التنقیح المجلد 5

هویة الکتاب

التنقیح

تلخيص: طباطبایي الحکیم، محمد سعید

تتميم: طباطبایي الحکیم، محمد سعید

مؤلفين آخرين

كاتب: انصاری، مرتضی بن محمدامین

عدد المجلدات: 6

لسان: العربية

الناشر: موسسة الحکمة الثقافة الاسلامية - بیروت - لبنان

سنة النشر: 1431 هجری قمری|2010 میلادی

رمز الكونغرس: BP 159 /الف 9 ف 4026

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الجزء الخامس

المقام الثاني: في الاستصحاب

اشارة

ص: 5

ص: 6

المقام الثاني في الاستصحاب

مقدمات

الاستصحاب لغة و اصطلاحا

و هو لغة:أخذ الشيء مصاحبا (1) ،و منه:استصحاب أجزاء ما لا بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه رب العالمين و الصلاة و السلام على سيدنا و نبينا محمد و آله الطاهرين و لعنة اللّه على أعدائهم أجمعين.

اللهم أعن و وفق و سدد يا أرحم الراحمين.

(1)الظاهر ان الأخذ غير دخيل في المعنى،لعدم دخله لا في مادة الاستصحاب و لا في هيئته.

أما المادة فلوضوح أن الصحبة قد لا تكون مع الأخذ كصحبة الرفيق في الطريق.

نعم قد تتوقف عليه خارجا لخصوصية في المستصحب،لكونه مما لا يستقل بنفسه،كما في استصحاب اجزاء ما لا يؤكل لحمه في الصلاة،و نحوه.

و أما الهيئة فعدم دخل الأخذ فيها أوضح ضرورة صدقها مع ما لا يقبل

ص: 7

يؤكل لحمه في الصلاة.

و عند الأصوليين عرف بتعاريف (1) ،أسدها و أخصرها:(إبقاء ما كان)،و المراد بالإبقاء الحكم بالبقاء،و دخل الوصف (2) في الموضوع مشعر بعليته للحكم،فعلة الإبقاء هو أنه كان (3) ،فيخرج إبقاء الحكم لأجل وجود علته أو دليله.

الأخذ كالاستعجال و الاستعمار و استصحاب الصديق و الاستقذار و الاستهجان و غيرها.

ثم إن هيئة الاستفعال:

تارة:تفيد جعل المادة و تحقيقها خارجا،كما في استصحاب الصديق و استعمال الشيء و استعمار الأرض.

و أخرى:تفيد طلب المادة،كما في الاستغفار و الاسترضاء.

و ثالثة:تفيد ادعاء المادة و الحكم بها و البناء عليها،كما في الاستحسان و الاستقذار و الاستهجان اما الاستصحاب في المقام فلا يبعد رجوعه إلى الوجه الثالث،من حيث ان مقتضاه الحكم بمصاحبة المتيقن السابق في الزمان اللاحق و عدم انقطاعه بانقطاع اليقين.

نعم ربما يرجع المعنى الثالث إلى المعنى الأول بتكلف تنزيل الوجود الادعائي منزلة الوجود الحقيقي.فلاحظ.

(1)قال بعض المحشين:«بلغت إلى نيف و عشرة».

(2)و هو وصف الموضوع بأنه كان.

(3)لكن المستفاد من دليله ان العلة العلم بأنه كان لا مجرد سبق وجوده، فالعلم في المقام مقوم للموضوع لا كاشف عنه و طريق له.و يأتي بعض الكلام في ثمرة ذلك في الأمر الخامس إن شاء اللّه تعالى.

ص: 8

و إلى ما ذكرنا يرجع تعريفه في الزبدة بأنه:«إثبات الحكم في الزمان الثاني تعويلا (1) على ثبوته في الزمان الأول»،بل نسبه شارح الدروس إلى القوم،فقال:إن القوم ذكروا أن الاستصحاب إثبات حكم في زمان لوجوده في زمان سابق عليه.

تعريف صاحب القوانين و المناقشة فيه

و أزيف التعاريف تعريفه بأنه:«كون حكم أو وصف يقيني الحصول في الآن السابق مشكوك البقاء في الآن اللاحق» (2) ،إذ لا يخفى (3) أن كون حكم أو وصف كذلك،هو محقق مورد الاستصحاب و محله،لا نفسه.

و لذا صرح في المعالم-كما عن غاية المأمول-:بأن استصحاب الحال، محله أن يثبت حكم في وقت،ثم يجيء وقت آخر،و لا يقوم دليل على انتفاء ذلك الحكم،فهل يحكم ببقائه على ما كان،و هو الاستصحاب؟انتهى.

و يمكن توجيه التعريف المذكور (4) :بأن المحدود هو الاستصحاب المعدود من الأدلة (5) ،و ليس الدليل إلا ما أفاد العلم أو الظن بالحكم، (1)هذا قد يشعر بكون الثبوت في الزمان السابق دليلا و امارة على ثبوته في الزمان اللاحق.

و هو مبني على كون الاستصحاب من الامارات و التحقيق انه من الأصول، لانحصار الدليل عليه في الأخبار الظاهرة في ذلك كما يتضح في محله.

(2)حكي هذا التعريف عن المحقق القمي قدّس سرّه.

(3)بيان لوجه بطلان التعريف المذكور.

(4)و هو التعريف المحكي عن المحقق القمي قدّس سرّه.

(5)يعني:أن التعريف المذكور إنما صدر ممن يرى أن الاستصحاب من الأدلة لا من الأصول.

ص: 9

و المفيد للظن بوجود الحكم في الآن اللاحق ليس إلا كونه يقيني الحصول في الآن السابق،مشكوك البقاء في الآن اللاحق (1) ،فلا مناص عن تعريف الاستصحاب المعدود من الأمارات إلا بما ذكره قدّس سرّه.

لكن فيه:أن الاستصحاب-كما صرح به هو قدّس سرّه في أول كتابه-إن اخذ من العقل كان داخلا في دليل العقل،و إن اخذ من الأخبار فيدخل في السنة،و على كل تقدير،فلا يستقيم تعريفه بما ذكره،لأن دليل العقل هو حكم عقلي يتوصل به إلى حكم شرعي،و ليس هنا إلا حكم العقل ببقاء ما كان على ما كان (2) ،و المأخوذ من السنة ليس إلا وجوب الحكم ببقاء ما كان على ما كان،فكون الشيء معلوما سابقا مشكوكا فيه لاحقا لا ينطبق على الاستصحاب بأحد الوجهين (3) .

تعريف شارح المختصر

نعم ذكر شارح المختصر (4) :«أن معنى استصحاب الحال أن الحكم الفلاني قد كان و لم يظن عدمه،و كل ما كان كذلك فهو مظنون البقاء».

(1)ما ذكره قدّس سرّه لو تم فانما يتم في اليقين السابق،دون الشك اللاحق،لوضوح ان الشك اللاحق لا أثر له في الظن بالبقاء.

(2)و أما اليقين السابق فهو أمر حقيقي تكويني،لا دخل لحكم العقل فيه، بل يكون هو موضوعا لحكم العقل المذكور.

(3)هذا و إن كان مسلما،إلا أنه مبني على عدم كون الاستصحاب بنفسه أمارة الحكم،و إنما هو نفس الحكم،أما لو قيل بأنه بنفسه أمارة تعين ما سبق من تعريفه بنفس اليقين في الزمان السابق.

(4)و هو العضدي في شرحه لمختصر ابن الحاجب.

ص: 10

فإن كان الحد هو خصوص الصغرى (1) انطبق على التعريف المذكور (2) ،و إن جعل خصوص الكبرى (3) انطبق على تعاريف المشهور (4) .

تعريف صاحب الوافية

و كأن صاحب الوافية استظهر منه كون التعريف مجموع المقدمتين (5) ،فوافقه في ذلك،فقال:الاستصحاب هو التمسك بثبوت ما ثبت في وقت أو حال على بقائه فيما بعد ذلك الوقت أو في غير تلك الحال،فيقال:إن الأمر الفلاني قد كان و لم يعلم عدمه،و كل ما كان كذلك فهو باق،انتهى.و لا ثمرة مهمة في ذلك (6) .

(1)و هي قوله:«إن الحكم الفلاني قد كان و لم يظن عدمه».

(2)و هو تعريف المحقق القمي قدّس سرّه.

(3)و هي قوله:«كلما كان كذلك فهو مظنون البقاء».

(4)هذا لا يخلو عن اشكال،لأن تعاريف المشهور راجعة إلى أنه نفس الحكم بالبقاء و الحكم المذكور ليس عين الظن بالبقاء-الذي هو مفاد الكبرى-بل هو مترتب على الظن المذكور.فلاحظ.

(5)ظاهر كلام الوافية أن الاستصحاب نفس الحكم بالبقاء الراجع إلى التمسك بثبوت الشيء في حال على بقائه فيما بعد ذلك الحال.

و أما القياس الذي ذكره فظاهره أن الصغرى مذكورة تمهيدا للاستصحاب الذي هو الكبرى،فيكون راجعا إلى تعريف المشهور.فتأمل جيدا.

(6)لوضوح ان عنوان الاستصحاب لم يؤخذ في لسان أدلته،و إنما هو عنوان اصطلاحي ماخوذ من مفاد الأدلة،فالنزاع فيه راجع إلى النزاع في الاصطلاح لا في مفاد الأدلة،و لا ثمرة في ذلك.

ص: 11

ص: 12

بقي الكلام في أمور:

اشارة

الأول

الأمر الأول:هل الاستصحاب أصل عملي أو أمارة ظنية؟

اشارة

ان عد الاستصحاب من الأحكام الظاهرية الثابتة للشيء بوصف كونه مشكوك الحكم-نظير أصل البراءة و قاعدة الاشتغال-مبني على استفادته من الأخبار (1) ،و أما بناء على كونه من أحكام العقل فهو دليل ظني (2) اجتهادي،نظير القياس و الاستقراء،على القول بهما.

(1)فإنه حينئذ يكون أصلا تعبديا غير ملحوظ فيه الكشف.

اللهم إلا أن يقال:المستفاد من الأخبار الاشارة إلى القضية الارتكازية العقلائية و امضاؤها،و هي قضية عدم نقض اليقين بالشك،فلو فرض كون القضية المذكورة مبنية على الامارية و الكشف كانت الأخبار دالة على حجية تلك الامارة، و لا يكون حينئذ الاستصحاب المستفاد من الأخبار اصلا،كما هو الحال فيما دل على امضاء قاعدة اليد،فإنه لو فرض كون اليد من الامارات عند العقلاء كان مفاد تلك الأدلة أماريتها و حجيتها و لا تكون أصلا.

(2)هذا ممنوع إذ لا يبعد كونه حينئذ أصلا عقلائيا أو حكما عقليا في مقام العمل،نظير حكم العقل بلزوم الاحتياط مع الشك في القدرة و بالبراءة مع الشك في التكليف،من دون أن يبتني على كونه أمارة،فيكون نظير قاعدة المقتضي عند الشك

ص: 13

المختار كونه من الأصول العملية

و حيث إن المختار عندنا هو الأول،ذكرناه في الأصول العملية المقررة للموضوعات بوصف كونها مشكوكة الحكم،لكن ظاهر كلمات الأكثر-كالشيخ و السيدين و الفاضلين و الشهيدين و صاحب المعالم-كونه حكما عقليا،و لذا لم يتمسك أحد هؤلاء فيه بخبر من الأخبار.

نعم،ذكر في العدة-انتصارا للقائل بحجيته-ما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من:«أن الشيطان ينفخ بين أليتي المصلي فلا ينصرفن أحدكم إلا بعد أن يسمع صوتا أو يجد ريحا».

و من العجب أنه انتصر بهذا الخبر الضعيف المختص بمورد خاص، و لم يتمسك بالأخبار الصحيحة العامة المعدودة-في حديث الأربعمائة- من أبواب العلوم (1) .

و أول من تمسك بهذه الأخبار-فيما وجدته-والد الشيخ البهائي قدّس سرّه، فيما حكي عنه في (2) العقد الطهماسبي،و تبعه صاحب الذخيرة و شارح الدروس،و شاع بين من تأخر عنهم.

في المانع فإنها-لو تمت-من الأصول العقلائية غير المبنية على الكشف و الامارية على عدم وجود المانع.

و منه يظهر انه لا مجال لقياس الاستصحاب بالاستقراء و القياس،لوضوح كون الكاشفية ملازمة لهما سواء كانا ظنيين أم قطعيين.فلاحظ.

(1)لا تخلو هذه العبارة عن غموض،و كذا عبارة بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه حيث قال:«المعدود بعضها في حديث الأربعمائة».

(2)متعلق بقوله:«تمسك...»لا بقوله:«حكي عنه».

ص: 14

نعم،ربما يظهر من الحلي في السرائر الاعتماد على هذه الأخبار،حيث عبر عن استصحاب نجاسة الماء المتغير بعد زوال تغيره من قبل نفسه،ب:

«عدم نقض اليقين إلا باليقين».

و هذه العبارة،الظاهر أنها مأخوذة من الأخبار (1) .

(1)ذكر بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه أن الاتفاق في التعبير مع الروايات لا يدل على الاستناد إليها،و إلاّ فالتعبير بذلك موجود في كلام الشيخ قدّس سرّه في مواضع من مبسوطه...إلى آخر ما ذكره و هو في محله كما اعترف به المصنف قدّس سرّه حيث حكى عن الحلي أنه عبر عن قاعدة اليقين بالعبارة المذكورة عنهم في روايات الاستصحاب،ثم ذكر أن تعبيره بذلك لا يدل على أخذه لها من تلك الروايات فراجع ما يأتي منه قدّس سرّه في الشرط الثاني لجريان الاستصحاب في الخاتمة.

ص: 15

الثاني

الأمر الثاني:الوجه في عدّ الاستصحاب من الأدلة العقلية

إن عد الاستصحاب-على تقدير اعتباره من باب إفادة الظن- من الأدلة العقلية،كما فعله غير واحد منهم،باعتبار (1) أنه حكم عقلي يتوصل به إلى حكم شرعي بواسطة خطاب الشارع،فنقول:إن الحكم الشرعي الفلاني ثبت سابقا و لم يعلم ارتفاعه،و كل ما كان كذلك فهو باق،فالصغرى شرعية (2) ،و الكبرى عقلية ظنية،فهو و القياس و الاستحسان و الاستقراء-نظير المفاهيم و الاستلزامات-من العقليات الغير المستقلة (3) .

(1)خبر(إن)في قوله:«إن عدّ الاستصحاب...».

(2)كون الصغرى شرعية موقوف على أن موضوع الاستصحاب نفس ثبوت الحكم سابقا،أما بناء على ان موضوعه اليقين بالثبوت سابقا،فالصغرى ليست شرعية،بل متفرعة على حكم شرعي.فلاحظ.

(3)الأحكام العقلية المستقلة هي الأحكام أو المدركات العقلية التي يثبت بها الحكم الشرعي بلا توسط جعل شرعي أو غيره،كحكم العقل بقبح الظلم و حسن

ص: 16

العدل،و الأحكام العقلية غير المستقلة هي الأحكام العقلية التي لا يثبت بها وحدها الحكم الشرعي بل بتوسط جعل شرعي أو غيره،كباب الملازمات العقلية،مثل ملازمة وجوب الشيء لوجوب مقدمته و حرمة ضده،فإن اثبات وجوب خصوص مقدمة شرعية كالوضوء مشروط بثبوت وجوب ذي المقدمة شرعا،و إلاّ فمجرد الملازمة لا ينهض به،لأن صدق الشرطية لا يستدعي صدق طرفيها.و الاستصحاب في المقام كذلك،لأن اثبات الحكم الشرعي في الزمان اللاحق موقوف مع الحكم العقلي المذكور على ثبوته شرعا في الزمان السابق.فلاحظ.

و منه يظهر الحال في مثل المفاهيم و انها ليست من المستقلات،فإن العقل إنما يحكم بلزوم ارتفاع الحكم عند ارتفاع علته التامة،و اثبات الحكم الشرعي بذلك موقوف على اثبات ظهور القضية الشرطية في علية الشرط للجزاء مثلا.

نعم ليس ذلك أمرا شرعيا،بل ظهورا عرفيا،و على كل حال فالعقل لا يستقل باثبات الحكم الشرعي و ما ذكرناه هنا تابعنا فيه بعض أعاظم المحشين في الجملة.فراجع و تأمل جيدا.

ص: 17

الثالث

الأمر الثالث:هل الاستصحاب مسألة أصولية أو فقهية؟

اشارة

أن مسألة الاستصحاب على القول بكونه من الأحكام العقلية مسألة أصولية يبحث فيها عن كون الشيء دليلا على الحكم الشرعي،نظير حجية القياس و الاستقراء.

بناء على كونه حكما عقليا فهو مسألة أصولية

نعم،يشكل ذلك بما ذكره المحقق القمي قدّس سرّه في القوانين و حاشيته:

من أن مسائل الأصول ما يبحث فيها عن حال الدليل بعد الفراغ عن كونه دليلا (1) ،لا عن دليلية الدليل.

و على ما ذكره قدّس سرّه،فيكون مسألة الاستصحاب-كمسائل حجية الأدلة الظنية،كظاهر الكتاب و خبر الواحد (2) و نحوهما-من المبادئ (1)إذ حينئذ يكون البحث عن دليلية الدليل بحثا عما يتقوم به موضوع علم الأصول فيكون من المبادئ،لا بحثا عن عوارضه الذاتية الثابتة له بوصف كونه موضوعا كي يدخل في مسائل العلم.

(2)لكن تقدم من المصنف قدّس سرّه في مسألة خبر الواحد تقريب دخولها في المسائل الأصولية حينئذ،بدعوى:ان البحث فيها بحث عن ثبوت السنة بخبر

ص: 18

التصديقية للمسائل الأصولية،و حيث لم تتبين في علم آخر احتيج إلى بيانها في نفس العلم،كأكثر المبادئ التصورية.

نعم ذكر بعضهم (1) :أن موضوع الأصول ذوات الأدلة (2) من حيث يبحث عن دليليتها أو عما يعرض لها بعد الدليلية.

و لعله موافق لتعريف الأصول بأنه:(العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحكام الفرعية من أدلتها) (3) .

بناء على كونه من الأصول العملية ففي كونه من المسائل الأصولية غموض

و أما على القول بكونه من الأصول العملية،ففي كونه من المسائل الأصولية غموض،من حيث إن الاستصحاب حينئذ قاعدة مستفادة من السنة،و ليس التكلم فيه تكلما في أحوال السنة (4) ،بل هو نظير سائر القواعد المستفادة من الكتاب و السنة (5) ،و المسألة الأصولية هي التي الواحد،فهو بحث عن عوارض السنة بعد الفراغ عن دليليتها.فراجع.

(1)كما هو المحكي عن صاحب الفصول قدّس سرّه.

(2)فيكون البحث عن دليليتها بحثا عن عوارض الموضوع،فيدخل في العلم و لا يكون من المبادئ.

(3)لأن دليلية الدليل ممّا يتوقف عليه استنباط الأحكام الفرعية.

(4)كي يكون بحثا عن عوارض الموضوع و يدخل في العلم.

(5)لكن إذا فرض كون القواعد المذكورة مما يترتب عليه استنباط الأحكام الفرعية-كما في الاستصحاب-كانت داخلة في التعريف المتقدم للمسألة الأصولية.

و إن كان لا يلائم فرض كون الموضوع هو الأدلة بناء على أن الموضوع هذا الذي يبحث في العلم عن عوارضه الذاتية.

ص: 19

بمعونتها يستنبط هذه القاعدة من قولهم عليهم السّلام:«لا تنقض اليقين بالشك»، و هي المسائل الباحثة عن أحوال طريق الخبر و عن أحوال الألفاظ الواقعة فيه،فهذه القاعدة-كقاعدة(البراءة)و(الاشتغال) (1) -نظير قاعدة(نفي الضرر و الحرج)،من القواعد الفرعية المتعلقة بعمل المكلف.

نعم،تندرج تحت هذه القاعدة مسألة أصولية يجري فيها الاستصحاب (2) ،كما تندرج المسألة الأصولية أحيانا تحت أدلة نفي الحرج،كما ينفى وجوب الفحص عن المعارض حتى يقطع بعدمه (3) بنفي الحرج.

الإشكال في كون الاستصحاب من المسائل الفرعية

نعم،يشكل كون الاستصحاب من المسائل الفرعية:بأن إجراءها و بعبارة أخرى:التعريف المتقدم لا يلائم كون الموضوع هو الأدلة لا بذواتها و لا بما هي أدلة،فلا بد من رفع اليد عن أحد الأمرين،و لا يبعد رفع اليد عن الثاني، كما حقق في محله فيتعين كون الاستصحاب من المسائل الأصولية فتأمل.

(1)الكلام فيهما هو الكلام في الاستصحاب.نعم يفترقان عنه بأنهما لا يقعان في طريق استنباط حكم فرعي،و إنما هما من القواعد الباحثة في المعذرية و المنجزية.

و من ثم أضاف المحقق الخراساني قدّس سرّه إلى تعريف المسألة الأصولية ما يوجب دخول هاتين المسألتين و نحوهما.فراجع.

و أما قاعدتا نفي الضرر و الحرج،فهما يتضمنان بنفسيهما رفع الحكم الحرجي و الضرري،الذي هو من الأحكام الفرعية،فيتعين كونهما من القواعد الفقهية و لا وجه لقياسهما بالمقام.

(2)كما في موارد استصحاب الحجية و نحوها.

(3)بل يكتفي بالفحص حتى يحصل اليأس،كما سبق الكلام فيه في شروط جريان أصل البراءة.

ص: 20

في موردها-أعني:صورة الشك في بقاء الحكم الشرعي السابق،كنجاسة الماء المتغير بعد زوال تغيره-مختص بالمجتهد (1) و ليس وظيفة للمقلد، فهي مما يحتاج إليه المجتهد فقط و لا ينفع للمقلد،و هذا من خواص المسألة الأصولية (2) ،فإن المسائل الأصولية لما مهدت للاجتهاد و استنباط الأحكام من الأدلة اختص التكلم فيها بالمستنبط،و لا حظّ لغيره فيها.

فإن قلت:إن اختصاص هذه المسألة بالمجتهد،لأجل أن موضوعها -و هو الشك في الحكم الشرعي و عدم قيام الدليل الاجتهادي عليه-لا يتشخص إلا للمجتهد،و إلا فمضمونه و هو:العمل على طبق الحالة السابقة و ترتيب آثارها،مشترك بين المجتهد و المقلد.

قلت:جميع المسائل الأصولية كذلك،لأن وجوب العمل بخبر الواحد و ترتيب آثار الصدق عليه ليس مختصا بالمجتهد.نعم،تشخيص مجرى خبر الواحد و تعيين مدلوله و تحصيل شروط العمل به مختص (1)لأنه الذي يتسنى له تمييز موارد فقد الدليل على الحكم الشرعي الذي هو شرط في جريان الاستصحاب.

(2)هذا غير ظاهر،بل قد تكون المسألة الفرعية مما يرجع في تشخيص مواردها و تطبيقها على جزئياتها إلى المجتهد،كما إذا أخذ في موضوعها أمر لا يتسنى للعامي تشخيصه،كما في وجوب التفقه على الزوجة لو فرض الشك فيه من جهة الشك في زوجية المعقود عليها بالعقد الفارسي،فإنه لا سبيل للعامي حينئذ إلى تشخيص كون المورد من صغريات مسألة وجوب التفقه على الزوجة بل لا بد من رجوعه إلى المجتهد في ذلك.

فجعل ذلك من خواص المسألة الأصولية في غير محله.

ص: 21

بالمجتهد،لتمكنه من ذلك و عجز المقلد عنه،فكأن المجتهد نائب (1) عن المقلد في تحصيل مقدمات العمل بالأدلة الاجتهادية و تشخيص مجاري الأصول العملية،و إلا فحكم اللّه الشرعي في الأصول و الفروع مشترك بين المجتهد و المقلد.

كلام السيد بحر العلوم قدّس سرّه فيما يرتبط بالمقام

هذا،و قد جعل بعض السادة الفحول (2) الاستصحاب دليلا على الحكم في مورده (3) ،و جعل قولهم عليهم السّلام:«لا تنقض اليقين بالشك» دليلا على الدليل-نظير آية النبأ بالنسبة إلى خبر الواحد-حيث قال:إن استصحاب الحكم المخالف للأصل في شيء،دليل شرعي رافع لحكم الأصل،و مخصص لعمومات الحل-إلى أن قال في آخر كلام له سيأتي نقله (4) -:و ليس عموم قولهم عليهم السّلام:«لا تنقض اليقين بالشك»بالقياس (1)لا ملزم بذلك،بل الظاهر أن المجتهد يفحص ليحصل العلم و العامي يتبعه في علمه بعد عجزه عن إحراز الحكم و تشخيص موضوعه،فالحكم الأصولي و إن كان شاملا للعامي،إلا أن عجز العامي عن تشخيص مورده و موضوعه موجب لسقوطه في حقه و عدم كونه فعليا،فالعامي يقلد الفقيه في الحكم الفرعي الذي علم به بسبب الفحص،لا في تشخيص موضوع الحكم الأصولي.فتأمل.

هذا و في بعض النسخ:«فكأن المجتهد نائب عنه».

(2)حكي عن السيد بحر العلوم الطباطبائي قدّس سرّه.

(3)و حينئذ فيكون من الأدلة،و تكون المسألة التي يبحث فيها عن حجيته من المسائل الأصولية بناء على ما سبق من انه يعتبر في المسألة الأصولية البحث عن أصول الأدلة،لأن موضوع علم الأصول هو الأدلة من حيث هي.

(4)يأتي التعرض لنظير هذا الكلام في التنبيه العاشر من تنبيهات الاستصحاب.

ص: 22

إلى أفراد الاستصحاب و جزئياته،إلا كعموم آية النبأ بالقياس إلى آحاد الأخبار المعتبرة،انتهى.

أقول:معنى الاستصحاب الجزئي في المورد الخاص-كاستصحاب نجاسة الماء المتغير-ليس إلا الحكم بثبوت النجاسة في ذلك الماء النجس سابقا،و هل هذا إلا نفس الحكم الشرعي (1) ؟!و هل الدليل عليه إلا قولهم عليهم السّلام:«لا تنقض اليقين بالشك» (2) ؟!و بالجملة:فلا فرق بين الاستصحاب و سائر القواعد المستفادة من العمومات (3) .

هذا كله في الاستصحاب الجاري في الشبهة الحكمية المثبت للحكم الظاهري الكلي.

الاستصحاب الجاري في الشبهة الموضوعية

و أما الجاري في الشبهة الموضوعية-كعدالة زيد و نجاسة ثوبه و فسق (1)يعني:الظاهري.

(2)و الحاصل:ان مفاد الاستصحاب في الموارد الجزئية ابقاء الحكم السابق، و هو عين مفاد القضية الكلية المستفادة من قولهم عليهم السّلام:«لا تنقض اليقين بالشك» بخلاف مفاد خبر الواحد مثلا،فإنه يتضمن الحكم الفرعي،و هو مغاير لمفاد آية النبأ التي فرض دلالتها على حجية خبر الواحد،لاختلاف سنخ الحكم فيهما و اختلاف موضوعه،فلا وجه لقياس الاستصحاب بذلك.

و يأتي في آخر التنبيه العاشر كلام للسيد المذكور قدّس سرّه مبني على ما ذكره هنا، و يأتي تعقيبه هناك إن شاء اللّه تعالى.

(3)عرفت الفرق بينه و بينها من حيث وقوعه في طريق استنباط الأحكام الفرعية دونها،لأنها هي بنفسها متعرضة للحكم الفرعي.

ص: 23

عمرو و طهارة بدنه-فلا إشكال في كونه حكما فرعيا (1) ،سواء كان التكلم فيه من باب الظن،أم كان من باب كونها قاعدة تعبدية مستفادة من الأخبار،لأن التكلم فيه على الأول،نظير التكلم في اعتبار سائر الأمارات،ك(يد المسلمين)و(سوقهم)و(البينة)و(الغلبة)و نحوها في الشبهات الخارجية.و على الثاني،من باب أصالة الطهارة و عدم الاعتناء بالشك بعد الفراغ،و نحو ذلك.

(1)لتعرضه للأحكام الشرعية الجزئية.

ص: 24

الرابع

الأمر الرابع:مناط الاستصحاب بناء على كونه من باب التعبد

اشارة

أن المناط في اعتبار الاستصحاب على القول بكونه من باب التعبد الظاهري (1) ،هو مجرد عدم العلم بزوال الحالة السابقة (2) .

و أما على القول بكونه من باب الظن،فالمعهود من طريقة الفقهاء عدم اعتبار إفادة الظن في خصوص المقام (3) ،كما يعلم ذلك من حكمهم بمقتضيات الأصول كلية (4) مع عدم اعتبارهم أن يكون العامل بها ظانا ببقاء الحالة السابقة،و يظهر ذلك بأدنى تتبع في أحكام العبادات (1)يعني:المستفاد من الأخبار.

(2)يعني:سواء ظن ببقائها أم لا،ظن بارتفاعها أم لا.و يأتي التعرض لوجهه في التنبيه الثاني عشر.

(3)يعني:لا يعتبر حصول الظن الشخصي في مورده.

(4)قال بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه في توضيحه:«و يدل عليه كما في الكتاب حكمهم بمقتضيات الأصول المثبتة و النافية من أول الفقه إلى آخره من دون الاشتراط بشيء من افادتها الظن في اشخاص الموارد أو عدم قيام الظن على الخلاف».

ص: 25

و المعاملات و المرافعات و السياسات (1) .

كلام الشيخ البهائي قدّس سرّه في أن المناط الظن الشخصي

نعم،ذكر شيخنا البهائي قدّس سرّه في الحبل المتين-في باب الشك في الحدث بعد الطهارة-ما يظهر منه اعتبار الظن الشخصي،حيث قال:

لا يخفى أن الظن الحاصل بالاستصحاب فيمن تيقن الطهارة و شك في الحدث،لا يبقى على نهج واحد،بل يضعف بطول المدة شيئا فشيئا،بل قد يزول الرجحان و يتساوى الطرفان،بل ربما يصير الراجح مرجوحا، كما إذا توضأ عند الصبح و ذهل عن التحفظ،ثم شك عند المغرب في صدور الحدث منه،و لم يكن من عادته البقاء على الطهارة إلى ذلك الوقت.

و الحاصل:أن المدار على الظن،فما دام باقيا فالعمل عليه و إن ضعف.

انتهى كلامه،رفع في الخلد مقامه.

ظاهر شارح الدروس ارتضاؤه ذلك

و يظهر من شارح الدروس ارتضاؤه،حيث قال بعد حكاية هذا الكلام:

و لا يخفى أن هذا إنما يصح لو بنى المسألة على أن ما تيقن بحصوله في وقت و لم يعلم أو يظن طرو ما يزيله،يحصل الظن ببقائه،و الشك في (1)و هذا مؤيد لما سبق منا من أن استفادة الاستصحاب من حكم العقل لا يستلزم كونه من الأمارات،لإمكان كونه أصلا عقلائيا عمليا.

و دعوى:أن الملحوظ فيه الظن النوعي لا الشخصي،فلا مانع من كونه امارة مع عدم افادته الظن الشخصي.

بعيدة عن المرتكزات،و إن كانت ممكنة في نفسها،بل ظاهرة من بعض كلماتهم.

ص: 26

نقيضه (1) لا يعارضه،إذ الضعيف لا يعارض القوي.

لكن،هذا البناء ضعيف جدا،بل بناؤها على الروايات مؤيدة بأصالة البراءة في بعض الموارد،و هي تشمل الشك و الظن معا،فإخراج الظن منها مما لا وجه له أصلا،انتهى كلامه.

و يمكن استظهار ذلك من الشهيد قدّس سرّه في الذكرى حيث ذكر أن:

قولنا:«اليقين لا ينقضه الشك»،لا نعني به اجتماع اليقين و الشك،بل المراد أن اليقين الذي كان في الزمن الأول لا يخرج عن حكمه بالشك في الزمان الثاني،لأصالة بقاء ما كان،فيؤول إلى اجتماع الظن و الشك في الزمان الواحد،فيرجح الظن عليه،كما هو مطرد في العبادات (2) ،انتهى كلامه.

و مراده من الشك مجرد الاحتمال (3) ،بل ظاهر كلامه أن المناط في (1)و هو ارتفاع الحالة السابقة.و المراد من الشك هنا الوهم المقابل للظن الحاصل معه،لا ما يتساوى معه الطرفان الذي يمتنع اجتماعه مع الظن،كما لا يخفى.

(2)الذي يظهر من بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه أن مراده الاشارة إلى حجية الظن في عدد الركعات و في الافعال.

(3)إذا كان الشك بمعنى تساوى الطرفين لا يجتمع مع الظن،و حينئذ فيكون مشعرا أو ظاهرا في اعتبار كون الاحتمال موهوما.

لكن يأتي من المصنف قدّس سرّه في التنبيه الثاني عشر دفع ذلك أيضا بما حاصله:أن كون الاحتمال موهوما إنما هو بملاحظة جريان أصالة بقاء ما كان،و أما مع قطع النظر عن ذلك فلا ملزم بكونه موهوما،و حينئذ فلا يكون مراد الشهيد اعتبار الظن الشخصي في المقام،لإمكان حصول الظن بانتقاض الحالة السابقة،إلا أنه بملاحظة

ص: 27

اعتبار الاستصحاب من باب أخبار عدم نقض اليقين بالشك،هو الظن أيضا (1) ،فتأمل.

أصالة بقاء ما كان يظن ببقائها.فراجع،و تأمل.

(1)يعني:أنه يظهر من كلام الشهيد اعتبار الظن في جريان الاستصحاب حتى بناء على كونه حكما تعبديا مأخوذا من الأخبار.

و كأن وجهه تعبير الشهيد قدّس سرّه بعبارة النصوص بدعوى ظهوره في أخذه منها.

و قد عرفت الإشكال في ذلك في الأمر الأول.

خصوصا مع قول الشهيد:«قولنا:اليقين...»حيث لم ينسب العبارة للنصوص،بل ظاهره نسبتها للعلماء أو له قدّس سرّه،كما نبه إلى ذلك بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه.

ص: 28

الخامس

الأمر الخامس:تقوم الاستصحاب بأمرين:اليقين بالحدوث،و الشك في البقاء

اشارة

أن المستفاد من تعريفنا السابق-الظاهر في استناد الحكم بالبقاء إلى مجرد الوجود السابق-أن الاستصحاب يتقوم بأمرين:

أحدهما:وجود الشيء في زمان،سواء علم به في زمان (1) وجوده أم لا.

نعم،لا بد من إحراز ذلك حين إرادة الحكم بالبقاء بالعلم أو الظن المعتبر (2) ،و أما مجرد الاعتقاد بوجود شيء في زمان مع زوال ذلك الاعتقاد (1)تقدم أن موضوع الاستصحاب ليس مجرد وجود الشيء في زمان،بل العلم به،فالعلم مأخوذ في موضوع حكم الاستصحاب،لا طريق محرز لموضوعه.

(2)الاكتفاء بالظن المعتبر بناء على مختار المصنف من كون الموضوع هو الثبوت الواقعي و العلم طريقي لا غير واضح الوجه،لما سبق في أول الكتاب من قيام الامارات مقام القطع الطريقي بلا اشكال.

و أما بناء على ما ذكرناه من كون العلم مأخوذا في موضوع الاستصحاب.

فقد أطال المتأخرون عن المصنف قدّس سرّه في توجيهه.

ص: 29

في زمان آخر (1) ،فلا يتحقق معه الاستصحاب الاصطلاحي و إن توهم بعضهم:جريان عموم(لا تنقض)فيه،كما سننبه عليه (2) .

الاستصحاب القهقرى

و الثاني:الشك في وجوده في زمان لاحق عليه،فلو شك في زمان سابق عليه فلا استصحاب،و قد يطلق عليه الاستصحاب القهقرى (3) مجازا (4) .

ثم المعتبر هو الشك الفعلي (5) الموجود حال الالتفات إليه،أما لو لم و لعل الوجه فيه:ظهور الأدلة الشرعية في إمضاء القضية الارتكازية للاستصحاب،و موضوع القضية الارتكازية ليس هو العلم بما هو صفة خاصة،بل بما هو حجة،فيقوم مقامه سائر الحجج المجعولة للشارع،على ما سبق الكلام فيه في أوائل الكتاب.فلاحظ.

(1)و هو المعبر عنه بقاعدة الشك المساوي.

(2)يأتي الكلام في القاعدة في الرواية الرابعة من روايات الاستصحاب،و في الشرط الثاني من شروط الاستصحاب في مباحث الخاتمة.

(3)و كأن أصالة عدم النقل عند الشك فيه مبنية عليه.و إن كان التحقيق أنها كسائر الأصول اللفظية ليست مبنية على الاستصحاب التعبدي،بل هي أصل عقلائي قائم بنفسه.يأتي التعرض على ذلك في آخر التنبيه السابع من تنبيهات الاستصحاب.

(4)المجازية بلحاظ المعنى الاصطلاحي،و إلا فالجميع مناسب للمعنى اللغوي.فلاحظ.

(5)لظهور الأدلة فيه،كما في جميع العناوين المأخوذة في موضوعات الأحكام،لظهورها في الموضوعات الحقيقية الفعلية لا التقديرية.

و منه يظهر أن اليقين المعتبر هو الفعلي أيضا لا التقديري،بناء على ما سبق منا

ص: 30

يلتفت فلا استصحاب و إن فرض الشك فيه على فرض الالتفات.

فالمتيقن للحدث إذا التفت إلى حاله في اللاحق فشك،جرى الاستصحاب في حقه،فلو غفل عن ذلك و صلى بطلت صلاته،لسبق الأمر بالطهارة (1) ،و لا يجري في حقه حكم الشك في الصحة بعد الفراغ عن العمل،لأن مجراه الشك الحادث بعد الفراغ،لا الموجود من قبل (2) .

نعم،لو غفل عن حاله بعد اليقين بالحدث و صلى،ثم التفت و شك في كونه محدثا حال الصلاة أو متطهرا،جرى في حقه قاعدة الشك بعد الفراغ،لحدوث الشك بعد العمل و عدم وجوده قبله حتى يوجب الأمر بالطهارة (3) و النهي عن الدخول فيه بدونها.

من أخذه في موضوع الاستصحاب.

(1)هذا لا يصلح تعليلا للاعادة بعد فرض كون الأمر بالطهارة ظاهريا استصحابيا متقوما بالشك و اليقين،فمع ارتفاعهما بالغفلة حين الصلاة يرتفع الأمر المذكور،و لا وجه لتأثيره،كما أوضحناه في شرح الكفاية.

مع أن الاستصحاب لو جرى مع الغفلة كفت قاعدة الفراغ في الحكومة عليه لو فرض جريانها،كما يأتي في صورة عدم الالتفات إلا بعد الفراغ من الصلاة، فالعمدة ما يأتي من منع جريانها،فلا مخرج عن مقتضى استصحاب الحدث الجاري بعد الفراغ.

(2)لقصور أدلة قاعدة الفراغ عن شموله.و قد عرفت أن هذا هو العمدة في بطلان الصلاة في محل الكلام.

(3)عرفت أنه لا أثر للأمر بالطهارة مع الغفلة عنه حين الصلاة.فالعمدة في

ص: 31

نعم،هذا الشك اللاحق يوجب الإعادة بحكم استصحاب عدم الطهارة،لو لا حكومة (1) قاعدة الشك بعد الفراغ عليه،فافهم.

الفرق بين هذا الفرع و سابقه جريان قاعدة الفراغ فيه دون الفرع السابق.

و منه يظهر أنه لا وجه لما ذكره المصنف قدّس سرّه من تفريع الفرق بين الفرعين على عدم عموم موضوع الاستصحاب للشك التقديري و اختصاصه بالشك الفعلي.

(1)يأتي الكلام فيها في الشرط الثالث لجريان الاستصحاب في مباحث الخاتمة.

ص: 32

السادس تقسيم الاستصحاب من وجوه

اشارة

في تقسيم الاستصحاب إلى أقسام،ليعرف أن الخلاف في مسألة الاستصحاب في كلها أو في بعضها،فنقول:

إن له تقسيما باعتبار المستصحب.

و آخر:باعتبار الدليل الدال عليه (1) .

و ثالثا:باعتبار الشك المأخوذ فيه.

(1)يعني:على المستصحب،لا على الاستصحاب،إذ سيأتي الفرق من حيث كون الدليل الدال على المستصحب اجماعا أو حكما عقليا و غير ذلك.

ص: 33

تقسيم الاستصحاب باعتبار المستصحب
اشارة

أما بالاعتبار الأول فمن وجوه:

الوجه الأول: المستصحب اما وجودى و اما عدمى
اشارة

من حيث إن المستصحب قد يكون أمرا وجوديا-كوجوب شيء أو طهارة شيء أو رطوبة ثوب أو نحو ذلك-و قد يكون عدميا.

و هو على قسمين:

أحدهما:عدم اشتغال الذمة بتكليف شرعي،و يسمى عند بعضهم ب(البراءة الأصلية)و(أصالة النفي).

و الثاني:غيره،كعدم نقل اللفظ عن معناه،و عدم القرينة،و عدم موت زيد و رطوبة الثوب و حدوث موجب الوضوء أو الغسل،و نحو ذلك.

و لا خلاف في كون الوجودي محل النزاع.

كلام شريف العلماء قدّس سرّه في خروج العدميات من محل النزاع

و أما العدمي،فقد مال الأستاذ قدّس سرّه إلى عدم الخلاف فيه،تبعا لما حكاه عن استاذه السيد صاحب الرياض رحمه اللّه:من دعوى الإجماع على اعتباره في العدميات.و استشهد على ذلك-بعد نقل الإجماع المذكور-باستقرار

ص: 34

سيرة العلماء على التمسك بالأصول العدمية،مثل:أصالة عدم القرينة و النقل و الاشتراك و غير ذلك،و ببنائهم هذه المسألة (1) على كفاية العلة المحدثة للإبقاء (2) .

أقول:ما استظهره قدّس سرّه لا يخلو عن تأمل:

أما دعوى الإجماع،فلا مسرح لها في المقام مع ما سيمر بك من تصريحات كثير بخلافها،و إن كان يشهد لها ظاهر التفتازاني في شرح الشرح،حيث قال:«إن خلاف الحنفية المنكرين للاستصحاب إنما هو في الإثبات دون النفي الأصلي» (3) .

قيام السيرة على التمسك بالأصول الوجودية و العدمية في باب الألفاظ

و أما سيرة العلماء،فقد استقرت في باب الألفاظ على التمسك (1)يعني:مسألة حجية الاستصحاب.

(2)يعني:انهم بنوا مسألة حجية الاستصحاب على النزاع في البقاء هل يحتاج إلى علة مستقلة،أو يكفي فيه علة الحدوث،فعلى الأول لا يكون الاستصحاب حجة و على الثاني يكون حجة،و من الظاهر أن هذا يقتضي الاتفاق على حجية الاستصحاب في العدميات،لعدم الإشكال في أنه يكفي في استمرار العدم عدم العلة المحدثة له.فلاحظ.

(3)فإنه دال على أن الحنفية متفقون مع غيرهم في حجية الاستصحاب في النفي الأصلي.

لكن هذا قد يظهر منه اتفاق الحنفية مع غيرهم في جريان الاستصحاب في البراءة الأصلية لا في مطلق العدميات.

مع أنه مختص بالحنفية و لا يدل على عدم خلاف غيرهم في الاستصحاب النفي الأصلي فصلا عن غيره من العدميات.

ص: 35

بالأصول الوجودية (1) و العدمية كلتيهما.

كلام الوحيد البهبهاني قدّس سرّه في ذلك

قال الوحيد البهبهاني في رسالته الاستصحابية-بعد نقل القول بإنكار اعتبار الاستصحاب مطلقا عن بعض،و إثباته عن بعض،و التفصيل عن بعض آخر-ما هذا لفظه:

لكن الذي نجد من الجميع-حتى من المنكر مطلقا-أنهم يستدلون بأصالة عدم النقل،فيقولون:الأمر حقيقة في الوجوب عرفا،و كذا لغة، لأصالة عدم النقل،و يستدلون بأصالة بقاء المعنى اللغوي،فينكرون الحقيقة الشرعية،إلى غير ذلك،كما لا يخفى على المتتبع،انتهى.

و حينئذ،فلا شهادة في السيرة الجارية في باب الألفاظ على خروج العدميات.

ما يظهر منه الاختصاص بالوجوديات و مناقشته

و أما استدلالهم على إثبات الاستصحاب باستغناء الباقي عن المؤثر (2) الظاهر الاختصاص (3) بالوجودي-فمع أنه معارض (1)كأصالة بقاء المعنى اللغوي،على ما يأتي في كلام الوحيد البهبهاني قدّس سرّه.

(2)لا يخفى أن قصور الدليل عن الدعوى لا يدل على خصوص الدعوى و عدم عمومها،إلا أن الذي تقدم الاستشهاد به على اختصاص النزاع بالوجوديات.

ليس هو الاستدلال على الاستصحاب باستغناء الباقي عن المؤثر،بل هو بناؤهم الكلام في حجية استصحاب على النزاع في كفاية العلة المحدثة للإبقاء،و ظاهر ذلك انحصار الدليل بذلك،و هو مستلزم للاتفاق في العدميات.فلاحظ.

(3)يعني:في اختصاص النزاع بالوجودي مع كون جريان الاستصحاب في العدمي متفقا عليه.

ص: 36

باختصاص بعض أدلتهم الآتية بالعدمي (1) ،و أنه يقتضي أن يكون النزاع مختصا بالشك من حيث المقتضي لا من حيث الرافع (2) -يمكن توجيهه:

بأن الغرض الأصلي هنا لما كان هو التكلم في الاستصحاب الذي هو من أدلة الأحكام الشرعية،اكتفوا بذكر ما يثبت الاستصحاب الوجودي (3) .

مع أنه يمكن أن يكون الغرض تتميم المطلب في العدمي بالإجماع المركب، بل الأولوية،لأن الموجود إذا لم يحتج في بقائه إلى المؤثر فالمعدوم كذلك بالطريق الأولى.

نعم،ظاهر عنوانهم للمسألة ب(استصحاب الحال)،و تعريفهم له،ظاهر الاختصاص بالوجودي،إلا أن الوجه فيه:بيان الاستصحاب الذي هو من الأدلة الشرعية للأحكام،و لذا عنونه بعضهم-بل الأكثر- ب(استصحاب حال الشرع).

و مما ذكرنا يظهر عدم جواز الاستشهاد على اختصاص محل النزاع بظهور قولهم في عنوان المسألة:(استصحاب الحال)،في الوجودي،و إلا لدل تقييد كثير منهم العنوان ب(استصحاب حال الشرع)،على اختصاص (1)و هو ظاهر في وقوع النزاع فيه إذ لو كان اتفاقيا لم يحتج إلى الاستدلال فتأمل.

(2)إذ استغناء الباقي عن المؤثر لا ينافي احتمال المانع،فلا بد من فرض المفروغية عن جريان الاستصحاب في الشك في المانع،كي ينفع استصحاب الأمر الوجودي بناء على استغناء الباقي عن المؤثر.فلاحظ.

(3)لكن الاستصحاب العدمي ممّا ينفع في الأحكام الشرعية أيضا كاستصحاب البراءة الأصلية.

ص: 37

النزاع بغير الامور الخارجية.

و ممن يظهر منه دخول العدميات في محل الخلاف الوحيد البهبهاني فيما تقدم منه،بل لعله صريح في ذلك بملاحظة ما ذكره قبل ذلك في تقسيم الاستصحاب (1) .

و أصرح من ذلك في عموم محل النزاع،استدلال النافين في كتب الخاصة و العامة:بأنه لو كان الاستصحاب معتبرا لزم ترجيح بينة النافي، لاعتضاده بالاستصحاب،و استدلال المثبتين-كما في المنية-:بأنه لو لم يعتبر الاستصحاب لانسد باب استنباط الأحكام من الأدلة،لتطرق احتمالات فيها لا تندفع إلا بالاستصحاب (2) .

و ممن أنكر الاستصحاب في العدميات صاحب المدارك،حيث أنكر اعتبار استصحاب عدم التذكية الذي تمسك به الأكثر لنجاسة الجلد المطروح (3) .

(1)قال بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه:«لأنه قسم الاستصحاب قبل الكلام المذكور إلى أقسام عديدة منها التقسيم باعتبار كون المستصحب وجوديا و عدميا، فنسب انكار اعتباره مطلقا بعده إلى جماعة».

(2)فإن الاستصحاب المنافي للاحتمالات المذكورة هو الاستصحاب العدمي،كأصالة عدم القرينة و عدم التخصيص و غير ذلك.

(3)قال بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه:«حكى الاستاذ العلامة أنه علل انكار الاستصحاب المذكور بوجهين:احدهما:المنع من اعتبار الاستصحاب مطلقا ثانيهما:معارضته باستصحاب عدم موت الحتف.فكلامه صريح في المنع عن اعتبار الاستصحاب حتى في العدميات».

ص: 38

التتبع يشهد بعدم خروج العدميات عن محل النزاع

و بالجملة:فالظاهر أن التتبع يشهد بأن العدميات ليست خارجة عن محل النزاع،بل سيجيء-عند بيان أدلة الأقوال-أن القول بالتفصيل بين العدمي و الوجودي-بناء على اعتبار الاستصحاب من باب الظن- وجوده بين العلماء لا يخلو من إشكال،فضلا عن اتفاق النافين عليه،إذ ما من استصحاب وجودي إلا و يمكن معه فرض استصحاب عدمي يلزم (1) من الظن به الظن بذلك المستصحب الوجودي،فيسقط فائدة نفي اعتبار الاستصحابات الوجودية.و انتظر لتمام الكلام.

و مما يشهد بعدم الاتفاق في العدميات:اختلافهم في أن النافي يحتاج إلى دليل أم لا؟فلاحظ ذلك العنوان تجده شاهد صدق على ما ادعيناه.

ظاهر جماعة خروج بعض العدميات عن محل النزاع

نعم،ربما يظهر من بعضهم خروج بعض الأقسام من العدميات من محل النزاع،كاستصحاب النفي المسمى ب(البراءة الأصلية)،فإن المصرح به في كلام جماعة-كالمحقق و العلامة و الفاضل الجواد-:الإطباق على العمل عليه.و كاستصحاب عدم النسخ،فإن المصرح به في كلام غير واحد-كالمحدث الأسترابادي و المحدث البحراني-:عدم الخلاف فيه،بل مال الأول إلى كونه من ضروريات الدين،و ألحق الثاني بذلك استصحاب عدم المخصص و المقيد.

(1)يعني:و حيث فرض أن الاستصحاب من الامارات و كانت الامارات حجة في لوازم مؤدياتها تعين البناء على اثبات مضمون الاستصحاب الوجودي لملازمته للاستصحاب العدمي فلا أثر لانكار حجية الاستصحاب الوجودي مع الاعتراف بجريان الاستصحاب العدمي.و يأتي تمام الكلام في ذلك في محله.

ص: 39

و التحقيق:أن اعتبار الاستصحاب-بمعنى التعويل في تحقق شيء في الزمان الثاني على تحققه في الزمان السابق عليه-مختلف فيه،من غير فرق بين الوجودي و العدمي.نعم،قد يتحقق في بعض الموارد قاعدة اخرى توجب الأخذ بمقتضى الحالة السابقة،ك(قاعدة قبح التكليف من غير بيان) (1) ،أو(عدم الدليل دليل العدم) (2) ،أو(ظهور الدليل الدال على الحكم في استمراره أو عمومه أو إطلاقه) (3) ،أو غير ذلك،و هذا لا ربط له باعتبار الاستصحاب.

ثم إنا لم نجد في أصحابنا من فرق بين الوجودي و العدمي.نعم، حكى شارح الشرح هذا التفصيل عن الحنفية.

الوجه الثاني: المستصحب اما حكم شرعى و اما من الامور الخارجية
اشارة

أن المستصحب قد يكون حكما شرعيا،كالطهارة المستصحبة (4) (1)التي مقتضاها البناء على البراءة الأصلية.

(2)التي قد يتمسك بها للبراءة الأصلية،خصوصا في المسائل التي تعم بها البلوى،لكنها حينئذ من الأدلة لا من الأصول.

(3)التي يرفع اليد بها عن احتمال النسخ و التخصيص و التقييد.و منه يظهر أن الأصول المذكورة لا تبتني على الاستصحاب المصطلح،بل هي أصول عقلائية لا دخل للاستصحاب فيها بوجه،و لذا اتفقوا عليها مع خلافهم في الرجوع للاستصحاب،أمكن التمسك بها في نفس دليل الاستصحاب،مع أنها لو كانت مبنية عليه لكان التمسك بها فيه دوريا.فلاحظ.

(4)بناء على ما هو الظاهر من أنها من الأحكام الشرعية،لا الامور الواقعية التي كشف عنها الشارع الاقدس،و كذا الحال في النجاسة.

ص: 40

بعد خروج المذي،و النجاسة المستصحبة بعد زوال تغير المتغير بنفسه (1) ، و قد يكون غيره،كاستصحاب الكرية،و الرطوبة،و الوضع الأول عند الشك في حدوث النقل أو في تأريخه.

وقوع الخلاف في كليهما

و الظاهر بل صريح جماعة وقوع الخلاف في كلا القسمين.

نعم،نسب إلى بعض التفصيل بينهما بإنكار الأول و الاعتراف بالثاني،و نسب إلى آخر العكس،حكاهما الفاضل القمي في القوانين.

و فيه نظر،يظهر بتوضيح المراد من الحكم الشرعي و غيره،فنقول:

الحكم الشرعي يراد به تارة الحكم الكلي الذي من شأنه أن يؤخذ من الشارع،كطهارة من خرج منه المذي أو نجاسة ما زال تغيره بنفسه، و اخرى يراد به ما يعم (2) الحكم الجزئي الخاص في الموضوع الخاص، كطهارة هذا الثوب و نجاسته،فإن الحكم بهما-من جهة عدم ملاقاته للنجس أو ملاقاته-ليس وظيفة للشارع.نعم،وظيفته إثبات الطهارة كلية لكل شيء شك في ملاقاته للنجس و عدمها (3) .

و على الإطلاق الأول جرى الأخباريون،حيث أنكروا اعتبار الاستصحاب في نفس أحكام اللّه تعالى،و جعله الأسترابادي من أغلاط اللهم إلا أن يكون مرادهم من الحكم الشرعي ما يعم ذلك.

(1)يعني:النجاسة المستصحبة في الماء المتغير بالنجاسة الذي زال تغير من قبل نفسه.

(2)يعني:ما يعم الحكم الكلي و الحكم الجزئي الخاص.

(3)الذي هو مفاد أصالة الطهارة.لكنه حكم ظاهري لا يراد استصحابه.

ص: 41

من تأخر عن المفيد،مع اعترافه باعتبار الاستصحاب في مثل طهارة الثوب و نجاسته و غيرهما مما شك فيه من الأحكام الجزئية لأجل الاشتباه في الامور الخارجية.

و صرح المحدث الحر العاملي:بأن أخبار الاستصحاب لا تدل على اعتباره في نفس الحكم الشرعي،و إنما تدل على اعتباره في موضوعاته و متعلقاته.

و الأصل في ذلك عندهم:أن الشبهة في الحكم الكلي لا مرجع فيها إلا الاحتياط (1) دون البراءة أو الاستصحاب،فإنهما عندهم مختصان بالشبهة في الموضوع.

و على الإطلاق الثاني (2) جرى بعض آخر.

قال المحقق الخوانساري في مسألة الاستنجاء بالأحجار:

و ينقسم الاستصحاب إلى قسمين،باعتبار انقسام الحكم المأخوذ فيه إلى شرعي و غيره.

و مثل للأول بنجاسة الثوب أو البدن،و للثاني برطوبته،ثم قال:

ذهب بعضهم إلى حجيته بقسميه،و بعضهم إلى حجية القسم الأول فقط، انتهى.

إذا عرفت ما ذكرناه،ظهر أن عد القول بالتفصيل بين الأحكام (1)هذا مختص عندهم بالشبهة التحريمية،أما الشبهة الوجوبية فلا يقول بوجوب الاحتياط فيها الا نادر،كما سبق في محله.

(2)يعني:الذي يراد بالحكم الشرعي فيه ما يعم الكلي و الجزئي.

ص: 42

الشرعية و الامور الخارجية قولين متعاكسين ليس على ما ينبغي،لأن المراد بالحكم الشرعي:

إن كان هو الحكم الكلي الذي أنكره الأخباريون فليس هنا من يقول باعتبار الاستصحاب فيه و نفيه في غيره (1) ،فإن ما حكاه المحقق الخوانساري و استظهره السبزواري هو اعتباره في الحكم الشرعي بالإطلاق الثاني الذي هو أعم من الأول.

و إن اريد بالحكم الشرعي الإطلاق الثاني الأعم،فلم يقل أحد باعتباره في غير الحكم الشرعي و عدمه في الحكم الشرعي،لأن الأخباريين لا ينكرون الاستصحاب في الأحكام الجزئية (2) .

ثم إن المحصل من القول بالتفصيل بين القسمين المذكورين في هذا التقسيم ثلاثة:

الأول:اعتبار الاستصحاب في الحكم الشرعي مطلقا (3) -جزئيا كان كنجاسة الثوب،أو كليا كنجاسة الماء المتغير بعد زوال التغير-و هو (1)لأن القائل بنفيه في غير الحكم الشرعي يريد به نفيه في الموضوع الخارجي،لا الحكم الجزئي.

(2)و الحاصل ان الحكم الشرعي الجزئي يتفق الطرفان على جريان الاستصحاب فيه و يتعاكسان في الحكم الكلي و الموضوع الخارجي لا غير،فليس التعاكس بين القولين تاما بل ناقصا.

(3)يعني دون الأمور الخارجية.و هذا القول هو الذي جعله المصنف قدّس سرّه القول الرابع من الأقوال في الاستصحاب فيما ياتي.

ص: 43

الظاهر مما حكاه المحقق الخوانساري (1) .

الثاني:اعتباره في ما عدا الحكم الشرعي الكلي و إن كان حكما جزئيا، و هو الذي حكاه في الرسالة الاستصحابية عن الأخباريين (2) .

الثالث:اعتباره في الحكم الجزئي دون الكلي و دون الامور الخارجية (3) ،و هو الذي ربما يستظهر مما حكاه السيد شارح الوافية عن المحقق الخوانساري في حاشية له على قول الشهيد قدّس سرّه في تحريم استعمال الماء النجس و المشتبه.

الوجه الثالث المستصحب إما حكم تكليفي و إما حكم وضعي

من حيث إن المستصحب قد يكون حكما تكليفيا،و قد يكون وضعيا شرعيا كالأسباب و الشروط و الموانع.

و قد وقع الخلاف من هذه الجهة،ففصل صاحب الوافية بين التكليفي و غيره،بالإنكار في الأول دون الثاني.

و إنما لم ندرج هذا التقسيم في التقسيم الثاني مع أنه تقسيم لأحد قسميه (4) ،لأن ظاهر كلام المفصل المذكور و إن كان هو التفصيل (1)يعني:في كلامه السابق.و قد سبق أن السبزواري قد استظهر القول المذكور.

(2)و هو الذي جعله المصنف قدّس سرّه فيما يأتي القول الخامس من الأقوال في الاستصحاب بعد استثناء أصالة عدم النسخ.

(3)و هو الذي جعله المصنف قدّس سرّه فيما يأتي القول السادس من الأقوال في الاستصحاب.

(4)و هو الحكم الشرعي.

ص: 44

بين الحكم التكليفي و الوضعي،إلا أن آخر كلامه ظاهر في إجراء الاستصحاب في نفس الأسباب و الشروط و الموانع (1) ،دون السببية و الشرطية و المانعية (2) ،و سيتضح ذلك عند نقل عبارته عند التعرض لأدلة الأقوال.

(1)التي هي قد تكون من الأمور الخارجية.

(2)التي هي من الأحكام الوضعية.

ص: 45

تقسيم الاستصحاب باعتبار دليل المستصحب
اشارة

و أما بالاعتبار الثاني (1) ،فمن وجوه أيضا:

احدها دليل المستصحب إما الإجماع و إما غيره

من حيث إن الدليل المثبت للمستصحب إما أن يكون هو الإجماع، و إما أن يكون غيره.و قد فصل بين هذين القسمين الغزالي،فأنكر الاستصحاب في الأول.و ربما يظهر من صاحب الحدائق-فيما حكي عنه في الدرر النجفية-أن محل النزاع في الاستصحاب منحصر في استصحاب حال الإجماع.و سيأتي تفصيل ذلك عند نقل أدلة الأقوال إن شاء اللّه.

الثانى المستصحب إما يثبت بالدليل العقلي و إما بالدليل الشرعي
اشارة

من حيث إنه قد يثبت بالدليل الشرعي،و قد يثبت بالدليل العقلي.

و لم أجد من فصل بينهما،إلا أن في تحقق الاستصحاب مع ثبوت الحكم بالدليل العقلي-و هو الحكم العقلي المتوصل به إلى حكم شرعي-تأملا، نظرا إلى أن الأحكام العقلية كلها مبينة مفصلة من حيث مناط الحكم (2) ، (1)يعني:تقسيم الاستصحاب باعتبار الدليل الدال على المستصحب.

(2)اذ الحكم العقلي عبارة عن حكم الانسان نفسه و يمتنع جهل الحاكم

ص: 46

و الشك في بقاء المستصحب و عدمه لا بد و أن يرجع إلى الشك في موضوع الحكم،لأن الجهات المقتضية للحكم العقلي بالحسن و القبح كلها راجعة إلى قيود فعل المكلف،الذي هو الموضوع.فالشك في حكم العقل حتى لأجل وجود الرافع لا يكون إلا للشك في موضوعه،و الموضوع لا بد أن يكون محرزا معلوم البقاء في الاستصحاب،كما سيجيء.

و لا فرق فيما ذكرنا،بين أن يكون الشك من جهة الشك في وجود الرافع،و بين أن يكون لأجل الشك في استعداد الحكم،لأن ارتفاع الحكم العقلي لا يكون إلا بارتفاع موضوعه،فيرجع الأمر بالأخرة إلى تبدل العنوان (1) ،أ لا ترى أن العقل إذا حكم بقبح الصدق الضار،فحكمه بمناط حكمه.

(1)لكن المراد بالموضوع الذي يعتبر بقاؤه في الاستصحاب ليس هو العنوان المأخوذ في موضوع الحكم،بل معروض الحكم،بنحو يصدق كان هذا كذا فهو كما كان،سواء تبدل عنوانه أم لا كما سيأتي.

نعم تبدل العنوان إنما يوجب ارتفاع الموضوع إذا كان الموضوع أمرا كليا احتمل كون العنوان قيدا له،كالصدق المقيد بعنوان الضار أما إذا كان أمرا خارجيا -كهند المعروضة لعنوان الزوجية-فتبدل عنوانه لا يستلزم ارتفاع الموضوع حتى يمتنع الاستصحاب،كما و هذا هو المعيار في جريان الاستصحاب في الأحكام المستفادة من الأدلة الشرعية أيضا،على ما يأتي في محله إن شاء اللّه تعالى فلا فرق بين الأحكام المستفادة من الأدلة الشرعية و العقلية في ذلك.

ثم أنه قد تمتاز الأحكام المستفادة من الأدلة الشرعية بأنه قد يستفاد من دليلها أن بعض الخصوصيات و العناوين غير مقومة للموضوع الكلي،بل هي خارجة عنه و إن احتمل دخلها في الحكم،فلا يكون انخرامها موجبا لتبدل الموضوع حتى يمتنع

ص: 47

يرجع إلى أن الضار من حيث إنه ضار حرام،و معلوم أن هذه القضية غير قابلة للاستصحاب عند الشك في الضرر مع العلم بتحققه سابقا،لأن قولنا:«المضر قبيح»حكم دائمي لا يحتمل ارتفاعه أبدا،و لا ينفع في إثبات القبح عند الشك في بقاء الضرر.

و لا يجوز أن يقال:إن هذا الصدق (1) كان قبيحا سابقا فيستصحب الاستصحاب،بخلاف الأحكام المستفادة من الأدلة العقلية فإنه لا يبعد كون جميع ما يؤخذ فيها قيودا راجعة إلى الموضوع يكون انخرامها موجبا لتبدله،و لا أقل من احتمال ذلك فيمتنع الاستصحاب،إذ المعتبر فيه العلم ببقاء الموضوع و لا يكفي الشك.

و ينحصر استصحابها بما إذا كان الحكم واردا على الموضوع الخارجي الجزئي، لما ذكرنا.

لكن هذا فرض لا واقع له على الظاهر،لأن الأحكام العقلية لا تكون الا كلية لموضوعات كلية و بمناطات كلية.

ثم إنه يظهر من المصنف قدّس سرّه أن مناط الحكم العقلي-كالضرر في المثال السابق- هو موضوعه،فمع الشك فيه يشك في بقاء الموضوع،بخلاف مناط الحكم الشرعي المستفاد من الأدلة،فإنه قد يكون أمرا آخر غير الموضوع فالشك فيه لا يستلزم الشك في بقاء الموضوع و ما ذكره من الفرق و إن كان قريبا جدا إلا أنه محتاج إلى التأمل.

(1)إن أريد به الاشارة إلى الصدق الخارجي المتشخص بوجوده فليس له حالة سابقة و لا أثر عملي لمعرفة حكمه،لوقوعه على كل حال.

و إن أريد الاشارة إلى كلي الصدق فليس هو موضوع الحكم الشرعي و لا العقلي،بل موضوعهما خصوص الضار منه فلا يحرز انطباقه مع فرض الشك في الضرر،بل يعلم بعدم انطباقه مع العلم بعدم الضرر.

ص: 48

قبحه،لأن الموضوع في حكم العقل بالقبح ليس هذا الصدق،بل عنوان المضر،و الحكم له مقطوع البقاء،و هذا بخلاف الأحكام الشرعية،فإنه قد يحكم الشارع على الصدق بكونه حراما،و لا يعلم أن المناط الحقيقي فيه باق في زمان الشك أو مرتفع (1) فيستصحب الحكم الشرعي (2) .

فإن قلت:على القول بكون الأحكام الشرعية تابعة للأحكام العقلية (3) ،فما هو مناط الحكم و موضوعه في الحكم نعم لو كان المتعلق الأمور الجزئية الشخصية الجزئية التي لها نحو استقرار في الوجود فلا مانع من استصحاب حكمه مع تبدل عنوانه،لعدم كون العنوان مقوما له،و قد ذكرنا قريبا عدم تحقق ذلك في متعلقات الأحكام العقلية.نعم سيأتي إمكان ذلك في غير متعلق التكليف كما في المكلف.

(1)بناء على ما أشرنا إليه من عدم كون موضوع الحكم الشرعي هو مناطه، بل أمر آخر.

(2)هذا مختص بما اذا ظهر من الدليل عدم أخذ الخصوصية التي يشك مع ارتفاعها في بقاء الحكم-قيدا في الموضوع و أنها على تقدير اعتبارها قيد للحكم لا غير.

أما لو ظهر من الدليل أو احتمل كونها قيدا في الموضوع الكلي امتنع الاستصحاب لما أشرنا إليه و يأتي في محله إن شاء اللّه تعالى.

(3)المراد بتبعية الأحكام الشرعية للأحكام العقلية هنا ليس بتبعيتها للأحكام العقلية الفعلية التي تكون دليلا عليها-بناء على قاعدة الملازمة-كحرمة الظلم التابعة لحكم العقل فعلا بقبحه المستدل عليها به.

و ذلك لسوق هذا المطلب في مقام الاشكال على ما ذكره اخيرا من جريان الاستصحاب في الأحكام المستفادة من الأدلة الشرعية و الفرق بينها و بين ما يستفاد من الأحكام العقلية كما سبق.

ص: 49

العقلي (1) بقبح هذا الصدق فهو المناط و الموضوع في حكم الشرع بحرمته،إذ المفروض بقاعدة التطابق،أن موضوع الحرمة و مناطها هو بعينه موضوع القبح و مناطه.

قلت:هذا مسلم،لكنه (2) مانع عن الفرق بين الحكم الشرعي بل المراد هو تبعية الأحكام الشرعية المستفاد من الأدلة الشرعية للأحكام العقلية الشأنية التقديرية.

و مراده بذلك الاشارة إلى قاعدة تبعية الأحكام للمصالح و المفاسد و كون الأحكام الشرعية ألطافا في الواجبات العقلية الراجعة إلى دعوى ان الحكم الشرعي لا يكون إلا بلحاظ المصالح و المفاسد الخفية التي لو اطلع العقل عليها لحكم على طبقها و عدم حكمه بها فعلا إنما هو لعدم اطلاعه عليها.

إذا عرفت هذا فمراد المستشكل أنه لا فرق بين الأحكام الشرعية المستفادة من الأدلة الشرعية و الأحكام الشرعية المستفادة من الأحكام العقلية في عدم جريان الاستصحاب،لأن ما هو الموضوع و المناط في الأحكام الشرعية المستفادة من الأدلة الشرعية هو الموضوع و المناط في الحكم العقلي لو فرض التفات العقل للمناط المذكور،فمع الشك في الحكم الشرعي للشك في مناطه لا مجال للاستصحاب، لعدم إحراز الموضوع في الحكم العقلي التقديري الذي حكم الشارع تبعا له،فلا يحرز موضوع الحكم الشرعي أيضا،كما سبق في الأحكام الشرعية المستفادة من الأحكام العقلية الفعلية.

(1)يعني التقديري الشأني.

(2)يعني:أنما ذكر في الاشكال إنما يقتضي عدم الفرق بين الأحكام الشرعية المستفادة من الأحكام العقلية و الأحكام المستفادة من الأدلة الشرعية في جريان الاستصحاب بناء على أن الاستصحاب من الأمارات الظنية،و ذلك لأنه إذا شك في بقاء الحكم فقد شك في بقاء المناط،فاذا فرض حصول الظن من الاستصحاب

ص: 50

و العقلي من حيث الظن بالبقاء في الآن اللاحق (1) ،لا من حيث جريان أخبار الاستصحاب و عدمه،فإنه تابع لتحقق موضوع المستصحب و معروضه بحكم العرف،فإذا حكم الشارع بحرمة شيء في زمان، و شك في الزمان الثاني،و لم يعلم أن المناط الحقيقي واقعا-الذي هو المناط و الموضوع في حكم العقل (2) -باق هنا أم لا،فيصدق هنا أن الحكم الشرعي الثابت لما هو الموضوع له في الأدلة الشرعية كان موجودا سابقا و شك في بقائه (3) ،و يجري فيه أخبار الاستصحاب.نعم،لو علم مناط ببقاء المناط و الموضوع الواقعي لزم الظن ببقاء الحكم الشرعي سواء كان مستفادا من الدليل الشرعي أم من الحكم العقلي،و إلا لم يحصل الظن في المقامين.

أما بناء على أن الاستصحاب من الأصول التعبدية المستفادة من الأخبار فالوجه المذكور لا يمنع من الفرق بين الحكمين،و ذلك لأن المعيار في التعبد الاستصحابي على بقاء الموضوع العرفي المستفاد للعرف من الأدلة لا على إحراز بقاء الموضوع و المناط الواقعيين،فلو فرض الشك في المناط مع إحراز الموضوع عرفا أمكن الاستصحاب،بخلاف ما إذا كان الحكم الشرعي مستفادا من الحكم العقلي فإن الموضوع فيه ليس إلاّ الموضوع العقلي،و قد عرفت انه تابع للمناط،فمع الشك في حصول المناط يشك في الموضوع فيمتنع الاستصحاب.

هذا حاصل ما يقال في المقام،رجعنا فيه إلى ما ذكره بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه في شرح كلام المصنف قدّس سرّه الذي هو غامض جدا.فلاحظ.

(1)يعني:بناء على كون الاستصحاب من الامارات الظنية.

(2)يعني:حكم العقل الشأني و التقديري.

(3)الضمير يرجع إلى الحكم الشرعي.

ص: 51

هذا الحكم و موضوعه المعلق عليه في حكم العقل (1) لم يجر الاستصحاب، لما ذكرنا من عدم إحراز الموضوع.

عدم جريان الاستصحاب في الأحكام العقلية و الشرعية المستندة إليها

و مما ذكرنا يظهر:أن الاستصحاب لا يجري في الأحكام العقلية (2) ، و لا في الأحكام الشرعية المستندة إليها،سواء كانت وجودية أم عدمية، إذا كان العدم مستندا إلى القضية العقلية (3) ،كعدم وجوب الصلاة مع (1)بأن كان الحكم مستفادا من الحكم العقلي الفعلي الذي سبق الكلام فيه أول الأمر،أما لو استفيد من الأدلة الشرعية و علم بموضوعه و مناطه الواقعي إلا أنه شك في بقاء المناط و كان الموضوع العرفي محرزا معلوم البقاء فلا مانع من جريان الاستصحاب،لما عرفت من أن المدار فيه على إحراز الموضوع العرفي،لا الواقعي التابع للمناط.

(2)الوجه فيه-مضافا إلى ما سبق-:أن دليل التعبد بالاستصحاب مختص بالأحكام الشرعية و موضوعاتها،و لا يجري في غيرها كالأحكام العقلية.

و دعوى:أن الحكم العقلي موضوع للحكم الشرعي بناء على الملازمة بين الأحكام الشرعية و العقلية.

ممنوعة،لأن مجرد الملازمة بينهما لا يقتضي موضوعيته له،إذ المراد بالموضوع ما أخذ في كبرى القضية الشرعية،و القضية العقلية لا دخل لها في موضوع القضية الشرعية و إن كانت كاشفة عنها.

نعم قد يدعي جريان الاستصحاب لإحراز المناط في القضية العقلية المتتبع للحكم العقلي،بناء على جريان الاستصحاب بحكم العقل.

لكنه استصحاب عقلي،و ليس من الاستصحاب الشرعي الذي نحن بصدده.

(3)عرفت أن المعيار في المنع من جريان الاستصحاب كون الموضوع أمرا كليا قابلا للتقييد مع احتمال كون الخصوصية الزائلة قيدا له،فلو لم يكن كليا بل

ص: 52

السورة على ناسيها،فإنه لا يجوز استصحابه بعد الالتفات (1) ،كما صدر جزئيا-كزيد-أو كان كليا و علم بعدم أخذ الخصوصية قيدا فيه فلا مانع من جريان الاستصحاب من دون فرق بين الحكم المستفاد من الأدلة الشرعية و العقلية.

(1)أشرنا إلى أن الخصوصية الزائلة إن لم يحتمل كونها قيدا في متعلق الحكم و إنما احتمل كونها شرطا في الحكم مع إطلاق المتعلق فلا مانع من جريان الاستصحاب،و ذلك كما يجري في الأحكام المستفادة من الأدلة الشرعية كذلك يجري في الأحكام المستفادة من الأحكام العقلية،و من الظاهر أن النسيان ليس قيدا في السورة التي يسقط وجوبها،بل هو غاية ما يحتمل كونه شرطا في سقوط وجوب السورة و حينئذ فاذا احتمل سقوط السورة حتى بعد الالتفات فلا مانع من استصحاب.عدم وجوبها و إن كان سقوطها حال النسيان مستفادا من حكم العقل.

إن قلت:لما كان مناط حكم العقل هو قبح تكليف الناسي فمع فرض ارتفاع النسيان يعلم بارتفاع المناط،فيعلم بارتفاع حكم الشارع السابق.

نعم يحتمل حكم الشارع بالاجزاء بملاك آخر غير ملاك قبح تكليف الناسي و هو حكم شرعي تعبدي غير الحكم السابق فلا مجال لإحرازه بالاستصحاب،بل الأصل عدمه.

قلت:ارتفاع ملاك الحكم العقلي لا يستلزم ارتفاع الحكم الشرعي،لاحتمال بقائه بملاك آخر،و تعدد المناط لا يوجب تعدد الحكم حتى يمتنع الاستصحاب.

فالعمدة في منع الاستصحاب في المقام:أن المتيقن سابقا حين النسيان ليس هو ارتفاع الوجوب واقعا بل ظاهرا،و حينئذ فبعد انكشاف الحال و ارتفاع النسيان يعلم بارتفاع الحكم الظاهري،لامتناع جعل الحكم الظاهري مع العلم بالحال،و إنما يحتمل الاجزاء واقعا،و هو حكم جديد لا دليل على ثبوته،و الأصل عدمه.

بل قد يقال:إن مقتضى إطلاق دليل الواجب التام بقاؤه ما لم يمتثل سواء

ص: 53

من بعض من مال إلى الحكم بالإجزاء في هذه الصورة و أمثالها من موارد الأعذار العقلية الرافعة للتكليف مع قيام مقتضيه.

و أما إذا لم يكن العدم مستندا إلى القضية العقلية،بل كان لعدم المقتضي و إن كان القضية العقلية موجودة أيضا،فلا بأس باستصحاب العدم المطلق بعد ارتفاع القضية العقلية.

استصحاب حال العقل لا يستند إلى القضية العقلية

و من هذا الباب استصحاب حال العقل،المراد به في اصطلاحهم استصحاب البراءة و النفي،فالمراد استصحاب الحال (1) التي يحكم جيء بالناقص نسيانا أم لا،و الاطلاق المذكور مانع من جريان استصحاب عدم وجوب المقام من حين النسيان،بناء على ما هو الظاهر من الرجوع في امثال ذلك إلى عموم العام لا إلى استصحاب حكم المخصص،هذا مع قطع النظر عما عرفت من عدم جريان الاستصحاب ذاتا.فتأمل جيدا.

(1)لكن حتى لو فرض كون مرادهم استصحاب الحال المستندة إلى العقل فلا مانع منه،لما أشرنا إليه من أن الحالة المتبدلة إذا كانت من طارئة على الأمر الجزئي المستقر في الوجود فتبدلها لا يوجب تعدد الموضوع،لعدم إمكان تقييد الجزئي بل ليس الموضوع إلا الأمر الواحد المعروض للحالتين المتبادلتين و هو في المقام ذات المكلف الذي سبق له عدم التمييز،و من الظاهر أن عدم التمييز ليس من الحالات المأخوذة في نفس الفعل الذي يتمسك في نفي التكليف عنه بالبراءة الأصلية،حتى يمكن فرض كونه قيدا له،لأنه أمر كلي،بل في نفس المكلف لأن من شروط التكليف هو التمييز،و هو أمر لا يقبل التقييد،كما ذكرنا.فلاحظ.

و من جميع ما سبق يظهر أن الخصوصية المحتمل دخلها ان احتمل أخذها في متعلق الحكم التكليفي و هو فعل المكلف الكلي امتنع الاستصحاب،و إن احتمل أخذها قيدا في الحكم كما هو مفاد القضية الشرطية أو في المكلف فلا مانع من

ص: 54

العقل على طبقها-و هو عدم التكليف-لا الحال المستندة إلى العقل،حتى يقال:إن مقتضى ما تقدم هو عدم جواز استصحاب عدم التكليف عند ارتفاع القضية العقلية،و هي قبح تكليف غير المميز أو المعدوم.

و مما ذكرنا ظهر أنه لا وجه للاعتراض (1) على القوم-في تخصيص استصحاب حال العقل باستصحاب النفي و البراءة-بأن (2) الثابت بالعقل قد يكون عدميا و قد يكون وجوديا،فلا وجه للتخصيص،و ذلك (3) لما الاستصحاب من دون فرق بين الأحكام المستفادة من الأدلة العقلية و الشرعية.فتأمل.

و قال بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه:«أما استدلال المثبتين فهو قولهم:إن المقتضى للحكم الأول موجود و العارض لا يصلح أن يكون رافعا...إلى آخر ما سيجيء.

و أما استدلال النافين فهو أنه لو كان الاستصحاب حجة لكانت بنية النفي أولى لاعتضادها بالاستصحاب،بناء على ما استظهره الاستاذ العلامة من كون الشك في ارتفاع العدم من الشك في الرافع حسبما سيجيء».

(1)قال في الفصول:«و اعلم أنه ينقسم الاستصحاب باعتبار مورده إلى استصحاب حال العقل و المراد به كل حكم ثبت بالعقل سواء كان تكليفيا كالبراءة حال الصغر،و اباحة الأشياء الخالية عن امارة المفسدة قبل الشرع و كتحريم التصرف في مال الغير...أو كان وضعيا...كشرطية العلم لثبوت التكليف...و...كعدم الزوجية و عدم الملكية الثابتين قبل تحقق موضوعهما و تخصيص جمع من الأصوليين لهذا القسم-أعني استصحاب حال العقل-بالمثال الأول-أعني البراءة الأصلية- ممّا لا وجه له...».

(2)متعلق بقوله:«للاعتراض».

(3)تعليل لقوله:«و ممّا ذكرنا ظهر...».

و حاصل ما ذكره قدّس سرّه أن هذا إنما يرد عليهم لو كان مرادهم من استصحاب

ص: 55

عرفت:من أن الحال المستند إلى العقل المنوط بالقضية العقلية لا يجري فيه الاستصحاب وجوديا كان أو عدميا،و ما ذكره (1) من الأمثلة يظهر الحال فيها مما تقدم (2) .

الثالث دليل المستصحب قد يدلّ على الاستمرار و قد لا يدل

أن دليل المستصحب:إما أن يدل على استمرار الحكم إلى حصول رافع أو غاية (3) ،و إما أن لا يدل.

حال العقل استصحاب الحال المستندة إلى العقل،و ليس مرادهم ذلك،بل مرادهم استصحاب الحال المقارنة لحكم العقل،و حينئذ فالتخصيص بالبراءة الأصلية في محله.

لكن حمل مرادهم على ذلك،و اختصاص البراءة الأصلية به،كلاهما لا يخلو عن اشكال،و لا مجال لإطالة الكلام في ذلك و قد ذكر بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه في المقام ما ينبغي مراجعته و التأمل فيه.

(1)يعني:المعترض و هو صاحب الفصول في كلامه المتقدم و غيره.

(2)ظاهر كلامه امتناع الاستصحاب فيها لأنه من استصحاب الحال المستندة لحكم العقل،و لذا صح للقوم تخصيص استصحاب حال العقل بالبراءة الأصلية و ذلك لا يخلو عن إشكال.فلاحظ.

(3)يعني:فيكون مقتضى الدليل المذكور كون الحكم من شأنه البقاء لو لا الرافع.و قد يدعي أن منه جميع الأحكام الوضعية كالطهارة و النجاسة و الزوجية و غيرها.

ثم إن الفرق بين الرافع و الغاية أن الرافع يقتضي ارتفاع ما يكون من شأنه البقاء كالحدث الرافع للطهارة،و الغاية ما ينتهي به الشيء و لو لانتهاء أحد مقتضيه.

لكن الظاهر عدم ارادته الفرق هنا،بل الغاية بمعنى الرافع لا بمعنى آخر.

ص: 56

و قد فصل بين هذين القسمين المحقق في المعارج،و المحقق الخوانساري في شرح الدروس،فأنكرا الحجية في الثاني و اعترفا بها في الأول،مطلقا كما يظهر من المعارج،أو بشرط كون الشك في وجود الغاية (1) كما يأتي من شارح الدروس.

و تخيل بعضهم-تبعا لصاحب المعالم-:أن قول المحقق قدّس سرّه موافق للمنكرين،لأن (2) محل النزاع ما لم يكن الدليل مقتضيا للحكم في الآن فلاحظ.

(1)يعني:لا في كون الشيء غاية و رافعا بنحو الشبهة الحكمية،كما لو شك في كون الغسلة الواحدة رافعة للنجاسة.

(2)حاصل مراده أن صاحب المعالم تخيل كون جريان الاستصحاب مع إحراز المقتضي و الشك في الرافع اتفاقيا حتى عند المنكرين،و أن النزاع إنما هو في جريان الاستصحاب مع الشك في المقتضي لا غير.و حينئذ توجه عليه ما يأتي من الإشكال.

لكن لا يبعد-كما استظهر بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه-أن يكون مراد صاحب المعالم حمل كلام المحقق على أن مراده من الحكم بالبقاء هو الحكم به للدليل الدال على الثبوت لا من جهة الاستصحاب،فيكون منكرا لحجية الاستصحاب مطلقا حتى مع إحراز المقتضي و الشك في الرافع.

و إن شئت قلت:الدليل الدال على الثبوت تارة:يقتضي ثبوت الحكم الفعلي في جميع الأزمنة،فتكون نسبة الزمان الثاني إلى الدليل كنسبة الآن الأول،بحيث لو فرض دلالة الدليل على ارتفاع الحكم في الزمان الثاني كان منافيا للدليل الأول و مخصصا له.

و أخرى:يقتضي ثبوت الحكم في الزمن الأول مع دلالته على أن الحكم من

ص: 57

اللاحق لو لا الشك في الرافع.و هو (1) غير بعيد بالنظر إلى كلام السيد و الشيخ و ابن زهرة و غيرهم،حيث إن المفروض في كلامهم هو كون دليل الحكم في الزمان الأول قضية مهملة ساكتة (2) عن حكم الزمان الثاني و لو مع فرض عدم الرافع.

إلا أن الذي يقتضيه التدبر في بعض كلماتهم-مثل:إنكار السيد لاستصحاب البلد المبني على ساحل البحر مع كون الشك فيه نظير الشك شأنه الاستمرار لو لا الرافع لاستمرار مقتضيه من دون دلالته على استمراره فعلا، فلو فرض دلالة الدليل على ارتفاعه لم يكن منافيا للدليل الأول بوجه.

و ثالثة:يقتضي ثبوت الحكم في الزمن الأول مع السكوت عن الأزمنة اللاحقة فلا يقتضي ثبوت الحكم فعلا و لا ثبوت مقتضيه فيها.

لا اشكال في عدم حمل كلام المحقق على الأخير،إلا أن ظاهر المصنف قدّس سرّه حمله على الثاني:و لذا نسب إليه التفصيل المذكور،و نسب إلى صاحب المعالم دعوى خروج الاستصحاب في الثاني عن محل النزاع،لأنه ادعى أن ما ذهب إليه المحقق راجع إلى قول المنكرين.

و لا يبعد أن يكون مراد صاحب المعالم حمل كلام المحقق على الأول الذي لا يكون البناء على البقاء فيه مبنيا على الاستصحاب،بل عملا بنفس الدليل،فيكون منكرا للاستصحاب مطلقا.

أما كلام المحقق فلا يخلو عن إجمال لظهور صدره و ذيله فيما يظهر من صاحب المعالم،و ظهور تمثيله فيما فهمه المصنف قدّس سرّه.فراجع كلامه و تأمل فيه.

(1)يعني:اختصاص النزاع بما إذا لم يحرز المقتضي،و الاتفاق على جريان الاستصحاب مع إحراز المقتضي.

(2)و هو الوجه الثالث الذي ذكرناه.

ص: 58

في وجود الرافع للحكم الشرعي،و غير ذلك مما يظهر للمتأمل،و يقتضيه الجمع بين كلماتهم و بين ما يظهر من بعض استدلال المثبتين (3) و النافين-:

هو عموم النزاع لما ذكره المحقق (4) ،فما ذكره في المعارج أخيرا ليس رجوعا عما ذكره أولا (5) ،بل لعله بيان لمورد تلك الأدلة التي ذكرها (3)لعله اشارة إلى ما سبق عنهم في الاستصحاب العدمي من استدلالهم بأنه لو لا الاستصحاب لما أمكن استنباط الأحكام من الأدلة،لتطرف احتمالات فيها لا تندفع إلاّ بالاستصحاب بدعوى أن أكثر تلك الاحتمالات راجعة إلى الشك في الرافع.

و قال بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه:«أما استدلال المثبتين فهو قولهم:إن المقتضي للحكم الأول موجود و العارض لا يصلح أن يكون رافعا...إلى آخر ما سيجيء.

و أما استدلال النافين فهو أنه لو كان الاستصحاب حجة لكانت بينة النفي اولى لاعتضادها بالاستصحاب بناء على ما استظهره الاستاذ العلامة من كون الشك في ارتفاع العدم من الشك في الرافع حسبما سيجيء».

(4)و هو الشك في الرافع.و قد أراد بهذا ردّ ما نسبه إلى المعالم من الاتفاق حتى من المنكرين على جريان الاستصحاب في الشك في الرافع.و قد عرفت الكلام فيه.

(5)تعريض بصاحب المعالم حيث قال بعد الاستدلال بوجوه أربعة لجريان الاستصحاب:«فاعلم ان المحقق ذكر في أول كلامه ان العمل بالاستصحاب محكي عن المفيد قدّس سرّه،و قال:انه المختار،و احتج له بهذه الوجوه الأربعة،ثم ذكر حجة المانع و الجواب عنها،و قال بعد ذلك:و الذي نختاره نحن أن ننظر في الدليل المقتضي لذلك الحكم...»ثم نقل الكلام المتضمن للتفصيل الذي سبق عن المحقق و سبق الكلام فيه ثم قال:«و هذا الكلام جيد،لكنه عند التحقيق رجوع عما اختاره أولا، و مصير إلى القول الآخر...فكأنه قدّس سرّه استشعر ما يرد على احتجاجه من المناقشة

ص: 59

لاعتبار الاستصحاب (1) ،و أنها لا تقتضي اعتبارا أزيد من مورد يكون الدليل فيه مقتضيا للحكم مطلقا و يشك في رافعه.

فاستدرك بهذا الكلام...».

(1)و هي الوجوه الأربعة التي ذكرها في المعالم.

ص: 60

تقسيم الاستصحاب باعتبار الشك المأخوذ فيه
اشارة

و أما باعتبار (2) الشك في البقاء،فمن وجوه أيضا:

احدها منشأ الشك إما اشتباه الأمر الخارجي و إما اشتباه الحكم الشرعي
اشارة

من جهة أن الشك قد ينشأ من اشتباه الأمر الخارجي-مثل:الشك في حدوث البول،أو كون الحادث بولا أو وذيا-و يسمى بالشبهة في الموضوع، سواء كان المستصحب حكما شرعيا جزئيا كالطهارة في المثالين (3) ،أم موضوعا كالرطوبة و الكرية و نقل اللفظ عن معناه الأصلي،و شبه ذلك.

و قد ينشأ من اشتباه الحكم الشرعي الصادر من الشارع،كالشك في بقاء نجاسة المتغير بعد زوال تغيره،و طهارة المكلف بعد حدوث المذي منه،و نحو ذلك.

دخول القسمين في محل النزاع

و الظاهر دخول القسمين في محل النزاع،كما يظهر من كلام المنكرين، حيث ينكرون (4) استصحاب حياة زيد بعد غيبته عن النظر،و البلد المبني (2)يعني:و أما تقسيم الاستصحاب باعتبار الشك في البقاء.

(3)هذا لو أريد استصحاب الطهارة،أما لو أريد استصحاب عدم خروج البول فالمستصحب موضوع أيضا.

(4)مع ان الاستصحاب في امثال ذلك موضوعي لا حكمي.

ص: 61

على ساحل البحر (1) ،و من كلام المثبتين حيث يستدلون بتوقف نظام معاش الناس و معادهم على الاستصحاب (2) .

المحكي عن الأخباريين اختصاص النزاع بالشبهة الحكمية

و يحكى عن الأخباريين اختصاص الخلاف بالثاني،و هو الذي صرح به المحدث البحراني،و يظهر من كلام المحدث الأسترابادي،حيث قال في فوائده:

اعلم أن للاستصحاب صورتين معتبرتين باتفاق الامة،بل أقول:

اعتبارهما من ضروريات الدين.

إحداهما:أن الصحابة و غيرهم كانوا يستصحبون ما جاء به نبينا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى أن يجيء ناسخه.

الثانية:أنا نستصحب كل أمر من الامور الشرعية-مثل:كون الرجل مالك أرض،و كونه زوج امرأة،و كونه عبد رجل،و كونه على وضوء،و كون الثوب طاهرا أو نجسا،و كون الليل أو النهار باقيا،و كون ذمة الإنسان مشغولة بصلاة أو طواف-إلى أن يقطع بوجود شيء جعله الشارع سببا لنقض تلك الامور.ثم ذلك الشيء قد يكون شهادة العدلين، و قد يكون قول الحجام المسلم (3) أو من في حكمه (4) ،و قد يكون قول (1)كما تقدم التمثيل به عن السيد المرتضى قدّس سرّه.

(2)مع أن نظام المعاش لا يتوقف إلا على الاستصحابات الموضوعية.

(3)يعني:في تطهير موضع الحجامة.

(4)لعل المراد به من يستخلفه الحجام على التطهير و يطلب منه القيام به من اتباعه.

ص: 62

القصار أو من في حكمه،و قد يكون بيع ما يحتاج إلى الذبح و الغسل في سوق المسلمين،و أشباه ذلك من الامور الحسية،انتهى.

و لو لا تمثيله باستصحاب الليل و النهار (1) لاحتمل أن يكون معقد إجماعه الشك من حيث المانع وجودا أو منعا،إلا أن الجامع بين جميع أمثلة الصورة الثانية ليس إلا الشبهة الموضوعية،فكأنه استثنى من محل الخلاف صورة واحدة من الشبهة الحكمية-أعني الشك في النسخ-(سببا مزيلا لنقض تلك الأمور)،و لا يخفى ما فيه.و جميع صور الشبهة الموضوعية.

و أصرح من العبارة المذكورة في اختصاص محل الخلاف بالشبهة الحكمية،ما حكي عنه في الفوائد أنه قال-في جملة كلام له-:إن صور الاستصحاب المختلف فيه راجعة إلى أنه إذا ثبت حكم بخطاب شرعي في موضوع في حال من حالاته نجريه في ذلك الموضوع عند زوال الحالة القديمة و حدوث نقيضها فيه.و من المعلوم أنه إذا تبدل قيد موضوع المسألة بنقيض ذلك القيد اختلف موضوع المسألتين،فالذي سموه استصحابا راجع في الحقيقة إلى إسراء حكم لموضوع إلى موضوع آخر متحد معه بالذات مختلف بالقيد و الصفات،انتهى.

الثانى الشك في البقاء قد يكون مع تساوي الطرفين و قد يكون مع رجحان البقاء أو الارتفاع

من حيث إن الشك بالمعنى الأعم الذي هو المأخوذ في تعريف الاستصحاب:

(1)حيث أن الشك فيهما ليس لاحتمال الواقع مع إحراز المقتضي،بل للشك في المقتضى.

ص: 63

قد يكون مع تساوي الطرفين،و قد يكون مع رجحان البقاء،أو الارتفاع (1) .

و لا إشكال في دخول الأولين في محل النزاع،و أما الثالث (2) فقد يتراءى من بعض كلماتهم عدم وقوع الخلاف فيه.

قال شارح المختصر:معنى استصحاب الحال أن الحكم الفلاني قد كان و لم يظن عدمه،و كل ما كان كذلك فهو مظنون البقاء،و قد اختلف في صحة الاستدلال به لإفادته الظن،و عدمها لعدم إفادته،انتهى.

و التحقيق:أن محل الخلاف إن كان في اعتبار الاستصحاب من باب التعبد و الطريق الظاهري (3) ،عم صورة الظن الغير المعتبر بالخلاف (4) .

و إن كان من باب إفادة الظن-كما صرح به شارح المختصر-فإن كان من باب الظن الشخصي،كما يظهر من كلمات بعضهم-كشيخنا البهائي في الحبل المتين و بعض من تأخر عنه-كان محل الخلاف في غير صورة الظن بالخلاف،إذ مع وجوده لا يعقل ظن البقاء (5) ، (1)تقدم في الأمر الرابع ما ينفع في المقام.

(2)و هو ما يكون مع رجحان الارتفاع.

(3)يعني:بحيث يكون الاستصحاب من الأصول لا الأمارات.

(4)إذ لا يعتبر في جريان الأصول التي بأيدينا الا مجرد عدم العلم،لأنه المأخوذ في أدلتها.

(5)لكن مقتضاه عدم الجريان مع الشك أيضا.

ص: 64

و إن كان (1) من باب إفادة نوعه الظن لو خلي و طبعه-و إن عرض لبعض أفراده ما يسقطه عن إفادة الظن-عم الخلاف صورة الظن بالخلاف أيضا.

و يمكن أن يحمل كلام العضدي على إرادة أن الاستصحاب من شأنه بالنوع أن يفيد الظن عند فرض عدم الظن بالخلاف،و سيجيء زيادة توضيح لذلك إن شاء اللّه.

الثالث (2) الشك إمّا في المقتضي و إمّا في الرافع

من حيث إن الشك في بقاء المستصحب:

قد يكون من جهة المقتضي،و المراد به:الشك من حيث استعداده و قابليته في ذاته للبقاء،كالشك في بقاء الليل و النهار و خيار الغبن بعد الزمان الأول.

إلا أن يكون المراد من الشك و الظن بالارتفاع في محل الكلام هما الظن و الشك في المورد من حيث هو مع قطع النظر عن مقتضى الاستصحاب،و إن كانا بلحاظه يتبدلان بالظن بالبقاء.

و حينئذ فلا مانع من جريان الاستصحاب معهما مع الشك و الظن بالارتفاع معا.و لعله يأتي من المصنف قدّس سرّه في التنبيه الثاني عشر ما يشير بما ذكرنا.فلاحظ.

(1)عطف على قوله:«فان كان من باب الظن الشخصي».

(2)جعل هذا التقسيم باعتبار المستصحب أولى من جعله باعتبار الشك.

مع إن هذا التقسيم راجع إلى التقسيم الثالث الذي تقدم من المصنف باعتبار الدليل الدال على المستصحب لأنه و إن فرض التقسيم هناك بلحاظ الدليل،إلا أنه لا موضوعية للدليل هناك،بل ليس هو إلا محض طريق كاشف عن حال الحكم و أن مقتضيه محرزا أولا و ذلك هو الملحوظ هنا.فلاحظ.

ص: 65

أقسام الشك من جهة الرافع

و قد يكون من جهة طرو الرافع مع القطع باستعداده للبقاء،و هذا على أقسام:لأن الشك إما في وجود الرافع،كالشك في حدوث البول، و إما أن يكون في رافعية الموجود،إما لعدم تعين المستصحب و تردده بين ما يكون الموجود رافعا و بين ما لا يكون،كفعل الظهر المشكوك كونه رافعا لشغل الذمة بالصلاة المكلف بها قبل العصر يوم الجمعة من جهة تردده بين الظهر و الجمعة (1) ،و إما للجهل بصفة الموجود (2) من كونه رافعا كالمذي،أو مصداقا لرافع معلوم المفهوم كالرطوبة المرددة بين البول و الودي،أو مجهول المفهوم (3) .

محل الخلاف من هذه الأقسام

و لا إشكال في كون ما عدا الشك في وجود الرافع محلا للخلاف،و إن كان ظاهر استدلال بعض المثبتين:بأن المقتضي للحكم الأول موجود...

إلى آخره،يوهم الخلاف (4) .

(1)فإن الشك في بقاء التكليف بالصلاة مع فعل إحدى الصلاتين ناشئ من تردد الصلاة التي علم سابقا بوجوبها بينهما.

و نظير ذلك استصحاب النجاسة مع الغسل مرة واحد فيما لو ترددت بين نجاسة البول و نجاسة غيره ممّا لا يعتبر فيه تعدد الغسل،و كذا استصحاب الحدث بعد الوضوء لمن تردد حدثه بين الأكبر و الأصغر.

(2)يعني:للجهل بحكمه الصادر من الشارع الأقدس.

(3)لعله كالغسل بتحريك البدن تحت الماء الذي يشك في رافعيته للحدث للشك في مفهوم الغسل المعتبر في رفع الحدث بنحو ينطبق على ذلك.

(4)يعني:خلاف ما ذكره من تحقق الخلاف في غير الشك في وجود الرافع.

و وجهه:أن أخذ وجود المقتضى في حجة المثبتين يشعر في المفروغية عن عدم

ص: 66

و أما هو (1) فالظاهر أيضا وقوع الخلاف فيه (2) ،كما يظهر من إنكار السيد قدّس سرّه للاستصحاب في البلد المبني على ساحل البحر،و زيد الغائب عن النظر،و أن الاستصحاب لو كان حجة لكان بينة النافي أولى، لاعتضادها بالاستصحاب (3) .

و كيف كان،فقد يفصل بين كون الشك من جهة المقتضي و بين كونه من جهة الرافع،فينكر الاستصحاب في الأول.

و قد يفصل في الرافع بين الشك في وجوده و الشك في رافعيته،فينكر الثاني مطلقا،أو إذا لم يكن الشك في المصداق الخارجي (4) .

هذه جملة ما حضرني من كلمات الأصحاب.

و المتحصل منها في بادئ النظر أحد عشر قولا:

جريان الاستصحاب مع الشك فيه.فلاحظ.

(1)يعني:الشك في وجود الرافع.

(2)خلافا لما سبق منه استظهاره من صاحب المعالم من الاتفاق على جريان الاستصحاب فيه.

(3)كأنه لأن الوجود رافع للعدم فبينة النفي ترجع إلى دعوى بناء العدم و عدم ارتفاعه،فلو كان الاستصحاب مع الشك في الرافع لزم متفقا عليه ترجحها.

فتأمل.

(4)يعني:فلو كان في المصداق الخارجي قبل،كما في لو ترددت الرطوبة بين البول و المذي،دون ما لو كان في الحكم الشرعي اما لاحتمال كون الشيء رافعا مستقلا كالمذي،أو احتمال كونه مصداقا للرافع،لإجمال مفهوم الرافع كما تقدم في تحريك البدن تحت الماء.

ص: 67

الأقوال في حجية الاستصحاب

اشارة

الأول:القول بالحجية مطلقا.

الثاني:عدمها مطلقا.

الثالث:التفصيل بين العدمي و الوجودي.

الرابع:التفصيل بين الامور الخارجية و بين الحكم الشرعي مطلقا (1) ،فلا يعتبر في الأول.

الخامس:التفصيل بين الحكم الشرعي الكلي و غيره،فلا يعتبر في الأول (2) إلا في عدم النسخ (3) .

