التنقیح المجلد 6

هویة الکتاب

التنقیح

تلخيص: طباطبایي الحکیم، محمد سعید

تتميم: طباطبایي الحکیم، محمد سعید

مؤلفين آخرين

كاتب: انصاری، مرتضی بن محمدامین

عدد المجلدات: 6

لسان: العربية

الناشر: موسسة الحکمة الثقافة الاسلامية - بیروت - لبنان

سنة النشر: 1431 هجری قمری|2010 میلادی

رمز الكونغرس: BP 159 /الف 9 ف 4026

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

الجزء السادس

تتمة المقصد الثالث

خاتمة

اشارة

[في شرائط العمل بالاستصحاب:]

ذكر بعضهم للعمل بالاستصحاب شروطا،كبقاء الموضوع، و عدم المعارض،و وجوب الفحص.

و التحقيق:رجوع الكل إلى شروط جريان الاستصحاب (1) .

و توضيح ذلك:أنك قد عرفت أن الاستصحاب عبارة عن إبقاء (1)يعني:شروط العمل به بعد فرض جريانه.

و كأن الفرق بينهما أن شروط الجريان هي التي تتوقف عليها أركان الاستصحاب،و شروط العمل هي التي تغير بعد فرض تحقق الأركان.

و ما ذكره قدّس سرّه تام بالإضافة إلى بقاء الموضوع.

و أما بالإضافة إلى عدم المعارض و الفحص،فهو مبني على أن المعارض وارد على الاستصحاب رافع لموضوعه،و على أن الموجب للفحص هو العلم الإجمالي بانتفاض الحالة السابقة و أن العلم الإجمالي مانع من شمول دليل الاستصحاب للمورد،و الظاهر عدم تمامية الأمرين،بل يأتي من المصنف قدّس سرّه إنكار الأول،و إن التزم بالثاني.فلاحظ.

ص: 5

ما شك في بقائه،و هذا لا يتحقق إلا مع الشك في بقاء القضية المحققة في السابق بعينها في الزمان اللاحق.

و الشك على هذا الوجه لا يتحقق إلا بأمور:

الأول

اشارة

[شروط بقاء الموضوع]

بقاء الموضوع في الزمان اللاحق،و المراد به معروض المستصحب.

فإذا اريد استصحاب قيام زيد،أو وجوده،فلا بد من تحقق زيد في الزمان اللاحق على النحو الذي كان معروضا في السابق،سواء كان تحققه في السابق بتقرره ذهنا أو بوجوده خارجا،فزيد معروض للقيام في السابق بوصف وجوده الخارجي (1) ،و للوجود بوصف تقرره ذهنا،لا وجوده الخارجي (2) .

و بهذا اندفع ما استشكله بعض في كلية اعتبار بقاء الموضوع في الاستصحاب،بانتقاضها باستصحاب وجود الموجودات عند الشك (1)قد يظهر من المصنف قدّس سرّه فيما يأتي أن المراد بالوجود الخارجي هنا هو الحياة المقابلة للموت لا الوجود المقابل للعدم.و الظاهر أنه في غير محله،لأن الحياة كالقيام من طوارئ الذات.نعم القيام من طوارئ الذات في ظرف تشخصها بالوجود.

فمع عدم تشخصها لا موضوع للقيام،بخلاف الوجود،فإنه مما يطرأ على الذات في رتبة سابقة على تشخصها فهو يقتضي تشخصها.فلاحظ.

(2)لامتناع طروء الوجود على الموجود بما هو موجود.

ص: 6

في بقائها،زعما منه أن المراد ببقائه وجوده الخارجي الثانوي،و غفلة عن أن المراد وجوده الثانوي على نحو وجوده الأولي الصالح لأن يحكم عليه بالمستصحب و بنقيضه،و إلا لم (1) يجز أن يحمل عليه المستصحب (2) في الزمان السابق.فالموضوع في استصحاب حياة زيد هو زيد القابل لأن يحكم عليه بالحياة تارة و بالموت اخرى،و هذا المعنى لا شك في تحققه عند الشك في بقاء حياته (3) .

الدليل على هذا الشرط

ثم الدليل على اعتبار هذا الشرط في جريان الاستصحاب واضح،لأنه لو لم يعلم تحققه لا حقا،فإذا أريد إبقاء المستصحب العارض له المتقوم به:

(1)يعني:لو كان الموضوع في القضية المتيقنة خصوص الوجود الخارجي.

(2)و هو الوجود.

(3)لكن إطلاق التحقق على مثل ذلك لا يخلو عن تسامح.

فالظاهر أن التعبير عن الشرط المذكور ببقاء الموضوع في غير محله،بل الأولى التعبير عنه بلزوم اتحاد القضية المشكوكة المحرزة بالاستصحاب مع القضية المتيقنة المستصحبة،بنحو يصدق:كان كذا فهو كما كان،لأن مفاد الاستصحاب ليس إلا التعبد ببقاء الأمر المتيقن،فلا بد من اتحاد المتيقن مع المشكوك،حتى يكون التعبد به بقاء له،و من الظاهر أن وحدة القضيتين موقوفة على وحدة موضوعهما كمحمولهما، و إلا كانت قضيتين متباينتين،و ليست إحداهما بقاء للأخرى.

و منه يظهر أنه لا بد من العلم باتحاد القضيتين في الموضوع،إذ مع الشك في ذلك لا يحرز النقض على الحكم بعدم القضية المشكوكة،فلا يعلم بدخوله في عموم النهي عن نقض اليقين بالشك فالتمسك فيه به من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.و لكن يظهر من المصنف قدّس سرّه اعتبار العلم ببقاء الموضوع في الخارج و سيأتي الكلام فيه.

ص: 7

فإما أن يبقى في غير محل و موضوع،و هو محال.

و إما أن يبقى في موضوع غير الموضوع السابق،و من المعلوم أن هذا ليس إبقاء لنفس ذلك العارض (1) ،و إنما هو حكم بحدوث عارض مثله في موضوع جديد،فيخرج عن الاستصحاب،بل حدوثه للموضوع الجديد كان مسبوقا بالعدم،فهو المستصحب دون وجوده.

و بعبارة أخرى:بقاء المستصحب لا في موضوع محال،و كذا في موضوع آخر،إما لاستحالة انتقال العرض،و إما لأن المتيقن سابقا وجوده في الموضوع السابق،و الحكم بعدم ثبوته لهذا الموضوع الجديد ليس نقضا للمتيقن السابق (2) .

المعتبر هو العلم ببقاء الموضوع

و مما ذكرنا يعلم:أن المعتبر هو العلم ببقاء الموضوع،و لا يكفي احتمال البقاء،إذ لا بد من العلم بكون الحكم بوجود المستصحب إبقاء، و الحكم بعدمه نقضا (3) .

(1)هذا موقوف على استحالة انتقال العرض عن موضوعه لموضوع آخر، كما سيأتي.

(2)هذا موقوف على كون خصوصية كونه في الموضوع السابق دخيلة في ترتب الأثر،أما لو لم تكن دخيلة فيه لا يهم تخلفها في جريان الاستصحاب و ترتب الأثر،لان المستصحب هو العرض الشخصي الذي كان موجودا في الموضوع السابق المفروض بقاؤه بنفسه في الموضوع الآخر بناء على كان إمكان انتقال العرض عن موضوعه.

نعم لا يبعد كون محل كلام المصنف قدّس سرّه ما إذا كانت خصوصية الموضوع دخيلة في ترتب الأثر،فيكون ما ذكره في محله.

(3)هذا و إن كان مسلما،و إلا امتنع التمسك بعموم الاستصحاب لأنه

ص: 8

هل يجوز إحراز الموضوع في الزمان اللاحق بالاستصحاب؟

فإن قلت:إذا كان الموضوع محتمل البقاء فيجوز إحرازه في الزمان اللاحق بالاستصحاب.

قلت:لا مضايقة من جواز استصحابه في بعض الصور،إلا أنه لا ينفع في استصحاب الحكم المحمول عليه.

بيان ذلك:أن الشك في بقاء الحكم الذي يراد استصحابه:إما أن يكون مسببا عن سبب غير الشك في بقاء ذلك الموضوع المشكوك البقاء تمسك بالعام في الشبهة الموضوعية من طرف العام الذي لا اشكال في امتناعه،إلا أن ذلك لا يتوقف على العلم ببقاء الموضوع،ضرورة أنه مع الشك في بقائه يشك في بقائه متصفا بالعرض فاستصحاب اتصافه بالعرض إبقاء المتيقن،لا لأمر آخر.

و بعبارة أخرى:الشك في بقاء القضية كما يكون من جهة الشك في بقاء محمولها مع العلم ببقاء موضوعها كذلك يكون مع الشك في بقاء موضوعها.

و مما ذكرنا يظهر أن ما تقدم منّا في توجيه هذا الشرط بأن المراد منه اعتبار اتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة لا ينهض بإثبات لزوم العلم بتحقق الموضوع.

نعم قد يقال:إن موضوع الأثر لما كان هو مفاد القضية الحملية فاستصحابها متعذر في المقام لأن مفاد القضية الحملية إنشائية كانت-كهند طالق-أم خبرية -كالماء بارد-أم تعبدية-كما في مقام الاستصحاب-هو التعرض للمحمول-إنشاء أو اخبارا أو تعبدا-مع المفروغية عن تحقق الموضوع في ظرف انتساب المحمول له من ذهن أو خارج،فمع عدم المفروغية عنه في ظرفه و الشك فيه-كما في الفرض-لا تصدق القضية الحملية بأي نحو كانت و يمتنع التعبد بها بالاستصحاب.

و لعله لذا كان المرتكز امتناع الاستصحاب فيما لو وجب التصدق إن كان ما في الحوض كرا،ثم شك في كرية ما في الحوض للشك في وجود ماء في الحوض.

و قد أطلنا الكلام في توضيح ذلك في حاشية الكفاية.فراجع و تأمل جيدا.

ص: 9

مثل أن يشك في عدالة مجتهده (1) مع الشك في حياته-و إما أن يكون مسببا عنه.

فإن كان الأول،فلا إشكال في استصحاب الموضوع عند الشك، لكن استصحاب الحكم كالعدالة-مثلا-لا يحتاج إلى إبقاء حياة زيد، لأن موضوع العدالة:زيد على تقدير الحياة،إذ لا شك فيها إلا على فرض الحياة،فالذي يراد استصحابه هو عدالته على تقدير الحياة (2) .و بالجملة:

فهنا مستصحبان،لكل منهما موضوع على حدة:حياة زيد،و عدالته على تقدير الحياة،و لا يعتبر في الثاني إثبات الحياة.

و على الثاني (3) ،فالموضوع:إما أن يكون معلوما معينا شك في بقائه، (1)يعني:لاحتمال طروء موجبات الفسق.

(2)يعني:فالمستصحب هو العدالة التعليقية بنحو القضية الشرطية التي لا تتوقف على فعلية الشرط.

لكن هذا غير ظاهر الوجه،فإن موضوع الأثر هو العدالة الفعلية،لا التقديرية،و ليست العدالة التقديرية أمرا مجعولا حتى يمكن استصحابها كالأحكام الشرعية بناء على جريان الاستصحاب فيها مع التعليق.

نعم الظاهر أن الحياة ليست موضوعا للعدالة بل موضوعها الإنسان و هو المعروض لها و ليست الحياة إلا شرطا تكوينيا لعروض العدالة بمعنى الملكة الفعلية -عليه-فهي خارجة عما نحن فيه،و لا يحتاج إلى إحرازها في المقام.

إلا أن تكون بنفسها دخيلة نظير الالتفات في الأثر فتستصحب بنفسها،كما هو الحال بناء على اشتراط الحياة في المفتي.فلاحظ.

(3)و هو ما إذا كان الشك في الحكم مسببا عن الشك في الموضوع.

ص: 10

كما إذا علم أن الموضوع لنجاسة الماء هو الماء بوصف التغير،و للمطهرية هو الماء بوصف الكرية و الإطلاق،ثم شك في بقاء تغير الماء الأول و كرية الماء الثاني أو إطلاقه.

و إما أن يكون غير معين،بل مرددا بين أمر معلوم البقاء و آخر معلوم الارتفاع،كما إذا لم يعلم أن الموضوع للنجاسة هو الماء الذي حدث فيه التغير آناً ما،أو الماء المتلبس فعلا بالتغير.و كما إذا شككنا في أن النجاسة محمولة على الكلب بوصف أنه كلب،أو المشترك بين الكلب و بين ما يستحال إليه من الملح أو غيره.

أما الأول،فلا إشكال في استصحاب الموضوع،و قد عرفت-في مسألة الاستصحاب في الأمور الخارجية-أن استصحاب الموضوع،حقيقته ترتيب الأحكام الشرعية المحمولة على ذلك الموضوع الموجود واقعا (1) ، (1)لكن هذا مختص بما إذا كان المستصحب من أحكام الموضوع الشرعية كالأمثلة التي ذكرها قدّس سرّه،بخلاف ما لو لم يكن كذلك،كما لو شك في كرية ما في الحوض أو برودته للشك في بقاء شيء من الماء في الحوض،فإن استصحاب الموضوع و هو وجود الماء في الحوض لا يقتضي البناء على كريته أو برودته إلا بناء على الأصل المثبت،لأن موضوعية الماء للكرية أو البرودة ليست شرعية،بل تكوينية خارجية، كما لا يخفى.

فما ذكره قدّس سرّه لا يمنع من استصحاب العرض المشكوك بعد استصحاب الموضوع في مثل ذلك،فيقال مثلا:كان في الحوض ماء فهو كما كان،ثم يقال:كان ماء الحوض كرا أو باردا فهو كما كان.

فالعمدة في الإشكال في مثل ذلك:أنه لا مجال لاستصحاب الموضوع،لان

ص: 11

فحقيقة استصحاب التغير و الكرية و الإطلاق في الماء (1) ،ترتيب أحكامها وجود الموضوع و إن كان له دخل في الأثر الشرعي،إلا أن دخله فيه ليس شرعيا مستندا إلى أخذه في كبرى شرعية،لفرض أن القضية الشرعية لم تتعرض إلا لمفاد القضية الحملية المتعرضة للمحمول-كالبرودة و الكرية-بعد الفراغ عن الموضوع، و إنما هو عقلي ناش من امتناع صدق القضية الحملية دون إحراز موضوعها،و هو لا يكفي في جريان الأصل.

و قد أطلنا الكلام في ذلك في حاشية الكفاية بما لا مجال له هنا.

هذا مع أن ما ذكره قدّس سرّه خارج عما نحن فيه،إذ محل الكلام هنا هو الموضوع بمعنى معروض المستصحب كالماء المعروض للكرية أو البرودة،و ما ذكره إنما هو في الموضوع الشرعي الذي هو عبارة عما له الدخل شرعا في ترتب الأثر و إن كان خارجا عن المعروض،و إلا فمن الظاهر أن معروض النجاسة هو الماء بنفسه،و ليس التغير مقوما له،و إنما هو من الحالات الدخيلة شرعا في اتصاف الماء بالنجاسة،فهو خارج عما نحن فيه.

هذا و اختلاط الموضوع بمعنى المعروض الذي هو محل الكلام بالموضوع الشرعي هو الذي أوجب اضطراب كلام المصنف قدّس سرّه جدا،بل اضطراب كلام غيره ممن تأخر عنه.فلاحظ.

(1)لا اشكال في استصحاب التغير،لأنه عارض على الماء زائد عليه أخذ موضوعا للأثر الشرعي.و أما الكرية فاستصحابها مبني على كفاية التسامح العرفي فى موضوع الاستصحاب و قد أشرنا غير مرة إلى أنه في غير محله،كما سيأتي الكلام فيه أيضا.

و أما الإطلاق فيشكل استصحابه لعدم كونه مأخوذا شرطا في الماء بمفاد كان الناقصة شرعا،بل لا دليل على اعتباره إلا ما دل على أن المطهر هو الماء بعد عدم شموله لغير المطلق منه لغة و عرفا،و حينئذ فمرجع استصحابه إلى استصحاب مائية

ص: 12

المحمولة عليها،كالنجاسة في الأول،و المطهرية في الأخيرين.

فمجرد استصحاب الموضوع يوجب إجراء الأحكام،فلا مجال لاستصحاب الأحكام حينئذ،لارتفاع الشك (1) ،بل لو أريد استصحابها لم يجر،لأن صحة استصحاب النجاسة-مثلا-ليس من أحكام التغير الواقعي ليثبت باستصحابه،لأن أثر التغير الواقعي هي النجاسة الواقعية، لا استصحابها،إذ مع فرض التغير لا شك في النجاسة (2) .

مع أن قضية ما ذكرنا من الدليل على اشتراط بقاء الموضوع في الاستصحاب،حكم العقل باشتراط بقائه فيه (3) ،فالمتغير الواقعي إنما الماء،و لا مجال لاستصحابها بمفاد كان الناقصة لانها ليست من عوارض الماء،كما لا مجال لاستصحاب وجود الماء بمفاد كان التامة لانه لا يحرز كون المغسول به ماء.

فتأمل جيدا.

(1)على ما يأتي في الأصل السببي و المسببي.

(2)هذا إنما يتم في الموضوع الشرعي،لا الموضوع بمعنى المعروض الذي هو محل الكلام،أما المعروض فتحققه شرط في صحة الاستصحاب لا في ثبوت المستصحب.نعم شرطيته في صحة الاستصحاب ليست شرعية،بل عقلية،كما ذكرنا و سيأتي منه.

(3)إما لاستحالة انتقال العرض عن موضوعه،و غيره مما تقدم منه،أو لامتناع التعبد بالقضية الحملية إلا بعد الفراغ عن تحقق موضوعها في ظرف ثبوته للمحمول له كما ذكرنا.

لكن هذا إنما يتم في الموضوع بمعنى المعروض،لا في الموضوع الشرعي كالتغير،فإنه لا يعتبر إحرازه في الاستصحاب لا شرعا و لا عقلا،بل يكون المستصحب من آثاره،فإحرازه إحراز له مغن عن استصحابه،كما تقدم منه في الوجه

ص: 13

يجوز استصحاب النجاسة له بحكم العقل،فهذا الحكم-أعني ترتب الاستصحاب على بقاء الموضوع-ليس أمرا جعليا حتى يترتب على وجوده (1) الاستصحابي،فتأمل.

و على الثاني (2) ،فلا مجال لاستصحاب الموضوع و لا الحكم.

أما الأول،فلأن أصالة بقاء الموضوع لا يثبت كون هذا الأمر الباقي متصفا بالموضوعية (3) ،إلا بناء على القول بالأصل المثبت،كما تقدم في السابق.و منه يظهر اضطراب كلام المصنف قدّس سرّه بسبب اختلاط المراد من الموضوع فى كلامه.

(1)الضمير يعود إلى(الموضوع).

(2)و هو ما إذا كان الموضوع أمرا مجملا مرددا بين معلوم البقاء و معلوم الارتفاع.

لكن الظاهر أن هذا إنما يتصور في الموضوع الشرعي،لانه أمر واقعي تابع للشارع قابل للاختفاء و الإجمال دون الموضوع بمعنى المعروض للقضية المتيقنة، إذ بعد فرض كون القضية متيقنة يكون موضوعها متيقنا تبعا لها و لا يتصور فيه الشك.

(3)ليس المدعي هنا التمسك باستصحاب التغيير أو المتغير-مثلا-بمفاد كان التامة حتى يرد ما ذكره،بل استصحاب التغير بمفاد كان الناقصة،فيقال:كان هذا الماء متغيرا فهو كما كان،فلا مجال للإيراد عليه بما ذكره قدّس سرّه.

بل العمدة في الإشكال فيه أنه من استصحاب المفهوم المردد،فمثل التغير المأخوذ موضوعا للنجاسة شرعا مردد بين التغير الفعلي الحالي و ما يعم التغير السابق،و الأول معلوم الارتفاع و الثاني معلوم البقاء،و العنوان المردد بينهما ليس موضوعا للأثر الشرعي على إبهامه و إجماله،بل ليس الموضوع إلا أحدهما بمفهومه

ص: 14

أصالة بقاء الكر المثبتة لكرية المشكوك بقاؤه على الكرية،و على هذا القول فحكم هذا القسم حكم القسم الأول (1) .

و أما أصالة بقاء الموضوع بوصف كونه موضوعا فهو في معنى استصحاب الحكم،لأن صفة الموضوعية للموضوع ملازم لإنشاء الحكم من الشارع باستصحابه (2) .

و أما استصحاب الحكم،فلأنه كان ثابتا لأمر لا يعلم بقاؤه،و بقاؤه قائما بهذا الموجود الباقي ليس قياما بنفس ما قام به أولا،حتى يكون إثباته الخاص،و كلاهما غير قابل للاستصحاب،لعدم تمامية أركانه فيه.

(1)لم يتضح عاجلا المراد بهذه العبارة،و في بعض الحواشي:«يعني عدم جريان استصحاب الحكم».

و هو غير ظاهر أولا:من جهة أنه يأتي منه التعرض لاستصحاب الحكم.

و ثانيا:من جهة أن القسم الأول المقابل لهذين القسمين قد حكم فيه بجريان استصحاب الحكم بنحو التعليق على وجود الموضوع،لا بعدم جريان استصحاب الحكم و القسم الأول من هذين القسمين قد حكم فيه بعدم جريان استصحاب الحكم من جهة حكومة استصحاب الموضوع عليه،و كلا الأمرين لا مجال له هنا، فلاحظ.

(2)هذا لا يصلح للمنع من جريان استصحاب الموضوع بوصف كونه موضوعا،كما لعله ظاهر.

فالعمدة أن موضوعية الموضوع ليست مجعولة شرعا،بل ليست هي إلا منتزعة من جعل الحكم له كشرطية الشرط و سببية السبب،فلا مجال لاستصحابها.

كما أنها ليست موضوعا لأثر شرعي،بل ليس موضوع الأثر الشرعي إلا الموضوع بعنوانه الأولي،كالتغير و الكرية و نحوهما.

ص: 15

إبقاء و نفيه نقضا (1) .

الشك في الحكم من جهة الشك في القيود المأخوذة في الموضوع

إذا عرفت ما ذكرنا،فاعلم:أنه كثيرا ما يقع الشك في الحكم من جهة الشك (2) في أن موضوعه و محله هو الأمر الزائل و لو بزوال قيده المأخوذ في موضوعيته،حتى يكون الحكم مرتفعا،أو هو الأمر الباقي،و الزائل ليس موضوعا و لا مأخوذا فيه،فلو فرض شك في الحكم كان من جهة أخرى غير الموضوع،كما يقال:إن حكم النجاسة في الماء المتغير،موضوعه نفس الماء (3) ،و التغير علة محدثة للحكم،فيشك في عليته للبقاء.

(1)هذا يتم فيما لو لم يكن الباقي عين ما قام به أولا،بل كانا مختلفين قطعا أو احتمالا،بحيث لا يصدق هذا ذاك،كما في موارد الاستحالة كاستحالة الكلب ملحا، و اتحادهما دقة لو تم لا يجدي مع غفلة العرف عن ذلك،كما لعله يأتي.

أما بخلاف ما لو كان عينه،و الاختلاف بينهما إنما هو في الخصوصيات الزائدة التي يحتمل أخذها في الموضوع شرعا مع العلم بعدم كونها مقومة للموضوع بمعنى المعروض،كالتغير،لما هو المعلوم من أن معروض النجاسة هو ذات الماء، و ليس التغير إلا شرطا شرعيا فيه لا يوجب انسلاخه و تعدد الماء،فإنه لا مانع من الاستصحاب حينئذ،لصدق النقض بدونه بلا إشكال.

و كأن ما ذكره المصنف قدّس سرّه مبني على الخلط بين الموضوع الشرعي و الموضوع بمعني المعروض،كما أشرنا إليه آنفا و يظهر من كثير من فقرات كلامه.فلاحظ.

(2)الشك بالنحو المذكور إنما يكون غالبا بالإضافة إلى الموضوع الشرعي، الذي هو عبارة عن تمام ما يعتبر في ترتب الحكم،لا الموضوع بمعنى المعروض الذي هو محل الكلام و إلا فهو كثيرا ما يتيقن ببقائه مع احتمال ارتفاع الحكم،بل مع اليقين بارتفاعه،كما لعله سيتضح،و أشرنا إليه قريبا.

(3)لا إشكال في أن الموضوع بمعنى المعروض هو الماء،و التغير من الصفات

ص: 16

ما يميز به القيود المأخوذة في الموضوع أحد أمور:
اشارة

فلا بد من ميزان يميز به القيود المأخوذة في الموضوع عن غيرها،و هو أحد أمور:

العقل

الأول:العقل،فيقال:إن مقتضاه كون جميع القيود قيودا للموضوع مأخوذة فيه،فيكون الحكم ثابتا لأمر واحد يجمعها،و ذلك لأن كل قضية و إن كثرت قيودها المأخوذة فيها راجعة في الحقيقة إلى موضوع واحد و محمول واحد (1) ،فإذا شك في ثبوت الحكم السابق بعد زوال بعض تلك القيود،سواء علم كونه قيدا للموضوع أو للمحمول أو لم يعلم أحدهما،فلا يجوز الاستصحاب،لأنه (2) إثبات عين الحكم السابق لعين غير المقومة له لعدم قابلية الماء الجزئي للتقييد،فهو لو كان معتبرا في النجاسة كان علة شرعية فهو خارج عن محل الكلام.

(1)لكن هذا إنما يمنع من استصحاب مفاد القضية الكلية،لا من استصحاب الحكم في المورد الشخصي لو كان موضوعه أمرا جزئيا خارجيا كالنجاسة الطارئة على الماء،لما هو المعلوم من أن الأمر الجزئي لا يقبل التقييد،فلا بد من رجوع جميع القيود في القضية الكلية إلى العلل في ثبوت الحكم للأمر الجزئي الخارجي الذي لا يتبدل قطعا بتبدلها.

نعم لو أريد استصحاب الحكم الوارد على الموضوع الكلي كما في الأحكام التكليفية التي معروضها فعل المكلف فقد يتوجه ما ذكره قدّس سرّه،لأن الأمر الكلي قابل للتقييد.

على أنه لا يتم كلية،لما تحقق في محله من الفرق بين شروط التكليف و شروط المكلف به،فاللازم امتناع جريان الاستصحاب مع الشك في بقاء شرط المكلف به الذي هو معروض الحكم التكليفي كما تقدم في حجة القول السابع.

(2)الضمير يعود إلى:(الاستصحاب).

ص: 17

الموضوع السابق،و لا يصدق هذا مع الشك في أحدهما.نعم،لو شك بسبب تغير الزمان المجعول ظرفا للحكم (1) -كالخيار (2) -لم يقدح في جريان الاستصحاب،لأن الاستصحاب مبني على إلغاء خصوصية الزمان الأول (3) .

فالاستصحاب في الحكم الشرعي لا يجري إلا في الشك من جهة الرافع (4) ذاتا أو وصفا (5) ،و فيما كان من جهة مدخلية الزمان.نعم، يجري في الموضوعات الخارجية بأسرها (6) .

ثم لو لم يعلم مدخلية القيود في الموضوع كفى في عدم جريان الاستصحاب الشك في بقاء الموضوع،على ما عرفت مفصلا.

لسان الدليل

الثاني:أن يرجع في معرفة الموضوع للأحكام إلى الأدلة،و يفرق بين (1)لكن الزمان كسائر القيود المحتمل دخلها في الحكم،فيجري عليه ما يجري عليها.

(2)يعني:لو شك في كونه فوريا.

(3)لكن مع انحفاظ الموضوع،فإذا فرض احتمال دخل الزمان فيه امتنع الاستصحاب.

(4)لكن جعل الرافع مستلزم لقصور موضوع الحكم في القضية الشرعية الكلية عن شمول صورة وجوده و لو بنحو نتيجة التقييد.فهو مستلزم القصور الموضوع بالمعنى المذكور.

(5)يعني:الشك في وجود الرافع،أو في رافعية الموجود اعتراف إحراز الموضوع.

(6)كالعدالة التي موضوعها ذات الإنسان الذي لا تكون صفاته مقومة له.

ص: 18

قوله:«الماء المتغير نجس»،و بين قوله:«الماء ينجس إذا تغير»،فيجعل الموضوع في الأول الماء المتلبس بالتغير،فيزول الحكم بزواله،و في الثاني نفس الماء فيستصحب النجاسة لو شك في مدخلية التغير في بقائها، و هكذا.و على هذا فلا يجري الاستصحاب فيما كان الشك من غير جهة الرافع (1) إذا كان الدليل غير لفظي لا يتميز فيه الموضوع،لاحتمال مدخلية القيد الزائل فيه.

العرف

الثالث:أن يرجع في ذلك إلى العرف،فكل مورد يصدق عرفا أن هذا كان كذا سابقا جرى فيه الاستصحاب و إن كان المشار إليه لا يعلم بالتدقيق أو بملاحظة الأدلة كونه موضوعا،بل علم عدمه.

مثلا:قد ثبت بالأدلة أن الإنسان طاهر و الكلب نجس،فإذا ماتا و اطلع أهل العرف على حكم الشارع عليهما بعد الموت،فيحكمون بارتفاع طهارة الأول و بقاء نجاسة الثاني (2) ،مع عدم صدق الارتفاع و البقاء فيهما بحسب التدقيق،لأن الطهارة و النجاسة كانتا محمولتين على الحيوانين المذكورين،فلا معنى لصدق ارتفاع الأول و بقاء الثاني،و قد (3) ارتفعت الحيوانية بعد صيرورته جمادا (4) .

و نحوه حكم العرف باستصحاب بقاء الزوجية بعد موت أحد (1)أما الشك من جهة الرافع فهو ملازم لإحراز الموضوع بالمعنى المذكور.

(2)مع أن البقاء و الارتفاع في الأعراض موقوفان على بقاء موضوعاتها.

(3)الواو حالية.

(4)لكن موضوع النجاسة و الطهارة هو الجسم الذي لا يرتفع بالموت.

ص: 19

الزوجين (1) ،و قد تقدم حكم العرف ببقاء كرية ما كان كرا سابقا، و وجوب الأجزاء الواجبة سابقا قبل تعذر بعضها (2) ،و استصحاب السواد فيما علم زوال مرتبة معينة منه و يشك في تبدله بالبياض أو بسواد خفيف (3) ،إلى غير ذلك.

(1)لم يتضح حكمهم بذلك،بل لعل الحياة عندهم من مقومات الموضوع، لعدم قيام الزوجية بالجسم نفسه.و ليست كالنجاسة و الطهارة.فتأمل.

(2)لكن تقدم في التنبيه الحادي عشر الإشكال في ذلك.

(3)تقدم في استصحاب الكلي أن هذا لا يبتني على التسامح العرفي.

ثم إنه يظهر من المصنف قدّس سرّه البناء على هذا الوجه،و جعله هو المعيار جريان الاستصحاب و إن لم يتعرض للدليل عليه.

و كأن وجهه لزوم تنزيل الخطابات الشرعية-و منها خطاب.لا تنقض اليقين بالشك-على ما عند العرف.

و فيه:أن الرجوع إلى العرف إنما هو شرح مفهوم الخطاب،لا في تطبيقه بعد معرفة مفهومه على المصاديق الخارجية بنحو يكتفي بالتسامح العرفي في التطبيق.

و لذا لا إشكال عندهم في عدم الاكتفاء في المقادير-كالصاع و الرطل و الفرسخ-بما يتسامح العرف في تطبيق العناوين عليه مما زاد أو نقض قليلا،بل لا بد بعد الرجوع إلى العرف في تحديد مفاهيمها من كون تطبيقها حقيقيا فلا يجتزأ إلا بالأفراد الحقيقية.

نعم إذا كان التسامح مما يغفل عنه العرف بحيث يرى صدق العنوان معه حقيقة لا مجازا و لا محتاجا إلى عناية التنزيل لم يبعد الاكتفاء به فمقتضى الإطلاق المقامي للخطاب،إذ لو لم يكن مجزيا كان اللازم على المتكلم الحكيم التنبيه عليه لعدم صلوح الخطاب له بعد فرض غفلة العرف عنه،و إلا كان مخلا بغرضه.

ص: 20

و لعله عليه يبتني الاجتزاء في تطبيق الصاع من الحنطة مثلا على المخلوط منها بالتراب بالقدر المتعارف و عدم اعتبار الخلوص الدقي مع وضوح أن التراب مباين للحنطة حقيقة.

إذا عرفت هذا يتضح الحال في المقام،فانه لا إجمال في مفهوم النقض،لما هو المعلوم من أن المراد به رفع اليد عن الأمر الثابت سابقا،و لازم ذلك اتحاد القضية المشكوكة مع المتيقنة موضوعا و محمولا.

لكن الموضوع الذي يعتبر الاتحاد فيه ليس هو الموضوع الشرعي الذي يراد به جميع ما يعتبر في الحكم من شرط أو ظرف أو غيرهما،بل معروض الأمر المستصحب، كالماء المعروض للنجاسة و الصلاة المعروضة للوجوب،فإن هذا هو المعيار في اتحاد القضيتين،لما هو المعلوم من وحدة العرض مع وحدة معروضه،بنحو يصدق على عدمه معه النقض و على وجوده البقاء و إن اختلفت علله أو شروطه،فإذا كان الماء واحدا كانت حرارته واحدة،و إن كان حدوثها مسببا عن الشمس و بقاؤها مستندا للنار،بحيث يصدق البقاء بوجودها و الارتفاع بعدمها،و لا أثر لوحدة العلة في ذلك.

و عليه فاللازم تنقيح الموضوع بالمعنى المذكور في القضية المتيقنة ثم التزام بقائه حقيقة،و لا وجه للاكتفاء بالتسامح العرفي فيه.

و من ثم منعنا من استصحاب الكرية،و وجوب المركب مع تعذر بعض أجزائه،لابتنائهما على تنزيل الناقص منزلة التام،كما تقدم في التنبيه الحادي عشر و غيره.

و أما استصحاب نجاسة الماء بعد زوال تغيره فهو ليس مبنيا على التسامح العرفي،لما هو المعلوم من أن المستصحب هو النجاسة الشخصية الثابتة للماء الخارجي الشخصي الباقي حقيقة لا تسامحا،و ليس التغير إلا صفة له،لا قيدا مقوما،لعدم

ص: 21

قبول الأمر الجزئي للتقييد.

من دون فرق بين كون القضية الشرعية بلسان:ينجس الماء إذا تغير،و كونها بلسان:الماء المتغير نجس،بل لا بد من تنزيل التقييد على بيان دخل التغير في الحكم شرعا،لا دخله في موضوعه قيدا.

و إنما يتجه التفصيل المذكور لو كان موضوع المستصحب هو الأمر الكلي، كما في التكليفية،فيلزم الرجوع للأدلة الشرعية في تنقيح الموضوع،بمعنى المعروض لقابلية الأمر الكلي للتقييد.

و لا يكتفى بتسامح العرف في ذلك للتغافل عن التقييد المحتمل،كما تقدم فى ذيل الكلام في حجة القول السابع.

نعم لو كان البقاء أو الارتفاع عقليين دقيين،بنحو يغفل العرف عنهما فلا عبرة بهما،كما في باب الاستحالة و الاستهلاك،كاستحالة الخشب دخانا أو رمادا، و الماء بخارا،و الكلب ملحا،و استهلاك البول في الماء الكثير،فإن العرف يرى المتجدد فى الاستحالة متولدا من السابق لا بقاء له،و يرى المستهلك منعدما،و إن كان الموجود السابق باقيا حقيقة و دقة.

و مثله ما قد يدعى من أن الأجسام الحية تتبدل في مدة من الزمان،بحيث يكون اللاحق مبانيا للسابق لا بقاء له.فانه لو تم لا يمنع من جريان الاستصحاب، لغفلة العرف عن ذلك و صدق البقاء بنظرهم بلا عناية و لا كلفة.

هذا حاصل ما ينبغي ذكره في المقام.و بعد الاحاطة به يتضح حال الفروع الكثيرة المتفرقة التي أشار إليها المصنف قدّس سرّه و غيرها.كما يتضح اضطراب كلام المصنف قدّس سرّه بسبب خلطه بين الموضوع الشرعي-الذي هو عبارة عما يعتبر في الحكم شرعا-و الموضوع بمعنى المعروض.و خلطه في الرجوع للعرف بين ما يبتني على النظر العرفي الحقيقي و التسامحي إلى غير ذلك مما يتضح بالتأمل.و اللّه سبحانه العالم

ص: 22

كلام الفاضلين تأييدا لكون الميزان نظر العرف

و بهذا الوجه (1) يصح للفاضلين قدّس سرّهما-في المعتبر و المنتهى- الاستدلال على بقاء نجاسة الأعيان النجسة بعد الاستحالة:بأن النجاسة قائمة بالأعيان النجسة،لا بأوصاف الأجزاء،فلا تزول بتغير أوصاف محلها،و تلك الأجزاء باقية،فتكون النجاسة باقية،لانتفاء ما يقتضي ارتفاعها،انتهى كلام المعتبر.

و احتج فخر الدين للنجاسة:بأصالة بقائها،و بأن الاسم أمارة و معرف،فلا يزول الحكم بزواله،انتهى.

و هذه الكلمات و إن كانت محل الإيراد،لعدم ثبوت قيام حكم الشارع بالنجاسة بجسم الكلب المشترك بين الحيوان و الجماد،بل ظهور عدمه،لأن ظاهر الأدلة تبعية الأحكام للأسماء (2) ،كما اعترف به في العاصم و له الحمد.

(1)ما ذكره الفاضلان ظاهر في الاستدلال على بقاء النجاسة واقعا لا ظاهرا بالاستصحاب نعم كلام فخر المحققين صريح في إرادة الاستصحاب.

لكن جريان الاستصحاب فيه مبني على النظر الدقي لا العرفي،كما ذكرنا.

(2)إن أريد به أن الأحكام تابعة للاسماء وجودا و عدما،فكما يكون وجود الاسم مستتبعا للحكم كذلك ارتفاع الاسم يستتبع ارتفاع الحكم،فلا ظهور للأدلة في ذلك.

و لذا كان المشهور عدم ثبوت مفهوم الوصف،مع أن المراد من الاسماء ما يعم الوصف.و إن كان المراد أن دلالة الدليل على ثبوت الحكم موقوفة على ثبوت الاسم فلو ارتفع الاسم كان دليله قاصرا عن إثبات الحكم و إن أمكن ثبوته واقعا، بحيث لو دل عليه دليل آخر لم يناف الدليل الأول،فهو في محله.

ص: 23

المنتهى في استحالة الأعيان النجسة،إلا أنه شاهدة على إمكان اعتبار موضوعية الذات المشتركة بين واجد الوصف العنواني و فاقده،كما ذكرنا في نجاسة الكلب بالموت،حيث إن أهل العرف (1) لا يفهمون نجاسة أخرى حاصلة بالموت،و يفهمون ارتفاع طهارة الإنسان،إلى غير ذلك مما يفهمون الموضوع فيه مشتركا بين الواجد للوصف العنواني و الفاقد.

الفرق بين نجس العين و المتنجس عند الاستحالة

ثم إن بعض المتأخرين فرق بين استحالة نجس العين و المتنجس، فحكم بطهارة الأول لزوال الموضوع،دون الثاني،لأن موضوع النجاسة فيه ليس عنوان المستحيل-أعني الخشب مثلا-و إنما هو الجسم (2) و لم يزل بالاستحالة.

الإشكال في هذا الفرق

و هو حسن في بادئ النظر،إلا أن دقيق النظر يقتضي خلافه،إذ لم يعلم أن النجاسة في المتنجسات محمولة على الصورة الجنسية و هي الجسم، و إن اشتهر في الفتاوى و معاقد الإجماعات:أن كل جسم لاقى نجسا مع رطوبة أحدهما فهو نجس،إلا أنه لا يخفى على المتأمل أن التعبير بالجسم لبيان عموم الحكم لجميع الأجسام الملاقية من حيث سببية الملاقاة إلا أنه لا ينافى إمكان إثبات الحكم بعد ارتفاع الاسم بالاستصحاب فيما إذا لم يكن الاسم مقوما للمعروض،بل كان من حالاته عرفا.فلاحظ.

(1)عرفت أنه ناش من كون معروض النجاسة هو الجسم الباقي بعد الموت.

(2)فإن أدلة النجاسة بالملاقاة،لم تشتمل على العناوين الخاصة كالثوب و الخشب،و إنما المستفاد منها أن كل جسم لاقي نجسا فهو نجس،فموضوع الحكم فيها هو الملاقي بعنوان كونه جسما.

ص: 24

للنجاسة،لا لبيان إناطة الحكم بالجسمية (1) .

و بتقرير آخر:الحكم ثابت لأشخاص الجسم،فلا ينافي ثبوته لكل واحد منها من حيث نوعه أو صنفه المتقوم به عند الملاقاة.

فقولهم:«كل جسم لاقى نجسا فهو نجس»لبيان حدوث النجاسة في الجسم بسبب الملاقاة من غير تعرض للمحل الذي يتقوم به،كما إذا قال القائل:«إن كل جسم له خاصية و تأثير»مع كون الخواص و التأثيرات من عوارض الأنواع (2) .

و إن أبيت إلا عن ظهور معقد الإجماع في تقوم النجاسة بالجسم، فنقول:لا إشكال في أن مستند هذا العموم هي الأدلة الخاصة الواردة في الأشخاص الخاصة-مثل الثوب و البدن و الماء و غير ذلك-فاستنباط القضية (1)هذا خلاف ظاهر كلماتهم،بل لعله خلاف ظاهر الأدلة،لظهورها في خصوصية الجسم كسائر الموضوعات المأخوذة في أدلة الأحكام،فالعمدة في الجواب هو أن أدلة النجاسة بالملاقاة لا تتضمن إلا سببية الملاقاة لحدوث النجاسة و لا نظر لها لبقائها فلا بد في بقائها من الرجوع إلى دليل آخر،و ليس هو في المقام إلا الاستصحاب و قد عرفت عدم جريانه في موارد الاستحالة،لغفلة العرف عن كون الموجود اللاحق بقاء للسابق،بل هو بنظرهم كالمتولد منه،فهو مباين له عرفا.

فراجع.

(2)لا يخفى أن الحكم في القضية المذكورة إنما هو بثبوت الخاصية و الأثر للجسم،لا بثبوت خاصية و أثر خاصين،و من الظاهر أن ثبوت الخاصية و الأثر من أحكام عنوان الجسم،لا من أحكام افراده الخاصة،و ليس أثر الفرد الخاص إلا الأثر الخاص.فلاحظ.

ص: 25

الكلية المذكورة منها ليس إلا من حيث عنوان حدوث النجاسة (1) ،لا ما يتقوم به،و إلا فاللازم إناطة النجاسة في كل مورد بالعنوان المذكور في دليله (2) .

و دعوى:أن ثبوت الحكم لكل عنوان خاص من حيث كونه جسما،ليست بأولى من دعوى كون التعبير بالجسم في القضية العامة من حيث عموم ما يحدث فيه النجاسة بالملاقاة،لا من حيث تقوم النجاسة بالجسم (3) .نعم،الفرق بين المتنجس و النجس:أن الموضوع في النجس معلوم الانتفاء في ظاهر الدليل،و في المتنجس محتمل البقاء (4) .

عدم الفرق بناء على كون المحكّم نظر العرف

لكن هذا المقدار لا يوجب الفرق بعد ما تبين (5) أن العرف هو (1)إن رجع هذا إلى ما ذكرناه فهو في محله و إلا فلم يتضح وجهه.

(2)كالثوب و البدن و الماء و غيرها.

(3)الظاهر أن المستفاد من مجموع أدلة التنجيس عدم دخل خصوصيات الجسم في الحكم به.نعم الحكم المذكور لا يتضمن إلا حدوث النجاسة لا بقائها و يحتاج في بقائها للاستصحاب،كما ذكرنا.

(4)إن أريد بالموضوع الموضوع الشرعي الذي يكون ثبوت الحكم معه مقتضي الدليل،فهو كما يرتفع في النجس يرتفع في المتنجس،لما عرفت من أن مفاد الدليل في المتنجس حدوث النجاسة و لا نظر له إلى بقائها،فموضوعه مختص بحال الحدوث.و إن أريد بالموضوع المعروض للحكم خارجا فهو في باب الاستحالة باق دقة،و مرتفعة عرفا،من دون فرق بين النجس و المتنجس.

(5)لا دخل لذلك في عدم الفرق،و إنما يبتني عدم الفرق على ما تقدم منه من أن الاستصحاب موقوف على العلم ببقاء الموضوع،و لا يكفي الشك فيه،و ما تقدم منا من أنه يعتبر العلم باتحاد القضية المشكوكة مع القضية المتيقنة.

ص: 26

المحكم في موضوع الاستصحاب (1) .أ رأيت أنه لو حكم على الحنطة أو العنب بالحلية أو الحرمة أو النجاسة أو الطهارة،هل يتأمل العرف في إجراء تلك الأحكام على الدقيق و الزبيب (2) ؟!كما لا يتأملون في عدم جريان الاستصحاب في استحالة الخشب دخانا و الماء المتنجس بولا لمأكول اللحم،خصوصا إذا اطلعوا على زوال النجاسة بالاستحالة (3) .

كما أن العلماء أيضا لم يفرقوا (4) في الاستحالة بين النجس و المتنجس، كما لا يخفى على المتتبع،بل جعل بعضهم الاستحالة مطهرة للمتنجس بالأولوية الجلية (5) ،حتى تمسك بها في المقام من لا يقول بحجية مطلق (1)تقدم الكلام في ذلك منا،و لم يتقدم منه قدّس سرّه ما يثبت ذلك.

(2)الظاهر أن هذا لا يبتني على الاستصحاب،بل على استفادة الحكم من إطلاق أدلة الأحكام المذكورة،لأن المستفاد منها عرفا و لو بمناسبة خاصة كون موضوع الحكم شرعا هو نفس الماهية و ذكر العناوين الخاصة للإشارة إليها،لا لخصوصيتها فيه،فيكون الإطلاق شاملا لصورة ارتفاع العناوين المذكورة.و إن كان هذا لا يخلو عن غموض في بعض الموارد،فيحتاج فيها للرجوع للأصول.و تمام الكلام في الفقه.

(3)زوال النجاسة بالاستحالة مبني على عدم جريان الاستصحاب،فلا يكون موجبا لوضوح عدم جريانه.

(4)لكن هذا ما لم يبلغ مرتبة الإجماع التعبدي لا يكون حجة على من فرق.

(5)هذا لو تم موقوف على كون مطهرية الاستحالة واقعية كمطهرية الغسل بالماء،فيكون أجنبيا عما نحن فيه.

أما لو كانت ظاهرية ناشئة من عدم جريان الاستصحاب لعدم الموضوع الموجب للرجوع لأصالة الطهارة فلو فرض بقاء الموضوع في المتنجس المقتضي

ص: 27

الظن (1) .

و مما ذكرنا يظهر وجه النظر فيما ذكره جماعة-تبعا للفاضل الهندي قدّس سرّه-:من أن الحكم في المتنجسات ليس دائرا مدار الاسم حتى يطهر بالاستحالة،بل لأنه جسم لاقى نجسا،و هذا المعنى لم يزل.

مراتب التغير و الأحكام مختلفة

فالتحقيق:أن مراتب تغير الصورة في الأجسام مختلفة،بل الأحكام أيضا مختلفة،ففي بعض مراتب التغير يحكم العرف بجريان دليل العنوان من غير حاجة إلى الاستصحاب (2) ،و في بعض آخر لا يحكمون بذلك و يثبتون الحكم بالاستصحاب،و في ثالث لا يجرون الاستصحاب أيضا، من غير فرق-في حكم النجاسة-بين النجس و المتنجس.

فمن الأول:ما لو حكم على الرطب أو العنب بالحلية أو الطهارة أو النجاسة،فإن الظاهر جريان عموم أدلة هذه الأحكام للتمر و الزبيب، فكأنهم يفهمون من الرطب و العنب الأعم مما جف منهما فصار تمرا أو زبيبا (3) ،مع أن الظاهر تغاير الاسمين،و لهذا لو حلف على ترك أحدهما لجريان الاستصحاب لم تمنع الأولوية منه،لأن الأولوية واقعية،فالتمسك بها مبني على الأصل المثبت لعدم الدليل على الطهارة في النجس إلا أصالة الطهارة فالتعدي منه إلى المتنجس بالأولوية مبني على حجية الأصل في لازم مجراه.و لو أمكن ذلك لكان مقتضي الاستصحاب في المتنجس عدم مطهرية الاستحالة في النجس.

فلاحظ.

(1)يعني:فيكشف ذلك عن كون الأولوية قطعية.

(2)بل بمقتضى إطلاق الحكم،كما أشرنا إليه قريبا.

(3)عرفت أن هذا مبني على كون المستفاد من الأدلة أن ذكر العنوان لمحض

ص: 28

لم يحنث بأكل الآخر (1) .و الظاهر أنهم لا يحتاجون في إجراء الأحكام المذكورة إلى الاستصحاب.

و من الثاني:إجراء حكم بول غير المأكول إذا صار بولا لمأكول و بالعكس (2) ،و كذا صيرورة الخمر خلا (3) ،و صيرورة الكلب أو الإنسان جمادا بالموت (4) ،إلا أن الشارع حكم في بعض هذه الموارد بارتفاع الحكم السابق،إما للنص،كما في الخمر المستحيل خلا،و إما لعموم ما دل على حكم المنتقل إليه (5) ،فإن الظاهر أن استفادة طهارة المستحال إليه إذا كان بولا لمأكول ليس من أصالة الطهارة بعد عدم الإشارة للماهية المتحققة بعد انسلاخ العنوان،لا لخصوصية في الحكم.

(1)الظاهر أن هذا غير مطرد،بل هو موقوف على كون ذكر العنوان لخصوصيته لا لمحض الإشارة إلى الماهية.و هو يختلف باختلاف القرائن.نعم مع فرض عدمها فالأصل يقتضي خصوصية العنوان.

(2)الظاهر امتناع الاستصحاب في المقام،لتبدل الموضوع عرفا،لان البول بنظر العرف من سنخ المتولد من الماء الذي يشربه الحيوان،بنحو لا يصدق أن هذا كان كذا إلا بالنظر الدقي الذي عرفت عدم العبرة به في المقام.

(3)هذا في محله لعدم كون الانقلاب هنا موجبا لانعدام الموضوع السابق عرفا بحيث يكون الموضوع اللاحق متولدا من السابق،بل هو بنظرهم بقاء له،فهو من باب تبدل الحالات.

(4)هذا في محله أيضا لما تقدم.

(5)كعموم طهارة بول مأكول اللحم الشامل لما إذا شرب بول غير المأكول، و عموم نجاسة بول غير الماكول الشامل لما إذا شرب بول الماكول.

ص: 29

جريان الاستصحاب (1) ،بل هو من الدليل،نظير استفادة نجاسة بول المأكول إذا صار بولا لغير مأكول (2) .

و من الثالث:استحالة العذرة دودا أو الدهن المتنجس دخانا،و المني حيوانا.و لو نوقش في بعض الأمثلة المذكورة،فالمثال غير عزيز على المتتبع المتأمل.

معنى قولهم:«الأحكام تدور مدار الأسماء»

و مما ذكرنا يظهر أن معنى قولهم:«الأحكام تدور مدار الأسماء»،أنها تدور مدار أسماء موضوعاتها التي (3) هي المعيار في وجودها و عدمها (4) ، فإذا قال الشارع:العنب حلال،فإن ثبت كون الموضوع هو مسمى هذا الاسم،دار الحكم مداره،فينتفي عند صيرورته زبيبا،أما إذا علم من العرف أو غيره (5) أن الموضوع هو الكلي الموجود في العنب المشترك بينه (1)يعني:لتبدل الموضوع.

(2)فانه لو لا الدليل فيه لكان مقتضى الأصل الطهارة لا النجاسة.أقول:لا إشكال في كون تبدل الحكم في أمثال ذلك للدليل،إلا أن الظاهر أنه لو لا الدليل لكان المرجع هو أصالة الطهارة في الموردين،لا الاستصحاب لتبدل الموضوع،كما ذكرنا.

(3)صفة لقوله:«موضوعاتها».

(4)يعني:وجود الأحكام و عدمها.

لكن عرفت أن ارتفاع الموضوع المستفاد من الدليل لا يقتضي ارتفاع الحكم، بحيث يوجب الحكم بارتفاعه،بل يقتضي قصور الدليل عن إثبات الحكم معه، فهو غير متعرض له،بل يرجع فيه للأصل،كالاستصحاب لو كان الموضوع بمعنى المعروض باقيا.

(5)يعني:من القرائن الخاصة و المناسبات الموجبة لظهور الكلام في عموم

ص: 30

و بين الزبيب،أو بينهما و بين العصير،دار الحكم مداره أيضا.

نعم،يبقى دعوى:أن ظاهر اللفظ في مثل القضية المذكورة كون الموضوع هو العنوان،و تقوم الحكم به،المستلزم لانتفائه بانتفائه (1) .

لكنك عرفت:أن العناوين مختلفة،و الأحكام أيضا مختلفة،و قد تقدم حكاية بقاء نجاسة الخنزير المستحيل ملحا عن أكثر أهل العلم (2) ، و اختيار الفاضلين له.

و دعوى:احتياج استفادة غير ما ذكر (3) من ظاهر اللفظ إلى القرينة الخارجية،و إلا (4) فظاهر اللفظ كون القضية ما دام الوصف العنواني (5) ،لا تضرنا فيما نحن بصدده (6) ،لأن المقصود مراعاة العرف في تشخيص الموضوع و عدم الاقتصار في ذلك على ما يقتضيه العقل على الموضوع و لو فرض الاجمال لزم الاقتصار على المتيقن،و يرجع في غيره للأصل، و قد عرفت أنه لا بأس بالرجوع للاستصحاب مع بقاء الموضوع بمعنى المعروض.

(1)عرفت أنه لا ينتفي بانتفائه،بل يكون الدليل ساكتا عن حكم صورة انتفائه،فيرجع فيه إلى الأصول.

(2)هذا لم يتقدم،و إنما تقدم كلام الفاضلين و فخر المحققين لا غير.

(3)و هو الاقتصار على خصوص العنوان المأخوذ في الأدلة.

(4)يعني:مع عدم القرينة الخارجية.

(5)ظاهر القضية ثبوت الحكم مع تحقق الوصف العنواني،و لا ظهور لها فى ارتفاعه بارتفاعه،بل يرجع فيه للأصول،كما عرفت.

(6)يعني:في تحقيق الموضوع الذي يعتبر في الاستصحاب.

ص: 31

وجه الدقة،و لا على ما يقتضيه الدليل اللفظي إذا كان العرف بالنسبة إلى القضية الخاصة على خلافه (1) .

و حينئذ،فيستقيم أن يراد من قولهم:«إن الأحكام تدور مدار الأسماء»أن مقتضى ظاهر دليل الحكم (2) تبعية ذلك الحكم لاسم الموضوع الذي علق عليه الحكم في ظاهر الدليل،فيراد من هذه القضية تأسيس أصل،قد يعدل عنه بقرينة فهم العرف أو غيره،فافهم.

(1)لكن فهم العرف على خلاف الدليل اللفظي راجع إلى قيام القرينة على خلاف مقتضى الأصل في اللفظ الموجب لتنزيل اللفظ على ما يفهمه العرف،فيكون ما يفهمه العرف هو مفاد الدليل اللفظي و لو بضميمة القرينة الخارجية،لا على خلافه لكن هذا كله أجنبي عما نحن فيه،فإنه يقتضي إثبات الحكم بمقتضى إطلاق الدليل،بلا حاجة إلى الاستصحاب،و لا يرجع إلى الاستصحاب إلا مع قصور الدليل،لعدم تحقق موضوعة المستفاد من دليله و حينئذ يتجه الكلام في موضوع الاستصحاب و قد سبق الكلام في ضابطه.

و كلام المصنف قدّس سرّه كما ترى مبني على الخلط بين المقامين الأمر الذي أوجب اضطراب الكلام،كما يظهر بملاحظة ما علقناه عليه و التدبر فيه جيدا.و اللّه سبحانه و تعالى العالم العاصم،و له الحمد وحده.

(2)هذا مبني على أن المراد بالاسم هو العنوان المذكور في القضية اللفظية مع الجمود على معناه الحقيقي.أما ما سبق فهو مبني على أن المراد به المعنى المستفاد من العنوان و لو بقرينة خارجية.و على كل حال فذلك أجنبي عما نحن فيه،كما سبق.

ص: 32

الأمر الثاني اشتراط الشك في البقاء

اشارة

مما يعتبر في تحقق الاستصحاب:أن يكون في حال الشك متيقنا بوجود المستصحب في السابق،حتى يكون شكه في البقاء.

فلو كان الشك في تحقق نفس ما تيقنه سابقا-كأن تيقن عدالة زيد في زمان،كيوم الجمعة مثلا،ثم شك في نفس هذا المتيقن،و هو عدالته يوم الجمعة،بأن زال مدرك اعتقاده السابق،فشك في مطابقته للواقع،أو كونه جهلا مركبا-لم يكن هذا من مورد الاستصحاب لغة،و لا اصطلاحا.

الدليل على اعتبار هذا الشرط

أما الأول،فلأن الاستصحاب-لغة-أخذ الشيء مصاحبا (1) ، فلا بد من إحراز ذلك الشيء حتى يأخذه مصاحبا،فإذا شك في حدوثه (1)لكن صدق المعنى المذكور حتى في الاستصحاب المصطلح ليس حقيقيا، بل مجازيا،فلا يراد به إلا البناء على تحقق المستصحب عملا،تنزيلا للبناء العملي منزلة الاستصحاب الحقيقي.و حينئذ فالبناء العملي كما يكون مع اليقين بالوجود كذلك يكون مع عدمه،فإن المتوقف على وجود المستصحب هو الاستصحاب الحقيقي لا غير و قد تقدم في أول الاستصحاب ما له دخل في المقام.و كيف كان فتحقيق المعنى اللغوي لا أهمية له بعد عدم اشتمال الأدلة الشرعية على لفظ الاستصحاب.

ص: 33

من أصله فلا استصحاب.

و أما اصطلاحا،فلأنهم اتفقوا على أخذ الشك في البقاء-أو ما يؤدي هذا المعنى-في معنى الاستصحاب (1) .

قاعدة اليقين و الشك الساري

نعم،لو ثبت أن الشك بعد اليقين بهذا المعنى ملغى في نظر الشارع، فهي قاعدة أخرى (2) مباينة للاستصحاب،سنتكلم فيها بعد دفع توهم من توهم أن أدلة الاستصحاب تشملها،و أن مدلولها لا يختص بالشك في البقاء،بل الشك بعد اليقين ملغى مطلقا،سواء تعلق بنفس ما تيقنه سابقا،أم ببقائه.

و أول من صرح بذلك (3) الفاضل السبزواري-في الذخيرة-في مسألة من شك في بعض أفعال الوضوء،حيث قال:

تصريح الفاضل السبزواري بأن أدلة الاستصحاب تشمل قاعدة(اليقين)

و التحقيق:أنه إن فرغ من الوضوء متيقنا للإكمال،ثم عرض له الشك،فالظاهر عدم وجوب إعادة شيء،لصحيحة زرارة:«و لا تنقض (1)يعني:و أخذ الشك في البقاء ظاهر في المفروغية عن أصل الوجود و عدم الشك فيه.

لكن ما ذكره قدّس سرّه و إن كان مسلما إلا أن تحقيق المعنى المصطلح لا أهمية له بعد عدم الاستدلال على الاستصحاب بالإجماع،كما سبق،و عمدة أدلته الأخبار فاللازم تحقيق مفادها.و سيأتي الكلام في ذلك.

(2)و هي المعبر عنها بقاعدة اليقين.أو قاعدة الشك الساري.

(3)يعني:بعموم الأخبار للاستصحاب و قاعدة اليقين معا،و عدم اختصاصها بالاستصحاب حيث إنه صرح هنا باستفادة قاعدة اليقين من الأخبار المذكورة و تقدم منه الاستدلال بها على الاستصحاب.

ص: 34

اليقين أبدا بالشك»،انتهى.

و لعله قدّس سرّه،تفطن له من كلام الحلي في السرائر،حيث استدل على المسألة المذكورة:بأنه لا يخرج عن حال الطهارة إلا على يقين من كمالها، و ليس ينقض الشك اليقين،انتهى.

لكن هذا التعبير من الحلي لا يلزم أن يكون استفاده من أخبار عدم نقض اليقين بالشك (1) .و يقرب من هذا التعبير عبارة جماعة من القدماء.

لكن التعبير لا يلزم دعوى شمول الأخبار للقاعدتين،على ما توهمه غير واحد من المعاصرين،و إن اختلفوا بين مدع لانصرافها إلى خصوص الاستصحاب،و بين منكر له عامل بعمومها.

دفع التوهم المذكور و توضيح مناط قاعدة الاستصحاب و قاعدة اليقين

و توضيح دفعه:أن المناط في القاعدتين مختلف بحيث لا يجمعهما مناط واحد،فإن مناط الاستصحاب هو اتحاد (2) متعلق الشك و اليقين مع قطع النظر عن الزمان،لتعلق الشك ببقاء ما تيقن سابقا،و لازمه كون القضية المتيقنة-أعني عدالة زيد يوم الجمعة-متيقنة حين الشك (3) أيضا (1)لكن تقدم منه قدّس سرّه في آخر الأمر الأول بعد تعريف الاستصحاب أن تعبير الحلي عن الاستصحاب بعبارة النصوص ظاهر في أخذه منها.فراجع.

(2)لعل الأولى أن يقول:هو اتحاد متعلقيهما ذاتا و إن اختلفا زمانا من حيث كون اليقين متعلقا بحدوث الشيء و الشك باستمراره و بقائه.

(3)لزوم بقاء اليقين حين الشك ليس ناشئا من اتحاد متعلقيهما ذاتا،كما و لا من اختلافهما زمانا،لأنه إنما يقتضي إمكان بقاء اليقين حين الشك لا لزومه.

ص: 35

من غير جهة الزمان (1) .و مناط هذه القاعدة (2) اتحاد متعلقيهما من جهة الزمان،و معناه كونه في الزمان اللاحق شاكا فيما تيقنه سابقا بوصف وجوده في السابق.

فإلغاء الشك في القاعدة الأولى عبارة عن الحكم ببقاء المتيقن سابقا -حيث إنه متيقن-من غير تعرض لحال حدوثه (3) ،و في القاعدة الثانية هو الحكم بحدوث ما تيقن حدوثه من غير تعرض لحكم بقائه،فقد يكون بقاؤه معلوما أو معلوم العدم أو مشكوكا.

عدم إرادة القاعدتين من قوله عليه السّلام:«فليمض على يقينه»

و اختلاف مؤدى القاعدتين،و إن لم يمنع من إرادتهما من كلام واحد-بأن يقول الشارع (4) :إذا حصل بعد اليقين بشيء شك له تعلق فالعمدة في لزوم بقاء اليقين ظهور دليل حرمة النقض في وجود المنقوض و بقائه حين إرادة النقض،فإذا قيل:لا تنقض خبر زيد بخبر عمرو،فالقضية مختصة عرفا بما إذا أريد نقض خبر زيد حين إصرار زيد على إخباره،و لا يشمل ما لو عدل زيد عن خبره و شكك فيه حين إخبار عمرو بخلافه،كما لا يخفى.

(1)الظاهر أنه لا حاجة لقوله:(من غير جهة الزمان)فإن اغفال الزمان في الاستصحاب إنما يحتاج إليه لتصحيح وحدة المتعلقين،لا لتصحيح بقاء اليقين بما يتقن به سابقا.فلاحظ.

(2)و هي قاعدة اليقين.

(3)بل المرجع في الحدوث هو اليقين به الذي هو حجة ذاتا.

(4)لا يخفى أن استفادة القاعدتين معا من هذا الكلام ليست ناشئة من إطلاقه،بل من التنصيص فيه على التعميم المستفاد من قوله:«سواء تعلق...» الذي هو راجع إلى استفادة القاعدتين من كلامين.و لولاه لبقي الكلام مترددا بين القاعدتين،لأن قوله:«شك له تعلق بذلك الشيء»إن بقي على إطلاقه شمل

ص: 36

بذلك الشيء فلا عبرة به،سواء تعلق ببقائه أو بحدوثه،و الحكم بالبقاء في الأول،و بالحدوث في الثاني-إلا أنه مانع عن إرادتهما من قوله عليه السّلام:

«فليمض على يقينه»،فإن المضي على اليقين السابق-المفروض تحققه في القاعدتين-أعني عدالة (1) زيد يوم الجمعة،بمعنى (2) الحكم بعدالته في ذلك اليوم من غير تعرض لعدالته فيما بعده-كما هو مفاد القاعدة الثانية- يغاير المضي (3) عليه بمعنى (4) عدالته بعد يوم الجمعة من غير تعرض لحال يوم الجمعة-كما هو مفاد قاعدة الاستصحاب-فلا يصح إرادة المعنيين منه.

فإن قلت:إن معنى المضي على اليقين عدم التوقف من أجل الشك شكوكا أخر لها أدنى تعلق بالمتيقن ليس بناؤهم على إرادتها،كالشك في سبقه على حال اليقين الذي هو موضوع الاستصحاب القهقري.

و تخصيصه بخصوص الشكين المأخوذين في الاستصحاب و قاعدة اليقين بعيد عن الظاهر جدا،لأن تعلق الشك الاستصحابي بالمتيقن من حيث كونه شكا في بقائه،و تعلق الشك في قاعدة اليقين به من حيث كونه شكا فيه بنفسه،و لا جامع بينهما مختص بهما عرفا،ليحمل الكلام عليه.

بل لعل الثاني أقرب،لظهور الكلام في تعقب الشك لليقين و كونه بعده الظاهر في كونه بنفسه بعده،لا من حيث متعلقه،كما في الاستصحاب.فلاحظ.

(1)اللازم أن يقول:أعني اليقين بعدالة...

(2)متعلق بالمضي في قوله:«فإن المضي...».

(3)خبر(إن)في قوله:«فإن المضي...».

(4)اللازم أن يقول:بمعنى الحكم بعدالته...

ص: 37

العارض و فرض الشك كعدمه،و هذا يختلف باختلاف متعلق الشك، فالمضي مع الشك في الحدوث (1) بمعنى الحكم بالحدوث،و مع الشك في البقاء (2) بمعنى الحكم به.

قلت:لا ريب في اتحاد متعلقي الشك و اليقين (3) و كون المراد المضي على ذلك اليقين المتعلق بما تعلق به الشك،و المفروض أنه ليس في السابق إلا يقين واحد،و هو اليقين بعدالة زيد،و الشك فيها ليس له هنا فردان (4) يتعلق أحدهما بالحدوث و الآخر بالبقاء.

و بعبارة أخرى:عموم أفراد اليقين باعتبار الأمور الواقعية،كعدالة زيد و فسق عمرو،لا باعتبار تعدد ملاحظة اليقين بشيء واحد،حتى (1)الذي هو المعتبر في قاعدة اليقين.

(2)الذي هو المعتبر في الاستصحاب.

(3)كما هو مقتضى ظاهر النقض،فإنه لا يصدق عرفا إلا مع تنافي الأمرين المتوقف على اتحاد متعلقهما،فإذا قيل:لا تنقض خبر زيد بخبر عمرو،لم يشمل ما إذا اختلف متعلق الخبرين،فأخبر زيد بطلوع الشمس،و أخبر عمرو بسفر الحاج.

و منه يظهر أن تطبيق النقض في مورد الاستصحاب ادعائي،لإغفال اختلاف المتعلقين في الزمان،و تنزيلهما منزلة المتحدين بلحاظ اتفاقهما ذاتا.

(4)يعني:من اليقين،فإنه الآن بصدد بيان اتحاد اليقين مقدمة لاتحاد الشك، لا بصدد بيان اتحاد الشك،كما يشهد به بقية الكلام.

و أما إثبات اتحاد الشك فقد تعرض له بقوله:«و حينئذ فإن اعتبر المتكلم...».

و منه يظهر أن ما هنا أولى مما في بعض النسخ من إبدال قوله:«و الشك فيها و ليس هنا فردان...»بقوله:«و الشك ليس له هنا فردان».

ص: 38

ينحل اليقين بعدالة زيد إلى فردين (1) يتعلق بكل منهما شك.

و حينئذ (2) فإن اعتبر المتكلم في كلامه الشك في هذا المتيقن من دون تقييده بيوم الجمعة،فالمضي على هذا اليقين عبارة عن الحكم باستمرار هذا المتيقن (3) ،و إن اعتبر الشك فيه مقيدا بذلك اليوم،فالمضي على ذلك المتيقن الذي تعلق به الشك عبارة عن الحكم بحدوثه من غير تعرض للبقاء،كأنه قال:من كان على يقين من عدالة زيد يوم الجمعة فشك فيها،فليمض على يقينه السابق،يعني ترتب آثار عدالة زيد فيه،فالمضي على عدالة زيد و ترتيب آثاره يكون تارة بالحكم بعدالته في الزمان اللاحق،و أخرى بالحكم بعدالته في ذلك الزمان المتيقن،و هذان لا يجتمعان في الإرادة (4) .

(1)يعني:يتعلق أحدهما بحدوث الشيء و الآخر ببقائه،لعدم فرض اليقين في البقاء لا في قاعدة اليقين،و لا في الاستصحاب،و لا في لسان الأدلة المشار إليها.

(2)يعني:بعد فرض وحدة اليقين،و وحدة متعلق اليقين و الشك.

(3)كما هو مفاد الاستصحاب،حيث أنه لا يعتبر فيه الاتحاد بين المشكوك و المتيقن إلا في الذات فقط،و لا يعتبر فيه الاتحاد في الزمان.لكن سيأتي بعض الكلام في ذلك.

(4)كأنه لأن الأول مبني على اتحاد متعلق الشك و اليقين في الذات لا بشرط الاتحاد في الزمان،و الثاني مبني على اتحادهما في الذات بشرط الاتحاد في الزمان،و لا جامع بين اللابشرط و بشرط شيء،حتى يمكن حمل إطلاق الشك عليه،بل لا بد من الحمل على أحدهما لا غير.

لكن من الظاهر أن المأخوذ في موضوع الاستصحاب ليس مطلق الشك المتحد مع اليقين في المتعلق ذاتا لا بشرط الاتحاد في الزمان،بل خصوص الشك المتحد ذاتا بقيد الاختلاف في الزمان،بحيث يكون المشكوك متأخرا عن المتيقن

ص: 39

و بقاء له.

فليس الفرق بينهما هو الفرق بين بشرط شيء و لا بشرط،بل هو الفرق بين بشرط شيء و بشرط لا،و من الظاهر إمكان اللحاظ الجامع بينهما،و هو لحاظ الاتحاد في الذات لا بشرط من حيث الاتحاد في الزمان و عدمه،لأن اللابشرط هو الجامع بين بشرط لا و بشرط شيء.

فلو فرض ملاحظته في المقام كانت الأدلة شاملة للقاعدتين معا.

نعم لازم ذلك شمولها للشك في الاستصحاب القهقري أيضا،و لا يلتزم به أحد و ليس هناك جامع عرفي يشمل الشك في قاعدة اليقين و الشك الاستصحاب معا،و يختص بهما-بان بقيد متعلق الشك بخصوص المتحد مع متعلق اليقين في الزمان و المتأخر عنه،دون المتقدم عليه-يمكن حمل الكلام عليهما،و يتجه شمول الأدلة للقاعدتين معا.

هذا مضافا إلى أن بعض روايات الباب و إن كان مطلقا من حيث تأخر اليقين عن الشك و سبقه عليه،إلا أنه لا بد من حمله على صورة سبق اليقين،إما بقرينة الروايات الأخر،و إما لاستلزام الإطلاق الشمول للاستصحاب القهقري،و حينئذ فسبق اليقين المأخوذ في الأدلة إن كان حقيقيا اختصت بقاعدة اليقين،و إن كان تنزيليا بعناية سبق متعلقه على متعلق الشك اختصت بالاستصحاب،و لا جامع بين الأمرين عرفا كي يتجه شمولها للقاعدتين معا.

ثم لو غض النظر عن جميع ذلك كان الحمل على العموم لا على خصوص إحدى القاعدتين خلاف ظاهر الروايات من وجه آخر.

و حاصله:أن ظاهر النهي عن نقض شيء بشيء-كالنهي عن نقض خبر زيد بخبر عمرو-اعتبار أمرين:

الأول:تنافي مضمونيهما،و هو موقوف على اتحاد موضوعهما و متعلقهما من

ص: 40

عدم إرادة القاعدتين من سائر الأخبار أيضا

و قس على هذا سائر الأخبار الدالة على عدم نقض اليقين بالشك، فإن الظاهر اتحاد متعلق الشك و اليقين،فلا بد أن يلاحظ المتيقن و المشكوك غير مقيدين بالزمان (1) ،و إلا لم يجز استصحابه،كما تقدم في رد شبهة من جميع الجهات-حتى الزمان،كما أشرنا إليه قريبا.

الثاني:تحقق المنقوض في زمان الناقض و عدم ارتفاعه معه،إذ نقض الشيء فرع تمامة اقتضائه للعمل،و لا اقتضاء له مع ارتفاعه،كما أشرنا إليه أيضا.

و من الظاهر أنه لا مجال لاعتبار الأمرين معا في أخبار النهي عن نقض اليقين بالشك،لاستحالة اجتماع اليقين و الشك في زمان واحد مع وحدة متعلقهما من جميع الجهات حتى الزمان،فلا بد لتصحيح الكلام إما من التنازل عن الأول و الاكتفاء بوحدة المتعلقين ذاتا مع اختلافهما زمانا،بعناية كفاية ذلك في تحقق التنافي بينهما،مع إبقاء الثاني عملا بمقتضى ظاهر النقض،و إما من العكس بالتنازل عن الثاني دون الأول.

و الأول يقتضي اختصاص النصوص بالاستصحاب،و الثاني يقتضي اختصاصها بقاعدة اليقين.

و لا مجال للتنازل عن الأمرين معا فيشمل القاعدتين معا،للزوم الاقتصار في مخالفة الظاهر على مقدار الضرورة التي يتوقف عليها تصحيح الكلام،و هي تندفع بالتنازل عن أحد الأمرين.و مقتضى ذلك التردد بين القاعدتين لا شمول الأدلة لهما معا.فلاحظ و تأمل و جيدا.

(1)عرفت أن عدم تقييدهما بالزمان لا يقتضي الاختصاص بالاستصحاب، بل العموم للقاعدتين معا و الاستصحاب القهقري أيضا،و أنه لا بد في طرد الاستصحاب القهقري إما من تقييدهما بالاتفاق في الزمان أيضا كسائر الخصوصيات، فتخصص الأدلة بقاعدة اليقين،أو بتقييدهما بتأخر المشكوك عن المتيقن،فتختص بالاستصحاب،و لا جامع بين الأمرين.

ص: 41

قال بتعارض الوجود و العدم في شيء واحد.

و المفروض في القاعدة الثانية كون الشك متعلقا بالمتيقن السابق بوصف وجوده في الزمان السابق.

و من المعلوم عدم جواز إرادة الاعتبارين من اليقين و الشك في تلك الأخبار.

و دعوى:أن اليقين بكل من الاعتبارين فرد من اليقين،و كذلك الشك المتعلق فرد من الشك،فكل فرد لا ينقض بشكه.

مدفوعة:بما تقدم،من أن تعدد اللحاظ و الاعتبار في المتيقن السابق، بأخذه تارة مقيدا بالزمان السابق و أخرى بأخذه مطلقا،لا يوجب تعدد أفراد اليقين (1) .و ليس اليقين بتحقق مطلق العدالة في يوم الجمعة و اليقين بعدالته المقيدة بيوم الجمعة فردين من اليقين تحت عموم الخبر،بل الخبر بمثابة أن يقال:من كان على يقين من عدالة زيد أو فسقه أو غيرهما من نعم لا يعتبر في إرادة الاستصحاب لحاظ الزمان قيدا في موضوع الحكم المستصحب،بل يكفي لحاظه ظرفا للحكم المتيقن،في قبال قاعدة اليقين المعتبر فيها لحاظ الاتفاق في الزمان.

و منه يظهر أنه لا دخل له بما مضى في رد شبهة تعارض استصحاب الوجود و العدم،فإن ذلك مبني على الفرق بين كون الزمان ظرفا و كونه قيدا للمتعلق،أما الكلام هنا فهو مبني على الفرق بين لحاظ الاتفاق حتى في الزمان و لحاظ الاختلاف فيه و لو لكونه ظرفا.فلاحظ.

(1)إذ ليس المفروض هنا إلا يقين واحد بالحدوث لا غير.كما تقدم أن فرض اليقين الواحد يقتضي فرض كون الملحوظ هو الشك الواحد بالحدوث أو البقاء.

ص: 42

حالاته (1) فشك فيه،فليمض على يقينه بذلك،فافهم.

اختصاص مدلول الأخبار بقاعدة الاستصحاب

ثم إذا ثبت عدم جواز إرادة المعنيين،فلا بد أن يخص مدلولها بقاعدة الاستصحاب،لورودها في موارد تلك القاعدة (2) ،كالشك في الطهارة من الحدث و الخبث،و دخول هلال شهر رمضان أو شوال.

هذا كله،لو أريد من القاعدة الثانية إثبات نفس المتيقن عند الشك، و هي عدالة زيد في يوم الجمعة مثلا.

أما لو أريد منها إثبات عدالته من يوم الجمعة مستمرة إلى زمان الشك و ما بعده إلى اليقين بطروء الفسق،فيلزم استعمال الكلام في معنيين، حتى لو اريد منه القاعدة الثانية فقط (3) ،كما لا يخفى،لأن الشك في عدالة زيد يوم الجمعة غير الشك في استمرارها إلى الزمان اللاحق (4) .و قد تقدم (1)يعني:فالعموم بلحاظ الحالات المتباينة لا بلحاظ اختلاف الحالة الواحدة فى الحدوث و البقاء.

(2)هذا إنما يتم في بعض الروايات المتقدمة،دون مثل الرواية الرابعة و الخامسة لخلوهما عن المورد،و من ثم سبق أنهما صالحتان لكل من القاعدتين مرددتان بينهما لو لا اتفاقهما مع روايات الاستصحاب لسانا الموجب لقرب حملهما عليه.

(3)لأن مفاد القاعدة الثانية يكون مركبا من مفاد القاعدتين معا على الوجه الأول،فيكون المأخوذ في موضوعها،كلا الشكين لا شك واحد،فيجري ما سبق.

(4)و المفروض أن الأدلة لم تتعرض في المقام إلا لشك واحد،و لا مجال لحمله على الجامع بين الشكين،لعدم الجامع بينهما.و لا على كل منهما لاستلزامه الاستعمال في معنيين متباينين،فيتعين الحمل على أحدهما بخصوصه.

ص: 43

نظير ذلك في قوله عليه السّلام:«كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر» (1) .

ثم لو سلمنا دلالة الروايات على ما يشمل القاعدتين،لزم حصول التعارض في مدلول الرواية المسقط له عن الاستدلال به على القاعدة الثانية (2) ،لأنه إذا شك في ما تيقن سابقا،أعني عدالة زيد في يوم الجمعة، فهذا الشك معارض لفردين من اليقين،أحدهما:اليقين بعدالته المقيدة بيوم الجمعة،الثاني:اليقين بعدم عدالته المطلقة قبل يوم الجمعة (3) ،فتدل بمقتضى القاعدة الثانية على عدم نقض اليقين بعدالة زيد يوم الجمعة باحتمال انتفائها في ذلك الزمان،و بمقتضى قاعدة الاستصحاب على عدم نقض اليقين بعدم عدالته قبل الجمعة باحتمال حدوثها في الجمعة،فكل من (1)فقد تقدم امتناع حمله على قاعدة الطهارة و الاستصحاب معا،لأن الحكم في القاعدة بأصل الطهارة من دون نظر لاستمرارها.و في الاستصحاب باستمرارها بعد الفراغ عن أصل وجودها،و لا جامع بين الأمرين،فهو نظير المقام.

(2)و أما الاستصحاب فلا شبهة في دلالة الروايات عليه،لقرينة المورد فيتعين صرفها إليه بعد فرض لزوم التناقض و التعارض من شمولها للقاعدتين معا.

(3)بل المقيدة بيوم الخميس.

و حاصل تقريب المعارضة:أنه لو علم بعدم عدالة زيد يوم الخميس،ثم علم بحصول العدالة يوم الجمعة،ثم تبدل اليقين بالعدالة يوم الجمعة بالشك،فمقتضى قاعدة اليقين البناء على العدالة يوم الجمعة،و مقتضى الاستصحاب البناء على عدمها استصحابا له من يوم الخميس.

نعم هذا مشروط بالعلم يوم الخميس مثلا بالحالة السابقة.فلو كانت مجهولة لم يجر الاستصحاب حتى يعارض قاعدة اليقين.

ص: 44

طرفي الشك معارض لفرد من اليقين.

و دعوى:أن اليقين السابق على الجمعة قد انتقض باليقين في الجمعة،و القاعدة الثانية تثبت وجوب اعتبار هذا اليقين الناقض لليقين السابق (1) .

مدفوعة:بأن الشك الطارئ في عدالة زيد يوم الجمعة و عدمها، عين الشك في انتقاض ذلك اليقين السابق (2) .و احتمال انتقاضه و عدمه معارضان لليقين بالعدالة و عدمها،فلا يجوز لنا الحكم بالانتقاض و لا بعدمه.

ثم إن هذا من باب التنزل و المماشاة،و إلا فالتحقيق ما ذكرناه:من منع الشمول بالتقريب المتقدم،مضافا إلى ما ربما يدعى:من ظهور الأخبار في الشك في البقاء (3) .

(1)فهو نظير دليل الأمارة بالإضافة إلى الاستصحاب في الحكومة عليه.

(2)لكن الشك في انتفاض اليقين السابق إنما يصلح لنقضه لو بقي وحده، أما بعد فرض قيامه في مورد قاعدة اليقين فمقتضى القاعدة البناء على مقتضى اليقين، فيكون هو الناقض لليقين السابق لا الشك.

و بالجملة:قاعدة اليقين بمنزلة الأمارة،فكما يتعين نقض اليقين السابق بالأمارة كذلك يتعين نقض اليقين السابق بمقتضى قاعدة اليقين و عدم جريان الاستصحاب،لما يأتي من الوجه.و لذا لا يظن من المصنف قدّس سرّه الالتزام بالمعارضة لو فرض استفادة قاعدة اليقين من أدلة أخر،نظير قاعدة الفراغ،بل يتعين تقديم قاعدة اليقين.فلاحظ.

(3)لعل الوجه فيه:الترتيب في بعض الروايات بين الشك و اليقين.لكنه

ص: 45

كما يمكن أن يكون بلحاظ ترتب متعلقيهما كذلك يمكن أن يكون بلحاظ ترتبهما بأنفسهما مع وحدة متعلقهما.بل لعل الثاني أظهر لو لا القرائن الأخر التي أشرنا إليها هنا و عند الكلام في الرواية الرابعة و الخامسة من روايات المسألة.

ص: 46

قاعدة اليقين
هل يوجد مدرك لقاعدة(اليقين)غير هذه الخبار؟

بقي الكلام في وجود مدرك للقاعدة الثانية غير عموم هذه الأخبار، فنقول:إن المطلوب من تلك القاعدة:

إما أن يكون إثبات حدوث المشكوك فيه و بقائه مستمرا إلى اليقين بارتفاعه.

و إما أن يكون مجرد حدوثه في الزمان السابق بدون إثباته بعده،بأن يراد إثبات عدالة زيد في يوم الجمعة فقط.

و إما أن يراد مجرد إمضاء الآثار التي ترتبت عليها سابقا و صحة الأعمال الماضية المتفرعة عليه،فإذا تيقن الطهارة سابقا و صلى بها ثم شك في طهارته في ذلك الزمان،فصلاته ماضية.

لو أريد من القاعدة إثبات الحدوث و البقاء معا

فإن أريد الأول،فالظاهر عدم دليل يدل عليه،إذ (1) قد عرفت أنه (1)هذا إنما يحتاج إليه لو فرض الاستدلال على القاعدة بعموم الأخبار المتقدمة و المفروض في محل الكلام هو النظر في الدليل عليها غير العموم المذكور.

ص: 47

لو سلم اختصاص الأخبار المعتبرة لليقين السابق بهذه القاعدة،لم يمكن أن يراد منها إثبات حدوث العدالة و بقائها،لأن لكل من الحدوث و البقاء شكا مستقلا (1) .

نعم،لو فرض القطع ببقائها على تقدير الحدوث،أمكن أن يقال:

إنه إذا ثبت حدوث العدالة بهذه القاعدة ثبت بقاؤها،للعلم ببقائها على تقدير الحدوث.لكنه لا يتم إلا على الأصل المثبت (2) ،فهو تقدير على تقدير (3) .

ضعف الاستدلال بأصالة الصحة في الاعتقاد

و ربما يتوهم:الاستدلال لإثبات هذا المطلب بما دل على عدم الاعتناء (1)يعني:فلا تنهض الأخبار المتقدمة بالغاء كلا الشكين،بل أحدهما لا غير.

نعم لو فرض تمامية الدليل على هذه القاعدة بنحو يقتضي الحدوث فقط و تمامية الدليل على الاستصحاب أيضا غير دليل هذه القاعدة كان مقتضى القاعدتين معا البناء على الحدوث و البقاء معا،و يكون المقام نظير استصحاب مؤدى الأمارة، بناء على أن قاعدة اليقين نظير الأمارة.فلاحظ.

(2)لعدم كون البقاء مفادا للقاعدة،بل لازما خارجيا لمفادها.

(3)أحد التقديرين وجود الدليل على القاعدة،و الدليل الآخر حجية الأصل المثبت.و قد عرفت عدم الدليل على القاعدة كما لا مجال لحجية الأصل المثبت،لعين ما سبق في الاستصحاب.

اللهم إلا أن يفرق بينهما بأن الاستصحاب ليس من الأمارات عرفا،بخلاف قاعدة اليقين،فإنها عرفا من الأمارات التي يمكن التعبد بلوازمها فيمكن حمل التعبد الشرعي بها على ما يعمم التعبد باللازم.

لكن تقدم أن ذلك و إن كان ممكنا إلا أنه موقوف على إطلاق دليل التعبد بالأمارة بنحو يقتضي التعبد باللازم،و هو في المقام غير ظاهر.فلاحظ.

ص: 48

بالشك في الشيء بعد تجاوز محله.

لكنه فاسد،لأنه على تقدير الدلالة (1) لا يدل على استمرار المشكوك،لأن الشك في الاستمرار ليس شكا بعد تجاوز محله.

و أضعف منه:الاستدلال له بما سيجيء،من دعوى أصالة الصحة في اعتقاد المسلم (2) .مع أنه كالأول في عدم إثباته الاستمرار.و كيف كان فلا مدرك لهذه القاعدة بهذا المعنى.

تفصيل كاشف الغطاء قدّس سرّه

و ربما فصّل بعض الأساطين بين ما إذا علم مدرك الاعتقاد بعد زواله و أنه غير قابل للاستناد إليه،و بين ما إذا لم يذكره،كما إذا علم أنه اعتقد في زمان بطهارة ثوبه أو نجاسته ثم غاب المستند و غفل زمانا فشك في طهارته و نجاسته،فيبنى على معتقده هنا لا في الصورة الأولى.

و هو و إن كان أجود من الإطلاق.لكن إتمامه بالدليل مشكل.و إن أريد بها الثاني (3) فلا مدرك له-بعد عدم دلالة أخبار الاستصحاب-إلا ما تقدم من أخبار عدم الاعتناء بالشك بعد تجاوز المحل لكنها لو تمت (4) فإنما تنفع في الآثار المرتبة عليه سابقا،فلا يثبت بها إلا صحة ما ترتب (1)يعني:على التعبد بأصل وجود المشكوك.و سيأتي الكلام فيه عند الكلام في المعنى الثاني من المعاني الثلاثة التي ذكرها المصنف قدّس سرّه للقاعدة.

(2)يجيء الكلام فيه في ذيل الكلام في أصالة الصحة،و يأتي هناك أنه لا دليل على القاعدة المذكورة.

(3)و هو التعبد بنفس حدوث المتيقن من دون نظر إلى استمراره.

(4)ظاهره التشكيك في تماميتها في نفسها و هو غريب.

ص: 49

عليها،و أما إثبات نفس ما اعتقده سابقا،حتى يترتب عليه بعد ذلك الآثار المرتبة على عدالة زيد يوم الجمعة و طهارة ثوبه في الوقت السابق فلا،فضلا (1) عن إثبات مقارناته الغير الشرعية،مثل كونها على تقدير الحدوث باقية.

و إن أريد بها الثالث (2) فله وجه،بناء على تمامية قاعدة الشك بعد الفراغ و تجاوز المحل (3) ،فإذا صلى بالطهارة المعتقدة ثم شك في صحة اعتقاده و كونه متطهرا في ذلك الزمان بنى على صحة الصلاة.

لكنه ليس من جهة اعتبار الاعتقاد السابق،و لذا لو فرض في السابق غافلا غير معتقد لشيء من الطهارة و الحدث بنى على الصحة أيضا من جهة أن الشك في الصلاة بعد الفراغ منها لا اعتبار به (4) على المشهور بين الأصحاب،خلافا لجماعة من متأخري المتأخري كصاحب المدارك و كاشف اللثام،حيث منعا البناء على صحة الطواف إذا شك بعد الفراغ في كونه مع الطهارة.و الظاهر-كما يظهر من الأخير-أنهم يمنعون القاعدة المذكورة في غير أجزاء العمل (5) .

و لعل بعض الكلام في ذلك سيجيء في مسألة أصالة الصحة في (1)هذا أمر آخر غير داخل في الدعوى.

(2)و هو مجرد إمضاء الآثار التي ترتبت على الأمر المعتقد به سابقا.

(3)كما يأتي الكلام فيه قريبا إن شاء اللّه تعالى.

(4)يعني:مع قطع النظر عن سبق اليقين و عدمه.

(5)يعني:فلا يجري في الشروط،كالطهارة بالإضافة إلى الطواف و الصلاة.

ص: 50

الأفعال إن شاء اللّه.

و حاصل الكلام في هذا المقام هو أنه:إذا اعتقد المكلف قصورا أو تقصيرا بشيء في زمان موضوعا كان أو حكما،اجتهاديا أو تقليديا،ثم زال اعتقاده،فلا ينفع اعتقاده السابق في ترتب آثار المعتقد،بل يرجع بعد زوال الاعتقاد إلى ما يقتضيه الأصول (1) بالنسبة إلى نفس المعتقد و إلى الآثار المترتبة عليه سابقا أو لاحقا (2) .

(1)كالاستصحاب،و قاعدة الفراغ و التجاوز و الصحة،و غيرها مما يرجع إليه،و يختلف باختلاف الموارد.

(2)عرفت أن المرجع فيما ترتب سابقا هو قاعدة التجاوز أو الفراغ الجارية بعد الفراغ من العمل أو مضي محله،و أنها لا تبتني على حجية اليقين السابق،لجريانها مع الغفلة أيضا.

ص: 51

الأمرالثالث (1)

اشارة

[اشتراط عدم العلم بالبقاء أو الارتفاع]

أن يكون كل من بقاء ما أحرز حدوثه سابقا و ارتفاعه غير معلوم، فلو علم أحدهما فلا استصحاب (2) .

و هذا مع العلم بالبقاء أو الارتفاع واقعا من دليل قطعي واقعي واضح،و إنما الكلام فيما أقامه الشارع مقام العلم بالواقع،فإن الشك الواقعي في البقاء و الارتفاع لا يزول معه (3) ،و لا ريب في العمل به دون الحالة السابقة.

حكومة الأدلة الاجتهادية على أدلة الاستصحاب

لكن الشك في أن العمل به من باب تخصيص أدلة الاستصحاب أو من باب التخصص؟الظاهر أنه من باب حكومة أدلة تلك الأمور على أدلة الاستصحاب،و ليس تخصيصا بمعنى رفع اليد عن عموم أدلة الاستصحاب في بعض موارده،كما رفع اليد عنها في مسألة الشك (1)يعني:من الأمور التي يتوقف عليها جريان الاستصحاب.

(2)إذ لا إشكال في لزوم العمل باليقين اللاحق،لحجيته الذاتية،و لا مجال معها للتعبد الظاهري.

(3)فيبقى معه موضوع الاستصحاب،و لا يكون رافعا لموضوعه كالعلم.

ص: 52

بين الثلاث و الأربع و نحوها بما دل على وجوب البناء على الأكثر (1) ، و لا تخصصا بمعنى خروج المورد بمجرد وجود الدليل عن مورد الاستصحاب،لأن هذا مختص بالدليل العلمي المزيل وجوده للشك المأخوذ في مجرى الاستصحاب (2) .

معنى الحكومة

و معنى الحكومة على ما سيجيء في باب التعارض و التراجيح أن يحكم الشارع في ضمن دليل بوجوب رفع اليد عما يقتضيه الدليل الآخر لو لا هذا الدليل الحاكم أو بوجوب العمل في مورد بحكم لا يقتضيه دليله لو لا الدليل الحاكم.و سيجيء توضيحه إن شاء اللّه تعالى (3) .

(1)فإن البناء على مقتضى الأكثر في الصلاة على خلاف مقتضى الاستصحاب، فيكون دليله مخصصا لدليل الاستصحاب،لعدم الوجه في تقديمه عليه سوى ذلك بعد عدم تحقق ملاك الحكومة الآتي.

(2)خروج المورد عن العموم إن كان مسببا عن التعبد الشرعي كان في الاصطلاح ورودا،كما في خروج موارد الحجج عن الأصول العقلية،فإن موضوع الأصول العقلية ناشئة من دليل التعبد بها.و إن لم يكن مسببا عن دليل التعبد الشرعي كان تخصصا في الاصطلاح،كما في خروج موارد الأدلة العلمية عن الأصول الشرعية،فإن موضوع الأصول المذكورة هو عدم العلم،و حصول العلم من الأدلة المذكورة تابع لذاتها لا الدليل التعبد بها.فلاحظ.

(3)يأتي الكلام في ذلك منا في تعقيب كلام المصنف قدّس سرّه إنشاء اللّه تعالى و اللازم هنا الجري على ما ذكره قدّس سرّه.و حاصله:أن للحكومة نحوين:

الأول:أن يكون الدليل الحاكم مضيفا لمفاد الدليل المحكوم مخرجا لبعض مدلوله عنه،كما في:«لا شك في النافلة»بالإضافة إلى إطلاقات أحكام الشك.

الثاني:أن يكون الحاكم موسعا لمفاد المحكوم موجبا لدخول ما ليس منه فيه،

ص: 53

ففيما نحن فيه إذا قال الشارع:اعمل بالبينة في نجاسة ثوبك، و المفروض أن الشك موجود مع قيام البينة على نجاسة الثوب،فإن الشارع حكم في دليل وجوب العمل بالبينة برفع اليد عن آثار الاحتمال المخالف للبينة (1) التي منها استصحاب الطهارة.

كما في:«الطواف بالبيت صلاة»مع إطلاقات أحكام الصلاة.و لا بد في كلا القسمين من كون الحاكم له نحو نظر للدليل المحكوم،كما هو مقتضى التنزيل للتعبد،فإنه يستلزم النظر لأحكام ذي المنزلة و أحكام الأمر التعبدية،كما لا يخفى.

(1)هذا وحده لا يكفي في الحكومة،فإنه كما كان مقتضى أدلة البينة إلغاء آثار الاحتمال المخالف،كذلك مقتضى أدلة الاستصحاب ترتيب أثر الاحتمال المذكور و عدم نقض اليقين به المستلزم لإلغاء البينة،و هذا راجع إلى تعارض دليلي الاستصحاب و البينة لا حكومة الثاني على الأول.

نعم إذا كان مفاد دليل البينة إلغاء احتمال الخلاف تعبدا و تنزيلها منزلة العلم توجهت دعوى الحكومة بناء على ما سبق في تفسيرها،لارتفاع موضوع الاستصحاب و هو الشك تعبدا،نظير:«لا شك في النافلة».

و لعل هذا هو مراد المصنف قدّس سرّه كما يشهد به ما في بعض النسخ لكن الشأن في كون مفاد دليل البينة و غيرها من الحجج و الأمارات إلغاء الشك و تنزيل الأمارة منزلة العلم،فإنه لا شاهد عليه و لا يقتضيه لسان الدليل المذكور،و المتيقن منه التعبد بمفاد الأمارة و جعل حجيتها لا غير،و هذا و إن كان مستلزما لإلغاء احتمال الخلاف عملا و عدم العمل عليه،إلا أن محض عدم احتمال العمل باحتمال الخلاف لا يقتضي إلغاء الاحتمال شرعا و التعبد بعدمه.

و قد أطلنا الكلام في ذلك و في بعض الوجوه الأخر لتقريب الحكومة وردها في شرح الكفاية.فراجع و تأمل جيدا.

ص: 54

احتمال أن يكون العمل بالأدلة في مقابل الاستصحاب من باب التخصص

و ربما يجعل العمل بالأدلة في مقابل الاستصحاب من باب التخصيص بناء على أن المراد من الشك هو عدم الدليل و الطريق و التحير في العمل و مع قيام الدليل الاجتهادي لا حيرة (1) .و إن شئت قلت (2) :

المراد به (3) عدم اليقين الظاهري،فإن المفروض دليلا (4) قطعي (5) الاعتبار،فنقض الحالة السابقة به نقض باليقين.

ضعف هذا الاحتمال

و فيه:أنه لا يرفع التحير (6) ،و لا يصير الدليل الاجتهادي قطعي الاعتبار (7) في خصوص مورد الاستصحاب إلا بعد إثبات كون (1)مقتضى ما عرفت من الفرق بين الورود و التخصص كون هذا وجها للورود،لا للتخصيص إذ عليه يكون ارتفاع موضع الاستصحاب بالأمارة مستندا لدليل التعبد بها لا لذاتها.لكن لا يبعد أن يكون اتضاح الفرق بين الورود و التخصص في الاصطلاح متأخرا عن عصر المصنف قدّس سرّه.

(2)هذا لا دخل له بما سبق،و لا يصلح لأن يكون توضيحا له،بل هو وجه آخر مبني على أن المراد من الشك المأخوذ في أدلة الاستصحاب ليس خصوص الشك بالواقع،بل مطلق عدم العلم بالوظيفة و لو كانت ظاهرية،و حيث إن الأمارات متيقنة الحجية بمقتضى إطلاق دليل اعتبارها و يعلم بسببها بالوظيفة الظاهرية كانت رافعة لموضوع الاستصحاب،و هو الشك بالمعنى المذكور.

(3)يعني:بالشك المأخوذ في موضوع أدلة الاستصحاب.

(4)كالبينة و خبر الواحد.

(5)خبر(إن)في قوله:«فإن المفروض دليلا».

(6)إشارة إلى دفع الوجه الأول الراجع إلى أن موضوع الاستصحاب عدم الدليل و الطريق،و التحير في العمل.

(7)إشارة إلى دفع الوجه الثاني الذي أشار إليه بقوله:«إن شئت

ص: 55

مؤداه حاكما على مؤدى الاستصحاب،و إلا أمكن أن يقال:إن مؤدى الاستصحاب وجوب العمل على الحالة السابقة مع عدم اليقين بارتفاعها، سواء كان هناك الأمارة الفلانية أم لا،و مؤدى دليل تلك الأمارة وجوب العمل بمؤداه،خالف الحالة السابقة أم لا (1) .

قلت...».

(1)يعني:فالدليلان متعارضان،و لا يرتفع موضوع دليل الأصل المتقدمة إليه الإشارة بدليل الأمارة مع قطع النظر عن حكومته.لكن الظاهر أنه لو تم ما سبق في موضوع الاستصحاب يتجه ارتفاعه بدليل الأمارة،و إن لم يتم ما تقدم في وجه الحكومة،فإن حجية الأمارة في مورد الشك مقتضى إطلاق دليلها غير المعارض بإطلاق دليل الاستصحاب،لتوقف موضوعه على التحير أو عدم اليقين بالحكم الظاهر،و إطلاق دليل الأمارة كاف في رفع التحير و اليقين بالحكم الظاهري،فهو متقدم رتبة،كما هو الحال في جميع الأدلة الرافعة لموضوعات الأدلة الأخر.

و إن شئت قلت:جريان عموم دليل الأمارة لا مانع منه فيمنع من جريان عموم دليل الاستصحاب،لأنه رافع لموضوعه.و لو لا ذلك لأشكلت الحكومة أيضا، فإن إلغاء احتمال الخلاف بقيام الأمارة موقوف على حجيتها في مورد الاستصحاب، و هي موقوفة على عدم جريان دليل الاستصحاب،كما قد يظهر بالتأمل.

فالعمدة في الإشكال على دعوى التخصص أو الورود المتقدمة:أن حمل الشك المأخوذ في موضوع الاستصحاب على مجرد التحير و عدم الدليل لا وجه له، بل خلاف ظاهر لفظه،لظهوره في الشك بالواقع المفروض حصوله مع قيام الحجة و أبعد منه حمله على عدم اليقين و لو بالحكم الظاهري،لأن الظاهر منه هو عدم اليقين بالواقع لا غير،الحاصل مع قيام الحجة غير العلمية،كما لا يخفى.

هذا و قد عرفت الأشكال في دعوى الحكومة أيضا،فلا بد من سلوك طريق آخر تقديم دليل الأمارة،و قد يقرب بأن مقتضى أخبار الاستصحاب النهي عن

ص: 56

نقض اليقين بالشك لا عن نقض اليقين مع الشك و لو كان الناقض أمرا آخر.و من الظاهر أن مقتضى حجية العمل بالأمارة ليس نقض اليقين بالشك من حيث هو، بل نقضه بالأمارة بخصوصيتها و إن كانت مع الشك،فلا يكون دليلها منافيا لدليل الاستصحاب بوجه.فهو نظير قولنا:لا تنقض خبر زيد بخبر عمرو،فإنه لا يمنع من نقض خبر زيد بخبر بكر و إن كان مع خبر عمرو،كما لا يخفى.

نعم قد يتوهم منافاته لذيل أخبار الاستصحاب المتضمن لقوله عليه السّلام:«و لكن ينقضه بيقين آخر»لظهوره في حصر الناقض لليقين باليقين،و عدم جواز نقضه بغيره من أمارة أو غيرها.

لكنه يندفع بأن(لكن)لا تقتضي الحصر الحقيقي،بل الإضافي لتأكيد نفي الحكم عما قبلها فالحصر في المقام إضافي بلحاظ حالتي المكلف من الشك المتيقن،لا حقيقي و هو وارد لمحض تأكيد عدم نقض اليقين بالشك،لا لبيان عدم صلوح غير الشك أيضا للنقض،و لذا كانت القضية المذكورة عقلية ارتكازية،لا شرعية تعبدية، و لو حملت على الحصر الحقيقي كانت تعبدية شرعية،لعدم حكم العقل بانحصار الناقض باليقين.

مضافا إلى لزوم كثرة التخصيص لو حملت على الحصر الحقيقي.و لا أقل من الإجمال الموجب لسقوط الفقرة المذكورة عن الاستدلال،خصوصا مع ورود ذلك في النوم الذي لا يتيسر غالبا قيام الأمارة المعتبرة عليه.

إن قلت:النقض في المقام و إن لم يكن بالشك،بل بالأمارة،إلا أن مقتضى عدم نقض اليقين بالشك التعبد بالمتيقن،فينافي مفاد الأمارة و يتعارضان.

قلت:التعبد بالمتيقن فرع عدم نقض اليقين،لعدم صلوح الشك له،فمع انتقاضه بالإشارة-كما هو مقتضى إطلاق دليل حجيتها-لا معنى للتعبد بالمتيقن، فالاستصحاب مع الأمارة نظير اللامقتضي مع المقتضي،و لا إشكال في تقديم

ص: 57

و لا يندفع مغالطة هذا الكلام إلا بما ذكرنا من طريق الحكومة،كما لا يخفى.

المسامحة فيما جعله الفاضل التوني قدّس سرّه من شرائط الاستصحاب

و كيف كان فجعل بعضهم عدم الدليل الاجتهادي على خلاف الحال السابقة من شرائط العمل بالاستصحاب (1) لا يخلو عن مسامحة، المقتضي على اللامقتضي إذا اجتمعا في مورد واحد و ليس هذا من باب التخصيص و لا الحكومة و لا التخصص،كما يظهر بالتأمل.

و ربما يوجه تقديم الأمارة أيضا بأن كبرى عدم نقض اليقين بالشك و إن كانت شرعية تعبدية،إلا أن الظاهر سوقها مساق الإمضاء لما هو المرتكز منها عرفا و من ثم قلنا أن التعليل بها يكون ارتكازيا لا تعبديا.و المرتكز عرفا أن القضية المذكورة إنما يعمل بها مع عدم الأمارة المعتبرة،أما مع الأمارة المعتبرة فالأمارة مقدمة عليها، و هذا كاف في تقديم أحد الدليلين على الآخر.و هنا بعض الوجوه الأخر و بعض الكلام متعلق بهذين الوجهين،ذكرناه في حاشية الكفاية،و لا يسع المقام التعرض له.فلاحظ.و اللّه سبحانه ولي العصمة و السداد.

(1)فإن ظاهره تحقق موضوع الاستصحاب مع الدليل الاجتهادي إلا أنه لا يجوز العمل بعموم دليله لوجود المعارض له المخصص لعمومه هذا و يظهر من قول المصنف قدّس سرّه:«لأن مرجع ذلك...»دعوى أن كلامه ظاهر في أن الشرط في جريان الاستصحاب عدم المخصص لعموم دليله لكنه خلاف ظاهر كلام الشخص المذكور فانه صريح في أن الدليل الاجتهادي يقوم على خلاف الحالة السابقة كما سيذكره المصنف قدّس سرّه لا على خلاف عموم عدم نقض اليقين كما هو الحال في الشك في الركعات الذي نظر به المصنف قدّس سرّه.نعم ظاهره أن قيام الدليل الاجتهادي على خلاف الحالة السابقة لا يرفع موضوع الاستصحاب و كأنه مبني على أن دليل حجية الدليل الاجتهادي-كعموم حجية خبر الثقة-يكون مخصصا لعموم لا تنقض لا حاكما و لا واردا عليه،فقيام الدليل الاجتهادي محقق لصغرى المخصص لا أنه هو

ص: 58

لأن مرجع ذلك بظاهره إلى عدم المعارض لعموم:«لا تنقض»كما في مسألة البناء على الأكثر.لكنه ليس مراد هذا المشترط قطعا،بل مراده عدم الدليل على ارتفاع الحالة السابقة (1) .

ما أورده المحقق القمي قدّس سرّه على الفاضل التوني قدّس سرّه و المناقشة فيه

و لعل ما أورده عليه المحقق القمي قدّس سرّه من أن الاستصحاب أيضا أحد من الأدلة،فقد يرجح عليه الدليل،و قد يرجح على الدليل،و قد لا يرجح أحدهما على الآخر.قال قدّس سرّه:«و لذا ذكر بعضهم في مال المفقود أنه في حكم ماله حتى يحصل العلم العادي بموته استصحابا لحياته،مع وجود الروايات المعتبرة المعمول بها عند بعضهم،بل عند جمع من المحققين الدالة على وجوب الفحص أربع سنين»مبنى (2) على ظاهر كلامه من إرادة العمل بعموم:«لا تنقض».

بنفسه مخصص لدليل الشك في الركعات فلاحظ.

هذا بناء على ما ذكرنا في وجه تقديم الامارة يتجه البناء على بقاء موضوع الاستصحاب و أنه لم يلزم تخصيص عموم موضوع الاستصحاب في موردها كما لا يخفى.و بناء على ما ذكرنا يتجه ذلك و إن لم يبتن على التخصيص.

(1)لا إشكال في أن مراده ذلك كما هو صريح كلامه،إلا أن ظاهره أن دليل حجية الدليل الاجتهادي يكون مخصصا لعموم دليل الاستصحاب لتحقق موضوعه معه لا حاكما عليه،و رافعا لموضوعه و لو تعبدا كما ذكره المصنف قدّس سرّه، فالذي هو نظير لدليل مسألة البناء على الأكثر ليس هو الدليل الاجتهادي الدال على خلاف الحالة السابقة،بل دليل حجيته،كما ذكره المصنف قدّس سرّه في أول مبحث البراءة و أشرنا إليه.

(2)خبر(لعل)في قوله:«و لعل ما أورده عليه المحقق القمي».لكن عرفت أن هذا ليس ظاهر كلام القائل.

ص: 59

و أما على ما جزمنا به من أن مراده عدم ما يدل علما أو ظنا على ارتفاع الحالة السابقة،فلا وجه لورود ذلك،لأن الاستصحاب إن أخذ من باب التعبد فقد عرفت حكومة أدلة جميع الأمارات الاجتهادية على دليله (1) ،و إن أخذ من باب الظن فالظاهر أنه لا تأمل لأحد في أن المأخوذ في إفادته للظن عدم وجود أمارة في مورده على خلافه و لذا ذكر العضدي في دليله أن ما كان سابقا لو لم يظن عدمه فهو مظنون البقاء.

و نظيره في الأمارات الاجتهادية الغلبة،فإن إلحاق الشيء بالأعم الأغلب إنما يكون غالبا إذا لم تكن أمارة في مورده على الخلاف.لكنها (2) أيضا واردة على الاستصحاب كما يعرف بالوجدان عند المتتبع في الشرعيات و العرفيات.

و لما ذكرنا لم نر أحدا من العلماء قدم الاستصحاب على أمارة مخالفة له بعد اعترافه بحجيتها لو لا الاستصحاب،لا في الأحكام و لا في الموضوعات.

و أما ما استشهد به قدّس سرّه من عمل بعض الأصحاب بالاستصحاب في مال المفقود و طرح ما دل على وجوب الفحص أربع سنين و الحكم بموته بعده فلا دخل له بما نحن فيه،لأن تلك الأخبار ليست أدلة في مقابل (1)يعني:فلا يتصور تقديمه عليها،كما ذكره المحقق القمي قدّس سرّه.

(2)يعني:الغلبة.لكن لم يتضح دخل ذلك فيما نحن فيه،لعدم تقدم النزاع في ذلك من أحد.إلا أن يكون غرضه أن تقديم الغلبة على الاستصحاب مع أنها أضعف الأمارات شاهد بتقديم غيرها.

ص: 60

استصحاب حياة المفقود،و إنما المقابل له قيام دليل معتبر على موته،و هذه الأخبار على تقدير تماميتها مخصصة لعموم أدلة الاستصحاب،دالة على وجوب البناء على موت المفقود بعد الفحص،نظير ما دل على وجوب البناء على الأكثر مع الشك في عدد الركعات،فمن عمل بها خصص بها عمومات الاستصحاب،و من طرحها لقصور فيها بقي أدلة الاستصحاب عنده على عمومها.

المراد من(الأدلة الاجتهادية)و(الأصول)

ثم المراد بالدليل الاجتهادي:كل أمارة اعتبرها الشارع من حيث أنها تحكي عن الواقع و يكشف عنه بالقوة،و يسمى في نفس الأحكام أدلة اجتهادية،و في الموضوعات أمارة معتبرة،فما كان مما نصبه الشارع غير ناظر إلى الواقع،أو كان ناظرا لكن فرض أن الشارع اعتبره لا من هذه الحيثية (1) ،بل من حيث مجرد احتمال مطابقته للواقع فليس اجتهاديا، [بل خ.ل]و هو من الأصول،و إن كان مقدما على بعض الأصول الأخر.

و الظاهر أن الاستصحاب و القرعة من هذا القبيل (2) .

(1)هذا مبني على ما تقدم منا في أول أحكام الشك من أن المعيار في الفرق بين الأمارة و الأصل هو لسان دليل التعبد،فإن كان لسانه اعتباره من حيث كونه كاشفا عن الواقع فهو أمارة و إن لم يكن في نفسه كاشفا عن الواقع،و إن كان لسانه محض التعبد بالمضمون دون ملاحظة الكشف عن الواقع فهو من الأصول و إن كان في نفسه كاشفا.و إن كان كلام المصنف هناك قد يوهم خلاف ذلك.

(2)ظاهر بعض أدلة القرعة أنها من سنخ الأمارات الكاشفة عن الواقع الموصلة له.و بعض أدلتها الأخر و إن كان مجملا من هذه الجهة،مثل ما تضمن أن كل مجهول فيه القرعة،إلا أن الطائفة الأولى صالحة لرفع الإجمال من هذه الجهة،

ص: 61

و مصاديق الأدلة و الأمارات في الأحكام و الموضوعات واضحة غالبا (1) .

تردد الشيء بين كونه دليلا أو أصلا

و قد يختفي فيتردد الشيء بين كونه دليلا و بين كونه أصلا،لاختفاء كون اعتباره من حيث كونه ناظرا إلى الواقع أو من حيث هو،كما في اليد المنصوبة دليلا على الملك،و كذلك أصالة الصحة عند الشك في عمل نفسه بعد الفراغ،و أصالة الصحة في عمل الغير.

