضعيفاً من جهة روايته عن الضعفاء كثيراً، واعتماده على المراسيل، كما هو المشهور المنسوب إليه، وإلّا فهو ثقة في نفسه.

ويؤيّد هذا الجمع ما ذكره ابن الغضائري من أنّ: «حديثه يعرف وينكر، ويروي عن الضعفاء، ويعتمد المراسيل»(3). ونظير هذا كثير في علم الرجال.

وأمّا إذا لم يمكن الجمع بمثل هذا الوجه، فقد يقال بتقديم الجرح على

ص: 39


1- رجال النجاشي: 335/ 898 .
2- رجال الطوسي: 363/5391 .
3- خلاصة الأقوال: 237/15.

التعديل، وقد يقال بتقديم شهادة النجاشي على غيره. ولكنّ الظاهر هو التعارض، فإنّهما شهادتان مقبولتان، وهما حجّتان، فلا وجه لتقديم إحداهما على الأخرى، فلابدّ من التوقّف. والنتيجة على هذا التقدير عدم القول بوثاقة الراوي.

الأمر الثامن:

أنّا نلتزم في أوّل كلّ باب بإيراد أقوال أصحابنا الإماميّة، وأقوال العامّة إن وجدت؛ وذلك لأنّ العلم بأقوال علمائنا ربما يوجب الترجيح بالشهرة عند اختلاف الروايات، كما أنّ العلم بأقوال العامّة يفيد في حمل بعض تلك الروايات على التقيّة عند المخالفة، أو في تحصيل الإجماع عند المسلمين في حال الموافقة؛ ولذلك نرى من اللازم استعراض الأقوال بالمقدار الذي له دخل فيما ذكرناه.

الأمر التاسع:

أنّا وإن تعرّضنا - بعد البحث عن الأحاديث في كلّ باب سنداً ودلالة - للفروع المناسبة لذاك الباب، ولكن ربّما كانت الفروع كثيرة، أو كان البحث فيها طويلاً، ولعلّ ضمّها إلى هذا الشرح يوجب الملل لعامّة الباحثين والقارئين؛ ولذلك أشرنا إلى تلك الفروع إجمالاً. وسنفردها مفصلة في كتاب مستقلّ إن شاء الله تعالى.

ص: 40

الأمر العاشر:

أنّا وإن ذكرنا طريقاً أو طرقاً متعدّدة لتصحيح الروايات، إلّا أنّ ذلك لا يعني: أنّ هذا الطريق معتبر عندنا، وإنّما ذكرناه لمجرّد الإشارة إلى وجود الطريق، ولو على بعض المباني؛ ولذلك نعبّر غالباً: بأنّه يمكن تصحيح الرواية بكذا، فمن يعتبر هذا الطريق يأخذ به دون من لا يعتبره. وقد لا نتعرّض لكل طريق يمكن تصحيح الرواية به، بل نكتفي بذكر طريق واحد أو طريقين.

الأمر الحادي عشر:

أنّا نذكر ترجمة كلّ شخص ورد في سند الحديث مرّة واحدة، ونحيل في سائر موارد ذكره إلى ذلك المكان بقولنا: قد تقدّم. وقد وضعنا فهرساً في آخر كلّ جزء من الكتاب بالأسماء الواردة في ذلك الجزء، يتبيّن فيه موضع ذكر ترجمة ذلك الشخص.

الأمر الثاني عشر:

أنّ هذا الشرح يتكفّل بيان ما له مساس بعناوين الأبواب، وما له صلة مباشرة بها. والأحاديث الشريفة وإن كان بعضها ظاهر الدلالة على المراد، وبيّن الإشارة إلى المفهوم المستفاد، إلّا أنّه يوجد فيها من الفوائد الشريفة، ما لا يبلغه أوّل الفكر، وبادي النظر، بل تستفاد بإمعان الفكر وتجديد النظر؛ فإنّ كلام أصحاب العصمة (علیهم السلام) نور لا يقدر على إبصاره كلّ أحد، وفيه من

ص: 41

المعاني الشريفة والمقاصد المنيفة ما لا يبلغه فكر الأوحديّ من الناس.

كما أنّ بعض الأحاديث مشكل من ناحية المعنى والدلالة، بحيث لا يمكن قبوله ظاهراً، وقد أمرونا أن نردّ علمه إليهم (علیهم السلام) ، لا أن نكذّب به ونطرحه؛ لمجرّد عدم فهمنا لوجهه.

ونحن هنا نتعرّض لبيان ما لعلّه يحتاج لبيان من المعنى بالنسبة إلى بعض الأفهام. وقد نضمّ لبعضها أحاديث أخر توضّح المراد؛ فإنّ كلامهم (علیهم السلام) يبيّن بعضه بعضاً.

ولا نتعرّض لبيان جميع غوامض الروايات، وإيضاح كلّ مبهماتها، وحلّ جملة مشكلاتها، وتفصيل مجملاتها، وذكر الفوائد المستنبطة منها، وإن كان لا يخلو شرحنا من ذلك إذا اقتضاه المقام؛ فإنّ اهتمامنا منصبّ على بيان مقدار دلالة الحديث على عنوان الباب، وقد نتعرّض لبعض التفاصيل بنحو الاختصار؛ لاقتضاء المقام ذلك.

والحمد للَّه ربّ العالمين.

ص: 42

أبواب مقدمة العبادات

وهي واحد وثلاثون باباً

تشتمل على ثلاثمائة وواحد وعشرين حديثاً

ص: 43

ص: 44

أبواب مقدّمة العبادات

1 - باب وجوب العبادات الخمس: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحجّ، والجهاد

اشارة

------------------------------------------

أبواب مقدّمة العبادات

1 - باب وجوب العبادات الخمس: الصلاة،

والزكاة، والصوم، والحجّ، والجهاد

شرح الباب:

العبادة: هي الطاعة، ومادة العبادة كما تصدق على العبوديّة الاختياريّة الحقّة كذلك تصدق على العبادة الباطلة؛ قال اللَّه تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ}(1) . كما أنّها - أيضاً - تشمل حالة العبوديّة التسخيريّة، كما هو الحال في العبيد والمماليك. وهي تشعر بالخضوع الخاصّ الناتج عن الاعتقاد بأن للمعبود أو لمن يخضع له رفعة وعظمة وكمالاً.

والمقصود بها هنا الخضوع لمن هو في أعلى درجات الكمال، بحيث لا كمال فوقه، وهذا الأمر منحصر في ذات اللَّه سبحانه وتعالى، وهو المستحقّ

ص: 45


1- يس، الآية 60.

للعبادة دون سواه؛ إذ هو الخالق وحده، المفيض لجميع النعم. ففي الحقيقة لا تصدق العبادة واقعاً إلّا إذا كانت له، وأما عبادة غيره فناشئة من اعتقاد باطل لا واقع حقيقي له.

ثمّ إنّ هذه العبادة لا تتأتى إلّا عبر الإسلام الخالد؛ فإنه ناسخ لجميع الأديان السماويّة السابقة، وهو عبارة عن جميع ما جاء به النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) من الدين الحقّ، المشار إليه بقوله عزّوجلّ: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ}(1).

والعبادات المشرّعة فيه كثيرة، وهي مبنيّة على المصالح الكثيرة، والتي قد لا يحيط بها الإنسان، إلّا إذا ورد بيانها من اللَّه سبحانه عن طريق نبيّه(صلی الله علیه و آله و سلم) أو أحد أوصياء نبيّه (علیهم السلام) ، وهي جميعاً من مظاهر عبوديّة العبد لمعبوده الحقّ، كما أنّها تجلّيات للمعبود الحقّ في قلوب العباد، كلّ حسب مرتبة قربه من الحق جلّ وعلا، وهي كذلك منازل لسير الإنسان الكمالي، الذي لا يمكن تحقّقه بغير السير على تشريعات الإسلام الخالدة.

والعبادات الخمس المذكورة في هذا الباب أعظم أركان الإسلام، وأكمل أجزائه المعتبرة في قوامه. والولاية أعظم من تلك العبادات جميعاً. وبيان أهمّيّة هذه الاُمور الخمسة يستفاد من الأحاديث الآتية، بالإضافة إلى ما ورد من الآيات والأخبار المتواترة، وإجماع الطائفة، بل المسلمين، وإن أسقطوا أمر الولاية من رواياتهم.

ص: 46


1- آل عمران، الآية 19.

[1] 1 - محمّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ (رضی الله عنه)، عَنْ أَبِي عليّ الأَشْعَرِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عليّ الْكُوفِيِّ، عَنْ عبّاس بْنِ عَامِرٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: عَلَى الصَّلاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَالصَّوْمِ، وَالْوَلايَةِ»، الْحَدِيثَ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

أهمية الأمور الخمسه

[1] - فقه الحديث:

يستفاد من هذا الحديث أمور:

الأمر الأوّل:

أنّه يدلّ على عظمة هذه الأمور الخمسة وأهمّيتها، بحيث تعدّ أساساً للإسلام؛ فقد عبّر فيه بأنّ بناء الإسلام على هذه الأمور، فكأنّما شبّه الإسلام ببيتٍ أساسه هذه الأمور، بحيث ينهدم البيت بانهدامها، فهي داخلة في حقيقة الإسلام. كما عبّر عنها في بعض الروايات بدعائم الإسلام، وفي بعضها بأركان الإسلام، وفي بعضها بالأسهم. وكلّها تشير إلى شي ء واحد، وهو: أنّ الإسلام متوقّف على هذه الأمور، وهي الفارق بين المسلم وغيره؛ فإنّها من الضروريّات، بل أهمّيّتها أيضاً ضروريّة. والمشهور على أنّ من أنكرها أو أنكر واحداً منها فهو كافر؛ والروايات بهذا المضمون كثيرة، ولا

ص: 47


1- لهذا الحديث ذيل لم يورده صاحب «الوسائل»، وفي قوله في آخره: «الحديث» إشارة إلى ذلك، وتمام الحديث: «ولم يناد بشي ء كما نودي بالولاية، فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه». (الكافي 2 : 18 ، ح3).

تختصّ برواياتنا، بل نقلها العامّة أيضاً(1) .

الجمع بین ما دلّ علی كونها خمسة و بین ما دل علی كونها عشرة

الأمر الثاني:

أنّه قد ورد في كثير من هذه الروايات - تقارب نصف هذا الباب - أنّها خمسة، وفي عدّة روايات أخرى أُضيف إليها الشهادتان، وورد في بعض الروايات أنّ الإسلام بُني على عشرة أشياء، بإضافة الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرها. ولا تنافي بين جميع هذه الروايات فهي قابلة للجمع.

أمّا الشهادتان، فهما لازمتان للخمسة المذكورة في هذا الحديث؛ فإنّ من يصلّي ويزكّي ويحجّ ويصوم ويقول بالولاية لابدّ أن يشهد أن لا إله إلّا اللَّه، وأنّ محمّداً رسول اللَّه (صلی الله علیه و آله و سلم). فالشهادتان كامنتان في هذه الاُمور الخمسة.

وأمّا الجهاد، فهو تابع لنظر الإمام (علیه السلام) ، فهو داخل في الولاية، على ما بيّناه في مباحثنا الفقهيّة(2) .

وأمّا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهما شُرِّعا لتنظيم المجتمع، وهما - أيضاً - لا يخرجان عن شؤون الولاية.

ص: 48


1- سنن الترمذي 4 : 119، ومجمع الزوائد للهيثمي 1 : 47، وصحيح ابن حبان 1 : 374، وصحيح ابن خزيمة 1 : 159، و ج3 : 187، والمعجم الكبير للطبراني 2 : 326، ومسند الحميدي 2 : 308 .
2- التقيّة في فقه أهل البيت 2 : 58.

وبذلك يجمع بين الروايات الدالّة على أنّ الإسلام بُني على خمس، وبين الروايات الاُخرى المشار إليها.

نعم، ورد في حديثين من هذا الباب: أنّ الإسلام بُني على أربعة أشياء، وهي الأربعة الأولى من دون ذكر الولاية. والمراد به الإسلام بالمعنى الأعمّ، الذي تحقن به الدماء، وتحلّ به الذبائح والمناكح. وليس المراد به المعنى الأخصّ، وهو الإيمان؛ فإنّه مبنيّ على الخمسة؛ ولذلك ورد: أنّ الناس أخذوا بأربع وتركوا الخامسة(1)

، كما سيأتي.

المراد من الولاية

الأمر الثالث:

أنّ الولاية التي أُنيط بها الإيمان إمّا أن تُقرأ بكسر الواو، كما ذكر صاحب «الوسائل» أنّها بالكسر(2)،

بمعنى الخطَّة والإمارة والسلطان. وإمّا أن تُقرأ بفتح الواو، كما ذكر صاحب «المجمع»: أنّها بالفتح، بمعنى المحبّة والتأسّي والتبعيّة. فإن كانت بالمعنى المذكور فهي بمعنى محبّة أهل البيت واتّباعهم، وامتثال أوامرهم ونواهيهم، والتأسّي بهم في الأعمال والأخلاق.

وأمّا معرفة حقّهم واعتقاد إمامتهم، فذلك من أُصول الدين، لا من الفروع العمليّة(3).

والظاهر أنّ ما ذكره هو الصحيح؛ فإنّ هذا الأمر من عمل العباد،

ص: 49


1- الكافي 2 : 18 ، باب دعائم الإسلام، ح 3.
2- تحرير وسائل الشيعة: 223.
3- مجمع البحرين 1 : 561، مادّة (ولا).

ومطلوب منهم، وأمّا الخطّة والإمارة: فهما من عمل الإمام (علیه السلام) ومن شؤونه، فليست من جملة هذه الأُمور الخمسة.

السّر في تاخیر الولاية مع أهمیتها عن بقية الأمور

الأمر الرابع:

أنّه ورد في أكثر هذه الأحاديث ذكر الولاية في آخر تلك الأمور، وفي بعضها وردت في أوّلها، كما في الحديث الحادي عشر من هذا الباب.

والذي يلفت النظر ويثير التساؤل أنّه إذا كانت الولاية هي الأهمّ من بين هذه الأمور الخمسة، فلماذا ذكرت بعدها، مع أنّ المناسبة تقتضي تقديم الأهمّ، كما ورد في ذلك الحديث المشار إليه؟

ولكنّ الظاهر أنّ الحديث المشار إليه غير معتبر، والمناسب هو تأخير ذكر الولاية عن بقيّة الأمور؛ وذلك:

أولاً: بقرينة سائر الأحاديث، حيث ورد فيها التأخير.

وثانياً: أنّ الولاية هي: عنوان الإيمان، وبها كمال الدين، وتمام النعمة، كما ورد في الآية الشريفة(1) ، فالمناسب تأخيرها عن سائر الأحكام، وإن كانت أهمّ من جميعها.

المراد من(لم ينادَ بشي ء بمثل ما نودي بالولاية)

الأمر الخامس:

أنّه يظهر من هذا الحديث ومن سائر الأحاديث الكثيرة أهمّيّة الولاية وتفضيلها على بقيّة الأمور، حيث لم ينادَ بشي ء بمثل ما نودي بالولاية.

ص: 50


1- المائدة، الآية 3.

والمستفاد من هذه العبارة أمور ثلاثة:

أوّلها: أنّ الولاية من أركان الدين، وممّا بني عليه الإسلام.

وثانيها: أنّها أعظم وأهمّ من جميع الأركان والواجبات، حتّى الصلاة والزكاة وغيرهما.

وثالثها: أنّه لم يؤمر ولم يؤكّد على شي ء من الواجبات مثل ما أمِر بالولاية وأُكّد عليها. ويتوقّف بيان هذه الأمور الثلاثة على الكلام في مقامات ثلاثة:

المقام الأوّل: أنّ الولاية ثابتة لأمير المؤمنين وأبنائه المعصومين (علیهم السلام) ، دون غيرهم، بالأدلّة الأربعة: الكتاب والسنّة والإجماع والعقل، وليس هنا موضع ذكرها، وسنشير إلى بعضها في المقام الثالث.

المقام الثاني: في أهمّيّة الولاية، وأنّها في مرتبة سابقة على جميع الواجبات. والمتكفّل لبيان هذا المقام هنا هو الحديث الثاني الآتي؛ فإنّه يبيّن توقّف الواجبات بأجمعها على الولاية، وأنّها أهمّ من سائرها عقلاً ونقلاً.

المقام الثالث: في أنّه لم يرد في الكتاب والسنّة طلب وتأكيد بمقدار ما ورد في الولاية. وتوضيح ذلك - مجملاً - أن يقال:

أمّا الكتاب الكريم، فالآيات الواردة في شأن الولاية ثلاثمائة أو أكثر، على ما روته كتب الإماميّة، وعلى ما روته كتب السنّة تزيد على مائة آية.

والحال أنّه لم يرد في الصلاة وشؤونها غير إحدى وخمسين آية، وفي الزكاة وأحكامها غير تسع عشرة آية، وفي الحجّ خمس عشرة آية، وفي

ص: 51

الجهاد ستّ عشرة آية، وفي الصوم ستّ آيات.

هذا، مضافاً إلى التأكيد في تلك الآيات على أمر الولاية، ونشير إلى جملة منها اختصاراً:

فمنها: آية التبليغ، وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}(1).

فالآية دالّة على أهمّيّة ما أُمر بتبليغه فيها، بحيث كان تركه مساوقاً لترك الرسالة من رأس. فهذا الأمر أصل من أُصول الدين، وليس هو التوحيد أو النبّوة أو المعاد؛ فإنّ النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) قد بلّغها منذ أن صدع بالرسالة، فلابد أن يكون هذا الأمر مهمّاً بقدر أهمّيّة تلك الأُصول، وليس هو إلّا إمامة وولاية أمير المؤمنين (علیه السلام) ، وهي التي كان النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) يخشى مخالفة الناس لها إذا بلّغها؛ ولذا قال اللَّه تعالى بعد الإلزام بتبليغها بأشدّ أنواع الإلزام: {واللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}.

ومنها: قوله عزّ شأنه: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أجْرَاً إلّا المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى}(2)

فقد دلّت هذه الآية على وجوب مودّة قربى النبي(صلی الله علیه و آله و سلم). وبما أنّ المودّة

ص: 52


1- المائدة، الآية 67.
2- الشورى، الآية 23.

مطلقة، ولم تقيّد بجهة خاصة، فلابد من مودّتهم من جميع الجهات، وهو يستلزم وجوب الطاعة مطلقاً؛ ضرورة أنّ العصيان ينافي الودّ المطلق، ووجوب الطاعة مطلقاً يستلزم العصمة التي هي شرط الإمامة، ولا معصوم غير من يعتقد بهم الإماميّة بالإجماع، فتنحصر الإمامة بهم (علیهم السلام) ، ولا سيّما مع وجوب طاعتهم على جميع الأمّة.

وأمّا السنّة الشريفة، فلا تحصى كثرة. ونحن نقتصر على ذكر موردين: أحدهما في أوّل البعثة النبويّة، والآخر في آخرها:

فالأول: حديث الدار المشهور(1):

لمّا أمر سبحانه النبيَّ(صلی الله علیه و آله و سلم) بإنذار عشيرته الأقربين، قام النبي بذلك، فأكّد على الولاية بعد طلبه للشهادة بالوحدانيّة للَّه، وبالرسالة والنبوّة له(صلی الله علیه و آله و سلم)، ثمّ ذكر لهم أنّ من يُسلِم ويؤازره على أمر الرسالة فهو خليفته، وله الولاية بعده، فلم يجبه غير أمير المؤمنين (علیه السلام) .

فهذا دليل على أهمّيّة أمر الولاية؛ إذ اعتنى به النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) قبل بيان التكليف بغيره من الواجبات.

والثاني: حديث الثقلين المتواتر(2)، الذي كرَّره النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) في مواطن

ص: 53


1- علل الشرائع 1 : 170، والإرشاد 1 : 48، والأمالي للطوسي: 581، والمناقب 1 : 305- 307، ومسند أحمد 1: 111، ومجمع الزوائد 8 : 302، وشرح نهج البلاغة 13 : 210 - 211، والرياض النضرة في مناقب العشرة 3 : 124، وغيرها.
2- بصائر الدرجات: 433 - 434، والأمالي للصدوق: 500، 616، والخصال: 66 -67، وعيون أخبار الرضا (علیه السلام) 1 : 208 ، ودعائم الإسلام 1 : 27، ومسند أحمد 3 : 14، 17، 59، وسنن الدارمي 2 : 292/ 3311، وفضائل الصحابة: 15، وغيرها.

عديدة، منها في آخر عمره الشريف، حيث دخل المسجد مستنداً على أمير المؤمنين والفضل بن العباس، فخطب الناس، وقال فيما قال: «إنّي مخلِّف فيكم الثقلين: كتاب اللَّه، وعترتي أهل بيتي، من تمسّك بهما نجا... ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض».

فقد جعل أهل بيته قريناً للقرآن الكريم، ونصّ على أنّهما لن يفترقا إلى يوم القيامة، وهذا ملازم للعصمة، ووجوب الطاعة والاتّباع، كما يجب ذلك في القرآن.

والحاصل أنه لم يناد بشيء من الأمور الأربعة مثل ما نودي بالولاية؛ لتكرّر النداء بها وفي عدّة مواطن، كان آخرها غدير خم في ذلك الجمع العظيم، بخلاف غيرها فإنه لم يتكرّر النداء بها كما كان في الولاية، ولم يحدث النداء عليها في جمع كما حدث في الجمع الذي نودي فيه بها؛ ولذا ورد في الكافي في حديث آخر عن الفضيل: «ولم يناد بشيء ما نودي بالولاية يوم الغدير»(1).

وأما العقل، فإنّه يُقبِّح تقديم المفضول وإهانة الفاضل، ورفع مرتبة المفضول وخفض مرتبة الفاضل؛ فإنّه يقبح تقديم المبتدى ء في النحو على مثل سيبويه والخليل مثلاً، بل لو دار الأمر بين الرجوع إلى الطبيب الفاضل

ص: 54


1- الكافي: 2 : 21 ، باب دعائم الإسلام، ح8..

والطبيب المفضول، ورجع المريض إلى المفضول، لَلامَهُ العقلاء، إذا لم ينجح في علاجه، ولَا يلومونه إذا رجع إلى الفاضل حتّى لو لم ينجح في علاجه.

وأمّا الإجماع، فقد ثبت في محلّه أنّ الإمام لابدّ أن يكون معصوماً، وغير أئمّتنا ليسوا بمعصومين بالإجماع من جميع الفرق. فأئمّتنا هم المعصومون، وإلّا لزم خرق الإجماع لو أثبتناها لغيرهم، أو خلوّ الزمان من إمام معصوم، وكلاهما باطلان.

أما لزوم خرق الإجماع لو أثبتنا العصمة لغير الأئمة (علیهم السلام) فواضح؛ إذ الإمامية لا تقول بعصمة غير الأئمة (علیهم السلام) ، وغير الإمامية لا يقولون بعصمة أحد، لا الأئمّة ولا غيرهم. فإثباتها لأحد - غير الأئمة (علیهم السلام) - خروج عن الإجماع.

وأما لزوم خلوّ الزمان من إمام معصوم فبطلانه واضح أيضاً؛ إذ هو منافٍ لحديث الثقلين وغيره؛ فإنّه يحصل الافتراق بين القرآن والعترة لو لم يكن منهم معصوم في أحد الأزمنة الى يوم القيامة.

الأمر السادس:

أنّه إذا كانت الولاية بهذه الدرجة من الأهمّيّة، ولا يوجد شي ء أهمّ منها، وكان النداء بالصلاة أمراً مطلوباً، فالأحاديث الكثيرة دالّة على أنّ النداء بالولاية أمر مطلوب ومرغوب عند الشارع، بل يكون النداء بالولاية أمراً مطلوباً بالأولويّة.

ص: 55

ولأولوية النداء بالولاية لم يختص النداء بها بالأذان في فصل «حيّ على خير العمل» المفسّر في الأحاديث بالولاية، ولا بقول الشيعة فيه: «أشهد أنّ عليّاً ولي الله» بحيث صار شعاراً لهم على مرّ الزمان، بل لابدّ أن يكون النداء في غيره أيضاً؛ لمطلوبيّة النداء بالولاية بالأولوية كما قدّمنا.

كما أنّه يظهر أنّ الولاية مثل الصلاة والزكاة لا تختصّ بزمان دون زمان، فكما أنّ وجوب الصلاة لا يختصّ بزمان دون زمان فكذلك الولاية، فهي تكليف إلهي مستمرّ من زمن بعثة الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) إلى يوم القيامة، كما ورد في الكتاب الكريم: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}(1)

، فالولي هو اللَّه سبحانه والرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)، ومِن بعده الأئمّة (علیهم السلام) ، فعدم ذكر العامّة في رواياتهم الأمر الخامس إنّما هو لتخيّلهم أنّ الولاية مختصّة بالأئمة (علیهم السلام) ، مع أنّها امتداد لولاية اللَّه سبحانه والرسول(صلی الله علیه و آله و سلم).

الأمر السابع:

ذكر صاحب «الوسائل» (قدس سره) أنّ معنى قوله (علیه السلام) : «بُني الإسلام على خمس: الصلاة والزكاة... الخ» ظاهر في أنّها من أصول الدين؛ فإنّهم قالوا: الأصل ما يبنى عليه الشي ء، وهو خلاف المشهور من أنّها منحصرة في التوحيد والعدل والنبوّة ... الخ، وليس لهم دليل على ذلك الحصر(2).

ص: 56


1- المائدة، الآية 55.
2- تحرير وسائل الشيعة: 225.

أقول: لايبعد أنّ المراد من البناء في هذه الرواية هو بناء الإسلام من جهة العمل، فهذه الأمور من الأصول العمليّة للإسلام، ولا ينافي ذلك الحصر المذكور في الخمسة عند المشهور؛ فإنّها من الأصول الاعتقاديّة.

هذا، وقد ورد في هذا الباب تسعة وثلاثون حديثاً موافقاً للكتاب والسنّة، بل هي متواترة، بل ذكر صاحب «الوسائل» أنّها تجاوزت حدّ التواتر، كما سيأتي في صريح كلامه في آخر الباب، وفي «جامع أحاديث الشيعة» زاد تسعة أحاديث، وذكر ما ذكره صاحب «الوسائل» من أنّها تجاوزت حدّ التواتر(1).

سند الحديث:

أما محمّد بن يعقوب الكليني (رحمه الله) : فهو أشهر من أن يوصف.

قال عنه النجاشي: إنّه «شيخ أصحابنا في وقته بالريّ ووجههم، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم، صنّف الكتاب الكبير المعروف بالكليني يسمّى الكافي(2) في عشرين سنة»(3) وقال الشيخ: «إنّه ثقة، عارف بالأخبار»(4).

وقال الشيخ المفيد عن الكتاب: «إنّه أجلّ كتب الشيعة،

ص: 57


1- جامع أحاديث الشيعة 1 : 613 - 646 ، ح1085 - 1131.
2- هكذا وردت العبارة في المصدر، والخلل فيها واضح، والصحيح ما ورد في «نقد الرجال»: صنّف الكتاب الكبير المعروف بالكافي في عشرين سنة. (نقد الرجال 4 : 352).
3- رجال النجاشي: 377 /1026.
4- فهرست الطوسي: 210/602.

وأكثرها فائدة»(1).

وأمّا أبو عليّ الأشعري: فهو أحمد بن إدريس القمّي، الذي تقدّم ذكره في بيان العِدد.

وأمّا الحسن بن عليّ الكوفي: فقد قال عنه النجاشي: «الحسن بن عليّ بن عبد اللَّه بن المغيرة البجلي، مولى جندب بن عبد اللَّه، أبو محمّد، من أصحابنا الكوفيين، ثقة، ثقة»(2)

وأمّا عبّاس بن عامر: فقد قال عنه النجاشي: «العبّاس بن عامر بن رباح، أبو الفضل الثقفي، القصباني، الشيخ الصدوق، الثقة، كثير الحديث»(3) ، وورد في «نوادر الحكمة»(4).

وأمّا أبان بن عثمان: وهو الملقّب بالأحمر، ويقال: أبان الأحمري، وأبان بن الأحمر، فهو وإن لم ينصّ على وثاقته، ولكنّه من أصحاب الإجماع الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم(5)

، مضافاً إلى رواية المشايخ الثقات - وهم ابن أبي عمير وصفوان بن يحيى وابن أبي نصر البزنطي - عنه، وهم لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة، وورد أيضاً في

ص: 58


1- تصحيح الاعتقاد: 70 فصل في النهي عن الجدال.
2- رجال النجاشي: 62/147.
3- المصدر نفسه: 281.
4- أصول علم الرجال 1 : 225 .
5- اختيار معرفة الرجال 2 : 673/705 .

«تفسير القمّي» و«نوادر الحكمة»(1) .

وأمّا ما ورد من أنّه كان من الناووسية، فهو من التصحيف لكلمة القادسيّة، ونسبته إلى الفطحيّة - كما في خلاصة العلاّمة(2) - غير ثابتة، على أنّ العلاّمة قد نسبه في المنتهى(3)

إلى الواقفيّة، ولا منشأ لهاتين النسبتين. وعلى فرض ثبوت النسبة فلا يخدش ذلك في وثاقته واعتبار روايته.

وأمّا الفضيل بن يسار: فقد وردت عدّة روايات في مدحه والثناء عليه:

منها: ما رواه الكشّي بسنده عن إبراهيم بن عبد اللَّه، قال: كان أبو عبد اللَّه (علیه السلام) إذا رأى الفضيل بن يسار قال: «بشّر المخبتين، من أحبّ أن ينظر (يرى) رجلاً من أهل الجنّة فلينظر إلى هذا»(4)

ومنها: ما ذكره الصدوق، حيث قال - بعد ذكر طريقه إليه - : وكان أبو جعفر (علیه السلام) إذا رآه قال: «بشّر المخبتين». وذكر ربعي بن عبد اللَّه عن غاسل الفضيل بن يسار: أنّه قال: إنّي لأغسّل الفضيل، وإنّ يده لتسبقني إلى عورته، قال: فخبّرت بذلك أبا عبد اللَّه (علیه السلام) ، فقال: «رحم اللَّه الفضيل بن يسار، هو منّا أهل البيت»(5)

، وغيرها من الروايات.

ص: 59


1- أصول علم الرجال 1 : 276 ، 211 .
2- خلاصة الأقوال: 438.
3- منتهى المطلب 1 : 296.
4- اختيار معرفة الرجال 2 : 472 / 377 .
5- من لا يحضره الفقيه 4 : 441.

[2] 2 - وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ وَعَبْدِ اللَّه بْنِ الصَّلْتِ جَمِيعاً، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ حَرِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّه، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: عَلَى الصَّلاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَالصَّوْمِ، وَالْوَلايَةِ».

-----------------------------------------------------------------------------

هذا، وقد نصّ النجاشي على وثاقته، فقال: «عربي، بصري، صميم، ثقة»(1). وكذلك الشيخ قال: «بصري، ثقة»(2). وعدّه الشيخ المفيد في «الرسالة العدديّة» من الفقهاء الأعلام، والرؤساء المأخوذ منهم الحلال والحرام، والفتيا والأحكام، الذين لا يطعن عليهم، ولا طريق لذمّ واحد منهم(3)

فالحديث في غاية الاعتبار.

بيان مرتبة كلّ واحد من هذه الأمور الخمسة بالنسبة إلى الآخر

[2] - فقه الحديث:

المستفاد من هذا الحديث - زائداً على ما تقدّم - أمران:

الأوّل: بيان مرتبة كلّ واحد من هذه الأمور الخمسة بالنسبة إلى الآخر.

الثاني: الدليل على ذلك.

أمّا الأوّل، فالإمام (علیه السلام) بيّن أنّ أفضل هذه الأمور هي الولاية، ثمّ يأتي

ص: 60


1- رجال النجاشي: 309/846.
2- رجال الطوسي: 143/1545.
3- الرسالة العددية - ضمن مصنفات الشيخ المفيد 9 : 43 .

قَالَ زُرَارَةُ: فَقُلْتُ: وَأَيُّ شَيْ ءٍ مِنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: «الْوَلايَةُ أَفْضَلُ؛ لأَنَّهَا مِفْتَاحُهُنَّ، وَالْوَالِي هُوَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِنَّ». قُلْتُ: ثمّ الَّذِي يَلِي ذَلِكَ فِي الْفَضْلِ؟ فَقَالَ: «الصَّلاةُ»(1).

بعدها في الفضل الصلاة، ثمّ الزكاة، ثمّ الحجّ، وبعده الصوم.

-----------------------------------------------------------------------------

ص: 61


1- الكافي 2 : 18 ، ح 5. وتتمته: إنّ رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم) قال: «الصلاة عمود دينكم». قال: قلت: ثمّ الذي يليها في الفضل؟ قال: «الزكاة؛ لأنّه قرنها بها وبدأ بالصلاة قبلها، وقال رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم): الزكاة تذهب الذنوب». قلت: والذي يليها في الفضل؟ قال: «الحجّ، قال اللَّه عزّوجل: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}» وقال رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم): «لحجّة مقبولة خير من عشرين صلاة نافلة، ومن طاف بهذا البيت طوافاً أحصى فيه أسبوعه وأحسن ركعتيه غفر اللَّه له». وقال في يوم عرفة ويوم المزدلفة ما قال. قلت: فماذا يتبعه؟ قال: «الصوم». قلت: وما بال الصوم صار آخر ذلك أجمع؟ قال: قال رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم): «الصوم جنّة من النار»، قال: ثمّ قال: «إنّ أفضل الأشياء ما إذا فاتك لم تكن منه توبةٌ دون أن ترجع إليه فتؤدّيه بعينه، إنّ الصلاة والزكاة والحجّ والولاية ليس يقع شي ء مكانها دون أدائها، وإنّ الصوم إذا فاتك أو قصرت أو سافرت فيه أدّيت مكانه أيّاماً غيرها، وجزيت ذلك الذنب بصدقة، ولا قضاء عليك، وليس من تلك الأربعة شي ء يجزيك مكانه غيره»، قال: ثمّ قال: «ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضا الرحمن الطاعة للإمام بعد معرفته، إنّ اللَّه عزّوجلّ يقول: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً}، أما لو أنّ رجلاً قام ليله، وصام نهاره، وتصدّق بجميع ماله، وحجّ جميع دهره، ولم يعرف ولاية وليّ اللَّه فيواليه، ويكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على اللَّه جلّ وعزّ حقّ في ثوابه، ولا كان من أهل الإيمان»، ثمّ قال: «أولئك المحسن منهم يدخله اللَّه الجنة بفضل رحمته».

وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّه الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ الصَّلْتِ، بِالإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وهذا الترتيب لا خلاف فيه إلّا في الأخير، وهو الترتيب بين الحجّ والصوم؛ فإنّه بمقتضى هذا الحديث يكون الحجّ أفضل من الصوم، ولكنّ المستفاد من الحديث الرابع والثلاثين من نفس الباب أنّ الصوم أفضل من الحجّ.

كما أنّه ورد ذكر الحجّ مقدّماً على الصوم في اثني عشر حديثاً من الباب، وورد ذكر الصوم مقدّماً على الحجّ في ثلاثة وعشرين حديثاً.

وكيفيّة الجمع بين هذه الأحاديث تأتي - إن شاء اللَّه - في باب الحجّ.

الدليل التعبّدي على أفضليّة الولاية

وأمّا الثاني، فإنّ الحديث تضمّن دليلين على أفضليّة الولاية على بقيّة الأمور:

الأوّل: الدليل التعبّدي، وهو أنّ الولاية مفتاح لسائر العبادات، بمعنى أنّه من لم يدخل إلى عبادة اللَّه والتقرّب إليه من باب الولاية فلا يقبل منه عمل، وهذا نظير ما روي عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) في الحديث المشهور بين الفريقين:

«أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها، فمن أراد المدينة فليدخل من بابها»(2) .

ص: 62


1- المحاسن 1 : 446، ح1034.
2- راجع: عيون أخبار الرضا (علیه السلام) 1 : 72، والخصال: 574، وأمالي الصدوق: 188 ، 342 ، 425 ، 472 ، 619 ، 655 ، والتوحيد للشيخ الصدوق: 307، وكتاب كمال الدين: 241، وكفاية الأثر للخزاز: 184، وتحف العقول: 430، وغيرها. وراجع أيضاً: مجمع الزوائد 9 : 114، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 9 : 165، والجامع الصغير للسيوطي 1 : 415، وكنز العمال 13 : 148، وكشف الخفاء 1 : 203، وقال فيه بعد نقله للحديث: «رواه الحاكم في المستدرك، والطبراني في الكبير...».

ويترتّب على ذلك أنّ كلّ من دخل من غير هذا الباب فقد اتّبع الشيطان وهوى النفس، وذلك هو الضلال المبين. وقد أكّد على ذلك الإمام (علیه السلام) بقوله: «أما لو أنّ رجلاً قام ليله، وصام نهاره، وتصدّق بجميع ماله، وحجّ جميع دهره، ولم يعرف ولاية وليّ اللَّه فيواليه، ويكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على اللَّه جلّ وعزّ حقّ في ثوابه، ولا كان من أهل الإيمان».

وبتعبير آخر: إنّ اللَّه تعالى امتحن عباده وتعبّدهم من طريق خاصّ، وإنّما يطاع اللَّه من حيث يريد هو تعالى، لا من حيث يريد العبد؛ وممّا يدلّ على ذلك أيضاً ما سيأتي في الحديث السادس من هذا الباب، وهو معتبرة عبد الحميد بن أبي العلا، قال: دخلت المسجد الحرام، فرأيت مولى لأبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، فملت إليه لأسأله عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، فإذا أنا بأبي عبد اللَّه (علیه السلام) ساجداً، فانتظرته طويلاً، فطال سجوده عليَّ، فقمت وصلّيت ركعات، وانصرفت وهو بعد ساجد، فسألت مولاه: متى سجد؟ فقال: قبل أن تأتينا، فلمّا سمع كلامي رفع رأسه، ثمّ قال: «أبا محمّد، ادْنُ منّي»، فدنوت منه، فسلّمت عليه... فلمّا خرج من المسجد قال لي: «يا أبا محمّد، واللَّه لو أنّ إبليس سجد للَّه عزّ ذكره بعد المعصية والتكبّر عمر الدنيا ما نفعه

ص: 63

ذلك، ولا قبله اللَّه عزّ ذكره، ما لم يسجد لآدم كما أمره اللَّه عزّوجلّ أن يسجد له، وكذلك هذه الأمّة العاصية المفتونة بعد نبيّها(صلی الله علیه و آله و سلم)، وبعد تركهم الإمام الذي نصبه نبيّهم(صلی الله علیه و آله و سلم) لهم، فلن يقبل اللَّه تبارك وتعالى لهم عملاً، ولن يرفع لهم حسنة حتّى يأتوا اللَّه عزّوجلّ من حيث أمرهم، ويتولّوا الإمام الذي أمروا بولايته، ويدخلوا من الباب الذي فتحه اللَّه عزّوجلّ ورسوله لهم...»(1)

والحاصل: أنّ حكمة اللَّه تعالى قد اقتضت أن يمتثل العباد أوامره من حيث أمرهم، ويسلكوا الطريق الذي هيّأه لهم، ويدخلوا من الباب الذي فتحه لهم.

الدليل العقلي علی أفضلية الو الولاية

الثاني: الدليل العقلي، وهو قوله (علیه السلام) : «والوالي هو الدليل عليهنّ»، وقد ذكرنا تفصيل ذلك في مبحث ولاية الفقيه(2) .

وحاصله: أنّ العقل يحكم بأنّ كلّ قانون أو دين يراد له البقاء والاستمرار، فلابدّ له من حافظ وقيّم يحفظه عن الانحراف، وعن الزيادة والنقيصة، ويردّ عنه الشُّبه. وهذا أمر واضح، بل متحقّق في الخارج، ولولا وجود الحافظ لهذا القانون لتسرّب إليه التحريف، ولكان عرضة للاضمحلال والزوال. ولمّا كان الإسلام خاتمة الشرائع الإلهيّة، وقد أراد اللَّه تعالى له البقاء والاستمرار، فلابدّ له من الحافظ والدليل عليه؛ ليصونه عن

ص: 64


1- الكافي 8 : 270 ، ح 399.
2- التقيّة في فقه أهل البيت (علیهم السلام) 2 : 354.

الانحراف، ويدفع عنه الشبهات، ويقوم على رعايته، ويبيّن ما أشكل من أحكامه وتعاليمه، ويفسّر أغراضه وأهدافه. وهذا ما قامت عليه عقيدة الإمامية من ضرورة الإمامة، وأنّها بيد اللَّه تعالى، منصوبة من قِبله لا بانتخاب البشر. ولكن لمّا انحرف الناس عن جادّة الحق، ولم يتّبعوا أوامر الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) فيما عيّنه لهم من إمام بعده، واختاروا لأنفسهم إماماً من عند أنفسهم، ظهرت الانحرافات العقائديّة والأخلاقيّة والفقهيّة، وكاد الإسلام يضمحلّ، لولا وجود الحجّة (علیه السلام) ، وهو الحافظ لبقاء الدين واستمراره.

ولذلك لو تتبّعنا عقائد المخالفين وأحكامهم الفقهيّة لوجدناها على خلاف الحق، من اعتقادهم بالتجسيم والتعطيل، والتخبّط في أحكام الدين، حتّى أنّه روي عن الخليفة الثاني أنّه أفتى في ميراث الجدّ بمائة فتوى يناقض بعضها بعضاً(1)؛

وما ذلك إلّا نتيجة طبيعية لتجنّبهم الطريق الصحيح. بل إنّ ما وقع عند الشيعة الإماميّة من بعض الاختلافات إنّما هو بسبب المخالفين؛ لأنّهم ألجأوا الأئمة (علیهم السلام) وأصحابهم إلى التقيّة، والحكم على طبقها؛ خوفاً من الظالمين.

هذا ما يتعلّق بالدليل على تقديم الولاية.

وأمّا وجه تقديم الصلاة على غيرها؛ فقد علّله (علیه السلام) بقول رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم): «الصلاة عمود دينكم».

ص: 65


1- راجع - على سبيل المثال - : السنن الكبرى للبيهقي 6 : 245، ففيه: عن عبيدة قال: إني لأحفظ عن عمر في الجد مائة قضية، كلها ينقض بعضها بعضاً.

وأمّا وجه تقديم الزكاة وأنّها تلي الصلاة في الفضل؛ فعلّل (علیه السلام) ذلك بأنّ الزكاة في الكتاب والسنّة مقرونة بالصلاة، فهما متلازمتان، لا تنفكّ إحداهما عن الأخرى، بالإضافة إلى أنّه (علیه السلام) قال: «الزكاة تذهب الذنوب»، أي: تمحيها. ثمّ قال في وجه تقديم الحجّ على غيره بما يستفاد من قول اللَّه عزّوجل: {وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} من التأكيدات المتعدّدة والمبالغة في الحثّ على هذا الواجب، وإطلاق الكفر على تاركه، وبقول رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم): «لحَجّة مقبولة خير من عشرين صلاة نافلة...».

ثمّ ذكر بعد ذلك وجه أفضليّة الصوم على بقيّة الأعمال بقول رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم): «الصوم جنّة من النار».

كما ذكر علّة تأخيره عن الصلاة والزكاة والحجّ والولاية بأنّه ليس لهذه الأشياء بدل دون أدائها، بخلاف الصوم؛ إذ له بدل، وإذا فات لسفر أو مرض أو عذر فلا يصدق عليه عنوان الفوت والترك، بينما هذه الأربعة إذا تركت أُتي بها بعنوان الفوت وترك الواجب، وهذه أمارة على أهمّيّتها، بحيث إنّ الشارع لا يرضى بتركها أصلاً، ولم يجعل لها بدلاً. وأمّا صلاة الحائض: فإنّها ليست واجبة في حقّها، لا أداءً ولا قضاءً، فهي خارجة بالتخصيص. وفي الحديث أحكام أخرى تأتي الإشارة إليها في محلّها إن شاء اللَّه تعالى.

ص: 66

بحث رجالي في ابراهیم بن هاشم

سند الحديث:

روى المصنّف هذا الحديث بسندين:

السند الأوّل: ما رواه الكليني، عن عليّ بن إبراهيم المتقدّم ذكره في تفسير العدّة، عن أبيه.

وأبوه هو إبراهيم بن هاشم، ولم يرد في حقّه توثيق صريح، إلّا أنّه لا إشكال في وثاقته واعتبار روايته، وممّا يدلّ على ذلك:

أوّلاً: أنّ السيد ابن طاووس ادّعى الاتفاق على وثاقته(1)، وهو يكشف عن توثيق بعض القدماء له.

وثانياً: أنّ ابنه - أي: عليّ بن إبراهيم - قد روى عنه في «التفسير» كثيراً، وقد ذكر في مقدّمة كتابه: أنّه لا يروي إلّا عن الثقات(2)

وثالثاً: قال النجاشي: «وأصحابنا يقولون: أوّل من نشر حديث الكوفيين بقم هو»(3)،

وبذلك يظهر أنّ القمّيين اعتمدوا عليه، ولم ينكروا شيئاً من رواياته، وإلّا لأخرجوه من قم، كما أخرجوا البرقي، وسهل بن زياد، وغيرهما.

ورابعاً: أنّه وقع في أسناد «نوادر الحكمة»، وقد حقّقنا في محلّه أنّ ذلك

ص: 67


1- فلاح السائل: 158.
2- تفسير القمّي 1 : 30.
3- رجال النجاشي: 16/18.

أمارة على الوثاقة(1).

وأمّا عبد اللَّه بن الصلت: فقد قال النجاشي عنه: «عبد اللَّه بن الصلت، أبو طالب القمّي، ... ثقة، مسكون إلى روايته»(2)، ووثّقه الشيخ في «رجاله»(3)، وورد في «تفسيرالقمّي»(4).

وأما قوله «جميعاً»: فالمراد به: أنّ عليّ بن إبراهيم يروي عن أبيه وعبد اللَّه بن الصلت، وهما يرويان عن حمّاد.

وأمّا حمّاد بن عيسى: فقد قال النجاشي في حقّه: «وكان ثقة في حديثه، صدوقاً»(5) ووثّقه الشيخ في الفهرست(6) ، وهو من أصحاب الإجماع، وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمّي»، وروى عنه المشايخ الثقات(7) .

وأمّا حريز بن عبد اللَّه: فقد وثّقه الشيخ في «الفهرست»(8) ، وورد في

ص: 68


1- أصول علم الرجال 1 : 210 ، 212 .
2- رجال النجاشي: 217/564.
3- رجال الطوسي: 360/5347.
4- أصول علم الرجال 1 : 283 .
5- رجال النجاشي: 142/370.
6- فهرست الطوسي: 115/241.
7- أصول علم الرجال 1 : 220، وج2 : 189 .
8- فهرست الطوسي: 118/249.

أسناد «نوادر الحكمة» وفي «تفسير القمّي»(1)

وأمّا زرارة: فقد قال عنه النجاشي: «شيخ أصحابنا في زمانه ومتقدّمهم، وكان قارئاً، فقيهاً، متكلّماً، شاعراً، أديباً، قد اجتمعت فيه خلال الفضل والدين، صادقاً فيما يرويه»(2)،

وهو من أصحاب الإجماع، ووثّقه الشيخ أيضاً في «رجاله» في أصحاب الكاظم (علیه السلام) (3)

، ووردت في حقّه عدّة روايات مادحة:

منها: صحيحة جميل بن درّاج، قال: سمعت أبا عبد اللَّه (علیه السلام) يقول: «بشّر المخبتين بالجنّة: ... وزرارة، أربعة نجباء أُمناء اللَّه على حلاله وحرامه، ولولا هؤلاء انقطعت آثار النبوّة واندرست»(4)،

وغيرها من الروايات الكثيرة.

كما أنّه وردت فيه روايات ذامّة أيضاً، وهي إمّا ضعيفة السند، وإمّا محمولة على حفظ زرارة من كيد الظالمين، كما أشير إليه في بعض الروايات(5)

فالحديث معتبر بلا إشكال.

ص: 69


1- أصول علم الرجال 1 : 216 ، 278 .
2- رجال النجاشي: 175/463.
3- رجال الطوسي: 337/5010.
4- اختيار معرفة الرجال 1 : 398/ 286 .
5- معجم رجال الحديث 8 : 225/4671.

وأمّا السند الثاني: فهو ما رواه أحمد بن أبي عبد اللَّه البرقي في «المحاسن»، عن عبد اللَّه بن الصلت.

أما أحمد بن أبي عبد اللَّه البرقي فقد قد قال النجاشي عنه: «كان ثقة في نفسه، يروي عن الضعفاء، واعتمد المراسيل، وصنّف كتباً»(1)

وقال الشيخ: «كان ثقة في نفسه، غير أنّه أكثر الرواية عن الضعفاء، واعتمد المراسيل»(2).

وقال ابن الغضائري: «... وكان أحمد بن عيسى أبعده عن قم، ثمّ أعاده إليها، واعتذر إليه ... لمّا توفّي مشى أحمد بن محمّد بن عيسى في جنازته حافياً حاسراً؛ ليبرّى ء نفسه ممّا قذفه به»(3).

وأمّا عبد اللَّه بن الصلت، فقد تقدّم ذكره في السند الأوّل.

وقوله: بالإسناد المذكور: أي أنّه من عبد اللَّه بن الصلت يتّحد السند.

وهذا السند صحيح.

ص: 70


1- رجال النجاشي: 76/182.
2- فهرست الطوسي: 62/65.
3- معجم رجال الحديث 3 : 53 /861.

[3] 3 - وَعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عليّ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «أَلا أُخْبِرُكَ بِالإِسْلامِ: أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟» قُلْتُ: بَلَى جُعِلْتُ فِدَاكَ، قَالَ: «أَمَّا أَصْلُهُ فَالصَّلاةُ، وَفَرْعُهُ الزَّكَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ».

ثمّ قَالَ: «إِنْ شِئْتَ أَخْبَرْتُكَ بِأَبْوَابِ الْخَيْرِ»، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «الصَّوْمُ جُنَّةٌ،...» الْحَدِيثَ (1).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

يدل الحديث على أنّ الصلاة والزكاة والجهاد والصوم من أهمّ الواجبات، ودلالته على ذلك واضحة؛ حيث شبّه الإمام (علیه السلام) - لتقريب الأذهان - الإسلام بالشجرة التي لها أصل وفرع وذروة، فقال (علیه السلام) : «أمّا أصله فالصلاة»، وهي عمود الدين، وقد ورد أنّ أوّل ما ينظر في عمل العبد الصلاة، وأنّها إن قُبلت قُبِل ما سواها، وإن رُدّت ردّ ما سواها(2)، وأنّ الفارق بين المسلم والكافر هو إقامة الصلاة. وأمّا الفرع فهو الزكاة، وهي تذهب بالذنوب، وتلي الصلاة في الأهمّيّة؛ ولذلك عبّر عنها بالفرع.

ص: 71


1- الكافي 2 : 24، باب دعائم الإسلام ، ح 15.
2- المصدر نفسه 3 ص 268، باب من حافظ على صلاته أو ضيّعها، ح 4 ، وتهذيب الأحكام 2 : 239، باب فضل الصلاة، ح 15 ، ووسائل الشيعة 4 : 35 ، الباب 8 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها، ح13 .

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عليّ بْنِ النُّعْمَانِ(1).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ محمّد بْنِ سَمَاعَةَ، عَنِ ابْنِ رِبَاطٍ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (علیه السلام) ، عَنْ رَسُولِ اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم)، نَحْوَهُ(2).

وَرَوَاهُ الْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ فِي كِتَابِ «الزُّهْدِ»، عَنْ عليّ بْنِ النُّعْمَانِ، مِثْلَهُ، إِلَى قَوْلِهِ: «الْجِهَادُ»(3).

-----------------------------------------------------------------------------

والذروة - بالكسر والضمّ - من كلّ شي ء أعلاه، وسنام كلّ شي ء أعلاه، وهو الجهاد، وإنّما عبّر عن الجهاد بأنّه ذروة الإسلام وسنامه على سبيل الاستعارة. وقد ورد في شأنه أنّه عزّ الإسلام، وبه قوامه، وهو الباب الذي فتحه اللَّه لخاصّة أوليائه، وظهرت به الشريعة، وارتفع به لواؤها، وثبتت به الحقيقة، وسما بناؤها؛ ومن هنا كان الجهاد في القمّة، وأنّ المجاهدين هم الأبرار الذين ليس فوق برّهم برّ، وليس فوق عطائهم عطاء.

ثمّ أشار (علیه السلام) إلى أبواب الخير، وذكر أنّ الصوم جُنّة من النار، أي: هو الدرع الواقي عن غضب اللَّه سبحانه، وكذلك الصدقة والقيام؛ فإنّها من أبواب الخير أيضاً.

ص: 72


1- المحاسن 1 : 451 ، ح1039.
2- تهذيب الأحكام 2 : 242 ، ح 958.
3- الزهد: 13 ، ح 26.

وَعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ، عَنْ عليّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (علیه السلام) ، نَحْوَهُ(1).

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ محمّد بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى(2).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عليّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ(3).

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عليّ بْنِ فَضَّالٍ، مِثْلَهُ(4).

-----------------------------------------------------------------------------

وممّا يلفت النظر في هذا الحديث عدم تعرّضه للولاية، مع أنّها - أيضاً - من أهمّ الواجبات، كما تقدّم.

ويمكن الجواب عن ذلك بأمور:

الأوّل: أنّ الحديث ليس في مقام الحصر، فلابدّ من ملاحظة سائر الأحاديث.

الثاني: أنّه لمّا كان الجهاد الذي هو ذروة الإسلام وسنامه تابعاً لنظر

ص: 73


1- الكافي 4 : 62 ، باب ما جاء في فضل الصوم والصائم، ح 3.
2- تهذيب الأحكام 4 : 151 ، ح419.
3- من لا يحضره الفقيه 2 : 75، ح1775.
4- المحاسن 1 : 450، ح1038.

المعصوم (علیه السلام) وأمره، وشأنه بيده، كما هو محقّق في محلّه، ففي ذلك إشارة ضمنيّة إلى الولاية، وهذا يغني عن التصريح بها.

الثالث: على فرض عدم تماميّة ما تقدّم يمكن أن يقال: بأنّ الرواية في مقام بيان الإسلام بالمعنى الأعمّ، الذي هو المناط في حقن الدماء، وحلّية الذبائح، وحرمة الأموال، وليست في مقام بيان الإسلام بالمعنى الأخصّ، الذي هو الإيمان المنوط بالولاية.

سند الحديث:

لهذا الحديث عدّة أسانيد:

السند الأوّل: ما رواه محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن النعمان، عن ابن مسكان، عن سليمان بن خالد.

أمّا محمّد بن يحيى: فقد تقدّم ذكره.

وأمّا أحمد بن محمّد: فهو مشترك بين أحمد بن محمّد بن خالد، وأحمد بن محمّد بن عيسى، وكثيراً ما ينقل محمّد بن يحيى عنهما، وقد ينقل عن أحمد بن محمّد بن الحسن، وأحمد بن محمّد بن هلال، وهما مجهولان، إلّا أنّ روايته عنهما كانت في مورد واحد، فلا ينصرف أحمد بن محمّد إليهما قطعاً. وعليه فينحصر الأمر بين المعروفين منهم، وهما الأوّلان.

والظاهر: أنّه ابن عيسى؛ لأنّ محمّد بن يحيى من العدّة التي تروي عن أحمد بن محمّد بن عيسى، وليس من أفراد العدّة التي تروي عن البرقي.

ص: 74

أضف إلى ذلك: أنّ محمّد بن يحيى يروي عن أحمد بن محمّد بن عيسى في الكتب الأربعة ما يقرب من ثمانمائة مورد، بينما يروي عن البرقي في سبعة موارد أو ثمانية.

هذا، والظاهر أنّه عند الإطلاق ينصرف إلى أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري القمّي، وهو من الثقات.

قال النجاشي في حقّه: «شيخ القمّيين، ووجههم، وفقيههم، غير مدافع، وكان - أيضاً - الرئيس الذي يلقى السلطان بها، ولقي الرضا (علیه السلام) »(1)

، ووثّقه الشيخ بهذا النحو(2).

وعلى فرض أنّه أحمد بن محمّد بن خالد البرقي فهو - أيضاً ثقة - كما تقدّم.

وأمّا عليّ بن النعمان: فقد قال النجاشي عنه: «وكان عليّ ثقة، وجهاً،ثبتاً، صحيحاً، واضح الطريقة»(3)،

وورد في «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمّي» لكن في القسم الثاني(4)

وأمّا ابن مسكان: فقد قال النجاشي في حقّه: «عبد اللَّه بن مسكان، أبو

ص: 75


1- رجال النجاشي: 82/ 198.
2- فهرست الطوسي: 68/75.
3- رجال النجاشي: 274/719.
4- أصول علم الرجال 1 : 231 ، 307 .

محمّد، مولى عنزة، ثقة، عين»(1)

، ووثّقه الشيخ(2)

، وهو من أصحاب الإجماع، وعدّه الشيخ المفيد من الفقهاء الأعلام(3)

، وورد في «تفسير القمّي»(4).

وأمّا سليمان بن خالد: فقد قال النجاشي في حقّه: «كان قارئاً، فقيهاً، وجهاً»(5).

وتعبيره بالوجه: دالّ على الوثاقة، مضافاً إلى توثيق الشيخ المفيد له في «الإرشاد»(6)

، وورد في «نوادر الحكمة» و«تفسير القمّي»، وروى عنه المشايخ الثقات(7)،

وقد ورد في حقّه: أنّه خرج مع زيد، ولم يخرج معه من أصحاب أبي جعفر (علیه السلام) غيره، قطعت يده، ومات في حياة أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، فتوجّع لفقده، ودعا لولده، وأوصى بهم أصحابه(8)

وعليه فهذا الطريق صحيح.

وأما السند الثاني: وهو ما رواه البرقي في «المحاسن»، عن أبيه، عن

ص: 76


1- رجال النجاشي: 214/559.
2- فهرست الطوسي: 168/440.
3- معجم رجال الحديث 11 : 348/7173.
4- أصول علم الرجال 1 : 283 .
5- رجال النجاشي: 183/484.
6- الإرشاد 2 : 216، باب ذكر الإمام بعد أبي عبد اللَّه جعفر بن محمّد (علیهما السلام) .
7- اُصول علم الرجال 1 : 223 ، 281 ، و ج2 : 195 .
8- رجال النجاشي: 183/484، ورجال الطوسي : 215 - 216/2838.

عليّ بن النعمان. والبرقي قد تقدّم ذكره.

وأمّا أبوه: فهو محمّد بن خالد البرقي، قال عنه النجاشي: «وكان محمّد ضعيفاً في الحديث»(1).

وقال الشيخ في «رجاله»: «محمّد بن خالد البرقي ثقة»(2) .

ومقتضى الجمع بين تضعيف النجاشي وتوثيق الشيخ: أن يقال: إنّه ثقة في نفسه، إلّا أنّه ضعيف في الحديث، بمعنى: أنّه يروي عن الضعفاء، ويعتمد المراسيل.

وأمّا عليّ بن النعمان: فقد تقدّم ذكره، ومنه يتّحد السندان.

وعليه فهذا الطريق - أيضاً - معتبر.

طریق شیخ إلی الحسن بن محمّد بن سماعة

وأمّا السند الثالث: وهو ما رواه الشيخ بإسناده، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن ابن رباط، عن ابن مسكان، عن سليمان بن خالد، فقد قال النجاشي في حقّ الشيخ: «جليل في أصحابنا، ثقة، عين، من تلامذة شيخنا أبي عبد اللَّه»(3) .

وأما سند الشيخ فقد ذكر طريقين إلى كتبه ورواياته:

أحدهما: أخبرنا بجميع كتبه ورواياته أحمد بن عبدون، عن أبي طالب

ص: 77


1- رجال النجاشي: 335/898.
2- رجال الطوسي: 363/5391.
3- رجال النجاشي: 403/ 1068.

الأنباري، عن حميد بن زياد النينوائي، عنه(1).

وهذا الطريق ضعيف بأبي طالب الأنباري ولكن يمكن القول بوثاقته، ويجمع بين تضعيف الشيخ له(2)

وتوثيق النجاشي(3)؛

بأنّ التضعيف من جهة رميه بالغلو والارتفاع، وعليه فيكون ثقة في حديثه ضعيفاً في مذهبه.

وثانيهما: وأخبرنا أحمد بن عبدون، عن عليّ بن محمّد بن الزبير، عن عليّ بن الحسن بن فضال، عن الحسن بن محمّد بن سماعة(4).

وهذا الطريق وان كان ضعيفا بعلي بن محمّد بن الزبير، إلّا أن للنجاشي طريقاً آخر، صحيحاً في رجاله إلى عليّ بن الحسن بن فضّال وهو: وأخبرنا محمّد بن جعفر في آخرين، عن أحمد بن محمّد بن سعيد، عن عليّ بن الحسن بكتبه(5).

وبما أن شيخ النجاشي وهو ابن عبدون شيخ للطوسي أيضاً، ولا يحتمل أن يروي للنجاشي غير الذي رواه للشيخ، فيكون هذا الطريق الصحيح للنجاشي موجباً لتصحيح طريق الشيخ أيضاً.

هذا، مضافاً إلى وجود طريق ثالث صحيح ذكره الشيخ (رحمه الله) في «مشيخة

ص: 78


1- فهرست الطوسي: 103/ 193 .
2- رجال الطوسي: 434 / 6218 .
3- رجال النجاشي: 232/ 617 .
4- فهرست الطوسي: 103/193.
5- رجال النجاشي: 259 / 676 .

التهذيب» بقوله: الشيخ أبو عبد الله والحسين بن عبيد الله وأحمد بن عبدون كلهم عن أبي عبد الله الحسين بن سفيان البزوفري، عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمّد بن سماعة(1).

وأمّا الحسن بن محمّد بن سماعة: فقد قال النجاشي عنه: «من شيوخ الواقفيّة، كثير الحديث، فقيه، ثقة، وكان يعاند في الوقف، ويتعصّب»(2).

وقال الشيخ: «واقفي المذهب، إلّا أنّه جيّد التصانيف، نقي الفقه، حسن الانتقاء»(3).

وأمّا ابن رباط: فقد قال النجاشي في حقّه: «علي بن الحسن بن رباط البجلي، أبو الحسن، كوفيّ، ثقة، معوّل عليه»(4).

وأمّا ابن مسكان وسليمان بن خالد: فقد تقدّما.

وعليه فهذا الطريق أيضاً معتبر.

وأمّا السند الرابع: وهو ما رواه الحسين بن سعيد في «كتاب الزهد»، عن عليّ بن النعمان: فقد قال النجاشي عن كتب الحسين والحسن ابني سعيد: «وكتب ابني سعيد كتب حسنة، معمول عليها»(5)، كما أنّ الشيخ

ص: 79


1- تهذيب الأحكام 10 : 75، المشيخة.
2- رجال النجاشي: 40 - 41/84 .
3- فهرست الطوسي: 103/193.
4- رجال النجاشي: 251/659.
5- المصدر نفسه: 58/136

الصدوق شهد في أوّل «الفقيه»: بأنّها من جملة الكتب المشهورة المعوّل عليها(1).

وقال الشيخ (رحمه الله) : «الحسين بن سعيد بن حماد بن سعيد بن مهران الأهوازي، من موالي عليّ بن الحسين (علیهما السلام) ، ثقة، روى عن الرضا وأبي جعفر الثاني وأبي الحسن الثالث (علیه السلام) »(2)،

وقال ابن النديم عنه وعن أخيه الحسن:

«أوسع أهل زمانهما علماً بالفقه، والآثار، والمناقب، وغير ذلك من علوم الشيعة»(3).

وأمّا عليّ بن النعمان: فقد تقدّم.

وطريق صاحب «الوسائل» إلى «كتاب الزهد»: معتبر.

وأما السند الخامس: وهو: ما عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن فضال، عن ثعلبة، عن عليّ بن عبد العزيز؛ فمحمّد بن يحيى وأحمد بن محمّد بن عيسى قد تقدّم ذكرهما سابقاً.

وأمّا ابن فضّال - وهو الحسن بن عليّ بن فضّال - : فقد نقل النجاشي في حقّه أنّه: «أعبد من رأينا أو سمعنا به»(4)،

وقال الشيخ: «روى عن الرضا (علیه السلام) ، وكان خصيصاً به. كان جليل القدر، عظيم المنزلة، زاهداً،

ص: 80


1- من لا يحضره الفقيه 1 : 3 ، مقدمة المصنف.
2- فهرست الطوسي: 112/230.
3- فهرست ابن النديم: 277.
4- رجال النجاشي: 34/72.

ورعاً، ثقة في الحديث وفي رواياته»(1)،

وذكر أيضاً أنّه: «كان فطحيّاً، يقول بإمامة عبد اللَّه بن جعفر، ثمّ رجع إلى إمامة أبي الحسن (علیه السلام) عند موته»(2)،

وهو من أصحاب الإجماع(3)، وورد في «نوادر الحكمة» وفي «تفسير القمّي»، وروى عنه المشايخ الثقات(4).

وأمّا ثعلبة: فهو ثعلبة بن ميمون، قال عنه النجاشي: «كان وجهاً في أصحابنا، قارئاً، فقيهاً، نحويّاً، لغويّاً، راوية، وكان حسن العمل، كثير العبادة والزهد»(5)،

فكونه وجهاً في أصحابنا دالّ على التوثيق.

وعن الكشّي أنّه: «ثقة، خيّر، فاضل، مقدّم، معلوم في العلماء والفقهاء الأجلّة من هذه العصابة»(6).

بحث رجالي في عليّ بن عبد العزيز

وأمّا عليّ بن عبد العزيز: فبناء على أنّه عليّ بن غراب، لم يرد فيه توثيق خاصّ، وهذا مبنيّ على اتّحادهما، كما هو ظاهر قول الشيخ: بأنّه المعروف ب- «علي بن غراب»(7).

ص: 81


1- فهرست الطوسي: 98/164.
2- المصدر نفسه.
3- إختيار معرفة الرجال 2 : 831/1050 .
4- أصول علم الرجال 1 : 218 ، 279 ،و ج2 : 186 .
5- رجال النجاشي: 117/302.
6- اختيار معرفة الرجال 2 : 711/776 .
7- فهرست الطوسي: 160/ 411.

نعم، وثّقه النجاشي في ترجمة الحسن بن عليّ بن أبي المغيرة الزبيدي الكوفي، فقال: ثقة هو وأبوه، روى عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه (علیهما السلام) ، وهو يروي كتاب أبيه عنه(1).

فإذا كان عليّ بن أبي المغيرة هو: عليّ بن عبد العزيز، وهو عليّ بن غراب، فكنية غراب هي: أبو المغيرة، كما يشهد بذلك قول الصدوق (رحمه الله) في طريقه في «المشيخة» إلى عليّ بن غراب، فقد قال: وهو ابن أبي المغيرة الأزدي(2).

وأمّا بناء على تعدّدهما - كما هو ظاهر - فإنّ الصدوق قد ذكر طريقاً لكلّ واحد منهما(3).

فعليّ بن عبد العزيز لم يرد في حقّه شي ء.

نعم، روى المشايخ الثقات عنه(4).

وعليه فهذا الطريق معتبر.

طرق الشيخ إلى محمّد بن يعقوب الكليني

وأمّا السند السادس: فهو ما رواه الشيخ بإسناده، عن محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى.

وطرق الشيخ إلى محمّد بن يعقوب متعدّدة؛ فقد قال في «المشيخة»: «فما ذكرناه في هذا الكتاب عن محمّد بن يعقوب الكليني (رحمه الله) ، فقد أخبرنا به الشيخ أبو عبد اللَّه محمّد بن محمّد النعمان (رحمه الله) ، عن أبي القاسم جعفر بن

ص: 82


1- رجال النجاشي: 49/106.
2- من لا يحضره الفقيه 4 : 516 .
3- المصدر نفسه: 516 و517 .
4- أصول علم الرجال 2 : 202.

محمّد بن قولويه (رحمه الله) ، عن محمّد بن يعقوب (رحمه الله) .

وأخبرنا به - أيضاً - الحسين بن عبيد اللَّه، عن أبي غالب أحمد بن محمّد الزراري، وأبي محمّد هارون بن موسى التلعكبري، وأبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه، وأبي عبد اللَّه أحمد بن أبي رافع الصيمري، وأبي المفضّل الشيباني، وغيرهم، كلّهم، عن محمّد بن يعقوب الكليني.

وأخبرنا به - أيضاً - أحمد بن عبدون المعروف ب- (ابن الحاشر)، عن أحمد بن أبي رافع، وأبي الحسين عبد الكريم بن عبد اللَّه بن نصر البزّاز، بتنيس وبغداد، عن أبي جعفر محمّد بن يعقوب الكليني، جميع مصنّفاته وأحاديثه، سماعاً وإجازة»(1).

وعليه فهذا الطريق - أيضاً - معتبر.

وأما السند السابع: فهو ما رواه الصدوق بإسناده، عن عليّ بن عبد العزيز.

وسند الصدوق إلى عليّ بن عبد العزيز هكذا: «وما كان فيه عن عليّ بن عبد العزيز فقد رويته عن أبي(رضی الله عنه)، عن سعد بن عبد اللَّه، عن أحمد بن أبي عبد اللَّه البرقي، عن حمزة بن عبد اللَّه، عن إسحاق بن عمّار، عن عليّ بن عبد العزيز»(2).

ص: 83


1- تهذيب الأحكام 10 : 5 - 29 ، المشيخة .
2- من لا يحضره الفقيه 4 : 517 ، المشيخة .

وهذا الطريق وإن كان ضعيفاً بحمزة بن عبد الله، كما هو في النسختين المصحّحتين، وحمزة بن محمّد، كما هو في النسخة المطبوعة، إلّا أنّه يمكن تصحيحه من جهة إسحاق بن عمار؛ فإنّ للصدوق طريقاً صحيحاً إلى أصله(1).

وبهذا يكون الطريق معتبراً أيضاً.

هذا، مضافاً إلى أن إسحاق بن عمّار له كتاب نوادر يرويه عنه عدّة من أصحابنا كما ذكر النجاشي(2).

وإذا كان الأمر كذلك، فلا حاجة إلى النظر في الطرق إلى كتابه.

وعلى فرض أن يكون عليّ بن عبد العزيز هو ابن غراب، فسند الصدوق إليه هكذا: وما كان فيه عن عليّ بن غراب: فقد رويته عن أبي ومحمّد بن الحسن - رضي الله عنهما - ، عن أحمد بن إدريس، عن محمّد بن حسان، عن إدريس بن الحسن، عن عليّ بن غراب، وهو ابن المغيرة الأزدي(3).

وهذا السند ضعيف بإدريس بن الحسن؛ فإنه مجهول.

وأما محمّد بن حسّان: فيمكن توثيقه؛ لوروده في «نوادر الحكمة»(4).

وأما السند الثامن: وهو ما رواه البرقي في «المحاسن»، عن الحسن بن عليّ بن فضّال. والبرقي وابن فضّال قد تقدّما.

ص: 84


1- فهرست الطوسي: 45/ 52 .
2- رجال النجاشي: 71/169 .
3- من لا يحضره الفقيه 4 : 516، المشيخة.
4- أصول علم الرجال 1 : 236 .

وهذا السند حاله حال السند الخامس.

تنبيهان:

الأوّل: أنّ صاحب «الوسائل» (رحمه الله) جعل هذه الرواية مع الأسناد المذكورة رواية واحدة، ولكن في «جامع الأحاديث»(1)

جُعلت ثلاث روايات:

الأولى: وهي التي تنتهي إلى سليمان بن خالد، ورواها الكليني بسنده عنه.

الثانية: وهي التي تنتهي إلى سليمان بن خالد أيضاً، ورواها الشيخ بسنده عن الحسن بن محمّد بن سماعة.

الثالثة: وهي التي تنتهي إلى عليّ بن عبد العزيز، ورواها الكليني بسنده عنه.

وممّا يؤيّد ذلك أنّ الرواية تنتهي إلى رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم)، عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) . كما أنّ للرواية الثالثة طريقاً مستقلّاً ينتهي إلى عليّ بن عبد العزيز.

ولعلّ السبب في جعل صاحب «الوسائل» هذه الروايات الثلاث رواية واحدة هو اشتراك هذه الروايات في مدلول واحد.

الثاني: تقدّم أنّ طريق الصدوق إلى عليّ بن عبد العزيز غير معتبر على

ص: 85


1- جامع أحاديث الشيعة 1 : 619، ح1100، و620 ، ح1101، 1102 .

أحد الوجهين؛ لعدم توثيق إدريس بن الحسن، ولكن قد ذكر الصدوق في أوّل كتاب «الفقيه» أنّ جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة، عليها المعوّل وإليها المرجع(1)،

فإن كانت هذه الرواية قد نقلها الصدوق من كتاب عليّ بن عبد العزيز، فمعنى ذلك أنّ الكتاب مشهور ومعتمد عليه. وعلى ذلك يكون الحديث معتبراً، وإن ورد بطريق فيه ضعف. وأمّا إذا لم يثبت ذلك بقي ضعيف السند بطريق الصدوق فقط.

وقد قوّى صاحب «الوسائل» - تبعاً للعلاّمة المجلسي (رحمه الله) - احتمال أن يكون الصدوق قد نقلها من كتاب عليّ بن عبد العزيز، وبذلك تكون جميع أسانيد هذه الأحاديث معتبرة.

ص: 86


1- من لا يحضره الفقيه 1 : 3، مقدمة المصنف.

[4] 4 - وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ أَبِي عليّ الأَشْعَرِيِّ، عَنْ محمّد بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ جَمِيعاً، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، أَنَّهُ قَالَ لأَبِي عَبْدِ اللَّه (علیه السلام) : أَلا أَقُصُّ عَلَيْكَ دِينِي؟ فَقَالَ: بَلَى، قُلْتُ: أَدِينُ اللَّه بِشَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّه، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً (رَسُولُ اللَّه)(صلی الله علیه و آله و سلم)(1)، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَحِجِّ الْبَيْتِ، وَالْوَلايَةِ، - وَذَكَرَ الأَئِمَّةَ (علیهم السلام) - فَقَالَ: «يَا عَمْرُو هَذَا دِينُ اللَّه وَدِينُ آبَائِيَ، الَّذِي أَدِينُ اللَّه بِهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلانِيَةِ»، الْحَدِيثَ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[4] - فقه الحديث:

الجزء الذي أورده صاحب «الوسائل» (رحمه الله) يدل على أنّ الأمور المذكورة

ص: 87


1- في المصدر: عبده ورسوله.
2- الكافي 2 : 23، باب دعائم الاسلام، ح14. والحديث مقطوع الطرفين وتمامه: قال : دخلت على أبي عبد اللَّه (علیه السلام) وهو في منزل أخيه عبد اللَّه بن محمّد، فقلت له: جعلت فداك، ما حوّلك إلى هذا المنزل؟ قال: «طلب النزهة» فقلت: جعلت فداك، ألا أقصُّ عليك ديني؟ ... وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ اللَّه يبعث من في القبور... والولاية لعلي أمير المؤمنين بعد رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم)، والولاية للحسن والحسين، والولاية لعلي بن الحسين، والولاية لمحمد بن علي، ولك من بعده صلوات اللَّه عليهم أجمعين، وأنّكم أئمّتي، عليه أحيا وعليه أموت وأدين اللَّه به، فقال: «يا عمرو ... فاتّق اللَّه وكفّ لسانك إلّا من خير، ولا تقل إنّي هديت نفسي، بل اللَّه هداك، فأدِّ شكر ما أنعم اللَّه عزّوجلّ به عليك، ولا تكن ممّن إذا أقبل طعن في عينه، وإذا أدبر طعن في قفاه، ولا تحمل الناس على كاهلك، فإنّك أوشك إن حملت الناس على كاهلك أن يصدعوا شعب كاهلك».

من الشهادتين والصلاة والزكاة والصوم والحجّ والولاية من الواجبات، بل من أهم الواجبات؛ لأنّها جعلت في الحديث الدين الحق الواجب الاتباع؛ حيث عرضها عمرو بن حريث على الإمام (علیه السلام) ، وقال: «وأدين اللَّه به»، أي: أعبد اللَّه وأطيعه بتلك العقائد والأعمال، فأقرّه (علیه السلام) على ذلك وأكّده، فقال: إنّ هذا هو دينه ودين آبائه، الذي يدين اللَّه به في السر والعلانية. ولعل المراد بالسر هو القلب، وبالعلانية هي الجوارح، ومنها اللسان، أو أنّ المراد بالسّر هي الخلوة، وبالعلانية هي مجامع الناس ومحافلهم، مع عدم التقيّة والخوف منهم.

وقد صرّح في هذا الحديث بالشهادتين، وقد ذكرنا فيما تقدّم: أنّهما لازمتان للصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية.

سند الحديث:

روى الكليني الحديث بطريقين:

الأوّل: عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان، عن عمرو بن حريث.

الثاني: عن أبي عليّ الأشعري، عن محمّد بن عبد الجبار، عن صفوان.

أما السند الأوّل:

فعلي بن إبراهيم وأبوه، قد تقدّم البحث حولهما، وأنّهما ثقتان.

وأمّا صفوان: فهو صفوان بن يحيى البجلي بيّاع السّابري، وقد اجتمعت فيه وجوه التوثيق، فقد نصّ على وثاقته النجاشي فقال عنه: «ثقة، ثقة، عين، روى أبوه عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، وروى هو عن الرضا (علیه السلام) ،

ص: 88

وكانت له عنده منزلة شريفة. ذكره الكشّي في رجال أبي الحسن موسى (علیه السلام) . وقد توكّل(1)

للرضا وأبي جعفر (علیهما السلام) ، وسَلِم مذهبه من الوقف، وكانت له منزلة من الزهد والعبادة»(2).

وقال الشيخ: «أوثق أهل زمانه عند أصحاب الحديث، وأعبدهم، وكان يصلي كلّ يوم وليلة خمسين ومائة ركعة، ويصوم في السنة ثلاثة أشهر، ويخرج زكاة ماله في كلّ سنة ثلاث مرات»(3)،

وهو من أصحاب الإجماع(4)، وأحد المشايخ الثلاثة الذين لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة(5)

، ووقع في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمّي»(6).

وأمّا عمرو بن حريث: فقد قال عنه النجاشي: «ثقة، روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) »(7)،

مضافاً إلى رواية صفوان عنه.

وأمّا السند الثاني:

فأبو عليّ الأشعري، قد تقدّم الكلام عنه.

وأمّا محمّد بن عبد الجبار: فقد قال الشيخ في حقّه: «محمّد بن عبد

ص: 89


1- أي كان وكيلاً عنهما.
2- رجال النجاشي: 197/524.
3- فهرست الطوسي : 145 - 146/356 .
4- اختيار معرفة الرجال 2 : 830/ 1050 .
5- عدة الأصول 1 : 154 .
6- أصول علم الرجال 1 : 225 ، 282 .
7- رجال النجاشي: 289/775.

[5] 5 - وَعَنْهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: عَلَى الصَّلاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَالصَّوْمِ، وَالْوَلايَةِ...» ، الْحَدِيثَ(1). وَرَوَاهُ الشَّيْخُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ محمّد بْنِ يَعْقُوبَ(2)2*).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ مُرْسَلاً(3)3*).

-----------------------------------------------------------------------------

الجبار، وهو ابن أبي الصهبان، قمّي، ثقة»(4)، وورد في أسناد «نوادر الحكمة»(5).

والحديث بكلا طريقيه صحيح.

[5] - فقه الحديث:

الحديث الخامس كالحديث الثاني المتقدّم من جهة الدلالة.

سند الحديث:

ذكر المصنف للحديث ثلاثة طرق:

ص: 90


1- الكافي 4 : 62 ، باب ما جاء في فضل الصوم والصائم ، ح 1، وتمامه: «وقال رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم): الصوم جُنّة من النار».
2- 2*) تهذيب الأحكام 4 : 151 ، ح 418.
3- 3*) من لا يحضره الفقيه 2 : 74، ح1770.
4- رجال الطوسي: 391/5765.
5- أصول علم الرجال 1 : 237 .

الأوّل: سند الشيخ الكليني (رحمه الله) :

وفيه حمّاد، وهو حمّاد بن عيسى؛ لأن إبراهيم بن هاشم يروي عنه بغير واسطة. وحمّاد ومن بعده قد تقدّم الكلام حولهم.

وعليه فهذا السند صحيح.

وأمّا الثاني - وهو ما رواه الشيخ الطوسي بإسناده عن محمّد بن يعقوب - : فهو عين سند الكليني. وطريقه إليه قد تقدّم ذكره.

وأمّا الثالث - وهو ما رواه الصدوق (رحمه الله) مرسلاً - : فهو من مراسيل الصدوق «في الفقيه»؛ فإنّ كتابه كما احتوى على المسانيد احتوى أيضاً على مجموعة من الروايات المرسلة، تقرب من ثلث الكتاب، فيحسن أن نشير - بنحو الإجمال - إلى الأقوال المذكورة في اعتبار مراسيل الصدوق وعدمها، وهي ثلاثة:

القول الأوّل: اعتبار مراسيل الصدوق كمسانيده، وقد ذهب إلى هذا القول جماعة منهم: صاحب «الوسائل»(1).

القول الثاني: عدم اعتبار المراسيل مطلقاً.

القول الثالث: التفصيل بين ما رواه بنحو الجزم عن الإمام، مثل قوله: قال الصادق (علیه السلام) ، وبين غيره، وقد ذهب إليه جماعة منهم السيد الأستاذ (قدس سره) في رأيه القديم(2).

ص: 91


1- مقباس الهداية 1 : 357.
2- الهداية في الأصول 3 : 256.

وبيان ذلك: أنّ مراسيل الصدوق على أنحاء مختلفة:

النحو الأوّل: ما ينسبه إلى الإمام بنحو الجزم، مثل قوله: قال الصادق (علیه السلام) ، أو قال أبو عبداللَّه (علیه السلام) .

النحو الثاني: ما يورده بنحو «روي عن الإمام»، مثل قوله: رُوي عن الصادق (علیه السلام) ، ومثل قوله: رُوي عن أبي جعفر (علیه السلام) ، أو روي عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) .

النحو الثالث: ما يذكره بقوله: «في رواية»، مثل: في رواية عن أبي جعفر (علیه السلام) ، أو في رواية عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) .

النحو الرابع: ما يذكره بنحو: «رُوي عن فلان عن الإمام»، مثل قوله: رُوي عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (علیه السلام) ، أو رُوي عن جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) .

النحو الخامس: ما ينسبه إلى كتاب، مثل قوله: في كتاب «نوادر الحكمة» لمحمد بن أحمد بن يحيى الأشعري، أو في كتاب محمّد بن يعقوب.

النحو السادس: ما ينسبه إلى أحد الرواة، مثل قوله: روى زرارة عن الصّادق (علیه السلام) ، أو روى جميل عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) .

وقد قيل(1):إنّ النحو الأوّل هو المعتبر من مراسيل الصدوق، بل هو

ص: 92


1- الرواشح السماوية: 254.

أقوى من مسنداته؛ حيث إنّه نسبه إلى الإمام جزماً، بينما نسب المسند إلى الراوي.

والتحقيق في المقام: أنّ الشيخ الصدوق (قدس سره) في أوّل كتاب «الفقيه»(1) قد شهد بثلاث شهادات:

الأولى: أنّ جميع الروايات التي أوردها في الكتاب حجّة بينه وبين اللَّه عزّوجلّ.

الثانية: أنّها مستخرجة من الكتب المشهورة المعروفة.

الثالثة: أنّها المعوّل عليها، وإليها المرجع.

أمّا الشهادة الأولى، فيناقش فيها بأنّها حدسيّة لا اعتبار بها، فتبقى الشهادتان الأخيرتان، وهما حسّيّتان.

فإن قلنا باعتبارها فلازم ذلك القول بصحة جميع الروايات المذكورة في الكتاب، فبالشهادة الثانية يثبت أنّ أيّ شخص روى عنه فكتابه معروف ومشهور، ولا يحتاج إلى طريق إلى صاحب الكتاب الذي روى عنه.

وبالشهادة الأخيرة يثبت أنّ الرواية مورد لعمل الأصحاب، ومعوّل عليها، فتكون معتبرة، فلا يحتاج إلى الطريق من صاحب الكتاب إلى الإمام (علیه السلام) ، فإذا ضممنا الشهادة الثانية إلى الثالثة يثبت اعتبار مجموع الطريق إلى المعصوم (علیه السلام) .

ص: 93


1- من لا يحضره الفقيه 1 : 3.

وهذا في المسانيد معلوم. وأمّا في المراسيل، فالظاهر أنّ الشهادتين شاملتان لها أيضاً بأنحائها الستّة - وإن كان يستظهر في بادي النظر التفريق بين هذه الأنحاء - وذلك:

أولاً: من جهة عموميّة كلامه، وأنّ كلّ ما يورده في الكتاب داخل في الشهادتين ولم يستثنِ شيئاً.

وثانياً: أنّ الصدوق في أوّل الكتاب ذكر نيّفاً وعشرين رواية بنحو الإرسال بعد شهادته مباشرة، فكيف يمكن الجمع بين شهادته هذه والقول بعدم الشمول لما يذكره في أوّل الكتاب؟!

وثالثاً: أنّ مقتضى التتبّع في مراسيل الصدوق هو القول بالشمول؛ حيث نراه يعتمد على جميع هذه الأنحاء، فإنّه في أبواب مختلفة ومتعدّدة ذكر روايات بعنوان «روي» فقط من دون ذكر لرواية مسندة فيها، أو ذكر رواية فلان عن الإمام (علیه السلام) ، أو في كتاب فلان، وجعلها مستنداً للحكم، وهذا ممّا يوجب الاطمئنان بأنّ التعبير منه كان من باب التفنّن، لا لأجل الاختلاف في الاعتبار.

وبناءً على ذلك فمراسيل الصدوق حكمها حكم المسانيد في الاعتبار، ولا فرق بين النحو الأوّل وبقيّة الأنحاء. وهذا نظير مراسيل ابن أبي عمير، وصفوان، وأحمد بن أبي نصر.

هذا كلّه بناء على القول باعتبار شهادته، وعدم المناقشة فيها. وأمّا بناء على المناقشة فيها فأيضاً لا فرق بين الأنحاء الخمسة في عدم اعتبارها.

ص: 94

[6] 6 - وَعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد، وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ جَمِيعاً، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ أَبِي الْعَلاءِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (علیه السلام) فِي جُمْلَةِ حَدِيثٍ، قَالَ: «إِنَّ اللَّه افْتَرَضَ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ(صلی الله علیه و آله و سلم) خَمْسَ فَرَائِضَ: الصَّلاةَ، وَالزَّكَاةَ، وَالصِّيَامَ، وَالْحَجَّ، وَوَلايَتَنَا»(1).

أَقُولُ: الْجِهَادُ مِنْ تَوَابِعِ الْوَلايَةِ وَلَوَازِمِهَا؛ لِمَا يَأْتِي، وَيَدْخُلُ فِيهِ الأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ. وَيَأتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ.

-----------------------------------------------------------------------------

[6] - فقه الحديث:

تخصيص الإمام (علیه السلام) هذه الخمسة بالذكر، وتنصيصه عليها يدلّ على أهمّيّتها بعد الدلالة على الوجوب. والحديث فيه إشارة إلى الدليل التعبدي على عدم قبول الأعمال ما لم تكن عن طريق الولاية؛ وذلك لأنّ الوالي هو الدليل على الواجبات، والولاية هي المفتاح لتلك الواجبات، ولذا أكّد الإمام (علیه السلام) على ذلك بقوله - في آخر الحديث المذكور في الكافي - : «ولم يرخص لأحد من المسلمين في ترك ولايتنا»، بل وأقسم الإمام على ذلك؛ زيادة في التأكيد.

سند الحديث:

ذكر المصنف للحديث طريقين، كلاهما للشيخ الكليني:

ص: 95


1- الكافي 8 : 270 ، ح 399.

الأوّل: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب.

والثاني: هو عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب.

وقوله: «جميعاً» يعني: أنّ كلا الطريقين يلتقيان في الحسن بن محبوب.

أما الطريق الأوّل:

فإنّ محمّد بن يحيى وأحمد بن محمّد قد تقدّم ذكرهما.

وأمّا الحسن بن محبوب: فقال الشيخ في حقّه: «ثقة، روى عن أبي الحسن الرضا (علیه السلام) ، وروى عن ستين رجلاً من أصحاب أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، وكان جليل القدر، يعدّ في الأركان الأربعة في عصره»(1)،

وهو من أصحاب الإجماع(2)، وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمّي»(3).

وأمّا هشام بن سالم: فقد قال النجاشي في حقّه: «ثقة، ثقة»(4)، وعدّه المفيد في «رسالته العدديّة» من الرؤساء الأعلام ... الخ(5)،وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، وفي «تفسير القمّي»، وروى عنه المشايخ الثقات(6).

ص: 96


1- فهرست الطوسي: 96/161.
2- اختيار معرفة الرجال 2 : 830/1050 .
3- أصول علم الرجال 1 : 218 ، 279 .
4- رجال النجاشي: 434/1165.
5- معجم رجال الحديث 20 : 324/13361.
6- أصول علم الرجال 1 : 242 ، 288 و ج2 : 216 .

وأما عبد الحميد بن أبي العلاء: فهو مشترك بين شخصين:

الأوّل: عبد الحميد بن أبي العلاء الأزدي الخفّاف، وقد ذكره النجاشي في ترجمة أخيه الحسين بن أبي العلاء الخفّاف بقوله: «إنّ أخويه عليّ وعبد الحميد، وأنّ الحسين أوجههم»(1)، وفي هذا دلالة على وجاهة عبد الحميد، كما أنّ أخويه كذلك، فيثبت حسنه.

والثاني: عبد الحميد بن أبي العلاء بن عبد الملك الأزدي، قال النجاشي فيه: «ثقة، ويقال له: السمين، روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، له كتاب»(2)،

فيكون الثاني هو المنصرف إليه عند الإطلاق؛ لأنّ له كتاباً، فيكون هو المعروف. وعليه فهذا الطريق صحيح.

وأمّا الطريق الثاني: فإنّ العدّة قد مرّ الكلام حولها فيما سبق(3).

وأما سهل بن زياد: فقد أشبعنا البحث حوله في خاتمة «أصول علم الرجال»(4).

ومجمل القول فيه: أنّ النجاشي والشيخ ضعّفاه، كما أنّ محمّد بن عيسى قد شهد عليه بالغلو والكذب، ووثّقه الشيخ في «الرجال» على نسخة، ولكنّا رجّحنا هناك أدلّة الذم على أدلّة المدح.

ص: 97


1- رجال النجاشي: 52/117.
2- رجال النجاشي: 246/647.
3- راجع: التمهيد، الأمر الأول.
4- أصول علم الرجال 2 : 355 - 360 .

[7] 7 - وَعَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ الْعَرْزَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الصَّادِقِ (علیه السلام) ، قَالَ: «أَثَافِيُّ الإِسْلامِ ثَلاثَةٌ: الصَّلاةُ، وَالزَّكَاةُ، وَالْوَلايَةُ، لا تَصِحُّ وَاحِدَةٌ (مِنْهَا إِلّا بِصَاحِبَتِهَا)»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وعليه فهذا الطريق ضعيف بسهل، إلّا أن يقال: بما أنّ للشيخ الطوسي (رحمه الله) طرقاً صحاحاً إلى جميع كتب وروايات الحسن بن محبوب، ومن جملة رواياته: ما ورد في «الكافي»؛ لأنّه (رحمه الله) ناظر إلى رواياته حتماً، وحيث إنّه لم ينقل الاختلاف بين رواياته، فيتبيّن: أنّ لهذه الرواية طرقاً أخرى صحيحة، إضافة إلى الطريقين المذكورين، فتكون معتبرة.

[7] - فقه الحديث:

الحديث وإن اقتصر فيه على ذكر الثلاثة وهي: الصلاة والزكاة والولاية، إلّا أنّه لا منافاة بينه وبين ما تقدّم من الأحاديث؛ فإنّ هذه الأمور هي الأهمّ، وقد تقدّم أنّ الصلاة هي عمود الدين، والزكاة قرينة لها، وتوقّفهما على الولاية أمر واضح. ولبيان أهمّيّة الثلاثة عبّر عنها بالأثافيّ، وهو جمع الأثفية بالضم والكسر، وهي: الأحجار التي توضع عليها القدر، وأقلها ثلاثة. فالأركان المهمة هي هذه الثلاثة، وأكّد على ذلك بأنّه لا تصحّ واحدة منها

ص: 98


1- الكافي 2 : 15، باب دعائم الاسلام ، ح 4. وفيه: منهنّ إلّا بصاحبتيها.

إلّا بصاحبتها، وفي نسخة: بصاحبتيها، كما أنّ القدر لا تستوي إلّا على ثلاث أثافي، فالإسلام أيضاً لا يتحقّق إلّا إذا التزم المسلم بهذه الأمور الثلاثة، فالصلاة والزكاة من دون الولاية لا أثر لهما، كما أنّ الولاية من دون تصديق فعلي بالعمل خارجاً لا تخرج عن كونها دعوى لا واقع لها، وكل واحد من هذه الأمور الثلاثة يشكّل جزءاً لا يستغنى عنه، فبالجميع يتحقق الإسلام الحقيقي.

وقد يقال: إنّ الصلاة والزكاة تتوقّفان على الولاية، وأمّا الولاية فلا تتوقّف على أيّ منهما، ولكنّ الأظهر: أنّ الولاية - أيضاً - تتوقّف على كلّ من الصلاة والزكاة، وإلّا كانت مجرّد دعوى بلا حقيقة.

سند الحديث:

الضمير يرجع إلى محمّد بن يحيى المتقدّم، وهو وأحمد بن محمّد بن عيسى والحسين بن سعيد قد تقدّم ذكرهم.

وأمّا ابن العرزمي: فقد قال النجاشي في حقّه: «عبد الرحمن بن محمّد بن عبيد اللَّه العرزمي، الفزاري، أبو محمّد، روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، ثقة»(1) . وفي «طرائف المقال»: أنّه يطلق على عيسى بن صبيح العرزمي، وهو له كتاب، يرويه الحسن بن محبوب(2).

ص: 99


1- رجال النجاشي: 237/628.
2- طرائف المقال 1 : 650.

والظاهر أنّه الأوّل؛ لأنّه لم يعهد رواية عيسى بن صبيح عن أبيه، بخلاف عبد الرحمن؛ فإنّه قد ورد في عدّة موارد روايته عن أبيه، مضافاً إلى أنه المعروف؛ لأنّ له كتاباً.

وأمّا أبوه: فهو محمّد بن عبيد اللَّه بن أبي سليمان العرزمي، ولم يرد في حقّه شي ء. نعم، ورد في «تفسير القمّي»: العرزمي روى عن أبيه(1)، فيشمله التوثيق، سواء كان المراد بالعرزمي الابن وهو عبد الرحمن بن محمّد، أو الأب وهو محمّد، وإن كان بعيداً. وعليه فعلى كلا التقديرين يكون محمّد بن عبيد اللَّه مشمولاً للتوثيق. والحاصل أنّ السند معتبر.

ص: 100


1- أصول علم الرجال 1 : 292.

[8] 8 - وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ أَبِي نَصْرٍ، وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ خَالِدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ محمّد الثَّقَفِيِّ، عَنْ محمّد بْنِ مَرْوَانَ جَمِيعاً، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (علیه السلام) قَالَ: «إِنَّ اللَّه أَعْطَى مُحَمَّداً(صلی الله علیه و آله و سلم) شَرَائِعَ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى» - إِلَى أَنْ قَالَ: - «ثُمَّ افْتَرَضَ عَلَيْهِ فِيهَا الصَّلاةَ وَالزَّكَاةَ وَالصِّيَامَ وَالْحَجَّ وَالأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّه، وَزَادَهُ الْوُضُوءَ، وَأَحَلَّ لَهُ الْمَغْنَمَ وَالْفَيْ ءَ(1)، وَجَعَلَ لَهُ الأَرْضَ مَسْجِداً وَطَهُوراً، وَأَعْطَاهُ الْجِزْيَةَ وَأَسْرَ الْمُشْرِكِينَ وَفِدَاهُمْ»(2)، الْحَدِيثَ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[8] - فقه الحديث:

المقدار المذكور قطعة من الحديث، وهو طويل، اكتفى صاحب «الوسائل» بذكر محلّ الشاهد منه. وهو يدل بوضوح على أهمّيّة هذه الأمور

ص: 101


1- ما أخذ من الكفار إن كان من غير قتال فهو فيءٌ، مثل جزية الرؤوس وما صولحوا عليه. وإن كان مع القتال فهو غنيمة. (مجمع البحرين 3 : 333 ، مادة «غنم»، ولسان العرب 1 : 126 ، مادة «غنم»).
2- المراد فكاك الأسرى واستنقاذهم من الأسر بالمال أو مبادلتهم برجال آخرين. (راجع مجمع البحرين 3 : 373 ، ولسان العرب 15 : 150).
3- الكافي 2 : 17 ، باب الشرائع ، ح 1، وأورد قطعة منه في الحديث 1 من الباب 7 من أبواب التيمّم.

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الثَّقَفِيِّ، عَنْ محمّد بْنِ مَرْوَانَ، مِثْلَهُ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

المذكورة، كما تقدّم. والمراد بشرائع هؤلاء الأنبياء: إما الأصول والاعتقادات في شرائعهم، أو أكثر ما شرّعه الله لهم من التكاليف. وفي الحديث أحكام أخرى زيادة على هذه الأمور، كالوضوء، وحلّيّة المغنم والفي ء، والجزية، وجعل الأرض مسجداً وطهوراً، وهذه الأمور من مختصّات الشريعة ومزاياها. وعدم ذكر الولاية فيها لا ينافي ما تقدّم من الأحاديث؛ لما بيّناه سابقاً، ولا حاجة إلى الإعادة.

سند الحديث:

ذكر صاحب «الوسائل» للحديث ثلاث طرق:

الطريق الأوّل: ما رواه محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم.

وفيه أحمد بن محمّد بن أبي نصر، قال عنه النجاشي: «كوفي، لقي الرضا وأبا جعفر (علیهما السلام) ، وكان عظيم المنزلة عندهما»(2) ، وقال الشيخ: «كوفي، ثقة، لقي الرضا (علیه السلام) ، وكان عظيم المنزلة عنده، وروى عنه كتاباً»(3) ، كما

ص: 102


1- المحاسن 1 : 447، ح1035.
2- رجال النجاشي: 75/180.
3- فهرست الطوسي: 61/63.

عدّه الشيخ من المشايخ الذين لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة(1)،

وعدّه الكشّي من أصحاب الإجماع(2)، وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمّي»(3).

بحث رجالي في إبراهيم بن محمّد الثقفي

الطريق الثاني: ما رواه - أيضاً - عن العدّة، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، وقد سبق ذكرها.

وأما إبراهيم بن محمّد الثقفي، فقد قال النجاشي في حقّه: «أصله كوفي، ... وانتقل أبو إسحاق هذا إلى إصفهان، وأقام بها، وكان زيديّاً أولاً، ثمّ انتقل إلينا، ويقال: إنّ جماعة من القمّيين كأحمد بن محمّد بن خالد وفدوا إليه، وسألوه الانتقال إلى قم، فأبى، وكان سبب خروجه من الكوفة، أنّه عمل كتاب المعرفة، وفيه المناقب المشهورة والمثالب، فاستعظمه الكوفيون، وأشاروا عليه بأن يتركه ولا يخرجه، فقال: أيّ البلاد أبعد من الشيعة؟ فقالوا: إصفهان، فحلف: لا أروي هذا الكتاب إلّا بها؛ فانتقل إليها، ورواه بها ثقةً منه بصحة ما رواه فيه»(4) .

وهو وإن لم يرد فيه توثيق صريح، إلّا أنّه قد يستفاد من هذا النصّ أنّه من المستميتين في الولاية، هذا أولاً.

ص: 103


1- عدّة الأصول 1 : 154.
2- اختيار معرفة الرجال 2 : 830/1050.
3- أصول علم الرجال 1 : 213 ، 277 .
4- رجال النجاشي: 17/19.

وثانياً: أنّ ابن طاووس وثّقه في «الإقبال»(1) ، وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمّي»(2).

فعلى هذا يحكم بوثاقته.

وعن «فهرست» ابن النديم أنّ: «الثقفي إبراهيم بن محمّد الأصبهاني، من الثقات العلماء المصنفين»(3)

، وقال العلامة المجلسي: «إنّ له مدائح كثيرة»(4).

وأمّا محمّد بن مروان: فهو - بهذا العنوان - مشترك بين أربعة عشر شخصاً، والمعروف منهم أربعة:

1 - محمّد بن مروان الحنّاط، قال النجاشي عنه: «ثقة، قليل الحديث، له كتاب»(5) .

2 - محمّد بن مروان البصري، عدّه الشيخ من أصحاب الباقر والصادق (علیهما السلام) ، وحدّث عنه أُسيد بن زيد(6)

3 - محمّد بن مروان الأنباري، قال النجاشي عنه: «له كتاب نوادر»(7)

ص: 104


1- إقبال الأعمال: 15، وفيه: «رأيت في كتاب الحلال والحرام لإسحاق بن إبراهيم الثقفي، الثقة». إلّا أنّ آغابزرگ في الذريعة ذكر أنّ ما في المطبوع من الإقبال غلط، والصحيح «لأبي إسحاق إبراهيم». (راجع الذريعة 7 : 61).
2- أصول علم الرجال 1 : 211 ، 276 .
3- فهرست ابن النديم: 279.
4- معجم رجال الحديث 1 : 258/263.
5- رجال النجاشي: 360/967.
6- رجال الطوسي: 145/1587 ، و295/4308 .
7- رجال النجاشي: 345/930.

4 - محمّد بن مروان الذهلي، عدّه الشيخ من أصحاب الصادق (علیه السلام) (1)،

ولم يرد فيه توثيق.

والظاهر أنّ المراد به الذهلي؛ وذلك لأنّ الحناط قليل الحديث، وأمّا محمّد بن مروان البصري فالراوي عنه أُسيد بن زيد، والراوي هنا عن محمّد بن مروان غيره، ولا ينطبق على الثالث؛ لأنّه روى عنه محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري، فهو متأخّر طبقة.

وهم وإن لم يرد فيهم توثيق غير الأوّل، إلّا أنّه روى المشايخ الثقات عن محمّد بن مروان بنحو الإطلاق(2)، فإذا قلنا: إنه ينطبق على الذهلي، فيكون ثقة.

وأمّا أبان بن عثمان: فقد تقدّم ذكره.

والحديث مرسل فلا يكون معتبراً، إلّا على القول بأنه لمّا كان أبان بن عثمان من أصحاب الإجماع، وكل ما ورد عنهم فهو صحيح، فيكون الحديث معتبراً.

مضافاً إلى أنّ في السند أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، وهو لا يروي ولا يرسل إلّا عن ثقة، فإذا كان هذا شاملاً للإرسال حتّى مع الواسطة، ولا يختص بالمباشر عنه، فلا يضر الإرسال.

والنتيجة: أنّ الحديث مرسل، إلّا إذا سلكنا أحد المبنيين، أو قلنا بكفاية

ص: 105


1- رجال الطوسي: 295/4309.
2- أُصول علم الرجال 2 : 211 .

[9] 9 - وَعَنْهُ، عَنْ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَجْلانَ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّه (علیه السلام) : أَوْقِفْنِي عَلَى حُدُودِ الإِيمَانِ، فَقَالَ: «شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّه، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم)، وَالإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ(1) مِنْ عِنْدِ اللَّه، وَصَلاةُ الْخَمْسِ، وَأَدَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَحِجُّ الْبَيْتِ، وَوَلايَةُ وَلِيِّنَا، وَعَدَاوَةُ عَدُوِّنَا، وَالدُّخُولُ مَعَ الصَّادِقِينَ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

وجوده في «الكافي».

وأما الطريق الثالث: فقد تقدّم حال كلّ واحد منهم.

الكلام في حدود الایمان

[9] - فقه الحديث:

هذا الحديث - كالأحاديث السابقة - يدل على أنّ الصلاة والزكاة والصوم والحجّ والولاية من أهمّ الواجبات، ومن حدود الإيمان. نعم، في هذا الحديث بعض الإضافات التي لم تذكر في الأحاديث السابقة:

منها: الإقرار بما جاء من عند اللَّه، فيحتمل أن يكون المراد به: الإقرار الإجمالي بأحكام الشريعة، ويحتمل أن يكون المراد به: الإيمان بالشرايع السابقة والكتب المنزلة والملائكة، ولا يبعد هذا المعنى.

ص: 106


1- في المصدر زيادة: به.
2- الكافي 2 : 18، باب دعائم الاسلام ، ح 2.

وتؤيّده: الآيات القرآنية الكثيرة: كقوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كلّ آمَنَ بِاللَّه وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَك رَبَّنَا وَإِلَيْك الْمَصِيرُ}(1)

، وغيرها من الآيات. فالإقرار بسائر الشرايع والكتب المنزلة والملائكة - أيضاً - من حدود الإيمان.

ومنها: البراءة من أعداء اللَّه تعالى، والولاية لأولياء اللَّه، وهما متلازمان؛ وقد ورد في الأحاديث الكثيرة المتواترة بأنّ الدين هو الحبّ والبغض، بل هو الإيمان(2)

ومنها: ما أشار إليه (علیه السلام) بقوله: «والدخول مع الصادقين»، وفي ذلك إشارة إلى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}(3)

، والدخول مع الصادقين: عبارة أخرى عن الولاية، ذكرها الإمام (علیه السلام) . وإشارته (علیه السلام) إلى الآية الشريفة كأنّه ذِكرٌ لها، فتكون دليلاً على الولاية، ويكون الدخول حينئذ تفسيراً للكون معهم، وهو بمعنى الامتثال لأوامرهم ومتابعتهم. ويستفاد منها استمرارها لكل زمان؛ وذلك لأنّ الآية تتضمن الخطاب للمؤمنين كافة إلى يوم القيامة، ولا ينحصر الخطاب بزمان خاصّ، وفي ذلك دلالة على وجود الحجة (علیه السلام) ، وأنّ اللَّه سبحانه لا يخلي

ص: 107


1- البقرة، الآية 285.
2- الكافي 2 : 124 ، باب الحب في اللَّه، والبغض في اللَّه.
3- التوبة، الآية 119.

الأرض من حجّة على العباد إلى أن يرث اللَّه الأرض وما عليها.

مضافاً إلى دلالتها على العصمة؛ لأنّ الأمر بالكون مع الصادقين أو الدخول معهم، مطلق في كلّ الأحوال، وذلك مستلزم للعصمة، وإلّا لم تجب متابعتهم في كلّ الأحوال. وقد قامت الأدلّة على ثبوت العصمة للأئمّة (علیهم السلام) دون غيرهم، ولم يُدَّعَ ذلك في حقّ غيرهم، بل وردت الروايات من طرق العامّة - فضلاً عن الخاصة - بأنّ الآية نزلت في أمير المؤمنين (علیه السلام) ، وفي بعضها: أنّ المراد بهم الأئمّة (علیهم السلام) ، واعترف الفخر الرازي بدلالتها على وجود المعصوم، واستمرار بقائه، ولكنه ادعى: أنّ المراد به هو إجماع أهل الحلّ والعقد(1).

ووهن دعواه وبطلانها أوضح من أن يبيّن.

والحاصل: أنّ الحديث واضح الدلالة، فهو - مضافاً إلى إفادته وجوب الفرائض الخمس - يدلّ على حدود الإيمان وأهمّها الولاية والبراءة.

سند الحديث:

محمّد بن عيسى مشترك بين سبعة أشخاص، وهم:

1 - محمّد بن عيسى الأرمني.

2 - محمّد بن عيسى بن زياد، جدّ محمّد بن جعفر الرزّاز.

3 - محمّد بن عيسى بن سعد الأشعري، والد أحمد بن محمّد بن عيسى، وله «كتاب الخطب».

ص: 108


1- تفسير الفخر الرازي 16 : 227.

4 - محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني.

5 - محمّد بن عيسى الطلحي، له «دعوات الأيام».

6 - محمّد بن عيسى القطّان.

7 - محمّد بن عيسى الكندي.

والمشهور منهم ثلاثة: الأشعري، واليقطيني، والطلحي، وأشهر الثلاثة: اليقطيني. فالمطلق ينصرف إليه، وروى عنه عليّ بن إبراهيم بلا واسطة في اثنين وثمانين مورداً. وذكر السيد الأستاذ (قدس سره) في«المعجم»: أنّ روايته بواسطة أبيه غير صحيحة. وقد أحصاها إلى ستّة عشر مورداً (1)

ومحمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني: مورد للخلاف بين الرجاليين، قال النجاشي فيه: «جليل في أصحابنا، ثقة، عين، كثير الرواية، حسن التصانيف... ذكر أبو جعفر بن بابويه عن ابن الوليد أنّه قال: ما تفرّد به محمّد بن عيسى من كتب يونس وحديثه لا يعتمد عليه، ورأيت أصحابنا ينكرون هذا القول، ويقولون: من مثل أبي جعفر محمّد بن عيسى»(2) .

ونقل الكشّي عن القتيبي: «كان الفضل بن شاذان (رحمه الله) يحبّ العبيدي، ويثني عليه، ويمدحه، ويميل إليه، ويقول: ليس في أقرانه مثله. وبحسبك هذا الثناء من الفضل (رحمه الله) »(3)

ص: 109


1- معجم رجال الحديث 1 : 310 - 314 /332 .
2- رجال النجاشي: 333/896.
3- المصدر نفسه: 334.