السادس:التفصيل بين الحكم الجزئي و غيره (4) ،فلا يعتبر في غير الأول،و هذا هو الذي تقدم أنه ربما يستظهر من كلام المحقق الخوانساري في حاشية شرح الدروس،على ما حكاه السيد في شرح الوافية.

(1)يعني:سواء كان كليا أم جزئيا.

(2)كما تقدم نقله عن الأخباريين.

(3)لما تقدم في كلام المحدث الاسترابادي.

(4)و هو الحكم الشرعي الكلي،و الموضوع الخارجي.

ص: 68

السابع:التفصيل بين الأحكام الوضعية-يعني نفس الأسباب و الشروط و الموانع-و الأحكام التكليفية التابعة لها،و بين غيرها من الأحكام الشرعية،فيجري في الأول دون الثاني.

الثامن:التفصيل بين ما ثبت بالإجماع و غيره،فلا يعتبر في الأول.

التاسع:التفصيل بين كون المستصحب مما ثبت بدليله أو من الخارج استمراره (1) فشك في الغاية الرافعة له،و بين غيره،فيعتبر في الأول دون الثاني،كما هو ظاهر المعارج.

العاشر:هذا التفصيل مع اختصاص الشك بوجود الغاية (2) ،كما هو الظاهر من المحقق السبزواري فيما سيجيء من كلامه.

الحادي عشر:زيادة الشك (3) في مصداق الغاية من جهة الاشتباه المصداقي (4) دون المفهومي (5) ،كما هو ظاهر ما سيجىء من المحقق الخوانساري.

(1)يعني استمراره شأنا لثبوت المقتضي،لا فعلا،و إلا كان خارجا عن الاستصحاب،كما تقدم الكلام فيه.

(2)يعني:بنحو الشبهة الموضوعية،كما لو احتمل خروج البول.

(3)يعني:فيجري الاستصحاب فيه أيضا.

(4)كما لو ترددت الرطوبة بين البول و المدي.

(5)كما تقدم في مثل تحريك البدن تحت الماء،كما لا يجري الاستصحاب على هذا القول فيما لو احتمل كون الشيء رافعا مستقلا،كما لو احتمل كون المذي رافعا.

ص: 69

ثم إنه لو بني على ملاحظة ظواهر كلمات من تعرض لهذه المسألة في الأصول و الفروع،لزادت الأقوال على العدد المذكور بكثير،بل يحصل لعالم واحد قولان أو أزيد في المسألة،إلا أن صرف الوقت في هذا مما لا ينبغي.

أقوى الأقوال في الاستصحاب

و الأقوى:هو القول التاسع،و هو الذي اختاره المحقق (1) ،فإن المحكي عنه في المعارج أنه قال:

إذا ثبت حكم في وقت،ثم جاء وقت آخر و لم يقم دليل على انتفاء ذلك الحكم،هل يحكم ببقائه ما لم يقم دلالة على نفيه؟أم يفتقر الحكم في الوقت الثاني إلى دلالة؟

حكي عن المفيد قدّس سرّه:أنه يحكم ببقائه،و هو المختار.و قال المرتضى قدّس سرّه.

لا يحكم.

ثم مثل بالمتيمم الواجد للماء في أثناء الصلاة،ثم احتج للحجية بوجوه،منها:أن المقتضي للحكم الأول موجود،ثم ذكر أدلة المانعين و أجاب عنها.

ثم قال:و الذي نختاره:أن ننظر في دليل ذلك الحكم،فإن كان

(1)تقدم الكلام في مختار المحقق قدّس سرّه في التقسيم الثالث من تقسيمات الاستصحاب باعتبار الدليل الدال على المستصحب.فراجع.

ص: 70

يقتضيه مطلقا وجب الحكم باستمرار الحكم،ك:(عقد النكاح)،فإنه يوجب حل الوط ء مطلقا،فإذا وقع الخلاف في الألفاظ التي يقع بها الطلاق،فالمستدل على أن الطلاق لا يقع بها لو قال:(حل الوط ء ثابت قبل النطق بهذه الألفاظ،فكذا بعده)كان صحيحا،لأن المقتضي للتحليل -و هو العقد-اقتضاه مطلقا (1) ،و لا يعلم أن الألفاظ المذكورة رافعة لذلك الاقتضاء،فيثبت الحكم عملا بالمقتضي.

لا يقال:إن المقتضي هو العقد،و لم يثبت أنه باق.

لأنا نقول:وقوع العقد اقتضى حل الوط ء لا مقيدا بوقت،فيلزم دوام الحل،نظرا إلى وقوع المقتضي،لا إلى دوامه،فيجب أن يثبت الحل حتى يثبت الرافع.

ثم قال:فإن كان الخصم يعني بالاستصحاب ما أشرنا إليه فليس هذا عملا بغير دليل،و إن كان يعني أمرا آخر وراء هذا فنحن مضربون عنه،انتهى.

(1)لا يخفى أن اقتضاء العقد لدوام حل الوط ء إن أريد به كونه بنحو يقبل المنع بأن يراد بالاقتضاء ما هو بعض أجزاء العلة التامة كان ممّا نحن فيه،إلا أنه لم يتضح الوجه كونه عملا بالدليل،لأن وجود المقتضي لا يكفي إلا مع إحراز عدم المانع،و لا يكون دليلا مع الشك فيه.

و إن أريد باقتضاء العقد حلّ الوط ء أنه اقتضى جعل الحل بنحو الاستمرار بنحو يكون دليل الرافع مخصصا لإطلاق دليل اقتضاء العقد خرج عما نحن فيه و كان من التمسك بالإطلاق لا بالاستصحاب.لكنه غير مسلم في خصوص العقد، كما لعله ظاهر،و سبق الكلام فيه.

ص: 71

و يظهر من صاحب المعالم (1) اختياره،حيث جعل هذا القول من المحقق نفيا لحجية الاستصحاب،فيظهر أن الاستصحاب المختلف فيه غيره.

الاستدلال على القول المختار اى الادلة حجية الاستصحاب

اشارة

لنا على ذلك (2) وجوه:

الأول:ظهور كلام جماعة في الاتفاق عليه

فمنها:ما عن المبادئ،حيث قال:الاستصحاب حجة،لإجماع الفقهاء (3) على أنه متى حصل حكم،ثم وقع الشك في أنه طرأ ما يزيله أم لا؟وجب الحكم ببقائه على ما كان أولا،و لو لا القول بأن الاستصحاب حجة،لكان ترجيحا لأحد طرفي الممكن من غير مرجح،انتهى.

(1)لكن سبق ان ظاهر صاحب المعالم انكار جريان الاستصحاب مطلقا، و حمله كلام المحقق قدّس سرّه على ذلك.

(2)يعني:القول التاسع المتضمن للتفصيل المذكور.

(3)لا يبعد كون مراده دعوى اجماع الفقهاء على البناء على بقاء الحكم مع الشك في نسخه،فيكون أجنبيا عما نحن فيه،إذ الكلام في الشك في بقاء الحكم من جهة الشك في الرافع،أما مع الشك في النسخ فلا اشكال في البناء على بقاء الحكم سواء قيل بجريان الاستصحاب أم لا،فإن أصالة عدم النسخ من الأصول العقلائية غير المبتنية على الاستصحاب،و لذا تجري مع الشك في نسخ الحكم الاستصحابي، كما أوضحناه في شرح الكفاية.فلاحظ.

ص: 72

و مراده و إن كان الاستدلال به على حجية مطلق الاستصحاب،بناء على ما ادعاه:من أن الوجه في الإجماع على الاستصحاب مع الشك في طرو المزيل،هو اعتبار الحالة السابقة مطلقا،لكنه ممنوع،لعدم الملازمة، كما سيجيء.

و نظير هذا ما عن النهاية:من أن الفقهاء بأسرهم-على كثرة اختلافهم-اتفقوا على أنا متى تيقنا حصول شيء و شككنا في حدوث المزيل له أخذنا بالمتيقن،و هو عين الاستصحاب،لأنهم رجحوا بقاء الباقي على حدوث الحادث.

و منها:تصريح صاحب المعالم (1) و الفاضل الجواد:بأن ما ذكره المحقق أخيرا في المعارج راجع إلى قول السيد المرتضى المنكر للاستصحاب، فإن هذه شهادة منهما على خروج ما ذكره المحقق عن مورد النزاع و كونه موضع وفاق.إلا أن في صحة هذه الشهادة نظرا (2) ،لأن ما مثل في المعارج من الشك في الرافعية من مثال النكاح هو بعينه ما أنكره الغزالي و مثل له بالخارج من غير السبيلين،فإن الطهارة كالنكاح في أن سببها مقتض لتحققه دائما إلى أن يثبت الرافع.

الثانى الاستقراء

أنا تتبعنا موارد الشك في بقاء الحكم السابق المشكوك من جهة الرافع،فلم نجد من أول الفقه إلى آخره موردا إلا و حكم الشارع (1)تقدم الكلام في مراد صاحب المعالم.

(2)تقدم من المصنف قدّس سرّه إنكار الاجماع على القول المذكور.فراجع.

ص: 73

فيه بالبقاء،إلا مع أمارة توجب الظن بالخلاف،كالحكم (1) بنجاسة الخارج قبل الاستبراء،فإن الحكم بها ليس لعدم اعتبار الحالة السابقة -و إلا لوجب الحكم بالطهارة لقاعدة الطهارة-بل لغلبة (2) بقاء جزء من البول أو المني في المخرج،فرجح هذا الظاهر على الأصل،كما في غسالة الحمام عند بعض،و البناء على الصحة (3) المستندة إلى ظهور فعل المسلم.

و الإنصاف:أن هذا الاستقراء يكاد يفيد القطع،و هو أولى من الاستقراء (4) الذي ذكر غير واحد-كالمحقق البهبهاني و صاحب الرياض-:أنه المستند في حجية شهادة العدلين على الإطلاق.

الثالث:الأخبار المستفيضة.

الصحيحة زرارة الاولى

منها:صحيحة زرارة-و لا يضرها الإضمار (5) -«قال:قلت له:

الرجل ينام و هو على وضوء،أ توجب الخفقة و الخفقتان عليه الوضوء؟ قال:يا زرارة،قد تنام العين و لا ينام القلب و الاذن،فإذا نامت العين و الاذن فقد وجب الوضوء.

قلت:فإن حرك إلى جنبه شيء،و هو لا يعلم؟

(1)تمثيل للمستثنى.

(2)لا تخلو الغلبة المذكورة عن خفاء.

(3)يعني:مع انه على خلاف أصالة عدم ترتب الأثر.

(4)كلا الاستقراءين لا يصلحان للدليلية في اثبات الأحكام الشرعية.

(5)لما هو المعلوم من جلالة زرارة التي لا تناسب سؤاله لغير الامام عليه السّلام خصوصا في مثل هذه المسألة المتضمنة لضرب القاعدة.

ص: 74

قال:لا،حتى يستيقن أنه قد نام،حتى يجئ من ذلك أمر بين،و إلا فإنه على يقين من وضوئه،و لا ينقض اليقين أبدا بالشك،و لكن ينقضه بيقين آخر».

و تقرير الاستدلال:أن جواب الشرط في قوله عليه السّلام:«و إلا فإنه على يقين»محذوف،قامت العلة مقامه لدلالتها عليه (1) ،و جعلها نفس الجزاء يحتاج إلى تكلف (2) ،و إقامة العلة مقام الجزاء لا تحصى كثرة في القرآن و غيره،مثل قوله تعالى: وَ إِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفىٰ ،و إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ ،و مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ،و مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ ،و فَإِنْ يَكْفُرْ بِهٰا هٰؤُلاٰءِ فَقَدْ وَكَّلْنٰا بِهٰا قَوْماً لَيْسُوا بِهٰا بِكٰافِرِينَ ،و إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ ،و إِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ ،إلى غير ذلك.

فمعنى الرواية:إن لم يستيقن أنه قد نام فلا يجب عليه الوضوء،لأنه (1)و التقدير:و إن لم يجيء أمر بين يبني على وضوئه،لأنه على يقين من وضوئه،و لا ينقض اليقين أبدا بالشك.و سيأتي وجه الاستدلال حينئذ.

(2)لأنه مبني على كون قوله عليه السّلام:«فإنه على يقين من وضوئه»قضية تعبدية يعني:و إلا لزمه البناء و التعبد بكونه على يقين من وضوئه.

و يكون قوله عليه السّلام:«و لا ينقض اليقين بالشك أبدا»تأكيدا لمضمون تلك القضية راجعا إليها،و حينئذ فلا تدل الرواية إلا على حجية الاستصحاب في الشك في الوضوء من جهة النوم لا غير.نعم قد يشعر قوله:«و لا ينقض اليقين...» بالعموم بدعوى أنه من تأكيد الخاص بالعام.فتأمل.و كيف كان لزوم التكلف في هذا الوجه ظاهر.

ص: 75

على يقين من وضوئه في السابق،و بعد إهمال تقييد اليقين بالوضوء (1) و جعل العلة نفس اليقين،يكون قوله عليه السّلام:«و لا ينقض اليقين»بمنزلة كبرى كلية للصغرى المزبورة.

هذا،و لكن مبنى الاستدلال على كون اللام في(اليقين)للجنس،إذ لو كانت للعهد لكانت الكبرى-المنضمة إلى الصغرى-(و لا ينقض اليقين بالوضوء بالشك)،فيفيد قاعدة كلية في باب الوضوء،و أنه لا ينقض إلا باليقين بالحدث،و(اللام)و إن كان ظاهرا في الجنس،إلا أن سبق يقين الوضوء ربما يوهن الظهور المذكور (2) ،بحيث لو فرض إرادة خصوص يقين الوضوء لم يكن بعيدا عن اللفظ.مع احتمال أن لا يكون قوله عليه السّلام:

(1)لم يتضح وجه الحاجة إلى اهمال التقييد المذكور،فإن القيد المذكور قد أخذ في الصغرى،و ليس الاستدلال بها،و إنما هو بالكبرى و هي:«و لا ينقض...»، و هي خالية عن التقييد المذكور،فلو فرض إبقاء«اليقين»فيها على إطلاقه-كما سيأتي-تم الاستدلال بها على عموم الاستصحاب.

نعم لازم عموم الكبرى إهمال التقييد في الصغرى،و أن ذكر القيد فيها ليس لدخله في الاستدلال و التعليل بل لتحققه في المورد،للزوم التطابق بين الصغرى و الكبرى في الأوسط القياسي.فلاحظ.

و قد نبه إلى بعض ذلك المصنف قدّس سرّه في مجلس الدرس حسبما حكاه عنه بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه.

(2)لا مجال لرفع اليد بذلك عن ظهور القضية في العموم،و منشؤه ورود الكبرى مورد التعليل الظاهر في كونه ارتكازيا مشيرا إلى قضية عرفية ارتكازية عامة لا خصوصية فيها لليقين بالوضوء،فلو حمل على خصوصه كان التعليل تعبديا، و هو خلاف ظاهر التعليل جدا.فلاحظ.

ص: 76

«فإنه على يقين»علة قائمة مقام الجزاء،بل يكون الجزاء مستفادا من قوله عليه السّلام:«و لا ينقض»،و قوله عليه السّلام:«فإنه على يقين»توطئة له (1) ،و المعنى:

أنه إن لم يستيقن النوم فهو مستيقن لوضوئه السابق،و يثبت على مقتضى يقينه و لا ينقضه،فيخرج قوله:(لا ينقض)عن كونه بمنزلة الكبرى (2) ، فيصير عموم اليقين و إرادة الجنس منه أوهن.

لكن الإنصاف:أن الكلام مع ذلك لا يخلو عن ظهور (3) ،خصوصا بضميمة الأخبار الأخر الآتية المتضمنة لعدم نقض اليقين بالشك.

و ربما يورد (4) على إرادة العموم من اليقين:أن النفي الوارد على (1)نظير قولك:إن أساء إليك زيد فحيث أنه رحم اعف عنه.لكنه لا يناسب دخول الواو في قوله:«و لا ينقض...»إذ لا تدخل الواو على جملة الجزاء، فلا مجال لهذا الاحتمال،و المتعين ما ذكره المصنف قدّس سرّه أولا.

(2)بل يختص بالوضوء عملا بمقتضى العلة المستفادة من التمهيد المذكور و لا يجري في كل شك لاحق لليقين.

(3)العمدة فيه ما عرفت من سوق القضية مساق التعليل و ظهور التعليل في كونه ارتكازيا و عدم الفرق ارتكازا بين أفراد اليقين.

(4)هذا الإيراد مبني على أن اللام في«اليقين»للاستغراق و العموم،إذ حينئذ يتجه الايراد بأن وقوع العموم في حيز النفي لا يقتضي عموم النفي،بل نفي العموم،فيدل على عدم انتقاض كل يقين بالشك،لا على امتناع انتقاض اليقين بالشك،ليدل على عموم جريان الاستصحاب.

هذا و لكن ورود اللام للاستغراق ممّا لم يثبت في اللغة،و إنما تدل اللام على الاشارة للجنس،و الاستغراق إنما يستفاد بمقدمات الاطلاق.و حينئذ فوقوع الجنس في حيز النفي يقتضي عموم النفي لافراده كما سيذكره المصنف قدّس سرّه.

ص: 77

العموم لا يدل على السلب الكلي.

و فيه:أن العموم مستفاد من الجنس في حيز النفي،فالعموم بملاحظة النفي (1) كما في(لا رجل في الدار)،لا في حيزه كما في(لم آخذ كل الدراهم)،و لو كان اللام لاستغراق الأفراد كان الظاهر-بقرينة المقام (2) و التعليل (3) و قوله:(أبدا)-هو إرادة عموم النفي،لا نفي العموم.

و قد اورد على الاستدلال بالصحيحة بما لا يخفى جوابه على الفطن.

و المهم في هذا الاستدلال إثبات إرادة الجنس من اليقين.

صحيحة زرارة الثانية

و منها:صحيحة أخرى لزرارة-مضمرة أيضا (4) -:«قال:قلت له:أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من المني،فعلمت أثره إلى أن أصيب له الماء،فأصبت،فحضرت الصلاة،و نسيت أن بثوبي شيئا (1)يعني:ان العموم ناشئ من النفي و متفرع عليه،لا انه مورد للنفي كي يدعي أن نفي العموم لا يدل على عموم السلب.

(2)لعله لما أشرنا إليه من كون التعليل ارتكازيا،و الارتكاز المذكور مبني على العموم.

(3)فإن مقام التعليل لا يناسب إرادة القضية الجزئية أو المهملة،و إنما يناسب القضية الكلية،ليمكن الانتقال منها إلى الحكم المعلل،نظير الانتقال من حكم الكبرى إلى حكم الصغرى،فإنه لا يصح إلاّ مع عموم الكبرى.فلاحظ.

(4)هذا على رواية التهذيب.و قد رواها الصدوق في العلل بسند صحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام في الباب الثمانين من الجزء الثاني في الصفحة الواحدة و الستين بعد الثلاثمائة من طبع النجف الاشرف.و قد أشار إلى ذلك في الوسائل أيضا.

ص: 78

و صليت،ثم إني ذكرت بعد ذلك؟

قال عليه السّلام:تعيد الصلاة و تغسله.

قلت:فإن لم أكن رأيت موضعه،و علمت أنه قد أصابه،فطلبته و لم أقدر عليه،فلما صليت وجدته؟

قال عليه السّلام:تغسله و تعيد.

قلت:فإن ظننت أنه أصابه و لم أتيقن ذلك،فنظرت فلم أر شيئا فصليت،فرأيت فيه؟

قال:تغسله و لا تعيد الصلاة.

قلت:لم ذلك؟

قال:لأنك كنت على يقين من طهارتك فشككت،و ليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا.

قلت:فإني قد علمت أنه قد أصابه،و لم أدر أين هو فأغسله؟قال:

تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنه قد أصابها،حتى تكون على يقين من طهارتك.

قلت:فهل علي إن شككت في أنه أصابه شيء،أن انظر فيه؟قال:

لا،و لكنك إنما تريد أن تذهب بالشك الذي وقع في نفسك.

قلت:إن رأيته في ثوبي و أنا في الصلاة؟

قال:تنقض الصلاة و تعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته، و إن لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت الصلاة و غسلته ثم بنيت على الصلاة،

ص: 79

لأنك لا تدري،لعله شيء اوقع عليك،فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك...الحديث».

و التقريب:كما تقدم في الصحيحة الأولى،و إرادة الجنس من اليقين لعله أظهر هنا (1) .

و أما فقه الحديث،فبيانه:أن مورد الاستدلال (2) يحتمل وجهين:

أحدهما:أن يكون مورد السؤال فيه أن رأى بعد الصلاة نجاسة يعلم أنها هي التي خفيت عليه قبل الصلاة،و حينئذ فالمراد:اليقين بالطهارة قبل ظن الإصابة،و الشك حين إرادة الدخول في الصلاة.

لكن،عدم نقض ذلك اليقين بذلك الشك إنما يصلح علة لمشروعية الدخول في العبادة المشروطة بالطهارة مع الشك فيها،و أن الامتناع عن الدخول فيها نقض لآثار تلك الطهارة المتيقنة،لا لعدم وجوب الإعادة (3) على من تيقن أنه صلى في النجاسة-كما صرح به السيد الشارح للوافية-إذ الإعادة ليست نقضا لأثر الطهارة المتيقنة بالشك،بل هو نقض (1)إذ لا اشكال هنا في إرادة التعليل و الاستدلال بالكبرى الكلية،و لا مجال لما سبق هناك من الاحتمالين الآخرين.كما أن مناسبة كون التعليل ارتكازيا يقتضي إرادة الجنس و العموم.

(2)لا يخفى أن التعليل في الرواية الشريفة بعدم نقض اليقين بالشك وقع في موضعين،في صدر الرواية و ذيلها،و ما يأتي من المصنف قدّس سرّه من الكلام مختص بالأول،أما الثاني فلا مجال للكلام الآتي فيه.فلاحظ.

(3)يعني:مع ان الرواية تضمنت تعليل عدم الاعادة به.

ص: 80

باليقين (1) ،بناء على أن من آثار حصول (2) اليقين بنجاسة الثوب حين الصلاة و لو بعدها (3) وجوب إعادتها.

و ربما يتخيل:حسن التعليل لعدم الإعادة،بملاحظة اقتضاء امتثال الأمر الظاهري (4) للإجزاء،فيكون الصحيحة من حيث تعليلها دليلا على تلك القاعدة (5) و كاشفة عنها (6) .

(1)لغرض حصول اليقين بعد الصلاة بوقوعها في النجاسة.

(2)لعل الأولى أن يقول:بناء على أن من آثار نجاسة الثوب واقعا حين الصلاة اعادتها،إذ لا دخل لليقين الا من حيث كشفه عن الموضوع للاعادة.

ثم إن المبني المذكور هو مقتضى القواعد الأولية المقتضية لعدم إجزاء العمل الفاقد للشرط واقعا لكن سيأتي لزوم الخروج عنه في المقام.

(3)متعلق بقوله:«حصول اليقين»و الضمير يرجع إلى الصلاة.

(4)و هو في المقام الأمر الظاهري الناشئ من الاستصحاب الجاري حين الدخول في الصلاة المرتفع بعد العلم باصابة النجاسة و انكشاف الحال،فالصلاة واقعة بطهارة ظاهرية ناشئة من الاستصحاب.

(5)يعني:قاعدة إجزاء الأمر الظاهري.

(6)يعني:بالإلغاء خصوصية المورد.لكنه لا يخلو عن اشكال، و مجرد التعليل لا يصلح لذلك بعد عدم كون الاجزاء من الأمور الارتكازية، بل هو أمر تعبدي محض،فلعل التعليل مبني على تعبد خاص معلوم للسائل مختص بالمورد لا يجري في غيره،كما هو مبنى الأصحاب رضي اللّه عنهم تبعا للأدلة الخاصة،حيث إن مبناهم على إجزاء الصلاة الفاقدة لبعض الأجزاء أو الشرائط الواقعة غفلة أو استنادا إلى طريق ظاهري،بحيث لا يجب إعادتها بعد انكشاف الخلاف،كما في موارد حديث«لا تعاد...»و نحوها،مع عدم التزامهم

ص: 81

و فيه:أن ظاهر قوله:«فليس ينبغي»،يعني ليس ينبغي لك الإعادة لكونه نقضا (1) ،كما أن ظاهر قوله عليه السّلام في الصحيحة الأولى:«لا ينقض اليقين بالشك أبدا»،عدم إيجاب إعادة الوضوء،فافهم،فإنه لا يخلو عن دقة.

و دعوى:أن من آثار الطهارة السابقة (2) إجزاء الصلاة معها و عدم وجوب الإعادة لها،فوجوب الإعادة نقض لآثار الطهارة السابقة (3) .

بالاجزاء في سائر موارد الطرق الظاهرية.فلاحظ.

(1)يعني:أن المستفاد من الرواية كون الاعادة بنفسها نقضا لليقين بالشك و هذا لا يتم بناء على اجزاء الأمر الظاهري،إذ عليه لا تكون الاعادة نقضا لليقين بالشك،بل نقضا لقاعدة اجزاء الطريق الظاهري.

غايته أن القاعدة المذكورة مبنية على وجود طريق ظاهري في المقام محرز للشرط،و هو مبني على الاستصحاب و عدم نقض اليقين بالشك.

لكن ما ذكره قدّس سرّه من ظهور التعليل في كون الاعادة بنفسها نقضا لليقين بالشك غير ظاهر،بل يكفي في حسن التعليل ابتناء عدم الاعادة على عدم نقض اليقين بالشك و لو بضميمة قاعدة اجزاء الأمر الظاهري.

و حاصل الكلام:أن تعليل عدم الاعادة بعدم نقض اليقين بالشك ليس لكون الاعادة بنفسها نقضا،بل لكون العمل مبتنيا على قاعدة عدم نقض اليقين بالشك المقتضية لصحته واقعا و اجزائه بنحو لا تجب اعادته.

نعم قاعدة الاجزاء مع الطريق الظاهري ليست عامة في جميع الموارد،بل مختصة ببعضها و هذا منها،كما ذكرنا قريبا.فتأمل جيدا.

(2)و هي الطهارة المتيقنة سابقا.

(3)هذا بظاهره بيّن الوهن،لأن الممنوع عنه في الأخبار ليس هو نقض آثار

ص: 82

مدفوعة:بأن الصحة الواقعية و عدم الإعادة للصلاة مع الطهارة المتحققة سابقا،من الآثار العقلية (1) الغير المجعولة للطهارة الطهارة السابقة مطلقا،كي يمتنع النقض في المقام،بل خصوص نقضها بالشك، و المفروض حصول اليقين بعد الفراغ بانتقاض الطهارة السابقة قبل الصلاة،فلا تكون اعادتها نقضا للطهارة المتيقنة بالشك،بل باليقين و لا اشكال في جواز نقض اليقين السابق باليقين اللاحق،بل لزومه.

و كأن المراد به-كما قد يستفاد من الجواب،و من كلمات بعض المحشين- أن من آثار الطهارة الواقعية اجزاء الصلاة معها،و مقتضى تنزيل الطهارة المشكوكة منزلة المتيقنة-الذي هو مفاد دليل الاستصحاب-ترتيب الأثر المذكور عليها، و البناء على إجزاء الصلاة معها و عدم اعادتها،كما تجزي مع الطهارة الواقعية.

(1)يعني:أن الصحة الواقعية و الأجزاء ليسا من الآثار الشرعية للطهارة الواقعية كي يمكن تنزيل الطهارة المشكوكة منزلتها فيهما،بل من الآثار العقلية- لما هو المعلوم من أن إجزاء الإتيان بالمأمور به الواقعي الجامع للأجزاء و الشرائط المعتبرة-عقلي لا شرعي-فلا يمكن التنزيل شرعا بلحاظهما،لعدم إمكان تصرف الشارع إلا في أحكامه.

و فيه:أن الإجزاء و إن لم يكن شرعيا،إلا أنه مترتب على أثر شرعي،و هو أخذ الشرط-كالطهارة-قيدا في الواجب،و حينئذ يمكن التنزيل شرعا بلحاظ ذلك،فتكون الطهارة المشكوكة شرطا في الواجب كالطهارة الواقعية،فيترتب عليها الإجزاء عقلا لا شرعا.

فالعمدة في الجواب عن ذلك:أن تنزيل الطهارة المشكوكة منزلة المتيقنة -الذي هو مفاد الاستصحاب-ليس واقعيا راجعا إلى ترتب أثرها واقعا،نظير تنزيل الطواف منزلة الصلاة،و تنزيل المطلقة رجعيا منزلة الزوجة،بل ظاهريا راجعا إلى جواز التعبد بها ما دام الشك،فاذا ارتفع الشك و انكشف الحال لزم ترتيب أثر

ص: 83

المتحققة (1) ،لعدم معقولية عدم الإجزاء فيها،مع أنه (2) يوجب الفرق بين وقوع تمام الصلاة مع النجاسة فلا يعيد و بين وقوع بعضها معها فيعيد (3) ،كما هو (4) ظاهر قوله عليه السّلام بعد ذلك:(و تعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته).إلا أن يحمل هذه الفقرة-كما استظهره شارح الوافية-على ما لو علم الإصابة و شك في موضعها و لم يغسلها نسيانا (5) ، و هو مخالف لظاهر الكلام (6) و ظاهر قوله عليه السّلام بعد ذلك:«و إن لم تشك ثم رأيته...الخ».

و الثاني:أن يكون مورد السؤال رؤية النجاسة بعد الصلاة مع احتمال الواقع صحة أو فسادا،و المفروض انكشاف أن الصلاة واقعة مع النجاسة،فيتعين إعادتها،لأنها فاقدة للشرط،إلا بناء على إجزاء الحكم الظاهري،على ما سبق.

(1)يعني:الطهارة الواقعية المتيقنة الوجود سابقا.

(2)الضمير يرجع إلى الوجه الذي هو محل الكلام،و هو الوجه الأول الذي حمل عليه مورد الرواية.

(3)هذا الفرق راجع إلى الفرق بين الالتفات بعد الصلاة و الالتفات في أثنائها،و ليس ذلك محذورا إذا اقتضته الأدلة،بل فتوى كثير من الأصحاب عليه،لما عرفت من أن الوجه المذكور مبني على اجزاء الأمر الظاهري،و هو خلاف الأصل، فلا بد فيه من الدليل الخاص،و يمكن التفكيك فيه بين الموارد.فلاحظ.

(4)يعني:الاعادة مع الالتفات و انكشاف الحال في الاثناء قبل اتمام الصلاة.

(5)إذ حينئذ يفترق عما نحن فيه بأن الكلام فيما نحن فيه في وقوع تمام الصلاة مع النجاسة جهلا،و في هذا الفرع في وقوع بعض الصلاة مع النجاسة نسيانا.

(6)لظهوره في عدم تحقق العلم بالنجاسة قبل الصلاة،بل هو كالصريح في ذلك.

ص: 84

وقوعها بعدها،فالمراد:أنه ليس ينبغي أن تنقض يقين الطهارة بمجرد احتمال وجود النجاسة حال الصلاة.

و هذا الوجه سالم عما يرد على الأول (1) ،إلا أنه خلاف ظاهر السؤال (2) .نعم (3) ،مورد قوله عليه السّلام أخيرا:«فليس ينبغي لك...الخ» هو الشك في وقوعه أول الصلاة أو حين الرؤية (4) ،و يكون المراد من قطع (1)لغرض عدم انكشاف وقوع الصلاة في النجاسة،بل يحتمل وقوعها مع الطهارة المتيقنة سابقا،فتكون الاعادة نقضا لليقين بالشك بلا اشكال.

(2)بل قد يقال:إنه الظاهر،إذ لو كان المراد الوجه الأول لكان المناسب أن يقول:«فرأيته فيه»بالضمير الظاهر في كون المرئي بعد الفراغ من الصلاة عين المشكوك قبلها.

لكن هذا المقدار لا ينافي ظهور السؤال في الوجه الأول،غايته أن ذكر الضمير يجعله صريحا فيه،فعدم ذكر الضمير رافع لصراحته في الوجه الأول لا لظهور فيه.

فضلا عن أن يكون موجبا لظهوره في الثاني.

كيف و لو كان المراد الوجه الثاني لكان المناسب تمهيد التعليل بقوله:«لأنك لا تدري لعله شيء أوقع عليك»كما ذكر في ذيل الرواية في نظيره.

هذا مع أن ظاهر الحديث انحصار تعليل الصحة بالاستصحاب،المقتضي للصحة الظاهرية،و هو خلاف مبناهم من صحة الصلاة واقعا مع النجاسة جهلا اذا انكشف خطأ الأصل أو الامارة المحرزة للطهارة بعد الفراغ.و قد دلت على ذلك الروايات فتأمل.

(3)لم يتضح الوجه في الاستدراك الظاهر من قوله:«نعم»بل هذا أمر جديد لا يرتبط بما سبق.فلاحظ.

(4)كما هو مقتضى قوله:«لأنك لا تدري لعله شيء أوقع عليك...».

ص: 85

الصلاة الاشتغال عنها بغسل الثوب مع عدم تخلل المنافي،لا إبطالها (1) ثم البناء عليها الذي هو خلاف الإجماع،لكن تفريع عدم نقض اليقين على احتمال تأخر الوقوع يأبى عن حمل اللام على الجنس (2) ،فافهم.

صحيحة زرارة الثالثة

و منها:صحيحة ثالثة لزرارة:«و إذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع و قد أحرز الثلاث،قام فأضاف إليها اخرى،و لا شيء عليه.و لا ينقض اليقين بالشك،و لا يدخل الشك في اليقين،و لا يخلط أحدهما بالآخر، و لكنه ينقض الشك باليقين،و يتم على اليقين،فيبني عليه،و لا يعتد بالشك في حال من الحالات».

و قد تمسك بها في الوافية،و قرره الشارح،و تبعه جماعة ممن تأخر عنه.

و فيه تأمل:لأنه إن كان المراد بقوله عليه السّلام:«قام فأضاف إليها أخرى»، القيام للركعة الرابعة من دون تسليم في الركعة المرددة بين الثالثة و الرابعة، (1)يعني بفعل المنافي.

(2)لما حكي عنه قدّس سرّه في مجلس الدرس من أن شرط التفريع أن يكون المتفرع أخص من المتفرع عليه و من أفراده كي يصح تفريعه عليه،ضرورة أن تفريع العام على الخاص من المستهجنات فلا يحمل عليها كلام الإمام عليه السّلام.

و فيه:أن العموم و الخصوص لا دخل لهما في صحة التفريع و عدمها،بل المدار فيها على نحو من الترتب بين الأمرين،نظير ترتب الكبرى على الصغرى من حيث أن الصغرى منقحة للموضوع و الكبرى منقحة للحكم المتفرع على الموضوع،و يمكن تصحيح التفريع في المقام بحمل قوله:«فليس ينبغي...»على إرادة الاستدلال بالكبرى،و ذلك موجب للحمل على الجنس لا موهن له.فلاحظ.

ص: 86

حتى يكون حاصل الجواب هو:البناء على الأقل (1) ،فهو مخالف للمذهب،و موافق لقول العامة،و مخالف (2) لظاهر الفقرة الأولى (3) من قوله:«يركع ركعتين بفاتحة الكتاب»،فإن ظاهرها-بقرينة تعيين الفاتحة (4) -إرادة ركعتين منفصلتين،أعني:صلاة الاحتياط،فتعين أن يكون المراد به القيام-بعد التسليم في الركعة المرددة-إلى ركعة مستقلة، كما هو مذهب الإمامية.

فالمراد ب(اليقين)-كما في(اليقين)الوارد في الموثقة الآتية،على ما صرح به السيد المرتضى رحمه اللّه،و استفيد من قوله عليه السّلام في أخبار الاحتياط:

إن كنت قد نقصت فكذا،و إن كنت قد أتممت فكذا-:هو اليقين (5) بالبراءة (6) ،فيكون المراد وجوب الاحتياط و تحصيل اليقين بالبراءة، (1)الذي هو مقتضي الاستصحاب،أعني:استصحاب عدم الاتيان بالاخيرتين.

(2)بناء على أن الفرعين الذين تعرضت لهما الفقرتان مبنيان على أصل واحد.

(3)صدر الحديث:«قلت له:من لم يدر في أربع هو أم في ثنتين و قد أحرز الثنتين.قال:يركع بركعتين و أربع سجدات و هو قائم بفاتحة الكتاب و يتشهد و لا شيء عليه».

(4)مضافا إلى أنه قد يومئ قوله:«يركع بركعتين»إلى أنه يصلي صلاة جديدة بركعتين،و إلا لكان المناسب أن يقول:يأتي بركعتين،فلاحظ.

(5)خبر لقوله:«فالمراد باليقين».

(6)يعني:اليقين يوجب براءة الذمة واقعا ممّا يعالج به الشك.و حينئذ فالمراد بالبناء عليه العمل بما يحصله.

ص: 87

بالبناء على الأكثر و فعل صلاة مستقلة قابلة لتدارك ما يحتمل نقصه.

و قد أريد من(اليقين)و(الاحتياط)في غير واحد من الأخبار هذا النحو من العمل،منها:قوله عليه السّلام في الموثقة الآتية:«إذا شككت فابن على اليقين».

فهذه الأخبار الآمرة بالبناء على اليقين و عدم نقضه،يراد منها:البناء على ما هو المتيقن من العدد،و التسليم عليه،مع جبره بصلاة الاحتياط، و لهذا ذكر في غير واحد من الأخبار ما يدل على أن هذا العمل محرز للواقع، مثل قوله عليه السّلام:«أ لا اعلمك شيئا إذا صنعته،ثم ذكرت أنك نقصت أو أتممت،لم يكن عليك شيء؟».

و قد تصدى جماعة-تبعا للسيد المرتضى-لبيان أن هذا العمل هو الأخذ باليقين و الاحتياط،دون ما يقوله العامة:من البناء على الأقل.

و مبالغة الإمام عليه السّلام في هذه الصحيحة بتكرار عدم الاعتناء بالشك، و تسمية ذلك في غيرها بالبناء على اليقين و الاحتياط،يشعر (1) بكونه في مقابل العامة الزاعمين بكون مقتضى البناء على اليقين هو البناء على الأقل و ربما يكون المراد باليقين اليقين بكون المأتي به مشروعا.

يعني:ابن على ما تيقنت بمشروعيته و هو خصوص الأقل و سلم عليه ثم استأنف الركعتين و لا تخلط ما شككت في مشروعيته بما علمت مشروعيته.

و على كلا الوجهين فهو أجنبي عن الاستصحاب المقتضي للبناء على الاتيان بالأقل و عدم التسليم عليه إلا بعد ضم المشكوك إليه.

(1)خبر لقوله:«و مبالغة الإمام عليه السّلام...».

ص: 88

و ضم الركعة المشكوكة.

ثم لو سلم ظهور الصحيحة في البناء على الأقل (1) المطابق للاستصحاب،كان هناك صوارف عن هذا الظاهر،مثل:

تعين حملها حينئذ على التقية،و هو مخالف للأصل (2) .

ثم (3) ارتكاب الحمل على التقية في مورد الرواية،و حمل القاعدة المستشهد بها لهذا الحكم المخالف للواقع على (4) بيان الواقع-ليكون التقية في إجراء القاعدة في المورد لا في نفسها-مخالفة (5) اخرى للظاهر و إن كان ممكنا في نفسه.

مع أن هذا المعنى مخالف لظاهر صدر الرواية (6) الآبي عن الحمل (1)يعني:المقتضي لعدم التسليم عليه،بل يضم إليه الزائد،الذي هو مخالف لمذهب الإمامية.

(2)و لا يناسب المبالغة و التأكيد في الرواية.

(3)يعني:و يلزم أيضا التفكيك بين القاعدة و المورد،فتكون القاعدة حكما ظاهريا حقيقيا-التي هي مفاد الاستصحاب-و تطبيقها على المورد للتقية،و ذلك لا يخلو عن مخالفة للظاهر و عن التكلف،و إن كان ممكنا نظير رواية صفوان بن يحيى و البزنطي عن الرضا عليه السّلام فيمن يستكره على اليمين بالطلاق و العتاق و صدقة ما يملك حيث طبق الإمام عليه السّلام عليه حديث الرفع و استشهد به فتأمل.

(4)متعلق بقوله:«و حمل القاعدة...».

(5)خبر لقوله:«ثم ارتكاب الحمل...».

(6)المتضمن لفصل الركعتين عند الشك بين الثنتين و الأربع الذي هو على خلاف مذهب العامة.

ص: 89

على التقية.

مع أن العلماء لم يفهموا منها إلا البناء على الأكثر...إلى غير ذلك مما يوهن إرادة البناء على الأقل.

و أما احتمال (1) كون المراد من عدم نقض اليقين بالشك عدم جواز البناء على وقوع المشكوك بمجرد الشك-كما هو (2) مقتضى الاستصحاب- فيكون مفاده:عدم جواز الاقتصار على الركعة المرددة بين الثالثة و الرابعة، و قوله:«لا يدخل الشك في اليقين»يراد به:أن الركعة المشكوك فيها المبني على عدم وقوعها لا يضمها إلى اليقين-أعني القدر المتيقن من الصلاة- بل يأتي بها مستقلة على ما هو مذهب الخاصة.

ففيه:من المخالفة لظاهر الفقرات الست أو السبع ما لا يخفى على المتأمل (3) ،فإن مقتضى التدبر في الخبر أحد معنيين:

إما الحمل على التقية (4) ،و قد عرفت مخالفته للأصول و الظواهر.

(1)حاصله:ان تطبيق عموم الاستصحاب في المقام إنما هو بلحاظ عدم جواز البناء على الاتيان بالركعة المشكوكة و أنه لا بد من الاتيان بها.

أما فصلها فهو حكم آخر مستفاد من قوله عليه السّلام:«لا يدخل الشك في اليقين» و لا ينافي الاستصحاب بوجه و لا يمنع من الاستدلال بالرواية عليه.

(2)يعني:عدم جواز البناء على وقوع المشكوك.

(3)لأن ظاهر الفقرات المذكورة عدم كونها لبيان حكم مستقل غير عدم نقض اليقين بالشك،بل الجري عليه و التأكيد له،كما يظهر بملاحظتها.

(4)يعني:فيطابق الاستصحاب.

ص: 90

و إما حمله على وجوب تحصيل اليقين بعدد الركعات على الوجه الأحوط،و هذا الوجه و إن كان بعيدا في نفسه،لكنه منحصر بعد عدم إمكان الحمل على ما يطابق الاستصحاب،و لا أقل من مساواته لما ذكره هذا القائل،فيسقط الاستدلال بالصحيحة،خصوصا على مثل هذه القاعدة (1) .

و أضعف من هذا دعوى:أن حملها على وجوب تحصيل اليقين في الصلاة بالعمل على الأكثر،و العمل على الاحتياط بعد الصلاة-على ما هو فتوى الخاصة و صريح أخبارهم الآخر-لا ينافي إرادة العموم من القاعدة لهذا و للعمل على اليقين السابق في الموارد الأخر (2) .

و سيظهر اندفاعها بما سيجيء في الأخبار الآتية (3) :من عدم إمكان (1)يعني:التي هي في غاية الاهمية.لكن أهمية القاعدة لا أثر لها في مقام الاستدلال،فإن الظهور لو تم لزم العمل به و إن كان مضمونه مهما،و إلا لم يجز العمل و إن كان المورد سهلا.بل لا سهولة في مقام الفتوى.

هذا و قد يورد على الاستدلال بالصحيحة مضافا إلى ما قد سبق بعدم سوق القاعدة فيها مساق الكبرى العامة حتى يمكن التعدي بها عن المورد،بخلاف الروايتين السابقتين،فإن ظاهر التعليل فيهما إرادة الكبرى الكلية،كما سبق.

(2)الذي هو مقتضى الاستصحاب.و حاصل المراد:أن الرواية تحمل على معنى جامع بين قاعدة البناء على الأكثر في الشك في الركعات و الاستصحاب في سائر الموارد.

(3)كأن المراد بها أخبار من كان على يقين فشك فليمض...و لا يأتي منه قدّس سرّه إلا خبر ان أحدهما ما عن الخصال لكن لا يجيء قريبا ما له دخل في المقام.

ص: 91

الجمع بين هذين المعنيين في المراد من العمل على اليقين و عدم نقضه.

الاستدلال بموثقة إسحاق ابن عمار و الإشكال فيه

و مما ذكرنا ظهر عدم صحة الاستدلال بموثقة عمار عن أبي الحسن عليه السّلام:«قال:إذا شككت فابن على اليقين.قلت:هذا أصل؟قال:

نعم».

فإن (1) جعل البناء على الأقل (2) أصلا ينافي ما جعله الشارع أصلا في غير واحد من الأخبار،مثل:قوله عليه السّلام:«أجمع لك السهو كله في كلمتين:متى ما شككت فابن على الأكثر»،و قوله عليه السّلام فيما تقدم:«أ لا اعلمك شيئا...إلى آخر ما تقدم».

فالوجه فيه:إما الحمل على التقية،و إما ما ذكره بعض الأصحاب في معنى الرواية:بإرادة البناء (3) على الأكثر،ثم الاحتياط بفعل ما ينفع نعم يجيء في الأمر الثاني من الخاتمة عدم إمكان الجمع في أخبار الاستصحاب جميعا بين قاعدة اليقين و الاستصحاب و لا دخل لقاعدة اليقين بقاعدة البناء على الأكثر في الشك في الركعات،بل المراد بها معنى آخر،و هو وجوب العمل بما يوجب اليقين بالبراءة فلا دخل لما يأتي بمحل الكلام.

و كيف كان فالعمدة فيما ذكره هنا هو عدم الجامع بين قاعدة البناء على الأكثر في الركعات و الاستصحاب حتى يمكن حمل الصحيحة عليه،فإن مقتضى الاستصحاب الغاء الشك و البناء على عدم المشكوك و مقتضى قاعدة البناء على الأكثر الاعتناء به و الاحتياط بفعل ما يتيقن معه بالبراءة،و هما متنافيان جدا.فلاحظ.

(1)بيان لوجه اندفاع الاستدلال بالموثقة.

(2)الذي هو مقتضى حمل الرواية على الاستصحاب و الاستدلال بها عليه.

(3)فيكون معنى البناء على اليقين البناء على ما يقتضي اليقين بالبراءة،أو

ص: 92

لأجل الصلاة على تقدير الحاجة،و لا يضر بها على تقدير الاستغناء.

نعم،يمكن أن يقال بعدم الدليل على اختصاص الموثقة بشكوك الصلاة،فضلا عن الشك في ركعاتها،فهو أصل كلي (1) خرج منه الشك في عدد الركعات،و هو غير قادح.

لكن يرد عليه:عدم الدلالة (2) على إرادة اليقين السابق على الشك (3) ،و لا المتيقن السابق على المشكوك اللاحق (4) ،فهو (5) أضعف دلالة من الرواية الآتية الصريحة في اليقين السابق (6) ،لاحتمالها (7) لإرادة إيجاب العمل بالاحتياط،فافهم.

الاقتصار على ما يتيقن بكونه مشروعا.

(1)يعني:لو فرض حمله على الاستصحاب.فالحمل على الاستصحاب لا ينافي المورد،بخلاف الصحيحة المتقدمة،لأن موردها الشك في الركعات.كما لا يخفى.

(2)يعني:أنه لا قرينة هنا على إرادة الاستصحاب بل كما يمكن الحمل عليه يمكن الحمل على قاعدة اليقين،و الحمل على قاعدة لزوم الاحتياط بما يتيقن معه البراءة،فالرواية مجملة.

(3)يعني:مع وحدة متعلقهما حتى في الخصوصية الزمانية و هو موضوع قاعدة اليقين.

(4)الذي هو موضوع الاستصحاب.

(5)اللازم تأنيث الضمير،لأن المراد به الموثقة السابقة.

(6)المحتملة للاستصحاب و قاعدة اليقين لا غير،كما سيأتي.

(7)تعليل لقوله:«فهو أضعف...».

ص: 93

الاستدلال برواية الخصال و رواية أخرى

و منها:ما عن الخصال بسنده عن محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:«قال أمير المؤمنين صلوات اللّه و سلامه عليه:من كان على يقين فشك فليمض على يقينه،فإن الشك لا ينقض اليقين».

و في رواية أخرى عنه عليه السّلام:«من كان على يقين فأصابه شك فليمض على يقينه،فإن اليقين لا يدفع بالشك».وعدها المجلسي-في البحار-في سلك الأخبار التي يستفاد منها القواعد الكلية.

أقول:لا يخفى أن الشك و اليقين لا يجتمعان حتى ينقض أحدهما الآخر،بل لا بد من اختلافهما:

إما في زمان نفس الوصفين (1) ،كأن يقطع يوم الجمعة بعدالة زيد في زمان،ثم يشك يوم السبت في عدالته في ذلك الزمان.

و إما في زمان متعلقهما و إن اتحد زمانهما،كأن يقطع يوم السبت بعدالة زيد يوم الجمعة،و يشك-في زمان هذا القطع-بعدالته في يوم السبت،و هذا هو الاستصحاب،و ليس منوطا بتعدد زمان الشك و اليقين-كما عرفت في المثال-فضلا عن تأخر الأول عن الثاني (2) .

و حيث إن صريح الرواية اختلاف زمان الوصفين (3) ،و ظاهرها (1)و هما اليقين و الشك.

(2)بل يكون زمان حدوث الشك الاستصحابي أسبق من زمان حدوث اليقين.

(3)كما هو مقتضى فاء الترتيب.

اللهم إلا أن يكون بلحاظ غلبة تأخر حدوث الشك فالبقاء عن حدوث

ص: 94

اتحاد زمان متعلقهما (1) ،تعين حملها على القاعدة الأولى (2) ،و حاصلها:

عدم العبرة بطرو الشك في شيء بعد اليقين بذلك الشيء.

و يؤيده:أن النقض حينئذ محمول على حقيقته،لأنه رفع اليد عن نفس الآثار التي رتبها سابقا على المتيقن،بخلاف الاستصحاب،فإن المراد بنقض اليقين فيه رفع اليد عن ترتيب الآثار في غير زمان اليقين،و هذا ليس نقضا لليقين السابق،إلا إذا اخذ متعلقه مجردا عن التقييد بالزمان الأول (3) .

اليقين بالحدوث في الاستصحاب.أو يكون بلحاظ الترتيب بين متعلقي اليقين و الشك المعتبر في الاستصحاب و كلاهما و إن كان خلاف الأصل إلا أن احتماله مانع من دعوى الصراحة.

(1)إذ المنصرف من إطلاق الوصفين مع ترجيح أحدهما على الآخر اتحاد متعلقهما في جميع الخصوصيات و منها الزمان.

(2)و هي قاعدة اليقين.

(3)يعني:و التجريد المذكور خلاف الأصل.

و الحاصل:أن ظاهر الرواية الترتيب بين نفس الوصفين،و اتحاد متعلقهما حتى في الخصوصية الزمانية،و كون المنهي عنه هو النقض الحقيقي،و ذلك يقتضى حملها على قاعدة اليقين لا الاستصحاب.

لكن ظاهرها أيضا بقاء اليقين حين الشك،فإن ظاهر النهي عن نقض شيء بشيء بقاء ما نهي عن نقضه،فاذا قيل:لا تنقض خبر زيد بخبر عمرو،كان الظاهر منه إرادة بيان أن خبر عمرو لا يصلح لمعارضة خبر زيد و رفع اليد عنه مع بقاء زيد مصرا على إخباره غير متزلزل فيه،و لا يشمل ما لو عدل زيد عن خبره و شكك فيه.

ص: 95

و بالجملة:فمن تأمل في الرواية،و أغمض عن ذكر بعض لها في أدلة الاستصحاب،جزم بما ذكرناه في معنى الرواية.

ثم لو سلم ان هذه القاعدة (1) باطلاقها مخالفة للاجماع أمكن تقييدها بعدم نقض اليقين السابق بالنسبة إلى الاعمال التي رتبها حال اليقين به (2) ،كالاقتداء بذلك الشخص في مثال العدالة،أو العمل بفتواه، أو شهادته.أو تقييد الحكم بصورة عدم التذكر لمستند القطع السابق (3) و هذا المعنى إنما يتم في الاستصحاب،و لا يلائم قاعدة اليقين لفرض ارتفاع اليقين السابق فيها حين حدوث الشك.

و بالجملة لا بد من التصرف في الرواية سواء حملت على قاعدة اليقين أم على الاستصحاب،و ليس التصرف الأول بأولى من التصرف الثاني.

(1)و هي قاعدة اليقين.و هذا جواب عما قد يقال من أنه لا مجال لحمل الرواية على قاعدة اليقين لمنافاتها للاجماع،فيتعين حملها على الاستصحاب و إن استلزم التصرف بالوجه السابق.

ثم إن في بعض النسخ تقديم قوله:«ثم لو سلم...»إلى قوله:«لافادة القطع» على قوله:«اللهم إلا أن يقال...»و هو الأنسب بنظم المطلب.

(2)لكنها حينئذ ترجع إلى قاعدة الصحة في العمل،و هي قاعدة أخرى غير قاعدة اليقين،لا تتوقف على سبق اليقين،بل يكفي فيها وقوع العمل مع الغفلة فلا مجال لحمل الرواية عليها،لظهورها في خصوصيته لليقين.

(3)الظاهر رجوعه إلى قاعدة الصحة في الاستناد التي هي بملاك قاعدة الصحة في العمل.و ربما يقال بثبوتها عرفا و إن كان الظاهر عدم البناء عليها شرعا، كما يأتي الكلام في ذلك في خاتمة الاستصحاب في الشرط الثاني من شروطه.

و كيف كان فيبعد حمل الرواية عليها لظهورها في خصوصية لليقين،و ملاك

ص: 96

و إخراج صورة تذكره و التفطن لفساده و عدم (1) قابليته لافادة القطع.

اللهم إلا أن يقال-بعد ظهور كون الزمان الماضي في الرواية ظرفا لليقين-:إن الظاهر تجريد متعلق اليقين عن التقييد بالزمان،فإن قول القائل:(كنت متيقنا أمس بعدالة زيد)ظاهر في إرادة أصل العدالة،لا العدالة المقيدة بالزمان الماضي (2) ،و إن كان ظرفه في الواقع ظرف اليقين، لكن لم يلاحظه على وجه التقييد،فيكون الشك فيما بعد هذا الزمان،متعلقا بنفس ذلك المتيقن مجردا عن ذلك التقييد،ظاهرا في تحقق أصل العدالة في زمان الشك،فينطبق على الاستصحاب (3) ،فافهم.

فالإنصاف:أن الرواية-سيما بملاحظة قوله عليه السّلام:«فإن الشك لا ينقض اليقين»،و بملاحظة ما سبق في الصحاح من قوله:«لا ينقض اليقين بالشك»حيث إن ظاهره مساوقته لها (4) -ظاهرة في الاستصحاب، هذه القاعدة أجنبي عنه راجع إلى قاعدة الصحة،كما ذكرنا.

(1)عطف على قوله:«لفساده».

(2)هذا خلاف الظاهر جدا،و لا سيما بملاحظة ما ذكرنا من أن المنصرف في إطلاق الوصفين مع ترجيح أحدهما اتحاد متعلقهما في جميع الخصوصيات.

(3)لا يكفي في الانطباق على الاستصحاب التجريد المذكور،بل لا بد معه من التصرف في ظهور الفاء في الترتيب بين الوصفين بأحد الوجهين السابقين و من رفع اليد عن ظهور النقض في الحقيقي،و كل ذلك خلاف الأصل لو لا ما عرفت من أن حمل الرواية على قاعدة اليقين موقوف على التصرف بوجه آخر مخالف للظاهر أيضا.فلاحظ.

(4)لوحدة المضمون.

ص: 97

و يبعد حملها على المعنى الذي ذكرنا (1) .

هذا،لكن سند الرواية ضعيف ب(القاسم بن يحيى)،لتضعيف العلامة له في الخلاصة،و إن ضعف ذلك بعض باستناده إلى تضعيف ابن الغضائري-المعروف عدم قدحه-فتأمل.

مكاتبة علي بن محمد القاساني

و منها:مكاتبة علي بن محمد القاساني:«قال:كتبت إليه-و أنا بالمدينة-عن اليوم الذي يشك فيه من رمضان،هل يصام أم لا؟فكتب عليه السّلام:

اليقين لا يدخله الشك،صم للرؤية و افطر للرؤية».

فإن تفريع تحديد كل من الصوم و الإفطار-برؤية هلالي رمضان و شوال-لا يستقيم (2) إلا بإرادة عدم جعل اليقين السابق مدخولا (1)و هي قاعدة اليقين.

هذا و قد عرفت أن الرواية من حيث هي مجملة مرددة بين القاعدتين،إلا أن مشابهة لسانها لأخبار الاستصحاب مع ظهور كون الاستصحاب من القواعد الشرعية و العرفية،بخلاف قاعدة اليقين فمن البعيد إرادتها في مقام التعليل قد يعين حملها على الاستصحاب.

لكن في بلوغ ذلك حدا يوجب الظهور الصالح للاستدلال إشكال.

(2)إذ لو أريد باليقين اليقين بالبراءة،بأن يكون مضمون الكبرى أن البراءة المتيقنة لا ترفع اليد عنها بالشك بالتكليف،لم يتجه تفريع لزوم الرؤية في الافطار، بل كان اللازم تفريع لزومها في الصوم فقط.و إن أريد باليقين اليقين بالتكليف، بأن يكون مضمون الكبرى أن التكليف المتيقن بالصوم لا ترفع اليد عنه بالشك في انتهاء الشهر و فراغ الذمة و انه يلزم المكلف إحراز الفراغ بالاحتياط،لم يتجه تفريع لزوم الرؤية في الصوم و كان اللازم تفريع لزومها في الافطار فقط،فتفريع الأمرين معا ظاهر في أن المراد باليقين هو اليقين بالحالة السابقة الشاملة للأمرين فيطابق

ص: 98

بالشك،أي مزاحما به.

و الإنصاف:أن هذه الرواية أظهر ما في هذا الباب من أخبار الاستصحاب،إلا أن سندها غير سليم.

هذه جملة ما وقفت عليه من الأخبار المستدل بها للاستصحاب (1) ، و قد عرفت عدم ظهور الصحيح منها،و عدم صحة الظاهر منها،فلعل الاستدلال بالمجموع باعتبار التجابر و التعاضد (2) .

تأييد المختار بالأخبار الخاصة:
اشارة

و ربما يؤيد ذلك بالأخبار الواردة في الموارد الخاصة:

رواية عبد اللّه بن سنان

مثل:رواية عبد اللّه بن سنان-الواردة فيمن يعير ثوبه الذمي،و هو الاستصحاب.فلاحظ.

(1)لعل وجه الأظهرية من الصحيحتين الأوليين أن تفريع الصغرى على الكبرى في هذه الرواية ظاهر في عموم الكبرى و عدم كون اللام فيها للعهد لعدم سبق ما يقتضيه،بخلاف الصحيحتين،لاحتمال الحمل على العهد فيهما لسبق ما يصلح له.لكن عرفت اندفاع الاحتمال المذكور و أنه خلاف الظاهر.

فالعمدة في دليل الاستصحاب هو الصحيحتان المذكورتان.

(2)لكنه كما ترى إذ لا معنى لجبر ضعف الدلالة في قوي السند بقوة الدلالة في ضعيف السند.

نعم لو تم عمل الأصحاب بضعيف السند القوي الدلالة أمكن دعوى جبر سنده.لكن لا مجال له بعد اختلافهم في حجية الاستصحاب،و احتمال استناد من ذهب إليه منهم إلى قوي السند لدعوى تمامية دلالته،و لا يحرز العمل الجابر لضعيف السند قوي الدلالة.فالعمدة ما ذكرنا من تمامية دلالة الصحيحتين الأوليين.و اللّه سبحانه و تعالى العالم العاصم.

ص: 99

يعلم أنه يشرب الخمر و يأكل لحم الخنزير-:«قال:فهل علي أن أغسله؟ فقال عليه السّلام:لا،لأنك أعرته إياه و هو طاهر،و لم تستيقن أنه نجسه».

و فيها دلالة واضحة على أن وجه البناء على الطهارة و عدم وجوب غسله،هو سبق طهارته و عدم العلم بارتفاعها،و لو كان المستند قاعدة الطهارة لم يكن معنى لتعليل الحكم بسبق الطهارة،إذ الحكم في القاعدة مستند إلى نفس عدم العلم بالطهارة و النجاسة.

نعم،الرواية مختصة باستصحاب الطهارة دون غيرها،و لا يبعد عدم القول بالفصل بينها و بين غيرها مما يشك في ارتفاعها بالرافع (1) .

موثقة عمار

و مثل:قوله عليه السّلام في موثقة عمار:«كل شيء طاهر حتى تعلم أنه قذر».

بناء على أنه مسوق لبيان استمرار طهارة كل شيء (2) إلى أن يعلم حدوث قذارته،لا ثبوتها له ظاهرا و استمرار هذا الثبوت إلى أن يعلم عدمها.

فالغاية-و هي العلم بالقذارة-على الأول،غاية للطهارة رافعة (1)لكنه غير ظاهر مع ما عرفت من التفصيل منهم بين الاستصحاب الموضوعي و الحكمي الكلي و الجزئي.

مع أن عدم القول بالفصل لو سلم لا يكفي ما لم يرجع إلى القول بعدم الفصل.

(2)يعني:بعد فرض ثبوت الطهارة له،كما هو مقتضى الاستصحاب،في قبال مفاد أصالة الطهارة الذي هو مجرد الحكم بالطهارة إلى حين العلم بالنجاسة من دون فرض ثبوت الطهارة له.

ص: 100

لاستمرارها (1) ،فكل شيء محكوم ظاهرا باستمرار طهارته إلى حصول العلم بالقذارة،فغاية الحكم غير مذكورة و لا مقصودة (2) .

و على الثاني،غاية للحكم بثبوتها،و الغاية-و هي العلم بعدم الطهارة (3) -رافعة للحكم،فكل شيء يستمر الحكم بطهارته إلى (1)ظاهره أنه لو رجعت الغاية إلى المحمول-و هو الطهارة-كانت الرواية دالة على الاستصحاب،و لو رجعت إلى النسبة-و هي الحكم بالطهارة-كانت دالة على قاعدة الطهارة.

و هو غير ظاهر،بل الظاهر أنه لا فرق بينهما من هذه الجهة،ففي قاعدة الطهارة كما يمكن أن يقال:الحكم بالطهارة مغيّا بالعلم بالنجاسة،كذلك يمكن أن يقال:الطهارة المحكوم بها مغياة بالعلم بالنجاسة،و كذا الحال في الاستصحاب، فجعل المعيار في تعيين أحدهما على ذلك غير ظاهر.

بل إن الظاهر امتناع رجوع الغاية-في جميع الاستعمالات-إلى المحمول كامتناع رجوعها إلى الموضوع لأنهما من المعاني الاسمية،و الغاية كالشرط من شئون النسب في المعاني الحرفية،و لوجه آخر لا مجال لتفصيله بهذه العجلة،و قد أوضحناه في حاشية الكفاية.

فالأولى في الفرق بين قاعدة الطهارة و الاستصحاب أن يقال:مفاد قاعدة الطهارة الحكم بها على الموضوع من حيث هو،و مفاد الاستصحاب الحكم باستمرارها بعد الفراغ عن أصل الثبوت،مع كون كلا الحكمين معني بالعلم بالنجاسة.و هذا هو الذي يظهر من المصنف قدّس سرّه في صدر كلامه و سيأتي منه أيضا و يطيل في تقريبه.فلاحظ.

(2)يعني:لعدم رجوع الغاية إلى الحكم،بل هو مطلق.لكن عرفت رجوعها للحكم على التقديرين.

(3)الغاية في الرواية هي العلم بالقذارة الملازم للعلم بعدم الطهارة.

ص: 101

كذا (1) ،فإذا حصلت الغاية انقطع الحكم بطهارته،لا نفسها (2) .

و الأصل في ذلك:أن القضية المغياة-سواء كانت إخبارا عن الواقع و كانت الغاية قيدا للمحمول،كما في قولنا:الثوب طاهر إلى أن يلاقي نجسا (3) ،أم كانت ظاهرية مغياة بالعلم بعدم المحمول،كما في ما نحن فيه-قد يقصد (4) المتكلم مجرد ثبوت المحمول للموضوع ظاهرا أو واقعا،من غير ملاحظة كونه مسبوقا بثبوته له،و قد يقصد المتكلم به مجرد الاستمرار،لا أصل الثبوت،بحيث (5) يكون أصل الثبوت مفروغا عنه.

و الأول أعم من الثاني من حيث المورد (6) .

إذا عرفت هذا فنقول:إن معنى الرواية:

إما أن يكون خصوص المعنى الثاني،و هو القصد إلى بيان الاستمرار بعد الفراغ عن ثبوت أصل الطهارة،فيكون دليلا على استصحاب (1)لا يخفى أن المصنف قدّس سرّه لحظ الحكم و الاستمرار في المقام بمعناها الاسمي و جعلهما محكوما بهما،مع أنها في لسان الدليل منظور إليها بما هما معنى حرفي.و هذا هو الذي أوجب اضطراب المطلب فلاحظ.

(2)يعني:مع كون نفس الطهارة غير مغياة.لكن عرفت تحقق ذلك على كلا التقديرين.

(3)الظاهر أن الغاية هنا أيضا للحكم لا للمحمول،لما ذكرنا.

(4)خبر«ان»في قوله:«و الأصل في ذلك ان القضية...».

(5)متعلق بقوله:«و قد يقصد المتكلم به مجرد الاستمرار».

(6)فإن المفروغية عن الثبوت قيد زائد على موضوع الثاني الذي هو نفس الذات.

ص: 102

الطهارة.لكنه خلاف الظاهر (1) .

و إما خصوص المعنى الأول الأعم منه،و حينئذ لم يكن فيه دلالة على استصحاب الطهارة و إن شمل مورده (2) ،إلاّ أن الحكم فيما علم طهارته و لم يعلم طرو القذارة له ليس من حيث سبق طهارته،بل باعتبار مجرد كونه مشكوك الطهارة،فالرواية تفيد قاعدة الطهارة حتى في مسبوق الطهارة،لا استصحابها،بل تجري في مسبوق النجاسة على أقوى الوجهين الآتيين في باب معارضة الاستصحاب للقاعدة (3) .

ثم لا فرق في مفاد الرواية (4) ،بين الموضوع الخارجي الذي يشك في (1)إذ لا قرينة على فرض القيد المذكور-و هو أصل الثبوت-و أخذه في موضوع القضية،بل يدفعه الاطلاق.بل الاستصحاب مبني على كون علة الحكم و موضوعه هو العلم بالثبوت في الزمان الماضي لا أصل الثبوت،و لا قرينة عليه في الرواية.

(2)لما فرضه من كونه أعم من المعنى الأول الراجع إلى الاستصحاب.

(3)ذكر بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه أن مراد المصنف قدّس سرّه من جريان قاعدة الطهارة في مورد استصحاب النجاسة هو تحقق موضوعها ذاتا و إن لم تصلح لمعارضته،لما بنى عليه من كونها محكومة له،في مقابل ما اختاره السيد صاحب الرياض قدّس سرّه من عدم جريانها ذاتا،لحصول الغاية و هي العلم بالنجاسة،إذ المراد به الأعم من اللاحق و السابق الحاصل في مورد استصحابها.ثم قال قدّس سرّه:«و ليعلم أنه لا يأتي من الاستاد العلامة بيان بالنسبة إلى ما ذكره أصلا،فما ذكره وعد لم يف به».

(4)لإطلاق الرواية من حيث منشأ الشك.هذا و ظاهر المصنف قدّس سرّه أن انطباق موضوع قاعدة الطهارة في الشبهة الحكمية على الموضوع الخارجي الجزئي بنفسه،لا بلحاظ انطباق العنوان الكلي المشتبه الحكم-كالعصير العنبي-عليه

ص: 103

و كأن الوجه فيه أن عنوان الشيء في موضوع الرواية من العناوين الاعتبارية الحاكية عن الأشياء الخارجية لا غير و لا يشمل العناوين الكلية.و ذلك لأن النجاسة مما يعرض الأشياء الخارجية لا الكلية،و جعل موضوعها الكليات في الأحكام الواقعية بلحاظ حكايتها عن أفرادها الخارجية،لأنها من الصفات الاعتبارية القائمة بها لا بالكليات.

نعم تلك العناوين الكلية تكون دخيلة في ترتب النجاسة شرعا نظير العناوين التعليلية،و لا مجال لذلك في العناوين الكلية بالاضافة إلى الطهارة الظاهرية في الشبهة الحكمية،لأن موضوع قاعدة الطهارة هو مجهول الحكم بعنوان كونه شيئا لا بعناوينه الخاصة قطعا لعدم أخذها في دليله.

و بالجملة:العناوين الكلية في الشبهة الحكمية-كعنوان العصير العنبي-لا تكون دخيلة في ترتب الطهارة الظاهرية لا بنحو تكون هي المعروض لأن الطهارة و النجاسة من الصفات الاعتبارية القائمة بالخارجيات لا بالكليات،و لا بنحو تكون دخيلة في العروض،لأن ما هو الدخيل هو العنوان المأخوذ في لسان الدليل و دليل القاعدة قد تضمن عنوان الشيء لا غير.

إن قلت:قد اشتملت بعض الأدلة على عنوان الماء لا عنوان الشيء،كما سيأتي.

قلت:الماء ممّا لا يقع الشك في نجاسته بنحو الشبهة الحكمية،لعموم دليل طهارته،مثل:«خلق اللّه الماء طهورا...»فتأمل.

مع أن مقتضى الجمع بين مثل هذه الأدلة و الأدلة العامة و أدلة القاعدة كون ذكر عنوان الماء لمحض الحكاية عن افراده الخارجية،لا لدخله في الحكم الظاهري، و إن موضوع الحكم هو عنوان الشيء على اطلاقه،فإن الجمع بذلك أهون من الجمع بتقييد عنوان الشيء في الأدلة العامة بما عدا الماء كما يظهر بأدنى تأمل في المرتكزات العرفية.

ص: 104

طهارته من حيث الشبهة في حكم نوعه،و بين الموضوع الخارجي المشكوك طهارته من حيث اشتباه الموضوع الخارجي.

فعلم مما ذكرنا:أنه لا وجه لما ذكره صاحب القوانين:من امتناع إرادة المعاني الثلاثة (1) من الرواية-أعني:قاعدة الطهارة في الشبهة الحكمية، و في الشبهة الموضوعية،و استصحاب الطهارة-إذ لا مانع عن إرادة الجامع بين الأولين،أعني:قاعدة الطهارة في الشبهة الحكمية و الموضوعية.

و مما ذكرنا ظهر أن أخذ العناوين الكلية-كعنوان العصير العنبي-في كلمات الفقهاء موضوعا للطهارة الظاهرية لمحض الحكاية عن الافراد الخارجية من دون دخل لها في الحكم و لو بنحو العلة،بخلاف العناوين المأخوذة موضوعا للطهارة أو النجاسة الواقعيتين-كالهرة و الكلب-فإنه قد يكون لدخلها في الحكم و لو بنحو العلة.

هذا و أما قاعدة الحل فهي و إن اختلفت عن قاعدة الطهارة بأن الحمل ممّا يعرض العناوين لا المعونات إلا أن بتعيين العنوان المعروض للحكم لما كان تابعا لدليله تعين كون المعروض للحل الظاهري هو عنوان الشيء لا العناوين الخاصة -كالعصير الزبيبي-و تعين أن يكون ذكر الفقهاء لها بلحاظ كونها من موارد عدم تحقق الغاية و هي العلم بالحرمة،لا لكونها دخيلة في الحكم فلاحظ.

(1)لا يخفى أنه ليس مراد صاحب القوانين انحصار المانع بالجمع بين القواعد الثلاث،كي يقال:انه لا معنى للايراد عليه بامكان الجمع بين قاعدتين كما ذكره المصنف قدّس سرّه،بل مراده امتناع الجمع بين أكثر من قاعدة واحدة من القواعد الثلاث حيث قال في محكي كلامه بعد شرح المعاني الثلاث:«إذا عرفت هذا و ظهر لك الفرق بين المعاني عرفت أن المعاني متغايرة متباينة لا يجوز ارادتها جميعا...» و عليه فما ذكره المصنف قدّس سرّه في رده في محله.

ص: 105

نعم،إرادة القاعدة و الاستصحاب معا يوجب استعمال اللفظ في معنيين،لما عرفت أن المقصود في القاعدة مجرد إثبات الطهارة في المشكوك، و في الاستصحاب خصوص إبقائها في معلوم الطهارة سابقا (1) ،و الجامع بينهما غير موجود،فيلزم ما ذكرنا.و الفرق بينهما ظاهر،نظير الفرق بين قاعدة البراءة و استصحابها،و لا جامع بينهما.

و قد خفي ذلك على بعض المعاصرين (2) ،فزعم جواز إرادة القاعدة و الاستصحاب معا،و أنكر ذلك على صاحب القوانين فقال:

إن الرواية تدل على أصلين:

أحدهما:أن الحكم الأولي للأشياء ظاهرا هي الطهارة مع عدم العلم بالنجاسة،و هذا لا تعلق له بمسألة الاستصحاب.

الثاني:أن هذا الحكم مستمر إلى زمن العلم بالنجاسة،و هذا من (1)ظاهره أن تعدد المعنى باعتبار كون مفاد القاعدة الثبوت و الحدوث، و مفاد الاستصحاب البقاء.

لكن المعنيين المذكورين مما يمكن فرض جامع بينهما،و هو أصل الحكم بالطهارة من دون لحاظ خصوصيتي الحدوث و البقاء.

فالعمدة في اختلاف المعنى ما سبق من أن موضوع القاعدة ذات الشيء المشكوك حاله،و موضوع الاستصحاب هو المقيد بكونه معلوم الطهارة سابقا، و من الظاهر أنه لا جامع بين المطلق و المقيد.

(2)الظاهر أن مراده به صاحب الفصول،و ما نقله المصنف قدّس سرّه ملخص كلامه.

ص: 106

موارد الاستصحاب (1) و جزئياته،انتهى.

أقول:ليت شعري ما المشار إليه بقوله:«هذا الحكم مستمر إلى زمن العلم بالنجاسة»؟

فإن كان هو الحكم المستفاد من الأصل الأولي (2) ،فليس استمراره ظاهرا و لا واقعا مغيا بزمان العلم بالنجاسة،بل هو مستمر إلى زمن نسخ هذا الحكم في الشريعة (3) .مع أن قوله:«حتى تعلم» إذا جعل من توابع الحكم الأول (4) الذي هو الموضوع للحكم (1)لا يخفى أن مفاد الاستصحاب ليس هو استمرار الطهارة الظاهرية المستفادة من قاعدة الطهارة،بل استمرار الطهارة الواقعية التابعة لموضوعها الواقعي.

نعم الحكم الاستصحابي باستمرار الطهارة ظاهري،فمفاد الاستصحاب الاستمرار الظاهري للطهارة الواقعية المعلومة،لا استمرار الطهارة الظاهرية.

و منه يظهر أن الأولى له دعوى كون مفاد الصدر هو قاعدة الطهارة الواقعية -كما اختاره المحقق الخراساني قدّس سرّه-لا الظاهرية.و لعله يأتي بعض الكلام في ذلك.

(2)يعني:الظاهري الذي ذكره صاحب الفصول.

(3)كما هو الحال في سائر الأحكام الشرعية المجعولة على موضوعاتها واقعية كانت أو ظاهرية.

نعم الحكم الظاهري بالطهارة يرتفع بالعلم بالنجاسة لارتفاع موضوعه، و هو الجهل إلا أن هذا لو كان مفاد الغاية لم تكف الغاية لبيان أصل آخر،بل لتنقيح موضوع الأصل الأول،و إن موضوعه ليس مطلق الشيء،بل خصوص ما كان مجهول الحكم،فلا تدل الرواية إلا على أصل الطهارة.

(4)لم يظهر من كلام الفصول المتقدم أن الغاية من توابع الحكم الأول.بل

ص: 107

الثاني (1) ،فمن أين يصير الثاني مغيا به؟!إذ لا يعقل كون شيء في استعمال واحد غاية لحكم و لحكم آخر يكون الحكم الأول المغيا موضوعا له (2) .

و إن كان هو الحكم الواقعي (3) المعلوم-يعني أن الطهارة إذا ثبتت قد يظهر منه انها مسوقة لبيان الأصل الثاني لا غير.

نعم يرد عليه حينئذ-مضافا إلى أنه خلاف ظاهر الكلام،بل صريحه-انه لو لم تكن غاية الحكم الصدر فلا وجه لاستفادة كون حكمه هي الطهارة الظاهرية،بل مقتضي إطلاق الموضوع هو كونه غير مقيد بصورة الشك،فيدل على أصالة الطهارة الواقعية.

و من ثم ذهب المحقق الخراساني قدّس سرّه في الكفاية إلى أن مفاد الصدر قاعدة الطهارة الواقعية للاشياء بعناوينها الأولية،و مفاد الذيل الاستصحاب،و جعلها أجنبية عن قاعدة الطهارة الظاهرية.

لكنه يشكل بأنه مستلزم للتفكيك بين الغاية و المغيى،حيث أن المغيى يتضمن حكما واقعيا و الغاية تتضمن حكما ظاهريا و هو خلاف الظاهر،بل لعله غلط في الكلام.

هذا و قد يظهر من الفصول دلالة الصدر على ما يعم الطهارة الواقعية و الظاهرية معا،لقوله في تقرير الأصل الأول:«الأول:أن الحكم الأولى في المياه أو الأشياء هو الطهارة و لو بحسب الظاهر...».و إشكاله ظاهر لأن موضوع الأولى مطلق و موضوع الثانية مقيد بالجهل بالحال و لا جامع بينهما.

(1)في الفصول في تقريب الأصل الثاني انه عبارة عن الحكم باستمرار الحكم الأول.

(2)الوجه في عدم معقوليته أنه مستلزم للحاظ الحكمين المترتبين في مقام جعل الغاية،و هو ممتنع.

(3)عطف على قوله:«فان كان هو الحكم المستفاد من الأصل...»و لا

ص: 108

واقعا في زمان،فهو مستمر في الظاهر إلى زمن العلم بالنجاسة (1) -فيكون الكلام مسوقا لبيان الاستمرار الظاهري فيما علم ثبوت الطهارة له واقعا في زمان،فأين هذا من بيان قاعدة الطهارة من حيث هي للشيء المشكوك من حيث هو مشكوك (2) ؟!.

و منشأ الاشتباه في هذا المقام:ملاحظة عموم القاعدة لمورد الاستصحاب (3) ،فيتخيل أن الرواية تدل على الاستصحاب،و قد عرفت:أن دلالة الرواية على طهارة مستصحب الطهارة غير دلالتها على اعتبار استصحاب الطهارة (4) ،و إلا فقد أشرنا إلى أن القاعدة تشمل يخفى أن هذا الفرض خلاف ظاهر كلام صاحب الفصول،بل صريحه،لتصريحه بأن مفاد الأصل الثاني استمرار الحكم المستفاد من الأصل الأول.

نعم ذكرنا أن ظاهر كلامه كون مفاد الأصل الأول هو الأعم من الطهارة الظاهرية و الواقعية،لا خصوص الظاهرية.فلاحظ.

(1)لا يخفى أن هذا المضمون لا يمكن ارجاع الرواية إليه.

نعم لو كان مفادها الحكم بالاستمرار مع أخذ الطهارة وصفا و قيدا للموضوع لكان له وجه،كما يظهر بأدنى تأمل.

(2)إذ على هذا يكون ذكر الطهارة في الحكم المعني-في الصدر-لكونها مقومة للموضوع و مأخوذة فيه،لا لكونها حكما ظاهريا ليستفاد منه قاعدة الطهارة الظاهرية.

(3)لم يتضح كون هذا هو منشأ الاشتباه في المقام.بل لعله ناشئ من ظهور «حتى»في الاستمرار الذي يبتني عليه الاستصحاب،مع الغفلة عن أن ذكر الغاية لبيان كون الحكم ظاهريا مشروطا بالجهل و ليس حكما واقعيا.فلاحظ.

(4)لتوقف الثاني على كون علة الحكم هو اليقين بالوجود في الزمان السابق

ص: 109

مستصحب النجاسة أيضا،كما سيجيء.

و نظير ذلك ما صنعه صاحب الوافية،حيث ذكر روايات(أصالة الحل)الواردة في مشتبه الحكم أو الموضوع في هذا المقام.

ثم على هذا (1) ،كان ينبغي ذكر أدلة أصالة البراءة (2) ،لأنها أيضا متصادقة مع الاستصحاب من حيث المورد.

فالتحقيق:أن الاستصحاب-من حيث هو-مخالف للقواعد الثلاث:البراءة،و الحل،و الطهارة،و إن تصادقت مواردها.

فثبت من جميع ما ذكرنا:أن المتعين حمل الرواية المذكورة على أحد المعنيين (3) ،و الظاهر إرادة القاعدة-نظير قوله عليه السّلام (4) :«كل شيء و الرواية بعيدة عن ذلك جدا،بل هي ظاهرة في أن علة الحكم هو محض الجهل بالحال،كما هو مفاد قاعدة الطهارة.

(1)و هو أن صدق الرواية في مورد الاستصحاب كاف في صحة الاستدلال بها عليه.

(2)مثل حديث الرفع و الحجب،لعمومهما لمورد استصحاب عدم التكليف.

لكن لا يخفى ان مفاد أدلة البراءة مجرد رفع العقاب،و ليس هو حكما شرعيا،حتى يقبل الاستصحاب،بخلاف الحل و الطهارة،فلا مجال للنقض بذلك.

مضافا إلى ما عرفت من احتمال كون منشأ الشبهة ظهور«حتى»في الاستمرار، و لا مجال لذلك في أكثر أدلة البراءة،نعم قد يجري في بعضها.فلاحظ.

(3)يعني:قاعدة الطهارة و مفاد الاستصحاب.

(4)الكلام فيه هو الكلام في الرواية السابقة.و لذا ذهب المحقق الخراساني قدّس سرّه إلى دلالته على قاعدة الحل الواقعي للأشياء،و على الاستصحاب،بنظير التقريب المتقدم.

ص: 110

لك حلال»-لأن (1) حمله على الاستصحاب و حمل الكلام على إرادة خصوص الاستمرار فيما علم طهارته سابقا خلاف (2) الظاهر،إذ ظاهر الجملة الخبرية إثبات أصل المحمول للموضوع،لا إثبات استمراره (3) في مورد الفراغ عن ثبوت أصله.

نعم،قوله:(حتى تعلم)يدل على استمرار المغيا،لكن المغيا به الحكم بالطهارة،يعني:هذا الحكم الظاهري مستمر له إلى كذا،لا أن الطهارة الواقعية (4) المفروغ عنها مستمرة ظاهرا إلى زمن العلم.

الروايتان الثالثة و الرابعة

و منها:قوله عليه السّلام:«الماء كله طاهر حتى تعلم أنه نجس».

و هو و إن كان متحدا مع الخبر السابق من حيث الحكم و الغاية إلا أن الاشتباه في الماء من غير جهة عروض النجاسة للماء غير متحقق غالبا (5) ،فالأولى حملها على إرادة الاستصحاب (6) ،و المعنى:أن الماء (1)تعليل لقوله:«و الظاهر إرادة القاعدة».

(2)خبر(أن)في قوله:«لأن حمله...».

(3)لما عرفت من توقف إرادة الاستمرار على تقييد الموضوع،و هو خلاف الأصل.

(4)عرفت امتناع ارجاع الغاية للمحمول،و انها إنما ترجع للحكم و النسبة.

(5)بل دائما لاطلاق أدلة طهورية الماء،فاحتمال نجاسته منحصر باحتمال التنجيس الطارئ.نعم قد لا يصح جريان استصحاب الطهارة فيه،كما لو توارد عليه التنجيس و الاعتصام مع الجهل بالسابق منهما،و حينئذ يتعين التمسك باصالة الطهارة،لا استصحابها.و لعل هذا هو مراد المصنف قدّس سرّه من الغلبة.

(6)كأنه من جهة أن الحمل على قاعدة الطهارة موجب لحملها على الفرد

ص: 111

المعلوم طهارته بحسب أصل الخلقة طاهر حتى تعلم...،أي:تستمر طهارته المفروضة إلى حين العلم بعروض القذارة له،سواء كان الاشتباه في الحكم،كالقليل الملاقي للنجس و البئر،أم كان من جهة الاشتباه في الأمر الخارجي،كالشك في ملاقاته للنجاسة أو نجاسة ملاقيه.

و منها:قوله عليه السّلام:«إذا استيقنت أنك توضأت فإياك أن تحدث وضوءا،حتى تستيقن أنك أحدثت».

و دلالته على استصحاب الطهارة ظاهرة.

النادر،لغلبة حكومة الاستصحاب عليها،كما ذكرنا.

لكن قد يقال:لما كانت قاعدة الطهارة تجري ذاتا في مورد الاستصحاب و إن كانت محكومة له،فلا مانع من حمل الرواية عليها لبيان أن موضوعها مطلق الشك مع إغفال اليقين السابق،خصوصا مع وجود الفرد النادر الذي لا يكون مجرى الاستصحاب.

نعم لو كان الغالب حكومة استصحاب النجاسة كان الحمل على قاعدة الطهارة بعيدا مخالفا لظهور القضية في أنها عملية.فتأمل جيدا.

ص: 112

اختصاص الأخبار بالشك في الرافع

ثم إن اختصاص ما عدا الأخبار العامة بالقول المختار (1) واضح.

و أما الأخبار العامة،فالمعروف بين المتأخرين الاستدلال بها على حجية الاستصحاب في جميع الموارد.

تأمل المحقق الخوانساري قدّس سرّه في الاستدلال بالأخبار على الحجية مطلقا

و فيه تأمل،قد فتح بابه المحقق الخوانساري في شرح الدروس.

توضيحه:أن حقيقة النقض هو رفع الهيئة الاتصالية (2) ،كما في (1)و هو حجية الاستصحاب في الشك في الرافع لا مطلقا.و الوجه في اختصاص الأخبار الخاصة به أن مواردها الطهارة الحدثية و الخبيثية،و من شأنهما البقاء حتى يطرأ الرافع لهما.

(2)الظاهر أن النقض رفع الأمر المستحكم،كما يناسبه ما في القاموس قال:

«النقض في البناء و الجعل و العهد و غيره ضدّ الابرام»و قال الراغب:«النقض انتثار العقد من البناء و الجعل و العقد،و هو ضد الابرام»و إطلاقه في الحبل بلحاظ ابرامه، لا محض رفع اتصاله،و إلا لصدق مع عدم أحكام الحبل و عدم تماسكه،و هو خلاف الظاهر.

ثم إن ما ذكرنا في معنى النقض هو الأنسب بما سيأتي من المصنف قدّس سرّه في ترجيح أحد المعنيين المجازيين على الآخر،فإنه يلائم ما ذكرنا،لا ما ذكره،كما يظهر بأدنى تأمل.

ص: 113

نقض الحبل.

و الأقرب إليه-على تقدير مجازيته-هو رفع الأمر الثابت (1) .

و قد يطلق على مطلق رفع اليد عن الشيء-و لو لعدم المقتضي له- بعد أن كان آخذا به،فالمراد من(النقض)عدم الاستمرار عليه و البناء على عدمه بعد وجوده.

إذا عرفت هذا،فنقول:إن الأمر يدور:

بين أن يراد ب(النقض)مطلق ترك العمل و ترتيب الأثر-و هو المعنى الثالث-و يبقى المنقوض عاما لكل يقين (2) .

و بين أن يراد من النقض ظاهره-و هو المعنى الثاني (3) -فيختص (1)لا يخفى أن كل مرتفع فهو ثابت.و الظاهر أن مراده بالثبوت بالأمر الثابت ما من شأنه الثبوت و البقاء لو لا الرافع،و هو المناسب لما رتبه عليه لمقابلته بالمعنى الآتي،و الملائم من لزوم إحراز المقتضى.

لكن بناء على ما ذكرنا من المعنى اللغوي فالمعنى المناسب له هو رفع الأمر المستحكم و عدم ترتيب الأثر عليه عملا،فلا بد من فرض استحكام الشيء لا مجرد وجود مقتضيه.

فرفع الحجر عن مكانه ليس نقضا له و إن كان مقتضي بقائه متحققا و هو جاذبية الأرض له،لعدم الاستحكام،بخلاف رفع البناء و سيأتي تمام الكلام في ذلك.

(2)فيعم صورة الشك في المقتضى.

(3)يعني:رفع الأمر الثابت.و كأن وجه ظهور النقض في ذلك كونه أنسب بالمعنى الحقيقي.لكن عرفت أن الأنسب هو فرض استحكام الشيء المنقوض لا

ص: 114

متعلقه بما من شأنه الاستمرار و الاتصال،المختص بالموارد التي يوجد فيها هذا المعنى.

و لا يخفى رجحان هذا على الأول،لأن الفعل الخاص يصير مخصصا لمتعلقه العام (1) ،كما في قول القائل:لا تضرب أحدا،فإن الضرب قرينة على اختصاص العام بالأحياء (2) ،و لا يكون عمومه للأموات قرينة على مجرد وجود مقتضيه.

(1)يعني:أنه إذا دار الأمر بين ظهور الفعل الخاص و ظهور متعلقه العام كان الأول مقدما و رافعا للظهور الثاني.مثلا:إذا قيل:حدث رجلا،و دار الأمر بين إبقاء الفعل و هو الحديث على ظاهره من الكلام المقصود به التفهيم مع تقييد متعلقه و هو الرجل بالعاقل القابل للتفهيم،و إبقاء الرجل على اطلاقه مع حمل الحديث على مطلق إلقاء الكلام،كان الأول أولى،بل هو المتعين.

أقول:الظاهر أنه لا خصوصية للفعل في ترجيح ظهوره على ترجيح ظهور المتعلق بل المدار على أقوى الظهورين،فيكون حاكما على الظهور الآخر و مانعا من انعقاده.

نعم لما كان انعقاد ظهور المطلق في الاطلاق موقوفا على عدم البيان كان ظهور الفعل مانعا من انعقاد ظهور المطلق و مقدما عليه لأنه بيان،دون العكس، لأن المقتضى التنجيزي يقدم على المقتضى التعليقي.فلاحظ.

(2)لدعوى أن الضرب ظاهر في المؤلم المختص بالأحياء.لكن بنفسه لا يبعد انصراف(أحد)لخصوص الاحياء أيضا،فظهوره في الاحياء أقوى من ظهور الضرب فيه.

و بالجملة:اختصاص الكلام بالاحياء لتطابق كلا الظهورين عليه،لا لتقديم احدهما على الآخر،فهو خارج عما نحن فيه.

ص: 115

إرادة مطلق الضرب عليه كسائر الجمادات.

المراد من(نقض اليقين)

ثم لا يتوهم (1) الاحتياج حينئذ إلى تصرف في اليقين بإرادة المتيقن منه،لأن (2) التصرف لازم على كل تقدير،بل المراد:نقض ما كان على يقين منه-و هو الطهارة السابقة-أو (3) أحكام اليقين.

و المراد ب(أحكام اليقين)ليس أحكام نفس وصف اليقين،إذ لو فرضنا حكما شرعيا محمولا على نفس صفة اليقين ارتفع بالشك قطعا، كمن نذر فعلا (4) في مدة اليقين بحياة زيد.

بل المراد:أحكام المتيقن المثبتة له (5) من جهة اليقين،و هذه الأحكام كنفس المتيقن أيضا لها استمرار شأني (6) لا يرتفع إلا بالرافع،فإن جواز الدخول في الصلاة بالطهارة أمر مستمر إلى أن يحدث ناقضها.

(1)يعني:أن الحمل على خصوص صورة إحراز المقتضى يستلزم حمل اليقين على المتيقن لأنه هو الذي يتصور ثبوت المقتضى له،و هو خلاف ظاهر الجملة، لظهورها في أن المتيقن هو اليقين.

(2)بيان لدفع التوهم،و حاصله:أن حمل اليقين على المتيقن هو لازم على كل حال سواء عمم الكلام لصورة الشك في المقتضي أم لا،فلا يصلح ذلك المقدم في الحمل على خصوص إحراز المقتضي.

(3)إشارة إلى ما يأتي في التنبيه السادس من أن مفاد الاستصحاب إما جعل نفس المتيقن أو جعل أحكامه.

(4)كالتصدق بدرهم.

(5)يعني:المعلومة له.فالمراد بالثبوت ليس الخارجي بل العلمي.

(6)بسبب استمرار موضوعها و هو المتيقن.

ص: 116

و كيف كان،فالمراد:إما نقض المتيقن،و المراد به رفع اليد عن مقتضاه،و إما نقض أحكام اليقين-أي الثابتة للمتيقن من جهة اليقين به- و المراد حينئذ رفع اليد عنها.

و يمكن أن يستفاد من بعض الأمارات إرادة المعنى الثالث (1) ، مثل:قوله عليه السّلام:«بل ينقض الشك باليقين» (2) .

و قوله عليه السّلام:«و لا يعتد بالشك في حال من الحالات».

و قوله عليه السّلام:«اليقين لا يدخله الشك،صم للرؤية و أفطر للرؤية»، فإن مورده استصحاب بقاء رمضان،و الشك فيه ليس شكا في الرافع (3) ، كما لا يخفى.

و قوله عليه السّلام في رواية الأربعمائة:«من كان على يقين فشك فليمض على يقينه،فإن اليقين لا يدفع بالشك».

(1)و هو مجرد رفع اليد عن الشيء من دون كونه مما من شأنه البقاء.

(2)إذ لا معنى لفرض المقتضى في الشك،فلا بد أن يكون المراد من نقضه مجرد رفع اليد عنه و عدم ترتيب الاثر عليه،فيكون ذلك قرينة على حمل نقض اليقين على ذلك أيضا،كما هو مقتضى المقابلة بينهما في الكلام الواحد.

نعم الفقرة المذكورة لم تتقدم إلا في صحيحة زرارة الثالثة التي عرفت عدم صحة الاستدلال بها على الاستصحاب.

نعم اللهم إلا أن يستأنس بها في تفسير روايات الاستصحاب.فلاحظ.

(3)مع أنه لم يشتمل على لفظ النقض.

و منه يظهر الوجه في الاستشهاد بالروايتين الآتيتين.

ص: 117

و قوله:«إذا شككت فابن على اليقين».

فإن المستفاد من هذه و أمثالها:أن المراد بعدم النقض (1) عدم الاعتناء بالاحتمال المخالف لليقين السابق،نظير قوله عليه السّلام (2) :«إذا خرجت من شيء و دخلت في غيره فشكك ليس بشيء».

هذا،و لكن الإنصاف:أن شيئا من ذلك لا يصلح لصرف لفظ (النقض)عن ظاهره (3) .

(1)لا يخفى أن هاتين الروايتين لم تتضمنا التعبير بالنقض،فمراد المصنف قدّس سرّه أنهما يكونان قرينة على تفسير النقض في الروايات الاخرى و حملها على المعنى الثالث.

(2)إذ ليس المراد به إلا عدم الاعتناء بالشك و البناء على مقتضى احتمال الصحة و إن لم يحرز المقتضي.

(3)لا يخفى أن عدم صلوح الشك لأن يرتفع إلا برافع لا يجعله من موارد وجود المقتضي،لأن الشك كالعدم لا يحتاج إلى المقتضي بل يكفي فيه عدم علة للعلم أو الظن،فعدم صلوحه لأن يرتفع إلا برافع لا يصحح إطلاق النقض عليه.

هذا مع أن ما ذكره مبني على أن المراد ارتفاع الشك باليقين المتأخر عنه حقيقة،و هو خلاف ظاهر العطف ب(بل)الظاهر في قصر القلب الراجع إلى أن الوظيفة العملية مع تأخر الشك عن اليقين هي العمل بمقتضى اليقين و عدم نقضه بالشك بل نقض الشك به،فالمراد نقض الشك عملا باليقين المتقدم عليه بمعنى عدم ترتب الأثر عليه لأجل اليقين المذكور،فليس المراد بالنقض الا عدم ترتيب الأثر،لا المنع من تأثير مقتضى الشك فيه.

فالمتعين في وجه تصحيح التعبير بالنقض-بعد فرض عدم كون الشك مبنيا على الاستحكام،و ليس كاليقين ليأتي فيه ما سنذكره-هو المشاكلة في التعبير للصدر

ص: 118

لأن قوله:«بل ينقض الشك باليقين»معناه رفع الشك،لأن الشك مما إذا حصل لا يرتفع إلا برافع.

و أما قوله عليه السّلام:«من كان على يقين فشك»،فقد عرفت أنه كقوله:

«إذا شككت فابن على اليقين»غير ظاهر في الاستصحاب،مع إمكان أن يجعل قوله عليه السّلام:«فإن اليقين لا ينقض بالشك (1) ،أو لا يدفع به (2) » قرينة على اختصاص صدر الرواية بموارد النقض (3) ،مع أن الظاهر من المضي:الجري على مقتضى الداعي السابق و عدم التوقف إلا لصارف، نظير قوله عليه السّلام:«إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك»و نحوه،فهو أيضا مختص بما ذكرنا (4) .

و أما قوله عليه السّلام:«اليقين لا يدخله الشك»فتفرع الإفطار للرؤية عليه من جهة استصحاب الاشتغال بصوم رمضان إلى أن يحصل الرافع (5) .

و إن لم يكن مثله في الخصوصية المصححة للتعبير بالنقض.فلاحظ.

(1)كما في الرواية الاخرى المتقدمة في ذكر أدلة الاستصحاب.

(2)كما في الرواية المتقدمة هنا.

(3)و هي موارد الشك في الرافع.لكنه خلاف الظاهر.

(4)لكن حمل الداعي السابق على المقتضي مما لا وجه له،خصوصا بعد تصريح النصوص بأن المضي إنما هو على اليقين،و لم تتعرض للمقتضي.

(5)يعني:و مقتضي الاشتغال محرز و هو التكليف و الشك إنما هو في رافعه.

لكن هذا مختص بما إذا كان الشك في الفراغ من جهة الامتثال،لا في الاشتغال من جهة الشك في بقاء الموضوع و هو رمضان،فإنه يرجع إلى الشك في المقتضي.

مع أنه لا يجري في الشك في شعبان،لعدم الشك حينئذ في بقاء الاشتغال بل

ص: 119

و بالجملة:فالمتأمل المنصف يجد أن هذه الأخبار لا تدل على أزيد من اعتبار اليقين السابق عند الشك في الارتفاع برافع (1) .

في حدوثه.

مضافا إلى أن الظاهر جريان الاستصحاب في نفس الشهر الذي هو الموضوع لوجوب الصوم،في التكليف بوجوب الصوم و من الظاهر أن الشك في بقاء الشهر لا يرجع إلى الشك في الرافع،بل هو في أصل المقتضي،كما لعله ظاهر.

(1)عرفت الاشكال في ذلك أولا:لأن المناط في صدق النقض ليس هو وجود المقتضي،بل الاستحكام الذي قد لا يتحقق مع إحراز المقتضي،كما في رفع الحجر عن مكانه.

ثانيا:لما تقدم من القرائن الظاهرة في عدم لحاظ إحراز المقتضي في مقام صدق النقض.

مع أن لازم ذلك عدم جريان الاستصحاب في الاعدام،لما هو المعلوم من عدم احتياج العدم إلى المقتضي،بل يكفي فيه عدم علة للوجود نظير ما سبق منا في الشك.

فالعدم و إن كان مما لا يرتفع إلى برافع،إلا أن الشك فيه لا يكون مع إحراز المقتضي له لعدم احتياجه إلى المقتضي.و مجرد كونه ممّا لا يرتفع إلا برافع لا يصحح إطلاق النقض،لما عرفت من توقف صدق النقض على الاستحكام غير الملازم لصورة إحراز المقتضي،فضلا عما لو لم يكن الشيء محتاجا للمقتضي كالعدم.

و بالجملة:لا مجال لما ذكره المصنف قدّس سرّه في وجه التقييد،خصوصا مع كون استحصال الوجه المذكور من التعبير بالنقض محتاجا إلى تأمل و دقة فمن البعيد جدا اتكال المتكلم عليه في تقييد المطلق من دون تنبيه على التقييد.

هذا و الظاهر أن المصحح في المقام للتعبير بالنقض ما في اليقين من الاستحكام في النفس،كالإرادة و العزم،كما انه مستحكم في الحجية المستتبعة للعمل،و لا يفرق

ص: 120

في ذلك بين أفراد اليقين بل يجري مع الشك في المقتضي،فيجب عدم نقض اليقين فيه عملا.

نعم النقض العملي إنما هو بلحاظ آثار المتيقن،لا آثار اليقين،كما ذكره المصنف قدّس سرّه،و هذا لا يلازم اعتبار الاستحكام في نفس المتيقن بإحراز مقتضيه، بل الملحوظ هو استحكام اليقين لاستتباع مقام العمل له،كما لعله ظاهر.

فتأمل جيدا.

ص: 121

ادلة الاقوال فى الاستصحاب

حجة القول الأول

احتج للقول الأول بوجوه:
الوجه الأول و المناقشة فيه

منها:أنه لو لم يكن الاستصحاب حجة لم يستقم استفادة الأحكام من الأدلة اللفظية،لتوقفها على أصالة عدم القرينة و المعارض و المخصص و المقيد و الناسخ و غير ذلك.

و فيه:أن تلك الأصول قواعد لفظية مجمع عليها بين العلماء و جميع أهل اللسان في باب الاستفادة (1) ،مع أنها أصول عدمية لا يستلزم القول بها القول باعتبار الاستصحاب مطلقا (2) ،إما لكونها مجمعا عليها بالخصوص (3) ،و إما لرجوعها إلى الشك في الرافع (4) .

(1)يعني:و لعل لمواردها خصوصية اقتضت اتفاقهم مع خلافهم في بقية موارد الاستصحاب فلا وجه للقياس عليها،كيف و لو كانت من باب الاستصحاب لأشكلت بأنها من الأصول المثبتة،فتأمل.