و قد يعلم عدم كونه ناظرا إلى الواقع كاشفا عنه و أنه من القواعد التعبدية،لكن يخفى حكومته مع ذلك على الاستصحاب،لأنا قد ذكرنا أنه فهي الحكمة فراجع الباب الثالث عشر من أبواب كيفية الحكم و الدعوى من كتاب القضاء من الوسائل.

نعم ربما لا يكون الرجوع للقرعة عرفا مبنيا على أماريتها،لعدم وضوح وجه أماريتها عندهم.و إن كان لا يبعد أن يكون مبنيا على اعتقاد التسديد الغيبي بعد إيكال الأمر إلى من بيده الأمور العالم بحقائقها،فتكون من الأمارات عندهم أيضا.و لعل رجوع العرف إليها مأخوذ من الشرع و إن كان شرعا غير الإسلام.

فلاحظ.

و أما الاستصحاب فالظاهر أنه من الأصول مطلقا،سواء كان الرجوع عليه عرفيا أم مبنيا على تعبد الشارع به.كما أشرنا إليه في أوائل الكلام فيه.فراجع.

(1)إذ غالب موارد التعبد الشرعي مورد للعمل عرفا،و الغالب عدم خفاء وجه عملهم من حيث كونه مبنيا على الأمارية أولا،لأنه مبني على الارتكازيات التي لا تخفى غالبا.و أما موارد التعبد الشرعي التأسيسي فالمتبع فيها ظاهر أدلته، فإن كانت مبنية على محض التعبد بالعمل على طبق الاحتمال كان أصلا،و إن كانت مبنية على نحو من الكشف كان أمارة.

ص: 62

قد يكون الشيء الغير الكاشف منصوبا من حيث تنزيل الشارع الاحتمال المطابق له منزلة الواقع (1) ،إلا أن الاختفاء في تقديم أحد التنزيلين على الآخر و حكومته عليه.

(1)هذا لم يتقدم منه سابقا فيما أعلم.

ص: 63

ص: 64

تعارض الاستصحاب مع سائر

اشارة

[الأمارات و الأصول]

ثم إنه لا ريب في تقديم الاستصحاب على الأصول الثلاثة أعني البراءة و الاحتياط و التخيير،إلا أنه قد يخفى وجهه على المبتدئ فلا بد من التكلم هنا في مقامات:

الأول:في عدم معارضة الاستصحاب لبعض الأمارات التي يتراءى كونها من الأصول،كاليد و نحوها

الثاني:في حكم معارضة الاستصحاب للقرعة و نحوها

الثالث:في عدم معارضة ساير الأصول للاستصحاب.

ص: 65

ص: 66

أما الكلام في المقام الأول فيقع في مسائل:

اشارة

الأولى

المسألة الأولى:تقدم(اليد)على الاستصحاب و الاستدلال عليه
اشارة

أن اليد مما لا يعارضها الاستصحاب،بل هي حاكمة عليه.بيان ذلك:أن اليد إن قلنا بكونها من الأمارات المنصوبة دليلا على الملكية من حيث كون الغالب في مواردها كون صاحب اليد مالكا أو نائبا عنه،و أن اليد المستقلة الغير المالكية قليل بالنسبة إليها،و أن الشارع إنما اعتبر هذه الغلبة تسهيلا على العباد،فلا إشكال في تقديمها على الاستصحاب على ما عرفت من حكومة أدلة الأمارات على دليل الاستصحاب (1) .

و إن قلنا بأنها غير كاشفة بنفسها عن الملكية،أو أنها كاشفة لكن اعتبار الشارع بها ليس من هذه الحيثية،بل جعلها في محل الشك تعبدا، لتوقف استقامة معاملات العباد على اعتبارها،نظير أصالة الطهارة، (1)عرفت الأشكال في ذلك،لأنه موقوف على كون مفاد دليل الأمارة إلغاء الشك تعبدا و تنزيل الأمارة منزلة للعلم،و هو مما لا يقتضيه دليل حجيتها.و قد عرفت الوجه الذي ينبغي أن يعتمد عليه في تقديم الأمارة على الاستصحاب.

ص: 67

كما يشير إليه قوله عليه السّلام في ذيل رواية حفص بن غياث الدالة على الحكم بالملكية على ما في يد المسلمين:«و لو لا ذلك لما قام للمسلمين سوق» (1) .

فالأظهر أيضا تقديمها على الاستصحاب،إذ لو لا هذا لم يجز التمسك بها في أكثر المقامات،فيلزم المحذور المنصوص،و هو اختلال السوق و بطلان الحقوق (2) ،إذ الغالب العلم بكون ما في اليد مسبوقا بكونه ملكا للغير (3) ،كما لا يخفى.

الوجه في الرجوع إلى الاستصحاب لو تقارنت(اليد)بالإقرار

و أما حكم المشهور بأنه لو اعترف ذو اليد بكونه سابقا ملكا للمدعى انتزع منه العين،إلا أن يقيم البينة على انتقالها إليه،فليس من تقديم الاستصحاب،بل لأجل أن دعواه الملكية في الحال إذا انضمت إلى إقراره بكونه قبل ذلك للمدعي يرجع إلى دعوى انتقالها إليه،فينقلب مدعيا (4) (1)هذا ظاهر في بيان المحذور اللازم من عدم اعتبار اليد،لا في الغرض الموجب لاعتبارها.

(2)هذا و إن اقتضى تقديم اليد على الاستصحاب،إلا أنه لا يقتضي حكومتها عليه،كما ذكره المصنف قدّس سرّه في صدر الدعوى،بل يمكن دعوى أن دليل اعتبار اليد مخصص لدليل الاستصحاب،لا حاكم عليه.

هذا و يمكن التمسك للعمل باليد في مورد الاستصحاب بما سبق في وجه تقديم الأمارات على الاستصحاب.فلاحظ.

(3)بل لو لم يحرز ذلك-كما لو احتمل ما في اليد نماء لملك صاحبها لا منتقلا إليه بسبب مملك-أمكن الرجوع لاستصحاب عدم تملكه له بناء على ما هو الظاهر من جريان استصحاب العدم الأزلي.

(4)لا وجه لانقلابه مدعيا مع فرض حجية اليد في إثبات الملكية الفعلية،

ص: 68

و المدعى منكرا و لذا (1) لو لم يكن في مقابلة مدع لم يقدح هذه الدعوى منه في الحكم بملكيته،أو كان في مقابله مدع لكن أسند الملك السابق إلى غيره،كما لو قال في جواب زيد المدعي:«اشتريته من عمرو».

بل يظهر مما ورد في محاجة علي عليه السّلام مع أبي بكر في أمر فدك المروية في الاحتجاج (2) أنه لم يقدح في تشبث فاطمة عليها السّلام باليد دعواها عليها السّلام تلقي فإنها تقتضي إلغاء أصالة عدم الانتقال،فلا بد من توجيه ذلك بعدم الدليل في الفرض على حجية اليد ذاتا،لقصور دليلها عن شموله بعد عدم إطلاق لدليل حجيتها،إذ عمدته بناء العقلاء المعلوم إمضاؤه،و لم يتضح بناؤهم على حجيتها في المقام بعد فرض إنكار صاحب اليد السابق،و إذا سقطت عن الحجية جرى الاستصحاب بلا مانع.

نعم الظاهر اختصاص ذلك بما إذا كان إنكار المالك السابق راجعا إلى تكذيب صاحب اليد،أما إذا كان راجعا إلى جهله بالحال،الموجب لرجوعه للأصل و اعتماده عليه،فالظاهر من بناء العقلاء الرجوع إلى اليد و جعلها حجة له و عليه،حجة له في تكليف نفسه فلا يجوز له المطالبة و الرجوع للأصل،و حجة عليه بمعنى أن الحاكم يعتمد عليها في رد دعواه لو علم استنادها إلى الجهل بالحال.و تمام الكلام في مقام آخر.

(1)لم يتضح وجه الاستشهاد به لما ذكره،فالعمدة ثبوت السيرة على حجية اليد في ذلك،دون ما إذا أنكر صاحب اليد السابقة و صار خصما لصاحب اليد الجديدة.

(2)فعن الاحتجاج عن حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:لما بويع أبو بكر...بعث إلى فدك من أخرج وكيل فاطمة عليها السّلام...فلما كان بعد ذلك جاء علي عليه السّلام إلى أبي بكر...فقال:يا أبا بكر لم منعت فاطمة ميراثها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و قد ملكته في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم؟فقال أبو بكر:هذا فيء للمسلمين،فإن أقامت

ص: 69

الملك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،مع أنه قد يقال إنها حينئذ صارت مدعية لا تنفعها (1) اليد.

(اليد)على تقدير كونها من الأصول مقدمة على الاستصحاب و إن جعلناه من الأمارات

و كيف كان فاليد على تقدير كونها من الأصول التعبدية أيضا مقدمة على الاستصحاب و إن جعلناه من الأمارات الظنية،لأن الشارع نصبها في شهودا أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جعله لها،و إلا فلا حق لها فيه.

فقال أمير المؤمنين عليه السّلام:يا أبا بكر تحكم فينا بخلاف حكم اللّه في المسلمين؟ قال:لا.قال عليه السّلام:فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه ثم ادعيت أنا فيه من تسأل البينة؟قال:إياك أسأل البينة.قال عليه السّلام:فما بال فاطمة سألتها البينة على ما في يدها و قد ملكته في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و بعده،و لم تسأل المسلمين بينة على ما ادعوه شهودا كما سألتني على ما ادعيت عليهم؟فسكت أبو بكر،فقال عمر:يا علي دعنا من كلامك،فإنا لا نقوى على حجتك...»و رواه في الوسائل في الصحيح عن عثمان بن عيسى و حماد بن عثمان في كتاب القضاء باب 25 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى حديث:2.

(1)لا يخفى الفرق بين مورد الرواية و ما سبق:

أولا:بأن منكر السبب المملك في المقام ليس هو صاحب اليد الأولى و هو رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نظير الوارث و الموصى له و نحوهما،و ذلك لا يكفي.

نعم ربما أدعي الإجماع على أن إنكار الوارث للسبب بمنزلة إنكار مورثه،فإن تم لزم الاقتصار عليه و عدم التعدي إلى مورد الرواية،حيث إن المسلمين ليسوا ورثة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و إن ترتب حقهم على ملك رسول اللّه بناء على الحديث المختلق.

و ثانيا:أن إنكارهم للنحلة لا يبتني على العلم بعدمها بل على الجهل بها،و لذا طلبوا البينة من الصديقة الطاهرة،و قد عرفت قرب اختصاص ما سبق بما إذا كان الإنكار راجعا إلى تكذيب صاحب اليد الفعلية في دعوى السبب.فلاحظ.

ص: 70

مورد الاستصحاب (1) .و إن شئت قلت:إن دليلها أخص من عمومات الاستصحاب.

هذا مع أن الظاهر من الفتوى و النص الوارد في اليد-مثل رواية حفص بن غياث-أن اعتبار اليد أمر كان مبنى عمل الناس في أمورهم و قد أمضاه الشارع و لا يخفى أن عمل العرف عليها من باب الأمارة لا من باب الأصل التعبدي (2) .

تقدم البينة على(اليد)و الوجه في ذلك

و أما تقديم البينة على اليد و عدم ملاحظة التعارض بينهما أصلا فلا يكشف عن كونها من الأصول،لأن اليد إنما جعلت أمارة على الملك عند الجهل بسببها (3) و البينة مبنية لسببها.

و السر في ذلك:أن مستند الكشف في اليد هي الغلبة،و الغلبة إنما يوجب إلحاق المشكوك بالأعم الأغلب،فإذا كان في مورد الشك أمارة معتبرة تزيل الشك فلا يبقى مورد للإلحاق،و لذا كانت جميع الأمارات في أنفسها مقدمة على الغلبة (4) .و حال اليد مع البينة[خ.ل الغلبة]حال (1)لما عرفت من أن ملك صاحب اليد مسبوق بالعدم غالبا أو دائما،فلو كان الاستصحاب بالحجة لزم إلغاء اليد غالبا أو دائما،و مثل ذلك كاف في ترجيحها على الاستصحاب و تخصيص دليله بها.

(2)يعني:و قد تقدم حكومة الأمارات على الاستصحاب.

(3)الضمير يعود إلى(اليد)يعني:أنه إذا دار أمر اليد بين كونها عادية أو مالكة و جهل الحال كانت اليد أمارة على الملكية،فهي إمارة حيث لا أمارة،فمع فرض قيام البينة على كونها عادية لا مالكة لا يبقى موضوع لأمارية اليد.

(4)كما تقدم منه قدّس سرّه التنبيه على ذلك قريبا.

ص: 71

أصالة الحقيقة في الاستعمال على مذهب السيد (1) مع أمارات المجاز،بل حال مطالق الظاهر و النص.فافهم.

(1)لم يتضح المراد من مذهب السيد في المقام و لا خصوصيته.فإن أصالة الحقيقة لا تعارض قرينة المجاز عند الكل.

نعم مذهب السيد التمسك بأصالة الحقيقة في الاستعمال عند الشك في الوضع مع معرفة المراد،مع أن التحقيق أن الاستعمال أعم من الحقيقة في مثل ذلك.

لكنه أجنبي عما نحن فيه.فلاحظ.

ص: 72

[المسألة الثانية]

المسألة الثانية:تقدم قاعدة(الفراغ و التجاوز)على الاستصحاب و الاستدلال عليه
اشارة

في أصالة الصحة في العمل بعد الفراغ عنه (1) لا يعارض بها (1)ظاهر المصنف قدّس سرّه و بعض من تأخر عنه أن المستفاد من الأدلة الآتية هو أصل أو قاعدة شرعية واحدة.و ذهب جمع من الأعاظم إلى أنه أصلان أو قاعدتان شرعيتان:

الأولى:قاعدة الفراغ.

الثانية:قاعدة التجاوز.و موردها الشك في أصل تحقق الشيء بعد تجاوزه و الدخول في غيره مما يترتب عليه.

و يظهر الفرق بينهما في الشك في الجزء الأخير حيث أنه يكون مجرى للقاعدة الأولى دون الثانية.و به يمكن التخلص عن إشكال اختلاف الأخبار في كون بعضها ظاهرا في اعتبار الدخول في الغير،و بعضها ظاهرا في عدم اعتباره،فيحمل الأول على قاعدة التجاوز و الثاني على قاعدة الفراغ،و كذا اختلافها من حيث ظهور بعضها في الشك في أصل وجود الشيء،و ظهور الآخر في الشك في تماميته بعد المفروغية عن أصل وجوده،فيحمل الأول على قاعدة التجاوز و الثاني على قاعدة الفراغ.

و قد سبق منا اختيار ذلك تبعا لجمع من مشايخنا و غيرهم.و يناسبه التدقيق

ص: 73

الاستصحاب،

إما لكونها من الأمارات،كما يشعر به قوله عليه السّلام-في بعض روايات الأصل-:«هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك».

و إما لأنها و إن كانت من الأصول إلا أن الأمر بالأخذ بها في مورد الاستصحاب يدل على تقديمها عليه،و هي خاصة بالنسبة إليه (1) و الجمود على لسان كل رواية من روايات الباب.إلا أن التأمل في مجموع الروايات قد يشهد بخلافه،و يوجب الوثوق بأنها ناظرة إلى أمر واحد ارتكازي جامع بين الأمرين صالح للانطباق عليهما معا،و لا سيما مع تقارب ألسنة بعض نصوص الطائفتين،بحيث يصعب جدا الالتزام بالجمود في كل طائفة على نصوصها و عدم نظرها للجامع الارتكازي المذكور.و من ثم كان البناء على وحدة القاعدة قريبا جدا.و موضوعها بناء على ذلك أمران:

الأول:الشك في الشيء بمعنى الشك في شئونه التي يهتم بها من حيث كونها موردا للعمل سواء كانت وجودا أم غيره.

الثاني:مضيه،و مضي كل شيء بحسبه،فمضي ما علم بتحققه و شك في صحته بالفراغ عنه و عدم الانشغال به،و مضي ما شك في أصل وجوده بمضي محله و مضي الشرط بمضي المشروط به...و هكذا.

و أما اعتبار الدخول في الغير فهو إنما يكون فيما إذا كان المضي متوقفا عليه،كما في المترتبات،لا مطلقا،فالعمل بعد خروج وقته يصدق المضي عليه و إن لم يدخل في عمل غيره،كما لا يخفى هذا ما يظهر لي عاجلا.و العمدة فيه تشابه ألسنة النصوص، مع كون الجامع ارتكازيا.فلاحظ و اللّه العالم.

(1)لأن تمامية الموجود كوجود التام على خلاف الاستصحاب دائما،فلو كان الاستصحاب جاريا لزم إلغاء القاعدة بالمرة.

ص: 74

يخصص بأدلتها أدلته،و لا إشكال في شيء من ذلك.

إنما الإشكال في تعيين مورد ذلك الأصل من وجهين:

أحدهما:من جهة تعيين معنى الفراغ و التجاوز المعتبر في الحكم بالصحة،و أنه هل يكتفي به أو يعتبر الدخول في غيره؟و أن المراد بالغير ما هو؟

الثاني:من جهة أن الشك في وصف الصحة للشيء ملحق بالشك في أصل الشيء أم لا؟

و توضيح الإشكال من الوجهين موقوف على ذكر الأخبار الواردة في هذه القاعدة،ليزول ببركة تلك الأخبار كل شبه حدثت أو تحدث في هذا المضمار فنقول مستعينا باللّه:

أخبار قاعدة التجاوز
الأخبار العامة

روى زرارة في الصحيح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام (1) :«قال:إذا خرجت من شيء و دخلت في غيره فشكك ليس بشيء».

و روى إسماعيل بن جابر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إن شك في الركوع بعد ما سجد فليمض،و إن شك في السجود بعد ما قام فليمض.

كل شيء شك فيه و قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه».

و هاتان الروايتان ظاهرتان في اعتبار الدخول في غير المشكوك.و في (1)صدر الرواية هكذا:«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:رجل شك في الأذان و قد دخل في الإقامة.قال عليه السّلام:يمضي.قلت:رجل شك في الأذان و الإقامة و قد كبر.

قال عليه السّلام:يمضي...ثم قال عليه السّلام:يا زرارة إذا خرجت من شيء...».

ص: 75

الموثقة (1) :«كل ما شككت فيه مما قد مضى فأمضه كما هو».

و هذه الموثقة ظاهرة في عدم اعتبار الدخول في الغير (2) .

و في موثقة ابن أبي يعفور:«إذا شككت في شيء من الوضوء و قد دخلت في غيره فشكك ليس بشيء،إنما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه».

و ظاهر صدر هذه الموثقة كالأوليين (3) ،و ظاهر عجزها كالثالثة (4) .هذه تمام ما وصل إلينا من الأخبار العامة.

(1)و هي موثقة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام.

(2)لكن الروايتين الأوليين مختصتان بقرينة صدرهما في قاعدة التجاوز، و هذه الرواية ظاهرة في قاعدة الفراغ،لظهورها في المفروغية عن أصل وجود الشيء، و الشك إنما هو في صحته بعد مضيه،فلا تنافي بين الروايات بناء على ما سبق عن غير واحد من الالتزام بأن المستفاد من النصوص المذكورة قاعدتان لا قاعدة واحدة.

أما بناء على أن مفادها قاعدة واحدة-كما هو ظاهر المصنف قدّس سرّه و عرفت منا تقريبه-فلا بد من الالتزام بأن ذكر الدخول في الغير من حيث كونه محققا للمضي في مورد الروايتين الأوليتين،لأن الشك فيهما في أصل وجود الجزء و لا يصدق المضي معه إلا بالدخول في الجزء المرتب عليه لا يكون الدخول في الغير معتبرا مطلقا.

و بهذا يمكن الجمع بين النصوص المختلفة في ذكره كما أشرنا إليه.فلاحظ.

(3)يعني:من حيث اعتبار الدخول في الغير.

(4)يعني:من حيث حصر الشك المعتد به بصورة عدم التجاوز،و لازمه أنه لو تحقق التجاوز لم يعتن بالشك و لو مع عدم الدخول في الغير.

هذا و حيث إنه لا بد من حمل الرواية على ما إذا شك في صحة الوضوء بعد الفراغ عنه،لا على ما إذا شك في بعض أجزائه بعد الدخول في غيره لما هو المعروف عندهم من عدم جريان قاعدة التجاوز في أجزاء الوضوء،كانت الرواية مختصة

ص: 76

الأخبار الخاصة

و ربما يستفاد العموم من بعض ما ورد في الموارد الخاصة،مثل قوله عليه السّلام في الشك في فعل الصلاة بعد خروج الوقت من قوله عليه السّلام:«و إن كان بعد ما خرج وقتها فقد دخل حائل فلا إعادة» (1) .

و قوله عليه السّلام:«كل ما مضى من صلاتك و طهورك فذكرته تذكرا فأمضه كما هو» (2) .

و قوله عليه السّلام:«فيمن شك في الوضوء بعد ما فرغ:«و هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك (3) .

بقاعدة الفراغ،و حينئذ فيتعين حمل صدرها على كون ذكر الدخول في الغير كناية عن الفراغ،لا لخصوصية فيه،لما هو المتسالم عليه بينهم من أن المعيار في القاعدة صدق الفراغ.

أما بناء على وحدة القاعدة فقد عرفت أن المتعين حمل ذكر الدخول في الغير في الروايات على كونه محققا للمضي المعتبر،لا لكونه بنفسه معتبرا،فيكون ذكره في هذه الرواية لتحقق المضي معه و إن لم يتوقف عليه.فلاحظ.

(1)فإن ذكر ذلك توطئة للحكم بعدم الإعادة قد يظهر في سوقه مساق العلة التي يؤخذ بعمومها،فيكون ظاهرا في أنه كلما دخل حائل لا يعتنى بالشك.

و قد سبق نظير هذا عند الكلام في الرواية الأولى من روايات الاستصحاب.و بناء على ما تقدم هنا يتعين كون ذكر الحائل من حيث كونه محققا للمضي المعتبر،لا لاعتباره في نفسه.

(2)لا مجال لاستفادة العموم منه.نعم مناسبة الحكم الارتكازية قد تقتضي التعميم.لكنها كما ترى لا تصلح دليلا في الأحكام الشرعية،فإنها أشبه بالقياس، لعدم رجوعها إلى ظهور الكلام فيه.

(3)فإن العدول عن الحكم بعدم الاعتناء بالشك إلى بيان علته و هي كونه

ص: 77

و لعل المتتبع يعثر على أزيد من ذلك (1) .

و حيث إن مضمونها لا يختص بالطهارة و الصلاة بل يجري في غيرهما كالحج (2) ،فالمناسب الاهتمام في تنقيح مضامينها و دفع ما يتراءى من التعارض بينهما،فنقول مستعينا باللّه فإنه ولي التوفيق:

إن الكلام يقع في مواضع:

أذكر في الحال المذكور مشعر أو ظاهر في عدم خصوصية للوضوء،لأنه جار مجرى الإمضاء لارتكاز عدم الاعتناء بالشك من جهة الأذكرية المذكورة،و لا فرق بحسب الارتكاز بين الموارد.فتأمل.

(1)لم أعثر عاجلا على غير هذه النصوص مما يستفاد منه العموم.نعم وردت بعض النصوص الخاصة في الوضوء و الصلاة،و لا أهمية لها بعد النصوص العامة المتقدمة.

(2)كما هو مقتضى عموم النصوص المناسب لعموم الجهة الارتكازية التي تشير إليها،و لا يهم اختصاص مورد بعض النصوص بالصلاة و الوضوء،لأنه لا يخصص الوارد.

ص: 78

الموضع الأول
ما هو المراد من(الشك في الشيء)؟

أن الشك في الشيء ظاهر لغة و عرفا في الشك في وجوده (1) ،إلا أن تقييد ذلك في الروايات بالخروج عنه و مضيه و التجاوز عنه ربما يصير قرينة على إرادة كون وجود أصل الشيء مفروغا عنه،و كون الشك فيه باعتبار الشك في بعض ما يعتبر فيه شرطا أو شطرا.

نعم لو أريد الخروج و التجاوز عن محله أمكن إرادة المعنى الظاهر من الشك في الشيء،و هذا هو المتعين،لأن إرادة الأعم من الشك في وجود الشيء و الشك الواقع في الشيء الموجود في استعمال واحد غير صحيح (2) .و كذا إرادة خصوص الثاني،لأن مورد غير واحد من تلك (1)لأن الشك لا يتعلق بمفاد المفرد،و إنما يتعلق بمفاد الجملة و القضية الراجع إلى النسبة،و حينئذ فحذف المحمول مع عدم القرينة الخاصة على تعيينه موجب لحمله على الوجود لأنه المستفاد في كثير من موارد الحذف،نظير حذف متعلق الجار و المجرور و الظرف و حذف الخبر في باب لو لا الامتناعية و نحوهما.

و من هنا كان الأولى للمصنف قدّس سرّه الاستشهاد بالمفهوم العرفي لا اللغوي.لعدم وضوح استفادة ذلك بحسب الوضع اللغوي.

(2)كأنه من جهة أن الثاني مبني على المفروغية عن وجود الشيء،و الأول مبني على عدم المفروغية عنه،و هما متناقضان يستحيل لحاظهما في استعمال واحد.

ص: 79

الأخبار هو الأول (1) .

و من ثم قيل بعدم الجامع بين موضوع قاعدة الفراغ و قاعدة التجاوز،و أنه لا مجال لحمل النصوص على ما يعمهما.لكن عرفت إمكان نهوض الجامع بينهما و لحاظه في أول الكلام في هذه المسألة.

(1)العمدة فيه الروايتان الأوليان،حيث إن السؤال فيهما عن الشك في الأفعال الصلاتية بعد الدخول في غيرها.

لكن لا يخفى أن ظهور السؤال فيهما في الشك في أصل الوجود ناش من التعبير بمثل الشك في كذا،فهو مبني على ظهور الشك في الشيء في الشك في وجوده الذي ذكره قدّس سرّه أولا،و لو لا ظهوره في ذلك لأمكن حمله على الشك في صحة الأجزاء السابقة بعد المفروغية عن أصل وجودها،ليناسب التعبير فيهما بالخروج و التجاوز.

فالعمدة في ظهور الروايتين الأوليين و نحوهما في إرادة الشك في الوجود:

كون ظهور الشك في الشيء في الشك في وجوده أقوى من ظهور التجاوز و الخروج في التجاوز و الخروج عن نفس الشيء لا عن محله،فيتعين رفع اليد عن الظهور الثاني بالأول.

و لا سيما مع كون الأول واقعا في كلام السائل،و الثاني في كلام المجيب الذي هو متفرع على السؤال،فيكون محكوما له و مفسرا به.

و من ثم يشكل الأمر في الروايات التي عدت من أدلة قاعدة الفراغ، كالموثقين،فإنه قد يتعين حملهما على إرادة قاعدة التجاوز،لما ذكر من أقوائية ظهور الشك في الشيء من ظهور التجاوز و المضي و الخروج عنه،فلا يبقى شيء من الأدلة لقاعدة الفراغ.

إن قلت:لا مجال لتلك في الموثقة الثانية،لعدم جريان قاعدة التجاوز في أجزاء الوضوء قطعا.

ص: 80

و لكن يبعد ذلك في ظاهر موثقة محمد بن مسلم (1) من جهة قوله:

«فأمضه كما هو»بل لا يصح ذلك في موثقة ابن أبي يعفور (2) كما لا يخفى.

لكن الإنصاف إمكان تطبيق موثقة محمد بن مسلم على ما في الروايات (3) .و أما هذه الموثقة فسيأتي توجيهها على وجه لا يعارض قلت:يمكن حملها على قاعدة التجاوز في أصل الوضوء،لا في أجزائه،كما لو شك في الوضوء بعد الدخول في الصلاة مثلا،فإنه لا إجماع على عدم جريان قاعدة التجاوز حينئذ،إلا أن يقال:التجاوز إنما يتحقق بالإضافة إلى الطهارة التي هي شرط في الصلاة دون الوضوء،لما يأتي في الموضع الخامس،فلا بد أن يكون المراد به الشك في صحة الوضوء الموجود،لا الشك في أصل وجود الوضوء.

مع أن هذا مختص بما تضمن عنوان الشك في الشيء،أما ما لم يتضمن ذلك فظاهر المضي فيه مضيه بنفسه،لا مضي محله،و لا مخرج فيه عن هذا الظهور،كما هو الحال في مثل:«كل ما مضى من صلاتك و طهورك...».و كذا ما تضمن عنوان الفراغ،فإنه صريح في المفروغية من أصل وقوع الفعل،فيكون ذلك دليلا على قاعدة الفراغ.

هذا كله بناء على تعدد القاعدة،أما بناء على وحدة القاعدة و عموم موضوعها فالأمر سهل.فلاحظ.

(1).و هي الموثقة الأولى:«كل ما شككت فيه مما قد مضى فأمضه كما هو».

(2)لما عرفت من لزوم حملها على قاعدة الفراغ،لعدم جريان قاعدة التجاوز في الوضوء.فتأمل.

(3)بحمل المضي فيها على مضي المحل،و يبقى الشك في الشيء على ظاهره.

ص: 81

الروايات (1) .إن شاء اللّه تعالى.

(1)يأتي الكلام فيها في الموضع الرابع.لكن لا دخل له بهذه الجهة،بل في جهة أخرى.بل يأتي منه في الموضع السادس دعوى عموم الموثقة للشك في الصحة مع المفروغية عن أصل الوجود.

ص: 82

الموضع الثاني
ما هو المراد من(محل الشيء المشكوك فيه)؟

أن المراد بمحل الفعل المشكوك في وجوده (1) هو الموضع الذي لو أتى به فيه لم يلزم منه اختلال في الترتيب المقرر.

و بعبارة أخرى:محل الشيء هي المرتبة (2) المقررة له بحكم العقل أو بوضع الشارع أو غيره و لو كان نفس المكلف من جهة اعتياده بإتيان ذلك المشكوك في ذلك المحل.

فمحل تكبيرة الإحرام قبل الشروع في الاستعاذة لأجل القراءة بحكم الشارع،و محل كلمة(أكبر)قبل تخلل الفصل الطويل بينه و بين (1)تحقيق المحل إنما هو لتنقيح المضي و التجاوز و الخروج عن المشكوك،بناء على أن المراد به التجاوز و الخروج عن محله لا عن نفسه،كما سبق منه قدّس سرّه في الموضع الأول.

هذا و بناء على تعدد القاعدتين فإنما يحتاج إلى ذلك في قاعدة التجاوز دون قاعدة الفراغ،بل لا بد فيهما من تنقيح ما يتحقق به الفراغ،أما بناء على وحدتهما فقد عرفت ما ينبغي اعتباره في المقام.

(2)التعبير عن المحل بالمرتبة مما لم يعهد في كلماتهم.

ص: 83

لفظ الجلالة (1) بحكم الطريقة المألوفة في نظم الكلام (2) ،و محل الراء من (أكبر)قبل أدنى فصل يوجب الابتداء بالساكن بحكم العقل (3) ،و محل غسل الجانب الأيسر أو بعضه في غسل الجنابة لمن اعتاد الموالاة فيه قبل تخلل فصل يخل بما اعتاده من الموالاة.

هذا كله مما لا إشكال فيه إلا الأخير،فإنه ربما يحتمل انصراف إطلاق الأخبار إلى غيره.

مع أن فتح هذا الباب بالنسبة إلى العادة يوجب مخالفة إطلاقات كثيرة (4) ،فمن اعتاد الصلاة في أول وقتها،أو مع الجماعة،فشك في فعلها بعد ذلك فلا يجب عليه الفعل،و كذا من اعتاد فعل شيء بعد الفراغ من الصلاة فرأى نفسه فيه و شك في فعل الصلاة،و كذا من اعتاد الوضوء بعد الحدث بلا فصل يعتد به،أو قبل دخول الوقت للتهيؤ،فشك بعد ذلك في الوضوء...إلى غير ذلك من الفروع التي يبعد التزام الفقيه بها.

نعم ذكر جماعة من الأصحاب مسألة معتاد الموالاة في غسل الجنابة إذا شك في الجزء الأخير،كالعلامة و ولده و الشهيدين و المحقق الثاني (1)يعني:فمع تحقق الفصل يتحقق مضي محل كلمة(أكبر).

(2)لكن هذه الطريقة لما كانت ممضية شرعا رجع ذلك إلى المحل الشرعي.

(3)لا دخل للعقل في المقام،و إنما المتبع في ذلك طريقة أهل الكلام،و قد عرفت أن إمضاءها شرعيا يوجب كون المحل شرعيا.

(4)كإطلاق الاعتناء بالشك في الصلاة في أثناء وقتها،و الاعتناء بالشك في الوضوء بعد اليقين بالحدث،و نحوهما.و حمل الإطلاقات المذكورة على صورة عدم العادة بعيد.

ص: 84

و غيرهم.

و استدل فخر الدين على مختاره في المسألة بعد صحيحة زرارة المتقدمة بأن خرق العادة على خلاف الأصل.و لكن لا يحضرني كلام منهم في غير هذا المقام،فلا بد من التتبع و التأمل.

و الذي يقرب في نفسي عاجلا هو الالتفات إلى الشك (1) ،و إن كان الظاهر من قوله عليه السلام فيما تقدم:«هو حين يتوضأ اذكر منه حين يشك»أن هذه القاعدة من باب تقديم الظاهر على الأصل،فهو دائر مدار الظهور النوعي و لو كان من العادة.لكن العمل بعموم ما يستفاد من الرواية أيضا مشكل (2) .فتأمل.و الأحوط ما ذكرنا.

(1)لأن ظاهر المضي في لسان الشارع هو المضي من حيث المحل الشرعي، كما هو مقتضى الإطلاقات المقامية،و يناسبه التعليل بدخول الحائل في الشك في فعل الصلاة بعد خروج الوقت،فالتعميم إلى المضي بلحاظ العادة أو من حيث المحل العقلي أو العرفي في غير محله،و لا تناسبه الإطلاقات المقامية نعم إذا كان المحل العقلي أو العرفي ممضيا شرعا كان محلا شرعيا،فيلحقه حكمه،كما ذكرنا.

(2)لأن مقتضاه الاعتماد على كل ظهور نوعي و لو كان من غير جهة التجاوز و المضي،و لا يمكن الالتزام بذلك.

فالعمدة أنه لا إطلاق له في كل ظهور نوعي،لعدم وروده مورد التعليل الذي يدور الحكم مداره وجودا و عدما،بل لعل ذكره للتنبيه على بعض الجهات التي يوجب الالتفات إليه وضوح عدم الاعتناء بالشك و كونها ارتكازيا،فهو أشبه بالحكمة،كما سيأتي في الموضع السابع التعرض لذلك،و حينئذ فلا مجال لخروج بذلك عن مقتضى الاطلاقات المقامية الذي أشرنا إليه.

و أما الشك في الجزء الأخير من المركب المأتي به،فإن كان الجزء مما يعتبر فيه

ص: 85

الموضع الثالث
هل يعتبر في التجاوز و الفراغ الدخول في الغير،أم لا؟

الدخول في غير المشكوك إن كان محققا للتجاوز عن المحل (1) فلا إشكال في اعتباره،و إلا فظاهر الصحيحتين الأوليين اعتباره،و ظاهر الموالاة-كالسلام في الصلاة-فلا إشكال فيه،لأن محله زمان فعل المركب المفروض مضيه،و إن لم يكن كذلك-كالجانب الأيسر-أشكل أمره،لعدم مضي محل الجزء و لا المركب شرعا.

و قد يندفع بما عرفت من أن مضي المحل إنما هو لتنقيح مضي الشيء المشكوك فيه،فمع صدق مضيه بنفسه فلا موجب لتحقق مضي محله،و في المقام لما فرض كون المكلف عازما على الغسل التام،لا على غسل كل عضو بنحو الانحلال،يصدق تعبد الفراغ عن الغسل مضي الغسل فلا يعتنى بالشك فيه.

نعم و كذا الحال بناء على تعدد القاعدتين،فإنه لا مانع من جريان قاعدة الفراغ في الغسل،و إن لم تجر قاعدة التجاوز في الجزء الأخير.

نعم لو لم يعلم من نفسه العزم على الغسل التام حين العمل،بل على غسل كل عضو بنفسه بنحو الانحلال،لم يصدق المضي و لا الفراغ بالإضافة إلى الغسل، و يتعين الإتمام.فلاحظ.

(1)الذي هو بمعنى مضيه،الذي عرفت أنه لا بد منه في المقام،أو الذي هو بمعنى مضي محله الذي عرفت من المصنف في الموضع الأول حمل النصوص عليه.

ص: 86

إطلاق موثقة ابن مسلم عدم اعتباره.

و يمكن حمل التقييد في الصحيحتين على الغالب،خصوصا في أفعال الصلاة،فإن الخروج من أفعالها يتحقق غالبا (1) بالدخول في الغير، و حينئذ فيلغوا القيد (2) .

و يحتمل ورود المطلق على الغالب،فلا يحكم بالإطلاق.

و يؤيد الأول ظاهر التعليل المستفاد من قوله:«هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك» (3) و قوله عليه السّلام:«إنما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه» (4) بناء على ما سيجيء من التقريب.و قوله:«كل ما مضى من صلاتك و طهورك» (5) الخبر.

(1)لعل ذكر الغلبة،بلحاظ الجزء الأخير،فإن الخروج منه لا يكون بالدخول في فعل الغير،بل بالفراغ من تمام العمل و مضيه،أو بخروج الوقت.

(2)يعني:و يرجع إلى إطلاق مثل موثقة ابن مسلم.

(3)فإن عموم التعليل لصورة عدم الدخول في الغير ظاهر في عموم الحكم له.نعم عرفت الأشكال في كونه من سنخ التعليل الذي يدور الحكم مداره وجودا و عدما.لكنه لا يخلو عن تأييد،و لا سيما مع عدم اشتمال مورده على التقييد بالدخول في الغير.

(4)فإن ذلك قد ورد في موثقة ابن أبي يعفور المتقدمة،و صدرها و إن اشتمل على الدخول في الغير،إلا أن إهمال ذلك في الذيل المسوق لضرب القاعدة و الاقتصار فيه على التجاوز كالصريح في أن المعيار على التجاوز،و أن ذكر الدخول في الغير لأجل تحققه به لا لموضوعيته في نفسه.فلاحظ.

(5)حيث إنه ظاهر في إرادة المضي لنفس الصلاة و الوضوء لا لأجزائهما

ص: 87

لكن الذي يبعده أن الظاهر من الغير في صحيحة إسماعيل بن جابر:

«إن شك في الركوع بعد ما سجد،و إن شك في السجود بعد ما قام فليمض» بملاحظة مقام التحديد و مقام التوطئة (1) للقاعدة المقررة بقوله (2) بعد ذلك:«كل شيء شك فيه...الخ»كون (3) السجود و القيام حدا للغير الذي يعتبر الدخول فيه،و أنه لا غير أقرب من الأول بالنسبة إلى الركوع، و من الثاني بالنسبة إلى السجود،إذ لو كان الهوي للسجود كافيا عند الشك في الركوع و النهوض للقيام كافيا عند الشك في السجود قبح في مقام التوطئة للقاعدة الآتية التحديد بالسجود و القيام،و لم يكن وجه لجزم المشهور بوجوب الالتفات إذا شك قبل الاستواء قائما (4) .

و مما ذكرنا يظهر أن ما ارتكب بعض من تأخر من التزام عموم و من الظاهر أن الغالب في مضيهما عدم الدخول في الغير المترتب عليهما.

(1)فإن ذكر الصغريات قبل ذكر الكبرى الكلية ظاهر في سوقها تمهيدا و توطئة لها و بذلك تفترق صحيحة إسماعيل عن صحيحة زرارة،فإن الثانية و إن اشتملت على ذلك أيضا إلا أنه وقع في كلام السائل لا في كلام الإمام،فلا ظهور له في التوطئة و التمهيد.

(2)متعلق بقوله:«المقررة».

(3)خبر(أن)في قوله:«لكن الذي يبعده أن الظاهر...».

(4)لأن مقتضى إطلاق الخبر هو الاكتفاء بالشروع في القيام.لكن يكفي في وجه جزمهم بعدم كفاية ذلك-لو فرض تمامية الإطلاق-ما في صحيح عبد الرحمن ابن أبي عبد اللّه:«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:...فرجل نهض من سجوده فشك قبل أن يستوي قائما فلم يدر أسجد أم لم يسجد.قال:يسجد».

ص: 88

الغير (1) و إخراج الشك في السجود قبل تمام القيام بمفهوم الرواية (2) ، ضعيف جدا،لأن الظاهر أن القيد وارد في مقام التحديد،

و الظاهر أن التحديد بذلك توطئة للقاعدة (3) ،و هي بمنزلة ضابطة كلية،كمالا يخفى على من له أدنى ذوق في فهم لكلام.فكيف يجعل فردا خارجا بمفهوم الغير عن عموم القاعدة.

عدم كفاية الدخول في مقدمات الغير

فالأولى أن يجعل هذا كاشفا عن خروج مقدما أفعال الصلاة عن (1)يعني لمقدمات الأفعال.هذا و لا يخفى أن الكلام تارة:يكون في لزوم الدخول في الغير.و أخرى:في تحديد الغير،و أنه هل يعتبر كونه جزءا مقصورا،أو هو مطلق شامل لمقدمات الأفعال.

و صدر كلام المصنف قدّس سرّه ظاهر في الكلام في الأول،و ذيله ظاهر في الكلام في الثاني الذي لا يصح إلا بعد المفروغية عن اعتبار الدخول في الغير.و الأمر سهل.

(2)فإن مفهوم قوله عليه السّلام:«إن شك في السجود بعد ما قام فليمض»عدم المضي لو شك قبل ذلك،بل عرفت أنه صريح صحيح عبد الرحمن.

(3)فهو يكون بمنزلة الشارح لمعنى القاعدة الحاكم عليها،فلا وجه للاقتصار على مورده.هذا و لكن في صحيح عبد الرحمن الآخر:«رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع.قال:قد ركع»فإنه ظاهر في الاكتفاء بالهوي.و قد يجمع بينه و بين صحيح إسماعيل بحمل صحيح إسماعيل على عدم المفهوم،و أن ذكر السجود و القيام ليس للتحديد،بل لبيان الفرد الظاهر الذي يكون فيه حصول الشك أغلب،لأن الشك مع بعد محل التجاوز أكثر.

لكن صحيح عبد الرحمن الأول معارض لصحيحه هذا في هذه الجهة،فلا بد التصرف في هذا بحمله على الشك بعد الوصول لحد السجود،أو الاقتصار في كل منهما على مورده و الرجوع لمقتضى القاعدة في غير موردهما

ص: 89

عموم الغير،فلا يكفى في الصلاة مجرد الدخول و لو في فعل غير أصلي (1) ، فضلا عن كفاية مجرد الفراغ.

الأقوى اعتبار الدخول في الغير و عدم كفاية مجرد الفراغ

و الأقوى اعتبار الدخول في الغير و عدم كفاية مجرد الفراغ.إلا أنه قد يكون الفراغ عن الشيء ملازما للدخول في غيره،كما لو فرغ عن الصلاة و الوضوء،فإن حالة عدم الاشتغال بها يعد مغايرة لحالهما و إن لم يشتغل بفعل وجودي،هو دخول في الغير بالنسبة إليهما (2) .

(1)الذي هو مقتضى إطلاق مثل موثقة ابن مسلم.

(2)لا إشكال في أن حالة الفراغ حالة أخرى غير حالة الاشتغال بالعمل، بل هو بديهي،إلا أنه ليس دخولا في الغير عرفا،خصوصا بناء إلى ما ذكره في تقريب دلالة صحيحة إسماعيل من ظهور صدرها في تحديد الغير بكونه جزءا مقصودا و أن ذلك صالح لتفسير القاعدة في غير الصلاة أيضا،إذ من الظاهر عدم كون حالة الفراغ مقصودة بالأصل،و إلا لجرى ذلك في أفعال الصلاة أيضا،كما لعله ظاهر.

و من هنا أشكل حال الشك في الجزء الأخير من المركب و نحوه مما لا يصدق فيه الدخول في الغير.و الأمر سهل بناء على ما سبق عن غير واحد من تعدد القاعدتين،فإن الدخول في الغير إنما يحتاج إليه في قاعدة التجاوز التي يكون الحكم فيها بوجود المشكوك،لا قاعدة الفراغ التي يحكم فيها بصحة الموجود.و بذلك يمكن الجمع بين أكثر النصوص،فإن مثل موثقة بن مسلم الظاهرة في عدم اعتبار الدخول في الغير واردة في مورد قاعدة الفراغ.

نعم قد يشكل في نصوص قاعدة الفراغ،كموثقة ابن أبي يعفور المتقدمة -بناء على حملها على قاعدة الفراغ،لعدم جريان قاعد التجاوز في الوضوء إجماعا- حيث تضمنت اعتبار الدخول في الغير.و مثلها صحيح زرارة الوارد فيه الصريح في عدم جريان قاعدة التجاوز فيه و جريان قاعدة الفراغ.

ص: 90

و فيه:«فإذا قمت عن الوضوء و فرغت منه و قد صرت في حال أخرى في الصلاة أو في غيرها فشككت في بعض ما قد سمى اللّه مما أوجب له عليك فيه وضوءك لا شيء عليك فيه...».فلا بد من الالتزام بكون ذكر الدخول في الغير أو في الحال الأخرى لتحقيق الفراغ بذلك و انكشافه به،لأن الدخول في الغير بعد الاشتغال بالعمل لا يكون إلا من جهة الفراغ منه،لا لخصوصية الدخول في الغير.

و من هنا ظهر أنه يمكن أن يكون ذلك الدخول في الغير في مورد قاعدة التجاوز-كما في صحيحتي زرارة و إسماعيل-لأجل ذلك أيضا،لعدم تحقق التجاوز و المضي بالإضافة إلى الجزء المشكوك في وجوده إلا بالدخول في غيره لا لاعتبار الدخول في الغير مطلقا و لو مع تحقق المضي بدونه،كما يشهد له ما ورد من عدم الاعتناء بالشك في الصلاة بعد خروج الوقت،بناء على أنه من صغريات ما نحن فيه،حيث لم يعتبر فيه الدخول في الغير،و ما ذلك إلا لتحقق المضي بمجرد خروج الوقت و إن لم يدخل في الغير.

و من ثم قربنا فيما سبق وحدة القاعدة المستفادة من مجموع النصوص،و أنها بأجمعها ناظرة إلى معنى ارتكازي واحد جامع بين جميع الموارد،و أن موضوع القاعدة مضي محل الشك إما بمضي الفعل المشكوك في صحته،أو بمضي محل الفعل المشكوك في وجوده إما لأجل الدخول في غيره مما يترتب عليه،أو بخروج وقته،فليس الدخول في الغير معتبرا في مورد قاعدة التجاوز لخصوصيته في موردها،بل لتحقيق مضي محل الشك المعتبر في الأمر الارتكازي الواحد الجامع بين موارد النصوص.

كما ظهر أن ذكر السجود و القيام في صحيحة إسماعيل و عدم الاكتفاء بالدخول في مقدمتهما من الهوي و النهوض،لأجل توقف مضي محل الفعل المشكوك فيه عليهما،لعدم مضي محله بمجرد الدخول في المقدمة إذ هو مترتب على ذي المقدمة

ص: 91

عدم صحة التفصيل بين الصلاة و الوضوء

و أما التفصيل بين الصلاة و الوضوء بالتزام كفاية مجرد الفراغ من الوضوء و لو مع الشك في الجزء الأخير منه.فيرده اتحاد الدليل في البابين، لأن ما ورد من قوله عليه السلام فيمن شك في الوضوء بعد ما فرغ من الوضوء:«هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك»عام بمقتضى التعليل لغير الوضوء أيضا،و لذا استفيد منه حكم الغسل و الصلاة أيضا (1) ، و كذلك موثقة ابن أبي يعفور المتقدمة صدرها دال على اعتبار الدخول في الغير في الوضوء و ذيلها يدل على عدم العبرة بالشك بمجرد التجاوز مطلقا من غير تقييد بالوضوء،بل ظاهره يأبى عن التقييد (2) ،و كذلك روايتا زرارة و أبي بصير (3) المتقدمتان آبيتان عن التقييد (4) .

لا على المقدمة نفسها شرعا.و على هذا فالشك في الجزء الأخير مما لا يعتبر فيه الموالاة -كالغسل-لا مجال لإحراز الجزء فيه و لو مع الاشتغال بحال أخرى،لعدم مضي محل الشك بالإضافة إليه.نعم يمكن إحراز صحة المركب و تماميته بعد صدق الفراغ عنه عرفا،لتحقق مضي محل الشك بالإضافة إلى التمامية المشكوك فيها.فتأمل جيدا.

و اللّه سبحانه و تعالى العالم.

(1)عرفت الأشكال في استفادة العموم من التعليل.و لعل استفادة حكم الغسل و الصلاة من الإطلاقات الأخر.

(2)كأنه من جهة أن العدول عن التعبير بالوضوء الذي تضمنه صدر الرواية إلى التعبير بالشيء،كالصريح في العموم و عدم خصوصية الوضوء في الحكم.فتأمل.

(3)لم تتقدم رواية لأبي بصير،و إنما تقدمت رواية إسماعيل بن جابر.و لعله من خطأ النسخة.

(4)كأنه لظهورهما في الإشارة إلى أمر ارتكازي.و هو مما لا يقبل التقييد

ص: 92

و أصرح من جميع ذلك في الإباء عن التفصيل بين الوضوء و الصلاة قوله عليه السلام في الرواية المتقدمة:«كل ما مضى من صلاتك و طهورك فذكرته تذكرا فأمضه» (1) .

عرفا.و لو لا ذلك لأمكن حملهما على إرادة خصوص أجزاء الصلاة من(شيء)، و يكون عدم التقييد اكتفاء بقرينة المورد.و هو و إن كان خلاف الظاهر إلا أنه ليس بنحو الإباء عن التقييد.فتأمل.

(1)هذا لا إباء فيه عن التقييد،لإمكان التفصيل بالتقييد في الصلاة دون الوضوء و إن كانا مشتركين في عدم الاعتناء بالشك بعد المضي في الجملة.إلا أن يرجع إلى ما تقدم من ظهور كون الحكم ارتكازيا.لكنه-لو تم-لا يقتضي الصراحة في الإباء عن التقييد.

نعم يشهد بعدم التفصيل صحيح زرارة المتقدم الوارد في خصوص الوضوء المصرح بلزوم الدخول في حال أخرى،فإن أمكن توجيهه بما تقدم و نحوه أمكن توجيه النصوص الأخرى المتضمنة لاعتبار الدخول في الغير،و إلا فلا وجه للتفصيل،كما يشهد به ما ورد في الشك في الصلاة بعد خروج الوقت بناء على كونه من صغريات القاعدة،فإنه لا إشكال في عدم اعتبار الدخول في الغير فيه.

ص: 93

الموضع الرابع
عدم جريان القاعدة في أفعال الطهارات الثلاث

قد خرج من الكلية المذكورة أفعال الطهارات الثلاث،فإنهم أجمعوا على أن الشاك في فعل من أفعال الوضوء قبل إتمام الوضوء يأتي به و إن دخل في فعل آخر.و أما الغسل و التيمم فقد صرح بذلك فيهما بعضهم على وجه يظهر منه كونه من المسلمات،و قد نص على الحكم في الغسل جمع ممن تأخر عن المحقق،كالعلامة و ولده و الشهيدين و المحقق الثاني،و نص غير واحد من هؤلاء على كون التيمم كذلك.

مستند الخروج

و كيف كان فمستند الخروج قبل الإجماع الأخبار الكثيرة (1) (1)لم أعثر على نصوص كثيرة في المقام.نعم يكفي في ذلك صحيح زرارة الذي أشرنا إليه قريبا،الصريح في الاعتناء بالشك ما دام قاعدا على الوضوء المعول عليه عند الأصحاب حيث ذهبوا إلى الاعتناء بالشك قبل تمامية الوضوء،بل عرفت دعوى الإجماع على ذلك.

قال سيدنا الأعظم قدّس سرّه:«بلا خلاف كما عن المدارك و الحدائق و المفاتيح،بل عن شرحي الدروس و المفاتيح دعوى الإجماع،بل عن ثانيهما نقله عن جماعة».لكن ذلك كله مختص بالوضوء،و أما الغسل و التيمم فلا دليل على خروجهما عن القاعدة لاختصاص النص بالوضوء و عدم ثبوت الإجماع على الإلحاق.و مجرد تصريح جمع به-كما سبق-لا ينفع بعد قرب احتمال كون مستندهم دعوى عدم الخصوصية

ص: 94

المخصصة للقاعدة المتقدمة.

ظاهر رواية ابن أبي يعفور أن حكم الوضوء من باب القاعدة

إلا أنه يظهر من رواية ابن أبي يعفور المتقدمة هي قوله:«إذا شككت في شيء من الوضوء و قد دخلت في غيره فشكك ليس بشيء،إنما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه»أن حكم الوضوء من باب القاعدة (1) ،لا خارج عنها،بناء على عود ضمير(غيره) (2) إلى الوضوء لئلا يخالف الإجماع على وجوب الالتفات إذا دخل في غير المشكوك من أفعال الوضوء، و حينئذ فقوله:«إنما الشك...»مسوق لبيان قاعدة الشك المتعلق بجزء من أجزاء العمل،و أنه إنما يعتبر إذا كان مشتغلا بذلك العمل غير متجاوز عنه (3) .

للوضوء،و أن الموضوع مطلق الطهارة،و أن ذكره في النص لأنه من أفرادها،و نحو ذلك مما لا يمكن الركون إليه في الخروج عن القاعدة.فالبناء على عدم الإلحاق هو المتعين،كما قربه المصنف قدّس سرّه في كتاب الطاهرة.

نعم استشكل في عموم نصوص القاعدة لكل فعل،فيبقى الشك في أفعال الغسل و التيمم مجرى لأصالة عدم الإتيان بلا حاجة إلى الإلحاق بالوضوء.و هو كما ترى،خلاف ظاهر نصوص المسألة،فالبناء على العموم و شموله لأفعال الغسل و التيمم متعين،و إن ادعى المصنف قدّس سرّه هناك الشهرة المحققة على عدم جريان القاعدة فيهما.

(1)لأن ظاهر قوله عليه السّلام:«إنما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه»الإشارة للقاعدة.

(2)يعني:في قوله:«و قد دخلت في غيره».

(3)لأن الصدر يكون قرينة على المراد من الذيل و مفسرا له،فيكشف عن أنه ليس المعتبر في إلغاء الشك مضي محله،بل لا بد من مضي تمام العمل عند الشك في

ص: 95

الإشكال في ظاهر ذيل الرواية

هذا و لكن الاعتماد على ظاهر ذيل الرواية مشكل،من جهة أنه يقتضى بظاهر الحصر أن الشك الواقع في غسل اليد باعتبار جزء من أجزائه لا يعتنى به إذا جاوز غسل اليد (1) .

مضافا إلى أنه معارض للأخبار السابقة فيما إذا شك في جزء من الوضوء (2) بعد الدخول في جزء آخر قبل الفراغ منه،لأنه باعتبار أنه جزء العمل،و لا يكفي مضي نفس الجزء بمضي محله و الدخول في غيره من الأجزاء.

لكن في صلوح ذلك لتوجيه الرواية مع قوة ظهور كون ضمير(غيره)عائدا للشيء إشكال،و لعل الالتزام بإجمال الرواية أولى.

(1)فإنه و إن لم يتحقق التجاوز بالإضافة إلى الوضوء،إلا أنه يتحقق التجاوز بالإضافة إلى غسل اليد،فيلزم إلغاء الشك في جزئه المفروض.لكن قد يهون دفع الإشكال بأنه لا بد من وحدة العمل،بحيث يكون عملا واحدا لا جزءا من عمل.

و غسل اليد و إن كان عملا مركبا إلا أنه جزء من الوضوء لا عمل مستقل.و حمل الموثقة على ذلك ليس عزيزا جمعا بينها و بين صحيحة زرارة الحاكمة بالاعتناء بالشك في الوضوء قبل الفراغ منه،فإنه أهون مما ارتكب فيها من عود الضمير إلى الوضوء، لا إلى الشيء،لأجل الجمع بينها و بين الصحيحة.فلاحظ.

(2)و يشكل أيضا في أجزاء غير الوضوء،كالصلاة لعين الوجه المذكور.

و بالجملة:حمل الموثقة على ما ذكره موجب للاعتناء بالشك في موارد قاعدة التجاوز الذي هو خلاف صريح صحيحتي إسماعيل و زرارة المتقدمتين و غيرهما، فلا مجال له.

و منه يظهر أنه لا مجال لدفع محذور المعارضة بدعوى حكومة الموثقة على الصحيحتين،فإنه كما تعين حمل الموثقة على الدخول في غير الوضوء كذلك للقرينة المذكورة يتعين بقرينة الموثقة حمل الدخول في الغير في الصحيحتين على غير الصلاة،

ص: 96

شك في وجود شيء بعد تجاوز محله يدخل في الأخبار السابقة (1) و من حيث أنه شك في أجزاء عمل قبل الفراغ منه يدخل في هذا الخبر.

و يمكن أن قال لدفع جميع ما في الخبر من الإشكال:إن الوضوء بتمامه في نظر الشارع فعل واحد باعتبار وحدة مسببه،و هي الطهارة (2) ، فلا يلاحظ كل فعل منه بحالة حتى يكون موردا لتعارض هذا الخبر مع الأخبار السابقة (3) ،و لا يلاحظ بعض أجزائه-كغسل اليد مثلا-شيئا مستقلا يشك في بعض أجزائه قبل تجاوزه أو بعده،ليوجب ذلك الإشكال في الحصر المستفاد من الذيل.

و بالجملة:إذا فرض الوضوء فعلا واحدا لم يلاحظ الشارع أجزاءه أفعالا مستقلة يجري فيه حكم الشك بعد تجاوز المحل لم يتوجه شيء من الإشكالين في الاعتماد على الخبر،و لم يكن حكم الوضوء مخالفا للقاعدة، إذ الشك في أجزاء الوضوء قبل الفراغ ليس إلا شكا واقعا في الشيء قبل التجاوز عنه.و القرينة على هذا الاعتبار جعل القاعدة ضابطة لحكم الشك لا على غير الجزء المشكوك فيه.فإن ذلك خلاف صريح الصحيحتين و غيرهما.كما لا يخفى.

(1)كصحيحتي زرارة و إسماعيل و غيرهما.

(2)و هذا بخلاف مثل الصلاة و الحج و نحوهما من المركبات،فإنه لا يقصد بها أثر بسيط مترتب على جميع أجزاء المركب،بل جميع الأجزاء واجبة لنفسها و إن كانت ارتباطية.

(3)إذ بناء على لحاظه عملا واحدا يخرج عن موضوع الأخبار السابقة.

ص: 97

في أجزاء الوضوء قبل الفراغ عنه أو بعده (1) .

عدم غرابة فرض الوضوء فعلا واحدا

ثم إن فرض الوضوء فعلا واحدا لا يلاحظ حكم الشك بالنسبة إلى أجزائه ليس أمرا غريبا،فقد ارتكب المشهور مثله في الأخبار السابقة بالنسبة إلى أفعال الصلاة،حيث لم يجروا حكم الشك بعد التجاوز في كل جزء من أجزاء القراءة حتى الكلمات و الحروف،بل الأظهر عندهم كون الفاتحة فعلا واحدا،بل جعل بعضهم القراءة فعلا واحدا (2) .و قد عرفت (1)يعني:أن القرينة على كون الوضوء ملحوظا عملا واحدا هو اشتمال الموثقة على التذييل بقاعدة عدم الاعتناء بالشك إلا بعد التجاوز و الإرجاع إليها في باب الوضوء،فإن ذلك لا يلائم صدر الموثقة و لا بقية روايات القاعدة إلا بالتنزيل على فرض الشارع الوضوء عملا واحدا لا يتحقق فيه التجاوز إلا بالفراغ عنه بتمامه.

لكن هذا مما لا يرجع إلى محصل،فإن المفروض هو الشك في خصوص الجزء، و مع فرض الترتيب بين الأجزاء يحصل التجاوز عن الجزء بالدخول في غيره قهرا، و إن كان الوضوء عملا واحدا،لأن ملاك التجاوز ليس هو وحدة العمل و تعدده، بل مضي محل الشك و المفروض حصوله.على أن هذا لو تم في نفسه لا يصلح لتفسير الموثقة و جمعها مع بقية الأخبار،لأنه ليس جمعا عرفيا بل تبرعيا،فالالتزام بإجمال الرواية،لإجمال وجه الاستشهاد فيها بالقاعدة،أو بظهورها في عدم الاعتناء بالشك في أجزاء الوضوء-كما هو ظاهرها بدوا-مع طرحها لمعارضتها لصحيحة زرارة المعتضدة بالشهرة المحققة و الإجماع المدعى-لعله أولى من هذه التكلفات.

(2)إلا أن هذا كله بلا شاهد و لا ضابط،بل لا يرجع إلى محصل كما عرفت.

مع أنه مناف لإطلاق أدلة القاعدة،فالعمل بالإطلاق هو الأوفق.و لا سيما بعد كونه واردا لبيان أمر ارتكازي عرفي يكفي في إمضائه أدنى ظهور.

ص: 98

النص في الروايات على عدم اعتبار الهوي للسجود و النهوض للقيام (1) .

و مما يشهد لهذا التوجيه إلحاق المشهور الغسل و التيمم بالوضوء في هذا الحكم،إذ لا وجه له ظاهرا إلا ملاحظة كون الوضوء أمرا واحدا يطلب منه أمر واحد غير قابل للتبعيض،أعني:الطهارة (2) .

(1)عرفت أنه يمكن توجيه ذلك بعدم صدق التجاوز عن الركوع و السجود بهما،لتوقفه على الجزء المترتب عليهما شرعا.فراجع.

(2)فقد ذكر المصنف قدّس سرّه ذلك في كتاب الطهارة وجها لإلحاق الغسل و التيمم بالوضوء.لكنه لا وجه للإلحاق المذكور،فإنه لو سلم توجيه الموثقة بحمل الوضوء على أنه عمل واحد،إلا أنه لا قرينة على كون ملاك وحدته وحدة الأثر المترتب عليه و هو الطهارة،ليتعدى منه للغسل و التيمم،لإمكان خصوصيته في ذلك و مجرد وحدة المسبب لا تقتضيه.

و لعله لأجل ذلك لم يعتن قدّس سرّه بهذا الوجه في الإلحاق في كتاب الطهارة،فإنه و إن ذكره وجها إلا أنه صرح باحتياج الإلحاق إلى دليل.فلاحظ.

ص: 99

الموضع الخامس
هل تجري القاعدة في الشروط كما تجري في الأجزاء؟

ذكر بعض الأساطين أن الشك في الشروط بالنسبة إلى الفراغ عن المشروط،بل الدخول فيه،بل الكون على هيئة الداخل (1) حكم (2) الأجزاء في عدم الالتفات،فلا اعتبار بالشك في الوقت و القبلة و اللباس و الطهارة بأقسامها و الاستقرار و نحوها بعد الدخول في الغاية.و لا فرق بين الوضوء و غيره.انتهى.و تبعه بعض من تأخر عنه،

و استقرب في مقام آخر إلغاء الشك في الشرط بالنسبة إلى غير ما دخل فيه من الغايات (3) .

(1)كما لو شك في الوضوء و هو متهيئ للدخول في الصلاة.و كأن وجه إلغاء الشك في مثل ذلك صدق التجاوز و المضي،بناء على أن المعيار فيه مضي المحل و لو من جهة العادة،فإن التهيؤ للصلاة لا يكون عادة إلا بعد الوضوء.و قد سبق الإشكال فيه في الموضع الثاني.

(2)خبر(إن الشك في الشروط)و العبارة لا تخلو عن اضطراب أو نقص.

و لعل الأولى أن يقول:بحكم الشك في الأجزاء.

(3)فلو صلى ثم شك في الوضوء بنى على تحققه،بحيث له الدخول في صلاة أخرى أو مس كتابة القرآن أو نحوهما من دون حاجة إلى إحداث وضوء.

ص: 100

و ما أبعد ما بينه و بين ما ذكره بعض الأصحاب-كصاحب المدارك و كاشف اللثام-من اعتبار الشك في الشرط حتى بعد الفراغ عن المشروط، فأوجب إعادة المشروط.

الأقوى التفصيل

و الأقوى التفصيل بين الفراغ عن المشروط،فيلغو الشك في الشرط بالنسبة إليه،لعموم لغوية الشك في الشيء بعد التجاوز عنه (1) ،أما بالنسبة إلى مشروط آخر لم يدخل فيه فلا ينبغي الإشكال في اعتبار الشك فيه (2) ،لأن الشرط المذكور من حيث كونه شرطا لهذا المشروط لم يتجاوز عنه،بل محله باق فالشك في تحقق شرط هذا المشروط شك في الشيء قبل تجاوز محله.

و ربما بنى بعضهم ذلك على أن معنى عدم العبرة بالشك في الشيء بعد تجاوز المحل هو البناء على الحصول مطلقا و لو لمشروط آخر،أو يختص (1)لأن محل الشرط،لما كان هو المشروط،فيكون مضيه و التجاوز عنه بالفراغ عن المشروط.و لو فرض عدم صدق المضي بالإضافة إلى الشرط كفى صدق المضي بالإضافة إلى المشروط في إلغاء احتمال بطلانه.مضافا إلى بعض النصوص، كصحيح محمد بن مسلم:«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:رجل شك في الوضوء بعد ما فرغ من الصلاة.قال:يمض[يمضي.ظ]على صلاته و لا يعيد».

نعم يشك بناء على ما سبق من المصنف قدّس سرّه من اعتبار الدخول في الغير،لعدم تحققه هنا.إلا أن يرجع إلى ما سبق منه من كفاية الانتقال إلى حالة أخرى غير حال الصلاة في صدق الدخول في الغير.

(2)فلا يجوز الدخول في المشروط الآخر إلا بعد إحراز الشرط،و لا يكفي إحرازه مع المشروط الأول.

ص: 101

بالمدخول (1) .

(1)هذا بظاهره عين الدعوى فلا يكون مبنى لها.و في بعض النسخ:«و ربما بنى بعضهم ذلك على أن معنى عدم العبرة بالشك في الشيء بعد تجاوز المحل هو البناء على الحصول،أو يختص بالدخول».

و كأنه إشارة إلى الكلام في أن مفاد القاعدة تحقق الأمر المشكوك فيه،أو مجرد مضي العمل و صحته،فعلى الأول يتعين جواز الدخول في مشروط آخر،إذ بعد إحراز الشرط لتحقق التجاوز عنه بالإضافة إلى المشروط الأول يتعين جواز الدخول في تمام ما يشترط فيه.

و على الثاني يتعين عدم جواز الدخول في مشروط آخر لعدم إحراز شرطه، إذ غاية ما استفيد من القاعدة مضي العمل-و هو المشروط الأول-و عدم الاعتناء بالشك فيه،و هو لا يصحح الدخول في المشروط الآخر إلا بناء على الأصل المثبت.

و لعل هذا المعنى هو المناسب لما يأتي من المصنف قدّس سرّه في الجواب عن هذا الوجه.و كيف كان فلا بأس بصرف الكلام إلى تحقيق مفاد القاعدة من هذه الجهة و أنها هل تقتضي التعبد بوجود المشكوك أو مجرد مضي العمل و عدم الاعتناء بالشك فيه،فنقول:إن قيل بتعدد القاعدة فقاعدة الفراغ لما كان مفادها إحراز صحة العمل من دون نظر إلى الأجزاء و الشرائط التي يكون الشك فيها منشأ للشك في الصحة فلا وجه لكونها مقتضية للتعبد بالأجزاء و الشرائط المشكوكة.

نعم هي بالإضافة إلى نفس الصحة المشكوكة قد تقتضي التعبد بها،لا مجرد مضي العمل و إلغاء الشك،لأن أكثر نصوصها و إن لم يتضمن التعبد بالصحة،بل مضي العمل لا غير،إلا أن ما تضمن تعليل ذلك بأنه حين يتوضأ أذكر منه حين يشك ظاهر في التعبد بالصحة المشكوكة و إحرازها بمقتضى الأمارة المفروضة و هي كونه حين الوضوء أذكر،فيقدم على بقية النصوص،لأنه بالإضافة إليها كالمبين بالإضافة إلى المجمل.فلاحظ.

ص: 102

و أما قاعدة التجاوز فأدلتها العامة-كصحيحتي زرارة و إسماعيل المتقدمتين-و إن لم تتضمن التعبد المشكوك و الحكم بتحققه،إلا أن المنساق منها ذلك من حيث أن موضوع الشك هو وجود الشيء فإلغاء الشك ظاهر في التعبد به.

و لا سيما مع تصريح بعض النصوص الخاصة به،كرواية حماد:«أشك و أنا ساجد فلا أدري ركعت أم لا؟فقال عليه السّلام:قد ركعت أمضه»و نحوها مصحح عبد الرحمن المتقدم في الموضع الثالث.و من ثم كانت قاعدة التجاوز حاكمة على قاعدة الفراغ عندهم،لأنها مقتضية للتعبد بمنشإ الشك الذي هو مجرى قاعدة الفراغ،فإن الشك في الصحة ناش من الشك في وجود الجزء المشكوك.

و حينئذ فالفراغ عن المشروط إن كان موجبا لصدق التجاوز عن الشرط كان مقتضى قاعدة التجاوز في الشرط الحكم بوجوده،و إلا لم يكن مجال لجريانها فيه،فلا تجري إلا قاعدة الفراغ في نفس المشروط،و هي-كما عرفت-لا تقتضي إلا صحته من دون أن تحرز الشرط كي يتوهم صحة الدخول في مشروط آخر.و قد تقدمت قريبا الإشارة إلى كلا المبنيين.هذا بناء على تعدد القاعدة،أما بناء على وحدتها-كما هو ظاهر المصنف قدّس سرّه-ففي كون مفادها تحقق ما شك في وجوده،أو مجرد المضي على الشك و إلغائه إشكال،لاختلاف لسان النصوص.

و قد يدعى أن مفادها البناء على وجود المشكوك عملا بما دل عليه من النصوص الصالح لتفسير بقيتها بعد فرض كونها مشيرة إلى قاعدة واحدة و هو ظاهر المصنف قدّس سرّه على ما سيأتي منه.

أما بناء على ما ذكرنا في توجيه عموم القاعدة و وحدتها فلا يبعد كون مفادها البناء على تحقق ما شك فيه،فهي بالإضافة إلى المركب و لا تقتضي إلا الحكم بصحته، لفرض عدم الشك إلا في صحته و بالإضافة إلى الجزء تقتضي الحكم بوجوده لفرض كونه مشكوكا.

ص: 103

معنى عدم العبرة بالشك بعد تجاوز المحل

أقول:لا إشكال في أن معناه البناء على حصول المشكوك فيه،لكن بعنوانه الذي يتحقق معه تجاوز المحل،لا مطلقا (1) فلو شك في أثناء و حينئذ فمع الشك في الشرط بعد الفراغ عن المشروط يبتني الكلام على ما سبق أيضا من صدق المضي بالإضافة إليه،أو بالإضافة إلى خصوص المشروط،فعلى الأول تكون محرزة لوجوده،و على الثاني لا تحرز إلا صحة المشروط و تماميته من دون أن تحرز الشرط بنفسه.فتأمل جيدا.

(1)حاصل ما يوجه به كلامه قدّس سرّه:أن القاعدة لا تقتضي التعبد بالشيء المشكوك مطلقا،بل من حيث كونه مشكوكا قد مضى محله،و تحقق التجاوز عنه، فهي إنما تقتضي التعبد بالمشكوك بالنحو الذي يرتبط بالمحل الخاص،و يضاف إليه بحسب تشريعه،فلو كان مشروعا بوجهين:

تارة:مرتبطا بالمحل الخاص الذي مضى.

و أخرى:غير مرتبط به،فهي إنما تقتضي التعبد بالنحو الأول منه فلا إطلاق لها إلا في ترتيب آثاره،لا بالنحو الثاني،لعدم صدق التجاوز بالإضافة إليه،و حينئذ فحيث كان مضي الشرط و الجزء بمضي محلهما من المركب من حيث أخذهما فيه، فالقاعدة لا تقتضي التعبد بوجودهما مطلقا بلحاظ جميع الآثار،بل بلحاظ خصوص صحة المركب،لعدم صدق التجاوز إلا بالحيثية المذكورة،و لا إطلاق لها في التعبد بهما من حيث الآثار الأخر.

فلو نذر أن يتصدق إن صلى صلاة تامة الركوع و السجود،فشك في تمامية السجود كان مقتضى قاعدة التجاوز التعبد بالسجود بالنحو الذي تترتب عليه التمامية المذكورة،فتجب الصدقة بناء على أن مفاد القاعدة إثبات المشكوك و التعبد به،لا مجرد المضي و الاجتزاء بالعمل،أما لو نذر أن يتصدق لكل أربع سجدات يسجدها فصلى ركعتين شك في تمامية سجودهما و احتمل نقصهما سجدة،فلا تنهض القاعدة بإثبات سجوده السجدات الأربع،لعدم كون المنذور هو السجدات من حيث تمامية

ص: 104

الصلاة بها،بل السجدات في أنفسها مع قطع النظر عن التمامية المذكورة،و هي مما لا يصدق المضي بالإضافة إليها،و قد عرفت أنه لا إطلاق للقاعدة في إثبات التعبد بلحاظ جميع الآثار حتى المترتبة عليه لا بلحاظ ارتباطه بالمحل و مشروعيته فيه،نعم وقوع الصلاة التامة السجود يستلزم تحقق أربع،إلا أن ذلك لا يكفي بناء على ما هو التحقيق من عدم حجية الأصل المثبت.

إن قلت:لا مانع من الحجية في المقام بعد ظهور النصوص في كون القاعدة من الأمارات التي لها نحو من الكاشفية لا من سنخ الأصول التعبدية الصرفة.

قلت:لا دليل على حجية الأمارات في لازم مؤداها مطلقا،بل هو تابع لإطلاق دليل حجيتها و عدمه،كما تقدم إليه الإشارة في مبحث الأصل المثبت،و لا إطلاق لدليل التعبد في المقام،بل ينصرف لخصوص الآثار التي يتحقق التجاوز بالإضافة إليها،كما ذكرناه.

و منه يظهر حال الشرط في المقام،فإنه لو سلم كون مقتضى القاعدة التعبد بوجوده لا محض البناء على إلغاء الشك،إلا أن التعبد به لما كان من حيث مضي محله اختص بالأثر الثابت له من حيث ارتباطه بالمحل الخاص،و من الظاهر أن ارتباطه بالمحل الخاص من حيث كونه شرطا للمركب،فلا تقتضي القاعدة إلا التعبدية من حيث تمامية المركب،لا بلحاظ بقية الآثار ليصح الدخول في بقية الآثار،لعدم تحقق المضي بالإضافة إلى تلك الآثار.

نعم لو كان المحل معتبرا في المشكوك من حيث مشروعيته في نفسه مع قطع النظر عن المركب اتجه الاجتزاء به إذا تحقق التجاوز عنه،كصلاة الظهر،فإن محلها من حيث كونها مشروعة في نفسها قبل العصر،فالدخول في العصر يكون محققا للتجاوز عنها بالحيثية المذكورة،لا من حيث صحة العصر فقط،فلا مانع من الالتزام بعدم وجوب إعادتها،و عدم وجوب العدول إليها،بل عدم جوازه،

ص: 105

العصر في فعل الظهر بنى على تحقق الظهر بعنوان أنه شرط للعصر (1) ، لصدق التجاوز بالإضافة إليها-حينئذ-بلحاظ مشروعيتها من حيث هي،و منه يظهر الإشكال فيما ذكره المصنف قدّس سرّه في الشك في فعل الظهر بعد الدخول في العصر، كما سيأتي.

هذا كله في الشروط التي تكون شرطا بوجودها في محلها.و أما الشروط التي تكون شرطا ببقائها و استمرارها-كالطهارة و الاستقبال بل أكثر الشروط-فالأمر فيها أوضح،فإن القاعدة إنما تحرز وجودها في الزمان السابق مقارنة للمشروط الذي مضى،و لا تحرز بقاءها كي يترتب عليه جواز الدخول في مشروط آخر،إلا بناء على الأصل المثبت،من حيث إن وجودها سابقا قد يستلزم بقاءها لا حقا للعلم بعدم تخلل الناقض،و قد عرفت عدم حجية القاعدة في لازم مجراها.

و لذا لا يظن من أحد الالتزام بإحراز طهارة المئزر لو علم المصلي من نفسه أنه لو اغتسل لغسل المئزر معه و طهره،بدعوى أن القاعدة تقتضي إحراز الغسل و إحراز لازمه و هو طهارة المئزر،مع أن طهارة المئزر كاستمرار الطهارة الحدثية من لوازم حصول الطهارة الحدثية حين الصلاة التي هي شرط فيها،كما يظهر بالتأمل.

فتأمل جيدا.

(1)أشرنا إلى صدق التجاوز عن الظهر لا من حيث كونها شرطا في العصر، بل من حيث كونها مشروعة في نفسها،لأن محلها حسب التشريع قبل العصر.

إن قلت:تأخيرها عن العصر لا يوجب خللا فيها،بل يوجب الخلل في العصر،فتبطل العصر بمخالفة الترتيب لا الظهر.

قلت:هذا لا ينافي كون محلها قبل العصر،لأن عدم الخلل فيها باعتبار عدم وقوع العصر صحيحة قبلها،لوقوعها في غير محلها أيضا فتبطل فلا تكون الظهر في ظرف اعتبار الترتيب-كما في حال الذكر،إذ في حال السهو يسقط الترتيب- واقعة بعد العصر حتى يمكن فرض بطلانها بإيقاعها في غير محلها،و هذا لا ينافي

ص: 106

و لعدم وجوب العدول إليه (1) ،لا على تحققه مطلقا حتى لا يحتاج إلى إعادتها بعد فعل العصر.فالوضوء المشكوك فيما نحن فيه إنما فات محله من حيث كونه شرطا للمشروط المتحقق،لا من حيث كونه شرطا للمشروط المستقبل.

و من هنا يظهر أن الدخول في المشروط أيضا لا يكفي في إلغاء الشك في الشرط،بل لا بد من الفراغ عنه،لأن نسبة الشرط إلى جميع أجزاء المشروط نسبة واحدة،و تجاوز محله باعتبار كونه شرطا للأجزاء الماضية، فلا بد من إحرازه للأجزاء المستقبلة.

التفصيل بين الوضوء و نحوه و بين غيره

نعم ربما يدعى في مثل الوضوء أن محل إحرازه لجميع أجزاء الصلاة في كون محلها قبل العصر،و إلا لجرى ذلك في أجزاء المركب أيضا،فإن الدخول في الجزء اللاحق قبل السابق لا يوجب إلا بطلانه لا بطلان السابق لو وقع بعده،مع أن قاعدة التجاوز تجري لإثبات وقوع الجزء السابق لا لصحة الجزء اللاحق الذي دخل فيه فقط،و لذا لا يجب قضاء الجزء لو كان مما يقضى.

مضافا إلى ما عن مستطرفات السرائر عن كتاب حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام:«فإن شك في الظهر فيما بينه و بين أن يصلى العصر قضاها،و إن دخله الشك بعد أن يصلي العصر فقد مضت إلا أن يستيقن،لأن العصر حائل فيما بينه و بين الظهر،فلا يدع الحائل لما كان من الشك إلا بيقين».

إذ لا يبعد شموله لما إذا دخله الشك في أثناء العصر،و لو لعموم التعليل.مع أن كلام المصنف قدّس سرّه شامل لما إذا فرغ من العصر،كما لا يخفى.فتأمل جيدا.

(1)إذا فرض جريان أصالة عدم الإتيان بالظهر فلا وجه لعدم وجوب العدول إليها في أثناء العصر،فإنه لا ينافي صحة الدخول في العصر،كما لعله ظاهر.

ص: 107

قبل الصلاة،لا عند كل جزء (1) .

و من هنا قد يفصل بين ما كان من قبيل الوضوء مما يكون محل إحرازه قبل الدخول في العبادة و بين غيره مما ليس كذلك،كالاستقبال و النية،فإن إحرازهما ممكن في كل جزء،و ليس المحل الموظف لإحرازهما قبل الصلاة بالخصوص،بخلاف الوضوء حينئذ،فلو شك في أثناء الصلاة في الستر أو الساتر وجب عليه إحرازه في أثناء الصلاة للأجزاء المستقبلة.

و المسألة لا تخلو عن إشكال.إلا أنه ربما يشهد لما ذكرنا من التفصيل بين الشك في الوضوء في أثناء الصلاة و فيه بعده صحيحة علي بن جعفر (1)فيكون كالأذان و الإقامة بالإضافة إلى الصلاة.و كأن وجه ذلك ظهور قوله تعالى: إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاٰةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ... في أن محله قبل الصلاة.

و فيه:أنه محكوم لظهور ذيله في أن الشرط هي الطهارة،و هي إنما تكون شرطا حيث الصلاة كسائر الشروط،و هو مقتضى مثل قوله عليه السّلام:«لا صلاة إلا بطهور»أيضا.

ثم إن هذا لو تم إنما ينفع في جواز إتمام الصلاة لو شك في أثنائها في الوضوء، لا في مشروعية الدخول في صلاة أخرى،لأن لزوم كونه قبل الصلاة-لو سلم-إنما هو من جهة كونه شرطا فيها لا من حيث كونه مشروعا في نفسه قبلها-كما ذكرناه في الظهر و العصر-و حينئذ يأتي فيه ما سبق في الشروط من عدم صدق التجاوز إلا من حيث تمامية الصلاة السابقة،لا مطلقا حتى بلحاظ الصلاة اللاحقة،كما يظهر بالتأمل فيما سبق،إذ لا فرق فيه بين الشرط المقارن و السابق.

نعم لا يتوجه-حينئذ-ما ذكرناه أخيرا في الشروط التي تكون معتبرة بحسب استمرارها لا بحسب أصل وجودها،كما يظهر بالتأمل.

ص: 108

عن أخيه عليه السّلام قال:«سألته عن الرجل يكون على وضوء ثم يشك على وضوء هو أم لا.قال:إذا ذكرها و هو في صلاته انصرف و أعادها،و إن ذكر و قد فرغ من صلاته أجزأه ذلك»بناء على أن مورد السؤال الكون على الوضوء باعتقاده ثم شك في ذلك (1) .

(1)يعني:بنحو الشك الساري الذي هو مورد قاعدة اليقين،لا الطارئ الذي هو مورد الاستصحاب،فإن عدم حجية قاعدة اليقين موجب للاعتناء بالشك في نفسه فالتفصيل بين الفراغ من الصلاة و عدمه لا بد أن يكون ناشئا من صدق التجاوز بالإضافة إلى تمام الصلاة في الأول دون الثاني،و لا يتم إلا بناء على ما ذكره المصنف قدّس سرّه من لزوم إحراز الشرط في بقية الأجزاء إذا كان الشك في الأثناء.

لكن الرواية لو لم تكن ظاهرة في إرادة الطارئ فتنافي حجية الاستصحاب فيتعين طرحها أو تأويلها،فلا أقل من إجمالها المانع من الاستدلال بها.فالعمدة ما ذكرناه،و لا وجه معه لما ذكره المصنف قدّس سرّه.

ص: 109

الموضع السادس
هل يلحق الشك في الصحة بالشك في الإتيان؟

أن الشك في صحة الشيء المأتي به حكمه حكم الشك في الإتيان،بل هو هو لأن مرجعه إلى الشك في وجود الشيء الصحيح (1) .و محل الكلام ما لا يرجع فيه الشك إلى الشك في ترك بعض ما يعتبر في الصحة (2) ،كما (1)لكن الإرجاع المذكور خلاف ظاهر الأدلة الآتية،فإن ظاهر مثل قوله عليه السّلام:

«كلما مضى من صلاتك و طهورك فذكرته تذكرا فأمضه،كما هو...»هو عدم الاعتناء بالشك في صحة ما وقع بالبناء على الصحة،لا عدم الاعتناء بالشك في وجود الصحيح بالبناء على وقوع الصحيح.

مع أن الإرجاع المذكور لا ينفع إلا مع فرض التجاوز عن محل الإتيان بالشيء الصحيح،كما لو شك في صحة الصلاة بعد خروج الوقت،أما مع عدمه،فلا مجال لجريان القاعدة لعدم تحقق موضوعها بالإضافة إليه و إن تحقق موضوعها بالإضافة إلى الصحة،لأن محل الصحة هو الفعل الواقع المجهول الحال،فيصدق المضي بالإضافة إلى الصحة بالفراغ عنه و لا يصدق بالإضافة إلى نفس وقوع الصحيح، لبقاء وقته و محله.فلاحظ.

(2)إذ في مثل ذلك يكفي جريان القاعدة بالإضافة إلى المشكوك،فلا يحتاج معه إلى التعبد بالصحة،كما لو كان منشأ الشك في صحة الصلاة هو احتمال ترك الركوع، فإن إحراز الركوع بالقاعدة حاكم بصحة الصلاة بلا حاجة إلى إحراز الصحة.

ص: 110

لو (1) شك في تحقق الموالات المعتبرة في حروف الكلمة (2) أو كلمات الآية.

لكن الإنصاف أن الإلحاق لا يخلو عن إشكال،لأن الظاهر من أخبار الشك في الشيء اختصاصها بغير هذه الصورة (3) .إلا أن يدعى (1)تمثيل للنفي الذي هو محل الكلام.

(2)فإن الموالاة المذكورة ليست من الشروط الشرعية حتى يمكن إحرازها لإثبات صحة الكلمة-بناء على ما سبق في الموضع الخامس-بل هي شرط لتحقق الكلمة عرفا،فإحرازها لا يحرز الكلمة إلا بناء على الأصل المثبت.

و بعبارة أخرى:ليست الموالاة أمرا زائدا على أصل وجود الكلمة مأخوذا شرطا في صحتها،كالطهارة في الصلاة،بل هي مقومة لصدق الكلمة و لتحققها، فاحرازها لا يقتضي صحة الكلمة،بل يستلزم وجودها،فلا ينفع إلا بناء على الأصل المثبت،بل لا بد من إجراء القاعدة في نفس الكلمة لإحراز وجودها.

لكن على هذا لا يكون الشك المذكور راجعا إلى الشك في صحة الموجود،بل شك في وجود الجزء بمفاد كان التامة،كما لو دار الأمر بين أن يكون قد نطق بالكلمة أو تنحنح،فإنه خارج عما نحن فيه،و ليس الشك فيه في صحة الموجود،بل في وجود الجزء،كما لعله يظهر بالتأمل.

فالظاهر أن أثر الكلام فيما نحن فيه إنما يظهر في الشك في الجزء الأخير،الذي لا يصدق مضيه بالفراغ عن المركب،لعدم فوات الموالاة أو لعدم اعتبارها،كما في الغسل،فإنه لا مجال حينئذ لإجراء القاعدة بالإضافة إلى الجزء،و إنما يمكن إجزاؤها بالإضافة إلى المركب المفروض عدم الشك في وجوده،بل في صحته،فيبتني على ما يذكر هنا.فلاحظ.

(3)لما ذكرنا في الموضع الثاني من أن ظاهر الشك في الشيء الشك في وجوده لا في صحته.لكن لا موقع للإشكال من هذه الجهة لو فرض إرجاع الشك فيما

ص: 111

تنقيح المناط،أو يستند فيه إلى بعض ما يستفاد منه العموم،مثل موثقة ابن أبي يعفور (1) .أو يجعل أصالة الصحة في فعل الفاعل المريد للصحيح أصلا برأسه.و مدركه ظهور حال المسلم.

قال فخر الدين في الإيضاح في مسألة الشك في بعض أفعال الطهارة:

«إن الأصل في فعل العاقل المكلف الذي يقصد براءة ذمته بفعل صحيح و هو يعلم الكيفية و الكمية الصحة»انتهى.

و يمكن استفادة اعتباره من عموم التعليل المتقدم (2) في قوله:«هو نحن فيه للشك في وجود الشيء،من حيث رجوعه إلى الشك في وجود الصحيح، كما ذكره المصنف قدّس سرّه.

مضافا إلى أنه لا بد من رفع اليد عن الإشكال المذكور بملاحظة بعض النصوص المتضمنة لعنوان الفراغ،و بعضها الذي لم يؤخذ فيه الشك في الشيء، مثل:«كلما مضى من صلاتك و طهورك...»،فإن ظاهر المضي فيه مضيه بنفسه فيكون ظاهرا في المفروغية عن أصل وجوده،لا مضي محله حتى يجتمع مع الشك في أصل وجوده،كما ذكرنا ذلك عند الكلام في الموضع الأول.و قد تقدم ما يتعلق بالمقام في أوائل الكلام في هذه القاعدة.فراجع.

(1)موثقة ابن أبي يعفور مختصة بحسب موردها في الشك في الصحة بناء على حملها على الشك في الوضوء بعد الفراغ عنه لا في أجزاء الوضوء.فراجع ما تقدم في الموضع الأول.

(2)عرفت الإشكال في كونه تعليلا صالحا لتعميم الحكم أو تخصيصه.نعم لا حاجة في استفادة الحكم من الحديث إلى عموم التعليل،بل هو نص فيه بحسب مورده،إذ السؤال فيه عن الشك في الوضوء بعد الفراغ عنه،فمورده الشك في صحة الموجود لا وجود الصحيح.

ص: 112

حين يتوضأ أذكر منه حين يشك،فإنه بمنزلة صغرى لقوله:فإذا كان أذكر فلا يترك ما يعتبر في صحة عمله الذي يريد به إبراء ذمته،لأن الترك سهوا خلاف فرض الذكر (1) ،و عمدا خلاف إرادة الإبراء.

(1)يعني:الذي عبدنا الشارع به بمقتضى قوله:«هو...أذكر».

ص: 113

الموضع السابع
المراد من الشك في موضوع هذه القاعدة

الظاهر أن المراد بالشك في موضوع هذا الأصل هو الشك الطارئ بسبب الغفلة عن صورة العمل.

فلو علم كيفية غسل اليد و أنه كان بارتماسها في الماء،لكن شك في أن ما تحت خاتمه ينغسل بالارتماس أم لا (1) ،ففي الحكم بعدم الالتفات وجهان،من إطلاق بعض الأخبار.و من التعليل بقوله:«هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك»فإن التعليل يدل على تخصيص الحكم بمورده مع عموم السؤال،فيدل على نفيه عن غير مورد العلة (2) .

(1)لا يخفى أن هذا ليس مثالا لما فرضه المصنف قدّس سرّه من انحفاظ صورة العمل،فإن غسل ما تحت الخاتم من عمله و ليس هو معلوما له.و إنما يصح التمثيل له بما إذا علم بالصلاة إلى جهة معينة و شك في أنها القبلة،أو علم بالصلاة تماما و شك في كونه حاضرا بنحو الشبهة الموضوعية،و نحو ذلك مما لا يرجع فيه الإجمال إلى العمل،و إنما يرجع إلى بعض الجهات المقارنة له،كالقبلة و الأمر و نحوها.نعم لو كان المعيار في التفصيل هو العلم بالغفلة حين العمل عن جهة الشك كان التمثيل له بما ذكره في محله،و سيأتي الكلام في ذلك.

(2)لم يتضح من الرواية أنه وارد مورد التعليل الذي يدور الحكم مداره وجودا أو عدما بل لعل ذكره للتنبيه إلى بعض الجهات التي تردع عن الاعتناء

ص: 114

بالشك المذكور،فهو أشبه بالحكمة التي يوجب الالتفات إليها وضوح الحكم في نفس السائل،نظير ما ورد في تقريب حجية اليد من قوله عليه السّلام:«و إلا لم يبق للمسلمين سوق»أو لبيان العلة غير المنحصرة التي يمكن أن يخلفها غيرها،و لذا لو فرض ورود تعليل آخر بنفس اللسان لم يكن بينهما تناف و لا ظهور له في بيان العلة المنحصرة التي ينتفي الحكم بانتفائها و التي لا يمكن أن تخلفها علة أخرى.

فالمقام نظير أن يسأل عن الرمان فيقال:الحامض ضار،فإنه لا يدل على انحصار العلة بالحموضة،و لذا لو قيل في جواب آخر:البارد ضار،لم يكن منافيا للأدلة،فلا يصلح لتقييد العمومات أو الإطلاقات،و ليس هو مثل قولنا:لا تأكل الرمان لأنه حامض،في ظهوره في انحصار العلة و لزوم الخروج به عن العمومات أو الإطلاقات.

و قد أشار سيدنا الأعظم قدّس سرّه في المسألة السادسة و الخمسين من ختام خلل الصلاة في مستمسكه إلى تقريب عدم صلوح التعليل لتقييد الإطلاقات بوجه لا بأس بالاطلاع عليه لعله راجع إلى بعض ما ذكرناه.فراجع.

و الحاصل:أن التأمل في لسان التعليل قاض بعدم نهوضه للتصرف في عموم بقية النصوص أو إطلاقها،و لا سيما مع كثرتها و شدة التأكيد على العموم فيها و مناسبته للارتكازيات العقلائية في المقام.

و أما دعوى:أن منشأ بناء العقلاء على مضمون القاعدة هو أن الدخول في المركب لما كان ملازما لقصد جميع ما يعتبر فيه ضمنا ارتكازا فظاهر حال المكلف عمله على طبق قصده الارتكازي و عدم تخلفه عنه لغفلة و نحوها،و ذلك لا يشمل ما لو علم بغفلته عن جهة الشك حين العمل.

فمندفعة:بأنه ليس في النصوص المطلقة على كثرتها الإشارة إلى الارتكاز المذكور،بل ظاهرها إرادة عدم الاعتناء بالشك فيما مضى،و هذا أمر ارتكازي آخر

ص: 115

أعم من الأول موردا مخالف له منشأ.

و لا سيما بملاحظة تطبيق العموم على مثل الأذان و الإقامة مما لا يعتبر في الصلاة فلا يكون قصدها ملازما لقصده ارتكازا إلا في حق المتعود عليه مع عدم التقييد فيها بالعادة.

نعم التعليل بأنه أذكر يناسب الأول،إلا أنه لا مجال للخروج به من ظاهر الاطلاقات الكثيرة كما عرفت.

و يتضح ما ذكرنا من العموم بملاحظة حسن الحسين بن أبي العلاء:«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الخاتم إذا اغتسلت.قال عليه السّلام:حوله من مكانه.و قال عليه السّلام في الوضوء:تدره،فإن نسيت حتى تقوم في الصلاة فلا آمرك أن تعيد الصلاة».

و دعوى:أنها واردة لبيان عدم وجوب تحويل الخاتم و إدارته و شرطيتها في الطهارة بحيث يقتضي بطلانها بتركهما واقعا لا من حيث احتمال عدم وصول الماء لما تحته-ليكون مما نحن فيه-بعيدة جدا،لعدم المنشأ لاحتمال اشتراط الطهارة بالتحويل و الإدارة حتى يسأل عنها.بل الظاهر أن المنشأ احتمال عدم وصول الماء بدونهما،كما يناسبه ما في صحيحة بن جعفر من أن تحريك السوار و نزع الخاتم لإيصال الماء إلى ما تحتهما.

و دعوى:أن ذلك لا يناسب خصوصية التحويل و الإدارة،كما هو ظاهر حسن الحسين،بل لا يقتضي الاكتفاء بإيصال الماء بأي وجه كان.

مدفوعة:بأن ذكرهما ليس لخصوصيتهما،بل من حيث كونهما مقدمة لإيصال الماء و لو بقرينة صحيحة ابن جعفر.فراجع ما ذكره بعض مشايخنا في المقام و تأمل جيدا.

ثم إن مقتضى الارتكاز المشار إليه المطابق للتعليل بأنه أذكر لو تم عدم جريان القاعدة مع العلم بالغفلة حين العمل عن جهة الشك و لو مع الجهل بكيفية العمل و عدم انخفاض صورته،كما لو علم بغفلته عن الموالاة أو إطلاق الماء المستعمل

ص: 116

عدم الفرق بين أن يكون المحتمل الترك نسيانا أو تعمدا

نعم لا فرق بين أن يكون المحتمل ترك الجزء نسيانا أو تركه تعمدا (1) ،و التعليل المذكور بضميمة الكبرى المتقدمة يدل على نفي الاحتمالين.

و لو كان الشك من جهة احتمال وجود الحائل على البدن ففي شمول في الوضوء ثم احتمل اشتمال وضوئه عليهما.و هو أجنبي عما ذكره المصنف قدّس سرّه من عدم جريان القاعدة مع حفظ صورة العمل،بل مع الغفلة عنه،بل لو فرض حفظ صورة العمل إلا أنه احتمل الالتفات حين العمل لجهة الشك و إحرازها تعين جريان القاعدة لعموم التعليل بأنه أذكر،كما لو علم بأنه صلى لجهة معينة و احتمل وقوع صلاته بعد الفحص عن القبلة لا غفلة عنها.

و بالجملة:المعيار في التعليل المذكور على احتمال الالتفات حين العمل إلى جهة الشك و عدمه،لا على ما ذكره المصنف قدّس سرّه من انحفاظ صورة العمل و عدمه، كما قد يظهر بالتأمل،ثم إنه لو علمت صورة العمل و شك في صحته لاشتباه الحكم الشرعي،فلا إشكال ظاهرا في عدم جريان القاعدة،لأن المنصرف منها التعبد بمطابقة المأتي به للمشروع لا التعبد بمطابقة التشريع للمأتي به.

(1)لا يخفى أن الترك العمدي خلاف ظاهر الاستمرار في العمل،و لا يتحقق معه الفراغ،لغرض الاستمرار و الفراغ أمارة على عدم الترك العمدي.

نعم قد يكون الاستمرار و الفراغ المذكورين للغفلة عن الترك العمدي، إلا أنه خلاف الظاهر لا يعول عليه مع إطلاق نصوص المقام حتى التعليل بأنه أذكر.إلا أن يدعى أن التعليل بالأذكرية لنفي السهو في نفس المشكوك،لا لنفي السهو في الاستمرار و نحوه و إن كان أمارة على الإتيان بالمشكوك و المفروض أنه لا يحتمل السهو في المشكوك حتى يصلح التعليل لنفيه.و كيف كان فيكفي إطلاق بقية النصوص التي عرفت أنه لا مجال للخروج عنها.فلاحظ.

ص: 117

الأخبار له الوجهان (1) .

نعم قد يجري هنا أصالة عدم الحائل،فيحكم بعدمه حتى لو لم يفرغ عن الوضوء،بل لم يشرع في غسل موضع احتمال الحائل (2) ،لكنه من الأصول المثبتة،و قد ذكرنا بعض الكلام في ذلك في بعض الأمور المتقدمة.

(1)أما مع احتمال الالتفات إلى غسل البشرة و إلى وجود الحائل حين العمل فلا ينبغي الإشكال في جريان القاعدة،لعموم الأخبار حتى التعليل المشار إليه.و أما مع العلم بالغفلة عنه و أنه لم يصلح منه إلا إمرار اليد و المسح بها مثلا فهو نظير الشك في وصول الماء إلى ما تحت الخاتم اتفاقا من دون قصد في ابتنائه على ما سبق.

(2)فيبني على عدم الحائل و يكتفي بالمسح على الموضع المذكور.

ص: 118

المسألة الثالثة
اشارة

في أصالة الصحة في فعل الغير

و هي في الجملة من الأصول المجمع عليها فتوى و عملا بين المسلمين،فلا عبرة في موردها بأصالة الفساد (1) المتفق عليها عند الشك.

إلا أن معرفة مواردها،و مقدار ما يترتب عليها من الآثار،و معرفة حالها عند مقابلتها لما عدا أصالة الفساد من الأصول (2) ،يتوقف على بيان مدركها من الأدلة الأربعة .

مدرك أصالة الصحة

و لا بد من تقديم ما فيه إشارة إلى هذه القاعدة في الجملة من الكتاب و السنة.

أما الكتاب فمنه آيات:

(1)الراجعة إلى استصحاب عدم ترتب الأثر.

(2)كالأصول الموضوعية السابقة على أصالة الفساد رتبة الحاكمة عليها، كأصالة عدم بلوغ العاقد،و عدم إذن المالك.

ص: 119

الاستدلال بالآيات و المناقشة فيه

منها:قوله تعالى: وَ قُولُوا لِلنّٰاسِ حُسْناً بناء على تفسيره بما عن الكافي من قوله عليه السّلام:«لا تقولوا إلا خيرا حتى تعلموا ما هو»و لعل مبناه (1) على إرادة الظن و الاعتقاد من القول.

و منها:قوله تعالى: اِجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ فإن ظن السوء إثم (2) ،و إلا لم يكن شيء من الظن إثما.

و منها:قوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ بناء على أن الخارج عن عمومه ليس ما علم فساده،لأنه المتيقن،و كذا قوله تعالى: إِلاّٰ أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ.

(1)يعني:مبنى التفسير في الرواية.فإن المنسبق بدوا من الآية الشريفة إرادة القول الحسن فيكون المراد به ما يناسب الخلق الحسن و جميل العشرة و لا يناسب كل الكلام،إلا أن ظاهر لرواية إرادة حمل الفعل على الحسن حتى يتضح حاله،كما يشهد به قوله عليه السّلام:«حتى تعلموا ما هو»،فهو راجع إلى الظن أو الاعتقاد،كما ذكره المصنف قدّس سرّه فيناسب ما نحن فيه.

لكن الحمل على الظن لا ينفع ما يثبت حجيته،بل الأمر به لا يقتضي حصوله، و منه يظهر الإشكال في الحمل على الاعتقاد،فإن الأمر بالاعتقاد لا يقتضي حصوله إلا بناء على عدم ملازمته الاعتقاد للعلم،و حينئذ فلا دليل على حجيته أيضا.

اللهم إلا أن يقال:الأمر بالظن و الاعتقاد بشيء كناية عن لزوم العمل عليه.

فالعمدة:أن ظاهر الحديث إرادة حسن الظن بالناس في أفعالهم في قبال اتهامهم،لا حمل فعلهم على الصحة و التمامية بالنحو الذي هو محل الكلام،كما سيأتي في الجواب عن الأخبار.

(2)لكن التوقف في صحة العمل الواقع من الغير لاحتمال خطئه لا ينافي حسن الظن به،و ليس من ظن السوء،نظير ما تقدم في الآية الأولى.

ص: 120

و الاستدلال به يظهر من المحقق الثاني،حيث تمسك في مسألة بيع الراهن،مدعيا بسبق إذن المرتهن و أنكر المرتهن بأن (1) الأصل صحة البيع و لزومه و وجوب الوفاء بالعقد.

لكن لا يخفى ما فيه من الضعف (2) .

و أضعف منه دعوى دلالة الآيتين الأوليين (3) .

و أما السنة:

الاستدلال بالأخبار

فمنها:ما في الكافي عن أمير المؤمنين عليه السّلام:«ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يقلك عنه،و لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءا و أنت تجد لها في الخير سبيلا».

و منها:قول الصادق عليه السّلام لمحمد بن الفضل:«يا محمد كذب سمعك (1)متعلق بقوله:«تمسك».

(2)أما بناء على أن العقد الفاسد-كالفضولي-خارج عن عموم وجوب الوفاء تخصصا فلأن احتمال الفساد في العقد موجب لكون التمسك بالعموم فيه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية من طرف العام الذي لا شبهة في بطلانه.

و أما بناء على انه خارج تخصيصا فلكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية من طرف الخاص الذي هو خلاف التحقيق.

و لا سيما مع كون مقتضى الأصل الموضوعي الفساد،كما في الفضولي في الفرض،لأصالة عدم الإذن في زمان البيع غير المعارضة بأصالة عدم البيع في زمان الإذن لعدم الأثر،فإن الأصل الموضوعي المحرز لعنوان الخاص يكون حاكما على العموم و مانعا من الرجوع إليه بلا إشكال ظاهر.فلاحظ.

(3)لما تقدم عند الكلام فيهما.

ص: 121

و بصرك عن أخيك،فإن شهد عندك خمسون قسامة،أنه قال،و قال:لم أقل فصدقه و كذبهم».

و منها:ما ورد مستفيضا:أن المؤمن لا يتهم أخاه،و أنه إذا اتهم أخاه انماث الإيمان في قلبه كانمياث الملح في الماء،و أن من اتهم أخاه فلا حرمة بينهما،و أن من اتهم أخاه فهو ملعون ملعون،إلى غير ذلك من الأخبار المشتملة على هذه المضامين أو ما يقرب منها.

المناقشة في دلالة الأخبار

هذا و لكن الإنصاف عدم دلالة هذه الأخبار إلا على أنه لا بد من أن يحمل ما يصدر من الفاعل على الوجه الحسن عند الفاعل،و لا يحمل على الوجه القبيح عنده (1) ،و هذا غير ما نحن بصدده،فإنه إذا فرض دوران العقد الصادر منه بين كونه صحيحا أو فاسدا لا على وجه قبيح، بل فرضنا الأمرين في حقه مباحا (2) ،كبيع الراهن بعد رجوع المرتهن عن الإذن واقعا أو قبله،فإن الحكم بأصالة عدم ترتب الأثر على البيع مثلا لا يوجب خروجا عن الأخبار المتقدمة الآمرة بحسن الظن بالمؤمن في المقام،خصوصا إذا كان المشكوك فعل غير المؤمن (3) ،أو فعل المؤمن الذي يعتقد بصحة ما هو الفاسد عند الحامل.

(1)بل ليس مفادها إلا لزوم حمله على كونه قاصدا للخير بعيدا عن الشر و التمرد و العصيان،و لا ينافي ذلك وقوعه في خلاف الشرع خطأ،و لعل هذا مراد المصنف قدّس سرّه.

(2)يكفي في عدم التمرد-الذي عرفت حمل الأخبار عليه-وقوعه في الحرام غفلة.

(3)لخروجه عن الأخبار موضوعا،و عموم ما يقتضي الفساد له.

ص: 122

ثم لو فرضنا أنه يلزم من الحسن ترتيب الآثار و من القبيح عدم الترتيب-كالمعاملة المرددة بين الربوية و غيرها-لم يلزم من الحمل على الحسن بمقتضى تلك الأخبار الحكم بترتب الآثار،لأن مفادها الحكم بصفة الحسن في فعل المؤمن،بمعنى عدم الجرح في فعله،لا ترتيب جميع آثار ذلك الفعل الحسن.أ لا ترى أنه لو دار الأمر بين كون الكلام المسموع من مؤمن بعيد سلاما أو تحية أو شتما لم يلزم من الحمل على الحسن وجوب رد السلام.

مما يؤيد عدم الدلالة أيضا

و مما يؤيد ما ذكرنا جمع الإمام عليه السّلام في رواية محمد بن الفضل بين تكذيب خمسين قسامة-أعني البينة العادلة-و تصديق الأخ المؤمن،فإن مما لا يمكن إلا بحمل تصديق المؤمن على الحكم بمطابقة الواقع،المستلزم لتكذيب القسامة بمعنى المخالفة للواقع مع الحكم بصدقهم في اعتقادهم، لأنهم أولى بحسن الظن بهم من المؤمن الواحد،فالمراد من تكذيب السمع و البصر تكذيبهما فيما يفهمان من ظواهر بعض الأفعال من القبح (1) ، كما إذا رأى شخصا ظاهر الصحة يشرب الخمر في مجلس يظن أنه مجلس الشرب.

و كيف كان فعدم وفاء الأخبار بما نحن بصدده أوضح من أن يحتاج إلى البيان،حتى المرسل الأول بقرينة ذكر الأخ (2) ،و قوله:«و لا تظنن..

(1)بل الظاهر من ذكرهما إرادة المبالغة لبيان لزوم الحمل على الحسن بأدنى احتمال و لو كان بعيدا جدا.

(2)فإن المناسب لحرمته حمله على عدم كونه متعمدا للمخالفة،لا الحكم

ص: 123

الخبر» (1) .

و مما يؤيد ما ذكرنا أيضا ما ورد في غير واحد من الروايات من عدم جواز الوثوق بالمؤمن كل الوثوق،مثل:

رواية عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«و لا تثقن بأخيك كل الثقة،فإن صرعة الاسترسال لا تستقال».

و ما في نهج البلاغة:«إذا استولى الصلاح على الزمان و أهله ثم أساء رجل الظن برجل لم يظهر منه خزيه فقد ظلم،و إذا استولى الفساد على الزمان و أهله ثم أحسن رجل الظن برجل فقد غر».

و في معناه قول أبي الحسن عليه السّلام في رواية محمد بن هارون الجلاب:«إذا كان الجور أغلب من الحق لا يحل لأحد أن يظن بأحد خيرا حتى يعرف ذلك منه».إلى غير ذلك بما يجده المتتبع.

فإن الجمع بينها و بين الأخبار المتقدمة يحصل بأن يراد من الأخبار ترك ترتيب آثار التهمة و الحمل على الوجه الحسن من حيث مجرد الحسن و التوقف فيه من حيث ترتيب ساير الآثار (2) .

بإصابته للواقع.مضافا إلى عدم اختصاص أصالة الصحة بالأخ المؤمن.

(1)فإن إطلاق الظن ينصرف إلى الاتهام،لا إلى احتمال المخالفة لا عن عمد،بل خطأ أو غفلة أو لنحوهما.

(2)هذا قد يتم في الرواية الأولى دون الأخيرتين،لما هو المعلوم من أن عدم جواز ترتيب آثار الصحة الواقعية لا يختص بحال غلبة الفساد،بل يجري مع غلبة الصلاح،بل مع العلم بصلاح الشخص،كما في القسامة المفروض فيها العدالة،فإنه

ص: 124

و يشهد له (1) ما ورد من أن المؤمن لا يخلو عن ثلاثة:الظن و الحسد و الطيرة،فإذا حسدت فلا تبغ،و إذا ظننت فلا تحقق،و إذا تطيرت فامض».

الثالث:الإجماع القولي و العملي.

الاستدلال بالإجماع القولي

أما القولي فهو مستفاد من تتبع فتاوى الفقهاء في موارد كثيرة، فإنهم لا يختلفون في أن قول مدعي الصحة في الجملة مطابق للأصل،و إن اختلفوا في ترجيحه على ساير الأصول (2) كما ستعرف.

الاستدلال بالإجماع العملي

و أما العملي فلا يخفى على أحد أن سيرة المسلمين في جميع الأعصار لا يصح ترتيب آثار الصحة الواقعية إلا في مورد الشهادة،كما لا يخفى.فالظاهر أن الخبرين السابقين لو تما كانا مخصصين للأخبار السابقة لظهورهما في الردع عن حسن الظن بالمعنى المذكور في تلك الروايات مع استيلاء الفساد على الزمان.

فإن قلت:ظاهر ذكر التغرير أن الردع من حيث ترتيب الأثر على حسن الظن و العمل عليه الموجب للمخاطر،لا من حيث هو،إذ لا تغرير بمجرد حسن الظن من دون عمل.

قلت:البناء على حسن الظن بالشخص و الاستمرار عليه و لو مع عدم ترتيب الأثر يوجب الركون إليه و الغفلة عن شطحاته لأجل الوثوق به،و هذا قد يوجب القبول منه بحسب صرف الطبع،و هو تغرير.

(1)لم يظهر وجه الشهادة.نعم قد يستظهر من لزوم ذلك للمؤمن أنه لا بأس به و ليس محرما.لكنه لا ينفع فيما نحن فيه،لأن لازمه جواز سوء الظن،لا جواز عدم ترتيب آثار الصحة الواقعية مع حسن الظن،كما هو مراد المصنف قدّس سرّه.

فلاحظ.

(2)يعني:غير أصالة الفساد من الأصول المتقدمة عليها رتبة.

ص: 125

على حمل الأعمال على الصحيح و ترتب آثار الصحة في عباداتهم و معاملاتهم، و لا أظن أحدا ينكر ذلك إلا مكابرة.

الاستدلال بالعقل

الرابع:العقل المستقل.

الحاكم بأنه لو لم يبن على هذا الأصل لزم اختلال نظام المعاد و المعاش (1) ،بل الاختلال الحاصل من ترك العمل بهذا الأصل أزيد من الاختلال الحاصل من ترك العمل بيد المسلمين (2) .

مع أن الإمام عليه السّلام قال لحفص بن غياث بعد الحكم بأن اليد دليل الملك و يجوز الشهادة بالملك بمجرد اليد،أنه لو لا ذلك لما قام للمسلمين سوق،فيدل بفحواه على اعتبار أصالة الصحة في أعمال المسلمين.مضافا (1)إن كان المراد به عليته لحفظ النظام بنحو الانحصار بحيث لا يعقل حفظ النظام بغيره من الطرق،فإدراك العقل لذلك في غاية المنع،لتوقف ذلك على التجربة المستوعبة،و هي غير متيسرة،و إن كان المراد قيام النظام العقلي به فهو لا يقتضي حكم العقل بلزوم الرجوع إليه،إذ همّ العقل حفظ النظام بأي وجه اتفق،لا بخصوص نحو خاص،و هو الطريق القائم فعلا.

