أصول الفقه المجلد 12

هوية الكتاب

المؤلف: آية اللّه الشيخ حسين الحلّي

الناشر: مكتبة الفقه والأصول المختصّة

المطبعة: ستاره

الطبعة: 1

الموضوع : أصول الفقه

تاريخ النشر : 1432 ه-.ق

ISBN (ردمك): 978-600-5213-85-0

المكتبة الإسلامية

أصول الفقه

تأليف: الأصولي الشهير آية اللّه العظمی الشيخ حسين الحلّي قدس سره

(1309 - 1394 ه)

الجزء الثاني عشر

ص: 1

اشارة

شابك (ردمك) 2-23-5213-600-978/ دورة 15 جزء احتمالاً

ISBN 978-600-5213-23-2/15VOLS.

شابك (ردمك) 0-85-5213-600-978/ج12

ISBN 978-600-5213-85-0/VOL 12

الكتاب: أصول الفقه ج 12

المؤلف: آية اللّه العظمی الشيخ حسين الحلي

الناشر: مكتبة الفقه والأصول المختصة

الطبعة: الأولی - ذي القعدة 1432 ه

القلم والألواح الحساسة (الزينك): تيزهوش - قم

المطبعة: ستارة - قم

الكمية: 2000 نسخة

السعر: 35000 ريال

ص: 2

[ التعادل والتراجيح ]

بسم اللّه الرحمن الرحيم وله الحمد وحده وعليه نتوكّل وبه نستعين والصلاة والسلام على خير خلقه محمّد وآله الطاهرين. الكلام في مباحث التعادل والتراجيح (1).

قوله : وإن كانت النتيجة مقيّدة بحال العلم وكان الحكم الواقعي مخصوصاً بصورة العلم به فاجتماع النقيضين وإن لم يلزم لتغاير الموضوعين ، إلاّ أنّه يلزم التصويب المجمع على بطلانه ... الخ (2).

كون ذلك من قبيل التصويب محلّ تأمّل ، فإنّ التصويب إنّما هو عبارة عن كون الأحكام دائرة مدار الظنّ أو مدار العلم ، بحيث يكون العلم أو الظنّ تمام الموضوع بالنسبة إلى الحكم ولو في موارد الخطأ ، وما نحن فيه ليس من هذا القبيل ، فإنّ أقصى ما في البين هو أخذ العلم بالنسبة إلى الحكم الواقعي ولو بنحو نتيجة التقييد جزءاً للموضوع ، نظير باب الجهر والاخفات والقصر والاتمام بالنسبة إلى الجاهل بوجوبها ، فالحكم الواقعي في أمثال [ ذلك ] يكون محفوظاً في درجته ، غايته دلّ الدليل ولو بنحو نتيجة التقييد [ على ] أنّ ذلك الحكم

ص: 3


1- [ ذكر المصنّف قدس سره عبارات وتواريخ تدلّ على أنّه قدس سره شرع في هذه المباحث في الدورة الأُولى بتاريخ السبت 30 ربيع الأوّل سنة 1366 ه ق ، وأنّه شرع فيها في الدورة الثانية بتاريخ الاثنين 17 محرّم سنة 1375 ولاحظ تواريخ المصنّف قدس سره في الصفحة : 313 ].
2- فوائد الأُصول 4 : 702.

مختصّ بمن علم به ، وأنّه غير متحقّق في حقّ الجاهل ، وأين هذا من التصويب المجمع على بطلانه.

وتوضيح ذلك هو أن يقال : إنّ الشارع عندما جعل الحكم على ذات المكلّف لم ينظر إلى حالتي علمه بذلك الحكم وجهله به ، لاستحالة ذلك في مقام جعل الحكم ، لكنّه يجعله على نفس الذات المفروض كونها في ذلك الحال معرّاة عن النظر بها إلى كلا الحالتين أو إحداهما ، ولكن مقتضى جعله لنفس الذات المذكورة هو تحقّق الحكم ذاتاً في مورد الجهل ، ثمّ يأتي دليل آخر يرفع ذلك الحكم عن الجاهل به ، وبعد تحقّق ذلك الدليل المتكفّل للجعل الثاني يكون الحكم الواقعي بالنسبة إلى الذات التي علمت به متحقّقاً ، ويكون العلم به كاشفاً عن تحقّقه في حقّها ، لا أنّه يكون شرطاً وعلّة في تحقّق الحكم لها كي يلزم منه أنّه قبل العلم لا حكم وبعده يكون الحكم معلولاً للعلم ، وأنّه عبارة أُخرى عن التصويب ، وأنّ العلم يكون تمام الموضوع لا جزأه.

والأولى أن يقال : إنّ العلم بالحكم لا يعقل أن يكون جزءاً من موضوع ذلك الحكم ولا تمام الموضوع ، وإنّما غاية ما يمكن هو أن يكون موضوع الحكم هو نفس الذات التي وجدت توأماً مع العلم ، ويكون العلم بالحكم من قبيل الكاشف عن أنّ تلك الذات هي موضوع ذلك الحكم.

نعم ، إنّ الجمع بين الأحكام الواقعية والظاهرية بهذه الطريقة ، أعني طريقة ادّعاء تقيّد الأحكام الواقعية واختصاصها بخصوص العالمين بها ليكون مورد الأحكام الظاهرية هو الجاهل بتلك الأحكام الواقعية فلا يجتمع الحكمان ، يتوجّه عليه أنّ ذلك خلاف الواقع الثابت بالأدلّة القطعية من أنّ الأحكام الواقعية يشترك فيها العالم بها والجاهل بها على حدّ سواء ، ومع قطع النظر عن هذه الأدلّة نقول :

ص: 4

إنّ لازم الجمع بهذه الطريقة الاجتزاء بامتثال الأحكام الظاهرية ولو بعد انكشاف الخلاف ، فإنّ ذلك حينئذ يكون من قبيل تبدّل الموضوع ، ولعلّ مراد شيخنا قدس سره من التصويب هو هذا المعنى ، أعني أنّ لازم القول باختصاص الأحكام الواقعية بخصوص العالمين بها وعدم تحقّقها في حقّ الجاهل بها ، وكون الجاهل بها محكوماً بحكم آخر على طبق ظنّه ، هو القول بالتصويب في حقّ ذلك الجاهل ، وليس مراده بذلك هو التصويب في ناحية العالم بالحكم.

لكن الذي يظهر من التقارير المطبوعة في هذا المقام (1) وفي مقام الجمع بين الأحكام [ الواقعية و ] الظاهرية (2) هو جعل مركز التصويب في ناحية العالم بالحكم ، فراجع وتأمّل.

ثمّ لا يخفى أنّا لو سلّمنا أنّ المراد هو كون التصويب اللازم إنّما هو في ناحية الجاهل ، ففي كونه تصويباً مجمعاً على بطلانه محل تأمّل وإشكال ، وإلاّ فما الذي نصنعه نحن في مسألتي الجاهل بالجهر والاخفات والقصر والاتمام ، فإنّ عمدة ما نصلح به هذه المسألة هو دعوى كون الحكم الواقعي فيها مختصّاً ولو بنحو نتيجة التقييد بخصوص العالم به ، وأنّ الجاهل بذلك يكون حكمه الواقعي هو عدم الوجوب على تأمّل.

نعم ، إنّ ذلك - أعني تقيّد الأحكام الواقعية كلّها بالعلم وكون الجاهل بها مورداً لأحكام آخر - لا يمكننا الالتزام به من ناحية أُخرى ، وهي ما أشرنا إليه أوّلاً من أنّ ذلك خلاف المقطوع به من الأدلّة ، وثانياً أنّ لازمه الاجزاء في جميع موارد الأحكام الظاهرية بعد انكشاف الخلاف.

ص: 5


1- أجود التقريرات 4 : 274.
2- فوائد الأُصول 3 : 100. أجود التقريرات 3 : 124.

قوله : ويتلوه في الضعف الجمع بينهما بحمل الأحكام الواقعية على الانشائية والأحكام الظاهرية على الفعلية ... الخ (1).

قال قدس سره فيما حرّرته عنه : فإنّ ما نتعقّله من الانشائية والفعلية هو أنّ الحكم الواقعي المجعول بنحو القضية الحقيقية التي يكون مرجعها إلى جعل الحكم على أفراد موضوعه المقدّرة الوجود ، بمعنى أنّه مثلاً يجعل وجوب الحجّ على كلّ من فرض وجوده مستطيعاً ، فهذا الحكم قبل تحقّق موضوعه في الخارج يكون إنشائياً ، وبعد تحقّق موضوعه في الخارج يكون فعلياً ، أمّا أنّه بعد تحقّق موضوعه في الخارج يكون إنشائياً بحيث إنّ حرمة هذا الخمر الموجود في الخارج تكون إنشائية فقط فممّا لا نتعقّله.

وقال في أوائل الظنّ فيما حرّرته عنه قدس سره في الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي بعد أن حرّرنا عنه بنحو ما تقدّم ما هذا نصّه : نعم لو كان المراد من الحكم الانشائي هو الحكم الشأني بمعنى الحكم اللولائي نظير الأحكام اللاحقة للأشياء بعناوينها الأوّلية ، والمراد من الحكم الفعلي نظير الأحكام اللاحقة لها بعناوينها الثانوية ، لصحّ التغاير بين الحكمين ، لكون الحكم الفعلي حينئذ مغايراً للحكم الشأني ، إلاّ أنّ ذلك لا ربط له بما نحن فيه من الجمع بين الحكم الواقعي والحكم الظاهري ، بكون أحدهما إنشائياً أو شأنياً والآخر فعلياً ، انتهى.

قلت : لا يقال لِمَ لا نجمع بينهما بهذا الطريق بأن نقول : إنّ الحكم الواقعي يكون شأنياً لولائياً في مورد الشكّ ويكون الحكم الفعلي في المورد المذكور هو الحكم الظاهري.

لأنّا نقول : إنّ هذا الوجه لا يمكن الالتزام به حتّى فيما يكون موضوعه

ص: 6


1- فوائد الأُصول 4 : 702.

مقيّداً بالشكّ أعني الأُصول العملية ، لأنّ لازمه التصويب وعدم الاعادة والقضاء فيما لو انكشف الخلاف. مضافاً إلى أنّ حمل الأدلّة المتكفّلة للأحكام الواقعية على الأحكام الشأنية اللولائية لا يخفى فساده.

وعلى كلّ حال ، أنّ التنافي بين الأحكام الواقعية والأحكام الظاهرية ليس من قبيل التعارض ، إذ ليس الكلام في الخبر الدالّ على الحكم الواقعي والخبر الدالّ على الحكم الظاهري الذي هو منافٍ للحكم الواقعي ، إذ ليس لنا مثل هذين الخبرين ، بل الكلام إنّما هو في تنافي الحكمين وفي كيفية الجمع بينهما ، وذلك لا دخل له بتعارض الأدلّة ، فلاحظ وتدبّر.

قوله : وعلى كلّ حال ، فقد عرفت أنّ التعارض إنّما يلحق الدليلين ثانياً وبالعرض ، والذي يتّصف به أوّلاً وبالذات هو مدلول الدليلين وما يحكيان ويكشفان عنه ، ويؤدّيان إليه مطابقة أو التزاماً ... الخ (1).

لا يخفى أنّ مقام المحكي والمدلول إنّما هو نفس الواقع ، ولا ريب أنّه لا يتصوّر التعارض في ذلك الصقع ، بل لا يتصوّر فيه التنافي والتعاند ، حيث إنّ الواقع واحد لا تعدّد فيه كي يكون أحد الأمرين الواقعيين منافياً ومعانداً للآخر وإنّما يتصوّر جميع ذلك في مقام الحكاية والاثبات ، فلا يتمّ ما أُفيد من أنّ التعارض عارض ابتداءً لنفس المدلولين والمحكيين ثمّ يعرض الدليلين والحاكيين ثانياً وبالعرض.

نعم ، إنّ عدم إمكان اجتماع المحكيين والمدلولين يكون موجباً لعروض التعارض للحاكيين ، والأمر في ذلك سهل ، لأنّا إذا أخذنا التعارض بمعنى عدم إمكان الاجتماع فهو لا يكون إلاّفي نفس المدلولين لوقوع التناقض أو التضادّ

ص: 7


1- فوائد الأُصول 4 : 702.

بينهما ، وعن هذا التنافي يطرأ التنافي بين الحاكيين.

والخلاصة : هي أنّا لو أخذنا التعارض بمعنى التنافي لكان منسوباً إلى المدلولين ابتداءً وإلى الدالّين بالعرض ، لكن لو أخذناه بمعنى التنافي في النتيجة والدلالة لكان منسوباً ابتداءً إلى الدليلين ، والظاهر من المعارضة هو الثاني كما يقولون في المنطق إنّ الجواب تارةً يكون عن نفس الدليل ، وأُخرى بالنقض ، وثالثة بالمعارضة ، ومرادهم بالثالث ما يكون من قبيل قولهم : العالم مستغن عن المؤثّر وكلّ مستغن عن المؤثّر قديم ، في قبال قولهم : العالم متغيّر وكلّ متغيّر حادث ، في كون الأوّل منتجاً ضدّ ما ينتجه الثاني.

قوله : فلو علم بكذب أحد الدليلين لمكان العلم بكون أحدهما غير واجد لشرائط الحجّية واشتبه بما يكون واجداً لشرائطها ، كان ذلك خارجاً عن باب التعارض ، بل يكون من باب اشتباه الحجّية باللاّحجّية ، ولا يأتي فيه أحكام التعارض ، وإنّما يعمل فيه ما تقتضيه قواعد العلم الاجمالي (1).

كما لو اشتمل سند كلّ من الروايتين على أبي بصير ، وعلمنا بكونه هو الثقة في إحداهما دون الأُخرى ، فيكون الحكمان اللذان تضمّنتاه من قبيل ما علم قيام الحجّة على أحدهما ، فيدخلان في العلم الاجمالي ، من دون فرق في ذلك بين كون الحكمين متنافيين في حدّ أنفسهما أو غير متنافيين ، إن كان كلّ منهما متضمّناً للتكليف ، وإلاّ فلا أثر له كما لو كانت إحداهما قائمة على وجوب الدعاء عند رؤية الهلال والأُخرى قائمة على عدم وجوبه.

وينبغي أن يعلم أنّ هذه الصورة لا يلزمها العلم بكذب إحدى الروايتين ، فينبغي إسقاطه وجعل الصورة المذكورة مقصورة على العلم بكون إحداهما غير

ص: 8


1- فوائد الأُصول 4 : 703.

واجدة لشرائط الحجّية ، وهذه الصورة هي القدر المتيقّن من موارد اشتباه الحجّة باللاّحجّة.

والفرق بينها وبين الصورة الأُولى - أعني ما تقدّم من مسألة الظهر والجمعة - (1) واضح ، فإنّ تلك المسألة يكون كلّ من الروايتين فيها في حدّ نفسه مشمولاً لدليل الحجّية ، ولكن لمّا كان أحدهما متضمّناً لوجوب الظهر يوم الجمعة والآخر متضمّناً لوجوب الجمعة يومها ، وقد قام الإجماع على عدم الجمع بين الفريضتين يومها ، كان هذا الإجماع موجباً لتحقّق التضادّ بين المدلولين ، فيكون المحكي بإحدى الروايتين منافياً للمحكي بالأُخرى وإن لم يكن منافياً له ذاتاً ، فيدخلان في باب التعارض ، من دون فرق في ذلك بين أن يكون مفاد المتن في كلّ من الروايتين هو أنّ الصلاة الواجبة يوم الجمعة هي الظهر أو هي الجمعة ، أو يكون مفاد المتن هو مجرّد أنّه يجب الظهر أو يجب الجمعة.

وهذا بخلاف الصورة الثالثة ، وهي ما لو حصل العلم الاتّفاقي الخارجي بعدم مطابقة أحد المحكيين للواقع ، بحيث إنّه علم إجمالاً بكذب إحدى الروايتين للعلم الاجمالي بعدم مطابقة مؤدّى إحداهما للواقع ، فإنّ العلم الاجمالي بعدم مطابقة أحد المؤدّيين للواقع لا يوجب طروّ التنافي بينهما على وجه يدخلهما في المتضادّين ولو عرضاً ، بل أقصى ما في ذلك أنّه يوجب العلم بعدم حجّية إحداهما ، فيكون ذلك من قبيل اشتباه الحجّة باللاّحجّة.

ولكن في الفرق تأمّل ، فإنّا لو علمنا تفصيلاً بأنّ مدلول هذه الرواية الخاصّة مخالف للواقع فسقطت عن الحجّية ، ثمّ بعد ذلك اشتبهت برواية أُخرى ، كان

ص: 9


1- تقدّم في فوائد الأُصول 4 : 702.

ذلك الاشتباه من قبيل اشتباه الحجّة باللاّحجّة.

أمّا إذا لم يكن الأمر كذلك ، بل لم يكن لدينا إلاّورود هاتين الروايتين المشمول كلّ منهما في حدّ نفسه لدليل الحجّية ، غايته أنّا علمنا من الخارج أنّ الحكم المحكي بإحداهما غير مطابق للواقع ، فهل هذا العلم الاتّفاقي كالإجماع في تلك المسألة يكون موجباً لعروض التنافي بين المدلولين ويحقّق التعارض بين الروايتين ، أو أنّه لا يكون كذلك وإنّما أقصى ما في البين هو العلم الوجداني بأنّ أحد المدلولين مخالف للواقع ، وذلك أمر آخر غير ملاك التعارض الذي هو عدم اجتماع المدلولين والمحكيين للتنافي الواقعي بينهما. وبالجملة : أنّه إذا كان أحد المدلولين غير مطابق للواقع وإن صحّ لنا أن نقول إنّه لا يجتمع مع غيره ، إلاّ أنّ ذلك إنّما هو على نحو السالبة بانتفاء الموضوع ، فلا يكون محقّقاً لموضوع التعارض وهو عدم اجتماع المدلولين؟

وحاصل الفرق بين المسألتين : أنّ الإجماع في تلك المسألة إنّما قام على وحدة الفريضة وأنّه ليس في البين إلاّتكليف واحد لا تكليفان ، بمعنى أنّه يكون قائماً على عدم اجتماع الاثنين ، فيكون عبارة أُخرى عن الحكم بعدم اجتماع المدلولين ، فيكون قائماً مقام الدليل العقلي القائل إنّه لا يجتمع الضدّان ، بخلاف العلم الاتّفاقي هنا فإنّه إنّما تعلّق بعدم مطابقة أحد المدلولين للواقع ، من دون تعرّض لكون الثابت هو أحدهما ، إذ لا علم بثبوت أحدهما ، وإنّما تعلّق العلم المذكور بنفي أحدهما ، ومن الواضح أنّ ذلك لا دخل له بالحكم بعدم اجتماعهما كي يكون موجباً لدخوله في التعارض ، هذا غاية ما يمكن أن يقال في وجه إلحاق [ الصورة ] الثالثة - وهي صورة العلم بكذب إحدى الروايتين - بصورة العلم بكون إحداهما غير مشمولة لدليل الحجّية في كون المسألتين من قبيل [ اشتباه ] الحجّة

ص: 10

باللاّحجّة.

ولكن للتأمّل فيه مجال ، وهو أنّ الصورة الثانية لا يمكن فيها التمسّك بعموم دليل الحجّية في كلّ واحدة من الروايتين ، لكونه من قبيل التمسّك بالعموم في الشبهة المصداقية ، فإنّا بعد أن فرضنا أنّ الحجّة هو ما يرويه الثقة ، وكان الراوي في الرواية الأُولى وفي الثانية هو أبا بصير ، وعلمنا بأنّه في إحداهما هو الموثّق وفي الأُخرى هو غير الموثّق ، لم يمكن لنا التمسّك بعموم حجّية خبر الثقة في الأُولى للشكّ في دخولها تحت الموثّق ، وكذلك الحال في الرواية الثانية ، غاية الأمر لمّا علمنا من الخارج أنّه هو الموثّق في إحداهما ، كان ذلك موجباً للعلم بكون أحد الحكمين قد قام عليه الخبر الموثّق ، فيلزمنا إجراء حكم العلم الاجمالي بالنسبة إلى ذلك الحكم لو كان كلّ من الحكمين إلزامياً ، ففي الحقيقة ليس ذلك من قبيل اشتباه الحجّة باللاّحجّة ، بل هو من قبيل عدم دخول كلّ منهما في دليل الحجّية ، ولأجل ذلك يمكن أن يقال بالرجوع إلى البراءة في كلّ من الحكمين ، لعدم قيام الحجّة على أحدهما ، للقطع بأنّ هذه الرواية ليست بحجّة كما أنّ أُختها أيضاً كذلك ، فتأمّل.

نعم ، لو كان هذا الاشتباه والعلم الاجمالي بكون أبي بصير في إحداهما هو غير الموثّق مسبوقاً بالعلم التفصيلي بكونه في هذه مثلاً هو غير الثقة ثمّ اشتبهتا ، لكان ذلك من قبيل اشتباه الحجّة باللاّحجّة ، بمعنى اشتباه ما كان حجّة بما كان غير حجّة ، أمّا بعد تحقّق الاشتباه المزبور فليس شيء منهما بحجّة فعلاً ، فلا يصحّ قولنا إنّهما من قبيل اشتباه الحجّة فعلاً باللاّحجّة.

أمّا القسم الثالث فإن لم يكن الاشتباه فيه مسبوقاً بالعلم التفصيلي ، بأن لم يكن لنا إلاّهاتان الروايتان مع العلم الاجمالي بكون إحداهما كاذبة ، لا يكون ذلك

ص: 11

الاشتباه إلاّموجباً لاحتمال كون كلّ منهما كاذباً ، وهذا لا يضرّ بشمول دليل الحجّية ، فيكون كلّ واحدة منهما في حدّ نفسها مع قطع النظر عن الأُخرى مشمولة لدليل الحجّية ، وأقصى ما فيه أنّه لا يمكن البناء على حجّية كلّ منهما ، للعلم الاجمالي بكذب إحداهما ، فيكون حالهما من هذه الجهة حال الروايتين اللتين يكون مؤدّى إحداهما ضدّاً أو نقيضاً لمؤدّى الأُخرى في أنّ المانع من إمكان التعبّد بهما معاً هو العلم بكذب إحداهما ، غايته أنّ مستند العلم بكذب إحداهما في مورد التناقض أو التضادّ هو حكم العقل باستحالة اجتماع النقيضين أو الضدّين ، وفيما نحن فيه هو نفس ذلك العلم الوجداني الاتّفاقي.

والحاصل : أنّه ليس ملاك التعارض هو عدم اجتماع المدلولين كي يقال إنّه غير متحقّق في صورة العلم الاتّفاقي بكذب إحداهما ، لأنّ ذلك العلم الوجداني لا يحقّق عدم الاجتماع ، بل أقصى ما فيه هو أنّه ينفي أحدهما ، بل إنّ ملاك التعارض هو كذب إحداهما وعدم اجتماعهما على الصدق مع كون كلّ منهما في حدّ نفسه مشمولاً لدليل الحجّية ، وهو محقّق في الصورة المزبورة كما هو محقّق في صورة التضادّ أو التناقض.

والحاصل : أنّه في كلّ من الصورتين يكون المكلّف عالماً بأنّ إحدى الروايتين كاذبة مع كون كلّ منهما في حدّ نفسها مشمولة لدليل الحجّية ، وهذا هو المعيار في التعارض ، سواء انضمّ إلى ذلك احتمال كذبهما معاً أو لم ينضمّ إليه هذا الاحتمال ، بل كان مضافاً إلى علمه بكذب إحداهما أنّه عالم بصدق إحداهما ، فإنّ ذلك - أعني العلم بصدق إحدى الروايتين - لا أثر له في تحقّق التعارض بينهما بل المدار فيه على العلم بكذب إحداهما. هذا إذا لم يكن الاشتباه مسبوقاً بالعلم التفصيلي.

ص: 12

ومنه يظهر الحال فيما يكون مسبوقاً به ، فإنّا قبل طروّ الاشتباه وإن كنّا عالمين تفصيلاً بكذب هذه الرواية ، فلا تكون مشمولة لدليل الحجّية ، وتلك الأُخرى لا نعلم بكذبها ، فنعلم تفصيلاً بحجّيتها ، إلاّ أنّهما بعد طروّ الاشتباه عليهما لا يكون ذلك الاشتباه إلاّمن قبيل اشتباه ما كانت معلومة الكذب بما لم تكن كذلك ، وبواسطة هذا الاشتباه لا يحصل لنا إلاّ احتمال الكذب في كلّ منهما ، وحينئذ يكون كلّ منهما محتمل الكذب ، فيشمله دليل الحجّية ، فيكون كلّ منهما في حدّ نفسه مشمولاً لدليل الحجّية ويقع التعارض بينهما. هذا كلّه بناءً على أنّ الحجّية لا تتحمّل وجوداً واقعياً حتّى في مورد العلم الاجمالي ، وأنّ الحجّة لا تكون حجّة إلاّفي مورد العلم التفصيلي بها.

أمّا لو قلنا - كما هو غير بعيد - بأنّ الحجّية وإن لم تتحمّل الوجود الواقعي إلاّ أنّها في مورد العلم الاجمالي تكون متحقّقة ، كما لو كان المكلّف قد حفظ متنين يتضمّن ظهور كلّ منهما حكماً شرعياً ، وحصل له العلم الاجمالي بأنّه قد أخذ بنفسه أحد المتنين وسمعه من نفس الإمام عليه السلام ، والآخر أخذه وسمعه عن غيره كأبي حنيفة - مثلاً - وقد اشتبها عليه ، فإنّه لا يشكّ أحد بأنّ ظاهر أحد هذين المتنين حجّة عليه وأنّه يلزمه ترتيب الأثر عليه ، وحينئذ يكون ذلك من قبيل اشتباه الحجّة الفعلية باللاّحجّة ، ومثل ذلك ما لو علم بحجّية إحدى الأمارتين ، وقد ذكر نظير ذلك في بحث الانسداد ، وهو العلم الاجمالي بأنّ في جملة هذه الطرق العقلائية التي بأيدينا ما هو حجّة مجعولة من الشارع.

وبناءً على ذلك نقول : إنّ الصورة السابقة وهي صورة روايتي أبي بصير المعلوم كونه هو الثقة في إحداهما وغيره في الأُخرى ، يكون من قبيل اشتباه الحجّة الفعلية باللاّحجّة ، سواء كان الاشتباه مسبوقاً بالعلم التفصيلي أو لم يكن

ص: 13

مسبوقاً به ، وأمّا في الصورة الأُخرى وهي صورة العلم بكذب إحداهما ، فإن كان الاشتباه مسبوقاً بالعلم التفصيلي كان من قبيل اشتباه الحجّة الفعلية باللاّحجّة ، وإن لم يكن مسبوقاً بذلك كانا من قبيل المتعارضين (1)

ص: 14


1- والأولى أن يقال : إنّه لا ينبغي الريب في كون ما دلّ على الجمعة وما دلّ على الظهر من التعارض بعد فرض أنّه ليس لنا إلاّصلاة واحدة ، فالأوّل يخبر عنها بأنّها جمعة ، والثاني يخبر عنها بأنّها ظهر. ويلحق بذلك ما لو اتّفق العلم الخارجي بكذب مدلول إحدى الروايتين ، فإنّه بمنزلة ما يدلّ على وجوب الشيء في قبال ما يدلّ على حرمته أو على عدم وجوبه ، غايته أنّ هذا تعاند ذاتي وما نحن فيه تعاند عارضي ، لعلمنا بأنّهما لا يجتمعان ولو من جهة العلم بكذب إحداهما ، سواء علمنا بصدق الأُخرى أو لم نعلم. نعم ، ربما يقال : إنّ ذلك إن كان بعد العلم التفصيلي بما هي كاذبة ثمّ حصل الاشتباه ، يكون من قبيل اشتباه الحجّة باللاّحجّة ، أمّا مثل التردّد في أبي بصير في هذه الرواية وفيه في الرواية الأُخرى ، وكذلك لو علم أنّ أحد الشخصين - أعني زيداً الراوي لهذه الرواية وعمراً الراوي للرواية الأُخرى - غير عادل ، فليس ذلك من قبيل اشتباه الحجّة باللاّحجّة ، بل كلّ منهما ليس بحجّة ، للشكّ في دخولهما تحت العادل من مثل صدّق العادل. أمّا لو علمت الرواية التي يرويها العادل تفصيلاً ثمّ حصل الاشتباه بينهما وبين الأُخرى ، فذلك وإن صدق عليه اشتباه الحجّة باللاّحجّة ، يعني اشتباه ما كان حجّة بما كان ليس بحجّة ، لكن الآن كلّ منهما ليس بحجّة ، فإنّ الحجّية لا تتحمّل وجوداً واقعياً ، سواء كان ابتدائياً كما لو لم يتقدّم العلم التفصيلي أو كان بواسطة الاشتباه العارضي كما لو تقدّم. وإن شئت فقل : إنّ الحجّية لا تتحمّل وجوداً واقعياً في مورد العلم الاجمالي ، ويكون المرجع هو الأُصول العملية كما لو لم يكن ذلك العلم الاجمالي في البين. وعلى كلّ حال ، أنّهما بعد الاشتباه المسبوق بالعلم التفصيلي خارجان عن باب التعارض ، وإنّما الكلام في أنّهما من قبيل ما لا حجّة في البين أو من قبيل اشتباه الحجّة باللاّحجّة [ منه قدس سره ].

وينبغي أن يعلم أنّا لو قلنا بما أفاده شيخنا قدس سره من أنّ ذلك خارج عن باب التعارض ، لكان ذلك هادماً لما أفاده قدس سره من تعارض الأُصول الاحرازية في مورد العلم الاجمالي بخلاف أحدهما ، فتأمّل.

وينبغي أن يعلم أنّ إلحاق الصورة الثالثة بالثانية تعريض بما في الكفاية حيث قال : التعارض هو تنافي الدليلين - إلى قوله - حقيقة أو عرضاً ، بأن علم بكذب أحدهما إجمالاً مع عدم امتناع اجتماعهما أصلاً الخ (1) ، وقد عرفت أنّ الأظهر هو كون هذه الصورة داخلة في التعارض ، فتأمّل. وكأنّ التعرّض لهذه الجهة من مختصّات الدورة السابقة ، ولأجل ذلك لم أعثر عليه في تحريراتي ولا فيما حرّره السيّد سلّمه اللّه ، فراجع.

قوله : ولكن قام الدليل على أنّ المال لا يزكّى في العام الواحد مرّتين ... الخ (2).

ينبغي التأمّل في الفرق بين هذا الدليل والدليل القائم على أنّه لا يجب في اليوم الواحد فريضتان ، في كون الأوّل من قبيل التزاحم والثاني من قبيل التعارض فتأمّل ، للفرق الواضح بينهما حيث إنّه في مسألة الظهر والجمعة يومها بعد قيام الإجماع المذكور يكون من قبيل التضادّ الدائمي ، فيكون راجعاً إلى التعارض ، بخلاف مسألة الزكاة فإنّ التدافع فيها بين الدليلين اتّفاقي فلا يكون إلاّمن باب

ص: 15


1- كفاية الأُصول : 437.
2- فوائد الأُصول 4 : 707.

التزاحم.

قوله : وأُخرى يكون التزاحم لأجل اتّفاق وقوع التلازم بين متعلّقي الحكمين ، بمعنى أنّه اتّفق الملازمة بين امتثال أحد الحكمين لمخالفة الآخر ... الخ (1).

قد يمثّل لذلك بوجوب استقبال القبلة في الصلاة مع حرمة استدبار الضرائح المقدّسة أو القرآن الكريم ، أو بوجوب استقبال القبلة وحرمة استدبار الجدي لمن لم يكن عراقياً واتّفق أن حصل بالعراق.

وفيه تأمّل ، فإنّ الأوّل لا يتّفق فيه الملازمة إلاّعند عدم المندوحة ، والثاني إذا كان قد حصل في العراق كانت الملازمة دائمية. وعلى كلّ حال ، فإنّ الاستقبال والاستدبار إن كانا حقيقتين نظير الغصب والصلاة دخل في مسألة الاجتماع ، وإن لم يكونا حقيقتين مختلفتين ، وكان ذلك القيام الواحد بتمامه مصداقاً لكلّ من العنوانين ، دخل في العموم من وجه ورجع إلى باب التعارض.

قوله : وخامسة يكون التزاحم لأجل كون أحد المتعلّقين مترتّباً في الوجود والامتثال على الآخر وقد اتّفق عدم قدرة المكلّف على الجمع ... الخ (2).

لم يظهر الفرق بين هذه الخامسة والرابعة ، فإنّ المقصود من قوله في الرابعة « لأجل اتّفاق وقوع المضادّة بين المتعلّقين » ليس هو إلاّ المضادّة الناشئة عن عدم قدرة المكلّف على الجمع.

ومن ذلك يظهر التأمّل في قوله في الصورة الرابعة : « فلو كانت المضادّة

ص: 16


1- فوائد الأُصول 4 : 708.
2- فوائد الأُصول 4 : 709.

دائمية يخرج عن باب التزاحم » فإنّ هذه المضادّة ليست حقيقية كي يمكن أن تكون دائمية ، وإنّما هي ناشئة عن عدم القدرة ، ولا يعقل كونها دائمية فتأمّل. ولا يفرق في وقوع التزاحم بينهما بين كونهما عرضيين أو طوليين ، غايته أنّ المرجّح يختلف ، ففي الثاني يكون الترجيح بحسب التقدّم الزماني دون الأوّل.

وحينئذ فالأولى هو جعل أقسام التزاحم ثلاثة ، باب الاجتماع على القول بالجواز من الجهة الأُولى ، وباب اتّفاق توقّف الواجب على فعل الحرام ، وباب اتّفاق المضادّة بين الواجبين لعدم القدرة على الجمع بينهما.

كما أنّه يمكن المناقشة في جعل المرجّحات خمسة ، فإنّه يمكن إرجاع بعض هذه المرجّحات إلى بعض ، فإنّ تقديم ما ليس له بدل اضطراري على ما له البدل راجع إلى تقديم ما هو مشروط بالقدرة العقلية على ما هو مشروط بالقدرة الشرعية ، حيث إنّ ثبوت البدل الاضطراري عبارة أُخرى عن كون المبدل منه مشروطاً بالقدرة الشرعية.

والحاصل : أنّ البدل إن كان عرضياً غير مقيّد بالاضطرار كان الوجه في تقدّم ما ليس له البدل عليه هو عين الوجه في تقدّم المضيق على الموسع ، فإنّ ملاك التقديم فيهما واحد وهو العموم البدلي ، وإن كان البدل طولياً مقيّداً بالاضطرار وعدم القدرة على المبدل منه كان ذلك عبارة عن كون المبدل منه مقيّداً بالقدرة الشرعية.

ثمّ إنّ الوجه في تقدّم المقدّم زماناً هو ما أفاده قدس سره (1) في باب التزاحم من أنّه عند التساوي يكون كلّ من التكليفين ... (2) ويكون الاتيان بكلّ منهما مسقطاً

ص: 17


1- راجع أجود التقريرات 2 : 45.
2- [ في الأصل هنا سقط ، والمناسب أن يكون الساقط هو : مشروطاً بعدم الاتيان بمتعلّق الآخر ].

للآخر ، ففي زمان الأوّل حيث إنّه لا يتحقّق مسقطه وهو فعل الثاني يكون هو المتعيّن ، نعم بناءً على أنّ نتيجة التساوي هو التخيير يكون المكلّف هنا مخيّراً بينهما.

اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ الأمر بالثاني وإن كان متحقّقاً في ظرف الأوّل إلاّ أنّه لا يكون محرّكاً وشاغلاً للمكلّف ، فلا يكون مزاحماً للأوّل. وأمّا لزوم حفظ القدرة للثاني فهو وإن كان محقّقاً في ظرف الأوّل ، إلاّ أنّه لا يزيد على أصله الذي هو الأمر الثاني في عدم مزاحمته للأمر الأوّل ، فتأمّل.

وأمّا الترجيح بالأهمية فعلى الظاهر أنّها لا تخرج عن تقديم ما هو الأقوى ملاكاً الذي منع قدس سره من جريانه في التزاحم المأموري وخصّه بالتزاحم الآمري فتأمّل. وتمام الكلام في محلّه من باب التزاحم.

قوله : بداهة أنّه لو كان مفاد أحد الدليلين بمدلوله المطابقي ما تقتضيه نتيجة تحكيم الخاصّ والمقيّد على العام والمطلق لكان حاكماً على الآخر ... الخ (1).

لا يخفى أنّ مفاد الدليل الحاكم بمدلوله المطابقي مثل قولنا : النحوي ليس بعالم بالنسبة إلى أكرم العلماء ، ليس هو عين نتيجة تحكيم الخاصّ مثل لا تكرم النحويين ، فإنّ نتيجة تحكيم هذا على أكرم العلماء هي أنّ النحوي لا يجب إكرامه لكن المدلول المطابقي لمثل قولنا : النحوي ليس بعالم ليس هو عين هذه النتيجة ، بل إنّ مفاد مدلوله المطابقي هو نفي العالمية عن النحوي ، وحيث إنّه عالم وجداناً لزمنا صرفه إلى نفي آثار العالم عنه ليكون من قبيل نفي الحكم بلسان نفي موضوعه ، تنزيلاً لنفي الموضوع منزلة نفي الحكم ، وبذلك يكون هذا الدليل

ص: 18


1- فوائد الأُصول 4 : 711.

حاكماً على قولنا أكرم العلماء ، وبعد هذه العناية في الدليل المذكور تكون نتيجته عين نتيجة التخصيص.

ويمكن أن يكون المراد من قوله : « وإن قيل إنّ المراد من التفسير ما يعمّ تفسير قرينة المجاز لذي القرينة - إلى قوله - فالتحقيق » (1) هو أنّه ربما يقال في توجيه كلام الشيخ قدس سره إنّ المراد من التفسير هو ما يكون من قبيل قرينة المجاز ، حيث إنّ الخاصّ يوجب التصرّف في العام بحمله على إرادة بعض أفراده تجوّزاً ، وقرينة هذا التجوّز هو الدليل الخاصّ ، وحيث إنّ الدليل الحاكم كان مفاد مدلوله المطابقي هو نتيجة تحكيم الخاصّ على العام ، صحّ لنا أن نقول إنّ الدليل الحاكم مفسّر للدليل المحكوم ، يعني أنّ نسبته إليه كنسبة القرينة إلى ذيها في كونها مفسّرة له وشارحة للمراد منه.

والجواب عنه أوّلاً : أنّ الخاصّ لا يوجب التجوّز في العام ، فلا يصحّ إطلاق الشارح عليه ولو بمعنى قرينة المجاز.

وثانياً : أنّ المدلول المطابقي للحاكم ليس هو عين نتيجة تحكيم الخاصّ على العام ، بل إنّ مفاده هو رفع موضوع العام رفعاً تنزيلياً ، ولأجل ذلك كان حاكماً عليه من دون نظر إلى النسبة بينهما.

وثالثاً : أنّ رفع الحكم الذي تضمّنه الدليل العام عن بعض أفراد العام ليس هو نتيجة تحكيم الخاصّ عليه ، بل إنّ ذلك هو عين مفاد الدليل الخاصّ ، فإنّه لو قال أكرم العلماء كان الدليل الخاصّ متضمّناً ابتداءً لارتفاع هذا الحكم عن مورده سواء كان الخاصّ بلسان لا تكرم الفسّاق منهم ، أو بلسان لا يجب إكرام الفسّاق

ص: 19


1- فوائد الأُصول 4 : 711 - 712.

منهم ، أو غير ذلك من ألسنة رفع الحكم عن مورد الخاصّ ، فإنّ الجميع يشترك في رفع الحكم العام عن مورد الخاصّ ، لا أنّ مفاد الخاصّ مطلب آخر ويكون نتيجة تحكيم الخاصّ على العام هو ارتفاع الحكم الذي تضمّنه العام عن بعض أفراد الخاصّ.

قوله : سواء كانت الحكومة فيما بين الأدلّة المتكفّلة لبيان الأحكام الواقعية كحكومة قوله : « لا شكّ لكثير الشكّ » على قوله : « من شكّ بين الثلاث والأربع ... الخ » (1).

هذا إشارة إلى تقسيم الحكومة إلى الحكومة الواقعية والحكومة الظاهرية ، وقد تقدّم (2) الكلام في ضابطها ، وأنّ المدار في الحكومة الواقعية على كون ما يتكفّله الدليل الحاكم حكماً واقعياً مثل قوله : النحوي ليس بعالم ، بعد قوله : أكرم العلماء ، ومثل « الطواف بالبيت صلاة » بعد قوله : تجب الطهارة في الصلاة ، ومثل « لا سهو في سهو » بناءً على أنّ المراد نفي حكم السهو في سجدتي السهو ، وأنّ مثل « لا شكّ للإمام مع حفظ المأموم » بالنسبة إلى الأدلّة المتكفّلة لأحكام الشكّ تكون الحكومة فيه حكومة واقعية ، والإشكال في حكومة « لا شكّ لكثير الشكّ » على الأدلّة المتكفّلة لأحكام الشكّ بناءً على أنّه يعتبر في كون الحكومة واقعية كون كلّ من الدليل الحاكم والمحكوم متكفّلاً للحكم الواقعي ، حيث إنّ الحاكم هنا متكفّل للحكم الواقعي ، لكن المحكوم متكفّل للحكم الظاهري ، لكن يمكن عدّها حكومة واقعية نظراً إلى نفس الدليل الحاكم.

ص: 20


1- فوائد الأُصول 4 : 713.
2- تقدّمت الإشارة إلى ذلك في المجلّد الثاني من هذا الكتاب ، صفحة : 388.

قوله : ولا وجه لما في بعض الكلمات من أنّه يعتبر في الحكومة أن يتقدّم تشريع مفاد المحكوم على تشريع مفاد الحاكم بحيث يلزم لغوية التعبّد بدليل الحاكم ... الخ (1).

بعد أن بنينا على أنّ مفاد الحكومة هو كون الدليل الحاكم متعرّضاً لنفي الحكم بلسان نفي الموضوع تنزيلاً ، فلا ريب أنّه لا يصحّ نفي الموضوع تنزيلاً لنفي حكمه منزلة نفي نفسه إلاّبعد أن يتحقّق الحكم لذلك الموضوع ليكون المصحّح لنفي ذلك الموضوع هو نفي حكمه ، وحينئذ فلابدّ أن يتقدّم الدليل المحكوم. نعم هذا إذا كان الدليل الحاكم متعرّضاً ابتداءً لنفي الموضوع أو إثباته بحيث كان لسانه المطابقي هو نفي الموضوع أو إثباته كما هو الغالب.

وأمّا حكومة الأمارات على الأُصول الشرعية ، فإن قلنا إنّ مفاد دليل حجّيتها هو تنزيل مؤدّاها منزلة الواقع ، فلابدّ أن يكون مسبوقاً بدليل يثبت الآثار للواقع ، وكذلك لو قلنا إنّ مفاده هو تنزيل قيامها لدى المكلّف منزلة العلم الطريقي المتعلّق بالواقع ، فلابدّ أيضاً من أن تكون مسبوقة بذلك ، وبعد ثبوت هذا التنزيل تكون حاكمة على الأُصول الشرعية قهراً ، وحينئذ لا يحتاج دليل حجّيتها إلاّ [ إلى ] تقدّم ذلك الدليل دون تقدّم دليل حجّية الأُصول ، لأنّ المصحّح للتنزيل هو ذلك الدليل لا دليل حجّية الأُصول.

وفي الحقيقة أنّ لدليل حجّية الأمارة حكومتين : إحداهما بالنسبة إلى الأدلّة الواقعية ، وهذه الحكومة حكومة ظاهرية ، وهي تستدعي تقدّم الدليل المحكوم ، والحكومة الأُخرى بالنسبة إلى الأُصول الشرعية ، وهذه الحكومة أشبه بالحكومة الواقعية ، وهي لا تستدعي تقدّم الدليل المحكوم. وأمّا تقدّمها على الأُصول

ص: 21


1- فوائد الأُصول 4 : 713.

العقلية فهو بالورود ، هذا كلّه على تقدير القول بأنّ مفاد دليل حجّية الأمارة هو التنزيل في نفس قيام الأمارة أو مؤدّاها.

وهكذا الحال بناءً على ما هو التحقيق من أنّ مفاد دليل حجّيتها ليس هو التنزيل ، بل هو جعل الحجّية لها ابتداءً ، فإنّها وإن حكمت حينئذ على الأُصول العملية باعتبار أنّ جعل حجّيتها المذكورة يلزمه رفع موضوع الأُصول الذي هو الشكّ ، إلاّ أنّ ذلك لا يستدعي تقدّم دليل حجّية الأُصول عليها ، إذ لم يكن المدلول المطابقي لدليل حجّيتها هو نفي الشكّ ابتداءً كي يكون متوقّفاً على جعل تلك الأُصول أحكاماً للشكّ ، بل كان مدلوله المطابقي هو جعل الحجّية ابتداءً ، وبلازم هذا المدلول - أعني ارتفاع الشكّ - تكون حاكمة على أدلّة الأُصول ، بل بناءً على هذا الوجه لا تحتاج إلى تقدّم دليل أصلاً حتّى الدليل المثبت للأحكام الواقعية ، إلاّمن ناحية أنّ جعل الحجّية يستدعي جعل أحكام واقعية تكون تلك الحجّة مثبتة لها.

قال قدس سره فيما حرّرته عنه : وتقدّم الأمارات على الأُصول ، والأُصول الاحرازية على غير الاحرازية ، والأمارات بعضها على بعض ، والأُصول غير الاحرازية بعضها على بعض ، كلّه من باب الحكومة ، فإنّ ما يتعبّد به في الأمارات لمّا كان هو تتميم جهة كشفها ، كان ذلك رافعاً لموضوع الأُصول وهو الشكّ ، وما يتعبّد به في الأُصول الاحرازية لمّا كان هو إحراز الواقع ، كان ذلك رافعاً لموضوع الأُصول الغير الاحرازية ، كما أنّه ربما تتّفق الحكومة في غير ذلك من الموضوعات الواقعية ، كما تقدّم في حكومة « لا شكّ لكثير الشكّ » على الأدلّة المتكفّلة لأحكام الشكّ.

نعم ، بين هذه الحكومة وبين الحكومة في الأمارات والأُصول فرق ، فإنّها

ص: 22

وإن اشتركت في أنّ الدليل الحاكم متصرّف في موضوع الدليل المحكوم برفعه عن مورد الدليل الحاكم ، إلاّ أنّ الفرق بينهما هو أنّ مثل « لا شكّ لكثير الشكّ » يكون بالتخصيص أشبه ، فإنّ محصّله هو بيان أنّ الشكّ المحكوم عليه بتلك الأحكام هو ما عدا [ شكّ ] كثير الشكّ ، فتكون نتيجته نتيجة التخصيص ، وفي باب حكومة الأمارات على الأُصول والأُصول بعضها على بعض تكون بالورود أشبه ، فإنّ ما يتعبّد به في الأمارات يكون مزيلاً لموضوع الأُصول الذي هو الشكّ ، لا أنّه يبيّن أنّ المحكوم بالأُصول من الشكّ هو ما عدا مورد الأمارات.

ثمّ قال فيما حرّرته عنه قدس سره : وحاصل الفرق بين الحكومة في باب الأمارات والأُصول والحكومة في الموضوعات الخارجية مثل « لا شكّ لكثير الشكّ » بالنسبة إلى مثل « من شكّ بين الأقل والأكثر فليبن على الأكثر » ومثل لا حرج ولا ضرر بالنسبة إلى الأحكام في مورد الحرج والضرر ، أنّ الحاكم في الثاني يضيّق دائرة موضوع المحكوم عليه ويحصره بما عدا مورد الحاكم ، فتكون نتيجته نتيجة التخصيص ، بل هو تخصيص بلسان الحكومة ، والحاكم في الأوّل يكون موجباً لانعدام موضوع الدليل المحكوم ، فتكون نتيجته نتيجة الورود.

قلت : والسرّ في هذا الفرق هو ما أشرنا إليه ، هو أنّ الأوّل لمّا كان مدلوله المطابقي أمراً آخر غير نفي الموضوع في الدليل المحكوم ، بل كان لازم ذلك الأمر الآخر هو انتفاء ذلك الموضوع ، كان أشبه شيء بالورود ، ولم يكن مستدعياً لتقدّم الدليل المحكوم ، لأنّ مدلوله المطابقي الذي هو مركز التنزيل لم يكن بالنظر إلى الأحكام التي تضمّنها ذلك الدليل المحكوم ، وهذا بخلاف الثاني فإنّه لمّا كان مدلوله المطابقي هو نفي موضوع الدليل المحكوم نفياً تنزيلياً ، وكان من قبيل نفي الحكم بلسان نفي الموضوع ، كان أشبه شيء بالتخصيص ، وكان مستدعياً لتقدّم

ص: 23

ذلك الدليل المحكوم ليكون مصحّحاً لذلك النفي التنزيلي الذي تكفّله الدليل الحاكم.

نعم ، إدخال مثل لا حرج ولا ضرر ممّا يكون رافعاً للحكم في مثل هذه الحكومة لا وجه له على الظاهر - ولعلّ الخلط منّي - فإنّ مثل هذه الحكومات لا تنزيل فيها أصلاً ، ولكن مع ذلك لا يبعد القول بأنّها تستدعي تقدّم الأدلّة المحكومة ، فتأمّل.

قوله : فقد يصحّ الجواب عن السؤال بأنّه أراد ما يكون الكلام ظاهراً فيه بحسب المحاورات إذا لم يعتمد المتكلّم على القرائن المنفصلة ... الخ (1).

قال قدس سره فيما حرّرته عنه في هذا المقام : ثمّ إنّ الاحتمالات المخالفة لهذه المرحلة - أعني مرحلة الحكم بأنّ المتكلّم أراد هذا المعنى - وإن كانت كثيرة ، لأنّه يحتمل أن يكون مراده هو غير هذا المعنى ولكنّه أخفاه لغرض مثل التقية ونحوها ، أو أنّه غفل عن ذكر القرينة المتّصلة ، أو أنّ المخاطب غفل عنها ونحو ذلك من الاحتمالات ، إلاّ أنّ أغلب هذه الاحتمالات لا شبهة في عدم الاعتناء بها ، لما جرت عليه السيرة العقلائية ، لكن العمدة منها هو احتمال اعتماد المتكلّم في إرادة غير ذلك المعنى على قرينة منفصلة سابقة أو لاحقة ، فللمحقّقين في نفي هذا الاحتمال وعدم الاعتناء به قولان : أحدهما هو أنّ نفي الاحتمال المذكور والحكم بأنّ المتكلّم أراد هذا المعنى الذي هو الظاهر من مجموع كلامه ، يتوقّف على إحراز عدم القرينة المنفصلة ، وهناك قاعدة عقلائية يتبعها العقلاء في محاوراتهم ، وهي أنّ المتكلّم إذا كان في مقام بيان مراده فعليه أن يذكر كلّ ما

ص: 24


1- فوائد الأُصول 4 : 717.

يتوقّف عليه بيانه وإفادته ، وهذه القاعدة محرزة لعدم القرينة المنفصلة. والقول الثاني أنّ الحكم المذكور لا يتوقّف على إحراز عدم القرينة ، بل يكفي فيه مجرّد ظهور كلامه في إرادة ذلك المعنى ، انتهى.

ثمّ إنّه قدس سره تعرّض لبيان الحقّ في هذين القولين ، وأنّ الحقّ فيه هو التفصيل الآتي (1) ببيان أوضح وأوفى فراجعه.

قلت : لعلّ مرجع هذا النزاع إلى النزاع في أنّ أصالة الظهور هل هي من الأُصول العدمية الراجعة إلى أصالة عدم القرينة أعم من المتّصلة ، أو أنّ أصالة الظهور أصل مستقل برأسه من الأُصول الوجودية ، وهي لزوم الأخذ بظاهر الكلام ما لم يكن في البين قرينة على إرادة خلافه. أمّا القرينة المنفصلة فيمكن القول بأنّها لا توجب الخدشة في الظهور ، غايته أنّها لو تحقّقت كانت موجبة لرفع اليد عن حجّية ذلك الظهور في كشفه عن إرادة المتكلّم ، بمعنى أنّها تكون مزاحمة لحجّية ذلك الظهور في كشفه عن المراد ، وحيث إنّها مقدّمة في مقام التزاحم يلزمنا رفع اليد عن هذه الحجّية التي كانت بأيدينا ، هذا بعد العثور عليها ، أمّا قبل العثور عليها فلا يكون في البين إلاّمجرّد احتمالها سابقة أو لاحقة ، وهذا الاحتمال لا يوجب الوقفة في حجّية ما بيدنا من الظهور خصوصاً فيما يحتمل لحوقها ، وأقصى ما في البين هو احتمال أنّ المتكلّم أراد خلاف الظاهر ، وهذا الاحتمال ملغى بواسطة ذلك القانون المحاوري الذي حاصله هو أنّه على المتكلّم إذا كان في مقام بيان مراده أن يذكر كلّ ما له دخل فيه ، وأنّ اعتماده على القرينة المنفصلة يكون غير معتنى به عند العقلاء ، وإن قلنا بأنّه غير مناف لحكمة المتكلّم ، لأنّه لم يكن إلاّلغرض صحيح ، إلاّ أنّه على كلّ حال يكون على خلاف

ص: 25


1- في فوائد الأُصول 4 : 718 - 719.

مجرى قانون المحاورة.

وبالجملة : أنّ قانون المحاورة قاض بأنّ المتكلّم الذي هو في مقام الافادة يندفع إلى ذكر كلّ ما له دخل في مراده ، ولا يخفي شيئاً منه ولو اعتماداً على قرينة لاحقة إلاّلمانع يمنعه من إظهاره فعلاً ، وهذا الاحتمال - أعني احتمال وجود المانع من الاظهار - منفي بما تقدّم ذكره ، كما أنّ احتمال الاعتماد في عدم البيان فعلاً على قرينة سابقة أيضاً منفي بنفس ذلك الأصل العقلائي ، وكلّ ذلك لا دخل له بالتوقّف على الحكم بعدم القرينة سابقة أو لاحقة. وحينئذ فلا تكون حجّية أصالة الظهور موقوفة على أصالة عدم القرينة فضلاً عن كونها عبارة عنها.

وأمّا ما أفاده قدس سره من التفصيل ففيه تأمّل ، حيث إنّ ذلك الذي هو بصدد تحصيل مراد المتكلّم لا بصدد الاحتجاج إن كان غرضه مترتّباً على الواقع بحيث إنّه لا تفيده الأُصول العقلائية فلا تنفعه أصالة عدم القرينة ، وإن كان غرضه كسائر الأغراض العقلائية التي يرتّبونها على ما بأيديهم من الطرق والأُصول العقلائية كانت أصالة الظهور نافعة له ، بناءً على أنّها أصل مستقل برأسه.

وبالجملة : أنّ حاله من هذه الجهة حينئذ حال من هو بصدد الاحتجاج في الاكتفاء بالأصل العقلائي الكاشف عن مراد المتكلّم أيّ شيء كان ذلك الأصل.

ثمّ إنّ ما أُفيد من قوله : إذ ليس في طريقة العقلاء ما يقتضي التعبّد (1) يمكن التأمّل فيه ، فإنّ بناءهم على الأخذ بمقتضى الظنّ النوعي أو على أصالة عدم القرينة لابدّ أن ينتهي إلى تعبّد ، وإلاّ فما الذي أوجب عليهم الأخذ بمقتضى ذلك الظنّ النوعي أو أصالة عدم القرينة ، لابدّ أن نقول إنّ ذلك ارتكاز طبعي أو دافع فطري جروا عليه بمقتضى طباعهم وفطرتهم ، وإن لم يمكن لنا ولا لهم تعليله.

ص: 26


1- فوائد الأُصول 4 : 718.

قوله : لأنّ الخاصّ يكون بمنزلة القرينة على التصرّف في العام ... الخ (1).

يمكن الالتزام بأنّ ملاك التقديم هو أقوائية الظهور حتّى في القرينة المتّصلة حتّى في مثل أسد يرمي ، وإلاّ فمن هو الذي فرض علينا أن تكون يرمي قرينة على التصرّف في المراد بالأسد حتّى نقول إنّ ظهورها وإن كان ضعيفاً يكون حاكماً على ظهوره وإن كان أقوى ، ولِمَ لا يكون الأسد قرينة على التصرّف في لفظ يرمي.

ولا يخفى أيضاً أنّ أقوائية الظهور أمر ارتكازي يحكم به الطبع والجبلّة وهو غير داخل تحت حد ولا ينضبط بضابط ، ومجرّد كون أحدهما وضعياً والآخر إطلاقياً لا يوجب أقوائية الأوّل ولا أضعفية الثاني.

ثمّ يمكن أن يدّعى أنّ الخاصّ والمقيّد غالباً أقوى ظهوراً من العام والمطلق ، لكنّه ليس بدائمي ، ولأجل ذلك ترى أنّهم ربما أسقطوا الخاصّ والمقيّد في قبال العام والمطلق ، لكنّك تراهم يعلّلون ذلك بعلل أُخرى ، مثل كون ذلك العام أو المطلق آبياً عن التخصيص والتقييد ، أو غير ذلك من العلل التي يستندون إليها في إسقاط الخاصّ أو المقيّد ، هذا.

ولكن لا يخفى أنّ كون تقديم الخاصّ على العام لأجل كونه أقوى ظهوراً لا يخرجه عن الحكومة ، أعني حكومة أصالة الظهور في ناحية الخاصّ على أصالة الظهور في ناحية [ العام ] ، فإنّ الخاصّ بعد كونه أظهر من العام يكون قرينة على أنّ المتكلّم بالعام أراد خلاف ظاهره ، وقد كانت حجّية أصالة الظهور في

ص: 27


1- فوائد الأُصول 4 : 720.

ناحية العام - أعني الحكم على المتكلّم بأنّه أراد العموم - مقيّدة بأن لا يكون ما يدلّ على أنّه أراد خلافه ، وبذلك تكون أصالة الظهور في الخاصّ حاكمة على أصالة الظهور في ناحية العام ، وإن كان ذلك بعد تحقّق كون ظهور الخاصّ أقوى من ظهور العام ، وحينئذ تكون الأظهرية هي الملاك في ذلك التقديم والحكومة ، ولعلّ هذا هو المراد للشيخ قدس سره.

قوله : وقد تقدّم في المباحث السابقة أنّ ضابط الورود هو أن يكون أحد الدليلين رافعاً لموضوع الآخر بنفس التعبّد ولو مع عدم ثبوت المتعبّد به ، بحيث لو فرضنا انفكاك التعبّد عن ثبوت المتعبّد به لكان رافعاً لموضوع الآخر ، وأمّا إذا توقّف الرفع على ثبوت المتعبّد به فلا يكون أحدهما وارداً على الآخر ، بل يكون حاكماً عليه ، فما نحن فيه لا يندرج في ضابط الورود ... الخ (1).

الذي عرفناه فيما تقدّم من الفرق بين الورود والحكومة أنّه بعد تحقّق التعبّد في ناحية الدليل المقدّم إن كان ارتفاع موضوع الدليل المقدّم عليه ارتفاعاً وجدانياً كان ذلك من قبيل الورود ، كما في تقدّم الأمارات على الأُصول العقلية ، وإن كان الارتفاع المذكور ارتفاعاً غير وجداني بل كان ارتفاعاً تنزيلياً ، كان ذلك من قبيل الحكومة ، كما في تقدّم الأمارات على الأُصول الشرعية ، فإنّها بعد التعبّد بها لا يرتفع موضوع الأُصول الشرعية الذي هو الشكّ إلاّ ارتفاعاً شرعياً تنزيلياً ، مع اشتراك التقديمين في توقّف الارتفاع على ثبوت المتعبّد [ به ] ، فإنّ الأمارة القائمة على وجوب الشيء مثلاً لا يكون مجرّد التعبّد بها رافعاً لموضوع البراءة العقلية

ص: 28


1- فوائد الأُصول 4 : 724.

أعني قبح العقاب بلا بيان ، بل إنّما يرتفع موضوع هذه البراءة العقلية بالنظر إلى ثبوت المتعبّد به ، بحيث إنّه لو فرضنا محالاً انفكاك التعبّد عن ثبوت المتعبّد به لم تكن الأمارات المذكورة رافعة لموضوع البراءة العقلية.

وبعد أن فرضنا أنّ موضوع حجّية الظهور في كشفه عن إرادة المتكلّم مقيّد بعدم ثبوت ما يدلّ على إرادة خلافه ، يكون الخاصّ المذكور وارداً على ظهور العام لا حاكماً عليه ، لارتفاع موضوعه بذلك ارتفاعاً وجدانياً ، من دون فرق في ذلك بين القول بأنّ أصالة الظهور متوقّفة على أصالة عدم القرينة ، أو القول بأنّها في حدّ نفسها كاشفة كشفاً نوعياً عن إرادة المتكلّم ، لارتفاعها ولو على هذا القول بقيام الدليل على حجّية ذلك الخاصّ.

نعم ، لو كانت حجّية أصالة الظهور مقيّدة بعدم العلم الوجداني بإرادة المتكلّم خلاف الظاهر ، لكان الدليل على حجّية ذلك الخاصّ حاكماً عليها لا وارداً ، لأنّ الدليل على حجّية ذلك الخاصّ حينئذ لا يرفع موضوع ذلك الظهور للعام رفعاً حقيقياً ، بل إنّما يرفعه تنزيلاً.

والظاهر أنّه لا فرق في ذلك كلّه بين كون الخاصّ ظنّي الدلالة والسند وكونه ظنّياً من إحدى الجهتين. نعم لو كان قطعي الدلالة وقطعي السند لكان تقدّمه عليه من باب التخصّص لا الورود ولا الحكومة ، فتأمّل جيّداً.

قوله : فتأمّل في أطراف ما ذكرناه جيّداً ، وتأمّل في عبارة الشيخ قدس سره حقّ التأمّل (1).

قال الشيخ قدس سره : ثمّ إنّ ما ذكرنا من الورود والحكومة جارٍ في الأُصول اللفظية

ص: 29


1- فوائد الأُصول 4 : 725.

أيضاً ، فإنّ أصالة الحقيقة أو العموم معتبرة إذا لم يعلم هناك قرينة على المجاز ، فإن كان المخصّص - مثلاً - دليلاً علمياً كان وارداً على الأصل المذكور الخ (1).

والذي ينبغي الالتفات إليه هو أنّ القرينة التي اعتبر عدم العلم بها في حجّية ظهور العام هي ما يكون نصّاً في الخصوص ، بدلالة قوله في آخر المطلب : نعم لو فرض الخاصّ ظاهراً أيضاً خرج عن النصّ وصار من باب تعارض الظاهرين ، فربما يقدّم العام (2). وكذلك قوله : فالظاهر أنّ النصّ وارد عليها مطلقاً وإن كان النصّ ظنّياً (3) يعني ظنّي السند ، وحينئذ يكون محصّل الوجه الأوّل المعبّر عنه بكون أصالة العموم من باب أصالة عدم القرينة هو كون أصالة العموم مقيّدة بعدم العلم بإرادة خلافها ، ومن الواضح حينئذ أنّ الخاصّ القطعي السند والدلالة يكون وارداً على أصالة العموم ، وأنّ ما هو نصّ وقطعي الدلالة لكنّه ظنّي السند يكون حاكماً على أصالة العموم المفروض كونها مقيّدة بعدم العلم ، ودليل اعتبار سند ذلك الخاصّ لا يجعله علماً وجدانياً ، وإنّما يجعله علماً تنزيلياً ، فيكون خروجه عن موضوع حجّية أصالة العموم خروجاً تعبّدياً لا وجدانياً ، فلا يكون إلاّمن باب الحكومة.

نعم ، بناءً على التوسعة في موضوع حجّية أصالة العموم بجعله عبارة عن عدم ثبوت ما يخالفه ، يكون تقدّم هذا الخاصّ عليه من باب الورود. وهذا الأخير

ص: 30


1- فرائد الأُصول 4 : 15.
2- فرائد الأُصول 4 : 17.
3- فرائد الأُصول 4 : 16 - 17.

هو الذي أفاده بقوله : ويحتمل أن يكون الظنّي أيضاً وارداً الخ (1) ، هذا محصّل ما أفاده على الوجه الأوّل ، وهو كون أصالة الظهور من باب أصالة عدم القرينة.

ثمّ شرع في الوجه الثاني - وهو كونها من باب الظنّ النوعي - فجزم بالورود ، لأنّ الظنّ النوعي مقيّد بأن لا يكون ظنّ نوعي على خلافه ، وهذا القيد وجداني ، لعدم اجتماع [ الظنّ ] النوعي بالعموم مع الظنّ النوعي بالتخصيص ، ومع وجود الخاصّ الظنّي السند القطعي الدلالة يحصل الظنّ النوعي بما هو على خلاف العموم ، فينعدم موضوع حجّية العموم انعداماً وجدانياً ، فيكون تقدّم الخاصّ المذكور عليه من باب الورود.

ولا يبعد أن يكون مراده من الأصل بقوله هنا : فإذا وجد ارتفع موضوع ذلك الدليل نظير ارتفاع موضوع الأصل بالدليل (2) هو الأصل العقلي كقبح العقاب بلا بيان ، فإنّ تقدّم الدليل على الأصل الشرعي إنّما يكون بالحكومة لا بالورود.

نعم ، مراده بالأصل العملي في قوله فيما تقدّم في الوجه الأوّل : فالعمل بالنصّ القطعي ( يعني قطعي الصدور ) في مقابل الظاهر كالعمل بالدليل العلمي في مقابل الأصل العملي (3) ، هو مطلق الأصل وإن كان شرعياً ، لأنّ تقدّم الدليل المفيد للعلم على الأصل يكون بالورود ، سواء كان الأصل شرعياً أو كان عقلياً.

نعم ، هناك إشكال آخر ، وهو أنّ الغالب من هذه الموارد التي حكم فيها بالورود يكون التقديم فيها من قبيل التخصّص لا الورود ، فلاحظ.

ص: 31


1- فرائد الأُصول 4 : 16.
2- فرائد الأُصول 4 : 17.
3- فرائد الأُصول 4 : 15.

ثمّ إنّ الذي يظهر منه قدس سره هو اختيار الوجه الأخير ، ولأجل ذلك برهن عليه بقوله : ويكشف عمّا ذكرنا أنّا لم نجد ولا نجد من أنفسنا مورداً يقدّم فيه العام - من حيث هو - على الخاصّ ، وإن فرض كونه أضعف الظنون المعتبرة الخ (1) ، ومراده من الخاصّ ما يكون قطعي الدلالة مع كونه ظنّي السند.

ولكن لا يخفى أنّ هذا البرهان لا يكشف عن الوجه الأخير ، بل هو يلتئم مع الوجه الأوّل أيضاً بكلا شقّيه أعني الورود والحكومة ، فلاحظ.

ثمّ لا يخفى أنّ قوله : نعم لو فرض الخاصّ ظاهراً أيضاً خرج عن النصّ وصار من باب تعارض الظاهرين الخ ، شامل لما إذا كان الخاصّ الظنّي الدلالة قطعي السند أو ظنّي السند ، لأنّ الخاصّ لو كان ظنّي الدلالة كانت المقابلة بين ظهوره وظهور العام ، سواء كان العام قطعي السند أو كان ظنّي السند ، وهذا بخلاف ما لو كان الخاصّ قطعي الدلالة وظنّي السند ، فإنّ المقابلة فيه إنّما تكون بين سند الخاصّ وظهور العام ، لا بين سند الخاصّ وسند العام ، لتحقّق هذه المقابلة حتّى لو كان سند العام قطعياً. وتبقى المناقشة في جعل هذه الصورة - أعني صورة كون الخاص ظاهراً - من باب تعارض الظهورين لا من باب الورود ولا الحكومة ، ولعلّ ما ذكره من البرهان آت فيها ، فإنّا لم نجدهم توقّفوا في تقديم الخاصّ على العام في مورد من الموارد حتّى فيما لا يكون الخاصّ قطعي الدلالة ، اللّهمّ إلاّ أن يدّعى أنّ دلالة الخاصّ على حكم مورده دائماً تكون أقوى من دلالة العام عليه ، ولأجل ذلك لم يتوقّفوا في التقديم في مورد من تلك الموارد إلاّفي بعض الموارد التي يدّعى فيها أنّ العام آب عن التخصيص.

ص: 32


1- فرائد الأُصول 4 : 17.

ثمّ إنّ ما أفاده في الوجه الأخير ممّا حاصله ورود الظنّ النوعي الحاصل من سند الخاصّ القطعي الدلالة على الظنّ النوعي الحاصل من ظهور العام بحيث كان الظنّ الأوّل رافعاً للظنّ الثاني ، لعلّه لا يخلو عن تأمّل ، إذ ليس ذلك بأولى من العكس ، إلاّ أن يدّعى قوّة الظنّ الأوّل على الثاني ، فيرجع إلى نظير ما أفاده في آخر المطلب من كونهما من تعارض الظهورين ، أو يدّعى إمكان اجتماع الظنّين لعدم كونهما من الظنّ الفعلي ، بل هما من الظنّ الشأني المعبّر عنه بالظنّ النوعي ، ويدّعى كون حجّية الثاني مقيّدة بعدم الأوّل بخلاف حجّية الأوّل ، فتأمّل ، هذا ما حرّرناه سابقاً.

ولكن يمكن أن يقال : إنّ هذا التقديم - أعني تقديم ما نسمّيه بالقرينة على ذي القرينة الشامل لما يكون من قبيل التقييد وما يكون من قبيل التخصيص ، وغير ذلك من مسائل الجمع الدلالي حتّى مسألة الجمع بكون أحد النهيين للتحريم والآخر للكراهة وغير ذلك - كلّه من باب تقديم أقوى الظهورين على الآخر ، ففي المتّصل يكون الأقوى كاسراً لظهور الأضعف ، وفي المنفصل لا يكسر ظهوره بل إنّما يكسر حجّيته ، فما أشبه هذه المسألة بمسألة أقوى الملاكين ، حيث إنّ ذلك إن كان في مقام التشريع اندحر الأضعف ولم يؤثّر ، وإن كان في مقام التزاحم والامتثال لم يسقط الأضعف إلاّخطاباً.

ثمّ إنّ معنى كسره حجّيته أنّ المنكسر لا يكون كاشفاً عن مراد المتكلّم ، بل الكاشف عنه هو الأقوى ، وليس ذلك إلاّذوقيّاً ، ربما كانت أذواق الأشخاص وبالأحرى المقامات فيه مختلفة ، إذ إنّ الشائع هو كون ظهور الخاصّ هو المقدّم ، ولكن ربما نعثر على مورد يتقدّم فيه العام ، بدعوى أنّ المنظور إليه في الدليل

ص: 33

الخاصّ هو العموم ، لكن ذكر الخاصّ من باب المثال أو من باب أنّه الغالب أو الأكثر أو لبيان تحريك العاطفة أو نحو ذلك من الجهات ، كما في تقييد الربائب بأنّها في الحجور ، فليس هناك [ ورود ] ولا حكومة ولا قرينة وذو القرينة ، وإنّما جلّ ما هناك الذوق والارتكاز ، وهذا هو محصّل الاجتهاد في فهم مرادات المتكلّمين من كلامهم ، ولا يختصّ به أهل لسان خاصّ ، بل هو جارٍ في جميع المحاورات.

ولو راجعت الفقه لرأيت أنّ أغلب الاختلافات في الفروع راجع إلى هذا النحو من الاختلاف ، وليس لذلك حدّ محدود ولا قانون مضبوط ، بحيث إنّه يكون التخلّف عنه واضحاً ظاهراً ، وأقصى ما في البين أن نقول إنّه تساعد عليه طريقة العقلاء في المحاورة ، ومن الواضح أنّ ذلك لا يكون من الضوابط الواضحة التي توقف المخالف عند حدّه ، بل كلّ يرى أنّ ما صار إليه من الجمع بين الدليلين بل ما أخذه من الدليل الواحد وإن لم يكن له معارض هو المطابق للطريقة العقلائية.

وما أشبه ذلك بدعوى فهم العرف المعنى الفلاني من اللفظ الفلاني في حين أنّه لم يسأل العرف ولم يذهب إلى محكمتهم وأين هي ، وما العرف إلاّهو ، وما الطريقة العقلائية إلاّمنه ، سنّة اللّه تعالى في خلقه ليجري النظام وتنفتح أبواب الاجتهاد ، فإنّه يدور على ذلك. بل لعلّ الاختلاف في كثير من المسائل العقلية يدور على ذلك ، كمسائل التحسين والتقبيح العقليين ونحو ذلك ممّا يكون الحاكم به هو عقل الإنسان نفسه ، وبالأحرى أنّ الحاكم به هو نفس مدّعيه ، لا أنّ هناك محكمة مفتوحة تصدر تلك الأحكام ابتداءً منها أو بعد الاستفهام والسؤال.

ص: 34

قوله : المبحث الخامس في حكم التعارض (1).

قال قدس سره فيما حرّرته عنه : إنّ الكلام يقع في ثلاثة مباحث ، فإنّ المتعارضين إمّا أن يمكن الجمع بينهما من حيث الدلالة بحمل أحدهما على الآخر بنحو يأتي تفصيله إن شاء اللّه تعالى ، وإمّا لا يمكن فيهما ذلك ، وعلى الثاني فإمّا أن لا يكون

ص: 35


1- فوائد الأُصول 4 : 725. [ وجدنا ورقة منفصلة ألحقها المصنّف قدس سره بالأصل ، فيها ما يلي : ] وأمّا قولهم : الجمع مهما أمكن فهو أولى من الطرح ، فليس هو في هذا المقام ، بحيث إنّه لو كانت إحدى الروايتين أقوى سنداً من الأُخرى لكن أمكن تأويلها وحملها على خلاف ظاهرها على وجه ترجع إلى مفاد الأُخرى ، كان ذلك التأويل أولى من الرجوع إلى المرجّحات السندية القاضية بطرح الأُخرى ، بل هو في مقام احترام الرواية وأنّها لو عورضت بأُخرى هي أقوى منها وكانت قواعد التعارض قاضية بالعمل على تلك الأُخرى ، فالذي ينبغي هو إرجاع مضمون هذه مهما أمكن ولو بالتأويل إلى مضمون تلك ، فإنّ ذلك أولى من طرحها وإلقائها - كما في لسان أهل عصرنا - في سلّة المهملات ، ومن الواضح أنّ ذلك لا دخل له بالجمع الدلالي السابق في الرتبة على الجمع السندي ليرد عليه أنّه لو فتحنا هذا الباب لانسدّ باب التعارض ، فإنّه بقرينة مقابلته بالطرح يكون المراد به هو أنّه بعد إعمال قواعد التعارض القاضية بتقديم هذه وطرح تلك يكون تأويل تلك وإرجاع مفادها إلى مفاد هذه أولى من طرحها. نعم ، يرد عليه أنّ ذلك لا يكون من القواعد التي ينبغي أن تحرّر ، بل هو حكم احترامي لا يترتّب عليه أثر عملي في مقام الاستنباط ، فلاحظ وتأمّل. والخلاصة : هي أنّ المراد هو أنّ تأويل الرواية التي هي ضعيفة سنداً أولى من طرحها ، لا أنّ تأويل الأقوى سنداً أولى من طرح الأُخرى ، ولا أنّ تأويل الروايتين أولى من طرح ما هي الأضعف سنداً منهما ، ولا أنّ تأويلهما معاً أولى من طرحهما معاً لو قلنا بالتساقط عند التساوي في المرجّحات السندية [ منه قدس سره ].

في البين رجحان سندي أو جهتي لأحدهما على الآخر أو يكون ، فالمبحث الأوّل في الجمع الدلالي. الثاني : في التعادل وأنّ الأصل فيه التخيير أو التساقط. الثالث : في التراجيح.

وهذا الترتيب أولى ممّا صنعه الشيخ قدس سره من جعل باب التعارض مشتملاً على مقصدين هما التعادل والتراجيح ، وجعل قاعدة الجمع مقدّمة ، وذلك لأنّ قاعدة الجمع قاعدة مهمّة ينبغي أن تفرد في مبحث على حدة. ثمّ أخذ قدس سره في بيان الجمع الدلالي وموارده.

قلت : ولا يخفى أنّ قاعدة الجمع الدلالي مع أهميّتها التي أشار إليها قدس سره هي ذات مزية أُخرى ينبغي أن تنفرد بالبحث ، ويكون البحث عنها سابقاً على المبحثين المشار إليهما أعني مبحث التعادل ومبحث التراجيح ، لأنّ هذين البحثين في طول قاعدة الجمع ، فبعد عدم إمكان الجمع الدلالي بين الخبرين المتنافيين يقعان مورداً للتعادل أو للتراجيح.

قوله : وكذا لا عبرة بما ذكروه في تعارض الأحوال من الشيوع والغلبة وكثرة الاستعمال ونحو ذلك ، فإنّه لا أثر لشيء منها في رفع التعارض (1).

قلت : ولكن ربما قدّم الفقيه أحد الخبرين على الآخر لأجل بعض هذه الأُمور أو لما هو أضعف منها حسب ما يراه في ذوقه العرفي مرجّحاً دلالياً ، فإنّ هذه الأُمور لا تدخل تحت ضابط ، لأنّها كما أشرنا إليها ذوقية ، فربما رأى الفقيه أنّ كثرة الاستعمال في بعض الموارد موجبة لتمامية الظهور على وجه تلحق بالقرينة المتّصلة ، ويكون الفقيه الآخر على خلاف ذلك.

ص: 36


1- فوائد الأُصول 4 : 727.

قوله : بل طريق رفع التعارض ينحصر بأحد أمرين ، إمّا أن يكون أحدهما نصّاً في مدلوله والآخر ظاهراً ، وإمّا أن يكون أحدهما بظهوره أو أظهريته ... الخ (1).

مثال الأوّل : الخاصّ القطعي الدلالة ، ويتأتّى تقديم النصّ على الظاهر في المتباينين كما لو قال : لا تشرب التتن ، وورد أنّه يجوز له شربه ، فإنّ الثاني لكونه نصّاً في الجواز يكون قرينة على أنّ المراد بقوله : « لا تشرب » الكراهة. ومثال الثاني : الخاصّ الظاهر الدلالة.

وللأوّل ملحقات كما أنّ للثاني ملحقات ، فملحقات الأوّل هي ما أشار إليها بقوله : ومنها ما إذا كان لأحد الدليلين قدر متيقّن في مقام التخاطب - إلى قوله - هذا كلّه فيما يندرج في الأمر الأوّل (2). وأمّا ملحقات الثاني فهي ما أشار إليها بقوله : وأمّا ما يندرج في الأمر الثاني الخ (3).

ولعلّ هذا الترتيب أولى ممّا في هذا التحرير من إدخال الأوّل في ملحقاته وجعل الموارد خمسة ، ولا يخفى ما فيه ، كما أنّه على التحرير المذكور لم يذكر الخاصّ الظاهر في التخصيص.

ثمّ لا يخفى أنّ القدر المتيقّن في مقام التخاطب وإن لم يوجب انصراف المطلق إلى المقيّد ، إلاّ أنّه على الأقل يوجب سقوط حجّية المطلق في الاطلاق ، وتنحصر حجّيته في خصوص القدر المتيقّن ، وحينئذ يكون أخصّ من العام الآخر ، لكن لا من باب ظهوره في التخصيص ، بل من باب اختصاص حجّيته

ص: 37


1- فوائد الأُصول 4 : 727.
2- فوائد الأُصول 4 : 728 - 729.
3- فوائد الأُصول 4 : 729.

بالخاصّ ، وحينئذ يشكل تقدّمه على العام ، لأنّ المتيقّن من موارد التقديم هو كون الظهور مقصوراً على الخاصّ ، لا أنّ الحجّية مقصورة عليه بعد فرض عدم كون ظهوره مقصوراً عليه.

ولا يرد على ذلك ما هو مسلّم من عدم التوقّف في تخصيص العام بالقدر المتيقّن من الخاصّ المنفصل المردّد بين الأقل والأكثر على نحو الشبهة المفهومية مثل ما لو قال : أكرم العلماء ، ثمّ قال : لا تكرم فسّاق العلماء ، وتردّد الفاسق بين خصوص مرتكب الكبيرة أو مطلق المرتكب حتّى الصغيرة ، لأنّ ذلك إنّما يكون بعد فرض كون الخاصّ أخصّ مطلقاً من العام حتّى لو أخذ الأكثر منه بأن أخذ الفاسق بمعنى مطلق المرتكب ، بخلاف ما نحن فيه ممّا يكون الأكثر غير أخصّ من العام بل كان بينهما العموم من وجه.

وعلى كلّ حال ، لو قلنا بالتقديم في الصورة المزبورة لا يكون ذلك من القسم الأوّل أعني النصّ ، بل يكون من القسم الثاني.

لكنّه قدس سره في باب المطلق والمقيّد قد حقّق أنّ القدر المتيقّن في مقام التخاطب لا يوجب سقوط [ ظهور ] المطلق في الاطلاق ، ولم يجعل عدمه من مقدّمات الحكمة (1) ، فلأجل ذلك عدّه فيما نحن فيه من ملحقات النصّ على التخصيص.

وبالجملة : أنّ القدر المتيقّن سواء كان في مقام التخاطب أو لم يكن في مقام التخاطب بل كان من قبيل القدر المتيقّن إرادته من المطلق ، يكون ذلك المطلق نصّاً فيه ، فيكون بذلك مقدّماً على الدليل الآخر الذي هو أعمّ منه من

ص: 38


1- راجع أجود التقريرات 2 : 432 - 434 ، وراجع أيضاً المجلّد الخامس من هذا الكتاب ص 429 وما بعدها.

وجه ، فإنّ هذا المطلق وإن كان في حدّ نفسه ظاهراً في الاطلاق ، إلاّ أنّه لمّا كان إرادة ما هو مورد المعارضة منه قطعية كان بالنسبة إلى مورد المعارضة نصّاً ، فيقدّم على معارضه وإن لم يكن بالنسبة إلى مورد الانفراد الذي هو خارج عن المعارضة إلاّ ظاهراً لا نصّاً.

لكن لا يخفى أنّ هذه النصوصية إنّما هي بالنسبة إلى ما هو خارج عن المعارضة ، بمعنى أنّ هذا العام من وجه تكون دلالته بالنسبة إلى مورد المعارضة قطعية بالقياس إلى ما هو خارج عن المعارضة ممّا ينفرد فيه هو عن العام الآخر (1) وذلك لا يوجب كون دلالته على مورد المعارضة أظهر من دلالة العام الآخر عليه ، فضلاً عن كونها نصّاً بالقياس إليه.

وبالجملة : أنّ تقديم الخاصّ المطلق على العام المطلق سواء كان الخاصّ نصّاً أو ظاهراً ، إنّما هو من جهة كون الخاصّ في نظرهم مقدّماً على العام ، بحيث إنّه لو جمع بينهما في كلام واحد لكان ظهور ذلك العام منقلباً إليه ، وهذا المعنى لا يتأتّى في العامين من وجه اللذين يكون أحدهما نصّاً في مورد المعارضة ، فينبغي أن يقال إنّه لا يمكن الجمع الدلالي بينهما ، وينحصر فيهما بالرجوع إلى

ص: 39


1- بحيث لا يمكن إخراج مورد المعارضة عنه وإبقاء ما هو خارج عن موردالمعارضة ، وهذا لا يقتضي كون هذا العام نصّاً في مورد الاجتماع بالنسبة إلى الآخر على وجه لو كان الآخر بالنسبة إلى مورد الاجتماع أيضاً كذلك بحيث كان كلّ من العامين من وجه وارداً مثلاً في مورد الاجتماع لكان تعارضهما من قبيل تعارض النصّين ، ولا أظن أنّهم يعاملونهما معاملة النصّين المتعارضين ، بل الظاهر أنّهم يجرون عليهما أحكام تعارض الظاهرين ، لكن لا يبعد إجراء حكم تعارض النصّين عليه ، كما لو سئل عن إكرام العالم الفاسق فقال : يجب إكرام العلماء ، وسئل أيضاً عن إكرام الفاسق العالم فقال : يحرم إكرام الفسّاق [ منه قدس سره ].

المرجّحات الجهتية أو المضمونية إن كانت وإلاّ فالتساقط أو التخيير.

لكن يمكن أن يقال بما أشرنا إليه سابقاً من اختلاف المقامات ، وأنّه ربما أو كثيراً ما كان ظهور العام المطلق الذي هو بهذه الكيفية بالنسبة إلى مورد المعارضة ظهوراً قوياً ، على وجه يلحق عند أهل اللسان بالخاصّ المطلق في تقديمه على العام وجعلهما من قبيل القرينة وذيها ، وهكذا الحال في باقي هذه الملحقات.

وحاصل الإشكال في جميع هذه الملحقات الأربعة : هو أنّا لسنا بمجبورين على تخصيص أحد العامين من وجه بالآخر كي نقول إنّ المتعيّن للتقديم هو الواجد لإحدى هذه الجهات الأربع ، لأنّا لو عكسنا لزم خروج ما هو القدر المتيقّن الارادة ، أو لزم التخصيص المستهجن ، أو لزم خروج الدليل عمّا هو ظاهر فيه من التحديد ، أو لزم خروج مورد العام المعبّر عنه بتخصيص المورد ، بل إنّا نرى التعارض بينهما ، فيلزم الرجوع إلى قواعد التعارض من المرجّحات أو التساقط والتخيير ، إلاّ إذا كانت جهة من هذه الجهات توجب الأظهرية لذيها على وجه تعدّ عند أهل اللسان بالقرينة المتّصلة الموجبة لقلب الظهور في الطرف الآخر ، لكن لا يبعد أنّ الأمر كذلك في غالب هذه الموارد.

نعم ، بعد فرض التعارض والتكافؤ في مثل هذه العمومات المتعارضة وبعد الرجوع إلى التخيير ربما نقول : إنّه بعد ثبوت التخيير بينهما ولزوم العمل بأحدهما إنّ الأولى هو ترجيح الأخذ بذي المزية المذكورة ، على تأمّل في لزوم ذلك.

ولا يخفى أنّ القول بالتساقط لا يدفع الإشكال ، لأنّه حينئذ يخرج القدر المتيقّن أو يبقى العام على مورد نادر ، أو يخرج عنه مورده ، إلى آخر المحاذير

ص: 40

الأربعة عند تقديم طرفه عليه.

ثمّ لا يخفى أنّ الأنسب هو عدّ القسم الثاني من هذه الملحقات من قبيل القدر المتيقّن الخارجي ، وعدّ الأوّل والرابع منها من قبيل القدر المتيقّن في مقام التخاطب ، فإنّ كلاً منهما يكون مكتنفاً بما يصلح للقرينية ، أمّا الأوّل فهي مناسبة الحكم والموضوع كما شرحناه فيما حرّرناه عنه قدس سره ، وأمّا الثاني فهي كون العام وارداً في مورده ، ولكن مع ذلك لا فائدة فيه في المطلوب - أعني تقديمه على المطلق الآخر - إلاّمن ناحية كون المورد متيقّن الارادة ، ومجرّد أنّ مورد الاجتماع متيقّن الارادة من أحد العامين لا يوجب تقدّمه على العام الآخر ، مثال ذلك ما لو قال : كلّ مائع طاهر ، ثمّ قال : المسكر نجس ، ونحن من الخارج نعلم بأنّه لا يمكن أن يريد من الثاني خصوص الجامد ، بل هو - أعني الحكم بالنجاسة على المسكر - إمّا شامل للمائع والجامد ، أو أنّه مختصّ بخصوص المائع الذي هو مورد المعارضة ، لا من جهة أنّ الجامد نادر ، ولا من ناحية أُخرى توجب كون المائع قدراً متيقّناً في مقام التخاطب ، بل ليس المثال إلاّمن قبيل القدر المتيقّن الخارجي ، وليس ذلك بمجرّده موجباً للتقديم.

ولو فتحنا هذا الباب لانسدّ علينا باب التعارض في المطلقات المتباينة ، إذ ما من مطلق إلاّوفيه قدر متيقّن مثل اعتق رقبة ولا تعتق رقبة ، فإنّ المؤمنة قدر متيقّن من الأوّل والكافرة قدر متيقّن من الثاني ، وكذا مثل « ثمن العذرة سحت » ومثل « لا بأس بثمن العذرة » فالأوّل قدر متيقّن في العذرة النجسة والثاني قدر متيقّن في الطاهرة ، ومثل الزوجة لا ترث من غير المنقول والزوجة ترث منه فالأوّل قدر متيقّن في غير ذات الولد والثاني قدر متيقّن في ذات الولد وهكذا.

وقد احترز شيخنا قدس سره عن أمثال ذلك بأنّه لابدّ في القدر المتيقّن من منشأ

ص: 41

عقلائي يفهمه أهل اللسان بحيث يكون قابلاً لأن يكون قرينة على التصرّف في الآخر. ولكن لا يخفى أنّه إن كان بمرتبة من الظهور على وجه يوجب الاختصاص خرج عمّا نحن فيه ، لكونه من قبيل التخصيص فيما هو خاصّ الدلالة ، وإلاّ فلا يكون قرينة على التصرّف في الآخر.

ثمّ إنّه يمكن أن يقال : إنّ مورد لزوم تخصيص الأكثر يوجب انقلاب النسبة إلى كون العام الذي يلزم من تخصيصه تخصيص الأكثر أخصّ من العام الآخر ، فإنّا لو فرضنا أنّ العالم غير الشاعر أقل قليل بالنسبة إلى العالم الشاعر ، وقال : أكرم العلماء ولا تكرم الشعراء ، يكون أكرم العلماء أخصّ من لا تكرم الشعراء ، نظراً إلى قلّة انفراد العالم عن الشاعر على وجه يلحق بالعدم ، وذلك كما يقال في الفرض إنّه لو قال : لا تكرم العالم الشاعر ، يكون هذا القول بحسب نظر أهل اللسان مبايناً لقوله : لا تكرم العلماء ، نظراً إلى أنّه لا يزيد عليه إلاّفي فرد واحد وهو العالم غير الشاعر ، وهو لقلّته بحكم العدم ، ويجري على المثالين حكم التباين لا العام والخاصّ المطلق.

وبعد إخراج الصورة المشار إليها عمّا نحن فيه يبقى الكلام في باقي الصور ، ويمكن القول فيها بتقديم صاحب المزية لا من جهة النصوصية ، بل من جهة كونه في نظر أهل اللسان من قبيل القرينة على التصرّف في الآخر ، لكن لابدّ من كون تلك الجهة داخلة في هذه العلّة - أعني القرينية العرفية عند أهل اللسان - لا مجرّد اعتبار صرف ، فلا يرد النقض بالمتباينين اللذين يكون القدر المتيقّن فيهما متعاكساً ، كما في مثل الزوجة ترث ومثل الزوجة لا ترث ، فتأمّل.

أمّا القسم الثالث ، أعني كون أحدهما وارداً مورد التحديد ، فقد قال قدس سره فيما حرّرته عنه : الثالث أن يكون أحد العامين أو الاطلاقين المتعارضين وارداً في مقام

ص: 42

التحديد ، بحيث يفهم منه لأجل كونه وارداً في ذلك المقام أنّ المراد منه تمام الأفراد ، وأنّ المتكلّم لم يعتمد في إرادة خلاف الظاهر على القرينة المنفصلة ، إذ ليس للحكيم أن يعتمد في ذلك المقام على القرينة المنفصلة ، فيكون العام أو المطلق الوارد في ذلك المقام بمنزلة النصّ في شموله لتمام الأفراد ، على وجه لا يقدّم عليه ما يعارضه إلاّ إذا كان في أقصى درجات قوّة الدلالة ، فيلحق التعارض الواقع بين مثل هذا المطلق أو العام وبين غيره ممّا لم يكن في ذلك المقام بباب النصّ والظاهر ، انتهى.

قلت : ومثال ذلك أن يقول : إنّ الميزان في وجوب الاكرام الذي يكون عليه المدار وجوداً وعدماً هو كون الشخص عالماً ، وبمثل هذا اللسان أو هذا المقام يقدّم هذا الدليل على مثل قوله لا تكرم الفسّاق بالنسبة إلى مورد المعارضة أعني العالم الفاسق ، ولعلّ هذا المورد وأمثاله هو أحد الموارد التي يقال عنها إنّ هذا العام آب عن التخصيص. وعلى كلّ حال إنّ هذا المطلب لا دخل [ له ] بما في التحرير (1) من المقادير والأوزان والمسافة ، فلاحظ.

ثمّ لا يخفى أنّ الذي حرّرته عنه قدس سره في الأوّل الذي هو كون القدر المتيقّن في مقام التخاطب ولو بمعونة مناسبة الحكم والموضوع مناسبة عرفية ، ومثّل لذلك بما في هذا التحرير من قوله : أكرم العلماء وقوله : لا تكرم الفسّاق ، وشرحه بما في هذا التحرير (2) من أنّ المتكلّم لا يحبّ إكرام فاسق العلماء ، ثمّ قال ما هذا لفظه على ما حرّرته عنه : وإنّما قيّدنا المناسبة بكونها عرفية احترازاً عمّا ذكره

ص: 43


1- فوائد الأُصول 4 : 729.
2- فوائد الأُصول 4 : 728.

الشهيد قدس سره (1) في الأخبار الدالّة على إرث الزوجة مطلقاً والأخبار الدالّة على عدم الإرث ، بحمل الأُولى على ذات الولد والثانية على غير ذات الولد ، من جهة مناسبة الحكم للموضوع المستفادة من التعليل الوارد في بعض أخبار المنع بأنّها تدخل عليهم من لا يحبّون ، فإنّه يستفاد منه كون غير ذات الولد قدراً متيقّناً ، وإنّما احترزنا عنه لأنّ هذه المناسبة ليست مناسبة عرفية يطلع عليها كلّ أحد ، فلا تكون موجبة لكون موردها قدراً متيقّناً في مقام التخاطب كي يكون نصّاً فيها ، انتهى.

فهو قدس سره لم يناقش في مرجّحية القدر المتيقّن في مقام التخاطب ولم ينكره أصلاً ، وإنّما ناقش في صغرى خاصّة ممّا ادّعاه الشهيد قدس سره من صغرياته ، وهي ما أفاده في الأخبار المذكورة.

ومن ذلك يظهر لك التأمّل فيما نسبه إليه السيّد سلّمه اللّه في تحريره من قوله : ولكنّك عرفت في بحث المطلق والمقيّد - إلى قوله - فالحقّ سقوط هذا المرجّح عن المرجّحية من أصله (2) ، فراجع وتأمّل.

ثمّ لا يخفى أنّ هذا المثال وهو قوله الزوجة ترث وقوله الزوجة لا ترث ، خارج عمّا نحن فيه من تحقّق القدر المتيقّن في أحد الدليلين اللذين بينهما العموم من وجه دون الآخر ، فإنّ هذا المثال من قبيل المتباينين اللذين يكون

ص: 44


1- [ لعلّه قدس سره استفاد ذلك من عبارة الشهيد الثاني رحمه اللّه في شرح اللمعة : « والتعليل الوارد فيها له وهو الخوف من إدخال المرأة على الورثة من يكرهون ، شامل لهما أيضاً وإن كان في الخالية من الولد أقوى » فراجع الروضة البهيّة 8 : 176 أو من عبارته رحمه اللّه في رسالته المفردة في إرث الزوجة : « ووجه الجمع حمل تلك الأخبار على غير ذات الولد وهذه على ذات الولد لمناسبة كلّ واحدة لحكمها دون العكس ». فراجع رسالة في إرث الزوجة ( ضمن رسائل الشهيد الثاني رحمه اللّه ) 1 : 468 ].
2- أجود التقريرات 4 : 292.