(2)لما سبق من القول بالتفصيل بين الاستصحاب الوجودي و العدمي.

(3)هذا راجع إلى ما ذكره في الوجه الأول فلا وجه لذكره هنا.

(4)يعني:فينطبق على مختار المصنف و لا يصح الاستشهاد بها للحجية مطلقا.

ص: 122

الوجه الثاني
اشارة

و منها:ما ذكره المحقق في المعارج،و هو:أن المقتضي للحكم الأول ثابت،و العارض لا يصلح رافعا،فيجب الحكم بثبوته في الآن الثاني.أما أن المقتضي ثابت،فلأنا نتكلم على هذا التقدير.و أما أن العارض لا يصلح رافعا،فلأن العارض احتمال تجدد ما يوجب زوال الحكم،لكن احتمال ذلك معارض باحتمال عدمه،فيكون كل منهما مدفوعا بمقابله،فيبقى الحكم الثابت سليما عن الرافع،انتهى.

و فيه:أن المراد بالمقتضي،إما العلة التامة للحكم أو للعلم به-أعني الدليل-أو المقتضي (1) بالمعنى الأخص (2) .

و على التقديرين الأولين (3) ،فلا بد من أن يراد من ثبوته ثبوته في الزمان الأول (4) ،و من المعلوم عدم اقتضاء ذلك لثبوت المعلول أو ثم إن الوجه في رجوعها إلى الشك في الرافع إما كونها رافعة لمقتضى الظهور الأولي المسبب عن الوضع و نحوه.أو كونها أصولا عدمية و الأعدام ممّا لا ترتفع إلا برافع.

لكن الأول لا يتم في احتمال القرائن المتصلة فإنها مانعة من تمامية مقتضي الظهور.

و الثاني قد عرفت الاشكال في توجيهه بناء على مختار المصنف قدّس سرّه.فلاحظ.

(1)عطف على قوله:«العلة التامة».

(2)و هو جزء العلة التامة المقابل للمانع.و الظاهر أن هذا هو مراد المحقق،إذ هو الذي يجتمع مع احتمال المانع.

(3)و هما العلة التامة للحكم،و العلة التامة للعلم به أعني الدليل.و في بعض النسخ:«و على التقدير الأول».و لعله الانسب.

(4)إذ ثبوته في الزمان الثاني لا يجتمع مع فرض الشك.

ص: 123

المدلول في الزمان الثاني أصلا.

و على الثالث (1) ،فلا بد من أن يراد ثبوته في الزمان الثاني مقتضيا للحكم (2) .

المناقشة في الوجه الثاني

و فيه-مع أنه أخص من المدعى (3) -:أن مجرد احتمال عدم الرافع لا يثبت العلم و لا الظن بثبوت المقتضى،بالفتح.

و المراد من معارضة احتمال الرافع باحتمال عدمه الموجبة للتساقط:

إن كان سقوط الاحتمالين (4) فلا معنى له (5) ،و إن كان سقوط المحتملين عن الاعتبار حتى لا يحكم بالرافع و لا بعدمه (6) ،فمعنى ذلك التوقف عن الحكم بثبوت المقتضى-بالفتح-لا ثبوته.

و ربما يحكى إبدال قوله:«فيجب الحكم بثبوته»،بقوله:«فيظن ثبوته»،و يتخيل أن هذا أبعد عن الإيراد،و مرجعه إلى دليل آخر ذكره العضدي و غيره،و هو:أن ما ثبت في وقت و لم يظن عدمه فهو مظنون البقاء.و سيجيء ما فيه.

(1)و هو المقتضي بالمعنى الأخص،الذي عرفت انه ظاهر كلام المحقق.و في بعض النسخ:«على الثاني»و هو المناسب للنسخة الأخرى التي أشرنا إليه قريبا.

(2)فإنه هو الدخيل في ثبوت المعلول بعد فرض عدم المانع.

(3)لاختصاصه بالشك في الرافع،فلا يناسب عموم الدعوى.

(4)بمعنى ارتفاعهما معا.

(5)لعدم التنافي بين الاحتمالين كي يلزم ارتفاعهما بالمعارضة.

(6)و هو راجع إلى عدم ترتيب الأثر على كلا الاحتمالين.

ص: 124

ثم إن ظاهر هذا الدليل دعوى القطع ببقاء الحالة السابقة واقعا (1) ، و لم يعرف هذه الدعوى من أحد،و اعترف بعدمه في المعارج في أجوبة النافين،و صرح بدعوى رجحان البقاء.

و يمكن أن يريد به:إثبات البناء على الحالة السابقة (2) و لو مع عدم رجحانه،و هو في غاية البعد عن عمل العقلاء بالاستصحاب في أمورهم (3) .

و الظاهر أن مرجع هذا الدليل إلى أنه إذا احرز المقتضي و شك في المانع-بعد تحقق المقتضي و عدم المانع في السابق-بني على عدمه و وجود المقتضي (4) .

و يمكن أن يستفاد من كلامه السابق (5) في قوله:«و الذي نختاره»، أن مراده بالمقتضي للحكم دليله،و أن المراد بالعارض احتمال طرو (1)كأنه من جهة قوله:«فيبقى الحكم الثابت سليما عن الرافع»لكن لا ينبغي الشك في أن مراده من سلامة الحكم عن الرافع عدم ثبوت رافعه،لا عدم الرافع له واقعا،فلا ظهور له في دعوى القطع ببقاء الحالة السابقة.

(2)يعني:البناء عليها في مقام العمل بترتيب أثرها ظاهرا.

(3)كأنه لدعوى أن بناء العقلاء على العمل بالاستصحاب لو تم مختص بصورة رجحان البقاء،لا مطلقا.

(4)لكن هذا لا يناسب جعله من أدلة الحجية مطلقا.

(5)تقدم من المصنف قدّس سرّه نقله عند بيان مختاره بعد ذكر الأقوال الأحد عشر في الاستصحاب،و تقدم الكلام فيه،فراجع.

ص: 125

المخصص لذلك الدليل (1) ،فمرجعه إلى أن الشك في تخصيص العام أو تقييد المطلق لا عبرة به،كما يظهر من تمثيله بالنكاح و الشك في حصول الطلاق ببعض الألفاظ،فإنه إذا دل الدليل على أن عقد النكاح يحدث علاقة الزوجية،و علم من الدليل دوامها (2) ،و وجد في الشرع ما ثبت كونه رافعا لها،و شك في شيء آخر أنه رافع (3) مستقل أو فرد من ذلك الرافع أم لا،وجب العمل بدوام الزوجية،عملا بالعموم إلى أن يثبت المخصص.و هذا حق،و عليه عمل العلماء كافة.

نعم،لو شك في صدق الرافع على موجود خارجي لشبهة -كظلمة أو عدم الخبرة-ففي العمل بالعموم حينئذ و عدمه-كما إذا قيل:

(أكرم العلماء إلا زيدا)فشك في إنسان أنه زيد أو عمرو-قولان في باب العام المخصص،أصحهما عدم الاعتبار بذلك العام (4) .لكن،كلام (1)بأن يكون الدليل بنفسه دالا على البقاء،و يبتني الارتفاع على تخصيص ذلك الدليل.

(2)الظاهر أن الدليل لا يقتضي دوام الزوجية بحيث يكون دليل ارتفاعها ببعض الروافع مخصصا له،بل دوام الزوجية هو مقتضى طبيعتها،فإنها مما من شأنه البقاء لو لا الرافع ككثير من الأحكام الوضعية كالملكية و الحرية و الرقية و غيرها.

و من ثم ذكرنا فيما سبق أن مقتضى تمثيل المحقق رحمه اللّه بالنكاح اختياره لحجيته في الشك في الرافع.فلاحظ.

(3)بأن تردد الرافع بين الأقل و الأكثر بنحو الشبهة المفهومية.

(4)و إليه يرجع ما قيل من عدم حجية العام في الشبهة المصداقية.

ص: 126

المحقق قدّس سرّه في الشبهة الحكمية (1) ،بل مفروض كلام القوم أيضا اعتبار الاستصحاب المعدود من أدلة الأحكام فيها،دون مطلق الشبهة الشاملة للشبهة الخارجية.

هذا غاية ما أمكننا من توجيه الدليل المذكور.

لكن الذي يظهر بالتأمل:عدم استقامته في نفسه (2) ،و عدم انطباقه على قوله المتقدم:(و الذي نختاره (3) ،كما نبه عليه في المعالم (4) و تبعه غيره،فتأمل.

الوجه الثالث
اشارة

و منها:أن الثابت في الزمان الأول ممكن الثبوت في الآن الثاني-و إلا لم يحتمل البقاء-فيثبت بقاؤه ما لم يتجدد مؤثر العدم،لاستحالة خروج الممكن عما عليه بلا مؤثر (5) ،فإذا كان التقدير تقدير عدم العلم بالمؤثر (1)كما يشهد به تمثيله بما إذا وقع الخلاف في وقوع الطلاق ببعض الألفاظ.

(2)كأنه للمنع من كون العام و المطلق مقتضيا و المخصص و المقيد مانعا، و قد أطال بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه في الكلام في ذلك.فراجع.

(3)قال بعض أعاظم المحشين:«فإنه صريح في كون المقصود هو التفصيل في عنوان الاستصحاب.و ان المستصحب هو الحكم المقتضي لا المقتضي كما هو قضية هذا التوجيه.و هذا معنى ما ذكره في الرسالة...حسبما صرح به في مجلس البحث».

و قد عرفت فيما سبق أن صاحب المعالم ادعى أن مراد المحقق عدم حجية الاستصحاب.و ان العمل إنما هو بالدليل.و تقدم أن كلام المحقق لا يخلو عن إجمال،فدعوى صراحته فيما ذكره المصنف غير ظاهرة.

(4)حيث ذكر أن مقتضي كلامه عدم حجية الاستصحاب،كما ذكرنا.

(5)هذا يتم لو أريد بالمؤثر ما يعم عدم المقتضى-كما هو مقتضى كون هذا

ص: 127

فالراجح بقاؤه،فيجب العمل عليه.

المناقشة في الوجه الثالث

و فيه:منع استلزام عدم العلم بالمؤثر رجحان عدمه (1) المستلزم لرجحان البقاء،مع أن مرجع هذا الوجه إلى ما ذكره العضدي (2) و غيره:من أن ما تحقق وجوده و لم يظن عدمه أو لم يعلم عدمه،فهو مظنون البقاء.

دعوى أن وجود الشيء سابقا يقتضي الظن ببقائه و الجواب عنها

و محصل الجواب-عن هذا و أمثاله من أدلتهم الراجعة إلى دعوى حصول ظن البقاء-:منع كون مجرد وجود الشيء سابقا مقتضيا لظن بقائه (3) ،كما يشهد له تتبع موارد الاستصحاب.

مع أنه إن اريد اعتبار الاستصحاب من باب الظن النوعي-يعني لمجرد كونه لو خلي و طبعه يفيد الظن بالبقاء و إن لم يفده فعلا لمانع-ففيه:

أنه لا دليل على اعتباره أصلا (4) .

الوجه دليلا لحجية الاستصحاب مطلقا-أما لو أريد به خصوص الأمر الوجودي المؤثر في الوجود أو العدم،توجه منع الاستحالة المذكورة،لإمكان استناد عدم الممكن إلى انتهاء حد المقتضي لا إلى وجود الرافع،كما لا يخفى.فلاحظ.

(1)لإمكان تساوي الطرفين أو رجحان الارتفاع لحدوث ما يوجب الظن به.

(2)و ليس الفرق بينهما إلا في أن هذا الوجه حاكم بالظن بالبقاء بمجرد عدم العلم بالارتفاع،و ما ذكره العضدي مختص بما إذا لم يعلم أو يظن بالارتفاع،فما ظن فيه بالارتفاع لا منشأ للظن بما فيه بالبقاء على ما ذكره العضدي،و فيه جهة تقتضي الظن بحسب إطلاق ما ذكر في هذا الوجه.فلاحظ.

(3)من دون فرق بين الظن النوعي و الشخصي.

(4)يعني:حتى بناء على دليل الانسداد،لأن مقتضاه حجية الظن الشخصي

ص: 128

و إن اريد اعتباره عند حصول الظن فعلا منه،فهو و إن استقام على ما يظهر من بعض من قارب عصرنا:من أصالة حجية الظن (1) ،إلا أن القول باعتبار الاستصحاب بشرط حصول الظن الشخصي منه-حتى أنه في المورد الواحد يختلف الحكم باختلاف الأشخاص و الأزمان و غيرها- لم (2) يقل به أحد فيما أعلم،عدا ما يظهر من شيخنا البهائي قدّس سرّه في عبارته المتقدمة (3) ،و ما ذكره قدّس سرّه مخالف للإجماع ظاهرا،لأن بناء العلماء في العمل بالاستصحاب في الأحكام الجزئية و الكلية و الموضوعات-خصوصا العدميات-على عدم مراعاة الظن الفعلي (4) .

ثم إن ظاهر كلام العضدي-حيث أخذ في إفادته الظن بالبقاء عدم الظن بالارتفاع-أن الاستصحاب أمارة حيث لا أمارة،و ليس في لا النوعي.

(1)كأنه مبني على تمامية دليل الانسداد.

(2)خبر(أن)في قوله:«إلا أن القول باعتبار...».

(3)في الأمر الرابع من الأمور التي ذكرها المصنف قدّس سرّه بعد تعريف الاستصحاب.

(4)كما قد يظهر من استدلالهم به الظاهر في الزام الخصم الذي لا يتجه بناء على اعتبار الظن الشخصي.

لكن من الظاهر أن الاجماع المذكور لا يصلح حجة لرفع اليد عن مقتضى الدليل لو فرض كونه مقتضيا لاعتبار الظن الشخصي،كما هو الحال في دليل الانسداد.

ص: 129

الأمارات ما يكون كذلك (1) .نعم،لا يبعد أن يكون الغلبة كذلك.

و كيف كان،فقد عرفت منع إفادة مجرد اليقين بوجود الشيء للظن ببقائه (2) .

و قد استظهر بعض تبعا لبعض-بعد الاعتراف بذلك-أن المنشأ في حصول الظن غلبة البقاء في الامور القارة.

كلام السيد الصدر قدّس سرّه في المقام

قال السيد الشارح للوافية-بعد دعوى رجحان البقاء-:

إن الرجحان لا بد له من موجب،لأن وجود كل معلول يدل على وجود علة له إجمالا،و ليست هي اليقين المتقدم بنفسه،لأن ما ثبت جاز أن يدوم و جاز أن لا يدوم،و يشبه أن يكون هي كون الأغلب في أفراد الممكن القار أن يستمر وجوده بعد التحقق،فيكون رجحان وجود هذا الممكن الخاص (3) للإلحاق بالأعم الأغلب.

هذا إذا لم يكن رجحان الدوام مؤيدا بعادة أو أمارة،و إلا فيقوى بهما.

و قس على الوجود حال العدم إذا كان يقينيا (4) .انتهى كلامه،رفع مقامه.

(1)فإن الترتب في الحجية بين الامارات و إن كان شايعا،كاليد و البينة،إلا أنه غير مبني على ترتب اماريتها.

نعم لا يبعد الترتب في الامارية بين ظهور حال اليد في الملكية و إخبار صاحبها بعدمها.فلاحظ.

(2)يعني:لا النوعي و لا الشخصي.

(3)يعني:الذي يراد التمسك فيه بالاستصحاب.

(4)يعني:إذا حصل اليقين بسبقه.

ص: 130

و فيه:أن المراد بغلبة البقاء ليس غلبة البقاء أبد الآباد،بل المراد البقاء على مقدار خاص من الزمان،و لا ريب أن ذلك المقدار الخاص ليس أمرا مضبوطا في الممكنات و لا في المستصحبات،و القدر المشترك بين الكل أو الأغلب منه معلوم التحقق في مورد الاستصحاب (1) ،و إنما الشك في الزائد.

و إن أريد بقاء الأغلب إلى زمان الشك في بقاء المستصحب (2) :

فإن أريد أغلب الموجودات السابقة بقول مطلق باقية،ففيه:

أولا:أنا لا نعلم بقاء الأغلب في زمان الشك (3) .

و ثانيا:لا ينفع بقاء الأغلب في إلحاق المشكوك،للعلم بعدم الرابط بينها،و عدم استناد البقاء فيها إلى جامع (4) -كما لا يخفى-بل البقاء في كل واحد منها مستند إلى ما هو مفقود في غيره.نعم،بعضها مشترك في مناط البقاء.

(1)يعني:فلا يحتاج فيه إلى الاستصحاب.

نعم القدر المشترك بين الأغلب معلوم غالبا لا دائما،و الذي هو معلوم دائما هو القدر المشترك بين الكل.

(2)بمعنى أن غالب الموجودات حين اليقين بالمستصحب موجودة و مستمرة إلى حين الشك فيه.

(3)لابتناء الموجودات التكوينية على التبدل و التغير.

(4)فلا يحصل الظن ببقاء المستصحب بسبب الغلبة المذكورة،لتوقف حصول الظن من الغلبة على تحقق الجامع الموجب للحكم بين الافراد الغالبة المعلومة و الافراد الاخرى.

ص: 131

و بالجملة:فمن الواضح أن بقاء الموجودات المشاركة مع نجاسة الماء المتغير في الوجود-من (1) الجواهر و الأعراض-في زمان الشك (2) في النجاسة،لذهاب (3) التغير المشكوك (4) مدخليته في بقاء النجاسة،لا يوجب (5) الظن ببقائها و عدم (6) مدخلية التغير فيها.و هكذا الكلام في كل ما شك في بقائه لأجل الشك في استعداده للبقاء.

و إن أريد (7) به ما وجه به كلام السيد المتقدم صاحب القوانين (8) -بعد ما تبعه في الاعتراف بأن هذا الظن ليس منشؤه محض الحصول في الآن السابق،لأن ما ثبت جاز أن يدوم و جاز أن لا يدوم-قال:

كلام صاحب القوانين في المقام

بل لأنا لما فتشنا الامور الخارجية من الأعدام و الموجودات وجدناها مستمرة بوجودها الأول على حسب استعداداتها و تفاوتها في مراتبها، فنحكم فيما لم نعلم حاله بما وجدناه في الغالب،إلحاقا له بالأعم الأغلب.

(1)تفسير لقوله:«الموجودات».

(2)متعلق ببقاء في قوله:«بقاء الموجودات».

(3)متعلق بالشك في قوله:«الشك في النجاسة»و هو بيان لعلة الشك.

و المراد بذهاب التغير هو ذهابه من قبل نفسه.

(4)صفة للتغير.

(5)خبر(أن)في قوله:«فمن الواضح أن بقاء...».

(6)عطف على بقائها في قوله:«الظن ببقائها».

(7)عطف على قوله:«فإن أريد أغلب الموجودات...».

(8)فاعل(وجّه).

ص: 132

ثم إن كل نوع من أنواع الممكنات يلاحظ زمان الحكم ببقائه بحسب ما غلب في أفراد ذلك النوع،فالاستعداد الحاصل للجدران القويمة يقتضي مقدارا من البقاء بحسب العادة،و الاستعداد الحاصل للإنسان يقتضي مقدارا منه،و للفرس مقدارا آخر،و للحشرات مقدارا آخر،و لدود القز و البق و الذباب مقدارا آخر،و كذلك الرطوبة في الصيف و الشتاء.

فهنا مرحلتان:

الأولى:إثبات الاستمرار في الجملة.

و الثانية:إثبات مقدار الاستمرار.

ففيها جهل حاله من الممكنات القارة،يثبت ظن الاستمرار في الجملة بملاحظة حال أغلب الممكنات مع قطع النظر عن تفاوت أنواعها (1) ،و ظن مقدار خاص من الاستمرار بملاحظة حال النوع الذي هو من جملتها (2) .

فالحكم الشرعي-مثلا-نوع من الممكنات قد يلاحظ من جهة ملاحظة مطلق الأحكام الصادرة من الموالي إلى العبيد،و قد يلاحظ من جهة ملاحظة سائر الأحكام الشرعية.فإذا أردنا (3) التكلم في إثبات.

(1)يعني:فاذا شك في كون الشيء ممّا يستمر بنفسه أو أنه لا استمرار له، يبني على أنه ممّا يستمر الحاقا له باغلب الممكنات.

لكن لم يتضح بعد أن الأغلب في الممكنات الاستمرار.

(2)و لا مجال لملاحظة الغلبة في تمام الموجودات بأنواعها،لعدم الضابط فيها لمقدار الاستمرار،كي يصح جعله مقياسا في المقام.

(3)يعني:أن المعيار في الغلبة في معرفة حكم الشارع ليس على ملاحظة

ص: 133

الحكم الشرعي فنأخذ الظن الذي ادعيناه من ملاحظة أغلب الأحكام الشرعية،لأنه الأنسب به و الأقرب إليه،و إن أمكن ذلك بملاحظة أحكام سائر الموالي و عزائم سائر العباد.

ثم إن الظن الحاصل من الغلبة في الأحكام الشرعية،محصله:أنا نرى أغلب الأحكام الشرعية مستمرة بسبب دليله الأول،بمعنى أنها ليست أحكاما آنية مختصة بآن الصدور،بل يفهم من حاله من جهة أمر خارجي (1) عن الدليل أنه يريد استمرار ذلك الحكم الأول من دون دلالة الحكم الأول على الاستمرار (2) ،فإذا رأينا منه في مواضع عديدة أنه اكتفى-حين إبداء الحكم-بالأمر المطلق القابل للاستمرار و عدمه، ثم علمنا (3) أن مراده من الأمر الأول الاستمرار،نحكم (4) فيما لم يظهر مراده،بالاستمرار (5) ،إلحاقا بالأغلب،فقد حصل الظن بالدليل (6) أحكام سائر الموالي للعبيد،بل على ملاحظة خصوص الأحكام الشرعية الاخرى، لأنها الأنسب به و الأقرب إليه،و مع ذلك لا وجه لملاحظة الأبعد و إن كان ممكنا.

(1)مثل ما دلّ على أن حلال محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حلال إلى يوم القيامة و حرامه حرام إلى يوم القيامة.

(2)إذ لو فرض استفادة الاستمرار من دليل نفس الحكم لم يكن وجه لقياس الحكم الذي لم يدل دليله على الاستمرار عليه،لعدم الجامع بينهما.

(3)يعني:من الدليل الخارجي.

(4)جواب للشرط في قوله:«فإذا رأينا منه...».

(5)متعلق بقوله:«نحكم».

(6)الظاهر أن الباء سببية،و الباء في قوله:«بالاستمرار»للتعدية و كلاهما

ص: 134

و هو قول الشارع-بالاستمرار.و كذلك الكلام في موضوعات الأحكام من الامور الخارجية،فإن غلبة البقاء يورث الظن القوي ببقاء ما هو مجهول الحال،انتهى.

و يظهر (1) وجه ضعف هذا التوجيه أيضا مما أشرنا إليه.

توضيحه:أن الشك في الحكم الشرعي،قد يكون من جهة الشك في مقدار استعداده،و قد يكون من جهة الشك في تحقق الرافع.

أما الأول،فليس فيه نوع و لا صنف مضبوط من حيث مقدار الاستعداد،مثلا:إذا شككنا في مدخلية التغير في النجاسة حدوثا و ارتفاعا و عدمها،فهل ينفع في حصول الظن بعدم المدخلية تتبع الأحكام الشرعية الأخر،مثل:أحكام الطهارات و النجاسات،فضلا عن أحكام المعاملات و السياسات،فضلا عن أحكام الموالي إلى العبيد؟و بالجملة:فكل حكم شرعي أو غيره تابع لخصوص ما في نفس الحاكم من الأغراض و المصالح، متعلق (2) بما هو موضوع له و له دخل في تحققه،و لا دخل لغيره من الحكم المغاير له،و لو اتفق موافقته له كان بمجرد الاتفاق من دون ربط.

و من هنا لو شك واحد من العبيد في مدخلية شيء في حكم مولاه متعلق بالظن،و المعنى فقد حصل الظن بالاستمرار بسبب الدليل و هو قول الشارع.

و مراده بالدليل هو الدليل الخارجي الذي تقدم في كلامه.

(1)في بعض النسخ:«فيظهر»فيكون جوابا للشرط المتقدم في قوله:«و إن أريد ما وجه به كلام السيد...»و هو المتعين،و إلا بقي الشرط بلا جواب.

(2)خبر ثان لقوله:«فكل حكم شرعي...».

ص: 135

حدوثا و ارتفاعا،فتتبع-لأجل الظن بعدم المدخلية و بقاء الحكم بعد ارتفاع ذلك الشيء-أحكام سائر الموالي،بل أحكام هذا المولى المغايرة للحكم المشكوك موضوعا و محمولا،عد (1) من أسفه السفهاء.

و أما الثاني-و هو الشك في الرافع-فإن كان الشك في رافعية الشيء للحكم،فهو أيضا لا دخل له بسائر الأحكام،أ لا ترى أن الشك في رافعية المذي للطهارة لا ينفع فيه تتبع موارد الشك في الرافعية،مثل:ارتفاع النجاسة بالغسل مرة،أو نجاسة الماء بالإتمام كرا،أو ارتفاع طهارة الثوب و البدن بعصير العنب أو الزبيب أو التمر.

و أما الشك في وجود الرافع و عدمه،فالكلام فيه هو الكلام في الامور الخارجية.

و محصله:أنه إن اريد أنه يحصل الظن بالبقاء إذا فرض له صنف أو نوع يكون الغالب في أفراده البقاء،فلا ننكره،و لذا يظن عدم النسخ عند الشك فيه (2) .لكنه يحتاج إلى ملاحظة الصنف أو النوع حتى لا يحصل التغاير،فإن المتطهر في الصبح إذا شك في وقت الضحى في بقاء طهارته و أراد إثبات ذلك بالغلبة،فلا ينفعه تتبع الموجودات الخارجية، (1)جواب(لو)في قوله:«و من هنا لو شك واحد...فتتبع...».

(2)كأنه لندرة النسخ.لكنه لو سلم في أحكامنا لا ينفع في أحكام الشرائع السابقة،مع أنه سبق منه و يأتي جريان أصالة عدم النسخ فيها،و من الظاهر أن الملاك في الشريعتين واحد و ليس هو الظن بالعدم،بل أمر آخر من أصل تعبدي أو غيره، على ما يذكر في محله.

ص: 136

مثل:بياض ثوبه و طهارته و حياة زيد و قعوده و عدم ولادة الحمل الفلاني، و نحو ذلك.نعم،لو لوحظ صنف هذا المتطهر في وقت الصبح المتحد أو المتقارب فيما له مدخل في بقاء الطهارة،و وجد الأغلب متطهرا في هذا الزمان،حصل الظن ببقاء طهارته.

و بالجملة:فما ذكره من ملاحظة أغلب الصنف فحصول الظن به حق،إلا أن البناء على هذا في الاستصحاب يسقطه عن الاعتبار في أكثر موارده.

و إن بني على ملاحظة الأنواع البعيدة أو الجنس البعيد أو الأبعد -و هو الممكن القار-كما هو ظاهر كلام السيد المتقدم،ففيه:ما تقدم من القطع بعدم جامع بين مورد الشك و موارد الاستقراء،يصلح لاستناد البقاء إليه،و في مثله لا يحصل الظن بالإلحاق،لأنه لا بد في الظن بلحوق المشكوك بالأغلب من الظن أو لا بثبوت الحكم أو الوصف للجامع، ليحصل الظن بثبوته في الفرد المشكوك.

و مما يشهد بعدم حصول الظن بالبقاء اعتبار الاستصحاب في موردين يعلم بمخالفة أحدهما للواقع،فإن المتطهر بمائع شك في كونه بولا أو ماء،يحكم باستصحاب طهارة بدنه و بقاء حدثه،مع أن الظن بهما محال.و كذا الحوض الواحد (1) إذا صب فيه الماء تدريجا فبلغ إلى موضع شك في بلوغ مائه كرا،فإنه يحكم حينئذ ببقاء قلته،فإذا امتلأ و اخذ منه (1)هذا مبني على جريان أصالة عدم الكرية و استصحاب الكرية،و قد أشرنا فيما سبق إلى عدمه،لعدم وحدة الموضوع.

ص: 137

الماء تدريجا إلى ذلك الموضع،فيشك حينئذ في نقصه عن الكر،فيحكم ببقاء كريته،مع أن الظن بالقلة في الأول و بالكرية في الثاني محال.

ثم إن إثبات حجية الظن المذكور-على تقدير تسليمه-دونه خرط القتاد،خصوصا في الشبهة الخارجية التي لا تعتبر فيها الغلبة اتفاقا (1) ، فإن اعتبار استصحاب طهارة الماء من جهة الظن الحاصل من الغلبة، و عدم اعتبار الظن بنجاسته من غلبة اخرى-كطين الطريق مثلا-مما لا يجتمعان (2) .و كذا اعتبار قول المنكر من باب الاستصحاب مع الظن بصدق المدعي لأجل الغلبة.

الوجه الرابع
اشارة

و منها (3) :بناء العقلاء على ذلك في جميع أمورهم،كما ادعاه العلامة رحمه اللّه في النهاية و أكثر من تأخر عنه.

و زاد بعضهم:أنه لو لا ذلك لاختل نظام العالم و أساس عيش بني آدم.

(1)قال بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه:«و لا يخفى عليك أن دعوى انعقاد الاجماع من الكل على عدم اعتبار الغلبة في الموضوعات في غاية الإشكال».

أقول:من البعيد جدا التزام أحد بالتقييد بالغلبة لا في الموضوعات و لا في الأحكام،فإنه يوجب الاضطراب الكثير،لعدم تيسر الاطلاع على الغلبة و لا تحديدها.فلاحظ.

(2)لا يبعد أن يكون المراد انه لو كان الملاك في حجية الاستصحاب هو الغلبة فلا وجه للتفريق في حجية الغلبة بين ما إذا كانت على طبق الحالة السابقة و ما إذا كانت على خلافها،فتعتبر الأولى و يبني عليها الاستصحاب دون الثانية.فراجع ما ذكره بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه.

(3)يعني:من أدلة حجية الاستصحاب مطلقا.

ص: 138

و زاد آخر:أن العمل على الحالة السابقة أمر مركوز في النفوس حتى الحيوانات،أ لا ترى أن الحيوانات تطلب عند الحاجة المواضع التي عهدت فيها الماء و الكلأ،و الطيور تعود من الأماكن البعيدة إلى أوكارها،و لو لا البناء على(إبقاء (1) ما كان على ما كان)لم يكن وجه لذلك.

المناقشة في الوجه الرابع

و الجواب:أن بناء العقلاء إنما يسلم في موضع يحصل لهم الظن بالبقاء لأجل الغلبة،فإنهم في امورهم عاملون بالغلبة،سواء وافقت الحالة السابقة أو خالفتها،أ لا ترى أنهم لا يكاتبون من عهدوه في حال لا يغلب فيه السلامة،فضلا عن المهالك-إلا على سبيل الاحتياط (2) لاحتمال الحياة-و لا يرسلون إليه البضائع للتجارة،و لا يجعلونه وصيا في الأموال أو قيما على الأطفال،و لا يقلدونه في هذا الحال إذا كان من أهل الاستدلال (3) ،و تراهم لو شكوا في نسخ الحكم الشرعي يبنون على عدمه (4) ،و لو شكوا في رافعية المذي شرعا للطهارة فلا يبنون على عدمها.

و بالجملة:فالذي أظن أنهم غير بانين في الشك في الحكم الشرعي من غير جهة النسخ على الاستصحاب.

(1)يعني:إبقاؤه عملا.و لعل الصحيح:بقاء ما كان،و يراد من البناء البناء العملي.

(2)يعني:الذي هو أجنبي عن الاستصحاب.

(3)هذا من الآثار الشرعية،لا العرفية،فلا وجه لنقله في مقام تحقيق بناء العقلاء.

(4)عرفت أنه ليس ناشئا من الغلبة.

ص: 139

نعم،الإنصاف:أنهم لو شكوا في بقاء حكم شرعي فليس عندهم كالشك في حدوثه في البناء على العدم (1) ،و لعل هذا من جهة عدم وجدان الدليل بعد الفحص،فإنها أمارة على العدم،لما علم من بناء الشارع على التبليغ،فظن عدم الورود يستلزم الظن بعدم الوجود (2) .و الكلام في اعتبار هذا الظن بمجرده-من غير ضم حكم العقل بقبح التعبد بما لا يعلم-في باب (3) أصل البراءة.

قال في العدة-بعد ما اختار عدم اعتبار الاستصحاب في مثل المتيمم الداخل في الصلاة (4) -:

و الذي يمكن أن ينتصر به طريقة استصحاب الحال ما أومأنا إليه من أن يقال:لو كانت الحالة الثانية مغيرة للحكم الأول لكان عليه دليل، و إذا تتبعنا جميع الأدلة فلم نجد فيها ما يدل على أن الحالة الثانية مخالفة للحالة الأولى،دلّ على أن حكم الحالة الأولى باق على ما كان.

فإن قيل:هذا رجوع إلى الاستدلال بطريق آخر (5) ،و ذلك خارج (1)بل لا إشكال في اختلافهما عندهم،بنحو يكون الاحتياط في الشك في البقاء أولى من الاحتياط في الشك في الحدوث.و إن لم يبلغ مرتبة الحجية.

و لعل هذا المعنى هو الموجب لكون التعليل في الروايات ارتكازيا لا تعبديا صرفا.فلاحظ.

(2)الانصاف أن ذلك لا يطرد.

(3)خبر لقوله:«و الكلام في اعتبار...».

(4)يعني:إذا وجد الماء في الأثناء.

(5)و هو قاعدة عدم الدليل دليل العدم.

ص: 140

عن استصحاب الحال.

قيل:إن الذي تريد باستصحاب الحال هذا الذي ذكرناه،و أما غير ذلك فلا يكاد يحصل غرض القائل به،انتهى.

ثم إن جريان القاعدة المذكورة موقوف على العلم بكون الدليل مما من شأنه أن يظهر لو وجد،و ذلك لا يطرد.

ص: 141

حجة القول الثاني

احتج النافون بوجوه:
الوجه الأول:دعوى أن الاستصحاب إثبات للحكم من غير دليل
اشارة

منها:ما عن الذريعة و في الغنية،من أن المتعلق بالاستصحاب يثبت الحكم عند التحقيق من غير دليل.

توضيح ذلك:أنهم يقولون:قد ثبت بالإجماع على من شرع في الصلاة بالتيمم وجوب المضي فيها قبل مشاهدة الماء،فيجب أن يكون على هذا الحال بعد المشاهدة.و هذا منهم جمع بين الحالتين في حكم من غير دليل اقتضى الجمع بينهما،لأن اختلاف الحالتين لا شبهة فيه،لأن المصلي غير واجد للماء في إحداهما و واجد له في الأخرى،فلا يجوز التسوية بينهما من غير دلالة،فإذا كان الدليل لا يتناول إلا الحالة الأولى،و كانت الحالة الأخرى عارية منه،لم يجز أن يثبت فيها مثل الحكم،انتهى.

المناقشة في ذلك

أقول:إن كان محل الكلام فيما كان الشك لتخلف وصف وجودي أو عدمي متحقق سابقا يشك في مدخليته في أصل الحكم أو بقائه (1) ، (1)عطف على قوله:«أصل الحكم».و قد أشار بذلك إلى صورة الشك في المقتضي،لاحتمال كون الحالة المتبدلة دخيلة فيه.و قد ذكر لها وجهين:

الأول:أن يحتمل دخل الحالة المتبدلة في أصل وجود الحكم.

ص: 142

فالاستدلال المذكور متين جدا،لأن الفرض عدم دلالة دليل الحكم الأول،و فقد دليل عام يدل على انسحاب كل حكم ثبت في الحالة الأولى في الحالة الثانية،لأن عمدة ما ذكروه من الدليل هي الأخبار المذكورة، و قد عرفت اختصاصها بمورد يتحقق معنى النقض،و هو الشك من جهة الرافع (1) .

نعم قد يتخيل:كون مثال التيمم من قبيل الشك من جهة الرافع، لأن الشك في انتقاض التيمم بوجدان الماء في الصلاة كانتقاضه بوجدانه قبلها،سواء قلنا بأن التيمم رافع للحدث،أم قلنا:إنه مبيح،لأن الإباحة أيضا مستمرة إلى أن ينتقض بالحدث أو يوجد الماء.

و لكنه فاسد:من حيث إن وجدان الماء ليس من الروافع و النواقض، بل الفقدان الذي هو وصف المكلف لما كان مأخوذا في صحة التيمم حدوثا و بقاء في الجملة،كان الوجدان رافعا لوصف الموضوع الذي هو المكلف، فهو نظير التغير الذي يشك في زوال النجاسة بزواله،فوجدان الماء ليس كالحدث و إن قرن به في قوله عليه السّلام-حين سئل عن جواز الصلوات المتعددة بتيمم واحد-:«نعم،ما لم يحدث أو يجد ماء»،لأن المراد (2) من ذلك الثاني:ان يعلم بعدم دخلها في أصل وجود الحكم،و انما يحتمل دخلها في بقائه،بحيث لو فرض عدمها لحدث الحكم إلا أنه لا يكون له اقتضاء في البقاء.

(1)عرفت الكلام في ذلك و ان التحقيق عموم مفاد الأخبار للشك في المقتضي.

(2)تعليل لقوله:«فوجدان الماء ليس كالحدث».

ص: 143

تحديد الحكم بزوال المقتضي أو طرو الرافع.

و كيف كان،فإن كان محل الكلام في الاستصحاب ما كان من قبيل هذا المثال فالحق مع المنكرين،لما ذكره.

و إن شمل ما كان من قبيل تمثيلهم الآخر-و هو الشك في ناقضية الخارج من غير السبيلين-قلنا:إن إثبات الحكم بعد خروج الخارج ليس من غير دليل،بل الدليل ما ذكرنا من الوجوه الثلاثة (1) ،مضافا إلى إمكان التمسك بما ذكرنا في توجيه كلام المحقق رحمه اللّه في المعارج (2) ،لكن عرفت ما فيه من التأمل.

ثم إنه أجاب في المعارج عن الدليل المذكور:بأن قوله:«عمل بغير دليل»غير مستقيم،لأن الدليل دل على أن الثابت لا يرتفع إلا برافع، فإذا كان التقدير عدمه كان بقاء الثابت راجحا في نظر المجتهد،و العمل بالراجح لازم،انتهى.

و كأن مراده بتقدير عدم الرافع عدم العلم به،و قد عرفت ما في دعوى حصول الظن بالبقاء بمجرد ذلك،إلا أن يرجع إلى عدم الدليل بعد الفحص الموجب للظن بالعدم (3) .

(1)التي تقدم الاحتجاج بها لمختاره،و هي الاجماع،و الاستقراء،و الأخبار، و عمدتها الأخبار،و قد عرفت منا عمومها للشك في المقتضي.نعم لا بد من بقاء الموضوع،و دليل ذلك و ضابطه يأتي في الخاتمة.

(2)من امكان دعوى كون البقاء مقتضي عموم دليل الحكم،فراجع ما سبق في الوجه الأول من حجة المثبتين للاستصحاب مطلقا.

(3)كما عرفت الإشكال في دليل حجيته لو فرض حصوله.

ص: 144

الوجه الثاني:لزوم القطع بالبقاء بناء على حجية الاستصحاب

و منها:أنه لو كان الاستصحاب حجة لوجب فيمن علم زيدا في الدار و لم يعلم بخروجه منها أن يقطع ببقائه فيها (1) ،و كذا كان يلزم إذا علم بأنه حي ثم انقضت مدة لم يعلم فيها بموته أن يقطع ببقائه،و هو باطل.

و قال في محكي الذريعة:قد ثبت في العقول أن من شاهد زيدا في الدار ثم غاب عنه لم يحسن اعتقاد استمرار كونه في الدار إلا بدليل متجدد،و لا يجوز استصحاب الحالة الأولى و قد صار كونه في الدار في الزمان الثاني و قد زالت الرؤية،بمنزل كون عمرو فيها مع فقد الرؤية (2) و أجاب في المعارج عن ذلك:بأنا لا ندعي القطع،لكن ندعي رجحان الاعتقاد ببقائه،و هذا يكفي في العمل به.

(1)يعني:فيرجع إلى قاعدة عدم الدليل دليل العدم.لكن الظن فضلا عن العلم غير مطرد الحصول من ذلك.مع أنه لا دليل على حجية الظن.

(2)قال بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه:«ذكر الاستاذ العلامة في مجلس البحث أن المقصود من هذا الكلام ليس هو القطع ببقاء المستصحب واقعا-حسبما هو قضية ظاهره الأولى-حتى يرد عليه أن أحدا لم يتوهم أن الاستصحاب يفيد القطع و معتبر من جهته،بل المقصود هو البناء عليه من العقلاء و الحكم به على سبيل القطع،بمعنى كون بنائهم على سلوكه غير مبني على التردد.

هذا و لكن الذي يختلج ببالي القاصر كون المراد منه هو الذي يتبادر منه...» و ما ذكره قدّس سرّه هو الظاهر من كلام الذريعة،و المعارج،و هو المناسب للاستدلال،إذ لو أريد بالبناء على البقاء هو البناء العملي لا الاعتقاد القطعي،لكان عين الدعوى و لم يحسن إنكاره في مقام الاحتجاج.فلاحظ.

ص: 145

أقول:قد عرفت مما سبق منع حصول الظن كلية،و منع حجيته.

الوجه الثالث:لزوم التناقض بناء على الحجية

و منها:أنه لو كان حجة لزم التناقض،إذ كما يقال:كان للمصلي قبل وجدان الماء المضي في صلواته فكذا بعد الوجدان،كذلك يقال:إن وجدان الماء قبل الدخول في الصلاة كان ناقضا للتيمم فكذا بعد الدخول،أو يقال:الاشتغال بصلاة متيقنة ثابت قبل فعل هذه الصلاة فيستصحب.

قال في المعتبر:استصحاب الحال ليس حجة،لأن شرعية الصلاة بشرط عدم الماء لا يستلزم الشرعية معه،ثم إن مثل هذا لا يسلم عن المعارض،لأنك تقول:الذمة مشغولة بالصلاة قبل الإتمام فكذا بعده، انتهى.

و أجاب عن ذلك في المعارج:بمنع وجود المعارض في كل مقام، و وجود المعارض في الأدلة المظنونة لا يوجب سقوطها حيث يسلم عن المعارض.

أقول:لو بني على معارضة الاستصحاب بمثل استصحاب الاشتغال لا يسلم الاستصحاب في أغلب الموارد عن المعارض،إذ قلما ينفك مستصحب عن أثر حادث يراد ترتبه على بقائه،فيقال:الأصل عدم ذلك الأثر.

و الأولى في الجواب:أنا إذا قلنا باعتبار الاستصحاب لإفادته الظن بالبقاء،فإذا ثبت ظن البقاء في شيء لزمه عقلا ظن ارتفاع كل أمر فرض كون بقاء المستصحب رافعا له أو جزء أخيرا له (1) ،فلا يعقل الظن (1)يعني:للرافع،بأن يكون الرافع مركبا من عدة أمور أحدها المستصحب.

ص: 146

ببقائه (1) ،فإن ظن بقاء طهارة ماء غسل به ثوب نجس أو توضأ به محدث،مستلزم عقلا للظن بطهارة ثوبه و بدنه و براءة ذمته بالصلاة بعد تلك الطهارة.و كذا الظن بوجوب المضي في الصلاة يستلزم الظن بارتفاع اشتغال الذمة بمجرد إتمام تلك الصلاة.

و توهم إمكان العكس (2) ،مدفوع بما سيجيء توضيحه من عدم إمكانه (3) .

و كذا إذا قلنا باعتباره من باب التعبد بالنسبة إلى الآثار الشرعية المترتبة على وجود المستصحب أو عدمه،لما ستعرف:من عدم إمكان شمول الروايات إلا للشك السببي،و منه يظهر حال ذلك معارضة استصحاب وجوب المضي باستصحاب انتقاض التيمم بوجدان الماء (4) .

الوجه الرابع:استلزام القول بالحجية ترجيح بينة النافي

و منها:أنه لو كان الاستصحاب حجة لكان بينة النفي أولى و أرجح من بينة الإثبات،لاعتضادها باستصحاب النفي.

و الجواب عنه:

(1)يعني:من جهة استصحابه،كي يدعي معارضة الاستصحاب المذكور للاستصحاب الجاري في الرافع.

(2)بأن يدعي أن الاستصحاب الجاري في المرفوع لما كان موجبا للظن به لزمه الظن بعدم الرافع،فلا يجري استصحاب وجود الرافع.

(3)يأتي بعض الكلام في ذلك في تعارض الاستصحابين من الخاتمة.

(4)فإن استصحاب انتفاض التيمم بوجد ان الماء من الاستصحاب التعليقي،و هو-عند المصنف قدّس سرّه-حاكم على الاستصحاب التنجيزي الذي هو في المقام استصحاب وجوب المضي في الصلاة.و تمام الكلام في محله.

ص: 147

أولا:باشتراك هذا الإيراد،بناء على ما صرح به جماعة:من كون استصحاب النفي المسمى ب:«البراءة الأصلية»معتبرا إجماعا (1) .

اللهم إلا أن يقال:إن اعتبارها ليس لأجل الظن (2) ،أو يقال:إن الإجماع إنما هو على البراءة الأصلية في الأحكام الكلية-فلو كان أحد الدليلين معتضدا بالاستصحاب (3) اخذ به-لا في باب الشك في اشتغال ذمة الناس،فإنه من محل الخلاف في باب الاستصحاب (4) .

و ثانيا:بما ذكره جماعة،من أن تقديم بينة الإثبات لقوتها (5) على بينة النفي و إن اعتضد بالاستصحاب،إذ رب دليل أقوى من دليلين.

نعم،لو تكافى دليلان رجح موافق الأصل به،لكن بينة النفي لا تكافئ (1)إذ استصحاب البراءة يكون مرجحا لبينة النفي.

نعم تقدم منه قدّس سرّه في التقسيم الأول من تقسيمات الاستصحاب الإشكال في دعوى الاجماع المذكور.فراجع.

(2)يعني:فلا يصلح للترجيح بين الأدلة الظنية كالبينة.لكن هذا يمكن أن يدعى في الاستصحاب أيضا فيندفع الإشكال فيه بذلك.فلاحظ.

(3)يعني:استصحاب البراءة الذي فرض كونه اجماعيا.

(4)يعني:فلا مجال للنقض به،بل يتوجه الإشكال على القائل به لا غير.

(5)كأن وجه القوة سهولة الاطلاع على تحقق سبب الإثبات من طريق الحس،بخلاف النفي،فإن الاطلاع عليه موقوف على الإحاطة بجميع أسباب الإثبات و نفيها،و ذلك كالمتعذر،فلا بد أن تستند الشهادة بالنفي إلى الحدس أو الأصل و كلاهما أضعف من بينة الإثبات.لكن لا يخفى أن هذا غالبي لا دائمي.

ص: 148

بينة الإثبات،إلا أن يرجع أيضا إلى نوع من الإثبات (1) ،فيتكافئان.

و حينئذ فالوجه تقديم بينة النفي لو كان الترجيح في البينات -كالترجيح في الأدلة (2) -منوطا بقوة الظن مطلقا،أو في غير الموارد المنصوصة (3) على الخلاف،كتقديم بينة الخارج (4) .

و ربما تمسكوا بوجوه أخر،يظهر حالها بملاحظة ما ذكرنا في ما ذكرنا من أدلتهم.

هذا ملخص الكلام في أدلة المثبتين و النافين مطلقا.

(1)كما لو شهدت بينة النفي بوقوع العقد غير المضمن كالهبة،لا بمحض عدم وقوع العقد المضمن كالبيع.

(2)الظاهر أن الترجيح في الأدلة لا يناط بقوة الظن مطلقا،بل الأصل التساقط إلا في الخبرين،و الترجيح فيها بالمرجحات المنصوصة،كما أشرنا إليه في دليل الانسداد،و تمام الكلام في مبحث التعارض.

(3)يعني:و اما فيها فالمتبع النص و إن لم يظن يستتبع قوة الظن.

(4)يعني:المدعي.و إنما تقدم بينته لو لم ترجع بينة النفي إلى الاثبات.

و لعل مراده أنه حيث فرض أن المناط في ترجيح البينات هو قوة الظن تعين تقديم بينة النفي لو رجعت إلى نوع من الاثبات لاعتضادها بالاستصحاب،و إلا تعين تقديم بينة الاثبات-و هي بينة الخارج-لكونها أقوى ذاتا.

ثم إن هذا الوجه مبني-بالإضافة إلى ما ذكره المصنف قدّس سرّه-على أن الاستصحاب يفيد الظن،-كما هو ظاهر المثبتين و النافين-و على أن عموم دليل حجية البينة ينهض باثبات حجية النفي في نفسها،إذ تصلح حينئذ لمعارضة بينة الإثبات،فينظر في الترجيح بينهما،أما لو قيل بعدم حجيتها لان البينة من وظيفة المدعي لا المنكر،فلا مجال لهذا الوجه،كما لا يخفى.

ص: 149

حجة القول الثالث

القول بالتفصيل بين العدمي و الوجودي

بقي الكلام في حجج المفصلين.

فنقول:أما التفصيل بين الوجودي و العدمي بعدم الاعتبار في الأول و الاعتبار في الثاني،فهو الذي ربما يستظهر من كلام التفتازاني، حيث استظهر من عبارة العضدي في نقل الخلاف:أن خلاف منكري الاستصحاب إنما هو في الإثبات دون النفي.

و ما استظهره التفتازاني لا يخلو ظهوره عن تأمل (1) .

مع أن هنا إشكالا آخر-قد أشرنا إليه في تقسيم الاستصحاب في تحرير محل الخلاف-و هو:أن القول باعتبار الاستصحاب في العدميات يغني عن التكلم في اعتباره في الوجوديات،إذ ما من مستصحب وجودي إلا و في مورده استصحاب عدمي يلزم من الظن ببقاء المستصحب الوجودي، و أقل ما يكون عدم ضده،فإن الطهارة لا تنفك عن عدم النجاسة،و الحياة لا تنفك عن عدم الموت،و الوجوب أو غيره من الأحكام لا ينفك عن عدم ما عداه من أضداده،و الظن ببقاء هذه الأعدام لا ينفك عن الظن (1)سبق من المصنف قدّس سرّه الكلام في ذلك أول تقسيمات الاستصحاب.

ص: 150

ببقاء تلك الوجودات (1) ،فلا بد من القول باعتباره (2) ،خصوصا بناء على ما هو الظاهر المصرح به في كلام العضدي و غيره،من:«أن إنكار الاستصحاب لعدم إفادته الظن بالبقاء» (3) ،و إن كان ظاهر بعض النافين-كالسيد قدّس سرّه و غيره-استنادهم إلى عدم إفادته للعلم (4) ،بناء على أن عدم اعتبار الظن عندهم مفروغ عنه في أخبار الآحاد،فضلا عن الظن الاستصحابي.

عدم استقامة هذا القول بناء على اعتبار الاستصحاب من باب الظن

و بالجملة:فإنكار الاستصحاب في الوجوديات و الاعتراف به في العدميات لا يستقيم بناء على اعتبار الاستصحاب من باب الظن (5) .

(1)لتلازمهما في مقام الثبوت الموجب لتلازمهما في مقام الاثبات-بعد وضوح الملازمة-ظنا أو علما أو شكا.و حينئذ فإذا فرض كون استصحاب العدمي موجبا للظن به كان موجبا للظن بالأمر الوجودي اللازم له.

(2)يعني:باعتبار الظن ببقاء الأمر الوجودي.

(3)إذ لا يمكن دعوى الظن ببقاء العدم مع عدم الظن بالأمر الوجودي اللازم له.

(4)فإنه حينئذ قد يدعى أن الاجماع على حجية الاستصحاب العدمي هو الحاكم بحجيته،و إن لم يكن الاستصحاب موجبا للعلم،فيقتصر على مورده و لا يتعدى منه إلى الاستصحاب الوجودي،بل يرجع فيه إلى أصالة عدم الحجية.

و بعبارة أخرى:لا يعقل التفكيك بين المتلازمين في حصول الظن بل لو فرض حصول الظن باحدهما لزمه الظن بالآخر،و إن كان يمكن التفكيك بين الظنين في الحجية.فتأمل جيدا.

(5)لما اشتهر من حجية الامارة في لوازم مؤداها،بخلاف الأصول.

ص: 151

نعم،لو قلنا باعتباره من باب التعبد-من جهة الأخبار-صح أن يقال:

إن ثبوت العدم بالاستصحاب لا يوجب ثبوت ما قارنه من الوجودات، فاستصحاب عدم أضداد الوجوب لا يثبت الوجوب في الزمان اللاحق، كما أن عدم ما عدا زيد من أفراد الإنسان في الدار لا يثبت باستصحابه ثبوت زيد فيها (1) ،كما سيجيء تفصيله (2) إن شاء اللّه تعالى.

لكن المتكلم في الاستصحاب من باب التعبد و الأخبار-بين العلماء- في غاية القلة إلى زمان متأخري المتأخرين،مع أن بعض هؤلاء وجدناهم لا يفرقون في مقارنات المستصحب بين أفرادها،و يثبتون بالاستصحاب جميع ما لا ينفك عن المستصحب (3) ،على خلاف التحقيق الآتي في التنبيهات الآتية إن شاء اللّه تعالى.

و دعوى:أن اعتبار الاستصحابات العدمية لعله ليس لأجل الظن حتى يسري إلى الوجوديات المقارنة معها،بل لبناء العقلاء عليها في امورهم بمقتضى جبلتهم (4) .

مدفوعة:بأن عمل العقلاء في معاشهم على ما لا يفيد الظن (1)يعني:لو فرض العلم بوجود أحد أفراد الإنسان في الدار.

(2)في التنبيه السادس،حيث يأتي هناك عدم حجية الأصل المثبت.

(3)يعني:و لو كان لازما خارجيا لا شرعيا.و عليه فلا أثر للتفصيل بين الوجودي و العدمي.

(4)و حينئذ فيكون الاستصحاب من الأصول العقلائية لا الامارات، فيمكن دعوى عدم حجيته في لازم مجراه.

ص: 152

بمقاصدهم و المضي في امورهم-بمحض الشك و التردد-في غاية البعد، بل خلاف ما نجده من أنفسنا معاشر العقلاء (1) .

و أضعف من ذلك أن يدعى (2) :أن المعتبر عند العقلاء من الظن الاستصحابي هو الحاصل بالشيء من تحققه السابق،لا الظن الساري من هذا الظن إلى شيء آخر،و حينئذ فنقول:العدم المحقق سابقا يظن بتحققه لاحقا-ما لم يعلم أو يظن تبدله بالوجود-بخلاف الوجود المحقق سابقا فإنه لا يحصل الظن ببقائه لمجرد تحققه السابق،و الظن الحاصل ببقائه من الظن الاستصحابي المتعلق بالعدمي المقارن له غير معتبر،إما مطلقا،أو إذا لم يكن ذلك الوجودي من آثار العدمي المترتبة عليه من جهة الاستصحاب.

(1)كما سبق منه في رد حجة المثبتين.

لكن دفع الدعوى المذكورة بهذا الوجه لا ينافي احتمال كونها منشأ لحكمهم بحجية الاستصحاب،و حينئذ فيصح منهم التفصيل المذكور.فلاحظ.

(2)حاصل الدعوى:أن الاستصحاب،و إن كان من الامارات التي تبتني حجيتها على إفادتها للظن،إلا أنها إنما تكون حجة في خصوص مؤداها،و لا تكون حجة في لازم مؤداها و إن كان مظنونا به تبعا للظن بالملزوم،إذ لا ملزم بدعوى كون الامارات حجة في لوازم مؤداها مطلقا،بل تختلف الامارات في ذلك.

هذا و لم يتضح وجه ما ذكره المصنف قدّس سرّه من ضعف الدعوى المذكورة، فإن حجية الامارة في لازم مؤداها محتاج إلى عموم دليل حجيتها له،و لا مانع من دعوى اختصاص دليل الحجية في الاستصحاب-من بناء العقلاء أو غيره-بنفس المؤدى،و قد أطلنا الكلام في توضيح المطلب المذكور في حاشية الكفاية في مبحث الأصل المثبت.فراجع.

ص: 153

ثم إن معنى عدم اعتبار الاستصحاب في الوجودي:

معنى عدم اعتبار الاستصحاب في الوجودي

إما عدم الحكم ببقاء المستصحب الوجودي و إن كان لترتب أمر عدمي عليه،كترتب عدم جواز تزويج المرأة المفقود زوجها المترتب على حياته.

و إما عدم ثبوت الأمر الوجودي لأجل الاستصحاب و إن كان المستصحب عدميا،فلا يترتب انتقال مال قريب الغائب إليه و إن كان مترتبا على استصحاب عدم موته (1) .و لعل هذا (2) هو المراد بما حكاه التفتازاني عن الحنفية:من أن الاستصحاب حجة في النفي دون الإثبات.

و بالجملة:فلم يظهر لي ما يدفع هذا الإشكال (3) عن القول بعدم اعتبار الاستصحاب في الإثبات و اعتباره في النفي من باب الظن.

نعم،قد أشرنا فيما مضى إلى أنه لو قيل باعتباره في النفي من باب التعبد،لم يغن ذلك عن التكلم في الاستصحاب الوجودي،بناء على ما سنحققه:من أنه لا يثبت بالاستصحاب إلا آثار المستصحب المترتبة عليه شرعا.

(1)يعني:عدم موت الغائب.

(2)يعني:الثاني.لكن المعنى الأول هو الذي سيأتي من المصنف قدّس سرّه إرجاعه إلى التفصيل المتقدم المختار له.

(3)و هو أنه لا أثر للتفصيل المذكور بعد فرض كون الاستصحاب من الامارات و كون الامارة حجة في لازم مؤداها.هذا و قد عرفت إمكان ابتنائه على منع أحد الأمرين.فلاحظ.

ص: 154

لكن يرد على هذا:أن هذا التفصيل مساو للتفصيل المختار المتقدم (1) ،و لا يفترقان فيغني أحدهما عن الآخر،إذ الشك في بقاء الأعدام السابقة من جهة الشك في تحقق الرافع لها-و هي علة الوجود (2) - و الشك في بقاء الأمر الوجودي من جهة الشك في الرافع،لا ينفك عن الشك في تحقق الرافع،فيستصحب عدمه،و يترتب عليه بقاء ذلك الأمر الوجودي (3) .

و تخيل:أن الأمر الوجودي قد لا يكون من الآثار الشرعية لعدم الرافع (4) ،فلا يغني العدمي عن الوجودي.

مدفوع:بأن الشك إذا فرض من جهة الرافع فيكون الأحكام (1)و هو التفصيل بين الشك في المقتضي و الشك في الرافع مع إحراز المقتضي.

(2)يعني:فجريان الاستصحاب في العدميات يتجه بناء على أن الاستصحاب يجري في الشك في الرافع،لأن العدم مما يحتاج ارتفاعه إلى رافع،و لا يرتفع بنفسه.

لكن أشرنا إلى الإشكال في ذلك عند الكلام في التفصيل الذي ذكره المصنف قدّس سرّه المدعى للمصنف قدّس سرّه هناك اعتبار إحراز المقتضي،و العدم لا مقتضي له،بل يكفي فيه عدم المقتضي للوجود،فالعدم و إن كان مما لا يرتفع إلا برافع،إلا أنه لا مقتضي له يقتضي بقاءه.فراجع و تأمل.

(3)يعني:أن الأمر الوجودي و إن لم يجر الاستصحاب فيه بنفسه بناء على هذا التفصيل،إلا أنه لو فرض انه مما لا يرتفع إلا برافع أمكن التمسك باستصحاب عدم الرافع-الذي هو عدمي-لإحراز بقاء الأمر الوجودي المذكور.

(4)بل من اللوازم الخارجية كبقاء الرطوبة الملازم لعدم الريح المجفف فلا مجال لإحراز بقاء الرطوبة باستصحاب عدم الريح،لانه من الأصل المثبت.

ص: 155

الشرعية المترتبة على ذلك الأمر الوجودي مستمرة إلى تحقق ذلك الرافع، فإذا حكم بعدمه عند الشك،يترتب عليه شرعا جميع تلك الأحكام (1) ، فيغني ذلك عن الاستصحاب الوجودي.

ما يمكن أن يحتج به لهذا القول

و حينئذ،فيمكن أن يحتج لهذا القول:

أما على عدم الحجية في الوجوديات،فبما تقدم في أدلة النافين.

و أما على الحجية في العدميات،فبما تقدم في أدلة المختار:من الإجماع، و الاستقراء،و الأخبار،بناء على أن بقاء الشيء المشكوك في بقائه من جهة الرافع إنما يحكم ببقائه لترتبه على استصحاب عدم وجود الرافع،لا لاستصحابه في نفسه،فإن الشاك في بقاء الطهارة من جهة الشك في وجود الرافع يحكم بعدم الرافع،فيحكم من أجله ببقاء الطهارة.

و حينئذ،فقوله عليه السّلام:«و إلا فإنه على يقين من وضوئه و لا ينقض اليقين بالشك»،و قوله:«لأنك كنت على يقين من طهارتك فشككت (1)لا يخفى أن ترتب الأحكام المذكورة موقوف على إحراز موضوعها و هو الأمر الوجودي المذكور،و حينئذ فإذا كان الأمر الوجودي من آثار عدم الرافع شرعا كالطهارة و عدم البول،كان استصحاب عدم الرافع محرزا للأمر الوجودي المذكور فتترتب أحكامه،اما إذا كان من لوازمه الخارجية-كالرطوبة و عدم الريح المجفف-فلا يصلح استصحاب عدم الرافع لإحرازه لانه من الأصل المثبت،فلا طريق إلى ترتيب أحكامه.

فالظاهر أن الإشكال المذكور في محله و ليس تخيلا كما عبّر عنه المصنف قدّس سرّه،بل هو عين ما سيعترف به المصنف قدّس سرّه في ذيل كلامه بقوله:«هذا و لكن يرد عليه انه قد يكون الأمر الوجودي...».

ص: 156

و ليس ينبغي لك أن تنقض اليقين»،و غيرهما مما دل على أن اليقين لا ينقض و لا يدفع بالشك،يراد منه أن احتمال طرو الرافع لا يعتنى به،و لا يترتب عليه أثر النقض،فيكون وجوده كالعدم،فالحكم ببقاء الطهارة السابقة من جهة استصحاب العدم،لا من جهة استصحابها (1) .

و الأصل في ذلك:أن الشك في بقاء الشيء إذا كان مسببا عن الشك في شيء آخر،فلا يجتمع معه في الدخول تحت عموم«لا تنقض»-سواء تعارض مقتضى اليقين السابق فيهما (2) أم تعاضدا (3) -بل الداخل هو الشك السببي،و معنى عدم الاعتناء به زوال الشك المسبب به،و سيجيء توضيح ذلك.

المناقشة في الاحتجاج المذكور

هذا،و لكن يرد عليه (4) :أنه قد يكون الأمر الوجودي أمرا (1)لكنه خلاف ظاهر النصوص السابقة.

و التحقيق أن الاستصحاب المسببي-الوجودي-يجري ذاتا لتحقق موضوعه و هو الشك و اليقين،نعم الاستصحاب السببي مقدم عليه و مغن عنه، فالنسبة بينهما نظير النسبة بين أحكام العناوين الأولية و أحكام العناوين الثانوية، لا أن الاستصحاب المسببي لا يجري ذاتا،كما هو مقتضي التفصيل بين الوجودي و العدمي.فلاحظ.

(2)كما في الشك في بقاء نجاسة الثوب المسبب،عن الشك في بقاء طهارة الماء المغسول به.

(3)كما في الشك في بقاء الطهارة المسبب عن الشك في النوم.

(4)يعني:على ما تقدم من رجوع التفصيل بين الوجودي و العدمي إلى التفصيل بين الشك في المقتضي و الشك في الرافع.و قد عرفت رجوع هذا الإيراد

ص: 157

خارجيا كالرطوبة يترتب عليها آثار شرعية،فإذا شك في وجود الرافع لها لم يجز أن يثبت به الرطوبة حتى يترتب عليه أحكامها،لما سيجيء:من أن المستصحب لا يترتب عليه إلا الآثار الشرعية المترتبة عليه بلا واسطة أمر عقلي أو عادي،فيتعين حينئذ استصحاب نفس الرطوبة (1) .

و أصالة عدم الرافع:إن اريد بها أصالة عدم ذات الرافع-كالريح المجفف للرطوبة مثلا-لم ينفع في الأحكام المترتبة شرعا على نفس الرطوبة، بناء على عدم اعتبار الأصل المثبت،كما سيجيء.

و إن اريد بها أصالة عدمه من حيث وصف الرافعية-و مرجعها إلى أصالة عدم ارتفاع الرطوبة (2) -فهي و إن لم يكن يترتب عليها إلا الأحكام إلى جعله المصنف قدّس سرّه تخيلا.

(1)يعني:و هو لا يجري بناء على التفصيل بين الوجودي و العدمي،و يجري بناء على التفصيل بين الشك في المقتضي و الشك في الرافع لو فرض إحراز مقتضي الرطوبة.

و به يظهر الفرق بين التفصيلين و عدم رجوع أحدهما إلى الآخر.

(2)رجوع استصحاب عدم الرافع من حيث كونه رافعا إلى استصحاب عدم ارتفاع المعلول لا يخلو من خفاء،كرجوعهما إلى استصحاب وجود المعلول كما هو مقتضى قوله:«لكنها عبارة اخرى عن استصحاب نفس الرطوبة»بل الظاهر أن المستصحبات المذكورة متلازمة.

فالأولى أن يقال:ان استصحاب عدم الرافع من حيث كونه رافعا من الأصل المثبت،إذ ليس لعنوان الرافع دخل في المرفوع،و إنما الدخيل فيه ذاته، و حينئذ فيتعين الرجوع إلى استصحاب عدم الرافع بذاته،و يجري فيه التفصيل السابق،من حيث كون ترتب المعلوم عليه شرعيا أو خارجيا.

ص: 158

الشرعية للرطوبة،لكنها عبارة اخرى عن استصحاب نفس الرطوبة.

فالإنصاف:افتراق القولين في هذا القسم (1) .

فافهم و انتظر لبقية الكلام.

(1)و كذا فيما لو شك في رافعية الموجود حتى لو كان الرافع شرعيا-كالحدث- فإن استصحاب عدم وجود الرافع قد لا يجري لكونه من استصحاب المفهوم المردد، و ينحصر الأمر بالاستصحاب الوجودي الجاري في المعلول.فلاحظ.

ص: 159

حجة القول الرابع

حجة القول بالتفصيل بين الأمور الخارجية و الحكم الشرعي مطلقا

حجة من أنكر الاستصحاب في الامور الخارجية ما ذكره المحقق الخوانساري في شرح الدروس،و حكاه في حاشية له عند كلام قول الشهيد:«و يحرم استعمال الماء النجس و المشتبه»-على ما حكاه شارح الوافية-و استظهره المحقق القمي قدّس سرّه من السبزواري،من:

أن الأخبار لا يظهر شمولها للأمور الخارجية-مثل رطوبة الثوب و نحوها-إذ يبعد أن يكون مرادهم (1) بيان الحكم في مثل هذه الأمور الذي ليس حكما شرعيا و إن كان يمكن أن يصير منشأ لحكم شرعي، و هذا ما يقال:إن الاستصحاب في الامور الخارجية لا عبرة به،انتهى.

و فيه:

المناقشة في الحجة المذكورة

أما أولا:فبالنقض بالأحكام الجزئية،مثل طهارة الثوب من حيث عدم ملاقاته للنجاسة،و نجاسته من حيث ملاقاته لها،فإن بيانها أيضا ليست من وظيفة الإمام(عليه السلام) (2) ،كما أنه ليس من وظيفة (1)يعني:الأئمة عليهم السّلام.و كأن وجه الاستبعاد أن الامور الخارجية أجنبية عن مقام التشريع،فلا يشملها كلام الشارع الاقدس،بل يختص بالامور الشرعية.

(2)النقض بذلك إنما يتم لو كان الوجه في دعوى عدم شمول النصوص

ص: 160

المجتهد،و لا يجوز التقليد فيها،و إنما وظيفته-من حيث كونه مبينا للشرع -بيان الأحكام الكلية المشتبهة على الرعية.

و أما ثانيا:فبالحل،توضيحه:أن بيان الحكم الجزئي في المشتبهات الخارجية ليس وظيفة للشارع و لا لأحد من قبله (1) .نعم،حكم المشتبه حكمه الجزئي-كمشكوك النجاسة أو الحرمة-حكم شرعي كلي ليس بيانه وظيفة إلا للشارع.و كذلك الموضوع الخارجي كرطوبة الثوب،فإن بيان ثبوتها و انتفائها في الواقع ليس وظيفة للشارع.نعم،حكم الموضوع المشتبه في الخارج-كالمائع المردد بين الخل و الخمر-حكم كلي ليس بيانه وظيفة إلا للشارع،و قد قال (2) الصادق عليه السّلام:«كل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام،و ذلك مثل الثوب يكون عليك...إلى آخره»،و قوله في خبر آخر:«سأخبرك عن الجبن و غيره» (3) .

للامور الخارجية هو كون تشخيص مواردها وظيفة المكلف لا الشارع الاقدس،إذ بناء على ذلك لا يفرق بين الامور الخارجية و الأحكام الجزئية.

اما بناء على ما ذكرنا في وجه قصور النصوص عن الامور الخارجية فلا مجال للنقض بالأحكام الجزئية،كما يظهر بالتأمل،لان الأحكام الجزئية مجعولة شرعا تبعا لجعل الأحكام الكلية و ليست كالامور الخارجية.فلاحظ.

(1)كالإمام عليه السّلام و المجتهد.

(2)لا يخفى أن الروايات المذكورة قد تضمنت جعل الحكم الجزئي و هو الحل في موارد الشك،لا جعل الموضوع،فالاستشهاد بها مبني على أن المقامين من باب واحد.

(3)الاستشهاد إنما هو بذيل الحديث،و هو قوله:(كل شيء فيه الحلال

ص: 161

و لعل التوهم نشأ من تخيل:أن ظاهر«لا تنقض»إبقاء نفس المتيقن السابق،و ليس إبقاء الرطوبة مما يقبل حكم الشارع بوجوبه.

و يدفعه-بعد النقض بالطهارة المتيقنة سابقا،فإن إبقاءها ليس من الأفعال الاختيارية القابلة للإيجاب (1) -:أن المراد من الإبقاء و عدم النقض،هو ترتيب الآثار الشرعية (2) المترتبة على المتيقن،فمعنى استصحاب الرطوبة ترتيب آثارها الشرعية في زمان الشك،نظير استصحاب الطهارة،فطهارة الثوب و رطوبته سيان في عدم قابلية الحكم بإبقائهما (3) عند الشك،و في قابلية الحكم بترتب آثارهما الشرعية في زمان الشك،فالتفصيل بين كون المستصحب من قبيل رطوبة الثوب و كونه من قبيل طهارته-لعدم شمول أدلة«لا تنقض»للأول-في غاية الضعف.

و الحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام فتدعه بعينه).

(1)بل هي من الامور الشرعية التابعة لاسبابها الشرعية،و ليست من وظيفة المكلف.

(2)هذا بظاهره يقتضي عدم شمول عموم(لا تنقض...)للأحكام التكليفية،إذ ليس أثرها إلا لزوم الاطاعة و عدم المعصية،و ليسا هما من الآثار الشرعية للأحكام التكليفية،بل هما من الآثار العقلية.فالظاهر أن المراد من عدم النقض هو العمل على مقتضي اليقين السابق سواء كان بلا واسطة-كما في الأحكام التكليفية-حيث يترتب العمل عليها بلا واسطة أمر آخر،أم بواسطة أثر شرعي -كما في الأحكام الوضعية كالطهارة،حيث يترتب العمل عليها بتوسط الأحكام التكليفية المترتبة عليها-و لا يشمل ما يترتب عليه العمل بتوسط أمر خارجي او لازم عقلي،لما يذكر في مبحث الأصل المثبت،و تمام الكلام هناك.

(3)يعني:إبقاء حقيقيا.

ص: 162

نعم،يبقى في المقام:أن استصحاب الأمور الخارجية-إذا كان معناه ترتيب آثارها الشرعية-لا يظهر له فائدة،لأن تلك الآثار المترتبة كانت مشاركة معه في اليقين السابق،فاستصحابها يغني عن استصحاب نفس الموضوع،فإن استصحاب حرمة مال زيد الغائب و زوجته يغني عن استصحاب حياته إذا فرض أن معنى إبقاء الحياة ترتيب آثارها الشرعية.

نعم،قد يحتاج إجراء الاستصحاب في آثاره إلى أدنى تدبر،كما في الآثار الغير المشاركة معه في اليقين السابق،مثل:توريث الغائب من قريبه المتوفى في زمان الشك في حياة الغائب،فإن التوريث غير متحقق حال اليقين بحياة الغائب،لعدم موت قريبه بعد.لكن مقتضى التدبر إجراء الاستصحاب على وجه التعليق،بأن يقال:لو مات قريبه قبل الشك في حياته لورث منه (1) ،و بعبارة اخرى:موت قريبه قبل ذلك كان ملازما لإرثه منه و لم يعلم انتفاء الملازمة فيستصحب (2) .

و بالجملة:الآثار المترتبة على الموضوع الخارجي،منها ما يجتمع معه في زمان اليقين به،و منها ما لا يجتمع معه في ذلك الزمان،لكن عدم الترتب فعلا في ذلك الزمان-مع فرض كونه من آثاره شرعا-ليس إلا لمانع في ذلك الزمان أو لعدم شرط،فيصدق في ذلك الزمان أنه لو لا ذلك (1)بناء على حجية الاستصحاب التعليقي،كما هو مختار المصنف قدّس سرّه على ما يأتي في التنبيه الرابع.و يأتي الكلام فيه.

(2)استصحاب الملازمة من وجوه الاستصحاب التعليقي الذي يأتي الكلام فيه في محله.

ص: 163

المانع أو عدم الشرط لترتب الأثر،فإذا فقد المانع الموجود أو وجد الشرط المفقود،و شك في الترتب من جهة الشك في بقاء ذلك الأمر الخارجي، حكم باستصحاب ذلك الترتب الشأني.و سيأتي لذلك مزيد توضيح في بعض التنبيهات الآتية.

هذا،و لكن التحقيق:أن في موضع جريان الاستصحاب في الأمر الخارجي لا يجري استصحاب الأثر المترتب عليه،فإذا شك في بقاء حياة زيد فلا سبيل إلى إثبات آثار حياته إلا بحكم الشارع بعدم جواز نقض حياته،بمعنى وجوب ترتيب الآثار الشرعية المترتبة على الشخص الحي، و لا يغني عن ذلك إجراء الاستصحاب في نفس الآثار،بأن يقال:بإن حرمة ماله و زوجته كانت متيقنة،فيحرم نقض اليقين بالشك،لأن (1) حرمة المال و الزوجة إنما يترتبان في السابق على الشخص الحي بوصف أنه حي،فالحياة داخل في موضوع المستصحب (2) -و لا أقل من الشك في ذلك-فالموضوع مشكوك في الزمن اللاحق،و سيجيء اشتراط القطع ببقاء الموضوع في الاستصحاب.و استصحاب الحياة لإحراز الموضوع في (1)تعليل لقوله:«و لا يغني عن ذلك...».

(2)دخل الحياة في الموضوع شرعا لا يمنع من الاستصحاب،لأن الحياة من الاوصاف الطارئة التي لا يوجب انسلاخها تبدل الموضوع بالمعنى المعتبر في جريان الاستصحاب.

على أنه لو فرض كون الحياة مقومة للموضوع فلا مجال لذلك في غيرها من الامور التي يحتمل دخلها في الحكم كالرطوبة و الاعتصام و غيرهما.على ما يأتي توضيحه في محله.فتأمل.

ص: 164

استصحاب الآثار (1) غلط،لأن معنى استصحاب الموضوع ترتيب آثاره الشرعية (2) .

فتحقق:أن استصحاب الآثار نفسها غير صحيح،لعدم إحراز الموضوع،و استصحاب الموضوع كاف في إثبات الآثار.و قد أشرنا في ما مر و نزيد توضيحه فيما سيجيء:أن الشك المسبب عن شك آخر لا يجامع معه في الدخول تحت عموم(لا تنقض)،بل الداخل هو الشك السببي، و معنى عدم الاعتناء به و عدم جعله ناقضا لليقين،زوال الشك المسبب به (3) ،فافهم.

(1)بأن يكون هناك استصحابات ترتبان،استصحاب الحياة،لإحراز الموضوع ثم استصحاب أحكامها.

(2)فلا يحتاج حينئذ إلى استصحاب نفس الآثار.

(3)يعني:و حينئذ فلا يحتاج إلى الاستصحاب في الشك المسبب.

ص: 165

حجة القول الخامس

التفصيل بين الحكم الشرعي الكلي و غيره

و أما القول الخامس-و هو التفصيل بين الحكم الشرعي الكلي و بين غيره،فلا يعتبر في الأول-فهو المصرح به في كلام المحدث الأسترابادي، لكنه صرح باستثناء استصحاب عدم النسخ مدعيا الإجماع بل الضرورة على اعتباره.قال في محكي فوائده المكية-بعد ذكر أخبار الاستصحاب- ما لفظه:

كلام المحدث الاسترآبادي قدّس سرّه في الاستدلال على هذا القول

لا يقال:هذه القاعدة تقتضي جواز العمل بالاستصحاب في أحكام اللّه تعالى-كما ذهب إليه المفيد و العلامة من أصحابنا،و الشافعية قاطبة- و تقتضي بطلان قول أكثر علمائنا و الحنفية بعدم جواز العمل به.

لأنا نقول:هذه شبهة عجز عن جوابها كثير من فحول الأصوليين و الفقهاء،قد أجبنا عنها في الفوئد المدنية:

تارة،بما ملخصه:أن صور الاستصحاب المختلف فيها-عند النظر الدقيق و التحقيق-راجعة إلى أنه إذا ثبت حكم بخطاب شرعي في موضوع في حال من حالاته،نجريه في ذلك الموضوع عند زوال الحالة القديمة و حدوث نقيضها فيه.و من المعلوم أنه إذا تبدل قيد موضوع المسألة بنقيض ذلك القيد اختلف موضوع المسألتين،فالذي سموه استصحابا

ص: 166

راجع في الحقيقة إلى إسراء حكم موضوع إلى موضوع آخر متحد معه في الذات مختلف معه في الصفات،و من المعلوم عند الحكيم أن هذا المعنى غير معتبر شرعا،و أن القاعدة الشريفة المذكورة (1) غير شاملة له.

و تارة:بأن استصحاب الحكم الشرعي،و كذا الأصل-أي (2) الحالة السابقة التي إذا خلي الشيء و نفسه كان عليها-إنما يعمل بهما ما لم يظهر مخرج عنهما (3) ،و قد ظهر في محل النزاع،لتواتر الأخبار:بأن كل ما يحتاج إليه الامة ورد فيه خطاب و حكم حتى أرش الخدش،و كثير مما ورد مخزون عند أهل الذكر عليهم السّلام،فعلم أنه ورد في محل النزاع أحكام لا نعلمها بعينها،و تواتر الأخبار (4) بحصر المسائل في ثلاث:بيّن رشده،و بيّن غيه -أي مقطوع فيه ذلك (5) ،لا ريب فيه-و ما ليس هذا و لا ذاك،و بوجوب (1)و هي قاعدة عدم نقض اليقين بالشك،المستفادة من الأخبار المتقدمة.

(2)تفسير الأصل بذلك لا يخلو عن غموض،إذ الحالة السابقة قد لا تكون هي الحالة الأصلية التي لو خلي الشيء و نفسه كان عليها.

فالتحقيق:أن المعيار في الاستصحاب البناء على الحالة السابقة و إن كانت على خلاف الحالة الأصلية،و أما البناء على مقتضى الحالة الأصلية من حيث هي فهو أجنبي عن الاستصحاب نعم قد يكون مقتضى بعض الأصول الأخر كأصل البراءة.

(3)إذ مع ظهور المخرج لا يبقي الشك الذي هو مأخوذ في موضوع الاستصحاب و غيره من الأصول المتضمنة للحكم الظاهري.

(4)عطف على قوله:«لتواتر الأخبار...»فهذا بيان لوجه آخر مخرج عن مقتضى الأصل.

(5)يعني:الغي.

ص: 167

التوقف في الثالث،انتهى.

المناقشة فيما أفاده المحدث الاسترآبادي قدّس سرّه

أقول:لا يخفى أن ما ذكره أولا (1) قد استدل به كل من نفى الاستصحاب من أصحابنا،و أوضحوا ذلك غاية الإيضاح،كما يظهر لمن راجع الذريعة و العدة و الغنية و غيرها،إلا أنهم منعوا (2) من إثبات الحكم الثابت لموضوع في زمان،له بعينه في زمان آخر،من دون تغير و اختلاف في صفة الموضوع سابقا و لاحقا-كما يشهد له تمثيلهم بعدم الاعتماد على حياة زيد أو بقاء البلد على ساحل البحر بعد الغيبة عنهما-و منعوا قاعدة«البناء على اليقين السابق»،لعدم دلالة العقل عليه و لا النقل،بناء على عدم التفاتهم إلى الأخبار المذكورة،لقصور دلالتها عندهم ببعض ما أشرنا إليه سابقا (3) ،أو لغفلتهم عنها،على أبعد الاحتمالين(خ ل)من ساحة من هو دونهم في الفضل.

و هذا المحدث قد سلم دلالة الأخبار على وجوب البناء على اليقين السابق و حرمة نقضه مع اتحاد الموضوع،إلا أنه ادعى تغاير موضوع المسألة المتيقنة و المسألة المشكوكة،فالحكم فيها بالحكم السابق ليس بناء

(1)و هو أن الاستصحاب راجع إلى إسراء حكم موضوع إلى موضوع آخر بغير دليل يدل على اشتراكهما في ذلك الحكم.

(2)يعني:انهم لم يخصوا المنع بما إذا تبدل قيد الموضوع و اختلفت حالاته بل منعوا من ابقاء الحكم بغير دليل مطلقا و لو مع اتحاد الموضوع و بقائه بحاله،كما في استصحاب حياة زيد و بقاء البلد المبني على ساحل البحر.

(3)من احتمال اختصاصها بمواردها و عدم ورودها لضرب القاعدة الكلية.

ص: 168

على اليقين السابق،و عدم الحكم به ليس نقضا له.

فيرد عليه:

أولا:النقض بالموارد التي ادعى الإجماع و الضرورة على اعتبار الاستصحاب فيها-كما حكيناها عنه سابقا (1) -فإن منها:استصحاب الليل و النهار،فإن كون الزمان المشكوك ليلا و نهارا أشد تغايرا و اختلافا مع (2) كون الزمان السابق كذلك،من (3) ثبوت خيار الغبن و الشفعة في (1)تقدم نقل كلامه في التقسيم الأول من تقسيمات الاستصحاب بالاعتبار الثالث،اعني باعتبار الشك المأخوذ فيه.

(2)متعلق بقوله:«تغايرا...».

(3)متعلق بقوله:«أشد...».هذا و لا يخفى ان الذي اعترف به المحدث المذكور استصحاب بقاء الليل و النهار،بمفاد كان التامة،و الاختلاف فيه في الموضوع المتيقن مع المشكوك مبني على التدقيق من حيث أن المتيقن من أجزاء الزمان معلوم الانصرام و المشكوك حصوله مشكوك الحدوث،لعدم استقرار أجزاء الزمان في الوجود،و مثل هذا الاختلاف لا يضر بجريان الاستصحاب بعد وحدة الموضوع عرفا لان الموضوع هو مجموع الزمان و يراد من بقائه بقاؤه بتحقق شيء من أجزائه لا بتحقق تمام أجزاء و لا باستمرار جزء منها بعينه،على ما يأتي في التنبيه الثاني، و الاختلاف المذكور ليس أشد من الاختلاف في مثل حق الشفعة و الخيار،لإمكان دعوى كون الزمان قيدا في الموضوع لا ظرفا للحق،فاختلافه يوجب اختلاف الموضوع.

نعم لو أريد استصحاب النهار أو الليل بمفاد كان الناقصة الراجع إلى استصحاب كون الزمان نهارا أو ليلا كان اختلاف الموضوع فيه واضحا حدا،إلا أن المحدث المذكور لم يعترف بجريان الاستصحاب فيه في كلامه السابق،بل يبعد

ص: 169

الزمان المشكوك و ثبوتهما في الزمان السابق.

و لو أريد من الليل و النهار طلوع الفجر و غروب الشمس لا نفس الزمان،كان الأمر كذلك-و إن كان دون الأول في الظهور-لأن (1) مرجع الطلوع و الغروب إلى الحركة الحادثة شيئا فشيئا (2) .

و لو أريد استصحاب أحكامها،مثل:جواز الأكل و الشرب و حرمتهما،ففيه:أن ثبوتهما في السابق كان منوطا و متعلقا في الأدلة الشرعية بزماني الليل و النهار (3) ،فإجراؤهما مع الشك في تحقق الموضوع بمنزلة التزامه بجريانه،لما يأتي توضيحه في التنبيه الثاني.فلاحظ.

(1)تعليل لقوله:«كان الأمر كذلك».

(2)فالنهار عبارة عن كون الشمس في القوس النهاري،الذي هو فوق الافق و الليل عبارة عن كون الشمس في القوس الليلي الذي هو تحت الافق،و هذا راجع إلى حركة الشمس المتدرجة في الوجود المبنية على الانصرام شيئا فشيئا فالجزء المتيقن الحصول منها معلوم الزوال و غيره مشكوك الحدوث،و هذا يرجع إلى ما ذكرناه من الاختلاف المبني على التدقيق الذي عرفت انه لا عبرة به و لا يضر بجريان الاستصحاب.

بل قد يقال بأن الاختلاف المذكور مبني على كون النهار و الليل عين الحركة في أحد القوسين،اما لو قيل بانه عبارة عن كون الشمس في أحد القوسين-فهو ملازم للحركة لا عينها-فلا اختلاف في الموضوع حتى بالنظر الدقيق،بل الموضوع باق بنفسه لعدم اختلاف الكون المذكور بتعاقب أجزاء الحركة و تصرمها في الوجود.

فلاحظ.

(3)فإنه قد يجعل بنحو يكون الليل و النهار قيدا في موضوع الحرام أو الجائز فلا يحرز الموضوع،لاحتمال عدم حصول قيده.

ص: 170

ما أنكره على القائلين بالاستصحاب،من إجراء الحكم من موضوع إلى موضوع آخر.

و بما ذكرنا يظهر:ورود النقض المذكور عليه في ساير الأمثلة،فأي فرق بين الشك في تحقق الحدث أو الخبث بعد الطهارة-الذي جعل الاستصحاب فيه من ضروريات الدين-،و بين الشك في كون المذي محكوما شرعا برافعية الطهارة؟!فإن الطهارة السابقة في كل منهما كان منوطا بعدم تحقق الرافع،و هذا المناط في زمان الشك غير متحقق (1) ، فكيف يسري حكم حالة وجود المناط إليه؟!

و ثانيا:بالحل،بأن اتحاد القضية المتيقنة و المشكوكة-الذي يتوقف صدق البناء على اليقين و عدم نقضه بالشك عليه-أمر راجع إلى العرف، لأنه المحكم في باب الألفاظ (2) ،و من المعلوم أن الخيار أو الشفعة إذا ثبت (1)لعل الأولى أن يقول:«غير معلوم التحقق».

(2)لا يخفى أن النقض بمفهومه العرفي لا يختلف عن معناه الدقي اللغوي، و حينئذ فالتسامح العرفي في بقاء الموضوع راجع إلى تحكيم العرف في المصداق الذي هو في غير محله.

فالأولى تحكيم العرف في نفس القضية الشرعية المتيقنة لتنقيح موضوعها ثم اعتبار البقاء بمعناه الحقيقي في ذلك الموضوع العرفي للقضية.

كما أنه لا بد في تحكيم العرف في القضية المتيقنة من الرجوع اليه في تعيين الموضوع حسب ما يفهم من القضية لا الاعتماد على التسامح العرفي في تطبيق الموضوع المبني على نحو من التغافل،نظير تطبيق الرطل على ما نقص عنه قليلا تسامحا في التطبيق،إذ لا عبرة بالتسامح العرفي في جميع موارد تشخيص الموضوع

ص: 171

في الزمان الأول و شك في ثبوتها في الزمان الثاني،يصدق عرفا أن القضية المتيقنة في الزمان الأول بعينها مشكوكة في الزمان الثاني.

نعم،قد يتحقق في بعض الموارد الشك في إحراز الموضوع للشك في مدخلية الحالة المتبدلة فيه،فلا بد من التأمل التام،فإنه من أعظم المزال في هذا المقام.

و أما ما ذكره ثانيا:من معارضة قاعدة اليقين و الأصل بما دل على التوقف.

ففيه-مضافا إلى ما حققناه في أصل البراءة،من ضعف دلالة الأخبار على وجوب الاحتياط،و إنما يدل على وجوب التحرز عن موارد الهلكة الدنيوية أو الاخروية،و الأخيرة مختصة بموارد يحكم العقل بوجوب الاحتياط من جهة القطع بثبوت العقاب إجمالا و تردده بين المحتملات-:

أن (1) أخبار الاستصحاب حاكمة على أدلة الاحتياط (2) -على تقدير دلالة الأخبار عليه أيضا-كما سيجيء في مسألة تعارض الاستصحاب و تطبيقه.

و ما ذكرناه يختلف عما عليه المصنف قدّس سرّه في كثير من الفروع،أشرنا سابقا إلى بعضها كاستصحاب كرية الماء،و يأتي الكلام في ذلك عند الكلام في اعتبار بقاء الموضوع من الخاتمة إن شاء اللّه تعالى.فلاحظ.

(1)مبتدأ مؤخر خبره قوله سابقا:«ففيه...».

(2)لان الاستصحاب بيان شرعي،فيكون رافعا تعبدا للشبهة التي هي موضوع الاحتياط شرعا بمقتضى الأدلة المذكورة.و لو فرض كون الاحتياط أصلا عقليا كان الاستصحاب واردا عليه لارتفاع الشبهة به حقيقة.فتأمل جيدا.

ص: 172

مع ساير الأصول إن شاء اللّه تعالى.

ثم إن ما ذكره:من أنه شبهة عجز عن جوابها الفحول،مما لا يخفى ما فيه،إذ أي أصولي أو فقيه تعرض لهذه الأخبار و ورود هذه الشبهة فعجز عن جوابها؟!مع أنه لم يذكر في الجواب الأول عنها إلا ما اشتهر بين النافين للاستصحاب،و لا في الجواب الثاني إلا ما اشتهر بين الأخباريين:

من وجوب التوقف و الاحتياط في الشبهة الحكمية.

ص: 173

حجة القول السادس

التفصيل بين الحكم الجزئي و غيره و الجواب عنه

حجة القول السادس (1) -على تقدير وجود القائل به،مع سبق تأمل فيه-تظهر مع جوابها مما تقدم في القولين السابقين.

حجة القول السابع

تفصيل الفاضل التوني قدّس سرّه بين الحكم التكليفي و الوضعي

حجة القول السابع (2) -الذي نسبه الفاضل التوني قدّس سرّه إلى نفسه، و إن لم يلزم مما حققه في كلامه هو ما ذكره في الوافية(نسخة)-:ما ذكره في كلام طويل له،فإنه بعد الإشارة إلى الخلاف في المسألة،قال:و لتحقيق المقام لا بد من إيراد كلام يتضح به حقيقة الحال،فنقول:الأحكام الشرعية تنقسم إلى ستة أقسام:

(1)و هو القول باعتبار الاستصحاب في الحكم الجزئي دون الكلي و دون الأمور الخارجية.

(2)و هو القول باعتبار الاستصحاب في الأحكام الوضعية-اعني نفس الأسباب و الشروط و الموانع-و الأحكام التكليفية التابعة لها،دون غيرها من الأحكام الشرعية.

ص: 174

الأول و الثاني:الأحكام الاقتضائية المطلوب فيها الفعل،و هي الواجب و المندوب (1) .

و الثالث و الرابع:الأحكام الاقتضائية المطلوب فيها الترك،و هو الحرام و المكروه.

و الخامس:الأحكام التخييرية الدالة على الإباحة.

و السادس:الأحكام الوضعية،كالحكم على الشيء بأنه سبب لأمر أو شرط له أو مانع له.و المضايقة بمنع أن الخطاب الوضعي داخل في الحكم الشرعي،مما لا يضر فيما نحن بصدده.

إذا عرفت هذا،فإذا ورد أمر بطلب شيء،فلا يخلو إما أن يكون موقتا أم لا.

و على الأول،يكون وجوب ذلك الشيء أو ندبه في كل جزء من أجزاء الوقت ثابتا بذلك الأمر،فالتمسك في ثبوت ذلك الحكم في الزمان الثاني بالنص،لا بالثبوت في الزمان الأول حتى تكون استصحابا،و هو ظاهر.

و على الثاني،أيضا كذلك إن قلنا بإفادة الأمر التكرار،و إلا فذمة المكلف مشغولة حتى يأتي به في أي زمان كان.و نسبة أجزاء الزمان إليه نسبة واحدة في كونه أداء في كل جزء منها،سواء قلنا بأن الأمر للفور أم لا.

و التوهم:بأن الأمر إذا كان للفور يكون من قبيل الموقت المضيق، (1)لا يخفى أن الأحكام هي الوجوب و الندب و أخواتهما،لا الواجب و المندوب و أخواتهما.

ص: 175

اشتباه (1) غير خفي على المتأمل.

فهذا أيضا ليس من الاستصحاب في شيء.

و لا يمكن أن يقال:إثبات الحكم في القسم الأول (2) فيما بعد وقته من الاستصحاب،فإن هذا لم يقل به أحد،و لا يجوز إجماعا (3) .

و كذا الكلام في النهي،بل هو الأولى بعدم توهم الاستصحاب فيه، لأن مطلقه يفيد التكرار (4) ،و التخييري (5) أيضا كذلك.

(1)بناء على أن الفور مأخوذ في الأمر بنحو تعدد المطلوب،أما لو قيل بانه مأخوذ فيه بنحو وحدة المطلوب فكونه من المضيق الواضح.و تمام الكلام في محله من الأصول اللفظية و سيأتي من المصنف قدّس سرّه بعض الكلام.

(2)و هو الموقت.

(3)كأنه لانه خلاف مقتضي فرض التوقيت المقتضي لارتفاع الحكم بانتهاء الوقت.

لكنه موقوف على كون التوقيت مأخوذا قيدا بنحو وحدة المطلوب،فلو كان مأخوذا بنحو تعدد المطلوب لم يرتفع الحكم بانتهاء الوقت،و لو دار الأمر بينهما امكن الرجوع للاستصحاب على بعض المبانى،و ان كان التحقيق عدمه و سيأتي من المصنف قدّس سرّه بعض الكلام.

(4)فيكون الترك في الزمان الثاني مقتضي إطلاق الدليل،لا مقتضي الاستصحاب.

لكن قد يكون الدليل مجملا لا إطلاق له،فإذا شك في الاستمرار امكن الرجوع إلى الاستصحاب على بعض المباني،و ان كان التحقيق عدمه.و منه يظهر الحال في الأمر لو فرض اجمال دليله.

(5)و هو الإباحة.فإن إطلاق دليلها يقتضي الاستمرار،فيأتي فيه ما سبق

ص: 176

فالأحكام التكليفية الخمسة المجردة عن الأحكام الوضعية لا يتصور فيها الاستدلال بالاستصحاب.

و أما الأحكام الوضعية،فإذا جعل الشارع شيئا سببا لحكم من الأحكام الخمسة-كالدلوك لوجوب الظهر،و الكسوف لوجوب صلاته، و الزلزلة لصلاتها،و الإيجاب و القبول لإباحة التصرفات و الاستمتاعات في الملك و النكاح،و فيه (1) لتحريم ام الزوجة،و الحيض و النفاس لتحريم الصوم و الصلاة...إلى غير ذلك-فينبغي أن ينظر إلى كيفية سببية السبب:

هل هي على الإطلاق؟كما في الإيجاب و القبول،فإن سببيته على نحو خاص،و هو الدوام إلى أن يتحقق المزيل،و كذا الزلزلة (2) ،أو في وقت معين،كالدلوك و نحوه مما لم يكن السبب وقتا (3) ،و كالكسوف و الحيض في النهي.

(1)يعني:في النكاح.

(2)إذ لا مجال لاحتمال التوقيت بها بحال حدوثها،لانه لا يسع الصلاة غالبا،فلا بد من حمله على كون حدوثها موجبا لحدوث وجوب الصلاة بنحو الإطلاق من دون توقيت.

اللهم إلا أن يحتمل وجوب المبادرة بنحو يمنع من الإطلاق المذكور و يقتضي إجماله.و حينئذ فقد يمكن الرجوع إلى الاستصحاب على بعض المباني.إلا أن يريد أنه قد ثبت من الخارج إطلاق الوجوب بدليل خاص.و حينئذ لا مجال معه للاستصحاب بلا إشكال.

(3)يعني:بل كان حادثا من الحوادث الآنية غير الاستمرارية.لكن عرفت أن الزلزلة كذلك.فينحصر الفرق بينهما بأن يفرض أن دليل الزلزلة دل على الوجوب

ص: 177

و نحوهما مما يكون السبب وقتا للحكم،فإن السببية في هذه الأشياء على نحو آخر،فإنها أسباب للحكم في أوقات معينة (1) .

و جميع ذلك ليس من الاستصحاب في شيء،فإن ثبوت الحكم في شيء من أجزاء الزمان الثابت فيه الحكم،ليس تابعا للثبوت في جزء آخر، بل نسبة السبب في اقتضاء الحكم في كل جزء نسبة واحدة (2) .و كذلك الكلام في الشرط و المانع (3) .

فظهر مما ذكرناه (4) :أن الاستصحاب المختلف فيه لا يكون إلا في الأحكام الوضعية-أعني،الأسباب و الشرائط (5) و الموانع للأحكام بنحو الإطلاق و لو لخصوصية فيه،و الدليل هنا دل على الوجوب بنحو التوقيت بوقت خاص،فلا مجال للاستصحاب في الموردين.

(1)كأن المراد به أوقات وجودها،لانها مما تسع الواجب.لكن الظاهر أن هذا وحده لا يكفي في التوقيت بالنحو المذكور،بل يمكن أن يدل الدليل على الإطلاق،كما يمكن أن يكون مجملا،فيحتمل الرجوع إلى الاستصحاب.

(2)يعني:فالمرجع في ذلك الدليل لا الاستصحاب.

(3)سيأتي من المصنف قدّس سرّه التعرض لذلك في تعقيب كلامه.

(4)لم يتضح الوجه في استفادة التفصيل المذكور مما ذكره سابقا.

إلا أن يريد أن ما سبق يقتضي أحد شقي التفصيل،و هو عدم جريان الاستصحاب في الأحكام بل المرجع فيها الأدلة،و أما الشق الآخر و هو الجريان في الاسباب و الشروط و الموانع فهو مستفاد من الأخبار الآتية.فلاحظ.

(5)لا يخفى أن الاسباب و الشروط و الموانع ليست هى الأحكام الوضعية، بل موضوعاتها كما سيأتي التنبيه له من المصنف قدّس سرّه.

ص: 178

الخمسة من حيث إنها كذلك (1) -و وقوعه في الأحكام الخمسة إنما هو بتبعيتها (2) ،كما يقال في الماء الكر المتغير بالنجاسة إذا زال تغيره من قبل نفسه،بأنه يجب الاجتناب عنه في الصلاة،لوجوبه قبل زوال تغيره،فإن مرجعه إلى أن النجاسة (3) كانت ثابتة قبل زوال تغيره،فكذلك يكون بعده.

و يقال في المتيمم إذا وجد الماء في أثناء الصلاة:إن صلاته كانت صحيحة قبل وجدان الماء،فكذا بعده-أي:كان مكلفا و مأمورا بالصلاة بتيممه قبله،فكذا بعده-فإن مرجعه (4) إلى أنه كان متطهرا قبل وجدان الماء،فكذا بعده،و الطهارة من الشروط.

فالحق-مع قطع النظر عن الروايات-:عدم حجية الاستصحاب، لأن العلم بوجود السبب أو الشرط أو المانع في وقت لا يقتضي العلم بل و لا الظن بوجوده في غير ذلك الوقت،كما لا يخفى.فكيف يكون الحكم المعلق عليه ثابتا في غير ذلك الوقت؟!.

(1)يعني:من حيث أنها شروط أو أسباب أو موانع لها،لا من حيث هي.

و في بعض النسخ:«لا الأحكام الخمسة من حيث أنها كذلك»و حينئذ فالضمير يعود الأحكام الخمسة.

(2)الضمير يعود إلى الأحكام الوضعية.

(3)يعني:فالمستصحب هي النجاسة بلحاظ سببيتها لوجوب الاجتناب في الصلاة،لا نفس وجوب الاجتناب،بل استصحابه إنما يكون بتبع استصحاب السبب.

(4)يعني:مرجع استصحاب الأمر بالصلاة بالتيمم.

ص: 179

فالذي يقتضيه النظر-بدون ملاحظة الروايات-:أنه إذا علم تحقق العلامة الوضعية تعلق الحكم بالمكلف،و إذا زال ذلك العلم بطروّ الشك -بل الظن-يتوقف عن الحكم بثبوت ذلك الحكم السابق أولا،إلا أن الظاهر من الأخبار أنه إذا علم وجود شيء،فإنه يحكم به حتى يعلم زواله.

انتهى كلامه،رفع مقامه.