وصرّح الكشّي بوثاقته في ترجمة محمّد بن سنان قائلاً: «وقد روى عنه الفضل، وأبوه، ويونس، ومحمّد بن عيسى العبيدي... وغيرهم من العدول، والثقات من أهل العلم»(1)

وورد في «تفسير القمّي» في موارد كثيرة(2)، وأيضاً في «مشيخة الفقيه» في الطريق إلى يوسف بن يعقوب(3).

وذكره الشيخ في غير مورد، منها ما في «الاستبصار»، وقال: بأنّه ضعيف، وقد استثناه أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه (رحمه الله) من جملة الرجال الذين روى عنهم صاحب نوادر الحكمة(4) .

وقال ابن نوح: «وقد أصاب شيخنا محمّد بن الحسن بن الوليد في ذلك كلّه، وتبعه أبو جعفر ابن بابويه (رحمه الله) على ذلك، إلّا في محمّد بن عيسى بن عبيد، فلا أدري ما رابه فيه؛ لأنّه كان على ظاهر العدالة والثقة»(5)

فيستفاد ممّا تقدّم نقله أو الإشارة إليه: أنّ منشأ رأي الشيخ في تضعيفه هو قول ابن الوليد، إلّا أنّه لا يقاوم وثاقته، بعدما عرفت من شهادة النجاشي، وتسالم الأصحاب على وثاقته، مضافاً إلى ما ذكره أبو العباس، والفضل بن

ص: 110


1- اختيار معرفة الرجال 2 : 796/979.
2- أصول علم الرجال 1 : 287 .
3- من لا يحضره الفقيه 4 : 523 ، المشيخة.
4- فهرست الطوسي: 216/611، والاستبصار 3 : 156.
5- رجال النجاشي: 348/939.

شاذان، والكشّي، ووروده في «تفسير القمّي»، فهذه الأمور تدلّ على وثاقته.

مضافاً إلى أنّ استثناء ابن الوليد إيّاه من «نوادر الحكمة» ليس حكماً بضعفه؛ وإنّما هو لتوقفه فيما يرويه عن يونس بإسناد منقطع، وفيما ينفرد بروايته، ولم يعلم الوجه في ذلك، وهو رأي خاصّ لابن الوليد، وتبعه الصدوق على ذلك؛ على أنّ ابن الوليد والصدوق قد رويا عن محمّد بن عيسى عن غير يونس، الأمر الذي يدلّ على أنّ محمّد بن عيسى لم يكن ضعيفاً في نفسه. وعليه فالظاهر عدم الإشكال في وثاقته.

وأمّا يونس بن عبد الرحمن: فقد قال النجاشي في حقه: «كان وجهاً في أصحابنا متقدّماً، عظيم المنزلة... وكان الرضا (علیه السلام) يشير إليه في العلم والفتيا، وكان ممّن بُذِل له على الوقف مال جزيل، فامتنع من أخذه، وثبت على الحقّ»(1)

، ووثّقه الشيخ، ووردت في حقّه روايات مادحة:

منها: ما روي عن الرضا (علیه السلام) : «... يونس بن عبدالرحمن في زمانه: كسلمان الفارسي في زمانه»(2)

ومنها: ما قاله العسكري (علیه السلام) لمّا عرض كتاب يونس عليه، حيث قال (علیه السلام) : «تصنيف من هذا»؟ فقلت: تصنيف يونس مولى آل يقطين، فقال: «أعطاه اللَّه بكلّ حرف نوراً يوم القيامة»(3)

ص: 111


1- رجال النجاشي: 447/1208.
2- اختيار معرفة الرجال 2 : 782/926 .
3- رجال النجاشي: 447/1208.

ومنها: ما عن يونس بن عبد الرحمن، قال: قال العبد الصالح: «يا يونس، أرفق بهم؛ فإنّ كلامك يدقّ عليهم»، قال: قلت: إنّهم يقولون لي زنديق، قال لي: «وما يضرّك أن يكون في يدك لؤلؤة فيقول الناس هي حصاة، وما كان ينفعك أن يكون في يدك حصاة فيقول الناس لؤلؤة»(1)

وأثنى عليه الفضل بن شاذان قائلاً: «ما نشأ في الإسلام رجل من سائر الناس كان أفقه من سلمان الفارسي، ولا نشأ رجل بعده أفقه من يونس بن عبد الرحمن»(2)

وهو من أصحاب الإجماع(3)

، ووقع في أسناد «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمّي»، وروى عنه المشايخ الثقات(4)

وأمّا عجلان بن أبي صالح في نسخة - والصحيح: عجلان أبو صالح، كما في «الكافي» - فقال الكشّي عنه: «محمّد بن مسعود قال: سمعت عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضّال يقول: عجلان أبو صالح ثقة، قال: قال له أبو عبد اللَّه (علیه السلام) : يا عجلان، كأنّي أنظر إليك إلى جنبي والناس يعرضون عليّ»(5) .

فسند الحديث معتبر.

ص: 112


1- اختيار معرفة الرجال 2 : 783/929 .
2- المصدر نفسه 2 : 780/914 .
3- المصدر نفسه 2 : 830/1050 .
4- أصول علم الرجال 1 : 244 ، 289 و ج2 : 218 .
5- اختيار معرفة الرجال 2 : 710/772 .

[10] 10 - وَعَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ محمّد الأَشْعَرِيِّ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ محمّد الزِّيَادِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عليّ الْوَشَّاءِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: عَلَى الصَّلاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالْحَجِّ، وَالْوَلايَةِ، وَلَمْ يُنَادَ بِشَيْ ءٍ مَا نُودِيَ بِالْوَلايَةِ»(1).

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) مِثْلَهُ(2)2*).

وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ السِّنْدِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ أَبَانٍ، عَنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) مِثْلَهُ(3)3*).

-----------------------------------------------------------------------------

[10] - فقه الحديث:

هذا الحديث وإن تقدّم مضمونه في الحديث الأوّل، إلّا أنّ في هذا زيادة وهي: «ولم ينادَ بشيء ما نودي بالولاية» وفي ذلك تقديم الحج على الصوم؛ ولذلك أفرده صاحب «الوسائل» (رحمه الله) بالذكر، فهو من حيث الدلالة واضح، فما ذكرناه هناك يأتي بعينه هنا.

ص: 113


1- الكافي 2 : 18، باب دعائم الاسلام ، ح 1.
2- 2*) المحاسن 1 : 445 ، ح 1033.
3- 3*) الكافي 2 : 21 ، باب دعائم الإسلام، ح 8، بزيادة في ذيله: يوم الغدير.

سند الحديث:

ورد الحديث بثلاثة أسانيد:

أمّا السند الأوّل: فالحسين بن محمّد الأشعري، وهو من مشايخ الكليني، وقد روى عنه كثيراً في موارد تزيد على ثمانمائة وخمسين مورداً، وقد نصّ النجاشي على وثاقته(1)، وورد في أسناد «تفسير القمّي» في القسم الثاني منه(2)

وأمّا معلّى بن محمّد الزيادي، فقال النجاشي عنه: «مضطرب الحديث والمذهب، وكتبه قريبة»(3)

وقال ابن الغضائري: «يعرف حديثه وينكر، ويروي عن الضعفاء، ويجوز أن يخرّج شاهداً»(4)

إلّا أنّ وروده في أسناد «تفسير القمّي»(5) موجب للحكم بوثاقته؛ إذ النجاشي لم يضعّفه صريحاً فقوله: «مضطرب الحديث»: إشارة إلى ما ذكره ابن الغضائري من أنّ حديثه يعرف وينكر. وهو وإن ورد في «كامل

ص: 114


1- رجال النجاشي: 66/15.
2- أصول علم الرجال 1 : 279، وفيه: الحسن، والصحيح: الحسين .
3- رجال النجاشي: 418/1117.
4- خلاصة الأقوال: 409.
5- أصول علم الرجال 1 : 288 .

الزيارات»(1)

، إلّا أنّه ليس من شيوخ ابن قولويه، فلا يشمله التوثيق.

وأمّا الحسن بن عليّ الوشّاء: فقد قال النجاشي: «خَيِّر، من أصحاب الرضا (علیه السلام) ، وكان من وجوه هذه الطائفة. وذكر أنّ أحمد بن محمّد بن عيسى قال: خرجت إلى الكوفة في طلب الحديث، فلقيت بها الحسن بن عليّ الوشّاء، فسألته أن يخرج لي كتاب العلاء بن رزين القلّاء وأبان بن عثمان الأحمر، فأخرجهما إليّ، فقلت له: أُحبّ أن تجيزهما لي، فقال لي: يا رحمك اللَّه، وما عجلتك؟ اذهب فاكتبهما، واسمع من بعد، فقلت: لا آمن الحدثان، فقال: لو علمت أنّ هذا الحديث يكون له هذا الطلب لاستكثرت منه؛ فإنّي أدركت في هذا المسجد تسعمائة شيخ، كلّ يقول: حدّثني جعفر بن محمّد (علیه السلام) . وكان هذا الشيخ عيناً من عيون هذه الطائفة»(2)،

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمّي»(3)

وأمّا أبان بن عثمان: فقد تقدّم ذكره.

وأمّا الفضيل: فمن المحتمل أن يكون هو الفضيل بن يسار، فإن كان هو فقد تقدّم ذكره، إلّا أنّه بعيد؛ إذ الفضيل بن يسار لم يرو عن أبي حمزة الثمالي إلّا في مورد واحد. فيحتمل أن يراد به محمّد بن الفضيل؛ لأنّه كثيراً ما يروي عن أبي حمزة، وعليه فهو مشترك.

ص: 115


1- كامل الزيارات: 258 ، ب 50 ، ح 390 .
2- رجال النجاشي: 39 - 40/80 .
3- أصول علم الرجال 1 : 218 ، 279 .

واحتمل بعضهم: أن يكون هو الأزدي، ويحتمل أن يراد به الضبّي الذّي وثّقه الشيخ وعدّه من أصحاب الصادق (علیه السلام) (1)،إلّا أنّ المشهور هو: الأزدي، وهو وإن ضعّفه الشيخ، إلّا أنّه ذكره في أصحاب الرضا (علیه السلام) وقال:

إنّه «يرمى بالغلو»(2)،

وعدّه الشيخ المفيد من الفقهاء الأعلام ... الخ(3) وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمّي»، وروى عنه المشايخ الثقات(4).

فيظهر أنّ تضعيف الشيخ راجع إلى المذهب، فعلى ذلك يحكم بوثاقته.

هذا، ومن المحتمل أن يكون في السند تصحيف الواو ب- «عن»، فالسند هكذا: عن الفضيل وأبي حمزة، فهما معاً يرويان عن أبي جعفر (علیه السلام) ؛ ويؤيّد هذا الاحتمال الطريق الثالث، إضافة إلى الحديث الأوّل من الباب.

وأمّا أبو حمزة: فهو الثمالي ثابت بن دينار، وثّقه النجاشي وقال فيه: «كان من خيار أصحابنا، وثقاتهم، ومعتمديهم في الرواية والحديث، وروي عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) أنّه قال: أبو حمزة في زمانه مثل سلمان في زمانه»(5) .

ووثّقه الشيخ والصدوق في «المشيخة»، ووقع في أسناد «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمّي»(6). فالسند معتبر.

ص: 116


1- رجال الطوسي: 292/4257.
2- المصدر نفسه: 365/5423.
3- الرسالة العددية - ضمن مصنفات الشيخ المفيد 9 : 43.
4- أصول علم الرجال 1 : 239 ، 287 وج2 : 210 .
5- رجال النجاشي: 115/296.
6- فهرست الطوسي: 90/138 ، ومن لا يحضره الفقيه 4 : 444 ، المشيخة ، وأصول علم الرجال 1 : 245 ، 290.

وأمّا السند الثاني: فالبرقي وابن محبوب وأبو حمزة قد تقدّم ذكرهم، فهذا السند - أيضاً - صحيح.

وأمّا السند الثالث: فعليّ بن إبراهيم تقدّم ذكره.

وأمّا صالح بن السندي، فلم يرد فيه شي ء، إلّا أنّه ورد في أسناد «نوادر الحكمة»(1)، وأيضاً روى عن جعفر بن بشير كما في هذا السند، فبناء على ما قاله النجاشي من أنّه: «روى عن الثقات، ورووا عنه» واستفيد منها الدلالة على التوثيق لكل من روى عنهم ورووا عنه، فهو مشمول لهذا التوثيق أيضاً، ولكن في هذا البناء تأمّل فصّلناه في «اصول علم الرجال»(2) .

وأمّا جعفر بن بشير، فقال النجاشي فيه: «من زهّاد أصحابنا، وعبّادهم، ونسّاكهم، وكان ثقة، وقال: روى عنه الثقات، ورووا عنه»(3) .

وقال الشيخ: «ثقة، جليل القدر»(4) ، وروى عنه المشايخ الثقات(5) .

والحاصل: أنّ هذا السند - أيضاً - معتبر، وعليه فالحديث بجميع أسانيده معتبر.

ص: 117


1- أصول علم الرجال 1 : 224 .
2- المصدر نفسه 2 : 230 - 232 .
3- رجال النجاشي: 119/304.
4- فهرست الطوسي: 92/142.
5- أصول علم الرجال: 2 : 184 .

[11] 11 - وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ مُثَنًّى الْحَنَّاطِ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ عَجْلانَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ(1): الْوَلايَةِ، وَالصَّلاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَالْحَجِّ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[11] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على وجوب هذه الأمور المذكورة. نعم، يختلف عن بقيّة الأحاديث في: أنّ الولاية ذكرت في أوّل هذه الخمسة، وقد أشرنا إلى ذلك فيما تقدّم، وقلنا: إن كان المناط مراعاة الأفضليّة، فلاشك أنّ الولاية هي المقدّمة، وإن كان المناط مراعاة المناسبة، فالأنسب مراعاة التأخير؛ لأنّ بها كمال الدين وتمام النعمة.

سند الحديث:

العدّة التي تروي عن سهل بن زياد قد تقدّمت، وكذا سهل وأحمد بن محمّد بن أبي نصر، قد تقدّما أيضاً.

وأمّا مثنّى الحنّاط: فهو مشترك بين ثلاثة أشخاص:

1 - مثنّى بن راشد.

ص: 118


1- في المصدر زيادة: دعائم.
2- الكافي 2 : 21، باب دعائم الإسلام ، ح 7.

2 - مثنّى بن عبد السلام.

3 - مثنّى بن الوليد.

ونقل الكشّي عن محمّد بن مسعود، عن عليّ بن الحسن، أنّه قال: «سلام، والمثّنى بن الوليد، والمثّنى بن عبد السلام، كلهم حنّاطون، كوفيّون، لا بأس بهم»(1) وقوله: «لا بأس بهم»: إشعار بالحسن، أو التوثيق، وعليه فهذا الكلام يدل على وثاقة اثنين من هؤلاء، وهما: الثاني والثالث. وأمّا المثنّى بن راشد، فغير مذكور في كلام الكشّي، ولكن ورد في أسناد «نوادر الحكمة» بعنوان مثنّى الحنّاط(2) وروى عن جميعهم المشايخ الثقات، كما في هذا السند؛ فقد روى أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي عن مثّنى الحنّاط. وبذلك يحكم بوثاقتهم جميعاً.

وأمّا عبد اللَّه بن عجلان: فعدّه ابن شهرآشوب من خواصّ أصحاب الصادق (علیه السلام) (3).

ويظهر هذا من الروايات التي نقلها الكشّي أيضاً(4)

، وذلك لا يقصر عن الوثاقة والجلالة، مضافاً الى رواية المشايخ الثقات عنه. وعليه فهذا السند معتبر.

ص: 119


1- اختيار معرفة الرجال 2 : 629/623.
2- أصول علم الرجال 1 : 235 .
3- مناقب آل أبي طالب 3 : 400.
4- اختيار معرفة الرجال 2 : 512/443 و 444 و445.

[12] 12 - وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ السِّنْدِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ عليّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَسْأَلُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (علیه السلام) عَنِ الدِّينِ الَّذِي افْتَرَضَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْعِبَادِ، مَا لا يَسَعُهُمْ جَهْلُهُ، وَلا يَقْبَلُ مِنْهُمْ غَيْرَهُ، مَا هُوَ؟ فَقَالَ: «شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّه، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّه، وَإِقَامُ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَحِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً، وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَالْوَلايَةُ»، الْحَدِيثَ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[12] - فقه الحديث:

الحديث كما في «الكافي»: عن أبي بصير قال: سمعته يسأل أبا عبد اللَّه (علیه السلام) ، فقال له: جعلت فداك، أخبرني عن الدين الذي افترض اللَّه عزّوجلّ على العباد، ما لا يسعهم جهله، ولا يقبل منهم غيره، ما هو؟ فقال: «أعد عليّ»، فأعاد عليه، فقال: «شهادة أن لا إله إلّا اللَّه، وأنّ محمداً(صلی الله علیه و آله و سلم) رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً، وصوم شهر رمضان»، ثمّ سكت قليلاً، ثمّ قال: «والولاية» - مرّتين - ثمّ قال: «هذا الذي فرض اللَّه على العباد، ولا يسأل الربّ العباد يوم القيامة، فيقول: ألا زدتني على ما افترضت عليك؟! ولكن من زاد زاده اللَّه، إنّ رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم) سنّ سنناً حسنة

ص: 120


1- الكافي 2 : 22 ، كتاب الإيمان والكفر، باب دعائم الإسلام، ح 11.

جميلة، ينبغي للناس الأخذ بها».

وهو دالٌّ على الوجوب بوضوح؛ حيث افترض اللَّه تعالى تلك الأمور على العباد، ولا يسع أحدهم جهلها، بمعنى أنّه لا عذر لهم فيها، ولا يقبل منهم غيرها. ولم يذكر الجهاد في هذا الحديث، وقد تقدّم أنّه لازم للولاية؛ إذ لا يتمّ الجهاد إلّا بأمر الإمام (علیه السلام) ، فهو تابع لها.

وقد شدّد الإمام (علیه السلام) على أمر الولاية بذكرها مرتين، كما نبّه (علیه السلام) على وجود أمور مستحبّة، يحسن بالمؤمن الإتيان بها، وهي ما سنّه النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) من السنن الحسنة الجميلة؛ فإنّها توجب رفع الدرجات، وزيادة الثواب والحسنات، وهي وإن لم تكن واجبة، ولن يسأل عنها المرء يوم القيامة، إلّا أنّ في تفويتها حرماناً من الخير الكثير، والثواب الجزيل من الربّ الجليل.

والحاصل: أنّ الأمور المذكورة مفترضة على العباد، ولا عذر لهم في التهاون بها، وعليهم الإتيان بها كما أراد اللَّه تعالى.

بحث رجالي في علي بن أبي حمزة

سند الحديث:

عليّ بن إبراهيم وصالح بن السندي وجعفر بن بشير تقدّم الكلام حولهم.

وأمّا عليّ بن أبي حمزة، فهو البطائني، وقد وقع الخلاف في وثاقته وعدمها، بعد الاتّفاق على أنّه كان في أوّل أمره من الأجلّاء الثقات. والسبب في الاختلاف هو ذهابه إلى القول بالوقف على الإمام موسى بن جعفر (علیه السلام) ، ودعواه أنّه لم يمت، وإنّما غاب كغيبة موسى بن عمران؛ وكان الدافع لهذا القول هو الطمع في حطام الدنيا؛ فإنّه كان من وكلاء

ص: 121

الإمام (علیه السلام) ، فلمّا استشهد (علیه السلام) طالبه الإمام الرضا (علیه السلام) بالأموال المودعة عنده، فشحّت نفسه، وادّعى أنّ الإمام لم يمت، وناوَأ الإمام الرضا (علیه السلام) ، وقد لعنه (علیه السلام) ، وشهد عليه بالكذب، وأخبر بأنّ مصيره إلى النار(1) .

ويعتبر أحد أعمدة الوقف، ووردت فيه روايات كثيرة تذمّه، وتبطل دعواه، وقد عقدنا في مباحثنا الرجاليّة مبحثاً خاصّاً به(2) ، ذكرنا فيه الوجوه الدالّة على وثاقته، والوجوه الدالّة على ضعفه، واستنتجنا أنّ له حالتين: حالة قبل الوقف، وحالة بعده، فهو - قبل قوله بالوقف - ثقة، ويمكن الاعتماد على رواياته، وأمّا بعده فلا، ولذا لابدّ من الفحص في الروايات، وملاحظة القرائن الدالّة على أنّ روايته كانت قبل الوقف، أو أنّها منقولة من أصله أو كتبه، فيؤخذ بها. ولعلّ منها هذه الرواية؛ حيث إنّ الراوي فيها جعفر بن بشير، وهو لا يروي إلّا عن الثقات، كما نصّ على ذلك النجاشي(3).

هذا، مضافاً إلى أنّ النجاشي قال: «روى عن أبي الحسن موسى، وروى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، ثمّ وقف»(4)،

فيمكن أن يستفاد من هذا الكلام: أنّ رواياته كانت قبل وقفه، فكل ما ينقل عنه من الروايات في الكتب الأربعة كانت صادرة منه قبل وقفه، وفي حال استقامته. وأمّا إذا كانت الرواية عنه

ص: 122


1- اختيار معرفة الرجال 2 : 742/833 و834 ، المناوأة: المعاداة، لسان العرب 4 : 4044 ، مادة: نوأ.
2- أصول علم الرجال 2 : 374 - 389 .
3- رجال النجاشي: 119/304، وفيه «روى عن الثقات، ورووا عنه».
4- المصدر نفسه: 249/656.

صادرة بعد قوله بالوقف، فلا يمكن الاعتماد عليها.

وأمّا أبو بصير: فهو مشترك بين خمسة أشخاص، وهم:

1 - أبو بصير يحيى بن القاسم.

2 - أبو بصير ليث بن البختري المرادي.

3 - عبد اللَّه بن محمّد الأسدي.

4 - يوسف بن الحارث.

5 - حمّاد بن عبد اللَّه بن أُسيد الهروي.

والمعروف منهم الأوّلان، وأمّا عبد اللَّه بن محمّد الأسدي فلم نعهد له رواية في الكتب الأربعة.

ويحيى بن القاسم قد وثّقه النجاشي فقال: «ثقة، وجيه»(1)

، وهو من أصحاب الإجماع على قولٍ(2). وذكر في أحواله أنّه ولد مكفوفاً، ورأى الدنيا مرّتين، مسح أبو عبد اللَّه (علیه السلام) على عينيه فقال: «انظر، ما ترى»؟ فقال:

أرى كوّة في البيت، وقد أرانيها أبوك من قبلك(3).

وأمّا ليث بن البختري المرادي، فقد وثّقه ابن الغضائري(4) ، وهو من أصحاب الإجماع(5).

ص: 123


1- رجال النجاشي: 441/1187.
2- اختيار معرفة الرجال 2 : 507/431 .
3- خلاصة الأقوال: 417.
4- المصدر نفسه: 234.
5- اختيار معرفة الرجال 2: 507/431 .

[13] 13 - وَعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عليّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ السِّمْطِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «الإِسْلامُ هُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي عَلَيْهِ النَّاسُ: شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّه(1)، وَأَنَّ مُحَمَّداً (رَسُولُ اللَّه)(صلی الله علیه و آله و سلم)(2)، وَإِقَامُ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَحِجُّ الْبَيْتِ، وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَهَذَا الإِسْلامُ»(3).

-----------------------------------------------------------------------------

مضافاً إلى أنّه قد وردت في كلّ منهما روايات مادحة، وبعضها صحيح السند، ووقع بعنوان أبي بصير في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمّي»، وروى عنه المشايخ الثقات(4).

وعليه فلا إشكال في وثاقتهما.

إلّا أنّ الأشهر منهما هو: يحيى بن القاسم، وهو المراد في هذه الرواية؛ بقرينة رواية عليّ بن أبي حمزة البطائني عنه، وقد كان قائده. وعليه فإن كان الراوي عنه عليّ بن أبي حمزة أو الحسن بن عليّ فهو يحيى بن القاسم، وإن كان ابن مسكان أو المفضّل فهو ليث المرادي. وعليه فالسند معتبر.

[13] - فقه الحديث:

دلّ المقدار الذي أورده المصنّف من الحديث على وجوب الأمور

ص: 124


1- في المصدر زيادة: وحده لا شريك له.
2- في المصدر: عبده ورسوله.
3- الكافي 2 : 24، الإيمان والكفر، باب أن الإسلام يحقن به الدم و..، ح4.
4- أصول علم الرجال 1 : 245 ، 289 و ج2 : 219 .

المذكورة، وأنّ الإسلام عنوان للمتّصف بها، وأنّه لا يتّم إسلام المرء إلّا بها، كما مرّ في الأحاديث السابقة.

وأمّا المقدار الذي لم يذكره المصنّف فقد اشتمل على بيان الفرق بين الإسلام والإيمان، كما أشرنا إلى ذلك فيما تقدّم، وأنّ عنوان الإيمان هو الولاية، الذي أشار إليه الإمام (علیه السلام) بقوله: «الإيمان معرفة هذا الأمر»، وبيّن (علیه السلام) : أنّ من لم يعرف هذا الأمر وإن كان حكم الإسلام جارياً عليه، إلّا أنّه ليس بمؤمن؛ لأنّه ترك طريق الهداية والاستقامة.

ويستشعر من الحديث: أنّه كان في ظرف التقية؛ فإنّ الإمام (علیه السلام) لم يجب السائل بعد أن سأله مرّتين، ولمّا أراد أن يجيبه أمره أن يلقاه في بيته (علیه السلام) .

والحاصل: أنّ هناك فرقاً بين الإسلام والإيمان، وأنّ الإيمان أخصّ من الإسلام. وسيأتي في الأحاديث التالية ما يوضّح الفرق بصورة أجلى، مضافاً إلى دلالة الأحاديث على المراد.

بحث رجالي في عليّ بن الحكم

سند الحديث:

محمّد بن يحيى هو العطّار، وأحمد بن محمّد هو ابن عيسى، وكلاهما قد تقدّما.

وأمّا عليّ بن الحكم: فقال الشيخ: «علي بن الحكم الكوفي، ثقة، جليل القدر»(1)

ص: 125


1- فهرست الطوسي: 151/376.

وورد في «نوادر الحكمة» و«تفسير القمّي»(1)

وقد وقع هذا العنوان مورداً للخلاف من حيث الاتّحاد والاشتراك. وبيان ذلك:

أنّ عليّ بن الحكم يطلق ويراد به أحد ثلاثة:

1 - عليّ بن الحكم الأنباري، ذكره الكشّي، ونقل عن محمّد بن عيسى: أنّه تلميذ ابن أبي عمير، ولقي من أصحاب أبي عبد اللَّه (علیه السلام) الكثير. وهو مثل ابن فضّال وابن بكير(2) ، أي في الخصوصيّات، وكثرة الروايات. وعليه فبشهادة محمّد بن عيسى يكون الأنباري ثقة.

2 - عليّ بن الحكم بن الزبير النخعي، ذكره النجاشي، ولم يذكره بمدح ولا توثيق، وقال: «له كتاب يرويه أحمد بن أبي عبد اللَّه البرقي»(3)

3 - عليّ بن الحكم الكوفي، ذكره الشيخ في «الفهرست»، وقال: «إنّه ثقة، جليل القدر، له كتاب، يروي عنه أحمد بن أبي عبد اللَّه البرقي»(4) .

وقال العلّامة المجلسي في رجاله(5): إنّ ظنّ الاشتراك خطأ، أي: يكون

ص: 126


1- أصول علم الرجال 1 : 230 ، 284 .
2- اختيار معرفة الرجال 2 : 840/1079.
3- انظر رجال النجاشي: 274/718.
4- انظر: فهرست الطوسي: 151/376، وراجع أيضاً: رجال النجاشي: 274/718.
5- الوجيزة في الرجال: 122/ 1254 .

المراد من جميعهم واحداً. بينما ذكر العلّامة المامقاني(1) سبعة وجوه لاتّحاد هذه العناوين، واستظهر السيد الأستاذ (قدس سره) (2) الاتّحاد أيضاً، وهو الصحيح؛ ووجه ذلك:

أنّ الشيخ النجاشي ذكر في ترجمة عليّ بن الحكم بن الزبير أنّه نخعي(3)، وذكر في ترجمة صالح بن خالد أبي شعيب المحاملي: أنّه روى كتاب عليّ بن الحكم بن الزبير الأنباري(4)، ويظهر منه: أنّ الأنباري هو النخعي. وأمّا اتّحاد ابن الزبير النخعي مع عليّ بن الحكم الكوفي، فيظهر ممّا ذكره الشيخ في «رجاله» في أصحاب الرضا (علیه السلام) ، حيث قال: «علي بن الحكم بن الزبير، مولى النخع، كوفي»(5).

ومقتضى الجمع بين هذه الموارد هو: أنّ عليّ بن الحكم بن الزبير النخعي هو الأنباري، وهو الكوفي أيضاً. هذا، ويمكن إبداء قرائن أخرى:

منها: أنّ الشيخ ذكر واحداً منهما، والنجاشي ذكر الآخر، فيبعد أن يكونا متعدّدين؛ إذ أنّ ابن الزبير ذكره النجاشي، والكوفي ذكره الشيخ، وكل منهما له كتاب، يرويه سعد عن البرقي عنهما.

ص: 127


1- تنقيح المقال 2 : 285/ 8253، الطبع الحجري.
2- معجم رجال الحديث 12: 425/ 8101، و ص426/8102.
3- رجال النجاشي: 274/ 718.
4- المصدر نفسه: 201/ 535، و ص456/ 1240، وفيه أنّه «مولى عليّ بن الحكم بن الزبير... له كتاب». ولم يذكر أنّه روى كتاب عليّ بن الحكم.
5- رجال الطوسي: 361/5344.

[14] 14 - وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، وَعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد جَمِيعاً، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عليّ بْنِ رِئَابٍ، عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) - فِي حَدِيثِ الإِسْلامِ وَالإِيمَانِ - قَالَ: «وَاجْتَمَعُوا عَلَى الصَّلاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالْحَجِّ، فَخَرَجُوا بِذَلِكَ مِنَ الْكُفْرِ، وَأُضِيفُوا إِلَى الإِيمَانِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

ومنها: أنّ الصدوق ذكر طريقه إلى عليّ بن الحكم، ولم يقيّده بواحد من الثلاثة(2).

ومنها: وروده بعنوان عليّ بن الحكم مطلقاً في «نوادر الحكمة» و«تفسير القمّي».

وعليه فالتعدّد بعيد، فكلّما ورد عليّ بن الحكم في الروايات يحكم بوثاقته، وأنّه واحد.

وأمّا سفيان بن السّمط: فهو وإن لم يرد فيه توثيق، إلّا أنّ المشايخ الثقات قد رووا عنه(3)،

وهذا يكفي في توثيقه. وعليه فالسند معتبر.

[14] - فقه الحديث:

وهذا الحديث من الأحاديث المهمّة المتكفّلة لبيان أمور هامّة، وهو

ص: 128


1- الكافي 2 : 26، كتاب الإيمان والكفر، باب أن الإيمان يشرك الإسلام و...،ح5.
2- من لا يحضره الفقيه 4 : 489 ، المشيخة.
3- أصول علم الرجال 2 : 194 .

طويل. واكتفى صاحب «الوسائل» بذكر محلّ الشاهد منه، وهو يدلّ على أهمّيّة هذه الأمور المذكورة، كما أنّه يدلّ على الفرق بين الإسلام والإيمان، وأنّ بينهما عموماً وخصوصاً مطلقاً، فكلّ مؤمن مسلم، وليس كلّ مسلم بمؤمن. وقد بيّن الإمام (علیه السلام) ذلك بما ضربه من المثال، من صحّة الشهادة على دخول المسجد بالدخول في الكعبة، وعدم صحّة الشهادة على دخول الكعبة بالدخول في المسجد، واستشهد (علیه السلام) بالآية الشريفة في دعوى الأعراب الإيمان، وزجرهم على ذلك، وتنبيههم على أنّهم لم يؤمنوا، وإنّما أسلموا.

ومن هذا يعلم: أنّ الإيمان أخص من الإسلام. كما أنّه (علیه السلام) بيّن فيه أنّ الإيمان هو ما استقرّ في القلب، وأفضى به إلى اللَّه عزّوجلّ، وصدّقه العمل بالطاعة، والتسليم لأمره تعالى، فهذا معنى الإيمان، بينما الإسلام هو ما ظهر من قول أو فعل.

نعم، يشترك المؤمن والمسلم في الأعمال الظاهرة، من الصلاة والزكاة والصيام والحجّ، ويفترقان في قبول الأعمال، والثواب عليها، ونيل الدرجات، والفضل عند اللَّه تعالى.

وقد يتراءى أنّه مخالف لما تقدّم من الأحاديث؛ فإنّ الأحاديث السابقة تفيد أنّ عنوان الإيمان هو الولاية، ومعرفة هذا الأمر، بينما ذكر هذا الحديث: «الإيمان ما استقرّ في القلب، وأفضى به إلى اللَّه عزّوجلّ، وصدّقه العمل بالطاعة للَّه، والتسليم لأمره»، وظاهر ذلك التنافي بين الأحاديث. ولكن يمكن الجمع بينها، بأن يقال: إنّ قوله: «والتسليم لأمره»: إشارة إلى

ص: 129

الولاية؛ لأنّ أمر الولاية وجعلها إنّما هو بيد اللَّه تعالى.

وأما قوله (علیه السلام) : «ما استقرّ في القلب، وأفضى به الى الله عزوجل، وصدّقه العمل بالطاعة لله» أيضاً تكون من مقومات الولاية، وأنّها لا تتحقّق إلّا بذلك، فهما أيضاً شرطان في الولاية.

ومن ذلك يعلم: أنّ أحاديث الباب على أقسام أربعة:

الأوّل: ما ورد فيها ذكر الأمور الخمسة، وهي: الصلاة والزكاة والحجّ والصوم والولاية.

الثاني: ما ورد فيها - زيادة على ذلك - الشهادتان والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وتقدّم منّا أنّها لا تنافي القسم الأوّل؛ فإنّ الشهادتين لازمتان للأمور الخمسة، والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من توابع الولاية.

الثالث: ما ورد فيها ذكر الأربعة الأول من دون ذكر الولاية، وقلنا: إنّها محمولة على الإسلام فقط.

الرابع: ما ورد فيها: أنّ الإيمان هو ما استقرّ في القلب، وصدّقه العمل بالطاعة، مضافاً إلى التسليم لأمر اللَّه. فإذا كان المراد به هو الولاية فهو، وإلّا فلابدّ من تقييده بالقسم الأوّل والثاني، ويكون الإيمان مركّباً من أمرين: الولاية، والاستقرار في القلب والتصديق بالعمل.

ص: 130

سند الحديث:

روى الكليني الحديث بطريقين:

الأوّل: عدّة، عن سهل بن زياد، وقد تقدّمت العدّة وسهل.

والثاني: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، وتقدّما كلاهما، ويلتقي الطريقان في ابن محبوب، وقد تقدّم أيضاً.

وأما عليّ بن رئاب، فقد قال الشيخ عنه: «له أصل كبير، وهو ثقة، جليل القدر»(1) ، وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمّي»، وروى عنه المشايخ الثقات(2)

وأما حمران بن أعين: فقد وردت في الكشّي عدّة روايات تدلّ على جلالته.

منها: ما روي عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) أنّه كان يقول: «حمران بن أعين، مؤمن لا يرتّد - واللَّه - أبداً».

ومنها: ما روي عنه (علیه السلام) - أيضاً - أنّه قال: «حمران، رجل من أهل الجنة»، وغيرها من الروايات(3)

والحديث صحيح بالطريق الثاني.

ص: 131


1- فهرست الطوسي: 151/375.
2- أصول علم الرجال 1 : 230 ، 284، و ج2 : 202 .
3- اختيار معرفة الرجال 1 : 412/304.

[15] 15 - وَعَنْ عليّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ آدَمَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ محمّد بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّه، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحِجِّ الْبَيْتِ، وَصِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ»(1).

----------------------------------------

[15] - فقه الحديث:

دلّ المقدار الذي أورده صاحب «الوسائل» على أهمّيّة هذه الأمور الخمسة، وأنّها تمثّل الإسلام، وهي مخالفة لما تقدّم؛ حيث لم يذكر فيها الولاية، ولكنّ المراد بالإسلام هنا هو المعنى الأعمّ؛ بقرينة قوله (علیه السلام) : «فلمّا أذن اللَّه لمحمد(صلی الله علیه و آله و سلم) في الخروج من مكّة إلى المدينة بنى الإسلام»، الخ. والحديث طويل، وفيه مضامين عالية، وأحكام كثيرة، ولكن صاحب «الوسائل» اكتفى بذكر محلّ الشاهد فيه، كما هو عادته.

سند الحديث:

عليّ بن محمّد: من مشايخ الكليني، وهو مشترك بين شخصين:

الأوّل: عليّ بن محمّد بن عبد اللَّه بن عمران الجنابي، أبو الحسن، القمّي، البرقي، كان أبوه محمّد بن عبد اللَّه يكنّى أبا عبد اللَّه، ماجيلويه،

ص: 132


1- الكافي 2 : 28، كتاب الإيمان والكفر، باب بلا عنوان، ح1.

وجدّه عبد اللَّه بن عمران يكنّى أبا القاسم، وكان محمّد بن عبد اللَّه صهراً لأحمد بن محمّد بن خالد البرقي؛ فعلي بن محمّد هذا ابن بنت البرقي، وقد روى الكليني عنه مائة وستّة وأربعين مورداً، وعبّر عنه تارة: بعلي بن محمّد بن بندار، وأخرى: بعلي بن محمّد بن عبد اللَّه، وثالثة: بعلي بن محمّد، ووثّقه النجاشي بقوله: «علي بن أبي القاسم، عبد اللَّه بن عمران، البرقي، المعروف أبوه بماجيلويه، يكنّى أبا الحسن، ثقة، فاضل، فقيه، أديب، رأى أحمد بن محمّد البرقي، وتأدّب عليه، وهو ابن بنته»(1).

والثاني: عليّ بن محمّد بن إبراهيم بن أبان، أبو الحسن، الرازي، الكليني، المعروف بعلّان، وهو خال الكليني، روى عنه في غير العدّة ما يقرب من خمسمائة مورد، وقد وثّقه النجاشي فقال: «ثقة، عين، له كتاب أخبار القائم (علیه السلام) »(2).

وعلى كلّ تقدير فعلي بن محمّد ثقة.

وأما قوله عن بعض أصحابه فهو إرسال.

وأما آدم بن إسحاق: فقد قال النجاشي: «آدم بن إسحاق بن آدم بن عبد اللَّه بن سعد الأشعري، قمي، ثقة»(3)

وأمّا عبد الرزاق بن مهران والحسين بن ميمون: فلم يرد فيهما شي ء،

ص: 133


1- رجال النجاشي: 261/683 .
2- المصدر نفسه: 261/682.
3- المصدر نفسه: 105/262.

وليس لهما في الكتب الأربعة غير هذه الرواية.

نعم، ورد في تهذيب الكمال: «الحسين بن ميمون، قال عليّ بن المديني: ليس بمعروف، قلّ من روى عنه، وقال أبو زرعة: شيخ، وقال أبو حاتم: ليس بقويّ في الحديث، يكتب حديثه، وذكره ابن حبّان في كتاب الثقات، وقال: ربما أخطأ. روى له أبو داود والنسائي في «مسند علي» حديثاً واحداً، وذكر الحديث بطوله وهو مشتمل على أنّ رسول اللَّه أعطى علياً (علیه السلام) الولاية لتقسيم الخمس من سهم ذوي القربى والسّادة في حياته(صلی الله علیه و آله و سلم) وكانت بيده (علیه السلام) واستمر حتّى آخر سنة من سني عمر، فإنه أتاه مال كثير...»(1)، الحديث. فلعلّه ينطبق على هذا.

وأمّا محمّد بن سالم: فهو مشترك بين جماعة، والمعروف منهم ثلاثة أشخاص، وهم:

1 - محمّد بن سالم بن أبي سلمة، الكندي، السجستاني، ولم يرد فيه توثيق.

2 - محمّد بن سالم بن شريح، الأشجعي، الحذّاء، وفي وثاقته خلاف؛ وذلك لأنّ الشيخ قال في ترجمته: «أسند عنه، مات سنة اثنتين وتسعين ومائة، وهو ابن تسع وخمسين سنة، ويقال له: سالم الحذّاء، وسالم الأشجعي، وسالم بن أبي واصل، وسالم بن شريح، وهو ثقة»(2).

ص: 134


1- انظر: تهذيب الكمال 6 : 489 - 491 .
2- رجال الطوسي: 284/ 4122 .

فإن كان قوله: «وهو ثقة» يرجع إلى محمّد - كما ذهب إليه العلّامة المامقاني (قدس سره) نافياً عنه الخفاء؛ لكونه بصدد بيان حاله، وإنّما فصل بين التوثيق وبين محمّد بن سالم بأسماء الأب - فهو ثقة، وإن كان يرجع إلى سالم - كما جزم به السيد الأستاذ (قدس سره) - فيكون التوثيق لأبيه(1)

وبما أنّه مورد للشكّ فلا يمكننا الحكم بوثاقته.

ثمّ إنّ في قول الشيخ «أسند عنه»: إشارة إلى أنّه مورد للعناية والاهتمام، فيدل على الحسن، على ما ذهب إليه بعضهم، وتفسير هذه الجملة: «أسند عنه» قد حقّقناه في «أصول علم الرجال»، وارتأينا بأنّه لا يفيد توثيقاً ولا مدحاً(2)

3 - محمّد بن سالم بن عبد الحميد، وقد نصّ الكشّي على وثاقته، حيث ذكره هو وغيره فقال: «هؤلاء كلهم فطحية، وهم من أجلّة العلماء والفقهاء والعدول، وبعضهم أدرك الرضا (علیه السلام) ، وكلهم كوفيّون»(3)،

وذكره الشيخ في أصحاب الجواد (علیه السلام) (4) ، وهو غير مراد في هذا السند ظاهراً؛ فإنّ الرواية عن أبي جعفر (علیه السلام) ، والظاهر أنّه الباقر (علیه السلام) ، ولو كان الجواد (علیه السلام) لقيل: عن أبي جعفر الثاني (علیه السلام) .

ص: 135


1- معجم رجال الحديث 17 : 110/10829.
2- أصول علم الرجال 2 : 323 .
3- اختيار معرفة الرجال 2 : 835/1062.
4- رجال الطوسي: 378/5609.

[16] 16 - وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عليّ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «إِنَّ الشِّيعَةَ لَوْ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ الصَّلاةِ لَهَلَكُوا، وَلَوْ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ الزَّكَاةِ لَهَلَكُوا، وَلَوْ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ الْحَجِّ لَهَلَكُوا»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

فيدور الأمر بين الأوّلين، والظاهر انطباقه على الثاني؛ فإنّ الأوّل متأخّر من حيث الطبقة؛ لأنّه روى عنه الحسين بن محمّد ومحمّد بن يحيى، اللذان هما من مشايخ الكليني، فلا يمكن أن يكون هو الراوي عن أبي جعفر الباقر (علیه السلام) .

والحديث ضعيف بالإرسال، ولكن من جهة وجوده في «الكافي» - بناء على القول باعتبار شهادة الكليني (رحمه الله) وتماميّتها وعدم المناقشة فيها - يكون السند معتبراً.

[16] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على وجوب هذه الأمور وأهميتها، بحيث متى اجتمعت

ص: 136


1- الكافي: 2 : 451، باب أنّ الله يدفع بالعامل عن غير العامل ، ح 1، وقد أسقط صاحب «الوسائل» منه جملاً متعددة، وتمامه: «إنّ اللَّه [ ل- ] يدفع بمن يصلي من شيعتنا، عمّن لا يصلي من شيعتنا، ولو أجمعوا على ترك الصلاة لهلكوا، إنّ اللَّه ليدفع بمن يزكّي من شيعتنا عمّن لا يزكّي، ولو أجمعوا على ترك الزكاة لهلكوا، وإنّ اللَّه ليدفع بمن يحج من شيعتنا عمّن لا يحجّ، ولو أجمعوا على ترك الحجّ لهلكوا؛ وهو قول اللَّه عزّوجل: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة: 252] فو اللَّه ما نزلت إلّا فيكم، ولا عنى بها غيركم».

الشيعة على تركها كان ذلك سبباً لهلاكهم وعذابهم في الدنيا، وهذا من خصوصيّات هذه الأمور، ولم تكن في غيرها من الواجبات. نعم، العذاب الأخروي غير مختصّ بها، بل هو عامّ لترك الواجبات الأخرى.

وقد ورد - زيادة على ذلك - الصوم في رواية العيّاشي. والمراد من الهلاك هو الاستئصال والعذاب الدنيويّان، وإلّا لم تكن حاجة إلى إجماع الشيعة على ترك أحد تلك الأمور؛ فإنّ الفرد الواحد إذا ترك الصلاة، أو أي فريضة اخرى فهو هالك في الآخرة.

ولكنّ اللَّه سبحانه وتعالى - بلطفه وكرمه - جعل المؤمنين سبباً في رفع العذاب عن المقصّرين في دار الدنيا؛ ذلك نظراً لمراعاة المؤمنين ومحافظتهم على هذه الفرائض يتفضّل اللَّه تعالى - كرامة لهم - بعدم إتباع العقوبة، وتعجيلها على من لم يراعها منهم. ولو تركها الجميع لحلّت بهم النقمة الإلهيّة، ولوقع عليهم العذاب.

وهذا المعنى هو الظاهر من الرواية؛ ولعلّه لذلك استشهد الإمام (علیه السلام) بالآية الشريفة، وهو قوله تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}(1) .

وقد عنون الشيخ الكليني (قدس سره) الحديث: بأنّ اللَّه يدفع بالعامل عن غير العامل، وجعله في باب مستقلّ.

والحاصل: أنّ الحديث يدلّ على أهمّيّة هذه الفرائض، بحيث إنّ ترك

ص: 137


1- البقرة، الآية 251.

واحدة منها موجب للهلاك؛ لأنّها من الأركان.

وأمّا عدم ذكر الولاية في الحديث؛ فلأنّها أمر مسلّم، ولا يحتاج إلى بيانها؛ بقرينة قوله (علیه السلام) : «فواللَّه، ما نزلت إلّا فيكم، ولا عنى بها غيركم»(1)، فالخطاب كان للشيعة المعتقدين بالإمامة، كما هو واضح.

ثمّ إنّ صاحب «الوسائل» (رحمه الله) استظهر من الحديث - كما في شرحه على «الوسائل» - بطلان الإجماع؛ وذلك لأنّ الإجماع على مبنى الإمامية هو ما يكون كاشفاً عن رأي المعصوم، فإذا كان داخلاً معهم فلا يلزم الهلاك، والحال أنّ الحديث يدلّ على أنّ الإجماع على ترك إحدى هذه الفرائض موجب للهلاك، وإن كان الإمام معهم، فالمستفاد من ذلك بطلان القول بالإجماع، وهو ما ذهب إليه الأخباريّون(2)

مناقشة المصنّف في بطلان الإجماع

ولا يخفى ما فيه؛ وذلك:

أولاً: أنّ الإجماع الذي يذهب إليه الأصوليّون هو الإجماع على الحكم الموافق للشرع، لا الإجماع على خلاف الشرع.

وثانياً: أنّ نصّ الحديث يدلّ على إجماع الشيعة، وليس الإمام واحداً منهم، فهو غير الإجماع الاصطلاحي.

وثالثاً: أنّه على فرض التنزّل يكون من قبيل التعليق على المحال، نظير

ص: 138


1- في ذيل الحديث المذكور.
2- راجع: تحرير وسائل الشيعة: 227.

قوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}(1)

، بمعنى: أنّ الإمام والشيعة لو تركوا الصلاة لهلكوا، ولا يعني ذلك تحقّقه في الخارج، فالفرض صحيح وإن لم يكن متحقّقاً، فما ذكره (رحمه الله) - من الإشكال على الإجماع - غير تامّ.

سند الحديث:

عليّ بن معبد: لم يرد فيه توثيق، ولكنّه ورد في «نوادر الحكمة» على نسخة، وفي نسخة اُخرى: عليّ بن سعيد، وفي موضع آخر: عليّ بن درست(2)

، والظاهر أنّها تصحيف، والصحيح: عليّ بن معبد؛ فإنّ إبراهيم بن هاشم هو الراوي لكتابه.

وأما عبد اللَّه بن القاسم: فهو مشترك بين ثلاثة أشخاص، وهم:

1 - عبد اللَّه بن القاسم الجعفري، وهو من أصحاب الصادق (علیه السلام) ، كما في «رجال الشيخ»(3) ، ولم يذكر له كتاباً.

2 - عبد اللَّه بن القاسم الحارثي، قال النجاشي فيه: «ضعيف، غالٍ،كان صحب معاوية بن عمّار، ثمّ خلط وفارقه» ، وذكر له كتاباً (4)

3 - عبد اللَّه بن القاسم الحضرمي، قال النجاشي فيه: «المعروف

ص: 139


1- الأنبياء، الآية 22.
2- أصول علم الرجال 1 : 230.
3- رجال الطوسي: 229/3093.
4- رجال النجاشي: 226/593.

بالبطل، كذّاب، غال، يروي عن الغلاة، لا خير فيه، ولا يعتدّ بروايته»، وذكر له كتاباً(1) .

والأول ليس مراداً في هذا السند؛ لكونه غير معروف، فيدور الأمر بين الثاني والثالث.

هذا، وقد ورد عبد اللَّه بن القاسم في «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمّي»، وروى عنه المشايخ الثقات(2) ، إلّا أنّه لا يعلم انطباقه على أيّ واحد منهما، ولكن حيث إنّ كلاًّ منهما ضعيف، فلا يمكن الاعتماد على روايته.

نعم، قد يقال: إنّ المراد هو الثاني، وتضعيف النجاشي له إنّما هو من جهة الغلو، ولمّا كان مصاحباً لمعاوية بن عمّار قبل تخليطه، فيحكم بوثاقته.

وفيه: أنّه لا يمكن الحكم بذلك؛ لعدم الجزم بأنّه هو الواقع في «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمّي»، والذي روى عنه المشايخ الثقات؛ لاحتمال انطباقه على الثالث، المنصوص على كذبه، وإن كان انطباقه على الثاني غير بعيد.

بحث رجالي في يونس بن ظبيان

وأما يونس بن ظبيان: فقد ورد فيه التوثيق والتضعيف.

أما التوثيق: فلأنّ ابن شهرآشوب قد عدّه من الثقات(3) ، وورد في «نوادر

ص: 140


1- رجال النجاشي: 226/594.
2- أصول علم الرجال 1 : 228 ، 283، و ج2 : 200 .
3- مناقب آل أبي طالب 3 : 436.

الحكمة»، وروى عنه المشايخ الثقات(1). وأمّا وقوعه في تفسير القمّي، فلا دلالة فيه على التوثيق؛ لأنّه في القسم الثاني(2) ، وقد بينّا في محلّه(3) عدم شمول التوثيق لرواة هذا القسم.

وأمّا التضعيف: فلما ورد عن الإمام الرضا (علیه السلام) بسند صحيح من أنّه لعن يونس(4) ، وقال النجاشي: إنّه «ضعيف جدّاً، لا يلتفت إلى ما رواه، كلّ كتبه تخليط»(5)، ونقل الكشّي عن الفضل بن شاذان، أنّه قال: «الكذّابون المشهورون: أبو الخطاب، ويونس بن ظبيان ...»(6) .

وقد يقال في الجمع بين التوثيق والتضعيف: إنّ التضعيف راجع إلى رميه بالغلو، فيرجح التوثيق، كما في ابن سنان، والمفضّل بن عمر؛ فإنّ هؤلاء رموا بالغلو، لأنّهم يروون روايات لطيفة دقيقة، ولكن ذلك يستبعد فيه مع لعن الإمام (علیه السلام) له؛ وبناء على ذلك فلا ترجيح لأحدهما على الآخر، فيكون بحكم المجهول.

وعليه فالسند غير معتبر.

ص: 141


1- أصول علم الرجال 1 : 244، و ج2 : 218 .
2- المصدر نفسه 1 : 314 .
3- المصدر نفسه 1 : 276.
4- اختيار معرفة الرجال 2 : 657 /673.
5- رجال النجاشي: 448/1210.
6- اختيار معرفة الرجال 2 : 823/1033.

[17] 17 - محمّد بْنُ عليّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ بَابَوَيْهِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّه (علیه السلام) : أَخْبِرْنِي عَنِ الْفَرَائِضِ الَّتِي فَرَضَ اللَّه عَلَى الْعِبَادِ، مَا هِيَ؟ قَالَ: «شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّه، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّه، وَإِقَامُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَحِجُّ الْبَيْتِ، وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَالْوَلايَةُ، فَمَنْ أَقَامَهُنَّ، وَسَدَّدَ، وَقَارَبَ، وَاجْتَنَبَ كلّ مُسْكِرٍ(1)، دَخَلَ الْجَنَّةَ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

ولكن ورد الحديث في «تفسير القمّي» بسند صحيح، وهي الرواية السادسة والثلاثين من الباب، وسندها هكذا: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل(3)،

فيتبيّن أنّ لعلي بن إبراهيم طريقاً آخر صحيحاً. واكتفى الكليني (قدس سره) بهذا الطريق.

[17] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ الأمور المذكورة من الواجبات المفروضة، وهي من أهمّ الواجبات. و«الفرائض» في كلام السائل جمع محلى ب- «أل» وكذا «العباد»، والجمع المحلى ب-«أل» يفيد العموم، فيكون السؤال عمّا افترض الله

ص: 142


1- في المصدر: منكر، وهو الأنسب.
2- من لا يحضره الفقيه 1 : 204 ، ح 612، وفيه: «قال سليمان بن خالد للصادق: جعلت فداك، أخبرني...».
3- تفسير القمّي 1 : 83 . أورده في تفسير الآية (251) من سورة البقرة.

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّضْرِ، عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّه بْنِ مُسْكَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ، مِثْلَهُ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

على جميع العباد لا خصوص المسلمين. والظاهر من الجواب أيضاً العموم؛ فإن الشهادتين تجبان على جميع العباد بلا ريب، وقد عطفت بقيّة الواجبات عليهما، فيظهر وجوب الجميع على العباد جميعاً.

وقد مرّ أنّ الاقتصار على هذه الواجبات الفرعيّة الخمسة لأجل أهميتها وعلو شأنها، فليست الفرائض مختصة بها؛ ويؤيّد عدم الاختصاص قوله (علیه السلام) في ذيل الحديث: «واجتنب المسكر»، فإنه ظاهر في أنّ حرمة المسكر مفترضة، وأنّ اجتنابه ممّا يتوقف عليه دخول الجنة.

والضمير في «أقامهنّ» إما يرجع إلى الواجبات الفرعية الخمسة، ويكون المراد بإقامتها: الإتيان بها كما أمر الله تعالى، أي بجميع شرائطها وأركانها وأجزائها.

وإما يرجع إلى الجميع، ويكون المراد بإقامة الاعتقاد إما اعتقاد الشهادتين وما تتضمناه بيقين، أو يكون المراد، اظهار الاعتقاد.

وقوله (علیه السلام) : «وسدّد وقارب» يعني: طلب بعمله السداد والاستقامة، وهو: القصد في الأمر، والعدل فيه، فلا إفراط ولا تفريط.

وأمّا قوله (علیه السلام) : «وكلّ مسكر»، فلعل تخصيص المسكر بالذكر من بين

ص: 143


1- المحاسن 1 : 290، باب المحبوبات، ح437 وفيه أيضاً: منكر.

الأمور المنهي عنها في الشريعة لأجل الاهتمام بتحريمه وكونه السبب في ارتكاب مناهٍ كثيرة.

وقد ورد في «الجامع» (1)

وفي «الفقيه»(2) المطبوع وكذلك في «المحاسن»(3): «وكلّ منكر»، وكلمة «منكر» نكرة مصدرة ب-«كل» الموضوعة للعموم، فتفيد الاستغراق لكل المنهيات، ولعلّ الأصوب هو: كلّ مسكر؛ بقرينة سائر الروايات.

سند الصدوق إلی سلیمان بن خالد

سند الحديث:

ورد الحديث بطريقين:

الطريق الأوّل: ما رواه الصدوق بسنده، عن سليمان بن خالد، والمراد من إسناده: أنّ له طريقاً إلى الراوي، فلابدّ من ملاحظة الطريق، كما ذكرنا ذلك في المقدّمة.

وسند الصدوق في «المشيخة» هكذا: «وما كان فيه عن سليمان بن خالد البجلي فقد رويته: عن أبي(رضی الله عنه)، عن سعد بن عبد اللَّه، عن إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن سليمان بن خالد البجلي الأقطع الكوفي، وكان خرج مع زيد بن علي (علیه السلام) فأفلت»(4).

ص: 144


1- جامع أحاديث الشيعة 1 : 617، ح1094 .
2- من لا يحضره الفقيه 1 : 204 ، ح612.
3- المحاسن 1 : 290 ، باب المحبوبات ، ح437.
4- من لا يحضره الفقيه 4 : 439، المشيخة.

أمّا الصدوق: فهو محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه، القمّي، قال النجاشي فيه: «شيخنا، وفقيهنا، ووجه الطائفة بخراسان، وكان ورد بغداد سنة خمس وخمسين وثلاثمائة، وسمع منه شيوخ الطائفة، وهو حدث السن»(1)، وقال الشيخ: «جليل القدر، يكنّى أبا جعفر، كان جليلاً، حافظاً للأحاديث، بصيراً بالرجال، ناقداً للأخبار، لم ير في القمّيّين مثله في حفظه، وكثرة علمه»(2)

، وذكر نحوه في «الرجال»(3).

وبالجملة: فعظمة الشيخ الصدوق لا يعتريها الريب.

وأمّا والده: فهو عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه، قال النجاشي في حقّه: «أبو الحسن، شيخ القمّيّين في عصره، ومتقدّمهم، وفقيههم، وثقتهم»(4)

وقال الشيخ - بعد أن ترضّى عليه - : «كان فقيهاً، جليلاً، ثقة»(5)

، ووثّقه في «رجاله»(6).

وقد ذكر في أحواله: أنّ الإمام الحجة (علیه السلام) قد دعا له بأن يُرزق ولداً ذكراً، ورزقه اللَّه ولدين خيّرين، أحدهما الصدوق، وكان يفتخر ويقول:

ص: 145


1- رجال النجاشي: 389/1049.
2- فهرست الطوسي: 237/710.
3- رجال الطوسي: 439/6275.
4- رجال النجاشي: 261/684.
5- فهرست الطوسي: 157/391.
6- رجال الطوسي: 432/6191.

إنّي ولدت بدعوة صاحب الأمر (عج(1)

وأمّا سعد بن عبد اللَّه: فهو سعد بن عبد اللَّه بن خلف، القمّي، وهو من الأجلّاء الثقات، قال النجاشي فيه: «شيخ هذه الطائفة، وفقيهها، ووجهها، كان سمع من حديث العامّة شيئاً كثيراً، وسافر في طلب الحديث»(2) .

وقال الشيخ: «يكنّى أبا القاسم، جليل القدر، واسع الأخبار، كثير التصانيف، ثقة»(3)،

وقيل: إنّه لقي الحجّة (عج)، وسمع منه»(4) .

وعدّ الصدوق في أوّل «الفقيه» كتاب الرحمة لسعد بن عبد اللَّه من الكتب المشهورة، التي عليها المعوّل، وإليها المرجع(5)

وأما إبراهيم بن هاشم: فقد تقدّم الكلام عنه.

وأمّا محمّد بن أبي عمير: فهناك شخصان بهذا العنوان، وهما:

الأوّل: محمّد بن أبي عمير، واسم أبيه زياد، وأبو عمير كنية والده، وكنيته أبو أحمد، ولقبه الأزدي، وهو من أصحاب الكاظم والرضا والجواد (علیهم السلام) (6) .

ص: 146


1- رجال النجاشي: 261/684.
2- المصدر نفسه: 177/677.
3- فهرست الطوسي: 135/316.
4- كمال الدين وتمام النعمة: 454 - 465 ، ب 43 ح 21.
5- من لا يحضره الفقيه 1 : 3 - 4 .
6- معجم رجال الحديث 15 : 296/10043.

الثاني: محمّد بن أبي عمير، بيّاع السابري، البزّاز، لم يوثّق، وهو من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) ، ومات في زمان الكاظم (علیه السلام) (1)

والأوّل هو المعروف بابن أبي عمير، قال النجاشي: «جليل القدر، عظيم المنزلة فينا وعند المخالفين»(2)، وقال الشيخ في «الفهرست»: «أوثق الناس عند الخاصّة والعامّة، وأنسكهم نسكاً، وأورعهم، وأعبدهم... الخ»(3) .

وهو أحد أصحاب الإجماع(4)

وقال الشيخ عنه في موضع آخر: «لا يروي ولا يرسل إلّا عن ثقة»(5)، ووثّقه في «الرجال» أيضاً(6) .

وقال عنه الكشّي: «قال محمّد بن مسعود: سمعت عليّ بن الحسن بن فضّال يقول: كان محمّد بن أبي عمير أفقه من يونس، وأصلح، وأفضل»(7) .

وهو من المشايخ الثقات الذين لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة.

وورد في «التفسير» و«نوادر الحكمة»(8) .

ص: 147


1- معجم رجال الحديث 15 : 287/10036.
2- رجال النجاشي: 326/887.
3- فهرست الطوسي: 218/616.
4- اختيار معرفة الرجال 2 : 830 /1050.
5- عدة الأصول 1 : 154.
6- رجال الطوسي: 365/5413.
7- اختيار معرفة الرجال 2 : 855/1106 .
8- أصول علم الرجال 1 : 286 ، 235 .

وأمّا الثاني: فلم يرد فيه توثيق، وورد في روايةٍ: أنّه أوصى إلى محمّد بن نعيم(1)

، وروى عنه ابن مسكان والسكوني وصالح النيلي.

وعليه فهما اثنان؛ ويدلّ على ذلك: أنّ الأوّل من أصحاب الكاظم والرضا والجواد (علیهم السلام) ، والثاني من أصحاب الصادق والكاظم (علیهما السلام) ، وكلاهما وردا في «الكشّي» في ترجمة زرارة، حيث قال: «بنان بن محمّد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن محمّد بن أبي عمير، قال: قلت: دخلت على أبي عبد الله (علیه السلام) ...»(2) فلابدّ من التمييز بينهما بحسب الراوي والمرويّ عنه.

فإذا روى عن أبي عبد اللَّه الصادق (علیه السلام) فهو الثاني، وأما إذا روى عن الرضا أو الجوادين (علیهما السلام) فهو الأوّل؛ لأنّ الثاني مات في عهد الكاظم (علیه السلام) ، فيمكن تشخيصه من جهة المرويّ عنه.

وأمّا إذا روى عن الكاظم (علیه السلام) ، فيحتمل أن يكون الأوّل، وأن يكون الثاني، فإن كان الراوي متقدّماً فيتبين أنّه الثاني، وإن كان الراوي متأخّراً فيتبين أنّه الأوّل، وإن كان مردداً بين الأوّل والثاني فينصرف إلى الأوّل؛ لأنه المعروف والمشهور، فلا يتوقّف في الرواية.

وأمّا هشام بن سالم وسليمان بن خالد: فقد تقدّم ذكرهما.

الطريق الثاني: البرقي وأبوه قد تقدّم ذكرهما.

ص: 148


1- الكافي 7 : 16 ، باب الرجل يموت ولا يترك إلّا امرأته، ح 1.
2- اختيار معرفة الرجال 1 : 355/224.

[18] 18 - قَالَ ابْنُ بَابَوَيْهِ: وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام) : «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: عَلَى الصَّلاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَالصَّوْمِ، وَالْوَلايَةِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وأمّا النضر بن سويد: فقد قال النجاشي فيه: «نضر بن سويد الصيرفي، كوفي، ثقة، صحيح الحديث»(2)

، ووثّقه الشيخ في «رجاله»(3) ، وورد في أسانيد «تفسير القمّي»، وروى عنه المشايخ الثقات(4)

وأمّا يحيى الحلبي: فهو يحيى بن عمران بن عليّ بن أبي سعيد، الحلبي. وثّقه النجاشي بقوله: «ثقة، ثقة، صحيح الحديث»(5)، وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمّي»، وروى عنه المشايخ الثقات(6)

وأمّا عبد اللَّه بن مسكان وسليمان بن خالد: فقد تقدّم ذكرهما.

وعليه فالحديث صحيح بكلا طريقيه.

[18] - فقه الحديث:

هذا الحديث هو عين الحديث الخامس المتقدّم.

ص: 149


1- من لا يحضره الفقيه 2 : 74 ، ح 1770.
2- رجال النجاشي: 427/1147.
3- رجال الطوسي: 345/5147.
4- أصول علم الرجال 1 : 288، و ج2 : 215 .
5- رجال النجاشي: 444/1199.
6- أصول علم الرجال 1 : 243 ، 289، و ج2 : 217 .

[19] 19 - قَالَ: وَخَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) يَوْمَ الْفِطْرِ فَقَالَ: «الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ» - إِلَى أَنْ قَالَ: - «وَأَطِيعُوا اللَّه فِيمَا فَرَضَ عَلَيْكُمْ وَأَمَرَكُمْ بِهِ مِنْ إِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحِجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَالأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ»(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

الحديث من مراسيل الصدوق، وقد تقدّم التحقيق حول مراسيله وأقسامها.

[19] - فقه الحديث:

الحديث - كما تقدّم في نظائره - دالّ على وجوب هذه الأمور وأهميتها، ولم يشتمل الحديث على الولاية كبعض الأحاديث المتقدّمة؛ ولعلّه لأجل اقتضاء المقام؛ لأن أمير المؤمنين (علیه السلام) ألقى تلك الخطبة يوم الفطر، وهو مجمع يضمّ مجموعات من الناس، مختلفة الأنظار والأفكار، فلم يكن مناسباً لذكر الأمور الخاصة، وإنّما كان مناسباً لذكر الأمور العامّة، واللَّه العالم.

سند الحديث:

تقدّم الكلام حوله، والكلام فيه عين ما تقدّم في الحديث السابق.

ص: 150


1- 1*) من لا يحضره الفقيه 1 : 517 ، ح 1482.

[20] 20 - وَفِي كِتَابِ «الْمَجَالِسِ» وَكِتَابِ «صِفَاتِ الشِّيعَةِ» وَكِتَابِ «التَّوْحِيدِ» وَكِتَابِ «إِكْمَالِ الدِّينِ» عَنْ عليّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى الدَّقَّاقِ(1) وَعَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّه الْوَرَّاقِ، جَمِيعاً، عَنْ محمّد بْنِ هَارُونَ، عَنْ أَبِي تُرَابٍ عَبْدِ اللَّه بْنِ مُوسَى الرُّوبَانِيِّ(2)، عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَنِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى سَيِّدِي عليّ بْنِ مُحَمَّدٍ (علیهما السلام) ، فَقُلْتُ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكَ دِينِي، فَقَالَ: هَاتِ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فَقُلْتُ: إِنِّي أَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ - إِلَى أَنْ قَالَ: - وَأَقُولُ: إِنَّ الْفَرَائِضَ الْوَاجِبَةَ بَعْدَ الْوَلايَةِ: الصَّلاةُ، وَالزَّكَاةُ، وَالصَّوْمُ، وَالْحَجُّ، وَالْجِهَادُ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَقَالَ عليّ بْنُ مُحَمَّدٍ (علیهما السلام) : «يَا أَبَا الْقَاسِمِ، هَذَا - وَاللَّهِ - دِينُ اللَّهِ الَّذِي ارْتَضَاهُ لِعِبَادِهِ، فَاثْبُتْ عَلَيْهِ، ثَبَّتَكَ اللَّهُ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ»(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[20] - فقه الحديث:

أورد صاحب «الوسائل» شطراً من الحديث؛ لدلالته على المطلوب،

ص: 151


1- في هامش الأصل المخطوط: «في التوحيد: عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقاق»، (منه (قدس سره) ).
2- في أمالي الصدوق والتوحيد وكمال الدين: أبي تراب عبيد اللَّه بن موسى الروياني.
3- أمالي الصدوق: 420، ح 557، وصفات الشيعة: 49، والتوحيد: 82، ح 37، وإكمال الدين: 380، ح 1.

حيث عُبّر عن هذه الأمور بالفرائض الواجبة. والحديث من الأحاديث الجليلة؛ لأنّه تضمّن جملة من المعارف والحقائق الاعتقاديّة، وقد أقرّ الإمام (علیه السلام) السيد عبد العظيم الحسني على هذه المعتقدات، بل أمره بالثبات عليها، ودعا له بالتثبيت في الدنيا والآخرة، مضافاً إلى أنّها تدلّ على أهمّيّة الولاية حيث قال: «وأقول: إنّ الفرائض الواجبة بعد الولاية... إلخ»؛ لما تقدّم من أنّ الولاية هي المفتاح لهذه الفرائض، وتكون هي المقدمة؛ ولذا جعل الواجبات الفرعية بعد الولاية، وأقرّه الامام (علیه السلام) على ذلك. وقوله (علیه السلام) : «هذا واللَّه دين اللَّه الذي ارتضاه لعباده» تأكيد صريح على أهمّيّة الولاية، وأنّ من لم يعتقد بالولاية فدينه غير مرضيّ عند اللَّه تعالى.

والحاصل: أنّ الحديث من حيث الدلالة تام، وهو من غرر الأحاديث.

سند الحديث:

روى الشيخ الصدوق الحديث في أربعة من كتبه بسند واحد.

أمّا عليّ بن أحمد بن موسى الدقّاق - وهو عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران - وعلي بن عبد اللَّه الورّاق، فهما وإن لم يرد فيهما توثيق، إلّا أنّ الشيخ الصدوق قد ترضّى عنهما، وقد حقّق في محله: أنّ الترضّي من مثله أمارة على التوثيق(1)؛

وبناء على ذلك فهما ثقتان.

وأما محمّد بن هارون: فهو مشترك بين جماعة، وهم:

ص: 152


1- اُصول علم الرجال 2 : 317.

1 - محمّد بن هارون: الذي يروي عنه صاحب «نوادر الحكمة»، وقد استثناه ابن الوليد، فهو ضعيف(1)

2 - محمّد بن هارون أبو عيسى الورّاق: ذكر النجاشي أنّ له كتباً، ولم يوثّقه(2)، وذكر في «المعجم»:

أنّه لا يبعد اتّحاده مع سابقه(3).

3 - محمّد بن هارون بن عمران الهمداني: عدّه الصدوق فيمن رأى الحجّة (عج(4)،

ولم يرد فيه توثيق.

4 - محمّد بن هارون بن موسى التلعكبري: ذكره النجاشي، وترحّم عليه(5)

، ولم يرد فيه توثيق.

5 - محمّد بن هارون الجلاّب: لم يرد فيه توثيق.

6 - محمّد بن هارون الزنجاني: من مشايخ الصدوق.

ويبعد انطباقه على كلّ من هذه الأفراد؛ أمّا الأوّل: فلأنّ الصدوق يروي عنه بثلاث وسائط، والمذكور هنا يروي عنه بواسطة واحدة، مع احتمال اتّحاده مع الثاني، فيبعد أن يكون هو أيضاً، كما في «المعجم».

وأمّا الثالث: فلأنّه روى عنه بواسطتين، وهنا روى عنه بواسطة واحدة،

ص: 153


1- معجم رجال الحديث 18 : 335/11968.
2- رجال النجاشي: 372/1016.
3- معجم رجال الحديث 18 : 335/11968.
4- كمال الدين: 443، ب 43، ذيل ح16.
5- رجال النجاشي: 79/189، ضمن ترجمة أحمد بن محمّد بن الربيع.

كما في «كمال الدين» في باب من شاهد الحجّة (عج).

وأمّا الرابع: فهو ابن التلعكبري، الذي هو في طبقة الصدوق، فكيف يروي عنه مع الواسطة؟!

وأمّا الخامس: فهو من أصحاب الكاظم (علیه السلام) ، فهو متقدّم من حيث الطبقة.

وأمّا السادس: فهو من مشايخ الصدوق، فلا يحتاج إلى الواسطة.

وعليه فالظاهر أنّه غير المذكورين. ولا يبعد أن يكون محمّد بن هارون الصوفي، الذي روى في عدّة من كتبه عن عبد اللَّه بن موسى الروياني، كما صرّح الصدوق نفسه في كتاب «كمال الدين» بأنّه الصوفي في مواضع في نفس هذا السند: أحدها في الباب 31، ح2، والآخر في الباب 36، ح 1، والثالث في الباب 37، ح 1 (1)،

وهو مجهول، ولم يذكر في الرجال(2) .

وأمّا أبو تراب عبد اللَّه بن موسى الروياني - وفي بعض نسخ «الوسائل»: الروباني، وفي المصدر: أبو تراب عبيد اللَّه بن موسى الروياني - فقد ذكره الشيخ والنجاشي في طريقيهما إلى عبد العظيم الحسني، ولم يرد فيه توثيق(3)

وأمّا عبد العظيم بن عبد اللَّه الحسني: فقد قال النجاشي فيه: «عبد

ص: 154


1- كمال الدين : 319، ب 31، ح 2، و377، ب 36، ح 1، و379، ب 37، ح 1 .
2- مستدركات علم الرجال 7 : 357/ 14639.
3- رجال النجاشي: 248/653، ومعجم رجال الحديث 11 : 52/6591.

العظيم بن عبد اللَّه بن عليّ بن الحسن بن زيد بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب، أبو القاسم، له كتاب خطب أمير المؤمنين (علیه السلام) ... كان عبد العظيم ورد الري؛ هارباً من السلطان، وسكن سرباً في دار رجل من الشيعة، في سكّة الموالي، فكان يعبد اللَّه في ذلك السرب، ويصوم نهاره، ويقوم ليله، فكان يخرج مستتراً، فيزور القبر المقابل قبره، وبينهما الطريق.... الخ»(1) .

وعدّه الشيخ في «رجاله» من أصحاب الهادي (علیه السلام) والعسكري (علیه السلام) ، وترضّى عليه(2) .

وقال الصدوق: «وكان مرضيّاً، رضي اللَّه عنه»(3)

ووردت في حقّه روايات مادحة.

منها: عن بعض أهل الري، قال: دخلت على أبي الحسن العسكري (علیه السلام) ، فقال: «أين كنت؟» قلت: زرت الحسين (علیه السلام) ، قال: «أما إنّك لو زرت قبر عبد العظيم عندكم لكنت كمن زار الحسين (علیه السلام) »(4)

ومنها: ما دلّ على إرجاع بعض الشيعة إليه إذا أشكل عليه شي ء من أمر الدين(5) .

ومنها: ما دلّ على أنّ من زار قبره وجبت له الجنة، وغيرها من

ص: 155


1- رجال النجاشي: 248/653.
2- رجال الطوسي: 387/5706 ، ص401/5875 .
3- من لا يحضره الفقيه 2 : 128، باب صوم يوم الشك ذيل الحديث 8 .
4- كامل الزيارات: 537، ح828..
5- مستدرك الوسائل 17 : 321، ب 11، ح 32.

الروايات(1) .

وعليه فلا إشكال في جلالة قدره، وعظم منزلته.

وقد أورد الحديث صاحب «الوسائل» في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر(2)، من دون أن يذكر في السند الروياني، فسقوطه هناك من سهو القلم.

تصحیح طریق الصدوق إلى السید عبد العظيم الحسني

والحاصل: أنّ الطريق ضعيف بشخصين. ويمكن تصحيح الطريق، بأن يقال: إنّ طريق الصدوق إلى روايات عبد العظيم الحسني صحيح، فإن قلنا بمقالة صاحب «الوسائل» تبعاً للعلّامة المجلسي رضوان اللَّه عليه - من باب أنّ الصدوق إنمّا يروي في «الفقيه» من كتاب عبد العظيم - فيكون الحديث معتبراً.

ويؤيد ذلك: أنّ الصدوق لم يذكر في «المشيخة» إلّا طريقاً واحداً، واكتفاؤه بذكر طريق واحد يدل على أنّه يروي من كتابه، وإلّا كان عليه أن يذكر أكثر من طريق؛ إذ يبعد أن تكون جميع روايات عبد العظيم بطريق واحد. ويدخل في هذا الطريق سائر الروايات المذكورة في كتب الصدوق، وإن كانت في غير «الفقيه»، ومنها هذا الحديث.

ويؤكد ذلك أنّ الشيخ (رحمه الله) يروي كتابه عن أحمد بن أبي عبد اللَّه البرقي، الراوي عن عبد العظيم في طريق الصدوق (رحمه الله) في «المشيخة»،

ص: 156


1- مستدرك الوسائل 10 : 367، و368، ب 73 ح 1 و 2 .
2- وسائل الشيعة 16 : 240 ، باب 33 من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ح 9.

[21] 21 - وَفِي كِتَابِ «الْعِلَلِ»، عَنْ عليّ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ محمّد بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عليّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ النَّيْسَابُورِيِّ: أَنَّ الْعَالِمَ كَتَبَ إِلَيْهِ - يَعْنِي الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ (علیهما السلام) - : «أَنَّ اللَّهَ لَمَّا فَرَضَ عَلَيْكُمُ الْفَرَائِضَ لَمْ يَفْرِضْ [ذَلِكَ](1) عَلَيْكُمْ بِحَاجَةٍ مِنْهُ إِلَيْهِ، بَلْ رَحْمَةً مِنْهُ إِلَيْكُمْ؛ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ؛ لِيَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ» - إِلَى أَنْ قَالَ: - «فَفَرَضَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَإِقَامَ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ، وَالصَّوْمَ، وَالْوَلايَةَ»، الْحَدِيثَ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

فيتبيّن أنّه راوٍ لكتابه. ولكن هذا الوجه إنمّا يتمّ إذا كانت جميع روايات السيد عبد العظيم منحصرة في كتابه، وأمّا إذا لم يحرز ذلك فلابدّ من التوقف.

[21] - فقه الحديث:

هذا الحديث طويل، وقد اكتفى صاحب «الوسائل» بذكر موضع الحاجة منه، وهو يشتمل على مضامين عالية:

منها: دلالته على أهمّيّة هذه الأمور المذكورة.

ومنها: أنّ تشريع الأحكام والتكليف بها ليس لحاجة من اللَّه سبحانه إليها، ولا نفع له فيها، بل إنّما هو رحمة للعباد وموجب لارتفاع درجاتهم،

ص: 157


1- أثبتناه من المصدر.
2- علل الشرائع 1 : 249، ح 6.

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ فِي كِتَابِ «الْمَجَالِسِ وَالأَخْبَارِ»(1)، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عليّ بْنِ محمّد الْحَلَبِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عليّ الْجَوْهَرِيِّ، عَنْ محمّد بْنِ يَعْقُوبَ.

وَرَوَاهُ الكشّي فِي كِتَابِ «الرِّجَالِ»، عَنْ بَعْضِ الثِّقَاتِ بِنَيْسَابُورَ، قَالَ: خَرَجَ تَوْقِيعٌ مِنْ أَبِي مُحَمَّدٍ (علیه السلام) ، وَذَكَرَهُ بِطُولِهِ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

وقربهم إلى الكمال المطلق، والسعادة الأبدية؛ وليميز الخبيث من الطيّب؛ ولعلّ قوله: «لا إله إلّا هو» للاستدلال على أنه تعالى هو الغني المطلق عن جميع الممكنات؛ إذ هو الإله الواحد الأحد، فلا يحتاج إلى عبادة عبيده.

ومنها: أنّه لا يمكن الوصول إلى هذه المراتب إلّا بالدخول من بابها، وهي الولاية؛ فيدلّ على أفضليّة الولاية وأهميّتها، فهي المفتاح لأبواب الفرائض، ولولا الولاية التي جعلها اللَّه لمحمد وآله (علیهم السلام) ما عرف الناس كيف يعبدون اللَّه، ولكانوا حيارى كالبهائم، لا يهتدون سبيلاً، وقد أكمل الدين بولايتهم، وجعل لهم حقوقاً على رقاب العباد.

سند الحديث:

لهذا الحديث ثلاث طرق:

ص: 158


1- أمالي الطوسي: 654، ح1355، وفيه: الحسين بن صالح بن شعيب، (الحسن بن علي الجوهري).
2- اختيار معرفة الرجال 2 : 844 / 1088 .

أمّا الطريق الأوّل: فعلي بن أحمد - وهو ابن موسى الدقاق - ومحمّد بن يعقوب الكليني وعلي بن محمّد - وهو ابن بندار تقدّم ذكرهم.

وأمّا إسحاق بن إسماعيل النيسابوري: فوثّقه الشيخ(1)، وقال الكشّي عنه: حكى بعض الثقات بنيسابور: أنّه خرج لإسحاق بن إسماعيل من أبي محمّد (علیه السلام) توقيع: «يا إسحاق بن إسماعيل، سترنا اللَّه وإيّاك بستره، وتولّاك في جميع أمورك بصنعه ... الخ»(2).

وعليه فهذا الطريق صحيح.

وأمّا الطريق الثاني: فالحسين بن عبيد اللَّه، هو الغضائري، شيخ النجاشي والطوسي(3) ، وقدثبت في محلّه: أنّ جميع مشايخ النجاشي ثقات.

وأمّا عليّ بن محمّد الحلبي - أو العلوي على نسخة - فلم يرد فيه شي ء.

وأما الحسن بن عليّ الجوهري: فهو من مشايخ الصدوق، وقد ترضَّى عليه(4) ، وهو دالّ على التوثيق.

وهذا الطريق غير معتبر من جهة العلوي. ولكن يمكن تصحيح هذا الطريق؛ وذلك لأنّ للحسين بن عبيد اللَّه الغضائري طرقاً إلى جميع روايات الكليني، ولا ينحصر بهذا الطريق. وكذلك الشيخ الطوسي (رحمه الله) .

ص: 159


1- رجال الطوسي: 397/5822.
2- اختيار معرفة الرجال 2 : 844/1088.
3- معجم رجال الحديث 7 : 22/3490.
4- أمالي الصدوق: 500، المجلس الرابع والستون، ح 686.

وأمّا الطريق الثالث:

فالكشّي: هو محمّد بن عمر بن عبد العزيز، الكشّي، قال النجاشي في حقّه: «كان ثقة، عيناً، وروى عن الضعفاء كثيراً، وصحب العيّاشي، وأخذ عنه، وتخرّج عليه»(1)

وقال الشيخ: «ثقة، بصير بالرجال والأخبار، مستقيم المذهب»(2)

وقول الكشّي: «عن بعض الثقات» يكفي في اعتبار الرواية، فهو على وزان ما إذا قال شخص: حدّثني عدل أو ثقة. والمشهور كفاية ذلك.

والحاصل: أنّ الحديث معتبر بجميع طرقه.

ص: 160


1- رجال النجاشي: 372/1018.
2- رجال الطوسي: 440/6288.

[22] 22 - وَعَنْ محمّد بْنِ مُوسَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ عليّ بْنِ الْحُسَيْنِ السَّعْدَآبَادِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ جَابِرٍ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ عَلِيٍّ (علیه السلام) ، قَالَتْ: قَالَتْ فَاطِمَةُ÷ فِي خُطْبَتِهَا: «فَرَضَ اللَّهُ الإِيمَانَ تَطْهِيراً مِنَ الشِّرْكِ، وَالصَّلاةَ تَنْزِيهاً عَنِ الْكِبْرِ، وَالزَّكَاةَ زِيَادَةً فِي الرِّزْقِ، وَالصِّيَامَ تَثْبِيتاً(1) لِلإِخْلاصِ، وَالْحَجَّ تَسْنِيَةً(2) لِلدِّينِ، وَالْجِهَادَ عِزّاً لِلإِسْلامِ، وَالأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ مَصْلَحَةً لِلْعَامَّةِ»، الْحَدِيثَ(3).

وَرَوَاهُ أَيْضاً بِعِدَّةِ أَسَانِيدَ طَوِيلَةٍ(4)4*).

وَرَوَاهُ فِي «الْفَقِيهِ» بِإِسْنَادِهِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ، مِثْلَهُ(5)5*).

-----------------------------------------------------------------------------

[22] - فقه الحديث:

هذا الحديث قطعة من خطبة الزهراء÷، وهي مشهورة، وذكر صاحب «الوسائل» محلّ الشاهد منها، وإلّا فالخطبة طويلة ومفصّلة.

ص: 161


1- في نسخة: تبييناً. (منه (قدس سره) ).
2- التسنية من السناء: وهو المجد والشرف، وارتفاع القدر والمنزلة. (لسان العرب 14 : 403 مادة: سنى ، مجمع البحرين 2 : 439 مادة: سنى).
3- علل الشرائع 1 : 248 ، ح 2.
4- 4*) المصدر نفسه 1 : 248، ح 3 و 4 .
5- 5*) من لا يحضره الفقيه 3 : 568، ح 4940، ورواه الطبرسي في الاحتجاج 1 : 99 بسند آخر وبزيادة يسيرة.

والمقدار الذي ذكره صاحب «الوسائل» يدلّ على المقصود؛ حيث إنّ هذه الأمور من الفرائض التي افترضها اللَّه سبحانه على العباد، بل هي أهمّ الواجبات.

ثمّ إنّ الخطبة اشتملت - إضافة إلى ذلك - على بيان بعض الحِكَم والأسرار في تشريع هذه الأمور، ولا تنحصر الحكم بما ذكرته سلام الله عليها هنا، فقد وردت لكل واحد منها علل كثيرة في الروايات.

وأول الحكم المذكورة هنا: أنّ الإيمان - وهو الأصل لجميع الفرائض والسنن - يكون تطهيراً من نجاسة الشرك. والتطهير من الشرك غاية من أهم الغايات للشارع الأقدس. والإيمان يطلق على معنيين:

أحدهما: الاعتقاد بأصول الدين الخمسة وما يتعلق بها من لوازمها، وهذا هو الإطلاق الشائع والمنصرف إليه اللفظ.

ثانيهما: العمل بفروع الدين.

والذي يظهر من روايات أئمة الهدى (علیهم السلام) أنّ للإيمان والكفر مراتب كثيرة، فأعلى مراتب الإيمان: الإيمان الصرف، وهو الاعتقاد بأصول الدين الخمسة وتوابعها مع العمل بالواجبات والمستحبات وترك المحرمات والمكروهات كلية، وهذه المرتبة لا توجد إلّا في النبي والأئمة والصديقة الطاهرة صلوات الله عليهم.

وأدنى مراتب الكفر هو إنكار ما تقدّم قولاً وعملاً. وهذه المرتبة لا توجد إلّا في رؤساء أعداء الدين. وبين هاتين المرتبتين مراتب لا تحصى؛

ص: 162

فمن اعتقد بأصول الدين ولم يعمل بشيء من الفروع فهو مؤمن بالأصول وكافر بالفروع، ومن اعتقد بالأصول وعمل ببعض الفروع فهو مؤمن بالنسبة لما عمل به وكافر بالنسبة لما لم يعمل به، فإذا أتى بالصلاة فقد حاز مرتبة من مراتب الإيمان، وإذا تركها فقد تنزل لمرتبة من مراتب الكفر، وهكذا بقيّة الواجبات والمحرمات، بل المستحبات والمكروهات فعلاً وتركاً، ولكل مرتبة حكم في الفقه.

ثم إن كلّ مرتبة من مراتب الإيمان توجب طهارة باطنية، كما أنّ كلّ مرتبة من مراتب الكفر توجب نجاسة باطنية؛ ولذا كان الإيمان مقرّراً من قِبل الله عزوجل أن يطهّر من الشرك، الذي هو نوع من الكفر؛ فإن ترك ما افترضه الله تعالى وفعل ما نهى عنه يوجب إشراك الشيطان بالله سبحانه في العبادة؛ لأن مخالفة الله سبحانه عبادة للشيطان، قال الله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}(1)، كما أنّ من جاء بالعبادة رياء أو سمعة فإنه مشرك، كما تأتي الإشارة إليه في الباب الحادي عشر من هذه الأبواب؛ وذلك لأنّ الشرك رجس، وأنّ كلّ المعاصي والآثام منشؤها البعد عن اللَّه تعالى، والسير في ركاب الشيطان، فلابدّ للإنسان من أن يطهّر نفسه من الأرجاس، ولا يتمّ ذلك إلّا بالإيمان.

وشرّعت الصلاة تنزيهاً عن الكبر؛ فإنّ الصلاة بأجزائها خضوع للَّه تعالى،

ص: 163


1- يس: الآيتان 60 و61.

كما أنها إقرار بالفقر؛ لما فيها من تعظيم لله سبحانه والخشوع بين يديه والحاجة إليه تعالى. فالصلاة وضعت لأجل أن تطوّع النفس الأمارة، التي هي مبدأ صفة الكبر؛ فلذا كان من غايات الصلاة تنزيه النفس عن الكبر. وشرّعت الزكاة زيادة في الرّزق، وفي بعض النسخ: «تزكية للنفس، ونماءً في الرّزق»؛ فإنّ الإنسان إذا أدّى حقّ الزكاة طهّر نفسه من البخل، وحبّ الدنيا، وكان ذلك سبباً في نماء المال وزيادته، بما يجعل اللَّه سبحانه فيه من الخير والبركة، على خلاف ما يتصوّر الناس من أنّه ينقص، قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(1).

وشرّع الصوم تثبيتاً للإخلاص؛ فإنّ الصوم أمر غير ظاهر، ولا محسوس؛ وقد ورد في الحديث: «الصوم لي، وأنا أجزي به»(2)، ولا مجال فيه للرّياء، وذلك هو الإخلاص.

وشرّع الحجّ تسنية أي توضيحاً وتشييداً وتقوية للدين؛ لأنّ فيه إعلاء لكلمة الدين، وإظهاراً لأوامره، وقد اجتمع فيه جميع العبادات المختلفة، مع ما يتضمّن من المنافع الدنيويّة والأخروية؛ ولذلك ورد عن الصادق (علیه السلام) : «لا يزال الدين قائماً ما قامت الكعبة»(3).

ص: 164


1- التوبة: الآية 103.
2- تهذيب الأحكام 4 : 152، باب فرض الصيام، ح 3.
3- الكافي 4 : 271 ، باب أنّه لو تُرِك الحج لجاءهم العذاب، ح 4.

وشرّع الجهاد لإظهار عزّ الإسلام؛ فإنّ فيه إظهار قوّة الإسلام وقدرته.

وشرّع الأمر بالمعروف مصلحة للعامة في دنياهم وآخرتهم؛ فإنّ فيه إجراء تعاليم اللَّه تعالى، وإرساء قواعد الدين، وإحياء السنن والأحكام، وبه يعيش جميع الناس بالأمن والأمان؛ وإنّما خصّت÷ العامة بالذكر لأنهم الأغلبية، ومن عداهم هم إما العلماء العاملون به أو الولاة الملتزمون بالأمر بالمعروف العاملون به.

وقد ذكرت صلوات اللَّه عليها أموراً أخرى، وبيّنت حكمها، وأسرارها: كالعدل؛ فإنّه موجب لاطمئنان النفوس واستقرار القلوب، والطاعة؛ فإنّها توجب إحكام النظام، والإمامة؛ فإنّها توجب جمع الكلمة على الحقّ، وعدم التفرّق، وهي الحبل الذي أمر الناس بالاعتصام به؛ قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا...}(1)، وغيرها من الأمور الكثيرة التي اشتملت عليها هذه الخطبة الجليلة.

ثمّ إنّ هذه الخطبة ألقتها الصدّيقة الشهيدة÷ في مسجد النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، لمّا أجمع القوم على منعها حقّها، فخرجت تطالب بحقّها، وكان غرضها الأساس هو الدفاع عن الإمامة، والمطالبة بحقّ أمير المؤمنين (علیه السلام) في ولاية الأمر، كما أمر اللَّه رسوله، وإلّا فما كانت فدك أو الميراث ذات أهمّيّة عندها سلام اللَّه عليها. ومن هنا يبدو جليّاً مدى أهمّيّة الإمامة؛ فإنّها الباب الذي يؤتى منه إلى اللَّه تعالى، ومع ذلك فإنّ الصدّيقة الزهراء÷ أقامت

ص: 165


1- آل عمران: الآية 103.

الحجّة على القوم، فأظهرت مظلوميّتها، مع عدم الحاجة إلى ذلك؛ فإنّها المعصومة التي يرضى اللَّه لرضاها، ويغضب لغضبها، ولكن من أجل إقامة الحجّة، وبيان فضاعة ما ارتكبه القوم من هضمها حقّها، والاتّفاق على جفائها؛ عناداً وحقداً منهم لها ولبعلها (علیه السلام) .

والحاصل: أنّ هذه الخطبة عميقة الغور، بعيدة المدى، وتعدُّ من الأسرار.

سند الحديث:

وردت الخطبة الشريفة بعدّة طرق، ذكر صاحب «الوسائل» طريقين منها، وأشار إلى بقيّة الطرق، وذكر صاحب «جامع الأحاديث»(1) طريقين آخرين منها.

توثیق محمّد بن موسى المتوكل

أما السند الأوّل:

فهو ما عن محمّد بن موسى المتوكل: وهو من مشايخ الصدوق، وقد ترضّى عنه(2)، وهو أمارة على التوثيق، كما حقّقنا ذلك في محلّه(3)، والظاهر منه اعتماده عليه. مضافاً إلى أنّ ابن طاووس ذكر في «فلاح السائل» اتّفاق

ص: 166


1- جامع أحاديث الشيعة 1 : 631 ، ح1122.
2- علل الشرائع 2 : 441، باب 185، ح 1. وكذا في طريق الصدوق في «المشيخة» إلى الحسن بن زياد الصيقل.
3- أصول علم الرجال 2 : 317.

الأصحاب على وثاقته(1) .

وأمّا عليّ بن الحسين السعدآبادي: فهو من مشايخ ابن قولويه في «كامل الزيارات»، فيحكم بوثاقته(2)

وأمّا أحمد بن أبي عبد اللَّه البرقي: فقد تقدّم ذكره.

وأمّا إسماعيل بن مهران: فقال النجاشي فيه: «إسماعيل بن مهران بن أبي نصر، السكوني...، ثقة، معتمد عليه»(3)

وذكر نحوه الشيخ(4)

وقال الكشّي: «حدّثني محمّد بن مسعود، قال: سألت عليّ بن الحسن عن إسماعيل بن مهران، قال: رمي بالغلو. قال محمّد بن مسعود: ويكذبون عليه، وكان تقيّاً، ثقة، خيّراً، فاضلاً»(5)

وورد في «تفسير القمّي»(6) ، وعليه فلا إشكال في وثاقته.

وأمّا أحمد بن محمّد بن جابر: فلم يذكر فيه شي ء.

وأمّا السيدة الطاهرة زينب بنت أمير المؤمنين (علیه السلام) : فهي أجلّ قدراً،

ص: 167


1- فلاح السائل: 158، الفصل التاسع عشر.
2- أصول علم الرجال 1 : 325، وكامل الزيارات: 216، باب 36، ح314.
3- رجال النجاشي: 26/49.
4- فهرست الطوسي: 46/32.
5- اختيار معرفة الرجال 2 : 854/1102.
6- أصول علم الرجال 1 : 277 .

وأرفع شأناً، من أن توفي حقّها ألسنة المدح والثناء والتوثيق، ولا غرو؛ فإنّها عقيلة بيت النبوّة وربيبة الإمامة.

سند الصدوق إلی سلیمان بن الخالد

وأمّا السند الثاني: فقد رواه الصدوق بإسناده، عن إسماعيل بن مهران. وسند الصدوق في «المشيخة» هو: ما كان فيه عن إسماعيل بن مهران - من كلام فاطمة÷- فقد رويته عن محمّد بن موسى بن المتوكل(رضی الله عنه)، عن عليّ بن الحسين السعدآبادي، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، عن أبيه، عن إسماعيل بن مهران، عن أحمد بن محمّد الخزاعي، عن محمّد بن جابر، عن عباد العامري، عن زينب بنت أمير المؤمنين (علیه السلام) ، عن فاطمة÷(1).

وفي نسخة: محمّد بن جابر بن عياذ العامري، وفي «الجامع»: أحمد بن محمّد، عن جابر، عن زينب÷.

ورجال السند إلى أحمد بن محمّد الخزاعي قد تقدّم ذكرهم.

وأمّا أحمد، فهو بهذا العنوان يحتمل انطباقه على شخصين: أحدهما: أبو الحسن، أحمد بن محمّد بن ثابت بن عثمان بن منصور بن يزيد الخزاعي الذي ذكره في تهذيب الكمال، وقال: «قال النسائي: ثقة»(2)، ووثقه العجلي، وابن حبان، وابن عساكر، والذهبي، وغيرهم(3).

ص: 168


1- من لا يحضره الفقيه 4 : 531، المشيخة.
2- تهذيب الكمال 1 : 435.
3- تهذيب التهذيب 1 : 62، وتذكرة الحفاظ 2 : 464، ومعرفة الثقات 1 : 192، والثقات لابن حبان 8 : 13، سير أعلام النبلاء 11 : 7.

والآخر: أبو جعفر أحمد بن محمّد بن زيد الخزاعي الذي عده الشيخ فيمن لم يرو عنهم (علیهم السلام) وقال: يكنّى أبا جعفر، روى عنه حميد أصولاً كثيرة، ومات سنة اثنتين وستين ومائتين، وصلى عليه الحسن بن محمّد بن سماعة الصيرفي(1).

وأمّا محمّد بن جابر: فالظاهر أنّه: محمّد بن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري، قال ابن حجر في «التقريب»: «صدوق»(2)، وذكره ابن حبان في كتاب «الثقات»(3)، واحتمل في «القاموس»: أنّه محمّد بن جابر الجعفي اليماني(4)

وأمّا جابر: فهو من الصحابة الأجلّاء، عدّه الشيخ في «رجاله» من أصحاب رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم)، ومن أصحاب أمير المؤمنين (علیه السلام) ، والحسنين (علیهما السلام) ، والسجاد والباقر (علیهما السلام) (5)

وقد أورد الكشّي في مدحه روايات كثيرة، من غير أن يورد ما يخالفها(6) .

وقد قال الفضل بن شاذان: «إنّه من السابقين الذين رجعوا إلى أمير

ص: 169


1- رجال الطوسي: 408/5942.
2- تقريب التهذيب 2 : 61.
3- الثقات لابن حبان 5 : 354.
4- قاموس الرجال 9 : 149.
5- رجال الطوسي: 31/134 ، و 59/498 ، و93/93 ، و99/964، و111/1087 و129/1311.
6- اختيار معرفة الرجال 1 : 209 - 237 .

المؤمنين (علیه السلام) »(1)

وقال ابن عقدة: «إنّ جابر بن عبد اللَّه منقطع إلى أهل البيت (علیهم السلام) »(2).

وهو من جملة من لم يرتدّوا بعد قتل الحسين (علیه السلام) (3) .

وعليه فلا إشكال ولا ريب في جلالته (رضي اللَّه عنه).

وأمّا عبّاد العامري أو محمّد بن جابر بن عياذ العامري: فلم نجد له ذكراً في كتب الرجال.

وأمّا السند الثالث: فهو أيضاً عن الصدوق في «العلل» حيث قال: أخبرني عليّ بن حاتم، قال: حدّثنا محمّد بن أسلم، قال: حدّثني عبد الجليل الباقطاني (الباقلّاني)، قال: حدّثني الحسن بن موسى الخشّاب، قال: حدّثني عبد اللَّه بن محمّد العلوي، عن رجال من أهل البيت، عن زينب بنت علي (علیه السلام) .

أمّا عليّ بن حاتم: فهو عليّ بن أبي سهل بن أبي حاتم القزويني، قال النجاشي في حقّه: «ثقة من أصحابنا في نفسه، يروي عن الضعفاء، سمع فأكثر»(4)

ص: 170


1- اختيار معرفة الرجال 1 : 181 - 182/78 .
2- خلاصة الأقوال: 94.
3- اختيار معرفة الرجال 1 : 338/194.
4- رجال النجاشي: 263/688.

وقال الشيخ: « رضي اللَّه عنه، له كتب كثيرة، جيّدة معتمدة»(1)

، وقال أيضاً: «يكنّى أبا الحسن، ثقة، له تصانيف»(2)

مضافاً إلى أنّه من مشايخ ابن قولويه في «كامل الزيارات»(3)

وأمّا محمّد بن أسلم: فهو مشترك بين أربعة أشخاص، والمعروف منهم ثلاثة، وهم:

1 - محمّد بن أسلم الجبلي: من أصحاب الرضا (علیه السلام) . ويروي عنه الصدوق بثلاثة وسائط، ولم يرد فيه توثيق، وهو غير مقصود هنا؛ لأنّ بينه وبين الصدوق واسطة واحدة.

2 - محمّد بن أسلم بن العلاء الهمداني: من أصحاب الصادق (علیه السلام) ، وهو متقدّم كثيراً من حيث الطبقة، فليس هو المقصود أيضاً.

3 - محمّد بن أسلم الطوسي: الراوي لحديث السلسلة الذهبيّة؛ ولذلك عدّ من أصحاب الرضا (علیه السلام) ، وعليه فهو كالأوّل(4)

والحاصل: أنّ محمّد بن أسلم الواقع في السند غير معلومٍ.

وأمّا عبد الجليل الباقلاني: فهو مجهول، ولعلّ ما في «الجامع» من أنّه

ص: 171


1- فهرست الطوسي: 163/163.
2- رجال الطوسي: 432/6190.
3- كامل الزيارات: 431، باب 82، ح661.
4- معجم رجال الحديث 16 : 88 /10258.

الباقطاني تصحيف(1)

وأمّا الحسن بن موسى الخشاب: فهو من الأجلاّء، قال النجاشي فيه: «من وجوه أصحابنا، مشهور، كثير العلم والحديث»(2) .

مضافاً إلى وقوعه في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمّي»(3)

وأما عبد اللَّه بن محمّد العلوي، فهو مشترك بين شخصين، وهما:

1 - عبد اللَّه بن محمّد بن عليّ بن الحسين: أحد أولاد الإمام الباقر (علیه السلام) ، وترضّى عليه الشيخ المفيد، وقال: «يشار إليه بالفضل والصلاح»(4)

2 - عبد اللَّه بن محمّد بن عليّ بن عبد اللَّه بن جعفر: والظاهر انطباقه على الأوّل.

وأمّا رجال من أهل البيت: ففيه إشارة إلى أنّ الرواة كثيرون، وهم من أهل البيت (علیهم السلام) ، فيمكن الاعتبار لذلك.

والحاصل: أنّ هذا الطريق ضعيف بشخصين، هما: محمّد بن أسلم، والباقلّاني.

وأمّا السند الرابع: فهو - أيضاً - عن الصدوق في «العلل»، حيث قال:

ص: 172


1- جامع أحاديث الشيعة 1 : 633، ذيل ح1122.
2- رجال النجاشي: 42/85.
3- أصول علم الرجال 1 : 218 ، 279 .
4- الإرشاد 2 : 176.

أخبرني عليّ بن حاتم أيضاً، عن محمّد بن أبي عمير، قال: حدّثني محمّد بن عمارة، قال: حدّثني محمّد بن إبراهيم المصري، قال: حدّثني هارون بن يحيى الناشب، قال: حدّثني عبيد اللَّه بن موسى العبسي، عن عبيد اللَّه بن موسى العمري، عن حفص الأحمر، عن زيد بن علي، عن عمّته زينب بنت علي (علیه السلام) .

أمّا عليّ بن حاتم: فقد تقدّم ذكره.

وأمّا محمّد بن أبي عمير: فيبعد أن يكون هو المعروف والمشهور؛ فإنّ ابن حاتم من مشايخ الصدوق، فلا يمكن روايته عن محمّد بن أبي عمير بلا واسطة، إلّا أن تكون الواسطة ساقطة، أو يكون محمّد شخصاً آخر.

وأمّا محمّد بن عمارة: فهو مشترك بين ثلاثة أشخاص، وهم:

1 - محمّد بن عمارة الذهلي: وهو من أصحاب الصادق (علیه السلام) (1)،

ولم يرد فيه توثيق، ولا يمكن رواية الصدوق عنه بواسطتين.

2 - محمّد بن عمارة بن الأشعث: وهو من أصحاب الرضا (علیه السلام) (2)،

ولم يرد فيه توثيق، ويبعد رواية الصدوق عنه بواسطتين.

3 - محمّد بن عمارة بن ذكوان الكلابي الجعفري: وهو من أصحاب

ص: 173


1- رجال الطوسي: 289/4214. هذا بناء على نسخة «عمارة» دون نسخة «عمار».
2- المصدر نفسه: 365/ 5409.

الصادق (علیه السلام) (1)،

ولم يرد فيه توثيق، ويأتي فيه ما تقدّم.

والحاصل: أنّ محمّد بن عمارة في هذه الطبقة مجهول.

وأمّا محمّد بن إبراهيم المصري: فلم نجد له ذكراً في كتب الرجال.

وأمّا عبيد اللَّه بن موسى العبسي: فقد عدّ من أصحاب الصادق (علیه السلام) ، ولم يرد فيه توثيق، ولكن عن يحيى بن معين: «ثقة»، وعن أبي حاتم: «صدوق، ثقة، حسن الحديث»، وعن العجلي: «ثقة، وكان عالماً بالقرآن، رأساً فيه»(2)،

وذكره العقيلي في «الضعفاء»(3) وقال ابن سعد: «كان ثقة، صدوقاً إن شاء اللَّه، كثير الحديث، حسن الهيئة، وكان يتشيّع، ويروي أحاديث في التشيّع منكرة؛ فضعّف بذلك عند كثير من الناس، وكان صاحب قرآن»(4)،

وذكره ابن حبّان في كتاب «الثقات»(5)، وقال ابن حجر في «التقريب»: «ثقة، كان يتشيّع»(6)

وأمّا عبيد اللَّه بن موسى العمري - وفي بعض النسخ: المعمري - وحفص الأحمر: فهما مجهولان.

ص: 174


1- رجال الطوسي: 290/ 4233.
2- أنظر: تهذيب الكمال 19 : 167 - 170.
3- ضعفاء العقيلي 3 : 127 .
4- أنظر: تهذيب التهذيب 7 : 48.
5- الثقات لابن حبان 7 : 152.
6- تقريب التهذيب 1 : 640.

وأما زيد بن علي (علیه السلام) : فإنّه من الأجلّاء، وقد وردت فيه عدّة روايات مادحة:

منها: ما روي عن الصادق (علیه السلام) ، أنّه قال - بعد شهادته - : «رحمه اللَّه، أما إنّه كان مؤمناً، وكان عارفاً، وكان عالماً، وكان صدوقاً. أما إنّه لو ظفر لوفى. أما إنّه لو ملك لعرف كيف يضعها...»(1)،

وغيرها من الروايات.

وقال الشيخ المفيد (رحمه الله) : «ولمّا قتل بلغ ذلك من أبي عبد اللَّه (علیه السلام) كلّ مبلغ، وحزن له حزناً عظيماً، حتّى بان عليه، وفرّق من ماله في عيال من أصيب معه في أصحابه ألف دينار»(2).

وعليه فلا إشكال في جلالة قدره، وعظم منزلته.

والحاصل: أنّ هذا الطريق يشتمل على خمسة من المجاهيل.

إلّا أنّ هذه الخطبة الشريفة تعدّ من محاسن الخطب وبدائعها، ورواها الخاصّة والعامّة بأسانيد كثيرة(3) ، حتّى روي: أنّ مشايخ آل أبي طالب يروونها عن آبائهم، ويعلّمونها أبناءهم(4) وعليه فهي من الخطب المشهورة.

ص: 175


1- شرح الأخبار 3 : 287 ، واختيار معرفة الرجال 2 : 570.
2- الإرشاد 2 : 173.
3- راجع على سبيل المثال: بلاغات النساء لابن أبي طيفور: 16، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 16 : 211 – 213، ومنال الطالب لابن الأثير الجزري: 501 – 507 ، وتذكرة الخواص لابن الجوزي: 317، ومقتل الحسين (علیه السلام) للخطيب الخوارزمي 1 : ،77 وجواهر المطالب للباعوني الشافعي 1 : 155 - 164.
4- شرح نهج البلاغة 16 : 252.

[23] 23 - وَعَنْ عليّ بْنِ حَاتِمٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عليّ الْعَبْدِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْهَاشِمِيِّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ هَمَّامٍ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم):

«جَاءَنِي جَبْرَئِيلُ فَقَالَ لِي: يَا أَحْمَدُ، الإِسْلامُ عَشَرَةُ أَسْهُمٍ، وَقَدْ خَابَ مَنْ لا سَهْمَ لَهُ فِيهَا، أَوَّلُهَا: شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَهِيَ الْكَلِمَةُ، وَالثَّانِيَةُ: الصَّلاةُ، وَهِيَ الطُّهْرُ، وَالثَّالِثَةُ: الزَّكَاةُ، وَهِيَ الْفِطْرَةُ، وَالرَّابِعَةُ: الصَّوْمُ، وَهُوَ الْجُنَّةُ، وَالْخَامِسَةُ: الْحَجُّ، وَهُوَ الشَّرِيعَةُ، وَالسَّادِسَةُ: الْجِهَادُ، وَهُوَ الْعِزُّ، وَالسَّابِعَةُ: الأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَهُوَ الْوَفَاءُ، وَالثَّامِنَةُ: النَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَهُوَ الْحُجَّةُ، وَالتَّاسِعَةُ: الْجَمَاعَةُ، وَهِيَ الأُلْفَةُ، وَالْعَاشِرَةُ: الطَّاعَةُ، وَهِيَ الْعِصْمَةُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[23] - فقه الحديث:

إنّ لهذا الحديث ذيلاً لم يذكره صاحب «الوسائل»، واكتفى بموضع الشاهد منه(2) ، وهو يدلّ على أنّ هناك عشرة أمور، هي أهمّ ما في الإسلام،

ص: 176


1- علل الشرائع 1 : 249، ح 5، ويأتي مثله في الحديث 32 من هذا الباب.
2- وذيله كما في علل الشرايع 1 : 249، ب182 ، ح 5: «قال حبيبي جبرئيل: إنّ مثل هذا الدين كمثل شجرة ثابتة، الإيمان أصلها، والصلاة عروقها، والزكاة ماؤها، والصوم سعفها، وحسن الخلق ورقها، والكف عن المحارم ثمرها، فلا تكمل الشجرة إلّا بالثمرة، كذلك الإيمان لا يكمل إلّا بالكف عن المحارم».