لأحدهما قدر متيقّن في صنف وللآخر قدر متيقّن في صنف آخر. نعم إن لازم ما ذكره قدس سره فيما نحن فيه من تقديم ذي القدر المتيقّن على غيره هو لزوم الجمع في المتباينين ، بحمل كلّ منهما على ما يكون قدراً متيقّناً فيه.

ومن ذلك ما حكاه الشيخ قدس سره في نكاح الإماء من ملحقات المكاسب فيما لو شرط مالك الجارية على زوجها الحرّ رقّية أولادها منه ، من الجمع بين الأخبار القائلة بأنّ الأولاد أرقّاء مثل رواية أبي بصير ، قال عليه السلام : « لو أنّ رجلاً دبّر جارية ثمّ زوّجها من رجل فوطئها كانت جاريته وولده منها مدبّرين ، كما لو أنّ رجلاً أتى قوماً فتزوّج إليهم مملوكتهم ، كان ما ولد لهم مماليك » (1) فإنّ ظاهرها الحكم برقّية الولد ، لكنّه محمول على ما إذا اشترط على الأب رقّية الولد ، لأنّ الأخبار (2) المستفيضة الدالّة على حرّية الولد بحرّية أحد أبويه ناصّة في الحرّية مع عدم اشتراط الرقّية ، لأنّه المتيقّن من أفرادها ، ظاهرة فيها مع اشتراط الرقّية ، وهذه الرواية نصّ في الرقّية في صورة الاشتراط ، لأنّها المتيقّنة من إطلاقها ، ظاهرة فيها في صورة عدم الاشتراط ، فينبغي رفع اليد من ظاهر كلّ منهما بنصّ الآخر - إلى أن قال - لكن الإنصاف أنّ روايات الحرّية على الاطلاق أقوى دلالة وأكثر عدداً ، مع أنّ الجمع المذكور لا شاهد عليه - إلى أن قال - وأمّا حديث وجوب الوفاء بالشروط والعقود المتضمّنة لها فلا ربط له بما نحن فيه ، لأنّ رقّية الولد ليس ممّا يملكه الشخص حتّى يلتزم به ، فإنّ الحقّ فيه لله سبحانه ولا تسلّط للعباد عليه ، فليس رقّية الولد قابلاً لأن يلتزم به الشخص حتّى يجب الوفاء به ، كما لا يجوز

ص: 45


1- وسائل الشيعة 21 : 123 / أبواب نكاح العبيد والإماء ب 30 ح 10 ( مع اختلاف يسير ).
2- المصدر المتقدّم : ب 30.

اشتراط رقّية ولد الحرّين ، وهذا واضح (1) ، انتهى كلامه قدس سره.

ولا يخفى أنّه لو تمّ ذلك - أعني لزوم حمل كلّ من المتباينين على ما هو القدر المتيقّن منه - لانسدّ باب التعارض في المتباينين حتّى في مثل أكرم العلماء ولا تكرم العلماء ، بحمل الأوّل على خصوص العدول منهم والثاني على خصوص الفسّاق منهم ، إذ ما من متباينين إلاّولكلّ منهما قدر متيقّن.

ولكن شيخنا قدس سره احترز عن ذلك بكون القدر المتيقّن في مقام التخاطب ، فيخرج عنه ما له قدر خارجي لا في مقام التخاطب كما في مثل الأمثلة المذكورة ، بل إنّه قدس سره ضيّق الدائرة بما هو أزيد من ذلك ، وذلك باعتبار كون القدر المتيقّن في مقام التخاطب الذي هو عبارة عمّا يكون مقروناً بما يحتمل القرينية من قبيل [ ما ] يقتنع به العرف على وجه يكون صالحاً للقرينية بنظر العرف ، فلا عبرة بالاعتبارات الاحتمالية الصرفة التي لا يحتملها العرف ، وذلك مثل ما أفاده الشهيد قدس سره من التعليل بأنّها تدخل عليهم من لا يحبّون.

ولا يخفى أنّ ما أفاده قدس سره من القرينة في مثال أكرم العلماء ولا تكرم الفسّاق من أنّ المتكلّم لا يريد إكرام العالم الفاسق ، وأنّه بنظره أسوأ حالاً من الفاسق غير العالم ، هي أضعف احتمالاً من القرينة التي أفادها الشهيد قدس سره ، لإمكان أن يقال إنّ القرينة بالعكس ، فلعلّ الفاسق غير العالم أسوأ حالاً من الفاسق العالم باعتبار اشتماله على صفة العلم ، فلعلّ أن يكون مبغوضية الفسق في غيره أقوى منها فيه ، وإن كانت كلّها احتمالات لا يعتنى بها في مقام الجمع والتقديم ، فلاحظ.

ولو سلّمنا كون الفاسق غير العالم أبغض عليه من الفاسق العالم لم يكن ذلك موجباً لتقديم أكرم العلماء عليه ، إذ لا يكون مورد الاجتماع هو القدر

ص: 46


1- كتاب النكاح : 182 - 183.

المتيقّن ، وإنما يكون مورد انفراد لا تكرم الفسّاق قدراً متيقّناً وهو غير نافع في مورد الاجتماع.

والخلاصة : هي أنّ القدر المتيقّن الخارجي بل وكذلك القدر المتيقّن في مقام التخاطب (1) لا أثر له ما لم يكن موجباً لقوّة الظهور في مورد المعارضة بحيث يكون أقوى ظهوراً ولا ينفع في التقديم ، ولأجل ذلك لم يعتنوا به في مقام التباين كما في مثل ثمن العذرة سحت ، ومثل لا بأس بثمن العذرة ، وجعلوا ذلك من الجمع التبرّعي. نعم في مثل مورد العام ، ومثل ما لو كان موجباً لبقائه على فرد نادر ، ربما كان موجباً لأقوائية الظهور على الطرف المقابل فيقدّم عليه.

قوله : ولكن شمول العام الأُصولي لمورد الاجتماع أظهر من شمول المطلق له ، لأنّ شمول العام لمادّة الاجتماع يكون بالوضع ، وشمول المطلق له يكون بمقدّمات الحكمة ، ومن جملتها عدم ورود ما يصلح أن يكون بياناً للتقييد والعام الأُصولي يصلح لأن يكون بياناً ... الخ (2).

لا يخفى أنّ هذا الأخير هو العمدة في توجيه التقديم ، وأمّا مجرّد الأظهرية وكون أحدهما بالوضع والآخر بالاطلاق فلا أثر له ، فالعمدة هو كون العام الأُصولي رافعاً لمقدّمات الحكمة في الاطلاق الشمولي ، وشرح هذا يتوقّف على تفسير البيان في قولهم : إنّ المتكلّم في مقام البيان ولم يبيّن.

فتارةً يكون المراد منه هو البيان في هذه الجملة ، بمعنى أنّه كان بصدد إفادة

ص: 47


1- كما لو قال أكرم العالم ، وقال : لا تكرم الفاسق ، واعتن بالكاتب ، وصدّق المخبرإذا كان عالماً ، فينحصر حجّية قوله : لا تكرم الفاسق بما إذا كان عالماً من جهة القرينة في مقام التخاطب [ منه قدس سره ].
2- فوائد الأُصول 4 : 730.

جميع ما له الدخل في موضوع حكمه في هذه الجملة التي ألقاها إلى السامع ، ولو بمعونة القرائن الظاهرة الحالية أو المقالية التي تعدّ من القرائن المتّصلة ، بحيث تكون بياناً في مقام التخاطب.

وأُخرى يكون المراد منه هو إظهار مراده ولو بمعونة القرائن المنفصلة ، فلو قال : اعتق رقبة ، ولم يذكر الإيمان فيها ، ثمّ بعد ذلك عثرنا على دليل يدلّ على اعتبار الإيمان فيها ، فعلى الأوّل يكون هذا الدليل الثاني كاشفاً عن خطئنا في المقدّمة الأُولى القائلة إنّ المتكلّم في مقام بيان مراده في مقام التخاطب وإظهاره بواسطة تلك الجملة السابقة ، من دون فرق في ذلك بين كون ذلك الدليل على التقييد سابقاً على تلك الجملة وكونه لاحقاً لها ، وعلى هذا التقدير لو صدر منه قوله : أكرم العالم ، ثمّ بعد ذلك عثرنا على قوله : لا تكرم الفسّاق ، فقوله : لا تكرم الفسّاق ، نظراً إلى أنّ عمومه لا يتوقّف على مقدّمة من المقدّمات لفرض كونه وضعياً ، ومع فرض هذا الدليل الحاكم بمقتضى أصالة العموم فيه أنّه يحرم إكرام كلّ فاسق حتّى العالم الفاسق ، تكون المقدّمة الأُولى من مقدّمات إطلاق قوله أكرم العالم ساقطة ، لأنّ هذا العموم كاشف عن أنّ مراده هو خصوص العالم غير الفاسق ، وبناءً عليه نقول إنّه لم يكن عند صدور قوله « أكرم العالم » في مقام بيان مراده. هذا من ناحية العام الأُصولي.

وأمّا من ناحية ذلك المطلق الشمولي فلا يمكن أن نجعله قرينة على التصرّف في قوله لا تكرم الفسّاق ، بإخراج العالم منهم أو معارضته له فيه ، إلاّبعد ثبوت إطلاقه المتوقّف على جريان المقدّمة الأُولى التي عرفت أنّ العام الأُصولي رافع لها وكاشف عن عدم تحقّقها ، من دون فرق في ذلك بين كون هذا العام الأُصولي سابقاً على ذلك المطلق أو كونه لاحقاً له ، هذا بناءً على التفسير الأوّل

ص: 48

للبيان المذكور في مقدّمتي الحكمة.

وأمّا بناءً على التفسير الثاني فالأمر أيضاً كذلك ، غير أنّه بناءً عليه يكون العثور على دليل التقييد المنفصل كاشفاً عن الخطأ في المقدّمة الثانية لو كان سابقاً على المطلق وعن الخطأ في المقدّمة الأُولى لو كان لاحقاً ، إن كان المراد بالمقدّمة الأُولى هو خصوص البيان المقارن الأعمّ من المتّصل والمنفصل ، وإن كان المراد منها هو الأعمّ من البيان المتّصل والبيان المنفصل الأعمّ من المقارن والمتأخّر ، فلا يكون كاشفاً إلاّعن خطأ الثانية القائلة إنّه لم يبيّن ، استناداً إلى أصالة عدم القرينة الأعّم من السابقة واللاحقة بمعنى عدم لحوقها.

وعلى كل ، يكون العام الأُصولي رافعاً لإحدى مقدّمتي الحكمة في المطلق الشمولي فيقدّم عليه ، بخلاف المطلق الشمولي فإنّ معارضته للعام الأُصولي أو تخصيصه له لا يمكن إلاّبعد ثبوت ظهوره الاطلاقي المتوقّف على تمامية المقدّمات التي يكون ذلك العام الأُصولي رافعاً لها.

ومن ذلك كلّه تعرف أنّ الوجه في هذا التقديم ليس هو صلوح العام الأُصولي للقرينية ، بل هو كونه رافعاً لمقدّمة الحكمة في المطلق الشمولي ، كما أنّك عرفت أنّ هذا التقديم لا يبتني على كون المراد بالبيان هو البيان الواقعي أو البيان في مقام التخاطب ، فإنّك قد عرفت التقديم على كلّ من الوجهين المذكورين.

وأمّا ما أفاده المرحوم صاحب الكفاية قدس سره في فوائده (1) من أنّ اللازم علينا جمع كلمات الأئمّة عليهم السلام المتفرّقة الخ فهو غير مناف لهذا الذي حرّرناه من الحكومة والتقديم ، وكذلك ما نقله عنه شيخنا قدس سره بقوله : ودعوى - إلى قوله -

ص: 49


1- المطبوع مع حاشية كتاب فرائد الأُصول : 328.

واضحة الفساد (1) لا ينافي أيضاً ما حرّرناه ، فإنّه لو سلّمنا أنّ المراد من البيان هو البيان في مقام التخاطب ، وهذا المتأخّر وإن لم يمكن أن يكون بياناً في مقام التخاطب ، فلا يكون هادماً للمقدّمة الثانية ، إلاّ أنّه بأصالة الظهور يكشف عن أنّ مراد المتكلّم من العالم هو غير الفاسق ، فيهدم المقدّمة الأُولى ، من دون صلاحية للمطلق الشمولي أن يعارضه لكونه رافعاً لموضوعه.

ولا يخفى أنّ هذا الذي نقله شيخنا قدس سره هو عين مطلبه في الكفاية في باب التعادل والتراجيح ، فإنّه بعد أن ذكر الوجه في تقديم العام الأُصولي على المطلق ، بكون ظهور العام تنجيزياً ، وظهور الاطلاق معلّقاً على عدم البيان والعام يصلح للبيانية ، قال ما نصّه : وفيه أنّ عدم البيان الذي هو جزء المقتضي في مقدّمات الحكمة إنّما هو عدم البيان في مقام التخاطب لا إلى الأبد (2).

وهذا الكلام منه قدس سره وإن كان منافياً لما نقله عنه شيخنا قدس سره في فوائده ممّا ظاهره توسعة البيان للبيان المنفصل ولو متأخّراً ، إلاّ أنّك قد عرفت أنّ ردّه لا يتوقّف على تفسير البيان بالبيان الواقعي ، لما عرفت من حكومة العموم على الاطلاق برفع إحدى مقدّماته حتّى لو كان المراد به البيان في مقام التخاطب الذي هو عبارة عن القرينة المتّصلة.

ولكن مع ذلك كلّه فللتأمّل فيما ذكرناه من وجه التقديم مجال ، فإنّ المطلق الشمولي وإن توقّف على مقدّمات الحكمة وكان العام الأُصولي رافعاً لإحداها ، إلاّ أنّ العام الأُصولي ليس بحجّة بالذات ، بل يحتاج في حجّيته إلى أصالة عدم القرينة بناءً على توقّفه على ذلك ، أو لا أقل من عدم ثبوت حجّة على الخلاف بناءً

ص: 50


1- فوائد الأُصول 4 : 731.
2- كفاية الأُصول : 450.

على اعتبار أصالة الظهور كاشفة بنفسها عن المراد ، والمطلق الشمولي مع قطع النظر عن العام الأُصولي صالح للحجّية على خلاف العام الأُصولي ، كما أنّ العام الأُصولي مع قطع النظر عن المطلق الشمولي صالح للبيانية ، إلاّ أن نقول إنّه يكفي في حجّية العام الأُصولي عدم ثبوت حجّة على الخلاف ، فتأمّل.

ثمّ لا يخفى أنّ ما أفاده شيخنا قدس سره هنا من أنّ العام الأُصولي يكون رافعاً لمقدّمات الحكمة في العام الاطلاقي لكونه صالحاً للبيانية ، لعلّه مناف لما أفاد سابقاً في تقديم ظهور القرينة وإن كان بالاطلاق على ظهور ذي القرينة وإن كان بالوضع ، لأنّ كونه قرينة إنّما يثبت بعد فرض تمامية ظهوره ، والمفروض أنّ تمامية ظهوره متوقّفة على عدم البيان ، والظهور الوضعي من ذي القرينة رافع لعدم البيان لكونه صالحاً للبيانية.

ومن ذلك يظهر أنّ المدار في التقديم على الأظهرية بالنظر العرفي ، سواء كان من قبيل المتّصل أو كان من قبيل المنفصل ، فتأمّل.

قوله : لأنّ المطلوب في الاطلاق البدلي صرف الوجود ، فلا يصلح لأن يعارض ما يكون المطلوب فيه مطلق الوجود ... الخ (1).

هذه الجهة - أعني كون المطلوب بالمطلق البدلي مثل أكرم عالماً صرف الوجود ، والمطلوب في العام الأُصولي هو مطلق الوجود مثل لا تكرم الفسّاق ، بمعنى أنّ الممنوع عن إكرامه هو تمام أفراد الفاسق - إنّما تصلح مرجّحة في مقام التزاحم ، فإنّ الفرد من العالم الفاسق يكون مشمولاً للنهي على نحو التعيين وللأمر على نحو البدلية ، وما ليس له البدل مقدّم في مقام التزاحم على ما له.

أمّا ما نحن فيه من التعارض ، فإنّ الإشكال فيه إنّما هو من حيث دلالة قوله

ص: 51


1- فوائد الأُصول 4 : 732.

أكرم عالماً على أنّه لا فرق في مقام الامتثال بين كون ذلك الفرد من طبيعة العالم متّصفاً بالفسق وكونه غير متّصف به ، فيكون فيه الدلالة على أنّ للمكلّف أن يختار العالم الفاسق لامتثال قوله أكرم عالماً ، مع أنّ قوله لا تكرم الفسّاق له الدلالة على أنّه لا يجوز إكرام ذلك الفرد ، فوقع التنافي بين هذين الدليلين.

وهذا التنافي لا يرفعه ما أُشير إليه من تقديم ما ليس له البدل على ما له ، لأنّه إنّما ينفع في مقام التزاحم ، فلابدّ في رفع هذا التنافي من سلوك الطريقة السابقة من تحكيم قوله لا تكرم الفسّاق على إطلاق أكرم عالماً ، من جهة كونه رافعاً لمقدّمة من مقدّمات دليل حجّية إطلاقه.

قوله : لأنّ من مقدّمات الحكمة في الاطلاق البدلي كون الأفراد متساوية الأقدام ، ومقدّمات الحكمة في الاطلاق الشمولي تمنع من ذلك ... الخ (1).

لا يخفى أنّ مقدّمات الحكمة المسوقة لإثبات الاطلاق البدلي في مثل أكرم عالماً لا تزيد على المقدّمات المسوقة لإثبات الاطلاق الشمولي في مثل لا تكرم الفاسق أو يحرم إكرام الفاسق. نعم بعد ثبوت الاطلاق في المثال يحكم العقل بالتخيير بين الأفراد لكونها متساوية الأقدام في الدخول تحت صرف الطبيعة المطلوبة ، كما أنّ العقل يحكم بلزوم ترك إكرام جميع أفراد الفاسق لتساويها أيضاً في الدخول تحت صرف الطبيعة الممنوع عنها ، نعم إنّ الحكم العقلي الثاني يكون مقدّماً على حكمه الأوّل ، لكن هذا التقديم أيضاً في مقام التزاحم لا في مقام التعارض بين الدليلين.

ص: 52


1- فوائد الأُصول 4 : 732.

قوله : ومنها ما إذا وقع التعارض بين مفهوم الشرط ومفهوم الغاية كقوله : يجب الامساك إلى الليل ، وقوله : إن جاءك زيد فلا يجب الامساك في الليل ... الخ (1).

لا يخفى أنّ مفهوم القضية الأُولى هو أنّه لا يجب الامساك في الليل سواء جاء زيد أو لم يجئ ، ومفهوم القضية الثانية هو أنّه إن لم يجئ زيد وجب الامساك في الليل ، والثاني أخصّ من الأوّل ، لأنّ موضوعهما هو الليل ، وقد حكم في الأوّل بأنّه لا يجب الامساك فيه سواء جاء زيد أو لا ، وحكم في الثاني بأنّه يجب الامساك فيه إن لم يجئ زيد (2) ، فلابدّ من إسقاط لفظ « الليل » من منطوق الثانية ليكون مفهومها هو أنّه إن لم يجئ زيد وجب الامساك سواء كان في الليل أو في النهار ، فيكون هذا المفهوم أعمّ من وجه من مفهوم الأُولى الذي هو الغاية ، لانفراد مفهوم الغاية في مجيء زيد ليلاً ، ومقتضاه عدم وجوب الامساك ، وهو موافق لمنطوق القضية الثانية ، وينفرد الثاني في عدم مجيء زيد في النهار ، ومقتضاه وجوب الامساك فيه ، وهو موافق لمنطوق الأُولى ، ويجتمعان في صورة عدم مجيء زيد ليلاً. ومقتضى الأوّل - أعني عدم مجيء زيد الذي هو شرط المفهوم في القضية الثانية - وجوب الامساك ، ومقتضى الثاني - أعني الليل الذي [ هو ] موضوع المفهوم في القضية الأُولى - عدم وجوب الامساك ، وهذه الصورة أعني صورة الاجتماع غير داخلة في منطوق الأُولى ، لأنّه متعرّض لحكم النهار ، فلا يدخل فيه الليل ، كما أنّها غير داخلة في منطوق الثانية ، لأنّ منطوق الثانية متعرّض لحكم مجيء زيد ، فلا تدخل فيه صورة عدم مجيء زيد الذي هو

ص: 53


1- فوائد الأُصول 4 : 732.
2- [ في الأصل : إن جاء زيد ، والصحيح ما أثبتناه ].

المفروض في هذه الصورة.

ولكن لا يخفى أنّ التعارض الأوّلي واقع بين المنطوقين ، لأنّ بينهما العموم من وجه مع اختلافهما في الحكم ، فلابدّ من إصلاح التعارض بينهما ، ولا دخل لهذا التعارض بكون مفهوم الغاية وضعياً ومفهوم الشرطية إطلاقياً.

ولو كانت القضية الشرطية بهذه الصورة ، وهي إن جاء زيد وجب الامساك ، كان مفهومها إن لم يجئ زيد لم يجب الامساك سواء كان بالليل أو بالنهار ، وحينئذ يكون مفهوم كلّ من القضيتين معارضاً لمنطوق الأُخرى ، ولابدّ من الجمع بينهما ، إمّا بجعل منطوق كلّ منهما مقيّداً بمنطوق الأُخرى ، فيكون مناط الامساك هو مجموعهما ويكونان راجعين إلى قضية واحدة ، فلا يجب الامساك إلاّعند اجتماعهما ، ويسقط عند انتفاء أحدهما أو انتفائهما معاً ، أو بجعل الملاك هو أحد المنطوقين ، فيجب الامساك عند تحقّق أحد المنطوقين ولا يسقط إلاّ بانتفائهما معاً ، وقد تقدّم الكلام على أمثال هذا المقام مفصّلاً في مبحث المفاهيم (1).

قوله : ومنها ما إذا وقع التعارض بين مفهوم الشرط ومفهوم الوصف ... الخ (2).

مثل أكرم العالم العادل ، فإنّ مفهومه أنّه لا يجب إكرام العالم الفاسق ، سواء كان نحوياً أو غير نحوي ، في قبال قوله : إن كان العالم نحوياً لم يجب إكرامه ، فإنّ مفهومه أنّ العالم إذا كان غير نحوي وجب إكرامه ، سواء كان عادلاً أو كان فاسقاً ، فيتعارض المفهومان في العالم الفاسق غير النحوي ، وينفرد الأوّل في الفاسق

ص: 54


1- راجع المجلّد الخامس من هذا الكتاب الصفحة : 6 وما بعدها.
2- فوائد الأُصول 4 : 733.

النحوي والثاني في العادل [ غير ] النحوي.

والأولى التمثيل له بما تقدّم بتبديل الغاية بالوصف بأن يقال : يجب الامساك النهاري ، ثمّ يقول : إن جاء زيد لم يجب الامساك ، ولكن مفهوم الثانية أعمّ مطلقاً من منطوق الأُولى ، وإن شئت فقل : إنّ بين المنطوقين عموماً من وجه ، فلابدّ من إصلاحه ، وبإصلاحه يرتفع الإشكال عن المفهومين.

قوله : يعتبر في النسخ أن يكون وارداً بعد حضور وقت العمل بالمنسوخ (1).

هذا بناءً على أنّه يعتبر في الأحكام التبعيةُ لمصالح في المتعلّقات كما هو مختاره قدس سره (2) ، وإلاّ فلو قلنا يكفي المصلحة في نفس الجعل ، لكان النسخ قبل حضور وقت العمل بمكان من الامكان ، راجع ما حرّرناه في ذلك في مباحث العموم والخصوص (3).

قوله : ثانيها أن تكون كاشفة عن اتّصال كلّ عام بمخصّصه وقد اختفت علينا المخصّصات المتّصلة ، ووصلت إلينا هذه المخصّصات المنفصلة (4).

الأولى أن لا يقتصر على صورة الاتّصال ، لإمكان أن يكون ذلك العام عند صدوره مسبوقاً أو ملحوقاً بالمخصّص المنفصل الوارد قبل حضور وقت [ العمل ] فإنّ هذا الاحتمال يرفع إشكال الحكم على هذه المخصّصات المتأخّرة بأنّها مخصّصة.

ص: 55


1- فوائد الأُصول 4 : 733.
2- فوائد الأُصول 3 : 57 وما بعدها ، أجود التقريرات 3 : 66 وما بعدها.
3- راجع المجلّد الخامس من هذا الكتاب ، الصفحة : 355 ، 391.
4- فوائد الأُصول 4 : 734.

بل يمكن أن يقال : إنّه لا يتوجّه عليه الاستبعاد الذي ذكره الشيخ (1) الناشئ من الاعتماد على ضبط الرواة القرائن المتّصلة ، فإنّا لو سلّمنا الاعتماد عليهم في ضبط القرائن المتّصلة لم يكن ذلك موجباً للاعتماد عليهم في ضبط القرائن المنفصلة ، على وجه نحكم ولو ظنّاً بأنّهم قد أوصلوا إلينا جميع ما صدر في الصدر الأوّل عنه صلى اللّه عليه وآله أو عنهم عليهم السلام من المخصّصات أو المقيّدات المتصّلة.

قوله : وقد وردت أخبار عديدة في تفويض دين اللّه تعالى إلى الأئمّة عليهم السلام ... الخ (2).

لا يخفى أنّ مفاد هذه الأخبار (3) هو أمر آخر غير كون النبي صلى اللّه عليه وآله قد أودع عندهم الحكم الناسخ ، فتأمّل.

ويمكن الناسخية بوجه ثالث وهو إظهار النبي صلى اللّه عليه وآله للناسخ لكنّه قد اختفى علينا ولم يصلنا إلاّفي زمان العسكري عليه السلام. نعم يمكن أن يقال : إنّ هذا ليس بناسخ في الاصطلاح ، وإنّما هو تخصيص أزماني.

قوله : نظير الأخذ بالبراءة العقلية قبل ورود البيان من الشارع ... الخ (4).

لعلّ نظر الشيخ قدس سره في عدم ذكر البراءة الشرعية المستفادة من حديث الرفع إلى احتمال اختصاصها بما إذا احتمل ورود البيان ولم يصل إلينا ، كما هو مفاد

ص: 56


1- لاحظ فرائد الأُصول 4 : 95.
2- فوائد الأُصول 4 : 734.
3- الكافي 1 : 207.
4- فوائد الأُصول 4 : 736.

« رفع ما لا يعلمون » ، دون ما لو حصل لنا القطع بعدم البيان واحتملنا وجود الحكم الواقعي لكن الشارع لم يظهره لمصلحة في إخفائه.

أمّا احتمال كون البراءة الشرعية من بيان العدم كما أُفيد في الحاشية (1) ، فينبغي القطع بعدمه وإلاّ لكانت دليلاً اجتهادياً أو أصلاً إحرازياً ، كما أنّه ينبغي القطع بأنّ العموم ولو كان إطلاقياً لا يكون من مجرّد عدم البيان وإلاّ لم يكن دليلاً اجتهادياً ، وكان حينئذ أصلاً عملياً غير إحرازي ، بل إنّ العموم وإن كان إطلاقياً ناشئاً من عدم البيان إلاّ أنّ عدم البيان في مقام البيان يكون دليلاً على العدم وبياناً له ، وأنّ المراد هو المطلق أو العموم.

قوله : فإنّا نرى أنّ كثيراً من المخصّصات المنفصلة المروية من طرقنا عن الأئمّة عليهم السلام مروية عن العامّة بطرقهم عن النبي صلى اللّه عليه وآله فيكشف ذلك عن اختفاء المخصّصات المتّصلة علينا ... الخ (2).

هذا يحتاج إلى تتبّع وإثبات ، ومع فرض الحصول على مثل ذلك فهل ما ورد من طرق العامّة عنه صلى اللّه عليه وآله كان من قبيل القرينة المتّصلة لكنّها جاءت في طرقنا منفصلة ليكون شاهداً وكاشفاً عن أنّه ربما أو كثيراً ما يصلنا العام ولم تصل إلينا قرينته التي كانت متّصلة به ، أو أنّ ما ورد من طرق العامّة كان أيضاً من قبيل القرينة المنفصلة ، فيكون شاهداً على ما قدّمناه من أنّه ربما كان العام مخصّصاً بدليل منفصل قد ورد ذلك الدليل المنفصل قبل حضور وقت العمل ولكنّه لم يصل إلينا ، وإنّما وصل إلينا المخصّص المنفصل من أحد أئمّتنا المتأخّرين عليهم السلام بعد أن عملنا مدّة بذلك العام.

ص: 57


1- فوائد الأُصول 4 : 736 ( الهامش ).
2- فوائد الأُصول 4 : 737.

قوله : بل يمكن أن يقال باستحالة الوجه الثالث ، فإنّه إن كانت مصلحة الحكم الواقعي الذي يكون مفاد المخصّصات المنفصلة تامّة فلابدّ من إظهاره والتكليف به ، وإن لم تكن تامّة - ولو بحسب مقتضيات الزمان حيث يكون للزمان دخل في ملاك الحكم - فلا يمكن ثبوت الحكم الواقعي حتّى يكون مفاد العام حكماً ظاهرياً ، بل يكون الحكم الواقعي هو مفاد العام إلى زمان ورود الخاصّ ، ولا محالة يكون الخاصّ ناسخاً لا مخصّصاً ، ففي الحقيقة الاحتمال الثالث يرجع إلى الاحتمال الأوّل وهو النسخ ، وقد عرفت أنّه لا يمكن الالتزام به ، فلا أقرب من الاحتمال الثاني (1).

لا يخفى أنّه يمكن الالتزام بأنّ مصلحة الحكم الواقعي الذي هو على طبق الخاصّ تامّة ولكن لم يمكن إظهاره وبيانه لمفسدة في الإظهار والبيان ، وهذه المفسدة لا تكون كاسرة لمصلحة الحكم الواقعي ، غايته أنّ المولى بعد لحاظه المفسدة في الاظهار والبيان يكون سكوته عن إظهار ذلك الحكم تفويتاً على المكلّفين مصلحة ذلك الحكم الواقعي ، لكنّه تفويت قهري فلا يكون قبيحاً على المولى ، ويكون المكلّفون معذورين في ذلك لعدم علمهم بالحكم الواقعي ، وحينئذ يكون أخذهم بذلك العموم حكماً ظاهرياً محقّقاً لعذرهم بالنسبة إلى مخالفة الحكم الواقعي في ناحية الخاصّ لعدم علمهم بمراد المولى ، ويكون الحاصل من مجموع ذلك من قبيل ما عن المحقّق الطوسي في حقّ صاحب الأمر ( أرواحنا فداه ) من أنّ وجوده لطف وتصرّفه لطف آخر ومنعه منّا (2)

ص: 58


1- فوائد الأُصول 4 : 737.
2- كشف المراد : 362 [ لا يخفى أنّ الموجود في بعض النسخ : وعدمه منّا ، وفي بعضها الآخر : وغيبته منّا ].

وحاصل الأمر : أنّ المفسدة المانعة من إظهار الحكم الواقعي الذي هو على طبق الخاصّ لا توجب الخدشة في مصلحته الواقعية ، وأقصى ما فيها أن تكون مصحّحة لسكوت المولى عن بيانه ، ولمعذورية المكلّفين في مخالفته والأخذ في مورده بمقتضى عموم العام ، ولازم ذلك هو كون حكم العام في حقّهم في مورد الخاص حكماً ظاهرياً.

ثمّ لا يخفى أنّ هذه الجهة التي أفادها قدس سره - أعني كون مفسدة البيان كاسرة لمصلحة الواقع - لو تمّت لكانت جهة أُخرى مانعة من جعل الخاصّ المتأخّر مخصّصاً للعام المتقدّم غير جهة تأخير البيان عن وقت الحاجة ، بل إنّ هذه الجهة لو تمّت لكانت جارية في كلّ خاصّ متأخّر عن صدور العام حتّى لو كان ذلك الخاصّ صادراً قبل حضور وقت العمل بالعام ، فإنّ العام الصادر قبل حضور وقت العمل به المقرون بالمفسدة في إظهار الخاصّ معه يكون حكماً واقعياً ، ونظراً إلى أنّ المفسدة في إظهار الخاصّ تكون كاسرة لمصلحته لابدّ أن نقول إنّ صدور الخاصّ بعده ولو قبل حضور وقت العمل بالعام يكون ناسخاً ورافعاً لحكم العام في مورد الخاصّ ، فيلزم عليه الالتزام بالنسخ قبل وقت العمل ، وأن لا يكون الخاصّ المتأخّر عن الخطاب بالعام مخصّصاً ، بل لابدّ أن يكون ناسخاً بقول مطلق ، سواء كان صدوره قبل حضور وقت العمل بالعام أو كان صدوره بعد ذلك فتأمّل. وقد حرّرنا ذلك كلّه وأوضحناه وشرحناه في مبحث العموم والخصوص (1) عند تعرّض شيخنا قدس سره لهذه المسألة هناك ، فراجع وتأمّل.

والانصاف : أنّ هذه المخصّصات التي كان زمان ظهورها متأخّراً كزمان العسكري عليه السلام بعد انسداد باب احتمال كونها ناسخة للعام يحتمل فيها وجوه ثلاثة

ص: 59


1- راجع المجلّد الخامس من هذا الكتاب ، الصفحة : 359 وما بعدها.

بمعنى أنّها قابلة للتوزيع على هذه الوجوه الثلاثة ، فبعضها كان متّصلاً بالعام من حين صدوره لكنّه لم يصل إلينا حتّى أعلمنا به العسكري عليه السلام ، وبعضها كان له وجود قبل العسكري عليه السلام لكن لم يصل إلينا أو نحن لم نصل إليه إلاّبعد أن أعلمنا به عليه السلام ، سواء كان وجود ذلك الخاصّ قبل صدور العام أو بعده لكن قبل العمل بالعام ثمّ اختفى علينا وعلى من كان قبلنا حتّى زمان العسكري عليه السلام ، وبعضها لم يكن له وجود وظهور أصلاً ، بل كان مخفياً عندهم عليهم السلام واحداً بعد واحد حتّى زمان العسكري عليه السلام ، وإنّما أخفوه لمصلحة في إخفائه ، بل هذا المعنى وهو الاخفاء لأجل مصلحة في الاخفاء ربما تأتي في الوجهين الأوّلين - أعني المتّصل الذي اختفى علينا أو المنفصل الذي اختفى علينا وعلى من كان قبلنا - بالنسبة إلى الأئمّة السابقين على العسكري ، فإنّهم عليهم السلام لم يبيّنوا ذلك لمصلحة في الاخفاء.

وحاصل الأمر : أنّ كلاً من المتّصل والمنفصل قد يكون عدم وصوله إلينا أو إلى من كان قبلنا من باب الاخفاء وقد يكون من باب الاختفاء ، والاخفاء قد يكون لمصلحة في الاخفاء وقد يكون لأجل مانع من الاظهار ، والمانع قد يكون عبارة عن المفسدة في الاظهار وقد يكون موقّتاً لأجل وجود تقية عند صدور العام من الإمام عليه السلام ويتّخذه السامع حكماً واقعياً ، ولا يتيسّر له بعد ذلك الحضور عند الإمام ، لكن يعلمه الإمام عليه السلام بأنّ ذلك العام كان تقية ، أو أنّه لا يتيسّر للإمام ولا لمن بعده من الأئمّة عليهم السلام الإعلام بأنّ ذلك العام كان تقية ، إلى غير ذلك من موجبات الخفاء أو الاخفاء أو الاختفاء ، وهي لا تدخل تحت [ ضابط ] ولا يحصرها حاصر ، وكلّها ممكنة ، بل الكثير منها واقع كما يشهد به تعاقب البيانات وتأخّر بعضها عن بعض ، والغرض أنّ ذلك لا يدخل تحت ضابط واحد ، سواء كان هو الوجه الأوّل - أعني اختفاء المتّصل - كما يظهر من شيخنا قدس سره ، أو هو الوجه

ص: 60

الثاني - أعني إخفاء المنفصل - كما يظهر من الشيخ قدس سره (1) ، فلاحظ وتأمّل.

ومن ذلك كلّه يظهر أنّ باب احتمال النسخ منفتح ، لأنّا إنّما استبعدناه بالنظر إلى تمام تلك البيانات المتأخّرة ، أمّا كون بيان واحد أو بيانين أو أكثر يكون من النسخ ، فهذا ممّا لا يكون مستبعداً.

قوله : وعلى كلّ حال ، لو تردّد الخاصّ بين أن يكون مخصّصاً أو ناسخاً فقيل بتقديم التخصيص لكثرته وشيوعه حتّى قيل ما من عام إلاّوقد خصّ وقيل بتقديم النسخ فإنّه لا يلزم من النسخ إلاّتقييد الاطلاق ، وهو أولى من تخصيص العام عند الدوران بينهما كما تقدّم ... الخ (2).

ربما يقال : إنّ النسخ من قبيل التخصيص أو التقييد الأزماني ، فيكون من قبيل الدفع ، وقد حرّرنا في مباحث العموم من الأدلّة اللفظية (3) وفي بعض مباحث العموم الأزماني من تنبيهات الاستصحاب (4) أنّ النسخ من قبيل الرفع لا الدفع ، وأنّ الحكم بطبعه يقتضي البقاء ما لم يرفعه رافع كما هو الشأن في كلّ موجود ، والرافع للحكم هو نسخه ، فإنّه يرفعه حقيقة ، وإن كان الحاكم حينما أوجد الحكم كان عالماً بأنّه يرفعه بعد ذلك ، ومجرّد كون المصلحة محدودة وقصيرة لا توجب كون الحكم مقيّداً ومحدوداً في عالم الجعل والتشريع بها ، بل إنّ الحاكم جرياً على محدودية المصلحة يجعل الحكم ثمّ يلتزم برفعه عند انتهاء أمد مصلحته على وجه لو جوّزنا على ذلك الحاكم مخالفة المصالح ولم يرفع الحكم عند انتهاء

ص: 61


1- فرائد الأُصول 4 : 95.
2- فوائد الأُصول 4 : 737 - 738.
3- راجع المجلّد الخامس من هذا الكتاب ، الصفحة : 389 وما بعدها.
4- راجع المجلّد العاشر من هذا الكتاب ، الصفحة : 355 وما بعدها.

أمد مصلحته يكون ذلك الحكم باقياً ولا يرتفع إلاّبرافعه.

نعم ، يمكن أن يجعل الحكم من أوّل الأمر محدوداً بأمد المصلحة ، لكنّه خلاف الفرض ، لأنّ المفروض أنّه لم يحدّده بذلك في مرحلة جعله ، وقد عرفت أنّ لازم جعل ذلك الحكم هو بقاؤه وعدم ارتفاعه إلاّبرافعه الذي هو نسخه ، وحينئذ ففي احتمال النسخ يكون المرجع هو استصحاب بقاء الحكم ، وهذا بخلاف الوجه الأوّل فإنّه عند الشكّ يكون المرجع بناءً عليه هو العموم الأزماني أو الاطلاق الأزماني.

لكنّا أخيراً حصل لنا تأمّل في ذلك أشرنا إليه في ذلك المبحث ، وهو أنّ الحكم في مقام الثبوت إمّا أن يكون محدوداً لكون مصلحته كذلك ، وإمّا أن لا يكون محدوداً لكون مصلحته أيضاً كذلك ، ولا يتصوّر فيه الاهمال من هذه الجهة بعد أن فرضنا إمكان أخذ العموم الأزماني في ناحيته.

وعلى كلّ من هاتين الصورتين لا مورد للنسخ ، وحينئذ ينحصر مورده بالصورة الأُولى وهي كون المصلحة محدودة لكن كانت هناك مصلحة تقتضي إظهار كون الحكم غير محدود وعند انتهاء أمد مصلحته ينشأ نسخه ، ويكون النسخ حينئذ من قبيل الدفع لا الرفع ، ويشكل الأمر حينئذ في استصحاب الحكم في مقام الشكّ في نسخه لكونه حينئذ من قبيل الشكّ في المقتضي.

اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّه وإن كان بالدقّة من قبيل الشكّ في المقتضي ، إلاّ أنّه لمّا كان النسخ بحسب النظر العرفي رافعاً للحكم كان الاستصحاب جارياً فيه. وفيه تأمّل.

نعم ، لو سلّمنا ما أفاده شيخنا قدس سره من عدم إمكان أخذ العموم الأزماني ثبوتاً في ناحية الحكم ، وأنّه إنّما يثبت العموم الأزماني من جهة الحكمة أو دليل آخر ،

ص: 62

كان الاهمال فيه من هذه الناحية في مقام الثبوت ممكناً بل متعيّناً ، لعدم إمكان كلّ من الاطلاق والتقييد من هذه الناحية في ذلك ، وحينئذ فالحاكم يجعل الحكم بذاته وهو بطبعه يقتضي البقاء ، فلو كانت مصلحته محدودة يلزمه نسخه عند انتهاء أمد مصلحته ، ويكون نسخه رفعاً حينئذ ، وإن كان بالقياس إلى الدليل الدالّ على دوام ذلك الحكم واستمراره ممّا أثبتنا به العموم الأزماني من قبيل التخصيص الأزماني ، هذا.

ولكن هذا التأمّل في كون النسخ رفعاً أو دفعاً لا يؤثّر فيما نحن بصدده من ترجيح أصالة العموم على أصالة عدم النسخ عند دوران الأمر بينهما ، وذلك لأنّ الرجوع إلى العموم الأزماني أو الاطلاق الأزماني أو استصحاب بقاء الحكم إنّما هو بعد تحقّق الحكم الوارد على العام ، ووجود هذا المخصّص مانع من الأخذ بعموم العام الأفرادي ، فهو يقلب العام إلى ما عدا مورد ذلك الخاصّ قبل وصول النوبة إلى الشكّ في شمول العموم أو الاطلاق الأزماني بالنسبة إلى ذلك الخاصّ بعد صدوره أو إلى الشكّ في بقاء الحكم العام فيه بعد صدوره.

وحاصل الأمر أنّ مرتبة العموم الأفرادي وتخصيص ذلك العموم الأفرادي بذلك الخاصّ الوارد بعده قبل مرتبة شمول العام الأزماني في ذلك العام بالنسبة إلى ذلك الخاصّ بعد صدوره ، أو مرتبة بقاء الحكم العام فيه واستصحابه إلى ما بعد صدوره ، وقد حرّرنا تفصيل ذلك في المبحث المشار إليه ، فراجع.

وربما يتخيّل في المقام سقوط كلّ من أصالة عدم النسخ وأصالة عدم التخصيص ، بتوهّم أنّ مورد الخاصّ بعد صدوره نقطع بأنّ حكم العام لا يجري فيه من الآن فصاعداً ، لأنّه إمّا ناسخ للعام أو مخصّص له ، وعلى كلّ منهما لا يمكن إجراء أصالة عدم النسخ فيه بالنسبة إلى ما يأتي ، ولا أصالة عدم

ص: 63

التخصيص ، للقطع بأنّه بعد صدور هذا الخاصّ لا يبقى محل للعمل بالعام فيه بالنسبة إلى ما يأتي.

وفيه : ما لا يخفى ، أمّا أوّلاً : فلأنّ إجراء هذين الأصلين وتعارضهما إنّما هو بالنسبة إلى ما مضى ولو باعتبار ترتّب القضاء أو الاعادة ، ولا ريب في إمكان إجراء كلّ من الأصلين في حدّ نفسه بالنسبة إلى ما مضى ، غايته أنّهما يتعارضان فيسقطان ، أو أنّ الساقط هو أصالة عدم النسخ ، لما عرفت من حكومة التخصيص عليها.

وثانياً : أنّ إجراء الأُصول في الطرفين إنّما هو بحساب كلّ طرف على حدة ، وبعد عدم إمكان الجمع بينهما نرجع إلى التساقط أو التقدّم الرتبي المذكور ، ومن الواضح أنّا لو خلّينا نحن واحتمال كون ذلك الخاصّ ناسخاً للعام ، لكان المرجع هو أصالة عدم النسخ ، كما أنّا لو خلّينا نحن واحتمال كونه مخصّصاً له لكان المرجع هو أصالة عدم التخصيص ، غايته أنّ هذين الاحتمالين المتولّدين من العلم الاجمالي بأحدهما يوجب العلم التفصيلي بأنّ ذلك العام لا يمكن العمل به في مورد ذلك الخاصّ من حين صدوره ، وهذا العلم التفصيلي المتولّد من ذلك العلم الاجمالي لا يضرّ بجريان كلّ واحد من الأصلين في حدّ نفسه في ناحية الشكّ فيه مع قطع النظر عن الطرف الآخر.

وقد تعرّض قدس سره لذلك مفصّلاً في هذه المسألة في آخر مباحث العموم فراجعه ، فإنّه قدس سره أفاد هناك أنّه لا يمكن الرجوع في هذه المسألة إلى أصالة عدم النسخ لوجهين ، فراجعه (1)

ص: 64


1- أجود التقريرات 2 : 400.

وقد يقرّب (1) هذا القول بتقريب آخر ، وهو مبني على كون أصالة عدم النسخ من الأُصول الجهتية وأصالة العموم من باب الظهور ، وحينئذ يكون المقام من دوران الأمر بين رفع اليد عن أصالة العموم في العام أو رفع اليد عن الأصل الجهتي فيه ، ولا إشكال في تقديم الأوّل على الثاني ، لأنّ حجّية الظهور إنّما هي فيما لو أُحرز كون المتكلّم في مقام بيان الواقع ، ففي المقام يعلم بأنّ أصالة الظهور على خلاف الواقع بالنسبة إلى ذلك الخاصّ ، إمّا لعدم العموم أو لعدم كون المتكلّم في [ مقام ] بيان الواقع ، وحينئذ لا يمكن إعمال أصالة الظهور في ناحية شمول العام للخاصّ ، فيبقى أصالة الجهة بحاله.

وفيه : ما لا يخفى ، فإنّ هذا العلم المتعلّق بأنّ الحكم في الخاصّ هو على خلاف العام إمّا لكونه مخصّصاً به أو لكونه ناسخاً له ، يقتضي سقوط كلا الأصلين على ما مرّ في التقريب السابق ، لا أن يكون الساقط هو أصالة العموم فقط لتبقى أصالة عدم النسخ التي هي أصل جهتي جارية بلا معارض ، هذا.

مضافاً إلى ما عرفت ممّا يرد على التقريب الأوّل من ظهور الثمرة فيما يقدّم من الأعمال على صدور الخاصّ ، ومن أنّه لا أثر للعلم التفصيلي المتولّد من العلم الاجمالي في عدم جريان الأصلين ، بل يكون كلّ منهما جارياً ولكنّه معارض بالآخر ، ومن أنّ الأصل الجهتي بعد تمامية الأصل المرادي أعني أصالة العموم ، ومع وجود الخاصّ لا يجري الأصل المرادي أعني أصالة العموم ، وهذا الأخير - أعني تقدّم الأصل المرادي رتبة على الأصل الجهتي - يكون جارياً ونافعاً حتّى في مورد تقدّم الخاصّ وتأخّر العام ، فمع الاعتراف بكون أصالة عدم النسخ من

ص: 65


1- حقائق الأُصول 2 : 579 [ ولا يخفى أنّ هذا تقريب للقول بتقديم أصالة عدم النسخ ، فلاحظ ].

الأُصول الجهتية لا وجه للتفصيل بين الصورتين ، فلاحظ وتدبّر.

ثمّ إنّه يبقى إشكال آخر على التقريب المزبور ، وهو أنّه بعد فرض عدم إمكان إجراء أصالة الظهور في ناحية العموم للعلم بأنّها على خلاف الواقع إمّا للتخصيص أو للنسخ ، يكون المرجع هو أصالة عدم النسخ ، ولكن ماذا يترتّب على هذا الأصل ، هل يحكم بالتخصيص ليكون من باب كون نفي أحد الضدّين بالأصل موجباً لإثبات الآخر ، أو أنّه لا يترتّب عليه سوى لزوم العمل بالخاصّ وإن لم نثبت أنّه مخصّص للعام ، فيتوجّه حينئذ أنّ العمل بالخاصّ يجتمع مع كونه ناسخاً ، فلا فائدة في أصالة عدم النسخ ، فراجع وتأمّل ، بل لا محصّل لعدم النسخ فيما يأتي من الأعمال ، للعلم بأنّ ذلك الخاصّ غير محكوم فيما يأتي بحكم ذلك العام ، أمّا ما مضى من الأعمال فلا محصّل فيها أيضاً لأصالة عدم النسخ بالنسبة إليها ، للعلم بأنّ حكم العام لم ينسخ عن هذا الخاصّ فيما مضى ، وإنّما نحتمل طروّ النسخ فيما يأتي ، أمّا ما مضى فلا نحتمل فيه إلاّ التخصيص ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : ولذلك أُورد على الشيخ قدس سره من قوله بتقديم التخصيص على النسخ (1) مع التزامه بتقديم تقييد الاطلاق على تخصيص العام (2) - (3).

المورد هو المحقّق صاحب الكفاية قدس سره ، فإنّه قال في هذه المسألة : ولا يخفى أنّ دلالة الخاصّ أو العام على الاستمرار والدوام إنّما هو بالاطلاق لا بالوضع ، فعلى الوجه العقلي في تقديم التقييد على التخصيص كان اللازم في هذا

ص: 66


1- مطارح الأنظار 2 : 231 / الرابعة ، فرائد الأُصول 4 : 93 - 94.
2- فرائد الأُصول 4 : 97 وما بعدها.
3- فوائد الأُصول 4 : 738.

الدوران تقديم النسخ على التخصيص أيضاً (1).

وحيث إنّه قدس سره قد أنكر هذا الوجه المشار إليه بما تقدّم (2) ذكره عنه من عدم كون العام رافعاً لمقدّمات الحكمة في المطلق ، فكان التخصيص والنسخ عنده فيما نحن فيه متساويين ، ولأجل ذلك قال - بعد أن جوّز تأخير البيان عن وقت الحاجة لأجل المصلحة في الاخفاء أو المفسدة في الاظهار ، وأنّه لا بأس بكون تلك الأدلّة الخاصّة الواردة بعد حضور وقت العمل مخصّصة للعام المتقدّم - ما نصّه : ولأجله لا بأس بالالتزام بالنسخ بمعنى رفع اليد بها عن ظهور تلك العمومات باطلاقها في الاستمرار والدوام أيضاً ، فتفطّن (3).

وقد أورد عليه شيخنا قدس سره بما محصّله أوّلاً : بالمنع من كون النسخ من قبيل التقييد الأزماني بل هو تخصيص أيضاً ، لكنّه بالنسبة إلى عموم آخر وهو قوله عليه السلام « حلال محمّد صلى اللّه عليه وآله حلال إلى يوم القيامة » (4) وحينئذ لا يكون ما نحن فيه من قبيل التعارض بين العموم الأُصولي والاطلاق الشمولي كي يرد على الشيخ قدس سره ما أورده من لزوم تقديم النسخ على التخصيص.

وثانياً : بما أفاده بقوله : مع أنّه لو سلّم كونه من تقييد الاطلاق الخ (5) ، وقد تقدّم شرح ذلك بما لا مزيد عليه (6)

ص: 67


1- كفاية الأُصول : 451.
2- في الصفحة : 50.
3- كفاية الأُصول : 451.
4- الكافي 1 : 58 / باب البدع والرأي والمقاييس ح 19.
5- فوائد الأُصول 4 : 740.
6- راجع الحاشية المفصّلة المتقدّمة في المجلّد العاشر من هذا الكتاب في الصفحة : 311 وما بعدها ، وراجع أيضاً المجلّد الخامس من هذا الكتاب ، الصفحة : 368 وما بعدها.

قوله : وثبوت أحكام الشريعة في جميع الأزمنة ليس من جهة إطلاق الأدلّة ، بل من جهة قوله عليه السلام : حلال محمّد صلى اللّه عليه وآله حلال إلى يوم القيامة ... الخ (1).

لا يخفى أنّه لا يمكن أن يكون المدرك لأصالة عدم النسخ هو عموم قوله عليه السلام : « حلال محمّد صلى اللّه عليه وآله حلال إلى يوم القيامة » الخ ، فإنّ هذه الجملة ليست مسوقة لعدم النسخ في أحكامه وإلاّ لم يمكن صدور النسخ منه صلى اللّه عليه وآله بعد صدور هذه الجملة ، بل الظاهر أنّ هذه الجملة إنّما سيقت لبيان أنّه صلى اللّه عليه وآله لا نبي بعده ، وأنّ أحكامه التي حكم بها صلى اللّه عليه وآله لا يرفعها رافع ، وحيث إنّ من جملة أحكامه صلى اللّه عليه وآله ما يكون ناسخاً لحكم سابق صدر منه صلى اللّه عليه وآله يكون ذلك الحكم الناسخ داخلاً في جملة قوله عليه السلام : « حلال محمّد صلى اللّه عليه وآله حلال إلى يوم القيامة » فإنّ النسخ الذي نحتمله إنّما هو النسخ الصادر منه صلى اللّه عليه وآله أو الصادر من أحد أوصيائه ببيان خاصّ منه صلى اللّه عليه وآله لهم عليهم السلام أو بتفويض منه صلى اللّه عليه وآله إليهم. وعلى كلّ حال يكون الناسخ من جملة أحكامه التي حكم صلى اللّه عليه وآله بأنّها باقية لا تنسخ ، يعني لا ينسخها نبي بعده أو أحد آخر لا يكون نسخه منتهياً إليه صلى اللّه عليه وآله ، وبعد سقوط الاستدلال على هذا الأصل - أعني أصالة عدم النسخ - بالعموم الأزماني كما أفاده قدس سره ، ينحصر الدليل على هذا الأصل بالاستصحاب ، أعني استصحاب بقاء الحكم وعدم حدوث رافع وناسخ له.

ص: 68


1- فوائد الأُصول 4 : 739.

وما ربما يقال : من أنّ أصالة عدم النسخ أصل مستقل عقلائي لا يناط بالاستصحاب ، لا يخفى ما فيه ، فإنّ بناء العقلاء على عدم النسخ ليس إلاّمن جهة الاستصحاب ، وإلاّ فإنّهم لا يعرفون النسخ أو لا يعرفون أنّ له خصوصية زائدة على كونه حادثاً رافعاً للحكم.

والاستدلال على كونه أصلاً عقلائياً مستقلاً بجريانه لو حصل الشكّ في نسخ الحكم القائل « لا تنقض اليقين بالشكّ » الذي هو مدرك الاستصحاب ، لا يخفى ما فيه ، فإنّه لو انحصر مدرك الاستصحاب بقوله « لا تنقض » الخ ، المفروض كونه مشكوك النسخ ، سقط التمسّك على بقاء ذلك الحكم بمفاد قوله « لا تنقض » الخ ، والقول بأنّ أصالة عدم النسخ جارية حتّى مع الشكّ في بقاء هذا الحكم ممنوع أشدّ المنع.

وعلى كلّ حال ، وكيف كان المدرك في أصالة عدم النسخ ، هل هو الاستصحاب ، أو أنّه أصل عقلائي مستقل ، أو أنّه مفاد العموم الأزماني ، أو أنّه مأخوذ من عموم قوله عليه السلام « حلال محمّد صلى اللّه عليه وآله حلال » الخ ، لا يكون إلاّفي الرتبة المتأخّرة عن العموم الأفرادي الذي لا يمكن الأخذ به مع وجود المخصّص في قباله ، ومع التخصيص لا يبقى موضوع لأصالة عدم النسخ ، لأنّها فرع ثبوت الحكم العام في مورد الخاصّ المفروض عدمه بواسطة التخصيص السابق في الرتبة على النسخ.

ويتّضح ذلك جليّاً في صورة كون المتقدّم هو الخاصّ والمتأخّر هو العام بعد حضور وقت العمل بالخاصّ ، ودار الأمر بين كون ذلك الخاصّ المتقدّم مخصّصاً للعام المتأخّر أو كون ذلك العام ناسخاً للخاصّ ، فإنّ هذه الصورة هي

ص: 69

التي يظهر الأثر الجلي للترديد فيها ، فإنّه بناءً على التخصيص يكون الحكم فيما بعد صدور العام على طبق الخاصّ السابق ، وبناءً على النسخ يكون الحكم فيما بعد على طبق العام ، بخلاف صورة العكس فإنّه لا يظهر أثر عملي للوجهين إلاّ بالنسبة إلى صحّة الأعمال السابقة ، وذلك لا أهميّة له بعد فرض المعذورية وعدم الاعادة والقضاء إلاّفي فروض قليلة.

ص: 70

[ مبحث انقلاب النسبة ]

قوله : الصورة الأُولى : ما إذا ورد عام وخاصّان متباينان ، كما إذا قام دليل على وجوب إكرام النحويين ، ودليل آخر على عدم وجوب إكرام الكوفيين من النحويين ، وقام دليل ثالث على عدم وجوب إكرام البصريين منهم - إلى قوله - ولا إشكال في تخصيص العام بكلّ من الخاصّين ... الخ (1).

لو كان الخاصّان متوافقين في الحكم كان الأمر كذلك ، لكن لو كان أحدهما موافقاً للعام والآخر مخالفاً له في الحكم مثل قوله : أكرم النحويين ، ودليل ثانٍ يقول : لا تكرم الكوفيين منهم ، وآخر يقول : أكرم الكوفيين منهم ، فإنّ قوله : لا تكرم الكوفيين منهم وإن كان أخصّ من العام ، إلاّ أنّه لمّا كان مبتلى بالمعارض وهو قوله : أكرم الكوفيين منهم ، لم يمكن أن يكون مخصّصاً للعام ، وحينئذ يبقى العام على عمومه ويسقط الخاصّان كلاهما.

ومثله ما لو كان كلّ منهما مخالفاً للعام مع كونهما معاً متخالفين ، مثل قوله : لا تكرم النحويين وقوله : يستحب إكرام النحويين الكوفيين وقوله : يجب إكرام النحويين الكوفيين.

ويمكن أن يقال : إنّ التباين في اصطلاح باب التعارض لا يصدق على مثل لا تكرم نحوي الكوفة ولا تكرم نحوي البصرة ، وإنّما يصدق التباين في اصطلاح

ص: 71


1- فوائد الأُصول 4 : 742.

باب التعارض فيما لو اختلفا في الحكم واتّحدا في الموضوع مثل هذين المثالين المذكورين.

ثمّ إنّه في الأخير من المثالين يمكن أن يقال : إنّ الخاصّين وإن سقطا بالتعارض ، إلاّ أنّهما متّفقان على نفي الثالث وهو العام ، فيكون العام ساقطاً ويتعيّن الرجوع إلى ما تقتضيه الأُصول أو الترجيح السندي.

قوله : ففي مثل ذلك لابدّ من معاملة التعارض بين العام ومجموع الخاصّين ... الخ (1).

فتارة يكون سند العام أقوى منهما ، وتارةً بالعكس ، وثالثة يكون مساوياً لسندهما ، هذه صور ثلاث واضحة الحكم. لكن لو اختلفا في قوّة السند وضعفه ، بأن كان أحدهما أقوى سنداً من العام والآخر أضعف سنداً منه ، أو كان أحدهما أقوى سنداً من العام والآخر مساوياً له ، أو كان أحدهما مساوياً للعام وكان الآخر أضعف ، فهل في هذه الصور يقدّم العام ، أو يقدّمان عليه ، أو يسقط الجميع؟ فيه تأمّل ، راجع ما حرّرناه عن السيّد قدس سره في هذا المقام (2). وأصله ما في حاشية الرسائل للعلاّمة صاحب الكفاية ، فإنّه أشار إلى هذه الصور الست بقوله : ثمّ لا يخفى أنّ الترجيح والتخيير في المقام لمّا كان بين مجموع المخصّصات والعام الخ ، وذلك هو ما علّقه على قول الشيخ قدس سره : فحكم ذلك كالمتباينين الخ ، فراجع (3)

ص: 72


1- فوائد الأُصول 4 : 742 - 743.
2- مخطوط ، لم يطبع بعد.
3- حاشية كتاب فرائد الأُصول : 278.

قوله في الصورة الثانية : إن لم يلزم التخصيص المستهجن أو بقاء العام بلا مورد ... الخ (1).

لزوم التخصيص المستهجن ممكن ، لكن بقاء العام بلا مورد غير ممكن في هذه الصورة ، لأنّ المفروض فيها كون الخاصّين أخصّ من العام وإن كان أحدهما أخصّ من الآخر ، وحاصلها أنّ الخاصّين المتوافقين في الحكم يكون أحدهما أخصّ من الآخر مع فرض كون ذلك الآخر أخصّ من العام ، فكيف يعقل بقاء العام بلا مورد بعد التخصيص ، ولو فرض بقاء العام بعدهما بلا مورد لم يعقل انقلاب النسبة فيما لو خصّصناه أوّلاً بأخصّ الخاصّين.

نعم ، في الصورة الأُولى - وهي صورة التباين بين الخاصّين - لا يعقل انقلاب النسبة فيما لو خصّصناه بأحدهما قبل الآخر. ومنه يظهر الخدشة فيما نقله في تحرير السيّد سلّمه اللّه : فلا وجه للتخصيص بأحدهما أوّلاً ثمّ ملاحظة النسبة بين الباقي والخاصّ الآخر (2).

ثمّ لا يخفى أنّ هذا المثال - أعني أكرم العلماء ، ولا تكرم النحويين ، ولا تكرم الكوفيين من النحويين - يكون على أنحاء :

الأوّل : ما يكون الخاصّان فيه المخالفان للعام متّحدي الحكم كما في المثال.

النحو الثاني : ما يكون الخاصّان فيه مختلفي الحكم مع كونهما معاً مخالفين للعام في الحكم ، كأن يقول : يجب إكرام العلماء ويحرم إكرام النحويين ويكره إكرام الكوفيين من النحويين.

ص: 73


1- فوائد الأُصول 4 : 743.
2- أجود التقريرات 4 : 302.

والحكم فيه أنّ الأخير يخصّص كلاً ممّا فوقه ، وما يبقى للثاني يخصّص به الأوّل ، فيحكم بكراهة إكرام نحوي الكوفة ، وبحرمة إكرام النحوي غير الكوفي ، ووجوب إكرام باقي العلماء غير النحويين.

النحو الثالث : أن يكونا مختلفي الحكم مع كون أحدهما موافقاً للعام ، فإن كان الموافق له هو الأكبر منهما كان الأصغر مخصّصاً له وللعام ، مثل أن يقول : يجب إكرام العلماء ويجب إكرام النحويين ويحرم إكرام نحوي الكوفة ، وحينئذ يكون الحكم هو حرمة إكرام الكوفي من النحويين ، ووجوب إكرام من عداه من العلماء والنحويين.

وإن كان الموافق له هو الأصغر ، مثل أن يقول : يجب إكرام العلماء ويحرم إكرام النحويين ويجب إكرام الكوفي من النحويين ، كان اللازم جعل الأصغر مخصّصاً للأكبر والأكبر بما يبقى منه مخصّصاً للعام ، ويكون الحاصل أنّه يجب إكرام العلماء ما عدا غير الكوفي من النحويين.

وهذا النحو الثالث لا يتصوّر فيه انقلاب النسبة بكلا شقّيه ، وإنّما يتصوّر في النحو الأوّل والنحو الثاني ، فتأمّل جيّداً.

ثمّ لا يخفى أنّه لو اتّفق لزوم التخصيص المستهجن في العام فهو إنّما يكون من ناحية أكبر الخاصّين ، أمّا الأصغر منهما فلا مانع من تخصيص العام به ، وحينئذ تنقلب النسبة بين العام والخاصّ الأكبر إلى العموم من وجه ، فيقدّم العام ، لأنّه لو قدّمنا عليه الخاصّ الأكبر لبقي العام على مورد نادر ، إلاّ أن يمنع من انقلاب النسبة ويدّعى بقاؤها على ما كانت عليه قبل تخصيصه بالخاصّ الأصغر من كونها ملحقة بالتباين ، وفيه تأمّل.

لا يقال : قد تقدّمت الاشارة إلى عدم إمكان التخصيص مع وجود

ص: 74

المعارض.

لأنّا نقول : إنّ ذلك إنّما هو في الخاصّ الذي له معارض ، فإنّه مع وجود المعارض له لا يمكن أن يكون مخصّصاً للعام ، وما نحن فيه إنّما هو في العام الذي له معارض وله خاصّ ، فإنّ العام لا يمكن أن يكون معارضاً للعام الآخر إلاّ بعد تمامية دلالته المتوقّفة على عملية التخصيص.

والحاصل : أنّ الخاصّ لا يمكن أن يخصّص العام مع فرض وجود المعارض لذلك الخاصّ ، والعام لا يمكن أن يعارض مثله مع وجود الخاصّ ، بل لابدّ أوّلاً من إعمال التخصيص ثمّ بعد التخصيص ننظر النسبة بينه وبين معارضه فربما انقلبت إلى كونه أخصّ مطلقاً من معارضه ، كما لو قال : أكرم العلماء ، وقال : لا تكرم العلماء ، وكان في البين قوله : لا تكرم فسّاق العلماء ، فإنّه بعد تقديم الثالث على الأوّل وتخصيصه به يكون محصّل الأوّل أكرم العلماء العدول ، وهو أخصّ مطلقاً من قوله : لا تكرم العلماء ، فيقدّم عليه ، وربما انقلبت النسبة إلى العموم من وجه كما فيما نحن فيه ، وربما ارتفع التعارض كما لو كان بين الدليلين المتعارضين عموم من وجه ، وكان في البين خاصّ يخرج مورد الاجتماع عن أحدهما فقط ، بأن كان ذلك الخاصّ موافقاً للآخر ، أو يخرجه عن كليهما ، بأن كان ذلك الخاصّ مخالفاً لهما معاً ، أمّا إذا أخرج مورد انفراد أحدهما انقلبت النسبة بينهما من العموم من وجه إلى العموم المطلق ، ويكون ذلك المخصَّص الذي أُخرج منه مورد الانفراد أخصّ مطلقاً من مقابله فيقدّم عليه ، وسيأتي إن شاء اللّه تعالى تفصيل ذلك في شرح موارد انقلاب النسبة (1)

ص: 75


1- فوائد الأُصول 4 : 745 ، وأشار إليه المصنّف في الصفحة : 91 من هذا المجلّد.

قوله : فقد تنقلب النسبة إلى العموم من وجه ... الخ (1).

ظاهره أنّه ربما لا تنقلب النسبة إلى العموم من وجه ، لكن الظاهر أنّ الانقلاب المذكور متعيّن ، حيث إنّه بعد إخراج أخصّ الخاصيين من العام وتقييده بعدمه يتعيّن ذلك أعني العموم من وجه ، لأنّ للعام المقيّد مادّة ينفرد بها وهي ما عدا الخاصّين ، كما أنّ للخاص الأكبر مادّة ينفرد بها وهي مورد الخاصّ الأصغر ، ويجتمعان في ثالث وهو المورد الذي ينفرد به الخاصّ الأكبر عن الخاصّ الأصغر.

وبرهان ذلك : أنّ نقيض الأخصّ من شيء أعمّ من وجه من ذلك الشيء ، فإذا أُخذ نقيض ذلك الأخصّ من الشيء قيداً في الأعمّ من ذلك الشيء ، كان بين ذلك الشيء وبين الأعمّ منه المقيّد بنقيض الأخصّ منه عموم من وجه ، مثلاً الإنسان أخصّ من الحيوان والحيوان أخصّ من الجسم المطلق ، فإذا قيّد الجسم المطلق بغير الإنسان كان بين الجسم المقيّد بغير الإنسان وبين الحيوان عموم من وجه ، لاجتماعهما في الفرس فإنّها حيوان وجسم غير إنسان ، وينفرد الحيوان عن الجسم غير الإنسان في الإنسان ، فإنّه يصدق عليه أنّه حيوان ولا يصدق عليه أنّه جسم غير إنسان ، وينفرد الجسم غير الإنسان في الحجر لأنّه جسم غير إنسان وليس بحيوان.

قوله : وكما أنّ النسبة بين العام المتّصل به الأخصّ وبين الخاصّ الآخر تكون العموم من وجه ، كذلك تكون النسبة بين العام الفوق الذي لم يتّصل به الخاصّ لو كان وبين الخاصّ الآخر العموم من وجه ... الخ (2).

فرض هذه المسألة هو ما لو قال : أكرم العلماء غير نحاة الكوفة ، وقال : لا

ص: 76


1- فوائد الأُصول 4 : 743.
2- فوائد الأُصول 4 : 744.

تكرم النحاة ، وكان لنا عام فوق الجميع وهو قوله : أكرم العلماء ، فيكون ذلك نظير ما لو قال : جئني بأبيض ، وقال : لا تجئني بإنسان ، فإنّهما يتعارضان في الإنسان الأبيض لأنّه مورد الاجتماع ، وينفرد الأوّل في القرطاس ، وينفرد الثاني في الإنسان الأسود ، فلو كان لنا عام فوقهما وهو جئني بجسم - مثلاً - كان شاملاً لمورد الاجتماع ، ولا يمكن أن نخصّص هذا العام الفوق ونخرج منه مورد اجتماع الخاصّين - أعني الإنسان الأبيض - بشيء من ذينك الخاصّين ، أمّا قوله :

جئني بأبيض ، فلأنّه موافق للعام ، وأمّا قوله : لا تجئني بإنسان ، فلكونه مبتلى بالمعارض الذي هو جئني بأبيض ، وحينئذ لابدّ من بقاء مورد اجتماعهما تحت ذلك العام الفوق.

أمّا ما ينفرد فيه الأوّل منهما وهو القرطاس فهو باقٍ تحت العموم أيضاً ، لكون الأوّل موافقاً فيه لذلك العام الفوق.

وأمّا ما ينفرد فيه الخاصّ الثاني وهو الإنسان الأسود فيحكم بخروجه عن ذلك العام ، لكون الثاني أخصّ منه مع عدم المعارض للثاني فيه. والحكم بخروج الإنسان الأسود عن العام الفوق - أعني ائتني بجسم - وإن أوجب تقييد ذلك العام الفوق بغير الإنسان الأسود ، وكان محصّل ذلك العام الفوق ائتني بجسم غير الإنسان الأسود ، إلاّ أنّ ذلك لا يعقل أن يكون موجباً لانقلاب النسبة بينه وبين قوله : لا تأتني بإنسان ، إلى العموم من وجه ، لأنّ تخصيص العام الفوق إنّما جاء من قبله ، فبعد تخصيصه به لا يعقل انقلاب النسبة بينهما ، وإنّما يعقل ذلك فيما لو كان المخصّص لذلك العام الفوق دليلاً آخر غير هذا الدليل.

هذا هو الشأن في كلّ دليلين بينهما عموم من وجه وكانا مختلفين في الحكم ، وكان فوقهما دليل أعمّ منهما جميعاً ، وكان ذلك الأعمّ الفوق موافقاً

ص: 77

لأحدهما في الحكم ومخالفاً للآخر ، ولا يمكن القول بأنّه بعد خروج ما ينفرد فيه الخاصّ الآخر المخالف للعام الفوق عن ذلك العام تنقلب النسبة بين ذلك العام الفوق وذلك الخاصّ المخالف له إلى العموم من وجه.

ولكن ما نحن فيه خارج عن هذه القاعدة لخصوصية فيه ، فإنّ قوله : أكرم العلماء غير نحاة الكوفة وإن كانت النسبة بينه وبين قوله : لا تكرم النحاة هي العموم من وجه ، فيجتمعان في نحاة البصرة ، وينفرد الأوّل في العالم غير النحوي ، وينفرد الثاني في نحاة الكوفة ، فلو ورد عام فوق الجميع وهو أكرم العلماء ، لم يكن ذلك العام الفوق شاملاً لما ينفرد فيه الثاني وهو نحاة الكوفة ، لأنّ كلاً من هذين العامين من وجه حاكم بعدم وجوب إكرامهم.

أمّا الثاني وهو قوله لا تكرم النحاة فواضح.

وأمّا الأوّل ، فلأنّ قوله أكرم العلماء غير نحاة الكوفة ينحلّ إلى حكمين : إيجابي وهو وجوب إكرام العلماء ، وسلبي وهو عدم وجوب إكرام نحاة الكوفة ، وبهذا الجزء السلبي يكون حاكماً بعدم وجوب إكرام نحاة الكوفة ، فيخرجون حينئذ عن قوله إكرام العلماء ، فصار خروجهم عن ذلك العام الفوق من قبيل القدر المتيقّن ، فكان ذلك الخروج المتيقّن كالقرينة المتّصلة بذلك العام الفوق ، وصار حال ذلك العام الفوق حال الدليل الأوّل أعني قوله أكرم العلماء غير نحاة الكوفة ، وتكون النسبة بينه وبين الدليل الثاني - أعني قوله : لا تكرم النحاة - هي العموم من وجه ، وحينئذ لا يمكن تحكيم ذلك العام الفوق في مورد الاجتماع أعني نحاة البصرة.

هذا غاية ما توفّقت له في تقريب ما أفاده قدس سره في توجيه انقلاب النسبة في هذا المقام.

ص: 78

ولكن للتأمّل فيه مجال ، فإنّ النظر القاصر قاصر عن التصديق بأنّ توافق الدليلين المذكورين على عدم وجوب إكرام نحاة الكوفة من قبيل القرينة المتّصلة بذلك العام الفوق ، بحيث يكون حال هذا التوافق حال القرينة العقلية القطعية أو الإجماع القطعي الخارج عن هذين الدليلين اللفظيين ليلحق بالقرينة اللفظية المتّصلة ، بل هو لا يخرج عن كونه من قبيل قيام الدليل اللفظي المنفصل على عدم وجوب إكرام نحاة الكوفة.

فلا يكون حال ما نحن فيه من هذه الجهة - أعني جهة خروج نحاة الكوفة - إلاّ كحال المسألة السابقة فيما لو قال أكرم العلماء ثمّ قال لا تكرم النحاة ، الشامل لنحاة الكوفة والبصرة ، وورد مثل لا تكرم نحاة الكوفة الموجب لخروجهم عن قوله أكرم العلماء ، في عدم استلزامه لانقلاب النسبة بين ذلك العام وبين قوله لا تكرم النحاة من العموم المطلق إلى العموم من وجه.

فإنّ ما تضمّنه لفظ « غير » في الدليل الأوّل فيما نحن [ فيه ] أعني قوله : أكرم العلماء غير نحاة الكوفة ، لا يزيد على دليل منفصل يقول لا تكرم نحاة الكوفة ، في عدم إيجابه قلب النسبة بين ذلك العام الفوق وبين الدليل الثاني المخالف له القائل لا تكرم النحاة ، بل يبقى هذا الدليل الثاني على ما هو عليه من كونه أخصّ من العام الفوق ، غايته أنّه يخصّصه في أحد قسميه وهم نحاة الكوفة ، ولا يمكن أن يخصّصه في قسمه الآخر أعني نحاة البصرة ، لابتلائه في ذلك بالمعارض وهو الدليل الأوّل ، أعني قوله : أكرم العلماء غير نحاة الكوفة ، فلا يكون حال ما نحن فيه إلاّكحال ما قدّمنا مثاله ، أعني جئني بجسم وجئني بأبيض ولا تجئني بإنسان ، فتأمّل جيّداً.

ص: 79

قال في تحرير السيّد ( سلّمه اللّه تعالى ) : ومن هنا يظهر أنّه لا فرق في انقلاب النسبة في فرض اتّصال المخصّص بالعام بين ما إذا كان هناك عام آخر غير متّصل به الخاصّ وبين عدمه ، ضرورة أنّ العام الآخر بعد وجود العام المخصّص بالمتّصل لا يكون حجّة في غير ما يكون العام المتّصل حجّة فيه ، فلا محالة يكون الظهور فيه منقلباً قبل ملاحظة التعارض بينه وبين المخصّص الآخر ، فلابدّ من ملاحظة التعارض بينه بعد التخصيص بالمتّصل وبين الخاصّ الآخر ، فتنقلب النسبة إلى العموم من وجه كما هو ظاهر.

وإن شئت قلت : إنّ نسبة المخصّص الغير المتّصل إلى العام الفوق وإن كان هو العموم والخصوص المطلق ، إلاّ أنّه لا يصلح لكونه مخصّصاً له ، فإنّ المفروض معارضته بالعموم من وجه مع العموم المتّصل به المخصّص ، والخاصّ المبتلى بالمعارض لا يصلح للتخصيص ، فيكون العام الفوق من أطراف المعارضة أيضاً (1).

ولا يخفى أنّ ما أفاده بقوله : وإن شئت قلت الخ ناقض لما أفاده أوّلاً من جعل العام المتّصل مخصّصاً للعام الفوق ، لأنّ الخاصّ الآخر المعارض للعام المتّصل بالخاص مانع من تخصيص العام الفوق به ، ثمّ بعد فرض المعارضة بين الخاصّين كيف يكون العام الفوق من أطراف المعارضة ، لأنّ مقتضى المعارضة بين الخاصّين هو تساقطهما والرجوع بعد التساقط إلى العام الفوق ، فلاحظ وتأمّل فإنّ العمدة هو كون ذلك العام المخصّص بالمتّصل منحلاً إلى جزأين إيجابي وسلبي ، فيتّحد هو والخاص الآخر في نفي حكم العام عن النحوي البصري كما

ص: 80


1- أجود التقريرات 4 : 303 - 304.

شرحنا ، فلاحظ.

قوله : والدليل المبتلى بالمعارض لا يمكن أن يعنون العام ويصير مخصّصاً له ... الخ (1).

قد يتوهّم أنّ قوله : لا تكرم النحاة إذا كان غير صالح لإخراج مورد الاجتماع - أعني نحاة البصرة - عن العام الفوق لأجل ابتلائه بالمعارض وهو قوله : أكرم العلماء غير نحاة الكوفة ، فلا محيص عن كون العام الفوق محكّماً فيه ، فيكون ذلك نقضاً لما رامه قدس سره من انقلاب النسبة بين العام الفوق وقوله : لا تكرم النحاة ، فإنّ عمدة الغرض من ذلك هو عدم تحكيم العام الفوق فيما هو مورد الاجتماع.

وفي هذا التوهّم ما لا يخفى ، فإنّ العام الفوق - أعني قوله : أكرم العلماء - قد خرج منه نحاة الكوفة قطعاً ، لاتّفاق الدليلين على خروجهم عنه ، ويبقى الأمر بالنسبة إلى نحاة البصرة الذي هو مورد الاجتماع.

ولا يمكن أن يكون قوله : لا تكرم النحاة مخرجاً لهم عن ذلك العام ، وإن كان هو في حدّ نفسه أخصّ منه ، لابتلائه بالمعارض الذي هو قوله : أكرم العلماء غير نحاة الكوفة ، ولو أمكن ذلك لم تنقلب النسبة بل كان مختصّاً بما عدا النحاة ، وكان قوله : لا تكرم النحاة شاملاً لكلّ من نحاة الكوفة ونحاة البصرة ، لكن لمّا لم يمكن إخراج نحاة البصرة عن العام الفوق وبقي شاملاً لهم ، مع فرض أنّه قد خرج منه نحاة الكوفة ، فلا جرم يكون بينه وبين لا تكرم النحاة عموم من وجه ، كالعام المخصّص بالمتّصل أعني قوله : أكرم العلماء غير نحاة الكوفة ، فيكون مثله في معارضته لقوله : لا تكرم النحاة ، في مورد الاجتماع الذي هو نحاة البصرة.

ص: 81


1- فوائد الأُصول 4 : 745.

قوله : الصورة الثالثة : ما إذا ورد عام وخاصّان وكانت النسبة بين الخاصّين العموم من وجه ، كما إذا قال : أكرم العلماء ، ثمّ قال : لا تكرم النحويين ، وقال أيضاً : لا تكرم الصرفيين ، ولا إشكال في تخصيص العام بكلا الخاصّين ، فيكون مجمع تصادق الخاصّين وهو الصرفي النحوي مورداً لكلا الخطابين (1).

مثاله في الروايات الشريفة ما ورد في صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام « سألته عن البول يصيب الثوب ، قال عليه السلام : اغسله مرّتين » (2) وهذا هو العام ، وأمّا ما في قباله من الخاصّين المتوافقين في الحكم اللذين يكون بينهما العموم من وجه ، فأحدهما قوله عليه السلام في صحيح زرارة : « لا تغسل ثوبك من بول شيء يؤكل لحمه » (3) وفي موثّقة عمّار : « كلّ ما أُكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه » (4) ، والآخر قوله عليه السلام في مصحّح أبي بصير : « كلّ شيء يطير فلا بأس ببوله وخرئه » (5) ونحوها غيرها ، وبينهما عموم من وجه ، وكلّ واحد منهما أخصّ مطلقاً من العام المذكور وهو قوله عليه السلام : « اغسله مرّتين » فإنّه شامل لبول ما يؤكل طيراً كان أو غيره ، ولبول الطير مأكولاً كان أو غيره ، ومقتضى القاعدة خروجهما معاً في رتبة واحدة عن العموم المذكور ، فيبقى العام منحصراً بما لا يؤكل ولم يكن طيراً.

ولكن لمّا كان الخاصّ الثاني وهو قوله عليه السلام : « كلّ شيء يطير فلا بأس ببوله

ص: 82


1- فوائد الأُصول 4 : 745.
2- وسائل الشيعة 3 : 395 / أبواب النجاسات ب 1 ح 1.
3- وسائل الشيعة 3 : 407 / أبواب النجاسات ب 9 ح 4.
4- وسائل الشيعة 3 : 409 / أبواب النجاسات ب 9 ح 12.
5- وسائل الشيعة 3 : 412 / أبواب النجاسات ب 10 ح 1.

وخرئه » مبتلى بالمعارض بالعموم من وجه ، وهو قوله عليه السلام في صحيح ابن سنان : « اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه » (1) ونحوه من الأخبار ، فإنّه يعارض ما ورد من عدم البأس في بول الطير بالعموم من وجه ، وبواسطة ابتلائه بالمعارض المذكور لم يمكن أن يكون مخصّصاً للعام المزبور ، بل ينحصر تخصيص ذلك العام بصحيح زرارة القائل : « لا تغسل ثوبك من بول شيء يؤكل لحمه » ويكون العام المزبور مرجعاً فيما وقع فيه ذلك التعارض وهو بول الطائر غير المأكول ، فإنّ مقتضى كونه غير مأكول هو النجاسة كما أفاده صحيح ابن سنان ، ومقتضى كونه طائراً هو الطهارة كما أفاده مصحّح أبي بصير ، فيكون ذلك العام هو المحكّم في ذلك الذي وقع فيه التعارض بينهما.

ومنه يظهر الإشكال فيما ربما يقال من أنّ هذا العام بعد تخصيصه بمفاد صحيح زرارة من عدم وجوب غسل الثوب من بول المأكول ينحصر بغير المأكول طيراً كان أو غيره ، فيكون حاله حال صحيح ابن سنان في كونه معارضاً بالعموم من وجه مع مصحّح أبي بصير « كلّ شيء يطير فلا بأس ببوله وخرئه ».

وبيان دفع الإشكال هو ما عرفت من منع انقلاب النسبة ، بأن نجعل رواية عدم البأس في بول ما يؤكل هي المخصّصة أوّلاً للعام ، وبعد تخصيصه ننظر إلى النسبة بينه وبين الخاصّ الآخر الذي هو عدم البأس في بول الطير وهي العموم من وجه ، بل هما واردان معاً في رتبة واحدة على ذلك العام ، لكن لمّا كان الثاني مبتلى بالمعارض في بول الطير غير المأكول ، لم يمكن جعله مخصّصاً لذلك العام في مورد المعارضة ، فيبقى العام على حجّيته في المورد المذكور أعني بول الطير غير المأكول ، ولا يبقى للخاصّ الثاني ما يكون حجّة فيه إلاّبول الطير المأكول ،

ص: 83


1- وسائل الشيعة 3 : 405 / أبواب النجاسات ب 8 ح 2.

ولا مانع من كونه مقدّماً على العام في ذلك المورد ، كما هو قضية تقدّم الخاصّ الأوّل عليه في كلّ ما يؤكل طيراً كان أو غيره.

ولعلّ ذلك هو المراد ممّا أفاده الشيخ قدس سره بقوله في كتاب الطهارة بعد أن ذكر التعارض المذكور : فلابدّ من الحكم بإجمال العامين بالنسبة إلى محل التعارض ، فيجب الرجوع إلى الأصل إن لم يوجد هنا عموم يدلّ على نجاسة البول والخرء بقول مطلق ، وإلاّ فيجب الرجوع إليه. ولا يتوهّم أنّ مثل هذا العام بعد تخصيصه بما دلّ على طهارة بول المأكول يصير كصحيحة ابن سنان معارضاً مع رواية أبي بصير بالعموم من وجه ، لكن الإشكال في ثبوت هذا العام ، لما عرفت من قوّة انصراف مطلقات البول والعذرة إلى غير محلّ الكلام ، فالمسألة لا تخلو عن الإشكال ، إلاّ أنّ العمل على المشهور لموثّقة عمّار الآتية « خرء الخطّاف لا بأس به » (1) الخ (2) ، فإنّ هذا التوهّم مبني على انقلاب النسبة ، وقد عرفت الوجه في عدم انقلابها ، فإنّ الخاصّ الأوّل وإن خصّص العام إلاّ أنّ العام يبقى على حجّيته في قبال مورد الخاصّ الثاني ، فإن تمكّن الخاصّ الثاني من تخصيص ذلك العام كما إذا لم يكن له معارض فيه حكمنا بكونهما معاً مخصّصين لذلك العام تخصيصاً واحداً ، أمّا إذا لم يتمكّن الخاصّ الثاني من تخصيص ذلك العام لوجود المعارض له في مورد التخصيص ، كان ذلك الخاصّ الثاني بالنسبة إلى ذلك المورد بحكم المعدوم ، فلا يبقى مانع للعام عن شموله لذلك المورد وحجّيته فيه.

لا يقال : إنّ العام بعد تخصيصه بالخاصّ الأوّل وإن بقي على شموله لمورد المعارضة أعني بول الطائر غير المأكول ، إلاّ أنّ ذلك لا ينافي انقلاب النسبة بينه

ص: 84


1- يأتي مصدراها في الصفحة : 88.
2- كتاب الطهارة 5 : 28 - 29.

وبين الخاصّ الثاني الناشئ عن تخصيصه بالخاصّ الأوّل ، وحينئذ تقع المعارضة بين العام والخاصّ الثاني ، ويكون هذا العام - وهو « اغسله مرّتين » - في صفّ معارض الخاصّ الثاني وهو « اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه » (1).

لأنّا نقول : لا يعقل تجدّد المعارضة بين العام والخاصّ الثاني وإن انقلبت النسبة بينهما بعد تخصيصه بالخاصّ الأوّل ، والسرّ في ذلك هو أنّ هذه الأدلّة الأربعة يقع التقابل بينها في درجة واحدة ، فالخاصّ الأوّل يخصّص العام في رتبة التعارض بين الخاصّ الثاني ومعارضه ، والأوّل - أعني التخصيص - علّة لانقلاب النسبة ، والثاني - أعني التعارض - علّة لسقوط الخاصّ الثاني عن الحجّية في مورد المعارضة الذي هو بول الطائر غير المأكول ، فكان انقلاب النسبة في مرتبة سقوط الخاصّ الثاني عن الحجّية في مورد المعارضة ، فلا يعقل أن يكون هذا الانقلاب علّة للتعارض بين العام والخاصّ الثاني ، لأنّ هذا الانقلاب وقع في مرتبة سقوط الثاني عن الحجّية ، فكيف يعقل أن يكون مولّداً للمعارضة بين العام والخاصّ الثاني ، وما ذلك إلاّمن قبيل المعارضة بين ما هو حجّة بالفعل وما هو ساقط الحجّية فعلاً ، فلاحظ وتأمّل.

والفرق بين هذه الروايات وبين ما يأتي في الصورة الرابعة فيما لو كان هناك عام كأكرم العلماء وما هو أخصّ منه كلا تكرم فسّاقهم وما هو أعمّ من وجه من

ص: 85


1- العام الأوّل صحيح ابن مسلم « عن البول يصيب الثوب ، قال عليه السلام : اغسله مرّتين ». أحد الخاصّين صحيح زرارة « لا تغسل ثوبك من بول شيء يؤكل لحمه ». الخاصّ الآخر صحيح أبي بصير « كلّ شيء يطير لا بأس ببوله وخرئه ». المعارض للخاصّ الآخر صحيح ابن سنان « اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه » [ منه قدس سره ].

ذلك العام كقوله : يستحبّ إكرام العدول ، حيث إنّه بعد تخصيص العام الأوّل بالخاصّ المذكور تنقلب النسبة بينه وبين العام الثاني من العموم من وجه إلى العموم والخصوص المطلق ، هو أنّ الخاصّ في تلك المسألة مع العام الآخر كلاهما مقابلان للعام الأوّل مخالفان له في الحكم ، وإصلاح عملية التخصيص سابقة في الرتبة على إصلاح عملية تعارض العموم من وجه ، فأوّلاً يخصّص العام الأوّل بالخاصّ ، ثمّ ينظر النسبة بينه وبين العام الثاني ، وحينئذ تكون النسبة هي العموم المطلق.

وهذا بخلاف ما نحن فيه ، فإنّ العام الأوّل وهو ما دلّ على نجاسة البول يكون في قباله الخاصّ الأوّل والخاصّ الثاني ، وحيث إنّ الخاصّ الثاني مبتلى بالمعارض يكون عاجزاً عن تخصيص العام ، فينحصر التخصيص بالخاصّ الأوّل ، وتقع المعارضة بين الخاصّ الثاني ومعارضه ، وبعد التساقط يكون المرجع في مورد المعارضة هو العام ، فما نحن فيه وإن اشتمل على تعارض العموم من وجه ، إلاّ أنّه بين الخاصّين لا بين العام ودليل آخر كما في المسألة الآتية ، فلاحظ وتأمّل.

وأمّا دعوى ترجيح رواية أبي بصير على رواية ابن سنان ، بأنّه لو قدّمت الثانية على الأُولى لبقيت الرواية الأُولى مختصّة بخصوص الطير المأكول ، وبوله نادر ، بل يمكن ادّعاء عدم تحقّقه ، هذا. مضافاً إلى ظهورها في كون الطيران علّة في عدم البأس ، بحيث ينافيه تقيّده بكونه مأكولاً باخراج غير المأكول منه.

فيمكن الجواب عنها بأنّه لا مانع من أن يقول : الطير المأكول لا بأس ببوله وخرئه ، ولا ينافيه ندرة بوله ، فإنّ الندرة متحقّقة في المأكول منه وغير المأكول. وبالجملة : أنّ ضمّ الخرء إلى البول يخرج المسألة عن الندرة والاستهجان.

ص: 86

وأمّا دعوى علّية الطيران فيمكن معارضتها بعلّية عدم المأكولية ، فإنّ الظاهر أنّ عدم المأكولية علّة في النجاسة بحيث ينافيه تقييدها بعدم الطيران باخراج الطائر منه ، فلاحظ وتأمّل.

قال الشيخ قدس سره في كتاب الطهارة : والنسبة بينها (1) وبين صحيحة ابن سنان عموم من وجه ، إلاّ أنّ رجحان الثاني ممّا لا يخفى ، لأنّ ظاهر الصحيحة بيان كون نفس الطيران عنواناً أخصّ من حرمة اللحم (2).

وقال العلاّمة الخراساني قدس سره في شرح التبصرة : والنسبة بينهما وبين صحيحة أو حسنة ابن سنان المتقدّمة وإن كانت عموماً من وجه ، إلاّ أنّ شمولهما لما لا يؤكل ( لحمه ) من الطير أظهر من شموله له كما لا يخفى ، فيخصّص بهما (3).

ومرادهما أنّا لو أخرجنا الصقر مثلاً عن صحيحة أبي بصير وأدخلناه في رواية ابن سنان ، لم يبق تحت رواية أبي بصير إلاّمثل الحمامة المأكولة اللحم ، وتكون العلّة في طهارة خرئها وبولها هو كونها مأكولة اللحم لا كونها طائرة ، وهو خلاف ظاهر التعليل بالطيران.

ولا يرد عليها العكس الذي أشرنا إليه ، بدعوى أنّ رواية ابن سنان ظاهرة في كون العلّة في النجاسة هي عدم الأكل ، ولو أخرجنا منها الصقر وأمثاله من الطيور المحرّمة وأبقينا تحتها خصوص المحرّمات الأرضية ، لم تكن العلّة في النجاسة فيها هي عدم الأكل فقط ، بل هي مع قيد عدم الطيران.

ص: 87


1- [ في المصدر « بينهما » ، ولكنّ المصنّف رحمه اللّه أفرد الضمير لتركه مصحّحة علي بن جعفر عليه السلام الموافقة لرواية أبي بصير ].
2- كتاب الطهارة 5 : 28.
3- اللمعات النيّرة : 204 - 205.

وبيان عدم ورود العكس هو أنّا لو أخرجنا الصقر عن رواية ابن سنان وأبقيناه تحت رواية أبي بصير ، كانت رواية ابن سنان مختصّة بما لا يؤكل لحمه من غير الطيور ، ويكون العلّة في النجاسة فيه هو عدم الأكل وعدم الطيران ، وهذا ليس بإسقاط لعدم الأكل عن العلّية بالمرّة ، بل أقصى ما فيه أنّا قد ضممنا إليه جزءاً وشرطاً آخر وهو عدم الطيران ، ولا ريب أنّه أولى من إسقاط العلّة في رواية أبي بصير وهي الطيران بالمرّة (1).

نعم ، يمكن المناقشة في العموم بأنّ المنصرف من صحيح ابن مسلم هو البول المفروغ عن نجاسته ، وهذا هو الإشكال الذي أشار إليه الشيخ قدس سره بقوله : لكن الإشكال في ثبوت هذا العام ، لما عرفت من قوّة انصراف مطلقات البول والعذرة إلى غير محلّ الكلام الخ (2).

وأمّا موثّقة عمّار التي قوّى بها فتوى المشهور ، فهي ما عن المختلف من كتاب عمّار من قول الصادق عليه السلام : « خرء الخطّاف لا بأس به ، هو ممّا يؤكل لحمه ولكنّه كره أكله » الحديث (3) ، فقد عورضت برواية الشيخ (4) لها بإسقاط لفظ الخرء.

ولكن قد تحقّق في محلّه أنّ رواية الزيادة مقدّمة على رواية النقيصة ، سواء كان ذلك من قبيل اختلاف النسخ في الكتابين ، أو كان من قبيل الروايتين ، وإن

ص: 88


1- وأخيراً قد حرّرنا هذه المسألة فيما علّقناه على هذه المسألة في العروة فراجع [ منه قدس سره ولا يخفى أنّ تعاليقه قدس سره على العروة الوثقى مخطوطة ].
2- كتاب الطهارة 5 : 28.
3- مختلف الشيعة 8 : 310 ، وسائل الشيعة 3 : 411 / أبواب النجاسات ب 9 ح 20 ( مع اختلاف يسير ).
4- التهذيب 9 : 80 - 81 / 345 ، وسائل الشيعة 23 : 393 / أبواب الصيد ب 39 ح 5.

كان الأظهر فيما نحن فيه هو الثاني.

مع أنّ الزيادة أقرب هنا من ناحية أُخرى ، فإنّ ظاهر قوله عليه السلام : « هو ممّا يؤكل لحمه » أنّه تعليل لقوله : « لا بأس به » ومع إسقاط لفظ « الخرء » يكون من قبيل تعليل الشيء بنفسه ، لأنّ قوله : « الخطّاف لا بأس به » عبارة عن أنّه يجوز أكله ، فلا محصّل لتعليله بأنّه ممّا يؤكل لحمه ، وإنّما يحسن التعليل لو كان مسوقاً لطهارة خرئه وبوله كما لا يخفى ، اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ قوله : « هو ممّا يؤكل لحمه » لا يكون مسوقاً لبيان العلّة ، بل هو توضيح لقوله : « الخطّاف لا بأس به ».