المناقشة فيما أفاده الفاضل التوني قدّس سرّه

و في كلامه أنظار يتوقف بيانها على ذكر كل فقرة هي مورد للنظر، ثم توضيح النظر فيه بما يخطر في الذهن القاصر،فنقول:

قوله أولا:«و المضايقة بمنع أن الخطاب الوضعي داخل في الحكم الشرعي،لا يضر فيما نحن بصدده».

فيه (1) :أن المنع المذكور لا يضر فيما يلزم من تحقيقه الذي ذكره- و هو اعتبار الاستصحاب في موضوعات الأحكام الوضعية،أعني نفس السبب و الشرط و المانع-لا في التفصيل بين الأحكام الوضعية-أعني سببية السبب و شرطية الشرط-و الأحكام التكليفية.و كيف لا يضر في (1)يعني:أن المستفاد من كلامه في بدو النظر جريان الاستصحاب في نفس الحكم الوضعي الذي هو عبارة عن الشرطية و السببية و المانعية بانفسها.و لا اشكال في توقف الاستصحاب المذكور على تأصل الأحكام المذكورة بالجعل،إذ لو قيل بعدم جعلها لم يكن لها وجود حقيقي و لا اعتباري فيكف تستصحب؟

نعم لا دخل لذلك فيما يظهر بالنظر في تمام كلامه من أن الاستصحاب انما يجري في نفس السبب و الشرط و المانع كالنجاسة و الطهارة،لا في السببية و الشرطية و المانعية،إذ يكفي في صحة استصحابها كونها موضوعات للأحكام التكليفية،و لا يتوقف صحته على جعل الأحكام الوضعية المذكورة،كما لا يخفى.

ص: 180

هذا التفصيل منع كون الحكم الوضعي حكما مستقلا،و تسليم أنه أمر اعتباري منتزع (1) عن التكليف،تابع له حدوثا و بقاء؟!و هل يعقل التفصيل مع هذا المنع؟!.

(1)الأمر الاعتباري أمر مجعول،لتقوم الاعتبار بالجعل،بخلاف الأمر الانتزاعي،فإنه ليس مجعولا بنفسه،بل بمنشإ انتزاعه،فلا وجه للجمع بينهما في مقام واحد.

ص: 181

الكلام في الأحكام الوضعية
هل الحكم الوضعي حكم مستقل مجعول،أو لا؟

ثم إنه لا بأس بصرف الكلام إلى بيان أن الحكم الوضعي حكم مستقل مجعول-كما اشتهر في ألسنة جماعة-أو لا،و إنما مرجعه إلى الحكم التكليفي؟فنقول:

إنّ المشهور-كما في شرح الزبدة-بل الذي استقر عليه رأي المحققين -كما في شرح الوافية للسيد صدر الدين-:أن الخطاب الوضعي مرجعه إلى الخطاب الشرعي (1) ،و أن كون الشيء سببا لواجب هو الحكم بوجوب ذلك الواجب عند حصول ذلك الشيء،فمعنى قولنا:«إتلاف الصبي سبب لضمانه»،أنه يجب عليه غرامة المثل و القيمة إذا اجتمع فيه شرائط التكليف (2) من البلوغ و العقل و اليسار و غيرها،فإذا خاطب الشارع البالغ العاقل الموسر بقوله:«اغرم ما أتلفته في حال صغرك»،انتزع من (1)و هو الخطاب التكليفي.

(2)ظاهره بل صريحه أن السببية و المسبب-و هو الضمان-معا من الأمور المنتزعة غير المجعولة،و أنهما معا راجعان إلى جعل الحكم التكليفي و سيفصل الكلام في ذلك،إلا أنه يأتي أيضا أن ما ذكره في السببية حق،و أما المسبب فهو من الأحكام الوضعية المجعولة.

ص: 182

هذا الخطاب معنى يعبر عنه بسببية الإتلاف للضمان،و يقال:إنه ضامن، بمعنى أنه يجب عليه الغرامة عند اجتماع شرائط التكليف.

و لم يدع أحد إرجاع الحكم الوضعي إلى التكليف الفعلي المنجز حال استناد الحكم الوضعي إلى الشخص،حتى يدفع ذلك بما ذكره بعض من غفل عن مراد النافين:من أنه قد يتحقق الحكم الوضعي في مورد غير قابل للحكم التكليفي،كالصبي و النائم و شبههما.

و كذا الكلام في غير السبب،فإن شرطية الطهارة للصلاة ليست مجعولة بجعل مغاير لإنشاء وجوب الصلاة الواقعة حال الطهارة،و كذا مانعية النجاسة ليست إلا منتزعة من المنع عن الصلاة في النجس،و كذا الجزئية منتزعة من الأمر بالمركب.

و العجب ممن ادعى بداهة بطلان ما ذكرنا،مع ما عرفت من أنه المشهور و الذي استقر عليه رأي المحققين.فقال قدّس سرّه (1) في شرحه على الوافية-تعريضا على السيد الصدر-:

كلام السيد الكاظمي قدّس سرّه

و أما من زعم أن الحكم الوضعي عين الحكم التكليفي-على ما هو ظاهر قولهم:«إن كون الشيء سببا لواجب هو الحكم بوجوب ذلك الواجب عند حصول ذلك الشيء»-فبطلانه غني عن البيان،إذ الفرق بين الوضع و التكليف مما لا يخفى على من له أدنى مسكة،و التكاليف المبنية على الوضع غير الوضع،و الكلام إنما هو في نفس الوضع و الجعل و التقرير.

و بالجملة:فقول الشارع:«دلوك الشمس سبب لوجوب الصلاة» (1)في بعض الحواشي أنه المرحوم السيد محسن الاعرجي الكاظمي قدّس سرّه.

ص: 183

و:«الحيض مانع منها»،خطاب وضعي و إن استتبع تكليفا و هو إيجاب الصلاة عند الزوال و تحريمها عند الحيض،كما أن قوله تعالى: أَقِمِ الصَّلاٰةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ،و:«دعي الصلاة أيام أقرائك»،خطاب تكليفي و إن استتبع وضعا،و هو كون الدلوك سببا و الإقراء مانعا.

و الحاصل:أن هناك أمرين متباينين،كل منهما فرد للحكم،فلا يغني استتباع أحدهما للآخر عن مراعاته و احتسابه في عداد الأحكام.انتهى كلامه،رفع مقامه.

مناقشة كلام السيد الكاظمي قدّس سرّه

أقول:لو فرض نفسه حاكما بحكم تكليفي و وضعي بالنسبة إلى عبده لوجد من نفسه صدق ما ذكرنا،فإنه إذا قال لعبده:

«أكرم زيدا إن جاءك»،فهل يجد من نفسه أنه أنشأ إنشاءين و جعل أمرين (1) :أحدهما:وجوب إكرام زيد عند مجيئه،و الآخر:كون مجيئه سببا لوجوب إكرامه؟أو أن الثاني مفهوم منتزع من الأول لا يحتاج إلى جعل مغاير لجعله و لا إلى بيان مخالف لبيانه (2) ،و لهذا (1)لا إشكال ظاهرا في كون الانشاء واحدا،و إنما الكلام في وحدة الأمر المجعول و تعدده.

(2)لا إشكال ظاهرا في أن المجعول بالخطاب الواحد أمرا واحدا لا أمرين، إلا أن هذا إنما يصلح ردا على القائل المذكور لو كان مراده أن تبعية أحد الحكمين للآخر تقتضي جعله في قباله،و هو خلاف ظاهر كلامه المتقدم،بل ظاهره أن الخطاب بأحدهما إنما يقتضي اختصاص الجعل به مع كون الآخر تابعا له لا مجعولا للحاكم في قباله.

فمرجع كلامه أن الخطاب بالوجه الأول يقتضي جعل السببية دون التكليف،

ص: 184

اشتهر (1) في ألسنة الفقهاء«سببية الدلوك»و«مانعية الحيض»،و لم يرد من الشارع إلا إنشاء طلب الصلاة عند الأول،و طلب تركها عند الثاني؟فإن أراد تباينهما مفهوما فهو أظهر من أن يخفى،كيف!و هما محمولان مختلفا الموضوع.

و إن أراد كونهما مجعولين بجعلين (2) ،فالحوالة على الوجدان لا البرهان.

و كذا لو أراد كونهما مجعولين بجعل واحد،فإن الوجدان (3) شاهد و إنما يكون التكليف تابعا لها خارجا،و الخطاب بالوجه الثاني بالعكس.و حينئذ فلا يرد عليه ما أورده المصنف قدّس سرّه بهذا الوجه.

(1)هذا إنما يشهد بعدم احتياج السببية إلى خطاب مستقل،لا بعدم تبعيتها لجعل التكليف بالوجه الذي ذكرنا.

(2)إن أراد ذلك في خطاب واحد فلا إشكال في بطلانه،كما ذكره قدّس سرّه.

و إن أراد ذلك في خطابين-كما أشرنا إليه-فليس بطلانه بذلك الوضوح الذي يدعيه.

(3)الأولى رده بأن مفاد الجعل الواحد جعل النسبة التي تضمنها الخطاب، فإن تضمن الخطاب نسبة السببية للسبب فلا وجه لاستفادة جعل الحكم التكليفي منه،و إن تضمن نسبة الحكم التكليفي لموضوعه فلا وجه لاستفادة جعل السببية منه،و اشتمال الخطاب الواحد على النسبتين معا ممتنع،فيمتنع كونهما مجعولين بجعل واحد.

لكن هذا لا يمنع من دعوى اختصاص الجعل بأحدهما مع كون الآخر تابعا له،من دون أن يكون موردا للجعل،و قد عرفت أن هذا هو ظاهر كلام من تقدم.

فلاحظ.

ص: 185

على أن السببية و المانعية في المثالين اعتباران منتزعان،كالمسببية و المشروطية و الممنوعية،مع أن قول الشارع:«دلوك الشمس سبب لوجوب الصلاة» ليس جعلا للإيجاب استتباعا-كما ذكره-بل هو إخبار عن تحقق الوجوب عند الدلوك (1) .

هذا كله،مضافا إلى أنه لا معنى لكون السببية مجعولة فيما نحن فيه حتى يتكلم أنه بجعل مستقل أو لا،فإنا لا نتعقل من جعل الدلوك سببا للوجوب-خصوصا عند من لا يرى(كالأشاعرة)الأحكام منوطة بالمصالح و المفاسد الموجودة في الأفعال (2) -إلا إنشاء الوجوب عند (1)لا وجه لكونه إخبارا بعد فرض كون الكلام واردا مورد الانشاء و الجعل لا محض الأخبار عن السببية،فلو فرض تمامية ما ذكره القائل المتقدم من كون ظاهر الكلام المذكور جعل السببية اعتبارا فهو مستتبع لتحقق الوجوب عند وجود السبب.

نعم مقتضاه تحقق الوجوب بنفسه تبعا من دون جعل،و سيأتي الكلام فيه.

(2)إذ بناء على تبعية الأحكام للمصالح و المفاسد قد يتوهم كون السببية عبارة عن أمر خاص في السبب يقتضي سببيته بلحاظ السنخية بينه و بين المصلحة أو المفسدة المقتضية لجعل الحكم.

و إن كان يندفع بأن السنخية المذكورة-مع انها غير مجعولة شرعا بل هي أمر تكويني-من سنخ المعدّ لكون السبب موضوعا للحكم الشرعي،و موضوعيته تابعة للجعل الشرعي اعني جعل الحكم على موضوعه.و كيف كان فهذا التوهم لا مجال له عند الاشاعرة القائلين بتبعية الأحكام للجعل غير المشروط بالحسن و القبح الذاتيين.

هذا و لكن الظاهر أن الفرق بيننا و بين الاشاعرة لا دخل له بجعل السببية

ص: 186

الدلوك،و إلا فالسببية القائمة بالدلوك ليست من لوازم ذاته،بأن يكون فيه معنى يقتضي إيجاب الشارع (1) فعلا عند حصوله،و لو كانت لم تكن مجعولة من الشارع (2) ،و لا نعقلها أيضا صفة أوجدها الشارع فيه (3) باعتبار الفصول الممنوعة و لا الخصوصيات المصنفة أو المشخصة (4) .

و عدمه،فإنه راجع إلى أن السببية هل هي تابعة لخصوصية ذاتية في الموضوع أو لا بل هي تابعة للجعل الشرعي،و لا دخل له بأن السببية قابلة للجعل أولا،كما قد يظهر بالتأمل.

(1)كان الأولى أن يقول:يقتضي الوجوب،فإن مفاد القضية أن السبب سبب لنفس الحكم لا لجعله.

(2)بل هي أمر تكويني قائم بذات السبب.و من الظاهر أنه لا يمكن الالتزام بهذا المعنى لانه-مضافا إلى كونه خلاف مدعى الخصم،حيث انه يدعي جعل السببية-يستلزم حمل القضايا الشرعية على محض الأخبار،و خروجها عن مقام التعبد و الانشاء.فلاحظ.

(3)يعني:في السبب.

(4)يعني:بحيث يكون الشارع الاقدس قد أوجد الخصوصية المذكورة اعتبارا و بلحاظها يكون السبب سببا.

و الوجه في عدم جعل الشارع لذلك-مضافا إلى ما ذكره المصنف قدّس سرّه من عدم تعقله-أنه لما كان جعل السببية يغني عن جعل المسبب فلو التزم بجعل السببية لزم الالتزام بكون المسببات-سواء كانت أحكاما تكليفية كالوجوب،أم غيرها كالملكية و الرقية-حاصلة بنفسها عند حصول السبب بلا توسط جعل شرعي،و هو خلاف المرتكزات العرفية الحاكمة بأن المسببات المذكورة مفتقرة في وجودها لاعتبار من بيده الاعتبار،و ليست أمورا مترتبة بنفسها بتوسط جعل سببية الاسباب،بل هو المقطوع به في الأحكام التكليفية،ضرورة أن موضوع الاطاعة و المعصية ليس إلا

ص: 187

هذا كله في السبب و الشرط و المانع و الجزء (1) .

الإرادة و الكراهة التشريعيتين المستكشفتين بالخطاب،و هما مفتقرتان إلى اختيار المولى ضرورة عدم كون جعل السببية موجبا لحصولهما قررا عليه،بل هما تابعتان لالتفات الأمر و إدراكه للملاك الموجب لهما سواء جعلت السببية أم لا.

و حينئذ فلا بد من الالتزام بان الأمر الحقيقي هو الإرادة و الكراهة بالتشريعيتين الحاصلتين عند وجود السبب اللتين ينتزع منهما عنوان الحرمة و الوجوب و غيرهما، و ينتزع من ذلك عنوان السببية إجراء للموضوعات الشرعية على سنن الاسباب التكوينية من دون ان تكون مجعولة أصلا.

فلو فرض اشتمال الأدلة الشرعية على عنوان السببية و اخواتها لزم حملهما على الكناية عن حصول الإرادة او الكراهة او الاعتبار-في مثل الزوجية و الرقية و غيرهما- عند حصول السبب،لانها هي موضوع الآثار و محط الاغراض،و لا يقصد من التعبير بالسببية إلا الكناية عن ذلك لحصر موارده و ضبط صغرياته.فلاحظ.

(1)الكلام في هذه الامور الثلاثة يتضح مما تقدم في السببية،فإن الظاهر انتزاع الشرطية من اناطة التكليف المجعول بوجود الشرط كاناطة وجوب الصلاة بالبلوغ،و انتزاع المانعية من اناطة التكليف بعدم المانع،كاناطة الوجوب الصلاة بعدم الحيض.

هذا في الشروطية للتكليف او المانعية منه،و أما بالإضافة إلى المكلف به، فالشرطية منتزعة من تقييد المكلف به بوجود الشرط و المانعية منتزعة من تقييده بعدم المانع و الجزئية منتزعة من وجوب المركب المشتمل على الجزء،مثل الأمر بالصلاة ذات الركوع المقيدة بالطهارة و عدم استصحاب اجزاء ما لا يؤكل لحمه.

و ليست هذه الامور مجعولة بانفسها،بل ليس المجعول إلا الحكم بنحو خاص،لوضوح أن الحكم بنفسه مما يحتاج إلى الجعل،و من الظاهر أن الجعل لا بد أن يكون بنحو خاص،إذ يستحيل الإهمال فيه،و مع جعله بنحو خاص لا اثر لجعل

ص: 188

الكلام في الصحة و الفساد

و أما الصحة و الفساد،فهما في العبادات:موافقة الفعل المأتي به للفعل المأمور به و مخالفته له،و من المعلوم أن هاتين-الموافقة و المخالفة- ليستا بجعل جاعل (1) .

الشرطية و المانعية و الجزئية.

و كذا الحال في الشرطية و الجزئية و المانعية بلحاظ الامور و المجعولة الآخر غير الأحكام التكليفية كالزوجية و الحرية،فإن شرطية سببية اسبابها و شروطها و مانعية المانع منها منتزعة من كون اعتبارها بنحو خاص و في ظرف خاص،و لا وجود لها في قبال ذلك.فراجع.تفصيل ذلك في المطولات.و تأمل جيدا.

(1)بل هما أمران واقعيان.لكن تفسير الصحة و الفساد بموافقة الأمر لا يخلو من تسامح بل الظاهر انهما منتزعان من ترتب الأثر المهم و عدمه،و لما كان الأثر المهم للعبادات بنظر الفقهاء هو الاجزاء و عدم وجوب الاعادة و القضاء صح إطلاق الصحة و الفساد بلحاظ ذلك.

و حينئذ فالاجزاء ان كان بسبب الموافقة للامر الشرعي الواقعي و تمامية الاجزاء و الشرائط فهو أمر عقلي ناشئ من أمر واقعي و لا دخل للشارع به.و إن كان بسبب اكتفاء الشارع في مقام الفراغ بالناقص-كما في موارد(لا تعاد الصلاة...)- فهو أمر شرعي متقوم بحكم الشارع بالاكتفاء بالناقص،و هو كسائر الأحكام الشرعية.

و كيف كان فالصحة ليست مجعولة بل هي منتزعة اما من حكم عقلي أو شرعي.و أما الفساد فلا يكون منتزعا إلا من حكم عقلي،إذ مع المطابقة للامر الواقعي الأولي فالحكم الاجزاء عقلا،و يمتنع من الشارع الحكم بالفساد و عدم الاجزاء،و بدونها فالفساد عقلي لا يحتاج فيه إلى الحكم الشارع فتأمل.

و منه يظهر أن الصحة و الفساد في المعاملات و العبادات بمعنى واحد،و هو ترتب الأثر،و إن اختلفا في الأثر و في كيفية ترتبه.كما سيأتي.

ص: 189

و أما في المعاملات،فهما:ترتب الأثر عليها و عدمه،فمرجع ذلك إلى سببية هذه المعاملة لأثرها و عدم سببية تلك له (1) .

فإن لوحظت المعاملة سببا لحكم تكليفي-كالبيع لإباحة التصرفات، و النكاح لإباحة الاستمتاعات-فالكلام فيها يعرف مما سبق في السببية و أخواتها (2) .

و إن لوحظت سببا لأمر آخر-كسببية البيع للملكية،و النكاح للزوجية،و العتق للحرية،و سببية الغسل للطهارة-فهذه الأمور بنفسها ليست أحكاما شرعية (3) .نعم،الحكم بثبوتها شرعي.و حقائقها إما (1)الكلام..تارة:يكون في سببية المعاملة الكلية للأثر،كسببية المبيع للملكية و عدم سببية الربا لها.

و أخرى:في سببية المعاملة الشخصية،أما الأولى فهي تابعة للجعل،فليس معنى سببية التزويج لحل الاستمتاع إلا جعل الحل على تقدير التزويج على ما سبق الكلام فيه عند الكلام في السببية.و أما الثانية فهي تابعة لمطابقة المعاملة الشخصية للعنوان الكلي المأخوذ موضوعا للأثر و هو أمر واقعي لا جعلي.

(2)يعني:فهي منتزعة من حكم الشارع بالأحكام المذكورة عند وجود المعاملة.

(3)هذا لا وجه له،بل هو خروج عن مقتضى الارتكازيات العرفية،فإن كثيرا من هذه الامور قابلة للجعل و الاعتبار عرفا.

و دعوى:انتزاعها من الأحكام التكليفية.لا شاهد لها،بل ظاهر الأدلة بنفيها، لظهورها في كون الامور المذكورة موضوعا للأحكام التكليفية،فيجوز الاستمتاع بالزوجة و التصرف بالملك،و يحرم التصرف فى ملك الغير و هكذا مما ظاهره كون هذه الامور مجعولة في رتبة سابقة على عروض الحكم التكليفي لا ناشئة منه.

ص: 190

أمور اعتبارية منتزعة من الأحكام التكليفية-كما يقال:الملكية كون الشيء بحيث يجوز الانتفاع به و بعوضه (1) ،و الطهارة كون الشيء بحيث يجوز استعماله في الأكل و الشرب و الصلاة،نقيض النجاسة-و إما امور واقعية كشف عنها الشارع.

فأسبابها على الأول-في الحقيقة-أسباب للتكاليف،فيصير سببية تلك الأسباب في العادة كمسبباتها امورا انتزاعية.

و على الثاني،يكون أسبابها (2) كنفس المسببات امورا واقعية و لا سيما مع عدم اتفاق أفرادها في الأحكام التكليفية،فلو كانت منتزعة منها لزم اختلاف معانيها باختلاف تلك الأحكام،فملكية العبد لا تجوز الاستمتاع به بخلاف ملكية الامة،و ملكية أم الولد لا تسوغ بيعها بخلاف غيرها،كما لا يخفى.

و أما دعوى:انها من الامور الواقعية التي كشف عنها الشارع.

فيدفعها المرتكزات العرفية الحاكمة بان هذه أمور اعتبارية تابعة لمن بيده الاعتبار،و لذا لا يكون الاختلاف فيها بين ذوي الاعتبار راجعا إلى تكذيب أحدهم للآخر،كما لعله ظاهر.

و منه يظهر أن اللازم التفصيل في الأحكام الوضعية بين مثل السببية و الشرطية و المانعية و الجزئية و الصحة،و مثل الزوجية و الحرية و الرقية و الوقفية و الطهارة و النجاسة و الحجية و الضمان و غيرها،فالأول منتزعة،و الاخيرة مجعولة.

كما يظهر الإشكال في قوله قدّس سرّه:«و حقائقها إما...».

(1)لا يخفى أن هذا يجري في بعض أفراد الملك،و لا يتم في جميع أفراد الملك كأم الولد،حيث لا يجوز بيعها.

(2)بناء على ما سبق منه فالشارع لم يكشف عن الاسباب،بل عن سببية الاسباب،مع كون السببية منتزعة من خصوصياتها الذاتية المقتضية لترتب مسبباتها

ص: 191

مكشوفا عنها ببيان الشارع.

و على التقديرين فلا جعل في سببية هذه الأسباب.

و مما ذكرنا تعرف الحال في غير المعاملات من أسباب هذه الامور، كسببية الغليان في العصير للنجاسة،و كالملاقاة لها،و السبي للرقية، و التنكيل للحرية،و الرضاع لانفساخ الزوجية،و غير ذلك (1) .فافهم و تأمل في المقام،فإنه من مزال الأقدام.

رجوع إلى كلام الفاضل التوني قدّس سرّه و ما أورد عليه و جوابه
رجوع إلى كلام الفاضل التوني قدّس سرّه و ما أورد عليه و جوابه

قوله:«و على الأول يكون وجوب ذلك الشيء أو ندبه في كل جزء من أجزاء ذلك الوقت ثابتا بذلك الأمر،فالتمسك في ثبوت الحكم في الزمان الثاني بالنص،لا بثبوته في الزمان الأول حتى يكون استصحابا».

أقول:فيه:أن الموقت قد يردد وقته بين زمان و ما بعده (2) فيجري الاستصحاب (3) .

و أورد عليه تارة:بأن الشك قد يكون في النسخ.

و أخرى:بأن الشك قد يحصل في التكليف كمن شك في وجوب إتمام الصوم لحصول مرض يشك في كونه مبيحا للإفطار.

و ثالثة:بأنه قد يكون أول الوقت و آخره معلوما و لكنه يشك في كسائر العلل مع معلولاتها.

(1)مما سبق تعرف أن السببية غير مجعولة و المسبب مجعول.

(2)لإجمال دليل التوقيت و لو لكونه دليلا لبيا.

(3)بناء على جريان الاستصحاب في الأحكام التكليفية،كما سيأتي من المصنف قدّس سرّه التعرض له.

ص: 192

حدوث الآخر و الغاية (1) ،فيحتاج المجتهد في الحكم بالوجوب أو الندب أو الحكم بعدمهما عند عروض ذلك الشك إلى دليل عقلي أو نقلي غير ذلك الأمر.

هذا،و لكن الإنصاف:عدم ورود شيء من ذلك عليه.

أما الشك في النسخ،فهو خارج عما نحن فيه،لأن كلامه في الموقت من حيث الشك في بعض أجزاء الوقت،كما إذا شك في جزء مما بين الظهر و العصر في الحكم المستفاد من قوله:«اجلس في المسجد من الظهر إلى العصر»،و هو الذي ادعى أن وجوبه في الجزء المشكوك ثابت بنفس الدليل.

و أما الشك في ثبوت هذا الحكم الموقت لكل يوم أو نسخه في هذا اليوم،فهو شك لا من حيث توقيت الحكم،بل من حيث نسخ الموقت.

فإن وقع الشك في النسخ الاصطلاحي لم يكن استصحاب عدمه من الاستصحاب المختلف فيه،لأن إثبات الحكم في الزمان الثاني،لعموم الأمر الأول للأزمان (2) و لو كان (3) فهم هذا العموم من استمرار طريقة (1)كما لو شك في غروب الشمس،أو شروقها.

(2)و هو الأمر الشرعي بوجوب الموقت،و إنما لا يجوز الرجوع إليه لأنه لا يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

(3)بناء على أن النسخ تخصيص في الازمان،كما في كثير من الكلمات.لكنه ممنوع،بل هو من الشك في رفع الحكم بعد ثبوته،و تحقيق حاله و حال الاستصحاب مع الشك فيه موكول إلى محل آخر.و قد أطلنا الكلام فيه في التنبيه السادس من تنبيهات الاستصحاب من شرح الكفاية.

ص: 193

الشارع،بل كل شارع على إرادة دوام الحكم ما دامت تلك الشريعة،لا من عموم لفظي زماني.

و كيف كان،فاستصحاب عدم النسخ لدفع احتمال حصول المخصص في الأزمان،كاستصحاب عدم التخصيص لدفع احتمال المخصص في الأفراد،و استصحاب عدم التقييد لدفع إرادة المقيد من المطلق.

و الظاهر:أن مثل هذا ليس مجال لإنكاره،و ليس إثباتا للحكم في الزمان الثاني لوجوده في الزمان الأول،بل لعموم دليله الأول،كما لا يخفى (1) .

و بالجملة:فقد صرح هذا المفصل بأن الاستصحاب المختلف فيه لا يجري في التكليفيات،و مثل هذا الاستصحاب مما انعقد على اعتباره الإجماع بل الضرورة (2) ،كما تقدم في كلام المحدث الأسترابادي.

و لو فرض الشك في ارتفاع حكم لم يثبت له من دليله و لا من الخارج عموم زماني،فهو خارج عن النسخ الاصطلاحي،داخل فيما ذكره:من أن الأمر إذا لم يكن للتكرار...الخ (3) ،و لا وجه للنقض به في مسألة الموقت، (1)يعني:فهو خارج عن الاستصحاب.

(2)يعني:فهو خارج عن محل كلام الفاضل التوني لأن كلامه في الاستصحاب المختلف فيه.فتأمل.

(3)الظاهر أنه أجنبي عن ذلك،لاختصاص ذلك بالأمر الواحد المطلق، و الشك هنا في أن الأمر مختص بواقعة واحدة بنحو القضية الخارجية،أو منحل إلى

ص: 194

فتأمل.

و أما الشك في تحقق المانع-كالمرض المبيح للإفطار،و السفر الموجب له و للقصر،و الضرر المبيح لتناول المحرمات-فهو الذي ذكره المفصل في آخر كلامه بجريان الاستصحاب في الحكم التكليفي تبعا للحكم الوضعي،فإن السلامة من المرض الذي يضر به الصوم شرط في وجوبه، و كذا الحضر،و كذا الأمن من الضرر في ترك المحرم،فإذا شك في وجود شيء من ذلك استصحب الحالة السابقة له وجودا أو عدما،و يتبعه بقاء الحكم التكليفي السابق،بل قد عرفت فيما مر عدم جريان الاستصحاب في الحكم التكليفي إلا مع قطع النظر عن استصحاب موضوعه،و هو الحكم الوضعي (1) في المقام.

مثلا:إذا أوجب الشارع الصوم إلى الليل على المكلف بشرط سلامته من المرض الذي يتضرر بالصوم،فإذا شك في بقائها و حدوث المرض المذكور و أحرز الشرط أو عدم المانع بالاستصحاب أغنى عن استصحاب المشروط،بل لم يبق مجرى له،لأن معنى استصحاب الشرط و عدم المانع ترتيب آثار وجوده،و هو ثبوت المشروط مع فرض وجود باقي العلل وقائع متعددة بعدد أفراد موضوعه بنحو القضية الحقيقة المستمرة،فلو فرض عدم الرجوع إلى أصالة عدم النسخ لتوقفها على ظهور الدليل في الاستمرار،لزم الرجوع إلى أصالة البراءة أو استصحاب التكليف على الكلام الآتي في جريان استصحاب الأحكام التكليفية.فلاحظ.

(1)التعبير بالحكم الوضعي متابعة للفاضل التوني قدّس سرّه،و إلا فالمستصحب نفس السبب و الشرط و المانع التي هي موضوعات الأحكام الوضعية.

ص: 195

الناقصة،و حينئذ فلا يبقى الشك في بقاء المشروط.

و بعبارة أخرى:الشك في بقاء المشروط يتسبب عن الشك في بقاء الشرط،و الاستصحاب في الشرط وجودا أو عدما مبيّن لبقاء المشروط أو ارتفاعه،فلا يجري فيه الاستصحاب،لا معارضا لاستصحاب الشرط، لأنه مزيل له،و لا معاضدا (1) ،كما فيما نحن فيه.

و سيتضح ذلك في مسألة الاستصحاب في الامور الخارجية،و في بيان اشتراط الاستصحاب ببقاء الموضوع إن شاء اللّه تعالى.

و مما ذكرنا يظهر الجواب عن النقض الثالث عليه-بما إذا كان الشك في بقاء الوقت المضروب للحكم التكليفي-فإنه (2) إن جرى معه استصحاب الوقت أغنى عن استصحاب الحكم التكليفي-كما عرفت في الشرط-فإن الوقت شرط أو سبب (3) ،و إلا (4) لم يجر استصحاب الحكم التكليفي،لأنه (5) كان متحققا بقيد ذلك الوقت (6) .

(1)إما لأنه مغن عنه،أو لأنه رافع لموضوعه،و هو الشك،و تمام الكلام في تعارض الاستصحابين في آخر مبحث الاستصحاب.

(2)بيان لوجه الجواب عن النقض الثالث.

(3)يعني:إما للوجوب أو للواجب.

(4)يعني:إن لم يجر استصحاب الوقت.

(5)الضمير يرجع إلى الحكم التكليفي.

(6)الظاهر ابتناء ذلك على كون الوقت قيدا للواجب-كما هو التحقيق- لا ظرفا للوجوب و قيدا له.و إلا توجه استصحاب نفس وجوب الموقت مع قطع النظر عن حكومة استصحاب الوقت عليه.

ص: 196

فالصوم المقيد وجوبه بكونه في النهار لا ينفع استصحاب وجوبه في الزمان المشكوك كونه من النهار،و أصالة بقاء الحكم المقيد بالنهار في هذا الزمان لا يثبت كون هذا الزمان نهارا،كما سيجيء توضيحه في نفي و الوجه في ذلك:أنه مع فرض تقييد الواجب فالمتيقن هو التكليف الوارد على المقيد،و هو لا يحرز انطباقه و امتثاله على الفعل مع عدم إحراز القيد،فإذا وجب صوم النهار بمقتضى الاستصحاب لم يحرز امتثاله بالصوم مع احتمال انقضاء النهار، إلاّ بناء على الاكتفاء بالتسامح العرفي في موضوع القضية المتيقنة.بان يفرض ذات الصوم و يغفل تقييده بالوقت،فيحرز انطباقه و امتثاله حينئذ مع الشك في بقاء الوقت.

أما مع فرض تقييد الوجوب و اطلاق الواجب فلا مانع من الاستصحاب لا من جهة الواجب لفرض اطلاقه الموجب لانطباقه على الفعل من حيث هو ان لم يحرز تحقق القيد،و لا من جهة الوجوب،لفرض سبق تحقق قيده فيكون منجزا، و حينئذ يمكن استصحاب الوجوب المنجز المعلوم تحققه سابقا،و الذي هو مورد الأثر عملا.

و مجرد تقييده في القضية الشرعية بالقيد الخاص لا يمنع من استصحاب الوجوب المنجز مع العلم به سابقا من جهة ملازمته للوجوب المعلق بعد فرض وجود قيده.

و منه يظهر أن التسامح العرفي إنما يحتاج اليه بناء على رجوع القيد للواجب لا للوجوب.لكن الذي يظهر من المصنف قدّس سرّه أن الملاك في جريان الاستصحاب هو الاكتفاء بالتسامح العرفي حتى بناء على رجوع القيد للوجوب،كما يأتي منه في الاستطاعة التي فرضها من قيود الوجوب.

إلا أن يبتني على مختاره في الواجب المشروط من رجوع جميع شروط الوجوب للواجب.فلاحظ.

ص: 197

الأصول المثبتة إن شاء اللّه.

اللهم إلا أن يقال:إنه يكفي في الاستصحاب تنجز التكليف سابقا و إن كان لتعليقه على أمر حاصل،فيقال عرفا إذا ارتفع الاستطاعة المعلق عليها وجوب الحج:إن الوجوب ارتفع (1) .فإذا شك في ارتفاعها يكون شكا في ارتفاع الحكم المنجز و بقائه و إن كان الحكم المعلق لا يرتفع بارتفاع المعلق (2) عليه،لأن ارتفاع الشرط لا يوجب ارتفاع الشرطية (3) ،إلا أن استصحاب وجود ذلك الأمر المعلق عليه (4) كاف في عدم جريان الاستصحاب المذكور (5) ،فإنه حاكم عليه (6) ،كما ستعرف.

نعم لو فرض في مقام عدم جريان الاستصحاب في الشك في الوقت، (1)بناء على ما سبق يظهر أنه لو فرض رجوع اشتراط الاستطاعة إلى وجوب الحج فلا مانع من الاستصحاب لو فرض الشك بلا حاجة إلى الرجوع للتسامح العرفي.ثم إن الاستطاعة و إن لم تكن وقتا،إلا أن التقييد بها كالتقييد بالوقت في الأثر،بل قد يراد من الموقت ما يعم ذلك.

(2)الذي هو مفاد القضية الشرطية.

(3)إلا أن الشرطية لا تنفع بعد فرض الشك في الشرط،لعدم إحراز الوجوب المنجز الذي هو مورد الأثر عملا.

(4)كالوقت و الاستطاعة،و غيرهما.

(5)و هو استصحاب التكليف المعلق على القيد.

(6)ضمير(إنه)يعود إلى استصحاب وجود الأمر المعلق عليه،كاستصحاب الوقت.و ضمير(عليه)يعود إلى استصحاب الأمر المعلق على القيد،كاستصحاب التكليف المعلق على الاستطاعة.

ص: 198

كما لو كان الوقت مرددا بين أمرين (1) -كذهاب الحمرة و استتار القرص- انحصر الأمر حينئذ في إجراء استصحاب التكليف،فتأمل.

و الحاصل:أن النقض عليه بالنسبة إلى الحكم التكليفي المشكوك في إبقائه من جهة الشك في سببه أو شرطه أو مانعة غير متجه،لأن مجرى الاستصحاب في هذه الموارد أولا و بالذات هو نفس السبب و الشرط و المانع (2) ،و يتبعه إبقاء الحكم التكليفي،و لا يجوز إجراء الاستصحاب في الحكم التكليفي ابتداء،إلا إذا فرض انتفاء استصحاب الأمر الوضعي.

قوله:«و على الثاني أيضا كذلك إن قلنا بإفادة الأمر التكرار...

الخ».

التعليق على ما ذكره الفاضل التوني قدّس سرّه

قد يكون التكرار مرددا بين وجهين،كما إذا علمنا بأنه ليس للتكرار الدائمي،لكن العدد المكرر كان مرددا بين الزائد و الناقص (3) .

و هذا الإيراد لا يندفع بما ذكره قدّس سرّه:من أن الحكم في التكرار كالأمر الموقت (4) ،كما لا يخفى.

(1)فإنه يمتنع استصحابه حينئذ،لامتناع استصحاب الأمر المفهوم المردد كالمفهوم المردد،كما أوضحناه في استصحاب الكلي من شرح الكفاية.

(2)يعني:و قد اعترف به الفاضل التوني قدّس سرّه في كلامه السابق.

(3)لعل هذا خلاف ظاهر القائلين بالتكرار،بل ظاهرهم إرادة التكرار الدائمي.

(4)لأن هذا مختص بما إذا علم مقدار التكرار من ظاهر الدليل،و لو بنحو الدوام ليكون نظير الوقت المعلوم الحال،بخلاف فرض المصنف قدّس سرّه،إذا لا مجال فيه للرجوع للدليل بعد إجماله،بل لا رافع للشك.

ص: 199

فالصواب أن يقال:إذا ثبت وجوب التكرار،فالشك في بقاء ذلك الحكم من هذه الجهة مرجعه إلى الشك في مقدار التكرار،لتردده بين الزائد و الناقص،و لا يجري فيه الاستصحاب،لأن (1) كل واحد من المكرر:إن كان تكليفا مستقلا فالشك في الزائد شك في التكليف المستقل،و حكمه النفي بأصالة البراءة،لا الإثبات بالاستصحاب،كما لا يخفى.

و إن كان الزائد على تقدير وجوبه جزء من المأمور به-بأن يكون الأمر بمجموع العدد المتكرر من حيث إنه مركب واحد-فمرجعه إلى الشك في جزئية شيء للمأمور به و عدمها،و لا يجري فيه الاستصحاب أيضا،لأن (2) ثبوت الوجوب لباقي الأجزاء (3) لا يثبت وجوب هذا (1)هذا مبني على فرض التفريد في الوجود المكرر و فرضه واجبا مستقلا أو جزءا من الواجب،أما لو فرض كون وجوبه مقتضى وجوب الماهية من حيث هي بدعوى عدم سقوطه بفرد واحد منها،أمكن الرجوع إلى استصحاب وجوب الماهية.

و بالجملة:التكرار إن كان واجبا شرعيا في مقام الجعل جرى ما ذكره المصنف قدّس سرّه.و إن كان واجبا عقليا في مقام الامتثال بملاك وجوب الماهية امكن الرجوع إلى استصحاب وجوب الماهية في ظرف الشك المذكور، و امتنع الرجوع أصالة البراءة و الاشتغال،لعدم الشك في التكليف الشرعي.

فلاحظ.

(2)إشارة إلى ما تقدم في منع التمسك بالاستصحاب المذكور عند الكلام في الدليل العقلي على البراءة في مسألة الدوران بين الأقل و الأكثر الارتباطيين.

(3)و هي الأجزاء المتيقنة المعلوم ثبوت الوجوب لها سابقا و التي يشك في امتثال التكليف بها مع عدم الإتيان بالأفراد المشكوكة.

ص: 200

الشيء المشكوك في جزئيته،بل لا بد من الرجوع إلى البراءة أو قاعدة الاحتياط.

قوله:«و إلا فذمة المكلف مشغولة حتى يأتي بهما في أي زمان كان».

قد يورد عليه النقض ببعض بما عرفت حاله في العبارة الأولى (1) .

ثم إنه لو شك في كون الأمر للتكرار أو المرة كان الحكم كما ذكرنا في تردد التكرار بين الزائد و الناقص (2) .

و كذا لو أمر المولى بفعل له استمرار في الجملة-كالجلوس في المسجد- و لم يعلم مقدار استمراره،فإن الشك بين الزائد و الناقص يرجع (3) -مع فرض كون الزائد المشكوك واجبا مستقلا على تقدير وجوبه-إلى أصالة البراءة،و مع فرض كونه جزء،يرجع إلى مسألة الشك في الجزئية و عدمها، فإن المرجع فيها البراءة أو وجوب الاحتياط.

قوله:«و توهم:أن الأمر إذا كان للفور يكون من قبيل الموقت (1)لعله إشارة إلى الإيراد عليه بانه قد لا يكون للامر إطلاق من حيث الزمان فيتردد بين الوقت و غيره،و حينئذ فقد يجري الاستصحاب لاثبات وجوبه في الزمان المشكوك نظير ما تقدم في التكرار.

ثم إن المراد بالعبارة الأولى هي العبارة السابقة على هذه العبارة،لا العبارة الأولى من عبائر الفاضل التوني قدّس سرّه،فإنها اجنبية عن المقام.

(2)من حيث كونه من الدوران بين الاقل و الاكثر.

(3)و قد يرجع فيه إلى الاستصحاب بناء على التسامح العرفي،فيقال:

كان الجلوس مثلا واجبا فهو كما كان،و لا ينظر إلى الخصوصيات الزمانية الموجبة لانحلال الجلوس إلى امور متعددة،موضوعة لأحكام متعددة او لحكم واحد.

ص: 201

المضيق،اشتباه غير خفي على المتأمل».

الظاهر أنه دفع اعتراض (1) على تسويته في ثبوت الوجوب في كل جزء من الوقت بنفس الأمر بين كونه للفور و عدمه،و لا دخل له بمطلبه و هو عدم جريان الاستصحاب في الأمر الفوري (2) ،لأن كونه من قبيل الموقت المضيق لا يوجب جريان الاستصحاب فيه،لأن الفور المنزل-عند المتوهم-منزلة الموقت المضيق:

إما أن يراد به المسارعة في أول أزمنة الإمكان،و إن لم يسارع ففي ثانيها و هكذا.

و إما أن يراد به خصوص الزمان الأول فإذا فات لم يثبت بالأمر (1)يعني:انه لما ذكر الفاضل التوني أن الأمر المطلق بناء على عدم التكرار يقتضي انشغال ذمة المكلف بالفعل حتى يأتى به في أى زمان كان،فقد يتوهم الاعتراض عليه بعدم تمامية ذلك بناء على الفور،لوجوب الاتيان به في الزمان الأول لا غير،فهو ملحق بالموقت.

و حينئذ فقد دفع هذا التوهم بأن إلحاق الأمر المطلق بناء على الفور بالموقت اشتباه غير خفي.و عليه فليس غرض المعترض من إلحاقه بالموقت أن لذلك دخلا في جريان الاستصحاب،فإن الفاضل التوني قدّس سرّه لا يرى جريان الاستصحاب في الموقت و لا في المطلق فلا اثر للالحاق المذكور في ذلك عنده،بل غرضه عدم استواء اجزاء الزمان في المطلق بناء على الفور،خلافا لما ذكره الفاضل المذكور.

ثم انه سبق منا الكلام في اندفاع الاعتراض المذكور و عدمه عند تعقيب كلام الفاضل المذكور.فراجع.

(2)لما ذكرناه من أن الفاضل التوني قدّس سرّه لا يفرق في امتناع الاستصحاب بين المطلق و الموقت.

ص: 202

وجوب الفعل في الآن الثاني لا فورا و لا متراخيا (1) .

و إما أن يراد به ثبوته في الآن الثاني متراخيا.

و على الأول،فهو في كل جزء من الوقت من قبيل الموقت المضيق.

و على الثاني،فلا معنى للاستصحاب،بناء على ما سيذكره:من أن الاستصحاب لم يقل به أحد فيما بعد الوقت.

و على الثالث،يكون في الوقت الأول كالمضيق و فيما بعده كالأمر المطلق (2) .

و قد ذكر بعض شراح الوافية:أن دفع هذا التوهم لأجل استلزامه الاحتياج إلى الاستصحاب لإثبات الوجوب في ما بعد الوقت الأول.

و لم أعرف له وجها (3) .

قوله:«و كذا النهي».

(1)الظاهر أن كلام المعترض مبني على إرادة هذا الوجه دون الوجهين الآخرين فإن هذا الوجه هو الذي يشابه الموقت في عدم وجوب الاتيان بالفعل بعد الوقت و أما الوجهان الآخران فهما لا يشابهان الموقت إلا في وجوب المبادرة للفعل فى أول الوقت،و لا يظن من الفاضل التوني قدّس سرّه إنكار إلحاق المطلق الفوري بالموقت في ذلك.فتأمل.

(2)يعني:فلا يرجع إلى الاستصحاب،بل إلى إطلاق الدليل المقتضي لبقاء الوجوب في تمام أجزاء الزمان.

(3)بل عرفت أن كلام الفاضل التوني قدّس سرّه يأباه،لانه من الرجوع إلى الاستصحاب فى الموقت،فلا أثر للالحاق به في جريان الاستصحاب.

ص: 203

لا يخفى أنه قدّس سرّه لم يستوف أقسام الأمر،لأن منها ما يتردد فيه الأمر بين الموقت بوقت فيرتفع الأمر بفواته،و بين المطلق الذي يجوز امتثاله بعد ذلك الوقت،كما إذا شككنا في أن الأمر بالغسل في يوم الجمعة مطلق -فيجوز الإتيان به في كل جزء من النهار-أو موقت إلى الزوال (1) ؟ و كذا وجوب الفطرة بالنسبة إلى يوم العيد (2) ،فإن الظاهر أنه لا مانع من استصحاب الحكم التكليفي هنا ابتداء (3) .

قوله:«بل هو أولى لأن مطلقه...الخ».

كأنه قدّس سرّه لم يلاحظ إلا الأوامر و النواهي اللفظية المبينة المدلول،و إلا فإذا قام الإجماع أو دليل لفظي مجمل على حرمة شيء في زمان و لم يعلم (1)لا يخفى أن هذا من الموقت الذي تردد وقته بين الطويل و القصير،و هو الذي اشار إليه المصنف في تعقيب العبارة الثانية للفاضل التوني قدّس سرّه،لا مما يتردد بين المطلق و المقيد.

إلا أن يراد من المطلق المطلق بالإضافة إلى الوقت الخاص المشكوك فيه،لا الذي لم يؤخذ فيه وقت أصلا.

(2)فقد قيل بجواز التاخير إلى صلاة العيد،و قيل بجوازه إلى الزول،و قيل بجوازه إلى تمام يوم العيد،ثم قيل ان من لم يؤدها فيه سقطت عنه،و قيل يجب القضاء عليه.

(3)بناء على كفاية التسامح العرفي في موضوع الاستصحاب،إذ لو بني على عدمه امتنع الاستصحاب لاحتمال أخذ الوقت قيدا في الموضوع الواجب.

نعم قد يتمسك بأصالة البراءة من القيد المذكور،فيجوز التأخير و الاتيان بالخالي عنه.فلاحظ.

ص: 204

بقاؤها بعده-كحرمة الوط ء الحائض المرددة بين اختصاصها بأيام رؤية الدم فيرتفع بعد النقاء،و شمولها لزمان بقاء حدث الحيض فلا يرتفع إلا بالاغتسال،و كحرمة العصير العنبي بعد ذهاب ثلثيه بغير النار (1) ، و حلية عصير الزبيب و التمر بعد غليانهما (2) ،إلى غير ذلك مما لا تحصى- فلا مانع في ذلك كله من الاستصحاب (3) .

قوله:«فينبغي أن ينظر إلى كيفية سببية السبب هل هي على الإطلاق...الخ».

الظاهر أن مراده من سببية السبب تأثيره،لا كونه سببا في الشرع و هو الحكم الوضعي،لأن هذا لا ينقسم إلى ما ذكره من الأقسام،لكونه دائميا في جميع الأسباب إلى أن ينسخ.

فإن أراد من النظر في كيفية سببية السبب تحصيل مورد يشك في كيفية السببية ليكون موردا للاستصحاب في المسبب (4) ،فهو مناف لما ذكره:

(1)لان العصير المذكور يحرم بغليانه إجماعا،و يشك في بقاء حرمته إذا ذهب ثلثاه بغير النار.

(2)فإنهما قبل الغليان محللان إجماعا،و يشك في بقاء حليتهما بعده.و في عبارة المصنف قدّس سرّه نحو من التسامح قد يظهر بالتأمل.

(3)فتستصحب الحرمة في الحيض و العصير العنبي،و الحلية في عصير التمر و الزبيب.و قد يبتني الاستصحاب في المقام على التسامح العرفي.فتأمل.

(4)لكن هذا خلاف ظاهر كلام الفاضل التوني أو صريحه،إذ هو في مقام بيان عدم الحاجة للاستصحاب،لعدم حصول الشك بعد وفاء الأدلة بالبيان،كما هو الحال في الأحكام التكليفية عنده،فالمتعين حمل كلامه على الوجه الثاني.و ما

ص: 205

من عدم جريان الاستصحاب في التكليفيات إلا تبعا للوضعيات (1) .

و إن أراد من ذلك نفي مورد يشك في كيفية سببية السبب ليجري الاستصحاب في المسبب،فأنت خبير بأن موارد الشك كثيرة،فإن السببية قد تردد بين الدائم و الموقت-كالخيار المسبب من الغبن المتردد بين كونه دائما لو لا المسقط و بين كونه فوريا،و كالشفعة المرددة بين كونه مستمرا إلى الصبح لو علم به ليلا أم لا،و هكذا-و الموقت قد يتردد بين وقتين، كالكسوف الذي هو سبب لوجوب الصلاة المردد وقتها بين الأخذ في الانجلاء و تمامه.

قوله:«و كذا الكلام في الشرط و المانع...الخ».

لم أعرف المراد من إلحاق الشرط و المانع بالسبب (2) ،فإن شيئا من الأقسام المذكورة للسبب لا يجري في المانع و إن جرى كلها أو بعضها في أورده عليه المصنف قدّس سرّه نظير لما أورده عليه في الأحكام التكليفية.فلاحظ كلاميهما.

(1)لأن السبب قد يكون سببا للحكم التكليفي رأسا من دون توسط حكم وضعي،كحرمة وط ء الحائض المردد بين كونه مسببا عن الحيض فيرتفع بالنقاء،و كونه مسببا عن الحدث فلا يرتفع إلا بالغسل،و كذا المثال الآتي منه و هو مثال الكسوف،ففي مثل ذلك يجري استصحاب الحكم التكليفي بنفسه،لا تبعا لاستصحاب الحكم الوضعي.

(2)قال بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه:«لم اعرف الوجه في عدم معرفته دام ظله المراد من الالحاق بعد تسليمه لجريان ما ذكره من الاقسام في الشرط و المانع أيضا، إذا الوجه فيه بعد الاعتراف بما ذكر مما لا خفاء فيه،فإنه أراد منه منع مورد للشك في الشرط و المانع حتى يجري الاستصحاب فيه...».

ص: 206

المانع إذا لوحظ كونها سببا للعدم (1) ،لكن المانع بهذا الاعتبار يدخل في السبب،و كذا عدم الشرط إذا لوحظ كونه سببا لعدم الحكم.

و كذا ما ذكره في وجه عدم جريان الاستصحاب (2) بقوله:«فإن ثبوت الحكم...الخ».

فإن الحاصل من النظر في كيفية شرطية الشرط أنه:

قد يكون نفس الشيء شرطا لشيء على الإطلاق،كالطهارة من الحدث الأصغر للمس،و من الأكبر للمكث في المساجد،و من الحيض (1)لكن يمكن أن يقال:ان المانع قد يكون بنحو الدوام و الاستمرار،كمانعية القتل من الميراث،و قد يكون بنحو خاص يختص بخصوص زمان،كمانعية الصبى من الوصية العهدية للصبي،فإنه يختص بحال الصبى،فإذا ارتفع صحت الوصية السابقة له و كانت له الولاية بعد بلوغه،و لا داعي لارجاعه إلى السبب بلحاظ عدم الحكم،و كذا الحال في الشرط.

على أن ذلك أشبه بالنزاع اللفظي.

و لعله لأجل ذلك سبق من بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه أن المصنف قدّس سرّه يسلم بجريان ما ذكر من الأقسام في الشرط و المانع،و إلاّ فصريح كلام المصنف قدّس سرّه عدم جريان الأقسام المذكورة إلا بعد إرجاع المانع و الشرط إلى السبب.

ثم إنه قدّس سرّه قال بعد ما سبق من الإشكال في كلام المصنف قدّس سرّه:«فالمراد مما ذكره (دام ظله)حسبما صرح به في مجلس البحث-و إن كان خلاف ظاهر العبارة-هو أنه لا نفع في إلحاق الشرط و المانع بالسبب،لما عرفت من جريان الاستصحاب فيه فتدبر».

(2)لا يخفى أن الفاضل التوني قدّس سرّه قد ذكر هذا في وجه عدم جريان الاستصحاب في السبب،لا في وجه عدم جريانه في المانع و الشرط.فلاحظ كلامه.

ص: 207

للوط ء و وجوب العبادة.

و قد يكون شرطا له في حال دون حال،كاشتراط الطهارة من الخبث في الصلاة مع التمكن،لا مع عدمه.

و قد يكون حدوثه في زمان ما شرطا للشيء فيبقى المشروط و لو بعد ارتفاع الشرط،كالاستطاعة للحج.

و قد يكون تأثير الشرط بالنسبة إلى فعل دون آخر،كالوضوء العذري المؤثر فيما يؤتى به حال العذر.

فإذا شككنا (1) في مسألة الحج في بقاء وجوبه بعد ارتفاع الاستطاعة، فلا مانع من استصحابه.

و كذا لو شككنا في اختصاص الاشتراط بحال التمكن من الشرط -كما إذا ارتفع التمكن من إزالة النجاسة في أثناء الوقت-فإنه لا مانع من استصحاب الوجوب (2) .

و بالجملة:فلا أجد كيفية شرطية الشرط مانعة عن جريان (1)لا يخفى ان الفاضل التوني قدّس سرّه لم يفرض صورة الشك،و فرض ظهور الأدلة و عدم إجمالها من هذه الجهات،و هو موجب للاستغناء عن الاستصحاب.

نعم عرفت الإشكال في الفرض المذكور،و أن الأدلة قد تكون مجملة.ثم إن الاستصحاب في هذه الموارد قد يبتني على التسامح العرفي،فلا بد من التأمل التام فى ذلك.

(2)يعني:وجوب الصلاة،المقتضي للاكتفاء بالصلاة مع النجاسة.تقدم الكلام في الاستصحاب المذكور في التنبيه الثاني من تنبيهات مسألة الدوران بين الاقل و الاكثر الارتباطيين،و يأتي في التنبيه الحادي عشر من تنبيهات الاستصحاب.

ص: 208

الاستصحاب في المشروط،بل قد يوجب إجراءه فيه (1) .

قوله:«فظهر مما ذكرنا أن الاستصحاب المختلف فيه لا يجري إلا في الأحكام الوضعية،أعني:الأسباب و الشروط و الموانع...الخ».

لا يخفى ما في هذا التفريع،فإنه لم يظهر من كلامه جريان الاستصحاب في الأحكام الوضعية بمعنى نفس الأسباب و الشروط و الموانع (2) ،و لا عدمه فيها بالمعنى المعروف (3) .نعم،علم من كلامه عدم الجريان في (1)يعني:في صور الشك التي عرفت أن مبني كلام الفاضل التوني قدّس سرّه على إغفالها.

(2)لأن كلامه السابق ناظر إلى عدم جريان الاستصحاب،لا إلى جريانه، كما سبق منا فى تعقيب كلامه،و سبق توجيهه.فراجع.

(3)يعني:و لا ظهر من كلامه عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الوضعية بالمعنى المعروف أعني:نفس السببية و الشرطية و المانعية.

و بعبارة أخرى:الكلام تارة:في جريان الاستصحاب في نفس الأحكام الوضعية و هي السببية و اخواتها.

و أخرى:في جريانه في موضوعها،و هو نفس السبب و أخويه.

و ثالثة:في جريانه في المسبب اعنى الحكم التكليفي كحرمة الوط ء المسبب عن الحيض.

فمراد المصنف قدّس سرّه أن الفاضل التوني قدّس سرّه ذكره أنه ظهر من الكلام السابق عدم جريان الاستصحاب إلا في المورد الثاني،مع أن كلامه لم يتضمن الوجه في جريانه فى المورد المذكور،و لا الوجه في عدم جريانه في المورد الأول و إنما تضمن الوجه فى عدم جريانه في المورد الثالث لا غير،فلا وجه لدعوى استفادة التفصيل المذكور من كلامه.

ص: 209

المسببات،لزعمه انحصارها في المؤبد و الموقت بوقت محدود معلوم.

فبقي أمران:أحدهما:نفس الحكم الوضعي،و هو جعل الشيء سببا لشيء أو شرطا.و اللازم عدم جريان الاستصحاب فيها،لعين ما ذكره في الأحكام التكليفية (1) .

و الثاني:نفس الأسباب و الشروط.

و يرد عليه:أن نفس السبب و الشرط و المانع إن كان أمرا غير شرعي، فظاهر كلامه-حيث جعل محل الكلام في الاستصحاب المختلف فيه هي الامور الشرعية (2) -خروج مثل هذا عنه،كحياة زيد و رطوبة ثوبه.و إن كان أمرا شرعيا-كالطهارة و النجاسة-فلا يخفى أن هذه الامور الشرعية أقول:أما ما ذكره من عدم وفاء كلام الفاضل التوني بوجه جريانه في المورد الثاني فقد عرفت الكلام فيه.

و أما ما ذكره من عدم وفائه بوجه عدم جريانه في المورد الأول،فهو غير ظاهر،بل ظاهر كلام الفاضل التوني هو عدم جريان الاستصحاب في نفس الأحكام الوضعية،لفرض عدم إجمال أدلتها حتى يحتاج إلى الاستصحاب،فعدم إجمال الأدلة كما يمنع من جريان الاستصحاب في المورد الثالث يمنع من جريانه في الأول للتلازم بينهما في الشك و اليقين-فلاحظ كلامه.

(1)لما عرفت من أن فرض عدم الاجمال في الأدلة يمنع من الشك المعتبر في الاستصحاب لكن عرفت أن هذا ظاهر من كلام الفاضل التوني أيضا.

(2)لم يظهر من كلام الفاضل التوني قدّس سرّه المتقدم تخصيص الاستصحاب بالامور الشرعية و قد نقل بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه عن المصنف قدّس سرّه في مجلس الدرس في توجيه حمل كلامه على ذلك وجهين لا يخلوان عن إجمال،و قد أطال قدّس سرّه الكلام فيهما و دفعهما،بما لا مجال لإطالة الكلام فيه.

ص: 210

مسببة عن أسباب،فإن النجاسة التي مثل بها في الماء المتغير مسببة عن التغير،و الطهارة التي مثل بها في مسألة المتيمم مسببة عن التيمم،فالشك في بقائها لا يكون إلا للشك في كيفية سببية السبب الموجب لإجراء الاستصحاب في المسبب-أعني النجاسة و الطهارة-و قد سبق منه المنع عن جريان الاستصحاب في المسبب.

و دعوى:أن الممنوع في كلامه جريان الاستصحاب في الحكم التكليفي المسبب عن الأسباب (1) إلا تبعا لجريانه في نفس الأسباب.

مدفوعة:بأن النجاسة-كما حكاه المفصل عن الشهيد (2) -ليست إلا عبارة عن وجوب الاجتناب،و الطهر الحاصل من التيمم ليس إلا إباحة الدخول في الصلاة المستلزمة لوجوب المضي فيها بعد الدخول،فهما أمران اعتباريان منتزعان من الحكم التكليفي.

قوله:«و وقوعه في الأحكام الخمسة إنما هو بتبعيتها...الخ».

قد عرفت و ستعرف أيضا:أنه لا خفاء في أن استصحاب النجاسة (1)حيث قال:«فإذا جعل الشارع شيئا سببا لحكم من الأحكام الخمسة كالدلوك لوجوب الظهر...»،و لا عموم في كلامه لما إذا كان المسبب أمرا شرعيا آخر كالطهارة و النجاسة.

(2)لا يخفى أن مجرد حكاية التوني ذلك عن الشهيد لا يدل على اختياره له.

بل سبق منا إنكاره و إن اختاره المصنف قدّس سرّه فالأولى في الإشكال على التوني أن ما ذكره في وجه المنع من استصحاب الأحكام التكليفية من فرض عدم الإجمال في ادلتها المانع من وجود الشك-جار في غيرها من الامور الشرعية المسببة كالنجاسة و غيرها فتخصيص المنع بالأحكام التكليفية فى غير محله.

ص: 211

لا يعقل له معنى إلا ترتيب أثرها (1) -أعني وجوب الاجتناب في الصلاة و الأكل و الشرب-فليس هنا استصحاب للحكم التكليفي،لا ابتداء و لا تبعا،و هذا كاستصحاب حياة زيد،فإن حقيقة ذلك هو الحكم بتحريم عقد زوجته و التصرف في ماله،و ليس هذا استصحابا لهذا التحريم.

فإن التحقيق-كما سيجيء-:عدم جواز إجراء الاستصحاب في الأحكام التي يستصحب موضوعاتها،لأن استصحاب وجوب الاجتناب إن كان-مثلا-بملاحظة استصحاب النجاسة فقد عرفت أنه لا يبقى بهذه الملاحظة شك في وجوب الاجتناب،لما عرفت:من أن حقيقة حكم الشارع باستصحاب النجاسة هو حكمه بوجوب الاجتناب حتى يحصل اليقين بالطهارة.و إن كان مع قطع النظر عن استصحابها فلا يجوز الاستصحاب،فإن وجوب الاجتناب سابقا عن الماء المذكور إنما كان من حيث كونه نجسا،لأن النجس هو الموضوع لوجوب الاجتناب،فما لم (1)فالأثر ليس مستصحبا،بل التعبد به مقتضى استصحاب النجاسة لا غير.

لكن لا يبعد كون هذا هو مراد التوني قدّس سرّه من أن وقوع الاستصحاب في الأحكام التكليفية يتبع استصحاب الأحكام الوضعية،إذ مرجعه إلى أن التعبد بالحكم التكليفي ليس لاجل سبق اليقين به،بل لاجل سبق اليقين بالحكم الوضعي، فلا يرد عليه شيء.

ثم إن ما فرضه المصنف قدّس سرّه من أن الحكم التكليفي من آثار الأمر الوضعي -كالنجاسة-لا يناسب ما سبق منه قريبا من كون الأحكام الوضعية-حتى مثل النجاسة-منتزعة من الأحكام التكليفية،بل يناسب ما ذكرنا من كونها مجعولات شرعية و أنها مأخوذة في موضوعات الأحكام التكليفية.فتأمل.

ص: 212

يحرز الموضوع في حال الشك لم يجر الاستصحاب (1) ،كما سيجيء في مسألة اشتراط القطع ببقاء الموضوع في الاستصحاب.

شبهة أخرى في منع جريان الاستصحاب في الأحكام التكليفية

ثم اعلم:أنه بقي هنا شبهة اخرى في منع جريان الاستصحاب في الأحكام التكليفية مطلقا،و هي:أن الموضوع للحكم التكليفي ليس إلا فعل المكلف،و لا ريب أن الشارع-بل كل حاكم-إنما يلاحظ الموضوع بجميع مشخصاته التي لها دخل في ذلك الحكم (2) ثم يحكم عليه.

و حينئذ،فإذا أمر الشارع بفعل-كالجلوس في المسجد مثلا-فإن كان الموضوع فيه هو مطلق الجلوس فيه الغير المقيد بشيء أصلا،فلا إشكال في عدم ارتفاع وجوبه إلا بالإتيان به (3) ،إذ لو ارتفع الوجوب بغيره (4) (1)لكن الظاهر إحراز بقاء الموضوع بناء على أن المدار فيه على التسامح العرفي-كما هو مختاره قدّس سرّه-إذ يصح أن يقال:كان شرب هذا الماء محرما فهو كما كان، و ليست النجاسة بنظر العرف إلا من سنخ الصفات الطارئة غير المقومة للموضوع.

فلاحظ.

(2)فإذا كان الموضوع كليا-كما هو الحال في فعل المكلف الملحوظ في القضية الشرعية-كانت الخصوصيات و القيود مقومة له و منوعة لجنسه،بنحو يكون تخلفها موجبا لاختلاف الموضوع،فالجلوس قبل الزوال مباين للجلوس بعده كمباينة الجلوس للقيام و الجلوس في المسجد للجلوس في الدار،بخلاف ما لو كان جزئيا خارجيا له نحو من الاستمرار،فإن اختلاف الخصوصيات لا يوجب تعدده، فاحتمال دخلها في ثبوت الحكم لا يستلزم احتمال تخلف الموضوع بتخلفها،كما يظهر بأدنى تأمل.

(3)أو بتعذره.

(4)كحصول الزوال.

ص: 213

كان ذلك الرافع من قيود الفعل (1) ،و كان الفعل المطلوب مقيدا بعدم هذا القيد من أول الأمر،و المفروض خلافه.

و إن كان الموضوع فيه هو الجلوس المقيد بقيد،كان عدم ذلك القيد موجبا لانعدام الموضوع (2) ،فعدم مطلوبيته (3) ليس بارتفاع الطلب عنه (4) ،بل لم يكن مطلوبا من أول الأمر.

و حينئذ فإذا شك في الزمان المتأخر في وجوب الجلوس،يرجع الشك إلى الشك في كون الموضوع للوجوب هو الفعل المقيد،أو الفعل المعرى عن هذا القيد.

و من المعلوم عدم جريان الاستصحاب هنا،لأن معناه (5) إثبات حكم كان متيقنا لموضوع معين عند الشك في ارتفاعه عن ذلك الموضوع، و هذا غير متحقق فيما نحن فيه.

و كذا الكلام في غير الوجوب من الأحكام الأربعة الأخر،لاشتراك الجميع في كون الموضوع لها هو فعل المكلف الملحوظ للحاكم بجميع مشخصاته،خصوصا إذا كان حكيما،و خصوصا عند القائل بالتحسين (1)يعني:كان عدمه من قيود الفعل،فيكون حصوله موجبا لتعذر الفعل المكلف به،فيسقط التكليف،لتعذر موضوعه.

(2)الموجب لتعذر الواجب،فيسقط التكليف به.

(3)يعني:عدم مطلوبية الفعل الخالي عن القيد.

(4)كي يرجع مع الشك فيه إلى استصحابه و أصالة عدم ارتفاعه.

(5)يعني:معنى الاستصحاب.

ص: 214

و التقبيح،لمدخلية المشخصات في الحسن و القبح حتى الزمان (1) .

و به يندفع ما يقال:إنه كما يمكن أن يجعل الزمان ظرفا للفعل،بأن يقال:إن التبريد في زمان الصيف مطلوب،فلا يجري الاستصحاب إذا شك في مطلوبيته في زمان آخر،أمكن أن يقال:إن التبريد مطلوب في زمان الصيف،على أن يكون الموضوع نفس التبريد و الزمان قيدا للطلب، و حينئذ فيجوز استصحاب الطلب إذا شك في بقائه بعد الصيف،إذ الموضوع باق على حاله (2) .

توضيح الاندفاع:أن القيد في الحقيقة راجع إلى الموضوع،و تقييد الطلب به أحيانا في الكلام مسامحة في التعبير (3) -كما لا يخفى-فافهم.

(1)فيمتنع من الحكيم جعل الحكم على الموضوع المطلق مع اختصاص الحسن أو القبح بالمقيد الواجد للخصوصية.لكن الظاهر أن ذلك لا دخل له فيما نحن بصدده،إذ مع فرض ملاحظة الأمر للقيد يرتفع التكليف بتخلفه و لو لم يكن حكيما،أو لم نقل بالتحسين و التقبيح،و مع عدم أخذه له لا يرتفع التكليف بتخلفه كذلك.فلاحظ.

(2)فبقاء الحكم له ليس وجودا آخر من الحكم غير الوجود المتيقن،بل هو استمرار لذلك الوجود الأول فيصح استصحابه مع الشك،و ليس كالصورة الأولى لان تبدل الموضوع بتبدل قيده موجب لتعدد الحكم الوارد عليه،و مباينة الحكم المشكوك للمتيقن،و ليس هو استمرارا له.

(3)هذا مبني على مختار المصنف قدّس سرّه في الواجب المشروط من رجوع قيود الهيئة إلى المادة لبا.أما بناء على ما هو الظاهر من عدم رجوع قيود إحداهما للأخرى للاختلاف بينها ذاتا و أثرا،فلا مجال لدعوى تعدد الموضوع،و لا يمتنع جريان الاستصحاب لو فرض عدم رجوع القيد للمادة،و إنما احتمل رجوعه للهيئة

ص: 215

و بالجملة:فينحصر مجرى الاستصحاب في الامور القابلة للاستمرار في موضوع،و للارتفاع عن ذلك الموضوع بعينه،كالطهارة و الحدث و النجاسة و الملكية و الزوجية و الرطوبة و اليبوسة و نحو ذلك (1) .

لا غير.

و لاجل ذلك يلزم التفصيل بين القيدين،لا إطلاق المنع-كما هو مبني الشبهة-و لا إطلاق الجواز اتكالا على التسامح العرفي-كما سيأتي منه قدّس سرّه-لعدم العبرة بتسامح العرف في الاستصحاب و لا في غيره من موارد تطبيق موضوعات الأحكام على جزئياتها الشخصية.

نعم يجب الرجوع إلى العرف في فهم موضوع القضية الشرعية ثم إحراز بقاء ذلك الموضوع حقيقة،و ذلك لا ينطبق إلا على التفصيل بالوجه الذي ذكرنا.

فلاحظ.

(1)مما يتعلق بالامور الجزئية كالماء و الثوب و المرأة و الدينار و الدرهم و نحو ذلك من الامور الجزئية،فإن موضوع القضية الكلية الشرعية و إن كان كليا أيضا، إلا أنها مسوقة لتحديد القضايا الجزئية التي هي موضوع الأثر،و موضوعاتها هي الامور الجزئية التي لا تتبدل و لا تتعدد بتوارد الحالات المختلفة-التي يحتمل دخلها في الحكم-عليها،فلا مانع من الاستصحاب معها.

و منه يظهر أن ما يكون من هذه الأمور متعلقا بالامور الكلية لا مجال لاستصحابه لو فرض تبدل ما يحتمل كونه قيدا في الموضوع،كما في الملكية حيث انها قد تتعلق بالاعمال و المنافع و الذميات و نحوها من الامور الكلية،ففى مثل ذلك لا مجال لاستصحابها،كما لو احتمل كون المنفعة المملوكة للعين خصوص منفعة النهار،فلا مجال لدعوى استصحابها إلى الليل بان يقال:كانت منفعة الدار مثلا مملوكة فهى كما كانت،إلا أن يحتمل كون القيد قيدا للملكية لا للمملوك،على ما سبق في الأحكام التكليفية.فلاحظ.

ص: 216

و منه يظهر عدم جريان الاستصحاب في الحكم الوضعي أيضا إذا تعلق بفعل الشخص (1) .

الجواب عن هذه الشبهة

هذا،و الجواب عن ذلك:أن مبنى الاستصحاب-خصوصا إذا استند فيه إلى الأخبار (2) -على القضايا العرفية المتحققة في الزمان السابق التي ينتزعها العرف من الأدلة الشرعية (3) ،فإنهم لا يرتابون في أنه إذا ثبت تحريم فعل في زمان ثم شك في بقائه بعده،فإن الشك في هذه المسألة في استمرار الحرمة لهذا الفعل و ارتفاعها (4) ،و إن كان مقتضى المداقة العقلية (1)لانه كلي كما ذكرنا،و كذا لو تعلق بالمنافع و الاعيان الكلية و نحوها و ذلك كما في الاجارة و النذر و اليمين و نحوها.

(2)أما لو استند فيه إلى حكم العقل فقد يدعى أنه مبني على المدافة،بخلاف الأخبار،و لابتنائها على المفاهيم العرفية.

لكن من الظاهر أن العرف إنما يرجع إليه في تحديد المعنى المفهوم من الدليل، و لا وجه للرجوع إليه في تطبيق الكبريات على صغرياتها،خصوصا مع ابتناء التطبيق على التسامح و التساهل و التغافل عن الخصوصيات المأخوذة في الأدلة،و لذا ليس بناؤهم على الاكتفاء في المقادير-كالرطل و الفرسخ-بتسامح العرف في تطبيقها على ما زاد قليلا أو نقص كذلك،و لم يتضح الوجه في خصوصية الاستصحاب في ذلك.

(3)إن رجع انتزاع العرف إلى تعيين المدلول الدليل فلا اشكال في الاكتفاء به،و إن رجع إلى التسامح في تطبيقه فلا وجه للتعويل عليه.

(4)هذا متفرع على البناء على كون الموضوع مطلقا غير مقيد،و لو فرض البناء على كونه مقيدا لم يرتابوا في ارتفاع الموضوع و عدم قابلية الحكم للاستمرار.

و حينئذ فاللازم النظر في منشأ البناء على كون الموضوع مطلقا،فإن كان

ص: 217

كون الزمان قيدا للفعل (1) .و كذلك الإباحة و الكراهة و الاستحباب.

نعم قد يتحقق في بعض الواجبات مورد لا يحكم العرف بكون الشك في الاستمرار،مثلا:إذا ثبت في يوم وجوب فعل عند الزوال،ثم شككنا في الغد أنه واجب اليوم عند الزوال،فلا يحكمون باستصحاب ذلك،و لا يبنون على كونه مما شك في استمراره و ارتفاعه،بل يحكمون في الغد بأصالة عدم الوجوب قبل الزوال.أما لو ثبت ذلك مرارا،ثم شك فيه بعد أيام،فالظاهر حكمهم بأن هذا الحكم كان مستمرا و شك في ارتفاعه،فيستصحب (2) .

و من هنا ترى الأصحاب يتمسكون باستصحاب وجوب التمام عند الشك في حدوث التكليف بالقصر،و باستصحاب وجوب العبادة مستندا لفهم الإطلاق من الأدلة،فلا إشكال في التعويل على ذلك،و إن كان مستندا للتسامح فلا عبرة به.

(1)بناء على رجوع جميع القيود للمادة،و قد عرفت الإشكال فيه.

(2)الظاهر أن هذا مبني على استصحاب القضية التعليقية المطلقة،و هو موقوف على فرض القضية المستمرة مجعولة بنحو القضية الحقيقية،لا الخارجية المختصة بالزمان الخاص.

و منه يظهر الفرق بين ثبوته سابقا مرة واحدة و ثبوته مرارا،فإن الغالب الأول عدم كون القضية بالإضافة إلى الزمان حقيقية بخلاف الثاني،فلو فرض العكس تعين قابلية الحكم للاستمرار،فيصح الاستصحاب لو فرض تحقق الشك فيه.

هذا كله بناء على جريان الاستصحاب التعليقي،كما هو مختار المصنف قدّس سرّه، و يأتي الكلام فيه في التنبيه الرابع.

ص: 218

عند شك المرأة في حدوث الحيض،لا من جهة أصالة عدم السفر الموجب للقصر،و عدم الحيض المقتضي لوجوب العبادة-حتى (1) يحكم بوجوب التمام،لأنه من آثار عدم السفر الشرعي الموجب للقصر،و لوجوب العبادة، لأنه من آثار عدم الحيض-بل من جهة كون التكليف بالتمام و بالعبادة عند زوال كل يوم أمرا مستمرا (2) عندهم و إن (3) كان التكليف يتجدد يوما فيوما،فهو في كل يوم مسبوق بالعدم،فينبغي أن يرجع إلى استصحاب عدمه،لا استصحاب وجوده.

و الحاصل:أن المعيار حكم العرف بأن الشيء الفلاني كان مستمرا فارتفع و انقطع،و أنه مشكوك الانقطاع.و لو لا ملاحظة هذا التخيل العرفي لم يصدق على النسخ أنه رفع للحكم الثابت أو لمثله،فإن عدم التكليف في وقت الصلاة بالصلاة إلى القبلة المنسوخة دفع في الحقيقة للتكليف،لا رفع (4) .

(1)نتيجة للمنفي في قوله:«لا من جهة...»لا للنفي.

(2)لا معنى للاستمرار في الامور المتعاقبة التي يتخللها العدم،كالصلاة التي يرتفع وجوبها بخروج الوقت.

نعم قد يتجه الاستمرار بلحاظ القضية الحقيقية الكلية الراجعة إلى القضية التعليقية،فيبنى الاستصحاب على ما سبق.

(3)(إن)هنا وصلية،و هو اشارة إلى ما ذكرناه من عدم قابلية المورد للاستمرار لتخلل العدم بخروج الوقت.

(4)هذا بالإضافة إلى التكليف التنجيزي الحقيقي الناشئ من الملاك،اما بالإضافة إلى التكليف الكلي الصوري،التعليقي المستفاد من القضية الحقيقية الملقاة

ص: 219

و نظير ذلك (1) -في غير الأحكام الشرعية-ما سيجيء:من إجراء الاستصحاب في مثل الكرية و عدمها (2) ،و في الأمور التدريجية المتجددة شيئا فشيئا (3) ،و في مثل وجوب الناقص بعد تعذر بعض الأجزاء فيما لا يكون الموضوع فيه باقيا إلا بالمسامحة العرفية (4) ،كما سيجيء إن شاء اللّه تعالى.

عند بيان التكليف فهو رفع لا دفع.

و الظاهر أن إطلاق النسخ و الرفع على ملاحظة لا ملاحظة التكليف الحقيقي التنجيزي،و لا على التسامح العرفي،و لذا يصدق مع وحدة الواقعة المجعولة حقيقة، بل يصدق على النسخ قبل مجيء وقت العمل،مع عدم جعل حكم حقيقي أصلا.

و قد أطلنا الكلام في توضيح ذلك في مبحث استصحاب أحكام الشرائع السابقة من شرح الكفاية.

و لعله يأتي فيه بعض الكلام في التنبيه التاسع من تنبيهات الاستصحاب.

(1)يعني في الابتناء على التسامح العرفي.

(2)تقدم منا امتناع الاستصحاب في الكرية و عدمها،لما ذكرناه هنا من الوجه.

(3)كالزمان و الحركة و الكلام.لكن الظاهر عدم ابتناء الاستصحاب فيها على التسامح العرفي،بل هو مبني على الرجوع للعرف في تحديد الموضوع،الذي عرفت أنه لا بأس به.

(4)الظاهر امتناع الاستصحاب في مثل ذلك،لما ذكرناه هنا،و قد سبق التعرض له في التنبيه الثاني من تنبيهات مسألة الدوران بين الأقل و الأكثر الارتباطيين، و يأتي في التنبيه الحادي عشر من تنبيهات الاستصحاب إن شاء اللّه تعالى.

ص: 220

حجة القول الثامن

التفصيل بين ما ثبت بالإجماع و غيره و نسبته إلى الغزالي

حجة القول الثامن (1) و جوابها يظهر بعد بيانه و توضيح القول فيه.فنقول:

قد نسب جماعة إلى الغزالي القول بحجية الاستصحاب و إنكارها في استصحاب حال الإجماع،و ظاهر ذلك كونه مفصلا في المسألة.

و قد ذكر في النهاية مسألة الاستصحاب،و نسب إلى جماعة منهم الغزالي حجيته،ثم أطال الكلام في أدلة النافين و المثبتين،ثم ذكر عنوانا آخر لاستصحاب حال الإجماع،و مثل له بالمتيمم إذا رأى الماء في أثناء الصلاة،و بالخارج من غير السبيلين من المتطهر،و نسب إلى الأكثر و منهم الغزالي عدم حجيته.

ظاهر كلام الغزالي إنكار الاستصحاب مطلقا

إلا أن الذي يظهر بالتدبر في كلامه المحكي في النهاية:هو إنكار الاستصحاب المتنازع فيه رأسا و إن ثبت المستصحب بغير الإجماع من الأدلة المختصة دلالتها بالحال الأول المعلوم انتفاؤها في الحال الثاني،فإنه قد يعبر عن جميع ذلك باستصحاب حال الإجماع،كما ستعرف في كلام (1)و هو التفصيل بين ما إذا كان ثبوت المستصحب في الزمان الأول بالاجماع و ما إذا كان ثبوته بغيره،فيجري الاستصحاب في الثاني دون الأول.

ص: 221

الشهيد رحمه اللّه،و إنما المسلم عنده (1) استصحاب عموم النص أو إطلاقه الخارج عن محل النزاع،بل عن حقيقة الاستصحاب حقيقة.

فمنشأ نسبة التفصيل إطلاق الغزالي الاستصحاب على استصحاب عموم النص أو إطلاقه،و تخصيص عنوان ما أنكره باستصحاب حال الإجماع،و إن صرح في أثناء كلامه بإلحاق غيره-مما يشبهه في اختصاص مدلوله بالحالة الأولى-به في منع جريان الاستصحاب فيما ثبت.

قال في الذكرى-بعد تقسيم حكم العقل الغير المتوقف على الخطاب إلى خمسة أقسام:ما يستقل به العقل كحسن العدل،و التمسك بأصل البراءة،و عدم الدليل دليل العدم،و الأخذ بالأقل عند فقد دليل على الأكثر-:

الخامس:أصالة بقاء ما كان،و يسمى استصحاب حال الشرع و حال الإجماع في محل الخلاف (2) .مثاله:المتيمم...الخ،و اختلف الأصحاب في حجيته،و هو مقرر في الأصول.انتهى.

و نحوه ما حكي عن الشهيد الثاني في مسألة أن الخارج من غير السبيلين ناقض أم لا؟و في مسألة المتيمم...الخ،و صاحب الحدائق في الدرر النجفية،بل استظهر هذا (3) من كل من مثل لمحل النزاع بمسألة (1)يعني:عند الغزالي.

(2)متعلق بقوله:«استصحاب...».

(3)يعني:أن المراد من استصحاب حال الاجماع ما يعم استصحاب حال غيره من الأدلة.أو أن الانكار يعمم جميع الاقسام،و لا يختص بحال الاجماع.

ص: 222

المتيمم،كالمعتبر و المعالم و غيرهما.

و لا بد من نقل عبارة الغزالي-المحكية في النهاية-حتى يتضح حقيقة الحال.

كلام الغزالي
كلام الغزالي

قال الغزالي-على ما حكاه في النهاية-:

المستصحب إن أقر بأنه لم يقم دليلا في المسألة،بل قال:أنا ناف و لا دليل على النافي،فسيأتي بيان وجوب الدليل على النافي،و إن ظن إقامة الدليل فقد أخطأ،فإنا نقول:إنما يستدام الحكم الذي دل الدليل على دوامه،و هو (1) إن كان لفظ الشارع فلا بد من بيانه،فلعله يدل على دوامها عند عدم الخروج من غير السبيلين لا عند وجوده.و إن دل بعمومه على دوامها عند العدم و الوجود معا كان ذلك تمسكا بالعموم،فيجب إظهار دليل التخصيص.

و إن كان بالإجماع فالإجماع إنما انعقد على دوام الصلاة عند العدم دون الوجود (2) ،و لو كان الإجماع شاملا حال الوجود كان المخالف خارقا للإجماع،كما أن المخالف في انقطاع الصلاة عند هبوب الرياح و طلوع الشمس خارق للإجماع،لأن الإجماع لم ينعقد مشروطا بعدم الهبوب و انعقد مشروطا بعدم الخروج و عدم الماء،فإذا وجد فلا إجماع،فيجب أن يقاس حال الوجود على حال العدم المجمع عليه لعلة جامعة (3) ،فأما أن (1)يعني:الدليل الدال على النفي.

(2)يعني:دون وجود الخروج من غير السبيلين.

(3)و هي عموم الاجماع لحال العدم.أو أن المراد بالعلة هي العلة المصححة.

ص: 223

يستصحب الإجماع عند انتفاء الإجماع فهو محال.و هذا كما أن العقل دل على البراءة الأصلية بشرط عدم دليل السمع،فلا يبقى له دلالة مع وجود دليل السمع،فكذا هنا انعقد الإجماع بشرط العدم،فانتفى الإجماع عند الوجود.

و هذه دقيقة:و هو أن كل دليل يضاده نفس الخلاف فلا يمكن استصحابه مع الخلاف،و الإجماع يضاده نفس الخلاف،إذ لا إجماع مع الخلاف،بخلاف العموم و النص و دليل العقل،فإن الخلاف لا يضاده (1) ، فإن المخالف مقر بأن العموم بصيغته شامل لمحل الخلاف،فإن قوله عليه و آله الصلاة و السلام:«لا صيام لمن لا يبيت الصيام من الليل»شامل بصيغته صوم رمضان،مع خلاف الخصم فيه،فيقول:«اسلم شمول الصيغة،لكني اخصه بدليل»فعليه الدليل.

و هنا،هذا المخالف لا يسلم شمول الإجماع لمحل الخلاف،لاستحالة الإجماع مع الخلاف،و لا يستحيل عدم شمول الصيغة مع الخلاف.فهذه دقيقة يجب التنبيه لها.

ثم قال:فإن قيل:الإجماع يحرم الخلاف،فكيف يرتفع بالخلاف؟

و أجاب:بأن هذا الخلاف غير محرم بالإجماع،و لم يكن المخالف خارقا للإجماع،لأن الإجماع إنما انعقد على حالة العدم،لا على حالة الوجود،فمن ألحق الوجود بالعدم فعليه الدليل.

للقياس و حينئذ فيكون التمسك بالقياس لا بالاجماع و لا بالاستصحاب.

(1)يعني:فيمكن الرجوع إليه مع الخلاف لو فرض تمامية شروط العمل به.

ص: 224

لا يقال:دليل صحة الشروع (1) دال على الدوام إلى أن يقوم دليل على الانقطاع.

لأنا نقول:ذلك الدليل (2) ليس هو الإجماع،لأنه مشروط بالعدم، فلا يكون دليلا عند العدم،و إن كان نصا فبينه حتى ننظر هل يتناول حال الوجود أم لا؟

لا يقال:لم ينكروا على من يقول:الأصل أن ما ثبت دام إلى وجود قاطع،فلا (3) يحتاج الدوام إلى دليل في نفسه،بل الثبوت هو المحتاج،كما إذا ثبت موت زيد أو بناء دار كان دوامه (4) بنفسه لا بسبب.

لأنا نقول:هذا وهم باطل،لأن كل ما ثبت يجوز دوامه و عدمه،فلا بد لدوامه من سبب و دليل سوى دليل الثبوت.و لو لا دليل العادة على أن الميت لا يحيى و الدار لا ينهدم إلا بهادم أو طول الزمان،لما عرفنا دوامه بمجرد ثبوته،كما لو اخبرنا عن قعود الأمير و أكله و دخوله الدار،و لم يدل العادة على دوام هذه الأحوال،فإنا لا نقضي بدوامها.و كذا خبر الشارع عن دوام الصلاة مع عدم الماء ليس خبرا عن دوامها مع وجوده،فيفتقر في دوامها إلى دليل آخر،انتهى.

(1)يعني:في الصلاة مع التيمم.

(2)يعني:الدال على صحة الشروع المدعى دلالته على الدوام.

(3)تفريع على قوله:«لم ينكروا على من يقول...»و ليس هو داخلا في مقول القول.

(4)يعني:دوام ما ثبت،و هي جملة مستأنفة.

ص: 225

و لا يخفى أن كثيرا من كلماته-خصوصا قوله أخيرا:«خبر الشارع عن دوامها»-صريح في أن هذا الحكم غير مختص بالإجماع،بل يشمل كل دليل يدل على قضية مهملة من حيث الزمان بحيث يقطع بانحصار مدلوله الفعلي في الزمان الأول.

نسبة شارح المختصر القول بحجية الاستصحاب مطلقا إلى الغزالي

و العجب من شارح المختصر،حيث إنه نسب القول بحجية الاستصحاب إلى جماعة منهم الغزالي،ثم قال:

و لا فرق عند من يرى صحة الاستدلال به بين أن يكون الثابت به نفيا أصليا،كما يقال فيما اختلف كونه نصابا:لم يكن الزكاة واجبة عليه و الأصل بقاؤه،أو حكما شرعيا،مثل قول الشافعي في الخارج من غير السبيلين:إنه كان قبل خروج الخارج منه متطهرا إجماعا،و الأصل البقاء حتى يثبت معارض،و الأصل عدمه،انتهى.

و لا يخفى:أن المثال الثاني،مما نسب إلى الغزالي إنكار الاستصحاب فيه،كما عرفت من النهاية و من عبارته المحكية فيها.

كلام السيد الصدر قدّس سرّه في الجمع بين قولي الغزالي

ثم إن السيد صدر الدين جمع في شرح الوافية بين قولي الغزالي:

تارة:بأن قوله بحجية الاستصحاب ليس مبنيا على ما جعله القوم دليلا من حصول الظن،بل هو مبني على دلالة الروايات عليها،و الروايات لا تدل على حجية استصحاب حال الإجماع.

و أخرى:بأن غرضه من دلالة الدليل على الدوام،كونه بحيث لو علم أو ظن وجود المدلول في الزمان الثاني أو الحالة الثانية لأجل موجب لكان حمل الدليل على الدوام ممكنا،و الإجماع ليس كذلك،لأنه يضاد

ص: 226

الخلاف،فكيف يدل على كون المختلف فيه مجمعا عليه؟كما يرشد إليه قوله:«و الإجماع يضاده نفس الخلاف،إذ لا إجماع مع الخلاف،بخلاف النص و العموم و دليل العقل،فإن الخلاف لا يضاده».و يكون غرضه من قوله:«فلا بد لدوامه من سبب»الرد على من ادعى أن علة الدوام هو مجرد تحقق الشيء في الواقع،و أن الإذعان به يحصل من مجرد العلم بالتحقق، فرد عليه:بأنه ليس الأمر كذلك،و أن الإذعان و الظن بالبقاء لا بد له من أمر أيضا،كعادة أو أمارة أو غيرهما،انتهى.

المناقشة فيما أفاده السيد الصدر قدّس سرّه

أقول:أما الوجه الأول،فهو كما ترى،فإن التمسك بالروايات ليس له أثر في كلام الخاصة الذين هم الأصل في تدوينها في كتبهم،فضلا عن العامة.

و أما الوجه الثاني (1) ،ففيه:أن منشأ العجب من تناقض قوليه (2) ، حيث إن ما ذكره في استصحاب حال الإجماع-من اختصاص دليل الحكم بالحالة الأولى-بعينه موجود في بعض صور استصحاب حال غير الإجماع (3) ،فإنه إذا ورد النص على وجه يكون ساكتا بالنسبة إلى ما بعد الحالة الأولى،كما إذا ورد أن الماء ينجس بالتغير،مع فرض عدم إشعار فيه (1)و هو كون المراد من دلالة الدليل على الدوام إمكان حمل دليل الثبوت على ما يعم البقاء و إن لم تكن دلالته ثابتة.

(2)يعني:قولي الغزالي المنسوبين إليه،و هما القول بعدم حجية الاستصحاب حال الاجماع،و القول بحجية غيره من أقسام الاستصحاب.و لا يخفى أن مراد المصنف قدّس سرّه من تناقض القولين تنافى دليلهما،و إلا فلا تناقص بينهما و انفسهما.

(3)إذ قد يقطع بسكون الدليل عن الحال الثاني.

ص: 227

بحكم ما بعد زوال التغير،فإن (1) وجود هذا الدليل-بوصف كونه دليلا- مقطوع العدم في الحالة الثانية،كما في الإجماع (2) .

و أما قوله:«و غرضه من دلالة الدليل على الدوام كونه بحيث لو علم أو ظن بوجود المدلول في الآن الثاني...إلى آخر ما ذكره».

ففيه:أنه إذا علم لدليل أو ظن لأمارة،بوجود مضمون هذا الدليل الساكت-أعني النجاسة (3) في المثال المذكور-فإمكان حمل هذا الدليل على الدوام:

إن اريد به إمكان كونه دليلا على الدوام،فهو ممنوع،لامتناع دلالته على ذلك،لأن دلالة اللفظ لا بد له من سبب و اقتضاء،و المفروض عدمه (4) .

(1)جواب الشرط في قوله:«فإنه إذا ورد النص...».

(2)لا يبعد ان يكون مراد الصدر من إمكان حمل الدليل على الدوام،هو امكانه بحسب المراد الواقعي منه،لا مقام الدلالة و الحجية،و عليه يفترق الاجماع عن غيره من الأدلة مثل الأدلة اللفظية المجملة.

نعم دليل العقل كالاجماع في ذلك فالأولى الإيراد عليه بان العبرة في حجية الدليل بمقام الظهور و الدلالة،لا بحسب المراد الواقعي،فلا أثر لاحتماله،و سيأتي من المصنف قدّس سرّه الاشارة إلى ذلك.

(3)بيان لمضمون الدليل.

(4)و إلا لم يكن الدليل مجملا،و كان بنفسه دالا على البقاء بلا حاجة إلى الاستصحاب.

ص: 228

و إن أريد إمكان كونه مرادا في الواقع (1) من الدليل و إن لم يكن الدليل مفيدا له،ففيه-مع اختصاص منعه (2) بالإجماع عند العامة،الذي هو نفس مستند الحكم،لا كاشف عن مستنده (3) الراجع إلى النص (4) ، و جريان (5) مثله في المستصحب الثابت بالفعل أو التقرير،فإنه لو ثبت دوام الحكم لم يمكن حمل الدليل على الدوام (6) -:أن هذا المقدار من (1)عرفت أن هذا هو المراد.

(2)يعني:منع كون المراد من الدليل في الواقع هو الدوام.

(3)هذا بيان لوجه جريان ما ذكر في الاجماع عند العامة دون غيرهم و حاصله:أن الإجماع لما كان عند العامة هو المستند للحكم و الدليل عليه،فلا يمكن فرض عموم المراد من الدليل مع فرض اختصاص الاجماع بالحال السابق.

أما الخاصة فحيث كان الاجماع عندهم كاشفا عن الدليل و هو رأي المعصوم عليه السّلام امكن فرض عموم المراد من الدليل و ان فرض اختصاص الاجماع بالحال السابق.

فلاحظ.

(4)الاجماع لا يكشف عن النص-الذي هو بالاصطلاح الدليل اللفظي- بل عن رأي المعصوم عليه السّلام كما ذكرنا.

(5)عطف على قوله:«اختصاص..»و هو بيان لوجه آخر في الإشكال و حاصله:أن الوجه المذكور لا يختص بالاجماع بل يجري في بعض الأدلة الأخر.

(6)إذ لا معنى لعموم الفعل أو التقرير لغير موردهما.إلا أن يدعى كون الفعل و التقرير في المورد الخاص واردين بقصد بيان الحكم الكلي العام المستمر.

فتأمل.

فالأولى التمثيل بدليل العقل،فإنه لا معنى لعموم المراد منه قطعا مع فرض اختصاصه بالحال السابق.فلاحظ.

ص: 229

الفرق لا يؤثر فيما ذكره الغزالي في نفي استصحاب حال الإجماع،لأن مناط نفيه لذلك-كما عرفت من تمثيله بموت زيد و بناء داره (1) -احتياج الحكم في الزمان الثاني إلى دليل أو أمارة (2) .

هذا،و على كل حال،فلو فرض كون الغزالي مفصلا في المسألة بين ثبوت المستصحب بالإجماع و ثبوته لغيره،فيظهر رده مما ظهر من تضاعيف ما تقدم:من أن أدلة الإثبات لا يفرق فيها بين الإجماع و غيره،خصوصا ما كان نظير (3) الإجماع في السكوت عن حكم الحالة الثانية،خصوصا (4) إذا علم عدم إرادة الدوام منه في الواقع كالفعل و التقرير،و أدلة النفي (5) كذلك لا يفرق فيها بينهما أيضا.

و قد يفرق بينهما:بأن الموضوع في النص مبين يمكن العلم بتحققه و عدم تحققه في الآن اللاحق،كما إذا قال:«الماء إذا تغير نجس»،فإن الماء موضوع و التغير قيد للنجاسة،فإذا زال التغير أمكن استصحاب النجاسة للماء.

(1)حيث جعل الحكم بالبقاء فيهما مستندا إلى دليل العادة.

(2)يعني:حجة معتبرة،و لا حجة في المقام لما عرفت من انه لا أثر للمراد الواقعي في ذلك ما لم يصل إلى مقام الظهور و الدلالة الكلاميين.

(3)الأدلة مختصة بهذا و لا تعم غيره،إذ ما كان ناظرا للحالة اللاحقة يكون هو المتبع فيها نفيا أو إثباتا بلا إشكال و لا أثر لأدلة الاستصحاب.

(4)كانه لما سبق من شبهة السيد الصدر في توجيه كلام الغزالي.

(5)يعني:نفي حجية الاستصحاب.

ص: 230

و إذا قال:«الماء المتغير نجس»،فظاهره ثبوت النجاسة للماء المتلبس بالتغير،فإذا زال التغير لم يمكن الاستصحاب،لأن الموضوع هو المتلبس بالتغير و هو غير موجود،كما إذا قال:«الكلب نجس»،فإنه لا يمكن استصحاب النجاسة بعد استحالته ملحا.

فإذا فرضنا انعقاد الإجماع على نجاسة الماء المتصف بالتغير،فالإجماع أمر لبي ليس فيه تعرض لبيان كون الماء موضوعا و التغير قيدا للنجاسة، أو أن الموضوع هو المتلبس بوصف التغير.

و كذلك إذا انعقد الإجماع على جواز تقليد المجتهد في حال حياته ثم مات،فإنه لا يتعين الموضوع (1) حتى يحرز عند إرادة الاستصحاب.

لكن هذا الكلام جار في جميع الأدلة الغير اللفظية (2) .

مع ان ما سيجيء و تقدم-من أن تعيين الموضوع في الاستصحاب بالعرف (3) لا بالمداقة و لا بمراجعة الأدلة الشرعية-يكفي (4) في دفع الفرق المذكور،فتراهم يجرون الاستصحاب فيما لا يساعد دليل المستصحب على بقاء الموضوع فيه في الزمان اللاحق،كما سيجيء في مسألة اشتراط بقاء الموضوع إن شاء اللّه.

(1)لتردده بين ان يكون الموت قيدا في الموضوع و شرطا في الحكم.

(2)بل حتى في الأدلة اللفظية إذا فرض إجمالها من حيث الموضوع.

(3)أشرنا عند الكلام في شبهة امتناع جريان الاستصحاب في الأحكام التكليفية إلى الضابط في ذلك.

(4)خبر(أن)في قوله:«مع أن ما سيجيء...».

ص: 231

حجة القول التاسع

التفصيل بين الشك في المقتضي و الشك في الرافع

و هو التفصيل بين ما ثبت استمرار المستصحب و احتياجه في الارتفاع إلى الرافع،و بين غيره:ما يظهر من آخر كلام المحقق في المعارج- كما تقدم في نقل الأقوال-حيث قال:

ما استدل به في المعارج على هذا القول

و الذي نختاره أن ننظر في دليل ذلك الحكم،فإن كان يقتضيه مطلقا وجب الحكم باستمرار الحكم،كعقد النكاح فإنه يوجب حل الوط ء مطلقا،فإذا وجد الخلاف في الألفاظ التي يقع بها الطلاق،فالمستدل على أن الطلاق لا يقع بها لو قال:«حل الوط ء ثابت قبل النطق بها فكذا بعده» كان صحيحا،فإن المقتضي للتحليل-و هو العقد-اقتضاه مطلقا،و لا يعلم أن الألفاظ المذكورة رافعة لذلك الاقتضاء،فيثبت الحكم عملا بالمقتضي.

لا يقال:إن المقتضي هو العقد،و لم يثبت أنه باق.

لأنا نقول:وقوع العقد اقتضى حل الوط ء لا مقيدا (1) ،فيلزم دوام (1)يعني:أن حل الوط ء بنحو الدوام مستند إلى وقوع العقد لا إلى دوامه.

لكن لا يخفى أنه لا معنى لدوام العقد إلا دوام أثره و هو الزوجية،و من الظاهر أن دوام حل الوط ء مستند إلى دوام الزوجية،لا إلى مجرد حدوثها.

ص: 232

الحل،نظرا إلى وقوع المقتضي،لا دوامه،فيجب أن يثبت الحل حتى يثبت الرافع.فإن كان الخصم يعني بالاستصحاب ما أشرنا إليه لم يكن ذلك عملا بغير دليل،و إن كان يريد أمرا آخر وراء هذا فنحن مضربون عنه، انتهى.

و حاصل هذا الاستدلال يرجع إلى كفاية وجود المقتضي و عدم العلم بالرافع لوجود المقتضى.

المناقشة في الدليل المذكور

و فيه:أن الحكم بوجود الشيء لا يكون إلا مع العلم بوجود علته التامة التي من أجزائها عدم الرافع،فعدم العلم به (1) يوجب عدم العلم بتحقق العلة التامة،إلا أن يثبت التعبد من الشارع بالحكم بالعدم عند عدم العلم به،و هو عين الكلام في اعتبار الاستصحاب.

الأولى في الاستدلال على هذا القول

و الأولى الاستدلال له بما استظهرناه من الروايات السابقة-بعد نقلها-:من أن النقض رفع الأمر المستمر في نفسه و قطع الشيء المتصل كذلك (2) ،فلا بد أن يكون متعلقه ما يكون له استمرار و اتصال،و ليس ذلك نفس اليقين،لانتقاضه بغير اختيار المكلف،فلا يقع في حيز التحريم، و لا أحكام اليقين من حيث هو وصف من الأوصاف،لارتفاعها بارتفاعه فالأولى أن يقال:إن دوام الزوجية مستند إلى حدوث العقد،لان الزوجية من شأنها أن تبقى بنفسها بسبب حدوث ما يقتضي حدوثها،و لا ترتفع إلا برافع، فالاستصحاب إنما يجري في الزوجية التي يكون حل الوط ء من آثارها،لا في حل الوط ء ابتداء.فلاحظ.

(1)يعني:بعدم الرافع.

(2)تقدم منه و منا تفصيل الكلام في ذلك في تحقيق مفاد الأخبار.فراجع.