مع ذكر حكمة التشريع لكل منها، بل إنّ صدر الحديث «الإسلام عشرة أسهم» يدلّ على أنّ هذه العشرة جامعة لتعاليم الإسلام، وأنّ ما عدا هذه العشرة داخل فيها:

أوّلها: الشهادة بالتوحيد، وهي: لا إله إلّا اللَّه، وهي الكلمة، والكلمة في اللغة: لفظ دالّ على معنى، سواء كان تامّاً أو غير تام. وقد تطلق على غير اللفظ، ممّا ينبى ء عن شي ء معيّن، وقد وردت في القرآن الكريم بهذا المعنى كثيراً. وعليه فقد يراد من الكلمة المعنى الحقيقي، وهو الشهادة للَّه بالوحدانيّة، وهي لا إله إلّا اللَّه؛ فإنّ كلّ ما في الوجود يرجع إلى هذه الكلمة؛ فإنّ الوجود الحقيقي في هذا العالم إنّما هو للَّه تعالى وحده، وكل ما سواه يرجع إليه تعالى، فلا معبود يستحقّ الوجود إلّا هو تعالى، وما عداه فوجوده بالغير.

ويؤيّد ذلك أنّه ورد أنّها أعظم كلمة(1)، وهي الكلمة العليا(2). وبهذه الكلمة يخرج الإنسان عن الكفر، ويدخل في حظيرة الإسلام؛ كما قد ورد في بعض الروايات: أنّها الحصن الذي من دخله أمن من العذاب - كما في حديث السلسلة الذهبيّة، المروي عن الإمام الرضا (علیه السلام) ، يوم ورد نيشابور - ولكن بشروطها(3)؛ فإن هذه الكلمة تستلزم الشهادة بالرسالة، كما أنّها تستتبع الولاية.

ص: 177


1- مستدرك الوسائل 5 : 365، ح6099.
2- الصراط المستقيم 2 : 225، ب11، فصل1.
3- غوالي اللئالي 4 : 94، ح134، والأمالي للشيخ الصدوق: 306. وثواب الأعمال للشيخ الصدوق: 6.

ويمكن أن يكون المراد بالكلمة: كلمة التقوى؛ بناء على كون اللام عهديّة. ويمكن أن يكون المراد بها: كلمة اللَّه التي هي العليا، والمقصود بها: ما ينبى ء عن معنى، كما ورد أنّ المسيح (علیه السلام) كلمة اللَّه(1)، الذي ينبى ء عن عظمة اللَّه وقدرته، وكذا ورد عنهم (علیهم السلام) : «نحن الكلمات التامات»(2)؛ حيث إنّهم المظهر الأتمّ لصفاته، فهم أتمّ الكلمات، وأجلى المظاهر.

وثانيها: الصلاة، وعبّر عنها بالطهر؛ فإنّ الصلاة من أهم الفرائض، بل هي عمود الدين، وقد اختلفت الروايات في بيان حكمة الصلاة، فقد جاء في الرواية السابقة في خطبة الزهراء÷: أنها شرّعت تنزيهاً عن الكبر؛ لاشتمالها على مثل: الخشوع، والخضوع، وتعفير الجبين - وهو أعلى ما في الإنسان - وإرغام الأنف، وغير ذلك من حالات التذلّل. وسيأتي في الحديث الثاني والثلاثين: أنّ الصلاة هي الفريضة، وورد في القرآن الكريم: أنّها تنهى عن الفحشاء والمنكر(3)، وغيرها من الوجوه. ولا تنافي بينها؛ فإنّ جميع هذه المعاني تستوجب استقامة الإنسان باطناً وظاهراً، وذلك هو معنى الطهر. فالمراد من الطهر: ما هو الأعمّ من الطهر الواقعي المعنوي، ومن الطهر الظاهري. وقد ورد في عدّة من الروايات: أنّ الصلاة ثلثها طهور، وفي بعضها تشبيه الصلاة بالنهر الجاري الذي يكون على باب الدار، يغتسل منه الإنسان

ص: 178


1- مشكاة الأنوار: 277، الفصل1 فيما جاء في الصبر على المصائب.
2- تأويل الآيات: 433 .
3- العنكبوت، الآية 45.

في اليوم والليلة خمس مرات، فلا يبقى على بدنه درن(1)، وهكذا الصلاة؛ فإنّها لا تبقي شيئاً من الرذائل المعنويّة، بل والظاهريّة، وهو المعنى العام الذي ذكرناه.

وثالثها: الزكاة، وعبّر عنها بالفطرة، ومعنى الفطرة الخلقة، وسيأتي في الحديث المشار إليه: أنّها المطهرة، ولا تنافي بين المعنيين؛ فإنّ الزكاة موجبة للتطهير، كما في قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}(2)،

والتطهير هو: إزالة جميع الأدران والخبائث، وتنقية النفس وتزكيتها، وهذا هو معنى الفطرة؛ فإنّها كون الشي ء على طبيعته الأولى التي لا كدر فيها.

ورابعها: الصوم، وعبّر عنه بالجُنّة، أي: الوقاية، وهو العبادة التي هي أبعد ما تكون عن الرِّياء؛ ولذلك ورد في بعض الروايات: «الصوم لي، وأنا أجزي به»(3)

، فالصوم وقاية من النار.

وخامسها: الحجّ، وفي أكثر الروايات ورد تقديم الصوم عليه، كما هنا، وقد عبّر عنه بالشريعة، أي: الدين، وعبادة الحجّ هي المظهرة للدين، وتشييده، وبيان عظمته؛ فإنّها عبادة جامعة تتجلّى فيها عظمة الإسلام،

ص: 179


1- بحار الأنوار 79 : 148 و 150 و 160، كتاب الصلاة، باب فضل الصلاة...، ح40 و 45 و66.
2- التوبة، الآية 103.
3- من لا يحضره الفقيه 2 : 75، باب فضل الصيام، ح 1773.

وتعاليمه، وقد مرّ في الأحاديث السابقة: أنّ الحجّ تشييد للدين، وفي ثانٍ: تثبيت للدين، وفي ثالثٍ: تسنية للدين، أي: السناء بمعنى الظهور.

وسادسها: الجهاد، وهو عزّ للإسلام، وبيان لقوّته. وقد ورد عين هذا التعبير في الحديث السابق.

وسابعها: الأمر بالمعروف، وهو الوفاء، أي: توفية الأحكام والتعاليم؛ لقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}(1) ، أو هو من الوفاء للدِّين، وبيان أحكامه، وحمل الناس على تطبيقه؛ لقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} ،(2) الآية.

وثامنها: النهي عن المنكر، وهو الحجّة؛ وذلك لأنّ من يأتي بما يخالف الدين لا حجّة له على ما يأتي به؛ فإنّ من ينهاه عن المخالفة هو الذي له الحجّة عليه، أو أنّ المراد: أنّ اللَّه تعالى جعله حجّة على العباد، فلا يتهاونون بالقيام بهذه الوظيفة العظيمة التي يترتب عليها ارتفاع المفاسد من بين الناس، فتصلح البلاد والعباد، وقد ورد الأمر والحثّ عليه في الآيات(3)

ص: 180


1- التوبة، الآية 71.
2- آل عمران، الآية 110.
3- الآيات (104) من آل عمران، و (63) و (79) من المائدة، و (116) من هود، و (41) من الحج، و (17) من لقمان، و (6) من التحريم.

والروايات(1)، وأنّه من موجبات استجابة الدعاء(2)، وأنّ تركه موجب لتسلّط الظالمين على العباد(3).

وتاسعها: الجماعة، وعبّر عنها بالألفة، ولم تذكر في الحديث السابق، وفيها احتمالات، الظاهر منها الجماعة في الصلاة، وقد أكّد في الروايات على حضورها(4)، حتّى أنّ بعض المحدِّثين ذهب إلى القول بوجوب الحضور في صلاة الجماعة(5)، وقد ورد: أنّ النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) همّ بإحراق بيوت أقوام كانوا لا يحضرون الجماعة(6)، على أنّ الجماعة قد تكون واجبة في بعض الحالات، كما في صلاة الجمعة؛ فإنّها لا تصحّ إلّا جماعة، وفي صلاة العيدين في زمان الحضور.

والجماعة توجب الألفة، وهي من الجمع والتقريب بين النفوس والقلوب، وعدم الحضور يوجب النفرة وتباعد القلوب؛ والشاهد على ذلك: أنّه ورد في آداب وأحكام صلاة الجماعة: استحباب تسوية الصفوف وسدّ

ص: 181


1- راجع: بحار الأنوار 97 : 50، باب 1 من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
2- المصدر نفسه: 56 و 62 و 63 و 66، الأحاديث:30 و60 و61 و 68 و 90، وأمالي الطوسي: 523 و 670، المجلس18، ح1157، والمجلس36 ،ح1408.
3- راجع المصدرين السابقين.
4- بحار الأنوار 85 : 5، باب فضل الجماعة.
5- انظر: بحار الأنوار 85 : 16، ثواب صلاة الجماعة، ح29.
6- بحار الأنوار 85 : 9، باب فضل الجماعة، ح11، وأمالي الصدوق : 392، المجلس73، ح14.

الفُرَج(1)؛ وعلّل في بعض الروايات: بأنّ ذلك يمنع دخول الشيطان(2).

وعاشرها: الطاعة، وهي العصمة، وقد مرّ أنّ المراد بها طاعة وليّ الأمر، وهو الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)، ومن بعده الإمام (علیه السلام) ؛ فإنّ طاعته توجب العصمة من الاختلاف والتشتّت، كما قالت الصدّيقة الزهراء÷: «والطاعة نظاماً للملّة»(3).

سند الحديث:

إنّ بين ما ذكره صاحب «الوسائل» والمصدر اختلافاً في موردين، وهما:

الأوّل: جاء في المصدر: مَعْمَر، عن قتادة، وفي «الوسائل»: مَعْمَر بن قتادة، وهو من غلط النساخ.

الثاني: أنّ في المصدر: أنس بن مالك، مع أنّ المذكور في «الوسائل»: أنس.

والحاصل: أنّ عليّ بن حاتم قد تقدّم ذكره.

وأمّا أحمد بن عليّ العبدي والحسن بن إبراهيم الهاشمي وإسحاق بن إبراهيم، فهم مجهولون.

وأمّا عبد الرزاق بن همام، فهو اليماني، وهو من أصحاب الباقر

ص: 182


1- وسائل الشيعة 8 : 422، باب 70 من ابواب صلاة الجماعة.
2- المصدر نفسه، ح4.
3- من لا يحضره الفقيه 3 : 568، ح4943.

والصادق (علیهما السلام) ، وهو أحد أعلام الشيعة. وفي رجال النجاشي في ترجمة محمّد بن أبي بكر همام بن سهيل الكاتب الإسكافي، حيث نقل عن هارون بن موسى، عن محمّد بن همام، عن أحمد بن مابنداذ، عن أبيه: أنّه لم يرَ أحداً مثل عبد الرزاق بن همام في العلم، ولا نظير له في العصر، وأنّه قد تشيّع على يده، وجعله حجّة بينه وبين اللَّه، في حكاية طويلة. فهذه الحكاية، يظهر منها جلالة قدره، ورفعة شأنه(1).

وقال ابن حجر فيه: «ثقة، حافظ، مصنّف، شهير، عمي في آخر عمره فتغيّر، وكان يتشيّع من التاسعة»(2).

وتوثيق ابن حجر وإن كان لا يفيد، ولم يرد تصريح بوثاقته من غيره، إلّا أنّ ما ذكره النجاشي كافٍ؛ فإنّه لا يقصر عن حسنٍ موجب لحجّية خبره، كما في «المعجم»(3).

ولكنه صاحب أحد الكتب المشهورة من كتب العامّة، وهو كتاب «المصنَّف». ورمي عند علماء العامّة بالتشيّع، وقد نقل جماعة منهم ذلك، وقالوا: بل كان يحب عليّاً (علیه السلام) ، ويبغض من قاتله، كما هو مذكور في ترجمته في مقدّمة كتابه، يروي عنه إسحاق بن إبراهيم، ويروي هو عن

ص: 183


1- رجال النجاشي: 379 - 380/1032 .
2- تقريب التهذيب 1 : 599. وقال عنه في مقدمة فتح الباري: «أحد الحفاظ الأثبات، صاحب التصانيف، وثّقه الأئمّة كلهم، إلّا العباس بن عبد العظيم العنبري وحده، فتكلم بكلام أفرط فيه، ولم يوافقه عليه أحد... الخ». (مقدمة فتح الباري: 418).
3- معجم رجال الحديث 11 : 15/6504.

مَعْمَر، ويكثر عنه، وله كتاب بعنوان «الجامع» بروايته عن مَعْمَر(1)

وأمّا مَعْمَر بن قتادة: فلم يذكر في الرجال.

وأمّا بناء على ما في «العلل» - من أنّه معمر عن قتادة - فمَعْمَر وإن كان مشتركاً بين أكثر من خمسة وعشرين شخصاً، إلّا أنّ الظاهر أنّ المراد هو مَعْمَر بن راشد؛ بقرينة الراوي عنه، ولم يرد فيه توثيق.

نعم، ورد في رجال العامّة(2) وثاقته عن جلّهم، بل عن أبي حاتم: «انتهى الإسناد إلى ستّة نفر، أدركهم مَعْمَر، وكتب عنهم، لا أعلم اجتمع لأحد غير معمر»(3) .

وأمّا قَتَادَة، فهو مشترك أيضاً بين ثلاثة أشخاص. والظاهر أنّ المراد به: قتادة بن دِعَامَة؛ بقرينة روايته عن أنس. ولم يرد فيه توثيق.

وقد ذكر في أحواله: أنّه من فقهاء العامّة، بل فقيه أهل البصرة، وأجمعوا على وثاقته، بل قيل: إنّه أحفظ الناس في زمانه(4). وقيل: إنّه كان محبّاً لأهل البيت (علیهم السلام) (5) .

ص: 184


1- راجع تذكرة الحفاظ للذهبي 1 : 364، والمصنف لعبد الرزاق الصنعاني 10 : 379 وما بعدها.
2- راجع: تهذيب التهذيب 8 : 282/ 7087.
3- تهذيب الكمال 28 : 306.
4- المصدر نفسه 23 : 507.
5- الكافي 6 : 256، باب ما ينتفع به من الميتة، ح1 .

بحث رجالي في أنس بن مالك

وأمّا أنس بن مالك، فهو مشهور بانحرافه عن أمير المؤمنين (علیه السلام) ، وقد كتم الشهادة عن بيعة الغدير، فأصابه البرص في الحال، وكان قد حجب أمير المؤمنين (علیه السلام) عن الدخول على رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم) ليأكل معه الطير المشويّ، كما في الرواية المشهورة(1)، وقد ورد في رواية عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) : «ثلاثة كانوا يكذبون على رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم): أبو هريرة، وأنس بن مالك، وامرأة»(2) ، وقد اعترف هو بأنّه إنّما أصابه البرص لكتمانه الشهادة(3)

هذا، وقد ورد في أسناد «نوادر الحكمة»(4) ، وذلك ممّا يدلّ على اعتباره ووثاقته.

ويمكن الجمع بين التوثيق والتضعيف: بأنّه وإن كان منحرفاً أوّلاً، ولكنّه ندم وتاب على كتمانه الشهادة لأمير المؤمنين (علیه السلام) ، وقد حلف أن لا يكتم منقبة بعد ذلك، بل روى عدّة روايات في فضائل الأئمّة (علیهم السلام) ، وفيها إشارة إلى إمامتهم.

وأمّا الرواية الدالّة على أنّه من الكذّابين فهي ضعيفة السند؛ فبناء على ذلك يمكن القول بوثاقته في الحديث، ومع ذلك فهو مورد للتأمّل.

ص: 185


1- أمالي الصدوق: 753، المجلس 94، ح1012.
2- الخصال: 190، باب الثلاثة، ح 263.
3- معجم رجال الحديث 4 : 149/1566.
4- أصول علم الرجال 1 : 214 .

وقد يقال: إنّ المراد به شخص آخر، وقد ذكر في أصحاب الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)، وهو أنس بن مالك الكعبي القشيري.

وفيه: أنّ المشهور والمعروف هو أنس بن مالك، خادم الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم)، وأمّا أنس بن مالك الكعبي، فلم يروِ إلّا رواية واحدة عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، فمن البعيد جدّاً أن يكون هو المراد.

والحاصل: أنّ الحديث ضعيف السند بعدّة مجاهيل. ولكن سيأتي حديث معتبر بنفس هذا المضمون، وهو الحديث الثاني والثلاثون.

ص: 186

[24] 24 - وَفِي «الْخِصَالِ»: عَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عليّ بْنِ يَقْطِينٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ، وَجَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، جَمِيعاً، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ رَزِينٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام) : «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: إِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحِجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَالْوَلايَةِ لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، فَجُعِلَ فِي أَرْبَعٍ مِنْهَا رُخْصَةٌ، وَلَمْ يُجْعَلْ فِي الْوَلايَةِ رُخْصَةٌ؛ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَلَيْسَ عَلَيْهِ حَجٌّ، وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً صلّى قَاعِداً، وَأَفْطَرَ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَالْوَلايَةُ، صَحِيحاً كَانَ أَوْ مَرِيضاً، أَوْ ذَا مَالٍ أَوْ لا مَالَ لَهُ، فَهِيَ لازِمَةٌ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[24] - فقه الحديث:

هذا الحديث - كالأحاديث السابقة - يدلّ على أنّ الخمسة من دعائم الدين وأركانه. وفي هذا دلالة على أهمّيّة الولاية، غير ما تقدّم ذكره؛ حيث تقدّمت خمسة وجوه تدلّ على أهمّيّة الولاية، وفي هذا الحديث ذُكر وجه سادس، فالوجوه الستة هي كما يلي:

الأوّل: أنّه لم يناد بشي ء مثل ما نودي بالولاية.

الثاني: أنّ الولاية مفتاح الأعمال.

ص: 187


1- الخصال: 278 ، باب الخمسة، ح 21.

الثالث: أنّ الوالي هو الدليل على ما سواها.

الرابع: أنّ قبول الأعمال منوط بالولاية.

الخامس: أنّ الولاية من دعائم الدين.

السادس: ما في هذا الحديث، وهو: أن لا رخصة في أمر الولاية أبداً؛ فإنّ الإنسان قد يعذر في صومه، كما إذا كان مريضاً، فيسقط عنه، وقد يكون لا مال له فلا زكاة عليه، ولا حجّ، وقد يعذر عن الصلاة الاختياريّة، ويجزيه أن يأتي بإحدى مراتبها الاضطرارية، كالصلاة قاعداً، أو مستلقياً، أو إيماءً. وأمّا الولاية فلا عذر فيها، ولا مجال لاستبدالها بشي ء آخر، أو سقوطها؛ ومن ذلك يعلم أهمّيّة الولاية على سائر الفرائض على الإطلاق.

سند الحديث:

أمّا محمّد بن الحسن: فهو ابن الوليد، قال النجاشي في حقّه: «أبو جعفر، شيخ القمّيين، وفقيههم، ومتقدّمهم، ووجههم، ويقال: إنّه نزيل قم، وما كان أصله منها، ثقة، ثقة، عين، مسكون إليه»(1)

وقال الشيخ: «جليل القدر، عارف بالرجال، موثوق به»(2) ، وقال في«رجاله» عنه: «جليل القدر، بصير بالفقه، ثقة»(3)

ص: 188


1- رجال النجاشي: 383/1024.
2- فهرست الطوسي: 237/709.
3- رجال الطوسي: 439/6273.

وهو أحد مشايخ الصدوق، و قد ترضّى عنه، وقال فيه: «كل ما لم يصحّحه ذلك الشيخ - قدّس اللَّه روحه - ولم يحكم بصحّته من الأخبار فهو عندنا متروك، غير صحيح»(1)،

وقد تبع الصدوق شيخه في استثنائه من رواية محمّد بن أحمد بن يحيى(2)

، وهو أحد مشايخ ابن قولويه(3).

وأمّا سعد بن عبد اللَّه، وأحمد بن محمّد بن عيسى، فقد تقدّم ذكرهما.

وأمّا القاسم بن الحسن بن عليّ بن يقطين: فقال النجاشي فيه: «كان ضعيفاً على ما ذكره ابن الوليد»(4)، وقال الشيخ: «يرمى بالغلو»(5) .

وقال ابن الغضائري: «حديثه نعرفه وننكره، ذكر القمّيون: أنّ في مذهبه ارتفاعاً، والأغلب عليه الخير»(6).

وقد وردت في حقّه روايات تدلّ على زندقته وذمّه:

منها: ما ذكره أحمد بن محمّد بن عيسى من تأويله الصلاة برجل، والزكاة كذلك، فكتب (علیه السلام) : «ليس هذا من ديننا، فاعتزله»(7).

ومنها: ما عن العسكري (علیه السلام) : «لعن اللَّه القاسم اليقطيني، ولعن اللَّه

ص: 189


1- من لا يحضره الفقيه 2 : 90 - 91 .
2- معجم رجال الحديث 16 : 220/10490.
3- كامل الزيارات: 94، باب11 ، ح2.
4- رجال النجاشي: 316/ 865.
5- رجال الطوسي: 390/5745.
6- خلاصة الأقوال: 389، وعلّق عليه العلّامة بقوله: «وهذا يعطي تعديله منه».
7- اختيار معرفة الرجال 2: 803/ 994.

ابن حسكة القمّي، إنّ شيطاناً يتراءى للقاسم، فيوحي إليه زخرف القول غروراً»(1) .

وأمّا ابن أبي نجران: فهو عبد الرحمن بن أبي نجران، قال النجاشي فيه: «ثقة، ثقة، معتمد على ما يرويه، له كتب كثيرة»(2)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي»، وروى عنه المشايخ الثقات(3)

وأمّا جعفر بن سليمان: فإنّه مشترك بين جماعة، وهم:

الأوّل: جعفر بن سليمان، وهو من أصحاب الكاظم (علیه السلام) ، ولم يرد فيه توثيق.

الثاني: جعفر بن سليمان الضبعي البصري، وهو - أيضاً - من أصحاب الكاظم (علیه السلام) ، ووثّقه الشيخ في «الرجال» في أصحاب الصادق (علیه السلام) (4)

الثالث: جعفر بن سليمان القمّي، قال الشيخ النجاشي فيه: «أبو محمّد، ثقة من أصحابنا القميّين» وهو ممّن يروي عنه محمّد بن الحسن بن الوليد(5).

والمذكور في السند لا ينطبق على الثالث؛ لتأخّره زماناً، فيدور أمره بين

ص: 190


1- اختيار معرفة الرجال 2 : 803/996.
2- رجال النجاشي: 235/622.
3- أصول علم الرجال 1 : 226 ، 282، و ج2 : 198 .
4- رجال الطوسي: 176/2081.
5- رجال النجاشي: 121 - 122/312 .

الأوّل المجهول، والثاني الثقة، ولا وجه للتمييز، فهو مشترك بين الثقة وغيره، ولكن لا يضرّ وجوده في السند؛ لاقترانه مع ابن أبي نجران.

وأمّا العلاء بن رزين: فقد قال النجاشي فيه: «صحب محمّد بن مسلم، وتفقّه عليه، وكان ثقة، وجهاً»(1)

وقال الشيخ: «ثقة، جليل القدر»(2)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمّي»، وروى عنه المشايخ الثقات(3)

وأمّا أبو حمزة الثمالي: فقد تقدّم ذكره.

والحديث وإن كان ضعيفاً بالقاسم بن الحسن بن عليّ بن يقطين، إلّا أنه يمكن تصحيحه بوجه آخر، وهو: أنّ العلاء بن رزين كونه صاحب كتب مشهورة يرويها جماعة(4)، يقتضي عدم الحاجة إلى النظر في الطريق إلى كتبه.

مضافاً إلى أن سعد بن عبد الله القمّي قد وقع في الطريق - وهو من الرواة الذين لهم كتب معروفة مشهورة(5)

ومعوَّل عليها(6) فهو يقتضي أيضاً ذلك؛ هذا بناء على وجود هذا الحديث في كتبهما.

ص: 191


1- رجال النجاشي: 298/811.
2- فهرست الطوسي: 182/499.
3- أصول علم الرجال 1 : 229 ، 284، و ج2 : 201 .
4- المصدر نفسه 1 : 146.
5- كتابه «الرحمة» هو المشهور، وله كتب كثيرة غيره.
6- أصول علم الرجال 1 : 135.

[25] 25 - وَعَنْ محمّد بْنِ جَعْفَرٍ الْبُنْدَارِ، عَنْ محمّد بْنِ جُمْهُورٍ(1) الْحَمَّادِيِّ، عَنْ صَالِحِ بْنِ محمّد الْبَغْدَادِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ الْحِمَّصِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ(صلی الله علیه و آله و سلم) قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي، وَلا أُمَّةَ بَعْدَكُمْ. أَلا فَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ، وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ، وَحُجُّوا بَيْتَ رَبِّكُمْ، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ طَيِّبَةً بِهَا نُفُوسُكُمْ، وَأَطِيعُوا وُلاةَ أَمْرِكُمْ، تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

ثم إنّ هذا نظير الحديث العاشر المتقدّم، الذي ينتهي سنده إلى أبي حمزة الثمالي، كما سيأتي حديث آخر صحيح السند عن أبي حمزة، وهو الحادي والثلاثون، وإنّما الاختلاف بينهما في ذيل كلّ منهما.

[25] - فقه الحديث:

الحديث واضح الدلالة، فإنّ النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) قد مهّد لبيان أصول الدين، وأهمّ الفرائض:

أولاً: بالخطاب بقوله (صلی الله علیه و آله و سلم): «أيّها الناس»؛ للفت الأنظار إلى أنّ كلّ مخاطب معنيّ بالخطاب.

ص: 192


1- كذا في المخطوط، وفي المصدر: محمّد بن محمّد بن جمهور.
2- الخصال: 321 ، باب الستة، ح 6.

وثانياً: تهيئة النفوس بقوله: «لا نبيّ بعدي، ولا أُمّة بعدكم»، فهو خاتم الأنبياء (علیهم السلام) ، وأمّته خاتمة الأمم، وذلك يعني: أنّه لابدّ من الاهتمام بما سيتلى عليكم.

وثالثاً: الأمر بالتوجّه للَّه بالعبوديّة على نحو الإطلاق والإجمال. ثمّ فصّل ذلك ببيان أهمّ الفرائض، وهي: الصلوات الخمس، وصوم الشهر، أي: شهر رمضان، وحجّ البيت، وأداء الزكاة عن طيب نفس ورضى بما شرّعه اللَّه تعالى، لا عن إكراه أو تثاقل، وإطاعة ولاة الأمر، وهم الأئمّة (علیهم السلام) ، المنصوص على ولايتهم في القرآن في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ}(1)،

وقد ذكرنا في مباحثنا الفقهيّة(2): أنّ هذه الآية لا تنطبق إلّا على أئمّة أهل البيت (علیهم السلام) ؛ فإنّ الإطاعة هنا على نحو الإطلاق، ومعنى ذلك: أنّ المطاع لابدّ وأن يكونمعصوماً، وهذا المعنى لا يتمّ إلّا على ما تذهب إليه الشيعة الإماميّة من الاعتقاد بعصمة الأئمّة الاثني عشر (علیهم السلام) .

ثمّ ذكر النبي(صلی الله علیه و آله و سلم): أنّ الجزاء على ذلك هو دخول الجنّة، ومن ذلك يظهر أهمّيّة هذه الأمور الخمسة، وهي العمدة في الفرائض، فالحديث كسائر الأحاديث السابقة، إلّا أنّه امتاز بذكر هذه الأمور بصورة الخطاب، مع التمهيد لذلك وإعداد النفوس لتلقّي الخطاب. وختام الحديث بذكر

ص: 193


1- النساء، الآية 59.
2- التقيّة في فقه أهل البيت 2 : 377.

الجزاء، وما أعدّه اللَّه تعالى لمن قام بهذه الأمور، وهو الدخول في الجنّة.

سند الحديث:

أما محمّد بن جعفر البندار: فالظاهر أنّه شيخ الصدوق، وقد ورد في «الخصال» روايته عنه في عشرين مورداً. وفي بعض الموارد قال: محمّد بن جعفر البندار الفرغاني، وفي بعضها: الشافعي الفرغاني(1)، وفي بعضها: الفقيه الفرغاني، فيعلم من ذلك: أنّه شافعي، وهو من فقهائهم، ولم يرد في كتبنا توثيق لهذا الشخص.

نعم، ذكره الخطيب في «تاريخه»(2) ، وكذلك السمعاني في «الأنساب»، حيث قال في ترجمة أبي جعفر أحمد بن الخليل بن ثابت البرجلاني: «...

سمع محمّد بن عمر الواقدي... وجماعة آخرهم محمّد بن جعفر بن الهيثم البندار، وكان ثقة»(3)

وأمّا محمّد بن جمهور الحمادي وصالح بن محمّد البغدادي: فلم يرد لهما توثيق في كتبنا الرجاليّة، فلعلّهما من العامّة.

وأمّا عمرو بن عثمان الحِمْصِي: فهو عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحِمْصِي، وهو من العامّة، وذكر ابن حجر في «التقريب»: أنّه

ص: 194


1- الخصال: 52، باب الاثنين، ح64، و174، باب الثلاثة، ح231، وفضائل الأشهر الثلاثة: 66.
2- تاريخ بغداد 2 : 148.
3- الأنساب 1 : 310.

صدوق(1)

، وكذا ورد في «الجرح والتعديل» للرازي(2).

وأمّا إسماعيل بن عَيَّاش: فهو إسماعيل بن عيّاش بن مسلم العباسي - أو العبسي(3)

- الحِمْصِي، وهو من العامّة، ولكنّهم مدحوا علمه وحفظه. فعن يعقوب بن سفيان: «وتكلّم قوم في إسماعيل، وإسماعيل ثقة، عدل، أعلم الناس بحديث الشام، ولا يدفعه دافع... وعن عثمان بن صالح السهمي: ... وكان أهل حمص يتنقصون عليّ بن أبي طالب حتّى نشأ فيهم إسماعيل بن عيّاش، فحدّثهم بفضائله، فكفّوا عن ذلك. وعن يحيى بن معين: أنّه ثقة إذا حدّث عن الشيوخ الثقات، مثل: محمّد بن زياد، وشرحبيل بن مسلم ...» (4)، ووثّقه غيره أيضاً (5) .

وأمّا شُرَحْبيل بن مسلم: فهو ابن حامد الخَوْلاني، وهو من العامّة، وورد في كتبهم: أنّه صدوق(6)، وعن أحمد بن حنبل: أنّه من ثقات الشاميّين(7)

ص: 195


1- تقريب التهذيب 1 : 740.
2- الجرح والتعديل 6 : 249.
3- في تهذيب التهذيب 1 : 331/ 511 وتقريب التهذيب 11 : 53/511: إسماعيل بن عيَّاش بن سَلْم، في الأول «سُلَيم» وفي الثاني «العَنْسي» بالنون.
4- تهذيب الكمال 3 : 163 - 181 .
5- انظر: تحفة الأحوذي 2 : 285.
6- تقريب التهذيب 1 : 415.
7- تهذيب التهذيب 4 : 286.

، ووثقه العجلي(1)

، وذكره ابن حبّان في الثقات(2). وقال بعضهم: إنّ هذا الرجل كان يذكر فضائل أمير المؤمنين (علیه السلام) .

وأمّا محمّد بن زياد: فهو - أيضاً - من العامّة، وهو محمّد بن زياد الألهاني الحِمْصِي، وثّقه يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وأبو داود، والنسائي(3) .

وأمّا أبو أمامة، فهو مشترك، إلا أنّ المعروف منهم اثنان:

الأوّل: أبو أمامة الباهلي، واسمه صعدي (صديّ) بن عَجْلان(4) .

الثاني: أبو أمامة الخزرجي.

والمراد هو: الأوّل؛ فإنّه هو الذي يروي عنه شرحبيل بن مسلم(5)، وهو من أصحاب الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم)، وممّن عمّر طويلاً، وبقي إلى زمان عبد الملك بن مروان، وذكر: أنّ معاوية بن أبي سفيان بعث إليه بالمال؛ ليسير إليه، فلم يقبل. وروى عدّة روايات في فضائل أمير المؤمنين (علیه السلام) ، ولكن مع ذلك لم يرد فيه توثيق في كتب الخاصّة. وأمّا عند العامّة، فجميع الصحابة عندهم ثقات.

وهذا السند عامّي، ولعلّ الصدوق روى عنهم؛ لأنّهم من المعروفين بالصّدق عند العامّة.

ص: 196


1- معرفة الثقات 1 : 451.
2- الثقات لابن حبان 4 : 363.
3- تهذيب التهذيب 9 : 150.
4- طبقات خليفة بن خياط: 553.
5- وإن قيل بأنه لم يلق أبا أمامة، ولكن يمكن روايته عنه بحسب الطبقة.

[26] 26 - وَعَنْ أَبِيهِ، عَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ محمّد بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ محمّد بْنِ سِنَانٍ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «الْمُحَمَّدِيَّةُ السَّمْحَةُ(1):

إِقَامُ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَحِجُّ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَالطَّاعَةُ لِلإِمَامِ، وَأَدَاءُ حُقُوقِ الْمُؤْمِنِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[26] - فقه الحديث:

ذكر صاحب «الوسائل» قسماً من وسط الحديث؛ لأنّه محلّ الشاهد، وأسقط الطرفين، وفي هذا الحديث - زائداً على ما تقدّم - التأكيد على أداء حقوق المؤمن، وهذا - أيضاً - أمر عظيم، ومهمّ جداً؛ فقد ورد في حقّ المؤمن روايات كثيرة، قد جاوزت حدّ التواتر، واشتملت على تفاصيل دقيقة ومهمة في بيان منزلة المؤمن عند اللَّه، وما افترضه اللَّه له من الحقوق على إخوانه، وهي مذكورة في مواطن متعدّدة من هذا الكتاب، بل عقد صاحب «الوسائل» في كتابه هذا أبواباً سمّاها: أبواب العِشرَة، أورد فيها جملة كثيرة من الروايات المشتملة على حقوق المؤمن(3). وهذه الحقوق لابدّ من رعايتها.

ص: 197


1- في نسخة: السهلة. (منه (قدس سره) ).
2- الخصال: 328، باب الخمسة، ح20، ويأتي ذيله في الحديث 20 من الباب 122 من أبواب أحكام العشرة.
3- وسائل الشيعة 12 : 5، تتمة كتاب الحج، وج15 : 354، باب 51، وج16 : 221، باب 28.

وهذا الحديث لم يتعرض لتفصيل هذه الحقوق، لكن المستفاد منه أهمّيّة تلك الحقوق، بحيث لا مجال للتهاون بها؛ وذلك لأنّها ذكرت عقيب ذكر أهمّ الفرائض، مضافاً إلى ما ذكر ممّا أعده اللَّه تعالى من العقاب لمن حبس حقّ المؤمن.

وعلى كلّ حال، فالحقوق قد تكون أخرويّة، وقد تكون دنيويّة، وتفصيل ذلك موكول إلى محلّه.

والحاصل: أن هذا الحديث اشتمل على تعريف المحمديّة - وهو الدين الذي جاء به النبيّ(صلی الله علیه و آله و سلم) - بهذه الأمور، فكأنّ المعنى: أنّ الدين هو هذه الأشياء، وهي ذات يسر وسهولة، وذلك يدلّ على عظمة هذه الفرائض وأهميتها، وضرورة الاهتمام والاعتناء بها.

سند الحديث:

أمّا محمّد بن أحمد: فهو محمّد بن أحمد بن يحيى بن عبد اللَّه بن سعد بن مالك، الأشعريّ، القمّي، وهو صاحب كتاب «نوادر الحكمة»، قال النجاشي في حقه: «كان ثقة في الحديث، إلّا أنّ أصحابنا قالوا: كان يروي عن الضعفاء، ويعتمد المراسيل، ولا يبالي عمّن أخذ، وما عليه في نفسه مطعن في شي ء»(1)

ص: 198


1- رجال النجاشي: 348/939.

وقال الشيخ: «جليل القدر، كثير الرواية، له كتاب نوادر الحكمة»(1)

ولنا تحقيق حول هذا الكتاب وأسانيده، ذكرناها في مباحثنا الرجاليّة(2)

، والكتاب وإن كان مفقوداً، إلّا أنّنا استطعنا استخراج أسانيده، وأن نميّز الرواة من حيث الوثاقة والضعف.

وأمّا محمّد بن يحيى وسهل بن زياد: فقد تقدّم ذكرهما.

وأمّا محمّد بن سنان: فقد وقع الخلاف في وثاقته، وتضاربت فيه الأقوال، والمشهور ضعفه، وذهب إليه السيد الأستاذ (قدس سره) (3).

وقد فصّلنا القول فيه في خاتمة «أصول علم الرجال»، وذكرنا هناك خمسة وجوه لتضعيفه، وثمانية وجوه لوثاقته، وقد رجّحنا وثاقته(4).

وأمّا المفضّل بن عمر: فقد وقع الخلاف في وثاقته أيضاً، وقد ذكرنا في الخاتمة من كتاب «أصول علم الرجال» تسعة وجوه لتوثيقه، وأربعة وجوه لتضعيفه، واخترنا وثاقته أيضاً(5).

وأمّا يونس بن ظبيان: فقد تقدّم ذكره.

والحاصل: أنّ الحديث ضعيف، فيكون مؤيّداً لبقية الأحاديث.

ص: 199


1- فهرست الطوسي: 221/622.
2- أصول علم الرجال 1 : 201 - 252 .
3- معجم رجال الحديث 17 : 169/ 10938.
4- أصول علم الرجال 2 : 402 - 420 .
5- المصدر نفسه 2 : 421 - 437 .

[27] 27 - وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْقَطَّانِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ بُهْلُولٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «وَاللَّهِ، مَا كَلَّفَ اللَّهُ الْعِبَادَ إِلَّا دُونَ مَا يُطِيقُونَ؛ إِنَّمَا كَلَّفَهُمْ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ، وَكَلَّفَهُمْ فِي كلّ أَلْفِ دِرْهَمٍ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَماً، وَكَلَّفَهُمْ فِي السَّنَةِ صِيَامَ ثَلاثِينَ يَوْماً، وَكَلَّفَهُمْ حَجَّةً وَاحِدَةً، وَهُمْ يُطِيقُونَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[27] - فقه الحديث:

دلالة الحديث ظاهرة، ففيه: أنّه سبحانه كلَّف العباد بأربعة أمور، وهي: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحجّ. فتخصيص هذه الأمور بالذكر يدلّ على أهميّتها، وهو وارد في بيان الإسلام وواجباته، ولم يذكر الولاية.

ثمّ إنّ الإمام (علیه السلام) ذكر: أنّ هذه الأمور هي دون ما يطيق الناس، وأنّهم يطيقون أكثر من ذلك، فاللَّه سبحانه لم يكلّف عباده بما يشقّ عليهم؛ رحمة منه، ورأفة بهم.

سند الحديث:

بحث رجالي في أحمد بن الحسن القطّان

أمّا أحمد بن الحسن القطّان: فهو أحد مشايخ الصدوق، وقد روى عنه

ص: 200


1- الخصال: 531، أبواب الثلاثين، ح 9، ويأتي في الحديث 37 من هذا الباب، وفي الحديث 1 من الباب 3 من أبواب وجوب الحج وشرائطه.

في «الخصال» كثيراً، كما روى عنه في غيره، ولم يرد فيه توثيق. وفي «المعجم»: أنّ الصدوق ترحّم عليه، ولا دلالة فيه على التوثيق، ولا على الحسن، وكذلك عبّر عنه بقوله: شيخ لأهل الحديث، وهو أيضاً كذلك، وإن تضمّن مدحاً. كما عبّر عنه بقوله: أحمد بن الحسن القطّان، المعروف بأبي عليّ بن عبد ربّه (عبدون) العدل، وهذا أيضاً لا يدلّ على شي ء؛ فإنّه لم يصفه بالعدل، وإنما ذكر: أنّه كان معروفاً بأبي عليّ بن عبد ربّه العدل، ومعنى هذا أنّ العدل كان لقباً له، ولا يبعد أن يكون الرجل من العامّة، كما استظهر بعضهم ذلك(1).

ولا يبعد أن يكون الظاهر من هذا الكلام أنّ العدل وصف، لا لقب؛ بقرينة ذكره بلفظ آخر، كما نقل في مورد من «الأمالي»: أحمد بن الحسن القطّان، المعروف بأبي عليّ بن عبد ربه المعدَّل(2). ولكن بما أنّ هذه الكلمة وقعت مورداً للخلاف فيتوقّف في ذلك، فلا نحكم بوثاقته، وإن كان الأرجح القول بحسنه. وإذا كان المقصود من العدل هو المعتدل، أي: غير المفرط في طريقه، فلا يدلّ على التوثيق، ولا على الحسن. ولكن مع ذلك كلّه فقد ترضّى عنه الصدوق (رحمه الله) ، وقد روى روايات تدلّ على كونه إماميّاً. فاحتمال كونه عاميّاً بعيد، وهذا المقدار يكفي في الحكم بوثاقته.

ص: 201


1- انظر: معجم رجال الحديث 2 : 93/511. وهذا البعض الذي استظهر كونه عاميّاً هو صاحب الوافية السيد صدر الدين في حواشيه على منتهى المقال، كما نقله العلامة المامقاني (رحمه الله) في تنقيح المقال 6 : 13.
2- أمالي الصدوق: 566، المجلس83، ح5.

وأمّا أحمد بن يحيى بن زكريا: فهو القطّان، أبو العباس، لم يرد فيه توثيق، فهو مجهول.

وأمّا بكر بن عبد اللَّه بن حبيب: فقد ذكر النجاشي فيه: أنّه «يعرف وينكر»(1)، ولم يرد فيه توثيق، وقد ذُكِر أنّ له روايات شريفة في فضائل الأئمّة (علیهم السلام) (2)

وأمّا تميم بن بهلول: فلم يرد فيه شي ء.

وأمّا أبو معاوية: فالظاهر أنّه محمّد بن خازم الضرير، الذي يروي عن الأعمش، ويروي عنه تميم بن بهلول، وقد وثّقه الذهبي في «الميزان». وقال الحاكم: احتجّ به الشيخان، وقد اشتهر عنه الغلو، أي غلوّ التشيّع(3)

وأما إسماعيل بن مهران: فقد تقدّمت ترجمته.

وعليه فالسند ضعيف.

ورواه البرقي بسند معتبر في كتاب «المحاسن»، كما سيأتي في الحديث السابع والثلاثين.

ص: 202


1- رجال النجاشي: 109/279.
2- راجع على سبيل المثال: كتاب علل الشرايع 1 : 156، باب 125، ذيل الحديث2، وج2 : 159، باب 128 ح3، و206، باب 156، ح 3، وعيون أخبار الرضا (علیه السلام) 2 : 66، باب 6، ح31، والخصال: 211، باب الأربعة، ح35.
3- قاموس الرجال 11 : 518.

[28] 28 - وَفِي كِتَابِ «صِفَاتِ الشِّيعَةِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ (علیه السلام) يَقُولُ: «مَنْ عَادَى شِيعَتَنَا فَقَدْ عَادَانَا» - إِلَى أَنْ قَالَ: - «شِيعَتُنَا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ، وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ، وَيَحُجُّونَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ، وَيَصُومُونَ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَيُوَالُونَ أَهْلَ الْبَيْتِ، وَيَبْرَءُونَ مِنْ أَعْدَائِنَا، أُولَئِكَ أَهْلُ الإِيمَانِ، وَالتُّقَى، وَ(الأَمَانَةِ(1). مَنْ رَدَّ عَلَيْهِمْ فَقَدْ رَدَّ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ طَعَنَ عَلَيْهِمْ فَقَدْ طَعَنَ عَلَى اللَّهِ»، الْحَدِيثَ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[28] - فقه الحديث:

لم يورد صاحب «الوسائل» الحديث بتمامه، وإنّما ذكر شطراً منه ممّا يناسب الباب(3)

ص: 203


1- في المصدر: وأهل الورع والتقوى.
2- صفات الشيعة: 3 ، ح 5.
3- وتمامه هو: عن أبي نجران قال: سمعت أبا الحسن (علیه السلام) يقول: «من عادى شيعتنا فقد عادانا، ومن والاهم فقد والانا؛ لأنّهم مِنّا، خلقوا من طينتنا. من أحبّهم فهو مِنّا، ومن أبغضهم فليس مِنّا. شيعتنا ينظرون بنور اللَّه، ويتقلّبون في رحمة اللَّه، ويفوزون بكرامة اللَّه. ما من أحد من شيعتنا يمرض إلّا مرضنا لمرضه، ولا اغتمّ إلّا اغتممنا لغمّه، ولا يفرح إلّا فرحنا لفرحه، ولا يغيب عَنّا أحد من شيعتنا أينما كان في شرق الأرض أو غربها. ومن ترك من شيعتنا ديناً فهو علينا، ومن ترك منهم مالاً فهو لورثته. شيعتنا الذين يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويحجّون البيت الحرام، ويصومون شهر رمضان، ويوالون أهل البيت، ويتبرّؤون من أعدائهم (أعدائنا)، أولئك أهل الإيمان والتقى، وأهل الورع والتقوى، ومن ردّ عليهم فقد ردّ على اللَّه، ومن طعن عليهم فقد طعن على اللَّه؛ لأنهم عباد اللَّه حتماً، وأولياؤه صدقاً. واللَّهِ إن أحدهم ليشفع في مثل ربيعة ومضر فيشفّعه اللَّه تعالى فيهم؛ لكرامتهم على اللَّه عزّوجلّ».

وقد ورد هذا الحديث ليبيّن فضائل الشيعة وصفاتهم، وما ينبغي أن يكونوا عليه، وما أعدّه اللَّه لهم، وليوضّح منزلتهم عند اللَّه، وعند الأئمّة (علیهم السلام) .

وقد اشتمل الحديث على أكثر من عشرين وصفاً من أوصافهم، ومن أبرز تلك الأوصاف: أنّهم خلقوا من طينة الأئمّة (علیهم السلام) ، وأنّهم من الأئمّة، وأنّهم ينظرون بنور اللَّه.

ومن أبرز فضائلهم: أنّهم في رحمة اللَّه يتقلّبون، وبكرامته فائزون، وأنّهم تحت نظر الأئمّة (علیهم السلام) ورعايتهم، والأئمّة (علیهم السلام) يحضرون عندهم، ويشاركونهم في أفراحهم وأحزانهم.

ومن أبرز ما كشف الحديث من مقاماتهم: أنّ من ردّ عليهم فقد ردّ على اللَّه، ومن طعن عليهم فقد طعن على اللَّه؛ والسبب في ذلك: أنهم أخلصوا العبودية للَّه، ووالوا اللَّه وأولياءه، وتبرّؤوا من أعدائه وأعدائهم، وقد أعدَّ اللَّه لهم يوم القيامة مقام الشفاعة، وأن الواحد منهم ليشفع في الخلق الكثير، فيشفّعه اللَّه فيهم.

ص: 204

وهذا الحديث - مضافاً إلى دلالته على ما نحن فيه من وجوب الأمور الخمسة المذكورة وبيان الإيمان بمعناه الأخصّ - يدلّ عى مقام الشيعة ومنزلتهم، وما أعدّه اللَّه لهم؛ فلذا ينبغي للشيعة أن يلتفتوا إلى ذلك، ويغتنموا الفرص في الاستزادة من الخير والتقوى، وأن لا يفرِّطوا بهذه المنزلة والشأن لمطامع دنيوية زائفة ذاهبة، تذهب لذّتها، وتبقى تَبِعَتُها، وذلك هو الخسران المبين. نسأل اللَّه أن يجعلنا من شيعة آل محمّد (علیهم السلام) ، كما وصفهم الإمام (علیه السلام) في هذا الحديث.

سند الحديث:

رواه صاحب «الوسائل» من كتاب «صفات الشيعة» للصدوق، وطريقه إلى الكتاب معتبر، كما ذكره في خاتمة «الوسائل»(1).

ورجال السند قد تقدّم الكلام حولهم، وأنّهم من الثقات، وبقي منهم:

عبد اللَّه بن جعفر: وهو الحميري، أبو العباس القمّي، قال عنه النجاشي: «شيخ القمّيين، ووجههم»(2)

، وذكر في ترجمة العمركي بن عليّ البوفكي: أنّه «روى عنه شيوخ أصحابنا، منهم عبد اللَّه بن جعفر الحميري»(3) .

ووثّقه الشيخ في «الفهرست» و«الرجال»، وقد أكثر المشايخ الرواية عنه، وله عدّة كتب ومسائل ومكاتبات للأئمّة (علیهم السلام) (4)

ص: 205


1- وسائل الشيعة 30 : 217، الفائدة السادسة.
2- رجال النجاشي: 219/573.
3- المصدر نفسه: 303/828.
4- فهرست الطوسي: 167/439، ورجال الطوسي: 400/5857.

[29] 29 - وَفِي «الْمَجَالِسِ»، عَنْ محمّد بْنِ مُوسَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ، عَنِ السَّعْدَآبَادِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ محمّد بْنِ سِنَانٍ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (علیهما السلام) قَالَ: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسِ دَعَائِمَ: عَلَى الصَّلاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالْحَجِّ، وَوَلايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَالأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِه (علیهم السلام) »(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وورد في أسناد «نوادر الحكمة» أيضاً(2) .

وعليه فالحديث صحيح.

[29] - فقه الحديث:

الحديث واضح الدلالة، وقد تقدّم مضمونه في كثير من الأحاديث السابقة.

سند الحديث:

تقدّم ذكر رواة الحديث، وهو معتبر على الأظهر.

ص: 206


1- أمالي الصدوق: 340 ، ح 404.
2- أصول علم الرجال 1 : 227 .

[30] 30 - الْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ فِي «كِتَابِ الزُّهْدِ»، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ الْيَمَانِيِّ، رَفَعَ الْحَدِيثَ إِلَى عَلِيٍّ (علیه السلام) أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «إِنَّ أَفْضَلَ مَا يَتَوَسَّلُ بِهِ الْمُتَوَسِّلُونَ إِلَى اللَّهِ: الإِيمَانُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَكَلِمَةُ الإِخْلاصِ؛ فَإِنَّهَا الْفِطْرَةُ، وَإِقَامُ الصَّلاةِ؛ فَإِنَّهَا الْمِلَّةُ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ؛ فَإِنَّهَا مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ، وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ؛ فَإِنَّهُ جُنَّةٌ مِنْ عَذَابِهِ، وَحِجُّ الْبَيْتِ؛ فَإِنَّهُ مَنْفَاةٌ لِلْفَقْرِ، وَمَدْحَضَةٌ(1)، لِلذَّنْبِ»، الْحَدِيثَ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[30] - فقه الحديث:

للحديث تتمّة لم ينقلها صاحب «الوسائل»، واكتفى بمحلّ الشاهد منه.

وهو يدلّ على وجوب الأمور المذكورة وأهميتها، مع بيان بعض حِكَم

ص: 207


1- الدحض: الدفع. (لسان العرب 7 : 148، مادة : «دحض»).
2- الزهد : 13، ح 27، وأورد ذيله في الحديث 13 من الباب 138 من أبواب أحكام العشرة، وأورده في الحديث 4 من الباب 13 من أبواب الصدقة، وقطعة منه في الحديث 12 من الباب 1 من أبواب فعل المعروف «وصلة الرحم؛ فإنها مثراة للمال ومنسأة في الأجل، وصدقة السِّر؛ فإنها تذهب الخطيئة وتطفئ غضب الرّب، وصنايع المعروف؛ فإنها تدفع ميتة السوء وتقي مصارع الهوان، ألا فاصدقوا فإنّ الله مع من صدق، وجانبوا الكذب فإنّ الكذب يجانب الإيمان، ألا وإنّ الصادق على شفا نجاة وكرامة، ألا وإنّ الكاذب على شفا مخزاة وهلكة، ألا وقولوا خيراً تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، وأدوا الأمانة إلى من ائتمنكم، وصلوا أرحامكم وعودوا بالفضل عليهم».

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ مُرْسَلاً(1).

وَرَوَاهُ فِي «الْعِلَلِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَهْزِيَارَ، عَنْ أَخِيهِ عَلِيٍّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

تشريعها، كما تقدّم نظيره في الأحاديث السابقة. وفي هذا الحديث ذكر: أنّ الحجّ ينفي الفقر، ويمحي الذنب، وهما حكمتان، إحداهما دنيويّة، والثانية أخرويّة.

ولم يذكر الولاية في الحديث، إلّا أنّه يمكن استفادتها من قوله (علیه السلام) : «والجهاد في سبيل اللَّه؛ فإنّه لابدّ فيه من إذن الإمام (علیه السلام) ، فلعلّ ذكر الجهاد إشارة إلى ذلك، أو يكون عدم ذكرها من باب التقيّة.

وأمّا ذيل الحديث: فهو يدلّ على مكارم الأخلاق، ومحاسن الصفات، من صلة الرحم، وصدقة السرّ، ومجانبة الكذب، وأداء الأمانة، وعمل المعروف؛ فإنّ لهذه الصفات آثاراً وحكماً ومصالح، وقد اشتمل الحديث على ذكر بعضها.

سند الحديث:

قد ورد الحديث بثلاث طرق:

ص: 208


1- من لا يحضره الفقيه 1 : 205، ح 613.
2- علل الشرائع 1 : 247، ح 1، ورواه ابن الشيخ في الأمالي: 216، ح380 مثله، ورواه البرقي في المحاسن1 : 451، ح1040.

أمّا الطريق الأوّل: فالحسين بن سعيد وحماد بن عيسى، قدّ تقدّم ذكرهما.

وأمّا إبراهيم بن عمر اليماني: فقال النجاشي في حقّه: «شيخ من أصحابنا، ثقة، روى عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه (علیهما السلام) »(1) .

وذكره الشيخ قائلاً: «له أصل»(2) .

وورد في «تفسير القمّي»، وروى عنه المشايخ الثقات(3)

، فلا إشكال في وثاقته، ولكن حيث إنّ الحديث مرفوع فلا يمكن اعتباره من هذه الجهة؛ لسقوط الواسطة.

وأما الطريق الثاني: فهو من مراسيل الصدوق، وقد تقدّم الكلام حولها، فلاحظ.

وأمّا الطريق الثالث: فأبوه وسعد بن عبد اللَّه وحمّاد بن عيسى وإبراهيم بن عمر اليماني، قد تقدّم ذكرهم.

وأمّا إبراهيم بن مهزيار: فقال النجاشي فيه: «إبراهيم بن مهزيار، أبو إسحاق، القمّي، له كتاب»(4)

ص: 209


1- رجال النجاشي: 20/26.
2- فهرست الطوسي: 43/20.
3- أصول علم الرجال 1 : 276، و ج2 : 179 .
4- رجال النجاشي: 16/17.

وعدّه الشيخ من أصحاب الجواد (علیه السلام) ، ولم ينصّ على وثاقته(1)

إلّا أنه ورد في أسناد «نوادر الحكمة»(2)

، وهو كافٍ في اعتبار روايته على الأظهر. وأمّا وقوعه في «تفسير القمي» فلا دلالة فيه على التوثيق؛ لأنّه ورد في القسم الثاني(3).

وأمّا أخوه - وهو عليّ بن مهزيار فقد قال النجاشي فيه: «علي بن مهزيار، الأهوازي، أبو الحسن - إلى أن قال: - وروى عن الرضا وأبي جعفر (علیهما السلام) ، واختصّ بأبي جعفر الثاني (علیه السلام) ، وتَوكَّل له، وعظم محلّه منه، وكذلك أبو الحسن الثالث (علیه السلام) ، وتوكّل لهم في بعض النواحي، وخرجت إلى الشيعة فيه توقيعات بكلّ خير، وكان ثقة في روايته، لا يطعن عليه، صحيحاً اعتقاده، وصنّف الكتب المشهورة»(4)

وقال الشيخ: «رحمه اللَّه، جليل القدر، واسع الرواية، ثقة، له ثلاثة وثلاثون كتاباً مثل كتب الحسين بن سعيد وزيادة»(5) ، ووثّقه في «رجاله»(6)، وهو ممّن روى النص عن الإمام الهادي (علیه السلام) على ابنه الحسن بن علي (علیه السلام) .

ص: 210


1- رجال الطوسي: 374/5532.
2- أصول علم الرجال 1 : 212 .
3- المصدر نفسه 1 : 293 .
4- رجال النجاشي: 253/664.
5- فهرست الطوسي: 152/379.
6- رجال الطوسي: 360/5336 ، و 388 /5706.

ونقل عنه المفيد في باب ذكر الإمام القائم بعد أبي الحسن عليّ بن محمّد (علیه السلام) (1).

وذكر الكشّي روايات تدلّ على عظم محلّه وجلالته(2) .

وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي»(3)

، وعدّه الشيخ من السفراء الممدوحين(4) .

والحديث - بطرقه الثلاثة - ما بين مرفوع، ومرسل، فلا يحكم بصحّته من هذه الجهة. نعم، يمكن تصحيحه من جهات أخرى، وهي:

الأولى: ما ورد في شأن حمّاد بن عيسى، من أنّه من أصحاب الإجماع؛ وبناء على القول بأنّ تصحيح ما يصحّ عنهم هو صحّة رواياتهم، ولا يلتفت إلى الواسطة بينهم وبين الإمام (علیه السلام) ، يكون الحديث معتبراً.

الثانية: بناء على اعتبار مراسيل الصدوق في «الفقيه».

الثالثة: وجوده في «كتاب الزهد»، وهو من الكتب المشهورة، المعوّل عليها، كما ذكره الصدوق في أوّل «الفقيه»(5)؛

فبناء على هذا الوجه لا يحتاج إلى الطريق.

ص: 211


1- الإرشاد 2 : 316.
2- اختيار معرفة الرجال 2 : 825 - 827/1038 و1039 و1040 .
3- أصول علم الرجال 1 : 231 ، 284 .
4- الغيبة للطوسي: 349.
5- من لا يحضره الفقيه 1 : 3، مقدمة الكتاب.

[31] 31 - الْحَسَنُ بْنُ محمّد بْنِ الْحَسَنِ الطُّوسِيُّ فِي «مَجَالِسِهِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ محمّد بْنِ قُولَوَيْهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) قَالَ: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسِ دَعَائِمَ: إِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَحِجِّ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ، وَالْوَلايَةِ لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ»(1).

وَرَوَاهُ الطَّبَرِيُّ فِي «بِشَارَةِ الْمُصْطَفَى»، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ محمّد الطُّوسِيِّ مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[31] - فقه الحديث:

تقدّم نظير الحديث كثيراً، وقد أوضحنا معنى تشبيه هذه الأمور بالدعائم، وهو دالّ على أهمّيّة هذه الأمور وعظمها.

سند الحديث:

للحديث طريقان:

الطريق الأوّل: ما رواه الحسن بن محمّد بن الحسن الطوسي في «مجالسه»، وهو أبو عليّ الملقّب بالمفيد الثاني، ابن الشيخ؛ قال الشيخ

ص: 212


1- أمالي الطوسي: 124، ح192.
2- بشارة المصطفى: 117/58، وفيه: أخبرنا الشيخ أبو عليّ الحسن بن محمّد بن الحسن الطوسي.

منتجب الدين في «فهرسته»: «أبو علي... فقيه، ثقة، عين» (1) .

وقال الشيخ الحرّ في «تذكرة المتبحّرين»: «كان عالماً، فقيهاً، محدّثاً، جليلاً، ثقة، له كتب»(2). وعليه فلا إشكال في وثاقته وجلالته.

وطريق صاحب «الوسائل» إلى الكتاب معتبر، وذكر طريقه إليه في الخاتمة(3)

وأما أبوه: فهو محمّد بن الحسن الطوسي، وهو شيخ الطائفة، وقد تقدّم ذكره.

وأمّا المفيد: فهو محمّد بن محمّد بن النعمان الملقّب بالمفيد، قال النجاشي: «شيخنا، وأستاذنا (رضي اللَّه عنه)، فضله أشهر من أن يوصف في الفقه، والكلام، والرواية، والثقة، والعلم»(4)

وقال الشيخ: «يكنّى أبا عبد اللَّه، المعروف بابن المعلّم، من جملة متكلّمي الإماميّة، انتهت إليه رئاسة الإماميّة في وقته، وكان مقدّماً في العلم، وصناعة الكلام، وكان فقيهاً متقدّماً فيه، حسن الخاطر، دقيق الفطنة، حاضر الجواب، وله قريب من مائتي مصنَّف كبار وصغار»(5)، وقال في «رجاله»:

ص: 213


1- فهرست منتجب الدين: 46.
2- معجم رجال الحديث 6 : 123/3103.
3- وسائل الشيعة 30 : 189 الخاتمة، الفائدة الخامسة.
4- رجال النجاشي: 399/1067.
5- فهرست الطوسي: 238.

«جليل، ثقة»(1) .

وأمّا جعفر بن محمّد بن قولويه: فقال النجاشي فيه: «من ثقات أصحابنا وأجلّائهم في الحديث والفقه ... وعليه قرأ أبو عبد اللَّه الفقه، ومنه حمل، وكل ما يوصف به الناس من جميل وثقة وفقه فهو فوقه، له كتب حسان»(2) ، وهو صاحب كتاب «كامل الزيارات».

وعن المفيد قال: «شيخنا الثقة، أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه أيّده اللَّه»(3)

وقال الشيخ: «يكنّى أبا القاسم، ثقة، له تصانيف كثيرة على عدد أبواب الفقه»(4)

وأمّا والده: فهو محمّد بن قولويه، قال النجاشي في حقّه: «من خيار أصحاب سعد»(5).

وقد أكثر الرواية عنه ابنه جعفر في «كامل الزيارات»، وقد التزم بأن لا يروي في كتابه هذا إلّا عن ثقة(6)

ص: 214


1- رجال الطوسي: 449/6375.
2- رجال النجاشي: 123/318.
3- قاموس الرجال 2 : 667.
4- فهرست الطوسي: 91/141.
5- رجال النجاشي: 123/318.
6- معجم رجال الحديث 18 : 175/11648.

وأمّا سعد بن عبد اللَّه وأحمد بن محمّد بن عيسى والحسن بن محبوب وأبو حمزة الثمالي، فقد تقدّم ذكرهم.

الطريق الثاني: ما رواه الطبري، وهو عماد الدين أبو جعفر، محمّد بن أبي القاسم محمّد بن عليّ: قال الشيخ منتجب الدين في «فهرسته»: «فقيه، ثقة... قرأ عليه الشيخ الإمام قطب الدين الراوندي»(1) .

وقال الشيخ الحرّ في «أمل الآمل»: «ثقة، جليل القدر، محدِّث»(2)

والحاصل: أنّ الحديث بكلا طريقيه صحيح، كما أنّ طريق صاحب «الوسائل» إلى كلا الكتابين معتبر. وقد رواه الشيخ المفيد أيضاً في «الأمالي»، كما في «جامع الأحاديث»، ولكن من دون ذكر الجملة الأخيرة، وهي قوله: «والولاية لنا أهل البيت (علیهم السلام) »، والظاهر: سقوطها عن نسخة «الأمالي».

ص: 215


1- فهرست منتجب الدين: 107.
2- أمل الآمل 2 : 234/698.

[32] 32 - وَعَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ الْحَسَنِ ابْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنْ محمّد بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم): بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى عَشَرَةِ أَسْهُمٍ: عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَهِيَ الْمِلَّةُ، وَالصَّلاةِ وَهِيَ الْفَرِيضَةُ، وَالصَّوْمِ وَهُوَ الْجُنَّةُ، وَالزَّكَاةِ وَهِيَ الْمُطَهِّرَةُ، وَالْحَجِّ وَهُوَ الشَّرِيعَةُ، وَالْجِهَادِ وَهُوَ الْعِزُّ، وَالأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ الْوَفَاءُ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَهُوَ الْحُجَّةُ، وَالْجَمَاعَةِ وَهِيَ الأُلْفَةُ، وَالْعِصْمَةِ وَهِيَ الطَّاعَةُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[32] - فقه الحديث:

تقدّم في الحديث الثالث والعشرين ما أشرنا به إلى هذا الحديث، وهذان الحديثان وإن كانا بمضمون واحد، إلّا أنّ بينهما فرقاً من بعض الجهات:

منها: أنّه ورد في الحديث السابق أنّ شهادة أن لا إله إلّا اللَّه هي الكلمة، وفي هذا الحديث عبّر عنها بأنّها الملّة، ومعنى الملّة هو الدين، وهو بمعنى كلمة لا إله إلّا اللَّه؛ فإنّ الشرائع الإلهية تجتمع تحت هذه الكلمة، النافية لكل معبود وإله سوى اللَّه سبحانه وتعالى.

ومنها: ما ورد في الحديث السابق من أنّ الصلاة هي الطهر، وفي هذا

ص: 216


1- أمالي الطوسي: 44، ح50.

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي «الْخِصَالِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ محمّد بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ محمّد بْنِ خَالِدٍ الْبَرْقِيِّ، عَنْ محمّد بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، مِثْلَهُ(1).

وَرَوَاهُ فِي «الْعِلَلِ» كَمَا مَرَّ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

الحديث عبّر عنها: بأنّها الفريضة، ومعنى الفريضة واضح.

ومنها: أنّه ورد في الحديث السابق أنّ الزكاة هي الفطرة، وفي هذا الحديث عبّر عنها بالمطهِّرة، وهي إشارة إلى ما تقدّم من الآية الشريفة من قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}(3)، فالزكاة مطهِّرة للنفس من الشحّ والبخل، ومطهِّرة للمال أيضاً، بحيث توجب نمّوه وزيادته وبركته.

وأمّا ما ورد من أنّ العصمة هي الطاعة، ففيه تقديم وتأخير؛ فإنّ الطاعة هي: العصمة، كما ورد في الحديث السابق، ولعلّ التقديم هنا من جهة إفادة الحصر، وأنّها تنحصر في طاعة الأئمّة (علیهم السلام) .

وذكرنا أنّ إطاعة الأئمة (علیهم السلام) - الذين هم ولاة الأمر - عصمة من الفرقة،

ص: 217


1- الخصال: 447 ، باب العشرة، ح 47.
2- مرّ في الحديث 23 من هذا الباب، وفيه: الطاعة وهي العصمة.
3- التوبة، الآية 103.

وأمان من الاختلاف.

والحاصل: أنّ الحديث يدلّ - بوضوح - على وجوب الأمور الخمسة وأهميتها.

سند الحديث:

ورد هذا الحديث بثلاثة طرق:

الطريق الأوّل: ما رواه ابن الشيخ، عن أبيه، وهو الشيخ الطوسي. وجميع رجال السند قد تقدّمت ترجمتهم ما عدا اثنين وهما:

الأوّل: أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد: وهو من مشايخ المفيد (رحمه الله) ، ولم يرد فيه توثيق، مع أنّه كثير الرواية، إلّا أنّ هذا لا يكون مانعاً من صحّة رواياته؛ لأنّ للشيخ الطوسي طريقين آخرين معتبرين إلى جميع روايات أبيه(1)، وللصدوق أيضاً طريق صحيح(2).

والثاني: عبد اللَّه بن بكير: قال الشيخ في حقّه: «عبد اللَّه بن بكير، فطحيّ المذهب، إلّا أنّه ثقة»(3) ، وعدّه في «رجاله» من أصحاب الصادق (علیه السلام) (4) ، وعدّه المفيد من الفقهاء الأعلام... الخ(5) .

ص: 218


1- فهرست الطوسي: 237/ 709.
2- المصدر نفسه: 237/ 709.
3- المصدر نفسه: 173/461.
4- رجال الطوسي: 230/3118.
5- الرسالة العددية - ضمن مصنفات الشيخ المفيد 9 : 37.

وقال الكشّي: «قال محمّد بن مسعود: عبد اللَّه بن بكير وجماعة من الفطحيّة هم فقهاء أصحابنا»(1)

، وعدّه ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم(2)

وقال الشيخ في «العدّة»: «عملت الطائفة بأخبار الفطحيّة، مثل عبد اللَّه بن بكير وغيره»(3)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمي»(4)، وروى عنه المشايخ الثقات(5).

وقال أبو غالب الزراري في رسالته: «وكان عبد اللَّه بن بكير فقيهاً، كثير الحديث»(6).

وعليه فهذا الطريق معتبر.

الطريق الثاني: ما رواه الصدوق في «الخصال»، وقد تقدّم ترجمة كلّ واحد من أفراد السند، عدا إبراهيم بن إسحاق، و هو مشترك بين جماعة هم:

1 - إبراهيم بن إسحاق، أبو إسحاق الأحمري، النهاوندي.

2 - إبراهيم بن إسحاق، الأزدي، ولم يرد فيه توثيق.

ص: 219


1- اختيار معرفة الرجال 2 : 635/639.
2- المصدر نفسه 2 : 673/705.
3- عدّة الأصول 1 : 150.
4- أصول علم الرجال 1 : 227 ، 283.
5- المصدر نفسه 2 : 199.
6- رسالة أبي غالب الزراري: 7، وقاموس الرجال 6 : 271.

3 - إبراهيم بن إسحاق بن أزور، ذكره الشيخ في أصحاب الهادي (علیه السلام) ، ووثّقه(1)

4 - إبراهيم بن إسحاق، الحارثي، ولم يرد فيه توثيق، وعدّه الشيخ من أصحاب الصادق (علیه السلام) (2).

5 - إبراهيم بن إسحاق، الخدري، ولم يرد فيه توثيق، لكن روى المشايخ الثقات عنه(3).

6 - إبراهيم بن إسحاق، المدائني، ولم يرد فيه توثيق.

وهو من جهة الطبقة ينطبق على الأوّل، وهو المشهور من بينهم؛ لأنّ له كتاباً. فالمطلق ينصرف إليه. وهذا الشخص ضعيف، قال النجاشي في ترجمته: «كان ضعيفاً في حديثه، متهوماً، له كتب»(4) ، وقال الشيخ: «كان ضعيفاً في حديثه، متّهماً في دينه، وصنَّف كتباً جماعة (جملتها) قريبة من السداد»(5)، وضعّفه أيضاً في «الرجال»(6) .

والحاصل: أنّ هذا السند ضعيف بإِبراهيم بن إسحاق. ولكن يمكن

ص: 220


1- رجال الطوسي: 383/ 5635.
2- المصدر نفسه: 167/1930.
3- أصول علم الرجال 2 : 178.
4- رجال النجاشي: 19، والظاهر أنّ «متهوماً» مأخوذ من أتْهَمَ الرجلُ: صارت به الريبةُ، الصحاح: 1164 (مادة: وهم).
5- فهرست الطوسي: 39/9.
6- رجال الطوسي: 414/5994.

تصحيحه بوجهين:

الأول: أن للصدوق طريقاً معتبراً إلى جميع كتب وروايات ابن أبي عمير(1)،

وهذا الحديث داخل فيها.

الثاني: أنّ لعبدالله بن بكير كتاباً معروفاً ومشهوراً(2)، وعليه فلا حاجة للنظر في الطريق إليه.

الطريق الثالث: ما رواه الصدوق في «العلل»، وهو نفس الطريق المذكور في الحديث الثالث والعشرين(3)،

وقد تقدّم الكلام فيه.

ص: 221


1- فهرست الطوسي: 219/ 617.
2- أصول علم الرجال 1 : 137.
3- يراجع الهامش في الحديث (23).

[33] 33 - وَعَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَمَاعَةٍ، عَنْ أَبِي الْمُفَضَّلِ، عَنِ الْفَضْلِ ابْنِ محمّد بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ هَارُونَ بْنِ عَمْرٍو أَبِي مُوسَى الْمُجَاشِعِيِّ، عَنْ محمّد بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) ، وَعَنِ الْمُجَاشِعِيِّ، عَنِ الرِّضَا، عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم)،: قَالَ: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسِ خِصَالٍ: عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ، وَالْقَرِينَتَيْنِ، قِيلَ لَهُ: أَمَّا الشَّهَادَتَانِ فَقَدْ عَرَفْنَاهُمَا، فَمَا الْقَرِينَتَانِ؟ قَالَ: الصَّلاةُ، وَالزَّكَاةُ، فَإِنَّهُ لا تُقْبَلُ إِحْدَاهُمَا إِلَّا بِالأُخْرَى، وَالصِّيَامِ، وَحِجِّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً، وَخَتَمَ ذَلِكَ بِالْوَلايَةِ»، الْحَدِيثَ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[33] - فقه الحديث:

لم يورد صاحب «الوسائل» الحديث بتمامه(2) ، وهو من حيث الدلالة واضح؛ فإنّه يدل على أنّ الخصال الخمس التي بني عليها الإسلام هي: الشهادتان، والصلاة، والزكاة، وقد عبّر عنهما بالقرينتين؛ لاقترانهما كثيراً في الآيات والروايات، والصوم، والحجّ، والولاية، وهي عنوان الإيمان، وقد استشهد النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) بالآية الشريفة الدالّة على أنّ كمال الدين وتمام النعمة ورضى اللَّه تعالى بالولاية.

ص: 222


1- أمالي الطوسي: 518، ح1134.
2- وتمامه: فأنزل اللَّه عزّوجلّ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً}.

سند الحديث:

المراد بالجماعة في طریق الشیخ (قدس سره)

ورد هذا الحديث بطريقين:

الأوّل: ما رواه الحسن بن محمّد بن الحسن الطوسي، عن أبيه، وقد تقدّم حالهما.

والجماعة في الطريق ليست إرسالاً؛ لأنّه من المستبعد أن يكونوا جماعة وليس فيهم واحد ثقة، وقد تكرّر من الشيخ التعبير بالجماعة عن أبي المفضّل في «الأمالي»، وفي كتبه كثيراً. ومراده بالجماعة ما صرّح به في «الأمالي» في المجلس السادس عشر قائلاً: «أخبرنا جماعة، منهم: الحسين بن عبيد اللَّه، وأحمد بن عبدون، وأبو طالب بن غرور، وأبو الحسن الصقّال(1)، وأبو عليّ الحسن بن إسماعيل بن أشناس، قالوا: حدّثنا أبو المفضّل محمّد بن عبد اللَّه بن المطلب الشيباني...»(2) .

ويكفي وثاقة الحسين بن عبيد اللَّه الغضائري، وهكذا أحمد بن عبدون.

وأمّا أبو المفضّل: فهو محمّد بن عبد اللَّه بن محمّد بن عبيد اللَّه، أبو المفضّل، الشيباني، قال النجاشي فيه: «كان سافر في طلب الحديث عمره، أصله كوفيّ، وكان في أوّل أمره ثبتاً، ثمّ خلط، ورأيت جلّ أصحابنا يغمزونه، ويضعّفونه، له كتب كثيرة. رأيت هذا الشيخ، وسمعت منه كثيراً،

ص: 223


1- هكذا في بعض النسخ، ويظهر أنّ الصحيح كما جاء في نسخ أُخر: الصفّار.
2- أمالي الطوسي: 445، ح995.

ثمّ توقفت عن الرواية عنه إلّا بواسطة بيني وبينه»(1)

وقال الشيخ: «كثير الرواية، حسن الحفظ، غير أنّه ضعّفه جماعة من أصحابنا»(2).

وعليه فهو ضعيف، ولا أقلّ من عدم توثيقه.

هذا، وقد أكثر الشيخ الرواية عنه، فقد روى في «مجالسه» عنه من المجلس السادس عشر إلى الثالث والثلاثين إلى غير ذلك من الموارد.

وأمّا الفضل بن محمّد بن المُسَيَّب: وفي بعض النسخ: فضيل، فلم تذكر ترجمته في كتبنا الرجالية. نعم، قد جاءت في كتب رجال العامة؛ قال الذهبي في ميزان الاعتدال: «الفضل بن محمّد البيهقي الشعراني ... أكثر الترحال والكتابة، وقال الحاكم: كان أديباً فقيهاً عابداً عارفاً بالرجال ... وهو ثقة لم يطعن فيه بحجة. وقد سئل عنه الحسن القتباني فرماه بالكذب، قال: وسمعت أبا عبدالله الأخرم يسأل عنه فقال: صدوق، إلا أنه كان غالياً في التشيع»(3).

وأمّا هارون بن عمرو أبو موسى المجاشعي: فقال النجاشي في حقّه: «هارون بن عمر بن عبد العزيز بن محمّد، أبو موسى المجاشعي، صحب

ص: 224


1- رجال النجاشي: 396/ 1059.
2- فهرست الطوسي: 216/610.
3- ميزان الاعتدال 3 : 358/ 6747.

الرضا (علیه السلام) ، له كتب»(1)

وأمّا محمّد بن جعفر بن محمّد: فقد قال النجاشي عنه: «محمّد بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين (علیهم السلام) ، يلقّب ديباجة»(2) .

وقال الشيخ المفيد: «وكان محمّد بن جعفر سخيّاً شجاعاً، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً، ويرى رأي الزيديّة في الخروج بالسيف»(3)

والسخاء والشجاعة لا تدلّان على الوثاقة. وأمّا صومه يوماً دون يوم، فإنّه وإن كان يدلّ على الحسن، إلّا أنّ في مقابله وردت روايات تدلّ على ذمّه، وقد دعا إلى نفسه، ودُعي بأمير المؤمنين، وبويع بالخلافة، ووبّخه الإمام الرضا (علیه السلام) ، ولمّا مات أبطأ الإمام عنه، ولم يحضر عند موته(4). وعليه فالظاهر أنّه لم يكن مرضيّاً عند الإمام (علیه السلام) .

وأمّا السند الثاني: فهو ينتهي إلى المجاشعي، وقد تقدّم أنّه لم يرد فيه توثيق.

والحاصل: أنّ الحديث - بكلا طريقيه - غير معتبر.

ص: 225


1- رجال النجاشي: 439/1182.
2- المصدر نفسه: 367/993.
3- الإرشاد 2 : 211.
4- عيون أخبار الرضا (علیه السلام) 1 : 221، باب47، ح1، وج 2 : 51، باب النصوص على الرضا (علیه السلام) ، ح5، ومقاتل الطالبيين: 359 - 360، ومعجم رجال الحديث 16 : 173.

[34] 34 - محمّد بْنُ الْحَسَنِ فِي «الْمَجَالِسِ وَالأَخْبَارِ» بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عليّ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي كَهْمَسٍ، وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ رُزَيْقٍ(1)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ؟ فَقَالَ: «مَا مِنْ شَيْ ءٍ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ يَعْدِلُ هَذِهِ الصَّلاةَ، وَلا بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ وَالصَّلاةِ شَيْ ءٌ يَعْدِلُ الزَّكَاةَ، وَلا بَعْدَ ذَلِكَ شَيْ ءٌ يَعْدِلُ الصَّوْمَ، وَلا بَعْدَ ذَلِكَ شَيْ ءٌ يَعْدِلُ الْحَجَّ. وَفَاتِحَةُ ذَلِكَ كُلِّهِ مَعْرِفَتُنَا، وَخَاتِمَتُهُ مَعْرِفَتُنَا. وَلا شَيْ ءَ بَعْدَ ذَلِكَ كَبِرِّ الإِخْوَانِ، وَالْمُوَاسَاةِ بِبَذْلِ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ» - إِلَى أَنْ قَالَ: - «وَمَا رَأَيْتُ شَيْئاً أَسْرَعَ غِنًى وَلا أَنْفَى لِلْفَقْرِ مِنْ إِدْمَانِ حِجِّ هَذَا الْبَيْتِ، وَصَلاةٌ فَرِيضَةٌ تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ أَلْفَ حَجَّةٍ وَأَلْفَ عُمْرَةٍ مَبْرُورَاتٍ، مُتَقَبَّلاتٍ وَلَحَجَّةٌ عِنْدَهُ خَيْرٌ مِنْ بَيْتٍ مَمْلُوٍّ ذَهَباً، لا بَلْ خَيْرٌ مِنْ مِلْ ءِ الدُّنْيَا ذَهَباً وَفِضَّةً يُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً(صلی الله علیه و آله و سلم) بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً، لَقَضَاءُ حَاجَةِ امْرِى ءٍ مُسْلِمٍ وَتَنْفِيسُ كُرْبَتِهِ أَفْضَلُ مِنْ حَجَّةٍ وَطَوَافٍ، وَحَجَّةٍ وَطَوَافٍ ...» - حتّى عَقَدَ عَشَرَةً - الْحَدِيثَ(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

[34] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أهمّيّة الأمور الخمسة، وهي: الولاية، والصلاة،

ص: 226


1- في وسائل الشيعة ومستدركها 1 : 29، طبعة مؤسسة النشر الاسلامي: «زريق» وفي الهامش: «زرعة».
2- 2*) أمالي الطوسي: 694، ح1478، ح21.

والزكاة، والصوم، والحجّ، وقد صرّح فيه بأفضليّة الولاية التي عبّر عنها بالمعرفة؛ فإنّها المناط في قبول الأعمال، وهي الفاتحة والخاتمة، وقد مرّ في الأحاديث السابقة أنّه لم يرخّص في الولاية أصلاً، ثمّ يتلوها - في الأهمية والفضل - الصلاة، ثمّ يتلوها الزكاة، وهي قرينة الصلاة، ثمّ يتلوها الصوم، ثمّ بعد ذلك الحجّ. وعليه فهذا الحديث - مضافاً إلى دلالته على أهمّيّة هذه الأمور الخمسة ووجوبها - فيه بيان للأفضل فالأفضل، وهذا الترتيب قد استفيد من الأحاديث السابقة، ولكن مع التصريح به في هذا الحديث.

ومن ثمّ ذكر الإمام (علیه السلام) : أنّ أفضل الأعمال بعد هذه الأمور، برّ الإخوان ومواساتهم، ببذل المال لهم بحسب المعروف؛ فإنّ اللَّه تعالى جعل الدرهم والدينار امتحاناً للعباد.

ثمّ بيّن (علیه السلام) : أنّ المداومة على الحجّ والإدمان عليه له آثار دنيويّة مادّيّة، فضلاً عن آثاره المعنويّة والأخرويّة، ومنها الغنى، ورفع الفقر. كما أنّ أداء فريضة واحدة من الصلاة - إذا قبلت - تعدل عند اللَّه ألف حجّة وألف عمرة مبرورات متقبلات، ثمّ إنّ حجة واحدة خيرٌ من مل ء الدنيا ذهباً وفضة، تنفق في سبيل اللَّه سبحانه، ولكن قضاء حاجة المسلم وتنفيس كربته أفضل من عشر حجج وعشر عُمَر، وقد وردت في ذلك روايات كثيرة(1).

ثمّ إنّ هنا أموراً ثلاثة لابدّ من الإشارة إليها:

ص: 227


1- الكافي 2 : 192، باب قضاء حاجة المؤمن، الاحاديث: 4 و 6 و8 و9 و11.

رفع التنافي عن الأحادیث المختلفة في بیان كمية الثواب

الأمر الأوّل: أنّه ورد في هذا الحديث تقديم الصوم على الحجّ في الترتيب والأفضليّة.

الأمر الثاني: أنّ الحديث اشتمل على أنّ صلاة فريضة واحدة تعدل عند اللَّه سبحانه ألف حجّة وألف عمرة، وقد اختلفت الروايات الواردة في بيان مقدار ثواب الصلاة بالقياس إلى الحجّ، ففي بعضها ورد: أنّها تعدل عشرين حجة(1)، وفي بعضها: ألف حجة(2)، وفي هذا الحديث: ألف حجّة وألف عمرة.

الأمر الثالث: اختلفت الروايات في بيان أفضليّة الصلاة من الحجّ، كما في كثير منها، أو افضليّة الحج من الصلاة، كما في بعض منها(3).

ويمكن توجيه هذا التعارض ورفع التنافي بينها بما يلي:

أمّا الأمر الأوّل، فقد تقدّم الكلام فيه، وقد أحلنا وجه الجمع إلى كتاب الحج، فلاحظ الحديث الثاني من الباب.

وأمّا الأمر الثاني، فإنّه لا يختصّ بالصلاة والحجّ، بل ربّما يوجد في

ص: 228


1- الكافي 3 : 265، باب فضل الصلاة، ح7، ومن لا يحضره الفقيه 209، ح630 و بحار الأنوار 79 : 154، باب فضل الصلاة ، ح55.
2- تهذيب الأحكام 2 : 240، ح953، ووسائل الشيعة 4 : 40 ب10 من أبواب أعداد الفرائض، ح8.
3- من لا يحضره الفقيه 2 : 143، ح626، وعلل الشرائع: 456، ح1 ، ووسائل الشيعة 11 : 112، ب41 من أبواب وجوب الحج وشرائطه، ح5 و7.

بعض العبادات الأخرى أيضاً، كما في زيارة الإمام أبي الحسن الرضا (علیه السلام) ، فقد ورد في بعض الروايات: أنّها كسبعين حجّة مبرورة، وفي بعضها: ألف حجّة، وفي بعضها: ألف حجّة مبرورة، وألف عمرة مقبولة، وفي بعض منها: سبعين ألف حجّة، وفي بعضها: مائة ألف حاجّ ومعتمر، وفي بعضها: ألف ألف حجّة، وورد في ثوابها غير ذلك(1) .

ويمكن أن يقال: إنّ الاختلاف لعلّه بحسب تماميّة الشرائط والآداب المختصّة بالعمل، ومن جهة الأزمنة والأمكنة وغيرها؛ فإنّ العمل يختلف ثوابه من هذه الجهات، فإذا أتي به مع كمال الإيمان وتمام المعرفة والتوجّه التامّ، يكون ثوابه أكثر، وأمّا إذا أتي به مع بعض الشرائط والآداب فثوابه أقلّ، وهكذا.

وبما أنّ للعمل مراتب، فكذلك لثوابه، والشاهد على ذلك أنّه قد أفيد في بعض الروايات: أنّ الثواب الأكثر لمن عمل مع المعرفة.

ويمكن أن يقال: إنّ الإمام (علیه السلام) أخبر بالثواب بحسب درجات المخاطب، من إيمانه وإخلاصه؛ فإنّ الثواب بالنسبة إلى الأشخاص والمخاطبين مختلف، فالاختلاف في بيان الثواب ناشى ء من جهة اختلاف الأشخاص.

ويمكن أن يقال: إنّ الثواب هو المقدار الأكثر، ولكنّ الإمام (علیه السلام) من جهة مراعاة حال المخاطب واستعداده، أو لمصالح أخرى أخبر أوّلّاً بالأقلّ،

ص: 229


1- وسائل الشيعة 14 : 565 ، ب 87 من أبواب المزار وما يناسبه.

وقد يخبر بالثواب المتوسّط، وقد يخبر بالثواب الأكثر. وهذا ليس مخالفاً للواقع؛ فإنّه اكتفى بذكر بعض الثواب دون تمامه، وليس معناه: أنّ هذا المذكور هو تمام الثواب. والشاهد على ذلك: ما ورد في بعض الروايات من أنّ الإمام (علیه السلام) ابتدأ بالأقلّ، ثمّ أخبر بالزيادة، كما في الحديث الأوّل من زيارة الإمام الرضا (علیه السلام) ، عن أبي الحسن موسى (علیه السلام) قال: «من زار قبر ولدي علي (علیه السلام) كان له عند اللَّه كسبعين حجّة مبرورة»، قال: قلت: سبعين حجّة؟ قال: «نعم، وسبعين ألف حجّة»، قال: قلت: سبعين ألف حجّة؟ قال: «ربّ حجة لا تقبل. من زاره وبات عنده ليلة كان كمن زار اللَّه في عرشه...»(1)

وفي كتاب أبي الحسن الرضا (علیه السلام) : «أبلغ شيعتي: أنّ زيارتي تبلغ عند اللَّه عزّوجلّ ألف حجّة»، قال: فقلت لأبي جعفر (علیه السلام) : ألف حجّة؟ قال: «إي واللَّه، وألف ألف حجّة لمن زاره عارفاً بحقّه»(2)، وغير ذلك من الموارد، ولعلّ هذا الوجه هو أقوى الوجوه.

وأمّا الأمر الثالث، فيمكن أن يقال:

أولاً: أنّ ما ورد من الروايات في أفضليّة الصلاة كثير جداً، ولعلّها وصلت إلى حدّ التواتر، وأمّا ما ورد في أفضليّة الحجّ فلا يتجاوز

ص: 230


1- تهذيب الأحكام 6 : 85، باب 34، ح3.
2- المصدر نفسه: ح 4.

الروايتين(1)، إحداهما وردت مرسلة في «الفقيه» والأخرى وردت مسندة في «العلل» ، ولعلّهما ترجعان إلى رواية واحدة، ومثله لا يعارض الطائفة الأولى، فيتعيّن الأخذ بالأولى.

وثانياً: على فرض التسليم، فيمكن الجمع بينها بوجوه:

توجیه الاختلاف الأحادیث في بیان أفضلية الصلاة علی الحج و بالعكس

الوجه الأوّل: أن تحمل الطائفة الثانية - الدالّة على أفضلّية الحجّ من الصلاة - على الحجّ بلحاظ اشتماله على الصلاة؛ باعتبار أنّ الحجّ مشتمل على الصلاة، وما دلّ على أنّ الصلاة أفضل من الحجّ على ما إذا لوحظ الحجّ وحده بدون الصلاة. والشاهد على هذا الوجه هي: صحيحة الكاهلي، حيث قال: سمعت أبا عبد اللَّه (علیه السلام) يقول ويذكر الحجّ، فقال: «قال رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم): هو أحد الجهادين، هو جهاد الضعفاء، ونحن الضعفاء. أما إنّه ليس شي ء أفضل من الحج إلّا الصلاة، وفي الحجّ لهاهنا صلاة، وليس في الصلاة قِبَلكم حج، لا تدع الحجّ وأنت تقدر عليه...» الحديث(2)

الوجه الثاني: أن تحمل روايات أفضليّة الحجّ على أفضليته من صلاة النافلة، وما دلّ على أفضلية الصلاة على صلاة الفريضة؛ والشاهد على هذا الجمع هو تقييد كثير من هذه الروايات: بأنّ صلاة فريضة أفضل من عشرين حجّة، وكذلك ما ورد في رواية العيّاشي عن زرارة «لحجّة متقبّلة خير من

ص: 231


1- راجع الهامش3 ص228.
2- الكافي 4 : 253، باب فضل الحج والعمرة، ح 7.

عشرين صلاة نافلة»(1) .

وقد ذكرت وجوه أخرى في المقام، لا يهمّنا التعرّض لها، والمهمّ منها هو هذان الوجهان.

سند الحديث:

للحديث سندان:

اسناد الشیخ إلی زریق بن الزبیر

الأوّل: ما رواه الشيخ بإسناده عن عليّ بن عقبة. وطريق الشيخ إلى عليّ بن عقبة هو: الحسين بن عبيد اللَّه، عن محمّد بن عليّ بن الحسين، عن ابن الوليد، عن الصفّار، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عنه(2)

وجميع رجال الطريق قد تقدّم ذكرهم، وأنّهم من الثقات. وعليه فالطريق صحيح.

وأمّا عليّ بن عقبة: فقد قال النجاشي عنه: «علي بن عقبة بن خالد الأسدي، أبو الحسن، مولى، كوفيّ، ثقة، ثقة، روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، له كتاب يرويه جماعة»(3)

ص: 232


1- تفسير العياشي 1 : 191، ح109، في تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}. (آل عمران: 97).
2- فهرست الطوسي: 154/385.
3- رجال النجاشي: 271/710.

وعدّه الشيخ من أصحاب الصادق (علیه السلام) (1) .

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمي»، وروى عنه المشايخ الثقات(2)

وأمّا أبو كهمس: فقال النجاشي عنه: «الهيثم بن عبد اللَّه، أبو كهمس، ... ذكره سعد بن عبد اللَّه في الطبقات»(3)، وعدّه الشيخ في «رجاله» من أصحاب الصادق (علیه السلام) قائلاً: «الهيثم بن عبيد الشيبان، أبو كهمس الكوفيّ، أسند عنه»(4).

وقول الشيخ: «أسند عنه» لا يعدّ توثيقاً، ولكن يكفي في وثاقته وقوعه في أسناد «نوادر الحكمة»(5) .

والحاصل: أنّ السند معتبر.

اسناد الشیخ إلی زریق بن الزبیر

السند الثاني: ما رواه الشيخ بإسناده عن رُزَيْق، (وفي الفهرست زُريق(6)، والأول هو الصحيح كما أثبته النجاشي(7)، والشيخ نفسه في «رجاله»(8)

ص: 233


1- رجال الطوسي: 245/3393.
2- أصول علم الرجال 1 : 230 ، 284 ، و ج2 : 203 .
3- رجال النجاشي : 436/1170.
4- رجال الطوسي: 320/4767.
5- أصول علم الرجال 1 : 247 .
6- فهرست الطوسي: 133/ 310.
7- رجال النجاشي: 168/ 442 .
8- رجال الطوسي: 205/ 2636.

و«أماليه»(1) وصاحب «الوسائل»(2) في الخاتمة. وللشيخ إليه طريقان:

الأوّل: أخبرنا به جماعة، عن أبي المفضّل، عن حميد، عن القاسم بن إسماعيل، عنه(3).

والجماعة تقدّم الكلام حولها، وأمّا أبو المفضل، فقد تقدّم ذكره أيضاً.

وأمّا حميد: فهو حميد بن زياد بن حمّاد، قال النجاشي عنه: «كان ثقة، واقفاً، وجهاً فيهم»(4) وقال الشيخ: «ثقة، كثير التصانيف، روى الأصول أكثرها، له كتب كثيرة على عدد كتب الأصول»(5) ، وعدّه في «رجاله» في من لم يرو عنهم (علیهم السلام) قائلاً: «من أهل نينوى، قرية بجنب الحائر على ساكنه السلام، عالم جليل، واسع العلم، كثير التصانيف»(6)

وقال أبو غالب الزراري في رسالته إلى ولده: «وسمعت من حميد بن زياد - إلى أن قال: - وهؤلاء من رجال الواقفة، إلّا أنّهم كانوا فقهاء، ثقات في حديثهم، كثيري الرواية»(7)

ص: 234


1- أمالي الطوسي: 695 - 700 .
2- وسائل الشيعة 30 : 371.
3- فهرست الطوسي: 133/310.
4- رجال النجاشي: 132/339.
5- فهرست الطوسي: 114/238.
6- رجال الطوسي: 421/6081.
7- تاريخ آل زرارة 1 : 211، ورسالة أبي غالب الزراري: 150، الفقرة [9] المقطع [ب].

وأمّا القاسم بن إسماعيل: فهو القرشيّ، لم يرد فيه توثيق ولا مدح. وعليه فهذا الطريق ضعيف.

الثاني: ما ذكره صاحب «الوسائل»: أخبرنا الحسين بن عبيد اللَّه، عن هارون بن موسى التلعكبري، عن محمّد بن همام، عن عبد اللَّه بن جعفر الحميري، عن محمّد بن خالد الطيالسي، عن أبي العباس رُزَيْق بن الزبير الخلقاني(1)

أمّا الحسين بن عبيد اللَّه: فهو الغضائري، وقد تقدّم.

وأمّا هارون بن موسى التلعكبري: فقال النجاشي عنه: «كان وجهاً في أصحابنا، ثقة، معتمداً، لا يطعن عليه»(2)

وقال الشيخ في «رجاله»: «جليل القدر، عظيم المنزلة، واسع الرواية، عديم النظير، ثقة، روى جميع الأصول والمصنفات... أخبرنا عنه جماعة من أصحابنا»(3)، ومنه يظهر: أنّ الشيخ يروي عنه جميع أصول ومصنّفات الشيعة، وكذلك مشايخه، كالمفيد وابن الغضائري وغيرهما، فلاحظ. وهو من مشايخ ابن قولويه في «كامل الزيارات»(4).

وأمّا محمّد بن همام: فقال النجاشي فيه: «محمّد بن أبي بكر، همام بن

ص: 235


1- وسائل الشيعة 30 : 144.
2- رجال النجاشي:439/1184.
3- رجال الطوسي: 449/6386.
4- كامل الزيارات: 344، باب 75، ح5.

سهيل، الكاتب، الإسكافي، شيخ أصحابنا ومتقدّمهم، له منزلة عظيمة، كثير الحديث»(1)، وقال أيضاً في ترجمة جعفر بن محمّد بن مالك: «قال أحمد بن الحسين: كان يضع الحديث... ولا أدري كيف روى عنه شيخنا النبيل الثقة أبو عليّ بن هَمَّام»(2) .

وقال الشيخ: «محمّد بن هَمَّام الإسكافي، يكنّى أبا علي، جليل القدر، ثقة، له روايات كثيرة»(3)، وذكر نحوه في «الرجال»(4)، وهو من مشايخ ابن قولويه(5).

وأما عبد اللَّه بن جعفر الحميري: فقد تقدّم ذكره.

وأما محمّد بن خالد الطيالسي: فقد عدّه الشيخ (رحمه الله) في أصحاب الكاظم (علیه السلام) ، وفي من لم يرو عن الأئمة (علیهم السلام) ، وقال: «روى عنه حميد أصولاً كثيرة»(6) .

وذكره النجاشي (رحمه الله) أيضاً(7).

وفي رسالة أبي غالب الزراري: وكان جدّي أبو طاهر أحد رواة

ص: 236


1- رجال النجاشي: 379/1032.
2- المصدر نفسه: 122/313.
3- فهرست الطوسي: 217/612.
4- رجال الطوسي: 438/6270.
5- كامل الزيارات: 245، باب 46، ح364.
6- رجال الطوسي: 441/6304.
7- رجال النجاشي: 340/910.

الحديث، قد لقي محمّد بن خالد الطيالسي، فروي عنه: كتاب عاصم بن حميد، وكتاب سيف بن عميرة، وكتاب العلاء ابن رزين، وكتاب إسماعيل ابن عبدالخالق، وأشياء غير ذلك(1).

وقد روى عنه جماعة آخرون، منهم: الصفّار، وعبدالله بن جعفر الحميري، وعلي بن إبراهيم ابن هاشم، وغيرهم، ومن هنا قال الأستاذ الأكبر البهبهاني (قدس سره) في تعليقته: رواية الأجلّة عنه تشير إلى الاعتماد عليه(2).

وقد عدّه المحدّث النوري (قدس سره) من الأجلاّء والثقات، وتعجّب من العلاّمة المجلسي (قدس سره) ؛ لعدّه - في الوجيزة - من المجاهيل، ومن الفاضل البحراني (قدس سره) ؛ لعدم ذكره له في البلغة(3).

وقال العلاّمة المامقاني في ترجمته: ويمكن اتّصافه بأدنى درجة الحسن باعتبار رواية الأجلّة عنه(4).

وقد وقع في أسناد نوادر الحكمة(5)،

وهو كافٍ بالقول بوثاقته على ما حقّقناه.

وأمّا رُزَيْق: فهو ابن الزبير الخلقاني، عدّه الشيخ في أصحاب الصادق (علیه السلام) ، ولم يرد فيه توثيق(6)

ص: 237


1- رسالة أبي غالب الزراري: 148.
2- تعليقة على منهج المقال: 306.
3- مستدرك الوسائل (الخاتمة) 9 : 39/ 2453.
4- تنقيح المقال 3: 114/ 10665.
5- تهذيب الأحكام 10 : 152/610.
6- رجال الطوسي: 205/2636.

والحاصل: أنّ الحديث معتبر بالسند الأوّل، وأمّا السند الثاني فغير معتبر بكلا طريقيه.

تصحیح جمیع روایات الحسن بن علي بن فضّال

هذا وقد ذكر في «الأمالي» الحديث بسند آخر، وهو: حدّثنا الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسي، قال: أخبرنا الحسين بن إبراهيم القزويني، عن محمّد بن وهبان، عن محمّد بن أحمد بن زكريا، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن أبي كهمس.

وبإسناده عن زرعة، عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، الحديث بناءً على نسخة، واما النسخة الأخرى: عن رزيق(1)

أمّا الحسين بن إبراهيم القزويني: فهو من مشايخ الشيخ، ولم يرد فيه شي ء(2)

وأمّا محمّد بن وهبان: فقال النجاشي فيه: «ثقة من أصحابنا، واضح الرواية، قليل التخليط»(3)

وأمّا محمّد بن أحمد بن زكريا: فلم يرد فيه شي ء.

وأما الحسن بن عليّ بن فضال وعلي بن عقبة وأبو كهمس: فقد تقدّم ذكرهم.

وهذا السند غير معتبر، ولكن يمكن تصحيحه بأن يقال: إنّ للشيخ (رحمه الله)

ص: 238


1- الأمالي للشيخ الطوسي: 694، ح 21.
2- معجم رجال الحديث 6 : 191/3257.
3- رجال النجاشي: 396/1060.

طريقاً معتبراً إلى جميع كتب وروايات الحسن بن عليّ بن فضّال.

وأمّا سنده عن زرعة، فله طريقان معتبران في «الفهرست» مضافاً إلى طريق الأمالي.

وأمّا زرعة: فهو أبو محمّد الحضرمي، قال النجاشي في حقه: «زرعة بن محمّد، أبو محمّد، الحضرمي، ثقة، روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) وأبي الحسن (علیه السلام) ، وكان صحب سماعة، وأكثرعنه، ووقف، له كتاب يرويه عنه جماعة»(1) ، وقال الشيخ: «له أصل»(2) .

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، و«التفسير» أيضاً(3).

ويستفاد من كلام النجاشي أنّ كتابه مشهور، وعليه فلا حاجة إلى ملاحظة الطريق إليه.

والحاصل: أنّ هذا الطريق معتبر، وقد ذكر في «الجامع»(4) أنّ بعض النسخ ونسخ «الأمالي» مختلفة، ففي بعضها: بالإسناد الأوّل عن زُرْعَة، وفي بعضها: عن رزيق، وغير ذلك، واللَّه العالم بالصواب.

ص: 239


1- رجال النجاشي : 176/466.
2- فهرست الطوسي : 134/313.
3- أصول علم الرجال 1 : 222 ، 280 .
4- انظر: جامع أحاديث الشيعة 8 : 278/1087.

[35] 35 - عليّ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمُرْتَضَى فِي رِسَالَةِ «الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ»، نَقْلاً مِنْ «تَفْسِيرِ النُّعْمَانِيِّ» بِإِسْنَادِهِ الآتِي(1)، عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) فِي حَدِيثٍ قَالَ: «وَأَمَّا مَا فَرَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْفَرَائِضِ فِي كِتَابِهِ، فَدَعَائِمُ الإِسْلامِ، وَهِيَ خَمْسُ دَعَائِمَ، وَعَلَى هَذِهِ الْفَرَائِضِ بُنِيَ الإِسْلامُ، فَجَعَلَ سُبْحَانَهُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ مِنْ هَذِهِ الْفَرَائِضِ أَرْبَعَةَ حُدُودٍ، لا يَسَعُ أَحَداً جَهْلُهَا، أَوَّلُهَا: الصَّلاةُ، ثمّ الزَّكَاةُ، ثمّ الصِّيَامُ، ثمّ الْحَجُّ، ثمّ الْوَلايَةُ، وَهِيَ خَاتِمَتُهَا، وَالْحَافِظَةُ لِجَمِيعِ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ»، الْحَدِيثَ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[35] - فقه الحديث:

هذا الحديث جامع لما تقدّم من الأحاديث؛ فإنّه جمع الأمور الخمسة وجعلها دعائم الإسلام، وذكر: أنّ الإسلام بني عليها، وأنّها الفرائض التي لا يسع لأحد جهلها، وأنّ الولاية خاتمتها، وهي الحافظة لجميع الفرائض والسنن، وهذا لا يخفى؛ لأنّ الولاية فرع النبوّة، ومكمّلة لها، كما مرّ، فهي امتداد للنبوّة، فكما أنّ من وظائف النبي تبليغ الفرائض والسنن عن اللَّه تعالى، والحفاظ عليها تامة، سالمة من التحريف طيلة حياته، فكذا

ص: 240


1- يأتي الإسناد في آخر الفائدة الثانية من الخاتمة، رقم 52.
2- المحكم والمتشابه: 77، ويأتي قسم منه في الحديث 17 من الباب 1 من أبواب أفعال الصلاة، ويأتي ذيله في الحديث 15 من الباب 8 من أبواب ممّا تجب فيه الزكاة.

أوصياؤه (علیهم السلام) ، فإنّ لهم نفس الوظيفة، وهذا شأن من شؤون الولاية.

والحديث طويل، اكتفى صاحب «الوسائل» منه بهذا المقدار، وقد أورد قسماً منه في أفعال الصلاة، وقسماً آخر في ما تجب فيه الزكاة.

سند الحديث:

سند الشیخ النعماني إلی أمیر المؤمنین (علیه السلام)

ورد هذا السند كثيراً في «الوسائل»، وليس له إلّا طريق واحد، وهو ما ذكره صاحب «الوسائل» نفسه في الفائدة الثانية من الخاتمة، حيث قال: «واعلم: أنّ سيدنا الأجلّ المرتضى في رسالة المحكم والمتشابه نقل أحاديث من تفسير النعماني، وهذا إسنادها: قال [شيخنا] أبو عبد اللَّه، محمّد بن إبراهيم بن جعفر النعماني(رضی الله عنه) في كتابه في تفسير القرآن: أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة، قال: حدّثنا أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي، عن إسماعيل بن مهران، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، عن أبيه، عن إسماعيل بن جابر، قال: سمعت أبا عبد اللَّه، جعفر بن محمّد الصادق (علیه السلام) يقول:... وذكر الحديث عن آبائه، عن أمير المؤمنين (علیه السلام) »(1)

أمّا عليّ بن الحسين المرتضى: فقد قال عنه النجاشي: «علي بن الحسين بن موسى بن محمّد بن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (علیهم السلام) ، أبو القاسم المرتضى، حاز من العلوم ما لم يدانه فيه أحد في زمانه، وسمع من الحديث

ص: 241


1- وسائل الشيعة 30 : 144، الفائدة الثانية، ورسالة المحكم والمتشابه: 55.

فأكثر، وكان متكلّماً، شاعراً، أديباً، عظيم المنزلة في العلم والدين والدنيا، صنَّف كتباً»(1)

وقال الشيخ: «علي بن الحسين الموسوي، يكنّى أبا القاسم، الملقّب بالمرتضى، ذي المجدين، علم الهدى، أدام اللَّه تعالى أيّامه، أكثر أهل زمانه أدباً وفضلاً، متكلّم، فقيه، جامع للعلوم كلّها، مدّ اللَّه في عمره، يروي عن التلعكبري، والحسين بن عليّ بن بابويه، وغيرهم من شيوخنا، له تصانيف كثيرة ذكرنا بعضها في الفهرست، وسمعنا منه أكثر كتبه، وقرأناها عليه»(2) .

وقال في «الفهرست»: «علم الهدى الأجل المرتضى رضي الله عنه، متوحد في علوم كثيرة، مجمع على فضله، مقدم في العلوم»(3) .

وأمّا صاحب التفسير - وهو الشيخ النعماني - : فقد قال عنه النجاشي: «محمد بن إبراهيم بن جعفر، أبو عبد اللَّه الكاتب، النعماني، المعروف بابن زينب، شيخ من أصحابنا، عظيم القدر، شريف المنزلة، صحيح العقيدة، كثير الحديث، قدم بغداد، وخرج إلى الشام، ومات بها، له كتب»(4)

وأمّا أحمد بن محمّد بن عقدة: فقد قال عنه النجاشي: «أحمد بن

ص: 242


1- رجال النجاشي: 270/708.
2- رجال الطوسي: 434/ 6209.
3- فهرست الطوسي: 164/431.
4- رجال النجاشي: 383/1043.

محمّد بن سعيد بن عبد الرحمن بن زياد بن عبد اللَّه بن عجلان، مولى عبد الرحمن بن سعيد بن قيس السَّبيعي، الهَمْداني، هذا رجل جليل في أصحاب الحديث، مشهور بالحفظ، والحكايات تختلف عنه في الحفظ وعظمه، وكان كوفيّاً زيديّاً جاروديّاً على ذلك حتّى مات، وذكره أصحابنا؛ لاختلاطه بهم، ومداخلته إيَّاهم، وعظم محلّه، وثقته، وأمانته، له كتب»(1)

وقال الشيخ: «المعروف بابن عقدة، يكنّى أبا العباس، جليل القدر، عظيم المنزلة، له تصانيف كثيرة، ذكرناها في كتاب الفهرست، وكان زيديّاً جاروديّاً، إلّا أنّه روى جميع كتب أصحابنا، وصنَّف لهم، وذكر أصولهم، وكان حفظة، سمعت جماعة يحكون أنّه قال: أحفظ مائة وعشرين ألف حديث بأسانيدها، وأذاكر بثلاثمائة ألف حديث»(2)

وقال في «الفهرست»: «وأمره في الثقة والجلالة وعظم الحفظ أشهر من أن يذكر»(3).