نعم ، يمكن المناقشة في استفادة انحصار العلّية منها بحلّية الأكل على وجه تكون هي - أعني الحلّية وعدمها - تمام الملاك في النجاسة والطهارة على وجه ينفي مدخلية الطيران وعدمه ، وإلاّ لكانت معارضة لرواية أبي بصير معارضة التباين.

وإن شئت فقل : إنّه قد اجتمع في الخطّاف عنوانان كلّ واحد منهما كاف في الحكم بطهارة خرئه ، وهما كونه طائراً وكونه مأكول اللحم ، ولا مانع حينئذ من تعليل الحكم بالطهارة بأحدهما وهو كونه مأكول اللحم والإعراض عن الآخر وهو كونه طائراً ، لأنّ تحقّق الثاني فيه وجداني بخلاف الأوّل وهو كونه مأكول اللحم لأنّه محتاج إلى بيان ، فتأمّل.

وأمّا مناقشة السرائر (1) في رواية أبي بصير بأنّها شاذّة فلعلّها على مذهبه من رمي خبر الواحد بالشذوذ ، وإلاّ فإنّ صحّتها واعتماد الصدوق (2)

ص: 89


1- كتاب السرائر 1 : 75.
2- [ أورد الصدوق ما لفظه : « لا بأس بخرء ما طار وبوله » من غير إسناد له إلى أبي بصير. راجع الفقيه 1 : 71، ذيل ح 164 ].

والشيخ (1) عليها مانعان من كونها شاذّة ساقطة الحجّية ، ومنه يظهر الخدشة فيما عن التذكرة (2) من إنكار العمل بها ، فلاحظ.

قوله في الصورة الثالثة : ولا إشكال في تخصيص العام بكلا الخاصّين ... الخ (3).

ولو كان بين الخاصّين تناف وتعارض ، وكان أحدهما موافقاً للعام مثل قوله أكرم العلماء وقوله لا تكرم النحويين وقوله أكرم الصرفيين ، كان الحكم فيه ما تقدّم من مثال ائتني بجسم وخاصّيه ، فيكون العام وهو أكرم العلماء محكّماً في مورد الاجتماع وهو النحوي الصرفي ، أمّا الصرفي الذي ليس بنحوي فهو باقٍ تحت ذلك العام لعدم المعارض له فيه ، وأمّا النحوي الذي ليس بصرفي فيتحكّم فيه الخاصّ الآخر وهو لا تكرم النحويين ، لكونه أخصّ من العام وهو فيه بلا معارض.

ومنه يظهر الحال فيما لو كان كلّ منهما مخالفاً للعام مثل أن يقول يجب إكرام العلماء ويحرم إكرام النحويين ويكره إكرام الصرفيين ، فإنّ العام يتحكّم فيما تعارضا فيه وهو مورد الاجتماع ، وكلّ منهما يتحكّم فيما انفرد فيه. ولكن قد يقال إنّ العام في مثل ذلك لا يتحكّم في مورد الاجتماع لاتّفاقهما على نفيه ، فلابدّ فيه من الرجوع إلى الأُصول الأُخر ، فتأمّل.

ص: 90


1- [ المبسوط 1 : 39 حيث قال فيه : وبول الطيور كلّها وذرقها طاهر سواء أُكل لحمها أم لم يؤكل ].
2- تذكرة الفقهاء 1 : 49.
3- فوائد الأُصول 4 : 745.

قوله في الصورة الرابعة : فإن كان مفاد الخاصّ إخراج مورد افتراق أحد العامين تنقلب النسبة إلى العموم المطلق ... الخ (1).

ولو كان خاصّ آخر يخرج مورد افتراق الآخر كأن يقول : يستحبّ إكرام الصرفي غير النحوي ، انقلبت النسبة بين العامين من وجه إلى التباين ، لأنّه حينئذ لا يبقى تحت كلّ منهما إلاّمورد الاجتماع الذي هو مورد تعارضهما ، ويكون التعارض بينهما حينئذ تعارض التباين.

ولكن هل يكون المرجع فيه هو المرجّحات السندية كما هو الشأن في تعارض التباين ، أو يكون المرجع هو التساقط كما هو الشأن في تعارض العموم من وجه؟ ولعلّ هذا الفرض يكون إشكالاً على الالتزام بانقلاب النسبة ، ولعلّنا نتعرّض له في محلّه في مبحث تعارض العموم من وجه إن شاء اللّه.

قوله : وإن كان مفاد الخاصّ إخراج مورد الاجتماع - إلى قوله - فتكون النسبة بينهما التباين ... الخ (2).

لكن يرتفع التعارض بينهما ، وهذا فيما لو كان مفاد الخاصّ مخالفاً لكلّ من العامين في الحكم ، كما في المثال الذي ذكره أعني قوله : يستحبّ إكرام الصرفي من النحويين ، وكذا لو كان مفاد الخاصّ موافقاً لأحدهما ومخالفاً للآخر كأن يقول بعد قوله أكرم النحويين ولا تكرم الصرفيين : أكرم النحوي الصرفي ، فإنّه لا يخرج مورد الاجتماع عن قوله : أكرم النحويين ، وإنّما يخرجه عن قوله : لا تكرم الصرفيين ، ولكنّه مع ذلك يرتفع التعارض بينهما.

ص: 91


1- فوائد الأُصول 4 : 745.
2- فوائد الأُصول 4 : 745.

قوله : كما إذا أخرج الدليل الرابع مورد الافتراق عن أحد الأدلّة الثلاثة ... الخ (1).

كأن يقول : الشاعر الذي هو غير عالم ولا فاسق لا يستحبّ إكرامه ، فإنّه يخرج به ما ينفرد به قوله : يستحبّ إكرام الشعراء عن العامين الباقيين ، ويوجب اختصاصه بالشاعر العالم الفاسق ، فيكون أخصّ من الباقيين فيخصّصهما.

قوله : كما إذا أخرج الدليل الرابع مورد الافتراق عن جميع الأدلّة الثلاثة ... الخ (2).

يمكن ذلك في أدلّة ثلاثة ويمكن أيضاً في دليل واحد ، كأن يقول : العالم غير الشاعر ولا الفاسق ، والشاعر غير العالم ولا الفاسق ، والفاسق غير العالم ولا الشاعر يكره إكرامهم.

قوله : وقد تقدّم أنّ تعارض الأدلّة إنّما هو لأجل حكايتها وكشفها عمّا لا يمكن جعله ... الخ (3).

توضيح ذلك : أنّه إذا قال : أكرم العلماء ، وقال : لا تكرم العلماء ، وقال أيضاً : أكرم العالم العادل ، فهذه الأدلّة الثلاثة وإن كانت في الصورة الظاهرة في رتبة واحدة ، بمعنى كون النسبة بين الأوّلين هي التباين وبين الثاني والأخير هي العموم المطلق ، وكان مقتضى ذلك هو إجراء وظيفة التباين ووظيفة العموم المطلق دفعة واحدة ، إلاّ أنّ إجراء وظيفة التباين لمّا كانت متوقّفة على كشف كلّ من الدليلين عن مدلولهما ، وكان الخاصّ مانعاً من كون الثاني كاشفاً عن المراد

ص: 92


1- فوائد الأُصول 4 : 746.
2- فوائد الأُصول 4 : 747.
3- فوائد الأُصول 4 : 747.

الواقعي ، بمعنى الحكم على ذلك المتكلّم بأنّه قد أراد جميع العلماء من قوله : لا تكرم العلماء ، كان التخصيص به متقدّماً في الرتبة على إجراء وظيفة التباين بينه وبين العام الأوّل ، لكون هذا الخاصّ كاشفاً عن أنّ المتكلّم لم يرد بالعام الثاني إلاّ خصوص الفسّاق من العلماء ، وبه يرتفع موضوع التباين بينه وبين العام الأوّل.

وهذا التقدّم الرتبي هو الحجر الأساسي في انقلاب النسبة ، ولعلّ ما في الكفاية كان إيماءً إلى إنكاره ، فإنّه بعد أن ذكر عدم انقلاب النسبة فيما إذا [ ورد ] عام وخاصّان على خلافه ، وكان أحد ذينك الخاصّين أخصّ من الآخر ، وأنّه لا يخصّص العام أوّلاً بأخصّ الخاصّين ثمّ بعد ذلك تلاحظ النسبة بين ذلك العام والخاصّ الآخر ، قال ما نصّه :

هذا فيما كانت النسبة بين المتعارضات متّحدة ، وقد ظهر منه حالها فيما كانت النسبة بينها متعدّدة ، كما إذا ورد عامان من وجه مع ما هو أخصّ مطلقاً من أحدهما ، وأنّه لابدّ من تقديم الخاصّ على العام ومعاملة العموم من وجه بين العامين من الترجيح والتخيير بينهما وإن انقلبت النسبة بينهما إلى العموم المطلق بعد تخصيص أحدهما ، لما عرفت من أنّه لا وجه إلاّلملاحظة النسبة قبل العلاج ، نعم لو لم يكن الباقي تحته بعد تخصيصه إلاّما لا يجوز أن يجوز عنه التخصيص ، أو كان بعيداً جدّاً ، لقدّم على العام الآخر ، لا لانقلاب النسبة بينهما ، بل لكونه كالنصّ فيه فيقدّم على الآخر الظاهر فيه بعمومه كما لا يخفى (1).

وقد عرفت أنّه لابدّ من ملاحظة التخصيص أوّلاً ، لا من جهة أنّه لابدّ من ملاحظة النسبة بين الأدلّة الثلاثة أوّلاً ثمّ ملاحظة العلاج ثانياً ، بل لما عرفت من أنّ علاج التباين أو العموم من وجه إنّما هو بعد فرض حجّية ظهورهما وحكايتهما

ص: 93


1- كفاية الأُصول : 453.

عمّا أراده المتكلّم ، وعلاج العموم المطلق يكون سابقاً في الرتبة على هذا العلاج فتأمّل.

ثمّ لا يخفى أنّ النظر القاصر قاصر عن فهم ما أراده قدس سره من قوله : نعم الخ ، فإنّ هذا المخصّص إن كان قد أخرج مورد الاجتماع من أحدهما لم تنقلب النسبة إلى العموم المطلق ، بل إلى التباين وارتفاع المعارضة ، وإن كان قد أخرج عن أحدهما مورد انفراده عن الآخر بحيث إنّه لا يبقى تحته إلاّمورد الاجتماع ، فهو الذي يوجب انقلاب نسبته مع الآخر إلى العموم المطلق ، لكن فرض كون الباقي تحته قليلاً إنّما يكون موجباً لعدم إمكان تخصيصه بذلك الخاصّ ، لأنّه حينئذ كالمباين له في نظر العرف ، كما أنّه بالنسبة إلى العام الآخر أيضاً كذلك.

مثلاً لو كان العالم الشاعر منحصراً بواحد والعالم غير الشاعر كثيراً لا ينحصر ، وقال : أكرم الشعراء ، وقال : لا تكرم العلماء ، فهذان بينهما عموم من وجه يجتمعان في ذلك الواحد ، فلو قال : أكرم العالم غير الشاعر ، فقد أخرجنا العالم غير الشاعر من قوله : لا تكرم العلماء ، ولم يبق تحته إلاّذلك الواحد وهو تخصيص مستهجن.

وحينئذ لابدّ أن نقول : إنّ قوله أكرم العلماء غير الشعراء مع قوله لا تكرم العلماء متعارضان تعارض التباين عرفاً.

وكذلك تكون نسبة قوله : لا تكرم العلماء إلى قوله : أكرم الشعراء بحسب النظر العرفي نسبة التباين مع عدم التعارض ، لأنّ مورد المعارضة قليل جدّاً ، وهو ذلك الواحد من العلماء ، وبهذا يرتفع التعارض بينهما عرفاً ، لا لأنّ لا تكرم العلماء يدلّ عليه بالنصوصية وقوله أكرم الشعراء بالظهور.

نعم ، لو كان الأمر في الفرض المزبور بالعكس ، بأن كان العالم غير الشاعر

ص: 94

هو القليل وهو المنحصر بفرد واحد ، وكان مورد الاجتماع هو الكثير ، فيكون الخارج بقوله : أكرم العالم غير الشاعر عن قوله : لا تكرم العلماء هو ذلك الواحد ، كان قوله : لا تكرم العلماء مقدّماً على قوله : أكرم الشعراء ، لأنّه لو عكسنا لم يبق تحت العلماء إلاّذلك الفرد النادر ، لكن بقاء ذلك الفرد النادر إنّما هو لو قدّمنا عليه قوله : أكرم الشعراء ، لا أنّ تخصيصه بقوله : أكرم العالم غير الشاعر يكون هو الموجب لذلك كما يظهر من قوله : لو لم يكن الباقي تحته بعد تخصيصه إلاّما لا يجوز أن يجوز عنه التخصيص الخ.

وفي الحقيقة أنّ النظر العرفي يعدّ قوله : لا تكرم العلماء أخصّ مطلقاً من قوله : أكرم الشعراء في الصورة المزبورة ، أعني كون العالم غير الشاعر منحصراً بفرد واحد مثلاً ، فيخرج عمّا نحن فيه من العموم من وجه ، وإن كان المراد بقاء أحد العامين من وجه بلا مورد لو قدّم عليه الآخر بعد أن خرج منه مورد انفراده ولو كان كثيراً ، فهذا متحقّق في كلّ عامين من وجه ابتلي أحدهما بما يدلّ على خروج مورد انفراده عن صاحبه ، ولكن الظاهر أنّ الأوّل هو مراد الكفاية.

والخلاصة : هي أنّ المتعارضين بالعموم من وجه لو وجد ما هو أخصّ من أحدهما ، بأن كان موجباً لإخراج مورد انفراده ، مثل أن يقول : يجب إكرام العلماء ، ويقول : يستحبّ إكرام العدول ، ويقول : يحرم إكرام فسّاق العلماء ، فبين الأوّل والثاني عموم من وجه ، لاجتماعهما في العالم العادل ، وانفراد الأوّل في العالم الفاسق وانفراد الثاني في العادل غير العالم ، والثالث أخصّ من الأوّل وأخرج منه مورد انفراده وهو العالم الفاسق ، فصاحب الكفاية قدس سره (1) يرى أنّه لا تنقلب النسبة بين الأوّلين بعد التخصيص المذكور إلى العموم والخصوص

ص: 95


1- كفاية الأُصول : 452.

المطلق ، بل يبقى الأوّل مع الثاني على حالهما من كون النسبة هي العموم من وجه ، فربما قدّم الأوّل على الثاني ، وربما قدّم الثاني على الأوّل وحينئذ تكون النتيجة هي سقوط الأوّل بالمرّة لسقوطه في مورد انفراده بواسطة الدليل الثالث ، وسقوطه في مورد اجتماعه مع الثاني بواسطة الدليل الثاني.

نعم ، لو كان مورد انفراد الأوّل وهو العالم الفاسق قليلاً جدّاً ، بأن يكون العالم الفاسق منحصراً بواحد مثلاً ، تعيّن تقديم الأوّل على الثاني في مورد اجتماعهما وهو العالم العادل ، لا من جهة انقلاب النسبة ، بل من جهة أنّه لو قدّم الثاني عليه حتّى مع قطع النظر عن تخصيصه بالثالث لكان من التخصيص المستهجن.

وملخّصه : هو أنّ الأوّل يكون مقدّماً على الثاني في هذه الصورة حتّى لو لم يكن الثالث موجوداً ، لما مضى شرحه من أنّ أحد العامين من وجه إذا كان مورد انفراده قليلاً يكون نصّاً في مورد الاجتماع.

وعمدة ما يرد عليه : أنّه بعد تسليم بقاء نسبة العموم من وجه بعد التخصيص بالثالث ، يكون المثال المزبور خارجاً عمّا نحن فيه من تعارض العموم من وجه مع وجود المخصّص لأحدهما ، لأنّ العرف يرى أنّ قوله : يجب إكرام العلماء المفروض أنّ جميعهم عدول ما عدا شخصاً واحداً أخصّ مطلقاً من قوله : يستحبّ إكرام العدول.

لكن يمكن دفع هذه الدعوى ، بل إنّهما متعارضان بالعموم من وجه بحسب النظر العرفي ، غير أنّ هناك دعوى أُخرى وهي تعيّن تقديم الأوّل على الثاني ، لأنّ العكس يوجب التخصيص المستهجن ، أو لأنّ الأوّل يكون نصّاً في مورد الاجتماع.

ص: 96

ولكن تقدّمت المناقشة في هذه الجهة ، فالعمدة هو المنع من بقاء النسبة بعد التخصيص ، وأنّ عملية التخصيص سابقة في الرتبة على عملية تعارض العموم من وجه ، ومع عملية التخصيص يكون الأوّل أخصّ مطلقاً من الثاني ، لا أنّه يعارضه معارضة العموم من وجه ، لأنّ هذه المعارضة متفرّعة على إحراز المراد الواقعي من الأوّل ، والمفروض أنّ ما هو أخصّ منه يوجب كون المراد الواقعي منه هو خصوص مورد الاجتماع ، فلاحظ وتدبّر فيما علّق على الكفاية في هذه العبارة.

وعلى كلّ حال ، إنّ ما أفاده في الكفاية من أنّ التخصيص لا يغيّر النسبة ، وأنّه لو فرض كون مورد انفراد أحدهما قليلاً جدّاً كان ذلك موجباً لتقدّمه على الآخر ، لا يكون نتيجته إلاّتقدّمه على الآخر لا أنّه يتقدّم عليه وعلى ذلك الخاصّ.

كما أنّه لا يرد عليه النقض بما لو لم يكن مورد الانفراد قليلاً ، بدعوى أنّه لو قدّم الآخر عليه مع فرض كون المخصّص قد أخرج عنه مورد الانفراد لسقط ذلك العام بالكلّية ، وفي الحقيقة ينبغي أن يكون الخاصّ وهو يحرم إكرام فسّاق العلماء والعام الآخر وهو قوله : يستحبّ إكرام العدول كلاهما في قبال أكرم العلماء ، ويعامل معاملة التباين ، لأنّ الأوّل أخرج منه فسّاق العلماء ، والثاني لو قدّم يخرج عدولهم.

وإنّما قلنا إنّه لا يرد عليه النقض المذكور ، لأنّ سقوط العام في المثال الذي استثناه لو قدّم عليه طرفه لا يكون إلاّمن ناحية تقديم طرفه عليه ، كان الخاصّ موجوداً أو لم يكن ، بخلاف غيره ممّا يكون فيه موارد الانفراد كثيرة ، فإنّه لو قدّم عليه طرفه لم يكن ذلك موجباً لسقوطه إلاّ إذا كان الخاصّ مساعداً لذلك الطرف في إخراج موارد الانفراد ، وحينئذ يجتمع كلّ من الطرف والخاصّ في قبال العام

ص: 97

الأوّل ، وينبغي إجراء حكم التباين نظير الخاصّين المستوعبين ، لكن ذلك - أعني إجراء حكم التباين - إنّما يتمّ لو قلنا إنّ عملية التخصيص في رتبة عملية تعارض العموم من وجه كما يظهر من الكفاية ، وحينئذ يلزمه إجراء أحكام تعارض التباين ، لا أنّه يقدّم الخاصّ على العام الأوّل ثمّ تجري عملية تعارض العموم من وجه بين العام الأوّل والعام الثاني.

أمّا لو قلنا كما تقدّم بالتقدّم الرتبي لعملية التخصيص فلا يرد ذلك ، سواء قلنا بانقلاب النسبة بعد عملية التخصيص ، فلازمه تقدّم العام الأوّل على الثاني لكونه حينئذ أخصّ منه مطلقاً ، أو لم نقل بانقلاب النسبة فيبقيان على ما كانا عليه من النسبة ، فيعاملان معاملة تعارض العموم من وجه وإن لزم منه إسقاط الأوّل بالمرّة لو قدّمنا عليه الثاني ، فلاحظ.

ولكن الذي يظهر من حاشيته على الرسائل خلاف هذا الذي وجّهنا به عبارته في الكفاية ، فإنّه قال في الحاشية : والذي يقتضيه التحقيق أن يقال : إنّ الباقي تحت أحد المتعارضات بعد تقديم ما حقّه التقديم عليه منها إن كان بمقدار [ لا ] يجوز أن يجوز إليه التخصيص يقدّم على باقي معارضاته ، لا لما ذكره قدس سره من ملاحظة النسبة بينه وبين الباقي بعد إخراج ما أُخرج عنه بالتقديم ، لما عرفت من أنّه خلاف التحقيق وما مرّ منه قدس سره ، بل لما أشرنا إليه سابقاً من أنّ العام نصّ في منتهى التخصيص - إلى قوله - وإن كان الباقي تحته أزيد من ذلك المقدار ، فبملاحظة النسبة السابقة بينه وبينها - انقلبت ( النسبة ) أو لا - يعالج التعارض في البين إلى آخر ما أفاده قدس سره (1).

وكأنّ هذا التفصيل يومئ إلى شيء آخر ، وهو أنّ المخصّص تارةً يخرج

ص: 98


1- حاشية كتاب فرائد الأُصول : 280.

تمام ما ينفرد به أحدهما ، وحينئذ يتعيّن تقدّم الأوّل ، لأنّه لو قدّم عليه الثاني يبقى بلا مورد ، بخلاف ما لو أخرج بعض ما ينفرد به الأوّل على وجه يمكن أن يقدّم الثاني عليه فيبقى له ما بقي ممّا ينفرد به ، فلاحظ وتدبّر.

ولكن لا يخفى أنّ هذا القسم خارج عن مفروض الكلام من انقلاب النسبة بعد التخصيص.

وهذا المعنى الأخير لتفصيل الكفاية والحاشية هو الذي فهمه العلاّمة الاصفهاني في حاشيته على الكفاية ، فقال : وأمّا الصورة الثانية ( وهي ما لو ابتلي أحد العامين من وجه بما هو أخصّ منه ) ففيها مسلكان :

أحدهما : ما عن الشيخ الأعظم قدس سره (1) من انقلاب النسبة أحياناً ، كما إذا ورد أكرم العلماء ، ولا تكرم فسّاقهم ، ويستحبّ إكرام العدول ، فإنّه يخصّص الأوّل بالثاني ، فيكون نسبة الأوّل - بعد التخصيص بالثاني - إلى الثالث نسبة الأخصّ إلى الأعمّ ، فيخصّص الثالث بالأوّل ، وقد مرّ عدم الموجب لملاحظة الخاصّ أوّلاً ، وعدم انقلاب النسبة كما بنى قدس سره عليه في الصورة الأُولى.

ثانيهما : ما سلكه شيخنا الأُستاذ قدس سره في الكتاب (2) من لزوم ملاحظة الخاصّ أوّلاً وعدم انقلاب النسبة ، فيعامل مع الأوّل والثالث معاملة العامين من وجه بعد التخصيص بالثاني أيضاً ، واستثنى منه ما إذا لم يبق بعد التخصيص إلاّمادّة الاجتماع ، فإنّه لا يجوز تقديم العام الآخر عليه ، لأنّه لا يجوز تخصيصه به أيضاً ، بل يقدّم على العام الآخر ، لا من أجل القول بانقلاب النسبة ، بل لأنّه بعد تخصيصه بالخاصّ كالنصّ فيما بقي تحته ، فيقدّم على الآخر الظاهر فيه

ص: 99


1- فرائد الأُصول 4 : 102 وما بعدها.
2- كفاية الأُصول : 451 وما بعدها.

بعمومه (1).

وفيه : ما عرفت من أنّ انقلاب النسبة المدّعى إنّما هو في خصوص هذه الصورة المستثناة ، وهي ما إذا لم يبق بعد التخصيص إلاّمادّة الاجتماع ، أمّا إذا بقي للعام المخصّص شيء من مادّة الانفراد عن العام الآخر ، فلم يدّع الشيخ ولا غير الشيخ أنّه بالتخصيص تنقلب نسبته مع العام الآخر إلى العموم المطلق مع فرض بقاء نسبة العموم من وجه بينهما بحالها حتّى مع إخراج شيء من مادّة افتراقه عن العام الآخر.

ثمّ إنّه أورد على ما نقله عن الكفاية بقوله : وفيه أوّلاً : ما مرّ من عدم الموجب للتخصيص ما لم يتعيّن في قباله عموم ، فإنّ العموم وإن كان محفوظاً مع الجمع الدلالي بينه وبين العام الآخر ، وأمّا إذا قدّم عليه للترجيح السندي فلا محالة يسقط العام في مورد الاجتماع ، فلا سند إلاّلمادّة الافتراق ، فالعموم بما هو عموم لا سند له.

وثانياً : أنّ تقديم العام الآخر على العام المخصّص ليس بملاك التخصيص ليقال بأنّه لا يجوز التخصيص إلى حدّ لا يجوز تخصيصه ، بل بملاك الترجيح السندي بين المتباينين في مورد التعارض.

وثالثاً : بعد الاعتراف بعدم انقلاب النسبة المبني عنده قدس سره على عدم انقلاب الظهور ، لا فرق بين العامين في الظهور أوّلاً وآخراً ، فلا يتفاوت ظهور العام المخصّص في شموله لمورد الاجتماع بملاحظة التخصيص قبله وبعده (2).

وإيراده الأوّل وكذ الثاني مبني على تأخّر التخصيص رتبة عن عملية التعارض ،

ص: 100


1- نهاية الدراية 5 - 6 : 351.
2- نهاية الدراية 5 - 6 : 351 - 352.

وعلى أنّ تقديم أحد العامين من وجه على الآخر من باب الترجيح السندي ، وسيأتي (1) الكلام على ذلك عند التعرّض لما أورده على مسلك الشيخ قدس سره.

وأمّا إيراده الثالث ففيه : أنّه بعد تسليم عدم انقلاب النسبة ، وبقاء كلّ من العامين من وجه بحاله من الظهور في الشمول لمورد الاجتماع ، يمكن الفرق في العام المخصّص بين حاله قبل التخصيص وحاله بعده ، فإنّ حاله بعد التخصيص وخروج مورد الانفراد عنه بالتخصيص يكون موجباً لكونه كالنصّ في مورد الاجتماع ، فلا يمكن أن يقدّم عليه العام الآخر في المورد المذكور أعني مورد الاجتماع.

قال الشيخ قدس سره : وقد يحدث الترجيح كما إذا ورد أكرم العلماء ، ولا تكرم فسّاقهم ، ويستحبّ إكرام العدول ، فإنّه إذا خصّ العلماء بعدولهم يصير أخصّ مطلقاً من العدول ، فيخصّص العدول بغير علمائهم ، والسرّ في ذلك واضح ، إذ لولا الترتيب في العلاج لزم إلغاء النصّ أو طرح الظاهر المنافي له رأساً ، وكلاهما باطل (2).

قال المرحوم الميرزا موسى في حاشيته : قوله لزم إلغاء النصّ الخ ، لأنّ قولنا أكرم العلماء دليل عارضه دليلان ، أحدهما على وجه العموم والخصوص مطلقاً وهو قولنا لا تكرم فسّاقهم ، والآخر على وجه العموم والخصوص من وجه وهو قولنا يستحبّ إكرام العدول ، وحينئذ تجب ملاحظة الترتيب بمعنى تخصيص العلماء أوّلاً بفسّاقهم لكونه أخصّ منه مطلقاً ، ثمّ تخصيص العدول بالعلماء لصيرورته أخصّ منه بعد إخراج الفسّاق منهم ، إذ لولا ملاحظة الترتيب

ص: 101


1- يأتي في الصفحة : 103 التعرّض لمسألة تأخّر التخصيص عن التعارض وعدمه.
2- فرائد الأُصول 4 : 111 - 112.

بأن يخصّص العلماء أوّلاً بالعدول ، بأن تخرج منه مادّة الاجتماع التي هي العالم العادل من تحت عموم العلماء ويدخل تحت عموم العدول ، فحينئذ إمّا أن يخصّص العلماء بفسّاقهم أيضاً ، فيلزم طرح دليل العلماء لبقائه بلا مورد حينئذ ، وإمّا أن لا يخصّص به فيلزم إلغاء دليل فسّاقهم الذي هو نصّ بالنسبة إلى دليل العلماء ، وكلّ من اللازمين باطل فكذا ملزومهما (1).

أقول : وبناءً على ذلك يكون المراد بالنصّ في كلام الشيخ قدس سره هو الخاصّ أعني قوله : لا تكرم فسّاقهم ، والمراد من الظاهر قوله : أكرم العلماء ، إذ لو لم يجر الترتيب المذكور وأبقينا العام الأوّل والعام الثاني بحالهما من العموم من وجه ، ولم نقدّم الأوّل منهما على الثاني ، بل قدّمنا الثاني على الأوّل ، وأخرجنا مادّة الاجتماع وهي العالم العادل عن الأوّل ، فإن أبقينا للأوّل مادّة انفراده وهي العالم الفاسق لزم إلغاء النصّ وهو قوله : لا تكرم فسّاقهم ، وإن أخرجنا عنه مادّة انفراده وحكّمنا فيها النصّ المذكور ، لزم بقاء قوله : أكرم العلماء بلا مورد ، لأنّا أدخلنا العادل منهم تحت قوله : يستحبّ إكرام العدول ، والفاسق منهم حكّمنا فيه قوله : لا تكرم فسّاقهم ، فلزم طرح الظاهر المذكور رأساً وهو قوله : أكرم العلماء ، إذ لم نعمل به في مورد الاجتماع ولا في مورد الانفراد.

ولا يخفى أنّ هذا الترتيب يجري فيما لو كان العامان متباينين ، مثل أن يقول أكرم العلماء ، ويقول لا تكرم العلماء ، ثمّ يقول لا تكرم فسّاق العلماء ، فإنّ الثالث يخرج فسّاق العلماء من الأوّل ويبقى تحته العلماء العدول ، فيكون حينئذ أخصّ من الثاني فيقدّم عليه ، وتكون النتيجة وجوب إكرام العالم العادل وحرمة إكرام العالم الفاسق.

ص: 102


1- أوثق الوسائل : 624.

والسرّ في ذلك كلّه هو أنّ العام والخاصّ المخالف له يكونان بالنظر العرفي كدليل واحد يدلّ على ثبوت حكم ذلك العام فيما عدا ذلك الخاصّ ، وهذه النتيجة إذا قيست إلى ما قابل ذلك العام كانت أخصّ منه ، سواء كان ذلك المقابل للعام مبايناً له أو كان بينهما العموم من وجه إذا كان مفاد ذلك الأخصّ هو إخراج مادّة انفراد العام عن مقابله.

وبالجملة : أنّ ملاحظة العام مع ما يكون أخصّ منه وعملية التخصيص سابقة في الرتبة على ملاحظته مع معارضه بالعموم من وجه أو بالتباين ، لأنّ الأُولى لها المدخلية في تكوين حجّية العام ، بمعنى أنّ تأليفه مع الخاصّ والجمع بينهما بحمل العام على الخاصّ يكوّنه دليلاً واحداً وحجّة مستقلّة ، بخلاف الملاحظة الثانية فإنّها - أعني ملاحظته مع الدليل الآخر والحجّة الأُخرى - إنّما تكون بعد الفراغ عن حجّيته ودليليته ، وهذا في المعارض المباين واضح ، لأنّ الأُولى مرحلة دلالية والأُخرى مرحلة سندية.

وكذلك الحال في المعارض بالعموم من وجه ، فإنّ التعارض فيه وإن لم يكن راجعاً إلى مرحلة السند ، إلاّ أنّه راجع إلى المعارضة في أصالة العموم في كلّ من العامين من وجه ، ووجود المخصّص لأحدهما يسقط أصالة العموم فيه ، وحيث قد سقط فيه العموم وانقلب إلى الخاصّ ، كان هو مسقطاً لأصالة العموم في طرفه.

ومن ذلك يظهر لك التأمّل فيما أفاده العلاّمة الاصفهاني قدس سره في حاشيته على الكفاية ، فإنّه في حاشيته بعد بيان أنّه لا موجب لتقديم التخصيص بأحد الخاصّين فيما لو كان في قبال العام الواحد خاصّان ، قال ما هذا لفظه : وأمّا إذا فرض عامان من وجه وكان في قبال أحدهما بالخصوص خاصّ ، فهل هو كالأوّل من عدم

ص: 103

الموجب أو عدم الفائدة ، أو لابدّ من تقديمه لما عن الشيخ الأعظم قدس سره من محذور إلغاء النصّ أو طرح الظاهر المنافي له رأساً ، وكلاهما باطل.

وهو مع أنّه مخصوص بما إذا قدّم العام الغير المنافي للخاصّ على المنافي له لا مطلقاً كما هو واضح ، يرد عليه : أنّ العام حيث إنّه مبتلى بالمعارض فلا عموم متيقّن في البين ليجب تخصيصه بالخاصّ ، والأخذ بالخاصّ على أيّ حال مع فرض عدم انقلاب النسبة غير تقديم الخاصّ على العام تخصيصاً له ، وطرح الظاهر رأساً أو إلغاء النصّ إنّما لا يجوز إذا كان بلا موجب ، وأمّا معه فلا وجه للحكم ببطلانه ، وسيأتي إن شاء اللّه تعالى حكم هذه الصورة (1).

فإنّك قد عرفت أنّ تخصيص العام بمخصّصه لا يتوقّف على عدم المعارض له فضلاً عن توقّفه على تيقّن العموم ، لما عرفت من أنّ مرتبة التخصيص قبل مرتبة علاج التعارض ، وليس ذلك براجع إلى دعوى أنّ الخاصّ لابدّ من الأخذ به سواء انقلبت النسبة أو لم تنقلب ، ليرد عليه أنّه يمكن الأخذ بالخاصّ مع طرح العام بالمرّة لوجود معارضه وتقديم ذلك المعارض عليه ، وحاصله أنّا نأخذ بالخاصّ ولكن لا نلتزم بكونه مخصّصاً للعام ، بل نأخذ به ونسقط العام لأجل وجود معارضه ، وهو ملخّص ما أفاده بقوله : والأخذ بالخاصّ على أيّ حال مع فرض عدم انقلاب النسبة غير تقديم الخاصّ على العام تخصيصاً له.

ولا يخفى أنّ إسقاط العام لأجل معارضه إنّما هو في خصوص مورد اجتماعهما ، وأمّا في المورد الذي ينفرد فيه ذلك العام فلا وجه له إلاّجعل ذلك الخاصّ مخصّصاً له ، فظهر أنّ الأخذ بالخاصّ هو عين تخصيص ذلك العام به لا

ص: 104


1- نهاية الدراية 5 - 6 : 349.

أنّه غيره ، وأنّ هذه العملية لا يلزم منها إلاّطرح الظاهر رأساً وهو العام المنافي للخاصّ ، فينبغي إسقاط قوله : أو إلغاء النصّ ، ويقتصر على قوله : وطرح الظاهر إنّما لا يجوز إذا كان بلا موجب الخ.

ثمّ بعد ذلك يتوجّه على المحشّي السؤال عن الموجب لطرح ذلك العام بعد فرض تقدّم عملية التخصيص رتبة القاضية باختصاصه بمورد الاجتماع الموجب لكونه أخصّ مطلقاً من مقابله ، بل حتّى لو سلّمنا عدم انقلاب النسبة لكان هذا السؤال باقياً ، إذ لا وجه لطرح أحد العامين من وجه وإعمال الآخر في مورد الاجتماع ، ولا أقل من التعارض والتساقط ، فلاحظ وتأمّل.

وأمّا ما أفاده في صدر كلامه بقوله : وهو مع أنّه مخصوص بما إذا قدّم العام الغير المنافي للخاصّ على المنافي له لا مطلقاً كما هو واضح ، ففيه : أنّ تقديم العام المنافي على مقابله إن كان لأجل انقلاب النسبة فهو المطلوب ، وإن كان مع فرض عدم انقلاب النسبة فهو إسقاط للظاهر الآخر الذي هو مقابله بلا وجه ، وهو أحد اللازمين الباطلين ، فيكون الحاصل أنّه لولا انقلاب النسبة إنّا لو قدّمنا العام المخالف للخاصّ كان إسقاطاً للظهور في العام الآخر بلا وجه وإن لم يكن إسقاطاً رأساً ، وإن قدّمنا العام الآخر في مورد التعارض بينهما وهو مورد الاجتماع ، فإن أبقينا للعام المخالف مورد انفراده كان إسقاطاً للنصّ الذي هو الخاصّ بلا وجه ، وإن أخرجنا منه مورد انفراده كان إسقاطاً له بالمرّة بلا وجه.

والحاصل : أنّ كلام الشيخ قدس سره ناظر إلى مجرّد اجتماع العامين من وجه مع الخاصّ المخالف لأحدهما ، أمّا لو كانت في البين جهة توجب تقدّم الأوّل على الثاني ، كانت النتيجة واحدة مع دعوى انقلاب النسبة ، ولو كانت جهة توجب تقدّم الثاني على الأوّل تعيّن إسقاط العموم الأوّل بالخاصّ وبالعام الثاني ، لكن كلّ

ص: 105

ذلك فرع كون عملية التخصيص في رتبة عملية تعارض العموم من وجه ، أمّا بعد أن أوضحنا تقدّمها رتبة ، فالمتعيّن هو ما أفاده الشيخ قدس سره من التخصيص بالخاصّ أوّلاً ، ثمّ جعل العام الأوّل مخصّصاً للثاني لانقلاب النسبة كما أوضحناه ، فلاحظ.

ومن هذا الذي شرحنا من كون عملية التخصيص سابقة في الرتبة على عملية التعارض من وجه أو التعارض على وجه التباين ، يظهر لك التأمّل في مسلكه من تقدّم عملية التعارض على التخصيص ، وحينئذ فإن قدّمنا العام الأوّل سقط الثاني في مورد المعارضة ، ولكن اللازم تخصيص العام الأوّل بالخاصّ ، وإن عكسنا سقط العام الأوّل في مورد المعارضة وانقلبت النسبة بينه وبين الخاصّ إلى التباين ، ولكن اللازم تقديم الخاصّ لكونه أظهر.

هذه خلاصة مسلكه في هذه الصورة الذي أشار إليه في صدر كلامه بقوله : وسيأتي إن شاء اللّه حكم هذه الصورة.

وعمدة ما برهن عليه في تقديم عملية التعارض هو قوله في الايراد على الشيخ : إنّ العام حيث إنّه مبتلى بالمعارض فلا عموم متيقّن في البين ليجب تخصيصه بالخاصّ (1) ، وقوله في الايراد على صاحب الكفاية : وفيه أوّلاً ما مرّ الخ (2) ، وقوله : بل الصحيح أن يقال بلزوم إعمال قواعد التعارض بين العامين أوّلاً حتّى يتبيّن أنّه هل يبقى هناك عموم ليقال بتخصيصه أم لا (3) ، وقد عرفت أنّ التخصيص إنّما يتوقّف على وجود العام لا على فعلية حجّيته ونبذ المعارضات له ، فإنّ التخصيص تصرّف في الدلالة والحكاية عن الواقع ، وهي حاصلة في مورد وجود

ص: 106


1- نهاية الدراية 5 - 6 : 349.
2- المصدر المتقدّم : 351.
3- المصدر المتقدّم : 352.

المعارض كما هي حاصلة في مورد عدمه ، ولو أغضينا النظر عن تقدّم التخصيص رتبة فلا أقل من كونهما في رتبة واحدة ، لا العكس بحيث يكون تقديم الثاني على الأوّل موجباً لانقلاب نسبته مع الخاصّ إلى التباين.

قوله : وأمّا النسبة بين بقية الروايات فهي قد اشتملت على عقد سلبي وعقد إيجابي ، فرواية الدراهم تنفي بعموم ... الخ (1).

مراده بباقي الروايات هما رواية ضمان عارية الدراهم (2) ورواية ضمان عارية الدنانير (3) ، ومحصّل الأُولى أنّ عارية غير الدرهم لا ضمان فيها ، ومحصّل الثانية أنّ عارية غير الدينار لا ضمان فيها ، ومن الواضح أنّ النسبة بين قولنا غير الدرهم وقولنا غير الدينار هي العموم [ من وجه ] ، فيجتمعان في الثياب مثلاً ، وينفرد الأوّل في الدينار ، والثاني في الدرهم ، ولا تعارض بينهما لا في مورد الاجتماع ولا في مورد الانفراد ، لأنّ الحكم في الجميع هو عدم الضمان ، فينبغي أن يكون حالهما حال ما لو قال : لا تأتني بإنسان ولا تأتني بأبيض ، في عدم المعارضة بينهما في مورد الاجتماع وهو الإنسان الأبيض ، ولا في مورد انفراد الأوّل عن الثاني وهو الإنسان الأسود ، ولا في مورد انفراد الثاني عن الأوّل وهو الجسم الأبيض كالقرطاس.

ولكن مع ذلك نجد المعارضة فيما نحن فيه ، والسرّ في ذلك هو عدم بساطة ما يتضمّنه كلّ من هذين الدليلين ، بل إنّ كلاً منهما يتضمّن حكمين إيجابيّاً وسلبيّاً ، فإنّ قوله : لا ضمان في العارية إلاّعارية الدرهم ، يتضمّن الحكم بعدم الضمان في عارية غير الدرهم وبالضمان في عارية الدرهم ، وهكذا الحال في

ص: 107


1- فوائد الأُصول 4 : 749.
2- وسائل الشيعة 19 : 96 / كتاب العارية ب 3 ح 3 ، 1.
3- وسائل الشيعة 19 : 96 / كتاب العارية ب 3 ح 3 ، 1.

قوله : لا ضمان في العارية إلاّعارية الدينار.

ومن الواضح أنّ الجزء السلبي في كلّ منهما وإن لم يكن معارضاً للجزء السلبي في الأُخرى ، كما أنّ الجزء الايجابي في كلّ منهما ليس بمعارض للجزء الايجابي في الأُخرى ، إذ لا منافاة بينهما ، لكن الجزء الايجابي في كلّ منهما ينافي الجزء السلبي في الأُخرى ، فإنّ قوله : في عارية الدينار ضمان ينافي قوله : لا ضمان في عارية غير الدرهم ، وهكذا قوله : في عارية الدرهم ضمان ينافي الجزء السلبي من الأُخرى وهو قوله : لا ضمان في عارية غير الدينار.

وحيث إنّ عين أحد المتباينين أخصّ مطلقاً من نقيض الآخر ، كان الجزء الايجابي من كلّ منهما أخصّ مطلقاً من الجزء السلبي من الأُخرى ، فيكون مقدّماً عليه ، وتكون النتيجة أنّ عارية غير الدرهم لا ضمان فيها إلاّعارية الدينار ، وعارية غير الدينار لا ضمان فيها إلاّعارية الدرهم.

ويكون المتحصّل هو عدم الضمان في العارية إلاّعارية الدرهم والدينار ، ويكون هذا المتحصّل منهما بمنزلة رواية واحدة قائلة إنّه لا ضمان في عارية غير الدرهم والدينار ، وتقابلها الرواية القائلة إنّه لا ضمان في عارية غير الذهب والفضّة ، وحيث إنّ الذهب والفضّة أعمّ مطلقاً من الدرهم والدينار ، وكانت النسبة بين عين الأعمّ ونقيض الأخصّ هي العموم من وجه ، فلا جرم يكون بين الجزء الايجابي لرواية الفضّة والذهب وهو قوله : في عارية الذهب والفضّة ضمان ، والجزء السلبي لرواية الدرهم والدينار وهو قوله : لا ضمان في عارية غير الدرهم والدينار عموم من وجه ، لاجتماعهما في الحلي المصوغة من أحدهما ، فإنّها يصدق عليها أنّها فضّة وذهب ويصدق عليها أنّها غير الدرهم والدينار ، فيتعارضان في ذلك ، وينفرد الأوّل منهما في عارية نفس الدرهم والدينار ، فإنّه

ص: 108

يصدق عليه الفضّة والذهب ولا يصدق عليه أنّه غير الدرهم والدينار ، كما أنّه ينفرد الثاني منهما في عارية الثياب ، فإنّه يصدق عليه أنّه غير الدرهم والدينار ولا يصدق عليه الفضّة والذهب.

وأمّا نسبة الجزء السلبي من رواية الفضّة والذهب - أعني قوله : ليس في عارية غير الفضّة والذهب ضمان - إلى الجزء الايجابي من رواية الدرهم والدينار فهي التباين ، لأنّ نقيض الأعمّ وهو غير الفضّة والذهب مباين لعين الأخصّ وهو الدرهم والدينار ، فلا تعارض بين الجزأين المذكورين ، إذ لا منافاة بين قولك : في الدرهم والدينار ضمان وقولك : لا ضمان في غير الذهب والفضّة ، وإنّما المنافاة والمعارضة بين الجزء السلبي من رواية الدرهم والدينار والجزء الايجابي من رواية الفضّة والذهب تعارض العموم من وجه ، لما عرفت من اجتماعهما في الحليّ ، فإنّه يصدق عليه أنّه غير درهم ودينار فلا يضمن ، ويصدق عليه أنّه فضّة وذهب فيضمن ، وحيث إنّ كلاً منهما أخصّ من العام الفوق الذي هو مفاد رواية مسعدة بن زياد (1) المتضمّنة لأنّه لا ضمان في العارية ، يكون هو المحكّم في مورد اجتماعهما الذي هو مورد التعارض بينهما.

وما أُفيد في الجواب عنه بقوله : ولا يتوهّم أنّه بعد التعارض يرجع إلى عمومات عدم الضمان التي لم يتّصل بها استثناء الدراهم والدنانير ، فإنّه قد تقدّم أيضاً أنّ تلك العمومات قد خصّصت ولو بالمنفصل بما عدا الدراهم والدنانير ، فيكون حكمها حكم العام المتّصل به الخاصّ في انقلاب النسبة الخ (2) وحاصله توافق رواية الدراهم والدنانير ورواية الذهب والفضّة على تخصيص العام الفوق

ص: 109


1- وسائل الشيعة 19 : 94 / كتاب العارية ب 1 ح 10.
2- فوائد الأُصول 4 : 751 - 752.

الذي هو رواية مسعدة المتضمّنة لعدم الضمان في مطلق العارية ، والقدر المتيقّن هو تقييدها بخصوص الدراهم والدنانير ، وبعد تقييدها بذلك يكون حالها حال الجزء السلبي في رواية الدراهم والدنانير ، وتنقلب النسبة بينها وبين الجزء الايجابي من رواية الذهب والفضّة من العموم المطلق إلى العموم من وجه ، هذا.

ولكنّك قد عرفت الإشكال في ذلك فيما تقدّم (1) ، ولو تمّ ذلك لجرى في كلّ خاصين يكون أحدهما أخصّ من الآخر ، وهما معاً في قبال العام ، مثل قوله : أكرم العلماء ، ثمّ يقول : لا تكرم النحويين ، ثمّ يقول : لا تكرم فسّاق النحويين ، فإنّ خروج فسّاق النحويين من قوله : أكرم العلماء قدر متيقّن ، ولازمه انقلاب النسبة بين العام وبين قوله : لا تكرم النحويين ، وهذا ممّا لا يمكن الالتزام به.

والحاصل : أنّ لنا حينئذ عمومات مترتّبة : الأوّل قوله : لا ضمان في مطلق العارية. الثاني : الجزء السلبي من رواية الدرهم والدينار وهو قوله : لا ضمان في غير الدرهم والدينار. الثالث : الجزء الايجابي من رواية الذهب والفضّة وهو قوله : في عارية الذهب والفضّة ضمان ، وقد تعارض الأخيران في الحليّ ، وانفرد الثاني في الثياب ، والثالث في الدرهم والدينار ، والمدّعى أنّهما اتّفقا على إخراج الدرهم والدينار من العام الأوّل الفوق ، وقد عرفت ما محصّله أنّ خروج الدرهم والدينار بقوله : في عارية الذهب والفضّة ضمان ، لا أثر له في انقلاب النسبة ، وإلاّ لكان تقديم كلّ خاصّ على عامه موجباً لانقلاب النسبة بينه وبين ذلك العام وهو غير معقول.

وأمّا خروجه بذلك الجزء السلبي من رواية الدرهم والدينار ، أعني قوله : لا ضمان في عارية غير الدرهم والدينار ، فلأنّ صدر هذه الجملة لا يوجب خروج

ص: 110


1- في الصفحة : 77.

شيء من ذلك العام لأنّها توافقه في الحكم ، وإنّما الذي يوجب ذلك الخروج هو ما يستفاد من لفظة « غير » من ثبوت الضمان في الدرهم والدينار.

وبعد اللتيا والتي صار لنا عمومات مترتّبة : العام الفوق وهو لا ضمان في العارية ، وبعده قوله : في عارية الذهب والفضّة ضمان ، وبعده : في عارية الدرهم والدينار ضمان ، وأقصى ما عندنا بعد تلك الأتعاب والعمليات الطويلة أن نخصّص العام الفوق بأخصّ الخاصّين ، ثمّ نلاحظ النسبة بينه وبين الخاصّ الآخر ، وذلك قد منعناه في الصورة الثانية من صور التعارض بين أكثر من دليلين ، ولا خصوصية توجب الفرق إلاّمسألة كون خروج مورد الانفراد في ناحية أحد المتعارضين من العام الفوق قدراً متيقّناً لتوافقهما على خروجه ، وقد عرفت [ أنّ ] ذلك لا يوجب إلحاقه بالتخصيص المتّصل الموجب لانقلاب النسبة ، فراجع وتأمّل.

ولكن لا يخفى أنّا لا نتمكّن من جعل كلا الخاصّين واردين معاً على العام لأنّ أحدهما وهو الجزء الايجابي من رواية الذهب والفضّة مبتلى بالمعارض الذي هو الجزء السلبي من رواية الدرهم والدينار ، أعني قولنا : لا ضمان في غير الدرهم والدينار.

نعم ، يمكن التخلّص من تحكيم العام فيما هو مورد المعارضة أعني عارية الحليّ ، بل من التعارض فيه بين عموم لا ضمان في عارية غير الدراهم والدنانير وعموم في عارية الذهب والفضّة ضمان ، بما أشار إليه بقوله : فالأولى تخصيص عموم ما دلّ على عدم الضمان بما عدا مطلق الذهب والفضّة ، فإنّ تقييد الاطلاق وإن كان أولى من تخصيص العموم ، إلاّ أنّه إذا لم يلزم محذور التقييد بالفرد النادر وإلاّ فيقدّم تخصيص العام على تقييد المطلق ، فالأقوى ثبوت الضمان في عارية

ص: 111

مطلق الذهب والفضّة كما هو المحكي عن المشهور (1).

وتوضيحه ما حرّرته عنه قدس سره بعد تحقيق المعارضة المشار إليها بقولي : وحينئذ فيدور الأمر بين أن نخصّص الجزء السلبي بهذا الجزء الايجابي ، فيقال : إنّ ما عدا الدرهم والدينار لا ضمان فيه إلاّ أن يكون من الذهب والفضّة المصوغين ، فيكون الجزء الايجابي من رواية الذهب والفضّة باقياً على شموله للمصوغ والمسكوك ، أو نعكس الأمر فنخصّص الجزء الايجابي بالجزء السلبي ، فيقال : إنّ استعارة الذهب والفضّة فيها الضمان إذا كانا مسكوكين ، أمّا إذا كانا مصوغين فلا ضمان فيها ، ولكن لمّا كان استعارة الدرهم والدينار فرداً نادراً كان الأوّل أولى من الثاني ، لأنّ الثاني مستلزم لتخصيص الأكثر ، وقد تقدّم الكلام فيه وأنّه يتعيّن في مثله بقاء العام على عمومه ، وجعله مخصّصاً للعام الآخر الذي لا يلزم من تخصيصه به تخصيص الأكثر وبقاء الفرد النادر. ولا يتوهّم أنّه إذا كان استعارة الدرهم والدينار فرداً نادراً فكيف تعرّض له عليه السلام في رواية الدراهم والدنانير ، وذلك لأنّه لا بأس بالتعرّض للفرد النادر ، وإنّما البأس في إلقاء المطلق وإرادة الفرد النادر منه. فتلخّص : أنّ الحقّ ما عليه المشهور من ثبوت الضمان في استعارة الذهب والفضّة وإن كانا غير مسكوكين ، هكذا ينبغي أن يحرّر الكلام في هذا المقام ، لا كما أفاده السبزواري قدس سره في الكفاية (2) ، انتهى ما حرّرته عنه قدس سره.

ولابدّ من إتمام ذلك بما قدّمنا الاشارة إليه فيما يلحق بتقديم النصّ على الظاهر من أنّ العام الذي لا يبقى له إلاّ الفرد النادر يعدّ أخصّ مطلقاً من العام الآخر المقابل له ، بل يمكن أن يقال : إنّ هذه الندرة توجب قوّة الظنّ بأنّ المراد من

ص: 112


1- فوائد الأُصول 4 : 753.
2- كفاية الأحكام 1 : 708 - 710.

الدرهم والدينار هو مطلق الذهب والفضّة ، وأنّ ذكر الدرهم والدينار من باب أحد الأفراد فتأمّل.

وقد يقال : إنّ هذه الطرق كلّها وإن كانت منطبقة على الصناعة إلاّ أنّها طرق بعيدة عن الذوق العرفي في فهم الأخبار ، إذ يمكن إتمام فتوى المشهور بما هو أوضح من هذه الطرق الدقيقة الملتوية ، وذلك بأن يقال : إنّ هذه الطوائف الثلاث أعني قوله : لا ضمان في العارية ، وقوله : لا ضمان في العارية إلاّعارية الذهب والفضّة ، وقوله : لا ضمان في العارية إلاّعارية الدرهم والدينار ، يستفاد من مجموعها هو أنّه لا ضمان في العارية ما عدا عارية الذهب والفضّة ، فإنّ الاستثناء كدليل منفصل يكشف عن أنّ الحكم الواقعي إنّما هو فيما عدا المستثنى ، وهذان الكاشفان يردان معاً في عرض واحد على ذلك الحكم الواقعي المستكشف بقوله لا ضمان في العارية ، سواء كان الكاشف عن ذلك الحكم الواقعي هو ما تضمّنه الدليل الأوّل ، أو الدليلان الآخران المقرونان بالاستثناء.

وبالجملة : لا يكون الاستثناء إلاّمن قبيل الدليل المنفصل الكاشف عن أنّ المراد الواقعي بذلك العام هو ما عدا مورد الاستثناء ، فليس حال الاستثناءين المرقومين إلاّكحال الدليلين المنفصلين القائل أحدهما : في عارية الفضّة والذهب ضمان ، والآخر : في عارية الدرهم والدينار ضمان ، في كونهما يكشفان معاً وفي رتبة واحدة عن خروج مورد كلّ منهما عن الحكم الواقعي الوارد على العارية ، وإلى ذلك يرجع ما أفاده في الجواهر من تقديم أدلّة الضمان في عارية الذهب والفضّة على جميع ما ورد في المقام.

ثمّ بعد هذا أو نحوه قال ما هذا لفظه (1) : وأمّا تقدير غير الدرهم والدينار

ص: 113


1- ولعلّ محصّل كلامه هو أنّ الجزء السلبي في رواية الدرهم والدينار هو أنّه لاضمان في العارية ، وهو أعّم من الجزء الايجابي في رواية الذهب والفضّة ، وأنّه لا وجه لأخذ لفظ « غير الدينار والدرهم » في الجزء السلبي من الرواية المزبورة كي يكون ذلك موجباً لانقلاب النسبة [ منه قدس سره ].

وملاحظته مهملاً عن إخراجهما مع موضوع الذهب والفضّة الشاملين لهما وجعل التعارض بينهما من وجه ، إلى آخر ما سمعته ، فهو شيء خارج عن النصوص ، صاغه الوهم فصار مغالطة على الأفهام الردية التي لا تفرّق بين مفاهيم الألفاظ ومصاديقها إذا كان فيها نوع خفاء (1).

وبيان ذلك وتحريره على طبق الصناعة هو أن يقال : إنّ الاستثناء لا يفيد إلاّ إخراج مورده الذي هو المستثنى عن العموم ، ولا يعطي ذلك العام عنواناً خاصّاً كي يوجب انقلاب ظهوره إلى ذلك العنوان الخاصّ ، كما هو الشأن في سائر المقيّدات اللاحقة للعام ، وإنّما أقصى ما فيه هو إخراج المستثنى عن العموم وانحصار حجّية العام في الباقي.

وهذا المعنى وهو انحصار حجّية العام في الباقي ليس المراد به أنّ العام يكون معنوناً بعنوان الباقي ، بل المراد به هو انحصار حجّية العام في واقع الباقي الذي هو المصاديق الباقية بعد ذلك الاخراج ، فليست حجّية العام محصورة في المقيّد بمفهوم الباقي كي يكون حال الاستثناء حال تقييد العام بعنوان العدالة أو عنوان عدم الفسق.

بل إنّ المراد هو أنّ العام بعد إخراج بعض أفراده تكون حجّيته مقصورة على واقع الباقي ، فلا يحتاج في التمسّك به فيها إلى إحراز كونها مصداقاً لعنوان الباقي ، ولعلّ هذا هو المراد لصاحب الجواهر قدس سره [ بقوله ] فصار مغالطة على

ص: 114


1- جواهر الكلام 27 : 187.

الأفهام الردية التي لا تفرّق بين مفاهيم الألفاظ ومصاديقها الخ.

ولا يرد عليه : أنّ لازم ذلك هو جواز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية بعد التخصيص ، فإنّ المانع من ذلك أمر آخر غير تعنون العام بعنوان ما عدا الخاصّ ، وحاصل ذلك الأمر هو قصور الأدلّة الاجتهادية - كالعموم مثلاً - عن التعرّض لمرتبة الشكّ الطارئ بعد أداء الأدلّة الاجتهادية وظيفتها ، أعني بذلك مرتبة الشكّ في أنّ هذا الفرد هل هو داخل في مؤدّى ذلك الدليل الاجتهادي الذي هو العام وأنّه من جملة ما بقي تحته ، أو أنّه داخل في مؤدّى الدليل الاجتهادي الآخر الذي هو الخاصّ بعد فرض [ أن ] قد علمنا بالدليل الاجتهادي حكم كلّ من بقي ومن خرج ، وإن شئت فراجع ما حرّرناه في مبحث العموم من ذلك (1).

ولكن لا يخفى أنّ البناء على ذلك يوجب هدم أكثر مبانينا في باب العموم والخصوص ، فراجع تلك المباحث خصوصاً ما يتعلّق بمناظرة الكفاية في أنّ الاستثناء لا يوجب تعنون العام بعنوان خاصّ بل بكلّ عنوان هو غير العنوان الخاصّ ، فالتحقيق : أنّ الاستثناء يكون موجباً لكون موضوع الحكم هو ما عدا المستثنى.

وهذه الشبهة التي ذكرناها هنا ، وهي أنّ الاستثناء لا أثر له إلاّ إخراج المستثنى ، وانحصار حجّية العموم في واقع الباقي ، لا فيما هو داخل تحت عنوان ما عدا المستثنى المعبّر عنه هنا بغير الذهب والفضّة ، إنّما هي في الاستثناء في القضايا الخارجية ، دون القضايا الأحكامية التي هي قضايا حقيقية لا يسري الحكم منها إلى الأفراد إلاّبواسطة ما ينطبق عليها من العناوين الكلّية.

وما أفاده صاحب الجواهر قدس سره من قوله : وأمّا تقدير غير الدرهم والدينار

ص: 115


1- راجع المجلّد الخامس من هذا الكتاب ، الصفحة : 144 وما بعدها.

- إلى قوله قدس سره - فهو شيء خارج عن النصوص صاغه الوهم ، ففيه : أنّ ذلك لم يصغه الوهم ، وإنّما هو عين ما نطقت به الأخبار ، أعني بذلك مفهوم الحصر المستفاد من تركيب « ما » و « إلاّ » ، فذلك عبارة أُخرى عن المعارضة بين مفهوم الحصر من رواية الدرهم ومفاد إثبات الحكم في ضمان عارية الذهب والفضّة ، فالمعارضة بين ذلك المفهوم وهذا المنطوق من قبيل المعارضة بين قولنا : لا تكرم العلماء إلاّ العدول ، وقولنا : لا تكرم العلماء إلاّ الفقهاء ، في العادل غير الفقيه أو الفقيه غير العادل.

بل يمكن القول بأنّ ذلك - أعني أخذ لفظ « الغير » في الجزء [ السلبي ] من رواية الدراهم والدنانير - هو عين ما ذكره النحاة لدفع التناقض عن الاستثناء بأنّ الاخراج قبل الحكم ، فإنّه يكون مفاد قوله : أكرم العلماء إلاّ الفسّاق هو وجوب إكرام ما عدا الفسّاق منهم ، فلابدّ أن يكون العام معنوناً بعنوان ما عدا الفسّاق ، وذلك عبارة أُخرى عن أنّ المحكوم عليه هو غير الفسّاق منهم.

ولكن لا يخفى أنّا لو أغضينا النظر عن جميع ذلك ، بل خرّجنا قضيتنا على نحو القضية الخارجية ، لكان قولنا : لا تضمن الأشخاص الباقية بعد إخراج الدرهم والدينار ، ومن جملة الباقي الثياب والحليّ ، وحينئذ يكون ذلك مناقضاً لقولنا : في الذهب والفضّة ضمان ، التي يكون خارجها الحليّ والدرهم والدينار ، فلاحظ وتأمّل. وما لم ينحسم الحال في هذا التناقض لا يمكن لنا أن نحكّم قوله : في الذهب والفضّة ضمان الشامل للحليّ والمسكوك على العام الفوق.

فالحقّ أنّ نصرة القول المشهور منحصرة بما أفاده شيخنا قدس سره من تقديم الجزء الايجابي في رواية الذهب والفضّة على الجزء السلبي في رواية الدرهم والدينار ، وإخراج مورد الاجتماع الذي هو الحليّ عن ذلك الجزء السلبي وإبقائه

ص: 116

تحت ذلك الجزء الايجابي ، لأنّه لو عكس الأمر لكان من التخصيص المستهجن. وإن شئت فأتممه بما قدّمناه (1) من أنّ العام من وجه الذي لا ينفرد عن طرفه إلاّ نادراً لا يراه العرف إلاّ أخصّ مطلقاً من طرفه ، وحينئذ فيكون هو المحكّم في مورد الاجتماع ، وبذلك يقدّم على العام الفوق وعلى طرفه المذكور.

وفي التقريرات المطبوعة في صيدا ، بعد أن ذكر تقريب القول بأنّ النسبة بين الروايتين هي العموم والخصوص المطلق ، قال : ولكن تنظّرنا فيه في الدورة السابقة بما حاصله : أنّ الروايتين (2) ، إلى آخر ما هو نحو ممّا في هذا التقرير الموجود من تقريب العموم من وجه والجواب عنه بلزوم التخصيص المستهجن ، ثمّ بعد الفراغ عن ذلك قال : ولكن التحقيق أنّ ما ذكرناه من انقلاب النسبة غير تامّ أيضاً. ثمّ بيّن العموم من وجه ثمّ قال : وقد مرّ أنّ الخاصّين إذا كان بينهما العموم من وجه فمقتضى القاعدة تخصيص العموم بكلّ منهما إذا لم يلزم محذور كما في المتباينين ، فلا حاجة حينئذ إلى ملاحظة المعارضة بين الخاصّين وتقديم أحدهما على الآخر بالتقريب المتقدّم (3) - (4)

ص: 117


1- في الصفحة : 95.
2- أجود التقريرات 4 : 306.
3- أجود التقريرات 4 : 307 - 308.
4- ولا يخفى أنّ البحث في هذه التقريرات ينتهي إلى هذا الحدّ ، ويقول في الآخر : وقد تمّت هذه الدورة ( يعني الأخيرة التي انتقل عنها قدس سره إلى الدار الأُخرى ) في شهر رجب من شهور سنة ألف وثلاثمائة واثنين وخمسين. والحقير لم أتخطّر في هذه الدورة الأخيرة أنّه قدس سره إلى أيّ انتهى بحثه سيّما بعد ابتلائه بالأمراض واستمراره على ترك الدرس الليلي مدّة طويلة قبل انتقاله إلى جنّة المأوى ، حيث إنّي لم أتوفّق لكتابة عنه في أواخر هذه الدورة الأخيرة ، سيّما بعد وصوله إلى أواخر البراءة وذلك في النصف من رجب سنة 1349. ولكن يظهر ممّا علّقته على هامش ما كنت حرّرته عنه قدس سره في الدورة السابقة من آرائه الجديدة في الدورة الأخيرة أنّه وصل إلى أواسط الاستصحاب [ منه قدس سره ].

قلت : لا يخفى أنّ الخاصّين اللذين بينهما العموم من وجه إنّما يخصّص العام الفوق بكلّ منهما إذا كانا معاً مخالفين للعام ، كأن يقول : أكرم العلماء ، ثمّ يقول : لا تكرم النحويين ويقول : لا تكرم الصرفيين ، فإنّ النسبة بين الخاصّين هي العموم من وجه ، لكون النحوي أعمّ من وجه من الصرفي ، فيجتمعان في النحوي الصرفي ، ولكن لا معارضة بينهما لتوافقهما في الحكم ، فيقدّمان معاً على العام الفوق ، بخلاف ما نحن فيه من الجزء السلبي من رواية الدراهم والدنانير والجزء الايجابي من رواية الذهب والفضّة ، فإنّه لمّا كان الأوّل منهما موافقاً للعام في الحكم ، وكانا في حدّ أنفسهما متعارضين لاختلافهما في الحكم ، فلا وجه للقول في مثل ذلك بأنّ مقتضى القاعدة هو تخصيص العام بكلّ منهما.

أمّا لو كانا معاً مخالفين للعام ، وكانا أيضاً متعارضين في حدّ أنفسهما ، كأن يقول : يجب إكرام العلماء ويحرم إكرام النحويين ويستحبّ إكرام الصرفيين ، كانت المسألة داخلة فيما يأتي البحث فيه من أنّه عند اتّفاق المتعارضين على نفي الثالث في مورد المعارضة بينهما هل يمكن الرجوع بعد تساقطهما إلى ذلك الثالث ، أو أنّه لا يمكن ذلك ، لأنّهما وإن تساقطا في مورد المعارضة بالنسبة إلى مدلولهما المطابقي ، إلاّ أنّهما لمّا اتّفقا بحسب مدلولهما الالتزامي على نفي الثالث ، لم يكن تساقطهما في مدلولهما المطابقي موجباً لسقوط ما توافقا عليه من المدلول الالتزامي ، حيث إنّ كلاً من دليل حرمة إكرام النحويين ودليل

ص: 118

استحباب إكرام الصرفيين يدلّ بالالتزام على نفي الوجوب في مورد المعارضة الذي هو النحوي الصرفي ، وبعد فرض توافقها على نفي الوجوب فيه لم يمكن الرجوع فيه بعد سقوط كلّ منهما إلى العام الفوق ، أعني قوله : يجب إكرام العلماء ، ولكن سيأتي (1) إن شاء اللّه تعالى أنّه لا مانع من الرجوع إلى العموم المزبور.

وعلى كلّ حال ، فإنّ ما نحن فيه لا دخل له بهذا ، ولا بما تقدّم من مثال المتّفقين في الحكم المخالف للعام ، بل إنّ ما نحن فيه من قبيل المتعارضين اللذين [ يكون ] أحدهما موافقاً للعام.

فائدة : لو كان لنا عامان وورد خاصّ يوجب رفع اليد عن أحدهما ، وقع التعارض في أصالة العموم بالنسبة إليهما ، لكن لو كان بقاء العموم في أحدهما المعيّن موجباً لخروج الخاصّ عن الآخر تخصّصاً تعيّن العمل بعموم ذلك العام دون طرفه.

ومثال ذلك ما هو محرّر في عيوب السنة التي منها الجذام ، فلو فرضنا أنّ لنا عاماً يدلّ على أنّ التلف مسقط للخيار ، وعام آخر يقول إنّ الجذام موجب للانعتاق ، فإن أبقينا الثاني على عمومه للمملوك مع كون الخيار لمالكه ، بأن يكون شاملاً لما نحن فيه وحكمنا فيه بالانعتاق ، كان خارجاً عن عموم التلف مسقط للخيار بالتخصيص ، وإن أخرجنا ما نحن فيه عن العموم الثاني وحكمنا فيه بعدم الانعتاق ، كان ما نحن فيه خارجاً عن عموم التلف خروجاً موضوعياً بالتخصّص.

وحينئذ نقول : إنّ عموم التلف لا يمكن العمل به في مسألة الجذام للعلم بخروجها منها إمّا تخصيصاً أو تخصّصاً ، فيكون العام الآخر وهو كونه موجباً

ص: 119


1- في الصفحة : 126 وما بعدها.

للانعتاق بلا معارض ، فيحكم بالانعتاق وبقاء الخيار ، فراجع ما حرّرناه (1) في هذه المسألة على مكاسب الشيخ قدس سره في عيوب السنة.

ويمكن أن يقال : إنّ ما دلّ على كون الجذام موجباً للخيار لا ينافي في حدّ نفسه ما دلّ على أنّ الجذام موجب للانعتاق ، لإمكان اجتماع العتق مع بقاء الخيار وإنّما تقع المنافاة بينهما التي هي الموجبة للتخصيص بعد تحكيم عموم التلف (2) وأنّه مانع من الخيار ، فيكون تحكيم دليل الخيار المقيّد بعدم التلف منافياً للانعتاق ، وحينئذ تصل النوبة إلى كون دليل الخيار مخصّصاً لعموم الانعتاق.

والحاصل : أنّ منافاة دليل الخيار مع عموم مسقطية التلف إنّما تكون في الرتبة المتأخّرة عن تحكيم عموم الانعتاق ، وفي تلك الرتبة - أعني رتبة تحكيم عموم الانعتاق - لا يكون عموم مسقطية التلف محكّماً لعدم تحقّق موضوعه ، فلا يعقل وقوع التنافي بين العامين في رتبة واحدة.

وبالجملة : أنّه لو كان تحكيم كلّ من العامين في مورد الخاصّ وعدم تخصيصه به موجباً لكون ذلك الخاصّ مخصّصاً للعام الآخر لوقع التعارض في أصالة العموم في كلّ منهما ، لكن الأمر فيما نحن فيه ليس كذلك ، فإنّ تحكيم دليل الانعتاق في المورد وعدم إخراجه وإن أوجب كون ذلك الخاصّ مخصّصاً لعموم مسقطية التلف ، إلاّ أنّ عدم تخصيص عموم مسقطية التلف بدليل كون الجذام موجباً للخيار لا يوجب كون ذلك الخاصّ مخصّصاً للعام الآخر ، لأنّ عدم تخصيصه به ليس من باب تحكيم العام فيه ، بل من باب عدم كون ذلك الخاصّ من موضوعات ذلك العام ، ولا يكون من موضوعاته إلاّبعد تحكيم العام الآخر

ص: 120


1- مخطوط لم يطبع بعد.
2- [ في الأصل : « الانعتاق » بدل « التلف » ].

فيه ، وبعد تحكيم ذلك العام الآخر فيه لابدّ من تخصيصه به ، وإسقاط أصالة العموم فيه ، لعدم معارضتها في هذه الرتبة مع أصالة العموم في الطرف الآخر.

نعم ، لو لم يكن دليل الجذام خاصّاً ، بل لم يكن عندنا إلاّعموم كون العيب موجباً للخيار ، لكان ذلك الدليل العام - أعني كون العيب موجباً للخيار - هو المخصّص بدليل مسقطية التلف ، يعني أنّه بعد تحكيم دليل الانعتاق يكون دليل مسقطية التلف أخصّ من عمومات كون العيب موجباً للخيار.

لكن قد يتأمّل في ذلك ، فإنّ الدليل القائل إنّ التلف مسقط للخيار عام لخيار العيب وخيار الغبن مثلاً ، ودليل كون العيب موجباً للخيار عام لصورة التلف وغيرها ، فيكون بينهما عموم من وجه ، اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ الوجه في تقديم دليل التلف على دليل خيار العيب مثلاً أنّه لو لم يقدّم عليه وعكس الأمر لم يبق مورد لعموم مسقطية التلف ، لأنّ حاله مع خيار العيب كحاله مع باقي الخيارات.

قوله : المبحث السابع : إذا لم يكن لأحد المتعارضين مزية في الدلالة تقتضي الجمع العرفي بينهما فهل الأصل يقتضي سقوطهما رأساً مع قطع النظر عن أخبار الترجيح والتخيير ، أو أنّ الأصل لا يقتضي سقوطهما (1).

بل يحكم بصدور كلّ منهما مع لزوم تأويل أحدهما أو تأويلهما معاً بما يرفع التنافي بينهما.

ولا يخفى أنّ الذي ينبغي في تحرير عنوان هذا المبحث هو أن يقال - مع قطع النظر عن أخبار الترجيح والتخيير - : هل إنّ الأصل والقاعدة في الخبرين المتعارضين هو سقوط كلّ منهما ، أو إنّ الأصل والقاعدة هو التخيير بينهما.

ولو أُريد إدخال هذا القول أعني كون الجمع ولو بالتأويل أولى من الطرح ،

ص: 121


1- فوائد الأُصول 4 : 753.

لكان ينبغي أن يقال : هل مقتضى القاعدة هو التساقط أو التخيير أو لا هذا ولا ذاك ، بل يحكم بصدور كلّ منهما مع التأويل في ظهور أحدهما أو ظهورهما.

وكأنّ القائل بأنّ الجمع مهما أمكن ولو مع التأويل أولى من الطرح ، قد أعرض عن أخبار الترجيح والتخيير ، والتزم باجراء دليل التصديق في كلّ خبر وإلحاقه بمقطوع الصدور ، ثمّ بعد الحكم بصدوره إن نافاه خبر آخر التزمنا بالجمع الدلالي بينهما ولو بنحو من التأويل ، وإن لم يمكن التأويل التزمنا بالإجمال فيهما ، فلا يكون الساقط إلاّ أصالة الظهور في أحدهما أو في كلّ منهما مع الالتزام بالصدور في كلّ منهما.

وعلى كلّ حال ، لا ينبغي إطالة الكلام في توجيه هذا القول وفي إبطاله ، فإنّه قد تقدّم (1) الكلام عليه ، وأنّه لا محصّل لهذه القاعدة أعني قاعدة أنّ الجمع ولو بالتأويل أولى من الطرح ، وأنّه لا محصّل للحكم بالصدور مع سقوط حجّية الظهور بالتأويل أو بالإجمال.

فالأولى صرف الكلام إلى القولين السابقين أعني أنّه هل الأصل هو التساقط أو الأصل هو التخيير؟

والظاهر أنّه لا ريب في سقوط الثاني ، إذ مع قطع النظر عن الروايات لا دليل عليه ، نعم أقصى ما عندنا هو عدم إمكان الجمع في الدخول تحت دليل صدّق العادل ، ولكن حيث كان إجراؤه في أحدهما المعيّن بلا دليل وكان ترجيحاً بلا مرجّح ، كان إجراؤه في هذا مزاحماً ومعارضاً باجرائه في ذلك ، فتكون النتيجة هي التساقط فيما تعارضا ، لكن مع الاحتفاظ بكون أحدهما لا مانع من كونه مشمولاً لدليل الحجّية لو كان هناك أثر يترتّب على حجّية أحدهما ، كما لو اشتركا

ص: 122


1- لاحظ الهامش من الصفحة : 35 ، وفوائد الأُصول 4 : 726.

في نفي الثالث ، بأن كان كلّ منهما مؤدّياً إلى خلاف ما يقتضيه الأصل الجاري في نفس المسألة ، إذ يكفي في نفي الأصل المذكور قيام الحجّة في الجملة على خلافه وإن لم يكن لتلك الحجّة أثر في خصوص ما تعارضا فيه ، بخلاف ما لو كان أحدهما مطابقاً لمقتضى الأصل ، فإنّه لا مانع بعد تساقطهما من الرجوع إلى ذلك الأصل.

ومن ذلك يتّضح الوجه في عدم تعارضهما فيما لو اشتركا في لازم واحد ولزوم ترتيب ذلك اللازم ، وإن قلنا بكون الدلالة الالتزامية تابعة للمطابقة وجوداً وحجّيةً ، لما عرفت من حجّية أحدهما في الجملة وإن لم يمكن الحكم بحجّيتهما معاً ، ولعلّ هذا هو مراد المحقّق الخراساني قدس سره في حاشيته على الفرائد (1).

ومن ذلك يظهر أنّه لا فرق في نفيهما الثالث بين كون التعارض بينهما ذاتياً ، أو كونه عارضياً بواسطة الإجماع على عدم لزوم فريضتين في يوم واحد.

ولكن ذلك محلّ تأمّل وإشكال ، إذ المدار في الحجّية على الوصول ، ولا معنى لحجّية إحدى الروايتين ، إذ لا وصول في البين ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : فالأقوى أنّ القاعدة في المتعارضين تقتضي سقوطهما معاً سواء قلنا إنّ التعارض يكون بين الظهورين ، أو قلنا إنّه يكون بين السندين ، أو قلنا إنّه يكون بين سند كلّ منهما وظهور الآخر ، فإنّه على جميع التقادير أدلّة اعتبار السند والظهور لا تعمّ المتعارضين ... الخ (2).

لا يخفى أنّ من جملة المرجّحات في الروايات هي المرجّحات السندية ، وبناءً على أنّ التعارض إنّما يكون بين الظهورين أو بين ظهور أحدهما وسند

ص: 123


1- حاشية كتاب فرائد الأُصول : 265 - 266.
2- فوائد الأُصول 4 : 754.

الآخر ، لا وجه للرجوع إلى المرجّحات السندية ، بل إنّ ذلك - أعني الرجوع إلى المرجّحات السندية - لا يمكن ولا يعقل إلاّ إذا كان التعارض والتنافي واقعاً بين السندين.

وكيف كان ، نقول : إنّه لو كانا قطعيّي الدلالة بأن كانا نصّين وكانا ظنيّي السند لا ريب في أنّ المعارضة إنّما هي بين السندين ، وكذلك العكس بأن كانا ظنيّي الدلالة لكن كانا قطعيّي السند ، فإنّ المعارضة إنّما تكون بينهما في ناحية الظهور ، وإنّما الكلام فيما لو كانا ظنّيي الدلالة والسند ، ففيه نقول : إنّه كما أنّ التعبّد بالسند لا أثر له إلاّمع حجّية الظهور ، فكذلك التعبّد بالظهور لا أثر له إلاّمع حجّية السند ، فتكون الحجّية في كلّ منهما متوقّفة على الحجّية في الطرف الآخر ، ويكون الحاصل هو أنّ أصالة الصدور متوقّفة على أصالة الظهور ، كما أنّ التعبّد بالظهور يكون متوقّفاً على الصدور ، وهو الدور.

لكن لمّا كان الظهور له مرتبتان ، الأُولى مرتبة حاصل الجملة ، والثانية مرتبة الحكم على المتكلّم بأنّه أراد ما هو حاصل الجملة ، والذي يتوقّف عليه الحكم بالصدور والتعبّد به إنّما هو المرتبة الأُولى ، ولا ريب أنّ المرتبة الأُولى من الظهور لا تحتاج إلى تعبّد بالصدور ، والذي يحتاج إلى التعبّد بالصدور إنّما هو المرتبة الثانية منه ، فالظهور الذي يتوقّف عليه الحكم بالصدور إنّما هو المرتبة الأُولى منه ، وهي وجدانية غير متوقّفة على الحكم بالصدور ، والذي يتوقّف على الحكم بالصدور إنّما هو المرتبة الثانية منه ، وبذلك يندفع توهّم الدور.

وحينئذ نقول : إنّه إذا حصل التعبّد بصدور هذه الجملة من الإمام عليه السلام المفروض كونها في حدّ نفسها واجدة للمرتبة الأُولى من الظهور ، ترتّب على ذلك التعبّد التعبّدُ بالمرتبة الثانية من الظهور ، فيحكم حينئذ بأنّ الإمام أراد ذلك

ص: 124

المعنى الذي هو حاصل الجملة ، فإذا كانت رواية أُخرى هي مخالفة لهذه الرواية في حاصل الجملة ، كان الحكم بصدور تلك الرواية بما يترتّب عليه من التعبّد بالمرتبة الثانية من الظهور معارضاً للحكم بصدور هذه الرواية التي بأيدينا ، فيكون التعارض بين السندين بما يترتّب على كلّ منهما من الحكم على المتكلّم بأنّه أراد حاصل الجملة ، أعني بذلك المرتبة الثانية من الظهور ، ولكن يكون التعارض بين السندين على النحو المسطور والحكم على كلّ منهما بالسقوط قبل الوصول إلى المرتبة الثانية من الظهور ، فلا وجه للقول بأنّه يقع التعارض بين الظهورين بعد الفراغ عن الحكم بصحّة سند كلّ منهما ، وأنّه لا معارضة بين السندين ، وأنّ المعارضة إنّما تقع بين الظهورين. وكذلك لا وجه حينئذ للقول بأنّ التعارض يكون واقعاً بين سند كلّ منهما وظهور الآخر.

لا يقال : إنّ الدور باقٍ بحاله ، فإنّ أصالة الصدور لا تجري فيما لا تتحقّق فيه المرتبة الثانية من الظهور ، فإنّ الحكم بصدور ما لم يمكن نسبة مضمونه إلى إرادة الإمام عليه السلام لغو لا أثر يترتّب عليه ، وحينئذ تكون أصالة الصدور متوقّفة على المرتبة الثانية من الظهور ، وقد قلتم إنّ المرتبة الثانية من الظهور متوقّفة على الصدور.

لأنّا نقول : إنّ المرتبة الثانية من الظهور - أعني الحكم فعلاً بأنّ الإمام عليه السلام أراد مفاد هذه الجملة - وإن توقّف على أصالة الصدور ، إلاّ أنّ أصالة الصدور لا تتوقّف على الحكم الفعلي بأنّه عليه السلام أراد مفاد هذه الجملة ، بل أقصى ما في البين هو توقّف أصالة الصدور على إمكان ذلك ، بمعنى أنّ أصالة الصدور لا تجري إلاّ في المتن الذي يمكننا أن ننسب مضمونه إليه عليه السلام في قبال ما لا يمكن ، نظير قولنا يجب ظلم اليتيم ، فإنّه لا يمكن الحكم بأنّه عليه السلام يريد مضمونه ، فلا تجري فيه

ص: 125

أصالة الصدور ، أمّا ما يكون نسبته إليه ممكناً فلا مانع من إجراء أصالة الصدور فيه ، وبعد الحكم بصدوره عنه يحكم فعلاً بأنّه عليه السلام أراد مضمونه ، وعلى ذلك يترتّب سقوط سند كلّ من المتعارضين ، إذ لا يمكن الحكم على أحدهما بأنّه عليه السلام أراد مضمونه لمعارضة الطرف الآخر له ، وهكذا الحال في الآخر.

وخلاصة ذلك : أنّ أصالة الصدور في الخبر تتوقّف على عدم المانع من نسبة مضمونه إلى الإمام عليه السلام ، ولا فرق في المانع بين كونه مثل المثال أعني ظلم اليتيم ، أو كونه من جهة وجود المعارض الموجب لعدم إمكان نسبة مضمون كلّ منهما إليه عليه السلام.

قوله : فلو كان مفاد أحد المتعارضين وجوب الدعاء عند رؤية الهلال وكان مفاد الآخر حرمة الدعاء في ذلك الوقت ، فبالنسبة إلى نفي الكراهة والاباحة والاستحباب عن الدعاء عند رؤية الهلال يتوافقان ... الخ (1).

لا يخفى أنّه لو كان لنا عموم يدلّ على استحباب مطلق الدعاء في أيّ وقت ، كان مقتضى القاعدة هو الرجوع إلى ذلك العموم بعد تساقط الخاصّين المتباينين أعني ما يدلّ على وجوب الدعاء المذكور وما يدلّ على حرمته ، كما هو الشأن في الخاصّين المتعارضين ، فإنّ المرجع بعد تساقطهما هو العموم الذي يكون فوقهما.

لكن ذلك إنّما هو فيما لو كان أحد الخاصّين موافقاً للعام والآخر مخالفاً ، كما لو قال : أكرم العلماء ، وقال : أكرم النحويين ، وقال : لا تكرم النحويين ، فإنّه على الظاهر لا كلام في أنّه بعد تساقط هذين الخاصّين يكون المرجع هو العموم المذكور ، وهذا بخلاف ما نحن فيه ممّا يكون كلّ من الخاصّين مخالفاً للعام ،

ص: 126


1- فوائد الأُصول 4 : 756 - 757.

فإنّهما يتّفقان في نفي مفاد الحكم العام في موردهما ، وهذا المقدار كافٍ في سقوط العام وعدم إمكان التمسّك به في موردهما.

وقد يقال : إنّه لو حصل لنا العلم من الخارج بأنّ الحكم في مورد الخاصّين لا يخرج عن مفاد أحدهما ، لكان الموجب لسقوط العموم هو ذلك العلم ، وكان ذلك العلم موجباً للعلم الاجمالي بأنّ الحكم في مورد الخاصّين على طبق أحدهما ، وذلك خلاف ما هو المفروض ، إذ المفروض هو أنّه ليس لنا في قبال ذلك العام إلاّما يفيده هذا الخاصّ وما يفيده ذلك الخاصّ ، وبعد فرض سقوط حجّية كلّ منهما بالمعارضة لا يكون لدينا ما يوجب رفع اليد عن عموم ذلك العام في موردهما ، فلم يبق بأيدينا سوى اتّفاقهما في نفي مفاد العموم في موردهما استناداً إلى الدلالة الالتزامية لكلّ منهما ، من جهة أنّ ما يدلّ على كون حكم الدعاء المذكور هو التحريم يدلّ بالالتزام على نفي الاستحباب ، وكذلك ما يدلّ على أنّ حكمه هو الوجوب يدلّ بالالتزام على نفي استحبابه ، وحيث إنّهما لا معارضة بينهما في هذا اللازم ، لم يكن مانع من حجّيتهما فيه ، فتكون دلالتهما الالتزامية عليه مخصّصة لعموم العام.

وفيه : أنّ الدلالة الالتزامية لمّا كانت لازمة للمطابقية كانت تابعة لها وجوداً وحجّية ، وتوضيح ذلك هو ما عرفت مكرّراً من أنّ للدلالة والظهور مرتبتين :

الأُولى : مرتبة استفادة حاصل الجملة بمدلولها المطابقي ومدلولها الالتزامي ، وفي هذه المرتبة لا يعقل التفكيك بينهما ، وإلاّ خرجت الدلالة الالتزامية عن كونها دلالة على اللازم ، فإنّ التفكيك بينهما لازمه القول بعدم الملازمة بين المدلولين ، هذا خلف.

المرتبة الثانية : مرتبة نسبة حاصل الجملة إلى المتكلّم والحكم عليه بأنّه

ص: 127

أراده ، وفي هذه المرتبة أيضاً لا يعقل التفكيك بينهما ، لأنّ الحكم على المتكلّم بأنّه أراد اللازم فرع الحكم عليه بأنّه أراد الملزوم ، فما لم يمكن الحكم عليه بأنّه أراد الملزوم لا يمكن الحكم عليه بأنّه أراد اللازم ، وهذه المرتبة هي عبارة أُخرى عن حجّية الظهور.

وحينئذ نقول : إذا أسقطنا حجّية ظهور قوله : يجب الدعاء عند رؤية الهلال لوجود المعارض ، فلم يمكننا أن نحكم بأنّ المتكلّم أراد الوجوب ، وأسقطنا حجّية ذلك القول في كشفه عن إرادة المتكلّم ، أو أسقطنا حجّية سنده فلم يمكننا الحكم عليه بأنّه قد صدر منه ذلك الكلام ، وإذا لم نحكم عليه بأنّه قد صدر منه لم يمكننا الحكم عليه بأنّه أراد الوجوب ، ومع عدم إمكان الحكم عليه بأنّه أراد الوجوب كيف يمكننا الانتقال إلى أنّه أراد لازمه الذي هو عدم الاستحباب.

والحاصل : أنّ الحكم على المتكلّم بأنّه قد أراد ذلك اللازم الذي هو محصّل الحجّية بالنسبة إلى المدلول الالتزامي ، يتوقّف على الحكم عليه بأنّه قد أراد الملزوم - أعني المعنى المطابقي - الذي هو عبارة عن الحجّية بالنسبة إلى المعنى المطابقي ، فيكون سقوط الحجّية بالنسبة إلى المعنى المطابقي موجباً لسقوط الحجّية بالنسبة إلى المعنى الالتزامي.

والحاصل : أنّه مع عدم إمكان الحكم على المتكلّم بأنّه قد أراد المعنى المطابقي ، كيف يمكن الحكم عليه بأنّه قد أراد المعنى الالتزامي ، الذي عرفت أنّه لا يحكم على المتكلّم بأنّه أراده إلاّبعد الحكم عليه بأنّه قد أراد ملزومه.

ومنه يظهر حال البيّنة القائمة على ملاقاة هذا الماء القليل للدم ، والأُخرى القائمة على ملاقاته للبول ، فإنّه بعد سقوطهما لا مانع من الرجوع فيه إلى قاعدة الطهارة ، من جهة أنّ الحكم بالنجاسة إنّما هو من جهة الحكم بملاقاة البول ، فما

ص: 128

لم يمكن الحكم بأنّه لاقى البول لا يمكننا الحكم عليه بالنجاسة.

اللّهمّ إلاّ أن يفرّق بين ما نحن فيه وبين تعارض البيّنات ، ففيما نحن فيه يكون التلازم بين الارادتين ، وما لم يمكن الحكم بإرادة الملزوم لا يمكن الحكم بإرادة اللازم ، بخلاف تعارض البيّنات فإنّ التلازم فيه يكون بين الملاقاة الواقعية للبول وبين النجاسة الواقعية ، وسقوط حجّية البيّنة في الملزوم لا يوجب سقوطها في اللازم.

وفيه ما لا يخفى ، فإنّ البيّنة لا تشتمل على حكايتين ، وإنّما تحكي ابتداءً عن الملزوم ، ونحن بعد إثبات الملزوم نرتّب اللازم وإن لم تكن الشهود في البيّنة شاعرة بذلك اللازم ، وحينئذ فإذا لم يمكننا إثبات الملزوم كيف يمكننا إثبات اللازم.

نعم ، لو كانت الشهود في البيّنة شهدوا باللازم كما شهدوا بالملزوم ، بأن قالوا : هذا نجس لأنّه قد لاقى البول ، أو قالوا : هذا قد لاقى البول فهو نجس ، لم يكن سقوطها في إثبات الجزء الثاني من مدلولها موجباً لسقوطها في إثبات الجزء الأوّل منه.

ويتفرّع على ذلك أنّه لو لم يكن لنا إلاّبيّنة واحدة ، لكن أحد الشاهدين شهد بملاقاة البول ، والآخر شهد بملاقاة الدم ، فهل نقول إنّه قد تمّت البيّنة بالنسبة إلى اللازم الذي هو النجاسة ، أو يفرّق في ذلك بين وحدة الواقعة فيترتّب اللازم ، وبين احتمال تعدّدها فلا يترتّب اللازم المذكور؟ وربما يقال في ذلك بالعكس ، فمع وحدة الواقعة لا يترتّب اللازم بخلاف احتمال تعدّدها.

والحاصل : إنّ الانتقال إلى اللازم تارةً يكون من قبيل الاستدلال ، بأن تكون الأمارة كخبر الواحد أو البيّنة حجّة في إثبات الملزوم ، ونحن بعد ثبوت الملزوم

ص: 129

ننتقل إلى لازمه ونحكم بثبوته لثبوت ملزومه ، كما لو أخبرنا المخبر أو قامت البيّنة على وجود الدخان ، فإنّا بعد ثبوت وجود الدخّان ننتقل إلى ملازمه وهو وجود النار فنحكم بوجودها ، فإذا كان هناك ما يمنع من كون ذلك الخبر أو تلك البيّنة مثبتة لمؤدّاها كوجود معارض لها في ذلك ، لم يكن لنا طريق نثبت به وجود الدخّان كي ننتقل منه إلى ملازمه وهو وجود النار ، حتّى لو كان ذلك المعارض مشاركاً لهذا الخبر أو لهذه البيّنة في كون ما يحكيه ملزوماً لوجود النار ، لأنّ هذين المحكيين لا يمكننا إثبات أحدهما كي ننتقل إلى ملازمه الذي هو وجود النار.

نعم ، لو قلنا بعدم سقوط كلا المتعارضين ، بل قلنا ببقاء أحدهما على الحجّية ، لكان إثبات ذلك الملازم بمكان من الامكان ، لكنّك قد عرفت أنّ التعارض يوجب سقوط كلّ من المتعارضين ، هذا إذا كان المقام من قبيل الاستدلال والانتقال من ثبوت الملزوم إلى ثبوت اللازم.

وإن كان المقام من قبيل الدلالة الالتزامية ، بمعنى كشف الظهور عن إرادة المتكلّم والحكم عليه بأنّه قد أراد اللازم ، فقد عرفت أنّ الحكم عليه بأنّه أراد اللازم يتوقّف على إرادته الملزوم ، أعني أنّ حجّية الظهور في كشفه عن إرادة اللازم تتوقّف على حجّية الظهور في كشفه عن إرادة الملزوم الذي هو المعنى المطابقي ، ووجود المعارض يمنع من حجّية الظهور في كشفه عن إرادة المتكلّم ذلك الملزوم الذي هو المعنى المطابقي.

اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ الدلالة ولو بالمرتبة الثانية - أعني الحكم على المتكلّم بأنّه أراد المعنى - تكون الالتزامية منها متوقّفة على المطابقية ، لكن حجّية تلك الدلالة مطلب آخر ، بمعنى أنّ حجّية الالتزامية لا تتوقّف على حجّية المطابقية ، وأمّا دعوى كون الكشف عن إرادة اللازم في عرض الكشف عن إرادة الملزوم ،

ص: 130

فذلك ممّا لا أظنّ أنّ أحداً يمكنه الالتزام به ، فتأمّل.

وممّا ينبغي الالتفات إليه : أنّ هذا الذي تقدّم البحث عنه من أنّه بناءً على الطريقية يكون الأصل هو التساقط ، وأنّه بناءً على التساقط هل يسقطان بالمرّة ، أو أنّ الساقط هو خصوص مورد التعارض منهما دون ما يتفّقان فيه من اللازم الذي هو نفي الثالث ، كلّه بحث علمي لا يترتّب عليه أثر عملي ، لما سيأتي (1) إن شاء اللّه تعالى من دلالة الأخبار على الترجيح ثمّ التخيير.

نعم ، يظهر الأثر العملي في الأمارات التي لا تجري فيها أخبار التخيير مثل البيّنات ونحوها ، وقد عرفت أنّ مقتضى القاعدة هو السقوط فيها في كلّ من المدلول المطابقي والالتزامي.

إلاّ أن تشهد البيّنة باللازم كما تشهد بالملزوم ، بأن تقول هذا الاناء نجس لأنّه لاقى البول مثلاً ، وأُخرى تقول إنّه نجس لأنّه لاقى الدم ، أمّا إذا لم تشهد إلاّ بملاقاة الدم أو بملاقاة البول ، فالذي ينبغي هو سقوطهما في اللازم الذي هو النجاسة ، والرجوع بعد التساقط إلى قاعدة الطهارة سيّما إذا كان الشهود في غفلة من ذلك اللازم ، أو كان ما في الاناء من الماء القليل وكان الشهود لا يرون نجاسته بملاقاة النجاسة.

وممّا يكشف عن ذلك ما سيأتي من قوله : فقد يكون التعارض موجباً للتساقط ، كما لو تداعى شخصان فيما يكون بيد ثالث وأقام كلّ منهما البيّنة ، فإنّ البيّنتين يتساقطان ويقرّ المال في يد ذي اليد إذا ادّعى الملكية الخ (2) فإنّ البيّنتين يتّفقان في نفي ملكية الثالث الذي هو ذو اليد ، وبناءً على عدم سقوط الدلالة

ص: 131


1- في الصفحة : 202 وما بعدها.
2- فوائد الأُصول 4 : 762.