ص: 233

قطعا،بل المراد به-بدلالة الاقتضاء-الأحكام الثابتة للمتيقن بواسطة اليقين،لأن نقض اليقين بعد ارتفاعه لا يعقل له معنى سوى هذا،فحينئذ لا بد أن يكون أحكام المتيقن كنفسه مما يكون مستمرا لو لا الناقض (1) .

هذا،و لكن لا بد من التأمل في أن هذا المعنى جار في المستصحب العدمي أم لا (2) ؟و لا يبعد تحققه،فتأمل.

مبنى نسبة هذا القول إلى المحقق قدّس سرّه

ثم إن نسبة القول المذكور إلى المحقق قدّس سرّه مبني على أن يراد من دليل الحكم في كلامه-بقرينة تمثيله بعقد النكاح في المثال المذكور- هو المقتضي (3) ،و على أن يكون حكم الشك في وجود الرافع حكم الشك في رافعية الشيء (4) ،إما لدلالة دليله المذكور على (1)هذا يقتضي اعتبار وجود المقتضي للأحكام،لا لنفس المتيقن،كما هو مختاره قدّس سرّه فتأمل.

(2)وجه التوقف أن الاعدام لا مقتضي لها و لا رافع،و إنما هي تابعة لعدم تحقق العلة التامة للوجود،و إطلاق العلة على ذلك مبني على التوسع،كما أشار إليه بعض أعاظم المحشين،و قد تقدم منا بعض الكلام في ذلك في آخر الكلام في مفاد الأخبار.فراجع و تأمل جيدا.

(3)إشارة إلى ما سبق في تقسيمات الاستصحاب من احتمال حمل مراد المحقق قدّس سرّه من المقتضي على الدليل،لا العلة.

و حينئذ فيكون التمسك للبقاء في الزمان الثاني بالدليل لا بالاستصحاب، و يكون المحقق قدّس سرّه من المنكرين للاستصحاب،كما سبق عن صاحب المعالم.

(4)فإن المحقق قدّس سرّه مثل للاستصحاب بالشك في ارتفاع النكاح ببعض الالفاظ و هو من موارد الشك في رافعية الموجود،و لم يتعرض للشك في وجود الرافع المعلوم الرافعية،فلا بد في التعميم إثبات كلامه من معمم.

ص: 234

ذلك (1) ،و إما لعدم القول بالإثبات في الشك في رافعيته و الإنكار في الشك في وجود الرافع،و إن كان العكس موجودا،كما سيجيء من المحقق السبزواري.

المناقشة في المبنى المذكور

لكن في كلا الوجهين نظر (2) :

أما الأول،فلإمكان الفرق في الدليل الذي ذكره،لأن مرجع ما ذكره في الاستدلال إلى جعل المقتضي و الرافع من قبيل العام و المخصص (3) ، اللهم إلا أن يقال:كلام المحقق قدّس سرّه مختص باستصحاب نفس الأمر الوجودي الذي أحرز مقتضيه كالنكاح،و هو مختص بما إذا شك في رافعية شيء له أما مع الشك في وجود معلوم الرافعية كالطلاق بالالفاظ المتعلق عليها فلا مجال للرجوع إلى استصحاب نفس الأمر الوجودي،بل لا بد من الرجوع إلى استصحاب عدم وجود الرافع المذكور الحاكم على استصحاب نفس الأمر الوجودي لكونه سببيا له، فلا موجب لتعميم مراد المحقق قدّس سرّه.

(1)كأنه لان ظاهر دليله أن المعيار في الحكم بالبقاء هو إحراز المقتضي،و انه لا يرفع اليد عنه إلا بإحراز ما يمنع عنه و يرفعه،و لا يفرق في ذلك بين الشك في رافعية الوجود و الشك في وجود الرافع.

(2)يعني:وجهي التسوية بين الشك في وجود الرافع و الشك في رافعية الموجود.

(3)محصله:أن المقتضي نظير العام و المانع نظير المخصص فالشك في رافعية الموجود نظير الشك في التخصيص و الشك في وجود الرافع نظير الشك في وجود عنوان الخاص بعد الفراغ عن التخصيص به،فكما لا يتوقف عن العمل بالعام في الشك فى التخصيص كذلك لا يتوقف عن الجريان على مقتضي الحالة السابقة في نظيره،و كما يتوقف عن العمل بالعام في الشك في وجود عنوان المخصص بعد

ص: 235

فإذا ثبت عموم المقتضي (1) -و هو عقد النكاح-لحل الوط ء في جميع الأوقات،فلا يجوز رفع اليد عنه بالألفاظ التي وقع الشك في كونها مزيلة لقيد النكاح،إذ من المعلوم أن العموم لا يرفع اليد عنه بمجرد الشك في التخصيص.

أما لو ثبت تخصيص العام-و هو المقتضي لحل الوط ء،أعني عقد النكاح-بمخصص-و هو اللفظ الذي اتفق على كونه مزيلا لقيد النكاح- فإذا شك في تحققه و عدمه فيمكن منع التمسك بالعموم حينئذ،إذ الشك ليس في طرو المخصص على العام (2) ،بل في وجود ما خصص العام به يقينا، فيحتاج إثبات عدمه المتمم للتمسك بالعام إلى إجراء الاستصحاب (3) ، الفراغ عن التخصيص به كذلك يتوقف عن الجري على مقتضي الحالة السابقة في نظيره.

لكن ما ذكره قدّس سرّه من تنظير المقتضي بالعام و المانع بالمخصص مما لا يتضح وجهه،و لم يتضح من كلام المحقق ما يؤيده.

(1)لا يخفى ان المقتضي ليس من سنخ العموم،إلا أن يراد مجرد تنظيره به كما ذكرنا.

(2)ليرجع إلى أصالة العموم.

(3)يعني:في نفس عنوان المخصص بنحو الاستصحاب الموضوعي،فإذا فرض تخصيص وجوب اكرام العلماء بمن عدا الفاسق و شك في فسق زيد فلا مجال للرجوع إلى حكم العام فيه إلا بعد الرجوع إلى استصحاب عدم فسقه،و هو استصحاب موضوعي،لا حكمي.

لكن عرفت أن المرجع مع الشك في وجود الرافع هو استصحاب عدمه أيضا الحاكم على استصحاب نفس الأمر الوجودي المقتضى.فلاحظ.

ص: 236

بخلاف ما لو شك في أصل التخصيص،فإن العام يكفي لإثبات حكمه في مورد الشك.

و بالجملة:فالفرق بينهما،أن الشك في الرافعية-في ما نحن فيه-من قبيل الشك في تخصيص العام زائدا على ما علم تخصيصه،نظير ما إذا ثبت تخصيص العلماء في«أكرم العلماء»بمرتكبي الكبائر،و شك في تخصيصه بمرتكب الصغائر،فإنه يجب التمسك بالعموم.

و الشك (1) في وجود الرافع-فيما نحن فيه-شك في وجود ما خصص العام به يقينا،نظير ما إذا علم تخصيصه بمرتكبي الكبائر و شك في تحقق الارتكاب و عدمه في عالم،فإنه لو لا إحراز عدم الارتكاب بأصالة العدم التي مرجعها إلى الاستصحاب المختلف فيه لم ينفع العام في إيجاب إكرام ذلك المشكوك.

توجيه نسبة هذا القول إلى المحقق قدّس سرّه

هذا،و لكن يمكن أن يقال:إن مبنى كلام المحقق قدّس سرّه لما كان على وجود المقتضي حال الشك و كفاية ذلك في الحكم بالمقتضى،فلا فرق في كون الشك في وجود الرافع (2) أو رافعية الموجود.

و الفرق بين الشك في الخروج و الشك في تحقق الخارج في مثال العموم و الخصوص،من جهة (3) إحراز المقتضي للحكم بالعموم (1)عطف على اسم(أن)في قوله:«أن الشك في الرافعية فيما نحن فيه...».

(2)لكن عرفت أن المرجع فيه استصحاب عدم الرافع،لا استصحاب نفس الأمر الوجودي المتيقن سابقا أعني الحكم المعلول.

(3)خبر لقوله:«و الفرق بين...».

ص: 237

ظاهرا (1) في المثال الأول-من جهة أصالة الحقيقة و العموم-و عدم إحرازه في المثال الثاني لعدم جريان ذلك الأصل (2) ،لا لإحراز المقتضي لنفس الحكم-و هو وجوب الإكرام-في الأول دون الثاني (3) ،فظهر الفرق بين ما نحن فيه و بين المثالين.

و أما دعوى (4) عدم الفصل بين الشكين على الوجه المذكور فهو مما لم يثبت.

نعم،يمكن أن يقال:إن المحقق قدّس سرّه لم يتعرض لحكم الشك في وجود الرافع (5) ،لأن ما كان من الشبهة الحكمية من هذا القبيل ليس إلا النسخ، و إجراء الاستصحاب فيه إجماعي بل ضروري،كما تقدم.

و أما الشبهة الموضوعية،فقد تقدم خروجها في كلام القدماء عن مسألة الاستصحاب المعدود في أدلة الأحكام،فالتكلم فيها إنما يقع تبعا للشبهة الحكمية،و من باب تمثيل جريان الاستصحاب في الأحكام و عدم جريانه بالاستصحاب في الموضوعات الخارجية،فترى المنكرين يمثلون (1)و هو ظهور العام في العموم الذي هو حجة بمقتضى أصالة العموم.

(2)فإن أصالة العموم لا تجري مع العلم بالتخصيص و الشك في وجود عنوان المخصص.

(3)و المراد بالمقتضي فيما نحن فيه هو المقتضي لنفس الحكم،لا مقتضي العموم.

(4)إشارة إلى الوجه الثاني لتعميم كلام المحقق قدّس سرّه للشك في وجود الرافع.

(5)لا يخفى أنه لم يتقدم من المحقق قدّس سرّه ما يقتضي اختصاص الكلام في الشك فى رافعية الموجود و عدم شموله للشك في الرافع،و غاية ما في الأمر أن مثاله مختص بالأول،و لا أهمية له بعد فرض عموم دليله،كما اعترف به المصنف قدّس سرّه.

ص: 238

بما إذا غبنا عن بلد في ساحل البحر لم يجر العادة ببقائه،فإنه لا يحكم ببقائه بمجرد احتماله،و المثبتين بما إذا غاب زيد عن أهله و ماله فإنه يحرم التصرف فيها بمجرد احتمال الموت.

ثم إن ظاهر عبارة المحقق و إن أوهم اختصاص مورد كلامه بصورة دلالة المقتضي على تأبيد الحكم،فلا يشمل ما لو كان الحكم موقتا (1) -حتى جعل بعض هذا من وجوه الفرق بين قول المحقق و المختار،بعد ما ذكر وجوها أخر ضعيفة غير فارقة-لكن مقتضى دليله بتنقيح المناط فيه شموله لذلك (2) إذا كان الشك في رافعية شيء للحكم قبل مجيء الوقت.

(1)يعني:إذا احتمل تحقق الرافع قبل مجيء الوقت،كما لو احتمل حصول ما يقتضي ارتفاع النكاح المنقطع قبل انتهاء مدته.

(2)لعين ما ذكره المحقق قدّس سرّه من إحراز المقتضي و عدم جواز رفع اليد عنه إلا بدليل على الرافع.

ص: 239

حجة القول العاشر (1)

التفصيل بين الشك في وجود الغاية و عدمه

ما حكي عن المحقق السبزواري في الذخيرة،فإنه استدل على نجاسة الماء الكثير المطلق الذي سلب عنه الإطلاق-بممازجته مع المضاف النجس- بالاستصحاب (2) .ثم رده:بأن استمرار الحكم تابع لدلالة الدليل، و الإجماع إنما دل على النجاسة قبل الممازجة.ثم قال:

ما استدل به المحقق السبزواري قدّس سرّه على هذا القول

«لا يقال:قول أبي جعفر عليه السّلام في صحيحة زرارة:«ليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا،و لكن تنقضه بيقين آخر»يدل على استمرار أحكام اليقين ما لم يثبت الرافع.

لأنا نقول:التحقيق أن الحكم الشرعي الذي تعلق به اليقين:إما أن يكون مستمرا-بمعنى أن له دليلا دالا على الاستمرار بظاهره (3) -أم لا، (1)و هو اختصاص حجية الاستصحاب بما إذا أحرز المقتضي و شك في وجود الغاية و الرافع،دون ما إذا شك في كون شيء محقق الوجود غاية أو رافعا.

(2)كأن المراد به استصحاب نجاسة المضاف إلى ما بعد امتزاجه بالمطلق المقتضية لتنجس المطلق بالملاقاة بعد فرض خروجه عن الاطلاق.

(3)ظاهره أن المراد بالاستمرار ليس هو وجود مقتضي الاستمرار،بل هو وجود دليل يقتضيه بظاهره،و هو خروج عن مورد الاستصحاب،إذ التمسك

ص: 240

و على الأول فالشك في رفعه يكون على أقسام».

ثم ذكر الشك في وجود الرافع،و الشك في رافعية الشيء من جهة إجمال معنى ذلك الشيء (1) ،و الشك في كون الشيء مصداقا للرافع المبين مفهوما (2) ،و الشك في كون الشيء رافعا مستقلا (3) .ثم قال:

«إن الخبر المذكور إنما يدل على النهي عن نقض اليقين بالشك،و ذلك إنما يعقل في القسم الأول من تلك الأقسام الأربعة دون غيره،لأن في غيره لو نقض الحكم بوجود الأمر الذي شك في كونه رافعا لم يكن النقض بالشك،بل إنما يحصل النقض باليقين بوجود ما شك في كونه رافعا أو باليقين بوجود ما يشك في استمرار الحكم معه،لا بالشك،فإن الشك (4) في تلك الصور كان حاصلا من قبل (5) و لم يكن بسببه نقض،و إنما يعقل للبقاء حينئذ في زمان الشك يكون بظهور الدليل لا بالأصل.إلا أن ينزل كلامه على إرادة المقتضي بقرائن أخر كقرينة التمثيل بالنجاسة.فلاحظ.

(1)كما لو شك في حدّ العصر المعتبر في التطهير الرافع للنجاسة التي ثبت المقتضي لها.

(2)كما لو حرك زيد الثوب و شك في أنه طهره بتلك الحركة أو طواه،و لا فرق بينه و بين الشك في وجود الرافع-الذي هو القسم الأول-إلا في أن الشك في وجود الرافع لا يفرض معه وجود شيء محتمل للامرين،بخلاف هذا القسم فإن المفروض فيه ذلك.

(3)كما لو شك في ارتفاع الطهارة بالمذي.

(4)و هو الشك في رافعية الموجود.

(5)يعني:قبل زمان النقض،لان الشك في كون المذي مثلا رافعا لا يتوقف على وجوده،بل يمكن فرض الشك في رافعيته بنحو القضية الحقيقية التي

ص: 241

النقض حين اليقين بوجود ما يشك في كونه رافعا للحكم بسببه (1) ،لأن الشيء إنما يستند إلى العلة التامة أو الجزء الأخير منها،فلا يكون في تلك الصور نقض اليقين بالشك (2) ،و إنما يكون ذلك في صورة خاصة (3) دون غيرها».انتهى كلامه،رفع مقامه.

أقول:ظاهره تسليم صدق النقض في صورة الشك في استمرار الحكم فيما عدا القسم الأول أيضا،و إنما المانع عدم صدق النقض بالشك فيها.

المناقشة فيما أفاده المحقق السبزواري قدّس سرّه

و يرد عليه:

أولا:أن الشك و اليقين قد يلاحظان بالنسبة إلى الطهارة (4) مقيدة بكونها قبل حدوث ما يشك في كونه رافعا،و مقيدة بكونها بعده،فيتعلق موضوعها هي المذي.لكن يشكل ذلك في القسم الثالث،و هو الشك في كون شيء مصداقا للرافع المبين مفهوما،لوضوح أن موضوع الشك هو المصداق الخارجي الجزئي،فلا يعقل حدوث الشك إلا بعد وجود المصداق المذكور الذي هو زمان النقض.فلاحظ.

(1)الضمير يعود إلى اليقين بوجود الأمر المذكور،و الجار و المجرور متعلق بالنقض في قوله:«و إنما يعقل النقض...».

(2)لان الشك أسبق من زمان النقض،على ما سبق.

(3)و هي صورة الشك في وجود الرافع.

(4)يعني:بما هي موضوع كلي فرضي،فإنه هو القابل للتقييد،و أما الطهارة الشخصية الموجودة فعلا فهي لا تقبل التقييد المذكور،بل هي ذات واحدة لا تختلف باختلاف الحالات.

ص: 242

اليقين بالأولى و الشك بالثانية (1) ،و اليقين و الشك بهذه الملاحظة يجتمعان في زمان واحد (2) -سواء كان قبل حدوث ذلك الشيء أو بعده-فهذا الشك كان حاصلا من قبل،كما أن اليقين باق من بعد.

و قد يلاحظان بالنسبة إلى الطهارة المطلقة (3) ،و هما بهذا الاعتبار لا يجتمعان في زمان واحد،بل الشك متأخر عن اليقين.

و لا ريب أن المراد باليقين و الشك في قوله عليه السّلام في صدر الصحيحة المذكورة:«لأنك كنت على يقين من طهارتك و شككت»و غيرها من أخبار الاستصحاب،هو اليقين و الشك المتعلقان بشيء واحد-أعني الطهارة المطلقة (4) -و حينئذ فالنقض المنهي عنه هو نقض اليقين بالطهارة بهذا الشك المتأخر المتعلق بنفس ما تعلق به اليقين.

و أما وجود الشيء المشكوك الرافعية،فهو بوصف الشك في كونه رافعا الحاصل (5) من قبل سبب لهذا الشك (6) ،فإن كل شك لا بد له (1)فيقال:الطهارة قبل وجود المذي مثلا متيقنة،و بعده مشكوكة.

(2)لعدم التضاد بينهما مع اختلافهما بالقيد.

(3)يعني:ذات الطهارة الشخصية الواحدة مع اختلاف الزمان.

(4)و هى الطهارة الشخصية الواحدة مع اختلاف الزمان،فالمراد أنه لا ينبغي أن ترفع اليد عن اليقين السابق بالطهارة بالشك اللاحق بها.

(5)نعت لقوله:«الشك في كونه رافعا».

(6)يعني:أن وجود مشكوك الرافعية المتيقن ليس هو الناقض لليقين السابق بالطهارة،بل هو سبب للناقض،و هو الشك بالطهارة المقارن لزمان النقض،فليس الناقض-مع اليقين بوجود مشكوك الرافعية-إلا الشك المسبب عن اليقين،لا نفس

ص: 243

من سبب متيقن الوجود حتى الشك في وجود الرافع (1) ،فوجود الشيء المشكوك في رافعيته جزء أخير للعلة التامة للشك (2) المتأخر الناقض،لا للنقض.

و ثانيا:أن رفع اليد (3) عن أحكام اليقين عند الشك في بقائه و ارتفاعه لا يعقل إلا أن يكون مسببا عن نفس الشك،لأن التوقف في الزمان اللاحق عن الحكم السابق أو العمل بالأصول المخالفة له لا يكون إلا لأجل الشك (4) ،غاية الأمر كون الشيء المشكوك كونه رافعا منشأ اليقين.

(1)فإنه قد يكون مسببا عن طول المدة أو نحوه مما يتيقن بوجوده،و هذا لا ينافي كون النقض بالشك لا باليقين.

(2)يعني:بالطهارة.

(3)يعني:أن الناقض لليقين بشيء،لا يعقل أن يكون أمرا آخر غير الشك به بنفسه،و أما الشك بامر آخر فلا يعقل أن يكون ناقضا له،إذ مع بقاء اليقين السابق لا بد من ترتيب آثاره لما سبق في مبحث القطع الطريقي.

نعم قد يكون الشك بامر آخر ناقضا لليقين بموضوع الأثر من حيث كونه سببا خارجا للشك بنفس موضوع الأمر،إلا أن الناقض حينئذ ليس إلا الشك بموضوع الأثر،لا الشك بالأمر الآخر.

و عليه فيمتنع حمل النصوص على إرادة النهي عن النقض بالشك بامر آخر لامتناعه في نفسه مع قطع النظر عن النصوص،بل لا بد من حملها على النهي عن النقض بالشك بنفس موضوع الأثر و إن كان مسببا عن أمر آخر كمشكوك الرافعية في المقام.فلاحظ.

(4)لما عرفت من عدم امكان رفع اليد عن اليقين بالشيء ما دام موجودا

ص: 244

للشك.و الفرق (1) بين الوجهين:أن الأول ناظر إلى عدم الوقوع،و الثاني إلى عدم الإمكان.

و ثالثا:سلمنا أن النقض في هذه الصور ليس بالشك،لكنه ليس نقضا باليقين بالخلاف (2) ،و لا يخفى أن ظاهر ما ذكره في ذيل الصحيحة:

لحجية اليقين الذاتية.

(1)حاصل الفرق بين الوجهين:أن الأول ناظر إلى قصور الأدلة عن شمول الشك بأمر آخر غير موضوع اليقين.أما الثانى فهو ناظر إلى امتناع شمولها له مع قطع النظر عن قصور دلالتها.

(2)لعل هذا الوجه مبتن على الوجه الأول و راجع إليه،لان الظاهر مما ذكر فى الروايات من النهي عن النقض بالشك و حصر الناقض باليقين كون موضوع الشك المنهي عن النقض به و اليقين الذي يسوغ النقض به واحدا،فإن فهم من الروايات عموم الشك للشك بامر غير المتيقن به سابقا كان الأمر كذلك في اليقين، و إن فهم من الروايات اختصاص الشك بالشك في نفس ما يتقن به سابقا-كما هو مقتضى الوجه الأول-تعين ذلك في اليقين أيضا فلا يصلح عدّ هذا وجها آخر في قبال الأول.

اللهم إلا أن يقال:المراد بهذا الوجه ليس هو حصر الناقض باليقين بنفس الأمر المتيقن به سابقا على خلاف اليقين السابق-ليبتني على ما ذكر في الوجه الأول- بل حصر الناقض باليقين المعاند لليقين السابق الذي لا يجتمع معه و لا يمكن معه ترتيب الأثر على اليقين السابق،و لو اختلف معه موضوعا.

و من الظاهر أن اليقين بوجود مشكوك الرافعية لا يعاند اليقين السابق و لا يمتنع معه ترتيب الأثر عليه،و ليس هو كاليقين بمعلوم الرافعية مثلا و إن كان الموضوع في كليهما مباينا لموضوع اليقين السابق،فاختلف هذا الوجه عن الوجه الأول،لابتناء الوجه الأول على اعتبار اتحاد موضوع اليقين و الشك،و ابتناء هذا

ص: 245

«و لكن تنقضه بيقين آخر»حصر الناقض لليقين السابق باليقين بخلافه، و حرمة النقض بغيره-شكا كان أم يقينا بوجود ما شك في كونه رافعا-أ لا ترى أنه لو قيل في صورة الشك في وجود الرافع:إن النقض بما هو متيقن من سبب الشك (1) لا بنفسه،لا يسمع.

و بالجملة:فهذا القول ضعيف في الغاية،بل يمكن دعوى الإجماع المركب بل البسيط على خلافه (2) .

و قد يتوهم:أن مورد صحيحة زرارة الأولى مما أنكر المحقق المذكور الاستصحاب فيه،لأن السؤال فيها عن الخفقة و الخفقتين من نقضهما للوضوء (3) .

و فيه:ما لا يخفى،لأن حكم الخفقة و الخفقتين قد علم من قوله عليه السّلام (4) :«قد تنام العين و لا ينام القلب و الأذن»،و إنما سئل فيها بعد الوجه على اعتبار التنافر بين اليقينين بحيث لا يمكن مع الثاني ترتيب الأثر على الأول و إن اختلفا في الموضوع.فتأمل.

(1)فإن الشك في وجود الرافع قد يتسبب عن أمر متيقن كطول المدة،كما سبق.

(2)لا مجال له مع عدم كون الاستصحاب في الأحكام إجماعيا.

اللهم إلا أن يكون مراد السبزواري قدّس سرّه المنع عنه حتى في الشبهات الموضوعية، إذ لا يبعد الاجماع على جريان الاستصحاب في بعض الصور التي منع جريانه فيها، كالشك في رافعية الموجود من جهة الشبهة الموضوعية مع عدم إجمال مفهوم الرافع و عدم احتمال كونه رافعا مستقلا.

(3)بدعوى أن الشك في تحقق النوم بهما ناش عن إجمال مفهومه.

(4)لاشتماله على شرح مفهوم النوم الناقض،لقوله عليه السّلام:«فإذا نامت العين

ص: 246

ذلك عن حكم ما إذا وجدت أمارة على النوم،مثل:تحريك شيء إلى جنبه و هو لا يعلم،فأجاب بعدم اعتبار ما عدا اليقين بقوله عليه السّلام:«لا،حتى يستيقن أنه قد نام،حتى يجيء من ذلك أمر بين،و إلا فإنه على يقين...

الخ».

نعم،يمكن أن يلزم المحقق المذكور-كما ذكرنا سابقا-بأن الشك في أصل النوم في مورد الرواية مسبب عن وجود ما يوجب الشك (1) في تحقق النوم،فالنقض به،لا بالشك،فتأمل.

و الأذن فقد وجب الوضوء».

(1)و هو تحريك شيء إلى جنبه و هو لا يعلم،الذي هو أمر متيقن.

ص: 247

حجة القول الحادي عشر (1)

التفصيل المتقدم مع زيادة الشك في مصداق الغاية

ما ذكره المحقق الخوانساري قدّس سرّه في شرح الدروس-قال عند قول الشهيد قدّس سرّه:«و يجزي ذو الجهات الثلاث»-ما لفظه:

استدلال المحقق الخوانساري قدّس سرّه على هذا القول

حجة القول بعدم الإجزاء:الروايات الواردة بالمسح بثلاثة أحجار- و الحجر الواحد لا يسمى بذلك-و استصحاب حكم النجاسة حتى يعلم لها مطهر شرعي،و بدون الثلاثة لا يعلم المطهر الشرعي.

و حسنة ابن المغيرة (2) و موثقة ابن يعقوب (3) لا يخرجان عن الأصل،لعدم صحة سندهما،خصوصا مع معارضتهما بالروايات الواردة (1)و هو اختصاص الاستصحاب بما إذا شك في تحقق الغاية و الرافع،أو شك في كون شيء رافعا أو غاية من جهة الشبهة الموضوعية لا المفهومية أو الحكمية.

(2)و هي روايته عن أبي الحسن عليه السّلام:«هل للاستنجاء حدّ قال عليه السّلام:لا حتى ينقي ما تحته...»فإن مقتضى إطلاقها الاجتزاء بالحجر الواحد ذي الجهات الثلاث، بل بمسحة واحدة إذا أوجبت النقاء،بناء على عدم اختصاصها بالاستنجاء بالماء، و إلا كانت أجنبية عما نحن فيه.و تمام الكلام في محله.

(3)و هي:«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:الوضوء الذي افترضه اللّه تعالى لمن جاء من الغائط أو بال.قال عليه السّلام:يغسل ذكره و يذهب الغائط.ثم يتوضأ مرتين مرتين» بناء على تمامية إطلاقها و عدم اختصاصها بالاستنجاء بالماء و تمام الكلام في محله.

ص: 248

بالمسح بثلاثة أحجار.

و أصل البراءة-بعد ثبوت النجاسة و وجوب إزالتها-لا يبقى بحاله (1) .

إلى أن قال-بعد منع حجية الاستصحاب-:

اعلم أن القوم ذكروا أن الاستصحاب إثبات حكم في زمان لوجوده في زمان سابق عليه،و هو ينقسم إلى قسمين،باعتبار انقسام الحكم المأخوذ فيه إلى شرعي و غيره.

فالأول،مثل:ما إذا ثبت نجاسة ثوب أو بدن في زمان،فيقولون:

بعد ذلك الزمان يجب الحكم بنجاسته إذا لم يحصل العلم برفعها.

و الثاني،مثل:ما إذا ثبت رطوبة ثوب في زمان،ففي ما بعد ذلك الزمان يجب الحكم برطوبته ما لم يعلم الجفاف.

فذهب بعضهم إلى حجيته بقسميه،و ذهب بعضهم إلى حجية القسم الأول.و استدل كل من الفريقين بدلائل مذكورة في محلها،كلها قاصرة عن إفادة المرام،كما يظهر بالتأمل فيها.و لم نتعرض لذكرها هنا،بل نشير إلى ما هو الظاهر عندنا في هذا الباب،فنقول:

إن الاستصحاب بهذا المعنى لا حجية فيه أصلا بكلا قسميه،إذ لا دليل عليه تاما،لا عقلا و لا نقلا.نعم،الظاهر حجية الاستصحاب بمعنى آخر:و هو أن يكون دليل شرعي على أن الحكم الفلاني بعد تحققه ثابت إلى زمان حدوث حال كذا أو وقت كذا-مثلا-معين في الواقع،بلا اشتراطه (1)بل يكون محكوما للاستصحاب.

ص: 249

بشيء أصلا (1) ،فحينئذ إذا حصل ذلك الحكم فيلزم الحكم باستمراره إلى أن يعلم وجود ما جعل مزيلا له (2) ،و لا يحكم بنفيه بمجرد الشك في وجوده.

و الدليل على حجيته أمران:

الأول:أن هذا الحكم إما وضعي،أو اقتضائي،أو تخييري،و لما كان الأول عند التحقيق يرجع إليهما (3) فينحصر في الأخيرين.

و على التقديرين فيثبت ما رمناه.

أما على الأول،فلأنه إذا كان أمر أو نهي بفعل إلى غاية معينة-مثلا- فعند الشك في حدوث تلك الغاية،لو لم يمتثل التكليف المذكور لم يحصل الظن بالامتثال و الخروج عن العهدة،و ما لم يحصل الظن لم يحصل الامتثال، فلا بد من بقاء التكليف حال الشك أيضا (4) ،و هو المطلوب.

(1)كأنه إشارة إلى ما لو كان مشروطا بشيء من العلم،كما يأتي في أواخر كلامه.

(2)لا يخفى أن المراد بالمزيل هنا ليس الرافع المقابل للمقتضي،بل الغاية التي قد تكون غاية لوجود المقتضي بحيث لا مقتضي معها.و هذا خلاف ما نسبه المصنف قدّس سرّه للمحقق المذكور.بل لعله خلاف ما سيحتج به المحقق المذكور لمختاره في وجه اختصاص الأخبار،فإنه يناسب ما إذا أحرز المقتضي و شك في الرافع.

نعم دليله الأول يناسب العموم لمطلق ما إذا شك في تحقق الغاية.فتأمل جيدا.

(3)هذا مبني على أن الأحكام الوضعية منتزعة من الأحكام التكليفية.

(4)هذا راجع إلى قاعدة ان الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني.

ص: 250

و أما على الثاني،فالأمر أظهر (1) ،كما لا يخفى.

و الثاني:ما ورد في الروايات:من أن«اليقين لا ينقض بالشك».

فإن قلت:هذا كما يدل على المعنى الذي ذكرته،كذلك يدل على المعنى الذي ذكره القوم،لأنه إذا حصل اليقين في زمان فلا ينبغي أن ينقض في زمان آخر بالشك،نظرا إلى الروايات،و هو بعينه ما ذكروه.

قلت:الظاهر (2) أن المراد من عدم نقض اليقين بالشك أنه عند التعارض لا ينقض به،و المراد بالتعارض أن يكون شيء يوجب اليقين لو لا الشك.و فيما ذكروه ليس كذلك،لأن اليقين بحكم في زمان ليس مما يوجب حصوله في زمان آخر لو لا الشك،و هو ظاهر.

فإن قلت:هل الشك في كون الشيء مزيلا للحكم مع العلم بوجوده (3) كالشك في وجود المزيل أو لا؟

قلت:فيه تفصيل،لأنه إن ثبت بالدليل أن ذلك الحكم مستمر إلى (1)كأن وجهه:أنه مع الشك في المزيل يشك في حدوث التكليف،و الأصل البراءة.و لعل وجه الاظهرية ما نبه له بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه من أن جريان البراءة حينئذ ليس محل كلام،بخلاف جريان الاشتغال في الأحكام الاقتضائية،فإنه محل الكلام،بل هو خلاف التحقيق في كثير من الموارد،كما سيأتي التعرض له من المصنف قدّس سرّه و منا تبعا له.

(2)كأنه يشير إلى أن ظاهر النقض كون اليقين و الشك متدافعان و متنافيان و هذا إنما يتصور لو كان من شأن اليقين الاستمرار و البقاء،و هو مختص بصورة وجود المقتضي.

(3)الذي هو عبارة أخرى عن اليقين بوجود مشكوك الرافعية.

ص: 251

غاية معينة في الواقع،ثم علمنا صدق تلك الغاية على شيء،و شككنا في صدقها على شيء آخر (1) ،فحينئذ لا ينقض اليقين بالشك.

و أما إذا لم يثبت ذلك،بل ثبت أن ذلك الحكم مستمر في الجملة، و مزيله الشيء الفلاني،و شككنا في أن الشيء الآخر أيضا مزيله أم لا؟ فحينئذ لا ظهور في عدم نقض الحكم و ثبوت استمراره،إذ الدليل الأول (2) غير جار فيه،لعدم ثبوت حكم العقل في مثل هذه الصورة،خصوصا مع ورود بعض الروايات الدالة على عدم المؤاخذة بما لا يعلم.و الدليل الثاني، الحق أنه لا يخلو عن إجمال،و غاية ما يسلم منها ثبوت الحكم في الصورتين اللتين ذكرناهما (3) ،و إن كان فيه أيضا بعض المناقشات،لكنه لا يخلو عن (1)يعني:بنحو الشبهة الموضوعية،أما لو كان ناشئا من إجمال مفهوم الرافع،فهو داخل في القسم الثاني الذي منع من جريان الاستصحاب فيه،بقرينة أنه قدّس سرّه منع من جريان الاستصحاب في التمسح بالحجر الواحد ذي الشعب الثلاث، مع وضوح أنه لا يحتمل كونه رافعا مستقلا-كالمذي-بل يحتمل كونه داخلا في الاستجمار،لاجمال أدلة رافعية التمسح بالاحجار و التمسح بها.

و لو لا ذلك لكان ظاهر هذا الكلام تخصيص المنع بما إذا احتمل كون الشيء رافعا مستقلا كالمذي،و جريان الاستصحاب مع كون منشأ الشك إجمال مفهوم الرافع.فلاحظ.

(2)يعني:من الدليلين الذين استدل بهما على حجية الاستصحاب،و هما حكم العقل،و الروايات.

(3)و هما صورتا الشك في وجود الرافع،و الشك في انطباق عنوان الرافع على الوجود من جهة الشبهة الموضوعية.

ص: 252

التأييد للدليل الأول (1) ،فتأمل.

فإن قلت:الاستصحاب الذي يدعونه فيما نحن فيه و أنت منعته، الظاهر أنه من قبيل ما اعترفت به،لأن حكم النجاسة ثابت ما لم يحصل مطهر شرعي (2) إجماعا،و هنا لم يحصل الظن المعتبر شرعا بوجود المطهر، لأن حسنة ابن المغيرة و موثقة ابن يعقوب ليستا حجة شرعية،خصوصا مع معارضتهما بالروايات المتقدمة،فغاية الأمر حصول الشك بوجود المطهر،و هو لا ينقض اليقين.

قلت:كونه من قبيل الثاني ممنوع،إذ لا دليل على أن النجاسة باقية ما (1)فيكون الدليل في الصورتين المذكورتين هو الوجه الأول،و الوجه الثاني مؤيد له،لا دليل،لعدم خلوه عنده عن المناقشات.

(2)فيكون المزيل هو عنوان المطهر الشرعي،الذي يشك في انطباقه على مثل الحجر ذى الجهات الثلاث،فيدخل المورد فيما اعترف قدّس سرّه بجريان الاستصحاب فيه، و ليس الحجر ذي الجهات الثلاث مزيلا مستقلا في قبال المطهر الشرعي،حتى يكون من القسم الذي منع جريان الاستصحاب فيه.

هذا و لا يخفى اندفاع هذا الإشكال،لا بما سيذكره،بل لان عنوان المطهر ليس من العناوين الشرعية التي يرد عليها حكم الشارع بالازالة و الرافعية،بل هو عنوان منتزع من حكم الشارع على شيء بانه مزيل،فما هو المزيل شرعا ليس هو عنوان المطهر،بل هو العنوان الذاتي للشيء كالتمسح بالاحجار الثلاثة و الغسل و نحوهما.

و حينئذ فالشك في المقام ليس في كون التمسح بالحجر الواحد ذى الجهات الثلاث من مصاديق المزيل من جهة الشبهة الموضوعية ليجري فيه الاستصحاب باعترافه.فلاحظ.

ص: 253

لم يحصل مطهر شرعي،و ما ذكر من الإجماع غير معلوم،لأن غاية ما أجمعوا عليه أن التغوط إذا حصل لا يصح الصلاة بدون الماء و التمسح رأسا-لا بالثلاثة و لا بشعب الحجر الواحد-فهذا الإجماع لا يستلزم الإجماع على ثبوت حكم النجاسة حتى يحدث شيء معين (1) في الواقع مجهول عندنا قد اعتبره الشارع مطهرا،فلا يكون من قبيل ما ذكرنا.

فإن قلت:هب أنه ليس داخلا تحت الاستصحاب المذكور،لكن نقول:قد ثبت بالإجماع وجوب شيء على المتغوط في الواقع،و هو مردد بين أن يكون المسح بثلاثة أحجار أو الأعم منه و من المسح بجهات حجر واحد،فما لم يأت بالأول لم يحصل اليقين بالامتثال و الخروج عن العهدة، فيكون الإتيان به واجبا.

قلت:نمنع الإجماع على وجوب شيء معين في الواقع مبهم في نظر المكلف،بحيث لو لم يأت بذلك الشيء المعين لاستحق العقاب،بل الإجماع على أن ترك الأمرين معا سبب لاستحقاق العقاب،فيجب أن لا يتركهما.

و الحاصل:أنه إذا ورد نص أو إجماع على وجوب شيء معين-مثلا- معلوم عندنا،أو ثبوت حكم إلى غاية معينة عندنا،فلا بد من الحكم بلزوم (1)ظاهره التشكيك في كون النجاسة مما من شأنه البقاء لو لا الرافع،و هو غريب جدا.نعم قد يتوجه بناء على عدم كون النجاسة من الأحكام الوضعية المجعولة،بل هو منتزع من الأحكام التكليفية،على ما يأتي الكلام فيه عند تعقيب المصنف قدّس سرّه لكلام المحقق الخونساري.فلاحظ.

ص: 254

تحصيل اليقين أو الظن (1) بوجود ذلك الشيء المعلوم،حتى يتحقق الامتثال،و لا يكفي الشك في وجوده.و كذا يلزم الحكم ببقاء ذلك الحكم إلى أن يحصل العلم أو الظن بوجود تلك الغاية المعلومة،و لا يكفي الشك في وجودها في ارتفاع ذلك الحكم.

و كذا إذا ورد نص أو إجماع على وجوب شيء معين في الواقع مردد في نظرنا بين امور (2) ،و يعلم أن ذلك التكليف غير مشروط بشيء من العلم بذلك الشيء (3) مثلا،أو على ثبوت حكم إلى غاية معينة في الواقع مرددة عندنا بين أشياء،و يعلم أيضا عدم اشتراطه بالعلم مثلا،يجب الحكم بوجوب تلك الأشياء المرددة في نظرنا،و بقاء ذلك الحكم إلى حصول تلك الأشياء أيضا،و لا يكفي الإتيان بشيء واحد منها في سقوط التكليف، و كذا حصول شيء واحد في ارتفاع الحكم.سواء في ذلك كون الواجب شيئا معينا في الواقع مجهولا عندنا أو أشياء كذلك،أو غاية معينة في الواقع (1)لا يخفى أن اللازم تحصيل اليقين بالامتثال،و لا يكفي الظن،إلا أن يراد به الظن المعتبر.

(2)كما في موارد العلم الاجمالي.

ثم إنه قد تقدم من المصنف قدّس سرّه في الشبهة الوجوبية المحصورة نقل هذه الفقرات من كلام المحقق الخونساري و تعقيبها بما يناسب ذلك المقام.فراجع.

(3)إذ لو كان مشروطا بالعلم لكان متعذرا بتعذر شرطه و هو العلم فيسقط و لا يجب شيء.و لعله أراد بذلك الاشارة إلى العبادات التي قيل باعتبار الجزم بالنية في صحتها.فلاحظ.

ص: 255

مجهولة عندنا أو غايات كذلك،و سواء أيضا تحقق قدر مشترك (1) بين تلك الأشياء و الغايات أو تباينها بالكلية.

و أما إذا لم يكن الأمر كذلك،بل ورد نص-مثلا-على أن الواجب الشيء الفلاني (2) و نص آخر على أن ذلك الواجب شيء آخر،أو ذهب بعض الامة إلى وجوب شيء و بعض آخر إلى وجوب شيء آخر،فظهر -بالنص و الإجماع في الصورتين-أن ترك ذينك الشيئين معا سبب لاستحقاق العقاب،فحينئذ لم يظهر وجوب الإتيان بهما معا حتى يتحقق الامتثال،بل الظاهر الاكتفاء بواحد منهما،سواء اشتركا في أمر أم تباينا كلية.و كذلك الحكم في ثبوت الحكم الكلي إلى الغاية.

هذا مجمل القول في هذا المقام.و عليك بالتأمل في خصوصيات الموارد،و استنباط أحكامها عن هذا الأصل،و رعاية جميع ما يجب رعايته عند تعارض المعارضات.و اللّه الهادي إلى سواء الطريق.انتهى كلامه،رفع مقامه.

و حكى عنه السيد الصدر في شرح الوافية حاشية اخرى له-عند قول الشهيد:«و يحرم استعمال الماء النجس و المشتبه...الخ»-ما لفظه:

و توضيحه:أن الاستصحاب لا دليل على حجيته عقلا،و ما تمسكوا به ضعيف.و غاية ما تمسكوا بما ما ورد في بعض الروايات الصحيحة:

(1)بأن يكون بينهما جامع عرفي واحد،كالقصر و التمام الداخلين في عنوان الصلاة.

(2)لعله أراد به مثل التمسح بالأحجار.

ص: 256

«إن اليقين لا ينقض بالشك»،و على تقدير تسليم صحة الاحتجاج بالخبر في مثل هذا الأصل و عدم منعها-بناء على أن هذا الحكم الظاهر أنه من الأصول،و يشكل التمسك بخبر الواحد في الأصول (1) ،إن سلم التمسك به في الفروع-نقول:

أولا:أنه لا يظهر شموله للامور الخارجية،مثل رطوبة الثوب و نحوها،إذ يبعد أن يكون مرادهم بيان الحكم في مثل هذه الامور التي ليست أحكاما شرعية،و إن أمكن أن يصير منشأ لحكم شرعي،و هذا ما يقال:إن الاستصحاب في الامور الخارجية لا عبرة به (2) .

ثم بعد تخصيصه بالأحكام الشرعية،فنقول:الأمر على وجهين:

أحدهما:أن يثبت حكم شرعي في مورد خاص باعتبار حال يعلم من الخارج أن زوال تلك الحالة لا يستلزم زوال ذلك الحكم.

و الآخر:أن يثبت باعتبار حال لا يعلم فيه ذلك.

مثال الأول:إذا ثبت نجاسة ثوب خاص باعتبار ملاقاته للبول، بأن يستدل عليه:بأن هذا شيء لاقاه البول،و كل ما لاقاه البول نجس، فهذا نجس.و الحكم الشرعي النجاسة،و ثبوته باعتبار حال هو ملاقاة البول،و قد علم من خارج-ضرورة أو إجماعا-أن النجاسة لا تزول بزوال الملاقاة.

(1)تقدم في بعض المباحث السابقة أن هذا مختص بأصول الدين،و لا يعم أصول الفقه.

(2)تقدم نقل هذه الفقرات من هذا الكلام عند الكلام في حجة القول الرابع.

ص: 257

و مثال الثاني:ما نحن بصدده،فإنه ثبت وجوب الاجتناب عن الإناء المخصوص باعتبار أنه شيء يعلم (1) وقوع النجاسة فيه بعينه، و كل شيء كذلك يجب الاجتناب عنه،و لم يعلم بدليل من الخارج أن زوال ذلك الوصف (2) الذي يحصل باعتبار زوال المعلومية بعينه لا دخل له في زوال ذلك الحكم.

و على هذا القول:شمول الخبر للقسم الأول ظاهر،فيمكن التمسك بالاستصحاب فيه.

و أما القسم الثاني فالتمسك فيه مشكل.

فإن قلت:بعد ما علم في القسم الأول أنه لا تزول الحكم بزوال الوصف،فأي حاجة إلى التمسك بالاستصحاب؟و أي فائدة فيما ورد في الأخبار،من أن:اليقين لا ينقض بالشك؟

قلت:القسم الأول على وجهين:

أحدهما:أن يثبت أن الحكم-مثل النجاسة بعد الملاقاة-حاصل ما لم يرد عليه الماء على الوجه المعتبر في الشرع،و حينئذ فائدته أن عند حصول الشك في ورود الماء لا يحكم بزوال النجاسة.

(1)هذا بظاهره راجع إلى أن العلم مأخوذ في موضوع وجوب الاجتناب، و هو غير ظاهر،بل لا ينبغي الإشكال في أن وجوب الاجتناب من آثار النجاسة الواقعية و أن زوال العلم لا دخل له فيه بوجه،خصوصا العلم التفصيلي الذي هو ظاهر كلامه.فلاحظ.

(2)و هو وصف العلم بالملاقاة.

ص: 258

و الآخر:أن يعلم ثبوت الحكم في الجملة بعد زوال الوصف،لكن لم يعلم أنه ثابت دائما،أو في بعض الأوقات إلى غاية معينة محدودة،أم لا؟ و فائدته أنه إذا ثبت الحكم في الجملة فيستصحب إلى أن يعلم المزيل (1) .

ثم لا يخفى:أن الفرق الذي ذكرنا بين القسمين (2) و إن كان لا يخلو عن بعد،و لكن بعد ملاحظة ما ذكرنا-من أن إثبات مثل هذا بمجرد الخبر مشكل (3) ،مع انضمام أن الظهور في القسم الثاني لم يبلغ مبلغه في القسم الأول،و أن (4) اليقين لا ينقض بالشك-قد يقال:إن ظاهره أن يكون اليقين حاصلا-لو لا الشك (5) -باعتبار دليل دال على الحكم في غير صورة (6) (1)هذا ظاهر في جريان الاستصحاب مع الشك في كون شيء رافعا شرعا.

بل مع الشك في مقدار استمرار المقتضي إذا علم استمراره في الجملة.و هو خلاف ما نقله عنه المصنف قدّس سرّه.بل خلاف ما سبق من المحقق المذكور في كلامه السابق و خلاف ما يأتي في وجه الفرق.فلاحظ.

(2)و هما ما إذا علم استمرار الحكم بعد زوال الحالة التي أوجبته،و ما إذا شك فى استمراره بعدها،حيث تقدم منه اختصاص أخبار الاستصحاب بالأول.

(3)كأنه اشارة إلى ما سبق منه من الإشكال في الرجوع إلى الأخبار في المسألة الأصولية.لكن هذا جار في كلا القسمين،كما لا يخفى.

(4)لا يبعد كون العطف تفسيريا لشرح الوجه في قوله:«الظهور في القسم الثاني لم يبلغ...».

(5)كأنه يشير إلى ما سبق منه في الكلام الأول من ظهور الأخبار في التعارض بين اليقين و الشك،بحيث يكون الحكم مقتضيا لثبوته لو لا الشك.

(6)كأن المراد باعتبار دلالة دليل الحكم على ثبوته لو لا الشك.و العبارة لا تخلو عن غموض.

ص: 259

ما شك فيه،إذ لو فرض (1) عدم الدليل عليه لكان نقض اليقين-حقيقة- باعتبار عدم الدليل الذي هو دليل العدم،لا الشك،كأنه (2) يصير قريبا.و مع ذلك ينبغي رعاية الاحتياط في كل من القسمين،بل في الامور الخارجية أيضا.انتهى كلامه،رفع مقامه.

المناقشة فيما أفاده المحقق الخوانساري قدّس سرّه

أقول:لقد أجاد فيما أفاد،و جاء بما فوق المراد (3) ،إلا أن في كلامه (1)يعني:لو فرض عدم دلالة الدليل على ثبوت الحكم لو لا الشك،فنقض اليقين لا يكون حقيقة بالشك،بل لعدم الدليل الذي هو دليل العدم.

و فيه:أن عدم الدليل لا يكون دائما دليلا على العدم.فلاحظ.

(2)الضمير يعود إلى الفرق في قوله:«ثم لا يخفى أن الفرق الذي ذكرنا...».

يعني:أن الفرق المذكور و إن كان لا يخلو عن بعد إلا أنه بعد ملاحظة ما ذكرنا-من الجهات المتقدمة-كأنه يصير قريبا.

(3)لا يخفى بعد الاحاطة بكلامي المحقق الخونساري قدّس سرّه خروجه كثيرا عن مباني المصنف قدّس سرّه في الرجوع إلى الأصول و إعمالها و أدلتها.فكان تعبير المصنف قدّس سرّه هذا لمحض التأدب اعترافا بمقامه السامي و تسليما بجلالته العلمية.قدس اللّه روحيهما و جزاهما خير جزاء المحسنين،و رزقنا التوفيق و التسديد إنه أرحم الراحمين.

لكن ذكر بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه أن مراد المصنف قدّس سرّه أنه اجاد في فهم اختصاص دلالة الروايات بالشك في الرافع و عدم شمولها للشك في المقتضي إلا أنه ما أجاد في تخصيصها ببعض أقسام الشك في الرافع.

لكن عرفت أن مقتضى الكلام الثاني للمحقق الخونساري قدّس سرّه جريان الاستصحاب مع الشك في المقتضي مع العلم باستمراره في الجملة.بل مقتضى الكلام الأول جريانه مع الشك في الغاية التي لا تستلزم إحراز المقتضي،كما اعترف به المحشي المذكور.مدعيا انه بحكم الشك في الرافع،و لم يتضح وجهه.فلاحظ.

ص: 260

مواقع للتأمل،فلنذكر مواقعه و نشير إلى وجهه،فنقول:

قوله:«و ذهب (1) بعضهم إلى حجيته في القسم الأول».

ظاهره-كصريح ما تقدم منه في حاشيته الاخرى-وجود القائل بحجية الاستصحاب في الأحكام الشرعية الجزئية كطهارة هذا الثوب، و الكلية كنجاسة المتغير بعد زوال التغير،و عدم الحجية في الامور الخارجية،كرطوبة الثوب و حياة زيد.

و فيه نظر،يعرف بالتتبع في كلمات القائلين بحجية الاستصحاب و عدمها (2) ،و النظر في أدلتهم،مع أن ما ذكره في الحاشية الأخيرة- دليلا لعدم الجريان في الموضوع (3) -جار في الحكم الجزئي أيضا،فإن بيان وصول النجاسة إلى هذا الثوب الخاص واقعا و عدم وصولها،أو بيان نجاسته المسببة عن هذا الوصول و عدمها لعدم الوصول،كلاهما خارج عن شأن الشارع،كما أن بيان طهارة الثوب المذكور ظاهرا و بيان عدم وصول النجاسة إليه ظاهرا-الراجع في الحقيقة إلى الحكم بالطهارة ظاهرا-ليس إلا شأن الشارع،كما نبهنا عليه فيما تقدم (4) .

(1)هذا ذكره في الكلام الأول.

(2)تقدم من المصنف قدّس سرّه في بيان حجة القول الرابع أن المحقق القمي قدّس سرّه استظهر نسبة القول المذكور للسبزواري.

(3)حيث قال:«إذ يبعد أن يكون مرادهم بيان الحكم في مثل هذه الأمور».

(4)تقدم منه قدّس سرّه التعرض لذلك في حجة القول الرابع،و تقدم الكلام فيه.

فراجع.

ص: 261

قوله:«و الظاهر حجية الاستصحاب بمعنى آخر...الخ».

وجه مغايرة ما ذكره لما ذكره المشهور،هو:أن الاعتماد في البقاء عند المشهور على الوجود السابق-كما هو ظاهر قوله (1) :«لوجوده في زمان سابق عليه»،و صريح قول شيخنا البهائي:«إثبات الحكم في الزمان الثاني تعويلا على ثبوته في الزمن الأول»-و ليس الأمر كذلك على طريقة شارح الدروس (2) .

قوله قدّس سرّه:«إن الحكم الفلاني بعد تحققه ثابت إلى حدوث حال كذا أو وقت كذا...الخ».

أقول:بقاء الحكم إلى زمان كذا يتصور على وجهين:

الأول:أن يلاحظ الفعل إلى زمان كذا موضوعا واحدا تعلق به الحكم الواحد،كأن يلاحظ الجلوس في المسجد إلى وقت الزوال فعلا واحدا تعلق به أحد الأحكام الخمسة،و من أمثلته:الإمساك المستمر إلى الليل،حيث إنه ملحوظ فعلا واحدا تعلق به الوجوب أو الندب أو غيرهما من أحكام الصوم (3) .

(1)يعني:قول المحقق الخونساري قدّس سرّه في بيان معنى الاستصحاب عند المشهور.

(2)حيث صرح بان مجرد اليقين بالوجود في الزمان السابق لا يقتضي الحكم بالبقاء في الزمان اللاحق،بل منشأ الحكم بالبقاء عنده كون أمران:

الأول:اليقين مقتضيا له لو لا الشك و لذا خصه،بما إذا شك في المزيل.

الثاني:أصالة البراءة و أصالة الاشتغال.

(3)و لذا لا يكون له إلا اطاعة واحدة أو معصية كذلك.

ص: 262

الثاني:أن يلاحظ الفعل في كل جزء يسعه من الزمان المغيى موضوعا مستقلا تعلق به حكم،فيحدث في المقام أحكام متعددة لموضوعات متعددة (1) ،و من أمثلته:وجوب الصوم عند رؤية هلال رمضان إلى أن يرى هلال شوال،فإن صوم كل يوم إلى انقضاء الشهر فعل مستقل تعلق به حكم مستقل.

أما الأول،فالحكم التكليفي:إما أمر،و إما نهي،و إما تخيير:

فإن كان أمرا،كان اللازم عند الشك في وجود الغاية ما ذكره (2) :من وجوب الإتيان بالفعل تحصيلا لليقين بالبراءة من التكليف المعلوم،لكن يجب تقييده بما إذا لم يعارضه تكليف آخر محدود بما بعد الغاية،كما إذا وجب الجلوس في المسجد إلى الزوال،و وجب الخروج من الزوال إلى الغروب، فإن وجوب الاحتياط للتكليف بالجلوس عند الشك في الزوال معارض بوجوب الاحتياط للتكليف بالخروج بعد الزوال،فلا بد من الرجوع في وجوب الجلوس عند الشك في الزوال إلى أصل آخر غير الاحتياط،مثل (3) :

أصالة عدم الزوال (4) ،و عدم الخروج عن عهدة التكليف بالجلوس (5) ، (1)يكون لكل منها إطاعته و معصيته.

(2)يعني:في الدليل الأول من الدليلين الذين استدل بهما على الاستصحاب.

(3)و كل ذلك يرجع إلى الاستصحاب الذي هو محل الكلام.و بدونه يكون المرجع الأصل،و هو التخيير للدوران بين الوجوب و الحرمة.

(4)الذي هو أصل موضوعي حاكم على أصالة التخيير.

(5)هذا راجع إلى استصحاب الاشتغال،الذي تقدم من المصنف قدّس سرّه الإشكال فيه في مبحث الشبهة الوجوبية التحريمية.إلا أن يريد به استصحاب

ص: 263

أو عدم حدوث التكليف بالخروج (1) ،أو غير ذلك.

و إن كان نهيا،كما إذا حرم الإمساك المحدود بالغاية المذكورة أو الجلوس المذكور،فإن قلنا بتحريم الاشتغال (2) -كما هو الظاهر (3) - وجوب الجلوس،فيبتني على ما تقدم في حجة القول السابع من الكلام في جريان الاستصحاب في الأحكام التكليفية.

(1)هذا لا يقتضي وجوب الجلوس إلا بناء على الأصل المثبت.إلا أن يتمسك فيه بأصالة الاشتغال بالتكليف بالجلوس.

لكن لو فرض كون الوقت بالإضافة إلى الخروج شرطا للواجب لا للوجوب،بمعني أن الواجب هو الخروج الحاصل بعد الزوال كان منجزا حين الشك بمقتضى قاعدة الاشتغال أيضا المقتضية للزوم إحراز الفراغ و اليقين بامتثاله فيتزاحم الاحتياطان بالإضافة إلى التكليفين،و يتعين الرجوع إلى أصالة التخيير أيضا.فتأمل.

(2)يعني:الاشتغال بالحرام في اثناء الوقت.

(3)الظاهر أن الحال يختلف حسب اختلاف الجعل،فحرمة الشيء في مدة معينة تارة:ترجع إلى حرمته في كل أن بنحو الانحلال.و هو الوجه الثاني الذي أشار إليه المصنف قدّس سرّه كحرمة الكون في المسجد الحرام للجنب.و يأتي الكلام فيه.

و أخرى:ترجع إلى حرمة ايقاع صرف الوجود منه في تلك المدة بنحو لو انشغل به في بعض تلك المدة فعل الحرام كما لو انشغل به في تمام المدة من دون زيادة في المعصية،نظير حرمة الاكل في يوم الصوم المنذور.فتأمل.

و اللازم حينئذ حرمة الانشغال بالحرام في اثناء المدة،كما ذكره المصنف قدّس سرّه.

و ثالثة:ترجع إلى حرمة اشغال تمام المدة بذلك فلو انشغل به في بعض المدة لم يفعل حراما أصلا،كما لو فرض حرمة الامساك في نهار العيد،فإنه لا يراد به إلا

ص: 264

كان المتيقن التحريم قبل الشك في وجود الغاية،و أما الحرمة بعده فلا يثبت بما ذكر في الأمر (1) ،بل يحتاج إلى الاستصحاب (2) المشهور،و إلا (3) فالأصل الإباحة في صورة الشك (4) .و إن قلنا:إنه لا يتحقق الحرام و لا استحقاق العقاب إلا بعد تمام الإمساك و الجلوس المذكورين (5) ، فيرجع إلى مقتضى (6) أصالة عدم استحقاق العقاب و عدم تحقق حرمة الامساك في تمامه لا حرمة الانشغال به في بعضه فما يظهر من المصنف قدّس سرّه من الترديد بين الوجهين في الاخيرين في غير محله.بل اللازم ذكر كليها.فلاحظ.

(1)و هو قاعدة الاشتغال.و كأن الوجه في عدم جريان القاعدة هو وجود القدر المتيقن،و هو ما قبل زمان الشك.

و فيه:أنه لا يجدي في إحراز الفراغ عن التكليف المعلوم،و هو التكليف بما بين الحدين بعد فرض عدم الاجمال فيه،و إنما كان الشك في الفراغ ناشئا عن الشبهة الموضوعية.

نعم إذا كان الوقت شرطا للتكليف التحريمي كان الشك فيه شكا في التكليف،و هو مجري البراءة.فتأمل جيدا.

(2)و يبتني على الكلام في جريان الاستصحاب في الأحكام التكليفية.

(3)يعني:إن لم نقل بجريان الاستصحاب بالمعنى المشهور.

(4)عرفت الإشكال فيه في الجملة،و أنه قد يكون المرجع الاشتغال.

(5)يعني:فلا يحرم الاشتغال بالفعل في اثناء الوقت.و قد عرفت انه المتعين فى الصورة الثالثة.

(6)لا يخفى أن الشك في تحقق الغاية لا أثر له في حق من لم يمسك قبله،إذ يجوز له الامساك حتى لو علم بعدم تحقق الغاية،لفرض انه لا يحرم عليه الامساك فى كل آن،بل اتمام الامساك،و هو غير حاصل مع فرض سبق عدم الإمساك قبل الشك.

ص: 265

المعصية (1) ،و لا دخل له بما ذكره في الأمر.

و إن كان تخييرا،فالأصل فيه و إن اقتضى عدم حدوث حكم ما بعد الغاية للفعل عند الشك فيها،إلا أنه قد يكون حكم ما بعد الغاية تكليفا منجزا يجب فيه الاحتياط،كما إذا أباح الأكل إلى طلوع الفجر مع تنجز وجوب الإمساك من طلوع الفجر إلى الغروب عليه،فإن الظاهر لزوم و إنما يكون الشك في الغاية موردا للاثر في حق من استمر منه الامساك إلى زمان الشك،إذ على تقدير تحقق الغاية فهو قد فعل الحرام و سقط التكليف بالمعصية، فلا يحرم عليه الامساك بعد،و على تقدير عدم تحققها يحرم عليه الامساك لما يستلزم من اتمام الامساك المحرم.

و عليه فيكون الشك في سقوط التكليف و في قدرته على امتثاله،و لا يبعد في مثله الرجوع للاحتياط.

نعم لو كان الوقت شرطا للتكليف لا للمكلف به كان الشك فيه شكا في التكليف و هو مجري البراءة.

و إن شئت قلت:الشك في سقوط التكليف ان كان ناشئا من احتمال العجز أو الامتثال كان مجرى للاشتغال،و إن كان ناشئا من احتمال فقد شرائطه الشرعية فهو مجري للبراءة إذا لم يمكن إحراز بقاء الشرط.فتأمل جيدا.

(1)اما الأول فلا مجال لجريانه في نفسه،لان استحقاق العقاب أمر عقلي لا يكون مجري لاصل شرعي.و كذا الثاني،لان عنوان المعصية من العناوين العقلية المنتزعة من التكليف المسببة عنه و ليس أمرا شرعيا.

إلا أن يكون مراد المصنف قدّس سرّه من الأصلين المذكورين هو اجراء البراءة، فيجري ما سبق.

ص: 266

الكف من الأكل عند الشك (1) .هذا كله إذا لوحظ الفعل المحكوم عليه بالحكم الاقتضائي أو التخييري أمرا واحدا مستمرا.

و أما الثاني،و هو ما لوحظ فيه الفعل امورا متعددة كل واحد منها متصف بذلك الحكم غير مربوط بالآخر،فإن كان أمرا أو نهيا فأصالة الإباحة و البراءة قاضية بعدم الوجوب و الحرمة في زمان الشك (2) ، و كذلك أصالة الإباحة في الحكم التخييري (3) ،إلا إذا كان الحكم فيما بعد الغاية تكليفا منجزا يجب فيه الاحتياط (4) .

فعلم مما ذكرنا:أن ما ذكره من الوجه الأول الراجع إلى وجوب تحصيل الامتثال لا يجري إلا في قليل من الصور المتصورة في المسألة،و مع ذلك فلا يخفى أن إثبات الحكم في زمان الشك بقاعدة الاحتياط-كما في الاقتضائي-أو قاعدة الإباحة و البراءة-كما في الحكم التخييري-ليس قولا بالاستصحاب المختلف فيه أصلا،لأن مرجعه إلى أن إثبات الحكم في الزمان الثاني يحتاج إلى دليل يدل عليه و لو كان أصالة الاحتياط أو البراءة، (1)هذا بناء على عدم دخل الوقت في التكليف و كونه قيدا للواجب لا غير.

أما إذا كان شرطا للتكليف فمع الشك فيه يشك في تحقق التكليف،و الأصل فيه البراءة،كما ذكرنا في بعض القروض السابقة.

(2)لرجوع الشك حينئذ إلى الشك في مقدار التكليف،و الأصل فيه البراءة خصوصا في غير الارتباطي،كما هو المفروض.

(3)كما هو ظاهر المحقق الخونساري في كلامه السابق.

(4)فإن اللازم حينئذ الرجوع فيه إلى قاعدة الاشتغال لو فرض عدم الرجوع للاستصحاب لإحراز عدم تحقق الغاية.

ص: 267

و هذا عين إنكار الاستصحاب (1) ،لأن المنكر يرجع إلى أصول أخر،فلا حاجة إلى تطويل الكلام و تغيير اسلوب كلام المنكرين في هذا المقام.

توجيه ما ذكره المحقق الخوانساري قدّس سرّه في الحكم التخييري

بقي الكلام في توجيه ما ذكره:من أن الأمر في الحكم التخييري أظهر،و لعل الوجه فيه (2) :أن الحكم بالتخيير في زمان الشك في وجود الغاية مطابق لأصالة الإباحة الثابتة بالعقل و النقل،كما أن الحكم بالبقاء في الحكم الاقتضائي مطابقا لأصالة الاحتياط الثابتة في المقام بالعقل و النقل.

توجيه المحقق القمي قدّس سرّه

و قد وجه المحقق القمي قدّس سرّه إلحاق الحكم التخييري بالاقتضائي:

بأن مقتضى التخيير إلى غاية وجوب الاعتقاد بثبوته في كل جزء مما قبل الغاية،و لا يحصل اليقين بالبراءة من التكليف باعتقاد التخيير عند الشك في حدوث الغاية،إلا بالحكم بالإباحة و اعتقادها في هذا الزمان أيضا.

المناقشة في توجيه المحقق القمي قدّس سرّه

و فيه:أنه إن اريد وجوب الاعتقاد بكون الحكم المذكور ثابتا إلى الغاية المعينة (3) ،فهذا الاعتقاد موجود و لو بعد القطع بتحقق الغاية فضلا (1)لكن كلام المحقق الخونساري قدّس سرّه لا يظهر في خلاف ذلك،فقد انكر الاستصحاب المشهور،و ذكر أن الاستصحاب الذي هو ينبغي الرجوع إليه بمعنى آخر.

(2)لا يخفى أن ما ذكره المصنف قدّس سرّه لا ينهض ببيان وجه الاظهرية،و غاية ما يقتضيه التساوي بين الأمرين.و قد أشرنا في تعقيب كلام المحقق الخونساري إلى وجه الاظهرية.فراجع.

(3)يعني:بنحو القضية الكلية،فيعتقد مثلا أن جواز الاكل ثابت إلى طلوع الفجر.

ص: 268

عن صورة الشك فيه،فإن هذا اعتقاد بالحكم الشرعي الكلي،و وجوبه غير مغيا بغاية،فإن الغاية غاية للمعتقد لا لوجوب الاعتقاد (1) .

و إن أريد وجوب الاعتقاد بذلك الحكم التخييري في كل جزء من الزمان الذي يكون في الواقع مما قبل الغاية (2) و إن لم يكن معلوما عندنا،ففيه:أن وجوب الاعتقاد في هذا الجزء المشكوك بكون الحكم فيه هو الحكم الأولي أو غيره ممنوع جدا (3) ،بل الكلام في جوازه (4) ،لأنه (1)بل يجب الاعتقاد و الاذعان بالأحكام الشرعية على كل مسلم ملتفت فى كل وقت تفصيلا مع العلم التفصيلي بها و إجمالا مع العلم الاجمالي بها،لانه مقتضى الايمان بالشريعة و التصديق بالرسول المرسل بها.

كما سبق التعرض له في مبحث الاكتفاء بالعلم الإجمالي في تنجيز التكليف من مباحث القطع،و ان كان ما يظهر من المصنف قدّس سرّه هنا قد ينافي ما يظهر منه هناك.فراجع.

(2)يعني:بنحو القضية الخارجية الشخصية.

(3)لان الاذعان بالقضية الخارجية الجزئية يتبع الاذعان بالكبرى الكلية موقوف على العلم بالصغرى-مثل عدم تحقق الغاية في المقام-فمع فرض الشك فى الصغرى-لاحتمال حصول الغاية في المقام-لا وجه لوجوب الاعتقاد التفصيلي، بل يتعين الاعتقاد الاجمالي،لعدم منافاته للاعتقاد بالكبرى و الاذعان بها بوجه،كما لا يخفى.

(4)كأنه لشبهة التشريع المحرم.لكن لا يبعد اندفاعها بعدم تحقق التشريع في مثل المقام مما كان الحكم الشرعي الكلي،معلوما،و إنما التردد في الموضوع الخارجي اذ لا تشريع في الاعتقاد بوجود الموضوع مع عدم العلم به،لعدم كونه من الامور الشرعية.و قد تقدم بعض الكلام في ذلك في مباحث القطع.فراجع.

ص: 269

معارض بوجوب الاعتقاد بالحكم الآخر (1) الذي ثبت فيما بعد الغاية واقعا و إن لم يكن معلوما،بل لا يعقل وجوب الاعتقاد مع الشك في الموضوع (2) ،كما لا يخفى.

و لعل هذا الموجه قدّس سرّه قد وجد عبارة شرح الدروس في نسخته- كما وجدته في بعض نسخ شرح الوافية-هكذا:«و أما على الثاني فالأمر كذلك (3) »كما لا يخفى،لكني راجعت بعض نسخ شرح الدروس (1)مما ذكرنا تعرف عدم وجوب الاعتقاد بكل من الحكمين تفصيلا بالإضافة إلى الزمان الخاص المشكوك فيه،لا أنه يجب الاعتقاد بكل منهما و يسقطان للتزاحم.

(2)كانه لدعوى امتناع الاعتقاد مع عدم العلم بالأمر المعتقد به.لكن الظاهر امكانه،لعدم ملازمة الاعتقاد الذي هو بمعنى الاذعان و التسليم-كما هو محل الكلام في المقام-للعلم،بل يمكن مع العلم بالخلاف-فضلا عن الشك-كما قد يشهد به قوله تعالى: وَ جَحَدُوا بِهٰا وَ اسْتَيْقَنَتْهٰا أَنْفُسُهُمْ .و اما دعوى الامتناع شرعا،للزوم التشريع المحرم فقد عرفت الإشكال فيها.

(3)و هو المحكي عن بعض نسخ شرح الدروس.و ظاهره أن الوجه في الحكم التخييري هو قاعدة الاشتغال كما ذكره في الحكم الاقتضائي،و لاجله التجأ المحقق القمي قدّس سرّه لهذا التوجيه.

لكن قد يوجه بان مراده من كون الحكم التخييرى كذلك انه كالحكم الاقتضائي في كون البقاء فيه مقتضى الأصل بلا حاجة إلى الاستصحاب،و إن كان الأصل فيهما مختلفا،كما نبه إليه بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه.

و هو و إن كان خلاف الظاهر إلا أنه لا يبعد كونه أولى من التوجيه الذي ذكره المحقق القمي قدّس سرّه.فلاحظ.

ص: 270

فوجدت لفظ«أظهر» (1) بدل«كذلك»،و حينئذ فظاهره مقابلة وجه الحكم بالبقاء في التخيير بوجه الحكم بالبقاء في الاقتضاء،فلا وجه لإرجاع أحدهما للآخر.

و العجب من بعض المعاصرين (2) ،حيث أخذ التوجيه المذكور عن القوانين،و نسبه إلى المحقق الخوانساري،فقال:

حجة المحقق الخوانساري أمران:الأخبار،و أصالة الاشتغال.ثم أخذ في إجراء أصالة الاشتغال في الحكم التخييري بما وجهه في القوانين، ثم أخذ في الطعن عليه.

و أنت خبير:بأن الطعن في التوجيه،لا في حجة المحقق،بل لا طعن في التوجيه أيضا،لأن غلط النسخة ألجأه إليه (3) .

ما أورده السيد الصدر قدّس سرّه على المحقق الخوانساري قدّس سرّه

هذا،و قد أورد عليه (4) السيد الشارح (5) :بجريان ما ذكره من قاعدة وجوب تحصيل الامتثال في استصحاب القوم،قال:

بيانه:أنا كما نجزم-في الصورة التي فرضها-بتحقق الحكم في قطعة من الزمان،و نشك أيضا-حين القطع-في تحققه في زمان يكون حدوث (1)كما تقدم نقل كلام المحقق الخونساري هكذا.

(2)الظاهر انه صاحب الفصول قدّس سرّه.

(3)هذا لو تم إنما يدفع الطعن عن الموجه-و هو المحقق القمي قدّس سرّه-لا عن التوجيه.و الأمر سهل.

(4)يعني:على المحقق الخونساري قدّس سرّه.

(5)لا يبعد ان يكون المراد به السيد الصدر شارح الوافية.

ص: 271

الغاية فيه و عدمه متساويين عندنا،فكذلك نجزم بتحقق الحكم في زمان لا يمكن تحققه (1) إلا فيه،و نشك-حين القطع-في تحققه في زمان متصل بذلك الزمان،لاحتمال وجود رافع لجزء من أجزاء علة الوجود،كما أن في الصورة الأولى يكون الدليل محتملا لأن يراد منه وجود الحكم في زمان الشك و أن يراد عدم وجوده،فكذلك الدليل في الصورة التي فرضناها، و حينئذ فنقول:لو لم يمتثل المكلف لم يحصل الظن بالامتثال...إلى آخر ما ذكره،انتهى.

المناقشة في الإيراد

أقول:و هذا الإيراد ساقط عن المحقق (2) ،لعدم جريان قاعدة الاشتغال في غير الصورة التي فرضها المحقق،مثلا:إذا ثبت وجوب الصوم في الجملة،و شككنا في أن غايته سقوط القرص أو ميل الحمرة المشرقية (3) ،فاللازم حينئذ-على ما صرح به المحقق المذكور في عدة مواضع من كلماته-الرجوع في نفي الزائد،و هو وجوب الإمساك بعد سقوط القرص،إلى أصالة البراءة،لعدم ثبوت التكليف بإمساك أزيد من (1)لا يبعد أن يكون الصحيح:«لا يعلم...»إذ فرض عدم إمكان التحقق في غيره مناف لفرض الشك في البقاء المقوم للاستصحاب.كما لعله ظاهر.

(2)هذا موقوف على ان يكون كلام المحقق المذكور مختصا بصورة الشك في وجود الرافع،او رافعية الموجود من جهة الشبهة المصداقية،لا المفهومية.

و قد عرفت أن ظاهر كلامه الجريان في غيرهما مما هو مجري البراءة أيضا،كما يظهر بالتأمل.

(3)الذي هو مورد الشك في رافعية الموجود من جهة اجمال مفهوم الرافع و هو في المقام الغروب الذي هو مردد بين غروب الشمس و غروب الحمرة المشرقية.

ص: 272

المقدار المعلوم،فيرجع إلى مسألة الشك في الجزئية،فلا يمكن أن يقال:

إنه لو لم يمتثل التكليف لم يحصل الظن بالامتثال،لأنه (1) إن اريد امتثال التكليف المعلوم فقد حصل قطعا،و إن أريد امتثال التكليف المحتمل فتحصيله غير لازم.

و هذا بخلاف فرض المحقق،فإن التكليف بالإمساك-إلى السقوط على القول به أو ميل الحمرة على القول الآخر-معلوم مبين،و إنما الشك في الإتيان به عند الشك في حدوث الغاية (2) .فالفرق بين مورد استصحابه و مورد استصحاب القوم،كالفرق بين الشك في إتيان الجزء المعلوم الجزئية و الشك في جزئية شيء،و قد تقرر في محله جريان أصالة الاحتياط في الأول دون الثاني.

و قس على ذلك ساير موارد استصحاب القوم،كما لو ثبت أن للحكم غاية و شككنا في كون شيء آخر أيضا غاية له،فإن المرجع في الشك في ثبوت الحكم بعد تحقق ما شك في كونه غاية عند المحقق الخوانساري قدّس سرّه هي أصالة البراءة (3) دون الاحتياط.

رجوع إلى كلام المحقق الخوانساري قدّس سرّه

قوله:«الظاهر أن المراد من عدم نقض اليقين بالشك أنه عند التعارض لا ينقض،و معنى التعارض أن يكون شيء يوجب اليقين لو لا (1)تعليل لقوله:«فلا يمكن...».

(2)يعني:فيكون الشك في الامتثال الذي هو مجري الاشتغال،لا في أصل التكليف الذي هو مجري البراءة.

(3)و هو في محله بناء على عدم حجية الاستصحاب بالمعنى المعروف.

ص: 273

الشك».

أقول:ظاهر هذا الكلام جعل تعارض اليقين و الشك باعتبار تعارض المقتضي لليقين و نفس الشك،على أن يكون الشك مانعا عن اليقين،فيكون من قبيل تعارض المقتضي للشيء و المانع عنه.و الظاهر أن المراد بالموجب (1) في كلامه دليل اليقين السابق،و هو الدال على استمرار حكم إلى غاية معينة.

و حينئذ فيرد عليه-مضافا إلى أن التعارض الذي استظهره من لفظ «النقض»لا بد أن يلاحظ بالنسبة إلى الناقض و نفس المنقوض (2) ،لا مقتضيه الموجب له لو لا الناقض-:أن نقض اليقين بالشك-بعد صرفه عن ظاهره (3) ،و هو (4) نقض صفة اليقين أو أحكامها الثابتة لها من حيث هي صفة من الصفات،لارتفاع (5) اليقين و أحكامه الثابتة له من (1)حيث قال:«و معنى التعارض أن يكون شيء يوجب اليقين».

(2)فينبغي ملاحظة المعارضة بين نفس اليقين و الشك،و من الظاهر أنه لا من كون المعارضة ادعائية لا حقيقية،لاختلاف زمانهما،فلا مجال للتعارض الحقيقي بينهما،و من الظاهر أنه لا معارضة بينهما حقيقة لاختلاف زمانهما.

و من ثم اضطر المصنف قدّس سرّه إلى فرض المعارضة بين أحكام المتيقن فجعل نقض اليقين كفاية عن نقضها،لما سيأتي.و لا يبعد إبقاء اليقين على ظاهره و إرادة نقضه إلا دعائي لا الحقيقي،كما سيأتي.

(3)يعني:معناه الحقيقي.

(4)بيان لما هو الظاهر.

(5)تعليل لقوله:«بعد صرفه عن ظاهره».

ص: 274

حيث هو حين الشك قطعا (1) -ظاهر (2) في نقض أحكام اليقين،يعني:

الأحكام الثابتة باعتباره للمتيقن أعني المستصحب،فيلاحظ التعارض حينئذ بين المنقوض (3) و الناقض (4) ،و اللازم من ذلك اختصاص الأخبار بما يكون المتيقن و أحكامه مما يقتضي بنفسه الاستمرار لو لا الرافع (5) ،فلا ينقض تلك الأحكام بمجرد الشك في الرافع،سواء كان الشك في وجود الرافع أو في رافعية الموجود (6) .و بين هذا و ما ذكره المحقق (1)اما ارتفاع نفس صفة اليقين عند الشك فظاهر.و اما ارتفاع أحكامها فلانه يتبع ارتفاعها.

نعم يمكن للشارع إبقاء تلك الأحكام،بحيث يكون اليقين علة لها حدوثا لا بقاء،بل تبقى مع الشك أيضا،إلا انه يعلم أن أدلة الاستصحاب غير ناظرة إلى ذلك،فيتعين صرفها عن معناها الحقيقي.

(2)خبر(أن)في قوله:«أن نقض اليقين بالشك».

(3)و هو الأحكام.

(4)و هو الشك.

(5)هذا يقتضي كون التعارض بين الشك الناقض و مقتضى الأحكام المنقوضة، لان المقتضي يقتضي بقاءها و الشك يقتضي رفع اليد عنها،لا بين الشك و نفس الأحكام المنقوضة،كما ذكره أولا.

فالظاهر ما أشرنا إليه من أن المعارضة إنما هي بين نفس اليقين و الشك لا بين المتيقن و الشك،و المعارضة المذكورة ادعائية لا حقيقية،و من ثم لم يختص الاستصحاب بصورة الشك في الرافع مع إحراز المقتضي،على ما تقدم تفصيله عند الكلام في مفاد الأخبار.

(6)و لو من جهة الشبهة المفهومية او الحكمية.بل عرفت عمومه للشك

ص: 275

تباين جزئي (1) .

ثم إن تعارض المقتضي لليقين و نفس الشك لم يكد يتصور فيما نحن فيه،لأن اليقين بالمستصحب-كوجوب الإمساك في الزمان السابق-كان حاصلا من اليقين بمقدمتين:صغرى وجدانية،و هي«أن هذا الآن لم يدخل الليل»،و كبرى مستفادة من دليل استمرار الحكم إلى غاية معينة، و هي(وجوب الإمساك قبل أن يدخل الليل)و المراد بالشك (2) زوال اليقين بالصغرى،و هو ليس من قبيل المانع عن اليقين (3) ،و الكبرى من قبيل المقتضي له،حتى يكونا من قبيل المتعارضين،بل نسبة اليقين إلى المقدمتين على نهج سواء،كل منهما من قبيل جزء المقتضي له.

و الحاصل:أن ملاحظة النقض بالنسبة إلى الشك و أحكام المتيقن الثابتة لأجل اليقين أولى من ملاحظته بالنسبة إلى الشك و دليل اليقين (4) .

في المقتضي.

(1)المراد به أنه أعم مطلقا مما ذكره المحقق المذكور.و لعل هذا خلاف ما مصطلحهم في التباين الجزئي،كما نبه له بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه.فلاحظ.

(2)يعني:عند الشك في تحقق الغاية.ثم إن زوال اليقين بالصغرى ليس هو المراد بالشك المنهي عن النقض به،لان المراد بالشك المذكور هو الشك بنفس المستصحب،و هو مسبب عن عدم اليقين بالصغرى و الشك بها لا أنه عينه.

(3)يعني:بالمستصحب المتيقن به سابقا.

(4)الذي هو عبارة عن الكبرى.هذا و قد عرفت أن الأولى ملاحظة.

النقض بالنسبة إلى نفس اليقين بالمستصحب و الشك فيه،مع كون النقض ادعائيا لا حقيقيا.

ص: 276

و أما توجيه كلام المحقق:بأن يراد من موجب اليقين دليل المستصحب و هو عموم الحكم المغيى،و من الشك احتمال الغاية التي من مخصصات العام،فالمراد عدم نقض عموم دليل المستصحب بمجرد الشك في المخصص.

فمدفوع:بأن نقض العام باحتمال التخصيص إنما يتصور في الشك في أصل التخصيص (1) ،و معه يتمسك بعموم الدليل لا بالاستصحاب، و أما مع اليقين بالتخصيص و الشك في تحقق المخصص المتيقن-كما في ما نحن فيه-فلا مقتضي للحكم العام حتى يتصور نقضه،لأن العام المخصص لا اقتضاء فيه لثبوت الحكم في مورد الشك في تحقق المخصص (2) ، خصوصا في مثل التخصيص بالغاية (3) .

(1)كما في موارد الشك في الرافع المستقل لو فرض كون مقتضى إطلاق دليل المستصحب بقاؤه و عدم ارتفاعه بالرافع.

(2)لعدم حجيته في مورد التخصيص.

(3)ذكر بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه:ان وجه خصوصية الغاية انها من المخصصات المتصلة المانعة من انعقاد ظهور العام في العموم،فلا يكون مقتضيا في موردها.

لكن الظاهر أن المراد بالغاية مطلق ما ينتهى الحكم معه و لو استفيد من دليل منفصل لا خصوص ما يستفاد من القرائن المتصلة مثل لفظ:(حتى)و(إلى) و نحوهما.

فلا يبعد أن يكون وجه خصوصية الغاية أنها تخصيص لعموم استمرار الحكم المعبر عنه بالعموم الأزماني،و هو غالبا مستفاد من الإطلاق لا من الوضع،و المحكي

ص: 277

و الحاصل:أن المقتضي و المانع في باب العام و الخاص هو لفظ العام و المخصص،فإذا احرز المقتضي و شك في وجود المخصص يحكم بعدمه عملا بظاهر العام،و إذا علم بالتخصيص و خروج اللفظ عن ظاهر العموم ثم شك في صدق المخصص على شيء،فنسبة دليلي العموم و التخصيص إليه على السواء من حيث الاقتضاء (1) .

هذا كله،مع أن ما ذكره في معنى«النقض»لا يستقيم (2) في قوله عليه السّلام في ذيل الصحيحة:«و لكن تنقضه بيقين آخر»،و قوله عليه السّلام في الصحيحة المتقدمة الواردة في الشك بين الثلاث و الأربع:«و لكن ينقض الشك باليقين» (3) ،بل و لا في صدرها المصرح بعدم نقض اليقين بالشك، عن المصنف قدّس سرّه أنه يرى ان القرائن المنفصلة مانعة من تمامية الاطلاق،لا أنها رافعة لحجيته مع انعقاده و لا أقل من كون الإطلاق أضعف ظهورا من العموم.

بل ربما يكون الاستمرار مستفادا من مقتضي طبيعة الأمر المتيقن سابقا من دون أن يكون لدليله إطلاق يقتضي الاستمرار لعدم تضمن الدليل إلا للحدوث و لا نظر له إلى البقاء.فتأمل جيدا.

(1)و لأجل ذلك كان التحقيق عدم حجية العام في الشبهة المصداقية من طرف المخصّص.

(2)كأنه لان ظاهر الحديث أن اليقين لا ينقض إلا بقين مثله،فالمنقوض هو اليقين بنفسه لا دليله و لا مقتضيه،و هو قرينة حينئذ على أن المراد بالمنقوض في:«لا تنقض اليقين بالشك»،هو اليقين أيضا،لوحدة السياق.فلاحظ.

(3)لوضوح أن المنقوض هو الشك لا دليله و لا مقتضيه،فهو قرينة على أن المنهي عنه هو نقض اليقين نفسه بالشك،لا نقض دليله به لوحدة السياق.

ص: 278

فإن المستصحب في موردها:إما عدم فعل الزائد،و إما عدم براءة الذمة من الصلاة-كما تقدم-،و من المعلوم أنه ليس في شيء منهما دليل يوجب اليقين لو لا الشك (1) .

قوله-في جواب السؤال-:«قلت:فيه تفصيل...إلى آخر الجواب».

أقول:إن النجاسة فيما ذكره من الفرض-أعني موضع الغائط- مستمرة (2) ،و ثبت أن التمسح بثلاثة أحجار مزيل لها،و شك أن التمسح بالحجر الواحد ذي الجهات مزيل أيضا أم لا؟فإذا ثبت وجوب إزالة النجاسة،و المفروض الشك في تحقق الإزالة بالتمسح بالحجر الواحد ذي الجهات،فمقتضى دليله (3) هو وجوب تحصيل اليقين أو الظن المعتبر بالزوال،و في مثل هذا المقام لا يجري أصالة البراءة و لا أدلتها،لعدم وجود (1)و إنما يستند اليقين بهما إلى الوجدان المختص بالزمان السابق،و لا يقتضي البقاء.

(2)تقدم من المحقق الخونساري قدّس سرّه ما ظاهره التشكيك في أن النجاسة مما يبقى بنفسه لو لا المزيل.

و لو تم ما ذكره لم يتوجه ما ذكره المصنف قدّس سرّه،لانه لا دليل حينئذ على وجوب إزالة النجاسة،حتى يلزم الفراغ عنه،بل غاية ما اقتضته الأدلة بطلان الصلاة مع ترك الغسل و التمسح أصلا،أما كون التمسح بالاحجار الثلاثة شرطا في الصلاة، فلا دليل عليه،و الأصل براءة الذمة من اعتبار شرط التثليث،كما سيأتي الاعتراف به من المصنف قدّس سرّه و سيأتي الكلام فيه.

(3)و هو قاعدة الاشتغال بالتكليف عند الشك في الفراغ عنه.

ص: 279

القدر المتيقن في المأمور به و هي الإزالة (1) و إن كان ما يتحقق به مرددا بين الأقل و الأكثر،لكن هذا الترديد ليس في نفس المأمور به (2) ،كما لا يخفى.

نعم،لو فرض أنه لم يثبت الأمر بنفس الإزالة،و إنما ثبت بالتمسح (3) بثلاثة أحجار أو بالأعم منه و من التمسح بذي الجهات،أمكن بل لم يبعد إجراء أصالة البراءة عما عدا الأعم (4) .

و الحاصل:أنه فرق بين الأمر بإزالة النجاسة من الثوب،المرددة (5) بين غسله مرة أو مرتين،و بين الأمر بنفس الغسل المردد بين المرة و المرتين.

و الذي يعين كون مسألة التمسح من قبيل الأول دون الثاني هو ما استفيد من أدلة وجوب إزالة النجاسة عن الثوب و البدن للصلاة (6) ،مثل (1)لعدم الإجمال في مفهوم الإزالة،و ليست من الأمور المشككة القابلة للزيادة و النقصان حتى يشك في اعتبار المرتبة الزائدة منها.

(2)بل في محصله،و هو مجرى الاشتغال،لرجوع الشك فيه إلى الشك في الامتثال للتكليف المعلوم.

(3)عرفت أن هذا هو مدعى الخونساري قدّس سرّه في ظاهر كلامه.

(4)لأن خصوصية تثليث الأحجار زيادة في التكليف مدفوعة بالأصل.

(5)حق العبارة أن يقول:المردد حصولها بين غسله مرة أو مرتين كما نبه له بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه.

(6)هذا إنما يتم بناء على أن النجاسة أمر قائم بنفسه مستقل بالوجود-إما أمر واقعي حقيقي أو حكم شرعي-أما بناء على كونها منتزعة من الأحكام التكليفية كعدم جواز الاستعمال في الأكل و الشرب و الصلاة و نحوهما،فلا بد من التصرف

ص: 280

قوله تعالى: وَ ثِيٰابَكَ فَطَهِّرْ ،و قوله عليه السّلام في صحيحة زرارة:«لا صلاة إلا بطهور»بناء على شمول الطهور-و لو بقرينة ذيله الدال على كفاية الأحجار من الاستنجاء-للطهارة (1) الخبثية،و مثل الإجماعات المنقولة على وجوب إزالة النجاسة عن الثوب و البدن للصلاة.

و هذا المعنى و إن لم يدل عليه دليل صحيح السند و الدلالة على وجه يرتضيه المحقق المذكور،بل ظاهر أكثر الأخبار الأمر بنفس الغسل،إلا أن الإنصاف وجود الدليل على وجوب نفس الإزالة،و أن الأمر بالغسل في الأخبار ليس لاعتباره بنفسه في الصلاة،و إنما هو أمر مقدمي لإزالة فى الأدلة المذكورة،إذ على هذا لا تكون ملاقاة الثوب مثلا للنجس موجبة لنجاسته المانعة من الصلاة مثلا التي لا بد من إزالتها بالغسل كي يجب إحراز الإزالة بالأسباب المتيقنة،بل تكون إصابة الثوب للنجاسة موجبة،لعدم جواز الصلاة به إلا مع غسله،فهو يرجع إلى شرطية الغسل بنفسه،و مع دوران الغسل المعتبر بين الغسل مرة و الغسل مرتين يكون الأول متيقنا،و يكون الثانى مدفوعا بأصالة البراءة.

و عليه فما ذكره المحقق الخونساري قدّس سرّه مطابق لمختاره-الذي لا يبعد من المصنف قدّس سرّه موافقته فيه-من كون النجاسة من الأحكام الوضعية المنتزعة من الأحكام التكليفية.نعم تقدم في حجة القول السابع أن ذلك خلاف ظاهر الأدلة، بل المتعين البناء على كونها من الأحكام الوضعية المجعولة التي تكون هي موضوعا للأحكام.فراجع و تأمل جيدا.

(1)جار و مجرور متعلق بقوله:«بناء على شمول...»و الرواية هكذا:«لا صلاة إلاّ بطهور.و يجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار بذلك جرت السنة من رسول اللّه».

ص: 281

النجاسة،مع أن كلام المحقق المذكور لا يختص بالمثال الذي ذكره حتى يناقش فيه (1) .

و بما ذكرنا يظهر (2) ما في قوله في جواب الاعتراض الثاني-بأن (3) مسألة الاستنجاء من قبيل ما نحن فيه-و لفظه:«غاية ما أجمعوا عليه:

أن التغوط متى حصل لا يصح الصلاة بدون الماء و التمسح رأسا-لا بالثلاث و لا بشعب الحجر الواحد-و هذا لا يستلزم الإجماع على ثبوت النجاسة حتى يحصل شيء معين في الواقع مجهول عندنا قد اعتبره الشارع مطهرا...الخ».

و يظهر ما في قوله جوابا عن الاعتراض الأخير:«إنه لم يثبت الإجماع على وجوب شيء معين بحيث لو لم يأت بذلك الشيء لاستحق العقاب...

(1)بل يجري في جميع موارد الشك في رافعية شيء سواء احتمل كونه رافعا مستقلا أم احتمل كونه من افراد رافع خاص لاشتباه مفهوم ذلك الرافع.و حينئذ فيمكن الايراد عليه بان مقتضى قاعدة الاشتغال لزوم إحراز ارتفاع الشيء المكلف برفعه.

لكن بناء على ما سبق فالأمر المشكوك في ارتفاعه إن كان تكليفا فمع الشك فى تحقق الرافع له تجري البراءة منه لا الاشتغال،و إن كان وضعا فهو راجع إلى التكليف عند المحقق الخونساري و المصنف قدّس سرّه فيجري عليه حكمه،فما ذكره المحقق الخونساري قدّس سرّه جار على مقتضى مبناه.هذا مع أنك عرفت أن كلامه لا يخلو عن اجمال،و لا يتضح انطباقه على ما حكاه عنه المصنف قدّس سرّه.فتأمل جيدا.

(2)عرفت الكلام فيه.

(3)بيان للاعتراض.

ص: 282

الخ».

و ما في كلامه المحكي (1) في حاشية شرحه على قول الشهيد قدّس سرّه:

«و يحرم استعمال الماء النجس و المشتبه...إلخ».

أقوى الأقوال القول التاسع و بعده المشهور

و أنت إذا أحطت خبرا بما ذكرنا في أدلة الأقوال،علمت أن الأقوى منها القول التاسع،و بعده القول المشهور (2) ،و اللّه العالم بحقايق الأمور.

(1)عرفت هناك أن ظاهره كون العلم التفصيلي مأخوذا في موضوع الاجتناب.فلاحظ.

(2)و هو الحجية مطلقا.و قد عرفت أنه الأقوى بعد ملاحظة ما سبق في حجة القول السابع من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام التكليفية غالبا لعدم إحراز الموضوع،الذي هو في الحقيقة ليس تفصيلا في حجية الاستصحاب،بل راجع إلى تنقيح موضوعه.و أما التفصيل الذي ذكره المصنف قدّس سرّه فغير ظاهر الوجه.فلاحظ.

و اللّه سبحانه و تعالى العالم و له الحمد وحده و هو حسبنا و نعم الوكيل.

ص: 283

ص: 284

و ينبغي التنبيه على أمور:

اشارة

و هي بين ما يتعلق بالمتيقن السابق،و ما يتعلق بدليله الدال عليه، و ما يتعلق بالشك اللاحق في بقائه.

الأول

التنبيه الأول:أقسام استصحاب الكلي

اشارة

أن المتيقن السابق إذا كان كليا في ضمن فرد و شك في بقائه:فإما أن يكون الشك من جهة الشك في بقاء ذلك الفرد.

و إما أن يكون من جهة الشك في تعيين ذلك الفرد و تردده بين ما هو باق جزما (1) و بين ما هو مرتفع كذلك.

و إما أن يكون من جهة الشك في قيام فرد آخر مقامه مع الجزم بارتفاع ذلك الفرد.

جواز استصحاب الكلي و الفرد في القسم الأول

أما الأول،فلا إشكال في جواز استصحاب الكلي و نفس الفرد و ترتيب أحكام كل منهما عليه (2) .

(1)الظاهر أنه يكفي احتمال بقاء أحد الفردين في الحكم المذكور له،و لا يعتبر الجزم ببقائه على تقدير وجوده،كما يظهر بالتأمل في وجه جريان الاستصحاب المذكور.

(2)يعني:على استصحابه،فترتب آثار الفرد على استصحابه،و آثار الكلي

ص: 285

جواز استصحاب الكلي في القسم الثاني دون الفرد

و أما الثاني،فالظاهر جواز الاستصحاب في الكلي مطلقا على المشهور (1) .نعم،لا يتعين بذلك أحكام الفرد الذي يستلزم بقاء الكلي (2) ذلك الفرد في الواقع،سواء كان الشك من جهة الرافع،كما إذا علم بحدوث البول أو المني و لم يعلم الحالة السابقة (3) و حينئذ وجب على استصحابه،و لا يغني أحدهما عن الآخر و إن كان بينهما ملازمة،إلا بناء على الأصل المثبت.

نعم بناء على أن آثار الكلي من آثار الفرد بخصوصياته الفردية-كما هو الحال بناء على تعلق الأحكام بالافراد-يتعين التمسك باستصحاب الفرد في ترتيبها،و لا يغني استصحاب الكلي،إذ لا أثر على ذلك،و إنما اعتبر في الأدلة لمحض الحكاية عن الافراد بخصوصياتها.لكن المبنى المذكور ضعيف جدا.

(1)يعني:من حجية الاستصحاب مطلقا و لو مع الشك في المقتضي.أما بناء على مختار المصنف قدّس سرّه فيتعين تقييده بالقسم الأول و هو الشك في الرافع،كما في مثال الحدث.

(2)و هو الفرد الطويل،و إنما لا يحرز باستصحاب الكلي لعدم حجية الأصل المثبت.و لا يبعد زيادة قوله:«ذلك الفرد».

(3)و كذا لو كانت الحالة السابقة هي الطهارة من الحدثين معا،للعلم بانتقاضها بالحدث المذكور المردد بينهما،فيجري ما سيذكره المصنف قدّس سرّه.

أما لو كانت الحالة السابقة هي الحدث الاصغر،فلا يبعد ان يكون استصحاب الحدث الأصغر و عدم الحدث الأكبر موجبا للاكتفاء بالوضوء و لا مجال لجريان استصحاب كلي الحدث،إما لانه من القسم الثالث من استصحاب الكلي الذي سيأتي من المصنف قدّس سرّه عدم جريانه.

أو لكونه محكوما باستصحاب الحدث الاصغر و عدم الحدث الاكبر،لان مقتضي أدلة أسباب رفع الاحداث ارتفاع كلي الحدث في ظرف عدم الاكبر و وجود

ص: 286

الجمع بين الطهارتين (1) ،فإذا فعل إحداهما (2) و شك في رفع الحدث فالأصل بقاؤه (3) ،و إن كان الأصل عدم تحقق الجنابة،فيجوز له ما يحرم على الجنب (4) .

أم كان الشك من جهة المقتضي (5) ،كما لو تردد من في الدار بين كونه حيوانا لا يعيش إلا سنة و كونه حيوانا يعيش مائة سنة،فيجوز بعد السنة الأولى استصحاب الكلي المشترك بين الحيوانين،و يترتب عليه آثاره الشرعية الثابتة دون آثار شيء من الخصوصيتين،بل يحكم بعدم كل منهما لو لم يكن مانع عن إجراء الأصلين،كما في الشبهة المحصورة (6) . .

الاصغر بالسبب الرافع للاصغر وحده.فتأمل جيدا.

(1)وجوب الجمع هنا هو مقتضى الأصل به مع قطع النظر عن العلم الإجمالي،فإن أصالة عدم الطهارة و بقاء الحدث تقتضي عدم جواز الاتيان بكل ما يشترط بالطهارة كالصلاة و عدم جواز الدخول في كل ما يحرم مع الحدث كمس كتابة القرآن.

(2)بان توضأ فقط أو اغتسل كذلك إذا لم يكن الغسل رافعا للحدثين معا كغسل الجنابة.

(3)فتترتب آثاره من حرمة الدخول في الصلاة و مس كتابة القرآن.و لو لا استصحاب الحدث لكان المرجع في مثل المس استصحاب حرمته بناء على جريان استصحاب الأحكام التكليفية،و إلا فالمرجع أصالة البراءة.فلاحظ.

(4)كالمكث في المساجد.

(5)جريان الاستصحاب الاستصحاب هنا مبني على المشهور من جريان الاستصحاب مطلقا و لو مع الشك في المقتضي،كما نبه له قريبا.

(6)يعني:في التكاليف الالزامية لو فرض كون كل من الفردين يختص

ص: 287

و توهم:عدم جريان الأصل في القدر المشترك،من حيث دورانه بين ما هو مقطوع الانتفاء،و ما هو مشكوك الحدوث،و هو محكوم بالانتفاء بحكم الأصل.

مدفوع:بأنه لا يقدح ذلك في استصحابه (1) بعد فرض الشك في بقائه و ارتفاعه،إما لعدم استعداده و إما لوجود الرافع.

كتوهم:كون الشك في بقائه مسببا عن الشك في حدوث ذلك المشكوك الحدوث،فإذا حكم بأصالة عدم حدوثه لزمه ارتفاع القدر المشترك،لأنه من آثاره (2) ،فإن (3) ارتفاع القدر المشترك من لوازم كون بحكم الزامي غير ما يختص به الآخر.بل مقتضي ما ذكره المصنف قدّس سرّه في خاتمة الاستصحاب من عدم جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي مطلقا و لو مع عدم لزوم مخالفة قطعية لتكليف الزامي امتناع جريان استصحاب عدم كل منهما مطلقا و لو في غير الشبهة المحصورة في التكليف الالزامي،للعلم إجمالا بوجود إحدى الخصوصيتين.فلاحظ.

(1)يعني:استصحاب الكلي المشترك بين الخصوصيتين.

(2)يعني:فيكون استصحاب عدم حدوث الفرد الطويل حاكما على استصحاب بقاء الكلي،لأنه سببي له.

(3)بيان لوجه اندفاع التوهم المذكور.و حاصله:أن ارتفاع الكلي من لوازم وجوده في ضمن الفرد القصير المرتفع،و لا أصل يحرز وجوده،لا من لوازم عدم وجوده في ضمن الطويل الباقي كي يثبت بأصالة عدمه.

لكن هذا إنما يتم لو كان موضوع الأثر هو ارتفاع الكلي في الزمان اللاحق، أما لو كان موضوعه عدم وجود الكلي فيه،-كما هو الغالب-فهو من لوازم عدم وجوده في ضمن الطويل الذي هو مقتضى الأصل.

ص: 288

الحادث ذلك الأمر المقطوع الارتفاع،لا من لوازم عدم حدوث الأمر الآخر.نعم،اللازم من عدم حدوثه (1) هو عدم وجود ما في ضمنه من القدر المشترك (2) في الزمان الثاني،لا ارتفاع القدر المشترك بين الأمرين (3) ،و بينهما فرق واضح،و لذا ذكرنا أنه تترتب عليه أحكام عدم وجود الجنابة في المثال المتقدم.