نعم إذا ثبت ابتناء النظام الفعلي عليه،و علم من الشارع الأقدس إمضاء النظام المذكور و عدم جعله لغيره كشف عن إمضائه له.لكنه حينئذ يرجع إلى الاستدلال بسيرة العقلاء أو المتشرعة،الذي هو عبارة عن بعض وجوه تقرير الإجماع و لم يكن من دليل العقل.فتأمل جيدا.

(2)دعوى الزيادة على مدعيها،فإن لا سبيل لنا إلى معرفة ذلك مع شيوع اليد كثيرا.و من هنا يشكل الاستدلال بالفحوى.مضافا إلى ما يأتي من الإشكال في كون ملاك حجية اليد حفظ النظام.

ص: 126

إلى دلالته بظاهر اللفظ (1) ،حيث إن الظاهر أن كل ما لولاه لزم الاختلال فهو حق (2) ،لأن الاختلال باطل (3) و المستلزم للباطل باطل،فنقيضه (1)الفرق بينه و بين ما قبله أن هذا مبني على ظهور الرواية في العموم المقتضي لحجية أصالة الصحة.و ما قبله مبني على ظهور الرواية في تعليل حجية اليد لا غير و التعدي منه إلى أصالة الصحة من باب التعدي عن منصوص العلة.فلاحظ.

(2)كأنه لدعوى عموم التعليل المقتضي لحجية كل ما يتوقف عليه سوق المسلمين فعلا بسبب اعتمادهم عليه في مقام العمل.

لكن لازم ذلك مشروعية الطرق الجديدة المستحدثة لحفظ نظام السوق لو فرض تبدل حال سوق المسلمين و اعتماده على أمور أخر غير ما كان يعتمد عليه في عصر المعصومين عليهم السّلام مما ظهر منهم عليهم السّلام الرضا به إمضاء أو تأسيسا،بل لو كان ملاك حجية اليد قيام السوق بها لزم عدم حجيتها لو فرض استغناء السوق عنها و اعتماده على طرق أخر.و لا يظن من أحد الالتزام بشيء من ذلك.

و العمدة في ذلك أنه لا ظهور في الرواية في سوق قوله عليه السّلام:«و إلا لما قام للمسلمين سوق»مساق التعليل الذي يدور الحكم مداره وجودا و عدما وسعة و ضيقا،بل من المحتمل سوقه لبيان الفائدة المترتبة على الحكم بحجية اليد،و إن كان الملاك أمرا آخر يختص باليد و لا يجري في غيرها.

بل لا يبعد سوقه مساق الدليل الذي يكون علة للعلم بالحكم لا للحكم نفسه،من حيث أن قيام سوق المسلمين به ملازم لوضوح مشروعية العمل به عندهم الكاشف عن رضا الشارع به و إلا لظهر منه الردع عنه و لم يخف عليهم مع كثرة ابتلائهم به،فهو يشير إلى السيرة التي تقدم الاستدلال بها في المقام أيضا.

فلاحظ.

(3)لا إشكال في بطلان الاختلال مع قطع النظر عن الرواية،كما أن ذلك يقتضي بطلان ما يوجبه.إلا أنه لا دليل على أن إلغاء أصالة صحته يوجب اختلال

ص: 127

حق،و هو اعتبار أصالة الصحة عند الشك في صحة ما صدر عن الغير.

و يشير إليه أيضا ما ورد من نفي الحرج،و توسعة الدين،و ذم من ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم (1) .

النظام،لما سبق من إمكان فرض حفظ النظام بطريق آخر و أنه لا دليل على توقف حفظ النظام بنحو الانحصار على اعتبار أصالة الصحة.

نعم يبعد قيام النظام فعلا بالبناء على الأصل المذكور.لكن ذلك لا يكفي في الاستدلال ما لم يرجع إلى الاستدلال بالسيرة كما تقدم التعرض لذلك.

(1)هذا لا يدل على تعيين ما به يرتفع الحرج و تتحقق السعة و يتجنب عن الضيق،بل هو مجمل من هذه الجهة.إلا أن يتمم الاستدلال بمفروغية المسلمين عن الاعتماد على الأصل المذكور.لكنه دليل مستقل راجع إلى ما سبق مستغن عن هذه الوجوه الظاهرة الضعف.فلاحظ.

ص: 128

و ينبغي التنبيه على أمور
الأول
اشارة

[هل يحمل فعل المسلم على الصحة الواقعية أو الصحة عند الفاعل؟]

أن المحمول عليه فعل المسلم هل الصحة باعتقاد الفاعل،أو الصحة الواقعية.

فلو علم أن معتقد الفاعل اعتقادا يعذر فيه (1) صحة البيع أو النكاح بالفارسي،فشك فيما صدر عنه مع اعتقاد الشاك اعتبار العربية،فهل يحمل على كونه واقعا بالعربي،حتى إذا أدعي عليه أنه أوقعه بالفارسي و ادعى هو أنه أوقعه بالعربي (2) ،فهل يحكم الحاكم المعتقد بفساد الفارسي بوقوعه بالعربي،أم لا؟وجهان بل قولان.

ظاهر المشهور الحمل على الصحة الواقعية

ظاهر المشهور الحمل على الصحة الواقعية،فإذا شك المأموم في أن (1)لم يتضح وجه التقييد بالعذر،بل لو فرض اعتقاده بلا عذر-كما في اعتقاد أكثر أهل الضلال-جرى فيه ما يأتي من الكلام-و سيأتي منه قدّس سرّه ما ظاهره ذلك.

(2)و أولى بالإشكال ما لو ادعى هو أنه أوقعه بالفارسي بعد عدوله عن اعتقاده السابق و موافقته لرأي الحاكم.

ص: 129

الإمام المعتقد لعدم وجوب السورة قرأها أم لا؟جاز له الائتمام به و إن لم يكن له ذلك إذا علم بتركها.

ظاهر بعض المتأخرين الحمل على الصحة باعتقاد الفاعل

و يظهر من بعض المتأخرين خلافه.

قال في المدارك في شرح قول المحقق:«و لو اختلف الزوجان فادعى أحدهما وقوع العقد في حال الإحرام،و أنكر الآخر،فالقول قول من يدعى الإحلال،ترجيحا لجانب الصحة»قال:

«إن الحمل على الصحة إنما يتم إذا كان المدعي لوقوع الفعل في حال الإحرام عالما بفساد ذلك،أما مع اعترافهما بالجهل فلا وجه للحمل على الصحة»انتهى.

و يظهر ذلك من بعض من عاصرناه (1) في أصوله و فروعه،حيث تمسك في هذا الأصل بالغلبة (2) .

بل يمكن إسناد هذا القول إلى كل من استند في هذا الأصل إلى ظاهر حال المسلم-كالعلامة و جماعة ممن تأخر عنه-فإنه لا يشمل إلا (3) (1)قال بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه:«صرح دام ظله في مجلس البحث بأن مراده من بعض من عاصره هو الفاضل القمي...و قد صرح بذلك في القوانين، و هو المراد من الظهور».

(2)إذ الغلبة لو تمت فإنما هي في موافقة موقع المعاملة لاعتقاده،لا للواقع.

(3)في بعض النسخ حذف كلمة(إلا)و لعله الأولى.و عليه فالمراد من اعتقاده الصحة اعتقادها فيما هو فاسد واقعا.

ص: 130

صورة اعتقاد الصحة،خصوصا (1) إذا كان قد أمضاه الشارع لاجتهاد أو تقليد أو قيام بينة أو غير ذلك.

الإشكال في المسألة المذكورة

و المسألة محل إشكال من إطلاق الأصحاب،و من عدم مساعدة أدلتهم.فإن العمدة الإجماع،و لزوم الاختلال (2) .و الإجماع الفتوائي مع ما عرفت (3) مشكل،و العملي في مورد العلم باعتقاد الفاعل للصحة (4) أيضا مشكل.و الاختلال يندفع بالحمل على الصحة في غير المورد المذكور.

و تفصيل المسألة:أن الشاك في الفعل الصادر من غيره:

إما أن يكون عالما بعلم الفاعل (5) بصحيح الفعل و فاسده،و إما أن يكون عالما بجهله.و عدم علمه (6) ،و إما أن يكون جاهلا بحاله.

فإن علم بعلمه بالصحيح و الفاسد فإما أن يعلم بمطابقة اعتقاده لاعتقاد الشاك،أو يعلم مخالفته،أو يجهل الحال.

(1)ظاهره جريان الإشكال فيما لو لم يمضه الشارع أيضا.و لعله ينافي ما سبق من قوله:«اعتقادا يعذر فيه».

(2)يعني:اختلال النظام.لكن عرفت أنه ليس من الأدلة.

(3)يعني:من قصور تعليل بعضهم لجريان الأصل عن صورة العلم بمخالفة اعتقاد موقع المعاملة للواقع.

(4)يعني:فيما هو فاسد واقعا.

(5)المراد منه اعتقاده به،فيعم الجهل المركب.

(6)بأن يعلم بأنه شاك أو غافل.

ص: 131

لا إشكال في الحمل في الصورة الأولى (1) .

و أما الثانية فإن لم يتصادف اعتقادهما بالصحة في فعل،كأن اعتقد أحدهما وجوب الجهر بالقراءة يوم الجمعة و الآخر وجوب الاخفات،فلا إشكال في وجوب الحمل على الصحيح باعتقاد الفاعل (2) .

و إن تصادفا-كمثال العقد العربي و الفارسي (3) -فإن قلنا إن العقد بالفارسي منه سبب لترتب الآثار عليه من كل أحد حتى المعتقد بفساده فلا ثمرة في الحمل على معتقده الحامل و الفاعل (4) ،و إن قلنا بالعدم-كما هو الأقوى-ففيه الإشكال المتقدم من تعميم الأصحاب في فتاواهم و في بعض معاقد إجماعاتهم على تقديم قول مدعي الصحة،و من اختصاص الأدلة بغير هذه الصورة.

و إن جهل الحال (5) فالظاهر الحمل لجريان الأدلة.بل يمكن جريان الحمل على الصحة في اعتقاده،فيحمل على كونه (6) مطابقا لاعتقاد (1)و هي ما لو علم الشاك بمطابقة اعتقاد الفاعل لاعتقاده.

(2)كأنه لظهور حال المسلم في العمل باعتقاده مع التفاته إليه،و أصالة عدم الغفلة منه عن اعتقاده.فتأمل.

(3)بأن كان الشاك يرى اعتبار العربية،و الفاعل يرى الجواز بالوجهين.

(4)للعلم بجواز ترتيب الأثر على عمله على كل حال.

(5)بأن يعلم بتحقق الاعتقاد للفاعل و لا يعلم بمطابقته لاعتقاده و عدمها.

(6)يعني:كون اعتقاد الفاعل مطابقا للواقع الذي يعتقده الحامل فيجري أصل الصحة في الاعتقاد،ثم في عمله و أنه مطابق لاعتقاده الصحيح.

ص: 132

الحامل،لأنه الصحيح (1) .و سيجيء الكلام فيه.

و إن كان عالما بجهله بالحال و عدم علمه بالصحيح و الفاسد (2) ففيه أيضا الإشكال المتقدم،خصوصا إذا كان جهله مجامعا للتكليف بالاجتناب،كما إذا علمنا أنه أقدم على بيع أحد المشتبهين بالنجس،إلا أنه يحتمل أن يكون قد اتفق المبيع غير نجس.

و كذا إن كان جاهلا بحاله (3) .إلا أن الإشكال في بعض هذه الصور أهون منه في بعض،فلا بد من التتبع و التأمل (4) .

(1)يعني:لأنه الاعتقاد الصحيح بنظر الحامل.

(2)بأن علم بشكه أو غفلته،لا بخطئه في اعتقاده،لأنه داخل فيما سبق.

(3)بأن لا يعلم بحصول الاعتقاد له،و يحتمل غفلته أو شكه.لكن لا ينبغي الإشكال في جريان أصالة الصحة هنا،لظهور حال المسلم في عدم عمله من غير بصيرة.بل لو بني على التوقف هنا لزم الهرج و المرج،إذ لا طريق لمعرفة حال الناس من حيث كونهم عارفين بالأحكام أو لا.كما لعله ظاهر.

(4)لا يخفى أن الإشكال في ذلك موجب لامتناع جريان الأصل في حق المخالفين لكثرة مخالفتهم لنا في الفروع،و هو مما يقطع ببطلانه،لكثرة الابتلاء بهم في عصور المعصومين عليهم السّلام،و لو كلفنا بالاجتناب عنهم لما خفي ذلك.فلا ينبغي الإشكال في جريان الأصل في جميع الصور.

نعم مع العلم بمخالفة اعتقاد الفاعل لاعتقاد الشاك بنحو لا جامع بينهما، كما لو اعتقد أحدهما وجوب الجهر و الآخر وجوب الاخفات،يشكل البناء على الصحة،لعدم شيوع الصورة المذكورة حتى يعلم حال المسيرة فيها.

هذا كله مع عدم التداعي،و أما معه فلا يخلو الرجوع إلى الأصل في بعض الصور عن الإشكال.و إن كان البناء على جريان الأصل قريبا.

ص: 133

الأمر الثاني
اشارة

[هل يعتبر في جريان أصالة الصحة في العقود استكمال أركان العقد؟]

أن الظاهر من المحقق الثاني أن أصالة الصحة إنما يجري في العقود بعد استكمال العقد للأركان (1) .

قال في جامع المقاصد فيما لو اختلف الضامن و المضمون له،فقال الضامن:ضمنت و أنا صبي،بعد ما رجح تقديم قول الضامن ما هذا لفظه:

كلام المحقق الثاني قدّس سرّه في باب الضمان و غيره من أبواب الفقه

فإن قلت:للمضمون له أصالة الصحة في العقود،و ظاهر حال (1)لا يخفى أن عبارة جامع المقاصد و إن تضمنت الأركان،إلا أنها واردة في الشك في البلوغ،و البلوغ ليس من الأركان بل من الشروط.و أما الأركان فهي التي يقوم بها العقد،كالقصد و العوضين في البيع و لا يظن من أحد الالتزام بجريان أصالة الصحة بنحو يقتضي إحراز شيء منها،كما يأتي فيما مثل به من الفراغ في كون المبيع هو الحر أو العبد.

و الحاصل:أن الاستشهاد على عدم إحراز الأصل للبلوغ بأن الأصل لا يجري مع الشك في الأركان في غير محله.فلاحظ.

ص: 134

البالغ أنه لا يتصرف باطلا

قلنا:إن الأصل في العقود الصحة بعد استكمال أركانها،ليتحقق وجود العقد،أما قبله فلا وجود له،فلو اختلفا في كون المعقود عليه هو الحر أو العبد حلف منكر وقوع العقد على العبد.و كذا الظاهر (1) إنما يتم مع الاستكمال المذكور لا مطلقا»انتهى.

و قال في باب الإجارة ما هذا لفظه:

كلام العلامة قدّس سرّه في القواعد

«لا شك في أنه إذا حصل الاتفاق على حصول جميع الأمور المعتبرة في العقد،من الإيجاب و القبول من الكاملين،و جريانهما على العوضين المعتبرين،و وقع الاختلاف في شرط مفسد فالقول قول مدعى الصحة بيمينه،لأنه الموافق للأصل،لأن الأصل عدم ذلك المفسد،و الأصل في فعل المسلم الصحة.

أما إذا حصل الشك في الصحة و الفساد في بعض الأمور المعتبرة و عدمه فإن الأصل لا يثمر هنا،فإن الأصل عدم السبب الناقل.و من ذلك ما لو ادعى أني اشتريت العبد،فقال:بعتك الحر»انتهى.

و يظهر هذا من بعض كلمات العلامة.قال في القواعد:

«لا يصح ضمان الصبي و لو أذن له الولي،فإن اختلفا قدم قول الضامن،لأصالة براءة الذمة و عدم البلوغ،و ليس لمدعي الصحة أصل يستند إليه،و لا ظاهر يرجع إليه،بخلاف ما لو ادعى شرطا فاسدا،لأن (1)يعني:ظهور حال المسلم،الذي عرفت من بعضهم الاستشهاد به لجريان الأصل.

ص: 135

الظاهر أنهما لا يتصرفان باطلا.و كذا البحث فيمن عرف له حالة جنون» انتهى.

و قال في التذكرة:

«لو ادعى المضمون له أن الضامن ضمن بعد البلوغ،و قال الضامن:بل ضمنت لك قبله،فإن عينا له وقتا لا يحتمل بلوغه فيه قدم قول الصبي... (1) إلى أن قال:و إن لم يعينا وقتا له فالقول قول الضامن بيمينه.و به قال الشافعي،لأصالة عدم البلوغ (2) .و قال أحمد:القول قول المضمون له،لأن الأصل صحة الفعل و سلامته،كما لو اختلفا في شرط مبطل.

و الفرق:أن المختلفين في الشرط المفسد يقدم فيه قول مدعي الصحة، لاتفاقهما على أهلية التصرف،إذ من له أهلية التصرف لا يتصرف إلا تصرفا صحيحا فكان القول قول مدعي الصحة،لأنه مدع للظاهر،و هنا اختلفا في أهلية التصرف،فليس مع من يدعي الأهلية ظاهر يستند إليه، و لا أصل يرجع إليه.و كذا لو ادعى أنه ضمن بعد البلوغ و قبل الرشد» انتهى موضع الحاجة.

(1)هذا ليس من باب الاعتماد على الأصل،بل على الإقرار،لاعتراف المضمون له بوقوع الضمان في الوقت الذي يتفقان فيه على عدم بلوغ الضامن المستلزم لفساد الضمان.

(2)يعني:أصالة عدم البلوغ حين العقد.و لا يعارضهما أصالة عدم العقد إلى حين البلوغ،لعدم الأثر،لأنه لا يثبت وقوع العقد بعد البلوغ إلا بناء على الأصل المثبت.

ص: 136

و لكن لم يعلم الفرق بين دعوى الضامن الصغر و بين دعوى البائع إياه،حيث صرح المحقق الثاني و العلامة بجريان أصالة الصحة،و إن اختلفا بين من عارضها بأصالة عدم البلوغ و بين من ضعف هذه المعارضة (1) .

و قد حكي عن قطب الدين أنه اعترض على شيخه العلامة في مسألة الضمان بأصالة الصحة،فعارضها بأصالة عدم البلوغ (2) ،و بقي أصالة البراءة سليمة عن المعارض.

الأقوى التعميم و عدم اعتبار استكمال الأركان

أقول:و الأقوى بالنظر إلى الأدلة السابقة من السيرة و لزوم الاختلال هو التعميم (3) ،و لذا لو شك المكلف أن هذا الذي اشتراه هل اشتراه في حال صغره بنى على الصحة (4) .و لو قيل:إن ذلك من حيث الشك في (1)فعن العلامة في القواعد فيما لو اختلفا في كون البيع في حال الصبي أنه قال:«احتمل تقديم قول البائع مع يمينه،لأنه مدع للصحة،و تقديم قول المشتري لأصالة البقاء...»و عن جامع المقاصد:«أن الاحتمال الثاني في غاية الضعف،لأن أصالة البقاء مندفعة بالإقرار بالبيع المحمول على البيع الصحيح شرعا،فإن صحته يقتضي عدم بقاء الصبوة فلا يعد معارضا...».

(2)و هذا منه قدّس سرّه نظير ما سبق منه في البيع.

(3)عرفت أن عمدة الأدلة هي المسيرة،و ثبوتها مع الشك في سلطة الفاعل و قدرته على المعاملة محل إشكال أو منع.فتأمل جيدا.

(4)لعل البناء على الصحة في ذلك لقاعدة اليد التي هي حجة مع عدم التداعي،أما مع التداعي فتسقط اليد عن الحجية،لما تقدم في مبحث حجية اليد من أن اليد المسبوقة بيد الغير ليست حجة مع إنكار صاحب اليد الأولى للسبب الناقل.

فلاحظ.

ص: 137

تمليك البائع البالغ و أنه كان في محله أم كان فاسدا،جرى مثل ذلك في مسألة التداعي أيضا.

المناقشة فيما ذكره المحقق الثاني قدّس سرّه

ثم إن ما ذكره جامع المقاصد من أنه لا وجود للعقد قبل استكمال أركانه إن أراد الوجود الشرعي فهو عين الصحة (1) .و إن أراد الوجود العرفي فهو متحقق مع الشك،بل مع القطع بالعدم (2) .

و أما ما ذكره من الاختلاف في كون المعقود عليه هو الحر أو العبد فهو داخل في المسألة المعنونة في كلام القدماء و المتأخرين،و هي ما لو قال:

بعتك بعبد،فقال:بل بحر (3) .فراجع كتب الفاضلين و الشهيدين.

و أما ما ذكره من أن الظاهر (4) إنما يتم مع الاستكمال المذكور لا (1)فأصالة الصحة تحرز الوجود الشرعي،فلا تكون موقوفة على إحرازه في رتبة سابقة.

(2)لكن هذا إنما يتم في مثل البلوغ مما ليس من أركان العقد،و أما أركان العقد-التي أشرنا إليها-فتحقق العقد الخاص مع الشك فيها غير محرز،فلا موضوع معه لأصالة الصحة،فإنها إنما تحرز صحة العقد بعد تحصيل مضمونه،و لا تحرز العقد الخاص.

(3)إن كان الغرض من ذلك هو المطالبة بالعبد فلا يبعد البناء على عدم تحقق الشراء للعبد،لأصالة عدمه بعد كون الشك في ركن العقد و هو أحد العوضين.و إن كان الغرض تصحيح البيع لأجل المطالبة بالبيع فلا يبعد البناء عرفا على صحة بيعه و جواز المطالبة به،لأن موضوع الأثر له مضمون متحصل و يتصف بالصحة عرفا.

فلاحظ.

(4)يعني:ظهور حال العاقد أنه لا يتصرف باطلا.

ص: 138

مطلقا،فهو إنما يتم إذا كان الشك من جهة بلوغ الفاعل و لم يكن هناك طرف آخر معلوم البلوغ يستلزم صحة فعله صحة فعل هذا الفاعل،كما لو شك في أن الإبراء أو الوصية هل صدر منه حال البلوغ أم قبله،أما إذا كان الشك في ركن آخر من العقد-كأحد العوضين-أو في أهلية أحد طرفي العقد فيمكن أن يقال:إن الظاهر من الفاعل في الأول و من الطرف الآخر في الثاني أنه لا يتصرف فاسدا (1) .

نعم مسألة الضمان يمكن أن يكون من الأول إذا فرض وقوعه بغير إذن من المديون و لا قبول من الغريم (2) ،فإن الضمان حينئذ فعل واحد شك في صدوره من بالغ أو غيره و ليس له طرف آخر،فلا ظهور في عدم كون تصرفه فاسدا.

لكن الظاهر أن المحقق لم يرد خصوص ما كان من هذا القبيل (3) ، بل يشمل كلامه الصورتين الأخيرتين (4) .فراجع.نعم يحتمل ذلك في (1)هذا الظهور و إن كان مسلما في الجملة إلا أن الإشكال في حجيته في حق الآخر الذي يشك في أهليته بحيث يلزم بترتيب الأثر في حق نفسه،و هو غير ثابت عرفا بنحو يكون موردا للسيرة التي هي عمدة الدليل في المقام.

(2)المراد به الدائن،فإن الغريم يطلق على الدائن و المدين كما صرح به بعض اللغويين.

(3)بل هذا القبيل ليس موردا للأثر على الظاهر،لعدم صحة الضمان مع عدم قبول الدائن.

(4)يعني:صورة فرض تحقق الإذن من المدين و صورة تحقق القبول من الدائن.لكن الظاهر أن صحة الضمان مشروطة بقبول الدائن،و بها قوام العقد،و أما

ص: 139

عبارة التذكرة.

ثم إن تقديم قول منكر الشرط المفسد ليس تقديم قول مدعى الصحة،بل لأن القول قول منكر الشرط صحيحا كان أو فاسدا لأصالة عدم الاشتراط (1) ،و لا دخل لهذا بحديث أصالة الصحة،و إن كان مؤداه صحة العقد فيما كان الشرط المدعى مفسدا.هذا و لا بد من التأمل و التتبع.

إذن المديون فهو شرط في جواز الرجوع عليه لا في صحة الضمان.و تمام الكلام في محله من كتاب الضمان.

(1)لأن الاشتراط حادث مسبوق بالعدم،فيجري استصحاب عدمه.

ص: 140

الثالث
اشارة

[صحة كل شيء بحسبه و باعتبار آثار نفسه]

أن هذا الأصل إنما يثبت صحة الفعل إذا وقع الشك في بعض الأمور المعتبرة شرعا في صحته،بمعنى ترتب الأثر المقصود منه عليه،فصحة كل شيء بحسبه.

مثلا:صحة الإيجاب عبارة عن كونه بحيث لو تعقبه قبول صحيح لحصل أثر العقد في مقابل فاسده الذي لا يكون كذلك (1) ،كالإيجاب (1)تقدم منه نظير هذا في المسألة الثانية من مسائل الشك في الركنية في التنبيه الأول من تنبيهات الأقل و الأكثر الارتباطيين،حيث ذكر أن صحة الجزء عبارة عن صلوحه لانضمام بقية الأجزاء إليه،و لا تتوقف على تحقق الانضمام خارجا.و قد أشرنا هناك إلى الإشكال في ذلك،لأن الأثر المطلوب من الجزء ليس إلا أثر الكل كما أن الأمر المتعلق بالجزء لا يسقط إلا بحصول الكل،كما هو مقتضى الارتباطية المفروضة،و حينئذ يتعين كون صحة الجزء مراعاة بتمامية المركب،و لا يصح قبل ذلك.

نعم البناء على الصحة في المقام لما لم يدل عليه دليل لفظي حتى يرجع إلى إطلاقه،و إنما قامت عليه السيرة كان اللازم الاقتصار على مقتضاها،و الظاهر أنها

ص: 141

بالفارسي بناء على القول باعتبار العربية،فلو تجرد الإيجاب عن القبول لم يوجب ذلك فساد الإيجاب.

فإذا شك في تحقق القبول من المشتري بعد العلم بصدور الإيجاب من البائع فلا يقضى أصالة الصحة في الإيجاب بوجود القبول،لأن القبول معتبر في العقد لا في الإيجاب.

و كذا لو شك في تحقق القبض في الهبة أو في الصرف أو السلم بعد العلم بتحقق الإيجاب و القبول لم يحكم بتحققه من حيث أصالة صحة العقد.

و كذا لو شك في إجازة المالك لبيع الفضولي لم يصح احرازها بأصالة الصحة.

و أولى بعدم الجريان ما لو كان العقد في نفسه لو خلى و طبعه مبنيا مختصة ببعض الموارد.

و توضيح ذلك:أن الشك في ترتب الأثر تارة:يكون للشك في تمامية المقتضي كما في الشك في القبول أو إجازة عقد الفضولي.

و أخرى:يكون مع إحراز تمامية المقتضي و الشك في شروطه الخارجة عنه المعتبرة في تأثيره كالعربية في العقد و القبض في الهبة و الصرف و السلم و كشروط العوضين و نحوها.

أما الأول فلا إشكال في عدم بناء العرف على الصحة معه،بل المرجع أصالة عدم تحقق الأمر المشكوك.

و أما الثاني فلا يبعد بناؤهم معه على الصحة،سواء كان من الصفات القائمة بالمقتضي غير المقومة له عرفا-كالعربية في العقد-أم من الأمور الخارجة عنه، كالقبض في الهبة و العلم بالعوضين في البيع و نحوها.و إن كان لا بد من التأمل.

ص: 142

على الفساد،بحيث يكون المصحح طاريا عليه،كما لو ادعى بائع الوقف وجود المصحح (1) له.و كذا الراهن أو المشتري من الفضولي إجازة المرتهن و المالك (2) .

مما يتفرع على ما ذكرنا

و مما يتفرع على ذلك أيضا أنه لو اختلف المرتهن الآذن في بيع الرهن و الراهن البائع له بعد اتفاقهما على رجوع المرتهن عن إذنه في تقديم الرجوع على البيع فيفسد،أو تأخره فيصح (3) ،فلا يمكن أن يقال-كما قيل-:

من أن أصالة صحة الإذن يقضى بوقوع البيع صحيحا (4) ،و لا أن أصالة (1)عرفت أنه يعتبر في جريان الأصل إحراز المقتضى،و حيث أن المقتضي لترتب الأثر عرفا هو العقد من السلطان فإن أحرز سلطنة البائع للوقف فالظاهر جريان أصالة الصحة،كما لو كان وليا و كان هو المرجع في البيع و قبله.أما لو لم تحرز السلطنة و ادعى الولاية و الصحة معا فلا مجال للبناء عليها،لعدم إحراز المقتضي.

و على ما ذكرنا يتعين البناء على الصحة لو ادعى بائع الخمر أنه باعه بعد انقلابه خلا و ادعى المشتري أنه بيعه كان قبل انقلابه.و لا يظن من أحد البناء على خلاف ذلك فيه.

(2)مما سبق تعرف الوجه في عدم جريان أصل الصحة،إذ المفروض عدم إحراز السلطنة في المقام التي بها قوام المقتضي.

(3)فاعل قوله:«فيفسد»و قوله:«فيصح»ضمير يعود إلى«البيع».

(4)كأنه لأنه لا أثر للإذن إلا صحة البيع،ففرض عدم صحة البيع يستلزم فساد الإذن،و هو خلاف الأصل.لكن الظاهر أن أثر صحة الإذن تسلط المأذون على البيع من قبل الآذن و المفروض عدم الشك في ترتب ذلك على الإذن،و إنما الشك في ارتفاع السلطنة بسبب الرجوع عن الإذن،و هو أمر آخر لا دخل بأصالة الصحة به.و أما صحة البيع الواقع فهي ليست من آثار الإذن،و لا من آثار السلطنة

ص: 143

صحة الرجوع يقضى بكون البيع فاسدا (1) .لأن الإذن و الرجوع كلاهما قد فرض وقوعها على الوجه الصحيح،و هو صدوره عمن له أهلية ذلك و التسلط عليه،فمعنى ترتب الأثر عليهما أنه لو وقع فعله بعد الرجوع الحاصلة منه،بل هي موقوفة على وقوع البيع حال السلطنة قبل الرجوع،و أصل الصحة لا يحرز ذلك.

نعم قد يحرزه استصحاب بقاء الإذن و عدم الرجوع إلى حين البيع.و هو أمر آخر سيشير إليه المصنف قدّس سرّه.

(1)كأنه لأن أثر الرجوع فساد البيع،و إلا فلا أثر له،بل يفسد،و هو خلاف الأصل.لكن مما سبق يظهر الكلام هنا،فإنه إذا كان أثر الإذن تسليط المأذون من قبل الآذن فأثر الرجوع وقوع التسليط المذكور في ظرف سلطنة الآذن و ليس الشك في ذلك،و إنما الشك في بقاء سلطنة الآذن،لاحتمال ارتفاعها لعدم الموضوع لها لو فرض وقوع البيع قبل الرجوع،و مع ارتفاع سلطنة الآذن لا موضوع لرجوعه، و أصل الصحة في الرجوع لا يحرز بقاء سلطنة الآذن حينه.

إن قلت:وقوع الرجوع بعد البيع لما كان مستلزما لعدم الموضوع له،و هو عبارة أخرى عن فساده،فمقتضى أصالة الصحة في الرجوع وقوعه حين وجود موضوعه،أعني:قبل البيع.

قلت:فساد العقد أو الإيقاع عبارة عن عدم ترتب أثره المجعول له شرعا، و ما لا موضوع له لا أثر له حتى يتردد الأمر بين ترتبه و عدمه،فالدوران بين ما له الموضوع و ما لا موضوع له ليس من دوران الأمر بين صحة الواقع و فساده كي يكون مقتضى أصالة الصحة كون الواقع واجدا للموضوع.مع أن أصالة الصحة في الرجوع لو أحرزت وقوعه قبل البيع فهي لا تقتضي بطلان البيع إلا بناء على الأصل المثبت،لأن بطلان البيع مسبب عن وقوعه بعد الرجوع لا عن وقوع الرجوع قبله و إن كان لازما له.فلاحظ.

ص: 144

كان فاسدا.أما لو لم يقع عقيب الأول فعل،بل وقع في زمان ارتفاعه ففساد هذا الواقع لا يخل بصحة الإذن.و كذا لو فرض عدم وقوع الفعل عقيب الرجوع فانعقد صحيحا فليس هذا من جهة فساد الرجوع (1) ، كما لا يخفى.

نعم أصالة بقاء الإذن إلى أن يقع البيع قد يقضى بصحته.و كذا أصالة عدم البيع قبل الرجوع ربما يقال:إنها يقضى بفساده.لكنهما لو تمّا (2) لم يكونا من أصالة صحة الإذن،بناء (3) على أن عدم وقوع البيع بعده يوجب لغويته.و لا من أصالة صحة الرجوع التي تمسك بهما بعض المعاصرين.تبعا لبعض.

و الحق في المسألة:ما هو المشهور من الحكم بفساد البيع و عدم جريان أصالة الصحة في المقام،لا في البيع-كما استظهره الكركي-و لا في الإذن و لا في الرجوع.

أما في البيع فلأن الشك إنما وقع في رضاء من له الحق،و هو المرتهن، (1)نعم هو مستلزم لعدم الموضوع للرجوع،كما عرفت.

(2)الظاهر عدم تمامية الثاني لأنه أصل مثبت،لأن فساد البيع ليس أثرا لعدم وقوعه قبل الرجوع الذي هو مفاد الأصل المدعى،بل لوقوعه بعده كما لا يخفى.و أما الأول فالظاهر أنه تام في نفسه إلا أنه يجري فيه الكلام في تعاقب الحالتين من حيث الجهل بتاريخهما أو بتاريخ أحدهما على ما تقدم بعض الكلام فيه في التنبيه السابع من تنبيهات الاستصحاب.و فصلنا الكلام فيه في حاشية الكفاية.

(3)إشارة إلى وجه التمسك بأصالة الصحة في الإذن،و كأنه المراد به ما أشرنا إليه من الوجه.

ص: 145

و قد تقدم أن صحة الإيجاب و القبول لا يقضى بتحقّق الرضا ممن يعتبر رضاه (1) ،سواء كان مالكا-كما في البيع الفضولي-أم كان له حق في المبيع،كالمرتهن.

و أما في الإذن فلما عرفت من أن صحته يقضى بصحة البيع إذا فرض وقوعه عقيبه،لا بوقوعه (2) .كما أن صحة الرجوع يقضى بفساد ما يفرض وقوعه بعده،لا أن البيع وقع بعده.

و المسألة بعد محتاجة إلى التأمل بعد التتبع في كلمات الأصحاب.

(1)عرفت أن الصحة في الإيجاب و القبول موقوفة على ترتب أثر المركب الموقوف على رضا من يعتبر رضاه،أن عدم جريان أصالة الصحة ليس لعدم توقف الصحة على ذلك،بل لعدم إطلاق لدليلها يشمل ما لو شك في المقتضي و هو وقوع العقد من السلطان الذي هو مشكوك في المقام.و لذا لو كان رضا بعض الأشخاص معتبرا في تأثير المقتضى من دون أن يكون دخيلا فيه لم يبعد إحرازه بأصالة الصحة، كما لا يبعد أن يكون إذن العمة أو الخالة في نكاح بنت الأخ أو الأخت كذلك،و لذا لم يكن لهما ظاهرا دعوى بطلان العقد لعدم استئذانهما،و ما ذلك إلا لعدم سلطنتهما عليه،لعدم منافاته لحقوقهما،و إنما اعتبر إذنهما شرعا تأدبا،بخلاف إذن الراهن أو المرتهن أو الولي.فتأمل.

و كيف كان فلا إشكال ظاهرا في عدم اقتضاء أصالة الصحة في البيع ترتب الأثر عليه مع الشك في بقاء إذن المرتهن.

نعم لا بأس بالرجوع إلى استصحاب بقاء الإذن و عدم رجوعه إلى حين البيع،على ما أشرنا إليه قريبا.

(2)يعني:لا بوقوع البيع عقيبه.

ص: 146

الرابع
اشارة

[اعتبار إحراز أصل العمل في أصالة الصحة]

أن مقتضى الأصل ترتيب الشاك جميع ما هو من آثار الفعل الصحيح عنده،فلو صلى شخص على ميت سقط عنه،و لو غسل ثوبا بعنوان التطهير حكم بطهارته و إن شك في شروط الغسل-من إطلاق الماء، و وروده على النجاسة-لا إن علم بمجرد غسله،فإن الغسل من حيث هو ليس فيه صحيح و فاسد (1) ،و لذا لو شوهد من يأتي بصورة عمل-من صلاة أو طهارة أو نسك حج-و لم يعلم قصده تحقق هذه العبادات لم يحمل على ذلك.

نعم لو أخبر بأنه كان بعنوان تحققه أمكن قبول قوله من حيث أنه (1)لأن الصحة و الفساد و صفان إضافيان ينتزعان من ترتب الأثر المجعول و عدمه،فلو لم يكن للشيء أثر لا ينتزع له عنوان الصحة حتى يحرز بالأصل.و عليه فلو دار الأمر الواقع بين ما لا أثر له و ما له الأثر،فأصالة الصحة لا تقتضي كونه مما له الأثر،لأنها لا تحرز موضوعها.نعم لو علم بالقصد إلى ما له الأثر-كالتطهير- فأصالة الصحة تقتضي ترتبه.

ص: 147

مخبر عادل (1) أو من حيثية أخرى (2) .

الإشكال في الفرق بين صلاة الغير على الميت و بين الصلاة عن الميت تبرعا أو بالإجارة

و قد يشكل الفرق بين ما ذكر من الاكتفاء بصلاة الغير على الميت بحمله على الصحيح و بين الصلاة عن الميت تبرعا أو بالإجارة،فإن المشهور عدم الاكتفاء بها إلا أن يكون عادلا.

و لو فرق بينهما بأنا لا نعلم وقوع الصلاة من النائب في مقام إبراء الذمة و إتيان الصلاة على أنه صلاة،لاحتمال تركه لها بالمرة.أو إتيانه بمجرد الصورة لا بعنوان أنها صلاة عنه (3) .اختص الإشكال بما إذا علم من حاله كونه في مقام الصلاة و إبراء ذمة الميت،إلا أنه يحتمل عدم مبالاته بما يخل بالصلاة كما يحتمل ذلك في الصلاة على الميت،إلا أن يلتزم بالحمل على الصحة في هذه الصورة (4) .

و قد حكم بعضهم باشتراط العدالة فيمن توضأ العاجز عن الوضوء (1)هذا موقوف على عموم حجية خبر العادل للموضوعات.

(2)مثل كونه لا يعلم إلا من قبله.أو كونه وكيلا في العمل،لأن من المسلّم عندهم قبول قول الوكيل فيما و كل فيه كالأمين.لكن هذا مختص بالوكيل و الأمين، و لا يعم غيره كالمتبرع.

نعم لا يبعد البناء على حجية ظاهر الحال لو كان في مقام المحافظة على ما له الدخل في صحة العمل،إلا مع وجود ما يوجب التهمة و الريبة.فلاحظ.

(3)لكن هذا الاحتمال يأتي في الصلاة على الميت أيضا،فلا بد أن يكون البناء على الصحة فيما لو علم من حاله أنه في مقام الصلاة أو قامت حجة على ذلك، كخبره أو ظهور حاله على ما سبق الكلام فيه.

(4)كما هو الظاهر.لما عرفت من الدليل على أصالة الصحة في أمثال ذلك.

ص: 148

إذا يعلم العاجز بصدور الفعل عن المتوضئ صحيحا.و لعله لعدم إحراز كونه في مقام إبراء ذمة العاجز،لا لمجرد احتمال عدم مبالاته في الأجزاء و الشرائط،كما قد لا يبالي في وضوء نفسه.

توجيه الفرق

و يمكن أن يقال-فيما إذا كان الفعل الصادر من المسلم على وجه النيابة عن الغير المكلف (1) بالعمل أو لا و بالذات كالعاجز عن الحج-:

إن لفعل (2) النائب عنوانين:

أحدهما:من حيث أنه فعل من أفعال النائب،و لذا يجب (3) عليه مراعاة الأجزاء و الشروط المعتبرة في المباشرة (4) .و بهذا الاعتبار يترتب عليه جميع آثار صدور الفعل الصحيح منه،مثل استحقاق الأجرة،و جواز استيجاره ثانيا بناء على اشتراط فراغ ذمة الأجير في صحة استيجاره ثانيا.

و الثاني:من حيث أنه فعل للمنوب عنه،حيث أنه بمنزلة الفاعل بالتسبيب أو الآلة،و كان الفعل بعد قصد النيابة و البدلية قائما بالمنوب عنه.و بهذا الاعتبار يراعى فيه القصر و الإتمام في الصلاة،و التمتع و القران في الحج،و الترتيب في الفوائت (5) .

(1)نعت لقوله:«الغير».

(2)مقول القول في قوله:«و يمكن أن يقال».

(3)الوجوب في المقام راجع إلى شطرية الأمور المذكورة للعمل،فلو لم يراع الشروط المذكورة وقع الفعل باطلا و إن لم يتحقق منه التكليف.

(4)كالطهارة من الحدث و الخبث و الاستقبال في الصلاة.

(5)فلا بد في مراعاتها من ملاحظة حال المنوب عنه لا حال النائب:لكن

ص: 149

و الصحة من الحيثية الأولى لا يثبت الصحة من هذه الحيثية الثانية، بل لا بد من إحراز صدور الفعل الصحيح عنه على وجه التسبيب (1) .

و بعبارة أخرى:إن كان فعل الغير يسقط التكليف عنه من حيث أنه فعل الغير كفت أصالة الصحة في السقوط،كما في الصلاة على الميت.

و إن كان إنما يسقط التكليف عنه من حيث اعتبار كونه فعلا له و لو على وجه التسبيب،كما إذا كلف بتحصيل فعل بنفسه أو ببدل[ببدن خ.ل] غيره،كما استيجار في العاجز للحج،لم تنفع أصالة الصحة في سقوطه،بل يجب التفكيك بين أثري الفعل من الحيثيتين،فيحكم باستحقاق الفاعل الأجرة،و عدم براءة ذمة المنوب عنه من الفعل (2) .و كما في استيجار الولي المدار في مراعاة حال المنوب عنه في ذلك ليس على كون العمل فعلا له بالتسبيب، بل على كونه امتثالا لأمره و إن لم يكن فعلا له،كما في عمل المتبرع،فإن اللازم عليه ملاحظة حال المنوب عنه في الأمور المذكورة مع عدم تسبيب المنوب عنه للعمل.

(1)لكن الصحة من الحيثية الأولى متفرعة على كونه في مقام الإتيان بالعمل المشروع لا في مقام الإتيان بالصورة فقط.و أصالة الصحة لا تثبت ذلك.بل لا بد من إثباته بأحد الطرق المتقدمة من خبره أو ظهور حاله أو غيرهما.و مع ثبوته بذلك يتجه ترتب آثار الصحة من الجهة الثانية،لعدم الفرق بين الجهتين ارتكازا.فلاحظ.

(2)لكن التفكيك بين استحقاق الأجرة و فراغ ذمة المنوب عنه في غاية الإشكال لما ذكرنا،فإن استحقاق الأجرة متفرع على قصد العمل عن المستأجر، و أصالة الصحة لا تثبت ذلك،بل لا بد في إثباته من الرجوع إلى ما تقدم و نحوه، و حينئذ فإن ثبت ذلك تعين الحكم ببراءة الذمة،لعدم وجه ظاهر التفكيك.

و الحاصل:أن الشك في فراغ الذمة يكون تارة:للشك في إتيان الأجير بالعمل.

ص: 150

للعمل عن الميت (1) .

لكن يبقى الإشكال في استيجار الولي للعمل عن الميت،إذ لا يعتبر فيه قصد النيابة عن الولي،و براءة ذمة الميت من آثار صحة فعل الغير من حيث هو فعله،لا من حيث اعتباره فعلا للولي (2) ،فلا بد أن يكتفي فيه بإحراز إتيان صورة الفعل بقصد إبراء ذمة الميت و يحمل على الصحيح من حيث الاحتمالات الأخر.

و لا بد من التأمل في هذا المقام أيضا بعد التتبع التام في كلمات الأعلام.

و أخرى:للشك في قصده العمل المشروع أو المستأجر عليه و عدم إتيانه بمحض صورة العمل.

و ثالثة:للشك في تحقق الأجزاء و الشرائط المعتبرة في العمل كالطهارة و نحوها.

و أصالة الصحة لا تجري في الجهتين الأوليين،بل تختص بالأخيرة.و المرجع فيهما أمر آخر،كما تقدم.

و في جميع ذلك لا فرق بين الآثار،كبراءة الذمة في الصلاة على الميت و استحقاق الأجرة و براءة ذمة المنوب عنه في العمل النيابي و غير ذلك.

(1)لا يبعد زيادة هذه العبارة،و هي من قوله:«و كما في استئجار...»إلى هنا.

(2)و لذا لو جاء به الغير تبرعا من دون تسبيب من الولي أجزأ عن الميت.

ص: 151

الخامس

[عدم جواز الأخذ باللوازم في أصالة الصحة]

إن الثابت من القاعدة المذكورة الحكم بوقوع الفعل بحيث يترتب عليه الآثار الشرعية المترتبة على العمل الصحيح،أما ما يلازم الصحة من الأمور الخارجة عن حقيقة الصحيح فلا دليل على ترتبها عليه،فلو شك في أن الشراء الصادر من الغير كان بما لا يملك كالخمر و الخنزير أو بعين من أعيان ما له فلا يحكم بخروج تلك العين من تركته بل يحكم بصحة الشراء و عدم انتقال شيء من تركته إلى البائع،لأصالة عدمه (1) .

(1)هذا مبني على عدم إحراز دليل التعبد للتعبد بلازم مجراه و لو كان مورده أمارة لا أصلا،كما يذكر في اليد أيضا،فإنه لو علم من حال زيد أنه لا يهب و لا يبيع ناقته من عمرو إلا بالفرس،فرأينا الناقة في يد عمرو،فإنه لا يحكم بمقتضى اليد بخروج الفرس عن ملكه و تملك زيد لها.و العمدة في ذلك قصور الدليل عن إثبات اللوازم المذكورة،إذ ليس الدليل عليه إلا السيرة و لم يثبت قيامها على ترتيب اللوازم المذكورة.و ليس الدليل عليها لفظيا حتى ينظر في تمامية إطلاقه بنحو يشمل اللوازم و عدمها.

ص: 152

و هذا نظير ما ذكرنا سابقا (1) من أنه لو شك في صلاة العصر أنه صلى الظهر أم لا يحكم بفعل الظهر من حيث كونه شرطا لصلاة العصر، لا فعل الظهر من حيث هو،و حتى لا يجب إتيانه ثانيا.

قال العلامة في القواعد،في آخر كتاب الإجارة:

«لو قال:آجرتك كل شهر بدرهم من غير تعيين،فقال:بل سنة بدينار،ففي تقديم المستأجر نظر (2) .فإن قدمنا قول المالك فالأقوى صحة العقد في الشهر الأول.و كذا الإشكال في تقديم قول المستأجر لو ادعى أجرة مدة معلومة أو عوضا معينا و أنكر المالك التعيين فيهما (3) .

و الأقوى التقديم فيما لو يتضمن دعوى» (4) انتهى.

(1)في الموضع الخامس من الكلام في قاعدة الفراغ و التجاوز.و تقدم منا الكلام في ذلك.

(2)أما بناء على صحة الإجارة الأولى،فلخروج ذلك عن محل الكلام و هو الشك في الصحة،و بأنه لاتفاقهما على صحة العقد الواقع و اختلافهما في تعيينه.بل قد يقدم قول المالك،لأصالة عدم استحقاق المستأجر منفعة تمام السنة.فتأمل.

و أما بناء على بطلان الإجارة بالوجه الأول و لو بالإضافة إلى ما زاد على الشهر الأول فلأن أصالة الصحة لا تصلح لتشخيص العقد الواقع،و لا لتعيين المقدار المستحق و إن كان ذلك لازما خارجيا للصحة،كما ذكره المصنف قدّس سرّه.فلاحظ.

(3)فإن عدم التعيين و إن كان مستلزما للفساد إلا أن أصالة الصحة لا تصلح لتعيين المقدار المستحق.كما تقدم.

(4)لعل المراد به ما لو كان المقدار الذي يدعيه المستأجر بقدر المثل و لم يكن في مقام المطالبة به،بل كان قد استوفاه أو أداه،و كان المطالب هو المالك،كما لو ادعى المستأجر أن المدة هي الشهر الذي قضاه بما يساوي أجرة المثل،و ادعى المالك أن

ص: 153

السادس
اشارة

في بيان ورود هذا الأصل على الاستصحاب فنقول:

وجه تقديم أصالة الصحة على استصحاب الفساد

أما تقديمه على استصحاب الفساد (1) و نحوه فواضح،لأن الشك في بقاء الحالة السابقة على الفعل (2) المشكوك أو ارتفاعها ناش عن الشك في سببية هذا الفعل و تأثيره،فإذا حكم بتأثيره فلا حكم لذلك الشك،خصوصا إذا جعلنا هذا الأصل من الظواهر المعتبرة،فيكون نظير حكم الشارع بكون الخارج قبل الاستبراء بولا،الحاكم على أصالة بقاء المدة تمام الموسم من دون تعيين له بالأيام.ليستحق أجرة تمام الموسم.و كما لو ادعى المستأجر أن الأجرة بقدر أجرة المثل و ادعى المالك أن الأجرة بحكمه فطلب ما زاد على أجرة المثل.فلاحظ.

(1)الذي هو عبارة عن عدم ترتب الأثر على الفعل.

(2)كملكية البائع للعين المبيعة،و بقاء النجاسة للثوب الذي وقع عليه التطهير،و غيرهما.

ص: 154

الطهارة (1) .

و أما تقديمه على الاستصحابات الموضوعية المترتب عليها الفساد -كأصالة عدم البلوغ،و عدم اختبار المبيع بالرؤية أو الكيل أو الوزن- فقد اضطرب فيه كلمات الأصحاب،خصوصا العلامة و بعض من تأخر عنه.

التحقيق في المسألة

و التحقيق:أنه إن جعلناه من الظواهر-كما هو ظاهر كلمات جماعة بل الأكثر-فلا إشكال في تقديمه على تلك الاستصحابات (2) .

و إن جعلناه من الأصول فإن أريد بالصحة قولهم:إن الأصل الصحة،نفس ترتب الأثر،فلا إشكال في تقديم الاستصحاب الموضوعي عليها،لأنه مزيل بالنسبة إليها (3) .

(1)و منه يظهر الوجه في تقدمها على غير الاستصحاب من الأصول المقتضية للفساد كأصالة الاشتغال بمثل صلاة الميت من الواجبات الكفائية،فإن أصالة الصحة رافعة للاشتغال و مقتضية للفراغ تعبدا.

(2)كأنه لما اشتهر من حكومة الأمارات و الظواهر المعتبرة على الأصول و منها الاستصحاب.لكنه موقوف على عموم دليلها لمورده حتى يصلح للحكومة عليه،و من الظاهر أنه لا عموم لدليل أصل الصحة،إذ ليس الدليل عليه إلا السيرة فاللازم النظر فيها فإن كانت متحققة في مورد الاستصحاب تعين تقدم أصالة الصحة عليه و إن كانت من الأصول،و إلا تعين العمل بالاستصحاب و أن أصالة الصحة من الظواهر.

(3)كأنه لأن الشك في ترتب الأثر-الذي فرض أنه معنى الصحة-ناش من الشك في وجود الشرط كالبلوغ،فاستصحاب عدمه رافع للشك المذكور حاكم

ص: 155

و إن أريد بها كون الفعل بحيث يترتب عليه الأثر،بأن يكون الأصل مشخصا للموضوع (1) من حيث ثبوت الصحة له،لا مطلقا (2) ففي تقديمه على الاستصحاب الموضوعي نظر.

من (3) أن أصالة عدم بلوغ البائع يثبت كون الواقع في الخارج بيعا صادرا عن غير بالغ،فيترتب عليه الفساد،كما في نظائره من القيود العدمية المأخوذة في الموضوعات الوجودية.

بعدم ترتب الأثر،فيقدم على أصل الصحة من باب تقديم الأصل السببي على المسببي.

و فيه:أن حكومة الأصل السببي على المسببي إنما هي لقصور إطلاق المسببي عن شمول مورد السببي بوجه يأتي الكلام فيه في تعارض الاستصحابين،و هذا إنما يتم فيما إذا كان لدليل الأصل المسببي ظهور قابل لأن يتصرف فيه،و لا يتم في مثل أصالة الصحة مما كان الدليل عليه السيرة و نحوها من الأدلة اللبية القطعية،إذ لو قام الدليل عليها في مورد تعين رفع اليد بها عن الأصل الجاري فيه و إن كان سببيا، و إلا تعين عدم الاعتناء بها حتى في مقابل الأصل المسببي.نظير ما سبق.

(1)بمعنى أنه يقتضي الحكم بتمامية العمل المشكوك حاله و أنه واجد لتمام ما يعتبر فيه في ترتب أثره المطلوب.

(2)يعني:أنه إنما يقتضي الحكم بتمامية العمل لأجل ثبوت الصحة له و ترتب أثره المطلوب منه،و لا يترتب بذلك جميع لوازم التمامية و لو كانت غير شرعية،لما تقدم في الأمر الخامس.

(3)بيان لوجه عدم تقديم أصالة الصحة على الاستصحاب المذكور و لزوم العمل بالاستصحاب لا غير.

ص: 156

و من (1) أن أصالة الحمل على الصحيح تثبت كون الواقع بيعا صادرا عن بالغ (2) ،فيترتب عليه الصحة،فيتعارضان.

لكن التحقيق (3) أن أصالة عدم البلوغ يوجب الفساد لا من حيث (1)مقتضى سياق الكلام كون هذا وجها لتقديم أصالة الصحة على الاستصحاب المذكور.لكن هذا الوجه لا يقتضي إلا التوقف لتعارض الأصلين و تساقطهما.

(2)إذ لما كان المفروض أن أصالة الصحة مثبتة لتمامية العمل فتمامية العمل إنما هي باشتماله على تمام ما يعتبر في ترتب الأثر عليه من الأجزاء و الشرائط و حيث فرض كون البلوغ منها كانت محرزة له.

(3)الظاهر أن مراده بهذا الكلام أن استصحاب عدم البلوغ لا يصلح لمعارضة أصالة الصحة،بل اللازم العمل بأصالة الصحة لأنها تحرز ترتب الأثر، أما استصحاب عدم البلوغ فهو في نفسه لا يقتضي الحكم بعدم ترتب الأثر ليصلح لمعارضته،لأن عدم البلوغ حين العقد يقتضي فساد العقد و عدم ترتب الأثر عليه، لا عدم ترتب الأثر مطلقا-كي يعارض أصالة الصحة-لأن عدم ترتب الأثر أصلا مسبب عن عدم تحقق العقد الصحيح مثلا،لا عن فساد العقد الخاص المشكوك الحال.

نعم لما كان المفروض عدم وجود عقد آخر غير العقد المشكوك الحال فإحراز فساده بأصالة عدم البلوغ يقتضي عدم ترتب الأثر مطلقا من باب الملازمة،و هو مبني على الأصل المثبت،فلا ينهض بمعارضة أصالة الصحة.

و بالجملة:مفاد أصالة عدم البلوغ ليس هو عدم ترتب الأثر مطلقا،بل عدم كون العقد الخاص مؤثرا،و هو لا ينافي أصالة الصحة الحاكمة بترتب الأثر.هذا ما يظهر لنا من كلام المصنف قدّس سرّه هنا على غموض في عبارته و اختلاف في النسخ أوجب نحوا من الغموض في مراده.

ص: 157

و قد تضمنت بعض النسخ كلاما يندفع به ما تقدم.

و حاصله:أن هذا الوجه لا يصلح لموقع المعارضة بين الأصلين،لأن مفاد أصالة الصحة ليس مجرد ترتب الأثر من دون تعيين سببه،بل ترتبه بسبب تمامية العقد الواقع و تحقق الشرائط المعتبرة فيه،فهي مشخصة لحال العقد المشكوك حاله،حاكمة بتماميته و عدم نقص فيه و ترتب الأثر عليه.و استصحاب عدم البلوغ يناقضها في ذلك،لأن مقتضاه كون العقد المذكور فاقدا للشرط لا يترتب الأثر عليه، و مع تناقض الأصلين و اتحاد موضوعهما يتعين تعارضهما.و الظاهر أن هذا الوجه متين جدا،و إن أهمل في بعض النسخ،خصوصا هذه النسخة التي يبدو فيها تهذيب عبارة المصنف قدّس سرّه.

نعم يرد عليه:أن معارضة أصالة الصحة للاستصحاب المذكور موقوفة على إطلاق دليلها في مورده،كإطلاق دليل الاستصحاب حتى يتعين التوقف عن الإطلاقين بعد تنافي مفاديهما.

أما حيث كان دليل أصالة الصحة هو السيرة القطعية التي لا إطلاق لها فاللازم النظر فيها،فإن كانت حاصلة في مورد الاستصحاب المذكور تعين تقديم أصالة الصحة عليه لحكومتها على إطلاق دليله أو تقييدها له.و إن لم تكن حاصلة في مورده تعين العمل بإطلاق دليل الاستصحاب،لعدم المخرج عنه،كما تقدم نظيره.

إذا عرفت هذا فالظاهر تقديم أصالة الصحة على الاستصحاب المذكور،لأن مبنى أصالة الصحة على إهمال الاستصحاب في موردها،و إلا لم يبق لها مورد معتد به،لأن الشك في الصحة يستند دائما إلى الشك في تحقق الأمور المعتبرة في العمل، و هي غالبا مسبوقة بالوجود أو بالعدم و لو كان أزليا،و حيث كان الاستصحاب في الأول يغني عن أصالة الصحة،فلو لم تجر أصالة الصحة في الثاني لم يبق لها مورد تنفع فيه إلا مورد،الجهل بالحالة السابقة،و هو نادر لا يعتد به.

ص: 158

الحكم شرعا بصدور العقد من غير بالغ (1) ،بل من حيث الحكم بعدم صدور عقد من بالغ (2) ،فإن بقاء الآثار السابقة للعوضين مستند إلى عدم السبب الشرعي،فالحمل على الصحيح يقتضي كون الواقع البيع الصادر من بالغ،و هو سبب شرعي في ارتفاع الحالة السابقة على العقد.و أصالة عدم البلوغ لا توجب بقاء الحالة السابقة على العقد من حيث إحراز البيع الصادر من غير بالغ بحكم الاستصحاب،لأنه (3) لا يوجب الرجوع إلى الحالة السابقة على هذا العقد،فإنه (4) ليس مما يترتب عليه (5) و إن فرضنا و الحاصل:أنه لا ينبغي الإشكال في تقديم القاعدة على الاستصحابات الموضوعية،و لو لتخصيص دليل الاستصحاب بدليلها،كما تقدم نظيره في قاعدة الفراغ.بل الظاهر رجوعهما إلى جامع واحد ارتكازي.

هذا و يظهر من بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه أنه لا إشكال في تقديم القاعدة على الاستصحاب الموضوعي حتى بناء على التعارض،لأخصية دليلها من دليله، و أن الإشكال إنما هو تقدمها عليه رتبة الموجب لحكومتها عليه أو مساواتها في الرتبة الموجبة للتعارض بينهما فيكون تقديمها للتخصيص.و هو خلاف ظاهر المصنف قدّس سرّه.فلاحظ.

(1)الذي هو مفاد أصالة عدم البلوغ و أثرها شرعا.

(2)الذي لازم مفاد أصالة عدم البلوغ.لأنه بعد فرض عدم وقوع عقد غير العقد الخاص،فإحراز كون العقد الخاص من غير بالغ مستلزم لعدم صدور عقد من بالغ،كما تقدم توضيحه.

(3)الضمير يعود إلى قوله:«إحراز البيع الصادر من غير بالغ».

(4)يعني:بقاء الحالة السابقة و عدم حدوث أثر العقد الصحيح.

(5)بل يترتب على عدم صدور عقد من بالغ الذي هو لازم له.

ص: 159

أنه يترتب عليه آثار أخر لأن عدم المسبب (1) من آثار عدم السبب (2) لا من آثار ضده (3) فنقول حينئذ:الأصل عدم وجود السبب ما لم يدل دليل شرعي على وجوده (4) .

و بالجملة:البقاء على الحالة السابقة على هذا البيع مستند إلى عدم السبب الشرعي،فإذا شك فيه بني على البقاء و عدم وجود المسبب ما لم يدل دليل على كون الموجود المردد بين السبب و غيره هو المسبب (5) ،فإذا لا منافاة بين الحكم بترتب الآثار المترتبة على البيع الصادر من غير بالغ (6) و ترتب الآثار المترتبة على البيع الصادر من بالغ،لأن الثاني يقتضي انتقال المال عن البائع،و الأول لا يقتضيه (7) ،لا أنه يقتضي عدمه (8) .

(1)و هو في المقام الأثر الذي من شأنه أن يحدث بالعقد الصحيح.

(2)و هو في المقام العقد الصحيح الصادر من بالغ،الملازم لمفاد أصالة عدم البلوغ.

(3)و هو في المقام العقد الفاسد الصادر من غير بالغ المحرز بأصالة عدم البلوغ.

(4)يعني:و أصالة الصحة دليل على وجوده،فلا تعارضها أصالة عدم البلوغ.

(5)و المفروض أن الدليل قد دل على ذلك،و هو أصالة الصحة في المقام.

(6)الذي هو مفاد أصالة عدم البلوغ المقتضية لكون البيع الخاص فاسدا.

(7)يعني:و لا تعارض بين المقتضي و اللامقتضي.

(8)نعم لو كان مفاد أصالة عدم البلوغ عدم وقوع عقد من بالغ أصلا لاقتضى عدم انتقال المال من البائع،فيعارض أصالة الصحة.و قد عرفت ما ينبغي

ص: 160

بقي الكلام في أصالة الصحة في الأقوال و الاعتقادات.

أما الأقوال،فالصحة فيها تكون من وجهين:

أصالة الصحة في الأقوال

الأول:من حيث كونه حركة من حركات المكلف،فيكون الشك من حيث كونه مباحا أو محرما.و لا إشكال في الحمل على الصحة من هذه الحيثية (1) .

الثاني:من حيث كونه كاشفا عن مقصود المتكلم.

و الشك من هذه الحيثية يكون من وجوه:

أحدهما:من جهة أن المتكلم بذلك القول قصد الكشف بذلك عن معنى أم لم يقصد،بل تكلم به من غير قصد لمعنى.و لا إشكال في أصالة الصحة من هذه الحيثية (2) ،بحيث لو ادعى كون التكلم لغوا أو غلطا لم يسمع (3) منه.

أن يقال في المقام.

(1)و تقتضيه الأخبار السابقة الآمرة بحمل المؤمن على الصحة و عدم اتهامه.

نعم ذلك يختص بالمؤمن،و لا يشمل غيره،بخلاف أصل الصحة في الأعمال،فإنه يعم المسلم غير المؤمن بل قد يعم الكافر.

(2)أما نفي احتمال الغلط،فلأصالة عدم الغلط المعول عليهما عند العقلاء التي هي أوضح عندهم من أصالة عدم الغفلة.و أما نفي احتمال اللغو في الكلام عن قصد فلأصالة الحرمة المعول عليها عند العقلاء.

(3)ربما يقال بسماع دعواه بمعنى طلب البينة منه في قبال رفض دعواه رأسا.

و الكلام في ذلك موكول إلى محله في النفقة.

ص: 161

الثاني:من جهة أن المتكلم صادق في اعتقاده (1) ،و معتقد لمؤدى ما يقوله أم هو كاذب في هذا التكلم في اعتقاده.و لا إشكال في أصالة الصحة هنا أيضا (2) فإذا أخبر بشيء جاز نسبة اعتقاد مضمون الخبر إليه.و لا يسمع دعوى أنه غير معتقد لما يقوله.

و كذا إذا قال:افعل كذا،جاز أن يسند إليه أنه طالبه في الواقع، لا أنه مظهر للطلب صورة لمصلحة-كالتوطين (3) -أو لمفسدة.و هذان الأصلين مما قامت عليهما السيرة القطعية.مع إمكان إجراء ما سلف من أدلة تنزيه فعل المسلم عن القبيح في المقام (4) .لكن المستند فيه ليس تلك الأدلة.

الثالث:من جهة كونه صادقا في الواقع أو كاذبا.و هذا معنى حجية خبر المسلم لغيره،فمعنى حجية خبره صدقه.و الظاهر عدم الدليل على وجوب الحمل على الصحيح بهذا المعنى.و الظاهر عدم الخلاف في ذلك.

إذ لم يقل أحد بحجية كل خبر صدر من مسلم،و لا دليل يفي بعمومه عليه حتى ترتكب دعوى خروج ما خرج بالدليل (5) [من الداخل].

(1)يعني:أنه يعتقد نفسه صادقا.

(2)لا يبعد رجوع ذلك إلى أصالة الجهة.

(3)يعني:ليتوطن المأمور على الفعل و يتحقق العزم منه عليه و إن لم يفعله.

(4)لا مجال لذلك لعدم ملازمة الحمل على ذلك للحمل على القبيح،إذ قد يكون له عذر في ذلك.

(5)بحيث يكون الأصل هو الحجية في كل خبر إلا ما خرج.

ص: 162

و ربما يتوهم وجود الدليل العام من مثل الأخبار المتقدمة الآمرة بوجوب حمل أمر المسلم على أحسنه (1) ،و ما دل على وجوب تصديق المؤمن و عدم اتهامه (2) عموما،و خصوصا قوله عليه السّلام:«إذا شهد عندك المسلمون فصدقهم» (3) و غير ذلك مما ذكرنا في بحث حجية خبر الواحد، و ذكرنا عدم دلالتها.

مع أنه لو فرض دليل عام على حجية خبر كل مسلم كان الخارج منه أكثر من الداخل (4) ،لقيام الإجماع على عدم اعتباره في الشهادات، و لا في الروايات إلا مع شروط خاصة،و لا في الحدسيات و النظريات إلا في موارد خاصة (5) ،مثل الفتوى و شبهها.

نعم يمكن أن يدعى أن الأصل في خبر العدل الحجية،لجملة ما ذكرناه في أخبار الآحاد،و ذكرنا ما يوجب تضعيف ذلك (6) .فراجع.

(1)هذا لا يدل على لزوم تصديقه واقعا،بل لزوم حمله على عدم تعمد الكذب و تمرده فيه،لما تقدم من الكلام في هذه الأخبار أدلة أصالة الصحة.

(2)هذا كسابقه.

(3)تقدم الكلام في هذا الحديث الشريف عند الكلام في آية الإيذاء في الاستدلال على حجية خبر الواحد.فراجع.

(4)فيكون العام المذكور مجملا ساقطا عن الحجية.

(5)و بشروط خاصة،كالعدالة و غيرها.

(6)لا دليل على هذا المضمون إلا مفهوم آية النبأ و قد سبق الإشكال فيه.

نعم تقدم تقريب قبول خبر الثقة خصوصا في الأحاديث الشريفة،لقرب دعوى كونه مورد الإجماع العملي.

ص: 163

أصالة الصحة في الاعتقادات

و أما الاعتقادات،فنقول:

إذا كان الشك في أن اعتقاده ناش عن مدرك صحيح من دون تقصير منه في مقدماته أو من مدرك فاسد لتقصير منه في مقدماته فالظاهر وجوب الحمل على الصحيح،لظاهر بعض ما مر من وجوب حمل أمور المسلمين على الحسن دون القبيح (1) .

و أما إذا شك في صحته بمعنى المطابقة للواقع فلا دليل على وجوب الحمل على ذلك.و لو ثبت ذلك وجب حجية كل خبر أخبر به المسلم،لما عرفت من أن الأصل في الخبر كونه كاشفا عن اعتقاد المخبر.

أما لو ثبت حجية خبره:

فقد يعلم أن العبرة باعتقاده بالمخبر به،كما في المفتي و غيره ممن يعتبر نظره في المطلب (2) فيكون خبره كاشفا عن الحجية (3) ،لا نفسها و قد يعلم من الدليل حجية خصوص إخباره بالواقع،حتى لا يقبل منه قوله:

أعتقد بكذا.

و قد يكون الدليل على حجية خصوص شهادته المتحققة تارة:

(1)لما كانت الأمور المذكورة مختصة بالمؤمن لزم الاقتصار فيه على الاعتقاد الذي لا يخل بالإيمان و لا ينافيه.

(2)فإن المرتكز عرفا أن الحجية باعتبار نظره و حدسه،و لا خصوصية لخبره إلا من حيث كشفه عنه.و لذا لا إشكال ظاهرا في لزوم متابعة نظره و إن لم يعلن به.

(3)و هي الاعتقاد.

ص: 164

بالإخبار عن الواقع و أخرى:بالإخبار بعلمه به (1) .

و المتبع في كل مورد ما دل عليه الدليل،و قد يشتبه مقدار دلالة الدليل.

و يترتب على ما ذكرنا قبول تعديلات أهل الرجال المكتوبة في كتبهم (2) ،و صحة التعويل في العدالة على اقتداء العدلين (3) .

(1)الظاهر اختصاص الشهادة بالإخبار بالواقع،و أما الإخبار بالعلم فهو شهادة على العلم،فلا يترتب عليها إلا آثاره لا آثار الواقع الموضوع له.

(2)لم يتضح الوجه في ترتب ذلك على ما سبق من قبول الإخبار بالاعتقاد، لأن أهل الرجال يخبرون بالواقع لا باعتقادهم.نعم يتوقف قبول تعديلاتهم على كفاية الإخبار الكتبي-كما هو الظاهر-و عدم التوقف على الكلام.كما أنه موقوف على عموم الحجية لخبرهم المبني على الحدس غالبا.فلاحظ.

(3)هذا موقوف على العلم باعتقادهما بعدالة الإمام،أما لو احتمل غفلتهما عن ذلك لم يكن وجه للاعتماد على صلاتهما خلفه.

و أما أصالة عدم الغفلة فهي إنما تجري مع احتمال الغفلة في القول أو العمل، كما لو احتمل وقوع الصلاة عن غفلة لا عن قصد،و ليس ذلك محل الكلام،بل المفروض احتمال ابتناء الصلاة على الغفلة عن العدالة،و لا أصل يحرز ذلك.

بل ربما تكون صلاتهما عن التفات للعدالة و إحرازها بحجة قامت عندهما كالبينة،إلا أنها غير تامة عندنا لعدم وضوح عدالة الشاهدين لنا،و مع احتمال ذلك لا مجال للاعتماد على صلاتهما.فلاحظ.

ص: 165

ص: 166

المقام الثاني

في بيان تعارض الاستصحاب مع القرعة

و تفصيل القول فيها يحتاج إلى بسط لا يسعه الوقت.و مجمل القول فيها:

أن ظاهر أخبارها أعم من جميع أدلة الاستصحاب (1) ،فلا بد من تخصيصها بها،فيختص القرعة بموارد لا يجري فيها الاستصحاب.

نعم القرعة واردة على أصالة التخيير و أصالتي الإباحة و الاحتياط إذا كان مدركها العقل (2) .و إن كان مدركهما تعبد الشارع بهما في مواردهما (1)لعله لمثل:«القرعة لكل أمر مشكل».و:«كل مجهول ففيه القرعة»فإن اللسان المذكور أعم من جميع أدلة الأصول الشرعية،لاختصاص الأدلة المذكورة بخصوصية زائدة على الجهل،كالعلم بالحالة السابقة في الاستصحاب،و الشك بالتكليف في البراءة،فلا بد من تخصيصها لإطلاق دليل القرعة أو عمومه.

(2)لأن حكم العقل بما مختص إذا لم يرد من الشارع الأقدس بيان مؤمن من

ص: 167

فدليل القرعة حاكم عليهما (1) ،كما لا يخفى.

لكن ذكر في محله أن أدلة القرعة لا يعمل بها بدون جبر عمومها بعمل الأصحاب،أو جماعة منهم (2) .و اللّه العالم.

الضرورة و رافع للتحير.

(1)كأنه من جهة أن دليل القرعة ظاهر في أماريتها و طريقتها للواقع،مثل رواية زرارة:«ما تنازع قوم ففوضوا أمرهم إلى اللّه عزّ و جل إلا خرج سهم الحق».

لكن تقدم أن ظاهر بعض أدلتها كونها أعم من جميع أدلة الأصول،فلو فرض تقديمها على الأصول لزم إلغاء الأصول بالمرة،فيتعين الجمع بينها و بين أدلة الأصول بتخصيصها بأدلة الأصول و هو لا ينافي طريقيتها و أماريتها،فإن حكومة الطرق و الأمارات على الأصول إنما هو عموم دليل حجيتها لموردها،أما مع فرض تخصيصها بأدلة الأصول فلا مورد للحكومة.

(2)تقدم في التنبيه السادس من تنبيهات دليل الانسداد الإشكال في ذلك.

فراجع.

هذا و حيث كانت أدلة القرعة مختلفة اللسان فاللازم النظر في جميع طوائفها.

و حاصل الكلام في ذلك:أن الأدلة على طوائف أربع:

الأولى:ما تضمن تشريع القرعة في موارد خاصة كمن أوصى بعتق ثلث مماليكه،و ما لو وطأ الجارية جماعة.

الثانية:ما تضمن تشريعها في موارد التنازع،كرواية زرارة السابقة.

الثالثة:ما تضمن تشريعها في المجهول،مثل رواية محمد بن حكيم:«سألت أبا الحسن موسى عليه السّلام عن القرعة في أي شيء؟فقال:كل مجهول ففيه القرعة.فقلت له:إن القرعة تخطئ و تصيب.فقال:كل ما حكم اللّه تعالى به فليس مخطئ»

الرابعة:ما تضمن أن القرعة لكل أمر مشكل.

ص: 168

أما الأولى:فلا تنفع فيما نحن فيه،لعدم إطلاق لها يشمل جميع موارد الأصول العقلية و الشرعية،بل موردها مختص بصورة عدم إمكان الرجوع إليها إلا الاحتياط على ما يأتي الكلام فيه.

و أما الثانية:فإطلاقها و إن كان أعم من موارد الأصول إلا أن ذكر تفويض الأمر إلى اللّه تعالى قد يدل على عدم جريانها إلا مع رضا الخصمين بها،فهي نظير الصلح،لا تشرع بنحو الإلزام حتى تكون في عرض الحجج و الأصول،بل في ظرف قبول صاحب الحق،فلو لم يرض و كان له أصل أو حجة تعضده لم يصلح دليلها لرفع اليد عنه.

إلا أن يقال:ورود هذا المضمون من النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في مقام إمضاء ما فعله أمير المؤمنين عليه السّلام من إجراء القرعة بين المتنازعين الظاهر في عدم استئذانه عليه السّلام منهم و عدم اصطلاحهم عليها يوجب ظهوره في عدم اعتبار رضا الخصمين و أنها مشرعة بنحو يلزمان بها و لو لكون الحاكم قائما مقامهما.

و حينئذ فقد يدعى أن إطلاق دليلها شامل لموارد الأصول بل الحجج،فلا بد من ملاحظة النسبة بينها.لكن ذكر التفويض إلى اللّه تعالى و إن لم يكن قرينة على اعتبار رضا الخصمين لما ذكر إلا أنه ظاهر في أن الرجوع إليها في ظرف الاحتياج إلى حكمه تعالى لعدم حكم له في الواقعة،فلا يشمل ما لو كان له تعالى حكم ظاهري أو واقعي مغن عن الرجوع إليها،فيتعين ورود أدلة الأصول عليها.

نعم لا يبعد اختصاص ذلك بالأصول الشرعية،إذ الأصول العقلية لا تقتضي رفع الحيرة و الحاجة إلى سؤاله تعالى،بل هي مبنية على بيان الوظيفة العقلية في ظرفهما.

لكن هذا إنما يجري في الاحتياط و التخيير دون البراءة،لأن حكم العقل بالبراءة و الأمان كاف في رفع الحاجة إلى السؤال و تفويض الأمر إليه تعالى و طلب

ص: 169

حكمه.

إلا أن الذي يهون الأمر أنه لا مجال في باب التنازع للأصول العقلية وحدها، بل إما أن تجري معها الأصول الشرعية،كما في البراءة أو لا تجري هي أصلا بنحو ترفع التخاصم،كما في الاحتياط و التخيير،لعدم ارتفاع التنازع بالثاني لو تحقق موضوعه،و عدم جواز المطالبة ممن له الحق فيما إذا دار حقه بين أمرين بمقتضى الأول،و هو الجمع بينهما،للعلم بعدم استحقاقه لذلك.فتأمل.

و أما الثالثة:فإطلاقها شامل لجميع موارد الأصول-بل الحج-لعدم أخذ التفويض فيه،فلا بد من تخصيصها-كما عرفت-بأدلة الأصول بل الأمارات.بل لا يبعد أن تكون كثرة التخصيص في هذه الطائفة قرينة عرفا على أن المراد من الجهل فيها هو الجهل من جميع الجهات،حتى بالإضافة إلى الأحكام الظاهرية،فتكون أدلة الأمارات و الأصول واردة عليها،فإن ذلك و إن كان خلاف ظاهر إطلاق الجهل في نفسه إلا أنه أقرب عرفا من إبقائه على ظاهره و التزام التخصيص بهذا القدر.

و لا سيما مع قرب أن تكون الطائفة الثانية مفسرة لهذه الطائفة،و قد عرفت أنها في رتبة متأخر من الأصول بقرينة اشتمالها على التفويض.

نعم لا مجال لشيء من ذلك في الأصول العقلية،لما سبق من كونها مورودة لأدلة التعبد الشرعية،و منها القرعة.و لا مجال لما سبق في الطائفة الثانية من عدم جريانها وحدها مع التنازع،لعدم أخذ التنازع في هذه الطائفة،بل تشمل شك الشخص في حكم نفسه مع عدم إمكان الرجوع للأصول الشرعية،فاللازم تقديمها على الأصول العقلية،كالاحتياط و التخيير.

لكن يظهر من الأصحاب المفروغية عن عدم الرجوع للقرعة معها،بل هو الظاهر من كثير من النصوص الواردة في أبواب العلم الإجمالي،حيث لم يتعرض فيها للقرعة.و لأجله لا يبعد حمل الإطلاق المذكور على خصوص مورد التنازع

ص: 170

و تشابه الحقوق مع تعينها واقعا أو بدونه-على الكلام في ذلك-أو على ما إذا لزم من الرجوع إلى الأصول العقلية محذور مهم بحيث يحتاج معه إلى تفويض الأمر له تعالى و لو مع عدم التنازع،فيطابق الطائفة الثانية.

و لعله لذا ورد الرجوع إلى القرعة في قطيع غنم نزا الراعي على إحداها، و ربما يحمل على هذا المشكل في الطائفة الرابعة.نعم لم أعثر على المضمون المذكور في الوسائل،و إنما ذكر في كلمات بعض العلماء.و لعلهم اطلعوا عليه في مكان آخر.و إن كان لا يبعد أن يكون التعبير به مبنيا على تصيد المضمون المذكور من النصوص التي أشرنا إليها بعد حملها على ما ذكرنا.إذ هو قريب إلى المرتكزات بعد النظر في جميع النصوص.لكن مرجع ذلك إلى إجمال الطائفة الثالثة،فيكون العمل على الطائفتين الأوليين.فلاحظ و تأمل جيدا.و اللّه سبحانه و تعالى العالم العاصم.

ص: 171

ص: 172

المقام الثالث

اشارة

في تعارض الاستصحاب مع ما عداه من الأصول العملية

أعني:أصالة البراءة و أصالة الاشتغال و أصالة التخيير

الأول:تعارض البراءة مع الاستصحاب
تقدم الاستصحاب و غيره من الأدلة و الأصول على أصالة البراءة

أما أصالة البراءة فلا تعارض الاستصحاب و لا غيره من الأصول (1) و الأدلة،سواء كان مدركها العقل أو النقل.

(1)ما يأتي من الوجه إنما يقتضي تقديم الاستصحاب على البراءة،و لا يقتضي تقديم غيره عليها.

نعم إذا كان غيره من الأصول شرعيا كان مقتضى ما يأتي من الوجه تقديمه على البراءة العقلية،دون الشرعية.كما لا وجه لتقديم الأصول العقلية عليها لو فرض تعارضهما و اجتماعهما موردا،و إن كان ذلك ممتنعا في الأصلين العقليين.

فلاحظ.

ص: 173

أما العقل فواضح،لأن العقل لا يحكم بقبح العقاب إلا مع عدم الدليل على التكليف واقعا،أو ظاهرا (1) .

و أما النقل فما كان منه مساوقا لحكم العقل (2) فقد اتضح أمره، و الاستصحاب وارد عليه.

و أما مثل قوله عليه السّلام:«كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي»فقد يقال:إن مورد الاستصحاب خارج منه،لورود النهي في المستصحب و لو بالنسبة إلى الزمان السابق (3) .

و فيه:أن الشيء مشكوك في بقاء حرمته لم يرد نهي عن ارتكابه في هذا الزمان،فلا بد من أن يكون مرخصا فيه،فعصير العنب بعد ذهاب ثلثيه بالهواء لم يرد فيه نهي (4) .و ورود النهي عن شربه قبل ذهاب الثلثين (1)يعني:و حيث كان الاستصحاب دليلا على التكليف ظاهرا كان رافعا لموضوع البراءة العقلية.و قد تقدم توضيح مفاد البراءة العقلية في أول أدلة البراءة.

(2)مثل قوله تعالى: وَ مٰا كُنّٰا مُعَذِّبِينَ حَتّٰى نَبْعَثَ رَسُولاً على ما سبق في مبحث البراءة.

(3)فمثل العصير العنبي لا مجال لإجراء البراءة فيه بعد ذهاب ثلثيه بالهواء، لأنه ورد فيه نهي و لو بلحاظ ما قبل ذهاب الثلثين،حيث كان حراما قطعا.

(4)و حاصله:أنه لا وجه لملاحظة العنوان الكلي في ورود النهي مع إغفال الخصوصية النهائية،بل لا بد من ملاحظتها في ورود النهي،فإذا اختص النهي الوارد بخصوصية لزم الاقتصار عليها و الرجوع في غيرها للإطلاق،و إلا لجرى ذلك في الخصوصيات غير الزمانية أيضا،فيكتفى في رفع اليد عن الإطلاق في بعض الخصوصيات بورود النهي في خصوصية غيرها،فلو شك في لحم الحمار امتنع

ص: 174

الرجوع فيه للبراءة لورود النهي في كلي اللحم بلحاظ مثل لحم الخنزير.

و دعوى:الفرق بين الخصوصية الزمانية و غيرها تحكم لا شاهد له.

أقول:ليس المدعى إلغاء الخصوصيات الزمانية،بحيث لو كان موضوع النهي هو الخصوصيات المقيدة بالزمان السابق لمنع من جريان أصل البراءة في غيرها مع فرض التباين بينها،فإن الاستصحاب هنا لا يجري أيضا،كما ذكره المصنف قدّس سرّه في التنبيه الثاني من تنبيهات الاستصحاب،بل المدعى أنه مع عدم أخذ الزمان قيدا في الموضوع و كون الموضوع هو الذات المطلقة الموجودة في الزمان الأول و الثاني لو فرض توجه النهي في الزمان السابق بنحو يكون الزمان طرفا للحكم لا قيدا للمحكوم،و شك في بقائه في الزمان الثاني لم يمكن التمسك بعموم:«كل شيء و مطلق حتى يرد فيه نهي»،لأن هذا الموضوع مما ورد فيه نهي و إن لم يعلم بقاؤه.

و منه يظهر أنه لا مجال للنقض بالخصوصيات الأخرى غير الزمان،إذ مع فرض إطلاق الموضوع و عدم أخذ شيء من الخصوصيات فيه يعلم بعموم الحكم لجميعها،و مع التقييد بشيء منها لا مجال لتسرية الحكم لغيره لتباين الخصوصيات فيما بينها،و ليس نظيرا للمقام،كما يظهر بالتأمل.

و بالجملة:مدلول الحديث اللفظي لا يقتضي عموم الإطلاق و البراءة لمورد الاستصحاب.نعم قد يقال:المنسبق من الحديث الشريف أن جعل الإطلاق فيه مبني بورود النهي ليس لكون وروده غاية شرعية تعبدية،بل لكونها غاية عقلية، لامتناع جعل الإطلاق ظاهرا-كجميع الأحكام الظاهرية-مع العلم بالحكم الواقعي،و من الظاهر أن العلم بالنهي إنما يمنع من جعل الحكم الظاهري إذا كان النهي حين العمل دون ما إذا كان سابقا عليه،لعدم كونه صالحا للعمل-حينئذ- حتى يمنع من الحكم الظاهري.

و مثل هذا الانصراف قرينة صالحة لصرف الإطلاق عن النهي السابق،و عليه

ص: 175

لا يوجب المنع عنه بعده،كما أن وروده في مطلق العصير باعتبار وروده في بعض أفراده لو كفى في الدخول في ما بعد الغاية لدلّ على المنع عن كل كلي ورد المنع عن بعض أفراده.

و الفرق في الأفراد بين ما كانت تغيرها بتبدل الأحوال و الزمان دون غيرها شطط من الكلام.و لهذا لا إشكال في الرجوع إلى البراءة مع عدم القول باعتبار الاستصحاب (1) .

و يتلوه في الضعف ما يقال من أن النهي الثابت بالاستصحاب عن نقض اليقين نهي وارد في رفع الرخصة (2) .

وجه الضعف:أن الظاهر من الرواية بيان الرخصة في الشيء الذي لم يرد فيه نهي من حيث عنوانه الخاص،لا من حيث أنه مشكوك الحكم (3) ، و إلا فيمكن العكس بأن يقال:إن النهي عن النقض في مورد عدم ثبوت فلا مانع من شمول دليل البراءة لمورد الاستصحاب،كما لا يخفى.

هذا مضافا إلى عموم بقية أدلة البراءة الشرعية كحديث الرفع و غيره.

فلاحظ.

(1)لكن الرجوع للبراءة لا يتوقف على عموم قوله:«كل شيء مطلق...» لمورد الاستصحاب بل يكفي فيه عموم بقية أدلة البراءة الشرعية،كحديث الرفع و غيره.بل تكفي البراءة العقلية.

(2)يعني:فيرفع موضوع أدلة البراءة.و هو مبني على أن المراد بالنهي في أدلة البراءة ما يعم النهي الظاهري الوارد على الشيء بسبب التعبد بقضية ظاهرية، كعدم نقض اليقين بالشك.

(3)كما تقدم في مبحث البراءة.

ص: 176

الرخصة بأصالة الإباحة،فيختص الاستصحاب بما لا يجري فيه أصالة البراءة (1) فتأمل.

حكومة دليل الاستصحاب على قوله عليه السّلام:«كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي»

فالأولى في الجواب أن يقال:إن دليل الاستصحاب بمنزلة معمم للنهي السابق بالنسبة إلى الزمان اللاحق (2) ،فقوله:«لا تنقض اليقين (1)يعني:أنه لو فرض عموم النهي في أدلة البراءة للنهي الظاهري الوارد على الشيء بعنوان كونه مجهول الحكم أمكن دعوى ذلك في أدلة الاستصحاب أيضا بحمل النهي عن نقض اليقين بالشك على الشك من جميع الجهات لا بخصوص الحكم الواقعي،فتكون أدلة البراءة رافعة لموضوعه،لأنها توجب العلم بالرخصة في الشيء من حيث كونه مشكوك الحكم.

(2)إن أريد بكونه معمما للنهي السابق أنه يكون دليلا كاشفا عن عمومه واقعا للزمان السابق،بحيث يكون حاكما على دليل النهي و شارحا له و مع إحراز عمومه واقعا لا مجال للبراءة،لأنها لا تجري مع الدليل.فهو أوضح فسادا من أن يخفى، لعدم كون الاستصحاب من الأمارات،و لا نظر فيه إلى أدلة الأحكام الواقعية بوجه.

و إن أريد بذلك أن يكون معمما للنهي ظاهرا و تعبدا-كما لعله ظاهر المصنف قدّس سرّه-فهو و إن كان مسلما إلا أن تقديمه-حينئذ-على دليل البراءة موقوف على أن تكون الغاية في أدلتها ليس هي العلم بالحكم الواقعي بل ما يعم العلم بالنهي التعبدي الظاهري الوارد على الشيء بعنوان كونه مشكوك الحكم معلوم الحرمة سابقا،و قد اعترف قدّس سرّه أن ذلك بخلاف ظاهر أدلة البراءة.و لو كانت ظاهرة فيه كان دليل الاستصحاب واردا على دليل البراءة لا حاكما،كما ادعاه قدّس سرّه.

اللهم إلا أن يقال:مراد المصنف قدّس سرّه أن دليل البراءة و إن كان في نفسه ظاهرا في خصوص النهي الواقعي الوارد على الشيء بعنوانه الأولي،فيعم مورد الاستصحاب،إلا أن دليل الاستصحاب لما كان يقتضي التعبد بالنهي مثلا فهو يقتضي التعبد بأحكامه،و منها كونه غاية للبراءة،فهو معمم لدليل البراءة و شارح له

ص: 177

و مبين لأن المراد بالنهي فيه ما يعم النهي التعبدي،نظير ما دل على أنه لا شك لكثير الشك،فإنه لما كان متضمنا لنفي عنوان الشك عنه تعبدا و تنزيلا كان حاكما على أدلة أحكام الشك و شارحا للمراد منها و موجبا لتنزيلها على خصوص الشك من غير كثير الشك،و إن كانت في أنفسها ظاهرة فيما يعمه.

لكن يندفع ذلك بأن دليل الاستصحاب و إن كان يقتضي التعبد بالحالة السابقة و هي النهي مثلا،إلا أنه لا نظير له لأدلة البراءة المتضمنة أن البراءة ترتفع بورود النهي أو العلم به ليكون صارفا لظهورها في النهي الحقيقي إلى ما يعم النهي التعبدي و يكون حاكما عليها،لأن النهي بنفسه مورد العمل فالتعبد به ظاهر في كونه بلحاظ العمل عليه،و ذلك كاف في رفع لغويته بلا حاجة إلى حمله على وروده بلحاظ كون النهي غاية للحكم بالبراءة ليكون ناظرا لأدلتها.

و هذا بخلاف التعبد بالعناوين الواقعية أو بنفيها،كعنوان الشك و الزوجية و نحوهما،لأنها لما لم تكن موردا للعمل بنفسها فلا بد من حمل التعبد بها على التعبد بأحكامها،فيكون دليل التعبد ناظرا لأدلة تلك الأحكام،كما تقدم فتأمل.

مع أن التعبد بالنهي إنما يقتضي التعبد بأحكامه الشرعية و ليس ارتفاع الحكم بالبراءة من أحكام النهي شرعا،بل هو من لوازم العلم به عقلا لاستحالة التعبد بالحكم الظاهري مع العلم بالحكم الواقعي كما لا يخفى.

و الحاصل:أنه لا نظر في أدلة الاستصحاب لأدلة البراءة و ليست في مقام شرحها بوجه حتى تصلح للحكومة عليها.

نعم لو كان لسان الاستصحاب و لسان البراءة في كلام واحد كان لسان الاستصحاب صالحا للتصرف في ظهور لسان البراءة،لظهوره حينئذ في سوقه قرينة عليه،لأن الكلام الواحد بعضه قرينة على بعض.على أن ما ذكر لو تم أمكن دعوى العكس،إذ كما يمكن دعوى نظر أدلة الاستصحاب إلى أدلة البراءة و صرفها إلى ما

ص: 178

بالشك»يدل على أن النهي الوارد لا بد من إبقائه و فرض عمومه للزمان اللاحق،و فرض الشيء في الزمان اللاحق مما ورد فيه النهي أيضا،فمجموع الرواية المذكورة و دليل الاستصحاب بمنزلة أن يقول:كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي،و كل نهي ورد في شيء فلا بد من تعميمه لجميع أزمنة احتماله (1) ، يعم النهي الاستصحابي كذلك يمكن دعوى العكس و أن أدلة البراءة ناظرة إلى أدلة الاستصحاب،و صارفة لها إلى ما يعم العلم بانتقاض الحالة السابقة تعبدا بسبب جريان أدلة البراءة.

و بالجملة:لا شاهد لدعوى الحكومة في المقام،لعدم وضوح نظر أحد الدليلين للآخر بحيث يكون في مقام التعرض لحكمه.فلاحظ.

فلعل الأولى أن يقال في وجه تقديم الاستصحاب على البراءة:إن النسبة بين دليل الاستصحاب و دليل البراءة و إن كانت هي العموم من وجه إلا أن ظهور دليل الاستصحاب في خصوصية مورده و هو اليقين بالحالة السابقة أقوى من ظهور دليل البراءة في خصوصية مورده و هو الشك في التكليف،و في مثل ذلك يترجح عموم دليل الاستصحاب في مورد الاجتماع و يخصص عموم دليل البراءة بالإضافة إليه.

و لا سيما مع قرب كون كل من كبرى البراءة و الاستصحاب واردتين مورد الإمضاء لأمر ارتكازي عرفي،و من الظاهر أن المرتكز عرفا كون قضية الاستصحاب هي المقدمة عرفا،لأن مضمونها اقتضائي لا يزاحمه مضمون البراءة الذي هو غير اقتضائي عرفا،لأن المرتكز عرفا أن الحكم بالبراءة ناشئا من عدم المقتضي للتخيير، و الحكم بعدم نقض اليقين في الاستصحاب ناش عما هو من سنخ المقتضي،لأنه راجع إلى أن اليقين السابق له نحو اقتضاء في البناء على استمرار المتيقن.

و قد أوضحنا ذلك في حاشية الكفاية بما لا مجال لإطالة الكلام فيه.فلاحظ و تأمل جيدا.

(1)تقدم الفرق بين ما إذا ورد المضمون الاستصحابي و مضمون البراءة في

ص: 179

فيكون الرخصة في الشيء و إطلاقه (1) مغيّا بورود النهي المحكوم عليه بالدوام و عموم الأزمان (2) ،فكان مفاد الاستصحاب نفي ما يقتضيه الأصل الآخر في مورد الشك لو لا (3) النهي (4) و هذا معنى الحكومة، كما سيجيء في باب التعارض.

و لا فرق فيما ذكرنا بين الشبهة الحكمية و الموضوعية،بل الأمر في الشبهة الموضوعية أوضح،لأن الاستصحاب الجاري فيها جار في الموضوع،فيدخل في الموضوع المعلوم الحرمة (5) .

مثلا:استصحاب عدم ذهاب ثلثي العصير عند الشك في بقاء حرمته لأجل الشك في الذهاب يدخله في العصير قبل ذهاب ثلثيه المعلوم حرمته بالأدلة،فيخرج عن قوله:«كل شيء حلال حتى تعلم أنه حرام».

كلام واحد و ما إذا وردا في كلامين.

(1)الذي تضمنه دليل البراءة.

(2)يعني:بمقتضى دليل الاستصحاب.

(3)متعلق بقوله:«ما يقتضيه الأصل».

(4)يعني:عن نقض اليقين بالشك.

(5)لكن دخوله في الموضوع المعلوم الحرمة لما لم يكن معلوما،بل تعبديا لم يوجب العلم بعدم حرمة المشكوك واقعا،فلا يخرج عن عموم دليل البراءة.

فالعمدة في وجه تقديم الاستصحاب الموضوعي على أصل البراءة-مضافا إلى ما عرفت-ما سيأتي في وجه تقديم الأصل السببي على المسببي،فإن ما يأتي و إن اختص بالاستصحابين إلا أن وجه التقديم لا يختص بهما،بل يجري في كل أصل سببي بالإضافة إلى المسببي،كما لعله يأتي التعرض له.

ص: 180

الإشكال في بعض أخبار أصالة البراءة في الشبهة الموضوعية

نعم هنا إشكال في بعض أخبار أصالة البراءة في الشبهة الموضوعية، و هو قوله عليه السّلام:في الموثقة:«كل شيء حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك،و ذلك مثل الثوب عليك و لعله سرقة،و المملوك عندك و لعله حر قد باع نفسه أو قهر فبيع أو خدع فبيع،أو امرأة تحتك و هي أختك أو رضيعتك.و الأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غيره أو يقوم به البينة»

فإنه قد استدل بها جماعة،كالعلامة في التذكرة و غيره على أصالة الإباحة (1) ،مع أن أصالة الإباحة هنا معارضة باستصحاب حرمة التصرف في الأشياء المذكورة في الرواية (2) ،كأصالة (3) عدم التملك في الثوب،و الحرية في المملوك (4) ،و عدم تأثير العقد في المرأة،و لو (1)كما تقدم في المسألة الرابعة من مسائل الشبهة التحريمية البدوية.

(2)هذا موقوف على إحراز الموضوع،و قد تقدم في القول السابع التعرض للإشكال في إحراز الموضوع في استصحاب الأحكام التكليفية.فلا بد أن يكون الكلام مبنيا على فرض إحراز الموضوع.

(3)الظاهر أن هذا بيان لمعارضة أصالة الحل باستصحاب آخر غير استصحاب حرمة التصرف،لا أنه تمثيل لاستصحاب حرمة التصرف لوضوح أن الاستصحاب المذكورة موضوعي لا حكمي،و استصحاب حرمة التصرف حكمي.

و عليه فالمعنى:أن أصالة الحل كما تعارض باستصحاب حرمة التصرف تعارض باستصحاب عدم التملك.و هو حينئذ خال عن إشكال عدم إحراز الموضوع الذي تقدمت له الإشارة.لاختصاصه باستصحاب الأحكام التكليفية، كما لا يخفى.كما أنه حاكم على استصحاب حرمة التصرف،لأنه سببي بالإضافة إليه.

(4)يعني:و أصالة الحرية في المملوك.لكن مرجع الأصل المذكور ليس إلى

ص: 181

أريد (1) من الحلية في الرواية ما يترتب على أصالة الصحة في شراء الثوب الاستصحاب،بل إلى قاعدة الحرية.بخلاف أصالة عدم التملك و أصالة عدم تأثير العقد في المرأة،فإنهما راجعان إلى الاستصحاب.

(1)أشار بهذا إلى توجيه الرواية بحمل الحل فيها على الحل الناشئ من أصالة الصحة في العقد،و أصالة عدم تحقق النسب و الرضاع في المرأة الحاكمين على الاستصحابات المذكورة،لا الحل الناشئ من أصالة الحل و البراءة المحكومة لها فيندفع الإشكال.

و قد أشار إلى دفع التوجيه المذكور بمنافاته لظاهر الرواية.و الوجه في منافاته للظاهر ظهور التمثيل بالأمثلة المذكورة في التفريع على قوله:«كل شيء لك حلال حتى تعرف أنه حرام»الذي هو ظاهر بل صريح في إرادة بيان أصالة الحلية في الأشياء من حيث كونها مجهولة الحكم التي عرفت أنها محكومة للاستصحابات فلو حملت الحلية في الأمثلة المذكورة على الحلية من جهة أخرى لم يناسب التفريع جدا.

و بالجملة:ظهور الحديث في كون التمثيل بالأمثلة المذكورة لبيان أصالة الإباحة في التصرفات الخارجية التي هي محكومة للاستصحاب مما لا ينبغي أن ينكر.

و أما الإشكال الذي أشار إليه المصنف قدّس سرّه من كون الأصل المذكور محكوما للاستصحابات الحكمية و الموضوعية فلا مجال للاستناد إليه معها،فيمكن دفعه بأن الأصل الحاكم و إن كان مقدما على الأصل المحكوم إلا أنه لا يرفع موضوعه،بل موضوع الأصل للمحكوم باق،و إنما لا يجري لتقدم الأصل الحاكم عليه عرفا، فنسبة الأصل الحاكم إلى الأصل المحكوم نظير نسبة الأحكام الأولية إلى الأحكام الثانوية،فلا مانع من إغفال الأصل الحاكم و التنبيه للأصل المحكوم لكونه مورد الحاجة،أو كونه أقرب لتفهيم المخاطب و إدراكه،و في المقام حيث كان المطلوب توضيح أصالة الحل و الإباحة كان المحتاج إليه في مورد الأمثلة المذكورة هو الأصل

ص: 182

و المملوك،و أصالة عدم تحقق النسب و الرضاع في المرأة (1) ،كان خروجا عن الإباحة الثابتة بأصالة الإباحة،كما هو ظاهر الرواية.و قد ذكرنا في مسألة أصالة البراءة بعض الكلام في هذه الرواية.فراجع.و اللّه الهادي.

هذا كله حال قاعدة البراءة.

و أما استصحابها فهو لا يجامع استصحاب التكليف،لأن الحالة السابقة إما وجود التكليف أو عدمه (2) ،إلا على ما عرفت المذكور لا الأصول الأخر الحاكمة عليه.

نعم إذا كان الأصل الحاكم جاريا فعلا و مخالفا للأصل المحكوم عملا امتنع له إغفاله مع التنبيه للأصل للمحكوم لئلا يلزم الإغراء بالجهل،و ذلك لا يجري في المقام المشار إليها في كلام المصنف قدّس سرّه و إن كانت مخالفة عملا لأصالة الحل إلا أنها غير جارية فعلا،لأنها محكومة لأصول أخر موافقة عملا لأصالة الحل،كأصالة الصحة في العقد أو أصالة عدم تحقق النسب و الرضاع،أو قاعدة اليد المقتضية لملكية البائع للعبد و الثوب،و نحو ذلك.

و بالجملة:الأصول المشار إليها في كلام المصنف قدّس سرّه و إن كانت مخالفة عملا لأصالة الحل،إلا أنها غير جارية فعلا،و الأصول و القواعد الحاكمة عليها و إن كانت جارية فعلا،إلا أنها موافقة عملا لأصالة الحل،و كلها غير مانعة من التنبيه إلى أصالة الحل في الموارد المذكورة بعد تحقق موضوعها و تحقق الحاجة إلى التنبيه عليها و عدم لزوم الإغراء بالجهل منه.فلاحظ.

(1)كان المناسب التعرض أيضا لقاعدة اليد المقتضية لتملك البائع للعبد و عدم كون العبد حرا،و لا الثوب سرقة،كما أشرنا إلى ذلك.

(2)يعني:و على الأول لا يجري استصحاب البراءة حتى يعارض استصحاب التكليف،و على الثاني لا يجري استصحاب التكليف حتى يعارض استصحاب

ص: 183

سابقا (1) من ذهاب بعض المعاصرين إلى إمكان تعارض استصحابي الوجود و العدم في موضوع واحد و تمثيله لذلك بمثل:صم يوم الخميس.

الثاني:تعارض قاعدة الاشتغال مع الاستصحاب
ورود الاستصحاب على قاعدة الاشتغال

و لا إشكال بعد التأمل في ورود الاستصحاب عليها،لأن المأخوذ في موردها (2) بحكم العقل الشك في براءة الذمة بدون الاحتياط،فإذا قطع بها بحكم الاستصحاب فلا مورد للقاعدة (3) ،كما لو أجرينا استصحاب البراءة.

(1)تقدم في التنبيه الثاني التعرض لذلك.

(2)يعني:في مورد قاعدة الاشتغال.

(3)لا يخفى أن الاستصحاب لا يقتضي القطع ببراءة الذمة واقعا،و إنما يقتضي البراءة الظاهرية التعبدية،فكان الأولى تعليل تقديم الاستصحاب بأن العقل إنما يحكم بلزوم تحصيل الفراغ و لو ظاهرا،و حيث إن الاستصحاب يحرز الفراغ الظاهري فلا يبقى معه موضوع لحكم العقل المذكور.

نعم قد يشكل ذلك بأن الاستصحاب لا يقتضي الفراغ عن المعلوم بالإجمال إلا بناء على الأصل المثبت،فإن الاستصحاب إنما يقتضي وجوب القصر-مثلا- و عدم وجوب التمام،و هو لا يحرز الفراغ عن المعلوم بالإجمال و هو الصلاة بالإتيان بالقصر،إلا بضميمة العلم بعدم وجوب أكثر من صلاة واحدة في اليوم.

و بعبارة أخرى:الاستصحاب و إن أحرز وجوب القصر إلا أنه لا يقتضي تمييز المعلوم بالإجمال و حصره في القصر حتى يكون الإتيان بالقصر موجبا للفراغ

ص: 184

وجوب التمام أو القصر في بعض الموارد التي يقتضى الاحتياط الجمع فيها بين القصر و التمام،فإن استصحاب وجوب أحدهما و عدم وجوب الآخر مبرئ قطعي لذمة المكلف عند الاقتصار على مستصحب الوجود.

هذا حال القاعدة،أما استصحاب الاشتغال في مورد القاعدة -على تقدير الإغماض عما ذكرنا سابقا (1) من أنه غير مجد في مورد القاعدة لإثبات ما يثبته القاعدة-فسيأتي حكمها في تعارض الاستصحابين.

و حاصله:أن الاستصحاب الوارد على قاعدة الاشتغال حاكم على استصحابه (2) .

عن المعلوم بالإجمال تعبدا.فالأولى في توجيه عدم الرجوع لقاعدة الاشتغال مع الاستصحاب المذكور أن يقال:إن استصحاب وجوب صلاة القصر لما كان يقتضي تنجزها فهو مانع من تنجز العم الإجمالي بوجوب الصلاة المرددة بين القصر و التمام، و مع عدم تنجزه لا يجب إحراز الفراغ عنه،بل يكفي إحراز الفراغ عن القصر بالإتيان بها،لتنجزها بالاستصحاب بالعلم الإجمالي.

نعم ما ذكره المصنف قدّس سرّه يتم في الاستصحاب الموضوعي،كاستصحاب الطهارة المقتضي للفراغ عن الصلاة الذي يخرج به عن قاعدة الاشتغال بالصلاة مع الشك فيها.فلاحظ.

(1)تقدم الكلام فيه في آخر المسألة الأولى من مسائل الشبهة الوجوبية المحصورة،و في آخر الدليل العقلي على جريان البراءة في الأقل و الأكثر الارتباطيين.

فراجع.

(2)العمدة فيه:أن الاستصحاب الوارد على قاعدة الاشتغال أصل سببي بالإضافة إلى استصحاب الاشتغال،لأن الشك في بناء الاشتغال بالصلاة مسبب عن الشك في تعيين الصلاة،فمع فرض كون مقتضى استصحاب القصر-مثلا-هو

ص: 185

الثالث:تعارض قاعدةالتخييرمع الاستصحاب
ورود الاستصحاب على قاعدة التخيير

و لا يخفى ورود الاستصحاب عليه،إذ لا يبقى معه التحير الموجب للتخيير (1) ،فلا يحكم بالتخيير بين الصوم و الإفطار في اليوم المحتمل كونه من شوال مع استصحاب عدم الهلال (2) ،و لذا فرع الإمام عليه السّلام قوله:«صم للرؤية و افطر للرؤية»على قوله:«اليقين لا يدخله الشك».

تعيين الصلاة الواجبة بالقصر،فلا شك في الفراغ من الصلاة بالإتيان بها حتى يجري استصحاب الاشتغال.

لكن عرفت الإشكال في كون استصحاب وجوب القصر مقتضيا لتعيين الصلاة الواجبة بها حتى يكون حاكما على استصحاب الاشتغال.فالعمدة في المقام عدم تمامية التمسك باستصحاب الاشتغال،لما تقدم.فلاحظ.

(1)لأن حكم العقل بالتخيير موقوف على عدم الطريق الشرعي و لا العقلي لتعيين الوظيفة العملية،فمع فرض الطريق الشرعي لا موضوع لحكمه بالتخيير.

(2)لا يخفى أن الاستصحاب المذكور موضوعي.و كان المناسب التعرض لاستصحاب حكمي،لأن تقديم الأصل الموضوعي أظهر من تقديم الأصل الحكمي،لأن الموضوعي أسبق رتبة من الحكمي.و كيف كان فلا إشكال في تقديم الموضوعي و الحكمي معا على التخيير،لما تقدم.

ص: 186

[تعارض الاستصحابين]

و أما الكلام في تعارض الاستصحابين،و هي المسألة المهمة في باب تعارض الأصول التي اختلف فيها كلمات العلماء في الأصول و الفروع، كما يظهر بالتتبع،

فاعلم:أن الاستصحابين المتعارضين ينقسمان إلى أقسام كثيرة من حيث كونهما موضوعيين أو حكمين أو مختلفين،وجوديين أو عدميين أو مختلفين،و كونهما في موضوع واحد أو موضوعين (1) ،و كون تعارضهما بأنفسهما أو بواسطة أمر خارج (2) ،إلى غير ذلك.

إلاّ أن الظاهر أن اختلاف هذه الأقسام لا يؤثر في حكم المتعارضين (1)فمثل استصحابي الطهارة لواجدي المني في الثوب المشترك أصلان في موضوعين،و مثل استصحابي الطهارة و الحدث مع العلم بوقوعهما و الجهل بالسابق منهما-بناء على جريان الاستصحاب ذاتا حينئذ-أصلان في موضوع واحد و هو الشخص الواحد.

(2)كالعلم الإجمالي بنجاسة أحد الإناءين الموجب لتعارض استصحابي الطهارة فيهما،فإنه لا تنافي بين الأصلين المذكورين في أنفسهما لو لا العلم المذكور، بخلاف استصحاب الطهارة و الحدث مع الجهل بتاريخ أحدهما،فإنهما متعارضان في أنفسهما لتضاد مضمونيهما،كما لا يخفى.

ص: 187

إلا من جهة واحدة،و هي أن الشك في أحد الاستصحابين إما أن يكون مسببا عن الشك في الآخر (1) من غير عكس،و إما أن يكون الشك فيهما مسببا عن ثالث (2) .و أما كون الشك في كل منهما مسببا عن الشك في الآخر فغير معقول.

و ما توهم له:من التمثيل بالعامين من وجه،و أن الشك في أصالة العموم في كل منهما مسبب عن الشك في أصالة العموم في الآخر.

(1)المراد بكون الشك في المسبب ناشئا من الشك في السبب ليس مجرد ترتب أحدهما على الآخر خارجا،بل خصوص ما ينشأ من كون تحقق موضوع الشك المسبب أو عدمه من آثار موضوع الشك السبب شرعا،كما في استصحاب طهارة الثوب أو نجاسته بعد غسله بماء مشكوك الطهارة،فإن بقاء طهارة الثوب و ارتفاع نجاسته من أحكام طهارة الماء المغسول به أو نجاسته و آثارهما الشرعية فالتسبيب في المقام شرعي بين موضوعي الشكين الذين هما مفادا الأصلين في الحقيقة،لا واقعي بين الشكين نفسيهما.و منه يظهر أن المراد بالتسبيب هنا،ليس هو اقتضاء الوجود فقط،بل ما يعم اقتضاء العدم.فلاحظ.

(2)سيأتي منه قدّس سرّه أن مورده ما إذا علم ارتفاع أحد الحادثين لا بعينه.و كأنه لدعوى:أن الشك في كلا الأصلين سبب عن العلم المذكور.

و فيه:أن العلم المذكور سبب خارجي للعلم بكذب أحد الأصلين،و ليس سببا شرعيا لموضوع الشك المأخوذ في موضوع كل منهما.فالعلم بتنجس أحد الإناءين الطاهرين سابقا سبب خارجي للعلم بكذب استصحاب الطهارة في أحدهما أحد الأصلين،و ليس سببا شرعيا لموضوع الشك المأخوذ في موضوع كل منهما،بل كل منهما مسبب عن احتمال ملاقاته للنجاسة،فسبب كل منهما مباين لسبب الآخر، و لذا قد يتحقق الشك في كل منهما مع عدم العلم الإجمالي بتنجس أحدهما.

ص: 188

مندفع:بأن الشك في الأصلين مسبب عن العلم الإجمالي بتخصيص أحدهما (1) .

أقسام الاستصحابين المتعارضين

اشارة

و كيف كان فالاستصحابان المتعارضان على قسمين:

القسم الأول:

القسم الأول:إذا كان الشك في أحدهما مسببا عن الشك في الآخر

اشارة

ما إذا كان الشك في مستصحب أحدهما مسببا عن الشك في الآخر.

و اللازم في تقديم الشك السببي و إجراء الاستصحاب فيه و رفع اليد عن الحالة السابقة للمستصحب الآخر.