الالتزامية ينبغي القول بانتزاعه من ذي اليد وتوزيعه بينهما بالسوية كما إذا لم يكن في البين صاحب اليد ، ولا أظن أحداً يلتزم بذلك ، وذلك من أقوى الشواهد على ما ذكرناه من سقوط الدلالة الالتزامية وإن كانا متوافقين فيها.

اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ الانتزاع من ذي اليد موقوف على قيام البيّنة على خلاف يده ، وقيام البيّنة على ملكية الغير ليس قياماً للبيّنة على خلاف اليد إلاّ باللازم ، والشهادة إنّما تكون شهادة بالنسبة إلى المدلول المطابقي دون المدلول الالتزامي ، وهذا بخلاف البيّنة القائمة على ملاقاة الماء القليل لدم مثلاً فإنّها وإن لم تكن شهادة بالنجاسة ، إلاّ أنّا نحن بعد ثبوت الملاقاة ننتقل إلى لازمها الذي هو النجاسة ، وهذا الترتّب كافٍ في الحكم بالنجاسة ، بخلاف الانتزاع من ذي [ اليد ] فإنّه يتوقّف على الشهادة على عدم ملكيته ، والشهادة إنّما كانت في المدلول المطابقي دون المدلول الالتزامي.

وفيه تأمّل ، فإنّ البيّنة القائمة على ملكية غير ذي اليد كافية في الانتزاع لو لم يكن في البين معارض ، فتأمّل.

ثمّ لا يخفى أنّ ما ذكرناه من أنّ الحكم في الروايات هو التخيير عند التعارض والتكافؤ قليل الابتلاء جدّاً ، إذ لم نجد مورداً في الفقه قد عملوا فيه على التخيير ، هذا ما كنّا حرّرناه سابقاً.

ولكن الأولى أن يقال في وجه نفيهما الثالث : هو أنّ كلاً من الروايتين مشمولة في حدّ نفسها لدليل حجّية السند أعني صدّق العادل ، إلاّ أنّا إنّما قلنا بعدم الشمول للمتعارضين باعتبار عدم ترتّب الأثر بواسطة التعارض ، فلا تكون حينئذ نتيجته إلاّوجوب التصديق فيما يكون في حدّ نفسه مجملاً ، وهذا إنّما يكون فيما لا يكون في البين أثر إلاّذاك الأثر وهو الاجمال ، على وجه لو كان لذلك المجمل

ص: 132

أثر وهو كونه مستلزماً لإجمال دليل آخر ، كان دليل التصديق شاملاً ، كما في مثل لا تكرم بعض العلماء بالقياس إلى عموم أكرم العلماء.

أمّا إذا كان هناك أثر آخر وهو نفي الثالث ، فلا مانع من وجوب التصديق في كلّ منهما ، فيكون كلّ منهما محكوماً بالصدور وهو معنى الحجّية من حيث السند ، غاية الأمر أنّه لا يمكن العمل بمدلوله المطابقي ، لكن مدلوله الالتزامي قابل للعمل ، وكفى به أثراً لوجوب التصديق.

فيكون الحاصل أنّ كلاً من هذين الخبرين صادر لكن لا يمكن العمل بمدلوله المطابقي ، لأنّ فرض إمكان العمل بمدلوله المطابقي كافٍ في صحّة الحكم بصدوره.

نعم ، يمكنك أن تقول : إنّ المدلول المطابقي لم تقم حجّة عليه لأجل وجود المعارض ، وليس ذلك عبارة عن الحكم بأنّ هذا الخبر غير صادر بحسب مدلوله المطابقي وصادر بحسب مدلوله الالتزامي ، بل معناه أنّ هذا المتن صادر وإن لم يمكننا العمل بمدلوله المطابقي ، لكفاية مدلوله الالتزامي في الحكم بصدوره.

ولأجل ذلك لو اشتملت الرواية على جملتين إحداهما غير معمول بها ، تكون تلك الرواية حجّة ومشمولة لدليل وجوب التصديق ، فيقولون إنّ اشتمال الرواية على ما لا يقول به أحد لا يضرّ بحجّيتها بالقياس إلى الجملة الأُخرى ، ولا محصّل لذلك إلاّ الحكم بصدور تمام المتن ، غير أنّه لا يمكن العمل بإحدى جملتيه ، لعدم القول بمقتضاها ، بخلاف الجملة الأُخرى وهي كافية في الحكم بصدور ذلك المتن برمّته.

ص: 133

وأمّا ما أفاده في الكفاية (1) من أنّ نفي الثالث بحجّية أحدهما ، حيث إنّا نعلم بأنّ أحدهما كاذب ، أمّا الآخر فلا علم بكذبه ، فيكون الحاصل هو أنّ أحدهما ليس بحجّة والآخر حجّة ، لكن لمّا كان ما هو الحجّة هو أحدهما بلا تعيين ، لم نتمكّن من تطبيقه على أحدهما المعيّن لكونه ترجيحاً بلا مرجّح ، فيكون تطبيقه على هذا معارضاً بتطبيقه على ذاك ، فيسقط كلّ منهما بخصوصه وتبقى الحجّية لأحدهما الغير المعيّن وهو كاف في نفي الثالث.

فقد أشكل عليه الأُستاذ العراقي (2) بأنّه مبني على سراية العلم من مفهوم أحدهما إلى الخارج ، وقد حقّق في محلّه عدم السريان ، وسيأتي الكلام (3) في ذلك إن شاء اللّه تعالى.

والأولى أن يقال : إنّ الحجّية منوطة بالوصول ، فلا محصّل لحجّية مفهوم أحدهما مع عدم العلم بحجّية هذا بعينه أو ذاك بعينه.

وأمّا ما عن الأُستاذ العراقي قدس سره (4) من أنّ كلاً منهما يتضمّن مطابقة أو التزاماً تكذيب صاحبه ، فلو صدّقناهما لزم الحكم على كلّ منهما بأنّه صادق وكاذب ، فلا يشملهما دليل الحجّية لأجل لزوم هذا التناقض ، وهذا المانع مقصور على مدلولهما المطابقي الذي هو متعرّض لتكذيب صاحبه مطابقة أو التزاماً ، أمّا مدلولهما الالتزامي الذي هو نفي الثالث فلا يلزم من جريان دليل التصديق بالقياس إليه هذا المحذور أعني التناقض ، وحينئذ فلا مانع منه ، وبذلك يكونان نافيين للثالث.

ص: 134


1- كفاية الأُصول : 439.
2- نهاية الأفكار 4 ( القسم الثاني ) :2. 176.
3- في الصفحة : 137.
4- نهاية الأفكار 4 ( القسم الثاني ) :2. 176.

ففيه : أنّ أقصى ما فيه هو أنّ سقوط الحجّية في الدلالة المطابقية لا يوجب سقوطها في الدلالة الالتزامية ، ويبقى عليه السؤال عن أنّه إذا سقطت الحجّية في الدلالة المطابقية كيف يمكن بقاؤها في الدلالة الالتزامية ، مع أنّ سقوط الحجّية عبارة عن عدم الحكم بالصدور.

ومن ذلك كلّه [ يعلم ] أنّا لا نحكم على المتعارضين بعدم الصدور كما أنّا لم نحكم عليهما بالصدور ، ولأجل [ ذلك ] يكون الأولى هو التعبير بالتوقّف لا بالسقوط ، ولكن ذلك كلّه فيما إذا لم يشتركا في شيء واحد كنفي الثالث ولو بالدلالة الالتزامية ، فإنّا حينئذ نحكم بصدورهما ، غايته أنّ أثره هو ترتيب ذلك الأثر الثالث الذي هو اللازم.

ولكن ربما يقع الاشتباه في اللازم بين ما هو مورد الانتقال اللمّي أو الانّي أو الانتقال من الموضوع إلى الحكم ، وبين ما هو مورد الحكاية والدلالة لمتن الخبر ، فإنّا حيث نقول إنّهما حجّة في اللازم فإنّما نعني به النحو الثاني ، أمّا النحو الأوّل فلا ، فلو دلّ أحد الخبرين على وجوب الشيء والآخر على حرمته مثلاً ، لا نقول إنّهما حجّة في نفي الثالث الذي هو الاباحة أو هو أصالة البراءة ، إذ ليس نفي الاباحة أو الأصل مدلولاً التزامياً لما دلّ على الوجوب أو ما دلّ على الحرمة.

نعم ، نحن إذا قام الدليل على وجوبه ننفي إباحته أو نسقط البراءة فيه ، ومن الواضح أنّه بعد التعارض في الوجوب والتحريم لم يكن بأيدينا حجّة على الوجوب ولا على التحريم ، فلا يمكننا الحكم بعدم إباحته.

وهكذا في الانتقال من الموضوع إلى الحكم ، فلو قامت بيّنة على أنّ هذا الماء لاقى البول وأُخرى على أنّه لاقى الدم ، لم يثبت عندنا موضوع النجاسة كي نرتّبه عليهما ، إلاّ إذا قلنا بالقدر الجامع وأنّهما حجّة فيه. وهكذا الحال في البيّنة

ص: 135

القائمة على جنون الموكّل والأُخرى القائمة على موته ، لا يمكننا الحكم بانعزال الوكيل إلاّبعد الارجاع إلى القدر الجامع.

ومن ذلك يتّضح لك الحال في تعارض بيّنتي الخارجين ، فإنّا لا نحكم بانتزاع المال من ذي اليد وتقسيمه بينهما ، لأنّ كلّ واحدة من البيّنتين لا تشهد بعدم ملكية ذي اليد ، نعم نحن بعد ثبوت أنّه لزيد مثلاً الذي هو الخارج نحكم بانتزاعه من ذلك ، أمّا إذا تعارضت البيّنات فلم يثبت أنّه لزيد ولم يثبت أنّه لعمرو ، وحينئذ تبقى يد صاحب اليد محكّمة ، فلا نحكم بانتزاعه منه.

ومن ذلك ما لو قال : يجب إكرام العلماء ، وقال : يستحبّ إكرام الصرفيين ، وقال : يكره إكرام النحويين ، وتعارضا في النحوي الصرفي ، [ فإنّه ] نرجع فيه إلى عموم يجب إكرام العلماء.

وكذلك الحال لو قال - بعد قوله يجب إكرام العلماء - : يحرم إكرام الفاسق من العلماء ، وقال : يكره إكرام الفاسق منهم ، فإنّا بعد التعارض نرجع إلى عموم يجب إكرام العلماء ، وذلك لأنّ هذين الخاصّين لا يدلاّن دلالة لفظية على عدم الوجوب في مورد المعارضة ، وأقصى ما في البين هو أنّا نقول إنّه إذا ثبت حرمة إكرام ذلك الخاصّ انتفى عنه الوجوب ، وحينئذ نقول : إنّ التعارض قد أوجب عدم ثبوت الحرمة وعدم ثبوت الكراهة ، وإذا لم يثبت كلّ من الحرمة والكراهة لم يكن مانع من كونه محكوماً بحكم العام الذي هو الوجوب ، إذ لم يدلّ كلّ من الخاصّين دلالة لفظية التزامية على نفي الوجوب.

وبالجملة : ينبغي التأمّل في الصغريات ، وأنّ المقام من قبيل الدلالة اللفظية ، أو هو من قبيل الانتقالات القهرية التابعة لثبوت المنتقل عنه ، فلاحظ وتأمّل.

ص: 136

ثمّ لا يخفى أنّ الاستدلال على نفي الثالث بما أُفيد من أنّ سقوط الدلالة المطابقية عن الحجّية لا يوجب سقوط الدلالة الالتزامية عن الحجّية ، من جهة أنّ التلازم بينهما إنّما هو في مرحلة الوجود لا في مرحلة الحجّية ، إنّما يناسب مقطوعي الصدور دون ما نحن فيه ممّا يكون الصدور غير قطعي ، وأنّ المعارضة توجب عدم جريان دليل التصديق في كلّ من المتعارضين.

نعم ، إنّ عدم جريان دليل التصديق ليس عبارة عن الحكم بعدم الصدور ، كي يتوجّه عليه أنّه كيف يحكم بعدم الصدور من حيث الدلالة المطابقية وبالصدور من حيث الدلالة الالتزامية ، بل إنّ مرجع ذلك إلى عدم الحكم بالصدور ، وهذا فيما لا يترتّب أثر على صدوره ، أمّا ما يترتّب الأثر على صدوره ولو بحسب الدلالة الالتزامية ، فلا مانع من كونه مشمولاً لأدلّة الصدور وإن لم يمكن العمل به من ناحية الدلالة المطابقية.

ثمّ لا يخفى أنّه لا يرد على ما في الكفاية في تقريب الحجّية لأحدهما لا بعينه ، أنّ العلم المتعلّق بالصور الذهنية لا ينتقل إلى ما في الخارج كما حقّق في محلّه في مباحث العلم الاجمالي ، فإنّ صاحب الكفاية إنّما يلتزم في المقام بعدم الحجّية لما في الخارج من الخبرين المتعارضين ، لأنّ العلم بحجّية أحدهما لا بعينه لا يوجب الحجّية لواحد منهما بخصوصه.

والخلاصة : هي أنّ صاحب الكفاية قدس سره لم يستدلّ على التساقط بمجرّد العلم بكذب أحدهما ليكون ذلك العلم موجباً لكون التمسّك في كلّ واحد منهما بدليل الحجّية تمسّكاً بالعموم في الشبهة المصداقية ، ليرد عليه أنّ العلم لا يسري من الصورة الذهنية إلى ما في الخارج ، بل هو يريد أن يولّد من العلم بكذب

ص: 137

أحدهما مع فرض عدم العلم بكذب الآخر كون الآخر معلوم الحجّية ، ليكون ذلك الآخر غير المعيّن نافياً للثالث ، أمّا سقوطهما فهو متولّد عن العلم بكون أحدهما حجّة لا بعينه ، الموجب لسلب الحجّية عن كلّ واحد منهما بخصوصه. نعم إنّه يدّعي أنّ أحدهما غير المعيّن حجّة وهو كافٍ في نفي الثالث.

ولا يرد عليه أنّ الحجّية تحتاج إلى الوصول المنوط بالعلم التفصيلي المتعلّق بهذا الخبر أو بذلك الخبر ، لإمكان الجواب عنه بأنّه إنّما يحتاج إلى ذلك من جهة أنّ ترتّب الأثر عليها متوقّف على ذلك ، فلو كان لنا أثر يترتّب على حجّية أحدهما لا على التعيين وهو نفي الثالث كفى في صحّة حجّية ذلك الغير المعيّن.

نعم ، يرد عليه أوّلاً : أنّ العلم بكذب أحدهما لا على التعيين يمكن المنع عنه ، وإنّما أقصى ما عندنا هو العلم بأنّ الحكم في أحدهما غير مطابق للواقع لا أنّه باطل السند ، إلاّ أن يكون ذلك هو مراده بكذب أحدهما.

وثانياً : أنّ ما أفاده من أنّ أحدهما لا تعيّن له واقعاً ، فلا يكون المقام من الترديد بين الحجّة واللاّحجّة ، يمكن المنع منه ، بأن يقال إنّ ما هو خارج عن الحجّية متعيّن في الواقع ، وهو ما كان مخالفاً للواقع منهما وإن كنّا لا نعلمه بعينه.

إلاّ أن يقال : إنّه ليس مراده أنّ ما هو المخالف للواقع لا تعيّن له واقعاً ، وإنّما مراده أنّ ما يعلم بعدم حجّيته لا تعيّن له واقعاً ، فيكون الآخر الذي لا يعلم بأنّه مطابق للواقع معلوم الحجّية.

ولكن يرد عليه المطالبة بسبب العلم بأنّ أحدهما لا بعينه ليس بحجّة أو ليس لدينا إلاّ العلم بأنّ أحدهما غير مطابق للواقع ، وإن شئت [ قلت ] ليس لدينا إلاّ العلم بعدم اجتماع هذين الحكمين ، وهو لا يولّد العلم بعدم حجّية أحدهما ،

ص: 138

بل إنّه بواسطة التعارض يوجب العلم بعدم حجّية كلّ منهما ، فلا يبقى لدينا إلاّما أفاده الشيخ قدس سره (1) من أنّ سقوط حجّيتهما في مدلولهما المطابقي لا يستلزم سقوطها في مدلولهما الالتزامي ، لإمكان التفكيك في الحجّية بين الدلالتين.

وأمّا ما أفاده في دعوى الملازمة في الحجّية بين الدلالتين في حاشيته الخطّية المرسومة على هامش حاشيته على الرسائل (2) وقد نقله المرحوم الشيخ محمّد علي في هامش هذا التقرير (3) وحاصله : أنّ ما دلّ على وجوب الشيء وإن دلّ على نفي الحرمة التي دلّ عليها الخبر الآخر وعلى نفي الاباحة التي هي الأمر الثالث ، إلاّ أنّ ثبوت نفي الاباحة إنّما هو في طول ثبوت الوجوب ، والمفروض أنّ الوجوب لم يثبت لوجود معارضه وهو ما دلّ على الحرمة.

ففيه : ما عرفت الاشارة إليه من أنّه لو كان المراد باللازم هو الانتقال من ثبوت المدلول المطابقي إليه انتقالاً لمّياً أو إنّياً أو الانتقال من ثبوت الموضوع إلى تحقّق حكمه ، فذلك مسلّم ، إذ ما لم يثبت الملزوم أو الموضوع لا يتمّ الانتقال إلى لازمه.

أمّا إذا كان المراد من اللازم هو ما يدخل تحت الدلالة الالتزامية بحيث يكون ما دلّ على الوجوب بالمطابقة دالاً على نفي الاباحة بالالتزام ، فكان له دلالتان لفظيتان مطابقية والتزامية ، فلا مانع من شمول دليل التصديق له باعتبار

ص: 139


1- [ ليس للشيخ قدس سره في هذا المقام تصريح بذلك ، نعم قد يقتنص ذلك من بعض عباراته فراجع فرائد الأُصول 4 : 33 - 45 ].
2- حاشية كتاب فرائد الأُصول : 266. ولكنّه مذكور في متن الحاشية لا في هامشها.
3- فوائد الأُصول 4 : 755 ، الهامش 2.

الدلالة الالتزامية ، وأقصى ما في البين هو أنّه بعد الحكم بصدور هذا الخبر الدالّ على الوجوب بالمطابقة وعلى عدم الاباحة بالالتزام ، نقول إنّه لا يمكن العمل به من ناحية المطابقة لوجود المعارضة مع وجوب العمل به من ناحية الالتزام ، إذ لا معارض له فيها ، أو لاشتراكه مع معارضه فيها ، وهذا هو المراد من أنّه ليس بحجّة من حيث المطابقة مع كونه حجّة من حيث الالتزام ، وليس المراد أنّه ليس بصادر من حيث المطابقة وصادر من حيث الالتزام ، لما عرفت من أنّ عدم الحجّية لا يلزمها الحكم بعدم الصدور ، فلاحظ وتأمّل.

ثمّ لا يخفى أنّه ربما يؤخذ هذا المعنى الذي أفاده المرحوم صاحب الكفاية قدس سره في الحاشية الخطّية دليلاً على سقوطهما وعلى نفيهما الثالث ، فأفاد ما محصّله : أنّ الخبر الدالّ على وجوب الشيء في قبال الخبر الدالّ على حرمته يدلّ بالمطابقة على الوجوب ، وبالالتزام على نفي التحريم وعلى نفي الاباحة ، وهكذا الحال في الخبر الدالّ على التحريم ، فلا يمكن الحكم بتصديقهما لأنّه ينتهي إلى التناقض فيما اختلفا فيه ، أمّا فيما لم يختلفا فيه وهو نفي الاباحة فلا مانع من تصديقهما ، هذا في المتضادّين.

وأمّا في المتناقضين مثل أن يدلّ أحدهما على الوجوب والآخر على عدم الوجوب فهو أوضح ، لأنّ كلاً منهما يدلّ على نفي مدلول الآخر بالمطابقة ، فلا يمكن تصديقهما فيسقطان ، لكن يبقى لما دلّ على الوجوب دلالته الالتزامية على نفي ما عدا الوجوب الذي هو الاباحة مثلاً ، فلا مانع من تصديقه فيه.

ولا يخفى أنّ ما يدلّ على نفي الوجوب يدلّ بالالتزام على أنّ حكمه هو أحد الأحكام الأربعة الباقية ما عدا الوجوب ، إذ لا تخلو الواقعة عن حكم من

ص: 140

الأحكام الخمسة ، وحينئذ فما يدلّ على الوجوب يدلّ بالالتزام على نفي ما عداه فتقع المصادمة بين الدلالتين الالتزاميتين.

ثمّ في النحو الأوّل لمّا كان خبر الوجوب يدلّ بالالتزام على نفي ما عدا الوجوب ، وخبر التحريم أيضاً كذلك ، كان اللازم التبعيض في الدلالة الالتزامية لكلّ منهما ، بمعنى أنّا نسقط الدلالة الالتزامية لخبر الوجوب في نفي التحريم ، ونسقطها من خبر التحريم في نفي الوجوب ، وتبقى دلالتهما الالتزامية في نفي ما عداهما ، وهذا غريب ، لأنّ أقصى ما عندنا هو التبعيض في الدلالة المطابقية عن الالتزامية ، أمّا التبعيض في نفس الدلالة الالتزامية فهو غريب.

ثمّ بعد اللتيا والتي يبقى الكلام في وجه بقاء الدلالة الالتزامية بعد سقوط المطابقية ، بل بعد سقوطها في بعض مواردها ، وكلّ هذه الأُمور متفرّعة عن تمامية كون نفي المقابل من الدلالات [ وليس كذلك ] ، بل هو من الاستكشافات.

ثمّ نعود لما نحن فيه فنقول : إنّ هذا التعارض كما لا ينفي الرجوع إلى العموم لا ينفي الرجوع إلى البراءة من الوجوب أو التحريم ، إلاّ إذا كان لنا من الخارج علم إجمالي بأنّ الحكم على طبق أحدهما ، ويكون ذلك من قبيل الرجوع إلى البراءة في مورد تعارض النصّين في مسألة دوران الأمر بين المحذورين ، فإنّه لولا الحكم التعبّدي بالتخيير بين الخبرين لكان مقتضى القاعدة هو الرجوع إلى البراءة من كلّ منهما.

ومن ذلك يظهر الإشكال فيما أُفيد في مسألة الظهر والجمعة ، فإنّ الثالث إن كان هو البراءة منهما فالظاهر أنّه لا مانع منه لو لم يكن في البين إجماع على وجوب إحداهما ، مضافاً إلى الإجماع على عدم وجوبهما معاً.

ص: 141

قوله : بل مفاد أحدهما وجوب خصوص فريضة الظهر ، ومفاد الآخر وجوب خصوص فريضة الجمعة ، وليس لكلّ منهما دلالة التزامية على عدم وجوب ما عدا المؤدّى ، فلا مانع من سقوط كلّ منهما في إثبات المؤدّى بالمعارضة والرجوع إلى البراءة عن وجوب فريضة ... الخ (1).

لا يخفى أنّهما في حدّ أنفسهما وإن لم يكن لكلّ منهما دلالة التزامية على عدم وجوب ما عدا المؤدّى ، إلاّ أنّهما لهما الدلالة على ذلك بواسطة الإجماع على عدم لزوم فريضتين ، فالرواية الدالّة على وجوب الظهر تكون بواسطة هذا الإجماع دالّة بالالتزام على عدم وجوب غير الظهر ، فلو كان هناك عموم يدلّ على وجوب فريضة ثالثة غيرهما لكانا متّفقين على نفيه بالدلالة الالتزامية.

وأمّا البراءة عن وجوب فريضة ، فإن كان المراد به هو البراءة عن غيرهما فهو موافق لهما ، وإن كان المراد به هو البراءة عن كلّ فريضة حتّى الظهر والجمعة كما هو ظاهر العبارة ، فذلك أمر ثالث اتّفقا على نفيه بالدلالة الالتزامية ، لأنّ وجوب الظهر مثلاً يلزمه ارتفاع حكم البراءة ، كما أنّ وجوب الجمعة يلزمه ذلك.

اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ البراءة ليست بأمر ثالث ، لأنّ المراد بالأمر الثالث ما يكون حكماً شرعياً على خلاف كلّ من الدليلين المتعارضين ، وفيه ما لا يخفى.

قوله : لمكان قبح التعبّد بالأمارات مع تمكّن المكلّف من استيفاء المصلحة الواقعية ... الخ (2).

تقدّم التفصيل في أوائل تعارض الأُصول من خاتمة الاستصحاب ، وبيان الحاجة إلى المصلحة السلوكية في مورد انفتاح باب العلم وفي مورد انسداده على

ص: 142


1- فوائد الأُصول 4 : 757.
2- فوائد الأُصول 4 : 759.

كلّ من صورتي التمكّن من الاحتياط وعدم التمكّن منه ، فراجع الصور بتمامها (1).

قوله : ونحن قد منعنا عن المصلحة السلوكية حتّى في صورة انفتاح باب العلم ، وقلنا بكفاية مصلحة التسهيل في صحّة التعبّد بالأمارات ولو مع تمكّن المكلّف من إدراك الواقع ... الخ (2).

قد تقدّم في المبحث المشار إليه (3) أنّ مجرّد التسهيل لا يصحّح الالقاء في المفسدة وتفويت المصلحة ، إلاّ أن يكون في نفس التسهيل مصلحة يتدارك بها ما يفوت المكلّف ، فراجع.

قوله : إذا عرفت ذلك فاعلم - إلى قوله - والذي يسهّل الخطب بطلان أصل المبنى وفساده ... الخ (4).

لا يخفى أنّ القول بالسببية لمّا كان راجعاً إلى التصويب ، كان ذلك عبارة أُخرى عن كون الحكم الواقعي الثانوي الناشئ عن الأمارة تابعاً لحجّيتها ، فالقول بأنّها سبب للحكم الواقعي الثانوي لا يعني أنّها بمجرّد وجودها تكون سبباً لذلك الحكم وإن لم تكن تلك الأمارة حجّة ، بل إنّما تكون سبباً له بعد كمال حجّيتها من حيث السند والظهور.

وحينئذ فالأمارة المبتلاة بالمعارض لا تكون حجّة ، وإذا لم تكن حجّة لم تكن سبباً لذلك الحكم الواقعي الثانوي ، وبناءً على ذلك لا يكون القول بالسببية ملازماً لإسقاط قواعد التعارض من الترجيح والتساقط أو التخيير ، بل إنّ على

ص: 143


1- راجع المجلّد الحادي عشر من هذا الكتاب ، الصفحة : 526.
2- فوائد الأُصول 4 : 759.
3- راجع المجلّد الحادي عشر من هذا الكتاب ، الصفحة : 527.
4- فوائد الأُصول 4 : 759 - 760.

القائلين بالسببية أوّلاً هو إعمال قواعد التعارض وإكمال الحجّية بسدّ ثغور عدم الحجّية من ناحية السند والظهور ، وبعد سدّ هذه الثغور تتحقّق حجّية تلك الأمارة وتتحقّق سببيتها ، فلا يكون القول بالسببية ملازماً لكون التعارض بين الأمارتين من باب التزاحم ، بل المتعيّن أوّلاً هو إخراج تلك الأمارة عن عالم عدم الحجّية باعمال قواعد التعارض من الترجيح إن كان في البين مرجّح ، وإن لم يكن في البين مرجّح ، فإن قلنا بالتساقط فلا حجّة في البين كي تدخل في السببية ، وإن قلنا بالتخيير كان ما هو المختار هو الحجّة ، وكانت حجّيته على نحو السببية.

والحاصل : أنّ القول بالسببية فرع الحجّية ، وهي متوقّفة على إعمال قواعد التعارض من التساقط أو الترجيح والتخيير عند عدم المرجّح ، فلا يتحقّق صغرى لاجتماع الحجّتين كي يتكلّم على كونهما بناءً على السببية من قبيل المتزاحمين ، هذا أوّلاً.

وثانياً : نقول لو أُغضي النظر عن ذلك ، وقلنا إنّ السببية تكون ثابتة للأمارة قبل إعمال قواعد التعارض ، بمعنى أنّ ما هو السبب من الأمارات ما يكون في حدّ نفسه حجّة وإن كان مبتلىً بالمعارض ، والأوّل مبني على أنّ السبب هو الحجّة الفعلية ، بخلاف الثاني فإنّه مبني على أنّ السبب هو الحجّة الشأنية.

وبناءً عليه فالذي ينبغي حينئذ هو النظر إلى هذه السببية المدعاة ، فنقول : إنّ المراد بها هو أنّ قيام الأمارة يكون سبباً لوجوب العمل على طبقها الذي هو عبارة عن وجوب التصديق ، ولزوم البناء على أنّ ما تحكيه هو الواقع ، سواء كان ما تؤدّي إليه هو أحد الأحكام التكليفية كالوجوب أو الحرمة أو الاباحة أو الاستحباب أو الكراهة ، أو كان ما تؤدّي إليه هو أحد الأحكام الوضعية مثل الطهارة والنجاسة والملكية والرقّية ، أو غير ذلك ممّا تقوم عليه الأمارة من أحكام

ص: 144

وضعية وآثار شرعية من أجزاء وشرائط وموانع وحدود وديات ، وغير ذلك من الآثار من أوّل الفقه إلى آخره.

فمعنى سببية الأمارة في جميع ذلك هو سببيتها في وجوب العمل على طبقها ولو من حيث الاعتقاد والافتاء ، وإلاّ فأيّ أثر عملي في الأمارة القائمة على إباحة شرب العصير مثلاً كي نتكلّم في معنى سببيتها لذلك الأثر العملي غير الافتاء والاعتقاد ، فلو قلنا بسببية الأمارة في الفقه من أوّله إلى آخره لم يكن له معنى محصّل إلاّوجوب العمل على طبقها ، فإن كان هناك عمل وتعلّقت الأمارة بوجوبه كان معنى وجوب العمل على طبقها هو وجوب ذلك العمل ، وهكذا الحال في الأمارة القائمة على حرمة العمل ، فإنّ محصّل وجوب العمل على طبقها هو لزوم ترك ذلك العمل ، أمّا الأمارة القائمة على إباحة الفعل فلا محصّل لوجوب العمل على طبقها إلاّوجوب الفتوى بإباحته أو وجوب الاعتقاد بإباحته ، وبناءً عليه يكون محصّل السببية هو لزوم الجري على طبقها إمّا عملاً واعتقاداً أو اعتقاداً فقط.

وحينئذ ففي مورد اختلاف الأمارتين بأن دلّت إحداهما على وجوب الشيء والأُخرى دلّت على حرمته ، أو دلّت إحداهما على إباحته والأُخرى دلّت على استحبابه ، إلى غير ذلك من موارد التعارض ، لا يكون ذلك الاختلاف إلاّمن قبيل التزاحم ، إذ لا محصّل للسببية على هذا الوجه إلاّلزوم الأخذ بمقتضى الأمارة ، سواء كان وجوباً أو حرمة أو إباحة أو استحباباً أو غير ذلك من الآثار الشرعية.

وإذا كان الأخذ بكلّ من الأمارتين غير مقدور للمكلّف لتدافعهما وتنافيهما في كيفية الأخذ بكلّ منهما ، لم يكن ذلك إلاّمن قبيل التزاحم ، ولا يكون قوله :

ص: 145

يجب الأخذ بكلّ أمارة إلاّمن قبيل قوله : يجب إنقاذ كلّ غريق ، في أنّه عند اتّفاق فردين من الأمارات المتعارضة لا يمكن الجمع بينهما في الأخذ بكلّ منهما ، فتدخل المسألة في باب التزاحم ، من دون فرق في ذلك بين كون مؤدّى الأمارتين من قبيل الضدّين أو المتناقضين ، كانا متضمّنين لحكم إلزامي أو غير متضمّنين إلاّ لمثل إباحة الشيء واستحبابه ، فإنّ جميع ذلك لا يمكن فيه الأخذ بكلّ من الأمارتين ولو بمعنى الافتاء بمضمون كلّ منهما.

لا يقال : إنّ ذلك بعينه جارٍ في الطريقية ، إذ لا ريب عليها في وجوب تصديق العادل.

لأنّا نقول : قد حقّق في محلّه (1) أنّ الطريقية مجرّدة من كلّ أمر تعبّدي حتّى وجوب التصديق ، وليس في البين إلاّ الحجّية والكشف والطريقية ، فلاحظ مبحث جعل الطرق والأمارات ، ومبحث الجمع بين الأحكام الواقعية والظاهرية.

نعم ، إنّ من التزم بوجود أحكام ظاهرية تكليفية ولو بمثل صدّق العادل ، ينبغي أن يلتزم بالتزاحم ، وحينئذ يلزمه تقديم الأقوى إن كان ، وإلاّ كان الحكم هو التخيير.

لكن ما هي القوّة الموجبة للترجيح؟ الظاهر أنّها ليست هي القوّة في الملاك ، بل هي القوّة في ملاك وجوب التصديق مثل الأعدلية والأوثقية في الراوي ، وحينئذ يكون ذلك هو عين ما أفادته الروايات ، ويكون مقتضى القاعدة هو الترجيح بحسب السند ، ومع التساوي يكون الحكم هو التخيير ، ويكون ما تضمّنته تلك الروايات مطابقاً للقاعدة ، بل لعلّ ذلك كذلك حتّى في مثل تعارض البيّنات وحتّى على تقدير كون المجعول هو الحجّية ، بناءً على أنّ الأعدلية مثلاً

ص: 146


1- فوائد الأُصول 3 : 105.

موجبة لقوّة ملاك الحجّية على ما لا يكون أعدل ، فلاحظ وتأمّل. هذا كلّه لو كان معنى السببية هو ما ذكرناه من كون الأمارة سبباً لوجوب الأخذ بها ولو في مقام الاعتقاد والفتوى.

وأمّا لو كان المراد بها هو كون قيام الأمارة على حكم شرعي تكليفي أو وضعي سبباً لجعل ذلك الحكم الشرعي في حقّ من قامت عنده الأمارة ، بحيث يكون قيام الأمارة سبباً لتحقّق عنوان ثانوي في حقّ من قامت عنده ، ويكون ذلك العنوان الثانوي موضوعاً لحكم واقعي ثانوي مطابق لما تؤدّي إليه تلك الأمارة ، فمن قامت عنده الأمارة على حرمة النبيذ يكون معنوناً بعنوان كونه ممّن قامت الأمارة عنده على حرمة النبيذ ، ويكون هذا العنوان الثانوي موضوعاً لحرمة النبيذ عليه ، وإن كان النبيذ في حدّ نفسه حلالاً في الواقع باعتبار عنوانه الأوّلي.

وهكذا الحال في من قامت الأمارة عنده على حلّية النبيذ ، يكون قيام الأمارة عنده موجباً لانطباق عنوان ثانوي عليه ، ويكون ذلك العنوان الثانوي موجباً لحلّية النبيذ له ، وإن كان هو في حدّ نفسه حراماً في الواقع باعتبار عنوانه الأوّلي.

وحاصل حجّية الأمارة أنّ قيام الأمارات يكون موجباً لتحقّق عناوين ثانوية تكون تلك العناوين الثانوية موضوعات لأحكام شرعية ، غايته أنّ تلك الأحكام تكون على طبق مؤدّيات تلك الأمارات ، وحينئذ يكون حال هذه العناوين في استدعائها تلك الأحكام وموضوعيتها لها حال العناوين الأوّلية في استدعائها الأحكام المجعولة وكونها موضوعات لتلك الأحكام مثل عنوان العالم في وجوب الاكرام والفاسق في حرمة الاكرام ، فلا يكون اجتماع هذه العناوين الثانوية عند قيام الأمارات المختلفة المتدافعة إلاّكحال اجتماع العناوين الأوّلية المختلفة

ص: 147

الأحكام في كون الاجتماع من قبيل التزاحم تارةً وتعارض العموم من وجه أُخرى ، ومن باب اجتماع الأمر والنهي ثالثة ، هذا في الأحكام الالزامية.

وفي الأحكام غير الالزامية مثل إباحة الشيء وكراهته أو استحبابه ، لا تكون أيضاً إلاّمثل اجتماع عنوان أوّلي حكمه الاستحباب مثلاً وعنوان أوّلي آخر حكمه الاباحة مثلاً ، فلا يكون بينهما تدافع أصلاً ، وهكذا الحال في مثل الطهارة والنجاسة ، فلا يكون اجتماع الأمارة القائمة على نجاسة الشيء مع الأمارة القائمة على طهارته إلاّكحال اجتماع ملاقاة الماء القليل للبول مع ملاقاته للثوب الطاهر ، في أنّ الأوّل حكمه النجاسة والثاني حكمه الطهارة ، إلى آخر ما يرد من تعارض الروايات.

وحاصل الأمر : أنّه بناءً على هذا الوجه - أعني كون قيام الأمارة سبباً لجعل حكم شرعي على طبقها لكونها محقّقة لموضوع ثانوي يكون حكمه مطابقاً لمؤدّى الأمارة - لا يكون تعارض الأمارات إلاّمن قبيل اجتماع العناوين المختلفة الأحكام في كونه من قبيل التزاحم ، أو تعارض العموم من وجه ، أو من باب الاجتماع ، أو لا يكون إلاّمن قبيل اجتماع المقتضي وغير المقتضي.

نعم ، لو كان من قبيل التعارض لم يكن إلاّمن قبيل العموم من وجه حتّى في الأمارة القائمة على وجوب الشيء والأُخرى على حرمته ، لأنّ المتحصّل من السببية على هذا الوجه هو أنّ من قامت الأمارة عنده على وجوب شيء كان ذلك الشيء في حقّه واجباً ، سواء قامت عنده أمارة أُخرى على حرمته أو لم تقم ، وهكذا الحال من طرف العكس ، فيجتمعان في من قامت عنده الأمارتان ، وينفرد كلّ منهما عن الآخر في من لم تقم عنده إلاّ إحدى الأمارتين.

وهكذا الحال في كلّ ما يندرج في التعارض من هذا الباب ، مثل ما لو كان

ص: 148

مفاد إحدى الأمارتين هو وجوب الشيء ومفاد الأُخرى عدم وجوبه ، فإنّه يكون من قبيل انطباق عنوانين عليه ، وكان حكم أحد العنوانين هو الوجوب وحكم العنوان الآخر هو عدم الوجوب ، فإنّه يندرج في تعارض العموم من وجه ، إذ لا يكون ذلك إلاّمن قبيل قولنا : العالم يجب إكرامه وغير الهاشمي لا يجب إكرامه ، وقد اجتمعا في العالم غير الهاشمي.

ولو كان مفاد إحدى الأمارتين هو وجوب الشيء ومفاد الأُخرى هو حرمة نفس ذلك الشيء ، كان التعارض بالنسبة إلى دليل حجّيتهما بناءً على السببية بهذا المعنى من قبيل تعارض العموم من وجه أيضاً ، ولا دخل لذلك بمنزلة النذر وغيرها من الأسباب المعاملية ، ولا محصّل للحكم بالتساقط في مثل ذلك بالنسبة إلى نفس الروايتين. نعم يكون التساقط في مورد هذا الاجتماع لاحقاً لقوله : ما قامت الأمارة على وجوبه فهو واجب وما قامت الأمارة على حرمته فهو حرام ، ويكون مورد اجتماع الأمارتين الذي هو مورد اجتماع

هذين العمومين محكوماً بعدم إمكان إدخاله تحت كلّ منهما ، فيلزم الرجوع فيه إلى حكم آخر من أصل ونحوه.

وهذا الطريق وإن اشترك في سقوط كلا الأمارتين مع الطريق الذي أُفيد في الكتاب ، إلاّ أنّ الجهة في هذا السقوط غير الجهة في ذلك السقوط.

ولو قامت إحدى الأمارتين على حرمة الكون في الكنيسة ، وقامت الأُخرى على وجوب صلاة جعفر مثلاً يوم الجمعة ما بين طلوع الشمس وزوالها ، كانت صلاة من قامت عنده الأمارتان في الكنيسة من قبيل اجتماع الأمر والنهي.

ولو قامت إحداهما على وجوب شيء والأُخرى على وجوب ضدّه ، كانت المسألة من باب التزاحم ، ويكون حال الأمارتين المذكورتين بالنسبة إلى قوله :

ص: 149

كلّ ما قامت الأمارة على وجوبه فهو واجب ، كحال الغريقين بالنسبة إلى قوله : انقذ كلّ غريق.

قوله : ألا ترى أنّه لو نذر الشخص فعل شيء ونذر وكيله - بناءً على صحّة الوكالة في النذر - ترك الشيء لا يمكن القول بالتخيير ... الخ (1).

الأولى أن يمثّل لذلك بما لو وكّل زيداً وكالة مطلقة على بيع داره ، ووكّل عمراً أيضاً على بيع كتابه ، فاشترط الأوّل للمشتري على البائع أن يفعل [ الفعل ] الفلاني وشرط الثاني ترك ذلك الفعل أو شرط فعل ضدّه ، فإن سبق أحدهما الآخر بطل اللاحق لعدم إمكان ذلك الشرط فيه ، لكونه حينئذ مملوكاً عليه للأوّل ضدّه أو نقيضه ، نظير ما لو باع هو داره من زيد ثمّ باعها وكيله من عمرو.

ولو وقع العقدان المشتملان على الشرط المزبور في آن واحد بطلا معاً ، لما ذكرناه من كونهما من قبيل ما لو وقع بيعه الدار من زيد وبيع وكيله لها من عمرو في آن واحد ، ومن الواضح أنّ هذا السقوط في كلّ منهما ليس من جهة تعلّق أحدهما بوجوب الفعل والآخر بنقيضه ، بل هو - أعني السقوط - متحقّق فيما لو اشترط أحدهما فعل شيء وشرط الآخر ضدّه ، فلا يتمّ ما أُفيد من تسليم المزاحمة والتخيير فيما لو قامت الأمارة على وجوب فعل وقامت الأُخرى على وجوب ضدّه ، ومنعها فيما لو قامت إحدى الأمارتين على وجوب شيء وقامت الأُخرى على عدم وجوبه أو على حرمته ، قياساً على عدم جريان المزاحمة والتخيير في السبب المعاملي ، فإنّه لو تمّ هذا القياس في الصورة الثانية لجرى في الصورة الأُولى ، قياساً على ما لو نذر أو شرط هو فعل شيء ونذر وكيله أو شرط فعل ضدّه ، فإنّه لا يجري فيه التزاحم والتخيير بل يجري فيه التساقط ، فينبغي أن

ص: 150


1- فوائد الأُصول 4 : 760.

يقال بذلك في الأمارتين القائمة إحداهما على وجوب الشيء والأُخرى على وجوب ضدّه.

والسرّ في ذلك هو ما ذكرناه من الفرق بين الأسباب المعاملية والعناوين الثانوية ، وأنّ عدم جريان التزاحم والتخيير في الأسباب المعاملية ولزوم التساقط فيها لا يجري في اجتماع العناوين المحكومة بأحكام شرعية متضادّة أو متناقضة أو متخالفة ، الذي يدخلها تارةً في باب التزاحم ، وأُخرى في باب اجتماع الأمر والنهي ، وثالثة في تعارض العموم من وجه ، ورابعة في اجتماع المقتضي واللاّمقتضي ، على اختلاف الأحكام اللاحقة لتلك العناوين المجتمعة.

بل يمكن الفرق بين ما نحن فيه من السببية وبين مثل لزوم إطاعة الوالدين فيما لو أمر أحدهما بخلاف ما أمر به الآخر ، فإنّ أوامرهما بالنسبة إلى وجوب الاطاعة من قبيل الأسباب المعاملية في الجهة التي شرحناها ، وهو أنّه لا ينفذ أمر أحدهما بخلاف ما سبقه من أمر الآخر ، ولو اقترنا سقطا.

نعم ، لو قلنا إنّ في البين أحكاماً ثانوية مجعولة على طبق ما يأمران ، دخل عنوان ما أمر به الوالدان تحت العناوين الثانوية ، وكان الكلام فيه عين الكلام فيما تقدّم من أنّه ربما يكون اختلافهما من قبيل التزاحم وربما كان من قبيل التعارض إلى آخره ، كلّ ذلك بالنسبة إلى تلك القضية العامّة القائلة بأنّ ما يأمر به الوالدان هو حكم اللّه في حقّ ولدهما.

ثمّ لا يخفى أنّ الذي حرّرته عنه قدس سره في هذا المقام منافٍ لما هو موجود في الكتاب ، قال قدس سره فيما حرّرته عنه (1) بعد تقدّم الأبحاث المتعدّدة فيما يتعلّق بباب التعارض ، ومنها البحث عن الأمارتين المتعارضتين ، وهل يكون التعارض بناءً

ص: 151


1- درس ليلة الاثنين 21 ج سنة 1345 [ منه قدس سره ].

على السببية من باب التزاحم ، قال ما هذا لفظه فيما حرّرته عنه قدس سره : والحاصل أنّ مراد الشيخ قدس سره أن يفرق بين القول بالطريقية والقول بالسببية ، وأنّه على القول بالطريقية يكون مقتضى القاعدة في المتعارضين هو التساقط ، وأنّ أخبار الترجيح على خلاف القاعدة ، وعلى القول بالسببية يكون التعارض من قبيل التزاحم ومقتضى القاعدة فيه هو الترجيح ، فتكون أخبار الترجيح والحكم بترجيح ما كان راجحاً والتخيير مع عدم المرجّح على القاعدة.

وفيه : أنّ إرجاع باب التعارض إلى باب التزاحم لا يتمّ ، سواء قلنا بالسببية الصرفة المعبّر عنها بالسببية التصويبية ، أو قلنا بالسببية الطريقية التي يقول هو بها أعني وجود المصلحة في سلوك الطريق.

أمّا على الأوّل ، فلأنّ التنافي بين الأمارتين إمّا لأجل أنّ مؤدّى إحداهما مناقض لمؤدّى الأُخرى ، بأن يكون مفاد إحداهما هو وجوب شيء ومفاد الأُخرى عدم وجوبه أو حرمته أو إباحته أو استحبابه أو كراهته ، وإمّا لأجل أنّ مفاد إحداهما مضادّ لمفاد الأُخرى ، بأن يكون مؤدّى إحداهما وجوب شيء ومؤدّى الأُخرى وجوب ضدّه ، ولا يمكن الجمع بينهما ، إمّا لأجل أنّ مورد ذينك الضدّين فعل واحد ، كأن تؤدّي إحدى الأمارتين إلى وجوب الجهر في قراءة ظهر يوم الجمعة والأُخرى إلى وجوب الاخفات فيها ، والمفروض أنّه ليس لنا إلاّظهر واحدة ، وإمّا لأجل قيام الدليل القطعي على عدم وجوب الجمع بينهما ، بل تدلّ إحدى الأمارتين على وجوب صلاة الظهر يوم الجمعة وتدلّ الأُخرى على وجوب صلاة الجمعة ، مع قيام الإجماع على عدم وجوب صلاتين في يوم واحد.

وعلى أي حال ، لا يكون ذلك من باب التزاحم ، فإنّ ضابط التزاحم هو أن

ص: 152

يكون كلّ واحد من الحكمين غير مناف للآخر في مقام الجعل والتشريع ، وإنّما تحصل المنافاة بينهما في مقام الامتثال ، لاتّفاق التضادّ بينهما وعدم إمكان الجمع بين متعلّقيهما.

ولا ريب أنّ التنافي الواقع في جميع هذه الأمثلة لم يكن في مقام الامتثال ، وإنّما كان في مقام الجعل والتشريع ، لاستحالة انقداح إرادة الفعل الواحد مع عدم إرادته في نفس المولى ، أو انقداح إرادته مع إرادة عدمه أو إرادة ضدّه إلى آخر الأمثلة ، فلا يكون ذلك من باب التزاحم في مقام الامتثال ، وإنّما يكون من التزاحم في جهات الأحكام في مقام تأثيرها في تشريع الأحكام.

نعم ، في الصورة الأخيرة وهي ما لو أدّت إحدى الأمارتين إلى وجوب شيء ، وأدّت الأُخرى إلى وجوب شيء آخر مع قيام الإجماع على عدم وجوبهما ، لا يكون التزاحم في مقام الجعل والتشريع ، ويكون من باب التزاحم في مقام الامتثال ، إلاّ أنّه لا يكون ملاكه كون أحد الخطابين رافعاً للقدرة على امتثال الآخر ، بل يكون ملاكه أنّ أحدهما رافع لمصلحة الآخر ، فيكون ذلك من قبيل التزاحم في باب الزكاة ، كما ذكرناه في من كان مالكاً لخمس وعشرين من الإبل وفي وسط الحول صارت ستّاً وعشرين.

وأمّا على الثاني - أعني السببية الطريقية - فلما قدّمناه سابقاً من أنّ المصلحة لمّا كانت في سلوك الطريق كان تحقّقها متوقّفاً على كونه طريقاً معتبراً ، ولا يمكن أن يكون كلّ منهما طريقاً معتبراً ، لأجل كون كلّ منهما منافياً في مقام الحكاية للآخر ، فلا يمكن أن يشملهما دليل الحجّية.

ولا يخفى أنّ مراد الشيخ قدس سره من السببية في هذا المقام إنّما هو هذا المعنى الثاني ، لأنّه هو المختار عنده ولتصريحه بكون الحكم المجعول ظاهرياً ، فإنّه

ص: 153

على المعنى الأوّل من السببية يكون الحكم المجعول واقعياً. انتهى.

قلت : لو كان مراد القائلين بالسببية أنّ الشارع لم يجعل حكماً كلّياً على عنوان ما قامت الأمارة على حكمه ، بل إنّما يكون إنشاء الحكم الشرعي وتحقّقه عند قيام الأمارة ، بحيث إنّه لم يكن قبل قيامها حكم على طبقها لا جزئي ولا كلّي إنشائي ، وإنّما يكون جعل الحكم وإنشاؤه من جانب الشارع عند قيامها ، فيكون الشارع عند قيام كلّ أمارة يجعل لنا حكماً وينشؤه على طبقها عند قيامها ، فلا جعل ولا تشريع قبل قيامها ، وإنّما يكون الجعل والتشريع عند قيامها.

فعلى هذا التقدير يكون التزاحم عند قيام الأمارتين المختلفتين واقعاً في مقام التشريع ، وحيث إنّ جعل الحكمين المختلفين المتنافيين محال في حقّ الشارع ، وأنّه لابدّ أن يكون الحكم في تلك الواقعة على طبق ما هو الأقوى ملاكاً في نظر الشارع ، وعلى تقدير التساوي بينهما في نظره يكون الحكم في تلك الواقعة على خلاف كلّ منهما ، ولا طريق للمكلّف إلى إحراز ذلك الحكم المجعول في تلك الواقعة ، فيمكن القول في ذلك بأنّ تكليفه على البناء على التساقط ، كما يمكن القول بأنّ تكليفه يكون على التخيير بينهما.

ولكن ينبغي القطع بأنّ هذا ليس هو المراد للقائلين بالسببية ، بل مرادهم بذلك هو أنّ الشارع قد جعل أحكاماً واقعية للأشياء بعناوينها الواقعية ، وهناك أحكام كلّية قد جعلها الشارع على العناوين الثانوية وهي ما قامت عليه الأمارة ، ليكون محصّل ذلك هو أنّ ما قامت الأمارة على وجوبه فهو واجب ، وما قامت على حرمته فهو حرام ، وما قامت على إباحته فهو مباح ، إلى آخر الأحكام الفقهية

ص: 154

تكليفية كانت أو وضعية (1) ، وتكون نسبة هذه الأحكام الثانوية إلى الأحكام الواقعية الأوّلية نسبة الكسر والانكسار في مورد المخالفة ونسبة التأكّد في مورد الموافقة.

وأمّا نسبة هذه الأحكام الثانوية بعضها إلى بعض في مورد اختلاف مؤدّيات الأمارات وتدافعها وتعارضها ، فهي كنسبة تلك الأحكام الواقعية الأوّلية بعضها إلى بعض عند اجتماع موضوعاتها في كونها من قبيل التزاحم تارةً ، والتعارض أُخرى ، واجتماع الأمر والنهي ثالثة ، ومن قبيل اجتماع المقتضي واللاّمقتضي رابعة ، على ما تقدّم تفصيله ، فراجع وتأمّل.

والذي تلخّص : أنّ القول بالسببية إن كان المراد هو السببية بعد تحقّق الحجّية ، كان اللازم لهم هو إجراء حكم التعارض على الأمارات المتعارضة ، وإن كان المراد هو سببية ما يكون في حدّ نفسه حجّة ولو مع وجود المعارض ، وكان المسبّب هو وجوب العمل على طبق الأمارة ولو بنحو الاعتقاد والفتوى ، كان اللازم هو إجراء قواعد التزاحم في جميع الأمارات المتعارضة ، وإن كان المسبّب المجعول هو ما تؤدّي إليه الأمارة ، كان حال هذا العنوان - وهو ما قامت الأمارة على وجوبه فهو واجب وما قامت على حرمته فهو حرام إلخ - حال العناوين الأوّلية واجتماعها في كونه من قبيل التزاحم تارةً ، والتعارض أُخرى ، واجتماع الأمر والنهي ثالثة ، واجتماع المقتضي واللاّمقتضي رابعة ، وإن كان المسبّب في كلّ أمارة هو المجعول بنفسه لا بذلك العنوان الكلّي ، بحيث إنّه لم يكن قبل قيام هذه الأمارة مثلاً تشريع أصلاً ، كان تعارض الأمارات من قبيل التزاحم في مقام

ص: 155


1- [ في الأصل : « موضوعية » بدل « وضعية » ].

الجعل والتشريع.

قوله : هذا ، ولكن للنظر فيه مجال ، فإنّ المصلحة السلوكية على القول بها إنّما تكون قائمة بالطريق ، فإنّ سلوك الطريق ذو مصلحة ... الخ (1).

الظاهر أنّ هذا الإشكال هو عين ما وجّهناه من الإشكال أوّلاً على القول بالسببية التصويبية من كونها في طول الحجّية ، وأنّه لابدّ عليها من إصلاح التعارض أوّلاً ثمّ بعد سلامة الأمارة من حيث الدلالة والسند نقول بأنّ حجّيتها من قبيل السببية ، فراجع (2) وتأمّل.

قوله : مضافاً إلى أنّ التزاحم إنّما يكون بين الأحكام الشرعية ، ولا يكفي التزاحم بين المصلحتين كما تقدّم (3).

يمكن الجواب عنه بالالتزام بتحقّق التكليف الناشئ عن المصلحة السلوكية وذلك التكليف هو لزوم التطرّق بذلك الطريق إلى الواقع ، ونعبّر عنه بلزوم العمل على طبق الأمارة الذي هو عبارة عن الحكم الظاهري.

قوله : هذا كلّه إذا وقع التعارض بين الطرق والأمارات في الأحكام التكليفية الشرعية ، وإن وقع التعارض بينها في حقوق الناس ، فقد يكون التعارض موجباً للتساقط كما لو تداعى شخصان ... الخ (4).

قد عرفت أنّ التعارض لا ينحصر في موارد الأحكام التكليفية ، بل إنّه جارٍ

ص: 156


1- فوائد الأُصول 4 : 761.
2- الصفحة : 143.
3- فوائد الأُصول 4 : 761.
4- فوائد الأُصول 4 : 762.

في جميع موارد الشبهات الحكمية من أوّل الفقه إلى آخره ، وقد عرفت (1) الحكم في ذلك على القول بالسببية.

وأمّا الأمارات الجارية في الشبهات الموضوعية ، فالظاهر أنّ القائلين بالسببية لا يقولون بها فيما يجري في الشبهات الموضوعية ، وإنّما يقولون بذلك في خصوص الشبهات الحكمية ، ولو فرضنا أنّهم يقولون بالسببية حتّى فيما يجري من الأمارات في الشبهات الموضوعية بالنسبة إلى ما يترتّب على تلك الموضوعات من الأحكام الشرعية ، فالكلام فيها حينئذ هو الكلام في الشبهات الحكمية على ما مرّ تفصيله.

وأمّا باب تعارض البيّنات في مقام الخصومات والمنازعات فله أحكام أُخر وقواعد خاصّة مذكورة في كتاب القضاء.

وأمّا باب الأسباب في المعاملات وما يلحق بها من أسباب الملك كالحيازة ونحوه ، فهو أيضاً باب آخر له حكمه الخاصّ به كما عرفت تفصيله فيما تقدّم (2).

ولا بأس بذكر ما حرّرته عنه قدس سره في هذا المقام ، فإنّ فيه بعض الاختلاف لما هو محرّر في هذا الكتاب ، وهذا نصّه : إنّ تعارض الأسباب في باب العقود يكون موجباً للبطلان في كلا السببين ، كما لو صدر منه عقد وصدر من وكيله عقد مناف لعقده ، وفي باب الأمارات إن كانت السببية بالنسبة إلى حكم آخر غير المؤدّى وكان في حقوق الناس فحكمه التنصيف ، كما في تعارض البيّنتين ، فإنّ البيّنة سبب لأن يكون لذيها حقّ المطالبة بالحكم على طبق بيّنته ، فيكون قيامها سبباً لحكم الحاكم بمالكية صاحبها ، وهكذا الحال من الطرف الآخر ، فيكونان حينئذ

ص: 157


1- في الصفحة : 143 وما بعدها.
2- راجع الحاشية المتقدّمة في الصفحة : 150 وما بعدها.

نظير وضع شخصين يدهما على ما يملك بالحيازة ، ولا ريب أنّ الحكم في ذلك هو التنصيف ، وإلى الآن لم نتصوّر هذه السببية في حقوق اللّه تعالى.

وأمّا إذا كانت سببية الأمارة بالنسبة إلى الحكم الذي هو مؤدّاها ، فهو غير متصوّر على مذهب المخطّئة ، وأمّا على مذهب المصوّبة فالذي ينبغي أن يقال : إنّه إذا كان مؤدّى إحداهما وجوب شيء والأُخرى وجوب ضدّه مع عدم إمكان الجمع بينهما ، فالحكم هو الرجوع إلى باب التزاحم ، وإن كان مؤدّى إحداهما هو وجوب شيء ومؤدّى الأُخرى حرمته فالحكم هو التخيير ، انتهى.

ولا يخفى أنّ هذه الأسطر مجمل من تفصيلات أفادها قدس سره في ليالي متفرّقة يفصل بينها تعطيلات ، فلذلك لم أتمكّن من ضبط ما أفاده مفصّلاً مع ما كنت عليه من الابتلاء بكثرة الأشغال ، هذا من ليلة 21 ج 2 سنة 1345 إلى ليلة 26 رجب ، وقد أفاد في تلك الليلة أنّ الأمارتين المتعارضتين بالنسبة إلى نفي الثالث حجّة ، وأمّا بالنسبة إلى الأصل ، فإن كان احتياطاً على خلافهما أسقطاه ، لدلالة كلّ منهما على نفي موضوعه وهو احتمال التكليف في الواقع ، وإن كان المخالف لهما غير الاحتياط كان جارياً بعد تساقطهما ، لأنّ موضوعه عدم العلم بالتكليف الواقعي ، وأمّا الأصل الموافق لإحداهما فيجري بعد تساقطهما ، وهو واضح.

قوله : ولم أقف على رواية تدلّ على التوقّف مطلقاً حتّى في زمان الغيبة ، ولكن حكي ما يدلّ على ذلك أيضاً ، فتكون الأخبار على طوائف أربع ... الخ (1).

قال في الكفاية في تعداد طوائف الأخبار : ومنها ما دلّ على التوقّف

ص: 158


1- فوائد الأُصول 4 : 764.

مطلقاً (1).

ولكن لا يبعد أن يكون مراده ممّا دلّ على التوقّف مطلقاً ليس هو وجود رواية دالّة على إطلاق التوقّف وشموله لزمان الغيبة ، بل مراده بذلك الاطلاق إنّما هو في قبال الأخبار الآمرة بالاحتياط أو الآمرة بالأخذ بالراجح ، فيكون المراد حينئذ هو أنّ هناك أخباراً دالّة على التوقّف ، سواء كانت إحدى الروايتين موافقة للاحتياط والأُخرى مخالفة له أو لم يكونا كذلك.

والشاهد على ما ذكرناه من أنّه ليس مراده من الاطلاق ما هو في قبال التوقّف في زمان الحضور ، هو أنّه عدّ من جملة أخبار التخيير المطلق رواية الحارث بن المغيرة (2) ، وهي من أخبار التخيير في خصوص زمان الحضور.

والأقرب أنّ مراده من إطلاق التخيير وإطلاق التوقّف وإطلاق الأخذ بما هو الحائط كلّ ذلك في قبال القسم الأخير ، وهو ما دلّ على الترجيح بالمزايا.

لكن بعضهم استدلّ على التوقّف المطلق الشامل لزمان الغيبة بأخبار التوقّف الواردة في باب الاحتياط في الشبهات الحكمية ، وأُجيب عنه بأنّ ذلك لا دخل له بباب التعارض (3).

وكيف كان ، فالظاهر أنّه لم توجد رواية تدلّ على التوقّف المطلق الشامل لزمان الغيبة ، وتنحصر الطوائف حينئذ بالثلاثة المذكورة : أخبار التخيير المطلق ،

ص: 159


1- كفاية الأُصول : 442.
2- وسائل الشيعة 27 : 122 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 41.
3- وربما يستدلّ بعموم التعليل الوارد في ذيل المقبولة [ وسائل الشيعة 27 : 106 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1 ] فإنّ المورد وإن كان مختصّاً بصورة التمكّن من لقاء الإمام عليه السلام ، إلاّ أنّ عموم التعليل فيها يدلّ على الاطلاق [ منه قدس سره ].

وأخبار التخيير في زمان الحضور ، وأخبار التوقّف في زمان الحضور.

ومقتضى المعارضة بين الأخيرين سقوطهما والرجوع إلى إطلاقات أخبار الطائفة الأُولى ، ولا محصّل للقول بأنّ مقتضى العمل بعموم أخبار التخيير هو التخيير بين الطائفتين الأخيرتين ، لأنّ الأخذ بالتخيير إنّما هو بعد الفراغ عن الجمع بين هذه الطوائف الثلاث ، أمّا في مرتبة الجمع بينها فلا يجري إلاّعلى قاعدة التساقط (1) ، فتأمّل.

ولا يمكن دفع هذا التعارض بأنّه خارج عن محلّ ابتلائنا ، لأنّ الخروج عن محلّ الابتلاء لا يدفع التعارض ، فإنّه يترتّب عليه ثمرة ، وهي أنّه إذا كانت أخبار التوقّف في زمان الحضور سليمة عن المعارض كانت مخصّصة أو مقيّدة لأخبار الطائفة الأُولى ، أعني التخيير المطلق.

نعم ، لا يترتّب على هذا التقييد ثمرة عملية بالنسبة إلينا ، ولأجل ذلك نقول : إنّ الأولى أن يقال : إنّ شمول أخبار التخيير المطلق لزمان الغيبة لا معارض له ، سواء قيّدناه وخصّصناه بخصوص زمان الغيبة لتقديم أخبار التوقّف في زمان الحضور عليها ، أم لم نقيّده بذلك.

نعم ، لو ثبتت عندنا رواية تدلّ على التوقّف مطلقاً لكانت معارضة لأخبار التخيير المطلق تعارض التباين ، من دون فرق في ذلك بين أن نسقط طائفة التخيير في زمان الحضور وطائفة التوقّف في زمان الحضور ، لتعارضهما أو لخروجهما عن محلّ ابتلائنا ، أو نعمل بهما معاً في التخصيص أو التقييد ، فإنّه بعد خروج زمان الحضور عن كلّ من إطلاق التخيير والتوقّف يبقى التعارض بين

ص: 160


1- [ هكذا في الأصل ، ويمكن إصلاح العبارة بحذف « على » أو إضافة « عدم » قبل « التساقط » ].

التخيير والتوقّف في زمان الغيبة بحاله.

إلاّ أن نسقط أخبار التخيير الخاصّ بزمان الحضور بدعوى عدم العمل به ، أو نرجّح أخبار التخيير المطلق على أخبار التوقّف فيما نحن فيه من زمان الغيبة بأنّها موافقة للمشهور ونحو ذلك من المرجّحات ، أو نحمل أخبار التوقّف المطلق على خصوص زمان الحضور ، ولو من جهة استبعاد الأمر بالتوقّف الدائمي الذي هو لازم جريانه في زمان الغيبة ، فإنّ ذلك لا يناسبه التعبير بالتوقّف ، وإنّما يناسبه التعبير بالاحتياط لو أمكن.

قوله : وقد عرفت أنّ النسبة بينهما العموم من وجه (1).

ينبغي أن يكون ذلك من سهو القلم ، لأنّ النسبة هي التباين ، والمعارضة معارضة التباين كما هو واضح.

قوله : والاستدلال على وجوب الأخذ بما يوافق الاحتياط بقوله عليه السلام في خبر عوالي اللآلي : « إذن فخذ بما فيه الاحتياط لدينك » ضعيف ... الخ (2).

تشتمل رواية العوالي على قوله « قلت : ربما كانا معاً موافقين لهم أو مخالفين فكيف أصنع؟ قال : إذن فخذ بما فيه الحائطة لدينك واترك ما خالف الاحتياط. قلت : إنّهما معاً موافقان للاحتياط أو مخالفان له فكيف أصنع؟ قال : إذن فتخيّر أحدهما فتأخذ به وتدع الآخر » (3) وبواسطة هذا الذيل كانت هي الدليل

ص: 161


1- فوائد الأُصول 4 : 764.
2- فوائد الأُصول 4 : 765.
3- عوالي اللآلي 4 : 133 / 229 ، مستدرك الوسائل 17 : 303 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 2.

للقول الثالث المتقدّم حكايته في أوّل البحث ، وهو لزوم الأخذ بما يوافق الاحتياط منهما إن كان وإلاّ فالتخيير.

ثمّ إنّه قدس سره قد أشكل فيما حرّرته عنه على هذه الرواية أوّلاً : بأنّ فرض السائل كون كلّ منهما موافقاً للاحتياط فرض لا واقعية له ، بل لم نتعقّله ، لأنّ كون كلّ منهما موافقاً للاحتياط غير معقول.

وثانياً : بأنّ خلوّ باقي الروايات عن ذكر الاحتياط ممّا يوجب وهن هذه الرواية.

وثالثاً : بأنّها في نفسها موهونة بضعف راويها.

أمّا الأوّل ، فيمكن تحقّقه بأنّ إحداهما تدلّ على وجوب الشيء والأُخرى على حرمته (1)

ص: 162


1- [ وجدنا هنا أوراقاً منفصلة ألحقها المصنّف قدس سره بالأصل ، وقد ارتأينا إدراجها في الهامش وهي كما يلي : ] عيون الأخبار عن الميثمي « أنّه سئل الرضا عليه السلام يوماً وقد اجتمع عنده قوم من أصحابه وقد كانوا يتنازعون في الحديثين المختلفين عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في الشيء الواحد ... فقال عليه السلام : فما ورد عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب اللّه تعالى ، فما كان في كتاب اللّه موجوداً حلالاً أو حراماً فاتّبعوا ما وافق الكتاب ، وما لم يكن في الكتاب فاعرضوه على سنن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فما كان في السنّة موجوداً منهيّاً عنه نهي حرام أو مأموراً به عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أمر إلزام فاتّبعوا ما وافق نهي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وأمره ، وما كان في السنّة نهي إعافة أو كراهة ثمّ كان الخبر الآخر خلافه فذلك رخصة فيما عافه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وكرهه ولم يحرّمه ، فذلك الذي يسع الأخذ بهما جميعاً أو بأيّهما شئت وسعك الاختيار من باب التسليم والاتّباع والردّ إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله. وما لم تجدوه في شيء من هذه الوجوه فردّوا إلينا علمه فنحن أولى بذلك ، ولا تقولوا فيه بآرائكم ، وعليكم بالكفّ والتثبّت والوقوف وأنتم طالبون باحثون حتّى يأتيكم البيان من عندنا » [ عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 20 - 21 / 45 ، وسائل الشيعة 27 : 113 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 21 ]. ولا يخفى أنّه لا يبعد القول بحكومة قوله عليه السلام : « فذلك الذي يسع الأخذ بهما جميعاً أو بأيّهما شئت ، وسعك » الخ ، على الأخبار القائلة بالتخيير حكومة شرح ، وأنّ مورد ذلك التخيير هو الأحكام الترخيصية مثل المكروهات والمستحبّات ، وأنّ ما عدا تلك الموارد من الأحكام الالزامية يكون المرجع فيه هو التوقّف والارجاع إليهم عليهم السلام ، وما أشبه هذه الحكومة بالحكومة المدعاة في قوله عليه السلام : « إنّهم لم يحفظوا عنّي ، إنّما قلت ذلك في الطلاق » [ لعلّه قدس سره يشير إلى ما روي في وسائل الشيعة 21 : 333 / أبواب المهور ب 58 ح 24 ]. ومنه يظهر لك أنّ هذه الحكومة جارية حتّى على الرواية الآمرة بالتخيير في مورد الحكم الإلزامي ، كما ربما يظهر من مثل مرفوعة العوالي ونحوها ، فإنّ هذه الرواية الحاكمة بمنزلة المكذّب لتلك الرواية المحكومة. واعلم أنّ صاحب الحدائق ذكر أخبار التعارض وذكر في الجمع بينها وجوهاً : منها : حمل الأمر بالتخيير على العمل ، وحمل التوقّف على التوقّف في الفتوى. ومنها : حمل التخيير على ما إذا كان التوقّف غير ممكن. ومنها : حمل أخبار التخيير على ما عرفت من كون مورده هو الأحكام غير الالزامية ، إلى غير ذلك من المحامل التي أنهاها إلى ثمانية ، ثمّ قال : وكيف كان ، فتعدّد هذه الاحتمالات ممّا يدخل الحكم المذكور في حيّز المتشابهات التي يجب الوقوف فيها على جادّة الاحتياط ، فإنّه أحد مواضعه كما قدّمنا تحقيقه وأوضحنا طريقه [ الحدائق الناضرة 1 : 91 - 96 ، 100 - 105 ]. ولا يخفى أنّ التخيير وإن أيّده جماعتنا وشيّدوه ، إلاّ أنّك لا تجد فقيهاً يقول في بعض موارد التعارض أنا أختار هذا الخبر دون مقابله ، بل هم لا يزالون يتعبون أنفسهم في تحقيق جهة من جهات التقديم ، بل تراهم يقولون بالتساقط في مثل تعارض العموم من وجه ، ومن ذلك ينفتح لك باب القول بأنّه لا أهميّة لإثبات كون المرجع هو التخيير ، فالعمدة هو النظر في المرجّحات ، وإذا انسدّ باب الترجيح لفرض التساوي - وما أقلّ ذلك - يكون المرجع هو التساقط ، وأمّا الاحتياط أو التوقّف في الفتوى فلو صدر من أحد فذلك من باب التورّع لا من جهة أنّ القاعدة تقتضيه ، فلاحظ وراجع وتدبّر. 25 ربيع الثاني سنة 1381. أمّا التفصيل بين زمان الحضور وزمان الغيبة ، فيمكن أن يتطرّق إليه المنع ، إذ ليس في الأخبار ما يدلّ على هذا التقييد. نعم يشتمل بعضها على الأمر بالارجاء حتّى تلقى إمامك ، ونحوه [ وسائل الشيعة 27 : 106 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1 ، 42 ] ممّا يشعر بإمكان اللقاء ، فينحصر بزمان الحضور ، لكن أنّى لنا باستفادة ذلك ، ولعلّ الغرض هو مجرّد التوقّف على بيان الإمام عليه السلام بعد الرجوع إليه ، وذلك لا يقتضي الانحصار بامكان الرجوع ، بل أقصى ما فيه هو الحكم بالتوقّف أو الحكم بالتخيير حتّى يلقاه ، ولا دخل لذلك بكون اللقاء قريب الأمد أو بعيد المدى كما في زمان الغيبة ، فيمكن للإنسان أن ينكر هذا التقييد ، بل هو كسائر ما علّق على مراجعته وعلى أخذ البيان منه ، وكلّه داخل فيما أفاده المحقّق الطوسي : إنّ وجوده عليه السلام لطف وإنّ تصرّفه لطف آخر وإن منعه منّا [ كشف المراد : 362. لا يخفى أنّ الموجود في بعض النسخ : وعدمه منّا ، وفي بعضها الآخر : وغيبته منّا ]. والخلاصة : هي سقوط القول بالتخيير ، لما عرفت من حكومة رواية الميثمي على أخبار التخيير ، مضافاً إلى ما عرفت من أنّك لا تجد فقيهاً منّا يقول أنا أختار هذا الخبر وأُفتي به وأطرح مقابله. وحينئذ فلم يبق باليد إلاّ أخبار التوقّف والاحتياط والارجاء إلى لقاء الإمام عليه السلام والمنع عن القول بشيء في المسألة ، إلى غير ذلك من العبائر الواردة في أخبار الباب ، وهذه الأخبار وهذه المفادات كلّها من أدلّة الاحتياط في الشبهات الحكمية التي لا مجال لها فيما نحن فيه إلاّبعد إسقاط الخبرين المتعارضين ، وبعد سقوطهما تدخل المسألة فيما لا نصّ فيه ، فلا تكون هذه إلاّعبارة أُخرى عن تلك الأخبار التي يستدلّ بها المحدّثون على عدم جواز الرجوع إلى البراءة ، وأنّ المرجع في الشبهات الحكمية هو التوقّف والاحتياط كما ربما يظهر لك ذلك بمراجعة رسائل الشيخ [ فرائد الأُصول 2 : 64 وما بعدها ] في الأخبار التي استدلّ بها الأخباريون لمسلكهم ، فإنّ من جملة تلك الأخبار هي الأخبار الواردة في باب التعارض. وعلى كلّ حال ، لا يكون لخصوص التعارض خصوصية توجب الاحتياط ، بل هي بعد التساقط يكون حالها حال ما لا نصّ فيه ، وحينئذ فلا يكون مفاد تلك الأخبار إلاّعبارة عن التساقط والرجوع إلى ما يقتضيه الأصل فيما لم يقم فيه دليل على التكليف ، فليس في البين أمر آخر غير التساقط عند التعارض ، وما أفادته تلك الأخبار من التوقّف والاحتياط والارجاء كلّ ذلك مبني على التساقط ، غايته أنّها تكون من أدلّة الأخباريين على منع الرجوع إلى البراءة عند عدم ثبوت الحكم الالزامي بالدليل الشرعي ، فلاحظ وتأمّل. فلم يبق بأيدينا من هذه الأخبار إلاّ أخبار الترجيح بتلك المرجّحات المنصوصة ، فإذا وفّقنا اللّه سبحانه وتعالى لإثبات أنّ الترجيح على القاعدة ، وأنّ العمل به لازم حتّى لو لم يرد النصّ به ، كان لنا أن نسجّل على هذه الأخبار بأنّها لم تأت بشيء تعبّدي ، بل إنّ كلّ ما تضمّنته وارد على القاعدة ، وأنّ القول به لازم حتّى ما تضمّنته من الارجاء والاحتياط فإنّه على طبق القاعدة ، غايته أنّه يوافق مسلك الأخباريين ، ونحن لمّا كان مسلكنا هو البراءة أسقطنا الاحتياط المذكور وحكّمنا البراءة في مورد التعارض والتساقط ، كما حكّمناها في غيره من الموارد التي لم تقم الحجّة على إثبات التكليف فيه [ منه قدس سره ].

ص: 163

ص: 164

ص: 165

قوله : ولا تعمّ صورة اختلاف النسخ كما حكي وقوع ذلك كثيراً في كتاب التهذيب ، فإنّ التعارض إنّما جاء من قبل الكتّاب ، فلا يندرج في قوله « يأتي عنكم الخبران المختلفان » (1) ... الخ (2).

قال قدس سره فيما حرّرته عنه في هذا المقام ما هذا نصّه : الأمر الثاني هل التخيير المذكور يشمل اختلاف النسخ في رواية واحدة أم لا؟ وببالي أنّ صاحب الجواهر قدس سره (3) اختار الأوّل في بعض تحقيقاته ، ولا يبعد أن يكون تعرّضه لذلك في ذكر سجدتي السهو.

وغاية ما يمكن أن يقرّب شمول أدلّة التخيير لاختلاف النسخ أن يقال : إنّ مثل الكافي لمّا كان مروياً عن صاحبه بطريقين : أحدهما النعماني والآخر ... (4) فلو وقع اختلاف في النسخة التي يرويها أحدهما لما يرويه عنه الآخر ، كانت النسختان داخلتين في عموم قوله : « يأتينا عنكم الخبران المتعارضان » (5) ،

ص: 166


1- وسائل الشيعة 27 : 118 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 29 ، 30 ، 34 ، 48 ( مع اختلاف عمّا في المصدر ).
2- فوائد الأُصول 4 : 766.
3- قال قدس سره بعد أن ذكر الكلام في صورة الذكر : « وإن كان الأقوى التخيير جمعاً بين الجميع بناءً على أنّ اختلاف النسخ كاختلاف الأخبار » واللّه أعلم. [ منه قدس سره ، راجع جواهر الكلام 12 : 455، ولا يخفى أنّ كلمة « جمعاً » وردت في الجواهر 12 : 768 ( تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ) ].
4- [ في الأصل هنا فراغ فلاحظ ].
5- مستدرك الوسائل 17 : 303 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 2.

فتكونان مشمولتين لدليل التخيير.

وفيه أوّلاً : أنّ اختلاف النسخ لا ينحصر فيما ذكر من اختلاف الراويين عن راوٍ واحد كما مثّل له برواية تلميذي الكليني قدس سره ، بل كثيراً ما يكون اختلاف النسخ واقعاً من غلط الكتّاب كما في نسخ التهذيب ، فإنّ الاختلاف الواقع في نسخه إنّما كان من سهو الكتّاب والنسّاخ لا ممّن يرويه عن الشيخ قدس سره.

وثانياً : أنّ أدلّة التخيير لا تشمل اختلاف النسخ حتّى إذا كان من قبيل الاختلاف في الرواية عن الراوي ، كما في اختلاف تلميذي الكليني قدس سره فيما ينقلانه عنه ، إذ ليس في البين إلاّرواية واحدة ينقلها كلّ منهما عن راويها بكيفية مغايرة للكيفية التي ينقلها عنه الآخر ، فليس ذلك من قبيل التعارض بين الروايتين.

قلت : لا يقال لو فرض اختلاف الرواة في نقل رواية واحدة عن المعصوم عليه السلام ، بأن ينقلها أحدهما عنه عليه السلام بلفظ وينقلها الآخر بلفظ آخر ، لكان داخلاً في تعارض الخبرين ، فكذلك فيما لو اختلفا في النقل عن الراوي.

لأنّا نقول : فرق واضح بين المقامين ، لأنّه يصدق على المثال المذكور أنّه أتى عنهم عليهم السلام الخبران المتعارضان ، بخلاف ما نحن فيه لأنّه لم يأت التعارض عنهم ، وإنّما أتى عن الكليني.

ولكنّه مع ذلك فيه مجال للتأمّل ، فإنّ ما عن الكليني إنّما هو من حيث اتّصال السند بالمعصوم ، فإذا تردّدنا فيما عن الكليني فقد تردّدنا في المتن المحكوم بصدوره عن المعصوم ، وإذا كان منشأ ذلك التردّد هو اختلاف من يروي عن الكليني كان داخلاً في قوله « يأتينا عنكم ».

بخلاف ما لو علمنا أنّ منشأ التردّد هو اختلاف النسخ وسهو الكاتب مع

ص: 167

فرض كون الراوي واحداً في جميع الطبقات ، كما في إجازة رواية ما في الكتاب من دون مقابلة ، فإنّ المجاز يرويه عن المجيز والمجيز يرويه عمّن أجازه ، وهكذا إلى أن تنتهي إلى صاحب الكتاب ، ومع ذلك لو راجعنا الكتاب لوجدنا فيه اختلافاً في النسخ ، فإنّه لا يصدق على كلّ نسخة أنّها رواية ، بل لا يكون في البين إلاّ رواية واحدة ، لكنّها بواسطة اختلاف النسخ تكون من قبيل المجمل فتسقط عن الاعتبار ، إلاّ إذا رجّحنا إحدى النسختين على الأُخرى.

قوله : فالفحص عن المرجّحات يرجع إلى الفحص عن الحجّة كالفحص عمّا يعارض الأُصول اللفظية والعملية ، ولا إشكال في وجوب الفحص عنه (1).

كأنّ التخيير بمنزلة الأصل العملي ، ورجحان أحد الخبرين يكون بمنزلة الدليل الوارد على ذلك الأصل العملي.

وقد يقال : إنّ مدرك لزوم الفحص عمّا يعارض الأُصول اللفظية والعملية هو العلم الاجمالي أو المعرضية ، وهما غير موجودين فيما نحن فيه ، نعم إنّ الحكم بكون ما يختاره حجّة شرعية موقوف على إحراز مساواته لطرفه ، نظراً إلى أدلّة وجوب ترجيح الراجح ، ومع عدم إحراز مساواته له لا يمكن الحكم بحجّيته ، فيكون الشكّ في المساواة موجباً للشكّ في حجّية ما يختاره ، فيلزمه الفحص عن رجحانه أو مرجوحيته لذلك.

ويمكن أن يستدلّ لذلك : بأنّ موضوع التخيير هو التساوي كما يعطيه ما تضمّنته رواية عوالي اللآلي من قوله عليه السلام بعد فرض السائل التساوي : « إذن

ص: 168


1- فوائد الأُصول 4 : 766.

فتخيّر » (1) وحينئذ (2) لابدّ في الرجوع إلى التخيير من إحراز موضوعه الذي هو التساوي لكونه موضوعاً وجودياً. وأجاب قدس سره عن ذلك حينما عرضته بخدمته : بأنّ الغرض من هذا العنوان الوجودي أمر عدمي ، وهو عدم رجحان أحدهما على الآخر.

قلت : كون المساواة أمراً عدمياً قابل للتأمّل ، مضافاً إلى أنّا لو أرجعناه إلى

ص: 169


1- عوالي اللآلي 4 : 133 / 229 ، مستدرك الوسائل 17 : 303 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 2.
2- وحينئذ يتوجّه الإشكال بأنّه لابدّ من إحراز التساوي ، والفحص وعدم العثور على الرجحان لا يحقّق التساوي بل لا يحرز عدم الرجحان ، وأصالة عدم الرجحان لا تنفع. إلاّ أن يقال : إنّ عدم إحراز التساوي كافٍ في التخيير. وفيه : تأمّل ، إذ لا موجب للفحص حينئذ حتّى لو قلنا بأنّ المقام من قبيل التزاحم حتّى بناءً على الطريقية الصرفة ، فإنّ عدم إحراز الرجحان كافٍ في التخيير فلا موجب للفحص حينئذ ، إلاّ أنّ يدّعى عدم المعذورية قبل الفحص ، فلاحظ وتأمّل. ويمكن أن يقال : إنّ وجوب الفحص عن الراجح منهما تابع لما سيأتي من أنّ التخيير هل هو في المسألة الأُصولية أو أنّه في المسألة الفرعية ، فإن كان في المسألة الأُصولية واحتملنا أنّ أحدهما أرجح من الآخر كانت المسألة من الدوران بين التعيين والتخيير في الحجّية ، والمتعيّن فيه الاحتياط بالتعيين ، وحيث إنّ محتمل الرجحان غير معيّن لكون كلّ منهما محتمل الرجحان ، وجب علينا بحكم الاحتياط الفحص عنه للأخذ به عند العثور عليه ، إلاّ إذا عجزنا عن تحصيله ، وذلك لا يكون إلاّبعد الفحص وعدم العثور. وهذا بخلاف ما لو قلنا بأنّ التخيير في المسألة الفرعية ، فإنّ الاحتياط فيها غير واجب ، ولو قلنا بوجوب الاحتياط فهو إنّما يقال به في صورة كون محتمل التعيين معيّناً ، دون ما لو كان كلّ منهما محتمل التعيين ، بخلاف الدوران في مقام الحجّية ، فلاحظ وتأمّل [ منه قدس سره ].

عدم رجحان الآخر على هذا الذي اخترناه لكان أيضاً محتاجاً إلى إحراز ، وأصالة عدم رجحان الآخر عليه لا تجري ولا تنفع في إحراز كون هذا الذي اخترناه غير مرجوح أو كون طرفه غير راجح عليه إلاّبالأصل المثبت ، وأصالة عدم الرجحان بمفاد ليس التامّة لا تنفع فيه.

نعم ، يمكن الخدشة في هذا الاستدلال بضعف رواية العوالي ، لكن ذلك لا يخدش في أصل المطلب وهو كون التخيير في طول الترجيح ، فإنّه مسلّم وعليه البناء ولو بالجمع بين أخبار التخيير وأخبار الترجيح كما سيأتي (1) إن شاء اللّه تعالى في لزوم الترجيح قبل التخيير.

قوله : الرابع الأقوى كون التخيير في المسألة الأُصولية أي في أخذ أحدهما حجّة محرزة وطريقاً إلى الواقع ... الخ (2).

قد حرّرت عنه قدس سره في هذا المقام ما نصّه : ينبغي قبل التكلّم في هذا الأمر التعرّض لما أفاده الشيخ قدس سره (3) في هذا المقام من كون الحكم في المسألة الأُصولية مشتركاً بين المقلّد والمجتهد ، وأنّ المجتهد ينوب فيه عن المقلّد.

فنقول أوّلاً : أنّه لا معنى لكون الحكم المذكور مشتركاً بينهما ، فإنّ الأحكام الواقعية وكذلك الأحكام الظاهرية المأخوذة من الأمارات والأُصول الجارية في الشبهات الموضوعية لا ريب في اشتراكها بين المجتهد والمقلّد ، لتحقّق موضوعها في حقّ الصنفين.

وأمّا الأحكام في المسألة الأُصولية مثل حجّية الخبر الواحد والاستصحاب

ص: 170


1- في الصفحة : 202 وما بعدها.
2- فوائد الأُصول 4 : 766.
3- لاحظ فرائد الأُصول 4 : 41.

الجاري في الشبهات الحكمية ، فيتوقّف جريانها في حقّ الشخص على تحقّق موضوعها بالقياس إليه وعلمه بحجّيتها ، ولا ريب في أنّ المقلّد العامي فاقد لهذين الأمرين ، فلا معنى لكون الحكم المذكور مشتركاً بينه وبين المجتهد كي يقال إنّه ينوب عنه فيه المجتهد.

والحاصل : أنّ المقلّد العامي لكونه عاجزاً لا يتحقّق في حقّه موضوع الحجّية ، ويكون رجوعه إلى المجتهد في الحكم الفرعي المستنبط من ذلك من باب رجوع الجاهل إلى العالم ، لا أنّه يكون الحكم الأُصولي جارياً في حقّه وأنّ المجتهد ينوب عنه في ذلك.

وثانياً : أنّا لو سلّمنا الاشتراك والنيابة المذكورين ، فلا ريب في أنّ التخيير المذكور إنّما هو وظيفة من يستنبط ، فإذا كان المستنبط هو خصوص المجتهد إمّا لعدم اشتراك المقلّد معه في ذلك الحكم ، وإمّا لأجل أنّه ينوب عنه فيه ، فلا جرم يكون التخيير المذكور مختصّاً بالمجتهد دون المقلّد (1).

قلت : في كون إجراء الأُصول الجارية في الشبهات الموضوعية من وظائف المقلّدين إشكال ، وهو أنّ إجراء تلك الأُصول يتوقّف على البحث عن معارضها وما هو حاكم عليها ، وما هي حاكمة عليه ، إلى غير ذلك من المباحث المشكلة التي يعجز عنها أفضل المجتهدين فضلاً عمّن هو أحد المقلّدين ، كما هو غير خفي على من جاس خلال تلك الديار في مباحث الخلل من الصلاة وغيره من مباحث العلم الاجمالي.

فلابدّ أن نقول : إنّ الذي هو وظيفة العامي هو مجرّد الأخذ بما يفتيه به

ص: 171


1- ينبغي مراجعة ما حرّرناه على أوائل الاستصحاب وأنّه من المسائل الأُصولية [ منه قدس سره ].

المجتهد من الكبرى الكلّية ، وأمّا تعيين مورد تلك الكبرى من حيث الجهات المشار إليها فذلك أمر آخر لا يكون إلاّمن وظيفة المجتهد.

وبعبارة أوضح : أنّ وظيفة العامي هي إجراء هذه القواعد في موردها ، وأمّا الدليل على نفس القاعدة مثل قاعدة الفراغ ، وأنّ الاستصحاب محكوم لها ، وأنّ الوظيفة ما هي عند التصادم بين هذه القواعد ، فذلك وظيفة المجتهد ، ويكون العامي مقلّداً له في هذه الجهات كلّها ، ولأجل ذلك تراهم في رسائلهم العملية يذكرون تلك الفروع الموضوعية بخصوصياتها ، ويحكمون فيها بمقتضى ما حصل لهم من تلك التحكيمات والجمع بين هاتيك القواعد وتلك الأُصول المتعارضات ، ويرسمون نفس النتيجة الفتوائية في الرسالة.

وأمّا الأُصول الجارية في الشبهات الحكمية فهي من خصائص العالم المجتهد الذي يطرأه اليقين والشكّ ولو في حكم غيره ممّا لا يجري في حقّ ذلك المجتهد كأحكام الحائض مثلاً ، لكن في مثل البراءة وقاعدة الحل الجاريين في الشبهات الحكمية إشكال ، فإنّ المدار في مثلها على الشكّ وعدم العلم ، فلا يمكن أن يجريها المجتهد إلاّفي أحكام نفسه ، أمّا أحكام غيره فلا ، كما أنّ العامي لا يمكنه إجراؤها ، إذ لا يتحقّق في حقّه شكّ أو علم بالنسبة إلى موارد الشبهات الحكمية.

اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ المجتهد يجريها نيابة عن المقلّد. أو يقال : إنّ المكلّف العامي يصدق عليه الشكّ في ذلك الحكم وعدم العلم به ، باعتبار أنّ من قلّده واعتمد عليه في أخذ أحكامه منه كان عالماً أو كان شاكاً ، فتأمّل.

أو يقال : إنّ العامي شاكّ وجداناً ويصدق عليه أنّه غير عالم بالحكم ، غايته أنّ إجراءه البراءة مثلاً يتوقّف على الفحص عن الدليل وهو عاجز عنه ، فالمجتهد

ص: 172

ينوب عنه في هذه الجهة أعني جهة الفحص عن الدليل ، ففي الحقيقة إنّه يقلّده في خصوص هذه الجهة أعني جهة عدم الدليل على الحكم.

ثمّ لا يخفى أنّه لابدّ من النظر في أنّ المراد للقائلين بكون التخيير في المسألة الفرعية ، هل يقولون به في جميع موارد التعارض والتكافؤ حتّى في مثل ما يدلّ على طهارة الشيء وما يدلّ على نجاسته ممّا لا معنى فيه للتخيير في مقام العمل ، إلى غير ذلك من موارد التعارض ممّا لا يتأتّى فيه التخيير العملي.

وتفصيل الكلام في هذا المقام : هو أنّ الشبهات الموضوعية وإن كان مدار جريان الوظائف المقرّرة فيها من أمارات وأُصول شرعية إحرازية وغير إحرازية على شكّ المكلّف وعدمه ، فكان هو المطبّق لها وإن كان عامياً مقلّداً ، إلاّ أنّ ذلك بعد إثبات أصل تلك الوظائف وتحكيم بعضها على بعض ، وذلك راجع إلى المجتهد كما في تحكيم يد المسلم مثلاً على أصالة عدم التذكية ، وإخبار ذي اليد بالنجاسة على أصالة الطهارة مثلاً ، ومن ذلك تحكيم بعض هذه الأُصول الجارية في الشبهات الموضوعية على بعضها في أبواب الخلل ، بل تحكيم الأصل الواحد على نفسه كما في مثل « من فاتته سجدتان ولم يعلم أنّهما من واحدة أو من ركعتين » في أنّ الجاري هو قاعدة الفراغ أو التجاوز في الركعة الأُولى أو الثانية ، أو أنّهما متعارضتان ، كلّ ذلك شُغل المجتهد ، ولا حظّ فيه للمقلّد.

أمّا الشبهات الحكمية ، فحاصل الكلام فيها يكون في مقامات أربعة : الأمارات ، الأُصول الاحرازية ، الأُصول غير الاحرازية الشرعية ، الأُصول العقلية.

أمّا المقام الأوّل : فمثاله الرواية الدالّة على وجوب السورة وجزئيتها في الصلاة ، فقد قالوا إنّ إعمالها من خصائص المجتهد.

ولابدّ من شرح هذا الاختصاص ، فإنّ فيه خفاء ، حيث إنّ مدلول تلك

ص: 173

الأمارة - وهو وجوب السورة - لا يختصّ بالمجتهد ، كما أنّ حجّيتها وكشفها عن الواقع المستفاد من مثل آية النبأ أو الروايات أو السيرة الدالّة على ذلك لا يختصّ به أيضاً.

لكن لمّا كان أثر الحجّية وهو تنجيز الواقع فيما أصابت والعذر فيما أخطأت ، وكذلك صحّة الإخبار عن الحكم الواقعي وهو وجوب السورة ، كلّ هذه الآثار متوقّفة على الوصول والعلم بالحجّية المزبورة ، ولا يمكن حصول ذلك إلاّ للمجتهد ، كانت تلك الآثار منحصرة بالمجتهد ، ومن هذه الجهة صحّ لنا أن نقول إنّ حجّيتها منحصرة بالمجتهد.

لا يقال : بعد فرض كون الخطاب بمثل صدّق العادل عاماً شاملاً للعامي يكون خروج العامي لأجل عجزه ناشئاً عن تقصيره ، وبعبارة أُخرى أنّ عموم الخطاب يوجب تعيّن الاجتهاد على كلّ مكلّف.

لأنّا نقول : إنّ الأمر كذلك لولا ما يستفاد من مجموع أدلّة التقليد من ترخيص العوام في ترك الاجتهاد ، وبعد تركه الاجتهاد بترخيص من الشارع لا يكون الاجتهاد إلاّواجباً كفائياً ، ويكون هذا العامي معذوراً في تركه ، ولا يلزم تخصيص الأكثر ، لأنّ ذلك ليس من قبيل التخصيص بل هو من قبيل المعذورية.

ثمّ إنّ تلك الأمارة بعد تمامية حجّيتها عند المجتهد تنجّز عليه وجوب السورة ، فيلزمه العمل على طبقها ، فإن أصابت الواقع كانت منجّزة له ، وإن أخطأت كان معذوراً ، هذا بالقياس إلى عمل نفسه ، وبالقياس إلى عمل العامي المقلّد له يكون أثر قيام تلك الأمارة عند ذلك المجتهد هو كونها مصحّحة لإخباره عن الحكم الواقعي وأنّه وجوب السورة حسب قيام تلك الأمارة ، وهذا الإخبار هو عبارة عن الفتوى ، وهذا الإخبار هو الحجّة على المقلّد ، ويستحيل في حقّه

ص: 174

حجّية الأمارة نفسها لكونه عاجزاً عن قيامها لديه وعن وصولها إليه ، وحجّية ذلك على العامي إمّا من باب خبر العادل إن وسّعناه للخبر عن اجتهاد ، وإلاّ كان من باب الرجوع إلى أهل الخبرة ، أو من باب حجّية خصوص فتوى العالم على الجاهل.