ظاهر المحقق القمي قدّس سرّه عدم جريان الاستصحاب الكلي

و يظهر من المحقق القمي رحمه اللّه في القوانين-مع قوله بحجية الاستصحاب على الإطلاق-عدم جواز إجراء الاستصحاب في هذا القسم،و لم أتحقق وجهه (4) .

قال:إن الاستصحاب يتبع الموضوع و حكمه في مقدار قابلية فالأولى الجواب عنه.

أولا:بأن مجرد الملازمة بين الأمرين لا يوجب ثبوت إحراز أحدهما بالأصل الجاري في الآخر،بل لا بد من كونه أثرا له،و عدم الكلي ليس من آثار عدم الفرد الطويل بل هو من لوازمه الصرفة.فتأمل.

و ثانيا:بأن ليس الترتب و لا المتلازم بين الأمرين شرعيا،بل خارجيا عقليا،و ذلك لا يكفى في إحراز أحدهما بالأصل الجاري في الآخر إلا بناء على الأصل المثبت.فلا مخرج عن استصحاب الكلي في المقام.

(1)يعني:عدم حدوث الفرد الطويل.

(2)يعني:و ليس هو موضوع الأثر.

(3)الذي فرض كونه موضوع الأثر.

(4)ظاهر كلامه الآتي أن الوجه هو عدم الظن بمقتضى الاستصحاب،و إن كان هذا الوجه ممنوع،كما سيأتي من المصنف قدس سرّه.

ص: 289

الامتداد و ملاحظة الغلبة فيه،فلا بد من التأمل في أنه كلي أو جزئي،فقد يكون الموضوع الثابت حكمه أولا مفهوما كليا مرددا بين أمور،و قد يكون جزئيا حقيقيا معينا،و بذلك يتفاوت الحال،إذ قد يختلف أفراد الكلي في قابلية الامتداد و مقداره،فالاستصحاب حينئذ ينصرف إلى أقلها استعدادا للامتداد.

ثم ذكر حكاية تمسك بعض أهل الكتاب لإثبات نبوة نبيه بالاستصحاب،و رد بعض معاصريه له بما لم يرتضه الكتابي،ثم رده بما ادعى ابتناءه على ما ذكره و ملاحظة مقدار القابلية.

ثم أوضح ذلك بمثال،و هو:أنا إذا علمنا أن في الدار حيوانا،لكن لا يعلم أنه أي نوع هو،من الطيور أو البهائم أو الحشار أو الديدان؟ثم غبنا عن ذلك مدة،فلا يمكن لنا الحكم ببقائه في مدة يعيش فيها أطول الحيوان عمرا،فإذا احتمل كون الحيوان الخاص في البيت عصفورا أو فأرة أو دود قز،فكيف يحكم-بسبب العلم بالقدر المشترك-باستصحابها إلى حصول زمان ظن بقاء أطول الحيوانات عمرا؟!قال:و بذلك بطل تمسك الكتابي.

المناقشة فيما أفاده المحقق القمي قدّس سرّه

أقول:إن ملاحظة استعداد المستصحب و اعتباره في الاستصحاب -مع أنه مستلزم لاختصاص اعتبار الاستصحاب بالشك في الرافع (1) - موجب لعدم انضباط الاستصحاب،لعدم استقامة إرادة استعداده من (1)إذ مع فرض ملاحظة استعداد المستصحب للبقاء لا وجه للشك في بقائه.إلا من جهة الشك في طروء الرافع له.

ص: 290

حيث تشخصه (1) ،و لا أبعد الأجناس،و لا أقرب الأصناف (2) ،و لا ضابط لتعيين المتوسط (3) ،و الإحالة على الظن الشخصي قد عرفت ما فيه سابقا (4) ،مع أن اعتبار الاستصحاب عند هذا المحقق لا يختص دليله بالظن،كما اعترف به سابقا،فلا مانع (5) من استصحاب وجود الحيوان في الدار إذا ترتب اثر شرعي على وجود مطلق الحيوان فيها.

ثم إن ما ذكره:من ابتناء جواب الكتابي على ما ذكره،سيجيء (6) ما فيه مفصلا إن شاء اللّه تعالى.

القسم الثالث من استصحاب الكلي و فيه قسمان

و أما الثالث-و هو ما إذا كان الشك في بقاء الكلي مستندا إلى احتمال وجود فرد آخر غير الفرد المعلوم حدوثه و ارتفاعه-فهو على قسمين،لأن الفرد الآخر:إما أن يحتمل وجوده مع ذلك الفرد المعلوم حاله (7) .

و إما أن يحتمل حدوثه بعده،إما بتبدله إليه (8) و إما بمجرد حدوثه (1)لامتناع الاطلاع على مقدار قابلية خصوص مورد الشك غالبا.

(2)لعدم الدليل على كل منهما.

(3)مع أنه لا دليل عليه.

(4)تقدم الكلام فيه في الوجه الثالث من حجة القول الأول.

(5)بناء على جريان الاستصحاب مع الشك في المقتضى،اما بناء على مختار المصنف قدّس سرّه فالمتعين امتناع جريانه في مثل الفرض.

(6)في التنبيه التاسع.

(7)كما لو تردد الأمر بين دخول زيد الدار وحده و دخوله مع عمرو،و علم بخروج زيد،و احتمل بقاء عمرو على تقدير دخوله.

(8)كما لو أريد استصحاب وجود الجسم في الظرف فيما لو علم بوجود

ص: 291

مقارنا لارتفاع ذلك الفرد (1) .

هل يجري الاستصحاب في القسمين أو لا يجري في كليهما أو فيه تفصيل؟

و في جريان استصحاب الكلي في كلا القسمين،نظرا إلى تيقنه سابقا و عدم العلم بارتفاعه،و إن (2) علم بارتفاع بعض وجوداته و شك في حدوث ما عداه،لأن (3) ذلك مانع من إجراء الاستصحاب في الأفراد دون الكلي،كما تقدم نظيره في القسم الثاني.

أو عدم جريانه فيهما،لأن بقاء الكلي في الخارج عبارة عن استمرار وجوده الخارجي (4) المتيقن سابقا،و هو معلوم العدم،و هذا هو الفارق بين ما نحن فيه و القسم الثاني،حيث إن الباقي (5) في الآن اللاحق بيضة فيه،و دار الأمر بين إخراجها منه و تبدلها بفرخها.فتأمل.

(1)كما لو احتمل دخول عمرو و للدار مقارنا لخروج زيد منها.

(2)(إن)هنا وصلية.

(3)تعليل لقوله:«و إن علم...»يعني:إنما لا يضر العلم بارتفاع بعض الوجودات لأن ذلك مانع....

(4)خصوصية الوجود الخارجي و إن كانت مقارنة لوجود الكلي-بل ملازمة له-إلا أنها غير دخيلة في ترتب أثره،بل موضوع الأثر هو صرف الوجود الصادق على الفرد و الافراد بنحو واحد،فاستمرار وجود الكلي في ضمن افراد متعددة متبادلة لا يقتضي تعدد وجوده بما هو موضوع الأثر،و إن كان متعددا خارجا.

و حينئذ فلا مانع من استصحاب وجوده بالنحو الذي هو موضوع للأثر في جميع الفروض المذكورة كما أوضحناه في شرح الكفاية و أطلنا الكلام فيه.راجع و تأمل جيدا.

(5)يعني:في القسم الثاني.

ص: 292

بالاستصحاب هو عين الوجود المتيقن سابقا.

أو التفصيل بين القسمين،فيجري في الأول،لاحتمال كون الثابت في الآن اللاحق هو عين الموجود سابقا (1) ،فيتردد الكلي المعلوم سابقا (2) (1)بتقريب أن الوجود في ضمن فردين مرتبة خاصة من مراتب الوجود الواحد.

(2)فإن ما يحتمل وجوده في الزمان اللاحق من الفردين و الخصوصيتين لما كان يحتمل سبقه يحتمل كون بقاء الكلي ببقاء خصوصية واحدة و فرد واحد لا بخصوصيتين يحتمل ارتفاع احداهما.

و فيه:أن المعتبر في المشكوك اللاحق ان يكون متيقنا سابقا و لا يكفى احتمال كونه المتيقن،فالمتيقن في المقام من الخصوصيتين معلوم الارتفاع و المشكوك لا يقين بحدوثه.

نعم قد يقرب التفصيل المذكور بأن الوجود في ضمن فردين مرتبة خاصة من مراتب الوجود الواحد للكلي،و لا يرتفع إلا بارتفاعهما،و حينئذ فالشك في بقاء الكلي مع احتمال تقارن الفردين في الوجود راجع إلى الشك في بقاء وجوده الواحد،بخلاف ما إذا كان الفردان مترتبين،فإن المرتبة القائمة بالفرد الأول ترتفع بارتفاعه.

لكنه لا يخلو عن اشكال،لانه إن أريد بوجود الكلي الوجود الخارجي التابع للتشخص فالفردان وجودان له و إن تقارنا لا وجود واحد،و المتيقن منهما معلوم الارتفاع،و الآخر مشكوك الحدوث بالفرض.

و إن أريد بوجوده وجوده السعي الواحد الذي لا يوجب تعدد الخصوصيات تعدده من حيث كونه موضوع الأثر الشرعي فالكلي موجود بوجود واحد سواء كان الفردان متقارنين أم مترتبين،و يتعين جريان الاستصحاب فيهما معا،كما ذكرنا، و لا وجه للتفصيل بينهما.فلاحظ.

ص: 293

بين أن يكون وجوده الخارجي على نحو يرتفع بارتفاع ذلك الفرد،فالشك حقيقة إنما هو في مقدار استعداد ذلك الكلي (1) ،و استصحاب عدم حدوث الفرد المشكوك لا يثبت تعيين استعداد الكلي (2) .

مختار المصنف هو التفصيل

وجوه (3) ،أقواها الأخير.

و يستثنى من عدم الجريان في القسم الثاني،ما يتسامح فيه العرف فيعدون الفرد اللاحق مع الفرد السابق كالمستمر (4) الواحد،مثل:ما لو علم السواد الشديد في محل و شك في تبدله بالبياض أو بسواد أضعف من الأول،فإنه يستصحب السواد (5) .و كذا لو كان الشخص في مرتبة من كثرة الشك، (1)فكأنه راجع إلى القسم الثاني.لكن فيه:أن الشك في استعداد الكلي إنما هو للشك في وجود الكلي ضمن الفرد الآخر غير الفرد المتيقن،فإذا اعتبر وحدة الفرد الذي يوجد في ضمنه الكلي عدم جريان الاستصحاب في هذه الصورة كالصورة الأخرى،بخلاف القسم الثاني فإن الشك في استعداد الكلي فيه ناش من الشك في حال الفرد المتيقن،لا من احتمال وجود فرد آخر غيره.فلاحظ.

(2)لأنه من الأصل المثبت.

(3)مبتدأ مؤخر و خبره قوله سابقا:«و في جريان الاستصحاب في هذا القسم...».هذا و مما عرفت يظهر أن الاقوى الأول.

(4)أشرنا غير مرة إلى أنه لا عبرة بالتسامح العرفي في جريان الاستصحاب ما لم يرجع إلى تحديد الموضوع الشرعي بنظر العرف ثم يبقى حقيقة.و أما الامثلة التى ذكرها فسيأتي الكلام فيها.

(5)هذا من القسم الأول من استصحاب الكلي،لان الفرد المحتمل بقاؤه من السواد عين الفرد السابق المتيقن و إن ذهبت بعض مراتبه و اختلفت حدوده فإن ذهاب بعض مراتب الموجود الخارجي و اختلاف حدوده لا يوجب كون الموجود

ص: 294

ثم شك-من جهة اشتباه المفهوم (1) أو المصداق (2) -في زوالها أو تبدلها إلى مرتبة دونها.أو علم إضافة المائع،ثم شك في زوالها أو تبدلها (3) إلى فرد الباقي مباينا لما سبق،بل هو باق بنفسه،كما و اختلاف الحدود كاختلاف الصفات الخارجية لا يمنع من جريان الاستصحاب بعد كون موضوع الأثر هو الذات،و لا دخل للحدود و المرتبة الخاصة فيه بوجه.

(1)اشتباه المفهوم مانع من جريان الاستصحاب،لان العنوان ليس موردا للاثر بنفسه،بل بلحاظ حكايته عما في الخارج و المحكي به هو مورد الأثر،و حينئذ فلا مجال لاستصحابه إلا بعد تعيين مفهوم المحكي به و المفروض انه إن أريد به الطويل فهو معلوم البقاء،و ان أريد به القصير فهو معلوم الارتفاع،و كلاهما ليس مجرى الاستصحاب،لعدم تمامية ركنيه فيه،و العنوان من حيث هو على إجماله ليس موضوعا للاثر حتى يمكن استصحابه،كما أوضحنا ذلك في شرح الكفاية.

فراجع.

(2)الاستصحاب مع الاشتباه في المصداق و إن كان جاريا إلا أنه من القسم الأول لما ذكرناه في استصحاب السواد.

(3)الظاهر أنه لا مجال لاستصحاب إضافة المائع،لعدم كونها موردا للاثر، إذ مفاد الأدلة اعتبار الوضوء أو التطهير بالماء لا مانعية الإضافة فيه.

و حينئذ فالمستصحب-لو امكن الاستصحاب-هو عدم كون السائل ماء لا كونه مضافا،و ليس هو من استصحاب الكلي في شيء،إذ المستصحب هو العدم الواحد المستمر حقيقة و لو مع تبدل فردي الإضافة.

اللهم إلا أن تؤخذ الإضافة موضوعا للأثر في مثل النذر.فمع أن استصحاب عدم كون السائل ماء لا يخلو عن اشكال أيضا،لأن الماء لم يؤخذ في الأدلة وصفا في السائل الغاسل كالطاهر ليصح استصحاب عدمه فيه بمفاد ليس الناقصة بل أخذ بنفسه موضوعا،إذ المستفاد من الأدلة اعتبار كون الغسل بالماء لا اعتبار كون السائل

ص: 295

آخر من المضاف (1) .

العبرة في جريان الاستصحاب

و بالجملة:فالعبرة في جريان الاستصحاب عدّ الموجود السابق مستمرا إلى اللاحق،و لو (2) كان الأمر اللاحق على تقدير وجوده مغايرا بحسب الدقة للفرد السابق،و لذا لا إشكال في استصحاب الأعراض، حتى على القول فيها بتجدد الأمثال (3) .و سيأتي ما يوضح عدم ابتناء الغاسل ماء.فتأمل.

على أن ارتفاع الإضافة المتيقنة قد يستلزم تبدل الموضوع،كما لو اضيف له ماء آخر،فلا يجري فيه الاستصحاب إلا بناء على التسامح العرفي الذي عرفت الإشكال فيه غير مرة.

هذا كله لو كان الاشتباه من جهة المصداق،أما لو كان من جهة المفهوم، فالاستصحاب ممتنع لما عرفت.

و حينئذ يتعين الرجوع إلى الأصول الاخرى،كاستصحاب النجاسة أو الحدث مع التطهير او التطهير به أو أصالة الاشتغال أو غيرهما.

(1)إن كان الفرد الآخر من سنخ الفرد الأول و الاختلاف بينهما في المرتبة جرى فيه ما عرفت في استصحاب السواد،و إن كان من سنخ آخر كما لو كان ماء رمان فاحتمل صيرورته ماء عنب مثلا و اريد استصحاب كونه مضافا فهو من القسم الثالث من استصحاب الكلي من النوع الممنوع عنه عند المصنف قدّس سرّه،كما لا يخفى.

هذا كله مع الغض عما سبق في المنع عن جريان الاستصحاب المذكور في مع الشك في الإضافة.فلاحظ.

(2)(لو)هنا وصلية.

(3)الذي هو بمعنى عدم استمرار الموجود حقيقة،بل كل أمر مستمر بحسب النظر العرفي فهو في الحقيقة مبني على الانعدام و التجدد فهو عبارة عن أمور

ص: 296

الاستصحاب على المداقة العقلية.

ثم إن للفاضل التوني كلاما يناسب ذكره في المقام-مؤيدا لبعض ما ذكرناه-و إن لم يخل بعضه عن النظر بل المنع.قال في رد تمسك المشهور في نجاسة الجلد المطروح باستصحاب عدم التذكية:

كلام الفاضل التوني قدّس سرّه تأييدا لبعض ما ذكرنا و بعض مناقشاته

«إن عدم المذبوحية لازم لأمرين:الحياة،و الموت حتف الأنف.

و الموجب لنجاسته ليس هذا اللازم (1) من حيث هو،بل الثاني،أعني:

الموت حتف الأنف،فعدم المذبوحية لازم أعم لموجب النجاسة،فعدم المذبوحية اللازم للحياة مغاير لعدم المذبوحية العارض للموت حتف أنفه.

و المعلوم ثبوته في الزمان السابق هو الأول لا الثاني،و ظاهر أنه (2) غير باق في الزمان الثاني،ففي الحقيقة يخرج مثل هذه الصورة من الاستصحاب،إذ متماثلة متجردة و متعاقبة في الوجود،لا أمر واحد مستمر،و إنما صح استصحابه مع ذلك من جهة ابتناء الاستصحاب على التسامح العرفي لا المداقة العقلية.

لكن الظاهر عدم ابتناء ذلك على التسامح العرفي في عدّ الموجود اللاحق بقاء للموجود السابق،بل على ما يفهمه العرف من الأدلة من أن الموضوع هو الأمر المنتزع من الامور المتعاقبة المستمر بتعاقبها حقيقة.

مع أن كفاية التسامح المذكور في جريان الاستصحاب لا يشهد بكفاية التسامح في سائر الموارد،فإن التسامح المذكور مما قام الدليل على كفايته،و إلا لزم الغاء أدلة الاستصحاب لورودها في مثل ذلك،فلا وجه لقياس غيره عليه مما لم يرد فيه الدليل بالخصوص.فلاحظ.

(1)و هو عدم المذبوحية.

(2)يعني:الأول.

ص: 297

شرطه بقاء الموضوع،و عدمه هنا معلوم.قال:

و ليس مثل المتمسك بهذا الاستصحاب إلا مثل من تمسك على وجود عمرو في الدار باستصحاب بقاء الضاحك المتحقق (1) بوجود زيد في الدار في الوقت الأول.و فساده غني عن البيان،انتهى.

أقول:و لقد أجاد فيما أفاد،من عدم جواز الاستصحاب في المثال المذكور (2) و نظيره،إلا أن نظر المشهور-في تمسكهم على النجاسة-إلى أن النجاسة إنما رتبت في الشرع على مجرد عدم التذكية،كما يرشد إليه قوله تعالى: إِلاّٰ مٰا ذَكَّيْتُمْ ،الظاهر في أن المحرم (3) إنما هو لحم الحيوان الذي لم يقع عليه التذكية واقعا أو بطريق شرعي و لو كان أصلا،و قوله تعالى:

وَ لاٰ تَأْكُلُوا مِمّٰا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّٰهِ عَلَيْهِ ،و قوله تعالى: فَكُلُوا مِمّٰا ذُكِرَ اسْمُ اللّٰهِ عَلَيْهِ (4) ،و قوله عليه السّلام في ذيل موثقة ابن بكير:«إذا كان ذكيا ذكاه (1)يعني:مع فرض العلم بانه لو بقي لبقي في ضمن عمرو.

(2)لكن لا يخفى أن محل كلامه غير ما نحن فيه،و هو القسم الثالث من استصحاب الكلي،لوضوح أن مورد كلامه هو استصحاب الكلي-كالضاحك- لإحراز الفرد-كعمرو-بخصوصيته و ترتيب آثاره،لا آثار الكلي،و الكلام فيما نحن فيه في استصحاب الكلي بنفسه و ترتيب آثاره لا آثار الفرد،فلا موقع للاستشهاد بكلامه.

هذا و سيأتي من المصنف قدّس سرّه الإشكال في كلام الفاضل التوني قدّس سرّه فانتظر.

(3)بعض هذه الأدلة مختص بتحريم الاكل و لا يعم النجاسة.نعم،قد يستفاد عدم الفرق بينهما من بعض الأدلة الأخر،و تمام الكلام في الفقه.

(4)فإن ذكر اسم اللّه تعالى أمر وجودي مقوم للتذكية،فجعل موضوع الحل

ص: 298

الذابح»،و بعض الأخبار المعللة لحرمة الصيد الذي ارسل إليه كلاب و لم يعلم أنه مات بأخذ المعلّم،بالشك (1) في استناد موته إلى المعلم (2) ،إلى غير ذلك مما اشترط فيه العلم باستناد القتل إلى الرمي،و النهي عن الأكل مع الشك.

و لا ينافي ذلك ما دل على كون حكم النجاسة مرتبا على موضوع «الميتة»،لأن«الميتة»عبارة عن كل ما لم يذك،لأن التذكية أمر شرعي توقيفي (3) ،فما عدا المذكى ميتة.

و الحاصل:أن التذكية سبب للحل و الطهارة،فكل ما شك فيه أو في مدخلية شيء فيه،فأصالة عدم تحقق السبب الشرعي حاكمة على أصالة الحل و الطهارة.

ثم إن الموضوع للحل و الطهارة و مقابلتهما هو اللحم أو المأكول، فمجرد تحقق عدم التذكية في اللحم يكفي في الحرمة و النجاسة.

معلقا عليه يقتضي كون موضوع التحريم هو عدم التذكية.

(1)متعلق بقوله:«المعللة لحرمة...».

(2)فإن ذلك كاشف عن كفاية الشك في استناد الموت إلى أخذ المعلّم في الحكم بالحرمة ظاهرا،و هو يقتضي كون التذكية الحاصلة بأخذ المعلّم هي الموضوع للحلية واقعا و عدمها هو الموضوع للحرمة كذلك،فإذا أحرز العدم بالأصل ترتبت الحرمة ظاهرا.

(3)تفسير الميتة بغير المذكى محتاج إلى شرح شرعي.و مجرد كون التذكية أمرا توقيفيا لا يقتضيه،فلا بد من التأمل في مفاد الأدلة،و لا يبعد تمامية ما ذكره المصنف قدّس سرّه.فلاحظ.

ص: 299

لكن الإنصاف:أنه لو علق حكم النجاسة على ما مات حتف الأنف -لكون الميتة عبارة عن هذا المعنى،كما يراه بعض-أشكل إثبات الموضوع بمجرد أصالة عدم التذكية الثابتة حال الحياة،لأن عدم التذكية السابق حال الحياة،المستصحب إلى زمان خروج الروح لا يثبت كون الخروج حتف الأنف،فيبقى أصالة عدم حدوث سبب نجاسة اللحم-و هو الموت حتف الأنف-سليمة عن المعارض،و إن لم يثبت به التذكية (1) ،كما زعمه السيد الشارح للوافية،فذكر:أن أصالة عدم التذكية تثبت الموت حتف الأنف،و أصالة عدم الموت حتف الأنف يثبت التذكية.

فيكون وجه الحاجة إلى إحراز التذكية-مع أن الإباحة و الطهارة لا يتوقفان عليه،بل يكفي استصحابهما (2) -أن استصحاب (3) عدم التذكية حاكم على استصحابهما،فلو لا ثبوت التذكية بأصالة عدم الموت حتف الأنف (4) لم يكن مستند للإباحة و الطهارة (5) .

(1)لانها أمر وجودي لازم لمجرى الأصل،و هو عدم الموت حتف الانف، فإحرازه مبني على الأصل المثبت.

(2)يعني:استصحاب الطهارة و الإباحة من حال الحياة من دون حاجة إلى إحراز الموضوع و هو التذكية.لكن ذلك إنما يتم في الطهارة دون الإباحة،فإن ثبوتها حال الحياة ممنوع،بل هي متوقفة على التذكية.و لذا لا يجوز ظاهرا عندهم ابتلاع العصفور مثلا حيا.فلاحظ.

(3)خبر(يكون)في قوله:«فيكون وجه الحاجة...».

(4)يعني:فيعارض أصالة عدم التذكية.

(5)يعني:انه لو لا سقوط أصالة عدم التذكية بالمعارضة لاصالة عدم الموت

ص: 300

و كأن السيد قدّس سرّه ذكر هذا،لزعمه أن مبنى تمسك المشهور على إثبات الموت حتف الأنف بأصالة عدم التذكية،فيستقيم حينئذ معارضتهم بما ذكره السيد قدّس سرّه،فيرجع بعد التعارض إلى قاعدة«الحل»و«الطهارة» و استصحابهما.

لكن هذا كله مبني على ما فرضناه:من تعلق الحكم على معنى الميتة، و القول بأنها ما زهق روحه بحتف الأنف.

أما إذا قلنا بتعلق الحكم على لحم لم يذك حيوانه أو لم يذكر اسم اللّه عليه،أو تعلق الحل على ذبيحة المسلم أو ما ذكر اسم اللّه عليه المستلزم لانتفائه بانتفاء أحد الأمرين و لو بحكم الأصل-و لا ينافي ذلك (1) تعلق الحكم في بعض الأدلة الأخر بالميتة،و لا ما علق فيه الحل على ما لم يكن ميتة،كما في آية: قُلْ لاٰ أَجِدُ... اَلْآيَةَ (2) -أو قلنا:إن الميتة هو ما زهق روحه مطلقا،خرج منه ما ذكي (3) ،فإذا شك في عنوان المخرج فالأصل حتف الانف لم يكن مجال للرجوع للأصول الحكمية كاستصحاب الطهارة و الحلية، لحكومة أصالة عدم التذكية عليها.لكن عرفت الإشكال في استصحاب الحلية، لعدم ثبوتها حين الحياة.

(1)كأن وجه عدم المنافاة ما أشار إليه قريبا من أن المراد من الميتة غير المذكى.

(2)الظاهر من الآية كون الحرمة معلقة على الميتة،لا أن الحل معلق على عدمها.

(3)فيكون ما دل على الحل مع التذكية مخصصا لما دل على حرمة الميتة،لا أنهما متباينان موضوعا.لكنه خلاف الظاهر.

ص: 301

عدمه (1) ،فلا (2) محيص عن قول المشهور.

ثم إن ما ذكره الفاضل التوني-من عدم جواز إثبات عمرو باستصحاب الضاحك المحقق في ضمن زيد-صحيح (3) ،و قد عرفت أن عدم جواز استصحاب نفس الكلي (4) -و إن لم يثبت به خصوصية-لا يخلو عن وجه،و إن كان الحق فيه التفصيل،كما عرفت.

المناقش فيما مثّل به الفاضل التوني قدّس سرّه لما نحن فيه

إلا أن كون عدم المذبوحية من قبيل الضاحك محل نظر،من حيث إن العدم الأزلي مستمر مع حياة الحيوان و موته حتف الأنف (5) ،فلا مانع من استصحابه و ترتيب أحكامه عليه عند الشك،و إن قطع بتبادل الوجودات المقارنة له،بل لو قلنا بعدم جريان الاستصحاب في القسمين الأولين من الكلي كان الاستصحاب في الأمر العدمي المقارن للوجودات (1)و يرجع حينئذ إلى عموم العام،و لا يكون من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية،فإنه يختص بما إذا لم يحرز عنوان المخصص أو يحرز عدمه بالأصل،و إلاّ يتعين الرجوع في الأول إلى حكم الخاص،و في الثاني إلى حكم العام.

(2)جواب(أما)في قوله:«أما إذا قلنا بتعلق...».

(3)لكنه أجنبي عما نحن فيه،إذ الكلام فيما نحن فيه في استصحاب نفس الكلي من دون اثبات الخصوصية المحتملة،و الذي نفاه الفاضل التوني قدّس سرّه هو استصحاب الكلي لا ثبات الخصوصية،كما لا يخفى.

(4)يعني:في القسم الثالث الذي هو محل الكلام.

(5)فهو امر شخصي جزئي لا كلي،كما ذكرناه عند الكلام في الاستصحاب عند الشك في الإضافة.

ص: 302

خاليا عن الإشكال إذا لم يرد به (1) إثبات الموجود المتأخر المقارن له-نظير إثبات الموت حتف الأنف بعدم التذكية-أو ارتباط الموجود المقارن له به (2) ،كما إذا فرض الدليل على أن كل ما تقذفه المرأة من الدم إذا لم يكن حيضا فهو استحاضة،فإن استصحاب عدم الحيض في زمان خروج الدم المشكوك لا يوجب انطباق هذا السلب على ذلك الدم و صدقه عليه،حتى يصدق«ليس بحيض»على هذا الدم (3) ،فيحكم عليه بالاستحاضة (4) ، إذ فرق بين الدم المقارن لعدم الحيض و بين الدم المنفي عنه الحيضية.

و سيجيء نظير هذا الاستصحاب الوجودي و العدمي في الفرق بين الماء المقارن لوجود الكر و بين الماء المتصف بالكرية.

(1)و إلا كان من الأصل المثبت.و لا يخفى أن كلام الفاضل التوني قدّس سرّه في هذه الصورة،لانه ذكر أن النجاسة ليست من آثار عدم المذبوحية،بل من آثار ملزومه الثاني و هو الموت حتف الانف.

(2)يعني:بالعدم المذكور.و المراد بارتباط الموجود المقارن للعدم به كون العدم وصفا له بمفاد ليس الناقصة،فيراد من استصحاب عدم الحيض مثلا اثبات أن الدم المقارن له ليس حيضا.و الوجه في عدم صحة الاستصحاب بلحاظ الربط المذكور أنه من الأصل المثبت.

(3)بل هذا موقوف على إحراز عدم كون الدم حيضا،و لو من باب استصحاب العدم الازلي،بمفاد كان الناقصة،فيقال:هذا الدم قبل خروجه او قبل وجوده لم يكن حيضا فهو الآن بعد خروجه كذلك.

(4)بمقتضى الدليل المفروض الدال على أن كل دم ليس بحيض فهو استحاضة.

ص: 303

و المعيار:عدم الخلط بين المتصف بوصف عنواني (1) و بين قيام ذلك الوصف بمحل (2) ،فإن استصحاب وجود المتصف أو عدمه لا يثبت كون المحل موردا لذلك الوصف العنواني،فافهم.

(1)يعني بأن يستصحب وجوده او عدمه بمفاد كان أو ليس التامتين.

(2)بأن يكون محمولا على المحل بمفاد كان أو ليس الناقصتين.

ص: 304

الأمر الثاني

التنبيه الثاني:الكلام في جريان الاستصحاب في الزمان و الزمانيات

اشارة

أنه قد علم من تعريف الاستصحاب و أدلته أن مورده الشك في البقاء،و هو وجود ما كان موجودا في الزمان السابق.و يترتب عليه عدم جريان الاستصحاب في نفس الزمان،و لا في الزماني الذي لا استقرار لوجوده بل يتجدد شيئا فشيئا على التدريج (1) ،و كذا في المستقر الذي يؤخذ قيدا له (2) .إلا أنه يظهر من كلمات جماعة جريان الاستصحاب في (1)كالحركة و الكلام و جريان الماء.

(2)يعني:الذي يؤخذ الزمان قيدا له،كالوجوب أو الواجب المقيدين بزمان خاص.و الوجه في عدم جريانه أن تبدل الزمان موجب لتبدل القيد المانع من استصحاب المقيد بما هو مقيد.

لكن هذا إنما يتم في تقييد موضوع التكليف و متعلقه كالواجب،لا في تقييد التكليف نفسه لأنه أمر شخصي لا يتبدل بتبدل القيد بخلاف الواجب مثلا فإنه أمر كلي،و لعله يتضح بما يأتي.

ص: 305

الزمان،فيجري في القسمين الأخيرين (1) بطريق أولى،بل تقدم من بعض الأخباريين:أن استصحاب الليل و النهار (2) من الضروريات.

أقسام استصحاب الزمان و الزمانيات ثلاثة:

و التحقيق:أن هنا أقساما ثلاثة:

استصحاب نفس الزمان

أما نفس الزمان،فلا إشكال في عدم جريان الاستصحاب فيه لتشخيص كون الجزء المشكوك فيه من أجزاء الليل و النهار،لأن نفس الجزء لم يتحقق في السابق،فضلا عن وصف كونه نهارا أو ليلا.

نعم لو اخذ المستصحب مجموع الليل أو النهار،و لوحظ كونه أمرا خارجيا واحدا،و جعل بقاؤه و ارتفاعه عبارة عن عدم تحقق جزئه الأخير و تجدده (3) أو عن عدم تجدد جزء مقابله أو تجدده،أمكن القول (1)و هما الأمر التدريجي كالكلام،و الأمر المقيد بالزمان كالوجوب في بعض الفروع.لكن لم يتضح الوجه في أولوية جريان الاستصحاب في الأول من جريانه في الزمان،بل هما من سنخ واحد.

إلا أن يفرق بينهما بإمكان البقاء الحقيقي لغير الزمان،دون الزمان،بناء على ما يأتي الإشارة إليه من توقف البقاء على كون الباقي مظروفا للزمان و لا يتأتى في نفس الزمان.و سيأتي الكلام فيه.

و أما الثاني فقد يمتنع جريان الاستصحاب فيه لعدم إحراز الموضوع،كما يأتي الكلام فيه،فيكون إحرازه موقوفا على استصحاب الزمان و لا طريق له بدونه.

فلاحظ.

(2)أو غيرهما من العناوين الزمانية كالشهر و السنة.

(3)و ارتفاعه عبارة عن تجدد جزئه الأخير،فالكلام مبني على اللف و النشر.

ص: 306

بالاستصحاب بهذا المعنى فيه أيضا،لأن بقاء كل شيء في العرف بحسب ما يتصور فيه له من الوجود (1) ،فيصدق أن الشخص كان على يقين من وجود الليل فشك فيه،فالعبرة (2) بالشك في وجوده و بتحققه قبل زمان الشك و إن كان تحققه بنفس تحقق زمان الشك (3) .و إنما وقع التعبير بالبقاء (4) في تعريف الاستصحاب بملاحظة هذا المعنى في الزمانيات، (1)فوجود الامور القارة باجتماع اجزائها في الوجود،و وجود الامور التدريجية بتدرج اجزائها في الوجود و عدم وجود الجزء الاخير و انعدامه،و كذا الحال في بقائها.

(2)يعني:في جريان الاستصحاب.

(3)يعني:فلا يعتبر في المستصحب أن يكون مظروفا في الزمان،بل يعتبر بقاؤه و إن كان بنفسه زمانا.و الوجه فيه:إطلاق أدلة الاستصحاب المتقدمة.

(4)دفع دخل.و حاصل الدخل:أنهم ذكروا أنه لا بد في جريان الاستصحاب من كون الشك في بقاء الأمر المتيقن،و لا شك في البقاء في المقام لان ما علم بوجوده من الاجزاء معلوم الارتفاع،و ما شك فيه مشكوك الحدوث.و قد دفع ذلك باحد وجهين:

الأول:ان تعبيرهم بالبقاء إنما كان بلحاظ أن محل كلامهم استصحاب الزمانيات كما هو مقتضى تعبيرهم عنها باستصحاب الحال.

الثاني:أن البقاء يمكن تعميمه بنحو التسامح لهذا النحو من البقاء الحاصل فى الزمان و إن لم يكن بقاء حقيقة لما عرفت.

و يشكل الأول بان اعتبار الشك في البقاء هو مقتضي أدلة الاستصحاب المتقدمة،لعدم صدق نقض اليقين بالشك بدونه،من دون فرق بين الزمانيات و الزمان بنفسه،لوحدة الدليل في الجميع.

و يشكل الثاني بانه لا وجه للاكتفاء بالتسامح في صدق البقاء،كما ذكرناه غير مرة.

فالأولى الجواب بأن البقاء فيه بالنحو المذكور في التدريجيات بقاء حقيقي لها،

ص: 307

حيث جعلوا الكلام في استصحاب الحال،أو لتعميم البقاء لمثل هذا مسامحة.

إلا أن هذا المعنى-على تقدير صحته و الإغماض عما فيه (1) -لا يكاد يجدي في إثبات كون الجزء المشكوك فيه متصفا بكونه من النهار أو من الليل،حتى يصدق على الفعل الواقع فيه أنه واقع في الليل أو النهار (2) ، إلا على القول بالأصل المثبت (3) مطلقا أو على بعض الوجوه الآتية،و لو بنينا على ذلك (4) أغنانا عما ذكر من التوجيه استصحابات أخر في امور متلازمة مع الزمان،كطلوع الفجر،و غروب الشمس،و ذهاب الحمرة، و عدم وصول القمر إلى درجة يمكن رؤيته فيها (5) .

إذ بقاء كل شيء بحسبه،و لا تسامح في صدق البقاء فيها.فلاحظ.

(1)لم يتضح وجه الإشكال فيه بعد ما عرفت.

(2)إحراز هذا إنما يحتاج إليه إذا استفيد من الأدلة اعتبار وقوع الفعل في الليل أو النهار،أما إذا كان مفادها مجرد تحقق الفعل حين وجود الليل أو النهار، فيراد محض اجتماعهما في الوجود فلا موجب لإحراز كون الزمان الخاص نهارا او ليلا بمفاد كان الناقصة،بل يكفي في ترتب الأثر المذكور استصحاب الليل أو النهار أو غيرهما بمفاد كان التامة،كما لعله ظاهر.

و لا يبعد كون المستفاد من الأدلة هو الثاني،كما فصلنا الكلام فيه في شرح الكفاية.فراجع.

(3)لأن وجود الليل أو النهار بمفاد كان التامة ملازم لوقوع الفعل فيهما.

(4)يعني:على الرجوع للاصل المثبت و الاكتفاء به.

(5)فإن الامور المذكور لما كانت آنية لا تقبل الاستمرار و لا التدرج فلا اشكال في إمكان استصحاب عدمها،كما لا يخفى.

ص: 308

فالأولى:التمسك في هذا المقام باستصحاب الحكم المترتب على الزمان لو كان جاريا فيه،كعدم تحقق حكم الصوم و الإفطار (1) عند الشك في هلال رمضان أو شوال،و لعله المراد بقوله عليه السّلام في المكاتبة المقدمة في أدلة الاستصحاب:«اليقين لا يدخله الشك،صم للرؤية و أفطر للرؤية»،إلا أن جواز (2) الإفطار للرؤية لا يتفرع على الاستصحاب الحكمي،إلا بناء على جريان استصحاب الاشتغال و التكليف بصوم رمضان،مع أن الحق في مثله التمسك بالبراءة،لكون صوم كل يوم واجبا مستقلا (3) .

و عمدة الإشكال فيه:انه من الأصل المثبت،لملازمة الامور المذكورة لليل أو النهار،كما ذكر المصنف قدّس سرّه.

نعم لو فرض اخذها بأنفسها في الأدلة الشرعية امكن الرجوع للاصل المذكور،كما في الفجر المأخوذ غاية لجواز الاكل و الشرب في الصوم.

(1)و هو الوجوب.لكن استصحاب عدم وجوب الصوم أو عدم وجوب الافطار إنما يتم بناء على أن الموضوع الواجب مطلق الصوم أو الافطار من دون أن يكون الزمان قيدا فيهما،و إلا أشكل الاستصحاب لعدم إحراز الموضوع،و هو صوم رمضان و إفطار العيد،بل يتعين الرجوع إلى أصل البراءة،كما قد يتضح بملاحظة ما سبق في حجة القول السابع،و ما يأتي في استصحاب المقيد بالزمان.

(2)حيث أن المراد بقوله عليه السّلام:«أفطر للرؤية»ليس وجوب الافطار فقط الذي هو خلاف الأصل،بل جوازه أيضا،فالمراد انه لا يترتب أثر العيد من جواز الافطار و وجوبه إلا بالرؤية.

(3)يعني:فلا يجري استصحاب الوجوب،لان الوجوب المتيقن سابقا كان ليوم آخر غير اليوم المشكوك،فلا شك في البقاء.

و عليه فلو كان المراد في الرواية الاستصحاب الحكمي لم يكن مجال لتطبيقه

ص: 309

استصحاب الأمور التدريجية غير القارّة

و أما القسم الثاني:أعني،الامور التدريجية الغير القارة-كالتكلم و الكتابة و المشي و نبع الماء من العين و سيلان دم الحيض من الرحم- فالظاهر جواز إجراء الاستصحاب فيما يمكن أن يفرض فيها أمرا واحدا (1) مستمرا،نظير ما ذكرناه في نفس الزمان،فيفرض التكلم-مثلا- مجموع أجزائه أمرا واحدا،و الشك في بقائه لأجل الشك في قلة أجزاء ذلك الفرد الموجود منه في الخارج و كثرتها،فيستصحب القدر المشترك (2) المردد بين قليل الأجزاء و كثيرها.

و دعوى:أن الشك في بقاء القدر المشترك ناش عن حدوث جزء آخر من الكلام،و الأصل عدمه المستلزم لارتفاع القدر المشترك،فهو من قبيل القسم الثاني من القسم الثالث من الأقسام الثلاثة المذكورة في الأمر بلحاظ الافطار،و اختص تطبيقه بالصوم في الشك في أول الشهر،فلا بد ان يكون التطبيق في الافطار و الصوم معا في الرواية بلحاظ الاستصحاب الموضوعي و هو استصحاب شعبان و عدم دخول رمضان،و استصحاب رمضان و عدم دخول شوال.

و هو شاهد بما أشرنا إليه من أن المستفاد من أدلة وجوب الصوم و الافطار كون الموضوع لهما هو وجود الزمان الخاص بمفاد كان التامة لا كون الزمان الحاضر متصفا بالعنوان الزماني الخاص.فلاحظ.

(1)هذا تابع لما يستفاد من الأدلة في جعل موضوع الأثر،و أن موضوعه كل جزء جزء بنفسه،أو موضوعه المجموع المستمر بتعاقب الاجزاء،و الغالب ما ذكره المصنف قدّس سرّه.

(2)بل الأمر الشخصي المشكوك في بقائه للشك في تعاقب اجزائه و انقطاعها لا الكلي المردد بين الفردين،فهو خارج عن استصحاب الكلي،كما يظهر بالتأمل.

ص: 310

السابق.

مدفوعة:بأن الظاهر كونه من قبيل الثاني من تلك الأقسام الثلاثة، لأن المفروض في توجيه الاستصحاب جعل كل فرد من التكلم مجموع (1) ما يقع في الخارج من الأجزاء التي يجمعها رابطة توجب عدّها شيئا واحدا و فردا من الطبيعة،لا جعل كل قطعة من الكلام الواحد فردا واحدا حتى يكون بقاء الطبيعة بتبادل أفراده،غاية الأمر كون المراد بالبقاء هنا وجود المجموع في الزمان الأول بوجود جزء منه و وجوده في الزمان الثاني بوجود جزء آخر منه (2) .و الحاصل:أن المفروض كون كل قطعة جزء من الكل، لا جزئيا من الكلي (3) .

(1)هذا يناسب ما ذكرنا من كون التردد في المقام في حال الفرد الشخصي، لا بين فردي الكلي.

(2)الذي عرفت أنه نحو خاص من البقاء جار في التدريجيات.

(3)هذا و إن كان مسلما كما عرفت إلا أن الظاهر أن جهة المنع من جريان استصحاب الكلي في القسم المذكور جارية هنا،لاشتراك المقامين في كون موضوع الأثر هو الأمر الاعتباري الواحد المنتزع من الموجودات الحقيقية المستمر بتعاقبها، و هو وجود الكلي هناك و وجود الأمر الشخصي التدريجي الواحد عرفا هنا،و كما كان الموجود الحقيقي في الكلي هو الافراد المتباينة فكذلك الموجود الحقيقي هنا هو الاجزاء المتباينة.

فالمقامان من باب واحد و إن اختلفا في كون المستصحب كليا و كونه شخصيا.

و كما يجوز الاستصحاب هنا لوحدة موضوع الأثر و استمراره و ان كان امرا اعتباريا فكذلك هناك على ما ذكرناه.فتأمل جيدا.

ص: 311

هذا،مع ما عرفت-في الأمر السابق-من جريان الاستصحاب فيما كان من القسم الثالث فيما إذا لم يعد الفرد اللاحق على تقدير وجوده موجودا آخر مغايرا للموجود الأول،كما في السواد الضعيف الباقي بعد ارتفاع القوي.و ما نحن فيه من هذا القبيل،فافهم (1) .

ثم إن الرابطة الموجبة لعد المجموع أمرا واحدا موكولة إلى العرف (2) ،فإن المشتغل بقراءة القرآن لداع،يعدّ جميع ما يحصل منه في الخارج بذلك الداعي أمرا واحدا،فإذا شك في بقاء اشتغاله بها في زمان لأجل الشك في حدوث الصارف أو لأجل الشك في مقدار اقتضاء الداعي (3) ،فالأصل بقاؤه.

(1)لعله اشارة إلى الإشكال في كونه من هذا القبيل،فإن المرتبة الخفيفة من السواد موجودة بوجود المرتبة الشديدة المتيقنة منه،فيصح استصحابها بنحو الاستصحاب الشخصي فضلا عن الكلي،كما سبق.

أما الاجزاء المشكوكة من الكلام فهي غير موجودة بوجود الاجزاء المتيقنة، فليست بقاء لها،بل مباينة لها حقيقة و عرفا.

فالعمدة ما تقدم من صدق البقاء للكلام الواحد عرفا بتعاقب أجزائه،الذي عرفت انه يوجب كون استصحابه من استصحاب الأمر الجزئي لا الشخصي.فلاحظ.

(2)الظاهر أن المناط في ذلك هو ما يستفاد من الأدلة بحسب ما يفهمه العرف،فإن المعيار في بقاء الموضوع على بقاء الموضوع العرفي للقضية الشرعية،كما أشرنا إليه في غير مقام.

(3)هذا إنما يتم بناء على عموم حجية الاستصحاب للشك في المقتضى و عدم اختصاصها بالشك في الرافع،و هو لا يلائم مختار المصنف قدّس سرّه.

ص: 312

أما لو تكلم لداع أو لدواع ثم شك في بقائه على صفة التكلم لداع آخر،فالأصل عدم حدوث الزائد على المتيقن (1) .

و كذا لو شك بعد انقطاع دم الحيض في عوده في زمان يحكم عليه بالحيضية (2) أم لا (3) ،فيمكن إجراء الاستصحاب،نظرا إلى أن الشك في اقتضاء الطبيعة لقذف الرحم الدم في أي مقدار من الزمان،فالأصل عدم انقطاعه (4) .

(1)الظاهر انه لا دخل لتعدد الدواعي في وحدة الكلام عرفا،بل المعيار فيها اتصاله و عدم انقطاعه بتخلل السكوت المعتد به،و إن تعددت دواعيه فلو شك فى الاستمرار لاحتمال تجدد الداعي فلا مانع من جريان الاستصحاب بناء على عموم دليله لصورة الشك في المقتضي،كما أنه لو فرض العلم بتحقق السكوت المعتد به و احتمل رجوع المتكلم للكلام بالداعي الأول يمتنع و لا أثر لوحدة الداعي في جريانه.فلاحظ.

(2)كما لو انقطع الدم بعد الثلاثة و احتمل رجوعه قبل العشرة.

(3)عطف على قوله:«عوده...»و كان المناسب العطف ب(أو).

(4)إن كان المراد عدم انقطاع الدم فالمفروض انقطاعه و الشك في رجوعه.

و إن كان المراد عدم انقطاع اقتضاء الرحم لقذف الدم فالمفروض انقطاع الاقتضاء المذكور،لملازمته لانقطاع الدم.

نعم منشأ الشك في رجوع الدم الشك في كيفية اقتضاء الرحم و أنه يقتضي القذف مرة أو مرتين،و لا أصل يحرز ذلك.

مع أنه لو فرض كون الأصل بقاء اقتضاء الرحم للقذف فهو ليس امرا تدريجيا،لانه أمر بسيط و ليس له أجزاء متعاقبة،فالتدريجي هو الأمر المقتضي-و هو سيلان الدم-لا نفس الاقتضاء.

ص: 313

و كذا لو شك في اليأس،فرأت الدم،فإنه قد يقال باستصحاب الحيض،نظرا إلى كون الشك في انقضاء ما اقتضته الطبيعة من قذف الحيض في كل شهر (1) .

و حاصل وجه الاستصحاب:ملاحظة كون الشك في استمرار الأمر الواحد الذي اقتضاه السبب الواحد (2) ،و إذا لوحظ كل واحد (3) من أجزاء هذا الأمر حادثا مستقلا،فالأصل عدم الزائد على المتيقن و عدم حدوث سببه.

و منشأ اختلاف بعض العلماء في إجراء الاستصحاب في هذه الموارد اختلاف أنظارهم في ملاحظة ذلك المستمر حادثا واحدا أو حوادث متعددة.

مضافا إلى أن الأصل المذكور من أوضح افراد الأصل المثبت،لان موضوع الأثر هو خروج الدم لا اقتضاء الرحم لقذفه و إن كان مستلزما له.

نعم قد يستصحب الحيض الشرعي الذي هو بمعنى حكم الشارع على المرأة بالحيض بناء على أن الحيضية من الأحكام الشرعية التابعة لخروج الدم لا نفس خروج الدم،و لذا يتحقق حين النقاء المتخلل بين الدميين.

لكنه لو تم و لم يكن محكوما لاصالة عدم عود الدم مرة أخرى،فهو خارج عما نحن فيه لعدم كون الحكم المذكور تدريجيا.فلاحظ.

(1)يجري هنا ما سبق من الكلام هناك.و لا مجال هنا لاحتمال جريان استصحاب الحيضية بمعنى حكم الشارع بها،للعلم بانقطاعه في الشهر السابق.

(2)عرفت أنه لا عبرة في وحدة المستصحب بوحدة سببه،بل المعتبر اتصال اجزائه.

(3)عرفت أن هذا تابع لما يستفاد من الأدلة في تعيين موضوع الأثر.

ص: 314

و الإنصاف:وضوح الوحدة في بعض الموارد،و عدمها في بعض، و التباس الأمر في ثالث (1) .و اللّه الهادي إلى سواء السبيل،فتدبر.

استصحاب الأمور المقيدة بالزمان

و أما القسم الثالث-و هو ما كان مقيدا بالزمان-فينبغي القطع بعدم جريان الاستصحاب فيه.و وجهه:أن الشيء المقيد بزمان خاص لا يعقل فيه البقاء،لأن البقاء:وجود الموجود الأول في الآن الثاني (2) ، و قد تقدم الاستشكال (3) في جريان الاستصحاب في الأحكام التكليفية، (1)يتضح مما ذكرنا أن المعيار في الوحدة المذكورة على ما يستفاد من الأدلة الشرعية،فإن استفيد منها أن موضوع الأثر هو الأمر الواحد المركب من أجزاء صح استصحابه مع الشك في تعاقب أجزائه،و إن استفيد منها أن الموضوع نفس الاجزاء المتعاقبة،بحيث يكون كل منها موضوع مستقلا او مقوما للموضوع امتنع الاستصحاب.فلاحظ.

(2)يعني:و مع فرض التقييد يتعدد الموضوع باختلاف القيد فيمتنع الاستصحاب.بل يقطع بارتفاع الحكم المتيقن،فلا معنى لاستصحابه.

(3)تقدم تفصيل ذلك في آخر الكلام في حجة القول السابع،و تقدم منه دعوى ان جميع الحالات الدخيلة في الحكم قيدا في الموضوع،فيشكل استصحاب الحكم تبدل حالة يشك في دخلها لاحتمال كونها قيدا.

و تقدم هناك دفع المصنف قدّس سرّه للشبهة بتسامح العرف في صدق البقاء للمتيقن السابق إلا في بعض الموارد الخاصة التي هى محل الإشكال.

و قد ذكر في آخر الكلام في حجة القول الخامس أن اللازم في ذلك التأمل التام،لانه مزال الاقدام.

و قد ذكرنا في تعقيب ما ذكره في حجة القول السابع أن اللازم التفصيل بين ما كونه قيدا للحكم و ما يحتمل كونه قيدا للموضوع،و لا عبرة بتسامح العرف في البقاء.فراجع و تأمل.

ص: 315

لكون متعلقاتها هي الأفعال المتشخصة بالمشخصات التي لها دخل وجودا و عدما في تعلق الحكم،و من جملتها الزمان.

ما ذكره الفاضل النراقي قدّس سرّه:من معارضة استصحاب عدم الأمر الوجودي المتيقن سابقا مع استصحاب وجوده

و مما ذكر يظهر فساد ما وقع لبعض المعاصرين (1) :من تخيل جريان استصحاب عدم الأمر الوجودي المتيقن سابقا،و معارضته مع استصحاب وجوده،بزعم (2) أن المتيقن وجود ذلك الأمر في القطعة الأولى من الزمان،و الأصل بقاؤه (3) -عند الشك-على العدم الأزلي (4) الذي لم يعلم انقلابه إلى الوجود إلا في القطعة السابقة من الزمان.قال في تقريب ما ذكر من تعارض الاستصحابين:

كلام الفاضل النراقي قدّس سرّه

إنه إذا علم أن الشارع أمر بالجلوس يوم الجمعة،و علم أنه واجب إلى الزوال،و لم يعلم وجوبه فيما بعده،فنقول:كان عدم التكليف بالجلوس قبل يوم الجمعة و فيه إلى الزوال،و بعده معلوما قبل ورود أمر الشارع،و علم بقاء ذلك العدم قبل يوم الجمعة،و علم ارتفاعه و التكليف بالجلوس فيه (1)ذكر بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه أنه الفاضل النراقي في المناهج.

(2)هذا تقريب لجريان استصحاب العدم،لا لمعارضته مع استصحاب الوجود.

(3)يعني:بقاء عدم الوجوب بالإضافة إلى الفعل الواقع بعد الزمان المتيقن، فيقال فيما لو شك في بقاء وجوب الجلوس إلى ما بعد الزوال:كان الجلوس بعد الزوال غير واجب-قبل التشريع-و يشك في بقاء عدم وجوبه لاحتمال كون ما شرع وجوب خصوص ما بعد الزوال فيستصحب عدم وجوب الجلوس بعد الزوال إلى حين الشك.

(4)و هو السابق على التشريع.

ص: 316

قبل الزوال،و صار بعده موضع الشك،فهنا شك (1) و يقينان (2) ،و ليس إبقاء حكم أحد اليقينين أولى من إبقاء حكم الآخر.

فإن قلت:يحكم ببقاء اليقين المتصل بالشك (3) ،و هو اليقين بالجلوس (4) .

قلنا:إن الشك في تكليف ما بعد الزوال حاصل قبل مجيء يوم الجمعة (5) وقت ملاحظة أمر الشارع،فشك يوم الخميس-مثلا،حال ورود الأمر-في أن الجلوس غدا هل هو مكلف به بعد الزوال أيضا أم لا؟ و اليقين المتصل به هو عدم التكليف،فيستصحب و يستمر ذلك إلى وقت الزوال (6) ،انتهى.

ثم أجرى ما ذكره-من تعارض استصحابي الوجود و العدم-في (1)و هو الشك في وجوب الجلوس يوم الجمعة بعد الزوال.

(2)و هما اليقين السابق على التشريع بعدم وجوب الجلوس بعد زوال يوم الجمعة و اليقين بوجوب الجلوس قبل زوال يوم الجمعة.

(3)حيث أنه يعتبر اتصال زمان الشك بزمان اليقين،فالمستصحب في زمان الشك هو الحال المتيقن المتصل به،لا المنفصل عنه بقين آخر،فإذا علم بنجاسة الثوب يوم الاربعاء و طهارته يوم الخميس و شك يوم الجمعة لزم استصحاب الحال المتصل بزمان الشك و هو الطهارة لا المنفصل عنه و هو النجاسة،كما هو واضح.

(4)يعني:بوجوب الجلوس الحاصل قبل الزوال.

(5)فهو متصل بزمان اليقين بعدم الوجوب فتم فيه شرط الاستصحاب.

(6)للشك في وقت الزوال بوجوب الجلوس بعده.فالشك المذكور مستمر من حال التشريع إلى حين الزوال.

ص: 317

مثل:وجوب الصوم إذا عرض مرض يشك في بقاء وجوب الصوم معه، و في الطهارة إذا حصل الشك فيها لأجل المذي،و في طهارة الثوب النجس إذا غسل مرة.

فحكم في الأول بتعارض استصحاب وجوب الصوم قبل عروض الحمى و استصحاب عدمه الأصلي قبل وجوب الصوم،و في الثاني بتعارض استصحاب الطهارة قبل المذي و استصحاب عدم جعل الشارع الوضوء سببا للطهارة بعد المذي،و في الثالث بتعارض استصحاب النجاسة قبل الغسل و استصحاب عدم كون ملاقاة البول سببا للنجاسة (1) بعد الغسل مرة،فيتساقط الاستصحابان في هذه الصور،إلا أن يرجع إلى استصحاب آخر حاكم على استصحاب العدم،و هو عدم الرافع و عدم جعل الشارع مشكوك الرافعية رافعا (2) .

قال:و لو لم يعلم أن الطهارة مما لا يرتفع إلا برافع،لم نقل فيه باستصحاب الوجود (3) .

ثم قال:هذا في الامور الشرعية،و أما الامور الخارجية-كاليوم و الليل و الحياة و الرطوبة و الجفاف و نحوها مما لا دخل لجعل الشارع (1)لكن هذا مثبت،فإن الأثر ليس لسببية البول للنجاسة،بل للمسبب و هو النجاسة،و ترتب النجاسة على السببية للملازمة العقلية بينهما لا الشرعية.

فلاحظ.

(2)لكن الأصلين المذكورين من الأصل المثبت.مع أنهما غير حاكمين على استصحاب العدم،على ما يأتي في كلام المصنف قدّس سرّه.

(3)لعدم وجود الأصل الحاكم على استصحاب العدم.

ص: 318

في وجودها-فاستصحاب الوجود فيها حجة بلا معارض،لعدم تحقق استصحاب حال عقل معارض باستصحاب وجودها (1) ،انتهى.

المناقشة فيما أفاده الفاضل النراقي قدّس سرّه

أقول:الظاهر التباس الأمر عليه.

أما أولا:فلأن الأمر الوجودي المجعول،إن لوحظ الزمان قيدا له (2) أو لمتعلقه (3) -بأن لوحظ وجوب الجلوس المقيد بكونه إلى الزوال شيئا،و المقيد بكونه بعد الزوال شيئا آخر متعلقا للوجوب-فلا مجال لاستصحاب الوجوب،للقطع بارتفاع ما علم وجوده و الشك في حدوث ما عداه،و لذا لا يجوز الاستصحاب في مثل:«صم يوم الخميس» إذا شك في وجوب صوم يوم الجمعة (4) .

(1)كأنه لعدم كون موضوعاتها قابلة للتقييد و التفريد،بل ليست هي إلاّ وجودا واحدا مستمرا،فمع فرض انتقاض العدم بالوجود لا مجال لاستصحاب العدم في حال الشك.فلاحظ.

(2)كما لو احتمل كون الزمان قيدا لنفس التكليف كالوجوب.

(3)كما لو احتمل كون الزمان للمكلف به،كالصوم.

(4)لأن صوم يوم الخميس مباين لصوم يوم الجمعة،فيكون وجوب كل منهما مباينا لوجوب الآخر،لان تباين المعروضين موجب لتباين عرضيهما.

لكن هذا إنما يتم في تقييد المكلف به،كالواجب و الحرام،و أما تقييد نفس التكليف فلا مجال لدعوى كونه موجبا للتعدد،و لا مانعا من الاستصحاب لو فرض الشك فيه،لأن التقييد إنما يكون في الكبرى الشرعية الكلية،كما في: أَقِمِ الصَّلاٰةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ... و ليست هي المستصحبة إلا على نحو التعليق الذي يأتي الكلام فيه في التنبيه الرابع،و لا يستصحب بنحو التنجيز إلا الحكم الخارجي الفعلي،و هو أمر جزئي لا يقبل التقييد،فلا يكون الزمان إلا ظرفا له،فمع فرض وحدة متعلقه

ص: 319

و إن لوحظ الزمان ظرفا لوجوب الجلوس فلا مجال لاستصحاب العدم،لأنه إذا انقلب العدم إلى الوجود المردد بين كونه في قطعة خاصة من الزمان و كونه أزيد،و المفروض تسليم حكم الشارع بأن المتيقن في زمان لا بد من إبقائه،فلا وجه لاعتبار العدم السابق.

و ما ذكره قدّس سرّه:من أن الشك في وجوب الجلوس بعد الزوال كان ثابتا حال اليقين بالعدم يوم الخميس (1) .مدفوع:بأن ذلك الشك أيضا-حيث كان مفروضا بعد اليقين بوجوب الجلوس إلى الزوال-مهمل (2) بحكم لا يعقل اختلافه و تعدده إلا أن يفصل بعدم،أو يكون الزمان قيدا لمتعلقه،فيوجب تعدده لان متعلقه كلي قابل للتقييد،فوجوب الصوم في الآن الثاني استمرار لوجوب الصوم في الآن الأول،و ليس الزمان إلا ظرفا له إلا أن يفصل بين الآنين.بأن لا وجوب فيه،أو يتعدد متعلقهما لكون التقييد بالزمان واردا على المتعلق الكلي،كما هو الحال في جميع الاعراض الخارجية،فإن تعددها إنما يكون بتعدد موضوعاتها، أو بفصل العدم بينها في موضوع واحد،أما مع اتحاد المتعلق و عدم الفصل بالعدم فالفرض واحد مستمر الوجود لا متعدد و ليس الزمان إلا ظرفا له لا غير.

و من هنا تقدم منا فى حجة القول السابع التفصيل في جريان الاستصحاب بين احتمال كون الشيء قيد للتكليف و احتمال كونه قيدا للمكلف به،فيجري الاستصحاب في الأول دون الثاني.

نعم لو قطع يكون الشيء قيدا للتكليف امتنع جريان الاستصحاب،للقطع بارتفاع التكليف بسبب ارتفاع قيده.فلاحظ.

(1)حيث تقدم من النراقي قدّس سرّه دعوى ذلك لإثبات اتصال الشك باليقين بالعدم الازلي،ليجري استصحابه.

(2)خبر(أن)في قوله:«بأن ذلك الشك...»يعني:أن الشك المذكور مهمل

ص: 320

الشارع بإبقاء كل حادث لا يعلم مدة بقائه،كما لو شك قبل حدوث حادث في مدة بقائه (1) .

و الحاصل:أن الموجود في الزمان الأول،إن لوحظ مغايرا من حيث القيود المأخوذة فيه للموجود الثاني،فيكون الموجود الثاني حادثا مغايرا للحادث الأول،فلا مجال لاستصحاب الوجود،إذ لا يتصور البقاء لذلك الموجود بعد فرض كون الزمان الأول من مقوماته.

و إن لوحظ متحدا مع الثاني لا مغايرا له إلا من حيث ظرفه الزماني، فلا معنى لاستصحاب عدم ذلك الموجود،لأنه انقلب إلى الوجود.

و كأن المتوهم ينظر في دعوى جريان استصحاب الوجود إلى كون بسبب حكم الشارع بابقاء كل حادث لا يعلم مدة بقائه،فإن مقتضى استصحاب الوجود المتيقن إلغاء الشك المذكور،لكن المدعى للنراقي أن الشك المذكور لما كان متصلا بزمان اليقين بالعدم الازلي يتعين استصحاب العدم المذكور فيعارض استصحاب الوجود.

فالأولى دفع ذلك بان اتصال الشك باليقين المعتبر في الاستصحاب ليس بمعنى اتصال زمان حدوث الشك بزمان اليقين،بل بمعنى اتصال المشكوك بالمتيقن،و من الظاهر أنه بعد فرض وحدة الوجود المتيقن و عدم أخذ الزمان فيه بنحو يقتضي تعدده،لكونه ظرفا له لا قيدا فيه يكون زمان المشكوك متصلا بزمان اليقين بالوجود لا بزمان اليقين بالعدم الازلي،فلا يجري إلا استصحاب الوجود.

فلاحظ.

(1)كما لو علم بأن زيدا سيدخل الدار و شك في مقدار مكثه بعد دخوله، فإنه لا اشكال في الرجوع إلى استصحاب كونه في الدار،لا استصحاب عدم كونه فيها.

ص: 321

الموجود أمرا واحدا قابلا للاستمرار بعد زمان الشك،و في دعوى جريان استصحاب العدم إلى تقطيع وجودات ذلك الموجود و جعل كل واحد منها بملاحظة تحققه في زمان مغايرا للآخر،فيؤخذ بالمتيقن منها و يحكم على المشكوك منها بالعدم.

و ملخص الكلام في دفعه:أن الزمان إن أخذ ظرفا للشيء فلا يجري إلا استصحاب وجوده،لأن العدم انتقض بالوجود المطلق،و حكم عليه بالاستمرار بمقتضى أدلة الاستصحاب.و إن أخذ قيدا له فلا يجري إلا استصحاب العدم،لأن انتقاض عدم الوجود المقيد لا يستلزم انتقاض المطلق (1) ،و الأصل عدم الانتقاض،كما إذا ثبت وجوب صوم يوم الجمعة و لم يثبت غيره.

مناقشة ثانية فيما أفاده النراقي قدّس سرّه

و أما ثانيا:فلأن ما ذكره،من استصحاب عدم الجعل و السببية في صورة الشك في الرافع،غير مستقيم،لأنا إذا علمنا أن الشارع جعل الوضوء علة تامة لوجود الطهارة،و شككنا في أن المذي رافع لهذه الطهارة الموجودة المستمرة بمقتضى استعدادها،فليس الشك متعلقا بمقدار سببية (1)لا إشكال في انتفاض عدم الوجود المطلق انتقاض عدم الوجود المقيد إلا أنه لا يهم في المقام،حيث إنه لا بد من فرض انطباق الوجود المستصحب على فاقد القيد،و هو غير حاصل في المقام لأن انتفاض عدم الوجود المقيد بشيء لا يقتضي انتفاض عدم الوجود المباين له المقيد بقيد آخر.

و كأن مراد المصنف قدّس سرّه من انتفاض المطلق هو انتفاضه بتمام أفراده-حتى المباينة للمقيد-لا انتفاضه في الجملة الذي يكفي فيه انتفاض عدم المقيد،كما ذكرنا.

فلاحظ.

ص: 322

السبب (1) .و كذا الكلام في سببية ملاقاة البول للنجاسة عند الشك في ارتفاعها بالغسل مرة.

فإن قلت:إنا نعلم أن الطهارة بعد الوضوء قبل الشرع لم يكن مجعولة أصلا،و علمنا بحدوث هذا الأمر الشرعي قبل المذي،و شككنا في الحكم بوجودها بعده،و الأصل عدم ثبوتها بالشرع.

قلت:لا بد من أن يلاحظ حينئذ أن منشأ الشك في ثبوت الطهارة بعد المذي،الشك في مقدار تأثير المؤثر-و هو الوضوء-و أن المتيقن تأثيره مع عدم المذي لا مع وجوده،أو أنا نعلم قطعا تأثير الوضوء في إحداث أمر مستمر لو لا ما جعله الشارع رافعا.

فعلى الأول،لا معنى لاستصحاب عدم جعل الشيء رافعا (2) ، لأن المتيقن تأثير السبب مع عدم ذلك الشيء،و الأصل عدم التأثير مع وجوده (3) ،إلا أن يتمسك باستصحاب وجود المسبب (4) ،فهو نظير ما (1)حتى يصح استصحاب عدم السببية أو عدم جعلها بالنسبة إلى زمان الشك،بل المتعين استصحاب المسبب المحتمل انتقاضه بوجود محتمل الرافعية.

(2)فإنه إنما يرجع إليه بعد الفراغ عن تأثير المقتضي في الوجود،لا في مثل الفرض و هذا تعريض بما تقدم من النراقي من جريان أصالة عدم جعل الوضوء سببا للطهارة بعد المذي،و انه محكوم لاستصحاب عدم الرافع أو عدم جعل مشكوك الرافعية رافعا.

(3)لكنه مثبت،فإن الأثر للمسبب و هو الطهارة التي يلزم من عدم تأثير السبب عدمها.

(4)و هو المتعين بناء على جريان الاستصحاب مع الشك في المقتضي كما

ص: 323

لو شك في بقاء تأثير الوضوء المبيح-كوضوء التقية (1) بعد زوالها-لا من قبيل الشك في ناقضية المذي.

و على الثاني،لا معنى لاستصحاب العدم،إذ لا شك في مقدار تأثير المؤثر حتى يؤخذ بالمتيقن (2) .

هو الظاهر.لكن لو فرض جريان استصحاب أصالة عدم التأثير كانت حاكمة على استصحاب المسبب فتكون هي المرجع لا الاستصحاب المذكور كما يظهر من المصنف قدّس سرّه فلاحظ.

(1)ظاهره أن وضوء التقية مبيح لا رافع،و هو في غاية الإشكال.و الكلام في ذلك فى محله من الفقه.

(2)لكن هذا إنما يمنع من استصحاب عدم تأثير المؤثر في غير المتيقن و عدم سببية السبب الذي تقدم في كلام الفاضل النراقي.

و لا ينهض بالمنع من استصحاب عدم الأمر الموجود المسبب بلحاظ اليقين بالعدم الازلي الذي أشير إليه في الإشكال الأخير حيث كان المدعي فيه هو الرجوع لاستصحاب عدم ثبوت الطهارة بالشرع بعد المذي فالمتعين الجواب عنه بأن الزمان غير مأخوذ قيدا في الطهارة المجعولة حتى يقتضي انحلالها إلى امرين متيقن الارتفاع و مشكوك الحدوث،و إلا امتنع استصحاب الوجود و المفروض جريانه،بل هو ظرف للحكم بها،لان موضوع الطهارة هو الشخص الخاص و تعدد الزمان لا يقتضي تعدده ليوجب تعدد الطهارة الطارئة عليه،بل ليس هنا إلا طهارة واحدة معلومة الحدوث مشكوكة الارتفاع،و الأصل يقتضي بقاءها.

نعم لو فرض تعدد موضوع الحكم بتعدد أجزاء الزمان كان موجبا لتعدد نفس الحكم،فيمتنع استصحاب الحكم المتيقن،بل يتعين الرجوع إلى استصحاب عدم الحكم المشكوك لا غير،على ما سبق.فلاحظ.

ص: 324

مناقشة ثالثة فيما أفاده قدّس سرّه

و أما ثالثا:فلو سلم جريان استصحاب العدم حينئذ،لكن ليس استصحاب عدم جعل الشيء رافعا حاكما على هذا الاستصحاب،لأن الشك في أحدهما ليس مسببا عن الشك في الآخر،بل مرجع الشك فيهما إلى أمر واحد،و هو:أن المجعول في حق المكلف في هذه الحالة هو الحدث أو الطهارة (1) .

نعم،يستقيم ذلك فيما إذا كان الشك في الموضوع الخارجي-أعني وجود المزيل أو عدمه-لأن الشك في كون المكلف حال الشك مجعولا (1)لفرض كون كل قطعة من الطهارة مجعولا مستقلا و الشك في جعله، لا في رافعه بعد الفراغ عن جعله لو لا الرافع لكن هذا راجع إلى منع جريان اصالة عدم الرافعية لا منع حكومتها بعد فرض جريانها.

و لعل الأولى أن يقال:ان كان المراد باستصحاب العدم ما عرفت من النراقي،و هو استصحاب عدم سببية الوضوء للطهارة بعد المذي و عدم سببية البول للنجاسة بعد الغسل مرة-فهو-لو سلم جريانه في نفسه-غير محكوم لاصالة عدم كون المذي رافعا للطهارة أو أصالة عدم كون الغسل مرة رافعا للنجاسة،لان عدم تحقق الرافع او عدم رافعيته لا تقتضي سببية السبب،و إنما يستند إليه العدم في ظرف سببيته،فمع فرض كون الأصل عدم السببية لا مجال لاحتمال الرافعية حتى يجري استصحاب عدمها.

نعم لو أريد من استصحاب العدم ما اشير اليه اخيرا في الإشكال، و هو استصحاب عدم الأمر الوجودي المسبب-و هو الطهارة مثلا-في الحصة الخاصة من الزمان بعد فرض تمامية السبب كان استصحاب عدم كون الشيء رافعا صالحا للحكومة عليه.لكنه مثبت كما أشرنا إليه في تعقيب كلام النراقي الذي نقله المصنف قدّس سرّه.فلاحظ.

ص: 325

في حقه الطهارة أو الحدث مسبب عن الشك في تحقق الرافع (1) ،إلا أن الاستصحاب مع هذا العلم الإجمالي بجعل (2) أحد الأمرين في حق المكلف غير جار (3) .

(1)لكن هذا بعد الفراغ عن تحقق السبب،و معه لا مجال لاستصحاب عدم كون الشيء سببا فهو لا يجري ذاتا لا أنه يجري و يكون محكوما لاستصحاب عدم الرافع.

(2)متعلق بقوله:«العلم الإجمالي».

(3)خبر(أن)في قوله:«إلا أن الاستصحاب...».يعني:أنه لا مجال لدعوى جريان الأصلين و تعارضهما ذاتا و أنهما محكومان لاستصحاب عدم الرافع،بل هما لا يجريان ذاتا لان العلم الإجمالي بانتفاض أحد اليقينين و تبدله بجعل أحد الأمرين من الطهارة و الحدث مانع من جريان الاستصحابين ذاتا بناء على مسلك المصنف قدّس سرّه من قصور أدلة الأصول-و منها الاستصحاب-عن شمول أطراف العلم الاجمالي، لا أنها شاملة لتمام الاطراف ذاتا و تسقط بالمعارضة.

و يأتي الكلام في المبنى المذكور في تعارض الاستصحابين من الخاتمة.و قد أطال بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه الكلام في شرح مراد المصنف قدّس سرّه لكنه رجوع إلى أصل المطلب و لا يختص بصورة الشك في وجود الرافع و الظاهر أن مراده ما ذكرنا.

فتأمل جيدا.

ص: 326

الأمر الثالث

التنبيه الثالث:عدم جريان الاستصحاب في الأحكام العقلية

اشارة

أن المتيقن السابق إذا كان مما يستقل به العقل-كحرمة الظلم و قبح التكليف بما لا يطاق و نحوهما من المحسنات و المقبحات العقلية-فلا يجوز استصحابه (1) ،لأن الاستصحاب إبقاء ما كان،و الحكم العقلي (1)إن كان المراد استصحاب نفس الحكم العقلي فمنعه في محله إما لما ذكره من عدم الشك فيه.و إما لقصور أدلة الاستصحاب عن التعبد بالأحكام العقلية، بل هي مختصة بالأحكام الشرعية أو موضوعاتها.

و دعوى:استصحاب الأحكام العقلية بلحاظ ترتب الأحكام الشرعية عليها لقاعدة الملازمة.فهو نظير استصحاب الموضوعات الخارجية لترتيب أحكامها الشرعية.

مدفوعة:بان ترتب الحكم الشرعي على العقلي ليس من باب ترتب الحكم على موضوعه،بل من باب الملازمة.و مثل ذلك لا يكفي في جريان الاستصحاب لانه من الأصل المثبت.

و إن كان المراد استصحاب الأحكام الشرعية المترتبة على الأحكام العقلية فسيأتي الكلام فيه.

ص: 327

موضوعه معلوم تفصيلا للعقل الحاكم به،فإن أدرك العقل بقاء الموضوع في الآن الثاني حكم به حكما قطعيا كما حكم أولا،و إن أدرك ارتفاعه قطع بارتفاع ذلك الحكم،و لو ثبت مثله بدليل لكان حكما جديدا حادثا في موضوع جديد.

و أما الشك في بقاء الموضوع،فإن كان لاشتباه خارجي-كالشك في بقاء الإضرار في السم الذي حكم العقل بقبح شربه-فذلك خارج عما نحن فيه (1) ،و سيأتي الكلام فيه.

و إن كان لعدم تعيين الموضوع تفصيلا و احتمال مدخلية موجود مرتفع أو معدوم حادث في موضوعية الموضوع،فهذا غير متصور في المستقلات العقلية،لأن العقل لا يستقل بالحكم إلا بعد إحراز الموضوع و معرفته تفصيلا،لأن القضايا العقلية إما ضرورية لا يحتاج العقل في حكمه إلى أزيد من تصور الموضوع بجميع ما له دخل في موضوعيته من قيوده،و إما نظرية تنتهي إلى ضرورية كذلك،فلا يعقل إجمال الموضوع في حكم العقل،مع أنك ستعرف في مسألة اشتراط بقاء الموضوع،أن الشك في الموضوع (2) (1)إذ همّ الأصولي هو الاستصحاب الحكمي.و أما الاستصحاب الموضوعي فهو همّ الفقيه.

(2)الشك في الموضوع إنما يمنع من الاستصحاب فيما إذا كان المراد بالموضوع هو معروض الحكم كالمكلف و المكلف به،و أما لو أريد به غير ذلك مما يكون دخيلا في الحكم من شرط أو غاية أو غيرهما مما لا يكون الشك فيه موجبا لامتناع قولنا:

هذا كان كذا فهو كما كان،فلا مانع من جريان الاستصحاب مع الشك فيه.و من الظاهر أن ما يحتمل دخله في موضوع الحكم العقلي ليس كله من السنخ الأول.

ص: 328

خصوصا (1) لأجل مدخلية شيء-مانع عن إجراء الاستصحاب.

فإن قلت:فكيف يستصحب الحكم الشرعي مع أنه كاشف عن حكم عقلي مستقل (2) ؟فإنه إذا ثبت حكم العقل برد الوديعة،و حكم الشارع على طبقه وجوب الرد،ثم عرض ما يوجب الشك-مثل الاضطرار و الخوف-فيستصحب الحكم مع أنه كان تابعا للحكم العقلي.

عدم جريان الاستصحاب في الحكم الشرعي المستند إلى الحكم العقلي أيضا

قلت:أما الحكم الشرعي المستند إلى الحكم العقلي،فحاله حال الحكم العقلي في عدم جريان الاستصحاب (3) .نعم،لو ورد في مورد فلاحظ.

(1)لم يتضح عاجلا المراد بالخصوصية المذكورة.

(2)بناء على أن الأحكام الشرعية ألطافا في الأحكام العقلية.

(3)مما تقدم يتضح أن الوجه في عدم جريان الاستصحاب في الأحكام العقلية أمور ثلاثة:

الأول:قصور أدلة الاستصحاب عن التعبد بالأحكام العقلية و اختصاصها بالأحكام الشرعية و موضوعاتها.

الثاني:امتناع الشك في بقاء الحكم العقلي لعدم الشك في موضوعه لاستحالة تردد الحاكم في حكمه.

الثالث:أن التردد في الموضوع مانع من الرجوع لاستصحاب الحكم.

أما الوجه الأول فهو مختص بالحكم العقلي و لا يجري في الحكم الشرعي التابع له.و كذا الوجه الثاني لان ملازمة الحكم الشرعي للعقلي لا توجب القطع بارتفاعه تبعا لارتفاع الحكم العقلي،لاحتمال كون موضوع الحكم الشرعي أوسع من موضوع الحكم العقلي،لاطلاع الشارع على ما لم يطلع عليه العقل.

ص: 329

حكم العقل حكم شرعي من غير جهة العقل (1) ،و حصل التغير في حال من أحوال موضوعه مما يحتمل مدخليته وجودا أو عدما في الحكم (2) ، جرى الاستصحاب (3) و حكم بأن موضوعه أعم من موضوع حكم العقل (4) ،و من هنا يجري استصحاب عدم التكليف في (5) حال يستقل و أما الوجه الثالث فهو و إن جرى في الحكم الشرعي أيضا،إلا أنك عرفت انه مختص بما إذا كان الشك في معروض الحكم كالمكلف و المكلف به،دون غيره،مما يحتمل دخله في الحكم.

و عليه فاللازم الالتزام بجريان الاستصحاب مع الشك فى الحكم الشرعي المستند إلى الحكم العقلي مع إحراز موضوعه بالمعنى المذكور،كما هو الحال في سائر الأحكام الشرعية.و قد تقدم الكلام في ذلك في التقسيم الثاني من تقسيمات الاستصحاب من حيث الدليل الدال عليه.فراجع.

(1)بان استفيد بدليل آخر غير الملازمة بين حكم العقل و الشرع.

(2)هذا قد يوهم امكان رجوع القيد إلى الحكم لا إلى الموضوع،و هو بعيد عن مبنى المصنف قدّس سرّه.

(3)تقدم غير مرة أن هذا مختص بما إذا احتمل كون الحالة من قيود الحكم دون ما لو احتمل كونها من قيود الموضوع،كما تقدم أنه لا عبرة بالتسامح العرفي في بقاء الموضوع.

(4)الاستصحاب موقوف على عموم الموضوع و عدم تقييده،فلا مجال لاستفادة عموم الموضوع من الاستصحاب فلا بد من استفادة عموم الموضوع من أدلة الحكم لفظية كانت أو غيرها.

(5)متعلق بقوله:«عدم التكليف»يعني:يجري استصحاب عدم التكليف الحاصل في حال...،و ذلك في استصحاب عدم التكليف من حال الصغر و عدم القابلية للتكليف عقلا.

ص: 330

العقل بقبح التكليف فيه،لكن العدم الأزلي ليس مستندا إلى القبح (1) و إن كان موردا للقبح.

هذا حال نفس الحكم العقلي.

و أما موضوعه-كالضرر المشكوك بقاؤه في المثال المتقدم-فالذي ينبغي أن يقال فيه:

هل يجري الاستصحاب في موضوع الحكم العقلي؟

إن الاستصحاب إن اعتبر من باب الظن عمل به هنا،لأنه يظن الضرر بالاستصحاب،فيحمل عليه الحكم العقلي إن كان موضوعه أعم من القطع و الظن (2) ،كما في مثال الضرر.

(1)بل إلى الأدلة الشرعية الدالة على عدم رفع القلم و نحوها.

بل لو فرض استناد العدم إلى القبح العقلي فلا مانع من استصحابه،لوحدة العدم و استمراره و ان اختلف دليله،كما تقدم غير مرة.فلاحظ.

(2)لكن العمل حينئذ في إحراز الحكم العقلي بالظن لا بالاستصحاب بخصوصه بل لو فرض عدم حجية الظن الاستصحابي تعين العمل بالظن المذكور في الفرض.كما انه لو فرض كون الموضوع مطلق الاحتمال-كما هو الظاهر في الضرر-لزم ترتيب الأثر في مورد الاستصحاب.و لو لم يفد الظن،لكن لا من حيث خصوصية الاستصحاب.

لكن هذا كله خروج عن مورد الكلام إذا الكلام في العمل بالاستصحاب من حيث هو،و هو إنما يفرض مع كون الموضوع هو الواقع من حيث هو،و لا دخل للاحتمال و لا الظن فيه و حينئذ فاللازم التفصيل بين ما إذا كان الاستصحاب من الطرق العقلية،سواء كان مفيدا للظن أم لا،و ما إذا كان من الطرق التعبدية الشرعية،و على الأول يعمل به في إحراز الحكم العقلي،بخلاف الثاني.

ص: 331

و إن اعتبر من باب التعبد-لأجل الأخبار-فلا يجوز العمل به، للقطع بانتفاء حكم العقل مع الشك في الموضوع الذي كان يحكم عليه مع القطع.

مثلا:إذا ثبت بقاء الضرر في السم في المثال المتقدم بالاستصحاب، فمعنى ذلك ترتيب الآثار الشرعية المجعولة للضرر على مورد الشك،و أما الحكم العقلي بالقبح و الحرمة فلا يثبت إلا مع إحراز الضرر.

نعم،يثبت الحرمة الشرعية بمعنى نهي الشارع ظاهرا (1) ،و لا منافاة بين انتفاء الحكم العقلي و ثبوت الحكم الشرعي،لأن عدم حكم العقل مع الشك إنما هو لاشتباه الموضوع عنده (2) ،و باشتباهه يشتبه الحكم الشرعي الواقعي أيضا،إلا أن الشارع حكم على هذا المشتبه الحكم الواقعي بحكم ظاهري هي الحرمة.

ما يظهر مما ذكرنا

و مما ذكرنا-من عدم جريان الاستصحاب في الحكم العقلي- يظهر:

ما في تمسك بعضهم لإجزاء ما فعله الناسي لجزء من العبادة أو (1)ثبوت النهي الشرعي ظاهرا بالاستصحاب موقوف على كون الموضوع هو الضرر الواقعي اما لو كان هو الضرر المقطوع أو المظنون او المحتمل فلا اثر للاستصحاب،بل لا يترتب الحكم على الأول قطعا،للقطع بارتفاع الموضوع، و يترتب على الثالث واقعا،للقطع ببقاء الموضوع،و على الثاني يبتني على إفادة الاستصحاب للظن و عدمها،كما يظهر بأدنى تأمل.

(2)هذا مبني على أن موضوع الحكم العقلي هو الضرر الواقعي،لا المظنون و لا المحتمل،و إلا فلا اشتباه،بل يعلم بعدم الموضوع.

ص: 332

شرطها،باستصحاب عدم التكليف الثابت حال النسيان (1) .

و ما في اعتراض بعض المعاصرين (2) على من خص-من القدماء و المتأخرين-استصحاب حال العقل باستصحاب العدم،بأنه (3) لا وجه للتخصيص،فإن حكم العقل المستصحب قد يكون وجوديا تكليفيا (1)يعني:لا مجال لاستصحاب عدم التكليف للقطع بارتفاع موضوع حكم العقل،و هو النسيان.

لكن فيه-بعد الغض عما مضى من امكان استصحاب الحكم الشرعي التابع للحكم العقلي.خصوصا مثل العدم الذي هو أمر واحد مستمر-أن رفع النسيان ثابت بادلة شرعية-مثل حديث الرفع-في مورد حكم العقل،لا بحكم العقل،نظير ما سبق في كلام المصنف من استصحاب عدم التكليف في حال يستقل العقل بقبح التكليف فيه.

فالعمدة في منع جريان الاستصحاب أن عدم التكليف مع النسيان ظاهري لا واقعي،فيمتنع استصحابه بعد الالتفات.كما أوضحناه فيما سبق عند الكلام تقسيمات الاستصحاب.فراجع.

(2)ذكر ذلك في الفصول في أول الكلام في الاستصحاب قال:(...

استصحاب حال العقل،و المراد به كل حكم ثبت بالعقل سواء كان تكليفيا كالبراءة حال الصغر و اباحة الاشياء...و كتحريم التصرف في مال الغير و وجوب رد الوديعة إذا عرض هناك ما يحتمل زواله كالخطر و الخوف،او كان وضعيا،سواء تعلق الاستصحاب باثباته،كشرطية العلم لثبوت التكليف إذا عرض ما يوجب الشك في بقائها...و بنفيه،كعدم الزوجية و عدم الملكية الثابتين قبل تحقق موضوعها.

و تخصيص جمع من الأصوليين لهذا القسم-اعني استصحاب حال العقل-بالمثال الأول-اعني البراءة الأصلية-مما لا وجه له).

(3)متعلق بقوله:«اعتراض بعض...».

ص: 333

كاستصحاب تحريم التصرف في مال الغير و وجوب رد الأمانة إذا عرض هناك ما يحتمل بعد زوالهما-كالاضطرار (1) و الخوف-أو وضعيا كشرطية العلم للتكليف (2) إذا عرض ما يوجب الشك في بقائها.و يظهر حال المثالين الأولين (3) مما ذكرنا سابقا.و أما المثال الثالث،فلم يتصور فيه (1)تمثيل للموصول في قوله:«إذا عرض هناك ما يحتمل...».

(2)إن كان المراد كونه شرطا فيه ثبوتا فهو مما لا يحكم به العقل،بل يحكم بعدمه،و كذا الشرع.و من ثم كان التصويب المنسوب إلى الاشاعرة محالا بظاهره تدفعه ظواهر الأدلة.

و إن كان المراد كونه شرطا إثباتا،بمعنى أن التكليف لا يتنجز إلا بالعلم، و بدونه لا يحكم العقل بوجوب الاطاعة و استحقاق العقاب بعدمها فهو مما لا وجه له أيضا.بل المدار في تنجز التكليف على ما يحكم العقل بمنجزيته و لو بسبب جعل الشارع من علم أو أمارة أو أصل عقليين او شرعيين،حتى الاحتمال في بعض الموارد كما لو شك في القدرة على الامتثال،فإنه و ان استلزم الشك في التكليف إلا أن احتماله منجز حينئذ.

اللهم إلا أن يراد بالعلم مطلق المنجز،فالشرط في الحقيقة هو المنجز لا العلم، لكنه مما يقطع باعتباره و لا يتصور فيه الشك و لعل هذا هو مراد المصنف قدّس سرّه في كلامه الآتي.

مضافا إلى انه من الأحكام العقلية المحضة التي عرفت عدم جريان الاستصحاب فيها ذاتا.

(3)يعني:مثالي وجوب رد الامانة و حرمة التصرف في مال الغير.و حاصل ما يمكن تقريب كلامه قدّس سرّه به:ان الاستصحاب إنما يمتنع في الأحكام العقلية و الشرعية المستندة إليها،لا الأحكام الشرعية الواردة في مورد الأحكام العقلية،كما سبق و حينئذ فوجوب رد الامانة و حرمة التصرف في مال الغير من القسم الأول،

ص: 334

الشك في بقاء شرطية العلم للتكليف في زمان.

نعم،ربما يستصحب التكليف فيما كان المكلف به معلوما بالتفصيل ثم اشتبه و صار معلوما بالإجمال،لكنه خارج عما نحن فيه (1) ،مع عدم جريان الاستصحاب فيه،كما سننبه عليه.

و يظهر أيضا فساد التمسك باستصحاب البراءة و الاشتغال الثابتين بقاعدتي البراءة و الاشتغال.

مثال الأول:ما إذا قطع بالبراءة عن وجوب غسل الجمعة و الدعاء عند رؤية الهلال قبل الشرع أو العثور عليه (2) ،فإن مجرد الشك في حصول بخلاف استصحاب العدم،فإنه لا يراد به العدم بحكم العقل،بل بحكم الشرع الحاصل في مورد حكم العقل الذي عرفت انه لا مانع من استصحابه.

و من ثم جعلوه من موارد استصحاب حال العقل،دون المثالين الأولين.

هذا حاصل ما يوجه به كلامه و قد يستفاد من بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه.

لكنه كما ترى،لعدم وضوح الفرق بين المقامين إذ كما كان العدم مدلولا للادلة الشرعية مثل حديث رفع القلم و نحوه كذلك وجوب رد الامانة و حرمة التصرف في مال الغير،و في جميع ذلك يحكم العقل،بل لعل حكمه في الأول أظهر.

فلاحظ.

(1)إما لانه من استصحاب الحكم الشرعي الصرف.أو لانه من استصحاب نفس التكليف لا استصحاب اشتراطه بالعلم،كما لا يخفى.

(2)يعني:أو قبل العثور على الشرع.لكن من الظاهر أن البراءة قبل الشرع ثابتة باليقين،لا بقاعدة البراءة،كما هو محل الكلام.و إنما تثبت بقاعدة البراءة قبل العثور على الشرع.

ص: 335

الاشتغال كاف في حكم العقل بالبراءة (1) ،و لا حاجة إلى إبقاء البراءة السابقة و الحكم بعدم ارتفاعها ظاهرا (2) ،فلا فرق بين الحالة السابقة و اللاحقة في استقلال العقل بقبح التكليف فيهما،لكون المناط في القبح عدم العلم.

نعم،لو أريد إثبات عدم الحكم أمكن إثباته باستصحاب عدمه (3) ، لكن المقصود من استصحابه ليس إلا (4) ترتيب آثار عدم الحكم،و ليس (1)لقاعدة قبح العقاب بلا بيان المقتضية للبراءة-بمعنى الأمان من العقاب -في ظرف احتمال التكليف.

(2)فإنه إحراز لما هو محرز بالوجدان بالأصل الذي هو ممتنع في نفسه.

(3)لكنه إنما يجري لو أريد استصحاب عدمه من حال ما قبل الشرع،لا من حال عدم العثور عليه،فإنه لا يقتضي اليقين بعدم التكليف واقعا.

(4)الظاهر زيادة كلمة:(إلاّ)كما يقتضيه التدبر في تمام العبارة و في مطلب المصنف قدّس سرّه.

لكن لم يظهر الوجه في عدم كون المقصود ترتيب آثار عدم الحكم،فإن المقصود هو ترتيب عدم وجوب الإطاعة التي هي من آثار التكليف،فكما صح استصحاب التكليف بلحاظ وجوب الإطاعة عقلا كذلك يصح استصحاب عدمه بلحاظ عدم وجوبها كذلك،فإن ذلك كاف في صحة الاستصحاب.

و لا يعتبر فيه ترتب الأثر شرعا إلا فيما كان لا يترتب عليه الأثر عقلا بنفسه.

و بالجملة:المعتبر في الاستصحاب استتباع المستصحب للعمل عقلا إما بلا واسطة أو بواسطة أثر شرعي،و الأول حاصل في المقام.

إن قلت:عدم وجوب الإطاعة ليس من آثار عدم التكليف كي يثبت بالاستصحاب،بل من آثار عدم العلم به و تنجزه الحاصل بالوجدان من دون حاجة

ص: 336

إلا عدم الاشتغال الذي يحكم به العقل في زمان الشك،فهو من آثار الشك لا المشكوك.

و مثال الثاني (1) :ما إذا حكم العقل-عند اشتباه المكلف به- بوجوب السورة في الصلاة (2) ،و وجوب الصلاة إلى أربع جهات، و وجوب الاجتناب عن كلا المشتبهين في الشبهة المحصورة،ففعل ما يحتمل معه بقاء التكليف الواقعي و سقوطه-كأن صلى بلا سورة أو إلى بعض الجهات أو اجتنب أحدهما-فربما يتمسك حينئذ باستصحاب الاشتغال المتيقن سابقا.

و فيه:أن الحكم السابق لم يكن إلا بحكم العقل الحاكم بوجوب تحصيل اليقين بالبراءة عن التكليف المعلوم في زمان،و هو بعينه موجود في هذا الزمان.

نعم،الفرق بين هذا الزمان و الزمان السابق:حصول العلم بوجود التكليف فعلا بالواقع في السابق و عدم العلم به في هذا الزمان،و هذا لا يؤثر في حكم العقل المذكور،إذ يكفي فيه العلم بالتكليف الواقعي آنا إلى الاستصحاب.

قلت:عدم وجوب الإطاعة مع عدم التكليف لعدم الموضوع،و مع عدم العلم به و تنجزه لعدم الشرط و مثل هذا كاف في ترتب الأثر على استصحاب العدم، و إلاّ امتنع استصحاب الحل و الإباحة كما أوضحناه في آخر التنبيه الثامن تنبيهات الاستصحاب من شرح الكفاية.فراجع.

(1)و هو استصحاب الاشتغال.

(2)بناء على وجوب الاحتياط في الشك في الجزئية.

ص: 337

ما.

نعم،يجري استصحاب عدم فعل الواجب الواقعي و عدم سقوطه عنه،لكنه لا يقضي بوجوب الإتيان بالصلاة مع السورة و الصلاة إلى الجهة الباقية و اجتناب المشتبه الباقي،بل يقضي بوجوب تحصيل البراءة من الواقع.لكن مجرد ذلك (1) لا يثبت وجوب الإتيان بما يقتضي اليقين بالبراءة (2) ،إلا على القول بالأصل المثبت،أو بضميمة حكم العقل بوجوب تحصيل اليقين،و الأول لا نقول به،و الثاني بعينه موجود في محل الشك من دون الاستصحاب (3) .

(1)و هو وجوب تحصيل البراءة من الواقع الذي هو من آثار بقاء التكليف الواقعي.

(2)و هو الصلاة مع السورة او إلى الجهة الباقية و اجتناب المشتبه الباقي.

(3)و قد تقدم من المصنف قدّس سرّه التعرض لاستصحاب البراءة في آخر الكلام فى أدلة البراءة من المسألة الأولى من الشبهة التحريمية المحصورة،و لاستصحاب الاشتغال في آخر المسألة الأولى من الشبهة الوجوبية المحصورة،و في آخر الكلام في الدليل العقلي على البراءة في الشك في الجزئية،و سبق منا في تلك المواضع ما يناسب المقام.فراجع.

ص: 338

الأمر الرابع

التنبيه الرابع:الكلام في الاستصحاب التعليقي

اشارة

قد يطلق على بعض الاستصحابات:الاستصحاب التقديري تارة، و التعليقي اخرى،باعتبار كون القضية المستصحبة قضية تعليقية حكم فيها بوجود حكم على تقدير وجود آخر،فربما يتوهم-لأجل ذلك (1) - الإشكال في اعتباره،بل منعه و الرجوع فيه إلى استصحاب مخالف له.

توضيح هذا الاستصحاب

توضيح ذلك:أن المستصحب قد يكون أمرا موجودا في السابق بالفعل-كما إذا وجب الصلاة فعلا أو حرم العصير العنبي بالفعل في زمان،ثم شك في بقائه و ارتفاعه-و هذا لا إشكال في جريان الاستصحاب فيه.

و قد يكون أمرا موجودا على تقدير وجود أمر،فالمستصحب هو وجوده التعليقي،مثل:أن العنب كان حرمة مائه معلقة على غليانه،فالحرمة ثابتة على تقدير الغليان،فإذا جف و صار زبيبا فهل يبقى بالاستصحاب.

(1)و هو كون القضية المستصحبة تعليقية لا تنجزية.

ص: 339

حرمة مائه المعلقة على الغليان (1) ،فيحرم عند تحقق الغليان أم لا،بل يستصحب الإباحة السابقة لماء الزبيب قبل الغليان؟

ظاهر سيد مشايخنا في المناهل-وفاقا لما حكاه عن والده قدّس سرّه في الدرس-:عدم اعتبار الاستصحاب الأول،و الرجوع إلى الاستصحاب الثاني.

كلام صاحب المناهل في عدم جريان الاستصحاب التعليقي

قال في المناهل-في رد تمسك السيد العلامة الطباطبائي على حرمة العصير من الزبيب إذا غلى بالاستصحاب،و دعوى تقديمه على استصحاب الإباحة-:إنه يشترط في حجية الاستصحاب ثبوت أمر أو حكم وضعي أو تكليفي في زمان من الأزمنة قطعا،ثم يحصل الشك في ارتفاعه بسبب من الأسباب،و لا يكفي مجرد قابلية الثبوت باعتبار من الاعتبارات (2) ،فالاستصحاب التقديري باطل،و قد صرح بذلك الوالد العلامة قدّس سرّه في أثناء الدرس،فلا وجه للتمسك باستصحاب التحريم في المسألة.انتهى كلامه،رفع مقامه.

المناقشة فيما أفاده صاحب المناهل

أقول:لا إشكال في أنه يعتبر في الاستصحاب تحقق المستصحب سابقا،و الشك في ارتفاع ذلك المحقق،و لا إشكال أيضا في عدم اعتبار أزيد من ذلك.و من المعلوم أن تحقق كل شيء بحسبه،فإذا قلنا:العنب (1)هذا مع قطع النظر عن إشكال تعدد الموضوع من حيث ان ماء العنب عبارة عن الماء المتكون فيه،و ماء الزبيب عبارة عن الماء المخلوط به.إذ الكلام من حيث التعليق و التنجيز و لا أهمية للمثال.

(2)مثل اعتبار بقاء القابلية المتيقنة سابقا في المقام.

ص: 340

يحرم ماؤه إذا غلا أو بسبب الغليان،فهناك لازم،و ملزوم،و ملازمة.

أما الملازمة-و بعبارة أخرى:سببية الغليان لتحريم ماء العصير- فهي متحققة بالفعل من دون تعليق (1) .

و أما اللازم-و هي الحرمة-فله وجود مقيد (2) بكونه على تقدير (1)لكن لا مجال لاستصحابها،لانها من الأحكام الوضعية المنتزعة التي لا واقع لها و لا يمكن جعلها بنفسها،بل بمنشإ انتزاعها،كما سبق من المصنف قدّس سرّه في حجة القول السابع و سبق منا توضيحه.و ما عن المصنف قدّس سرّه من أن الملازمة في المقام واقعية كشف عنها الشارع كما ترى إذ لا معنى للملازمة الواقعية بين شيء و الحكم الشرعي التابع للشارع.

مع أن موضوع الأثر ليس هي الملازمة بل اللازم و هو الحكم الشرعي و ترتبه على الملازمة الواقعية لما لم يكن تابعا للجعل الشرعي بل للتلازم الواقعي بينهما كان اثباته باستصحابها مبنيا على القول بالأصل المثبت.فلاحظ.

(2)إن أريد به الوجود الخارجي المنوط بالغليان الخارجي الذي هو اللازم فهو لا وجود له قبل الغليان،و إنما هو أمر تقديرى،فلا مجال لاستصحابه.

و إن أريد به الوجود الانشائى المبني على الاناطة و التقدير فهو موجود فعلا لا مقيدا و لا مقدرا لحصوله بنفس الانشاء.لكنه ليس لازما للغليان،بل هو موجود فعلي،لا يتوقف على الغليان و لا على وجود العنب خارجا،بل هو تابع لجعل الشرطية التي هي كبرى شرعية،و التي هي منشأ لاعتبار الملازمة بين الوجود الفعلي و الغليان.

و كيف كان فلا مجال للاستصحاب بلحاظ الحرمة الفعلية،لعدم تحققه في زمان اليقين،و إنما هي امر تقديري.

و كذا بلحاظ الحرمة الانشائية التعليقية التابعة للكبرى الشرعية،لانها و ان كان لها نحو من الوجود فعلا،إلا أنها ليست موردا للاثر،لان موضوع الآثار

ص: 341

الملزوم،و هذا الوجود التقديري أمر متحقق في نفسه في مقابل عدمه، و حينئذ فإذا شككنا في أن وصف العنبية له مدخل في تأثير الغليان في حرمة مائه،فلا أثر للغليان في التحريم بعد جفاف العنب و صيرورته زبيبا،فأي فرق بين هذا و بين سائر الأحكام (1) الثابتة للعنب إذا شك في بقائها بعد صيرورته زبيبا؟

بعض المناقشات في الاستصحاب التعليقي و دفعها

نعم ربما يناقش في الاستصحاب المذكور:تارة بانتفاء الموضوع و هو العنب.و أخرى:بمعارضته باستصحاب الإباحة قبل الغليان،بل ترجيحه عليه (2) بمثل الشهرة و العمومات (3) .