تقدم الاستصحاب السببي و الدليل عليه
اشارة

مثاله:استصحاب طهارة الماء المغسول به ثوب نجس،فإن الشك في بقاء طهارة الماء و ارتفاعه مسبب عن الشك في بقاء طهارة الماء و ارتفاعها، فيستصحب طهارته،و يحكم بارتفاع نجاسة الثوب-خلافا لجماعة- لوجوه:

الدليل الأول

الأول:الإجماع على ذلك في موارد لا تحصى،فإنه لا يحتمل الخلاف في تقديم الاستصحاب في الملزومات الشرعية،كالطهارة من الحدث و الخبث،و كرية الماء و إطلاقه،و حياة المفقود،و براءة الذمة من الحقوق المزاحمة للحج،و نحو ذلك،على استصحاب عدم لوازمها الشرعية،كما (1)العلم الإجمالي بتخصيص أحدهما سبب للعلم بكذب أحد الأصلين، و ليس سببا للشك المأخوذ في موضوع كل منهما،فإن الشك المأخوذ في موضوع كل منهما هو الشك في إرادة المتكلم له،و هو لا يتوقف على العلم الإجمالي المذكور،بل قد يتحقق مع عدمه،كما لو فرض الغفلة عن النسبة بينهما،كما تقدم نظيره.

ص: 189

لا يخفى على الفطن المتتبع.

نعم بعض العلماء في بعض المقامات يعارض أحدهما بالآخر،كما سيجيء (1) و يؤيده السيرة المستمرة بين الناس على ذلك بعد الاطلاع على حجية الاستصحاب (2) ،كما هو كذلك في الاستصحابات العرفية.

الدليل الثاني

الثاني:أن (3) قوله عليه السّلام:«لا تنقض اليقين بالشك»باعتبار دلالته (1)و لعله ناش عن الغفلة عن حال الأصلين،لا عن البناء على المعارضة بين السببي و المسببي،فلا ينافي الإجماع المدعى.لكن في بلوغ الإجماع مع ذلك حدا يصلح للحجية بنفسه إشكال أو منع.

(2)هذا راجع إلى الاستدلال بالسيرة الارتكازية لا الفعلية.فلاحظ.

(3)يمكن توجيهه-مع قطع النظر عما سيذكره قدّس سرّه-بما سبق منا ذكره في توجيه تقديم الأمارة على الاستصحاب.

و حاصله:أن دليل الاستصحاب إنما يقتضي العمل حال الشك على طبق اليقين السابق من حيث عدم صلوح الشك لنقض اليقين،فهو إنما يمنع من نقض اليقين بالشك لا بأمر آخر غير الشك مقارن له من أمارة أو أصل،و حينئذ فالشك في مورد الأصل المسببي و إن كان بنفسه لا يصلح لنقض اليقين السابق فيه،إلا أنه لا مانع من نقض اليقين السابق بمقتضى الأصل السببي،فنقض اليقين السابق في المسببي ليس بالشك،بل بمقتضى الأصل المسببي،و لا يمنع منه الاستصحاب.

و عليه فموضوع الاستصحاب المسببي-و هو الشك-لا يرتفع بالسببي-كما قد يظهر من المصنف قدّس سرّه-إلا أنه لا أثر له،لأن عدم صلوحه لنقض اليقين لا ينافي كون غيره ناقضا،فمورد الأصل المسببي من قبيل مورد اجتماع المقتضي و اللامقتضي الذي يكون فيه التأثير و العمل على طبق المقتضي،فهو نظير الحكم الأولي و الثانوي الذي يكون العمل فيه على طبق الثانوي،و إن كان الأولي موجودا اقتضاء لتحقق

ص: 190

على جريان الاستصحاب في الشك السببي مانع عن قابلية شموله لجريان الاستصحاب في الشك المسبب،يعني:أن نقض اليقين به يصير نقضا بالدليل لا بالشك،فلا يشمله النهي في(لا تنقض) (1) و اللازم من شمول(لا تنقض)للشك المسبب نقض اليقين في مورد الشك السببي لا لدليل شرعي يدل على ارتفاع الحالة السابقة فيه (2) ،فيلزم من إهمال موضوعه.فراجع ما سبق في وجه تقديم الأمارة على الاستصحاب.و لا يفرق فيما ذكرنا بين أن يكون الأصل السببي استحبابا و غيره.

نعم يختص بما إذا كان الأصل المسببي استحبابا،أما لو كان غيره من الأصول، فلا يتوجه التقريب المذكور،لأن مفاد الأصول المذكورة للتعبد بمضمونها مع الشك،فتنافي الأصل السببي الحاكم بما ينافي ذلك.فتأمل جيدا.

(1)إن أريد بذلك خروجه عنه موضوعا حتى يكون الأصل السببي واردا على الأصل المسببي و رافعا لموضوعه فهو موقوف على أن يكون المراد بالشك مجرد عدم الدليل و لو كان أصلا،حتى يكون وجود الأصل السببي رافعا له،و هو خلاف الظاهر،لظهور الشك فيما يقابل اليقين بالواقع.مع أن لازمه كون الأمارات واردة على الاستصحاب،و قد سبق منه قدّس سرّه المنع من ذلك.

و إن أريد بذلك تحقق موضوعه إلا أنه لا أثر له لأن النهي إنما هو عن نقض اليقين بالشك،فلا ينافي نقضه بالدليل الذي هو الأصل السببي،رجع إلى ما ذكرنا.

لكن ظاهر كلام المصنف قدّس سرّه الأول،و لا سيما بملاحظة قوله الآتي:«و اللازم من إهماله في الشك المسببي عدم قابلية العموم لشمول المورد،و هو غير منكر».فلاحظ.

(2)لأن الأصل المسببي يصلح للتعبد في مورد الأصل السببي بناء على عدم حجية الأصل المثبت،فلا يكون رفع اليد عن مقتضى الحالة السابقة بالدليل بخلاف العكس على ما قرره.

ص: 191

الاستصحاب في الشك السببي طرح عموم(لا تنقض)من غير مخصص، و هو باطل،و اللازم من إهماله في الشك المسببي عدم قابلية العموم لشمول المورد،و هو غير منكر.

و بيان ذلك:أن معنى عدم نقض اليقين رفع اليد عن الأمور السابقة المضادة لآثار ذلك المتيقن (1) ،فعدم نقض طهارة الماء لا معنى له إلا رفع اليد عن النجاسة السابقة المعلومة في الثوب،إذ الحكم بنجاسته نقض لليقين بالطهارة المذكورة بلا حكم من الشارع بطرو النجاسة (2) ،و هو طرح لعموم«لا تنقض»من غير مخصص.أما الحكم بزوال النجاسة فليس نقضا لليقين بالنجاسة إلا بحكم الشارع بطرو الطهارة على الثوب.

و الحاصل:أن مقتضى عموم(لا تنقض)للشك السببي نقض الحالة السابقة لمورد الشك المسبب (3) .

و دعوى:أن اليقين بالنجاسة (4) أيضا من أفراد العام،فلا وجه لطرحه و إدخال اليقين بطهارة الماء.

(1)يعني:المضادة له شرعا من حيث كونه رافعا لها و مانعا من بقائها شرعا و الوجه في انقضاء و عدم نقض اليقين ذلك:أن التعبد بالمتيقن يقتضي التعبد بآثاره، كما تقدم في التنبيه السادس.

(2)يعني:في الماء.

(3)هذا و إن كان مسلما إلا أنه لا ينافي المعارضة بين السببي و المسببي،فلا بد في رفع ذلك من بيان قصور المسببي،و قد عرفت الكلام فيه.

(4)يعني نجاسة الثوب.

ص: 192

مدفوعة:أولا:بأن معنى عدم نقض يقين النجاسة أيضا رفع اليد عن الأمور السابقة المضادة لآثار المستصحب (1) ،كالطهارة السابقة الحاصلة لملاقيه و غيرها،فيعود المحذور.إلا أن نلتزم هنا أيضا ببقاء طهارة الملاقي (2) .و سيجيء فساده (3) .

و ثانيا:أن نقض يقين النجاسة بالدليل (4) الدال على أن كل نجس غسل بماء طاهر فقد طهر،و فائدة استصحاب الطهارة (5) إثبات كون (1)يعني:أنه إذا فرض إعمال استصحاب النجاسة في الثوب في قبال استصحاب الطهارة في الماء مع كونه متقدما عليه رتبة اتجه-حينئذ-إعمال الاستصحابات المتأخرة رتبة عن استصحاب نجاسة الثوب،كاستصحاب طهارة ملاقيه،و حينئذ فلا فائدة في استصحاب نجاسة الثوب بعد معارضته بمثل استصحاب طهارة ملاقيه.

(2)فيرجع الجواب-حينئذ-إلى دعوى:أن استصحاب الموضوع لا يكون مقتضيا إلا للتعبد به لا بآثاره،بل يجري في الآثار استصحابها أو استصحاب عدمها، و لا يلزم-حينئذ-التعارض بين الاستصحابات السببية و المسببية،فضلا عن تقديم السببية.

(3)يأتي ما يتعلق بذلك في الدليل الثالث و الرابع،و أن مرجع ذلك إلى عدم جريان الاستصحابات الموضوعية،لما هو الظاهر من لغوية التعبد بالموضوع مع عدم التعبد بحكمه،لأن مورد العمل هو الأحكام لعدم التعبد بالحكم ملازم لعدم التعبد بالموضوع.فلاحظ.

(4)خبر(أن)في قوله:«و ثانيا:أن نقض...».

(5)يعني:في الماء.

ص: 193

الماء طاهرا (1) ،بخلاف نقض يقين الطهارة (2) بحكم الشارع بعدم نقض يقين النجاسة (3) .

بيان ذلك:أنه لو عملنا باستصحاب النجاسة كنّا قد طرحنا اليقين بطهارة الماء (4) من غير ورود دليل شرعي على نجاسته،لأن بقاء النجاسة في الثوب لا يوجب زوال الطهارة عن الماء (5) ،بخلاف ما لو عملنا باستصحاب طهارة الماء،فإنه يوجب زوال نجاسة الثوب بالدليل الشرعي،و هو ما دل على أن الثوب المغسول بالماء الطاهر يطهر،فطرح اليقين بنجاسة الثوب لقيام الدليل على طهارته (6) .

هذا و قد يشكل بأن اليقين بطهارة الماء و اليقين بنجاسة الثوب (1)يعني:فتتم بذلك صغرى لكبرى:كل نجس غسل بماء طاهر فقد طهر.

(2)يعني:طهارة الماء.

(3)يعني:نجاسة الثوب.و الوجه في لزوم نقض يقين طهارة الماء من الحكم بنجاسة الثوب:أن من آثار طهارة الماء ارتفاع نجاسة الثوب،فالبناء على نجاسة الثوب إهمال لمقتضى الاستصحاب في الماء.

(4)لأن التعبد بطهارة الماء يستلزم التعبد بارتفاع نجاسة الثوب،لأنه من آثاره كما عرفت.

(5)إلا بناء على الأصل المثبت.

(6)لكن قيام الدليل على طهارة الثوب لا يوجب العلم بها،بل يبقى معه الشك في النجاسة الذي هو مجرى استصحابها،فلا بد من التعرض لوجه تقديم الدليل المفروض-و هذا استصحاب طهارة الماء-على استصحاب نجاسة الثوب مع عدم كونه رافعا لموضوعه.فلاحظ.

ص: 194

المغسول به كل منهما يقين سابق شك في بقائه و ارتفاعه،و حكم الشارع بعدم النقض نسبة إليهما على حد سواء،لأن نسبة حكم العام إلى أفراده على حد سواء،فكيف يلاحظ ثبوت هذا الحكم لليقين بالطهارة أولا حتى يجب نقض اليقين بالنجاسة لأنه (1) مدلوله (2) و مقتضاه.

و الحاصل:أن جعل شمول حكم العام لبعض الأفراد سببا لخروج بعض الأفراد عن الحكم أو عن الموضوع-كما في ما نحن فيه-فاسد بعد فرض تساوي الفردين في الفردية مع قطع النظر عن ثبوت الحكم (3) .

و يدفع بأن فردية أحد الشيئين إذا توقف على خروج الآخر المفروض الفردية عن العموم وجب الحكم بعد فرديته،و لم يجز رفع اليد عن العموم (4) ،لأن رفع اليد-حينئذ-عنه (5) يتوقف على شمول العام لذلك الشيء (6) المفروض توقف فرديته على رفع اليد عن العموم،و هو دور محال (7) .

(1)متعلق بقوله:«حتى يجب نقض...».

(2)يعني:مدلول الحكم بعدم النقض لليقين بالطهارة في الماء.و الوجه في كونه مدلوله ما عرفت من كون طهارة الثوب من آثار طهارة الماء،فالتعبد بها يقتضي التعبد به.

(3)إذ-حينئذ-يكون الفردان في رتبة واحدة في الدخول تحت العام.

(4)يعني:بالإضافة إلى الفرد المفروض الفردية.

(5)يعني:على العموم بالإضافة إلى الفرد المفروض الفردية.

(6)بل على أقوائية العام فيه بحيث يرفع اليد لأجله عن مفروض الفردية.

(7)فالمقام نظير مزاحمة المقتضي التنجيزي للمقتضي التعليقي،فإنه لا

ص: 195

و إن شئت قلت:إن حكم العام من قبيل لازم الوجود للشك السبب،كما هو شأن الحكم الشرعي و موضوعه،فلا يوجد في الخارج إلا محكوما،و المفروض أن الشك المسبب أيضا من لوازم وجود ذلك الشك (1) ،فيكون حكم العام و هذا الشك (2) لا زمان لملزوم ثالث (3) في مرتبة واحدة (4) ،فلا يجوز أن يكون أحدهما (5) موضوعا للآخر (6) ، إشكال في تقديم الأول،لأن خروجه موقوف على وجود المزاحم،و مزاحمة التعليقي له موقوفة على فعليته الموقوفة على خروج التنجيزي،فلو استند خروج التنجيزي إلى فعلية التنجيزي لزم الدور.

لكن هذا و إن كان مسلما إلا أن كون المقام منه محل إشكال،إذ المسببي لو سلم أن شمول العام للسببي موجب لخروج المسببي عنه تخصصا،إلا أن فردية المسببي للعام في مرتبة ورود العام لا تتوقف على شيء،إذ نسبة العام في مرتبة صدوره إلى كلا الفردين-السببي و المسببي-واحدة.و مجرد كون شمول العام للسببي موجبا لخروج المسببي لا يقتضي تقدم السببي رتبة في فرديته و قصور العام ابتداء عن المسببي بعد كون المسببي في نفسه صالحا للفردية مع قطع النظر عن السببي و سيأتي توضيح ذلك.

(1)يعني:لأن المفروض كونه مسببا عنه.لكن سيأتي الإشكال في ذلك.

(2)يعني:المسببي.

(3)و هو الشك السببي.

(4)لتأخرهما معا بمرتبة واحدة عن الملزوم،و هو الشك السببي.

(5)و هو الشك المسببي.

(6)و هو حكم العام بعدم جواز نقض اليقين بالشك بل لا بد من التزام خروج المسببي عنه.

و حاصل ما ذكره قدّس سرّه:أنه لا مجال لدخول المسببي في حكم العام،لأنه لا بد

ص: 196

من تقدم الموضوع على الحكم،و المسببي في مرتبة حكم العام،لأنه مثله لازم للشك السببي و متأخر عنه رتبة،لأن المفروض كون السببي فردا للعام فحكم العام متأخر عنه رتبة.و هذا الوجه لو تم كان صالحا لدفع الإشكال لأنه يتضمن ترجيح السببي في الفردية و تقدمه رتبة.

لكنه يشكل بوجوه:

الأول:أنه لا يقتضي خروج المسببي عن العام تخصصا،بل تخصيصا،و إن كان المخصص عقليا من حيث كون المسببي في رتبة حكم العام لا متقدما عليه.فتأمل.

الثاني:أن التسبب الشرعي الموجب للتقدم الرتبي ليس بين الشكين،بل بين موضوعيهما،و هما طهارة الماء و طهارة الثوب كما تقدم،و من الظاهر أن الموضوعين المذكورين ليسا فردين من العام،بل الفردان هما الشكان بنفسيهما و لا موجب للترتب بينهما،لعدم التسبب الشرعي بينهما.فتدبر.

الثالث:أن اختلاف الفردين في الرتبة لا يمنع من كونهما معا متقدمين رتبة على الحكم و موضوعين له،لأن منشأ الترتب بينهما-و هو التسبب-لما كان مختصا بهما،فهو لا يسري إلى أمر آخر غيرهما،و هو الحكم،فلا يلزم من تأخر الحكم من أحدهما مساواته للآخر فإن لوازم الترتب لا تجري في الترتب الطبعي،بل في الترتب الزماني و المكاني لا غير،فإذا فرض تأخر زيد عن عمرو بمتر،فلو فرض تأخر بكر عن عمر بمتر أيضا كان مساويا لزيد قطعا،أما تأخر المعلول عن العلة فهو لا يستلزم تأخره عما يقارنها،فحيث يكون زيد متأخرا عن أبيه رتبة لكونه معلولا له لا يكون متأخرا عن عمه و إن كان عمه مساويا لأبيه في الرتبة،كما لعله ظاهر.

الرابع:أن اختلاف الفردين بالرتبة إن كان مانعا من كونهما موضوعين لحكم واحد لما ذكر فهو لا يمنع من كونهما داخلين في عموم واحد،إذ العام في مقام الجعل وارد إلى الطبيعة من دون ملاحظة الخصوصيات الفردية،و في مقام الخارج منحل

ص: 197

لتقدم الموضوع طبعا.

الدليل الثالث

الثالث:أنه لو لم يبن على تقديم الاستصحاب في الشك السببي كان الاستصحاب قليل الفائدة جدا،لأن المقصود من الاستصحاب غالبا ترتيب الآثار الثابتة للمستصحب (1) ،و تلك الآثار إن كانت موجودة على أحكام متعددة بعدد الأفراد،فكل فرد حكمه الخاص به،فكما كان الفردان مترتبين فليكن حكماهما كذلك،و ليس هناك حكم واحد حتى يمتنع ترتبه على كلا الفردين.

و بالجملة:ما ذكره قدّس سرّه من الجواب لا مجال للبناء عليه.فلعل الأولى أن يقال:

تحقق عنوان الموضوع العام في الفرد كما يكون شرطا في ثبوت الحكم له كذلك يكون شرطا في بقائه،فلا بقاء للحكم في الفرد إلا ببقاء عنوان الموضوع له،فلو طرأ ما يوجب خروجه عنه انسلخ الحكم عنه.

و حينئذ ففي مرتبة ورود العام يكون الحكم واردا على كل من السببي و المسببي معا،و لا وجه لاختصاص السببي في الدخول تحت العام-لما ذكر في الإشكال-إلا أنه بعد ورود الحكم على السببي و في المرتبة اللاحقة له يخرج المسببي عن الفردية للعام،لكون نقض اليقين فيه في المرتبة المذكورة بالدليل لا بالشك،فيكون شمول العام للسببي مانعا من بقاء فردية المسببي للعام،لا من حدوث فرديته.

هذا كله بناء على ما يظهر من المصنف قدّس سرّه من أن قيام الدليل على انتقاض الحالة السابقة موجب لخروج المورد موضوعا.و قد عرفت الإشكال في ذلك فتأمل جيدا.

(1)كما هو الحال في الاستصحابات الموضوعية.و أما استصحاب الأحكام التكليفية فلا يقصد منه ترتيب أثر المستحب،بل ترتيب المستحب بنفسه و التعبد به.

فلاحظ.

ص: 198

سابقا أغنى استصحابها عن استصحاب ملزومها،فينحصر الفائدة في الآثار التي كانت معدومة،فإذا فرض معارضته الاستصحاب في الملزوم باستصحاب عدم تلك اللوازم و المعاملة معها على ما يأتي في الاستصحاب بين المتعارضين لغي (1) الاستصحاب في الملزوم،و انحصرت الفائدة في استصحاب الأحكام التكليفية التي يراد بالاستصحاب إبقاء أنفسها في الزمان اللاحق (2) .

عدم تمامية الدليل الثالث

و يرد عليه منع عدم الحاجة إلى الاستصحاب في الآثار السابقة (3) بناء على أن إجراء الاستصحاب في نفس تلك الآثار موقوف على إحراز الموضوع لها،و هو مشكوك فيه،فلا بد من استصحاب الموضوع إما ليترتب عليه تلك الآثار،فلا يحتاج إلى استصحاب أنفسها المتوقفة (4) (1)جواب الشرط في قوله:«فإذا فرض معارضة...».

(2)يعني:فيلزم تخصيص الاستصحاب بخصوص الأحكام التكليفية، و هو مما لا مجال له،لأن موارد أدلة الاستصحاب و أخباره هي الاستصحابات الموضوعية،كالطهارة و الحدث.

(3)و هي الآثار التي كانت موجودة سابقا،كطهارة الملاقي التي هي أثر لاستصحاب طهارة الملاقي،و هذا جواب عن الشق الأول من الإشكال الذي أشار إليه بقوله:«و تلك الآثار إن كانت موجودة سابقا...».

(4)صفة قوله:«استصحاب أنفسها»و إن كان يشكل بعدم المطابقة بين الصفة و الموصوف في التذكير و التأنيث.و هو إشارة إلى ما سبق منه من أن استصحاب الآثار لا بد فيه من العلم ببقاء الموضوع،و مع الشك في الموضوع لا يكفي استصحابه،بل لو جرى استصحابه أغنى عن استصحاب الآثار.فراجع ما تقدم منه في مبحث موضوع الاستصحاب.

ص: 199

على بقاء الموضوع يقينا،كما حققنا سابقا في مسألة اشتراط بقاء الموضوع، و إما لتحصيل شرط الاستصحاب في نفس تلك الآثار كما توهمه بعض فيما قدمناه سابقا من أن بعضهم تخيل أن موضوع المستصحب يحرز بالاستصحاب فيستصحب.

و الحاصل:أن الاستصحاب في الملزومات محتاج إليه على كل تقدير (1) .

الدليل الرابع

الرابع:أن المستفاد من الأخبار عدم الاعتبار باليقين السابق في مورد الشك المسبب.

بيان ذلك:أن الإمام عليه السّلام علل وجوب البناء على الوضوء السابق في صحيحة زرارة بمجرد كونه متيقنا سابقا غير متيقن الارتفاع في اللاحق.

و بعبارة أخرى:علل بقاء الطهارة المستلزم لجواز الدخول في الصلاة بمجرد الاستصحاب،و من المعلوم أن مقتضى استصحاب الاشتغال بالصلاة عدم براءة الذمة بهذه الصلاة،حتى أن بعضهم جعل استصحاب الطهارة و هذا الاستصحاب من الاستصحابين المتعارضين،فلو لا عدم جريان هذا الاستصحاب و انحصار الاستصحاب في المقام باستصحاب (1)لا يخفى أن الحاجة إلى استصحاب الملزومات مبينة على أحد أمرين، إما الاستغناء باستصحابها عن استصحاب الآثار،أو احتياج استصحاب الآثار إلى إحراز الموضوع بالاستصحاب.و الأول مبني على تقديم الاستصحاب السببي على المسببي،فلا مجال له بناء على عدمه.و الثاني قد سبق منه و منا في مبحث اشتراط بقاء الموضوع المناقشة فيه و إبطاله،و حينئذ يتعين عدم الحاجة إلى استصحاب الموضوعات و الملزومات،كما ذكرنا في الاستدلال،و لا يتم جواب المصنف قدّس سرّه.

ص: 200

الطهارة لم يصح تعليل المضي على الطهارة بنفس الاستصحاب،لأن تعليل تقديم أحد الشيئين على الآخر بأمر مشترك بينهما قبيح،بل أقبح من الترجيح بلا مرجح (1) .

و بالجملة:فأرى المسألة غير محتاجة إلى إتعاب النظر،و لذا لا يتأمل العامي بعد إفتائه باستصحاب الطهارة في الماء المشكوك في رفع (2) الحدث و الخبث به و بيعه و شرائه و ترتيب الآثار المسبوقة بالعدم عليه.

هذا كله إذا عملنا بالاستصحاب من باب الأخبار.

لو عملنا بالاستصحاب من باب الظن فالحكم أوضح

و أما لو عملنا به من باب الظن فلا ينبغي الارتياب فيما ذكرنا،لأن (1)لعدم ابتناء الترجيح بلا مرجح على ملاحظة على الترجيح،أما الترجيح بما هو مشترك فهو مبني على الترجيح بما لا يصلح للمرجحية،فهو يزيد على الترجيح بلا مرجح بدعوى المرجحية لما هو ليس مرجحا.فتأمل.

نعم ما ذكره المصنف قدّس سرّه يبتني على جريان استصحاب الاشتغال،و قد سبق منه قدّس سرّه الإشكال فيه و أن الذي يجري في المقام قاعدة الاشتغال العقلية،و قد تقدم أن تقديم الاستصحاب على قاعدة الاشتغال قطعي،و هو لا يبتني على تقديم الأصل السببي،فلا يتم الاستشهاد بالنصوص.فكان الأولى الاستشهاد بمكاتبة القاساني الواردة في يوم الشك.فافهم.

(2)متعلق بقوله:«و لذا لا يتأمل العامي».ثم إن هذا المعنى هو المهم في المقام الشاهد بتقديم الأصل السببي طبعا،بحيث يصلح أن يكون قرينة شارحة لعمومات الأصول و ضابطا لتطبيقها في الموارد.و لا يفرق فيه بين أن يكون الأصل المسببي استصحابا و غيره،كما يظهر بالتأمل،بخلاف الوجه الذي ذكرناه آنفا،فإنه مختص بما إذا كان الأصل المسببي استصحابا.فتأمل جيدا.

ص: 201

الظن بعدم اللازم مع فرض الظن بالملزوم محال عقلا (1) ،فإذا فرض حصول الظن بطهارة الماء عند الشك فيلزمه عقلا الظن بزوال النجاسة عن الثوب.و الشك (2) في طهارة الماء و نجاسة الثوب و إن كانا في زمان واحد،إلا أن الأول لما كان سببا للثاني كان حال الذهن في الثاني تابعا لحاله بالنسبة إلى الأول،فلا بد من حصول الظن بعدم النجاسة في المثال، فاختص الاستصحاب المفيد للظن بما كان الشك فيه غير تابع لشك آخر يوجب الظن.فافهم فإنه لا يخلو عن دقة.

و يشهد لما ذكرنا أن العقلاء البانين على الاستصحاب في أمور معاشهم،بل معادهم لا يلتفتون في تلك المقامات إلى هذا الاستصحاب (3) أبدا،و لو نبههم أحد لم يعتنوا،فيعزلون حصة الغائب من الميراث،و يصححون معاملة وكلائه،و يؤدون عنه فطرته إذا كان (1)قد يقال:أن هذا مبني على اعتبار الاستصحاب من باب الظن الشخصي، و هو خلاف التحقيق.لكن محالية حصول الظن الشخصي مانعة من دعوى الظن النوعي،إذ المعتبر فيه كونه مما من شأنه أن يفيد الظن،و الحالة السابقة في المسببي مع فرض منافاتها للحالة السابقة في السببي مما يمتنع حصول الظن الشخصي بها،فلا مجال لدعوى إفادتها الظن نوعا.فتأمل.

(2)إشارة إلى دعوى:أن امتناع حصول الظن بعدم اللازم مع الظن باللزوم لا يقتضي حصول الظن بالملزوم و عدم حصول الظن بعدم اللازم،بل غاية ما يلزم تزاحم سببهما و عدم حصول شيء منهما فلا يجري الاستصحاب فيهما معا.و قد أشار إلى دفع ذلك بقوله:«إلا أن الأول...».

(3)يعني:المسببي.

ص: 202

عيالهم (1) ،إلى غير ذلك من موارد ترتيب الآثار الحادثة على المستصحب.

ظهور الخلاف في المسألة عن جماعة

ثم إنه يظهر الخلاف في المسألة من جماعة،منهم الشيخ و المحقق و العلامة في بعض أقواله و جماعة من متأخري المتأخرين.

فقد ذهب الشيخ في المبسوط إلى عدم وجوب فطرة العبد إذا لم يعلم خبره.

و استحسنه المحقق في المعتبر مجيبا عن الاستدلال للوجوب بأصالة البقاء بأنها معارضة بأصالة عدم الوجوب.و عن (2) تنظير وجوب الفطرة عنه بجواز عتقه في الكفارة بالمنع عن الأصل (3) تارة و الفرق بينهما أخرى (4) .

(1)مع أن تقضي الاستصحاب عدم تملكه للحصة،و عدم ترتب الأثر على معاملة وكلائه و عدم وجوب فطرته،فلو لا حكومة استصحاب حياته على الاستصحابات المذكورة لم يكن وجه لذلك.

(2)عطف على قوله:«عن الاستدلال».يعني:و مجيبا عن تنظير وجوب...

بالمنع عن الأصل...

(3)و هو المقيس عليه،أعني:العتق.

(4)قال في المعتبر:«و الجواب الآخر الفرق بين الكفارة و وجوب الزكاة، إذ العتق إسقاط ما في الذمة من حق اللّه،و حقوق اللّه مبنية على التخفيف،و الفطرة إيجاب مال على مكلف لم يثبت سبب وجوبه عليه».

و فيه:أن ذلك لو تم يقتضي الفرق بين الأمرين في الأحكام الواقعية،لا في طرق الإثبات ظاهرا بعد فرض كون المرجع هو الأصل في المقامين.

ص: 203

و قد صرح في أصول المعتبر بأن استصحاب الطهارة عند الشك في الحدث معارض باستصحاب عدم براءة الذمة بالصلاة بالطهارة المستصحبة (1) .و قد عرفت أن المنصوص في صحيحة زرارة العمل باستصحاب الطهارة على وجه يظهر منه خلوه عن المعارض و عدم جريان استصحاب الاشتغال (2) .

و حكي عن العلامة في بعض كتبه الحكم بطهارة الماء القليل الواقع فيه صيد مرمي لم يعلم استناد موته إلى الرمي.لكنه اختار في غير واحد من كتبه الحكم بنجاسة الماء و تبعه عليه الشهيدان أو غيرهما،و هو المختار،بناء على ما عرفت تحقيقه،و أنه إذا ثبت بأصالة عدم التذكية موت الصيد (3) جرى عليه جميع أحكام الميتة التي منها انفعال الماء الملاقي له.

(1)لعله إشارة إلى ما في المعتبر في القول بحجية استصحاب حال الشرع قال:«الثالث:استصحاب حال الشرع كالمتيمم يجد الماء في أثناء الصلاة،فيقول المستدل على الاستمرار:صلاة مشروعة قبل وجود الماء فكذلك بعده.و ليس هذا حجة،لأن شرعيتها بشرط عدم الماء لا يستلزم الشرعية معه.ثم مثل هذا لا يسلم عن المعارضة بمثله،لأنك تقول:الذمة مشغولة قبل الإتمام،فيكون مشغولة بعده».

لكنه-كما ترى-لا يقتضي الالتزام بالمعارضة إلا لبيان عدم جريان الاستصحاب في نفسه و أن الحالة السابقة لو كانت علة للحكم بالبقاء لزم التعارض، و لا يكشف عن بنائه على المعارضة لو بني على حجية الاستصحاب لإمكان بنائه على عدم المعارضة حينئذ و الالتزام بتقديم السببي فرارا عن لغوية دليل حجيته.فلاحظ.

(2)لكن المحقق قدّس سرّه لم يذهب إلى حجية الاستصحاب،فضلا عن أن يستدل عليها بالأخبار كي يتوجه عليه الإشكال بذلك.

(3)بناء على أن المراد بالميتة غير المذكى شرعا،كما تقدم من المصنف قدّس سرّه في

ص: 204

نعم ربما قيل:إن تحريم الصيد إن كان لعدم العلم بالتذكية فلا يوجب تنجيس الملاقي (1) ،و إن كان للحكم عليه شرعا بعدمها اتجه الحكم بالتنجيس.

و مرجع الأول (2) إلى كون حرمة الصيد مع الشك في التذكية للتعبد من جهة الأخبار المعللة لحرمة أكل الميتة بعدم العلم بتذكيته (3) .و هو حسن لو لم يترتب عليه من أحكام الميت إلا حرمة الأكل (4) ،و لا أظن أحدا يلتزمه مع أن المستفاد من حرمة الأكل كونها ميتة (5) لا التحريم التنبيه الأول من تنبيهات المسألة الرابعة من مسائل الشبهة التحريمية البدوية.

(1)لأن التنجيس من آثار ملاقاة النجس و هو غير المذكى،فلا وجه لثبوته بمجرد عدم العلم بالتذكية،إذا لم يرجع إلى الحكم بعدمها ظاهرا،بل المرجع استصحاب طهارة الملاقي.

(2)و هو أن تحريم الصيد لعدم العلم بالتذكية،لا للحكم شرعا بعدمها.

(3)يعني:من دون أن تدل على الاعتماد على أصالة عدم التذكية،و لا على البناء تعبدا عليه.لكن لو فرض قصور الأخبار المذكورة عن ذلك أمكن الرجوع فيه إلى عموم دليل الاستصحاب بعد إثبات أن التذكية من الأمور البسيطة المترتبة على فري الأوداج،و أن الميتة شرعا هي غير المذكى،كما أشرنا إليه قريبا.

(4)إذ لو ثبت غيرها من الأحكام-كالمانعية من الصلاة-مع عدم الحكم به في الأدلة بالخصوص كشف عن أن المستفاد من الأدلة المذكورة أن الحكم فيها بحرمة الأكل ناش عن التعبد بكون الحيوان ميتة غير مذكى ليترتب بقية الأحكام الثابتة للميتة،فتكون الأدلة مسوقة لبيان ذلك من باب الكناية باللازم عن الملزوم.

(5)كأنه لأنه المنسبق عرفا لوضوح حل المذكى و حرمة الميتة و عدم وجود قسم ثالث غيرهما.فلاحظ.

ص: 205

تعبدا.و لذا استفيد بعض ما يعتبر في التذكية من النهي عن الأكل بدونه.

تصريح بعضهم بالجمع بين الاستصحابين(السببي و المسببي)

ثم إن بعض من يرى التعارض بين الاستصحابين في المقام صرح بالجمع بينهما،فحكم في مسألة الصيد بكونه ميتة و الماء طاهرا.

و يرد عليه أنه لا وجه للجمع في مثل هذين الاستصحابين،فإن الحكم بطهارة الماء إن كان بمعنى ترتيب آثار الطهارة (1) من رفع الحدث و الخبث به،فلا ريب أن نسبة استصحاب بقاء الحدث و الخبث إلى استصحاب طهارة الماء بعينها نسبة استصحاب طهارة الماء إلى استصحاب عدم التذكية.و كذا الحكم بموت الصيد،فإن إن كان بمعنى انفعال الملاقي له بعد ذلك،و المنع عن استصحابه في الصلاة فلا ريب أن استصحاب طهارة الملاقي،و استصحاب جواز الصلاة معه قبل زهاق روحه،نسبته إليه كنسبة استصحاب طهارة الماء إليه (2) .

عدم صحة الجمع

و مما ذكرنا يظهر النظر فيما ذكره في الإيضاح تقريبا للجمع بين الأصلين في الصيد الواقع في الماء القليل من أن لأصالة الطهارة (3) حكمين طهارة الماء و حل الصيد (4) ،و لأصالة الموت حكمان لحوق أحكام الميتة (1)كما هو قطعي،و إلا لغى التعبد بالطهارة مع عدم ترتيب أحكامها،كما تقدم في الوجه الثاني في الاستدلال على تقديم الأصل السببي على المسببي.

(2)لأنها جميعا أصول مسببية بالنسبة له،لكون الشك المأخوذ في موضوعها مسببا عن الشك في الموت و التذكية.نعم استصحاب جواز الصلاة معه قبل زهاق روحه تعليقي،فالتنظير به مبني على جريان الاستصحاب التعليقي في نفسه.

(3)يعني:في الماء.

(4)ترتب حل الصيد على أصالة الطهارة في الماء مبني على الأصل المثبت.

ص: 206

للصيد و نجاسة الماء،فيعمل بكل من الأصلين في نفسه لأصالته،دون الآخر لفرعيته فيه.انتهى.

و ليت شعري هل نجاسة الماء إلا من أحكام الميتة،فأين الأصالة و الفرعية؟

و تبعه في ذلك بعض من عاصرناه،فحكم في الجلد المطروح بأصالة الطهارة و حرمة الصلاة فيه.و يظهر ضعف ذلك مما تقدم (1) .و أضعف من ذلك حكمه (2) في الثوب الرطب المستحب النجاسة المنشور على الأرض بطهارة الأرض،إذ لا دليل على أن النجس بالاستصحاب منجس.

و ليت شعري إذا لم يكن النجس بالاستصحاب منجسا و لا الطاهر به مطهرا،فكان كل ما ثبت بالاستصحاب لا دليل على ترتيب آثار الشيء (1)لأنه مع جريان أصالة عدم التذكية فيه،و لذا حكم بحرمة الصلاة معه يتعين البناء على نجاسته،لأن النجاسة من أحكام غير المذكى كالمانعية من الصلاة.

اللهم إلا أن يكون الوجه في حرمة الصلاة فيه ليس هو أصالة عدم التذكية،بل قاعدة الاشتغال بالصلاة المقتضية لإحراز عدم استصحاب الميتة،فمع الشك فيها لا يجوز الاجتزاء بالصلاة و إن أمكن البناء على أصالة الطهارة في الجلد لعدم إحراز كونه ميتة.لكنه مبني على عدم جريان استصحاب العدم الأزلي الراجع إلى أصالة عدم كون الصلاة مع الميتة.

(2)هذا لا يبتني على تقديم الأصل المسببي على السببي الذي هو محل الكلام،بل على أمر آخر،و هو جعل النجس بالاستصحاب قسما من النجس في مقابل الأقسام التي ينقسم إليها النجس واقعا،لا أنه في طول الأقسام المذكورة راجعا إلى التعبد بها ظاهرا.و هو و إن كان موهونا جدا-كما سيذكره المصنف قدّس سرّه- إلا أنه لا دخل له بالمقام.

ص: 207

الواقعي عليه،لأن الأصل عدم تلك الآثار،فأي فائدة في الاستصحاب؟

و قال في الوافية في شرائط الاستصحاب:

الخامس:أن لا يكون هناك استصحاب آخر في أمر ملزوم لعدم ذلك المستصحب،مثلا إذا ثبت في الشرع أن الحكم بكون الحيوان ميتة يستلزم الحكم بنجاسة الماء القليل الواقع ذلك الحيوان فيه،فلا يجوز الحكم باستصحاب طهارة الماء القليل،و لا بنجاسة الحيوان (1) في مسألة من رمى صيدا فغاب،ثم وجد في ماء قليل يمكن استناد موته إلى الماء و إلى الرمي.و أنكر بعض الأصحاب ثبوت هذا التلازم،و حكم لكلا الأصلين بنجاسة الصيد و طهارة الماء،انتهى.

دعوى الإجماع على تقديم الاستصحاب الموضوعي على الحكمي

ثم اعلم أنه قد حكى بعض مشايخنا المعاصرين عن الشيخ علي في (1)فإن طهارة الماء القليل و إن كانت مقتضى الاستصحاب،و نجاسة الحيوان و إن كانت مقتضى أصالة عدم التذكية،إلا أن التعارض بينهما أوجب تساقطهما.لكن عرفت أن اللازم تقديم أصالة عدم التذكية على استصحاب طهارة الماء،لأن استصحاب الطهارة مسببي،فيحكم بنجاسة الماء و الحيوان معا.و لو لا ذلك لكان اللازم العمل بكل من الاستصحابين في مورده،كما حكاه عن بعض الأصحاب و مجرد العلم بكذب أحد الأصلين لا يضر بعد عدم لزوم مخالفة قطعية لتكليف منجز،كما سيأتي في القسم الثاني.

ثم إن في بعض النسخ نقل كلام الوافية بوجه آخر حيث أبدل قوله:

«باستصحاب طهارة الماء القليل»بقوله:«بنجاسة الماء القليل»و أبدل قوله:«و لا بنجاسة الحيوان»بقوله:«و لا بطهارة الحيوان».و الظاهر أنه في غير محله،و الصحيح ما هنا.و إن كان اللازم الرجوع إلى كتاب الوافية.

ص: 208

حاشية الروضة دعوى الإجماع على تقديم الاستصحاب الموضوعي على الحكمي.

و لعلها مستنبطة حدسا من بناء العلماء و استمرار السيرة على ذلك.

و لا يعارض أحد استصحاب كرية الماء باستصحاب بقاء النجاسة فيما يغسل به،و لا استصحاب القلة باستصحاب طهارة الماء الملاقي للنجس، و لا استصحاب حياة الموكل باستصحاب فساد تصرفات وكيله.

المناقشة في دعوى الإجماع

لكنك قد عرفت فيما تقدم من الشيخ و المحقق خلاف ذلك (1) .

هذا مع أن الاستصحاب في الشك السببي دائما من قبيل الموضوعي بالنسبة إلى الآخر (2) ،لأن زوال المستصحب الآخر من أحكام بقاء المستصحب بالاستصحاب السببي،فهو له من قبيل الموضوع للحكم،فإن طهارة الماء من أحكام الموضوع الذي حمل عليه زوال النجاسة عن المغسول به.و أي فرق بين استصحاب طهارة الماء و استصحاب كريته (3) ؟!.

(1)يعني:فلا مجال مع ذلك لدعوى الإجماع.لكن هذا وارد على المصنف قدّس سرّه حيث استدل على تقديم السببي بالإجماع،و قد تقدم الكلام فيه.

(2)ظاهره سوق هذا ردا لدعوى الإجماع المحكية عن الشيخ علي قدّس سرّه،و هو غير ظاهر الوجه،إلا أن يكون مراد الشيخ علي قدّس سرّه أن الاتفاق ثبت في الموضوعي و الحكمي و لم يثبت في السببي و المسببي،فيصح توجيه الإيراد عليه بذلك.إلا أن يدفع بأن المراد بالموضوعي في مورد الإجماع معروض الحكم،كالميتة المعروضة للنجاسة و الحرمة،و النجس المعروض للحرمة،لا مطلق ما أخذ شرطا في الحكم، كطهارة الماء الذي يغسل به الثوب،و كريته.فلاحظ.

(3)بناء على ما سبق في معنى الموضوعي لا يفرق بين الاستصحابين

ص: 209

هذا كله فيما إذا كان الشك في أحدهما مسببا عن الشك في الآخر.

و أما القسم الثاني:

القسم الثاني:إذا كان الشك في كليهما مسببا عن أمر ثالث

اشارة

و هو ما إذا كان الشك في كليهما مسببا عن أمر ثالث،فمورده ما إذا علم ارتفاع (1) أحد الحادثين (2) لا بعينه و شك في تعيينه:

فإما أن يكون العمل بالاستصحابين مستلزما لمخالفة قطعية عملية لذلك العلم الإجمالي،كما لو علم إجمالا بنجاسة أحد الطاهرين.و إما أن لا يكون.

و على الثاني فأما أن يقوم دليل من الخارج على عدم الجمع كما في الماء النجس المتمم كرا بما طاهر،حيث قام الإجماع على اتحاد حكم الماءين (3) ،أولا.

المذكورين في كونهما غير موضوعيين.

(1)تقدم في أول الكلام في تعارض الاستصحابين الإشكال في كون الشك في المأخوذ في موضوع كلا الأصلين مسببا عن أمر ثالث.فراجع.

(2)لا يعتبر فيه اثنينية الحادثين،بل يجري مع كثرة الحوادث،كما لو علم إجمالا بعروض النجاسة على إناء بين مجموع أوان مسبوقة بالطهارة،فالاقتصار على الحادثين لكونهما أقل ما يفرض فيه التعارض.

(3)سيأتي التفصيل بين ما إذا كان الإجماع المذكور على اتحاد الحكم الواقعي و ما إذا كان على اتحاد الحكم الظاهري.مع أن الأصلين في المقام من القسم الأول من المتعارضين لأن استصحاب نجاسة النجس بعد الملاقاة يقتضي انفعال الظاهر بملاقاته بمقتضى عموم انفعال الماء القليل،فليس الأصلان في رتبة واحدة،بل

ص: 210

و على الثاني إما أن يترتب الأثر الشرعي على كل من المستصحبين في الزمان اللاحق-كما في استصحاب بقاء الحدث و طهارة البدن فيمن توضأ غافلا (1) بمائع مردد بين الماء و البول،و مثله استصحاب طهارة المحل في كل واحد من واجدي المني في الثوب المشترك (2) -و إما أن يترتب الأثر على أحدهما دون آخر،كما في دعوى الوكيل التوكيل في شراء العبد و دعوى الموكل التوكيل في شراء الجارية (3) .

استصحاب النجاسة سببي يتقدم.على ما تقدم.

(1)لم يتضح الوجه في التقييد بالغفلة،بل لعله لا مجال لجريان استصحاب الحدث مع الغفلة،إذ الحكم معها صحة الوضوء،لقاعدة الفراغ بعد العمل.إلا أن يمنع جريانها لانحفاظ صورة العمل بناء على ما تقدم منه قدّس سرّه في آخر الكلام في قاعدة الفراغ،و تقدم الكلام فيه.فراجع و تأمل.

و كيف كان فما يأتي في صورة الغفلة جار مع الالتفات إذا فرض تحقق قصد القربة،بأن كان الوضوء برجاء كونه ماء طاهرا.

(2)لا يخفى أنه يفترق عن الاستصحاب السابق بأن استصحاب كل من واجدي المني لطهارة نفسه لا يكون موردا لعلم الآخر،فهو أشبه بالصورة الرابعة و سيأتي منه قدّس سرّه عده منها،بخلاف استصحاب بقاء الحدث و طهارة البدن فيمن توضأ بمائع مردد بين البول و الماء،فإن كلا الاستصحابين مورد للأثر في حق الشخص نفسه.

(3)يعني:و المفروض عدم شراء الوكيل لها،فلا أثر لدعوى الموكل.و لو فرض شراء الوكيل لها و لو بدعوى الفضولية كان كلا الأصلين موردا للأثر.لكن يشكل الرجوع إلى الأصل الثاني-و هو أصالة عدم التوكيل في شراء الجارية-إذ دعوى الوكيل الفضولية ليست موردا للأثر في باب التنازع.فافهم.

ص: 211

فهناك صور أربع:

أما الأوليان (1) فيحكم فيهما بالتساقط دون الترجيح و التخيير فهنا

هنا دعويان:
اشارة

دعويان:

عدم الترجيح لأحد الاستصحابين

الأولى:عدم الترجيح بما يوجد مع أحدهما من المرجحات،خلافا لجماعة.قال في محكي تمهيد القواعد:

«إذا تعارض أصلان عمل بالأرجح منهما،لاعتضاده بما يرجحه، فإن تساويا خرج في المسألة وجهان غالبا»ثم مثل له بأمثلة منها:مسألة الصيد الواقع في الماء...إلى آخر ما ذكره.

و صرح بذلك جماعة من متأخري المتأخرين.

الدليل على عدم الترجيح

و الحق على المختار بين اعتبار الاستصحاب من باب التعبد-هو عدم الترجيح بالمرجحات الاجتهادية،لأن مؤدى الاستصحاب هو الحكم الظاهري،فالمرجح الكاشف عن الحكم الواقعي لا يجدي في تقوية الدليل الدال على الحكم الظاهري،لعدم موافقة المرجح لمدلوله،حتى يوجب اعتضاده.

و بالجملة فالمرجحات الاجتهادية غير موافقة في المضمون للأصول حتى يعاضدها (2) .و كذا الحال بالنسبة إلى الأدلة الاجتهادية فلا يرجح (1)و هما ما لو لزم مخالفة قطعية،و ما لو قام الدليل من الخارج على عدم الجمع بين مضموني الأصلين،كما في الماء النجس المتمم كرا بماء طاهر.

(2)لا إشكال في أن العرف لا يدرك الترجيح حينئذ،إلا أنه لا مانع من الترجيح به تعبدا فلو فرض احتمال ذلك فالأصل يقتضى الترجيح به لو كان الأصل

ص: 212

بعضها على بعض لموافقة الأصول التعبدية (1) .

نعم لو كان اعتبار الاستصحاب من باب الظن النوعي أمكن الترجيح بالمرجحات الاجتهادية،بناء على ما يظهر من عدم الخلاف في أعمال التراجيح بين الأدلة الاجتهادية،كما ادعاه صريحا بعضهم (2) .

لكنك عرفت فيما مضى عدم الدليل على الاستصحاب من غير جهة الأخبار الدالة على كونه حكما ظاهريا،فلا ينفع و لا يقدح فيه موافقة الأمارات الواقعية و مخالفتها.

هذا كله مع الإغماض عما سيجيء من عدم شمول(لا تنقض) للمتعارضين و فرض (3) شمولها لهما من حيث الذات،نظير شمول آية النبأ من حيث الذات للخبرين المتعارضين.و إن (4) لم يجب العمل في التعارض التخيير،لا التساقط،لدوران الأمر حينئذ بين التعيين و التخيير الذي يكون الأصل فيه في مثل الحجية التعيين.

و لو كان الأصل في التعارض التساقط،فالأصل عدم الترجيح بما يحتمل مرجحيته،لأصالة عدم حجية الأصل الموافق له و عدم تحقق التعبد به.فلاحظ.

(1)الكلام فيها هو الكلام في ترجيح الأصول بالأدلة الاجتهادية.

(2)لكنه لا يخلو عن إشكال أو منع.و لعله يأتي الكلام فيه في مبحث التعادل و التراجيح.و على تقدير المنع من ذلك يتجه الرجوع مع احتمال الترجيح إلى ما عرفت من الأصل في الترجيح بين الأصلين.

(3)عطف على قوله:«الإغماض».

(4)هذا شرط مستقل يتضمن الرجوع عن قوله:«هذا كله مع الإغماض...».

ص: 213

بهما (1) فعلا لامتناع ذلك (2) بناء على المختار في إثبات الدعوى الثانية (3) فلا وجه (4) لاعتبار المرجح أصلا،لأنه إنما يكون مع التعارض و قابلية المتعارضين في أنفسهما للعمل (5) .

أن الحكم هو التساقط دون التخيير و الدليل عليه

الثانية:أنه إذا لم يكن مرجح فالحق التساقط دون التخيير،لا لما ذكره بعض المعاصرين من أن الأصل في تعارض الدليلين التساقط،لعدم تناول دليل حجيتهما لصورة التعارض (6) .لما (7) تقرر في باب التعارض من أن الأصل في المتعارضين التخيير إذا كان اعتبارهما من باب التعبد (8) لا من (1)يعني:بالمتعارضين.

(2)يعني:امتناع حجية المتعارضين ذاتا لقصور«لا تنقض»عن شمولهما.

(3)حيث يأتي منه تقريب قصور عموم«لا تنقض»عن شمول المتعارضين ذاتا.

(4)جواب الشرط في قوله:«و إن لم يجب العمل بهما...».

(5)إذ مع قصور دليل الحجية عنهما لا موضوع للترجيح.

(6)لاستلزامه التعبد بالنقيضين الممتنع عقلا،على ما يأتي في مبحث التعارض.

(7)تعليل لقوله:«لا لما ذكره...».

(8)كأن مراده قدّس سرّه بالتعبد السببية الراجعة إلى جعل الحكم على طبق الأمارة أو الأصل،على تفصيل يذكر في مبحث التعبد بالطرق و الأمارات.إذ بناء على ذلك فقد يدعى أن الأصل في المتعارضين بناء على ذلك التخيير لا التساقط،لكون المقام حينئذ من تزاحم المقتضيين،لأن قيام كلا المتعارضين يكون مقتضيا لجعل الحكم على طبقة،و المرجع في ذلك التخيير بلا إشكال،لا من تعارض الدليلين حتى يدعى أن الأصل فيهما التساقط،لقصور عموم دليل الحجية عن شمولهما معا و الترجيح بلا

ص: 214

باب الطريقية،بل (1) لأن العلم الإجمالي هنا بانتقاض أحد اليقينين يوجب خروجهما عن مدلول(لا تنقض)لأن قوله:«لا تنقض اليقين بذلك، و لكن تنقضه بيقين مثله»يدل على حرمة النقض بالشك و وجوب النقض باليقين (2) ،فإذا فرض اليقين بارتفاع الحالة السابقة في أحد المستصحبين فلا يجوز إبقاء كل منهما تحت عموم حرمة النقض بالشك،لأنه مستلزم لطرح الحكم بنقض اليقين بمثله (3) و لا إبقاء أحدهما المعين،لاشتراك مرجح.و كأن ذكر المصنف قدّس سرّه لذلك ردا على المعاصر المذكور مع أنه قدّس سرّه يذهب إلى الطريقية لا السببية،لبيان أن الوجه الذي ذكره المعاصر المذكور للتساقط و إن كان تاما بناء على ما هو الحق من الطريقية،إلا أنه لا يتم على جميع مباني المسألة،بخلاف الوجه الذي سيذكره المصنف قدّس سرّه فإنه-لو تم-يقتضي التساقط مطلقا.

هذا و لا يبعد أن يكون مقتضى الأصل التساقط في المتعارضين حتى بناء على السببية على تفصيل و كلام لا مجال له هنا ذكرناه في مبحث التعارض من شرح الكفاية.و لعله يأتي بعض الكلام فيه في تعقيب كلمات المصنف قدّس سرّه في المبحث المذكور إن وفق اللّه سبحانه و تعالى لذلك.

(1)عطف على قوله:«لا لما ذكره بعض المعاصرين».

(2)يعني:الشامل لليقين الإجمالي بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما.

(3)لأن مقتضى عموم نقض اليقين باليقين البناء في أحدهما على خلاف الحالة السابقة.

و فيه:أن موضوع اليقين بانتقاض الحالة السابقة لما كان هو الأمر المردد منهما لا كل منهما بخصوصيته فلا يكون عدم نقض اليقين في كل منهما بخصوصيته منافيا له،فهو لا يقتضي نقض اليقين في كل منهما بخصوصيته،بل نقضه في موضوعه و هو الأمر المردد بينهما،فلا يترتب أثر بقاء الحالة السابقة فيه لو كان له أثر،بل يترتب أثر

ص: 215

انتقاضها.

و إن شئت قلت:اليقين الناقض هو اليقين المتحد مع اليقين المنقوض في الموضوع بالخصوصية التي كان بها موضوعا لهما من إجمال أو تفصيل،و لا اتحاد في المقام بعد فرض اختلافهما في ذلك و كون موضوع الأثر هو حكم الخصوصية المفروض فيها الشك.

و أما اتحاد المعلوم بالإجمال ذاتا مع إحدى الخصوصيتين واقعا،فهو لا ينفع، لأن صفتي العلم و الشك من الصفات التي تعرض الموضوعات بعناوينها الخاصة لا بذواتها،فاللازم ملاحظة أن موضوع الأثر هو الخصوصية الخاصة المفروض الشك في انتقاض الحالة السابقة فيها،أو المعلوم الإجمالي بعنوانه الذي صار به موضوعا للعلم بانتقاض الحالة السابقة،فيجري الاستصحاب في الأول دون الثاني.

فمثل طهارة الملاقي حيث كانت من آثار طهارة ملاقيه بشخصه و خصوصيته و كان انتقاض الحالة السابقة في الملاقي بشخصه مشكوكا لا مانع من استصحاب طهارته أو نجاسته،فيترتب عليه حكم الملاقي،و العلم الإجمالي بنجاسة إناء زيد مثلا المردد بين الملاقي و غيره لا يمنع من استصحاب طهارة الملاقى بعد عدم العلم بانتقاض الحالة السابقة فيه بشخصه.

نعم يمنع من استصحاب طهارة إناء زيد لو كان له أثر.فالتحقيق:أن المانع من جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي ليس هو قصور العموم عن شمولهما لما ذكره المصنف قدّس سرّه بل للزوم المخالفة القطعية للتكليف المنجز المعلوم بالإجمال،فإن ذلك مانع من الترخيص في الطرفين على ما يذكر في مبحث الشبهة المحصورة.

بل ذكرنا هناك أن المحذور المذكور لا يقتضي قصور عمومات الأصول الترخيصية عن أطراف العلم الإجمالي،بل يقتضي عدم فعليتها من حيث أن مقتضى

ص: 216

أدلة الأصول الترخيصية الترخيص في موضوعها من حيث كونه مشكوك الحكم بشخصه،و هذا لا ينافي تنجزه خروجا عن العلم الإجمالي المنجز.فراجع و تأمل جيدا.

لكن ذلك مختص بما إذا كان الاستصحاب الجاري في الأطراف على خلاف العلم الإجمالي ترخيصيا،أما لو كان إلزاميا فلا مانع منه و من فعليته،كما إذا علم إجمالا بتطهير أحد الإناءين المعلوم سابقا نجاستهما،فإنه لا مانع من استصحاب النجاسة في كلا الإناءين فيحكم بنجاسة ملاقي كل منهما،و لا يضر العلم الإجمالي بكذب أحد الاستصحابين.

هذا كله في الصورة الأولى.و أما الصورة الثانية،و هي ما لو قام دليل من الخارج على عدم الجمع،كما في الماء النجس المتمم كرا بطاهر حيث قام الإجماع على اتحاد حكم الماءين،فإن كان المراد من عدم الجمع عدم الجمع بين مفاد الاستصحابين واقعا بمعنى أن الماءين واقعا بحكم واحد،المستلزم للعلم بانتقاض الحالة السابقة في أحدهما إجمالا فالكلام فيه هو الكلام في الصورة الأولى،و العلم الإجمالي لا يمنع من جريان الاستصحاب في كل منهما بخصوصه،كما ذكرنا،و لا يلزم هنا مخالفة قطعية،كما هو ظاهر،و إن كان المراد به عدم الجمع ظاهرا،بمعنى أن الإجماع قام على أن الماءين بحكم واحد ظاهرا،امتنع جريان الاستصحاب فيهما لا لما ذكره المصنف قدّس سرّه بل لأن مرجع الإجماع المذكور إلى تخصيص عموم دليل الاستصحاب إجمالا في أحد الموردين المانع من العمل به في كل منهما بعد كون نسبة العام و المخصص إليهما واحدة،كما سيأتي التعرض له.

نعم سبق الإشكال في تعارض الاستصحابين في الماءين لأن استصحاب النجاسة مقدم على استصحاب الطهارة،لأنه سببي بالإضافة إليه.فلاحظ.و اللّه سبحانه و تعالى العالم العاصم.

ص: 217

الآخر معه في مناط الدخول من غير مرجح.و أما أحدهما المخير فليس من أفراد العام،إذ ليس فردا ثالثا غير الفردين المتشخصين في الخارج فإذا خرجا (1) لم يبق شيء،و قد تقدم نظير ذلك في الشبهة المحصورة، و أن قوله عليه السّلام:«كل شيء حلال حتى تعرف أنه حرام»لا يشمل شيئا من المشتبهين (2) .

و ربما يتوهم أن عموم دليل الاستصحاب نظير قوله:أكرم العلماء، و أنقذ كل غريق،و اعمل بكل خير (3) ،في أنه إذا تعذر العمل بالعام في فردين متنافيين لم يجز طرح كليهما،بل لا بد من العمل بالممكن،و هو أحدهما تخييرا،و طرح الآخر،لأن غاية هذا المقدور،و لذا ذكرنا في باب التعارض أن الأصل في الدليلين المتعارضين مع فقد الترجيح التخيير بالشرط المتقدم (4) ،لا التساقط،و الاستصحاب أيضا أحد الأدلة، فالواجب العمل باليقين السابق بقدر الإمكان،فإذا تعذر العمل باليقينين من جهة تنافيهما وجب العمل بأحدهما،و لا يجوز طرحهما.و يندفع هذا (1)يعني:فإذا خرج الفردان المتشخصان في الخارج،لما تقدم من المحذور في كلامه.

(2)تقدم الكلام منا في ذلك،و ما ذكرناه هنا جار هناك.

(3)الموجود في هذه النسخة و نسخة أخرى:«خير»بالياء المثناة التحتانية، و المظنون أن الصحيح:(خبر)بالباء الموحدة التحتانية،كما يناسبه قوله:«و لذا ذكرنا في باب التعارض...».

(4)و هو القول بالسببية.لكن الاستشهاد بذلك في المقام لا يتناسب مع كون التحقيق هو الطريقية،كما أشرنا إليه قريبا.

ص: 218

التوهم بأن عدم التمكن من العمل بكلا الفردين إن كان لعدم القدرة على ذلك مع قيام المقتضي للعمل فيهما فالخارج هو غير المقدور (1) ،و هو العمل بكل منهما مجامعا مع العمل الآخر،و أما فعل أحدهما المنفرد عن الآخر فهو مقدور،فلا يجوز تركه.و في ما نحن فيه ليس كذلك،إذ بعد العلم الإجمالي لا يكون المقتضي لحرمة نقض كلا اليقينين موجودا منع عنهما عدم القدرة (2) .

نعم مثال هذا في الاستصحاب أن يكون هناك استصحابان بشكين مستقلين ورد المنع تعبدا عن الجمع بينهما (3) ،من دون علم إجمالي بانتقاض (1)لا يخفى أن خروجه ليس تخصيصا،بحيث يكون فاقدا لملاك الحكم العام،بل لحكم العقل بامتناع التكليف لغير المقدور،الموجب لخروجه عن حكم العام خطابا لا ملاكا.

(2)بل بناء على ما ذكره قدّس سرّه يكون العام قاصرا عن كلا الفردين ملاكا،فلا يحرز الملاك في كل منهما حتى يجب ترتيب حكم العام فيه مع القدرة.

(3)لما كان الحكم في دليل الاستصحاب بعدم جواز نقض اليقين بالشك كناية عن تعبد الشارع بمقتضى الحالة السابقة فلا معنى للمنع عن الجمع بين الاستصحابين،لعدم كون الجمع بينهما من وظيفة المكلف،بل من وظيفة الشارع الأقدس،فالدليل الدال على عدم جواز الجمع بينهما لا بد أن يرجع إلى عدم جمع الشارع بينهما لا إلى نهي المكلف عن الجمع.

و من ثم كان الأولى ما في بعض النسخ من قوله:«امتنع شرعا أو عقلا العمل بكليهما»و إن قيل بزيادة النسخة المذكورة.ثم إن عدم جمع الشارع بين التعبدين و إن لم يمنع من التعبد بأحدهما بخصوصه إلا أنه مع عدم تعيينه لا مجال لحمل العام على كل من الفردين بخصوصه لتساوي المانع بالإضافة إلى الفردين و لا دليل على

ص: 219

أحد المستصحبين بيقين الارتفاع،فإنه يجب حينئذ العمل بأحدهما المخير (1) و طرح الآخر،فيكون الحكم الظاهري مؤدى أحدهما.

و إنما لم نذكر هذا القسم في أقسام تعارض الاستصحابين لعدم العثور على مصداق له،فإن الاستصحابات المتعارضة يكون التنافي بينهما من جهة اليقين بارتفاع أحد المستصحبين،و قد عرفت أن عدم العمل بكلا الاستصحابين ليس مخالفة لدليل الاستصحاب سوغها العجز (2) ، لأنه (3) نقض اليقين باليقين،فلم يخرج عن عموم:(لا تنقض)عنوان ينطبق على الواحد التخييري.

و أيضا فليس المقام من قبيل ما كان الخارج من العام فردا معينا في الواقع غير معين عندنا،ليكون الفرد الآخر الغير المعين باقيا تحت العام، كما إذا قال:أكرم العلماء،خرج فرد واحد غير معين عندنا،فيمكن هنا التعيين،كما لا دليل على الرجوع للتخيير بل يكون الأمر ما يأتي في قوله:«فليس المقام من قبيل ما كان الخارج...».

نعم لو دلّ الدليل على التخيير كان كاشفا عن أخذ التخيير في موضوع التعبد فما يختار يكون هو موضوع التعبد لا غير.

(1)لفرض أن المنهي عنه هو الجمع،غير الحاصل مع العمل بأحدهما المخير.

لكن عرفت الإشكال في أصل الفرض.

(2)حتى يقتصر على مقدار الضرورة.

(3)تعليل لقوله:«ليس مخالفة لدليل الاستصحاب»يعني:إنما لا يكون مخالفة لدليل الاستصحاب لأن نقض اليقين فيه خارج عنه موضوعا لأنه نقض اليقين باليقين لا بالشك.

ص: 220

أيضا الحكم بالتخيير العقلي في الأفراد (1) ،إذ لا (2) استصحاب في الواقع حتى يعلم بخروج فرد منه و بقاء فرد آخر،لأن الواقع بقاء إحدى الحالتين و ارتفاع الأخرى (3) .

نعم نظيره (4) في الاستصحاب ما لو علمنا بوجوب العمل بأحد الاستصحابين المذكورين (5) و وجوب طرح الآخر،بأن حرم نقض أحد (1)هذا لا وجه له بعد فرض عدم شمول العام لأحد الفردين واقعا و الشك في انطباقه على كل منهما،إذ التمسك بالعام فيه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية من طرف العام الذي هو معلوم البطلان.و لا دليل على التخيير بعد احتمال كون ما يختار إجراء حكم العام فيه هو الخارج عنه واقعا.

بل اللازم الرجوع في الفردين إلى مقتضى الأصول الأخر فإن كان حكم العام إلزاميا و حكم ما خرج عنه ترخيصيا اتجه إجراء حكم العام في كلا الفردين احتياطيا للشبهة الحصورة و إن كان حكم العام ترخيصيا و حكم ما خرج عنه إلزاميا اتجه إجراء حكم ما عداه في كلا الفردين لذلك أيضا.

و إن كان حكمهما معا إلزاميا بنحو يتعذر الاحتياط معه تعين التخيير في كل من الفردين بين إجراء حكم العام فيه و عدمه.و على كل حال فلا مجال لحجية العام في أحدهما المخير،و إن كان حجة في أحدهما المعين واقعا المجهول عندنا.فلاحظ.

(2)تعليل لقوله:«و أيضا فليس المقام من قبيل...».

(3)يعني:بقاء إحدى الحالتين و ارتفاع الأخرى بنفسها،لا بقاء أحد الاستصحابين و ارتفاع الآخر ليكون نظيرا لما تقدم.

(4)يعني:نظير ما لو كان الخارج عن العام فردا معينا في الواقع مجهولا عندنا.

(5)يعني:أحدهما المعين في الواقع المجهول عندنا.لكن عرفت أن وجوب

ص: 221

اليقينين بالشك،و وجب نقض الآخر به.و معلوم أن ما نحن فيه ليس كذلك،لأن المعلوم إجمالا في ما نحن فيه[ليس كذلك لأن المعلوم إجمالا في ما نحن فيه]بقاء أحد المستصحبين لا بوصف زائد (1) و ارتفاع الآخر، لا اعتبار الشارع لأحد الاستصحابين و إلغاء الآخر.

فتبين أن الخارج من عموم لا تنقض ليس واحدا من المتعارضين لا معينا و لا مخيرا،بل لما وجب نقض اليقين باليقين وجب ترتيب آثار الارتفاع على المرتفع الواقعي و ترتيب آثار البقاء على الباقي الواقعي (2) من دون ملاحظة الحالة السابقة فيهما،فيرجع إلى قواعد أخر غير العمل بالاستصحاب فرع جريانه و تعبد الشارع به،كما أن طرحه راجع إلى عدم تعبد الشارع به.فمرجع الفرض المذكور إلى فرض العلم بتعبد الشارع بأحد الاستصحابين المعين في الواقع و عدم تعبده بالآخر.

(1)يعني:بقاء أحد المستصحبين بذاته و ارتفاع الآخر كذلك،لا بقاء أحدهما بعنوان كونه مستصحبا و ارتفاع الآخر كذلك،ليرجع إلى اعتبار أحد الاستصحابين المعين في الواقع و إلغاء الآخر كذلك.لكن عرفت أن العلم ببقاء أحد المستصحبين بذاته و ارتفاع الآخر لا يوجب ارتفاع موضوع الاستصحاب في كل منهما بخصوصه.

نعم الماء النجس المتمم كرا بطاهر بناء على الإجماع فيه على اتحاد حكم الماءين ظاهرا يتعين الالتزام بخروج أحد الاستصحابين فيه المعين في الواقع عن عموم دليل الاستصحاب كما تقدم،و يكون نظيرا لما ذكره المصنف قدّس سرّه.إلا أن خروجه للتخصيص بالإجماع المفروض لا للتخصص.

(2)عرفت أن هذا لا ينافي في العمل بالاستصحاب في كل منهما بخصوصه بعد فرض الشك فيه.

ص: 222

الاستصحاب،كما لو لم يكونا مسبوقين بحالة سابقة.و لذا لا نفرق في حكم الشبهة المحصورة بين كون الحالة السابقة في المشتبهين هي الطهارة أو النجاسة (1) و بين عدم حالة سابقة معلومة،فإن مقتضى القاعدة الرجوع إلى الاحتياط فيهما (2) ،و بما تقدم من مسألة الماء النجس المتمم كرا الرجوع إلى قاعدة الطهارة (3) .و هكذا.

و مما ذكرنا يظهر أنه لا فرق في التساقط بين أن يكون في كل من الطرفين أصل واحد و بين أن يكون في أحدهما أزيد من أصل واحد، فالترجيح بكثرة الأصول-بناء على اعتبارها من باب التعبد-لا وجه، لأن المفروض أن العلم الإجمالي يوجب خروج جميع مجاري الأصول عن مدلول لا تنقض،على ما عرفت (4) .نعم يتجه الترجيح بناء على اعتبار (1)لكن عرفت أن المانع من العمل بالاستصحاب إنما يتم فيما لو كانت الحالة السابقة هي الطهارة.

(2)كأنه من جهة العلم الإجمالي بالنجاسة الموجب للاحتياط بترك كلا الطرفين.لك ذلك لا يتم فيما لو علم سابقا بنجاسة كلا الطرفين و علم بتطهير أحدهما أو كليهما،إذ حينئذ لا يعلم بنجاسة أحدهما حتى يجب الاحتياط،بل يحتمل طهارتهما معا فإذا لم يجر استصحاب النجاسة فيهما يتعين الرجوع إلى أصالة الطهارة فيهما معا.و لا يظن من المصنف قدّس سرّه الالتزام بذلك.فتأمل جيدا.

(3)للشك البدوي في النجاسة الذي يرجع معه إلى أصالة الطهارة.لكن عرفت حكومة استصحاب النجاسة و تقديمه على استصحاب الطهارة،لأنه سببي بالإضافة إليه.

(4)لكن هذا إنما يتم إذا كانت الأصول الجارية في بعض الأطراف في مرتبة واحدة،أما لو كانت مختلفة المرتبة اتجه وقوع المعارضة بين السابق رتبة منها و الأصل

ص: 223

الأصول من باب الظن النوعي (1) .

لو ترتب أثر شرعي على كلا المستصحبين

و أما الصورة الثالثة:و هو ما يعمل فيه بالاستصحابين.

فهو ما كان العلم الإجمالي بارتفاع أحد المستصحبين فيه غير مؤثر شيئا،فمخالفته لا يوجب مخالفة عملية لحكم شرعي،كما لو توضأ اشتباها (2) بمائع مردد بين البول و الماء،فإنه يحكم ببقاء الحدث و طهارة الأعضاء،استصحابا لهما.و ليس العلم الإجمالي بزوال أحدهما مانعا من ذلك،إذ الواحد المردد بين الحدث و طهارة الأعضاء في اليد لا يترتب عليه حكم شرعي (3) ،حتى يكون ترتيبه مانعا عن العمل بالاستصحابين.

الجاري في الأطراف الأخر،و بعد تساقطهما يتجه الرجوع إلى الأصل المتأخر رتبة الجاري في بعض الأطراف،لعدم المعارض له.فتأمل.

(1)إذ قد يدعى أن تعدد الأصول يوجب قوة الظن فيجب الترجيح بها بقاء على وجوب الترجيح بين الأدلة الاجتهادية،كما تقدم منه قريبا.لكن هذا موقوف على شمول إطلاق الحجية للمتعارضين ذاتا،أما إذا فرض أن التعارض بين الأصلين يوجب خروجهما عن عموم الدليل موضوعا فلا معنى للترجيح بينهما،كما تقدم في آخر الدعوى الأولى.

(2)لم يتضح الوجه في التقييد بالاشتباه،و قد تقدم بعض الكلام في صدر المطلب.

(3)لا يخفى أن كلا من الحدث و طهارة البدن مما يترتب عليه حكم شرعي، إذ الأول يقتضي الوضوء للصلاة مثلا،و الثاني يقتضي الصلاة من غير تطهير.فلا وجه لما ذكره هنا.

بل مقتضى ما ذكره في الصورتين الأوليين من أن العلم الإجمالي بانتقاض الحالة السابقة مانع من شمول دليل الاستصحاب في الأطراف المنع من جريانه هنا.

ص: 224

و لا يلزم من الحكم بوجوب الوضوء و عدم غسل الأعضاء مخالفة عملية لحكم شرعي أيضا (1) .نعم ربما يشكل ذلك في الشبهة الحكمية.و قد ذكرنا ما عندنا في المسألة في مقدمات حجية الظن عند التكلم في حجية العلم (2) .

نعم يحكى عن مجلس درسه الشريف أن اليقين الناقض لا يعم مطلق اليقين الإجمالي، بل خصوص ما تعلق منه بتكليف إلزامي.و عليه يتوجه جريان الاستصحاب في المقام لعدم اليقين بالتكليف الإلزامي.

لكن لم يتضح الوجه في التقييد المذكور،لأن المراد باليقين في دليل الاستصحاب مطلق اليقين لا خصوص اليقين بالتكليف الإلزامي،فإن فرض عمومه للإجمالي لم يتجه التفصيل المذكور.على أن ذلك لو تم لم يبق وجه لقوله في آخر الكلام في الصورتين الأوليين:«و لذا لا نفرق في حكم الشبهة المحصورة بين كون الحالة السابقة...»إذ لا وجه حينئذ للحكم بالتساقط بعدم جريان الاستصحاب في الصورة الثانية،لفرض عدم لزوم مخالفة قطعية من جريان الاستصحاب فيها،لعدم العلم بحدوث تكليف إلزامي،كما لا يخفى.و من ثم كان كلام المصنف قدّس سرّه مضطربا جدا.

(1)يعني:كي يدعى مانعية ذلك من جريان الاستصحابين لو فرض عموم دليله لهما ذاتا،كما ذكره فيما تقدم.

(2)لعل إشارة إلى ما تقدم منه في أواخر مبحث القطع من الفرق في جريان الأصول على خلاف العلم الإجمالي بين الأصول الموضوعية و الحكمية،بأن الأولى موجبة لخروج مجراها عن كبرى الحكم المعلوم بالإجمال فلا تكون مخالفة له،بخلاف الثانية،و لو تم هذا منع من جريان الاستصحاب الحكمي في المقام و غيره من أطراف العلم الإجمالي و إن لم تلزم مخالفة قطعية لتكليف منجز.لكن سبق منه قدّس سرّه الإشكال في الوجه المذكور.فراجع.

ص: 225

لو ترتب الأثر على أحدهما دون الآخر

و أما الصورة الرابعة:و هو ما يعمل فيه بأحد الاستصحابين.

فهو ما كان أحد المستصحبين المعلوم ارتفاع أحدهما مما يكون موردا لابتلاء المكلف دون الآخر،بحيث لا يتوجه على المكلف تكليف منجز يترتب أثر شرعي عليه.و في الحقيقة هذا خارج عن تعارض الاستصحابين، إذ قوله:«لا تنقض اليقين»لا يشتمل اليقين الذي لا يترتب عليه في حق المكلف أثر شرعي بحيث لا تعلق له به أصلا (1) ،كما إذا علم إجمالا بطروء الجنابة عليه أو على غيره (2) .و قد تقدم أمثلة ذلك (3) .

و نظير هذا كثير.مثل أنه علم إجمالا بحصول التوكيل من الموكل،إلا أن الوكيل يدعى وكالته في شيء و الموكل ينكر توكيله في ذلك الشيء،فإنه لا خلاف في تقديم قول الموكل،لأصالة عدم توكيله فيما يدعيه الوكيل، و لم يعارضه أحد بأن الأصل عدم توكيله فيما يدعيه الموكل أيضا (4) .

و كذا لو تداعيا في كون النكاح دائما أو منقطعا،فإن الأصل عدم النكاح الدائم من حيث أنه سبب للإرث و وجوب النفقة و القسم (5) .

(1)لأن التعبد بما لا يكون موردا للأثر العملي لغو.

(2)تقدم منه قدّس سرّه على هذا من الصورة الثالثة و تقدم الإشكال فيه.

(3)تقدم التمثيل له عند عدّ الصور بالمثال الأول الآتي،و تقدم بعض الكلام فيه.

(4)لعدم الأثر له،على ما تقدم الكلام فيه.

(5)بخلاف أصالة عدم النكاح المنقطع،فإنه لا يقتضي ثبوت الآثار المذكورة،إلا بناء على الأصل المثبت،لملازمته عدم النكاح المنقطع لوقوع الدائم بعد فرض وقوع النكاح في الجملة.

نعم أصالة عدم النكاح الدائم لا تحرز كون النكاح الخارجي منقطعا ينتهي

ص: 226

و يتضح ذلك بتتبع كثير من فروع التنازع في أبواب الفقه.

و لك أن تقول بتساقط الأصلين في هذه المقامات و الرجوع إلى الأصول الأخر الجارية في لوازم المشتبهين (1) .إلا أن ذلك إنما يتمشى في استصحاب الأمور الخارجية،أما مثل أصالة الطهارة في كل من واجدي المني فإنه لا وجه للتساقط هنا (2) .

ثم لو فرض في هذه الأمثلة أثر لذلك الاستصحاب الآخر دخل في القسم الأول إن كان الجمع بينه و بين الاستصحاب (3) مستلزم لطرح علم إجمالي معتبر في العمل (4) ،و لا عبرة بغير المعتبر،كما في الشبهة الغير المحصورة (5) .

بانتهاء المدة،بل مقتضى الاستصحاب بقاء الزوجية.بل قد يدعى أن أصالة عدم اشتراط الأجل في العقد تحكم بدوام النكاح و استمراره،فتترتب آثاره.فلاحظ.

(1)الظاهر أنه لا مجال لتساقط الأصلين إلا إذا فرض كونهما معا موردا للأثر و لزم منهما مخالفة عملية،و هو لا يتم في الأمثلة المذكورة.

نعم لا يبعد تماميته بناء على أن المدار في تعيين المدعي من المنكر مصب الدعوى لا على نتيجتها.و تمام الكلام في مباحث التنازع في الفقه.

(2)كأنه لما أشرنا إليه في عد الصور من عدم الأثر للأصل الجاري في حق أحدهما بالإضافة إلى الآخر.لكن هذا جار في جميع أمثلة هذه الصورة،و لا يختص بالمثال المذكور.

(3)يعني:الاستصحاب الآخر المفروض معارضته له.

(4)من حيث ترتب الأثر على جميع أطرافه.

(5)لعدم الأثر فيها للأطراف الخارجة عن محل الابتلاء.

ص: 227

و في القسم الثاني (1) إن لم يكن هناك مخالفة عملية لعلم إجمالي معتبر،فعليك بالتأمل في موارد إجماع يقينين سابقين مع العلم الإجمالي من عقل (2) أو شرع أو غيرهما بارتفاع أحدهما و بقاء الآخر.

و العلماء (3) و إن كان ظاهرهم الاتفاق على عدم وجوب الفحص في إجراء الأصول في الشبهات الموضوعية (4) ،و لازمه جواز إجراء المقلد لها (5) بعد أخذ فتوى جواز الأخذ بها من المجتهد،إلا أن تشخيص سلامتها عن الأصول الحاكمة عليها ليس وظيفة كل أحد،فلا بد إما من (1)عطف على قوله:«في القسم الأول».و المراد به الصورة الثالثة،كما أن المراد بالقسم الأول ما تقدم في الصورتين الأوليين.

(2)صفة لقوله:«العلم الإجمالي»يعني:العلم الإجمالي الحاصل بسبب أمر عقلي من مقدمة شرعية كاتحاد حكم الماءين في الماء النجس المتمم كرا بطاهر.أو عقلية،و الظاهر أن المراد بالعقلية ما يعم العادية،كما في واجدي المني في الثوب المشترك،حيث إن انتقاض الطهارة في أحدهما ناش من العلم العادي بخروج المني من أحدهما.

(3)هذا كلام مستأنفي لا دخل له بما مضى أراد به التنبيه على وظيفة العامي بالإضافة إلى الأصول الموضوعية.

(4)لا ينبغي الإشكال في ذلك بعد إطلاق أدلة الأصول-و منها الاستصحاب-و عدم المخصص لها بما بعد الفحص،بخلاف الشبهة الحكمية.

(5)هذا لا دخل لا بتوقف جريان الأصول في الشبهات الموضوعية على الفحص،إذ المراد بالفحص هو الفحص عن جهة الشك و لا ريب في أن الفحص المذكور في الشبهات الموضوعية لا يختص به المجتهد،بل يتيسر للعامي،بل قد يكون العامي أقدر عليه من المجتهد،كما لا يخفى.

ص: 228

قدرة المقلد على تشخيص الحاكم من الأصول على غيره منها،و إما من أخذ خصوصيات الأصول السليمة عن الحاكم من المجتهد (1) ،و إلا فربما يلتفت إلى الاستصحاب المحكوم من دون التفات إلى الاستصحاب الحاكم.

و هذا يرجع في الحقيقة إلى تشخيص الحكم الشرعي (2) .نظير (1)بأن ينبه على التفصيل في الشك،و بيان الشك الذي يجري فيه الأصل الحاكم من الشك الذي يجري فيه الأصل المحكوم،فلا يطلق مثلا الرجوع إلى استصحاب النجاسة عند الشك في عروض التطهير،بل يفصل ما بين أن يكون الشك في التطهير ناشئا من الشك في تحقق الغسل و أن يكون ناشئا من الشك في طهارة الماء المغسول ففي الأول يرجع إلى أصالة عدم التطهير و في الثاني إلى أصالة طهارة الماء أو استصحابها المقتضيين لطهارة المغسول به.و هكذا.

(2)يعني:و لا دخل له بعدم وجوب الفحص في الشبهة الموضوعية،فإن المراد به عدم وجوب الفحص عن الواقع المشكوك،لا عدم وجوب تنقيح موضوع الأصل و تشخيص موارده،و إلا فوجوب ذلك ليس موردا للكلام،كوجوب تنقيح موضوعات الأحكام.فتأمل جيدا في المقام.و اللّه سبحانه و تعالى العالم،و هو ولي الاعتصام.

إلى هنا انتهى الكلام في شرح كلمات شيخنا الأعظم(قدس الله سره)نفسه الزكية في مبحث الاستصحاب،بقلم العبد الفقير(محمد سعيد)عفي عنه،نجل العلامة ثقة الإسلام السيد(محمد علي)الطباطبائي الحكيم دامت بركاته.في النجف الأشرف بيمن صاحب الحرم المقدس الشريف عليه آلاف التحية و السلام،ليلة الجمعة التاسع و العشرين من شهر ذي القعدة الحرام سنة ألف و ثلاثمائة و تسع و ثمانين لهجرة سيد المرسلين صلى اللّه عليه و آله أجمعين و سلم تسليما كثيرا،و الحمد للّه في البدء و الختام.و منه التوفيق.

ص: 229

تشخيص حجية أصل الاستصحاب و عدمها.عصمنا اللّه و إخواننا في القول و العمل بجاه محمد و آله المعصومين صلوات اللّه عليهم أجمعين من كل زلل تم قوله أعلى اللّه مقامه في الاستصحاب وفقنا اللّه تعالى في العمل.

و انتهى تبييضه بقلم مؤلفه الفقير مع اضطراب الحال و ارتباك الأمور و تشوش الأفكار في أعقاب حادثة تسفير إخواننا المؤمنين من الإيرانيين من أهل العلم و غيرهم و تغريبهم عن أوطانهم بأشجى حال،و لا حول و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم و هو المأمول في صلاح شئون المؤمنين و تفريج كربهم و لم شعثهم و جمع شملهم إنه أرحم الراحمين-آخر نهار يوم الاثنين التاسع و العشرين من شهر ذي القعدة الحرام سنة ألف و ثلاثمائة و إحدى و تسعين لهجرة سيد المرسلين صلى الله عليه و آله أجمعين في النجف الأشرف ببركة صاحب الحرم المشرف عليه آلاف التحية و السلام.و الحمد للّه أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا.

ص: 230

خاتمة

اشارة

في التعادل و التراجيح

ص: 231

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام على خير خلقه محمد و آله الطاهرين و لعنة اللّه على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.

ص: 232

خاتمة في التعادل و التراجيح

و حيث إن موردهما الدليلان المتعارضان فلا بد من تعريف التعارض و بيانه.

التعارض لغة و اصطلاحا

و هو لغة:من العرض بمعنى الإظهار (1) ،و غلب في الاصطلاح على تنافي الدليلين و تمانعهما باعتبار مدلولهما (2) .و لذا ذكروا:أن التعارض بسم اللّه الرحمن الرحيم و به نستعين

الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا محمد و آله الطاهرين و لعنة اللّه على أعدائهم أجمعين.

(1)المستفاد من كلمات اللغويين أن للعرض معاني أخر لعل بعضها أنسب بالمقام،و لعل المقام مأخوذ من(عرض)بمعنى طرأ،فالعارض هو الأمر الطارئ، مع الكناية به عن المانع،حيث يكون أحد المتعارضين مانعا للآخر من الحجية و موقفا له عن مقام العمل.فراجع كلماتهم.و الأمر سهل.

(2)هذا بظاهره قد يشمل موارد إمكان الجمع العرفي بين الدليلين،كالعام

ص: 233

تنافي مدلولي الدليلين على وجه التناقض أو التضاد (1) .

و كيف كان فلا يتحقق إلا بعد اتحاد الموضوع،و إلا لم يمتنع اجتماعهما (2) .

عدم التعارض بين الأصول و الأدلة الاجتهادية

و منه يعلم أنه لا تعارض بين الأصول و ما يحصله المجتهد من الأدلة الاجتهادية،لأن موضوع الحكم في الأصول الشيء يوصف أنه مجهول الحكم،كالحكم بحلية العصير-مثلا-من حيث أنه مجهول الحكم، و الخاص،لأن مدلول كل منهما في نفسه مناف لمدلول الآخر.إلا أن يدعى أن عدم استحكام لتعارض بينهما موجب لانصراف التعريف عنهما،أو يدعى أنهما متعارضان و أن الجمع العرفي بينهما نحو من الترجيح الدليلي بينهما،الذي يأتي التعرض له في هذه المباحث.فلاحظ.

(1)لعل المراد بالأول ما إذا كان مضمون أحد الدليلين مناقضا لمضمون الدليل الآخر،مثل:يجب الدعاء عند رؤية الهلال،و:لا يجب الدعاء عند رؤية الهلال.و بالثاني ما إذا كان مضمون أحدهما مضادا لمضمون الآخر،مثل:«يجب الدعاء عند رؤية الهلال»،و:«يستحب الدعاء عند رؤية الهلال».

لكن يمكن إرجاع الثاني للأول،لأن أحد الدليلين و إن لم يناقض الآخر بحسب الدلالة المطابقية إلا أنه يناقضه بحسب الدلالة الالتزامية التي هي حجة في الخبر كالدلالية المطابقية.و بهذا يدخل في المتعارضين مثل دليلي وجوب التمام و وجوب القصر،و لولاه لم يدخلا في تعريف المصنف قدّس سرّه.فلاحظ.

(2)لإمكان اجتماع النقيضين و الضدين مع تعدد الموضوع.بل لا يصدق الاجتماع معه.لكن الظاهر أنه لا يكفي في ذلك تعدد العنوان،بل لا بد من تعدد المعنون على تفصيل مذكور في مبحث اجتماع الأمر و النهي.

ص: 234

و موضوع الحكم الواقعي الفعل من حيث (1) هو،فإذا لم يطلع عليه المجتهد (2) كان موضوع الحكم في الأصول باقيا على حاله،فيعمل على طبقه،و إذا اطلع المجتهد على دليل يكشف عن الحكم الواقعي إن كان بنفسه يفيد العلم صار المحصّل له عالما بحكم العصير مثلا،فلا يقتضي الأصل (1)يعني:فيتعدد الموضوع و يرتفع محذور الاجتماع.لكن لا يخفى أن تعدد الموضوع هنا إنما هو بحسب العنوان لا بحسب المعنون،و قد عرفت أنه لا يكفي في رفع محذور اجتماع الضدين و النقيضين.

بل حيث كان الحكم الواقعي شاملا لحال الجهل لزم اجتماع الحكمين في صورة الجهل و لا ينفع فيه تعدد العنوان.فالتحقيق في رفع المحذور المذكور أن أدلة الأصول لا تقتضي جعل الحكم ثبوتا،بل التعبد به إثباتا مع قطع النظر عن مقام الثبوت،فلا تنافي الأحكام الواقعية المدلول عليها بالأدلة الاجتهادية.و تمام الكلام في مبحث الجمع بين الأحكام الواقعية و الظاهرية.

(2)لا يخفى أن هذا لا دخل له برفع محذور اجتماع الضدين أو النقيضين ثبوتا،بل هو راجع إلى وجه تقديم الأدلة الاجتهادية على الأصول بعد الفراغ عن عدم التنافي بين مورديها ثبوتا،إذ يكفي في محذور الاجتماع المشار إليه لزوم اجتماع الحكمين في صورة عدم قيام الأدلة الاجتهادية.

و إن شئت قلت:الكلام تارة:في تنافي الحكم الواقعي المدلول لنفس الأدلة الاجتهادية مع الحكم الظاهري المدلول لأدلة الأصول،حيث يلزم منهما اجتماع الحكمين.

و أخرى:في تعارض أدلة اعتبار الأدلة الاجتهادية مع أدلة الأصول في بيان الوظيفة العملية الفعلية.و تعدد الموضوع لو تم إنما ينفع في دفع المحذور الأول.و ما ذكره المصنف قدّس سرّه بهذا الكلام إنما ينفع في علاج الأمر الثاني.فلا وجه للخلط بينهما.

فلاحظ.

ص: 235

حليته،لأنه إنما اقتضى حلية مجهول الحكم صح،فالحكم بالحرمة ليس طرحا للأصل،بل هو بنفسه غير جار و غير مقتض،لأن موضوعه مجهول الحكم.

و إن (1) كان بنفسه لا يفيد العلم،بل هو محتمل الخلاف،لكن ثبت اعتباره بدليل علمي.

ورود الأدلة على الأصول العقلية

فإن كان الأصل مما كان مؤداه بحكم العقل،كأصالة البراءة العقلية و الاحتياط و التخيير العقليين،فالدليل أيضا وارد عليه و رافع لموضوعه، لأن موضوع الأول عدم البيان (2) ،و موضوع الثاني احتمال العقاب، و مورد الثالث عدم الترجيح (3) لأحد طرفي التخيير،و كل ذلك مرتفع بالدليل العلمي المذكور.

حكومة الأدلة على الأصول الشرعية

و إن كان مؤداه (4) من المجعولات الشرعية-كالاستصحاب و نحوه-كان ذلك الدليل حاكما على الأصل،بمعنى أنه يحكم عليه بخروج مورده عن مجرى الأصل (5) ،فالدليل العلمي المذكور و إن (1)يعني:الدليل الاجتهادي الكاشف عن الحكم الواقعي.

(2)يعني:عدم البيان بوجه معتبر و لو لم يكن علميا.

(3)يعني:عدم الترجيح بوجه معتبر و لو لم يكن علميا.

(4)يعني:مؤدى الأصل.

(5)ظاهره أن أدلة الطرق و الأمارات مسوقة لبيان خروج مواردها عن مجرى الأصل.و هو غير ظاهر،فإن أدلة الطرق و الأمارات إنما تتضمن التعبد بمضمونها،و هو و إن استلزم عدم جريان الأصل،إلا أنها غير مسوقة له،و إلا لأمكن دعوى العكس،لأن التعبد بمضمون الأصل مستلزم لعدم حجية الطرق و الأمارات،و سيأتي توضيح ذلك.

ص: 236

لم يرفع موضوعه (1) -أعني الشك-إلا أنه يرفع حكم الشك،أعني الاستصحاب.

ضابط الحكومة

و ضابط الحكومة:أن يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي متعرضا لحال الدليل الآخر،و رافعا للحكم الثابت بالدليل الآخر عن بعض أفراد موضوعه،فيكون مبينا لمقدار مدلوله،و مسوقا لبيان حاله،متفرعا عليه (2) .

(1)يعني:موضوع الأصل.

(2)لا يخفى أن استفادة الحكم الشرعي من الدليل اللفظي موقوفة على إثبات صدوره،و استعماله فيما هو ظاهر فيه،و صدوره لبيان الحكم الواقعي.

و المتكفل بالأول أدلة الحجية،و بالثاني أصالة الظهور،و بالثالث أصالة الجهة المعول عليها عند العقلاء.و قد تقدمت الإشارة إلى ذلك في أوائل مبحث حجية خبر الواحد.و حينئذ فإذا تم ذلك في دليل فقد يعارضه دليل آخر،و قد لا يعارضه،بل يقدم عليه رتبة.

و توضيح ذلك:أن الدليلين المتنافيين بدوا بحسب مدلولهما على أنحاء ثلاثة:

الأول:أن يكون أحد الدليلين مسوقا للتعرض إلى إحدى الجهات الثلاث المتقدمة في الآخر،بحيث يوجب رفع اليد عن مقتضى الأصل المثبت لها،كما كان أحد الخبرين حاكما بكذب الآخر،أو بوروده للتقية،أو ببيان المراد منه سعة أو ضيقا على خلاف مقتضى الظاهر منه في نفسه،كصحيح عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«سألته عن رجل لم يدر أ ركعتين صلى أم ثلاثا.قال عليه السّلام:يعيد.قلت:أ ليس يقال:

لا يعيد الصلاة فقيه؟قال عليه السّلام:إنما ذلك في الثلاث و الأربع».و الدليلان المذكوران ليسا في مرتبة واحدة،بل الأول متفرع على الثاني تفرع المفسر على المفسر،و متأخر

ص: 237

عنه رتبة لنظره إليه.و لا يلزم أن يكون متأخرا عنه زمانا.لإمكان فرض نظره إليه على فرض وجوده،بنحو القضية التعليقية.

الثاني:أن يكون أحد الدليلين مسوقا لبيان حال الحكم الذي تعرض له الدليل الآخر،إما بتضييق موضوعه أو بتوسيعه أو ببيان كيفية جعله،من دون تعرض لنفس الدليل و لا شرح له،مثل ما تضمن أنه لا شك لكثير الشك مع أحكام الشك، و ما دل على أن الطواف بالبيت صلاة و أن المطلقة رجعيا زوجة،فإن تنزيل موضوع منزلة آخر شرعا راجع إلى جعل أحكامه له،كما أن سلبه عنه راجع إلى سلبها عنه و بيان أن موضوعها لا يشمل مورد السلب.

و مثل ذلك جميع أدلة الأحكام الثانوية مع الأحكام الأولية،مثل ما دلّ على رفع الحرج و الإكراه و الضرر و نحوها،فإنه ناظر إلى الأحكام الأولية و أنها لم تجعل بنحو يشمل الأحوال المذكورة و شارح لحالها،و لا نظر له إلى أدلتها،و هو و إن كان قد يستلزم نحوا من الكشف عن المراد بتلك الأدلة،إذ مع فرض أن الحكم لا يشمل بعض الأحوال أو الأفراد يمتنع عقلا إرادة ما يعمه من دليله مع فرض عدم النسخ.

إلا أن ذلك-مع أنه يختص بالأدلة المضيقة،و لا يطرد في الأدلة الموسعة للموضوع، مثل الطواف بالبيت صلاة،إذ هو لا يكشف عن كون المراد بأدلة أحكام الصلاة ما يعم الطواف،بل غاية ما يدل عليه جريان أحكام الصلاة في الطواف-لا يقتضي نظر الدليل الشارح لأدلة تلك الأحكام و لا تفرعه عليها،بخلاف القسم الأول.

و لذا لو ورد الدليل الشارح في القسم الثاني من غير من ورد منه دليل الحكم المشروح أو منه مع احتمال النسخ لم ينهض ببيان المراد من دليل الحكم المشروح، بخلاف القسم الأول فإن الدليل الشارح يصلح لبيان المراد من الدليل المشروح و لو مع احتمال النسخ أو مع تعدد الحاكم،كما يظهر بالتأمل.

الثالث:أن يكون أحد الدليلين معارضا للآخر من دون نظر منه إليه و لا

ص: 238

إلى الحكم الذي تضمنه،بل هو معارض له في نفسه،إما مع استحكام التعارض و تعذر الجمع العرفي بينهما،أو مع إمكانه،كما في العام و الخاص فإن الدليل الخاص لا نظر له للحكم العام و لا إلى دليله،بل تقديمه عليه من باب أنه أقوى الحجتين عرفا.و تقديمه عليه و إن كان يستلزم حمل العام على ما عداه،إلا أنه بحكم العقل، لا لنظره إليه و لا إلى حكمه بوجه.

إذا عرفت هذا يقع الكلام في ضابط الحكومة فنقول:لا إشكال في عدم كون القسم الثالث من موارد الحكومة،كما لا إشكال في كون القسم الأول منها،لأنه المتيقن من كلماتهم في المقام،و إنما الإشكال في القسم الثاني.

و ظاهر المصنف قدّس سرّه في كلامه هنا خروجه عنها،و اختصاصها بالقسم الأول، إلا أن تمثيله بأدلة أحكام الشكوك و تعرضه لنظير ذلك في تقريب حكومة أدلة نفي الحرج في مباحث الانسداد في تقريب حكومة أدلة نفي الضرر في خاتمة البراءة قد يشهد بأن مراده من الحكومة ما يعم القسم الثاني.و هو الظاهر من كلام جميع من تأخر عنه،بل هو صريح بعضهم،بل عن بعض أنه ضرب على العبارة الموجودة هنا الدالة على اختصاص الحكومة بالقسم الأول في الدورة الأخيرة و إن كان من القريب أن يكون قد اختلط عليه قدّس سرّه-كما اختلط على غيره-نظر أحد الدليلين للآخر بنظره لحكمه،فتخيل أن الأدلة المذكورة ناظرة إلى أدلة الحكام لا إلى الأحكام التي تعرضت لها الأدلة فقط،كما ذكرنا.

هذا و لا يهم تحقيق معنى الحكومة و لا تحديد مواردها،لأنها محض اصطلاح متأخر،و إنما المهم تحقيق حال أثرها،و هو تقديم الحاكم على المحكوم مع قطع النظر عن الجمع العرفي بينهما،فاعلم.أنه لما كان ملاك تقديم الحاكم على المحكوم هو تقدمه رتبة فاللازم اختصاصه بالقسم الأول و عدم جريانه في القسم الثاني،لعدم نظر أحد الدليلين فيه للآخر و شرحه له،حتى يتقدم عليه طبعا،بل هما معا واردان

ص: 239

نظير الدليل الدال على أنه لا حكم للشك في النافلة،أو مع كثرة الشك،أو مع حفظ الإمام،أو المأموم،أو بعد الفراغ من العمل،فإنه حاكم على الأدلة المتكفلة لأحكام هذه الشكوك فلو فرض أنه لم يرد من الشارع حكم الشكوك لا عموما و لا خصوصا لم يكن مورد للأدلة النافية لحكم الشك في هذه الصور (1) .

الفرق بين الحكومة و التخصيص

و الفرق بينه و بين التخصيص أن كون التخصيص بيانا للعام بحكم العقل الحاكم بعدم جواز إرادة العموم مع العمل بالخاص،و هذا بيان بلفظه (2) و مفسر للمراد من العام فهو تخصيص في المعنى بعبارة التفسير.

لبيان حكم واحد متعارضان فيه،فاللازم عدم تقديم أحدهما إلا بمرجح عرفي، و هو قوة دلالته.و لذا يعتبر فيه ما يعتبر في الجمع العرفي من عدم لزوم تخصيص الأكثر و نحوه،بخلاف القسم الأول،فإنه لا يعتبر فيه ذلك،بل هو مقدم عليه مطلقا،لكونه متعرضا لموضوع الحجية فيه،أعني الصدور أو الجهة أو الظهور،كما يظهر بالتأمل.

و من هنا كان أكثر ما عدوه من الحكومة خارجا عنها،و إنما هو مبني على الجمع العرفي ببعض الوجوه التي لا تخفى على المتأمل.و إن كنا قد جاريناهم في عد الموارد المذكورة منها فيما مضى،و ربما تجاربهم في ذلك فيما يأتي تمشيا مع مصطلحهم و تغافلا عما ذكرنا هنا.فلاحظ.و اللّه سبحانه ولي التوفيق.

(1)هذا إنما يشهد بتفرع هذه الأدلة و نظرها لأحكام الشكوك لا لأدلة تلك الأحكام حتى تكون حاكمة عليها،كما ذكرنا.

(2)عرفت أن هذا مختص بالقسم الأول دون الثاني الذي منه الأمثلة المتقدمة،بل هو إنما يكون بيانا بحكم العقل أيضا.

ص: 240

ثم الخاص إن كان قطعيا تعين طرح عموم العام،و إن كان ظنيا (1) دار الأمر بين طرحه و طرح العموم،و يصلح كل منهما لرفع اليد بمضمونه على تقدير مطابقته للواقع (2) عن الآخر،فلا بد من الترجيح،بخلاف الحاكم،فإن يكتفي به في صرف المحكوم عن ظاهره،و لا يكتفي بالمحكوم في صرف الحاكم عن ظاهره (3) ،بل يحتاج إلى قرنية أخرى،كما يتضح (1)الظاهر أن المراد بكونه ظنيا أنه ظني الدلالة،كما أن المراد بالمرجح هو المرجح الدلالي الذي هو عبارة عن قوة الدلالة،و إلا فلا يتوقف تقديم الخاص على العام على وجود المرجح له من غير جهة الدلالة،فمراد المصنف قدّس سرّه أن الخاص إن كان قطعي الدلالة تقدم على العام مطلقا،و إن كان ظني الدلالة أمكن رفع اليد عن ظاهر كل منهما بالآخر.

مثلا لو كان العام دالا على الترخيص و كان الخاص ظاهرا في الوجوب مع إمكان حمله على الاستحباب-كما في صيغة الأمر-فكما يمكن إبقاء الخاص على ظهوره في الوجوب و تخصيص العام به،كذلك يمكن إبقاء العام على ظهوره في العموم و رفع اليد عن ظهور الخاص في الوجوب و حمله على الاستحباب،و لا وجه لتعين الأول إلا بمرجح بأن يكون ظهور الخاص في الوجوب أقوى من ظهور العام في العموم.

(2)هذا التقدير لا دخل له بمقام الجمع العرفي الذي يكون المدار فيه قوة الدلالة لا غير.

(3)الوجه في ذلك هو تقدم الحاكم على المحكوم رتبة،لتعرضه لموضوع الحجية فيه،فأصالة الظهور مثلا إنما تكون حجة إذا لم يقم على بيان مراد المتكلم حجة،فمع فرض شرح الحاكم المراد من المحكوم لا مجال لجريان أصالة الظهور في المحكوم حتى يصلح لمعارضة الحاكم.نعم عرفت اختصاص ذلك بالقسم الأول و عدم جريانه في القسم الثاني.فلاحظ.

ص: 241

ذلك بملاحة الأمثلة المذكورة (1) .

الثمرة بين التخصيص و الحكومة

فالثمرة بين التخصيص و الحكومة تظهر في الظاهرين،حيث لا يقدم المحكوم و لو كان الحاكم أضعف منه،لأن صرفه عن ظاهره لا يحسن بلا قرنية أخرى (2) مدفوعة بالأصل،و أما الحكم بالتخصيص فيتوقف على ترجيح ظهور الخاص،و إلا أمكن رفع اليد عن ظهوره و إخراجه عن الخصوص بقرينة صاحبه.

فلنرجع إلى ما نحن بصدده من حكومة الأدلة الظنية على الأصول، فنقول:

قد جعل الشارع للشيء المحتمل للحل و الحرمة حكما شرعيا-أعني الحل-ثم حكم بأن الأمارة الفلانية كخبر العادل الدال على حرمة العصير حجة،بمعنى أنه لا يعبأ باحتمال مخالفة مؤداه للواقع (3) ،فاحتمال حلية العصير المخالف للأمارة بمنزلة العدم (4) لا يترتب عليه حكم شرعي (1)مما سبق تعرف حال الأمثلة المذكورة و أن التقديم فيها موقوف على التقديم الدلالي.

(2)و لا يصلح المحكوم لأن يكون قرنية عليه،لعدم تعرضه لمضمونه و لا لشرحه.

(3)فإن مقتضى حجية الأمارة عدم الاعتناء عملا باحتمال الخطأ فيها.

(4)الحكم بعدم الاعتناء باحتمال الخلاف في مقام العمل لا يقتضي إلغاءه تعبدا و نفيه شرعا،كما لا يقتضي إلغاءه ادعاء و تنزيله منزلة العدم حتى يكون ناظرا إلى أحكام الاحتمال،و منها الحلية الظاهرية،ليكون نظير:لا شك لكثير الشك، فضلا عن أن يكون ناظرا لأدلة الأحكام المذكورة و شارحا لها،الذي عرفت أنه

ص: 242

كان يترتب عليه لو لا هذه الأمارة،و هو (1) ما ذكرنا من الحكم بالحلية الظاهرية،فمؤدى الأمارات بحكم الشارع كالمعلوم (2) لا يترتب عليه الأحكام الشرعية المجعولة للمجهولات.

جريان الورود و الحكومة في الأصول اللفظية أيضا

ثم إن ما ذكرنا-من الورود و الحكومة-جار في الأصول اللفظية أيضا،فإن أصالة الحقيقة أو العموم معتبرة إذا لم يعلم هناك قرينة على المجاز (3) .

المعيار في ترتب أثر الحكومة و قد تقدم في الشرط الثالث من شروط الاستصحاب من الخاتمة ما له نفع في المقام.فراجع.

(1)الضمير يرجع إلى(حكم)في قوله:«لا يترتب عليه حكم شرعي...».

(2)هذا التشبيه لم تتضمنه أدلة جعل الأمارة حتى تكون ناظرة إلى إجراء أحكام العلم في موردها،و منها ارتفاع حكم الأصل،لتكون نظير:لا شك لكثير الشك.

نعم بعد فرض جعل الأمارة شرعا و تقديمها على الأصل تكون الأمارة كالعلم في ارتفاع حكم الأصل معها.لكن هذا وحده لا يكفي في الحكومة على الأصل،بل هو موقوف على فرض تقديمها عليه.

(3)لا يخفى أن ملاك العمل بأصالة الحقيقة و العموم هو ظهور الكلام فيهما،فهما من صغريات أصالة الظهور،و حينئذ فالقرينة إن كانت مانعة من أصالة انعقاد الظهور-كما في القرائن المتصلة-كانت رافعة لموضوع أصالتي الحقيقية و العموم،فتكون واردة عليهما من غير فرق بين كون القرينة نصا في خلاف العموم و الحقيقة و كونها ظاهرة في خلافهما،بل لو كانت محتملة لخلافهما كفت في المنع من البناء عليهما و أوجبت إجمال الكلام المانع من الرجوع له و المخرج له عن موضوع الحجية.

ص: 243

فإن كان المخصص مثلا دليلا علميا كان واردا على الأصل المذكور، فالعمل بالنص القطعي في مقابل الظاهر كالعمل بالدليل العلمي في مقابل الأصل العملي.

و إن كان المخصص ظنيا معتبرا كان حاكما على الأصل،لأن معنى حجية الظن جعل احتمال مخالفة مؤداه للواقع بمنزلة العدم (1) في عدم أما إذا لم تكن القرينة مانعة من انعقاد الظهور-كما في القرينة المنفصلة-فهي إن كانت قطعية من حيث الدلالة و السند و الجهة أوجبت ارتفاع موضوع الرجوع لأصالة الحقيقة و العموم-و هو الشك في إرادة المعنى الحقيقي و العموم-للعلم معها بعدم إرادتهما.و إن كانت ظنية الدلالة أو السند أو الجهة فهي لا توجب ارتفاع موضوع أصالة الحقيقة و العموم،و إن وجب تقديمها عليها بحكم العرف و أهل اللسان.

اللهم إلا أن يقال:لما كان الدليل على أصالة الحقيقة و العموم و نحوهما منحصرا لسيرة أهل اللسان و كان بناء أهل اللسان على عدم الرجوع إليهما مع الدليل على الخلاف كان المتيقن من موضوعهما صورة عدم الدليل على خلاف لا مطلق الشك،فيكون وجود الدليل رافعا لموضوعهما و إن لم يرفع الشك.و عليه فيكون الدليل واردا عليهما مطلقا كالأصول العملية العقلية.

لكن الإنصاف أن التأمل في المرتكزات شاهد بأن عدم الرجوع للعموم و الحقيقة مع الدليل القطعي لعدم الموضوع لهما،أما مع الدليل الظني فهو مع وجود موضوعهما بملاك ترجيح أحد الدليلين على الآخر لأقوائيته و إن كان موضوع كل منهما حاصلا في الواقعة.و لذا يتوقف ترجيح قرينة المجاز و التخصيص على أقوائية ظهورها فيهما من ظهور الكلام في الحقيقة و العموم،كما تقدم.فلا مجال لدعوى الورود في مثل ذلك.

(1)عرفت قريبا الإشكال في ذلك.و هو هنا أشكل لأن دليل حجية الظهور

ص: 244

ترتب ما كان يترتب عليه من الأثر لو لا حجية هذه الأمارة،و هو (1) وجوب العمل بالعموم عند احتمال وجود المخصص و عدمه،فعدم العبرة باحتمال عدم التخصيص (2) إلغاء للعمل بالعموم.

فثبت أن النص وارد على أصالة الحقيقة إذا كان قطعيا من جميع الجهات (3) ،و حاكم عليه إذا كان ظنيا في الجملة،كالخاص الظني السند مثلا.

و يحتمل أن يكون الظن أيضا واردا بناء على كون العمل بالظاهر عرفا و شرعا معلقا على عدم التعبد بالتخصيص (4) ،فحالها حال الأصول العقلية،فتأمل.

لما كان بناء العقلاء،فلا معنى لفرض التنزيل فيه بل يكفي بناؤهم على عدم العمل بالظهور مع وجود القرينة من دون حاجة إلى التنزيل،و إنما يحتاج إلى التنزيل في الأدلة اللفظية،لأجل تسرية الحكم الثابت للعنوان إلى الفاقد له.فلاحظ.

(1)الضمير يرجع إلى(الأثر)في قوله:«عدم ترتب ما كان يترتب عليه من الأثر لو لا...».

(2)يعني:المستفاد من دليل حجية الخمس و وجوب العمل به.

(3)و هي الدلالة و السند و الجهة.إذ مع عدم القطع به من أحد من هذه الجهات لا يصلح بمطابقته للواقع،فلا يرتفع به موضوع أصالة العموم أصالة العموم و الحقيقة الذي هو الشك.

(4)يعني:و إن لم يكن مضمون التعبد قطعيا.لكن عرفت المنع من ذلك و أن رفع اليد عن العموم و الحقيقة حينئذ ليس لارتفاع الموضوع بل للمزاحمة بما هو أقوى.فلاحظ.

ص: 245

هذا كله على تقدير كون أصالة الظهور من حيث أصالة عدم القرينة (1) .

و أما إذا كان من جهة الظن النوعي الحاصل بإرادة الحقيقة الحاصل من الغلبة أو من غيرها فالظاهر أن النص وارد عليها مطلقا و إن كان النص ظنيا،لأن الظاهر أن دليل حجية الظن الحاصل بإرادة الحقيقة الذي هو مستند أصالة الظهور مقيد بصورة عدم وجود ظن معتبر على خلافه (2) ، فإذا وجد ارتفع موضوع ذلك الدليل،نظير ارتفاع موضوع الأصل (3) بالدليل.

و يكشف عما ذكرنا أنا لم نجد و لا نجد من أنفسنا موردا يقدم فيه العام من حيث هو على الخاص و إن فرض كونه أضعف الظنون المعتبرة، فلو كان حجية ظهور العام غير معلق على عدم الظن المعتبر على خلافه لوجد مورد نفرض فيه أضعفية مرتبة ظن الخاص من الظن العام حتى (1)أصالة عدم القرينة يراد بها أصالة عدم القرنية المتصلة المانعة من انعقاد الظهور فهي منقحة للظهور لا ملاك لوجوب العمل به و حجيته.و ليس ملاك العمل به إلا بناء العقلاء و سيرة أهل اللسان.نعم يقع الكلام في أن منشأ سيرتهم الظن النوعي الحاصل من الغلبة أو نحوها فيكون من الأمارات،أو مجرد التعبد فيكون من الأصول العقلائية.

(2)الظاهر أن وجود الظن المعتبر على الخلاف من سنخ المزاحم لا الواقع للموضوع،كما تقدم.

(3)يعني:الأصل العملي العقلي الذي تقدم منه أن الدليل وارد عليه مطلقا.