وهو من مشايخ الكليني (قدس سره) . وقال أبو عبد اللَّه النعماني في مقدمة كتابه «الغيبة»: «...وهو ما أخبرنا به أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة، الكوفيّ، وهذا الرجل ممّن لا يطعن عليه في الثقة، ولا في العلم بالحديث، والرجال

ص: 243


1- رجال النجاشي: 94/233.
2- رجال الطوسي: 409/5949.
3- فهرست الطوسي: 73/86 .

الناقلين له»(1)

وأمّا أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي: فلم يرد فيه توثيق.

وأمّا إسماعيل بن مهران: فقد تقدّم ذكره.

اسناد الشیخ إلی في الحسن بن عليّ بن أبي حمزة

وأمّا الحسن بن عليّ بن أبي حمزة: فقد قال عنه النجاشي: «قال أبو عمرو الكشّي: فيما أخبرنا به محمّد بن محمد، عن جعفر بن محمد، عنه، قال: قال محمّد بن مسعود: سألت عليّ بن الحسن بن فضّال عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة البطائني، فطعن عليه، وكان أبوه قائد أبي بصير يحيى بن القاسم، هو الحسن بن عليّ بن أبي حمزة، مولى الأنصار، كوفي، ورأيت شيوخنا رحمهم اللَّه يذكرون أنّه كان من وجوه الواقفة، له كتب»(2)

وقال الكشّي: «محمد بن مسعود، قال: سألت عليّ بن الحسن بن فضّال عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة البطائني، فقال: كذّاب ملعون، رويت عنه أحاديث كثيرة، وكتبت عنه تفسير القرآن كلّه من أوّله إلى آخره، إلّا أنّي لا أستحلّ أن أروي عنه حديثاً واحداً. وحكى لي أبو الحسن حمدويه بن نصير عن بعض أشياخه، أنه قال: الحسن بن عليّ بن أبي حمزة: رجل سوء»(3).

ص: 244


1- الغيبة للنعماني: 32.
2- رجال النجاشي: 36/73.
3- اختيار معرفة الرجال 2 : 827/1042.

وورد في «نوادر الحكمة»، وروى عنه المشايخ الثقات(1)

وهذا التوثيق معارض بالتضعيف بالكذب، بخلاف ما إذا كان التضعيف باللعن أو الوقف؛ فللجمع وجه حينئذٍ، وعليه فيستقرّ التعارض، ولا يمكن الحكم بوثاقته ويعامل معاملة المجهول.

وأمّا أبوه، فقد تقدّم ذكره.

وأمّا إسماعيل بن جابر الجعفي: فقال عنه النجاشي: «إسماعيل بن جابر الجعفي، روى عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه (علیهما السلام) ، وهو الذي روى حديث الأذان، له كتاب ذكره محمّد بن الحسن بن الوليد في فهرسته»(2) .

وعدّه الشيخ من أصحاب الباقر والصادق (علیهما السلام) ، وقال: «إسماعيل بن جابر الخثعمي، الكوفي، ثقة، ممدوح، له أصول، رواها عنه صفوان بن يحيى»(3).

وورد في أسناد كتاب «نوادر الحكمة»، وفي «تفسير القمي»، وروى عنه المشايخ الثقات(4)

والحاصل: أنّ السند غير معتبر بثلاثة أشخاص.

ص: 245


1- أصول علم الرجال 1 : 217، و ج2 : 186 .
2- رجال النجاشي: 32/71.
3- رجال الطوسي: 124/1246.
4- أصول علم الرجال 1 : 214 ، 277، و ج2 : 181 .

[36] 36 - عليّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي «تَفْسِيرِه»، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ جَمِيلٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «إِنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ بِمَنْ يُصَلِّي مِنْ شِيعَتِنَا عَمَّنْ لا يُصَلِّي مِنْ شِيعَتِنَا، وَلَوْ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ الصَّلاةِ لَهَلَكُوا. وَإِنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ بِمَنْ يُزَكِّي مِنْ شِيعَتِنَا عَمَّنْ لا يُزَكِّي مِنْ شِيعَتِنَا، وَلَوْ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ الزَّكَاةِ لَهَلَكُوا. وَإِنَّ اللَّهَ لَيَدْفَعُ بِمَنْ يَحُجُّ مِنْ شِيعَتِنَا عَمَّنْ لا يَحُجُّ مِنْ شِيعَتِنَا، وَلَوْ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ الْحَجِّ لَهَلَكُوا، وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ}(1)»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[36] - فقه الحديث:

دلّ الحديث بوضوح على أهمّيّة هذه الواجبات المذكورة، وقد مضى مضمونه في الحديث السادس عشر، ودلّ - مضافاً إلى ذلك - على أنّ اللَّه يدفع العذاب والهلاك الدنيوييّن عن الفاسقين بعمل الصالحين، كما دلّت على ذلك أحاديث أخر:

منها: ما روي عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، أنّه قال: «يقول اللَّه تعالى: لولا رجال خُشَّع، وصبيان رُضَّع، وبهائم رُتَّع، لصببت عليكم العذاب صبّاً»(3)

ص: 246


1- البقرة، الآية 251.
2- تفسير القمّي 1 : 83.
3- الجواهر السنية للحر العاملي: 168 - 169 .

ومنها: ما في وصيّة النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) لأبي ذر، حيث قال(صلی الله علیه و آله و سلم): «إنّ اللَّه يصلح بصلاح العبد ولده، وولد ولده، ويحفظه في دُوَيرته، والدُّور حوله ما دام فيهم»(1)

سند الحديث:

عليّ بن إبراهيم وأبوه وابن أبي عمير: كلّهم ثقات أجلّاء كما تقدّم.

وأما جميل: فهو مشترك بين ستّة أشخاص، والمشهور منهم شخصان، وهما:

1 - جميل بن درّاج.

2 - جميل بن صالح.

وكلاهما ثقتان.

أمّا جميل بن درّاج: فقد قال عنه النجاشي: «جميل بن درّاج - ودرّاج يكنّى بأبي الصبيح - بن عبد اللَّه، أبو عليّ النخعي، وقال ابن فضّال: أبو محمّد شيخنا، ووجه الطائفة، ثقة، روى عن أبي عبد اللَّه، وأبي الحسن (علیهما السلام) ، [و] أخذ عن زرارة. وأخوه نوح بن درّاج القاضي، كان أيضاً من أصحابنا، وكان يخفي أمره، وكان أكبر من نوح، وعَمِي في آخر عمره، ومات في أيّام الرضا (علیه السلام) ، له كتاب، رواه عنه جماعات من الناس، وطرقه كثيرة»(2).

ص: 247


1- أمالي الطوسي: 543، المجلس السادس عشر، ح1162.
2- رجال النجاشي: 126/328.

ووثّقه الشيخ (قدس سره) في «الفهرست»(1)، وعدّه من أصحاب الإمامين الصادق والكاظم (علیهما السلام) (2).

وعدّه الكشّي ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه(3)

وورد في أسناد كتاب «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي»، وروى عنه المشايخ الثقات(4).

وأمّا جميل بن صالح: فقد قال عنه النجاشي: «جميل بن صالح الأسدي، ثقة، وجه، روى عن أبي عبد اللَّه وأبي الحسن (علیهما السلام) ، ذكره أبو العباس في كتاب الرجال، روى عنه سماعة»(5)

وورد في أسناد كتاب «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي»، وروى عنه المشايخ الثقات(6).

ومن المحتمل قويّاً: أن يكون المراد منه هنا الأول؛ فإنّه الأشهر، وهو الذي روى عنه ابن أبي عمير كتابه.

وكيف كان، فالسند معتبر بلا إشكال.

ص: 248


1- فهرست الطوسي: 94/154.
2- رجال الطوسي: 177/2101، و333/4964.
3- اختيار معرفة الرجال 2 : 673/705.
4- أصول علم الرجال 1 : 216، 278، و ج2 : 184 .
5- رجال النجاشي: 127/329.
6- أصول علم الرجال 1 : 216 ، 278، و ج2 : 184 .

[37] 37 - أَحْمَدُ بْنُ محمّد بْنِ خَالِدٍ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ عليّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «مَا كَلَّفَ اللَّهُ الْعِبَادَ إِلَّا مَا يُطِيقُونَ. إِنَّمَا كَلَّفَهُمْ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ، وَكَلَّفَهُمْ مِنْ كلّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، وَكَلَّفَهُمْ صِيَامَ شَهْرٍ فِي السَّنَةِ، وَكَلَّفَهُمْ حَجَّةً وَاحِدَةً، وَهُمْ يُطِيقُونَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ»، الْحَدِيثَ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[37] - فقه الحديث:

تقدّم مضمون الحديث في الحديث السابع والعشرين، والاختلاف بينهما يسير جدّاً، وما ذكرناه هناك يأتي بعينه هنا.

سند الحديث:

رجال الحديث قد تقدّم ذكرهم، وهم ثقات. وعليه فالسند معتبر.

ص: 249


1- المحاسن1 : 461، ح1069، وتقدم في الحديث 27 بسند آخر من هذا الباب، ويأتي في الحديث 1 من الباب 1 من أبواب وجوب الحج وشرائطه.

[38] 38 - وَعَنْ عليّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَيْفٍ، عَنْ مُعَاذِ ابْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الدِّينِ(1)1*) الَّذِي لا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنَ الْعِبَادِ غَيْرَهُ، وَلا يَعْذِرُهُمْ عَلَى جَهْلِهِ؟ فَقَالَ: «شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وآله، وَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَالْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَحِجُّ الْبَيْتِ، وَالإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ جُمْلَةً، وَالائْتِمَامُ بِأَئِمَّةِ الْحَقِّ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ»، الْحَدِيثَ(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

[38] - فقه الحديث:

تقدّم مضمون صدر الحديث في الحديث الثاني عشر، وهو يدلّ بوضوح على أهمّيّة الأمور الخمسة، وعلى أمور أخرى تقدّمت في الأحاديث السابقة، كالحديث الثاني والثلاثين وغيره.

نعم، ورد في هذا الحديث أمران آخران:

أوّلهما: الغسل من الجنابة، وهو شرط واقعيّ للصلاة. وهنا سؤال وهو: أنه أي خصوصيّة للغسل من الجنابة حتّى يعدّ من جملة الدين الذي لا يقبل الله من العباد غيره، ولا يعذرهم على جهله؟ مع أن بعض الفرائض أهم منه كالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ص: 250


1- 1*) كلمة «الدين» ليست في المصدر.
2- 2*) المحاسن1 : 449 ، ح 1037.

ويجاب عنه أولاً: بأن كلمة الدين ليست في المصدر، فعليه لا إشكال في عدّ غسل الجنابة من الذي لا يقبل الله من العباد غيره، ولا يعذرهم على جهله.

وثانياً: على فرض ثبوت كلمة الدين - كما في المتن هنا - يمكن الحمل على أنّ الغسل من الدين أي من الحنيفية، وذكره في عداد الواجبات النفسية وإن أشعر بكونها منها، وقد استدل بعض الفقهاء به على أن غسل الجنابة واجب نفسي، لكن الإنصاف أنه لا يبلغ حدّ الظهور، فلا يمكن الاستدلال به على كونه واجباً نفسياً؛ والشاهد على هذا الحمل ما ورد في أحاديث الغسل من أن المجوس كانت لا تغتسل من الجنابة «والعرب كانت تغتسل، والاغتسال من خالص شرائع الحنيفية»(1).

وثانيهما: الإقرار بما جاء من عند اللَّه جملة. ويحتمل أن يكون بمعنى: لزوم الإقرار بما جاء من عند اللَّه سبحانه وتعالى على النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) على نحو الإجمال، كما قيل بذلك. ويحتمل أن يكون المراد: الإقرار بجميع ما جاء من عند اللَّه سبحانه وتعالى، بلا فرق بين ما جاء به نبيّنا(صلی الله علیه و آله و سلم)، أو سائر الأنبياء (علیهم السلام) ، كما عدّ ذلك من أصول الدين.

وفي ذيل الحديث صرّح بالولاية، بمعنى الائتمام بأئمّة الحقّ من آل محمد (علیهم السلام) . ولمّا سأل السائل عن أسماء الأئمّة (علیهم السلام) سمّاهم الإمام واحداً واحداً، ولمّا وصل إلى نفسه أشار إلى أنّه الإمام - من دون أن يصرّح بذلك -

ص: 251


1- وسائل الشيعة 2 : 177، ب1 من أبواب الجنابة، ح14.

بقوله (علیه السلام) : «والخير يعطيه اللَّه من يشاء».

وكلّما أصرّ السائل على معرفة الواقع بالتصريح أجابه الإمام بجواب يختلف عن سابقه.

وللحديث - أيضاً - دلالة على مقام الإمامة، وأنّها تختلف عن غيرها، فقد أشار (علیه السلام) إلى أمور:

الأوّل: أنّ هذا الأمر يجري لآخرنا كما يجري لأولنا، فهم كالنور الواحد. ولما كان هذا الكلام يوهم تساويهم جميعاً (علیهم السلام) في الفضل عقّب (علیه السلام) ذلك بقوله: «ولمحمد وعلي فضلهما»؛ تمييزاً لهما عن بقيّة الأئمّة (علیهم السلام) في الفضل؛ باعتبار أنّ النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) أفضل الخلق قاطبة، وأخوه ووصيّه أمير المؤمنين (علیه السلام) نفسه، كما نصّ عليه الكتاب العزيز(1)، فلذا كان لهما شأنهما في الفضل.

الثاني: أنّهم الحجّة الثابتة والباقية إلى أن يرث اللَّه الأرض ومن عليها. وقد بيّن (علیه السلام) : أنّ هذا الأمر يجري كما يجري الليل والنهار. ولعلّه أشار إلى أنّهم اثنا عشر إماماً، كما أنّه يحدث بجريان الليل والنهار اثنا عشر شهراً.

الثالث: أنّهم كالحكم الثابت الذي لا يتغير بتغير الزمان، كأحكام الحدود، فكما أنّ أحكامها لا تتعطل، وأمرها بيد الإمام، كذلك الإمام موجود عبر الزمان وإن امتدّ، وأيضاً لابدّ من وجوده (علیه السلام) في كلّ زمان؛ لأن أمرها بيده (علیه السلام) .

ص: 252


1- آل عمران: 61.

الرابع: أنّ إمامتهم كالقرآن، وهي باقية كبقائه في الناس إلى يوم القيامة. ويمكن أن يكون المراد أنّهم كالقرآن في العصمة، وعدم تطرّق الريب، أو في الحجية إلى يوم القيامة، فكما أنّ القرآن حجة على الناس إلى يوم القيامة، فكذا هم (علیهم السلام) حجة على الناس إلى يوم القيامة.

ولو أنّ السائل سأل الإمام بكيفية غير هذه الكيفية لأجابه الإمام (علیه السلام) ، كما في قضية هشام بن سالم مع الإمام الكاظم (علیه السلام) ، فإنّه لمّا أدرك أنّ سؤاله عن الإمام كان خطأً، سأله قائلاً: هل عليك إمام؟ فقال الإمام: «لا» فعلم هشام أنّه الإمام(1).

إلّا أنّ السائل تنبّه أخيراً إلى ذلك، وأدرك أن الإمام (علیه السلام) في مقام بيان خصائص الإمامة والأئمّة (علیهم السلام) ، ولذا قال: جعلت فداك، أنت لتزيدني على أمر.

سند الحديث:

الحسين بن سيف: هو الكندي، ومن المحتمل أنه: ابن عميرة النخعي، ولم يرد في حقه شي ء.

نعم، ورد في «نوادر الحكمة» على نسخة، وفي نسخة أخرى: الحسين بن يوسف، والأوّل هو الأصح(2)

وأمّا معاذ بن مسلم: فقد وثّقه النجاشي(3)

ص: 253


1- الكافي 1 : 352، باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الامامة، ح7.
2- انظر: أصول علم الرجال 1 : 220.
3- رجال النجاشي: 324/883.

وورد في أسناد كتاب «نوادر الحكمة»(1) ، وهو متّحد مع معاذ بن كثير، على ما صرّح به الشيخ الصدوق في «الفقيه»، حيث قال: «وفي رواية حذيفة بن منصور، عن معاذ بن كثير - ويقال له: معاذ بن مسلم الهرّاء - عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ...»(2) .

وقال فيه الشيخ المفيد في «الإرشاد»: «فممّن روى صريح النصّ بالإمامة من أبي عبد اللَّه الصادق (علیه السلام) على ابنه أبي الحسن موسى (علیه السلام) من شيوخ أصحاب أبي عبد اللَّه وخاصّته وبطانته وثقاته الفقهاء الصالحين - رضوان اللَّه عليهم - : المفضّل بن عمر الجعفي، ومعاذ بن كثير، وعبد الرحمن بن الحجّاج»(3) .

ووردت فيه روايات مادحة:

منها: ما رواه عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، قال لي: «بلغني أنّك تقعد في الجامع، فتفتي الناس؟»، قال: قلت: نعم، وقد أردت أن أسألك عن ذلك قبل أن أخرج. إنّي أقعد في المسجد، فيجي ء الرجل يسألني عن الشي ء، فإذا عرفته بالخلاف لكم أخبرته بما يفعلون، ويجي ء الرجل أعرفه بحبّكم أو مودّتكم فأخبره بما جاء عنكم، ويجي ء الرجل لا أعرفه ولا أدري من هو فأقول: جاء عن فلان: كذا، وجاء عن فلان: كذا، فأدخل قولكم فيما بين

ص: 254


1- أصول علم الرجال 1 : 240 .
2- من لايحضره الفقيه 2 : 169.
3- الإرشاد 2 : 216.

[39] 39 - وَعَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) قَالَ: «عَشْرٌ مَنْ لَقِيَ اللَّهَ بِهِنَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ: شَهَادَةُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، وَالإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَإِقَامُ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَحِجُّ الْبَيْتِ، وَالْوَلايَةُ لأَوْلِيَاءِ اللَّهِ، وَالْبَرَاءَةُ مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ، وَاجْتِنَابُ كلّ مُسْكِرٍ»(1).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي «ثَوَابِ الأَعْمَالِ»، عَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ، عَنِ الصَّفَّارِ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مَعْرُوفٍ، عَنْ سَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ، وَاسْمُهُ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ مُسْلِمٍ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

ذلك قال: فقال لي: «اصنع كذا؛ فإنّي كذا أصنع»(3) .

وعليه فالسند معتبر.

[39] - فقه الحديث:

تقدّم نظيره في جملة من الأحاديث السابقة، وأضيف هنا: وجوب الإقرار بما جاء من عند اللَّه، والبراءة من أعداء اللَّه تعالى.

سند الحديث:

المذكور للحديث هنا طريقان:

ص: 255


1- المحاسن 1 : 77 ، ح 38.
2- ثواب الأعمال 14، باب عشر خصال، ح1.
3- اختيار معرفة الرجال 2 : 524/470.

أوّلهما: ما رواه البرقي، عن أبيه، عن سعدان بن مسلم، عن الفضيل بن يسار.

وفي السند من لم يتقدّم ذكره سابقاً، من قبيل:

سعدان بن مسلم: الذي قال عنه النجاشي: «اسمه عبد الرحمن بن مسلم، أبو الحسن العامري، مولى أبي العلاء كرز بن حفيد العامري، من عامر ربيعة، روى عن أبي عبد اللَّه وأبي الحسن (علیهما السلام) ، وعمّر عمراً طويلاً ... له كتاب يرويه جماعة»(1)

وقال الشيخ في «الفهرست»: «له أصل، أخبرنا به جماعة، عن أبي المفضّل...»(2).

وورد في أسناد كتاب «نوادر الحكمة»، وفي «تفسير القمي»، وروى عنه المشايخ الثقات(3).

وثانيهما: ما رواه الصدوق، عن محمّد بن الحسن، عن الصفّار، عن العباس بن معروف، عن سعدان بن مسلم، واسمه عبد الرحمن بن مسلم.

وفي السند من لم يتقدّم ذكره، نحو:

العباس بن معروف: الذي قال عنه النجاشي: «العباس بن معروف، أبو الفضل، مولى جعفر بن [عمران بن[ عبد اللَّه الأشعري، قمّي، ثقة، له كتاب

ص: 256


1- رجال النجاشي: 192/515.
2- فهرست الطوسي: 141/336.
3- أصول علم الرجال 1 : 223 ، 280، و ج2 : 193 .

أَقُولُ: وَالأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدّاً قَدْ تَجَاوَزَتْ حَدَّ التَّوَاتُرِ، وَفِيمَا أَوْرَدْتُهُ كِفَايَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي أَحَادِيثِ تَكْبِيرِ الْجِنَازَةِ(1)، وَكَيْفِيَّةِ الْوُضُوءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

الآداب، وله نوادر»(3)

وعدّه الشيخ من أصحاب الإمام الرضا (علیه السلام) ، وقال: «العباس بن معروف، قمّي، ثقة، صحيح، مولى جعفر بن عمران بن عبد اللَّه الأشعري»، كما ذكره في أصحاب الإمام الهادي (علیه السلام) (4)

وعليه فالطريقان معتبران.

وأقول: سبقت منّا الإشارة إلى هذا المعنى، وقد قال المصنّف في شرحه: «ورد فيها - يعني الولاية - أُلوف من المعجزات، مرويّة في كتب العامّة والخاصّة، قد جمعنا منها ما تجاوز حدّ التواتر بمراتب في كتاب مفرد»(5).

والحاصل: أنّ في الباب تسعة وثلاثين حديثاً، المعتبر منها واحد وثلاثون حديثاً، ويمكن القول باعتبار البقيّة أيضاً على بعض المباني

ص: 257


1- يأتي في الحديث 14 و 15 و 16 من الباب 5 من صلاة الجنازة.
2- يأتي في الحديث 25 و 26 من الباب 15 من أبواب الوضوء.
3- رجال النجاشي: 281/743.
4- رجال الطوسي: 361/5347 ، و ص389/ 5733.
5- تحرير وسائل الشيعة: 227.

المتقدّمة، كما لا يخفى.

المستفاد من أحاديث الباب

والمستفاد من أحاديث الباب أمور:

منها: وجوب العبادات الخمس: الصلاة، والزكاة، والحجّ، والصوم، والولاية لأئمّة الهدى (علیهم السلام) ، بمعنى وجوب متابعتهم.

ومنها: أهمّيّة هذه العبادات الخمس على غيرها، وأنّها هي التي بني عليها الإسلام، وهي دين اللَّه.

ومنها: أنّها حدود الإيمان.

ومنها: أنّها هي الإسلام.

ومنها: أنّ من تركها هلك.

ومنها: أنّه لا يقبل غيرها، ولا يعذر على جهلها.

ومنها: أنّ اللَّه افترضها؛ ليميز الخبيث من الطيّب(1).

ومنها: أنّ الصلاة أصل الإسلام، وهي الطهر، وهي قرينة الزكاة، وأنّ الزكاة لا تقبل إلّا بها، وهي من جملة حدود الإيمان، والحكمة من تشريعها هي: التنزيه عن الكبر، وأنّ من لقي اللَّه بها دخل الجنة، وأنّ اللَّه يدفع بها عمّن لا يصلّي، وهي من المحمديّة السهلة السمحة، وهي الملّة.

ومنها: أنّ الزكاة فرع الإسلام، وهي الفطرة والمطهِّرة، وهي قرينة الصلاة، وهي من جملة حدود الإيمان، وهي موجبة للزيادة في الرزق،

ص: 258


1- كما في سورة الأنفال، الآية 37.

وهي المطيّبة للنفوس، والنافية للفقر، والمدحضة للذنب، وأنّ من لقي اللَّه بها دخل الجنة، وأن اللَّه يدفع بها عمّن لا يزكّي، وهي من المحمديّة السهلة السمحة.

ومنها: أنّ الصيام هو الجُنَّة، وهو من جملة حدود الإيمان، وأنّ من لقي اللَّه به دخل الجنّة، وأنّ اللَّه يدفع به عمّن لا يصوم، وهو من المحمديّة السهلة السمحة، والحكمة من تشريعه هي: تثبيت الإخلاص.

ومنها: أن الحجّ هو الشريعة، وهو تشييد للدين، وأنّ اللَّه يدفع به عمّن لا يحجّ، وأنّ إدمانه يسرع في الغنى، وينفي الفقر، وهو من جملة حدود الإيمان، وهو من المحمديّة السهلة السمحة.

ومنها: أنّ الجهاد ذروة سنام الإسلام، وهو عزّ للإسلام.

ومنها: أنّ الأمر بالمعروف مصلحة لعموم الناس، وهو الوفاء، والنهي عن المنكر هو الحجّة.

ومنها: أنّ الإقرار بما جاء من عند اللَّه من حدود الإيمان.

ومنها: أنّ التبرّي من أعداء آل محمد (علیهم السلام) من حدود الإيمان.

ومنها: وجوب اجتناب كلّ مسكر.

ومنها: أهمّيّة الولاية والمعرفة، وتفضيلها على غيرها من الواجبات الخمس.

ومنها: أنّ الولاية هي الحافظة لجميع الفرائض والسنن، وهي مفتاحها، وهي من المحمديّة السهلة السمحة، وهي الوحيدة من الفرائض التي لا

ص: 259

رخصة فيها، وأنّها التي يلزم التديّن بها في الحياة، كما يلزم أن يكون الموت عليها.

ومنها: أنّ طاعة أولي الأمر (علیهم السلام) موجبة لدخول الجنّة.

ومنها: أنّه ما نودي بشي ء من الفرائض وأُكّد عليه كما نودي بالولاية، وأنّ الناس تركوها.

ومنها: أنّ الولاية شرط للصلاة والزكاة، فهما لا تقبلان إلّا بها.

ومنها: أنّ الإيمان يطهّر من الشرك، وهو لا يتحقّق إلّا بالولاية.

ومنها: رجحان قضاء حاجة المسلم، وتنفيس كربته، وبرّ الإخوان، والمواساة لهم ببذل المال.

ص: 260

2 - باب ثبوت الكفر والارتداد بجحود بعض الضروريات وغيرها مما تقوم الحجة فيه بنقل الثقات

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

2 - باب ثبوت الكفر والارتداد بجحود بعض الضروريّات

وغيرها ممّا تقوم الحجّة فيه بنقل الثقات

شرح الباب:

هذا الباب في بيان بعض ما يوجب الكفر والارتداد، وينبغي هنا التنبيه على أمور:

الأمر الأول: أنّ الكفر في اللغة بمعنى: الستر للشي ء وتغطيته، ومنه سمّي الليل كافراً؛ لأنّه يغطّي كلّ شي ء بسواده، والكفر والكافر يطلق كثيراً على من يجحد اللَّه والنبي، والكفران يطلق كثيراً على كفران النعمة، والكفور مبالغة في الكفر، وهو أشدّ من الكفور، كما أنّ الكفور يكون جمعاً للكفر {فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً}(1)

والارتداد هو الرجوع، ومنه المرتدّ: أي الذي رجع عن الإسلام.

الأمر الثاني: أنّ الكفر والارتداد لهما أقسام:

أمّا الكفر، فله أقسام ثلاثة:

ص: 261


1- الإسراء، الآية 99.

1 - الكفر في العقيدة.

2 - كفر الإيمان.

3 - الكفر في العمل.

أما الأول: فإنّ كلّ شخص ينكر الربوبيّة أو النبوّة أو المعاد يعتبر كافراً، سواءً كان عن تقصير أو قصور، أو لم يقرّ بالوحدانيّة أو النبوّة أو المعاد، ويقابله المسلم الذي أقرّ بالشهادتين وبالمعاد.

وأما الثاني: فإنّ من اعتقد بهذه الأمور المتقدّمة، ولكن أنكر ولاية الأئمة (علیهم السلام) فإنّه ليس بمؤمن واقعاً، وإن كان يعامل معاملة المسلمين في الأحكام الظاهريّة، كطهارتهم، وجواز مناكحتهم، وحلّيّة ذبائحهم، والتوارث، ونحو ذلك، فتجري عليه أحكام الإسلام؛ وذلك لما ورد في غير واحد من الروايات من: أنّ المناط في الإسلام إنّما هو شهادة أن لا إله إلّا اللَّه، وأنّ محمداً رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم)، وهي التي عليها أكثر الناس. فالكفر في هذا القسم ليس هو الكفر في مقابل الإسلام، وإنّما هو في مقابل الإيمان بمعناه الأعمّ.

وأمّا الثالث: فهو يرجع إلى العمل من حيث الطاعة والعصيان، وقد يعبّر عنه بالفسق، ويقابله الإيمان بالمعنى الأخصّ، وهو أهون من القسمين الأولين. ويمكن أن يتدارك بالتوبة أو العفو.

وهناك قسم آخر، وهو المنكر لضروريّ من ضروريّات الإسلام، ممّا اتفق عليه جميع المسلمين أو اشتهر، كالصلاة، والزكاة، والحج... وغيرها.

ص: 262

والمشهور: أن منكر الضروريّ كافر مطلقاً، عن تقصير كان أو عن قصور، جاهلاً أو عالماً، وإليه ذهب صاحب «الجواهر»(1)،

وقوّاه صاحب «مفتاح الكرامة»(2)، وغيرهما .

واختار جماعة من محقّقي المتأخرين(3):

أنّ إنكار الضروريّ بما هو لا يوجب الكفر، إلّا إذا كان يستلزم إنكار النبوة، وكان المنكر عالماً بالملازمة. وأما مع عدم العلم بها، أو عروض شبهة، ولو عن تقصير، فلا يوجب ذلك الكفر.

وبناء على هذا القول، فالحكم لا يختصّ بالضروريّ، بل هو شامل لإنكار ما علم أنّه من الدين، وإن لم يكن ضروريّاً، ويكفي قيام الحجّة على أنّه من الدين. كما أنّ إنكار ما علم أنّه من الدين عن جحود - أي: لا عن شبهة - موجب للكفر والارتداد.

ومن عنوان الباب يستفاد هذا القول؛ حيث قال: إنّ إنكار ما قامت عليه الحجّة - وإن لم يكن ضروريّاً - يوجب الكفر والارتداد.

وأما الارتداد، فهو على قسمين: فطري وملّي، ولكل منهما حكم خاصّ، يأتي إن شاء اللَّه تعالى في الباب الثلاثين من هذه الأبواب.

ص: 263


1- جواهر الكلام 6 : 49.
2- انظر: مفتاح الكرامة 2 : 37 - 38.
3- كالشهيد الثاني في الروض 2 : 944 - 945، خاتمة في أحكام القضاء، والمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان 3 : 199، الصلاة في السهو والشك، والفاضل الهندي في كشف اللثام 1 : 410.

[40] 1 - محمّد بْنُ يَعْقُوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ محمّد بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) يَقُولُ: «كُلُّ شَيْ ءٍ يَجُرُّهُ الإِقْرَارُ والتَّسْلِيمُ فَهُوَ الإِيمَانُ، وكُلُّ شَيْ ءٍ يَجُرُّهُ الإِنْكَارُ والْجُحُودُ فَهُوَ الْكُفْرُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

الأمر الثالث: أن صاحب «الوسائل»(2) (رحمه الله) وغيره من المحدّثين(3) اختاروا القول المشهور، وهو أنّ إنكار الضروري - مطلقاً - يوجب الكفر أو الارتداد.

والظاهر أنّ مراده من وضع هذا الباب هو أنّ الواجبات الخمسة المتقدّمة لمّا كانت ممّا بني عليها الإسلام وكانت من الضروريّات عند جميع المسلمين، فإنكار أحدها يوجب الكفر. وكذا ما عدّ من الضروريّات من غير هذه الأمور المذكورة.

منشأ الإيمان والكفر

[1] - فقه الحديث:

في هذا الحديث ذكر الإمام (علیه السلام) قضيّتين كلّيتين لمنشأ الإيمان والكفر، وهما: أنّ كلّ أمرٍ من الأمور - سواء كان من الأمور الجوانحيّة أو الجوارحيّة، فعلاً أو تركاً، قولاً أو عملاً - إن كان منشؤه الإقرار والتسليم فهو

ص: 264


1- الكافي 2 : 387، باب الكفر ، ح 15.
2- وسائل الشيعة 1 : 30، باب2 من أبواب مقدمة العبادات.
3- كالمجلسي في مرآة العقول 19 : 126، باب الربا ح11.

من الإيمان، وكل أمرٍ من الأمور إذا كان منشؤه الإنكار والجحود وعدم الاعتراف والإقرار فهو الكفر. وعليه فجميع الأمور لا يخلو منشؤها من أحد هذين الأمرين.

ومن هذا يتبيّن: أنّ تقابل الإيمان والكفر تقابل الملكة والعدم، فالإنسان إمّا مؤمن وإمّا كافر، ولا يخلو من أحدهما واقعاً. نعم، بالنسبة إلى الغير قد يكون مجهول الحال، فيكون من تقابل التضادّ.

والحديث شامل للقسمين الأوّلين، وظاهر في القسم الرابع. وأمّا القسم الثالث - وهو كفر العمل - فإذا لم يأتِ العاصي بالعمل لا بعنوان الجحود والإنكار فلا يكون شاملاً له.

سند الحديث:

محمّد بن يعقوب ومحمد بن يحيى وأحمد بن محمّد - وهو ابن عيسى - وابن محبوب - وهو الحسن بن محبوب - قد تقدّم ذكرهم.

وأمّا أبو أيوب: فهو مشترك بين جماعة، والظاهر أنه الخزاز؛ لكثرة رواياته عن محمّد بن مسلم ورواية ابن محبوب عنه، وأنه كثير الرواية عن أئمّة أهل البيت (علیهم السلام) ، وهو صاحب كتاب مشهور؛ قال النجاشي عنه: «إبراهيم بن عيسى، أبو أيّوب الخزّاز. وقيل: إبراهيم بن عثمان، روى عن أبي عبد اللَّه وأبي الحسن (علیهما السلام) ، ذكر ذلك أبو العباس في كتابه، ثقة، كبير المنزلة، له كتاب نوادر، كثير الرواة عنه»(1)، ومنه يعلم أنّ كتابه مشهور، فلا

ص: 265


1- رجال النجاشي: 20/25.

يحتاج إلى الطريق.

وقال الشيخ: «إبراهيم بن عثمان، المكنّى بأبي أيّوب الخزّاز الكوفي، ثقة، له أصل»(1)، وعدّه في «رجاله» من أصحاب الصادق (علیه السلام) (2) .

وعدّه المفيد في «رسالته العدديّة» من الفقهاء الأعلام... الخ(3)

وقال الكشّي: «أبو أيّوب إبراهيم بن عيسى الخزّاز، قال محمّد بن مسعود، عن عليّ بن الحسن: أبو أيّوب كوفي، اسمه إبراهيم بن عيسى، ثقة»(4)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي»، وروى عنه المشايخ الثقات(5)

وأمّا محمّد بن مسلم: فقال النجاشي: «محمد بن مسلم بن رَبَاح، أبو جعفر الأوقص الطحّان، مولى ثقيف الأعور، وجه أصحابنا بالكوفة، فقيه، ورع، صحب أبا جعفر وأبا عبد اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم)، وروى عنهما، وكان من أوثق الناس، له كتاب يسمّى الأربعمائة مسألة في أبواب الحلال والحرام»(6)

وعدّه الشيخ في «رجاله» تارة في أصحاب الباقر (علیه السلام) ، وأخرى في

ص: 266


1- فهرست الطوسي: 41/13.
2- رجال الطوسي: 159/1775.
3- الرسالة العدديّة - ضمن مصنفات الشيخ المفيد 9 : 43.
4- اختيار معرفة الرجال 2 : 661/679.
5- أصول علم الرجال 1 : 244 ، 289، و ج2 : 218 .
6- رجال النجاشي: 323 / 882 .

أصحاب الصادق (علیه السلام) ، وثالثة من أصحاب الكاظم (علیه السلام) (1)

وعدّه المفيد في «الرسالة العدديّة» من الفقهاء الأعلام... الخ(2).

وقد ذكر الكشّي: أنه ممّن أجمعت العصابة على تصديقهم، ووردت في مدحه روايات كثيرة:

منها: صحيحة سليمان بن خالد الأقطع، قال: سمعت أبا عبد اللَّه (علیه السلام) يقول: «ما أجد أحداً أحيى ذكرنا وأحاديث أبي (علیه السلام) إلّا زرارة، وأبو بصير ليث المرادي، ومحمد بن مسلم، وبريد بن معاوية العجلي. ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا. هؤلاء حفّاظ الدين، وأمناء أبي (علیه السلام) على حلال اللَّه وحرامه، وهم السابقون إلينا في الدنيا، والسابقون في الآخرة».

ومنها: صحيحة جميل بن درّاج، قال: سمعت أبا عبد اللَّه (علیه السلام) يقول: «بشِّر المخبتين بالجنّة»، وذكر منهم محمّد بن مسلم، «أربعة نجباء أمناء اللَّه على حلاله وحرامه، ولولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست».

ومنها: صحيحة البقباق، عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، أنّه قال: «أربعة أحبّ الناس إليّ أحياءً وأمواتاً: بريد بن معاوية العجلي، وزرارة بن أعين، ومحمد بن مسلم، وأبو جعفر الأحول»(3)

ص: 267


1- رجال الطوسي: 144/1570، و294/4293، و342/5100.
2- الرسالة العدديّة - ضمن مصنفات الشيخ المفيد 9 : 27.
3- اختيار معرفة الرجال 1 : 348/219 ، ص398/286 ، ص347/215.

[41] 2 - وعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ كَثِيرٍ الرَّقِّيِّ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : سُنَنُ رَسُولِ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) كَفَرَائِضِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ؟ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ فَرَضَ فَرَائِضَ مُوجَبَاتٍ عَلَى الْعِبَادِ، فَمَنْ تَرَك فَرِيضَةً مِنَ الْمُوجَبَاتِ فَلَمْ يَعْمَلْ بِهَا وجَحَدَهَا كَانَ كَافِراً، وأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) بِأُمُورٍ كُلِّهَا حَسَنَةٌ. فَلَيْسَ مَنْ تَرَك بَعْضَ مَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ(1) بِهِ عِبَادَهُ مِنَ الطَّاعَةِ بِكَافِرٍ، ولَكِنَّهُ تَارِكٌ لِلْفَضْلِ، مَنْقُوصٌ مِنَ الْخَيْرِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمي»، وروى عنه المشايخ الثقات(3)

وعليه فالحديث صحيح.

الفرق بین ترك الفرائض والسنن

[2] - فقه الحديث:

هذا الحديث يشتمل على تفصيل بين الفرائض والسنن.

أمّا الفرائض: فهي الأمور التي أوجبها اللَّه تعالى على عباده من الأحكام التي تستفاد من ظاهر القرآن، فمن لم يأتِ بها - مع الإنكار والجحود - فهو

ص: 268


1- لتوضيح المراد انظر: الوافي 3 : 40، ومرآة العقول 11 : 109.
2- الكافي 2 : 283 ، ح 1.
3- أصول علم الرجال 1 : 239 ، 287، و ج2 : 211 .

كافر. وأمّا إذا لم يأتِ بها مع عدم الإنكار، فهو من القسم الثالث من أقسام الكفر، أي: من كفر الطاعة والعمل.

وأمّا السنن: فهي الأمور التي سنّها النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، وهي وإن كانت من أوامر اللَّه سبحانه، وشاملة للواجبات والمستحبّات، ولكنّ الفرق: أنّ تاركها حرم نفسه من الخير والبركة والآثار العظيمة، وإن لم يستوجب ذلك الكفر. وهذا أقوى المحتملات في معنى الحديث، فهو ظاهر الدلالة على المطلوب، وأنّ كلّ من جحد فريضة من فرائض اللَّه سبحانه فهو كافر.

بحث رجالي في داود الرقي

سند الحديث:

أمّا العدّة: فقد تقدّم الكلام حولها في المقدّمة، وكذا تقدّم الكلام حول أحمد بن محمّد والحسن بن محبوب.

وأمّا داود بن كثير الرقي: فقد اختلف في توثيقه وتضعيفه، فإنّ الشيخ وثّقه حيث قال: «مولى بني أسد، ثقة»(1)

، وعدّه المفيد من خواصّ الإمام الرضا (علیه السلام) ، وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته(2)

، وقد وردت فيه روايات مادحة:

منها: ما روي عن الصادق (علیه السلام) : أنّه قال: «أنزلوا داود الرقّيّ منّي بمنزلة المقداد من رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم)»(3)

ص: 269


1- رجال الطوسي: 336/5003.
2- الإرشاد 2 : 248.
3- اختيار معرفة الرجال 2 : 704/750.

[42] 3 - وعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «الْكُفْرُ أَعْظَمُ مِنَ الشِّرْك، فَمَنِ اخْتَارَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، وأَبَى الطَّاعَةَ، وأَقَامَ عَلَى الْكَبَائِرِ، فَهُوَ كَافِرٌ، ومَنْ نَصَبَ دِيناً غَيْرَ دِينِ الْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ مُشْرِك»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

ووقع في أسناد «نوادر الحكمة»، وروى عنه المشايخ الثقات(2)

وأمّا النجاشي فقد ضعّفه، حيث قال: «ضعيف جدّاً، والغلاة تروي عنه»(3)؛ ولذلك توقّف السيد الأستاذ (قدس سره) في أمره(4).

ولكن إذا أمكن حمل التضعيف على أنّه إنّما ضعِّف لرميه بالغلو، فيبقى التوثيق سليماً عن المعارض، فيكون ثقة في الحديث، وذلك هو الأقوى؛ بقرينة قول النجاشي: «والغلاة تروي عنه»، وقد عقدنا بحثاً مستقلاًّ حوله(5)

، ورجّحنا القول بوثاقته.

وعلى ذلك فالسند معتبر.

[3] - فقه الحديث:

قد أسقط صاحب «الوسائل» صدر الحديث، وهو قوله (علیه السلام) : «واللَّه، إنّ

ص: 270


1- الكافي 2 : 383 ، باب الكفر، ح 2.
2- أصول علم الرجال 1 : 221، و ج2 : 191 .
3- رجال النجاشي: 156/410.
4- معجم رجال الحديث 8 : 128/4429.
5- أصول علم الرجال 2 : 369 - 373 .

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، كَمَا يَأْتِي(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

الكفر لأقدم من الشرك وأخبث وأعظم»، قال: ثمّ ذكر كفر إبليس حين قال اللَّه له: «اسجد لآدم فأبى أن يسجد، فالكفر أعظم...».

و يدل الحديث على أنّ الكفر أقدم وأخبث وأعظم من الشرك؛ ووجه ذلك: أنّ أوّل ما تحقّق هو الكفر حين أمر اللَّه سبحانه إبليس بالسجود لآدم (علیه السلام) ، فأبى واستكبر وعصى.

وقوله (علیه السلام) : «فمن اختار على اللَّه عزّوجلّ، وأبى الطاعة، وأقام على الكبائر» بترك الفرائض وعمل المحرّمات «فهو كافر»، يدلّ على أنّ ترك الفرائض أو عمل المحرّمات إذا كان عن جحود وإنكار فهو كفر، سواء كان من الضروريّات أو غيرها.

وقد يقال: إنّ في الحديث إلماحاً إلى ما عليه العامة من أنّهم جحدوا الإمامة، وقدّموا الجبت والطاغوت، على خلاف ما أراد اللَّه تعالى، فقد اختاروا ديناً غير دين المؤمنين، فهم في الواقع من المشركين.

سند الحديث:

للحديث طريقان، وقد تقدّم البحث حول رجال الطريق الأول، وهو معتبر.

وأمّا الطريق الثاني - وهو ما رواه البرقي - : فسيأتي في الحديث الحادي والعشرين من هذا الباب.

ص: 271


1- 1*) يأتي في الحديث 21 من هذا الباب.

[43] 4 - وعَنْهُ، عَنْ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنْ يُونُسَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) أَنَّهُ قَالَ - فِي حَدِيثٍ - : «الْكُفْرُ أَقْدَمُ مِنَ الشِّرْك» ثمّ ذَكَرَ كُفْرَ إِبْلِيسَ، ثمّ قَالَ: «فَمَنِ اجْتَرَى عَلَى اللَّهِ فَأَبَى الطَّاعَةَ، وَأَقَامَ عَلَى الْكَبَائِرِ، فَهُوَ كَافِرٌ» يَعْنِي: مُسْتَخِفٌّ كَافِرٌ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[4] - فقه الحديث:

يدلّ الحديث على أنّ ترك العمل بالواجبات الضروريّة الذي يؤدي إلى الاستخفاف والتهاون موجب للكفر؛ لأنّ لازم الاستخفاف والتهاون هو الإنكار، فيكون من قبيل كفر الجحود، وعليه فدلالته أوضح من الحديث السابق، بالإضافة إلى دلالته على أسبقيّة الكفر على الشرك؛ فإنّ أوّل من كفر هو إبليس، وأظهر ذلك بإبائه السجود لآدم (علیه السلام) ، حيث أمره اللَّه تعالى، وإنكاره أفضليّة آدم (علیه السلام) ، وتمرّده على أمر اللَّه. وأمّا الشرك، فهو متأخّر رتبة عن الكفر؛ لأنّه يتضمّن الاعتراف باللَّه سبحانه، ولكنّه يشرك معه غيره.

سند الحديث:

رجال السند قد تقدّم البحث عنهم، وأنّهم من الثقات.

والحديث موثّق.

ص: 272


1- الكافي 2 : 384 ، باب الكفر، ح 3.

[44] 5 - وبِالإِسْنَادِ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وجَلَّ: {إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وإِمَّا كَفُوراً}؟(1)، قَالَ: «إِمَّا آخِذٌ فَهُوَ شَاكِرٌ، وإِمَّا تَارِك فَهُوَ كَافِرٌ»(2).

أَقُولُ: التَّرْك هُنَا مَخْصُوصٌ بِمَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الإِنْكَارِ، أَوِ الْكُفْرُ بِمَعْنًى آخَرَ غَيْرِ مَعْنَى الارْتِدَادِ؛ لِمَا مَضَى(3) ويَأْتِي(4).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

قد ورد تفسير الآية بهذا المعنى في غير «الكافي» أيضاً، فإنّ الإمام (علیه السلام) فسّر الآية المباركة بمقام العمل، أي: إمّا آخذ وعامل بالهداية التي هداه اللَّه سبحانه لها فهو شاكر، وإمّا تارك ما هداه اللَّه له فهو كافر.

ص: 273


1- الإنسان، الآية 3.
2- الكافي 2 : 384 ، باب الكفر، ح 4.
3- لما مضى في الحديث 1 من هذا الباب.
4- يأتي في: أ - الباب 11 وفي الحديث 4 من الباب 18 من أبواب أعداد الفرائض. ب - الباب 4 من أبواب ما تجب فيه الزكاة. ج - في الحديث 1 من الباب 2 من أحكام شهر رمضان. د - الباب 7 من أبواب وجوب الحج وشرائطه. ه- - في الحديث 11 من الباب 12 من أبواب صفات القاضي.

والآخذ بالهداية هو الآخذ بما جاء به الرسل؛ فإنّهم هداة الخلق إليه تعالى، فمن ترك ما أرسلوا به بعد إرسال الرسل وهدايته سبحانه إلى طريق السعادة فهو كافر، ومن أخذ فهو شاكر.

وعلّق صاحب «الوسائل»: بأنّ التارك كافر إذا كان على وجه الإنكار، فقد خصّ الكفر بمن ترك على وجه الإنكار.

وقد يقال: إنّ الكفر أعمّ من ذلك، فهو شامل للتارك حتّى لو لم يكن على وجه الإنكار، كما بيّنا في أقسام الكفر؛ فإنّ العاصي تارك غير منكر، ومع ذلك جاء التعبير عنه بالكافر.

سند الحديث:

المراد بقوله: «بالإسناد» هو: الإسناد المتقدّم في الحديث الرابع. ورجال السند قد تقدّم الكلام حولهم، وعليه فالسند موثّق أيضاً.

ص: 274

[45] 6 - وعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ، عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ: {ومَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ}(1) فَقَالَ: «تَرْك(2) الْعَمَلِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ، مِنْهُ: الَّذِي يَدَعُ الصَّلاةَ مُتَعَمِّداً، لا مِنْ سُكْرٍ، ولا مِنْ عِلَّةٍ»(3).

ورَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عليّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، نَحْوَهُ(4).

-----------------------------------------------------------------------------

[6] - فقه الحديث:

فسّر الإمام (علیه السلام) الكفر بترك العمل؛ إذ الإيمان إنّما يتحقّق بالعمل، فإنّه عبارة عن قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان(5). فإن كان الترك على وجه الإنكار فالأمر واضح، وإلّا فلابدّ من حمل الكفر على معنى آخر، وهو كفر الطاعة بمعنى العصيان.

ثمّ إنّ الإمام (علیه السلام) ذكر مصداقاً لذلك، وهو من ترك الصلاة متعمّداً، من

ص: 275


1- المائدة، الآية 5.
2- في المصدر: من ترك.
3- الكافي 2 : 387 ، باب الكفر، ح 12، وأورده الشيخ المصنّف (قدس سره) مختصراً.
4- المحاسن1: 158، ح221.
5- هذا التعريف للإيمان قريب في اللفظ ومطابق في المعنى للأحاديث الواردة في معنى الإيمان، فراجع: بحار الأنوار 66 : 323 و 324 و 325، الأحاديث 9 و11 و13.

دون سكرٍ، ولا علّة، والمراد بالسكر هو النوم، كما فسّر به في بعض الروايات(1).

سند الحديث:

قد ورد الحديث بطريقين. وجميع من ورد فيهما قد تقدّم الكلام حولهم، وفيه:

عبيد بن زرارة: قال النجاشي عنه: «عبيد بن زرارة بن أعين الشيباني، روى عن أبي عبداللَّه (علیه السلام) ، ثقة، ثقة، عين، لا لبس فيه ولا شكّ، له كتاب يرويه جماعة عنه»(2)

، ويظهر منه أنّ كتابه مشهور.

وقال الشيخ (قدس سره) : «عبيد بن زرارة، له كتاب»(3)، وعدّه في «رجاله» من أصحاب الصادق (علیه السلام) (4).

وعدّه المفيد في «رسالته العدديّة» من الرؤساء الأعلام... الخ(5)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي»(6).

وعليه فالحديث - بكلا طريقيه - معتبر.

ص: 276


1- الكافي 3 : 299، باب الخشوع في الصلاة و...، ح1، و 371، باب بناء المساجد و...، ح15.
2- رجال النجاشي: 233/618.
3- فهرست الطوسي: 176/469.
4- رجال الطوسي: 243/3355.
5- الرسالة العدديّة - ضمن مصنفات الشيخ المفيد 9 : 41.
6- أصول علم الرجال 1: 228، 283.

[46] 7 - وعَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عُبَيْدٍ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ، قَالَ: «مِنْ ذَلِكَ: أَنْ يَتْرُك الصَّلاةَ مِنْ غَيْرِ سُقْمٍ ولا شُغْلٍ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[7] - فقه الحديث:

هذا الحديث كسابقه من حيث الدلالة. والفرق بينهما: أنّه في الحديث السابق قال: «منه: الذي يدع الصلاة متعمّداً، لا من سكر، ولا من علّة»، وهنا قال: «من ذلك: أن يترك الصلاة من غير سقم ولا شغل»، وفيه إشارة إلى أنّ المراد بالإيمان هو العمل، وإطلاقه عليه شايع. ولعلّ المراد من الكفر هنا هو كفر النعمة، لا كفر الجحود والإنكار، إلّا أن يكون ترك العمل مقروناً بالاستخفاف أو الجحود. كما أنّه لعلّ المراد: أنّ ترك العمل بالواجبات المؤكّدة والاستمرار على الترك من غير علة لا ينفكّ عن الاستخفاف أو الجحود.

ويؤيّد هذا المعنى ذكر إحباط العمل، وعدم السقم والشغل.

سند الحديث:

الحسين بن محمّد ومعلّى بن محمّد والحسن بن عليّ - وهو ابن

ص: 277


1- الكافي 2 : 384 ، باب الكفر، ح 5.

فضّال - وعبيد بن زرارة - وفي نسخة: عبيد عن زرارة - قد تقدّم أنّهم من الثقات.

وأمّا حمّاد بن عثمان: فقال الشيخ عنه: «حمّاد بن عثمان الناب، ثقة، جليل القدر، له كتاب أخبرنا به عدّة من أصحابنا»(1)،

وذكره في «رجاله» في أصحاب الصادق (علیه السلام) ، وفي أصحاب الكاظم (علیه السلام) ، وفي أصحاب الرضا (علیه السلام) (2).

وقال الكشّي: «... حمدويه، قال: سمعت أشياخي يذكرون: أنّ حماداً وجعفراً والحسين بن عثمان بن زياد الرواسي - وحمّاد يلقّب بالناب - كلّهم فاضلون، خيار، ثقات»(3)

، وعدّه ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم (4)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي»، وروى عنه المشايخ الثقات(5)

وعليه فالحديث معتبر.

ص: 278


1- فهرست الطوسي: 115/240.
2- رجال الطوسي: 186/2281 ، و334/4971 ، و354/5240 .
3- اختيار معرفة الرجال 2 : 670/694.
4- المصدر نفسه 2 : 673/705.
5- أصول علم الرجال 1 : 220 ، 279، و ج2 : 189 .

[47] 8 - وعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ محمّد ابْنِ سِنَانٍ، عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «لَوْ أَنَّ الْعِبَادَ إِذَا جَهِلُوا وَقَفُوا ولَمْ يَجْحَدُوا لَمْ يَكْفُرُوا»(1).

ورَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ محمّد بْنِ سِنَانٍ بِالإِسْنَادِ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[8] - فقه الحديث:

يستفاد من الحديث: أنّ سبب الكفر هو الإنكار، فينبغي على الإنسان إذا جهل شيئاً أن لا يبادر إلى إنكاره؛ فلعلّ وراءه أمراً مهمّاً لا يبلغ فهمه ولا عقله إليه، فيجب عليه التوقف حتّى يظهر وجهه، وهذا لا يوجب الكفر.

وأمّا إذا جهل وأنكر فإنّه يؤدّي إلى التكذيب، ونتيجته الكفر.

ثمّ إنّ هذا الحديث يستدلّ به على وجوب الاحتياط، كما هو مقرّر في المباحث الأصوليّة. ويستند إليه الأخباريّون في القول بوجوب التوقّف عند الشبهات الحكميّة التحريميّة؛ ولذلك لم يعلم وجه ذكر صاحب «الوسائل» (قدس سره) هذا الحديث في هذا الباب، إلّا أن يكون نظره إلى أنّ الإنكار إذا كان مع الجهل وعدم العلم فهو موجب للكفر. وعليه فمع العلم أو قيام الحجّة يكون موجباً له بطريق أولى.

ص: 279


1- الكافي 2 : 388 ، باب الكفر، ح 19، وأورده في الحديث 11 من الباب 12 من أبواب صفات القاضي.
2- المحاسن 1 : 340، ح700.

[48] 9 - وعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ بُرَيْدٍ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الزُّبَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «الْكُفْرُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: فَمِنْهَا: كُفْرُ الْجُحُودِ(1) عَلَى وَجْهَيْنِ، والْكُفْرُ بِتَرْك مَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ بِهِ، وكُفْرُ الْبَرَاءَةِ، وكُفْرُ النِّعَمِ. فَأَمَّا كُفْرُ الْجُحُودِ: فَهُوَ الْجُحُودُ بِالرُّبُوبِيَّةِ، والْجُحُودُ عَلَى مَعْرِفَةٍ(2)، وهُوَ أَنْ يَجْحَدَ الْجَاحِدُ وهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ حَقٌّ

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

رجال السند - بكلا طريقيه - قد تقدّم الكلام حولهم، والحديث معتبر على الأظهر.

[9] - فقه الحديث:

أوجه الكفر الخمسة

هذا الحديث طويل، وأسقط منه صاحب «الوسائل» جملاً من أوله ووسطه وآخره، وذكر موضع الشاهد منه.

والكفر - بالفتح - التغطية، وقد كفرتُ الشي ء أكفر بالكسر كَفراً: سترته.

وقد بيّن الإمام (علیه السلام) فيه وجوه الكفر ومعانيه في القرآن الكريم، فقال: الكفر في كتاب اللَّه تعالى على خمسة أوجه ومعانٍ:

ص: 280


1- في المصدر زيادة: والجحود.
2- في المصدر: معرفته.

قَدِ اسْتَقَرَّ عِنْدَهُ؛ وقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وجَحَدُوا بِها واسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ}(1)1*) - إِلَى أَنْ قَالَ: - والْوَجْهُ الرَّابِعُ مِنَ الْكُفْرِ: تَرْك مَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ بِهِ، وهُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ}(2)2*)، فَكَفَّرَهُمْ(3)3*) بِتَرْك مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ بِهِ، ونَسَبَهُمْ إِلَى الإِيمَانِ، ولَمْ يَقْبَلْهُ مِنْهُمْ، ولَمْ يَنْفَعْهُمْ عِنْدَهُ، فَقَالَ: {فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إلّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ويَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ}(4)4*)»، الْحَدِيثَ(5)5*).

-----------------------------------------------------------------------------

الأول: كفر الجحود، وهو على وجهين، والثالث: كفر النعم، والرابع: الكفر بترك ما أمر اللَّه سبحانه به، والخامس: كفر البراءة.

أمّا الأول - وهو كفر الجحود - : فهو على وجهين:

الوجه الأول: جحود الربوبيّة، والأصول الاعتقاديّة كالنبوة، والمعاد، وأن لا جنّة ولا نار، كما ذهب إليه صنف من الزنادقة والدهريّة الذين يقولون: وما يهلكنا إلّا الدهر.

ص: 281


1- 1*) النمل، الآية 14.
2- 2*) البقرة، الآية 85.
3- 3*) في نسخة: فكفروا. (منه (قدس سره) ).
4- 4*) البقرة، الآية 85.
5- 5*) الكافي 2 : 389 ، باب وجوه الكفر، ح 1، وقد اختصره المصنّف.

والوجه الثاني: جحود المعرفة، فهم يعرفون أنّ النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) مبعوث من اللَّه تعالى، وكانوا يبشّرون بمجيئه، ولمّا جاء(صلی الله علیه و آله و سلم) كفروا به، فهم ستروا الحقّ، وما كانوا يعتقدونه.

وأما الثالث: فهو كفر النعمة؛ فيكفر بالنعم ولا يشكرها، ولا يرى أنّها من عنده تبارك وتعالى. وقد ورد ذلك في عدّة من الآيات، من قبيل قوله تعالى على لسان سليمان (علیه السلام) : {قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي ءَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ}(1)

، وقوله تعالى: {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ}(2) ، و قوله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}(3)، فأطلق الكفر على ستر النعمة.

وأما الرابع: فهو الكفر بترك ما أمر اللَّه به من الواجبات الضروريّة، وما علم أنّها من الدين، وعدم امتثالها، أو الإتيان بما نهى اللَّه عنه، وعمل المحرمات، فأطلق الكفر على ترك الطاعة، كقوله تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} الآية(4)، فكفّرهم تعالى بترك ما أمر اللَّه عزّوجلّ به.

وأما الخامس: فهو كفر البراءة، وهو قطع علاقة الموالاة والمودّة؛ كقوله تعالى حكاية عن إبراهيم (علیه السلام) : {كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ

ص: 282


1- و2 - النمل، الآية 40.
2-
3- إبراهيم، الآية 7.
4- البقرة، الآية 85.

وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}(1) ، فأطلق على براءته الكفر، وهكذا إبليس، فإنّه يتبرّأ من أوليائه يوم القيامة، كما عبّر عنه سبحانه بقوله: {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ}(2)

، أي: برئت، وقوله تعالى: {ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً}(3)، أي: يبرأ بعضهم من بعض.

ومحلّ الشاهد الوجه الرابع؛ فإنّ ترك الضروريات وما تقوم عليه الحجّة موجب للكفر. وترك الإنسان ما أمر اللَّه به عن جحد وإنكار كفر.

سند الحديث:

بحث رجالي في بكر بن صالح

عليّ بن إبراهيم وأبوه - أي: إبراهيم بن هاشم - : تقدّم ذكرهما.

وأمّا بكر بن صالح: فقال النجاشي فيه: «بكر بن صالح الرازي، مولى بني ضبّة، روى عن أبي الحسن موسى (علیه السلام) ، ضعيف، له كتاب نوادر يرويه عدّة من أصحابنا»(4)

وقال الشيخ: «له كتاب»(5) ، وعدّه في «رجاله» في أصحاب الرضا (علیه السلام) تارة، وأخرى في من لم يرو عنهم (علیهم السلام) (6).

ص: 283


1- الممتحنة، الآية 4.
2- إبراهيم، الآية 22.
3- العنكبوت، الآية 25.
4- رجال النجاشي: 109/276.
5- فهرست الطوسي: 87/127.
6- رجال الطوسي: 353 / 5233، و417/ 6031 .

وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي»(1) ووقوعه في «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي» دليل على الوثاقة، فبناء على ذلك يقع التعارض بين التوثيق والتضعيف.

ويمكن الجمع ورفع التعارض، بأن يقال: إنّ نظر النجاشي في تضعيفه لجهة مذهبه، كما يشهد له ما ذكره ابن الغضائري في ترجمته من أنه ضعيف جدّاً، كثير التفرّد بالغرائب(2)، وهذا لا يكون منافياً للتوثيق الوارد في «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي».

وأمّا القاسم بن بريد - وفي بعض النسخ كما في «الكافي» يزيد، وهو خطأ- : فهو القاسم بن بريد العجلي.

قال النجاشي في حقّه: «القاسم بن بريد بن معاوية العجلي، ثقة، روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، له كتاب يرويه فضالة بن أيوب»(3)

وعدّه الشيخ في «رجاله» تارة في أصحاب الصادق (علیه السلام) ، وأخرى في أصحاب الكاظم (علیه السلام) (4)

وأمّا أبو عمرو الزبيري: فيمكن انطباقه على الذي ذكره النجاشي بعنوان: «محمد بن عمرو بن عبد اللَّه بن عمر بن مصعب بن الزبير بن العوّام،

ص: 284


1- أصول علم الرجال 1 : 215 ، 277 .
2- رجال ابن داود: 234.
3- رجال النجاشي: 313/ 857.
4- رجال الطوسي: 273 /3947، و342/ 5096 .

[49] 10 - وعَنْهُ، عَنْ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنْ يُونُسَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ سِنَانٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنِ الرَّجُلِ يَرْتَكِبُ الْكَبِيرَةَ فَيَمُوتُ، هَلْ يُخْرِجُهُ ذَلِكَ مِنَ الإِسْلامِ؟ وإِنْ عُذِّبَ كَانَ عَذَابُهُ كَعَذَابِ الْمُشْرِكِينَ، أَمْ لَهُ مُدَّةٌ وانْقِطَاعٌ؟ فَقَالَ: «مَنِ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً مِنَ الْكَبَائِرِ فَزَعَمَ أَنَّهَا حَلالٌ أَخْرَجَهُ ذَلِكَ مِنَ الإِسْلامِ، وعُذِّبَ أَشَدَّ الْعَذَابِ. وإِنْ كَانَ مُعْتَرِفاً أَنَّهُ ذَنْبٌ(1) ومَاتَ عَلَيْهَا، أَخْرَجَهُ مِنَ الإِيمَانِ، ولَمْ يُخْرِجْهُ مِنَ الإِسْلامِ، وكَانَ عَذَابُهُ أَهْوَنَ مِنْ عَذَابِ الأَوَّلِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

متكلّم، حاذق في أصحابنا، له كتاب الإمامة، حسن»(3)، وكنيته: أبو عمرو، على ما ذكره النجاشي في ترجمة عبد اللَّه بن عبد الرحمن الزبيري(4)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمي»(5)

وعليه فالحديث معتبر.

[10] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على الفرق بين الكفر والفسق، فإنّ من ارتكب الذنب

ص: 285


1- في المصدر: أذنب.
2- الكافي 2 : 285 ، باب الكبائر، ح 23.
3- رجال النجاشي: 339/909.
4- رجال النجاشي: 220/575.
5- أصول علم الرجال 1 : 238 ، 290 .

مستحلاًّ له فهو كافر، خارج عن الإسلام، وإن أقرّ بالشهادتين، وأتى ببعض الطاعات؛ لأنّ استحلاله للذنب يؤدّي إلى الإنكار والتكذيب للنبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، ولا ريب في كون ذلك كفراً وخروجاً عن الإسلام.

وأمّا من ارتكب الذنب لا مستحلاًّ له فهو خارج من الإيمان، ويكون فاسقاً، وتترتّب عليه أحكام الفسق، من ردّ شهادته، وعدم نفوذ الطلاق بمحضره، وعدم جواز الاقتداء به في الصلاة، وغير ذلك، وإن لم يخرج بذلك عن الإسلام.

ويترتّب على ذلك اختلاف عذاب كلّ منهما من حيث الشّدّة والضعف.

والحاصل: أنّ الحديث يدلّ على أنّ الكافر هو الذي يجحد، وأمّا الفاسق فهو الذي لا يجحد، وإن كانا يشتركان في المخالفة.

سند الحديث:

عليّ بن إبراهيم ومحمد بن عيسى - وهو: ابن عبيد اليقطيني - ويونس - وهو: ابن عبد الرحمن - : قد تقدّم الكلام حولهم.

وأمّا عبد اللَّه بن سنان: فقال عنه النجاشي: «عبد اللَّه بن سنان بن طريف، مولى بني هاشم، ويقال مولى بني أبي طالب - إلى أن قال: - كوفي، ثقة، من أصحابنا، جليل، لا يطعن عليه في شي ء، روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) . وقيل: روى عن أبي الحسن موسى (علیه السلام) وليس بثبت - إلى أن قال: - روى هذه الكتب عنه جماعات من أصحابنا؛ لعظمه في الطائفة، وثقته

ص: 286

وجلالته»(1) . ومن ذلك يظهر أنّ كتبه مشهورة.

وقال الشيخ: «عبد اللَّه بن سنان، ثقة، له كتاب رواه جماعة»(2)، وعدّه في «رجاله» تارة في أصحاب الصادق (علیه السلام) ، وأخرى في أصحاب الكاظم (علیه السلام) (3).

وعدّه الشيخ المفيد في «رسالته العدديّة» من الفقهاء الأعلام... الخ(4)

وقال الكشّي: «... وكان رحمه اللَّه من ثقات رجال أبي عبد اللَّه (علیه السلام) »(5)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي»، وروى عنه المشايخ الثقات(6)

وعليه فالسند معتبر.

ص: 287


1- رجال النجاشي: 214/558.
2- فهرست الطوسي: 165 - 166/433 .
3- رجال الطوسي: 264 / 3778، و 339/5053 .
4- الرسالة العدديّة - ضمن مصنفات الشيخ المفيد 9 : 46.
5- اختيار معرفة الرجال 2 : 710/770.
6- أصول علم الرجال 1 : 227 ، 283، و ج2 : 199 .

[50] 11 - وعَنْهُ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ - فِي حَدِيثٍ - : فَقِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ الْمُرْتَكِبَ لِلْكَبِيرَةِ يَمُوتُ عَلَيْهَا، أتُخْرِجُهُ مِنَ الإِيمَانِ؟ وإِنْ عُذِّبَ بِهَا فَيَكُونُ عَذَابُهُ كَعَذَابِ الْمُشْرِكِينَ، أَوْ لَهُ انْقِطَاعٌ؟ قَالَ: «يَخْرُجُ مِنَ الإِسْلامِ إِذَا زَعَمَ أَنَّهَا حَلالٌ، ولِذَلِكَ يُعَذَّبُ بِأَشَدِّ الْعَذَابِ. وإِنْ كَانَ مُعْتَرِفاً بِأَنَّهَا كَبِيرَةٌ، وأَنَّهَا(1) عَلَيْهِ حَرَامٌ، وأَنَّهُ يُعَذَّبُ عَلَيْهَا، وأَنَّهَا غَيْرُ حَلالٍ، فَإِنَّهُ مُعَذَّبٌ عَلَيْهَا. وهُوَ أَهْوَنُ عَذَاباً مِنَ الأَوَّلِ، ويُخْرِجُهُ مِنَ الإِيمَانِ، ولا يُخْرِجُهُ مِنَ الإِسْلامِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[11] - فقه الحديث:

إنّ لهذا الحديث صدراً لم يورده صاحب «الوسائل»(3).

وهو من حيث المضمون لا يختلف عن السابق، إلّا أنّ الإمام (علیه السلام) ذكر فيه قسماً من الكبائر وهي تسعة. هذا إذا جعلنا قوله (علیه السلام) : «واليأس من رَوح اللَّه» عطف تفسير

ص: 288


1- في نسخة: وهي. (منه (قدس سره) ).
2- الكافي 2 : 280 ، باب الكبائر، ح 10، ويأتي صدره في الحديث 13 من الباب 46 من أبواب جهاد النفس.
3- سمعت أبا عبد اللَّه (علیه السلام) يقول: «الكبائر: القنوط عن رحمة اللَّه، واليأس من روح اللَّه، والأمن من مكر اللَّه، وقتل النفس التي حرّم اللَّه، وعقوق الوالدين، وأكل مال اليتيم ظلماً، وأكل الربا بعد البيّنة، والتعرّب بعد الهجرة، وقذف المحصنة، والفرار من الزحف، ...» . (الكافي 2 : 280 ، باب الكبائر، ح 10).

على قوله: «القنوط من رحمة اللَّه». وأمّا إذا خصّصنا القنوط بالأمور الأخرويّة واليأس بالأمور الدنيويّة فالأقسام عشرة.

هذا، وقد اختلفت الروايات في عدد الكبائر، وقد بحثنا ذلك مفصّلاً في بحث العدالة، وذكرنا الأقوال فيها، وبيّنا الميزان والمقياس في الحكم على الذنب بأنّه كبير أو صغير(1)

سند الحديث:

عليّ بن إبراهيم: تقدّم ذكره.

وأمّا هارون بن مسلم: فقال عنه النجاشي: «هارون بن مسلم بن سعدان الكاتب، السرّ من رائي، كان نزلها، وأصله الأنبار، يكنّى أبا القاسم، ثقة، وجه، وكان له مذهب في الجبر والتشبيه، لقي أبا محمّد وأبا الحسن (علیهما السلام) »(2).

وقال الشيخ: «هارون بن مسلم، له روايات، من رجال الصادق (علیه السلام) »(3)،

وعدّه في «رجاله» في أصحاب العسكري (علیه السلام) (4) .

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمي»(5)

ص: 289


1- العدالة في فقه أهل البيت (علیهم السلام) : 140 - 148 .
2- رجال النجاشي: 438/1180.
3- فهرست الطوسي: 259/785.
4- رجال الطوسي: 403/5912.
5- أصول علم الرجال 1 : 242 ، 288 .

وأمّا مسعدة بن صدقة: فالظاهر أنّه شخصان، أحدهما: من أصحاب الباقر (علیه السلام) ، وهو عامّي بتري، والآخر: من أصحاب الصادق والكاظم (علیهما السلام) يروي عنه هارون بن مسلم(1) ، وقع في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي»(2) ، وهو ثقة.

تمييز مسعدة بن صدقة

وطريق التمييز بينهما: أنّه إذا روى عن الإمام الصادق (علیه السلام) أو كان الراوي عنه هارون بن مسلم فهو الثاني الثقة، وأمّا إذا كان يروي عن أبي جعفر (علیه السلام) ، فهو الأول، الذي لم يرد فيه توثيق.

هذا، ولم ترد رواية مسعدة بن صدقة عن أبي جعفر (علیه السلام) في شي ء من الكتب الأربعة، ومن جملتها هذه الرواية. وكل رواياته معتبرة. وعليه فهذا السند معتبر.

ص: 290


1- رجال الطوسي: 146، ومعجم رجال الحديث 20 : 252 عن كامل الزيارات.
2- أصول علم الرجال 1 : 240 ، 287 .

[51] 12 - وعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ محمّد بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَنْظَلَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ فِي رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِنَا بَيْنَهُمَا مُنَازَعَةٌ فِي دَيْنٍ أَوْ مِيرَاثٍ - ، قَالَ: «يَنْظُرَانِ إِلَى مَنْ كَانَ مِنْكُمْ قَدْ رَوَى حَدِيثَنَا، ونَظَرَ فِي حَلالِنَا وحَرَامِنَا، وعَرَفَ أَحْكَامَنَا، فَلْيَرْضَوْا بِهِ حَكَماً؛ فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ عَلَيْكُمْ حَاكِماً. فَإِذَا حَكَمَ بِحُكْمِنَا فَلَمْ يَقْبَلْهُ مِنْهُ فَإِنَّمَا اسْتَخَفَّ بِحُكْمِ اللَّهِ، وعَلَيْنَا رَدَّ، والرَّادُّ عَلَيْنَا الرَّادُّ عَلَى اللَّهِ، وهُوَ عَلَى حَدِّ الشِّرْك بِاللَّهِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[12] - فقه الحديث:

هذا الحديث طويل، وقد تناوله الأصوليّون والفقهاء بالدراسة والبحث في عدّة مواطن من أبحاثهم. فقد ذكر في علم الأصول في مبحث الشهرة، والاحتياط، والتراجيح، وغيرها. وذكر في الفقه في مبحث القضاء، والاجتهاد والتقليد، وولاية الفقيه، وغيرها.

وهو من جملة الأحاديث التي يكثر دورانها في المباحث؛ لاشتماله على

ص: 291


1- الكافي 1 : 67 ، باب اختلاف الحديث، ح 10، ورواه أيضاً: الشيخ في التهذيب 6 : 301، ح845، والصدوق في من لا يحضره الفقيه 3 : 5، ح 18، والطبرسي في الاحتجاج: 355 في باب احتجاج الإمام الصادق (علیه السلام) على الزنادقة، وأورده في الحديث 1 من الباب 9 من أبواب صفات القاضي.

مسائل متعدّدة. وقد كثر الاختلاف في تفسيره على ما هو مشروح في كتب الفقه والأصول. ودلالته على نحو الإجمال واضحة؛ فإنّ الإمام (علیه السلام) نهى عن التحاكم إلى قضاة الجور وسلاطينهم، وعدّ ذلك من التحاكم إلى الطاغوت، واستشهد (علیه السلام) بالآية الواردة في هذا الشأن، بل إنَّ حكمهم باطل، وإن حكموا بالحقّ. وقد ورد في الحديث: «أنّ ما يؤخذ استناداً إلى حكمهم إنّما هو سحت وحرام»(1)، والظاهر عدم الإشكال في ذلك إذا كان بالاختيار، أو إذا كان ديناً. وأمّا إذا اضطر إلى ذلك ولم يتمكّن من تخليص حقه إلّا بالرجوع إليهم، أو حكم قاضي الجور بما يعلم أنّه حقه، وكان حقّه عيناً من الأعيان، فقد اختلف في جواز ذلك وعدمه. وتفصيله في الفقه.

ثمّ إنّ الإمام (علیه السلام) بيّن الطريق إلى ذلك، وهو الرجوع إلى أهل العلم ممّن أخذوا علومهم عنهم (علیهم السلام) ، على أن يكون قد توفّرت فيه ثلاثة شروط:

الشرط الأول: أن يكون راوياً للحديث، وفي هذا الشرط بحث ذكرناه في محلّه، وخلاصته: أنّه هل تشترط الإجازة في الرواية، أو لا؟ وبيان ذلك في محلّه.

الشرط الثاني: أن يكون له نظر في الحلال والحرام.

ص: 292


1- الكافي 1 : 67، كتاب فضل العلم، باب اختلاف الحديث، ح10، وج7 : 412، كتاب القضاء والأحكام، باب كراهية الارتفاع إلى قضاة الجور، ح5، والوسائل 27 : 136، باب11 من أبواب صفات القاضي، ح1.

الشرط الثالث: أن يكون عارفاً بالأحكام.

وربّما يقال: إنّ المراد بهذين الشرطين، أن يكون مجتهداً مطلقاً، فإذا توفَّرت هذه الشرائط فيجب الرضا به؛ لأنّه مجعول من قبل الإمام (علیه السلام) .

المراد من الحاكم في مقبولة

وقد اختلفوا في المراد من قوله (علیه السلام) : «فليرضوا به حكماً؛ فإنّي جعلته عليكم حاكماً» بأنّ المقصود منه هل هو قاضي التحكيم، أو القاضي المنصوب؟ فإن كان الأول فمعناه: أنّ المتنازعين يختارون قاضياً يحكم فيما تنازعوا فيه، وإن كان الثاني فهو المنصوب من قِبل الإمام (علیه السلام) ، فلابدّ لهم من الرجوع إليه، سواء رضوا به أم لا.

وقد اختار جماعة من الأعلام: أنّ المراد به هو القاضي المنصوب، ومنهم: السيد الأستاذ (قدس سره) (1)؛

بقرينة قوله (علیه السلام) : «فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً»، فإنّه بمنزلة العلّة لقوله: «فليرضوا به حكماً». فهذا القاضي بما أنّه منصوب من قبله (علیه السلام) فيجب عليهم الرضا به حَكَماً. وتفصيل ذلك وبيان الحق فيه موكول إلى محلّه من المباحث الفقهيّة.

ومحلّ الشاهد من الحديث الذي من أجله ذكره صاحب «الوسائل» هو قوله (علیه السلام) : «فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فإنّما استخفّ بحكم اللَّه، وعلينا ردّ»، ومعنى ذلك: أنّ الحاكم إذا حكم بحكم الأئمة (علیهم السلام) ، فمن ردّه ولم يقبله فهو مستخفّ بحكم اللَّه، ورادّ على اللَّه تعالى، وعليهم (علیهم السلام) ، وهذا

ص: 293


1- انظر: مباني تكملة المنهاج (موسوعة الامام الخوئي) 41 : 10 - 11، ولكن السيد الخوئي (قدس سره) يرى قصور الرواية سنداً.

في حدّ الشرك.

فالفقيه - في المقام - واسطة في نقل الحكم عن الإمام (علیه السلام) ؛ لأنّه منصوب عنهم (علیهم السلام) . فردُّ حكمه وإنكاره وعدم قبوله - وإن لم يكن الحكم منه ضروريّاً، واحتمال الخلاف فيه موجود، إلّا أنّه من جهة كونه واسطة وناقلاً عن الإمام (علیه السلام) ، وهذا معلوم وضروري - موجب للاستخفاف بحكم اللَّه تعالى، وإنكار الضروري من الدين، ومآله الشرك باللَّه تعالى.

وقول الإمام (علیه السلام) : «على حدّ الشرك» فيه عدّة احتمالات:

الأول: أنّ عدم القبول من الحاكم المنصوب من قبل الإمام (علیه السلام) على مقربة من الشرك باللَّه تعالى، ومعنى حدّ الشرك: طرف الشرك.

الثاني: أنّ المراد أنّه داخل في الشرك، ومعنى حدّ الشرك هو نفس الشرك.

الثالث: أنّ المراد منه مرتبة من مراتب الشرك، وحدّ من حدوده؛ فإنّ للشرك حدوداً ومراتب، كالمرائي، فإنّه في مرتبة من مراتب الشرك.

الرابع: أنّ المراد التشبيه بالشرك؛ لبيان عظمة هذا الذنب، والمعنى: أنّ من ردّ حكم الحاكم المنصوب من قبلهم (علیهم السلام) فكأنّه أشرك باللَّه تعالى.

وعلى كلّ تقدير، فالمستفاد من الحديث هو: عدم جواز الردّ أو إنكار ما ثبت من الأحكام.

ص: 294

هذا، وقد ورد في نسخة «الوسائل»(1)

جملة «والرادّ علينا كافر ورادّ»، وهي زائدة؛ فإنّها غير مذكورة في المصدر، وكذلك في بقيّة الجوامع الناقلة له.

سند الحديث:

هذا الحديث يعرف بالمقبولة، وقد رواها الكليني والصدوق والشيخ، وتلقّاها الأصحاب بالقبول، فإن كان التلقّي بالقبول يكفي في اعتباره فهو، وإلّا فلابدّ من ملاحظة السند.

أمّا محمّد بن يحيى ومحمد بن عيسى - وهو: ابن عبيد اليقطيني - وصفوان بن يحيى: فقد تقدّم ذكرهم.

وأمّا محمّد بن الحسين: فهو ابن أبي الخطّاب، قال عنه النجاشي: «محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، أبو جعفر الزيّات الهمداني، واسم أبي الخطاب: زيد، جليل من أصحابنا، عظيم القدر، كثير الرواية، ثقة، عين، حسن التصانيف، مسكون إلى روايته»(2) .

وقال الشيخ: «كوفي، ثقة»(3)، وعدّه في «رجاله» تارةً في أصحاب الجواد (علیه السلام) قائلاً: كوفي، ثقة، وأخرى في أصحاب الهادي (علیه السلام) ، وثالثة في

ص: 295


1- في بعض طبعاتها، وإلّا فإنّ الطبعة التي بين أيدينا لا توجد فيها هذه الزيادة. وراجع: التهذيب 6 : 217، باب 1 من كتاب القضايا والأحكام، ح6، و301، باب من الزيادات في القضايا والأحكام، ح52.
2- رجال النجاشي: 334/897.
3- فهرست الطوسي: 215/607.

أصحاب العسكري (علیه السلام) (1) .

وعدّه الكشّي من العدول الثقات من أهل العلم الذين رووا عن محمّد بن سنان(2)

وعدّه ابن شهرآشوب تارة من ثقات أبي جعفر محمّد بن علي (علیه السلام) ، واُخرى من ثقات أبي محمّد الحسن العسكري (علیه السلام) (3)

وأمّا داود بن الحصين: فقال عنه النجاشي: «داود بن حصين الأسدي، مولاهم، كوفي، ثقة، روى عن أبي عبد اللَّه وأبي الحسن (علیهما السلام) ، وهو زوج خالة عليّ بن الحسن بن فضّال، كان يصحب أبا العباس البقباق، له كتاب يرويه عنه عدّة من أصحابنا»(4) ومنه يظهر أنّ كتابه معروف.

وقال الشيخ في «الفهرست»: «له كتاب»(5)، وعدّه في «رجاله» في أصحاب الصادق (علیه السلام) وفي أصحاب الكاظم (علیه السلام) قائلاً: واقفي(6)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، وروى عنه المشايخ الثقات(7)

بحث رجالي في عمر بن حنظلة

وأمّا عمر بن حنظلة: فهو ممّن وقع الخلاف فيه، فذهب بعضهم إلى

ص: 296


1- رجال الطوسي: 379/5615، و391/5771، و402/5890 .
2- اختيار معرفة الرجال 2 : 796/979.
3- مناقب آل أبي طالب 3 : 487 ، 525 .
4- رجال النجاشي: 159/421.
5- فهرست الطوسي: 124/277.
6- رجال الطوسي: 202/ 2572، و336/5007 .
7- أصول علم الرجال 1 : 221، وج2 : 191 .

القول بوثاقته كالشهيد الثاني وغيره(1)، وبعضهم إلى عدم ثبوت وثاقته، ومنهم السيد الأستاذ(2) (قدس سره) ، وقد ذكرنا في مباحثنا الرجاليّة(3) ستّة وجوه لتوثيقه، وناقشنا في الوجوه، إلّا في اثنين منها، وهما:

الأول: رواية المشايخ الثقات عنه، وهو يدلّ على الوثاقة.

والثاني: رواية الكليني في «الكافي» بسنده إلى يزيد بن خليفة، قال: قلت لأبي عبد اللَّه (علیه السلام) : إنّ عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت، فقال أبو عبد اللَّه (علیه السلام) : «إذاً، لا يكذب علينا»، الحديث(4) .

وهذا يدلّ على أنّ ابن حنظلة صدوق لا يكذب، وإنّما الإشكال في راوي الحديث، وهو يزيد بن خليفة؛ حيث لم يرد فيه توثيق، وبالتالي لا يمكن الاستشهاد بما رواه على وثاقة ابن حنظلة، ولكن يزيد بن خليفة روى عنه صفوان بن يحيى في موارد متعدّدة، وهو من المشايخ الثقات، وهذا أمارة على وثاقة ابن خليفة، وعليه فتكون الرواية معتبرة.

والحاصل: أنّ الحديث موثّق.

ص: 297


1- شرح البداية في علم الدراية 1 : 134، والرعاية في علم الدراية: 131، والمحدِّث النوري في خاتمة المستدرك 5 : 38 - 45، الفائدة الخامسة، ويظهر ذلك أيضاً من صاحب الوسائل 30 : 441، الفائدة الثانية عشرة، وص237 حيث ذكره في الجماعة الذين وثقهم الأئمة (علیهم السلام) و...، في التوثيقات العامة.
2- معجم رجال الحديث 14 : 31.
3- أصول علم الرجال 2 : 397 - 401 .
4- الكافي 3 : 275، باب وقت الظهر والعصر، ح 1.

[52] 13 - وعَنْهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ محمّد بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ محمّد بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ الْكِنَانِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «قِيلَ لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) : مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) كَانَ مُؤْمِناً؟ قَالَ: فَأَيْنَ فَرَائِضُ اللَّهِ» - إِلَى أَنْ قَالَ: - ثمّ قَالَ: «فَمَا بَالُ مَنْ جَحَدَ الْفَرَائِضَ كَانَ كَافِراً»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[13] - فقه الحديث:

أسقط صاحب «الوسائل» جملاً من الحديث، وذكر محلّ الشاهد، وهو «فما بال من جحد الفرائض كان كافراً».

وقد دلّ الحديث على أنّ الشهادة بالشهادتين لا توجب دخول المرء في الإيمان، ما لم تقرن بامتثال الفرائض التي افترضها اللَّه على العباد، ومنها: طاعة الأئمّة المعصومين (علیهم السلام) ، كما مرّ مفصّلاً في الباب الأول، كما دلّ على أنّ مَنْ جحد الفرائض كان كافراً.

سند الحديث:

الضمير في «عنه» يعود إلى محمّد بن يحيى العطار، وقد تقدّمت ترجمته.

وأمّا أحمد بن محمد: فالظاهر أنّه ابن عيسى، وقد تقدّم أيضاً.

ص: 298


1- الكافي 2 : 33 ، كتاب الإيمان والكفر، باب بلا عنوان، ح 2.

وأمّا محمّد بن إسماعيل: فهو مشترك بين جماعة، والمعروف منهم ستّة أشخاص ، وهم:

1 - محمّد بن إسماعيل النيسابوري.

2 - محمّد بن إسماعيل بن بزيع.

3 - محمّد بن إسماعيل البرمكي.

4 - محمّد بن إسماعيل بن خثيم الكناني، له كتاب.

5 - محمّد بن إسماعيل بن ميمون الزعفراني، ثقة، عين، روى عنه الثقات، وروى عنهم، له كتاب نوادر، ولقي أصحاب أبي عبد اللَّه (علیه السلام) .

6 - محمّد بن إسماعيل الجعفري، له كتاب، روى عنه أبو العباس.

تعیین المراد بابن بزیع

والمراد به هنا: ابن بزيع؛ لأنّ الراوي لكتبه في طريق النجاشي والشيخ والصدوق إليه: هو أحمد بن محمّد بن عيسى، مضافاً إلى كثرة رواية أحمد بن محمّد بن عيسى عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع في الكتب الأربعة في موارد كثيرة تصل إلى تسعة وأربعين مورداً، مضافاً أيضاً إلى تكرّر هذا السند في موارد متعدّدة، مع التصريح بأحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن محمّد بن الفضيل.

وأمّا الخمسة الآخرون، فغير مرادين هنا؛ إمّا لعدم ملائمتهم من حيث الطبقة لأحمد بن محمّد بن عيسى، كما في الأولين: النيسابوري والبرمكي؛ وإمّا لعدم ثبوت روايته عنهم، كما في الباقين.

وأمّا محمّد بن إسماعيل بن بزيع: فقد قال عنه النجاشي: «أبو جعفر ...

ص: 299

كان من صالحي هذه الطائفة وثقاتهم، كثير العمل، له كتب... وقال أبو العباس بن سعيد في تاريخه: إنّ محمّد بن إسماعيل بن بزيع سمع منصور بن يونس، وحمّاد بن عيسى، ويونس بن عبد الرحمن، وهذه الطبقة كلّها، وقال: سألت عنه عليّ بن الحسن، فقال: ثقة، ثقة، عين»(1) .

وقال الشيخ: «له كتاب»، وعدّه في «رجاله» تارة من أصحاب الكاظم (علیه السلام) ، وأخرى من أصحاب الرضا (علیه السلام) ، قائلاً: «ثقة، صحيح، كوفي»، وثالثة من أصحاب الجواد (علیه السلام) (2)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»(3)

وأمّا محمّد بن الفضيل: فهو وإن كان مشتركاً إلّا أنه ينصرف إلى الأزدي، وهو وإن ضعفه الشيخ في «رجاله» بقوله: «محمّد بن فضيل الكوفي الأزدي، ضعيف»(4)، إلّا أنه ورد في أسناد «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمي»(5)، فيمكن الجمع بين تضعيفه وتوثيقه بكونه ثقة في روايته، ضعيفاً في مذهبه لأجل رميه بالغلو والشاهد على ذلك أن الشيخ ذكره في موضع آخر من رجاله بقوله: «محمّد بن الفضيل، أزدي، صيرفي، يرمى بالغلو، له كتاب»(6).

ص: 300


1- رجال النجاشي: 330/893.
2- رجال الطوسي: 344/ 5130، و364/ 5393، و377/5590 .
3- أصول علم الرجال 1 : 236 .
4- رجال الطوسي: 343/5124.
5- أصول علم الرجال 1 : 239 ، 287 .
6- رجال الطوسي: 365/5423.

وأمّا أبو الصباح الكناني: فقال عنه النجاشي: «إبراهيم بن نعيم العبدي، أبو الصباح الكناني، نزل فيهم، فنسب إليهم، كان أبو عبد اللَّه (علیه السلام) يسميه الميزان؛ لثقته. ذكره أبو العباس في الرجال، رأى أبا جعفر (علیه السلام) ، وروى عن أبي إبراهيم (علیه السلام) ، له كتاب يرويه عنه جماعة»(1)، ومنه يظهر أنّ كتابه مشهور.

وقال الشيخ: «أبو الصباح الكناني، قال ابن عقدة: اسمه إبراهيم بن نعيم، له كتاب»(2).

وعدّه في «رجاله» من أصحاب الباقر (علیه السلام) قائلاً: «إبراهيم بن نعيم العبدي الكناني، يكنّى أبا الصباح، كان يسمّى الميزان؛ من ثقته»، وعدّه أيضاً في أصحاب الصادق (علیه السلام) (3)

، وعدّه المفيد في «رسالته العدديّة» من الفقهاء الأعلام. (4)،

وذكر الكشّي في حقّه: «محمد بن مسعود، قال: قال عليّ بن الحسن: أبو الصباح الكناني ثقة»(5)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمي»، وروى عنه المشايخ الثقات(6).

وعليه فالحديث معتبر.

ص: 301


1- رجال النجاشي: 19 - 20/24 .
2- فهرست الطوسي: 271/840.
3- رجال الطوسي: 123 /1230، و156/1729 .
4- الرسالة العدديّة - ضمن مصنفات الشيخ المفيد 9 : 31.
5- اختيار معرفة الرجال 2: 640/659.
6- أصول علم الرجال 1 : 212 ، 290، و ج2 : 179 .

[53] 14 - وعَنْ عليّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ آدَمَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ محمّد بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ - قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَمَّا أَذِنَ لِمُحَمَّدٍ (صلی الله علیه و آله و سلم) فِي الْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْحُدُودَ، وقِسْمَةَ الْفَرَائِضِ، وأَخْبَرَهُ بِالْمَعَاصِي الَّتِي أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا وبِهَا النَّارَ لِمَنْ عَمِلَ بِهَا، وأَنْزَلَ فِي بَيَانِ الْقَاتِلِ: {ومَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ولَعَنَهُ وأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً}(1)، ولا يَلْعَنُ اللَّهُ مُؤْمِناً، وقَالَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا ولا نَصِيراً}(2)، وأَنْزَلَ فِي مَالِ الْيَتَامَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً}(3)، وأَنْزَلَ فِي الْكَيْلِ: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ}(4)4*)، ولَمْ يَجْعَلِ الْوَيْلَ لأَحَدٍ حتّى

-----------------------------------------------------------------------------

[14] - فقه الحديث:

هذا الحديث طويل جدّاً، وقد تقدّم شطر منه في الحديث الخامس عشر من

ص: 302


1- النساء، الآية 93.
2- الأحزاب، الآية 64 - 65.
3- النساء، الآية 10.
4- 4*) المطففين، الآية 1.

يُسَمِّيَهُ كَافِراً، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ}(1)1*)، وأَنْزَلَ فِي الْعَهْدِ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً اُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ}(2)2*)، الآيَةَ، والْخَلاقُ: النَّصِيبُ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ فِي الآخِرَةِ فَبِأَيِّ شَيْ ءٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟! وأَنْزَلَ بِالْمَدِينَةِ: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إلّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً والزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إلّا زانٍ أَوْ مُشْرِك وحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}(3)3*)، فَلَمْ يُسَمِّ اللَّهُ الزَّانِيَ مُؤْمِناً ولا الزَّانِيَةَ مُؤْمِنَةً، وقَالَ رَسُولُ اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم): - لَيْسَ يَمْتَرِي(4)4*) فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّهُ قَالَ - : لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وهُوَ

-----------------------------------------------------------------------------

الباب الأول. ودلالته على نحو الإجمال: أنّ اللَّه سبحانه بعث الأنبياء بشهادة أن لا إله إلّا اللَّه، والإقرار بما جاء من عند اللَّه، والعمل به، فمن آمن باللَّه وأقرّ بما جاء من عند اللَّه ومات على ذلك دخل الجنة، وذلك منهاج وسبيل كلّ نبي، فهو مركّب من أمرين: الأول: الشهادتان، والثاني: الإقرار بما جاء من اللَّه والعمل به، ومن خالف فليس بمؤمن، بل هو كافر.

وعلى ذلك بعث اللَّه سبحانه نبينا محمداً(صلی الله علیه و آله و سلم)، وكانت المرحلة الأولى - وهي أوّل البعثة بمكّة في مدّة عشر سنوات - تدور حول الإيمان باللَّه ونبيّه،

ص: 303


1- 1*) مريم، الآية 37.
2- 2*) آل عمران، الآية 77.
3- 3*) النور، الآية 3.
4- 4*) الامتراء في الشي ء: الشك فيه. (لسان العرب 15 : 278، مادة: «مرا»).

مُؤْمِنٌ، فَإِنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ خُلِعَ عَنْهُ الإِيمَانُ كَخَلْعِ الْقَمِيصِ، ونَزَلَ بِالْمَدِينَةِ: {والَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ - إِلَى قَوْلِهِ: - وأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ * إلَّا الَّذِينَ تابُوا}(1)1*)، فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مَا كَانَ مُقِيماً عَلَى الْفِرْيَةِ مِنْ أَنْ يُسَمَّى بِالإِيمَانِ؛ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: {أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ}(2)2*)، وجَعَلَهُ اللَّهُ مُنَافِقاً؛ قَالَ اللَّهُ: {إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ}(3)3*)، وجَعَلَهُ مَلْعُوناً، فَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِى الدُّنْيا والآخِرَةِ}(4)4*)» (5)5*).

-----------------------------------------------------------------------------

يعني: الشهادتين، وفي تلك المدّة كلّ من أقرّ بالشهادتين دخل الجنة، وإن كانت هناك أحكام أخرى، ولكن لم يتوعّد عليها النار.

ثمّ ابتدأت المرحلة الثانية من هجرته(صلی الله علیه و آله و سلم) إلى المدينة، حيث بني الإسلام على الخمس: الشهادتين، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحجّ البيت، وصيام شهر رمضان، وأنزلت سائر الأحكام وثبتت، من الواجبات والمحرّمات، وتوعّد عليها النار.

ومن خالف هذه الأمور حكم بكفره، وقد استدلّ الإمام على ذلك بعدّة

ص: 304


1- 1*) النور، الآية 4 ، 5 .
2- 2*) السجدة، الآية 18.
3- 3*) التوبة، الآية 67.
4- 4*) النور، الآية 23.
5- 5*) الكافي 2 : 28 ، باب بدون عنوان، ح 1.

من الآيات، كقتل مؤمن متعمّداً، وأكل مال اليتيم ظلماً، وتطفيف المكيال، ونقض العهد، والزنا، والسرقة، والإقامة على رمي المحصنات.

فارتكاب هذه الأمور يوجب الخروج من الإيمان، ويكون مرتكبها كافراً في العمل، وإن كان يرجع إلى الإيمان بعد التوبة والاستغفار.

سند الحديث:

تقدّم الكلام حول السند في الحديث الخامس عشر من الباب الأول.

والحاصل منه: أنّ الحديث مرسل، وفيه عدّة مجاهيل. ولكن لمّا كان موجوداً في «الكافي»، فبناء على القول باعتبار شهادة الكليني (قدس سره) ، وتماميّتها وعدم المناقشة فيها يكون معتبراً.

ص: 305

[54] 15 - الْحَسَنُ بْنُ عليّ بْنِ شُعْبَةَ فِي «تُحَفِ الْعُقُولِ»، عَنِ الصَّادِقِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «ويَخْرُجُ مِنَ الإِيمَانِ بِخَمْسِ جِهَاتٍ مِنَ الْفِعْلِ، كُلُّهَا مُتَشَابِهَاتٌ مَعْرُوفَاتٌ: الْكُفْرِ، والشِّرْك، والضَّلالِ، والْفِسْقِ، ورُكُوبِ الْكَبَائِرِ، فَمَعْنَى الْكُفْرِ: كلّ مَعْصِيَةٍ عُصِيَ اللَّهُ بِهَا بِجِهَةِ الْجَحْدِ والإِنْكَارِ والاسْتِخْفَافِ والتَّهَاوُنِ فِي كلّ مَا دَقَّ وجَلَّ، وفَاعِلُهُ كَافِرٌ، ومَعْنَاهُ مَعْنَى كُفْرٍ(1)، مِنْ أَيِّ مِلَّةٍ كَانَ، ومِنْ أَيِّ فِرْقَةٍ كَانَ، بَعْدَ أَنْ يَكُونَ(2) بِهَذِهِ الصِّفَاتِ فَهُوَ كَافِرٌ - إِلَى أَنْ قَالَ: - فَإِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي مَالَ بِهَوَاهُ إِلَى وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْمَعْصِيَةِ بِجِهَةِ الْجُحُودِ والاسْتِخْفَافِ والتَّهَاوُنِ فَقَدْ كَفَرَ. وإِنْ هُوَ مَالَ بِهَوَاهُ إِلَى التَّدَيُّنِ بِجِهَةِ التَّأْوِيلِ والتَّقْلِيدِ والتَّسْلِيمِ والرِّضَا بِقَوْلِ الآبَاءِ والأَسْلافِ فَقَدْ أَشْرَك»(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[15] - فقه الحديث:

الحديث طويل، وقد ذكر مقدار الحاجة منه، وصريح الحديث: أنّ الإنسان يخرج عن الإيمان بخمسة أشياء: الكفر، الشرك، الضلال، الفسق، ركوب الكبائر.

ص: 306


1- في المصدر: الكفر.
2- وفيه: تكون منه معصية.
3- تحف العقول: 330، كلامه (علیه السلام) في صفة الخروج من الإيمان.

ومعنى الكفر هو كلّ معصية عصي اللَّه بها لجهة الجحد والإنكار والاستخفاف والتهاون، سواء كانت هذه المعصية صغيرة أو كبيرة. ومعنى كفره خروجه عن الإسلام من أيّ ملّة أو فرقة كان. وإن كان هواه للمعصية من جهة التأويل لظاهر الكلام والتقليد والتسليم بقول الآباء والأسلاف فهو مشرك.

وعليه فإنكار الضروريّ أو ما ثبت أنّه من الدين من جهة التهاون أو الاستخفاف يكون موجباً للكفر.

سند الحديث:

البحث حول كتاب تحف العقول

فصّلنا القول في مباحثنا الرجاليّة(1) حول «تحف العقول»، وذكرنا ثلاث جهات، نوردها هنا على سبيل الإيجاز:

الجهة الأولى: في المؤلِّف، وهو الحسن بن عليّ بن شعبة، وهو وإن كان معاصراً للشيخ الصدوق (قدس سره) ، ومن تلاميذ أبي عليّ محمّد بن همام الثقة الجليل، إلّا أنّ الكتب الرجاليّة المتقدّمة لم تتعرّض لترجمته. نعم، ذكره المتأخّرون، وهو من المشهورين. وعليه فمن البعيد أن يكون مدح المتأخّرين وتوثيقهم له بلا مستند، وأن لا يكون مدركهم أقوال أو كتب من تقدّمهم، فيكون جانب الحسّ أقوى، وبه يكتفى في اعتباره، والحكم بوثاقته، بل يظهر أنّه من الأجلّاء.

ص: 307


1- أصول علم الرجال 1 : 480 - 484 .

[55] 16 - عليّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي «تَفْسِيرِهِ»، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ محمّد بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) : قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ: {إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وإِمَّا كَفُوراً}؟(1)، قَالَ: «إِمَّا آخِذٌ فَشَاكِرٌ، وإِمَّا تَارِك فَكَافِرٌ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

الجهة الثانية: الطريق إلى الكتاب، فقد عدّه صاحب «الوسائل» من الكتب المعتمدة التي وصلت إليه، إلّا أنّه لم يتعرّض لطريقه بخصوصه، ولكنّه مشمول لقوله: «... ونروي باقي الكتب بالطرق المشار إليها، والطرق المذكورة عن مشايخنا وعلمائنا، رضي اللَّه عنهم جميعاً»(3)

، مضافاً إلى أنّ الكتاب مشهور.

الجهة الثالثة: في شهادة المؤلِّف على اعتبار الأسناد، وصحّة الروايات في الكتاب لا تخلو عن الإجمال. ولا يفهم منها أنّ روايات الكتاب كلّها كانت مسندة، ولا أنّها كلّها منقولة عن الثقات، فينبغي الاحتياط في الأخذ برواياته، إلّا أن يحصل الاطمئنان.

[16] - فقه الحديث:

تقدّم بيان الحديث في الحديث الخامس من نفس الباب. ونضيف هنا:

ص: 308


1- الإنسان، الآية 3.
2- تفسير القمّي 2 : 398.
3- وسائل الشيعة 30 : 189 ، الفائدة الخامسة.

أنّ في هذا الحديث ردّاً على المجبّرة الذين يزعمون: أنّهم لا فعل لهم، وإنّما الفاعل هو اللَّه سبحانه وتعالى فحسب. فيكون المعنى: أنّ اللَّه سبحانه وتعالى قد بيّن طريق الخير وطريق الشرّ، بواسطة نصب الحجج (علیهم السلام) ، وتبليغهم الأحكام والمعارف الحقّة. فإمّا أن يختار الإنسان الشكر للَّه سبحانه - بحسن اختياره - فيوافق الحقّ وأهله، وإمّا أن يكفر بسوء اختياره، فيكون ضالاًّ عن السبيل الحقّ. وليس المعنى: أنّه سبحانه سلب اختيار الإنسان في ذلك؛ فإنّه سبحانه وتعالى صدرت منه الهداية لجميع المكلّفين، فمنهم من يؤمن، ومنهم من يكفر ويجحد.

سند الحديث:

قد روى الحديث علي بن إبراهيم في «تفسيره»، وقد تقدّم الكلام في عليّ بن إبراهيم وكتابه «التفسير» في الحديث الثاني من الباب الأول.

وهنا ملاحظتان:

الأولى: أنّ ابن عمير يروي عن أبي جعفر (علیه السلام) ، ولابدّ أن يكون المراد به: أبا جعفر الثاني الإمام الجواد (علیه السلام) لا الإمام الباقر (علیه السلام) ؛ لأنّ ابن أبي عمير لم يدرك الباقر (علیه السلام) ، وإنّما أدرك الإمام الكاظم (علیه السلام) ، وكان من أصحاب الإمامين الرضا والجواد (علیهما السلام) .

الثانية: نسب صاحب «الوسائل» الحديث إلى عليّ بن إبراهيم في

ص: 309

«تفسيره»، وقد ذكرنا(1):

أنّ الظاهر كون الكتاب مركّباً من تفسير عليّ بن إبراهيم وأبي الجارود زياد بن المنذر، وهذه الرواية - بحسب الظاهر - ممّا رواها الجامع للتفسيرين؛ لأنّ أحمد بن إدريس من مشايخ الكليني، ومن المعاصرين لعلي بن إبراهيم، ولم ترد رواية واحدة في الكتب الأربعة يرويها عليّ بن إبراهيم عنه، بل إنّ ابن إدريس هو الذي يروي عن عليّ بن إبراهيم. ومن هنا يتبيّن أنّ الجامع - وهو: أبو الفضل العباس بن محمّد بن القاسم بن حمزة - يروي عن أحمد بن إدريس، وبما أنّه غير معروف، ولم يترجم في الكتب الرجاليّة، فالحديث غير معتبر؛ لأنّ الشخص الذي يروي عن أحمد بن إدريس مجهول.

نعم، لو كان الراوي عليّ بن إبراهيم فهي معتبرة مع توفّر الشرائط التي ذكرناها في مباحثنا الرجاليّة(2)

من كون الراوي منّا، والرواية متّصلة ومنتهية إلى المعصوم (علیه السلام) ، ولكنّ الأظهر كون الراوي هو الجامع، فلا تكون معتبرة.

نعم، تقدّم مضمون الحديث مع اختلاف يسير جدّاً، وكان السند معتبراً، فيمكن اعتبار المتن، دون السند؛ بناء على كون الراوي هو الجامع.

هذا، وعلي بن إبراهيم، وأحمد بن إدريس أبو عليّ الأشعري، وأحمد بن محمّد - وهو ابن عيسى - ومحمد بن أبي عمير قد تقدّم البحث حولهم، وأنّهم من الثقات.

ص: 310


1- أصول علم الرجال 1 : 273- 275 .
2- أصول علم الرجال 1 : 271 - 273 .

[56] 17 - محمّد بْنُ عليّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ بَابَوَيْهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كِتَابِ «عِقَابِ الأَعْمَالِ»، عَنْ عليّ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ محمّد بْنِ جَعْفَرٍ الأَسَدِيِّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ النَّخَعِيِّ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ يَزِيدَ الْقُمِّيِّ(1)، عَنْ محمّد بْنِ سِنَانٍ، عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «لا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى عَبْدِهِ ولا يُزَكِّيهِ إِذَا تَرَك فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ، أَوِ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً مِنَ الْكَبَائِرِ»، قَالَ: قُلْتُ: لا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِ؟! قَالَ: «نَعَمْ، قَدْ أَشْرَك بِاللَّهِ»، قُلْتُ: أَشْرَك بِاللَّهِ؟! قَالَ: «نَعَمْ، إِنَّ اللَّهَ أَمَرَهُ بِأَمْرٍ وأَمَرَهُ إِبْلِيسُ بِأَمْرٍ، فَتَرَك مَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ بِهِ، وصَارَ إِلَى مَا أَمَرَ بِهِ إِبْلِيسُ، فَهَذَا مَعَ إِبْلِيسَ فِي الدَّرْك السَّابِعِ مِنَ النَّارِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[17] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ تارك الفريضة - استخفافاً منه بالأمر الإلهي - غير مشمول للرحمة الإلهيّة، ولا نصيب له في الآخرة، وكذا مرتكب الكبيرة. فاللَّه تبارك وتعالى لا ينظر إلى عبده إذا ترك فريضة من الفرائض، أو ارتكب كبيرة من الكبائر، وعليه فهو مشرك؛ والوجه في كونه مشركاً: أنّه

ص: 311


1- في المصدر: «النوفلي» بدل «القمي».
2- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: 246، عقاب من ترك فريضة من فرائض الله وارتكب كبيرة من الكبائر، ح1.

لم يطع اللَّه سبحانه، وإنّما أطاع إبليس لعنه اللَّه، فأشرك في طاعته.

والترك لما ذكر يتصوّر على وجهين:

تارة: يكون على وجه الاستخفاف والجحد، فهو مشرك حقيقة، وهو موجب للكفر.

وأخرى: لا يكون كذلك، بل لمجرّد العصيان والمخالفة، فهو مشرك في الواقع؛ لأن إطاعة إبليس وأوليائه توجب الشرك، تماماً كما هو الحال عند أولياء إبليس، فإنّهم مشركون بلا شكّ. وصيرورة متّبع إبليس ومتّبع أوليائه مشركاً مثلهم؛ إمّا لأجل الاستنان بسنتهم في الشرك، أو لأنّ المطيع لهم يصبح وليّاً من أولياء إبليس، فيكون منهم، ويشهد له قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}(1)

ومن أمثلة كون المطيع لإبليس مشركاً: ما ورد من قوله سبحانه وتعالى:

{وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}(2)

وقد قال الشيخ في «التبيان»: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ} أيّها المؤمنون فيما يقولون من استحلال أكل الميتة وغيره {إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} ؛ لأنّ من استحلّ الميتة كافر بالإجماع، ومن أكلها محرِّماً لها مختاراً فهو فاسق، وهو

ص: 312


1- المائدة، الآية 51.
2- الأنعام، الآية 121.

قول الحسن، وجماعة من المفسرّين(1) .

سند الحديث:

أمّا محمّد بن عليّ بن الحسين الصدوق، وعلي بن أحمد - وهو ابن موسى الدقّاق - ومحمد بن سنان، والمفضل بن عمر: فقد تقدّم الكلام حولهم.

وأمّا محمّد بن جعفر الأسدي: فقال عنه النجاشي: «محمد بن جعفر بن محمّد بن عون الأسدي، أبو الحسين الكوفي، ساكن الري، يقال له: محمّد بن أبي عبد اللَّه، كان ثقة، صحيح الحديث، إلّا أنّه روى عن الضعفاء»(2) .

وقال الشيخ: «محمد بن جعفر الأسدي، يكنّى أبا الحسين، كان أحد الأبواب» (3).