العقلية و الشرعية هي الأحكام المنجزة لا المعلقة و ملازمة الأحكام المعلقة للأحكام المنجزة ذات الآثار لا يصحح استصحابها إلا بناء على الأصل المثبت.و قد أطلنا الكلام ذلك فى شرح الكفاية بما لا مجال لتفصيله هنا.فراجع.

(1)كالطهارة و حلية الاكل.

لكن عرفت الفرق بين ذلك و ما نحن فيه.

(2)لا معنى لترجيح بعض الأصول على بعض بالامارات المعتبرة كالعمومات او غير المعتبرة كالشهرة،لان مفاد الأصول أحكام ظاهرية،و مفاد الأمارات أحكام واقعية،و مع اختلاف سنخ المفاد لا وجه للترجيح،كما لا يخفى.

بل يلزم العمل بالامارات المعتبرة-لو تمت-لحكومتها على الأصول، و طرح غير المعتبرة،و الرجوع إلى الأصول المتأخرة رتبة عن الأصلين المتعارضين بعد سقوطهما بالمعارضة.نعم لو فرض كشف الامارة عما يوجب تخصيص عموم الأصول و عدم شموله لما خالفها من الأصولين المتعارضين كان الترجيح بها بينهما في محله،كما قد يدعى في مثل الشهرة.فلاحظ.

(3)لعل المراد بها عمومات الحل.

ص: 342

لكن الأول لا دخل له في الفرق بين الآثار الثابتة للعنب بالفعل (1) و الثابتة له على تقدير دون آخر،و الثاني فاسد،لحكومة استصحاب الحرمة على تقدير الغليان على استصحاب الإباحة قبل الغليان (2) .

(1)كحلية الاكل و الطهارة.بل اللازم عدم جريان الاستصحاب في الجميع لاعتبار بقاء الموضوع في جميع موارد الاستصحاب.

فالتحقيق:أن العنبية ليست مقومة للموضوع،بحيث يوجب ارتفاعها تبدله،كي يمتنع الاستصحاب.

نعم يشكل في خصوص المقام من حيث أن الموضوع هو ماء العنب لا نفس العنب،و ماء العنب مباين لماء الزبيب كما سبق.لكن هذا مختص بالمثال و لا يجري في جميع موارد الاستصحاب التعليقي.

(2)اختلفت كلماتهم في توجيه الحكومة،و انكرها غير واحد،و لا مجال لإطالة الكلام في ذلك.

و ملخص ما يقال في المقام:ان الاستصحاب التعليقي ان رجع إلى استصحاب السببية،فهو حاكم على الاستصحاب التنجيزي،لان الشك في الحلية التنجيزية مسبب عن الشك في سببية الغليان للحرمة،فلا مجال له مع استصحاب السببية المذكورة.

و ان رجع إلى استصحاب الحكم المعلق التقديري فهو موقوف على كون موضوع الأثر هو الحكم التعليقي،و حينئذ فلا مجال لدعوى أن الحكم التنجيزي أيضا موضوع للاثر،إذ لا معنى لقيام الأثر لكل من التنجيزي و التعليقي للزوم اللغوية،فلا مجال لاستصحابه حتى يعارض الاستصحاب التعليقي و يحتاج إلى الحكومة.

و إن شئت قلت:ان كان الأثر قائما بالأحكام التنجيزية تعين استصحابها و امتنع استصحاب الأحكام التعليقية،و ان كان قائما بالأحكام التعليقية تعين

ص: 343

مختار المصنف قدّس سرّه في المسألة

فالتحقيق:أنه لا يعقل فرق في جريان الاستصحاب و لا في اعتباره -من حيث الأخبار أو من حيث العقل (1) -بين أنحاء تحقق المستصحب، فكل نحو من التحقق (2) ثبت للمستصحب و شك في ارتفاعه،فالأصل بقاؤه،مع أنك عرفت:أن الملازمة و سببية الملزوم للازم موجود بالفعل (3) ، وجد الملزوم أم لم يوجد،لأن صدق الشرطية لا يتوقف على صدق الشرط، و هذا الاستصحاب (4) غير متوقف على وجود الملزوم (5) .

نعم،لو اريد إثبات وجود الحكم فعلا في الزمان الثاني اعتبر إحراز الملزوم فيه،ليترتب عليه بحكم الاستصحاب لازمه،و قد استصحابها و امتنع استصحاب الأحكام التنجيزية،و على كلا التقديرين فلا يجري الاستصحابان معا كي يتعارضان و يحتاج إلى النظر في الحكومة بينهما و قد أوضحنا الكلام في ذلك في حاشية الكفاية.فراجع.

(1)اما بناء على اعتباره من حيث الأخبار فقد عرفت الحال.و أما بناء على اعتباره من حيث العقل فقد يدعى جريان استصحاب الحكم التعليقي من حيث ملازمته لموضوع الأثر و هو الحكم التنجيزي بناء على كونه حينئذ من الامارات التي هي حجة في لوازم مجراها.فلاحظ.

(2)يعني:تحقيقيا كان أو تقديريا.

(3)لكن عرفت امتناع استصحاب مثل ذلك.

(4)يعني:الاستصحاب التعليقي.

(5)كالغليان في المثال،بل الاستصحاب يجري عند القائل به حتى مع عدم وجود العنب،فضلا عن الغليان،لتمامية اركانه من اليقين و الشك بدونهما.

نعم لا يكون اثره فعليا إلا بعد الغليان.

ص: 344

يقع (1) الشك في وجود الملزوم في الآن اللاحق،لعدم تعينه و احتمال مدخلية شيء في تأثير ما يتراءى أنه ملزوم.

(1)لا يخلو المراد بذلك من غموض،فقد احتمل بعض المحشين أن يكون المراد الاشارة إلى الإشكال في استصحاب الملازمة بان مرجع الشك فيها إلى الشك فى المقتضي لانه لا يعلم مقدار استعداد السببية و الملازمة من جهة الشك في أن قيامها بالغليان الحاصل في ماء العنب او الحاصل الاعم منه و من ماء الزبيب،و لا يجري الاستصحاب في مثل ذلك عند المصنف قدّس سرّه.

لكن لو تم عدم تحقق الشك في الملازمة من جهة الشك في الرافع،إلا أن حمل العبارة عليه بعيد عن مفادها و عن سياقها،إذ المصنف قدّس سرّه في مقام تشييد الاستصحاب التعليقي لا تفنيده.

فلا يبعد حمل العبارة المذكورة على أن الاستصحاب التعليقي إنما يكون موردا للعمل مع تحديد اللازم-و هو الشرط-و عدم الاجمال فيه،و إلا فلا مجال للرجوع إليه،إذ مجرد إحراز الملازمة بمقتضى الاستصحاب لا ينفع في مقام العمل ما لم يحرز وجود اللازم.فلاحظ.

ص: 345

الأمر الخامس

التنبيه الخامس:الكلام في استصحاب أحكام الشرائع السابقة

اشارة

أنه لا فرق في المستصحب بين أن يكون حكما ثابتا في هذه الشريعة أم حكما من أحكام الشريعة السابقة،إذ المقتضي موجود-و هو جريان دليل الاستصحاب-و عدم ما يصلح مانعا،عدا أمور:

ما ذكره صاحب الفصول في وجه المنع عن هذا الاستصحاب

منها:ما ذكره بعض المعاصرين،من أن الحكم الثابت في حق جماعة (1) لا يمكن استصحابه في حق آخرين (2) ،لتغاير الموضوع،فإن ما ثبت في حقهم مثله لا نفسه،و لذا يتمسك في تسرية الأحكام الثابتة للحاضرين أو الموجودين إلى الغائبين أو المعدومين،بالإجماع و الأخبار الدالة على الشركة (3) ،لا بالاستصحاب.

(1)كأهل الشرائع السابقة.

(2)كأهل هذه الشريعة،إذ ليس المقصود بالاستصحاب إلا اثبات الحكم في حقهم،لا في حق أهل تلك الشرائع.

(3)لا يخفى أن الإجماع و الأخبار المذكورة تقتضي ثبوت الحكم في حق المعدومين واقعا لا ظاهرا،فلا تصل النوبة إلى الاستصحاب الذي هو من القواعد

ص: 346

المناقشة فيما أفاده صاحب الفصول

و فيه:

أولا:أنا نفرض الشخص الواحد مدركا للشريعتين (1) ،فإذا حرم في حقه شيء سابقا،و شك في بقاء الحرمة في الشريعة اللاحقة،فلا مانع عن الاستصحاب أصلا،و فرض انقراض جميع أهل الشريعة السابقة عند تجدد اللاحقة نادر،بل غير واقع.

و ثانيا:أن اختلاف الأشخاص لا يمنع عن الاستصحاب،و إلا لم يجر استصحاب عدم النسخ (2) .

الظاهرية لانها مقدمة عليه،كما لا يخفى.

و هذا لا ينافي جريان الاستصحاب لو فرض قصور تلك الأدلة عن اثبات الأحكام السابقة،كما هو مفروض الكلام في المقام.

نعم لا مجال لذلك في الغائبين كما سيأتي من المصنف قدّس سرّه.

(1)لكن الفرض المذكور ليس محلا لكلامهم ظاهرا،بل محل الكلام استصحاب الحكم بنحو يكون كأحكام هذه الشريعة نافذا في حق جميع أهلها.

اللهم إلا أن يدعى ان اثبات الحكم في حق المدرك للشريعتين موجب لثبوته فى حق غيره من اهل الشريعة اللاحقة للاجماع على عدم الفرق بين اهل الشريعة الواحدة في الأحكام.

و فيه:أن الاجماع على اشتراكهم في الأحكام الواقعية لا يقتضي التشريك بينهم في الأحكام الظاهرية المستفادة من الاستصحاب-مع فرض عدم تمامية شروطه إلا في حق بعضهم-إلا على القول بالأصل المثبت.

(2)يعني:بالإضافة إلى أحكام الشريعة الواحدة.مع أنه من الاستصحابات المسلمة عندهم.لكن التحقيق أنه ليس من سنخ الاستصحاب المصطلح،بل هو مبني على أمر آخر لا مجال لاطالة الكلام فيه.

ص: 347

و حله:أن المستصحب هو الحكم الكلي الثابت للجماعة على وجه لا مدخل لأشخاصهم فيه،إذ لو فرض وجود اللاحقين في زمن السابقين عمهم الحكم قطعا (1) ،لأن غاية الأمر احتمال مدخلية بعض أوصافهم المعتبرة في موضوع الحكم (2) ،و مثل هذا لو أثر في الاستصحاب لقدح في أكثر الاستصحابات (3) ،بل في جميع موارد الشك من غير جهة و قد أوضحناه في شرح الكفاية،كما أوضحنا حال جريانه في غير أحكام الشريعة الواحدة،كما فيما نحن فيه.فراجع.

(1)و هذا في الحقيقة راجع إلى أن الأحكام مجعولة بنحو القضية الحقيقية الراجعة إلى ثبوت الحكم على تقدير ثبوت موضوعه،فترجع إلى القضية التعليقية التي عرفت الكلام في استصحابها في التنبيه السابق.

و الحاصل:أن أصالة عدم النسخ لو جرت فهي من صغريات الاستصحاب التعليقي،فيجري فيها اشكاله المتقدم.و ان زاد الاستصحاب التعليقي المشهور باشكالات أخر لا مجال لتفصيل الكلام فيها.و قد أطلنا الكلام فيها في شرح الكفاية.فراجع.

(2)الظاهر انه لا مجال لهذا الاحتمال،فإنه موجب لكون ارتفاع الحكم لعدم الموضوع لا للنسخ،إذ لا مجال للنسخ إلا في فرض تحقق تمام ما هو المعتبر في موضوع الحكم.

نعم قد يكون دخالية بعض الاوصاف لكونه مقوما للملاك الذي من أجله جعل الحكم لا لكونه دخيلا في الموضوع.و هذا أمر آخر لا يمنع من جريان الاستصحاب.فلاحظ.

(3)و تقدم منه في غير مقام دفعه ببقاء الموضوع عرفا،و سبق منا بعض الكلام في ذلك.

ص: 348

الرافع (1) .

و أما التمسك في تسرية الحكم من الحاضرين إلى الغائبين،فليس مجرى للاستصحاب حتى يتمسك به،لأن تغاير الحاضرين المشافهين و الغائبين ليس بالزمان (2) ،و لعله سهو من قلمه قدّس سرّه.

و أما التسرية من الموجودين إلى المعدومين،فيمكن التمسك فيها بالاستصحاب بالتقريب المتقدم (3) ،أو بإجرائه في من بقي من الموجودين إلى زمان وجود المعدومين،و يتم الحكم في المعدومين بقيام الضرورة على (1)أما الشك من جهة الرافع فهو إنما يتصور مع فرض بقاء الموضوع، و لذا سبق منا ان الشك في النسخ ملازم لفرض بقاء الموضوع،لانه من سنخ الشك في الرافع.

(2)و الاستصحاب إنما يقتضي امتداد الحكم و استمراره بحسب الزمان،لا تعميمه من حيث الافراد في الزمان الواحد،فلا وجه لما تقدم منه من الاستشهاد لعدم جريان الاستصحاب فيما نحن فيه بعدم جريان الاستصحاب لتعميم الحكم للغائبين،لعدم كونهما من باب واحد.فلاحظ.

(3)و هو الذي تقدم منه قدّس سرّه في الوجه الثاني من وجهي الجواب.

و حاصله:ان تشريع الأحكام غير مبني على مدخلية الاشخاص.

لكن هذا لو تم مانع من فرض الشك في عموم الحكم للمعدومين حتى يصح الرجوع للاستصحاب،بل يقتضي اليقين بشمول الحكم لهم بعد فرض العلم بعدم النسخ.

أما لو احتمل النسخ توجه التمسك بالاستصحاب بالوجه الذي ذكره قدّس سرّه في حق الموجودين دون المعدومين،بناء على جريان الاستصحاب مع الشك في النسخ.

فلاحظ.

ص: 349

اشتراك أهل الزمان الواحد في الشريعة الواحدة (1) .

و منها:ما اشتهر من أن هذه الشريعة ناسخة لغيرها من الشرائع، فلا يجوز الحكم بالبقاء.

و فيه:أنه إن اريد نسخ كل حكم إلهي من أحكام الشريعة السابقة فهو ممنوع (2) .

و إن اريد نسخ البعض فالمتيقن من المنسوخ ما علم بالدليل،فيبقى غيره على ما كان عليه و لو بحكم الاستصحاب.

فإن قلت:إنا نعلم قطعا بنسخ كثير من الأحكام السابقة،و المعلوم تفصيلا منها قليل في الغاية،فيعلم بوجود المنسوخ في غيره (3) .

قلت:لو سلم ذلك (4) ،لم يقدح في إجراء أصالة عدم النسخ في المشكوكات،لأن الأحكام المعلومة في شرعنا بالأدلة واجبة العمل- (1)على ما تقدم منا ذكره في تعقيب الوجه الأول من وجهي الجواب الذين ذكرهما المصنف قدّس سرّه.و تقدم أيضا الإشكال فيه بانه مبني على الأصل المثبت.

(2)للقطع باشتراكنا معهم في بعض الأحكام،الذي لا يلتئم مع دعوى نسخها-و إن أصر عليه بعض بدعوى نسخها ثم جعلها مرة أخرى-إذ لغوية النسخ حينئذ ظاهرة،كما تعرضنا لذلك في شرح الكفاية.فراجع.

(3)يعني:فيكون العلم الاجمالي المذكور مانعا من الرجوع إلى أصالة عدم النسخ في موارد الشك التفصيلي.

(4)ظاهره التردد في العلم الاجمالي المذكور،و هو في غاية الإشكال،إذ من البعيد جدا دعوى العلم التفصيلي بموارد النسخ مع عدم الاطلاع على أحكام الشرائع السابقة بالتفصيل.

ص: 350

سواء كانت من موارد النسخ أم لا-فأصالة عدم النسخ فيها غير محتاج إليها (1) ،فيبقى أصالة عدم النسخ في محل الحاجة سليمة عن المعارض، لما تقرر في الشبهة المحصورة:من أن الأصل في بعض أطراف الشبهة إذا لم يكن جاريا أو لم يحتج إليه (2) ،فلا ضير في إجراء الأصل في البعض الآخر،و لأجل ما ذكرنا استمر بناء المسلمين في أول البعثة على الاستمرار على ما كانوا عليه حتى يطلعوا على الخلاف (3) .

إلا ان يقال:إن ذلك كان قبل إكمال شريعتنا،و أما بعده فقد جاء النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بجميع ما يحتاج إليه الامة إلى يوم القيامة،سواء خالف الشريعة السابقة أم وافقها،فنحن مكلفون بتحصيل ذلك الحكم موافقا أم مخالفا،لأنه مقتضى التدين بهذا الدين.

(1)لعدم كونها موردا للعمل،للزوم العمل على كل حال على طبق هذه الأحكام المعلومة،سواء كانت من الأحكام الباقية لتلك الشرائع،ام من أحكام هذه الشريعة الناسخة.

(2)الظاهر أن عدم الحاجة إلى الأصل مانع من جريانه،للغوية التعبد مع عدم ترتب الأثر العملي،فما قد يظهر من المصنف قدّس سرّه من كون عدم الحاجة إلى الأصل أمرا آخر في قبال عدم جريانه في غير محله.

(3)لم يتضح بناء المسلمين على ذلك،فإنهم لم يكونوا في الاغلب متدينين بالدين السابق الذي هو دين المسيحية،و لم ينقل عنهم عند الدخول في الاسلام تعلم أحكام الدين السابق و الجري عليها،و ربما كانوا يبقون على ما كانوا عليه في الجاهلية من أحكام و عادات حتى يثبت ردع الشارع عنها.و لا تخلو الحال من غموض و إشكال.فلاحظ.

ص: 351

و لكن يدفعه:أن المفروض حصول الظن المعتبر من الاستصحاب ببقاء حكم اللّه السابق في هذه الشريعة،فيظن بكونه مما جاء به النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و لو بنينا على الاستصحاب تعبدا فالأمر أوضح،لكونه حكما كليا في شريعتنا بإبقاء ما ثبت في السابق (1) .

ما ذكره المحقق القمي قدّس سرّه في وجه المنع

و منها:ما ذكره في القوانين،من أن جريان الاستصحاب مبني على القول بكون حسن الأشياء ذاتيا،و هو ممنوع،بل التحقيق:أنه بالوجوه و الاعتبار.

الجواب عما ذكره المحقق القمي قدّس سرّه

و فيه:أنه إن اريد ب«الذاتي»المعنى الذي ينافيه النسخ (2) -و هو الذي أبطلوه بوقوع النسخ-فهذا المعنى ليس مبنى الاستصحاب،بل هو مانع عنه،للقطع بعدم النسخ حينئذ،فلا يحتمل الارتفاع (3) .

(1)لكن هذا لا يحرز كونه من أحكام هذه الشريعة إلا بناء على الأصل المثبت.

فالعمدة في الجواب:أنه لا يلزم إحراز كون الحكم من أحكام هذه الشريعة -كما يظهر من الإشكال-إذ اللازم عقلا امتثال أحكام اللّه تعالى الثابتة في حقنا، و لا موضوعية لهذه الشريعة إلا من حيث إحرازها لذلك،فإذا أحرز ذلك بالاستصحاب كفى في وجوب العمل من غير حاجة إلى إحراز كون الحكم من أحكام هذه الشريعة.

(2)بأن يكون المراد به عدم تبدل الملاكات التي تكون الأحكام على طبقها، فيمتنع لاجله النسخ.

(3)الذي هو موضوع الاستصحاب،لوضوح عدم جريانه مع القطع بعدم الارتفاع.

ص: 352

و إن أريد غيره فلا فرق بين القول به و القول بالوجوه و الاعتبارات (1) ،فإن القول بالوجوه لو كان مانعا عن الاستصحاب لم يجر الاستصحاب في هذه الشريعة.

الثمرات الست لهذه المسألة و مناقشتها

ثم إن جماعة رتبوا على إبقاء الشرع السابق في مورد الشك-تبعا لتمهيد القواعد-ثمرات:

منها:إثبات وجوب نية الإخلاص في العبادة بقوله تعالى-حكاية عن تكليف أهل الكتاب-: وَ مٰا أُمِرُوا إِلاّٰ لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفٰاءَ وَ يُقِيمُوا الصَّلاٰةَ وَ يُؤْتُوا الزَّكٰاةَ وَ ذٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ .

و يرد عليه-بعد الإغماض عن عدم دلالة الآية على وجوب الإخلاص بمعنى القربة في كل واجب،و إنما تدل على وجوب عبادة اللّه خالصة عن الشرك.

و بعبارة أخرى:وجوب التوحيد،كما أوضحنا ذلك في باب النية من الفقه-:أن الآية إنما تدل على اعتبار الإخلاص في واجباتهم (2) ،لا (1)إذ القول بالوجوه و الاعتبارات إنما يقتضي إمكان تبدل الوجه و الاعتبار بنحو يقتضي تبدل الحكم،لا القطع بذلك،و مع عدم اليقين بالتبدل يتعين جريان الاستصحاب.

نعم جريان الاستصحاب في المقام مبني على جريانه في الأحكام التعليقية كما أشرنا إليه قريبا.فلاحظ.

(2)الذي ينبغي ان يقال في المقام:ان اللام في قوله تعالى:(ليعبدوا)لما كانت لام الغاية فيكون ما بعدها غاية لما قبلها و هو الأمر،فكون العبادة الخالصة غاية للأمر.

ص: 353

تارة:بلحاظ نفسه فيكون ما بعدها هو المأمور به،لان الغاية من الأمر هو المأمور به،نظير قولك:«أمرت زيدا ليقوم».و حينئذ فهي ظاهرة في أنهم أمروا بعبادة اللّه تعالى على نحو الإخلاص له.

و الإخلاص في العبادة له تعالى يراد به أحد أمرين:

الأول:عدم اشراك غيره في عبادته،و هو المعنى الظاهر الذي ذكره المصنف قدّس سرّه أولا.

الثاني:عدم كون الدافع للعبادة غيره و لو لم يكن معبودا كالرياء و أخذ الاجرة و نحوهما،فيدل على وجوب الاخلاص بالمعنى المصطلح الذي هو محل الكلام و يراد الاستدلال له.

و عليه فنقول:إن كان الحصر حقيقيا راجعا إلى عدم وجوب شيء عليهم غير ما هو العبادة دل على كون واجباتهم عبادية،لا على أن من أحكام الواجب مطلقا أن يكون عباديا حتى يجري في حقنا بالإضافة إلى واجباتنا التي لم تثبت عليهم،و إنما يستفاد ذلك لو كان التعبير هكذا:لا تكون الواجبات إلا عبادية.

و نظير ذلك ما لو قال المولى:لم تأمرهم إلا بالصلاة عن طهارة،فإنه لا يقتضي اعتبار الطهارة في كل صلاة حتى غير ما أمروا به بخلاف ما لو قيل لهم:لا صلاة إلا بطهور،فإنه يقتضي كون الطهور من شروط كل صلاة تفرض و لو لم تجب عليهم.

و حينئذ فلا يمكن الاستشهاد به إلا فيما ثبت تشريعه عليهم من قبل،دون غيره مما يحتمل اختصاص شريعتنا به.

و إن كان الحصر إضافيا لنفي تشريع العبادة غير الخالصة لا لنفي الواجبات الأخر غير العبادة-كما لعله الظاهر في مثل هذا التركيب-فهو إنما يدل على وجوب الاخلاص عليهم في العبادة،لا أن كل واجب عليهم كان عبادة،فهو لا ينفي وجوب غير العبادة في شريعتهم فضلا عن شريعتنا.و كأن ما يظهر من صدر كلام

ص: 354

المصنف قدّس سرّه من دعوى ظهوره في وجوب الاخلاص عليهم في جميع واجباتهم مبني على فهم الحصر الحقيقي،كما ذكرنا.

و أخرى:يكون بلحاظ المأمور به،فلا يكون متعرضا للمأمور به،بل لفائدته المترتبة عليه،مثل قولك:امرت زيدا ليحترمه الناس أو ليشفى من مرضه،فإن المراد به أنك أمرته بأمور فائدتها احترام الناس و الشفاء من المرض،فهو لبيان حكمة الأوامر.

و حاصل الآية الشريفة حينئذ:انهم امروا بامور فائدتها انهم يعبدون اللّه مخلصين له الدين،لان المحافظة على تلك الامور موجبة لصلاح النفوس و في صعودها مدارج الكمال و تهذيبها حتى تصل إلى اختيار العبادة الخالصة البعيدة عن الشرك أو الرياء.

و حينئذ فلا تدل على ما هو الواجب عليهم فضلا عن كون تمام الواجبات تعبديا،لا مكان كون بعض تلك الواجبات توصليا محصلا للفائدة المذكورة،نظير ما دل على أن تناول بعض الاطعمة موجب لرقة القلب او الخشوع او نحوهما مع عدم كونه تعبديا.

و هذا هو مراد المصنف قدّس سرّه بقوله:«و مرجع ذلك إلى كونها لطفا».و منه يظهر اضطراب كلام المصنف قدّس سرّه فى هذه الوجه،فإن ظاهر صدره إرادة الوجه الأول مع كون الحصر حقيقيا،و ظاهر ذيله إرادة الوجه الثاني.و كان اللازم التفصيل بينهما.

فلاحظ.

ثم إن بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه ذكر أن اللام هنا لام الإرادة،نظير قوله تعالى: إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فهي لبيان المراد لا لبيان الغاية.

لكن لم أعثر عاجلا على من صرح بان الإرادة من معاني اللام من النحويين.

مع أن الإرادة في الآيتين مستفادة من الفعلين-و هما(امروا)و(يريد)-لا

ص: 355

على وجوب الإخلاص عليهم في كل واجب،و فرق بين وجوب كل شيء عليهم لغاية الإخلاص،و بين وجوب قصد الإخلاص (1) عليهم في كل واجب.

و ظاهر الآية هو الأول،و مقتضاه:أن تشريع الواجبات لأجل تحقق من اللام.

مضافا إلى انه قد يستفاد من مجمع البيان احتمال كون اللام في آية التطهير للغاية بان يكون ما بعدها غاية للإرادة،و يكون موضوع الإرادة هو الامور المطلوبة الموصلة للغاية المذكورة،على إجمال في كلامه.فليراجع.

هذا و المظنون رجوع لام الإرادة التي ذكرها إلى ما صرح به النحويون من ان اللام قد تزاد لتقوية العامل نظير قوله تعالى: لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ و قوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيٰا تَعْبُرُونَ ،فإنهم و ان خصوه بما إذا ضعف العامل بالتأخير -كالآيتين-او بكونه فرعا عن غيره كقولك:«ضربي لزيد شديد»،إلا أنه لا يبعد عدم اختصاصها بذلك،بل تفيد تقويته مطلقا،كما في آية التطهير،و لعل مثلها الآية التي هي محل الكلام،و هي من سنخ لام التعدية.

نعم ذكر بعض النحويين أن نصب الفعل بأن القدرة إنما يكون بعد لام التعليل لا غيرها،و هو شاهد بكون اللام للغاية،كما ذكرنا في الآيتين الكريمتين.

ثم إنه لو تم ما ذكره قدّس سرّه من كون اللام في المقام لام الإرادة جري فيها ما ذكرناه على الوجه الأول من الوجهين المتقدمين بناء على أن اللام للتعليل.فتأمل جيدا.

(1)لا يخفى أن هذا مبني على كون الاخلاص غاية للمأمور به،لا قيدا معتبرا فيه،و هو مناف لصدر كلامه،لا أنه متحصل منه و مقتضى له،كما أشرنا إليه قريبا.

ص: 356

العبادة على وجه الإخلاص،و مرجع ذلك إلى كونها لطفا.و لا ينافي ذلك كون بعضها (1) بل كلها توصليا لا يعتبر في سقوطه قصد القربة.

و مقتضى الثاني:كون الإخلاص واجبا شرطيا في كل واجب،و هو المطلوب.

هذا كله،مع أنه يكفي في ثبوت الحكم في شرعنا قوله تعالى: وَ ذٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ،بناء على تفسيرها بالثابتة التي لا تنسخ (2) .

و منها:قوله تعالى-حكاية عن مؤذن يوسف عليه السّلام-: وَ لِمَنْ جٰاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ .

فدل على جواز الجهالة في مال الجعالة،و على جواز ضمان ما لم يجب (3) .

و فيه:أن حمل البعير لعله كان معلوم المقدار عندهم (4) ،مع احتمال كونه مجرد وعد لا جعالة (5) ،مع أنه لا يثبت الشرع بمجرد فعل المؤذن، (1)لا يخفى التدافع بين هذا و قوله في صدر هذا الكلام:«إن الآية إنما تدل على اعتبار الاخلاص في واجباتهم»كما أشرنا إليه قريبا.

(2)و حينئذ فلا يحتاج إلى جريان الاستصحاب و لا يبتني الكلام عليه.

(3)حيث أن مال الجعالة لا يجب إلا بعد تحقق العمل الذي عليه الجعل، و قد تضمنت الآية ضمانه قبله.

(4)بان يكون المتعارف عندهم تحميل البعير مقدارا معينا،كما هو الظاهر فى عصرنا.

(5)لكنه خلاف الظاهر.

ص: 357

لأنه غير حجة،و لم يثبت إذن يوسف-على نبينا و آله و عليه السلام-في ذلك و لا تقريره (1) .

و منه يظهر عدم ثبوت شرعية الضمان المذكور (2) ،خصوصا مع كون كل من الجعالة و الضمان صوريا (3) قصد بهما تلبيس الأمر على إخوة يوسف عليه السّلام،و لا بأس بذكر معاملة فاسدة (4) يحصل به الغرض،مع احتمال إرادة أن الحمل في ماله و أنه الملتزم به (5) ،فإن الزعيم هو الكفيل و الضامن،و هما لغة:مطلق الالتزام،و لم يثبت كونهما في ذلك الزمان حقيقة في الالتزام عن الغير،فيكون الفقرة الثانية تأكيدا لظاهر الأولى، و دفعا لتوهم كونه من الملك فيصعب تحصيله (6) .

(1)كأنه لاحتمال جريانه على دين الملك.لكنه خلاف ظاهر اتفاق يوسف عليه السّلام مع فتيانه في تدبير الحيلة على اخوته.

(2)شروع في دفع الاستدلال بالآية على مشروعية ضمان ما لم يجب،كما تقدم.

(3)هذا لا يكفي في الخروج عن ظاهر الكلام فالعمدة ما يأتي.

(4)لكن ظاهر الحال عدم فسادها.

(5)فيكون هو الجاعل،لا أنه ضامن عن الجاعل ليصح الاستدلال به على ضمان ما لم يجب.

(6)مع احتمال عدم وروده في مقام الضمان المصطلح الذي هو نقل ما ذمة شخص إلى ذمة آخر.اذ لعله في مقام التعهد عن الشخص بالقيام بالحق الثابت عليه من دون أن تفرغ ذمته منه،الذي قيل انه معنى الضمان عند العامة.بل لعله ليس مقام الضمان أصلا،بل في مقام تأكيد صدق الجعل.

ص: 358

و منها:قوله تعالى-حكاية عن أحوال يحيى عليه السّلام-: وَ سَيِّداً وَ حَصُوراً وَ نَبِيًّا مِنَ الصّٰالِحِينَ .

فإن ظاهره يدل على مدح يحيى عليه السّلام بكونه حصورا ممتنعا عن مباشرة النسوان،فيمكن أن يرجح في شريعتنا التعفف عن التزويج.

و فيه:أن الآية لا تدل إلا على حسن هذه الصفة لما فيها من المصالح و التخلص عما يترتب عليه،و لا دليل فيه على رجحان هذه الصفة على صفة اخرى،أعني:المباشرة لبعض المصالح الاخروية (1) ،فإن مدح زيد بكونه صائم النهار متهجدا لا يدل على رجحان هاتين الصفتين على الإفطار في هذا كله بناء على أن ضمير(به)يعود إلى حمل البعير،اما بناء على رجوعه إلى الصواع،لبيان وجه اهتمام المؤذن بالسرقة،فتكون الآية اجنبية عن مقام الاستدلال جدا.

(1)لكن ظاهر المدح كون الجهة المقتضية للرجحان فعلية التأثير و غير مزاحمة بما يوجب المرجوحية فعلا،إما لعدم المزاحم أصلا أو لضعف المزاحم،و من الظاهر أنه مخالف لما في شريعتنا كما يظهر من كثرة الحث على التزويج و مدح الطروقة،فإنه كالصريح في رجحان مباشرة النساء فعلا و عدم صلوح الجهات المذكورة لرفع الرجحان الفعلي.و حينئذ فلا بد من الالتزام بنسخ الحكم الثابت الشريعة السابقة المستفاد من مدح يحيى عليه السّلام.

نعم قد يستفاد من بعض أدلة الحث على التزويج و المباشرة للنساء كونه كذلك في الشرائع السابقة و انه مقتضى سيرة الأنبياء و المرسلين عليهم السّلام.

فان تم تعين حمل مدح يحيى عليه السّلام على مدحه من حيث الرجحان الاقتضائي لا الفعلي،أو على كونه من مختصاته.و على كل حال فالمقام ليس من الموارد المبتنية على أصالة عدم النسخ.فلاحظ.

ص: 359

النهار و ترك التهجد في الليل للاشتغال بما هو أهم منهما.

و منها:قوله تعالى: وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ ... الآية .دلّ على جواز بر اليمين على ضرب المستحق مائة بالضرب بالضغث.

و فيه:ما لا يخفى (1) .

و منها:قوله تعالى: أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ... إلى آخر الآية .

استدل بها في حكم من قلع عين ذي العين الواحدة (2) .

(1)كأنه من جهة أن الآية تشير إلى قضية في واقعة لا مجال للتعدي عن موردها،لكون الحكم فيها على خلاف القاعدة من جهات متعددة،لظهورها في كون الاستحقاق باليمين،و ليس من شأن اليمين أن يكون موضوعها حقا على الغير،بل مثل اليمين على ضرب الغير ليس مشروعا بحسب القواعد.

مع أن الاكتفاء بالضغث عن المائة ضربة لا وجه له مع فرض تعلق اليمين بالعدد التام،كما لا يخفى،إلى غير ذلك مما يوجب اجمال الآية،فلا مجال للاخذ بها في اليمين فضلا عن غيره من جهات الاستحقاق.فلاحظ.

(2)فقد حكي عن المقيد و الحلي و المبسوط و الشرائع و التحرير أن الاعمى لا يستحق إلاّ القصاص بقلع إحدى عيني الجاني و لا يستحق نصف الدية.

و استدل لهم بعموم الآية.

لكن عن غيرهم وجوب نصف الدية مع القصاص المذكور،لبعض النصوص الدالة عليه بالخصوص.و تمام الكلام في محله.

و كيف كان فلا مجال لعدّ الحكم في هذه المسألة ثمرة لاستصحاب عدم النسخ،لعدم الإشكال في العمل بآية القصاص الكاشف عن عدم نسخ مضمونها، كما صرح به في الرياض و غيرها.فتأمل.

ص: 360

و منها:قوله تعالى-حكاية عن شعيب عليه السّلام-: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هٰاتَيْنِ عَلىٰ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمٰانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ (1) .

مضافا إلى عدم وضوح كون تحمل نصف الدية موجبا للنسخ و مخالفا للقصاص الذي تعرضت له الآية،فإن تخصيص الآية القصاص بالعين من جهة إتلافها لا ينافى استحقاق نصف الدية بخصوصية زائدة،و هي ذهاب البصر كلية، كما لا يخفى.

نعم الحكم على خلاف الأصل.

لكنه محكوم للادلة.و حينئذ فإن تمت عمل بها،و إلا تعين الرجوع للاصل.

و بالجملة:لا ثمرة لاصالة عدم النسخ في المقام.فلاحظ.

(1)حيث قد يستدل به على جوار جعل المهر منفعة و عملا بناء على كون ظهورها في كون العمل هو...كما هو غير بعيد.كما قد يستدل به على جواز تملك الأب العمل،بناء على ذلك ظاهرها أيضا.

لكن الأول مقتضى الاطلاقات الكثيرة،فلا اثر لاصالة عدم النسخ معها.

و لو خرج عنها بظاهر بعض الأخبار الآتية المانعة المعللة بعدم العلم بالقدرة على الوفاء لزم الخروج أيضا عن أصالة عدم النسخ.بل ظاهر الأخبار المشار اليها عدم كونه نسخا،بل شرحا لحال الحكم المذكور و كيفية تشريعه في الشريعة السابقة.

و أما الثاني فهو مخالف للادلة الشرعية،فلا بد من الخروج بها عن اصالة عدم النسخ،او حمل الآية على خلاف هذا المعنى،بأن يراد بها كون عمل موسى عليه السّلام مملوكا لزوجته،و اسناد الاجارة إلى أبيها لكونه وليها،لا لكونه مالكا للعمل.أو كونه شرطا لا مهرا.

و كيف كان فلا يجري الاستصحاب في المقام للادلة الاجتهادية الدالة على

ص: 361

و فيه:أن حكم المسألة قد علم من العمومات و الخصوصات الواردة فيها،فلا ثمرة في الاستصحاب.

نعم في بعض تلك الأخبار (1) إشعار بجواز العمل بالحكم الثابت في الشرع السابق،لو لا المنع عنه،فراجع و تأمل.

ما يوافقه أو يخالفه.

(1)لعله يريد خبر أحمد بن محمد بن ابى نصر عن الرضا عليه السّلام و فيه:«قلت:

فالرجل يتزوج المرأة و يشترط لأبيها إجارة شهرين يجوز ذلك؟فقال:إن موسى عليه السّلام قد علم أنه سيتم له شرطه،فكيف لهذا بأن يعلم ان سيبقى حتى يفي؟!».و قريب منه خبر صفوان المروي في مجمع البيان.

لكنها لا يدلان على منع العمل بالحكم الموجود في تلك الشريعة-كما قد يظهر من المصنف-بل على اشتراطه بشرط خاص لا يوجد في سائر الناس،و لو فرض وجوده لجاز لهم ما جاز لموسى عليه السّلام،فلا يكون منعا عن العمل بالحكم،بل شرحا لحاله،كما أشرنا اليه.فتأمل جيدا.

ص: 362

الأمر السادس

التنبيه السادس:عدم ترتب الآثار غير الشرعية على الاستصحاب و الدليل عليه

اشارة

قد عرفت (1) أن معنى عدم نقض اليقين و المضي عليه،هو ترتيب آثار اليقين السابق الثابتة بواسطته للمتيقن،و وجوب ترتيب تلك الآثار من جانب الشارع لا يعقل إلا في الآثار الشرعية المجعولة من الشارع لذلك الشيء،لأنها القابلة للجعل دون غيرها من الآثار العقلية و العادية (2) .

(1)تقدم التعرض لذلك في آخر الاستدلال بالأخبار عند في الكلام اختصاصها بالشك في الرافع،و تقدم الاشارة إليه أيضا في حجة القول الحادي عشر.

(2)هذا بناء على أن مفاد التعبد الظاهري هو جعل الأمر المتعبد به ظاهرا.

و لكنه غير ظاهر،بل ليس مفادها إلا لزوم البناء على الشيء بلحاظ العمل المترتب عليه،كما أوضحناه في حاشية الكفاية.و حينئذ فكما يمكن التعبد بالأمر الشرعي لكونه مورد العمل بنفسه أو بواسطة،كذلك يمكن التعبد بالأمر الخارجي لكونه مورد العمل بالواسطة.

مع أنه لو قيل بان مفاد التعبد هو جعل الأمر المتعبد به ظاهرا-كما هو ظاهر المصنف قدّس سرّه و غيره-فمن الظاهر أن مقتضى الاستصحاب جعل نفس المستصحب، و لازمه عدم جريان الاستصحاب في الموضوعات الخارجية لعدم امكان جعل

ص: 363

فالمعقول من حكم الشارع بحياة زيد و إيجابه ترتيب آثار الحياة في زمان الشك،هو حكمه بحرمة تزويج زوجته و التصرف في ماله،لا حكمه بنموه و نبات لحيته،لأن هذه غير قابلة لجعل الشارع (1) .

نعم،لو وقع نفس النمو و نبات اللحية موردا للاستصحاب أو غيره من التنزيلات الشرعية أفاد ذلك جعل آثارهما الشرعية دون العقلية و العادية،لكن المفروض ورود الحياة موردا للاستصحاب.

و الحاصل:أن تنزيل الشارع المشكوك منزلة المتيقن-كسائر التنزيلات-إنما يفيد ترتيب الأحكام و الآثار الشرعية المحمولة على المتيقن السابق،فلا دلالة فيها على جعل غيرها من الآثار العقلية و العادية،لعدم قابليتها للجعل،و لا على جعل الآثار الشرعية المترتبة على تلك الآثار، لأنها ليست آثارا لنفس المتيقن (2) ،و لم يقع ذوها موردا لتنزيل الشارع الشارع لها بانفسها،و حيث أنه لا إشكال عندهم في جريانه فلا بد أن يكون جعلها راجعا إلى جعل آثارها،و كما يمكن ذلك في الامور الخارجية المستصحبة كذلك يمكن في الآثار الخارجية للامور المستصحبة،فيرجع جعلها إلى جعل آثارها الشرعية.

فالتحقيق:أن الوجه في عدم شمول التعبد للآثار غير الشرعية-و لو بلحاظ آثارها الشرعية-ليس هو امتناع جعلها،بل انصراف أدلة التعبد عنها،على ما أوضحناه في حاشية الكفاية.فراجع و تأمل جيدا.

(1)عرفت أن هذا لا يصلح تعليلا و أن العمدة الانصراف.

(2)يعني:و يمتنع جعلها ابتداء من دون جعل لذيها،لان المنسبق من أدلة التعبد أن التعبد بالآثار بسبب التعبد بموضوعاتها،لا ابتداء،فنسبة أدلة التعبد بها إلى الكبريات الشرعية الواقعية نسبة الحاكم،فلا مجال لاستفادة التعبد بها من دون

ص: 364

حتى تترتب هي عليه.

إذا عرفت هذا فنقول:إن المستصحب إما أن يكون حكما من الأحكام الشرعية المجعولة-كالوجوب و التحريم و الإباحة و غيرها-و إما أن يكون من غير المجعولات،كالموضوعات الخارجية و اللغوية (1) .

فإن كان من الأحكام الشرعية فالمجعول في زمان الشك حكم ظاهري (2) مساو للمتيقن السابق في جميع ما يترتب عليه،لأنه مفاد وجوب ترتيب آثار المتيقن السابق و وجوب المضي عليه و العمل به.

تعبد بموضوعاتها الشرعية،كما ذكرناه في حاشية الكفاية.و قد أشرنا قريبا إلى بعض الكلام في ذلك.فلاحظ.

(1)كالقرنية و المخصص و نحوهما.لكن الظاهر انه لا مجال للرجوع فيها الاستصحاب التعبدي الذي نحن بصدده،لعدم كونها موضوعا للآثار الشرعية،و مجرد ترتب الظهور عليهما لا ينفع،لانه ليس أثرا شرعيا و إن كان كاشفا عن الحكم الشرعي اثباتا.

نعم لو فرض كون مثل عدم القرنية موردا لحكم شرعي و لو بنذر و شبهه، كان التمسك بالأصل في محله و يكون مما نحن فيه.لكنه ليس محل الكلام.

فالعمدة في الرجوع لاصالة عدم هذه الامور أنها من الأصول العقلائية دل الدليل عليها بالخصوص مع قطع النظر عن الاستصحاب الذي نحن بصدده.

و لذا كان الرجوع اليها من اهل الشرع و غيرهم إجماعيا،و ليس الاستصحاب كذلك.

(2)بناء على أن مفاد التعبد الظاهري بشيء جعله ظاهرا،و قد عرفت منع ذلك.و عليه يبتني منع جعل الأحكام الظاهرية.فلاحظ.

ص: 365

و إن كان من غيرها فالمجعول في زمان الشك هي لوازمه الشرعية، دون العقلية و العادية،و دون ملزومه (1) شرعيا كان أو غيره،و دون ما هو ملازم معه لملزوم ثالث (2) .

المراد من نفي الأصول المثبتة

و لعل هذا هو المراد بما اشتهر على ألسنة أهل العصر:من نفي الأصول المثبتة،فيريدون به:أن الأصل لا يثبت أمرا في الخارج حتى يترتب عليه حكمه الشرعي،بل مؤداه أمر الشارع بالعمل على طبق مجراه شرعا (3) .

فإن قلت:الظاهر من الأخبار وجوب أن يعمل الشاك عمل المتيقن، بأن يفرض نفسه متيقنا و يعمل كل عمل ينشأ من تيقنه بذلك المشكوك، (1)كالحرارة المستصحبة من النهار إلى الليل الملزومة لوجود النار بعد فرض ذهاب الشمس.

لكن فرض الملزوم الشرعي للمستصحب العادي مما لا نتصوره،إذ الأمور العادية لما كانت خارجية حقيقية امتنع لزومها للأمور الشرعية التي هي اعتبارية جعلية.و لا بد من التأمل.

نعم ملزوم المستصحب الشرعي قد يكون شرعيا،كما في استصحاب طهارة الحيوان المقتول المستلزمة لتذكيته.و إنما لا يترتب مع كونه شرعيا قابلا للجعل -حتى عند المصنف قدّس سرّه-لما عرفت من أن التعبد بذي الأثر إنما يقتضي التعبد بالأثر، لان التعبد بالموضوع ملازم للتعبد بالحكم عرفا،و لذا كانت نسبة أدلة التعبد به إلى أدلة الأحكام نسبة الحاكم.و ذلك لا يأتي في الملزوم،كما هو ظاهر بأدنى تأمل.

(2)لان اثباته إن كان بتوسط ملزومه فقد عرفت ان التعبد باللازم لا يقتضي التعبد بالملزوم و إن كان الملزوم شرعيا.و إن كان ابتداء فقد عرفت أنه لا مجال لإحراز الأثر من دون إحراز موضوعه و مؤثره شرعا.فلاحظ.

(3)يعني:و هو مختص بالآثار الشرعية له.

ص: 366

سواء كان ترتبه عليه بلا واسطة أو بواسطة أمر عادي أو عقلي مترتب على ذلك المتيقن.

قلت:الواجب على الشاك عمل المتيقن بالمستصحب من حيث تيقنه به،و أما ما يجب عليه من حيث تيقنه بأمر يلازم ذلك المتيقن عقلا أو عادة،فلا يجب عليه،لأن وجوبه عليه يتوقف على وجود واقعي لذلك الأمر العقلي أو العادي،أو وجود جعلي بأن يقع موردا لجعل الشارع حتى يرجع جعله الغير المعقول إلى جعل أحكامه الشرعية،و حيث فرض عدم الوجود الواقعي و الجعلي (1) لذلك الأمر،كان الأصل عدم وجوده و عدم ترتب آثاره.

و هذه المسألة نظير ما هو المشهور في باب الرضاع:من أنه إذا ثبت بالرضاع عنوان ملازم لعنوان محرم من المحرمات (2) لم يوجب التحريم، لأن الحكم تابع لذلك العنوان الحاصل بالنسبة إلى الرضاع،فلا يترتب على غيره المتحد (3) معه وجودا.

عدم ترتب الآثار و اللوازم غير الشرعية مطلقا

و من هنا يعلم:أنه لا فرق في الأمر العادي بين كونه متحد الوجود مع المستصحب بحيث لا يتغايران إلا مفهوما-كاستصحاب بقاء الكر في (1)أما عدم إحراز الوجود الواقعي فهو المفروض.و أما عدم إحراز الوجود الجعلي فلما سبق منه من امتناع جعل الامور الخارجية و التعبد بها.أو لما سبق منا من انصراف أدلة التعبد عنها.

(2)كعنوان أم الأخ الملازم لعنوان الأمّ أو زوجة الأب،و كلاهما محرم.

(3)لعل الأولى أن يقول:الملازم له وجودا.

ص: 367

الحوض عند الشك (1) في كرية الماء الباقي فيه-و بين تغايرهما في الوجود، كما لو علم بوجود المقتضي لحادث على وجه لو لا المانع حدث،و شك في وجود المانع (2) .

و كذا لا فرق بين أن يكون اللزوم بينها و بين المستصحب كليا لعلاقة (3) ،و بين أن يكون اتفاقيا في قضية جزئية،كما إذا علم-لأجل العلم الإجمالي الحاصل بموت زيد أو عمرو-أن بقاء حياة زيد ملازم لموت عمرو،و كذا بقاء حياة عمرو،ففي الحقيقة عدم الانفكاك اتفاقي من دون ملازمة (4) .

و كذا لا فرق بين أن يثبت بالمستصحب تمام ذلك الأمر العادي كالمثالين (5) ،أو قيد له عدمي أو وجودي،كاستصحاب الحياة للمقطوع (1)المستلزم لكرية الماء الموجد في الحوض.

(2)فإن المستصحب-و هو عدم المانع-ملازم لوجود المعلول حينئذ،و لا اتحاد بينهما حتى في مقام الوجود الخارجي.

(3)كالتلازم بين النار و الاحراق.

(4)لعل الأولى أن يقال:مع التلازم الشخصي،لا الكلي.و إلا فعدم الانفكاك بلا لزوم أصلا ممتنع.

و بعبارة أخرى:لا يمكن فرض التلازم الاتفاقي من دون علاقة،بل لا بد من فرض العلاقة إما الكلية القائمة بكلي اللازم و الملزوم،أو الشخصية القائمة بالشخص لا النوع.فلاحظ.

(5)الظاهر أن المراد بهما ملازمة وجود الكر فى الحوض لكرية الماء الموجود فيه،و ملازمة حياة زيد لموت عمرو،فإن اللازم فيها لا يتوقف على أمر آخر غير

ص: 368

نصفين (1) ،فيثبت القتل الذي هو إزهاق الحياة،و كاستصحاب عدم الاستحاضة (2) المثبت لكون الدم الموجود حيضا-بناء على أن كل دم ليس باستحاضة حيض شرعا (3) -و كاستصحاب عدم الفصل الملزوم.

(1)كما لو قطع شخص جثة ممدودة و لم يعلم أن القطع بعد الموت حتى لا يكون قاتلا له أو قبله حتى يكون قاتلا،فيراد باستصحاب الحياة إلى حين القطع إحراز القتل،و من الظاهر أن الحياة ليست تمام الموضوع-و هو القتل-و لا تمام لازمه،بل هي بضميمة حدوث القطع ملازمة له.

و منه يظهر أنه لا خصوصية للقطع نصفين،بل يكفي كل أمر يحقق القتل في ظرف الحياة،كقطع الرأس و نحوه.

(2)يعني:بمفاد كان التامة،بمعنى عدم حصول الاستحاضة للمرأة و أما استصحاب عدم كون الدم استحاضة بمفاد كان الناقصة،فهو ليس من الأصل المثبت،بناء على ان كان دم ليس باستحاضة فهو حيض بل هو من باب إجراء الأصل فى القيد الشرعي الذي لا إشكال فيه،و ليس من الأصل الجاري في اللازم العادي أو العقلي.

نعم يشكل الأصل المذكور لعدم كون الاستحاضة من طوارئ الدم و لا من لوازم وجوده حتى تكون مسبوقة بالعدم و لو كان أزليا،بل هي من لوازم الماهية السابقة على الوجود الخارجي.فتأمل.

ثم إن من الظاهر أن عدم الاستحاضة إنما يلازم وجود الحيض بضميمة وجود الدم فهو جزء اللازم لا تمامه.

(3)ذكر بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه أنه لا قائل بهذا،و الذي هو محل الكلام العكس،و هو أن كل دم ليس بحيض فهو استحاضة.فلاحظ.

ص: 369

الطويل (1) المثبت لاتصاف الأجزاء المتفاصلة-بما لا يعلم معه فوات الموالاة-بالتوالي (2) .

ما استدل به صاحب الفصول على عدم حجية الأصل المثبت

و قد استدل بعض-تبعا لكاشف الغطاء-على نفي الأصل المثبت، بتعارض الأصل في جانب الثابت و المثبت،فكما أن الأصل بقاء الأول، كذلك الأصل عدم الثاني.قال:

و ليس في أخبار الباب ما يدلّ على حجيته بالنسبة إلى ذلك،لأنها مسوقة لتفريع الأحكام الشرعية،دون العادية و إن استتبعت أحكاما شرعية،انتهى.

المناقشة فيما أفاده صاحب الفصول

أقول:لا ريب في أنه لو بني على أن الأصل في الملزوم قابل لإثبات اللازم العادي لم يكن وجه لإجراء أصالة عدم اللازم،لأنه حاكم عليها (3) ، (1)يعني:عدم تحقق الفصل المذكور بمفاد كان التامة،لا عدم كون الاجزاء منفصلة عن بعضها بمفاد كان الناقصة،لنظير ما سبق.

(2)متعلق بقوله:«لاتصاف الأجزاء».

ثم إن من الظاهر أن عدم تحقق الفصل إنما يستلزم التوالي بضميمة فرض وجود الاجزاء،فهو جزء اللازم لا تمامه.

(3)الحكومة إنما تتصور فيما إذا كان أحدهما سببا للآخر،كالنار و الاحراق، دون غيرهما،كالمسببين عن ثالث،كموت زيد و حياة عمرو و لو فرض العلم بحياة أحدهما إجمالا،إذ في مثل ذلك لا مجال لحكومة أحد الأصلين بخصوصه،لعدم المرجح،بل لا بد من الالتزام بالتعارض،او الاقتصار في كل منهما على مفاده و عدم الانتقال منه للآخر.فلاحظ.

ص: 370

فلا معنى للتعارض على ما هو الحق و اعترف به هذا المستدل (1) -من حكومة الأصل في الملزوم على الأصل في اللازم-فلا تعارض أصالة الطهارة لأصالة عدم التذكية،فلو بني على المعارضة لم يكن فرق بين اللوازم الشرعية و العادية (2) ،لأن الكل أحكام للمستصحب مسبوقة بالعدم.

و أما قوله:«ليس في أخبار الباب...الخ».

إن أراد بذلك عدم دلالة الأخبار على ترتب اللوازم الغير الشرعية، فهو مناف لما ذكره من التعارض،إذ يبقى حينئذ أصالة عدم اللازم الغير الشرعي سليما عن المعارض (3) .

و إن أراد تتميم الدليل الأول،بأن يقال:إن دليل الاستصحاب إن كان غير الأخبار فالأصل يتعارض من الجانبين،و إن كانت الأخبار فلا دلالة فيها.

(1)يعني:في التلازم الشرعي.

(2)قد يفرق بينها بأن التعبد باللازم الشرعي ملازم عرفا للتعبد بملزومه، لأن ظاهر حال الشارع في التعبد بموضوعات أحكامه هو نظره إلى الأحكام، المستلزم لالغاء الأصل فيها و رفع اليد عرفا عنه،على ما يأتي عند الكلام في حكومة الأصل السببي على المسببي.أما اللازم غير الشرعي فلا يجري فيه ذلك،إذ لو استفيد من دليل الأصل في الملزوم ترتيب اللازم،إلا أنه لا وجه ملزم باستفادة رفع اليد عن الأصل فيه.

و بالجملة:القطع بعدم الفرق بين اللازم الشرعي و غيره في غير محله.و لا بد من التأمل.

(3)لأن المعارضة موقوفة على كون أصالة عدم الملزوم حجة في عدم اللازم.

ص: 371

ففيه:أن الأصل إذا كان مدركه غير الأخبار-و هو الظن النوعي الحاصل ببقاء ما كان على ما كان-لم يكن إشكال في أن الظن بالملزوم يوجب الظن باللازم و لو كان عاديا (1) ،و لا يمكن حصول الظن بعدم اللازم بعد حصول الظن بوجود ملزومه (2) ،كيف؟!و لو حصل الظن بعدم اللازم اقتضى الظن بعدم الملزوم (3) ،فلا يؤثر في ترتب اللوازم الشرعية (4) أيضا.

وجوب الالتزام بالأصول المثبتة بناء على اعتبار الاستصحاب من باب الظن

و من هنا يعلم:أنه لو قلنا باعتبار الاستصحاب من باب الظن لم (1)لكن هذا لا ينافي جريان الأصل في اللازم أيضا فيتعارض موجب الظن بكل منهما مع الظن بالآخر،و يتساقطان و حينئذ فقد يدعى جمع العقل بينهما بالاقتصار في كل منهما على مورده و عدم إثبات الآخر به،فيكون مراد هذا القائل أنه لو قيل بإثبات الأصل في الملزوم للازم بدعوى ملازمة الظن بالملزوم للظن باللازم للزمت المعارضة،و تعين البناء على الاقتصار في كل أصل على مجراه.فلاحظ.

(2)لكن يمكن فرض تزاحم الظنين،كما ذكرنا.

(3)لان التلازم بين الأمرين موجب لملازمة الظن بكل منهما للظن بالآخر.

هذا و لا يخفى أن هذا الأمر يقتضي عدم حجية الأصل حتى في مجراه.و قد يندفع بما سبق من الظن فعليا بكل من الأمرين،بل يتزاحم مقتضي الظن في كل منهما مع الآخر،و يتعين البناء على الاقتصار على مجرى كل من الأصلين و عدم الانتقال إلى اللازم.

و أما ما فرعه قدّس سرّه عليه بقوله:«فلا يؤثر في ترتب اللوازم الشرعية»فهو لا يتوقف على كون الظن بعدم اللازم موجبا للظن بعدم الملزوم،بل يكفي فيه فرض المعارضة في اللازم،كما ذكره أولا.و يمكن دفعه أيضا بما سبق.فتأمل جيدا.

(4)أشرنا إلى الفرق بين اللوازم الشرعية و غيرها.

ص: 372

يكن مناص عن الالتزام بالأصول المثبتة،لعدم انفكاك الظن بالملزوم عن الظن باللازم،شرعيا كان أو غيره.

إلا أن يقال:إن الظن الحاصل من الحالة السابقة حجة في لوازمه الشرعية دون غيرها (1) .

لكنه إنما يتم إذا كان دليل اعتبار الظن مقتصرا فيه على ترتب بعض اللوازم دون آخر (2) -كما إذا دل الدليل على أنه يجب الصوم عند الشك في هلال رمضان بشهادة عدل،فلا يلزم منه جواز الإفطار بعد مضي ثلاثين من ذلك اليوم (3) -أو كان بعض الآثار مما لا يعتبر فيه مجرد الظن، (1)لان التعبد بالشيء شرعا مستلزم عرفا للتعبد بلازمه الشرعي كما سبق.

بخلاف اللوازم غير الشرعية و إن كانت مظنونة تبعا للظن بالملزوم،لعدم الدليل على حجية الظن المذكور.

و منه يظهر أنه لا أصل لما اشتهر من حجية مثبتات الامارات.

نعم إذا كان دليل حجية الامارة مبنيا على حجيتها في لوازمها،كما هو الظاهر فى مثل الظواهر الكلامية تعين ترتيبها و ترتيب آثارها الشرعية.لكنه مختص ببعض الامارات و لا يجري في جميعها،كما أوضحناه في حاشية الكفاية.و لم يظهر أن الاستصحاب على تقدير كونه من الامارات كذلك،لعدم وضوح حال السيرة العقلائية عليه،و لا دليل عليه سواها.فلاحظ.

بعض الفروع المبتنية على الأصل المثبت.

(2)هذا في اللوازم الشرعية،و أما في غيرها فالتعميم هو المحتاج إلى دليل، كما يظهر بما ذكرناه قريبا.

(3)إن كان مفاد الدليل المذكور حجية شهادة العدل الواحد في اثبات الشهر

ص: 373

إما مطلقا-كما إذا حصل من الخبر الوارد في المسألة الفرعية ظن بمسألة أصولية،فإنه لا يعمل فيه بذلك الظن،بناء على عدم العمل بالظن في الأصول (1) -و إما في خصوص المقام،كما إذا ظن بالقبلة مع تعذر العلم بها،فلزم منه الظن بدخول الوقت مع عدم العذر المسوغ للعمل بالظن في الوقت (2) .

فروع خمسة تمسكوا فيها بالأصول المثبتة

و لعل ما ذكرنا (3) هو الوجه في عمل جماعة من القدماء و المتأخرين فاللازم الالتزام مع اطلاقه بوجوب الافطار بمضي ثلاثين يوما،لما عرفت من أن التعبد بالموضوعات الشرعية يقتضي باطلاقه ترتيب جميع آثارها،إلا أن يقيد ببعضها بالخصوص،كما أشرنا إليه.

و إن كان مفاده وجوب الصوم احتياطا او تعبدا بوجوبه لا لحجية شهادة العدل الواحد في اثبات الشهر،فعدم وجوب الافطار بمضي ثلاثين يوما واضح.

(1)و حينئذ يكون ذلك مقيدا لاطلاق دليل الحجية.

(2)عدم حجية الظن بدخول الوقت لكونه لازما عاديا لا شرعيا،و لا دليل فيه على عموم الحجية.

و المتحصل من جميع ما تقدم:أن حجية الامارة في اللوازم العادية أو العقلية خلاف الأصل،فتحتاج إلى دليل بالخصوص.و في اللوازم الشرعية هي الأصل، فتخصيصها بالبعض محتاج إلى الدليل.و قد أوضحنا ذلك في حاشية الكفاية.

فراجع.

(3)و هو أن البناء على حجية الاستصحاب من باب الظن يقتضي عموم الحجية للوازم غير الشرعية،كما سبق منه و عرفت الكلام فيه.

هذا و يمكن كون رجوعهم إلى الأصول في الموارد الآتية ناشئا عن غفلتهم عن كونها أصولا مثبتة.

ص: 374

بالأصول المثبتة في كثير من الموارد:

منها:ما ذكره جماعة-منهم المحقق في الشرائع و جماعة ممن تقدم عليه و تأخر عنه-:من أنه لو اتفق الوارثان على إسلام أحدهما المعين في أول شعبان و الآخر في غرة رمضان،و اختلفا:فادعى أحدهما موت المورث في شعبان (1) و الآخر موته في أثناء رمضان (2) ،كان المال بينهما نصفين،لأصالة بقاء حياة المورث.

و لا يخفى:أن الإرث مترتب على موت المورث عن وارث مسلم، و بقاء حياة المورث إلى غرة رمضان لا يستلزم (3) بنفسه موت المورث في حال إسلام الوارث.

نعم،لما علم بإسلام الوارث في غرة رمضان لم ينفك بقاء حياته حال الإسلام عن موته بعد الإسلام الذي هو سبب الإرث.

إلا أن يوجه (4) بأن المقصود في المقام إحراز إسلام الوارث في حياة أبيه (5) -كما يعلم من الفرع الذي ذكره قبل هذا الفرع في (1)ليختص الارث بالأول.

(2)ليشتركا في الميراث.

(3)يعني:بوجه شرعي.

(4)قال بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه:«ذكر الاستاذ العلامة دام ظله في مجلس البحث أن الفاضل في القواعد قد صرح بما وجهنا كلام المتمسكين بالأصل في المقام.فراجع...».

(5)فتكون الوارثية علاقة خاصة بين الوارث و المورث في حياة المورث، موضوعها القرابة و شرطها إسلام الوارث،فمع إحراز الموضوع و الشرط بالوجدان

ص: 375

الشرائع (1) -و يكفي ثبوت الإسلام حال الحياة المستصحبة،في تحقق و إحراز حياة المورث بالأصل تثبت العلاقة المذكورة.

و فيه:أن العلاقة المذكورة حين الحياة ليست مجعولة شرعا و لا هي موضوع للحكم بالميراث،بعد الموت بل هي منتزعة من فعلية الحكم بالميراث بعد الموت و تمام الموضوع هو الموت عن وارث مسلم،كما ذكره المصنف قدّس سرّه أولا،فيبتني الارث على الأصل المثبت.

هذا و قد يظهر من بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه حمل كلام المصنف على أن مقتضى التوريث هو وجود الولد إلى حال الحياة و شرطه الموت،فمع إحراز المقتضي بالأصل و الشرط يتعين البناء على التوريث و ليس موضوعه هو موته عن وارث مسلم.لكنه غير ظاهر أيضا.فلاحظ.

(1)ففي محكي الشرائع في عكس الفرض-و هو ما إذا اتفقا على وقت الموت المورث و اختلفا في وقت إسلام الوارث-قال:«فالقول قول المتفق على تقدم إسلامه».

و كأن وجهه منحصر بأن موضوع الإرث هو القرابة مع الإسلام في حال حياة الوارث،فحيث لا مجال لإحرازه بالأصل حكم بعدم ميراثه.

و لو كان مبناهم على الرجوع إلى الأصل المثبت لكان الاستصحاب حياة المورث إلى حين اسلام الوارث جاريا في هذا الفرع،لإحراز موت المورث و هو مسلم،فيستحق الميراث.كذا يظهر مما ذكره بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه.

لكنه مشكل كما ذكر أيضا.

و حاصل الإشكال فيه:انه لا مجال هنا لاستصحاب حياة المورث إلى حين اسلام الوارث،لعدم الجهل بتاريخ الحياة،بل في تاريخ اسلام الوارث،و المعروف منهم عدم إجراء الأصل في معلوم التاريخ لا ثبات تأخره عن مجهوله،بل الحال عندهم بالعكس،فالجاري في المقام استصحاب كفر الوارث إلى حين موت المورث فيمنع عن الارث،و لا مجال لقياسه بالفرع الذي نحن بصدده.فتأمل جيدا.

ص: 376

سبب الإرث و حدوث علاقة الوارثية بين الولد و والده في حال الحياة.

و منها:ما ذكره جماعة-تبعا للمحقق-في كر وجد فيه نجاسة لا يعلم سبقها على الكرية و تأخرها،فإنهم حكموا بأن استصحاب عدم الكرية قبل الملاقاة الراجع إلى استصحاب عدم المانع عن الانفعال حين وجود المقتضي له (2) ،معارض باستصحاب عدم الملاقاة قبل الكرية.

و لا يخفى:أن الملاقاة معلومة،فإن كان اللازم في الحكم بالنجاسة إحراز وقوعها في زمان القلة-و إلا فالأصل عدم التأثير-لم يكن وجه لمعارضة الاستصحاب الثاني بالاستصحاب الأول (3) ،لأن أصالة عدم الكرية قبل حين الملاقاة لا يثبت كون الملاقاة قبل الكرية و في زمان القلة (4) ،حتى يثبت النجاسة،إلا من باب عدم انفكاك عدم الكرية حين

(2)و هو الملاقاة للنجاسة.

(3)يعني:بل يتعين العمل بالاستصحاب الثاني،و هو استصحاب عدم الملاقاة قبل الكرية المقتضي للطهارة و الاعتصام،و لا يعارضه الأول،لانه مثبت كما سيأتي.

(4)لكن الظاهر أنه لا ملزم بإحراز كون الملاقاة قبل الكرية بمعنى تقدمها عليها،بل يكفي إحراز عدم الكرية حين الملاقاة،و ذلك بالرجوع إلى استصحاب القلة و عدم الكرية حين الملاقاة.فإن ما دل على أنه إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شيء ظاهر في كون الكرية مانعة من الانفعال بالملاقاة،و أنه مع عدم الكرية ينفعل الماء بها،فمع إحراز الملاقاة بالوجدان و إحراز عدم الكرية بالأصل يتم موضوع الانفعال،و يخرج عن الأصل المثبت.

و أما استصحاب عدم الكرية قبل الملاقاة المذكور في كلامهم فلعله راجع

ص: 377

الملاقاة عن وقوع الملاقاة حين القلة،نظير عدم انفكاك عدم الموت حين الإسلام لوقوع الموت بعد الإسلام،فافهم.

و منها:ما في الشرائع و التحرير-تبعا للمحكي عن المبسوط-:من إلى هذا،أو أن الرجوع إليه مبني على انه يعتبر في الاعتصام سبق الكرية على الملاقاة، بحيث لو تقارنا حكم بالانفعال،لدعوى أن المستفاد من الأدلة ذلك فانه حينئذ يمكن الرجوع إلى استصحاب عدم الكرية قبل الملاقاة،إذ مع تحقق الملاقاة بالوجدان و عدم الكرية قبلها بالأصل يتم موضوع الانفعال.

و الحاصل:أنه يمكن إحراز موضوع الانفعال،-بضم الأصل إلى الوجدان، سواء كان الموضوع هو عدم الكرية قبل الملاقاة أو حينها،و لا حاجة إلى إحراز كون الملاقاة قبل الكرية-كما يظهر من المصنف قدّس سرّه-بمعنى تقدمها عليها و تأخر الكرية عنها الذي هو خلاف الأصل.لتوقفه على الكرية التي هي امر وجودي.

و عليه فيكون الأصل المذكور معارضا لاصالة عدم الملاقاة إلى حين الكرية.

كما ذكروه و أما ما ذكره بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه من أن أصالة عدم الملاقاة إلى حين الكرية من الأصل المثبت،لانه لا يحرز كون الملاقاة بعد الكرية إلا بالملازمة.

فمندفع بانه لا ملزم بإحراز كون الملاقاة بعد الكرية،بل يكفي إحراز عدم الملاقاة إلى حين الكرية في إحراز موضوع الاعتصام.

و بالجملة:الملاقاة حين القلة-و عدم الكرية أو إذا لم يكن قبلها كرية موجبة للنجاسة و مانعة من الاعتصام بالكرية،و الكرية قبل الملاقاة و حين الطهارة موجبة للاعتصام و مانعة من التنجس بالملاقاة.و أصالة عدم الكرية قبل الملاقاة أو حينها محرزة للأول و أصالة عدم الملاقاة إلى حين الكرية محرزة للثاني،فهما متعارضتان،كما ذكره الاصحاب.

نعم جريان الاستصحابين مبني على جريان الاستصحاب في مجهولي التاريخ و يأتي الكلام فيه في التنبيه الآتي إن شاء اللّه تعالى.فلاحظ.

ص: 378

أنه لو ادعى الجاني أن المجني عليه شرب سما فمات بالسم،و ادعى الولي أنه مات بالسراية،فالاحتمالان فيه سواء.

و كذا الملفوف في الكساء إذا قده بنصفين،فادعى الولي أنه كان حيا، و الجاني أنه كان ميتا،فالاحتمالان متساويان.

ثم حكي عن المبسوط التردد.

و في الشرائع:رجح قول الجاني،لأن الأصل عدم الضمان،و فيه احتمال آخر ضعيف.

و في التحرير:أن الأصل عدم الضمان من جانبه و استمرار الحياة من جانب الملفوف،فيرجح قول الجاني.و فيه نظر.

و الظاهر أن مراده النظر في عدم الضمان،من حيث إن بقاء الحياة بالاستصحاب إلى زمان القدّ سبب في الضمان،فلا يجرى أصالة عدمه (1) ، و هو الذي ضعفه المحقق،لكن قواه بعض محشيه.

و المستفاد من الكل نهوض استصحاب الحياة لإثبات القتل(2) (1)يعني:لا يجري أصالة عدم الضمان،لانه محكوم لاستصحاب الحياة-لو فرض جريانه-المثبت للقتل الذي هو موضوع الضمان.

و يحتمل أن يكون وجه النظر أنه إذا فرض جريان أصالة استمرار الحياة من جانب الملفوف كانت معارضة لاصالة عدم الضمان من جانب الجاني،فيتساقطان، و لا وجه لترجيح قول الجاني.فلاحظ.

و قد عرفت أنه من الأصل المثبت هذا و لا يبعد كون أصالة استمرار الحياة من الأصول العقلانية الراجعة إلى اصالة السلامة المعول عليها عندهم المقتضية لتحقق القتل بتحقق سببه بمقتضى بناء العقلاء لا يقتضي الاستصحاب التعبدي ليكون من

ص: 379

الذي هو سبب الضمان.

و منها:ما في التحرير-بعد هذا الفرع-:و لو ادعى الجاني نقصان يد المجني عليه بإصبع،احتمل تقديم قوله عملا بأصالة عدم القصاص، و تقديم قول المجني عليه إذ الأصل السلامة،هذا إن ادعى الجاني نفي السلامة أصلا.

و أما لو ادعى زوالها طارئا فالأقرب أن القول قول المجني عليه،انتهى.

و لا يخفى صراحته في العمل بأصالة عدم زوال الإصبع في إثبات الجناية على اليد التامة (1) .

و الظاهر أن مقابل الأقرب ما يظهر من الشيخ رحمه اللّه في الخلاف في نظير المسألة،و هو ما إذا اختلف الجاني و المجني عليه في صحة العضو المقطوع و عيبه،فإنه قوى عدم ضمان الصحيح.

و منها:ما ذكره جماعة-تبعا للمبسوط و الشرائع-في اختلاف الجاني و الولي في موت المجني عليه بعد الاندمال أو قبله (2) .إلى غير ذلك مما الأصل المثبت نعم لو شكل في كون الجاني قاتلا فلا حجة للبناء على تحقق القتل...

و للكلام مقام آخر فلاحظ.

(1)و هو من الأصل المثبت.

لكن لا يبعد كون مراده من أصالة السلامة ليس هو استصحابها شرعا، بل الأصل العقلائي الذي ذكروه في مبحث خيار العيب،و الذي أشرنا إليه آنفا، فيخرج عن الأصل المثبت.فتأمل جيدا.

(2)فإن الكلام فيه هو الكلام في موت المقطوع نصفين بل يزيد عليه باحتمال عدم كون الجرح قاتلا،فإن الجرح الذي من شأنه أن يندمل قد لا يكون قاتلا.

ص: 380

يقف عليه المتتبع في كتب الفقه،خصوصا كتب الشيخ و الفاضلين و الشهيدين.

عدم عمل الأصحاب بكل أصل مثبت

لكن المعلوم منهم و من غيرهم من الأصحاب عدم العمل بكل أصل مثبت.

فإذا تسالم الخصمان في (1) بعض الفروع المتقدمة على ضرب اللفاف بالسيف على وجه لو كان زيد الملفوف به سابقا باقيا على اللفاف لقتله، إلا أنهما اختلفا في بقائه ملفوفا أو خروجه عن اللف،فهل تجد من نفسك رمي أحد من الأصحاب بالحكم بأن الأصل بقاء لفه،فيثبت القتل إلا أن يثبت الآخر خروجه؟!أو تجد فرقا بين بقاء زيد على اللف و بقائه على الحياة (2) ،لتوقف تحقق عنوان القتل عليهما؟!.

و كذا لو وقع الثوب النجس في حوض كان فيه الماء سابقا،ثم شك في بقائه فيه،فهل يحكم أحد بطهارة الثوب بثبوت انغساله بأصالة بقاء الماء؟!.

و كذا لو رمى صيدا أو شخصا على وجه لو لم يطرأ حائل لأصابه، فهل يحكم بقتل الصيد أو الشخص بأصالة عدم الحائل؟!.

إلى غير ذلك مما لا يحصى من الأمثلة التي نقطع بعدم جريان الأصل (1)الظاهر أنه متعلق بقوله:«الخصمان».و لعل حذفه أولى.

الكلام فيما لو كانت الواسطة خفية.

(2)الفرق بينهما بالوضوح و الخفاء،و لذا سبق منهم النزاع في استصحاب الحياة،مع أنه لا يظن منهم النزاع استصحاب اللف.

ص: 381

لإثبات الموضوعات الخارجية التي يترتب عليها الأحكام الشرعية.

و كيف كان،فالمتبع هو الدليل.

و قد عرفت أن الاستصحاب إن قلنا به من باب الظن النوعي -كما هو ظاهر أكثر القدماء-فهو كإحدى الأمارات الاجتهادية يثبت به كل موضوع يكون نظير المستصحب في جواز العمل فيه بالظن الاستصحابي (1) .

و أما على المختار:من اعتباره من باب الأخبار،فلا يثبت به ما عدا الآثار الشرعية المترتبة على نفس المستصحب.

حجية الأصل المثبت مع خفاء الواسطة

نعم هنا شيء:و هو أن بعض الموضوعات الخارجية المتوسطة بين المستصحب و بين الحكم الشرعي،من الوسائط الخفية،بحيث يعدّ في العرف الأحكام الشرعية المترتبة عليها أحكاما لنفس المستصحب (2) ، (1)يعني:دون ما يشترط فيه العلم مطلقا،كما في أصول الدين،أو في بعض الأحوال،كما سبق منه في مثال الوقت الذي يلزم الظن به من الظن بالقبلة.

لكن عرفت الإشكال في ان الامارة حجة في اللوازم في غير الموارد المذكورة، و انه محتاج إلى الدليل.فلاحظ.

(2)إن رجع هذا إلى ان المفهوم عرفا أن موضوع الأثر هو الملزوم الذي يجري فيه الأصل،و ان كان مخالفا لمقتضى الجمود على لسان الأدلة لقرائن خاصة اطلع عليها العرف،فلا اشكال في صحة التمسك بالأصل حينئذ و يخرج عن الأصل المثبت،لان المرجع في تعيين الموضوعات الشرعية هو الفهم العرفي للادلة.

و إن رجع إلى تسامح العرف في نسبة الأثر إلى الملزوم مع فرض كون المفهوم من الأدلة هو استناد الأثر اللازم فلا مجال للتمسك بالأصل،لعين ما سبق في وجه

ص: 382

و هذا المعنى يختلف وضوحا و خفاء باختلاف مراتب خفاء الوسائط عن أنظار العرف.

نماذج من خفاء الواسطة

منها:ما إذا استصحب رطوبة النجس من المتلاقيين مع جفاف الآخر،فإنه لا يبعد الحكم بنجاسته،مع أن تنجسه ليس من أحكام ملاقاته للنجس رطبا (1) ،بل من أحكام سراية رطوبة النجاسة إليه و تأثره بها،بحيث يوجد في الثوب رطوبة متنجسة،و من المعلوم أن استصحاب رطوبة النجس الراجع إلى بقاء جزء مائي قابل للتأثير لا يثبت تأثر الثوب و تنجسه بها،فهو أشبه مثال بمسألة بقاء الماء في الحوض،المثبت لانغسال الثوب به.

و حكى في الذكرى عن المحقق تعليل الحكم بطهارة الثوب الذي طارت الذبابة عن النجاسة إليه،بعدم الجزم ببقاء رطوبة الذبابة، و ارتضاه.فيحتمل أن يكون لعدم إثبات الاستصحاب لوصول الرطوبة إلى الثوب (2) كما ذكرنا (3) ،و يحتمل أن يكون لمعارضته باستصحاب طهارة الثوب إغماضا عن قاعدة حكومة بعض الاستصحابات على عدم حجية الأصل المثبت،و لا عبرة بالتسامح العرفي،كما ذكرناه غير مرة في نظير المقام،و هو تعيين الموضوع المعتبر بقاؤه في الاستصحاب.فلاحظ.

(1)مع فرض ذلك لا مجال للعمل بالأصل،لما ذكرنا.

(2)يعني:من جهة كونه من الأصل المثبت.

(3)الذي ذكره جريان الاستصحاب لخفاء الواسطة،لا عدمه لانه من المثبت.إلا أن يكون مراده بذكره له اشارته إلى هذه الجهة.فلاحظ.

ص: 383

بعض (1) كما يظهر من المحقق،حيث عارض استصحاب طهارة الشاك في الحدث باستصحاب اشتغال ذمته بالعبادة.

و منها:أصالة عدم دخول هلال شوال في يوم الشك،المثبت لكون غده يوم العيد،فيترتب عليه أحكام العيد،من الصلاة و الغسل و غيرهما.

فإن مجرد عدم الهلال في يوم لا يثبت آخريته،و لا أولية غده للشهر اللاحق، لكن العرف لا يفهمون من وجوب ترتيب آثار عدم انقضاء رمضان و عدم دخول شوال،إلا ترتيب أحكام آخرية ذلك اليوم لشهر و أولية غده لآخر،فالأول عندهم (2) ما لم يسبق بمثله و الآخر ما اتصل بزمان حكم بكونه أول الشهر الآخر.

أصالة تأخر الحادث.

(1)من حيث أن استصحاب بقاء الرطوبة سببي و استصحاب عدم سريانها مسببي.

(2)هذا موهم لكون الأول بحسب المفهوم العرفي مما يمكن إحرازه بالأصل و لو بضمه للوجدان،و كذا الآخر،لان تعيينه من آثار تعيين الأول.

لكنه لو تم خرج عن الأصل المثبت و عما لو كانت الواسطة خفية،لعدم الواسطة حقيقة.

و لا يبعد أن يكون مراد المصنف قدّس سرّه تسامح العرف في تفسير الأول و الآخر، لا أن ذلك هو المفهوم عرفا منهما.و حينئذ فيدخل في الأصل المثبت و يحتاج إلى تصحيحه بخفاء الواسطة.و المقام في غاية الإشكال،و ليس الإشكال في ترتيب الأثر المذكور،لأن الظاهر الاتفاق نصا و فتوى عليه،بل في توجيه ذلك على القاعدة المتقدمة...و لا مجال لإطالة الكلام في ذلك هنا لضيق المجال.و اللّه سبحانه و تعالى ولي التوفيق و التسديد إنه أرحم الراحمين.

ص: 384

و كيف كان،فالمعيار خفاء توسط الأمر العادي و العقلي بحيث يعد آثاره آثارا لنفس المستصحب.

و ربما يتمسك في بعض موارد الأصول المثبتة،بجريان السيرة أو الإجماع على اعتباره هناك (1) ،مثل:إجراء أصالة عدم الحاجب عند الشك في وجوده على محل الغسل أو المسح،لإثبات غسل البشرة و مسحها المأمور بهما في الوضوء و الغسل.

و فيه نظر (2) .

(1)يعني:فلا يحتاج إلى تصحيحه بخفاء الواسطة.

(2)لعل وجهه عدم وضوح قيام السيرة على عدم الاعتناء بالشك في المانع و لعلها مبنية على الغفلة عن وجود المانع فلا يحصل الشك حتى يحتاج إلى الأصول، أما مع الالتفات و حصول الشك فلا يتضح قيام السيرة حتى تكون دليلا مع قطع النظر عن الأصل.

فترتيب الآثار المذكورة ينحصر وجهه في الرجوع إلى الأصل المبتني على الاكتفاء بخفاء الواسطة.

لكن عرفت الإشكال في التعويل على خفاء الواسطة.مع أنه لا يتضح كون المقام من موارد خفاء الواسطة.

إلا أن يكون مراد المصنف قدّس سرّه الاشارة إلى حجية توهم بعض الأصول المثبتة من جهة السيرة أو الإجماع،لا الاستغناء بذلك عن قضية خفاء الواسطة حتى يرد عليه ما عرفت.فلاحظ.

ص: 385

الأمر السابع

التنبيه السابع:الكلام في جريان أصالة تأخر الحادث

اشارة

لا فرق في المستصحب بين أن يكون مشكوك الارتفاع في الزمان اللاحق رأسا،و بين أن يكون مشكوك الارتفاع في جزء من الزمان اللاحق مع القطع بارتفاعه بعد ذلك الجزء (1) .

فإذا شك في بقاء حياة زيد في جزء من الزمان اللاحق،فلا يقدح في جريان استصحاب حياته علمنا بموته بعد ذلك الجزء من الزمان (1)لا ينبغي الإشكال في جريان الاستصحاب بالإضافة إلى زمان الشك، و لا يقدح العلم بانتفاض المتيقن في الزمان المتأخر عن زمان الشك.

إذ ليس مفاد الاستصحاب عدم انتفاض المتيقن أصلا،كي لا يجري مع العلم بانتقاضه في الزمان المتأخر عن زمان الشك،بل عدم انتفاضه في زمان الشك،فلا ينافي العلم بانتقاضه بعد ذلك.

كيف و هو المتيقن من صحيحة زرارة الثانبة الواردة في الشك في حال الدم الذي علم بإصابته للثوب،و أنه هل أصابه قبل الصلاة أو في أثنائها.و مثلها مكاتبة القاساني الواردة في الشهر.فلاحظ.

ص: 386

و عدمه (1) .

و هذا هو الذي يعبر عنه بأصالة تأخر الحادث،يريدون به:أنه إذا علم بوجود حادث في زمان و شك في وجوده قبل ذلك الزمان،فيحكم باستصحاب عدمه قبل ذلك،و يلزمه عقلا تأخر حدوث ذلك الحادث (2) .

فإذا شك في مبدأ موت زيد مع القطع بكونه يوم الجمعة ميتا،فحياته قبل الجمعة الثابتة بالاستصحاب مستلزمة عقلا لكون مبدأ موته يوم الجمعة.

و حيث تقدم في الأمر السابق أنه لا يثبت بالاستصحاب-بناء على العمل به من باب الأخبار-لوازمه العقلية،فلو ترتب على حدوث موت زيد في يوم الجمعة-لا على مجرد حياته قبل الجمعة-حكم شرعي (3) لم (4) يترتب على ذلك.

صور تأخر الحادث

نعم،لو قلنا باعتبار الاستصحاب من باب الظن،أو كان اللازم العقلي من اللوازم الخفية،جرى فيه ما تقدم ذكره.

(1)الظاهر زيادة قوله:«و عدمه».و لذا حذف في بعض النسخ المطبوعة.

نعم لو كانت العبارة هكذا:«فلا فرق في جريان استصحاب حياته بين علمنا...»بدل قوله:«فلا يقدح في...»لكان في محله.

(2)لكن لا مجال لترتيب آثار التأخر،لما عرفت من عدم حجية الأصل المثبت.

(3)فاعل قوله:«ترتب».

(4)جواب(لو)في قوله:«فلو ترتب...».

و الوجه في عدم ترتبه أن الحدوث أمر وجودي بسيط لا يثبته الاستصحاب المذكور و لا يحرزه.نعم هو لازم لمجراه فيكون إثباته به مبنيا على الأصل المثبت.

ص: 387

و تحقيق المقام و توضيحه:

إذا لوحظ تأخر الحادث بالقياس إلى ما قبله من أجزاء الزمان

أن تأخر الحادث قد يلاحظ بالقياس إلى ما قبله من أجزاء الزمان -كالمثال المتقدم-فيقال:الأصل عدم موت زيد قبل الجمعة،فيترتب عليه جميع أحكام ذلك العدم (1) ،لا أحكام حدوثه يوم الجمعة،إذ المتيقن بالوجدان تحقق الموت يوم الجمعة لا حدوثه.

إلا أن يقال:إن الحدوث هو الوجود المسبوق بالعدم (2) ،و إذا ثبت (1)كاستحقاق زوجته لنفقة ذلك اليوم،و كنفوذ معاملة وكيله فيه.

(2)إن كان المراد من تفسيره بذلك شرح مفهومه،بحيث يكون المفهوم المذكور تركيبا انحلاليا عرفا قد أحرز أحد جزئية و هو الوجود-بالوجدان،و الجزء الآخر-و هو سبقه بالعدم-بالأصل،فلا إشكال في حجية الأصل في ترتيب الأثر المذكور و خروجه عن الأصل المثبت،إذ لا يعتبر في الأصل أن يحرز تمام موضوع الحكم الشرعي،بل يكفي أن يحرز بعض الموضوع إذا أخذ في القضية الشرعية، كاستصحاب الاستطاعة المقتضي لوجوب الحج مع أنها ليست تمام موضوع وجوب الحج،بل يعتبر فيه البلوغ و الحرية و غيرهما مما قد يكون محرزا بالوجدان أو باصل آخر.

نعم لم يتقدم منه قدّس سرّه التعرض إلى ذلك فيما أعلم،و إنما سبق منه التعرض لما إذا كان الأصل محرزا لاحد جزئي اللازم،كما في استصحاب الحياة للمقطوع نصفين لاثبات القتل و تقدم منه المنع من الرجوع للاصل حينئذ.فراجع ما تقدم في صور الأصل المثبت و أقسامه.

و إن كان المراد من تفسيره بذلك تحليل مفهومه عقلا إلى الأمرين المذكورين مع كونه عرفا مفهوما واحدا بسيطا منتزعا منهما،فهو من صغريات الأصل المثبت الذي عرفت عدم حجيته،إذ المعيار في موضوع الحكم على ما يفهمه العرف،و لا عبرة بالتحليلات العقلية،فلا يخرج بها الأصل عن كونه مثبتا.

ص: 388

بالأصل عدم الشيء سابقا،و علم بوجوده بعد ذلك،فوجوده المطلق في الزمان اللاحق إذا انضم إلى عدمه قبل ذلك الثابت بالأصل،تحقق مفهوم الحدوث، و قد عرفت حال الموضوع الخارجي الثابت أحد جزئي مفهومه بالأصل.

و مما ذكرنا يعلم:أنه لو كان الحادث مما نعلم بارتفاعه بعد حدوثه فلا يترتب عليه أحكام الوجود في الزمان المتأخر أيضا،لأن وجوده مساوق لحدوثه (1) .

نعم،يترتب عليه أحكام وجوده المطلق في زمان من الزمانين (2) ، و كذا لو كان المراد من شرحه بذلك بيان لازمه خارجا.بل هو حينئذ أظهر.

ثم إن ظاهر المصنف قدّس سرّه انه في مقام تصحيح التمسك بالأصل بملاحظة الوجه المذكور.لكن يظهر من بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه أن مراده قدّس سرّه عدم صحة التمسك به بلحاظ ذلك.فراجع.

هذا و الظاهر أن مفهوم الحدوث بسيط عرفا،و ليس مركبا من الأمرين المذكورين عرفا،بل و لا عقلا،و إنما هما لازمان له و منشأ لانتزاعه،فاثباته بالأصل المذكور من الأصل المثبت.فلاحظ.

(1)لا يخفى تحقق الفرق مفهوما بين الحدوث و الوجود،و أن الثاني أعم.

نعم هما متلازمان في خصوص الفرض.

فالأولى أن يقول:لأن الوجود في الزمان الثاني كالحدوث فيه لا يحرز باستصحاب عدم وجوده في الزمان الأول،إلا بناء على الأصل المثبت،من حيث ملازمة عدم وجوده في الزمان الأول لوجوده في الزمان الثاني بعد فرض العلم بوجوده في أحد الزمانين.

(2)للعلم الإجمالي بوجوده في أحدهما بلا حاجة إلى الاستصحاب.و كذا الحال في حدوثه.

ص: 389

كما إذا علمنا أن الماء لم يكن كرّا قبل الخميس،فعلم أنه صار كرا بعده و ارتفع كريته بعد ذلك،فنقول:الأصل عدم كريته في يوم الخميس، و لا يثبت بذلك كريته يوم الجمعة،فلا يحكم بطهارة ثوب نجس وقع فيه في أحد اليومين (1) ،لأصالة بقاء نجاسته و عدم أصل حاكم عليه (2) .

(1)أما لو وقع يوم الخميس فلاستصحاب عدم كريته يوم الخميس المقتضي لبقاء نجاسة الثوب الحاكم على استصحاب نجاسته،لأنه سببي.

و أما لو وقع يوم الجمعة فاصالة عدم الكرية يوم الجمعة و إن لم تجر للعلم بانتفاض العدم السابق يوم الجمعة،إلا أنه لما لم يكن هناك محرز للكرية يوم الجمعة فالمتعين الرجوع لاستصحاب نجاسة الثوب.

هذا بناء على اعتبار ورود الماء على النجاسة في التطهير بالماء القليل،أما بناء على كفاية ورود النجاسة على الماء فالمتعين الحكم-بطهارة الثوب سواء وقع يوم الخميس أم يوم الجمعة.

و أما الماء فيعلم بعدم نجاسته لو وقع الثوب فيه يوم الخميس،للعلم بكريته إما فيه فلم يتنجس بالثوب،و إما بعده فطهر بالكرية،لو فرض كون عروض الكرية له موجبا لتطهيره-كما لو صار كرا بماء المطر-أما لو كانت نجاسته مانعة من اعتصامه بالكرية-كما لو صارت الكرية بإضافة الماء القليل له-فيحتمل نجاسته.بل هي مقتضى استصحاب عدم الكرية إلى يوم الخميس الذي هو زمان الملاقاة بالفرض.

و أما لو كان وقوع الثوب يوم الجمعة فمقتضى أصالة الطهارة البناء على طهارة الماء،للشك في كريته حينئذ،و لا مجال لاستصحاب عدمها،للعلم بانتفاض العدم السابق على يوم الخميس بالكرية فيه أو في يوم الجمعة.فتأمل جيدا.

(2)عرفت أنه لو وقع يوم الخميس فاصالة عدم الكرية حاكمة على الأصل

ص: 390

نعم،لو وقع فيه في كل من اليومين حكم بطهارته من باب انغسال الثوب بماءين مشتبهين (1) .

إذا لوحظ تأخر الحادث بالقياس إلى حادث آخر و جهل تاريخهما

و قد يلاحظ تأخر الحادث بالقياس إلى حادث آخر،كما إذا علم بحدوث حادثين و شك في تقدم أحدهما على الآخر،فإما أن يجهل تأريخهما أو يعلم تأريخ أحدهما:

فإن جهل تأريخهما فلا يحكم بتأخر أحدهما المعين عن الآخر،لأن التأخر في نفسه ليس مجرى الاستصحاب،لعدم مسبوقيته باليقين (2) .

و أما أصالة عدم أحدهما في زمان حدوث الآخر فهي معارضة بالمثل (3) ، المذكور،و هي مقتضية للنجاسة أيضا.

(1)فيعلم بطهارته.

إلا أن يكون وقوع الثوب قبل الكرية مانعا من اعتصام الماء و موجبا لبقاء نجاسته،كما لو كانت كريته باضافة الماء القليل له،فإنه يحكم بنجاسته لاصالة عدم الكرية يوم الخميس.

لكن الظاهر خروجه عن فرض المصنف قدّس سرّه.

(2)لأنه أمر وجودي،فلا يثبت باصالة عدم وجوده حين وجود الآخر إلا بناء على الأصل المثبت.مع أنه لو أحرز به لكان الأصلان متعارضين في كل منهما فيجري فيه ما سيأتي.

(3)التعارض في الفرض مبني على جريان الاستصحابين ذاتا لعموم دليل الاستصحاب لهما،و هو لا يلائم ما يظهر من المصنف قدّس سرّه فى مبحث تعارض الاستصحابين من قصور دليل الاستصحاب عن شمول الشك مع العلم الإجمالي بانتفاض الحالة السابقة.

ص: 391

و حكمه التساقط مع ترتب الأثر على كل واحد من الأصلين (1) ، و سيجيء تحقيقه إن شاء اللّه تعالى (2) .و هل يحكم بتقارنهما في مقام يتصور التقارن (3) ،لأصالة عدم كل منهما قبل وجود الآخر؟ وجهان:

من كون التقارن أمرا وجوديا لازما لعدم كل منهما قبل الآخر.و من كونه من اللوازم الخفية حتى كاد يتوهم أنه عبارة عن عدم تقدم أحدهما و لو غض النظر عن ذلك فالظاهر امتناع جريان الاستصحاب ذاتا،لان المنساق من أدلته هو الحكم باستمرار المتيقن و طول أمده لو شك في امتداده، و الشك في المقام ليس من هذه الجهة فقط،بل من جهة أخرى و هي الشك في تقدم الأمر الآخر و عدمه،و الاستصحاب لا ينهض بذلك.

مضافا إلى عدم إحراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين.على ما أوضحناه و اطلنا الكلام فيه في حاشية الكفاية.فراجع.

ثم إنه لو فرض جريان الاستصحاب ذاتا فالمعارضة إنما تقتضي سقوط الاستصحابين مع تناقض اثريهما أو لزوم مخالفة علم إجمالي منجز منهما،لا مطلقا و إن علم بكذب أحدهما،كما حقق في محله.

(1)أما مع اختصاص الأثر بأحدهما فالمتعين جريانه دون الآخر،بناء على أن المانع هو المعارضة لا قصور دليل الاستصحاب عن شمول مجهولي التاريخ.

فلاحظ.

(2)لعله إشارة إلى ما يأتي منه قدّس سرّه في مبحث تعارض الاستصحابين،و قد عرفت أن ما يأتي منه ظاهر في عدم جريان الاستصحابين ذاتا لا سقوطهما بالمعارضة مع عموم الدليل لهما.

(3)بأن لم يعلم تقدم أحدهما و عدم تقارنهما.

ص: 392

على الآخر في الوجود (1) .

لو كان أحدهما معلوم التاريخ

و إن كان أحدهما معلوم التأريخ فلا يحكم على مجهول التأريخ إلا بأصالة عدم وجوده في تأريخ ذلك،لا تأخر وجوده عنه (2) بمعنى حدوثه بعده.نعم،يثبت ذلك على القول بالأصل المثبت.فإذا علم تأريخ ملاقاة الثوب للحوض و جهل تأريخ صيرورته كرا،فيقال:الأصل بقاء قلته و عدم كريته في زمان الملاقاة (3) .و إذا علم تأريخ الكرية (4) حكم أيضا بأصالة عدم تقدم الملاقاة في زمان الكرية (5) ،و هكذا.

(1)عرفت أنه لا عبرة بخفاء الواسطة في صحة الأصل المثبت.

(2)لما سبق من أن المتأخر لازم لعدم الوجود في الزمان السابق،لا متحد معه.

(3)فيبني على نجاسة الثوب بناء على اعتبار الورود في التطهير.و أما الماء فقد سبق الكلام فيه.

(4)يعني:مع الجهل بالملاقاة.

(5)إن أريد به عدم الملاقاة في زمان حدوث الكرية فهو و إن كان مقتضى الأصل إلا أنه لا ينفع في اثبات نجاسة الثوب،إذ بقاء النجاسة موقوف على عدم تحقق غسله في تمام أزمنة الكرية،لا في زمان حدوثها.

و إن أريد به عدم الملاقاة في تمام أزمنة الكرية فلا مجال له للقطع بتحقق الملاقاة إما قبلها أو بعدها.مثلا:لو علم حدوث الكرية صبح الجمعة و ترددت الملاقاة الموجبة لاحتمال تطهير الثوب بين ان تكون ظهر الخميس و أن تكون ظهر الجمعة فلا مجال لاستصحاب عدم الملاقاة إلى ظهر الجمعة للعلم بانتفاض عدم الملاقاة السابق اما يوم الخميس أو يوم الجمعة.

نعم الملاقاة المعلومة مرددة بين ما يوجب التطهير و ما لا يوجبه،و لا أصل يحرز أحد الأمرين،و المتعين الرجوع إلى استصحاب نجاسة الثوب.

ص: 393

و ربما يتوهم:جريان الأصل في طرف المعلوم،بأن يقال:الأصل عدم وجوده في الزمان الواقعي للآخر.

و يندفع:بأن نفس وجوده غير مشكوك في زمان،و أما وجوده في زمان الآخر فليس مسبوقا بالعدم (1) .

قولان آخران في هذه الصورة

ثم إنه يظهر من الأصحاب هنا قولان آخران:

أحدهما:جريان هذا الأصل في طرف مجهول التأريخ،و إثبات تأخره عن معلوم التأريخ بذلك (2) .و هو ظاهر المشهور،و قد صرح بالعمل به الشيخ و ابن حمزة و المحقق و العلامة و الشهيدان و غيرهم في بعض الموارد.

منها:مسألة اتفاق الوارثين على إسلام أحدهما في غرة رمضان و اختلافهما في موت المورث قبل الغرة أو بعدها،فإنهم حكموا بأن القول قول مدعي اللهم إلا أن يتمسك باصالة عدم انغساله بالكر بمفاد كان التامة،لا بأصالة عدم تحقق الملاقاة حين الكرية بمفاد كان الناقصة.فتأمل جيدا.

(1)إذ لا يقين بعدمه في ظرف زمان الآخر حتى يستصحب.

نعم يمكن اليقين به من باب السالبة بانتفاء الموضوع،حيث أنه قبل تحقق مجهول التاريخ حين عدمه الازلي يعلم بعدم وجود معلوم التاريخ حينه.فيمكن استصحابه من باب استصحاب العدم الازلي،الذي لا مانع من التمسك به على الظاهر.

و حينئذ فيتعين الجواب عنه بما سبق منا في وجه عدم جريان استصحاب عدم الشيء بالإضافة إلى مجهول التاريخ ذاتا.فلاحظ.

(2)الذي عرفت أنه من الأصل المثبت،لان تأخر الموجود ملازم لعدم سبق وجوده.

ص: 394

تأخر الموت (1) .

نعم،ربما يظهر من إطلاقهم التوقف في بعض المقامات-من غير تفصيل بين العلم بتأريخ أحد الحادثين و بين الجهل بهما-عدم العمل بالأصل في المجهول مع علم تأريخ الآخر،كمسألة اشتباه تقدم الطهارة أو الحدث (2) ،و مسألة اشتباه الجمعتين (3) ،و اشتباه موت المتوارثين (4) ، و مسألة اشتباه تقدم رجوع المرتهن عن الإذن في البيع على وقوع البيع أو تأخره عنه (5) ،و غير ذلك.

(1)لان الأثر هنا لتأخر الموت عن الاسلام،ليحرز موت المورث عن وارث مسلم،لا لمحض عدم الموت إلى حين الاسلام،كما تقدم في الأمر السادس.

(2)لا يخفى أن تأخر الحادث هنا لا يلحظ بالإضافة إلى حادث آخر،بل في عمود الزمان فلا اثر لتأخر الطهارة عن الحدث و لا العكس،بل الأثر لاستمرار كل منهما في نفسه.

نعم هو مشابه لما نحن فيه في تعارض الأصلين.و جريان الأصل في معلوم التاريخ دون مجهوله.

(3)فإن أصالة عدم تحقق الجمعة المجهولة التاريخ عند قيام الجمعة المعلومة التاريخ محرزة لصحتها بلا حاجة إلى إحراز تأخر المجهولة عنها،فاطلاقهم لا يناسب ما ذكره المصنف من التفصيل.

(4)فإن أصالة عدم موت كل منهما حين موت الآخر يقتضي ارثه منه،من دون حاجة إلى إحراز تأخر موته عنه،فهو كاشتباه الجمعتين.