ص: 246

يقدم عليه أو مكافئة له حتى يتوقف مع أنا لم نسمع موردا يتوقف في مقابلة العام من حيث هو و الخاص،فضلا عن أن يرجح عليه. (1) نعم لو فرض الخاص ظاهرا أيضا خرج عن النص و صار من باب تعارض الظاهرين فربما يقدم العام (2) .

و هذا نظير ظن الاستحباب على القول به،فإنه لم يسمع مورد يقدم الاستصحاب على الأمارة المعتبرة المخالفة له،فيكشف عن أن إفادته للظن أو اعتبار ظنه النوعي مقيد بعدم قيام ظن آخر على خلافه.فافهم.

عدم التعارض في القطعيين و لا في الظنيين الفعليين

ثم إن التعارض على ما عرفت من تعريفه لا يكون في الأدلة القطعية (3) ،لأن حجيتها إنما هي من حيث صفة القطع،و القطع بالمتنافيين أو بأحدهما مع الظن بالآخر غير ممكن.

و منه يعلم عدم وقوع التعارض بين دليلين يكون حجيتهما باعتبار صفة الظن الفعلي،لأن اجتماع الظنين بالمتنافيين محال،فإذا تعارض سببان (1)هذا إنما يدل على أن الترجيح الدلالي مقدم عرفا على الترجيح السندي فالخاص لما كان أقوى دلالة قدم على العام و إن كان أقوى سندا.و لا يدل على ارتفاع موضوع أصالة العموم بورود الخاص.

(2)بأن كان ظهور العام في العموم أقوى من ظهور الخاص فيما ينافيه،كما لو فرض إمكان حمل الخاص على الاستحباب بحيث يكون أقرب عرفا من حمل العام على العموم،كما أشرنا إليه.

(3)يعني:قطعية المضمون،لا قطعية الصدور فقط.و إلا أمكن فرض التعارض بين الدليلين المقطوعي الصدور بأن يحتمل عدم مطابقة أصالة الصدور و الجهة في أحدهما للواقع.

ص: 247

للظن الفعلي فإن بقى الظن في أحدهما فهو المعتبر و إلا تساقطا.

و قولهم:إن التعارض لا يكون إلا في الظنين يريدون به الدليلين المعتبرين من حيث إفادة نوعهما الظن،و إنما أطلقوا القول في ذلك لأن أغلب الأمارات،بل جميعها عند جل العلماء،بل ما عد أجمع ممن قارب عصرنا (1) ،معتبرة من هذه الحيثية،لا لإفادة الظن الفعلي بحيث يناط الاعتبار به.

و مثل هذا في القطعيات غير موجود،إذ ليس هنا ما يكون اعتباره من باب إفادة نوعه للقطع،لأن هذا يحتاج إلى جعل الشارع،فيدخل حينئذ في الأدلة الغير القطعية.

إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم:أن الكلام في أحكام التعارض يقع في مقامين،لأن المتعارضين:

إما أن يكون لأحدهما مرجح على الآخر.

و إما أن لا يكون بل يكونا متعادلين متكافئين.

الكلام في قاعدة أولوية الجمع على الطرح

و قبل الشروع في بيان حكمهما لا بد من الكلام في القضية المشهورة، و هي أن الجمع بين الدليلين مهما أمكن أولى من الطرح.

و المراد بالطرح على الظاهر المصرح به في كلام بعضهم (2) و في معقد (1)ممن ذهب إلى حجية الظن لدليل الانسداد بناء على أنه مختص بالظن بالواقع،إذ لو اكتفي بالظن بالطريق أمكن فرض حجية الظن النوعي.

(2)يكفي فيه ما يأتي من غوالي اللآلي،حيث جعل النظر في المرجحات بعد تعذر الجمع.

ص: 248

إجماع بعض آخر أعم من طرح أحدهما لمرجح في الآخر،فيكون الجمع مع التعادل أولى من التخيير و مع وجود المرجح أولى من الترجيح.

كلام ابن أبي جمهور قدّس سرّه في عوالي اللآلي

قال الشيخ ابن أبي الجمهور الإحسائي في عوالي اللآلي-على ما حكى عنه-:

إن كل حديثين ظاهرهما التعارض يجب عليك أولا البحث عن معناهما و كيفية دلالة ألفاظهما،فإن أمكنك التوفيق بينهما بالحمل على جهات التأويل و الدلالات فاحرص عليه و اجتهد في تحصيله،فإن العمل بالدليلين مهما أمكن خير من ترك أحدهما و تعطيله باجماع العلماء فاذا لم يتمكن من ذلك و لم يظهر لك وجه فاجع العمل بهذا الحديث و أشار بهذا إلى مقبولة عمر بن حنظلة.انتهى.

ما استدل به على هذه القاعدة

و استدل عليه:

تارة:بأن الأصل في الدليلين الأعمال،فيجب الجمع بينهما مهما أمكن،لاستحالة الترجيح من غير مرجح (1) .

(1)لا يخفى أن هذا لا يحتاج إليه في الاستدلال،إذ لو فرض إمكان الترجيح بلا مرجح ذاتا،إلا أنه يمتنع هنا،لأن فيه طرحا للرجوح،و هو خلاف ما فرض من كون الأصل في الدليلين الأعمال.

نعم لو كان الأصل الرجوع للدليلين في الجملة و لو بالرجوع لأحدهما و طرح الآخر كان وجوب الجمع بينهما موقوفا على استحالة الترجيح من غير مرجح كي يمتنع طرح أحدهما و العمل بالآخر و يلزم الجمع بينهما و العمل بهما معا.

اللهم إلا أن يكون هذا تعليلا لوجوب الجمع بينهما لدفع توهم أن مقتضى الأصل و إن كان هو الإعمال في الدليلين معا إلا أنه متعذر في المقام بعد فرض تنافي

ص: 249

و أخرى:بأن (1) دلالة اللفظ على تمام معناه أصلية،و على جزئه الدليلين و تكاذبهما فيتعين طرح أحدهما و العمل بالآخر.

و حاصل الدفع حينئذ:أن طرح أحدهما و العمل بالآخر لما كان مستلزما للترجيح من غير مرجح تعين الجمع بينهما و العمل بهما معا بعد الجمع.

و بعبارة أخرى:أصالة الأعمال في كل منهما تقتضي العمل بظاهره،و مع التعارض بينهما و إن تعذر العمل بظاهر كل منهما إلا أنه لا مجال لطرحهما معا، لمنافاته لأصالة الأعمال بعد كفاية طرحهما في إمكان العمل،و قاعدة امتناع الترجيح تمنع من طرح أحدهما،فيتعين الجمع بينهما.فتأمل.

لكن هذا إنما يقتضي وجوب الجمع بعد فرض عدم المرجح لأحد الدليلين، لا مع فرض وجود المرجح لهما،و قد عرفت أن القاعدة أعم.هذا و قد أطال بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه في توجيه هذا الدليل و تقريبه بما لا مجال لإطالة الكلام فيه.

فراجع.

(1)لا يخفى أن المصنف قدّس سرّه لم يتعرض في كلامه الآتي للجواب عن هذا الاستدلال.

و الذي ينبغي أن يقال:أن الجمع بين الدليلين بحمل كل منهما على بعض مضمونه لا يرجع إلى العمل بهما في تمام معناهما،بل العمل بكل منهما في بعض معناه،فهو في الحقيقة إهمال لدلالته الأصلية و عمل بدلالته التبعية،لا العكس،كما ذكر في الاستدلال.و كان الأولى أن يقال في الاستدلال:أن في الجمع عمل بالدليل في الجملة،و في الطرح إهمال له كلية،و الأول أولى.

لكن يرد عليه:

أولا:منع كون التأويل عملا بالدليل في الجملة.

و ثانيا:منع الأولوية المذكورة،كما سيأتي في الجواب عن الدليل الأول.

نعم قد يوجه هذا الدليل بإرجاعه إلى أن المتعارض إنما يقتضي التكاذب في

ص: 250

تبعية،و على تقدير الجمع يلزم إهمال دلالة تبعية،و هو أولى مما يلزم على تقدير عدمه،و هو إهمال دلالة أصلية.

عدم إمكان العمل بهذه القاعدة

و لا يخفى أن العمل بهذه القضية (1) على ظاهرها يوجب سد باب الترجيح و الهرج في الفقه،كما لا يخفى (2) ،و لا دليل عليه،بل الدليل على خلافه من الإجماع و النص.

عدم الدليل على هذه القاعدة

إما عدم الدليل فلأن ما ذكر من أن الأصل في الدليل الأعمال مسلم، لكن المفروض عدم إمكانه في المقام،فإن العمل بقوله عليه السّلام:«ثمن العذرة سحت»و قوله عليه السّلام:«لا بأس ببيع العذرة»على ظاهرهما غير ممكن،و إلا الدلالات المطابقية لا في الدلالات التضمنية و الالتزامية،و حينئذ فسقوط الدلالة المطابقية عن الحجية لا يقتضي سقوط الدلالات التضمنية عنها،لأن الدلالة التضمنية غير تابعة للدلالة المطابقية في الحجية إن كانت تابعة لها حدوثا.

و يندفع:أولا:بأن التكاذب و التعارض واقع بين الدلالات التضمنية ايضا لان لكل من الدليلين في كل فرد دلالة تضمنية تنافي الدلالة التضمنية للدليل الآخر، فلا بد من دعوى ترجيح كل دليل في بعض دلالاته التضمنية لا في تمامها،و هو بلا مرجح.

و ثانيا:بأن التحقيق أن الدلالة التضمنية تابعة للدلالة المطابقية في الحجية كما هي تابعة لها في الحدوث إلا في موارد خاصة كالإقرار،كما حقق في محله.فلاحظ.

(1)و هي قضية أن الجمع مهما أمكن أولى من الطرح.

(2)لظهورها في لزوم الجمع مع إمكانه عقلا و إن لم يساعد عليه العرف، و هو مناف لسيرة الفقهاء في مقام استنباط الأحكام من الأدلة،لأنه مستلزم لعدم تحقق مورد للتخيير و الترجيح و التساقط،لعدم تناهي الاحتمالات العقلية التي يمكن حمل الأدلة المتعارضة بظاهرها عليها.

ص: 251

لم يكونا متعارضين.و إخراجهما عن ظاهرهما بحمل الأولى على عذرة غير مأكول اللحم و الثاني على عذرة مأكول اللحم،ليس عملا بهما،إذ كما يجب مراعاة السند في الرواية و التعبد بصدورها (1) إذا اجتمعت شرائط الحجية،كذلك يجب التعبد بإرادة المتكلم ظاهر الكلام (2) المفروض وجوب التعبد بصدوره إذا لم يكن هنا قرنية صارفة،و لا ريب أن التعبد بصدور أحدهما المعين إذا كان هناك مرجح و المخير إذا لم يكن (3) ثابت على تقدير الجمع و عدمه (4) ،فالتعبد بظاهره واجب (5) ،كما أن التعبد بصدور الآخر أيضا واجب (6) .

فيدور الأمر بين عدم التعبد بصدور ما عدا الواحد المتفق على التعبد به (7) و بين عدم التعبد بظاهر الواحد المتفق على التعبد به (8) ،و لا أولوية (1)لإطلاق دليل الحجية.

(2)لأصالة الظهور المعول عليها عند العقلاء،كما تقدم في مبحث الظن.

(3)بناء على الرجوع للتخيير في المتكافئين.أما بناء على تساقطهما،فيدور الأمر بين التعبد بسندهما دون ظهورهما و عدم التعبد بهما أصلا،و ليس الأول أولى، كما يظهر مما يأتي.

(4)إذ على تقدير الجمع يتعين التعبد بصدوره و صدور الآخر،و على تقدير عدمه يتعين التعبد بصدوره وحده،فالتعبد بصدوره ثابت على كل حال.

(5)لأصالة الظهور فيه بعد فرض حجيته.

(6)عملا بإطلاق دليل الحجية الشامل له.

(7)الذي هو لازم الطرح.

(8)الذي هو لازم الجمع.

ص: 252

للثاني (1) .

بل قد يتخيل العكس فيه،من حيث أن في الجمع ترك التعبد بظاهرين،و في طرح أحدهما ترك التعبد بسند واحد.

لكنه فاسد (2) ،من حيث أن ترك التعبد بظاهر ما لم يثبت التعبد (1)فإنه و إن خلا عن محذور طرح السند في أحدهما إلا أنه مستلزم لمحذور طرح الظاهر في الآخر.

(2)هذه الجملة قد ذكرت في النسخ المطبوعة التي اطلعت عليها للكتاب.

و هي تناسب التعبير عن أولوية العكس بالتخيل،لأن ذلك يقتضي دفعه.إلا أنها لا تناسب المطلب،لأن ما بعدها صالح لتوجيه ما بعدها و تعليله،لا لدفعه و إبطاله.

و حاصل توجيه أولوية الطرح حسب ما يستفاد من ذلك:أن الجمع مستلزم لمخالفة ظاهر كل من الدليلين مع تحقق موضوعه لفرض و هما على طبق الأصل التعبد بالسند.أما الطرح فهو يستلزم العمل بسند أحد الدليلين و ظاهره معا،و ليس فيه مخالفة للأصل إلا بالإضافة إلى طرح سند الآخر،و أما ظاهره فلا يلزم من إهماله مخالفة لدليل حجية الظواهر،لاختصاص دليل حجيتها بما كان من الظواهر حجة قد عبدنا الشارع بصدوره،أما مع فرض عدم التعبد بالصدور-كما هو مقتضى الطرح-فلا موضوع لحجية الظاهر حتى يلزم من إهمالها مخالفة للأصل.و لذا كان الطرح أولى،لقلة ما يستلزمه من المخالفة للأصل.

و هذا مبني على أن طرح الدليل راجع إلى طرح سنده دون ظهوره،و هو غير ظاهر،لأن طرح الدليل عملا لا يرجع إلى تكذيبه،لينافي دليل صدوره،بل لا يتضمن إلا إهماله عملا،و هو أعم من ذلك.

و التحقيق:أن التعبد بسند الدليل لا أثر له بنفسه كالتعبد بالمراد منه،بل الأثر العملي مترتب عليهما معا بنحو الارتباطية لا الانحلال،و حينئذ فطرح الدليل عبارة عن رفع اليد عما يقتضيه الجمع بين أصالتي الصدور و الظهور فيه،كما أن العمل به

ص: 253

بصدوره و لم يحرز كونه صادرا عن المتكلم-و هو ما عدا الواحد المتيقن العمل به-ليس مخالفا للأصل،بل التعبد غير معقول،إذ لا ظاهر حتى يتعبد به.

و مما ذكرنا يظهر فساد توهم أنه إذا عملنا بدليل حجية الأمارة فيهما، و قلنا بأن الخبرين معتبران سندا،فيصيران كمقطوعي الصدور،و لا إشكال و لا خلاف في أنه إذا وقع التعارض بين ظاهري مقطوعي الصدور-كآيتين أو متواترين-وجب تأويلها و العمل بخلاف ظاهرهما (1) ،فيكون القطع عبارة عن البناء على ما يقتضيه الجمع بينهما،فمع فرض تعذر العمل بالدليلين معا بالنحو المذكور و فرض دوران الأمر بين طرح أحدهما و الجمع بينهما بحمل كل منهما على خلاف ظاهره يتعين الأول،لأن فيه عملا بأحد الدليلين،بخلاف الثاني فإن فيه خروجا عن مقتضاهما معا،بل هو عمل بغير حجة،لعدم حجية الدليل في خلاف ظاهره،و منه يظهر أنه لو فرض البناء مع التكافؤ على التساقط لا التخيير فتساقط الدليلين و عدم العمل بهما أولى من الجمع بينهما بحمل كل منهما على خلاف ظاهره بل هو اللازم،لامتناع العمل بالدليل فيما ليس حجة فيه،كما لا يخفى.

نعم لو فرض كون الحمل على خلاف الظاهر مقتضى قرينة عرفية أو جمع عرفي بين الدليلين تعين البناء عليه،لقيام ذلك مقام الظهور الأولي في الكشف عن مراد المتكلم،فيتم به الأثر منضما لأصالة الصدور في الدليلين،فيكون العمل عليه عملا بالدليلين معا،و هو أولى من طرحهما أو طرح أحدهما قطعا.فلاحظ،و تأمل جيدا.

(1)إن كان المراد من العمل على خلاف ظاهرهما إهمالهما و الرجوع لدليل آخر فهو عبارة أخرى عن الطرح،و إن كان المراد منه حملهما على خلاف ظاهرهما و الرجوع لهما في ذلك فهو موقوف على كون الحمل مقتضى الجمع العرفي أو قرينة

ص: 254

بصدورهما عن المعصوم قرينة صارفة لتأويل كل من الظاهرين.

و توضيح الفرق و فساد القياس:أن وجوب التعبد بالظواهر لا يزاحم القطع بالصدور،بل القطع قرينة على إرادة خلاف الظاهر (1) ، و فيما نحن فيه يكون وجوب التعبد بالظاهر مزاحما لوجوب التعبد بالسند.

و بعبارة أخرى (2) :العمل بمقتضى أدلة اعتبار السند و الظاهر بمعنى الحكم بصدورهما و إرادة ظاهرهما غير ممكن،و الممكن من هذه الأمور الأربعة اثنان لا غير،إما الأخذ بالسندين،و إما الأخذ بظاهر و سند من أحدهما (3) ،فالسند الواحد منهما متيقن الأخذ به،

و طرح أحد الظاهرين-و هو ظاهر الآخر الغير المتيقن الأخذ بسنده (4) -و ليس مخالفا للأصل،لأن المخالف للأصل ارتكاب التأويل في الكلام بعد الفراغ عن التعبد بصدوره.

فيدور الأمر بين مخالفة أحد أصلين،إما مخالفة دليل التعبد بالصدور خارجية،و إلا فهو ممتنع،لما تقدم في نظيره.

(1)القطع إنما يوجب العلم بإرادة خلاف الظاهر في الجملة من دون تعيين لوجه بعينه،و تعيين وجه خاص موقوف على تعينه بالقرينة أو بمقتضى الجمع العرفي.و منه يظهر عدم الفرق العملي بين القطعيين و غيرهما.

(2)ليس هذا توضيحا لما ذكره بقوله:«و توضيح الفرق و فساد القياس أن وجوب...»بل هو رجوع لما ذكره قبل ذلك في أصل المطلب.

(3)الأول لازم الجمع،و الثاني لازم الطرح.

(4)كالمرجوح أو الذي يختار تركه عند وصول النوبة للتخيير.

ص: 255

في غير المتيقن التعبد،و إما مخالفة الظاهر في متيقن التعبد،و أحدهما ليس حاكما على الآخر،لأن الشك فيهما مسبب عن ثالث،فيتعارضان (1) .

و منه يظهر فساد قياس ذلك بالنص الظني السند مع الظاهر،حيث يوجب الجمع بينهما بطرح ظهور الظاهر لسند النص.

توضيحه:أن سند الظاهر لا يزاحم دلالته بديهة (2) ،و لا سند النص (3) و لا دلالته (4) ،و أما سند النص و دلالته فإنما يزاحمان ظاهره (5) ، لا سنده (6) ،و هما حاكمان على ظهوره،لأن من آثار التعبد به رفع اليد عن ذلك الظهور،لأن الشك فيه مسبب عن الشك في التعبد بالنص (7) .

(1)بل عرفت أنه لا مجال للجمع لاستلزامه العمل بغير الحجة،لأن الدليل لا يكون حجة فيما لا يكون ظاهرا فيه.

(2)لعدم المنافاة بين صدوره و ظهوره.

(3)إذ لا مانع من صدورهما معا.

(4)إذ لا مانع من صدور الظاهر مع صدور النص و إرادة مدلوله مع إرادة خلاف الظاهر من الظاهر.

(5)يعني:ظاهر الظاهر.

(6)لما عرفت من عدم مزاحمة سند الظاهر لصدور النص و لا لدلالته.

(7)هذا غير ظاهر،بل الشك فيه مسبب عن احتمال إرادة خلاف الظاهر، و لو مع كون النص مما يقطع بعدم التعبد به لكونه خبرا ضعيفا.فالعمدة ما تقدم من تقديم النص على أصالة الظهور عرفا.

و مما تقدم يظهر الإشكال فيما ذكره المصنف قدّس سرّه من المعارضة،حيث عرفت أن العمل قائم بالظهور و السند معا و مترتب عليهما فهما معا معارضان للدليل الآخر.

ص: 256

و أضعف مما ذكر توهم قياس ذلك بما إذا كان خبر بلا معارض لكن ظاهره مخالف للإجماع،فإنه يحكم بمقتضى اعتبار سنده بإرادة خلاف الظاهر من مدلوله.

لكن لا دوران (1) هناك بين طرح السند و العمل بالظاهر و بين العكس،إذ لو طرحنا سند ذلك الخبر لم يبق مورد للعمل بظاهره (2) ، بخلاف ما نحن فيه،فإنا إذا طرحنا سند أحد الخبرين أمكننا العمل بظاهر الآخر،و لا مرجح لعكس ذلك،بل الظاهر هو الطرح،لأن المرجع و الحكم في الإمكان الذي قيد به وجوب العمل بالخبرين هو العرف (3) ، و ما ذكرناه من التوجيه مماشاة له.فلاحظ.

(1)بيان لوجه ضعف القياس.

(2)بل يتعين طرح الظاهر.لكن طرح الظاهر إن كان بمعنى إهمال الدليل فهو عبارة أخرى عن الطرح،و إن كان بمعنى العمل به في خلاف ظاهره فلا مجال له،إلا أن يكون الحمل مقتضى قرينة خارجية أو جمع عرفي،فيتعين كما في المقام.و منه يظهر أن القياس في محله إلا أنه لا ينفع في المطلوب.فلاحظ.

(3)هذا أول الكلام،بل ظاهر الإمكان هو العقلي لا غير،و هو مقتضى إطلاق دليل الحجية.مع أن هذا الوجه لو تم إنما يصلح تعليلا لقصور الدليل السابق عن إثبات أولوية الجمع،و لا ينهض بإثبات أولوية الطرح.

فالعمدة ما ذكرنا آنفا من أن العمل بالدليل لا يكون إلا بترتيب أثر صدوره و ظهوره معا سواء كان هو الظهور الأولي أم الثانوي المتحصل من الجمع العرفي، فمع فرض تعذر العمل بالظهور الأولي في الدليلين معا و عدم الجمع العرفي بينهما يكون العمل بهما معا متعذرا عقلا،و لا دليل على حجيتهما فيما يحملان عليه إذا لم يكن الجمع عرفيا،فيتعين سقوطهما معا أو سقوط أحدهما تخييرا أو تعيينا لو كان له

ص: 257

و لا شك في حكم العرف و أهل اللسان بعدم إمكان العمل بقوله:«أكرم العلماء»،و:«لا تكرم العلماء».

نعم لو فرض علمهم بصدور كليهما حملوا الأمر بالعمل بهما على ما يعم العمل بخلاف ما يقتضيانه بحسب اللغة و العرف (1) .

دليل آخر على عدم كلية هذه القاعدة

و لأجل ما ذكرنا وقع من جماعة من أجلاء الرواة السؤال عن حكم الخبرين المتعارضين،مع ما هو مركوز في ذهن كل واحد من أن كل دليل شرعي يجب العمل به مهما أمكن (2) ،فلو لم يفهموا عدم الإمكان في المتعارضين لم يبق وجه للتحير الموجب للسؤال،مع أنه لم يقع الجواب في شيء من تلك الأخبار العلاجية بوجوب الجمع بتأويلهما معا.و حمل مورد السؤال على صورة تعذر تأويلهما-و لو بعيدا-تقييد بفرد غير واقع في الأخبار المتعارضة.

و هذا دليل آخر على عدم كلية هذه القاعدة.

مخالفة هذه القاعدة للإجماع

هذا كله مضافا إلى مخالفتها للإجماع،فإن علماء الإسلام من زمن مرجح.فتأمل جيدا.

(1)لأن ذلك هو الممكن من العمل بهما المفروض قيام الدليل عليه،فلا بد من الحمل عليه تصحيحا للكلام.لكن هذا مختص بما إذا كان العمل بهما مقتضى دليل خاص وارد فيهما أما إذا كان مقتضى عموم قابل للتخصيص تعين البناء على تخصيص العموم المذكور لأنه أولى من حمله على المعنى المذكور الخارج عن المفهوم لغة و عرفا.

(2)لإطلاق دليل حجيته.

ص: 258

الصحابة (1) إلى يومنا هذا لم يزالوا يستعلمون المرجحات في الأخبار المتعارضة بظواهرها ثم اختيار أحدهما و طرح الآخر من دون تأويلهما معا لأجل الجمع.

رجوع إلى كلام عوالي اللآلي

و أما ما تقدم من عوالي اللآلي (2) فليس نصا،بل و لا ظاهرا في دعوى تقديم الجمع بهذا النحو (3) على التخيير و الترجيح،فإن الظاهر من الإمكان في قوله:«و إن أمكنك التوفيق بينهما»هو الإمكان العرفي في مقابل الامتناع العرفي بحكم أهل اللسان،فإن حمل اللفظ على خلاف ظاهره بلا قرينة غير ممكن عند أهل اللسان،بخلاف حمل العام و المطلق على الخاص و المقيد.

و يؤيده قوله أخيرا:«فإذا لم تتمكن من ذلك و لم يظهر لك وجهه فارجع إلى العمل بهذا الحديث»فإن عدم مورد التمكن نادر جدا (4) .

(1)لا مجال للاستدلال بمثل هذه السيرة فيما نحن فيه،لأن ترجيحهم إن كان بالرجوع للأئمة المعصومين عليهم السّلام و الأخذ منهم فهو راجع إلى العمل بالعلم في مورد تعارض الأدلة الظنية،و هو خارج عما نحن فيه.

و إن كان بوجوه أخر ظنية أو اعتبارية فهو غير مشروع قطعا لوجوب الرجوع للمعصومين عليهم السّلام الذين هم الثقل الأصغر و لا يفارقون الكتاب و الحق و لا يفارقانهم،و قد جعلهم النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مرجعا عند الاختلاف،فتجاهلهم تعام عن الحق و إغراق في الضلال،فيكف يحتج بمثل هذه السيرة و الإجماع المزعومين؟!.

(2)حيث تقدم منه دعوى الإجماع على لزوم الجمع مهما أمكن.

(3)يعني:و لو كان بعيدا لا يقتضيه الجمع العرفي بين الدليلين.

(4)بل لا يبعد عدم وقوعه،كما تقدم.

ص: 259

و بالجملة:فلا يظن بصاحب العوالي و لا بمن دونه أن يقتصر في الترجيح على موارد لا يمكن تأويل كليهما،فضلا عن دعواه الإجماع على ذلك.

أقسام الجمع

و التحقيق الذي عليه أهله:أن الجمع بين الخبرين المتنافيين بظاهرهما على أقسام ثلاثة:

أحدهما:ما يكون متوقفا على تأويلهما معا (1) ،

و الثاني:ما يتوقف على تأويل أحدهما المعين (2) ،

و الثالث:ما يتوقف على تأويل أحدهما لا بعينه.

أما الأول،فهو الذي تقدم أنه مخالف للدليل و النص و الإجماع (3) .

(1)كالأمر و النهي في الوجوب و الحرمة الذين يمكن الجمع بينهما بحملهما معا على الإباحة.و كالعامين المتنافيين في مورد واحد الذين يمكن الجمع بينهما بحمل كل منهما على بعض أفراد العام،مثل عموم ما دل على أن ثمن العذرة سحت، و عموم ما دلّ على أنه لا بأس ببيع العذرة،حيث قد يجمع بينهما بحمل الأول على عذرة الإنسان أو غير مأكول اللحم و الثاني على غيرها.

(2)كالعام و الخاص،حيث يجمع بينهما بحمل العام على ما عدا مورد الخاص.

(3)الظاهر أنه يشير إلى ما تقدم منه في المنع عن لزوم الجمع بين الدليلين مهما أمكن.و الظاهر أن المدار فيه على ما إذا كان تأويلهما غير عرفي،بحيث لا يرى العرف كلا منهما صالحا للقرينية على تأويل الآخر،من دون فرق بين كون التأويل في أحدهما و كونه فيهما معا،لأن اللازم العمل بكل دليل فيما هو ظاهر فيه،و لا ترفع اليد عنه إلا بقرينة عرفية فيها يحسن التأويل و لو كان فيهما معا،و بدونها لا يحسن

ص: 260

و أما الثاني،فهو تعارض النص و الظاهر الذي تقدم أنه ليس بتعارض في الحقيقة.

تعارض الظاهرين

و أما الثالث،فمن أمثلته العام و الخاص من وجه،حيث يحصل الجمع بتخصيص أحدهما مع بقاء الآخر على ظاهره،و مثل قوله:اغتسل يوم الجمعة،بناء على أن ظاهر الصيغة الوجوب و قوله:ينبغي غسل الجمعة،بناء على ظهور هذه المادة في الاستحباب،فإن الجمع يحصل برفع اليد عن ظاهر أحدهما

لو كان لأحد الظاهرين مزية على الآخر

و حينئذ فإن كان لأحد الظاهرين مزية و قوة على الآخر بحيث (1) لو اجتمعا في كلام واحد نحو:رأيت أسدا يرمي (2) ،أو اتصلا في كلامين لمتكلم واحد،تعين العمل بالأظهر و صرف الظاهر إلى ما لا يخالفه، كان (3) حكم هذا حكم القسم الثاني في أنه إذا تعبد بصدور الأظهر يصير قرينة صارفة للظاهر من دون عكس.

نعم الفرق بينه و بين القسم الثاني أن التعبد بصدور النص لا يمكن التأويل و لو كان في أحدهما.نعم لا يبعد كون الغالب في التأويل في الجانبين أنه غير عرفي،و في التأويل في جانب واحد أنه عرفي.فلاحظ.

(1)جعل المعيار ذلك في الأظهرية المصححة للحمل و التأويل لا يخلو عن إشكال.

(2)فإنه كما يمكن حمل الأسد على الرجل الشجاع بقرينة نسبة الرمي له يمكن حمل الرمي على رمي التراب و الحجارة بنحو البعثرة التي يمكن حصولها من الأسد بقرينة نسبته للأسد،إلا أن الأول أظهر،فيتعين الحمل عليه.

(3)جواب الشرط في قوله:«و حينئذ فإن كان لأحد الظاهرين مزية...».

ص: 261

إلا بكونه صارفا عن الظاهر (1) ،و لا معنى له غير ذلك،و لذا ذكرنا (2) دوران الأمر فيه بين طرح دلالة الظاهر و طرح سند النص،و فيما نحن فيه يمكن التعبد بصدور الأظهر و إبقاء الظاهر على حاله و صرف الأظهر،لأن كلا من الظهورين مستند إلى أصالة الحقيقة (3) ،إلا أن العرف يرجحون أحد الظهورين على الآخر فالتعارض موجود و الترجيح بالعرف،بخلاف النص و الظاهر (4) .

لو لم يكن لأحد الظاهرين مزية على الآخر

و أما لو لم يكن لأحد الظاهرين مزية على الآخر فالظاهر أن الدليل في الجمع (5) ،و هو ترجيح التعبد بالصدور على أصالة الظهور غير جائز هنا،إذ لو (6) جمع بينهما و حكم باعتبار سندهما و بأن أحدهما لا بعينه مأوّل (1)لعدم قبوله للتأويل بعد فرض كونه نصا في معناه.

(2)لم يتضح المورد الذي تقدم فيه ذلك.

(3)التي لا تفيد القطع بالمراد،فيمكن التعبد بخلافها.هذا و قد تقدم في صدر الكتاب أن العمل بالظهور مستند إلى أصالة الظهور التي هي المرجع لأصالة الحقيقة،لا أن أصالة الحقيقة هي المرجع لأصالة الظهور.و الأمر سهل.

(4)فإنه لا مجال لرفع اليد عن دلالة النص،بل تكون هي المقدمة على دلالة الظاهر عرفا لا غير.

(5)يعني:ما ذكر في وجه ترجيح الجمع على الطرح.

(6)يعني:أنه لا أثر بينهما و التعبد بسندهما،إذ بعد فرض صلوح كل منهما للتأويل و عدم المرجح لأحدهما يتعين إما البناء على إجمالهما عرضا الموجب لتساقطهما و الرجوع للأصل الموافق لأحدهما،أو التخيير بينهما الموجب للعمل بأحدها أيضا، و ذلك حاصل مع الطرح أيضا،بناء على أن الحكم في المتعارضين الترجيح ثم التخيير لا التساقط-كما هو مختار المصنف قدّس سرّه-و هذا بخلاف ما إذا كان كل منهما

ص: 262

لم يترتب على ذلك أزيد من الأخذ بظاهر أحدهما إما من باب عروض الإجمال لهما بتساقط أصالتي الحقيقة في كل منهما لأجل التعارض،فيعمل بالأصل الموافق لأحدهما (1) ،و إما من باب التخيير في الأخذ بواحد من أصالتي الحقيقة على أضعف الوجهين في حكم تعارض الأحوال (2) إذا تكافأت.و على كل تقدير يجب طرح أحدهما.

نعم يظهر الثمرة في إعمال المرجحات السندية في هذا القسم،إذ على إعمال قاعدة الجمع يجب أن يحكم بصدورهما (3) و إجمالهما كمقطوع الصدور،بخلاف ما إذا أدرجناه فيما لا يمكن الجمع،فإنه يرجع فيه إلى المرجحات.و قد عرفت أن هذا هو الأقوى،و أنه لا محصل للعمل بهما على أن يكونا مجملين (4) و يرجع إلى الأصل الموافق لأحدهما.

محتاجا للتأويل،فإن أثر الجمع بينهما العمل بهما معا بعد التأويل و أثر الطرح العمل بأحدهما من دون تأويل.فلاحظ.

(1)لكن هذا في الحقيقة ليس عملا بظاهر أحدهما،بل بالأصل الموافق له.

و هذا هو مراد المصنف قدّس سرّه.

(2)الظاهر أن المراد به تعارض أحوال اللفظ من حيث الحقيقة و المجاز و الاشتراك و الحذف و التقدير و غير ذلك،حيث أن التعارض في المقام بين الحقيقة في كل من الدليلين.و المراد بقوله:«على أضعف الوجهين...»الإشارة إلى الخلاف في أن أدلة التخيير تشمل التعارض بالوجه المذكور،أو تختص بالتعارض المطلق، و المرجع في التعارض بالوجه المذكور أصالة التساقط.فلاحظ.

(3)و لا مجال مع ذلك للرجوع للمرجحات السندية.

(4)لأن المراد من الجمع في القاعدة هو الجمع المستتبع للعمل بالدليلين،لا

ص: 263

و يؤيد ذلك-بل يدل عليه-أن الظاهر من العرف دخول هذا القسم في الأخبار العلاجية الآمرة بالرجوع إلى المرجحات.

لكن يوهنه أن اللازم-حينئذ-بعد فقد المرجحات التخيير بينهما، كما هو صريح تلك الأخبار (1) ،مع أن الظاهر من سيرة العلماء-عد اما سيجيء (2) من الشيخ رحمه اللّه في العدة و الاستبصار-في مقام الاستنباط (3) التوقف و الرجوع إلى الأصل المطابق لأحدهما.

إلا أن يقال:إن هذا من باب الترجيح بالأصل (4) ،فيعملون بمطابق الأصل منهما لا بالأصل المطابق لأحدهما،و مع مخالفتهما للأصل فاللازم التخيير (5) على كل تقدير،غاية الأمر أن التخيير شرعي إن قلنا بدخولها في عموم الأخبار،و عقلي إن لم نقل (6) .

المستتبع للإجمال الذي يلزم معه الطرح.

(1)يأتي الكلام في مفاد الأخبار عند الكلام في المتكافئين إن شاء اللّه تعالى.

(2)في المقام الرابع من مبحث الترجيح.

(3)متعلق بقوله:«سيرة العلماء».

(4)هذا خلاف الظاهر منهم.و لا سيما مع عدم كون الترجيح بالأصل اتفاقيا.

(5)يعني:عملا بإطلاق دليله بعد فرض فقد المرجح حتى الأصل.

(6)بناء على أن الأصل في المتعارضين التخيير،كما أشير إليه في بعض النسخ.لكن المبنى المذكور في غير محله،بل الأصل التساقط،كما حقق و يأتي الكلام فيه في المتكافئين.

هذا لو أريد من التخيير في المسألة الأصولية.و أما لو أريد به أصالة التخيير التي هي من الأصول العملية العقلية فالرجوع إليه فرع تساقط الدليلين.مع

ص: 264

تفصيل في الظاهرين المتعارضين

و قد يفصل بين ما إذا كان لكل من الظاهرين مورد سليم عن المعارض-كالعامين من وجه،حيث أن مادة الافتراق في كل منهما سليم عن المعارض-و بين غيره كقوله:اغتسل للجمعة،و:ينبغي غسل الجمعة،فيرجح الجمع على الطرح في الأول،لوجوب العمل بكل منهما في الجملة (1) ،فيستبعد الطرح في مادة الاجتماع (2) ،بخلاف الثاني.

و سيجيء (3) تتمة الكلام إن شاء اللّه تعالى.

ما فرعه الشهيد الثاني قدّس سرّه على قاعدة الجمع

بقي في المقام كلام و هو أن شيخنا الشهيد الثاني رحمه اللّه فرع-في تمهيده على قضية أولوية الجمع-الحكم بتنصيف دار تداعياها و هي في يدهما،أو لا يد لأحدهما،و أقاما بينة.انتهى المحكي عنه.

و لو خص المثال بالصورة الثانية لم يرد عليه ما ذكره المحقق القمي (4) .

أنه مختص بما إذا دار الأمر بين الوجوب و الحرمة و نحوه من موارد الدوران بين المحذورين و لا يجر في غيره من صغريات ما نحن فيه.

(1)يعني:و لو في المورد السليم عن المعارض.

(2)لاستبعاد التفكيك في أصالة الصدور بين موارد الدليل الواحد،بناء على أن الطرح إلغاء للسند.و يأتي تمام الكلام في ذلك في المقام الرابع من مباحث الترجيح.

(3)في المقام الرابع من مباحث الترجيح.

(4)قال في محكي القوانين:«و التحقيق فيه:أن ذلك يصح بعد ملاحظة التراجيح في البينتين و انتفائها و تعادلهما.و كيف كان يمكن العلاج في ذلك التفريع، لإمكان استناد التنصيف إلى ترجيح بينة الداخل،فيعطى كل منهما ما في يده بترجيح، أو بينة الخارج فيعطى كل منهما ما في يد الآخر،إذ دخول اليد و خروجها أعم من

ص: 265

و إن كان ذلك (1) أيضا لا يخلو عن مناقشة يظهر بالتأمل (2) .و كيف كان الحقيقي و الاعتباري.و يمكن استناده إلى التعارض و التساقط و التخالف،فيجري مجرى ما لو ثبت يداهما عليها و لم يكن هناك بينة،كما هو المشهور».

و حاصل ما ذكره:أن البناء على التنصيف لا يتوقف على البناء على قاعدة أولوية الجمع من الطرح،بل قد يكون الوجه في إعمال الترجيح بين البينتين،بأن يقال بترجيح بينة الداخل،و هي بينة صاحب اليد،من حيث أن كلا منهما لما كان صاحب يد على الدار كان مرجع ذلك إلى ثبوت يد كل منهما على نصفها فترجح بينته في النصف الذي تحت يده.أو يقال بترجيح بينة الخارج،و هي بينة غير صاحب اليد،فترجح بينة كل منهما في النصف الذي تحت يد صاحبه.و على الوجهين يكون التنصيف لأجل ترجيح بينة كل منهما في النصف.و يحتمل أن يكون الوجه في التنصيف تساقط البينتين الموجب للتحالف ثم البناء على التنصيف لقاعدة العدل و الإنصاف،لا للجمع بين البينتين.

و حاصل ما ذكره المصنف قدّس سرّه ان اشكال صاحب القوانين مختص بالقرض الأول الذي ذكره الشهيد الثاني قدّس سرّه و هو ما إذا كان كل منهما صاحب يد،و لا يجري في الفرض الثاني،و هو ما إذا لم يكن لأحدهما يد على الدار،كما يقتضيه التدبر في كلام القوانين،إذ فرض كون إحدى البينتين بينة الداخل و الأخرى بينة الخارج موقوف على ثبوت اليد في موردهما،كما لا يخفى.

(1)يعني:التفريع في الصورة الثانية التي هي خارجة عن كلام المحقق القمي قدّس سرّه و هو لا يتوجه فيها إيراده.

(2)قال بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه:«المراد من المناقشة التي ذكرها الأستاذ العلامة دام ظله في الفرض الأخير على ما صرح به في مجلس البحث هو كون التنصيف فيه من جهة تساقط البينتين بعد التكافؤ و عدم المناص عن التنصيف،لا من جهة الجمع بين البينتين بالتبعيض في أدلة التصديق،فيكون الفرض،كما إذا

ص: 266

فالأولى التمثيل بها و بما أشبهها،مثل حكمهم بوجوب العمل بالبينات في تقويم المعيب و الصحيح.

و كيف كان فالكلام في مستند أولوية الجمع بهذا النحو،أعني العمل بكل من الدليلين في بعض مدلولهما،المستلزم للمخالفة القطعية لمقتضى الدليلين (1) ،لأن الدليل الواحد لا يتبعض في الصدق و الكذب، و مثل هذا غير جار في أدلة الأحكام الشرعية (2) .

و التحقيق:أن العمل بالدليلين بمعنى الحركة و السكون على طبق مدلولهما غير ممكن مطلقا (3) ،فلا بد على القول بعموم القضية المشهورة من العمل على وجه يكون فيه جمع بينهما من جهة و إن كان طرحا من جهة لم يكن بينة أصلا»أقول:المناقشة المذكورة و إن لم تذكر في كلام المحقق القمي قدّس سرّه لظهور كلامه في فرض وجود اليد،إلا أنها قرينة مما ذكره في ذيل كلامه المتقدم بقوله:«و يمكن استناده إلى التعارض...».

(1)الظاهر أن المراد المخالفة القطعية في العمل بالبينة الكاذبة واقعا،كما يناسبه تعليله بقوله:«لأن الدليل الواحد لا يتبعض في الصدق و الكذب»فأحد الخبرين كاذب قطعا فالعمل بهما مستلزم للعمل به و لو في بعض مدلوله،و هو حرام.

و ربما يكون مراده المخالفة القطعية للدليلين،من حيث أن كلا منهما يقتضي ملكية تمام الدار،فالحكم بالتنصيف مخالفة قطعية لهما معا.و سيأتي بعض الكلام في ذلك.

(2)لأن العمل بها في بعض مدلولها لا يرجع إلى تكذيبها فيه،بل إلى تأويلها و التصرف في ظهورها بحمله على ما يناسب الآخر،كحمل العام على الخاص.

(3)يعني:لا في أدلة الأحكام الشرعية،و لا في غيرها،لما تقدم من امتناع البناء في أدلة الأحكام الشرعية المتعارضة على مقتضى ظهورها و صدورها معا،بل لا بد من الخروج عن أحدهما.

ص: 267

أخرى (1) ،في مقابل طرح أحدهما رأسا.

و الجمع في أدلة الأحكام عندهم بالعمل بهما من حيث الحكم بصدقهما و إن كان فيه طرح لهما من حيث ظاهرهما.

إمكان الجمع بين البينات بالتبعيض

و في مثل تعارض البينات لما لم يمكن ذلك،لعدم تأتى التأويل في ظاهر كلمات الشهود (2) ،فهي بمنزلة النصين المتعارضين،انحصر وجه الجمع في التبعيض فيهما من حيث التصديق،بأن يصدق كل من المتعارضين في بعض ما يخبر به.

فمن أخبر بأن هذا كله لزيد تصدقه في نصف الدار،و كذا من شهد بأن قيمة هذا الشيء صحيحا كذا و معيبا كذا تصدقه في أن قيمة كل نصف منه منضما (3) إلى نصفه الآخر نصف القيمة.

عدم إمكان الجمع بالتبعيض في تعارض الأخبار

و هذا النحو غير ممكن في الأخبار لأن مضمون خبر العادل-أعني صدور هذا القول الخاص من الإمام عليه السّلام-غير قابل للتبعيض (4) ،بل هو (1)كما لو لزم إلغاء ظهورهما أو إلغاء أحدهما أو كليهما في بعض مدلوله.

(2)إما لأن كلا منهما نص فيما يعارض الآخر،أو لأنه ظاهر فيه يعلم بإرادته له و لا سيما مع كون كل من الكلامين صادرا من شخص فلا يصلح لأن يكون قرينة على المراد من كلام الآخر،و لو لعدم امتناع الخلاف بينهما.فتأمل.

(3)لأن الإخبار بقيمة التام إنما يستلزم الإخبار بقيمة النصف في حال انضمامه للنصف الآخر لا في حال انفراده،لإمكان اختلاف قيمة النصف في حال انفراده عن نصف قيمة التام.

(4)إما لأنه أمر بسيط،أو لأنه لا أثر لتنصيفه.

ص: 268

نظير تعارض البينات في الزوجة أو النسب (1) .

نعم قد يتصور التبعيض في ترتيب الآثار على تصديق العادل إذا كان كل من الدليلين عاما ذا أفراد،فيؤخذ بقوله في بعضها و بقول الآخر في بعضها،فيكرم بعض العلماء و يهين بعضهم فيما إذا ورد أكرم العلماء، و ورد أيضا:أهن العلماء،سواء كانا نصين بحيث لا يمكن التجوز في أحدهما،أو ظاهرين فيمكن الجمع بينهما على وجه التجوز و على طريق التبعيض

إلا أن المخالفة القطعية في الأحكام الشرعية لا يرتكب في واقعة واحدة،لأن الحق فيها للشارع و لا يرضى بالمعصية القطعية مقدمة للعلم بالإطاعة (2) ،فيجب اختيار أحدهما و طرح الآخر بخلاف حقوق الناس، (1)حيث أنه لا معنى للتنصيف فيها،بل لا بد إما من التصديق في التمام أو عدمه.

(2)هذا راجع إلى المنع من التبعيض في التصديق لأجل الجمع بين الدليلين، بدعوى:أنه إذا أوجب تصديق كلا العادلين فتكذيب كل منهما بلحاظ بعض الآثار لأجل تصديق الآخر فيها و إن استلزم الموافقة القطعية الإجمالية في أحد النصفين إلا أنه مستلزم للمخالفة القطعية الإجمالية في النصف الآخر أيضا،و لا يجوز ارتكاب المخالفة القطعية لأجل الموافقة القطعية،كما ذكر نظير ذلك في التخيير الاستمراري.

لكن تقدم غير مرة المنع من ذلك و أن تجنب المخالفة القطعية مع عدم تحصيل الموافقة القطعية ليس بأولى من الوقوع فيهما معا.

هذا كله لو أريد المخالفة القطعية لمضمون أحد الخبرين،و أما لو أريد

ص: 269

فإن الحق فيها لمتعدد،فالعمل بالبعض في كل منهما جمع بين الحقين (1) من غير ترجيح لأحدهما على الآخر بالدواعي النفسانية،فهو أولى (2) من الإهمال الكلي لأحدهما و تفويض تعيين ذلك إلى اختيار الحاكم و دواعيه النفسانية الغير المنضبطة في الموارد.و لأجل هذا يعد الجمع بهذا المخالفة القطعية في اعتماد الخبرين مع العلم بكذب أحدهما و مخالفته للواقع،حيث يلزم الاعتماد على الخبر المعلوم الكذب و لو إجمالا،و هو حرام،لامتناع حجية معلوم الكذب.فيدفعه:أن العمل بكل خبر بشخصه،و هو غير معلوم الكذب،بل محتمل الكذب،و كذبه واقعا غير مانع من حجيته،و العلم الإجمالي بكذب أحد الخبرين في تمام مدلوله لا يمنع من حجيته عقلا،بل هو نظير التعبد بالأصلين المعلوم كذب أحدهما.

فالعمدة في المنع من الجمع بين الدليلين بهذا النحو أنه لا دليل عليه،فإن مقتضى حجية الدليل العمل به في تمام مضمونه لا في بعضه،نظير ما تقدم من أن مقتضى حجية الدليل العمل بمقتضى أصالتي الظهور و الصدور معا فيه لا بمقتضى أحدهما.فلاحظ.

(1)هذا لا يصلح لرفع اليد عن محذور المخالفة القطعية لو فرض كونه مانعا من البناء على التنصيف.اللهم إلا أن يقال:إنه لا يلزم منه المخالفة القطعية لا في حق الحاكم إذ ليس منه إلا الحكم و لا مانع من جعل الشارع له الولاية على الحكم مع العلم الإجمالي بل التفصيلي بعدم مطابقته للواقع،و لا في حق المتداعيين لقطع كل منهما بالاستحقاق.و قد تقدم بعض الكلام في ذلك في مبحث العلم الإجمالي من أحكام القطع.

(2)هذا لو تم لا يقتضي الأولوية من حيث العمل بالدليلين التي هي محل الكلام بل يقتضي الأولوية من حيث خصوصية الحق مع قطع النظر عن الدليلين و لذا يجري مع فرض عدم البينة لكل منهما،كما تقدم بل مع عدم اليد أيضا.

ص: 270

النحو مصالحة بين الخصمين عند العرف.و قد وقع التعبد به في بعض النصوص (1) أيضا.

فظهر مما ذكرنا أن الجمع في أدلة الأحكام بالنحو المتقدم من تأويل كليهما لا أولوية له أصلا على طرح أحدهما و الأخذ بالآخر،بل الأمر بالعكس (2) ،

الجمع بين البينات في حقوق الناس

و أما الجمع بين البينات في حقوق الإنسان فهو و إن كان لا أولوية فيه على طرح أحدهما بحسب أدلة حجية البينة،لأنها تدل على وجوب الأخذ بكل منهما في تمام مضمونه،فلا فرق في مخالفتهما بين الأخذ لا بكل منهما بل بأحدهما (3) ،أو بكل منهما لا في تمام مضمونه بل في بعضه،إلا أن ما ذكرنا من الاعتبار لعله يكون مرجحا للثاني على الأول (4) .

و يؤيده ورود الأمر بالجمع بين الحقين بهذا النحو في رواية السكوني المعمول بها فيمن أودعه رجل درهمين و آخر درهما فامتزجا بغير تفريط (1)كخبر السكوني على ما سيذكره.

(2)الذي تقدم منه هنا امتناع العمل بكل من الخبرين في بعض مضمونه من باب التبعيض في التصديق،لا من باب تأويل الخبر و حمله على خلاف ظاهره،فإن هذا لا ينافي تصديق الخبر في تمام مضمونه.

نعم تقدم منه قدّس سرّه و منا سابقا الإشكال في أولوية الجمع بالتأويل،و لا دخل له بما هنا.و لعل مراده الإشارة إلى ذلك.

(3)و كذا طرحهما معا و الرجوع للأصل.

(4)عرفت أن هذا لو تم لا يقتضي الأولوية من حيث العمل بالدليلين التي هي محل الكلام،بل من حيث خصوصية الحق.

ص: 271

و تلف أحدهما (1) .

الأصل في تعارض البينات هي القرعة

هذا و لكن الإنصاف أن الأصل في موارد تعارض البينات و شبهها هي القرعة (2) .

نعم يبقى الكلام في كون القرعة مرجحة للبينة المطابقة لها،أو مرجعا بعد تساقط البينتين (3) .و كذا الكلام في عموم موارد القرعة أو اختصاصها بما لا يكون هناك أصل عملي،كأصالة الطهارة مع إحدى البينتين.و للكلام مورد آخر (4) .

(1)حيث تضمنت الرواية أنه يدفع لصاحب الدرهمين درهما و نصفا و لصاحب الدرهم نصف درهم.و لا يخفى أن هذا لا يبتني على الجمع بين الدليلين، لفرض عدم البينة،بل هو شاهد بما ذكرنا من كون الجمع المذكور لخصوصية الحق.

(2)لإطلاق أدلتها.و لا مجال للخروج عنه برواية السكوني الواردة في مورد خاص،بل يلزم الاقتصار على موردها.

و دعوى:فهم عدم الخصوصية لموردها،لموافقة مضمونها للمرتكزات العرفية في تشابه الحقوق.

مدفوعة:بعدم وضوح المرتكزات المذكور و لا سيما مع ورود بعض أدلة القرعة في ذلك.فلاحظ.

(3)هذا هو الظاهر من أدلة القرعة،و حملها على الترجيح بين البينات محتاج إلى عناية.و لا سيما مع عموم أدلتها لما إذا لم تكن هناك بينة أصلا،إلا لا بد-حينئذ -من البناء على كونها مرجعا.و التفكيك في أدلة القرعة بين موردي وجود البينات و عدمه،و أنها تكون مرجحا في الأول و مرجعا في الثاني،كما ترى بعيد جدا.

(4)تقدم بعض الكلام في عموم أدلة القرعة في خاتمة مبحث الاستصحاب.

ص: 272

الكلام في أحكام التعارض في مقامين:

فلنرجع إلى ما كنّا فيه(فنقول):حيث تبين عدم تقدم الجمع على الترجيح و لا على التخيير،فلا بد من الكلام في المقامين اللذين ذكرنا أن الكلام في أحكام التعارض يقع فيهما،فنقول:

إن المتعارضين إما أن لا يكون مع أحدهما مرجح،فيكونان متكافئين متعادلين،و إما أن يكون مع أحدهما مرجح.

ص: 273

ص: 274

المقام الأول: في المتكافئين

اشارة

و الكلام فيه:

ما هو مقتضى الأصل الأولي في المتكافئين؟

أولا:في أن الأصل في المتكافئين التساقط و فرضهما كأن لم يكونا أولا؟،ثم اللازم بعد عدم التساقط (1) الاحتياط (2) أو التخيير أو التوقف و الرجوع إلى الأصل المطابق لأحدهما دون المخالف لهما،لأنه معنى تساقطهما؟

(1)إما لأن الأصل هو عدم التساقط،أو للدليل الخاص.

(2)وجوب الاحتياط تارة:يكون لأنه المرجح للخبر الموافق له.

و أخرى:يكون لأنه المرجع بعد تساقط الخبرين،و على الأول يخرج الخبران عن فرض التكافؤ،و على الثاني يخرج الكلام عن فرض عدم التساقط.و من ثم لم يكن كلام المصنف قدّس سرّه في عرض الأقوال متناسقا.و الأمر سهل بعد كون ذلك أمرا لفظيا.

ص: 275

فنقول-و باللّه المستعان-:

كلام السيد المجاهد قدّس سرّه في أن مقتضى الأصل هو التساقط

قد يقال،بل قيل:إن الأصل في المتعارضين عدم حجية أحدهما، لأن دليل الحجية مختص بغير صورة التعارض.

أما إذا كان إجمالا فلاختصاصه بغير المتعارضين،و ليس فيه عموم أو إطلاق لفظي يفيد العموم،ليكون مدعى الاختصاص محتاجا إلى المخصص و المقيد.

و أما إذا كان لفظا فلعدم إمكان إرادة المتعارضين من عموم ذلك اللفظ،لأنه يدل على وجوب العمل عينا بكل خبر مثلا (1) ،و لا ريب (1)لا يخفى أن دليل الحجية إنما يقتضي وجوب العمل بالحجة إذا تضمنت حكما إلزاميا،أما إذا تضمنت حكما غير إلزامي فلا يكون دليل الحجية مقتضيا لوجوب العمل بالحجة،بل لجوازه،و لذا لا يمنع من الاحتياط.و عليه؛لا يتم ما ذكره قدّس سرّه في وجه امتناع شمول دليل الحجية لكلا المتعارضين إذا تضمن أحدهما حكما غير إلزامي،فإن جواز العمل بما تضمن الحكم غير إلزامي منهما لا ينافي و لا يزاحم وجوب العمل بما تضمن الحكم الإلزامي،إذ التزاحم إنما يكون بين التكليفين الاقتضائيين.

فالعمدة في وجه المنع:أن دليل الحجية لا يقتضي وجوب العمل بالحجة شرعا،بل يقتضي الحجية التي هي معنى اعتباري يستلزم التعبد بمضمون الحجة، و وجوب العمل بالحجة أو جوازه من الأحكام العقلية التابعة للحجية تبعية مقام الامتثال للتكاليف الشرعية،و حينئذ فكما يمتنع جعل مضمون الحجتين معا واقعا لتنافيهما ثبوتا كذلك يمتنع التعبد بمضمونهما إثباتا،لأن العمدة في تنافي الأحكام و تضادها هو تنافي آثارها العملية-كما أوضحناه في مبحث اجتماع الأمر و النهي- و حيث كانت فعلية الآثار العملية تابعة لقيام الحجة على الحكم كان لا بد من امتناع

ص: 276

أن وجوب العمل عينا بكل من المتعارضين ممتنع،و العمل بكل منهما تخييرا (1) لا يدل عليه الكلام،إذ لا يجوز إرادة الوجوب العيني بالنسبة إلى غير المتعارضين و التخييري بالنسبة إلى المتعارضين من لفظ واحد (2) .

جعل الحجة على الحكمين المتنافيين عملا،و تعين قصور إطلاق دليل الحجية عن شمول المتعارضين معا.

(1)لا بد أن يكون المراد بذلك هو حجية كل منهما بشرط اختياره،و إلا فلا معنى لحجية كل منهما تخييرا.

إن قلت:لازم ذلك عدم حجية كل منهما قبل الاختيار،فيجوز الخروج عنهما و مخالفتهما معا حينئذ.

قلت:لا بد إما من الالتزام بوجوب الاختيار كحكم طريقي نظير وجوب الفحص عن الحجة و لازم ذلك عدم وصول النوبة إلى ما يكون في رتبة متأخرة عن المتعارضين من الحجج و الأصول،أو الالتزام بحجيتهما معا قبل الاختيار في نفي الثالث و إن لم يكونا حجة في مضمون كل منهما بخصوصه.فلاحظ.

(2)هذا موقوف على أن يكون الوجوب التخييري في المقام مباينا مفهوما للوجوب التعبدي بنحو لا يجمعهما مفهوم واحد،فيمتنع الجمع بينهما في استعمال واحد،لاستلزامه استعمال اللفظ في أكثر من معنى الذي لا مجال لحمل الكلام عليه على التحقيق.و هو غير ظاهر،بل من القريب جمعهما في مفهوم واحد،و إنما يختلفان في الإطلاق و التقييد،و لذا ذكرنا أن المراد بالوجوب التخييري هنا هو حجية كل منهما بشرط اختياره.

و عليه فلا مانع من دلالة العموم على حجيتهما بالنحو المذكور.لكن بنحو يدل العموم على التقييد،بل العموم إنما يدل على أصل الحجية مع كون التقييد مستفادا من الدليل الخارجي،و هو المانع العقلي من الجمع بينهما في الحجية الفعلية الذي تقدم التعرض له،فيكون مقتضى الجمع بين العموم و المانع المذكور هو البناء

ص: 277

و أما العمل بأحدهما الكلي عينا فليس من أفراد العام،لأن أفراده هي المشخصات الخارجية (1) و ليس الواحد على البدل فردا آخر،بل هو عنوان منتزع منها غير محكوم عليه بحكم نفس المشخصات بعد الحكم بوجوب العمل بها عينا (2) .

المناقشة فيما أفاده السيد المجاهد قدّس سرّه

هذا و لكن ما ذكره من الفرق بين الإجماع و الدليل اللفظي لا محصل و لا ثمرة له فيما نحن فيه،لأن المفروض قيام الإجماع على أن كلا منهما واجب العمل لو لا المانع الشرعي،و هو وجوب العمل بالآخر،إذ لا نعني بالمتعارضين إلا ما كان كذلك.

و أما ما كان وجود أحدهما مانعا عن وجوب العمل بالآخر (3) على حجية المتعارضين تخييرا.

نعم الجمع بالوجه المذكور و إن كان ممكنا إلا أنه لا معين له،لإمكان الجمع بوجوه أخر،كإخراج أحد المتعارضين عن الحجية بالخصوص مطلقا أو في بعض الأحوال،و الآخر في بعض الأحوال الأخر،أو الرجوع لمثل القرعة في التعيين،إلى غير ذلك من الوجوه المحتملة،فالجمع المذكور ليس عرفيا،بل تبرعيا.و المرتكز عرفا البناء على خروج كلا المتعارضين عن الحجية العقلية،مع ثبوت الحجية الاقتضائية لهما الراجعة إلى حجية كل منهما لو لا المانع،و هذا أقرب عرفا من الجمع بالوجوه الأخر المشار إليها.فلاحظ.

(1)لأن الحجية لا تعرض الكلي بل الفرد،و تعلقها بالكلي من حيث حكايته عنه،و ليس كالملكية مما تتعلق بالكليات،كالأمور الذمية و غيرها.

(2)إلا أن يراد بحجية الواحد على البدل حجية كل منهما تخييرا،فيجري فيه ما تقدم.

(3)لعدم كونه واجدا الملاك الحجية في ظرف وجود المانع المذكور،نظير

ص: 278

فهو خارج عن موضوع التعارض،لأن الأمارة الممنوعة لا وجوب للعمل بها (1) ،و الأمارة المانعة إن كانت واجبة العمل (2) تعين العمل بها،لسلامتها عن معارضة الأخرى،فهي (3) بوجودها يمنع وجوب العمل بتلك (4) ،و تلك لا يمنع وجوب العمل بهذه لا بوجودها (5) و لا بوجوبها (6) .فافهم.

و الغرض من هذا التطوير حسم مادة الشبهة التي توهمها بعضهم من أن القدر المتيقن من أدلة الأمارات التي ليس لها عموم لفظي هو حجيتها مع الخلو عن المعارض (7) .

الظهور الذي يظن بخلافه،بناء على أن دليل حجية الظهور مختص بصورة عدم الظن على خلاف الظاهر.

(1)و التعارض الذي هو محل الكلام هو التعارض بين الدليلين،فلا بد من فرض كون كلا المتعارضين واجدا لملاك الدليلية و الحجية حين التعارض و إن امتنع العمل به لوجود المانع.

(2)يعني:حتى في ظرف وجود الأمارة الممنوعة،لعموم دليل حجيتها.

(3)يعني:الأمارة المانعة.

(4)لفرض خروج الممنوعة عن موضوع الحجية مع المانعة.

(5)لفرض عموم دليل حجية المانعة الشامل لحال وجود الأمارة الممنوعة.

(6)لفرض عدم وجوب العمل بها،فلا تصلح للمزاحمة و المانعية.

(7)العمدة فيما ذكره في حسم الشبهة المذكورة هو فرض المتعارضين داخلين في موضوع الحجية حتى في فرض المعارضة،و أن دليل الحجية يقتضي وجوب العمل بهما تكليفا فيكون المقام من صغريات باب التزاحم بناء على السببية-كما سيأتي

ص: 279

الأصل عدم التساقط و الدليل عليه

و حيث اتضح عدم الفرق في المقام بين كون أدلة الأمارات من العمومات أو من قبيل الإجماع(فنقول):

إن الحكم بوجوب الأخذ بأحد المتعارضين في الجملة و عدم تساقطهما ليس لأجل شمول العموم اللفظي لأحدهما على البدل من حيث هذا المفهوم المنتزع (1) ،لأن ذلك غير ممكن،كما تقدم وجهه في بيان الشبهة (2) .

لكن لما كان امتثال التكليف بالعمل بكل منهما كسائر التكاليف الشرعية و العرفية مشروطا بالقدرة،و المفروض أن كلا منهما مقدور في حال ترك الأخر و غير مقدور مع إيجاد الآخر،فكل منهما مع ترك الآخر مقدور يحرم تركه و يتعين فعله،و مع إيجاد الآخر يجوز تركه و لا يعاقب منه قدّس سرّه-و ذلك بمقتضى التخيير مطلقا سواء كان الدليل لفظيا له إطلاق أم لم يكن.

لكن عرفت الإشكال في ذلك و أن دليل الحجية لا يقتضي وجوب العمل تكليفا،بل التعبد بالمؤدى وضعا،و حينئذ يخرج المقام عن باب التزاحم،بل حيث يمتنع حجية كلا المتعارضين،فلا بد إما من سقوطهما معا عن الحجية الفعلية أو سقوط أحدهما لا غير،و حينئذ فقد يفرق بين ما إذا كان دليل الحجية لبيا و ما إذا كان لفظيا له إطلاق.إذ على الأول لا طريق لإثبات التخيير،أما على الثاني فقد يدعى أنه مقتضى الجمع العرفي،كما تقدم،و إن عرفت أن الجمع بذلك ليس عرفيا،بل تبرعيا، فلا مجال له.فلاحظ.

(1)و هو مفهوم أحدهما على البدل.

(2)الظاهر أنه إشارة إلى لزوم استعمال اللفظ في معنيين على ما تقدم و تقدم الكلام فيه.

ص: 280

عليه،فوجوب الأخذ بأحدهما نتيجة أدلة وجوب الامتثال و العمل بكل منهما بعد تقييد وجوب الامتثال بالقدرة (1) .

و هذا مما يحكم به بديهة العقل،كما في كل واجبين اجتمعا على المكلف.و لا مانع من تعيين كل منهما على المكلف بمقتضى دليله إلا تعيين الآخر عليه كذلك.

و السر في ذلك:أنا لو حكمنا بسقوط كليهما مع إمكان أحدهما على البدل لم يكن وجوب كل واحد منهما ثابتا بمجرد الإمكان و لزم كون وجوب كل منهما مشروطا بعدم انضمامه مع الآخر (2) ،و هذا خلاف ما فرضنا من عدم تقييد كل منها في مقام الامتثال بأزيد من الإمكان (3) ، سواء كان وجوب كل واحد منهما بأمرين (4) أو كان بأمر واحد يشمل (1)لا يخفى أن وجوب الامتثال من الأحكام العقلية التابعة لنفس التكليف سعة و ضيقا،فلا معنى لتقييده بالقدرة إلا بمعنى تقييد التكليف الشرعي نفسه بها، ففي حال عدم القدرة لا تكليف حتى يكون هناك موضوع للامتثال،لا أن هناك تكليف يجب امتثاله.

نعم تقييد التكليف بالقدرة لا يقتضي سقوط التكليفين المتزاحمين معا بل التخيير بينهما مع عدم أهمية أحدهما،كما ذكره المصنف قدّس سرّه.و من ثم لا يبعد كون ما ذكرناه هو مراد المصنف قدّس سرّه.

(2)بحيث يكون وجود الآخر و إن لم يمتثل رافعا للتكليف المزاحم له ملاكا.

(3)و المفروض أن كلا منهما مع عدم امتثال الآخر ممكن الامتثال.

(4)كما في الأمارتين اللتين هما من سنخين،كخبر العادل و خبر

ص: 281

واجبين (1) ،و ليس التخيير في القسم الأول (2) لاستعمال الأمر في التخيير

و الحاصل:أنه إذا أمر الشارع بشيء واحد استقل العقل بوجوب إطاعته في ذلك الأمر بشرط عدم المانع العقلي و الشرعي،و إذا أمر بشيئين و اتفق امتناع إيجادهما في الخارج استقل العقل بوجوب إطاعته في أحدهما لا بعينه،لأنها ممكنة،فيقبح تركها.

مقتضى الأصل التخيير بناء على السببية

لكن هذا كله على تقدير أن يكون العمل بالخبر من باب السببية،بأن يكون قيام الخبر على وجوب (3) شيء واقعا سببا شرعيا لوجوبه ظاهرا صاحب اليد.

(1)كما في الأمارتين اللتين هما من سنخ واحد،كخبري عادلين.

(2)و هو ما إذا كانت الأمارتان من سنخين.و في بعض النسخ سقوط قوله:

«في القسم الأول».و هو الأنسب.

(3)تفسير السببية بذلك مما لم نعهده،فإن القائل بثبوت الوجوب الظاهري يقول به حتى بناء على الطريقية.و ما نعرفه من معنى السببية أن يكون قيام الأمارة سببا في حدوث ملاك واقعي يقتضي متابعتها لا يحدث لو لا قيامها،إما بنحو يقتضي تبعية التكليف الواقعية الأولية لها-كما هو مقتضى التصويب المنسوب للأشاعرة -أو بنحو يقتضي تبدل الأحكام الواقعية بها-كما هو مقتضى التصويب المنسوب للمعتزلة-أو بنحو يقتضي تدارك ما فات من مصلحة الواقع على تقدير الخطأ بسببها -كما هو مرجع القول بالمصلحة السلوكية الذي تقدم في أول الكلام في حجية الظن -و قد تقدم في أول الكلام في حجية الظن الإشارة إلى بطلان الوجوه المذكورة و لو لعدم الدليل عليها،و أن العمل بالأمارة ليس إلا لإدراك الواقع الذي هو مرجع القول بالطريقية.

ص: 282

على المكلف،فيصير المتعارضان من قبيل السببين المتزاحمين فيلغى أحدهما مع وجود وصف السببية فيه لأعمال الأخر،كما في كل واجبين متزاحمين.

أما لو جعلناه من باب الطريقية-كما هو ظاهر أدلة حجية الأخبار، بل غيرها من الأمارات-بمعنى أن الشارع لاحظ الواقع و أمر بالتوصل إليه من هذا الطريق لغلبة إيصاله إلى الواقع فالمتعارضان لا يصيران من قبيل الواجبين المتزاحمين،للعلم بعدم إرادة الشارع سلوك الطريقين معا،لأن أحدهما مخالف للواقع (1) ،فلا يكونان طريقين إلى الواقع (1)مخالفة الطريق للوقع و إن استلزمت عدم إرادة الشارع بمضمونه من حيث الحكم الواقعي،لأنه مخالف له،إلا أنه لا ينافي حجيته و وجوب العمل به ظاهرا،لأنه لو سلم أن ملاك حجية الطريق و وجوب العمل به هو إيصاله،إلا أنه لا يراد به إيصال كل طريق بشخصه،لإمكان خطأ الحجة قطعا بل يراد به غلبة الإيصال في النوع الذي يكون ذلك الطريق من أفراده،و ذلك حاصل مع خطأ الطريق.و عليه فلو فرض كون مفاد جعل الحجة وجوب العمل بالطريق تكليفا تعين البناء على التخيير بين المتعارضين بعد فرض تعذر العمل بهما معا،كما تقدم بناء على السببية.

فالعمدة ما عرفت من أن وجوب العمل بالطريق ليس تكليفا شرعيا،ليكون مورد التعارض من صغريات باب التزاحم بين التكليفين،الذي يلزم معه التخيير عقلا،بل هو حكم عقلي لا غير،متفرع على جعل الشارع للحجية و تعبيده بمضمون الحجة،و حيث يمتنع التعبد بالضدين و النقيضين تعين قصور دليل الحجية عن إثبات حجية كلا المتعارضين،من دون فرق بين السببية و الطريقية.غايته أن عدم حجية المتعارضين ليس لقصورهما ذاتا،بل للمانع من حجيتهما.

و دعوى:أنه بناء على السببية يتعين البناء على التخيير،لأن كلا من المتعارضين

ص: 283

و لو (1) فرض محالا إمكان العمل بهما،كما يعلم إرادته لكل من المتزاحمين في نفسه لو فرض إمكان الجمع.

مثلا لو فرضنا أن الشارع لاحظ كون الخبر غالب الإيصال إلى الواقع فأمر بالعمل به في جميع الموارد لعدم المائز بين الفرد الموصل منه و غيره،فإذا تعارض خبران جامعان لشرائط الحجية لم يعقل بقاء تلك المصلحة في كل منهما (2) ،بحيث لو أمكن الجمع بينهما أراد الشارع إدراك المصلحتين،بل وجود تلك المصلحة في كل منهما بخصوصه مقيد بعدم معارضته بمثله.

مقتضى الأصل التوقف بناء على الطريقية

و من هنا يتجه الحكم حينئذ بالتوقف،لا بمعنى أن أحدهما المعين واقعا طريق و لا نعلمه بعينه (3) ،كما لو اشتبه خبر صحيح بين خبرين، بوجوب حدوث ملاك يقتضي العمل على طبقه مع قطع النظر عن الواقع،و مع امتناع الجمع بينهما يتعين البناء على التخيير بالاقتصار على أحد الملاكين،لأنه الممكن و لا وجه لإهمالهما معا مع إمكان استيفاء أحدهما،كما هو الحال في سائر موارد التزاحم.

مدفوعة:بأن السببية فرع حجية الطريق،فمع فرض امتناع حجية كلا المتعارضين لاستلزامه التعبد بالضدين أو النقيضين،فلا بد من تخصيص إطلاق دليل الحجية بالإضافة إلى المتعارضين،فلا كاشف عن الملاك فيهما الملزم باختيار أحدهما،ليكون من صغريات باب التزاحم.فتأمل جيدا.

(1)(لو)هنا وصلية.

(2)عرفت الكلام في ذلك،و أنه لا فرق فيه بين السببية و الطريقية.

(3)الذي يكون لازمه حجيتهما في نفي الثالث.

ص: 284

بل بمعنى أن شيئا منهما ليس طريقا في مؤداه بالخصوص (1) .

و مقتضاه الرجوع إلى الأصول العملية إن لم يرجح بالأصل الخبر المطابق له،و إن قلنا بأنه مرجح خرج عن مورد الكلام-أعني التكافؤ- فلا بد من فرض الكلام فيما لم يكن هناك أصل مع أحدهما فيتساقطان من حيث جواز العمل بكل منهما،لعدم كونهما طريقين كما أن التخيير مرجعه إلى التساقط من حيث وجوب العمل (2) .

مقتضى الأخبار عدم التساقط

هذا ما يقتضيه القاعدة في مقتضى وجوب العمل بالأخبار من حيث الطريقية،إلا أن الأخبار المستفيضة،بل المتواترة قد دلت على عدم التساقط (3) مع فقد المرجح.

ما هو الحكم بناء على عدم التساقط؟

و حينئذ فهل يحكم بالتخيير،أو العمل بما طابق منهما الاحتياط (4) ، أو بالاحتياط و لو كان مخالفا لهما،كالجمع بين الظهر و الجمعة مع تصادم أدلتها،و كذا بين القصر و الإتمام (5) ؟وجوه:

(1)هذا موقوف على خروج المتعارضين معا عن إطلاق دليل الحجية،و قد سبق أنه الأقرب عرفا،و إن كان يمكن دعوى خروج أحدهما المعين واقعا مطلقا أو في بعض الأحوال.فراجع.

(2)و إن جاز العمل بكل منهما،لأنه الحجة في ظرف اختياره.

(3)يأتي الكلام في هذه الأخبار عند الكلام في أخبار التخيير و التوقف.

(4)هذا راجع إلى أن موافقة الاحتياط من المرجحات،و هو خلاف فرض التكافؤ.

(5)لا يخفى أن الاحتياط-حينئذ-لا يكون مخالفا لهما،بل عملا بمضمونهما و جمعا بينهما في مقام العمل،و هو يناسب حجية أحدهما المعين واقعا و تنجز أحد

ص: 285

المشهور هو التخيير للأخبار المستفيضة الدالة على التخيير

المشهور-و هو الذي عليه جمهور المجتهدين-الأول،للأخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة عليه (1) .

الاحتمالين الناشئين منهما.و إنما يكون الاحتياط مخالفا لهما معا فيما إذا كان مقتضاه مباينا لمقتضاهما معا،كما لو دل أحد الخبرين على وجوب القصر،و الآخر على التخيير بينه و بين الإتمام،فإن مقتضى الاحتياط الناشئ منهما الإتيان بالقصر،و مقتضى الاحتياط التام الذي يكون مخالفا لهما هو الجمع بين القصر و الإتمام لو فرض احتمال خطأ الخبرين.

اللهم إلا أن يكون مراده بمخالفة الاحتياط لهما عدم كون مقتضى الاحتياط مدلولا لأحدهما بخصوصه فيشمل مثل الجمع بين القصر و التمام مع اختلاف الخبرين في وجوب كل منهما بخصوصه،في مقابل ما إذا كان أحدهما مطابقا للاحتياط،كما لو دل أحد الخبرين على وجوب شيء و الآخر على عدمه.فلاحظ.

(1)الذي عثرت عليه مما استدل به على التخيير أخبار متعددة:

الأول:خبر الحسن بن الجهم عن الرضا عليه السّلام:«قلت له:تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة.فقال:ما جاءك عنا فقس على كتاب اللّه عزّ و جل و أحاديثنا،فإن كان يشبههما فهو منا،و إن لم يكن يشبههما فليس منا.قلت:يجيئنا الرجلان و كلاهما ثقة بحديثين مختلفين و لا نعلم أيهما الحق.قال:فإذا لم تعلم فموسع عليك بأيهما أخذت».

و دعوى:أن صدره ظاهر في لزوم العرض على الكتاب و السنة و الترجيح بهما،فهو إنما يقتضي التخيير بعد فقد المرجح لا مطلقا.لا تضر بما نحن فيه،إذ الكلام في المتكافئين.على أنها غير تامة،لأن ظاهر صدرها العرض على الكتاب و السنة لتمييز الحجة عن غيرها مع قطع النظر عن التعارض،لا الترجيح بين المتعارضين الذين هما حجة ذاتا،كما يناسبه إطلاق قوله عليه السّلام:«ما جاءكم عنا»فإن العدول عن العنوان المسئول عنه إلى التعبير بذلك ظاهر في أنه عليه السّلام في مقام ضرب القاعدة لحجية

ص: 286

الأخبار.كما أن ذلك هو المناسب للضابط المذكور في الحديث،كما لا يخفى.

الثاني:موثق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر كلاهما يرويه أحدهما يأمر بأخذه و الآخر ينهى عنه كيف يصنع؟قال عليه السّلام:يرجئه حتى يلقى من يخبره،فهو في سعة حتى يلقاه».لكن قد يدعى أن ظاهرها التوقف في العمل بكلا الروايتين كما هو مقتضى قوله:«يرجئه».

و الحكم بأنه في سعة لعله لتساقط الروايتين و كون السعة مقتضى الأصل العملي، خصوصا في مورد الرواية،و هو دوران الأمر بين الأمر و النهي.

الثالث:خبر الحارث بن المغيرة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:إذا سمعت من أصحابك الحديث و كلهم ثقة فموسع عليك حتى ترى القائم عليه السّلام فترد إليه».

و دعوى:عدم ظهوره في فرض التعارض،بل هو يدل على حجية الأخبار من حيث هي.

مدفوعة:بأن التعبير بالسعة يناسب التخيير بين الروايات،و هو إنما يناسب فرض التعارض،إذ مع عدمه تكون الرواية حجة مطلقا،و قد لا يكون مضمونها مبنيا على السعة،فإطلاق السعة ظاهر في فرض تعدد الوجوه التي يعمل عليها،و هو لا يتم مطلقا إلا في فرض التخيير،فلو لم تكن الرواية ظاهرة في ذلك فلا أقل من كونها مشعرة به،و لا سيما مع تعرضها للرد للقائم الظاهر في نحو من التردد المناسب للتعارض.فتأمل.

الرابع:مكاتبة الحميري المتقدمة من المصنف قدّس سرّه في مبحث الشبهة الوجوبية من أصل البراءة الواردة في التكبير عند القيام من التشهد الأول المتضمنة لقوله عليه السّلام:

«و بأيهما أخذت من باب التسليم كان صوابا».

و دعوى:أن المحتمل قريبا كون المراد بيان التخيير في العمل بالتكبير لبيان عدم وجوبه،لا التخيير بين المتعارضين،كما هو المناسب لقوله:«كان صوابا»

ص: 287

لامتناع كون كلا المتعارضين صوابا،و هو المناسب لوظيفة الإمام عليه السّلام،لأن وظيفته بيان الحكم الواقعي المسئول عنه لا الظاهري الذي يبتني على التخيير.

مدفوعة:بأن ذلك خلاف ظاهر قوله:«بأيهما أخذت»فإنه كالصريح في الأخذ بإحدى الروايتين تخييرا،و هو المناسب للتمهيد بذكر الروايتين،و إلا لم يكن لذكرهما دخل في الجواب.و المراد من الحكم بالصواب ليس هو الحكم على كلا الروايتين به،بل الحكم على الحكم على التخيير بينهما به،فيرجع إلى أن التخيير هو الحكم الظاهري الصواب في مثل ذلك.و عدول الإمام عليه السّلام عن مقتضى وظيفته ليس محذورا ترفع به اليد عن ظاهر الرواية،لإمكان وجود جهة تقتضي ذلك.

الخامس:رواية علي بن مهزيار الواردة في ركعتي الفجر في السفر.و فيها:«فروى بعضهم:صلها في المحمل،و روى بعضهم:لا تصلها إلا على الأرض.فوقع عليه السّلام:

موسع عليك بأية عملت».و الكلام فيها هو الكلام في سابقتها.

السادس:مرفوعة زرارة،و فيها بعد الترجيح بالاحتياط:«إذن فتخير أحدهما فتأخذ به ودع الآخر».و هي أخص من الإطلاقات المتقدمة،و مقتضى الجمع العرفي العمل عليها لو لا ما سيذكره المصنف قدّس سرّه من ضعف سندها،فيتعين العمل على الأخبار السابقة بعد تقييدها بأخبار الترجيح الآتية إن شاء اللّه تعالى.

نعم يشكل التمسك بأخبار التخيير المذكورة-بعد ضعف السند أو الدلالة في الكل أو الجل-بأنها محكومة لرواية العيون المعتبرة ظاهرا الآتية من المصنف قدّس سرّه عند ذكر روايات الترجيح.و فيها:«و ما كان في السنة نهي إعافة أو كراهة ثم كان الخبر الآخر على خلافه فذلك رخصة فيما عافه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كرهه و لم يحرمه.

فذلك الذي يسع الأخذ بهما جميعا أو بأيهما شئت وسعك الاختيار من باب التسليم و الإتباع و الرد إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.و ما لم تجدوه في شيء من هذه الوجوه فردوا إلينا علمه فنحن أولى بذلك،و لا تقولوا فيه بآرائكم،و عليكم بالكف و التثبت و الوقوف

ص: 288

و أنت طالبون باحثون حتى يأتيكم البيان من عندنا».

فإن هذه الرواية الشريفة حاكمة على أخبار التخيير جميعا و مفسرة لموردها، و أنها خصوص ما كان النهي للكراهة و الأمر للترخيص،دون ما إذا لم يمكن الجمع بين الخبرين عرفا.و هو المناسب لمورد مكاتبة الحميري و رواية علي بن مهزيار المتقدمتين،كما تعرضنا لذلك في المسألة الثالثة من مسائل الشبهة الوجوبية من أصل البراءة.و به يندفع ما اشرنا إليه من الإشكال بأن حمل كلام الإمام عليه السّلام على التخيير في المسألة الأصولية مناف لوظيفته،كما تقدم دفعه بذلك هناك.

و بما ذكرنا ترفع اليد عن ظاهر أخبار التخيير،لو لا شهرته بين الأصحاب، خصوصا مثل الكليني قدّس سرّه،فإنه قد يكشف عن هجرهم لرواية العيون أو اطلاعهم على ما يوجب صرفها عن ظاهرها.لكن في بلوغ ذلك حدا يخرجها عن الحجية إشكال،لإمكان غفلتهم عن مدلولها،أو عن إمكان الجمع بينها و بين أخبار التخيير بما ذكرنا.و لا مجال مع ذلك للبناء على التخيير.

و لا سيما مع ما ذكره شيخنا الأستاذ دامت بركاته من أن الأصحاب قد هجروا أخبار التخيير عملا،فإنهم و إن ذكروه في الأصول،إلا أنهم لم يعملوا على ما ذكروه في الفقه،فإنا لم نجد موردا واحدا التزموا فيه بالتخيير بعد الاعتراف بتساوي الخبرين.

اللهم إلا أن يحمل ذلك منهم على بنائهم على الترجيح بمطلق المزية،فإن ذلك يوجب ندرة التساوي الذي هو مورد التخيير،لا لاعراضهم عن التخيير في مورد التساوي.أو يكون ذلك منهم احتياطا في اختيار الحجة و إن لم يكن لازما.

فتأمل جيدا.و اللّه سبحانه و تعالى العالم العاصم.

ص: 289

و لا يعارضها عدا ما في مرفوعة زرارة الآتية (1) المحكية عن عوالي اللآلي الدالة على الوجه الثاني من الوجوه الثلاثة.

و هي ضعيفة جدا،و قد طعن في ذلك التأليف و في مؤلفه المحدث البحراني قدّس سرّه في مقدمات الحدائق.

أخبار التوقف و الجواب عنها

و أما أخبار التوقف الدالة على الوجه الثالث من حيث أن التوقف في الفتوى يستلزم الاحتياط في العمل (2) كما في ما لا نص (1)عرفت أنه لو تمت لا تكون معارضة لأخبار التخيير،بل مخصصة لها.

و لذا ذكرنا أن مرجع الوجه الثاني إلى جعل الاحتياط مرجحا،و هو خلاف فرض التكافؤ.

(2)هذا غير ظاهر،فإن التوقف في الفتوى بالحكم الشرعي الواقعي أو الظاهري لعدم الحجة لا يقتضي الاحتياط في العمل،بناء على أن المرجع مع عدم البيان الشرعي قاعدة قبح العقاب بلا بيان.

و الذي ينبغي أن يقال:المراد بالتوقف تارة:يكون هو التوقف في العمل الراجع إلى الاحتياط في المسألة الفرعية.

و أخرى:يكون هو التوقف في الحكم بحجية إحدى الروايتين تعيينا أو تخييرا، الراجع إلى عدم الاعتماد عليهما في العمل.

أما الأول فهو راجع إلى الوجه الثالث.

و أما الثاني فهو راجع إلى أصالة التساقط في المتعارضين التي تقدم الكلام فيها، و هي لا تمنع من الرجوع إلى الأصول الشرعية فضلا عن العقلية،كما لا يخفى.

هذا و ظاهر نصوص التوقف في المقام هو الثاني،كمكاتبة محمد بن عيسى:

«كتب إليه يسأله عن العلم المنقول إلينا عن آبائك و أجدادك عليهم السّلام قد اختلف علينا فيه فكيف العمل به على اختلافه،أو الرد إليك فيما اختلف فيه.فكتب عليه السّلام:ما علمتم

ص: 290

فيه (1) فهي محمولة على صورة التمكن من الوصول إلى الإمام عليه السّلام كما يظهر من بعضها (2) ،فيظهر منها أن المراد ترك العمل و إرجاء الواقعة إلى أنه قولنا فألزموه،و لما لم تعلموا فردوه إلينا».و مرسل سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«قلت:يرد علينا حديثان واحد يأمرنا بالأخذ به،و الآخر ينهانا عنه.قال:لا تعمل بواحد منهما حتى تلقى صاحبك فتسأله.قلت:لا بد أن نعمل بواحد منهما.قال:خذ بما فيها خلاف العامة».فإنهما صريحان في التوقف عن العمل بالخبرين المتعارضين، و لا دلالة فيهما على المنع من الرجوع للأصل بعد التوقف عنهما.

و ذلك هو المتصرف من التوقف في مقبولة ابن حنظلة المتضمنة لقوله عليه السّلام بعد ذكر المرجحات:«إذا كان ذلك فأرجئه حتى تلقى إمامك،فإن الوقوف عند الشبهات خبر من الاقتحام في الهلكات».

و مثلها رواية العيون المتقدمة المتضمن ذيلها للأمر بالتوقف،فإن المنصرف منهما التوقف عن الروايتين في مقابل العمل بإحداهما تخييرا أو تعيينا،لا التوقف في المسألة الفرعية الذي هو بمعنى الاحتياط في العمل.

و هذا بخلاف التوقف فيما لا نص فيه،فإنه يتعين حمله على التوقف في العمل الراجع إلى الاحتياط،لعدم فرض ما يحتمل الحجية حتى يحمل التوقف على بيان عدم حجيته.فلاحظ.

ثم إنه لو فرض ظهور نصوص التوقف في المقام في التوقف في العمل الراجع إلى الاحتياط أمكن الجواب عنها بما سيذكره المصنف قدّس سرّه.

(1)أشرنا إلى الفرق بين مورد تعارض النصين و مورد عدم النص.

(2)و هو مقبولة ابن حنظلة و رواية العيون،لأنهما تضمنت كون غاية التوقف لقاء الإمام عليه السلام و بيان الحال من قبله،و المنصرف منه إمكان ذلك فلعل خصوصيتهما في ذلك لوجوب الاحتياط في زمن الفحص عن الدليل،لا وجوب الاحتياط حتى مع اليأس عن الدليل ليكشف عن انقلاب الأصل في

ص: 291

لقاء الإمام عليه السّلام،لا العمل فيها بالاحتياط.

ثم إن حكم الشارع في تلك الأخبار بالتخيير في تكافؤ الخبرين لا يدل على كون حجية الأخبار من باب السببية (1) ،يتوهم أنه لو لا ذلك لا وجب التوقف،لقوة (2) احتمال أن يكون التخيير حكما ظاهريا عمليا في مورد التوقف،لا حكما واقعيا ناشئا من تزاحم الواجبين (3) .بل الأخبار المشتملة على الترجيحات و تعليلاتها أصدق شاهد على ما استظهرناه من كون حجية الأخبار من باب الطريقية (4) .بل هو أمر واضح.و مراد من جعلها من باب السببية عدم إناطتها بالظن الشخصي (5) ،كما يظهر (6) من صاحب المعالم رحمه اللّه في تقرير دليل الانسداد.

المتعارضين.فلاحظ.

(1)بناء على أن مقتضى السببية التخيير عند التعارض،على ما تقدم من المصنف(قده)و تقدم الكلام فيه.

(2)تعليل لقوله:«لا يدل...».

(3)فيكون الحكم بالتخيير تعبديا خاصا مخرجا عن مقتضى القاعدة المتقدمة بناء على الطريقية.لا حكما جاريا على مقتضى القاعدة،ليتعين البناء على السببية بناء على ما تقدم.

(4)كأنه لظهورها في كون منشأ الترجيح غلبة مطابقة الراجح للواقع أو أقربيته له،لا لملاك يقتضي متابعته مع قطع النظر عن الواقع.

(5)فالمراد بالسببية في كلامه معنى آخر غير ما تقدم ابتناء القاعدة عليه في كلام المصنف قدّس سرّه.

(6)بيان للمنفي و هو إناطتها بالظن الشخصي.

ص: 292

لو وقع التعادل للمجتهد في عمل نفسه أو للمفتي لأجل الإفتاء

ثم المحكي عن جماعة-بل قيل:أنه مما لا خلاف فيه-أن التعادل إن وقع للمجتهد كان مخيرا في عمل نفسه.

و إن وقع للمفتي لأجل الإفتاء فحكمه أن يخير المستفتي،فيتخير في العمل كالمفتى.

و وجه الأول واضح (7) .

و أما وجه الثاني فلأن نصب الشارع للأمارات و طريقتها يشمل المجتهد و المقلد،إلا أن المقلد عاجز عن القيام بشروط العمل بالأدلة من حيث تشخيص مقتضاها و دفع موانعها،فإذا أثبت ذلك المجتهد،و أثبت جواز العمل بكل من الخبرين المتكافئين المشترك بين المقلد و المجتهد تخير المقلد كالمجتهد.

و لأن إيجاب مضمون أحد الخبرين على المقلد لم يقم دليل عليه،فهو تشريع

و يحتمل أن يكون التخيير للمفتي فيفتي بما اختار،لأنه (8) حكم للمتحير و هو المجتهد.و لا يقاس هذا بالشك الحاصل للمجتهد في بقاء الحكم الشرعي (9) مع أن حكمه و هو البناء على الحالة السابقة مشترك بينه و بين المقلد،لأن (10) الشك هناك في نفس الحكم الفرعي المشترك،و له

(7)لظهور أدلة التخيير في كونه مقدمة للعمل.

(8)يعني:لأن التخيير.

(9)يعني:مع اليقين بحدوثه الذي هو مورد الاستصحاب.

(10)تعليل لقوله:«و لا يقاس».

ص: 293

حكم مشترك (1) ،و التحير هنا في الطريق إلى الحكم،فعلاجه بالتخيير مختص بمن يتصدى لتعيين الطريق (2) ،كما أن العلاج بالترجيح مختص (1)لكن الحكم المشترك موضوعه الشاك،فإذا فرض اختصاص الشك بالمجتهد و عدم حصوله للعامي،فلا وجه للفتوى له بالحكم المذكور،فالأولى أن يقال:إن العامي يحصل له أيضا الشك في البقاء كما يحصل له الشك في الحدوث،و لذا احتاج إلى سؤال المجتهد،فإذا أفتاه المجتهد بالحدوث تم له موضوع الاستصحاب من اليقين بالحدوث و الشك في البقاء،فجرى حكمه في حقه،غايته أن اليقين بالحدوث ليس حقيقيا،بل تنزيليا بسبب أخذه من المجتهد،فيبتني الاستصحاب في حقه على جريان استصحاب مؤدى الأمارة،و لا بأس به،كما حقق في محله،و قد يبتني عليه الاستصحاب في حق المجتهد،حيث أنه قد لا يعلم بالحدوث وجدانا، بل بسبب قيام الأمارة عليه.

(2)هذا غير ظاهر،لظهور أدلة التخيير لو تمت في أن التخيير حكم لمن يجب عليه العمل بالأدلة،و هو لا يختص بالمجتهد،بل يشترك في ذلك جميع المكلفين، و ليس للمجتهد إلا تشخيص مقتضى الأدلة في حق العامي،فلا وجه لاختصاص التخيير بالمجتهد.

نعم قد يدعى أن التقليد مختص بالأحكام الفرعية،لا بمقدمات استنباطها من المسائل الأصولية و اللغوية و العقلية و غيرها،فليس للمجتهد الفتوى بالتخيير بل له الفتوى بالحكم الفرعي الناشئ منه بضميمة بقية المقدمات التامة بنظره.

و فيه:أنه خلاف عموم أدلة التقليد الشامل للمسائل الأصولية و غيرها،فكما يصح للعامي الرجوع له في الحكم الفرعي يصح منه الرجوع له في الحكم الأصولي.

نعم لما كان غالب العوام عاجزا عن معرفة المقدمات بأجمعها كان له إيكالها بأجمعها للمجتهد،و حينئذ فكما يسوغ للمجتهد أن يفتي له بمقدمات الاستنباط و يوكل الاستنتاج منها له،كذلك يسوغ له أن يفتي له بالنتيجة أعني نفس الحكم الفرعي،

ص: 294

بل الثاني أسهل و أيسر.

أما لو فرض استقلال بعض العوام بالنظر في بعض المقدمات و لو مع عجزه عن بعضها الآخر-كما قد يحصل لبعض طلبة العلم وفقهم اللّه تعالى-امتنع عليه الرجوع للمجتهد في الأحكام الفرعية المبتنية عليها مع اختلافها فيها لأنه من رجوع العالم للجاهل بنظره،و تعين عليه الاقتصار في الرجوع للمجتهد على المقدمات الأخرى التي يختص المجتهد بمعرفتها و لا رأي للعامي فيها،نظير رجوع المجتهد لعلماء الرجال و اللغة و قبول أقوالهم بناء على أنه بملاك الرجوع إلى أهل الخبرة ثم استقلاله بالنظر في بقية مقدمات الاستنباط.فيتعين في المقام على المجتهد الفتوى للعامي بالتخيير بين الدليلين ثم العمل على ما يختاره بعد بيان مؤداه له بنظره.

على أنه لو تم ما ذكره من اختصاص التقليد بالأحكام الفرعية أشكل فتوى المجتهد للعامي بالحكم المطابق للدليل الذي يختاره،لأن الظاهر أن وظيفة المجتهد هي الفتوى بالحكم المستنبط من الأدلة التي يرى المجتهد حجيتها في حق العامي، لعموم دليلها له و إن كان عاجزا عن تشخيص مؤداها،أما لو فرض اختصاص الحجية بالمجتهد لاختصاص عنوان دليلها به لم يسغ له الفتوى للعامي بالحكم المستنبط من تلك الأدلة،و تعين له النظر في مفاد الأدلة التي جعلت في حق العامي، فلو فرض أن المجتهد علم بحجية خبر الهاشمي في حق الرجال و حجية خبر غيره في حق النساء لم يسغ له الفتوى للنساء بالأحكام التي تقتضيها أخبار الهاشمي،بل يتعين له الفتوى بالأحكام المستنبطة من أخبار غيرهم التي هي بنظره حجة في حق النساء.

ففي المقام حيث كان ظاهر أخبار التخيير تخيير المكلف في مقام العمل فلا وجه لاعتماد المجتهد في الفتوى للعامي على ما يختاره هو،بل يتعين عليه الفتوى اعتمادا على ما يختاره العامي المستفتي،و لا دليل على قيام اختيار المجتهد مقام اختيار

ص: 295

به (1) .

فلو فرضنا أن راوي أحد الخبرين عند المقلد أعدل و أوثق من الآخر،لأنه أخبر و أعرف به،مع تساويهما عند المجتهد،أو انعكاس الأمر عنده،فلا عبرة بنظر المقلد.و كذا لو فرضنا تكافؤ اللغويين في معنى لفظ الرواية فالعبرة بتخيير المجتهد (2) ،لا تخيير المقلد بين حكم يتفرع على أحد القولين و آخر يتفرع على آخر.

و المسألة محتاجة إلى التأمل،و إن كان وجه المشهور أقوى (3) .هذا حكم المفتي.

لو وقع التعادل للحاكم و القاضي فالظاهر التخيير

و أما الحاكم و القاضي فالظاهر-كما عن جماعة-أنه يتخير أحدهما العامي بحيث ينقح موضوع الحجية في حق العامي،و هذا بخلاف غير الاختيار من شرائط الحجية،كعدالة الراوي و عدم المعارض للخبر،و المرجح له عند التعارض، فإن موضوع الحجية في حق الكل لما كان هو العناوين الواقعية كان تشخيص المجتهد لها و إدراكها موجبا لعلمه بما هو الحجة في حق العامي،فيسوغ له الفتوى بالحكم المستنبط منه.فتأمل جيدا.

(1)عرفت إمكان استقلال العامي ببعض مقدمات الاستنباط،و منها النظر في المرجح كما عرفت أخيرا الفرق بين التخيير و الترجيح و إمكان قيام المجتهد مقام العامي في الثاني دون الأول.

(2)يعني:بناء على الرجوع للتخيير في مثل ذلك.لكن ما سبق في التخيير بين الخبرين جار هنا.

(3)العمدة فيه ما ذكرنا.

ص: 296

فيقضي به لأن القضاء و الحكم عمل له لا للغير (1) ،فهو المخير.و لما عن بعض من أن تخيير المتخاصمين لا يرفع معه الخصومة (2) .

هل التخيير بدوي أو استمراري؟

و لو حكم على طبق إحدى لأمارتين في واقعة فهل له الحكم على طبق الأخرى في واقعة أخرى؟

المحكي عن العلامة رحمه اللّه و غيره الجواز،و لا يستبعد وقوعه،كما لو تغير اجتهاده،إلا أن يدل دليل شرعي خارج على عدم جوازه،كما روي أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال لأبي بكر:«لا تقض في الشيء الواحد حكمين مختلفين».

مختار المصنف قدّس سرّه التخيير البدوي

أقول:يشكل الجواز،لعدم الدليل عليه،لأن دليل التخيير إن كان الأخبار الدالة عليه فالظاهر أنها مسوقة لبيان وظيفة المتحير في ابتداء الأمر،فلا إطلاق فيها بالنسبة إلى حال المتحير بعد الالتزام بأحدهما (3) .

(1)أما في أحكام القضاء من تعيين شرائط الحكم و طرقه فواضح.و أما في تعيين الأمر المقضي فيه المقتضي في كالحقوق المتنازع فيها فلأن وظيفته الحكم بما هو الحق واقعا،فيلزمه الرجوع في تشخيصه إلى ما هو الحجة في حقه لا في حق الخصم.

فلاحظ.

(2)لم يتضح كون هذا صالحا للدليلية في المقام،فالعمدة ما ذكرنا.

(3)الظاهر تمامية الإطلاق،لأن موضوع التخيير فيها هو تعارض الخبرين الذي يفرق فيه بين الواقعة الأولى و الوقائع اللاحقة لها.و لا سيما مع التعبير في بعضها السعة حتى يرى القائم الظاهر في كون التخيير استمراريا.مع أن مقتضى ما ذكره امتناع العدول عما اختاره قبل العمل به في الواقعة الأولى،لارتفاع التحير بالاختيار و لا يتوقف على العمل بما اختار،و لا يظن من أحد الالتزام به.فتأمل.

فالظاهر أن العمدة في محذور الالتزام بالتخيير الاستمراري هو لزوم المخالفة

ص: 297

و أما العقل الحاكم بعدم جواز طرح كليهما فهو ساكت من هذه الجهة (1) ، و الأصل عدم حجية الآخر بعد الالتزام بأحدهما،كما تقرر في دليل عدم جواز العدول عن فتوى مجتهد إلى مثله (2) .

نعم لو كان الحكم بالتخيير في المقام من باب تزاحم الواجبين كان الأقوى استمراره،لأن المقتضي له في السابق موجود بعينه،بخلاف التخيير الظاهري في تعارض الطريقين (3) ،فإن احتمال تعيين ما التزمه قائم،بخلاف التخيير الواقعي.فتأمل.

و استصحاب التخيير غير جار،لأن الثابت سابقا ثبوت الاختيار لمن لم يتخير فإثباته لمن اختار و التزم إثبات للحكم في غير موضوعه القطعية الإجمالية في إحدى الواقعتين.و قد تقدم اندفاع ذلك عند الكلام في دوران الأمر بين الوجوب و الحرمة.

(1)لا يخفى أنه لم يتقدم منه تقرير حكم العقل إلا بملاك التزاحم بناء على أنه اللازم من القول بالسببية.و سيأتي منه قدّس سرّه الاعتراف بأن مقتضى التزاحم هو التخيير الاستمراري.

(2)الفرق بين ذلك و ما نحن فيه أن التخيير بين المجتهدين لم يثبت إلا بالإجماع و المدعى الذي لا إطلاق له يقتضي كونه استمراريا،بخلاف التخيير في المقام فإنه ثابت بالنصوص التي كان مقتضى إطلاقها كون التخيير استمراريا.

(3)الذي هو عبارة عن التخيير في تعيين الحجة التي لا يجب العمل بها إلا لإدراك الواقع من دون أن يشتمل على ملاك يقتضي العمل بها مع قطع النظر عن الواقع الذي قامت عليه،إذ لو كانت كذلك كان التخيير بينها من باب التخيير بين الواجبين الواقعيين المتزاحمين،و عليه يبتني ما تقدم منه قدّس سرّه بناء على السببية،و هو المراد بالتخيير الواقعي،و إن لم أعهد من جرى في تعبيره على هذا النحو.

ص: 298

الأول (1) .

و بعض المعاصرين رحمه اللّه استجود كلام العلامة رحمه اللّه مع أنه منع من العدول عن أمارة إلى أخرى و عن مجتهد إلى آخر (2) .فتدبر.

حكم التعادل في الأمارات المنصوبة في غير الأحكام

ثم إن حكم التعادل في الأمارات المنصوبة في غير الأحكام-كما في أقوال أهل اللغة و أهل الرجال-وجوب التوقف،لأن الظاهر اعتبارها من حيث الطريقية إلى الواقع لا السببية المحضة و إن لم يكن منوطا بالظن الفعلي،و قد عرفت أن اللازم في تعادل ما هو من هذا القبيل التوقف و الرجوع إلى ما يقتضيه الأصل في ذلك المقام.

(1)هذا موقوف على أخذ عدم الاختيار في موضوع الحكم،و هو غير ظاهر،بل الظاهر أن الموضوع هو التعارض،كما تشهد به النصوص المتقدمة.نعم مرجع التخيير إلى حجية كل منهما على تقدير الاختيار،فهو راجع إلى حجية كل منهما المعلقة،فيبتني على الكلام في الاستصحاب التعليقي.فتأمل.

(2)عرفت الفرق بين الأخبار و غيرها من الأمارات بأن دليل التخيير في الأخبار إطلاق يقتضي كونه استمراريا،بخلاف غيرها من الأمارات،إذ ليس الدليل فيها لو تم إلا الإجماع أو نحوه مما لا إطلاق له.

ثم إن المصنف قدّس سرّه خص الكلام في كون التخيير استمراريا أو ابتدائيا بالحكم مع الذي هو وظيفة القاضي،مع أنه يعم مطلق اختلاف الأخبار و لو في غير القضاء.

نعم ما تقدم من لزوم المخالفة القطعية مع التخيير الاستمراري قد لا يجري في غير القضاء،كما لو كان أحد الحكمين إلزاميا و الآخر غير إلزامي.لكن هذا بالنسبة إلى نفس العمل بمضمون الخبر أما بالنسبة إلى الفتوى به فيلتزم المخالفة القطعية أيضا.فتأمل.

ص: 299

إلا أنه إن جعلنا الأصل من المرجحات-كما هو(المشهور) و سيجيء-لم يتحقق التعادل بين الأمارتين إلا بعد عدم موافقة شيء منهما للأصل (1) ،و المفروض عدم جواز الرجوع إلى الثالث (2) ،لأنه طرح للأمارتين (3) ،فالأصل الذي يرجع إليه هو الأصل في المسألة المتفرعة على مورد التعارض،كما لو فرضنا تعادل أقوال أهل اللغة في معنى الغناء أو الصعيد أو الجذع من الشاة في الأضحية،فإنه يرجع إلى الأصل في المسألة الفرعية (4) .

(1)لكن هذا موقوف على عموم دليل الترجيح لغير الأخبار من الأمارات، و إلا كان وجود جهة الترجيح كعدمها و كانت الأمارتان بحكم المتعادلتين.

(2)الذي هو مقتضى الأصل المفروض عدم موافقة شيء منهما له.

(3)هذا كسابقه موقوف على عموم دليل عدم التساقط لغير الأخبار من الأمارات المتعارضة،و قد عرفت الإشكال فيه في الأخبار فضلا عن غيرها.نعم لو فرض العلم الإجمالي بصدق إحدى الأمارتين اتجه امتناع الرجوع للأصل في الفرض.

(4)كأصالة البراءة من حرمة ما يشك في كونه غناء،و أصالة الاشتغال المانعة من التيمم بما يشك في كونه صعيدا و نحوهما،و إن كان الأصل مخالفا لمقتضى الأمارتين معا،و أما الأصل الجاري في موضوع الأمارتين الذي هو مورد التعارض فلا يرجع إليه بناء على امتناع الرجوع للثالث.لكن الظاهر أنه لو تم الدليل على امتناع الرجوع للثالث لم يفرق بين الأصل الجاري في مورد التعارض و الأصل الجاري في المسألة المتفرعة عليه فاختصاص المنع بالأول في غير محله.

اللهم إلا أن يكون مراده بالأصل في المسألة الفرعية هو الأصل المطابق لمؤدى إحدى الأمارتين المتعارضتين لا المخالف لهما معا حتى يجري ما ذكرنا من امتناع

ص: 300

لا بد من الفحص عن المرجحات في المتعارضين

بقي هنا ما يجب التنبيه عليه خاتمة للتخيير و مقدمة للترجيح،و هو أن الرجوع إلى التخيير غير جار إلا بعد الفحص التام عن المرجحات،لأن مأخذ التخيير

إن كان هو العقل الحاكم بأن عدم إمكان الجمع في العمل لا يوجب إلا طرح البعض فهو لا يستقل بالتخيير في المأخوذ و المطروح إلا بعد عدم مزية في أحدهما اعتبرها الشارع في العمل (1) ،و الحكم بعدمها لا يمكن إلا بعد القطع بالعدم أو الظن المعتبر،أو إجراء أصالة العدم التي لا تعتبر فيما له دخل في الأحكام الشرعية الكلية إلا بعد الفحص التام (2) .مع أن الرجوع إليه بناء على امتناع الرجوع للثالث.فلاحظ.

(1)لأن المزية المذكورة ترجع إلى أهمية ذي المزية الموجبة لترجيحه مع التزاحم.

(2)لكن الشك في المقام ليس في الحكم،بل في الحكم الجزئي،فإن الأمارة و إن كانت حاكية عن حكم كلي،إلا أن وجوب متابعتها ليس لأجل الحكم الكلي المذكور،بل لأجل مصلحة قائمة بها ناشئة منها،و هي واقعة شخصية،فالحكم بالإضافة إليها جزئي لا كلي.

فالعمدة في وجوب الفحص في المقام:أن الترجيح لما كان بملاك التزاحم و الأهمية فمع احتماله و إن لم يعلم تعيين التكليف بالراجح،إلا أن ملاك التكليف به تعيينا حاصل،و عدم تعيينه على تقدير مساواته للتكليف الآخر ليس لقصور في ملاكه،بل للمزاحم الذي يصلح كونه عذرا في ترك امتثاله،فمع الشك في صلوح المزاحم لذلك لاحتمال كونه مزحوما يتعين الاحتياط بالفحص،لأن العذر مما لا يصح الاتكال عليه إلا بعد العلم بوجوده،و لا مجال للاتكال على احتمال وجوده في رفع اليد عن التكليف التام الملاك في نفسه.و من ثم قيل بوجوب الاحتياط مع

ص: 301

أصالة العدم لا تجدي في استقلال العقل بالتخيير (1) ،كما لا يخفى.

و إن كان مأخذه الأخبار فالمتراءى منها من حيث سكوت بعضها عن جميع المرجحات و إن كان جواز الأخذ بالتخيير ابتداء إلا أنه يكفي في تقييدها دلالة بعضها الآخر على وجوب الترجيح ببعض المرجحات المذكورة فيها،المتوقف على الفحص عنها (2) المتممة فيما لم يذكر فيها من الشك في القدرة،لأن عدم القدرة ليس من سنخ الرافع للملاك،بل من سنخ العذر الرافع لفعلية التكليف.فلاحظ.

(1)كأنه لأن أصالة العدم من الأصول الشرعية لرجوعها إلى الاستصحاب، فلا بد في جريانها من لحاظ الأثر الشرعي،و لا تجري بلحاظ الأثر العقلي.

و فيه:أن التخيير و إن كان بحكم العقل،إلا أنه ليس تخييرا عقليا محضا،بل هو راجع إلى كشف العقل و إدراكه لتقييد التكليف الشرعي في كل من المتزاحمين بعدم الآخر على تقدير عدم المرجح،فأصالة العدم تجري بلحاظ أثر شرعي و هو بقاء التكليف بالآخر على تقدير ترك محتمل الرجحان،و ارتفاع التكليف بمحتمل الرجحان على تقدير فعل الآخر.

نعم قد يشكل بأن أصالة العدم إنما تجري فيما إذا كان موضوع الأثر عنوانا خاصا محدد المفهوم،و حكم العقل-كأكثر الأدلة اللبية-لا يصلح لتحديد موضوع الأثر الشرعي و عنوانه بل هو راجع إلى إدراك الملازمة الخارجية بين عدم المزية و إطلاق التكليف من دون كشف عن قضية عنوانية،و لا تنهض بإحراز القضية العنوانية إلا الأدلة اللفظية،فيكون التمسك بالأصل في المقام مبينا على الأصل المثبت.فلاحظ.

(2)فمع عدم الفحص يكون التمسك بإطلاق التخيير من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية من طرف الخاص-و هو دليل الترجيح في المقام-و ذلك ممنوع

ص: 302

المرجحات المعتبرة بعدم القول بالفصل بينها (1) .

هذا مضافا إلى لزوم الهرج و المرج،نظير ما يلزم من العمل بالأصول العملية و اللفظية قبل الفحص (2) .

هذا مضافا إلى الإجماع القطعي-بل الضرورة-من كل من يرى وجوب العمل بالراجح من الأمارتين،فإن الخلاف و إن وقع من جماعة في وجوب العمل بالراجح من الأمارتين و عدم وجوبه،لعدم اعتبار الظن في أحد الطرفين،إلا أن من أوجب العمل بالراجح أوجب الفحص عنه، و لم يجعله واجبا مشروطا بالاطلاع عليه (3) .و حينئذ فيجب على المجتهد الفحص التام عن وجود المرجح لإحدى الأمارتين.

على التحقيق.مع أنه يكفي في وجوب الفحص عن المرجح ما دل على وجوب الفحص عن الأحكام فإنه كما يقتضي الفحص عن أصل الدليل يقتضي الفحص عن الراجح من الدليلين الذي هو الدليل الفعلي عند التعارض.

(1)يعني:لأن كل من قال بوجوب الفحص عن المرجحات المنصوصة قال بوجوبه في غيرها.لكن لا مجال للاستدلال بعدم القول بالفصل ما لم يرجع إلى الإجماع على عدم الفصل،و لا طريق لإثبات ذلك هنا.فالعمدة في وجوب الفحص في المرجحات غير المنصوصة هو ما تقدم في المرجحات المنصوصة،لعدم الفرق بينها فيما تقدم.

(2)العمدة في وجه وجوب الفحص في قبال الأصول اللفظية و العملية هو العلم الإجمالي الذي لا يتضح جريانه هنا،و أدلة وجوب تعلم الأحكام الذي عرفت توجه الاستدلال به هنا.و أما لزوم الهرج و المرج فلا يتضح وجه الاستدلال به ما لم يرجع إلى السيرة و الإجماع العملي أو القولي.فلاحظ.