وذكر في «الفهرست»: أنّ له كتاباً(4)، وذكره في باب من لم يرو عنهم (علیهم السلام) (5) .

وقال في كتاب «الغيبة»: «وقد كان في زمان السفراء المحمودين أقوام ثقات، ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل، منهم:

ص: 313


1- التبيان في تفسير القرآن 4 : 257.
2- رجال النجاشي: 373/1020.
3- رجال الطوسي: 439/6278.
4- فهرست الطوسي: 229/660.
5- رجال الطوسي: 439/6278.

أبو الحسين محمّد بن جعفر الأسدي رحمه اللَّه ... عن صالح بن أبي صالح، قال: سألني بعض الناس في سنة تسعين ومائتين: قبض شي ء، فامتنعت من ذلك، وكتبت أستطلع الرأي، فأتاني الجواب: بالري محمّد بن جعفر العربي، فليدفع إليه؛ فإنّه من ثقاتنا»، ثمّ قال: «ومات الأسدي على ظاهر العدالة، ولم يطعن عليه»(1) ، وهو من مشايخ الكليني.

بحث رجالي في الحسین بن یزید النوفلي

وأمّا موسى بن عمران النخعي: فلم يرد فيه توثيق. نعم، ورد في القسم الثاني من «التفسير» (2)،

وفي أسناد «كامل الزيارات»، إلّا أنه ليس من مشايخه، وهو الذي روى الزيارة الجامعة على نسخة، وفي بعضها عبد اللَّه بن عمران.

وأمّا الحسين بن يزيد القمي: فلم نجد له رواية بهذا العنوان، ولم يذكر في كتب الرجال. نعم، ورد عن الحسين بن يزيد النخعي، والظاهر: أنّ القمّي هو النخعي، أي: النوفلي. وموسى بن عمران النخعي كثير الرواية، وفي بعضها عن عمّه(3).

فالظاهر: أنّ هذا الشخص هو النخعي، والقمي إمّا تصحيف، أو أنّه صار قمّياً فيما بعد، كما أنّه سكن الري.

ويشهد له: ما هو المثبت في المصدر من أنّه النوفلي، وهو لم يوثّق في

ص: 314


1- غيبة الطوسي: 415 ، 417 .
2- أصول علم الرجال 1 : 313.
3- من لا يحضره الفقيه3 : 313، ح 4119، و ج4 : 179، ح 5406، وص 351، ح 5758، وغيرها كثير.

كتب الرجال، إلّا أنّ النجاشي قال عنه: «الحسين بن يزيد بن محمّد بن عبد الملك النوفلي - نوفل النخع - مولاهم، كوفي، أبو عبد اللَّه، كان شاعراً، أديباً، وسكن الري، ومات بها. وقال قوم من القميّين: إنّه غلا في آخر عمره، واللَّه أعلم، وما روينا له رواية تدلّ على هذا»(1)، وهذا لا يفيد إلّا المدح.

وقال الشيخ: «له كتاب»، وعدّه في «رجاله» من أصحاب الرضا (علیه السلام) (2)

وورد في أسناد (نوادر الحكمة)، وفي (تفسير القمي) بعنوان النوفلي في موارد كثيرة(3).

ولكن بما أنّه يروي عن السكوني في هذه الموارد - وهو عامّي - فلا تشمله الشهادة المذكورة في التفسير، وقد ذكرنا في مباحثنا الرجاليّة: أنّ الحكم بوثاقة الرواة يتوقّف على ثلاثة شروط:

1 - أن يكون الراوي منّا، أي: لا يكون من العامّة؛ لقوله: «ثقاتنا».

2 - أن تكون الرواية متّصلة؛ لقوله: «ينتهي إلينا، ورواه مشايخنا وثقاتنا».

3 - أن تنتهي الرواية إلى المعصوم (علیه السلام) ؛ لقوله: «عن الذين فرض اللَّه طاعتهم»، فيخرج ما كان منتهياً إلى غير المعصوم (علیه السلام) .

فإذا تحقّقت هذه الشروط في مورد شمله التوثيق، وإلّا فلا(4)

والحاصل: أنّ الحديث ضعيف بموسى بن عمران النخعي، إلَّا أنه

ص: 315


1- رجال النجاشي: 38/77.
2- فهرست الطوسي: 114/234، ورجال الطوسي: 355/5265.
3- أصول علم الرجال 1 : 220 ، 292 .
4- المصدر نفسه 1 : 272 - 273.

[57] 18 - وفِي كِتَابِ «التَّوْحِيدِ»، عَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ ابْنِ الْوَلِيدِ، قَالَ: وأَوْرَدَهُ فِي «جَامِعِهِ»، عَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مَعْرُوفٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ حَمَّادِ ابْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْقَصِيرِ(1)، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «الإِسْلامُ قَبْلَ الإِيمَانِ، وهُوَ يُشَارِك الإِيمَانَ. فَإِذَا أَتَى الْعَبْدُ بِكَبِيرَةٍ مِنْ كَبَائِرِ الْمَعَاصِي، أَوصَغِيرَةٍ مِنْ صَغَائِرِ الْمَعَاصِي الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنْهَا، كَانَ خَارِجاً مِنَ الإِيمَانِ، وثَابِتاً عَلَيْهِ اسْمُ الإِسْلامِ. فَإِنْ تَابَ واسْتَغْفَرَ عَادَ إِلَى الإِيمَانِ، ولَمْ يُخْرِجْهُ إِلَى الْكُفْرِ والْجُحُودِ والاسْتِحْلالِ. وإِذَا قَالَ لِلْحَلالِ: هَذَا حَرَامٌ، ولِلْحَرَامِ: هَذَا حَلالٌ، ودَانَ بِذَلِكَ، فَعِنْدَهَا يَكُونُ خَارِجاً مِنَ الإِيمَانِ والإِسْلامِ إِلَى الْكُفْرِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

يمكن تصحيحه من جهة أن للشيخ الصدوق (رحمه الله) طريقاً معتبراً إلى جميع كتب وروايات محمّد بن سنان الخالية من الغلوّ والتخليط على ما ذكره الشيخ الطوسي (رحمه الله) في فهرسته(3).

[18] - فقه الحديث:

لم يذكر صاحب «الوسائل» الحديث بتمامه، وإنّما أورد محلّ الشاهد،

ص: 316


1- في المصدر: قال: كتبت على يدي عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد اللَّه (علیه السلام) : جعلت فداك... .
2- التوحيد: 228.
3- فهرست الطوسي: 219/619.

و نحن ننقل قطعة منه مكمّلة لما ذكره هنا، وكان ينبغي له ذكرها، وهي: «وسألت - رحمك اللَّه - عن الإيمان، فالإيمان هو الإقرار باللسان، وعقد بالقلب، وعمل بالأركان. فالإيمان بعضه من بعض. وقد يكون العبد مسلماً قبل أن يكون مؤمناً، ولا يكون مؤمناً حتّى يكون مسلماً. فالإسلام قبل الإيمان...».

توجیه خروج صاحب الكبیرة عن الإیمان

وحاصله: أن الإسلام قبل الإيمان، فبعد أن عرّف الإمام الإيمان، وأنّه: «الإقرار باللسان، وعقد في القلب، وعمل بالأركان»، قال: «قد يكون العبد مسلماً قبل أن يكون مؤمناً، ولا يكون مؤمناً حتّى يكون مسلماً. فالإسلام قبل الإيمان، وهو يشارك الإيمان»، فمن خرج عن الإسلام خرج عن الإيمان، ومن خرج عن الإيمان لم يخرج عن الإسلام. فإذا أتى بكبيرة أو بصغيرة من المعاصي - أعمّ من أن يكون عن إصرار أو غير إصرار - يخرج عن الإيمان، وهو ثابت على الإسلام. فإن تاب واستغفر عاد إلى الإيمان - وهذا تفضّل منه تعالى - ولم يخرج إلى الكفر والجحود والاستحلال بارتكاب المعاصي.

ومحلّ الشاهد: أنّ من أنكر شيئاً من الأحكام، وقال للحلال حرام، وللحرام حلال، والتزم واعتقد بذلك، فعندها يكون خارجاً من الإسلام والإيمان. فالجحود والإنكار واستحلال أيّ حكم موجب للكفر والارتداد.

وهذا الحديث مخالف لما عليه الأصحاب؛ فإنّه دلّ بظاهره على أنّ الإتيان بالكبيرة الواحدة موجب للخروج عن الإيمان. ويمكن أن يحمل إمّا

ص: 317

على الخروج من الإيمان الكامل، أو على الخروج من درجته الإيمانيّة التي يكون فيها؛ فإنّ الإيمان درجات، ولكل مؤمن درجة تخصّه، فهو يترقّى إلى الدرجة الأعلى من درجته التي هو فيها بسبب بعض الأعمال، ويتنزّل عنها بسبب بعض الأعمال الأخرى، كما بُيّن ذلك في بعض الروايات. فلعل المراد هنا من الخروج من الإيمان بسبب ارتكاب الكبيرة: أنّه يخرج عن درجته التي هو فيها بسبب اقتراف الكبيرة، فيتنزّل لما هو أدون منها، بدون أن يخرج من الإيمان بالكلّيّة، وكلّما خرج من درجة من درجات الإيمان دخل في مقابلها من دركات الكفر، كلّ مرتبة بحسبها، إلى أن يكاد ينعدم الفرق بينه وبين الكافر، كما هو المستفاد من العديد من الروايات.

وهذان الوجهان من الحمل ينفعان في كثير من الفروع التي مرّ ذكر بعضها، ويأتي بعضها الآخر في تضاعيف الأبواب، ولعلّ منها آية الحج، وهي قوله تعالى {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ}(1)

ومنها: قوله (علیه السلام) : «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن»(2) .

ومنها: قوله (علیه السلام) : «إنّ المؤمن لا يخون»(3) .

ص: 318


1- آل عمران، الآية 97.
2- الكافي 5 : 123، باب القمار والنهبة، ح 4.
3- المصدر نفسه 5 : 94، باب الدين، ح 9.

ومنها: قوله (علیه السلام) : «إنّ تارك الصلاة كافر» يعني: من غير علّة (1)

سند الحديث:

روى المصنّف هذا الحديث بطريقين:

الطريق الأول: ما رواه الصدوق في كتاب «التوحيد»، وطريق صاحب «الوسائل» إليه معتبر، ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد شيخ الصدوق،

وكتاب «الجامع» أيضاً معتبر، وقد تقدّم حالهما ووثاقتهما.

وأمّا عبد الرحيم القصير: فقد عدّ من أصحاب الصادق (علیه السلام) ، وممّن أدرك الباقر (علیه السلام) (2)

، ولم يرد فيه توثيق، إلّا أنّه ورد في «تفسير القمي» في نسخة موافقة لتفسير «البرهان» أيضاً، وفي نسخة أخرى: عبد الرحمن القصير. والظاهر: أنّ الأول هو الصحيح؛ بقرينة سائر الروايات. وروى عنه المشايخ الثقات كما في «التفسير» (3).

وعليه فهذا الطريق معتبر. مضافاً إلى أنه يمكن تصحيحه من جهة حماد بن عثمان، الذي هو من أصحاب الإجماع، وأيضاً من جهة وجود الحديث في «جامع» ابن الوليد، وهو من الكتب المشهورة المعوَّل عليها كما ذكره الصدوق (رحمه الله) في أوّل الفقيه. (4)

وأمّا الطريق الثاني: فقدّ تقدّم ذكرهم أيضاً.

ص: 319


1- الكافي 2 : 279، باب الكبائر، ح 8.
2- رجال الطوسي: 237/3241.
3- أصول علم الرجال 1 : 282، و2 : 198.
4- من لا يحضره الفقيه 1 : 4.

[58] 19 - محمّد بْنُ الْحَسَنِ الصَّفَّارُ فِي كِتَابِ «بَصَائِرِ الدَّرَجَاتِ»، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ محمّد - يَعْنِي: ابْنَ عِيسَى - عَنْ محمّد بْنِ الْحُسَيْنِ ابْنِ أَبِي الْخَطَّابِ، عَنْ محمّد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يُقِرَّ (بِأَنَّكُمْ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ كَمَا ذُكِرَتْ(1) ولَمْ يَجْحَدْهُ؟ قَالَ: «أَمَّا إِذَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ فِي عِلْمِنَا فَلَمْ يَثِقْ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ، وأَمَّا مَنْ لَمْ يَسْمَعْ ذَلِكَ، فَهُوَ فِي عُذْرٍ حتّى يَسْمَعَ» ثمّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «يُؤْمِنُ بِاللَّهِ ويُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

والحاصل: أنّ الطريقين معتبران.

[19] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أمور:

منها: أنّه لا يسع المؤمن عدم القبول ممّن يوثق به في معارف الأئمة (علیهم السلام) ، إذا أخبره ببعض مقاماتهم وفضائلهم (علیهم السلام) .

ومنها: أنّ من قامت عليه الحجّة من إخبار الثقات ولم يثق بمضمون ما أُخبر به فهو كافر، غير معذور في ذلك. وإثبات الكفر له هنا يمكن أن

ص: 320


1- في المصدر: بما يأتيكم في ليلة القدر كما ذكر.
2- بصائر الدرجات: 244، ح 15.

يكون لاستلزامه تكذيب الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم)، ولو بوسائط، ولا ريب في أنّ مكذّب الرسول(صلی الله علیه و آله و سلم) كافر.

ومنها: أنّ إخبار الثقة حجّة، يجب الأخذ به مطلقاً؛ لأنّ الحديث مطلق، لم يقيّد بالأحكام أو بالمعارف، فيشمل ما إذا أخبر الثقة عن حكم شرعي أو عن شي ء من الأصول الاعتقاديّة، بلا فرق.

ويشهد له: أنّ المسؤول عنه كان أمراً يتعلّق بالمعارف المرتبطة بمقامات الأئمة (علیهم السلام) .

وقد أشرنا في الحديث الثاني عشر من هذا الباب إلى أنّه لا يجوز التشكيك فيما يرويه الثقة من أحاديث عن أئمّة أهل البيت (علیهم السلام) .

ومنها: أنّ من لم تقم عليه الحجّة - ولو بواسطة إخبار الثقة - فهو معذور حتّى يصله البيان.

ومنها: التأكيد على لزوم تصديق المؤمنين بالاستدلال بالآية الشريفة. وقد ورد الاستشهاد من قبل الإمام (علیه السلام) بالآية الشريفة في مقام لزوم ترتيب الأثر على إخبار المؤمنين عن فسق بعض من يتعامل معهم المؤمن؛ ففي «تفسير العيّاشي»: عن حمّاد، عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) - في مَنْ شرب الخمر بعد أن حرّمها اللَّه على لسان نبيّه(صلی الله علیه و آله و سلم) - قال: «ليس بأهل أن يزوَّج إذا خطب، وأن يصدَّق إذا حدَّث، ولا يشفَّع إذا شُفِّع، ولا يؤتمن على أمانة. فمن ائتمنه على أمانة فأهلكها أو ضيّعها فليس للذي ائتمنه أن يأجره اللَّه، ولا يخلف عليه». قال أبو عبد اللَّه (علیه السلام) : «إنّي أردت أن

ص: 321

أستبضع بضاعة إلى اليمن، فأتيت أبا جعفر (علیه السلام) ، فقلت: «إنّي أردت أن أستبضع فلاناً، فقال لي: أما علمت أنّه يشرب الخمر فقلت: قد بلغني عن المؤمنين يقولون ذلك، فقال: صدِّقهم؛ لأن اللَّه يقول: {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} ثمّ قال: إنّك إن استبضعته فهلكت أو ضاعت فليس على اللَّه أن يأجرك، ولا يخلف عليك. فقلت: ولِمَ؟ قال: لأنّ اللَّه تعالى يقول: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً} فهل سفيه أسفه من شارب الخمر؟. إنّ العبد لا يزال في فسحة من ربّه ما لم يشرب الخمر، فإذا شربها خرق اللَّه عليه سرباله، فكان ولده وأخوه وسمعه وبصره ويده ورجله إبليس، يسوقه إلى كلّ شر، ويصرفه عن كلّ خير»(1)

وفي «تفسير العياشي» أيضاً، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، قال: «إنّي أردت أن أستبضع بضاعة إلى اليمن، فأتيت إلى أبي جعفر (علیه السلام) ، فقلت: إنّي أريد أن أستبضع فلاناً، فقال لي: أما علمت أنّه يشرب الخمر؟ فقلت: قد بلغني من المؤمنين أنّهم يقولون ذلك، فقال: صدِّقهم؛ فإنّ اللَّه يقول: {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ}. فقال: يعني: يصدِّق اللَّه، ويصدِّق المؤمنين؛ لأنه كان رؤوفاً رحيماً بالمؤمنين»(2) .

ص: 322


1- تفسير العيّاشي 1 : 246، في تفسير الآية5 من النساء، ح21 .
2- المصدر نفسه 2 : 101، ح83 ، في سورة التوبة.

وقد استشهد الإمام (علیه السلام) بالآية الشريفة {قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ}(1)

، أي: لابدّ من الاعتقاد بما قال المؤمن، إذا كان ثقة، ولا يجوز ردّ خبره.

ومن هذا الجواب يمكن أن يقال: إنّ صاحب «الوسائل» استظهر الحكم بالكفر على كلّ من وصل إليه حكم شرعي عن طريق الثقات ولم يقرّ به، سواء كان ضروريّاً، أو غير ضروريّ.

سند الحديث:

أمّا محمّد بن الحسن الصفّار صاحب كتاب «بصائر الدرجات»، ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب: فقد تقدّما.

وأمّا عبد اللَّه بن محمّد بن عيسى: الملقّب ب- «بنان»، وهو: أخو أحمد بن محمّد بن عيسى، فقد ذكره الكشّي(2)

، ولم يرد فيه توثيق.

نعم ورد في أسناد «نوادر الحكمة»(3) ، وهو كافٍ في وثاقته.

وأمّا محمّد بن عبد اللَّه: فهو ابن هلال؛ لأنّ محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب يروي عن هذا الشخص، ولم يرو عنه غيره، وهو وإن لم يرد فيه توثيق، إلّا أنه ورد في أسناد «نوادر الحكمة»(4)، وهو كافٍ في وثاقته.

ص: 323


1- التوبة، الآية 61.
2- اختيار معرفة الرجال 2 : 796/980.
3- أصول علم الرجال 1 : 215 .
4- المصدر نفسه 1 : 237 .

وأمّا يونس: فهو مردّد بين يونس بن عبد الرحمن، وبين يونس بن يعقوب. والظاهر أنه الثاني؛ لأنّه هو الذي يروي عن عمر بن يزيد، وقد قال النجاشي فيه: «يونس بن يعقوب بن قيس، أبو عليّ الجلاّب البجلي الدهني - إلى أن قال - : اختصّ بأبي عبد اللَّه وأبي الحسن (علیهما السلام) ، وكان يتوكل لأبي الحسن (علیه السلام) ، ومات بالمدينة في أيّام الرضا (علیه السلام) ، فتولّى أمره، وكان حظيّاً عندهم موثّقاً»(1)

وقال الشيخ: «يونس بن يعقوب، له كتاب»(2) ، وعدّه في «رجاله» تارة من أصحاب الصادق (علیه السلام) ، وأخرى من أصحاب الكاظم (علیه السلام) ، قائلاً: «يونس بن يعقوب، مولى نهد، له كتب، ثقة»، وثالثة في أصحاب الرضا (علیه السلام) ، قائلاً: «يونس بن يعقوب، ثقة، له كتاب، من أصحاب أبي عبد اللَّه (علیه السلام) »(3)

وعدّه المفيد في «رسالته العدديّة» من الفقهاء الأعلام... الخ(4) .

ووردت فيه عدّة روايات مادحة(5)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة» و«تفسير القمي»، وروى عنه المشايخ الثقات(6)

ص: 324


1- رجال النجاشي: 446/1207. والحظي: الذي أحبه الناس ورفعوا منزلته، المنجد: 141، مادة «حظا».
2- فهرست الطوسي: 266/814.
3- رجال الطوسي: 323/4827، و345/ 5160، و 368/5477. .
4- الرسالة العدديّة - ضمن مصنفات الشيخ المفيد 9 : 34.
5- اختيار معرفة الرجال 2 : 683/721، و685/723، 724، و686/726.
6- أصول علم الرجال 1 : 244 ، 289، و ج2 : 218 .

وأمّا عمر بن يزيد: فهو مشترك بين الصيقل، وبين بيّاع السابري، والمعروف هو عمر بن محمّد بن يزيد بيّاع السابري؛ لأنه الأشهر، وبقرينة الصفّار الذي ذكر روايات السابري كما يظهر من الشيخ (رحمه الله) في فهرسته(1). وعليه فينصرف إلى السابري عند الإطلاق.

قال النجاشي: «عمر بن محمّد بن يزيد، أبو الأسود، بيّاع السابري، مولى ثقيف، كوفي، ثقة، جليل، أحد من كان يفد في كلّ سنة، روى عن أبي عبد اللَّه وأبي الحسن (علیهما السلام) ، ذكر ذلك أصحاب كتب الرجال، له كتاب في مناسك الحج وفرائضه وما هو مسنون من ذلك، سمعه كله من أبي عبد اللَّه (علیه السلام) »(2) .

وقال الشيخ: «عمر بن يزيد، ثقة، له كتاب»(3) ، وعدّه في «رجاله» في أصحاب الصادق (علیه السلام) مرّتين، وعدّه في أصحاب الكاظم (علیه السلام) أيضاً، وقال: «عمر بن يزيد بيّاع السابري، ثقة، له كتاب»(4) .

وقال الكشي: «... عن عمر بن يزيد، قال: قال لي أبو عبد اللَّه (علیه السلام) : يابن يزيد، أنت - واللَّه - منّا أهل البيت، قلت له: جعلت فداك، من آل محمد؟ قال: إي واللَّه، من أنفسهم، قلت: من أنفسهم؟ قال: إي واللَّه، من أنفسهم يا عمر.

ص: 325


1- فهرست الطوسي: 184/502.
2- رجال النجاشي: 283/751.
3- فهرست الطوسي: 184/502.
4- رجال الطوسي: 252/3541، و 253/3548، و339/5046.

[59] 20 - أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عِمْرَانَ الْحَلَبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ - يَعْنِي: لَيْثَ بْنَ الْبَخْتَرِيِّ الْمُرَادِيَّ - قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : أَرَأَيْتَ الرَّادَّ عَلَى هَذَا الأَمْرِ كَالرَّادِّ عَلَيْكُمْ؟ فَقَالَ: «يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ هَذَا الأَمْرَ فَهُوَ كَالرَّادِّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، وعَلَى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

أما تقرأ كتاب اللَّه عزّوجلّ: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}(2)»(3).

وورد في «تفسير القمي»، وروى عنه المشايخ الثقات(4)

وعليه فالحديث معتبر.

[20] - فقه الحديث:

ظاهر الحديث يدل على أنّ الرادّ على أمر الولاية كالرادّ على الأئمة (علیهم السلام) ، وهو موجب للكفر؛ حيث قال الإمام (علیه السلام) : «يا أبا محمد، من ردّ عليك هذا الأمر فهو كالرادّ على رسول اللَّه، وعلى اللَّه عزّوجلّ»،

ص: 326


1- المحاسن 1 : 295، ح 591.
2- آل عمران، الآية 68.
3- اختيار معرفة الرجال 2 : 623/605.
4- أصول علم الرجال 1 : 285، و ج2 : 204، ومن لا يحضره الفقيه 4 : 425، المشيخة.

ورَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ محمّد بْنِ خَالِدٍ والْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، جَمِيعاً، عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ مِثْلَهُ(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

ولا ريب في أنّ الرادّ عليهما كافر، وكذلك الرادّ عليك هذا الأمر أيضاً. ولكن مورد هذا الحديث أمر الولاية فقط، والتعدّي عنه يحتاج إلى دليل.

والظاهر من صاحب «الوسائل» أنّه استفاد منه التعميم، وأنّ إنكار وردّ كلّ حكم - سواء كان في أمر الولاية أو غيره - موجب للكفر. وقد مرّ ما يفيد التعميم بظاهره.

وفي الكافي «...أرأيت الرادّ عليَّ هذا الامر كالرادّ عليكم...»(2)،

والظاهر أنه الصحيح بقرينة جواب الإمام (علیه السلام) .

سند الحديث:

للحديث سندان:

الأول: ما رواه البرقيّ في «المحاسن»، وقد تقدّم ذكر جميع رجال السند ماعدا ليث بن البختري المرادي، قال النجاشي في حقه: «أبو محمد، وقيل: أبو بصير الأصغر، روى عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه (علیهما السلام) ، له كتاب

ص: 327


1- 1*) الكافي 8 : 146، ح120.
2- المصدر نفسه 8 : 146، ح120.

يرويه جماعة»(1) ، ومنه يظهر: أنّ الكتاب مشهور.

وقال الشيخ: «ليث المرادي، يكنّى أبا بصير، روى عن الصادق (علیه السلام) والكاظم (علیه السلام) ، وله كتاب»(2).

وعدّه في «رجاله» تارة من أصحاب الباقر (علیه السلام) ، وأخرى في أصحاب الصادق (علیه السلام) ، وثالثة في أصحاب الكاظم (علیه السلام) (3)،

وهو ممّن أجمعت العصابة على تصديقهم(4) .

وعدّه ابن شهرآشوب من الثقات الذين رووا النصّ الصريح على إمامة موسى بن جعفر (علیه السلام) عن أبيه(5)

وقد ذكر الكشّي عدّة روايات مادحة له:

منها: عن جميل بن دراج قال: سمعت أبا عبد اللَّه (علیه السلام) يقول: «بشّر المخبتين بالجنّة: بريد بن معاوية العجلي، وأبا بصير ليث بن البختري المرادي، ومحمد بن مسلم، وزرارة. أربعة نجباء أمناء اللَّه على حلاله وحرامه. لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست».

ومنها: عن سليمان عن خالد الأقطع، قال: سمعت أبا عبد اللَّه (علیه السلام) يقول:

ص: 328


1- رجال النجاشي: 321/876.
2- فهرست الطوسي: 205/585.
3- رجال الطوسي: 144/ 1568، و275/3970، و342/5099.
4- اختيار معرفة الرجال 2 : 507/507.
5- مناقب آل أبي طالب (علیهم السلام) 3 : 435 - 436 .

«ما أجد أحداً أحيى ذكرنا وأحاديث أبي إلّا زرارة، وأبو بصير ليث المرادي، ومحمد بن مسلم، وبريد بن معاوية العجلي. ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا. هؤلاء حفّاظ الدين، وأمناء أبي (علیه السلام) على حلال اللَّه وحرامه، وهم السابقون إلينا في الدنيا، والسابقون إلينا في الآخرة»(1)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، وروى عنه المشايخ الثقات(2)

والثاني: ما رواه الكليني، وقد تقدّم ترجمة كلّ واحد منهم.

والحديث - بكلا الطريقين - صحيح.

ص: 329


1- اختيار معرفة الرجال 1 : 398 / 286، و348/219 .
2- أصول علم الرجال 1 : 234، و ج2 : 219 .

[60] 21 - وعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ عليّ بْنِ أَسْبَاطٍ، عَنْ عَمِّهِ يَعْقُوبَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «مَنِ اجْتَرَأ عَلَى اللَّهِ فِي الْمَعْصِيَةِ وارْتِكَابِ الْكَبَائِرِ فَهُو كَافِرٌ، ومَنْ نَصَبَ دِيناً غَيْرَ دِينِ اللَّهِ فَهُوَ مُشْرِك»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[21] - فقه الحديث:

يدل الحديث على أنّ من اجترأ على اللَّه سبحانه وتعالى في المعاصي - أي: هجم على معصيته بلا تروّ، وهو مساوق للاستخفاف والتهاون - فذلك موجب للكفر، وقوله: «من نصب ديناً غير دين اللَّه» فيه إلماح إلى ما عليه العامّة، كما تقدّمت الإشارة إليه في الحديث الثالث.

سند الحديث:

أما العدّة التي يروي عنها البرقي، فغير معلومة. ولكن لا يضرّ وجودها؛ لأنّ الظاهر أنّ العدّة فيها واحد على الأقلّ من الثقات.

وأمّا عليّ بن أسباط: فقال عنه النجاشي: «علي بن أسباط بن سالم، بيّاع الزطي، أبو الحسن المقرى ء، كوفي، ثقة، وكان فطحيّاً، جرى بينه وبين عليّ بن مهزيار رسائل في ذلك، رجعوا فيها إلى أبي جعفر الثاني (علیه السلام) ، فرجع عليّ بن أسباط عن ذلك القول، وتركه، وقد روى عن الرضا (علیه السلام) من قبل ذلك، وكان أوثق الناس وأصدقهم لهجة»(2) .

ص: 330


1- المحاسن 1 : 330، ح673 .
2- رجال النجاشي: 252/663.

وقال الشيخ: «له أصل وروايات»(1) ، وعدّه في «رجاله» تارة في أصحاب الرضا (علیه السلام) ، وأخرى في أصحاب الجواد (علیه السلام) (2)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، و«تفسير القمي»، وروى عنه الطاطري بلا واسطة(3)

وأمّا عمّه يعقوب: فهو يعقوب بن سالم الأحمر، الكوفي، أخو أسباط، عدّه الشيخ في أصحاب الصادق (علیه السلام) ، وفي أصحاب الكاظم (علیه السلام) (4)

ونقل القهبائي والتفريشي والميرزا عن النجاشي قوله: «يعقوب بن سالم، الأحمر، أخو أسباط بن سالم، ثقة، من أصحاب أبي عبد اللَّه (علیه السلام) »، والنسخ المطبوعة خالية عن ترجمته، ولكن عدّه الشيخ المفيد في «رسالته العدديّة» من الفقهاء والرؤساء الأعلام ... الخ(5)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»(6) ، وهذا يكفي في وثاقته.

وأمّا زرارة: فقد تقدّم ذكره، وعليه فالحديث معتبر.

ص: 331


1- فهرست الطوسي: 153/384.
2- رجال الطوسي: 360/ 5337، و376/ 5570.
3- أصول علم الرجال 1 : 229 ، 284، و ج2 : 229 .
4- رجال الطوسي: 323/4837، و346/ 5162 .
5- معجم رجال الحديث 21 : 143، و 136/13753، ولكنّه ورد في طبعة جماعة المدرسين بقم، تحقيق: السيد موسى الشبيري الزنجاني/ 1212.
6- أصول علم الرجال 1 : 244 .

[61] 22 - محمّد بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الكشّي فِي كِتَابِ «الرِّجَالِ»، عَنْ عليّ بْنِ محمّد بْنِ قُتَيْبَةَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمَرَاغِيِّ، قَالَ: وَرَدَ تَوْقِيعٌ عَلَى الْقَاسِمِ بْنِ الْعَلاءِ(1)، وذَكَرَ تَوْقِيعاً شَرِيفاً يَقُولُ فِيهِ: «فَإِنَّهُ لا عُذْرَ لأَحَدٍ مِنْ مَوَالِينَا فِي التَّشْكِيكِ فِيمَا يُؤَدِّيهِ عَنَّا ثِقَاتُنَا؛ قَدْ عَرَفُوا بِأَنَّا نُفَاوِضُهُمْ سِرَّنَا، ونُحَمِّلُهُمْ إِيَّاهُ إِلَيْهِمْ»، الْحَدِيثَ(2).

أَقُولُ: ويَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ كُتُبِ الْعِبَادَاتِ، وفِي كِتَابِ الْحُدُودِ، وغَيْرِ ذَلِكَ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ثمّ إِنَّ بَعْضَ هَذِهِ الأَحَادِيثِ مُطْلَقٌ، يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ؛ لِلتَّصْرِيحِ بِهِ، كَمَا عَرَفْتَ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[22] - فقه الحديث:

لم يذكر صاحب «الوسائل» تمام الحديث، وإنّما اكتفى بموضع الشاهد.

وصدر الحديث ورد في ذمّ أحمد بن هلال، وفي هذا التوقيع دلالة على

ص: 332


1- في المصدر: ورد على القاسم بن العلاء نسخة.
2- اختيار معرفة الرجال 2 : 816/1020 .
3- يأتي أيضاً في الباب 11 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها، والباب 4 من أبواب ما تجب فيه الزكاة وما تستحب فيه، والباب 7 من أبواب وجوب الحج وشرائطه، والباب 5 من أبواب جهاد العدو وما يناسبه، والباب 10 من أبواب حدّ المرتد.

عدم العذر لأحد في ردّ خبر الثقة، فهو حجّة.

ووجه استدلال صاحب «الوسائل» بهذا الحديث: أن ردّ الخبر إن كان لجحود بعض الضروريّات أو غيرها ممّا تقوم الحجّة فيه، فهو موجب للارتداد.

وأمّا دلالة الحديث على حجّيّة خبر الثقة، ففيه احتمالان:

الأول: أن يراد من قوله (علیه السلام) : «ثقاتنا» مطلق الثقة، فكل من اتصف بالوثاقة ونقل عن الأئمّة حديثاً لم يجز ردّه أو إنكاره، ولابدّ من الأخذ بقوله عن الأئمة (علیهم السلام) .

الثاني: أن يراد من قوله (علیه السلام) : «ثقاتنا» الثقات المنسوبون إلى الأئمة (علیهم السلام) ، والذين هم من صفاتهم: أنّهم يحملون أسرار الأئمة (علیهم السلام) ، كما أنّ الأئمة (علیهم السلام) يفاوضونهم أسرارهم التي ينقلونها إلى الموالين بواسطتهم.

فعلى هذا الاحتمال لا يدلّ الحديث على حجّيّة مطلق خبر الثقة، بل يختصّ ذلك بثقات الأئمة، وحملة أسرارهم (علیهم السلام) ، ولا يشمل كلّ ثقة.

ولا بأس بالاحتمال الأول؛ لمناسبة الحكم والموضوع؛ فروايات الثقات لا يجوز التشكيك فيها، فلابدّ من الأخذ بخبر الثقة، كما ورد في الحديث التاسع والعشرين.

وعليه: فالحديث يدل على أنّه لا يجوز ردّ الحديث المنقول بواسطة الثقات عن الأئمة (علیهم السلام) . وردّه موجب للارتداد، إذا كان بعنوان الاستخفاف والإنكار والجحد.

ص: 333

سند الحديث:

محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكشّي: تقدّم ذكره.

وأمّا عليّ بن محمّد بن قتيبة: فقال عنه النجاشي: «النيشابوري - عليه اعتمد أبو عمرو الكشّي في كتاب الرجال - أبو الحسن، صاحب الفضل بن شاذان، وراوية كتبه، له كتب...»(1).

وعدّه الشيخ في «رجاله» فيمن لم يرو عنهم (علیهم السلام) ، قائلاً: «علي بن محمّد بن القتيبي، تلميذ الفضل بن شاذان نيسابوري، فاضل»(2)

واعتماد الكشّي عليه لا يدلّ على وثاقته؛ لأنّه روى عن الضعفاء كثيراً، والصحبة لا تدلّ عليها أيضاً.

وأمّا قول الشيخ: «فاضل» فكذلك لا يدلّ على التوثيق. نعم، هو مدح، فيكون حسناً.

ولكن يمكن أن يقال: إنّ الرواية عن الضعفاء لا تنافي الاعتماد، فهو - بقرينة اعتماد الكشّي عليه - ثقة في نفسه، إلّا أنّه يروي عن الضعفاء، وعليه فهو مورد للاطمئنان، وإلّا لم يعتمد عليه الكشّي.

وأمّا أحمد بن إبراهيم المراغي - الذي يكنّى أبا حامد - : فهو من أصحاب العسكري (علیه السلام) ، كما في «رجال الشيخ»(3)،

ومدحه ابن داود، وقال:

ص: 334


1- رجال النجاشي: 259/678.
2- رجال الطوسي: 429/6159.
3- المصدر نفسه: 397/5830.

«ممدوح، عظيم الشأن»(1)

ووردت فيه رواية مادحة، ولكن الراوي لها هو نفسه، فلا يمكن الأخذ بها، والاعتماد عليها(2).

وأما القاسم بن العلاء: فعدّه الشيخ فيمن لم يرو عنهم (علیهم السلام) (3) ، وهو من مشايخ الكليني، ومن وكلاء الناحية، ووردت في حقّه رواية مادحة تدلّ على جلالته وكونه مرضيّاً(4).

وخلاصة القول: أنّ الحديث من جهة ابن قتيبة فيه كلام، وإن كان الأظهر أنّه ثقة . ولكن من جهة المراغي - الذي لم يرد فيه توثيق - لا يكون معتبراً.

والحاصل: أنّ في الباب اثنين وعشرين حديثاً، عشرون منها معتبرة، واثنان غير معتبرين، وهما السادس عشر والثاني والعشرون، وإن أمكن اعتبار متن أحدهما، وهو السادس عشر.

المستفاد من أحادیث الباب

والمستفاد منها أمور، يمكن تلخيصها بما يلي:

1 - الحكم بالكفر والارتداد على من أنكر أيّاً من ضروريّات الدين، بل أيّ حكمٍ قامت عليه الحجة، إذا كان عن جحدٍ أو استخفاف.

ص: 335


1- رجال ابن داود: 36/55.
2- معجم رجال الحديث 2 : 16/383.
3- رجال الطوسي: 436/6243.
4- معجم رجال الحديث 15 : 35 - 37/9543 .

2 - إنّ المؤمن إذا ارتكب الحرام خرج من الإيمان، ولم يخرج من الإسلام، وإذا تاب رجع إلى الإيمان.

3 - إنّ البدعة في الدين موجبة للشرك.

4 - وجوب الإقرار والتسليم لما جاء عن أهل البيت (علیهم السلام) .

5 - كفر تارك الصلاة عمداً مستحلاًّ.

6 - كفر فاعل الكبيرة مستحلاًّ.

7 - فسق فاعل الكبيرة إذا لم يكن مستحلاًّ.

8 - وجوب العمل برواية الثقة.

9 - عدم جواز الردّ على الثقة الراوي للحديث عن الأئمة (علیهم السلام) .

10 - وجوب التوقّف عند الجهل، وعدم جواز المبادرة إلى الجحود، حتّى يتّضح الحال.

11 - إنّ من موجبات الكفر: كلّ شي ء يجره الإنكار والجحود، ومنه جحد الفرائض الإلهيّة، والإباء عن طاعة اللَّه، واختيار غيره عليه، والإقامة على الكبائر، والاستخفاف بمعصية اللَّه، وترك الأخذ بسبيل اللَّه وهدايته، وتحليل الحرام، وتحريم الحلال، وعدم الوثوق بما قامت عليه الحجّة المعتبرة.

12 - إن الكفر أقدم من الشرك وأعظم، وله مراتب خمسة، وأما الشرك، فيتحقّق بنصب دين غير الدين النازل من عند اللَّه سبحانه وتعالى.

ص: 336

3 - باب اشتراط العقل في التكليف

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

3 - باب اشتراط العقل في التكليف

شرح الباب:

العقل: هو الفهم لغة، كما ورد في غير واحد من المعاجم(1)،

وأمّا اصطلاحاً فقد أطلق على أمور:

الأوّل: قوّة إدراك الخير والشر، والتمييز بينهما، والتمكّن من معرفة أسباب الأمور وذوات الأسباب، وما يؤدّي إليها، وما يمنع منها. والعقل بهذا المعنى هو مناط التكليف والثواب والعقاب.

الثاني: ملكة وحالة في النفس تدعو إلى اختيار الخير والنفع، واجتناب الشرور والمضارّ، وبها تقوى النفس على زجر الدواعي الشهوانيّة والغضبيّة، والوساوس الشيطانيّة.

وهل هذا هو المرتبة الكاملة من العقل بالمعنى الأوّل، أم هو صفة أخرى وحالة مغايرة له؟ كلاهما محتمل، إلّا أنّ ما يشاهد في أكثر الناس من حكمهم بخيريّة بعض الأمور مع عدم إتيانهم بها، وبشرِّيّة بعض الأمور مع كونهم مولعين بها يدل على أنّ هذه الحالة غير العلم بالخير والشر.

ص: 337


1- كتاب العين 1 : 159 ، مادة: «عقل»، ومجمع البحرين 3 : 225 ، مادة: «عقل».

وهذان الأمران مشهوران في الروايات، فالعقل عقلان: عقل مطبوع، وعقل مسموع. والمقصود من العقل المطبوع هو الأوّل الذي يدرك به الأشياء، ويميّز به الحق عن الباطل، والخير عن الشر، وهو يتحقّق عند وجود الإنسان، وكلما كبر الإنسان قوي ونما. ففي حالة كونه جنيناً يكون ضعيفاً حتّى يكمل عند البلوغ. وهذا العقل يتكامل إلى حدّ الأربعين، وعنده ينتهي تكامله، فهو مع الإنسان، وإن كان يزول بالعوارض، وهذا العقل هو المناط في التكليف.

وأمّا العقل المسموع، وهو الأمر الثاني، فهو - كما ذكرنا - حالة توجب اكتساب الحسن، والاجتناب عن القبح، وقد مدح في الروايات، فقد ورد أنّه «ما عُبِدَ به الرحمنُ واكتُسِبَ به الجنانُ»(1).

الثالث: القوّة التي يستعملها الناس في نظام أمور معاشهم، فإن وافقت قانون الشرع واستعملت فيما استحسنه الشارع تسمّى بعقل المعاش، وهو ممدوح في الأخبار، ومغايرته لما قد مرّ بنوع من الاعتبار. وإذا استعملت في الأمور الباطلة والحيل الفاسدة تسمى تلك القوّة بالنكراء والشيطنة في لسان الشرع. ومنهم من أثبت لذلك قوّة أُخرى، وهو غير معلوم.

الرابع: مراتب استعداد النفس لتحصيل النظريّات وقربها وبعدها عن ذلك. وأثبتوا لها مراتب أربعة، سمّوها: بالعقل الهيولاني، والعقل بالملكة، والعقل بالفعل، والعقل المستفاد، وقد تطلق هذه الأسماء على النفس في

ص: 338


1- معاني الأخبار: 239، وبحار الأنوار 1 : 101، باب4 من أبواب العقل والجهل، ح8 .

تلك المراتب. وتفصيلها مذكور في محالّها.

والظاهر رجوعها إلى ما ذكرنا أولاً؛ فإنّ الظاهر أنّها قوّة واحدة، تختلف أسماؤها بحسب متعلّقاتها، وما تستعمل فيه.

الخامس: النفس الناطقة الإنسانيّة، التي بها يتميّز عن سائر البهائم.

السادس: ما ذهب إليه الفلاسفة وأثبتوه بزعمهم، من أنّه جوهر مجرّد قديم لا تعلّق له بالمادّة ذاتاً ولا فعلاً. وقال بعض محققيهم: إنّ نسبة العقل العاشر - الذي يسمّونه بالعقل الفعّال - إلى النفس كنسبة النفس إلى البدن، فكما أنّ النفس صورة للبدن، والبدن مادتها، فكذلك العقل صورة للنفس، والنفس مادّته، وهو مشرق عليها، وعلومها مقتبسة منه، ويكمل هذا الارتباط إلى حدّ تطالع العلوم فيه، وتتّصل به(1) .

وأمّا الدليل على هذه المراتب ثبوتاً ونفياً فموكول إلى محلّه.

الأقوال:

لا إشكال في أنّ العقل أحد الشرائط العامّة المعتبرة في التكليف، وقد استدلّ له بالكتاب والسنّة والإجماع، بل المسلمون على ذلك. وعليه فالحكم ضروريّ.

ص: 339


1- بحار الأنوار 1 : 100 - 101.

[62] 1 - محمّد بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، مِنْهُمْ محمّد بْنُ يَحْيَى الْعَطَّارُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ رَزِينٍ، عَنْ محمّد بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلَ اسْتَنْطَقَهُ، ثمّ قَالَ لَهُ: أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ، ثمّ قَالَ لَهُ أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ، ثمّ قَالَ: وَعِزَّتِي وَجَلالِي، مَا خَلَقْتُ خَلْقاً هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكَ، وَلا أَكْمَلْتُكَ إِلَّا فِيمَنْ أُحِبُّ. أَمَا إِنِّي إِيَّاكَ آمُرُ، وَإِيَّاكَ أَنْهَى، وَإِيَّاكَ أُعَاقِبُ، وَإِيَّاكَ أُثِيبُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

كیفية استنطاق العقل

[1] - فقه الحديث:

هذا الحديث من جملة الأخبار العويصة المبهمة الغامضة.

والغموض فيه من جهات:

الأولى: في كيفية استنطاقه.

الثانية: في كيفيّة الإقبال والإدبار، والمراد منهما.

الثالثة: في ما هو المقصود من قوله: «هو أحب إليّ».

الرابعة: في أنّ العقل إذا كان أحبّ شي ء عند اللَّه فكيف يعاقبه؟

الخامسة: في أنّه كيف يكون العقل أحبّ الخلق إليه سبحانه وتعالى، مع أنّه قد ورد في الروايات المتواترة: أنّ النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) والأئمة (علیهم السلام) هم أحبّ

ص: 340


1- الكافي 1 : 10، كتاب العقل والجهل، ح1.

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ(1).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي «الْمَجَالِسِ»، عَنْ محمّد بْنِ مُوسَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

الخلق إليه عزّ شأنه(3)؟

السادسة: في أنّه كيف يجمع بين الروايات التي تدلّ على أنّ أوّل ما خلقه اللَّه تعالى هو: العقل(4)،

مع ما ورد من أنّ أوّل ما ابتدأ من خلقه أن خلق محمّداً(صلی الله علیه و آله و سلم) وخلقنا أهل البيت معه من نور عظمته(5)؟

أمّا الأولى: فيمكن أن يكون المراد بالاستنطاق معناه الحقيقي، وهو أنّ اللَّه جلّت عظمته أنطقه بقدرته، فهو قادر على إنطاق كلّ شي ء، من الشجر والحجر والحيوان وغيرها من الأمور الجسمانيّة والروحانيّة، وقد ورد في رواية الصدوق في «الخصال»: «ثمّ قال له: تكلّم، فقال: الحمد للَّه الذي ليس له ضدّ ولا ندّ ولا شبيه ولا كفو ولا عديل ولا مثل، الذي كلّ

ص: 341


1- المحاسن 1 : 306، ح 604.
2- أمالي الصدوق : 504، ح692.
3- وسائل الشيعة 7 : 102، باب استحباب التوسل في الدعاء بمحمد وآل محمد، ح 8850 .
4- غوالي اللئالي 4 : 99، وبحار الأنوار 1: 87، باب2 من أبواب العقل والجهل.
5- الكافي 1 : 441 و442، باب مولد النبي، ح7 و ح10، و ص530، باب فيما جاء في الاثني عشر والنص عليهم، ح6.

شي ء لعظمته خاضع ذليل»(1)

المراد من إقبال العقل و إدباره

ويمكن أن يكون المراد من الاستنطاق: معنى التكلّم معه، كما نصّ عليه أهل اللغة، وكأنّما فرضه شيئاً وتكلّم معه، كما يكلّم الإنسان ما لا يعقل، كالدار، وغرضه التحسّر أو الاعتبار.

ويمكن أن يكون التكلّم بمعناه التكويني، أي: بمعنى أنّه أعطاه الفهم والإدراك والقابليّة، فاستنطقه، أي: فهّمه، فيكون دليلاً لعباده على وحدانيّته.

وأمّا الثانية: فالمراد من الأمر بالإقبال، إمّا إرادة المعنى الظاهري، وهو الإقبال والإدبار الحسّيّان، بمعنى الذهاب والإياب، كما أنّه يتصوّر في النفوس والحواسّ ونحوها؛ فإنّها تذهب وتجي ء، وتفارق على وجهٍ تصحّ نسبته إليها، ولا ينحصر ذلك فيما يعهد من إقبال الإنسان بوجهه، وإعراضه به.

والغرض في الأمر بالإقبال والإدبار، كالغرض في جميع التكاليف، من إظهار الانقياد، واختبار العباد، وبيان امتثال الأمر، كما أنّ من أراد اختبار طاعة عبده فإنّه يقول له: اذهب، ثمّ يقول له: ارجع مثلاً؛ لإظهار الطاعة، وإلزام الحجّة.

ولا بُعد في أَن يخلقه اللَّه تعالى أوّلاً على حالة يمكن اتّصافه بالإقبال والإدبار الحقيقيّين، وقد أعطى اللَّه الجنّ والملائكة قدرة التشكّل بأشكال بني آدم وغيرهم، فلا يبعد أن يعطي اللَّه العقل ذلك، ولو في حال الأمر

ص: 342


1- الخصال: 427 ، باب العشرة ح4.

بالإقبال والإدبار.

وأمّا أنّ الإقبال كان إلى العرش أو إلى الكعبة أو إلى غيرهما، فهو محلّ الخلاف.

وإمّا أن يراد معنى آخر، وهو الإقبال والإدبار غير الحسيّين، وهذا يتصوّر على معانٍ:

فإمّا أن يراد: الإقبال والإدبار إلى غير المكان، كما يقال: أقبل إلى العلم، وأعرض عن الجهل، فيكون المراد: إقبالاً إلى أمر غير حسّي من الخيرات، والإدبار عن الشرور والمهلكات. أو الكناية عن الإقرار بالحقّ في الإقبال، والإعراض عن الباطل في الإدبار.

أو يكون المراد: الإقبال التكريمي، بمعنى أنّه خلق العقل، وأمره بالإقبال إلى عالم الملك، وتحصيل المقامات العالية، والدرجات الرفيعة في مواقع القرب من اللَّه تعالى، ثمّ قال: أدبر عن هذا العالم، وارجع إلى اللَّه تعالى. أو يكون المراد من الإقبال: التوجّه إلى اللَّه تعالى، والانجذاب إلى جنابه؛ لتحصيل الكمالات الإلهيّة، والمراد من الإدبار: أنّه بعد الاستكمال يرجع إلى عالم الجسم، لتكميل النفوس، وهداية الناس.

أو يكون المراد: الإقبال الاستعدادي، بمعنى أنّ الإقبال هو استعداده لتحصيل المعارف، والكمالات، والقرب الإلهي، والمراد من الإدبار هو: استعداده للانحطاط والهبوط إلى الرذائل، والصفات الذميمة والبعد عن اللَّه عزّوجلّ. وهذا المعنى يلائم قوله «فاستنطقه» بمعنى: أنّه أعطاه الفهم

ص: 343

والإدراك والقابلية، وكذلك قوله: «بك أثيب، وبك أعاقب» فيكون له الثواب، وعليه العقاب، وبذلك يكون الإنسان أشرف المخلوقات، ويمتاز عن سائر الحيوانات.

المقصود من كون العقل أحبّ المخلوقات إليه تعالی

وأمّا الثالثة - وهي: أنّه أحبّ المخلوقات إليه - : فالحب إمّا من جهة العبادة، فإنّها لا تتحقّق إلّا مع كمال العقل، وقد ورد في الآيات والروايات: أنّ محبّة اللَّه لأوليائه لأجل عبادتهم وتقرّبهم إليه(1)؛

قال تعالى: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}(2)؛

وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}(3)

أو من جهة أنّ الإنسان أشرف المخلوقات، وامتيازه عن سائر المخلوقات بهذه القوّة، أي: قوّة العقل، ولذلك جعل اللَّه سبحانه وتعالى محلّها في أفضل الأماكن من البدن، وهو الرأس.

ص: 344


1- الأحاديث في هذا المعنى كثيرة بسعة معنى العبادة وكثرة وسائل القرب إليه تعالى، منها ما في: الكافي 2 : 65، باب التفويض إلى الله، ح4. الكافي 2 : 99، باب الشكر، ح30. الكافي 2 : 112، باب الحلم، ح8. الكافي 2 : 65، باب التفويض إلى الله...، ح4. الكافي 5 : 535، باب الغيرة، ح1.
2- التوبة، الآية 108.
3- التوبة، الآية 4.

كیف یعاقب الله أحب الاشیاء إلیه

وأمّا الرابعة: فيمكن أن يحمل الحديث على ظاهره، ويقال: إنّه هو المتعلّق للثواب والعقاب؛ حيث إنّ له الاستعداد لتحصيل الكمالات، وإطاعة اللَّه سبحانه وتعالى، وله استعداد لكسب الرذائل وعصيانه سبحانه وتعالى، فبنفسه يثاب ويعاقب؛ لأنّه لا ينفكّ عن البدن والجسم، فإذا كان الجسم متنعِّماً فالعقل لا محالة يكون متنعّماً، وإذا كان الجسم معذّباً فالعقل أيضاً يكون معذّباً. وهذا الاحتمال موافق لظاهر هذا الحديث، والحديثين الثاني والثامن من هذا الباب.

أو يقال: بأنّه وإن كان متعلّقاً للثواب والعقاب، ولكن مجرّد العقاب على فرض المخالفة والعصيان، وأمّا في الخارج فلا يتحقّق منه العصيان، ومع ذلك يصحّ أن يخاطب: بأنّك إن عصيت فعليك العقاب، نظير قوله تعالى:

{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}(1). ويمكن أن يحمل على أنّ العقل وسيط في تعلّق الثواب والعقاب بصاحبه، لا أنّه هو المتعلّق للثواب والعقاب. وهذا المعنى يوافق الحديثين: السادس والتاسع.

رفع التنافي بین كون العقل أحب الأشیاء للّه و بین كون أحب الخلق إلیه هم محمد و آله

وأمّا الخامسة: فقد يقال: إنّه يمكن انطباق العقل عليه صلوات اللَّه وسلامه عليه وآله، ويكون هو المراد من العقل، وأنّه أوّل ما خلق اللَّه، وأحبّ ما خلق إليه، فهو عقل الكل، كما ذكر الحكماء العقول العشرة، فينطبق عليهم، ولكنهم أربعة عشر معصوماً، فلابّد لهم من القول: بعقول أربعة عشر، فهم الواسطة في الفيوضات الإلهيّة إلى سائر المخلوقات.

ص: 345


1- الزمر، الآية 65.

ولكنّ هذا المعنى لا يلائم بعض معاني الإقبال والإدبار، وكذلك بعض المعاني في تعلّق الثواب والعقاب، فإثبات ذلك يحتاج إلى مزيد من البحث، واللَّه العالم.

رفع التنافي بین كون العقل أول مخلوق

وأمّا السادسة: فيمكن الجواب عنها:

أوّلاً: بأنّ الأوّليّة نسبيّة، أي: بالنسبة إلى جملة من المخلوقين، لا جميعهم. فالعقل يكون أوّل مخلوق بالنسبة إلى الروحانيّين، كما ورد في صحيحة سماعة بن مهران: «أول خلق من الروحانيين عن يمين العرش»(1) ، مع أنّ نور النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) وأهل بيته كان قبل العرش، كما ورد:

«أنّ أوّل ما خلق اللَّه الهواء»(2) ، أي: في العالم غير المرئي. أو أوّل ما خلق اللَّه الماء(3) في العالم المرئي، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}(4) ، وعليه فالأوليّة نسبية.

وثانياً: بأن يقال: إنّ المراد من العقل هو النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)، كما تقدّم.

وفي الحديث جهات أخرى تركناها؛ خوفاً من الإطالة.

ص: 346


1- الكافي 1 : 21، كتاب العقل والجهل، ح 14.
2- تفسير القمّي 1 : 321، ومستدرك الوسائل 9 : 335، ب12، وجوب احترام الكعبة، ح11032، وفيه: «وكان عرشه على الماء، والماء على الهواء...».
3- الكافي 8 : 94، حديث أهل الشام.
4- الأنبياء، الآية 30.

سند الحديث:

للحديث ثلاثة طرق:

الأوّل: محمّد بن يعقوب، قال: حدّثني عدّة من أصحابنا، منهم: محمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم.

وهذا الطريق رجاله كلّهم ثقات أجلّاء، قد تقدّم ذكرهم.

الثاني: ما رواه البرقي في «المحاسن»، عن الحسن بن محبوب.

وهذا الطريق - أيضاً - صحيح بما تقدّم.

الثالث: ما رواه الصدوق في «المجالس»، عن محمّد بن موسى بن المتوكّل، عن عبد اللَّه بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب.

وهذا الطريق - أيضاً - رجاله كلّهم ثقات أجلّاء، قد تقدّم ذكرهم.

والحاصل إنّ هذا الحديث واضح الدلالة؛ حيث دلّ على أنّ الثواب والعقاب يدوران مدار وجود العقل وعدمه، كما أنّه صحيح السند بطرقه الثلاثة.

ص: 347

[63] 2 - وَعَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ رَزِينٍ، عَنْ محمّد بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلَ قَالَ لَهُ: أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ، ثمّ قَالَ لَهُ: أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ، فَقَالَ: وَعِزَّتِي مَا خَلَقْتُ خَلْقاً أَحْسَنَ مِنْكَ. إِيَّاكَ آمُرُ، وَإِيَّاكَ أَنْهَى، وَإِيَّاكَ أُثِيبُ، وَإِيَّاكَ أُعَاقِبُ»(1).

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنِ السِّنْدِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْعَلاءِ ابْنِ رَزِينٍ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

مضمون الحديث عين مضمون الحديث الأوّل، إلّا أنّه ذكر بدل «أحب»: «أحسن»، والتلازم فيهما ظاهر.

سند الحديث:

للحديث طريقان:

الأوّل: محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن ابن أبي نجران، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم.

وهذا الطريق وإن كان فيه سهل بن زياد الضعيف، إلّا أنّه يمكن

ص: 348


1- الكافي 1 : 26 ،كتاب العقل والجهل، ح 26.
2- المحاسن 1 : 306، ح 603. وفيه: عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه (علیهما السلام) .

تصحيحه بجهتين:

الأولى: أنّه قد شهد الكليني بصحّة روايات كتابه «الكافي»(1).

الثانية: ما يظهر من النجاشي، من أنّ كتب العلاء بن رزين كانت مشهورة، رواها جماعة(2).

والشيخ وإن ذكر أنّ لكتابه أربع نسخ(3)، ولكن لم يذكر الاختلاف بين تلك النسخ، وهذا خلاف عادتهم، ولو كان بين النسخ اختلاف فمن الممكن أن يكون تعدّد النسخ من جهة الترتيب والوضع، فبناء على ذلك لا يحتاج إلى الطريق، وعليه فهذا الطريق معتبر.

الثاني: ما رواه البرقي في «المحاسن»، عن السندي بن محمّد، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم.

وهذا الطريق - أيضاً - رجاله كلهم ثقات أجلّاء، قد تقدّم ذكرهم، سوى:

السندي بن محمّد: وهو أبان بن محمّد، قال عنه النجاشي: «المعروف بسندي البزاز»، «وهو ابن أخت صفوان بن يحيى، كان ثقة، وجهاً في أصحابنا الكوفيّين»(4)

وورد في «نوادر الحكمة»(5). فهذا الطريق صحيح.

ص: 349


1- انظر: الكافي 1 : 8 - 9 ، مقدمة المصنف.
2- رجال النجاشي: 298/811 .
3- فهرست الطوسي: 182/499.
4- رجال النجاشي 14/11، و187/497.
5- أصول علم الرجال 1 : 224 .

[64] 3 - وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عليّ بْنِ يَقْطِينٍ، عَنْ محمّد بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) قَالَ: «إِنَّمَا يُدَاقُّ اللَّهُ الْعِبَادَ فِي الْحِسَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى قَدْرِ مَا آتَاهُمْ مِنَ الْعُقُولِ فِي الدُّنْيَا»(1)1*).

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عليّ بْنِ يَقْطِينٍ، مِثْلَهُ(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

المداقّة هي: المناقشة في الحساب، والاستقصاء فيه(3).

ويدل هذا الحديث على أنّ اللَّه سبحانه وتعالى إنّما يحاسب الناس في يوم القيامة على قدر ما آتاهم من العقول في دار الدنيا، وعليه فمن كان عقله أكبر وأقوى كان أشدّ تكليفاً، وأكثر ثواباً. هذا، مع الالتفات إلى أنّ ضعف العقول وكمالها وإن أوجب الاختلاف في الدقّة في الحساب وفي الثواب، ولكن لا تختلف باختلافها التكاليف العامة، والأحكام الشرعيّة المتعلّقة بعامة الناس، بل المناط فيها هو: أصل العقل الخالي عن الخلل والضياع والفساد، وإن كان خفيفاً ناقصاً بالنسبة إلى بعض. وعليه فهذا

ص: 350


1- 1*) الكافي 1 : 11، كتاب العقل والجهل، ح 7.
2- 2*) المحاسن 1 : 310، ح 614.
3- مجمع البحرين 2 : 46 مادة «دقق»، ولسان العرب 10 : 102 مادة «دقق».

الحديث يدل بالأولويّة على أنّ من لا عقل له لا حساب عليه.

سند الحديث:

للحديث طريقان:

الأوّل: ما رواه الكليني، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن الحسن بن عليّ بن يقطين، عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود.

وقد تقدّم الكلام في العدّة، وأحمد بن محمّد بن خالد، ومحمّد بن سنان.

وأمّا الحسن بن عليّ بن يقطين: فقال عنه النجاشي: «كان فقيهاً، متكلّماً، روى عن أبي الحسن والرضا (علیهما السلام) ، وله كتاب مسائل أبي الحسن موسى (علیه السلام) »(1)

وذكر الشيخ نحوه(2)، ووثّقه في «رجاله»، وعدّه من أصحاب الرضا (علیه السلام) (3)

وورد في أسناد «نوادر الحكمة»، وروى عنه المشايخ الثقات(4)

وأمّا أبو الجارود: فهو زياد بن المنذر، قال عنه النجاشي: «أبو الجارود،

ص: 351


1- رجال النجاشي: 45/91.
2- فهرست الطوسي: 98/166.
3- رجال الطوسي: 354/5246.
4- أصول علم الرجال 1 : 218، و ج2 : 186 .

الهمداني، الخارفي، الأعمى ... كوفي، كان من أصحاب أبي جعفر، وروى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، وتغيّر لما خرج زيد(رضی الله عنه) ... له كتاب تفسير القرآن، رواه عن أبي جعفر (علیه السلام) »(1)

وقال الشيخ: «زياد بن المنذر، يكنّى أبا الجارود، زيديّ المذهب، وإليه تنسب الزيديّة الجاروديّة»(2)،

وعدّه في «رجاله» من أصحاب الباقر والصادق (علیهما السلام) (3)

وقال الكشّي: «أبو الجارود، زياد بن المنذر، الأعمى، السرحوب، وحكي: أنّ أبا الجارود سمّي سرحوباً، ونسبت إليه السرحوبيّة من الزيديّة، سمّاه بذلك أبو جعفر (علیه السلام) ، وذكر: أنّ سرحوباً اسم شيطان أعمى يسكن البحر، وكان أبو الجارود مكفوفاً أعمى، أعمى القلب»(4).

وذكر في حقه روايات ذامّة، وكلّها ضعيفة(5).

إلّا أنّ الظاهر أنّه ثقة؛ لما ورد في «الرسالة العدديّة» للشيخ المفيد من أنّه من الفقهاء الأعلام الرؤساء، المأخوذ منهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام، الذين لا يطعن عليهم، ولا طريق لذمّ واحد منهم(6) .

ص: 352


1- رجال النجاشي: 170/448.
2- فهرست الطوسي: 131/303.
3- رجال الطوسي: 135/1409، وص 208/2685.
4- اختيار معرفة الرجال 2 : 495/413.
5- المصدر نفسه 2: 495/ 413 - 416.
6- الرسالة العدديّة - ضمن مصنفات الشيخ المفيد 9 : 30.

[65] 4 - وَعَنْ عليّ بْنِ محمّد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ الأَحْمَرِ، عَنْ محمّد بْنِ سُلَيْمَانَ الدَّيْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِنَّ الثَّوَابَ عَلَى قَدْرِ الْعَقْلِ»، الْحَدِيثَ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

كما ورد في أسناد «تفسير القمي»، و«نوادر الحكمة»، وروى عنه المشايخ الثقات(2)

الثاني: ما رواه البرقي عن الحسن بن عليّ بن يقطين... الخ، وهو الطريق الأوّل نفسه.

وعلى هذا فالحديث - على كلا الطريقين - معتبر.

[4] - فقه الحديث:

لم يذكر المصنّف صدر الحديث وذيله، وصدره هكذا: قلت لأبي عبد اللَّه (علیه السلام) : فلان من عبادته ودينه وفضله، فقال: «كيف عقله»؟ قلت: لا أدري، قال: «إنّ الثواب على قدر العقل»، ثمّ ذكر قصّة العابد المشهورة.

ودلالته على أنّ الاعتبار في الثواب والعقاب على قدر العقل واضح، فكل من كان عقله كاملاً كان ثواب عمله أكثر، وكل من كان عقله ناقصاً كان ثواب عمله - أيضاً - قليلاً؛ لأنّ زيادة الثواب تابع لكمال العبادة، وكمال

ص: 353


1- الكافي 1 : 12 ، كتاب العقل والجهل، ح 8.
2- أصول علم الرجال 1 : 222 ، 290، و ج2 : 219 .

العبادة إنما هو بمعرفة المعبود وصفاته واستحقاقه للعبادة وحده دون غيره، ومعرفة حقيقة العبادة متوقّفة على صدورها عن خوف وخشية من اللَّه عزّوجلّ، ولا يحصل ذلك إلّا بزيادة العلم والعقل. فإذا كان الثواب الذي هو تفضّل من اللَّه عزّوجلّ لعباده على قدر عقولهم، فكيف بالعقاب الذي هو على سبيل الاستحقاق؟!

سند الحديث:

الظاهر أنّ عليّ بن محمّد بن عبد اللَّه هو: ابن بندار، الذي يعدّ من مشايخ الكليني، وهو ثقة، كما تقدّم.

وأمّا إبراهيم بن إسحاق الأحمر: فهو على ما قال النجاشي: «إبراهيم بن إسحاق، أبو إسحاق الأحمري، النهاوندي، كان ضعيفاً في حديثه، متهوماً، له كتب»(1).

وقال الشيخ: «كان ضعيفاً في حديثه، متّهماً في دينه»(2)،

وعدّه في «رجاله» ممّن لم يرو عنهم (علیهم السلام) ، وقال: «له كتب، وهو ضعيف»(3)

إلّا أنّ الوحيد البهبهاني(4) والسيد الأمين(5) وغيرهما قد وثّقوه، وحملوا

ص: 354


1- رجال النجاشي: 19/21.
2- فهرست الطوسي: 39/9.
3- رجال الطوسي: 414/5994.
4- في تعليقته على منهج المقال (المطبوعة معه) 1 : 264 - 265.
5- أعيان الشيعة 2 : 111.

الضعف على اتّهامه في مذهبه وارتفاعه، لا في حديثه.

بحث رجالي في محمّد بن سليمان الديلمي و أبیه

وأمّا محمّد بن سليمان الديلمي: فقال النجاشي عنه: «محمّد بن سليمان بن عبد اللَّه الديلمي، ضعيف جدّاً، لا يعوّل عليه في شي ء، له كتاب»(1)

وعدّه الشيخ في أصحاب الكاظم (علیه السلام) ، قائلاً: «له كتاب، يرمى بالغلو»(2)، وعدّه في أصحاب الرضا (علیه السلام) أيضاً، قائلاً: «محمّد بن سليمان الديلمي، بصري، ضعيف»(3)

وقد ذكره النجاشي في ترجمة أبيه سليمان بن عبد اللَّه، وقال: «إنّه لا يعمل بما تفرّد سليمان وابنه محمّد به من الرواية»(4).

وقال ابن الغضائري: «محمّد بن سليمان بن زكريا الديلمي، أبو عبد اللَّه، ضعيف في حديثه، مرتفع في مذهبه، لا يلتفت إليه»(5) .

إلّا أنّه وقع في أسناد «نوادر الحكمة»(6). وعليه فالجمع بين التوثيق والتضعيف - بحمل التضعيف على مذهبه ورميه بالغلو - مشكل.

ص: 355


1- رجال النجاشي: 365/987.
2- رجال الطوسي: 343/5109.
3- المصدر نفسه: 363/5389.
4- رجال النجاشي: 182/482.
5- معجم رجال الحديث 17 : 136/10900.
6- أصول علم الرجال 1 : 237 .

وأمّا أبوه: أي سليمان بن عبد اللَّه، فقد قال عنه النجاشي: «الديلمي، غمز عليه، وقيل: كان غالياً كذّاباً، وكذلك ابنه محمد، لا يعمل بما انفردا به من الرواية»(1)

وقال الكشّي: «محمد بن مسعود، قال: قال عليّ بن محمد: سليمان الديلمي من الغلاة الكبار»(2).

إلّا أنّه وقع في أسناد «تفسير القمي»(3)

وبهذا يظهر: أنّ ما ورد في حقه أخفّ وطأة ممّا ورد في حقّ ابنه، مع إمكان الجمع. إلّا أنّ السند مع ذلك ضعيف من جهة الأحمر ومحمد بن سليمان الديلمي. وعليه فهذا السند غير معتبر.

ص: 356


1- رجال النجاشي: 182/482.
2- اختيار معرفة الرجال 2 : 673/704.
3- أصول علم الرجال 1 : 281 .

[66] 5 - وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّوْفَلِيِّ، عَنِ السَّكُونِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم): إِذَا بَلَغَكُمْ عَنْ رَجُلٍ حُسْنُ حَالٍ فَانْظُرُوا فِي حُسْنِ عَقْلِهِ؛ فَإِنَّمَا يُجَازَى بِعَقْلِهِ»(1).

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنِ النَّوْفَلِيِّ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

هذا الحديث يدل على أنّ المدار في حسن حال الشخص، من فعل الصلاة والزكاة والصيام والحج والصدقات وغيرها من الأعمال الدينيّة والدنيويّة على حسن عقله، وأنّ العبد إذا حسن عقله حسنت أفعاله وصحّت أعماله؛ لأنّ المجازاة والمحاسبة على أفعال العباد - على الطاعات بالثواب، وعلى المعاصي بالعقاب - إنّما تكون على قدر عقله، وعلى هذا فثواب العالم أفضل من ثواب الجاهل، وإن كان الجاهل أعبد منه.

سند الحديث:

للحديث طريقان:

الأوّل: محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني.

ص: 357


1- الكافي 1 : 12 ، كتاب العقل والجهل، ح 9.
2- المحاسن 1 : 309، ح 612، وفيه: النوفلي وجهم بن حكيم المدائني، عن السكوني.

أمّا محمّد بن يعقوب وعلي بن إبراهيم وأبوه، فهم ثقات أجلّاء وقد تقدّم ذكرهم.

وأمّا الحسين بن يزيد النوفلي: فهو وإن لم يوثّق كما سبق منّا، إلّا أنّه ورد في أسناد «نوادر الحكمة»(1)

وأمّا من جهة وقوعه في «التفسير»(2) فلا يمكن الحكم بوثاقته بمجرد ذلك، كما تقدّم؛ لعدم شمول الشهادة له؛ لكونه يروي عن السكوني العامّي. وعليه فجميع الروايات التي يرويها النوفلي عن السكوني لا تكون مشمولة لشهادة عليّ بن إبراهيم في مقدّمة تفسيره.

وأمّا إسماعيل بن مسلم السكوني: فقد قال الشيخ في «العدّة»: «عملت الطائفة بما رواه حفص بن غياث وغياث بن كلوب ونوح بن درّاج والسكوني وغيرهم من العامّة عن أئمّتنا (علیهم السلام) »(3)،وعملهم لأجل أنّهم ثقات، كما أنه وورد في «النوادر»(4)، وعليه فهذا الطريق موثّق باعتبار السكوني.

الثاني: ما رواه البرقي في «المحاسن» عن النوفلي، عن السكوني.

وهذا الطريق - كسابقه - معتبر بما تقدّم.

ص: 358


1- أصول علم الرجال 1 : 220 .
2- المصدر نفسه 1 : 292 .
3- عُدة الاُصول 1 : 149.
4- أصول علم الرجال 1 : 250 .

[67] 6 - أَحْمَدُ بْنُ محمّد بْنِ خَالِدٍ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ عليّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ هِشَامٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلَ قَالَ لَهُ: أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ، ثمّ قَالَ لَهُ: أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ، ثمّ قَالَ: وَعِزَّتِي وَجَلالِي، مَا خَلَقْتُ خَلْقاً هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكَ. بِكَ آخُذُ، وَبِكَ أُعْطِي، وَعَلَيْكَ أُثِيبُ»(1).

[68] 7 - وَعَنْ أَبِيهِ، عَنْ محمّد بْنِ سِنَانٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ الْوَصَّافِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) قَالَ - فِي حَدِيثٍ - : «أَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى (علیه السلام) : أَنَا أُؤَاخِذُ عِبَادِي عَلَى قَدْرِ مَا أَعْطَيْتُهُمْ مِنَ الْعَقْلِ»(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

[6] - فقه الحديث:

مضمون هذا الحديث قد تقدّم في الحديثين الأول والثاني.

سند الحديث:

رجال الحديث كلهم ثقات أجلّاء، قد تقدّم ذكرهم، بما فيهم هشام بن سالم، فالسند معتبر.

[7] - فقه الحديث:

هذا الحديث - من جهة الدلالة - واضح؛ حيث يدلّ على أنّ العقاب على

ص: 359


1- المحاسن 1 : 307، ح 605.
2- 2*) المصدر نفسه 1 : 308، ح 608.

قدر العقل، وهو الميزان في الثواب والعقاب.

سند الحديث:

أحمد بن محمّد بن خالد البرقي ومحمد بن خالد البرقي ومحمد بن سنان: ثقات أجلّاء، قد تقدّم ذكرهم.

وأمّا قوله: «رجل»: فهو مجهول، وفي نسخة «الجامع»(1):

رجل من حمدان، من بني واعظ، وهو - أيضاً - لا يخرجه عن الجهالة.

وأمّا عبيداللَّه بن الوليد الوصّافي - وفي بعض النسخ: الرصافي، كما عن بعضها: «عبد اللَّه» بدل «عبيداللَّه»، والظاهر: أن الصحيح هو الأول؛ لأنّه المذكور في كتب الرجال - : فقد قال عنه النجاشي: «عبيد اللَّه بن الوليد الوصّافي، عربي، ثقة، يكنّى أبا سعيد، روى عن أبي جعفر وأبي عبد اللَّه (علیهما السلام) ، ذكره أصحاب كتب الرجال، له كتاب يرويه عنه جماعة»(2)

وقد ترجمه العامّة بهذا العنوان أيضاً؛ قال ابن حجر في «تهذيب التهذيب»: «عبيد اللَّه بن الوليد، الوصّافي، أبو إسماعيل، الكوفي. قال البخاري: هو من ولد الوصّاف بن عامر العجلي... قال أبو طالب عن أحمد: ليس بمحكم الحديث، يكتب حديثه للمعرفة. وقال ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم: ضعيف الحديث. وقال ابن معين مرّة: ليس بشي ء. وقال عمرو

ص: 360


1- جامع أحاديث الشيعة 1 : 469، ح 703.
2- رجال النجاشي: 231/613.

[69] 8 - وَعَنْ محمّد بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ وَهْبِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْعَقْلَ، فَقَالَ لَهُ: أَقْبِلْ، [فأقبل](1)، ثمّ قَالَ لَهُ: أَدْبِرْ [فأدبر](2)، (ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَقْبِلْ(3)، ثمّ قَالَ: لا(4) وَعِزَّتِي وَجَلالِي، مَا خَلَقْتُ شَيْئاً أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْكَ، لَكَ الثَّوَابُ، وَعَلَيْكَ الْعِقَابُ»(5).

-----------------------------------------------------------------------------

بن عليّ والنسائي في موضع آخر: ليس بثقة، ولا يكتب حديثه. وقال العقيلي: في حديثه مناكير، لا يتابع على كثير من حديثه»(6)

وعليه فهذا الحديث وإن كان من حيث الدلالة واضحاً، إلّا أنّه من حيث السند ضعيف ومرسل؛ لجهالة الراوي الذي لم يعلم سوى: أنّه من حمدان من بني واعظ. إلّا أنّه يظهر من النجاشي أنّ كتاب عبيد اللَّه بن الوليد الوصّافي معروف، فإذا كانت الرواية من كتابه، فالسند معتبر من هذه الجهة.

[8] - فقه الحديث:

مضمون هذا الحديث قد تقدّم في الحديث الأول.

ص: 361


1- أثبتناه من المصدر.
2- أثبتناه من المصدر.
3- ليس في المصدر.
4- في المصدر: «له»، بدل «لا».
5- المحاسن1 : 306، ح 602.
6- تهذيب التهذيب 7 : 50.

سند الحديث:

روى الحديث أحمد بن محمّد بن خالد البرقي في «المحاسن»، عن محمّد بن علي، عن وهب بن حفص، عن أبي بصير.

أمّا أحمد بن محمّد بن خالد البرقي وأبو بصير: فهما من الثقات الأجلّاء، وقد تقدّم الكلام فيهما.

وأمّا محمّد بن علي: فهو مشترك بين جماعة - في هذه الطبقة - يزيدون على العشرين، ولكنّ المشهور منهم والذي يروي عنه البرقي سبعة، وهم:

1 - محمّد بن عليّ الهمداني.

2 - محمّد بن عليّ بن إبراهيم القرشي، أبو سمينة، وهو ضعيف جدّاً.

3 - محمّد بن عليّ بن حمزة، له مكاتبة، روى عن أبي الحسن وأبي محمد (علیهما السلام) ، وهو ثقة عين.

4 - محمّد بن عليّ بن الحسين، له نسخة، ومكاتبة عن أبي الحسن (علیه السلام) أيضاً.

5 - محمّد بن عليّ الصيرفي، له كتاب، روى عنه ابن سنان، وروى عنه أحمد بن أبي عبد اللَّه.

6 - محمّد بن عليّ القمّي.

7 - محمّد بن عليّ الكوفي، روى عنه أحمد بن أبي عبد اللَّه في «مشيخة الفقيه»، وهو متّحد مع الصيرفي، كما سيأتي في محلّه.

ص: 362

[70] 9 - وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا رَفَعَهُ عَنْهُمْ (علیهم السلام) - فِي حَدِيثٍ - : «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْعَقْلَ، فَقَالَ لَهُ: أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ، ثمّ قَالَ لَهُ: أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ، فَقَالَ: وَعِزَّتِي وَجَلالِي، مَا خَلَقْتُ شَيْئاً أَحْسَنَ مِنْكَ، وَأَحَبَّ إِلَيَّ مِنْكَ، بِكَ آخُذُ، وَبِكَ أُعْطِي»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

والحاصل: أنّه بهذا العنوان مشترك بين جماعة فيهم الضعيف جدّاً، والثقة، والمجهول.

والمذكور في سند هذا الحديث يحتمل انطباقه على محمّد بن عليّ الهمداني؛ بقرينة المروي عنه، وهو وهب بن حفص؛ فإنّه ورد في طريق الصدوق في «المشيخة»(2)

إلى كتابه. وهو وإن عُدَّ من الوكلاء، ولكن ضعّفه الشيخ(3)

، واستثناه ابن الوليد من «نوادر الحكمة»(4).

وعليه فالسند ضعيف.

[9] - فقه الحديث:

قد تقدّم مضمون الحديث في الحديث الأول من هذا الباب.

ص: 363


1- المحاسن 1 : 309، ح611.
2- من لا يحضره الفقيه 4 : 465 ، المشيخة .
3- فهرست الطوسي: 222/622، ورجال الطوسي: 438/6264.
4- أصول علم الرجال 1 : 203 .

أَقُولُ: وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

المستفاد من أحادیث الباب

سند الحديث:

هذا الحديث رواه أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، عن بعض أصحابنا، وهو مجهول. ومضافاً إلى ذلك فالحديث مرفوع أيضاً. وعليه فهذا السند غير معتبر.

والحاصل: أنّ في هذا الباب تسعة أحاديث، خمسة منها معتبرة، وأربعة غير معتبرة.

ويستفاد من الأحاديث المتقدّمة أمور:

الأوّل: أنّ الثواب والعقاب مشروطان بالعقل.

ص: 364


1- يأتي في: أ - الحديث 11 من الباب التالي. ب - الباب 3 من أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه، من كتاب الزكاة. ج - الباب 4 من أبواب زكاة الفطرة من كتاب الزكاة. د - الباب 46 من أبواب أحكام الوصايا من كتاب الوصايا. ه- - البابين 32 و 34 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه من كتاب الطلاق. و - البابين 20 و 21 من كتاب العتق. ز - الباب 8 و 19 من أبواب مقدمات الحدود وأحكامها العامة من كتاب الحدود والتعزيرات. ح - الباب 21 من أبواب حدّ الزنا من كتاب الحدود والتعزيرات. ط - الباب 36 من أبواب القصاص في النفس من كتاب القصاص.

الثاني: أنّ زيادة الثواب على قدر العقل.

الثالث: أنّ المداقّة في الحساب على قدر العقل.

الرابع: أنّ أحبّ وأحسن الخلق إلى اللَّه هو العقل.

الخامس: أنّ التكليف منوط بوجود العقل.

السادس: أنّ ثواب العالم أكثر من ثواب الجاهل، وإن كان الجاهل أعبد منه.

ص: 365

ص: 366

4 - باب اشتراط التكليف بالوجوب والتحريم بالاحتلام أو الإنبات مطلقاً، أو بلوغ الذكر خمس عشرة سنة، والأنثى تسع سنين، واستحباب تمرين الأطفال على العبادة قبل ذلك

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

4 - باب اشتراط التكليف بالوجوب والتحريم بالاحتلام أو الإنبات

مطلقاً، أو بلوغ الذكر خمس عشرة سنة، والاُنثى تسع سنين،

واستحباب تمرين الأطفال على العبادة قبل ذلك

شرح الباب:

لا إشكال ولا شبهة في أنّ الأحكام الشرعية - من المحرّمات والواجبات - مشروطة ببلوغ الإنسان، الذي به يخرج عن حالة الطفولة والصبا وعدم القيد إلى حالة الرجولة والإلزام والالتزام، وهذا أمر متّفق عليه بين الخاصّة والعامّة. نعم، قد وقع الخلاف في تحديد حدّ البلوغ.

قال في «الجواهر»: «... فإنّ العلماء مع اختلافهم في حدّ البلوغ بالسنّ مجمعون على أنّ البلوغ الرافع للحجر هو الذي يثبت به التكليف، وأنّ الذي يثبت به التكليف في العبادات هو الذي يثبت به التكليف في غيرها، وأنه لا فرق بين الصلاة وغيرها من العبادات فيه، بل هو أمر ظاهر في الشريعة، معلوم من طريقة فقهاء الفريقين، وعمل المسلمين في الأعصار والأمصار من غير نكير، ولم يسمع منهم تقسيم الصبيان بحسب اختلاف مراتب السن،

ص: 367

بأنْ يكون بعضهم بالغاً في الصلاة مثلاً، غير بالغ في الزكاة...»(1)

والبلوغ يكون بأسباب ذكر منها صاحب «الوسائل» في هذا الباب ثلاثة: الإنبات مطلقاً، وإكمال خمس عشرة سنة للذكر، وإكمال تسع في الأنثى، والاحتلام.

الأقوال:

أمّا العلامة الأولى - وهي الإنبات - : فالمراد بها: ظهور الشعر الخشن على العانة. والظاهر أنّ هذا التحديد إجماعي، لا خلاف فيه. ويدل عليه - أيضاً - الأخبار التي ستأتي عن قريب.

قال في «مفتاح الكرامة»: «وهو خيرة المبسوط والخلاف وحجر التذكرة وكشف الحقّ وجامع المقاصد، وهو ظاهر الإيضاح. وفي المسالك: أنّه المشهور. وفي الخلاف: أنّ عليه إجماع الفرقة وأخبارهم. وفي كشف الحق: أنه مذهب الإمامية. وفي التذكرة: أنّه دليل على البلوغ في حقّ المسلمين والكفار عند علمائنا أجمع»(2) وظاهر إطلاق كلامهم عدم الفرق في هذه العلامة بين الذكر والأنثى.

قال في «مفتاح الكرامة»: «أمّا أنّه لافرق في ذلك بين الذكر والأنثى، فهو المعلوم من معاقد الإجماعات والفتاوي؛ لمكان الإطلاقات، وتنقيح المناط،

ص: 368


1- جواهر الكلام 26 : 41.
2- مفتاح الكرامة 5 : 235.

من الحسنة أو الإجماع المركب»(1) .

هذا كله بالنسبة إلى الشعر الخشن على العانة، وأمّا بقيّة أقسام الشعر، كشعر الإبط والشارب واللحية، فهل تكون دليلاً شرعيّاً على البلوغ، أو لا ؟

المشهور عدم اعتبار غير شعر العانة، مثل الإبط والفخذ وغيرهما، بل ظاهرهم الإجماع في غير شعر اللحية.

قال في «المبسوط»: «ولا خلاف أنّ إنبات اللحية لا يحكم بمجرّده بالبلوغ، وكذا سائر الشعور» (2).

وفي «المسالك» في كتاب الحجر: «لا عبرة بغير شعر العانة عندنا»(3).

وفي «التذكرة»: «ولا اعتبار بشعر الإبط عندنا»(4)

ولكن في «التحرير» استقرب كون نبات اللحية دليلاً، دون غيره من الشعور(5)

وفي «الروضة» قال: «وفي إلحاق اخضرار الشارب ونبات اللحية بالعانة قول قويّ»(6)

ص: 369


1- مفتاح الكرامة: 237.
2- المبسوط 2 : 251، كتاب الحجر.
3- مسالك الأفهام 4 : 141.
4- التذكرة 14 : 189، المسألة 399.
5- تحرير الأحكام 2 : 535، كتاب الحجر.
6- الروضة البهية 2 : 145، كتاب الصوم، المسألة الخامسة عشرة.

والذي يظهر من صاحب «الوسائل»: أنّه يرى: أنّ الإنبات مطلقاً علامة على البلوغ، ومال إليه صاحب «الحدائق»(1) .

وأمّا العامة، فقد اختلفوا في المسألة:

قال النووي في «المجموع»: «فأمّا الإنبات، فمنهم من قال: يستدلّ به على البلوغ، روي عن ابن القاسم وسالم، وقاله مالك مرّة، والشافعي في أحد قوليه، وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور. وقيل: هو بلوغ، إلّا أن يحكم به في الكفار، فيقتل من أنبت، ويجعل من لم ينبت في الذراري، قاله الشافعي في القول الآخر؛ لحديث عطية القرظي. ولا اعتبار في الخضرة والزغب، وإنّما يترتّب الحكم على الشعر. وقال مالك: العمل عندي على حديث عمر بن الخطاب: لو جرت عليه المواسى لحددته. قال أصبغ: قال لي ابن القاسم: وأحب إليَّ أن لا يقام عليه الحد إلّا باجتماع الإنبات والبلوغ»(2)

وقال في «المغني»: «عن أبي حنيفة: لا اعتبار به؛ لأنّه نبات شعر، فأشبه نبات شعر سائر البدن»(3) .

وقال في «روضة الطالبين»: «ثم المعتبر: شعر خشن يحتاج في إزالته إلى حلق. فأمّا الزغب والشعر الضعيف الذي قد يوجد في الصغر، فلا أثر له. وأما شعر الإبط واللحية والشارب، فقيل كالعانة. وقيل: لا أثر لها قطعاً.

ص: 370


1- الحدائق الناظرة 20 : 347، كتاب الحجر.
2- المجموع 13 : 362.
3- المغني 4 : 509، كتاب الحجر، الفصل الثالث.

وألحق صاحب التهذيب الإبط بالعانة، دون اللحية والشارب»(1).

وأمّا العلامة الثانية الدالة على البلوغ - وهي السن - : ففيها خلاف بين العلماء، والمشهور منهم ذهبوا إلى تحديد سنّ البلوغ في الذكر بخمس عشرة سنة، وفي الأنثى بتسع سنين، بل ادّعي الإجماع في كلمات كثير منهم قدّس اللَّه أسرارهم.

قال في «الجواهر»: «على المشهور بين الأصحاب في المقام شهرة عظيمة، كادت تكون إجماعاً، كما اعترف بذلك في المسالك، بل نقلها مستفيض أو متواتر، كالإجماع صريحاً وظاهراً، على ما في مفتاح الكرامة، حيث قال: كادت تبلغ إجماعات المسألة اثني عشر إجماعاً، من صريح وظاهر ومشعر به، بل هو معلوم.

وربّما يشهد له التتبّع، بل ربّما يزيد على ذلك، مع إطلاق الإشعار؛ لأنّه كما حكاه العلّامة الطباطبائي عن صريح الغنية، والظاهر كالنص عن الخلاف والتذكرة، وظاهر مجمع البيان، وكنز العرفان، وكنز الفوائد، والمسالك، والمسالك الجواديّة، وتلويح المنتهى، وكشف الرموز، وتلخيص الخلاف، ونقد الشرايع. وقضيّة انحصار المخالف في ابن الجنيد على ما يظهر من المختلف والمهذّب البارع وشرح الشرايع وغوالي اللئالي - وهو مع أنّه معلوم النسب - لا يقدح في الإجماع، خصوصاً مع ضعف مأخذه، وشدة وهنه، وشذوذه...».

ص: 371


1- روضة الطالبين 3 : 412.

وقال في تحديد سنّ الاُنثى بتسع: «على المشهور بين الأصحاب، بل هو الذي استقرّ عليه المذهب، خلافاً للشيخ في صوم المبسوط، وابن حمزة في خمس الوسيلة، فبالعشر. إلّا أنّ الشيخ قد رجع عنه في كتاب الحجر، ووافق المشهور، وكذا الثاني في كتاب النكاح منها» (1)

وقال في «السرائر» - في أوائل كتاب الصيام: - «وهو الصحيح الظاهر في المذهب؛ لأنّه لا خلاف بينهم أنّ حدّ بلوغ المرأة تسع سنين»(2)

وأمّا العامة، فمشهورهم ذهبوا إلى تحديد البلوغ في الذكر والأنثى بخمس عشرة سنة.

قال في «المغني»: «وأمّا السن، فإنّ البلوغ به في الغلام والجارية بخمس عشرة سنة. وبهذا قال الأوزاعي والشافعي وأبو يوسف ومحمد. وقال داود: لا حدّ للبلوغ من السنّ؛ لقوله (علیه السلام) رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتّى يحتلم. وإثبات البلوغ بغيره يخالف الخبر، وهذا قول مالك. وقال أصحابه:

سبع عشرة أو ثماني عشرة»(3) .

وقال في «المجموع»: «فأمّا الإنبات والسن، فقال الأوْزاعي والشافعي وابن حنبل: خمس عشرة سنة بلوغ لمن لم يحتلم، وهو قول ابن وهب وأصبغ وعبد الملك بن الماجشون وعمر بن عبد العزيز وجماعة من أهل

ص: 372


1- جواهر الكلام 26 : 16و 38 ، كتاب الحجر.
2- السرائر 1 : 371.
3- المغني 4 : 514.

المدينة، واختاره ابن العربي في أحكام القرآن. وتجب الحدود والفرائض عندهم على من بلغ هذه السن... وعن أبي حنيفة رواية أخرى: تسع عشرة، وهي الأشهر. وقال في الجارية: بلوغها لسبع عشرة سنة، وعليها النظر. وقال داود الظاهري: لا يبلغ بالسنّ ما لم يحتلم، ولو بلغ أربعين»(1).

وأمّا العلامة الثالثة - وهي الاحتلام، والمراد به: خروج المني من الذكر أو الأنثى، سواء خرج في نوم أو يقظة، بجماع أو احتلام أو غيرهما- : فلا خلاف - أيضاً - بين جميع المذاهب الإسلامية في كونه دليلاً على البلوغ.

قال في «التذكرة»: «الاحتلام - وهو خروج المني، وهو الماء الدافق الذي يخلق منه الولد - بلوغ في الرجل والمرأة عند علمائنا أجمع، ولا نعلم فيه خلافاً»(2)

وقال: «أجمع العلماء كافة على أنّ الفرائض والأحكام تجب على المحتلم العاقل.

مسألة: ولا فرق في إفادة خروج المني البلوغ بين الرجال والنساء، كما في الشعر عند عامّة أهل العلم، وللشافعي قول: إنّ خروج المني من النساء لا يوجب بلوغهن؛ لأنّه نادر فيهن، ساقط العبرة»(3).

وأمّا مختار العامة، فيعرف من نقل العلامة، بأنّ المخالف ينحصر في

ص: 373


1- المجموع 13 : 362.
2- التذكرة 14 : 188، مسألة 400.
3- المصدر نفسه.

الشافعي فقط.

السّر في عدم عدّ الحیض و الحمل من علائم البلوغ

قال في «روضة الطالبين»: «المني لا يكون بلوغاً في النساء؛ لأنّه نادر فيهن. وعلى هذا قال الإمام: الذي يتّجه عندي أنّه لا يلزمها الغسل. وهذا الوجه شاذ، وفيما قاله الإمام نظر»(1).

فالمتحصّل من مجموع كلماتهم: أنّ البلوغ الشرعي - الذي هو مناط وجوب العبادات الشرعيّة - يعلم بالاحتلام، وبالسنّ، وبالإنبات. وهذه العلامات الثلاث يشترك فيها الرجال والنساء، كما عرفت سابقاً.

وهناك علامتان مختصّتان بالنساء لم يذكرهما صاحب «الوسائل» في عنوان الباب، وهما: الحيض والحمل.

ولعلّ عدم ذكره إيّاهما من جهة: أنّ الحيض والحمل ليسا دليلين على البلوغ، بل هما كاشفان عن سبق البلوغ عليهما. فالحيض لا يكون قبل بلوغ تسع سنين، فلا يتحقّق الحيض إلّا بعد كمالها، فإن رأته قبلها لم يكن حيضاً، وإن رأته بعدها فقد بلغت بها، فتنتفي فائدته في حقها، فيحكم بكونه علامة على سبقه.

نعم، إنّما يعدّ علامة في حقّ المجهولة السن.

وأمّا الحمل، فإنّه مسبوق بالإنزال؛ لأن الولد إنّما يتخلّق من المائين - أي: ماء الرجل وماء المرأة - لقوله تعالى: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ}(2)؛

ص: 374


1- روضة الطالبين 3 : 412.
2- الطارق، الآية 7.

[71] 1 - محمّد بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِنَّ أَوْلادَ الْمُسْلِمِينَ مَوْسُومُونَ(1) عِنْدَ اللَّهِ: شَافِعٌ وَمُشَفَّعٌ فَإِذَا بَلَغُوا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً كُتِبَتْ(2) لَهُمُ الْحَسَنَاتُ، فَإِذَا بَلَغُوا الْحُلُمَ كُتِبَتْ عَلَيْهِمُ السَّيِّئَاتُ»(3).

-----------------------------------------------------------------------------

ولقوله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ}(4).

وعلى هذا فلا يبعد عدّهما علامتين على سبقه.

قال في «الحدائق»: «ومنها: الحيض والحبل للأنثى، بغير خلاف يعرف في ذلك، ولا في كونهما دليلين على سبقه»(5) .

وقد جمع صاحب «الجواهر» مجموعة من الروايات الدالّة على عدم كونهما بلوغاً، لا يسع المجال لذكرها، فليراجعها مَن أحبّ(6) .

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث صراحة على أنّ أولاد المسلمين قبل بلوغهم الحلم لا

ص: 375


1- الموسوم : المتحلّي بسمة معينة. (لسان العرب 12 : 636 مادة «وسم»).
2- في نسخة: كانت. (منه (قدس سره) ).
3- الكافي 6 : 3 ، باب فضل الولد، ح 8 .
4- الإنسان، الآية 2.
5- الحدائق الناضرة 20 : 350.
6- جواهر الكلام 26 : 43.

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي كِتَابِ «التَّوْحِيدِ»، عَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مَعْرُوفٍ، عَنْ محمّد بْنِ سِنَانٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ، مِثْلَهُ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

تكتب عليهم السيّئات، وأنّ قلم كتابة السيئات مرفوع عنهم، فيكون قوله (علیه السلام) كناية عن عدم كونهم مكلّفين بالأحكام الإلزاميّة، التي كانت مخالفتها موجبة للسيّئة قبل بلوغهم الحلم.

وظاهرها أيضاً - لأجل قوله (علیه السلام) : «كتبت لهم الحسنات» - عدم كتابة شي ء لهم قبل بلوغ اثنتي عشرة سنة.

وقوله (علیه السلام) : «إنّ أولاد المسلمين موسومون عند اللَّه: شافع» يراد به: أنّهم يشفعون في يوم القيامة لمن ربّاهم وأحبّهم أو أصيب فيهم، وأمّا «ومشفَّع» - بفتح الفاء -

فيراد به: الذي يشفع فتقبل شفاعته؛ تكريماً لإسلام آبائهم وأمهاتهم.

وعليه فهذا الحديث يتضمّن كتابة الحسنات قبل بلوغ الحلم، وكتابة السيّئات بعده.

سند الحديث:

للحديث طريقان:

الأوّل: موثق بطلحة بن زيد. وأمّا محمّد بن يعقوب ومحمد بن يحيى

ص: 376


1- التوحيد: 392، ح 3.

وأحمد بن محمّد بن عيسى، فقد تقدّموا، وهم ثقات أجلّاء.

وأمّا محمّد بن يحيى - الذي يروي عنه أحمد بن محمّد بن عيسى في هذه الرواية - : فهو وإن كان مردّداً بين محمّد بن يحيى الخزّاز الذي قال النجاشي عنه: «كوفي، روى عن أصحاب أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، ثقة، عين»(1) ، وبين محمّد بن يحيى الخثعمي، وهو ثقة أيضاً، لكنّ الظاهر: أنّ اللفظ ينصرف عند الإطلاق إلى الخزّاز؛ لاشتهاره، وهو ممّن له كتاب. والخثعمي وإن كان له كتاب أيضاً، إلّا أنّه لاريب في أنّ الخزّاز هو الأشهر، حتّى أنّ الشيخ ترجمه في «الفهرست» من دون أن يذكره مقيّداً بالخزاز.

وأمّا طلحة بن زيد: فهو عامّي، لم يوثّق صريحاً في كتب الرجال، إلّا أنّ الشيخ (قدس سره) ذكر في «الفهرست» ما لفظه: « إلّا أنّ كتابه معتمد»(2)

، وعلى هذا فقد يقال: لا معنى لاعتبار الكتاب إلّا كون صاحبه ممّن يعتمد عليه.

هذا، مضافاً إلى وقوعه في أسناد «نوادر الحكمة»، ورواية المشايخ الثقات عنه(3)،

فيكون حينئذٍ معتبراً.

الثاني: كذلك؛ لأنّ رجاله كلهم ثقات، وقد تقدّمت ترجمتهم، بما فيهم محمّد بن سنان، الذي اخترنا وثاقته، ورجّحنا الأخذ بروايته. وعليه فهذا الطريق - أيضاً - معتبر.

ص: 377


1- رجال النجاشي: 359/964.
2- فهرست الطوسي: 149/372.
3- أصول علم الرجال 1 : 225، و ج2 : 197.

[72] 2 - وَعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعَبْدِيِّ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ حُمْرَانَ، عَنْ حُمْرَانَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (علیه السلام) : قُلْتُ لَهُ: مَتَى يَجِبُ عَلَى الْغُلامِ أَنْ يُؤْخَذَ بِالْحُدُودِ التَّامَّةِ، وَتُقَامَ عَلَيْهِ، وَيُؤْخَذَ بِهَا؟ قَالَ: «إِذَا خَرَجَ عَنْهُ الْيُتْمُ وَأَدْرَكَ»، قُلْتُ: فَلِذَلِكَ حَدٌّ يُعْرَفُ بِهِ؟ فَقَالَ: «إِذَا احْتَلَمَ، أَوْ بَلَغَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، أَوْ أَشْعَرَ أَوْ أَنْبَتَ قَبْلَ ذَلِكَ، أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الْحُدُودُ التَّامَّةُ، وَأُخِذَ بِهَا، وَأُخِذَتْ لَهُ»، قُلْتُ: فَالْجَارِيَةُ مَتَى تَجِبُ عَلَيْهَا الْحُدُودُ التَّامَّةُ، وَتُؤْخَذُ بِهَا، وَيُؤْخَذُ لَهَا(1)؟ قَالَ: «إنَّ الْجَارِيَةَ لَيْسَتْ مِثْلَ الْغُلامِ. إِنَّ الْجَارِيَةَ إِذَا تَزَوَّجَتْ وَدُخِلَ بِهَا وَلَهَا تِسْعُ سِنِينَ ذَهَبَ عَنْهَا الْيُتْمُ، وَدُفِعَ إِلَيْهَا مَالُهَا، وَجَازَ أَمْرُهَا فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ، وَأُقِيمَتْ عَلَيْهَا الْحُدُودُ التَّامَّةُ، وَأُخِذَ لَهَا بِهَا»، قَالَ: «وَالْغُلامُ لا يَجُوزُ أَمْرُهُ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ، وَلا يَخْرُجُ مِنَ الْيُتْمِ، حتّى يَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، أَوْ يَحْتَلِمَ، أَوْ يُشْعِرَ أَوْ يُنْبِتَ قَبْلَ ذَلِكَ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

الحديث ظاهر في أنّ الحدود التامّة والقصاص وغيرها من الأحكام لا تقام على الغلام غير البالغ، إلّا إذا بلغ وخرج عن اليتم، وأن البلوغ والخروج

ص: 378


1- في المصدر: وتؤخذ لها، ويؤخذ بها.
2- الكافي 7 : 197 ، باب حدّ الغلام والجارية، ح 1.

وَرَوَاهُ محمّد بْنُ إِدْرِيسَ فِي آخِرِ «السَّرَائِرِ»، نَقْلاً مِنْ كِتَابِ «الْمَشِيخَةِ» لِلْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ أَسْقَطَ قَوْلَهُ: عَنْ حُمْرَانَ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

عن اليتم إنّما يكون بإكمال خمس عشرة سنة، أو بالاحتلام، أو بإنبات الشعر. كما يدل الحديث على أنّ المرأة إذا أكملت تسع سنين جاز أمرها، وأقيمت عليها الحدود، ووجبت عليها الفرائض.

وأمّا ما أشار إليه الحديث من أنّ الجارية إذا تزوّجت ودُخِل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم، ودفع إليها مالها، وجاز أمرها في الشراء والبيع، وأقيمت عليها الحدود التامّة، فهي أمور تترتّب على البلوغ، ومن لوازمه. فالدخول بالمرأة لا يكون إلّا بعد بلوغها، أي: وصولها إلى مرحلة النضج الجنسي، بحيث تكون قابلة للدخول بها. وما يترتّب على ذلك من الحمل وغيره يتحقّق ببلوغها تسع سنين. فالزواج والدخول بها وذهاب اليتم ونحوها هي أمور تترتّب على البلوغ الشرعي، لا أنّ البلوغ يتحقّق بها.

وعلى هذا فالبلوغ المعتبر في الرجل والمرأة الموجب لترتّب جميع الأحكام الشرعية إنّما يعلم تحقّقه بأحد أمور: الاحتلام، والإنبات، والسنّ، وهو في الرجل إتمام خمس عشرة سنة، وفي المرأة تسع سنين، ومتى نقص عن ذلك لم يتحقّق البلوغ الذي هو مناط التكاليف الشرعيّة.

ص: 379


1- السرائر 3 : 634، المستطرفات من مشيخة السرّاد.

بقي شي ء:

وهو أنّ هذ الحديث جعل مطلق الإشعار علامة على البلوغ، وأنّه بمجرّد خروج الشعر يصدق هذا العنوان، سواء في ذلك شعر الوجه أو الشارب أو الصدر أو العانة.

سند الحديث:

للحديث طريقان:

الأوّل: طريق الكليني، وفيه: محمّد بن يحيى العطار، وأحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري، والحسن بن محبوب، وكلهم ثقات قد تقدّموا.

وأمّا عبد العزيز العبدي: فقد نصّ على ضعفه النجاشي في ترجمته قائلاً: «عبد العزيز العبدي، كوفي، روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، ضعيف»(1) .

نعم، في بعض نسخ «السرائر» ذكر عبد العزيز القندي(2)

بدل العبدي، وهو مهمل، ليس له ذكر في كتب الرجال.

وأمّا حمزة بن حمران: فلم يرد فيه توثيق في كتب الرجال؛ قال النجاشي: «روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، وأخوه - أيضاً - عقبة بن حمران روى عنه، له كتاب يرويه عدّة من أصحابنا»(3)

ص: 380


1- رجال النجاشي: 244/ 641.
2- السرائر 3 : 634، المستطرفات من مشيخة السرّاد.
3- رجال النجاشي: 140/365.

وذكره الشيخ في أصحاب الإمامين الباقر والصادق (علیهما السلام) (1)

نعم، روى عنه بعض المشايخ الثقات، الذين لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة، وورد في «نوادر الحكمة»(2)

؛ فيمكن الحكم بوثاقته لأجل ذلك.

وأمّا حمران: فهو حمران بن أعين الشيباني، أخو زرارة، يكنّى أبا الحسن، عدّه الشيخ من السفراء الممدوحين(3)

وأورد الكشّي في «رجاله» روايات في مدحه(4)

وورد في «التفسير»، وروى عنه المشايخ الثقات(5)

وعليه فهذا الطريق ضعيف؛ لوجود عبد العزيز العبدي، إلّا أن يقال: بأنّ كتاب حمزة بن حمران مشهور ومعروف؛ فإنّ النجاشي ذكر أنّه «يرويه عدّة من أصحابنا»(6)،

فلا يضرّ ضعف الطريق بالعبدي، ويكون السند معتبراً.

الثاني: ما رواه محمّد بن إدريس في آخر «السرائر»، نقلاً من كتاب «المشيخة» للحسن بن محبوب، مثله، أي: عن عبد العزيز العبدي، عن حمزة بن حمران(7).

ص: 381


1- رجال الطوسي: 132/1367، و 190/2348.
2- أصول علم الرجال 1 : 221، و ج2 : 189.
3- الغيبة: 346.
4- اختيار معرفة الرجال 1 : 412.
5- أصول علم الرجال 1 : 280، و ج2 : 189 .
6- رجال النجاشي: 140/365.
7- السرائر 3 : 634، المستطرف من كتاب المشيخة للسرّاد.

وهذا الطريق، حاله كسابقه.

وأمّا محمّد بن إدريس: فهو الشيخ أبو عبد اللَّه محمّد بن إدريس العجلي، الحلّي. قال الشيخ الحرّ في «تذكرة المتبحّرين»: «وقد أثنى عليه علماؤنا المتأخّرون، واعتمدوا على كتابه، وعلى ما رواه في آخره من كتب المتقدّمين، وأصولهم»(1)

وهو وإن كان فيه كلام مذكور في محلّه، إلّا أنّ جلالة قدره ووثاقته أمر غنيّ عن البيان، ومن شاء الزيادة فليراجع مظانّه.

سند ابن إدريس الحلي إلى كتاب «المشيخة» للحسن بن محبوب

وأمّا سند ابن إدريس إلى كتاب «المشيخة» للحسن بن محبوب فهو عبارة عمّا يتلفّق من سنده إلى الشيخ الطوسي، وسند الشيخ الطوسي إلى مشيخة الحسن بن محبوب.

أمّا بالنسبة إلى سند ابن إدريس إلى الشيخ فقد ذكرنا في «أصول علم الرجال»(2): أنّه يعلم طريقه إلى الشيخ من خلال ما ذكره العلّامة والشهيد الثاني والمحقّق الكركي والمجلسي الأول وغيرهم في سلسلة الإجازات المذكورة في «البحار»؛ إذ ورد في هذه الإجازات: أنّ ابن إدريس يروي جميع مصنّفات ومرويّات الشيخ، وبما أنّ هذه الإجازات كثيرة ولا يسع المجال لذكرها، فنقتصر هنا على إجازة المجلسي الأول للميرزا إبراهيم بن كاشف الدين محمّد اليزدي؛ إذ قال فيها:

ص: 382


1- معجم رجال الحديث 16 : 67/10214.
2- أصول علم الرجال 1 : 192 - 196 .

«وعن الشيخ شاذان، والشيخ محمّد بن إدريس، عن الشيخ الأجلّ الأعظم أبي القاسم العماد محمّد بن أبي القاسم الطبري، عن الشيخ الأجلّ الأعظم الفقيه النبيه أبي عليّ الحسن الطوسي، عن أبيه شيخ الطائفة وملاذ علماء الإماميّة سند المذهب محمّد بن الحسن الطوسي بكتبه ورواياته»(1)

وهذا الطريق معتبر.

وأمّا سند الشيخ الطوسي إلى «مشيخة» الحسن بن محبوب فله طرق عديدة، أحدها: ما ذكره في «الفهرست» حيث قال: «أخبرنا بجميع كتبه ورواياته عدّة من أصحابنا، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي، عن أبيه، عن سعد بن عبد اللَّه، عن الهيثم بن أبي مسروق، ومعاوية بن حكيم، وأحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب»(2).

وهذا الطريق صحيح أيضاً. وبهذا نبني على صحّة طريق ابن إدريس إلى مشيخة الحسن بن محبوب، وعليه فهذا السند معتبر.

ص: 383


1- بحار الأنوار 107 : 70.
2- فهرست الطوسي: 97/162.

[73] 3 - وَبِالإِسْنَادِ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْخَرَّازِ، عَنْ يَزِيدَ الْكُنَاسِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «الْجَارِيَةُ إِذَا بَلَغَتْ تِسْعَ سِنِينَ ذَهَبَ عَنْهَا الْيُتْمُ، وَزُوِّجَتْ، وَأُقِيمَتْ عَلَيْهَا الْحُدُودُ التَّامَّةُ لَهَا وَعَلَيْهَا»، الْحَدِيثَ(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

هذا الحديث من جهة المضمون والاستدلال كالحديث السابق.