ومن ذلك يظهر لك الكلام في الأُصول الاحرازية ، فإنّ المجتهد بعد إعماله لها يكون قد أحرز الواقع ، فيصحّ له الإخبار به حينئذ اعتماداً عليها ، وهذا الإخبار يكون حجّة على العامي ، من دون فرق في ذلك بين كون ذلك التكليف الثابت عند المجتهد بالأمارة أو الأصل الاحرازي مشتركاً بينه وبين مقلّده كما مثّلنا من وجوب السورة ، أو يكون مختصّاً بالمقلّد كما في مثل أحكام الحيض والنفاس ونحوهما ممّا لا تعلّق له بالمجتهد إلاّباعتبار الأثر الثالث ، وهو صحّة الإخبار عن الواقع الذي أدّت إليه تلك الأمارة أو أدّى إليه ذلك الأصل الاحرازي.

أمّا الكلام في المقام الثالث وهو موارد الأُصول الشرعية غير الاحرازية مثل البراءة الشرعية ونحوها ، مثل أصالة البراءة عن وجوب الاستعاذة مثلاً قبل الفاتحة ، ومثل أصالة البراءة عن حرمة حمل المصحف مثلاً للحائض ، فقد يشكل في مثل ذلك بأنّ البراءة الشرعية إنّما تجري في حقّ الشاكّ الذي يكون متعلّق شكّه تكليفاً راجعاً إليه نفسه دون غيره ، فالبراءة في المثال الأوّل وإن جرت في حقّ المجتهد باعتبار تكليف نفسه ، إلاّ أنّ ذلك لا دخل له بالمقلّد ، لأنّ ذلك التكليف وإن كان تكليفاً للمقلّد أيضاً ، إلاّ أنّه لا عبرة بشكّه ، فلا يصدق عليه أنّه شاكّ في ذلك التكليف الواقعي كي تجري في حقّه البراءة المذكورة.

أمّا المثال الثاني ، فبناءً على الإشكال المذكور لا يكون فيه إجراء البراءة ممكناً لا بالنسبة إلى المجتهد لأنّه وإن كان شاكّاً إلاّ أنّ متعلّق ذلك الشكّ ليس تكليفاً له ، ولا بالنسبة إلى المقلّد لأنّ متعلّق الشكّ وإن كان تكليفاً راجعاً إليه إلاّ أنّه

ص: 175

لعدم العبرة بشكّه لا يكون داخلاً في عموم الشكّ وعدم العلم الذي هو موضوع البراءة الشرعية.

وهذا الإشكال إنّما نشأ من هذه الكلمة وهي أنّه لا عبرة بشكّ العامي الظاهرة في إلغاء شكّه ، وأنّه لا حكم لذلك الشكّ وعدم العلم مع أنّه متحقّق وجداناً ، وأقصى ما في البين أنّ كون عدم علمه وشكّه موضوعاً للبراءة الشرعية متوقّف على الفحص ، ولا ريب أنّ الفحص إنّما هو الفحص عن الحجّة في قبال البراءة المذكورة ، وتلك الحجّة التي يفحص عنها العامي ليست هي الحجّة الأوّلية على الحكم الواقعي ، أعني الرواية أو الاستصحاب الجاريين في الحكم المذكور ، لأنّ الحصول على ذلك النحو من الحجّة بل الفحص عنها لا يكون مقدوراً له ، فلا يكون فحصه حينئذ إلاّفحصاً عمّا يمكن أن يكون حجّة عليه ، وذلك منحصر بفتوى من كان هو مقلّداً له ، وبعد فرض أنّ ذلك المجتهد الذي يقلّده لا يمكنه الإخبار عن الحكم الواقعي لأنّه لم تقم لديه حجّة عليه ، يكون شكّ ذلك العامي وعدم علمه بالحكم الواقعي موضوعاً للبراءة الشرعية ، وعلى هذه الأُسس يفتيه بالجواز تسامحاً ، لأنّ ذلك ليس على نحو الحكاية عن أنّ الحكم الواقعي هو الجواز والاباحة ، بل روحه هو جواز الإقدام باعتبار كونه شاكّاً وأنّه جواز عذري منشؤه قوله صلى اللّه عليه وآله : « رفع عن أُمّتي ما لا يعلمون » (1). وهكذا الحال في الفتوى بطهارة الحديد استناداً إلى قاعدة الطهارة في الشبهة الحكمية.

وأمّا الكلام في المقام الرابع - وهو موارد الأُصول العقلية مثل مسائل الدوران بين المحذورين الوجوب والحرمة ، فهل يحكم العقل بالتخيير أو يحكم بلزوم دفع المفسدة لكونه أولى من جلب المصلحة ، ومثل ما لو انتهت النوبة إلى

ص: 176


1- وسائل الشيعة 15 : 369 / أبواب جهاد النفس ب 56 ح 1.

البراءة العقلية ، كما لو عجز الفقيه عن رفع التعارض بين أخبار الاحتياط والبراءة في الشبهات البدوية ، ورجعت النوبة إلى قاعدة قبح العقاب بلا بيان أو قاعدة لزوم دفع الضرر المحتمل. ومن هذا القبيل ما لو انتهى الأمر إلى العلم الاجمالي ، سواء كان في الشبهة الحكمية كما في الظهر والجمعة ، أو كان في الشبهة الموضوعية ، فهل يحكم العقل بلزوم الاحتياط كما عليه الجل ، أو لا يحكم بذلك كما عليه المحقّق القمي قدس سره (1) - فحاصل الإشكال فيه أنّ الحكم العقلي لا يجري فيه التقليد لاشتراك العامي والمجتهد فيه.

ويمكن الجواب عنه بما حاصله : أنّ ذلك العامي بعد فرض الوصول إلى تلك الدرجة لو كان ممّن يمكن أن يميّز بين قاعدة دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة وقاعدة التخيير العقلي ، بحيث إنّه يحصل له العلم بفساد قاعدة دفع المفسدة أو العلم بصحّتها وتقديمها على قاعدة التخيير العقلي ، لم يصحّ له أن يقلّد في هذه الجهة ، وإن قلّد في تنقيح أنّ ما هو محلّ ابتلائه من صغريات هاتين القاعدتين ، ففي هذه الصورة ليس على المجتهد إلاّ أن يخبره بأنّ هذه المسألة التي هي محلّ ابتلائه هي من صغريات القاعدتين المزبورتين ، ويذره وما يحكم به عقله في تحكيم أيّ منهما.

وهكذا الحال فيما انتهت النوبة إلى قاعدة قبح العقاب من دون بيان ، أو قاعدة دفع الضرر المحتمل ، فإنّ على المجتهد أن يخبره بأنّ محلّ ابتلائه من ذلك القبيل ، ويذره وما يحكم به عقله من تحكيم إحدى القاعدتين.

لكن أنّى للمقلّد أن يعرف معنى دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة ، أو معنى دفع الضرر المحتمل وكونه محكوماً لقاعدة قبح العقاب من دون بيان ،

ص: 177


1- قوانين الأُصول 2 : 37.

وحينئذ فعليه أن يقلّد أيضاً في هذا الحكم العقلي بعد فرض كونه عاجزاً عن حقيقته وتحكيم إحدى قاعدتيه على الأُخرى.

ثمّ إنّك بعد اطّلاعك على هذه التفاصيل التي ذكرناها تعرف أنّه لا حاجة في توجيه إجراء المجتهد الأُصول الشرعية في الشبهات الحكمية إلى ما أفاده شيخنا قدس سره فيما حرّر عنه في أوائل الاستصحاب من قوله : ولا عبرة بيقين المقلِّد وشكّه في ذلك ، بل العبرة بيقين المجتهد وشكّه ، وهو الذي يجري الاستصحاب ويكون بوحدته بمنزلة كلّ المكلّفين الخ (1) ، لما عرفت من أنّه - أعني المجتهد - يصحّ له الإخبار على طبق مؤدّى الاستصحاب وذلك هو محصّل الفتوى ، من دون حاجة إلى دعوى كونه بمنزلة كلّ المكلّفين.

كما أنّه لا حاجة إلى دعوى كونه نائباً عنهم كما نقله قدس سره عن الشيخ (2) في التخيير بين الخبرين المتعارضين بعد تكافئهما.

كما لا حاجة إلى دعوى كون المجتهد يخبره بالحدوث وهو يكمل ذلك بالاستصحاب.

كما أنّه لا حاجة إلى ما تكلّفه صاحب الكفاية في مبحث الاجتهاد والتقليد من توجيه رجوع المقلّد إلى المجتهد في موارد الأمارات في الشبهات الحكمية بأنّه وإن كان ذلك المجتهد جاهلاً بالحكم الواقعي إلاّ أنّه عالم بموارد قيام الحجّة الشرعية على الأحكام ، فيكون من رجوع الجاهل إلى العالم الخ (3).

فإنّك قد عرفت أنّ رجوعه إليه في موارد الأمارات بل والأُصول التنزيلية

ص: 178


1- فوائد الأُصول 4 : 310.
2- لاحظ فرائد الأُصول 4 : 41.
3- كفاية الأُصول : 465.

إنّما هو رجوع إليه باعتبار إخباره عن الحكم الواقعي الذي أحرزه بذلك ، فإنّه يكون عالماً بالحكم الواقعي تنزيلاً بواسطة قيام الحجّة الشرعية عليه عنده ، لا من باب أنّه عالم بموارد الطرق ، إذ همّ العامي إنّما هو السؤال عن الحكم الواقعي لا السؤال عمّا قامت عليه الطرق.

كما أنّ ما نقّحه المرحوم الأصفهاني في حاشيته (1) على هذا المقام من الكفاية من الاكتفاء بكونه عارفاً بالحكم أو عالماً به بقيام الحجّة عنده على الحكم لكونها محقّقة لتنجيز الواقع وموجبة لسدّ العذر في مخالفته ، غير نافع.

أمّا أوّلاً : فلأنّ مجرّد قيام الحجّة الموجبة لعدم المعذورية وللتنجّز لا توجب كونه عالماً بالحكم.

وثانياً : أنّ مجرّد كون الشخص عالماً لا ينفع في حقّ المقلّد ، لأنّ كون الشخص عالماً غير نافع في حقّ شخص آخر إلاّبنحو العناية ، كما صرّح به في حاشيته الثانية (2).

فالعمدة هو ما عرفت من أنّ قيام الحجّة أو تحقّق العلم التعبّدي في حقّ المجتهد يجوّز له الإخبار بما قامت عليه الحجّة عنده ، وهذا الإخبار هو الحجّة على المقلّد ، لا لأجل مجرّد كونه خبراً كي يرد عليه أنّ حجّية الإخبار منحصرة في الحسّيات ، بل لأجل قيام الدليل بالخصوص على حجّية إخباره ، لأنّه من أهل الخبرة ، أو لأجل خصوص إخبار المجتهد لمن يقلّده.

والعمدة هو أنّ المجتهد بعد أن قامت عنده الأمارة أو الأصل الاحرازي على الحكم يجوز له أن يخبر به ليكون إخباره به حجّة على العامي ، وإلاّ فلو قلنا

ص: 179


1- نهاية الدراية 5 - 6 : 366.
2- نهاية الدراية 5 - 6 : 367.

إنّ قيام الأمارة - كخبر الواحد - على تحقّق شيء لا يسوّغ لمن قامت عنده الأمارة الإخبار بذلك الشيء انسدّت باب الفتوى ، إذ ليس هي إلاّ الإخبار بالحكم الواقعي ، لكن قد تحقّق في محلّه أنّ ذلك مسوّغ للإخبار.

ولأجل ذلك صحّ لمن رويت له رواية عن الإمام عليه السلام وكانت تلك الرواية حجّة كاملة أن يروي المتن عن الإمام عليه السلام ويقول قال الإمام عليه السلام كذا وكذا ، وهي الرواية المرسلة. ولسنا بصدد إثبات حجّية الرواية المرسلة ، بل بصدد إثبات جواز نقل المتن عن الإمام بلفظ قال الإمام عليه السلام مع أنّه لم يسمعه ، وإنّما روي له ذلك عنه عليه السلام.

والظاهر أنّ الأُصول الاحرازية لها هذه المنزلة من تجويز الإخبار بمؤدّاها ، بل صرّحوا وصرّحت الروايات بجواز الشهادة بمقتضاها كما حقّق ذلك في القضاء.

ثمّ إنّه قدس سره (1) لم يتعرّض لموارد الأُصول الشرعية ، بل انتقل من الكلام على الطرق والأمارات إلى الأُصول العقلية ، وأفاد أنّ المقلّد إنّما يرجع إلى المجتهد في فقد الأمارة ، فكأنّه يقلّده في ذلك لا في الحكم الشرعي أو العقلي.

وقد عرفت أنّ رجوع المقلّد إليه في جميع موارد الشبهات الحكمية إنّما هو من باب الفحص عن الحجّة على التكليف ، وهي فتوى ذلك المجتهد ، فإذا فرضنا أنّ ذلك المجتهد لم تقم عنده الحجّة على إحراز التكليف ، كان ذلك العامي ممّن لم تقم عنده الحجّة على ذلك التكليف ، بمعنى أنّه لم يعثر على فتوى مقلّده بإثبات التكليف ، فيكون شكّه حينئذ مصداقاً لما هو موضوع الأُصول الشرعية على التفصيل الذي حرّرناه من دون حاجة إلى الالتزام بأنّ المقلّد يكون

ص: 180


1- كفاية الأُصول : 466.

مقلّداً للمجتهد في عدم قيام الأمارة على التكليف. على أنّه لا مانع من الالتزام بذلك بأن يقلّده في إخباره بأنّه لم تقم عنده حجّة شرعية على التكليف.

وما أفاده بعض سادة مشايخنا قدس سرهم فيما حرّرته من أنّه لا دليل على صحّة تقليده في ذلك ، يمكن منعه استناداً إلى إطلاقات التقليد أو مطلق رجوع الجاهل إلى العالم ، إذ يصدق على ذلك المجتهد أنّه عالم بأنّ ذلك التكليف لم تقم عليه حجّة شرعية فتأمّل ، ويمكن أن يقال : إنّ هذا - أعني تقليد العامي للمجتهد في عدم قيام الحجّة والدليل على الحكم - هو المتعيّن.

أمّا ما ذكرناه من كون فحص العامي منحصراً بالفحص عن فتوى المجتهد فيمكن الخدشة فيه بأنّ الفحص اللازم في قبال البراءة في الشبهات الحكمية إنّما هو الفحص عن الأدلّة الأوّلية ، لا الفحص عن فتوى المجتهد ، ومجرّد أنّ العامي لا يمكنه الفحص عن الأدلّة الأوّلية لا يسوّغ له الرجوع إلى البراءة.

فالمتعيّن في حقّه هو تقليد المجتهد في أنّ هذه الشبهة لم يقم فيها دليل اجتهادي ، وحينئذ يدخل في موضوع من لم يقم عنده دليل اجتهادي ، فيقلّده أيضاً في حكم هذا الموضوع وهو البراءة الشرعية في قبال احتمال وجوب الاحتياط ، هذا.

ولكن لا يخفى أنّ أقصى ما عند المجتهد بعد فحصه هو أنّه لم يجد دليلاً على التكليف ، فأقصى ما يكون هو أن يخبر العامي بأنّه لم يجد دليلاً ، وهذا غير نافع للعامي في تنقيح إجراء البراءة المتوقّف على الفحص وعدم العثور ، فإنّ عدم وجدان المجتهد لا يكون فحصاً وعدم عثور للعامي ، وإن شئت فقل : إنّ عدم وجدان المجتهد لا يكون عدم وجدان للعامي ، فالمتعيّن هو ما ذكرناه.

وأمّا الإشكال عليه ، بأنّ الفحص اللازم هو الفحص عن الأدلّة الأوّلية ، وأنّ

ص: 181

تعذّر ذلك عليه لا يسوّغ له الرجوع إلى البراءة بل يلزمه الاحتياط ، نظير ما لو تعذّر على المجتهد الفحص في كتاب الوسائل مثلاً ولم يكن الوسائل حاضرة لديه عند ابتلائه بالمسألة ، فإنّه يلزمه الاحتياط ، ففيه أنّ ذلك فيما لو انحصرت الحجّة فيما تعذّر ، وأمّا بعد البناء على أنّ حجّة العامي هي فتوى مقلّده وأنّه لا ينتفع بالفحص عن الحجج الأوّلية ، فالواجب عليه مقدّمة لإجراء البراءة هو الفحص عمّا هو حجّة عليه فعلاً وهو فتوى مقلّده ، دون ما لا يمكنه تحصيل شيء منه ، فلاحظ وتدبّر.

وأمّا ما أفاده قدس سره بقوله : وأمّا تعيين ما هو حكم العقل ، وأنّه مع عدمها هو البراءة أو الاحتياط ، فهو إنّما يرجع إليه الخ (1) ، فقد عرفت تفصيل الحال فيه فيما شرحناه في المقام الرابع (2) ، فراجع وتأمّل.

ولا يخفى أنّ ما قرّرناه من رجوع العامي إلى المجتهد إنّما هو خصوص القائل بالانفتاح ، أو القائل بالانسداد لكن على نحو الكشف أو على نحو الحكومة بمعنى حكومة العقل بحجّية الظنّ في حال الانسداد كحكمه بحجّية القطع في حال الانفتاح ، فإنّ المجتهد في هذه الصور يمكنه الإخبار بالحكم الواقعي حسبما حصل له من الظنّ. نعم بناءً على الحكومة بمعنى تبعيض الاحتياط يشكل الأمر في صحّة الإخبار له حسب ظنّه ، إذ لم يقم عنده دليل على حجّية ذلك الظنّ ، فتأمّل (3)

ص: 182


1- كفاية الأُصول : 466.
2- في الصفحة : 176.
3- [ وجدنا هنا أوراقاً منفصلة ألحقها المصنّف قدس سره بالأصل ، وقد ارتأينا إدراجها في الهامش وهي كما يلي : ] الارجاع في موارد الاحتياط إلى الغير إن كان المجوّز له هو أنّ المفتي في تلك المسألة يفتي واقعاً بعدم التكليف لكنّه لا يعلنه تورّعاً فلا إشكال ، وإن كان لا يفتي به واقعاً لكنّه متوقّف فكان الاحتياط عنده لازماً عليه ، لكن هذه المسألة حينئذ لا يكون للغير تقليده فيها ، بل يكون لزوم الاحتياط مختصّاً بذلك المجتهد ، وحينئذ يتعيّن على العامي أن يرجع فيها إلى الغير ، ولا يكون قوله فيها ارجع إلى فلان إلاّمن باب الشهادة بأنّه الأفضل. وفيه تأمّل ، فإنّه إن كان من باب عدم الفتوى كان من موارد البراءة لو كان المورد ممّا يمكن أن يرجع إلى البراءة ، أو كان من موارد الاحتياط لو كان ممّا لا تجري فيه البراءة كما لو كان من موارد العلم الاجمالي بين تكليفين أو كان من موارد التردّد بين حقّين من حقوق الناس ونحو ذلك. وبالجملة : لا محصّل للأمر بالرجوع إلى الغير في الموارد التي لم تحصل للفقيه الفتوى بأحد الوجهين مع كونها مورداً للاحتياط ، بل لعلّ الارجاع إلى الغير من قبيل الارجاع إلى غير العالم ، فتأمّل. وحاصل التأمّل : أنّ الفقيه إن كانت له فتوى على نفي التكليف لا وجه لإرجاعه العامي إلى الغير إلاّمن باب التورّع عن الفتوى ، ولكنّه ربما وقع بما هو خلاف التورّع ، كما لو كان محتمل الوجوب من العبادات ، فإنّ إرجاعه إلى الغير ربما أوقع العامي بالاتيان به بداعي الوجوب مع أنّ الاحتياط يقتضي الاتيان به بداعي الاحتمال. اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّه إن تأتّت منه نيّة القربة بداعي الوجوب ، فإن صادف الواقع فهو وإلاّ كان لغواً لا أثر له ، فلا يضرّ العامي الاتيان به بداعي الوجوب الجزمي. وإن لم يكن له فتوى على نفي التكليف ، وكانت المسألة من الدوران بين التكليف وعدمه ، كانت من موارد البراءة ، ورجعت إلى الشقّ الأوّل أعني ما يكون الفتوى فيه عدم التكليف. وإن لم تكن المسألة من الدوران بين التكليف وعدمه بل كانت من الدوران بين المحذورين ، كانت حينئذ مورداً للفتوى بأنّ التكليف على طبق أحدهما ، وإذا أفتاه بذلك تحقّقت في حقّ العامي صغرى دوران الأمر بين المحذورين ، وحينئذ يفتيه بالتخيير. وإن كانت من الدوران في الوجوب بين الفعلين وأمكن الاحتياط ، تحقّقت في حقّ العامي صغرى العلم الاجمالي ، وحينئذ يفتيه بما يلزم في نظر ذلك المجتهد من الاحتياط ، وإن لم يمكن الاحتياط خيّره بينهما. وفي جميع هذه الصور لا يكون إرجاعه إلى الغير إلاّمن قبيل الارجاع من العالم إلى الجاهل ، لأنّ هذا المجتهد قد اطّلع على دليل المجتهد الآخر وجزم بعدم تماميته ، فكيف يصحّ الارجاع إليه ، خصوصاً فيما لو كانت النتيجة في نظر المجتهد الأوّل هي الاحتياط ، كما في مثل موارد الظهر والجمعة ، وكما في الحبوة ونحو ذلك ، لكن لا ضير في ذلك على المجتهد ، لأنّه لا فتوى له في تلك المسألة ، فيتعيّن على العامي أن يحتاط فيها أو يرجع فيها إلى غيره ، فتأمّل [ منه قدس سره ].

ص: 183

قال في الكفاية : بخلاف ما إذا انسدّ عليه بابهما ، فجواز تقليد الغير عنه في غاية الإشكال ، فإنّ رجوعه إليه ليس من رجوع الجاهل إلى العالم بل إلى الجاهل - إلى أن قال - وقضية مقدّمات الانسداد ليست إلاّحجّية الظنّ عليه لا على غيره - إلى أن قال - هذا على تقدير الحكومة ... الخ (1).

يمكن أن تقرّر الحكومة بمعنى حكومة العقل بحجّية الظنّ في حال الانسداد ، كحكومته بحجّية القطع في حال الانفتاح.

ويمكن أن تقرّر بمعنى حجّية الاحتمال في حال العلم الاجمالي مع تبعيض الاحتياط والالتزام به في المظنونات دون الموهومات والمشكوكات.

ص: 184


1- كفاية الأُصول : 464 - 465.

وعلى الأوّل يصحّ ما أفاده بقوله : وقضية مقدّمات الانسداد ليست إلاّحجّية الظنّ عليه ، دون الوجه الثاني إذ بناءً عليه لا يكون الظنّ حجّة أصلاً ، وإنّما الحجّة هو الاحتمال ، لكن لو قلنا بالأوّل فالظاهر أنّه لا مانع من تقليد غيره له ، لأنّه يمكنه الإخبار بمقتضى ظنّه الذي هو حجّة عقلية عليه ، فإنّ حجّيته وإن كانت مختصّة به كالظنّ على الكشف بل كخبر الواحد على الانفتاح ، إلاّ أنّه - أعني الظنّ - سواء كان حجّة عقلية ، أو كان حجّة شرعية من باب الكشف ، أو كان حجّة من باب الظنّ الخاصّ على الانفتاح كما ينجّز الواقع عليه ، فكذلك يجوز له الإخبار بالواقع الذي تعلّق به ظنّه ، بل على الانفتاح يجوز له الإخبار حتّى لو لم يكن مظنوناً له ظنّاً شخصياً.

نعم ، بناءً على الثاني وإن كان الاحتمال حجّة عقلية من باب العلم الاجمالي ، إلاّ أنّه كالاحتمال في الشبهات الحكمية قبل الفحص ، وكما لو قلنا بالاحتياط في موارد التردّد بين الأقل والأكثر الارتباطيين ، فإنّ ذلك كلّه لا يوجب إلاّ انقطاع العذر ومنجّزية الواقع واستحقاق العقاب على مخالفته لو كان ، من دون تسويغ الإخبار ، فينسدّ فيه حينئذ باب الافتاء ، بل هو كذلك حتّى في موارد الاحتياط الشرعي كما لو قلنا به في الشبهات البدوية.

ومن ذلك كلّه يتّضح لك الإشكال فيما أفاده المحقّق الأصفهاني قدس سره في حاشيته على الكفاية في هذا المقام ، وذلك قوله تعليقاً على قول المصنّف : وأدلّة جواز التقليد إنّما دلّت على جواز الخ : يمكن أن يقال يصدق العلم والمعرفة على مجرّد قيام الحجّة شرعاً أو عرفاً أو عقلاً على أحكامهم عليهم السلام كما يشهد له إطلاق المعرفة على مجرّد الاستفادة من الظواهر في قوله عليه السلام : « يعرف هذا وأشباهه من

ص: 185

كتاب اللّه » (1) وقوله عليه السلام : « أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا » (2) إذ ليس هناك بحسب المتعارف إلاّ الاستفادة من ظاهر الكتاب وظاهر كلامهم عليهم السلام ، مع وضوح أنّ حجّية الظاهر ببناء العرف ليس بمعنى جعل الحكم المماثل حتّى يتحقّق هناك العلم الحقيقي بالحكم الفعلي ، بل بمعنى صحّة المؤاخذة على مخالفته وتنجّز الواقع به الخ (3).

فإنّك قد عرفت أنّ الحجّية بمعنى مجرّد صحّة المؤاخذة وتنجّز الواقع لا تحقّق العلم بالحكم الواقعي ، كما في الظنّ على الحكومة بمعنى تبعيض الاحتياط ، وكما في موارد الاحتياط العقلي في أطراف العلم الاجمالي وفي موارد الشبهات قبل الفحص ، وكما لو قلنا به عقلاً في مسألة الأقل والأكثر الارتباطيين أو شرعاً في الشبهات البدوية ، فإنّ ذلك كلّه ينجّز الواقع ويصحّح العقوبة على مخالفته ، إلاّ أنّه لا يوجب العلم به ، فلا يكون الرجوع إلى من تحقّقت في حقّه هذه المنجّزات من قبيل الرجوع إلى العالم ، بل هو لا يخرج بتحقّقها في حقّه عن كونه جاهلاً بالحكم.

نعم ، إنّ من قامت عنده الأمارات الشرعية والأُصول الاحرازية ، بل من حصل له الظنّ بناءً على الكشف ، يكون كلّ واحد من هؤلاء عالماً بالحكم الشرعي الواقعي بناءً على جعل العلم أو الاحراز أو الطريقية أو جعل الحجّية ، بل قد عرفت أنّ من حصل له الظنّ بالحكم الشرعي بناءً على الوجه الأوّل من وجهي الحكومة العقلية يمكن دعوى تحقّق كونه عالماً به في نظر العقل.

ص: 186


1- وسائل الشيعة 1 : 464 / أبواب الوضوء ب 39 ح 5.
2- وسائل الشيعة 27 : 117 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 27.
3- نهاية الدراية 5 - 6 : 366.

ولكن ذلك وحده - أعني مجرّد صدق كونه عالماً - لا يكفي في إصدار الفتوى منه التي هي عبارة عن الإخبار بالحكم الواقعي إلاّبعد إثبات ما أشرنا إليه من أنّ تحقّق هذه الأُمور في حقّه كما يوجب تنجّز الواقع عليه فكذلك يجوّز له الإخبار به ، وإلاّ فمجرّد تنجّز الواقع عليه لكونه عالماً به وجداناً أو تنزيلاً لا يوجب تنجّزه على مقلّديه ، لأنّ منجّزية علمه الوجداني أو التنزيلي لا تسري منه إلى مقلّديه إلاّبواسطة إخباره لهم بذلك الحكم الواقعي الذي سوّغه له علمه بالحكم وجداناً أو تنزيلاً ، ليكون إخباره لهم حجّة عليهم ، لكون إخباره لهم محقّقاً للعلم التنزيلي في حقّهم.

ومنه تعرف أنّ حجّية هذه الأُمور على من قامت عنده لا تنحصر بجعل المماثل أو بجعل المنجّزية ، بل ليست هي إلاّما عرفت من جعل الحجّية أو جعل الاحراز والطريقية ونحو ذلك ممّا يرجع إلى تحقّق العلم بالحكم الواقعي في حقّ من قامت عنده علماً تعبّدياً تنزيلياً ، وأثر ذلك هو تنجيز الواقع عليه وجواز إخباره به ، ويمكننا ادّعاء كون ترتّب الأوّل عقلياً ، وكون ترتّب الثاني شرعياً وينفرد الأثر الثاني عن الأوّل فيما لا يكون من الأحكام متعلّقاً به بل كان متعلّقاً بمقلّديه ، ولا يتوقّف على النيابة والاستنابة.

ومنه يظهر لك الإشكال فيما أفاده قدس سره في حاشيته الثانية (1) فلاحظها وتأمّل.

والخلاصة : هي أنّ ما أفاده في هذه الحواشي مبني على أن جعل الحجّية هو عبارة عن جعل المنجّزية والمعذّرية ، وحينئذ يتوجّه النقض بالاحتمال في أطراف العلم الاجمالي وبالاحتمال في الشبهة الحكمية قبل الفحص ، فإنّ ذلك

ص: 187


1- نهاية الدراية 5 - 6 : 367.

كلّه منجّز للواقع ومصحّح للعذر ، ومن الواضح أنّ قيام ذلك الاحتمال لا يجعله عالماً بالحكم أو عارفاً به ، ولا معنى لتقليده في ذلك لكون العامي مساوياً للمجتهد الذي انسدّ عليه باب العلم والعلمي ، إذ لا يكون لدى ذلك المجتهد إلاّ الاحتمال المقرون بذلك العلم الاجمالي الذي يكون أطرافه جميع الموارد التي يحتمل فيها التكليف ، وهذا بعينه حاصل لذلك العامي ، فما وجه تقليده له وبأي شيء يقلّده.

وكلّ هذه الإشكالات ناشئة عمّا عرفت من كون جعل الحجّية عبارة عن جعل المنجّزية ، وقد حقّق في محلّه أنّ ذلك - أعني جعل مجرّد المنجّزية - غير معقول ، بل إنّ المعقول هو جعل ما هو الموضوع لذلك الحكم العقلي ، وذلك هو جعل الطريقية أو جعل الاحراز أو تتميم الكشف أو جعل نفس الحجّية التي هي من مقولة الأحكام الوضعية نظير الزوجية والحرّية والملكية.

قال في الكفاية : هذا على تقدير الحكومة ، وأمّا على تقدير الكشف وصحّته فجواز الرجوع إليه في غاية الإشكال ، لعدم مساعدة أدلّة التقليد على جواز الرجوع إلى من اختصّ حجّية ظنّه به الخ (1).

لعلّه قدس سره يريد أن يفرّق بين حجّية خبر الواحد على تقدير الانفتاح وحجّية الظنّ على تقدير الانسداد ، بأنّ حجّية خبر الواحد عامّة لجميع المكلّفين ، غايته أنّ العامي لا ينتفع بها لأنّها لم تصل إليه أو لأنّه لم يصل إليها ، والمجتهد بالنيابة عنه يوصلها إليه أو يوصله إليها ، فصحّ لنا أن نقول إنّ قيام الخبر عند المجتهد يكون حجّة على جميع المكلّفين ، وهذا بخلاف الانسداد على الكشف ، فإنّ

ص: 188


1- كفاية الأُصول : 465.

المستكشَف ولو كان هو حجّية الظنّ شرعاً على عامّة المكلّفين ، إلاّ أنّه من قبيل مقابلة الجمع بالجمع القاضي بالتوزيع ، ليكون الحاصل هو أنّ ظنّ كلّ شخص حجّة على نفسه لا أنّه حجّة على غيره ، وحينئذ فلا يكون ظنّ المجتهد حجّة على العامي.

ومن ذلك تعرف أنّه لا يتوجّه عليه ما في حاشية العلاّمة الاصفهاني قدس سره ، قال في آخر الحاشية على قول المصنّف قدس سره : ولو سلّم أنّ قضيّتها كون الظنّ المطلق الخ ما هذا لفظه : ومع تمامية المقدّمات بالاضافة إلى مثل هذا الظنّ لا موجب لعدم حجّيته والاقتصار على الظنّ المتعلّق بحكم نفسه بملاحظة قيام الظنّ به ، فإنّ قيامه به لا يقتضي عدم كونه حجّة على حكم اللّه تعالى في حقّ الغير الخ (1) ، وحاصل ذلك هو أنّه إذا ثبت كون ظنّه حجّة على حكم اللّه تعالى يكون حجّة بالنسبة إلى عامّة المكلّفين.

وفيه ما لا يخفى ، فإنّ كون ظنّ المجتهد حجّة على حكم اللّه تعالى إنّما يكون على نفس الظانّ الذي هو المجتهد ، دون من لم يحصل له هذا الظنّ ، ولا محصّل للنيابة في نفس الظنّ ، نعم طريقة شيخنا قدس سره وهي كون يقين المجتهد وشكّه يقيناً لعامّة المكلّفين توجب التوسعة إلى العامي ، لأنّ ظنّ المجتهد ظنّ من جميع المكلّفين.

لكنّك قد عرفت التأمّل في ذلك كلّه ، وأنّ المتعيّن هو القول بأنّ حجّية الظنّ تخوّل الظانّ العمل على طبقه وتصحّح له إخبار الغير بمؤدّاه ، وذلك الإخبار يكون حجّة على ذلك الغير بمقتضى دليل حجّية الفتوى.

ص: 189


1- نهاية الدراية 5 - 6 : 370.

قال في الكفاية : إن قلت : رجوعه إليه في موارد فقد الأمارة المعتبرة عنده التي يكون المرجع فيها الأُصول العقلية ليس إلاّ الرجوع إلى الجاهل الخ (1).

لا يخفى أنّ موارد فقد الأمارة المعتبرة لا يتعيّن كون المرجع فيها هو الأُصول العقلية ، بل لا يرجع إلى الأُصول العقلية إلاّبعد فقد الأُصول الشرعية ، لكنّه كأنّه يعني من الأمارة مطلق ما يقوم عند المجتهد ، سواء كان ما يقوم عليه هو الحكم الشرعي أو كان ما يقوم عليه مجرّد الوظيفة العملية عند الشكّ.

لكنّك قد عرفت أنّ قيام الدليل الشرعي على الترخيص مثلاً في مقام الشكّ عند المجتهد لا ينفع العامي المقلّد ، وقد تقدّم الكلام في ذلك الذي سمّيناه العمل الثالث من أعمال المجتهد (2) ، فلاحظه وتأمّل.

ثمّ إنّه في الكفاية أجاب عن الإشكال المزبور ب :

قوله : قلت : رجوعه إليه فيها إنّما هو لأجل اطّلاعه على عدم الأمارة الشرعية فيها ، وهو عاجز عن الاطّلاع على ذلك ، وأمّا تعيين ما هو حكم العقل وأنّه مع عدمها هو البراءة أو الاحتياط ، فهو إنّما يرجع إليه ، فالمتّبع ما استقلّ به عقله ولو على خلاف ما ذهب إليه مجتهده ، فافهم (3).

تقدّم الإشكال في تقليده باخباره بعدم الأمارة الشرعية فيها ، وفي إيكال العامي هو وعقله في ذلك ، فراجع (4)

ص: 190


1- كفاية الأُصول : 466.
2- لعلّه قدس سره يشير إلى ما تقدّم منه في الصفحة : 173 وما بعدها.
3- كفاية الأُصول : 466.
4- الصفحة : 181.

ولكن هنا أمر ينبغي الالتفات إليه ، وهو أنّ الكثير من الأحكام الشرعية مأخوذ من ملازمات عقلية ، مثل أنّ وجوب ذي المقدّمة يلزمه وجوب المقدّمة. ومثل أنّه لو اجتمع الوجوب والاستحباب على الوضوء يندكّ أحدهما بالآخر وينعدم الحدّ الاستحبابي ، وهل يجوز له بعد دخول الوقت الوضوء بداعي الأمر الاستحبابي. ومثل صحّة العبادة المأمور بضدّها كالصلاة في مورد وجوب إزالة النجاسة ، وهل إنّ الأمر بالازالة علّة للنهي عن الصلاة أو أنّه علّة لانعدام الأمر بها ، وأنّه هل يكفي في صحّتها الملاك أو أنّه هل يمكن الأمر بها مرتّباً على عصيان الأمر بالازالة.

ومثل ذلك باب التزاحم ذلك الباب ذو الطول والعرض وموجبات التقديم فيه ، ومنها ما لو لم يقدر في صلاته إلاّعلى قيام واحد ، فهل يجعله الأوّل أو الآخر ، وبعبارة أُخرى هل التقدّم الزماني يوجب التقديم ، ومن موارد التقديم ما لو كان أحدهما مشروطاً بالقدرة الشرعية وكان الآخر مشروطاً بالقدرة العقلية إلى غير ذلك ممّا يرجع إلى باب التزاحم.

ومن ذلك باب اجتماع الأمر والنهي ، وهل تصحّ الصلاة في الدار المغصوبة ، وهل الفساد مختصّ بصورة العلم والعمد ، أو أنّه يشمل صورة الجهل بالحكم أو الموضوع أو النسيان. وهل تصحّ صلاة المضطرّ إلى الغصب كالمحبوس أو أنّه يصلّي إيماءً ، وماذا تكون صلاة الخارج من الدار المغصوبة إذا كان دخوله بسوء اختياره.

وهكذا باقي مباحث الاجتماع والفروع المترتّبة على ذلك وعلى النهي عن العبادة وعلى النهي عن المعاملة ، وهل يكون ذلك موجباً للفساد.

ص: 191

وهلمّ جرّا في المعاملات ، مثل أنّ المعاملة المخالفة للشرط أو النذر تكون فاسدة ، ومثل أنّ الحقّ المتعلّق بالعين كالخيار والرهن يوجب فساد التصرّفات الناقلة ممّن عليه ذلك الحقّ ، ومثل أنّ فساد الشرط يوجب فساد المعاملة التي أُخذ فيها ذلك الشرط ، وهل يكون فساده موجباً لخيار من له الشرط لو لم نقل بكونه موجباً لفساد المعاملة ، وهل يكون تخلّف الشرط الصحيح موجباً للخيار أو أنّه لا يوجب إلاّ الاجبار ، وهل الخيار في طول الاجبار ، إلى غير ذلك من أمثال هذه المباحث التي لا مدرك فيها إلاّتلك البراهين العقلية التي يقيمها الفقيه في إثبات تلك الأحكام.

فهل يمكن أن يقال : إنّ الفقيه يوكل هذه الأحكام إلى العامي ويذره وما يحكم به عقله كما تضمّنته الكفاية ، أو أنّ بين ما تعرّضت له الكفاية وبين هذه المباحث فرقاً واضحاً ، فإنّ ما تعرّضت له الكفاية ليس إلاّحكماً عقلياً صرفاً ، وهذه المباحث يكون الحكم العقلي مدركاً للحكم الشرعي ، ويكون ذلك الاستدلال موجباً لقطع المستدلّ بالحكم ، وحينئذ يسوغ له الإخبار بذلك الحكم ، وهو معنى الافتاء؟ فلاحظ وتدبّر.

وعلى أيّ حال ، فإنّ هذه المدارك العقلية توجب القطع بالحكم الشرعي المأخوذ عنها ، فما ذكرناه من أنّ باب القطع بالحكم الشرعي منسدّ إنّما يتمّ فيما لو كان الدليل عليه هو الأدلّة السمعية كالكتاب والسنّة ، لا فيما يكون دليله الأحكام العقلية ، كما أنّ ما أنكرناه من الدليل الرابع - أعني دليل العقل - إنّما هو ما فسّروه به من قاعدة التحسين والتقبيح وقاعدة الملازمة ، دون هذه البراهين العقلية التي كانت هي المرجع في الأحكام الشرعية المذكورة ، فلاحظ وتدبّر.

ص: 192

ولقائل أن يقول : إنّ أغلب هذه البراهين العقلية أو كلّها راجع إلى الاستدلال والانتقال من أحد المتلازمين إلى الآخر ، وهو منحصر بالانتقال من العلّة إلى المعلول ، والانتقال من المعلول إلى العلّة ، والانتقال من أحد المعلولين إلى الآخر ولابدّ أن يكون المنتقل منه ثابتاً في الشريعة إمّا من الكتاب وإمّا من السنّة ، فيرجع الأمر بالأخرة إلى الاستدلال بأحدهما ، وقد عرفت أنّ كلاً منهما لا يفيد القطع ، فكذلك ما يترتّب عليه. نعم فيما لو كان أحد المتلازمين ضرورياً من ضروريات الدين أو المذهب كان موجباً [ للقطع ].

وأمّا الاستدلال بمحالية اجتماع الضدّين كالوجوب والاستحباب أو بمحالية اجتماع النقيضين كالأمر والنهي بعد فرض التركّب الاتّحادي بين المتعلّقين ، فهو راجع إلى التلازم ، لأنّ وجود أحد الضدّين أو النقيضين يلزمه عدم الآخر.

وهكذا الحال في كون من عليه الخيار ممنوعاً عن التصرّف في متعلّق الخيار ، لأنّ حقّ الخيار في العين مضادّ لحقّ التصرّف من الآخر الذي عليه الخيار.

وهكذا الحال في كون تخلّف الشرط موجباً لخيار من له الشرط ، ببرهان أنّ التزامه مقيّد بوجود الشرط ، فيلزمه انتفاء اللزوم عند انتفاء الشرط ، ومن الواضح أنّ ثبوت كون التزامه مقيّداً إنّما هو بدليل شرعي مثل ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (1) و « المؤمنون عند شروطهم » (2) ونحو ذلك ، فلم يخرج الاستدلال عن كونه استدلالاً بالكتاب والسنّة.

ص: 193


1- المائدة 5 : 1.
2- وسائل الشيعة 21 : 276 / أبواب المهور ب 20 ح 4.

قال في الكفاية : وأمّا لو كان المقتضي للحجّية في كلّ واحد من المتعارضين لكان التعارض بينهما من تزاحم الواجبين فيما إذا كانا مؤدّيين إلى وجوب الضدّين أو لزوم المتناقضين ، لا فيما إذا كان مؤدّى أحدهما حكماً غير إلزامي ، فإنّه حينئذ لا يزاحم الآخر ، ضرورة عدم صلاحية ما لا اقتضاء فيه أن يزاحم به ما فيه الاقتضاء الخ (1).

ربما يقال : إنّ مراده من الحكم غير الالزامي هو الاباحة ، ومراده من كونها لا اقتضاء [ فيها ] هو ما قيل من كونها عبارة عن عدم الحكم ، كما ربما يتضمّن ذلك ما حرّرته عن درس أُستاذنا المرحوم السيّد أبي الحسن الاصفهاني قدس سره ، لكنّه بعيد جدّاً.

بل مراده من الحكم الغير الالزامي هو ما عدا الوجوب والتحريم ، وإنّما أخرجه عن التزاحم لأنّه إنّما يقع في مقام العمل والامتثال من جهة عدم قدرة المكلّف ، وإذا كان أحد الحكمين هو الوجوب مثلاً وكان الآخر هو الاستحباب ، فلا مزاحمة بينهما ، لإمكان العمل بكلّ منهما ولو بنحو اندكاك الاستحباب في الوجوب ، كما يظهر ذلك من مراجعة عبارته في الحاشية ، فإنّه قال : تتمّة : اعلم أنّ منشأ التنافي بين الخبرين بناءً على حجّية الأخبار من باب الطريقية المحضة إنّما هو أعمّ من عدم إمكان الجمع بينهما عملاً ، أو علماً بأن علم بكذب أحدهما ولو أمكن الجمع بينهما بحسب العمل ، وهذا بخلاف المنشأ على حجّيتها من باب السببية ، فإنّه خصوص عدم إمكان الجمع بينهما عملاً لا علماً الخ (2) ، فراجع تمام كلامه قدس سره في هذه التتمّة تجده صريحاً في ذلك.

ص: 194


1- كفاية الأُصول : 440.
2- حاشية كتاب فرائد الأُصول : 266 - 267.

وأمّا قوله قدس سره في الكفاية : إلاّ أن يقال بأنّ قضية اعتبار دليل الغير الالزامي أن يكون عن اقتضاء ، فيزاحم به حينئذ ما يقتضي ( الحكم ) الالزامي ، ويحكم فعلاً بغير الالزامي ، ولا يزاحم بمقتضاه ما يقتضي الغير الالزامي ، لكفاية عدم تمامية علّة الالزامي في الحكم بغيره الخ (1) فكأنّه ناظر به إلى نظير ما حقّقه الشيخ قدس سره في باب الشروط في الشرط الذي يكون محرّماً للحلال ، بأنّ بطلانه من جهة أنّه يستفاد من دليل حلّية التسري مثلاً أنّ الشارع أراد أن يكون متساوي الطرفين ، وأن لا يكون ما يوجب تركه ، فيكون شرط عدمه محرّماً للحلال ، فيبطل لكونه على خلاف الكتاب ، وحينئذ تنتهي المسألة فيما نحن فيه إلى عدم قدرة المكلّف على الجمع بين هذا النحو من الغير الالزامي والحكم الالزامي ، فيقع بينهما التزاحم.

لكن ينبغي حينئذ أن يقال بتقدّم الأقوى ملاكاً ، فإن لم يكن في البين ما هو الأقوى يسقط كلّ من الالزامي وغير الالزامي ، لأنّ كلاً منهما يكون مقتضياً لجهة لا يمكن اجتماعها مع الجهة الأُخرى ، فكما تسقط جهة الالزام فكذلك تسقط الجهة المقتضية لعدم الالزام ، لا أنّ الحكم يكون حينئذ هو عدم الالزام ، فتأمّل.

وقد شرح هذه العبارة أُستاذنا المرحوم السيّد أبو الحسن قدس سره بما محصّله : أنّ المراد من الاباحة الاقتضائية هو ما ينشأ عن مصلحة تقتضي تساوي الطرفين ، وبهذا صارت من الأحكام الخمسة ، وحينئذ يقع التزاحم بينها وبين الوجوب مثلاً ومع التساوي يسقطان ويكون الحكم عدم الالزام من باب عدم مقتضي الالزام ، لا من باب تحقّق مقتضي عدم الالزام ، فراجع ما حرّرناه عنه في هذا المقام (2)

ص: 195


1- كفاية الأُصول : 440.
2- مخطوط لم يطبع بعدُ.

قوله في الكفاية : نعم له الافتاء به في المسألة الأُصولية ، فلا بأس حينئذ باختيار المقلّد غير ما اختاره المفتي ، فيعمل بما يفهم منه بصريحه أو بظهوره الذي لا شبهة فيه (1).

لا يخفى أنّ الظهور الذي لا شبهة فيه إن رجع إلى النصّ كان عبارة عن الأوّل ، وإن كان أمراً آخر بمعنى أنّ الظهور في المعنى الفلاني مسلّم ، ففيه أنّه لا يمكن إيكاله إلى العامي ، لأنّ الظهور لا يكون حجّة في [ حقّه ].

نعم ، يمكن أن يقلّده في ظهور كلّ منهما وحجّيته في معناه ، ثمّ يقلّده في التخيير بين الحجّتين. وفيه تأمّل ، لأنّ الحجّية ولو في مقام الظهور مقصورة على المجتهد ، ولا محصّل لأن يقلّده العامي في حجّية هذا الظهور.

قوله : والتخيير للمستفتي في العمل بمضمون أحدهما لو كان التخيير في المسألة الفقهية ، إلاّفي مقام الترافع وفصل الخصومة فإنّه لا معنى لتخيير المتخاصمين في العمل بأحدهما ، بل لابدّ للحاكم من اختيار مضمون أحدهما والحكم على طبقه ، لعدم فصل الخصومة إلاّبذلك (2).

هذا لو كان في البين حاكم واحد وكان قد ورد في المسألة التي هي محلّ المخاصمة روايتان متعارضتان إحداهما موافقة لأحد الخصمين والأُخرى موافقة للآخر ، ففي هذه الصورة يتخيّر الحاكم ، لكن لا ينحصر بالتخيير في المسألة الأُصولية ، بل يمكن أن يكون من قبيل التخيير في المسألة الفرعية وهي العمل ، فإنّ الحكم على طبق الرواية هو أحد موارد العمل بها ، وحينئذ يكون الحاكم مخيّراً بين الحكم على طبق هذه الرواية والحكم على طبق الرواية الأُخرى ،

ص: 196


1- كفاية الأُصول : 446.
2- فوائد الأُصول 4 : 767 - 768.

ويكون ذلك من باب الفتوى بالتخيير في العمل ، لكن يكون الحاكم هو العامل بتلك الفتوى.

أمّا لو كان في البين حاكمان ، وكان كلّ منهما يروي رواية في المسألة تعارض رواية الحاكم الآخر ، فمع قطع النظر عن كون المسألة من قبيل قضاء التحكيم الذي هو مورد المقبولة (1) ، ينبغي أن يقال إنّ النافذ من الحكمين هو حكم السابق ، وأنّه لا يجوز للآخر أن يحكم على خلافه ، ولو اقترنا فالقاعدة تقتضي التساقط ، إلاّ أن نلتزم بالترجيح عملاً بالمقبولة.

والظاهر أنّ الحكم كذلك في صورة قضاء التحكيم إلاّفي نفوذ الحكم السابق وعدم جواز المداخلة للاحق ، فإنّ ذلك لا يتأتّى في قضاء التحكيم الذي هو مبني على مدخلية اجتماع الحكمين ، ففي صورة اجتماع الحكمين المتخالفين هل يكون المرجع هو ما تضمّنته المقبولة من الترجيح ، أو التساقط ، أو التخيير في العمل على أحد الحكمين إن اتّفقا على اختيار واحد منهما ، وإلاّ ففيه تأمّل وإشكال ، والمسألة محتاجة إلى مراجعة كتاب القضاء.

وقد تعرّض المرحوم المحقّق الميرزا حبيب اللّه قدس سره (2) لذلك في إشكالاته على المقبولة ، فراجعه فإنّه بذلك حقيق.

ثمّ لا يخفى أنّ عدم تصوّر التخيير العملي بين مدلولي الروايتين لا ينحصر بما أُفيد من مقام التنازع ، بل هو جار فيما لو كان مدلول إحدى الروايتين هو الوجوب والأُخرى عدم الوجوب ، فإنّه لا معنى للتخيير العملي بين الوجوب وعدمه ، وهكذا الحال في جميع ما هو من هذا القبيل ، إلاّ إذا قلنا إنّ التخيير

ص: 197


1- وسائل الشيعة 27 : 106 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1.
2- بدائع الأفكار : 435.

العملي مرجعه إلى الاباحة ، وفيه تأمّل.

نعم ، ينحصر التخيير العملي بما لو كان مفاد إحدى الروايتين هو وجوب أحد الضدّين والأُخرى وجوب الضدّ الآخر ، فلاحظ وتأمّل.

قوله : وبما ذكرنا يظهر أنّه لا مجال لاستصحاب بقاء التخيير بعد اختيار أحدهما - إلى قوله - نعم يمكن فرض الشكّ في كون التخيير في أيّ المسألتين ، بدعوى عدم استظهار أحد الوجهين من الأخبار ، فيشكّ في كون التخيير في المسألة الأُصولية أو في المسألة الفقهية ... الخ (1).

لا يخفى أنّه بناءً على كون التخيير في المسألة الأُصولية لو ادّعى مدّع الشكّ في انقطاع التخيير بعد الاختيار ، وأراد التمسّك على بقائه بالاستصحاب ، كان الجواب عنه بعدم بقاء الموضوع في محلّه ، لأنّ الموضوع هو التحيّر ، ولا أقل من الشكّ في مدخليته في الحكم.

أمّا صورة الشكّ في كون التخيير تخييراً في المسألة الأُصولية أو كونه تخييراً في المسألة الفرعية ، فلا يستحسن الجواب عن التمسّك بالاستصحاب بعدم بقاء الموضوع ، بل لابدّ في الجواب عنه من التشبّث بطريقة أُخرى.

ولا بأس بنقل ما حرّرته عنه قدس سره هنا وهذا نصّه : إنّه بناءً على كون التخيير في المسألة الأُصولية يكون التخيير بدوياً ولا وجه لاحتمال كونه استمرارياً ، وبناءً على كونه في المسألة الفرعية يكون استمرارياً ولا وجه لكونه بدوياً ، وحينئذ لا يحصل الشكّ في كونه بدوياً أو استمرارياً كي يرجع في ذلك إلى الاستصحاب.

نعم ، لو لم يحصل الجزم بأحد الأمرين من كونه في المسألة الأُصولية وكونه في المسألة الفرعية ، لكان ذلك موجباً للشكّ في كون التخيير بدوياً أو

ص: 198


1- فوائد الأُصول 4 : 768.

استمرارياً.

إلاّ أنّه لا معنى حينئذ للرجوع إلى الاستصحاب ، لعدم إحراز ما كان قبل عروض هذا الشكّ ، حيث إنّه بعد الاختيار لم يعلم أنّه كان قبل هذا مخيّراً في المسألة الأُصولية أم أنّه كان مخيّراً في المسألة الفرعية ، فما الذي يستصحبه.

نعم ، لو كان لنا قدر جامع بين نوعي التخيير وكان له أثر لأمكن استصحابه ، ولكان من قبيل استصحاب القسم الثاني من الكلّي ، إلاّ أنّه لا جامع بين التخييرين المذكورين ، وحينئذ لابدّ من المصير إلى الأُصول الأُخر.

والظاهر أنّ المقام من قبيل دوران الأمر بين التخيير والتعيين (1) وقد حقّقنا في محلّه أنّ الدوران بين التخيير والتعيين على ثلاثة أنحاء (2) :

النحو الأوّل : دوران الأمر بين المذكورين أصالة ، كأن يتوجّه إلينا تكليف نشكّ في أنّه من قبيل التعيين أو من قبيل التخيير بينه وبين شيء آخر ، والمرجع في ذلك هو أصالة الاشتغال ، ولو قيل في ذلك بالبراءة ، فلا ريب في القول بالاشتغال في :

ص: 199


1- ولكن لا يخفى أنّ هذا إنّما يكون فيما بعد الاختيار ، وأمّا الحكم قبل الاختيارففيه تأمّل ، لأنّه حينئذ يكون من دوران الأمر بين الافتاء بالتعيين ، بأن يختار أحدهما فيفتي على طبقه بناءً على كون التخيير في المسألة الأُصولية ، وبين الافتاء بالتخيير بناءً على كونه في المسألة الفرعية. وإن شئت فقل : إنّه متردّد بين كونه مخيّراً في الفتوى على طبق أحدهما وبين كونه ملزماً بالافتاء بالتخيير العملي بين مدلولهما ، وحينئذ يكون من قبيل الدوران بين المتباينين ، فتأمّل [ منه قدس سره ].
2- كما في فوائد الأُصول 3 : 417 وما بعدها. وكذا أجود التقريرات 3 : 379 وما بعدها. ولا يخفى أنّ المذكور في تلك المباحث هو الأنحاء الثلاثة ، وقد أضاف قدس سره هنا النحو الرابع كما سيأتي قريباً.

النحو الثاني : وهو أن يكون ذلك الدوران من جهة التزاحم واحتمالِ أهميّة أحدهما المعيّن ، فيتعيّن ويكون تعيّنه تعجيزاً مولوياً عن الآخر ، فيكون مسقطاً للآخر دون العكس ، واحتمالِ تساويهما ، فيكون الاشتغال بكلّ منهما موجباً لسقوط الآخر ، والمختار أنّ المرجع في ذلك هو أصالة الاشتغال بما يحتمل أهميّته.

ثمّ إنّه لو قيل بالبراءة من التعيين في هذا النحو ، بناءً على أنّ التخيير بين المتزاحمين في مورد التساوي لا يكون من جهة كون الاشتغال بكلّ منهما تعجيزاً مولوياً عن الآخر ، بل من جهة أنّه بعد التحيّر يحكم العقل بالتخيير بينهما ، فإذا دار الأمر بين التعيين والتخيير بهذا المعنى - أعني حكم العقل بالتخيير - كان المرجع هو البراءة ، إلاّ أنّا قد حقّقنا في محلّه أنّه لا محيص عن القول بالاشتغال في :

النحو الثالث : وهو دوران الأمر بين التعيين والتخيير في مقام الحجّية ، كما في فتوى المجتهدين إذا احتمل كون أحدهما المعيّن أعلم من الآخر ، وهذا النحو لا إشكال في كون المرجع فيه هو الاشتغال وإن قلنا بالبراءة في النحو الثاني ، للقطع بكون فتوى من يحتمل أعلميته حجّة عليه ومبرئة للذمّة ، بخلاف فتوى من لا يحتمل أعلميته.

النحو الرابع : ما نحن فيه ، وهو دوران الأمر بين التعيين في مقام الحجّية بناءً على كون التخيير في المسألة الأُصولية ، وبين التخيير في العمل بناءً على كون التخيير في المسألة الفرعية ، وهذا أيضاً لا ينبغي الإشكال في كون المرجع فيه هو الاشتغال لا البراءة ، انتهى.

قلت : بل يمكن أن يقال : إنّ المقام ليس من قبيل الدوران بين التخيير

ص: 200

والتعيين ، أمّا قبل الاختيار فواضح ، لما عرفت من أنّه يكون بين المتباينين ، وأمّا بعد الاختيار فلأنّ الكلام حينئذ فيما اختاره ذلك المكلّف ، وأنّه هل اختار كون أحدهما حجّة فيتعيّن عليه البقاء عليه ، أو أنّه اختار العمل على أحدهما فيجوز له العدول إلى العمل على الآخر ، وليس هذا من الدوران بين التخيير والتعيين بل هو من قبيل الدوران بين تعيّن شيء والتخيير في شيء آخر.

ثمّ إنّك قد عرفت أنّ الدوران قبل العمل يكون من قبيل الترديد بين المتباينين مع فرض عدم إمكان الجمع بينهما ، مثلاً لو وردت رواية تدلّ على وجوب الدعاء عند رؤية الهلال وأُخرى تدلّ على حرمته ، وانتهى الأمر إلى التخيير المستفاد من قوله عليه السلام « إذن فتخيّر » (1) والمفروض تردّد ذلك التخيير المأمور به بين كونه تخييراً في المسألة الأُصولية ، الذي تكون نتيجته عند اختيار الرواية الدالّة على الوجوب هو إفتاء ذلك المجتهد للعامي بوجوب الدعاء عند رؤية الهلال ، وبين كونه تخييراً في المسألة الفرعية الذي تكون نتيجته إفتاءه العامي بأنّه مخيّر بين الفعل والترك ، والمفروض أنّه لا يمكن الجمع بين هاتين الطريقتين لعدم إمكان الجمع بين هاتين النتيجتين ، فهل يكون قوله عليه السلام « فتخيّر » إلاّ من قبيل المجمل المردّد بين المتباينين اللذين لا يمكن الاحتياط فيهما بالجمع بينهما الموجب لسقوط تلك الجملة عن الحجّية ، وحينئذ فأي شيء يكون حاصلاً لذلك المجتهد قبل اختياره كي يتكلّم في أنّه مجرى للاستصحاب أو أنّه من قبيل الدوران بين التخيير والتعيين ، وما كيفية ذلك الاختيار الذي وقع منه ، وهل كان هو الاختيار في مقام الحجّية أو كان هو الاختيار في مقام العمل.

ص: 201


1- مستدرك الوسائل 17 : 303 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 2.

قوله : وقد حكي عن بعض القول بالتخيير مطلقاً ، لإطلاق أدلّة التخيير وحمل أخبار الترجيح على الاستحباب ... الخ (1).

لا يخفى أنّا لو تمّ لنا ما تقدّم (2) من تقديم رواية العيون على أخبار التخيير ، إمّا من جهة الحكومة أو من جهة تقيّدها بما عدا الرُخَص ، لم يبق عندنا ما يدلّ على إطلاق التخيير كي نحتاج إلى دعوى كون أخبار الترجيح مخصّصة لأخبار التخيير.

نعم ، بعد إسقاط أخبار التخيير ، وحمل أخبار التوقّف والارجاء على التساقط ، نحتاج إلى دعوى التخصيص ، وأنّ هذا التساقط إنّما يكون بعد فقد المرجّح ، ومع قطع النظر عمّا ذكرناه من تحكيم رواية العيون على أخبار التخيير فلابدّ من إثبات إطلاق في ناحية أخبار التخيير كي نحتاج إلى دعوى التخصيص.

فنقول : إنّ عمدة أخبار التخيير هي رواية الحسن بن الجهم ، ورواية الحارث بن المغيرة بعد إسقاط الغاية فيها عن كونها مقيّدة بزمان الحضور.

أمّا رواية الحسن بن الجهم فقد عرفت أنّها مقيّدة بما أفاده صدرها من الترجيح بموافقة الكتاب والسنّة.

وأمّا رواية الحارث بن المغيرة فلا يبعد أن يكون المراد من قوله عليه السلام فيها : « فموسّع عليك حتّى ترى القائم عليه السلام » (3) هو تلك التوسعة التي تضمّنتها إحدى موثّقتي سماعة أعني قوله عليه السلام : « يرجئه حتّى يلقى من يخبره ، فهو في سعة حتّى يلقاه » (4) التي قرنها مع الارجاء الذي هو التوقّف الذي عرفت أنّه عبارة عن

ص: 202


1- فوائد الأُصول 4 : 770.
2- في الصفحة : 162 وما بعدها.
3- وسائل الشيعة 27 : 122 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 41.
4- وسائل الشيعة 27 : 108 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 5.

التساقط ، فيكون المراد بقوله عليه السلام : « فموسّع عليك حتّى ترى القائم عليه السلام » هو الأمر بإسقاط الخبرين ، وأنّه في سعة من ناحيتهما حتّى يرى القائم عليه السلام ، فلا ربط لذلك بالتخيير.

بل يمكن أن يقال : إنّ ذلك هو المراد من قوله عليه السلام في رواية الحسن بن الجهم : « فإذا لم تعلم فموسّع عليك بأيّهما أخذت » (1) بأن يكون المراد هو التوسعة من حيث العمل ، غايته أنّه لمّا كان الغالب في التوسعة العملية هو أنّ العمل يكون على طبق أحدهما عبّر عن التوسعة العملية بقوله : « فموسّع عليك بأيّهما أخذت » ولا أقل من الشكّ في ذلك ولو بضميمة باقي الروايات المانعة من العمل بأحدهما ، كما في الموثّقة الأُخرى لسماعة أعني قوله عليه السلام : « لا تعمل بواحد منهما حتّى تلقى صاحبك » (2) فلاحظ وتأمّل.

وأمّا قوله عليه السلام في المكاتبة في التكبيرات الانتقالية : « وبأيّهما أخذت من باب التسليم كان صواباً » (3) وكذلك فيما ورد من النهي عن صلاة الفجر في السفر إلاّ على الأرض (4) ، وما ورد من الاتيان بها في المحمل أعني قوله عليه السلام : « موسّع عليك بأيّة عملت » (5) فقد عرفت أنّه خارج عمّا نحن فيه ، وأنّه داخل في رواية العيون (6).

مضافاً إلى أنّه لا تعارض في روايتي التكبير ، فإنّ الأوّل منهما عام والثاني

ص: 203


1- وسائل الشيعة 27 : 121 - 122 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 40.
2- وسائل الشيعة 27 : 122 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 42.
3- وسائل الشيعة 27 : 121 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 39.
4- وسائل الشيعة 27 :4. 123 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 44.
5- وسائل الشيعة 27 :4. 123 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 44.
6- وسائل الشيعة 27 : 113 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 21.

أخصّ منه.

وإن شئت فقل : إنّهم ذكروا أنّ باب المستحبّات لا يجري فيها الجمع العرفي كحمل المطلق على المقيّد ولا حمل العام على الخاصّ ، فكذلك لا يجري فيها أحكام الجمع السندي من الترجيح أو التخيير بين الحجّتين أو إسقاطهما ، فلاحظ وتأمّل.

ثمّ لا يخفى أنّه لو تمّ لنا ما تقدّم ممّا استفدناه من رواية العيون من الحكومة على أدلّة التخيير ، يكون المرجع الأصل الأوّلي أعني التساقط في المتعارضين ، ولا يكون لنا شيء في قبال أدلّة الترجيح ، أمّا بناءً على هذا الوجه من الاستناد إلى موثّقة سماعة في تفسير التوسعة في خبر الحارث بن المغيرة ، بل في خبر الحسن ابن الجهم أيضاً ، يكون مفاد الخبرين حينئذ هو التوقّف والتساقط ، وحينئذ فأدلّة الترجيح تكون في قبال هذه الأدلّة وتكون مخصّصة لها ، فلاحظ.

قوله في المقبولة : « قلت فإنّهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على الآخر ، قال عليه السلام : ينظر إلى ما كان » (1) ... الخ (2).

لا يبعد أن يكون المقام من الأوّل إلى هنا من قبيل الاختلاف في الفتوى وحيث إنّ المسألة من الشبهات الحكمية يكون المتعيّن فيها هو الرجوع إلى الأفضل في هذه الصفات كما أمر به عليه السلام بقوله عليه السلام : « الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما » الخ ، لأنّ تنزيل المسألة على الحكومة ربما يأباه فرض صدور الحكمين ، لأنّ السابق في الحكم يكون هو المقدّم ، إلاّ أن نفرض صدور الحكم منهما في آن واحد.

ص: 204


1- وسائل الشيعة 27 : 106 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1.
2- فوائد الأُصول 4 : 770.

وعلى كلّ حال ، سواء نزّلنا مورد الرواية على قضاء التحكيم أو على الرجوع إليهما في بيان الفتوى ، لم يكن إشكال في لزوم تقديم ما أمر به الأعلم منهما ، سواء كان بنحو الفتوى أو كان بنحو الحكم.

أمّا الأوّل فواضح ، فإنّ المكلّف وإن كان مخيّراً في تقليد كلّ منهما ، إلاّ أنّه لمّا كان المقام مقام خصومة لم يكن فيه مجال للتخيير في التقليد ، لأنّ كلاً منهما يختار تقليد من فتواه على رغبته.

وأمّا الثاني فلما عرفت من أنّ النزاع في الشبهة الحكمية ، وفي مثله يتعيّن حكم الأعلم حتّى لو سبقه حكم غير الأعلم ، على تأمّل في ذلك ، نعم مع فرض تساويهما من حيث الأعلمية ينبغي أن يكون النافذ هو السابق ، ومع عدم السبق يسقطان ، ولعلّ ما أمر به عليه السلام من الرجوع إلى المرجّحات ناظر إلى صورة الاقتران.

وعلى كلّ حال ، إنّ الظاهر من الرواية هو أنّ الترجيح الأوّل كان لأحد الحكمين أو الفتويين على الآخر ، ومع التساوي لابدّ من قطع الخصومة بغيرهما ، وحينئذ كأنّ الإمام عليه السلام نظر إلى لزوم إعمال الاجتهاد بعد ذلك بترجيح إحدى الروايتين على الأُخرى ، ومع التساوي من الجهات الآتية لا ينفتح باب الاجتهاد في المسألة ، ويتعيّن الارجاء والتوقّف في الفتوى على طبق إحدى الروايتين ، ويكون الحال كما لو اتّفق التنازع على الحبوة مثلاً من ناحية الشبهة الحكمية واتّفق أنّ المجتهد الذي تخاصما إليه لم يرجّح ما دلّ على عدمها على ما دلّ على ثبوتها ولا العكس ، فإنّه يرجع في فصل الخصومة بينهما إلى الطرق الأُخر بفرض عدم وجود هاتين الروايتين.

وعليه فصدر الرواية ليس في مقام الترجيح بين الروايتين ، بل هو في مقام ترجيح إحدى الفتويين أو الحكمين على الآخر ، ولعلّها من هذه الجهة من أقوى

ص: 205

أدلّة لزوم تقليد الأعلم ولزوم تحكيمه في التخاصم في الشبهات الحكمية ، نعم باقي الرواية في مقام الترجيح ، ويمكن القول بأنّه في مقام التمييز بين الحجّة وغيرها ، فلاحظ وتأمّل ، فتسقط الرواية حينئذ عن الدلالة على الترجيح.

تنبيه : إنّ من جملة ما يمكن أن يستدلّ به على التخيير من الروايات غير رواية الحسن بن الجهم (1) وغير رواية الحارث بن المغيرة (2) وغير رواية العوالي (3) ، ما رواه الشيخ قدس سره في الصحيح عن علي بن مهزيار ، قال : « قرأت في كتاب لعبداللّه بن محمّد إلى أبي الحسن عليه السلام : اختلف أصحابنا في رواياتهم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في ركعتي الفجر في السفر ، فروى بعضهم أن صلّهما في المحمل ، وروى بعضهم أن لا تصلّهما إلاّعلى الأرض ، فأعلمني كيف تصنع أنت لأقتدي بك في ذلك؟ فوقّع عليه السلام : موسع عليك بأيّة عملت » (4).

وما رواه في الاحتجاج في جواب مكاتبة محمّد بن عبد اللّه الحميري إلى صاحب الزمان عليه السلام « يسألني بعض الفقهاء عن المصلّي إذا قام من التشهّد الأوّل إلى الركعة الثالثة ، هل يجب عليه أن يكبّر؟ فإنّ بعض أصحابنا قال : لا يجب عليه التكبير ويجزيه أن يقول : بحول اللّه وقوّته أقوم وأقعد. الجواب : في ذلك حديثان ، أمّا أحدهما فإنّه إذا انتقل من حالة إلى أُخرى فعليه التكبير ، وأمّا الحديث الآخر فإنّه روي إذا رفع رأسه من السجدة الثانية وكبّر ثمّ جلس ثمّ قام

ص: 206


1- وسائل الشيعة 27 : 121 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 40.
2- وسائل الشيعة 27 : 122 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 41.
3- عوالي اللآلي 4 : 133 / 229 ، مستدرك الوسائل 17 : 303 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 2.
4- وسائل الشيعة 27 : 122 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 44 ( مع اختلاف يسير ).

فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير ، وكذلك التشهّد الأوّل يجري هذا المجرى ، وبأيّهما أخذت من باب التسليم كان صواباً » (1).

لكنّ في كون هاتين الروايتين من أدلّة التخيير إشكالاً ، لاحتمال كون التخيير فيهما لأجل كون الحكم الذي تضمّنتاه استحبابياً.

مضافاً إلى إمكان الخدشة في الثانية من حيث تعرّضها لما هو ليس من وظيفته عليه السلام من نقل الروايات ، وإن أجاب عنه الشيخ قدس سره في مبحث البراءة (2) بأنّه من قبيل التعليم لكيفية الاستدلال.

بل إنّ في النفس شيئاً من رواية الحسن بن الجهم التي هي العمدة في إثبات التخيير المطلق الشامل لزمان الغيبة ، فإنّ في الحدائق رواية يمكن القول بكونها حاكمة وشارحة للمراد بالتخيير فيها وفي غيرها من روايات التخيير ، قال في الحدائق : ومنه ما رواه الصدوق رحمه اللّه في كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام بسنده عن أحمد بن الحسن الميثمي « أنّه سئل الرضا عليه السلام يوماً وقد اجتمع عنده قوم من أصحابه وقد كانوا يتنازعون في الحديثين المختلفين عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في الشيء الواحد ، فقال عليه السلام : ما ورد عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب اللّه ، فما كان في كتاب اللّه موجوداً حلالاً أو حراماً فاتّبعوا ما وافق الكتاب ، وما لم يكن في الكتاب فاعرضوه على سنن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله [ فما كان في السنّة موجوداً منهيّاً عنه نهي حرام أو مأموراً به عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أمر إلزام ] فاتّبعوا ما وافق نهي النبي صلى اللّه عليه وآله وأمره ، وما كان في السنّة نهي إعافة أو كراهة ثمّ كان الخبر

ص: 207


1- وسائل الشيعة 27 : 121 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 39 ، الاحتجاج 2 : 568 - 569 / 355 ( مع اختلاف يسير ).
2- فرائد الأُصول 2 : 167.

الآخر خلافه فذلك رخصة فيما عافه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وكرهه ولم يحرّمه ، فذلك الذي يسع الأخذ بهما جميعاً أو بأيّهما شئت ، ويسعك الاختيار من باب التسليم والاتّباع والردّ إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وما لم تجدوه في شيء من هذه الوجوه فردّوا إلينا علمه فنحن أولى بذلك ، ولا تقولوا فيه بآرائكم ، وعليكم بالكفّ والتثبّت والوقوف - وأنتم طالبون باحثون - حتّى يأتيكم البيان من عندنا » (1).

وقد ذكر هذه الرواية في الوسائل (2) ، ولكن متنها في الوسائل أوسع ممّا في الحدائق ، ولعلّ تلك التوسعة توجب كونها أقرب إلى المعنى الذي ادّعيناه من متن ما في الحدائق ، فكأنّ هذه الرواية الشريفة متعرّضة لشرح المراد ممّا ورد في غيرها من الروايات ممّا اشتمل على مثل « وبأيّها أخذت وسعك » (3) وغير ذلك (4) ممّا مفاده التخيير ، وأنّ المراد به هو ما يكون من قبيل الرخصة في قبال الكراهة ، وما كان خارجاً عن ذلك يجب فيه البحث والتوقّف حتّى يأتي البيان منهم عليهم السلام (5)

ص: 208


1- الحدائق الناضرة 1 : 94.
2- وسائل الشيعة 27 : 113 - 115 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 21.
3- وسائل الشيعة 27 : 121 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 6 ، 19 ، 39 ، 40 ، 44.
4- وسائل الشيعة 27 : 121 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 6 ، 19 ، 39 ، 40 ، 44.
5- لا يقال : إنّ الحكومة إنّما تتمّ لو كان قوله عليه السلام : « فذلك الذي يسع الأخذ بهماجميعاً وبأيّهما شئت وسعك » الخ ناظراً إلى ما ورد في روايات التخيير من هذه الجمل ، ولكن ما تضمّنته هذه الرواية إنّما هو ناظر إلى ما تقدّم فيها من قوله عليه السلام : « فما كان عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله نهي إعافة أو أمر فضل ، فذلك الذي يسع استعمال الرخصة فيه ، إذا ورد عليكم عنّا الخبر فيه باتّفاق يرويه من يرويه في النهي ولا ينكره ، وكان الخبران صحيحين معروفين باتّفاق النقلة فيهما ، يجب الأخذ بأحدهما أو بهما جميعاً أو بأيّهما شئت وأحببت ، موسع لك ذلك من باب التسليم » ... الخ. لأنّا نقول : إنّ هذه الجملة المتقدّمة في هذه الرواية ناظرة إلى تلك الجمل الموجودة في باقي الروايات ، فعلى أيّ حال تكون حاكمة على تلك الروايات ، لكونها شارحة لتلك الروايات ومبيّنة للمراد بتلك الجمل فيها ، ولو أُغضي النظر عن الحكومة والشرح فلا أقل من كونها مقيّدة لتلك الجمل في تلك الروايات ، لأنّها قد حكمت بالتخيير في هذا المورد الخاصّ وهو مورد الرخص ، ومصرّحة بأنّه لا تخيير في غير ذلك المورد بقوله عليه السلام : « وما لم تجدوه في شيء من هذه الوجوه فردّوا إلينا علمه ، فنحن أولى بذلك ، ولا تقولوا فيه برأيكم » الخ. ولا يخفى أنّ حصر التوسعة في موارد الرخص لا ينافيه ما تضمّنته موثّقة سماعة القائلة « فهو في سعة حتّى يلقاه » في خصوص قوله : « أحدهما يأمر بأخذه والآخر ينهاه » ، فإنّ ذلك الذي تضمّنته الموثّقة الأُولى لسماعة بعد منعه عليه السلام من العمل بأحدهما من قبيل الدوران بين المحذورين ، والتخيير فيه بين الفعل والترك قهري ، هذا إذا حملنا الأمر والنهي فيها على الالزاميين وإلاّ كان موردها من الرخص ، نعم لا يبعد إرادة الالزاميين منها ولو بقرينة موثّقته الأُخرى التي تضمّنت أنّه لابدّ من العمل بأحدهما ، فلاحظ ما سيأتي في شرحهما [ في الصفحة : 211 ، 214 ]. ولا يخفى أنّا لو سلكنا في رواية الميثمي مسلك الحكومة أمكن القول بأنّ محصّلها هو تكذيب ما تضمّن التخيير في الأحكام الالزامية ، ليكون نظير قوله عليه السلام في المهر عند موت الزوج قبل الدخول : « إنّهم لم يحفظوا عنّي ، إنّما قلت ذلك في الطلاق » [ وسائل الشيعة 21 : 333 / أبواب المهور 58 ح 24 ( نقل بالمضمون ) ] ولا يبعد أن يكون هؤلاء الجماعة الذين حضروا بخدمته عليه السلام وكانوا يتنازعون قد ذكروا أخبار التخيير والتوسعة في أثناء مباحثاتهم ، والإمام عليه السلام أراد الردّ عليهم بقوله عليه السلام : « فذلك الذي يسع الأخذ » الخ [ منه قدس سره ].

وذلك وإن كان مختصّاً بخصوص إمكان ورود البيان منهم عليهم السلام ، إلاّ أنّه يستفاد منه أنّه لا يمكن البتّ في شيء من ذلك ، فيشمل الأخذ بإحدى

ص: 209

الروايتين تخييراً والفتوى على طبقها ، ولازم هذا التوقّف هو سقوط كلّ من الروايتين.

ولا يبعد أن يكون ذلك هو المراد من ذيل المقبولة المشتمل على قوله عليه السلام : « فأرجه حتّى تلقى إمامك ، فإنّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات » (1) بأن يكون الأمر بالإرجاء عبارة عن الأمر بترك الخبرين وعدم العمل بأحدهما ، وهو عبارة أُخرى عن التساقط ، والمقصود من قوله : « فإنّ الوقوف » الخ التوقّف في الفتوى على طبق أحدهما ، وقوله عليه السلام : « حتّى تلقى إمامك » لا يوجب اختصاصه بإمكان ذلك.

ويمكن حمل كلام الكليني قدس سره (2) فيما مفاده التخيير على هذا المعنى ، فراجع وراجع ما حرّرناه (3) في شرح ذلك في تحرير الكفاية عن درس بعض أساتذتنا السادة قدس سرهم ، بل راجع الوافي (4) فيما يتعلّق بهذا المبحث سيّما في شرح عبارة الكليني قدس سره ، ونقله (5) عبارة الطبرسي في الاحتجاج ، فإنّك تجده صريحاً في أنّ مراد الجماعة من التخيير ، التخييرُ في العمل لا الفتوى ، وحينئذ فبعد انحصار التخيير العملي بالموارد المذكورة - أعني موارد الترخيص كما تضمّنته هذه الرواية - يكون التخيير في باب التعارض ساقطاً إلاّفي خصوص الأُمور غير الالزامية.

ص: 210


1- وسائل الشيعة 27 : 106 - 107 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1.
2- الكافي 1 : 7.
3- مخطوط لم يطبع بعدُ.
4- الوافي 1 : 294.
5- الوافي 1 : 292 - 293 ، الاحتجاج 2 : 263 - 264.

والحاصل : أنّه يمكن أن يدّعى أنّ المراد من التوقّف في كثير من هذه الروايات الآمرة بالتوقّف هو التوقّف في الفتوى على طبق إحدى الروايتين المتعارضتين ، فيكون ذلك عبارة أُخرى عن الالتزام بتساقطهما والرجوع إلى ما تقتضيه الأُصول والقواعد لو لم يكن في البين هاتان الروايتان.

ولعلّ أقوى شاهد على هذا التفسير ما نقله في الحدائق عن الكافي في الموثّق عن سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمرٍ كلاهما يرويه ، أحدهما يأمر بأخذه والآخر ينهاه عنه ، كيف يصنع؟ قال عليه السلام : يرجئه حتّى يلقى من يخبره فهو في سعة حتّى يلقاه » (1) فإنّ تفريع قوله عليه السلام : « فهو في سعة حتّى يلقاه » على قوله عليه السلام : « يرجئه حتّى يلقى من يخبره » يدلّ على أنّ المراد من الارجاء والتوقّف هو عدم لزوم العمل بإحدى الروايتين ، وأنّه لا حرج عليه من طرحهما والبناء على عدم وجودهما الذي هو عبارة أُخرى عن التساقط.

ولا يضرّ في ذلك كون ذلك الارجاء مغيّىً بلقاء من يخبره الذي هو الإمام عليه السلام ، فإنّه لا يكون موجباً لتقيّد الحكم المذكور بإمكان ذلك ، فإنّ تعليق الحكم على غاية لا يوجب التقيّد بإمكان حصول الغاية ، كما في مثل « كلّ شيء لك حلال أو طاهر حتّى تعرف ... » (2) ، وإلاّ لاختصّت قاعدة الطهارة والحل بما يمكن فيه حصول العلم.

ص: 211


1- وسائل الشيعة 27 : 108 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 5 ، الحدائق الناضرة 1 : 93 - 94 ، الكافي 1 : 53 / 7.
2- وسائل الشيعة 17 : 87 و 89 / أبواب ما يكتسب به ب 4 ح 1 و 4 ، 3 : 467 / أبواب النجاسات ب 37 ح 4 ( مع اختلاف يسير ).

والسرّ في ذلك هو أنّ المستفاد من أمثال هذه الغايات أنّ الحكم مقيّد بعدمها ، سواء كان وجودها ممكناً فعلاً أو اتّفق أنّه غير ممكن. نعم إنّ الجهة التي تكون دائماً غير ممكنة الحصول لا يصحّ أخذها غاية ، لأنّ أخذ ما لا يمكن حصوله دائماً يكون لغواً ، لكن ذلك لا يوجب انحصار الغاية بما يمكن الحصول دائماً ، بل أقصى ما في البين هو لغوية أخذ ما يمتنع حصوله دائماً ، أمّا ما يكون ممكن الحصول ولكن قد يتّفق عدم إمكان حصوله ، فلا مانع من أخذه غاية للحكم ، فلاحظ.

ولا يخفى أنّ هذه الدعوى - أعني كون أخبار التوقّف مختصّة بزمان الحضور استناداً إلى الغاية المذكورة - أشار إليها الشيخ في الرسائل ، فإنّه قدس سره بعد فراغه من السببية والطريقية ، وبيان أنّ الحكم على الثاني هو التوقّف لكن الأخبار المستفيضة دلّت على عدم التساقط مع فقد المرجّح ، [ قال : ] وحينئذ فهل يحكم بالتخيير أو العمل بما طابق منهما الاحتياط أو بالاحتياط ولو كان مخالفاً لهما - إلى أن قال - وأمّا أخبار التوقّف الدالّة على الوجه الثالث من حيث إنّ التوقّف في الفتوى يستلزم الاحتياط في العمل كما فيما لا نصّ فيه ، فهي محمولة على صورة التمكّن من الوصول إلى الإمام عليه السلام كما يظهر من بعضها ، فيظهر منها أنّ المراد ترك العمل وإرجاء الواقعة إلى لقاء الإمام عليه السلام لا العمل فيها بالاحتياط (1).

وقال في الأمر الثاني - بعد أن ذكر الأخبار الواردة - ما هذا لفظه : وأخبار التوقّف على ما عرفت وستعرف محمولة على صورة التمكّن من العلم (2).

وقال في آخر مبحث التراجيح عند الكلام على كون دليل الحرمة مقدّماً

ص: 212


1- فرائد الأُصول 4 : 39 - 40.
2- فرائد الأُصول 4 : 70.

على دليل الوجوب ما هذا لفظه : والحقّ هنا التخيير وإن لم نقل به في الاحتمالين ، لأنّ المستفاد من الروايات الواردة في تعارض الأخبار على وجه لا يرتاب فيه هو لزوم التخيير مع تكافؤ الخبرين وتساويهما من جميع الوجوه التي لها مدخل في رجحان أحد الخبرين ، خصوصاً مع عدم التمكّن من الرجوع إلى الإمام عليه السلام الذي يحمل عليه أخبار التوقّف والارجاء (1).

لكنّك تراه كغيره قدس سرهم يحمل أخبار التوقّف على صورة التمكّن من لقائه عليه السلام ، لا أنّ نفس الأخبار المذكورة مقيّدة بذلك ، وأمّا قوله : كما يظهر من بعضها (2) فكأنّه استظهار محض ، لا أنّه من جهة الغاية وإلاّ فإنّها جميعاً مشتملة على الغاية المذكورة.

نعم ، نقل في الوافي عن الطبرسي قدس سره في الاحتجاج كلاماً مفصّلاً قال فيه : وأمّا قوله عليه السلام للسائل : « أرجه وقف حتّى تلقى إمامك » أمره بذلك عند تمكّنه من الوصول إلى الإمام عليه السلام ، فأمّا إذا كان غائباً ولا يتمكّن من الوصول إليه والأصحاب كلّهم مجمعون على الخبرين ولم يكن هناك رجحان لرواة أحدهما على رواة الآخر بالكثرة والعدالة ، كان الحكم بهما من باب التخيير يدلّ على ما قلناه ما روي عن الحسن بن الجهم ، عن الرضا عليه السلام قال « قلت له : يجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة ، قال : ما جاءك عنّا فاعرضه على كتاب اللّه عزّوجلّ وأحاديثنا ، فإن كان يشبههما فهو منّا ، وإن لم يكن يشبههما فليس منّا. قلت : يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين فلا نعلم أيّهما الحقّ ، فقال عليه السلام : إذا لم تعلم فموسع عليك

ص: 213


1- فرائد الأُصول 4 : 158.
2- فرائد الأُصول 4 : 40.

بأيّهما أخذت » (1) وما رواه الحارث بن المغيرة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « إذا سمعت من أصحابك الحديث وكلّهم ثقة فموسّع عليك حتّى ترى القائم عليه السلام فترد إليه » (2) انتهى كلامه (3).

وممّا يشهد بما ذكرناه من أنّ المراد بالتوقّف هو إسقاط كلّ من الروايتين وعدم الفتوى ، الرواية الأُخرى عن سماعة التي هي عن الاحتجاج - ولعلّها هي عين ما تقدّم (4) عن الكافي مع الاختلاف في التعبير لكونه من قبيل النقل بالمعنى - أعني بتلك الرواية الثانية التي ذكرها الشيخ قدس سره (5) عن الاحتجاج بسنده عن سماعة ابن مهران ، قال « قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : يرد علينا حديثان ، واحد يأمرنا بالأخذ به والآخر ينهانا عنه ، قال عليه السلام : لا تعمل بواحد منهما حتّى تلقى صاحبك فتسأله عنه. قلت : لابدّ أن نعمل بواحد منهما ، قال : خذ بما خالف العامّة » (6).

فإنّ قوله عليه السلام في مورد كون التعارض من قبيل الأمر والنهي عن الشيء الواحد : « لا تعمل بواحد منهما » لابدّ أن يكون المراد منه عدم العمل من حيث الفتوى والاعتقاد والالتزام ، وإلاّ فإنّ العمل الخارجي في مورد هذا التعارض لا ينفكّ عن كونه على طبق أحدهما ، فكيف ينهاه الإمام عليه السلام عن العمل بواحد منهما ، وكيف فرض السائل فرضاً آخر وهو أنّه لابدّ من العمل ، كلّ ذلك شاهد

ص: 214


1- وسائل الشيعة 27 : 121 - 122 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 40.
2- وسائل الشيعة 27 : 122 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 41.
3- الوافي 1 : 293 ، الاحتجاج 2 : 263 - 264 ( مع اختلاف يسير ).
4- في الصفحة : 210.
5- فرائد الأُصول 4 : 65.
6- الاحتجاج 2 : 265 / 235 ، وسائل الشيعة 27 : 122 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 42 ( مع اختلاف يسير ).

على أنّ المراد من عدم العمل هو عدم الفتوى ، وحينئذ يكون المراد من فرض السائل أنّه لابدّ لنا من العمل هو كون المسألة من قبيل النزاع في الميراث ونحوه من موارد الشبهات الحكمية المتعلّقة بحقوق الناس في مورد التخاصم.

ولكن مع ذلك لا يكون هذا الفرض مصداقاً لكونه لابدّ من العمل بواحد منهما ، لإمكان طرحهما والرجوع في مورد المسألة إلى ما تقتضيه القواعد الأُخر ، ولعلّه فرض تسامحي ، ولذلك اكتفى السائل بما أجابه الإمام عليه السلام بقوله : « خذ بما خالف العامّة » وإلاّ فلو لم يكن في البين هذا المرجّح فماذا يعمل هذا السائل فيما فرضه من أنّه لابدّ من العمل بواحد منهما.

اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ فرض المسألة هو ما لو كان قد ابتلي بمثل هاتين الروايتين قبل حضور وقت العمل ، بأن ترد إحدى الروايتين بوجوب الدعاء عند رؤية الهلال والأُخرى بحرمته ، وذلك في أواسط الشهر مثلاً ، ويكون محصّل الأمر بعدم العمل حتّى يلقاه هو لزوم ملاقاته عليه السلام قبل حضور وقت العمل ، ويكون محصّل الجواب أنّه قد حضر وقت العمل فلا يمكننا التأخير ، لكن هذا فرض بعيد.

بل يمكن أن يقال : إنّ قوله عليه السلام في رواية الحارث بن المغيرة عن أبي عبد اللّه عليه السلام : « إذا سمعت من أصحابك الحديث وكلّهم ثقة ، فموسّع عليك حتّى ترى القائم عليه السلام فترد إليه » (1) المراد من التوسعة هو التوسعة من ناحية الخبرين ، بمعنى عدم لزوم الأخذ بواحد منهما حتّى يرى القائم عليه السلام فيردهما إليه ، فإنّ ردّهما إليه عليه السلام كناية عن عدم الأخذ بواحد منهما قبل لقائه ، بل هو في سعة منهما بحيث إنّهما حينئذ في حكم العدم ، وهو عبارة أُخرى عن التساقط والرجوع في

ص: 215


1- وسائل الشيعة 27 : 122 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 41.

موردهما إلى ما تقتضيه القواعد والأُصول الجارية في ذلك المورد.

فالذي تخلّص : هو اختصاص ما دلّ على التخيير والتوسعة بموارد الرُّخص والنواهي التنزيهية ، وفيما عداها يكون المرجع هو التوقّف الذي عرفت أنّ محصّله هو التساقط.

ولو تنزّلنا عن تفسير التوقّف الذي تضمّنته أخباره بما عرفت ممّا يرجع إلى التساقط ، بل أخذناه بمعنى الأخذ بما يوافق الاحتياط منهما ، أو بما هو الاحتياط واقعاً وإن لم يكن هو - أعني الاحتياط - على طبق أحدهما ، فلا أقل من القول بأنّ مورد تلك الأخبار الدالّة على التوقّف منحصر بموارد التمكّن من لقائه عليه السلام ، فيبقى زماننا مورداً لمقتضى القاعدة الأوّلية من التساقط.

وأمّا الترجيح فإنّ أجمع خبر يتضمّن الترجيح هو المقبولة ، فإن تمّت دلالتها على لزومه فهو ، وإلاّ كان الترجيح أيضاً ساقطاً ، ولو بأن نقول إنّ ما تضمّنته المقبولة أوّلاً من الترجيح بصفات الراوي من الأعدلية والأفقهية والأصدقية في الحديث والأورعية إنّما هو مرجّح لأحد الحكمين على الآخر ، وليس في ذكر الأصدقية في الحديث قرينة على كون الترجيح للرواية لا للحكم ، لإمكان كونها - أعني الأصدقية - مرجّحة للحكم أيضاً فيما لو كان مستنده الرواية كما هو المفروض.

مضافاً إلى عدم وجود هذه الفقرة في رواية الاحتجاج لهذه المقبولة كما حكاه عنه في مستدرك الوسائل (1) وإن كان المعتمد هو ما عن الكافي (2) ، وقد

ص: 216


1- مستدرك الوسائل 17 : 302 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1.
2- الكافي 1 : 54 / 10 ، وسائل الشيعة 27 : 106 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1.

راجعت الاحتجاج المطبوع (1) فوجدته مشتملاً على الفقرة المذكورة.

نعم ، في بعض الروايات التي ذكرها في الوسائل الاقتصار على الأفقهية والأعلمية والأورعية ، مثل ما عن داود بن الحصين عن أبي عبد اللّه عليه السلام « في رجلين اتّفقا على عدلين جعلاهما بينهما في حكم وقع بينهما فيه خلاف ، فرضيا بالعدلين فاختلف العدلان بينهما ، عن قول أيّهما يمضي الحكم؟ قال عليه السلام : ينظر إلى أفقههما وأعلمهما بأحاديثنا وأورعهما ، فينفذ حكمه ولا يلتفت إلى الآخر » (2).

وفي بعضها الاقتصار على الأعدلية والأفقهية ، وهي ما عن موسى بن أكيل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « سئل عن رجل يكون بينه وبين أخ له منازعة في حقّ ، فيتّفقان على رجلين يكونان بينهما ، فحكما فاختلفا فيما حكما ، قال : وكيف يختلفان؟ قال : حكم كلّ واحد منهما للذي اختاره الخصمان ، فقال عليه السلام : ينظر إلى أعدلهما وأفقههما في دين اللّه فيمضي حكمه » (3) ولم أعثر في الوسائل على رواية تدلّ على الترجيح بالصفات إلاّ المقبولة وهاتين الروايتين الواردتين في تعارض الحكمين.

وما تضمّنته [ المقبولة ] أخيراً من الترجيح بالشهرة ومخالفة العامّة وموافقة الكتاب والسنّة لم تكن من باب الترجيح ، بل كانت من باب تميّز الحجّة عن غيرها ، وذلك لكثرة الروايات الدالّة على سقوط ما خالف الكتاب والسنّة حتّى في غير مورد المعارضة ، بل دلّ بعضها على سقوط ما وافق العامّة ، مثل ما في

ص: 217


1- الاحتجاج 2 : 261 / 232.
2- وسائل الشيعة 27 : 113 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 20.
3- وسائل الشيعة 27 : 123 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 45.

الوسائل عن الشيخ عن [ عبيد بن ] زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال عليه السلام : « ما سمعته منّي ممّا يشبه قول الناس ففيه التقيّة ، وما سمعته منّي لا يشبه قول الناس فلا تقيّة فيه » (1) ، بل ما يدلّ على لزوم الأخذ بخلافهم حتّى مع عدم وجود الرواية عندنا ، كالرواية المشتملة على تعليل الأمر بالأخذ بخلافهم لأنّهم قد أخذوا بخلاف ما كان قد صدر من أمير المؤمنين عليه السلام من الأحكام (2) ، حتّى أنّ بعضها مشتمل على قوله عليه السلام : « إئت فقيه البلد فاستفته فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه فإنّ الحقّ فيه » (3) وإن أوّلها في الوسائل بما لا ينافي ما ذكرناه.

أمّا الشهرة (4) فكونها من مميّزات الحجّة عن غيرها واضح ، خصوصاً بعد ما تقرّر من أنّ المدار في حجّية الخبر على الوثوق والاطمئنان ، مع ما اشتملت عليه المقبولة من التعليل بأنّه لا ريب فيه.

وممّا يشهد بما ذكرناه من إنكار التخيير وإنكار الترجيح بالأعدلية والأفقهية والأصدقية مع فرض الاشتراك في هذه الموادّ ، أنّك لا تجد في الفقه من رجّح إحدى الروايتين على الأُخرى بكون راويها أفقه أو أعدل أو أورع من راوي

ص: 218


1- وسائل الشيعة 27 : 123 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 46 ( مع اختلاف يسير ).
2- وسائل الشيعة 27 : 116 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 24.
3- وسائل الشيعة 27 : 115 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 23.
4- ولم أعثر على ما اشتمل على الترجيح بها سوى المقبولة والمرفوعة ، إلاّما أرسله في الوسائل بقوله : قال : « وروي عنهم عليهم السلام أنّهم قالوا : إذا اختلف أحاديثنا عليكم فخذوا بما اجتمعت عليه شيعتنا فإنّه لا ريب فيه ». والظاهر أنّ القائل المحكي عنه هو الطبرسي المذكور في صدر السند ، وقد راجعت الاحتجاج فوجدته مشتملاً على ذلك [ منه قدس سره. راجع وسائل الشيعة 27 : 122 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 43 ، الاحتجاج 2 : 265 / ذيل ح 235 ].