(3)هذا راجع إلى الاستدلال بعدم الفصل الذي عرفت الإشكال فيه.

ص: 303

ص: 304

المقام الثاني: في التراجيح

تعريف الترجيح

الترجيح:تقديم إحدى الأمارتين على الأخرى في العمل،لمزية لها عليها بوجه من الوجوه.

و فيه مقامات:

الأول:في وجوب ترجيح أحد الخبرين بالمزية الداخلية أو الخارجية الموجودة فيه.

الثاني:في ذكر المزايا المنصوصة و الأخبار الواردة.

الثالث:في وجوب الاقتصار عليها أو التعدي إلى غيرها.

الرابع:في بيان المرجحات الداخلية و الخارجية.

ص: 305

أما المقام الأول

المقام الأول:وجوب الترجيح بين المتعارضين و الاستدلال عليه

اشارة

فالمشهور فيه وجوب الترجيح:و حكي عن جماعة-منهم الباقلاني و الجبائيان (1) -عدم الاعتبار بالمزية و جريان حكم التعادل.

و يدل على المشهور-مضافا إلى الإجماع المحقق (2) ،و السيرة (3) القطعية و المحكية عن الخلف و السلف،و تواتر الأخبار بذلك-أن (4) حكم المتعارضين من الأدلة على ما عرفت بعد عدم جواز طرحهما (1)و حكي عن السيد الصدر أيضا،و اختاره المحقق الخراساني قدّس سرّه في الكفاية.

(2)لا بد أن يراد به إجماع الطائفة المحقة الذي لا يقدح فيه خلاف السيد الصدر و نحوه من المتأخرين.و أما إجماع غيرهم فلا وجه لدعواه مع خلاف من عرفت.إلا أن يراد إجماع الصحابة،كما حكى بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه دعواه عن غير واحد.

(3)يعني:سيرة العلماء في مقام الاستدلال.و الكلام هنا كما تقدم في الإجماع.

(4)هذا فاعل قوله:«و يدل على المشهور...».و هو راجع إلى تقرير الأصل بوجه يقتضي الترجيح مع قطع النظر عن أدلته الخاصة.

ص: 306

معا (1) أما التخيير لو كانت الحجية من باب الموضوعية و السببية (2) ، و إما التوقف لو كانت حجيتها من باب الطريقية (3) .و مرجع التوقف أيضا إلى التخيير (4) إذا لم نجعل الأصل من المرجحات،أو فرضنا (1)كما تقدم منه قدّس سرّه تقريب دلالة النصوص عليه،و تقدم منا الإشكال فيه.

(2)عرفت أنه لا مجال للتخيير حتى على المسببية و أن دليله منحصر بالاختيار لو تمت دلالة و سندا.

(3)تقدم منه قدّس سرّه أن مقتضى الأدلة في المتعارضين التخيير،سواء قلنا بالسببية أم الطريقية،و إنما يظهر الفرق بين السببية و الطريقية مع قطع النظر عن الأدلة الخاصة،فعلى السببية يتعين التخيير-بناء على ما تقدم منه-و على الطريقية يتعين التوقف الذي هو بمعنى تساقط الدليلين و الرجوع إلى الأصل.

و منه يظهر التدافع بين فرض الكلام فيما إذا لم يجر طرحهما معا-كما هو مقتضى قوله:«بعد عدم جواز طرحهما»-و فرض التوقف.

(4)هذا غير ظاهر،لما عرفت منه في معنى التوقف من أنه عبارة عن تساقط الدليلين و الرجوع للأصل،فإنه أجنبي عن التخيير بالمرة،إذ لو كان أحد المتعارضين موافقا للأصل و كان الأصل مرجعا لا مرجحا،يلزم على القول بالتخيير جواز اختيار ما يخالف الأصل منهما،و على القول بالتوقف العمل بالأصل المطابق لأحدهما.و لو كانا مخالفين للأصل يلزم على القول بالتخيير لزوم اختيار أحدهما المخالف للأصل، و على القول بالتوقف العمل بالأصل المخالف لهما.

نعم على تقدير عدم جريان الأصل في الواقعة قد يكون مرجع التوقف إلى التخيير عملا،كما لو دل أحد الدليلين على الوجوب و الآخر على الحرمة و لم يكن هناك أصل يقتضي الإباحة و لو للعلم بعدمها يتعين التخيير،كما في سائر موارد الدوران بين محذورين.لكن التخيير حينئذ في محض العمل لا بين الدليلين،بحيث يسوغ العمل بأحدهما و الاعتماد عليه في إثبات الحكم الشرعي،كما هو المراد من

ص: 307

الكلام في مخالفي الأصل،إذ على تقدير الترجيح بالأصل يخرج صورة مطابقة أحدهما للأصل عن مورد التعادل،فالحكم بالتخيير على (1) تقدير فقده (2) ،أو كونه مرجعا،بناء على أن الحكم في المتعادلين مطلقا التخيير،لا الرجوع إلى الأصل المطابق لأحدهما (3) .و التخيير إما بالنقل التخيير هنا.فلاحظ.

(1)الجار و المجرور خبر لقوله:«فالحكم بالتخيير...».

(2)يعني:فقد الأصل لو كان مرجحا.و كأن المراد بذلك ما إذا لم يكن هناك أصل على طبق أحد الدليلين لا ما إذا لم يكن في الواقعة أصل أصلا،لأن هذا لم يتقدم في كلامه.

(3)عرفت أن مرجع التوقف إلى هذا لا إلى التخيير،و من ثم كان كلام المصنف قدّس سرّه في غاية الاضطراب و التشويش.

و الذي ينبغي أن يقال:أنه أما بناء على أصالة التساقط في المتعارضين-الذي هو معنى التوقف-فالأصل عدم الترجيح،لأصالة عدم الحجية في الراجح بعد فرض قصور إطلاق دليل الحجية عنه،لعدم شموله للدليلين المتعارضين معا.

و أما بناء على عدم التساقط و جواز الاعتماد على أحد الدليلين و لو لأجل الأدلة الخاصة،فإن كان لدليل التخيير إطلاق يشمل حال وجود المرجح كان مقتضاه عدم الترجيح أيضا إلا أن يدل دليل خاص على الترجيح،و إن لم يكن لدليل التخيير إطلاق بل كان المتيقن منه حال عدم المرجح كان الأصل هو الترجيح، لأصالة عدم حجية المرجوح.

و كذا لو كان التخيير بملاك التزاحم،لأن احتمال الترجيح يرجع إلى احتمال الأهمية في أحد المتزاحمين و هو يقتضي ترجيحه،كما حقق في محله.و لعله يأتي في كلام المصنف قدّس سرّه ما يوضح ما ذكرنا.

ص: 308

و إما بالعقل و أما النقل فقد قيد فيه (1) التخيير بفقد المرجح و به يقيد ما أطلق فيه التخيير (2) .و أما العقل فلا يدل على التخيير بعد احتمال اعتبار الشارع المزية و تعيين العمل بذيها (3) .

و لا يندفع هذا الاحتمال بإطلاق أدلة العمل بالأخبار،لأنها في مقام تعيين العمل بكل من المتعارضين مع الإمكان.لكن صورة التعارض ليست من صور إمكان العمل بكل منهما (4) ،و إلا (5) لتعين العمل بكليهما،و العقل إنما يستفيد من ذلك الحكم المعلق بالإمكان عدم جواز طرح كليهما،لا التخيير بينهما،و إنما يحكم بالتخيير بضميمة أن تعيين أحدهما ترجيح بلا مرجح،فإن استقل بعدم المرجح حكم بالتخيير، (1)لا يخفى أن دليل التقييد ليس إلا الأخبار المشتملة على المرجحات، و مبنى الكلام على عدم الاستدلال بها للترجيح،بل بالأصل.

(2)لا يخفى أن نصوص الترجيح على قسمين:

الأول:ما تعرض للتخيير بعد الترجيح و هو مرفوعة زرارة المتقدمة منا الآتية من المصنف قدّس سرّه.

و الثاني:ما تعرض له من دون تعرض للتخيير،كالأخبار الآتية من المصنف قدّس سرّه.و كلاهما صالح لرفع اليد عن إطلاقات التخيير،لأنه أخص،إلا أن ضعف سند المرفوعة مانع من التمسك بها،و يتعين التمسك بالقسم الثاني.

(3)هذا راجع إلى ما أشرنا إليه من لزوم ترجيح محتمل الأهمية في المتزاحمين.

(4)هذا راجع إلى ما تقدم منه من تقريب التخيير على السببية.

(5)يعني:لو أمكن العمل بكل منهما.

ص: 309

لأنه (1) نتيجة عدم إمكان الجمع و عدم جواز الطرح و عدم وجود المرجح لأحدهما،و إن لم يستقل بالمقدمة الثالثة (2) توقف عن التخيير،فيكون العمل بالراجح معلوم الجواز و العمل بالمرجوح مشكوكا.

فإن قلت:

المناقشة في وجوب الترجيح

أولا:أن كون الشيء مرجحا مثل كون الشيء دليلا يحتاج إلى دليل، لأن التعبد بخصوص الراجح إذا لم يعلم من الشارع كان الأصل عدمه، بل العمل به مع الشك يكون تشريعا (3) ،كالتعبد بما لم يعلم حجيته.

و ثانيا:إذا دار الأمر بين وجوب أحدهما على التعيين و أحدهما على البدل فالأصل براءة الذمة عن خصوص الواحد المعين،كما هو مذهب جماعة في مسألة دوران الأمر بين التخيير و التعيين.

الجواب عن المناقشة

قلت:إن كون الترجيح كالحجية أمرا يجب ورود التعبد به من الشارع مسلم،إلا أن الالتزام بالعمل بما علم جواز العمل به من الشارع من دون استناد الالتزام إلى إلزام الشارع احتياط لا يجري فيه ما تقرر في وجه حرمة العمل بما وراء العلم (4) .فراجع.نظير الاحتياط بالتزام ما (1)يعني:لأن التخيير.

(2)و هي عدم وجود المرجح.

(3)العمل به لا يكون تشريعا،للعلم بحجيته إما تعيينا أو تخييرا،و التشريع إنما هو في اعتقاد تعيينه بلا حجة.

(4)يعني:من لزوم التشريع و نحوه،لما عرفت من عدم لزوم التشريع مع العلم بحجية الأمارة إما تعيينا أو تخييرا.

ص: 310

دل أمارة غير معتبرة على وجوبه مع احتمال الحرمة (1) أو العكس.

عدم اندراج المسألة في مسألة(دوران الأمر بين التعيين و التخيير)

و أما إدراج المسألة في مسألة دوران المكلف به بين أحدهما المعين و أحدهما على البدل.ففيه:أنه لا ينفع بعد ما اخترنا في تلك المسألة وجوب الاحتياط و عدم جريان قاعدة البراءة (2) .

و الأولى منع اندراجها في تلك المسألة،لأن مرجع الشك في المقام إلى الشك في جواز العمل بالمرجوح،و لا ريب أن مقتضى القاعدة المنع عما لم يعلم جواز العمل به من الأمارات (3) .و هي (4) ليست مختصة بما إذا شك في أصل الحجية ابتداء (5) ،بل تشمل ما إذا شك في الحجية (1)فإنه لما كان يجوز العمل على الوجوب تخييرا فمتابعة الأمارة غير المعتبرة الدالة عليه لا يكون تشريعا.نعم لو قصد نسبته للشارع لزم التشريع.بل الحال في المقام أظهر لأن أصالة عدم الحجية تجري في المرجوح و تمنع من العمل به،أما في الدوران بين الوجوب و الحرمة فلا موجب للمنع من الفعل بعد فرض عدم حجية احتمال الحرمة.

ثم إن في صدق الاحتياط بمتابعة الأمارة الدالة على الوجوب بعد فرض عدم حجيتها إشكالا،لأن الدوران إنما هو بين محذورين،و الاحتياط إنما هو بمتابعة أقوى الاحتمالين فلو فرض أن الاحتمال الذي لم تقم الأمارة عليه أقوى كان الاحتياط في متابعته.نعم لو احتملت حجية الأمارة كان الاحتياط في متابعتها.فتأمل.

(2)تقدم الكلام في ذلك عند الكلام في الشك في شرطية شيء للمكلف به في مباحث الشك في المكلف به.فراجع.

(3)لأصالة عدم الحجية.

(4)يعني:قاعدة المنع عن العمل بما لم يعلم جواز العمل به.

(5)كما لو شك في حجية الشهرة.

ص: 311

الفعلية مع إحراز الحجية الشأنية فإن المرجوح و إن كان حجة في نفسه إلا أن حجيته فعلا مع معارضة الراجح بمعنى جواز العمل به فعلا غير معلوم،فالأخذ به و الفتوى بمؤداه تشريع محرم بالأدلة الأربعة.

التحقيق في المسألة

هذا و التحقيق:أنا إن قلنا بأن العمل بأحد المتعارضين في الجملة (1) مستفاد من حكم الشارع به بدليل الإجماع و الأخبار العلاجية كان اللازم الالتزام بالراجح و طرح المرجوح (2) ،و إن (3) قلنا بأصالة البراءة عند دوران الأمر في المكلف به بين التعيين و التخيير،لما (4) عرفت من أن الشك في (5) جواز العمل بالمرجوح فعلا (6) ،و لا ينفع وجوب العمل به عينا في نفسه مع قطع النظر عن المعارض،فهو كأمارة لم يثبت حجيتها أصلا.

و إن لم نقل بذلك بل قلنا باستفادة العمل بأحد المتعارضين من نفس أدلة العمل بالأخبار:

(1)يعني:في قبال تساقطهما الذي هو مقتضى الأصل على الطريقية عند المصنف قدّس سرّه بل مطلقا على التحقيق.

(2)لأن الراجح معلوم الحجية دون المرجوح.لكن هذا إنما يتم لو لم تتم إطلاقات التخيير،و إلا كان اللازم البناء على حجية جواز اختيار المرجوح إلا مع قيام الدليل على الترجيح.

(3)(إن)هنا وصلية.

(4)تعليل التعميم المستفاد من قوله:«و إن قلنا بأصالة البراءة...».

(5)الجار و المجرور خبر(أن)في قوله:«لما عرفت من أن الشك».

(6)يعني:و المرجع فيه أصالة عدم الحجية،لا أصالة جواز العمل.

ص: 312

فإن قلنا بما اخترناه من أن الأصل التوقف (1) ،بناء على اعتبار الأخبار من باب الطريقية و الكشف الغالبي عن الواقع فلا دليل على وجوب الترجيح بمجرد قوة في أحد الخبرين،لأن كلا منهما جامع لشرائط الطريقية،و التمانع يحصل بمجرد ذلك،فيجب الرجوع إلى الأصول الموجودة في تلك المسألة إذا لم تخالف كلا المتعارضين (2) فرفع اليد عن مقتضى الأصل المحكم في كل ما لم يكن طريق فعلي على خلافه بمجرد مزية لم يعلم اعتبارها لا وجه له (3) ،لأن المعارض المخالف (4) بمجرده ليس طريقا فعليا لابتلائه بالمعارض الموافق للأصل،و المزية الموجودة لم يثبت تأثيرها في دفع المعارض.

و توهم:استقلال العقل بوجوب العمل بأقرب الطريقين إلى الواقع (1)هذا خلاف فرض استفادة العمل بأحد المتعارضين من نفس أدلة العمل بالأخبار،إذ هو ينافي التوقف و الرجوع للأصل الذي أخذ في موضوعه عدم الدليل.

(2)بل و إن خالفهما،إذ مع فرض سقوطهما بالحجية بالتعارض لا وجه بينهما في نفي مقتضى الأصل و إن كان مخالفا لهما.

اللهم إلا أن يعلم بمطابقة أحدهما المواقع،أو يبنى على أن سقوط الدليل عن الحجية بالإضافة إلى الدلالة المطابقية لا ينافي حجيته بالإضافة إلى الدلالة الالتزامية.لكنه خلاف التحقيق.فلاحظ.

(3)هذا راجع إلى ما ذكرنا من كون الأصل عدم الترجيح على القول بالتساقط.

(4)يعني المخالف للأصل.

ص: 313

و هو الراجح.

مدفوع:بأن ذلك إنما هو فيما كان بنفسه طريقا (1) كالأمارات المعتبرة لمجرد إفادة الظن،و أما الطرق المعتبرة شرعا من حيث إفادة نوعها الظن و ليس اعتبارها منوطا بالظن (2) فالمتعارضان المفيدان منها بالنوع للظن في نظر الشارع سواء،و ما نحن فيه من هذا القبيل،لأن المفروض أن المعارض المرجوح لم يسقط من الحجية الشأنية (3) ،كما يخرج الإمارة المعتبرة بوصف الظن عن الحجية إذا كان معارضها أقوى.

و بالجملة:فاعتبار قوة الظن في الترجيح في تعارض ما لم ينط اعتباره بإفادة الظن (4) أو بعدم الظن على الخلاف لا دليل عليه.

و إن (5) قلنا بالتخيير بناء على اعتبار الأخبار من باب السببية (1)مقتضى المقابلة بين هذا و ما بعده-و هو الطرق المعتبرة شرعا-كون المراد بهذا ما كان حجة بحكم العقل بلا حاجة إلى جعل الشارع.

لكن الظاهر أن ما يكون حجة بحكم العقل إذا فرض أخذ الظن النوعي فيه لا الشخصي فلا عبرة للمزية في ترجيحه على معارضه إلا بدليل،كما أن ما يكون حجة بحكم الشرع إذا فرض أخذ الظن الشخصي فيه يتعين ترجيحه على معارضه بالمزية الموجبة لإفادته الظن.و بالجملة المعيار على أخذ الظن الشخصي و عدمه،لا على كون الحجية بحكم العقل و كونها بحكم الشرع.

(2)يعني الشخصي الفعلي.

(3)كما تقدم فرض ذلك في أول الكلام في المتعادلين.

(4)يعني:الشخصي الفعلي.

(5)عطفت على قوله:«فإن قلنا بما اخترناه من أن الأصل...».

ص: 314

و الموضوعية فالمستفاد بحكم العقل من دليل وجوب العمل بكل من المتعارضين مع الإمكان كون وجوب العمل بكل منها عينا مانعا عن وجوب العمل بالآخر كذلك،و لا تفاوت بين الوجوبين في المانعية قطعا و مجرد مزية أحدهما على الآخر بما يرجع إلى أقربيته إلى الواقع لا يوجب كون وجوب العمل بالراجح مانعا عن العمل بالمرجوح (1) دون العكس، لأن المانع بحكم العقل هو مجرد الوجوب و المفروض وجوده في المرجوح، و ليس في هذا الحكم العقلي إهمال و إجمال و واقع مجهول حتى يحتمل تعيين الراجح و وجوب طرح المرجوح.

و بالجملة:فحكم العقل بالتخيير يوجب وجوب العمل بكل منهما في حد ذاته،و هذا الكلام مطرد في كل واجبين متزاحمين.

نعم لو كان الوجوب في أحدهما أكد و المطلوبية فيه أشد استقل العقل عند التزاحم بوجوب ترك غيره و كون وجوب الأهم مزاحما لوجوب غيره من دون العكس،و كذا لو أحتمل الأهمية في أحدهما دون الآخر،و ما نحن فيه ليس كذلك قطعا،فإن وجوب العمل بالراجح من الخبرين ليس أكد من وجوب العمل بغيره (2) .

(1)كأنه لأن الأقربية للواقع من شئون الطريقية،و المفروض أن المنشأ في التزاحم المانع من التساقط موضوعيتها مع قطع النظر عن الواقع،فلا تصلح الأقربية للترجيح لأنها ليست من سنخ الملاكين المتزاحمين فلا تصلح لتأكيد أحدهما بنحو يكون أهم حتى يتعين ترجيحه.و سيأتي بعض الكلام في ذلك.

(2)هذا غير ظاهر،فإنه إذا كان في متابعة الأمارة التي هي من سنخ الكاشف عن الواقع مصلحة مع قطع النظر عن الواقع-كما هو مبنى السببية-

ص: 315

هذا و قد عرفت فيما تقدم أنا لا نقول بأصالة التخيير في تعارض الأخبار،بل و لا غيرها من الأدلة،بناء على أن الظاهر من أدلتها و أدلة حكم تعارضها كونها من باب الطريقية،و لازمة التوقف و الرجوع إلى الأصل المطابق لأحدهما (1) ،أو أحدهما المطابق للأصل (2) .

إلا أن الدليل الشرعي دل على وجوب العمل بأحد المتعارضين في الجملة،و حيث كان ذلك بحكم الشرع فالمتيقن من التخيير هو صورة تكافؤ الخبرين.

الأصل وجوب العمل بالمرجح بل ما يحتمل كونه مرجحا

أما مع مزية أحدهما على الأخر من بعض الجهات فالمتيقن هو جواز العمل بالراجح،و أما العمل بالمرجوح فلم يثبت (3) ،فلا يجوز الالتزام، أمكن تأكد المصلحة و أهميتها بسبب المزية الموجبة لأقربية الأمارة للواقع،فكان ذو المزية محتمل الأهمية،و قد أعترف بكفاية ذلك في الترجيح.مع أن هذا إنما يمنع من حجية المزية الموجبة لأقربية الأمارة للواقع،و لا يمنع من وجوب الترجيح مطلقا، بل يتعين الترجيح بكل مزية توجب أهمية ملاك وجوب العمل بالأمارة أو يحتمل كونها موجبة لذلك،كما هو القاعدة في تزاحم التكليفين،حيث يجب ترجيح الأهم أو محتمل الأهمية.و إلى هذا يرجع ما ذكرناه في تقريب الأصل في المقام.فلاحظ.

(1)بناء على كون الأصل مرجعا لا مرجحا.و إنما أعتبر فيه كونه مطابقا لأحدهما لما تقدم منه من عدم جواز الرجوع مع تعارض الدليلين لوجه ثالث.و قد أشرنا إلى الإشكال في ذلك.فلاحظ.

(2)بناء على كون الأصل مرجحا.لكن هذا فرع وجوب الترجيح،و هو محل الكلام.

(3)يكفي فيه إطلاق أدلة التخيير بناء على تماميتها كما ذكره،نعم لو تمت أخبار الترجيح تعين رفع اليد بها عن الاطلاقات المذكورة.إلا أنه يقتضي لزوم

ص: 316

فصار الأصل وجوب العمل بالمرجح،و هو أصل ثانوي.بل الأصل فيما يحتمل كونه مرجحا الترجيح (1) به.إلا أن يرد عليه إطلاقات التخيير، بناء على وجوب الاقتصار في تقييدها على ما علم كونه مرجحا (2) .

استدلال آخر على وجوب الترجيح و المناقشة فيه

و قد يستدل على وجوب الترجيح بأنه لو لا ذلك لاختل نظم الترجيح للأخبار لا لكونه مقتضى الأصل.

نعم لو فرض عدم ثبوت إطلاق يقتضي التخيير،و إنما ثبت التخيير في الجملة كان مقتضى الأصل الترجيح كما ذكره.لكنه خلاف ما يظهر من قوله:«إلا أن يرد عليه إطلاقات التخيير».

(1)لعين ما تقدم من كونه المتيقن الحجية دون الآخر.لكن مع فرض الرجوع للأصل فلا معنى لفرض معلوم المرجحية و محتملها،بل ليس إلا محتمل المرجحية، و أما معلوم المرجحية فهو إنما يفرض مع الدليل المانع من الرجوع للأصل.

(2)هذا هو المتعين لحجية الإطلاق ما لم يثبت ما يقتضي رفع اليد عنه.ثم إن التعدي عن المرجحات المنصوصة لا يتوقف على الترجيح بمحتمل المرجحية، بل يكتفي فيه دعوى أن المستفاد من أدلة الترجيح عدم الخصوصية للمرجحات المنصوصة،و أنها مسوقة لبيان الترجيح بكل مزية موجبة لأقربية الأمارة للواقع.

هذا و قد ظهر مما ذكرنا اضطراب كلام المصنف قدّس سرّه،لأن وجوب العمل بأحد المتعارضين و عدم تساقطهما للأدلة الشرعية إن كان مبنيا على فرض إطلاق يقتضي التخيير فهو يقتضي أصالة عدم الترجيح،و وجوب الترجيح بما يعلم كونه مرجحا ليس لكونه مقتضى الأصل الذي نحن بصدده،بل للدليل الخاص الذي يلزم الاقتصار على مفاده.و إن كان مبنيا على عدم فرض إطلاق يقتضي التخيير،بل الدليل دال على العمل بأحدهما في الجملة فالأصل يقتضي الترجيح حتى بمحتمل المرجحية.فتأمل جيدا.

ص: 317

الاجتهاد (1) ،بل نظام الفقه،من حيث لزوم التخيير بين الخاص و العام و المطلق و المقيد و غيرهما من الظاهر و النص المتعارضين.

و فيه:أن الظاهر خروج مثل هذه المعارضات عن محل النزاع،فإن الظاهر لا يعد معارضا للنص،إما لأن العمل به لأصالة عدم الصارف المندفعة بوجود النص (2) ،و إما لأن ذلك لا يعد تعارضا في العرف،و محل النزاع في غير ذلك.

ضعف القول بعدم وجوب الترجيح و ضعف دليله

و كيف كان فقد ظهر ضعف القول المزبور (3) ،و ضعف دليله المذكور له،و هو عدم الدليل على الترجيح بقوة الظن (4) .

أضعفية دليله الآخر

و أضعف من ذلك ما حكي عن النهاية من احتجاجه بأنه لو وجب الترجيح بين الأمارات في الأحكام لوجب عند تعارض البينات،و التالي باطل،لعدم تقديم شهادة الأربعة على الاثنين.

جواب العلامة قدّس سرّه عن هذا الدليل

و أجاب عنه في محكي النهاية و المنية بمنع بطلان التالي،و أنه يقدم شهادة الأربعة على الاثنين.سلمنا،لكن عدم الترجيح في الشهادة ربما كان (1)لا يخفى أن هذا لا يصلح وجها في المقام ما لم يرجع إلى دعوى السيرة من العلماء على الترجيح بذلك،و هي لو تمت يلزم الاقتصار على موردها،دون بقية المرجحات.

(2)فيكون وجود النص رافعا لموضوع حجيته.و قد تقدم بعض الكلام في ذلك في أوائل مبحث التعادل و التراجيح.

(3)و هو القول بعدم وجوب الترجيح.

(4)مما سبق يتضح أن الدليل المذكور يتم بناء على أصالة التساقط،و أما بناء على عدم التساقط فتمامية الدليل مبنية على وجود إطلاق للتخيير و عدمه.

ص: 318

مذهب أكثر الصحابة،و الترجيح هنا مذهب الجميع.انتهى.

و مرجع الأخير إلى أنه لو لا الإجماع حكمنا بالترجيح في البينات أيضا (1) .

المناقشة في جواب العلامة قدّس سرّه

و يظهر ما فيه مما ذكرنا سابقا،فأنا لو بنينا على أن حجية البينة من باب الطريقية فاللازم مع التعارض التوقف و الرجوع إلى ما يقتضيه الأصول في ذلك المورد (2) من التحالف أو القرعة أو غير ذلك.

و لو بني على حجيتها من باب السببية و الموضوعية فقد ذكرنا أنه لا وجه للترجيح بمجرد أقربية أحدهما إلى الواقع،لعدم تفاوت الراجح و المرجوح في الدخول فيما دل على كون البينة سببا للحكم على طبقها (3) ، و تمانعهما مستند إلى مجرد سببية كل منهما،كما هو المفروض،فجعل أحدهما مانعا دون الأخر لا يحتمله العقل.

حمل أخبار الترجيح على الاستحباب في كلام السيد الصدر قدّس سرّه

ثم إنه يظهر من السيد الصدر الشارح للوافية الرجوع في المتعارضين من الأخبار إلى التخيير أو التوقف و الاحتياط و حمل أخبار الترجيح على الاستحباب،حيث قال بعد إيراد إشكالات على العمل بظاهر الأخبار:

(1)بل مرجعه إلى أنه لو لا الإجماع لما حكمنا بالترجيح في الأخبار كما لم نحكم به في البينات.و منه يظهر أنه لا وجه لما أورده عليه المصنف قدّس سرّه.

(2)يعني:و لا وجه للترجيح،و إنما التزمنا به في الأخبار للدليل الخاص المقتضي للترجيح و التخيير الذي لا مجال للتعدي منه للبينات.

(3)عرفت احتمال أهمية الراجح و كفاية ذلك في الترجيح بناء على أن المقام من موارد التزاحم بين الواجبين،كما قربه المصنف قدّس سرّه بناء على السببية.

ص: 319

«أن الجواب عن الكل ما أشرنا إليه،من أن الأصل التوقف في الفتوى و التخيير في العمل إن لم يحصل من دليل آخر العلم بعدم مطابقة أحد الخبرين للواقع.و أن الترجيح هو الفضل و الأولى».

المناقشة فيما أفاده السيد الصدر قدّس سرّه

و لا يخفى بعده عن مدلول أخبار الترجيح.و كيف يحمل الأمر بالأخذ بمخالف العامة و طرح ما وافقهم على الاستحباب،خصوصا مع التعليل بأن الرشد في خلافهم،و أن قولهم في المسائل مبني على مخالفة أمير المؤمنين عليه السّلام فيما يسمعونه منه،و كذا الأمر بطرح الشاذ النادر،و بعدم الاعتناء و الالتفات إلى حكم غير الأعدل و الأفقه من الحكمين (1) .

مع أن في سياق تلك المرجحات موافقة الكتاب و السنة و مخالفتهما،و لا يمكن حمله على الاستحباب (2) فلو حمل غيره (3) عليه (4) لزم التفكيك (5) (1)هذا وارد في ترجيح الحكمين لا ترجيح الروايتين.

(2)لا يخفى أن المراد بالموافقة و المخالفة للكتاب و السنة هما الموافقة و المخالفة للظهور بنحو العموم و الخصوص و نحوه لا بنحو التباين و عدم إمكان الجمع،لما هو المعلوم من عدم حجية المخالف بالتباين ذاتا لا من جهة المعارضة،و حينئذ فلا مانع من حمل الترجيح بذلك على الاستحباب.فالعمدة ما ذكره أولا من أنه خلاف الظاهر.

(3)يعني:غير الترجيح بموافقة الكتاب و السنة من المرجحات.

(4)يعني:على الاستحباب.

(5)الراجع إلى استعمال اللفظ في أكثر من معنى.إلا أن يدعى أن الاستعمال في مطلق الطلب المشترك بين الوجوب و الاستحباب،فلا ينافي حمل الترجيح بموافقة الكتاب و السنة على الوجوب لما ادعاه المصنف قدّس سرّه و حمل الترجيح بالباقي

ص: 320

فتأمل (1) .

و كيف كان فلا شك أن التفصي عن الإشكالات الداعية له (2) إلى ذلك أهون من هذا الحمل،لما عرفت من عدم جواز الحمل على الاستحباب.

ثم لو سلمنا دور أن الأمر بين تقييد أخبار التخيير و بين حمل أخبار الترجيح على الاستحباب فلو لم يكن الأول أقوى وجب التوقف (3) ، فيجب العمل بالترجيح،لما عرفت من أن حكم الشارع بأحد المتعارضين إذا كن مرددا بين التخيير و التغيير وجب التزام ما أحتمل تعيينه (4) .

على الاستحباب لما ذكره السيد الصدر قدّس سرّه.فلاحظ.

(1)لعله إشارة إلى ما ذكرنا.أو إلى أن التفكيك لا يقول به السيد الصدر أيضا،بل هو يقول بالاستحباب حتى في الترجيح بموافقة الكتاب و السنة،فلا يتجه الإشكال عليه بذلك.فالعمدة في رد ما ذكره السيد الصدر قدّس سرّه هو ما ذكره المصنف قدّس سرّه أولا من أنه خلاف الظاهر.

(2)يعني:للحمل على الاستحباب.

(3)كأنه للقطع بعدم كون إطلاق التخيير أقوى من ظهور الترجيح في الوجوب.

(4)لأنه متيقن الحجية،و الأصل عدم الحجية في الآخر.

ص: 321

المقام الثاني

اشارة

في ذكر الأخبار الواردة في أحكام المتعارضين

و هي أخبار:

مقبولة عمر ابن حنظلة

الأول:ما رواه المشايخ الثلاثة بإسنادهم عن عمر بن حنظلة قال «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجلين من أصحابنا يكون بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة،أ يحل ذلك؟

قال عليه السّلام:من تحاكم عليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت و ما يحكم له فإنما يأخذه سحتا و إن كان حقه ثابتا،لأنه أخذ بحكم الطاغوت،و إنما أمر اللّه أن يكفر به.قال تعالى: يَتَحٰاكَمُوا إِلَى الطّٰاغُوتِ وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ.

قلت:فكيف يصنعان؟

قال:ينظران إلى من كان منكم ممن قد روى حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا فليرضوا به حكما فإنى قد جعلته عليكم حاكما، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما بحكم اللّه استخف،و علينا قد رد، و الراد علينا الراد على اللّه،و هو على حد الشرك باللّه.

ص: 322

قلت:فإن كان كل رجل يختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما فاختلفا في ما حكما،و كلاهما اختلفا في حديثكم.

قال:الحكم ما حكم به أعدلهما و أفقههما و أصدقهما في الحديث و اورعهما،و لا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر.

قلت:فإنهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على الآخر.

قال:ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ به من حكمهما،و يترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك،فإن المجمع عليه لا ريب فيه،و إنما الأمور ثلاثة:أمر بين رشده فيتبع،و أمر بين غيه فيجتنب،و أمر مشكل يرد حكمه إلى اللّه.قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:حلال بين،و حرام بين،و شبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجى من المحرمات،و من أخذ بالشبهات وقع في المحرمات، و هلك من حيث لا يعلم.

قال:قلت:فإن كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم.

قال:ينظر ما وافق حكمه حكم الكتاب و السنة و خالف العامة فيؤخذ به،و يترك ما خالف الكتاب و السنة و وافق العامة.

قلت:جعلت فداك،أ رأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب و السنة فوجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة و الآخر مخالفا لهم بأي الخبرين يؤخذ؟

ص: 323

قال:ما خالف العامة ففيه الرشاد.

فقلت:جعلت فداك،فإن وافقهم الخبران جميعا.

قال:ينظر إلى ما هم أميل إليه من حكامهم و قضاتهم فيترك و يؤخذ بالآخر.

قلت:فإن وافق حكامهم الخبرين جميعا.

قال:إذا كان ذلك فارجه حتى تلقى إمامك فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات.

ظهور المقبولة في وجوب الترجيح بالمرجحات

و هذه الرواية الشريفة و إن لم تخل عن الإشكال،بل الإشكالات:

من حيث ظهور صدرها في التحكيم لأجل فصل الخصومة و قطع المنازعة،فلا يناسبها التعدد (1) ،و لا غفلة كل من الحكمين عن المعارض الواضح لمدرك حكمه (2) ،و لا اجتهاد المترافعين (3) و تحريمها في ترجيح (1)كأنه لامتناع تعدد القاضي في الواقعة الواحدة.و تمام الكلام في كتاب القضاء.

(2)إذ مع فرض اختلافهما في الحكم بسبب اختلافهما في الروايات يمكن اطلاع كل منهما الآخر على روايته فيلتفت لمعارضتها مع روايته التي أعتمد عليها، فيتوقف كل منهما عن الحكم لأجل ذلك و يتفقان على الحكم بالوجه المناسب لمجموع الروايات.بل كيف يفرض عدم الاطلاع مع فرض الروايتين مشهورتين، كما تضمنته المقبولة.

(3)كأنه لدعوى:أن ظاهر المقبولة في ذكر المرجحات كون الناظر فيها هو المترافعين و لا يتسنى ذلك لغير المجتهد.لكن ظهور المقبولة في كون الناظر في المرجحات هو المترافعين ممنوع،بل لعل الناظر شخص آخر ينهض بتخيير الحكمين

ص: 324

مستند أحد الحكمين على الآخر،و لا جواز الحكم من أحدهما بعد حكم الآخر،مع بعد فرض وقوعهما دفعة (1) ،مع أن الظاهر حينئذ تساقطهما و الحاجة إلى حكم ثالث،ظاهرة (2) ،بل صريحة،في وجوب الترجيح بهذه المرجحات بين المتعارضين،فإن تلك الإشكالات لا تدفع هذا الظهور بل الصراحة.

بعض الإشكالات في ترتب المرجحات في المقبولة

نعم يرد عليه بعض الإشكالات في ترتب المرجحات،فإن ظاهر الرواية تقديم الترجيح من حيث صفات الراوي على الترجيح بالشهرة و الشذوذ،مع أن عمل العلماء قديما و حديثا على العكس،على ما يدل عليه المرفوعة الآتية (3) ،فإن العلماء لا ينظرون عند تعارض المشهور و الشاذ و حكمهما يكون هو المرجع في الترجيح.مع أن فرض كون المترافعين مجتهدين لا محذور فيه.فتأمل.

(1)يعني:أن ظاهر المقبولة وقوع الحكم من كلا القاضيين،و هو لا يخلو عن إشكال،لأنه إن فرض ترتبهما في الحكم كان حكم الأول مانعا من حكم الثاني، لأن حكم الثاني يكون ردا له،و هو محرم.و إن فرض تقارنهما فهو-مع بعده في نفسه-يقتضي تساقط الحكمين و الرجوع إلى قاض آخر لا الترجيح بينهما،كما هو مقتضى المقبولة.

أقول:العمدة هو الإشكال الأول و هو تعدد القاضي في الواقعة الواحدة،إذ مع تسليمه لا مانع من الالتزام بتوقف نفوذ حكم كل منهما على موافقة الآخر له، و لزوم الترجيح بينهما مع الاختلاف بنظر الخصمين أو بالرجوع إلى شخص ثالث.

و تمام الكلام في كتاب القضاء.فلاحظ.

(2)خبر قوله:«و هذه الرواية الشريفة...».

(3)لكنها ضعيفة السند كما تقدم.

ص: 325

إلى صفات الراوي أصلا (1) .

اللهم إلا أن يمنع ذلك،فإن الراوي إذا فرض كونه أفقه و أصدق و أورع لم يبعد ترجيح روايته و إن انفرد بها على الرواية المشهورة،مثل صدورها عن تقية أو تأويل لم يطلع عليه غيره،لكمال فقاهته و تنبهه لدقائق الأمور و جهات الصدور.نعم مجرد أصدقية الراوي و أورعيته لا يوجب ذلك ما لم ينضم إليه الأفقهية.

هذا و لكن الرواية مطلقة،فتشمل الخبر المشهور روايته بين الأصحاب حتى بين من هو أفقه من هذا المتفرد برواية الشاذ (2) ، (1)هذا مسلم في الشهرة الفتوائية،التي أشتهر عملا كونها في الجملة موهنة للخبر الصحيح و جابرة للخبر الضعيف،لأنها محل الابتلاء في هذه العصور.أما الشهرة في الرواية-التي هي مورد المقبولة-فليست هي مورد الأثر غالبا،لاشتهار أكثر الأخبار بعد عصور التدوين،فلا مجال لمعرفة سيرتهم فيها.

هذا و يمكن أن يدفع الإشكال من أصله بأنه لا ظهور في المقبولة في كون الصفات مرجحة للرواية،بل هي ظاهرة في ترجيح الحكمين بذلك،و لا ظهور فيها في كون ملاك الترجيح بين الحكمين هو الترجيح بين الروايتين،لإمكان أن يكون لصفات الحاكم دخل في ترجيح حكمه و نفوذه مع قطع النظر عن دليله.

نعم ظاهر الترجيح بالشهرة و ما بعدها كون موضوعه الرواية و إن رجع إلى الحكم أيضا بوجه.بل لعله لا يرجع إلى الحكم أصلا،بل يرجع إلى إلغاء الحكمين و الإرجاع إلى الأدلة مع قطع النظر عنهما،كما يأتي من المصنف قدّس سرّه.فلاحظ.

(2)الوجه السابق في كلام المصنف قدّس سرّه لا يقتضي ترجيح رواية الأفقه على الرواية المشهورة،بل يقتضي كون عمل الأفقه هو المرجح،فمجرد أن يكون في المشهور من هو أفقه من القاضي الحاكم بالرواية الشاذة لا يصلح لدفع هذا الوجه

ص: 326

و إن كان هو (1) من صاحبه المرضي بحكومته.مع أن أفقهية الحاكم بإحدى الروايتين لا يستلزم أفقهية جميع رواتها (2) ،فقد يكون من عداه مفضولا بالنسبة إلى رواة الأخرى.إلا أن ينزل الرواية على غير هاتين الصورتين.

عدم قدح هذه الإشكالات في ظهور المقبولة

و بالجملة:فهذا الإشكال أيضا لا يقدح في ظهور الرواية-بل صراحتها-في وجوب الترجيح بصفات الراوي (3) ،و بالشهرة من حيث الرواية،و بموافقة الكتاب،و مخالفة العامة.

نعم المذكور في الرواية الترجيح باجتماع صفات الراوي من العدالة و الفقاهة و الصداقة و الورع.

لكن الظاهر إرادة بيان جواز الترجيح بكل منها،و لذا لم يسأل الراوي عن صورة وجود بعض الصفات دون بعض،أو تعارض الصفات بعضها مع بعض،بل ذكر في السؤال أنهما معا عدلان مرضيان لا يفضل أحدهما على صاحبه،فقد فهم أن الترجيح بمطلق التفاضل (4) .

ما لم يكن عاملا بالرواية المشهورة.

(1)يعني الحاكم المستند للرواية الشاذة.

(2)عرفت أن مقتضى الوجه السابق كون المعيار في الترجيح على عمل الأفقه لا على روايته حتى يعتبر كون جميع رواة الرواية المشهورة أفقه.

(3)عرفت الإشكال في ذلك،لقرب كون الترجيح بذلك مسوقا لترجيح الحكمين مع قطع النظر عن الروايات.

(4)لكن هذا لا يناسب ما ذكره قريبا من خصوصية الفقاهة في الترجيح.

ص: 327

و كذا يوجه الجمع بين موافقة الكتاب و السنة و مخالفة العامة (1) مع كفاية واحدة منها إجماعا.

مرفوعة زرارة

الثاني:ما رواه ابن أبي جمهور الأحسائي في غوالي اللئالي عن العلامة مرفوعا إلى زرارة.

قال:«سألت أبا جعفر عليه السّلام فقلت:جعلت فداك يأتى عنكم الخبران و الحديثان المتعارضان فبأيهما آخذ؟

فقال عليه السّلام:يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك و دع الشاذ النادر.

فقلت:يا سيدي إنهما معا مشهوران مأثوران عنكم.

فقال:خذ بما يقول أعدلهما عندك و أوثقهما في نفسك.

فقلت:إنهما معا عدلان مرضيان موثقان.

فقال:انظر ما وافق منهما العامة فاتركه،و خذ بما خالف،فإن الحق فيما خالفهم.

قلت:ربما كانا موافقين لهم أو مخالفين،فكيف أصنع؟

قال:إذن فخذ بما فيه الحائطة لدينك و اترك الآخر.

قلت:فإنهما معا موافقان للاحتياط أو مخالفان له،فكيف أصنع؟

فقال:إذن فتخير أحدهم فتأخذ به ودع الأخر».

(1)فإن المتيقن من الرواية عدم الترجيح بموافقة الكتاب ما لم ينضم إليها مخالفة العامة،إن كان يكفي الترجيح بمخالفة العامة.

ص: 328

رواية الصدوق

الثالث (1) :ما رواه الصدوق بإسناده عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام في حديث طويل قال فيه:

«فما ورد عليكم من حديثين مختلفين فاعرضوهما على كتاب اللّه فما كان في كتاب اللّه موجودا حلالا أو حراما فاتبعوا ما وافق الكتاب،و ما لم يكن في الكتاب فاعرضوهما على سنن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فما كان في السنة موجودا منهيا عنه نهي الحرام أو مأمورا به عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أمر إلزام فاتبعوا ما وافق نهي النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أمره،و ما كان في السنة نهى إعافة أو كراهة (2) ثم كان الخبر خلافه فذلك رخصة في ما عافه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو كرهه و لم يحرمه،و ذلك الذي يسع الأخذ بهما جمعا،أو بأيهما شئت وسعك الاختيار من باب التسليم و الأتباع و الرد إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و ما لم تجدوه في شيء من هذه الوجوه فردوا إلينا علمه فنحن أولى بذلك، و لا تقولوا فيه بآرائكم و عليكم بالكف و التثبت و الوقوف و أنتم طالبون باحثون حتى يأتيكم البيان من عندنا».

رواية القطب الراوندي

الرابع:ما عن رسالة القطب الراوندي بسنده الصحيح عن الصادق عليه السّلام:

(1)هذا هو خبر العيون المتقدم منا التعرض له عند الكلام في أخبار التخيير.

(2)هذا كأنه يرجع إلى ترجح الدليل الناص على الإباحة على الدليل الظاهر في النهي،و هو من موارد الترجيح الدلالي الذي يقتضيه الجمع العرفي،و لا دخل له مجمل الكلام.

ص: 329

«إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على أخبار العامة،فما وافق أخبارهم فذروه،و ما خالف أخبارهم فخذوه».

رواية الحسين ابن السرّي

الخامس:ما بسنده أيضا عن الحسين بن السري،قال:«قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

«إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما خالف القوم».

رواية الحسن ابن الجهم

السادس:ما بسنده أيضا عن الحسن بن الجهم في حديث:

«قلت له-يعني العبد الصالح عليه السّلام-:يروى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام شيئا و يروى عنه أيضا خلاف ذلك،فبأيهما نأخذ؟

قال:خذ بما خالف القوم،و ما وافق القوم فاجتنبه».

رواية محمد ابن عبد اللّه

السابع:ما بسنده أيضا عن محمد بن عبد اللّه قال:

«قلت للرضا عليه السّلام:كيف نصنع بالخبرين المختلفين؟

قال:إذا ورد عليكم خبران مختلفان فانظروا ما خالف منهما العامة فخذوه و انظروا ما يوافق أخبارهم فذروه».

رواية سماعة ابن مهران

الثامن:ما عن الاحتجاج بسنده عن سماعة بن مهران،قال:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:يرد علينا حديثان واحد يأمرنا بالأخذ به و الأخر ينهانا.

قال:لا تعمل بواحد منهما حتى تلقى صاحبك فتسأل.

قلت:لا بد أن نعمل بواحد منهما.

ص: 330

قال:خذ بما خالف العامة» (1) .

رواية المعلى ابن خنيس

التاسع:ما عن الكافي بسنده عن المعلى بن خنيس،قال:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:إذا جاء حديث عن أولكم و حديث عن آخركم بأيهما نأخذ؟

قال:خذوا به حتى يبلغكم عن الحي،فإن بلغكم عن الحي فخذوا بقوله.

قال:ثم قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:إنا و اللّه لا ندخلكم إلا فيما يسعكم».

رواية الحسين ابن المختار

العاشر:ما عنه بسنده إلى الحسين بن المختار عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«قال:أ رايتك لو حدثتك بحديث العام ثم جئتني من قابل فحدثتك بخلافه بأيهما كنت تأخذ؟

قال:كنت آخذ بالأخير.

فقال لي:رحمك اللّه تعالى».

رواية أبي عمرو الكناني

الحادي عشر:ما بسنده الصحيح ظاهرا عن أبي عمروا الكناني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

(1)هذا ظاهر في لزوم التوقف مع إلا مكان و اختصاص الترجيح بصورة الضرورة في العمل بأحد الخبرين،و مقتضى الجمع بينه و بين النصوص الأخر تقييدها به.اللهم إلا أن يدعى أن إهمال النصوص للقيد المذكور مع كثرتها مما يناسب حمله على الاستحباب.أو يقال:إنه مختص بصورة إمكان لقاء الإمام و الفحص منه فلا يشمل عصر الغيبة.فلاحظ.

ص: 331

«قال:يا أبا عمرو أ رأيت لو حدثتك بحديث أو أفتيتك بفتيا ثم جئت بعد ذلك تسألني عنه فأخبرتك بخلاف ما كنت أخبرتك أو أفتيتك بخلاف ذلك بأيهما كنت تأخذ؟

قلت:بأحدثهما و أدع الآخر.

قال:قد أصبت يا أبا عمرو،أبى اللّه إلا أن يعبد سرا.أما و اللّه لئن فعلتم ذلك إنه لخير لي و لكم،أبى اللّه لنا في دينه إلا التقية».

رواية محمد بن مسلم

الثاني عشر:ما عنه بسنده الموثق عن محمد بن مسلم،قال:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:ما بال أقوام يروون عن فلان عن فلان عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا يتهمون بالكذب فيجئ منكم خلافه؟

قال:إن الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن» (1) .

رواية أبي حيون

الثالث عشر:ما بسنده الحسن عن أبي حيون مولى الرضا عليه السّلام:

«إن في أخبارنا محكما كمحكم القرآن،و متشابها كمتشابه القرآن، فردوا متشابهها إلى محكمها،و لا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلوا».

(1)لم يتضح في كون الرواية الشريفة من الروايات الدالة على الترجيح.

و دعوى:ظهورها في ترجيح اللاحق الذي يكون ناسخا.

ممنوعة:فإن مجرد إمكان كون اللاحق ناسخا لا يصلح للترجيح ما لم يدل الدليل على الإرجاع إلى ذلك أو جعله ضابطا و ليس في هذه الرواية ما يقتضي ذلك، خصوصا مع قرب احتمال اختصاص احتمال النسخ فيها بإخبار النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.نعم قد يتجه الترجيح بذلك بناء على الترجيح بكل مزية و لو لم تكن منصوصة.إلا أنه خارج عن محل الكلام،و هو الأخبار الدالة على الترجيح.

ص: 332

رواية داود بن فرقد

الرابع عشر:ما عن معاني الأخبار بسنده عن داود بن فرقد قال:

«سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا،إن الكلمة لتنصرف على وجه،فلو شاء إنسان لصرف كلامه كيف شاء و لا يكذب».

و في هاتين الروايتين الأخيرتين دلالة على وجوب الترجيح بحسب قوة الدلالة (1) .

هذا ما وقفنا عليه من الأخبار الدالة على التراجيح.

(1)لا ظهور للروايتين في ذلك،أما الأولى فلأن المتشابه هو الذي لا ظهور له،فلا يكون حجة أصلا حتى يصلح لمعارضة الحكم و يحتاج إلى الترجيح بينهما.

و أما الثانية فلأنه ليس فيها تعرض للترجيح بوجه،بل ليس فيها إلا التنبيه على لزوم التثبت في فهم الكلام و عدم الجمود على ظواهره البدوية الأولية.

بل لعلها ظاهرة في التنبيه إلى سلوكهم عليه السّلام طريق التورية لبعض المصالح دفعا لتوهم صدور تناقض كلامهم المخل بمقامهم و عصمتهم.فلاحظ.

ص: 333

علاج التعارض المتوهم بين الأخبار العلاجية
علاج تعارض الأخبار العلاجية في مواضع:
اشارة

إذا عرفت ما تلوناه عليك فلا يخفى عليك أن ظواهرها متعارضة فلا بد من التكلم في علاج ذلك.

و الكلام في ذلك يقع في مواضع:

الموضع الأول:علاج تعارض مقبولة ابن حنظلة و مرفوعة زرارة

الأول:في علاج تعارض مقبولة ابن حنظلة و مرفوعة زرارة،حيث أن الأولى صريحة في تقديم الترجيح بصفات الراوي على الترجيح بالشهرة، و الثانية بالعكس،و هي (1) و إن كان ضعيفة السند،إلا أنها موافقة لسيرة العلماء في باب الترجيح (2) ،فإن طريقتهم (3) مستمرة على تقديم المشهور (1)يعني:الثانية،و هي المرفوعة.

(2)إن كانت الموافقة لسيرة العلماء تقتضي جبر المرفوعة و وهن المقبولة فلا موجب لعلاج المتعارض بينهما،بل يتعين العمل على المرفوعة و إهمال المقبولة،و إن لم يكن كذلك تعين إهمال المرفوعة و النظر في المقبولة لا غير،و لم يحتج إلى علاج التعارض بينهما على كل حال،و الظاهر الثاني لأن مجرد موافقة المرفوعة لسيرة العلماء لا يقتضي جبرها مع ظهور عدم اعتمادهم عليها لعدم معروفيتها بينهم.فالمهم النظر في وجه مخالفة سيرتهم للمقبولة لو تمت دلالتها على ما ذكره المصنف قدّس سرّه و تمت سيرتهم على خلافها،و سيأتي الكلام في ذلك.

(3)أشرنا في تعقيب كلام المصنف قدّس سرّه في المقبولة إلى الإشكال في تحصيل

ص: 334

على الشاذ،و المقبولة و إن كانت مشهورة بين العلماء حتى سميت مقبولة، إلا أن عملهم على طبق المرفوعة و إن كانت شاذة من حيث الرواية،حيث لم يوجد مروية في شيء من جوامع الأخبار المعروفة،و لم يحكها إلا ابن أبي جمهور عن العلامة مرفوعا إلى زرارة.

إلا أن يقال:إن المرفوعة تدل على تقديم المشهور رواية على غيره و هي هنا المقبولة (1) ،و لا دليل على الترجيح بالشهرة العملية (2) .

مع أنا نمنع أن عمل المشهور على تقديم الخبر المشهور رواية على غيره إذا كان الغير أصح منه من حيث صفات الراوي،خصوصا صفة الأفقهية (3) .

سيرتهم و أن سيرتهم إنما تحصل في الجملة بالإضافة إلى الشهرة الفتوائية لا الروايتية التي هي محل الكلام في المقبولة.

(1)يعني:فيلزم من الرجوع للمرفوعة تركها و العمل بالمقبولة،و لا بأس بذلك إذا كانت الرواية ناظرة إلى قضية حقيقية صالحة لشمول نفسها.

نعم هو فرع حجية الرواية في نفسها،و لا مجال لذلك في المرفوعة.مع أن الأنصاف أنه لا مجال لشمول المرفوعة لنفسها،لا من جهة امتناع شمول القضية لنفسها عقلا،بل من جهة استلزامه إبطال الحكم فيا بالترجيح بالشهرة قبل الصفات بحيث لا يكون له مورد إلا ترجيح المقبولة فقط على المرفوعة،فتكون المرفوعة مسوقة لبيان حكم نفسها فقط،و هو مستهجن جدا،بل ممتنع،كما أوضحناه عند الكلام في آية النبأ من أدلة حجية خبر الواحد.فراجع.

(2)يعني:كي يتعين ترجيح المرفوعة.

(3)تقدم منه في تعقيب المقبولة بيان أهمية الأفقهية في ترجيح الرواية.

فراجع.

ص: 335

و يمكن أن يقال:إن السؤال لما كان عن الحكمين كان الترجيح فيهما من حيث الصفات فقال عليه السّلام:«الحكم ما حكم به أعدلهما...الخ»مع أن السائل ذكر إنهما اختلفا في حديثكم (1) .

و من هنا اتفق الفقهاء على عدم الترجيح بين الحكام إلا بالفقاهة و الورع،فالمقبولة نظير رواية داود بن الحصين الواردة في اختلاف الحكمين من دون تعرض الراوي لكون منشأ اختلافهما الاختلاف في الروايات، حيث قال عليه السّلام:«ينظر إلى أفقههما و أعلمهما و أورعهما فينفذ حكمه» و حينئذ فيكون الصفات من مرجحات الحكمين.

نعم لما فرض الراوي تساويهما أرجعه الإمام عليه السّلام إلى ملاحظة الترجيح في مستنديهما و أمره بالاجتهاد و العمل في الواقعة على طبق الراجح من الخبرين،مع إلغاء حكومة الحكمين كلاهما (2) ،فأول المرجحات الخبرية هي الشهرة بين الأصحاب،فينطبق على المرفوعة.

نعم قد يورد على هذا الوجه أن اللازم على قواعد الفقهاء الرجوع (1)يعني:فعدول الإمام عليه السّلام مع ذلك عن الترجيح بين الروايتين إلى الترجيح بين الحكمين ظاهر في كون الصفات من مرجحات الحكم لا الرواية،و هذا بخلاف الترجيح بالشهرة في الرواية و ما بعدها،فإنه ظاهر في كونه ترجيحا للرواية، كما تقدم منا في تعقيب الكلام في المقبولة.

(2)لعدم تعرض الإمام عليه السّلام للحكمين بعد ذلك أصلا،بل ظاهر الأسئلة و الأجوبة كون المنظور هو الروايات التي أعتمد عليهما الحاكمان،فيدل على أن الترجيح بين الروايات لا يرجع إلى الترجيح بين الحكمين بالآخرة،بل هو مبني على إلغائهما كما أشرنا إليه في تعقيب الكلام في المقبولة.فتأمل.

ص: 336

مع تساوي الحاكمين إلى اختيار المدعي (1) .

و يمكن التفصي عنه بمنع جريان هذا الحكم في قاضي التحكيم (2) .

(1)كأنه لأنه إذا فرض كون الترجيح بالشهرة و ما بعدها من حيث الروايات مع قطع النظر عن الحكمين،بل مبنيا على إلغائهما،فحيث بنى الفقهاء على التخيير مع تكافؤ الروايات تعين البناء على التخيير في المقام،فيختار كل من الخصمين ما يلائمه من الروايات،و حينئذ فحيث كان هذا لا يرفع التنازع فلا بد من البناء على كون الترجيح في المقبولة بين الحكمين و أن الحكمين لا يسقطان بتساوي الحاكمين فلا يلحقه التخيير الذي هو مختص عند الفقهاء بتعارض الروايات لا بتعارض الأحكام.

لكن قد يندفع الإشكال المذكور بأن امتناع التخيير هنا لا ينافي سقوط الحكمين بتساوي الحاكمين و أن الترجيح في المقبولة بالشهرة و ما بعدها بين الروايات لا بين الحكمين،غاية الأمر أنه بناء على التخيير مع تكافؤ الروايات فلا يجري ذلك في باب التنازع للمحذور المذكور،فعدم جريان التخيير في مورد المقبولة لا ينافي كون الترجيح فيها بين الروايات.على أنك عرفت الإشكال فيما ذهب إليه المشهور من التخيير في تكافؤ الروايات.

و مما ذكرنا يظهر أنه لا مجال للاستدلال بالمقبولة على بطلان التخيير و لزوم التوقف في المتكافئين،لإمكان خصوصية موردها من حيث تعذر الرجوع للتخيير في مورد التخاصم.فلاحظ.

(2)و هو الذي يتفق عليه المتخاصمان ممن له الأهلية من دون أن يكون منصوبا للقضاء.لكن لا مجال لحمل الرواية على ذلك،لظهورها في كون الرجوع إلى الحاكمين بملاك كونهما منصوبين من قبل الإمام عليه السّلام،كما هو مقتضى قوله عليه السّلام:

«فإني قد جعلته عليكم حاكما».اللهم إلا أن يرجع ما ذكره إلى ما ذكرناه في دفع الإشكال.

ص: 337

و كيف كان فهذا التوجيه غير بعيد (1) .

الموضع الثاني

الثاني:أن الحديث الثامن و هي رواية الاحتجاج عن سماعة يدل على وجوب التوقف أولا ثم مع عدم إمكانه يرجع إلى الترجيح بموافقة العامة و مخالفتهم،و أخبار التوقف على ما عرفت (2) و ستعرف محمولة على صورة التمكن من العلم،فتدل الرواية على أن الترجيح بمخالفة العامة بل غيرها من المرجحات (3) -إنما يرجع إليها بعد العجز عن تحصيل العلم في الواقعة (4) بالرجوع إلى الإمام عليه السّلام،كما ذهب إليه بعض.

و هذا خلاف ظاهر الأخبار الآمرة بالرجوع إلى المرجحات ابتداء بقول مطلق (5) ،بل بعضها صريح في ذلك حتى مع التمكن من العلم، (1)لأن العمدة في هذا التوجيه أن الترجيح في المقبولة بصفات الراوي بين الحكمين لا بين الروايات،و ما تقدم من الأشكال لا دخل له بذلك،بل هو متوجه إلى دعوى أن الترجيح بالشهرة و ما بعدها للروايات بعد إلغاء الحكمين، فتأمل جيدا.

(2)عند الكلام في مقتضى الأصل في المتعارضين في رد أخبار التوقف.

(3)فإنها و إن اختصت بالترجيح بمخالفة العامة،إلا أن الأمر فيها بالتوقف ظاهر في عدم الرجوع لبقية المرجحات أيضا مع التمكن منه.

(4)الذي تدل عليه الرواية اعتبار الضرورة للعمل و عدم إمكان التوقف، لا اعتبار العجز عن تحصيل العلم،كما يظهر من المصنف قدّس سرّه،و على كل حال فهي على خلاف ظاهر الأخبار الأخر.

(5)لكن هذا لا أثر له في زماننا،لفرض تعذر الرجوع للإمام عليه السّلام بسبب غيبته،و هذا بخلاف المعنى الذي ذكرناه،فإنه مما يمكن الابتلاء به في زماننا،إذ الواقعة التي يبتلي بها المكلف قد يمكن التوقف فيها عن العمل بالخبرين،و قد يتعذر

ص: 338

كالمقبولة الآمرة بالرجوع إلى المرجحات ثم بالإرجاء حتى يلقى الإمام، فيكون وجوب الرجوع إلى الإمام بعد فقد المرجحات.و الظاهر لزوم طرحها،لمعارضتها بالمقبولة الراجحة عليها (1) ،فيبقى إطلاقات الترجيح سليمة (2)

الموضع الثالث

الثالث:أن مقتضى القاعدة تقييد إطلاق ما أقتصر فيها على بعض المرجحات بالمقبولة (3) ،إلا أنه قد يستبعد ذلك،لورود تلك المطلقات في ذلك و يضطر إلى العمل،فيكون لاختلاف الأخبار في ذلك أثر عملي.

(1)كأنه للتباين بينهما بناء على ما ذكره المصنف في معنى رواية سماعة، و حيث كانت المقبولة أقوى سندا تعين العمل عليها و طرح رواية سماعة.لكن عرفت الأشكال فيما ذكره المصنف قدّس سرّه،و أن مفاد رواية سماعة هو التوقف مع التمكن،و المقبولة ليست صريحة في خصوص صورة التمكن من التوقف،فتكون كسائر المطلقات أعم من رواية سماعة من هذه الجهة لا مباينة لها.فيتعين العمل برواية سماعة لو فرض اعتبار سندها.

و الذي ينبغي أن يقال:مقتضى الجمع العرفي بين رواية سماعة و المقبولة هو تقييد المقبولة بها،فيكون المتحصل منهما:أنه مع عدم الضرورة العرفية للعمل يتوقف عملا برواية سماعة المقيدة للمقبولة و نحوها من روايات الترجيح،و لا يرجع الترجيح إلا مع الضرورة.لكن من القريب جدا حمل الأمر بالتوقف مع عدم الضرورة في رواية سماعة على الاستحباب.أو على صورة التمكن من لقاء الإمام عليه السّلام كما أشرنا إليه في تعقيب الرواية عند ذكر المصنف قدّس سرّه لها.فلاحظ.

(2)مع فرض رجحان المقبولة يكون العمل بها معتضدة بالإطلاقات لا بالإطلاقات فقط.فتأمل.

(3)لأنها أجمع النصوص للمرجحات،حيث اشتملت على الترجيح بالشهرة

ص: 339

مقام الحاجة (1) ،فلا بد من جعل المقبولة كاشفة عن قرينة متصلة فهم منها الإمام عليه السّلام أن مراد الراوي تساوي الروايتين من ساير الجهات،كما يحمل إطلاق أخبار التخيير على ذلك.

الموضع الرابع

الرابع:أن الحديث الثاني عشر الدال على نسخ الحديث بالحديث على تقدير شموله للروايات الإمامية (2) -بناء على القول بكشفهم عليهم السّلام عن الناسخ الذي أودعه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عندهم-هل هو مقدم على باقي الترجيحات،أو مؤخر؟وجهان.

و موافقة الكتاب و مخالفة العامة،و قد أقتصر في أكثر النصوص على الأخيرين أو الأخير فقط.

نعم قد اشتملت مرفوعة زرارة على الترجيح بصفات الراوي و بالاحتياط، كما اشتملت بعض النصوص على التراجيح بالتأخر الزماني.لكن المرفوعة قد عرفت ضعف سندها،و النصوص التي اشتملت على الترجيح بالتأخر الزماني سيأتي الكلام فيها.

(1)هذا لا يختص بتلك المطلقات،بل هو جار في أكثر المطلقات الواردة في الشرع،و ما ذكره المصنف قدّس سرّه من كشف المقيد عن احتفاف المطلق بالقرينة جار فيها أيضا،كما يأتي قريب منه في المقام الرابع.

(2)عرفت عند التعرض للحديث أنه غير وارد في مقام الترجيح.مع أنه لا معنى لتوهم شموله للروايات الإمامية،لاختصاص السؤال فيه بالروايات المروية عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

نعم لو أستفيد منه الترجيح باحتمال النسخ مطلقا كان اللازم شموله للروايات الإمامية لو فرض جريان النسخ فيما تضمنته من الأحكام.و كذا بناء على التعدي عن المرجحات المنصوصة.كما أشرنا إليه هناك.فلاحظ.

ص: 340

من أن النسخ من جهات التصرف في الظاهر،لأنه من تخصيص الأزمان (1) ،و لذا ذكروه في تعارض الأحوال (2) ،و قد مر و سيجيء تقديم الجمع بهذا النحو على الترجيحات الأخر (3) .

و من أن النسخ على فرض ثبوته في غاية القلة،فلا يعتنى به في مقام الجمع،و لا يحكم به العرف (4) ،فلا بد من الرجوع إلى المرجحات الأخر، كما إذا أمتنع الجمع.و سيجيء بعض الكلام في ذلك.

الموضع الخامس

الخامس:أن الروايتين الأخيرتين ظاهرتان في وجوب الجمع بين الأقوال الصادرة عن الأئمة عليهم السّلام برد المتشابه إلى المحكم (5) ،و المراد بالمتشابه بقرينة قوله:«و لا تتبعوا متشابهها فتضلوا»هو الظاهر الذي أريد (1)هذا ممنوع،بل الظاهر أنه رفع للحكم حقيقة،كما أوضحناه في مبحث الجمع بين العام و الخاص من حاشيتنا على الكفاية.

(2)يعني:أحوال اللفظ،كالحقيقة و المجاز و الاشتراك و العموم و الخصوص و غيرها مما يرجع إلى تشخيص المراد من الكلام.

(3)لأنه من الجمع العرفي الذي ينصرف عن مورده التعارض الذي هو موضوع التراجيح.

(4)هذا و إن رجع إلى أنه ليس جهة عرفية في الترجيح كالجمع العرفي فهو إنما يقتضي عدم تقدمه على بقية المرجحات التي موضوعها التعارض،لا تقدمها عليه.و إن رجع أنه ليس جهة للترجيح أصلا فهو خلاف فرض دلالة النص عليه، فإن عدم الترجيح به عرفا لا يمنع من الترجيح به شرعا.فالعمدة ما عرفت من قصور النص عن إفادة الرجيح به.

(5)عرفت أن الرواية الأخيرة أجنبية عن مقام الترجيح.

ص: 341

منه خلافه،إذ المتشابه إما المجمل،و إما المؤول،و لا معنى للنهي عن اتباع المجمل (1) فالمراد إرجاع الظاهر إلى النص أو إلى الأظهر (2) .

و هذا المعنى لما كان مركوزا في أذهان أهل اللسان و لم يحتج إلى البيان في الكلام المعلوم الصدور عنهم،فلا يبعد إرادة ما يقع من ذلك في الكلمات المحكية عنهم بإسناد الثقات التي تنزل منزلة المعلوم الصدور.

فالمراد أنه لا يجوز المبادرة إلى طرح الخبر المنافي لخبر آخر أرجح منه إذا أمكن ردّ المتشابه منها إلى المحكم،و أن الفقيه من تأمل في أطراف الكلمات المحكية عنهم،و لم يبادر إلى طرحها لمعارضتها بما هو أرجح منها.

و الغرض من الروايتين الحث على الاجتهاد و استفراغ الوسع في معاني الروايات و عدم المبادرة إلى طرح الخبر بمجرد مرجح لغيره عليه.

(1)يمكن النهي عن اتباع المجمل بأن يراد باتباعه بعد تأويله و تفسيره بالرأي،أو الأخذ بظهوره البدوي مع إغفال ما أحتف به مما أوجب إجماله.و لعله إليه يشير قوله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مٰا تَشٰابَهَ مِنْهُ ابْتِغٰاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغٰاءَ تَأْوِيلِهِ. و من ثم تقدم أن الحديث خارج عن باب الترجيح،لعدم حجية المتشابه ذاتا.

(2)يعني:في مقابل العمل بالظاهر مع قيام القرينة على تأويله و عدم إرادة ظاهره.و كلام المصنف قدّس سرّه لا يخلو عن غموض.

ص: 342

المقام الثالث

اشارة

في عدم جواز الاقتصار على المرجحات المنصوصة

فنقول:اعلم أن حاصل ما يستفاد من مجموع الأخبار-بعد الفراغ عن تقديم الجمع المقبول (1) على الطرح،و بعد ما ذكرنا من أن الترجيح بالأعدلية و أخواتها إنما هو بين الحكمين مع قطع النظر عن ملاحظة مستندهما-هو (2) أن الترجيح أولا بالشهرة و الشذوذ (3) (ثم)بالأعدلية و الأوثقية (4) ثم بمخالفة العامة (5) ثم بمخالفة (1)يعني:المقبول عرفا،و هو الجمع الدلالي بين الظاهر و الأظهر.

(2)خبر(أن)في قوله:«اعلم:أن حاصل ما يستفاد...».

(3)كما هو مقتضى المرفوعة،بل المقبولة بناء على ما تقدم من أن الترجيح بصفات الراوي فيها للحكمين لا للروايات،و أن أول مرجحات الروايات فيها هي الشهرة.

(4)لا دليل على الترجيح بذلك إلا المرفوعة التي عرفت الإشكال في سندها و اعتماد الأصحاب عليها.

(5)كما تظافرت به النصوص و يقتضيه الجمع بينها و بين المقبولة و المرفوعة.

ص: 343

ميل الحكام (1) .

و أما الترجيح بموافقة الكتاب و السنة فهو من باب اعتضاد أحد الخبرين بدليل قطعى الصدور،و لا إشكال في وجوب الأخذ (2) به، و كذا الترجيح بموافقة الأصل.

و لأجل ما ذكر لم يذكر ثقة الإسلام رضوان اللّه عليه في مقام الترجيح في ديباجة الكافي سوى ما ذكر،فقال:

كلام الشيخ الكليني في ديباجة الكافي

«اعلم يا أخي-أرشدك اللّه-أنه لا يسع أحدا تمييز شيء مما اختلفت الرواية فيه من العلماء عليهم السّلام برأيه،إلا على ما أطلقه العالم عليه السّلام بقوله:

«أعرضوهما على كتاب اللّه عزّ و جل فما وافق على كتاب اللّه عزّ و جل فخذوه،و ما خالف كتاب اللّه عزّ و جل فذروه»و قوله عليه السّلام:«دعوا ما وافق القوم فإن الرشد في خلافهم»و قوله عليه السّلام:«خذوا بالمجمع عليه فإن المجمع عليه مما لا ريب فيه»و نحن لا نعرف من جميع ذلك إلا أقله و لا نجد شيئا (1)كما هو مقتضى المقبولة.

(2)هذا محل إشكال،خصوصا لو كان الدليلان المتعارضان في رتبة سابقة على الدليل القطعي المذكور كالدليل مع الأصل،فإن اعتضاد الدليل المتقدم رتبة بالمتأخر يحتاج إلى دليل.

نعم لو فرض تساقط المتعارضين كان الرجوع للدليل المتأخر رتبته متعينا.

لكنه يكون حينئذ مرجعا لا مرجحا.مع أن تخصيص السنة المعاضدة لأحد الخبرين بما كانت قطيعة في غير محله،بل تشمل مثل العام الظني العاضد لأحد الخاصين المتعارضين،فإخراج موافقة الكتاب عن سمت بقية المرجحات مع تعرض النصوص لها في سياقها في غير محله.

ص: 344

أحوط و لا أوسع من ردّ علم ذلك كله إلى العالم عليه السّلام و قبول ما وسع من الأمر فيه بقوله:بأيهما أخذتم من باب التسليم وسعكم»انتهى.

توضيح كلام الشيخ الكليني

و لعله ترك الترجيح بالأعدلية و الأوثقية لأن الترجيح بذلك مركوز في أذهان الناس غير محتاج إلى التوقيف (1) .

و حكي عن بعض الإخباريين أن وجه إهمال هذا المرجح كون أخبار كتابه كلها صحيحة (2) .

و قوله:«و لا نعلم من ذلك إلا أقله»إشارة إلى أن العلم بمخالفة الرواية للعامة في زمن صدورها أو كونها مجمعا عليها قليل،و التعويل على الظن بذلك عار عن الدليل.

و قوله:«لا نجد شيئا أحوط و لا أوسع...الخ»أما أوسعية التخيير فواضح.و أما وجه كونه أحوط مع أن الأحوط التوقف و الاحتياط في العمل بلا يبعد أن يكون من جهة أن في ذلك ترك العمل بالظنون التي لم يثبت الترجيح بها و الإفتاء بكون مضمونها حكم اللّه هو لا غير،و تقييد إطلاقات التخيير و التوسعة من دون نص مقيد (3) .و لذا طعن غير واحد (1)أو لما عرفت من قصور الأدلة عن إثبات الترجيح بهما،لعدم ثبوت اعتبار المرفوعة و كون الترجيح بهما في المقبولة بين الحكمين لا بين الروايات.

(2)يعني:معتمدة مقبولة و لو لقرائن خارجية تامة عنده،لا أنها صحيحة بالمعنى المصطلح،لتأخر الاصطلاح المذكور عن عصر الكليني قدّس سرّه،و عدم كون جميع أخباره صحيحة بالمعنى المذكور قطعا.

(3)و عليه فيكون التخيير أحوط من الترجيح بغير علم،لا أنه أحوط من جميع الجهات بحيث يتعين البناء عليه في قبال التوقف.لكنه خلاف ظاهر كلامه قدّس سرّه.

ص: 345

من الإخباريين على رؤساء المذهب-مثل المحقق و العلامة-بأنهم يعتمدون في الترجيحات على أمور اعتمدها العامة في كتبهم مما ليس في النصوص منه عين و لا أثر.

كلام المحدث البحراني

قال المحدث البحراني قدّس سرّه في هذا المقام من مقدمات الحدائق:

«أنه قد ذكر علماء الأصول من الترجيحات في هذا المقام ما لا يرجع أكثرها إلى محصول،و المعتمد عندنا ما ورد من أهل بيت الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من الأخبار المشتملة على وجوه الترجيحات»انتهى.

المناقشة فيما أفاده المحدث البحراني

أقول:قد عرفت أن الأصل بعد ورود التكليف الشرعي بالعمل بأحد المتعارضين هو العمل بما يحتمل أن يكون مرجحا في نظر الشارع، لأن جواز العمل بالمرجوح مشكوك حينئذ.

نعم لو كان المرجع بعد التكافؤ هو التوقف و الاحتياط كان الأصل عدم الترجيح إلا بما علم كونه مرجحا.لكن عرفت أن المختار مع التكافؤ هو التخيير (1) .فالأصل هو العمل بالراجح.

إلا أن يقال:إن إطلاقات التخيير حاكمة على هذا الأصل،فلا بد للمعتدي من المرجحات الخاصة المنصوصة من أحد أمرين،إما أن و لعله لذا قيل بمصيره إلى استحباب الترجيح بالمرجحات المذكورة و عدم وجوبه، إذ لو كان واجبا لكان اشتباه جهات الترجيح موجبا لسقوط الخبرين معا لأنه من اشتباه الحجة باللاحجة الموجب للتوقف و لا يبقى وجه للتخيير.فتأمل.

(1)و عرفت الإشكال فيه.

ص: 346

يستنبط من النصوص-و لو بمعونة الفتاوى (1) -وجوب العمل بكل مزية يوجب أقربية ذيها إلى الواقع.و إما أن يستظهر من إطلاقات التخيير الاختصاص بصورة التكافؤ من جميع الوجوه (2) .

عدم الاقتصار على المرجحات الخاصة

و الحق أن تدقيق النظر في أخبار الترجيح يقتضى التزام الأول،كما أن التأمل الصادق في أخبار التخيير يقتضى بالتزام الثاني (3) .و لذا ذهب جمهور المجتهدين إلى عدم الاقتصار على المرجحات الخاصة،بل أدعى بعضهم ظهور الإجماع (4) و عدم ظهور الخلاف على وجوب العمل بالراجح من الدليلين،بعد أن حكى الإجماع عليه عن جماعة.

ما يمكن أن يستفاد منه هذا المطلب

و كيف كان فما يمكن استفادة هذا المطلب منه فقرات من الروايات.

منها:الترجيح بالأصدقية في المقبولة و بالأوثقية في المرفوعة،فإن (1)إذا كانت الفتاوي بحيث تصلح لأن تكون قرينة على مفاد النصوص.

و هو غير ظاهر.

(2)فإذا فرض عدم سقوط الخبرين بالتعارض و قصور إطلاقات التخيير عن شمول صورة وجود بعض المرجحات غير المنصوصة كان المتيقن حجية الراجح حينئذ.

(3)أما الأول فسيأتي الكلام فيه منه و منا.و أما الثاني فلا يأتي منه التعرض لوجهه،و الظاهر أنه لا وجه له،لعدم قصور في إطلاقات التخيير لو فرض تمامية الاستدلال بها.فلاحظ.

(4)كيف يمكن دعوى الإجماع مع ما عرفت من الكليني الذي هو من أعيان الطائفة،و لا سيما مع عدم كون طريقة القدماء على التوسع في الاستدلال و التدقيق فيه حتى يمكن دعوى الاطلاع على سيرتهم في الترجيح بالنحو المذكور.

ص: 347

اعتبار هاتين الصفتين ليس إلا لترجيح الأقرب إلى مطابقة الواقع (1) في نظر الناظر في المتعارضين،من حيث أنه أقرب،من غير مدخلية خصوصية سبب،و ليستا كالأعدلية و الأفقهية يحتملان لاعتبار الأقربية الحاصلة من (1)إن كان المراد بهذا أن الترجيح و إن كان بأوثقية الراوي و أصدقيته،إلا أن علة الترجيح بذلك كون الخبر الأوثق و الأصدق أقرب إلى مطابقة الواقع لا لمحض التعبد.

فيندفع بأنه لو سلم ذلك إلا أن العلة في ذلك ليس هو أقربية الخبر من الواقع بنظر الناظر في المتعارضين-كما ذكره المصنف قدّس سرّه-بل بنظر الشارع،و حينئذ فلا مجال للتعدي من ذلك إلى كل مزية توجب الأقربية بنظرنا،بل لا بد في التعبد من إحراز كونها موجبة للأقربية بنظر الشارع،و ذلك لا ينفع فيما نحن فيه،لتوقفه على البيان الشرعي.

و إن كان المراد أن الترجيح ليس بأصدقية الراوي و أوثقيته في نفسه،بل بأوثقيته و أصدقيته في خبره المفروض كونه معارضا للآخر.و حينئذ فالخبر المشتمل على مزية توجب أقربيته للواقع هو الأوثق و الأصدق،فيكون راويه أوثق و أصدق فيه،و إن كان راوي الآخر أوثق و أصدق في نفسه و بلحاظ أخباره الأخر،فمرجع المرجح المذكور إلى ترجيح الخبر الأقرب للواقع.

فيندفع بأن الظاهر من الأوثقية و الأصدقية في الراوي أوثقيته و أصدقيته في نفسه التي هي من سنخ الملكات الثابتة،لا في خصوص خبره التي هي أمر اتفاقي.

ثم إن ظاهر عبارة المصنف قدّس سرّه هنا إرادة المعنى الأولى،و عبارته في التنبيه السادس من تنبيهات دليل الانسداد قد تشعر بالمعنى الثاني.فراجع و تأمل.

هذا كله مع أن الأصدقية قد ورد الترجيح بها في المقبولة للحكمين لا للروايات،كما تقدم من المصنف قدّس سرّه.و الأوثقية قد ورد الترجيح بها في المرفوعة التي هي ضعيفة السند فالاستشهاد المذكور في المقام لا وجه له.

ص: 348

السبب الخاص (1) .

و حينئذ فنقول:إذا كان أحد الراويين أضبط من الأخر أو أعرف بنقل الحديث بالمعنى أو شبه ذلك فيكون أصدق و أوثق من الراوي الأخر،و نتعدى من صفات الراوي المرجحة إلى صفات الرواية الموجبة لأقربية صدورها،لأن أصدقية الراوي و أوثقيته لم يعتبر في الراوي إلا من حيث حصول صفة الصدق و الوثاقة في الرواية (2) ،فإذا كان أحد الخبرين منقولا باللفظ و الأخر منقولا بالمعنى كان الأول أقرب إلى الصدق و أولى بالوثوق.

و يؤيد ما ذكرنا:أن الراوي (3) بعد سماع الترجيح بمجموع الصفات لم يسأل عن صورة وجود بعضها و تخالفها في الروايتين،و إنما سأل عن حكم صورة تساوي الراويين في الصفات المذكورة و غيرها، حتى قال:«لا يفضل أحدهما على صاحبه»يعنى بمزية من المزايا أصلا، فلو لا فهمه أن كل واحد من هذه الصفات و ما يشبهها مزية مستقلة لم يكن وقع للسؤال عن صورة عدم المزية فيهما رأسا،بل ناسبه السؤال عن (1)لأن الترجيح بهما تعبدي لا عرفي،فلا مجال لاستكشاف علة الترجيح بهما كي يتعدى عنها.

(2)عرفت أن العلة هي حصول الصفة المذكورة بنظر الشارع لا بنظرنا،فلا مجال للتعدي إلى ما يوجب الأقربية بنظرنا.

(3)هذا إنما يصلح مؤيدا لكون المناط في الترجيح بالصفات المذكورة في الراوي هو أفضليته من دون خصوصية لاجتماع الصفات فيه،و لا يصلح مؤيدا للتعدي من مرجحات الراوي إلى مرجحات الرواية.فلاحظ.

ص: 349

حكم عدم اجتماع الصفات.فافهم.

و منها:تعليله عليه السّلام الأخذ بالمشهور بقوله:«فإن المجمع عليه لا ريب فيه»توضيح ذلك:

أن معنى كون الرواية مشهورة كونها معروفة عند الكل،كما يدل عليه فرض السائل كليهما مشهورين،و المراد بالشاذ ما لا يعرفه إلا القليل، و لا ريب أن المشهور بهذا المعنى ليس قطعيا من جميع الجهات قطعي المتن و الدلالة،حتى يصير مما لا ريب فيه،و إلا لم يكن فرضهما مشهورين (1) ، و لا الرجوع إلى صفات الراوي قبل ملاحظة الشهرة (2) ،و لا الحكم بالرجوع مع شهرتهما إلى المرجحات الأخر (3) .فالمراد بنفي الريب نفيه بالإضافة إلى الشاذ (4) و معناه أن الريب المحتمل في الشاذ غير محتمل (1)لامتناع كون كلا المتعارضين مقطوعا به من جميع الجهات لاستلزامه القطع بالمتنافيين.

(2)بل ينبغي جعل الشهرة أول المرجحات لأنها توجب القطع بمضمون الراجح.

(3)هذا من شئون فرضهما معا مشهورين فامتناعه لامتناع الفرض المذكور، فلا وجه لعده محذورا في قباله.

(4)لكن مناسبة الحكم و الموضوع تقتضي كون المراد من الريب المنفي هو الريب من حيث الصدور فقط،و يكون المراد بنفي الريب نفيه ادّعاءً،بمعنى:أن المشهور لا ينبغي أن يرتاب في صدوره،لأن الشهرة مما من شأنه أن يوجب القطع بالصدور،فيكون حاصل التعليل:لزوم الترجيح بكل ما من شأنه أن يوجب القطع نوعا بصدور الخبر من القرائن،لا الترجيح بكل جهة تقتضي عدم الريب في أحد

ص: 350

فيه (1) ،فيصير حاصل التعليل ترجيح المشهور على الشاذ بأن في الشاذ احتمالا لا يوجد في المشهور،و مقتضى التعدي عن مورد النص في العلة وجوب الترجيح بكل ما يوجب كون أحد الخبرين أقل احتمالا لمخالفة الواقع.

و منها:تعليلهم عليهم السّلام لتقديم الخبر المخالف للعامة بأن الحق و الرشد في خلافهم،و أن ما وافقهم فيه التقية،فإن هذه كلها قضايا غالبية لا دائمية،فيدل بحكم التعليل على وجوب ترجيح كل ما كان معه أمارة الحق و الرشد،و ترك ما فيه مظنة خلاف الحق و الصواب (2) .

الخبرين بالإضافة إلى الآخر.و قد تقدم قريب من ذلك في التنبيه السادس من تنبيهات دليل الانسداد.

(1)يعني:في المشهور.

(2)لا يخفى أن الوجه المتقدم لا يقتضي الترجيح بمطلق الظن،بل بالغلبة.

مع أن الإمام عليه السّلام لم يتعرض للغلبة،و ظاهر كلامه كون القضية دائمية،فلو ثبت من الخارج أنها غالبية كشف ذلك عن جعله عليه السّلام الغلبة حجة في المقام،و ذلك يقتضي الاقتصار عليه و عدم التعدي عنه،لعدم الإحاطة بالجهات الموجبة لحجية الغلبة في المقام،و لعل الملحوظ الغلبة بمرتبة خاصة أو بوجه خاص لا يوجد في بقية موارد الغلبة،فضلا عن بقية موارد الظن.

هذا مع أن التعليل بذلك لم يرد إلا في المرفوعة التي عرفت الأشكال في الاستدلال بها،و أما المقبولة فلا ظهور لها في التعليل،بل في مجرد الحكم بصحة المخالف للعامة،و هو من سنخ الحكم بالترجيح من دون تعليل،فلا مجال للتعدي عن مورده،كما يظهر بالتأمل.

ص: 351

بل الإنصاف (1) أن مقتضى هذا التعليل كسابقه وجوب الترجيح بما هو أبعد عن الباطل من الأخر و إن لم يكن عليه أمارة المطابقة،كما يدل عليه قوله عليه السّلام:«ما جاءكم عنا من حديثين مختلفين فقسهما على كتاب اللّه و أحاديثنا،فإن أشبههما فهو حق و إن لم يشبههما فهو باطل»فإنه لا توجيه لهاتين القضيتين إلا ما ذكرنا (2) من إرادة الأبعدية عن الباطل و الأقربية إليه.

و منها:قوله عليه السّلام:«دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»دلّ على أنه إذا دار الأمر بين أمرين في أحدهما ريب ليس في الأخر ذلك الريب يجب الأخذ (3) به،و ليس المراد نفى مطلق الريب (4) ،كما لا يخفى.و حينئذ (1)هذا غير ظاهر من التعليل المذكور.

(2)بل ما ذكرنا من مجرد الحكم بحجية الأمارة المذكورة من دون تعرض إلى وجه حتى يمكن التصدي عن مورده.

(3)لا يخفى أن ذلك لم يرد في لسان أخبار الترجيح التي ذكرها،و إنما هي رواية مستقلة،فهي بلسان أدلة النهي عن العمل بغير علم،فإن تمت إطلاقات التخيير كانت حاكمة عليها في كلا المتعارضين،و إن تم دليل الترجيح بكل مزية أو بمزايا خاصة كان حاكما عليها في الراجح،و إن تمت إطلاقات التوقف كانت عاضدة لها.و على كل حال فهي أجنبية عن المقام و لا تصلح لبيان المراد من أخباره.

(4)هذا غير ظاهر بعد ما عرفت من كون المضمون قد ورد في رواية مستقلة ظاهرة في النهي عن العمل بغير علم.نعم لو ورد في تعليل بعض المرجحات الظنية كان لما ذكره وجه.

و الذي تحصل مما ذكرنا:أنه لم يظهر وجه معتد به في التعدي عن المرجحات المنصوصة بعد كون الترجيح على خلاف الأصل أو إطلاق التوقف أو التخيير.

ص: 352

فإذا فرض أحد المتعارضين منقولا بلفظه و الأخر منقولا بالمعنى وجب الأخذ بالأول،لأن احتمال الخطأ في النقل بالمعنى منفي فيه،و كذا إذا كان أحدهما أعلى سندا لقلة الوسائط...إلى غير ذلك من المرجحات النافية للاحتمال الغير المنفي في طرف المرجوح.

بل لعل التأمل في النصوص شاهد بعدمه،لعدم مناسبته لترتيب المرجحات في النصوص،و لا لفرض الخبرين متساويين،لندرة فرض التساوي من جميع الجهات الداخلية و الخارجية.

و أما بناء الأصحاب عليه-لو تم-فلعله ناشئ عن كونه مقتضى الاحتياط الراجح بناء على أن المرجع بعد الترجيح هو التخيير،لا التوقف.فلاحظ و تأمل جيدا.و اللّه سبحانه و تعالى العالم العاصم.

ص: 353

المقام الرابع

اشارة

في بيان المرجحات (1)

و هي على قسمين:

أحدهما:ما يكون داخليا،و هي كل مزية غير مستقلة في نفسه،بل متقومة (2) بما فيه.

و ثانيهما:ما يكون خارجيا،بأن يكون أمرا مستقلا بنفسه و لو لم يكن هناك خبر،سواء كان معتبرا،كالأصل و الكتاب،أو غير معتبر في نفسه، كالشهرة و نحوها.

ثم المعتبر[المستقل خ.ل]إما أن يكون مؤثرا في أقربية أحد الخبرين إلى الواقع،كالكتاب و الأصل-بناء على إفادته الظن-أو غير مؤثر،ككون الحرمة أولى بالأخذ من الوجوب،و الأصل،بناء على كونه من باب التعبد (1)الكلام في هذا المقام مبني على ما سبق منه قدّس سرّه من التعدي عن المرجحات المنصوصة.

(2)يعني:منعوتة بالخبر الذي أشتمل عليها و كانت من شئونه،كأصدقية راويه.

ص: 354

الظاهري.

و جعل المستقل المعتبر مطلقا خصوصا ما لا يؤثر في الخبر من المرجحات لا يخلو عن مسامحة (1) .

(1)لم يتضح الوجه في المسامحة في جعل المستقل مرجحا،خصوصا بناء على أن التعادل يقتضي التخيير،إذ بناء على ذلك يكون لمرجحيته أثر عملي،مثلا لو كان العموم الكتابي مرجحا لزم العمل بالخبر الموافق له،أما لو لم يكن مرجحا فيجوز اختيار الخبر المخالف له و تخصيصه به.

و أما بناء على أن التعادل يقتضي التوقف فالأثر في مثل ذلك و إن لم يظهر،إلا أنه قد يظهر فيما لو كان مفاد الخبر الموافق للعموم زائدا على مضمون العموم،كما لو دل العموم على رجحان شيء و دل أحد الخبرين على وجوبه و الآخر على عدم مشروعيته،فإنه لو كان العموم مرجحا للخبر الدال على الوجوب لزم البناء على الوجوب،أما لو لم يكن مرجحا لزم البناء على مجرد رجحانه عملا بالعموم بعد تساقط الخبرين المتعارضين.

نعم لا مجال لعدّ ما لا يؤثر في أقربية أحد الخبرين للواقع من المرجحات،لأن ملاك الترجيح بناء على التعدي عن المرجحات المنصوصة هو أقربية أحد الخبرين من الواقع،كما تقدم.و لعله يأتي بعض الكلام في ذلك.

ص: 355

المرجحات الداخلية
اشارة

أما الداخلي فهو على الأقسام،لأنه:

إما أن يكون راجعا إلى الصدور،فيفيد المرجح كون الخبر أقرب إلى الصدور،و أبعد عن الكذب،سواء كان راجعا إلى سنده كصفات الراوي،أو إلى متنه كالأفصحية،و هذا لا يكون إلا في أخبار الآحاد.

و إما أن يكون راجعا إلى وجه الصدور،ككون أحدهما مخالفا للعامة،أو لعمل سلطان الجور،أو قاضي الجور،بناء على احتمال كون مثل هذا الخبر صادرا لأجل التقية (1) .

و إما أن يكون راجعا إلى مضمونه،كالمنقول باللفظ بالنسبة إلى المنقول بالمعنى (2) ،إذ يحتمل الاشتباه في التعبير،فيكون مضمون المنقول باللفظ أقرب إلى الواقع،و كمخالفة العامة،بناء على أن الوجه في الترجيح بها ما في أكثر الروايات من أن خلافهم أقرب إلى الحق،و كالترجيح بشهرة (1)يأتي الكلام في وجه الترجيح بذلك عند الكلام في المرجحات الجهتية.

(2)الظاهر أن المرجح المضموني هو ما يوجب الظن بمضمون أحد الخبرين مع قطع النظر عن الخبر،كالشهرة في الفتوى و العموم الكتابي.و أما النقل باللفظ و الشهرة في الرواية فهما من المرجحات الصدورية لا المضمونية.فلاحظ.

ص: 356

الرواية و نحوها.

تأخر المرجحات الداخلية عن الترجيح بالدلالة و الاستدلال عليه

و هذه الأنواع الثلاثة كلها متأخرة عن الترجيح باعتبار قوة الدلالة، فإن الأقوى دلالة مقدم على ما كان أصح سندا و موافقا للكتاب و مشهور الرواية بين الأصحاب لأن صفات الرواية لا تزيده على المتواتر،و موافقة الكتاب لا تجعله أعلى من الكتاب،و قد تقرر في محله تخصيص الكتاب و المتواتر بأخبار الآحاد.

فكل ما يرجع التعارض إلى تعارض الظاهر و الأظهر فلا ينبغي الارتياب في عدم ملاحظة المرجحات الآخر.

و السر في ذلك ما أشرنا إليه سابقا من أن مصب الترجيح بها هو ما إذا لم يمكن الجمع بوجه عرفي يجري في كلامين مقطوعي الصدور على غير جهة التقية،بل في جزئي كلام واحد (1) .

و بتقرير آخر:إذا أمكن فرض صدور الكلامين على غير جهة التقية و صيرورتهما كالكلام الواحد على ما هو مقتضى دليل وجوب التعبد بصدور الخبرين،فيدخل في قوله عليه السّلام:«أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا»إلى أخر الرواية المتقدمة،و قوله عليه السّلام:«إن في كلامنا محكما و متشابها، فردوا متشابهها إلى محكمها»و لا يدخل ذلك في مورد السؤال عن علاج المتعارضين،بل موارد السؤال عن علاج مختص بما إذا كان المتعارضان لو فرض صدورهما بل اقترانهما تحير السائل فيهما،و لم يظهر المراد منهما إلا (1)كأنه إشارة إلى ما ذكره في ضابط الجمع العرفي من أنه الجمع يختاره العرف لو جمع الكلامان في كلام واحد.

ص: 357

ببيان آخر لأحدهما أو لكليهما.

نعم قد يقع الكلام في ترجيح بعض الظواهر على بعض و تعيين الأظهر،و هذا خارج عما نحن فيه (1) .

و ما ذكرناه كأنه مما لا خلاف فيه،كما استظهره بعض مشايخنا المعاصرين.و يشهد له ما يظهر من مذاهبهم في الأصول و طريقتهم في الفروع.

ظاهر كلام الشيخ الطوسي قدّس سرّه خلاف ذلك

نعم قد يظهر من عبارة الشيخ في الاستبصار خلاف ذلك،بل يظهر منه أن الترجيح بالمرجحات يلاحظ بين النص و الظاهر،فضلا من الظاهر و الأظهر.فإنه قدّس سرّه بعد بعد ما ذكر حكم الخبر الخالي عما يعارضه قال:

كلام الشيخ قدّس سرّه في الاستبصار

«و إن كان هناك ما يعارضه فينبغي أن ينظر في المتعارضين،فيعمل على أعدل الرواة في الطريقين،و إن كانا سواء في العدالة عمل على أكثر الرواة عددا،و إن كانا متساويين في العدالة و العدد و كانا عاريين عن القرائن التي ذكرناها نظر.

فإن كان متى عمل بأحد الخبرين أمكن العمل بالآخر على بعض الوجوه و ضرب من التأويل كان العمل به أولى من العمل بالآخر الذي يحتاج مع العمل به إلى طرح الخبر الآخر،لأنه يكون العامل به عاملا بالخبرين معا.

و إن كان الخبران يمكن العمل بكل منهما[كما في العموم من وجه خ.ل]و حمل الآخر على بعض الوجوه من التأويل،و كان لأحد التأويلين (1)إذ الكلام في تعارض الدليلين الذين لا يمكن الجمع بينهما،و البحث في وجوه الجمع أجنبي عن ذلك.

ص: 358

خبر يعضده أو يشهد به على بعض الوجوه صريحا أو تلويحا لفظا أو دليلا [لفظا أو منطوقا أو دليل الخطاب خ.ل]و كان الآخر عاريا عن ذلك كان العمل به أولى من العمل بما لا يشهد له شيء من الأخبار،و إذا لم يشهد لأحد التأويلين خبر آخر و كان متحاذيا[متحاذيين خ.ل]كان العامل مخيرا في العمل بأيهما شاء (1) »انتهى موضع الحاجة.

و قال في العدة:

كلام الشيخ قدّس سرّه في العدة

«و أما الأخبار إذا تعارضت و تقابلت فإنه يحتاج في العمل ببعضها إلى ترجيح و الترجيح يكون بأشياء.

منها:أن يكون أحد الخبرين موافقا للكتاب أو السنة المقطوع بها، و الأخر مخالفا،فإنه يجب العمل بما وافقهما و ترك ما يخالفهما،و كذلك إن وافق أحدهما إجماع الفرقة المحقة و الأخر يخالفه وجب العمل بما يوافقه و ترك ما يخالفهم،فإن لم يكن مع أحد الخبرين شيء من ذلك و كانت فتيا الطائفة مختلفة نظر في حال رواتهما،فإن كان رواته عدلا[فإن كان إحدى الروايتين راويها عدلا خ.ل]وجب العمل به و ترك غير العدل.و سنبين القول في العدالة المرعية في هذا الباب.

فإن كان رواتهما متساويين في العدد و العدالة عمل بأبعدهما من قول العامة و ترك العمل بما يوافقهم،و إن كان الخبران موافقين للعامة أو (1)قد يظهر منه إرادة التخيير بين التأويلين،و إن كان يمكن حمله على التخيير بين الخبرين مع إبقاء كل منهما على ظاهره،كما هو ظاهر ذيل كلامه الآتي عن العدة.

ص: 359

مخالفين لهم نظر في حالهما فإن كان متى عمل بأحد الخبرين أمكن العمل بالآخر على وجه من الوجوه و ضرب من التأويل و إذا عمل بالخبر الآخر لا يمكن العمل بهذا الخبر[الآخر خ.ل]وجب العمل بالخبر الذي يمكن مع العمل به العمل بالخبر الآخر،لأن الخبرين جميعا منقولان مجمع على نقلهما،و ليس هنا قرينة يدل على صحة أحدهما و لا ما يرجح أحدهما على الآخر،فينبغي أن يعمل بهما إذا أمكن،و لا يعمل بالخبر الذي إذا عمل به وجب إطراح العمل بالآخر،و إن لم يمكن العمل بهما جميعا لتضادهما و تنافيهما أو أمكن حمل كل واحد منهما على ما يوافق الآخر،على وجه، كان الإنسان مخيرا في العمل بأيهما شاء»انتهى.

و هذا كله كما ترى يشمل على تعارض العام و الخاص،مع الاتفاق فيه على الأخذ بالنص.

و قد صرح في العدة في باب بناء العام على الخاص بأن الرجوع إلى الترجيح و التخيير إنما هو في تعارض العامين،دون العام و الخاص،بل لم يجعلهما من المتعارضين أصلا.

و استدل على العمل بالخاص بما حاصله:أن العمل بالخاص ليس طرحا للعام[بل حمله خ.ل]على ما يمكن أن يريده الحكيم،و أن العمل بالترجيح و التخيير فرع التعارض الذي لا يجري فيه الجمع.

و هو مناقض صريح لما ذكره هنا من أن الجمع من جهة عدم ما يرجح أحدهما على الآخر.

ص: 360

ظهور كلام المحدث البحراني قدّس سرّه في ذلك أيضا

و قد يظهر ما في العدة من كلام بعض المحدثين،حيث أنكر (1) حمل الخبر الظاهر في الوجوب أو التحريم على الاستحباب أو الكراهة لمعارضة خبر الرخصة،زاعما أنه طريق جمع لا إشارة إليه في أخبار الباب (2) ،بل ظاهرها تعين الرجوع إلى المرجحات المقررة.

يلوح ذلك من المحقق القمي قدّس سرّه أيضا

و ربما يلوح هذا أيضا من كلام المحقق القمي في باب بناء العام على الخاص،فإنه بعد ما حكم بوجوب البناء قال:

«و قد يستشكل بأن الأخبار قد وردت في تقديم ما هو مخالف للعامة أو موافق للكتاب أو نحو ذلك،و هذا يقتضي تقديم العام لو كان هو الموافق للكتاب أو المخالف للعامة أو نحو ذلك.

و فيه:أن البحث (3) منعقد لملاحظة العام و الخاص من حيث العموم و الخصوص،لا بالنظر إلى المرجحات الخارجية،إذ قد يصير التجوز في الخاص أولى من التخصيص في العام من جهة مرجح خارجي، و هو خارج عن المتنازع»انتهى.

المناقشة فيما ذكروه قدّس سرّهم

و التحقيق:أن هذا كله خلاف ما يقتضيه الدليل،لأن الأصل في (1)كلام المحدث المذكور و إن اشترك مع ما ذكره الشيخ قدّس سرّه في عدم تقديم المرجح الدلالي على بقية المرجحات،إلا أنه يختلف عنه في إهمال المرجح الدلالي مطلقا و لو مع التساوي من الجهات الأخر لعدم التعرض له في نصوص الترجيح، مع أن صريح كلام الشيخ قدّس سرّه الرجوع له حينئذ.

(2)تقدم أن ظاهر خبر العيون المتقدم الإشارة إلى الجمع المذكور.

(3)يعني:في مسألة الجمع بين العام و الخاص.

ص: 361

الخبرين الصدق و الحكم بصدورهما،فيفرضان كالمتواترين (1) ،و لا مانع عن فرض صدورهما حتى يحصل التعارض،و لهذا لا يطرح الخبر الواحد الخاص بمعارضة العام المتواتر.

مرجح التعارض بين النص و الظاهر

و إن شئت قلت:إن مرجع التعارضين بين النص و الظاهر إلى التعارض بين أصالة الحقيقة في الظاهر و دليل حجية النص،و من المعلوم ارتفاع الأصل بالدليل (2) .

و كذا الكلام في الظاهر و الأظهر،فإن دليل حجية الأظهر يجعل قرينة صارفة عن إرادة الظاهر،و لا يمكن طرحه (3) لأجل أصالة الظهور (4) ، (1)لا إشكال في أن الأصل في الخبرين الصدور كالمتواترين،و ذلك لا ينافي الخروج عن الأصل المذكور و إعمال الترجيح الصدوري فيهما محافظة على الظهور الذي هو مقتضى الأصل،و لا يقاس المقام بالمتواترين الذين لا يمكن إعمال الترجيح الصدوري فيهما مع فرض العلم بصدورهما معا،فيتعين اللجوء للمرجح الدلالي.

نعم ما ذكره قدّس سرّه من تخصيص العام المتواتر بخبر الواحد شاهد بما ذكره من تقديم الترجيح الدلالي على الترجيح الصدوري.فلاحظ.

(2)هذا إنما يتم في الأصول العملية،أما الأصول اللفظية التي هي من سنخ الأمارات فموضوعها لا يرتفع بالدليل،بل يمكن فرض المعارضة بينهما.

فالعمدة:أن دليل العمل بالأصول اللفظية لما كان هو بناء العقلاء و أهل اللسان و كان عملهم بها مشروطا بعدم وجود ما يصلح للقرينية عما كان حجة في نفسه كان لا بد من رفع اليد عنها بالدليل المفروض.و هذا و إن كان تاما إلا أنه لا مجال لرد منكره بما ذكره المصنف قدّس سرّه.

(3)يعني طرح دليل الأظهر.

(4)يعني:في الظاهر.و كأن الوجه فيه ما سبق منه من ارتفاع الأصل بالدليل

ص: 362

و لا طرح ظهوره لظهور الظاهر (1) ،فتعين العمل به و تأويل الظاهر منهما.و قد تقدم في إبطال الجمع بين الدليلين ما يوضح ذلك.

الإشكال في الظاهرين اللذين يمكن رفع المنافاة بينهما بالتصرف في كل واحد منهما

نعم يبقى الإشكال في الظاهرين اللذين يمكن التصرف في كل واحد منهما بما يرفع منافاته الظاهر الآخر (2) ،فيدور الأمر بين الترجيح من حيث السند (3) و طرح المرجوح (4) و بين الحكم بصدورهما و إرادة خلاف الظاهر في أحدهما (5) .

فعلى ما ذكرنا من أن دليل حجية المعارض لا يجوز طرحه لأجل أصالة الظهور في صاحبه،بل الأمر بالعكس،لأن الأصل يزاحم الدليل يجب الحكم في المقام بالإجمال،لتكافؤ أصالتي الحقيقة في كل منهما مع العلم إجمالا بإرادة خلاف الظاهر من أحدهما،فيتساقط الظهوران من الطرفين،فيصيران مجملين بالنسبة إلى مورد التعارض،فهما كظاهري و قد عرفت الإشكال فيه،و أن العمدة في ذلك عدم بناء أهل اللسان على الرجوع إلى أصالة الظهور في فرض وجود ما يصلح للقرينية،و هو الأظهر.

(1)إذ لا معنى لرفع اليد عن الأقوى بالأضعف.

(2)كما في العامين من وجه،حيث يمكن تخصيص كل منهما في مورد الاجتماع بالآخر.

(3)أو من حيث الجهة،كالترجيح بمخالفة العامة.

(4)و لازمه العمل بالراجح في تمام ما هو ظاهر فيه.

(5)و لازمه التوقف عن كلا الخبرين في مورد التعارض و سقوط أصالة الظهور فيهما،لعدم المرجح بعد فرض صلوح كل منهما لأن يكون قرينة على التصرف في الآخر.

ص: 363

مقطوعي الصدور (1) ،أو ككلام واحد تصادم فيه ظاهران.

و يشكل بصدق التعارض بينهما عرفا و دخولهما في الأخبار العلاجية،إذ تخصيصها بخصوص المتعارضين اللذين لا يمكن الجمع بينهما إلا بإخراج كليهما عن ظاهريهما (2) خلاف الظاهر.مع أنه لا محصل للحكم (3) بصدور الخبرين و التعبد بكليهما لأجل أن يكون كل منهما سببا لإجمال الآخر،فيتوقف في العمل بهما،فيرجع إلى الأصل إذ لا يترتب (1)لا يخفى أن مقطوعي الصدور و إن أمتنع الترجيح من حيث السند فيهما،إلا أنه لا مانع من الترجيح بينهما بالمرجحات الأخر،كموافقة الكتاب و مخالفة العامة،إذ لا مجال لدعوى قصور أدلتهما عن مقطوعي الصدور،و لا سيما بعد تأخر الترجيح بهما عن الترجيح بالشهرة التي هي موجبة لكون المشهور لا ريب فيه،كما تعرضت لذلك النصوص،حيث إن ظاهرها كون المشهور مقطوع الصدور أو كالمقطوع،كما تقدم.

أما في المقام فاللازم-بناء على ما ذكره المصنف قدّس سرّه-انسداد باب الترجيح مطلقا،لفرض قصور أدلته عما إذا كان أحد الخبرين معارضا لأصالة الظهور في الآخر،و أن اللازم التوقف عن أصالة الظهور.

(2)بحيث لا يصلح كل منهما لأن يكون قرينة على الآخر.

(3)هذا و إن كان مسلما إلا أنه لا يقتضي ترجيح السند في أحد الخبرين ما لم تكن أخبار الترجيح شاملة له،فلو فرض قصورها عنه تعين التوقف لا بمعنى البناء على التعبد بكلا السندين،لعدم الأثر له بعد فرض لزوم الإجمال،بل بمعنى التوقف من جهة التعارض.

هذا كله مع فرض عدم الأثر للتعبد بالسند،أما مع فرض الأثر له-كما لو كان للدليلين مورد افتراق-فلا موقع لما ذكره المصنف قدّس سرّه.فلاحظ.

ص: 364

حينئذ ثمره على الأمر بالعمل بهما.نعم كلاهما دليل واحد على نفي الثالث كما في المتباينين (1) .

و هذا (2) هو المتعين.و لذا استقرت طريقة العلماء على ملاحظة المرجحات السندية في مثل ذلك.إلا أن اللازم من ذلك وجوب التخيير بينهما عند فقد المرجحات (3) ،كما هو ظاهر آخر عبارتي العدة و الاستبصار المتقدمين.

كما أن اللازم على الأول التوقف من أول الأمر و الرجوع إلى الأصل إن لم يكن مخالفا لهما (4) ،و إلا فالتخيير من جهة العقل،بناء على القول به في دوران الأمر بين احتمالين مخالفين للأصل،كالوجوب و الحرمة (5) .

(1)البناء على أن المتباينين حجة على نفي الثالث محل كلام.و لا مجال للإطالة في ذلك.

(2)يعني:البناء على الترجيح.

(3)لأن موضوع أدلة التخيير كموضوع أدلة الترجيح هو التعارض،فلو فرض صدقه في محل الكلام لزم جريانهما معا.

(4)أما لو كان مخالفا لهما فلا مجال للرجوع له،لا لكون المتعارضين حجة في نفي الثالث،لعدم ثبوت ذلك،بل لأن صلوح كل منهما لتفسير الآخر عرفا يقتضي حجية أحد التفسيرين إجمالا و رفع اليد به عن الأصل،و إن لم يكن مرجح لأحدهما بخصوصه،فهو نظير إجمال الدليل و تردده بين وجهين،حيث يكون حجة في نفي الثالث بلا إشكال.فتأمل.

(5)هذا إنما يسلم مع تعذر كل من الموافقة و المخالفة القطعيتين،كما في الدوران بين الوجوب و الحرمة.

ص: 365

و قد أشرنا سابقا (1) إلى أنه قد يفصل في المسألة:

بين ما إذا كان الكل من المتعارضين مورد سليم عن التعارض،كما في العامين من وجه،حيث أن الرجوع إلى المرجحات السندية فيها على الإطلاق يوجب طرح الخبر المرجوح في مادة الافتراق،و لا وجه له (2) ، و الاقتصار في الترجيح بها في خصوص مادة الاجتماع التي هي محل المعارضة،و طرح المرجوح بالنسبة إليها مع العمل به في مادة الافتراق، بعيد عن ظاهر الأخبار العلاجية (3) .

و بين ما إذا لم يكن لهما مورد سليم،مثل قوله:«اغتسل للجمعة»، الظاهر في الوجوب،و قوله:«ينبغي غسل الجمعة»،الظاهر في الاستحباب، فيطرح الخبر المرجوح رأسا لأجل بعض المرجحات.

لكن الاستبعاد المذكور في الأخبار العلاجية (4) إنما هو من جهة (5) (1)في أواخر الكلام في قاعدة الجمع أولى من الطرح.

(2)الوجه في دليله الترجيح لو فرض شموله للمقام،و عدم إمكان التفكيك فيه بين أجزاء مضمون الدليل الواحد.نعم الظاهر أن ذلك خلاف سيرتهم و لا تناسبه المرتكزات.

(3)كأنه لاستبعاد التفكيك في التعبد بالسند بلحاظ أجزاء مضمون الدليل الواحد.

(4)و هو استبعاد التفكيك في مثل العامين من وجه بين موردي الاجتماع و الانفراد.

(5)يعني:أن الاستبعاد المذكور مبني على ملاحظة حال العرف من حيث أن حجية الخبر عندهم من حيث كونه موجبا للظن بالصدور،و لا يعقل التفكيك في

ص: 366

أن بناء العرف في العمل بأخبارهم من حيث الظن بالصدور،فلا يمكن التبعض في صدور العامين من وجه من حيث مادتي الافتراق و مادة الاجتماع كما أشرنا سابقا (1) إلى أن الخبرين المتعارضين من هذا القبيل.

و أما إذا عبدنا الشارع بصدور الخبر الجامع للشرائط فلا مانع من تعبده ببعض مضمون الخبر دون بعض.

الظن المذكور بالإضافة إلى أجزاء المضمون الواحد،أما بلحاظ حكم الشارع المبني على محض التعبد فلا مانع من فرض التفكيك المذكور.