نعم، لهذا الحديث تكملة لم يذكرها صاحب «الوسائل» في هذا الباب، وهي هكذا: قال: قلت: الغلام إذا زوّجه أبوه ودخل بأهله وهو غير مدرك، أتقام عليه الحدود على تلك الحالة ؟ قال: «أمّا الحدود الكاملة التي يؤخذ بها الرجال فلا، ولكن يجلد في الحدود كلها على مبلغ سنّه، فيؤخذ بذلك ما بينه وبين خمس عشرة سنة. ولا تبطل حدود اللَّه في خلقه، ولا تبطل حقوق المسلمين بينهم». وسيتّضح شرح تمام كلامه (علیه السلام) في الحديث الآتي.

سند الحديث:

قوله: «وبالإسناد» إحالة إلى الإسناد المتقدّم، وهو: محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، وهذا الطريق صحيح، ورجاله كلهم ثقات أجلّاء، قد تقدّمت ترجمتهم، ما عدا:

ص: 384


1- الكافي 7 : 198 ، باب حدّ الغلام والجارية...، ح 2، وأورده كاملاً في الحديث 1 من الباب 6 من أبواب مقدّمات الحدود وأحكامها من كتاب الحدود والتعزيرات.

[74] 4 - وَبِالإِسْنَادِ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ أبي أيوب، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - فِي غُلامٍ صَغِيرٍ لَمْ يُدْرِكْ، ابْنِ عَشْرِ سِنِينَ، زَنَى بِامْرَأَةٍ مُحْصَنَةٍ، قَالَ: «لا تُرْجَمُ؛ لأَنَّ الَّذِي نَكَحَهَا لَيْسَ بِمُدْرِكٍ؛ وَلَوْ كَانَ مُدْرِكاً رُجِمَتْ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

اتحاد يزيد الكناسي مع أبو خالد القمّاط

يزيد الكناسي: وهو بهذا العنوان لم يوثّق في كلماتهم. نعم، ذكره النجاشي بعنوان يزيد أبو خالد القمّاط، ونصّ على توثيقه(2). والظاهر اتّحادهما، وأنّ الكناسي هو القمّاط نفسه، الثقة؛ وذلك لاتّحادهما في الاسم والكنية؛ لأن كلاًّ منهما يكنّى أبا خالد؛ ولأنّ الشيخ في «رجاله» ذكر الكناسي(3)،

ولم يذكر القمّاط، والنجاشي عكس، فذكر القمّاط دون الكناسي، فلو كانا متعدّدين لذكرهما كلّ من الشيخ والنجاشي، أو أحدهما على الأقلّ، خصوصاً وأنّ القمّاط صاحب كتاب، كما ذكره النجاشي.

[4] - فقه الحديث:

تقريب الاستدلال بهذا الحديث أن يقال: إنّ سائلاً سأل عن غلام صغير لم يدرك، وكان ابن عشر سنين، زنى بامرأة محصنة، فأجابه (علیه السلام) : بأنّها لا

ص: 385


1- الكافي 7 : 180 ، باب الصبي يزني بالمرأة المدركة...، ح 1.
2- رجال النجاشي: 452/1223.
3- رجال الطوسي: 149/1655.

ترجم؛ لأنّ من نكحها ليس بمدرك.

والشاهد في ذيل الحديث؛ حيث إنّ الإمام (علیه السلام) علّل عدم رجم البالغة بأنّ ناكحها ليس بمدرك، أي: ليس ببالغ. وعليه فالمستفاد من هذا الحديث: أنّ الصبي قبل البلوغ لا تترتّب عليه أحكام الحدود والقصاص، فلا تكليف ولا إلزام عليه. وأمّا لزوم تعزيره أو تأديبه، فهو أمر آخر غير ما نحن فيه، حيث دلّت عليه جملة من النصوص.

منها: رواية أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، قال: «أتي أمير المؤمنين (علیه السلام) برجل وامرأة، قد لاط زوجها بابنها من غيره، وثقبه، وشهد عليه بذلك الشهود، فأمر به أمير المؤمنين (علیه السلام) ، فضرب بالسيف حتّى قتل، وضرب الغلام دون الحدّ، وقال: «أما لو كنت مدركاً لقتلتك؛ لإمكانك إيّاه من نفسك بثقبك»(1).

ومنها: أيضاً تكملة الحديث الثالث المتقدّم، حيث قال: قلت: الغلام إذا زوّجه أبوه، ودخل بأهله، وهو غير مدرك، أتقام عليه الحدود وهو على تلك الحال ؟ قال: «أمّا الحدود الكاملة التي يؤخذ بها الرجال، فلا. ولكن يجلد في الحدود كلها على مبلغ سنّه، فيؤخذ بذلك ما بينه وبين خمس عشرة سنة. ولا تبطل حدود اللَّه في خلقه، ولا تبطل حقوق المسلمين بينهم»(2).

ص: 386


1- الكافي 7 : 199 ، باب الحدّ في اللواط، ح 4 .
2- المصدر نفسه 7 : 198 ، باب حدّ الغلام والجارية...، ح 2.

وهناك روايات في هذا السياق لا يسع المجال لذكرها.

فالمتحصّل ممّا ذكرناه من ردّ بعض النصوص إلى بعض: أنّ الحدود لا تقام على غير البالغ؛ لأنّ إيجابها منوط بالبلوغ، كما أنّه قبل البلوغ لا تبطل حقوق اللَّه بالكلّيّة، ولا حقوق المسلم ، بل يثبت عليه شي ء منها، إلّا أنّها ليست كالحدود الثابتة، والحقوق الواجبة على البالغين.

سند الحديث:

السند ينحل إلى طريقين

أحدهما: محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن أبي أيّوب الخزاز، عن سليمان بن خالد، عن أبي بصير. وهذا الطريق صحيح.

ثانيهما: محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن أبي أيّوب الخزاز، عن سليمان بن خالد، عن أبي بصير.

والجميع ثقات تقدّم ذكرهم. فهذا الطريق معتبر.

ص: 387

[75] 5 - وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنْ يُونُسَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْخَرَّازِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ - فِي حَدِيثٍ - أنَّ رَسُولَ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) دَخَلَ بِعَائِشَةَ وَهِيَ بِنْتُ عَشْرِ سِنِينَ، وَلَيْسَ يُدْخَلُ بِالْجَارِيَةِ حتّى تَكُونَ امْرَأَةً(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

للحديث صدر وذيل(2)

تركهما المصنف، وأورد قطعة منه، وهي موضع ما يريده من الدلالة على عنوان الباب.

وهذا الحديث ظاهر في أنّ المرأة بإكمال العشر سنين تكون كبيرة وبالغة، ويصحّ الدخول بها، كما أنّه ظاهر - أيضاً - في عدم جواز الدخول بها قبل ذلك. ويدلّ الحديث أيضاً على التسوية بين الرجل والمرأة في الأحكام، وقبول شهادة البالغ عشراً مطلقاً، بل سائر أموره.

سند الحديث:

رجال الحديث كلهم ثقات أجلّاء، قد تقدّم ذكرهم، ماعدا:

ص: 388


1- الكافي 7 : 388 ، باب شهادة الصبيان، ح 1.
2- وتمام الحديث: قال : سألت إسماعيل بن جعفر : متى تجوز شهادة الغلام ؟ فقال : إذا بلغ عشر سنين. قلت: ويجوز أمره ؟ قال : فقال : إن رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم) دخل بعائشة وهي بنت عشر سنين، وليس يدخل بالجارية حتّى تكون امرأة ، فإذا كان للغلام عشر سنين جاز أمره، وجازت شهادته.

إسماعيل بن جعفر: وهو إسماعيل بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (علیهم السلام) .

قال الكشّي في ترجمة عبد اللَّه بن شريك: «عبد اللَّه بن محمد، قال: حدّثني الحسن بن عليّ الوشّاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة الجمّال، قال: سمعت أبا عبد اللَّه (علیه السلام) يقول: إنّي سألت اللَّه في إسماعيل أن يبقيه بعدي، فأبى، ولكنّه قد أعطاني فيه منزلة أخرى، أنّه يكون أوّل منشور في عشرة من أصحابه، ومنهم: عبد اللَّه بن شريك، وهو صاحب لوائه»(1) .

فهذا الحديث وغيره ظاهر الدلالة على مدحه وجلالته وعظيم مكانته عند الإمام (علیه السلام) . مضافاً إلى أن الشيخ المفيد قد ترضَّى عليه(2).

إذن، فسند الحديث إلى إسماعيل بن جعفر صحيح ومعتبر، ولكنّ الإشكال من جهة أنّه لم يثبت كونه رواية عن المعصوم؛ إذ لم يسنده إسماعيل بن جعفر إلى الإمام (علیه السلام) ، بل ظاهره أنّ ذلك هو رأيه وفتواه، ولا حجّيّة لرأيه ما لم يسنده إليه (علیه السلام) .

ولذا علّق صاحب «الوسائل» على نفس هذا الحديث في باب آخر بقوله: «أقول: قول إسماعيل ليس بحجّة، واستدلاله هنا ليس بصحيح، كما لا يخفى. وعلى تقدير كونه حديثاً سمعه من أبيه (علیه السلام) يكون مخصوصاً بما

ص: 389


1- اختيار معرفة الرجال 2 : 485/391 .
2- الإرشاد 2 : 210.

[76] 6 - عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ فِي «قُرْبِ الإِسْنَادِ»، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ عليّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْيَتِيمِ، مَتَى يَنْقَطِعُ يُتْمُهُ؟ قَالَ: «إِذَا احْتَلَمَ، وَعَرَفَ الأَخْذَ وَالْعَطَاءَ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

مرّ وبما يأتي»(2)

بیان أن الحدیث الخامس مرسل و لیس موقوفاً

وعلى هذا فقد يقال: إنّ الحديث موقوف، وليس رواية عن المعصوم (علیه السلام) ، فلا حجّيّة فيه.

ولكنّ الصحيح: أنّ محلّ الشاهد الذي ذكره صاحب «الوسائل» في هذا الباب مرسل، وليس موقوفاً؛ لأنّ إسماعيل بن جعفر إنّما رواه عن رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم)، ولم يذكر طريقه إليه.

والطبقات بين إسماعيل بن جعفر والنبي (صلی الله علیه و آله و سلم) كثيرة؛ لبعد زمانه عنه، ولم يرد ذكرها. فالصحيح أن يقال: إنّ هذه القطعة من الحديث مرسلة. ولكن بناءً على القول بصحة روايات يونس فالحديث داخل في هذه الكبرى، فيمكن القول باعتباره.

[6] - فقه الحديث:

يستفاد من هذا الحديث: أنّ انقطاع يتم اليتيم يتحقّق بالاحتلام، وبمعرفته

ص: 390


1- قرب الإسناد: 284، ح1125.
2- وسائل الشيعة 27 : 344، باب22 من أبواب كتاب الشهادات ، ح3.

الأخذ والعطاء، فيكون الاحتلام جزء الموضوع، ومعرفته الأخذ والعطاء جزءه الآخر. وقوله (علیه السلام) : «وعرف الأخذ والعطاء» كناية عن بلوغه ورشده. ونحو هذا الحديث صحيحة هشام، عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) (1).

وجوه تصحیح روایات الحمیري لمسائل علي بن جعفر

سند الحديث:

قد روى الحديث صاحب «الوسائل» عن «قرب الإسناد» بطريق ضعيف؛ لاشتماله على عبد اللَّه بن الحسن، الذي لم تثبت وثاقته، إلّا أنّه مع ذلك يمكن تصحيح روايات الحميري عن عبد اللَّه بن الحسن، عن جدّه عليّ بن جعفر بعدّة وجوه:

الأوّل: ما ذكره النجاشي(2) من أنّ لعلي بن جعفر كتاباً مبوّباً، وغير مبوّب، بمعنى أنّ الكتاب يروى بطريقين أحدهما للمبوّب، والآخر لغير المبوّب، ثمّ ذكر طريقه إلى المبوّب، وهو طريق صحيح، وذكر طريقه إلى غير المبوّب، وفيه عبد اللَّه بن الحسن(3).

وليس بين النسختين اختلاف، وإلّا لنبّه النجاشي على ذلك، كما هي عادته. وبضمّ الطريق المجهول إلى الطريق المعتبر تصبح الروايات كلها معتبرة؛ وذلك لأنّ الطريقين ينتهيان إلى كتاب واحد. هذا من جانب، ومن جانب آخر فإنّ النجاشي يروي كتاب «قرب الإسناد» بطريق معتبر، فتكون النتيجة: أنّ الروايات التي يرويها

ص: 391


1- الكافي 7 : 68 ، باب الوصي يدرك أيتامه فيمتنعون من أخذ مالهم...، ح 2.
2- رجال النجاشي: 252/662.
3- المصدر نفسه.

الحميري، عن عبد اللَّه بن الحسن، عن جدّه عليّ بن جعفر من مسائل، كلها معتبرة.

هذا، ويمكن تصحيح الطريق من جهة الشيخ أيضاً؛ وذلك لأنّ الشيخ يروي جميع روايات وكتب الحميري - ومنها: «قرب الإسناد»(1) المصحّح - بطريق النجاشي إلى عليّ بن جعفر.

الثاني: أنّ الشيخ ذكر: أنّ لعلي بن جعفر كتاباً اسمه المناسك والمسائل، وذكر طريقه إليه(2). والظاهر: أنّ هذا الكتاب هو كتاب «الحلال والحرام»، الذي ذكره النجاشي(3)، لا أنّهما مختلفان، ولو كانا مختلفين لذكر الشيخ والنجاشي ذلك. وبهذا يتبين أنّه وإن ذكره الشيخ بعنوان «المناسك والمسائل»، وذكره النجاشي بعنوان «الحلال والحرام»، إلّا أنّهما عنوانان لكتاب واحد، فينطبق ما ذكره الشيخ على ما ذكره النجاشي. وطريق النجاشي وإن كان فيه عبد اللَّه بن الحسن(4)،إلّا أنّ طريق الشيخ إليه معتبر؛ إذ هو: عن جماعة، عن محمّد بن عليّ بن الحسين (الصدوق)، عن أبيه، عن محمّد بن يحيى، عن العمركي الخراساني البوفكي، عن عليّ بن جعفر.

وعليه فهذا الطريق معتبر، ويكون طريقاً لما رواه الحميري، عن عبد اللَّه

ص: 392


1- فهرست الطوسي: 167/ 439.
2- المصدر نفسه: 151/377.
3- رجال النجاشي: 252/662.
4- المصدر نفسه.

بن الحسن، عن عليّ بن جعفر، كما ذكره النجاشي.

الثالث: أنّ الشيخ يروي كتاب مسائل عليّ بن جعفر بعدّة طرق:

أحدها: الطريق المتقدّم عن البوفكي.

وثانيها: عن الصدوق، عن أبيه، عن سعد والحميري - صاحب «قرب الإسناد» - وأحمد بن إدريس وعلي بن موسى كلهم، عن أحمد بن محمد، عن موسى بن القاسم البجلي، عنه(1). فمع قطع النظر عن اتّحاد الكتابين يعلم من هذا الطريق: أنّ للشيخ طريقاً إلى ما رواه الحميري من مسائل عليّ بن جعفر، وهو طريق معتبر. كما يعلم أيضاً: أنّ طريق الحميري لا ينحصر في عبد اللَّه بن الحسن، بل له طريق آخر، وهو: ما عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن موسى بن القاسم البجلي، عن عليّ بن جعفر.

وقال الشيخ الصدوق في «المشيخة»: «ورويته عن محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي اللَّه عنه، عن محمّد بن الحسن الصفّار وسعد بن عبد اللَّه جميعاً، عن أحمد بن محمّد بن عيسى والفضل بن عامر، عن موسى بن القاسم البجلي، عن عليّ بن جعفر»(2)

وعلى كلّ تقدير، فيمكن تصحيح روايات الحميري من مسائل عليّ بن جعفر بعدّة وجوه. فكل ما ورد من روايات الحميري عن عبد اللَّه بن الحسن عن جدّه عليّ بن جعفر - فيما سأل أخاه موسى الكاظم (علیه السلام) - معتبر،

ص: 393


1- فهرست الطوسي: 151/377.
2- من لا يحضره الفقيه 4 : 422، المشيخة.

ولايحتاج إلى ملاحظة السند(1) .

وأمّا عليّ بن جعفر: فهو العريضي، وهو ثقة، قال الشيخ: «علي بن جعفر، أخو موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، صلوات اللَّه عليهم أجمعين، جليل القدر، ثقة، وله كتاب المناسك، ومسائل لأخيه موسى الكاظم (علیه السلام) سأله عنها»(2) .

وقال الشيخ المفيد (قدس سره) : «كان من الفضل والورع على ما لا يختلف فيه اثنان»(3).

وعدّه ابن شهرآشوب من الثقات الذين رووا النصّ على موسى بن جعفر (علیه السلام) بالإمامة عن أبيه، وعدّه أيضاً من ثقات أبي إبراهيم موسى بن جعفر (علیه السلام) (4)

وقال السيد المهنّا: «وأما العريضي ابن جعفر الصادق (علیه السلام) ، ويكنّى أبا الحسن، وهو أصغر ولد أبيه، مات أبوه وهو طفل، وكان عالماً كبيراً، روى عن أخيه موسى الكاظم (علیه السلام) ، وعن ابن عمّ أبيه الحسين ذي الدمعة ابن زيد الشهيد، وعاش إلى أن أدرك الهادي عليّ بن محمّد بن عليّ بن الكاظم (علیهم السلام) ، ومات في زمانه»(5)

ص: 394


1- التقيّة في فقه أهل البيت (علیهم السلام) 2 : 454.
2- فهرست الطوسي: 151/377.
3- الإرشاد 2 : 216.
4- مناقب آل أبي طالب 3 : 435 ، في إمامة أبي إبراهيم موسى بن جعفر (علیه السلام) .
5- معجم رجال الحديث 12 : 317/ 7979.

[77] 7 - وَعَنْ عليّ بْنِ الْفَضْلِ: أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ (علیه السلام) : مَا حَدُّ الْبُلُوغِ؟ قَالَ: «مَا أَوْجَبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الْحُدُودَ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وللشيخ طريق صحيح إلى كتاب المناسك ومسائل عليّ بن جعفر كما أوضحنا قبل قليل. فهذا السند معتبر.

[7] - فقه الحديث:

للحديث صدر لم يذكره صاحب «الوسائل» في الباب، وهو: قال: كتبت إلى الرضا (علیه السلام) : رجل طلّق امرأته الطلاق الذي لا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره، فتزوّجها غلام لم يحتلم قال: «لا، حتّى يبلغ، ...» .

وهذا الحديث يدلّ على المقصود بضميمة ما تقدّم، من أنّه إذا أكمل الرجل خمس عشر سنة والمرأة تسع سنين أقيمت عليهما الحدود.

سند الحديث:

روى الحديث الحميري في «قرب الإسناد»، عن عليّ بن الفضل.

وعلي بن الفضل: هو الواسطي، من أصحاب الكاظم والرضا (علیهما السلام) ، ولقّب في كلام الصدوق في «المشيخة» بصاحب الرضا (علیه السلام) (2)

، وهو مدح له، بل يدلّ على الحسن.

ص: 395


1- قرب الإسناد: 394، ح1383.
2- من لا يحضره الفقيه 4 : 474.

[78] 8 - وَعَنِ السِّنْدِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ (علیه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «عَرَضَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) يَوْمَئِذٍ - يَعْنِي: بَنِي قُرَيْظَةَ - عَلَى الْعَانَاتِ، فَمَنْ وَجَدَهُ أَنْبَتَ قَتَلَهُ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْهُ أَنْبَتَ أَلْحَقَهُ بِالذَّرَارِيِّ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وورد في «نوادر الحكمة»(2). وعليه فالسند معتبر.

[8] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ نبات هذا الشعر في هذا المكان الخاص دليل على البلوغ في حقّ المسلمين والكفار، بل قد لا يكون طريق لمعرفة بلوغ الكفار سوى هذه العلامة، بخلاف المسلمين، فإنّه يجوز الرجوع إليهم في معرفة البلوغ.

والحكم الموجود في هذا الحديث وارد عند الفريقين؛ فإنّه يؤمر بمن أُسر، فإن ثبت بلوغه قُتل، ومن لم يبلغ ألحق بالذراري. فيعتبر الإنبات وعدمه عند إشكال الأمر في البلوغ، فإن أنبت الشعر الخشن على العانة حكم ببلوغه، وإن لم ينبت جعل من جملة الذرّيّة.

وهذا الحكم منسوب عند العامة لسعد بن معاذ، بشأن بني قريظة، وأجازه النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)(3).

ص: 396


1- قرب الإسناد: 133، ح467.
2- أصول علم الرجال 1 : 231 .
3- الشرح الكبير 4 : 557، وسنن البيهقي 6 : 58.

سند الحديث:

بحث رجالي في أبي البختري

أمّا السنديّ بن محمد: فقد تقدّم.

أمّا أبو البختري: فهو وهب بن وهب. قال النجاشي عنه: «وهب بن وهب ... أبو البختري، روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، وكان كذّاباً»(1) .

وقال الشيخ في «الفهرست»: «وهب بن وهب، أبو البختري، عامّي المذهب، ضعيف»(2).

وقال ابن الغضائري: «كذّاب عامّي، إلّا أنّ له أحاديث عن جعفر بن محمد (علیه السلام) ، كلّها يوثّق بها»(3)،

وما نُقِلَ في نسخة الخلاصة عن ابن الغضائري: «لا يوثَق بها» فهو غلط(4).

ونقل الكشّي عن الفضل بن شاذان: أنّه أكذب البريّة(5)

وقد ضعّفه الشيخ في موارد متعدّدة في كتابيه «التهذيب» و«الاستبصار»(6). إلّا أنه ورد في أسناد «نوادر الحكمة»، وروى المشايخ الثقات عنه(7)،

ص: 397


1- رجال النجاشي: 430/1155.
2- فهرست الطوسي: 256/779.
3- مجمع الرجال 6 : 198.
4- خلاصة الأقوال: 414.
5- اختيار معرفة الرجال 2 : 597/558.
6- تهذيب الأحكام 9 : 77 و الاستبصار 1 : 48.
7- أصول علم الرجال 1 : 242، وج2 : 219 .

[79] 9 - محمّد بْنُ عليّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عَمْرٍو وَأَنَسِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ جَمِيعاً، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) - فِي وَصِيَّةِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وآله لِعَلِيٍّ (علیه السلام) - قَالَ: «يَا عَلِيُّ، لا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلامٍ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

فيمكن الجمع بما ذكره ابن الغضائري بين ضعفه ووثاقته: بأن يكون ثقة في روايته عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، وإن كان ضعيفاً في نفسه.

وأمّا جعفر بن محمد: فهو الإمام الصادق (علیه السلام) . وعليه فالسند معتبر على احتمال.

[9] - فقه الحديث:

هذا الحديث من الأحاديث المشهورة عند الخاصة والعامة(2) ، وهو حديث طويل، لم يذكر صاحب «الوسائل» إلّا محل الشاهد منه.

ويدل الحديث بوضوح على أنّ الاحتلام من علامات البلوغ، وأنّه لا يطلق اليتيم على الصبي الذي مات أبوه إذا احتلم وبلغ.

سند الحديث:

للحديث طريقان:

الأوّل: محمّد بن عليّ بن الحسين الصدوق، بإسناده عن حماد بن عمرو،

ص: 398


1- من لا يحضره الفقيه 4 : 361، ح 5762.
2- سنن أبي داود 1 : 657 ، والمجموع 15 : 464.

عن جعفر بن محمد (علیه السلام) .

وطريق محمّد بن عليّ بن الحسين الصدوق إلى حمّاد بن عمرو هو: عن محمّد بن عليّ الشاه بمرو الرود، قال: حدَّثنا أبو حامد أحمد بن محمّد بن أحمد بن الحسين، قال: حدَّثنا أبو يزيد أحمد بن خالد الخالدي، قال: حدَّثنا محمّد بن أحمد بن صالح التميمي، قال: أخبرنا أبي أحمد بن صالح التميمي، قال: أخبرنا محمّد بن حاتم القطّان، عن حمّاد بن عمرو، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن عليّ بن أبي طالب (علیهم السلام) (1).

الثاني: محمّد بن عليّ بن الحسين الصدوق، بإسناده عن أنس بن محمد، عن أبيه، عن جعفر بن محمد (علیه السلام) .

وطريق محمّد بن عليّ بن الحسين الصدوق إلى أنس بن محمّد هو: عن محمّد بن عليّ الشاه، قال: حدّثنا أبو حامد، قال: أخبرنا أبو يزيد، قال: أخبرنا محمّد بن أحمد بن صالح التميمي، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثني أنس بن محمّد أبو مالك، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن عليّ بن أبي طالب (علیهم السلام) ، عن النبي(صلی الله علیه و آله و سلم)(2).

سند الصدوق قدس سره إلی حماد بن عمرو و أنس بن محمّد

والسند ضعيف بطريقيه، إلّا أن يقال: إنّ الحديث مشمول لشهادة الصدوق في أوّل كتابه، بأنّه مأخوذ من الكتب المشهورة، المعوّل عليها، فمِن هذه الجهة يكون معتبراً.

ص: 399


1- من لا يحضره الفقيه 4 : 536، المشيخة.
2- المصدر نفسه.

[80] 10 - قَالَ: وَفِي خَبَرٍ آخَرَ: «عَلَى الصَّبِيِّ إِذَا احْتَلَمَ الصِّيَامُ، وَعَلَى الْمَرْأَةِ إِذَا حَاضَتِ الصِّيَامُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[10] - فقه الحديث:

هذا الحديث يدل على أنّ الصوم إنّما يجب على الصبي إذا احتلم، وعلى المرأة إذا حاضت، وأمّا قبل ذلك فلا يجب. ويستفاد منه: أنّ بلوغ الصبي بالاحتلام، كما أنّ بلوغ المرأة بالحيض. والحديث وإن ورد في خصوص الصيام، إلّا أنّ إجماع المسلمين على عدم الفرق بينه وبين غيره من العبادات، بل على عدم الفرق في غيرها أيضاً.

سند الحديث:

الحديث - بحسب الظاهر - موقوف، لم ينسب إلى الإمام (علیه السلام) ، ولعلّ شهادة الصدوق تشمله، كما شملت مراسيله. وإذا كان كذلك فيدخل في مراسيل الصدوق، وقد تقدّم التحقيق حولها بأقسامها.

ص: 400


1- من لا يحضره الفقيه 2 : 122 ، ح 1907.

[81] 11 - وَفِي «الْخِصَالِ»، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ محمّد السَّكُونِيِّ، عَنِ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ ابْنِ ظَبْيَانَ(1)، قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بِامْرَأَةٍ مَجْنُونَةٍ قَدْ زَنَتْ(2)، فَأَمَرَ بِرَجْمِهَا، فَقَالَ عَلِيٌّ (علیه السلام) : «أَمَا عَلِمْتَ: أَنَّ الْقَلَمَ يُرْفَعُ عَنْ ثَلاثَةٍ: عَنِ الصَّبِيِّ حتّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حتّى يُفِيقَ، وَعَنِ النَّائِمِ حتّى يَسْتَيْقِظَ؟!»(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[11] - فقه الحديث:

هذا الحديث واضح الدلالة؛ إذ يدلّ على رفع القلم، أي: رفع قلم التكليف، وأنّه لا عقاب ولا تكليف على الصبي حتّى يحتلم، ولا على المجنون حتّى يفيق من جنونه، ولا على النائم حتّى يستيقظ من نومه. وفيه دلالة على أنّ بلوغ الصبي بالاحتلام.

سند الحديث:

هذا الحديث يرويه الصدوق في «الخصال»، عن الحسن بن محمّد السكوني، عن الحضرمي، عن إبراهيم بن أبي معاوية، عن أبيه، عن الأعمش، عن ابن ظبيان.

أمّا الحسن بن محمّد السكوني: فهو من مشايخ الصدوق، ولم يرد فيه شي ء.

ص: 401


1- في المصدر: عن أبي ظبيان.
2- في المصدر: «فجرت»، بدل «زنت».
3- الخصال: 93، ح 40، و175 ، ح 233، وقد أورده المصنّف باختصار.

وأمّا الحضرمي: فالظاهر أنّه محمّد بن عبد اللَّه الحضرمي، ولم يرد فيه شي ء أيضاً.

وأمّا إبراهيم بن أبي معاوية: فلم يرد فيه شي ء في كتبنا، ولكن ذكره ابن حبّان في كتاب الثقات، وقال أبو زرعة: لا بأس به، صدوق، صاحب سنّة(1)،

ووثّقه أبو عليّ الجبائي وابن خلفون والذهبي وغيرهم(2)

وأمّا أبوه - وهو محمّد بن خازم أبو معاوية الضرير - : فقد تقدّمت ترجمته.

وأمّا الأعمش: فهو سليمان بن مهران الأعمش، وهو من أصحاب الصادق (علیه السلام) ، عدّه ابن شهرآشوب من خواص الإمام (علیه السلام) (3) قال الذهبي: «سليمان بن مهران، الإمام، شيخ الإسلام، شيخ المقرئين والمحدّثين، أبو محمّد الأسدي، الكاهلي، مولاهم الكوفي، الحافظ»(4).

وقال في موضع آخر: «وقال أحمد بن عبد اللَّه العجلي: الأعمش ثقة، ثبت، كان محدِّث الكوفة في زمانه، يقال: إنّه ظهر له أربعة آلاف حديث، ولم يكن له كتاب، قال: وكان يقرأ القرآن و [هو] رأس فيه، وكان فصيحاً، وكان أبوه من سبي الديلم، وكان عسراً سيّى ء الخلق، وكان لا يلحن حرفاً،

ص: 402


1- تهذيب الكمال 2 : 171.
2- إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال 1 : 273.
3- مناقب آل أبي طالب 3 : 400.
4- سير أعلام النبلاء 6 : 226، الرقم: 110.

وكان عالماً بالفرائض، وكان فيه تشيّع»(1)

ونقل السيد ابن معصوم في «الدرجات الرفيعة» عن بعض الأصحاب: «عن إسحاق بن جعفر، عن سليمان بن مهران الأعمش، قال: شهد عندي عشرة نفر من خيار التابعين: أنّ البراء بن عازب قال: إني لأتبرّأ ممّن تقدّم على عليّ بن أبي طالب، وأنا بري ء منهم في الدنيا والآخرة»(2) .

وورد في «التفسير»(3)، وروى عنه ابن أبي عمير. وعليه فهو ثقة.

وأمّا ابن ظبيان: فهو الحصين بن جندب، لم يرد فيه شي ء في كتبنا، ولكن عن ابن معين وأبي زرعة والعجلي والنسائي والدارقطني وابن سعد وابن حبان: أنّه ثقة(4).

وعليه فهذا الطريق غير معتبر.

ص: 403


1- سير أعلام النبلاء: 234.
2- الدرجات الرفيعة: 453.
3- أصول علم الرجال 1 : 281.
4- تهذيب الكمال 6 : 515، وتهذيب التهذيب 2 : 327.

[82] 12 - محمّد بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ محمّد بْنِ عليّ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ محمّد بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُصَدِّقِ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْغُلامِ مَتَى تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ؟ فَقَالَ: «إِذَا أَتَى عَلَيْهِ ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَإِنِ احْتَلَمَ قَبْلَ ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلاةُ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْقَلَمُ. وَالْجَارِيَةُ مِثْلُ ذَلِكَ إِنْ أَتَى لَهَا ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً، أَوْ حَاضَتْ قَبْلَ ذَلِكَ، فَقَدْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا الصَّلاةُ، وَجَرَى عَلَيْهَا الْقَلَمُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[12] - فقه الحديث:

هذا الحديث - بظاهره - مخالف للأحاديث المتقدّمة؛ من حيث دلالته على أنّ بلوغ الغلام يحصل بثلاث عشرة سنة، وكذلك بلوغ الجارية. ويدلّ أيضاً على إمكان تحقّق البلوغ بالاحتلام قبل هذا السن.

وهناك أحاديث بهذا المضمون، قد أوردها صاحب «الوسائل» في أبواب أخرى:

منها: صحيحة عبد اللَّه بن سنان، عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، قال: «إذا بلغ أشدّه ثلاث عشرة سنة ودخل في الأربع عشرة وجب عليه ما وجب على المحتلمين، احتلم أو لم يحتلم، وكتبت عليه السيّئات، وكتبت

ص: 404


1- تهذيب الأحكام 2 : 380، ح 1588.

له الحسنات، وجاز له كلّ شي ء، إلّا أن يكون سفيهاً أو ضعيفاً»(1) .

ومنها: معتبرة عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (علیه السلام) ، قال: قلت له: جعلت فداك، في كم تجري الأحكام على الصبيان ؟ قال: «في ثلاث عشرة سنة، أو أربع عشرة سنة»، قلت: فإنّه لم يحتلم فيها؟ قال: «وإن لم يحتلم، فإنّ الأحكام تجري عليه»(2)

ومنها: ما دل على حصول البلوغ بثمان سنين، نحو: موثّقة الحسن بن راشد، عن العسكري (علیه السلام) : «إذا بلغ الغلام ثماني سنين فجائز أمره في ماله، وقد وجب عليه الفرائض والحدود»، الحديث(3)

ومنها: معتبرة الحلبي، عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، قال: «إنّا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين»(4)

ومثل هذه الأخبار جملة أخرى، أعرضنا عن التطويل بنقلها.

سند الشيخ قدس سره إلى محمّد بن عليّ بن محبوب

سند الحديث:

للشيخ إلى محمّد بن عليّ بن محبوب ثلاثة طرق:

الأوّل: أخبرنا بجميع كتبه ورواياته الحسين بن عبيد اللَّه وابن أبي جيد،

ص: 405


1- وسائل الشيعة 17 : 361، باب14 من أبواب عقد البيع وشروطه، ح 3.
2- المصدر نفسه 19 : 367، باب 45 من أبواب الوصايا، ح 3.
3- المصدر نفسه 19 : 212، باب 15 من أبواب الوقوف والصدقات، ح 4.
4- المصدر نفسه 10 : 234، باب 29 من أبواب من يصحّ منه الصوم، ح3.

عن أحمد بن محمّد بن يحيى، عن أبيه، عن محمّد بن عليّ بن محبوب.

الثاني: أخبرنا بها - أيضاً - جماعة، عن أبي المفضّل، عن ابن بطّة، عنه.

الثالث: أخبرنا بها - أيضاً - جماعة، عن محمّد بن عليّ بن الحسين، عن أبيه ومحمد بن الحسن، عن أحمد بن إدريس، عنه(1)

والطريق الأول معتبر، والثاني ضعيف. وأمّا الثالث فإنّه صحيح؛ لوثاقة جميع رجاله. وقد ذكر الشيخ في «التهذيب» طريقاً إليه قريب من الطريق الأول، وهو: الحسين بن عبيد الله عن أحمد بن محمّد بن يحيى العطار، عن أبيه محمّد بن يحيى، عن محمّد بن عليّ بن محبوب.

أمّا محمّد بن عليّ بن محبوب: فهو الأشعري القمّي. قال النجاشي عنه: «شيخ القمّيين في زمانه، ثقة، عين، فقيه، صحيح المذهب»(2)

وأمّا محمّد بن الحسين: فهو ابن أبي الخطّاب، وقد تقدّم.

وأمّا أحمد بن الحسن بن عليّ - كما في «الوسائل»، وفي «الجامع»(3) الحسن بن عليّ بدل أحمد بن الحسن بن علي، والظاهر: صحّة ما في «الوسائل»؛ بقرينة سائر الروايات - : فهو أحمد بن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن فضّال. قال النجاشي عنه: «إنه كان فطحياً، وكان ثقة في الحديث»(4) .

ص: 406


1- فهرست الطوسي: 222/623.
2- رجال النجاشي: 349/940.
3- جامع أحاديث الشيعة 1 : 478، ح 724.
4- رجال النجاشي: 80/194.

وقال الشيخ: «كان فطحيّاً، غير أنّه ثقة في الحديث»(1) .

وورد في «نوادر الحكمة»(2)

وأمّا عمرو بن سعيد: فهو عمرو بن سعيد، الساباطي، المدائني. قال عنه النجاشي: «ثقة، روى عن الرضا (علیه السلام) ، له كتاب يرويه جماعة»(3)

وأمّا مصدّق بن صدقة: فقال الكشّي عنه: «إنّه فطحيّ، من أجلّة العلماء والفقهاء العدول»(4).

وورد في «نوادر الحكمة»(5) .

وأمّا عمّار بن موسى الساباطي: فقال عنه النجاشي: «عمّار بن موسى، الساباطي، أبو الفضل، مولى، وأخواه قيس وصباح، رووا عن أبي عبد اللَّه وأبي الحسن (علیهما السلام) ، وكانوا ثقات في الرواية، له كتاب يرويه جماعة»(6)،

وعليه فيكون كتابه مشهوراً، ولا يحتاج إلى الطريق.

وقال الشيخ: «عمار بن موسى، الساباطي، وكان فطحياً، له كتاب كبير، جيّد، معتمد»(7).

ص: 407


1- فهرست الطوسي: 67/72.
2- أصول علم الرجال 1 : 212 .
3- رجال النجاشي: 287/767.
4- اخيار معرفة الرجال 2 : 835/1062.
5- أصول علم الرجال 1 : 240 .
6- رجال النجاشي: 290/779.
7- فهرست الطوسي 189/526.

وعدّه الشيخ المفيد في «رسالته العددية» من الفقهاء والأعلام الرؤساء، المأخوذ منهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام، الذين لا يطعن عليهم، ولا طريق إلى ذمّ واحد منهم(1)

وذكر الشيخ توثيقه في كتابيه: «التهذيب» و«الاستبصار»(2)

وهذا الحديث موثق من حيث السند، إلّا أنّه معارض لما تقدّم من الأحاديث.

ص: 408


1- الرسالة العدديّة - ضمن مصنفات الشيخ المفيد 9 : 30.
2- تهذيب الأحكام 7 : 101، والاستبصار 3 : 95.

أقول: هذا محمول على حصول الاحتلام أو الإنبات للغلام في الثلاث عشرة سنة، وعدم عقل الجارية قبلها؛ لما مضى(1). ويأتي ما يدل على ذلك وعلى التمرين في محلّه(2).

ويمكن حمل حكم الغلام على الاستحباب، وحكم الجارية على أنّ مفهوم الشرط غير مراد.

-----------------------------------------------------------------------------

الجمع بين الروايات بوجوه خمسة

الجمع بين الروايات:

ذكر صاحب «الوسائل» وجوهاً للجمع:

الأوّل: الحمل على ما إذا اتّفق حصول الاحتلام أو الإنبات في هذا الوقت.

ص: 409


1- مضى في الحديثين 3 و4 من هذا الباب.
2- يأتي في: أ - البابين 1 و 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة ومن لا تجب عليه من كتاب الزكاة. ب - الباب 4 من أبواب زكاة الفطرة من كتاب الزكاة. ج - الباب 29 من أبواب من يصح منه الصوم من كتاب الصيام. د - الباب 46 من أبواب أحكام الوصايا من كتاب الوصايا. ه- - البابين 32 ، 34 من أبواب مقدمات الطلاق وشرائطه من كتاب الطلاق. و - البابين 20 و 21 من كتاب العتق. ز - البابين 8 و 19 من أبواب مقدمات الحدود وأحكامها العامة من كتاب الحدود والتعزيرات. ح - الباب 21 من أبواب حدّ الزنا من كتاب الحدود والتعزيرات. ط - الباب 36 من أبواب القصاص في النفس من كتاب القصاص.

الثاني: الحمل على ضرب من الاستحباب والندب؛ بقرينة بعض المؤيّدات.

الثالث: الحمل على إرادة محض التمرين.

الرابع: الحمل على التقيّة؛ لموافقتها لجمهور العامّة.

الخامس: حمل الرواية التي وردت في الجارية على عدم عقل الجارية قبل ثلاث عشرة سنة.

والحاصل: أنّ في الباب اثني عشر حديثاً، عشرة منها معتبرة، واثنان منها وهما الخامس والحادي عشر ضعيفان، والخامس يمكن تصحيحه.

المستفاد من أحادیث الباب

والمستفاد من الباب أمور، منها:

1 - أنّ التكاليف الشرعيّة منوطة بتحقّق البلوغ في الرجل والمرأة.

2 - أنّ بلوغ الذكر يتحقّق بالاحتلام، أو إنبات الشعر الخشن على العانة، أو بلوغه خمس عشرة سنة.

3 - أنّ بلوغ الأنثى يتحقّق ببلوغ تسع سنين، أو بالإنبات، أو الاحتلام.

4 - أنّ قلم التكليف مرفوع عن الصبي والمجنون والنائم.

5 - أنّ الحدود التامّة مشروطة بالبلوغ، وكذا ذهاب اليتم.

6 - أنّه يجوز تزويج بنت تسع سنين، ولا يدخل بها حتّى تبلغ عشراً.

7 - أنّه يجوز الشراء والبيع بالنسبة للذكر والأنثى، بشرط توفّر إحدى علامات البلوغ.

8 - أنّ الراجح تمرين مَن لم يبلغ على العبادات، كالصلاة.

ص: 410

5 - باب وجوب النية في العبادات الواجبة، واشتراطها بها مطلقاً

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

5 - باب وجوب النيّة في العبادات الواجبة، واشتراطها بها مطلقاً

تعریف النيّة و المراد بها

شرح الباب:

النيّة لغة هي: القصد، يقال: نويت الشي ء، أي: قصدته(1)

وفي اصطلاح الفقهاء هي: القصد إلى الفعل مع كون الداعي إرادته تعالى له، أو محبوبيّته له. وغاية ذلك: إمّا شي ء يرجع إليه تعالى، وهو: أنّه أهل للطاعة، وهذا أعلى الوجوه، وإمّا يرجع إلى العبد، وهو: الرغبة في الجنّة أو الخوف من النار، وهو أدناها(2)

ومجرّد تحريك اللسان وحديث النفس لا يحقّقان النيّة؛ لأن حقيقتها عبارة عن انبعاث النفس وميلها وتوجّهها لما فيه غرضها، وهو ممّا لا طريق إلى اكتسابه بمجرّد النطق، وتصوّر المعاني؛ فإنّه لا يكون إلّا كقول الشبعان: أشتهي الطعام، وأميل إليه، قاصداً حصول الميل والاشتهاء، أو كقول الفارغ: أعشق فلاناً وأحبّه وأطيعه.

ص: 411


1- كتاب العين: 394 ، مادة: «نوى».
2- راجع: العروة الوثقى 1 : 406.

كما أنّه لو نطق بها ولم يقصد بقلبه لم تجزه.

وأمّا التمييز وقصد الوجه: فغير داخلين فيها. ولا يعتبر إخطارها في القلب أيضاً؛ لتحقّقها بدونه.

وكذلك لا يلزم التلفّظ والنطق بها؛ لعدم الدليل عليه، بل قد يكون التلفّظ بها مكروهاً أو مفسداً.

نعم، قد يكون التلفّظ بها مستحبّاً، كما في نيّة الحج، أو واجباً، كما في تلبية الحج؛ لورود النص به، أو حراماً، كالتلفّظ بها في صلاة الاحتياط، بناءً على أنّها جزء من الصلاة أو كالجزء.

والنيّة - بهذا المعنى - واجبة في العبادات الواجبة، كالصلاة، والصوم، والزكاة، وغيرها، وشرط في صحّة العبادات مطلقاً، سواء كانت واجبة أو مستحبّة. وأمّا في غيرها من التوصّليّات فليست بواجب ولا بشرط، وإن كان الإتيان بها مع النيّة موجباً للثواب، وهو داخل في الطاعة.

الأقوال

الأقوال في النيّة:

أمّا الإماميّة: فقد نسب إليهم اعتبارها في الوضوء،كما عن «المنتهى»(1)،و«التذكرة»(2)، والإجماع كما عن «الخلاف»(3)، و«المختلف»(4)،

ص: 412


1- المنتهى 2 : 7.
2- التذكرة 1 : 139، مسألة 39.
3- الخلاف 1 : 71، مسألة 18 وجوب النية في الطهارة.
4- المختلف 1 : 274.

و«التنقيح»(1).

وهي شرط إجماعاً منّا في العبادة، واجبة كانت أو مستحبّة، وهو المراد بقوله: «مطلقاً» في عنوان الباب. ولا تجب النيّة في غير العبادات، وكذا في المحرّمات.

قال السيد في «المدارك»: «مذهب الأصحاب: وجوب النيّة في جميع الطهارات. وعزاه في المعتبر إلى الثلاثة وأتباعهم، ثمّ قال: ولم أعرف لقدمائنا فيه نصّاً على التعيين»(2).

وحكى الشهيد (رحمه الله) في «الذكرى» عن ظاهر ابن الجنيد الاستحباب(3).

والأصل في وجوب النيّة في الطهارة وغيرها من العبادات: قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}(4) ، وقول النبي(صلی الله علیه و آله و سلم):

«إنّما الأعمال بالنيّات»(5)، وقول عليّ بن الحسين (علیه السلام) في حسنة أبي حمزة الثمالي: «لا عمل إلّا بنيّة»(6)، وقول الرضا (علیه السلام) : «لا قول إلّا بعمل، ولا

ص: 413


1- التنقيح الرائع 1 : 74.
2- المعتبر1 : 138، وفيه قال: وهو مذهب الثلاثة وأتباعهم وابن الجنيد.
3- الذكرى 2 : 105.
4- البيّنة: الآية 5.
5- مسائل عليّ بن جعفر: 346، الأخلاقيات، ووسائل الشيعة 1 : 49، باب وجوب النية في العبادات الواجبة...، ح89 .
6- الكافي 2 : 84 ، باب النية ح1.

عمل إلّا بنيّة»(1) و(2)

وأمّا العامة: فهناك اختلاف في اعتبارها عندهم. قال ابن قدامة في «الشرح الكبير»: «ولا خلاف في المذهب في اشتراط النيّة؛ لما ذكرنا. وروي ذلك عن عليّ رضي اللَّه عنه، وهو قول مالك، وربيعة، والليث، والشافعي، وإسحاق، وأبي عبيدة، وابن المنذر.

وقال الثوريّ وأصحاب الرأي: تشترط النيّة في التيمّم، دون طهارة الماء؛ لأنّ اللَّه تعالى قال: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} الآية؛ ولم يذكر النيّة، ولو كانت شرطاً لذكرها؛ ولأنّ مقتضى الأمر حصول الإجزاء بفعل المأمور به، فتقتضي الآية حصول الإجزاء بما تضمّنته، ولأنّها طهارة بالماء، فلم تفتقر إلى النيّة، كغسل النجاسة.

ولنا قول النبي (صلی الله علیه و آله و سلم): إنّما الأعمال بالنيّات، وإنّما لكل امرى ء ما نوى، متّفق عليه.

فنفى أن يكون له عمل شرعي بدون النيّة؛ ولأنّها طهارة عن حدث، فلم تصحّ بغير نيّة، كالتيمم. فأمّا الآية: فهي حجّة لنا؛ فإنّ قوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} أي: للصلاة، كما يقال: إذا لقيت الأمير فترجّل، أي: له. وقولهم: لو كانت النيّة شرطاً لذكرها. قلنا: إنّما ذكر الأركان، ولم يذكر الشرائط، كآية التيمّم. وقولهم: مقتضى الأمر حصول

ص: 414


1- تهذيب الأحكام 4 : 186، ح3.
2- مدارك الأحكام 1 : 184.

[83] 1 - محمّد بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ عليّ بْنِ الْحُسَيْنِ (علیه السلام) ، قَالَ: «لا عَمَلَ إِلَّا بِنِيَّةٍ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

الإجزاء به. قلنا: بل مقتضاه: وجوب الفعل، ولا يمنع أن يشترط له شرط آخر، كآية التيمّم. وقولهم: إنّها طهارة. قلنا: إلّا أنّها عبادة، والعبادة لا تكون إلّا منويّة، كالصلاة؛ لأنّها قربة إلى اللَّه تعالى، وطاعة وامتثال أمر، ولا يحصل ذلك بغير نيّة»(2)

وآخر كلامه صريح في أنّ العبادات كلها مشروطة بالنيّة.

[1] - فقه الحديث:

استدلّ على وجوب النية بالكتاب، والسنّة، والإجماع، وسيرة المتشرّعة المعتضدة بجملة من الروايات.

أمّا الكتاب: فبقوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}(3)؛ فإنّ تقدير الآية: فاغسلوا وجوهكم وأيديكم للصلاة، فوزانها وزان: «إذا لقيت الأمير فترجّل»، أي: له، ولا يكون الإنسان غاسلاً

ص: 415


1- الكافي 2 : 84، باب النيّة ح 1، ويأتي في الحديث 1 من الباب 1 من أبواب النيّة من كتاب الصلاة.
2- الشرح الكبير 1 : 121.
3- المائدة، الآية 6.

لهذه الأعضاء للصلاة إلّا بنيّة.

وقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}(1)، وتقديرها: ما أمروا إلّا بعبادة اللَّه مخلصين له الدين، وهو لا يتمّ بدون النيّة الخالصة في العبادات المأمور بها.

نعم، في الاستدلال بالآيتين تأمّل، يطول المقام بذكره.

وأمّا السنة: فمنها هذا الحديث، والاستدلال به يتوقّف على ثبوت أمرين:

الأوّل: أنّ الخبر المقدَّر ل- «لا» النافية للجنس هو الصحّة.

والثاني: أن يكون المراد بالنيّة هو ما تقدّم من قصد الفعل بداعي التقرّب.

وتقريب ذلك يتوقّف على ذكر محتملات جملتي النفي والإثبات:

أمّا جملة النفي، فالاحتمالات فيها ثلاثة:

الاحتمالات في (لا عمل إلا بنّية) و بیان الأقوی منها

الاحتمال الأول: أنّ الخبر المقدّر هو الصحّة، فيكون المعنى لا عمل صحيح إلّا بالنيّة.

الاحتمال الثاني: أنّ الخبر المقدّر هو الكمال، فيكون المعنى لا عمل كامل، كما في «لا صلاة لجار المسجد إلّا في مسجده»(2).

ص: 416


1- البينة، الآية 5.
2- تهذيب الأحكام 1 : 92، ح244.

الاحتمال الثالث: أنّ الخبر المقدّر هو: الثواب والجزاء، فالمعنى لا عمل ذا ثوابٍ وجزاء.

فعلى الاحتمال الأول لا يسقط العمل عن عهدة التكليف إذا كان واجباً بدون النيّة؛ للحكم بعدم صحّته، بخلافه على الاحتمالين الآخرين، فإنّه مجزٍساقط عن العهدة، غايته: أنّ العمل ناقص من حيث الثواب، أو لا ثواب له.

وأمّا جملة الإثبات: فالمراد بالنيّة - أيضاً - أحد احتمالات ثلاثة:

وذلك أنّ المراد بها: إمّا المعنى المتقّدم، وإمّا أنّها بمعنى القصد إلى الفعل وعنوان العمل، فإذا لم يكن الفاعل قاصداً لعنوان الفعل لم يكن له عمل، كمن أتى بالغسلات والمسحات ولم يقصد الوضوء، فليس له وضوء حينئذٍ. وإمّا بمعنى: ما قصد من الحسن أو القبح، أي: لا عمل إلّا طبق ما قصد من الحسن أو القبح، فإن كان داعيه حسناً، كضرب اليتيم بداعي التأديب فهو حسن، وإن كان داعيه قبيحاً، كما إذا ضربه بداعي التشفّي فهو قبيح. وكالنوم؛ فإنّه إذا كان داعيه الاستراحة لأجل التفرّغ للعبادة والقوّة عليها كان حسناً، وإذا كان داعيه الاستراحة لتجدّد القوى على المعصية فهو قبيح. وهكذا الصلاة؛ فإنّه إذا أتى بها بداعي القربة اتّصفت بالحسن، وأثيب عليها، وإذا كان الداعي لها هو الرياء اتّصفت بالقبح، واستحقّ العقاب عليها. وكذا بقيّة الأعمال.

فالنيّة - على هذا الاحتمال - كالروح في الجسد، فالأفراد من الإنسان

ص: 417

وإن تشابهوا في الجسم والصورة، إلّا أنّهم يختلفون بحسب الروح والحقيقة. وكذا الأعمال.

وعليه فالاستدلال بهذا الحديث ونحوه إنّما يتمّ على الاحتمال الأول من جملتي النفي والإثبات، أي: إذا كان الخبر المقدّر هو الصحة، وكان المراد بالنيّة قصد الفعل مع القربة.

ويمكن استظهار ذلك بأن نقول: إنّ الخبر المقدّر هو: نفي الصحّة في الجملة المنفيّة؛ لأنّ المنساق من هذا الحديث ونظائره هو نفي الصحّة، ما لم تقم قرينة على خلافه، فإنّه يفهم عرفاً أنّ لهذا القيد أهمّيّة بحيث ينتفي المقيّد بانتفائه، كما في: «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب»(1)،

و«لا صلاة إلّا بطهور»(2)،

وغيرهما.

هذا، مضافاً إلى أنّ نفي الصحّة أقرب المجازات إلى نفي الحقيقة، فإذا لم يمكن حمل النفي على الحقيقة فالمتعيّن حمله على ذلك.

وأمّا أن النيّة في الجملة الإثباتيّة هي: قصد الفعل مع القربة، فيظهر من عدم مناسبة الحمل على الاحتمالين الثاني والثالث فيها.

أمّا على الاحتمال الثاني: فهو - مضافاً إلى كونه بعيداً جدّاً - لا يحتاج إلى بيان؛ فإنّ قصد العنوان واضح لدى جميع الناس بلا حاجة لأيّ بيان، مع

ص: 418


1- مستدرك الوسائل 4: 158، باب وجوب قراءة الفاتحة في الثنائيّة ...، ح5.
2- من لا يحضره الفقيه 1 : 33، باب وقت وجوب الطهور، ح67، وتهذيب الأحكام 1 : 50، ح144.

أنّ هذا التبيين خارجٌ عن وظيفة الشارع المقدس.

وأمّا على الاحتمال الثالث: فهو وإن أمكن حمل الحديث عليه، لكنّه خلاف ظاهر الجملة؛ فإن «إلّا» فيها بمنزلة غير، أي: لا عمل بغير نيّة، وهذا لا يناسب هذا الاحتمال، مضافاً إلى: أنّ من ينوي عملاً حسناً أو قبيحاً فله عمل، إمّا حسن أو قبيح، لا أنّه لا عمل له.

فالأقوى هو الاحتمال الأول، والمراد به هو ما يتبادر إلى الأذهان من قصد الفعل تقرّباً إلى اللَّه سبحانه وتعالى، المؤيّد بفهم الفقهاء خلفاً عن سلف.

والإشكال على هذا التقريب بلزوم تخصيص الأكثر - للزوم خروج التوصّليّات، وهي أكثر من التعبّديّات - غير وارد؛ فإنّها خارجة تخصّصاً، كما يظهر بالتأمّل.

وأمّا سيرة المتشرعة: فإنّ الارتكاز المتشرّعي ثابت في أذهان المتشرّعة؛ فإنّه لا خلاف في أنّ جميع المتشرّعة يرون أنّ الوضوء مثلاً - باعتباره أحد أفراد العبادة - أمر عبادي، وهذا كاشف عن أنّه وصلهم يداً بيد، حتّى يصل إلى زمان المعصومين (علیهم السلام) .

ويعضده: ما ورد من أنّ الوضوء من الصلاة(1)؛ فإنّه لا وجه لكون الوضوء من الصلاة إلّا كونه عبادة يعتبر قصد القربة فيها، وهو المطلوب.

ص: 419


1- الخصال: 33 ، باب الاثنين، ح 2.

سند الحديث:

كلّ رجاله قد تقدّم ذكر ترجمتهم، ما عدا مالك بن عطيّة.

و مالك بن عطية الأحمسي: وإن كان يحتمل بعيداً أنّه الدغشي، إلّا أنّه «لم يثبت كونه راوياً. وعلى فرض تسليم رواية له، يحمل المطلق - ما لم تكن قرينة في البين - على مالك بن عطيّة الأحمسي؛ فإنّه المعروف وصاحب الكتاب» (1)

وقال النجاشي: «مالك بن عطيّة الأحمسي، أبو الحسين البجلي، الكوفي، ثقة، روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، له كتاب يرويه جماعة»(2) .

ومن هذا - أي: قوله: «يرويه جماعة» - يظهر أنّ كتابه معروف، ولا يحتاج إلى الطريق.

فهذا الحديث صحيح السند. والظاهر أنّه قطعة من الحديث الثالث الآتي في هذا الباب.

ص: 420


1- معجم رجال الحديث 15 : 177/ 9839.
2- رجال النجاشي: 422/1132.

[84] 2 - وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ الأَزْدِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ الْعَبْدِيِّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم): لا قَوْلَ إِلَّا بِعَمَلٍ، وَلا قَوْلَ وَ(1) عَمَلَ إِلَّا بِنِيَّةٍ، وَلا قَوْلَ وَ(2) عَمَلَ وَ(3) نِيَّةَ إِلَّا بِإِصَابَةِ السُّنَّةِ»(4).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ القول لا يصحّ إلّا بالعمل. والظاهر أنّ المراد بالقول هنا هو الشهادتان، أو الأعمّ، وهو مقتضى إطلاق قوله (علیه السلام) «ولا قول ولا عمل إلا بنيّة»، فيشمل كلّ قول يصدر من المؤمن. وينبغي أن يشفع بالعمل، وإلّا كان بلا فائدة، فكل عمل يصدر من المؤمن بلا نيّة باطل. وكذا الكلام في القول، فالنية شرط في القول والعمل، وإنما خرج عن ذلك التوصليات والمعاملات وبعض الإيقاعات، فلم يشترط في وقوعها صحيحةً النية؛ للإجماع، فهو المخصص لإطلاق هذا الحديث.

والمراد من العمل: العبادة، فالعمل لا يصحّ بدون نيّة تقارنه، ويشهد له

ص: 421


1- في المصدر زيادة: لا.
2- في المصدر زيادة: لا.
3- في المصدر زيادة: لا.
4- الكافي 1 : 70، باب الأخذ بالسنّة وشواهد الكتاب، ح 9.

وَرَوَاهُ الشَّيْخُ مُرْسَلاً، عَنِ الرِّضَا (علیه السلام) ، نَحْوَهُ(1).

وَرَوَاهُ الْمُفِيدُ فِي «الْمُقْنِعَةِ» مُرْسَلاً(2).

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ أَبِيهِ، بِالإِسْنَادِ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

قوله (علیه السلام) : «ولا قول وعمل ونية إلّا بإصابة السنّة».

والسنة لغةً: الطريقة والسيرة والطبيعة(4).

والوجه في اشتراط إصابة السنّة في القول والعمل والنية هو أن السنّة إذا أضيفت إلى اللَّه تعالى كان معناها: حكم اللَّه وأمره ونهيه وليس شيء إلّا وفيه كتاب أو سنة. وإصابة السنّة وموافقتها لا تتحقّق إلّا بالاقتداء بأئمة الهدى (علیهم السلام) ، الحافظين لما أُنزل من أحكام إلهيّة من التحريف والتزييف، والمبلّغين لها كما أرادها اللَّه عزّوجلّ؛ لمكان عصمتهم ومنصبهم الإلهي. وعليه فمتابعتهم والأخذ عنهم موجب لموافقة السنة، كما أنّ الإعراض عنهم والأخذ عن غيرهم موجب لمخالفتها.

والحديث دالّ على وجوب النية في العبادات كسابقه.

ص: 422


1- تهذيب الأحكام 4 : 186 ، ح 520.
2- المقنعة: 301.
3- المحاسن 1 : 348 ، ح 732، ورواه الطوسي في الأمالي 1 : 337، ح685، و386 ، ح839 .
4- مجمع البحرين 2 : 436 مادة: «سنن».

سند الحديث:

روى المصنّف الحديث بأربعة أسانيد:

الأوّل: ما عن «الكافي»، وفيه: أبو إسماعيل إبراهيم بن إسحاق الأزدي، ولم يذكر بشي ء، والوارد في النوادر: إبراهيم بن إسحاق(1) فحسب.

وفيه أيضاً: أبو عثمان العبدي: ولم يذكر بشي ء، والوارد في «النوادر» أبو عثمان(2)

فحسب. وعليه فهذا الطريق ضعيف، إلّا على القول باعتبار روايات «الكافي».

الثاني: ما أرسله في «التهذيب»، وهو غير معتبر أيضاً.

الثالث: ما أرسله المفيد في «المقنعة»، وهو - كسابقه - غير معتبر.

الرابع: ما رواه البرقيّ في «المحاسن» عن أبيه، وسنده سند «الكافي» نفسه. فالكلام فيه عين ما تقدّم في سند «الكافي».

ص: 423


1- أصول علم الرجال 1 : 211.
2- المصدر نفسه: 246.

[85] 3 - محمّد بْنُ عليّ بْنِ الْحُسَيْنِ فِي «الْخِصَالِ»، عَنْ محمّد بْنِ مُوسَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ عليّ بْنِ الْحُسَيْنِ (علیه السلام) ، قَالَ: «لا حَسَبَ لِقُرَشِيٍّ وَلا عَرَبِيٍّ إِلَّا بِتَوَاضُعٍ، وَلا كَرَمَ إِلَّا بِتَقْوىً، وَلا عَمَلَ إِلَّا بِنِيَّةٍ، (وَلا عِبَادَةَ إلَّا بِتَفَقُّهٍ(1)»، الْحَدِيثَ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

الحسب هو: ما يعُدّه المرء من مفاخر آبائه، أو المال، أو الكرم، أو الأفعال الصالحة. وهي لا تكون تامّة، وكاملة إلّا إذا اقترنت بالتواضع، أي التواضع لله سبحانه ولأوليائه المعصومين (علیهم السلام) وللمؤمنين، وصاحبه مرفوع القدر في الدنيا والآخرة. فالحسب يثبت ويكون ذا أثر ظاهر إذا كان صاحبه متحلّياً بالتواضع، فإذا فقد التواضع كان المظهر للحسب مسيئاً ناقصاً، ولله تعالى أن يخفضه في الدنيا والآخرة.

وأما قوله (علیه السلام) «لا كرم إلّا بتقوى» فالتقوى هي اتخاذ الإنسان الوقاية من عتاب الله عزوجل، وتتحقق بفعل الطاعات وترك المعاصي، ومعنى «لا كرم إلّا بتقوى» أنه لا يتصف المرء بكونه كريماً عند الله تعالى إلّا إذا

ص: 424


1- ليس في المصدر.
2- الخصال: 18 ، باب الواحد، ح62 ، ورواه الكليني في الكافي 8 : 234 ، ح 312.

توفرت فيه صفة التقوى، فهي مدار الكرامة، فمن اتقى كان كريماً عند الله؛ لأنّ التقوى مجمع الخيرات، وأصل الطاعات؛ قال تعالى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}(1).

والحديث دالٌّ - أيضاً - على وجوب النيّة في العبادة؛ فإنه لا عمل صحيح إلّا بنيّة، أي بنيّة خالصة عن الأغراض الفاسدة كالرياء ونحوه.

وقوله (علیه السلام) : «ولا عبادة إلّا بتفقه»، أي: لا عبادة صحيحة وتامة إلّا بالتفقه؛ لأنّ الإتيان بالعبادة كما طلبها الشارع الأقدس يتوقف على معرفة أجزائها وشرائطها وموانعها وكيفيتها، وكل ذلك إنّما يتم بالتفقه.

سند الحديث:

أمّا عبد اللَّه بن جعفر الحميري: فقد قال عنه النجاشي: «عبد اللَّه بن جعفر بن الحسين بن مالك بن جامع الحميري، أبو العباس القمي، شيخ القميّين ووجههم»(2) .

وقال الشيخ في «الفهرست»: «عبد اللَّه بن جعفر الحميري القمي، يكنّى أبا العباس، ثقة»(3)، ووثّقه أيضاً في «الرجال» في أصحاب أبي محمّد العسكري (علیه السلام) (4)

ص: 425


1- الحجرات، الآية 13.
2- رجال النجاشي: 219/573.
3- فهرست الطوسي: 167/439.
4- رجال الطوسي: 400/5859.

[86] 4 - محمّد بْنُ الْحَسَنِ الصَّفَّارُ فِي «بَصَائِرِ الدَّرَجَاتِ»، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْبَرْقِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ الأَزْدِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ الْعَبْدِيِّ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ (علیه السلام) ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم): لا قَوْلَ إِلَّا بِعَمَلٍ (وَنِيَّةٍ(1)، وَلا قَوْلَ وَعَمَلَ إِلَّا بِنِيَّةٍ»(2).(3)

-----------------------------------------------------------------------------

وأمّا بقيّة السند: فقد تقدّمت أفراده. وعليه فالحديث معتبر.

[4] - فقه الحديث:

الحديث المذكور كالحديث الثاني المتقدّم تماماً. نعم، في «بصائر الدرجات» زيادة: «ولا نيّة إلّا بإصابة السنة».

سند الحديث:

أمّا أحمد بن محمد: فهو أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعريّ القميّ. والبرقي هنا هو محمّد بن خالد، وقد تقدّما معاً، وكذا بقيّة السند. وهذا الحديث ضعيف كالحديث الثاني.

ص: 426


1- ليس في المصدر.
2- في المصدر زيادة: ولا نية إلّا بإصابة السنة.
3- بصائر الدرجات: 31، ذيل الحديث 4 ، ويأتي صدره في الحديث 4 من الباب 10 من أبواب الذكر من كتاب الصلاة.

[87] 5 - أَحْمَدُ بْنُ محمّد بْنِ خَالِدٍ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ عليّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِي عُرْوَةَ السُّلَمِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَحْشُرُ النَّاسَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

[5] - فقه الحديث:

إنّ هذه الجملة الشريفة تحتمل وجوهاً، نذكر منها وجهين؛ روماً للاختصار:

أحدهما: أنّ المراد: أنّ من نوى التقرّب إلى اللَّه حشر مع المقرّبين، ومن نوى التقرّب إلى الناس حشر مع الأشقياء المبعدين.

والثاني: أنّ المراد: أنّ من نوى في العبادات التي لها نفع دنيوي - كالسواك والخلال والخضاب والقيلولة والتزويج والكحل والطيب والتجمّل ونحوها - وجه اللَّه وامتثال أمره استحقّ أجراً عظيماً، وثواباً يصل إليه في القيامة، وربّما كان كفّارة للذنوب، ومن قصد بذلك نفع الدنيا فاته نفع الآخرة.

سند الحديث:

أبو عروة السلمي: لم يذكر في كتب الرجال، فهو مهمل. وعليه فالحديث ضعيف من هذه الجهة.

ص: 427


1- 1*) المحاسن 1 : 409 ، ح 929.

[88] 6 - محمّد بْنُ الْحَسَنِ الطُّوسِيُّ، قَالَ: رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ(صلی الله علیه و آله و سلم) أَنَّهُ قَالَ: «الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»(1)1*).

[89] 7 - قَالَ: وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لامْرِى ءٍ مَا نَوَى»(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

[6] - فقه الحديث:

هذا الحديث مشهور، ورواه العامة أيضاً، بل ادّعي تواتره.

يدلّ الحديث على أنّ الإنسان إنّما يثاب على عمله بنيّته، فإن عمل عملاً بنية صالحة، يقصد بها وجه اللَّه تعالى، أثابه اللَّه على عمله، وإلّا فلا يثيبه عليه، ولم يكن له إلّا ما نواه، كما سيجي ء في الحديث العاشر.

سند الحديث:

الحديث مرسل، لكنّه حديث مشهور، فيمكن القول بقوّته حينئذٍ.

[7] - فقه الحديث:

إنّ الأعمال لمّا كانت قد تقع في الخارج بلا نيّة فيكون معنى الحديث:

ص: 428


1- 1*) تهذيب الأحكام 4 : 186 ، ح 518، ويأتي في الحديث 11 من الباب 2 من أبواب وجوب الصوم ونيته.
2- 2*) المصدر نفسه 1 : 83 ، ح 218، و ج4 : 186، ح519، ويأتي في الحديث 2 من الباب 1 من أبواب النية من كتاب الصلاة ، والحديث 12 من الباب 2 من أبواب وجوب الصوم ونيته.

أنّ الأعمال لا تكون قربية وشرعيّة إلّا بالنيّات. وهذا هو مدلول كلمة «إنّما» الدالة على الحصر، كما أنها تنفي ما عدا ذلك. وقوله(صلی الله علیه و آله و سلم): «وإنّما لامرى ء ما نوى» دالّ مفهوماً على أنّه ليس للإنسان ما لم ينوه، فهو يفيد فائدة لم تحصل بقوله(صلی الله علیه و آله و سلم): «إنما الأعمال بالنيات»، وهذه الفائدة هي أن النيّة شرط لصحة العبادة، ووزانه وزان: إنّما لك عندي درهم، فإنّه دالّ على نفي أكثر من درهم له عندك. ونظيره: «إنّما الربا في النسيئة»،(1)

كما عن ابن عباس، و«إنّما الماء من الماء»(2).

ويحتمل أن يراد الأعم من العبادات المنوية فيشمل جميع الاعمال، ويكون مفاده: أن من نوى الجهاد مثلاً بخروجه كتب له ثواب الجهاد، ومن نوى بخروجه وجهاً آخر غير الجهاد - كإصابة الغنائم - لم يكتب له ثواب الجهاد، وكان نصيبه ما نواه من قصد الغنائم، وهكذا في غيره من الأعمال. فلو ضمّ إلى نيته الرياء مثلاً، أو كانت نيته فاسدة مجردة عن نيّة التقرّب فإن العمل يكون حراماً.

والحاصل: أن العمل تابع للنيّة، فمن كانت نيّته صالحة وفيها قصد التقرّب كان له الثواب وكان عمله صحيحاً، ومن لم ينو التقرّب أو خلط نيته بما ينافي نيّة التقرّب كان عمله محرماً وغير صحيح.

سند الحديث:

الكلام فيه كسابقه.

ص: 429


1- تهذيب الأحكام 1 : 84، ح219.
2- المصدر نفسه: ح220.

[90] 8 - وَفِي «الْمَجَالِسِ وَالأَخْبَارِ» بِإِسْنَادِهِ الآتِي(1)، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) فِي وَصِيَّتِهِ لَهُ، قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، لِيَكُنْ لَكَ فِي كلّ شَيْ ءٍ نِيَّةٌ، حتّى فِي النَّوْمِ وَالأَكْلِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[8] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على الترغيب في نيّة القُربة إلى الله تعالى في جميع الأعمال، فيستحبّ إيقاع جميع الأعمال - صغيرها وكبيرها - بداعي التقرّب إلى المولى جلّ وعلا. ومثّل له(صلی الله علیه و آله و سلم) بالنوم والأكل؛ فإنّه قد لا يتصوّر لأول وهلة إمكان جعلهما قُربيّين، وطريق جعلهما كذلك: أن ينوي بفعلهما - مثلاً - التقوّي على العلم والطاعة والعبادة.

سند الشیخ إلى أبي ذر

سند الحديث:

روى الشيخ الحديث في «المجالس»، بسنده إلى أبي ذر، وهو عن جماعة، عن أبي المفضل، عن رجاء بن يحيى العبرتائي، عن محمّد بن الحسن بن شمون، عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن الأصمّ، عن الفضيل بن يسار، عن وهب بن عبد اللَّه الهمداني، عن أبي حرب بن أبي الأسود

ص: 430


1- يأتي في الفائدة الثانية برقم 49 من الخاتمة.
2- الوصية المذكورة موجودة في أمالي الطوسي: 525، لكنها خالية من هذه القطعة ، ورواها الطبرسي ضمن الوصية في مكارم الأخلاق: 464 ، وعنه في البحار 82 : 77. وقال في جامع الأحاديث: «إن هذا لم يوجد فيما بأيدينا من النسخ». فالنسخة الموجودة عند صاحب «الوسائل» (رحمه الله) مشتملة على هذه القطعة.

الدؤلي، عن أبي ذر.

أمّا الجماعة: فهم - على ما في المجلس السادس عشر من «الأمالي»(1) - : الحسين بن عبيد اللَّه، وأحمد بن عبدون، وأبو طالب بن غرور(2)،

وأبو الحسن الصّقال(3)، والحسن بن إسماعيل بن أشناس.

تفسیر المراد بالجماعة في ستد الشیخ قدس سره

أمّا الحسين بن عبيد اللَّه: فهو الغضائري، وقد تقدّم.

وأما أحمد بن عُبْدُون: فقد قال عنه النجاشي: «أحمد بن عبد الواحد بن أحمد، البزّاز، أبو عبد اللَّه، شيخنا المعروف بابن عُبْدُون. له كتب...أخبرنا بسائرها، وكان قويّاً في الأدب، قد قرأ كتب الأدب على شيوخ أهل الأدب، وكان قد لقي أبا الحسن عليّ بن محمّد القرشي، المعروف بابن الزبير، وكان علواً (غلواً) في الوقت»(4) .

ص: 431


1- أمالي الطوسي: 445، ح955.
2- الموجود في أكثر النسخ عزور بالعين المهملة والزاي والواو والراء، وفي بعضها بالغين المعجمة والراءين بينهما واو، وفي بعضها بالعين والزاي والواو والراء، وفي بعضها بالعين المهملة والزايين بينهما واو. وبعضهم ضبطه بفتح الغين المعجمة وسكون الزاي في التعليقة من مشايخ الشيخ، ذكره العلامة في إجازته للسادة أولاد زهرة، وغيره في غيرها، انتهى. وفي «الرياض» عدَّه العلامة في آخر إجازته لبني زهرة من مشايخ الشيخ الطوسي من الخاصة. ويظهر ذلك أيضاً من مطاوي «فهرست الشيخ». وفي ترجمة أحمد بن محمّد بن عمر بن موسى بن الجراح المعروف بابن الجندي، قال الشيخ: أخبرنا عن جميع كتبه أبو طالب بن عزور. وقد يعبر عنه الشيخ في «الفهرست» بابن عزور كما في ترجمة إبراهيم بن أبي رافع. ويروي عن ابن قولويه، انتهى (أعيان الشيعة 2 : 367).
3- في بعض النسخ: الصفّار
4- رجال النجاشي: 87/211.

وعدّه الشيخ في «رجاله» فيمن لم يرو عنهم (علیهم السلام) ، قائلاً: «أحمد بن عبدون، المعروف بابن الحاشر، يكنّى أبا عبد اللَّه، كثير السماع والرواية، سمعنا منه، وأجاز لنا بجميع ما رواه سنة 423»(1).

وهو ثقة؛ لأنّه من مشايخ النجاشي.

وأمّا أبو طالب بن غرور: فقد قال الشيخ الحرّ في «أمل الآمل»: « أبو طالب بن غرور، عدّه العلّامة من مشايخ الشيخ الطوسي من الخاصّة»(2)

وقال الصفدي في «الوافي بالوفيات»: «أبو طالب الحسين بن عليّ بن محمّد بن غَزْوَر الأنماطي. ثمّ أورد عدّة أبيات من شعره، وقال: شعر جيّد في التوسط، وهو من تاجرٍ كثيرٌ، وكان شعره كثيراً إلى الغاية»(3)

وأما أبو الحسن الصفّار: فالصحيح هو أبو الحسن الصقّال؛ طبقاً لما جاء في النسخة القديمة من «الأمالي»، والنسخة القديمة من «بشارة المصطفى»، وقد صُحّح في الطبعة الجديدة، واسمه - على ما في «بشارة المصطفى» - محمّد بن الحسين، المعروف بابن الصقّال(4)

وأمّا الحسن بن علي: فهو الحسن بن محمّد بن إسماعيل بن أشناس.

قال الشيخ الحرّ في «تذكرة المتبحّرين»: «الحسن بن عليّ بن أشناس،

ص: 432


1- رجال الطوسي: 413/5988.
2- أمل الآمل 2 : 354/ 1100.
3- الوافي بالوفيات 9 : 76/684.
4- عن مقدمة الفهرست للسيد عبد العزيز الطباطبائي: 74.

كان عالماً، فاضلاً، وثّقه السيد عليّ بن طاووس في بعض مؤلّفاته»(1) .

وأمّا أبو المفضّل: فقد قال عنه النجاشي: «محمد بن عبد اللَّه بن محمّد بن عبيد اللَّه بن البُهْلول بن هَمّام بن المطّلب بن هَمّام بن بحر بن مطر بن مُرّة الصغرى بن هَمّام بن مُرّة بن ذُهْل بن شَيْبان، أبو المفضّل، كان سافر في طلب الحديث عمره، أصله كوفي، وكان في أوّل أمره ثبتاً، ثمّ خلّط، ورأيت جُلّ أصحابنا يغمزونه، ويضعّفونه، له كتب كثيرة»(2)

وقال الشيخ: «كثير الرواية، حسن الحفظ، غير أنّه ضعّفه جماعة من أصحابنا»(3).

وأمّا رجاء بن يحيى العَبَرتائي: فقد قال النجاشي عنه: «رجاء بن يحيى بن سامان، أبو الحسين، العبرتائي، الكاتب»(4) .

وقال الشيخ في «رجاله» في أصحاب الهادي (علیه السلام) : «رجاء العَبَرْتائي بن يحيى، يكنّى أبا الحسين، روى عنه أبو المفضّل محمّد بن عبد اللَّه بن المطّلب الشيْباني، أخبرنا عنه جماعة من أصحابنا»(5).

وقال السيد الأستاذ (قدس سره) : «وقع الرجل في طريق النجاشي إلى محمّد بن الحسن بن شَمُّون، وقال النجاشي: إنه طريق مظلم»(6)

ص: 433


1- معجم رجال الحديث 6 : 29/2948.
2- رجال النجاشي: 396/1059.
3- فهرست الطوسي: 216/610.
4- رجال النجاشي: 166/439.
5- رجال الطوسي: 387/5695.
6- معجم رجال الحديث 8 : 186.

بحث رجالي في محمّد بن الحسن بن شَمّون

وأمّا محمّد بن الحسن بن شَمّون: فقد قال عنه النجاشي: «أبو جعفر، بغدادي، واقف، ثمّ غلا، وكان ضعيفاً جدّاً، فاسد المذهب، وأضيف إليه أحاديث في الوقف، وقيل فيه»(1).

وقال عنه الشيخ: «محمّد بن الحسن بن شَمُّون، غال، بصري»(2)

ولكنّه ورد في «نوادر الحكمة»(3).

ويمكن الجمع بين التضعيف والتوثيق: بأنّ الضعف في مذهبه؛ ويؤيّده: ما ورد عن النجاشي: أنّ آل الرضا (علیه السلام) مولانا أبا جعفر وأبا الحسن وأبا محمد (علیهم السلام) يعولونه، ويعولون أربعين نفساً كلهم عياله(4)

ووردت بعض الروايات المادحة فيه(5).

وأمّا عبد اللَّه بن عبد الرحمن الأصمّ المسمعي: فقد قال عنه النجاشي: «بصري، ضعيف، غال، ليس بشي ء، روى عن مسمع كردين وغيره، له كتاب المزار، سمعت ممّن رآه فقال لي: هو تخليط، وله كتاب الناسخ والمنسوخ»(6)

ص: 434


1- رجال النجاشي: 335/899.
2- رجال الطوسي: 402/5903.
3- أصول علم الرجال 1 : 236.
4- رجال النجاشي: 336/899 .
5- اختيار معرفة الرجال 2 : 814/ 1018.
6- رجال النجاشي: 217/566.

ولكنه ورد في «النوادر»(1)

، فيأتي فيه الجمع المتقدّم في محمّد بن الحسن بن شَمُّون، وتكون النتيجة وثاقته.

وأمّا الفضيل بن يسار: فقد تقدّم فيما سبق.

وأمّا وهب بن عبد اللَّه الهمداني: فلم يذكر في كتب الرجال، وفي «المستدركات»: «وهب بن عبد اللَّه بن أبي داود الهنابي»(2)، فالرجل مهمل.

وأمّا أبو حرب: فلم يذكر بشي ء سوى أنّه من أصحاب أبي عبد اللَّه الحسين (علیه السلام) (3).

نعم، ذكره ابن سعد في الطبقة الثانية من قراء أهل البصرة، وقال: كان معروفاً وله أحاديث. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال ابن عبد البر في الكنى: «هو بصري ثقة»(4).

وأمّا أبوه أبو الأسود: فقد قال عنه الشيخ: «ظالم بن ظالم، وقيل: ظالم بن عمرو، يكنّى أبا الأسود، الدؤلي»(5).

وذكره في أصحاب أمير المؤمنين والحسن والحسين والسجاد (علیهم السلام) (6) .

ولكن يظهر من سيرته: أنّه من الصلحاء الأخيار، وأنه من شيعة أمير

ص: 435


1- أصول علم الرجال 1 : 228 .
2- مستدركات علم رجال الحديث 8 : 114/15753.
3- رجال الطوسي: 106/1056.
4- تهذيب التهذيب 12 : 61.
5- رجال الطوسي: 70/636.
6- المصدر نفسه: 70/،636 و94/938، و102/996، و116/1168.

المؤمنين علي (علیه السلام) ، استعمله ابن عبّاس مكانه بالبصرة حين طلبه أمير المؤمنين (علیه السلام) ، وهو واضع علم النحو بتعليم من أمير المؤمنين (علیه السلام) ، ووثّقه يحيى بن معين، والعجلي، وابن حبّان، وابن حجر، والذهبي(1)

وأمّا أبو ذر(رضی الله عنه): فقال عنه الشيخ في «الفهرست»: «جندب بن جنادة، أبو ذر الغفاري، رضي الله عنه، أحد الأركان الأربعة»(2)، وهو أحد الثلاثة الذين لم يرتدّوا بعد رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم)، وهو من حواري رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم)، وقد قال رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم) في حقّه: «ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر، يعيش وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده، ويدخل الجنّة وحده»(3)، وهو الهاتف بفضائل أمير المؤمنين (علیه السلام) ، ووصاية رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم) واستخلافه إيّاه، وهو من الأربعة الذين أمر رسول اللَّه بحبّهم، ومن السبعة الذين بهم يرزق أهل الأرض، ومن الثلاثة الذين حلقوا رؤسهم للقتال دفاعاً عن أمير المؤمنين (علیه السلام) بعد ارتداد الناس، وخذلانهم له (علیه السلام) ، وكان من أصفيائه (علیه السلام) ، ومن شرطة الخميس.

وقد ورد: أنّ من جملة كرامته على اللَّه: أنّ الوصائف اللاتي نزلن على فاطمة÷ من الجنّة كانت إحداهن لأبي ذر(4).

ص: 436


1- الكنى والألقاب 1 : 9 -11، والأعلام لخير الدين الزركلي 3 : 236، والوافي بالوفيات 11 : 342، والبداية والنهاية 8 : 343، والإجابة 3 : 455، وسير أعلام النبلاء 4 : 82 .
2- فهرست الطوسي: 95/160.
3- بحار الأنوار 22 : 398، باب 12 ، كيفيّة إسلام أبي ذر.
4- اختيار معرفة الرجال 1 : 99 وما بعدها، ومعجم رجال الحديث 5 : 139 - 143/2393.

[91] 9 - وَعَنْ جَمَاعَةٍ، عَنْ أَبِي الْمُفَضَّلِ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ زَكَرِيَّا، عَنْ محمّد بْنِ عليّ بْنِ حَمْزَةَ الْعَلَوِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرِّضَا، عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم): لا حَسَبَ إِلَّا بِالتَّوَاضُعِ، وَلا كَرَمَ إِلَّا بِالتَّقْوَى، وَلا عَمَلَ إِلَّا بِنِيَّةٍ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[9] - فقه الحديث:

يستفاد من قوله (علیه السلام) : «لا حسب إلّا بالتواضع» أنّ ما يعدّه المرء من مفاخر الآباء وشرفهم ومكانتهم أو المال أو غير ذلك لا يكون ذا أثر إلّا بالتواضع، فلا حسب يثبت ويكون ذا أثر ظاهر إلّا إذا كان صاحبه متحلّياً بالتواضع، وإلّا زال أثر تلك المفاخر، بل تبدلّت - مع الكِبر - إلى ضدّها، وهو القبح.

وأمّا «لا كرم إلّا بالتقوى» فمعناه: أنّه لا يتّصف المرء بكونه كريماً عند اللَّه إلّا إذا توفّرت فيه صفة التقوى، فهي مدار الكرامة، فمن اتّقى كان كريماً عند اللَّه؛ لأنّ التقوى مجمع الخيرات، وأصل الطاعات؛ قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّه أَتْقَاكُمْ}(2)

وأمّا «لا عمل إلّا بنيّة» فقد مضى الكلام فيه.

ص: 437


1- أمالي الطوسي: 590، مجلس 25، ح1223.
2- الحجرات، الآية 13.

سند الحديث:

قد رواه الشيخ عن جماعة، عن أبي المفضّل، عن حنظلة بن زكريا، عن محمّد بن عليّ بن حمزة العلوي، عن أبيه.

أمّا الجماعة الراوون عن أبي المفضّل، فقد تقدّموا معه في سند الحديث السابق.

وأمّا حنظلة بن زكريا: فقد قال عنه النجاشي: «حنظلة بن زكريا بن حنظلة بن خالد بن العَيّار، التميمي، أبو الحسن، القزويني، لم يكن بذلك»(1).

وقال الشيخ في «رجاله»: «يكنّى أبا الحسين، خاصّي»(2)

وأمّا محمّد بن عليّ بن حمزة: فقال عنه النجاشي: «محمد بن عليّ بن حمزة بن الحسن بن عبيد اللَّه بن العباس بن عليّ بن أبي طالب (علیه السلام) ، أبو عبد اللَّه، ثقة، عين في الحديث، صحيح الاعتقاد...، له كتاب: «مقاتل الطالبيين»(3)

وأمّا أبوه عليّ بن حمزة: فقال عنه النجاشي: «علي بن حمزة بن الحسن بن عبيداللَّه بن العباس بن عليّ بن أبي طالب (علیه السلام) ، أبو محمد، ثقة، روى وأكثر الرواية»(4)

ص: 438


1- رجال النجاشي: 147/380.
2- رجال الطوسي: 423/6095.
3- رجال النجاشي: 347/938.
4- المصدر نفسه: 272/714.

[92] 10 - وَعَنْ جَمَاعَةٍ، عَنْ أَبِي الْمُفَضَّلِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ الْعَبَّاسِ الْمُوسَوِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ محمّد بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عليّ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ محمّد وَعَلِيُّ بْنُ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، هَذَا عَنْ أَخِيهِ، وَهَذَا عَنْ أَبِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَلِكُلِّ امْرِى ءٍ مَا نَوَى. فَمَنْ غَزَا ابْتِغَاءَ مَا عِنْدَ اللَّهِ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنْ غَزَا يُرِيدُ عَرَضَ الدُّنْيَا أَوْ نَوَى عِقَالاً لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلَّا مَا نَوَى»(1).

أَقُولُ: وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[10] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على اعتبار النية في صحّة العمل، كما تقدّم في الحديث السابع، وأنّ الأعمال مرهونة بالنيّات، فمن أتى بالعمل خالصاً للَّه فله أجره

ص: 439


1- أمالي الطوسي: 618، ح1274، باختلاف في السند والمتن.
2- يأتي في: أ - الحديثين 1و5 من الباب 6 من هذه الأبواب. ب - الباب 1 من أبواب النية من كتاب الصلاة. ج - الباب 56 من أبواب المستحقين للزكاة من كتاب الزكاة. د - الأحاديث 11و12و13 من الباب 2 من أبواب وجوب الصوم. ه- - الحديث 5 من الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

من اللَّه عزّوجلّ، ومن أتى به مجرّداً عن نيّة التقرّب أو ضمّ إليها ما ينافيها فإنّه يُحرم من أجر ذلك العمل، ويكون نصيبه ما نواه فحسب. وعليه فمن نوى بغزوه طلب ما عند اللَّه عزّوجلّ أعطاه اللَّه أجر جهاده على قدر إخلاصه.وأمّا من نوى بغزوه متاع الدنيا وحطامها أو نوى عقالاً - وهو زكاة عام من الإبل والغنم، ويطلق على الحبل الذي تشد به ركبة البعير(1)

- فقد حرم نصيبه من ثواب المجاهدين، ولم يكن له إلّا ما نواه من حطام الدنيا الزائل.

وهذا هو الظاهر من الحديث، وبه استظهر السيد الأستاذ (قدس سره) معنى النيّة، وأيّده بما جاء فيه من التعبير بالجمع؛ حيث إنه (صلی الله علیه و آله و سلم) قال: «الأعمال بالنيّات»؛ للدلالة على أنّ الدواعي مختلفة، فقد تكون حسنة، وقد تكون سيّئة، وقد لا تكون حسنة ولا سيّئة. فالأعمال بالنيّات؛ لأنّ الأفعال مختلفة بحسب اختلاف الدواعي(2).

مناقشة السید الأستاذ قدس سره في معانی الحدیث العاشر

وما ذكره (قدس سره) هو الأظهر في معنى الحديث، إلّا أنّ فيه:

أولاً: أنّ ما ذكره هنا في معنى النية وأيّده بالتعبير بالجمع في النيّات لا يلزم منه أن يكون معنى قوله(صلی الله علیه و آله و سلم): «لا عمل إلّا بنية» ذلك أيضاً.

وثانياً: أنّ ما ذُكر من دواعي الخير أو الشرّ إنّما هو من باب ذكر المصداق

ص: 440


1- الصحاح 5 : 1770 - 1771، مادة: «عقل».
2- التنقيح (موسوعة الامام الخوئي) 5 : 413.

للنية الكليّة، وقصد الفعل بداعي التقرّب أعمّ من داعي الخير ونحوه.

سند الحديث:

رواه الشيخ عن الجماعة التي تقدمت في سند الحديث الثامن عن أبي المفضّل، الذي تقدّم ذكره أيضاً، عن أحمد بن إسحاق بن العباس الموسوي، عن أبيه، عن إسماعيل بن محمّد بن إسحاق بن محمد، عن عليّ بن جعفر بن محمّد وعلي بن موسى بن جعفر.

أمّا أحمد بن إسحاق بن العباس الموسوي: فلم يذكر بشي ء في كتب الرجال.

وأبوه إسحاق بن العباس بن إسحاق الموسوي المهلوس: مثله.

وأمّا إسماعيل بن محمّد بن إسحاق بن جعفر بن محمد: فقد قال عنه النجاشي: «إسماعيل بن محمّد بن إسحاق بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين، ثقة، روى عن جدّه إسحاق بن جعفر، وعن عمّ أبيه عليّ بن جعفر صاحب المسائل»(1)

وأمّا عليّ بن جعفر بن محمد: فقد تقدّم.

وعليه فسند هذا الحديث غير معتبر بعدة مجاهيل.

والحاصل: أنّ في هذا الباب عشرة أحاديث، أربعة منها معتبرة، وستة ضعيفة سنداً. ويمكن تصحيح الحديث السادس والسابع بالمباني المتقدّمة، بل

ص: 441


1- رجال النجاشي: 29/60.

يمكن قبول الجميع على بعض المباني؛ لموافقتها لبقيّة الروايات على الأقلّ.

المستفاد من أحاديث الباب

والمستفاد من أحاديث الباب أمور:

منها: اعتبار النيّة في العبادات الواجبة.

ومنها: اعتبار النيّة في المستحبّات أيضاً.

ومنها: أنّ قصد القربة في المباحات يوجب حصول الثواب على فعلها.

ومنها: أنّ الناس يحشرون على نيّاتهم في يوم القيامة.

ومنها: أنّ النيّة والقول والعمل كالعدم إذا لم توافق أوامر اللَّه سبحانه وتعالى. وموافقتها لأوامر اللَّه منوطة باتّباع حججه المنصوبين من قبله، وهم أئمّة الهدى صلوات اللَّه عليهم أجمعين.

ص: 442

6 - باب استحباب نية الخير والعزم عليه

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

6 - باب استحباب نيّة الخير والعزم عليه

شرح الباب:

لمّا كان الغرض الأصلي من العمل بالجوارح في العبادات هو: تأثّر القلب بذلك العمل - لما بين القلب والجوارح من الارتباط - بالميل إليه سبحانه وتعالى، وإيثاره على ما سواه، والانصراف عن غيره له جلّ وعلا، ورد الحثّ الأكيد على لزوم النيّة وتخليصها من الشوائب، وإلّا فإنّ الأعمال الجوارحيّة بأنفسها لا يتعلّق غرض التكليف بها منفردة، كما لا توجب الوصول والزلفى إليه جلّ شأنه لوحدها؛ فإنّ السجود - مثلاً - لم يقصد من التكليف به في الصلاة وغيرها: وضع الجبهة على الأرض فحسب، بل أمر به؛ لأنّ فيه تأكيداً لصفة التواضع في القلب؛ ولأنّه يؤثر في إظهار العبوديّة المقرّبة إليه سبحانه كمال التأثير.

ويمكن أن يستفاد ذلك من قوله سبحانه وتعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ}(1)؛ إذ كان العرب في الجاهليّة يلطّخون حيطان الكعبة المشرّفة بدماء القرابين التي يتقربون بها لأوثانهم، فلمّا حجّ المسلمون همّوا بمثل ذلك، فنبّههم اللَّه إلى أنّ المقصود من تقديم

ص: 443


1- الحج، الآية 37.

القربان للَّه عزّوجلّ ليس اللحوم ولا الدماء، ولا أنّ المقصود: أنّهما ممّا يوجب قربه ورضاه سبحانه، وإنمّا الموجب للقربة إليه هي التقوى، التي هي من أفعال القلب، فإن حصلت نتيجة العمل فبها ونعمت، وإلّا لم يكن العمل منتجاً للغرض من تشريعه؛ ومن ثمّ أضيفت التقوى إلى القلوب في قوله عزّوجلّ: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّه فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}(1)

والمراد: بذلها إيثاراً لوجه اللَّه تعالى، وهو الغرض المقصود من تشريع القربان.

وهذا التأثّر المطلوب قد يحصل عند الجزم بالنيّة والهمّ بالعمل من العبد، وإن عاق عن العمل عائق. وإنّما يكون الإتيان بالعمل المراد من قبل اللَّه سبحانه وتعالى مؤكّداً ومرسخاً لهذا الميل، فالأصل القصد والنيّة، والعمل - بعد ذلك - تابع.

وتوجد شواهد متعدّدة على أنّ الأصل هو النيّة، والعمل يتبعها في الحكم، منها: أنّ المجامع لامرأته بقصد أنّها غيرها مأثوم، وفي حكم الزاني، بخلاف المجامع غيرها على قصد أنّها امرأته، فإنّه لا إثم عليه. فالنيّة قلبت الحلال حراماً، والحرام حلالاً، بل هي تصيّر الفعل الواحد طاعةً تارة، ومعصية أخرى، كضرب اليتيم للتأديب، فإنّه يكون طاعة، بخلاف ضربه للتعذيب؛ إذ يكون معصية، مع أنّه فعل واحد.

ص: 444


1- الحج، الآية 32.

ولذا ورد التأكيد على نيّة الخير والعزم على الخير(1)،

وإن لم يوفّق للعمل به لعائق؛ فإن النيّة أفضل من العمل.

الأقوال:

الظاهر اتّفاق الخاصة والعامة على استحباب نيّة الخير والعزم عليه، بلا خلاف منهم فيه.

أمّا الخاصة: فلما ورد من الروايات المستفيضة في هذا المعنى، والتي مرّ بعضها، وسيأتي بعضها الآخر في تضاعيف الكتاب.

وأمّا العامة: فكذلك؛ فقد صرّح شرّاح الصحاح والمسانيد في مواضع مختلفة باستحباب نيّة الخير، المستفاد من كثير من الروايات، كرواية: «من طلب الشهادةَ صادقاً أُعْطِيَهَا، ولو لم تُصِبْه» المذكورة في «صحيح مسلم»(2)

وشروحه، ورواية «من سأل اللَّه الشهادة بصدق بلَّغه اللَّهُ منازل الشهداء، وإن مات على فراشه»(3).

قال المازري: «وفيهما دلالة على أنّ من نوى شيئاً من أفعال البّر ولم يفعله لعذر، كان بمنزلة من عمله، وعلى استحباب طلب الشهادة، ونيّة الخير».

ص: 445


1- راجع روايات هذا الباب في وسائل الشيعة 6 : 49 - 56، باب استحباب نيّة الخير والعزم عليه.
2- صحيح مسلم: 966، ح4822.
3- المصدر نفسه، ح4823.

[93] 1 - محمّد بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ الْفَقِيرَ لَيَقُولُ: يَا رَبِّ، ارْزُقْنِي، حتّى أَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا مِنَ الْبِرِّ وَوُجُوهِ الْخَيْرِ، فَإِذَا عَلِمَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْهُ بِصِدْقِ نِيَّةٍ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلَ مَا يَكْتُبُ لَهُ لَوْ عَمِلَهُ؛ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ كَرِيمٌ»(1).

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

وقد صرّح بذلك جماعة من علمائهم، حتّى قال الآبي: «لو لم ينوه كان حاله حال المنافق، لا يفعل الخير ولاينويه. وقيل: «مرّ رجل من بني إسرائيل - سنة القحط - على جبل من الرمل، فقال: لو كان حنطة لأنفقته على الفقراء. فأوحى اللَّه إلى رسول ذلك العصر، أن يقول له: إنّ اللَّه قبل صدقتك، وأعطاك أجر إنفاقه لو كان حنطة»(3)

[1] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ المؤمن الفقير إذا قال بلسانه أو بقلبه: يا ربّ، ارزقني؛ حتّى أفعل كذا وكذا من أمور البّر ووجوه الخير، ولا يشترط أن

ص: 446


1- الكافي 2 : 85، باب النيّة، ح 3.
2- المحاسن 1 : 407 ، ح 924.
3- راجع: شرح مسلم للنووي 13 : 55، والأذكار النووية: 207، وبحار الأنوار 76 : 199.

يقول هذا اللفظ، بل يكفي إخطار هذا المعنى في النفس، أو إبرازه بأيّ لفظ اتّفق، فإنّ اللَّه عزّوجلّ إذا علم منه صدق النيّة، وأنّ هذه الأمنية غير كاذبة، وأنّه إذا رزقه من فضله وفى بما وعد به من الخير، كتب اللَّه له من الأجر مثل ما يكتب له لو عمل العمل المنوي؛ فإنّه تعالى شأنه واسع الفضل والعطاء، وهو كريم بذاته، ولا بخل في ساحة قدسه.

والنيّة لمّا كانت من الأفعال الاختيارية - وإن كانت فعلاً قلبيّاً - فإنّه يترتّب عليها الثواب، كما وقع التصريح بذلك في هذا الحديث وغيره. فإذا تمكّن العبد من الإتيان بالعمل معها فله ثواب آخر، وأمّا إذا لم يتمكّن لمانع، كعدم قدرة، أو ضيق الوقت أثيب على مجرّد عزمه المتقدّم.

فترتّب الثواب على النيّة مشروط بعدم التقصير في العمل، بمعنى: أنّ عدم تحقّق العمل مستند إلى وجود المانع في البين، لا إلى تقصير العبد، وإلّا لم يثب على مجرّد النيّة، ولذلك قيّد بالفقير؛ فإنّه غالباً لا يتمكّن من العبادات الماليّة، ولا يشمل الحديث الغني الذي يتمكّن من العمل، ومع ذلك لا يعمل.

وبهذا يتضح: أنّ العمل بعد تحقّق النيّة وترتب الثواب عليها ليس لغواً، كما أنّ ثواب العمل مع النيّة معاً ليس كثواب النيّة المجردة عن العمل لمانع.

ويمكن أن يقال بوجه آخر في المقام حاصله: أنّ ثواب النيّة المجردة عن العمل لمانع كثواب النيّة مع العمل بلا مضاعفة، وأمّا إذا اقترنت النيّة

ص: 447

بالعمل، فيضاعف عشرة أمثال أو أكثر، ولا يلزم المحذوران السابقان.

ويؤيد هذا: ما سيأتي في الحديث السادس من هذا الباب وغيره، من أنّ اللَّه جعل لآدم في ذرّيته: أنّ من همَّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، ومن همَّ بحسنة وعملها كتبت له عشراً.

قال الشيخ البهائي (قدس سره) : «هذا الحديث يمكن أن يجعل تفسيراً لقوله (علیه السلام) : نيّة المؤمن خير من عمله؛ فإنّ المؤمن ينوي كثيراً من هذه النيّات، فيثاب عليها، ولا يتيسّر العمل إلّا قليلاً»(1)

سند الحديث:

روي هذا الحديث بسندين: أحدهما عن «الكافي»، والآخر عن «المحاسن».

أمّا سند «الكافي»: فجميع من فيه قد تقدّموا فيما سبق، وهو صحيح.

وأمّا سند «المحاسن»: فحكمه حكم سند «الكافي».

ص: 448


1- نقله عنه في البحار 67 : 200، ب53، ح4، ومرآة العقول 8 : 102، ح3.

[94] 2 - وَعَنْهُمْ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عليّ بْنِ أَسْبَاطٍ، عَنْ محمّد بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ(1) الْحُسَيْنِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ حَسَنِ ابْنِ أَبَانٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) عَنْ حَدِّ الْعِبَادَةِ الَّتِي إِذَا فَعَلَهَا فَاعِلُهَا كَانَ مُؤَدِّياً؟ فَقَالَ: «حُسْنُ النيَّةِ بِالطَّاعَةِ»(2).

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ عليّ بْنِ أَسْبَاطٍ، مِثْلَهُ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

دلّ هذا الحديث على أن حدَّ العبادة الصحيحة المقبولة إنّما هو بالنيّة الخالصة غير المشوبة بما يصرفها عن وجه اللَّه عزّوجلّ، والمطهّرة عن جميع النقائص، وهي الموصوفة بالحُسن في هذا الحديث.

ولعل المراد بالطاعة: كلّ أمر يطاع اللَّه به، فيكون المعنى: أنّ حدّ العبادة التي تكون به العبادة عبادة هي تزكية نيّة العبادة عن جميع النواقص، وتصفيتها عن جميع الوجوه والمقاصد غير وجه اللَّه سبحانه وتعالى.

كما يمكن أن يراد بالطاعة: طاعة الإمام المعصوم (علیه السلام) ، فالمعنى: أنّ حدّ العبادة التي إذا فعلها العبد كان مؤدّياً لها وكانت صحيحة مقبولة هي الإقبال على العبادة بإخلاص، مع طاعة الإمام؛ باعتبار أنّ طاعة المعصوم هي

ص: 449


1- كذا في الأصل، وفي الوافي: «عن»، وفي المصدر: «بن الحسين عن عمرو».
2- الكافي 2 : 85، باب النيّة، ح 4.
3- المحاسن 1 : 407 ، ح 925 بسند آخر.

الأساس في قبول العبادات، بل لا تكون العبادات صحيحة إلّا بالأخذ عنه، ولا شرعية إلّا بإمضائه (علیه السلام) .

وسيأتي في الحديث الثالث عشر: أنّ العبادة هي: حسن النية بالطاعة، من الوجه الذي يطاع اللَّه منه، أو الذي أمر به، وفيه إشارة لما ذكرنا.

سند الحديث:

روى المصنّف (قدس سره) هذا الحديث بسندين أيضاً: أحدهما عن «الكافي» والآخر عن «المحاسن».

أمّا سند «الكافي» ففيه:

محمّد بن إسحاق بن الحسين بن عمرو: وفي طبعة «الكافي»: محمّد بن إسحاق بن الحسين، عن عمرو، عن الحسن بن أبان، وفي «الوافي»(1): محمّد بن إسحاق، عن الحسين بن عمرو. وكيف كان فلم يرد فيه شي ء.

وفيه أيضاً: الحسن بن أبان: ولم يرد فيه شيء، غير أنّ الحسين بن سعيد نزل عنده في بيته؛ قال الشهيد (قدس سره) : «إنّ هذا يدلّ على جلالته»(2)،

وهو ممنوع كما ترى.

فالسند ضعيف، لكن يمكن القول باعتباره؛ لوجوده في كتاب «الكافي».

ص: 450


1- الوافي 4 : 368/ 72137.
2- جامع الرواة 1 : 188، ومعجم رجال الحديث 4 : 273.

[95] 3 - وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّوْفَلِيِّ، عَنِ السَّكُونِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم): نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ، وَنِيَّةُ الْكَافِرِ شَرٌّ مِنْ عَمَلِهِ، وَكُلُّ عَامِلٍ يَعْمَلُ عَلَى نِيَّتِهِ»(1).

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنِ النَّوْفَلِيِّ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

الإشكال علی حدیث نية المؤمن خیر من عمله بإشكالین

[3] - فقه الحديث:

هذا الحديث متّفق عليه بين الخاصة والعامة، وقد جاء بلفظ «أفضل من عمله»(3)،

وفي حديث آخر: «أبلغ من عمله»(4).

والسر في ذلك: أنّ نفع العمل - وهو: استحقاق الثواب، أو سقوط العقاب، أو كلاهما - متوقّف عليها ابتداءً واستدامة، دون العكس؛ فإنّ النيّة وحدها نافعة، كما سبق في الحديث الأول، وسيأتي في الحديث السادس عشر: «إنّ العبد لينوي من نهاره أن يصلّي بالليل، فتغلبه عينه فينام، فيثبت اللَّه له صلاته، ويكتب نفسه تسبيحاً، ويجعل نومه عليه صدقة».

ولكن أشكل على هذا الحديث بإشكالين:

ص: 451


1- الكافي 2 : 84، باب النية ، ح 2.
2- المحاسن 1 : 405 ، ح 919.
3- علل الشرائع 2 : 524، ب301، ح2 ، وسيأتي هنا في الحديث ح17.
4- أمالي الطوسي: 454، ح1014، وسيأتي هنا في الحديث 22.

أحدهما: أنّه كيف تكون النيّة أفضل من العمل، مع أنّ العمل هو المتضمّن للتعب والمشقّة، وقد ورد: «أن أفضل العبادة أحمزها»(1)، أي: أكثرها مشقّة، فالعمل أحمز من النيّة، فكيف يكون مفضولاً؟ وروي أيضاً: «أنّ المؤمن إذا همَّ بحسنة كتبت واحدة، فإذا فعلها كتبت عشراً»(2)،

وهذا صريح في أنّ العمل أفضل من النيّة. مضافاً إلى أنّ العمل هو المقصود بالأصالة، وبه يتعلّق البعث المولوي، والنيّة من التوابع. مع أنّ مدح العاملين والعابدين والمصلّين والراكعين والساجدين ونحوهم مبنيّ على العمل.

الثاني: أنّه روي: أنّ النيّة المجردة لا عقاب فيها، فكيف تكون شرّاً من العمل؟

وقد أجيب عنهما بأجوبة متعدّدة،تصل إلى أكثر من اثني عشر وجهاً، وأحسنها: ما ورد في أحاديث الباب نفسها، ويمكن تلخيصها كما يلي:

الجواب عن الإشكالین بوجوه

الجواب الأول: أنّ نيّة المؤمن هي: اعتقاده الحق وإطاعة الربّ لو حصل له الخلود في الدنيا. وهذه النيّة منه خير من عمله؛ إذ ثمرتها الخلود في الجنّة، بخلاف عمله، فإنّه لا يوجب الخلود فيها. ونيّة الكافر هي: اعتقاده الباطل ومعصية الربّ لو حصل له الخلود في الدنيا، وهي شرّ من عمله؛ إذ ثمرتها الخلود في النار، بخلاف عمله. وقد ورد ذلك في الحديث الرابع.

ص: 452


1- الفروق للقرافي: 3 ، ح 2، ورواه المحقق الحلي بلفظ : «أفضل العبادات أحمزها»، في معارج الأصول: 215.
2- انظر الحديث: السادس والسابع والثامن من هذا الباب.

الجواب الثاني: أنّ المؤمن قد ينوي القيام بأفعال الخير ووجوه البّر، ممّا يكون خارجاً عن قدرته، فيثاب عليها بدون عمل. فنيّته - بهذا الاعتبار - خير من عمله؛ لأنّ ثوابها أكثر من ثوابه.

والكافر ينوي شروراً كثيرة، لا يقدر على القيام بها، فنيّته شرّ من عمله. وقد ورد ذلك في الأحاديث: السادس عشر والسابع عشر والثاني والعشرين.

الجواب الثالث: أن النيّة المعتبرة شرعاً لا يكاد يدخلها الرياء، بخلاف العمل، فإنّه يَعرُضه الرياء، كما ورد في الحديث الخامس عشر. ولا ريب في أنّ ما لا يدخله الرياء أفضل ممّا يدخله.

وإذا قيل: إنّ العمل وإن كان معرضاً للرياء، إلّا أنّ المراد به: العمل الخالي عن الرياء، وإلّا لم يقع التفضيل بينه وبين النيّة.

قلنا: إنّ التفضيل من بعض الجهات كافٍ في المقام.

الجواب الرابع: أنّ طبيعة نيّة المؤمن خير من عمله، كما أنّ طبيعة نيّة الكافر شرّ من عمله؛ وذلك لأن نيّة المؤمن لا يترتّب عليها عقاب أصلاً؛ فإنّها إن كانت خيراً أثيب عليها، وإن كانت شرّاً كان وجودها كعدمها، بخلاف العمل، فإنّ من يعمل مثقال ذرّة خيراً أثيب عليه، ومن يعمل مثقال ذرّة شراً عوقب عليه، إلّا أن يستغفر ويتوب إلى اللَّه عزّوجلّ. فعلى هذا تكون نيّته خيراً من عمله.

وهذا بخلاف الكافر، فإنّ نيّته شرّ من عمله؛ لأن نيّة الشر يعاقب عليها ولا يعفى عنها. ومن المعلوم: أنّ نيّته من الشر، ومن الشرك والأعمال الفاسدة، أكثر من عمله، فتكون نيّته شراً من عمله. ويدل على ذلك ما في الحديث الرابع.