الأُخرى مع اشتراك الراويين في الفقه والعدالة والورع ، ولو رجع ذلك إلى المقابلة بين السلب والايجاب رجع إلى تمييز الحجّة من عدم الحجّة.

كما أنّك لا تجد مورداً يقول فيه الفقيه إنّ في البين روايتين متعارضتين في الطهارة والنجاسة أو الوجوب والحرمة ، ولا مرجّح لإحدى الروايتين على الأُخرى ، ولكنّي مع ذلك أختار رواية النجاسة أو أختار رواية الحرمة ، فالحكم في هذه المسألة هو النجاسة أو الحكم فيها هو الحرمة ، فلو كان الحكم في باب التعارض بعد فرض التساوي هو التخيير في الفتوى أو الافتاء بالتخيير ، لوقع ذلك من أحد الفقهاء في مورد من الموارد ، ولم أتوفّق على العثور في الفقه على صدور مثل ذلك من أحد من الفقهاء ، فتتبّع لعلّك تعثر عليه.

وقد تعرّض المرحوم المحقّق الرشتي قدس سره لهذا الإشكال فقال : إيقاظ ، هذا البحث الطويل - أي بحث التخيير - قليل الجدوى ، بل قيل أو يقال إنّه عادمها ، لأنّا لم نجد موضعاً حكموا فيه بالتخيير لتعارض الخبرين ، بل إن قالوا قالوا بالتخيير الواقعي - وذكر من أمثلة ذلك ما يذكر في سجود السهو وبعض منزوحات البئر ، إلى أن قال - لكن هذا في غير الواجبات لا يتأتّى ، بل لابدّ فيه من التعارض ، ولكن ليس ببالي ما حكموا فيه بالتخيير الظاهري لتعارض الأخبار (1) فراجعه.

نعم ، إنّ كلّ همّهم في موارد التعارض هو إسقاط إحدى الروايتين باعراض المشهور ونحوه ممّا يوجب الوهن فيها وإسقاطها عن الحجّية ، فراجع وتتبّع وتأمّل.

قال في الوسائل بعد أن ذكر رواية سماعة المشتملة على قوله عليه السلام : « يرجئه

ص: 219


1- بدائع الأفكار : 427 - 428.

حتّى يلقى من يخبره فهو في سعة حتّى يلقاه » (1) : قال الكليني : وفي رواية أُخرى « بأيّهما أخذت من باب التسليم وسعك » (2) أقول : وجه الجمع حمل الأوّل على الماليات والثاني على العبادات المحضة ، لما يظهر من موضوع الأحاديث ، أو تخصيص التخيير بأحاديث المندوبات والمكروهات لما يأتي من حديث الرضا عليه السلام المنقول في عيون الأخبار (3).

ثمّ إنّه سرد باقي الروايات ، ومنها رواية العيون إلى أن وصل إلى مكاتبة الحميري الواردة في التكبير المشتملة على قوله عليه السلام : « وبأيّهما أخذت من باب التسليم كان صواباً » قال : أقول يفهم من هذا ومن حديث عمر بن حنظلة وجه الجمع بين التوقّف والتخيير ، وقد ذكرناه ، واللّه أعلم. على أنّ الاختلاف من غير وجود مرجّح منصوص أصلاً لا وجود له في أحاديثهم عليهم السلام إلاّنادراً كما ذكره الطبرسي في الاحتجاج وغيره (4).

قلت : وهو إنّما يكون كذلك فيما لو كان التعارض على نحو التباين ، فإنّه غالباً يكون مقروناً بأحد المرجّحات ، وإن شئت فقل بأحد مميّزات الحجّة عن غيرها مثل موافقة الشهرة ومخالفة العامّة ، ولا أقل من الموهن الأعظم وهو إعراض المشهور ، وحينئذ فلا يظهر أثر مهم عملي بين القول بالتخيير والقول بالتوقّف الذي عرفت أنّ مرجعه إلى التساقط ، أمّا تعارض العموم من وجه فهو وإن كان كثيراً إلاّ أنّه ليس المرجع فيه هو الترجيح المذكور أو التخيير ، بل يتعيّن

ص: 220


1- وسائل الشيعة 27 : 108 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 5.
2- وسائل الشيعة 27 : 108 و 109 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 6.
3- وسائل الشيعة 27 : 108 و 109 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 6.
4- وسائل الشيعة 27 : 121 / أبواب صفات القاضي ب 9 ذيل ح 39.

الرجوع فيه بعد فقد المرجّحات الدلالية إلى التساقط كما سيأتي (1) بيانه إن شاء اللّه تعالى.

ولكن لا يخفى أنّ ذلك - أعني مجرّد عدم الأثر العملي للقول بالتخيير والقول بالتوقّف - لا يرفع التعارض الواقع بين أخبار التوقّف وأخبار التخيير ، فلابدّ من رفع التعارض بينهما بما أشار إليه سابقاً من الوجهين المذكورين ، وأجودهما الثاني ، أعني حمل أخبار التخيير والتوسعة على موارد التعارض في الاستحباب والكراهة ونحوهما من الأحكام الترخيصية كما هو مورد رواية ابن مهزيار في صلاة النافلة في المحمل (2) ، ومورد مكاتبة الحميري في التكبير الانتقالي ، وكما صرّحت به رواية العيون من التفصيل بما مفاده حكومتها على أخبار التخيير والتوسعة ، وبيان المراد من تلك التوسعة وشرح موردها.

ولا بأس بنقل رواية العيون التي أشرنا إليها ، فإنّها يمكن الاكتفاء بها في ضابط الحكم في باب التعارض ، فنقول بعونه تعالى : قال الشيخ الصدوق قدس سره في كتابه عيون أخبار الرضا عليه السلام : حدّثنا أبي ومحمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، قالا : حدّثنا سعد بن عبد اللّه ، قال : حدّثني محمّد بن عبد اللّه المسمعي ، قال : حدّثني أحمد بن الحسن الميثمي « أنّه سئل الرضا عليه السلام يوماً وقد اجتمع عنده قوم من أصحابه وقد كانوا يتنازعون في الحديثين المختلفين عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في الشيء الواحد ، فقال عليه السلام : إنّ اللّه عزّوجلّ حرّم حراماً وأحلّ حلالاً وفرض فرائض ، فما جاء في تحليل ما حرّم اللّه أو تحريم ما أحلّ اللّه أو دفع فريضة في كتاب اللّه رسمها بيّن قائم بلا ناسخ نسخ ذلك ، فذلك ما لا يسع الأخذ به ، لأنّ

ص: 221


1- راجع الحاشيتين الآتيتين في الصفحة : 297 و 307.
2- وسائل الشيعة 27 : 122 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 44.

رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لم يكن ليحرّم ما أحلّ اللّه ، ولا ليحلّل ما حرّم اللّه عزّوجلّ ، ولا ليغيّر فرائض اللّه وأحكامه ، كان في ذلك كلّه متّبعاً مسلّماً مؤدّياً عن اللّه عزّوجلّ ، وذلك قول اللّه عزّوجلّ : ( إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ ) (1) ، فكان صلى اللّه عليه وآله متّبعاً لله مؤدّياً عن اللّه عزّوجلّ ما أمره به من تبليغ الرسالة ، قلت : فإنّه يرد عنكم الحديث في الشيء عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ممّا ليس في الكتاب وهو في السنّة ثمّ يرد خلافه ، فقال : وكذلك قد نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عن أشياء نهي حرام فوافق نهيه في ذلك نهي اللّه تعالى ، وأمر بأشياء فصار ذلك الأمر واجباً لازماً كعدل فرائض اللّه تعالى ووافق في ذلك أمره أمر اللّه ، فما جاء في النهي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله نهي حرام ثمّ جاء خلافه لم يسع استعمال ذلك ، وكذلك فيما أمر به ، لأنّا لا نرخّص فيما لم يرخّص فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ولا نأمر بخلاف ما أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إلاّلعلّة خوف ضرورة ، فأمّا أن نستحلّ ما حرّم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أو نحرّم ما استحلّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فلا يكون ذلك أبداً ، لأنّا تابعون لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله مسلّمون له كما كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله تابعاً لأمر ربّه عزّوجلّ مسلّماً له ، وقال اللّه عزّوجلّ : ( ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (2) ، وإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله نهى عن أشياء ليس نهي حرام بل إعافة وكراهة ، وأمر بأشياء ليس أمر فرض ولا واجب ، بل أمر فضل ورجحان في الدين ، ثمّ رخّص في ذلك للمعلول وغير المعلول ، فما كان عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله نهي إعافة أو أمر فضل فذلك الذي يسع استعمال الرخص فيه ، إذا ورد عليكم عنّا فيه الخبر باتّفاق يرويه من يرويه في النهي ولا ينكره ، وكان الخبران صحيحين معروفين باتّفاق الناقلة فيهما ، يجب الأخذ بأحدهما أو بهما

ص: 222


1- الأنعام 6 : 50 ، يونس 10 : 15 ، الأحقاف 46 : 9.
2- الحشر 59 : 7.

جميعاً أو بأيّهما شئت وأحببت ، موسع لك ذلك من باب التسليم لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله والردّ إليه وإلينا ، وكان تارك ذلك من باب العناد والإنكار وترك التسليم لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله مشركاً باللّه العظيم ، فما ورد عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب اللّه ، فما كان موجوداً في كتاب اللّه حلالاً أو حراماً فاتّبعوا ما وافق الكتاب ، وما لم يكن في الكتاب فاعرضوه على سنن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فما كان في السنّة موجوداً منهياً عنه نهي حرام أو مأموراً به عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أمر إلزام فاتّبعوا ما وافق نهي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وأمره ، وما كان في السنّة نهي إعافة أو كراهة ، ثمّ كان الخبر الآخر خلافه ، فذلك رخصة فيما عافه رسول اللّه وكرهه ولم يحرّمه ، فذلك الذي يسع الأخذ بهما جميعاً أو بأيّهما شئت وسعك الاختيار من باب التسليم والاتّباع والردّ إلى الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وما لم تجدوه في شيء من هذه الوجوه فردّوا إلينا علمه فنحن أولى بذلك ، ولا تقولوا فيه برأيكم ، وعليكم بالكفّ والتثبّت والوقوف وأنتم طالبون باحثون حتّى يأتيكم البيان من عندنا » قال مصنّف هذا الكتاب رحمه اللّه : كان شيخنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضى اللّه عنه سيّئ الرأي في محمّد بن عبد اللّه المسمعي راوي هذا الحديث ، وإنّما أخرجت هذا الخبر في هذا الكتاب لأنّه كان في كتاب الرحمة ، وقد قرأته عليه فلم ينكره ورواه لي (1) ، انتهى ما في العيون.

وقال في الوسائل بعد أن ذكر هذه الرواية عن العيون : أقول : ذكر الصدوق أنّه نقل هذا من كتاب الرحمة لسعد بن عبد اللّه ، وذكر في الفقيه (2) أنّه من الأُصول

ص: 223


1- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2 : 20 - 22 / 45 ( مع اختلاف يسير عمّا نقله المصنّف رحمه اللّه عن النسخة الخطّية ).
2- من لا يحضره الفقيه 1 : 3 - 4.

والكتب التي عليها المعوّل وإليها المرجع (1).

وقد نقلت هذه الرواية الشريفة على طولها من نسخة خطّية من كتاب العيون مصحّحة عليها آثار القدم ، لأنّ جميع فقراتها لا تخلو عن شاهد لما ذكرناه فهي أوّلاً بيّنت أنّ ما خالف الكتاب ليس بحجّة وأنّه ليس بصادر عنهم ، وكذلك ما خالف السنّة الالزامية من الأوامر والنواهي والفرائض وإن لم يكن مخالفاً للكتاب ، وأنّه لا ترخيص في المخالفة في مثل ذلك ولا توسعة فيه ، فلو ورد ما يكون مشتملاً على مثل تلك المخالفة وجب طرحه ، سواء كان له معارض أو لم يكن ، أمّا ما يكون من السنّة من قبيل المستحبّ والمكروه وقد ورد ما يدلّ على الترخيص في ذلك ، وكان ذلك الوارد متّفقاً عليه ، بحيث إنّه يرويه من كان راوياً لذلك الأمر أو النهي ، فلا بأس بالأخذ به من باب التسليم ، بل لا يجوز ترك الأخذ به من باب عدم التسليم أو العناد والإنكار.

ثمّ أفادت الرواية ضابط التعارض ، وأنّه يلزم عرضهما أوّلاً على الكتاب ، فإن كان فيه ما يوافق أحدهما وجب الأخذ به وطرح الآخر ، ولو لم يكن في الكتاب شيء من ذلك وجب عرضهما على السنّة ، فإن كان فيها أمر أو نهي إلزامي وجب الأخذ بما وافقها منهما وطرح الآخر ، وإن لم يكن فيها إلاّ الأمر الاستحبابي أو النهي الكراهتي وكان أحد الخبرين مخالفاً لذلك الأمر الاستحبابي أو لذلك النهي الكراهتي ، كان مفاد ذلك الخبر هو الترخيص في ذلك المستحبّ أو ذلك المكروه ، وكان المورد حينئذ هو مورد الحكم منهم عليه السلام وقولهم بأنّه يسع الأخذ بهما جميعاً أو بأحدهما وبأيّهما شئت وسعك ، ونحو ذلك من عبائرهم عليهم السلام في التخيير والتوسعة.

ص: 224


1- وسائل الشيعة 27 : 115 / أبواب صفات القاضي ب 9 ، ذيل ح 21.

وما كان خارجاً عن هذه الضوابط الثلاث من موارد التعارض وجب ردّه إليهم ، وأنّهم عليهم السلام أولى به ، ولا يجوز فيه القول بالرأي ، وأنّه يجب فيه التوقّف والبحث والطلب وعدم القول والفتوى بشيء ممّا دلّ عليه المتعارضان حتّى يأتي البيان فيه منهم عليهم الصلاة والسلام.

ومقتضى إطلاق التوقّف هو عدم الترجيح بشيء من المرجّحات ، ويخرج منه ما لو كان أحدهما موافقاً للعامّة ، فإنّه يلزم الأخذ فيه بما خالفهم ، لما تقدّم من الأدلّة ، ويخرج عنه ما لو كان أحدهما مشهوراً معروفاً بخلاف الآخر النادر ، فإنّه يلزم الأخذ فيه بالأوّل لما عرفت من كون المجمع عليه لا ريب فيه ، وأنّ النادر لا يحصل فيه ملاك الحجّية وهو الوثوق والاطمئنان ، أمّا المرجّحات الأُخر فلا يمكن الحكم بها إلاّبدليل يكون مقدّماً على هذا الاطلاق ، هذا.

ولكن المحقّق الرشتي قدس سره قد ذكر هذه الرواية واستدلال صاحب الوسائل بها على انحصار التخيير في الأحكام غير الالزامية ، ثمّ قال : وفيه : أنّه لا دلالة ولا مساس لها بالمقام ، بل هي من أخبار الترجيح بالكتاب والسنّة ، وأنّه مع عدم الترجيح وجب التوقّف في القول لا في العمل ، فإن كان فيها دلالة على شيء فهي من عموم أخبار التوقّف في تعارض الأخبار ، وأين هذا من التخيير في المستحبّات والتوقّف في الواجبات.

والحاصل : أنّها تدلّ أوّلاً على التوقّف في القول لا في العمل. وثانياً : أنّها من الأخبار المطلقة لا المفصّلة ، وأمّا الأخذ من باب التسليم فيما لو تعارض الكراهة والرخصة كما تدلّ عليه فهو من فروع الجمع لا من فروع التخيير.

ومحصّل هذه الرواية على ما يظهر لمن تأمّل في جميع فقراتها التي لم ينقل جلّها بطولها : أنّه قد يجمع بين نواهي الرسول صلى اللّه عليه وآله وبين ما ورد من أهل

ص: 225

البيت من خلافه ، بأن كان النهي نهي كراهة وتنزيه لا نهي تحريم وإلزام ، وقد يطرح فيما خالفها من أخبار أهل البيت عليهم السلام كما إذا كان نهي إلزام أو أمر إلزام ، ويستفاد منه ذلك ، وأنّه لابدّ للفقيه من التأمّل وعدم البدار إلى طرح ما خالف السنّة حتّى يعرف حال النهي المروي عن النبي صلى اللّه عليه وآله أنّه نهي عافية (1) أو نهي عزيمة ، وهذا المعنى لا مساس له بما نحن فيه أصلاً ، إلى آخر كلامه فراجعه (2).

ولكنّك قد عرفت أنّها بصدد بيان حكم التعارض ، وبيان أنّ حديث التوسعة في الأخذ بأيّهما شئت مختصّ بخصوص ذلك القسم من التعارض ، فتكون حاكمة على ما دلّ على التوسعة ، وأنّ ما عدا تلك الموارد الترخيصية لا توسعة فيها ، وأنّه يجب التوقّف فيها.

فراجع وتأمّل في فقرات الرواية الشريفة ، خصوصاً ذلك التقسيم الثلاثي الذي تضمّنه قوله عليه السلام : « فما ورد عليكم من حديثين مختلفين » إلى آخره ، فإنّه عليه السلام أمر أوّلاً بعرضهما على الكتاب وأمر بأخذ ما وافقه وطرح ما خالفه ، وثانياً بعرضهما على السنّة ، فإن كان فيها ما يتضمّن الالزام ، كان اللازم هو طرح ما خالف ذلك ، وإن لم يكن إلاّ التنزيه والاستحباب ، لم يكن ذلك موجباً لطرح المخالف الدالّ على الترخيص ، وكان ذلك هو المعني به من حديث التوسعة.

وثالثاً أنّ ما كان خارجاً عن هذه الضوابط كان الحكم فيه هو التوقّف في الفتوى الذي يكون لازمه هو التساقط.

ولا يخفى أنّ كون حمل المخالف للسنّة التنزيهية على الترخيص من باب الجمع الدلالي لا ينافي أصل المطلب ، وهو تعرّض الرواية لشرح التوسعة وبيان

ص: 226


1- [ هكذا في المصدر والمذكور في الحديث : إعافة ].
2- بدائع الأفكار : 424.

انحصار موردها في خصوص هذا القسم.

نعم ، يبقى شيء أشار إليه ، وهو أنّ التوقّف الذي أمرت به الرواية هو التوقّف في الفتوى ، وهو لا ينافي التخيير العملي الذي دلّت عليه أخباره ، لكن ذلك مبني على أنّ مفاد أخبار التخيير هو التخيير العملي ، أعني كونه تخييراً في المسألة الفرعية ، وقد عرفت أنّه تخيير في المسألة الأُصولية ، هذا.

مضافاً إلى أنّ ما دلّت عليه هذه الرواية من بيان انحصار التوسعة بخصوص الأحكام غير الالزامية كافٍ في إسقاط عموم تلك الروايات لغير هذه الأحكام.

ثمّ إنّ المرحوم السيّد محمّد كاظم قدس سره في رسالته تعرّض لهذه الرواية واستدلال صاحب الوسائل (1) بها ، وأجاب عنها بأنّها ليست ناظرة إلى التخيير بين الخبرين من حيث إنّهما خبران كما بيّناه سابقاً ، كيف ولو كان المراد ذلك لزم التخيير ولو مع وجود المرجّح وهو موافقة أحدهما للسنّة ، وهذا باطل ، فلو دلّ أحدهما على استحباب شيء والآخر على كراهته مثلاً ، وفرض أنّ السنّة مطابقة لأحدهما ، فلا يعقل التخيير ، وهذا يعيّن ما ذكرنا من أنّ المراد جواز العمل بالخبرين من حيث إنّ الحكم غير إلزامي ويجوز تركه ، وهذا واضح غايته ، خصوصاً بعد التأمّل في تمام الخبر ، فراجع (2). وأشار بذلك إلى ما تقدّم منه في هذه الرواية (3).

وفيه : أنّ الترخيص [ في ] الرواية وإن كان لأجل ما أُفيد من كون الحكم غير إلزامي ، وأنّه ليس من قبيل التخيير بين الخبرين ، إلاّ أنّها دالّة على أنّ التوسعة

ص: 227


1- وسائل الشيعة 27 : 108 - 109 / أبواب صفات القاضي ب 9 ذيل ح 6.
2- كتاب التعارض : 257 - 258.
3- المصدر المتقدّم : 242.

والترخيص مختصّ بمثل ذلك المورد ، وأنّ ما عداه لا توسعة فيه ولا ترخيص ، وذلك كافٍ في حكومتها على أدلّة التخيير والتوسعة بأيّ معنى فسّرنا تلك التوسعة التي نطقت بها رواياتها.

نعم ، مقتضى هذا الحصر في هذه الرواية هو لزوم حمل قوله عليه السلام : « موسّع عليك » على هذه التوسعة التي تضمّنتها هذه الرواية ، دون غيرها من التوسعة والتخيير في الحجّية أو في العمل بقول مطلق ، فراجع وتأمّل.

وعلى كلّ ، فالمراد من التوسعة في هذه الرواية هي التوسعة من حيث العمل لا من حيث الحجّية ، وحينئذ يمكن الالتزام بالتوسعة العملية في الخبرين اللذين يتضمّن أحدهما الأمر غير الإلزامي والآخر النهي غير الإلزامي حتّى لو كان أحدهما موافقاً للسنّة دون الآخر ، فلاحظ.

هذا كلّه في مقابلة هذه الرواية الشريفة مع روايات التخيير ، مثل رواية الحسن بن الجهم (1) ورواية الحارث بن المغيرة (2) وغيرهما.

أمّا مرفوعة العوالي (3) فهي بالاعراض عنها أولى ، لأنّ صاحب الكتاب ينقلها عن العلاّمة ، وبينه وبين عصر العلاّمة قدس سره ما يزيد على المائة سنة ، فيبعد كلّ البعد أن يكون ذلك النقل من قبيل النقل الشفاهي ولو بالوسائط ، فلابدّ أن يكون النقل عن بعض كتب العلاّمة ، ولم يعثر عليها أحد في شيء من كتب العلاّمة قدس سره ولو كان لبان.

ص: 228


1- وسائل الشيعة 27 : 121 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 40.
2- وسائل الشيعة 27 : 122 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 41.
3- عوالي اللآلي 4 : 133 / 229 ، مستدرك الوسائل 17 : 303 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 2.

مضافاً إلى أنّها إنّما حكمت بالتخيير في خصوص ما لو كان كلّ منهما موافقاً للاحتياط ، أو كان كلّ منهما مخالفاً له ، ولا إشكال في الثاني ، لأنّه من الأحكام الالزامية ، كما أنّه لو كان الأوّل من قبيل الدوران بين المحذورين لا إشكال فيه في التخيير ، سيّما إذا أخذناه عملياً.

وأمّا الضدّان مثل صلاة الظهر والجمعة ، فإن علمنا من الخارج بوجوب أحدهما لزمنا الاحتياط ، وإلاّ كان محصّل التخيير فيه هو الرجوع إلى البراءة وعدم الحرج على نمط التخيير في المحذورين ، وفيه تأمّل ، والأولى طرحها.

قوله : والإشكال عليها بأنّ موردها اختلاف الحَكَمين في مستند حكمهما ، وفي مثله لا بدّ من الترجيح ، لعدم قطع الخصومة بالتخيير ... الخ (1).

هذا الإشكال وما بعده للكفاية (2) ، فإنّه قدس سره أشكل أوّلاً : بأنّ هذا الترجيح لأحد الحكمين على الآخر لا لإحدى الروايتين على الأُخرى.

وثانياً : باختصاص المقبولة (3) بامكان الحضور ، فلا تشمل زمان الغيبة.

وثالثاً : أنّه لو التزمنا بالترجيح وتقديم أخباره على أخبار التخيير ، وقيّدنا أخبار التخيير بما عدا موارد الترجيح ، لكان ذلك من باب التخصيص المستهجن لندرة عدم المرجّح.

ثمّ أشكل رابعاً على بعض المرجّحات ، وأنّها ليست من قبيل الترجيح ، بل

ص: 229


1- فوائد الأُصول 4 : 771 [ يتلو التعليق على هذه العبارة تعليق آخر على نفس العبارة ].
2- كفاية الأُصول : 443 - 445.
3- وسائل الشيعة 27 : 106 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1.

من قبيل المائز بين الحجّة وغيرها. وقول شيخنا قدس سره هنا تعريض بالجواب عن هذه الإشكالات.

وقد حرّرت عنه قدس سره في مقام الجواب عن الإشكال الأوّل ما نصّه : أنّ التخيير لو كان في المسألة الفرعية لكان الفرق بينه وبين القضاء تامّاً ، أمّا لو كان في المسألة الأُصولية ، أعني كون التخيير في الحجّية كما هو المختار ، لكان البابان - أعني باب القضاء وباب الافتاء - باباً واحداً ، حيث إنّ التخيير في كلّ منهما يكون في الحجّة والمدرك ، غير أنّه في باب القضاء يكون في مدرك الحكم ، وفي باب الافتاء يكون في مدرك الفتوى ، فإذا وجب الترجيح وتعيّن الأخذ بما هو الراجح في مدرك القضاء ، وجب ذلك وتعيّن الأخذ به في مقام الافتاء ، ولا معنى للتفكيك حينئذ بين البابين ، انتهى. وهو عين ما أُفيد هنا بقوله : فإنّ الترجيح إنّما يكون في مقابل التخيير ، وقد عرفت أنّ التخيير إنّما يكون في المسألة الأُصولية الخ (1).

لكنّه قابل للتأمّل ، فإنّ الترجيح في الرواية المزبورة - أعني المقبولة - إنّما يكون في مقابل التوقّف المأمور به أخيراً عند التساوي لا التخيير ، ومن الواضح أنّ التوقّف هنا بل التخيير لو كان بل الترجيح إنّما هو راجع إلى غير الحاكمين ، بمعنى أنّ الرواية إنّما تتعرّض سؤالاً وجواباً لكسب التكليف عند اختلاف الحاكمين ، فالترجيح والتخيير أو التوقّف إنّما يكون بالقياس إلى غير الحاكمين ، وحينئذ لا يكون لذلك دخل في كونه راجعاً إلى المسألة الأُصولية.

نعم ، إنّ حكم الحاكم كفتواه لابدّ أن يكون لمستند ، وأنّه في صورة تعارض الروايتين عند الحاكم أو المفتي لابدّ أن يرجّح إحداهما على الأُخرى أو

ص: 230


1- فوائد الأُصول 4 : 772.

يتخيّر بينهما ، فيحكم أو يفتي على طبق الراجح أو المختار أو يتوقّف في ذلك ، كلّ ذلك ممّا يرجع إلى المسألة الأُصولية ، أعني مدرك الحكم أو مدرك الفتوى.

لكن الرواية سؤالاً وكذلك جواباً لا تعرّض لها بالنسبة إلى الحاكمين نفسهما ، وأنّه ماذا يكون تكليفهما ، وإنّما المسؤول [ عنه ] هو تكليف غيرهما ، فعلى تقدير أن يكون في البين ترجيح فإنّما هو في ترجيح ذلك الغير أحد الحكمين على الآخر ، لا في ترجيح إحدى الروايتين على الأُخرى في مقام الافتاء بها أو العمل على طبقها.

وكأنّ شيخنا قدس سره حسبما في التحرير فهم من الإشكال أنّ مراد المستشكل هو أنّ المنظور في الترجيح هو ترجيح الحاكم إحدى الروايتين على الأُخرى ، ولا إشكال في أنّه لا مورد فيه للفتوى بالتخيير ، لعدم انقطاع الخصومة بالفتوى بالتخيير ، وحينئذ يتّجه ما أفاده قدس سره من الجواب بأنّ هذا الإشكال إنّما يتوجّه لو قلنا بأنّ المراد من التخيير هو التخيير في المسألة الفرعية أعني الفتوى بالتخيير ، لأنّ لزوم ترجيح إحدى الروايتين على الأُخرى في مقام الحكم لا ينافي التخيير العملي المذكور ، لأنّه في غير مقام الحكم.

والخلاصة : هي أنّه لو كان التخيير الذي دلّت عليه رواياته هو الفتوى بالتخيير ، فلا يمكن أن يتأتّى للحاكم في مقام الخصومة ، لأنّ فتواه بالتخيير العملي للمتخاصمين لا يرفع الخصومة بينهما ، بل لابدّ له من أن يرجّح إحدى الروايتين على الأُخرى ، وهو ما دلّت عليه المقبولة ، لأنّ الخصومة لا ترتفع إلاّ بترجيح إحدى الروايتين على الأُخرى ، ليتسنّى للحاكم الحكم على طبق الراجح منه.

وهذا هو الذي أفاده في الكفاية بقوله : إنّ رفع الخصومة بالحكومة - إلى

ص: 231

قوله - لا يكاد يكون إلاّبالترجيح الخ (1) ، وحينئذ يتوجّه عليه إشكال شيخنا قدس سره بأنّ ذلك مبني على كون التخيير الذي دلّت عليه رواياته هو التخيير العملي ، إذ لو قلنا كما تقدّم إنّ التخيير المذكور هو التخيير في المسألة الأُصولية لم تكن الخصومة مانعة منه ، لأنّ الحاكم يختار إحدى الروايتين فيحكم على طبقها ، كما يختارها في مقام الفتوى فيفتي على طبقها.

لكن لا يخفى أنّ صاحب الكفاية لا يقول بكون التخيير عملياً ، بل إنّ نظره هو كونه تخييراً في المسألة الأُصولية كما سيأتي في قوله : ثمّ لا إشكال في الافتاء بما اختاره من الخبرين في عمل نفسه وعمل مقلّديه ، ولا وجه للافتاء بالتخيير في المسألة الفرعية لعدم الدليل عليه (2).

ولعلّ مراده من قوله هنا : إنّ رفع الخصومة بالحكومة في صورة تعارض الحكمين وتعارض ما استندا إليه من الروايتين لا يكاد يكون إلاّبالترجيح الخ (3) ، ليس ما عرفت من البناء على كون التخيير الذي دلّت عليه رواياته [ هو التخيير العملي ] لأنّه خلاف مذهبه ، بل مراده أنّ التخيير هو التخيير في المسألة الأُصولية ، ولكن لا يجري في مقام التخاصم تخيير المتخاصمين بين الروايتين أو بين الحكمين ، لأنّ كلاً منهما يختار ما يوافقه ، فلابدّ حينئذ من الترجيح ، هذا.

ولكن لا يخفى أنّه لا محصّل لتخيير المتخاصمين بين الروايتين تخييراً أُصولياً ، وإنّما ذلك للحاكم لا لهما ، وقد عرفت [ أنّه ] لا مانع من تخيير الحاكم تخييراً أُصولياً بأن يختار إحداهما فيحكم على طبقها.

ص: 232


1- كفاية الأُصول : 443.
2- كفاية الأُصول : 446.
3- كفاية الأُصول : 443.

ثمّ لا يخفى أنّ مرفوعة العوالي (1) ليست في مقام الخصومة ، فلا وجه لقوله : لقوّة احتمال اختصاص الترجيح بها بمورد الحكومة لرفع المنازعة وفصل الخصومة كما هو موردهما الخ (2) ، إلاّ أن يقال : إنّ الصحيح موردها ، ولكن أخطأ الناسخ فعبّر بموردهما ، فلاحظ.

ثمّ لا يخفى أنّا قد أنكرنا دلالة الأخبار على التخيير ، إمّا لتحكيم رواية العيون (3) ، وإمّا لدعوى كون المراد من التوسعة هو التوسعة من ناحية الخبرين ، وهو عين الارجاء والتوقّف والتساقط ، ومع ذلك لابدّ لنا من التكلّم على المقبولة من حيث لزوم الترجيح في قبال أصالة التساقط ، أو في قبال أخبار التوسعة الدالّة على التساقط ، وقد عرفت أنّ صدر المقبولة ليس في مقام ترجيح إحدى الروايتين ، بل في ترجيح أحد الحكمين على الآخر أو إحدى الفتويين على الأُخرى ، وأمّا ذيلها فليس هو من باب الترجيح ، بل من باب تمييز الحجّة عن غيرها ، فلا دلالة في المقبولة على الترجيح فلاحظ.

ويؤيّد ما ذكرناه من كون صدر المقبولة في مقام ترجيح إحدى الفتويين على الأُخرى ، أو ترجيح أحد الحكمين على الحكم الآخر ، لا في مقام ترجيح إحدى الروايتين على الأُخرى ، ما ذكره في الوسائل بعد فراغه عن الكلام في المقبولة [ وهو ] ما نقله عن داود بن الحصين عن أبي عبد اللّه عليه السلام « في رجلين اتّفقا على عدلين جعلاهما بينهما في حكم وقع بينهما فيه خلاف ، فرضيا

ص: 233


1- عوالي اللآلي 4 : 133 / 229 ، مستدرك الوسائل 17 : 303 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 2.
2- كفاية الأُصول : 443.
3- المتقدّمة في الصفحة : 221 وما بعدها.

بالعدلين ، فاختلف العدلان بينهما ، عن قول أيّهما يمضي الحكم؟ قال : ينظر إلى أفقههما وأعلمهما بأحاديثنا وأورعهما فينفذ حكمه ، ولا يلتفت إلى الآخر » (1) فإنّه صريح في كون المقابلة بين الفتويين أو بين الحكمين ، إذ ليس فيه ذكر للرواية أصلاً ، فلاحظ.

وكذلك ما نقله في أُخريات الباب عن موسى بن أكيل عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « سئل عن رجل يكون بينه وبين أخ له منازعة في حقّ ، فيتّفقان على رجلين يكونان بينهما ، فحكما فاختلفا فيما حكما ، قال عليه السلام : وكيف يختلفان؟ قلت : حكم كلّ واحد منهما للذي اختاره الخصمان ، قال عليه السلام : ينظر إلى أعدلهما وأفقههما في دين اللّه فيمضي حكمه » (2).

قوله : والإشكال عليها بأنّ موردها اختلاف الحكمين ... الخ (3).

الأولى في الجواب أن يقال : إنّ هذه القضية من قضاء التحكيم ، وبعد اختيار الاثنين واختلافهما فيما وقع فيه النزاع ، يسقط تحكيمهما وتعود المسألة كما كانت قبل تحكيمهما ، لكن على المتخاصمين أن يجتهدا في مسألتهما وينظرا إلى الروايتين اللتين استند أحد القاضيين إلى إحداهما والآخر إلى الأُخرى ، ويرجّحا ما هو الراجح بينهما بالترتيب الذي أفادته المقبولة (4) ، نعم لو اختلف المتخاصمان في الترجيح كانا كمجتهدين وقع النزاع بينهما في إرث ونحوه فعليهما الترافع إلى مجتهد آخر.

ص: 234


1- وسائل الشيعة 27 : 113 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 20.
2- وسائل الشيعة 27 : 123 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 45.
3- فوائد الأُصول 4 : 771.
4- وسائل الشيعة 27 : 106 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1.

وأمّا الجواب عن الإشكال الثاني بأنّ اختصاص التوقّف بزمان الحضور لا يقتضي اختصاص الترجيح به (1) ، فلا يخلو عن تأمّل ، فإنّه يوجب التفكيك بين مورد الصدر فيجعل للأعمّ من زمان الحضور ، ومورد الذيل فيجعل لخصوص زمان الحضور.

ولكن لا يبعد أن لا يكون المراد من قوله عليه السلام : « حتّى تلقى إمامك » الاختصاص بزمان الحضور ، بل هو كناية عن التوقّف ولزوم الاحتياط إلى أن يلقى الإمام عليه السلام وإن طال الأمد ، فإنّ قوله عليه السلام : « فإنّ الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة » هو تلك الجملة الجارية في جميع موارد عدم قيام الحجّة ، فلا تدلّ المقبولة على أزيد من السقوط عند التساوي والتعارض ، غايته أنّها تدلّ على لزوم الاحتياط ، فهي من هذه الجهة حالها حال أخبار الاحتياط.

ثمّ لا يخفى أنّ أجمع الأخبار للمرجّحات هو المقبولة ، ويمكن القول بأنّ ما اشتملت عليه ليس من المرجّحات ، بل هو من قبيل التمييز للحجّة عمّا ليس بحجّة ، فإنّ الخبر الموافق للعامّة إن لم يعضد بشيء آخر لا يكون حجّة ، وكذلك المخالف للكتاب والسنّة على حذو ما ورد في أصل حجّية الخبر من ردّ ما خالف الكتاب والسنّة ، غايته أنّه يحتاج إلى تحديد في تلك المخالفة أو اعتبار الموافقة ، وقد تعرّض له الجماعة في أوائل حجّية خبر الواحد ، فلم تأت المقبولة من ناحية هذين المرجّحين بشيء جديد ، وكذلك الحال في المشهور والنادر ، فإنّ النادر في نفسه ليس بحجّة ، وعلى ذلك جرى المرتضى قدس سره (2) وغيره (3) في قولهم بعدم

ص: 235


1- فوائد الأُصول 4 : 773.
2- رسائل الشريف المرتضى 1 : 24 ، 3 : 309 ، الذريعة إلى أُصول الشريعة : 371.
3- منهم السيّد ابن زهرة رحمه اللّه ، في غنية النزوع 1 : 356 ، وابن إدريس الحلّي رحمه اللّه في السرائر 1 : 50 والطبرسي رحمه اللّه راجع مجمع البيان 7 : 103 ذيل آية 79 من سورة الأنبياء.

حجّية أخبار الآحاد مع أنّ عملهم في الفقه عليه.

وعمدة ما يقال في توجيه كلماتهم : هو أنّ الواحد الشاذّ النادر الذي لم يعرفه الأصحاب لا يكون حجّة ، بل نحن نقول بما هو أعظم من ذلك ، وهو أنّ الخبر غير المعمول به عند مشايخنا المعرض عنه في فقههم لا يكون حجّة لعدم ركون النفس إليه ، فلم يبق باليد إلاّ الترجيح بصفات الراوي.

ويمكن الجري فيها على هذا الأساس ، وهو أنّ الحجّة ما ركنت النفس إليه وحصل الوثوق به ، وما يرويه غير الأعدل في قبال ما يرويه الأعدل لا تطمئن به النفس ، فيكون ساقط الحجّية في خصوص المقابلة بإخبار الأعدل وإن لم يكن فيه قصور لو لم يكن في قباله خبر الأعدل.

ويمكن الجري على هذا الأساس في مخالفة العامّة وموافقتهم ، بأن نقول إنّ مجرّد موافقة العامّة في حدّ نفسها لا تكون مسقطة عن الحجّية إلاّ إذا انضمّ إليها جهات أُخر ، ومن جملتها ما لو كانت للخبر الموافق لهم معارضة بخبر مخالف لهم بل يمكن أن يكون الحال كذلك في غير المشهور في قبال المشهور ، فلاحظ وتدبّر.

وينبغي مراجعة ما أفاده شيخنا قدس سره (1) في آخر الكتاب في تعارض العموم من وجه ، فإنّه منع من الترجيح الصدوري وسوّغ الترجيح الجهتي والترجيح المضموني ، ومع التساوي أفاد أنّ اللازم قياساً على غيره هو التخيير لكنّهم قد بنوا

ص: 236


1- فوائد الأُصول 4 : 792 / الأمر الخامس.

على التساقط.

ولا يخفى أنّه يمكن القول بأنّه لا مانع من المرجّح الصدوري ، إذ ليس معناه أنّ المرجوح صدوراً محكوم بأنّه غير صادر ، بل أقصى ما في البين هو عدم إجراء دليل « صدّق » فيه ، بمعنى عدم وجوب العمل على طبق مؤدّاه ، وهذا قابل للتبعيض ، نظير ما لو كان مشتملاً على جملتين.

وما أفاده من الجواب بأنّه ليس في البين جمل متعدّدة ، قابل للتأمّل ، فإنّه قد جرى على ذلك في المرجّح الجهتي ، فحكم بسقوطه في مورد التعارض ، ولا معنى لسقوطه إلاّعدم العمل به في بعض أنواعه أو أفراده الذي هو مورد المعارضة.

وهكذا الحال في المرجّح المضموني ، فإنّ أحد العامين من وجه لو كان بعمومه لمورد المعارضة مخالفاً للكتاب في قبال العام الآخر الذي يكون بعمومه لمورد المعارضة موافقاً للكتاب أو لا يكون موافقاً للكتاب ولا مخالفاً له ، فترجيح الموافق ترجيح صدوري ، ولو سلّمنا إخراجه عن المرجّح الصدوري وجعلناه مرجّحاً آخر نظير جهات الصدور ، كان إسقاط ذلك المخالف في خصوص مورد التعارض تبعيضاً في وجوب العمل ولزوم التصديق في بعض المدلول دون بعض ، وهو الذي أوجب عليه إنكار إجراء المرجّح الصدوري في العامين من وجه.

ثمّ بعد اللتيا والتي يكون الحكم عند التساوي هو التخيير بناءً على أصلهم الذي أصّلوه ، فلِمَ لا يرجعون إليه في مورد العموم من وجه ، بل يرجعون إلى الأصل الذي عرفته وهو التساقط ، فلاحظ وتدبّر.

ص: 237

وبناءً على ما ذكرناه من التساقط يكون الأصل مرجعاً عند التساقط لا أنّه مرجّح لأحد المتعارضين.

نعم ، فرق واضح بين المرجّح الصدوري والمرجّح الجهتي ، فإنّ الخبر الموافق للعامّة يمكن القول بأنّه قد صدر تقيّة فهو لا ينافي أصل الصدور ، بخلاف غيره من المرجّحات.

لكن هذا الفرق لا دخل له بما نحن بصدده من إمكان التبعيض في مدلول المتن الذي هو العام ، فنحكم بسقوطه في مورد المعارضة ، بمعنى سقوط دليل وجوب التصديق به في ذلك المورد الذي هو مورد المعارضة ، دون بقيّة الموارد التي لا معارضة فيها ، ومعنى المرجّح الصدوري لا يزيد على ذلك ، بمعنى أنّ المرجوح يكون ساقطاً عن دليل وجوب التصديق ، لا أنّه محكوم بعدم صدوره كي يقال إنّه لا يمكن التبعيض في هذه الجهة في المتن الواحد بل في الجملتين من متن واحد ، فإنّه لا يمكن الحكم بصدور إحداهما دون الأُخرى ، فلاحظ.

قوله : كما لا ينبغي الإشكال على الاستدلال بها ، بأنّ الظاهر من قوله عليه السلام في الذيل : « إذا كان ذلك فأرجه حتّى تلقى إمامك » (1) - إلى قوله - فإنّ اختصاص التوقّف بزمان الحضور لا يقتضي اختصاص الترجيح به (2).

هذا إشارة إلى الإشكال الثاني من إشكالات الكفاية وجوابه ، وقد حرّرت عنه قدس سره في الجواب ما نصّه : إنّ ذلك - أعني الاختصاص - إنّما هو قيد عقلي مستفاد من قوله عليه السلام : « حتّى تلقى إمامك » فلا يوجب إلاّ اختصاص التوقّف

ص: 238


1- وسائل الشيعة 27 : 107 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1.
2- فوائد الأُصول 4 : 773.

المأمور به عند التساوي بحال الحضور ، دون ما تقدّم عليه من الترجيح بالأُمور المذكورة ، انتهى.

ولكنّه مع ذلك قابل للتأمّل ، فإنّ الترجيح عند شيخنا قدس سره إنّما هو في قبال التخيير ، والتخيير عنده مختصّ بزمان الغيبة ، فيكون الترجيح أيضاً مختصّاً بزمان الغيبة ، وحينئذ يكون ما تضمّنه صدر الرواية من الترجيح راجعاً إلى حكم زمان الغيبة ، وما تضمّنه ذيلها وهو التوقّف عند التساوي راجع إلى زمان الحضور ، ولا يخلو حينئذ من غرابة ، إذ الأنسب أن يقول عليه السلام عند فرض التساوي : إذن فتخيّر.

نعم ، يمكن أن يقال : إنّ ما تضمّنه صدرها من الترجيح مطلق شامل لزمان الغيبة والحضور ، وذيلها وهو التوقّف يختصّ بزمان الحضور.

كما أنّ دعوى الكفاية (1) من كون الترجيح منحصراً بزمان الحضور يمكن القطع بعدمها ، لأنّ الترجيح لو لم يكن الأنسب اختصاصه بزمان الغيبة فلا أقل من عدم اختصاصه بزمان الحضور الذي لا يناسبه إلاّ الارجاء حتّى الوصول إلى خدمة الإمام عليه السلام.

وهذا ممّا يؤيّد ما قدّمناه من أنّه لا ترجيح ولا تخيير ، وإنّما هو التوقّف عن الافتاء الذي هو التساقط ، وأنّ ما تعرّضت له المقبولة أوّلاً من الترجيح بالصفات إنّما هو في مقام ترجيح أحد الحكمين ، وما تعرّضت له ثانياً من الترجيح بغيرها فإنّما هو في مقام بيان الضابط والمائز بين الحجّة وغيرها. وما تعرّضت له أخيراً من التوقّف لا يكون إلاّعبارة عن التساقط ، وأنّه ليس بمختصّ بزمان الحضور ، لما تقدّم من أنّ الغاية لا تدلّ على انحصار الحكم في إمكان حصولها.

ص: 239


1- كفاية الأُصول : 444.

قوله : وكذا لا ينبغي الإشكال بمعارضة الرواية لرواية الاحتجاج - إلى قوله - وجه المعارضة هو أنّه في المقبولة كان التوقّف بعد فقد المرجّحات ، وفي رواية الاحتجاج الأمر بالعكس ، يكون الترجيح بمخالفة العامّة بعد عدم إمكان التوقّف ، لحضور وقت العمل ... الخ (1).

لا يخفى أنّ التعارض المذكور إنّما هو في ناحية الأمر بالتوقّف ، وأنّه في المقبولة (2) في طول الترجيح ، وفي رواية الاحتجاج (3) يكون الترجيح في طوله ، وهذا بعد فرض كون التوقّف مختصّاً بزمان الحضور لا أثر له فيما نحن بصدده من لزوم الترجيح وأنّ أخباره مقدّمة على أخبار التخيير.

وكان الأنسب على مسلك شيخنا قدس سره من كون أخبار التوقّف مختصّة بزمان الحضور الجواب عن الموثّقة (4) المذكورة بذلك ، وأمّا على ما سلكناه من كون مفاد كلّ من أخبار التوسعة وأخبار الارجاء هو التوقّف غير المختصّ بزمان الحضور ، فبناءً على كون هذه الأُمور الثلاثة من قبيل تمييز الحجّة عن غيرها ، فلا ينبغي الإشكال في كون التوقّف في طولها ، وكذلك الحال لو قلنا بكونها من المرجّحات ، وحينئذ يكون ما دلّت عليه هذه الموثّقة من العكس ساقطاً غير معمول به.

ص: 240


1- فوائد الأُصول 4 : 773.
2- وسائل الشيعة 27 : 106 - 107 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1.
3- الاحتجاج 2 : 265 / 235 ، وسائل الشيعة 27 : 122 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 42.
4- [ لا يخفى أنّ رواية الاحتجاج أرسلها الطبرسي رحمه اللّه عن سماعة بن مهران ، لكنّ المصنّف قدس سره وصفها بالموثّقة في غير موضع من هذه الأبحاث ، فلاحظ ].

وقد بقي الإشكال الثالث للكفاية (1) لم يتعرّض له قدس سره ، وهو إشكال التخصيص المستهجن. قال في الوسائل - بعد ذكره وجه الجمع بين أخبار التخيير وأخبار التوقّف - ما هذا لفظه : على أنّ الاختلاف من غير وجود مرجّح منصوص أصلاً لا وجود له في أحاديثهم عليهم السلام إلاّنادراً ، كما ذكره الطبرسي في الاحتجاج وغيره (2).

ولكنّ هذا الإشكال لازم للكفاية بعد بنائه على أنّ هذه المرجّحات التي تعرّضت لها المقبولة لم تكن في مقام الترجيح ، وإنّما هي في مقام تمييز الحجّة عن غيرها ، فإنّ لازم ذلك هو انحصار مورد أخبار التخيير بما عدا مورد المقبولة.

اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ ذلك ليس من قبيل التقييد وإبقاء المطلق على فرد نادر ، بل إنّ ذلك الحكم - وهو التخيير من أوّل الأمر - يكون مورده تعارض الحجّتين ، فلا يشمل موارد الترجيح المذكور لأنّه ليس منها ، ولا يكون اختصاصه حينئذ بالفرد النادر من قبيل التخصيص المستهجن ، بل هو مختصّ به من أوّل الأمر هذا ، وقد عرفت فيما تقدّم (3) ممّا شرحناه فيما يتعلّق برواية العيون انحصار التوسعة أو التخيير بخصوص الأحكام غير الالزامية ، فنكون في راحة من هذه الإشكالات ، فراجع وتأمّل.

ثمّ لا يخفى أنّه قد تقدّم (4) أنّ عمدة أخبار التخيير هي رواية الحسن بن الجهم (5) ، وأنّ رواية ابن مهزيار الواردة في مسألة النافلة في المحمل ، والمكاتبة (6)

ص: 241


1- كفاية الأُصول : 444.
2- وسائل الشيعة 27 : 121 / أبواب صفات القاضي ب 9 ، ذيل ح 39.
3- في الصفحة : 207 وما بعدها ، وكذا في هامش الصفحة : 162.
4- في الصفحة : 202 وما بعدها.
5- الآتية بعد قليل.
6- تقدّمتا في الصفحة : 206.

الواردة في التكبير الانتقالي لا شاهد فيها للتخيير المطلق في جميع أنحاء التعارض ، وأنّ رواية العوالي (1) لا يمكن الاعتماد عليها. مضافاً إلى أنّ التخيير فيها مقيّد بالتساوي من ناحية المرجّحات ، وأنّ رواية الحارث بن المغيرة (2) مختصّة بزمان الحضور ، مضافاً إلى ما عرفت من إمكان كون المراد من التوسعة في قوله عليه السلام : « إذا سمعت من أصحابك الحديث فموسّع عليك حتّى ترى القائم فترد إليه » هو نفس المراد من قوله عليه السلام : « فهو في سعة حتّى يلقاه » بعد الأمر بالارجاء في رواية سماعة : قال عليه السلام : « يرجئه حتّى يلقى من يخبره فهو في سعة حتّى يلقاه » (3) ، من أنّ المراد به هو السعة من ناحية الخبرين ، وأنّه لا يلزمه الفتوى أو العمل بأحدهما كما يفسّره روايته الأُخرى المتضمّنة لقوله عليه السلام : « لا تعمل بواحد منهما حتّى تلقى صاحبك » (4).

وحينئذ فلم يبق بأيدينا من أخبار التخيير إلاّرواية الحسن بن الجهم ، وهي ما رواه في الاحتجاج عن الحسن بن الجهم عن الرضا عليه السلام قال : « قلت للرضا عليه السلام : تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة ، قال عليه السلام : ما جاءك عنّا فقسه على كتاب اللّه وأحاديثنا ، فإن كان يشبههما فهو منّا ، وإن لم يكن يشبههما فليس منّا ، قلت : يجيئنا الرجلان (5) وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ، ولا نعلم أيّهما الحقّ ،

ص: 242


1- عوالي اللآلي 4 : 133 / 229 ، مستدرك الوسائل 17 : 303 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 2.
2- المتقدّمة في الصفحة : 202.
3- وسائل الشيعة 27 : 108 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 5.
4- وسائل الشيعة 27 : 122 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 42.
5- يجيئنا الخبران ( نسخة ) [ منه قدس سره ].

فقال عليه السلام : إذا لم تعلم فموسع عليك بأيّهما أخذت » (1).

ومن الواضح أنّ التوسعة أو التخيير فيها لمّا كان مسبوقاً بالأمر بالقياس على كتاب اللّه تعالى وأحاديثهم ، وأنّه ما يكون من الأخبار المختلفة غير مشابه لذلك فهو ليس منهم ، كان ذلك عبارة أُخرى عن التقييد للتوسعة بعدم المرجّح الذي اشتملت عليه المقبولة ، فإنّ كلاً من موافقة الكتاب والسنّة وشهرة الرواية ومخالفة العامّة الذي اشتملت عليه المقبولة داخل في الضابط المذكور ، أعني ما كان مشابهاً للكتاب وأحاديثهم عليهم السلام ، وحينئذ فيكون المراد من قوله : « ولا نعلم أيّهما الحقّ » كناية عن التساوي في المشابهة المذكورة أو في عدم المشابهة.

أمّا ما اشتملت عليه المقبولة من الترجيح بالأعدلية والأفقهية والأصدقية والأورعية فقد عرفت (2) أنّه أجنبي عن الترجيح في الرواية ، وإنّما هو مسوق لترجيح أحد الحكمين على الآخر ، ولأجل ذلك لا ترى فقيهاً رجّح رواية على أُخرى بمجرّد الأعدلية ونحوها ، وحينئذ فأين هذا المطلق الوارد في إثبات التخيير حتّى نتكلّم عليه في أنّ تقديم أخبار الترجيح عليه يكون موجباً للتخصيص المستهجن.

اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ قول الراوي : « قلت » الثانية ، ليس متّصلاً بالسؤال الأوّل ، بل هو سؤال آخر في مقام آخر ، ويكونان حينئذ روايتين صادرتين في زمانين ومقامين جمعهما الراوي في كتابه.

لكنّه خلاف الظاهر ، فإنّ شأن أرباب الكتب وإن كان ربما نقلوا ما يسمعونه

ص: 243


1- الاحتجاج 2 : 264 / 233 ، وسائل الشيعة 27 : 121 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 40.
2- في الصفحة : 216 - 219.

من الإمام عليه السلام متّصلاً بعضه ببعض بفاصل « قلت » أو « سألت » ، لكن العادة الجارية هي أنّه إذا اختلف الزمان والمقام أن يقولوا : « وقلت له » بواو العطف مع الجار والمجرور ، لا مجرّدة عن ذلك ، فإنّ التجريد عن الواو والمتعلّق يدلّ على وحدة الزمان والمقام ، وأنّها رواية واحدة متّصلة بسؤالين وجوابين ، فلابدّ أن يكون ما في الجواب الأوّل مقيّداً لما في الجواب الثاني ، وأنّ المراد من قوله : « ولا نعلم أيّهما الحقّ » هو النظر إلى ما أمر به عليه السلام من العرض على الكتاب وأخبارهم ، وأنّ ما ليس مشابهاً لها ليس منهم ، فيكون الحقّ هو ما كان مشابهاً لها والباطل هو ما ليس بمشابه ، فغرض السائل أنّه ما يكون تكليفنا عند عدم الحصول على هذا المائز والضابط إمّا لكونهما معاً مشابهين لأخبارهم ، وإمّا لعدم إمكان إحراز ذلك ولو من جهة أنّ المورد لم يكن قد ورد فيه شيء من الكتاب ولا من أخبارهم.

ومن ذلك كلّه يظهر لك أنّا لو قلنا بلزوم الترجيح لم يكن منحصراً بالمقبولة كي يتوجّه عليها ما في الكفاية من الإشكالات ونحتاج إلى تكلّف الجواب عن تلك الإشكالات بما أفاده شيخنا قدس سره.

بل ظهر لك أنّ عمدة أخبار التخيير إنّما هي رواية الحسن بن الجهم ، وهي في نفسها مقيّدة بنفس تلك المرجّحات التي تضمّنتها المقبولة. هذا كلّه على مسلك الكفاية (1) وغيرها من كون أخبار التوسعة دالّة على التخيير.

وأمّا بناءً على ما حرّرناه سابقاً (2) وأشرنا إليه من كون التوسعة فيها هي التوسعة في موثّقة سماعة ، فلا يكون لنا ما يدّل على التخيير أصلاً ، فلاحظ.

ص: 244


1- كفاية الأُصول : 442 وما بعدها.
2- راجع الأبحاث المتقدّمة في الصفحة 207 وما بعدها.

قوله : بتقريب أنّ المراد من المجمع عليه ليس هو الإجماع المصطلح بحيث تكون الرواية ممّا قد أجمع الأصحاب ورواة الأحاديث على روايتها ، وإلاّ كانت الرواية متواترة مقطوعة الصدور ... الخ (1).

قال قدس سره فيما حرّرته عنه : أنّه لابدّ من التسامح في إحدى الفقرتين ، إمّا أن يجعل المشهور كناية عن المجمع عليه بقرينة قوله عليه السلام : « فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه » (2) وإمّا أن يجعل المجمع عليه كناية عن المشهور بقرينة قوله عليه السلام : « خذ بما اشتهر » (3). وعلى الأوّل يكون المراد من قوله عليه السلام : « لا ريب فيه » أنّه لا ريب فيه حقيقة ، حيث إنّ المجمع عليه والمتّفق عليه الرواة ممّا لا ريب فيه قطعاً ، وعلى الثاني يكون عدم الريب إضافياً لا حقيقياً ، يعني أنّه بالاضافة إلى الشاذّ النادر المعارض له لا ريب فيه ، والثاني هو الأقرب ، إذ يبعد كلّ البعد أن تكون الرواية مجمعاً عليها عند جميع الرواة ، فلابدّ أن يكون المراد بذلك هو المشهور بينهم.

وحينئذ نقول : إنّ قوله عليه السلام : « فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه » من قبيل العلّة المنصوصة ، فيكون المدار في الترجيح على كون أحد المتعارضين ممّا لا ريب فيه بالنسبة إلى المعارض الآخر ليكون أرجح صدوراً منه ، ونتيجة ذلك أنّ كلّ ما كان أرجح صدوراً كان هو المقدّم ، فلا يقتصر على خصوص المرجّح المذكور ،

ص: 245


1- فوائد الأُصول 4 : 775.
2- وسائل الشيعة 27 : 106 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1.
3- [ الوارد في المقبولة هو قوله عليه السلام : « ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عندأصحابك ». وأمّا قوله عليه السلام : « خذ بما اشتهر بين أصحابك » فهو في مرفوعة زرارة المرويّة في مستدرك الوسائل 17 : 303 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1 ].

بل يتسرّى إلى كلّ مرجّح صدوري يوجب كون أحد المتعارضين ممّا لا ريب فيه بالنسبة إلى المعارض الآخر.

وأجاب قدس سره عن ذلك : بأنّ الظاهر ممّا لا ريب فيه أنّه في حدّ نفسه لا ريب فيه لاشتماله على جهة توجب الاطمئنان به وتنفي عنه الريب ، دون ما إذا كان فيه الريب في نفسه ولكنّه كان بالاضافة إلى معارضه لا ريب فيه.

قلت : وهذه الجهة - أعني كون عدم الريب إضافياً أو كونه حقيقياً - هي العمدة في المقام ، ولأجل ذلك أطال الكلام فيها في هذا الكتاب ، فإنّه بناءً على كونه على نحو الحقيقة لم يكن وجه للانتقال إلى المرجّح الخارج عمّا ذكر في الرواية ، بخلاف ما لو كان إضافياً ، فإنّ محصّله حينئذ هو كون أحد الخبرين وإن كان مشاركاً للآخر في وجود الريب فيه ، إلاّ أنّه لمّا كان احتمال الخطأ فيه أقلّ من احتماله في المعارض الآخر صحّ لنا أن نقول إنّه لا ريب فيه بالقياس إلى الآخر ، وحينئذ يكون عدم الريب عبارة عن أقلّية احتمال الخطأ ، ولازم ذلك هو تقديم كلّ ما يكون احتمال الخطأ فيه أقلّ من مقابله ، ولا ريب أنّ كلّ مرجّح تصوّرناه يكون موجباً لأقلّية احتمال الخطأ ، فيلزم الأخذ به والترجيح به.

وحينئذ ينحصر الجواب بما أُفيد في الكتاب من أنّ عدم الريب وإن لم يكن على نحو الحقيقة وكان مجامعاً للاحتمال ، إلاّ أنّه لا مانع من كونه وصفاً لاحقاً للمشهور في حدّ نفسه لا بالاضافة إلى مقابله ، إذ لا منافاة بين عدم الريب بهذا المعنى وكونه صفة لاحقة لنفس المشهور لا بالاضافة إلى مقابله.

ويكون المتحصّل من ذلك : هو أنّ العقلاء لا يرتابون في الرواية المشهورة ، وإنّما يرتابون في الرواية الشاذّة النادرة ، فلو عرض عليهم روايتان إحداهما مشهورة والأُخرى نادرة ، لم يحصل لهم الارتياب في الأُولى وحصل

ص: 246

لهم الريب في الثانية ، وإن لم يكن بين الروايتين تناف وتعارض ، ولازم ذلك هو جريهم على طبق الأُولى وتوقّفهم في الثانية ، وذلك عبارة أُخرى عن كون الأُولى حجّة في نظرهم دون الثانية ، وهو معنى ما تقدّم من كون ذلك من قبيل تمييز الحجّة عن غيرها لا من قبيل المرجّح لإحدى الحجّتين على الأُخرى.

قوله : وأمّا قوله عليه السلام : « فإنّ الرشد في خلافهم » فالأمر فيه أوضح ، فإنّ التعليل لا ينطبق على ضابط منصوص العلّة ... الخ (1).

أفاد قدس سره أنّ هذا ليس من منصوص العلّة ، بل هو من قبيل حكمة التشريع. وثانياً : أنّه لو سلّم كونه من قبيل العلّة المنصوصة فلا ينفعنا في التعدّي إلاّ إلى كلّ ما فيه خلافهم ، لأنّ الصغرى حينئذ هذا خلافهم وكلّ خلافهم رشد.

قلت : الظاهر أنّه لو قلنا إنّ ذلك من قبيل منصوص العلّة لكان قوله عليه السلام « فإنّ الرشد » الخ (2) من قبيل التعليل بصغرى لكبرى مطوية ، ويكون المتحصّل : أنّ هذا خلافهم وكلّ خلافهم رشد وكلّ رشد متّبع ، ويكون الحاصل هو التعدّي إلى كلّ ما كان فيه الرشد فتأمّل ، فإنّ التعدّي إلى كلّ ما هو رشد لازم ، ولكن الكلام في صغرى الرشد ، وأيّ مرجّح أردنا الترجيح به ممّا هو خارج عن هذه المرجّحات يكون محقّقاً لكون مورده رشداً.

وأمّا ما أُفيد من الإشكال على كون خلافهم رشداً بقول مطلق بأنّه ربما يكون قولهم مطابقاً للواقع ، فلا يخفى أنّه خارج عمّا هو المفروض من صورة عدم العلم ، فلا مانع من جعل قولهم مع قطع النظر عن الأدلّة الخارجية أمارة على

ص: 247


1- فوائد الأُصول 4 : 777.
2- وسائل الشيعة 27 : 112 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 19 ، وورد مضمونه في مقبولة عمر بن حنظلة الواردة في ح 1 من المصدر المذكور.

الفساد ، كما ربما تومئ إليه بعض الروايات المتقدّمة ، مثل تلك التي أمرت بالسؤال من فقيه البلد (1) وتلك التي علّلت الحكم بفساد قولهم بأنّهم كانوا يسألون أمير المؤمنين عليه السلام فيخالفونه (2).

والحاصل : أنّ الغرض هو أنّ قولهم في حدّ نفسه يكون أمارة على الفساد ويكون موجباً لطرح ما وافقه وإن لم يكن في البين معارض ، فضلاً عمّا إذا عارضه ما هو المخالف لهم ، وهو ما قدّمناه من كون الرواية في مقام تمييز الحجّة عن غيرها ، لا في مقام ترجيح إحدى الحجّتين على الأُخرى.

ثمّ إنّه قدس سره تعرّض للترجيح بصفات الراوي وأفاد أنّه لم يثبت الترجيح بها عن الأصحاب ، وأمّا ما تضمّنته المقبولة من الترجيح بها فليس هو ترجيح لإحدى الروايتين على الأُخرى ، بل إنّما هو من الترجيح لأحد الحكمين على الآخر من حيث صفات الحاكم كالأفقهية والأعدلية والأصدقية والأورعية ، ولأجل ذلك جعلناها دليلاً على وجوب الترافع إلى الأعلم في الشبهات الحكمية وأن ضمّ غير الأعلم إليه كضمّ الحجر في جنب الإنسان.

قلت : وقد تقدّم (3) في بعض الروايات ما يدلّ على الترجيح بذلك في مقام الحكومة من دون تعرّض لاختلاف الرواية.

ثمّ إنّه قدس سره أفاد ما حاصله : أنّهم قد استدلّوا على التعدّي مضافاً إلى ما تقدّم بما تضمّنته المقبولة من الترجيح بصفات الراوي ، فإنّه يستفاد منه تقديم كلّ ما كان من الروايتين المتعارضتين أقرب إلى الواقع.

ص: 248


1- وسائل الشيعة 27 : 115 - 116 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 23.
2- وسائل الشيعة 27 : 116 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 24.
3- في الصفحة 233 - 234.

وفيه أوّلاً : ما تقدّم من أنّ الترجيح بالصفات المذكورة إنّما هو في الحكمين المتعارضين ، فيكون الترجيح بأوصاف الحاكم لا الراوي.

وثانياً : أنّ هذا الترجيح على تقدير كونه في مقام الرواية لا يمكن أن يستفاد منه أمر كلّي ، كي يتعدّى عن هذه الصفات إلى كلّ ما كان من أفراد ذلك الكلّي وذلك واضح.

وثالثاً : أنّ هذا لو تمّ فإنّما يكون ترجيحاً من حيث الصدور لا من حيث المضمون ، فلا يتعدّى عنه إلاّ إلى ما هو أقرب صدوراً ، لا إلى ما كان أقرب إلى الواقع ، وذلك واضح.

قلت : وكأنّ مراد من قال بالتعدّي هو التعدّي إلى كلّ ما يوجب كون إحدى الروايتين أقرب إلى الواقع من الرواية الأُخرى وإن لم تكن أقرب صدوراً من الأُخرى.

تنبيه : إنّ طائفة من الروايات دلّت على الترجيح بتأخّر الصدور (1) ، لكن الأصحاب خصوصاً المتأخّرين بل جلّ المتقدّمين لم يعملوا بهذه الروايات لاختصاصها في نظرهم بزمان الحضور ، بل لم ينقل العمل بذلك إلاّعن الصدوق قدس سره في باب الوصية ، على تأمّل في كونه مخالفاً ، فراجع رسالة السيّد قدس سره في التعادل والتراجيح (2).

ولعلّ الوجه في لزوم الأخذ بالمتأخّر صدوراً هو أنّه إمّا ناسخ لسابقه ، أو أنّه يلزم العمل به وطرح ما تقدّمه لكون الأوّل تقية ، أو كون الثاني تقية مع لزوم العمل عليه لعدم كون التقية في صدوره ، بل إنّ التقية في العمل به أيضاً كما في قضية

ص: 249


1- وسائل الشيعة 27 : 109 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 7 ، 8 ، 9 ، 17.
2- كتاب التعارض : 419 - 420.

وضوء علي بن يقطين ، وعلى كلّ حال يكون العمل على الثاني.

وهذا التوجيه إنّما يتمّ مع إحراز التأخّر الزماني ، فلا يتأتّى في زماننا ، لأنّ الغالب هو عدم إحراز ذلك ، ولو فرضنا إحرازه ولو بواسطة كون أحد المتعارضين مروياً عن الإمام المتأخّر عن الإمام الذي روي عنه الآخر ، لم يكن أيضاً ذلك نافعاً في التقديم ، لما عرفت من أنّ الوجه فيه هو لزوم العمل على الثاني حتّى على فرض كونه تقية ، لكون التقية كانت في العمل به لا في مجرّد صدوره ، ومثل ذلك لا يتأتّى في زماننا ، ولأجل ذلك لم يلتزموا بهذا المرجّح.

قوله : ومنها ما يكون مرجّحاً لمضمون أحد المتعارضين ، ككون أحدهما موافقاً للكتاب ... الخ (1).

سيأتي منه قدس سره إن شاء اللّه تعالى في آخر هذا البحث (2) التشكيك في كونه مرجّحاً مستقلاً خارجاً عن المرجّحات الصدورية ، بل هو بها أشبه وأولى ، لما دلّت الروايات الكثيرة على أنّ ما خالف الكتاب باطل أو زخرف (3).

نعم ، يأتي بعد ذلك (4) إن شاء اللّه تعالى أنّ تلك الأخبار ناظرة إلى المخالفة على نحو التباين ، دون العموم من وجه ودون العموم والخصوص المطلق ، لكن الظاهر أنّ ما ذكر من المخالفة أو عدم الموافقة في المقبولة (5) هو عين تلك

ص: 250


1- فوائد الأُصول 4 : 779.
2- لعلّ المراد بذلك قول الماتن : إلاّ أن يقال إنّ موافقة الكتاب تكون من المرجّحات الصدورية ، فتأمّل. فراجع فوائد الأُصول 4 : 784.
3- وسائل الشيعة 27 : 123 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 48 ، 12 ، 14.
4- في الأمر الرابع من فوائد الأُصول 4 : 790.
5- وسائل الشيعة 27 : 106 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1.

المخالفة التي تعرّضت لها تلك الروايات ، وأنّ كون أحد المتعارضين أخصّ من الكتاب ليس بمرجّح [ للآخر ] ، فتأمّل.

قوله : الرابع : كون مضمونه تمام المراد لا جزأه ، والمتكفّل لإثبات ذلك أصالة عدم التقييد والتخصيص وقرينة المجاز ، ونحو ذلك من الأُصول اللفظية التي عليها بناء العقلاء عند الشكّ في إرادة التقييد والتخصيص والحقيقة ... الخ (1).

لم يظهر الفرق بين هذا الأمر الرابع وبين الأمر الثاني الذي ذكره بقوله : « الثاني : كونه ظاهراً في المعنى ، والمتكفّل لإثباته هو العرف واللغة ».

ولعلّ مراد شيخنا قدس سره في هذا الأمر الرابع هو ما تقدّمت الاشارة إليه من عدم مخالفة الكتاب ، بأن يكون المراد أنّ استفادة الحكم من الرواية متوقّف أوّلاً على الحكم بصدورها ، وثانياً على ثبوت ظهور متنها ، وثالثاً على كون ذلك لغير تقية ، ورابعاً على كون ذلك الصادر الظاهر الذي صدر لبيان الواقع لا للتقية لم يكن مخالفاً للكتاب والسنّة.

لكن قد تقدّم ويأتي أنّ عدم المخالفة راجعة إلى الأمر الأوّل أعني الحكم بالصدور ، وبالجملة : أنّ الحكم بالصدور متوقّف على أمرين : صحّة السند ، وكون المتن غير مخالف للكتاب.

ومن ذلك يظهر لك أنّ الأمر الرابع لا يتوقّف على الأمر الثالث ، بل إنّ الأمر بالعكس ، سواء كان ذلك الأمر الرابع راجعاً إلى الأمر الأوّل أو كان راجعاً إلى الأمر الثاني.

والحاصل : أنّ هذا الأمر الرابع إن كان عبارة عن عدم مخالفة الكتاب الذي

ص: 251


1- فوائد الأُصول 4 : 780.

هو مورد المرجّح المضموني ، كان ذلك راجعاً إلى الأمر الأوّل وهو أصل الصدور ، وإن كان عبارة عن أصالة الظهور كان راجعاً إلى الأمر الثاني. وعلى أي حال يكون الأصل فيه مقدّماً على الأصل في المقام الثالث.

ولا يبعد أن يكون المراد من الأمر الثاني الذي هو الظهور هو المرتبة الأُولى منه ، والمراد بالأمر الرابع هو المرتبة الثانية منه ، ويكون الوجه في تفرّعه وتأخّره رتبة عن الأمر الثالث هو أنّه لا يحكم على المتكلّم بأنّه قد أراد الظاهر إرادة حقيقية إلاّبعد الفراغ عن الأمر الثالث وهو عدم التقية ، فإنّ من تكلّم تقية لا يمكن الحكم عليه بأنّه أراد الظاهر إرادة جدية ، لكن بناءً على هذا التوجيه يكون الأمر الثاني متقدّماً رتبة على الأمر الأوّل ، كما شرحناه في دفع الدور المشار إليه هنا (1).

قوله : نعم ، ليس بين التعبّد بالصدور والتعبّد بالظهور ترتّب وطولية - إلى قوله - فتأمّل (2).

قد تقدّم في حواشي ص 281 (3) أنّ الذي يتوقّف عليه التعبّد بالصدور إنّما هو المرتبة الأُولى من الظهور الذي هو حاصل الجملة ، وأنّ المرتبة الثانية من الظهور وهي مرتبة الحكم على المتكلّم بأنّه أراد ما هو حاصل الجملة ، هي المتوقّفة على التعبّد بالصدور ، فلا دور كي يحتاج في الجواب عنه إلى التفكيك بالفعلية والتعليقية ، ولعلّ ذلك هو المراد من ذلك التفكيك ، فتأمّل.

وتوضيح الكلام في هذا المقام : هو أنّ همّ شيخنا قدس سره في هذا المبحث أوّلاً إثبات أنّ المرجّح الصدوري مثل الأعدلية وموافقة الشهرة مقدّم في مقام المزاحمة

ص: 252


1- راجع الحاشية المتقدّمة في الصفحة : 123 - 124 وما بعدها.
2- فوائد الأُصول 4 : 780 - 781.
3- راجع الحاشية المتقدّمة في الصفحة : 123 - 124 وما بعدها.

على المرجّح الجهتي الذي هو مخالفة العامّة في قبال الخبر الذي يكون موافقاً لهم بمعنى أنّه لو وردت روايتان متعارضتان وكان راوي إحداهما أعدل من راوي الأُخرى ، أو كانت هي المشهورة دون الأُخرى ، ولكن الأُخرى التي يرويها غير الأعدل أو التي هي غير مشهورة وشاذّة كانت مخالفة للعامّة ، وكانت تلك التي يرويها الأعدل أو المشهورة موافقة للعامّة ، فالترجيح يكون لتلك التي يرويها الأعدل أو المشهورة وإن كانت موافقة للعامّة ، ولأجل إثبات هذه الدعوى ذكر هذه الأُمور الأربعة التي يتوقّف على طيّها استفادة الحكم الشرعي من الرواية ، وهي صدور الرواية أوّلاً ، وظهورها ثانياً ، وعدم كونها تقية ثالثاً ، وكون مضمونها تمام المراد لا جزأه رابعاً ، فأفاد أنّ إثبات الأمر الثالث الذي هو عدم التقية إنّما يكون بعد إثبات الأمر الأوّل الذي هو أصل الصدور.

وحينئذ ففي الصورة المفروضة يكون اللازم أوّلاً هو النظر إلى كونهما مشمولين لدليل الصدور ، وحيث إنّ التعارض بينهما مانع من شمول دليل الصدور لكلّ منهما ، وكانت إحداهما مشتملة على الترجيح من حيث الصدور ، كان ذلك المرجّح حاكماً بأنّها هي الداخلة تحت عموم ذلك الدليل ، وأنّ الأُخرى خارجة عن عمومه ، ومع فرض هذه العملية لا تنتهي النوبة إلى التدافع بينهما في الدخول تحت الأصل الجهتي ، كي نقول إنّ الرواية الأُخرى المخالفة للعامّة مقدّمة على الأُولى الموافقة لهم ، هذا.

ولكنّه قدس سره أفاد في الأثناء توقّف الأمر الرابع على الأمر الثالث ، وتكلّم في الأمر الثاني بالنسبة إلى الأمر الأوّل ، وهل هو متوقّف عليه أو أنّهما في عرض واحد ، وتعرّض للدور ودفعه بما تقدّمت الاشارة إليه.

والكلام في هذين المطلبين متوقّف على معرفة ما أراده بالأمر الثاني والأمر

ص: 253

الرابع ، وقد تقدّمت الاشارة إلى أنّه يمكن أن يكون مراده بالأمر الثاني هو المرتبة الأُولى من الظهور أعني حاصل الجملة ، وبالرابع هو المرتبة الثانية منه أعني الحكم على المتكلّم بأنّه قد أراد الظاهر - أعني حاصل الجملة - إرادة جدّية.

لكن إذا كان مراده بالأمر الثاني هو المرتبة الأُولى من الظهور ، كان الأمر الأوّل متوقّفاً عليه ، إذ لا يمكن الحكم على أنّ هذا المتن صادر من الإمام عليه السلام إلاّ بعد فرض أنّ له ظاهراً ، ولم يكن في البين دور أصلاً حتّى نحتاج إلى دفعه بما أُفيد من التفكيك بالفعلية والتقديرية.

كما أنّه لو كان المراد بالأمر الرابع هو المرتبة الثانية من الظهور ، لم يكن وجه لتوقّفه على أصالة جهة الصدور ، بل ينبغي أن يكون الأمر بالعكس ، لأنّ أصالة كونه صادراً لبيان الواقع لا تقيّة يتوقّف على ثبوت إرادته العموم مثلاً ، فيقال حينئذ إنّه أراده لبيان الواقع لا أنّه أراده تقية.

اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ إرادة التقية تنافي كونه مريداً للعموم إرادة جدّية ، فلا يمكن الحكم على المتكلّم بأنّه مريد للعموم إرادة جدّية إلاّبعد فرض كونه قد صدر منه ذلك لا عن تقية ، بل إنّه قد صدر لبيان الواقع.

ثمّ إنّك قد عرفت أنّه لو كان المراد من الأمر الرابع ما يكون راجعاً إلى المضمون أعني عدم مخالفة الكتاب ، كان ذلك راجعاً إلى أصل الصدور ، لأنّ مخالفة الكتاب توجب عدم كونه صادراً ، إلاّ إذا أُريد من المخالفة مخالفة العموم والخصوص المطلق.

والأولى نقل ما حرّرته عنه قدس سره في هذا المقام ، فإنّه يشتمل على بعض الاختلاف عمّا في هذا الكتاب ، فلعلّ تلك الاختلافات تكون موجبة لاتّضاح ما أفاده قدس سره ، وهذا نصّه على طوله :

ص: 254

إنّ أصالة الظهور متوقّفة على أصالة الصدور التي هي عبارة عن عمومات أدلّة حجّية خبر الواحد ، والأصل الجهتي متوقّف على أصالة الظهور ، أمّا الأوّل فلأنّه لا معنى للحكم بأنّ الظاهر مراد الذي هو محصّل أصالة الظهور مع عدم الحكم بصدور ذلك اللفظ عن المتكلّم. وأمّا الثاني فلأنّه لا معنى للحكم بأنّه أراد هذا الظاهر في مقام بيان الواقع لا لتقيّة ونحوها الذي هو محصّل الأصل الجهتي بدون أن يكون في البين ظاهر محكوم بأنّه مراد.

فتلخّص : أنّ أصالة الصدور متقدّمة على أصالة الظهور وهي متقدّمة على الأصل الجهتي.

ثمّ إنّه قد تقدّم منّا في المقام شبهة دور ، وهي أنّه كما أنّ أصالة الظهور متوقّفة على أصالة الصدور ، فكذلك العكس ، إذ لا ريب في توقّف الحكم بالصدور على كون الصادر ذا ظاهر مراد ، إذ لا معنى للحكم بكون اللفظ صادراً مع كونه لا ظاهر له. وهكذا الحال في أصالة الظهور والأصل الجهتي ، فإنّه كما ذكرتم أنّ الأصل الجهتي يتوقّف على أصالة الظهور ، فكذلك العكس ، حيث إنّه لا معنى للحكم بأنّ هذا الظاهر مراد مع عدم الحكم بكونه صادراً لبيان الواقع ، إذ لابدّ في الحكم بكون الظاهر مراداً من كون ذلك الكلام صادراً لبيان الواقع ، وإلاّ لكان الحكم بظهوره وكذلك الحكم بصدوره لغواً لا فائدة فيه ، وحينئذ فيكون كلّ واحد من هذه الأُصول الثلاثة متوقّفاً على الآخر.

والجواب : أنّ توقّف أصالة الظهور على أصالة الصدور وكذلك توقّف الأصل الجهتي على أصالة الظهور والصدور توقّف فعلي ، بمعنى أنّه لا يحكم بأنّ الظاهر مراد ، ولا بأنّ الكلام صادر لبيان الواقع ، إلاّبعد الحكم الفعلي بأنّ هذا الكلام صادر من متكلّمه ، وهكذا في توقّف الأصل الجهتي على أصالة الظهور ،

ص: 255

فلا يحكم بأنّ الكلام صادر لبيان الواقع إلاّبعد الحكم الفعلي بأنّ الظاهر مراد.

أمّا من طرف العكس - أعني توقّف كلّ سابق من هذه الأُصول على لاحقه - فليس توقّفاً فعلياً ، وإنّما هو تعليقي ، بمعنى أنّه يكفي في جريان أصالة الصدور والحكم بأنّه صادر من متكلّمه هو أنّ له ظاهراً على تقدير كونه صادراً ، وأنّه صادر لبيان الواقع على تقدير كونه صادراً ، فلا يكون السابق متوقّفاً إلاّعلى تحقّق اللاحق على تقدير تحقّق السابق ، لا على فعلية اللاحق كي يتأتّى الدور.

قلت : وحاصل ذلك أنّ أصالة الظهور التي هي عبارة عن الحكم على المتكلّم بأنّه أراد الظاهر يتوقّف على فعلية الحكم بالصدور ، أمّا الحكم بالصدور فلا يتوقّف على فعلية الظهور ، أعني الحكم فعلاً على المتكلّم بأنّه أراد الظاهر ، بل أقصى ما في البين هو توقّف الحكم بالصدور فعلاً على كون ذلك الكلام له ظاهر لو كان صادراً ، ففعلية الظهور وإن توقّفت على فعلية الصدور إلاّ أنّ فعلية الصدور لا تتوقّف على فعلية الظهور ، بل يكفي في الحكم الفعلي بالصدور هو كون ذلك الكلام له ظاهر لو كان صادراً ، وبذلك يندفع الدور.

أمّا ما في الكتاب في تقريب دفعه بقوله : لكن يدفع بأنّ التعبّد بالظهور لا يتوقّف على فعلية الصدور والتعبّد به ، بل يكفي في صحّة التعبّد بالظهور فرض الصدور ، ولا يصحّ العكس فتأمّل (1).

فيمكن التأمّل فيه أوّلاً : أنّه يمكن العكس ، فيكون كلّ منهما متوقّفاً على تقدير الآخر وفرض تحقّقه. وثانياً : أنّ محصّل توقّف أصالة الظهور على فرض الصدور أنّه قبل تحقّق الصدور لا يكون في البين ظهور ، لفرض كون الظهور معلّقاً على فرض الصدور ، فقبله لا ظهور ، فيكون تحقّق الظهور فعلاً متوقّفاً على

ص: 256


1- فوائد الأُصول 4 : 781.

تحقّق أصالة الصدور ، والمفروض أنّ تحقّقها متوقّف عليه ، فالدور باقٍ بحاله.

ثمّ قال : ثمّ إنّك قد عرفت أنّ بعض المرجّحات راجع إلى مرحلة الصدور كالمشهور رواية ، وبعضها راجع إلى مرحلة جهات الصدور كمخالفة العامّة وبعضها راجع إلى نفس المضمون ككونه موافقاً للكتاب ، فتكون المرجّحات على ثلاثة أنحاء.

أمّا ما كان راجعاً إلى الظهور فهو أجنبي عمّا نحن فيه ، فإنّه راجع إلى ما تقدّم من الجمع الدلالي بتقديم الأظهر على الظاهر ، وقد تقدّم مفصّلاً.

أمّا الترجيح بالأفصحية ، فليس هو مرجّحاً حتّى على تقدير التعدّي إلى كلّ مرجّح ، وذلك لأنّ الأفصحية إنّما هي في مقام الخطابة والكلمات القصار الصادرة عنهم عليهم السلام في مقام إرسال الحِكَم ، أمّا مقام التحاور بينهم وبين من يسألهم عن الأحكام ، فليس من اللازم أن يكون جوابهم عليهم السلام في هذا المقام في المرتبة العليا من الفصاحة والبلاغة ، هذا ، مضافاً إلى أنّ أغلب الروايات يكون من قبيل النقل بالمعنى.

وما أفاده الشيخ قدس سره (1) من كونها من المرجّحات في الروايات المشتملة على نقل اللفظ ، غير نافع في دفع الإشكال ، لأنّه يتوقّف على إحراز كون الروايتين كلتيهما نقلا باللفظ.

على أنّك قد عرفت فيما تقدّم أنّه لا دليل على التعدّي إلى كلّ مرجّح ، وأنّهم وإن ذكروا ذلك في كتب الأُصول وتكلّموا فيه إلاّ أنّه لا عين منه ولا أثر في الكتب الفقهية ، إذ لم نعثر على ترجيح لأحد بغير المرجّحات المنصوصة ، كما لا

ص: 257


1- فرائد الأُصول 4 : 117 [ ولا يخفى أنّ الشيخ قدس سره ذكر ذلك في الفصاحة ، وأمّا الأفصحية فقد تأمّل في الترجيح بها ، فلاحظ ].

يخفى على المتتبّع.

ثمّ إنّ المرجّحات التي ذكرناها - وهي المرجّح الصدوري والمرجّح الجهتي والمرجّح المضموني - هل هي عرضية ، بحيث إنّه لو كانت إحدى الروايتين مشتملة على واحد منها بأن كانت مشهورة مثلاً ، والأُخرى على المرجّح الآخر بأن كانت مخالفة للعامّة مثلاً ، لكان ذلك من باب تعارض المرجّحين أو تزاحمهما ، أو إنّها طولية وأنّه لا ينتقل إلى المرجّح الثاني إلاّبعد الفراغ عن عدم تحقّق الأوّل؟

وأقصى ما يمكن أن يوجّه به القول بالعرضية هو أنّ هذه المرجّحات وإن كانت مواردها مترتّبة ، لما تقدّم من تقدّم الصدور على جهة الصدور ، إلاّ أنّ الترجيح إنّما يكون لصدور إحدى الروايتين على الأُخرى ، فيكون الترجيح في هذا المقام أعني مقام الصدور ، كما يشهد به سائر الأخبار التي اكتفي فيها بمرجّح واحد (1) أو مرجّحين (2) من هذه المرجّحات ، ولا ريب في أنّ تلك الأخبار إنّما وردت لترجيح إحدى الروايتين على الأُخرى من دون أن يكون في البين طولية ، غاية الأمر أنّ المقبولة (3) تكون مقيّدة للاطلاق في تلك الأخبار ، فتكون جميع المرجّحات التي اشتملت عليها المقبولة في مقام واحد ومرتبة واحدة ، وهي ترجيح صدور إحدى الروايتين على الأُخرى بالمرجّحات المشتملة عليها من دون أن يكون في البين طولية.

ص: 258


1- وسائل الشيعة 27 : 118 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 30 ، 31 ، 34 ، وراجع ح 48.
2- وسائل الشيعة 27 : 114 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 21 ، 29.
3- وسائل الشيعة 27 : 106 - 107 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1.

وتوضيح ذلك : أنّ الأخبار الأُخر قد تضمّن كلّ منها مرجّحاً واحداً كمخالفة العامّة في بعضها (1) ، وموافقة الشهرة في آخر (2). ولا يخفى أنّ كلّ واحد من تلك الأخبار وإن كان قويّ الدلالة على إطلاق مرجّحية ما تضمّنه ، سواء وجد المرجّح الآخر الذي تضمّنته الرواية الأُخرى أو لم يوجد ، ولكن بعد تقييد كلّ منهما بالأُخرى يكون الحاصل أنّ كلاً من هذين المرجّحين مرجّح مع عدم الآخر ، وفي صورة اجتماعهما يقع التعارض بين المرجّحين فيرجع إلى التخيير. أمّا المقبولة فلا دلالة لها إلاّعلى الترجيح بما تضمّنته دون ترتيب بعضها على بعض.

وفيه أوّلاً : أنّه لا معنى لملاحظة ما عدا المقبولة من الأخبار بعضها مع بعض كي نقيّد كلاً منها بإطلاق الآخر ( مع أنّ هذا التقييد لا وجه له لتكافؤ الاطلاقين ).

وثانياً : أنّ العمدة فيما هو المختار من طولية هذه المرجّحات هو المقبولة ، وهي قوية الدلالة على ذلك ، أوّلاً من جهة الترتيب الذكري. وثانياً - وهو العمدة - من جهة دلالتها على أنّ كلّ واحد من المذكورات فيها مرجّح بقول مطلق ، سواء وجد المرجّح المذكور بعده أو لم يوجد ، وبذلك تقدّم على باقي الأخبار المتضمّنة لمرجّح واحد أو مرجّحين.

قلت : قد يقال : إنّ إطلاق مرجّحية كلّ واحد من هذه المرجّحات ، سواء وجد المرجّح المذكور بعده في المقبولة أو لم يوجد ، معارض بإطلاق الرواية المقتصر فيها على ذكر ذلك المرجّح أعني المرجّح اللاحق في المقبولة ، وحينئذ

ص: 259


1- وسائل الشيعة 27 : 118 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 30 ، 31 ، 34.
2- وسائل الشيعة 27 : 122 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 43 ، وقد أشار المصنّف قدس سره إليه في الهامش (4) من الصفحة : 218 فراجع.

فأقصى ما في ذلك هو أن يقال نجمع بين الاطلاقين بما تقدّم من الاستدلال على العرضية ، فنقيّد كلاً من الاطلاقين بما عدا مورد الآخر ، ولا وجه حينئذ لدعوى تقديم إطلاق المقبولة على إطلاق غيرها.

والجواب عن هذا الإشكال أن يقال : ليس المراد أنّ الاطلاق في المقبولة يقدّم على الاطلاق في الأخبار ، بل المراد أنّ المقبولة تدلّ على أنّ مرجّحية اللاحق مقيّدة بعدم المرجّح السابق ، وبهذا التقييد تقدّم على إطلاق الخبر المقتصر فيه على ذكر ذلك المرجّح اللاحق.

وإن شئت التوضيح فقل : بعد إسقاط صفات الراوي عن المرجّحية يبقى لنا مرجّحات ثلاثة : المرجّح الصدوري وهو الشهرة ، والمرجّح الجهتي وهو مخالفة العامّة ، والمرجّح المضموني وهو موافقة الكتاب. والأوّل مقدّم على الأخيرين ، وهما في عرض واحد ، هذا ما دلّت عليه المقبولة ، ولنا أخبار أُخر تضمّن كلّ واحد منها مرجّحاً واحداً.

وحينئذ نقول : أمّا إطلاق المقبولة في مرجّحية الشهرة ، فلا يعارضه شيء ، لعدم وجود رواية من تلك الروايات متعرّضة لمرجّحيتها.

وأمّا ما تضمّن مرجّحية غيرها كمخالفة العامّة وموافقة الكتاب ، فلأنّ دلالة المقبولة على تقييد مخالفة العامّة وموافقة الكتاب يوجب تقييدها بعدم وجود المرجّح الأوّل أعني الشهرة ، ويكون ذلك موجباً لتقييد إطلاق ما دلّ على مرجّحية مخالفة العامّة أو موافقة الكتاب من تلك الأخبار.

لا يقال : إنّ المقبولة دلّت على تأخّر مرجّحية مخالفة العامّة عن موافقة الكتاب بقوله : « أرأيت إن كان الفقيهان - إلى قوله عليه السلام - ما خالف العامّة ففيه الرشاد ».

ص: 260

لأنّا نقول : لو خلّينا نحن وهذه الفقرة لكانت دالّة على الترتيب المذكور ، إلاّ أنّ تقدّم قوله : « ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة وخالف العامّة فيؤخذ به » الخ ، يدلّ على أنّهما في عرض واحد ، غاية الأمر السائل احتمل أن يكون مجموعهما مرجّحاً واحداً ، فلأجل ذلك سأل عن حكم انفراد أحدهما عن الآخر ، فأُجيب بأنّ الباقي وهو مخالفة العامّة أيضاً مرجّح.

نعم ، الرواية الرابعة (1) من الروايات التي ذكرها الشيخ قدس سره (2) تدلّ على تأخّر مرجّحية مخالفة العامّة عن موافقة الكتاب ، وبذلك تقدّم على المقبولة من جهة دلالتها على كونهما في عرض واحد ، وإن كانت المقبولة مقدّمة عليها في دلالتها على تقدّم مرجّحية الشهرة على مخالفة العامّة.

ثمّ إنّه قدس سره أفاد أُموراً هي كالخلاصة لما تقدّم.

الأوّل : أنّ موارد هذه المرجّحات - أعني الصدور والجهة والمضمون - لا إشكال في كونها مترتّبة ، وأنّ لكلّ واحد من هذه الموارد أصلاً جارياً فيه ، فالأصل الجاري في الأوّل هو أصالة الصدور المأخوذة من عمومات حجّية خبر الواحد ، وفي الثاني أصالة كون الكلام من كلّ متكلّم لبيان مراده الواقعي الجدّي لا للتقية ونحوها ، وفي الثالث أصالة مطابقة كلام كلّ متكلّم للواقع النفس الأمري ، وإليه ينتهي وجوب اتّباع ذلك المراد ، ونعبّر عن الأوّل بأصالة الصدور ، وعن الثاني بالأصل الجهتي ، وعن الثالث بوجوب الاتّباع.

ثمّ إنّ المرجّح في أحد المتعارضين لابدّ أن يكون مخصّصاً للأصل الجاري

ص: 261


1- وهي ما رواه القطب الراوندي رحمه اللّه ، راجع وسائل الشيعة 27 : 118 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 29.
2- فرائد الأُصول 4 : 63 - 64.

في المعارض الآخر ، إلاّ أنّه كما يمكن أن يكون مخصّصاً لأوّل تلك الأُصول المترتّبة ، كذلك يمكن أن يكون مخصّصاً لآخرها أو وسطها.

مثلاً كون أحد الخبرين مخالفاً للعامّة يمكن أن يكون مخصّصاً لأصالة الصدور في الآخر ، ومخرجاً له عن عموم أصالة الصدور وموجباً للحكم بعدم صدوره ، ويمكن أن يكون مخصّصاً للأصل الجهتي في الآخر ، وموجباً لخروجه عن عموم أنّ الأصل في كلّ كلام أن يكون لبيان الواقع ، وموجباً للحكم بكون الآخر صدر تقية ، ويمكن أن يكون مخرجاً له عن الأصل الثالث وهو وجوب الاتّباع وموجباً للحكم بعدم وجوب اتّباعه.

فعلى الأوّل يكون مرجّحاً في مقام الصدور ، وعلى الثاني يكون مرجّحاً جهتياً ، وعلى الثالث يكون مرجّحاً مضمونياً.

وهذه الاحتمالات الثلاثة وإن كانت متساوية في الإمكان العقلي ، إلاّ أنّ المرجّح إنّما يكون مخصّصاً للأصل الجاري في مرتبته في الآخر ، ولا يخصّص الأصل الجاري في المرتبة السابقة أو المرتبة اللاحقة إلاّبدليل ، ففي المرجّح الجهتي تكون أصالة الصدور جارية في كلا المتعارضين ، إلاّ أنّه لمّا تعارضا وكان أحدهما مخالفاً للعامّة كان مقدّماً على ما هو موافق لهم ، فيحكم حينئذ بلزوم الأخذ به وطرح الآخر والحكم بأنّه صدر تقية ، فما أُفيد من كون جميع هذه المرجّحات مرجّحات لصدور إحدى الروايتين على صدور الأُخرى قد اتّضح ما فيه.

الأمر الثاني : أنّه قد تقدّم مراراً أنّه لا معنى للتعبّد بصدور ما هو تقية ، ومحصّل هذه الجملة : أنّ ما كان في نفسه ينادي أنا صادر تقية كما في بعض الأخبار الظاهرة بل الصريحة في التقية ، لا معنى للتعبّد بصدورها ، فالتقية السابقة

ص: 262

على الحكم بالصدور تكون مانعة عن الحكم بالصدور ، أمّا الحكم بالتقية الناتج عن الحكم بالصدور فلا يعقل أن يكون مانعاً عن الحكم بالصدور ، للفرق الواضح بين ما هو سابق على الحكم بالصدور فيكون مانعاً منه ، وبين ما يتفرّع عليه وناتج منه فلا يعقل أن يكون مانعاً عنه.