أقول:إن كان مرجع التفكيك إلى التفكيك في الحجية من دون نفي للصدور فلا إشكال في إمكانه شرعا،بل عرفا،فيمكن أن يكون الخبر حجة في بعض مضمونه دون بعض من جهة المزاحم أو نحوه.أما لو كان مرجع التفكيك إلى التفكيك في الصدور-كما هو مقتضى كون المرجحات سندية-بحيث يكون مفاده التعبد بصدور الخبر بالإضافة إلى بعض المضمون و بعدم صدوره بالإضافة إلى البعض الآخر فهو و إن كان ممكنا عقلا،إلا أنه بعيد جدا عن ظاهر أخبار الترجيح و تأباه المرتكزات في مفادها.

لكن هذا إنما يمنع من التفكيك بعد فرض الترجيح بالمرجحات السندية،و لا يمنع منه في غيرها من المرجحات،كما لعله ظاهر.بل قد يقال بإمكان التفكيك حتى في المرجحات السندية،لأنها لا ترجع إلى تكذيب المرجوح و التعبد بعد صدوره، بل إلى محض ترجيح الراجح في مقام العمل لأجل أقوائية سنده،و هذا لا ينافي التعبد بسند الآخر في غير مورد المعارضة،و لا يستلزم التفكيك المستشبع عرفا.

فتأمل جيدا.

(1)لم يتضح المراد بمحل الإشارة.

ص: 367

و كيف كان فترك التفصيل أوجه منه (1) ،و هو (2) أوجه من إطلاق إهمال المرجحات (3) .

و أما ما ذكرنا في وجهه (4) من عدم جواز طرح دليل حجية أحد الخبرين،لأصالة ظهور الآخر،فهو إنما يحسن إذا كان ذلك الخبر بنفسه قرينة على خلاف الظاهر في الآخر (5) .

و أما إذا كان محتاجا إلى دليل ثالث يوجب صرف أحدهما فحكمها حكم الظاهرين المحتاجين في الجمع بينهما إلى شاهدين (6) في أن العمل بكليهما مع تعارض ظاهريهما يعد غير ممكن،فلا بد من طرح أحدهما معينا للترجيح أو غير معين للتخيير (7) ،و لا يقاس حالهما على حال مقطوعي (1)يعني:التفصيل.

(2)يعني:من التفصيل.

(3)بل يلزم النظر في المرجحات مطلقا،لإطلاق أدلته بعد صدق التعارض عرفا في ذلك مع عدم كون أحدهما مفسرا للآخر عرفا.و مجرد صلوح كل منهما لتفسير الآخر مع عدم شاهد يقتضي ترجيح أحدهما في ذلك لا يمنع من صدق التعارض.

(4)يعني:وجه إهمال المرجحات.

(5)بحيث يتعين بنفسه للقرينية عرفا،حيث أنه يرتفع منه التعارض عرفا فيرتفع موضوع أخبار العلاج.

(6)كالمتباينين،حيث يمكن الجمع بينهما بتخصيص كل منهما.

(7)عملا بإطلاق دليلي الترجيح و التخيير بعد فرض صدق موضوعهما و هو التعارض.لكن تقدم عند الكلام في قاعدة أولوية الجمع من الطرح أن الظاهر

ص: 368

[معلومي خ.ل]الصدور في الالتجاء إلى الجمع بينهما (1) ،كما أشرنا إلى دفع ذلك عند الكلام في أولوية الجمع على الطرح و المسألة محل الإشكال.

تقديم النص على الظاهر خارج عن مسألة الترجيح

و قد تلخص مما ذكرنا:أن تقديم النص على الظاهر خارج عن مسألة الترجيح بحسب الدلالة،إذ الظاهر لا يعارض النص (2) حتى يرجح النص عليه.نعم النص الظني السند يعارض دليل سنده لدليل حجية الظهور،لكنه حاكم على دليل اعتبار الظاهر (3) ،فينحصر الترجيح بحسب الدلالة في تعارض الظاهر و الأظهر،نظرا إلى احتمال خلاف الظاهر في كل منهما بملاحظة نفسه،غاية الأمر ترجيح الأظهر (4) .

من سيرة العلماء عدم الرجوع للتخيير بل التوقف و الرجوع للأصل إلا الشيخ في العدة و الاستبصار.

نعم لا يهم ذلك بعد ما عرفت منا من أن حكم المتعارضين مع عدم الترجيح التوقف لا التخيير.

(1)الظاهر أنه لا موجب للجمع في مقطوعي الصدور،بل مع عدم المرجحات غير السندية يبنى على التساقط،إلا مع فرض وجود جمع عرفي فيتعين العمل عليه،و بدونه لا مجال للجمع،لعدم الدليل على حجية مقتضى الجمع غير العرفي.

نعم ليس معنى التساقط البناء على كذبهما،بل مجرد التوقف عنهما،و هو معنى التوقف هنا أيضا،فلا فرق بين المقام و بين مقطوعي الصدور.

(2)لأن الرجوع إلى أصالة الظهور إنما هو مع الشك في المراد و لا شك فيه مع ورود النص القطعي الصدور.

(3)تقدم الكلام في وجه الحكومة في أوائل مبحث التعارض.

(4)لأنه متعين للقرينية عرفا،فيخرج المورد عن التعارض.

ص: 369

و لا فرق في الظاهر و النص بين العام و الخاص المطلقين (1) إذا فرض عدم احتمال في الخاص يبقى معه ظهور العام (2) لئلا (3) يدخل في تعارض الظاهرين أو تعارض الظاهر و الأظهر[و بين (4) ما يكون التوجيه فيه قريبا خ.ل]و بين ما يكون التوجيه فيه بعيدا،مثل صيغة الوجوب مع دليل نفي البأس عن الترك (5) ،لأن العبرة بوجوب احتمال في أحد الدليلين لا يحتمل ذلك في الآخر و إن كان ذلك الاحتمال بعيدا في (1)في مقابل العامين من وجه،حيث أن التعارض فيهما من تعارض الظاهرين لا النص و الظاهر الذي هو محل الكلام.

(2)كاحتمال كون الأمر فيه للإباحة فلا ينافي عموم الإباحة.

(3)تعليل لقوله:«إذا فرض عدم...»يعني:إنما يحتاج إلى الغرض المذكور، لأنه مع عدمه يخرج المقام عن تعارض النص و الظاهر إلى تعارض الأظهر و الظاهر أو تعارض الظاهرين.

(4)الظاهر أن قوله:«و بين...قريبا»زيادة يلزم حذفه،كما في بعض النسخ.

نعم الظاهر أن تعارض العام و الخاص المطلقين مفروض في كلام المصنف قدّس سرّه مما يكون التوجيه فيه قريبا.فلاحظ.

(5)يعني:فإن نفي البأس عن الترك نص في عدم الوجوب،فيعارض الصيغة الظاهرة فيه،إلا أن حمل الصيغة على غير الوجوب بعيد و ليس كحمل العام على ما عدا الخاص.لكن لم يتضح الوجه في بعده،بل هو ممنوع،لاشتهار استعمال الصيغة في الندب.اللهم إلا أن يراد بصيغة الوجوب مادته،كما لو قيل:غسل الجمعة واجب،لا صيغة افعل،إذ قد يدعى أن حمل التعبير المذكور على الاستحباب بعيد.أو يراد بنفي البأس ما يقتضي نفي الاستحباب أيضا بنحو يلزم حمل الصيغة على الإباحة،فإنه بعيد عنها و ليس كحملها على الاستحباب.فتأمل.

ص: 370

الغاية لأن مقتضى الجمع (1) بين العام و الخاص بعينه موجود فيه.

ظهور خلاف ما ذكرنا من بعض الأصحاب

و قد يظهر خلاف ما ذكرنا في حكم النص و الظاهر (2) من بعض الأصحاب في كتبهم الاستدلالية،مثل حمل الخاص المطلق على التقية لموافقته لمذهب العامة.

منها:ما يظهر من الشيخ رحمه اللّه في مسألة من زاد في صلاته ركعة،حيث حمل ما ورد في صحة صلاة من جلس في الرابعة بقدر التشهد على التقية، و عمل على عمومات إبطال الزيادة،و تبعه بعض متأخري المتأخرين.

لكن الشيخ رحمه اللّه كأنه بنى على ما تقدم من العدة و الاستبصار من ملاحظة المرجحات قبل حمل أحد الخبرين على الآخر،أو على استفادة التقية من قرائن أخر (3) غير موافقة مذهب العامة.

و منها:ما تقدم من بعض المحدثين من مؤاخذة حمل الأمر و النهي على الاستحباب و الكراهة (4) .

(1)و هو أولوية الجمع من الطرح.لكن الظاهر أن الملاك في الجميع هو لزوم الجمع العرفي،فاللازم النظر في الجمع فإن كان عرفيا كان متعينا،و إلا فلا مجال له و إن لزم الطرح،لعدم الدليل على حجية الكلام في غير ما هو ظاهر فيه حينئذ.

(2)يعني:من تقديم النص على الظاهر من دون نظر للمرجحات.

(3)يعني:فلا يكون منشأ الحمل على التقية ملاحظة أدلة الترجيح،بل قيام الدليل الخاص على ورود الدليل في مقام التقية،فلا يعمل به حتى في فرض عدم المعارض له.

(4)حيث استشكل فيه بأنه طريق جمع لا إشارة له في أخبار الباب،فإن ظاهره لزوم إهماله و الرجوع إلى المرجحات المنصوصة و عدم الرجوع له حتى بعد

ص: 371

و قد يظهر من بعض الفرق بين العام و الخاص،و الظاهر في الوجوب و النص الصريح في الاستحباب و ما يتلوهما في قرب التوجيه و بين غيرهما مما كان تأويل الظاهر فيه بعيدا،حيث قال (1) بعد نفي الإشكال عن الجمع بين العام و الخاص و الظاهر في الوجوب و الصريح في الاستحباب فقدها.

(1)المستفاد من هذا الكلام ليس هو التفصيل بين قرب التأويل و بعده،بل بين ما إذا كان التأويل مفاد أحد التأويلين،و ما إذا لم يكن مفاده،بل يحمل الكلام عليه لمجرد الجمع بين الدليلين،فحمل الصيغة على الاستحباب إن كان لدليل يدل على الاستحباب فلا بأس به،و إن كان لدليل يدل على الرخصة فلا مجال له،لأن التأويل المذكور و إن كان رافعا للتنافي بين الدليلين إلا أنه ليس مقتضى أحدهما، لظهور الأمر في الوجوب و ظهور الرخصة فيها لا في الاستحباب،و هذا أجنبي عن قرب التأويل و بعده الذي ذكره المصنف قدّس سرّه.

نعم ما ذكره هذا القائل إلغاء في الحقيقة للجمع العرفي،إذ لو فرض كون التأويل مفاد الدليل شرعي لم يكن للجمع أثر لكفاية الدليل الشرعي فيه،و لا أثر للدليل المسئول،بل وجوده كالعدم،و لا فرق بين تأويله و طرحه،و هو كما ترى إلغاء له بلا وجه،بعد كونه داخلا في دليل الحجية كالأظهر أو النص.

و لا تظهر الفائدة و العمل بالدليل المؤول إلا إذا بني على حمله على المعنى الذي لا ينافي الآخر بحيث يستفاد من الجمع بين الدليلين،لا من خصوص أحدهما.

و لو لا ذلك أشكل الجمع بين العام و الخاص بحمل العام على الخاص،لوضوح أن العام بنفسه لا يقتضي إلا العموم،و الخاص لا يقتضي إلا نفي حكم العام في مورده من دون إثباته في بقية الأفراد،فحمل العام على ما عدا الخاص هو مقتضى الجمع بين الدليلين لا مقتضى العام وحده و لا الخاص وحده.و من ثم كان ما ذكره في غاية المنع،لمنافاته للمرتكزات العرفية و سيرة أهل الاستدلال.

ص: 372

استشكل الجمع في مثل ما إذا دل الدليل على أن القبلة أو مس باطن الفرج لا ينقض الوضوء،و دل دليل آخر على أن الوضوء يعاد منها،و قال:

كلام الوحيد البهبهاني قدّس سرّه

«بأن الحكم بعدم وجوب الوضوء في المقام مستند إلى النص المذكور،و أما الحكم باستحباب الوضوء فليس له مستند ظاهر،لأن تأويل كلامهم لم يثبت حجيته إلا إذا فهم من الخارج إرادته،و الفتوى و العمل به محتاج إلى مستند شرعي،و مجرد أولوية الجمع غير صالح».

المناقشة فيما أفاده الوحيد البهبهاني قدّس سرّه

أقول-بعد ما ذكرنا من أن الدليل الدال على وجوب الجمع بين العام و الخاص و شبهه بعينه جار فيما نحن فيه،و ليس الوجه في الجمع شيوع (1) التخصيص،بل المدار على احتمال موجود في أحد الدليلين مفقود في الآخر،كما مر.مع أن حمل ظاهر وجوب إعادة الوضوء على الاستحباب أيضا شائع،على ما أعترف به سابقا-:ليت شعري ما الذي أراد بقوله:

«تأويل كلامهم لم يثبت حجيته إلا إذا فهم من الخارج إرادته»؟

فإن بنى على طرح ما دل على وجوب إعادة الوضوء و عدم البناء على أنه كلامهم عليهم السّلام فأين كلامهم حتى يمنع من تأويله إلا بدليل،فليس هو إلا طرح السند لأجل الفرار عن تأويله،و هو غير معقول (2) .

(1)عرفت أن كلام هذا القائل بعيد عن التفصيل بين شيوع التأويل و عدمه.

(2)كأنه للغوية التعبد بالظهور المانع من التأويل مع عدم التعبد بالسند.

لكن عدم التعبد بالظهور لا يستلزم جواز التأويل بنحو يقتضي نسبة التأويل لهم عليهم السّلام بل يقتضي التوقف لا غير،فلا بد من دليل على جواز التأويل،و ليس هو إلا ما عرفت من الجمع العرفي.

ص: 373

و إن بنى على عدم طرحه و على التعبد بصدوره،ثم حمله على التقية، فهذا أيضا قريب من الأول،إذ لا دليل على وجوب التعبد بخبر يتعين حمله على التقية على تقدير الصدور،بل لا معنى لوجوب التعبدية،إذ لا أثر في العمل يترتب عليه.

و بالجملة:إن الخبر الظني إذا دار الأمر بين طرح سنده و حمله و تأويله فلا ينبغي التأمل في أن المتعين تأويله و وجوب العمل على طبق التأويل، و لا معنى لطرحه أو الحكم بصدوره تقية فرارا عن تأويله (1) .و سيجيء زيادة توضيح ذلك إن شاء اللّه.

(1)مما سبق يظهر أن المدار في جواز التأويل على كونه عرفيا،بحيث يرى أهل اللسان تعينه بعد الاطلاع على النص أو الأظهر لكونهما بنظرهم قرينة عليه و إن كان بعيدا في نفسه لولاهما،و إلا أشكل التأويل و الفتوى على طبقه،لعدم الدليل عليه،بل يلزم إما البناء على التعارض بين الدليلين و تساقطهما،أو العمل بالنص أو الأظهر و إهمال الظاهر من دون تأويل.فلاحظ.

ص: 374

المرجحات في الدلالة
اشارة

فلنرجع إلى ما كنا فيه من بيان المرجحات في الدلالة،و مرجعها إلى ترجيح الأظهر على الظاهر.

الأظهرية قد تكون بملاحظة خصوص المتعارضين و قد تكون بملاحظة نوعهما

و الأظهرية قد تكون بملاحظة خصوص المتعارضين من جهة القرائن الشخصية،و هذا لا يدخل تحت ضابطة،

و قد يكون بملاحظة نوع المتعارضين،كأن يكون أحدهما ظاهرا في العموم و الآخر جملة شرطية ظاهرة في المفهوم فيتعارضان،كتعارض مفهوم:

«إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجسه شيء»و منطوق عموم:«خلق اللّه الماء طهورا» فيقع الكلام في ترجيح المفهوم على عموم العام،و كتعارض التخصيص و النسخ في بعض أفراد العام و الخاص،و (1) التخصيص و التقييد.

و قد (2) يكون باعتبار الصنف (3) ،كترجيح أحد العاملين أو (1)يعني:و كتعارض التخصيص و التقييد فيما لو تعارض العام و المطلق و دار الأمر بين تخصيص العام و تقييد المطلق.

(2)عطف على(قد تكون)في قوله:«و الأظهرية قد تكون...».

(3)التمييز بين الصنف و النوع في مثل هذه الأمور-مما لا يكون من سنخ الحقائق الثابتة،بل هي من العناوين الاصطلاحية-لا يخلو عن تكلف لا داعي له،

ص: 375

المطلقين على الآخر لبعد التخصيص أو التقييد فيه.

و لنشر إلى جملة من هذه الترجيحات النوعية لظاهر أحد المتعارضين في مسائل:

[منها خ.ل]الأولى:لا إشكال في تقديم ظهور (1) الحكم الملقى من الشارع في مقام التشريع في (2) استمراره باستمرار الشريعة على و اللازم الاقتصار في التقسيم على المرجحات الشخصية و النوعية،فإن كانت جهة الترجيح راجعة إلى جهة مختصة بأحد المتعارضين كان المرجح شخصيا،و إن كانت راجعة إلى جهة مشتركة بين أحد المتعارضين و مماثلاته كان المرجح نوعيا.

(1)ظاهره المفروغية عن كون الاستمرار مقتضى ظهور نوعي في الكلام، و هو مبني أما على أن النسخ تخصيص في الأزمان،و أن للكلام عموم أزماني يقتضي بقاء الحكم و عدم نسخه.

و إما على أن النسخ مناف لظهور الكلام في بيان المراد الجدي،و أن مقتضى أصالة الجهة كون المراد الجدي هو الاستمرار،و النسخ يكشف عن خلاف ذلك على خلاف مقتضى أصالة الجهة.

و كلاهما خلاف الظاهر بل النسخ على خلاف أصالة بقاء الحكم و عدم عدول الحاكم عنه التي هي نظير أصالة بقاء صاحب الرأي على رأيه من الأصول العقلائية.

و لازم ذلك رفع اليد عن أصالة عدم النسخ بظهور العام في العموم الأفرادي،كما هو الحال في سائر موارد التعارض بين الأصل و الظهور.

و على هذا بناء العقلاء في الأوامر العرفية،و البناء على خلاف هذا في الأوامر الشرعية حيث يترجح التخصيص على النسخ لخصوصية فيما يأتي الكلام فيها إن شاء اللّه تعالى.و تمام الكلام في مبحث العموم و الخصوص من مباحث الألفاظ.

(2)متعلق ب(ظهور)في قوله:«لا إشكال في تقديم ظهور الحكم...».

ص: 376

ترجيح التخصيص على النسخ

ظهور العام في العموم الأفرادي،و يعبر عن ذلك بأن التخصيص أولى من النسخ،من غير فرق بين أن يكون احتمال المنسوخية في العام أو في الخاص.

و المعروف تعليل ذلك بشيوع التخصيص و ندرة النسخ (1) .

و قد وقع الخلاف في بعض الصور.و تمام ذلك في بحث العام و الخاص من مباحث الألفاظ.

و كيف كان فلا إشكال في أن احتمال التخصيص مشروط بعدم ورود الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام (2) ،كما أن احتمال النسخ مشروط بورود الناسخ بعد الحضور (3) .

فالخاص الوارد بعد حضور وقت العمل بالعام يتعين فيه النسخ.

و أما ارتكاب كون الخاص كاشفا عن قرينة كانت مع العام و اختفيت (4) ، (1)هذا موقوف على حمل الخصوصات الواردة في الشريعة على التخصيص لا النسخ،و هو موقوف على تقديم التخصيص على النسخ،فالتعليل به دوري.مع أن في صلوح شيوع التخصيص لترجيحه على النسخ إشكال.

(2)يعني:و إلا امتنع الحمل على التخصيص،لاستلزامه تأخير البيان عن وقت الحاجة الذي هو قبيح.لكن الظاهر أنه لا يقبح لو فرض المانع من البيان في وقته.

(3)كأنه لأن النسخ فرع ثبوت الحكم،و هو لا يكون إلا بحضور وقت العمل أما قبله فليس للحكم إلا وجود إنشائي،و لا حكم حقيقي حتى ينسخ.

لكن الظاهر إمكان النسخ قبل حضور وقت العمل،كما تعرضنا لذلك في مباحث العموم و الخصوص.

(4)فلا يلزم من الحمل على التخصيص تأخير البيان عن وقت الحاجة.

ص: 377

فهو خلاف الأصل (1) .و الكلام في علاج المتعارضين من دون التزام وجود شيء زائد عليهما (2) .

نعم لو كان هناك دليل على امتناع النسخ وجب المصير إلى التخصيص مع التزام اختفاء القرينة حين العمل،أو جواز (3) إرادة خلاف الظاهر من المخاطبين واقعا مع مخاطبتهم بالظاهر الموجبة لعملهم بظهوره (4) .

و بعبارة أخرى:تكليفهم ظاهرا هو العمل بالعموم.

(1)كأنه لأصالة عدم القرينة المعول عليها عند العقلاء.لكن إذا فرض أن أصالة عدم النسخ أقوى من أصالة العموم-كما سبق من المصنف قدّس سرّه فهي أقوى من أصالة عدم القرينة،إما لرجوع أصالة العموم إلى أصالة عدم القرينة-كما هو مختار المصنف قدّس سرّه-أو لأن أصالة العموم أقوى من أصالة عدم القرينة،لأن احتمال اختفاء القرينة أقرب عرفا من احتمال إرادة خلاف الظاهر.فلاحظ.

(2)يعني:إن فرض احتمال القرينة خروج عن محل الكلام،إذا الكلام في الجمع بين المتعارضين بأنفسهما لا بالتزام وجود شيء زائد عليهما.لكن فرض الكلام في خصوص ذلك غير ظاهر المنشأ.نعم المفروض في الكلام هو الجمع بين المتعارضين بأنفسهما من دون اعتماد على شاهد للجمع خارج عنهما،و الالتزام باختفاء القرينة لا ينافي ذلك،لعدم الاعتماد على القرينة المختفية في الجمع بالتخصيص هنا،بل غاية الأمر استكشافها بسببه،و هو لا ينافي الاستناد في الجمع إلى نفس الظهورين،كما لا يخفى.

(3)عطف على قوله:«اختفاء القرينة».

(4)هذا راجع إلى جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة لمانع من البيان حينئذ.

ص: 378

الإشكال في تخصيص العمومات المتقدمة بالمخصصات المتأخرة

و من هنا يقع الإشكال في تخصيص العمومات المتقدمة في كلام النبي أو الوصي أو بعض الأئمة عليهم السّلام بالمخصصات الواردة بعد ذلك بمدة عن باقي الأئمة عليهم السّلام،فإنه لا بد أن يرتكب فيه النسخ،أو كشف الخاص عن قرينة مع العام مختفية،أو كون المخاطبين بالعام تكليفهم ظاهرا العمل بالعموم المراد به الخصوص واقعا.

أما النسخ فبعد توجيه وقوعه بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (1) بإرادة (2) كشف ما بينه النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للوصي عليه السّلام عن غاية الحكم الأول و ابتداء الحكم الثاني مدفوع بأن غلبة هذا النحو من التخصيصات يأبى عن حملها على ذلك (3) .مع أن الحمل على النسخ يوجب طرح ظهور كلا الخبرين في كون مضمونها حكما مستمرا من أول الشريعة إلى آخرها (4) .إلا أن (1)إنما احتاج إلى التوجيه لأن نسخ الحكم لا يصح إلا من صاحب شريعة، و هو النبي(ص)،و لا يصح من غيره،كالأوصياء عليهم السّلام.

(2)متعلق بقوله:(توجيه)فهو بيان لتوجيه كون أخبار الأئمة عليهم السّلام ناسخة مع كون النسخ من وظيفة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

(3)كأنه لما اشتهر من قلة النسخ فلا مجال لحمل جميع التخصيصات المذكور عليه مع كثرتها.لكن عرفت أن كثرة التخصيص و ندرة النسخ مبنية على كون هذه الخصوصات مخصصة لا ناسخة فلا مجال للتعليل بذلك.

(4)لما هو المعلوم من ظهور الدليل السابق في الاستمرار بمقتضى كون حكمه من أحكام الشريعة المستمرة.و ظهور الدليل اللاحق غالبا في كون الحكم الذي تضمنه هو الحكم الثابت من عهد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و أن الجهل به ناشئ من ضياع مدركه،لا أنه حكم مشرع حين صدور دليله.

ص: 379

يفرض المتقدم ظاهرا في الاستمرار و المتأخر غير ظاهر بالنسبة إلى ما قبل[الصدور خ.ل]صدوره (1) فحينئذ يوجب طرح ظهور المتقدم لا المتأخر،كما لا يخفى.و هذا[لم خ.ل]لا يحصل في كثير من الموارد،بل أكثرها (2) .

و أما اختفاء المخصصات فيبعده بل يحيله عادة عموم البلوى بها من حيث العلم و العمل (3) .

(1)كما لعله الحال في الأخبار المروية عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بل قد يكون ذلك في بعض أخبار الأئمة عليهم السّلام نادرا،إلا أن الغالب الشائع ما سبق.و لذا قد يحتج عليهم عليهم السّلام بروايات سابقة تدل بظاهرها على خلاف ما حكموا به،فيجيبون عنها بما يرجع إلى الصدور أو الدلالة.

و هذا هو العمدة في الحمل على التخصيص في الأدلة الشرعية المخرج عما عرفت من أولوية النسخ من التخصيص الذي هو مقتضى بناء العقلاء في الأوامر العرفية.و تمام الكلام في مبحث العموم و الخصوص.

(2)يعني:أن النسخ مع قطع النظر عن كونه خلاف ظاهر أحد الدليلين أو كليهما مما يعلم بعدم حصوله في أكثر الموارد،لندرة النسخ من الأئمة عليهم السّلام لو فرض إمكانه و وقوعه.فتأمل.

(3)يعني:فيبعد معه اختفاء الحكم حتى يحتاج إلى السؤال من الإمام المتأخر.لكن في بلوغ هذا حدا يصح الاعتماد عليه إشكال،بل يبعد فرض الاختفاء بسبب الموانع من نشر العلم الحق و عدم تبويب المسائل و تنظيم أدلتها،و غير ذلك.

و إلا فكيف يمكن الاختلاف في كيفية و أحكام مثل الوضوء و الأغسال و الصلاة و النجاسات و غيرها مما يكثر الابتلاء به بين المسلمين فضلا عن خصوص الإمامية منهم.و لا حول و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم.

ص: 380

مع إمكان دعوى العلم بعدم (1) علم أهل العصر المتقدم و عملهم بها،بل المعلوم جهلهم بها.

الأوجه في دفع الإشكال

فالأوجه هو الاحتمال الثالث (2) ،فكما أن رفع مقتضى البراءة العقلية ببيان التكليف كان على التدريج (3) -كما يظهر من الأخبار (1)عهدة هذه الدعوى على مدعيها.نعم لو أريد بذلك عدم علمهم و عملهم بمقتضى الخاص لعدم ابتلائهم بموضوعه كان للدعوى المذكورة مجال.

(2)إن كان المراد به أن العام بعد فرض عدم إرادة العموم منه يكون مؤداه حكما ظاهريا في حق من لم يطلع على التخصيص كسائر موارد الحجج المخطئة للواقع،فهو مسلم،إلا أنه ليس وجها مقابلا للوجه الثاني.

و إن كان المراد به أنه بعد ورود المخصص ينكشف كون العام صادرا لبيان الحكم الظاهري لا الواقعي فهو بعيد جدا عن ظواهر الأدلة مخالف للمرتكزات العرفية في الجمع بينها،كما تعرضنا لذلك في مبحث العموم و الخصوص و لعله إليه يرجع ما قيل من أن مقتضى الجمع بين العام و الخاص حمل العام على أنه لبيان القاعدة التي يرجع إليها مع عدم الدليل.و مما ذكرنا ظهر أن الأقرب هو الوجه الثاني.فلاحظ.

(3)هذا مسلم في أول البعثة لا بعد ذلك،إذ لا مجال للالتزام بأن عمل المعاصرين للنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في أواخر أيامه كان على ما يطابق مقتضى البراءة بالإضافة إلى جميع ما ورد من أهل البيت عليهم السّلام من التكاليف التي اشتملت عليها الأخبار التي بأيدينا،بل صريح الأخبار خلاف ذلك في الجملة.على أن عملهم على ما يطابق البراءة في أول البعثة ليس من باب رجوعهم إليها على ما هو الشأن في العمل بالوظيفة الظاهرية،بل بمعنى عدم تشريع التكليف واقعا في حقهم،لأن تشريع الأحكام كان تدريجيا.

و دعوى:اشتراك الكل في الأحكام الواقعية،إنما تسلم بالإضافة إلى المتأخرين

ص: 381

و الآثار-مع اشتراك الكل في الأحكام الواقعية،فكذلك ورود التقييد و التخصيص للعمومات و المطلقات،فيجوز أن يكون الحكم الظاهري للسابقين الترخيص في ترك بعض الواجبات و فعل بعض المحرمات الذي (1) يقتضيه العمل بالعمومات،و إن كان المراد منها الخصوص الذي هو الحكم المشترك.

و دعوى:الفرق بين[اختفاء خ.ل]إمضاء التكليف الفعلي و إبقاء المكلف على ما كان عليه من الفعل و الترك بمقتضى البراءة العقلية،و بين إنشاء الرخصة (2) في فعل الحرام و ترك الواجب،ممنوعة.

غاية الأمر أن الأول من قبيل عدم البيان و الثاني من قبيل بيان العدم، و لا قبح فيه بعد فرض المصلحة (3) .مع أن بيان العدم قد يدعى وجوده في الكل (4) بمثل قوله عليه السّلام في خطبة الغدير في حجة الوداع:

عن تشريعها،لا بالإضافة إلى حال ما قبل التشريع،فلا يكشف تشريع الحكم عن ثبوته من أول الأمر في حق الجميع.

نعم قد يقال بثبوت الحكم الاقتضائي-حينئذ-في حق الجميع.لكنه خارج عن محل الكلام لعدم كونه حكما حقيقة،و ليس الحكم الحقيقي إلا الحكم الفعلي الذي هو محل الكلام.

(1)نعت لقوله:«الترخيص في ترك...».

(2)الذي هو مقتضى العموم المفروض إرادة الخصوص منه واقعا.

(3)هذا راجع إلى عدم قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة،كما تقدم.

(4)يعني:أن ما ذكر في خطبة الغدير يصلح لأن يكون بيانا منه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لعدم وجود شيء من الأحكام غير ما بينه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بنفسه للأمة،مع أنه لا إشكال في عدم

ص: 382

«معاشر الناس ما من شيء يقربكم إلى الجنة و يباعدكم عن النار إلا و قد أمرتكم به،و ما من شيء يباعدكم من الجنة و يقربكم إلى النار إلا و قد نهيتكم عنه»

بل يجوز أن يكون مضمون العموم و الإطلاق هو الحكم الإلزامي و اختفاء القرينة المتضمنة لنفي الإلزام (1) ،فيكون التكليف-حينئذ- صدور البيان منه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالإضافة إلى كثير مما بينه الأئمة عليهم السّلام،و ليس هذا منه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من باب عدم البيان الذي يرجع فيه للبراءة،بل من باب بيان العدم الذي هو نظير بيان العام و إرادة الخاص،فلا بد من توجيهه بما تقدم من حمل الظهور الذي يراد منه خلاف ظاهره على كون مضمونه حكما ظاهريا.

هذا و لكن عرفت أن حمل ما صدر منه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على بيان الحكم الظاهري بعيد جدا،كما عرفت أن عدم تعرضه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لما بينه الأئمة مما كان مورد الابتلاء في عصره صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا دليل عليه،بل لعله بعيد.

نعم لا يبعد انفرادهم عليهم السّلام بالبيان فيما لا يكون مورد الابتلاء في عصره صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و هذا لا ينافي كونه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قد بين جميع الأحكام،التي تقرب من الجنة و تباعد من النار،إذ يكفي في بيانها منه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نصبه للأئمة عليهم السّلام و الإرجاع لهم في معرفة الأحكام،فإن هذا نحو من البيان الإجمالي لما تعرضوا له من الأحكام.

فلاحظ.

(1)يعني:أنه كما يمكن أن يكون مقتضى العموم السابق عدم التكليف مع ثبوته في بعض الأفراد في الواقع،فيكون العموم مستلزما لتفويت التكليف،كذلك يمكن أن يكون مقتضى العموم السابق ثبوت التكليف مع عدم ثبوته لبعض الأفراد في الواقع،فلا يلزم من العموم تفويت التكليف،بل جعل التكليف لمصلحة في نفس التكليف لا في متعلقة،و لا قبح في ذلك.

ص: 383

لمصلحة فيه،لا في المكلف به.

و الحاصل:أن المستفاد من التتبع في الأخبار و الظاهر من خلو العمومات و المطلقات عن القرينة أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جعل الوصي عليه السّلام مبينا لجميع ما أطلقه و أطلق في الكتاب الكريم و أودعه علم ذلك و غيره، و كذلك الوصي بالنسبة إلى من بعده من الأوصياء صلوات اللّه عليهم أجمعين،فبينوا ما رأوا فيه المصلحة و أخفوا ما رأوا المصلحة في إخفائه.

فإن قلت:اللازم من ذلك عدم جواز التمسك بأصالة عدم التخصيص في العمومات،بناء على اختصاص الخطاب بالمشافهين (1) ، أو فرض الخطاب في غير الكتاب (2) ،إذ لا يلزم من عدم المخصص لها في لكن هذا مستلزم لكون مضمون العموم السابق واقعيا لا ظاهريا،و هو مستلزم لكون البيان اللاحق المخالف له ناسخا لا مخصصا،و هو خلاف ما التزم به أولا.

مع أن هذا كما يمكن فيما لو كان العموم السابق متضمنا لعدم التكليف يجري فيما لو كان متضمنا لثبوت التكليف،إذ كما يمكن أن يكون التكليف ناشئا عن مصلحة في نفسه لا في متعلقة،كذلك يمكن أن يكون الترخيص ناشئا عن مصلحة فيه على خلاف المصلحة في متعلقة المقتضية لجعل التكليف.

(1)بل حتى في حق المشافهين المقصود بالإفهام،لعين ما سيذكره من العلة.

و لعله لذا قال بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه في توجيه الإشكال:«ما ذكر يوجب سد باب التمسك بالظواهر للمخاطبين و غيرهم».

(2)أما الكتاب فربما يقال بأن المقصود بالإفهام به يعم غير المشافهين،و لا مجال لذلك في السنة لما هو المعلوم صدورها بما يناسب حال المخاطبين بنحو يظهر منه كونهم هم المقصودين بالإفهام.

ص: 384

الواقع إرادة العموم،لأن المفروض-حينئذ-جواز تأخير المخصص عن وقت العمل بالخطاب.

قلت:المستند في إثبات أصالة الحقيقة بأصالة عدم القرينة قبح الخطاب بالظاهر المجرد و إرادة خلافه،بضميمة أن الأصل (1) الذي استقر عليه طريقة التخاطب هو أن المتكلم لا يلقي الكلام إلا لأجل إرادة تفهيم معناه الحقيقي أو المجازي،فإذا لم ينصب قرينة على إرادة تفهيم المجاز تعين إرادة الحقيقة فعلا،و حينئذ فإن أطلعنا على التخصيص المتأخر كان هذا كاشفا عن مخالفة المتكلم لهذا الأصل لنكتة،و أما إذا لم نطلع عليه و نفيناه بالأصل فاللازم الحكم بإرادة تفهيم الظاهر فعلا من المخاطبين، فيشترك الغائبون معهم.

ترجيح التقييد على التخصيص عند تعارض الإطلاق و العموم

و منها:تعارض الإطلاق و العموم،فيتعارض تقييد المطلق و تخصيص العام.

و لا إشكال في ترجيح التقييد على ما حققه سلطان العلماء من كونه حقيقة،لأن الحكم بالإطلاق من حيث عدم البيان،و العام بيان،فعدم البيان للتقييد جزء من مقتضى الإطلاق (2) ،و البيان للتخصيص مانع عن (1)العمدة هو الأصل المذكور الذي العقلاء على الرجوع إليه في المقام فهم الكلام.و أما القبح فلا ينفع بعد فرض وجود الغرض العقلائي المصحح للخروج عن مقتضى الأصل و الرافع لقبحه.

(2)لكن المراد به عدم البيان في مقام التخاطب،لا عدم البيان مطلقا و لو بدليل منفصل.و لذا كان التقييد المنفصل من سنخ المزاحم لظهور المطلق في الإطلاق،لا من سنخ المانع منه كالمتصل.

ص: 385

اقتضاء العام للعموم،فإذا دفعنا المانع عن العموم بالأصل،و المفروض وجود المقتضى له،ثبت بيان التقييد و ارتفع المقتضي للإطلاق،فالمطلق دليل تعليقي (1) ،و العام دليل تنجيزي (2) ،و العمل بالتعليقي موقوف على طرح التنجيزي لتوقف موضوعه على عدمه (3) ،فلو كان طرح التنجيزي متوقفا على العمل بالتعليقي و مسببا عنه لزم الدور (4) .بل هو (5) يتوقف على حجة أخرى راجحة عليه.

و أما على القول بكونه مجازا فالمعروف في وجه تقديم التقييد كونه و حينئذ لا يصلح العام المعارض للمطلق لأن يكون مانعا من مقتضى الإطلاق حتى لا يصلح الإطلاق لمزاحمته بدعوى أن مقتضى الإطلاق تعليقي و مقتضي العموم تنجيزي،كما ذكره المصنف قدّس سرّه.

فالعمدة في تقديم العموم على الإطلاق و ترجيح التقييد على التخصيص أن ظهور العام في العموم أقوى من ظهور المطلق في الإطلاق،كما سيأتي من المصنف قدّس سرّه في الهامش.

(1)لتوقفه على عدم البيان.

(2)لتوقفه على الظهور المفروض تحققه و انعقاده على مقتضى العموم.

(3)لأن العام يكون بيانا رافعا لمقتضى الإطلاق،بناء على أنه يكفي في البيان الرافع للإطلاق البيان المنفصل.

(4)لعل الأولى أن يقول:فلو كان التعليقي سببا لطرح التنجيزي و مزاحما له لزم الدور،لأن صلوح التعليقي للمزاحمة موقوف على تمامية مقتضية،و هو موقوف على طرح التنجيزي،فلو كان التعليقي سببا في طرحه كان التعليقي علة لنفسه و لزم الدور.

(5)يعني:طرح التنجيزي.

ص: 386

أغلب من التخصيص.و فيه تأمل (1) .

نعم إذا استفيد العموم الشمولي من دليل الحكمة (2) كانت الإفادة غير مستندة إلى الوضع كمذهب السلطان في عموم البدلى (3) .

و مما ذكرنا يظهر حال التقييد مع ساير المجازات (4) .

تقديم التخصيص عند تعارض العموم مع غير الإطلاق

و منها:تعارض العموم مع غير الإطلاق من الظواهر (5) .و الظاهر (1)في هامش للمصنف قدّس سرّه مطبوع مع بعض النسخ:«وجه التأمل أن الكلام في التقييد بالمنفصل،و لا نسلم كونه أغلب.

نعم دلالة ألفاظ العموم أقوى من دلالة المطلق و لو قلنا أنها بالوضع».و ما ذكره أخيرا هو العمدة في الترجيح،كما تقدم.

(2)و مرجع هذا إلى الإطلاق الشمولي كما في:أحل اللّه البيع،لا إلى العموم، فإن الفرق بين العموم و الإطلاق استناد الأول للوضع و الثاني لمقدمات الحكمة، و إن كان قد يظهر من بعض كلماتهم،كون المراد بالعموم هو ما يقتضي الشمول، و بالإطلاق ما يقتضي البدلية و الأمر سهل،إذ لا مشاحة في الاصطلاح.

(3)و حينئذ يتعين تقديم العموم الوضعي عليه،لأن الدلالة الوضعية أقوى من الدلالة المستندة لمقدمات الحكمة،لاستناد الأولى إلى ما هو المقتضي للبيان، و استناد الثانية إلى أن البيان بيان العدم.فلاحظ.

(4)فإنه إن كان مجازا مثلها كان معارضا لها،إلا أن يفرض كون الدلالة على الإطلاق أضعف من الدلالة على سائر المعاني الحقيقية.و إن كان حقيقة لزم تقديمه عليها،لأن مقتضى الوضع فيها يكون بيانا مانعا من تمامية مقتضيه،على ما تقدم في العموم و تقدم الكلام فيه.

(5)المستندة إلى دلالة الكلام على المفهوم او إلى أصالة عدم الإضمار أو عدم الاستخدام و غير ذلك.

ص: 387

المعروف تقديم التخصيص،لغلبته و شيوعه.

و قد يتأمل في بعضها مثل ظهور الصيغة في الوجوب فإن استعمالها في الاستحباب شايع أيضا،بل قيل (1) بكونه مجازا مشهورا،و لم يقل ذلك في العام المخصص.فتأمل (2) .

تقديم الجملة الغائية على الشرطية،و الشرطية على الوصفية

و منها:تعارض ظهور بعض ذوات المفهوم من الجمل مع بعض.و الظاهر تقديم الجملة الغائية على الشرطية (3) ،و الشرطية على الوصفية (4) .

(1)كما في المعالم حيث التزم بذلك في الأحاديث المروية عن الائمة عليهم السّلام.

(2)قال بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه:«أمر بالتأمل فيه في الكتاب نظرا إلى ما أفاده في مجلس المذاكرة من أن شيوع استعمال الأمر في الندب نوعا لا يجدي بالنسبة إلى الأمر الذي وقع في حيز العام على ما هو محل الكلام.فتدبر».

و لعله أشار بالأمر بالتدبر إلى أن وقوع الأمر في حيز العام إن كان بمعنى ورود الأمر في مورد العام الصريح أو الظاهر في عدم الوجوب مع كونهما في كلامين فمن الظاهر أن ملاك تقديم أحد الظاهرين كونه من سنخ المزاحم الأقوى،فمع فرض أقوائية أحد الظهورين نوعا يتعين ترجيحه.

و إن كان بمعنى وقوعهما في كلام واحد بحيث يمنع أحدهما من انعقاد ظهور الآخر فهو خارج عن محل الكلام،إذ الكلام في تعارض الدليلين لا تصادم مقتضى الظهورين في كلام واحد.مع أن ملاك التقديم في مثل ذلك هو أيضا أقوائية أحد الظهورين نوعا،حيث يكون هو المانع من انعقاد الظهور على طبق الآخر.

فلاحظ.

(3)لكثرة استعمال الشرطية فاقدة للمفهوم.

(4)بناء على أن لها مفهوم.

ص: 388

و منها:تعارض ظهور الكلام في استمرار الحكم (1) مع غيره من الظهورات،فيدور الأمر بين النسخ و ارتكاب خلاف ظاهر آخر.

ترجيح كل الاحتمالات على النسخ

و المعروف ترجيح الكل على النسخ،لغلبتها بالنسبة إليه.

و قد يستدل على ذلك بقولهم عليهم السّلام:«حلال محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حلال إلى يوم القيامة،و حرامه حرام إلى يوم القيامة».

و فيه:أن الظاهر (2) سوقه لبيان استمرار أحكام محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نوعا من قبل اللّه جل ذكره إلى يوم القيامة،في مقابل نسخها بدين آخر،لا بيان استمرار أحكامه الشخصية إلا ما خرج بالدليل،فالمراد أن حلاله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حلال من قبل اللّه جل ذكره إلى يوم القيامة،لا أن الحلال من قبله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حلال من قبله إلى يوم القيامة،ليكون المراد استمرار حليته.

و أضعف من ذلك التمسك باستصحاب عدم النسخ في المقام، لأن (3) الكلام في قوة أحد الظاهرين و ضعف الأخر،فلا وجه لملاحظة (1)عرفت في المسألة الأولى إنكار الظهور المذكور،و أن البناء على عدم النسخ لأصالة عدمه.و من ثم كان اللازم تقديم بقية الظهورات عليها،لأن الأصل لا يزاحم الظهور.

نعم عرفت أنه لا مجال لذلك في الأدلة الشرعية،لظهورها في كون مؤداها ثابتا من أول الأمر في عصر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.فراجع.

(2)هذا لو لم يكن هو الظاهر في نفسه فلا أقل من لزوم الحمل عليه بعد المفروغية عن وقوع النسخ،بل كثرته في الشريعة،فإن ذلك صالح لصرفه إلى هذا المعنى،و هو أولى من تخصيص الحديث المذكور بموارد النسخ الخاصة.

(3)تعليل لقوله:«و أضعف...».

ص: 389

الأصول العملية في هذا المقام.مع أنا إذا فرضنا عاما متقدما و خاصا متأخرا فالشك في تكليف المتقدمين بالعام و عدم تكليفهم فاستصحاب الحكم السابق لا معنى (1) له،فيبقى ظهور الكلام في عدم النسخ معارض بظهوره في العموم.

ثم إن هذا التعارض إنما هو عدم ظهور الخاص في ثبوت حكمه في الشريعة ابتداء،و إلا تعين التخصيص (2) .نعم لا يجري في مثل العام المتأخر عن الخاص (3) .

(1)للشك في أصل حدوث الحكم و احتمال عدم إرادته من ظاهر الدليل من أول الأمر.

(2)إذ ليس في النسخ حينئذ عمل بأحد الدليلين،بخلاف التخصيص،لأن فيه عمل بالخاص.لكن هذا بنفسه لا يقتضي تعين التخصيص،إذ يمكن فرض أن يكون التصرف في كلا الدليلين بالنسخ أهون من التصرف في العام بالتخصيص، لأن ظهوره في العموم أقوى من ظهوره في الاستمرار و ظهور الخاص في ثبوت حكمه من أول الأمر.مع أن الكلام ليس في الدوران بين النسخ و التخصيص،بل بين النسخ و غير التخصيص من الأمور المخالفة للظهور.نعم قد يجري فيها نظير ذلك.فلاحظ.

(3)لأن مرجع الشك في النسخ إلى الشك في ارتفاع حكم الخاص مع اليقين بحدوثه فلا مانع من جريان الاستصحاب،لو لا ما سبق من الإشكال في استصحاب أحكام الشرائع السابقة.

و التحقيق:أن أصالة عدم النسخ من الأصول العقلائية غير المتبينة على الاستصحاب.نعم عرفت أنها لا تنهض بمعارضة الظهور و أن اللازم رفع اليد عنها بالظهور لو لا قوة ظهور الأدلة في ثبوت مضمونها من أول الأمر المانع من البناء

ص: 390

تقديم الحقيقة على المجاز و المناقشة فيه

و منها:ظهور اللفظ في المعنى الحقيقي مع ظهوره مع (1) القرينة في المعنى المجازي،و عبروا عنه بتقديم الحقيقة على المجاز،و رجحوها عليه.

فإن أرادوا أنه إذا دار الأمر بين طرح الوضع اللفظي بإرادة المعنى المجازي و بين طرح مقتضى القرينة في الظهور المجازي بإرادة المعنى الحقيقي فلا أعرف له وجها،لأن ظهور اللفظ في المعنى المجازي إن كان مستندا إلى قرينة لفظية فظهوره مستند إلى الوضع (2) ،و إن استند إلى حال أو قرينة منفصلة قطعية فلا يقصر عن الوضع،و إن كان ظنا معتبرا فينبغي تقديمه على الظهور اللفظي المعارض (3) ،كما يقدم على ظهور اللفظ المقرون به.إلا أن يفرض ظهوره ضعيفا يقوى عليه بخلاف ظهور الدليل المعارض،فيدور الأمر بين ظاهرين أحدهما أقوى من الآخر.و إن أرادوا به معنى آخر فلا بد من التأمل فيه.

هذا بعض الكلام في تعارض النوعين المختلفين من الظهور.

تعارض الصنفين المختلفين في الظهور

أما الصنفان المختلفان من نوع واحد فالمجاز الراجح الشائع مقدم على غيره،و لهذا يحمل الأسد في:«أسد يرمي»على الرجل الشجاع دون على النسخ.فراجع ما سبق في المسألة الأولى.

(1)أما لو كان مع القرينة نصا في المعنى المجازي فلا إشكال في تقديم المعنى المجازي حينئذ.

(2)فيكون من تعارض المعنيين الحقيقيين،و اللازم تقديم الأقوى دلالة و مع عدمه يتوقف.

(3)لما تقدم من أنه لا مجال للرجوع إلى أصالة الظهور مع قيام الحجة على عدم إرادة الظاهر.

ص: 391

الرجل الأبخر،و يحمل الأمر المصروف عن الوجوب على الاستحباب دون الإباحة.

و أما تقديم بعض أفراد التخصيص على بعض.

فقد يكون بقوة عموم أحد العامين على الآخر،إما لنفسه-كتقديم الجمع المحلى باللام على المفرد المعرف و نحو ذلك-و إما بملاحظة المقام، فإن العام المسوق لبيان الضابط أقوى (1) من غيره و نحو ذلك.

و قد يكون لقرب أحد التخصيصين و بعد الآخر،كما يقال:إن [تخصيص خ.ل] (2) الأقل أفرادا مقدم على غيره،فإن العرف يقدم عموم يجوز أكل كل رمان،على عموم النهي عن أكل كل حامض (3) ،لأنه أقل فردا فيكون أشبه بالنص.و كما إذا كان التخصيص في أحدهما تخصيصا لكثير من الأفراد،بخلاف الآخر.

(1)لظهوره في التحديد و يبعد التسامح فيه.

(2)حذفت هذه الكلمة من بعض النسخ،و هو المناسب لكلام المصنف قدّس سرّه.

(3)فلو قدم عموم النهي على عموم الإباحة لزم تخصيص عموم الإباحة بخصوص الرمان غير الحامض،و لو قدم عموم الإباحة لزم تخصيص عموم النهي بخصوص الحامض غير الرمان،و الثاني أولى لما يظهر من المصنف قدّس سرّه من أن أفراد الرمان أقل من أفراد الحامض،بل لأن حمل عموم إباحة الرمان على خصوص غير الحامض و إخراج الحامض منه إخراج للفرد الشائع منه،بخلاف تخصيص النهي عن الحامض بغير الرمان.فلاحظ.

ص: 392

بيان انقلاب النسبة
اشارة

بقي في المقام شيء:

و هو أن ما ذكرنا من حكم التعارض من أن النص يحكم على الظاهر،و الأظهر على الظاهر لا إشكال في تحصيله في المتعارضين،و أما إذا

التعارض بين أزيد من دليلين

كان التعارض بين أزيد من دليلين فقد يصعب تحصيل ذلك،إذ قد يختلف حال التعارض[من خ.ل]بين اثنين منها بملاحظة أحدهما مع الثالث.

مثلا قد يكون النسبة بين الاثنين العموم و الخصوص من وجه، و ينقلب بعد تلك الملاحظة إلى العموم المطلق،و بالعكس،أو إلى التباين.

و قد وقع التوهم في بعض المقامات(فنقول)توضيحا لذلك:

إذا كانت النسبة بين المتعارضات واحدة

إن النسبة بين المتعارضين المذكورة إن كانت نسبة واحدة فحكمها حكم المتعارضين.

لو كانت النسبة العموم من وجه

فإن كانت النسبة العموم من وجه وجب الرجوع إلى المرجحات (1) ، مثل قوله:يجب إكرام العلماء،و يحرم إكرام الفساق،و يستحب إكرام (1)يعني الدلالية المتقدمة.و مع عدمها يجري ما تقدم من الترجيح بين الدليلين أو التوقف أو التخيير.

ص: 393

الشعراء.فيعارض الكل في مادة الاجتماع (1) .

لو كانت النسبة عموما مطلقا

و إن كانت النسبة عموما مطلقا (2) فإن لم يلزم محذور من تخصيص العام بهما،خصص بهما مثل المثال الآتي و إن لزم محذور-مثل قوله:يجب إكرام العلماء،و يحرم إكرام فساق العلماء،و يكره إكرام عدول العلماء،فإن اللازم من تخصيص العام بهما بقاؤه بلا مورد فحكم ذلك كالمتباينين،لأن مجموع الخاصين مباين للعام.

ما توهمه بعض المعاصرين

و قد توهم بعض من عاصرناه فلاحظ العام بعد تخصيصه ببعض الأفراد بإجماع و نحوه مع الخاص المطلق الآخر،فإذا ورد:أكرم العلماء، و دل من الخارج دليل على عدم وجوب إكرام فساق العلماء،و ورد أيضا:

لا تكرم النحويين،كانت النسبة على هذا بينه و بين العام بعد إخراج الفساق عموما من وجه.

و لا أظن يلتزم بذلك فيما إذا كان الخاصان دليلين لفظين،إذ لا وجه لسبق ملاحظة العام مع أحدهما على ملاحظته مع الآخر.

و إنما يتوهم ذلك في العام المخصص بالإجماع أو العقل لزعم أن المخصص المذكور يكون كالمتصل،فكأن العام استعمل فيما عدا ذلك الفرد المخرج،و التعارض إنما يلاحظ بين ما استعمل فيه لفظ كل من الدليلين،لا بين ما وضع اللفظ له و إن علم عدم استعماله فيه،فكان (1)و هو الشاعر العالم الفاسق،و الشاعر العالم العادل،و الشاعر الفاسق الجاهل،و العالم الفاسق غير الشاعر.

(2)بأن يكون أحدهما أعم من كل واحد من البواقي مطلقا.

ص: 394

المراد بالعلماء في المثال المذكور عدولهم،و النسبة بين و بين النحويين عموم من وجه.

دفع التوهم المذكور

و يندفع بأن التنافي في المتعارضين إنما يكون بين ظاهري الدليلين (1) ، و ظهور الظاهر إنما[إما أن خ.ل]يستند إلى وضعه،و إما أن يستند إلى قرينة المراد،و كيف كان فلا بد من إحرازه حين التعارض و قبل علاجه،إذ العلاج راجع إلى دفع المانع (2) ،لا إلى إحراز المقتضي،و العام و المذكور بعد ملاحظة تخصيصه بذلك الدليل العقلي إن لوحظ بالنسبة إلى وضعه للعموم مع قطع النظر عن تخصيصه بذلك الدليل فالدليل المذكور و المخصص اللفظي سواء في المانعية عن ظهوره في العموم،فيرفع اليد عن الموضوع بهما.

و إن لوحظ بالنسبة إلى المراد منه بعد التخصيص بذلك الدليل فلا ظهور له في إرادة العموم باستثناء ما خرج بذلك الدليل إلا بعد إثبات كونه (3) تمام المراد،و هو غير معلوم إلا بعد نفي احتمال مخصص آخر و لو بأصالة عدمه،و إلا (4) فهو مجمل مردد بين تمام الباقي و بعضه، (1)دون ما استعمل فيه الدليل واقعا،لأن ما استعمل فيه الدليل واقعا هو المراد الجدي الذي يمتنع إرادة خلافه إلا بنحو البداء و النسخ،و المفروض في محل الكلام عدمهما.

(2)يعني:دفع المانع من حجية الدليل مع تمامية مقتضيه من الظهور و الصدور و غيرهما.

(3)يعني:كون الباقي الخارج عن دليل التخصيص.

(4)يعني:لو لم ينتف احتمال مخصص آخر.

ص: 395

لأن (1) الدليل المذكور (2) قرينة صارفة عن العموم،لا معينة لتمام الباقي و أصالة عدم المخصص الآخر في المقام غير جارية مع وجود المخصص اللفظي (3) ،فلا ظهور له في تمام الباقي حتى يكون النسبة بينه و بين المخصص اللفظي عموما من وجه.

و بعبارة أوضح:تعارض العلماء بعد إخراج فساقهم مع النحويين إن كان قبل علاج دليل النحويين و رفع مانعيته فلا ظهور له (4) حتى يلاحظ النسبة بين ظاهرين،لأن (5) ظهوره يتوقف على علاجه و رفع تخصيصه بلا تكرم النحويين (6) .و إن كان بعد علاجه و دفعه فلا دافع له (7) ،بل هو كالدليل الخارجي المذكور دافع من مقتضى وضع العموم.

(1)تعليل لقوله:«و إلا فهو مجمل...».

(2)يعني:الدال على عدم وجوب إكرام فساق العلماء.

(3)فيكون المخصص اللفظي المذكور رافعا للمقتضي في العام،لأنه لا ظهور له في العموم إلا بضميمة عدم المخصص،فمقتضى العام تعليقي،و مقتضى المخصص تنجيزي لأنه مستند إلى ظاهر لفظه من دون ثبوت مخصص له،و المقتضي التنجيزي مقدم عند التعارض،لأنه رافع للمقتضي التعليقي،كما هو ظاهر.فلاحظ.

(4)يعني:لعموم:أكرم العلماء.

(5)تعليل لقوله:«فلا ظهور له».

(6)لما تقدم من أن العام المخصص لا ظهور له في إرادة تمام الباقي إلا بضميمة نفي احتمال مخصص آخر و لو بأصالة عدم التخصيص التي لا تجري مع وجود مخصص آخر،و هو في المقام«لا تكرم النحويين».

(7)يعني:لتخصيصه به.

ص: 396

نعم لو كان المخصص متصلا بالعام من قبيل الصفة و الشرط و بدل البعض،كما في:«أكرم العلماء العدول»أو«إن كانوا عدولا»أو«عدولهم» صحت ملاحظة النسبة بين هذا التركيب الظاهر في تمام الباقي (1) و بين المخصص اللفظي المذكور و إن (2) قلنا بكون العام المخصص المتصل مجازا،إلا أنه يصير حينئذ من قبيل:«أسد يرمى» (3) ،فلو ورد مخصص منفصل آخر كان مانعا لهذا الظهور.

و هذا بخلاف العام المخصص بالمنفصل (4) ،فإنه لا يحكم (1)يعني:بنفسه،من دون حاجة إلى ضم أصالة عدم التخصيص.

(2)(إن)هنا وصلية.

(3)يعني:مما يستند فيه الظهور إلى نفس الكلام من دون حاجة إلى ضم أصالة عدم القرنية.

(4)لكن سبق أن محل كلام من عاصره ما إذا كان المخصص دليلا لبيا، كحكم العقل و الإجماع،و قد سبق منه قدّس سرّه أن الوجه في التفصيل المذكور دعوى أن الدليل المذكور كالمخصص المتصل،فكان المناسب التعرض لهذه النكتة في رد كلامه.

و الذي ينبغي أن يقال:إن الدليل اللبي يختلف وضوحا و خفاء فتارة:يكون من الوضوح بحيث يعد من القرائن المتصلة التي تمنع من انعقاد ظهور العام في العموم لمورده،بحيث يصح اتكال المتكلم عليه في مقام التخاطب.

و أخرى:يكون خفيا محتاجا إلى نحو من الفحص أو التأمل.و الأول بحكم المخصص المتصل يكون العام معه بحسب ظهوره اللفظي ظاهرا في تمام الباقي، بخلاف الثاني.

هذا كله بناء على ما ذكره المصنف قدّس سرّه من أن عموم العام بعد التخصيص لا

ص: 397

بمجرد (1) وجدان مخصص منفصل بظهوره (2) في تمام الباقي إلا بعد إحراز عدم مخصص آخر.

فالعام المخصص بالمنفصل لا ظهور له في المراد منه،بل هو قبل إحراز (3) جميع المخصصات مجمل مردد بين تمام الباقي و بعضه،و بعده ظهور له في إرادة تمام الباقي إلا بضميمة أصالة عدم التخصيص،و لا مقتضي له بدونها.إذ على هذا يكون مقتضي العام معلقا على عدم الخاص،أما مقتضي الخاص فهو لما كان مستندا إلى ظاهر لفظه،فهو تنجيزي مقدم على المقتضي التعليقي،كما تقدم.لكنه غير ظاهر،بل ظهور العام بالإضافة إلى جميع أفراده مقتض تنجيزي للحجية،من دون فرق بين ثبوت التخصيص له في الجملة و عدمه و أصالة عدم التخصيص قبل ثبوت المخصص للعام مثلها بعد ثبوته في أنها لدفع احتمال المزاحم للحجية،لا أنها متممة لمقتضيها.

و حينئذ فيلزم التفصيل في المخصص اللبي بالوجه المتقدم،فإن كان بنحو يمنع من انعقاد ظهور العام في العموم كان كالمخصص المتصل في أن النسبة معه بين العام و الخاص الآخر العموم من وجه،و إلا كانت النسبة بين العام و المخصص الآخر العموم المطلق.

نعم لما كان ملاك تقديم أحد العامين على الآخر هو كون ظهوره في خصوصية مورده أقوى من ظهور الآخر فربما يكون الخاص في الصورة الأولى متعينا للتقديم لأقوائيته و إن كانت النسبة بينه و بين العام العموم من وجه.فلاحظ.

(1)متعلق بقوله:«لا يحكم»و الباء للسببية أو المصاحبة.

(2)متعلق بقوله:«لا يحكم»و الباء للتعدية.

(3)لا يبعد أن يكون المراد من إحراز المخصصات إحراز حالها من حيث الوجود و العدم،لا إحراز خصوص وجودها.

ص: 398

يتعين إرادة الباقي بعد جميع ما ورد عليه من التخصيص.

و أما المخصص بالمتصل فلما كان ظهوره مستندا إلى وضع الكلام التركيبي-على القول بكونه حقيقة-أو بوضع لفظ القرينة-بناء على كون لفظ العام مجازا صح اتصاف الكلام بالظهور لاحتمال (1) إرادة خلاف ما وضع له التركيب أو لفظ القرينة.

و الظاهر أن التخصيص بالاستثناء من قبيل المتصل،لأن مجموع الكلام ظاهر في تمام الباقي،و لذا يفيد الحصر،فإذا قال:لا تكرم العلماء إلا العدول،ثم قال:أكرم النحويين،فالنسبة عموم من وجه،لأن إخراج غير العادل من النحويين (2) مخالف لظاهر الكلام الأول.

و من هنا يصح أن يقال:إن النسبة بين قوله:«ليس في العارية ضمان إلا الدينار و الدرهم»و بين ما دل على ضمان الذهب و الفضة عموم من وجه،كما قواه غير واحد من متأخري المتأخرين،فيرجح الأول،لأن دلالته بالعموم (3) ،و دلالة الثاني بالإطلاق (4) ،أو يرجع إلى عمومات (1)هذا يصلح تعليلا لوصف الكلام بالظهور في مقابل وصفه بالخصوصية، لا في مقابل وصفه بالإجمال الذي هو محل الكلام.

(2)صفة لغير العادل،لا متعلق بالإخراج.يعني:أن إخراج غير العادل للنحوي من عموم حرمة الإكرام و الحكم بوجوب إكرامه لعموم أكرم النحويين، مخالف لظاهر الحصر المستفاد من الاستثناء في الكلام الأول.

(3)هذا مبني على أن النكرة في سياق النفي من أدوات العموم لا الإطلاق، و هو غير بعيد.

(4)من حيث أن إطلاق الذهب و الفضة شامل لغير الدراهم و الدنانير،

ص: 399

نفي الضمان (1) .

خلافا لما ذكره بعضهم من أن تخصيص العموم (2) بالدرهم أو الدينار لا ينافي تخصيصه أيضا بمطلق الذهب و الفضة.

كلام صاحب المسالك في ضمان عارية الذهب و الفضة

و ذكره صاحب المسالك،و أطال الكلام في توضيح ذلك،فقال ما لفظه:

«لا خلاف في ضمانهما-يعني:الدراهم و الدنانير-و إنما الخلاف في غيرهما من الذهب و الفضة،كالحلي المصوغة،فإن مقتضى الخبر الأول (3) و نحوه دخولها (4) ،و مقتضى تخصيص الدراهم و الدنانير خروجهما.

و من الأصحاب من نظر إلى أن الذهب و الفضة مخصصان من عدم الضمان مطلقا،و لا منافاة بينهما و بين الدراهم و الدنانير،لأنهما بعض أفرادهما (5) ،و يستثنى الجميع،و يثبت الضمان في مطلق الجنسين.

و يمكن حمله عليهما جمعا بين المطلق و المقيد،و هو أولى من رفع اليد عن العموم.

(1)يعني:لو فرض استحكام التعارض بين العام و المطلق.

(2)يعني:عموم نفي الضمان.

(3)و هو حسن زرارة أو صحيحة:«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:العارية مضمونة؟فقال:جميع ما استعرته فتوى فلا يلزمك تواه إلا الذهب و الفضة فإنهما يلزمان...».

(4)يعني في الضمان.

(5)فإن العام و الخاص إنما يتنافيان إذا كانا مختلفين في الإيجاب و السلب، دون ما لو كانا متفقين،كما في المقام،فإن ضمان الدراهم و الدنانير لا ينافي ضمان مطلق الذهب و الفضة بوجه.لكن هذا إنما يتم لو كان دليل ضمان الدرهم و الدينار

ص: 400

و منهم من ألتفت إلى أن الذهب و الفضة مطلقان أو عامان بحسب (1) إفادة الجنس المعرف العموم و عدمه،و الدراهم و الدنانير مقيدان أو مخصصان،فيجمع بين النصوص بحمل المطلق على المقيد أو العام على الخاص.

و التحقيق في ذلك أن نقول:إن هنا نصوصا على ثلاثة أضرب:

أحدها:عام في عدم الضمان من غير تقييد،كصحيحة الحلبي عن الصادق عليه السّلام:«ليس على مستعير عارية ضمان و صاحب العارية و الوديعة مؤتمن»،و قريب منها صحيحة محمد بن مسلم عن الباقر عليه السّلام.

و ثانيهما:بحكمها،إلا أنه استثنى مطلق الذهب و الفضة (2) .

و ثالثهما:بحكمها إلا أنه استثنى الدنانير و الدراهم (3) .

مثبتا لضمانهما فقط،لا في مثل المقام حيث كان ظاهره نفي الضمان عن غيرهما أيضا الشامل لمثل الحلي،فيكون منافيا لعموم ضمان الذهب و الفضة،و النسبة بينها عموم من وجه،كما ذكره المصنف قدّس سرّه.

و الحاصل:أن عموم ثبوت الضمان في الذهب و الفضة و إن لم يناف دليل استثناء الدرهم و الدينار بلحاظ عقد الإيجاب إلا أنه ينافيه بلحاظ عقد السلب.

(1)يعني:أن الكلام في أن الذهب و الفضة عامان أو مطلقان مبني على كون الجنس المعرف موضوعا للعموم و عدمه.

(2)كحسن زرارة السابق أو صحيحه.

(3)كحسن عبد اللّه بن سنان أو صحيحه:«قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:لا تضمن العارية إلا أن يكون قد اشترط فيها ضمانا،إلا الدنانير فإنها مضمونة و إن لم يشترط فيها ضمانا».و حسنة عبد الملك بن عمرو عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:ليس على

ص: 401

و حينئذ فلا بد من الجمع،فإخراج الدراهم و الدنانير لازم،لخروجهما على الوجهين الأخيرين (1) ،فإذا خرجا من العموم بقي العموم فيما عداهما بحاله،و قد عارضه التخصيص بمطلق الجنسين،فلا بد من الجمع بينهما بحمل العام على الخاص.

فإن قيل:لما كان الدراهم و الدنانير أخص من الذهب و الفضة وجب تخصيصهما بهما،عملا بالقاعدة،فلا يبقى المعارضة إلا بين العام الأول و الخاص الأخير (2) .

قلنا:لا شك أن كلا منهما مخصص لذلك العام،لأن كلا منهما مستثنى،و ليس هنا إلا أن أحد المخصصين أعم من الآخر مطلقا،و ذلك غير مانع (3) ،فيخصص العام الأول (4) بكل منهما أو تقييد مطلقه،لا أن أحدهما يخصص بالآخر،لعدم المنافاة (5) بين إخراج الذهب و الفضة في صاحب العارية ضمان إلا أن يشترط صاحبها،إلا الدراهم فإنها مضمونة اشترط صاحبها أو لم يشترط».

(1)يعني:لأن خروجهما هو مقتضى الطائفتين الأخيرتين كلتيهما.

(2)يعني:فيخصص به لا غير.

(3)يعني:غير مانع من العمل بهما معا و تخصيص العام بهما،لأنهما متفقان في الحكم،كما لو ورد:أكرم العلماء،و ورد:لا تكرم فساقهم،و ورد:لا تكرم من صحب منهم السلطان.لكن عرفت أن الخاصين و إن لم يتنافيا في عقد الإيجاب إلا أنهما متنافيان في عقد السلب الذي هو مقتضى الحصر المستفاد من الاستثناء.

(4)و هو عموم عدم ضمان العارية.

(5)عرفت المنافاة بين الدليلين في خصوص المقام.

ص: 402

لفظ و الدراهم و الدنانير في لفظ،حتى يوجب الجمع بينهما بالتخصيص أو التقييد.

و أيضا فإن العمل بالخبرين الأخصين لا يمكن،لأن أحدهما (1) لم يخصص إلا الدنانير و أبقى الباقي على حكم عدم الضمان صريحا (2) ، و الأخر لم يستثن إلا الدراهم و أبقى الباقي على حكم عدم الضمان كذلك، فدلالتهما قاصرة،و العمل بظاهر كل منهما (3) لم يقل به أحد،بخلاف الخبر المخصص بالذهب و الفضة.

فإن قيل:التخصيص إنما جعلناه بهما معا (4) ،لا بكل واحد منهما (5) ،فلا يضر عدم دلالة أحدهما على الحكم المطلوب منه.

قلنا:هذا أيضا لا يمنع قصور كل واحد من الدلالة،لأن كل واحد مع قطع النظر عن صاحبه قاصر،و قد وقعا في وقتين في حالتين مختلفتين (6) .

(1)فإن استثناء الدراهم و الدنانير معا لم يرد في خبر من أخبار الباب،بل خبر عبد اللّه بن سنان تضمن استثناء الدنانير فقط،و خبر عبد الملك تضمن استثناء الدراهم فقط.

(2)لعل الأولى أن يقول:ظاهرا،لما هو المعلوم من أن الحصر من سنخ الظواهر لا النصوص الصريحة.

(3)يعني:بظاهر كل منهما وحده،لا بظاهرهما معا،لما هو المعلوم من امتناع العمل بظاهرهما معا،لتنافيهما،فلا يحتاج في رده للإجماع.

(4).يعني:بعد الجمع بينهما بما يرفع التنافي بين ظاهريهما.

(5).يعني:بنحو الانفراد.

(6)يعني:فلا يمكن دعوى:أن أحدهما قرينة على الآخر بنحو ينعقد بهما

ص: 403

فظهر أن إرادة الحصر من كل منهما غير مقصود،و إنما المستثنى فيهما من جملة الأفراد المستثناة (1) .و على تقدير الجمع بينهما بجعل المستثنى مجموع ما استفيد منهما لا يخرجان عن القصور في الدلالة على المطلوب، إذ لا يعلم منهما إلا أن الاستثناء ليس مقصورا على ما ذكر في كل واحد.

فإن قيل:إخراج الدراهم و الدنانير خاصة ينافي إخراج جملة الذهب و الفضة،فلا بد من الجمع بينهما بحمل الذهب و الفضة على الدراهم و الدنانير،كما يجب الجمع بين عدم الضمان المطلق العارية و الضمان لهذين النوعين،لتحقق المنافاة بين الأمرين.

قلنا:نمنع تحقق المنافاة بين الأمرين (2) ،فإن استثناء الدراهم و الدنانير اقتضى بقاء العموم في حكم عدم الضمان في ما عداهما،و قد عارضه الاستثناء الآخر،فوجب تخصيصه به أيضا (3) ،فلا وجه ظهور واحد في إرادتهما معا لا غير،ليكون الظهور المتحصل منهما حجة مخصصة للعمومين،فإن ذلك إنما يتم في الكلامين المتصلين،دون المنفصلين،كما في المقام.

(1)يعني:أن استثناء كل من الدينار و الدرهم ليس بلحاظ خصوصيته، بل من حيث كونه فردا من المستثنى،فلا يمنع من عموم الاستثناء لغيرهما من أفراد الذهب و الفضة،كما هو مقتضى إطلاق الأخبار الأخر.

(2)عرفت المنافاة بلحاظ الحصر المستفاد من الاستثناء،فلا موقع لما ذكره.

نعم بناء على حمل إفراد كل من الدنانير و الدراهم بالاستثناء على كون استثناء كل منهما بلحاظ كونهما فردا من المستثنى لا أنه تمام المستثنى يتجه عدم التنافي كما تقدم.

(3)لأن عموم عدم ضمان العارية في نفسه أعم من الخاص مطلقا،و إن كان بعد تخصيصه بدليل عدم ضمان الدراهم و الدنانير يكون أعم من وجه،لما عرفت من

ص: 404

لتخصيص أحد المخصصين بالآخر.

و أيضا فإن حمل العام (1) على الخاص استعمال مجازي،و إبقاؤه على عمومه حقيقة،و لا يجوز العدول إلى المجاز مع إمكان الاستعمال على وجه الحقيقة،و هو هنا ممكن (2) في عموم الذهب و الفضة،فيتعين،و إنما صرنا إلى التخصيص في الأول (3) لتعينه على كل تقدير.

فإن قيل:إذا كان التخصيص يوجب المجاز وجب تقليله ما أمكن، لأن كل فرد يخرج يوجب زيادة المجاز في الاستعمال،حيث كان حقه أن يطلق على جميع الأفراد و حينئذ فنقول:

قد تعارض هنا مجازان:أحدهما في تخصيص الذهب و الفضة بالدنانير و الدراهم،و الثاني في زيادة تخصيص العام الأول بمطلق الذهب و الفضة على تقدير عدم تخصيصهما (4) بالدنانير و الدراهم،فترجيح أحد المجازين على الآخر ترجيح من غير مرجح.بل يمكن ترجيح تخصيص الذهب أنه لا وجه لانقلاب النسبة في مثل ذلك.

(1)و هو هنا عموم عدم ضمان الذهب و الفضة.

(2)إمكانه موقوف على رفع اليد عن ظهور استثناء الدراهم و الدنانير في الحصر الحقيقي بلحاظ خصوصيتهما،و حمله على الحصر الإضافي أو على كون الاستثناء لهما من حيث كونهما من أفراد المستثنى لاتمام المستثنى،و هو مجاز أو كالمجاز بل لعله أهون من حمل العام على الخاص.نعم عرفت ما يعين الحمل المذكور هنا لانحصار رفع التنافي بين دليلي الدنانير و الدراهم به.

(3)و هو عموم عدم ضمان العارية.

(4)يعني:عدم تخصيص عموم الذهب و الفضة.

ص: 405

و الفضة،لأن فيه مراعاة قوانين التعارض فيه و بين ما هو أخص منه (1) .

قلنا:لا نسلم التعارض بين الأمرين،لأن استعمال العام الأول (2) على وجه المجاز حاصل على كل تقدير إجماعا،و زيادة التجوز في الاستعمال لا يعارض به أصل التجوز في المعنى الآخر (3) ،فإن إبقاء الذهب و الفضة على عمومهما استعمال حقيقي،فكيف يكافيه مجرد تقليل التجوز مع ثبوت أصله.و بذلك يظهر بطلان الترجيح بغير مرجح،لأن المرجح حاصل في جانب الحقيقة.

هذا ما يقتضيه الحال من الكلام على هذين الوجهين و بقى فيه مواضع يحتاج إلى تنقيح».انتهى.

نظرية المصنف في الجمع بين الأدلة الواردة في ضمان العارية

أقول:الذي يقتضيه النظر أن النسبة بين روايتي الدرهم و الدينار- بعد جعلهما كرواية واحدة (4) -و بين ما دل على استثناء الذهب و الفضة (1)و هو استثناء الدراهم و الدنانير،فإن مقتضى قواعد التعارض و الخصوصات المترتبة تقديم الأخص على الخاص و تخصيصه به ثم حمل العام على ما يتحصل منه بعد تخصيصه به.

(2)و هو عموم عدم ضمان العارية.

(3)الظاهر من طريقتهم عدم كون ثبوت المخصص للعام من مرجحات تخصيصه في مورد المعارضة،فإذا ورد:أكرم العلماء،و ورد:لا تكرم الفساق،و ورد:

لا تكرم زيدا-الذي هو عالم عادل-لم يرجح تخصيص الأول بالثاني على العكس لأجل كون الثالث مخصصا للأول على كل حال.فتأمل.

(4)لا يخفى أن جعلها كرواية واحدة موقوف على الجمع بينهما بإلغاء ظهورهما في الحصر الموجب لسقوط العقد السلبي فيهما،فلا ينافي العقد الإيجابي في

ص: 406

من قبيل العموم من وجه،لأن التعارض بين العقد السلبي من الأولى (1) و العقد الإيجابي في الثانية (2) ،إلا أن الأول عام (3) ،و الثاني مطلق (4) ، و التقييد أولى من التخصيص.

و بعبارة أخرى:يدور الأمر بين رفع اليد عن ظاهر الحصر في الدرهم و الدينار و رفع اليد من إطلاق الذهب و الفضة،و تقييدهما أولى.

إلا أن يقال:إن الحصر (5) في كل من روايتي الدرهم و الدينار دليل استثناء مطلق الذهب و الفضة.

اللهم إلا أن يقال:إلغاء ظهورهما في الحصر بالمرة غير ممكن،لصراحتهما في وجود عقد سلبي،فلا بد من حملهما على أن الحصر بلحاظ الجامع بينهما لا بلحاظ خصوصية كل منهما،فاستثناء كل منهما من حيث كونه فردا من المستثنى لا تمام المستثنى.

لكن بعد فرض إلغاء خصوصيتهما و الحمل على الجامع يكون حمل الجامع على مطلق الذهب و الفضة-بقرينة دليل استثنائهما-أقرب من حمله على الجامع بين خصوص الدراهم و الدنانير ثم تخصيص عموم الضمان في الذهب و الفضة به، فيتعين اختيار ذلك في الجمع بين النصوص.و هذا هو العمدة في تقديم دليل استثناء مطلق الذهب و الفضة.فلاحظ.

(1)الدال على عدم ضمان ما عدا الدرهم و الدينار.

(2)الدال على ضمان مطلق الذهب و الفضة.

(3)لاستناده إلى ظهور النكرة في سياق النفي،التي هي من أدوات العموم على الظاهر،كما تقدمت الإشارة إليه.

(4)إذ لا منشأ له إلا إطلاق الذهب و الفضة و عدم تقييدهما.

(5)عرفت أن هذا هو العمدة في تقديم دليل استثناء مطلق الذهب و الفضة، و قد أشار إليه في المسالك.

ص: 407

موهون من حيث اختصاصهما (1) بأحدهما،فيجب إخراج الأخر عن عمومه،فإن ذلك يوجب الوهن في الحصر،و إن لم يكن الأمر كذلك في مطلق العام (2) .و يؤيد ذلك أن تقييد الذهب و الفضة بالنقدين مع غلبة استعارة المصوغ بعيد جدا (3) .

و مما ذكرنا يظهر النظر في مواضع مما ذكره صاحب المسالك في تحرير وجهي المسألة (4) .

إذا كانت النسبة بين المتعارضات مختلفة

و إن كانت النسبة بين المتعارضات مختلفة (5) ،فإن كان فيها ما يقدم (1)يعني:اختصاص كل من الروايتين بأحدهما.

(2)حيث أن ثبوت التخصيص له في الجملة لا يوجب وهنه.و كأن وجه الفرق سهولة التفكيك عرفا بين أفراد العام،بخلاف الحصر،فإنه معنى لا يقبل التفكيك عرفا،فالتصرف في دليله لا بد أن يرجع إلى إلغاء الحصر و حمله على الإضافي، أو على أن ذكر موضوعه بلحاظ كونه فردا لموضوع الحكم لا تمام الموضوع،كما أشار إليه في المسالك،على ما تقدم.

(3)لأنه يستلزم إخراج الفرد الغالب من العموم.لكن هذا إنما يتوجه لو أدعي أن استعمال الذهب و الفضة يبقى على ظاهره في العموم و يقيد العموم بالدراهم و الدنانير،أما لو أدعي أن مقتضى الجمع هو حمل الذهب و الفضة في دليلهما على أنهما للكناية عن الدراهم و الدنانير،لمألوفية ذلك،فلا يلزم المحذور و المذكور،إذ لا عموم-حينئذ-فيهما حتى يلزم إخراج الفرد الغالب منه.فالعمدة ما تقدم.فلاحظ.

(4)أشرنا إلى مواقع النظر في تعقيب كلام صاحب المسالك المتقدم.

(5)تقدم منه الكلام فيما إذا كانت النسبة بين المتعارضات واحدة كالعموم من وجه أو العموم المطلق.

ص: 408

على بعض آخر منها،إما لأجل الدلالة-كما في النص و الظاهر،أو الظاهر و الأظهر-و إما لأجل مرجح آخر (1) ،قدم ما حقه التقديم،ثم لوحظ النسبة مع باقي المعارضات.

فقد تنقلب النسبة و قد يحدث الترجيح،كما إذا ورد:أكرم العلماء، و لا تكرم فساقهم،و يستحب إكرام العدول،فإنه إذا خص العلماء بعدولهم (2) يصير أخص مطلقا من العدول،فيخصص العدول بغير علمائهم.و السر في ذلك واضح،إذ لو لا الترتيب في العلاج لزم إلغاء النص،أو طرح الظاهر المنافي له رأسا (3) ،و كلاهما باطل.

(1)الكلام هنا في المرجح الدلالي لا غير.

(2)لخروج الفساق عنه بقوله:«لا تكرم فساقهم».

(3)توضيح ذلك:أن النسبة بين عموم وجوب إكرام العلماء و عموم استحباب إكرام العدول العموم من وجه،فلو قدم عموم وجوب إكرام العلماء و لم يخصص بدليل حرمة إكرام فساقهم و حكم بوجوب إكرام كل عالم سواء كان عادلا أم فاسقا لزم إلغاء دليل حرمة إكرام فساق العلماء الذي هو نص في مضمونه.

و إن قدم عموم استحباب إكرام العدول و خصص عموم وجوب إكرام العلماء بدليل حرمة إكرام فساقهم،و حكم باستحباب إكرام كل عادل عالما كان أو جاهلا و بحرمة إكرام فساق العلماء لم يبق لدليل وجوب إكرام العلماء مورد و لزم طرحه،فلم يبق إلا تقديم عموم وجوب إكرام العلماء بعد تخصيصه بدليل حرمة إكرام فساقهم فيحكم بوجوب إكرام العلماء العدول،و استحباب إكرام العدول غير العلماء و حرمة إكرام فساق العلماء،كما ذكره المصنف قدّس سرّه.

و لا إشكال فيما ذكره قدّس سرّه لو كان دليل عموم وجوب إكرام العلماء نصا في الوجوب،أما لو كان ظاهرا فيه-كما في المثال،لأن الصيغة ليست نصا في الوجوب-

ص: 409

و قد تنقلب النسبة،فيحدث الترجيح في المتعارضات بنسبة (1) واحدة،كما لو ورد أكرم العلماء،و لا تكرم الفساق،و يستحب إكرام الشعراء،فإذا فرضنا أن الفساق أكثر فردا من العلماء (2) خص بغير العلماء،فيخرج العالم الفاسق عن الحرمة،و يبقى الفرد الشاعر من العلماء الفاسق منه مرددا بين الوجوب و الاستحباب (3) .

فقد يقال بأن تخصيص عموم استحباب إكرام العدول بدليل الأمر بإكرام العدول، لأن ظهور الصيغة في الوجوب ليس بأقوى من ظهور العام في العموم.

لكنه في غير محله،لأقوائية ظهور الأمر في الوجوب من ظهور العام في العموم،لعدم وضوح ذلك،كما أشرنا إليه سابقا،بل لأن الجمع بالوجه المذكور موجب لإلغاء خصوصية العلماء في الحكم،و هو خلاف ظاهر دليل الأمر بإكرامهم، لظهوره في خصوصية العلماء و ميزتهم على الجهال،و ذلك لا يكون إلا بوجوب إكرام عدولهم.

نعم لو لم يخصص عموم الأمر بإكرام العلماء بدليل حرمة إكرام فساقهم كان الجمع بالوجه المذكور محتملا،لعدم اقتضائه إلغاء خصوصية العلماء في الحكم،لأن خصوصيتهم-حينئذ-في استحباب إكرام جميعهم حتى الفساق منهم.فتأمل جيدا

(1)متعلق بقوله:«المتعارضات».

(2)كثرة الأفراد لا أثر لها في تقديم أحد العامين من وجه.نعم ينفع فيه كون مورد الاجتماع هو الفرد الغالب لأحد العامين دون الآخر،بحيث لو قدم العام الآخر فيه لزم حمل العام الأول على الفرد النادر،دون العكس.

(3)فإنه بعد فرض سقوط دليل الحرمة فيه يحتمل الدخول تحت دليل وجوب إكرام العلماء،كما يحتمل الدخول تحت دليل استحباب إكرام الشعراء.

لكن هذا لا يختص بالعالم الشاعر الفاسق،بل يجري في العالم الشاعر العادل

ص: 410

ثم إذا فرض أن الفساق بعد إخراج العلماء أقل (1) فردا من الشعراء خص الشعراء به،و الفاسق الشاعر غير مستحب الإكرام،فإذا فرض صيرورة الشعراء بعد التخصيص بالفساق أقل موردا من العلماء خص دليل العلماء بدليله،فيحكم بأن مادة الاجتماع بين الكل-أعني العالم الشاعر الفاسق-مستحب الإكرام (2) .

و قس على ما ذكرنا صورة وجود المرجح من غير جهة الدلالة لبعضها على بعض (3) .

و الغرض من إطالة الكلام في ذلك التنبيه على وجوب التأمل في علاج الدلالة عند التعارض،لانا قد عثرنا في كتب الاستدلال على بعض الزلات،و اللّه مقيل العثرات.

أيضا.إلا أن يكون غرضه بيان حال الفرد الذي هو مورد اجتماع الأدلة الثلاثة،دون غيره مما يكون مجمعا لدليلين فقط.

(1)تقدم معيار القلة في المقام.

(2)لخروجه عن دليل حرمة إكرام الفساق و دليل وجوب إكرام العلماء.

و الحاصل:أن من جملة مرجحات أحد العامين من وجه على الآخر أن يكون مورد الاجتماع هو الفرد الغالب دون الآخر،كما سبق.و الصور القابلة للفرض كثيرة لا فائدة من إطالة الكلام فيها بعد الالتفات للضابط المذكور.

(3)بأن فرض عدم المرجح الدلالي لبعضها و وصلت النوبة للمرجحات الأخر،فإن أختص الترجيح لأحدها تعين العمل به،و إن كان الترجيح لدليلين على الثالث تعين سقوطه،ثم يتردد الأمر بينهما،فيرجع فيهما إلى التخيير أو التساقط، على ما سبق الكلام فيه.

ص: 411

المرجحات الأخرى
المرجحات غير الدلالية
اشارة

و حيث فرغنا عن بعض الكلام في المرجحات من حيث الدلالة التي هي مقدمة على غيرها فلنشرع في مرجحات الرواية من الجهات الأخر فنقول و من اللّه التوفيق للاهتداء:

قد عرفت (1) أن الترجيح إما من حيث الصدور،بمعنى جعل الصدور أحد الخبرين أقرب من صدور غيره،بحيث لو دار الأمر بين الحكم بصدوره و صدور غيره لحكمنا بصدوره.و مورد هذا المرجح قد يكون في السند،كأعدلية الراوي،و قد يكون في المتن،ككونه أفصح.

و إما (2) أن يكون من حيث جهة الصدور،فإن صدور الرواية قد يكون لجهة بيان الحكم الواقعي،و قد يكون لبيان خلافه لتقية أو غيرها من مصالح إظهار خلاف الواقع،فيكون أحدهما بحسب المرجح أقرب إلى الصدور لأجل بيان الواقع.

(1)تقدم في أول المقام الرابع.

(2)عطف على(إما)في قوله:«قد عرفت أن الترجيح إما من حيث الصدور».

ص: 412

و إما (1) أن يكون من حيث المضمون،بأن يكون مضمون أحدهما أقرب في النظر إلى الواقع (2) .

و أما تقسيم الأصوليين المرجحات إلى السندية و المتنية فهو باعتبار مورد المرجح،لا باعتبار مورد الرجحان (3) .و لذا يذكرون في المرجحات المتنية مثل الفصيح و الأفصح،و النقل باللفظ و المعنى (4) ،بل يذكرون المنطوق و المفهوم،و الخصوص و العموم و أشباه ذلك (5) .و نحن نذكر إن شاء اللّه نبذا من القسمين (6) ،لأن استيفاء الجميع تطويل لا حاجة (1)عطف على(إما)في قوله:«قد عرفت أن الترجيح إما من حيث الصدور».

(2)مع قطع النظر عن نفس الدليلين المتعارضين،و إن كان قد يستلزم قوة أحدهما،كما سيأتي الكلام فيه عند الكلام في المرجح المذكور.و قد يسمى المرجح بالمرجح الخارجي كما سيأتي منه ذلك عند التعرض له.

(3)يعني:أن الأصوليين نظروا في تقسيمهم إلى محل المرجح،و نحن قد نظرنا في تقسيمنا إلى مورد الرجحان أعني الجهة التي تترجح بسبب المرجح، فالأفصحية مثلا من مرجحات المتن بلحاظ التقسيم الأول،لأنها قائمة به،و من مرجحات الصدور بلحاظ التقسيم الثاني لأنها تقتضي الظن بصدور الأفصح.

(4)مع أنهما من مرجحات الصدور بلحاظ تقسيم المصنف قدّس سرّه.

(5)مع أنها من المرجحات الدلالية الخارجة عن الأقسام التي ذكرها المصنف في تقسيمه.

(6)الذي يأتي منه قدّس سرّه التعرض للأقسام الثلاثة.نعم يأتي منه إرجاع القسم لأحد القسمين الأولين.

ص: 413

إليه بعد معرفة أن المناط كون (1) أحدهما أقرب من حيث الصدور عن الإمام عليه السّلام لبيان الحكم الواقعي.

المرجحات السندية
اشارة

أما الترجيح بالسند فبأمور:

العدالة

منها:كون أحد الراويين عدلا و الآخر غير عدل (2) مع كونه مقبول الرواية من حيث كونه متحرزا عن الكذب (3) .

الأعدلية

و منها:كونه أعدل (4) .و تعرف الأعدلية إما بالنص عليها (5) ، و إما بذكر فضائل فيه لم يذكر في الآخر.

الأصدقية

و منها:كونه أصدق مع عدالة كليهما.و يدخل في ذلك كونه أضبط (1)هذا المناط مختص بالقسمين الأولين،و لا يجري في الثالث إلا بناء على رجوعه لهما.

(2)في كون هذا من المرجحات السندية إشكال،فإن ملكة التحرز عن الكذب قد تكون في غير العادل أقوى منها في العادل.

(3)و إلا لم يكن خبره حجة حتى يعارض خبر العدل.

(4)العمدة في مرجحية المرجح المذكور رجوعه إلى الاوثقية أو الأصدقية، و إلا فلو كانت الأعدلية من غير حيثية التحرز عن الكذب لم تصلح للترجيح،نظير ما ذكرناه في العدالة.

(5)يعني:من علماء الرجال و نحوهم.

ص: 414

و في حكم الترجيح بهذه الأمور أن يكون طريق ثبوت مناط القبول في أحدهما أوضح من الآخر و أقرب إلى الواقع،من جهة تعدد المزكي،أو رجحان أحد المزكيين على الآخر.و يلحق بذلك التباس اسم المزكي بغيره من المجروحين و ضعف (1) ما يميز المشترك به.

علو السند

و منها:علو الإسناد،لأنه كلما قلّت الواسطة كان احتمال الكذب أقل،و قد يعارض في بعض الموارد بندرة ذلك (2) و استبعاد الإسناد، لتباعد أزمنة الرواة،فيكون مظنة الإرسال.و الحوالة على نظر المجتهد.

المسندية

و منها:أن يرسل أحد الراويين،فيحذف الواسطة و يسند الآخر روايته،فإن المحذوف يحتمل أن يكون توثيق المرسل له معارضا بجرح جارح،و هذا الاحتمال منفي في الآخر.و هذا إذا كان المرسل ممن تقبل مراسيله،و إلا فلا يعارض المسند رأسا (3) .و ظاهر الشيخ في العدة تكافؤ المرسل المقبول و المسند،و لم يعلم وجهه (4) .

(1)يعني:مع بلوغه مرتبة الحجية.

(2)يعني:ندرة علو الإسناد في الخبر،فلا يظن باتصال السند،لبعد عصر أحد الراويين عن الآخر،بنحو يظن بوجود الواسطة بينهما و كون الخبر مرسلا و إن كان هو خلاف الظاهر من كلام الراوي.

(3)لعدم بلوغ المرسل مرتبة الحجية حتى يعارض المسند الحجة.

(4)قد يقال:إن منشأ قبول المرسل هو اتفاق العصابة على تصحيح ما يصح عن المرسل،و هو لو تم كشف عن الاتفاق على توثيق الوسائط المحذوفة.و هو لو تم قد يوجب ترجيح المرسل المذكور على المسند،إذ قد لا يكون توثيق جميع رجال المسند اتفاقيا.

ص: 415

تعدد الراوي

و منها:أن يكون الراوي لأحد الروايتين متعددا،و راوي الأخرى واحدا،أو يكون رواة إحداهما أكثر،فإن المتعدد يرجح على الواحد،و الأكثر على الأقل،كما هو واضح.و حكى عن بعض العامة عدم الترجيح قياسا على الشهادة و الفتوى.و لازم هذا القول عدم الترجيح بسائر المرجحات (1) أيضا.و هو ضعيف.

أعلائية طريق التحمل

و منها:أن يكون طريق تحمل أحد الراويين أعلى من طريق تحمل الآخر،كأن يكون أحدهما بقراءته على الشيخ،و الآخر بقراءة الشيخ عليه (2) ،و هكذا غيرهما من أنحاء التحمل (3) .

هذه نبذة من المرجحات السندية التي توجب القوة من حيث الصدور،و عرفت أن معنى القوة كون أحدهما أقرب إلى الواقع من حيث اشتماله على مزية موجودة في الآخر،بحيث لو فرضنا العلم بكذب أحدهما و مخالفته للواقع كان احتمال مطابقة ذي المزية للواقع أرجح و أقوى من مطابقة الآخر،و إلا فقد لا يوجب المرجح الظن بكذب الخبر المرجوح، لكنه من جهة احتمال صدق كلا الخبرين،فإن الخبرين المتعارضين لا يعلم غالبا كذب أحدهما،و إنما التجأنا إلى طرح أحدهما بناء على تنافي ظاهريهما و عدم إمكان الجمع بينهما لعدم الشاهد،فيصيران في حكم ما لو (1)يعني:مما لا يرجح الفتوى و الشهادة.

(2)فإن الثاني أرجح،لأن الغفلة من الشيخ في قراءته أبعد منها في سماعه.

(3)فإن القراءة على الشيخ أقرب من إجازته.

ص: 416

وجب طرح أحدهما لكونه كاذبا (1) ،فيؤخذ بما هو أقرب إلى الصدق من الآخر.

و الغرض من إطالة الكلام هنا أن بعضهم تخيل أن المرجحات المذكورة في كلماتهم للخبر من حيث السند أو المتن بعضها يفيد الظن القوي و بعضها يفيد الظن الضعيف و بعضها لا يفيد الظن أصلا،فحكم بحجية الأوليين و استشكل في الثالث،من حيث أن الأحوط الأخذ بما فيه المرجح.و من إطلاق أدلة التخيير،و قوى ذلك بناء على أنه لا دليل على الترجيح بالأمور التعبدية (2) في مقابل إطلاقات التخيير.

و أنت خبير بأن جميع المرجحات المذكورة مفيدة للظن الشأني (3) بالمعنى الذي ذكرنا،و هو أنه لو فرض القطع بكذب أحد الخبرين كان احتمال كذب المرجوح أرجح من صدقه،و إذا لم يفرض العلم بكذب أحد الخبرين فليس في المرجحات المذكورة ما يوجب الظن بكذب الآخر.و لو فرض أن شيئا منها كان في نفسه موجبا للظن بكذب الخبر كان مسقطا للخبر من درجة الحجية (4) و مخرجا للمسألة عن التعارض،فيعد ذلك الشيء موهنا لا مرجحا،إذ فرق واضح عند التأمل بين ما يوجب في نفسه (1)كما أنه قد يظن بصدقهما و يظن بخلل في أحدهما من حيث الجهة.

(2)يعني:التي لا توجب الأقربية للواقع.

(3)عرفت الإشكال في ذلك في مثل العدالة و الأعدلية في الجملة.

(4)هذا بظاهره مبني على أن المناط في الحجية عدم الظن بكذب الخبر،و هو لا يخلو عن إشكال.

ص: 417

مرجوحية الخبر و بين ما يوجب مرجوحيته بملاحظة التعارض و فرض عدم الاجتماع.

المرجحات المتنية
اشارة

و أما ما يرجع إلى المتن (1) فهي أمور:

الفصاحة

منها:الفصاحة،فيقدم الفصيح على غيره،لأن الركيك أبعد من كلام المعصوم عليه السّلام،إلا أن يكون منقولا بالمعنى.

الأفصحية

و منها:الأفصحية ذكر جماعة،خلافا للآخرين.و فيه تأمل،لعدم كون الفصيح بعيدا عن كلام[المعصوم خ.ل]الإمام و لا الأفصح أقرب إليه في مقام بيان الأحكام الشرعية (2) .

استقامة المتن

و منها:اضطراب المتن،كما في بعض روايات عمار.

و مرجع الترجيح بهذه إلى كون متن أحد الخبرين أقرب صدورا من متن الآخر (3) .

و علل بعض المعاصرين الترجيح بمرجحات المتن-بعد أن عدّ هذه (1)تقدم منه عدّ هذا القسم من المرجحات السندية.

(2)إذ المقصود في هذا المقام غالبا البيان بالطريق المتعارف المناسب لفهم المسائل،و ذلك لا يقتضي اختيار الأفصح.نعم لو كان علوّ المتن بالنحو الذي يقارب لسانهم عليهم السّلام و يبعد عن لسان غيرهم كان من المرجحات بلا إشكال.

(3)لكن هذا مختص بالمنقول باللفظ دون المنقول بالمعنى.

ص: 418

منها-بأن مرجع ذلك إلى الظن المختلف بالدلالة،و هو مما لم يختلف فيه علماء الإسلام،و ليس مبنيا على حجية مطلق الظن المختلف فيه (1) .

ثم ذكر في مرجحات المتن النقل باللفظ،و الفصاحة و الركاكة، و المسموع من الشيخ بالنسبة إلى المقرئ عليه،و الجزم بالسماع من المعصوم عليه السّلام على غيره (2) ،و كثيرا من أقسام مرجحات الدلالة،كالمنطوق و المفهوم،و الخصوص و العموم،و نحو ذلك.

و أنت خبير بأن مرجع الترجيح بالفصاحة و النقل باللفظ إلى رجحان صدور أحد المتنين بالنسبة إلى الآخر،فالدليل عليه هو الدليل على اعتبار رجحان الصدور،و ليس راجعا إلى الظن في الدلالة المتفق عليه بين علماء الإسلام.

و أما مرجحات الدلالة (3) فهي من هذا الظن المتفق عليه،و قد عدها من مرجحات المتن جماعة كصاحب الزبدة و غيره.

و الأولى ما عرفت من أن هذه من قبيل النص و الظاهر و الأظهر و الظاهر،و لا تعارض بينهما و لا ترجيح في الحقيقة،بل هي من موارد الجمع المقبول.فراجع.

(1)يعني:أن هذه الأمور توجب الظن بالدلالة الذي لا خلاف في حجيته لرجوعه إلى حجية الظواهر،و ليس هو مبنيا على حجية مطلق الظن التي هي محل الكلام.

(2)لعله إشارة للمضمرات التي يحتمل كونها مسموعة من غير الإمام عليه السّلام.

و إن كان هو خلاف الظاهر و لا يعتد به مع عدم التعارض.

(3)يعني:التي سبقت في كلام هذا القائل،كالمنطوق و المفهوم،و غيرهما.

ص: 419

المرجحات الجهتية
اشارة

و أما الترجيح من حيث وجه الصدور:

التقية و غيرها من المصالح

بأن يكون أحد الخبرين مقرونا بشيء يحتمل من أجله أن يكون الخبر صادرا على وجه المصلحة المقتضية لبيان خلاف حكم اللّه الواقعي من تقية أو نحوها من المصالح.فهي و إن كانت غير محصورة في الواقع،إلا أن الذي بأيدينا أمارة التقية،و هي مطابقة ظاهر الخبر لمذهب أهل الخلاف،

الترجيح بمخالفة العامة

فيحتمل صدور الخبر تقية عنهم احتمالا غير موجود في الخبر الآخر.

قال في العدة:«إذا كان رواة الخبرين متساويين في العدد عمل بأبعدهما من قول العامة و ترك العمل بما يوافقه»انتهى.

و قال المحقق في المعارج بعد نقل العبارة المتقدمة عن الشيخ:

«و الظاهر أن احتجاجه في ذلك برواية رويت عن الصادق عليه السّلام، و هو إثبات مسألة علمية (1) بخبر الواحد.و لا يخفى عليك ما فيه.مع أنه قد طعن فيه فضلاء من الشيعة،كالمفيد و غيره.

(1)يعني:يعتبر فيها العلم،و لا يكفي فيها الظن.و لعل الوجه في ذلك دعوى أنها مسألة أصولية،على ما تردد في كلماتهم من أن المسألة الأصولية لا يكفي فيها الظن.و قد أشرنا إلى الإشكال في ذلك في بعض ما تقدم.

ص: 420

فإن احتج بأن الأبعد لا يحتمل إلا الفتوى (1) ،و الموافق للعامة يحتمل التقية فوجب الرجوع إلى ما لا يحتمل.

قلنا:لا نسلم أنه (2) لا يحتمل إلا الفتوى،لأنه كما جاز الفتوى لمصلحة يراها الإمام عليه السّلام،كذلك يجوز الفتوى بما يحتمل التأويل لمصلحة يعلمها الإمام عليه السّلام و إن كنا لا نعلم ذلك.

فإن قال:إن ذلك (3) يسد باب العمل بالحديث.

الوجوه المحتملة في الترجيح بمخالفة العامة:

قلنا:إنما نصير إلى ذلك على تقدير التعارض و حصول مانع يمنع من العمل،لا مطلقا،فلا يلزم سد باب العمل»انتهى كلامه رفع مقامه.

أقول:توضيح المرام في هذا المقام أن ترجيح أحد الخبرين بمخالفة العامة يمكن أن يكون بوجوه:

الوجه الأول

الأول:مجرد التعبد،كما هو ظاهر كثير من أخباره (4) .و يظهر من المحقق استظهاره من الشيخ قدّس سرّهما.

(1)يعني:بالحكم الواقعي.

(2)يعني:الأبعد عن موافقة العامة.

(3)يعني:التوقف لأجل احتمال الفتوى بما يقبل التأويل لمصلحة يعلمها الإمام عليه السّلام.

(4)يعني:أخبار الترجيح بمخالفة العامة.لكن لا يخفى أن الأخبار المذكورة و إن لم يتعرض فيها لتعليل الترجيح المذكور بأحد الوجوه الآتية،إلا أنها غير ظاهره في بطلانها،بحيث تكون ظاهرة في كون المرجح المذكور تعبديا.فلاحظ.

ص: 421

الوجه الثاني:الرشد في خالفهم

الثاني:كون الرشد في خلافهم (1) ،كما صرح به في غير واحد من الأخبار المتقدمة (2) ،و رواية علي بن أسباط.

قال:«قلت للرضا عليه السّلام:يحدث الأمر لا أجد بدا من معرفته،و ليس في البلد الذي أنا فيه أحد استفتيه من مواليك.

فقال:ائت فقيه البلد و استفته في أمرك،فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه،فإن الحق فيه».

و أصرح من ذلك كله خبر أبي إسحاق الأرجائي.

قال:«قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:أ تدري لم أمرتم بالأخذ بخلاف ما يقوله العامة؟

فقلت:لا أدري.

فقال:إن عليا صلوات اللّه عليه لم يكن يدين اللّه بشيء إلا خالف عليه العامة إرادة لإبطال أمره،و كانوا يسألونه صلوات اللّه عليه عن الشيء الذي لا يعلمونه،فإذا أفتاهم بشيء جعلوا له ضدا من عندهم (1)فيكون من المرجحات المضمونية الخارجية،لا الجهتية،بخلافه على الوجه الرابع.

(2)لم يتقدم ذلك إلا في المقبولة و المرفوعة،و لا يظهر منهما أن المخالفة بنفسها من المرجحات المضمونية،كالشهرة في الفتوى-كما هو المدعى هنا-بل مجرد الحكم على الخبر المخالف بأن الرشد فيه من دون بيان لوجه ذلك،فلعل الوجه فيه عدم صدوره للتقية بخلاف الآخر.

نعم ما ذكر في هذا الوجه هو المناسب لروايتي على بن أسباط و أبي إسحاق الأرجائي،لظهورهما في كون خلافهم من الأمارات على الواقع.

ص: 422

ليلبسوا على الناس».

الوجه الثالث:حسن المخالفة

الثالث:حسن مجرد المخالفة لهم،فمرجع هذا المرجح ليس إلى الأقربية إلى الواقع،بل هو نظير ترجيح دليل الحرمة على الوجوب،و دليل الحكم الأسهل على غيره.

و يشهد لهذا الاحتمال بعض الروايات مثل (1) قوله عليه السّلام في مرسلة داود بن الحصين:«أن من وافقنا خالف عدونا،و من وافق عدونا في قول أو عمل فليس منا و لا نحن منه».

و رواية الحسين بن خالد:«شيعتنا المسلمون لأمرنا الآخذون بقولنا المخالفون لأعدائنا،فمن لم يكن كذلك فليس منا»فيكون حالهم حال اليهود الوارد فيهم قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«خالفوهم ما استطعتم» (2) .

الوجه الرابع:كون الموافق تقية

الرابع:الحكم بصدور الموافق تقية.و يدل عليه قوله عليه السّلام في رواية:

«ما سمعته مني يشبه قول الناس ففيه التقية،و ما سمعته مني لا يشبه قول الناس فلا تقية فيه»بناء على أن المحكي عنه عليه السّلام مع عدالة الحاكي كالمسموع (1)لا شهادة في هاتين الروايتين للاحتمال المذكور،لظهورها في أن المراد بالمخالفة هي المخالفة التي يكون بها موافقة الأئمة عليهم السّلام و يقابلها الموافقة التي يكون بها مخالفة الأئمة عليهم السّلام،فالمراد أنه بعد أن تميزت الفرقة المحقة التابعة للأئمة عليهم السّلام عن غيرها فاللازم على من ينتسب لها أن يقوم بتمام ما تميزت به،فيتابعهم عليهم السّلام كمال المتابعة و لا يتابع عدوهم فيما خالفهم مكتفيا بالانتساب لهم عليهم السّلام و أين هذا من ترجيح الأخبار الواردة عنهم عليهم السّلام بعضها على بعض بمخالفة العامة و موافقتهم؟!.

(2)الظاهر أن المراد به المخالفة في العادات و الأخلاق التي تميزوا بها حتى صارت شعارا لهم.فتأمل.

ص: 423

منه (1) ،و أن الرواية مسوقة لحكم المتعارضين (2) ،و أن القضية غالبية، لكذب الدائمية (3) .

ضعف الوجه الأول

أما الوجه الأول فمع بعده عن مقام ترجيح أحد الخبرين المبني اعتبارهما على الكشف النوعي (4) ،ينافيه التعليل المذكور في الأخبار (1)إذ لو فرض الجمود على خصوص المسموع-كما هو موضوع الرواية-لم ينفع في ترجيح الروايات الذي هو محل الكلام.لكن الفرض المذكور بعيد جدا.

(2)إذ لو كانت في مقام بيان شروط قبول الرواية كان الموافق خارجا عن الحجية ذاتا.

(3)لم يتضح الوجه في كذب الدائمية بعد البناء على اختصاص الرواية بالمتعارضين،إذ لا طريق لإثبات عدم صدور الموافق للعامة للتقية في مورد واحد، كي يشهد ذلك بعدم كون القضية دائمية.

(4)هذا لا ينافي الترجيح بمرجحات تعبدية،بل لا ينافي اعتبار أمور تعبدية في أصل الحجية لا دخل لها في الكشف النوعي،كاعتبار العدالة في البينة و عدم الاكتفاء بالوثوق،و كاعتبار الحياة عندهم في المفتي و غير ذلك.

فالعمدة في بطلان هذا الوجه عدم الدليل عليه،لما ذكرنا من أن الأخبار الساكتة عن تعليل هذا المرجح لا تقتضي كونه تعبديا بنحو تكشف عن بطلان التعليل بأحد الوجوه المذكورة في النصوص الأخر،بل هي مجملة من هذه الجهة و لا تنهض بإثبات هذا الوجه.

و منه يظهر الإشكال فيما ذكره المصنف قدّس سرّه من رد هذا الوجه بمنافاته للتعليل المذكور في الأخبار المتقدمة.

وجه الإشكال:أنه تقدم منه الاستدلال على هذا الوجه بأنه ظاهر كثير من الأخبار.و حينئذ فإن تم ما ذكره كانت تلك الأخبار منافية لنصوص التعليل فتسقط

ص: 424

المستفيضة المتقدمة (1) .

ضعف الوجه الثالث

و منه يظهر ضعف الوجه الثالث (2) .مضافا إلى صريح رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:ما أنتم و اللّه على شيء مما هم فيه،و لا هم على شيء مما أنتم فيه،فخالفوهم فإنهم ليسوا من الحنفية على شيء (3) ».فقد فرع الأمر بمخالفتهم على مخالفة أحكامهم للواقع،لا مجرد حسن المخالفة.

تعين الوجه الثاني أو الرابع

فتعين الوجه الثاني لكثرة ما يدل عليه من الأخبار و الوجه الرابع (4) ، نصوص التعليل بالمعارضة و لا تنهض بإبطال هذا الوجه.و إن لم تكن نصوص التعليل معارضة بتلك الأخبار لم يحسن الاستدلال لهذا الوجه بتلك الأخبار فكلامه لا يخلو عن تدافع.

(1)و هي أخبار الوجه الثاني.

(2)فإن مجرد حسن مخالفتهم لا دخل له بالكشف النوعي فيبعد الترجيح به بين الخبرين المبني اعتبارهما على الكشف النوعي،كما ذكره في رد الوجه الأول.لكن عرفت الجواب عن ذلك و منع الاستبعاد المذكور،فلا وجه لإبطال هذا الوجه به.

نعم يتوجه رده بمنافاته لنصوص التعليل التي استدل بها للوجه الثاني.لكنه موقوف على عدم تمامية دلالة أو سند النصوص المستشهد بها له-كما تقدم-و إلا كانت معارضة لنصوص التعليل المشار إليها.

(3)الظاهر أن هذه الرواية أجنبية عما نحن فيه،و أن المراد من قوله عليه السّلام:

«فإنهم ليسوا من الحنيفية على شيء»بيان خروجهم عن أصول الدين المعتبرة فيه واقعا فهو لبيان عدم العصمة و الحرمة بيننا و بينهم بحيث يحسن منا التأسي بهم في الأخلاق و غيرها.أو لدفع تهيب الالتزام بالأمور المخالفة لهم لاستبعاد خطئهم مع كثرتهم و تعبدهم بالدين و حملهم لشعاره،و أين هذا مما نحن فيه؟.

(4)الظاهر أنه لا منافاة بين الوجه الرابع و الثاني لإمكان اجتماع العلتين معا

ص: 425

للخبر المذكور و ذهاب المشهور.

الإشكال على الوجه الثاني

إلا أنه يشكل الوجه الثاني بأن التعليل المذكور في الأخبار بظاهره غير مستقيم،لأن خلافهم ليس حكما واحدا حتى يكون هو الحق (1) ، و كون الحق و الرشد فيه بمعنى وجوده في محتملاته-لا ينفع في الكشف عن الحق (2) .

نعم ينفع في الأبعدية عن الباطل لو علم أو احتمل غلبة الباطل على أحكامهم و كون الحق فيها نادرا.و لكنه خلاف الوجدان (3) .

و رواية أبي بصير المتقدمة (4) و إن تأكد مضمونها بالحلف،لكن لا بد من توجيهها،فيرجع الأمر إلى التعبد بعلة الحكم،و هو أبعد من التعبد بنفس و تأكيد إحداهما للأخرى.

(1)مثلا لو كان الحكم عندهم الوجوب فالمخالف لهم هو كل من الأحكام الأربعة الأخر،و من المعلوم عدم كفاية ذلك في معرفة الحق الذي لا يكون إلا حكما واحدا منها.

(2)لكن قد يكشف عنه في خصوص مورد التعارض،لأن الخبر المخالف لهم لما كان واحدا كان هو المعين للحق من بين الوجوه المخالفة لهم.

(3)قد يكون خلاف الوجدان لو أريد به غلبة الباطل على جميع أحكامهم.