ص: 453

[96] 4 - وَعَنْهُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْمِنْقَرِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «إِنَّمَا خُلِّدَ أَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ؛ لأَنَّ نِيَّاتِهِمْ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا: أَنْ لَوْ خُلِّدُوا فِيهَا أَنْ يَعْصُوا اللَّهَ أَبَداً. وَإِنَّمَا خُلِّدَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ؛ لأَنَّ نِيَّاتِهِمْ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا: أَنْ لَوْ بَقُوا فِيهَا أَنْ يُطِيعُوا اللَّهَ أَبَداً. فَبِالنِّيَّاتِ خُلِّدَ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ»، ثمّ تَلا قَوْلَهُ تَعَالَى: {قُلْ كلّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ}(1)، قَالَ: «عَلَى نِيَّتِهِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

روي الحديث بسندين: أولهما عن «الكافي»، وهو معتبر، وثانيهما عن «المحاسن»، وهو كسابقه.

[4] - فقه الحديث:

يستفاد من هذا الحديث وأمثاله: أنّ المدار في الأعمال على النيّة التابعة للحالة التي اتّصفت بها النفس، سواء كان ما اتّصفت به من نوع العقائد، أو من نوع الأخلاق. وهذان النوعان ينقسمان إلى حسن وقبيح، والناس متّصفون بأحدهما لا محالة.

فإذا كانت النفس متوطّنة على العقائد الثابتة والأخلاق الحسنة - بحيث

ص: 454


1- الإسراء، الآية 84.
2- الكافي 2 : 85، باب النيّة، ح 5.

وَرَوَاهُ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ عليّ بْنِ محمّد الْقَاسَانِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ(1).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي «الْعِلَلِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ محمّد مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

صارتا راسختين - فإنّ الأعمال الصالحة الكاملة حينئذ لا تتخلّف عنها، حتّى لو فرض أنّ صاحب هذه النفس بقي في الدنيا أبداً، وعليه فيستحقّ الخلود في الجنّة بهذه الشاكلة والحالة.

وإذا كانت النفس قائمة على العقائد الباطلة والأخلاق القبيحة، فإنّه لو بقي صاحبها في الدنيا أبداً لعصى اللَّه تعالى دائماً. فهو إنّما استحقّ الخلود في النار بتلك الشاكلة(3)،

لا بالأعمال التي لم يعملها في حياته الدنيويّة. فلا يرد على ما ذكرنا: أنّه منافٍ للأخبار الواردة في أنّه «مَن هَمّ بسيّئة ولم يعملها لم تكتب عليه»(4).

معاني النية ، و تفسیر الشاكلة

مع أنّه يمكن حمل تلك الأخبار النافية لكتابة السيّئة إذا لم يعملها على ما إذا لم تصر شاكلةً له، ولم تكن بحيث علم اللَّه أنّه لو بقي في الدنيا لأتى بها.

ص: 455


1- المحاسن 2 : 56 ، ح 1165.
2- علل الشرائع 2 : 523 ، ح 1.
3- أي: السجيّة والطبع .
4- الكافي 2 : 428، باب من يهمّ بالحسنة أو السيئة، ح2.

سند الحديث:

روي الحديث بثلاثة أسانيد:

السند الأول: ما عن «الكافي»، وفيه:

القاسم بن محمد: وهو مشترك بين القاسم بن محمّد الجوهري والقاسم بن محمّد الأصفهاني، الملقّب بكاسولا، وكلاهما يرويان عن سليمان بن داود المنقري، ويروي عنهما إبراهيم بن هاشم.

ويمكن تمييز الجوهري: بروايته عن الحسين بن أبي العلاء، وكليب بن معاوية الأسدي، ورومي بن زرارة، وحريز بن عبد اللَّه، وعبد الصمد بن بشير، وأبان بن عثمان، ومن كان في طبقتهم، وبرواية الحسين بن سعيد ومحمد بن خالد البرقي عنه.

ويختصّ الأصفهاني عن الجوهري: برواية سعد بن عبد اللَّه، وأحمد بن أبي عبد اللَّه عنه؛ فإنّهما لم يرويا عن الجوهري. وعلى كلّ حال لم يرد في حقّهما شي ء.

ولكن قد ورد هذا العنوان في«نوادر الحكمة» وفي «تفسير عليّ بن إبراهيم»، وروى عنه المشايخ الثقات(1) ، فيكون ثقة.

والظاهر أنّ القاسم بن محمّد الجوهري هو الذي روى عنه المشايخ الثقات. ولكن الظاهر أنّ المراد به هنا هو الأصفهاني؛ لرواية سعد بن عبدالله

ص: 456


1- أصول علم الرجال 1 : 234 ، 286، و ج2 : 206 .

عنه في سند الصدوق في «العلل».

وفيه - أيضاً - : المنقري، وأحمد بن يونس، وأبو هاشم.

أمّا المنقري: فهو سليمان بن داود المنقري، قال عنه النجاشي: «ليس بالمتحقّق بنا، غير أنّه روى عن جماعة أصحابنا من أصحاب جعفر بن محمد (علیه السلام) ، وكان ثقة»(1) .

وورد في كتاب «نوادر الحكمة» و«تفسير عليّ بن إبراهيم»(2) ، فيكون ثقة.

وأمّا أحمد بن يونس: فلم يرد فيه شي ء.

وأمّا أبو هاشم: فهو مجهول، وليس هو الجعفري داود بن القاسم؛ لأنّه من أصحاب الرضا والجواد (علیهما السلام) ، وكان أبوه يروي عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) .

وعليه فالسند غير معتبر.

ويمكن القول باعتباره؛ بناءً على صحّة روايات «الكافي».

والسند الثاني: ما عن «المحاسن» للبرقي، وفيه:

عليّ بن محمّد القاساني: قال عنه النجاشي: «كان فقيهاً، مكثراً من الحديث، فاضلاً، غمز عليه أحمد بن محمّد بن عيسى، وذكر: أنّه سمع منه مذاهب منكرة، وليس في كتبه ما يدل على ذلك»(3).

ص: 457


1- رجال النجاشي : 184/488.
2- أصول علم الرجال 1 : 224 و281 .
3- رجال النجاشي: 255/669.

[97] 5 - وَبِالإِسْنَادِ، عَنِ الْمِنْقَرِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - : «وَالنِّيَّةُ أَفْضَلُ مِنَ الْعَمَلِ. أَلا وَإِنَّ النِّيَّةَ هِيَ الْعَمَلُ» ثمّ تَلا قَوْلَهُ تَعَالَى: «{قُلْ كلّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ}(1) يَعْنِي: عَلَى نِيَّتِهِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

وذكره الشيخ في أصحاب الإمام الهادي (علیه السلام) ، وقال: «ضعيف، أصبهاني»(3)

، ولكنه ورد في كتاب «نوادر الحكمة»(4).

ويمكن الجمع بين تضعيفه وتوثيقه: بأن يحمل الضعف على ضعفه في مذهبه، والتوثيق على توثيقه في حديثه. ومع هذا فالسند ضعيف.

والسند الثالث: ما عن كتاب «علل الشرائع»، ورجاله قد تقدّموا بأجمعهم، وحاله حال السند الأول.

[5] - فقه الحديث:

تطلق النية على ثلاثة معانٍ:

أحدها: إرادة إيقاع الفعل.

ص: 458


1- الإسراء، الآية 84 .
2- الكافي 2 : 16، باب الإخلاص، ح 4، وأورد قطعة منه في الحديث 4 من الباب 8 من أبواب مقدمة العبادات.
3- رجال الطوسي: 388/5712.
4- أصول علم الرجال 1 : 231 .

والثاني: الغرض الباعث على الفعل.

والثالث: العزم على الفعل.

والمعنيان الأولان مقارنان للفعل، دون المعنى الثالث؛ فإنّه قبل الفعل. والنيّة بالمعنى الأول لا ينفكّ فعل الفاعل المختار عنها، كما سبقت الإشارة إليه. وهي بالمعنى الثاني يكون الإخلاص فيها من أشقّ الأمور وأصعبها على العابد؛ وذلك لأنّ الإخلاص يتطلّب إزالة حبّ الدنيا من القلب، والتوجّه إلى طلب الآخرة، وحبّ المولى جلّ جلاله، وهذه الأمور ليست بالسهلة اليسيرة؛ فإنّها تتطلّب كثيراً من المجاهدة للنفس، والتوطين لها على الابتعاد عن كلّ ما يبعد عن اللَّه جلّ جلاله، والاعتزال عمّن تكون خلطته موجبة للبعد عن اللَّه مهما أمكن.

وكلمّا كانت النيّة أكثر إخلاصاً عن الأغراض الفاسدة، كان العمل أكمل وأتمّ؛ ولذا ورد أنّ «نيّة المؤمن خير من عمله»(1).

وأمّا من غلب عليه حبّ الدنيا وشهواتها وانغمس في ملذّاتها فلا يمكنه إخلاص النيّة عن دواعيها، فهو بعيد - بهذا - عن طلب الآخرة، فإنّ «الدنيا والآخرة عدوّان متفاوتان، وسبيلان مختلفان. فمن أحبّ الدنيا وتولّاها أبغض الآخرة وعاداها. وهما بمنزلة المشرق والمغرب، وماشٍ بينهما، كلّما قرب من واحد بعد من الآخر»(2)

ص: 459


1- الكافي 2 : 84، باب النية، ح2، وغوالي اللئالي 1 : 37 و 406، ح26 و67 .
2- نهج البلاغة 4 : 23.

ويمكن أن يكون هذا جواباً آخر، يضاف إلى ما قدّمناه من الأجوبة عن الإشكال على الحديث الثالث.

وأمّا أنّ النيّة هي العمل فيراد به: مبالغة في اشتراط العمل بها، و بيان أنّ العمل المجرد عن النية غير معتدّ به شرعاً، فالآتي بالعمل بلا نيّة غير آتٍ بعمل من رأس، فكأنّها نفس العمل وعينه؛ ولذا ورد التأكيد الشديد من الإمام (علیه السلام) على الاتّحاد بينهما، وأنّهما شي ء واحد؛ فقد أتى بحرف التنبيه «ألا»، وبحرف التأكيد «إنّ»، وأتى بالجملة الاسميّة، وعرّف الخبر باللام، وذلك مفيد للحصر، كما جاء بضمير الفصل المؤكّد له.

ثمّ استشهد الإمام (علیه السلام) بالآية الكريمة؛ لبيان أنّ مدار العمل - في صحته وفساده وفي كماله ونقصانه وفي قبوله وردّه - على النيّة، حيث قال: «{قُلْ كلّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ}(1) يعني: على نيّته».

وقد تقدّم منّا - في بيان الحديث الرابع - تفسير الشاكلة، وأنّها الحالة التي اتّصفت النفس بها، سواء كان ما اتّصفت به من نوع العقائد، أو من نوع الأخلاق، وهذان النوعان ينقسمان إلى الحسن والقبيح، وعليه فغالب إطلاقها على ما ذكرنا. ولكنّ الإمام (علیه السلام) فسّرها بالنيّة، ولا يخفى ما فيه من الإشعار بأنّ النيّة تابعة لحالة الإنسان المترسّخة فيه، بحيث تكون ملكة في نفسه، أو قريبة منها.

بل وردت الشاكلة بمعنى النيّة - أيضاً - في اللغة، قال الفيروزآبادي:

ص: 460


1- الإسراء، الآية 84.

الشاكلة الشكل، والناحية، والنيّة، والطريقة(1) .

وقال الطبرسي في «مجمع البيان» عند تفسيره للآية: «أي: كلّ واحد من المؤمن والكافر يعمل على طبيعته وخليقته التي تخلّق بها، عن ابن عباس. وقيل: على طريقته وسنّته التي اعتادها. وقيل: ما هو أشكل بالصواب وأولى بالحق عنده، عن الجبائي»(2)

بحث في سفیان بن عٌيَيْنة

سند الحديث:

السند في «الكافي» هو: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، عن المنقري. وقد اختصره المصنف هنا بقوله: «وبالإسناد عن المنقري».

فيه سفيان بن عٌيَيْنة، وهو: «سفيان بن عيينة بن أبي عمران الهلالي، كان جدّه أبو عمران عاملاً من عمال خالد القسري، له نسخة عن جعفر بن محمد (علیهما السلام) »(3) .

وهو من كبار علماء العامة، وقد اتّفقوا على صدقه وحسن حديثه(4). ولم يرد في كتبنا الرجالية فيه شي ء، إلّا أنه ورد في «تفسير عليّ بن إبراهيم»(5) ، فيحكم بوثاقته. وعليه فالحديث معتبر إذا كان القاسم بن محمّد هو الجوهري.

ص: 461


1- القاموس المحيط 3 : 401، مادّة: «شكل».
2- مجمع البيان في تفسير القرآن 6 : 284 - 285 .
3- رجال النجاشي: 190/506.
4- راجع: تهذيب التهذيب 4 : 105/205.
5- أصول علم الرجال 1 : 281 .

[98] 6 - وَعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عليّ بْنِ حَدِيدٍ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَحَدِهِمَا (علیهما السلام) ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى جَعَلَ لآِدَمَ فِي ذُرِّيَّتِهِ: أَنَّ مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ، وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ وَعَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْراً، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ(1) لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ، وَمَنْ هَمَّ بِهَا وَعَمِلَهَا كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[6] - فقه الحديث:

الهّمُّ هو: حديث النفس اختياراً، أن تفعل ما يوافقها، أو يخالفها، أو أن لا تفعل، وهو ما يكون قبل القصد.

وقد دلّ هذا الحديث على أنّ الهمّ الصادر من العبد، إن كان متعلّقه عملاً موجباً لاكتساب حسنة من الثواب كتبت له حسنة واحدة، فإن فعلها كتبت له عشر حسنات.

وإن كان متعلّقه عملاً موجباً لاكتساب سيّئة ولم يعملها لم تكتب عليه، وإن ورد: أنّه يحرم رزقه، وتخرج نفسه منتن الريح(3) وإن فعلها كتبت عليه سيّئة واحدة. كلّ ذلك: مقتضى أحاديث هذا الباب، ولا خلاف فيه بين الأمة، إلّا أنّ بعض العامة(4) صرّح: بأنّ هذه الكرامة من اللَّه سبحانه وتعالى

ص: 462


1- في المصدر زيادة: ولم يعملها.
2- الكافي 2 : 428، باب من يهمّ بالحسنة أو السيّئة، ح 1.
3- كما في الباب السابع الحديثان الثالث والرابع.
4- مرآة العقول 11 : 287 ، الحديث الأول.

مختصّة بهذه الأمة، إلّا أنّ ظاهر هذا الحديث أنّها في الأمم السابقة أيضاً.

ويظهر من هذا الحديث وغيره: أنّ العزم - وهو التصميم وتوطين النفس على الفعل أو الترك - إذا كان متعلّقه حراماً ومعصية لا يؤاخذ به صاحبه، وهو الموافق لما عن كثير من الأصحاب؛ لظاهر هذه الأحاديث.

والمسألة محلّ خلاف، وهي من فروع مسألة التجرّي، ويقع البحث فيها من ثلاثة جوانب: الأول على طريقة الفقهاء، والثاني على طريقة المتكلّمين،

والثالث على طريقة أهل الحديث؛ فإنّ لكل واحد من هذه الأصناف غرضاً في البحث يختلف عن غرض الآخر. وتفصيل البحث موكول إلى محلّ آخر.

بحث رجالي في عليّ بن حديد

سند الحديث:

فيه: عليّ بن حديد، وقد نقل الكشّي عن نصر بن الصباح: أنّه قال: «علي بن حديد بن حكيم، فطحي، من أهل الكوفة، وكان أدرك الرضا (علیه السلام) »(1) .

وهو مورد للخلاف، وقد ضعّفه الشيخ في «التهذيب» و«الاستبصار»(2) في موارد ثلاثة. ولكنّه ورد في «النوادر»، وروى عنه المشايخ الثقات. وقد

ص: 463


1- اختيار معرفة الرجال 2 : 840/1078 .
2- تهذيب الأحكام 7 : باب بيع الواحد بالاثنين ...، ذيل الحديث 435، والاستبصار 1 : 40، باب البئر يقع فيه الفأرة، ذيل الحديث 112، وج3 : 95، باب النهي عن بيع الذهب بالفضة نسيئة، ذيل الحديث 325.

[99] 7 - وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَهُمُّ بِالْحَسَنَةِ وَلا يَعْمَلُ بِهَا فَتُكْتَبُ لَهُ حَسَنَةٌ، وَإِنْ هُوَ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ. وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَهُمُّ بِالسَّيِّئَةِ أَنْ يَعْمَلَهَا، فَلا يَعْمَلُهَا، فَلا تُكْتَبُ عَلَيْهِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

ذكرنا ترجمته مستوفاة في خاتمة «أصول علم الرجال»(2).

وطريق الجمع أن يقال: إنّ الضعف في مذهبه خاصّة. مضافاً إلى أنّ رواياته عن جميل معتبرة؛ لأنّ كتابه مشهور.

وأفراد باقي السند ثقات أجلّاء، وقد تقدّم ذكرهم. وعليه فسند الحديث معتبر.

[7] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على عين ما تقدّم في الحديث السابق، لكنّه قيّده بالمؤمن هنا، فيؤيّد ما نقلناه سابقاً عن بعض العامة، من أنّ هذه الكرامة مخصوصة بهذه الأمّة، فلا تشمل الأمم السابقة، بل إنّ التقييد بالمؤمن هنا يفيد أنّ غيره لا يشاركه في هذا الحكم؛ تفضّلاً من اللَّه عليه.

إن قيل: قد دلّت آيات من الكتاب الكريم على المؤاخذة على الهمّ

ص: 464


1- الكافي 2 : 428 ، باب من يهمّ بالحسنة أو السيّئة، ح 2.
2- أصول علم الرجال 2 : 390 - 396 .

بالمعصية:

منها: قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّه فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ}(1)

ومنها: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كلّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}(2).

ومنها: {وَلكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ}(3) .

قيل في الجواب: إنّ الآيات تدل على الاستحقاق، والأحاديث دالة على التفضّل بالعفو من قبل اللَّه، أو تحمل الآيات على الأصول الاعتقاديّة، أو يقال: إنّ المؤاخذة والسؤال أعمّ من العقاب، فلا منافاة بينهما.

دفع إشكال المؤاخذة علی الهم بالمعصية

سند الحديث:

فيه: عثمان بن عيسى: وقد قال النجاشي في حقه: «عثمان بن عيسى، أبو عمرو، العامري، الكلابي... كان شيخ الواقفة ووجهها... وذكر نصر بن الصباح، قال: كان له في يده مال - يعني الرضا (علیه السلام) - فمنعه، فسخط عليه. قال: ثمّ تاب، وبعث إليه بالمال. وكان يروي عن أبي حمزة. وكان رأى في المنام: أنّه يموت بالحائر على صاحبه السلام، فترك منزله بالكوفة، وأقام بالحائر حتّى مات، ودفن هناك»(4)

ص: 465


1- البقرة، الآية 284.
2- الإسراء، الآية 36.
3- البقرة، الآية 225.
4- رجال النجاشي: 300/817.

وعدّه الكشّي من أصحاب الإجماع(1)، كما عدّه الشيخ في «العدّة» ممّن عملت الطائفة بأخبارهم من الواقفة(2)

وورد في «التفسير» و«نوادر الحكمة»، وروى عنه المشايخ الثقات(3)

وفيه: سماعة بن مهران: قال عنه النجاشي: «سماعة بن مهران بن عبد الرحمن، الحضرمي... ثقة، ثقة... له كتاب يرويه عنه جماعة كثيرة»(4)، والظاهر أنّ كتابه مشهور، فلا يحتاج إلى السند.

وقال عنه الشيخ: «سماعة بن مهران...له كتاب، روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، واقفي»(5).

وعدّه المفيد في «رسالته العدديّة» من العلماء الأعلام...(6).

وبقيّة أفراد السند ثقات، وقد تقدّموا. وعليه فالسند موثق.

ص: 466


1- اختيار معرفة الرجال 2 : 831/1050 .
2- عدّة الأصول 1 : 150 .
3- أصول علم الرجال 1 : 229 ، 284، و ج2 : 201 .
4- رجال النجاشي: 193/517.
5- رجال الطوسي: 337/5021.
6- الرسالة العدديّة 9 : 41 ضمن مصنفات الشيخ المفيد.

[100] 8 - وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ، عَنْ بُكَيْرٍ(1) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، أَوْ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) : «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لآِدَمَ (علیه السلام) : يَا آدَمُ، جَعَلْتُ لَكَ: أَنَّ مَنْ هَمَّ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بِسَيِّئَةٍ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ. وَمَنْ هَمَّ مِنْهُمْ بِحَسَنَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ، وَإِنْ هُوَ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْراً»، الْحَدِيثَ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[8] - فقه الحديث:

مفاد هذا الحديث هو: مفاد الحديث السادس المتقدّم نفسه، وهو عامّ غير مقيد بالعبد المؤمن، كما قيّد في الحديث السابق. وعدم ارتكاب العبد للسيئة بعد حصول الهمّ منه لا يفرّق فيه بين ما إذا لم يعملها خوفاً من اللَّه تعالى وبين ما إذا لم يعملها خوفاً من الناس، أو كان ذلك منه صيانة لعرضه؛ فإنّها لا تكتب عليه على كلّ تقدير.

والمجازاة بعشر أمثال الحسنة هو ما نصّ عليه القرآن الكريم؛ حيث قال سبحانه: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ}(3).

ص: 467


1- في المصدر: ابن بكير.
2- الكافي 2 : 440، باب فيما أعطى الله عزّوجلّ...، ح 1، ويأتي ذيله في الحديث 1 من الباب 93 من أبواب جهاد النفس.
3- الأنعام، الآية 160.

وهذا المقدار هو ما يستفاد من الحديث المذكور، وقد يضاعف اللَّه للعامل بالحسنة إلى سبعمائة ضعف أو أكثر؛ إنّ اللَّه واسع كريم. كما سيأتي في الحديث العشرين من هذا الباب، ويأتي ما يدل عليه في أبواب أخر إن شاء اللَّه تعالى.

سند الحديث:

فيه: بكير: وهو بكير بن أعين الشيباني.

روى الكشّي وكذلك الصدوق في «المشيخة» عند ذكره لطريقه إلى بكير مايلي:

لمّا بلغه - يعني: أبا عبد اللَّه الصادق (علیه السلام) - وفاة بكير بن أعين قال: «أما واللَّه، لقد أنزله اللَّه بين رسول اللَّه وأمير المؤمنين صلوات اللَّه عليهما»(1)

وقال الكشّي أيضاً: «حدّثني محمّد بن مسعود، قال: حدّثنا محمّد بن نصير، قال: حدّثني محمّد بن عيسى بن عبيد، وحدّثني حمدويه بن نصير، قال: حدّثنا محمّد بن عيسى بن عبيد، عن الحسن بن عليّ بن يقطين، قال: حدّثني المشايخ: أنّ حمران وزرارة وعبد الملك وبكيراً وعبد الرحمن بني أعين كانوا مستقيمين، ومات منهم أربعة في زمان أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، وكانوا من أصحاب أبي جعفر (علیه السلام) »(2).

ص: 468


1- اختيار معرفة الرجال 2 : 419/315 ، ومن لا يحضره الفقيه 4 : 441 المشيخة .
2- المصدر نفسه 1 : 382/270 .

وعن عبيد بن زرارة، قال: كنت عند أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، فذكر بكير بن أعين، فقال: «رحم اللَّه بكيراً وقد فعل»، فنظرت إليه، وكنت يومئذ حديث السن، فقال: «إنّي أقول: إن شاء اللَّه»(1).

وقد ورد في «التفسير»، وروى عنه المشايخ الثقات(2)

ولكن ورد في «أصول الكافي»: «ابن بكير» بدل «بكير»، ولعله تصحيف. وعلى فرض ثبوت هذه النسخة يكون المراد به: عبد اللَّه بن بكير الفقيه الجليل؛ فإنّه - أيضاً - روى عنه جميل في موردين في الكتب الأربعة بعنوان ابن بكير. ولكنّ الأكثر: رواية جميل عن بكير بن أعين؛ فقد وردت روايته عنه بعنوان بكير - فحسب - في تسعة موارد في الكتب الأربعة.

هذا، وسائر أفراد السند قد تقدّم ذكرهم.

وكيف كان، فالحديث معتبر.

ص: 469


1- اختيار معرفة الرجال 2 : 419/316 .
2- أصول علم الرجال 1 : 278، و ج2 : 183 .

[101] 9 - سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِي «بَصَائِرِ الدَّرَجَاتِ»، عَنْ محمّد بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ، عَنْ عليّ بْنِ محمّد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَنَّاطِ، عَنْ عليّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - أَنَّهُ قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ فُلاناً. يَا عَلِيُّ، لَمْ تَشْهَدْ جَنَازَتَهُ»؟ قُلْتُ: لا، قَدْ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَشْهَدَ جَنَازَةَ مِثْلِهِ، فَقَالَ: «قَدْ كُتِبَ لَكَ ثَوَابُ ذَلِكَ بِمَا نَوَيْتَ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[9] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ مجرّد نيّة فعل الخير كافٍ في ترتّب ثوابه، وإن لم يتحقّق الفعل خارجاً؛ لعارضٍ من العوارض التي تعيق المرء عن تحقيق ما يصبو إليه من الخيرات. ولا يحتمل الخصوصية لتشييع جنازة المؤمن والقيام بشؤونها، بل تعم كلّ عمل خير.

سند الحديث:

فيه: عليّ بن محمّد بن عبد اللَّه الحنّاط، وهو مهمل غير مذكور.

وأمّا بقيّة أفراد السند، فقد تقدّموا. وهذا السند ضعيف.

ص: 470


1- مختصر بصائر الدرجات: 297.

[102] 10 - الْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ فِي كِتَابِ «الزُّهْدِ»، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِذَا هَمَّ الْعَبْدُ بِالسَّيِّئَةِ لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ، وَإِذَا هَمَّ بِحَسَنَةٍ كُتِبَتْ لَهُ»(1)1*).

-----------------------------------------------------------------------------

[10] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على ما دلّت عليه الأحاديث السابقة، المتحدة معه في المضمون، ولم يقيّد هذا الحديث العبد بكونه مؤمناً أيضاً.

سند الشیخ إلی كتاب الزهد

سند الحديث:

فيه: عبد اللَّه بن المغيرة: وقد قال عنه النجاشي: «عبد اللَّه بن المغيرة، أبو محمد، البجلي، مولى جندب بن عبد اللَّه بن سفيان، العلقي،كوفي، ثقة، ثقة، لا يعدل به أحد من جلالته ودينه وورعه، روى عن أبي الحسن موسى (علیه السلام) . قيل: إنه صنّف ثلاثين كتاباً»(2)

وعدّه الكشّي من أصحاب الإجماع(3) .

وورد في «التفسير» و«النوادر»، وروى عنه المشايخ الثقات(4)

وسند الشيخ إلى كتاب «الزهد» - بل إلى جميع كتب الحسين بن سعيد

ص: 471


1- 1*) الزهد: 72 ، ح 192.
2- رجال النجاشي: 215/561.
3- اختيار معرفة الرجال 2 : 830/1050 .
4- أصول علم الرجال 1 : 283 ، 228، و ج2 : 200 .

[103] 11 - أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنِ الْوَشَّاءِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عليّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنِ الْمُثَنَّى الْحَنَّاطِ، عَنْ محمّد بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «مَنْ حَسُنَتْ نِيَّتُهُ زَادَ اللَّهُ تَعَالَى فِي رِزْقِهِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

ورواياته - طريقان، وهما:

1 - أخبرنا بكتبه ورواياته ابن أبي جيد القمي، عن محمّد بن الحسن، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عنه.

2 - وأخبرنا بها عدّة من أصحابنا، عن محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه، عن أبيه، ومحمد بن الحسن ومحمد بن موسى بن المتوكّل، عن سعد بن عبد اللَّه والحميري، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عنه.

مضافاً إلى أنّ الصدوق (قدس سره) شهد في أوّل «الفقيه»: بأن كتب الحسين بن سعيد من الكتب المشهورة المعوّل عليها.

وأمّا جميل بن درّاج والحسين بن سعيد، فقد تقدّم ذكرهما.

وعليه فسند الحديث صحيح.

[11] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ من كانت نيّته حسنة في الأعمال والأخلاق وكانت

ص: 472


1- المحاسن 1 : 406 ، ح 922.

[104] 12 - وَعَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي الْمَغْرَاءِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ وَيُونُسَ، قَالا: سَأَلْنَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ}(1)1*): أَقُوَّةٌ فِي الأَبْدَانِ، أَوْ قُوَّةٌ فِي الْقَلْبِ؟ قَالَ: «فِيهِمَا جَمِيعاً»(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

خالصة للَّه عزّوجلّ زاد اللَّه عز وجل في رزقه؛ لأنّه حينئذٍ يكون مصداقاً للمتّقي، والمتّقي مرزوق من حيث لا يحتسب، كما يدل عليه قوله تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّه يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِب}(3)

وهذا أثر دنيوي للنيّة الحسنة، مضافاً إلى الثواب المترتّب على النيّة الحسنة، كما تقدّم.

سند الحديث:

جميع أفراد السند تقدّم ذكرهم. وعليه فسند الحديث معتبر.

[12] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ اليهود كانوا ملزمين بالأخذ بالتوراة بقوة لمّا جاءهم نبيّهم بها؛ قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا

ص: 473


1- 1*) البقرة، الآية 63.
2- 2*) المحاسن 1 : 407 ، ح 923.
3- الطلاق، الآية 2 - 3 .

آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(1)

وفسّر الإمام (علیه السلام) المراد بالقوة في جوابه: بأنّها القوة في القلب وفي البدن معاً، فيكون المراد من الآية الشريفة: أنّا قلنا لهم: خذوا ما آتيناكم وألزمناكم به من أحكام وفرائض، واقبلوه باجتهاد منكم، بلا تقصير ولا توانٍ.

والمراد: أخذ الأحكام - جملةً - بجدّ، والعمل بها بلا تقصير، وبنيّة حسنة قويّة، ويقين لا شكّ فيه.

والغرض من إيراد هذه القصة هو بيان أنّ على هذه الأمة أن تلتزم بما جاء به الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) بقوة في القلب والبدن.

سند الحديث:

فيه: أبو المغراء: وهو حُمَيْد بن المثنّى، قال عنه النجاشي: «حُمَيْد بن المُثَنّى، أبو المَغْراء، العِجْلي، مولاهم، روى عن أبي عبد اللَّه وأبي الحسن (علیهما السلام) ، كوفي، ثقة، ثقة»(2) .

وقال عنه الشيخ: «حُمَيْد بن المُثَنّى، العِجْلي، الكوفي، يكنّى أبا المَغْراء الصَيْرفي، ثقة، له أصل»(3)

ص: 474


1- البقرة، الآية 63.
2- رجال النجاشي: 133/340.
3- فهرست الطوسي: 114/236.

وروى عنه المشايخ الثقات(1).

وعليه فلا إشكال في وثاقته.

وفيه - أيضاً - إسحاق بن عمار: ذكره النجاشي بقوله: «إسحاق بن عمّار بن حَيّان، مولى بني تَغْلِب، أبو يعقوب، الصَيْرفي، شيخ من أصحابنا، ثقة. وإخوته يونس ويوسف وقيس وإسماعيل، وهو في بيت كبير من الشيعة، وابنا أخيه عليّ بن إسماعيل وبشر بن إسماعيل كانا من وجوه من روى الحديث. روى إسحاق عن أبي عبد اللَّه وأبي الحسن (علیهما السلام) ، ذكر ذلك أحمد بن محمّد بن سعيد في رجاله، له كتاب نوادر يرويه عنه عدّة من أصحابنا»(2).

ووثّقه الشيخ في «الفهرست»(3) و«الرجال»(4) ، وفي «رجال الكشّي»: عن زياد القندي قال: كان أبو عبد اللَّه (علیه السلام) إذا رأى إسحاق بن عمّار وإسماعيل بن عمّار قال: «وقد يجمعهما لأقوام» يعني: الدنيا والآخرة (5)

وورد في «التفسير» و«النوادر»، وروى عنه المشايخ الثقات(6). وعليه فلا إشكال - أيضاً - في وثاقته.

التحقیق في أن یونس في السند هو ابن عمار لا یونس بن عبدالرحمن

وأمّا يونس: فهو مشترك، والمراد به هنا: يونس بن عمار، لا يونس بن

ص: 475


1- أصول علم الرجال 2 : 223 .
2- رجال النجاشي: 71/169.
3- فهرست الطوسي: 54/52.
4- رجال الطوسي: 331/4924.
5- اختيار معرفة الرجال 2 : 705/752 .
6- أصول علم الرجال 1 : 277 ، 213، و ج2 : 181 .

عبد الرحمن؛ لقرائن:

أحدها: أنّ يونس بن عمّار هو الذي يروي مباشرة عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، بخلاف يونس بن عبد الرحمن؛ فإنّه يروي عن الإمامين الكاظم والرضا (علیهما السلام) ، ولا يروي عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) بلا واسطة.

ثانيها: أنّ أبا المَغْراء يروي في هذا السند عن يونس، بينما يونس بن عبد الرحمن يروي عن أبي المغراء في غير هذا المورد، ويروي أيضاً عن إسحاق بن عمّار في عدّة موارد.

ثالثها: أنّ يونس هو أخ لإسحاق بن عمار،كما مرّ عن النجاشي، ونصّ عليه الصدوق في «المشيخة»(1)

أيضاً، واقترانهما معاً في هذا السند مؤيّد لكون المراد منه: يونس بن عمار، لا يونس بن عبد الرحمن؛ لاختلاف الطبقة.

ويونس بن عمّار هذا، غاية ما ورد فيه: ما تقدّم عن النجاشي في ترجمة أخيه إسحاق، من أنّه من بيت كبير من الشيعة، وهو لا يفيد إلّا كونه ممدوحاً.

وعدّه الشيخ(2) والبرقي(3) من أصحاب الصادق (علیه السلام) ، وورد في «كامل الزيارات»(4).

ص: 476


1- من لا يحضره الفقيه 4 : 475، المشيخة.
2- رجال الطوسي: 324/4851 .
3- رجال البرقي: 29، الطبقات .
4- كامل الزيارات: 188، ب76 .

[105] 13 - وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا بَلَغَ بِهِ خَيْثَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُعْفِيَّ، قَالَ: سَأَلَ عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقُمِّيُّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - وَأَنَا حَاضِرٌ - فَقَالَ: مَا الْعِبَادَةُ؟ فَقَالَ: «حُسْنُ النِّيَّةِ بِالطَّاعَةِ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي يُطَاعُ اللَّهُ مِنْهُ».

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: قَالَ: «حُسْنُ النِّيَّةِ بِالطَّاعَةِ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

فعلى مبنى من يقبل توثيق جميع أصحاب الصادق (علیه السلام) أو من ورد في كتاب «كامل الزيارات»، فالرجل موثّق عنده، وأما من لا يقبل أحد هذين المبنيين أو كليهما، فلا طريق عنده لتوثيقه.

نعم، يمكن الحكم بحُسنه؛ لما تقدّم.

وكيف كان، فوجوده في السند غير ضائر؛ بعد مشاركة إسحاق بن عمّار له في الرواية عن الإمام الصادق (علیه السلام) . وعليه فالسند صحيح.

[13] - فقه الحديث:

مرّ بيان المراد من هذا الحديث في شرح الحديث الثاني من الباب.

وتتمّة الحديث تشهد بكون المراد من الطاعة هنا هي طاعة الإمام المعصوم (علیه السلام) ؛ حيث قال (علیه السلام) : «أما إنّك - يا عيسى - لا تكون مؤمناً

ص: 477


1- المحاسن 1 : 407 ، ح 925.

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ شَاذَانَ بْنِ الْخَلِيلِ، قَالَ: وَكَتَبْتُ مِنْ كِتَابِهِ، بِإِسْنَادِهِ يَرْفَعُهُ إِلَى عِيسَى ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقُمِّيِّ، نَحْوَهُ(1).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي «مَعَانِي الأَخْبَارِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ أَحْمَدَ ابْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

حتّى تعرف الناسخ من المنسوخ» قال: قلت: جعلت فداك، وما معرفة الناسخ من المنسوخ؟ قال: فقال: «أليس تكون مع الإمام موطِّناً نفسك على حسن النيّة في طاعته، فيمضي ذلك الإمام، ويأتي إمام آخر، فتوطّن نفسك على حسن النيّة في طاعته ؟» قال: قلت: نعم، قال: «هذا معرفة الناسخ من المنسوخ»(3)

فمحصّل المراد من الحديث: أنّ العبادة الصحيحة هي ما كانت مع النيّة الخالصة، مع ضمّ طاعة أئمّة الهدى (علیهم السلام) . وتكون هذه العبادة مأخوذة من مصادرها المأمور بها، فلا تكون مبتدعة ولا مستندة إلى أئمّة الضلال، كما دلّ الحديث على أنّ الإيمان إنّما يتحقّق إذا وطّن العبد نفسه، واشتدّ عزمه على طاعة الإمام المعصوم، طاعة غير مشوبة برياء، ولا بأيّ نوع من أنواع البِدع.

ص: 478


1- الكافي 2 : 83 ، باب العبادة، ح 4.
2- معاني الأخبار: 240 ، ح 1.
3- الكافي 2 : 83 ، باب العبادة، ح 4 .

بحث رجالي في خَيْثَمَةُ بن عبد الرحمن الجُعْفي

سند الحديث:

ذكر لهذا الحديث ثلاثة أسانيد:

السند الأول: مرسل.

وفيه: خَيْثَمَةُ بن عبد الرحمن الجُعْفي: الكوفي، وهو عمّ بِسْطام بن الحُصَيْن. قال النجاشي في ترجمة بسطام بن الحصين: «كان وجهاً في أصحابنا، وأبوه وعمومته، وكان أوجههم إسماعيل»(1) .

وذكره الشيخ في «الرجال»: تارة في أصحاب الإمام الباقر (علیه السلام) ، وأخرى في أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) (2).

وقال عنه العقيقي: إنّه فاضل(3)،

إلّا أنّ مثل هذا التعبير لا يقتضي التعديل، وإن كان من المرجّحات.

والعمدة هو كلام النجاشي، فقد صرّح بأنّ بسطام كان وجهاً في أصحابنا، وكذا أبوه وعمومته؛ فإنّ توصيف عمومة بسطام بالوجاهة في الأصحاب مدح قريب من التوثيق؛ لأنّ كون رجل وجهاً في الأصحاب والرواة مرتبة عظيمة من الجلالة. وعليه فالرجل ممدوح؛ لشمول المدح المذكور له؛ باعتباره أحد عمومة بسطام.

وأمّا عيسى بن عبد اللَّه القمّي: فهو عيسى بن عبد اللَّه بن سعد،

ص: 479


1- رجال النجاشي: 111/281.
2- رجال الطوسي: 133/1386، و 199/2525.
3- رجال ابن داود: 89.

الأشعري، جدّ أحمد بن محمّد بن عيسى.

روى الكشّي عن أبي محمّد أخي يونس بن يعقوب، عنه، قال: كنت بالمدينة، فاستقبل جعفر بن محمد (علیه السلام) في بعض أزقتها، قال: فقال :«اذهب يا يونس، فإنّ بالباب رجلاً منّا أهل البيت»، قال: فجئت إلى الباب، فإذا عيسى بن عبد اللَّه القمّي جالس، قال: فقلت له: من أنت؟ فقال له: أنا رجل من أهل قم، قال: فلم يكن بأسرع من أن أقبل أبو عبد اللَّه (علیه السلام) . قال: فدخل على الحمار الدار، ثمّ التفت إلينا، فقال: «ادخلا». ثمّ قال: «يا يونس بن يعقوب، أحسبك أنكرت قولي لك: إنّ عيسى بن عبد اللَّه منّا أهل البيت!» قال: قلت: إي واللَّه، جعلت فداك؛ لأن عيسى بن عبد اللَّه رجل من أهل قم، فقال: «يا يونس، عيسى بن عبد اللَّه هو منّا حيّ، وهو منّا ميّت»(1)

وعليه فلا إشكال في وثاقته.

السند الثاني: ما رواه الكليني عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن شاذان بن الخليل، ورفعه إلى عيسى بن عبد اللَّه القمي.

وقد أورد العلّامة المجلسي (رحمه الله) في «مرآة العقول» السند هكذا: عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى(2).

ص: 480


1- اختيار معرفة الرجال 2 : 624/607 .
2- مرآة العقول 8 : 85، باب العبادة، ح4.

وهو - أيضاً - مرسل كسابقه.

بحث رجالي في شاذان بن الخليل

وفيه: شاذان بن الخليل: ذكره النجاشي في ترجمة ولده الفضل بن شاذان، قائلاً: «الفضل بن شاذان بن الخليل، أبو محمد، الأزدي، النيشابوري، كان أبوه من أصحاب يونس، وروى عن أبي جعفر الثاني، وقيل: الرضا (علیهما السلام) أيضاً. وكان ثقة، أحد أصحابنا الفقهاء والمتكلّمين، وله جلالة في هذه الطائفة...»(1)

وجملة: «كان ثقة» قد اختلف في تفسيرها بين الأعلام، فأرجعها بعضهم(2)

إلى الأب، وأرجعها آخرون(3) إلى الابن. وكلامه ظاهر في أنّ قوله: «وكان ثقة» يرجع إلى والد الفضل، لا إلى نفسه، وإلّا لقال: كان ثقة، وأحد أصحابنا، فجملة: «كان أبوه» إلى قوله: «ثقة» جملة مستأنفة.

كما ذكر الكشّي في ترجمة محمّد بن سنان: «قد روى عنه الفضل، وأبوه، ويونس، ومحمد بن عيسى العبيدي، ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب، والحسن والحسين ابنا سعيد الأهوازيّان، ابنا دندان، وأيّوب بن نوح، وغيرهم من العدول والثقات من أهل العلم»(4).

ص: 481


1- رجال النجاشي: 306/840 .
2- كالسيد الخوئي في المعجم 10 : 10/5680 .
3- كالتفرشي في نقد الرجال 4 : 21 .
4- اختيار معرفة الرجال 2 : 796/979.

[106] 14 - محمّد بْنُ عليّ بْنِ بَابَوَيْهِ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عليّ ابْنِ فَضَّالٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْجَهْمِ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: قَالَ الصَّادِقُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ (علیه السلام) : «مَا ضَعُفَ بَدَنٌ عَمَّا قَوِيَتْ عَلَيْهِ النِّيَّةُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وكلامه ظاهر في أنّ جميع من ذكره - وفيهم شاذان بن الخليل - من العدول والثقات(2).

فالسند ضعيف بالإرسال، ويمكن أن يصحح لوجوده في «الكافي».

السند الثالث: ما رواه الصدوق في «معاني الأخبار» عن أبيه، عن سعد، عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عمّن ذكره، عن خَيْثَمَةَ بن عبد الرحمن.

وكل رجال السند قد تقدّم الكلام عنهم فيما سبق، والسند - كسابقيه - مبتلى بالإرسال.

[14] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ النيّة الحسنة قد تبلغ مراتب عالية جداً، لا يسعفها بدن الإنسان، ولا يمكن له مسايرتها، لا من ناحية الطاقة البشريّة العاديّة، ولا من ناحية الزمان، ولا المكان، وبهذا ونحوه كانت النيّة أفضل وأبلغ من العمل، كما سبق.

ص: 482


1- من لا يحضره الفقيه 4 : 400 ، ح 5859.
2- معجم رجال الحديث 10 : 10/5680.

وَرَوَاهُ أَيْضاً مُرْسَلاً(1).

وَرَوَاهُ فِي «الأَمَالِي»، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ عِيسَى عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

ولكن من آثار النيّة الصادقة: أن تتقوّى الجوارح على العمل، وتنبعث نحوه بقوّة وشوق؛ إذ من الواضح وجود الارتباط بين القلب - وهو محلّ النيّة - وبين سائر الجوارح. فالنيّة الحسنة تبعث على العمل الحسن، وكلما كانت النيّة أكثر خلوصاً كان الانبعاث نحو العمل أقوى.

ويشهد له ما رواه في «الكافي» عن الصادق (علیه السلام) : «إن السريرة إذا صحّت قويت العلانية»(3)

سند الصدوق قدس سره إلی الحسن بن عليّ بن فضّال.

سند الحديث:

قد رواه الصدوق بأسانيد ثلاثة:

السند الأول: ما رواه في «الفقيه» بإسناده عن الحسن بن عليّ بن فضّال.

وإسناده إلى الحسن بن عليّ بن فضّال - كما في «المشيخة»(4) - هكذا: أبوه، عن سعد بن عبد اللَّه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن

ص: 483


1- المواعظ: 98.
2- أمالي الصدوق: 408 ، ح526.
3- الكافي 2 : 295 ، باب الرياء، ح 11 .
4- من لا يحضره الفقيه 4 : 495، المشيخة .

عليّ بن فضال.

وهذا الطريق معتبر. وقد تقدمت ترجمة ابن فضّال.

وأما الحسن بن الجهم: فهو الحسن بن الجهم بن بكير بن أعين، أبو محمد، الشيباني. قال عنه النجاشي: «ثقة، روى عن أبي الحسن موسى والرضا (علیهما السلام) »(1) .

وذكر الشيخ في «الفهرست»: أنّ له مسائل(2) .

وأمّا الفضيل بن يسار: فقد تقدّم ذكره. وعليه فهذا السند صحيح.

السند الثاني: ما أرسله الصدوق. وهذا السند ضعيف بالإرسال.

السند الثالث: ما رواه في «الأمالي» عن الحسين بن أحمد بن إدريس.

وفيه: الحسين بن أحمد بن إدريس، وهو من مشايخ الصدوق، وقد ترضّى عنه كثيراً. وعليه فهو ثقة.

وأما أبوه وأحمد بن محمّد بن عيسى: فقد تقدّم الكلام عنهما.

والمراد من ابن فضّال هنا هو الحسن بن عليّ المتقدم في السند الأول. وعليه فهذا السند - أيضاً - معتبر.

ص: 484


1- رجال النجاشي: 50/109.
2- فهرست الطوسي: 97/163.

[107] 15 - وَفِي كِتَابِ «الْعِلَلِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْكُوفِيِّ، عَنْ محمّد بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَبِيحٍ الأَسَدِيِّ، عَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : إِنِّي سَمِعْتُكَ تَقُولُ: «نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ»، فَكَيْفَ تَكُونُ النِّيَّةُ خَيْراً مِنَ الْعَمَلِ؟ قَالَ: «لأَنَّ الْعَمَلَ رُبَّمَا كَانَ رِيَاءً لِلْمَخْلُوقِينَ، وَالنِّيَّةُ خَالِصَةٌ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، فَيُعْطِي عَزَّ وَجَلَّ عَلَى النِّيَّةِ مَا لا يُعْطِي عَلَى الْعَمَلِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[15] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أن النيّة أفضل من العمل؛ لأنّه قد يطرأ على العمل ما يوجب النقصان فيه، كأن يكون الإتيان به لأجل الرياء مثلاً، بخلاف النيّة، فإنّه لا يتطرّق إليها الرياء؛ لعدم إمكان الاطّلاع عليها من قبل المخلوقين، فيعطي اللَّه عزّوجلّ عليها من الثواب ما لا يعطيه على العمل.

وهذا أحد الوجوه المنصوصة في توجيه أفضليّة النيّة على العمل.

والوجه في إيراد هذا الحديث في هذا الباب هو: اشتماله على أنّ اللَّه يعطي على النيّة الحسنة الخالصة من شوائب الرياء ما لا يعطي على العمل. ويستفاد منه: استحباب أن ينوي المرء الأفعال الحسنة، التي يترتّب على مجرّد نيّتها الثواب الجليل، والذي قد لا يحصل من مجرّد الإتيان بالعمل العبادي.

ص: 485


1- علل الشرائع 2 : 524 ، ب301 ح 1.

سند الحديث:

فيه: حبيب بن الحسين الكوفي: ولم يذكر بشي ء في كتب الرجال، ولا يعرف عنه سوى أنّه من مشايخ عليّ بن بابويه والكليني.

وأحمد بن صبيح الأسدي أبو عبد اللَّه: قال عنه النجاشي: «كوفي، ثقة، والزيديّة تدّعيه، وليس بصحيح، له كتب»(1) .

ومثله عن الشيخ في «الفهرست» إلّا أنّه أضاف: «فمن كتبه: كتاب التفسير، أخبرنا به عدّة من أصحابنا»(2)

وأمّا زيد الشحّام: فقال عنه النجاشي: «زيد بن يونس، وقيل: ابن موسى، أبو أسامة، الشحّام، مولى شديد بن عبد الرحمن بن نعيم، الأزدي، الغامدي، كوفي، روى عن أبي عبد اللَّه وأبي الحسن (علیهما السلام) ، له كتاب يرويه جماعة»(3) .

وقال الشيخ في «الفهرست»: «زيد الشّحام، يكنّى أبا أسامة، ثقة، له كتاب»(4).

وعدّه الشيخ المفيد في «رسالته العددية» من الأعلام الرؤساء، المأخوذ عنهم الحلال والحرام، والفتيا والأحكام، الذين لا مطعن عليهم، ولا طريق إلى ذمّ واحد منهم(5).

ص: 486


1- رجال النجاشي: 78/184.
2- فهرست الطوسي: 66/68.
3- رجال النجاشي: 175/462.
4- فهرست الطوسي: 129/298.
5- الرسالة العدديّة 9 : 46 ضمن مصنفات الشيخ المفيد.

[108] 16 - قَالَ: وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَنْوِي مِنْ نَهَارِهِ أَنْ يُصَلِّيَ بِاللَّيْلِ، فَتَغْلِبُهُ عَيْنُهُ فَيَنَامُ، فَيُثْبِتُ اللَّهُ لَهُ صَلاتَهُ، وَيَكْتُبُ نَفَسَهُ تَسْبِيحاً، وَيَجْعَلُ نَوْمَهُ عَلَيْهِ صَدَقَةً»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وقد عدّه ابن شهر آشوب من خواصّ أصحاب أبي عبد اللَّه (علیه السلام) في «المناقب» في الجزء4، تحت عنوان: «فصل في تواريخه وأحواله» [أي الإمام الصادق (علیه السلام) ] (2)

قد ذكر في «النوادر»، وروى عنه المشايخ الثقات(3). وعليه فلا إشكال في وثاقته وجلالته.

وهذا الطريق وإن كان ضعيفاً بحبيب بن الحسين الكوفي، إلّا أنّه يمكن تصحيح هذا الحديث بكونه مأخوذاً من كتاب زيد الشحّام المشهور، والذي لا يحتاج إلى الطريق.

[16] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ مجرّد تحقّق النيّة من العبد كافٍ في ترتّب الثواب، والزيادة من فضل اللَّه عزّوجلّ، فمن نوى في نهاره أن يصلّي في الليل صلاة الليل أو غيرها، ثمّ طرأ عليه مانع حال بينه وبين الإتيان بها، كالنوم

ص: 487


1- علل الشرائع 2 : 524 ، ب301، ح 1.
2- معجم رجال الحديث 8 : 375/4900.
3- أصول علم الرجال 1 : 222 ، 289، و ج2 : 193 .

مثلاً، فجزاؤه أن يثبت اللَّه عزّوجلّ له ثواب تلك الصلاة، وكأنّه قد صلّاها، ويزيده الله من فضله، أن يكتب له بكل نفس يتنفّسه في نومه ثواب تسبيحٍ، بل ويجعل نومه عليه بمثابة الصدقة.

وفيه من الترغيب على نيّة فعل الخيرات ما لا يخفى.

سند الحديث:

الظاهر أنّ هذا الحديث جزء من الحديث السابق؛ فإنّه ورد في المصدر بعد قوله: «ما لا يعطي على العمل»: قال: وقال أبو عبد اللَّه... (علیه السلام) الخ(1) ، ولذا جعله في «جامع الأحاديث» تتمّة للحديث السابق(2)

وعلى هذا، فما يقال في سند الحديث المتقدم يقال هنا أيضاً.

ص: 488


1- علل الشرائع 2 : 524 ، ب301، ح 1.
2- جامع أحاديث الشيعة 1 : 495، ح 777.

[109] 17 - وَعَنْ أَبِيهِ، عَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ محمّد بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عليّ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنِ الْحَسَنِ ابْنِ الْحُسَيْنِ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِهِ؛ وَذَلِكَ لأَنَّهُ يَنْوِي مِنَ الْخَيْرِ مَا لا يُدْرِكُهُ. وَنِيَّةُ الْكَافِرِ شَرٌّ مِنْ عَمَلِهِ؛ وَذَلِكَ لأَنَّ الْكَافِرَ يَنْوِي الشَّرَّ، وَيَأْمُلُ مِنَ الشَّرِّ مَا لا يُدْرِكُهُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[17] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ النيّة الحسنة للمؤمن أفضل من العمل،كما أن النيّة السيئة للكافر شرّ من العمل. والسبب في ذلك: أنّ كلاًّ منهما ينوي ما يجانسه من الخير أو الشر، ويأمل ما لا يدركه. وهذا أحد الوجوه المنصوصة في توجيه أفضليّة النيّة على العمل.

سند الحديث:

فيه: محمّد بن أحمد: وهو محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري، القمي، صاحب النوادر، الثقة الجليل.

وفيه: عمران بن موسى: وهو على ما قاله النجاشي: «عمران بن موسى الزيتوني، قمي، ثقة، له كتاب نوادر كبير»(2) .

ص: 489


1- علل الشرائع 2 : 524 ، ب301، ح 2.
2- رجال النجاشي: 291/784.

وفيه: الحسن بن عليّ بن النعمان: قال عنه النجاشي: «مولى بني هاشم، أبوه عليّ بن النعمان، الأعلم، ثقة، ثبت، له كتاب نوادر، صحيح الحديث، كثير الفوائد»(1)

ونحوه عن الشيخ في «الفهرست»، وأضاف: «أخبرنا به عدّة من أصحابنا»(2)،

وعدّه في «الرجال» من أصحاب الإمام العسكري (علیه السلام) (3).

وفيه: الحسن بن الحسين الأنصاري: ولم يرد فيه شي ء.

وكيف كان، فالحديث مرسل، إلّا أنّه لا يضر؛ بناءً على أنّ كتاب الحسن بن عليّ بن النعمان من الكتب المصحّحة التي لا تحتاج إلى ملاحظة الطريق إلى الإمام (علیه السلام) (4).

ص: 490


1- رجال النجاشي: 40/81.
2- فهرست الطوسي: 106/201.
3- رجال الطوسي: 398/5841.
4- أصول علم الرجال 1 : 151.

[110] 18 - وَفِي «الْخِصَالِ»، عَنْ محمّد بْنِ مُوسَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنِ الْحَسَنِ(1) بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عليّ بْنِ مَهْزِيَارَ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ، عَنِ السَّكُونِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ عَلِيٍّ (علیه السلام) ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم): مَنْ تَمَنَّى شَيْئاً وَهُوَ للَّهِ رِضاً، لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الدُّنْيَا حتّى يُعْطَاهُ»(2).

وَفِي «ثَوَابِ الأَعْمَالِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، مِثْلَهُ(3)3*).

وَفِي «الْمَجَالِسِ»، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنِ الْحُسَيْنِ ابْنِ إِسْحَاقَ التَّاجِرِ، مِثْلَهُ(4)4*).

-----------------------------------------------------------------------------

[18] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ من نوى عملاً يرضي اللَّه عزّوجلّ وتمنّى تحقّقه، كان أثر تلك النيّة أن يحقّقه اللَّه له قبل أن يموت.

لا يقال: كم من مؤمن تمنّى عملاً للَّه فيه رضاً، وخرج من الدنيا ولم يرزقه.

فإنّه يقال: إنّ النيّة الحسنة الخالصة مع تمنّي الفعل الحسن بمنزلة

ص: 491


1- في نسخة: «الحسين».
2- الخصال: 4 ، باب الواحد، ح 7.
3- 3*) ثواب الأعمال: 185 ، ح 1.
4- 4*) أمالي الصدوق: 674 ، ح 910.

المقتضي لتحقّق الفعل، فلابّد من عدم المانع - أيضاً - حتّى يتحقق الفعل.

ونظير ذلك: الوعد الإلهي باستجابة الدعاء من الداعين في قوله تعالى: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ}(1)؛ فإنّا نرى كثيراً من الناس يدعون اللَّه تعالى ولا يستجاب لهم، فإنّ سبب منع الإجابة هو إخلال الداعي بشروط الدعاء، أو وجود أحد موانع الاستجابة عنده، واللَّه سبحانه لا يخلف وعده، وهو أصدق الصادقين.

سند الحديث:

روى الحديث الصدوق بثلاثة أسانيد في ثلاثة من كتبه:

السند الأول: ما في «الخصال»، عن محمّد بن موسى بن المتوكّل.

وفيه: الحسن بن إسحاق: وهو الحسين بن إسحاق التاجر؛ بقرينة السند الثالث الآتي. ولم يرد فيه شي ء.

وفيه: فضالة بن أيوب: قال عنه النجاشي: «فضالة بن أيّوب الأزدي، عربي صميم، سكن الأهواز، روى عن موسى بن جعفر (علیه السلام) ، وكان ثقة في حديثه، مستقيماً في دينه»(2) .

وقال عنه الشيخ في «الفهرست»: «فضالة بن أيّوب، له كتاب، أخبرنا به جماعة، عن أبي المفضّل، عن ابن بطّة، عن أحمد بن أبي عبد اللَّه، عن

ص: 492


1- البقرة، الآية 186.
2- رجال النجاشي: 310/850.

فضالة»(1)

وذكره الكشّي في أصحاب الإجماع(2) ، وورد في «التفسير»، وروى عنه المشايخ الثقات(3).

والحاصل: أن الحديث معتبر؛ لأنّه من كتب ابن مهزيار، وقد شهد الصدوق في أوّل «الفقيه»: بأنّها من الكتب المشهورة المعوّل عليها(4).

السند الثاني: ما في «ثواب الأعمال»، عن أبيه، عن محمّد بن يحيى.

والكلام فيه هو الكلام في السند الأول؛ لأنّهما يتّحدان ابتداء من محمّد بن يحيى.

السند الثالث: ما في «المجالس»، عن الحسين بن أحمد بن إدريس، عن الحسين بن إسحاق التاجر.

وقد تقدّم الكلام عنهما، فالكلام فيه - أيضاً - هو الكلام في سابقيه.

ص: 493


1- فهرست الطوسي: 200/571.
2- اختيار معرفة الرجال 2 : 831/1050 .
3- أصول علم الرجال 1 : 285، و ج2 : 205 .
4- الفقيه 1 : 3 ، المقدمة.

[111] 19 - وَفِي «الْخِصَالِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ محمّد بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ محمّد الرَّازِيِّ، عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ محمّد بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «مَنْ صَدَقَ لِسَانُهُ زَكَا عَمَلُهُ، وَمَنْ حَسُنَتْ نِيَّتُهُ زَادَ اللَّهُ فِي رِزْقِهِ، وَمَنْ حَسُنَ بِرُّهُ بِأَهْلِهِ زَادَ اللَّهُ فِي عُمُرِهِ»(1).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ مُثَنًّى الْحَنَّاطِ وَمُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، مِثْلَهُ(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

[19] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على ترتّب بعض الآثار على بعض الأعمال، فمن صدق لسانه زكا عمله؛ لأنّ الأساس في صدق اللسان هو: طهارة القلب، وطهارة القلب موجبة لكون العمل الصادر عن طاهر القلب زكيّاً ممدوحاً مباركاً فيه.

ومن حسنت نيّته كان أثر ذلك أن يزيد اللَّه في رزقه، وهذا من آثار النيّة الحسنة. وفيه من الترغيب عليها ما لا يخفى؛ فإن الرِّزق من الأمور المهمّة الحياتيّة للإنسان، وتحصيله والسعي فيه وفي زيادته من مهمات الحياة

ص: 494


1- الخصال: 87 ، باب الثلاثة، ح 21.
2- 2*) الكافي 8 : 219 ، ح 269.

اليوميّة، وهذا ما يجعل الإنسان المؤمن توّاقاً دائماً لمعرفة ما يوجب زيادته، وقد ورد: أنّ إصلاح النيّة(1)

والنيّة الحسنة موجب لزيادته، فتكون النية الحسنة أمراً مرغوباً فيه.

ومن حسن برّه بأهله كان أثر ذلك أن يزيد اللَّه في عمره. والظاهر: أنّ المراد بالأهل: كلّ من يكون تحت عيالة الشخص؛ فإنّهم كالأسراء، وأفضل الناس من أحسن لأسرائه، كما ورد في أحاديث عدّة عن أهل بيت العصمة والطهارة (علیهم السلام) (2).

ويحتمل أن يراد: مطلق الأقارب، كما ورد: أنّ صلة الأرحام توجب طول العمر(3).

سند الحديث:

ورد الحديث بسندين:

الأوّل: ما رواه الصدوق في «الخصال»، عن أبيه.

وفيه: عبد اللَّه بن محمّد الرازي: وهو من أصحاب الإمام الجواد (علیه السلام) ، ولم يرد في حقّه شي ء، سوى أنّه روى عنه محمّد بن أحمد بن يحيى(4)، ويحتمل التصحيف فيه. والصحيح عبدالله بن أحمد الرازي؛ لكونه هو الذي

ص: 495


1- مستدرك الوسائل 1 : 93، باب استحباب نية الخير والعزم عليه، ح67 و77.
2- من لا يحضره الفقيه 3 : 555، باب النوادر، ح4909، والوسائل 20 : 171، ب88 باب استحباب الإحسان إلى الزوجة، ح25338.
3- الكافي 2 : 150 ، باب صلة الرحم، الأحاديث: 3، 4، 6، 9، 12، 13و ... .
4- رجال الطوسي: 433/6202.

روى عنه محمّد بن أحمد، وروى عن بكر بن صالح في التهذيب(1)، واستثناه ابن الوليد(2).

وفيه: أبو أيوب: وهو أبو أيّوب الخزّاز، وقد تقدّم مع باقي أفراد السند.

والثاني: ما رواه الكليني عن عدّة من أصحابنا.

وقد تقدّم هذا السند إلى مثنّى الحنّاط في الباب الأول، في الحديث الحادي عشر. وحيث إن للشيخ الكليني طريقاً صحيحاً إلى أحمد بن محمّد بن أبي نصر، فالسند معتبر من هذه الجهة.

ص: 496


1- تهذيب الأحكام 6 : 291 ، ح806.
2- أصول علم الرجال 1 : 203.

[112] 20 - وَفِي «التَّوْحِيدِ»، عَنْ محمّد بْنِ مُوسَى بْنِ الْمُتَوَكِّلِ، عَنِ السَّعْدَآبَادِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ محمّد بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ حُمْرَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ، فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْراً، وَيُضَاعِفُ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ إِلَى سَبْعِمِائَةٍ. وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ حتّى يَعْمَلَهَا، فَإِنْ لَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ(1)، وَإِنْ عَمِلَهَا أُجِّلَ تِسْعَ سَاعَاتٍ، فَإِنْ تَابَ وَنَدِمَ عَلَيْهَا لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ وَلَمْ يَنْدَمْ عَلَيْهَا كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[20] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ اللَّه سبحانه وتعالى جعل من فضله وكرمه على هذه الأمة: أنّ مَنْ هَمَّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، ومَن همَّ بحسنة وعملها كتبت له عشر حسنات، ويضاعف اللَّه عليها إلى سبعمائة حسنة، بل لا يقتصر الثواب على هذا المقدار الوارد في هذا الحديث؛ فإنّ فضل اللَّه كبير، وهو يضاعف لمن يشاء؛ إذ لا يخفى أنّه لا مفهوم للعدد.

وقد كانت حسنة الأمم السابقة بحسنة، وإذا نوى أحدهم حسنة ثمّ لم يعملها لم تكتب له، وإن عملها كتبت له حسنة، وهي من الآصار التي كانت

ص: 497


1- في المصدر زيادة: بتركه لفعلها.
2- التوحيد: 408، ح 7.

عليهم، فرفعها اللَّه عن هذه الأمة المرحومة.

وجعل أيضاً: أنّ مَن هَمَّ من هذه الأمة بسيّئة، فإن هو لم يعملها كتبت له حسنة، وإن عملها أجّل تسع ساعات، وفي بعض الروايات سبع ساعات(1)،

فإن ندم وتاب منها قبل انقضاء تلك الساعات لم تكتب تلك السيئة عليه، وإن انقضت ولم يتب ولم يندم عليها كتبت عليه تلك السيئة فحسب، وكان هذا الذّنب بينه وبين اللَّه سبحانه وتعالى، وله تعالى المشيئة، فإن شاء عذّبه عليه، وإن شاء عفا عنه.

سند الحديث:

فيه: السعدآبادي: وهو عليّ بن الحسين السعدآبادي، من مشايخ ابن قولويه في «كامل الزيارات»(2)،

وعليه فهو ثقة. وقد تقدّم الباقون، وعليه فالسند معتبر.

ص: 498


1- الكافي 2 : 430، باب من يهمّ بالحسنة أو السيئة، ح4.
2- كامل الزيارات: 216، ح314.

[113] 21 - عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ فِي «قُرْبِ الإِسْنَادِ»، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «لَوْ كَانَتِ النِّيَّاتُ مِنْ أَهْلِ الْفِسْقِ يُؤْخَذُ بِهَا أَهْلُهَا إِذاً لأُخِذَ كلّ مَنْ نَوَى الزِّنَا بِالزِّنَا، وَكُلُّ مَنْ نَوَى السَّرِقَةَ بِالسَّرِقَةِ، وَكُلُّ مَنْ نَوَى الْقَتْلَ بِالْقَتْلِ. وَلَكِنَّ اللَّهَ عَدْلٌ كَرِيمٌ، لَيْسَ الْجَوْرُ مِنْ شَأْنِهِ، وَلَكِنَّهُ يُثِيبُ عَلَى نِيَّاتِ الْخَيْرِ أَهْلَهَا وَإِضْمَارِهِمْ عَلَيْهَا، وَلا يُؤَاخِذُ أَهْلَ الْفِسْقِ(1) حتّى يَفْعَلُوا»، الْحَدِيثَ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[21] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على عدم مؤاخذة أهل الفسق على نيّاتهم بالعقاب، ما لم يقترفوا. وعلى أن ذلك مقتضى العدل الإلهي، وأن الجور هو مؤاخذتهم على ما نووه، والباري تعالى منزّه عن الجور.

وعدم العقاب على نيّة المعصية - تفضّلاً منه تعالى - لا ينافي استحقاق العقاب عليها، كما هو مقتضى الارتكازات العقلائيّة؛ لأنها نوع ظلم للمولى، وتقصير في حقه من قِبل العبد في نظرهم، كما دلّ الحديث على أنّه تعالى يثيب أهل الخير على نيّة الخير، وإن لم يتحقق العمل منهم خارجاً؛ تفضلاً منه تعالى.

ص: 499


1- في المصدر: الفسوق.
2- قرب الإسناد: 48، ح158.

[114] 22 - الْحَسَنُ بْنُ محمّد الطُّوسِيُّ فِي «الأَمَالِي»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَمَاعَةٍ، عَنْ أَبِي الْمُفَضَّلِ، عَنْ عليّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ سَيَابَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ الْهَاشِمِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ آبَائِهِ (علیهم السلام) : «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) قَالَ: نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ أَبْلَغُ مِنْ عَمَلِهِ، وَكَذَلِكَ (نِيَّةُ(1) الْفَاجِر»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

جميع رجال الحديث قد تقدموا فيما سبق، والسند معتبر.

[22] - فقه الحديث:

تقدّم بيان دلالة الحديث. وقوله(صلی الله علیه و آله و سلم): «نيّة المؤمن أبلغ من عمله» يفيد: أنّ نيّته حَرِيَّة بأن تكون أوصل للغاية من عمله، وكذا نيّة الفاجر؛ لأنّ المؤمن ينوي عمل كلّ خير، وعمله لا يبلغ به هذه الغاية؛ لتقيّده بقيود الزمان والمكان والقدرة. وكذا الفاجر؛ فإنه ينوي عمل كلّ شرّ وسيئة، ولكن عمله لا يصل إلى هذه الغاية؛ لتقيّده - أيضاً - بقيود الزمان والمكان والقدرة، وعليه فتكون نيّة كلّ منهما أبلغ من العمل.

وهذا وجه لأفضليّة نيّة المؤمن من عمله.

ص: 500


1- ليس في المصدر.
2- أمالي الطوسي: 454، ح 1013.

سند الحديث:

فيه: عليّ بن أحمد بن سيابة (الماوردي): ولم يذكر بشي ء.

وفيه: عبد الرحمن بن كثير الهاشمي: وقد قال عنه النجاشي: «عبد الرحمن بن كثير الهاشمي، مولى عبّاس بن محمّد بن عليّ بن عبد اللَّه بن العباس، كان ضعيفاً، غمز أصحابنا عليه، وقالوا: كان يضع الحديث» (1)

ولكنّه ورد في القسم الثاني من «التفسير»(2)،

ونحن لا نقبل بهذا المبنى، فيبقى تضعيف النجاشي إياه بلا معارض.

وفيه أيضاً: عمر بن أُذينة: وهو عمر بن محمّد بن عبد الرحمن بن أذينة، قال عنه النجاشي: «شيخ أصحابنا البصريين ووجههم»(3).

وقال الشيخ في «الفهرست»: «عمر بن أذينة، ثقة، له كتاب»(4)، وعدّه في «رجاله» من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام) (5) ، ووثّقه في أصحاب الإمام الكاظم (علیه السلام) (6)، وورد في «التفسير» و«النوادر»، وروى عنه المشايخ الثقات(7) ، وعليه فلا إشكال في وثاقته.

ص: 501


1- رجال النجاشي: 234/621.
2- أصول علم الرجال 1 : 304.
3- رجال النجاشي: 283/752.
4- فهرست الطوسي: 184/503.
5- رجال الطوسي: 254/3573.
6- المصدر نفسه: 339/5047.
7- أصول علم الرجال 1 : 285 ، 232، و ج2 : 204 .

[115] 23 - وَعَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمُفِيدِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ محمّد بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ الصَّيْقَلِ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «مَنْ صَدَقَ لِسَانُهُ زَكَا عَمَلُهُ، وَمَنْ حَسُنَتْ نِيَّتُهُ زِيدَ فِي رِزْقِهِ، وَمَنْ حَسُنَ بِرُّهُ بِأَهْلِ بَيْتِهِ زِيدَ فِي عُمُرِهِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وباقي أفراد السند قد تقدّم الكلام فيهم. فهذا السند ضعيف.

[23] - فقه الحديث:

هذا الحديث متّحد الدلالة مع الحديث التاسع عشر.

سند الحديث:

فيه أيضاً: أبو الوليد، عن الحسن بن زياد الصيقل، والظاهر: زيادة «عن» في السند؛ لأنّ أبا الوليد كنية للحسن بن زياد الصيقل.

قال الصدوق في «مشيخة الفقيه» في طريقه إليه: «وهو كوفي، مولى، وكنيته: أبو الوليد، روى عنه يونس بن عبد الرحمن»(2).

وقال الشيخ في «رجاله»: «الحسن بن زياد الصيقل، يكنّى أبا الوليد، مولى، كوفي»(3)

ص: 502


1- أمالي الطوسي: 245، ح425.
2- الفقيه 4 : 436، المشيخة.
3- رجال الطوسي: 195/2440.

[116] 24 - محمّد بْنُ الْحَسَنِ فِي «الْمَجَالِسِ وَالأَخْبَارِ» بِإِسْنَادِهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ(صلی الله علیه و آله و سلم) - فِي وَصِيَّتِهِ لَهُ - قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، هُمَّ بِالْحَسَنَةِ، وَإِنْ لَمْ تَعْمَلْهَا، لِكَيْ لا تُكْتَبَ مِنَ الْغَافِلِينَ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وهو موجود في «النوادر»، وروى عنه المشايخ الثقات(2)،

وعليه فلا إشكال في وثاقته، فيكون سند الحديث معتبراً.

[24] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ من آثار النيّة الحسنة أن لا يكتب صاحبها من الغافلين، الذين ورد النهي عن الاتّصاف بصفتهم في الكتاب العزيز بقوله تعالى: {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ}(3)

وعليه فالذي يهمُّ بالحسنة حيناً بعد حين يكون له نوع ارتباط وذكر مع ربّه، ولو لم يعملها في الخارج، ويكون مثلها مثل بعض الأمور التي إذا واظب عليها المؤمن فإنّه لا يكتب من الغافلين أيضاً، كاتّخاذ الكفن وتعاهده، وكبعض الأدعية والأذكار، التي يكون الغرض منها بقاء الإنسان على حالة الذكر الدائم لله سبحانه، بحيث لو عرضت له غفلة في بعض

ص: 503


1- أمالي الطوسي: 536، ح1162.
2- أصول علم الرجال 1 : 217، و ج2 : 185 .
3- الأعراف، الآية 205.

[117] 25 - وَعَنْ جَمَاعَةٍ، عَنْ أَبِي الْمُفَضَّلِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْعَلَوِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَنِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ بِكَرَمِهِ وَفَضْلِهِ يُدْخِلُ الْعَبْدَ بِصِدْقِ النِّيَّةِ وَالسَّرِيرَةِ الصَّالِحَةِ الْجَنَّةَ»(1).

أَقُولُ: وَتَقَدَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ(2)، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ(3).

-----------------------------------------------------------------------------

الأوقات لبادر إلى الذكر من جديد، كما هو المأمور به في الآية الشريفة؛ فإنّه ورد الأمر فيها بالذكر حيناً بعد حين؛ كيلا يكون الإنسان من الغافلين.

سند الحديث:

قد تقدّم السند نفسه في الحديث الثامن من الباب الخامس، وقلنا: إنه ضعيف.

[25] - فقه الحديث:

هذا المقدار قطعة من حديث، وصدره: «المرض لا أجر فيه، ولكنّه لا

ص: 504


1- أمالي الطوسي: 602 ، ح1245.
2- تقدم في الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات.
3- يأتي في: أ - الأبواب 7 ، 11 ، 12 من أبواب مقدمة العبادات. ب - الحديث 18 من الباب 4 من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.

يدع على العبد ذنباً إلّا حطّه. وإنّما الأجر في القول باللسان، والعمل بالجوارح. وإن اللَّه بكرمه...».

ودلّ الحديث المذكور على أنّ المرض لا أجر فيه، بل هو موجب لحطّ الذنوب ومحوها، وإنّما الأجر والثواب يستحقهما العبد على ما صدر منه من فعل قربي؛ قضاءً لما قطعه اللَّه على نفسه من إثابة العابدين له، لا أنّ العبد يستحق المثوبة على اللَّه تعالى؛ ولذا فرّق صلوات اللَّه عليه بين المرض وبين القول والعمل، بعدم الأجر على الأول، وباستحقاق الأجر على الثاني، وبيّن (علیه السلام) : أنّ من فضل اللَّه وكرمه على عباده أن جعل دخول الجنّة من آثار النية الصادقة والسريرة الصالحة لصاحبهما.

ولا يخفى ما فيه من الترغيب في صدق النيّة والحثّ عليها، عن طريق بيان أنّ بسببها يدخل صاحبها الجنة.

سند الحديث:

فيه: عبيد اللَّه بن الحسين العلوي: ولم يرد فيه شي ء إلّا وصفُ أبي المفضّل له بالعبد الصالح، فقد قال: «حدّثنا أبو أحمد عبيد اللَّه الحسين بن إبراهيم بن علي العلوي النصيبي العبد الصالح»(1).

وأمّا أبوه: فلم يذكر بشي ء.

ولكن بما أنّ للشيخ طريقاً إلى البرقي، وهو: عن جماعة، عن أبي

ص: 505


1- أمالي الطوسي: 455، ح 1018 .

المفضّل، عن ابن بطّة، عن أحمد بن أبي عبد اللَّه البرقي، عنه(1)، وللشيخ طريق صحيح إلى جميع كتب وروايات أحمد بن أبي عبد اللَّه البرقي، فيصبح هذا الطريق معتبراً؛ لأنّه من جملة مرويّاته.

تصحیح السند إلی كتاب السید عبد العظیم الحسنی

كما أنّ للصدوق طريقاً معتبراً إلى عبد العظيم الحسني في «المشيخة»، وهو: محمد بن موسى بن المتوكّل، عن السعدآبادي، عن أحمد بن أبي عبد اللَّه البرقي(2).

فإذا كان ذلك طريقاً إلى كتاب عبد العظيم فيكون للشيخ أيضاً هذا الطريق، وبهذا يكون هذا السند معتبراً.

والحاصل: أنّ في هذا الباب خمسة وعشرين حديثاً، منها عشرون حديثاً معتبراً، وخمسة ضعاف، وإن أمكن قبول بعضها ببعض المباني المتقدمة.

المستفاد من أحاديث الباب

والمستفاد من أحاديث الباب أمور، منها:

1 - استحباب نيّة الخير.

2 - أنّ نيّة الخير أفضل من عمل الخير نفسه.

3 - أنّ على مجرّد نيّة الخير تكتب حسنة.

4 - أنّ النيّة الصالحة تكون سبباً لدخول الجنة.

ص: 506


1- فهرست الطوسي: 193/548.
2- من لا يحضره الفقيه 4 : 468، المشيخة.

5 - أنّ نيّة المؤمن سبب للخلود في الجنة.

6 - أنّ نيّة الخير سبب لزيادة الرزق.

7 - أنّ نيّة الخير سبب للتوفيق للعمل.

8 - أنّ النيّة السيئة بمجردها لا تكتب على المؤمن.

9 - أنّ النيّة السيئة مكروهة، وموجبة للحرمان من الرزق.

10 - أنّ نيّة الشر من الكافر شرّ من عمله.

11 - أنّ نيّة الشر من الكافر سبب للخلود في النار.

12 - أنّ نيّة الشر من الكافر تكتب عليه.

13 - أنّ صاحب النيّة الحسنة وإن لم يعملها لا يكتب من الغافلين.

14 - نيّة السيئة إذا لم يعملها المؤمن تكتب له حسنة.

15 - أن المؤمن إذا ارتكب السيئة أُجِّلَ تسع ساعات، فإن تاب وندم عليها لم يكتب عليه شي ء، وإن لم يتب عنها كتبت عليه سيئة.

ص: 507

ص: 508

7 - باب كراهة نية الشر

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

7 - باب كراهة نيّة الشر

شرح الباب:

هذا الباب مكمّل للباب السابق؛ حيث تعرّض المصنف هناك للأحاديث الدالة على استحباب نيّة الخير والعزم عليه، وتعرّض هنا للأحاديث الدالة على كراهة نيّة الشر والذنب، وإن لم يحققهما في الخارج؛ إذ لا ريب: أنّ العقلاء يذمّون العبد الذي يضمر مخالفة مولاه، فيما لو اطلعوا على ما انطوت عليه نفسه، ويقبِّحون هذه النيّة السيئة.

والنيّة السيئة هي الحجر الأساس للعمل السيّى ء، كما أنّ النيّة الحسنة هي الحجر الأساس للعمل الحسن، فتكون النيّة السيّئة مبغوضة عند المولى جلّ وعلا، كما أنّ النيّة الحسنة محبوبة عنده سبحانه. ثمّ إنّ الله تعالى لا يعاقب على نيّه الشرّ؛ تفضلاً منه ورحمة، وإن كان يثيب على النيّة الحسنة، كما تقدّم، وقد مرّ في الباب السابق ما يدلّ على ذلك.

وكراهة المولى عزّوجلّ لنيّة الشر إنّما هو لقبحها الذاتي، كما يشهد به العقلاء، وللآثار الوضعيّة التي تنتج عنها، كالحرمان من الرزق، وغير ذلك.

الأقوال:

أمّا الخاصة: فقد قال الشهيد في محكي «القواعد»: «لا يؤثر نيّة المعصية

ص: 509

عقاباً ولا ذماً، ما لم يتلبّس بها، وهو ممّا ثبت في الأخبار العفو عنه»(1)

وقال المحقّق الداماد (قدس سره) : «إنّ فقهاء الأصحاب وأصوليِّهم - رضي اللَّه تعالى عنهم - وكذلك الفقهاء والأصوليين من العامة قد اتّفقوا على أنّ العزم على المعاصي ونيتها ممّا لا يترتب عليه عقاب ومؤاخذة، ما لم يتحقّق التلبّس بالمعصية»(2)

وأمّا العامة: فيظهر من مطاوي كلمات بعضهم: أنّ مشهورهم على أنّ العزم على المعصية معصية.

قال الحطّاب الرعيني: «هو وإن كان غير معاقب على ترك الصلاة، فإنّه معاقب على تصميمه على ترك الصلاة؛ فإنّ العزم على المعصية والتصميم عليها معصية، فيؤاخذ بذلك...»(3)

ونقل النووي في «شرحه على صحيح مسلم» - في ذيل حديث: «ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك فليتصدّق» - قولَ القاضي: «ففي هذا الحديث دلالة لمذهب الجمهور: أنّ العزم على المعصية إذا استقرّ في القلب كان ذنباً، يكتب عليه، بخلاف الخاطر الذي لا يستقرّ في القلب»(4)

وقال ابن حجر في «فتح الباري»: «قال عيّاض: في هذا الحديث حجة

ص: 510


1- القواعد والفوائد 2 : 107.
2- اثنا عشر رسالة: 88، المقالة السابعة.
3- مواهب الجليل 2 : 38.
4- شرح مسلم 11 : 107.

[118] 1 - محمّد بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عليّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - : «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ(صلی الله علیه و آله و سلم) كَانَ يَقُولُ: مَنْ أَسَرَّ سَرِيرَةً رَدَّاهُ اللَّهُ رِدَاهَا، إِنْ خَيْراً فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرّاً فَشَرٌّ»(1).

أقول: هذا شامل للنيّة والعمل، ومثله كثير.

-----------------------------------------------------------------------------

للجمهور: أنّ العزم على المعصية... [وذكر ما يقرب مما سبق نقله عن النووي]»(2)

وقال ابن حزم: «ومن همّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، فإن عملها كتبت له عشراً ومن همّ بسيئة، فإن تركها للَّه تعالى كتبت له حسنة، فإن تركها بغلبة أو نحو ذلك لم تكتب عليه، فإن عملها كتبت له سيّئة واحدة»(3).

فجمهورهم على التفصيل بين العزم المستقّر، فيعاقب عليه، وبين غير المستقّر، فلا يعاقب عليه.

[1] - فقه الحديث:

للحديث صدر لم يذكره المصنّف، وهو هكذا: عمر بن يزيد قال: إنّي

ص: 511


1- الكافي 2 : 294، باب الرياء، ح 6، وص224، ح 5، وأورده بتمامه في الحديث 5 من الباب 11 من أبواب مقدمة العبادات.
2- فتح الباري 8 : 471.
3- المحلَّى 1 : 18.

لأتعشّى مع أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، إذ تلا هذه الآية: «{بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ}. يا أبا حفص، ما يصنع الإنسان أن يتقرب إلى اللَّه عز وجل بخلاف ما يعلم اللَّه تعالى...» .

السر والسريرة: ما يكتم في النفس. والرداء - بالكسر - : ما يستر أعالي البدن فقط، وإن شئت قلت: الرداء: الثوب الذي يجعل على العاتقين وبين الكتفين فوق الثياب(1)

وعليه فيكون معنى قوله (علیه السلام) : «من أسرّ سريرة» أي: أخفى شيئاً وكتمه، وهو شامل للنيّة والعمل، كما أشار إليه المصنِّف (قدس سره) . «ردّاه اللَّه رداءها» أي: أظهرها كما يظهر الرداء الذي هو أظهر الثياب. فشبّه (علیه السلام) الأثر الظاهر على الإنسان بسبب ما يسرّه في نفسه بالرداء؛ فإنّه يلبس فوق الثياب، ولا يكون مستوراً بثوب آخر. فإن كان ما يسرّه في نفسه خيراً، كان الرداء خيراً وإن كان ما يسرّه في نفسه شرّاً كان الرداء شرّاً.

سند الحديث:

رجال الحديث كلهم ثقات أجلّاء، قد تقدّم ذكرهم، و عليه فالسند معتبر.

ص: 512


1- مجمع البحرين 2 : 169 ، مادة: «ردو ، ي».

[119] 2 - وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ السِّنْدِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ عليّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) : «مَا مِنْ عَبْدٍ يُسِرُّ خَيْراً إِلَّا لَمْ تَذْهَبِ الأَيَّامُ حتّى يُظْهِرَ اللَّهُ لَهُ خَيْراً، وَمَا مِنْ عَبْدٍ يُسِرُّ شَرّاً إِلَّا لَمْ تَذْهَبِ الأَيَّامُ حتّى يُظْهِرَ اللَّهُ لَهُ شَرّاً»(1).

وَعَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ جَرَّاحٍ الْمَدَائِنِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) نَحْوَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

هذا الحديث أصرح في الدلالة من الحديث السابق؛ إذ يدل على أنّ مَن عمل عملاً صالحاً وأخفاه عن الناس، لئلّا يشاب بالرياء، أو أخفى في قلبه نيّة حسنة خالصة، أظهره اللَّه، وأظهر حاله يوماً لعباده، وصرف قلوبهم إليه؛ ليمدحوه ويوقّروه ويعظّموه، فيحصل له - مع ثناء اللَّه تعالى - ثناء الناس. وبحكم المقابلة لو أظهره؛ طلباً لرضاهم، صرف اللَّه عنه قلوبهم، وجعلها مبغضة له(3)

ص: 513


1- الكافي 2 : 295، باب الرّياء، ح 12.
2- المصدر نفسه 2 : 293، باب الرّياء، ح 4.
3- شرح أصول الكافي 9 : 292.

وأما من عمل عملاً قبيحاً وأخفاه عن الناس؛ لئلّا يسقط اعتباره عندهم، أو أخفى في قلبه نيّة سيئة، أظهر اللَّه حاله يوماً لعباده، وصرف قلوبهم عنه؛ ليحقّروه، ويكون مبغوضاً عند اللَّه وعند الناس، إلّا أن يتوب.

سند الحديث:

روى الحديث الكليني بطريقين:

الأوّل: عن عليّ بن إبراهيم.

وهذا الطريق قد تقدّم حال رجاله في الحديث الثاني عشر من الباب الأول، وهو ضعيف بعلي بن أبي حمزة البطائني، إلّا أن يقال: بأنّ روايات عليّ بن أبي حمزة كانت قبل وقفه، كما يظهر من النجاشي؛ ويؤيده: رواية جعفر بن بشير عنه، الذي روى عن الثقات، ورووا عنه، وكذلك شهادة الكليني بصحة رواياته.

الثاني: عن محمّد بن يحيى.

أمّا محمّد بن يحيى، وأحمد بن محمد، والحسين بن سعيد، والنضر بن سويد: فهم ثقات أجلّاء، قد تقدّم ذكرهم.

وأمّا القاسم بن سليمان: فلم يرد فيه مدح ولا قدح.

نعم، ورد في «التفسير»(1)

، وروى عنه يونس بن عبد الرحمن في كتابه، فيحكم بوثاقته من هذه الجهة.

ص: 514


1- أصول علم الرجال 1 : 285 .

وأمّا جرّاح المدائني: فهو - أيضاً - لم يرد فيه مدح ولا توثيق. قال عنه النجاشي: «له كتاب يرويه عنه جماعة»(1)،

وورد في «مشيخة الفقيه»(2) ، وروى الصدوق عنه(3)،

كما وقع في أسناد «كامل الزيارات»(4) ، إلّا أنّه لم يكن من مشايخ ابن قولويه لتشمله الشهادة. وعليه فهو مهمل، فهذا السند ضعيف.

ص: 515


1- رجال النجاشي: 130/335.
2- من لا يحضره الفقيه 4 : 437 ، المشيخة.
3- المصدر نفسه 1 : 480، و ج2 : 173 .
4- كامل الزيارات: 532، باب فضل زيارة المؤمنين وكيف يزارون، ح806.

[120] 3 - وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عليّ ابْنِ حَفْصٍ، عَنْ عليّ بْنِ السَّائِحِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ (علیه السلام) ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْمَلَكَيْنِ: هَلْ يَعْلَمَانِ بِالذَّنْبِ إِذَا أَرَادَ الْعَبْدُ أَنْ يَفْعَلَهُ أَوِ الْحَسَنَةِ؟ فَقَالَ: «رِيحُ الْكَنِيفِ وَالطَّيِّبِ سَوَاءٌ»؟ قُلْتُ: لا، قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا هَمَّ بِالْحَسَنَةِ خَرَجَ نَفَسُهُ طَيِّبَ الرِّيحِ، فَقَالَ صَاحِبُ الْيَمِينِ لِصَاحِبِ الشِّمَالِ: قُمْ؛ فَإِنَّهُ قَدْ هَمَّ بِالْحَسَنَةِ، فَإِذَا فَعَلَهَا كَانَ لِسَانُهُ قَلَمَهُ، وَرِيقُهُ مِدَادَهُ، فَأَثْبَتَهَا لَهُ. وَإِذَا هَمَّ بِالسَّيِّئَةِ خَرَجَ نَفَسُهُ مُنْتِنَ الرِّيحِ، فَيَقُولُ صَاحِبُ الشِّمَالِ لِصَاحِبِ الْيَمِينِ: قِفْ؛ فَإِنَّهُ قَدْ هَمَّ بِالسَّيِّئَةِ، فَإِذَا هُوَ فَعَلَهَا كَانَ لِسَانُهُ قَلَمَهُ، وَرِيقُهُ مِدَادَهُ، فَأَثْبَتَهَا عَلَيْهِ»(1).

وَرَوَاهُ الصَّدُوقُ فِي كِتَابِ «صِفَاتِ الشِّيعَةِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

من همَّ بسيّئة خرج منه الريح النتن

[3] - فقه الحديث:

هذا الحديث يدل على أنّ العبد إذا هَمّ بالحسنة خرج نفسه طيب الريح، فإذا هو عملها كتبت له مع أضعافها، كما في كثير من الأحاديث(3). وإذا هَمّ بالسيئة خرج نفسه منتن الريح، فإذا هو عملها كتبها اللَّه عليه. ولا إشكال في

ص: 516


1- الكافي 2 : 429، باب من يهمّ بالحسنة أو السيئة، ح 3.
2- صفات الشيعة: 38 ، ح 62.
3- الكافي 2 : 429، باب من يهمّ بالحسنة أو السيئة.

أنّ الريح النتن يكشف عن ظلمة نفسانيّة جرّاء الهمّ بالسيئة. وهاتان الريحان ريحان معنويّتان، يستكشف منهما الملائكة الموكّلون نوع نيّة العبد.

قوله (علیه السلام) : «فإذا فعلها كان لسانه قلمه وريقه مداده فأثبتها له»، قال في «الوافي»: إنّما جعل الريق واللسان آلة لإثبات الحسنة والسيئة؛ لأنّ بناء الأعمال إنّما هو على ما عقد في القلب من التكلّم بها، وإليه الإشارة بقوله سبحانه: {إلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُه}(1)،

وهذا الريق واللسان الظاهر صورة لذلك المعنى كما قيل:

إنّ الكلام لفي الفؤاد وإنّما *** جُعل اللسان على الفؤاد دليلاً(2)

بحث رجالي في عبد اللَّه بن موسى بن جعفر

سند الحديث:

للحديث طريقان:

الأوّل: محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا.

أمّا محمّد بن يعقوب والعدّة وأحمد بن محمّد بن خالد البرقي: فقد تقدّم الكلام حولهم.

وأمّا عليّ بن حفص العوسي: فلم يرد فيه شي ء.

كما أنّ عليّ بن السائح: لم يرد فيه شي ء أيضاً.

وأمّا عبد اللَّه بن موسى بن جعفر: فالظاهر أنّه أخو الإمام الرضا (علیه السلام) ،

ص: 517


1- فاطر، الآية 10.
2- كتاب الوافي 5 : 1022.

المدفون قرب قم في طريق أصفهان، وله مزار معروف.

قال الشيخ المفيد في«الإرشاد»: «ولكل واحد من ولد أبي الحسن موسى بن جعفر (علیهما السلام) فضل، ومنقبة مشهورة»(1) .

وقال في «الاختصاص»: «وكان شيخاً كبيراً نبيلاً، عليه ثياب خشنة، وبين عينيه سجّادة، فجلس، وخرج أبو جعفر الجواد (علیه السلام) من الحجرة وعليه قميص قصب، ورداء قصب، ونعل جدد بيضاء، فقام عبد اللَّه، فاستقبله، وقبّل بين عينيه»(2)

ولكنّ الظاهر: أنّ ما ذكره الشيخ المفيد في «الإرشاد» لا دلالة فيه على الحسن، فضلاً عن الوثاقة. نعم، هو يفيد مدحاً.

وأمّا رواية «الاختصاص» فإنّها مرسلة، مضافاً إلى الشك والخلاف في نسبة كتاب «الاختصاص» إلى الشيخ المفيد.

وقد وردت فيه روايات ذامّة(3).

وبالجملة: للتوقّف فيه مجال. وعلى هذا فالسند ضعيف.

الثاني: ما رواه الصدوق في كتاب «صفات الشيعة»، عن أبيه.

وهذا الطريق قد تقدّم ذكر رجاله كلّهم. وعلى هذا فالحديث - من حيث الدلالة - تامّ، إلّا أنّه - من حيث السند - ليس كذلك، إلّا أن يحكم بصحته؛ بناءً

ص: 518


1- الإرشاد 2 : 246.
2- الاختصاص: 102.
3- المصدر نفسه: 102.

[121] 4 - محمّد بْنُ عليّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ بَابَوَيْهِ فِي كِتَابِ «عِقَابِ الأَعْمَالِ»، عَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ محمّد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ بَكْرِ بْنِ محمّد الأَزْدِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيَنْوِي الذَّنْبَ فَيُحْرَمُ رِزْقَهُ»(1).

أَحْمَدُ بْنُ محمّد الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، مِثْلَهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

على القول بصحة أحاديث «الكافي».

نية الذنب توجب حرمان الرزق

[4] - فقه الحديث:

يدل الحديث على أن نيّة المعصية موجبة لحرمان الرزق. ولا يخفى ما في هذا البيان من الردع عن مجرّد نيّة ارتكاب المعصية؛ فإنّ العاقل إذا علم بأنّ شيئاً يوجب الحرمان من أهمّ عَصَب في الحياة - وهو الرزق - فإنّه يجتنب عنه لا محالة.

سند الحديث:

للحديث طريقان:

ص: 519


1- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: 241، عقاب من ينوي الذنب ، ح 1.
2- المحاسن1 : 206 ، ح 362.

الأوّل: محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه في كتاب «عقاب الأعمال»، عن محمّد بن الحسن بن الوليد.

أمّا محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه ومحمد بن الحسن بن الوليد ومحمد بن الحسن الصفّار: فهم ثقات أجلّاء، وقد تقدّم ذكرهم.

وأمّا جعفر بن محمّد بن عبد اللَّه: فالظاهر أنّه جعفر بن محمّد بن عبد اللَّه الأشعري، الذي يروي عنه الصفّار ، وقد ورد في «نوادر الحكمة»(1).

وعليه فهو ثقة من هذه الجهة.

وأمّا بكر بن محمّد الأزدي: فقد قال النجاشي عنه: «بكر بن محمّد بن عبد الرحمن بن نعيم الأزدي، الغامدي، أبو محمد، وجه في هذه الطائفة، من بيت جليل بالكوفة، من آل نعيم الغامديين. عمومته: شديد، وعبد السلام، وابن عمه موسى بن عبد السلام، وهم كثيرون. وعمّته: غنيمة، روت أيضاً عن أبي عبد اللَّه وأبي الحسن (علیهما السلام) ، ذكر ذلك أصحاب الرجال. وكان ثقة، وعمّر عمراً طويلاً، له كتاب يرويه عدّة من أصحابنا»(2) وعليه فيظهر أنّ كتابه معروف ومشهور.

ونقل الكشّي: «عن محمّد بن عيسى العبيدي أنّ بكر بن محمّد الأزدي خَيِّر، فاضل»(3).

ص: 520


1- أصول علم الرجال 1 : 215 .
2- رجال النجاشي: 108/273.
3- اختيار معرفة الرجال 2 : 856/1107.

[122] 5 - وَعَنْ محمّد بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَمُّونٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الأَشْعَثِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَمَّادٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَمْرِو ابْنِ شِمْرٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: قَالَ لِي: «يَا جَابِرُ، يُكْتَبُ لِلْمُؤْمِنِ فِي سُقْمِهِ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ مَا كَانَ يُكْتَبُ فِي صِحَّتِهِ، وَيُكْتَبُ لِلْكَافِرِ فِي سُقْمِهِ مِنَ الْعَمَلِ السَّيِّى ءِ مَا كَانَ يُكْتَبُ فِي صِحَّتِهِ»، ثمّ قَالَ: قَالَ: «يَا جَابِرُ، مَا أَشَدَّ هَذَا مِنْ حَدِيثٍ!»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وورد في «التفسير»، وروى عنه المشايخ الثقات(2).

وعليه فهذا الطريق معتبر.

الثاني: أحمد بن محمّد البرقي في «المحاسن» عن بكر بن محمد، عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ... .

وهذا الطريق صحيح أيضاً؛ لأنّ أحمد بن محمّد البرقي يروي عن بكر بن محمّد بلا واسطة. ولكن في روايته عن أصحاب الصادق تأمّل، إلّا أنّ كتاب بكر بن محمّد معروف ومشهور، فلا يحتاج إلى الطريق.

[5] - فقه الحديث:

المستفاد من هذا الحديث: أنّ المؤمن لمّا كان من نيّته المداومة على الأعمال الصالحة، فمتى حيل بينه وبينها بالمرض، فإنّ اللَّه سبحانه يكتب له

ص: 521


1- المحاسن 1 : 405، ح920.
2- أصول علم الرجال 1 : 277، و ج2 : 183 .

أَقُولُ: وَقَدْ تقدّم مَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ التَّحْرِيمِ(1)1*)، وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَعَلَى الْكَرَاهَةِ(2)2*).

-----------------------------------------------------------------------------

في سقمه ما كان يعمل من الخير في صحته، من حيث نيّته. والكافر - أيضاً - لمّا كان من نيّته المداومة على تلك الأعمال القبيحة، فإنّه يكتب له ما كان يكتب في صحته.

وكون هذا الحديث شديداً جدّاً؛ لعلّه لخفاء وجهه على من يسمعه، وتوهّم منافاته للعدل الإلهي.

وبمضمون هذا الحديث أحاديث أخرى:

منها: ما رواه الكليني عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عمرو بن عثمان، عن المفضل بن صالح، عن جابر، عن أبي جعفر (علیه السلام) ، قال: «قال النبي(صلی الله علیه و آله و سلم): إنّ المسلم إذا غلبه ضعف الكبر أمر اللَّه عزّوجلّ الملك أن يكتب له في حاله تلك مثل ما كان يعمل وهو شاب نشيط صحيح. ومثل ذلك إذا مرض وكّل اللَّه به ملكاً يكتب له في سقمه ما كان يعمل من الخير في صحّته، حتّى يرفعه اللَّه ويقبضه. وكذلك

ص: 522


1- 1*) تقدم في الباب السابق.
2- 2*) يأتي في: أ - البابين 11 و 12 من أبواب مقدمة العبادات. ب - الحديث 13 من الباب 40 من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد. ج - الحديث 14 من الباب 43 من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.

الكافر إذا اشتغل بسقم في جسده كتب اللَّه له ما كان يعمل من الشر في صحته»(1) .

ومنها: ما رواه محمّد بن عليّ بن الحسين في «ثواب الأعمال»، عن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن عبد اللَّه بن يسار، عن عبد اللَّه، عن درست، عن أبي إبراهيم (علیه السلام) ، قال: «قال رسول اللَّه(صلی الله علیه و آله و سلم): للمريض أربع خصال: يرفع عنه القلم، ويأمر اللَّه الملك يكتب له كلّ فضل كان يعمله في صحته، ويتبع مرضه كلّ عضو في جسده فيستخرج منه ذنوبه، فإن مات، مات مغفوراً له، وإن عاش، عاش مغفوراً له»(2)

سند الحديث:

محمّد بن الحسن بن شمّون: تقدّم أنه ثقة على الأقوى.

وأمّا عبد اللَّه بن عمرو بن الأشعث: فلم يرد فيه شي ء.

وأمّا عبد الرحمن بن حماد الأنصاري: فقد قال عنه النجاشي: «رمي بالضعف والغلو»(3).

ص: 523


1- الكافي 3 : 113 ، باب ثواب المرض، ح 2.
2- ثواب الأعمال: 193.
3- رجال النجاشي: 238/633.

وقال ابن الغضائري: «ضعيف جداً، لا يلتفت إليه، في مذهبه غلو»(1)

ولكنه ورد في «نوادر الحكمة»، وروى عنه المشايخ الثقات(2)

ويمكن الجمع بين التضعيف والتوثيق: بأنّ الضعف في مذهبه لا في حديثه.

ويمكن أن يكون «عبدالله» بدل «عبد الرحمن»؛ لأنّ لقب الأنصاري لعبدالله بن حماد(3).

مضافاً إلى أنّه في موارد متعددة روى عبدالله عن عمرو بن شمر(4)،

ولم يوجد رواية عبد الرحمن عنه.

وأمّا عمرو بن شمر: فقد قال عنه النجاشي: «عمرو بن شمر، أبو عبد اللَّه الجعفي، عربي، روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، ضعيف جداً، زِيد أحاديث في كتب جابر الجعفي، ينسب بعضها إليه، والأمر ملتبس»(5).

وقال ابن الغضائري: «عمرو بن شمر، أبو عبد اللَّه الجعفي، كوفي، روى عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام) ، وجابر، وهو ضعيف»(6)، وذكره الشيخ (7) ولم

ص: 524


1- خلاصة الأقوال: 375.
2- أصول علم الرجال 1 : 226، و ج2 : 198 .
3- كمال الدين: 673، ووسائل الشيعة 16 : 183، باب 17 من كتاب الأمر بالمعروف، الحديث 21299، وكتاب الغيبة للنعماني: 65.
4- انظر: المصدر نفسه.
5- رجال النجاشي : 287/765.
6- خلاصة الأقوال: 378.
7- رجال الطوسي: 250/3507.

يتعرض لضعفه.

إلّا أنه ورد في «التفسير»(1).

فيمكن الجمع بين التضعيف والتوثيق: بأن يكون الضعف في مذهبه، لا في روايته.

وأمّا جابر: فهو الجعفي، وقد تعرّضنا لحاله في مباحثنا الرجاليّة(2)، وذكرنا هناك سبعة وجوه تدلّ على وثاقته، منها: أنّ المفيد قال في حقه: إنّه من الفقهاء الأعلام، الرؤساء، المأخوذ منهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام، الذين لا يطعن عليهم، ولا طريق لذمّ واحد منهم(3).

وورد في «التفسير»، وروى عنه المشايخ الثقات(4)،

ووردت في حقه روايات مادحة(5). والحاصل أن السند ضعيف.

والحاصل: أنّ في الباب خمسة أحاديث، المعتبر منها اثنان، والثلاثة الأخرى يمكن تصحيحها على بعض المباني المتقدمة.

المستفاد من أحاديث الباب

والمستفاد من الباب أمور:

منها: أنّ من أسرّ سريرة حسنة من نيّة أو عمل أظهرها اللَّه سبحانه، وكذا من أسرّ سريرة سيّئة.

ص: 525


1- أصول علم الرجال 1 : 285 .
2- المصدر نفسه 2 : 348 - 354 .
3- المصدر نفسه 2 : 348.
4- المصدر نفسه 1 : 278، و ج2 : 183 .
5- اختيار معرفة الرجال 2 : 437 - 449/ 338 - 348.

ومنها: أنّ نتيجة إخفاء العمل العبادي - لئلّا يشاب بالرياء ونحوه - هو إظهار اللَّه هذا العمل لعباده؛ ليثنوا عليه ويوقّروه، أو أن يظهر له نتيجة نيّته نوعاً من الخير يسانخ نيّته الحسنة، بخلاف من أسرّ شراً، فإنّه لا تمضي الأيام إلّا وتظهر له نتيجة هذه النيّة، إمّا بأن تظهر نيّته للناس فيحقّروه، وإمّا أن تظهر له نتيجة نيّته نوعاً من الشر يسانخ نيّته السيئة.

ومنها: أنّ نَفَس العازم على الحسنة طيّب الريح، كما أنّ نَفَس العازم على السيئة منتن الريح. وهاتان الرائحتان معنويّتان، يستدلّ بهما الملائكة الموكّلون على عزم العبد.

ومنها: أنّ نيّة الذنب موجبة للحرمان من الرزق.

ومنها: أنّه يكتب للمؤمن في حال مرضه ما كان يكتب له في حال صحته من العمل الصالح؛ لأنّ مرضه هو الذي أعاقه عن العمل، فيثيبه اللَّه على نيّته.

ويكتب للكافر في حال مرضه ما كان يكتب له في حال حياته من العمل السيّى ء؛ لأنّ من نيّته أن يستمرّ عليه لولا المرض.

ص: 526

8 - باب وجوب الإخلاص في العبادة والنية

اشارة

-----------------------------------------------------------------------------

8 - باب وجوب الإخلاص في العبادة والنيّة

مراتب الإخلاص سبع

شرح الباب:

تقدّم منّا أنّ النيّة المعتبرة هي: انبعاث النفس وميلها وتوجّهها إلى ما فيه غرضها ومطلبها، إمّا عاجلاً أو آجلاً.

وأمّا الإخلاص: فقد ذكر الشيخ البهائي (قدس سره) : أنّ «الخالص في اللغة: كلّ ما صفا وتخلّص ولم يمتزج بغيره، سواء كان ذلك الغير أدون منه أو لا. فمن تصدَّق لمحض الرياء فصدقته خالصة لغة، كمن تصدّق لمحض الثواب. وقد خُصَّ العمل الخالص في العرف بما تجرّد قصد التقرّب فيه عن جميع الشوائب، وهذا التجريد يسمّى: إخلاصاً. وقد عرّفه أصحاب القلوب بتعريفات أخر:

فقيل: هو تنزيه العمل عن أن يكون لغير اللَّه فيه نصيب. وقيل: إخراج الخلق عن معاملة الحق. وقيل: هو ستر العمل عن الخلائق، وتصفيته عن العلايق. وقيل: أن لا يريد عامله عليه عوضاً في الدارين، وهذه درجة عليّة عزيزة المنال، قد أشار إليها أمير المؤمنين (علیه السلام) بقوله: «ما عَبَدْتُكَ خَوْفاً مِنْ نارِكَ، ولا طَمَعَاً في جَنّتِكَ، ولكنَ وجَدْتُكَ أهلاً للعبادةِ فَعَبَدْتُك»(1)

ص: 527


1- مرآة العقول 7 : 81، ح4.

والحاصل: أنّ الإخلاص هو تجريد النيّة عن الشوائب في العبادة، وعدم لحاظ شي ء سوى وجه اللَّه تعالى.

وقد ذكروا للإخلاص مراتب متفاوتة، بحسب تفاوت طبقات العبّاد ودرجاتهم:

أحدها: عبادة الشاكرين، وهم الذين يعبدون اللَّه تعالى؛ شكراً على نعمائه اللامتناهية؛ قال أمير المؤمنين (علیه السلام) : «إنّ قوماً عبدوا اللَّه رغبةً فتلك عبادةُ التجّار، وإنّ قوماً عبدوا اللَّه رهبةً فتلك عبادة العبيد، وإنّ قوماً عبدوا اللَّه شُكْراً فتلك عبادةُ الأحرار»(1)

وثانيها: عبادة المقرّبين، وهم الذين يعبدون اللَّه تعالى؛ تقرباً إليه. والمراد بالقرب هنا هو القرب المعنوي، وهو أن يخرج العبد من حضيض نقص الامكان، ويتّصف بالكمالات، ويتخلّق بأخلاق اللَّه عزّوجلّ؛ فإنّه الغاية من خلق الإنسان؛ قال اللَّه عزّوجلّ: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إلّا لِيَعْبُدُونِ}(2) .

وثالثها: عبادة المُستَحِين، وهم الذين يعبدون اللَّه تعالى؛ حياءاً؛ قال النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) : «اعْبُد اللَّهَ كأنَّك تَراهُ، فإنْ لم تكنْ تراهُ فإنّه يراكَ»(3)

ص: 528


1- نهج البلاغة 4 : 53.
2- الذاريات، الآية 56.
3- مصباح الشريعة المنسوب للإمام الصادق (علیه السلام) : 8.

ورابعها: عبادة المتلذّذين، وهم الذين يتلذّذون بعبادة اللَّه تعالى بأعظم ممّا يلتذّ به أهل الدنيا من نعيم الدنيا؛ ففي «الكافي» عن أبي جميلة، قال: قال أبو عبد اللَّه (علیه السلام) : «قال اللَّهُ تبارك وتعالى: يا عِبادي الصدِّيقين، تَنَعَّموا بعبادتي في الدنيا؛ فإنَّكم تَتَنَعَّمون بها في الآخرة»(1) .