وما نحن فيه من قبيل الثاني ، فإنّ الخبر الموافق للعامّة ليس في حدّ نفسه - مع قطع النظر عن الحكم بصدوره في مقام المعارضة مع ما هو المخالف لهم - متعيّناً لكونه تقية كي لا يمكن الحكم بصدوره ، وإلاّ لكانت أغلب أخبارنا ساقطة ، وإنّما يحكم بكونه تقية بعد الحكم بصدوره في مقام المعارضة بينه وبين ما هو المخالف لهم مع عدم المرجّح الصدوري لأجل المرجّح الجهتي ، فلا يعقل أن يكون ذلك - أعني الحكم بالتقية المذكورة - مانعاً عن الحكم بالصدور ، لأنّ ذلك من آثار الحكم بالصدور ومن نتائجه ، فلا يعقل أن يكون مانعاً عنه.

وبهذا التقرير يتّضح لك صحّة ما أفاده الشيخ قدس سره في هذا المقام ، من أنّ هذا الترجيح ملحوظ في الخبرين بعد فرض صدورهما قطعاً أو تعبّداً ، وأنّه لو أمكن الحكم بعدم صدور أحدهما ولو لأجل المرجّح الصدوري لم يكن هذا المرجّح جارياً ، وإنّما يجري فيما لو لم يمكن الحكم بذلك ، بل كان مقتضى أصالة الصدور أن يكون كلّ منهما محكوماً بصدوره تعبّداً كما في مورد التساوي من حيث الصدور ، فإنّه حينئذ يرجع إلى المرجّح الجهتي.

كما أنّه قد اتّضح عدم المنافاة بين ما أفاده في هذا المقام من الرجوع إلى المرجّح الجهتي بعد فرض جريان أصالة الصدور ، وبين ما تقدّم منه من أنّ دليل التعبّد [ بالصدور ] لا يجري فيما يكون تقية ، لأنّك قد عرفت الفرق الواضح بين المقامين ، فإنّ هذا المقام فيما يكون الحكم بالتقية ناتجاً عن الحكم بالصدور ،

ص: 263

وما تقدّم كان فيما يكون في حدّ نفسه تقية ، وهذان المقامان نظير ما تقدّم من أنّه أفاد في بعض المباحث السابقة أنّه لا معنى للتعبّد بصدور ما هو مجمل ، وفي مقام آخر أنّه إذا كان المخصّص المنفصل مجملاً يحكم بصدوره وسراية إجماله إلى العام ، فإنّه قد يتوهّم التناقض بين ما أفاده في المقام الأوّل والمقام الثاني.

والجواب عنه تقدّم منّا ، وحاصله أنّه لا أثر للتعبّد بصدور المجمل ، وفي الثاني أثره إجمال العام ، وهذا الإجمال - أعني إجمال العام - آت من الحكم بصدور الخاصّ المجمل ، فتأمّل.

وحيث إنّه لم يتّضح الفرق بين المقامين أورد عليه البعض بأنّه مناقض لما تقدّم منه تارةً وبالنقض بالمتكافئين أُخرى. أمّا التناقض فقد عرفت الجواب عنه. ومنه يتّضح لك الجواب عن النقض المذكور ، فإنّ هذا النقض إنّما نشأ من تخيّل أنّ الشيخ قدس سره يمنع من إجراء أصالة الصدور في كلا الخبرين مع الرجوع إلى المرجّح الجهتي ، وعن خلط أحد المقامين بالآخر.

قلت : الإنصاف أنّ المنشأ فيما ذكر من الإشكالين هو الشيخ قدس سره ، فإنّ ما أفاده في جواب « إن قلت » بقوله : قلت لا معنى للتعبّد بصدورهما مع وجوب حمل أحدهما المعيّن على التقية الخ (1) ، ظاهر بل صريح في أنّ كلامه في المقام الثاني ، وأنّ الحكم بالتقية الناتج عن الحكم بالصدور مانع عن الحكم بأصالة الصدور ، لا فيما يكون في حدّ نفسه [ تقيّة ] ، وذلك لأنّ ما أورده [ في ] « فإن قلت » إنّما كان إيراداً في المتعارضين ، بدعوى أنّه يحكم بصدورهما معاً ، ثمّ بعد الحكم بالصدور يحكم بأنّ الموافق للعامّة كان تقية.

ولو أجاب قدس سره عن هذا الايراد بأنّه لا معنى للحكم بصدورهما معاً مع

ص: 264


1- فرائد الأُصول 4 : 137.

تعارضهما وكون أحدهما أرجح صدوراً من الآخر ، لكان سالماً عن هذا الايراد.

أمّا ما أفاده الأُستاذ ( دام ظلّه ) من الفرق بين المقامين ففي غاية المتانة ، إلاّ أنّه لا يكون مصلحاً لما أفاده الشيخ قدس سره بقوله : فإن قلت الخ.

وقد يورد على الفرق الذي أفاده ( دام ظلّه ) : بأنّ مرجع الثاني ومآله إلى الأوّل ، حيث إنّ الحكم بالصدور يكون نتيجته الحكم بكون أحدهما المعيّن تقية ، فلا أثر للحكم بالصدور المذكور.

إلاّ أنّ الإنصاف أنّ الفرق واضح ، ويكفي في الأثرِ الأثرُ التعليقي الثابت له مع قطع النظر عن معارضه ، أعني أنّه لو حكم بصدوره لما كان تقية ، كما تقدّم في جواب الدور ، ولا ريب أنّ الخبر الموافق للعامّة في نفسه كذلك ، وإنّما حكم بكونه تقية لأجل المعارض ، وقد يقال : إنّ تعيّن العمل بالآخر كافٍ في الأثر المذكور ، فتأمّل.

ثمّ عرضت بخدمته ( دام ظلّه ) ما تقدّم من عبارة الشيخ قدس سره ، فأفاد في حلّها : أنّ حاصل « إن قلت » قياس المرجّح الجهتي على المرجّح الدلالي ، فكما أنّه يحكم بصدور الدليلين مثل العام والخاصّ ، وبعد الحكم بصدورهما يحمل العام على الخاصّ وإن كان الخاصّ أضعف سنداً من العام ، لكونه أرجح في مقام الدلالة ، فكذلك في المرجّح الجهتي يحكم بصدور كلا المتعارضين ، وبعد الحكم بصدورهما يحمل ما هو موافق للعامّة على التقية ، وإن كان من حيث الصدور أقوى من المخالف لكونه مشهوراً ، وحينئذ فيكون المرجّح الجهتي مقدّماً على المرجّح الصدوري ، كما أنّ الجمع الدلالي مقدّم على الجمع السندي.

وحاصل الجواب بقوله « قلت » : إنّ هذا القياس قياس مع الفارق ، وذلك لأنّه في الجمع الدلالي يمكن الحكم بصدور كلّ من العام والخاصّ ، وبعد الحكم

ص: 265

بصدور كلّ منهما يحمل العام على الخاصّ ، لأنّ حمل العام ليس إلغاء له بالكلّية ، بخلاف ما نحن فيه ، لأنّه لا يمكن الحكم بصدور كلّ منهما تعبّداً ، وبعد الحكم بذلك يحكم بإسقاط أحدهما المعيّن لكونه محمولاً على التقية حينئذ ، لأنّ حمله على التقية إلغاء له بالكلّية ، فيكون الحكم الفعلي بصدوره لغواً لا أثر له.

قلت : ولا يخفى أنّ هذا الذي أفاده الشيخ قدس سره أعني عدم صحّة الحكم بصدور كلّ منهما فعلاً ثمّ الحكم بكون الموافق تقية ، لا يناقض ما أفاده قبل قوله « فإن قلت » بقوله قدس سره : لأنّ هذا الترجيح ملحوظ في الخبرين بعد فرض صدورهما قطعاً كما في المتواترين ، أو تعبّداً كما في الخبرين ، بعد عدم إمكان التعبّد الخ (1) ، إذ ليس غرضه من هذه العبارة ما هو المتوهّم منها من أنّ هذا الترجيح إنّما يتأتّى بعد فرض الحكم الفعلي بصدورهما تعبّداً لكي ينافي ما سطره في جواب « إن قلت ».

بل الغرض من ذلك أنّ هذا الترجيح إنّما يأتي بعد فرض تساويهما من حيث الصدور ، ليكون كلّ منهما داخلاً تحت دليل الصدور ، أمّا إذا لم يكونا متساويين في ذلك ، بأن كان أحدهما أرجح صدوراً من الآخر ، فيكون داخلاً تحت دليل الصدور دون الآخر ، فلا يتأتّى فيه الترجيح المذكور ، فيكون ما أفاده في هذه العبارة عين ما أفاده بعد قوله « قلت » بقوله : فمورد هذا الترجيح تساوي الخبرين من حيث الصدور إمّا علماً كما في المتواترين ، أو تعبّداً كما في المتكافئين الخ (2).

ثمّ إنّ هذا غاية توضيح ما أفاده ( دام ظلّه ) في الجمع بين عبائر الشيخ قدس سره في

ص: 266


1- فرائد الأُصول 4 : 137.
2- فرائد الأُصول 4 : 137 - 138.

هذا المقام.

قلت : لكن بقي شيء وهو أنّه ( دام ظلّه ) تقدّم (1) منه ما حاصله أنّ منشأ القول بطولية هذه المرجّحات هو أنّ كلّ مرجّح يخصّص الأصل الجاري في مرتبته في الطرف الآخر ، ومنشأ القول بالعرضية أنّ كلّ هذه المرجّحات تكون مخصّصة لأصالة الصدور.

فبناءً على ذلك نقول : إن كان بناء الشيخ قدس سره على الطولية ، وأنّ مثل مخالفة العامّة غير مخصّصة لدليل الصدور في الآخر ، بل إنّما تكون مخصّصة للأصل الجهتي فيه ، كان اللازم عليه أنّ أصالة الصدور جارية في كلّ من الخبرين ، فيكون كلّ منهما محكوماً بالصدور الفعلي مع الحكم على موافق العامّة منهما بكونه تقية ، وهذا عين ما منعه في قوله : قلت لا معنى للتعبّد الخ (2).

وإن كان بناء الشيخ قدس سره على كون المرجّح الجهتي موجباً لتخصيص أصالة الصدور في الآخر ، كانت جميع هذه المرجّحات في عرض واحد ، لأنّ كلاً منها يكون مرجّحاً لصدور أحد المتعارضين على الآخر ومخرجاً للآخر عن تحت أصالة الصدور ، فلا يتمّ ما أفاده قدس سره من الطولية بناءً على المنشأ الذي أفاده.

نعم ، لو قلنا بأنّ هذه المرجّحات كلّها متساوية في تخصيص أصالة الصدور ، وأنّ الطولية مستفادة تعبّداً من المقبولة كما تقدّم تفصيله منه ( دام ظلّه ) ، لم يرد على الشيخ قدس سره شيء.

إلاّ أنّ الظاهر منه قدس سره في هذا المقام أنّ الطولية مقتضى القاعدة ، ولا وجه له إلاّ هذا الذي أفاده الأُستاذ ( دام ظلّه ) من كون كلّ واحد من المرجّحات مخصّصاً

ص: 267


1- في الصفحة : 258 وما بعدها.
2- فرائد الأُصول 4 : 137.

للأصل الجاري في مرتبته في الطرف الآخر ، أو أنّ مورد هذه المرجّحات لمّا كان مترتّباً كانت هي مترتّبة ، أمّا الأوّل فقد عرفت أنّه لا يلائم ما ذكره قدس سره بعد قوله « قلت » ، وأمّا الثاني فلما هو واضح من أنّ طولية المورد لا تستلزم طولية المرجّحات.

قوله : وأمّا إذا لم يكن في الخبر قرائن التقية ، فالحمل عليها إنّما يكون بعد وقوع التعارض بينه وبين الخبر المخالف للعامّة ، ووقوع التعارض بينهما فرع شمول أدلّة التعبّد بالصدور لكلّ من الموافق والمخالف. لا أقول : إنّ أدلّة التعبّد بالصدور تعمّ كلاً منهما بالفعل مع كونهما متعارضين ، فإنّ ذلك واضح الفساد ، بل أقول : إنّ كلاً منهما في حدّ نفسه مشمول لأدلّة الاعتبار ، فحمل الخبر الموافق للعامّة على التقية إنّما يكون بعد فرض التعبّد بصدوره ... الخ (1).

بعد فرض كون كلّ منهما مشمولاً في حدّ نفسه لدليل الصدور ، لا يكون حمل الموافق للعامّة على التقية إلاّمن قبيل التصرّف في جهة الصدور بعد فرض إحراز الصدور ، ولازم ذلك هو كون كلّ منهما محكوماً بالصدور ، غايته أنّ الموافق لهم لا يكون مجرى لأصالة عدم التقية ، بل يحكم بكونه تقية ، وهذا ممّا لا يمكن الالتزام به ، لكونه كما أفاده واضح الفساد ، مضافاً إلى أنّه محقّق لشبهة صاحب الكفاية (2) من أنّه لا معنى للحكم بالصدور على ما يحكم عليه بعد الحكم بصدوره بأنّه تقية.

ص: 268


1- فوائد الأُصول 4 : 782 - 783.
2- كفاية الأُصول : 453.

فلابدّ في توضيح المطلب من تقرير آخر : وهو أنّك قد عرفت فيما تقدّم (1) أنّ التعبّد بالصدور يتوقّف على كون ما يتعبّد بصدوره صادراً لبيان الواقع لا لتقية ونحوها ، بمعنى أنّ الحكم بصدور هذا الخبر يتوقّف على عدم كونه تقية لو فرض كونه صادراً ، وإلاّ فلو كان تقية على فرض صدوره لا يكون الحكم بصدوره إلاّلغواً.

وحينئذ فالحكم بصدور الخبر يتوقّف على تحقّق قضية تعليقية مفادها أنّ هذا الخبر لو كان صادراً لكان بلا تقيّة ، فلا يكون الخبر ساقطاً عن الحجّية إلاّ إذا لم يتحقّق فيه عقد الوضع الذي تضمّنه الشرط في هذه القضية التعليقية أعني الصدور ، أو لم يتحقّق عقد الحمل وهو كونه بلا تقية.

ولا يخفى أنّه عند انتفاء عقد الحمل لابدّ أن ينتفي عقد الوضع ، لكنّه لا ابتداءً بل بواسطة انتفاء عقد الحمل ، وذلك كما لو علمنا بأنّ هذه الرواية تقية لكونها مخالفة لما هو المعلوم من مذهبنا ، كأن تكون دالّة على المنع من نكاح المتعة مثلاً ، فإنّ سقوط مثل هذه الرواية يكون لسقوط عقد الحمل فيها ، وسقوط عقد الحمل فيها يكون موجباً لسقوط عقد الوضع ، بمعنى أنّ تحقّق كون هذه الرواية تقية وانتفاء كونها بلا تقية الذي هو عقد الحمل في تلك القضية التعليقية يكون موجباً لسقوط عقد الوضع فيها وهو صدورها ، فإذا لم يمكننا أن نقول إنّ هذه الرواية لو صدرت لكانت بلا تقية ، لم يمكننا أن نحكم بصدورها استناداً إلى أصالة الصدور ، لكون الحكم المذكور حينئذ لغواً.

وفي مثل الروايتين المتعارضتين مع فرض التساوي تكون هذه القضية التعليقية جارية في كلّ منهما ، ومقتضى ذلك هو كون كلّ منهما في حدّ نفسه

ص: 269


1- في الصفحة : 255 - 256 وكذا في الصفحة : 265.

محكوماً بالصدور ، استناداً إلى أصالة الصدور ، إلاّ أنّهما لمّا تعارضا ولم يكن في البين ما هو الأرجح كانت أصالة الصدور ساقطة في كلّ منهما ، ومرجع ذلك إلى انتفاء عقد الوضع في كلّ منهما ابتداءً بلا توسّط انتفاء عقد الحمل.

وكذلك الحال فيما لو كانت إحداهما مشتملة على المرجّح الصدوري فقط كالشهرة ، وكانت الأُخرى فاقدة لكلّ مرجّح ، فإنّ الشهرة لمّا رجّحت إجراء أصالة الصدور في الرواية المشهورة على إجرائها في غير المشهورة ، كانت غير المشهورة خارجة عن عموم أصالة الصدور ، فينتفي فيها عقد الوضع ابتداءً بلا توسّط انتفاء عقد الحمل.

وهذا بخلاف ما لو كانت إحدى الروايتين مخالفة للعامّة والأُخرى موافقة لهم ، فإنّ كلاً منهما وإن كان في حدّ نفسه مشمولاً لأصالة الصدور ، إلاّ أنّك قد عرفت أنّ الحكم بصدور الرواية يتوقّف على تحقّق تلك القضية التعليقية في حقّها ، بأن يقال إنّها لو كانت صادرة لكانت بلا تقية ، بمعنى أنّها لو كانت صادرة لكانت مجرى لأصالة عدم التقية ، فقبل إجراء أصالة الصدور في هذه وفي تلك لابدّ أن نحقّق هذه القضية التعليقية في هذه وفي تلك.

ونحن إذا أردنا أن نطبّق هذه القضية التعليقية على كلّ واحدة منهما نرى أنّها لا يمكن انطباقها على كلّ واحدة منهما ، إذ لا يمكن أن نقول إنّ كلّ واحدة منهما لو كانت صادرة لكان الأصل فيها هو عدم التقية ، فالمرجّح الجهتي لو لم يكن موجوداً لحكمنا بعدم صدور كلّ منهما كما في الصورة [ الأُولى ] ، ولكن حيث وجد لنا المرجّح الجهتي الذي مرجعه إلى ترجيح الرواية المخالفة للعامّة في اجراء أصالة عدم التقية فيها ، وإسقاط أصالة عدم التقية في الرواية الموافقة لهم ، كان محصّل إعمال ذلك المرجّح هو التصرّف في تلك القضية التعليقية

ص: 270

بمعنى انحصار انطباقها على الرواية المخالفة لهم ، بأن نقول : هي لو كانت صادرة لكانت بلا تقية ، وحينئذ نحكم بصدورها لتحقّق تلك القضية التعليقية في حقّها ، بخلاف الرواية الأُخرى الموافقة لهم فإنّها مع النظر إلى هذا المرجّح لا يمكننا أن نقول في حقّها إنّها لو كانت صادرة لكانت بلا تقية ، فلا يتحقّق فيها ما هو الشرط في الحكم عليها بالصدور ، فينتفي فيها عقد الوضع من تلك القضية التعليقية الذي هو الصدور ، لكن لا ابتداء بل بواسطة انتفاء عقد الحمل من تلك القضية الذي هو كونها بلا تقية.

فالحاصل : أنّ موافقة العامّة وإن أسقطت الرواية المشتملة عليها عن أصالة الصدور ، إلاّ أنّها لا تسقطها عنها ابتداءً ، بل بتوسّط إسقاطها فيها أصالة جهة الصدور.

ومن ذلك تعرف الوجه في تقديم الشهرة على مخالفة العامّة ، فإنّ الشهرة في الرواية الموافقة للعامّة تكون مسقطة لأصالة الصدور في الطرف المقابل ابتداءً بخلاف مخالفة العامّة في الرواية النادرة ، فإنّها لا تسقط أصالة الصدور في الرواية المشهورة الموافقة لهم إلاّبتوسّط إسقاطها فيها أصالة جهة الصدور ، التي عرفت أنّها في مرتبة الحكم في القضية التعليقية التي يكون جريان أصالة الصدور في الرواية والحكم بصدورها تعبّداً متوقّفاً على تحقّقها فيها.

والخلاصة : هي أنّه بعد أن اتّضح أنّ النظر في المرجّح الصدوري متقدّم رتبة على المرجّح الجهتي ، نقول : إنّا لو نظرنا إلى هاتين الروايتين فلم نجد فيهما ما يرجّح الصدور لا نحكم بصدورهما ولا بعدم صدورهما ، بل يبقى الشكّ والتردّد بحاله إلى النظر في المرتبة الثانية وهي المرجّح الجهتي ، وحينئذ نرى أنّ الرواية المخالفة للعامّة أرجح جهة من الموافقة ، بمعنى أنّهما يتعارضان في

ص: 271

الأصل الجهتي ويكون المقدّم في هذا الأصل هو الرواية المخالفة ، وتكون الرواية الموافقة لهم خارجة عن هذا الأصل ، ومع فرض خروجها عن الأصل الجهتي يلزمنا عدم إعمال الأصل الصدوري فيها ، لكون إعماله فيها حينئذ لغواً ، فالرواية الموافقة لهم يكون الساقط فيها كلا الأصلين ، ولا تكون محكومة بالصدور ، لكن ذلك لا يجعل المخالفة من المرجّحات الصدورية كي يكون حالها حال غيرها كالشهرة مثلاً ليكون كلّ منهما في عرض الآخر ، هذا.

ولكن لا يخفى أنّ هذه الإشكالات والتمحّل في الجواب عنها إنّما نشأ عن دعوى كون الترجيح بمخالفة العامّة راجعاً إلى الحكم بأنّ موافقهم صادر تقية ، وأنّ الساقط فيه هو أصالة جهة الصدور ، ولكن الذي يظهر من كون الرشد في خلافهم هو كون موافقهم بعيداً عن الرشد ، وأنّ الأقرب إلى الرشد من المتعارضين ما يكون منهما مخالفاً لهم ، فلا يكون المتحصّل من هذا المرجّح إلاّ الترجيح بالأقربية إلى الواقع ، وإن شئت فسمّه مرجّحاً مضمونياً ، أو شئت فسمّه مرجّحاً صدورياً.

والذي يظهر من المقبولة (1) هو الأوّل ، حيث قد جعلته في مرتبة مخالفة الكتاب ، ولولا المقبولة لجعلنا هذه المرجّحات - أعني الشهرة وموافقة الكتاب ومخالفة العامّة - كلّها في مقام الترجيح في أصالة الصدور في عرض واحد ، لكن المقبولة جعلت الترجيح بأحد الأخيرين في طول الشهرة ، لأنّها إنّما حكمت بالترجيح بأحدهما عند فرض التساوي من حيث الشهرة ، ومقتضاه الترجيح أوّلاً بالشهرة ، ومع التساوي يكون الترجيح بأحد هذين المرجّحين ، وعند اجتماع هذين المرجّحين يقع التزاحم بينهما ، ولا يبعد القول بأنّ نتيجة ذلك التزاحم هو

ص: 272


1- وسائل الشيعة 27 : 106 - 107 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1.

التساوي من حيث الرجحان ، فيحكم بالتخيير بين الخبرين أو بتساقطهما والإرجاء إلى لقائه عليه السلام ، هذا.

ولا يخفى أنّا لو التزمنا بأنّ معنى ترجيح المخالف هو الحكم بصدور الموافق تقية ، فإن قلنا بأنّ أصالة جهة الصدور متأخّرة طبعاً عن أصالة [ الصدور ] لم تكن لنا مندوحة عن الالتزام عند التساوي من حيث أصالة الصدور باجراء أصالة الصدور في كلّ منهما حتّى فيما يكون موافقاً للعامّة ، ثمّ نسقط أصالة جهة الصدور فيه ، وحينئذ يتوجّه الإشكال في ثمرة أصالة الصدور فيه.

إلاّ أن يدّعى - كما أفاده الأُستاذ العراقي في مقالته - (1) أنّه يكفي في ترتّب الأثر عليه هو الإيصال إلى هذه المرتبة ، وتقديم المخالف منهما حينئذ على الموافق لهم ، أو نلتزم بما ذكرناه أخيراً بكفاية القضية التعليقية ، وهي أنّه لو كان هذا صادراً لكان بلا تقية ، ويكون عدم جريان أصالة الصدور فيما هو الموافق لهم لعدم تحقّق عقد الحمل فيه على ما عرفت التفصيل فيه.

ولو قلنا بعدم التأخّر ، بل قلنا - كما يظهر من المقالة - إنّ كلاً من أصالة الصدور وأصالة جهة الصدور متوقّف على الآخر ، لأنّ كلاً منهما مأخوذ في موضوع الآخر ، حيث إنّ ما يحكم بصدوره إنّما هو الكلام الصادر لا لتقية ، كما أنّ ما يحكم بعدم كونه تقية إنّما هو الصادر ممّن يجب اتّباعه ، فكان كلّ من الأصلين متوقّفاً على الأصل في الآخر ، ولا تتمّ الحجّية إلاّبعد تحقّق موضوع كلّ منهما ، فلازمه وقوع التزاحم بين الأصلين عندما تكون إحدى الروايتين مشهورة والأُخرى موافقة للعامّة ، لكون المرجّحين حينئذ في رتبة واحدة ، إلاّ أن نركن في التقديم إلى المقبولة كما عرفته على المختار من كون ترجيح المخالف على

ص: 273


1- مقالات الأُصول 2 : 486.

الموافق لكونه أقرب إلى الواقع والصدور من الموافق ، فلاحظ وتأمّل.

ولكن الأولى هو ما عرفت من عدم رجوع هذا المرجّح إلى مسألة الصدور تقيّة ، بل إنّما رجّح المخالف لهم لكونه أقرب إلى الواقع ممّا يوافقهم ، فيكون من المرجّحات المضمونية.

قال الشيخ قدس سره في أثناء الردّ على كلام نقله عن بعض المحدّثين : ليت شعري ما الذي أراد بقوله : تأويل كلامهم لم يثبت حجّيته إلاّ إذا فهم من الخارج إرادته - إلى أن قال - وإن بنى على عدم طرحه وعلى التعبّد بصدوره ثمّ حمله على التقية ، فهذا أيضاً قريب من الأوّل ، إذ لا دليل على وجوب التعبّد بخبر يتعيّن حمله على التقية على تقدير الصدور ، بل لا معنى لوجوب التعبّد به ، إذ لا أثر في العمل يترتّب عليه الخ (1).

وعبائره في الأمر الخامس كلّها صريحة في ذلك ، أعني عدم إمكان التعبّد بصدور ما يتعيّن حمله على التقية ، وهناك يقول : فمورد هذا المرجّح تساوي الخبرين من حيث الصدور ، إمّا علماً كما في المتواترين أو تعبّداً كما في المتكافئين من الآحاد الخ (2).

ولعلّ نظره إلى أنّه بعد التكافؤ لا يحكم بصدور كلّ منهما على ما شرحناه من إعمال المرجّح الجهتي عند عدم الرجحان من حيث الصدور.

لكن فيه : أنّه إذا لم يحكم بصدور كلّ منهما لم تصل النوبة إلى المرجّح الجهتي ، لأنّه بعد الفراغ عن المرجّح الصدوري.

ثمّ بعد هذا كلّه قال : هذا كلّه على تقدير توجيه الترجيح بالمخالفة باحتمال

ص: 274


1- فرائد الأُصول 4 : 92.
2- فرائد الأُصول 4 : 137 - 138.

التقية ، أمّا لو قلنا بأنّ الوجه في ذلك كون المخالف أقرب إلى الحقّ وأبعد من الباطل كما يدلّ عليه جملة من الأخبار ، فهي من المرجّحات المضمونية ، وسيجيء حالها مع غيرها (1).

وقد كان قبل هذا ذكر أنّ في هذا المرجّح وجوهاً أربعة ، وهذان الوجهان هما الثاني والرابع من تلك الوجوه ، فراجع (2).

وحيث تحقّق أنّ مخالفة العامّة كموافقة الكتاب من المرجّحات المضمونية الراجعة إلى مرجّحات الصدور ، كانت هذه المرجّحات الثلاثة - أعني الشهرة ومخالفة العامّة وموافقة الكتاب والسنّة - كلّها في مرتبة واحدة ، فلا يتقدّم أحدها على الآخر. نعم دلّت المقبولة على تقدّم الشهرة عليهما وأنّهما معاً في عرض واحد ، فلزم المصير إلى ما دلّت عليه المقبولة ، وتكون النتيجة هي التخيير بينهما.

لكن صحيح القطب الراوندي (3) دلّ على تقدّم موافقة الكتاب على مخالفة العامّة ، فيحصل الترديد بين مفاد المقبولة ومفاد الصحيح المذكور ، ويكون المقام من قبيل الدوران بين التعيين والتخيير ، فاللازم هو الأخذ بمفاد التعيين وتقديم موافقة الكتاب ، فلاحظ وتأمّل.

وسيأتي (4) إن شاء اللّه الإشكال في كون مخالفة الكتاب وموافقته من المرجّحات الصدورية ، لانحصارها بالمخالفة بالعموم من وجه ، ولا يتأتّى فيه

ص: 275


1- فرائد الأُصول 4 : 138.
2- فرائد الأُصول 4 : 121 - 122.
3- وسائل الشيعة 27 : 118 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 29.
4- في الحاشية الآتية في الصفحة : 307 وراجع أيضاً ما نقله قبل ذلك عن شيخه قدس سرهما وما علّقه عليه.

المرجّح الصدوري ، وأنّه لابدّ من الالتزام بأنّ الموافقة للكتاب من المرجّحات المضمونية المتأخّرة رتبة عن المرجّح الصدوري ، فيكون ما أفادته المقبولة من تأخّره عن الشهرة على القاعدة ، ويبقى الإشكال في مخالفة العامّة.

قوله : وممّا ذكرنا يظهر الوجه في تقديم المرجّح الجهتي على المرجّح المضموني ، لتقدّم رتبته عليه ، وإن كان يظهر من صحيح القطب الراوندي عن الصادق عليه السلام تقديم الترجيح بموافقة الكتاب على مخالفة العامّة ... الخ (1).

فلو كانت إحدى الروايتين مخالفة للعامّة وكانت مخالفة للكتاب ، وكانت الأُخرى موافقة لهم وكانت موافقة للكتاب ، كان اللازم هو طرح الثانية لكونها موافقة للعامّة ولا ينفعها كونها موافقة للكتاب ، والأخذ بالأُولى لكونها مخالفة للعامّة ، ولا يضرّها مخالفة الكتاب ، وهذا بعيد جدّاً.

ولم يتّضح الوجه في كون موافقة الكتاب ومخالفته متأخّرة رتبة عن موافقة العامّة ومخالفتهم ، إذ كما يمكن أن يقال : إنّ النظر إلى كون الرواية مخالفة للكتاب أو موافقة له إنّما يكون بعد الحكم عليها بأنّها لم تكن عن تقية ، فيكون المرجّح المضموني متأخّراً عن الجهتي ، فكذلك يمكن أن يقال : إنّ النظر إلى كونها مخالفة للعامّة أو موافقة لهم إنّما يكون بعد الحكم عليها بأنّها لم تكن مخالفة للكتاب ، فيكون المرجّح المضموني متقدّماً على المرجّح الجهتي ، وكذلك يمكن أن يقال : إنّهما في عرض واحد ، هذا بناءً على عدم كون المرجّح المضموني من المرجّحات الصدورية ، وأنّه من المرجّحات فيما بعد الحكم بالصدور.

ص: 276


1- فوائد الأُصول 4 : 784.

وأمّا بناءً على كونه من المرجّحات الصدورية كما هو الظاهر ، فتقدّمه على المرجّح الجهتي واضح لا ريب فيه حينئذ ، بناءً على كونه من باب الحمل على التقية ، والمقبولة وإن كانت ظاهرة في كونهما في عرض واحد ، إلاّ أنّ هذه الصحيحة مصرّحة بكون المرجّح المضموني متقدّماً على المرجّح الجهتي ، وحينئذ يكون المرجّح المضموني حاله حال الشهرة في تقدّمها على المرجّح الجهتي عند التدافع بينهما.

وأمّا لو وقع التدافع بينه وبين الشهرة نفسها ، فمقتضى القاعدة أنّهما في عرض واحد ، لكن المقبولة دلّت على تأخّره عنها ، كما دلّت على تأخّر المرجّح الجهتي عن الشهرة أيضاً.

فيكون الحاصل أنّ الشهرة التي هي مرجّح صدوري مقدّمة على المرجّح الجهتي وهو مخالفة العامّة بمقتضى القاعدة ، وبمقتضى دلالة المقبولة أيضاً.

وأمّا موافقة الكتاب التي عرفت أنّها راجعة إلى المرجّح الصدوري ، فهي أيضاً مقدّمة على المرجّح الجهتي بمقتضى القاعدة وبمقتضى صحيح الراوندي.

وأمّا تقديم الشهرة على موافقة الكتاب فليس هو بمقتضى القاعدة ، وإنّما هو بمقتضى المقبولة.

لكن كلّ ذلك مبني على كون المرجّح الجهتي من باب الحمل على التقية ، وإلاّ فقد عرفت فيما تقدّم (1) تفصيل الكلام فيه.

قوله : الأوّل : الترجيح بصفات الراوي وإن لم يصرّح به في المقبولة ... الخ (2).

قال قدس سره : إنّ الترجيح بصفات الراوي لم يثبت ، كما أنّه لم يثبت عن

ص: 277


1- في الصفحة : 272 وما بعدها.
2- فوائد الأُصول 4 : 784.

الأصحاب أنّهم يرجّحون بها ، وأمّا ما تضمّنته المقبولة من الترجيح بها فليس ترجيحاً لإحدى الروايتين على الأُخرى ، بل إنّما كان ترجيحاً لأحد الحكمين على الآخر بصفات الحاكم بالأفقهية والأصدقية والأعدلية ، ولأجل ذلك جعلناها دليلاً على وجوب الترافع إلى الأعلم في الشبهات الحكمية ، وأن ضمّ غير الأعلم إليه كضمّ الحجر في جنب الإنسان ، انتهى.

وقد تكرّرت هذه الجملة فيما حرّرته عنه قدس سره في دروس متعدّدة ، ونصّ عليها الشيخ في الرسائل (1) في الموضع الأوّل الذي تعرّض فيه للجمع بين المقبولة والمرفوعة ، فراجع.

وحاصلها : أنّ الترجيح بصفات الحاكم إنّما هي لترجيح أحد الحكمين على الآخر في الشبهات الحكمية كما هو مورد الرواية ، لا لأجل مجرّد فرض الاختلاف بينهما ، بدعوى أنّه لا يتصوّر الخلاف في الحكم في الشبهات الموضوعية ، لإمكان الاختلاف في تشخيص المدّعي والمنكر ، بل لأجل فرض كون الاختلاف واقعاً في الرواية والترجيح بالشهرة ، ثمّ بعد الفراغ من التساوي في صفات الحاكم انتقل السؤال والجواب إلى الترجيح في المستند وهو الرواية.

ولا يخفى أنّ ترجيح أحد الحكمين على الآخر بالأعلمية كما يستفاد منه وجوب الترافع إلى الأعلم ، فكذلك يستفاد منه وجوب تقليد الأعلم في مورد المخالفة - كما استدلّ بها شيخنا قدس سره لذلك في مباحث الاجتهاد والتقليد ، فراجع ما حرّرته عنه قدس سره (2) في ذلك - لأنّ هذه الجهة من الصفة أعني الأعلمية إنّما اعتبرت مرجّحة لأجل أنّ صاحبها أوصل إلى الواقع ، فكان الترجيح بها يشعر أنّ الميزان

ص: 278


1- فرائد الأُصول 4 : 68 - 70.
2- مخطوط لم يطبع بعدُ.

هو الأوصلية إلى الأحكام الواقعية ، فليس الوجه في تقديم صاحبها على غيره تعبّدياً صرفاً ، نظير ما لو قال : يقدّم حكم أطولهما قامة ، بل إنّ هذه الصفة لها تمام المدخلية في المقام من النزاع في الحكم الواقعي ، فيكون صاحبها مقدّماً لكون نظره ورأيه مقدّماً على رأي غيره.

ثمّ إنّه لا يرد على دعوى كون الرواية من باب الحكومة الاصطلاحية التي هي عبارة عن فصل الحكومة ، بأنّه كيف جاز للحاكم الثاني الحكم على خلاف حكم الأوّل ، لأنّ ذلك يكون نقضاً له ، فلابدّ من تنزيل الحكم فيها على الحكم العرفي أعني بيان الفتوى ، كما تضمّنته التقارير المنسوبة إلى الشيخ قدس سره (1) ، لإمكان الجواب عن ذلك بأنّ قضاء التحكيم فيما لو عيّن أحد المتخاصمين حَكماً والآخر آخر وتراضيا بذلك ، لا مانع منه ، كما ربما يعطي ذلك سؤال [ الراوي ] بقوله : « فإن كان كلّ منهما اختار رجلاً من أصحابنا » الخ (2) ، بعد أن أمر الإمام عليه السلام بالمرافعة إلى علمائنا ومنع من الرجوع إلى حكّام الجور ، وأنّ الرادّ على الحاكم رادّ على اللّه ، فإنّ هذا السؤال والجواب منه عليه السلام كاشف عن أنّ عدم جواز النقض والردّ إنّما هو في الصورة الأُولى وهي كون الحاكم واحداً ، وأمّا الثانية التي فرضها السائل فحكمها هو ما أمر به الإمام عليه السلام من الترجيح في صورة الاختلاف.

فتلخّص لك من هذا : أنّ هذه الرواية الشريفة صالحة للاستدلال بها للترجيح في مقام الفتوى ، وفي مقام الحكم لكن بصفات المفتي والحاكم ، وللترجيح في مقام الرواية لكن بما أمر به الإمام عليه السلام من المرجّحات التي ذكرها بعد الصفات ، وإن أمكن أن تكون الصفات مرجّحة للرواية ، لكنّها لم تذكر في

ص: 279


1- مطارح الأنظار 2 : 543.
2- وسائل الشيعة 27 : 106 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1 ( مع اختلاف يسير ).

الرواية إلاّفي مقام الحكم ، وتتبعه الفتوى أو هو تابع لها.

قوله : ولا يبعد أن يكون الترجيح بالشهرة مقدّماً على الترجيح بالصفات ، لأنّه في المقبولة جعلت الشهرة أوّل مرجّحات الخبرين المتعارضين ... الخ (1).

لعلّ في العبارة سقطاً ، وإلاّ فكيف تكون المقبولة موجبة لتقدّم الترجيح بالشهرة على الترجيح بالصفات مع كونها متقدّمة عليها.

وقد حرّرت عنه قدس سره في هذا المقام ما نصّه : قد تقدّم أنّ الظاهر من المقبولة هو ترجيح أحد الحكمين على الآخر بصفات الحاكم ، إلاّ أنّ الأصدقية في الحديث والأورعية لمّا كانت ظاهرة المناسبة للرواية ، وكان ترجيح أحد الحكمين على الآخر بصفات راوي مستنده أعني الخبر الذي استند إليه الحاكم في حكمه ، لم تخل عن إشعار في ترجيح إحدى الروايتين على الأُخرى بصفات الراوي.

ولكن يبقى الإشكال في كون هذا الترجيح مقدّماً على ما بعده أو متأخّراً عنه ، والمقبولة لا دلالة لها على شيء منهما ، فإنّها وإن كان هذا الترجيح مقدّماً فيها إلاّ أنّه لمّا كان في مقام ترجيح أحد الحكمين على الآخر ، لم يكن فيه دلالة على تقدّمه في مقام الرواية.

وهكذا الحال فيما ربما يتوهّم دلالته على تقدّم هذا المرجّح من جهة فرض السائل التساوي من حيث هذه الصفات وحكمه عليه السلام في هذا الفرض بالرجوع إلى الشهرة ، فإنّه قد يتوهّم أنّ فيه دلالة على تأخّر الشهرة عن هذا الترجيح.

ص: 280


1- فوائد الأُصول 4 : 785.

ولا يخفى الجواب عنه ، فإنّ ما فرضه السائل إنّما هو التساوي في صفات الحاكم ، وبعد أن فرض السائل التساوي في صفات الحاكم انتقل عليه السلام إلى مرجّحات الرواية ، فأمره بالأخذ بالمشهور ، وأين هذا من التساوي في صفات الراوي ، انتهى.

قلت : كأنّه قدس سره لا يقول بدلالة الرواية المقبولة على الترجيح بالصفات ، وإنّما أقصى ما فيها هو الإشعار ، ولأجل ذلك لا يكون ذكره مقدّماً وفرض التساوي فيها ثمّ الترجيح بالشهرة دليلاً على تقدّمه عليها.

ولكن لا يخفى أنّه بعد فرض عدم دلالة المقبولة على كونه مرجّحاً في مقام الرواية لا أثر ولا موضوع للكلام على تقدّمه على الشهرة أو تأخّره عنها ، ولو فرضنا دلالتها على كونه مرجّحاً في مقام الرواية كانت المقبولة وافية الدلالة على تقدّمه على الشهرة ، لكنّك قد عرفت فيما تقدّم (1) فيما نقلناه عنه قدس سره أنّ الترجيح بالصفات أجنبي عن الترجيح في مقام الرواية ، وأنّه لم يجد في الفقه من قدّم إحدى الروايتين على الأُخرى بكون راويها أعدل أو أفقه من راوي الأُخرى.

قوله : أمّا الشهرة الروايتية فهي عبارة عن اشتهار الرواية بين الرواة وتدوينها في كتب الأحاديث ، ولا إشكال في كونها مرجّحة لأحد المتعارضين ، بل هي المراد من قوله عليه السلام في المقبولة : « فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه » (2).

أفاد قدس سره فيما حرّرته أنّ الشهرة على ثلاثة أنواع : شهرة الرواية وشهرة العمل وشهرة الفتوى. أمّا الأُولى : فتفصيل الكلام فيها أنّهم قسّموا الرواة إلى ثلاث

ص: 281


1- في الحاشية السابقة.
2- فوائد الأُصول 4 : 785 - 786.

طبقات : أصحاب الأُصول ، وأصحاب الكتب ، وأصحاب المجاميع. أمّا أصحاب الأُصول فهم الذين أخذوا عن الإمام عليه السلام وكتبوا عنه بلا فصل ، وكلّ كتاب من تلك الكتب يسمّى أصلاً ، فيقال : فلان صاحب أصل ، أو إنّه من أصحاب الأُصول.

وبعد هذا جاءت طبقة ثانية وروت ما في تلك الأُصول عن أصحابها وحرّرته ، وسمّي ما حرّرته كتاباً ، فيقال : هو صاحب كتاب ومن أصحاب الكتب ، مثل كتاب حريز وغيره.

ثمّ جاء أصحاب المجاميع ، وجمعوا ما في تلك الكتب في كتاب واحد وسمّي مجموعاً ، مثل الكافي ومن لا يحضره الفقيه والتهذيب.

إذا عرفت هذه الطبقات فنقول : المراد من الشهرة شهرة الرواية ، والمراد بها الشهرة في الطبقة الثانية ، لأنّ الشهرة في الطبقة الأُولى مساوقة للتواتر المفيد للعلم ، فيخرج عمّا نحن فيه. وكيف كان ، فلا يشمل الشهرة في الطبقة الثالثة ومن بعدها ، انتهى.

قلت : في كون أصحاب الأُصول طبقة أُولى وأصحاب الكتب طبقة ثانية تأمّل ، وإنّما الكلام في الفرق بين الأصل والكتاب ، فراجع مقباس الهداية للمامقاني قدس سره (1).

وعلى كلّ حال ، فليس المراد بالشهرة رواية هو اشتهارها في خصوص الأُصول أو في خصوص الكتب ، بل المراد بها هو المعنى الواضح العرفي ، وهو كون الرواية معروفة لدى الرواة مشهورة عندهم وإن لم يكن راويها الكثير منهم ، وذلك في قبال النادرة التي هي غير معروفة عندهم ، ولا مشهورة لديهم.

ثمّ إنّ تخصيص الشهرة بالطبقة الثانية الذين هم أصحاب الكتب وعدم

ص: 282


1- مقباس الهداية 3 : 20 وما بعدها.

شمولها لمن تقدّمهم لعلّه مناف لزمان صدور المقبولة المتضمّنة للترجيح بها ، فإنّ المروي عنه في المقبولة هو أبو عبد اللّه الصادق عليه السلام ، ولا يبعد القول بتأخّر زمان أصحاب الكتب عنه عليه السلام.

وكون المنظور به فيها هم أصحاب الأُصول لا يستلزم كون الشهرة بمعنى التواتر ، فإنّ الشهرة عند أرباب الأُصول لا تستلزم التواتر ، لما عرفت من أنّها ليست إلاّعبارة عن المعروفية ، وهي لا تستلزم كون كلّ [ واحد ] من تلك الطبقة راوياً لها ، مضافاً إلى أنّ كون كلّ [ واحد ] من الطبقة راوياً لها قد لا يوجب التواتر الذي هو عبارة عن استحالة توافقهم على الكذب أو الخطأ ، فتأمّل.

قوله : وأمّا الشهرة العملية فهي عبارة عن عمل المشهور بالرواية واعتمادهم عليها واستنادهم إليها ... الخ (1).

قال قدس سره فيما حرّرته عنه : وأمّا الشهرة العملية فهي أن تكون الرواية وإن كانت غير مشهورة معمولاً بها عند الأصحاب ، يعني أنّهم يستندون إليها في فتواهم على طبقها ، بخلاف مجرّد الشهرة الفتوائية ، فإنّ مجرّد الفتوى على طبق رواية لا يدلّ على أنّهم عملوا بها ، لعدم العلم باستنادهم إليها ، لجواز استنادهم إلى شيء آخر غيرها ، وقد عرفت أنّ شهرة الرواية مرجّحة كما هو صريح المقبولة إلاّ أنّها لا يكون وجودها جابراً لضعف الرواية لو كانت في حدّ نفسها ضعيفة ، ولا عدمها موهناً لقوّتها لو كانت في حدّ نفسها قوية ، وأمّا الشهرة العملية فهي وإن كان ممّا يقطع بكونها مرجّحة ، لشمول المقبولة لكلّ ما اشتهر من الرواية ، سواء كان رواية أو عملاً ، فتأمّل ، ولا أقلّ من تنقيح المناط والأولوية القطعية ، وهي تكون جابرة وموهنة أيضاً كما لا يخفى ، انتهى.

ص: 283


1- فوائد الأُصول 4 : 786.

قلت : لو كانت موهنة لم تكن مرجّحة ، لأنّ عدمها حينئذ يخرج الطرف الفاقد لها عن الحجّية فيخرج عن باب الترجيح.

والإنصاف : أنّ كلاً من الشذوذ في الرواية والشذوذ في العمل موهن لا مرجّح. نعم قد يقال : إنّ الشذوذ في الرواية ملازم للشذوذ في العمل ، لكن الظاهر من زمان صدور الرواية هو عدم إمكان أخذ الشهرة بمعنى الفتوى على طبق الرواية والاستناد إليها في الفتوى ، إذ ليس ذلك الزمان زمان الفتوى ، وأقصى ما في البين هو العمل بالرواية ، وهو غير الفتوى مستنداً إليها.

اللّهمّ إلاّ أن يقال : إنّ ذلك - أعني العمل على طبقها - هو عين الفتوى ، غايته أنّه ليس من قبيل الفتوى المصطلحة في هذه الأعصار من رجوع الجاهل فيها إلى العالم ، بل هو من مجرّد عمل الشخص نفسه على طبق ما يفهمه من الرواية ، فتأمّل.

قوله : وأمّا الشهرة العملية فلا سبيل لنا إلى إحرازها ، لأنّها إنّما تكون في عصر الحضور أو ما قاربه قبل تأليف كتب الفتوى ... الخ (1).

لعلّ في العبارة سقطا ، والذي ينبغي أن يقال : هو أنّه لا سبيل لنا إلى إحراز كلّ من الشهرة الروايتية والشهرة العملية ، أمّا الأُولى فلأنّها إنّما تكون في عصر الحضور أو ما قاربه قبل تأليف كتب الفتوى ، بل قبل تأليف المجاميع ، وأمّا الثانية فلأنّ المراد بها كما سيأتي هي شهرة العمل عند المتقدّمين ، ولم يكن شأنهم إلاّ ذكر الفتوى من دون تعرّض لمستندها كي نحرز بذلك عملهم بالرواية ، ولو عثرنا على البعض منهم أنّه استند إلى الرواية فذلك أقلّ قليل لا يتكوّن منه شهرة عملية.

ص: 284


1- فوائد الأُصول 4 : 787.

قوله : ولا إشكال في كون الشهرة الفتوائية على خلاف مضمون الرواية تكون موهنة لها على كلّ حال - إلى قوله - فإنّ الترجيح والجبر يتوقّف على الاستناد والاعتماد إلى الرواية ، ولا يكفي في ذلك مجرّد مطابقة الفتوى لمضمون الرواية ... الخ (1).

أمّا كون فتوى المشهور غير جابرة فواضح ، وأمّا كونها غير مرجّحة فمشكل ، لما تقدّم من كونها موهنة للرواية التي هي على خلافها ، فلو كانت لنا روايتان متعارضتان ، وكانت فتوى المشهور مطابقة لإحداهما ومخالفة للأُخرى كانت الرواية الأُخرى موهونة بمصير المشهور إلى خلافها ، فيكون العمل حينئذ على ما كان منهما مطابقاً لفتوى المشهور ، وذلك أقوى من الرجحان ، لكونه حينئذ من قبيل تمييز الحجّة عن غيرها ، فتأمّل.

وبالجملة : بعد فرض كون الرواية مخالفة لفتوى المشهور موهناً لها لا نحتاج في تقديم الرواية الموافقة للشهرة عليها إلى كون تلك الشهرة عملية. نعم في كون الشهرة جابرة للضعف نحتاج إلى ذلك ولو بالطريق الذي أفاده قدس سره من استكشاف كون المستند هو تلك الرواية.

قوله : فإنّ اتّصال المتأخّرين بالمتقدّمين مع انحصار المستند عند المتأخّرين بما بأيدينا من الرواية يمنع عن احتمال اختلاف مستند المتقدّمين لمستند المتأخّرين ... الخ (2).

قد يقال : إذا كانت لنا رواية تدلّ على طبق ما أفتى به المشهور من المتقدّمين أمكننا أن نقول إنّ مستند المشهور هو تلك الرواية ، ويكون ذلك كافياً

ص: 285


1- فوائد الأُصول 4 : 787.
2- فوائد الأُصول 4 : 788.

في جبر الرواية بل في ترجيحها على غيرها ، من دون حاجة إلى ضمّ شهرة المتأخّرين واتّصالها بشهرة المتقدّمين.

وفيه : أنّ ذلك غير كاف في الحكم بكون مستند المتقدّمين هو تلك الرواية الموجودة بأيدينا ، لإمكان أن يكون مستند المتقدّمين رواية أُخرى كانت موجودة لديهم هي غير هذه الرواية الموجودة بأيدينا ، فلابدّ حينئذ من سدّ هذا الاحتمال ، وسدّه منحصر بما أُفيد من اتّصال شهرة المتأخّرين بشهرة المتقدّمين مع كون المستند عند المتأخّرين هو تلك الرواية الموجودة فيما بأيدينا.

وتوضيح ذلك يظهر ممّا حرّرته عنه قدس سره في هذا المقام ، وهو : أنّ احتمال عدم استناد المشهور في فتواهم إلى هذه الرواية إنّما نشأ عن احتمال وجود رواية عندهم لم نعثر عليها لعدم وجودها في المجاميع ، وأنّها كانت موجودة في الكتب التي أُخذت عنها المجاميع ، والظاهر أنّ هذه الكتب أو بعضها بقي موجوداً إلى زمن العلاّمة قدس سره والشهيد الأوّل قدس سره ، فيحتمل أن لا تكون فتواهم مستندة إلى الرواية الموجودة بأيدينا المعارضة بمثلها ، ويكون المستند في تلك الفتوى هو رواية أُخرى موجودة فيما بقي بأيديهم من تلك الكتب كما اتّفق كثيراً (1) وحينئذ لا تتحقّق الشهرة العملية على تلك الرواية المبتلاة بالمعارض.

وسدّ هذا الاحتمال يتحقّق بأحد أمرين : الأوّل يحصل بتصريح منهم أو من بعضهم أنّ المستند في الفتوى هو الرواية المذكورة. الثاني : أن تبقى تلك الشهرة

ص: 286


1- استشهد ( دام ظلّه ) في ذلك بمسائل فقهية كثيرة منها : مسألة الضربة والضربتين في التيمّم ، وأنّ مستند المشهور في التفصيل بين ما هو بدل الوضوء وما هو بدل الغسل رواية عثر عليها العلاّمة قدس سره. ومنها مسألة الخطّاف [ منه قدس سره. راجع منتهى المطلب 3 : 103، وسائل الشيعة 3 : 363 / أبواب التيمّم ب 12 ح 8 ].

مستمرّة إلى ما بعد عصر العلاّمة والشهيد الأوّل قدس سرهما أعني إلى ما بعد زمان انعدام تلك الكتب ، فإنّ بقاء الشهرة إلى ما بعد انعدام تلك الكتب كاشف عن أنّ المدرك عندهم في تلك الفتوى هو الرواية المذكورة ، فتكون معمولاً بها ، فلو كانت ضعيفة كان ذلك جابراً لها ، ولو كانت مبتلاة بالمعارض كان معارضها معرضاً عنه.

قلت : وفي الحقيقة ليس هذا من باب الترجيح ، بل من باب كون الرواية المعرض عنها ساقطة عن الحجّية ، فتكون الرواية المعمول بها بلا معارض. وقد أجاب ( دام ظلّه ) عن ذلك بما حاصله : أنّ الاعراض العملي لا يخرج الرواية الأُولى عن الابتلاء بالمعارض ، فتأمّل.

ثمّ إنّه ربما يتوهّم أنّه لا حاجة إلى سدّ هذا الاحتمال الذي ذكره ( دام ظلّه ) ، فإنّ أقصى ما فيه أن تكون الفتوى المشهورة مستندة إلى رواية أُخرى غير هذه الرواية ، وتكون تلك الرواية موافقة لهذه الرواية ومقدّمة على الرواية المعارضة لها ، فلا يظهر أثر عملي لاستناد الشهرة إلى هذه الرواية.

والحاصل : أنّ الشهرة المذكورة سواء كانت مستندة إلى هذه الرواية أو إلى رواية أُخرى موجودة عندهم ولم تصل إلينا ، تكون موجبة لسقوط الرواية المعارضة لكونها معرضاً عنها ، فلا داعي إلى إتعاب النفس في سدّ باب هذا الاحتمال.

ولكن لا يخفى أنّ الاعراض إنّما يكون موجباً للسقوط إذا كان الطرف الآخر المعمول به موجوداً فيما بأيدينا ، أمّا [ إذا ] لم يكن عندنا إلاّعمل برواية موجودة عندهم ولم تصل إلينا ، فلا يكون موجباً لسقوط ما بأيدينا من الرواية ، لاحتمال أنّهم إنّما قدّموا تلك على هذه لأجل أنّها في نظرهم مقدّمة دلالة على

ص: 287

الرواية التي بأيدينا ، وأنّا إذا اطّلعنا على تلك الرواية التي كانت عندهم لم تكن دلالتها مقدّمة في نظرنا على دلالة هذه التي بأيدينا ، فتأمّل.

نقلت ذلك كلّه على علاّته من تحريراتي عنه قدس سره ، ولم أُغيّر فيه شيئاً ممّا له الدخل في أصل المطلب. والغرض من ذلك كلّه إنّما هو بيان أنّه إذا كانت شهرة المتأخّرين عن زمان وجود الكتب متّصلة بشهرة من كان في زمان وجودها ، كان ذلك كاشفاً عن أنّ المستند في تلك الفتوى المشهورة هو هذه الرواية التي هي بأيدينا التي استند إليها المتأخّرون عن ذلك الزمان ، هذا في كون الشهرة جابرة.

وأمّا في كونها موهنة ، فإنّ هذا الاحتمال أعني كون الاعراض عن هذه الرواية التي بأيدينا إنّما هو لأجل أنّهم يرون أنّ تلك الرواية التي كانت لديهم أقوى في الدلالة ممّا بأيدينا ، وأنّه لو اطّلعنا نحن على تلك الرواية التي كانت لديهم لم نجد لها تلك القوّة ، فذلك احتمال بعيد ، بل لابدّ من أن نقول : إنّ إعراض المشهور عن هذه الرواية التي بأيدينا كاشف عن أنّهم اطّلعوا على خلل في سندها أو على رواية تكون قرينة على التصرّف في دلالة هذه الرواية ، وكون تلك لو اطّلعنا عليها لا تكون عندنا قرينة بعيد غايته. ومن ذلك كلّه يظهر لك الوجه في كون الشهرة الفتوائية مرجّحة ، فتأمّل.

قوله : والفرق بين الشهرة والإجماع هو أنّ الإجماع يكشف عن وجود مستند تامّ الدلالة ... الخ (1).

قال قدس سره فيما حرّرته عنه في توضيح ذلك : إنّهم ذكروا لمدرك حجّية الإجماع وجوهاً أوضحنا فسادها جميعاً في محلّه ، وحاصل ما اخترناه في مدرك حجّيته هو أنّه يكشف عن وجود دليل عندهم مأخوذ يداً بيد إلى الإمام عليه السلام لم

ص: 288


1- فوائد الأُصول 4 : 788.

يصل إلينا ، وهم جميعاً مطبقون على حجّية ذلك الدليل بالنسبة إلى تلك الفتوى التي أطبقوا عليها ، فيكون مدرك حجّية الإجماع مؤلّفاً من جهتين : الأُولى : كشفه عن وجود دليل. الثانية : إجماعهم على حجّية ذلك الدليل ، والأُولى عقلية صرفة ، والثانية شرعية.

والشهرة ربما تشارك الإجماع في الجهة الأُولى ، لأنّ حسن الظنّ بأُولئك الأجلّة الأعاظم تمنع قطعاً عن حمل فتواهم على أنّها بلا دليل ، فلابدّ أن يكون صدور الفتوى منهم عن دليل ، إلاّ أنّ الشهرة لمّا كانت فاقدة للجهة الثانية ، لعدم تحقّق الإجماع على حجّية ذلك الدليل المستكشف بالفتوى المشهورة ، لم يمكن القول بحجّيتها ، انتهى.

فإنّ أقصى ما في البين هو الشهرة على حجّية ذلك الدليل ، وهي غير كافية في حجّيته في حقّنا ، وهذا بخلاف الإجماع ، فإنّهم لمّا أجمعوا على الفتوى ، وكان إجماعهم كاشفاً عن وجود دليل يكون ذلك ملازماً لإجماعهم على دليلية ذلك الدليل الذي هو عبارة عن الإجماع على حجّيته ، وهو - أعني الإجماع على حجّية ذلك الدليل - كافٍ في حجّيته في حقّنا وإن لم نعرفه بعينه ، هذا.

ولكن لا يخفى أنّ إجماعهم على حجّية ذلك الدليل يحتاج إلى الدليل على حجّيته ، فلابدّ حينئذ من دعوى كون ذلك - أعني حجّية ذلك الدليل - مأخوذاً يداً بيد إلى أن ينتهي الأمر إلى الأخذ من الإمام عليه السلام ، وهي طريقة الكشف عن رأي المعصوم عليه السلام ، وحينئذ لا يحتاج إلى توسّط حجّية ذلك الدليل ، بل نقول من أوّل الأمر إنّ إجماعهم على نجاسة الماء القليل مثلاً كاشف عن رأيه عليه السلام ، وأنّ ذلك مأخوذ يداً بيد حتّى ينتهي الأمر إليه عليه السلام كما هو الشأن في كلّ تابع ومتبوع.

ص: 289

لكنّه قدس سره في مبحث الإجماع (1) قد منع من كون ذلك هو مبنى حجّيته ، لندرة الإجماع الكاشف عن رأيه عليه السلام ، وأوضح أنّ المدرك في حجّية الإجماع هو كشفه عن وجود الدليل المعتبر ، غايته أنّه لم يصل ذلك الدليل إلينا ، وحينئذ لابدّ لنا أن نقول : إنّ الفرق بين الإجماع والشهرة [ هو أنّهما ] وإن اشتركا في الكشف عن الدليل المعتبر ، إلاّ أنّ الشهرة إنّما تكشف عنه كشفاً ظنّياً ، بخلاف الإجماع فإنّ إطباقهم يكشف عن الدليل المعتبر كشفاً قطعياً.

لكن يبقى الإشكال في أنّ مجرّد القطع بأنّهم قد استندوا إلى دليل معتبر لديهم لا يوجب حجّية ذلك الدليل في حقّنا ، لإمكان أنّا لو اطّلعنا على ذلك الدليل لم يكن حجّة لدينا ، وتمام الكلام في مبحث الإجماع ، فراجع.

قوله : الأمر الثالث : قد ذكر الشيخ قدس سره للترجيح بمخالفة العامّة وجوهاً أربعة ، ولكن الظاهر رجوع بعضها إلى بعض ، فإنّ مرجع كون المخالفة للعامّة من حيث نفسها مطلوبة للشارع إلى التعبّد بمخالفة العامّة ، فلا يكون كلّ منهما وجهاً على حدة ... الخ (2).

أفاد قدس سره فيما حرّرته عنه أنّ الثاني من هذه الوجوه راجع إلى الأوّل ، والرابع منها راجع إلى الثالث ، فينحصر الأمر في احتمالين ، احتمال كون الأخذ بالمخالف من باب الموضوعية ، واحتمال كونه من باب الطريقية لكشفه عن كون الطرف الآخر قد أعطى من جراب النورة ، ورجّح قدس سره الاحتمال الثاني على الأوّل لما في الأوّل من كونه غير مناسب لمقام هذه الطائفة المحقّة ، وإنّما جرى عليه العامّة كما ينقل عنهم في مسألة تسنيم القبور من أنّ الأصل هو التربيع ، وإنّما جعل التسنيم

ص: 290


1- فوائد الأُصول 3 : 150 - 151.
2- فوائد الأُصول 4 : 789.

مرغوباً لأنّ الرافضة اتّخذت التربيع سنّة ، انتهى.

قلت : إنّ أوّل الوجوه الأربعة التي ذكرها الشيخ قدس سره (1) هو مجرّد التعبّد. ثانيها : هو كون الرشد في خلافهم. ثالثها : حسن مجرّد المخالفة. رابعها : الحكم بصدور الموافق تقية ، هذا حاصل الوجوه المذكورة.

والذي ينبغي أن يقال هو أنّ الأوّل راجع إلى الثالث ، وأنّ الثاني راجع إلى الرابع ، فإنّ التعبّد بالأخذ بمخالف العامّة الذي هو الوجه الأوّل إنّما هو لأجل الوجه الثالث الذي هو حسن مخالفتهم ، كما أنّ كون الرشد في خلافهم الذي هو الوجه الثاني يكون موجباً للحكم بكون الموافق لهم هو من باب التقية الذي هو الوجه الرابع.

فيكون الأمر منحصراً في احتمالين : أوّلهما اعتبار مخالفتهم من باب الموضوعية تعبّداً ، لكونها في حدّ نفسها حسنة. ثانيهما : اعتبارها من باب الطريقية ، لأنّ الرشد في خلافهم ، وأنّ ما يصدر عن أئمّتنا عليهم السلام ممّا هو موافق لهم لابدّ أن يكون من باب التقية.

وبعد ترجيح الاحتمال الثاني على الاحتمال الأوّل كما أفاده قدس سره يكون الحاصل هو أنّ ما يكون من الأخبار موافقاً لهم يكون من باب التقية ، ويكون مخالفاً للرشد ، سواء كان له معارض أو لم يكن ، فيكون ذلك من باب تمييز الحجّة عن غيرها.

نعم ، لا يكون ذلك من باب العلّة التامّة لسقوط الموافق لهم ، بل يكون من باب الأصل في مقام الشكّ في حجّية ما يكون موافقاً لهم ، وأنّ الأصل فيه هو التقية ، وأنّ الغالب هو كونهم مخالفين للرشد ، إلاّ أن يعضد ذلك الخبر الموافق

ص: 291


1- فرائد الأُصول 4 : 121 - 122.

لهم بجهة تؤيّد حجّيته.

والحاصل : أنّ الخبر الموافق لهم يكون بمنزلة الرواية الضعيفة التي لا يؤخذ بها إلاّمع وجود الجابر لضعفها فتأمّل ، هذا.

ولكن لا يخفى أنّ الثاني وهو كون الرشد في خلافهم لا ربط له بالرابع ، وهو كون الموافق لهم من باب التقية ، فإنّ الرابع مرجّح جهتي والثاني مرجّح مضموني ، وقد عرفت (1) رجوعه إلى المرجّح الصدوري ، وقد عرفت أنّ هذا - أعني الوجه الثاني - هو المتعيّن ، وهو الذي يستفاد من كون الرشد في خلافهم ، ولم أتوفّق لمعرفة الوجه في ارجاع هذا المرجّح إلى الحمل على التقية بعد التصريح من الرواية بأنّ علّته هي كون الرشد في خلافهم.

نعم ، في بعض الروايات ما يدلّ على أنّ ما يصدر عنه عليه السلام ممّا يشابه قول الناس فهو محمول على التقية ، ومن الواضح أنّ هذا ليس في مقام الترجيح ، بل في مقام بيان أنّ ما تسمعه منّي ممّا يشبه قولهم لا تعمل به لأنّه صدر منّي تقية ، وأين هذا ممّا لا يكون محكوماً بصدوره إلاّبأصالة الصدور.

على أنّه ليس على إطلاقه ، إذ ليس كلّ ما يصدر منه عليه السلام ممّا يشبه أقوالهم فهو تقية ، بل هو مختصّ بما يكون من قبيل ما يتفرّدون به ، من مثل المنع عن نكاح المتعة ، ومثل إرث الزوجة من الأراضي ، ونحو ذلك ممّا هو من مختصّاتهم ، فلاحظ.

وعلى كلّ حال ، إنّ قوله في هذا التحرير : ومعنى كون الرشد في خلافهم إلى آخر العبارة (2) ، تصريح بعدم كون هذا المرجّح مرجّحاً جهتياً ، بل إنّه مرجّح

ص: 292


1- في الصفحة : 272 وما بعدها.
2- فوائد الأُصول 4 : 789.

مضموني على حسب ما عرفت فيما تقدّم.

قوله : وأمّا في باب موافقة الكتاب ومخالفته ، فالذي يكون من شرائط الحجّية هو عدم مخالفة الخبر للكتاب بالتباين الكلّي ، فإنّه هو الذي لا يمكن صدوره عنهم صلوات اللّه عليهم ، فيكون زخرفاً وباطلاً ، فإذا كان الخبر أعمّ من وجه من الكتاب كان اللازم إعمال قواعد التعارض بينهما ... الخ (1).

قال قدس سره فيما حرّرته عنه في هذا المقام : وحاصل الإشكال في هذا المرجّح الثالث أعني موافقة الكتاب ومخالفته ، أنّ هذا المعنى في بعض الأخبار موجب لطرح الخبر وعدم حجّيته ، مثل ما تضمّن أنّه زخرف أو اطرحوه على الجدار أو لم نقله ونحو ذلك من الأخبار (2) ، وبعض الأخبار الواردة في مقام الترجيح دالّة على الترجيح به كما تضمّنته المقبولة وغيرها (3).

ولا يخفى ما بين هاتين الطائفتين من التدافع ، وقد أُجيب عنه بالجمع بينهما بحمل الطائفة الأُولى على المخالفة بالتباين ، والطائفة الثانية على المخالفة بالعموم والخصوص المطلق ، فيكون حاصل الطائفة الثانية أنّه إذا ورد خبر أخصّ من العموم الكتابي وورد خبر آخر معارض له ، بأن كان الخاصّ الآخر موافقاً للكتاب ، يلزم ترجيح الخاصّ الموافق للكتاب على الخاصّ الآخر المخالف له ، وهذا موافق في النتيجة للحكم بتساقطهما والرجوع إلى العموم الكتابي.

ولا يخفى ما في هذا الجمع من كونه تبرّعياً صرفاً ، لأنّ العنوان وهو

ص: 293


1- فوائد الأُصول 4 : 791.
2- وسائل الشيعة 27 : 110 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 12 ، 14 ، 15 وغيرها.
3- وسائل الشيعة 27 : 106 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1 ، 11 ، 21 ، 29 وغيرها.

المخالفة واحد ، فجعله في إحدى الطائفتين تباينياً ، وفي الطائفة الأُخرى بالعموم والخصوص المطلق تصرّف بلا قرينة.

ومجرّد كونه في الطائفة الأُولى في مقام الطرح وفي الثانية في مقام الترجيح لا يكون قرينة صالحة لذلك. مضافاً إلى أنّ مخالفة العموم والخصوص المطلق لا تعدّ عرفاً مخالفة.

ويمكن أن يقال : إنّ ما تضمّن من الأخبار لعنوان المخالفة محمول على ظاهره من المخالفة التباينية ، فيكون مفاده لزوم الطرح ، وما تضمّن من تلك الأخبار لعنوان عدم الموافقة للكتاب محمول على مخالفة العموم والخصوص المطلق ، لأنّ ذلك كافٍ في تحقّق عدم الموافقة ، فيكون مفاده لزوم ترجيح ما وافق الكتاب على ما لا يوافقه ، وهذا طريق حسن إلاّ أنّه موقوف على نظرة ثانية في أخبار البابين ، انتهى.

ثمّ إنّه قدس سره أفاد بعد ذلك ما محصّله : أنّ الأخبار المتعرّضة لذكر موافقة الكتاب ومخالفته قد ذكر في بعضها المخالفة فقط (1) وأنّها توجب طرح ما كان مخالفاً للكتاب وهي الأخبار المذكورة في شرائط الحجّية ، أمّا أخبار التراجيح فبعضها متعرّض لترجيح ما وافق الكتاب فقط (2) بمثل ما وافق كتاب اللّه فخذوه ،

ص: 294


1- [ لا يخفى أنّ المذكور في بعضها عنوان عدم الموافقة كما في الحديث 12 و 14 و 37 و 47 ، وفي بعضها ذكر عنوان تحليل الحرام وتحريم الحلال كالحديث 21 ، وفي بعضها ذكر عنوان ما لا شاهد عليه من كتاب اللّه كما في الحديث 18. نعم قد يجعل من هذه الطائفة قول النبي صلى اللّه عليه وآله : « ما جاءكم عنّي يوافق كتاب اللّه فأنا قلته وما جاءكم يخالف كتاب اللّه فلم أقله » كما في الحديث 15، ولعلّ المتتبّع يجد غير ذلك أيضاً فراجع وسائل الشيعة 27 : 106 وما بعدها / أبواب صفات القاضي ب 9 ].
2- [ كما في ذيل الحديث 21 من قوله عليه السلام : « فاعرضوهما على كتاب اللّه فما كان في كتاب اللّه موجوداً حلالاً أو حراماً فاتّبعوا ما وافق الكتاب » الحديث. وفي الحديث 11 ورد التعبير بوجدان الشاهد من كتاب اللّه أو قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله. وفي الحديث 40 ورد التعبير بما يشبه كتاب اللّه وأحاديثنا. نعم روى في المستدرك عن المفيد رحمه اللّه في رسالته العددية قول أبي عبد اللّه عليه السلام : « إذا أتاكم عنّا حديثان مختلفان فخذوا بما وافق منهما القرآن » الحديث ، فراجع مستدرك الوسائل 17 : 206 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 11 ].

وبعضها متعرّض للأمرين بمثل ما وافق كتاب اللّه فخذوه وما خالف كتاب اللّه فذروه (1) ، والإشكال إنّما هو في الفقرة الثانية ، أمّا الأُولى فلا منافاة بينها وبين الأخبار المذكورة في شرائط الحجّية.

فنقول : إنّ الظاهر ممّا فيه التعرّض للأمرين أنّه قضية شرطية ، والجزء الثاني منها تصريح بمفهوم الجزء الأوّل منها ، وقد حقّقنا في محلّه أنّ أمثال ذلك ممّا هو مشتمل على قضيتين والثانية منهما معلّقة على شرط ضدّ الشرط في الأُولى لا يكون الجزء الثاني فيه دليلاً مستقلاً ، وإنّما يكون في الظهور تابعاً للجزء الأوّل ، إذ لا يزيد الجزء الثاني على كونه تصريحاً بما هو المفهوم للجزء الأوّل ، وأنّ ضدّ الشرط في الأُولى إنّما ذكر في الثانية من باب التعرّض لبعض أفراد نقيض الشرط في الشرطية الأُولى.

وحينئذ نقول : حاصل مفهوم الشرطية الأُولى فيما نحن فيه أنّ ما لم يكن موافقاً للكتاب فذروه ، والتعبير بالمخالفة في الجزء الثاني قد عرفت أنّه تصريح بذلك المفهوم لا أنّه مقصود بنفسه ، بل لأجل أنّه كناية عن عدم الموافقة ، فليس المدار في المرجوحية على عنوان المخالفة كي يقال هي مختصّة بالمخالفة

ص: 295


1- كما في مقبولة عمر بن حنظلة المروية في وسائل الشيعة 27 : 106 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1. وكذا الحديث 29، وغيرهما.

التباينية ، بل المدار على عدم الموافقة للكتاب ، فتشمل مخالفة التباين ومخالفة العموم والخصوص المطلق ، غير أنّ المخالفة التباينية خارجة عنه ، لما تقدّم من الأخبار والإجماع على طرح الخبر المباين للكتاب وإسقاطه عن الحجّية ، انتهى.

قلت : فيه تأمّل ، حيث إنّ التعبير بالمخالفة في هذا المقام إمّا من جهة أنّه أحد أفراد عدم الموافقة الذي هو المفهوم الحقيقي ، وحينئذ لا يحسن أن يكون خارجاً عن هذا العموم ، لأنّه نصّ فيه أو كالنصّ ، فهو من قبيل جعل أحد فردي العام كناية عن الفرد الآخر ، وإن شئت فقل : إنّه راجع إلى ما تقدّم من كون الجمع تبرّعياً.

مضافاً إلى أنّ بعض الأخبار (1) وهو الرابع ممّا ذكره الشيخ قدس سره (2) تعرّض لهذه القضية الشرطية المشتملة على هذين الجزأين في مخالفة العامّة وموافقتها كما ذكرتها في موافقة الكتاب ومخالفته ، ومن الواضح أنّه ليس المراد من مخالفة أخبار العامّة المخالفة بالعموم والخصوص المطلق.

قوله : فإذا كان الخبر أعمّ من وجه من الكتاب كان اللازم إعمال قواعد التعارض بينهما ، ولا يندرج في قوله عليه السلام : « ما خالف الكتاب فهو زخرف » (3) بل يقدّم ما هو الأظهر منهما ، وإلاّ فالتخيير أو الرجوع إلى الأصل ... الخ (4).

ص: 296


1- وسائل الشيعة 27 : 118 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 29.
2- فرائد الأُصول 4 : 63 - 64.
3- وسائل الشيعة 27 : 110 - 111 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 12 و 14. ولايخفى أنّ المذكور فيهما عنوان عدم الموافقة ، فلاحظ.
4- فوائد الأُصول 4 : 791.

لا يخفى أنّ ضمّ هذه الجملة إلى قوله فيما سيأتي : والمخالفة بالعموم من وجه تندرج فيما دلّ على الترجيح بموافقة الكتاب عند التعارض الخ (1) ، ينتج أنّ الخبر المخالف للكتاب بالعموم من وجه لو كان وحده يكون معارضاً للعام الكتابي ، لكن لو اتّفق أن وجد في الأخبار ما هو موافق للعام الكتابي يكون ذلك الموافق مقدّماً على ذلك الخبر المخالف.

ولا يخفى ما فيه من الغرابة ، فإنّ ذلك الخبر المخالف للعام الكتابي إن كان صالحاً للوقوف في قبال العام الكتابي في مقام المعارضة لم يكن انضمام الخبر الموافق للعام الكتابي مخرجاً له عن الصلاحية لمعارضة العام الكتابي ، وإن لم يكن الخبر المخالف للعام الكتابي صالحاً للقيام في قبال العام الكتابي ، بل كان العام الكتابي مقدّماً عليه ، لم يكن ضمّ الخبر الموافق للكتاب للعام الكتابي إلاّ كضمّ الحجر في جنب الإنسان.

قوله : وأمّا الذي يكون مرجّحاً لأحد المتعارضين فهو الموافقة والمخالفة للكتاب بالعموم من وجه ، وأمّا الموافقة والمخالفة بالعموم المطلق فهي ليست من المرجّحات أيضاً ، لعدم المعارضة بين العام والخاصّ كما تقدّم بيانه ... الخ (2).

قال قدس سره فيما حرّرته عنه : إنّ المخالفة للكتاب قد تكون على وجه التباين ، وقد تكون على نحو مخالفة الظاهر للأظهر على وجه يكون من قبيل القرينة وذي القرينة ( أمّا إذا لم يكن من هذا القبيل فهو داخل في المخالفة التباينية ، وإن كان أحدهما أقوى ظهوراً من الآخر ) وقد تكون بالعموم من وجه ، وقد عرفت سقوط

ص: 297


1- فوائد الأُصول 4 : 792.
2- فوائد الأُصول 4 : 791.

ما كان مبايناً للكتاب عن الحجّية ولو في غير مورد المعارضة لما وافق الكتاب فضلاً عمّا إذا كان معارضاً بموافق الكتاب.

أمّا القسم الثاني ، ففيما كان منه غير معارض بموافق الكتاب ، لا ريب في الرجوع فيه إلى الجمع العرفي بينه وبين الكتاب ، أمّا ما كان منه معارضاً بموافق الكتاب ، فقد تقدّم أنّه مورد الترجيح بموافقة الكتاب ، فيقدّم الخبر الموافق للكتاب ويرجّح على غيره ، ويكون الحكم على طبق الكتاب.

ودعوى عدم الفرق بين القول بترجيح موافق الكتاب وبين القول بعدم الترجيح للحكم حينئذ بتساقط المتعارضين والرجوع حينئذ إلى العموم الكتابي ، إنّما تتمّ على القول بالتساقط ، وقد عرفت أنّ ذلك وإن كان هو الأصل في باب التعارض ، إلاّ أنّ أخبار الباب دلّت على وجوب الترجيح والتخيير إن لم يكن في البين مرجّح ، وحينئذ يدور الأمر فيما نحن فيه بين الترجيح والتخيير. وتظهر الثمرة بين القول بالترجيح والقول بعدمه ، بأنّه على القول بالترجيح يكون العمل على طبق العموم الكتابي متعيّناً ، بخلاف القول بعدم الترجيح والرجوع إلى التخيير ، لأنّه لا يتعيّن العمل حينئذ على طبق العموم الكتابي ، لجواز أن يختار ما لا يوافق العام الكتابي.

فتلخّص : أنّه إذا كان لنا خبران متعارضان تعارضاً تباينياً ، وكان أحدهما موافقاً للكتاب والآخر مخالفاً له ، قدّم الموافق للكتاب على المخالف له ، وكان القدر المتيقّن من الأخبار الدالّة على الترجيح بموافقة الكتاب ، هذا فيما إذا كان كلا الخبرين أخصّ مطلقاً من العام الكتابي ، وكانا في أنفسهما متباينين ، وكان أحدهما مخالفاً للعموم الكتابي والآخر موافقاً له ، أمّا إذا كان الموافق له منهما أعمّ من المخالف له ، وكانا معاً أخصّ مطلقاً من العام الكتابي ، فلا يمكن أن يقدّم

ص: 298

الموافق له على المخالف ، بل يلزم في ذلك أن يقدّم المخالف ويخصّص به الموافق ، وبعد تخصيصه به يخصّص العام الكتابي أيضاً ، لأنّه حينئذ بلا معارض ، وبالجملة : أنّه يخصّصهما معاً ، والوجه في ذلك أنّ الجمع العرفي مقدّم على جميع المرجّحات.

قلت : والفرق بين الصورة الأُولى والثانية ظاهر ، فإنّه في الصورة الأُولى يقع التعارض بين الخاصّين المتباينين ، ولابدّ حينئذ من إعمال الترجيح أو التساقط ، وحيث إنّ الموافق منهما للكتاب أرجح من الذي هو مخالف له ، كان اللازم تقديمه عليه وإن كان ذلك المخالف للكتاب أخصّ من عموم الكتاب.

وهذا بخلاف الصورة الثانية فإنّه لمّا كان المخالف للكتاب أخصّ ممّا هو موافقه ، لم تقع المعارضة بينهما كي يكون اللازم هو الترجيح أو التساقط ، بل كان اللازم هو كون ذلك الخاصّ مخصّصاً لما هو مقابله وللعموم الكتابي.

ومن الكلام في الصورة الثانية يظهر لك الحال في عكسها ، وهي ما لو كان الخبر المخالف للكتاب أعمّ من الخبر المقابل له الموافق للعموم الكتابي ، فإنّ ذلك الموافق للكتاب يخصّص المخالف له ، وبعد تخصيصه به يكون ذلك الخبر المخالف بما بقي تحته مخصّصاً للعموم الكتابي الذي هو أعمّ من الجميع ، مثلاً لو كان العموم الكتابي بمنزلة أكرم العلماء ، وورد لا تكرم النحويين ، وورد أيضاً أكرم النحوي من الكوفيين ، فإنّ الثالث يخصّص الثاني ، فيبقى تحت الثاني خصوص النحوي البصري وأنّه لا يجب إكرامه ، فيخصّص به العموم الأوّل - أعني أكرم العلماء - باخراج النحوي البصري.

ومن ذلك تعرف أنّ ما تعرّض له في الكتاب بقوله : فاللازم هو الجمع بين الكتاب وبين الخبر المخالف له بتخصيص العام الكتابي بما عدا مورد الخاصّ

ص: 299

الخبري (1) لا ينطبق إلاّعلى الصورة الثانية ، وقوله : وكذا يندرج في أدلّة الترجيح ما إذا كان التعارض الخ (2) لا ينطبق إلاّعلى الصورة الأُولى.

هذا كلّه فيما لو كان الخبران الموافق أحدهما للكتاب والآخر مخالف له اللذان يكون كلّ منهما أخصّ من العموم الكتابي متباينين ، أو كان أحدهما أخصّ من الآخر. ولو كان بينهما العموم من وجه مع كون كلّ منهما أخصّ من العموم الكتابي فهو داخل فيما سيأتي في الأمر الخامس.

ولو كان الخبر المخالف للكتاب أعمّ ، كان اللازم هو النظر إلى مقابله - أعني الخبر الموافق - هل هو مباين للمخالف ، أو أخصّ منه ، أو أعمّ ، أو أنّه بينهما عموم من وجه ، فيلزم إجراء القواعد الجارية ، فربما كان المرجع هو تخصيص الخبر المخالف بالكتاب ، كما لو كان الموافق له أخصّ من المخالف وكان مساوياً لما في الكتاب ، وربما كان المرجع هو ترجيح الخبر الموافق ، كما لو كان الموافق مبايناً للمخالف أو أعمّ منه من وجه فتأمّل ، ففي صورة كون الموافق مبايناً للمخالف هل يكون الكتاب مخصّصاً للمخالف ، وبعد تخصيصه به تنقلب النسبة بينه وبين الموافق ويكون حينئذ أخصّ من الموافق فيخصّصه ، أو أنّ الموافق يقدّم ويرجّح على المخالف لكونه موافقاً للكتاب ، ولو باعتبار اشتماله على حكم يعمّ ما في الكتاب؟ فيه تأمّل ، والظاهر أنّ المتعيّن هو الأوّل.

والخلاصة : هو أنّه تضمّن هذا التحرير صورتين لكون المخالفة للكتاب في أحد المتعارضين بالعموم المطلق :

الأُولى : أن ينوجد في الكتاب أو في السنّة مثل قوله أكرم العلماء ، وينوجد

ص: 300


1- فوائد الأُصول 4 : 791.
2- فوائد الأُصول 4 : 792.

لنا خبران متعارضان يتضمّن أحدهما وجوب إكرام النحويين والآخر حرمة إكرامهم ، وفي هذه الصورة يتعارض الخبران ، فإن قلنا بسقوطهما يكون العمل على العام ، وإن قلنا بأنّ الأوّل منهما مقدّم على الآخر لكونه موافقاً للعام ، تكون النتيجة أيضاً هي العمل على العام ، لكن لو قلنا بعدم التساقط وقلنا بالتخيير تظهر الثمرة بين إعمال الترجيح وعدمه ، لأنّا لو أعملنا الترجيح يكون العمل على العام ، وإن لم نأخذ بعملية الترجيح نتخيّر ، فلربما اخترنا الخبر المخالف للعام ، وحينئذ يكون النحوي خارجاً عن العام.

الصورة الثانية : ما لو كان الأمر بالعكس ، بأن يكون في الكتاب أو السنّة وجوب إكرام العالم العادل ، ويكون لنا خبران عامان متباينان ، مفاد أحدهما وجوب [ إكرام ] العالم ومفاد الآخر حرمة إكرام العالم ، ففي هذه الصورة يكون ما في الكتاب مخصّصاً للخبر الثاني ، وبعد تخصيصه به تنقلب النسبة بينه وبين معارضه ويكون أخصّ منه ، فيقدّم عليه ، ويكون العمل حينئذ على ما في الكتاب ، ويكون المخالف له مقدّماً على الموافق له ، هذا لو أجرينا المسألة على التخصيص.

أمّا لو أجرينا المسألة على الترجيح ، ورجّحنا الأوّل من الخبرين ، وهو ما دلّ على وجوب إكرام العلماء على معارضه ، فإن كان محصّل هذا الترجيح هو إسقاط الثاني بالمرّة كان العمل على العام الأوّل ، وسقط العام الثاني بالمرّة ، وحينئذ تظهر الثمرة بين عملية التخصيص وعملية الترجيح.

لكن لو قلنا إنّ ترجيح الأوّل من العامين على الثاني منهما إنّما يكون موجباً لإسقاط الثاني في خصوص ما خالف فيه الكتاب ، وهو العالم العادل ، أمّا فيما لا يخالفه فيه وهو العالم الفاسق فلا يسقط الثاني فيه عن الحجّية ، وحينئذ يكون

ص: 301

بذلك مخصّصاً للعام الأوّل ، فلا يكون العمل إلاّعلى الكتاب ، وبالأخرة يكون الخبر الثاني مقدّماً على الأوّل في خصوص العالم الفاسق.

قال قدس سره فيما حرّرته عنه : وأمّا القسم الثالث وهو ما كان بينه وبين العام الكتابي عموم من وجه ، وكان له معارض موافق للعام الكتابي ، فهل تجري في ذلك المرجّحات المضمونية فيرجّح ما هو موافق للكتاب ويطرح ما هو مخالف له ، ويكون العمل على طبق العام الكتابي ، أم لا تجري في ذلك المرجّحات المضمونية؟ وهكذا الحال في المرجّحات الجهتية.

وقبل الخوض في ذلك ينبغي أن يحرّر الكلام في ذلك في المرجّحات السندية ، وأنّه هل يرجع في المتخالفين في العموم من وجه إلى المرجّحات الصدورية أم لا.

فنقول : غاية ما يقرّب به الرجوع في ذلك إلى المرجّحات الصدورية أن يقال : إنّ العامين من وجه وإن لم يكن بينهما تدافع في مورد افتراق كلّ منهما عن الآخر ، إلاّ أنه يقع بينهما التدافع في مورد الاجتماع ، وحيث إنّ كلّ عام ينحلّ إلى قضايا شخصية متعدّدة حسب تعدّد أفراد ذلك العام ، وكان من جملة تلك الأفراد ما هو مورد الاجتماع ، فيكون فيه قضيتان متدافعتان ، ويكون صدور كلّ من القضيتين معارضاً لصدور القضية الأُخرى.

وبالجملة : فكان الصادر في كلّ عام قضايا متعدّدة ، وفي مورد الاجتماع يكون الصادر قضيتين متناقضتين ، وصدور كلّ قضية من تينك القضيتين المتناقضتين معارض بصدور القضية الأُخرى ، فيرجع حينئذ إلى المرجّحات الصدورية في تينك القضيتين المتعارضتين في مورد الاجتماع ، هذا غاية ما يقرب به الرجوع إلى المرجّحات الصدورية في المتخالفين بالعموم من وجه.

ص: 302

وفيه : أنّه خلط بين مفاد العام المأخوذ على نحو القضية الخارجية ومفاد العام المأخوذ على نحو القضية الحقيقية ، وهذا التقريب إنّما يتمّ فيما هو مفاد القضية الخارجية ، حيث إنّ محصّل العام حينئذ عبارة عن قضايا متعدّدة لا ربط لإحداها بالأُخرى ، ولا جامع بينها سوى أنّ المتكلّم طلباً للاختصار جمعها تحت جامع واحد وعبّر عنها بقضية كلّية ، فلذلك يكون الصادر منه قضايا متعدّدة حسب تعدّد الأفراد ، ويكون الصادر منه حينئذ في مورد الاجتماع قضيتين متدافعتين ، ويكون صدور كلّ قضية معارضاً في مورد الاجتماع بصدور القضية الأُخرى ، فيرجع في ذلك إلى المرجّحات الصدورية.

أمّا القضايا الحقيقية فهي وإن كان النظر فيها إلى الأفراد لا إلى صرف الطبيعة ، إلاّ أنّها ليست إلاّقضية واحدة وكبرى كلّية يكون الحكم فيها منبسطاً على الأفراد الداخلة تحت موضوعها على نحو انبساط ذلك الموضوع الكلّي على تلك الأفراد ، فلا يكون الصادر من المتكلّم إلاّتلك القضية الكلّية دون القضايا الشخصية الخارجية.

فلا يكون في القضيتين المتخالفتين بالعموم من وجه تدافع من حيث الصدور كي يرجع في ذلك إلى المرجّحات الصدورية.

وإنّما يقع التدافع بين الشمولين اللذين تكفّلهما القضيتان المذكورتان ، لا في صدورهما كي يرجع في ذلك إلى المرجّحات الصدورية ، والتقريب المذكور إنّما نشأ عن الخلط بين القضية الخارجية والقضية الحقيقية التي عليها مبنى القضايا الأحكامية.

وقد نشأ عن هذا الخلط أُمور كثيرة منها هذا التقريب ، ومنها إشكال الدور على الشكل الأوّل ، ومنها تخيّل جواز التمسّك بالعموم في الشبهة المصداقية ،

ص: 303

ومنها تخيّل التناقض بين المستثنى والمستثنى منه في مثل أكرم العلماء إلاّزيداً ، فإنّ أمثال هذه المطالب إنّما تجري في القضايا الخارجية ، ولا مورد لها في القضايا الحقيقية التي إليها مرجع القضايا المستعملة في العلوم ، سواء كانت متضمّنة للأحكام الشرعية أو غيرها.

فتلخّص : أنّه لا محلّ للمرجّح الصدوري في المتعارضين بالعموم من وجه.

أمّا المرجّح الجهتي فالظاهر جريانه في المتعارضين بالعموم من وجه ، لأنّ شمول كلّ واحد من العامين المذكورين لمورد الاجتماع منافٍ ومعارض لشمول العام الآخر له ، فإذا كان أحد العامين مخالفاً للعامّة والآخر موافقاً لهم ، قدّم الأوّل على الثاني في مورد التعارض المذكور.

قلت : إنّ هذا إنّما يتمّ فيما لو كانت الموافقة لهم في شمول أحد العامين لمورد الاجتماع دون العام المذكور بتمامه ، مثلاً لو ورد أكرم العلماء ، وورد لا تكرم الفسّاق ، فحصل التعارض بالعموم من وجه في العالم الفاسق ، فكون أحد الدليلين الذي هو لا تكرم الفسّاق - مثلاً - موافقاً للعامّة يكون على نحوين :

أحدهما : أن تكون الموافقة المذكورة حاصلة في شموله للعالم الفاسق ، لا في أصل الحكم المذكور أعني حرمة إكرام الفاسق ، بأن نكون متوافقين معهم في حرمة إكرام الفاسق غير العالم ، وإنّما الذي انفردوا فيه هو إكرام العالم الفاسق ، بأن نقول نحن بعدم حرمة إكرامه وهم يقولون بحرمته.

النحو الثاني : أن يكون مذهبهم أصل حرمة إكرام الفاسق ، عالماً كان أو غيره.

ففي النحو الأوّل يمكن الترجيح بمخالفة العامّة ، وحمل شمول أحد

ص: 304

الخبرين - أعني لا تكرم الفسّاق - لمورد الاجتماع على التقية ، إذ لا منافاة بين ذلك وبين الأخذ بالدليل المذكور في غير مورد المعارضة المذكورة.

أمّا النحو الثاني فلا يمكن فيه ذلك الترجيح ، لأنّه لا يكون إلاّبحمل مثل لا تكرم الفسّاق بتمامه على التقية ، وذلك موجب لعدم الأخذ به في غير مورد المعارضة المذكورة.

ثمّ قال قدس سره : وأمّا المرجّح المضموني أعني موافقة أحد العامين من وجه للكتاب ، ففيه صورتان :

إحداهما : أن يكون الموافق للكتاب من العامين من وجه مساوياً له ، بمعنى أنّ العام الكتابي يكون بينه وبين أحد الخبرين المتعارضين عموم من وجه كما بين نفس المتعارضين ، ويكون مساوياً في العموم لما هو الموافق له منهما ، فقد يقال : إنّ المرجّح المضموني لا مجرى له في مثل ذلك ، لأنّ العام الكتابي قطعي السند ، فلا يقف في قباله ما هو ظنّي السند كي يكون معارضاً للموافق له منهما ، ويترجّح الموافق عليه بالموافقة المذكورة.

وفيه : أنّ المعارضة بين عموم الكتاب وعموم العام المخالف له لا تكون بين السندين ، وإنّما تكون بين دلالة العموم الكتابي وبين سند العام المخالف له ، وكلاهما ظنّيان تعبّديان ، فينبغي التوقّف حينئذ من هذه الجهة ، إلاّ أنّه لمّا كان العام الآخر الموافق للعام الكتابي معارضاً لذلك العام المخالف له ، وكان أرجح منه لكونه موافقاً للكتاب دونه ، قدّم عليه في مورد المعارضة المذكورة أعني مورد الاجتماع.

الصورة الثانية : أن لا يكون الموافق للكتاب من العامين من وجه مساوياً له في العموم ، بل يكون أخصّ منه مطلقاً ، بأن يكون لنا عموم كتابي ويكون لنا

ص: 305

خبران مضمون كلّ منهما أخصّ مطلقاً من ذلك العام الكتابي ، ويكون بين الخاصّين المذكورين عموم من وجه ، ويكون أحدهما موافقاً للكتاب والآخر مخالفاً له ، فالخاصّ المخالف للكتاب وإن كان لو خلّي ونفسه لكان موجباً لخروج تمام أفراده عن عموم ذلك العام الكتابي لكونه أخصّ منه مطلقاً ، إلاّ أنّه لمّا كان في مورد اجتماعه مع الخاصّ الآخر الموافق للكتاب معارضاً بالخاصّ المذكور ، وكان الخاصّ المذكور أرجح منه لكونه موافقاً للكتاب دونه ، وقدّم عليه في مورد الاجتماع ، وأخرج مورد الاجتماع عن الخاصّ المخالف وأدخل تحت الخاصّ الموافق ، ولم يبق تحت الخاصّ المخالف للكتاب إلاّ الأفراد التي لا يشملها الخاصّ الموافق ، كان موجباً لخروج الأفراد الباقية عن تحت العام الكتابي ، لا جميع الأفراد التي يشملها الخاصّ المذكور ، فقد ظهر أنّ موافقة أحد العامين من وجه للكتاب تكون مرجّحة في كلا الصورتين.

قلت : لكن قد عرفت أنّ الصورة الثانية راجعة إلى التخصيص.

لا يقال : إنّ المعارضة في الصورة الأُولى تكون في الحقيقة واقعة بين العام الكتابي والعام الخبري المخالف له ، ولا ريب في تقدّم الأوّل على الثاني لكونه قطعي السند ، فلا حاجة إلى تطويل المسافة بجعل المعارضة بين الخبرين وترجيح الموافق للكتاب على المخالف له.