أما لو أريد به غلبته في خصوص أحكامهم التي في مورد تعارض الأخبار أو في المسائل النادرة التي يجهل حكم أهل البيت عليهم السّلام فيها،حيث ورد الأمر حينئذ بالأخذ بخلاف العامة،فلا مجال لدعوى كونها خلاف الوجدان.فلاحظ.

(4)عرفت الأشكال في الاستدلال بها لما نحن فيه بوجه يصلح أن يكون توجيها لها.

ص: 426

الحكم (1)

الإشكال على الوجه الرابع

و الوجه الرابع (2) :بأن دلالة الخبر المذكور عليه لا يخلو من خفاء، لاحتمال أن يكون المراد من شباهة أحد الخبرين بقول الناس كونه متفرعا على قواعدهم الباطلة (3) مثل تجويز الخطاء على المعصومين من الأنبياء و الأئمة عليهم السّلام عمدا أو سهوا،و الجبر و التفويض،و نحو ذلك.و قد أطلق الشباهة على هذا المعنى في بعض الإخبار العرض على الكتاب و السنة، حيث قال:«فإن أشبههما فهو حق،و إن لم يشبههما فهو باطل» (4) و هذا الحمل أولى من حمل القضية على الغلبة لا الدوام (5) بعد تسليم الغلبة.

توجيه الوجه الثاني

و يمكن دفع الإشكال في الوجه الثاني عن التعليل في الأخبار بوروده (1)يعني:أنه بعد أن لم يتضح الوجه في التعليل يلزم حمله على كونه تعليلا تعبديا،و هو أبعد من كون أصل الحكم بالترجيح تعبديا-كما هو مفاد الوجه الأول -لأن ظاهر التعليل سوقه لتوضيح وجه الحكم،و هو لا يناسب كونه تعبديا.لكن عرفت إمكان حمل التعليل على خصوص مورد المعارضة أو المسائل التي يندر الابتلاء بها و يجهل حكم أهل البيت عليهم السّلام فيها.

(2)عطف على(الوجه الثاني)في قوله:«إلا أنه يشكل الوجه الثاني».

(3)لا ملزم بتخصيص الرواية بهذا المعنى.نعم لا بأس بدعوى شمولها له و لما نحن فيه من التعارض بين الأخبار المخالفة للعامة و الموافقة لهم.

(4)لم يتضح الوجه في حمل هذه الرواية على المعنى الذي ذكره و إن كان ممكنا.

(5)لا مانع من حملها على الدوام بعد تخصيصها بما سبق،و هو خصوص مورد المعارضة.

ص: 427

على الغالب من انحصار الفتوى في المسألة في الوجهين (1) ،لأن الغالب أن الوجوه في المسألة إذا كثرت كانت العامة مختلفين،و مع اتفاقهم لا يكون في المسألة وجوه متعددة.

توجيه الوجه الرابع

و يمكن أيضا الالتزام بما ذكرنا سابقا من غلبة الباطل في أقوالهم (2) على ما صرح به في رواية الأرجائي المتقدمة.و أصرح منها ما حكي عن أبي حنيفة من قوله (3) :«خالفت جعفرا في كل ما يقول،إلا أني لا أدري أنه يغمض عينيه في الركوع أو السجود أو يفتحهما»و حينئذ فيكون خلافهم أبعد من الباطل.

و يمكن توجيه الوجه الرابع بعدم انحصار دليله في الرواية المذكورة، بل الوجه فيه ما هو تقرر في التراجيح و أستفيد من النصوص (4) و الفتاوى من حصول الترجيح بكل مزية في أحد الخبرين يوجب كونه أقل أو أبعد (1)بل عرفت أنه لا موقع للإشكال في خصوص مورد التعارض،لأن الخبر المخالف لهم لما كان واحدا كان هو المعين للحق من بين الوجوه المخالفة لهم.

(2)قد يشكل ذلك لو أريد به الغلبة في جميع أقوالهم،لكثرة موافقتهم للحق و اتفاقهم معنا.فالأولى تنزيل الغلبة على خصوص مورد التعارض بين النصوص أو مطلق عدم تمييز أقوال الأئمة عليهم السّلام لعدم النص أو تعارض النصوص أو اضطرابها.

و لعله عليه تحمل رواية الأرجائي.

(3)هذا لو صح فلا بد من حمله على نحو من المبالغة،أو على خصوص صورة تميز قول الإمام الصادق عليه السّلام من بين أقوال العامة و مخالفتهم لهم.

(4)بناء على دلالة نصوص الترجيح على الكلية المذكورة،كما تقدم من المصنف قدّس سرّه،في المقام الثالث،و تقدم منا الكلام فيها.

ص: 428

احتمالا لمخالفة الواقع من الآخر،و معلوم أن الخبر المخالف لا يحتمل فيه التقية كما يحتمل في الموافق،على ما تقدم من المحقق قدّس سرّه (1) ،فمراد المشهور من حمل الخبر الموافق على التقية ليس كون الموافقة أمارة على صدور الخبر تقية،بل المراد أن الخبرين لما اشتركا في جميع الجهات المحتملة لخلاف الواقع عدا احتمال الصدور تقية المختص بالخبر الموافق تعين العمل بالمخالف و انحصر محمل الخبر الموافق المطروح في التقية.

و أما ما أورده المحقق من معارضة احتمال التقية باحتمال الفتوى على التأويل.

ففيه:أن الكلام فيما إذا اشترك الخبران في جميع الاحتمالات المتطرقة في السند و المتن و الدلالة،فاحتمال الفتوى على التأويل مشترك،كيف؟و لو فرض اختصاص الخبر المخالف،لما عرفت من أن النص و الظاهر (2) لا يرجع فيهما إلى المرجحات.

و أما ما أجاب به صاحب المعالم عن الإيراد بان احتمال التقية في كلامهم أقرب و أغلب.

(1)كأنه لما تقدم من قوله:«فإن احتج بأن الأبعد لا يحتمل إلا الفتوى و الموافق للعامة يحتمل التقية...قلنا:لا نسلم أنه لا يحتمل إلا الفتوى،لأنه كما جاز الفتوى لمصلحة يراها الإمام عليه السّلام كذلك يجوز الفتوى بما يحتمل التأويل لمصلحة يعلمها الإمام عليه السّلام...»فإن ظاهره المفروغية عن عدم احتمال التقية في المخالف و أن احتمل فيه أمور أخر غير الفتوى بالحق.

(2)لكن تقدم منا أن هذا مختص بما إذا كان مرجع التأويل إلى الجمع العرفي، و لا يبعد كون مراد المحقق من التأويل غير ذلك من التأويلات البعيدة.

ص: 429

ففيه-مع إشعاره بتسليم ما ذكره المحقق من معارضة احتمال التقية في الموافق باحتمال التأويل،مع ما عرفت من خروج ذلك محل الكلام-:

منع أغلبية التقية في الأخبار من التأويل.

و من هنا يظهر أن ما ذكرنا من الوجه في رجحان الخبر المخالف مختص بالمتباينين،و أما في ما كان من قبيل العامين من وجه-بأن كان لكل واحد منهما ظاهر يمكن الجمع بينهما بصرفه عن ظاهره دون الآخر،فيدور الأمر بين حمل الموافق منهما على التقية و الحكم بتأويل أحدهما ليجتمع مع الآخر.

مثلا:إذا ورد الأمر بغسل الثوب من أبوال ما لا يؤكل لحمه،و ورد:

كل شيء يطير لا بأس بخرئه و بوله،فدار الأمر بين حمل الثاني على التقية و بين الحكم بتخصص أحدهما لا بعينه-فلا وجه لترجيح التقية لكونها (1) في الكلام الأئمة عليهم السّلام أغلب من التخصيص.

فالعمدة في الترجيح بمخالفة العامة بناء على ما تقدم (2) من جريان هذا المرجح و شبهه في هذا القسم (3) من المتعارضين هو ما تقدم (4) من (1)هذا التعليل إنما ذكره في المعالم،و لا يبتني على ما ذكره المصنف قدّس سرّه،بل ما ذكره المصنف قدّس سرّه سابقا هو عين ما سيذكره بقوله:«فالعمدة في الترجيح...»، فكلامه لا يخلو عن اضطراب.

(2)في أوائل المقام الرابع.

(3)و هو تعارض العامين من وجه.

(4)تقدم أن العمدة هو إطلاق أدلة المرجحات.

ص: 430

وجوب الترجيح بكل مزية في أحد المتعارضين،و هذا موجود فيما نحن فيه،لان احتمال مخالفة الظاهر قائم في كل منهما،و المخالف للعامة مختص بمزية مفقودة في الآخر و هو عدم احتمال الصدور لأجل التقية.

تلخيص ما ذكرنا

فتلخص:كونه أبعد من الباطل و أقرب إلى الواقع،فيكون مخالفة الجمهور نظير موافقة المشهور من المرجحات المضمونية،على ما يظهر من أكثر أخبار هذا الباب (1) .

و الثاني:من جهة كون المخالف ذا مزية،لعدم احتمال التقية.و يدل عليه ما دل على الترجيح بشهرة الرواية،معللا بأنه لا ريب فيه بالتقريب المتقدم سابقا.

و لعل الثمرة بين هذين الوجهين يظهر لك في ما يأتي إن شاء اللّه (2) .

(1)عرفت أنه لا يقتضيه إلا روايتا علي بن أسباط و أبي إسحاق الأرجائي، و هما غير واردتين في علاج تعارض الأخبار.

(2)عند الكلام في الترتيب بين المرجحات في الأمر الخامس من الأمور التالية.

ص: 431

ص: 432

بقي في هذا المقام أمور:

الأول

الأول:حمل موارد التقية على التورية

أن الخبر الصادر تقية يحتمل أن يراد به ظاهره،فيكون من الكذب (1) المجوز لمصلحة.و يحتمل أن يراد منه تأويل مختف على المخاطب،فيكون من قبيل التورية.و هذا أليق بالإمام عليه السّلام،بل هو اللائق إذا قلنا بحرمة الكذب مع التمكن من التورية.

(1)إنما يكون من الكذب في الخبريات دون الإنشائيات،كالأمر و النهي و نحوهما،بل المتعين فيها الحمل على عدم صدور الكلام لبيان الحكم الواقعي أو على الوجه الثاني الآتي في كلام المصنف قدّس سرّه.

ص: 433

الثاني

الثاني:ما أفاده المحدث البحراني في منشأ التقية
اشارة

أن بعض المحدثين-كصاحب الحدائق-و إن لم يشترط في التقية موافقة الخبر لمذهب العامة لأخبار تخيلها دالة على مدعاه سليمة عما هو صريح في خلاف ما ادعاه،إلا أن الحمل على التقية في مقام الترجيح لا يكون إلا مع موافقة أحدهما،إذ لا يعقل حمل أحدهما بالخصوص على التقية و إن كانا مخالفين لهم (1) .

فمراد المحدث المذكور ليس الحمل على التقية مع عدم الموافقة في مقام الترجيح،كما أورده عليه بعض الأساطين في جملة المطاعن على (1)كأنه لعدم المرجح لأحدهما بالخصوص بعد مخالفتهما معا لهم.لكن لا مانع من ثبوت المرجح لأحدهما في ذلك،لقيام بعض القرائن الموجبة لاختصاصه باحتمال الصدور تقية بالمعنى الذي ذكره صاحب الحدائق قدّس سرّه.

نعم هذا خارج عن المرجح المنصوص،و هو مخالفة العامة أو كون حكامهم إليه أميل،كما تضمنته النصوص المتقدمة.إلا أن مبنى كلام المصنف قدّس سرّه على التعدي عن المرجحات المنصوصة.

ص: 434

ما ذهب إليه من عدم اشتراط الموافقة في الحمل على التقية،بل المحدث المذكور لما أثبت في المقدمة الأولى من مقدمات الحدائق خلو الأخبار عن الأخبار المكذوبة،لتنقيحها و تصحيحها في الأزمنة المتأخرة بعد أن كانت مغشوشة مدسوسة،صح للقائل أن يقول:

فما بال هذه الأخبار المتعارضة التي لا تكاد تجتمع؟فبين في المقدمة الثانية دفع هذا السؤال:بأن معظم الاختلاف من جهة اختلاف كلمات الأئمة عليهم السّلام مع المخاطبين و أن الاختلاف إنما هو منهم عليهم السّلام،و استشهد على ذلك بأخبار زعمها دالة على أن التقية كما يحصل ببيان ما يوافق العامة كذلك يحصل بمجرد إلقاء الخلاف بين الشيعة،كيلا يعرفوا،فيؤخذ برقابهم.

المناقشة فيما أفاده المحدث البحراني

و هذا الكلام ضعيف،لأن الغالب اندفاع الخوف بإظهار الموافقة مع الأعداء و أما الاندفاع بمجرد رؤية الشيعة مختلفين مع اتفاقهم على مخالفتهم (1) فهو و إن أمكن حصوله أحيانا،لكنه نادر جدا، (2) فلا يصار إليه في جلّ الأخبار المختلفة.مضافا إلى مخالفته لظاهر قوله عليه السّلام في الرواية المتقدمة:«ما سمعت مني يشبه قول الناس ففيه التقية،و ما سمعت مني لا يشبه قول الناس فلا تقية فيه» (3) .

(1)ربما يكون ذلك مع اختلاف العامة فيما بينهم،فإن اتفاق الشيعة على ما يتفق مع أحد الأقوال قد يوجب شهرتهم و معرفتهم.

(2)هذا غير ظاهر.

(3)لا يبعد كون المراد في الخبر بالتقية هي الموافقة لهم تقية،لا مطلق صدور

ص: 435

فالذي يقتضيه النظر على تقدير القطع بصدور جميع الأخبار التي بأيدينا-على ما توهمه بعض الإخباريين-أو الظن بصدور جميعها إلا قليل في غاية القلة-كما يقتضيه الإنصاف ممن اطلع على كيفية تنقيح الأخبار و ضبطها في الكتب-هو أن يقال:

منشأ اختلاف الروايات

إن عمدة الاختلاف إنما هي كثرة إرادة خلاف الظواهر في الأخبار، إما بقرائن متصلة اختفت علينا من جهة تقطيع الأخبار،أو نقلها بالمعنى -أو منفصلة مختفية-من جهة كونها حالية معلومة للمخاطبين،أو مقالية اختفت بالانطماس-و إما بغير القرينة لمصلحة يراها الإمام عليه السّلام من تقية على ما اخترناه من أن التقية على وجه التورية أو غير التقية من المصالح الأخر (1) .

و إلى ما ذكرنا ينظر ما فعله الشيخ في الاستبصار من إظهار إمكان الجمع بين متعارضات الأخبار بإخراج أحد المتعارضين أو كليهما عن ظاهره إلى معنى بعيد.

إرادة المحامل و التأويلات البعيدة في الأخبار

و ربما يظهر من الأخبار محامل و تأويلات أبعد بمراتب مما ذكره الشيخ تشهد بان ما ذكره الشيخ من المحامل غير بعيد عن مراد الإمام عليه السّلام، و إن بعدت عن ظاهر الكلام إلا أن يظهر فيه قرينة عليها.

فمنها:ما روى عن بعضهم صلوات اللّه عليهم لما سأله بعض أهل الكلام لا لبيان الحكم الواقعي الذي هو مراد صاحب الحدائق.

(1)لعل من جملة المصالح إحداث الاختلاف بين الشيعة لئلا يعرفوا فيؤخذ برقابهم،كما تضمنته النصوص التي تمسك بها في الحدائق.

ص: 436

العراق،و قال:«كم آية تقرأ في صلاة الزوال؟»فقال له عليه السّلام:(ثمانون) و لم يعد السائل فقال عليه السّلام:«هذا يظن أنه من أهل الادراك»فقيل له عليه السّلام:

«ما أردت بذلك،و ما هذه الآيات؟»فقال:«أردت منها ما يقرأ في نافلة الزوال،فإن الحمد و التوحيد لا يزيد على عشر آيات و نافلة الزوال ثمان ركعات».

و منها:ما روي من أن الوتر واجب،فلما فزع السائل و استفسر قال عليه السّلام:«إنما عنيت وجوبها على النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم».

و منها:تفسير قولهم عليهم السّلام:«لا يعيد الصلاة فقيه»بخصوص الشك بين الثلاث و الأربع.

و مثله تفسير وقت الفريضة في قولهم عليهم السّلام:«لا تطوع في وقت الفريضة»بزمان قول المؤذن:قد قامت الصلاة،إلى غير ذلك مما يطلع عليه المتتبع.

و يؤيد ما ذكرنا من أن عمدة تنافي الأخبار ليس لأجل التقية ما ورد مستفيضا (1) من عدم جواز رد الخبر و إن كان مما ينكر ظاهره حتى إذا قال للنهار أنه ليل،و لليل أنه نهار،معللا ذلك بأنه يمكن أن يكون له محمل لم يتفطن السامع له فينكره فيكفر من حيث لا يشعر[فلو خ.ل]فإن كان عمدة التنافي من جهة صدور الأخبار المنافية بظاهرها لما في أيدينا من الأدلة تقية لم يكن في إنكار كونها من الإمام عليه السّلام (1)لا يخفى أن إرادة خلاف الظاهر من دون نصب قرينة عليه قد يكون لداعي التقية،فما ذكره المصنف قدّس سرّه لا يدفع ما نقله عن صاحب الحدائق.

ص: 437

مفسدة (1) فضلا عن كفر الراد.

(1)لا يخفى أنه لو فرض إرادة الإمام عليه السّلام للمعنى المخالف للظاهر لأجل التقية-نظير التورية كما سبق-فإنكار الرواية إنكار لذلك المعنى،فيلزم الرد على الإمام عليه السّلام فيما أراده.

ص: 438

الثالث

الثالث:أنواع التقية

أن التقية قد تكون من فتوى العامة،و هو الظاهر من إطلاق موافقة العامة في الأخبار.

و أخرى من حيث أخبارهم التي رووها،و هو المصرح به في بعض الأخبار (1) .لكن الظاهر أن ذلك محمول على الغالب من كون الخبر مستندا للفتوى.

و ثالثة:من حيث عملهم،و يشير إليه قوله عليه السّلام في المقبولة المتقدمة:

«ما هم إليه أميل قضاتهم و حكامهم (2) ».

و رابعة:بكونه أشبه بقواعدهم و أصول دينهم و فروعه،كما يدل (1)كما تضمنه الخبر الرابع من الأخبار المتقدمة المتضمنة للمرجحات،و هو ما عن رسالة القطب الراوندي.

(2)هذا ظاهر في إرادة موافقة فتواهم و لو كان منشأ الفتوى موافقة حكام الجور.و أما مجرد الموافقة لعملهم من دون فتوى لهم على طبق العمل فلا دلالة في الخبر عليه.

ص: 439

عليه الخبر المتقدم (1) .

و عرفت سابقا قوة احتمال إرادة التفرع على قواعدهم الفاسدة، و يخرج الخبر حينئذ عن الحجية و لو مع عدم المعارض،كما يدل عليه عموم الموصول (2) .

(1)و المتضمن لقوله عليه السّلام:«ما سمعته مني يشبه قول الناس ففيه التقية».

(2)يعني:في الخبر المذكور.و ربما يقتضيه مع قطع النظر عن الخبر أن التفرع على قواعد العامة من القرائن النوعية على صدور الخبر للتقية،و معه لا بناء للعقلاء على أصالة صدور الكلام لبيان الحكم الواقعي.

ص: 440

الرابع

الرابع:الملاك في مرجحية التقية
اشارة

أن ظاهر الأخبار كون المرجح موافقة جميع الموجودين في زمان الصدور (1) أو معظمهم على وجه يصدق الاستغراق العرفي (2) ،فلو وافق بعضهم بلا مخالفة الباقين (3) فالترجيح به مستند إلى الكلية المستفادة (1)هذا مبني على كون المرجح المذكور جهتيا راجعا إلى احتمال التقية في الموافق،أما على بقية الوجوه المتقدمة فيختلف المعيار في الموافقة و المخالفة،كما يظهر بالتأمل في تلك الوجوه.

(2)لأن ظاهر إطلاق العامة إرادة الاستغراق،نظير الجمع المحلى باللام، و إنما لم يعتبر الاستغراق الحقيقي،لبعد تحققه و بعد الاطلاع عليه.

(3)بأن لم يعلم رأي الباقين في المسألة،أو علم بأنه لا رأي لهم فيها بأن لم يتعرضوا لها.و لا يبعد أن يكون نظير ذلك ما لو كانوا على قولين،و كان أحد الخبرين موافقا لأحد القولين،و الآخر مخالفا لهما معا،فإن الخبر الآخر و إن كان مخالفا للكل، إلا أن الترجيح بمخالفة الكل إنما بين الخبرين الذين يكون أحدهما موافقا للعامة و الآخر مخالفا لهم،و المفروض أنه لا موافق من الخبرين لهم جميعا.فلاحظ.

ص: 441

من الأخبار من الترجيح بكل مزية (1) .

و ربما يستفاد من قول السائل في المقبولة«قلت:يا سيدي هما معا موافقان للعامة»أن المراد بما وافق العامة أو خالفهم في المرجح السابق يعم ما وافق البعض و خالفه.

و يرده أن ظهور الفقرة الأولى في اعتبار الكل أقوى من ظهور هذه الفقرة في كفاية موافقة البعض،فيحمل على إرادة صورة عدم وجود هذا المرجح في شيء منهما (2) و تساويهما من هذه الجهة،لا صورة وجود هذا (1)التي عليها يبتني التعدي عن المرجحات المنصوصة.

(2)يعني:بعدم الترجيح حينئذ لعدم تحقق موضوع المرجح المذكور، المستلزم لاختصاص المرجح بموافقة الكل،لا لتزاحم جهة الترجيح المستلزم لعموم المرجح لموافقة البعض.

لكن هذا خلاف ظاهر الحديث،إذ لو فهم السائل من الترجيح بموافقة العامة و مخالفتهم إرادة الكلّ لكان المناسب له أن يقول:إذ كان كلا الخبرين غير موافق للعامة،و لا مخالف لهم،فالتعبير بموافقة الخبرين للعامة أو موافقتهما ظاهر في أنه أراد تحقق المرجح المذكور في كليهما المستلزم لكون موافقة البعض و مخالفتهم كافية في تحقق المرجح حسبما فهمه السائل من كلام الإمام عليه السّلام،و يكون فهمه بالوجه المذكور قرينة يرفع بها اليد عن ظهور الجمع المحلى باللام في الاستغراق،و هو المرتكز عرفا،فإنه إذا فرض كون المرجح المذكور مضمونيا،لأن الأصل في فتواهم المخالفة للواقع لم يفرق بين الكل و البعض،و كذا إذا فرض كون المرجح جهتيا،لأن موافقة البعض كموافقة الكل مما يقوي احتمال التقية.

و يؤيد ذلك تضمن بعض النصوص أن المعيار في هذا المرجح على موافقة أخبار العامة،فإن المنصرف منه و إن كان خصوص ما لو كانت فتواهم على طبق

ص: 442

المرجح في كليهما و تكافؤهما من هذه الجهة.

لو كان كل واحد من الخبرين المتعارضين موافقا لبعض العامة

و كيف كان فلو كان كل واحد موافقا لبعضهم مخالفا لآخرين منهم وجب الرجوع إلى ما يرجح في النظر ملاحظة التقية منه (1) .

و ربما يستفاد ذلك من أشهرية فتوى أحد البعضين في زمان الصدور (2) ،و يعلم ذلك بمراجعة أهل النقل و التاريخ،فقد حكي عن تواريخهم:أن عامة أهل الكوفة كان عملهم على فتوى أبي حنيفة و سفيان الثوري و رجل آخر،و أهل مكة على فتاوى ابن أبي جريح،و أهل المدينة على فتاوى مالك،و أهل البصرة على فتاوى عمان و سوادة،و أهل الشام على فتاوى الاوزاعي و الوليد،و أهل مصر على فتاوى الليث بن سعيد،و أهل خراسان على فتاوى عبد اللّه بن المبارك الزهري.و كان فيهم أهل الفتاوى الأخبار،إلا أن الظاهر أنه يكفي في ذلك عمل بعضهم بالأخبار،و لا يتوقف على عمل الكل و فتواهم بها.و لا سيما مع قلة اتفاقهم على رأي واحد،و شيوع الخلاف بينهم إلا في المسائل المهمة التي صارت شعارا لهم،كتحريم متعة النكاح،و في مثل ذلك يكون رأي الشيعة واضحا غالبا،فحمل نصوص الترجيح على خصوص صورة مخالفة البعض داخله في المرجح المنصوص،و لا يتوقف الترجيح بها على التعدي عن المرجحات المنصوصة.

(1)لا إشكال في خروج ذلك عن المرجح المنصوص إلا في الصورة الآتية فالبناء على الترجيح فيه بما ذكره المصنف قدّس سرّه مبني على التعدي عن المرجحات المنصوصة.

(2)لا يبعد استفادة الترجيح بذلك من قوله عليه السّلام في المقبولة:«ينظر إلى ما هم أميل إليه حكامهم و قضاتهم...»فلاحظ.

ص: 443

من غير هؤلاء،كسعيد بن المسيب و عكرمة و ربيعة الراوي و محمد بن شهاب الزهري،إلى أن استقر رايهم بحصر المذاهب في الأربعة سنة خمس و ستين و ثلاثمائة،كما حكي.

و قد يستفاد ذلك (1) من الإمارات الخاصة،مثل قول الصادق عليه السّلام حين حكي له فتوى ابن أبي ليلى في بعض مسائل الوصية:«أما قول ابن أبي ليلى فلا أستطيع رده».

و قد يستفاد من ملاحظة أخبارهم المروية في كتبهم،و لذا أنيط الحكم في بعض الروايات بموافقة أخبارهم.

(1)يعني:تعيين من يتقى منه من العامة.

ص: 444

الخامس

الخامس:مرتبة المرجح الجهتي
اشارة

قد عرفت أن الرجحان بحسب الدلالة لا يزاحمه الرجحان بحسب الصدور،و كذا لا يزاحمه هذا الرجحان-أي الرجحان من حيث جهة الصدور-فإذا كان الخبر الأقوى دلالة موافقا للعامة قدم على الأضعف المخالف،لما عرفت من أن الترجيح بقوة الدلالة من الجمع المقبول الذي هو مقدم على الطرح.

تقدم المرجح الصدوري على الجهتي

أما لو زاحم الترجيح بالصدور الترجيح من حيث جهة الصدور، بأن كان الأرجح صدورا موافقا للعامة،فالظاهر تقديمه على غيره و إن كان مخالفا للعامة،بناء على تعليل الترجيح بمخالفة العامة باحتمال التقية في الموافق،لأن هذا الترجيح ملحوظ في الخبرين بعد فرض صدورهما قطعا،كما في المتواترين،أو تعبدا كما في الخبرين بعد عدم إمكان التعبد بصدور أحدهما و ترك التعبد بصدور الآخر (1) ،و فيما نحن فيه يمكن (1)لعدم المرجح الصدوري فيهما.

ص: 445

ذلك[و الترجيح خ.ل]بمقتضى أدلة الترجيح من حيث الصدور.

فإن قلت:إن الأصل في الخبرين الصدور (1) ،فإذا تعبدنا بصدورهما اقتضى ذلك الحكم بصدور الموافق تقية،كما يقتضى ذلك الحكم بإرادة خلاف الظاهر في أضعفهما دلالة،فيكون هذا المرجح نظير الترجيح بحسب الدلالة مقدما على الترجيح بحسب الصدور (2) .

قلت:لا معنى للتعبد بصدورهما مع وجوب حمل أحدهما المعين على التقية،لأنه إلغاء لأحدهما في الحقيقة (3) ،و لذا لو تعين حمل خبر غير معارض على التقية على تقدير الصدور لم يشمله أدلة التعبد بخبر العادل.

نعم لو علم بصدور الخبرين لم يكن بدّ من حمل الموافق على التقية و إلغائه،و أما إذا لم يعلم بصدورهما-كما في ما نحن فيه من المتعارضين- فيجب الرجوع إلى المرجحات الصدورية (4) ،فإن أمكن ترجيح أحدهما (1)عملا بعموم دليل الحجية الشامل لهما معا،و لا موجب للرجوع للمرجحات الصدورية فيهما.

(2)نعم لو تعذر الترجيح الجهتي تعذر التعبد بالسندين و وجب الرجوع للمرجحات السندية.

(3)إذ أثر التعبد بالصدور هو العمل،فمع فرض حمل الخبر على التقية و سقوطه عن مقام العمل لا أثر للتعبد بالصدور.

(4)لم يتضح الوجه في ذلك،إذ ليس هناك ما يقتضي تقديم المرجح الصدوري،و توضيح ذلك:أن التعبد بالحكم الذي يتضمنه الخبر متوقف على التعبد بصدوره و جهته و ظهوره،فمع عدم التعبد بأحدها لا مجال لإحراز الحكم الذي يترتب عليه العمل و يتقوم به الأثر،فيلغو التعبد ببقية الجهات المذكورة،لعدم

ص: 446

و تعينه من حيث التعبد بالصدور دون الآخر تعين،و إن قصرت اليد عن هذا الترجيح كان عدم احتمال التقية في أحدهما مرجحا.

فمورد هذا المرجح (1) تساوي الخبرين من حيث الصدور،إما علما، كما في المتواترين،أو تعبدا،كما في المتكافئين من الآحاد.و أما ما وجب فيه التعبد بصدور أحدهما المعين دون الآخر فلا وجه لإعمال هذا المرجح فيه، لأن جهة الصدور متفرع على أصل الصدور (2) .

و الفرق بين هذا الترجيح و الترجيح في الدلالة المتقدم على الترجيح بالسند:أن التعبد بصدور الخبرين على أن يعمل بظاهر أحدهما و بتأويل الآخر بقرينة ذلك الظاهر ممكن غير موجب لطرح دليل أو أصل (3) ، الأثر،فكما لا أثر للتعبد بصدور خبر يحمل على التقية لا أثر للتعبد بجهة خبر لا يتعبد بصدوره،و حينئذ لا موجب لتقديم النظر في الترجيح من بعض الجهات على بعض الجهات الأخر.و قد تقدم في قاعدة أن الجمع أولى من الطرح ما له نفع في المقام.

(1)يعني:المرجح الجهتي.

(2)لأن الجهة من عوارض الكلام الصادر فهي متفرعة على أصل الصدور تفرع العرض عن العروض،و حينئذ فلا معنى للتعبد بجهة الكلام الذي لم يثبت صدوره و لم يتعبد له.لكن هذا و إن كان مسلما إلا أنه لا ينهض بوجه تقديم المرجح الصدوري على المرجح الجهتي بعد ما تقدم من الارتباطية بين الصدور و الجهة في ترتب الأثر و العمل،فلاحظ.

(3)لترتب العمل على الخبر بما يناسب التأويل،فلا يلزم طرحه.مضافا إلى ما عرفت من خروجه عن التعارض عرفا.

ص: 447

بخلاف التعبد بصدورهما ثم حمل أحدهما على التقية الذي هو في معنى إلغائه و ترك التعبد به.

هذا كله على تقدير توجيه الترجيح بالمخالفة باحتمال التقية.أما لو قلنا بأن الوجه في ذلك كون المخالف أقرب إلى الحق و أبعد من الباطل- كما يدل عليه جملة من الأخبار-فهي من المرجحات المضمونية و سيجيء حالها مع غيرها.

ص: 448

المرجحات الخارجية
اشارة

أما المرجحات الخارجية.

و قد أشرنا إلى أنها على قسمين:

الأول:ما يكون غير معتبر بنفسه.

و الثاني:ما يعتبر بنفسه،بحيث لو لم يكن هناك دليل كان هو المرجع.

[القسم الأول]

القسم الأول:ما يكون غير معتبر في نفسه
اشارة

فمن الأول:شهرة أحد الخبرين:

شهرة أحد الخبرين

إما من حيث رواته[روايته خ.ل]بأن اشتهر روايته بين الرواة،بناء على كشفها عن شهرة العمل (1) .

أو اشتهار (2) الفتوى به و لو مع العلم بعدم استناد المفتين إليه.

(1)إذ مع قطع النظر عن شهرة العمل تكون من المرجحات الصدورية، كما تقدم.

(2)عطف على قوله:«أما من حيث روايته».

ص: 449

كون الراوي أفقه

و منه:كون الراوي له افقه من راوي الآخر في جميع الطبقات،أو في بعضها،بناء على أن الظاهر عمل الأفقه به (1) .

مخالفة أحد الخبرين للعامة

و منه:مخالفة أحد الخبرين للعامة،بناء على ظاهر الأخبار المستفيضة الواردة في وجه الترجيح بها (2) .

كل أمارة مستقلة غير معتبرة

و منه:كل أمارة مستقلة غير معتبرة وافقت مضمون أحد الخبرين، إذا كان عدم اعتبارها لعدم الدليل،لا لوجود الدليل على العدم كالقياس (3) .

الدليل على هذا النحو من المرجح

ثم الدليل على الترجيح بهذا النحو من المرجح ما يستفاد من الأخبار من الترجيح بكل ما يوجب أقربية أحدهما إلى الواقع (4) .و إن كان خارجا عن الخبرين.بل يرجع هذا النوع إلى المرجح الداخلي فإن أحد الخبرين إذا طابق أمارة ظنية فلازمه الظن بوجود خلل في الآخر إما من حيث الصدور،أو من حيث جهة الصدور،فيدخل الراجح فيما لا ريب فيه و المرجوح فيما فيه الريب،و قد عرفت أن المزية الداخلية قد تكون موجبة لانتفاء احتمال موجود في الآخر،كقلة الوسائط و مخالفة العامة،بناء على الوجه السابق (5) ،و قد يوجب و بعد الاحتمال الموجود في ذيها بالنسبة (1)يعني:و فتوى الأفقه أقرب للواقع من غيرها.

(2)تقدم الكلام في ذلك آنفا.

(3)أما مثل القياس فسيأتي الكلام فيه في التنبيه الأول.

(4)و عليه يبتني للتعدي عن المرجحات المنصوصة.

(5)و هو كونه مرجحا جهتيا.

ص: 450

إلى الاحتمال الموجود في الآخر،كالأعدلية و الأوثقية،و المرجح الخارجي من هذا القبيل،غاية الأمر عدم العلم (1) تفصيلا بالاحتمال القريب في أحدهما البعيد في الآخر.بل ذو المزية داخل في الأوثق المنصوص عليه في الأخبار (2) .

و من هنا (3) يمكن أن يستدل على المطلب بالإجماع المدعى في كلام جماعة على وجوب العمل بأقوى الدليلين،بناء على عدم شموله للمقام (4) من حيث (5) أن الظاهر من الأقوى أقواهما في نفسه و من حيث هؤلاء مجرد كون مضمونه أقرب إلى الواقع،لموافقة أمارة خارجية،فيقال (6) في تقريب الاستدلال:إن الأمارة موجبة لظن خلل في المرجوح مفقود في (1)لعل الأولى أن يقول:عدم الظن التفصيلي بالجهة التي يكون بلحاظها الترجيح لترددها بين الصدور و الجهة و الدلالة.

(2)المنصوص عليه في المرفوعة هو ترجيح خبر الأوثق،لا الخبر الذي يكون في نفسه أوثق.مع أن المنصرف منه إرادة الثقة من حيث الصدور،لا ما يعم حيثية الجهة و الظهور،و لذا عدّ قدّس سرّه الأوثقية من المرجحات الصدورية لا غير.هذا مع أن المرفوعة ضعيفة السند،و المقبولة قد تضمنت جعل الأوثقية من مرجحات الحكم لا الرواية.

(3)يعني:بعد إرجاع المرجح الخارجي للمرجح الداخلي.

(4)يعني:عدم شموله للمرجح الخارجي في نفسه مع قطع النظر عن رجوعه للمرجح الداخلي.

(5)تعليل لقوله:«بناء على عدم شموله...».

(6)تفريع و توضيح لقوله:«و من هنا يمكن...».

ص: 451

الراجح،فيكون الراجح أقوى إجمالا من حيث نفسه.

فإن قلت (1) :إن المتيقن من النص و معاقد الإجماع اعتبار المزية الداخلية القائمة بنفس الدليل،و أما الأمارة الخارجية التي دل الدليل على عدم العبرة بها من (2) حيث دخولها في ما لا يعلم (3) فلا اعتبار بكشفها عن الخلل في المرجوح،و لا فرق بينه و بين القياس في عدم العبرة بها في مقام الترجيح كمقام الحجية.

هذا مع أنه لا معنى لكشف الأمارة (4) عن الخلل في المرجوح،لأن الخلل في الدليل من حيث أنه دليل قصور في طريقيته،و المفروض تساويهما في جميع ما له مدخل في الطريقية،و مجرد الظن بمخالفة خبر للواقع لا يوجب خللا في ذلك،لأن الطريقية،و مجرد الظن بمخالفة خبر للواقع لا يوجب خللا في ذلك،لأن الطريقية ليست منوطة بمطابقة الواقع (5) .

قلت:أما النص فلا ريب في عموم التعليل في قوله:«لأن المجمع (1)الظاهر أن هذا الوجه مبني على غض النظر عن إرجاع المرجح الخارجي للمرجح الداخلي.نعم قوله فيما بعد:«هذا مع أنه لا معنى...»وارد للتعقيب على ذلك.فلاحظ.

(2)تعليل لقوله:«دل الدليل على عدم...».

(3)يعني:فما دل على عدم حجية غير العلم يقتضي عدم حجيتها.

(4)يعني:الخارجية التي جعلها المصنف قدّس سرّه من المرجحات المضمونية.

(5)بل هي منوطة بكشف الدليل نوعا عنه،لاشتماله على ما هو الدخيل في الكشف عنه من وثاقة الراوي و نحوها.

ص: 452

عليه لا ريب فيه»و قوله:«دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»لما نحن فيه (1) ، بل قوله:«فإن الرشد فيما خالفهم»و كذا التعليل في رواية الأرجائي:«لم أمرتم بالأخذ بخلاف ما عليه العامة؟»وارد في المرجح الخارجي (2) ،لأن مخالفة العامة نظير موافقة المشهور.

و أما معقد الإجماعات فالظاهر أن المراد منه الأقرب إلى الواقع، و الأرجح مدلولا (3) ،و لو بقرينة ما يظهر من العلماء قديما و حديثا من إناطة الترجيح بمجرد الأقربية إلى الواقع،كاستدلالهم على الترجيحات بمجرد الأقربية مثل ما سيجيء من كلماتهم في الترجيح بالقياس،و مثل الاستدلال على الترجيح بموافقة الأصل بأن الظن في الخبر الموافق له أقوى،و على الترجيح بمخالفة الأصل بأن الغالب تعرض الشارع لبيان ما يحتاج إلى البيان (4) ،و استدلال المحقق على ترجيح أحد المتعارضين (1)تقدم الكلام في ذلك في آخر المقام الثالث.

(2)أشرنا إلى الكلام في دلالة قوله:«فإن الرشد فيما خالفهم»على أن مخالفة العامة من المرجحات الخارجية عند التعرض للقسم الثاني من المرجحات،كما تقدم تسليم دلالة رواية الأرجائي على ذلك.

(3)يعني:و ليس المراد خصوص الأقربية الناشئة من قوة نفس الدليل، كالأوثقية و النقل باللفظ.و قد تقدم منه قدّس سرّه في خاتمة دليل الانسداد الكلام في هذه الجهة بتفصيل.

(4)يعني:و هو المخالف للأصل،دون الموافق له،فتعرض الشارع للمخالف للأصل أقرب من تعرضه للموافق،فيكون أرجح.لكن لا يبعد رجوع هذا التعليل إلى كون مخالفة الأصل من المرجحات الصدورية لا الخارجية.فتأمل.

ص: 453

بعمل أكثر الطائفة بأن (1) الكثرة أمارة الرجحان (2) ،و العمل بالراجح واجب،و غير ذلك مما يجده المتتبع في كلماتهم.

مع أنه يمكن دعوى حكم العقل بوجوب العمل بالأقرب إلى الواقع في ما كان حجيتها من حيث الطريقية.فتأمل (3) .

بقي في المقام أمران:

الترجيح بما ورد المنع عن العمل به كالقياس

أحدهما:أن الأمارة التي قام الدليل على المنع عنها بالخصوص- كالقياس-هل هي من المرجحات أم لا؟ظاهر المعظم العدم،كما يظهر من طريقتهم في كتبهم الاستدلالية في الفقه.

و حكى المحقق في المعارج عن بعض القول بكون القياس مرجحا، حيث قال:

«و ذهب ذاهب إلى أن الخبرين إذا تعارضا و كان القياس موافقا لما تضمنه أحدهما كان ذلك وجها يقتضي ترجيح ذلك الخبر.و يمكن أن يحتج لذلك بأن الحق في أحد الخبرين،فلا يمكن العمل بهما و لا طرحهما (1)متعلق بقوله:«و استدلال...».

(2)لعل هذا راجع إلى كون الكثرة أمارة على رجحان الدليل الذي عمل به الأكثر من حيث نفسه،فيرجع إلى المرجح الداخلي،كما تقدم من المصنف قدّس سرّه تقريبه في خاتمة دليل الانسداد.

(3)لعله إشارة إلى اختصاص ذلك بما إذا كان ملاك الحكم المذكور هو الأقربية الفعلية بنظر المكلف،و ليس كذلك،بل لعل الملاك فيه الأقربية بنظر الشارع،و هي قد تكون فيما هو المرجوح بنظر المكلف.

ص: 454

فتعين العمل بأحدهما،و إذا كان التقدير تقدير المتعارض فلا بد في العمل بأحدهما من مرجح،و القياس يصلح أن يكون مرجحا لحصول الظن به فتعين العمل بما طابقه.

لا يقال:أجمعنا على أن القياس مطروح في الشريعة.

لأنا نقول:بمعنى أنه ليس بدليل،لا بمعنى أنه لا يكون مرجحا لأحد الخبرين،و هذا لأن فائدة كونه مرجحا كونه رافعا للعمل بالخبر المرجوح،فيعود الراجح كالخبر السليم عن المعارض،فيكون العمل به (1) ،لا بذلك القياس (2) .و فيه نظر»انتهى.

و مال إلى ذلك بعض سادة مشايخنا المعاصرين.

و الحق خلافه لأن رفع الخبر المرجوح بالقياس عمل به (3) حقيقة، كرفع العمل بالخبر السليم عن المعارض و الرجوع معه (4) إلى الأصول (5) .

(1)يعني:بالراجح.

(2)يعني:حتى يشمله النهي عن العمل بالقياس.

(3)يعني:بالقياس.

(4)يعني:مع الخبر المعارض بالقياس.

(5)يعني:فكما يكون معارضة الخبر بالقياس-بحيث يسقطه عن الحجية و يرجع معه للأصل-عملا بالقياس و منهيا عنه،كذلك يكون ترجيح أحد المتعارضين بالقياس عملا به،لأنه مستلزم لطرح المرجوح لأجل القياس.

أقول:اللازم النظر في مفاد دليل النهي عن القياس،فإن كان مرجعه إلى النهي عن الاعتناء به و لو في الجملة بحيث يكون وجوده كعدمه اتجه ما ذكره المصنف قدّس سرّه.و إن كان مرجعه إلى النهي عن العمل به الراجع إلى عدم حجيته كان

ص: 455

و أي فرق (1) بين رفع القياس لوجوب العمل بالخبر السليم عن المعارض و جعله كالمعدوم حتى يرجع إلى الأصل،و بين دفعه[رفعه خ.ل]لجواز العمل بالخبر للتكافؤ لخبر آخر (2) و جعله كالمعدوم حتى يتعين العمل بالخبر الآخر.

ثم إن الممنوع هو الاعتناء بالقياس مطلقا (3) ،و لذا استقرت طريقة أصحابنا على هجره في باب الترجيح،و لم نجد موضعا منهم يرجحونه به،و لو لا ذلك لوجب تدوين شروط القياس في الأصول،ليرجح به في الفروع.

مرتبة هذا المرجح بالنسبة للمرجحات الأخرى

الثاني:في مرتبة هذا المرجح بالنسبة إلى المرجحات السابقة.

الفرق بين الأمرين ظاهرا،لأن الخبر لما كان في نفسه حجة فلا يعارضه إلا حجة مثله،فلا يصلح القياس لمعارضته إلا إذا كان حجة مثله.

أما الترجيح بين الخبرين فحيث كان ملاكه-عند المصنف قدّس سرّه-أقربية أحدهما للواقع،فلا يتوقف الترجيح بالقياس إلا على كونه موجبا لأقربية أحد الدليلين و إن لم يكن حجة في نفسه،لما هو المعلوم من عدم اعتبار كون المرجح حجة في نفسه.

هذا و لا يبعد ظهور أدلة النهي عن القياس في الأول.بل قد يظهر من رواية العيون المتقدمة في الرواية الثالثة في أدلة الترجيح النهي عن الترجيح بين الخبرين بالرأي و هو يعم القياس.فلاحظ.

(1)عرفت الفرق بينهما بتوقف الأول على حجية القياس حتى يصلح لمعارضة الحجة،و عدم توقف الثاني عليها،لعدم اعتبار الحجية في المرجح.

(2)بناء على جواز العمل بكل من الخبرين المتكافئين تخييرا.

(3)هذا لو تم مستلزم لعدم الترجيح به،لأنه نحو من الاعتناء به.

ص: 456

فنقول:أما الرجحان من حيث الدلالة فقد عرفت غير مرة تقدمه على جميع المرجحات.نعم لو بلغ المرجح الخارجي إلى حيث يوهن الأرجح دلالة (1) فهو يسقطه عن الحجية (2) ،و يخرج الفرض عن تعارض الدليلين.

و من هنا قد يقدم العام المشهور و المعتضد بالأمور الخارجية الأخر على الخاص (3) .

و أما الترجيح من حيث السند فظاهر مقبولة ابن حنظلة تقديمه على المرجح الخارجي (4) .لكن الظاهر أن الأمر بالعكس،لأن رجحان السند إنما اعتبر لتحصيل الأقرب إلى الواقع،فإن الأعدل أقرب إلى الصدق من غيره،بمعنى أنه لو فرض العلم بكذب أحد الخبرين كان المظنون صدق (1)تمييز من قوله:«الأرجح».

(2)كما لو كشفت الشهرة في الفتوى عن اطلاع المشهور على قرينة صارفة للدليل المخالف للمشهور عن معناه الظاهر فيه،فإنه لا بد من رفع اليد عنه و إن كان في نفسه أقوى دلالة من الدليل الموافق للمشهور.

(3)الظاهر أن هذا غالبا مبني على سقوط الخاص بالإعراض الكاشف عن خلل فيه إجمالا،لا في خصوص الدلالة،بل قد يكون احتمال الخلل في الجهة مثلا.

(4)لتقديم الترجيح فيها بشهرة الرواية على الترجيح بمخالفة العامة بناء على أنه من المرجحات الخارجية لا الجهتية.و أما الترجيح فيها بموافقة الكتاب فهو داخل في القسم الثاني الذي يأتي الكلام فيه،و الكلام هنا فيما لا يكون حجة بنفسه.

إلا أن يكون مراد المصنف قدّس سرّه في خصوص هذه المسألة ما يعم ذلك،كما هو غير بعيد.

ص: 457

الأعدل و كذب العادل،فإذا فرض كون خبر العادل مظنون المطابقة للواقع و خبر الأعدل مظنون المخالفة فلا وجه لترجيحه بالأعدلية (1) ، و كذلك الكلام في الترجيح بمخالفة العامة،بناء على أن الوجه فيه هو نفي احتمال التقية (2) .

(1)لا يخفى أنه كما يكون الترجيح السندي معتبرا من حيث الأقربية للواقع كذلك الترجيح بالمرجح المضموني،و عليه فكما يكون اشتمال المرجوح سندا على المرجح المضموني موجبا للظن بمطابقته للواقع كذلك اشتمال المرجوح المضموني على المرجح السندي يكون موجبا للظن بمطابقته للواقع،فلا وجه لترجيح إحدى الجهتين على الأخرى إلا بقوة مناط الترجيح و هو الظن و الأقربية للواقع.

و أما الترتيب بين المرجحات في الروايات فاللازم-بعد فرض حملها على الترجيح بكل مزية،لأن مناط الترجيح هو الأقربية للواقع-إلغاؤه و حملها على مجرد بيان المرجحات من دون خصوصية تقتضي الترتيب بينها.

(2)فيرجع إلى المرجح الجهتي.و الظاهر أيضا عدم الترتيب بينه و بين المرجح المضموني،لما تقدم في المرجح السندي.و أما لو كان الترجيح بمخالفة العامة من جهة كون الرشد في خلافهم،فهو يكون مرجحا مضمونيا.

ص: 458

[القسم الثاني]

القسم الثاني:ما يكون معتبرا في نفسه:
اشارة

و أما القسم الثاني،و هو ما كان مستقلا بالاعتبار و لو خلى المورد عن الخبرين فقد أشرنا إلى أنه على قسمين:

الأول:ما يكون معاضد المضمون أحد الخبرين.

و الثاني:ما لا يكون كذلك.

الترجيح بموافقة الكتاب و السنة و الدليل عليه
اشارة

فمن الأول الكتاب و السنة،و الترجيح بموافقتها مما تواتر به الأخبار.

و استدل في المعارج على ذلك بوجهين:

أحدهما:أن الكتاب دليل مستقل،فيكون دليلا على صدق مضمون الخبر.

و ثانيهما:أن الخبر المنافي (1) لا يعمل به لو انفرد عن المعارض (2) ، فما ظنك به معه؟انتهى.

و غرضه الاستدلال على طرح الخبر المنافي سواء قلنا بحجيته مع (1)يعني:المخالف للكتاب.

(2)كأنه لما دل على طرح الخبر المخالف للكتاب مطلقا.

ص: 459

معارضته لظاهر الكتاب،أم قلنا بعدم حجيته،فلا يتوهم التنافي بين دليليه (1) .

ثم إن توضيح الأمر في هذا المقام يحتاج إلى تفصيل أقسام ظاهر الكتاب أو السنة المطابق لأحد المتعارضين فنقول:

صور مخالفة ظاهر الكتاب:
اشارة

إن ظاهر الكتاب إذا لوحظ مع الخبر المخالف فلا يخلو عن صور ثلاث:

الصورة الأولى

الأولى:أن يكون على وجه لو خلى الخبر المخالف له عن معارضة المطابق له كان مقدما عليه (2) ،لكونه (3) نصا بالنسبة إليه (4) ، لكونه أخص منه أو غير ذلك،بناء على تخصيص الكتاب بخبر (1)كأن وجه التنافي بين دليليه:أن ظاهر الدليل الأول فرض الخبر المنافي للكتاب حجة في نفسه،و لذا يعارض الخبر الموافق للكتاب و يحتاج في تقديم الموافق إلى ترجيحه بالموافقة من حيث أن الكتاب يكون دليلا على صدقه.أما الدليل الثاني فظاهره سقوط الدليل المنافي عن الحجية رأسا بسبب منافاته للكتاب،فلا يصلح للمعارضة.

و قد ذكر المصنف قدّس سرّه في وجه دفع التنافي أن غرض المحقق قدّس سرّه الاستدلال على طرح المنافي للكتاب على كلا شقي الترديد،فالوجه الأول للأول و الوجه الثاني للثاني.لكن لا يخفى أن طرح المنافي على الوجه الثاني لا يحتاج إلى الاستدلال،لأنه عين الفرض.فلاحظ.

(2)يعني:كان الخبر المخالف مقدما على ظاهر الكتاب.

(3)يعني:لكون الخبر المخالف.

(4)يعني:بالنسبة إلى ظاهر الكتاب.

ص: 460

الواحد (1) ،فالمانع عن التخصيص-حينئذ-ابتلاء الخاص بمعارضة مثله،كما إذا تعارض أكرم زيدا العالم،و لا تكرم زيدا العالم،و كان في الكتاب عموم يدل على وجوب إكرام العلماء.

و مقتضى القاعدة في هذا المقام:

أن يلاحظ أولا جميع ما يمكن أن يرجح به الخبر المخالف للكتاب (2) على المطابق له،فإن وجد شيء منها رجح المخالف به و خصص به الكتاب، لأن المفروض انحصار المانع عن تخصيصه في ابتلائه بمزاحمة الخبر المطابق (1)و إلا كان كالصورة الثانية الآتية.

(2)يظهر من كلام المصنف قدّس سرّه هنا إهمال الترجيح بموافقة الكتاب و النظر في غيرها من المرجحات.و الذي يظهر من مجموع كلامه هنا و فيما يأتي أن الوجه في إهمال عدم صدق المخالفة على المخالفة بالخصوص و العموم،لأن الخاص لو خلي و نفسه لتقدم على العام،و كان من سنخ المفسر لا المعارض.

لكن هذا الوجه لا يصحح إهمال المرجح المذكور هنا،لأن تقديم الخاص على العام و إن كان مسلما،إلا أنه من باب تقديم أقوى الدليلين فهو مبني على مخالفة ظهور العام،و حيث كان ظهور العام من سنخ الأمارات الموجبة لأقربية مضمونها للواقع كان لا محالة صالحا لأن يرجح الخبر الموافق له،و لا وجه لإهماله في مقام الترجيح.

هذا بناء على التعدي عن المرجحات المنصوصة و أن ملاك الترجيح هو الأقربية للواقع.و أما بناء على الجمود عليها فكذلك بناء على عموم ما هو الظاهر من عموم الموافقة و المخالفة لهذه الصورة و عدم اختصاصها بالصورة الثانية و الثالثة للإطلاق،و لا سيما مع خروج الصورة الثانية عن باب تعارض الحجتين،و عدم شيوع الثالثة.فلاحظ.

ص: 461

للكتاب،لأنه مع الكتاب من قبيل النص و الظاهر،و قد عرفت أن العمل بالنص ليس من باب الترجيح،بل من باب العمل بالدليل و القرينة في مقابلة أصالة الحقيقة،حتى لو قلنا بكونها (1) من باب الظهور النوعي، فإذا عولجت المزاحمة بالترجيح صار المخالف كالسليم عن المتعارض، فيصرف ظاهر الكتاب بقرينة الخبر السليم.

و لو لم يكن هناك مرجح.فإن حكمنا في الخبرين المتكافئين بالتخيير-إما لأنه الأصل في المتعارضين،و إما لورود الأخبار بالتخيير-كان اللازم التخيير و أن له أن يأخذ بالمطابق و أن يأخذ بالمخالف،فيخصص به عموم الكتاب، لما سيجيء من أن موافقة أحد الخبرين للأصل لا يوجب رفع التخيير (2) .

و إن قلنا بالتساقط أو التوقف كان المرجح هو ظاهر الكتاب (3) .

فتلخص أن الترجيح بظاهر الكتاب لا يتحقق بمقتضى القاعدة في شيء من فروض هذه الصور.

(1)يعني:بكون أصالة الحقيقة.

(2)لم يتضح دخل هذا بما نحن فيه،إلا أن يكون مراده التنبيه على أنه لا مجال لدعوى ترجيح الموافق بموافقته لأصالة العموم،لأن الأصل لا يوجب رفع اليد عن التخيير بين الخبرين.

لكن يشكل بأن ذلك إنما يتم في الأصل العملي الذي لا يفيد الظن و الأقربية للواقع،و لا يجري في الأصل اللفظي الذي هو راجع إلى لزوم العمل بالأمارة الموجبة للأقربية للواقع،بل يلزم الترجيح به بناء على أن ملاك الترجيح الأقربية للواقع،و كذا بناء على الاقتصار على المرجحات المنصوصة،كما سبق.

(3)لسقوط ما خالفه بالمعارضة.

ص: 462

الصورة الثانية

الثانية:أن يكون (1) على وجه لو خلى الخبر المخالف له عن معارضه لكان مطروحا،لمخالفة الكتاب،كما إذا تباين مضمونها كلية،كما لو كان ظاهر الكتاب في المثال المتقدم وجوب إكرام زيد العالم (2) .

و اللازم في هذه الصورة خروج الخبر المخالف عن الحجية رأسا، لتواتر الأخبار ببطلان الخبر المخالف للكتاب و السنة،و المتيقن من المخالفة هذا الفرد (3) ،فيخرج المفروض[الفرض خ.ل]عن تعارض الخبرين، فلا مورد للترجيح في هذه الصورة أيضا،لأن المراد به تقديم أحد الخبرين لمزية فيه،لا لما يسقط الأخر عن الحجية.و هذه الصورة عديمة المورد فيما بأيدينا من الأخبار المتعارضة.

الصورة الثالثة

الثالثة:أن يكون على وجه لو خلى المخالف له عن المعارض لخالف الكتاب،لكن لا على وجه التباين الكلي،بل يمكن الجمع بينهما بصرف أحدهما عن ظاهره (4) .

و حينئذ فإن قلنا بسقوط الخبر المخالف بهذه المخالفة عن الحجية كان حكمها حكم الصورة الثانية،و إلا كان الكتاب مع الخبر المطابق (1)يعني:ظاهر الكتاب.

(2)فيعارض الخبر الدال على حرمة إكرامه،فيسقطه عن الحجية رأسا مع قطع النظر عن الخبر المعارض له لعدم نهوض خبر الواحد بمعارضة الكتاب.

(3)حيث أنه تقدم في مسألة حجية خبر الواحد أنه لا مجال لحمل المخالفة للكتاب التي دلت الأخبار على كونها مسقطة للخبر عن الحجية على ما يعم المخالفة بالعموم و الخصوص،بل المتيقن منها المخالفة بالتباين.

(4)كما لو كان بينهما عموم من وجه.

ص: 463

بمنزلة دليل واحد عارض الخبر المخالف.و الترجيح حينئذ بالتعارض و قطعية سند الكتاب.

فالترجيح بموافقة الكتاب منحصر في هذه الصورة الأخيرة (1) .

مرتبة هذا المرجح

لكن هذا الترجيح مقدم:على الترجيح بالسند،لأن أعدلية الراوي في الخبر المخالف لا تقاوم قطعية سند الكتاب الموافق للخبر الآخر (2) .

و على الترجيح بمخالفة العامة،لأن التقية غير متصورة في الكتاب الموافق للخبر الموافق للعامة (3) .

(1)تقدم منّا توجيهه في الصورة الأولى أيضا.

(2)هذا لا يشهد بتقديم الموافقة للكتاب رتبة على الأعدلية و نحوها من المرجحات السندية،بل هو راجع إلى أن موافقة الكتاب أقوى مرجحا من الأعدلية، لأن الأعدلية موجبة للظن و الكتاب مقطوع،و حينئذ فلا يجري مثل هذا في مثل شهرة الرواية،التي قد توجب القطع بصدورها،بل يتعين حينئذ مزاحمتها للترجيح بموافقة الكتاب.

(3)الخلل في الجهة لا ينحصر باحتمال التقية،بل يمكن فرضه في غيرها مما يقتضي عدم صدور الكلام لبيان الحكم الواقعي،و ربما يحتمل ذلك في الكتاب.بل لو فرض صدور الكتاب لبيان الحكم الواقعي،إلا أنه أحتمل نسخه،و كان هناك خبران أحدهما يقتضي نسخه،و هو مخالف للعامة،و الثاني يقتضي عدم نسخه،و هو موافق لهم،فإنه يمكن حينئذ فرض الترجيح بين الخبرين بمخالفة العامة،فيزاحم الترجيح بموافقة الكتاب.هذا و لو فرض القطع بعدم كون الموافق للعامة الموافق للكتاب واردا للتقية،بل علم بوروده لبيان الحكم الواقعي إلا أنه يمكن القطع أيضا بذلك في المخالف للعامة،فيقع التزاحم بين جهتي الترجيح،و لا موجب لتقديم الترجيح بموافقة الكتاب من هذه الجهة،كما تقدم في المرجح السندي.

ص: 464

و على المرجحات الخارجية،لأن الأمارة المستقلة المطابقة للخبر الغير المعتبرة لا تقاوم الكتاب المقطوع الاعتبار (1) .و لو فرضت الأمارة المذكورة مسقطة لدلالة الخبر و الكتاب المخالفين لها عن الحجية،لأجل القول بتقييد اعتبار الظواهر بصورة عدم قيام الظن الشخصي على خلافها، خرج المورد عن فرض التعارض.

و لعل ما ذكرنا هو الداعي للشيخ قدّس سرّه (2) في تقديم الترجيح بهذا المرجح على جميع ما سواه من المرجحات،و ذكر الترجيح بها بعد فقد هذا المرجح.

الإشكال في مقبولة ابن حنظلة

إذا عرفت ما ذكرنا علمت توجه الإشكال فيما دلّ من الأخبار العلاجية على تقديم بعض المرجحات على موافقة الكتاب،كمقبولة ابن حنظلة (3) ،بل و في غيرها مما أطلق فيها الترجيح بموافقة الكتاب و السنة، (1)لكن القطع باعتباره لا يستلزم القطع بمضمونه،بل يكون ظنيا،و حينئذ لو فرض كون الأمارة الظنية موجبة للظن الأقوى بمضمون الخبر المخالف للكتاب تعين تقديمها.إلا أن يقال بعدم جريان الترجيح في تعارض الكتاب مع غيره،بل مع فرض عدم المرجح الدلالي يتعين التساقط أو ترجيح الكتاب،إذ حينئذ يتعين عدم ترجيح المخالف للكتاب،بل إما أن يرجح الموافق له أو يتساقطان.فلاحظ.

(2)تقدم ذلك منه في كلامه المحكي عن العدة في أوائل المقام الرابع في بيان المرجحات.

(3)حيث قدم فيها الترجيح بشهرة الرواية على الترجيح بموافقة الكتاب.

لكن أشرنا إلى أنه بناء على التعدي عن المرجحات المنصوصة لا بد من إلغاء ظهور النصوص في الترتيب،و الالتزام بأنها في مقام التمثيل للمرجحات لا غير.و معه لا مورد للإشكال.

ص: 465

من (1) حيث أن الصورة الثالثة (2) قليلة الوجود في الأخبار المتعارضة، و الصورة الثانية أقل وجودا،بل معدومة،فلا يتوهم حمل تلك الأخبار عليها،و إن (3) لم تكن من باب ترجيح أحد المتعارضين لسقوط المخالف عن الحجية مع قطع النظر عن التعارض.

و يمكن التزام دخول الصورة الأولى في الأخبار التي أطلق فيها الترجيح بموافقة الكتاب،فلا يقل موردها (4) .و ما ذكر من ملاحظة الترجيح بين الخبرين المخصص أحدهما لظاهر الكتاب (5) ممنوع،بل نقول:إن ظاهر تلك الأخبار-و لو بقرينة لزوم قلة المورد،بل عدمه، و بقرينة بعض الروايات الدالة على رد بعض ما ورد في الجبر و التفويض بمخالفة الكتاب مع كونه ظاهرا في نفيهما (6) أن (7) الخبر المعتضد بظاهر (1)متعلق بقوله:«توجه الإشكال»فهو بيان لوجه الإشكال.

(2)التي عرفت منه قدّس سرّه توجه الترجيح بموافقة الكتاب فيها.لكن عرفت منا توجهه في الصورة الأولى أيضا التي هي شائعة،فلا إشكال.

(3)(إن)هنا وصلية.

(4)كما تقدم منا توجيهه مع قطع النظر عما سيذكره المصنف قدّس سرّه.

(5)يعني:مع قطع النظر عن الترجيح بالكتاب،كما أشرنا إليه في تعقيب كلامه آنفا.

(6)يعني:مع كون الكتاب ظاهرا في نفي الجبر و التفويض،لا نصا في نفيها، فإن هذا شاهد بأن المراد من المخالفة هنا ما يعم المخالفة بين الظاهر و الأظهر أو النص-كما في الصورة الأولى-لا خصوص المخالفة بالتباين التي لا يمكن معها الجمع.و قد سبق منا التعرض لذلك و توجيهه.

(7)خبر(إن)في قوله:«بل نقول:إن ظاهر تلك الأخبار...».

ص: 466

الكتاب لا يعارضه خبر آخر،و إن كان لو انفرد رفع اليد به عن ظاهر الكتاب (1) .

الجواب عن الإشكال

و أما الأشكال المختص بالمقبولة،من حيث تقديم بعض المرجحات على موافقة الكتاب،فيندفع بما أشرنا إليه سابقا من أن الترجيح بصفات الراوي منها من حيث كونه حاكما،و أول المرجحات الخبرية فيه هي شهرة إحدى الروايتين و شذوذ الأخرى،و لا بعد في تقديمه على موافقة الكتاب (2) .

ثم إن[حكم خ.ل]الدليل المستقل المعاضد لأحد الخبرين حكمه حكم الكتاب و السنة في الصورة الأولى،و أما في الصورتين الأخيرتين فالخبر المخالف له يعارض مجموع الخبر الآخر و الدليل المطابق له، و الترجيح هنا بالتعاضد لا غير (3) .

(1)و عليه فتكون الموافقة لظاهر الكتاب من المرجحات،كما سبق.

(2)كأنه من جهة كونها موجبة للقطع بصدور الخبر المشهور،كالقطع بصدور الكتاب،فيرجع إلى ما ذكرناه آنفا في الإشكال على ما ذكره المصنف قدّس سرّه من تقديم الترجيح بموافقة الكتاب على الترجيح من جهة السند.كما أنه عرفت أنه لا بد من إلغاء ظهور نصوص الترجيح في الترتيب بين المرجحات بناء على التعدي عن المرجحات المنصوصة.

(3)الذي ينبغي أن يقال في المقام:إن الدليل المستقل إن كان قطعيا بحيث يوجب القطع ببطلان ما يخالفه خرج المقام عما نحن فيه،لخروج المخالف له عن موضوع الحجية.و إن كان ظنيا كان هو و الخبر الموافق له معارضين للخبر المخالف.

ص: 467

الترجيح بما لا يكون معاضدا لأحد الخبرين
اشارة

و أما القسم الثاني-و هو ما لا يكون معاضدا لأحد الخبرين-فهي عدة أمور:

منها:الأصل،بناء على كون مضمونه حكم اللّه الظاهري،إذ لو بني

الترجيح بموافقة الأصل

إفادة الظن بحكم اللّه الواقعي كان من القسم الأول.و لا فرق في ذلك بين الأصول الثلاثة،أعني:أصالة البراءة و الاحتياط و الاستصحاب.

الإشكال في الترجيح بالأصول

لكن يشكل الترجيح بها،من حيث أن مورد الأصول ما إذا فقد الدليل الاجتهادي المطابق و المخالف،فلا مورد لها إلا بعد فرض تساقط المتعارضين لأجل التكافؤ،و المفروض أن الأخبار المستفيضة دلت على التخيير مع فقد المرجح (1) ،فلا مورد للأصل في تعارض الخبرين رأسا،

فلا بد من التزام عدم الترجيح بها،و أن الفقهاء إنما رجحوا بأصالة البراءة و الاستصحاب في الكتب الاستدلالية من حيث بنائهم على حصول الظن النوعي بمطابقة الأصل.و أما الاحتياط فلم يعلم منهم الاعتماد عليه لا في مقام الاستناد (2) و لا في مقام الترجيح.

و حينئذ إن كان الدليل المعاضد موجبا لأقوائية الموافق له من المخالف تعين سقوط المخالف له عن الحجية،أما لو أحتف المخالف بما يوجب قوته فإن كان بنحو يكافئ الدليلين معا لزم التساقط،و إن كان بنحو يترجح عليهما لزم البناء على الترجيح إن قيل بعدم اختصاص الترجيح بتعارض الخبرين و جريانه في مطلق التعارض بين الأدلة،و إلاّ لزم البناء على التساقط أيضا.

(1)كما أنه بناء على عدم التخيير بين المتكافئين،بل تساقطهما يتجه البناء على كون الأصل مرجعا لا مرجحا.

(2)يعني:بنحو يكون مرجعا مع عدم الدليل.و قد تقدم الكلام في ذلك في

ص: 468

و قد يتوهم أن ما دل على التخيير مع تكافؤ الخبرين معارض بما دل على الأصول الثلاثة،فإن مورد الاستصحاب عدم اليقين بخلاف الحالة السابقة،و هو حاصل مع تكافؤ الخبرين (1) .

و يندفع بأن ما دل على التخيير حاكم على الأصل،فإن مؤداه جواز العمل بالخبر المخالف للحالة السابقة و الالتزام بارتفاعها،فكما أن ما دل على تعيين العمل بالخبر المخالف للحالة السابقة مع سلامته عن المعارض حاكم على دليل الاستصحاب،كذلك يكون الدليل الدال على جواز العمل بالخبر المخالف للحالة السابقة المكافئ لمعارضه حاكما عليه،من غير فرق أصلا.

مع أنه لو فرض التعارض المتوهم كان أخبار التخيير أولى بالترجيح -و إن كانت النسبة عموما من وجه-لأنها أقل موردا (2) ،فتعين تخصيص أدلة الأصول.

مع أن التخصيص في أخبار التخيير يوجب إخراج كثير من مواردها، بل أكثرها،بخلاف تخصيص أدلة الأصول.

مبحث البراءة و الاحتياط.

(1)و كذا موضوع بقية الأصول.

(2)فقد تقدم منه في آخر الكلام في تعارض الظهورين من سنخ واحد:

أن العموم كلما كثرت أفراده كان أضعف دلالة على حكم الفرد،فيكون تخصيصه أقرب من تخصيص العموم الذي تكون أفراده قليلة.و قد تقدم الإشكال في ذلك، فالعمدة هو الوجه الثاني الذي يرجع إلى ما أشرنا إليه هناك أيضا.فلاحظ.

ص: 469

مع أن بعض أخبار التخيير ورد في مورد جريان الأصول،مثل مكاتبة عبد اللّه بن محمد الواردة في فعل ركعتي الفجر في المحل،و مكاتبة الحميري المروية في الاحتجاج الواردة في التكبير في محل الانتقال من حال إلى حال في أحوال الصلاة (1) .

ما استدل به على تقديم الموافق للأصل و مناقشته

و مما ذكرنا ظهر فساد ما ذكره بعض من عاصرناه في تقديم الموافق للأصل على المخالف،من:

أن العمل بالموافق موجب للتخصيص فيما دل على حجية المخالف (2) ،و العمل بالمخالف مستلزم للتخصيص فيما دل على حجية الموافق،و تخصيص آخر فيما دل على حجية الأصول (3) .

و أن الخبر الموافق يفيد ظنا بالحكم الواقعي،و العمل بالأصل يفيد الظن بالحكم الظاهري (4) ،فيقوى به الخبر الموافق (5) .

و أن الخبرين يتعارضان و يتساقطان،فيبقى الأصل سليما عن (1)تقدمت الإشارة للروايتين المذكورتين في أخبار التخيير.و لعل مراد المصنف قدّس سرّه من الأصل الذي ورد الخبران في مورده أصالة البراءة من الجزء أو الشرط المحتمل اعتباره،بناء على جريانها في المستحبات.

(2)فإن مقتضى إطلاق دليل الحجية كون الخبر حجة تعيينا لا تخييرا.

(3)يدفعه:أن الدليل المخالف للأصل لا يكون منافيا للأصل بنحو يقتضي تخصيص دليله حتى يكون مرجوحا،لما تقدم في وجه تقديم الأدلة على الأصول.

(4)بل يفيد القطع به في مورده.

(5)لا معنى لقوته به مع اختلاف مضمونهما.مع أنه لا يجري الأصل مع الدليل الموافق له بناء على ما سبق من المصنف قدّس سرّه فلا يكون موجبا لقوته.

ص: 470

المعارض (1) .

بقي هنا شيء:
تعارض المقرر و الناقل

و هو أنهم اختلفوا في تقديم المقرر-و هو الموافق للأصل-على الناقل،و هو الخبر المخالف له.

و الأكثر من الأصوليين منهم العلامة قدّس سرّه و غيره على تقديم الناقل، بل حكي هذا القول عن جمهور الأصوليين،معللين ذلك بان الغالب فيما يصدر من الشارع الحكم بما يحتاج إلى البيان،و لا يستغنى عنه بحكم العقل (2) .مع أن الذي عثرنا عليه في الكتب الاستدلالية الفرعية الترجيح بالاعتضاد بالأصل.لكن لا يحضرني الآن مورد لما نحن فيه (3) ،أعني:

(1)هذا-مع ابتنائه على أن الأصل في المتعارضين التساقط لا التخيير- يقتضي كون الأصل مرجعا لا مرجحا،كما هو محل الكلام.

(2)هذا لو سلم لا يقتضي أقوائية الخبر المخالف للأصل،بحيث يوجب الظن بصدوره دون الموافق،فإن كثرة صدور الخبر المخالف لا توجب الظن بكون الخبر الخاص المخالف صادرا.نعم لو كان المدعى غلبة عدم صدور الخبر الموافق للأصل بحيث يكون صدوره نادرا مظنون العدم كان للترجيح بذلك وجه.لكنه لا يظن من أحد دعواه.

(3)يعني:حتى ينظر أن عملهم في المسألة الفرعية مطابق لمبناهم في المسألة الأصولية أو مخالف له.لكن ما سبق منه من أن الذي عثر في الكتب الاستدلالية الفرعية هو الترجيح بالاعتضاد بالأصل ينافي ذلك،فإنه صريح في وجود مورد للتعارض بين الخبرين الموافق أحدهما للأصل.

نعم في بعض النسخ هكذا:«أعني المتعارضين الموافق أحدهما للأصل العقلي»،فيمكن دفع الإشكال حينئذ،لإمكان كون الذي عثر عليه هو الاعتضاد

ص: 471

المتعارضين الموافق أحدهما للأصل.فلا بد من التتبع

تعارض المبيح و الحاظر

و من ذلك:ترجيح كون أحد الخبرين متضمنا للإباحة و الآخر مفيدا للحظر،فإن المشهور تقديم الحاضر على المبيح،بل يظهر من المحكي عن بعضهم عدم الخلاف فيه،

و ذكروا في وجهه ما لا يبلغ حدّ الوجوب،ككونه متيقنا في العمل، استنادا إلى قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»و قوله:«ما اجتمع الحلال و الحرام إلا غلب الحرام الحلال».

و فيه أنه لو تم هذا الترجيح لزم لحكم بأصالة الحرمة عند دوران الأمر بينها و بين الإباحة (1) ،لأن وجود الخبرين لا مدخل له في هذا الترجيح،فإنه من مرجحات أحد الاحتمالين،مع أن المشهور تقدم الإباحة على الحظر.

ابتناء المسألة على أصالة الحظر أو الإباحة؟

فالمتجه ما ذكره الشيخ قدّس سرّه في العدة من ابتناء المسألة على أن الأصل في الأشياء الإباحة أو الحظر أو التوقف،حيث قال:

كلام الشيخ الطوسي في ذلك

«و أما ترجيح أحد الخبرين على الآخر من حيث أن أحدهما بالأصل الشرعي،و الذي لم يحضره هو التعارض في مورد الأصل العقلي الذي هو مورد كلامهم في المسألة الأصولية أعني:مسألة تقديم الناقل على المقرر.فلاحظ.

(1)بل يلزم البناء على احتمال الحظر و لو مع وجود دليل على الإباحة غير معارض.و دعوى:أن دليل اعتبار ذلك الدليل يكون حاكما على أدلة لزوم العمل على مقتضى احتمال الحظر،لو تمت جرت في المقام،لأن دليل التخيير بين الخبرين المتعارضين يكون حاكما أيضا.نعم بناء على أصالة التساقط في المتعارضين يتجه الفرق.

ص: 472

يتضمن الحظر و الآخر الإباحة،و الأخذ بما يقتضى الحظر أو الإباحة،فلا يمكن الاعتماد عليه على ما نذهب إليه من الوقف،لأن الحظر و الإباحة جميعا عندنا مستفادان من الشرع و لا ترجيح بذلك،و ينبغي لنا الوقف بينهما جميعا أو[و خ.ل]يكون الإنسان مخيرا في العمل بأيهما شاء» انتهى.

الاستدلال لترجيح الحظر

و يمكن الاستدلال لترجيح الحظر بما دل على وجوب الاخذ بما فيه الاحتياط من الخبرين (1) ،و إرجاع ما ذكروه من الدليل إلى ذلك (2) فالاحتياط و إن لم يجب الأخذ به في الاحتمالين المجردين عن الخبر،إلا أنه يجب الترجيح به عند تعارض الخبرين.

رجوع إلى كلام الشيخ الطوسي

و ما ذكره الشيخ إنما يتم لو أراد الترجيح بما يقتضيه الأصل،لا بما ورد التعبد به من الأخذ بأحوط الخبرين (3) .

مع أن ما ذكره من استفادة الحظر أو الإباحة من الشرع لا ينافي ترجيح أحد الخبرين بما دل من الشرع (4) على أصالة الإباحة،مثل (1)تقدم من المصنف قدّس سرّه في المسألة الثالثة من مسائل دوران الأمر بين الحرمة و غير الوجوب أن الدليل على ذلك مختص بالمرفوعة،و أن ضعف سندها مانع من الرجوع إليها في ذلك.فراجع.

(2)لا يخفى أن الحديثين المتقدمين غير واردين في خصوص تعارض الأدلة، بل يبعد حملهما على خصوص ذلك.

(3)فكلامه السابق إنما يصلح الرجوع إليه مع قطع النظر عن الأدلة الخاصة.

(4)لأن الحكم بأحدهما-حينئذ-مستفاد من الشرع فلا ينافي كونهما توقيفيين

ص: 473

قوله عليه السّلام:«كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي»أو على أصالة الحظر مثل قوله:«دع ما يريبك إلى ما لا يريبك»مع أن مقتضى التوقف على ما أختاره لما كان وجوب الكف عن الفعل-على ما صرح به و غيره-كان اللازم-بناء على التوقف-العمل بما يقتضيه الحظر.و لو ادعى ورود أخبار التخيير على ما يقتضيه التوقف من الحظر (1) جرى مثله على القول بأصالة الحظر (2) .

الإشكال في الفرق بين مسألتي الناقل و المقرر،و الحاظر و المبيح

ثم إنه يشكل الفرق بين ما ذكروه من الخلاف في تقدم المقرر على الناقل،و إن حكي عن الأكثر تقدم الناقل،و عدم ظهور الخلاف في تقدم الحاضر على المبيح (3) .

و يمكن (4) الفرق بتخصيص المسألة الأولى بدوران الأمرين الوجوب و عدمه،و لذا رجح بعضهم الوجوب على الإباحة و الندب لأجل الاحتياط.

مستفادين من الشرع.و الظاهر رجوع هذا إلى الوجه الأول.فلاحظ.

(1)يعني:فالبناء على كون مقتضى الأصل التوقف لا ينافي البناء على التخيير عملا بأدلته،لأنها تكون واردة على الأصل المذكور و رافعة لموضوعه.

(2)لأن موضوعها يرتفع بأخبار التخيير أيضا،فلا يتجه من الشيخ قدّس سرّه الاعتراف بتقديم الحاضر على القول بأصالة الحظر.

(3)فإن الوفاق هنا لا يناسب الخلاف في تلك المسألة.

(4)تقدم نظير هذا في المسألة الثالثة من مسائل دوران الأمر بين الحرمة و عدم الوجوب و تقدم أن بعض أدلتهم لا يناسب الحمل المذكور،كما سيشير إليه هنا.

ص: 474

لكن فيه-مع جريان بعض أدلة تقديم الحظر فيها (1) -إطلاق كلامهم فيها (2) و عدم ظهور التخصيص في كلماتهم.و لذا اختار بعض سادة مشايخنا المعاصرين تقديم الإباحة على الحظر،لرجوعه إلى تقديم المقرر على الناقل الذي اختاره في تلك المسألة.

هذا مع أن الاتفاق على تقديم الحظر غير ثابت و إن ادعاه بعضهم.

و التحقيق هو ذهاب الأكثر.و قد ذهبوا إلى تقديم الناقل أيضا في المسألة الأولى،بل حكي عن بعضهم تفريع تقديم الحاضر على تقديم الناقل (3) .

لو تعارض دليل الحرمة و دليل الوجوب

و من جملة هذه المرجحات تقديم دليل الحرمة على دليل الوجوب عند تعارضها،و استدلوا عليه بما ذكرناه مفصلا في مسائل أصالة البراءة، عند تعارض احتمالي الوجوب و التحريم.

الحق هو التخيير في هذا المورد

و الحق هنا التخيير و إن لم نقل به في الاحتمالين (4) ،لأن المستفاد من الروايات الواردة في تعارض الأخبار على وجه لا يرتاب فيه:هو لزوم (1)يعني:في مسألة الدوران بين الوجوب و عدمه،أو في مسألة تقدم التعارض بين الناقل و المقرر.

(2)يعني:في مسألة التعارض بين المقرر و الناقل،حيث لا يظهر منهم تخصيصها بدوران الأمر بين الوجوب و عدمه.

(3)يعني:فأقوالهم في المسألتين جارية على مسلك واحد.

(4)يعني:مع فقد النص.

ص: 475

التخيير مع تكافؤ الخبرين (1) و تساويهما من جميع الوجوه التي لها مدخل في رجحان أحد الخبرين،خصوصا مع عدم التمكن من الرجوع إلى الإمام عليه السّلام الذي يحمل عليه أخبار التوقف و الإرجاء.

بل لو بنينا (2) على طرح أخبار التخيير في هذا المقام أيضا بعد الترجيح بموافقة الأصل لم يبق لها مورد يصلح لحمل الأخبار الكثيرة الدالة على التخيير عليه (3) ،كما لا يخفى على المتأمل الدقيق.

فالمعتمد وجوب الحكم بالتخيير إذا تساوى الخبران من حيث القوة و لم يرجح أحدهما بما يوجب أقربيته إلى الواقع (4) ،و لا مصب [يلتفت خ.ل]إلى المرجحات الثلاث الأخيرة (5) الراجعة إلى (1)و لا سيما مع ما قد يدعى من اختصاص بعض أخبار التخيير بما إذا كان أحد الخبرين المتعارضين دالا على الوجوب و الآخر دالا على الحرمة،كموثق سماعة المتقدم في أخبار التخيير،و إن كان لا يخلو عن تأمل.هذا و قد سبق في الإشكال في دلالة الأخبار على التخيير في المتكافئين.فراجع.

(2)يعني:أنه لو بني على الترجيح بموافقة الأصل لا يبقى لأخبار التخيير إلا صورة الدوران بين الوجوب و الحرمة،فإذا بني على الترجيح دليل الحرمة لم يبق لأخبار التخيير مورد يعمل فيه و لزم سقوطها بالمرة.نعم لو لم نقل بالترجيح بموافقة الأصل كان لها مورد تعمل فيه و إن قلنا بترجيح دليل الحرمة،بأن دار الأمر بين غير الحرمة من الأحكام.

(3)الجار و المجرور متعلق بقوله:«لحمل»و الضمير المجرور يرجع إلى قوله:«مورد».

(4)سواء كان مرجحا داخليا أم خارجيا مضمونيا.

(5)و هي التي ذكرها في القسم الثاني من المرجحات الخارجية،أعني:

ص: 476

ترجيح مضمون أحد الخبرين مع قطع النظر عن كونه مدلولا له (1) ، لحكومة (2) أخبار التخيير على جميعها (3) ،و إن قلنا بها في تكافؤ الاحتمالين (4) .

تعارض غير الخبرين من الأدلة الظنية

نعم يجب الرجوع إليها في تعارض غير الخبرين من الأدلة الظنية إذا قلنا بحجيتها من حيث الطريقية المستلزمة للتوقف عند التعارض (5) .

لكن ليس هذا من الترجيح في شيء (6) .

نعم لو قيل بالتخيير في تعارضها من باب تنقيح المناط (7) كان الترجيح في مورد الأصل،و الترجيح في مورد الدوران بين الحظر و الإباحة، و الترجيح في مورد الدوران بين الحرمة و غيرها.

(1)بل من حيث كونه حكما ظاهريا يرجع إليه مع فرض عدم الدليل في المسألة.

(2)تعليل لقوله:«و لا يلتفت إلى المرجحات الثلاث...».

(3)لأنها تقتضي حجية الدليل الذي يختار،و معه لا يرجع إلى المرجحات الثلاثة،لأنها لو تمت مختصة بصورة عدم الحجة.

(4)يعني:مع عدم النص.

(5)تقدم في أوائل الكلام في المتكافئين أن الأصل في المتعارضين التساقط و التوقف من غير فرق بين السببية و الطريقية.

(6)بل تكون الأمور المذكورة مرجعا بعد تساقط الدليل من المتعارضين،لا مرجحا لأحدهما،كما هو محل الكلام.

(7)إذ بدونه لا وجه للبناء على التخيير في غير الأخبار مع اختصاص أدلته -لو تمت-بها.

ص: 477

حكمها حكم الخبرين لكن فيه تأمل،كما (1) في إجراء التراجيح المتقدمة في تعارض الأخبار،و إن كان الظاهر من بعضهم عدم التأمل في جريان جميع أحكام الخبرين من الترجيح فيها بأقسام المرجحات،مستظهرا عدم الخلاف في ذلك.

فإن ثبت الإجماع على ذلك أو أجرينا ذلك في الإجماع المنقول من حيث أنه خبر (2) فيشمله حكمه فهو،و إلا ففيه تأمل.

لكن التكلم في ذلك قليل الفائدة،لأن الطرق الظنية غير الخبر ليس فيها ما يصح للفقيه دعوى حجيته من حيث أنه ظن مخصوص سوى الإجماع المنقول بخبر الواحد (3) ،فإن قيل بحجيتها (4) فإنما هي من باب مطلق الظن،و لا ريب أن المرجع في (1)يعني:كالتأمل في إجراء المرجحات المتقدمة في تعارض غير الأخبار من الأدلة الظنية لدعوى تنقيح المناط.

(2)بناء على أن نقل الإجماع يرجع إلى نقل قول الإمام عليه السّلام.

(3)و أما الشهرة فلا يعقل فيها فرض التعارض.نعم يشكل الأمر في ظواهر الكتاب لو تعارضت فيما بينها أو تعارضت مع غيرها،كالخبر.

نعم لا إشكال في عدم جريان المرجح السندي فيها.كما تقدم من المصنف قدّس سرّه عدم جريان المرجح الجهتي،و عرفت الإشكال فيه.كما أن المرجح الخارجي يمكن فرضه فيبتني الكلام فيه على ما يأتي الكلام فيه من عموم دليل الترجيح لغير الخبر.

فلاحظ.

(4)يعني:بحجية الطرق الظنية غير الخبر.

ص: 478

تعارض الإمارات المعتبرة على هذا الوجه إلى تساقط المتعارضين (1) إن ارتفع الظن من كليهما،أو سقوط أحدهما عن الحجية و بقاء الآخر بلا معارض إن ارتفع الظن عنه.

و أما الإجماع المنقول،فالترجيح بحسب الدلالة من حيث الظهور جار فيه لا محالة (2) .و أما الترجيح من حيث الصدور أو جهة الصدور فالظاهر أنه كذلك(و إن (3) قلنا بخروجه)عن الخبر عرفا (4) ،فلا (1)هذا إنما يتم بناء على اختصاص دليل الانسداد بإثبات حجية الظن الشخصي بالمسألة الفرعية،أما بناء على عمومه للظن بالطريق-كما هو مختار المصنف قدّس سرّه- فيمكن فرض تعارض الطريقين مع عدم إفادتهما الظن الشخصي،كما لعله يظهر بالتأمل.

(2)كأنه لأن مرجع حجية الإجماع المنقول إلى حجية ظاهر كلام ناقله، فيلحقه حكم سائر الظواهر من حيث استحكام التعارض و الجمع العرفي و غيرها.

لكن لا يبعد اختصاص أكثر أحكام تعارض الظهورات بما إذا صدرت من متكلم واحد أو ما هو بمنزلته،كالأئمة عليهم السّلام الذي حديثهم واحد لا يحتمل الاختلاف فيه،و لا يجري مع تعدد المتكلم و احتمال الاختلاف بينهم كما في المقام، فلا يجب حمل كلام بعضهم على بعض،لكونه أظهر،بل يتعين البناء على التعارض، و لذا لا يظن من أحد البناء على الجمع بالتخصيص و نحوه في البينتين المتعارضين.

بل لا يبعد عدم جريان ذلك مع وحدة المتكلم إذا أحتمل عدوله و اختلاف رأيه،فيكون البناء على النسخ أولى من الجمع العرفي في كثير من الموارد.فلاحظ.

(3)(إن)هنا وصلية.

(4)لاختصاص الخبر عرفا بما يتعارف من نقل كلام الإمام عليه السّلام عند الرواة،

ص: 479

يشمله أخبار علاج تعارض الأخبار،و إن (1) شمله لفظ النبأ من آية النبأ لعموم (2) التعليل المستفاد من قوله:«فإن المجمع عليه لا ريب فيه» و قوله:«لأن الرشد في خلافهم»فإن خصوص المورد لا يخصصه (3) .

و من هنا يصح إجراء جميع التراجيح المقررة في الخبرين في الإجماعين و لا يشمل مثل نقل الإجماع،خصوصا إذا كان مرجع نقل الإجماع إلى نقل رأي الإمام عن حدس لا عن حس.

(1)(إن)هنا وصلية.و قد أشار بهذا إلى وجه القول بحجية الإجماع المنقول، و إن سبق منه قدّس سرّه في مبحث الإجماع المنقول الإشكال فيه.

(2)تعليل لقوله:«فالظاهر أنه كذلك...».

(3)هذا موقوف على إلغاء خصوصية مورد التعليل عرفا،بحيث يكون ظاهر الكلام أن ترجيح الخبرين بذلك من حيث كونهما حجتين،لا لخصوصيتهما، و هو غير ظاهر،و عموم التعليل ممنوع،فإن(الجمع)لما كان محلى باللام فحمله على العهد بإرادة خصوص الخبر من بين المتعارضين لو لم يكن أقرب من حمله على مطلق الحجة فلا أقل من كونه المتيقن منها.

كما أن قوله:«الرشد في خلافهم»لما لم يمكن حمله على عمومه لاستلزامه كون مخالفة العامة من الحجج،فلا بد من حمله على خصوص ترجيح أحد المتعارضين، و المتيقن منه تعارض الخبرين.هذا مع أنه تقدم في مبحث التعدي عن المرجحات المنصوصة الكلام في استفادة العموم من التعليل.فراجع.

ثم إن المرجح الجهتي في الإجماع المنقول إن كان راجعا إلى كون نقل الإجماع من ناقله ليس لبيان الواقع بل لتقية و نحوها فلا مجال له مع العلم بكون الناقل في مقام بيان الواقع.و إن كان راجعا إلى كون كلام الإمام ليس لبيان الواقع فلا مجال له مع كون المنقول رأي الإمام عليه السّلام لا كلامه أو فعله أو تقريره إذ لا موضوع للتقية و نحوها في الرأي.

ص: 480

المنقولين،بل غيرهما من الإمارات التي يفرض حجيتها من باب الظن الخاص.

و مما ذكرنا يظهر حال الخبر مع الإجماع المنقول أو غيره من الظنون الخاصة (1) لو وجد.

و الحمد للّه على ما تيسر لنا من تحرير ما استفدناه بالفهم القاصر من الأخبار و كلمات علمائنا الأبرار في باب الترجيح رجح اللّه ما نرجو التوفيق له من الحسنات على ما مضى من السيئات بجاه(محمد و آله السادة السادات عليهم أفضل الصلوات و أكمل التحيات و على أعدائهم أشد العتاب و أسوأ العقوبات أمين أمين أمين.

(1)فإنه و إن خرج عن أخبار العلاج،لاختصاصها بتعارض الخبرين،إلا أنه يصح إجراء أحكامها فيه بناء على عموم التعليل المدعى.و قد عرفت الإشكال فيه.فلاحظ.و اللّه سبحانه و تعالى العالم العاصم.

انتهى الكلام هنا في تعقيب ما ذكره المصنف قدّس سرّه في مبحث التعادل و التراجيح.

و به تم ما قصدناه من شرح هذا الكتاب و الحمد للّه على تسهيل ذلك و تيسيره،و له الشكر.

و كان الفراغ من ذلك بيد مؤلفه الفقير(محمد سعيد)عفي عنه نجل العلامة الحجة السيد(محمد علي)الطباطبائي الحكيم دامت بركاته أول ليلة الأحد ليلة الثلاثين من شهر ربيع الأول سنة ألف و ثلاثمائة و اثنتين و تسعين للهجرة النبوية على صاحبها و آله أفضل الصلوات و أزكى التحيات.و كان ذلك في النجف الأشرف ببركة صاحب الحرم المشرف-عليه أفضل الصلاة و السلام-الذي نسأل اللّه سبحانه أن لا يحرمنا من بركات مجاورة مشهده،و أن يوفقنا لأداء حقوق مجاورته.

كما نسأله سبحانه أن يجعل هذه الأوراق مورد نفع لإخواننا المؤمنين من

ص: 481

و قد فرغنا من تسويد هذا الكتاب الذي صنفه العالم الرباني و الفاضل الصمداني ناشر علم الأصول في الأطراف و مروج الفروع في الأكناف جناب الشيخ المرتضى أعلى اللّه مقامه.و طبع في دار طباعة الباستان في تبريز.

طلبة علوم أهل البيت عليهم السّلام،و أن يتقبل ذلك بقبول حسن،إنه أفضل مأمول و أكرم مسئول،و هو حسبنا و نعم الوكيل.و الحمد للّه أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا.

كما انتهى تبيضه بعد تجديد النظر فيه بيمنى مؤلفه الفقير صباح الجمعة الثاني من شهر محرم الحرام سنة ألف و ثلاثمائة و ثلاث و تسعين للهجرة النبوية على صاحبها و آله آلاف الصلاة و التحية،في النجف الأشرف على مشرفه الصلاة و السلام و الحمد من البدء و الختام و به الاعتصام.

ص: 482

المحتويات

خاتمة

شرائط العمل بالاستصحاب:

شروط بقاء الموضوع 6

الدليل على هذا الشرط 7

المعتبر هو العلم ببقاء الموضوع 8

هل يجوز إحراز الموضوع في الزمان اللاحق بالاستصحاب؟9

الشك في الحكم من جهة الشك في القيود المأخوذة في الموضوع 16

ما يميز به القيود المأخوذة في الموضوع أحد أمور:

العقل 17

لسان الدليل 18

العرف 19

كلام الفاضلين تأييدا لكون الميزان نظر العرف 23

الفرق بين نجس العين و المتنجس عند الاستحالة 24

الإشكال في هذا الفرق 24

عدم الفرق بناء على كون المحكّم نظر العرف 26

مراتب التغير و الأحكام مختلفة 28

معنى قولهم:«الأحكام تدور مدار الأسماء»30

ص: 483

اشتراط الشك في البقاء 33

الدليل على اعتبار هذا الشرط 33

قاعدة اليقين و الشك الساري 34

تصريح الفاضل السبزواري بأن أدلة الاستصحاب تشمل قاعدة(اليقين)34

دفع التوهم المذكور و توضيح مناط قاعدة الاستصحاب و قاعدة اليقين 35

عدم إرادة القاعدتين من قوله عليه السّلام:«فليمض على يقينه»36

عدم إرادة القاعدتين من سائر الأخبار أيضا 41

اختصاص مدلول الأخبار بقاعدة الاستصحاب 43

هل يوجد مدرك لقاعدة(اليقين)غير هذه الخبار؟47

لو أريد من القاعدة إثبات الحدوث و البقاء معا 47

قاعدة اليقين

ضعف الاستدلال بأصالة الصحة في الاعتقاد 48

تفصيل كاشف الغطاء قدّس سرّه 49

لو أريد من القاعدة إثبات مجرد الحدوث 49

لو أريد منها مجرد إمضاء الآثار المترتبة سابقا 50

اشتراط عدم العلم بالبقاء أو الارتفاع 52

حكومة الأدلة الاجتهادية على أدلة الاستصحاب 52

معنى الحكومة 53

احتمال أن يكون العمل بالأدلة في مقابل الاستصحاب من باب التخصص 55

ضعف هذا الاحتمال 55

المسامحة فيما جعله الفاضل التوني قدّس سرّه من شرائط الاستصحاب 58

ما أورده المحقق القمي قدّس سرّه على الفاضل التوني قدّس سرّه و المناقشة فيه 59

المراد من(الأدلة الاجتهادية)و(الأصول)61

تردد الشيء بين كونه دليلا أو أصلا 62

ص: 484

تعارض الاستصحاب مع غيره

و فيه مقامات:

المقام الأول:عدم معارضة الاستصحاب لبعض الأمارات،و فيه مسائل:

المسألة الأولى:تقدم(اليد)على الاستصحاب و الاستدلال عليه 67

الوجه في الرجوع إلى الاستصحاب لو تقارنت(اليد)بالإقرار 68

(اليد)على تقدير كونها من الأصول مقدمة على الاستصحاب و إن جعلناه من الأمارات 70

تقدم البينة على(اليد)و الوجه في ذلك 71

المسألة الثانية:تقدم قاعدة(الفراغ و التجاوز)على الاستصحاب و الاستدلال عليه 73

أخبار قاعدة التجاوز 75

الأخبار العامة 75

الأخبار الخاصة 77

تنقيح مضامين الأخبار المذكورة 78

ما هو المراد من(الشك في الشيء)؟79

ما هو المراد من(محل الشيء المشكوك فيه)؟83

هل يعتبر في التجاوز و الفراغ الدخول في الغير،أم لا؟86

عدم كفاية الدخول في مقدمات الغير 89

الأقوى اعتبار الدخول في الغير و عدم كفاية مجرد الفراغ 90

عدم صحة التفصيل بين الصلاة و الوضوء 92

عدم جريان القاعدة في أفعال الطهارات الثلاث 94

مستند الخروج 94

ظاهر رواية ابن أبي يعفور أن حكم الوضوء من باب القاعدة 95

الإشكال في ظاهر ذيل الرواية 96

عدم غرابة فرض الوضوء فعلا واحدا 98

هل تجري القاعدة في الشروط كما تجري في الأجزاء؟100

ص: 485

الأقوى التفصيل 101

معنى عدم العبرة بالشك بعد تجاوز المحل 104

التفصيل بين الوضوء و نحوه و بين غيره 107

هل يلحق الشك في الصحة بالشك في الإتيان؟110

المراد من الشك في موضوع هذه القاعدة 114

عدم الفرق بين أن يكون المحتمل الترك نسيانا أو تعمدا 117

المسألة الثالثة:أصالة الصحة من الأصول المجمع عليها بين المسلمين 119

مدرك أصالة الصحة 119

الاستدلال بالآيات و المناقشة فيه 120

الاستدلال بالأخبار 121

المناقشة في دلالة الأخبار 122

مما يؤيد عدم الدلالة أيضا 123

الاستدلال بالإجماع القولي 125

الاستدلال بالإجماع العملي 125

الاستدلال بالعقل 126

هل يحمل فعل المسلم على الصحة الواقعية أو الصحة عند الفاعل؟129

ظاهر المشهور الحمل على الصحة الواقعية 129

ظاهر بعض المتأخرين الحمل على الصحة باعتقاد الفاعل 130

الإشكال في المسألة المذكورة 131

هل يعتبر في جريان أصالة الصحة في العقود استكمال أركان العقد؟134

كلام المحقق الثاني قدّس سرّه في باب الضمان و غيره من أبواب الفقه 134

كلام العلامة قدّس سرّه في القواعد 135

الأقوى التعميم و عدم اعتبار استكمال الأركان 137

المناقشة فيما ذكره المحقق الثاني قدّس سرّه 138

صحة كل شيء بحسبه و باعتبار آثار نفسه 141

ص: 486

مما يتفرع على ما ذكرنا 143

اعتبار إحراز أصل العمل في أصالة الصحة 147

الإشكال في الفرق بين صلاة الغير على الميت و بين الصلاة عن الميت تبرعا أو بالإجارة 148

توجيه الفرق 149

عدم جواز الأخذ باللوازم في أصالة الصحة 152

وجه تقديم أصالة الصحة على استصحاب الفساد 154

اضطراب كلمات الأصحاب في تقديم أصالة الصحة على الاستصحابات الموضوعية 155

التحقيق في المسألة 155

أصالة الصحة في الأقوال 161

أصالة الصحة في الاعتقادات 164

المقام الثاني:تعارض الاستصحاب مع القرعة

تقدم الاستصحاب على القرعة 167

تعارض القرعة مع سائر الأصول 167

المقام الثالث:تعارض الاستصحاب مع ما عداه من الأصول العملية

تقدم الاستصحاب و غيره من الأدلة و الأصول على أصالة البراءة 173

حكومة دليل الاستصحاب على قوله عليه السّلام:«كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي»177

الإشكال في بعض أخبار أصالة البراءة في الشبهة الموضوعية 181

ورود الاستصحاب على قاعدة الاشتغال 184

ورود الاستصحاب على قاعدة التخيير 186

تعارض الاستصحابين

أقسام الاستصحابين المتعارضين 187

القسم الأول:إذا كان الشك في أحدهما مسببا عن الشك في الآخر 189

تقدم الاستصحاب السببي و الدليل عليه 189

ص: 487

الدليل الأول 189

الدليل الثاني 190

الدليل الثالث 198

عدم تمامية الدليل الثالث 199

الدليل الرابع 200

لا تأمل في ترجيح الاستصحاب السببي 201

لو عملنا بالاستصحاب من باب الظن فالحكم أوضح 201

ظهور الخلاف في المسألة عن جماعة 203

تصريح بعضهم بالجمع بين الاستصحابين(السببي و المسببي)206

عدم صحة الجمع 206

دعوى الإجماع على تقديم الاستصحاب الموضوعي على الحكمي 208

المناقشة في دعوى الإجماع 209

القسم الثاني:إذا كان الشك في كليهما مسببا عن أمر ثالث 210

هنا دعويان:

عدم الترجيح لأحد الاستصحابين 212

الدليل على عدم الترجيح 212

أن الحكم هو التساقط دون التخيير و الدليل عليه 214

لو ترتب أثر شرعي على كلا المستصحبين 224

لو ترتب الأثر على أحدهما دون الآخر 226

خاتمة في التعادل و التراجيح

التعارض لغة و اصطلاحا 233

عدم التعارض بين الأصول و الأدلة الاجتهادية 234

ورود الأدلة على الأصول العقلية 236

حكومة الأدلة على الأصول الشرعية 236

ص: 488

ضابط الحكومة 237

الفرق بين الحكومة و التخصيص 240

الثمرة بين التخصيص و الحكومة 242

جريان الورود و الحكومة في الأصول اللفظية أيضا 243

عدم التعارض في القطعيين و لا في الظنيين الفعليين 247

الكلام في قاعدة أولوية الجمع على الطرح 248

كلام ابن أبي جمهور قدّس سرّه في عوالي اللآلي 249

ما استدل به على هذه القاعدة 249

عدم إمكان العمل بهذه القاعدة 251

عدم الدليل على هذه القاعدة 251

دليل آخر على عدم كلية هذه القاعدة 258

مخالفة هذه القاعدة للإجماع 258

رجوع إلى كلام عوالي اللآلي 259

أقسام الجمع 260

تعارض الظاهرين 261

لو كان لأحد الظاهرين مزية على الآخر 261

لو لم يكن لأحد الظاهرين مزية على الآخر 262

تفصيل في الظاهرين المتعارضين 265

ما فرعه الشهيد الثاني قدّس سرّه على قاعدة الجمع 265

إمكان الجمع بين البينات بالتبعيض 268

عدم إمكان الجمع بالتبعيض في تعارض الأخبار 268

الجمع بين البينات في حقوق الناس 271

الأصل في تعارض البينات هي القرعة 272

ص: 489

الكلام في أحكام التعارض في مقامين:

المقام الأول:في المتكافئين

ما هو مقتضى الأصل الأولي في المتكافئين؟275

كلام السيد المجاهد قدّس سرّه في أن مقتضى الأصل هو التساقط 276

المناقشة فيما أفاده السيد المجاهد قدّس سرّه 278

الأصل عدم التساقط و الدليل عليه 280

مقتضى الأصل التخيير بناء على السببية 282

مقتضى الأصل التوقف بناء على الطريقية 284

مقتضى الأخبار عدم التساقط 285

ما هو الحكم بناء على عدم التساقط؟285

المشهور هو التخيير للأخبار المستفيضة الدالة على التخيير 286

أخبار التوقف و الجواب عنها 290

لو وقع التعادل للمجتهد في عمل نفسه أو للمفتي لأجل الإفتاء 293

لو وقع التعادل للحاكم و القاضي فالظاهر التخيير 296

هل التخيير بدوي أو استمراري؟297

مختار المصنف قدّس سرّه التخيير البدوي 297

حكم التعادل في الأمارات المنصوبة في غير الأحكام 299

لا بد من الفحص عن المرجحات في المتعارضين 301

المقام الثاني:في الترجيح

تعريف الترجيح 305

و هنا مقامات:

المقام الأول:وجوب الترجيح بين المتعارضين و الاستدلال عليه 306

المناقشة في وجوب الترجيح 310

الجواب عن المناقشة 310

عدم اندراج المسألة في مسألة(دوران الأمر بين التعيين و التخيير)311

ص: 490

التحقيق في المسألة 312

الأصل وجوب العمل بالمرجح بل ما يحتمل كونه مرجحا 316

استدلال آخر على وجوب الترجيح و المناقشة فيه 317

ضعف القول بعدم وجوب الترجيح و ضعف دليله 318

أضعفية دليله الآخر 318

جواب العلامة قدّس سرّه عن هذا الدليل 318

المناقشة في جواب العلامة قدّس سرّه 319

حمل أخبار الترجيح على الاستحباب في كلام السيد الصدر قدّس سرّه 319

المناقشة فيما أفاده السيد الصدر قدّس سرّه 320

المقام الثاني:الأخبار العلاجية:

مقبولة عمر ابن حنظلة 322

ظهور المقبولة في وجوب الترجيح بالمرجحات 324

بعض الإشكالات في ترتب المرجحات في المقبولة 325

عدم قدح هذه الإشكالات في ظهور المقبولة 327

مرفوعة زرارة 328

رواية الصدوق 329

رواية القطب الراوندي 329

رواية الحسين ابن السرّي 330

رواية الحسن ابن الجهم 330

رواية محمد ابن عبد اللّه 330

رواية سماعة ابن مهران 330

رواية المعلى ابن خنيس 331

رواية الحسين ابن المختار 331

رواية أبي عمرو الكناني 331

رواية محمد بن مسلم 332

ص: 491

رواية أبي حيون 332

رواية داود بن فرقد 333

علاج تعارض الأخبار العلاجية في مواضع:

الموضع الأول:علاج تعارض مقبولة ابن حنظلة و مرفوعة زرارة 334

الموضع الثاني 338

الموضع الثالث 339

الموضع الرابع 340

الموضع الخامس 341

المقام الثالث:في عدم جواز الاقتصار على المرجحات المنصوصة 343

التعدي عن المرجحات المنصوصة 343

حاصل ما يستفاد من أخبار الترجيح 343

كلام الشيخ الكليني في ديباجة الكافي 344

توضيح كلام الشيخ الكليني 345

كلام المحدث البحراني 346

المناقشة فيما أفاده المحدث البحراني 346

عدم الاقتصار على المرجحات الخاصة 347

ما يمكن أن يستفاد منه هذا المطلب 347

المقام الرابع:في بيان المرجحات 354

أصناف المرجحات 354

المرجحات الداخلية 356

تأخر المرجحات الداخلية عن الترجيح بالدلالة و الاستدلال عليه 357

ظاهر كلام الشيخ الطوسي قدّس سرّه خلاف ذلك 358

كلام الشيخ قدّس سرّه في الاستبصار 358

كلام الشيخ قدّس سرّه في العدة 359

ظهور كلام المحدث البحراني قدّس سرّه في ذلك أيضا 361

ص: 492

يلوح ذلك من المحقق القمي قدّس سرّه أيضا 361

المناقشة فيما ذكروه قدّس سرّهم 361

مرجح التعارض بين النص و الظاهر 362

الإشكال في الظاهرين اللذين يمكن رفع المنافاة بينهما بالتصرف في كل واحد منهما 363

تقديم النص على الظاهر خارج عن مسألة الترجيح 369

تقديم النص على الظاهر خارج عن مسألة الترجيح انحصار الترجيح بالدلالة في تعارض الأظهر و الظاهر 369

ظهور خلاف ما ذكرنا من بعض الأصحاب 371

كلام الوحيد البهبهاني قدّس سرّه 373

المناقشة فيما أفاده الوحيد البهبهاني قدّس سرّه 373

المرجحات في الدلالة 375

الأظهرية قد تكون بملاحظة خصوص المتعارضين و قد تكون بملاحظة نوعهما 375

ترجيح التخصيص على النسخ 377

الإشكال في تخصيص العمومات المتقدمة بالمخصصات المتأخرة 379

الأوجه في دفع الإشكال 381

ترجيح التقييد على التخصيص عند تعارض الإطلاق و العموم 385

تقديم التخصيص عند تعارض العموم مع غير الإطلاق 387

تقديم الجملة الغائية على الشرطية،و الشرطية على الوصفية 388

ترجيح كل الاحتمالات على النسخ 389

تقديم الحقيقة على المجاز و المناقشة فيه 391

تعارض الصنفين المختلفين في الظهور 391

بيان انقلاب النسبة 393

التعارض بين أزيد من دليلين 393

إذا كانت النسبة بين المتعارضات واحدة 393

لو كانت النسبة العموم من وجه 393

لو كانت النسبة عموما مطلقا 394

ص: 493

ما توهمه بعض المعاصرين 394

دفع التوهم المذكور 395

كلام صاحب المسالك في ضمان عارية الذهب و الفضة 400

نظرية المصنف في الجمع بين الأدلة الواردة في ضمان العارية 406

إذا كانت النسبة بين المتعارضات مختلفة 408

المرجحات غير الدلالية 412

المرجحات السندية 414

العدالة 414

الأعدلية 414

الأصدقية 414

علو السند 415

المسندية 415

تعدد الراوي 416

أعلائية طريق التحمل 416

المرجحات المتنية 418

الفصاحة 418

الأفصحية 418

استقامة المتن 418

المرجحات الجهتية 420

التقية و غيرها من المصالح 420

الترجيح بمخالفة العامة 420

الوجوه المحتملة في الترجيح بمخالفة العامة:421

الوجه الأول 421

الوجه الثاني:الرشد في خالفهم 422

الوجه الثالث:حسن المخالفة 423

ص: 494

الوجه الرابع:كون الموافق تقية 423

ضعف الوجه الأول 424

ضعف الوجه الثالث 425

تعين الوجه الثاني أو الرابع 425

الإشكال على الوجه الثاني 426

الإشكال على الوجه الرابع 427

توجيه الوجه الثاني 427

توجيه الوجه الرابع 428

تلخيص ما ذكرنا 431

بقي في المقام أمور:

الأول:حمل موارد التقية على التورية 433

الثاني:ما أفاده المحدث البحراني في منشأ التقية 434

المناقشة فيما أفاده المحدث البحراني 435

منشأ اختلاف الروايات 436

إرادة المحامل و التأويلات البعيدة في الأخبار 436

الثالث:أنواع التقية 439

الرابع:الملاك في مرجحية التقية 441

لو كان كل واحد من الخبرين المتعارضين موافقا لبعض العامة 443

الخامس:مرتبة المرجح الجهتي 445

تقدم المرجح الصدوري على الجهتي 445

المرجحات الخارجية 449

و هي على قسمين:

القسم الأول:ما يكون غير معتبر في نفسه 449

شهرة أحد الخبرين 449

كون الراوي أفقه 450

ص: 495

مخالفة أحد الخبرين للعامة 450

كل أمارة مستقلة غير معتبرة 450

الدليل على هذا النحو من المرجح 450

الترجيح بما ورد المنع عن العمل به كالقياس 454

مرتبة هذا المرجح بالنسبة للمرجحات الأخرى 456

القسم الثاني:ما يكون معتبرا في نفسه:

الترجيح بموافقة الكتاب و السنة و الدليل عليه 459

صور مخالفة ظاهر الكتاب:460

الصورة الأولى 460

الصورة الثانية 463

الصورة الثالثة 463

مرتبة هذا المرجح 464

الإشكال في مقبولة ابن حنظلة 465

الجواب عن الإشكال 467

الترجيح بما لا يكون معاضدا لأحد الخبرين 468

الترجيح بموافقة الأصل 468

الإشكال في الترجيح بالأصول 468

ما استدل به على تقديم الموافق للأصل و مناقشته 470

تعارض المقرر و الناقل 471

تعارض المبيح و الحاظر 472

ابتناء المسألة على أصالة الحظر أو الإباحة؟472

كلام الشيخ الطوسي في ذلك 472

الاستدلال لترجيح الحظر 473

رجوع إلى كلام الشيخ الطوسي 473

الإشكال في الفرق بين مسألتي الناقل و المقرر،و الحاظر و المبيح 474

ص: 496

لو تعارض دليل الحرمة و دليل الوجوب 475

الحق هو التخيير في هذا المورد 475

تعارض غير الخبرين من الأدلة الظنية 477

المحتويات 483

ص: 497

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.