وخامسها: عبادة المحبّين، وهم الذين وصلوا بطاعتهم وعبادتهم إلى أعلى درجات الكمال من حبّ اللَّه تعالى؛ قال الإمام الصادق جعفر بن محمد (علیه السلام) : «إنّ الناسَ يعبدون اللَّه عزّوجلّ على ثلاثة أوجه: فطبقة يعبدونه رغبة في ثوابه، فتلك عبادة الحُرَصاء، وهو الطمع، وآخرون يعبدونه خوفاً من النار، فتلك عبادة العبيد، وهي رهبة، ولكنّي أعبده حبّاً له عزّوجلّ، فتلك عبادة الكرام، وهو الأمن؛ لقوله عزّوجل: {وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ}(2)

، {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّه فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّه وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّه غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(3)،

فمن أحبّ اللَّه عزّوجلّ أحبّه اللَّه، ومن أحبّه اللَّه عزّوجلّ كان من الآمنين»(4)

وسادسها: عبادة العارفين، وهم الذين بعثهم على العبادة كمال معبودهم، وأنه أهل للعبادة فعبدوه؛ كما ورد عن أمير المؤمنين (علیه السلام) : «ما

ص: 529


1- الكافي 2 : 83 ، باب العبادة، ح 2 .
2- النمل، الآية 89.
3- آل عمران، الآية 31.
4- علل الشرائع 1 : 12.

عَبَدْتُكَ خَوْفاً مِنْ نارِكَ، ولا طَمَعَاً في جَنَّتِكَ، ولَكِنْ وَجَدْتُكَ أهلاً للعبادةِ فَعَبَدْتُك».

وسابعها: عبادة اللَّه لنيل ثوابه، أو الخلاص من عقابه. وسيأتي الكلام في الخلاف في خصوص هذه المرتبة.

وبعض هذه المراتب العالية تختصّ بأهل العصمة (علیهم السلام) ، ومن كان قريباً من مرتبتهم، كسلمان وأبي ذر والمقداد، وكثير منها لا يشاركهم فيها حتّى أمثال هؤلاء.

وقد قيل: إنّ من ادّعى تلك المراتب، فإنّما يصدّق في دعواه إذا علم من نفسه أنّه لو أيقن أنّ اللَّه تعالى يدخله بطاعته وعبادته النار وبمعصيته الجنّة يختار الطاعة، ويترك المعصية، وأين عامّة الخلق من هذه الدرجة؟!

وأمّا الضمائم، فهي قسمان:

أحدهما: الضمائم الجائزة بالمعنى الأعم.

وثانيهما: الضمائم المحرّمة والمرجوحة، وسيأتي الكلام عن هذين القسمين في الأبواب الآتية.

الأقوال:

هل قصد الثواب أو الخلاص من العقاب منافٍ للإخلاص؟

المشهور بين الفقهاء - إن لم يكن إجماعيّاً - اعتبار الخلوص في مطلق العبادات. وكلماتهم في اعتباره فيها منثورة في كتبهم عند التعرض للنيّة، سواء في مباحث الوضوء أو الصلاة أو غيرهما.

ص: 530

نعم، يظهر من السيد المرتضى (قدس سره) في «الانتصار»(1) القول بعدم البطلان بالرياء، بل العبادة مجزية ومسقطة للقضاء، ولكن لا ثواب عليها. وتبعه على ذلك بعض المتأخرين(2).

وكذا الكلام بالنسبة إلى العامة، فإنّهم يصرّحون بذلك في مثل تلك المباحث، ويرسلونها إرسال المسلمات(3)

وسيأتي في الباب الحادي عشر: أنّ ضمّ الرياء إلى العبادة مبطل لها، وصاحب هذا العمل مأثوم؛ لأنّه من الكبائر، بل هو شرك باللَّه تعالى على ما في بعض الأخبار(4).

نعم، نقل صاحب «المدارك»(5)، عن الشهيد في «القواعد والفوائد»(6)، عن الأصحاب بطلان العبادة بغاية نيل الثواب أو الخلاص من العقاب، أو كليهما، بل نسبه في «الحدائق»(7) إلى ظاهر المشهور بين الأصحاب، وقطع بذلك السيد رضيّ الدين بن طاووس(8)

ص: 531


1- الانتصار: 100، المسألة: 9.
2- وهو الفاضل الأصفهاني في كشف اللثام 1 : 511 - 512، ويظهر منه أيضاً في ج3 : 411. .
3- راجع على سبيل المثال: مغني المحتاج 1 : 148 - 149 .
4- وسائل الشيعة 1 : 64، ب11، ح11 وما بعده.
5- المدارك 1 : 187.
6- القواعد والفوائد 1 : 77 ، الفائدة: 2 .
7- الحدائق 2 : 177 .
8- يقول السيد ابن طاووس محتجاً بأنّ قاصد ذلك إنما قصد الرشوة والبرطيل ولم يقصد وجه الرب الجليل. وهو دال على أنّ عمله سقيم وأنّه عبد لئيم. (إقبال الاعمال 3 : 195، فصل20، وراجع: مدارك الأحكام 1 : 187، ومشارق الشموس في شرح الدروس: 88).

وهو الظاهر من «الدروس»(1) أيضاً، وإن اختار الصحة في «الذكرى»(2) و«القواعد والفوائد»(3)،

وهو المنقول عن الصوفيّة من العامة.

ولعلّ الذي حداهم إلى هذا القول هو توهّم: أنّ قصد الثواب مخرج عن الإخلاص وابتغاء اللَّه بالعمل؛ لأنّ العابد جعل هذا القصد واسطة بينه وبين اللَّه عزّوجلّ، بل هذا القصد إنّما هو: قصد جلب المنفعة للنفس، أو دفع المضرّة عنها، وأين هذا من قصد وجه اللَّه تعالى؟!

وفيه:

أوّلاً: أنّ المكلّف لا يكاد ينفكّ عن أحد هذين القصدين أو كليهما غالباً، بل دفعه عن النفس يحتاج إلى رياضات شاقّة ومجاهدات عظيمة، فتكليف عامّة الناس به في نهاية العسر والحرج، وهما منفيّان في الشريعة المقدسة.

وثانياً: أنّ كون قصد الثواب مخرج للعمل عن الإخلاص غير مسلّم؛ لأنّ الثواب لمّا كان من عند اللَّه ومترتّباً على الإخلاص وقصد التقرّب، فإذا لم

ص: 532


1- انظر: الدروس 1 : 90 .
2- الذكرى 2 : 104 .
3- القواعد والفوائد 1 : 77، 89 . نقل بعضهم العبارة عنه بإضافة «أكثر الأصحاب» . كما في الطهارة (للشيخ الأنصاري) 2 : 45، والمستمسك 2 : 464 .

يأت بالعمل للَّه لم يترتّب عليه الثواب، بل يكون كالعدم. فالآتي بالعمل يقصد العمل لوجه اللَّه لا محالة، ولكنّه يرجو بذلك الثواب الذي وعده اللَّه عليه.

وثالثاً: ورود الآيات والروايات التي ترغّب في الثواب(1)، وتحذّر من العقاب، ومنها: روايات «من بلغ»(2)،

والروايات الواردة في الأعمال المأمور بها لقضاء الحوائج الدنيويّة(3). فلو كانت هذه القصود مُفسِدَة للعبادة لكان الحثّ عليها والوعد بها عبثاً وخلافاً للمقصود من بيانها للناس.

إلى غير ذلك من الوجوه التي يطول بذكرها الكلام.

ص: 533


1- كالآية 103 من البقرة، و 76 من مريم، و46 من الكهف، و195 من آل عمران، و80 من القصص، و 134 من النساء.
2- الكافي 2 : 87، باب من بلغه ثواب ... ، وهنا: باب 18 من أبواب مقدمة العبادات.
3- المصدر نفسه 2 : 192، باب قضاء حاجة المؤمن، و196، باب السعي في حاجة المؤمن، و199، باب تفريج كرب المؤمن، وغيرها.

[123] 1 - محمّد بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ محمّد بْنِ عِيسَى، عَنْ يُونُسَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {حَنِيفاً مُسْلِماً}(1)، قَالَ: «خَالِصاً مُخْلِصاً لَيْسَ فِيهِ شَيْ ءٌ مِنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

تفسیر قوله تعالی (حَنِيفاً مُسْلِماً)

[1] - فقه الحديث:

قال في القاموس: «الحنف - محرّكة- : الاستقامة والاعوجاج في الرجل، أو أن يقبل إحدى إبهامي رجليه على الأخرى... والحنيف - كأمير - : الصحيح الميل إلى الإسلام، الثابت عليه، وكل من حجّ، أو كان على دين إبراهيم (علیه السلام) »(3)

والآية الشريفة التي تلاها الإمام (علیه السلام) تثبت الحنف لإبراهيم (علیه السلام) ، فهو مسلم للَّه، وليس بمتّخذ له شريكاً. وفي إثبات الحنف له (علیه السلام) تعريض بأهل الكتاب، فإنّ اليهود مالوا إلى الماديّة المحضة، كما أنّ النصارى مالوا إلى المعنويّة المحضة، وإبراهيم بري ء عن الميل إلى أحد الطرفين، بل هو في الحدّ الوسط، وهو الإسلام للَّه.

فالحنيف: المسلم المنقاد، وهو المائل إلى الدين الحق، وهو الدين

ص: 534


1- آل عمران، الآية 67.
2- الكافي 2 : 15 ، باب الإخلاص، ح 1.
3- القاموس المحيط 3: مادّة: «حنف».

الخالص، ولذا فسّره (علیه السلام) بقوله: «خالصاً مخلصاً»، أي: خالصاً للَّه، مخلصاً للَّه عبادته وعمله من الشرك الجليّ والخفيّ، وعن ملاحظة غيره تعالى مطلقاً. وسيأتي في الحديث السابع من الباب عن «المحاسن»: «لا يشوبه شي ء»، وله ظهور في التعميم لما ذكرنا.

ثمّ وصفه على سبيل التأكيد بقوله: «ليس فيه شي ء من عبادة الأوثان».

والمراد بالأوثان: إمّا الأوثان الحقيقيّة المعروفة التي كان يتّخذها المشركون، ويزعمون: أنّها تقرِّبهم إلى اللَّه زلفى، أو الأوثان المجازيّة الأعم منها ومن الشياطين والنفس، فيشمل عبادة الشياطين في إغوائها، وعبادة النفس في أهوائها، وقد نهى جلّ شأنه عن عبادتهما، فقال في محكم كتابه: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}(1)

، وقال أيضاً: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ}(2)

وفي الحديث إشارة إلى أنّ الرياء داخل في عبادة الأوثان؛ إذ الرياء هو المصداق الظاهر الجليّ لعدم الإخلاص، فهما لا يجتمعان أبداً، وكل منهما يرفع موضوع الآخر، فإذا وجد الرياء انتفى الإخلاص، والعكس صحيح.

سند الحديث:

رجال الحديث قد تقدّموا جميعاً، والسند صحيح.

ص: 535


1- يس، الآية 60.
2- الجاثية، الآية 23.

[124] 2 - وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ، عَنِ السَّكُونِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، قَالَ: «قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - : وَبِالإِخْلاصِ يَكُونُ الْخَلاصُ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[2] - فقه الحديث:

هذه قطعة من حديث وارد في الدعاء وشرائطه، ومعنى: «وبالإخلاص»: الإخلاص في الدعاء، وهو تجريده عن شوائب النقص والرياء، أو المراد: أنّه بإخلاص نفسه عن المهلكات والخبائث يكون الخلاص، أي: النجاة من المشقّة والبلاء، أو الوصول إلى اللَّه تبارك وتعالى، أو إلى المطلوب. وفيه إشارة إلى أنّ الإخلاص أمر راجح، وهو من شرائط الدعاء.

سند الحديث:

رجال الحديث قد تقدّموا جميعاً، والسند معتبر.

ص: 536


1- الكافي 2 : 468 ، باب أنّ الدعاء سلاح المؤمن، ح 2.

[125] 3 - وَعَنْهُمْ(1)، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ عليّ بْنِ أَسْبَاطٍ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (علیه السلام) : «أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (علیه السلام) كَانَ يَقُولُ: طُوبَى لِمَنْ أَخْلَصَ للَّهِ الْعِبَادَةَ وَالدُّعَاءَ، وَلَمْ يَشْغَلْ قَلْبَهُ بِمَا تَرَى عَيْنَاهُ، وَلَمْ يَنْسَ ذِكْرَ اللَّهِ بِمَا تَسْمَعُ أُذُنَاهُ، وَلَمْ يَحْزُنْ صَدْرُهُ بِمَا أُعْطِيَ غَيْرُهُ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[3] - فقه الحديث:

قوله (علیه السلام) : «طوبى»، أي: الجنة، أو طيبها، أو شجرتها، أو العيش الطيّب، أو الخير، فكل هذا أو بعضه يحصل لمن أخلص للَّه العبادة والدعاء، وقصد سبحانه بهما، ولم يقصد غيره، ولم يشغل قلبه عن اللَّه وطاعته بما ترى عيناه من متاع الدنيا الزائل، وزخارفها الشهيّة، وصورها البهيّة، ولم ينس ذكر اللَّه بالقلب واللسان بما تسمع أذناه من الأصوات الداعية إلى الدنيا، والإخلاد إليها، ولم يحزن صدره بما أعطي غيره من نعم الدنيا، ومن أسباب العيش، وحرم هو منها. والاتّصاف بهذه الصفات العليّة إنّما يتصوّر لمن قطع عن

ص: 537


1- علّق المؤلف هنا بقوله: «وعنهم» في هذا الباب وغيره من باب الاستخدام؛ لأنّ العدّة التي تروي عن ابن خالد غير العدّة التي تروي عن سهل، وهذا - مع جوازه - لطيف يناسب الاختصار. ثمّ هذه (ظ) [الروايات] بعضها دال على الوجوب وبعضها [على] مطلق الرجحان، وهو محمول (ظ) كذا في نسخة الأصل، وباقي الهامش لا يقرأ، كما أنّ ما بين المعقوفات كذلك. فلاحظ.
2- الكافي 2 : 16 ، باب الإخلاص، ح 3.

نفسه العلائق الدنيّة، وتوجّه بكلّه نحو الحضرة الأحديّة، مقتفياً في ذلك الآثار المحمديّة، والتعليمات الصادرة من العترة الهادية المهديّة عليهم أفضل الصلوات الأبديّة.

وعليه فهذا الحديث دالّ على رجحان الإخلاص في الدعاء، بل في مطلق العبادة، ويترتب عليه الأثر المذكور في الحديث.

تصحیح أصل و روایات علي بن أسباط

سند الحديث:

وفيه: سهل بن زياد: وهو محلّ خلاف، كما تقدم، وقد اخترنا ضعفه. والتفصيل موكول إلى محلّه في «أصول علم الرجال»(1)

إلّا أنّه يمكن تصحيح الحديث من جهة أخرى، وهي: أنّ للشيخ (قدس سره) طريقاً معتبراً إلى أصل وروايات عليّ بن أسباط (2)،

الواقع في سند هذا الحديث بعد سهل. وحيث إنّ للشيخ (قدس سره) أيضاً طريقاً معتبراً إلى جميع روايات الكليني (قدس سره) وكتبه(3)، فيعدّ الحديث من روايات الشيخ - أيضاً - بطريق معتبر، وبطريق الكليني معاً، فيصبح الحديث صحيحاً، مضافاً إلى شهادة الكليني (قدس سره) بصحة جميع الروايات المذكورة في كتابه.

ص: 538


1- أصول علم الرجال 2 : 355 - 360 .
2- فهرست الطوسي: 153/384.
3- المصدر نفسه: 211/ 602.

[126] 4 - وَعَنْ عليّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْمِنْقَرِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «الإِبْقَاءُ عَلَى الْعَمَلِ حتّى يَخْلُصَ أَشَدُّ مِنَ الْعَمَلِ. وَالْعَمَلُ الْخَالِصُ: الذِي لا تُرِيدُ أَنْ يَحْمَدَكَ عَلَيْهِ أحَدٌ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[4] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ الإخلاص المطلوب في العمل ليس مجرّد إيقاع العمل خالصاً لوجه اللَّه، بعيداً عن كلّ ما ينقصه ويشينه فحسب، بل المطلوب هو بقاؤه واستمراره خالصاً مادام العمر أيضاً، ولذا ورد في تفسير الإبقاء على العمل خالصاً تجرّده حتّى عن مجرّد الذكر للآخرين، فإنّه ينافي مرتبة من مراتب الإخلاص، فعن أبي جعفر (علیه السلام) : أنّه قال: «الإبقاء على العمل، أشدّ من العمل»، قال: وما الإبقاء على العمل؟ قال: «يصل الرجل بصلة وينفق نفقة للَّه وحده لا شريك له، فتكتب له سرّاً، ثمّ يذكرها فتمحى، فتكتب له علانية، ثمّ يذكرها فتمحى، وتكتب له رياء»(2)

والسبب في ذلك: أنّ خلوص العمل وصفاءه لا يتحقق بمجرد أن يقول:أصوم - مثلاً - قربة إلى اللَّه، وإخطار معناه بالبال، واستعمال الجوارح فيه، بل

ص: 539


1- الكافي 2 : 16 ، باب الإخلاص، ح 4، وتقدمت قطعة منه في الحديث 5 من الباب 6 من أبواب مقدمة العبادات.
2- الكافي 2 : 296 ، باب الرياء، ح 16.

لا بد مع ذلك من تأثّر القلب بالعمل، وانقياده إلى الطاعة، وإقباله إلى اللَّه جلّ شأنه، وانصرافه عن الدنيا وما فيها، كما مرّ في الباب السادس. ولا ينال ذلك إلّا بتحصيل الفضائل، والاجتناب عن الرذائل النفسانيّة؛ فإنّ النفس تنبعث لما يلائمها من الأفعال التي تتفق مع شاكلتها. فإذا كانت النفس متحلّية بالصفات الحسنة انبعثت لما هو حسن، ومنه الفعل الخالص لوجه المولى عزّوجلّ؛ باعتباره مصداقاً لتعظيم مَن هو أحق بالتعظيم من غيره، ولا مجال حينئذٍ لملاحظة غيره، لا صدوراً ولا بقاءً. وإذا كانت ملوّثة بالصفات القبيحة انبعثت لما هو قبيح، ومنه صدور العمل لا عن إخلاص، كأن يكون مشوباً بالرياء ونحوه.

وتحصيل هذه الأمور مشكل جدّاً، لا يتيسر الوصول إليها إلّا لذوي الفطرة السليمة والفكرة المستقيمة. فقد ظهر من هذا: أنّ حفظ العمل من موجبات النقص والفساد أشدّ وأصعب من نفس العمل.

ثمّ أشار (علیه السلام) إلى تفسير العمل الخالص بقوله: «والعمل الخالص: الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحدٌ» حين العمل وبعده «إلّا اللَّه تعالى»؛ تنبيهاً على أنّ الرياء وقصد المدحة والسمعة منافٍ للخلوص.

نعم، لو اطّلع الناس على عمله بلا تدخّل منه في ذلك ومدحوه، لم يقدح ذلك في خلوص عمله، بل هو من جميل صنع اللَّه تعالى ولطفه به، كما ورد في كثير من الروايات(1).

ص: 540


1- وسائل الشيعة 1 : 75، الباب 15 من أبواب مقدمة العبادات، ح1 و 2.

[127] 5 - وَبِالإِسْنَادِ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}(1)، قَالَ: «السَّلِيمُ(2): الَّذِي يَلْقَى رَبَّهُ وَلَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ سِوَاهُ»، قَالَ: «وَكُلُّ قَلْبٍ فِيهِ شَكٌّ أَوْ شِرْكٌ فَهُوَ سَاقِطٌ. وَإِنَّمَا أَرَادُوا بِالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا؛ لِتَفْرُغَ قُلُوبُهُمْ لِلآخِرَةِ»(3).

-----------------------------------------------------------------------------

وفي الحديث دلالة على أنّ قصد الثواب أو الخلاص من العقاب لا ينافي الخلوص، كما تدل عليه كثير من الروايات. وسيأتي مزيد بيان لذلك في الباب الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر إن شاء اللَّه تعالى.

سند الحديث:

قد مرّ هذا السند عينه في الباب السادس في الحديث الخامس. وعليه فهو معتبر أيضاً.

[5] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ القلب السليم الذي ينفع صاحبه يوم القيامة - يوم لا ينفع مال ولا بنون - هو القلب السليم الذي يلقى اللَّه وليس فيه أحد سواه، أي: شُغِل هذا القلب بربّه عن غيره من المال والولد وغيرهما، فليس فيه

ص: 541


1- الشعراء، الآية 89.
2- في المصدر: القلب السليم.
3- الكافي 2 : 16، باب الإخلاص، ح 5.

محلّ لغيره تعالى، وهو معنى الإخلاص المطلوب في العبادة؛ قال اللَّه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّه وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}(1)

وقوله (علیه السلام) : «وكل قلب فيه شك»: يمكن أن يراد من الشكّ هنا: ضعف الإيمان بالآخرة، وعدم اليقين الكامل بها، ويتفرّع عليه حبُّ الدنيا، أو يراد الشك في العلم الذي يجب عليه تحصيله فيقنع منه بالظن، ولا يطلب العلم واليقين، فهو ساقط عن الاعتبار والقبول عند أهل العلم والدين، أو يكون ساقطاً عن قرب الحق جلّ جلاله.

وكذا كلّ قلب كان فيه شرك خفي نتج عن عبادة النفس أو الشيطان، بأن كان فيه رياء، أو كان العمل فيه مشوباً ببعض الأغراض الفاسدة.

وإنّما أراد الأنبياء والأوصياء وخُلَّص أصحابهم الزهد في الدنيا وتركها؛ لتفرغ قلوبهم للآخرة، وتتفكّر في أمر الدنيا، وفيما يوجب النجاة من المهالك، والترقّي فيها، من ذكر اللَّه وطاعته في الظاهر والباطن، ولتتطهّر قلوبهم من حبّ الدنيا وطاعة النفس والشيطان، وليصفوَ القلب عن غير اللَّه في الظاهر والباطن؛ ليصل إلى مقام القرب. فلا فائدة في ترك الدنيا في الظاهر مع اشتغال القلب بها، وتلوّثه بحبّه لها، وميله إلى عبادة النفس والشيطان في الباطن.

ص: 542


1- المنافقون، الآية 9.

[128] 6 - محمّد بْنُ عليّ بْنِ الْحُسَيْنِ فِي «مَعَانِي الأَخْبَارِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ محمّد بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوساً عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) إِذْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَتَخَافُ(1) أَنْ أَكُونَ مُنَافِقاً؟ فَقَالَ لَهُ: «إِذَا خَلَوْتَ فِي بَيْتِكَ نَهَاراً أَوْ لَيْلاً، أَ لَيْسَ تُصَلِّي؟» فَقَالَ: بَلَى، فَقَالَ: «فَلِمَنْ تُصَلِّي؟» قَالَ: للَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ: «فَكَيْفَ تَكُونُ مُنَافِقاً وَأَنْتَ تُصَلِّي للَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لا لِغَيْرِهِ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

سند الحديث:

هو نفس السند السابق بلا فرق. وعليه فلا إشكال في اعتباره.

[6] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أمرين:

الأوّل: أنّ الإتيان بالأعمال للَّه عزّوجلّ وحده، لا يجتمع مع النفاق أبداً، فيستفاد منه: أنّ المخلص في أعماله لا يكون منافقاً أبداً؛ لأنّ المنافق يخادع المؤمنين بإظهار الإيمان وإبطان الكفر.

الثاني: أنّ من علامات المنافق، أنه إذا قام إلى الصلاة بحضرة المؤمنين

ص: 543


1- في المصدر: أتخاف عليّ.
2- معاني الأخبار: 142 ، ح 1.

قام متثاقلاً عنها، كأنّه مكره عليها، ولا يذكر اللَّه إلّا قليلاً؛ لأنّه لا يفعل ذلك إلّا بحضور من يراه، وهو أقلّ أحواله؛ قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّه وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّه إلّا قَلِيلاً}(1).

وأمّا المؤمن، فلا تتوفّر فيه مثل هذه الصفات؛ ولذا أجاب الإمام (علیه السلام) السائل: بأنّه ليس بمنافق؛ لأنّه يصلّي في غير محضر الناس، وصلاته يقصد بها اللَّه سبحانه وتعالى ويضيفها إليه، وهاتان الصفتان ليستا من صفات المنافق.

سند الحديث:

فيه يعقوب بن يزيد: قال عنه النجاشي: «يعقوب بن يزيد بن حمّاد، الأنباري، السلميّ، أبو يوسف، من كتّاب المنتصر، روى عن أبي جعفر الثاني (علیه السلام) ، وانتقل إلى بغداد، وكان ثقة صدوقاً»(2).

وقال الشيخ في «الفهرست»: «يعقوب بن يزيد الكاتب، الأنباري، كثير الرواية، ثقة، له كتب، منها كتاب النوادر»(3)، وعدّه ابن شهرآشوب من ثقات أبي الحسن عليّ بن محمد (علیهما السلام) (4)

ص: 544


1- النساء، الآية 142.
2- رجال النجاشي: 450/1215.
3- فهرست الطوسي: 264/807 .
4- معجم رجال الحديث 21 : 157/13778.

[129] 7 - أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرْقِيُّ فِي «الْمَحَاسِنِ»، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) فِي قَوْلِ اللَّهِ: {حَنِيفاً مُسْلِماً}(1)، قَالَ: «خَالِصاً مُخْلِصاً لا يَشُوبُهُ شَيْ ءٌ»(2).

-----------------------------------------------------------------------------

وورد في «النوادر» و«التفسير»(3) .

وتقدّم الكلام عن بقيّة رجال السند. وعليه فلا إشكال في اعتبار السند.

[7] - فقه الحديث:

تقدّم الكلام في دلالة الحديث الأول على لزوم الإخلاص ، إلّا أنّ الإمام (علیه السلام) قال هناك: «ليس فيه شي ء من عبادة الأوثان»، وهنا قال: «لا يشوبه شي ء»، وهو ظاهر في التعميم لما ذكرناه هناك.

ولعلّهما كانا حديثاً واحداً، والاختلاف بينهما جاء من النقل بالمعنى، أو من جهة الرواة.

سند الحديث:

سند الحديث معتبر، وقد سبق الكلام حول أفراده فيما مرّ.

ص: 545


1- آل عمران، الآية 67.
2- المحاسن 1 : 391 ، ح 873 .
3- أصول علم الرجال 1 : 244 ، 289 .

[130] 8 - وَعَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) ، يَقُولُ: «إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَحِيمٌ، يَشْكُرُ الْقَلِيلَ. إِنَّ الْعَبْدَ لَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، يُرِيدُ بِهِمَا وَجْهَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَيُدْخِلُهُ اللَّهُ بِهِمَا الْجَنَّةَ»، الْحَدِيثَ(1).

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ وَالصَّدُوقُ وَالشَّيْخُ، كَمَا يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

[8] - فقه الحديث:

هذا المقدار قطعة من الحديث، وسيذكر المصنف الحديث كاملاً في الباب الثامن والعشرين، وكان الأولى ذكره بتمامه هنا؛ لعدم اختصاص الدلالة على الإخلاص بالصلاة، وتمام الحديث هكذا: «إيّاكم والكسل؛ إنّ ربّكم رحيم، يشكر القليل. إنّ الرجل ليصلي الركعتين تطوّعاً، يريد بهما وجه اللَّه، فيدخله اللَّه بهما الجنة. وإنّه ليتصدّق بالدرهم تطوّعاً، يريد به وجه اللَّه، فيدخله اللَّه به الجنة. وإنّه ليصوم اليوم تطوّعاً، يريد به وجه اللَّه، فيدخله اللَّه به الجنة»(3).

ص: 546


1- المحاسن 1 : 393 ، ح 880 .
2- يأتي في الحديث 4 من الباب 28 من أبواب مقدمة العبادات عن الصدوق والشيخ، وفي الحديث 4 من الباب 12 من أبواب أعداد الفرائض عن الشيخ، وفي الحديث 11 من الباب 1 من أبواب الصوم المندوب نحوه عن الكليني.
3- وسائل الشيعة 1 : 115 ب 28 من أبواب مقدمة العبادات، ح4.

والحديث دالٌّ على أنّ اللَّه سبحانه رحيم بعباده، ويجازي بالكثير على العمل القليل، بشرط أن يكون العمل خالصاً لوجه اللَّه تعالى. ولا يشترط كثرة العمل؛ إذ ليست الكثرة مداراً للقبول، وإنّما المدار على الخلوص في العمل المأتي به.

وفي الحديث دلالة أيضاً على التحذير من الكسل واستقلال العبادة؛ فإنّ هذين الأمرين يدعوان إلى ترك العبادة رأساً؛ فلذا ورد التحذير منه هنا. وسيأتي ما ينفع المقام في الباب المشار إليه.

بحث رجالي في إسماعیل بن یسار الهاشمي

سند الحديث:

قد ذكر المصنف سنداً واحداً للحديث صراحة، وأشار إلى وجود ثلاثة أسانيد أخرى:

أّمّا السند الصريح فهو - كما ذكر - ما عن البرقي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن إسماعيل بن يسار.

وفيه من لم يتقدم سابقاً، أي: إسماعيل بن يسار: وهو مشترك بين الواسطي والهاشمي.

أمّا الهاشمي: فقد قال عنه النجاشي: «إسماعيل بن يسار، الهاشمي، مولى إسماعيل بن عليّ بن عبد اللَّه بن العباس، ذكره أصحابنا بالضعف، له كتاب»(1)

ص: 547


1- رجال النجاشي: 29/58.

[131] 9 - وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ عليّ بْنِ سَالِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) يَقُولُ: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا خَيْرُ شَرِيكٍ، مَنْ أَشْرَكَ مَعِي غَيْرِي فِي عَمَلِهِ لَمْ أَقْبَلْهُ إِلَّا مَا كَانَ لِي خَالِصاً»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وهنا قد صرّح النجاشي بأنّ له كتاباً.

وأمّا الواسطي، فلم يذكر أنّ له كتاباً، فلا ينصرف إليه عند الإطلاق.

وقد ورد في «النوادر» بعنوان الهاشمي، كما ورد على نحو الإطلاق، وروى عنه المشايخ الثقات أيضاً(2)

ويمكن أن يجمع بين هذا التوثيق وبين تضعيف النجاشي له: بأن الضعف من جهة المذهب، أو من جهة شي ء آخر غير الضعف في الحديث. وعليه فهذا السند معتبر.

وأمّا الأسانيد الثلاثة التي أشار إليها المصنف، فستأتي في الباب المذكور.

[9] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على عدم قبول العمل المأتي به غير خالص لوجه اللَّه تعالى، فهو تعالى أطلق على نفسه لفظ الشريك، على زعم هذا العابد الذي جعل له مقداراً من عمله، ولغيره تعالى المقدار الآخر، وبيّن تعالى أنه خير

ص: 548


1- المحاسن 1 : 392، ح 874، ورواه الكليني (قدس سره) في الكافي 2 : 295 ، باب الرّياء، ح 9.
2- أصول علم الرجال 1 : 214 و 2 : 182 .

الشريكين، فهو لا يفعل كسائر الشركاء من القسمة والمساهمة، بل يترك ما كان معه أحد غيره، ويقبل ما كان خالصاً من الرياء والعجب، ونحوهما.

ويمكن أن يستدل به - كما عن بعضٍ(1)

- على بطلان العمل العبادي المأتي به مشتركاً بين قصد وجه اللَّه وقصد غيره، مشاعاً أو مبعّضاً.

سند الحديث:

فيه من لم يسبق ذكره، وهو عليّ بن سالم: وهو مهمل لم يذكر بشي ء. وقد احتمل بعضهم(2):

أنّه عليّ بن أبي حمزة البطائني؛ لأنّ اسم أبيه سالم، ولكنه احتمال بعيد؛ فإنّه لم يعهد هذا الإطلاق في حقّه حتّى ينصرف إليه.

إلّا أنه قد روى عنه يونس بن عبد الرحمن الذي حكمه حكم المشايخ الثقات(3) ، فيكون ثقة على هذا.

فالسند معتبر، وكذا سند «الكافي» الذي أشار إليه المصنّف في آخر الباب؛ فإنه عين هذا السند.

ص: 549


1- كتاب الصلاة للشيخ الأنصاري 1 : 280.
2- المجلسي الأول في روضة المتقين 14 : 399، كما جاء في منتهى المقال 5 : 12 نقلاً عن تعليقة الوحيد البهبهاني:233. وأمّا التفرشي فقد عنون ل- «علي بن سالم» وبعده ل- «علي بن سالم الكوفي» ، وعدّ الأول متحداً مع البطائني. (راجع: نقد الرجال 3 : 263).
3- أصول علم الرجال 2 : 282.

[132] 10 - وَعَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (علیه السلام) - فِي حَدِيثٍ - قَالَ: «إِذَا أَحْسَنَ الْمُؤْمِنُ ضَاعَفَ اللَّهُ عَمَلَهُ لِكُلِّ حَسَنَةٍ سَبْعَمِائَةٍ، فَأَحْسِنُوا أَعْمَالَكُمُ الَّتِي تَعْمَلُونَهَا لِثَوَابِ اللَّهِ - إِلَى أَنْ قَالَ - : وَكُلُّ عَمَلٍ تَعْمَلُهُ للَّهِ فَلْيَكُنْ نَقِيّاً مِنَ الدنَسِ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

[10] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على لزوم تحسين الأعمال العباديّة، التي يكون الباعث عليها طلب الثواب، بل لا بد من تنقية كلّ عمل يقصد به اللَّه عزّوجلّ من الدنس، وهو في الأصل: الوسخ. ويمكن أن يراد به هنا الكناية عمّا يلوّث القلب من الصفات الرديّئة.

وفي الحديث دلالة على أنّ العبادة التي يقصد منها تحصيل الثواب لا بأس بها. نعم، لا بد من نسبتها إلى المولى جلّ وعلا، فيكون قصد الثواب من غايات الامتثال التي لا تتنافى مع الإخلاص، لا أن يقصد الثواب مجرداً عن نسبة وإضافة العمل العبادي إلى المولى، وإلّا بطل العمل، كما لا يخفى؛ لأنّ مجرّد قصد تحصيل الثواب على العمل لا يحقق الإضافة إلى المولى، والعمل العبادي - بدون هذه الإضافة - ليس له هذا الأثر.

سند الحديث:

رجاله قد تقدّموا، ولا إشكال في صحّة السند.

ص: 550


1- المحاسن 1 : 396 ، ح 887.

[133] 11 - وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (علیه السلام) ، قَالَ: «مَا بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ إِلَّا قِلَّةُ الْعَقْلِ»، قِيلَ: وَكَيْفَ ذَلِكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ؟ قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ الْعَمَلَ الَّذِي هُوَ للَّهِ رِضاً فَيُرِيدُ بِهِ غَيْرَ اللَّهِ، فَلَوْ أَنَّهُ أَخْلَصَ للَّهِ لَجَاءَهُ الَّذِي يُرِيدُ فِي أَسْرَعَ مِنْ ذَلِكَ»(1).

-----------------------------------------------------------------------------

وأمّا سند «الكافي»: فلم نعثر على الحديث في «الكافي» أصلاً.

[11] - فقه الحديث:

دلّ الحديث على أنّ قليل العقل - وهو: من سَخُف رأيه، فلم يميّز الصالح من الطالح - يعمل العمل المرضي للَّه عزّوجلّ إلّا أنّه يريد به غير اللَّه، ويشركه معه، فيفوته قبول العمل، والآثار التي تترتب على العمل؛ فإنّه إذا طلب بالعمل العبادي الرياء والمنزلة عند الناس - مثلاً - فقد أبطل عمله، وأثم على الرياء، ولم يحصل على المنزلة التي طلبها من الناس؛ لسقوط المرائي عن أعينهم.

ولو أنّه أخلص في عمله ونقّاه من الشوائب، لحصل على المنزلة والرفعة التي طلبها؛ فإنّه قد ورد في بعض الأخبار: أنّ اللَّه يتولّى نشر الحسن من الصفات والأفعال إذا أخلص صاحبها(2).

ص: 551


1- المحاسن 1 : 395 ، ح 884 .
2- وسائل الشيعة 1 : 66، ب11 من أبواب مقدمة العبادات، ح146، و71، ب12، ح159.

وَرَوَاهُ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ محمّد بْنِ خَالِدٍ(1)، وَكَذَا الْحَدِيثَانِ اللَّذَانِ قَبْلَهُ.

أَقُولُ: وَيَأْتِي مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ(2).

-----------------------------------------------------------------------------

المستفاد من أحاديث الباب

سند الحديث:

الحديث مرسل، بل معضل؛ إذ كيف يروي البرقي عن الإمام الباقر (علیه السلام) بواسطة واحدة؟! إلّا أن يقال باعتباره من جهة شهادة الكليني (قدس سره) بصحة رواياته.

وكذا سند «الكافي»، إلّا أنّ فيه: «ليس بين الإيمان والكفر إلّا قلّة العقل».

والحاصل: أن في هذا الباب أحد عشر حديثاً، منها تسعة صحاح، واثنان ضعيفان.

والمستفاد من أحاديث الباب أمور، منها:

1 - أنّ بالإخلاص يكون الخلاص.

2 - أنّ بالإخلاص يستحقّ المخلص الجنّة.

ص: 552


1- الكافي 1 : 28، كتاب العقل والجهل، ح 33.
2- يأتي في: أ - البابين 11 و 12 من أبواب مقدمة العبادات. ب - الحديث 31 من الباب 4 من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.

3 - أنّ بالإخلاص يستحقّ المخلص الجنّة، ولو كان عمله قليلاً.

4 - أنّ بالإخلاص والإحسان يضاعف العمل إلى سبعمائة ضعف.

5 - أنّ الإخلاص لا يجامع النفاق.

6 - أنّ الإخلاص بقاءً أشدّ من العمل.

7 - أنّ الإخلاص هو المراد بقوله تعالى: {حَنِيْفاً مُسْلِماً}(1)،

وبقوله تعالى: {إلّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيم}(2).

8 - أنّ عدم الإخلاص مساوق لعبادة الأوثان.

9 - أنّ عدم الإخلاص مساوق للشرك.

10 - أنّ عدم الإخلاص مساوق للنفاق.

11 - أنّ عدم الإخلاص موجب لعدم قبول العمل.

12 - أنّ عدم الإخلاص سببه قلّة العقل، وسخف الرأي، وطلب ما يفنى بتضييع ما يبقى.

ص: 553


1- آل عمران: 67.
2- الشعراء الآية 89 .

ص: 554

فهارس الكتاب

اشارة

1- فهرس الأعلام المترجمين في الكتاب.

2- فهرس الكنى والألقاب.

3- فهرس الأسانيد.

4- فهرس المصادر.

5- فهرس مطالب الكتاب.

ص: 555

ص: 556

1- فهرس الأعلام المترجمين في الكتاب

- آ -

آدم بن إسحاق الأشعري (ب1 ح15)............................................. 133

- أ -

أبان بن عثمان (ب1 ح1)................................................................ 58

أبان بن محمّد = السندي بن محمّد (ب3 ح2)................................. 349

إبراهيم بن أبي معاوية (ب4 ح11)................................................. 402

إبراهيم بن إسحاق (مشترك) (ب1 ح32)....................................... 219

إبراهيم بن إسحاق (أبو إسحاق الأحمري النهاوندي) (ب1 ح32)... 219

إبراهيم بن إسحاق الأزدي (ب1 ح32).......................................... 219

إبراهيم بن إسحاق بن أزور (ب1 ح32)......................................... 220

إبراهيم بن إسحاق الحارثي (ب1 ح32)......................................... 220

إبراهيم بن إسحاق الخدري (ب1 ح32)........................................ 220

إبراهيم بن إسحاق المدائني (ب1 ح32)........................................ 220

إبراهيم بن عمر اليماني (ب1 ح30)............................................... 209

إبراهيم بن محمّد الثقفي (ب1 ح8)................................................ 103

إبراهيم بن مهزيار (ب1 ح30)....................................................... 209

ص: 557

إبراهيم بن هاشم (ب1 ح2)............................................................ 67

أحمد بن إبراهيم المراغي (ابو حامد) (ب2 ح22).......................... 334

أحمد بن أبي عبدالله البرقي (ب1 ح2)............................................ 70

أحمد بن إدريس القمي (ابو علي الأشعري) (التمهيد - العدة الأولى للكليني)... 25

أحمد بن إسحاق بن العباس الموسوي (ب5 ح10)......................... 441

أحمد بن الحسن بن علي (بن فضال) (ب4 ح12)........................... 406

أحمد بن الحسن القطان (ب1 ح27).............................................. 200

أحمد بن صبيح الأسدي (ب6 ح15)............................................. 486

أحمد بن عبدالله (ابن ابنه) (التمهيد - العدة الثانية للكليني)................. 27

أحمد بن عبدون (ب5 ح8)............................................................ 431

أحمد بن علي العبدي (ب1 ح23)................................................. 182

أحمد بن محمّد بن أبي نصر (ب1 ح8).......................................... 102

أحمد بن محمّد بن جابر (ب1 ح22)............................................. 167

أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد (ب1 ح32)........................... 218

أحمد بن محمّد بن عقدة (ب1 ح35)............................................ 242

أحمد بن محمّد بن ثابت الخزاعي (ب1 ح22).............................. 168

أحمد بن محمّد بن زيد الخزاعي (ب1 ح22)................................ 169

أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري القمي (ب1 ح3) .................... 75

أحمد بن محمّد (مشترك) (ب1 ح3).............................................. 74

أحمد بن يحيى بن زكريا (القطان) (ب1 ح27).............................. 202

ص: 558

أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي (ب1 ح35)........................... 244

أحمد بن يونس (ب6 ح4)............................................................. 457

إسحاق بن إسماعيل النيسابوري (ب1 ح21).................................. 159

إسحاق بن إبراهيم (ب1 ح23)...................................................... 182

إسحاق بن العباس بن إسحاق الموسوي المهلوس (ب5 ح10)....... 441

إسحاق بن عمار (ب6 ح12)......................................................... 475

إسماعيل بن جابر الجعفي (ب1 ح35)........................................... 245

إسماعيل بن جعفر بن محمّد (علیه السلام) (ب4 ح5)................................... 389

إسماعيل بن عياش (ب1 ح25)...................................................... 195

إسماعيل بن محمّد بن إسحاق بن جعفر بن محمّد (ب5 ح10)....... 441

إسماعيل بن مسلم السكوني (ب3 ح5)........................................... 358

إسماعيل بن مهران (ب1 ح22)...................................................... 167

إسماعيل بن يسار (مشترك) (ب8 ح8)............................................ 547

إسماعيل بن يسار الهاشمي (ب8 ح8)............................................. 547

إسماعيل بن يسار الواسطي (ب8 ح8)............................................ 548

أنس بن مالك (ب1 ح23)............................................................. 185

- ب -

بكر بن صالح (ب2 ح9)................................................................. 283

بكر بن عبدالله بن حبيب (ب1 ح27)............................................. 202

ص: 559

بكر بن محمّد الأزدي (ب7 ح4).................................................... 520

بكير بن أعين الشيباني (ب6 ح8).................................................... 468

- ت -

تميم بن بهلول (ب1 ح 27)........................................................... 202

- ث -

ثابت بن دينار = أبو حمزة الثمالي (ب1 ح10)............................... 116

ثعلبة بن ميمون (ب1 ح3).............................................................. 81

- ج -

جابر (بن عبدالله الأنصاري) (ب1 ح22)......................................... 169

جابر (الجعفي) (ب7 ح5)............................................................... 525

جرّاح المدائني (ب7 ح2).............................................................. 515

جعفر بن بشير (ب1 ح10)............................................................. 117

جعفر بن سليمان (مشترك) (ب1 ح24).......................................... 190

جعفر بن سليمان، من أصحاب الإمام الكاظم (علیه السلام) (ب1 ح24)........ 190

جعفر بن سليمان الضبعي البصري (ب1 ح24)................................ 190

جعفر بن سليمان القمي (ب1 ح24)............................................... 190

جعفر بن محمّد بن عبدالله (الأشعري) (ب7 ح4)........................... 520

جعفر بن محمّد بن قولويه (ب1 ح31)........................................... 214

جميل (مشترك) (ب1 ح36).......................................................... 247

ص: 560

جميل بن درّاج (ب1 ح36)........................................................... 247

جميل بن صالح (ب1 ح36).......................................................... 248

جندب بن جنادة = أبوذر (ب5 ح8)............................................... 436

- ح -

حبيب بن الحسين الكوفي (ب6 ح15)........................................... 486

حريز بن عبدالله (ب1 ح2)............................................................. 68

الحسن بن أبان (ب6 ح2)............................................................... 450

الحسن بن إبراهيم الهاشمي (ب1 ح23)......................................... 182

الحسن بن إسحاق (ب6 ح18)....................................................... 492

الحسن بن الجهم (بن بكير بن أعين) ( ب6 ح14).......................... 484

الحسن بن الحسين الأنصاري (ب6 ح17)...................................... 490

الحسن بن زياد الصيقل (أبوالوليد) (ب6 ح23).............................. 502

الحسن بن علي = الحسن بن محمّد بن إسماعيل بن أشناس (ب5 ح8) 432

الحسن بن علي بن أبي حمزة (ب1 ح35)...................................... 244

الحسن بن علي بن شعبة (ب2 ح15).............................................. 307

الحسن بن علي بن فضال (ب1 ح3)................................................ 80

الحسن بن علي بن النعمان (ب6 ح17)........................................... 490

الحسن بن علي بن يقطين (ب3 ح3)............................................... 351

الحسن بن علي الجوهري (ب1 ح21)............................................ 159

ص: 561

الحسن بن علي الكوفي (ب1 ح1).................................................. 58

الحسن بن علي الوشاء (ب1 ح10)................................................ 115

الحسن بن محبوب (ب1 ح6)......................................................... 96

الحسن بن محمّد بن الحسن الطوسي (ب1 ح31)........................... 212

الحسن بن محمّد بن سماعة (ب1 ح3)........................................... 79

الحسن بن محمّد السكوني (ب4 ح11).......................................... 401

الحسن بن موسى الخشاب (ب1 ح22).......................................... 172

الحسين بن إبراهيم القزويني (ب1 ح34)........................................ 238

الحسين بن أحمد بن إدريس (ب6 ح14)...................................... 484

الحسين بن سعيد الأهوازي (ب1 ح3)............................................ 79

الحسين بن سيف (الكندي) (ب1 ح38)........................................ 253

الحسين بن عبيدالله الغضائري (ب1 ح21)...................................... 159

الحسين بن محمّد الأشعري (ب1 ح10)......................................... 114

الحسين بن ميمون (ب1 ح15)....................................................... 133

الحسين بن يزيد القمي (الصحيح: النخعي) = النوفلي (ب2 ح17)... 314

الحسين بن يزيد النوفلي (ب2 ح17).............................................. 315

الحسين العلوي (ب6 ح25)........................................................... 505

الحصين بن جندب = ابن ظبيان (ب4 ح11)................................... 403

حفص الأحمر (ب1 ح22)............................................................ 174

حماد بن عثمان (ب2 ح7).............................................................. 278

ص: 562

حماد بن عيسى (ب1 ح2).............................................................. 68

حمران (بن أعين الشيباني) (ب1 ح14).......................................... 131

حمزة بن حمران (ب4 ح2)............................................................ 380

حميد بن زياد بن حماد (ب1 ح34)............................................... 234

حميد بن المثنى (العجلي) = أبو المغراء (ب6 ح12)....................... 474

حنظلة بن زكريا (ب5 ح9)............................................................ 438

- خ -

خيثمة بن عبدالرحمن الجعفي (ب6 ح13)..................................... 479

- د -

داود بن الحصين (ب2 ح12)......................................................... 296

داود بن كثير الرقي (ب2 ح2)........................................................ 269

داود بن كورة (التمهيد عند بيان العدة الأولى).................................. 26

- ر -

رجاء بن يحيى العبرتائي (ب5 ح8)................................................ 433

رزيق (بن الزبير الخلقاني) (ب1 ح34)........................................... 237

- ز -

زرارة بن أعين (ب1 ح2)............................................................... 69

زرعة بن محمّد (أبو محمّد الحضرمي) (ب1 ح34)........................ 239

ص: 563

زياد بن المنذر = أبو الجارود (ب3 ح3)......................................... 351

زيد بن علي (ب1 ح22)................................................................ 175

زيد الشحام (ب6 ح15)................................................................. 486

زينب بنت أمير المؤمنين (علیه السلام) (ب1 ح22)...................................... 167

- س -

سعد بن عبدالله (بن خلف القمي) (ب1 ح17)................................ 146

سعدان بن مسلم = عبدالرحمن بن مسلم (ب1 ح39)...................... 256

سفيان بن السمط (ب1 ح13)......................................................... 128

سفيان بن عيينة (ب6 ح5).............................................................. 461

سليمان بن خالد (ب1 ح3)............................................................. 76

سليمان بن داود المنقري (ب6 ح4)................................................ 457

سليمان بن عبدالله الديلمي (ب3 ح4)............................................. 356

سليمان بن مهران الأعمش (ب4 ح11).......................................... 402

سماعة بن مهران (ب6 ح7)............................................................ 466

السندي بن محمّد = أبان بن محمّد (ب3 ح2)................................. 349

سهل بن زياد (ب1 ح6)................................................................. 97

- ش -

شاذان بن الخليل (ب6 ح13)......................................................... 481

شرحبيل بن مسلم (ب1 ح25)....................................................... 195

ص: 564

- ص -

صالح بن السندي (ب1 ح10)........................................................ 117

صالح بن محمّد البغدادي (ب1 ح25)........................................... 194

صعدي بن عجلان = أبو أمامة (ب1 ح25)..................................... 196

صفوان بن يحيى (ب1 ح4)............................................................ 88

- ط -

طلحة بن زيد (ب4 ح1)................................................................. 737

- ظ -

ظالم بن ظالم (عمرو) = أبو الأسود الدؤلي (ب5 ح8)..................... 435

- ع -

عبّاد العامري = محمّد بن جابر بن عياذ العامري (ب1 ح22)........... 170

العباس بن عامر (ب1 ح1).............................................................. 58

العباس بن معروف (ب1 ح39)...................................................... 256

عبد الجليل الباقلاني (ب1 ح22)................................................... 171

عبد الحميد بن أبي العلاء (مشترك) (ب1 ح6)................................ 97

عبد الحميد بن أبي العلاء، الأزدي الخفاف (ب1 ح6).................... 97

عبد الحميد بن أبي العلاء بن عبد الملك الأزدي (ب1 ح6)............. 97

عبد الرحمن بن أبي نجران (ب1 ح24).......................................... 190

ص: 565

عبد الرحمن بن حماد الأنصاري (ب7 ح5).................................... 523

عبد الرحمن بن كثير الهاشمي (ب6 ح22)..................................... 501

عبد الرحمن بن محمّد بن عبيد الله العزرمي (ب1 ح7).................... 99

عبد الرحيم القصير (ب2 ح18)...................................................... 319

عبد الرزاق بن مهران (ب1 ح15).................................................. 133

عبد الرزاق بن همام (ب1 ح23).................................................... 182

عبد العزيز العبدي (ب4 ح2).......................................................... 380

عبد العزيز القندي (ب4 ح2).......................................................... 380

عبد العظيم بن عبد الله الحسني (ب1 ح20).................................... 154

عبدالله بن بكير (ب1 ح32)........................................................... 218

عبدالله بن جعفر الحميري (ب1 ح28)........................................... 205

عبدالله بن سنان (ب2 ح10)........................................................... 286

عبدالله بن الصلت (ب1 ح2)........................................................... 68

عبدالله بن عبدالرحمن الأصم المسمعي (ب5 ح8).......................... 434

عبدالله بن عجلان (ب1 ح11)....................................................... 119

عبدالله بن عمرو بن الأشعث (ب7 ح5)........................................... 523

عبدالله بن القاسم (مشترك) (ب1 ح16).......................................... 139

عبدالله بن القاسم الجعفري (ب1 ح16).......................................... 139

ص: 566

عبدالله بن القاسم الحارثي (ب1 ح16)........................................... 139

عبدالله بن القاسم الحضرمي (ب1 ح16)........................................ 139

عبدالله بن محمّد (مشترك) (ب1 ح22).......................................... 172

عبدالله بن محمد بن علي بن الحسين (ب1 ح22)........................... 172

عبدالله بن محمّد بن علي بن عبدالله بن جعفر (ب1 ح22)............... 172

عبدالله بن محمّد بن عيسى (بنان) (ب2 ح19)................................ 323

عبدالله بن محمّد الرازي (ب6 ح19).............................................. 495

عبد الله بن مسكان (ب1 ح3)......................................................... 75

عبدالله بن المغيرة (ب6 ح10)........................................................ 471

عبدالله بن موسى بن جعفر (علیه السلام) (ب7 ح3)...................................... 517

عبدالله بن موسى الروياني (ب1 ح20)........................................... 154

عبيدالله بن الحسين العلوي(ب6 ح25)........................................... 505

عبيد الله بن موسى العبسي (ب1 ح22)........................................... 174

عبيدالله بن موسى العمري (المعمري) (ب1 ح22).......................... 174

عبيدالله بن الوليد الوصافي (ب3 ح7)............................................. 360

عبيد بن زرارة (ب2 ح6)................................................................ 276

عثمان بن عيسى (ب6 ح7)............................................................. 465

عجلان أبو صالح (ب1 ح9)........................................................... 112

العلاء بن رزين (ب1ح24)............................................................ 191

علي بن إبراهيم (التمهيد عند بيان العدة الأولى)................................ 25

علي بن أبي حمزة (البطائني) (ب1 ح12)....................................... 121

علي بن أحمد بن سيابة (الماوردي) (ب6 ح22)............................ 501

ص: 567

علي بن أحمد بن موسى الدقاق (ب1 ح20).................................. 152

علي بن أسباط (ب2 ح21)............................................................ 330

علي بن جعفر (ب4 ح6)................................................................ 394

علي بن حاتم (ب1 ح22).............................................................. 170

علي بن حديد (ب6 ح6)............................................................... 463

علي بن الحسن بن رباط (ب1 ح3)................................................. 79

علي بن الحسين بن موسى بن بابويه (ب1 ح17)............................ 145

علي بن الحسين السعد آبادي (التمهيد عند بيان العدة الثانية)............. 26

علي بن الحسين المرتضى (ب1 ح35)........................................... 241

علي بن حفص العوسي (ب7 ح3).................................................. 517

علي بن الحكم (قيل باشتراكه) (ب1 ح13).................................... 125

علي بن الحكم الأنباري (ب1 ح13).............................................. 126

علي بن الحكم بن الزبير (ب1 ح13)............................................. 126

علي بن الحكم الكوفي (ب1 ح13)............................................... 126

علي بن حمزة (ب5 ح9)................................................................ 438

علي بن رئاب (ب1 ح14)............................................................. 131

علي بن السائح (ب7 ح3)............................................................... 517

علي بن سالم (ب8 ح9)................................................................. 549

علي بن عبدالعزيز (ب1 ح3).......................................................... 81

علي بن عبدالله الورّاق (ب1 ح20)................................................. 152

ص: 568

علي بن عقبة (ب1 ح34)............................................................... 232

علي بن الفضل (الواسطي) (ب4 ح7)............................................. 395

علي بن محمّد بن إبراهيم بن أبان (علّان) (ب1 ح15)................... 133

علي بن محمّد بن بندار (التمهيد عند بيان العدة الثانية)...................... 26

علي بن محمّد بن عبدالله بن عمران الجنابي (ب1 ح15)................. 132

علي بن محمّد بن عبدالله الحنّاط (ب6 ح9).................................... 470

علي بن محمّد بن قتيبة (ب2 ح22)................................................ 334

علي بن محمّد (علّان) (التمهيد عند بيان العدة الثالثة)....................... 27

علي بن محمّد العلوي (ب1 ح21)................................................. 159

علي بن محمّد القاساني (ب6 ح4).................................................. 457

علي بن محمّد (من مشايخ الكليني، مشترك) (ب1 ح15)............... 132

علي بن معبد (ب1 ح16)............................................................... 139

علي مهزيار (ب1 ح30)................................................................ 210

علي بن موسى الكمنداني (الكمنداني) (التمهيد عند بيان العدة الأولى). 26

علي بن النعمان (ب1 ح3).............................................................. 75

عمار بن موسى (الساباطي) (ب4 ح12).......................................... 407

عمر بن أذينة = ابن أذينة (ب6 ح22)............................................ 501

عمر بن حنظلة (ب2 ح12)............................................................ 296

عمر بن يزيد (مشترك) (ب2 ح19)................................................ 325

عمر بن يزيد بياع السابري (ب2 ح19)........................................... 325

ص: 569

عمران بن موسى (الزيتوني) (ب6 ح17)........................................ 489

عمرو بن حريث (ب1 ح4)............................................................ 89

عمرو بن سعيد (الساباطي) (ب4 ح12).......................................... 407

عمرو بن شمر (ب7 ح5)................................................................ 524

عمرو بن عثمان الحمصي (ب1 ح25)............................................ 194

عيسى بن عبدالله القمي (ب6 ح13)............................................... 479

- ف -

فضالة بن أيوب (ب6 ح18).......................................................... 492

الفضل بن محمّد بن المسيّب (ب1 ح33)....................................... 224

الفضيل (مشترك) (ب1 ح10)........................................................ 115

الفضيل الأزدي (ب1 ح10)........................................................... 116

الفضيل بن يسار (ب1 ح1)............................................................. 59

الفضيل الضبي (ب1 ح10)............................................................ 116

- ق -

القاسم بن إسماعيل (ب1 ح34)..................................................... 235

القاسم بن بريد (ب2 ح9)............................................................... 284

القاسم بن الحسن بن علي بن يقطين (ب1 ح24)............................ 189

القاسم بن سليمان (ب7 ح2).......................................................... 514

القاسم بن العلاء (ب2 ح22).......................................................... 335

ص: 570

القاسم بن محمّد (مشترك) (ب6 ح4)............................................. 456

القاسم بن محمّد الأصفهاني (كاسولا) (ب6 ح4)............................ 456

القاسم بن محمّد الجوهري (ب6 ح4)............................................ 456

قتادة (مشترك) (ب1 ح23)............................................................ 184

قتادة بن دعامة (ب1 ح23)............................................................ 184

- ل -

ليث بن البختري المرادي (أبو بصير) (ب2 ح20)........................... 327

- م -

مالك بن عطية الأحمسي (ب5 ح1)................................................ 420

مثنى بن راشد (ب1 ح11)............................................................. 118

مثنى بن عبدالسلام (ب1 ح11)...................................................... 119

مثنى بن الوليد (ب1 ح11)............................................................ 119

مثنى الحنّاط (مشترك) (ب1 ح11)................................................ 118

محمّد بن إبراهيم بن جعفر (الكاتب ، النعماني) (ب1 ح35)........... 242

محمّد بن إبراهيم المصري (ب1 ح22).......................................... 174

محمّد بن أبي عبدالله (محمّد بن جعفر الأسدي) (التمهيد عند بيان العدة الثالثة). 27

محمّد بن أبي عمير (مشترك) (ب1 ح17)...................................... 146

محمّد بن أبي عمير (من أصحاب الكاظم والرضا والجواد (علیهم السلام) ) (ب1 ح17). 146

محمّد بن أبي عمير، بيّاع السابري، البزاز، من أصحاب الإمام الصادق (علیه السلام)

ص: 571

(ب1 ح17).............. 147

محمد بن أبي القاسم (عماد الدين الطبري) (ب1 ح31).................. 215

محمّد بن أحمد بن زكريا (ب1 ح34)........................................... 238

محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري القمي (ب1 ح26)................... 198

محمّد بن إدريس (الحلّي) (ب4 ح2)............................................. 382

محمّد بن إسحاق بن الحسين بن عمرو (ب6 ح2)........................... 450

محمّد بن أسلم (مشترك) (ب1 ح22)............................................ 171

محمّد بن أسلم بن العلاء الهمداني (ب1 ح22).............................. 171

محمّد بن أسلم الجبلي (ب1 ح22)................................................ 171

محمّد بن أسلم الطوسي (ب1 ح22).............................................. 171

محمّد بن إسماعيل (مشترك) (ب2 ح13)...................................... 299

محمّد بن إسماعيل البرمكي ( ب2 ح13)....................................... 299

محمّد بن إسماعيل الجعفري (ب2 ح13)....................................... 299

محمّد بن إسماعيل بن بزيع (ب2 ح13)......................................... 299

محمّد بن إسماعيل بن ميمون (ب2 ح13)...................................... 299

محمّد بن إسماعيل خثيم (ب2 ح13)............................................. 299

محمّد بن إسماعيل النيسابوري (ب2 ح13).................................... 299

محمّد بن جابر (ب1 ح22)............................................................ 169

محمّد بن جعفر الأسدي (ب2 ح17)............................................. 313

محمّد بن جعفر البندار (ب1 ح25)................................................ 194

ص: 572

محمّد بن جعفر بن محمّد (ديباجة) (ب1 ح33)............................. 225

محمّد بن جمهور الحمادي (ب1 ح25)......................................... 194

محمّد بن حسّان (ب1 ح3)............................................................. 84

محمّد بن الحسن البرناني (التمهيد عند بيان العدة الثالثة)................... 28

محمّد بن الحسن بن شمّون (ب5 ح8)............................................ 434

محمّد بن الحسن بن علي (أبو المثنى) (التمهيد عند بيان العدة الثالثة).. 28

محمّد بن الحسن بن المغيرة (التمهيد عند بيان العدة الثالثة)............... 29

محمّد بن الحسن بن الوليد (ب1 ح24).......................................... 188

محمّد بن الحسن الصفار (التمهيد عند بيان العدة الثالثة).................... 30

محمّد بن الحسن الطائي الرازي (التمهيد عند بيان العدة الثالثة).......... 29

محمّد بن الحسن الطاطري (التمهيد عند بيان العدة الثالثة)................. 30

محمّد بن الحسن الطوسي (ب1 ح3).............................................. 71

محمّد بن الحسن القمي (التمهيد عند بيان العدة الثالثة)...................... 29

محمّد بن الحسن المحاربي (التمهيد عند بيان العدة الثالثة)................ 28

محمّد بن الحسن الميثمي (التمهيد عند بيان العدة الثالثة)................... 30

محمّد بن الحسين (المعروف بابن الصقّال) (ب5 ح8)..................... 432

محمّد بن الحسين (بن أبي الخطاب) (ب2 ح12)........................... 295

محمّد بن خازم الضرير (ب1 ح27)............................................... 202

محمّد بن خالد البرقي (ب1 ح3).................................................... 77

محمّد بن خالد الطيالسي (ب1 ح34)............................................. 236

ص: 573

محمّد بن زياد (الألهاني) الحمْصي (ب1 ح25).............................. 196

محمّد بن سالم (مشترك) (ب1 ح15)............................................. 134

محمّد بن سالم بن أبي سلمة الكندي (ب1 ح15)........................... 134

محمّد بن سالم بن شريح الأشجعي (ب1 ح15)............................. 134

محمّد بن سالم بن عبد الحميد (ب1 ح15).................................... 135

محمّد بن سليمان الديلمي (ب3 ح4).............................................. 355

محمّد بن سنان (ب1 ح26)........................................................... 199

محمّد بن عبد الجبّار = ابن أبي الصهبان (ب1 ح4)......................... 89

محمّد بن عبدالله بن محمّد الشيباني (ب1 ح33)............................. 223

محمّد بن عبدالله (ابن هلال) (ب2 ح19)....................................... 323

محمّد بن عبدالله الشيباني (أبو المفضّل) (ب5 ح8)......................... 433

محمّد بن عبدالله الحضرمي (ب4 ح11)......................................... 402

محمّد بن عبيدالله العرزمي (ب1 ح7)............................................. 100

محمّد بن علي (مشترك) (ب3 ح8)................................................ 362

محمد بن علي بن إبراهيم القرشي (ب3 ح8).................................. 362

محمّد بن علي بن الحسين (ب3 ح8).............................................. 362

محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (الصدوق) (ب1 ح17).. 145

محمّد بن علي بن حمزة (ب5 ح9)................................................. 438

محمّد بن علي بن محبوب (ب4 ح12).......................................... 406

محمّد بن علي الصيرفي (ب3 ح8)................................................. 362

ص: 574

محمّد بن علي القمي (ب3 ح8)..................................................... 362

محمّد بن علي الكوفي (ب3 ح8)................................................... 362

محمّد بن علي الهمداني (ب3 ح8)................................................. 362

محمّد بن عمارة (مشترك) (ب1 ح22)........................................... 173

محمّد بن عمارة بن الأشعث (ب1 ح22)........................................ 173

محمّد بن عمارة بن ذكوان الكلابي الجعفري (ب1 ح22).............. 173

محمّد بن عمارة الذهلي (ب1 ح22).............................................. 173

محمّد بن عمر بن عبد العزيز الكشي (ب1 ح21)........................... 160

محمّد بن عمرو الزبيدي (ب2 ح9)................................................. 284

محمّد بن عيسى (مشترك) (ب1 ح9).............................................. 108

محمّد بن عيسى الأشعري (ب1 ح9).............................................. 108

محمّد بن عيسى الطلحي (ب1 ح9)................................................ 109

محمّد بن عيسى اليقطيني (ب1 ح9)............................................... 109

محمد بن الفضيل (ب2 ح13)........................................................ 300

محمّد بن قولويه (ب1 ح31)......................................................... 214

محمّد بن محمّد بن النعمان (المفيد) (ب1 ح31)........................... 213

محمّد بن مروان (مشترك) (ب1 ح8).............................................. 104

محمّد بن مروان الأنباري (ب1 ح8)............................................... 104

محمّد بن مروان البصري (ب1 ح8)................................................ 104

محمّد بن مروان الحنّاط (ب1 ح8)................................................. 104

ص: 575

محمّد بن مروان الذهلي (ب1 ح8)................................................. 105

محمّد بن مسلم (ب2 ح1).............................................................. 266

محمّد بن موسى بن المتوكل (ب1 ح22)...................................... 166

محمّد بن هارون (مشترك) (ب1 ح20).......................................... 152

محمّد بن هارون (الذي يروي عنه صاحب نوادر الحكمة) (ب1 ح20) 153

محمّد بن هارون أبو عيسى الورّاق (ب1 ح20).............................. 153

محمّد بن هارون بن عمران الهمداني (ب1 ح20)........................... 153

محمّد بن هارون بن موسى التلعكبري (ب1 ح20)......................... 153

محمّد بن هارون الجلّاب (ب1 ح20)............................................ 153

محمّد بن هارون الزنجاني (ب1 ح20)........................................... 153

محمد بن هارون الصوفي (ب1 ح20)............................................ 154

محمّد بن همام (ب1 ح34)........................................................... 235

محمّد بن وهبان (ب1 ح34).......................................................... 238

محمّد بن يحيى (مشترك) (ب4 ح1).............................................. 377

محمّد بن يحيى الخثعمي (ب4 ح1)............................................... 377

محمّد بن يحيى الخزاز (ب4 ح1).................................................. 377

محمّد بن يحيى العطار (التمهيد عند بيان العدة الأولى)..................... 25

محمّد بن يعقوب الكليني (ب1 ح1).............................................. 57

مسعدة بن صدقة (مشترك) (ب2 ح11).......................................... 290

مصدق بن صدقة (ب4 ح12)........................................................ 407

ص: 576

معاذ بن مسلم = معاذ بن كثير (ب1 ح38)...................................... 253

معلى بن محمّد الزيادي (ب1 ح10).............................................. 114

معمر بن راشد (ب1 ح23)............................................................. 184

معمر بن قتادة (ب1 ح23)............................................................. 184

المفضل بن عمر (ب1 ح26)......................................................... 199

موسى بن عمران النخعي (ب2 ح17)............................................. 314

- ن -

النضر بن سويد (ب1 ح17)........................................................... 149

- ه- -

هارون بن عمرو، أبو موسى المجاشعي (ب1 ح33)........................ 224

هارون بن مسلم (ب2 ح11).......................................................... 289

هارون بن موسى التلعكبري (ب1 ح34)........................................ 235

هشام بن سالم (ب1 ح6)................................................................ 96

الهيثم بن عبدالله (أبو كهمس) (ب1 ح34)..................................... 223

- و -

وهب بن عبدالله الهمداني (ب5 ح8).............................................. 435

وهب بن وهب = أبو البختري (ب4 ح8)........................................ 397

ص: 577

- ي -

يحيى بن القاسم (أبو بصير) (ب1 ح12)......................................... 123

يحيى الحلبي (ب1 ح17).............................................................. 149

يزيد الكناسي (ب4 ح3)................................................................ 385

يعقوب (بن سالم الأحمر) (ب2 ح21)........................................... 331

يعقوب بن يزيد (ب8 ح6)............................................................. 544

يونس (مشترك) (ب2 ح19).......................................................... 324

يونس بن عبدالرحمن (ب1 ح9).................................................... 111

يونس بن عمار (ب6 ح12)........................................................... 476

يونس بن ظبيان (ب1 ح16).......................................................... 140

يونس بن يعقوب (ب2 ح19)........................................................ 324

ص: 578

2- فهرس الكنى والألقاب

أبو إسماعيل = إبراهيم بن إسحاق الأزدي (ب5 ح2).......................................... 423

أبو الأسود الدؤلي = ظالم بن ظالم أو ظالم بن عمرو (ب5 ح8).............................. 435

أبو أمامة (مشترك) (ب1 ح25).................................................................. 196

أبو أمامة الباهلي (صعدي بن عجلان) (ب1 ح25)............................................. 196

أبو أمامة الخزرجي (ب1 ح25).................................................................. 196

أبو أيوب = إبراهيم بن عيسى (الخزاز) (ب2 ح1)............................................. 265

أبو البختري = وهب بن وهب (ب4 ح8)........................................................ 397

أبو بصير (مشترك) (ب1 ح12)................................................................. 123

أبو تراب (ب1 ح20).............................................................................. 154

أبو الجارود = زياد بن المنذر (ب3 ح3)........................................................ 351

أبو حرب (ب5 ح8)............................................................................... 435

أبو الحسن الصقّال = محمّد بن الحسين (المعروف بابن الصقّال) (ب5 ح8)............................ 432

أبو حمزة (الثمالي) = ثابت بن دينار (ب1 ح10)............................................... 116

أبو ذر = جندب بن جنادة (ب5 ح8)............................................................. 436

أبو الصباح الكناني (إبراهيم بن نعيم العبدي) (ب2 ح13)..................................... 301

أبو طالب الأنباري (ب1 ح3)..................................................................... 78

أبو طالب بن غرور (ب5 ح8).................................................................... 432

ص: 579

أبو عثمان العبدي (ب5 ح2)...................................................................... 423

أبو عروة السلمي (ب5 ح5)....................................................................... 427

أبو علي الأشعري (أحمد بن إدريس القمي) (التمهيد عند بيان العدة الأولى). 58

أبو عمرو الزبيري (محمّد بن عمرو الزبيري) (ب2 ح9)..................................... 284

أبو كهمس = الهيثم بن عبدالله (ب1 ح34)...................................................... 233

أبو معاوية = محمّد بن خازم الضرير (ب1 ح27)............................................. 202

أبو المغراء = (حميد بن المثنى) (ب6 ح12)................................................... 474

أبو المفضل الشيباني = محمّد بن عبدالله الشيباني (ب1 ح33)................................ 223

أبو هاشم (ب6 ح4)................................................................................ 457

أبو الوليد = الحسن بن زياد الصيقل (ب6 ح23)............................................... 502

الأعمش = سليمان بن مهران (ب4 ح11)....................................................... 402

الخشّاب = الحسن بن موسى الخشّاب (ب1 ح22).............................................. 172

الشيخ = محمد بن الحسن بن علي الطوسي (ب1 ح3)......................................... 71

ابن أذينة = عمر بن أذينة (ب6 ح22)........................................................... 501

ابن ظبيان = الحصين بن جندب (ب4 ح11).................................................... 403

ابن عقدة = احمد بن محمّد بن سعيد (ب1 ح35)............................................... 242

ص: 580

3- فهرس الأسانيد

أسناد الشيخ الصدوق

سنده إلى إسماعيل بن مهران (ب1 ح22)...................................... 168

سنده إلى الحسن بن علي بن فضّال (ب6 ح14)............................. 483

سنده إلى حمّاد بن عمرو وأنس بن محمد (ب4 ح9)...................... 399

سنده إلى سليمان بن خالد (ب1 ح17)........................................... 144

سنده إلى علي بن عبدالعزيز (ب1 ح3)........................................... 83

أسناد الشيخ الطوسي

سنده إلى أبي ذر(رضی الله عنه) (ب5 ح8)................................................... 430

سنده إلى الحسن بن محمد بن سماعة (ب1 ح3)............................ 77

سنده إلى الحسين بن سعيد (ب6 ح10)......................................... 471

سنده إلى زريق (ب1 ح34)........................................................... 233

سنده إلى علي بن عقبة (ب1 ح34)............................................... 232

سنده إلى محمّد بن علي بن محبوب (ب4 ح12)........................... 405

سنده إلى محمّد بن يعقوب الكليني (ب1 ح3)............................... 82

ص: 581

أسناد ابن إدريس (قدس سره)

سنده إلى كتاب الحسن بن محبوب (ب4 ح2)............................... 382

* * *

سند علي بن الحسين المرتضى إلى النعماني ومنه إلى أميرالمؤمنين (علیه السلام) (ب1 ح35)... 241

ص: 582

4- فهرس المصادر

1- القرآن الكريم.

2- إثنا عشر رسالة، المحقق الداماد، طبعة حجرية.

3- الاحتجاج، أحمد بن علي الطبرسي، الطبعة الأولى 1403 ه- ، نشر المرتضى، مشهد - ايران.

4- الاختصاص، الشيخ المفيد ابي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي، تحقيق علي أكبر الغفاري، السيد محمود الزرندي، الناشر: دار

المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان، الطبعة الثانية.

5- اختيار معرفة الرجال، الشيخ الطوسي، تصحيح وتعليق: مير داماد الأسترابادي، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، 1404، مؤسسة آل البيت عليهم السلام

لإحياء التراث.

6- الأذكار النووية، يحيى بن شرف النووي، طبعة جديدة منقحة ومصححة، 1414، 1994م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

7- الإرشاد، الشيخ المفيد، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الثانية، 1414، 1993م، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

ص: 583

8- الاستبصار، الشيخ الطوسي، تحقيق وتعليق: السيد حسن الموسوي الخرسان، الطبعة الرابعة، 1363 ش، دار الكتب الإسلامية، طهران.

9- أصول علم الرجال بين النظرية والتطبيق، تقرير بحث آية الله الشيخ مسلم الداوري، تقرير الشيخ محمّد علي المعلم، الطبعة الرابعة، 1434 ه- ، تصحيح

الشيخ حسن العبودي، مؤسسة الإمام الرضا عليه السلام للبحث والتحقيق العلمي.

10- الأعلام، خير الدين الزركلي، الطبعة الخامسة، أيار، مايو 1980، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان.

11- إقبال الأعمال، السيد ابن طاووس، تحقيق جواد القيومي الاصفهاني، الطبعة الاُولى، رجب 1414، مكتب الإعلام الإسلامي.

12- إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال، علاء الدين مغلطاي، تحقيق أبي عبد الرحمن أبي محمد عادل بن محمد أسام إبراهيم، الطبعة الاُولى 1422 ، 2001 م،

الفاروق الحديثة للطباعة والنشر.

13- الأمالي، الشيخ الصدوق، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية، مؤسسة البعثة، قم، الطبعة الاُولى 1417، مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة.

14- الأمالي، الشيخ الطوسي، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية، مؤسسة البعثة، الطبعة الاُولى، 1414 ، دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع، قم.

15- الأمالي، الشيخ المفيد، تحقيق حسين الاُستاد ولي، علي أكبر الغفاري، الطبعة الثانية، 1414، 1993 م، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

ص: 584

16- أمل الآمل، محمد بن الحسن الحر العاملي، تحقيق السيد أحمد الحسيني، دار احياء التراث، الطبعة الاُولى 1431 ه- ، 2010 م .

17- الانتصار في انفرادات الإمامية، السيد المرتضى علم الهدى، موسسة النشر الاسلامي التابعة لجامعة المدرسين بقم المقدسة.

18- الأنساب، السمعاني، تقديم وتعليق: عبدالله عمر البارودي، الطبعة الاُولى، 1408، 1988م، دار الجنان للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

19- بحار الانوار، العلامة المجلسي، الطبعة الثانية المصححة، 1403، 1983م، مؤسسة الوفاء بيروت لبنان.

20- بشارة المصطفى، محمد بن علي الطبري، تحقيق جواد القيوم الإصفهاني، الطبعة الاُولى، 1420، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجامعة المدرسين بقم

المشرفة.

21- بصائر الدرجات، محمد بن الحسن الصفار، تصحيح وتعليق وتقديم: الحاج ميرزا حسن كوچه باغي1404، 1362ش، منشورات

الأعلمي، طهران.

22- بلاغات النساء، ابن طيفور، مكتبة بصيرتي. قم المقدسة.

23- تاريخ آل زرارة، أبو غالب الزراري، 1399.

24- تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي، دراسة وتحقيق: مصطفى عبدالقادر عطا، الطبعة الاُولى، 1417، 1997م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

25- التبيان، الشيخ الطوسي، تحقيق وتصحيح: أحمد حبيب قصير العاملي، الطبعة الاُولى، رمضان المبارك 1409، مكتب الإعلام الإسلامي.

ص: 585

26- تحرير الأحكام، العلامة الحلي، تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري، إشراف: جعفر السبحاني، الطبعة الاُولى، 1420، مؤسسة الإمام الصادق (علیه السلام) .

27- تحرير وسائل الشيعة وتحبير مسائل الشريعة، الشيخ محمّد بن الحسن الحر العاملي، تحقيق: محمّد بن محمّد الحسين القائيني، الطبعة الاُولى، 1422 ه- قم

المقدسة.

28- تحف العقول، ابن شعبة الحراني، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الطبعة الثانية، 1404، 1363 ش، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجامعة المدرسين

بقم المشرفة.

29- تحفة الأحوذي، المباركفوري، الاُولى، 1410، 1990م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

30- تذكرة الحفاظ، الذهبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.

31- تذكرة الخواص، لابن الجوزي يوسف بن قرغلي البغدادي الحنفي، تقديم السيد محمد صادق بحر العلوم، اصدار مكتبة نينوى الحديثة طهران ناصر خسرو، مروى.

32- تذكرة الفقهاء، العلامة الحلي، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، محرم 1414، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، قم.

33- تصحيح اعتقادات الإمامية، الشيخ المفيد، تحقيق حسين درگاهي، الطبعة الثانية، 1414، 1993م، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

ص: 586

34- تفسير الرازي، محمد بن عمر الرازي، الطبعة الثالثة.

35- تفسير العياشي، محمد بن مسعود العياشي، تحقيق الحاج السيد هاشم الرسولي المحلاتي، المكتبة العلمية الإسلامية، طهران.

36- تفسير القمي، علي بن إبراهيم القمي، تصحيح وتعليق وتقديم: السيد طيب الموسوي الجزائري، الطبعة الثالثة، صفر 1404، مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر،

قم، إيران.

37- تفسير مجمع البيان، الشيخ الطبرسي، تحقيق وتعليق: لجنة من العلماء والمحققين الأخصائيين، الطبعة الاُولى، 1415ه- 1995م، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،

بيروت، لبنان.

38- تقريب التهذيب، ابن حجر، دراسة وتحقيق: مصطفى عبدالقادر عطا، الطبعة الثانية، 1415، 1995م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

39- التقية في فقه أهل البيت (علیهم السلام) ، تقرير بحث آية الله الشيخ مسلم الداوري، بقلم الشيخ محمّد علي المعلم، الطبعة الاُولى، 1419 ه- ، قم المقدسة.

40- التنقيح في شرح العروة الوثقى، (موسوعة الإمام الخوئي) تقرير أبحاث آية الله العظمى السيد الخوئي، بقلم الشهيد الشيخ ميرزا علي الغروي، الطبعة الثالثة،

1428 ه- ، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي.

41- تنقيح المقال، للعلامة الشيخ عبد الله المامقاني، الطبعة الحجرية، نشر جهان - ايران.

42- تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، تحقيق وتعليق: السيد حسن الموسوي الخرسان، الطبعة الرابعة، 1365ش ، دار الكتب الإسلامية، طهران.

ص: 587

43- تهذيب التهذيب، ابن حجر، الطبعة الاُولى، 1404، 1984م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

44- تهذيب الكمال، المزي، تحقيق وضبط وتعليق: الدكتور بشار عواد معروف، الطبعة الرابعة 1406، 1985م، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان.

45- التوحيد، الشيخ الصدوق، تصحيح وتعليق: السيد هاشم الحسيني الطهراني، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة.

46- الثقات، ابن حبان، الطبعة الاُولى، 1393، مؤسسة الكتب الثقافية.

47- ثواب الأعمال، الشيخ الصدوق، تقديم: السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان، الطبعة الثانية 1368 ش، منشورات الشريف الرضي، قم.

48- جامع أحاديث الشيعة، السيد البروجردي، دار الأولياء ، بيروت - لبنان.

49- الجامع الصغير، جلال الدين السيوطي، الطبعة الاُولى، 1401، 1981م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت.

50- الجرح والتعديل، الرازي، الطبعة الاُولى، 1371، 1952م، دار إحياء التراث العربي، بيروت.

51- الجواهر السنية، الحر العاملي، 1384، 1964م، مطبعة النعمان، النجف الأشرف.

52- جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن النجفي، تحقيق وتعليق: الشيخ عباس القوچاني، الطبعة الثانية، 1365 ش، دار الكتب الإسلامية، طهران.

ص: 588

53- جواهر المطالب في مناقب الإمام علي (علیه السلام) ، ابن الدمشقي، تحقيق الشيخ محمد باقر المحمودي، الطبعة الاُولى، 1415، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، قم، إيران.

54- الحدائق الناضرة، المحقق البحراني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

55- الخصال، الشيخ الصدوق، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، 18 ذي القعدة الحرام 1403، 1362 ش، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة.

56- خلاصة الأقوال، العلامة الحلي، تحقيق الشيخ جواد القيومي، الطبعة الاُولى، عبد الغدير 1417، مؤسسة نشر الفقاهة.

57- الخلاف، الشيخ الطوسي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

58- الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة، السيد علي خان المدني، تقديم: السيد محمد صادق بحر العلوم، 1397، منشورات مكتبة بصيرتي، قم.

59- الدروس الشرعيّة، الشهيد الأول، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

60- الذريعة، آقا بزرگ الطهراني، الطبعة الثالثة، 1403، 1983م، دار الأضواء، بيروت، لبنان.

61- ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، الشهيد الأول، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، محرم 1419، مؤسسة آل

ص: 589

البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، قم.

62- رجال ابن داود، تقي الدين الحسن بن علي داود الحلي، تحقيق السيد صادق آل بحر العلوم، منشورات الرضي، قم المقدسة.

63- رجال البرقي، أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، مؤسسة النشر في جامعة طهران. 1383ه-.

64- رجال الطوسي، الشيخ الطوسي، تحقيق جواد القيومي الإصفاني، الطبعة الاُولى، رمضان المبارك 1415، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

65- رجال الكشِّي، محمّد بن عمر الكشِّي، مؤسسة النشر في جامعة مشهد، 1348 ش.

66- رجال النجاشي، النجاشي، الطبعة الثامنة، 1427، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجامعة المدرسين بقم المشرفة.

67- رسالة أبي غالب الزراري إلى ابن ابنه في ذكر آل عين، لأبي غالب الزراري، الطبعة الاُولى 1411 ه- ، مركز البحوث والتحقيقات الإسلامية.

68- الرعاية في علم الدراية، الشهيد الثاني، تحقيق عبد الحسين محمد علي بقال، الطبعة الثانية 1408، مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، قم المقدسة.

69- الرواشح السماوية، للمير الداماد، تحقيق نعمة الله الجليلي و غلام محسن قصريه ها، الطبعة الاُولى 1415 ه- ، دار الحديث للطباعة والنشر.

ص: 590

70- روض الجنان، طبعة حجرية، الشهيد الثاني، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، قم المشرفة.

71- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، الشهيد الثاني، تحقيق وتعليق السيد محمد كلانتر، الطبعة الاُولى والثانية، 1386، 1398، منشورات جامعة النجف

الدينية.

72- روضة الطالبين، محيي الدين النووي، تحقيق الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

73- الرياض النضرة في مناقب العشرة، أبو جعفر أحمد (المحب الطبري)، دار الكتب العلمية، بيروت ، لبنان.

74- رياض العلماء، أفندي الأصبهاني، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، 1401، نشر: مكتبة السيد المرعشي النجفي، قم.

75- السرائر والمستطرفات، ابن إدريس الحلي، الطبعة الخامسة، 1428 ه-، موسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة.

76- سنن أبي داود، ابن الأشعث السجستاني، تحقيق وتعليق: سعيد محمد اللحام، الطبعة الاُولى، 1410، 1990م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.

77- سنن الترمذي، الترمذي، تحقيق وتصحيح: عبدالوهاب عبداللطيف، الطبعة الثانية، 1403، 1983م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

ص: 591

78- سنن الدارمي، عبد الله بن عبد الرحمن السمرقندي، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت، لبنان، 1425 - 1426 ه- .

79- السنن الكبرى، البيهقي، دار الفكر.

80- سير أعلام النبلاء، الذهبي، إشراف وتخريج: شعيب الأرنؤوط، تحقيق، حسين الأسد، الطبعة التاسعة، 1413، 1993م، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان.

81- شرائع الإسلام، المحقق الحلي، مع تعليقات: السيد صادق الشيرازي، الطبعة الثانية، 1409، انتشارات استقلال، طهران.

82- شرح اُصول الكافي، مولى محمد صالح المازندراني، مع تعليقات: الميرزا أبو الحسن الشعراني، ضبط وتصحيح: السيد علي عاشور، الاُولى، 1421، 2000م، دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

83- شرح الأخبار، القاضي النعمان المغربي، تحقيق السيد محمد الحسيني الجلالي، الطبعة الثانية، 1414، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

84- الشرح الكبير، عبد الرحمن بن قدامة، طبعة جديدة بالاُوفست، دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

85- شرح مسلم، النووي، 1407، 1987م، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان.

86- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، تحقيق محمد أبو الفضل

ص: 592

إبراهيم، الطبعة الاُولى، 1378، 1959م، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وشركاه.

87- الصحاح، الجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور العطار، الطبعة الرابعة، 1407، 1987م، دار العلم للملايين بيروت لبنان.

88- صحيح ابن خزيمة، ابن خزيمة، تحقيق وتعليق وتخريج وتقديم: الدكتور محمد مصطفى الأعظمي الطبعة الثانية، 1412، 1992م، المكتب الإسلامي.

89- صحيح مسلم، الإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري، تحقيق: صدقي جميل العطار، دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى ، 1421 ه- - 2000م.

90- صفات الشيعة، الشيخ الصدوق، كانون انتشارات عابدي، طهران.

91- الطبقات الكبرى، محمد بن سعد، دار صادر، بيروت.

92- طبقات خليفة، خليفة بن خياط العصفري، تحقيق الدكتور سهيل زكار، 1414، 1993م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

93- طرائف المقال، السيد علي البروجردي، تحقيق السيد مهدي الرجائي، الطبعة الاُولى، 1410، مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي العامة، قم المقدسة.

94- العدالة في فقه أهل البيت (علیهم السلام) ، تقرير بحث آية الله الشيخ مسلم الداوري، تأليف الشيخ محمّد علي المعلم، تحقيق الشيخ حسن العبودي، الطبعة الاُولى 1425 ه- .

ص: 593

95- عدة الأصول، الشيخ الطوسي، تحقيق محمد رضا الأنصاري القمي، الطبعة الاُولى، ذي الحجة 1417، 1376 ش.

96- العروة الوثقى، للسيد محمد كاظم اليزدي ، تحقيق موسسة النشر الإسلامي، الناشر: موسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المقّدسة، الطبعة الاُولى 1420ه- ق.

97- العقد النضيد والدر الفريد، محمد بن الحسن القمي، تحقيق:علي أوسط الناطقي/ المساعد : سيد هاشم شهرستاني ، لطيف فرادي، الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر، الطبعة : الاُولى 1423 - 1381ش.

98- علل الشرائع، الشيخ الصدوق، تقديم: السيد محمد صادق بحر العلوم، 1385، 1966م، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها، النجف الأشرف.

99- عيون أخبار الرضا (علیه السلام) ، الشيخ الصدوق، تصحيح وتعليق وتقديم: الشيخ حسين الأعلمي، 1404، 1894م، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان.

100-الغيبة، الشيخ الطوسي، تحقيق الشيخ عبادالله الطهراني، الشيخ علي أحمد ناصح، الطبعة الأولى، شعبان 1411 ه- ، مؤسسة المعارف الإسلامية، قم المقدسة.

101-فتح الباري، ابن حجر، الطبعة الثانية، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان.

ص: 594

102- فضائل الأشهر الثلاثة، الشيخ الصدوق، تحقيق وإخراج: ميرزا غلام رضا عرفانيان، الطبعة الثانية، 1412، 1992م، دار المحجة البيضاء للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

103- فلاح السائل، السيد ابن طاووس، مكتب التبليغ الاسلامي، قم.

104-فهرست ابن النديم، ابن النديم البغدادي، تحقيق رضا، تجدد

105- فهرست منتجب الدين، المسمى ب-فهرست أسماء علماء الشيعة ومصنّفيهم، منتجب الدين بن بابويه، تحقيق سيد جلال الدين محدث الأرموي، 1366 ش، مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي.

106- الفهرست، الشيخ الطوسي، تحقيق الشيخ جواد القيومي، الطبعة الاُولى، شعبان المعظم 1417، مؤسسة نشر الفقاهة.

107- الفوائد الطوسية، الحر العاملي، تحقيق سيد مهدي لاجوردي ومحمد درودي، الطبعة الاُولى ، المطبعة العلمية - قم ، ايران.

108- قاموس الرجال، الشيخ محمد تقي التستري، الطبعة الاُولى، 1419 ه- د، قم. مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

109- القاموس المحيط، الفيروز آبادي، الطبعة الاُولى 1412 ه- ، دار إحياء التراث العربي.

110-قرب الاسناد، الحميري القمي، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الاُولى، 1413، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، قم، إيران.

ص: 595

111- القواعد والفوائد، الشهيد الأول، تحقيق السيد عبدالهادي الحكيم، منشورات مكتبة المفيد، قم، إيران.

112- الكافي في الفقه، تقي الدين بن نجم أبو صلاح الحلبي، تحقيق رضا الاستادي ، الناشر: مكتبة أمير المؤمنين عليه السلام، اصفهان- ايران الطبعة الاُولى.

113- الكافي، الشيخ الكليني، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الطبعة الخامسة، 1363 ش، دار الكتب الإسلامية، طهران.

114- كامل الزيارات، الشيخ جعفر بن محمّد بن قولويه القمي، تحقيق الشيخ جواد القيومي، لجنة التحقيق، الطبعة الاُولى 1417 ه- .

115- كتاب الزهد، الحسين بن سعيد الكوفي، تحقيق ميرزا غلام رضا عرفانيان 1399.

116- كتاب الصلاة، الشيخ الأنصاري، تحقيق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، الطبعة الاُولى، جمادي الأول 1415، المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري.

117- كتاب الطهارة، الشيخ الأنصاري، تحقيق لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، الطبعة الاُولى، 1415 ، المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى السنوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري.

118- كتاب العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي، تحقيق: د. مهدي المخزومي، د. إبراهيم السامرائي، الطبعة الثانية، 1410 ، مؤسسة دار الهجرة.

ص: 596

119- كتاب الغيبة، محمد بن إبراهيم النعماني، فارس حسون كريم، الطبعة الاُولى، 1422، أنوار الهدى.

120- كشف الخفاء، العجلوني، الطبعة الثالثة، 1408، 1988م، دار الكتب العلمية، بيروت.

121- كشف اللثام، الفاضل الهندي، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الاُولى، 1416، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

122- كفاية الأثر، الخزار القمي، تحقيق السيد عبد اللطيف الحسيني الكوهكمري الخوئي، 1401، انتشارات بيدار.

123- كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، محرم الحرام 1405، 1363 ش، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

124- كنز العمال، المتقي الهندي، ضبط وتفسير: الشيخ بكري حياني، تصحيح وفهرسة: الشيخ صفوة السقا، 1409، 1989م، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان.

125- مباني تكملة المنهاج، (موسوعة الإمام الخوئي) السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي، الطبعة الثالثة، 1428ه- 2007م، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي، قم.

126- المبسوط، الشيخ الطوسي، تصحيح وتعليق: السيد محمد تقي الكشفي 1387، المكتبة المرتضوية لإحياء آثار الجعفرية.

ص: 597

127- مجمع البحرين، الشيخ الطريحي، تحقيق السيد أحمد الحسيني، الطبعة الثانية، 1408، 1367 ش، مكتب نشر الثقافة الإسلامية.

128- مجمع الزوائد، الهيثمي 1408، 1988م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

129- مجمع الفائدة والبرهان، المحقق الأردبيلي، تحقيق الحاج آغا مجتبى العراقي، الشيخ علي پناه الاشتهاردي، الحاج آغا حسين اليزدي الأصفهاني، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة.

130- المجموع، محيي الدين النووي، دار الفكر.

131- المحاسن، أحمد بن محمد بن خالد البرقي، تصحيح وتعليق: السيد جلال الدين الحسيني (المحدث)، 1370، 1330ش، دار الكتب الإسلامية، طهران.

132- مختصر البصائر، الحسن بن سليمان الحلي، تحقيق مشتاق المظفر.

133- مختلف الشيعة، العلامة الحلي، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية، ذي القعدة 1413، مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

134- مدارك الأحكام، السيد محمد العاملي، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، مشهد المقدسة. الطبعة الاُولى، محرم 1410، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، قم المشرفة.

135- مرآة العقول، العلامة المجلسي، الطبعة الثالثة، 1370 دار الكتب الإسلامية.

ص: 598

136- مسالك الأفهام، الشهيد الثاني،تحقيق مؤسسة المعارف الإسلامية، الطبعة الاُولى، 1413، مؤسسة المعارف الإسلامية، قم، إيران.

137- مسائل علي بن جعفر، الطبعة الاُولى 1409 ه- ، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - قم المشرفة.

138- مستدرك وسائل الشيعة، الميرزا النوري، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الاُولى المحققة، 1408، 1987م، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، بيروت، لبنان.

139- المستدرك، الحاكم النيسابوري، إشراف: يوسف عبدالرحمن المرعشلي.

140- مستدركات علم رجال الحديث، الشيخ علي النمازي الشاهرودي، الطبعة الاُولى، ربيع الآخر 1412 ه- .

141- مستمسك العروة الوثقى، السيد محسن الحكيم، الطبعة الرابعة 1404، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، قم، إيران.

142- مسند أحمد، الإمام احمد بن حنبل، دار صادر، بيروت، لبنان.

143- مسند الحميدي، عبدالله بن الزبير الحميدي، تحقيق وتعليق: حبيب الرحمن الأعظمي، الطبعة الاُولى، 1409، 1988م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

144- مشارق الشموس، المحقق الخوانساري، طبعة حجرية، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث.

145- مصباح الشريعة، المنسوب للإمام الصادق (علیه السلام) ، الطبعة الاُولى، 1400، 1980 م، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت، لبنان.

ص: 599

146- المصنف، عبد الرزاق الصنعاني، عني بتحقيق نصوصه وتخريج أحاديثه والتعليق عليه الشيخ المحدث حبيب الرحمن الأعظمي.

147- معارج الاُصول، المحقق الحلي، إعداد: محمد حسين الرضوي، الطبعة الاُولى، 1403، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) للطباعة والنشر.

148- معالم العلماء، لابن شهر آشوب ، الناشر: المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، الطبعة الاُولى 1380 ه- ق.

149- معاني الأخبار، الشيخ الصدوق، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، 1379، 1338ش مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

150- المعجم الكبير، الطبراني، تحقيق وتخريجات حمدي عبد المجيد السلفي، الطبعة الثانية، مزيدة ومنقحة، دار إحياء التراث العربي.

151- معجم رجال الحديث، السيد الخوئي، الطبعة الخامسة، 1413، 1992م.

152- معرفة الثقات، العجلي، الطبعة الاُولى، 1405، مكتبة الدار، المدينة المنورة.

153- مغني المحتاج، محمد بن أحمد الشربيني، 1377، 1958م، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.

154- المغني، عبدالله بن قدامه، طبعة جديدة بالأوفست، دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.

155- مفتاح الكرامة، السيد محمد جواد العاملي، تحقيق وتعليق: الشيخ

ص: 600

محمد باقر الخالصي، الطبعة الاُولى، 1419، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

156- مقاتل الطالبيين، ابو الفرج الأصفهاني، تقديم وإشراف: كاظم المظفر، الطبعة الثانية، 1385، 1965م، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها، النجف الأشرف.

157- مقباس الهداية في علم الدراية، الشيخ عبد الله المامقاني، تحقيق الشيخ محمّد رضا المامقاني الطبعة الاُولى المحققة، 1411 ه- ، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث.

158- المقنعة ، الشيخ المفيد، الطبعة الخامسة، مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

159- مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، الطبعة السادسة، 1392، 1972م، منشورات الشريف الرضي.

160- من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الطبعة الثانية، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

161- مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب، تصحيح وشرح ومقابلة: لجنة من أساتذة النجف الأشرف، 1376، 1956م، المكتبة الحيدرية، النجف الأشرف.

162- منتهى المطلب، العلامة الحلي، تحقيق قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية، الطبعة الاُولى، 1412، مجمع البحوث الإسلامية، إيران، مشهد.

ص: 601

163- المهذب البارع، ابن فهد الحلي،تحقيق الشيخ مجتبى العراقي، غرة رجب المرجب 1407، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

164- مواهب الجليل، الحطاب الرعيني، ضبطه وخرَّج آياته وأحاديثه: الشيخ زكريا عميرات، الطبعة الاُولى 1416، 1995م، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.

165- ميزان الاعتدال، الذهبي، تحقيق علي محمد البجاوي، الطبعة الاُولى، 1382، 1963م، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان.

166- نقد الرجال، السيد مصطفى التفرشي، الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لأحياء التراث، قم المقدسة، الطبعة الأولى 1418.

167- نهج البلاغة، خطب الإمام علي (علیه السلام) ،شرح: الشيخ محمد عبده، الطبعة الاُولى، 1412، 1370 ش، دار الذخائر، قم، ايران.

168- الهداية في الاُصول، تقرير بحث آية الله السيد ابو القاسم الموسوي الخوئي، بقلم الشيخ حسن الصافي الأصفهاني، مؤسسة صاحب الامر عجل الله تعالى فرجه، الطبعة الأولى، 1417 ه- .

169- الوافي بالوفيات، صلاح الدين الصفدي، الطبعة الاُولى 1425ه- ، 2005م ، دار الفكر، بيروت - لبنان.

170- الوجيزة في الرجال، للعلامة محمد باقر بن محمد تقي المجلسي، تحقيق محمد كاظم رحمان ستايشي، الطبعة الاُولى 1420 ه- ، 1378 ، مؤسسة الطباعة والنشر - وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي،

ص: 602

تهران -ايران.

171- وسائل الشيعة (آل البيت)، الحر العاملي، تحقيق مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، الطبعة الثانية، 1414، مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث بقم المشرفة.

172- الوسيلة، ابن حمزة الطوسي، تحقيق: الشيخ محمد الحسون، إشراف: السيد محمود المرعشي، الطبعة الاُولى 1408، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي.

ص: 603

5- فهرس مطالب الكتاب

مقدمة................................................................................................ 13

تمهيد: فيه اثنا عشر أمراً........................................................................... 21

الأمر الأول: البحث في عِدد الكليني.............................................................. 21

الأمر الثاني: البحث في قول الماتن (قدس سره) : «بإسناده»............................................... 32

الأمر الثالث: منهج الماتن (قدس سره) في نقل الأحاديث................................................... 33

الأمر الرابع: البحث في قول الماتن (قدس سره) : ورواه، مثله، نحوه...................................... 34

الأمر الخامس: في الاشتراك وطرق التمييز..................................................... 35

الأمر السادس: في وجوه اعتبار أحاديث الوسائل................................................ 37

الأمر السابع: البحث في التعارض بين التوثيق والتضعيف..................................... 39

الأمر الثامن: في وجه ذكر أقوال الخاصة والعامة في أوائل الأبواب.......................... 40

الأمر التاسع: الإشارة إلى وجه ترك التعرّض لتفاصيل الفروع الفقهية........................ 40

الأمر العاشر: الإشارة إلى وجه التعرّض لطرقٍ قد لا تكون معتبرة عندنا........................ 41

الأمر الحادي عشر: المنهج في تراجم الرواة..................................................... 41

الأمر الثاني عشر: المنهج في بيان فقه الأحاديث................................................ 41

أبواب مقدمة العبادات.............................................................................. 43

ص: 604

1- باب وجوب العبادات الخمس: الصلاة، والزكاة،

والصوم، والحجّ، والجهاد

(عدد الأحاديث 39) ص45

أهمية الأمور الخمسة........................................................................ 47

الجمع بين ما دلّ على كونها خمسة وبين ما دلّ على كونها عشرة...... 48

المراد من الولاية.............................................................................. 49

السرّ في تأخير الولاية مع أهميتها عن بقية الأمور.............................. 50

المراد من (لم يناد بشيء بمثل ما نودي بالولاية)................................ 50

بيان مرتبة كل واحد من الأمور الخمسة بالنسبة إلى الآخر................. 60

الدليل التعبدي على أفضلية الولاية................................................... 62

الدليل العقلي على أفضلية الولاية..................................................... 64

بحث رجالي في إبراهيم بن هاشم.................................................... 67

طريق الشيخ (قدس سره) إلى الحسن بن محمد بن سماعة............................. 77

بحث رجالي في علي بن عبدالعزيز................................................... 81

طرق الشيخ (قدس سره) إلى محمد بن يعقوب الكليني................................. 82

تنبيهان............................................................................................. 85

الكلام في مراسيل الصدوق (قدس سره) في الفقيه........................................ 91

بحث رجالي في إبراهيم بن محمد الثقفي......................................... 103

ص: 605

الكلام في حدود الإيمان.................................................................. 106

بحث رجالي في علي بن أبي حمزة.................................................. 121

بحث رجالي في علي بن الحكم....................................................... 125

مناقشة المصنّف في بطلان الإجماع.................................................. 138

بحث رجالي في يونس بن ظبيان...................................................... 140

سند الصدوق (قدس سره) إلى سليمان بن خالد............................................. 144

تصحيح طريق الصدوق إلى السيد عبد العظيم الحسني...................... 156

توثيق محمد بن موسى المتوكل....................................................... 166

سند الصدوق (قدس سره) إلى إسماعيل بن مهران........................................ 168

بحث رجالي في أنس بن مالك......................................................... 185

بحث رجالي في أحمد بن الحسن القطّان......................................... 200

المراد بالجماعة في طريق الشيخ (قدس سره) ................................................ 223

رفع التنافي عن الأحاديث المختلفة في بيان كمية الثواب.................. 228

توجيه اختلاف الأحاديث في بيان أفضلية الصلاة على الحج وبالعكس. 231

اسناد الشيخ إلى علي بن عقبة........................................................... 232

اسناد الشيخ إلى زريق بن الزبير......................................................... 233

تصحيح جميع روايات الحسن بن علي بن فضّال............................... 238

سند الشيخ النعماني إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) ........................................ 241

ص: 606

بحث رجالي في الحسن بن علي بن أبي حمزة.................................. 244

المستفاد من أحاديث الباب.............................................................. 258

2- باب ثبوت الكفر والارتداد بجحود بعض الضروريات

وغيرها مما تقوم الحجة فيه بنقل الثقات

(عدد الأحاديث 22) ص261

منشأ الإيمان والكفر......................................................................... 264

الفرق بين ترك الفرائض والسنن........................................................ 268

بحث رجالي في داود الرقي............................................................. 269

أوجه الكفر الخمسة......................................................................... 280

بحث رجالي في بكر بن صالح......................................................... 283

تمييز مسعدة بن صدقة..................................................................... 290

المراد من الحاكم في مقبولة عمر بن حنظلة..................................... 293

بحث رجالي في عمر بن حنظلة........................................................ 296

تعيين المراد بابن بزيع....................................................................... 299

البحث حول كتاب تحف العقول..................................................... 307

بحث رجالي في الحسين بن يزيد النوفلي......................................... 314

توجيه خروج صاحب الكبيرة عن الإيمان......................................... 317

ص: 607

المستفاد من أحاديث الباب.............................................................. 335

3- باب اشتراط العقل في التكليف

(عدد الأحاديث) ص337

كيفية استنطاق العقل........................................................................ 340

المراد من إقبال العقل وإدباره........................................................... 342

المقصود من كون العقل أحب المخلوقات إليه تعالى........................ 344

كيف يعاقب الله أحب الاشياء إليه.................................................... 345

رفع التنافي بين كون العقل أحب الأشياء لله وبين كون أحب الخلق إليه هم محمّد وآله 345

رفع التنافي بين كون العقل أول مخلوق وبين كون محمّد وآله أول المخلوقين 346

بحث رجالي في محمد بن سليمان الديلمي وأبيه.............................. 355

المستفاد من أحاديث الباب.............................................................. 364

4- باب اشتراط التكليف بالوجوب والتحريم بالإحتلام أو الإنبات مطلقاً،

أو بلوغ الذكر خمس عشرة سنة، والأنثى تسع سنين،

واستحباب تمرين الأطفال على العبادة قبل ذلك

(عدد الأحاديث 12) ص367

ص: 608

الأقوال............................................................................................ 368

السرّ في عدم عدّ الحيض والحمل من علائم البلوغ........................... 374

علائم البلوغ.................................................................................... 378

سند ابن إدريس الحلي إلى كتاب المشيخة للحسن بن محبوب......... 382

اتحاد يزيد الكناسي مع يزيد أبو خالد القمّاط................................... 385

بيان أنّ الحديث الخامس مرسل وليس موقوفاً.................................. 390

وجوه تصحيح روايات الحميري لمسائل علي بن جعفر..................... 391

بحث رجالي في أبي البختري........................................................... 397

سند الصدوق (قدس سره) إلى حماد بن عمرو وأنس بن محمّد..................... 399

سند الشيخ (قدس سره) إلى محمّد بن علي بن محبوب................................. 405

الجمع بين الروايات بوجوه خمسة.................................................... 409

المستفاد من أحاديث الباب.............................................................. 410

5- باب وجوب النية في العبادات الواجبة واشتراطها بها مطلقاً

(عدد الأحاديث 10) ص411

تعريف النيّة والمراد بها.................................................................... 411

الأقوال............................................................................................ 412

الاستدلال على وجوب النية بالكتاب والسنة والإجماع وسيرة المتشرّعة.. 415

ص: 609

الاحتمالات في (لا عمل إلّا بنيّة) وبيان الأقوى منها.......................... 416

سند الشيخ إلى أبي ذرّ..................................................................... 430

تفسير المراد بالجماعة في سند الشيخ (قدس سره) ......................................... 431

بحث رجالي في محمد بن الحسن بن شمون.................................... 434

مناقشة السيد الأستاذ (قدس سره) في معنى الحديث العاشر............................ 440

المستفاد من أحاديث الباب.............................................................. 442

6- باب استحباب نية الخير والعزم عليه

(عدد الأحاديث 25) ص443

الغرض الأصل من العمل في العبادات هو تأثر القلب........................ 443

الأقوال............................................................................................ 445

الإشكال على حديث نيّة المؤمن خير من عمله بإشكالين.................. 451

الجواب عن الإشكالين بوجوه.......................................................... 452

معاني النية، وتفسير الشاكلة.............................................................. 455

بحث في سفيان بن عيينة.................................................................. 461

بحث رجالي في علي بن حديد........................................................ 463

دفع إشكال المؤاخذة على الهم بالمعصية.......................................... 465

سند الشيخ إلى كتاب الزهد............................................................. 471

ص: 610

التحقيق في أن يونس في السند هو ابن عمار لا يونس بن عبد الرحمن.. 475

بحث رجالي في خيثمة بن عبدالرحمن الجعفي................................ 479

بحث رجالي في شاذان بن خليل...................................................... 481

سند الصدوق (قدس سره) إلى الحسن بن علي بن فضال............................... 483

تصحيح السند إلى كتاب السيد عبد العظيم الحسني.......................... 506

المستفاد من أحاديث الباب.............................................................. 506

7- باب كراهة نية الشر

(عدد الأحاديث 5) ص509

الأقوال............................................................................................ 509

من همَّ بسيّئة خرج منه الريح النتن.................................................... 516

بحث رجالي في عبد الله بن موسى بن جعفر..................................... 517

نيّة الذنب توجب حرمان الرزق........................................................ 519

المستفاد من أحاديث الباب.............................................................. 525

8 - باب وجوب الإخلاص في العبادة والنية

(عدد الأحاديث 11) ص527

مراتب الإخلاص سبع...................................................................... 527

ص: 611

الأقوال............................................................................................ 530

هل قصد الثواب أو الخلاص من العقاب منافٍ للإخلاص؟............... 530

تفسير قوله تعالى {حَنِيفاً مُسْلِماً}................................................... 534

تصحيح أصل وروايات علي بن أسباط............................................. 538

بحث رجالي في إسماعيل بن يسار الهاشمي..................................... 547

المستفاد من أحاديث الباب.............................................................. 552

فهارس الكتاب ص555

1- فهرس الأعلام المترجمين في الكتاب......................................................... 557

2- فهرس الكنى والألقاب........................................................................... 579

3- فهرس الأسانيد.................................................................................. 581

4- فهرس المصادر................................................................................. 583

5- فهرس مطالب الكتاب........................................... 604

ص: 612

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.