لأنّا نقول : إنّ ذلك راجع إلى التقديم السندي ، وهو لا يدخل العامين من وجه ، وحيث قد عرفت أنّ التعارض بالعموم من وجه لا يدخله التقديم السندي ، لم يكن مندوحة فيما ذكرناه من الصورة الأُولى عن المرجّح المضموني ، أعني كون أحدهما موافقاً للكتاب ، بل لو لم يكن العام الخبري الموافق للكتاب موجوداً لكان تقديم العام الكتابي على العام الخبري من باب التقدّم المضموني ،

ص: 306

لا من باب التقدّم السندي ، فتأمّل.

قوله : فلو كان أحد المتعارضين موافقاً للكتاب والآخر مخالفاً له بالعموم والخصوص ، فاللازم هو الجمع بين الكتاب وبين الخبر المخالف له بتخصيص العام الكتابي بما عدا مورد الخاصّ الخبري ... الخ (1).

هذا إذا كان الخبر الخاصّ بلا معارض ، أمّا لو وجد له المعارض كما هو ظاهر قوله : فلو كان أحد المتعارضين الخ ، كان وجوده مانعاً من كونه مخصّصاً للعام الكتابي كما شرحه بقوله فيما سيأتي ، فإنّ ما دلّ على الحرمة وإن كان أخصّ من العام الكتابي الخ (2).

قوله : والمخالفة بالعموم من وجه تندرج فيما دلّ على الترجيح بموافقة الكتاب عند التعارض ، فلو تعارض العامان من وجه وكان أحدهما موافقاً للكتاب - إلى قوله - وكذا يندرج في أدلّة الترجيح ما إذا كان التعارض بين الخبرين بالتباين الكلّي وكان أحدهما موافقاً للعام الكتابي ... الخ (3).

الظاهر الانحصار في الصورة الأُولى ، وهي ما لو كان بين المتعارضين عموم من وجه وكان أحدهما موافقاً للعام الوارد في الكتاب أو في السنّة ، مثل أن ينوجد في الكتاب أو في السنّة قوله أكرم العلماء ، وينوجد لنا خبر مفاده أكرم العلماء وآخر مفاده لا تكرم الفسّاق ، فإنّه لا ريب في تقدّم الأوّل على الثاني في مقام المعارضة وهو العالم الفاسق.

أمّا الصورة الثانية ، وهي ما أُفيد من حكم لحم الحمير ، فهو من قبيل

ص: 307


1- فوائد الأُصول 4 : 791.
2- فوائد الأُصول 4 : 792.
3- فوائد الأُصول 4 : 792.

المخالفة بالعموم المطلق ، لأنّ كلاً منهما أخصّ مطلقاً من العام الكتابي ، وهكذا الحال فيما يكون بين الخبرين عموم من وجه ، ويكون كلّ منهما أخصّ مطلقاً من العام الكتابي.

ثمّ لا يخفى أنّ الترجيح في الصورة الأُولى إنّما يكون من المرجّحات المضمونية ، فإن أرجعنا المرجّحات المضمونية إلى المرجّحات الصدورية أشكلت المسألة ، لأنّ المرجّحات الصدورية لا تدخل التعارض بالعموم من وجه فلابدّ من دعوى كون المرجّحات المضمونية غير راجعة إلى المرجّحات الصدورية ، وحينئذ تكون في طول المرجّحات الصدورية ، ويكون ما أفادته المقبولة (1) من تأخّر الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامّة عن الترجيح بالشهرة على طبق القاعدة ، وهذه الطولية لا مانع منها ، لإمكان الحكم بصدور العام من وجه وإسقاط حجّيته في مورد الاجتماع. لكن هذا في موافقة الكتاب واضح.

إلاّ أنّه يشكل الأمر في مخالف العامّة ، فإنّه لا محصّل للحكم بصدور الموافق لهم ثمّ إسقاطه من جهة كون الرشد في خلافهم ، فإمّا أن نلتزم بأنّ المرجّح المضموني في عرض المرجّح الصدوري لكن المقبولة أخّرته ، أو أن نلتزم بأنّ مخالفة العامّة مرجّح صدوري وأخّرته المقبولة.

وعلى أي حال ، يكون العمل على المقبولة في تأخّرهما عن الشهرة ، وعلى صحيحة الراوندي (2) في تأخّر المخالفة للعامّة عن موافقة الكتاب ، فلاحظ وتدبّر.

وهذه التمحّلات وغيرها توجب تقريب عدم كون المقبولة في مقام

ص: 308


1- وسائل الشيعة 27 : 106 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1.
2- وسائل الشيعة 27 : 118 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 29.

الترجيح ، وأنّها إلى تمييز الحجّة عن غيرها أقرب حتّى بالنسبة إلى الشهرة ، فإنّ قوله عليه السلام : « ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك ، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه ، وإنّما الأُمور ثلاثة ، أمر بيّن رشده فيتّبع ، وأمر بيّن غيّه فيجتنب ، وأمر مشكل يردّ حكمه ( علمه ) إلى اللّه ، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك ، فمن ترك الشبهات نجى من المحرّمات ، ومن أخذ بالشبهات وقع في المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم » الخ (1) [ ظاهر في عدم حجّية الشاذّ ] ، إذ لا أقل من إدخال الشاذّ في الأمر المشكل وفي الشبهات ، وذلك كافٍ في سقوطه حتّى لو لم يكن له معارض ، بل يكفي في الحكم بعدم حجّيته كونه شاذّاً ، سيّما بملاحظة وصفه بالنادر كما في المرفوعة (2) ، فإنّ ذلك - أعني شذوذه وندرته - يخرجه عن حيّز الوثوق الذي هو ميزان حجّية خبر الواحد.

وأمّا الموافقة للعامّة فكونها من ذلك القبيل - أعني تمييز الحجّة عن غيرها - أوضح ، سيّما بعد كون موافق العامّة لا رشد فيه الذي هو - أعني الرشد - ميزان الحجّية ، وهو عبارة عن الوثوق ، وكذلك مخالفة الكتاب والسنّة أو موافقتهما ، وحصر الموافقة والمخالفة في الترجيح بالعموم من وجه ، لعلّه من مجرّد الدعوى أو من مجرّد الجمع التبرّعي ، وإلاّ فإنّ الظاهر من المخالفة هو عدم الاجتماع ، وهو منحصر بالتباين.

على أنّا لو سلّمنا اختصاص المخالفة المسقطة بالتباين واختصاص المرجّحة بالعموم من وجه لقلنا إنّه إذا كان بين خبر الواحد والآية الكتابية أو السنّة القطعية عموم من وجه ، فإن قلنا بعدم حجّية ذلك الخبر في مورد التعارض الذي

ص: 309


1- وسائل الشيعة 27 : 106 ، 157 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 1 ، 9.
2- مستدرك الوسائل 17 : 303 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 2.

هو مورد الاجتماع في قبال ذلك العموم الكتابي أو المقطوع به من السنّة ، لم يكن ضمّ الخبر الآخر الموافق للكتاب أو السنّة إلاّمن قبيل ضمّ الحجر إلى جنب الإنسان ، وإن قلنا بمعارضة ذلك الخبر للعام الكتابي ، ولكن ضمّ الخبر الموافق للعام الكتابي يوجب تقدّمه على طرفه لأنّه موافق للكتاب أو السنّة ، مع إجراء المعارضة بين ذلك الطرف والعام الكتابي أو السنّي القطعي فيما إذا لم يكن في قباله خبر آخر موافق لهما ، فهو في غاية الغرابة.

وكذلك الحال فيما لو كان بين كلّ من الثلاثة عموم [ من وجه ] ، كما لو كان مفاد عموم الكتاب هو وجوب إكرام الهاشمي لكونه ذوي القربى ، ومفاد أحد الخبرين هو وجوب إكرام العالم ، ومفاد الآخر هو حرمة إكرام الفاسق ، فاجتمع الثلاثة في الهاشمي العالم الفاسق ، وحيث كان الأوّل من الخبرين موافقاً للكتاب قدّم على الثاني.

لكن يبقى تعارض الخبرين في العالم الفاسق غير الهاشمي ، ويبقى تعارض الثاني مع العام الكتابي في الهاشمي الفاسق غير العالم ، فهل يمكننا أن نقول : إنّ الخبر الأوّل مقدّم على الثاني لكونه موافقاً للكتاب في حين أنّ مورد هذه المعارضة وهو العالم الفاسق غير الهاشمي غير مورد الموافقة وهو مورد اجتماع الثلاثة.

ثمّ في مورد معارضة الثاني مع العام الكتابي أعني الهاشمي الفاسق غير العالم ، هل يكون المقدّم هو الكتاب ، ولو قلنا بتقديمه كان مطلق الهاشمي خارجاً عن الثاني ، وبعد إخراج الهاشمي من الفاسق يبقى التعارض بينه وبين الأوّل بالعموم من وجه.

ص: 310

ولا يبعد أن يقال : إنّ تعارض العموم من وجه خارج عن باب التعارض بين الروايات ، بل هو من قبيل التعارض بين الأُصول ، بل هو هو ، لأنّ التعارض في الحقيقة إنّما هو في أصالة العموم في كلّ من الدليلين ، سواء كانا خبرين أو آيتين أو آية وخبر ، والمرجع فيه اتّباع الأظهر أو الترجيح بالبقاء بلا مورد (1) ، ونحو ذلك من مرجّحات الأُصول اللفظية بعضها على بعض ، والالتزام بالتساقط فيما عدا ذلك ، كما يشهد بذلك ما تسالموا عليه من التساقط في المتعارضين بالعموم من وجه.

أمّا موافقة الكتاب أو مخالفته المذكورة في روايات الترجيح كالمقبولة ونحوها ، فليست هي إلاّتلك الموافقة والمخالفة التي تضمّنتها روايات العرض بأي معنى فسّرناها ، حتّى لو جعلناها شاملة للعموم والخصوص كما يراه من لا

ص: 311


1- [ قال المحقّق ] الرشتي : كما إذا فرض في المثال الأوّل أنّ قول المولى : أكرم العلماء ، بعد ما إذا خصّص بقوله : لا تكرم فسّاقهم لم يبق تحته إلاّفرد واحد أو اثنان ، فحينئذ يقدّم على العام من وجه الآخر ، أي على قوله : يستحبّ إكرام العدول ، إذ في مادّة الاجتماع لو قدّم العام من وجه الآخر ، لم يبق حينئذ مورد لقوله : أكرم العلماء ، فالعام المخصّص حينئذ لقلّة أفراده صار كالخاصّ في النصوصية في مورد الاجتماع بالنسبة إلى العام من وجه الآخر الظاهر فيه بعمومه ، انتهى [ راجع شرح كفاية الأُصول 2 : 338 ]. والمصنّف قدس سره لم يرتضه على إطلاقه ، بل فصّل بين ما لو كان الباقي مقداراً لا يجوز أن يتعدّاه التخصيص لكونه من تخصيص الأكثر ، فيجب تقديم العام على سائر معارضاته ، وبين ما لو كان الباقي أكثر من ذلك ، ووجهه أنّ العام في ذلك المقدار يكون نصّاً فيقدّم على غيره بعد قوّة دلالته ، وفيما يزيد على ذلك لا يكون كذلك ، فلا تقوى دلالته فلا مرجّح له على غيره ليكون موجباً لتقديمه عليه الخ 585 [ منه قدس سره ].

يجوّز تخصيص الكتاب بخبر الواحد ، فلا يكون محصّلها إلاّعدم حجّية الخبر المخالف للكتاب ، فلا يكون ما تضمّنته المقبولة من باب الترجيح ، بل هو من باب التمييز بين الحجّة وغيرها.

نعم ، يبقى الإشكال في وجه تقديم بعضها على بعضها ، ولابدّ في دفعه من منع دلالتها على الترتّب ، فإنّه بمنزلة أن تقول : إذا تعارض الخبران فخذ بما يرويه الثقة دون ما يرويه غير الثقة ، ومع ذلك لو سألك السائل أنّهما كلاهما يرويه الثقة فتقول : خذ بما عمل به الأصحاب واطرح ما طرحوه ولم يعملوا به ، إلى غير ذلك ممّا يرجع إلى شروط أصل حجّية الخبر ، فلاحظ وتدبّر.

قوله : وهو قوله تعالى : وأحلّ لكم ما في الأرض جميعاً (1).

تقدّم مثلها ص 133 وص 134 (2) ، ولكن الظاهر أنّه ليس في القرآن الكريم آية بهذا النظم ، نعم في سورة البقرة قوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ) (3) وفيها أيضاً قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ ) (4) وفي سورة المائدة : ( وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالاً طَيِّباً ) (5) وفي سورة النحل قوله تعالى : ( فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالاً طَيِّباً - إلى قوله تعالى - إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ - إلى قوله تعالى - وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ

ص: 312


1- فوائد الأُصول 4 : 792.
2- فوائد الأُصول 4 : 368 و 369.
3- البقرة 2 : 29.
4- البقرة 2 : 168.
5- المائدة 5 : 88.

أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ ) (1) الخ (2)

ص: 313


1- النحل 16 : 114 - 116.
2- قد تمّت بحمد اللّه تعالى هذه الدورة في الثامن من شهر جمادى الأُولى سنة 1375 وكان الشروع فيها في أوائل شوال سنة 1366. وبحمد اللّه تعالى وفضله شرعنا بعدها وتمّت الدورة في 5 جمادى الأُولى سنة 1381 واشتغلنا بعدها في مباحث الاجتهاد والتقليد. وشرعنا بحمد اللّه وفضله في دورة جديدة في شوال سنة 1381 ومنه تعالى نستمدّ التوفيق [ منه قدس سره ].

ص: 314

فهرس الموضوعات

الموضوع / الصفحة

مبحث التعادل والتراجيح

الجمع بين الأحكام الظاهرية والواقعية بتغاير موضوعيهما والمناقشة في ذلك... 3

الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري بكون الأوّل إنشائياً والثاني فعلياً والمناقشة في ذلك... 6

الفرق بين موارد التعارض وموارد اشتباه الحجّة باللاّحجّة... 8

الكلام في أقسام التزاحم ومرجّحاته... 15

الكلام في ضابط الحكومة... 18

الكلام في أصالة الظهور وأصالة عدم القرينة... 24

وجه تقديم الخاصّ على العام... 27

ما ذكره المحقّق النائيني رحمه اللّه من الفرق بين الورود والحكومة والمناقشة فيه... 28

التعرّض لكلام الشيخ الأنصاري رحمه اللّه في توجيه تقديم الخاصّ على العام... 29

ص: 315

الجمع الدلالي بين المتعارضين... 35

تقديم النصّ على الظاهر وذكر جملة من موارده... 37

تقديم العام الأُصولي على المطلق الشمولي... 47

تقديم العام الأُصولي على المطلق البدلي... 51

تقديم المطلق الشمولي على المطلق البدلي... 52

تقديم مفهوم الغاية على مفهوم الشرط... 53

التعارض بين مفهوم الشرط ومفهوم الوصف... 54

دوران الأمر بين التخصيص والنسخ... 55

صور التعارض بين أكثر من دليلين ( مبحث انقلاب النسبة )... 71

ملاحظة النسبة بين أدلّة ضمان العارية... 107

فائدة : لو كان عامان وورد خاص يوجب تخصيص أحدهما... 119

البحث عن مقتضى القاعدة في المتعارضين... 121

إمكان نفي الثالث بالخبرين المتعارضين... 126

مقتضى القاعدة في المتعارضين بناءً على السببية... 142

مقتضى القاعدة الثانوية في المتعارضين المتكافئين وملاحظة روايات التخيير والتوقّف ونحوهما... 158

الكلام في شمول روايات التخيير لاختلاف النُسخ... 166

ص: 316

لزوم الفحص عن المرجّحات قبل العمل بالتخيير... 168

هل التخيير - على القول به - في المسألة الأُصولية أو الفقهية ، وهل هو من وظائف المجتهد أو المقلّد ، وهل هو ابتدائي أو استمراري؟... 170

وقفة مع صاحب الكفاية قدس سره في باب الاجتهاد والتقليد وباب التعارض... 184

الكلام في أخبار الترجيح وملاحظة النسبة بينها وبين أدلّة التخيير... 202

مدى دلالة مقبولة عمر بن حنظلة على الترجيح... 204

تنبيه : جملة من الروايات التي يمكن الاستدلال بها على التخيير ومدى دلالتها على ذلك... 206

احتمال اختصاص التخيير بالأحكام غير الالزامية بقرينة رواية العيون... 207

إرادة التساقط من التوقّف والارجاء وذكر شواهد على ذلك... 211

التعرّض لبعض المرجّحات المنصوصة والمناقشة فيها... 216

ذكر المتن الكامل لرواية العيون والبحث عن مفادها... 221

التعرّض لإشكالات الكفاية على المقبولة ونقدها... 229

الكلام في جواز التعدّي من المرجّحات المنصوصة أو لزوم الاقتصار عليها... 245

تنبيه : دلالة طائفة من الروايات على الترجيح بتأخّر الصدور... 249

الكلام في تقدّم بعض المرجّحات على بعض وعدمه... 250

أقسام الشهرة وما يصلح منها للترجيح... 281

ص: 317

الوجوه الأربعة التي ذكرها الشيخ قدس سره للترجيح بمخالفة العامّة ونقدها... 290

بحث في الأخبار الواردة في موافقة الكتاب ومخالفته ومحاولة الجمع بينهما... 293

حكم المتعارضين بالعموم من وجه من حيث جريان المرجّحات الصدورية والجهتية والمضمونية فيهما

... 302

فهرس الموضوعات... 314

ص: 318

الفهارس الفنية

اشارة

1 - فهرس الآيات الكريم

2 - فهرس الأحاديث الشريفة

3 - فهرس الاشعار

4 - فهرس أهم مصادر التحقيق

ص: 319

ص: 320

فهرس الآيات

سورة البقرة /2

الآية / رقمها / المجلّد / الصفحة

هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ 29 9 122

هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ 29 12 312

وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء 31 1 262

وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ 43 1 121

وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ 43 4 207 ، 372

وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ 43 5 215 ، 217 ، 426

وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ 43 3 304 ، 305

أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ 67 6 402

أَقِيمُواْ الصَّلاَةَ 110 8 321

ص: 321

أَقِيمُواْ الصَّلاَةَ 110 9 148 ، 149 ، 150

لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ 124 1 228

لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ 124 5 213 ، 219

فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ 148 2 326

يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي 168 9 122

يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي 168 12 312

وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ 179 2 442

وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ 179 5 356

أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم ... 184 ، 185 4 171

فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ... 185 9 116 ، 117

فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ... 185 9 118 ، 479

عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ ... 187 5 390

أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ 187 5 390

أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ 187 5 67

أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ 187 10 407

وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ... 187 9 409

وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ 188 4 153

لاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ 195 2 123

ص: 322

لاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ 195 6 149

إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ ... 222 2 203

نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ ... 223 8 151

وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ 228 5 123

وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ 228 5 273 ، 276 ، 278

وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ ... 233 10 100

أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ 275 1 200 ، 210

أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ 275 4 205 ، 257 ، 336

أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ 275 5 92

أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ 275 7 455

أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ 275 8 156

أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ 275 10 287 ، 368

أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ 275 11 116

وَحَرَّمَ الرِّبَا 275 8 157

فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ 279 8 157

ص: 323

سورة آل عمران / 3

أَطِيعُواْ اللّهَ 32 4 372

لِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ 97 2 10

لِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ 97 3 151 ، 214

مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً 97 3 215

وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ 133 2 327

وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن 144 5 83

سورة النساء / 4

فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء 3 7 387

مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء 3 7 398

إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى 10 4 153

يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ 11 10 170

وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ 15 8 437

وَلا يأتون الباس إلا قليلا 18 8 437

ص: 324

أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ 19 8 437

وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم 22 4 338

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ 23 8 9 ، 20

أُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ 23 1 227

وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ 23 1 230 ، 236

لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ 29 4 40

تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ 29 6 462 ، 463

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ 43 9 363

وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ 43 5 288

فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ 43 3 155

فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ 43 3 179

أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ 59 1 479

أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ 59 1 483

إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ 94 6 398

وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ 104 5 267

ص: 325

سورة المائدة

أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ 1 1 423

أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ 1 4 196

أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ 1 5 218

أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ 1 6 462 ، 463

أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ 1 10 287 ، 316 ، 317

أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ 1 10 341 ، 342 ، 348

أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ 1 10 354 ، 369 ، 372

أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ 1 10 373 ، 374 ، 375

أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ 1 10 379 ، 390 ، 399

أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ 1 10 433 ، 434

أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ 1 12 193

إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ 3 7 203 ، 234

فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ 4 5 427

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى 6 3

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى 6 9 363

ص: 326

إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ 6 1 364

إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ 6 9 306 ، 359

إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ 6 9 306 ، 359

إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ 6 9 364 ، 367 ، 370

إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ 6 1 523

إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ 6 2 215

إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ 6 3 196 ، 201

وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ 6 1 43

وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ 6 5 288

وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ 45 10 80

فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ 48 2 326

وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ 55 8 436

وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء 64 4 52

وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلاَلاً طَيِّبًا 88 12 312

ص: 327

سورة الأنعام / 6

قل لا أجد في ما أُوحى إليَّ 45 7 138

إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ 50 12 222

سورة الأعراف / 7

سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ 57 9 109

أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى 172 5 267

سورة الأنفال / 8

أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ 20 6 355

وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ 35 1 155

لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى 42 3 142

الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ 66 5 390

ص: 328

سورة التوبة / 9

وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى 54 8 436

وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ 61 7 85

وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ 72 1 432

وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ 108 2 203

فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ 122 2 130

فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ 122 6 435

وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً 122 6 263

لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ 122 6 449

سورة يونس / 10

قُلْ أاللّهُ أَذِنَ لَكُمْ 59 6 351

ص: 329

سورة هود / 11

وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ 97 1 317

سورة يوسف / 12

أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ 40 5 79

سورة النحل / 16

فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالاً طَيِّبًا 114 - 116 12 312

سورة الإسراء / 17

فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ 23 5 289

أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ 23 5 79

فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ 23 5 290

ص: 330

وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ 26 11 231 ، 233

أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ 71 8 435

أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ 78 1 121

أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ 78 2 9

أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ 78 4 259

أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى 78 2 304

أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى 78 3 254

أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى 78 9 109

سورة الكهف / 18

مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ 5 6 353

آتِنَا غَدَاءنَا 62 8 436

سورة الانبياء / 21

لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا 22 5 68 ، 72

ص: 331

سورة الحج / 22

وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ 78 4 428

وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ 78 7 39

وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ 78 8 427 ، 428 ، 459

سورة النور / 24

وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ 2 6 440

وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ 4 - 5 5 286

إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا 33 5 336

فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ 63 5 133

سورة النمل / 27

وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ 14 6 61

وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ 23 8 436

ص: 332

فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ 40 1 52

سورة العنكبوت / 29

الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء 45 1 156

سورة لقمان / 31

وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ 27 8 432

سورة الأحزاب / 33

لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ 53 4 144

سورة الزمر / 39

فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ 2 4 213

ص: 333

سورة غافر / 40

فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ 65 4 213

سورة الأحقاف / 46

وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا 15 10 100

سورة محمد / 47

وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ 33 8 502

إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا 37 8 429 ، 434

سورة الفتح / 48

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا 29 8 434

ص: 334

سورة الحجرات / 49

إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا 6 5 323 ، 334 ، 336

إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا 6 6 263 ، 407

فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ 6 6 402

أَن تُصِيبُوا قَوْمًا 6 11 339

وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ 7 6 403 ، 404 ، 405

سورة النجم / 53

وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا 28 5 335

سورة الرحمن / 55

عَلَّمَهُ الْبَيَانَ 4 1 38

ص: 335

سورة المجادلة / 58

أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ 13 5 390

سورة الحشر / 59

وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ 7 8 435

وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا 7 12 222

سورة الصف / 61

تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ 11 2 56

سورة الجمعة / 62

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي 9 5 255

إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ 9 4 327

ص: 336

وَذَرُوا الْبَيْعَ 9 4 347

وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا 11 4 327

سورة عبس / 80

أَن جَاءهُ الْأَعْمَى 2 4 377

سورةالمطففين / 83

وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ 1 4 153

سورة البينة / 98

وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ 5 1 483

وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ 5 1 484

لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ 5 4 213

ص: 337

فهرس الأحاديث

اشارة

فهرس الأحاديث (1)

الجزء الأوّل

حسين منّي وأنا من حسين... 54

أدعوك يا ربّ بلسان أخر سه ذنبه وأوبقه جرمه... 85

الاسم ما أنبأ عن المسمّى والفعل ما أنبأ عن حركة المسمّى... 85

ص: 338


1- ملاحظات : الأُولى : حاولنا مهما أمكن نقل نصّ ما ذكر في الكتاب من عبارات الروايات إلّا في موارد قليلة ، كما أنّه فيما نقل مضمون روايات الباب اخترنا نصّ رواية واحدة للباب. الثانية : كان أمامنا خياران في فهرسة الروايات ، الأوّل ترتيبها بحسب ألفاظ الروايات وجملها كما صنعنا ذلك في فهرسة الآيات المباركة. والثاني ترتيبها بحسب الصفحات ، وقد آثرنا الثاني على الأوّل لظبطه ودقّته وإن كان الأوّل أسهل على المراجعين. الثلاثة : اقتصرنا في كثير من الروايات على المعهود من نقل ما تبتدئ الرواية به بحسب النقل في الكتاب.

دخلت على علي (عليه السّلام) ... اسم وفعل وحرف... 87

دفع إليه رقعة وكان في الرقعة : الكلام ثلاثة أشياء... 88

أدعوك يا ربّ بلسان قد أخر سه ذنبه... 96

ما دلّ على كون افتتاحها التكبير وختامها التسليم... 157

لا صلاة إلّا بطهور... 157

قيل له : إنّ رجلاً تزوّج بجارية صغيرة فأرضعتها امرأته... 227

لحمة الرضاع كلحمة النسب ، وأنّه يحرم من ارضاع ما يحرم... 229

يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب... 230

الطواف بالبيت صلاة... 253

إذا زالت الشمس فصلّ... 296

إذا بلغ الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء... 296

عن الرجل يبيع البيع ولا يقبضه صاحبه... 318

من اشترى بيعاً فمضمت ثلاثة أيّام ولم يجيء... 318

عن الرجل يبيع البيع قبل أن يقبضه... 319

عن رجل اشترى بيعاً ليس فيه كيل ولا وزن... 319

أتأمرني يا رسول اللّه ، فقال : لا إنّما أنا شافع... 324

لا رهبانية في الإسلام... 325

ص: 339

ما الذي دعاك إلى الصلح مع هذا الطاغية... 392

وكان عمله بنيّة صالحة يقصد بها ربّه... 432

بل وجدتك أهلاً للعبادة... 433

لا عمل إلّا بنيّة... 483

لكلّ امرئ ما نوى... 483

إنّما الأعمال بالنيّات... 483

رفع عن أُمّتي ما لا يعلمون... 518

الجزء الثاني

إذا زالت الشمس وجب الطهور والصلاة (1)... 9

إلّا أنّ هذه قبل هذه... 86

لا تسقط الصلاة بحال... 103

إيّما رجل كان له مال وحال عليه الحول... 104

رفع القلم عن الصبي حتّى يبلغ... 115

هلّا تعلّمت... 137 ، 130

ص: 340


1- .. نُقل بالمضمون...

رفع القلم... 138

الوضوء على الطهور عشر حسنات... 203

من أحدث فما توضّأ فقد جفاني... 203

يا أنس أكثر من الطهور يزد اللّه في عمرك... 203

كان أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إذا بالوا توضّؤوا... 203

رفع عن أُمّتي تسع... 215

التراب أحد الطهورين... 243

لا تعاد الصلاة إلّا من خمس... 314

رجل فاتته صلاة من صلاة السفر... 321

كلّ شيء تركته من صلاتك لمرض... 321

أنّه تعالى يختار أحبّهما إليه... 335

لا تنقض اليقين بالشكّ... 335

سئل الصادق عليه السلام عن المرأة ترى الطهر في السفر... 367

رفع عن أُمّتي تسع... 407

لا تعاد الصلاة إلّا من خمس... 407

كلّ شيء نظيف... 417

لا تعاد الصلاة إلّا من خمس... 425 ، 420

ص: 341

رفع عن أُمّتي تسع... 425

الجزء الثالث

بارك اللّه لك صفقة يمينك... 33

سئل الصادق عليه السلام عن المرأة ترى الطهر في السفر... 185

إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت... 187

عن رجل أجنب فلم يقدر على الماء وحضرت الصلاة... 190

التيمّم أحد الطهورين... 193

التراب نصف الطهارة (1)... 193

ربّ الماء هو ربّ التراب... 193

إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت... 195

لا تسقط الصلاة بحال... 197

التيمّم أحد الطهورين... 197

إذا قدر الرجل على ما يحجّ به ثمّ دفع ذلك... 215

إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت... 219

ص: 342


1- .. نقل بالمضمون...

عن رجل أجنب فلم يقدر على الماء وحضرت الصلاة... 219

إذا رأيت خيرً من يمينك فدعها... 227

إذا رأيت خيرً من يمينك فدعها... 234

إذا رأيت خيرً من يمينك فدعها... 235

إذا رأيت خيرً من يمينك فدعها... 246

لا صلاة إلّا بطهور... 276

لا تعاد الصلاة إلّا من خمس... 277

الصلاة لا تسقط بحال... 279

لا صلاة إلّا بطهور... 279

المال الواحد لا يزكّى في عام واحد مرّتين... 291

لا ثنى في صدقة... 293

لا يزكّى المال من وجهين في عام واحد... 293

ويستبقي الماء... 397

الناس مسلّطون على أموالهم... 422

الجزء الرابع

لا يحلّ مال امرئ... 40

ص: 343

الماء الذي تسخّنه الشمس لا تتوضؤوا به... 66

أفطر فإنّه أفضل... 67

لإفطارك في منزل أخيك أفضل من الصيام... 67

الصلاة لا تسقط بحال... 87

الصلاة لا تسقط بحال... 114

على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي... 152

لأنّ الغضب كلّه مردود... 152

إنّ دماء كم وأموالكم عليكم حرام... 153

لا يحلّ دم امرئ مسلم ولا ماله إلّا بطيبة نفسه... 153

لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا عن طيب نفس... 153

لا يأخذنّ أحدكم متاع أخيه جادّاً ولالا عباً... 153

الصلاة لا تسقط بحال... 175

الناس مسلّطون على أموالهم... 189

الناس مسلّطون على أموالهم... 199

الصوم جُنّة من النار... 202

الناس مسلّطون على أموالهم... 205

من سبق إلى ما لم يسبقه إليه أحد... 216

ص: 344

نهى النبي صلى اللّه عليه وآله أن يستنجى بروث أو عظم... 217

الناس مسلّطون على أموالهم... 218

لا يصلح بشيء من ذلك... 220

خلق اللّه الماء طهوراً... 224

لا تعاد الصلاة إلّا من خمس... 248

الناس مسلّطون على أموالهم... 253

الناس مسلّطون على أموالهم... 257

رفع عن أُمّتي تسع... 260

هل يصلّي الرجل في ثوب إبريسم... 301

لا تعاد الصلاة إلّا من خمس... 310

الصلاة لا تسقط بحال... 315

لا تعاد الصلاة إلّا من خمس... 318

لا تسمّ بذراً ولا بقراً... 325

إنّ اللّه إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه... 332

الناس مسلّطون على أموالهم... 339

إنّ اللّه تعالى إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه... 345

سألته عن مملوك تزوّج بغير إذن سيّده... 351

ص: 345

عن رجل تزوّج عبده امرأة بغير إذنه... 352

في مملوك تزوّج بغير إذن مولاه أعاص لله؟... 352

أيّما امرأة حرّة زوّجت نفسها عبداً بغير إذن مواليه... 352

في الأمة تزةّجت بغير إذن مواليها... 353

رفع عن أُمّتي تسع... 357

إذا قصّرت أفطرت وإذا أفطرت قصّرت... 339

إذا قصّرت أفطرت وإذا أفطرت قصّرت... 409

لا صلاة إلّا بطهور... 413

إذا كان الماء قدر كرّ لك ينجّسه شيء... 425

اهرقهما وتيمّم... 428

في الرجل الجنب يسهو فيغمس يده... 428

عن الجنب يحمل اركوة أو التور فيدخل... 428

عن الرجل يدخل يده في الاناء وهي قذرة... 428

الجزء الخامس

عن رجل اشترى جارية حبلى ولم يعلم بحبلها... 62

كلّ شيء لك حلال حتّى تعرف الحرام... 66

ص: 346

لا صلاة إلّا بطهور... 72

الناس مسلّطون على أموالهم... 127

سألته عن رجل أصابته قطرة من طشت فيه وضوء... 131

الصلاة قربان كلّ تقيّ... 134

الصلاة عمود الدين... 134

لا صلاة إلّا بطهور... 162

لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب... 162

كلّ شيء لك حلال... 169

على اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه... 171

المؤمنون عند شروطهم... 206

اللّهمّ العن بني أُميّة قاطبة... 213

فاحذروا أن تلعنوا مؤمناً... 220

نحن ألقينا ذلك بينهم... 261

إنّ اللّه عزّوجلّ لم يحرّم الخمر لا سمها ولكن حرّمها... 296

كلّ مسكر حرام... 296

كلّ مسكر خمر... 296

وحرّم رسول اللّه المسكر من كلّ شراب... 297

ص: 347

لِمَ حرّم اللّه الخمر قال : حرّمها لأنّها أُمّ الخبائث... 297

إذا بلغ الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء... 324

الماء الجاري لا ينجّسه شيء... 324

إن شكّ في السجود بعد ما قام... 328

إذا بلغ الماء كرّاً لم ينجّسه شيء... 330

خلق اللّه الماء طهوراً... 330

إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض... 331

إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض... 337

وما جاءكم يخالف كتاب اللّه لم أقله... 340

ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف... 340

فإن أشبههما فهو حقّ وإن لم يشبههما فهو باطل... 340

حلال محمّد صلى اللّه عليه وآله حلال إلى يوم القيامة... 387

حلال محمّد صلى اللّه عليه وآله حلال إلى يوم القيامة... 394

الجزء السادس

رفع عن أُمّتي ما لايعلمون... 6

لم يكن له على اللّه ثواب... 30

ص: 348

اسكتوا عمّا سكت اللّه تعالى عنه... 34

ما تقول في رجل قطع إصبعاً من أصابع المرأة... 38

لا بأس بالشهادة على إقرار المرأة... 91

الرجل يكون في داره ثمّ يغيب عنها ثلاثين سنة... 91

الرجل يكون في داره ثمّ يغيب عنها... 93

إنّ ابن أبي ليلى يحلّفنا الغموس... 94

إذا رأيت شيئاً في يدي رجل يجوز لي أن أشهد... 96

لا بأس بالشهادة على إقرار المرأة... 97

في رجل أراد أن يشهد على امرأة ليس لها بمحرم هل يجوز... 98

هل ترى الشمس على مثلها فاشهد أو دع... 98

لا تشهدنّ بشهادة حتّى تعرفها كما تعرف كفّك... 99

كان الذي فرضه اللّه على العباد عشر ركعات... 102

لا يكون السهو في خمس : في الوتر والجمعة والركعتين... 102

المغرب إذا سها فيها فلم يدركم ركعة صلّى... 103

إذا سها الرجل في الركعتين الأوّلتين من الظهر والعصر... 103

إذا لم تحفظ الركعتين الأولتين فأعد صلاتك... 103

إذا سهوت في الأوّلتين فأعدهما... 103

ص: 349

الاعادة في الركعتين الأوّلتين... 103

إذا سها الرجل في الركعتين الأوّلتين... 103

إذا لم تدر واحدة صلّيت أم الأوّلتين... 103

إذا شكّ أحدكم في الصلاة فلينظر أحرى... 104

إن كنت لا تدري كم صلّيت ولم يقع وهمك... 104

لا يكون السهو في خمس... 105

إذا شكّ أحدكم في الصلاة فلينظر أحرى ذلك... 105

إن كنت لا تدري كم صلّيت ولم يقع وهمك... 105

دين اللّه لا يصاب بالعقول... 155

حتّى تعلم أنّه حرام بعينه... 210

حتّى تعلم أنّه قذر... 210

الأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين... 210

من صلّى بقوم وهو جنب أو على غير وضوء... 212

في رجل استودع رجلاً دينارين فاستودعه آخر... 225

ربما لا ألقاك ، أفيونس بن عبدالرحمن ثقة... 264

ص: 350

خذ معالم دينك من فلان (1)... 307

هلّا تعلّمت... 323

متعتان كانتا على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله... 357

رجل قضى بالحقّ وهو لا يعلم... 358

في الرجل يتزوّج إلى قوم فإذا امرأته عوراء... 384

عن رجل تزوّج امرأة فعلم بعد ما تزوّجها... 385

لا تجتمع أُمّتي على ضلالة... 389

الخراج بالضمان... 447

لا ضرر ولا ضرار... 447

ما جَنَته العجماء جُبار... 447

وكلّهم ثقة... 452

أفيونس بن عبدالرحمن ثقة آخذ عنه... 452

العمري وابنه ثقتان فما أدّيا إليك... 453

لا يحلّ مال إلّا من وجه أحلّه اللّه... 463

والأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك... 465

ص: 351


1- .. نقل بالمضمون...

إذا بلغ الماء قدر كرّ لم يحمل خبثاً... 477

الجزء السابع

ولكن تنقضه بيقين آخر... 9

رفع القلم عن الصبي حتّى يحتلم... 117

ما حجب اللّه تعالى علمه عن العباد فهو موضوع عنهم... 117

اسكتوا عمّا سكت اللّه عنه... 118

رفع عن أُمّتي ما لايعلمون... 119

لا شكّ لكثير الشكّ... 128

رفع عن أُمّتي تسعة أشياء... 130

لا شكّ لكثير الشكّ... 132

لا ضرر ولا ضرار... 134

لا شكّ لكثير الشكّ... 134

رفع عن أُمّتي ما لا يعلمون... 134

من فاتته فريضة... 155

رفع ما لا يعلمون... 155

اسكتوا عمّا سكت اللّه عنه... 157

ص: 352

ما غلب اللّه عليه فهو أولى بالعذر... 158

رفع عن أُمّتي ما لا يعلمون... 158

ما حجب اللّه علمه عن العباد فهو موضوع عنهم... 159

حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك... 159

أيّما امرئ ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه... 159

سألته عمّن لم يعرف شيئاً هل عليه شيء... 160

نعم إنّه إذا انقضت عدتها فهو معذور... 165

حتّى تعلم أنّه حرام بعينه... 167

والأشياء كلّها على هذا... 168

كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال... 169

كلّ ما كان فيه حلال وحرام فهو لك حلال... 169

كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال... 170

سألت أبا جعفر عليه السلام عن الجبن... 174

سألت أبا جعفر عليه السلام عن السمن والجبن... 174

الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة... 175

رفع عن أُمّتي ما لا يعلمون... 175

كلّ شيء لك حلال... 175

ص: 353

عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث... 176

المعاصي حمى اللّه... 176

من رعى ماشيته قرب الحمى نازعته نفسه... 176

من الورع من الناس؟ قال عليه السلام : الذي يتورّع... 176

إنّما الأُمور ثلاثة : أمر بيّن رشده فيتّبع... 180

حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك... 180

من رعى غنمه قرب الحمى نازعته نفسه... 180

من الورع من الناس؟ قال عليه السلام : الذي يتورّع... 180

كلّ شيء لك حلال حتّى تعرف الحرام بعينه... 180

الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام بالحلكات... 181

حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك... 182

كان جدّي يأمر بترك الشبهات بين الحلال والحرام... 182

إنّ بعض أصحابنا سألني عن ذلك فلم أدر ما عليه... 183

إذا كان كذلك فارجئه حتّى تلقى إمامك... 183

يتوارى عنّا القرص ويقبل اليل ثمّ يزيد اليل... 183

فإن كان غير ذلك ممّا نهيت عن أكله وحرم... 185

سألت أبا الحسن عليه السلام عن لباس الفراء والسمور والفنك... 186

ص: 354

سألت أبا الحسن عليه السلام عن لباس الفراء والسمور والفنك والسنجاب... 188

سألته عن جلود السباع ينتفع بها ، قال عليه السلام :... 189

سألت أبا الحسن عليه السلام عن لباس الفراء والسمور والفنك... 191

إذا علمت أنّه ذكي قد ذكّاه الذابح... 196

سألت أبا عبداللّه وأبا الحسن عليهما السلام عن لباس الفراء والصلاة فيها... 197

سألته عن جلود السباع ينتفع بها ، قال عليه السلام :... 199

إنّ رجلاً سأل أبا عبداللّه عليه السلام وأنا عنده عن الرجل يتتقلّد السيف... 200

كلّ يابس ذكي... 201

إنّ زنديقاً قال له : السمك ميتة؟ قال عليه السلام :... 210

إنّ علياً عليه السلام كان يقول في صيد السمك... 210

إنّ علياّ عليه السلام قال : السمك والجراد إذا أُخرج من الماء... 210

الحوت ذكي حيّه وميّته... 210

إن علياً عليه السلام كان يقول : الجراد ذكي ، والحيتان ذكي... 210

الجراد ذكي كلّه ، والحيتان ذكي كلّه... 210

عمّا أصاب المجوسي من الجراد والسمك... 210

مات في الذي فيه حياته... 211

كنت عند أبي عبداللّه عليه السلام إذ دخل عليه رجل من الخزّازين... 211

ص: 355

لا تأكل ما نبذه الماء من الحيتان وما نضب الماء عنه... 211

الطهور ماؤه ، الحل ميتته... 212

سألته عن الذبح فقال عليه السلام : إن تردّى في جب... 214

إن ذبحت فأجدت الذبح فو قعت في النار... 214

إنّ زنديقاً قال له : فالسمك ميتة؟ قال عليه السلام :... 214

سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن صيد المجوس للسمك... 215

عمّا أصاب المجوس من الجراد والسمك... 215

عن الحيتان يصيدها المجوسي ، قال عليه السلام... 215

سئل عن صيد المجوس للحيتان حين يضربون عليها... 215

سألته عن سمكة وثبت من نهر فوقعت... 215

لا تأكل ما نبذه الماء من الحيتان... 215

عن الذي ينضب عنه الماء من سمك البحر... 216

قلت له : السمكة تثب من الماء فتقع على الشط... 216

في صيد المجلوسي للسمك آكله؟ قال عليه السلام : ما كنت... 216

سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن صيد المجزس ، قال عليه السلام... 217

وإن وجدت سمكاً ولك تعلم أذكي هو أو غير ذكي... 218

ما كنت لآكله حتّى أنظر إليه... 219

ص: 356

فإن أعطوكه حيّاً فكله... 219

مات فيما فيه حياته... 220

سألته عن سمكة وثبت في نهر فوقعت على الجُد... 221

سألته عن الحظيرة من القصب تجعل في الماء للحيتان... 225

وجعل ذكاتها موتها... 226

مات بما فيه حياته... 227

قلت له : جعلت فداك ما تقول في حيّة ابتلعت سمكة... 229

مات فيما فيه حياته... 232

وإن لم يكن الأمر كما بلغه... 265

فعمله رجاء ذلك الثواب... 266

من بلغه عن النبي صلى اللّه عليه وآله شيء من الثواب ففعل ذلك... 266

من فاتته صلاة ولم يعرف أيّ صلاة هي... 322

من نسي صلاة من صلاة يومه... 322

أصلحك اللّه إنّ عليّ نوافل كثيرة فكيف أصنع؟... 322

من نسي صلاة من صلاة يومه واحدة... 352

لا تعاد الصلاة إلّا من خمس... 353

كلّ شيء لك حلال... 364

ص: 357

كلّ شيء لك طاهر... 364

لا تنقض اليقين بالشكّ... 364

رفع ما لا يعلمون... 364

إذن فتخيّر... 397

رفع ما لا يعلمون... 420

كلّ شيء لك حلال... 420

سأله عن رجل نسي سجدة فذكرها بعد ما قام... 434

لا تعاد الصلاة إلّا من خمس... 461

لا تعاد الصلاة إلّا من خمس... 491

كلّ ما مضى من صلاتك فامضه كما هو... 514

الجزء الثامن

يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب... 21

كلّ شيء لك طاهر... 56

كلّ شيء لك حلال... 56

الطواف بالبيت صلاة... 58

رفع ما اضطرّوا إليه... 139

ص: 358

إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم... 158

لا يصلح إلّا مثلاً بمثل... 158

أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم جميع ما في... 167

أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم جميع ما في... 170

واللّه لا أظنّ أنّ كلّهم يسمّون... 176

في جدي رضع من خنزيرة حتّى شبّ واشتدّ عظمه... 177

في جدي يرضع من خنزيرة ثمّ ضرب في الغنم... 177

عن السمن والجبن في أرض المشركين الروم... 179

سألت أبا جعفر عليه السلام عن الجبن وقلت له : أخبرني من رأى... 200

في جدي رضع من خنزيرة حتّى شبّ واشتدّ عظمه... 200

في جدي يرضع من خنزيرة ثمّ ضرب في الغنم... 201

عن السمن والجبن في أرض المشركين والروم أنأكله؟... 201

رفع عن أُمّتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه... 262

إذن فتخيّر لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب... 343

لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب... 343

لا تعاد الصلاة إلّا من خمس... 345

إذا استيقن أنّه زاد في صلاته المكتوبة ركعة... 378

ص: 359

سألته عن رجل صلّى فذكر أنّه زاد سجدة... 379

سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل شكّ فلم يدر أسجد... 379

إذا استيقن أنّه زاد في صلاته... 380

لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة... 380

من زاد في صلاته فعليه الاعادة... 380

لا تقرأ في المكتوبة بشيء من العزائم... 381

تسجد سجدتي السهو في كلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان... 382

لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة... 384

من زاد في صلاته... 385

لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة... 397

لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة... 399

لا تعاد الصلاة إلّا من الركوع (1)... 402

لا صلاة إلّا بطهور... 414

إذا أمرتكم بشيء... 416

إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم... 426

ص: 360


1- .. مع اختلاف...

لا يسقط الميسور بالمعسور... 426

ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه... 427

إنّ هذا وشبهه يُعرف من كتاب اللّه... 427

إنّ اللّه كتب عليكم الحجّ فقام عكاشة ويروى سراقة... 427

لولا أن أشقّ على أُمّتي لأمرتهم بالسواك... 428

إذا أمرتكم بشيء فأنوا منه ما استطعتم... 429

وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه... 432

أنزل الدنيا منزلة الميتة خذ منها ما يكفيك... 432

لا يسقط الميسور بالمعسور... 442

ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه... 442

ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه... 446

لا صلاة إلّا بطهور... 456

إنّ هذا وشبهه يعرف من كتاب اللّه... 459

لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة... 505

رفع ما لا يعلمون... 517

تمّت صلاته ولا يعيد... 553

إن كان قرئت عليه آية التقصير... 557

ص: 361

أيّ ذلك فعل متعمّداً فقد نقص صلاته... 557

وقد تمّت صلاته... 579

أيّ ذلك فعل متعمّداً فقد نقص صلاته... 584

إنّ اللّه عزّوجل فرض الصلاة ركعتين ركعتين... 594

سأل عمرو بن حريث أبا عبداللّه عليه السلام وأنا جالس... 594

الجزء التاسع

لا تنقض اليقين بالشكّ... 9

من كان على يقين فشكّ... 10

سألته عن رجل يكون على وضوء ويشكّ... 11

لا تنقض اليقين بالشكّ... 12

لا تنقض اليقين بالشكّ... 32

وإلّا فإنّه على يقين من وضوئه... 43

وإلّا فإنّه على يقين من وضوئه... 47

لا حتّى يستيقن أنّه قد نام... 48

فإنّه على يقين من وضوئه... 48

قلت : فإن لم أكن رأيت موضعه وعلمت أنّه أصابه... 51

ص: 362

قلت : فإن ظننت أنّه أصابه ولم أتيقّن... 52

قلت : فإن لم أكن رأيت موضعه وعلمت أنّه أصابه... 54

فإن ظننت أنّه أصابه ولم أتيقّن ذلك... 56

لأنّك كنت على يقين فشككت ، وليس ينبغي... 58

إن رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة... 60

لأنّك كنت على يقين... 63

عن الرجل يصلّي وفي ثوبه عذرة من إنسان أو سنّور أو كلب... 66

لأنّك كنت على يقين من طهارتك... 71

آمر الجارية فتغسل ثوبي من المني فلا تبالغ في غسله... 71

فصلّيت فرأيت فيه... 73

وإن لم تشكّ ثمّ رأيته رطباً... 74

قلت : إن رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة... 76

ولا ينقض اليقين بالشكّ... 81

ولا ينقض اليقين بالشكّ... 82

متى شككت فخذ بالأكثر ، فإذا سلّمت فأتمّ... 82

إذا سهوت فابن على الأكثر ، فإذا فرغت... 82

كلّما دخل عليك من الشكّ في صلاتك فاعمل على الأكثر... 82

ص: 363

سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجل صلّى ركعتين فلا يدري... 82

إذا شككت فابن على اليقين ، قلت : هذا أصل؟... 83

عن الرجل لا يدري ثلاثاً صلّى أم اثنتين؟... 83

قلت له : رجل لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثاً... 83

رجل صلّى ركعتين وشكّ في الثلاثة ، قال :... 83

إذا لم تدر اثنتين صلّيت أم أربعاً ، ولم يذهب... 83

إذا لك يدر أنّه في ثلاث هو أو في أربع... 85

إلا أُعلّمك شيئاً إذا فعلته ثمّ ذكرت أنّك أتممت أو نقصت... 86

إذا لم تدر ثلاثاً صلّيت أو أربعاً... 89

من كان على يقين فشكّ فليمض على يقينه... 91

لا تنقض اليقين بالشكّ... 92

لا تنقض اليقين بالشكّ... 94

وإلّا فإنّه على يقين من وضوئه... 96

لا تنقض اليقين بالشكّ... 99

إذا شككت فابن على اليقين... 100

لا تنقض اليقين بالشكّ... 100

لا تنقض اليقين بالشكّ... 102

ص: 364

فإن حرّك في جنبه شيء وهو لا يعلم... 102

فليمض على يقينه... 103

من كان على يقين فشكّ... 106

وإلّا فإنّه على يقين من وضوئه ، ولا ينقض اليقين بالشكّ... 106

من كان على يقين فشكّ... 107

كتبت إليه وأنا بالمدينة عن اليوم الذي يشكّ فيه... 108

ليس في الركعتين الأوّلتين من كلّ صلاة سهو... 108

صم للرؤية وأفطر للرؤية... 109

اليقين لا يدخل فيه الشكّ... 110

اليقين لا يدخله الشكّ... 111

إنّ شهر رمضان فريضة من فرائض اللّه فلا تؤدّوا بالتظنّي... 111

صم لرؤيته وأفطر لرؤيته... 112

إذا رأيتهم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا... 112

سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن اليوم الذي يشكّ فيه... 112

صيام شهر رمضان بالرؤية وليس بالظنّ... 113

قلت له : كم يجزئ في رؤية الهلال؟فقال :... 113

إذا رأيتم الهلال فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا... 113

ص: 365

الصوم للرؤية والفطر للرؤية ، وليس الرؤية... 113

قلت لأبي عبداللّه عليه السلام قول اللّه عزّوجلّ ( فمن شهد منكم ... ) ... 116

كلّ شيء طاهر (1) حتّى تعلم أنّه قذر... 120

كلّ شيء لك طاهر... 123

كلّ شيء لك طاهر... 124

كلّ شيء لك طاهر حتّى تعلم... 128

لا تنقض اليقين بالشكّ... 142

من كان على يقين فشكّ فليمض على يقينه... 144

من كان على يقين فأصابه شكّ فليمض على يقينه... 144

فقد جعلته قاضياً (2)... 154

الطواف بالبيت صلاة... 211

لا تنقض اليقين بالشكّ... 211

لا تنقض اليقين بالشكّ... 212

لا تنقض اليقين بالشكّ... 213

الطواف بالبيت صلاة... 213

ص: 366


1- .. في المصدر : كلّ شيء نظيف...
2- .. مع اختلاف يسير عمّا في المصدر...

لا ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ... 213

الطواف بالبيت صلاة... 214

لا تنقض اليقين بالشكّ... 216

لا تنقض اليقين بالشكّ... 223

لا تنقض اليقين بالشكّ... 224

لا تنقض اليقين بالشكّ... 225

لا تنقض اليقين بالشكّ... 226

لا تنقض اليقين بالشكّ... 241

كلّ شيء فيه حلال وحرام... 241

لا تنقض اليقين بالشكّ... 250

لا تنقض اليقين بالشكّ... 252

لا تنقض اليقين بالشكّ... 256

لا تنقض اليقين بالشكّ... 266

لا تنقض اليقين بالشكّ ، وإنّما تنقضه بيقين آخر... 274

لا وضوء مع الغُسل (1)... 364

ص: 367


1- .. هذا مضمون روايات وردت في الغسل...

عن رجل لم ير في منامه شيئاً فاستيقظ فإذا هو بلل... 366

عن رجل يصيب بثوبه منياً ولم يعلم أنّه احتلم... 367

لا تنقض اليقين بالشكّ... 432

الجزء العاشر

كلّ عصير أصابته النار فهو حرام حتّى يذهب ثلثاه... 22

إنّ العصير إذا طبخ... 22

لا تنقض اليقين بالشكّ... 37

لا يحرم العصير حتّى يغلي... 50

سألته عن شرب العصير ، قال عليه السلام : تشرب ما لم يغل... 50

ما عمل يقرّبكم إلى اللّه (1)... 80

لو كان موسى وعيسى حيّين لاتّبعاني (2)... 80

لا تنقض اليقين بالشكّ... 97

فإذا خفي الشهر فأتمّوا العدّة شعبان ثلاثين... 139

وإن غمّ عليكم فعدّوا ثلاثين يوماً ثمّ أفطروا... 140

ص: 368


1- .. هذا مضمون روايات...
2- .. هذا مضمون روايات...

وإن خفي عليكم فأتمّوا الشهر الأوّل ثلاثين... 140

وإن كان علّى فأتمّ شعبان ثلاثين يوماً... 140

فأتمّوا العدّة شعبان ثلاثين وصوموا الواحد والثلاثين... 143

فعدّوا ثلاثين يوماً ثمّ أفطروا... 143

فأتمّوا العدّة شعبان ثلاثين وصوموا الواحد والثلاثين... 143

لو أنّ رجلاً ذمّياً أسلم وأبوه حي ولأبيه غيره ثمّ مات الأب... 148

على اليد ما أخذت... 156

عن رجل معه إناءأن فيهما ماء ، وقع في أحدهما قذر... 215

عن رجل معه إناءأن فيهما ماء ، وقع في أحدهما قذر... 232

العدّة والحيض للنساء ، إذا ادّعت صدّقت... 259

سألته عن الذبح ، فقال عليه السلام : إن تردّى في جب أو وهدة... 275

وإن ذبحت فأجدت الذبح فوقعت في النار... 275

رجل أصاب سمكة وفي جوفها سمكة ، قال : يؤكلان جميعاً... 276

سئل عن سمكة شقّ بطنها ، فوجد فيها سمكة... 276

ما كنت لآكله حتّى أنظر إليه... 277

ص: 369

فإن أعطوكه حيّاً فكله (1)... 277

مات فيما فيه حياته... 278

حلال محمّد صلى اللّه عليه وآله حلال إلي يوم القيامة وحرام محمّد صلى اللّه عليه وآله حرام... 287

حلال محمّد صلى اللّه عليه وآله حلال إلي يوم القيامة وحرام محمّد صلى اللّه عليه وآله حرام... 334

حلال محمّد صلى اللّه عليه وآله حلال إلي يوم القيامة وحرام محمّد صلى اللّه عليه وآله حرام... 341

حلال محمّد صلى اللّه عليه وآله حلال إلي يوم القيامة وحرام محمّد صلى اللّه عليه وآله حرام... 348

إذا افترقا وجب البيع... 374

إذا افترقا وجب البيع... 375

أيّما رجل كان له مال وحال عليه الحول فإنّه يزكّيه... 413

أيّما رجل كان له مال وحال عليه الحول فإنّه يزكّيه... 415

فإذا افترقا وجب البيع... 435

الحرام محمّد صلى اللّه عليه وآله حلال إلى يوم القيامة... 439

فإن حرّك في جنبه شيء وهو لا يعلم... 488

لعلّه شيء أُوقع عليك... 488

ص: 370


1- .. نقل بالمضمون...

صم للرؤية وأفطر للرؤية... 488

الجزء الحادي عشر

لا تنقض اليقين بالشكّ... 85

لا تنقض اليقين بالشكّ... 88

لا تنقض اليقين بالشكّ... 93

لا تنقض اليقين بالشكّ... 94

عن رجل يأخذ الخمر فيجعلها خلّاً؟ قال : لا بأس... 95

لا تنقض اليقين بالشكّ... 101

لا تنقض اليقين بالشكّ... 106

لا تنقض اليقين بالشكّ... 107

لا تنقض اليقين بالشكّ... 108

ما كان على يقين فشكّ... 110

لا تنقض اليقين بالشكّ... 111

لا تنقض اليقين بالشكّ... 114

الطواف بالبيت صلاة... 124

لا شكّ لكثير الشكّ... 124

ص: 371

من شكّ بين الثلاث والأربع فليبن على الأربع... 124

الطواف بالبيت صلاة... 125

لا سهو في سهو... 125

لا شكّ لكثير الشكّ... 125

من شكّ بين الثلاث والأربع... 125

لا شكّ للمأموم مع حفظ الإمام... 125

عليكم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك... 134

على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي... 138

لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق... 142

من استولى على شيء منه فهو له... 143

من استولى على شيء منه فهو له... 152

سألته عن مملوك ادّعى أنّه حرّ ولم يأت ببيّنة... 158

والأشياء كلّها على هذا حتّى تستبين أو تقوم به البيّنة... 162

كلّ شيء لك حلال حتّى تعرف أنّه حرام... 162

كلّ شيء لك طاهر حتّى تعلم أنّه قذر... 162

لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق... 170

في شاهدين شهدا على أمر واحد وجاء آخران... 206

ص: 372

كان علي عليه السلام إذا أتاه رجلان... 206

عن الرجل يأتي القوم فيدّعي داراً في أيديهم ويقيم البيّنة... 206

إنّ رجلين ادّعيا بعيراً فأقام كلّ واحد منهما بيّنة فجعله... 206

لو لم تكن في يده جعلتهما بينهما نصفين... 207

إنّ رجلين تداعيا دابة وأقام كلّ منهما بيّنة أنّها دابته... 207

عن رجل يأتي القوم فيدّعي داراً في أيديهم ويقيم الذي في... 207

إذا أقاما البيّنة جميعاً قضي بها للذي أنتجت عنده... 208

رجل في يده شاة فجاء رجل فادّعاها ، فأقام البيّنة العدول... 209

أنّه قضى في البيّنتين تختلفان في الشيء الواحد يدّعيه... 209

فإذا ادّعى رجل على رجل عقاراً أو حيواناً أو غيره... 209

بينما موسى بن عيسى في داره التي في المسعي يشرف على... 209

إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال لأبي بكر : أتحكم فينا بخلاف حكم... 209

فقلت أرأيت إن كان الذي ادّعى الدار قال :... 209

في رجل كانت له امرأة فجاء رجل بشهود شهودا... 210

فإن حلفا جميعاً جعلتها بينهما نصفين... 210

يقرع بينهم فأيّهم قرع فعليه اليمين وهو أولى بالقضاء... 210

فأقرع بينهما سهمين -------- إلى قوله -------- فخرج سهم أحدهما... 210

ص: 373

أقرع بينهم على أيّهم يصير اليمين -------- إلى قوله -------- ثمّ يجعل الحقّ... 211

لو لم تكن في يده جعلتها بينهما نصفين... 213

قلت له : رجل شهدله رجلان بأنّ له عند رجل خمسين درهماً... 214

يقرع بينهما إذا عدلت بيّنة كلّ واحد منهما وليس في أيديهما... 214

إنّ من حلف كان الحقّ له وإن حلفا كان الحقّ بينهما نصفين... 215

عن أمير المؤمنين عليه السلام في البيّنتين تختلفان في الشيء الواحد... 218

فقلت : أرأيت إن كان الذي ادّعى الدار قال : إنّ... 219

إقرار العقلاء على أنفسهم جائز... 223

في حديث فدك ، إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال لأبي بكر... 230

في حديث فدك ، إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال لأبي بكر... 234

ما كان للميّت فهو لوارثه (1)... 238

بلى قد ركعت... 245

هو حين يتوضّأ أذكر... 245

بلى قد ركعت فامض في صلاتك ، فإنّما ذلك من الشيطان... 246

إذا شكّ الرجل بعد ما صلّى فلم يدر أثلاثاً صلّى أم أربعاً... 246

ص: 374


1- نقل بالمضمون

فأمضه كما هو... 246

بلى قد ركعت... 247

فشكّك ليس بشيء... 249

إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره... 251

هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ... 251

هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ... 255

الطواف بالبيت صلاة... 261

فأمضه كما هو... 263

إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه... 265

كلّ شيء شكّ فيه... 267

رجل شكّ في الوضوء بعد ما فرغ من الصلاة... 268

كلّ ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكّراً... 268

قلت له : الرجل يشكّ بعد ما يتوضّأ ، قال : هو حين... 268

إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره... 268

إذا كنت قاعداً على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا... 268

كلّ ما شككت فيه ممّا مضى فأمضه كما هو... 269

إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض ، وإن شكّ... 269

ص: 375

رجل شكّ في الأذان وقد دخل في الإقامة ، قال : يمضي... 269

كلّ ما مضى من صلاتك وطهورك... 269

قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : أشكّ وأنا ساجد فلا أدري ركعت أم لا... 269

سألته عن رجل شكّ بعد ما سجد أنّه لم يركع ، فقال عليه السلام... 269

رجل شكّ في الوضوء بعد ما فرغ من الصلاة... 270

كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضه كما هو... 270

كلّ ما شككت فيه بعد ما تفرغ من صلاتك فأمض ولا تعد... 270

في الرجل يشكّ بعد ما ينصرف من صلاته ، قال عليه السلام : لا يعيد... 270

شكّ في الوضوء بعد ما فرغ من الصلاة... 271

كلّ ما شككت فيه بعد ما تفرغ من صلاتك فأمض ولا تعد... 271

في الرجل يشكّ بعد ما ينصرف من صلاته قال عليه السلام : لا يعيد... 271

كلّ ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكّراً فأمضه... 271

كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضه كما هو... 271

كلّ ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكّراً... 272

كل شيء شكّ فيه ممّا قد جاوزه... 274

كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضه كما هو... 275

كلّ شيء شكّ فيه ممّا قد جوازه ودخل في غيره... 275

ص: 376

الطواف بالبيت صلاة... 277

الطواف بالبيت صلاة... 278

شكّ في الأذان وقد دخل في الإقامة... 281

إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه... 281

الطواف بالبيت صلاة... 281

كل شيء شكّ فيه ممّا قد جوازه... 285

إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره... 291

إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه... 292

الطواف بالبيت صلاة... 293

إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه... 293

كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضه كما هو... 294

كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضه كما هو... 295

كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى... 296

كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى... 303

كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى... 304

كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى... 305

كلّ ما مضى من صلاتك وطهورك... 305

ص: 377

في الرجل يشكّ بعد ما ينصرف من صلاته قال عليه السلام :... 305

كلّ ما شككت فيه بعد ما تفرع من صلاتك فأمض ولا تعد... 305

في الرجل يشكّ في الوضوء بعد ما فرغ من صلاته... 305

الرجل يشكّ بعد ما يتوضّأ ، قال عليه السلام : هو حين يتوضّأ... 305

إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره... 305

فإذا قمت من الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حال أُخرى... 305

إذا كنت قاعداً على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا... 306

إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره... 306

كلّ شيء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره... 306

إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره... 308

هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ... 312

إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره... 313

كلّ شيء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره... 313

كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى... 315

إن شكّ في الركوع يعد ما سجد فليمض... 322

رجل شكّ في الأذان وقد دخل في الإقامة... 322

أشكّ وأنا ساجد فلا أدري ركعت أم لا... 322

ص: 378

كلّ شيء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره... 323

إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشككت... 323

الطواف بالبيت صلاة... 326

كلّ ما شككت فيه بعد ما تفرغ من صلاتك فأمض ولا تعد... 326

في الرجل يشكّ بعد ما ينصرف من صلاته ، فقال عليه السلام :... 326

كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى مأمضه كما هو... 326

كلّ ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكّراً... 326

كلّ ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكّراً فأمضه... 328

فإذا قمت عن الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حال أُخرى... 329

إذا شككت في شيء من الوضوء... 333

إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره... 335

كلّ شيء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره... 335

كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضه كما هو... 337

إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض ، كلّ شيء شكّ فيه... 338

كلّ شيء شكّ فيه ممّا قد جاوزه... 340

شكّ في السجود بعد ما قام... 340

وكلّ شيء شكّ فيه... 341

ص: 379

رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لا ، قال عليه السلام :... 351

رجل رفع رأسه من السجود فشكّ قبل أن يستوي جالساً... 351

كلّ شيء شككت فيه وقد دخلت في غيره... 353

كلّ شيء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره... 356

شكّ في الركوع بعد ما سجد... 360

من شكّ في شيء من صلاته بعد أن خرج منه... 361

إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره... 362

شكّ في القراءة وقد ركع... 363

فأمضه كما هو... 364

هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ... 365

ينضي ولا يعيد... 366

في الرجل يشكّ بعد ما ينصرف من صلاته ، قال :... 366

إلّا أنّ هذه قبل هذه... 371

متى استيقنت أو شككت في وقت فريضة أنّك لم تصلّها... 373

إذا جاء يقين بعد حائل قضاه ومضى على اليقين ويقضي... 374

فإنّما هي أربع مكان أربع... 377

كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضه... 381

ص: 380

في رجل جهر فيما لا ينبغي الاجهار فيه ، وأخفى فيما لا ينبغي... 390

أيّ ذلك فعل عامداً فقد نقض صلاته هذه... 394

هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ... 403

وكان حين انصرف أقرب إلى الحقّ منه بعد ذلك... 403

كلّ شيء شكّ فيه ممّا قد جوازه... 422

كلّ ما مضى من صلاتك وطهورك... 422

هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ... 422

هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ... 425

من زاده في صلاته فعليه الاعادة... 429

لا تعاد الصلاة إلّا من خمس... 429

من زاده في صلاته فعليه الاعادة... 433

من ملك شيئاً ملك الاقرار به... 468

لا تنقض اليقين بالشكّ... 476

لا تنقض اليقين بالشكّ... 504

لا تنقض اليقين بالشكّ... 523

عن القوم يغرقون في السفينة أو يقع عليهم البيت فيموتون... 565

ماتت أُمّ كلثوم بنت علي عليه السلام وابنها زيد بن عمر بن الخطّاب... 568

ص: 381

أقرأني أبو جعفر عليه السلام صحيفة كتاب الفرائض التي هي إملاء... 570

في رجل سقط عليه وعلى امرأته بيت ، قال عليه السلام تورث المرأة... 574

في قوم غرقوا جميعاً أهل البيت ، قال : يورث هؤلاء... 575

إذا بلغ الماء قدر كرّ لم يحمل خبثاً... 576

الجزء الثاني عشر

لا شكّ لكثير الشكّ... 20

من شكّ بين الثلاث والأربع... 20

الطواف بالبيت صلاة... 20

لا سهو في سهو... 20

لا شكّ للإمام مع حفظ المأموم... 20

لا شكّ لكثير الشكّ... 22

لا شكّ لكثير الشكّ... 23

ثمن العذرة سحت... 41

لا بأس بثمن العذرة... 41

لو أنّ رجلاّ دبّر جارية ثمّ زوّجها من رجل فوطئها... 45

في الولد من الحرّ والمملوكة؟ قال : يذهب إلى الحرّ منهما... 45

ص: 382

تفويض اللّه أمر دينه إلى النبي صلى اللّه عليه وآله والأئمة عليهم السلام... 56

رفع عن أُمّتي ما لا يعلمون... 56

حلال محمّد صلى اللّه عليه وآله حلال إلى يوم القيامة... 67

حلال محمّد صلى اللّه عليه وآله حلال إلى يوم القيامة... 68

لا تنقض اليقين بالشكّ... 69

حلال محمّد صلى اللّه عليه وآله حلال إلى يوم القيامة... 69

سألته عن البول يصيب الثوب ، قال عليه السلام اغسله مرّتين... 82

لا تغسل ثوبك من بول شيء يؤكل لحمه... 82

كلّ ما أُكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه... 82

كلّ شيء يطير فلا بأس ببوله وخرئه... 82

اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه... 83

لا تغسل ثوبك من بول شيء يؤكل لحمه... 83

كلّ شيء يطير فلا بأس ببوله وخرئه... 83

خرء الخطّاف لا بأس به... 84

اغسل قوبك من أبوال ما لايؤكل لحمه... 85

====

1... هذا مضمون روايات وردت في الكافي فراجع...

ص: 383

عن البول يصيب الثوب ، قال عليه السلام : اغسله مرّتين... 85

لا تغسل ثوبك من بول شيء يؤكل لحمه... 85

كلّ شيء يطير لا بأس ببوله وخرئه... 85

خرء الخطّاف لا بأس به ، وهو ممّا يؤكل لحمه... 88

لا تضنت العارية إلّا أن يكون قد اشترط فيها ضمان... 107

ليس على صاحب العارية ضمان إلّا أن يشترط... 107

لا غرم على مستعير عارية إذا هلكت أو سرقت أو ضاعت... 109

إذا سمعت من أصحابك الحديث وكلّهم ثقة فموسّع عليك... 159

فإنّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات... 159

إذن فخذ بما فيه الاحتياط لدينك... 161

أنّه سئل الرضا عليه السلام يوماً وقد اجتمع عنده قوم من أصحابه... 162

رجل تزوّج امرأة وسمّى لها صداقاً ثمّ مات عنها... 163

إذا كان ذلك فارجئه حتّى تلقى إمامك... 164

يأتي عنكم الخبران المختلفان... 166

يأتينا عنكم الخبران المتعارضان... 166

إذن فتخيّر... 168

رفع عن اُمّتي ما لا يعلمون... 176

ص: 384

يُعرف هذا وأشباهه من كتاب اللّه... 185

أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا... 186

المؤمنون عند شروطهم... 193

عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث... 197

إذن فتخيّر... 201

فموسّع عليك حتّى ترى القائم... 202

يرجئه حتّى يلقى من يخبره ، فهو في سعة حتّى يلقاه... 202

فإذا لم تعلم فموسّع عليك بأيّهما أخذت... 203

لا تعمل بواحد منهما حتّى تلقى صاحبك... 203

وبأيّهما أخذت من باب التسليم كان صواباً... 203

أنّه سأل الرضا عليه السلام يوماً وقد اجتمع عنده قوم من أصحابه... 203

قلت فإنّهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل... 204

اختلف أصحابنا في رواياتهم عن أبي عبداللّه عليه السلام في ركعتي... 206

يسألني بعض الفقهاء عن المصلّي إذا قام من التشهّد الأوّل... 206

أنّه سئل الرضا عليه السلام يوماً وقد اجتمع عنده قوم من أصحابنا... 207

وبأيّهما أخذت وسعك... 208

وما لم تجدوه في شيء من هذه الوجوه فردّوا إلينا علمه... 209

ص: 385

فهو في سعة حتّى يلقاه... 209

إنّهم لم يحفظوا عنّي ، إنّما قلت ذلك في الطلاق (1)... 209

فأرجه حتّى تلقى إمامك ، فإنّ الوقوف عند الشبهات... 210

سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر... 211

كلّ شيء لك حلال أو طاهر حتّى تعرف... 211

أرجه وقف حتّى تلقى إمامك... 213

قلت له : يجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة ، قال : ما جاءك... 213

إذا سمعت من أصحابك الحديث وكلّهم ثقة فموسّع عليك... 214

يرد علينا حديثان واحد يأمرنا بالأخذ به والآخر ينهانا عنه... 214

خذ بما خالف العامّة... 215

إذا سمعت من أصحابك الحديث وكلّهم ثقة... 215

سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة... 216

سئل عن رجل يكون بينه وبين أخ له منازعة في حقّ... 217

في رجلين اتّفقا على عدلين جعلاهما بينهما في حكم وقع... 217

ما سمعته منّي ممّا يشبه قول الناس ففيه التقيّة... 218

ص: 386


1- .. نقل بالمضمون...

إئت فقيه البلد فاستفته فإذا أفتاك بشيء... 218

يرجئه حتّى يلقى من يخبره فهو في سعة حتّى يلقاه... 219

بأيّهما أخذت من باب التسليم وسعك... 220

وبأيّهما أخذت من باب التسليم كان صواباً... 220

اختلف أصحابنا في رواياتهم عن أبي عبداللّه عليه السلام في ركعتي... 221

وسئل الرضا عليه السلام يوماً وقد اجتمع عنده قوم من أصحابه وقد... 221

سألت الباقر عليه السلام فقلت : جعلت فداك ، يأتي عنكم الخبران أو... 228

سألت الباقر عليه السلام فقلت : جعلت فداك ، يأتي عنكم الخبران أو... 233

في رجلين اتّفقا على عدلين جعلاهما بينهما في حكم وقع... 233

سئل عن رجل يكون بينه وبين أخ له منازعة في حقّ... 234

عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث... 234

فإنّ الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة... 235

إذا كان ذلك فأرجه حتّى تلقى إمامك... 238

عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث... 240

قلت : يرد علينا حديثان واحد يأمرنا بالأخذ به والآخر ينهانا... 240

اختلف أصحابنا في رواياتهم عن أبي عبداللّه عليه السلام في ركعتي... 241

يسألني بعض الفقهاء عن المصلّي إذا قام من التشهّد الأوّل... 241

ص: 387

إذا سمعت من أصحابك الحديث فموسّع عليك حتّى ترى... 242

يرجئه حتّى يلقى من يخبره فهو في سعة حتّى يلقاه... 242

لا تعمل بواحد منهما حتّى تلقى صاحبك... 242

تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة ، قال : ما جاءك عنّا فقسه... 242

فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه... 245

خذ بنا اشتهر بين أصحابك... 245

ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك... 245

فإنّ الرشد في خلافهم... 247

يحدث الأمر لا أجد بدّاً من معرفته وليس في البلد... 248

إذا جاء حديث عن أوّلكم وحديث عن آخركم ، بأيّهما نأخذ؟... 249

إذا جاءك الحديثان المختلفان فقسهما على كتاب اللّه... 250

عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دَين أو ميراث... 250

عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دَين أو ميراث... 258

أرأيت إن كان الفقيهان -------- إلى قوله -------- ما خالف العامّة ففيه الرشاد 260

إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب اللّه... 261

عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دَين أو ميراث... 272

إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب اللّه... 275

ص: 388

فإن كان كلّ منهما اختار رجلاً من أصحابنا... 279

فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه... 281

إنّ التيمّم من الوضوء مرّة ومن الجنابة مرّتان... 286

ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف... 293

عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دَين أو ميراث... 293

ما جاءكم عنّي يوافق كتاب اللّه فأنا قتله... 294

فاعرضوهما على كتاب اللّه فما كان في كتاب اللّه... 294

إذا أتاكم عنّا حديثان مختلفان فخذوا بما وافق منهما القرآن... 295

إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب اللّه... 296

ما خالف كتاب اللّه فهو زخرف (1)... 296

عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دَين أو ميراث... 308

إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب اللّه... 308

ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند أصحابك ، فإنّ المجمع... 309

يأتي عنكم الخبران أو الحديثان المتعارضان ، فبأيّهما آخذ؟... 309

ص: 389


1- .. نقل بالمضمون...

فهرس الأشعار

الجزء الأوّل

 ... *** ناوين معنى كائن أو استقرّ 50

ولولا اللّه والمهر المفدّى *** لرحت وأنت غربال الاهاب 51

دع المكارم لا ترحل لبغيتها *** والقعد فإنّك أنت الطاعم الكاسي 95

بانت سعاد ... 105

 ... واسم وفعل ثمّ حرف الكلم 161

ص: 390

 ... *** واسم وفعل ثمّ حرف الكلم 183

قالت صف ورد خدّي وإلّا أجور ، فقلت جوري 218

قالت وجسميك يوم البين صفه عسى نعوده ، فقلت يا أهل الهوى عودوا... 218

لا يعرف الشوق إلّا من يكابده *** ولا الصبابة إلّا من يعانيها 411

الجزء الرابع

عبارتنا شتّى وحسنك واحد 16

الجزء الخامس

ألقى الصحيفة كي يخفّف رحله *** والزاد حتّى نعلَه ألقاها 65

سقى الحيا الأرض حتّى أمكُن عُزيت *** لهم فلا زال عنها الخير مجدودا 65

وبل كلكن بعد مصحوبيها *** كلم أكن في مربع بل تيها 77

ص: 391

وانقل بها للثاني حكم الأوّل *** في الخبر المثبت والأمر الجلي 77

إذا نزل السماء بأرض قوم *** رعيناه وإن كانوا غضابا 276

الجزء السادس

أظلوم إنّ مصابكم رجلا *** أبدى السلام تحيّةً ظلم 408

الجزء الثامن

والأصل سبق فاعل معنىً كمن *** من « ألبسَن مَن زاركم نسجَ اليَمَن » 435

الجزء التاسع

وشوهاء تغدو بي إلى صارخ الوغى *** بمستلئم مثل الفنيق المرجل 97

ص: 392

وشوهاء تغدو بي إلى صارخ الوغى *** بمستلئم مثل الفنيق المرجل 105

الجزء العاشر

لقد كان في أرض نجد *** قرير العين لا يدري الهياما

تولّته البزاة فهيّمته *** ولو تُرك القطا لغفا وناما 67

ص: 393

فهرس أهم مصادر التحقيق

- أجود التقريرات

السّيد أبو القاسم الخوئي / مؤسّسة صاحب الأمر (عجّل اللّه تعالى فرجه)

- أمالي الزجاجي

أبو القاسم عبد الرحمن بن الحقّ الزجاجي / تحقيق عبدالسلام هارون / دار الجيل بيروت

- إيضاح الفوائد في شرح إشكالات القواعد

فخر المحقّقين / المطبعة العليمة قم

- أقرب الموارد

سعيد الخوري / منشورات مكتبة السيّد المرعشي النجفيرحمه اللّه

ص: 394

- أدب الكاتب

أبو محمّد عبداللّه بن مسلم بن قتيبة / تحقيق محمّد محيي الدين عبد الحميد / مطبعة الساعادة مصر

- إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم

أبو السعود / دار إحياء التراث العربي بيروت

- الإحكام في أُصول الأحكام

الآمدي / دار الكتب العلمية بيروت

- الأشباه والنظائر

زين العابدين بن إبراهيم بن نجيم / دار الكتب العلمية

- الاحتجاج

الطبرسي / انتشارات أُسوة

- أوثق الوسائل في شرح الرسائل

الحاج ميرزا موسى التبريزي / قم انتشارات كتبي نجفي

- بدائع الأفكار

ميرزا حبيب اللّه الرشتي / مؤسّسة آل البيت عليهم السلام

- بجار الأنوار

العلّامة المجلسي / مؤسّسة الوفاء بيروت

ص: 395

- بلغة الفقيه

السيّد محمّد آل بحر العلوم / منشورات مكتبة الصادق عليه السلام

- البيان

الشهيد الأوّل / بنياد فرهنگي إمام مهدي عليه السلام

- بداية المجتهد ونهاية المقتصد

محمّد بن رشد القرطبي / دار المعرفة بيروت

- بدائع الصنائع

علاء الدين أبوبكر بن مسعود الكاشاني الحنفي / دار الكتاب العربي بيروت

- بدائع الأفكار

للميرزا هاشم الآملي / المطبعة العلمية في النجف الأشرف

- البرهان في أُصول الفقه

أبو المعالي عبد الملك الجويني / دار الوفاء للطباعة والنشر

- بحر الفوائد في شرح الفرائد

ميرزا محمّد حسن الآشتياني / منشورات مكتبة السيّد المرعشي النجفي

ص: 396

- تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام

السيّد حسن الصدر / منشورات الأعلمي طهران

- التقريب والارشاد

للقاضي أبي بكر الباقلاني / مؤسّسة الرسالة

- تاج العروس

محمّد مرتضى الزبيدي / منشورات دار مكتبة الحياة

- تذكرة الفقهاء

للعلّامة الحلّي / مؤسّسة آل البيتعليهم السلام

- تحرير الأحكام

للعلّامة الحلّي / تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري / مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام قم

- تحف العقول

ابن شعبة الحراني / مؤسّسة النشر الإسلامي

- التبيان

الشيخ الطوسي / دار إحياء التراث العربي بيروت

- تفسير الجلالين

جلال الدين عبد الرحمن السيوطي / دار إحياء التراث العربي

ص: 397

- تلخيص الشافي

الشيخ الطوسي / دار الكتب الإسلامية قم

- تاريخ الطبري

أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري / مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات

- جواهر الكلام

صاحب الجواهر / دار إحياء التراث العربي بيروت

- جامع المقاصد

المحقّق الثاني / مؤسّسة آل البيت عليهم السلام

- جامع الشتات

الميرزا القمي / منشورات شركة الرضوان طهران

- الحاشية على تهذيب المنطق

للمولى عبداللّه شهاب الدين الحسيني اليزدي / مؤسّسة النشر الإسلامي

- حقائق الأُصول

السيّد محسن الحكيم / منشورات مكتبة بصيرتي قم

ص: 398

- حاشية كتاب المكاسب

المحقّق الهمداني / مطبعة ستارة

- الحدائق الناضرة

المحدّث البحراني / دار الأضواء بيروت

- حاشية كتاب فرائد الأُصول

الآخوند الخراساني / منشورات مكتبة بصيرتي قم

- حاشية سلطان العلماء على معالم الدين

سلطان العلماء / كتابفروشي إسلامية

- حاشية فرائد الأُصول

المحقّق الشيخ آقا رضا الهمداني / مطبعة ستارة

- حاشية فرائد الأُصول

الشيخ محمّد إبراهيم اليزدي / تقريرات بحث السيّد محمّد كاظم اليزدي قدس سره الطبعة الأُولى الناشر دار الهدى

- حاشية الشرائع (حياة المحقّق الكركي وآثاره)

للمحقّق الكركي / منشورات الاحتجاج

- الخصال

للشيخ الصدوق / مكتبة الصدوق طهران - مطبعة الحيدري

ص: 399

- الخلاف

للشيخ الطوسي / مؤسّسة النشر الإسلامي

- درر الفوائد

الشيخ عبدالكريم الحائري / مؤسّسة النشر الإسلامي

- ذكري الشيعة

الشهيد الأوّل / مؤسّسة آل البيت عليهم السلام

- الذريعة إلى أُصول الشريعة

السّيد المرتضى / نشر مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام

- روائع الأمالي في فروع العلم الاجمالي

المحقّق العراقي / مطبعة الحكمة قم

- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية

الشهيد الثاني / دار العالم بيروت

- رياض المسائل

السيّد علي الطباطبائي / مؤسّسة آل البيت عليهم السلام

- روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان

الشهيد الثاني / مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية

ص: 400

- رسالة الصلاة في اللباس المشكوك

المحقّق النائيني قدس سره / مؤسّسة آل البيت عليهم السلام

- رسالة في منجّزات المريض

السيّد كاظم الطباطبائي اليزدي / مطبوعة مع حاشية المكاسب الطبعة الحجرية / مؤسّسة إسماعيليان قم

- رسالة في اللباس المشكوك (في ذيل روائع الأمالي)

المحقّق العراقي / مطبعة الحكمة قم

- زبدة الأُصول

الشيخ البهائي / مدرسة ولي عصر عليه السلام مطبعة زيتون

- سنن الدارقطني

علي بن عمر الدارقطني / دار المحاسن للطباعة

- السرائر

لابن إدريس / مؤسّسة النشر الإسلامي

- سنن ابن ماجة

الحافط أبو عبداللّه محمّد بن يزيد القزويني / دار الفكر

- السنن الكبرى

الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي / دار المعرفة بيروت

ص: 401

- شرح حكمة الإشراق

لمحمّد بن مسعود المشهور بقطب الدين الشيرازي / انتشارات بيدار قم

- الشفاء

لابن سينا / المطبعة الأميرية بالقاهرة

- شرح كفاية الأٌصول

الشيخ عبدالحسين الرشتي / المطبعة الحيدرية النجف الأشرف

- شرح ابن عقيل

تحقيق محيي الدين عبد الحميد / دار الكتاب العربي بيروت

- شرح الرضي على الكافية

تحقيق يوسف حسن عمر / منشورات مؤسّسة الصادق عليه السلام

- شرح الشمسية

للتفتازاني / انتشارات كتابفروشي علمية إسلامية

- شرح شذور الذهب في معرفة كلام العرب

ابن هشام الأنصاري / منشورات دار الهجرة قم

- شرح المطالع

قطب الدين الرازي / انتشارات كتبي نجفي گذرخان

ص: 402

- شرائع الإسلام

المحقّق الحلّي / مؤسّسة المعارف الإسلامية

- شرح القواعد

الشيخ الكبير كاشف الغطاء / مكتبة الصفا قم

- شرح تجريد الاعتقاد

القوشجي / منشورات رضي - بيدار - عزيزي

- شرح نهج البلاغة

لابن أبي الحديد / منشورات مكتبة المرعشي قم

- الشافي في الإمامة

السيّد المرتضى / مؤسّسة الصادق للطباعة والنشر

- الصحاح

إسماعيل بن حمّاد الجوهري / دار العلم للملايين

- صحيح مسلم

مسلم بن حجّاج القشيري النيسابوري / دار الفكر بيروت

- العروة الوثقى (مع تعليقات عدّة من الفقهاء)

للسيّد محمّد كاظم الطباطبائي / مؤسّسة النشر الإسلامي الطبعة الأُولى

ص: 403

- العناوين

السيّد مير عبدالفتّاح المراغي / مؤسّسة النشر الإسلامي

- علل الشرائع

الشيخ الصدوق / دار إحياء التراث العربي

- عدّة الأُصول

الشيخ الطوسي / مطبعة ستارة قم

- عوالي اللآلي

للشيخ الأحسائي / مؤسّسة آل البيت عليهم السلام

- عيون أخبار الرضا عليه السلام

الشيخ الصدوق / ناشر : قم كتابفروشي طوس

- غاية الآمال

للمامقاني / مطبعة ثامن الحجج عليهم السلام

- غنية النزوع

السيّد ابن زهرة / مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام

- فوائد الأُصول

المحقّق الكاظمي / مؤسّسة النشر الإسلامي

ص: 404

- الفصول الغروية

محمّد حسين الأصفهاني / الطبعة الحجرية

- فتح العزيز

عبد الكريم بن محمّد الرافعي / دار الفكر

- الفقه على المذاهب الأربعة

عبدالرحمن الجزيري / دار الكتب العلمية بيروت

- فرائد الأُصول

للشيخ الأنصاري / تحقيق مجمع الفكر الإسلامي

- قوانين الأُصول

ميرزا أبو القاسم القمي / الطبعة الحجرية / مكتبة العلمية الإسلامية

- القوائد والفوائد

الشهيد الأوّل / منشورات مكتبة المفيد قم

- قواعد الأحكام

للعلّامة / مؤسّسة النشر الإسلامي

- القاموس المحيط

الفيروزآبادي / دار الفكر

ص: 405

- قرب الاسناد

عبداللّه الحميري / مؤسّسة آل البيت عليهم السلام

- قاعدة لا ضرر

المحقّق النائيني / مطبوع ضمن الجزء الثالث من منية الطالب

- قلائد الفرائد

الشيخ غلام رضا القمي / مطبعة الشريعة قم

- كفاية الأُصول

الآخوند الخراساني / مؤسّسة آل البيت عليهم السلام

- كفاية الأُصول مع تعليقة الشيخ علي القوچاني

مكتبة الوجداني / قم

- كفاية الأُصول

الآخوند الخراساني / طبع بغداد مطبعة الشابندر بغداد

- كفاية الأُصول

الآخوند الخراساني / انتشارات كتابفروشي إسلامية طهران

- كنز العمّال

المتّقي الهندي / مؤسّسة الرسالة بيروت

ص: 406

- كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد

للعلّامة الحلّي / مؤسّسة النشر الإسلامي

- كتاب الصلاة

للشيخ الآملي / مؤسّسة آل البيت عليهم السلام

- كشف اللثام عن قواعد الأحكام

الفاضل الهندي / مؤسّسة النشر الإسلامي

- كتاب الزكاة

الشيخ الأنصاري / تحقيق مجمع الفكر الإسلامي

- كشف الغطاء

للشيخ كاشف الغطاء / تحقيق مكتب الإعلام الإسلامي فرع خراسان

- الكشّاف

جار اللّه محمود بن عمر الزمخشري / دار المعرفة بيروت

- كتاب القضاء

للمحقّق العراقي / المطبعة العلمية في النجف الأشرف

ص: 407

- كتاب الدماء (الرسائل الفقهية)

الآخوند الخراساني / مدرسة ولي عصر عليه السلام مطبعة زيتون تحقيق سيّد صالح المدرّسي

- الكافي

الكليني / المطبعة الإسلامية من منشورات المكتبة الإسلامية طهران

- كتاب الطهارة

للشيخ الأنصاري قدس سره / تحقيق مجمع الفكر الإسلامي

- كتاب الصلاة

الشيخ عبدالكريم الحائري / مركز انتشارات دفتر تبليغات إسلامي قم

- كتاب التعارض

السيّد الطباطبائي اليزدي / مؤسّسة انتشارات مدين

- كتاب القضاء

للآشتياني / انتشارات زهير

- الكامل في التاريخ

لابن الأثير / دار إحياء التراث العربي بيروت

ص: 408

- كتاب القضاء

المولى علي الكني الطهراني / طبعة حجرية

- لسان العرب

ابن منظور الأسدي / نشر أدب الحوزة قم

- اللمعات النيّره في شرح تكملة التبصرة

الآخوند الخراساني / مدرسة ولي العصر (عجّل اللّه تعالى فرجه) مطبعة زيتون

- معالم الدين

جمال الدين الحسن / مؤسّسة النشر الإسلامي

- مقالات الأُصول

المحقّق العراقي / مجمع الفكر الإسلامي

- معرب على الإظهار

حسين زيني زاده / مطبعة عثمانية

- مطارح الأنظار

الشيخ مرتضى الأنصاري / تحقيق مجمع الفكر الإسلامي

- المكاسب

الشيخ مرتضى الأنصاري / تحقيق مجمع الفكر الإسلامي

ص: 409

- مسالك الأفهام

الشهيد الثاني / مؤسّسة المعارف الإسلامية

- متخلف الشيعة

العلّامة الحلّي / مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية

- مستدرك الوسائل

المحدّث النوري / مؤسّسة آل البيت عليهم السلام

- المشتقّ

للشيخ الأنصاري / تحقيق مجمع الفكر الإسلامي

- مناقب آل أبي طالب

محمّد بن علي بن شهر آشوب / (تحقيق يوسف البقاعي) دار الأضواء بيروت

- مصباح الفقاهة

الميرزا محمّد علي التبريزي / مؤسّسة أنصاريان للطباعة والنشر

- مصباح الفقيه

الشيخ الهمداني / طبع المؤسّسة الجعفرية لإحياء التراث

- منية الطالب

الشيخ موسى الخوانساري / مؤسّسة النشر الإسلامي

ص: 410

- منتهى المطلب

العلّامة الحلّي / مجمع البحوث الإسلامية

- منية اللبيب في شرح التهذيب

السيّد عميد الدين الأعرج / مطبعة لكهنو

- مناهج العقول (شرح البدخشي)

محمّد بن الحسن / دار الكتب العلمية بيروت

- المغني وبهامشه الشرح الكبير

المتن لابن قدامة (موفّق الدين عبداللّه بن أحمد) والشرح والهامش لابن قدامة المقدسي (عبدالرحمن بن أبي عرم محمّد ابن أحمد بن قدامة)

- مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام

السيّد العاملي / مؤسّسة آل البيت عليهم السلام

- المبسوط في فقه الإمامية

الشيخ الطوسي / المكتبة المتضوية لإحياء الآثار الجعفرية

- مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة

السيّد العاملي / تحقيق علي أصغر مرواريد دار التراث بيروت

ص: 411

- مستند الشيعة في أحكام الشريعة

للنراقي قدس سره / مؤسّسة آل البيت عليهم السلام

- المجموع

محيي الدين بن شرف النووي / دار الفكر

- مستمسك العروة الوثقى

السيّد الحكيم قدس سره / مطبعة الآداب نجف - مكتبة مرعشي

- المكاسب والبيع

المحقّق النائيني بتقرير آملي / مؤسّسة النشر الإسلامي

- المعتبر

الحقّق الحلّي / منشورات مؤسّسة سيّد الشهداء عليه السلام قم

- مفاتيح الأُصول

السيّد المجاهد (السيّد محمّد الطباطبائي) / مؤسّسة آل بيت عليهم السلام

- مفاتيح الشرائع

الفيض الكاشاني / مجمع الذخائر الإسلامية مطبعة الخيّام قم

- مسائل علي بن جعفر

علي بن جعفر عليه السلام / مؤسّسة آل البيت عليهم السلام

ص: 412

- من لا يحضره الفقيه

الشيخ الصدوق / مؤسّسة النشر الإسلامي

- المصباح المنير

الفيّومي / منشورات دار الهجرة قم

- مفردات ألفاظ القرآن

الراغب الأصفهاني / المكتبة المرتضوية

- مجمع البحرين

الشيخ الطريحي / المكتبة المرتضوية

- مغني اللبيب

لابن هشام / انتشارات سيّد الشهداء عليه السلام قم

- مختصر المعاني

التفتازاني / مؤسّسة دار الفكر ايران قم

- مقباس الهداية

المامقاني / طبع مؤسّسة آل البيت عليهم السلام

- مجمع البيان

للطبرسي / مؤسّسة الأعلمي

ص: 413

- نزهة الألبّاء

عبد الرحمن بن الأنباري / مكتبة المنار الأردن

- نهاية الأُصول

للسيّد البروجردي / بتقرير الشيخ المنتظري / مطبعة القدس قم

- النهاية

الشيخ الطوسي / دار الكتاب العربي بيروت

- نهاية الدراية

الشيخ محمّد حسين الأصفهاني / مؤسّسة البيت عليهم السلام

- نهج الحقّ وكشف الصدق

للعلّامة / منشورات دار الهجرة قم

- النهاية في غريب الحديث والأثر

ابن الأثير / طبع مؤسّسة إسماعيليان

- نهاية الوصول

العلّامة الحلّي / تحقيق الشيخ إبراهيم البهادري المطبعة : مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام

- الوافية في أُصول الفقه

للفاضل التوني / طبع مؤسّسة إسماعيليان

ص: 414

- وسائل الشيعة

للحرّ العاملي / مؤسّسة آل البيت عليهم السلام

- وسيلة النجاة

الميرزا النائيني / المطبعة العلوية النجف الأشرف

- الوافي

الفيض الكاشاني / منشورات مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أصفهان

- هداية المسترشدين

الشيخ محمّد تقي الأصفهاني / مؤسّسة النشر الإسلامي

ص: 415

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.