(5)فإن أصالة بقاء الاذن إلى حين البيع كاف في صحة البيع بلا حاجة إحراز تأخر الرجوع عن البيع.

كما أن أصالة عدم تحقق البيع عن الاذن كاف في عدم ترتب أثر البيع بلا

ص: 395

لكن الإنصاف:عدم الوثوق بهذا الإطلاق،بل هو إما محمول على صورة الجهل بتأريخهما-و أحالوا صورة العلم بتأريخ أحدهما على ما صرحوا به في مقام آخر-أو على محامل أخر (1) .

و كيف كان،فحكمهم في مسألة الاختلاف في تقدم الموت على الإسلام و تأخره (2) مع إطلاقهم في تلك الموارد،من قبيل النص و الظاهر.

مع أن جماعة منهم نصوا على تقييد هذا الإطلاق في موارد،كالشهيدين في الدروس و المسالك في مسألة الاختلاف في تقدم الرجوع عن الإذن في بيع الرهن على بيعه و تأخره،و العلامة الطباطبائي في مسألة اشتباه السابق من الحدث و الطهارة.

هذا،مع أنه لا يخفى-على متتبع موارد هذه المسائل و شبهها مما يرجع في حكمها إلى الأصول-أن غفلة بعضهم بل أكثرهم عن مجاري الأصول في بعض شقوق المسألة غير عزيزة.

الثاني:عدم العمل بالأصل و إلحاق صورة جهل تأريخ أحدهما بصورة جهل تأريخهما (3) .

حاجة إلى إحراز تأخر البيع عن الاذن.فتأمل.

(1)لعله يريد ما سيأتي في آخر كلامه من احتمال غفلتهم.

(2)يعني:مع فرض العلم بتاريخ الاسلام،كما تقدم منهم.

(3)هذا راجع إلى ما أشار إليه بعد ذكر القول الأول بقوله:«نعم ربما يظهر من إطلاقهم...»فكان اللازم ذكرهما في سياق واحد.

ص: 396

و قد صرح به بعض المعاصرين (1) -تبعا لبعض الأساطين- مستشهدا على ذلك بعدم تفصيل الجماعة (2) في مسألة الجمعتين و الطهارة و الحدث و موت المتوارثين،مستدلا على ذلك بأن التأخر ليس أمرا مطابقا للأصل.

و ظاهر استدلاله إرادة ما ذكرنا:من عدم ترتيب أحكام صفة التأخر و كون المجهول متحققا بعد المعلوم.

لكن ظاهر استشهاده بعدم تفصيل الأصحاب في المسائل المذكورة إرادة عدم ثمرة مترتبة على العلم بتأريخ أحدهما أصلا (3) .فإذا فرضنا العلم بموت زيد في يوم الجمعة،و شككنا في حياة ولده في ذلك الزمان، فالأصل بقاء حياة ولده،فيحكم له بإرث أبيه،و ظاهر هذا القائل عدم الحكم بذلك،و كون حكمه حكم الجهل بتأريخ موت زيد أيضا في عدم التوارث بينهما.

و كيف كان،فإن أراد هذا القائل ترتيب آثار تأخر ذلك الحادث -كما هو ظاهر المشهور (4) -فإنكاره في محله.

(1)حكي عن صاحب الجواهر قدّس سرّه.

(2)يعني:بين الجهل بتاريخ كلا الحادثين و الجهل بتاريخ أحدهما مع العلم بالثاني.

(3)لما عرفت من أن الآثار الشرعية في الفروع المتقدمة غير مرتبة على محض عدم وجود احد الحادثين في زمان الآخر،لا على صفة تأخره عنه.

(4)لما ذكروه في مسألة اتفاق الوارثين على إسلام أحدهما في غرة رمضان او اختلافهما في زمان موت المورث.

ص: 397

و إن أراد عدم جواز التمسك باستصحاب عدم ذلك الحادث (1) و وجود ضده (2) و ترتيب جميع آثاره الشرعية في زمان الشك،فلا وجه لإنكاره،إذ لا يعقل الفرق بين مستصحب علم بارتفاعه في زمان (3) و ما لم يعلم (4) .

و أما ما ذكره:من عدم تفصيل الأصحاب في مسألة الجمعتين و أخواتها،فقد عرفت ما فيه (5) .

فالحاصل:أن المعتبر في مورد الشك في تأخر حادث عن آخر استصحاب عدم الحادث في زمان حدوث الآخر.

(1)كالموت.

(2)كالحياة.

(3)يعني مردد بين المتأخر و المتقدم،كما فيما نحن فيه.

(4)يعني:ما لم يعلم ارتفاعه و احتمل بقاؤه،كما لو مات الوالد و شك في حياة ولده،فإنه لا اشكال ظاهرا عندهم في الرجوع إلى استصحاب حياة الولد و عدم موته،فيرث من أبيه.

و لا فرق بينه و بين ما نحن فيه إلا في أن المستصحب معلوم الارتفاع و لا يعلم تاريخ ارتفاعه،كما لو علم بموت الولد و شك في تقدمه على موت الاب المعلوم التاريخ أو تأخره عنه،و مثل هذا لا يكون فارقا،لان الأثر إذا كان مترتبا على محض استمرار المستصحب بلا حاجة إلى إحراز تأخر ارتفاعه عن الحادث الآخر فالاستصحاب من شأنه إحراز ذلك سواء علم بالانتفاض بعد ذلك أم لم يعلم كما تقدم في صدر هذا التنبيه.

(5)حيث عرفت قرب حمله على صورة الجهل بالتاريخين معا.

ص: 398

فإن كان زمان حدوثه معلوما فيجري أحكام بقاء المستصحب في زمان الحادث المعلوم لا غيرها (1) ،فإذا علم بتطهره في الساعة الأولى من النهار،و شك في تحقق الحدث قبل تلك الساعة أو بعدها،فالأصل عدم الحدث فيما قبل الساعة،لكن لا يلزم من ذلك ارتفاع الطهارة المتحققة في الساعة الأولى (2) ،كما تخيله بعض الفحول.

و إن كان مجهولا كان حكمه حكم أحد الحادثين المعلوم حدوث أحدهما إجمالا،و سيجيء توضيحه (3) .

صحة الاستصحاب القهقرى بناء على الأصل المثبت

و اعلم:أنه قد يوجد شيء في زمان و يشك في مبدئه،و يحكم بتقدمه، لأن تأخره لازم لحدوث حادث آخر قبله و الأصل عدمه،و قد يسمى ذلك بالاستصحاب القهقرى.

مثاله:أنه إذا ثبت أن صيغة الأمر حقيقة في الوجوب في عرفنا، و شك في كونها كذلك قبل ذلك حتى تحمل خطابات الشارع على ذلك، فيقال:مقتضى الأصل كون الصيغة حقيقة فيه في ذلك الزمان،بل قبله،إذ لو كان في ذلك الزمان حقيقة في غيره لزم النقل و تعدد الوضع،و الأصل عدمه.

(1)يعني:دون آثار تأخر ارتفاعه عنه.

(2)لانه موقوف على تحقق الحدث بعد الساعة الأولى و تأخره عن الطهارة و الأصل لا يحرز التأخر.

(3)الظاهر أنه إشارة إلى ما يأتي منه في تعارض الاستصحابين.لكن ظاهره هناك.قصور دليل الاستصحاب عن شمولها،لا شموله لهما و سقوطه بالمعارضة، كما أشرنا إليه قريبا.

ص: 399

الاتفاق على هذا الاستصحاب في الأصول اللفظية

و هذا إنما يصح بناء على الأصل المثبت،و قد استظهرنا سابقا أنه (1) متفق عليه في الأصول اللفظية (2) ،و مورده:صورة الشك في وحدة المعنى و تعدده.أما إذا علم التعدد و شك في مبدأ حدوث الوضع المعلوم في زماننا،فمقتضى الأصل عدم ثبوته قبل الزمان المعلوم،و لذا اتفقوا في مسألة الحقيقة الشرعية على أن الأصل فيها عدم الثبوت (3) .

(1)يعني:الأصل المثبت.

(2)لانها ثابته ببناء العقلاء،فإذا فرض بناؤهم على ترتيب اللوازم كان لا بد من البناء على ترتيبها بعد قيام الدليل على إمضاء الشارع لبناء العقلاء المذكور.

(3)مع أنه لا إشكال في حصول الوضع للمعنى الجديد و لو من المتشرعة.

ص: 400

الأمر الثامن

التنبيه الثامن:هل يجري استصحاب صحة العبادة عند الشك في طروء مفسد؟

اشارة

قد يستصحب صحة العبادة عند الشك في طرو مفسد،كفقد ما يشك في اعتبار وجوده في العبادة،أو وجود ما يشك في اعتبار عدمه.و قد اشتهر التمسك بها بين الأصحاب،كالشيخ و الحلي و المحقق و العلامة و غيرهم.

و تحقيقه و توضيح مورد جريانه (1) :أنه لا شك و لا ريب في أن المراد بالصحة المستصحبة ليس صحة مجموع العمل،لأن الفرض التمسك به عند الشك في الأثناء (2) .

(1)تقدم تفصيل الكلام فيه من المصنف قدّس سرّه و منا في التنبيه الأول من تنبيهات مسألة الاقل و الاكثر الارتباطيين في الشك في الركنية في المسألة الثانية في زيادة الجزء عمدا.فراجع.

(2)بل لو فرض الشك بعد الفراغ للغفلة في الاثناء فلا مجال لاستصحاب صحة المجموع لعدم اليقين بها سابقا بعد فرض احتمال كون ما طرأ في الاثناء مبطلا.

ص: 401

و أما صحة الأجزاء السابقة فالمراد بها:إما موافقتها للأمر المتعلق بها،و إما ترتب الأثر عليها:

أما موافقتها للأمر المتعلق بها،فالمفروض أنها متيقنة (1) ،سواء فسد العمل أم لا،لأن فساد العمل لا يوجب خروج الأجزاء المأتي بها على طبق الأمر المتعلق بها عن كونها (2) كذلك،ضرورة عدم انقلاب الشيء عما وجد عليه.

و أما ترتب الأثر،فليس الثابت منه للجزء-من حيث إنه جزء- إلا كونه بحيث لو ضم إليه الأجزاء الباقية مع الشرائط المعتبرة لالتأم الكل (3) ،في مقابل الجزء الفاسد،و هو الذي لا يلزم من ضم باقي (1)لفرض مطابقة كل جزء لامره و حصول تمام ما يعتبر فيه،و الشك الفساد ناش من احتمال كون ما طرأ مبطلا لا لاحتمال خلل في الجزء.

لكن تقدم الإشكال في ذلك بان الارتباطية بين الاجزاء موجبة لعدم مطابقة كل جزء لامره إلا بانضمامه لبقية الاجزاء و الشرائط،و عليه فلا يقين بمطابقة كل جزء لامره قبل التمام.فراجع.

(2)متعلق بقوله:«خروج».

(3)هذا راجع إلى كون الأثر شأنية ترتب المركب المنتزعة من صدق الشرطية، و هي قولنا:ان ضم اليه بقية الاجزاء و الشرائط لحصل المركب.و قد تقدم الإشكال في تفسير الأثر بذلك و أن الظاهر أن الأثر هو حصول اثر المركب و فعليته حال انضمام بقية الاجزاء و الشرائط إليه،فمع فقد بعض ما يعتبر في المركب لا يحصل اثر الجزء فلا يكون صحيحا،و مع الشك في ذلك يشك في صحة الجزء من أول الأمر و ليس متيقنا كما ذكره المصنف قدّس سرّه.

ص: 402

الأجزاء و الشرائط إليه وجود الكل.

و من المعلوم أن هذا الأثر موجود في الجزء (1) دائما،سواء قطع بضم الأجزاء الباقية،أم قطع بعدمه،أم شك في ذلك.فإذا شك في حصول الفساد من غير جهة تلك الأجزاء،فالقطع ببقاء صحة تلك الأجزاء لا ينفع في تحقق الكل مع وصف (2) هذا الشك،فضلا عن استصحاب الصحة.مع ما عرفت:من أنه ليس الشك في بقاء صحة تلك الأجزاء (3) ،بأي معنى اعتبر من معاني الصحة.

و من هنا،رد هذا الاستصحاب جماعة من المعاصرين ممن يرى حجية الاستصحاب مطلقا.

مختار المصنف التفصيل

لكن التحقيق:التفصيل بين موارد التمسك.

بيانه:أنه قد يكون الشك في الفساد من جهة احتمال فقد أمر معتبر أو وجود أمر مانع،و هذا هو الذي لا يعتنى في نفيه باستصحاب الصحة، لما عرفت:من أن فقد بعض ما يعتبر من الامور اللاحقة لا يقدح في صحة الأجزاء السابقة.

و قد يكون من جهة عروض ما ينقطع معه الهيئة الاتصالية المعتبرة (1)لفرض عدم الخلل فيه و أن الشك في الفساد من جهة أخرى،و هي طروء ما يحتمل كونه مفسدا.

(2)الظاهر أن المراد:مع حصول هذا الشك،و هو الشك في البطلان من غير جهة الجزء.

(3)بل في حصول المبطل المانع من صحة المركب.

ص: 403

في الصلاة،فإنا استكشفنا-من (1) تعبير الشارع عن بعض ما يعتبر عدمه في الصلاة بالقواطع-أن (2) للصلاة هيئة اتصالية ينافيها توسط بعض الأشياء في خلال أجزائها،الموجب لخروج الأجزاء اللاحقة عن قابلية الانضمام و الأجزاء السابقة عن قابلية الانضمام إليها،فإذا شك في شيء من ذلك وجودا أو صفة جرى استصحاب صحة الأجزاء-بمعنى بقائها على القابلية المذكورة (3) -فيتفرع على ذلك عدم وجوب استئنافها،أو استصحاب (4) الاتصال (5) الملحوظ بين الأجزاء السابقة و ما يلحقها من الأجزاء الباقية،فيتفرع عليه بقاء الأمر بالإتمام (6) .

و هذا الكلام و إن كان قابلا للنقض و الإبرام (7) ،إلا أن الأظهر (1)تقدم الإشكال في الاستكشاف المذكور.

(2)مفعول به لقوله:«استكشفنا».

(3)إحراز القابلية المذكورة لا يقتضي فعلية الاتصال و تحقق الهيئة الاتصالية إلا بناء على الأصل المثبت أو الاستصحاب التعليقي.

(4)عطف على(استصحاب)في قوله:«جرى استصحاب صحة لأجزاء».

(5)يعني:الاتصال الفعلي الذي كان متحققا قبل عروض محتمل القاطعية، و الذي فرض اعتباره في العبادة،و هو من الامور التدريجية قائم بالاجزاء المتعاقبة، و له نحو من الوجود الاستمراري الواحد.

(6)الاتمام ليس من أحكام بقاء الهيئة الاتصالية إلا في خصوص الصلاة، حيث ثبت بالاجماع عدم جواز القطع و الأثر المهم هو تمامية ما وقع و عدم وجوب استئنافه كما ذكره في الوجه الأول للاستصحاب.

(7)تقدم منه الإشكال فيه بان الاتصال إن كان بين الاجزاء السابقة فهو باق

ص: 404

بحسب المسامحة العرفية في كثير من الاستصحابات (1) جريان الاستصحاب في المقام.

التمسك باستصحاب حرمة القطع و مناقشته

و ربما يتمسك في مطلق الشك في الفساد (2) ،باستصحاب حرمة القطع و وجوب المضي.

و فيه:أن الموضوع في هذا المستصحب هو الفعل الصحيح لا محالة، و المفروض الشك في الصحة (3) .

لا ينفع،و إن كان بينها و بين ما لحقها من الاجزاء فالشك في وجوده لا في بقائه.

(1)تقدم منه قدّس سرّه التنظير للمقام باستصحاب الكرية المبني على التسامح في موضوع الاستصحاب فكما يقال عند العرف:كان هذا الماء كرا فهو كما كان كذلك يقولون:كانت الهيئة الاتصالية موجودة في الصلاة فهي باقية.

لكن سبق الإشكال في الاعتماد على التسامح العرفي في موضوع الاستصحاب و يأتي في محله توضيحه.

نعم سبق إمكان تصحيح الاستصحاب دون أن يبتني على التسامح العرفي.

و إن سبق فيه الإشكال من وجه آخر.فراجع.

(2)يعني:و إن كان من جهة احتمال طروء المفسد لا القاطع.

(3)لكن قد يدعى أن الصحة من الطوارئ غير المقومة للموضوع عرفا فيصح الاستصحاب بناء على الاكتفاء في موضوعه بالتسامح العرفي،فيقال:كان قطع هذه الصلاة محرما فهو كما كان.

فالأولى الإشكال في الاستصحاب المذكور بما تقدم منه قدّس سرّه من أن الشك في المقام في حصول الانقطاع القهري،فلا يعلم كون رفع اليد عن العمل قطعا حتى يحرم بمقتضى الاستصحاب.فراجع.

ص: 405

و ربما يتمسك في إثبات الصحة في محل الشك،بقوله تعالى: وَ لاٰ تُبْطِلُوا أَعْمٰالَكُمْ .

و قد بينا عدم دلالة الآية على هذا المطلب في أصالة البراءة عند الكلام في مسألة الشك في الشرطية (1) ،و كذلك التمسك بما عداها من العمومات المقتضية للصحة (2) .

(1)تقدم جميع الكلام في ذلك في مسألة الزيادة العمدية عند الكلام في الشك في الركنية في التنبيه الأول من تنبيهات مبحث الدوران بين الأقل و الأكثر الارتباطيين.

(2)لم يتقدم منه قدّس سرّه فى المسألة المذكورة التعرض للاستدلال بغير الآية المذكورة.

مع أنه لا وجه للتوقف في الاستدلال المذكور،بل لو فرض وجود العمومات المقتضية لصحة العبادة و اجزائها مع اشتمالها على ما يشك في مبطليته تعين الرجوع اليها و عدم الاعتناء بالشك المذكور.

نعم قد يستشكل في وجود العمومات المذكورة من حيث كون الخطابات الواردة بالعبادات مجملة لورودها مورد التشريع لا لبيان ماهية الواجب،فلا ظهور لها في الإطلاق كي يرجع إليه في ظرف الشك.

و قد تعرض قدّس سرّه لهذا و نحوه عند الشك في الكلام في الجزئية من جهة إجمال النص،و تقدم منا تعقيبه بما يناسب المقام.

و لعله قدّس سرّه أراد هنا الإشارة إلى ذلك.

ص: 406

الأمر التاسع

التنبيه التاسع:الكلام في جريان الاستصحاب في الأمور الاعتقادية

اشارة

لا فرق في المستصحب بين أن يكون من الموضوعات الخارجية (1) أو اللغوية (2) أو الأحكام الشرعية العملية (3) ،أصولية (4) كانت أو فرعية.

و أما الشرعية الاعتقادية،فلا يعتبر الاستصحاب فيها،لأنه:

إن كان من باب الأخبار فليس مؤداها إلا الحكم على ما كان معمولا به على تقدير اليقين (5) ،و المفروض أن وجوب الاعتقاد بشيء على تقدير اليقين به لا يمكن الحكم به عند الشك،لزوال الاعتقاد فلا (1)كالحياة و البلوغ.

(2)كالقرنية و النقل.و قد سبق في التنبيه السادس المنع من الرجوع فيها للاستصحاب الشرعي.

(3)يعني:التي تكون سببا في العمل إما بنفسها كالأحكام التكليفية،او بتوسط آثارها كالأحكام الوضعية مثل الطهارة و النجاسة.

(4)كالحجية،بناء على ما هو الظاهر من كونها من الأحكام المجعولة.

(5)يعني:الحكم بوجوب البناء على وجوده ليترتب عليه العمل.

ص: 407

يعقل التكليف (1) .

و إن كان من باب الظن فهو مبني على اعتبار الظن في أصول الدين (2) ، (1)بناء على توقف الاعتقاد على العلم أو أنه عينه.

لكن تقدم في التنبيه الخامس من تنبيهات دليل الانسداد إنكار ذلك، فراجع فليس المراد بالاعتقاد المعتبر في أصول الدين ما يلازم العلم،بل ما يقابل الجحود الذي لا يتوقف على العلم،فيمكن للشارع الاقدس التكليف بالرجوع إلى الاستصحاب فى الاعتقاديات.

نعم لا يبعد انصراف أدلة الاستصحاب إلى خصوص مقام العمل،فإنها و إن اقتضت في الأحكام و الموضوعات لزوم البناء،إلا أن المتيقن منه أنه بلحاظ العمل، لا بنفسه مع قطع النظر عنه،و لذا سبق في مبحث العلم الإجمالي من مباحث القطع انه لا يستلزم المخالفة الالتزامية للأحكام الواقعية.

و من ثم اشترط في جريان الأصول ترتب الأثر العملي،و إلا كان التعبد بها لغوا.و لو كان التعبد بها من حيث البناء مع قطع النظر عن العمل لا يلزم اللغوية.

اللهم إلا ان يقال:العمل يختلف باختلاف الامور المستصحبة،ففي الأحكام الفرعية و موضوعاتها يكون العمل بتحريك العضلات،و فى الامور الاعتقادية يكون العمل بالاعتقاد الذي هو من افعال النفس،فهو نحو من العمل المصحح للتعبد.

لكن دعوى الانصراف عن مثل العمل المذكور غير بعيدة عن مقام التعبد.فتأمل.

هذا مع أنه لو فرض شمول إطلاق دليل التعبد لذلك إلا أنه قد يتعين الخروج عنه بما دلّ على لزوم المعرفة في أصول الدين،الظاهرة في إرادة العلم بما هو صفة لا بما هو طريق فلا يقوم مقامه الاستصحاب.

(2)يعني:الاكتفاء بالاعتقاد الظني.لكنه لو تم فالظاهر منه الظن الشخصي و الاستصحاب لا يستلزمه،بل لو كان من الامارات لكان مفيدا للظن نوعا.

ص: 408

بل الظن غير حاصل فيما كان المستصحب من العقائد الثابتة بالعقل أو النقل القطعي،لأن الشك إنما ينشأ من تغير بعض ما يحتمل مدخليته وجودا أو عدما في المستصحب (1) .

نعم،لو شك في نسخه (2) أمكن دعوى الظن،لو لم يكن احتمال النسخ ناشئا عن احتمال نسخ أصل الشريعة،لا نسخ الحكم في تلك الشريعة.

أما الاحتمال الناشئ عن احتمال نسخ الشريعة فلا يحصل الظن (1)يعني:فلا يحرز الموضوع حتى يجري الاستصحاب و يحصل الظن بالبقاء.

لكنه غير ظاهر،فإن الأمور المذكورة إنما تكون دخيلة في بقاء الأمر المعتقد به كالإمامة،لا في مفهومه و لا في موضوعه.فلاحظ.

(2)الظاهر أن المراد نسخ الأمر الذي يجب الاعتقاد به كامامة الامام.لكن الظاهر انه إنما يتصور فيما إذا احتمل عروض فقده لما يعتبر في الامامة،فيدخل فيما ذكره آنفا بقوله:«بل الظن غير حاصل فيما كان المستصحب...»الذي عرفت الكلام فيه.

نعم لا يعهد إطلاق النسخ على رفع مثل ذلك،إذا النسخ إنما يتصور في الأحكام من التكاليف و نحوها،دون مثل هذه الامور التي هي من سنخ المناصب.

و من ثم احتمل كون مراد المصنف قدّس سرّه نسخ الحكم بوجوب الاعتقاد بالشيء و إن كان باقيا.

كما احتمل كون مراده نسخ الأحكام العملية للشريعة كوجوب الصوم.

لكنهما خارجان عن محل الكلام،إذ الكلام في استصحاب الامور التي يجب الاعتقاد بها،كما يظهر من اول كلامه و آخره.

ص: 409

بعدمه (1) ،لأن نسخ الشرائع شايع (2) ،بخلاف نسخ الحكم في شريعة واحدة،فإن الغالب بقاء الأحكام.

لو شك في نسخ أصل الشريعة

و مما ذكرنا يظهر أنه لو شك في نسخ أصل الشريعة لم يجز التمسك بالاستصحاب لإثبات بقائها (3) ،مع أنه لو سلمنا حصول الظن فلا دليل على حجيته حينئذ،لعدم مساعدة العقل عليه و إن انسد باب العلم،لإمكان (4) (1)لكن المدار في الاستصحاب ليس على الظن الشخصي،بل الظن النوعي المدعى الذي لا تضر فيه غلبة الانتفاض في خصوص المورد،كما سبق الكلام فيه فى الأمر الرابع من الامور التي الحقها المصنف قدّس سرّه بتعريف الاستصحاب.

و منه يظهر الحال لو كان المراد نسخ الحكم بوجوب الاعتقاد،أو نسخ الحكم الفرعي الذي هو من أحكام الشريعة الذي تقدم احتماله في كلام المصنف قدّس سرّه فإن أصالة عدم النسخ محكمة عند العقلاء و لو مع احتمال نسخ الشريعة.

(2)فإن جميع الشرائع منسوخة عدا شريعتنا المقدسة التي هي خاتمة الشرائع.

(3)كانه من جهة الغلبة المانعة من حصول الظن.

لكن عرفت الإشكال في ذلك.

(4)إمكان الاحتياط لا ينافي جريان الاستصحاب سواء كان مستندا لحكم العقل أم للأخبار،كما لا يخفى.

و لو فرض عدم جريانه في نفسه لم ينفع تعذر الاحتياط في جريانه.إلا أن يكون مراده الإشكال في أصل البناء على حجية الاستصحاب من باب الظن كما تقدم منه عند الكلام في أدلة حجية الاستصحاب و يأتي في بعض الوجوه الآتية.

لكنه خروج عن مفروض الكلام.فلاحظ.

ص: 410

الاحتياط إلا فيما لا يمكن (1) .و الدليل النقلي الدال عليه (2) لا يجدي، لعدم ثبوت الشريعة السابقة و لا اللاحقة (3) .

(1)إن كان المراد بالاحتياط هو الاحتياط في أحكام الشريعتين السابقة و اللاحقة التي يحتمل نسخها لها-فهو-مع خروجه عما نحن فيه،لما عرفت من أن الكلام في الامور الاعتقادية-متعذر غالبا لكثرة اختلاف الشرائع في الأحكام غالبا.

و إن كان المراد الاحتياط في الاعتقاد بأصول الشريعتين كالنبوة فمن الظاهر تعذر الاعتقاد التفصيلي دائما لما فيه من محذور التشريع،و إمكان الاعتقاد الاجمالي بما هو الواقع دائما،فيذعن المكلف بنبوة النبي الواقعي و يسلم بذلك نظير تسليمنا بنبوة الانبياء السابقين و تصديقهم مع عدم معرفتنا لاشخاص اكثرهم.

(2)يعني:على الاستصحاب.

(3)يعني:و الدليل النقلي إنما يكون حجة بعد فرض حجية الشريعة التي ورد فيها.

اللهم إلا أن يدعى اتفاق الشريعتين على حجية الاستصحاب،إذ حينئذ يكفي فى حجيته العلم الإجمالي بثبوت إحداهما.

و بالجملة:ما ذكره المصنف قدّس سرّه في المنع من الاستصحاب غير تام سواء كان مأخوذا من العقل أم من النقل.

و الذي ينبغي أن يقال:إن أريد باستصحاب الشريعة استصحاب أحكامها الفرعية فالظاهر أنه لا بأس به مع اتفاق الشريعتين على حجية الاستصحاب بناء على جريان الاستصحاب عند احتمال النسخ،كما تقدم الكلام فيه في التنبيه الخامس.

و كذا بناء على كونه مستفادا من حكم العقل.إلا أنه لا بد فيه من الفحص كما سيأتي.و إن أريد به الاعتقاد بأصولها كنبوة النبي فلا مجال له بناء على انه يجب الاعتقاد عن علم و معرفة فإن الاستصحاب لا يقتضي ذلك.نعم الشك في النسخ لا

ص: 411

تمسك بعض أهل الكتاب باستصحاب شرعه

فعلم مما ذكرنا أن ما يحكى:من تمسك بعض أهل الكتاب-في مناظرة بعض الفضلاء السادة-باستصحاب شرعه،مما لا وجه له (1) ، إلا أن يريد جعل البينة على المسلمين في دعوى الشريعة الناسخة،إما لدفع كلفة الاستدلال عن نفسه،و إما لإبطال دعوى المدعي،بناء على أن مدعي الدين الجديد كمدعي النبوة يحتاج إلى برهان قاطع،فعدم الدليل القاطع للعذر على الدين الجديد-كالنبي الجديد-دليل قطعي على عدمه بحكم العادة،بل العقل (2) ،فغرض الكتابي إثبات حقية دينه (3) بأسهل الوجهين.

بعض الأجوبة عن استصحاب الكتابي و مناقشتها

ثم إنه قد أجيب عن استصحاب الكتابي المذكور بأجوبة:

منها:ما حكي عن بعض الفضلاء المناظرين له:

يقتضي الشك في نبوة النبي و لا عدم وجوب الاعتقاد به،بل يجب الاعتقاد بكل نبي مرسل و إن كانت شريعته منسوخة كما أوضحناه في حاشية الكفاية.فلاحظ.

(1)بناء على ذكرنا يتم الوجه له لو كان المقصود به التعبد بالأحكام.

(2)لحكمه بوجوب تأييد النبي الحق بما يقطع العذر بمقتضى وجوب اللطف و تحقيقا للغرض من إرسال النبي،إذ ليس الغرض منه إلا اقامة الحجة على الناس و هدايتهم و هما موقوفان على ذلك.

(3)كون دينه حقا ليس موردا للاشكال فلا يحتاج إلى اثبات.و إنما غرضه ابطال ديننا،و من الظاهر أن استدلاله لا يقتضي ذلك،إذ غاية ما يقتضيه احتياج ديننا للدليل و الاثبات،و هو لا يقتضي بطلانه إلا بعد فرض فقد الدليل الذي هو ملازم لبطلان الدين كما سبق.فلاحظ.

ص: 412

و هو أنّا نؤمن و نعترف بنبوة كل من موسى و عيسى أقر بنبوة نبينا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و كافر بنبوة كل من لم يقر بذلك.و هذا مضمون ما ذكره مولانا الرضا عليه السّلام في جواب الجاثليق.

و هذا الجواب بظاهره مخدوش بما عن الكتابي:من أن موسى بن عمران أو عيسى بن مريم شخص واحد و جزئي حقيقي اعترف المسلمون و أهل الكتاب بنبوته،فعلى المسلمين نسخها.

و أما ما ذكره الإمام عليه السّلام،فلعله أراد به غير ظاهره،بقرينة ظاهرة بينه و بين الجاثليق.و سيأتي ما يمكن أن يؤول به.

و منها:ما ذكره بعض المعاصرين (1) :من أن استصحاب النبوة معارض باستصحاب عدمها الثابت قبل حدوث أصل النبوة،بناء على أصل فاسد تقدم حكايته عنه (2) ،و هو:أن الحكم الشرعي الموجود يقتصر فيه على القدر المتيقن،و بعده يتعارض استصحاب وجوده و استصحاب عدمه.

و قد أوضحنا فساده بما لا مزيد عليه.

و منها:ما ذكره في القوانين-بانيا له على ما تقدم منه في الأمر الأول:

من أن الاستصحاب مشروط بمعرفة استعداد المستصحب (3) ،فلا يجوز (1)الظاهر ان المراد به الفاضل النراقي.

(2)تقدم نقل ذلك عن النراقي في التنبيه الثاني.

(3)ذكر هذا في استصحاب الامور الكلية دون الجزئية،كما يظهر بملاحظة كلامه المتقدم هناك.

ص: 413

استصحاب حياة الحيوان المردد بين حيوانين مختلفين في الاستعداد بعد انقضاء مدة استعداد أقلهما استعدادا-قال:

«إن موضوع الاستصحاب لا بد أن يكون متعينا حتى يجري على منواله،و لم يتعين هنا إلا النبوة في الجملة،و هي كلي من حيث إنها قابلة للنبوة إلى آخر الأبد،بأن يقول اللّه جل ذكره لموسى عليه السّلام:«أنت نبيي و صاحب ديني إلى آخر الأبد».و لأن يكون إلى زمان محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و لأن يكون غير مغيّا بغاية (1) ،بأن يقول:«أنت نبيي»بدون أحد القيدين.فعلى الخصم أن يثبت:إما التصريح بالامتداد إلى آخر الأبد،أو الإطلاق.و لا سبيل إلى الأول،مع أنه يخرج عن الاستصحاب (2) .و لا إلى الثاني،لأن الإطلاق في معنى القيد،فلا بد من إثباته.و من المعلوم أن مطلق النبوة غير النبوة المطلقة،و الذي يمكن استصحابه هو الثاني دون الأول،إذ الكلي لا يمكن استصحابه إلا بما يمكن من بقاء أقل أفراده،انتهى موضع الحاجة».

و فيه:

أولا:ما تقدم،من عدم توقف جريان الاستصحاب على إحراز استعداد المستصحب (3) .

(1)هذا إنما يتصور في مقام البيان و الاثبات،حيث أن بيان النبوة قد يكون مع التصريح بالتعميم،و قد يكون مع التصريح بالتقييد،و قد يكون بدونهما.أما في الواقع و مقام الاثبات فالحكم المجعول إما مستمر أو مغيّا و لا ثالث لهما لامتناع الإهمال في مقام الثبوت،إذ لا واقع للمهمل.

(2)فإنه يوجب اليقين بالاستمرار بلا حاجة إلى الاستصحاب.

(3)بناء على ما هو المشهور من جريان الاستصحاب مع الشك في المقتضي،

ص: 414

و ثانيا:أن ما ذكره-من أن الإطلاق غير ثابت،لأنه في معنى القيد- غير صحيح،لأن عدم التقييد مطابق للأصل (1) .نعم،المخالف للأصل الذي هو المحكي عن صاحب القوانين.و إن كان لا يتم بناء على مختار المصنف قدّس سرّه.

(1)عدم التقييد في مقام البيان و إن كان مطابقا للاصل،إلا أن الأصل المذكور لا أثر له.إذ ليس الغرض منه إلا اثبات الظهور في الاستمرار و لا مجال لذلك في المقام،لما عرفت من أن الأصل المذكور من الأصول العقلائية لا الشرعية، و إلا فهي مثبتة و ليست بحجة.

و العقلاء إنما يحكمون بها بعد الاطلاع على كلام المتكلم و عدم الاطلاع على القيد فيه،لا في مثل المقام مما لا يطلع فيه على كلام المتكلم و لا يعلم أن كلامه مشتمل على القيد أو لا،فإنهم لا يبنون في مثل ذلك على الاستمرار.

و بالجملة:إن أريد بعدم التقييد ما يساوق الظهور في الاستمرار،فلا مجال لاثباته في المقام لا بالأصل الشرعي لانه مثبت،و لا بالأصل العقلائي،لعدم بناء العقلاء عليه،فما ذكره المحقق القمي قدّس سرّه في محله.

نعم كان عليه أن يتعرض إلى أنه لو تم أغنى عن استصحاب نفس النبوة،لأن الظهور في الاستمرار حاكم على الاستصحاب.اللهم إلا أن يكون مراده من عدم التقييد ما يساوق عدم الظهور في التقييد و لو مع الإجمال و الاهمال في مقام البيان.

و كان المصنف قدّس سرّه قد فهم منه ذلك فيتم حينئذ ما ذكره المصنف قدّس سرّه من كونه مقتضى الأصل.

مضافا إلى أن إحرازه لا ينفع في جريان الاستصحاب بناء على ما ذكره في القوانين من أن الاستصحاب لا يجري إلا مع إحراز استعداد المستصحب الكلي للبقاء،لأن إجمال الخطاب بالنبوة لا ينافي ترددها واقعا بين فردين معلوم الزوال و معلوم البقاء،و ليس الإجمال راجعا إلى فرد ثالث من النبوة قابل في نفسه للبقاء، ليكون من استصحاب الفرد،لما عرفت من امتناع الإجمال و الاهمال في مقام الثبوت.

ص: 415

الإطلاق بمعنى العموم الراجع إلى الدوام.

و الحاصل:أن هنا في الواقع و نفس الأمر نبوة مستدامة إلى آخر الأبد،و نبوة مغياة إلى وقت خاص،و لا ثالث لهما في الواقع،فالنبوة المطلقة -بمعنى غير المقيدة (1) -و مطلق النبوة سيان في التردد بين الاستمرار و التوقيت،فلا وجه لإجراء الاستصحاب على أحدهما دون الآخر.

إلا أن يريد-بقرينة ما ذكره بعد ذلك،من أن المراد من مطلقات كل شريعة بحكم الاستقراء الدوام و الاستمرار إلى أن يثبت الرافع-أن المطلق في حكم الاستمرار،فالشك فيه شك في الرافع (2) ،بخلاف مطلق النبوة،فإن استعداده غير محرز عند الشك،فهو من قبيل الحيوان المردد بين مختلفي الاستعداد.

و ثالثا:أن ما ذكره منقوض بالاستصحاب في الأحكام الشرعية، لجريان ما ذكره في كثير منها،بل في أكثرها (3) .

فلاحظ.

(1)المستلزمة للاجمال في مقام الثبوت،لا للظهور في الاستمرار.

(2)هذا لا يرجع إلى محصل،لان الاستقراء المذكور إن كان حجة أغنى عن الاستصحاب،و كان هو المرجع دونه،و إن لم يكن حجة بقي المطلق مجملا،و كانت النبوة مرددة بين فردين معلوم البقاء و معلوم الارتفاع،كمطلق النبوة.فلاحظ.

على أنه لا معنى لحمل ما تقدم منه في النبوة على ما يأتي منه في الأحكام مع تصريح المحقق القمي بالفرق بين النبوة و الأحكام بغلبة الاستمرار في الأحكام دون النبوة،كما سيأتي.

(3)بل في جميعها،لانها إما مؤبدة أو مغياة أو مطلقة.

ص: 416

و قد تفطن لورود هذا عليه،و دفعه بما لا يندفع به،فقال:

«إن التتبع و الاستقراء يحكمان بأن غالب الأحكام الشرعية-في غير ما ثبت في الشرع له حد-ليست بآنية،و لا محدودة إلى حد معين،و أن الشارع اكتفى فيما ورد عنه مطلقا في استمراره،و يظهر عن الخارج أنه أراد عنه الاستمرار،فإن من تتبع أكثر الموارد و استقرأها يحصل الظن القوي بأن مراده من تلك المطلقات هو الاستمرار إلى أن يثبت الرافع من دليل عقلي أو نقلي»،انتهى.

و لا يخفى ما فيه:

أما أولا:فلأن مورد النقض لا يختص بما شك في رفع الحكم الشرعي الكلي،بل قد يكون الشك لتبدل ما يحتمل مدخليته في بقاء الحكم،كتغير الماء للنجاسة (1) .

و أما ثانيا:فلأن الشك في رفع الحكم الشرعي إنما هو بحسب ظاهر دليله الظاهر في الاستمرار-بنفسه أو بمعونة القرائن،مثل الاستقراء الذي ذكره في المطلقات-لكن الحكم الشرعي الكلي في الحقيقة إنما يرتفع بتمام استعداده،حتى في النسخ،فضلا عن نحو الخيار المردد بين كونه على الفور و التراخي،و النسخ أيضا رفع صوري،و حقيقته انتهاء استعداد الحكم،فالشك في بقاء الحكم الشرعي لا يكون إلا من جهة الشك في مقدار استعداده،نظير الحيوان المجهول استعداده.

(1)يعني:و في مثله لا غلبة في البقاء،بل يكون الشك فيه راجعا إلى الشك فى مقدار الاستعداد للبقاء،فيجري فيه ما سبق.

ص: 417

و أما ثالثا:فلأن ما ذكره-من حصول الظن بإرادة الاستمرار من الإطلاق-لو تم،يكون دليلا اجتهاديا مغنيا عن التمسك بالاستصحاب، فإن التحقيق:أن الشك في نسخ الحكم المدلول عليه بدليل ظاهر-في نفسه أو بمعونة دليل خارجي-في الاستمرار،ليس موردا للاستصحاب، لوجود الدليل الاجتهادي في مورد الشك،و هو ظن الاستمرار.نعم، هو من قبيل استصحاب حكم العام إلى أن يرد المخصص،و هو ليس استصحابا في حكم شرعي (1) ،كما لا يخفى.

ثم إنه قدّس سرّه أورد على ما ذكره-من قضاء التتبع بغلبة الاستمرار في ما ظاهره الإطلاق-:بأن النبوة أيضا من تلك الأحكام.

ثم أجاب:بأن غالب النبوات محدودة،و الذي ثبت علينا استمراره نبوة نبينا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و لا يخفى ما في هذا الجواب:أما أولا:فلأن نسخ أكثر النبوات لا يستلزم تحديدها،فللخصم أن يدعي ظهور أدلتها (2) -في أنفسها أو بمعونة (1)بل هو استصحاب للعموم،المراد من أصالة العموم التي عرفت أنها من الأصول العقلائية غير المبتنية على الاستصحاب التعبدي.

(2)دعوى ظهور الأدلة إن كانت راجعة إلى دعوى اشتمالها على قرنية التأبيد فلا طريق لا ثبات ذلك،بل لا يظن من احد دعوى ذلك بعد تسالم الشرائع السابقة ظاهرا على التبشير بالشريعة الخاتمة و إن وقع الكلام في تعيينها.

و لو سلم ذلك خرج عن الاستصحاب،كما سبق من القوانين.

و إن كانت راجعة إلى دعوى الإطلاق فقد عرفت من صاحب القوانين أن حمل المطلق على الاستمرار ليس لظهوره فيه في نفسه،بل من جهة الغلبة بحسب

ص: 418

الاستقراء (1) -في الاستمرار،فانكشف نسخ ما نسخ و بقي ما لم يثبت نسخه.

و أما ثانيا:فلأن غلبة التحديد في النبوات غير مجدية،للقطع (2) الاستقراء الذي لا مجال له في الشرائع لغلبة النسخ فيها.

نعم قد يتجه بناء على ما هو التحقيق من أن حمل المطلق على الاستمرار إنما هو لظهوره فيه و لو بمقدمات الحكمة،لا من جهة القرنية الخارجية،كالغلبة.

إلا أنه مشروط-بعدم القرنية على التحديد،و لا مجال لإحراز عدم القرنية في المقام،لما عرفت من أن بناء العقلاء على عدم القرنية مختص بما إذا اطلعوا على كلام المتكلم و لم يطلعوا على التقييد فيه و احتمل ضياعه و لا يجري مع عدم الاطلاع على كلام المتكلم أصلا و جهل حاله.فلاحظ.

(1)عرفت أنه لا مجال لدعوى الاستقراء في المقام بعد كون غالب النبوات محدودة و لا مجال للرجوع في النبوة المشكوكة إلى الغلبة في الامور الأخر غير النبوات، إذ لا بد في الرجوع للغلبة من ملاحظة نوع المشكوك،او صنفه القريب،لا الجنس البعيد له،كما تقدم عند الكلام في الاستدلال بالغلبة على الاستصحاب.

(2)حاصله:ان الرجوع للغلبة و حصول الظن منها إنما هو فيما إذا دار الأمر في مقدار الافراد النادرة بين الاقل و الاكثر،دون ما إذا علم بقدرها و شك في تعيينه، كما في المقام.

فمثلا لو كان لزيد عشرة أولاد و سبعة منهم عدول و اثنان فاسقان و شك في العاشر أمكن دعوى حصول الظن بعدالته بسبب الغلبة.

أما لو علم بأن الفاسق واحد لا غير و شك في تعيينه لم تتوجه دعوى الظن بكون أحدهم المعين عادلا،للغلبة،لان نسبة الفرد النادر و هو الفاسق إلى كل منهم نسبة واحدة فلو كانت الغلبة موجبة للظن.بالإضافة إلى كل فرد فرد لزم الظن بعدم الفسق فى الجميع،و هو ينافى العلم بالموجبة الجزئية.

ص: 419

بكون إحداها مستمرة،فليس ما وقع الكلام في استمراره أمرا ثالثا يتردد بين إلحاقه بالغالب و إلحاقه بالنادر،بل يشك في أنه الفرد النادر أو النادر غيره،فيكون هذا ملحقا (1) بالغالب.

و الحاصل:أن هنا أفرادا غالبة و فردا نادرا،و ليس هنا مشكوك قابل اللحوق بأحدهما،بل الأمر يدور بين كون هذا الفرد هو الأخير النادر، أو ما قبله الغالب،بل قد يثبت بأصالة عدم ما عداه كون هذا هو الأخير المغاير للباقي (2) .

نعم يمكن الظن بعدم كون بعض الافراد المعين هو الفرد النادر لخصوصية فيه من غير جهة الغلبة.

و في المقام حيث كان الشك في تعيين النبوة المستمرة غير المنسوخة لم تنفع الغلبة في حصول الظن بعدم استمرار النبوة السابقة،كما لا يخفى.

لكن ما ذكره قدّس سرّه و إن كان متينا إلا أن إلا يراد به على صاحب القوانين إنما يتوجه لو كان المدعى له حصول الظن بعدم استمرار النبوة السابقة من الغلبة، أما لو كان المدعى له عدم حصول الظن بالاستمرار بسبب الغلبة المذكورة فلا يتوجه الإيراد عليه بذلك،إذ يكفى في عدم حصول الظن بالاستمرار عدم غلبة الاستمرار،فضلا عن غلبة عدمه كما في المقام.

و الظاهر أن مراد القوانين ذلك إذ هو في مقام بيان عدم ظهور الإطلاق في استمرار النبوة،و أنه لا وجه لقياسها على بقية الأحكام الظاهرة فيه بسبب غلبة الاستمرار.فلاحظ.

(1)الأولى أن يقول:فيكون هذا من الغالب،إذ لو كان النادر غير المشكوك كان المشكوك من الغالب واقعا لا ملحقا به ظاهرا.و لعل هذا هو مراد المصنف.

(2)لكن هذا من أوضح أفراد الأصل المثبت الذي عرفت عدم حجية حتى

ص: 420

ثم أورد قدّس سرّه على نفسه:بجواز استصحاب أحكام الشريعة السابقة المطلقة.

و أجاب:بأن إطلاق الأحكام مع اقترانها ببشارة مجيء نبينا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا ينفعهم.

و ربما يورد عليه:أن الكتابي لا يسلم البشارة المذكورة حتى يضره في التمسك بالاستصحاب و لا ينفعه.

و يمكن توجيه كلامه:بأن المراد أنه إذا لم ينفع الإطلاق مع اقترانها بالبشارة،فإذا فرض قضية نبوته مهملة غير دالة إلا على مطلق النبوة،فلا ينفع الإطلاق بعد العلم بتبعية تلك الأحكام لمدة النبوة،فإنها يصير أيضا حينئذ مهملة (1) .

الجواب عن استصحاب الكتابي بوجوه أخر

ثم إنه يمكن الجواب عن الاستصحاب المذكور بوجوه:

الأول:أن المقصود من التمسك به:

إن كان الاقتناع به في العمل عند الشك،فهو-مع مخالفته للمحكي عنه من قوله:«فعليكم كذا و كذا» (2) ،فإنه ظاهر في أن غرضه الإسكات بناء على كون الاستصحاب مفيدا للظن.

(1)و إن شئت قلت:إن الغلبة الموجبة لحمل المطلق على الاستمرار عند صاحب القوانين كما لا تتحقق في النبوة لا تتحقق في أحكام النبوة المحتمل نسخها.

و إنما تختص بالأحكام التي يحتمل نسخها من غير جهة احتمال نسخ النبوة.

(2)لم أعثر على كلامه عاجلا،و المنقول من كلامه هو الالزام باقامة الحجة، و الظاهر أنه لا بد من الاعتراف و التسليم به،إذ مدعي الدين الجديد لا بد له من

ص: 421

و الإلزام-فاسد جدا،لأن العمل به على تقدير تسليم جوازه غير جائز إلا بعد الفحص و البحث،و حينئذ يحصل العلم بأحد الطرفين بناء على ما ثبت:من انفتاح باب العلم في مثل هذه المسألة،كما يدل عليه النص (1) الدال على تعذيب الكفار،و الإجماع المدعى على عدم معذورية الجاهل، خصوصا في هذه المسألة،خصوصا من مثل هذا الشخص الناشئ في بلاد الإسلام.و كيف كان،فلا يبقى مجال للتمسك بالاستصحاب.

و إن أراد به الإسكات و الإلزام،ففيه:أن الاستصحاب ليس دليلا إسكاتيا،لأنه فرع الشك،و هو أمر وجداني-كالقطع-لا يلزم به أحد.

و إن أراد بيان أن مدعي ارتفاع الشريعة السابقة و نسخها محتاج إلى الاستدلال،فهو غلط،لأن (2) مدعي البقاء في مثل المسألة-أيضا-يحتاج إلى الاستدلال عليه (3) .

اقامة الحجة عليه،كما سبق.

(1)هذا و ما بعده يقتضي حصول العلم بخصوص أحقية دين الاسلام إلا أنه لا يمكن إلزام الخصم به.

فالأولى الاستدلال على انفتاح باب العلم بهذه المسألة بما سبق من أنه لا بد من تأييد اللّه سبحانه للدين الجديد بالدليل القاطع الرافع للعذر،و مع عدمه يقطع بعدم صحة الدين الجديد،و على كلا التقديرين لا يرجع للاستصحاب.

(2)هذا لو تم إنما يصلح تعليلا لاحتياج مدعي البقاء للاستدلال،فلا ينافي احتياج مدعي الدين الجديد الناسخ للاستدلال أيضا،بل هو قطعي كما ذكرنا.

(3)كأنه لما سبق من عدم صحة الرجوع للاستصحاب في أصول الدين الاعتقادية.

ص: 422

الثاني:إن اعتبار الاستصحاب إن كان من باب الأخبار،فلا ينفع الكتابي التمسك به،لأن ثبوته في شرعنا مانع عن استصحاب النبوة (1) ، و ثبوته في شرعهم غير معلوم.نعم،لو ثبت ذلك من شريعتهم أمكن التمسك به،لصيرورته حكما إلهيا غير منسوخ (2) يجب تعبد الفريقين به.

و إن كان من باب الظن،فقد عرفت-في صدر المبحث (3) -أن حصول الظن ببقاء الحكم الشرعي الكلي ممنوع جدا،و على تقديره فالعمل بهذا الظن في مسألة النبوة ممنوع (4) .و إرجاع الظن بها إلى الظن بالأحكام الكلية الثابتة في تلك الشريعة (5) أيضا لا يجدي،لمنع الدليل على العمل بالظن (6) ،عدا دليل الانسداد الغير الجاري في المقام مع التمكن من (1)لان ثبوته فرع ثبوت شريعتنا الناسخة لتلك النبوة.

(2)هذا موقوف على ثبوته في كلتا الشريعتين،لا في خصوص الشريعة السابقة.و لعله مراد المصنف قدّس سرّه.

نعم هو موقوف على الفحص،و معه يجري ما عرفت.

(3)يعني:عند الكلام في أدلة حجية الاستصحاب.

(4)كأنه لعدم الاكتفاء بالظن في أصول الدين الاعتقادية،كما سبق.

(5)بأن لا يكون الفرض من الاستصحاب الاعتقاد،بل العمل بالأحكام الفرعية الثابتة في الشريعة السابقة،فلا مانع من الرجوع فيها للظن.

(6)لاصالة عدم حجية الظن.

و كان الأولى الجواب من أول الأمر لا تخصيص المنع أولا بالنبوة،فإنه مع فرض عدم حجية الظن لا فرق بين النبوة و غيرها،و إنما يتصور الفرق بعد فرض

ص: 423

التوقف و الاحتياط في العمل.و نفي الحرج لا دليل عليه في الشريعة السابقة،خصوصا بالنسبة إلى قليل من الناس ممن لم يحصل له العلم بعد الفحص و البحث.

و دعوى:قيام الدليل الخاص على اعتبار هذا الظن،بالتقريب الذي ذكره بعض المعاصرين:من أن شرايع الأنبياء السلف و إن كانت لم تثبت على سبيل الاستمرار،لكنها في الظاهر لم تكن محدودة بزمن معين،بل بمجيء النبي اللاحق،و لا ريب أنها تستصحب ما لم تثبت نبوة اللاحق، و لو لا ذلك لاختل على الامم السابقة نظام شرائعهم،من حيث تجويزهم في كل زمان ظهور نبي و لو في الأماكن البعيدة،فلا يستقر لهم البناء على أحكامهم.

مدفوعة:بأن استقرار الشرائع لم يكن بالاستصحاب قطعا،و إلا لزم كونهم شاكين في حقيقة شريعتهم في أكثر الأوقات لما تقدم:من أن الاستصحاب بناء على كونه من باب الظن لا يفيد الظن الشخصي في كل مورد.

و غاية ما يستفاد من بناء العقلاء في الاستصحاب،هي ترتيب الأعمال المترتبة على الدين السابق دون حقيقة دينهم و نبوة نبيهم التي هي من أصول الدين (1) .

حجيته.و قد سبق منه ما يقرب من هذا قريبا في أوائل هذا التنبيه.

(1)لكن نسخ الدين لا ينافى حقيقته كما لا تنافي نبوة النبي الذي جاء به، و غاية ما يلزم هو الشك في نفوذ أحكامه،و لا ملزم بامتناع شكهم فيه.

فالأولى الجواب عما ذكره المعاصر المذكور بأن الرجوع للاستصحاب لو تم

ص: 424

فالأظهر أن يقال:إنهم كانوا قاطعين بحقية دينهم،من جهة بعض العلامات التي أخبرهم بها النبي السابق (1) .نعم،بعد ظهور النبي الجديد،الظاهر كونهم شاكين في دينهم مع بقائهم على الأعمال،و حينئذ فللمسلمين أيضا أن يطالبوا اليهود بإثبات حقية دينهم،لعدم الدليل لهم عليها (2) و إن كان لهم الدليل على البقاء على الأعمال في الظاهر (3) .

الثالث:أنا لم نجزم بالمستصحب-و هي نبوة موسى أو عيسى عليهما السّلام-إلا بإخبار نبينا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و نص القرآن (4) ،و حينئذ فلا معنى للاستصحاب.

و دعوى:أن النبوة (5) موقوفة على صدق نبينا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لا على نبوته، مدفوعة:بأنا لم نعرف صدقه إلا من حيث نبوته (6) .

إنما يكون بعد الفحص،و حينئذ يجري الكلام السابق في الوجه الأول.

(1)يعني:علامات النبي اللاحق،التي يكون تحققها موجبا للقطع ببقاء شريعة النبي السابق.

(2)يعني:بنحو يكفي في الاعتقاد.

(3)كأنه لحجية الاستصحاب في الأحكام الفرعية.لكنها لو تمت فهي متوقفة على الفحص،و بعده يجري ما تقدم في الوجه الأول.

(4)لعدم مشاهدتنا لمعاجزهم الشاهدة بصدقهم و نقل اتباعهم لا يوجب العلم،لعدم الوثوق بهم،و كذا الموجود من الكتب المنسوبة لهم مع ما فيها من الاضطراب و الاكاذيب الموجبة للعلم بعدم صدورها من الانبياء.

(5)يعني:المستصحبة.

(6)الأولى أن يجاب بالتلازم بين صدقه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و نبوته لأنه مدع للنبوة،

ص: 425

و الحاصل (1) :أن الاستصحاب موقوف على تسالم المسلمين و غيرهم عليه،لا من جهة النص عليه في هذه الشريعة.و هو مشكل (2) ، خصوصا بالنسبة إلى عيسى عليه السّلام (3) ،لإمكان معارضة قول النصارى بتكذيب اليهود به.

الرابع:أن مرجع النبوة المستصحبة ليس إلا إلى وجوب التدين بجميع ما جاء به ذلك النبي،و إلا فأصل صفة النبوة أمر قائم بنفس النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،لا معنى لاستصحابه،لعدم قابليته للارتفاع أبدا (4) .و لا ريب أنا قاطعون بأن من أعظم ما جاء به النبي السابق الإخبار بنبوة نبينا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،كما يشهد به الاهتمام بشأنه في قوله تعالى-حكاية عن عيسى-:

إِنِّي رَسُولُ اللّٰهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمٰا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرٰاةِ وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ خصوصا في مثل الأخبار عن الأنبياء السابقين الذي لم يطلع عليه لو لا نبوته.

(1)هذا إنما يكون حاصلا للوجه السابق لا لهذا الوجه.

(2)لعدم ثبوت حجيته في الشريعة السابقة و دعوى الخصم حجيته عندهم -لو تمت-لا دليل على حجيتها،فلا تصلح للالزام.

(3)لكن المناظر المتقدم كان من اليهود،لا من النصارى،على ما نقل.

(4)النبوة أمر قابل عقلا للارتفاع،لا مكان تسافل النبي نظير تسافل بعض ذوي المناصب الالهية العالية كما أشار إليه قوله تعالى: وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنٰاهُ آيٰاتِنٰا فَانْسَلَخَ مِنْهٰا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطٰانُ ... .

اللهم إلا أن يقال:النبوة مشروطة بالعصمة و ملازمة لها،فلا يعقل ارتفاعها بعد حصولها.على أنه لو فرض امكان زوال النبوة فلا يحتمل ارتفاعها في محل النزاع، للقطع ببقاء نبوة الأنبياء السابقين عليهم السّلام.

ص: 426

يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فكل ما جاء به من الأحكام فهو في الحقيقة مغيّا (1) بمجيء نبينا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فدين عيسى عليه السّلام المختص به عبارة عن مجموع أحكام مغياة إجمالا بمجيء نبينا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و من المعلوم أن الاعتراف ببقاء ذلك الدين لا يضر المسلمين فضلا عن استصحابه.

فإن أراد الكتابي دينا غير هذه الجملة المغياة إجمالا بالبشارة المذكورة، فنحن منكرون له،و إن أراد هذه الجملة،فهو عين مذهب المسلمين،و في الحقيقة بعد كون أحكامهم مغياة لا رفع حقيقة،و معنى النسخ انتهاء مدة الحكم المعلومة إجمالا (2) .

فإن قلت:لعل مناظرة الكتابي،في تحقق الغاية المعلومة،و أن الشخص الجائي هو المبشر به أم لا،فيصح تمسكه بالاستصحاب.

قلت:المسلم هو الدين المغيّى بمجيء هذا الشخص الخاص،لا بمجيء موصوف كلي حتى يتكلم في انطباقه على هذا الشخص،و يتمسك بالاستصحاب.

الخامس:أن يقال:إنا-معاشر المسلمين-لما علمنا أن النبي السالف أخبر بمجيء نبينا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و أن ذلك كان واجبا عليه،و وجوب الإقرار (1)لا إشكال في عدم كون بعضها مغيّا بذلك لعدم نسخها في شريعتنا.

فالأولى أن يقال:إنها خاضعة للنسخ بشريعتنا.

(2)هذا في النسخ الصوري الجاري في الأحكام الشرعية،لا في النسخ، الحقيقي الوارد في الأحكام العرفية،فإنه رفع حقيقي.

ص: 427

به و الإيمان به متوقف على تبليغ ذلك إلى رعيته (1) ،صح لنا أن نقول:

إن المسلّم نبوة النبي السالف على تقدير تبليغ نبوة نبينا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،و النبوة التقديرية لا يضرنا و لا ينفعهم في بقاء شريعتهم.

كلام الإمام الرضا عليه السّلام في جواب الجاثليق

و لعل هذا الجواب يرجع (2) إلى ما ذكره الإمام أبو الحسن الرضا صلوات اللّه عليه في جواب الجاثليق،حيث قال (3) له عليه السّلام:

«ما تقول في نبوة عيسى و كتابه،هل تنكر منهما شيئا؟

قال عليه السّلام:أنا مقر بنبوة عيسى و كتابه و ما بشر به أمته و أقر به الحواريون،و كافر بنبوة كل عيسى لم يقر بنبوة محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و كتابه و لم يبشر به أمته».

ثم قال الجاثليق:«أ ليس تقطع الأحكام بشاهدي عدل؟

قال عليه السّلام:بلى.

(1)كأنه لانه لو لم يبلغ ذلك إلى رعيته يكون مقصرا فلا يصلح للنبوة.لكن هذا لا يجعل نبوته تقديرية،بل بعد فرض تحقق التبليغ منه تكون نبوته فعلية،فإن الأمر التعليقي يكون تنجيزيا بعد تحقق ما عليق عليه.فلاحظ.

(2)لا يخفى أن مقتضى هذا الوجه كون التبليغ شرطا في النبوة،و ظاهر الرواية كونه قيدا في شخص النبي.

مضافا إلى ما عرفت من الإشكال في هذا الوجه.

فالإنصاف أن الرواية بظاهرها لا تخلو عن إشكال و لعل أقرب الوجوه إليها هو الرابع،و قد تشعر بها به بعض فقراتها.فلاحظ.

(3)يعني:الجاثليق.

ص: 428

قال الجاثليق:فأقم شاهدين عدلين-من غير أهل ملتك-على نبوة محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ممن لا ينكره النصرانية،و سلنا مثل ذلك من غير أهل ملتنا.

قال عليه السّلام:الآن جئت بالنصفة يا نصراني.

ثم ذكر عليه السّلام إخبار خواص عيسى عليه السّلام بنبوة محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم.

و لا يخفى:أن الإقرار بنبوة عيسى عليه السّلام و كتابه و ما بشر به أمته لا يكون حاسما لكلام الجاثليق،إلا إذا أريد المجموع من حيث المجموع (1) ، بجعل الإقرار بعيسى عليه السّلام مرتبطا بتقدير بشارته المذكورة.

و يشهد له قوله عليه السّلام بعد ذلك:«كافر بنبوة كل عيسى لم يقر و لم يبشر»،فإن هذا في قوة مفهوم التعليق المستفاد من الكلام السابق (2) .

و أما التزامه بالبينة على دعواه،فلا يدل على تسليمه الاستصحاب و صيرورته مثبتا بمجرد ذلك،بل لأنه عليه السّلام من أول المناظرة ملتزم بالإثبات (3) ،و إلا فالظاهر المؤيد بقول الجاثليق:«و سلنا مثل ذلك»كون كل منهما مدعيا،إلا أن يريد الجاثليق ببينته نفس الإمام و غيره من المسلمين المعترفين بنبوة عيسى عليه السّلام (4) ،إذ لا بينة له ممن لا ينكره المسلمون سوى ذلك،فافهم.

(1)هذا أنسب بالوجه الرابع.

(2)عرفت الإشكال في ذلك.

(3)أو لأن كل مدع خصوصا لمثل النبوة محتاج إلى الاثبات و إن لم يكن الاستصحاب منافيا لدعواه.

(4)و حينئذ فيكون مراده البينة على أصل شريعته لا على بقائها.

ص: 429

الأمر العاشر

التنبيه العاشر:الكلام في دوران الأمر بين التمسك بالعام أو استصحاب حكم المخصص

اشارة

أن الدليل الدال على الحكم في الزمان السابق:

إما أن يكون مبينا لثبوت الحكم في الزمان الثاني،كقوله:«أكرم العلماء في كل زمان»،و كقوله:«لا تهن فقيرا»،حيث إن النهي للدوام.

و إما أن يكون مبينا لعدمه،نحو:«أكرم العلماء إلى أن يفسقوا»،بناء على مفهوم الغاية.

و إما أن يكون غير مبين لحال الحكم في الزمان الثاني نفيا و إثباتا:إما لإجماله،كما إذا أمر بالجلوس إلى الليل،مع تردد الليل بين استتار القرص و ذهاب الحمرة.

و إما لقصور دلالته (1) ،كما إذا قال:«إذا تغير الماء نجس»،فإنه لا يدل على أزيد من حدوث النجاسة في الماء،و مثل الإجماع المنعقد على حكم في زمان،فإن الإجماع لا يشمل ما بعد ذلك الزمان.

(1)بأن يكون ساكتا عن حكم الزمان الثاني غير متعرض له.

ص: 430

و لا إشكال في جريان الاستصحاب في هذا القسم الثالث (1) .

و أما القسم الثاني،فلا إشكال في عدم جريان الاستصحاب فيه، لوجود الدليل على ارتفاع الحكم في الزمان الثاني.

و كذلك القسم الأول،لأن عموم اللفظ للزمان اللاحق كاف و مغن عن الاستصحاب،بل مانع عنه،إذ المعتبر في الاستصحاب عدم الدليل و لو على طبق الحالة السابقة (2) .

هل يجري استصحاب حكم المخصص مع العموم الأزماني أم لا؟

ثم إذا فرض خروج بعض الأفراد في بعض الأزمنة عن هذا العموم، فشك فيما بعد ذلك الزمان المخرج،بالنسبة إلى ذلك الفرد،هل هو ملحق به في الحكم أو ملحق بما قبله؟

الحق:هو التفصيل في المقام،بأن يقال:

إن أخذ فيه عموم الأزمان أفراديا،بأن أخذ كل زمان موضوعا مستقلا لحكم مستقل،لينحل العموم إلى أحكام متعددة بتعدد الأزمان، كقوله:«أكرم العلماء كل يوم (3) »فقام الإجماع على حرمة إكرام زيد (1)و هو الذي لم يتعرض فيه لحكم الزمان الثاني لا إثباتا و لا نفيا.و الوجه في جريان الاستصحاب فيه هو الشك في الاستمرار.

لكن سبق في استصحاب الزمانيات و غيره انه قد يمتنع الاستصحاب للشك فى الموضوع لاحتمال دخل الزمان فيه،فالكلام هنا يبتني على ما سبق.

(2)يأتي الكلام في ذلك في الخاتمة.

(3)هذا و إن كان ظاهرا في ملاحظة كل يوم بنحو العموم الافرادي،إلا أن الظاهر ملاحظته ظرفا للحكم،مع كون الواجب و هو الاكرام ملحوظا بنحو الطبيعة البدلية،لا قيدا في الواجب فهو راجع إلى كون الواجب كل يوم هو طبيعة

ص: 431

العالم يوم الجمعة.و مثله ما لو قال:«أكرم العلماء»،ثم قال:«لا تكرم زيدا يوم الجمعة»إذا فرض الاستثناء قرينة على أخذ كل زمان فردا مستقلا (1) ،فحينئذ يعمل عند الشك بالعموم،و لا يجري الاستصحاب، بل لو لم يكن عموم وجب الرجوع إلى ساير الأصول،لعدم قابلية المورد للاستصحاب (2) .

إذا كان العموم الأزماني استمراريا

و إن أخذ لبيان الاستمرار،كقوله:«أكرم العلماء دائما»،ثم خرج الاكرام،أن الواجب هو تمام أفراد الكرام الواقعة في الايام المتعاقبة.فكل يوم ظرف متعلق باكرم،لا وصف للاكرام الواجب.

فان اراد قدّس سرّه بكون عموم الزمان إفراديا هذا المعنى فهو في محله،إلا أن الظاهر أنه لا أثر له في التفصيل،كما سيأتي،و إن أراد به المعنى الآخر كما قد يظهر من آخر كلامه،فهو غير تام على الأثر في التفصيل أيضا.فلاحظ.

(1)هذا لو تم مختص بالمخصص المتصل الذي يكون قرنية مانعة من ظهور العام.

أما لو كان المخصص منفصلا فلا وجه لكون ظهوره في التقييد بالزمان قرنية على ملاحظة الزمان في العام مفردا للموضوع.

و بالجملة:يظهر من تمام كلام المصنف قدّس سرّه الارتباط بين العام و الخاص من حيث كون الزمان دخيلا في الموضوع و مفردا له أو كونه ظرفا مقتضيا لاستمراره، و هو لا يتم في المخصص المنفصل،بل يمكن اختلافهما في ذلك.

(2)كأنه من جهة تعدد الموضوع بتعدد الزمان،لان لكل قطعة منه فردا من الحكم تباين حكم القطعة الاخرى،فلا مجال للاستصحاب.لكن عرفت أن ابتناء العموم على التفريد بحسب أجزاء الزمان لا يلازم كون الزمان قيدا في الخاص، ليلزم تعدد الموضوع.

ص: 432

فرد في زمان،و يشك في حكم ذلك الفرد بعد ذلك الزمان،فالظاهر جريان الاستصحاب،إذ لا يلزم من ثبوت ذلك الحكم للفرد بعد ذلك الزمان تخصيص زائد على التخصيص المعلوم،لأن مورد التخصيص الأفراد دون الأزمنة (1) ،بخلاف القسم الأول،بل لو لم يكن هنا استصحاب لم يرجع (1)لكن مع فرض ظهور العام في بيان حال الحكم من حيث الازمنة كان مخالفته بالإضافة اليها منافيا لاطلاقه الاحوالي أو الازماني،و إن لم يكن منافيا لعمومه الافرادي.

و إن شئت قلت:المدار في امتناع جريان الأصل على تعرض الدليل الاجتهادي لثبوت الحكم في الزمان الثاني و إن لم يكن له عموم افرادي بالإضافة إلى الزمان،فمع فرض دلالته على ذلك يتعين امتناعه سواء كان متضمنا للتنصيص على تحقق الحكم في تمام الازمنة كما في:«يجب إكرام العلماء دائما»أم استفيد من الإطلاق كما في قوله تعالى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ حيث انه ظاهر في كون العقد علة للزوم من دون فرق بين الازمنة،فيجب الاقتصار في الخروج عن ذلك على المتيقن من حيث الافراد و الازمنة،فإذا دار أمر التخصيص في بعض الافراد بين كونه بلحاظ تمام الازمنة أو خصوص زمان تعين الاقتصار على المتيقن في الخروج عن ظاهر الإطلاق المذكور.

نعم لو كانت دلالة العام على ثبوت الحكم في الزمان الثاني بعناية كونه بقاء من الزمان الأول،بحيث لا يدل على مجرد تحققه في الزمان الثاني،بل على خصوص البقاء الاستمراري،تعين عدم الرجوع للعام بعد انتهاء أمد التخصيص،لعدم كون رجوع الحكم للفرد حينئذ مقتضى العام،بل يتعين الرجوع فيه للاصل،كما لعله كذلك فيما لو كان الاستمرار مستفادا من مثل(حتى)أو(إلى).

و كذا لو لم يدل العام على البقاء في الزمان الثاني،بل كان دالا على محض

ص: 433

إلى العموم،بل إلى الأصول الأخر.

و لا فرق بين استفادة الاستمرار من اللفظ،كالمثال المتقدم (1) ، أو من الإطلاق،كقوله:«تواضع للناس»-بناء على استفادة الاستمرار منه (2) -فإنه إذا خرج منه التواضع في بعض الأزمنة،على وجه لا يفهم من التخصيص ملاحظة المتكلم كل زمان فردا مستقلا لمتعلق الحكم، استصحب حكمه بعد الخروج،و ليس هذا من باب تخصيص العام بالاستصحاب (3) .

المخالفة لما ذكرنا في موضعين:
اشارة

و قد صدر خلاف ما ذكرنا-من أن مثل هذا من مورد الاستصحاب، و أن هذا ليس من تخصيص العام به-في موضعين:

الأول:ما ذكره المحقق الثاني قدّس سرّه في مسألة خيار الغبن و ما يرد عليه

الأول:ما ذكره المحقق الثاني في مسألة خيار الغبن في باب تلقي الركبان:من أنه فوري،لأن عموم الوفاء بالعقود من حيث الأفراد، يستتبع عموم الأزمان.

الحدوث،و كان البقاء مستفادا من الأصل او من طبيعة الحكم،كما ذكره المصنف قدّس سرّه فى مثل:(إذا تغير الماء نجس.هذا ملخّص ما يقال في المقام و قد فصلنا الكلام ذلك فى شرح الكفاية.فلاحظ.

(1)و هو قوله:«أكرم العلماء دائما».

(2)لا اشكال في افادته الاستمرار الذي هو بمعنى ثبوت الحكم في تمام الازمنة لا بمعنى كون البقاء في الزمان الثاني فرع الوجود في الزمان الأول كي يمتنع الاستصحاب،فيجري فيه ما عرفت في مثل: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ .

(3)يعني:بل من باب قصور العام عن مورد الاستصحاب.لكن عرفت حقيقة الحال.

ص: 434

و حاصله:منع جريان الاستصحاب،لأجل عموم وجوب الوفاء، خرج منه أول زمان الاطلاع على الغبن و بقي الباقي.

و ظاهر الشهيد الثاني في المسالك إجراء الاستصحاب في هذا الخيار.

و هو الأقوى،بناء على أنه لا يستفاد من إطلاق وجوب الوفاء إلا كون الحكم مستمرا،لا أن الوفاء في كل زمان موضوع مستقل محكوم بوجوب مستقل (1) ،حتى يقتصر في تخصيصه على ما ثبت من جواز نقض العهد في جزء من الزمان و بقي الباقي.

نعم لو استظهر من وجوب الوفاء بالعقد عموم لا ينتقض بجواز نقضه في زمان،بالإضافة (2) إلى غيره من الأزمنة،صح ما ذكره المحقق قدّس سرّه.

لكنه بعيد (3) ،و لهذا رجع إلى الاستصحاب في المسألة جماعة من متأخري المتأخرين تبعا للمسالك.

(1)عرفت انه لا حاجة إلى هذا في التمسك بالدليل و رفع اليد عن الاستصحاب،بل يتعين الرجوع للدليل في المقام،لانه ظاهر في أن اللزوم من لوازم الموضوع و هو يقتضي تحققه في جميع أزمنة وجوده من دون نظر فيه إلى عنوان الاستمرار و إن كان لازما له.

(2)متعلق بقوله:«ينتقض».

(3)بل هو قريب بالإضافة إلى الإطلاق الاحوالي.و إن كان ما ذكره المصنف قدّس سرّه تاما بالإضافة إلى العموم الافرادي.

ص: 435

إلا أن بعضهم قيده بكون مدرك الخيار في الزمان الأول هو الإجماع، لا أدلة نفي الضرر،لاندفاع الضرر بثبوت الخيار في الزمن الأول.

و لا أجد وجها لهذا التفصيل،لأن نفي الضرر إنما نفى لزوم العقد، و لم يحدد زمان الجواز (1) ،فإن كان عموم أزمنة وجوب الوفاء يقتصر في تخصيصه على ما يندفع به الضرر،و يرجع في الزائد إلى العموم،فالإجماع أيضا كذلك،يقتصر فيه على معقده.

الثاني:ما ذكره السيد بحر العلوم قدّس سرّه

و الثاني:ما ذكره بعض من قارب عصرنا من الفحول (2) :من أن الاستصحاب المخالف للأصل دليل شرعي مخصص للعمومات،و لا ينافيه (3) عموم أدلة حجيته،من أخبار الباب الدالة على عدم جواز نقض اليقين بغير اليقين،إذ ليس العبرة في العموم و الخصوص بدليل الدليل، و إلا لم يتحقق لنا في الأدلة دليل خاص،لانتهاء كل دليل إلى أدلة عامة (4) ، (1)لعل مبنى القول المذكور توهم كون قاعدة نفي الضرر تقتضي تحديد زمان الجواز بخصوص الجواز الرافع لضرر،فاستصحابه بعد ذلك ممتنع لتعدد الموضوع.

لكنه مندفع بأن موضوع الجواز هو العقد و هو واحد في الزمانين،و ليس ارتفاع الضرر و بقاؤه إلا من المقارنات غير المقومة للموضوع.فلاحظ.

(2)تقدم نظير هذا الكلام في الأمر الثالث من الامور التي ذكرها المصنف قدّس سرّه فى أول الكلام في الاستصحاب،و تقدم أنه حكي عن السيد بحر العلوم قدّس سرّه.

(3)تعريض بما قد يقال من أنه لا وجه لتخصيص الاستصحاب للعمومات مع أنه ليس أخص منها مطلقا،بل ادلته أعم من وجه من العمومات المذكورة.

(4)كعموم حجية خبر الثقة المقتضي لحجية الأخبار الخاصة.

ص: 436

بل العبرة بنفس الدليل (1) .

و لا ريب أن الاستصحاب الجاري في كل مورد خاص،لا يتعداه إلى غيره،فيقدم على العام،كما يقدم على غيره من الأدلة،و لذا ترى الفقهاء يستدلون على الشغل و النجاسة و التحريم بالاستصحاب،في مقابلة ما دل على البراءة الأصلية و طهارة الأشياء و حليتها (2) .

و من ذلك:استنادهم إلى استصحاب النجاسة و التحريم في صورة الشك في ذهاب ثلثي العصير (3) ،و في كون التحديد تحقيقيا أو تقريبيا (4) ، و في صيرورته قبل ذهاب الثلثين دبسا (5) ،إلى غير ذلك.انتهى كلامه، (1)و لذا يقدم الخبر الخاص على عموم الكتاب،و إن كان دليل حجيته-و هو ما دلّ على حجية خبر الثقة مثلا-عاما كعموم الكتاب،أو عموم حجيته،و ليس أخص منه مطلقا.

(2)يعني:فهم يخصصون عمومات القواعد المذكورة بالاستصحاب الجاري فى الموارد الخاصة،و لا يلتفتون إلى عموم دليله.

(3)يعني:مع أن مقتضى عموم حل المشتبه و طهارته البناء عليهما في العصير المذكور.

(4)هذا مبني على اجمال دليل الطهارة و الحلية بذهاب الثلثين و الشك بين أن يكون المراد به الذهاب التقريبي أو التحقيقي،إذ حينئذ يتجه الرجوع الى عموم حل المشتبه و طهارته لو لا الاستصحاب.

(5)هذا مبني على ان صيرورته دبسا قبل ذهاب الثلثين موجبة لحليته و طهارته،فمع الشك في صيرورته دبسا يتجه الرجوع إلى عموم حل المشتبه و طهارته لو لا الاستصحاب.

ص: 437

على ما لخصه بعض المعاصرين (1) .

المناقشة فيما أفاده بحر العلوم قدّس سرّه

و لا يخفى ما في ظاهره،لما عرفت:من أن مورد جريان العموم لا يجري الاستصحاب (2) حتى لو لم يكن عموم،و مورد جريان الاستصحاب لا يرجع إلى العموم و لو لم يكن استصحاب.

ثم ما ذكره من الأمثلة خارج عن مسألة تخصيص الاستصحاب للعمومات،لأن الأصول المذكورة (3) بالنسبة إلى الاستصحاب ليست من قبيل العام بالنسبة إلى الخاص،كما سيجيء في تعارض الاستصحاب مع غيره من الأصول (4) .

(1)قيل:ان المراد به صاحب الفصول قدّس سرّه.

(2)الظاهر أن كلام السيد المتقدم أجنبي عما نحن فيه،إذ ليس مراده بالعمومات عمومات الأحكام الواقعية،بل عمومات الأحكام الظاهرية الوارد، حال الاشتباه كعموم الحل و الطهارة و البراءة،كما يظهر من الامثلة التي ذكرها و من مراجعة كلامه في الأمر الثالث من الامور التي ذكرها المصنف قدّس سرّه فى أول الكلام في الاستصحاب.إلا أن يكون مشيرا هنا إلى كلام آخر له.لكنه بعيد.

و سيأتي من المصنف قدّس سرّه التعرض لذلك.مع أن كلامه في تخصيص الاستصحاب للعمومات و كلامنا فيما لو كان المخصص للعموم دليلا إلا أن الاستصحاب يقتضي استمرار حكم المخصص من دون ان يستند اصل التخصيص للاستصحاب.

إلا أن يقال:لو تم ما ذكره لجرى فيما نحن فيه بالأولوية.فلاحظ.

(3)و هي أصالة البراءة و الطهارة و الحلية.

(4)حيث يجيء و أنه وارد أو حاكم عليها،أو مقدم بوجه آخر غير التخصيص.

ص: 438

نعم،لو فرض الاستناد في أصالة الحلية إلى عموم(حل الطيبات) و(حل الانتفاع بما في الأرض) (1) ،أمكن جعل المثالين الآخرين (2) مثالا لمطلبه،دون المثال الأول (3) ،لأنه (4) من قبيل الشك في موضوع الحكم الشرعي،لا في نفسه.ففي الأول (5) يستصحب عنوان الخاص، (1)فتكونان قاعدتين واقعتين لا ظاهريتين.

(2)و هما ما لو شك في كون التحديد بذهاب الثلثين تحقيقيا أو تقريبا،و ما لو شك في صيرورة العنب دبسا.

(3)و هو ما لو شك في ذهاب ثلثي العصير.

(4)تعليل لعدم كون المثال الأول مما نحن فيه.

و حاصله:أنه لا مجال للرجوع إلى عموم حل الطيبات و نحوه بعد تخصيصه بما دل على حرمة العصير الذي يغلي قبل ذهاب الثلثين فيما لو شك في ذهاب الثلثين، لان الشك ليس في الحكم الشرعي،بل في الموضوع،للشك في تحقق عنوان الخاص، و في مثله لا يتمسك بالعام بناء على التحقيق من عدم حجيته في الشبهة المصداقية من طرف الخاص،بل يتعين الرجوع للأصول الموضوعية المحرزة لعنوان الخاص أو لعدمه،و مع عدمها يرجع إلى الأصول الحكمية.

و فى المقام حيث كان استصحاب عدم ذهاب الثلثين جاريا تعين البناء على الحرمة،لحكومة الاستصحاب المذكور على الأدلة الاجتهادية-ظاهرا-بعد تصرفه في موضوعها.

و هو أجنبي عما نحن فيه،إذ الكلام هنا في الاستصحاب الحكمي المنافي للعام،لا الموضوعي.فلاحظ.

(5)سوق العبارة يقتضي ان يكون المراد به الأول من الاخيرين،و هو الثاني من الامثلة المتقدمة.و بالثاني الثاني منهما و هو الثالث منها.

ص: 439

و في الثاني يستصحب حكمه (1) ،و هو الذي يتوهم (2) كونه مخصصا لكنه لا يلتئم مع قوله:«و هو الذي يتوهم كونه مخصصا للعموم دون الأول»، إذ مقتضى صدر كلامه كون المثالين الاخيرين معا مما نحن فيه،لا خصوص الثالث، بل صريحه أن المرجع في المثالين معا هو الاستصحاب الحكمي و هو استصحاب حرمة العصير،لا الموضوعي.

و هو مناف لما ذكره هنا من ان المستصحب في الأول عنوان الخاص و أن استصحاب الحكم مختص بالثاني.

هذا مضافا إلى امتناع جريان الاستصحاب الموضوعي في صورة الشك في كون التحديد تحقيقيا أو تقريبيا،إذ لا مجال لاستصحاب عدم ذهاب الثلثين حينئذ، لانه من استصحاب المفهوم المردد،بل لا بد من الرجوع للاستصحاب الحكمي.

و هو استصحاب حرمة العصير الثابتة حين الغليان،كما هو الحال في المثال الثالث أيضا و هو الشك في صيرورته دبسا.

و لو قيل:بجريان استصحاب المفهوم المردد لأمكن التمسك باصالة عدم صيرورته دبسا لو كان الشك فيه راجعا إلى اجمال مفهوم الدبس المعتبر في التطهير، و لم يبق وجه للتفريق بين المثالين.

و لعله لاجل ذلك ذكر بعض المحشين قدّس سرّه أن المراد بالأول هو الأول من الثلاثة،و بالثاني هو الاخيران معا لا خصوص الثالث،و هو المناسب لما ذكره بعض أعاظم المحشين في شرح كلام المصنف،فلا ينافي شيئا مما سبق.فتأمل جيدا.

(1)و هو حرمة العصير.

نعم قد يشكل من حيث عدم إحراز الموضوع،كما هو الحال في غالب استصحابات الأحكام التكليفية.

(2)لعل التعبير عنه بالتوهم لاندفاعه بنظره بما تقدم منه من أن العموم إذا لم يقتض التفريد بحسب أجزاء الزمان لا يقتضي ثبوت الحكم بعد زمان التخصيص

ص: 440

للعموم دون الأول.

توجيه كلام بحر العلوم قدّس سرّه

و يمكن توجيه كلامه قدّس سرّه:بأن مراده من العمومات-بقرينة تخصيصه الكلام بالاستصحاب المخالف (1) -هي عمومات الأصول، و مراده بالتخصيص للعمومات ما يعم الحكومة-كما ذكرنا في أول أصالة البراءة (2) -و غرضه:أن مؤدى الاستصحاب في كل مستصحب إجراء كي يمنع من الاستصحاب،لكن تقدم منا الإشكال في ذلك.

نعم قد يستشكل في عموم حل الطيبات باحتمال حمل الطيبات في قوله تعالى:

اَلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبٰاتُ وَ طَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ على طيبات معهودة،لا على مطلق ما طاب عرفا،و إلا لم يناسب عطف قوله: وَ طَعٰامُ الَّذِينَ لوضوح أنه من الطيبات بالمعنى المذكور و في عموم حل الانتفاع بما في الارض، بعدم ثبوته،و قوله تعالى: خَلَقَ لَكُمْ مٰا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ظاهر في كون الغرض من خلق ما في الارض نفع الناس،و هو أعم من حل الاكل.فتأمل جيدا.و تمام الكلام في محل آخر.

(1)يعني:للأصل.حيث تقدم ذلك في بيان كلامه هنا كما تقدم في كلامه المنقول في أوائل مبحث الاستصحاب.فراجع.

(2)الذي تقدم في أوائل أصل البراءة التعرض للنسبة بين دليل الأصل و الامارة،لا بين دليل الاستصحاب و أدلة الأصول.

نعم قد يظهر من كلامه في الخاتمة أن نسبة أدلة الأصول للاستصحاب هى نسبة أدلة الأصول للامارات على كلام يأتي التعرض له.

و كيف كان فالذي يظهر من كلام السيد المتقدم أن مراده من التخصيص معناه الحقيقي،لا ما يعم الحكومة لعدم توجهه للحكومة،و لذا دفع اشكال كون النسبة بين أدلة الأصول و دليل الاستصحاب هي العموم من وجه بأن العبرة في

ص: 441

حكم دليل المستصحب في صورة الشك،فكما أن دليل المستصحب (1) أخص من الأصول بمعنى (2) تقدمه عليها،فالاستصحاب في ذلك متمم لحكم ذلك الدليل و مجريه في الزمان اللاحق (3) .و كذلك الاستصحاب العموم و الخصوص بحال نفس الدليل لا بدليل الدليل،و أن الاستصحاب في مورده أخص من الأصول فيخصصها لا محالة.و لو كان متوجها للحكومة التي ذكرها المصنف قدّس سرّه لكان في غنى عن ذلك.

فالعمدة في رده ما سبق من أن الأخبار ليست دليلا على الدليل،بل مضمونها عين مضمون الاستصحاب،فلا بد من ملاحظة النسبة بينها و بين أدلة الأصول، و ليست هى إلا العموم من وجه،و إلا لكانت أدلة الأصول الأخر أيضا دليلا على الدليل،فيجري فيها ما يجري في الاستصحاب.و هذا بخلاف أدلة حجية الأمارات فراجع ما تقدم في أوائل الاستصحاب.و تأمل.

(1)مثل ما دلّ على أن العصير إذا غلى ينجس أو يحرم.

(2)هذا للتنبيه على أنه ليس أخص حقيقة،بل هو حاكم او وارد او غير ذلك على ما يأتي الكلام فيه في محله،إلا انه لما كان مقدما كالخاص صح إطلاق الخاص عليه بالمعنى المذكور.

(3)يعني:فاطلاق المخصص عليه بلحاظ كونه متمما لحكم المخصص و هو دليل المستصحب لا لكونه بنفسه مخصصا.

و يشكل بان دليل الاستصحاب و إن كان متضمنا للتعبد بحكم المستصحب، إلا أنه لا يصلح لتفسير دليل المستصحب و تتميم دلالته،لانه حكم ظاهري،بخلاف حكم المستصحب فإنه واقعي،فليس دليله في مرتبة دليل المستصحب حتى يكون مخصصا مثله.

مع أن حمل كلام السيد المذكور على ذلك لا شاهد له،بل ظاهره كما عرفت إرادة التخصيص الحقيقي،و لذا التجأ إلى دعوى أن دليل الاستصحاب دليل الدليل لا نفس

ص: 442

بالنسبة إلى العمومات الاجتهادية (1) ،فإذا خرج المستصحب من العموم (2) بدليله (3) -و المفروض أن الاستصحاب مجر لحكم ذلك الدليل في اللاحق-فكأنه أيضا مخصص،يعني موجب للخروج عن حكم العام (4) ،فافهم.

الدليل،و هو حينئذ لا يتوقف على كون الاستصحاب متمما لحكم دليل المستصحب، ليكون مخصصا مثله،بل هو مخصص لادلة الأصول بنفسه ابتداء.فلاحظ.

(1)هذا لا يناسب ما ذكره في صدر هذا التوجيه من ان مراد السيد المذكور من العمومات هي عمومات الأصول،فلا بد ان يكون هذا تتميما للمطلب من قبل المصنف قدّس سرّه لا على أن يكون تتمة للتوجيه المذكور.

نعم في بعض النسخ إبدال قوله:«و غرضه»بقوله:«أو غرضه»فيكون ذلك توجيها آخر لا توضيحا للتوجيه الأول و عليه يمكن كون هذه العبارة تتمة للتوجيه المذكور.

(2)يعني:من العموم الاجتهادي،و هو عموم الأحكام الواقعية المخصص بأدلة المستصحب،كعموم أدلة حل الاشياء-لو فرض وجوده-المخصص بما دل على حرمة العصير بالغليان.

(3)يعني:دليل المستصحب مثل ما دل على حرمة العصير بالغليان و هو متعلق بقوله:«خرج».

(4)لكن عرفت أنه لا مجال لرفع اليد عن العموم بالاستصحاب،و ليس الاستصحاب شارحا لدليل المستصحب كي يكون في مرتبته و مخصصا للعموم مثله،كما عرفت أن حمل كلام السيد المذكور على ذلك بلا وجه.و المتعين ما ذكرنا.

و كلام المصنف قدّس سرّه لا يخلو عن غموض و اضطراب.فلاحظ و تأمل جيدا.

و اللّه سبحانه ولي العصمة و السداد.

ص: 443

الأمر الحادي عشر

التنبيه الحادي عشر:لو تعذر بعض المأمور به فهل يستصحب وجوب الباقي؟

اشارة

قد أجرى بعضهم الاستصحاب في ما إذا تعذر بعض أجزاء المركب،فيستصحب وجوب الباقي الممكن.

و هو بظاهره-كما صرح به بعض المحققين-غير صحيح،لأن الثابت سابقا-قبل تعذر بعض الأجزاء-وجوب هذه الأجزاء الباقية، تبعا لوجوب الكل و من باب المقدمة (1) ،و هو مرتفع قطعا،و الذي يراد ثبوته بعد تعذر البعض هو الوجوب النفسي الاستقلالي،و هو معلوم الانتفاء سابقا.

توجيه الاستصحاب بوجوه ثلاثة

و يمكن توجيهه-بناء على ما عرفت،من جواز إبقاء القدر المشترك في (1)التحقيق أن وجوب الجزء في ضمن الكل ليس غيريا و من باب وجوب المقدمة،بل نفسي ضمني.

نعم هو أيضا معلوم الارتفاع يتبع ارتفاع وجوب الكل الاستقلالي،و إنما يحتمل حدوث وجوب استقلالي آخر له يخلف الوجوب الضمني و الأصل عدمه.

ص: 444

بعض الموارد و لو علم بانتفاء الفرد المشخص له سابقا (1) -:بأن المستصحب (1)إشارة إلى ما تقدم منه قدّس سرّه من عدم جريان القسم الثالث من استصحاب الكلي الذي يكون الشك فيه في حدوث فرد جديد غير ما علم حدوثه سابقا و علم بارتفاعه،إلا إذا عدّ الفرد اللاحق متحدا مع السابق عرفا،بحيث يكون وجوده استمرارا له بنظرهم،كاستصحاب السواد مع العلم بارتفاع بعض مراتبه.

و وجه ابتناء ما نحن فيه عليه:ان المعلوم سابقا هو مطلوبية الباقي الضمنية الحاصلة حين طلب الكل عند القدرة عليه،و هي و ان كانت معلومة الارتفاع بارتفاع طلب الكل و المحتمل إنما هو حدوث المطلوبية الاستقلالية للبعض في نفسه،إلا أن العرف لما كان يرى اتحادهما و ان الثانية استمرار للاولى امكن استصحابها نظير استصحاب السواد في الفرض المشار إليه.

و فيه:أن ذلك إنما يتم في مثل السواد و نحوه مما له وجود حقيقي في ضمن الوجود السابق،لانه بعض مراتبه،فلا يحتاج فيه إلى تسامح العرف،بل هو الحقيقة من القسم الأول من استصحاب الكلي،كما سبق.

أما في مثل ما نحن فيه مما لم يكن الفرد اللاحق متحدا حقيقة مع السابق،فلا مجال لذلك،و لا عبرة يتسامح العرف في اتحادهما كما أشرنا إليه غير مرة.

نعم بناء على جريان الاستصحاب في القسم الثالث مطلقا-كما هو الظاهر- فلا يصلح ذلك مانعا من جريان الاستصحاب هنا.

لكن يمتنع من جهة أخرى،لاختصاصه بما إذا كان الأثر للقدر المشترك بين الفردين،و لا أثر في المقام للجامع بين المطلوبيتين،و إنما يراد بالاستصحاب ترتيب أثر خصوص المطلوبية الاستقلالية للبعض،و هو الاتيان به و عدم سقوطه بالعجز من بعض الاجزاء،فهو لا يبتني على استصحاب الكلي باقسامه،بل على استصحاب الأمر الخاص،و هو خصوص المطلوبية الاستقلالية،لانها مورد الأثر.

و منه يظهر امتناع الاستصحاب حتى بناء على كفاية التسامح العرفي في

ص: 445

هو مطلق المطلوبية المتحققة سابقا لهذا الجزء و لو في ضمن مطلوبية الكل،إلا أن العرف لا يرونها مغايرة في الخارج لمطلوبية الجزء في نفسه.

و يمكن توجيهه بوجه آخر-يستصحب معه الوجوب النفسي-بأن يقال:إن معروض الوجوب سابقا،و المشار إليه بقولنا:«هذا الفعل كان واجبا»هو الباقي (1) ،إلا أنه يشك في مدخلية الجزء المفقود في اتصافه بالوجوب النفسي مطلقا،أو اختصاص المدخلية بحال الاختيار،فيكون محل الوجوب النفسي هو الباقي،و وجود ذلك الجزء المفقود و عدمه عند العرف في حكم الحالات المتبادلة لذلك الواجب المشكوك في مدخليتها.

و هذا نظير استصحاب الكرية في ماء نقص منه مقدار فشك في بقائه على الكرية (2) ،فيقال:«هذا الماء كان كرا،و الأصل بقاء كريته»مع أن هذا وحدة المستصحب،فإن التسامح العرفي إنما هو في كون المطلوبيتين وجودا واحدا، لا في إحراز المطلوبية استقلالية التي هي مورد الأثر،إذ لا بد من إحراز موضوع الأثر بخصوصيته الدخيلة في الأثر بالاستصحاب،و لا يكفي إحراز ذاته معرى عن الخصوصية المذكورة،سواء كان اتحاد الذات الواجدة للخصوصية و الفاقدة لها حقيقيا،كما في استصحاب ذات زيد معراة عن خصوصية العدالة مع كون العدالة دخيلة في الأثر،أم عرفيا،كما في المقام.

نعم بقاء الذات المشتركة مع العلم بارتفاع احدى الخصوصيتين يستلزم تحقق الخصوصية الأخرى.إلا أن ذلك يبتني على الأصل المثبت.فلاحظ.

(1)بأن يجعل هو تمام الواجب تنزيلا له منزلة التام عرفا،و يكون الجزء المتعذر كالحالة الزائدة على الذات فلا يخل عدمها بوحدة الموضوع عرفا.و هو مبني على التسامح العرفي في موضوع الاستصحاب،الذي عرفت منا مرارا عدم التعويل عليه.

(2)يزيد ما نحن فيه على استصحاب الكرية بأن مستصحب الكرية هو الماء

ص: 446

الشخص الموجود الباقي لم يعلم بكريته.و كذا استصحاب القلة في ماء زيد عليه مقدار.

و هنا توجيه ثالث،و هو:استصحاب الوجوب النفسي المردد (1) بين تعلقه سابقا بالمركب على أن يكون المفقود جزءا له مطلقا فيسقط الوجوب بتعذره،و بين تعلقه بالمركب على أن يكون الجزء جزءا اختياريا يبقى التكليف بعد تعذره،و الأصل بقاؤه،فثبت به تعلقه بالمركب على الوجه الثاني.

و هذا نظير إجراء استصحاب وجود الكر في هذا الإناء لإثبات كرية الباقي فيه.

ثمرة هذه التوجيهات

و يظهر فائدة مخالفة التوجيهات:

فيما إذا لم يبق إلا قليل من أجزاء المركب،فإنه يجري التوجيه الأول و الثالث دون الثاني،لأن العرف لا يساعد على فرض الموضوع بين هذا الموجود و بين جامع الكل و لو مسامحة،لأن هذه المسامحة مختصة بمعظم الأجزاء الفاقد لما لا يقدح في إثبات الاسم و الحكم له.

الشخصي الذي لا يتعدد بتبادل الحالات،فمع فرض التسامح العرفي في الموضوع لا مانع من استصحاب كريته بخلاف المقام حيث يكون مستصحب الوجوب أمرا كليا يتعدد بتبدل الحالات،فالتسامح العرفي فيه لا يغني إلا بتسامح آخر في أن الحالة ليست قيدا للموضوع بل ظرفا للحكم.فلاحظ.

(1)فيقال:كان وجوب الصلاة مثلا ثابتا،فهو كما كان،فيثبت وجوب الباقي بعد تعذر المقام،نظير استصحاب وجود الكر في الحوض لاثبات كرية الموجود.لكنه من الأصل المثبت كما سيأتي.

ص: 447

و فيما (1) لو كان المفقود شرطا،فإنه لا يجري الاستصحاب على الأول (2) و يجري على الأخيرين.

الصحيح من هذه التوجيهات

و حيث إن بناء العرف على عدم إجراء الاستصحاب في فاقد معظم الأجزاء و إجرائه في فاقد الشرط،كشف عن فساد التوجيه الأول (3) .

و حيث إن بناءهم على استصحاب نفس الكرية دون الذات المتصف بها (4) ،كشف عن صحة الأول من الأخيرين (5) .

لكن الإشكال بعد في الاعتماد على هذه المسامحة العرفية المذكورة، (1)عطف على(فيما)في قوله:«و يظهر فائدة مخالفة التوجيهات فيما إذا...».

(2)كأنه لعدم وجوب الفاقد للشرط في ضمن المشروط لمباينته له.

و فيه:أن موضوع الاستصحاب في المقام ذات المشروط التي هي واجبة في ضمن وجوب المشروط المتحدة مع الفاقد خارجا،لا الذات المقيدة بفقد الشرط المبانية للمشروط.

و إلا لامتنع الاستصحاب في فقد الجزء أيضا،فإن البعض المقيد بفقد الجزء المتعذر مباين للكل مباينة الشيء بشرط لا للشيء بشرط شيء،كما لا يخفى.فالظاهر عدم الفرق بين فقد الجزء و فقد الشرط في المقام.و عليه يبتني جريان أصالة البراءة عند الشك في شرطية شيء كما تقدم في محله.

(3)و كذا عن فساد الثالث،لانه يقتضي جريان الاستصحاب في صورة فقد معظم الاجزاء كالأول.

(4)يستصحب وجود الكر في الحوض.لكنه ليس لإباء العرف له بل لأنه من الأصل المثبت.

(5)عن بطلان الثاني أيضا.

ص: 448

إلا أن الظاهر أن استصحاب الكرية من المسلمات عند القائلين بالاستصحاب (1) ،و الظاهر عدم الفرق.

عدم الفرق بناء على جريان الاستصحاب بين تعذر الجزء بعد تنجز التكليف أو قبله

ثم إنه لا فرق-بناء على جريان الاستصحاب-بين تعذر الجزء بعد تنجز التكليف،كما إذا زالت الشمس متمكنا من جميع الأجزاء ففقد بعضها،و بين ما إذا فقده قبل الزوال،لأن المستصحب هو الوجوب النوعي المنجز على تقدير اجتماع شرائطه (2) ،لا الشخصي المتوقف على تحقق الشرائط فعلا (3) .نعم،هنا (4) أوضح.

و كذا لا فرق-بناء على عدم الجريان-بين ثبوت جزئية المفقود بالدليل الاجتهادي،و بين ثبوتها بقاعدة الاشتغال (5) .

(1)هذا وحده لا يكفي بعد عدم مساعدة الأدلة عليه كما يأتي في محله.

فالتحقيق ان الوجوه الثلاثة لا مجال للاعتماد عليها.

و قد تقدم بعض الكلام في الاستصحاب المذكور في التنبيه الثاني من تنبيهات مبحث الاقل و الاكثر الارتباطيين.فراجع.

(2)فهو راجع إلى الاستصحاب التعليقي الذي عرفت من المصنف قدّس سرّه جريانه و عرفت منا الإشكال فيه.

نعم بناء على ما حكي عنه قدّس سرّه في مبحث الواجب المشروط من رجوع الشرط إلى المادة-و هي الواجب-لا الهيئة-الدالة على الوجوب-يكون الوجوب فعليا لا معلقا،فلا إشكال في استصحابه من هذه الجهة.

(3)فقبل تحققها لا وجود له حتى يستصحب.

(4)يعني:فيما إذا اجتمعت شرائط الوجوب و كان الوجوب فعليا.

(5)كما هو الحال بناء على الرجوع إلى قاعدة الاشتغال عند الدوران بين

ص: 449

و ربما يتخيل:أنه لا إشكال في الاستصحاب في القسم الثاني، لأن وجوب الاتيان بذلك الجزء (1) لم يكن إلا لوجوب الخروج عن عهدة التكليف،و هذا بعينه مقتض لوجوب الاتيان بالباقي بعد تعذر الجزء (2) .

و فيه:ما تقدم (3) ،من أن وجوب الخروج عن عهدة التكليف بالمجمل إنما هو بحكم العقل (4) لا بالاستصحاب،و الاستصحاب لا ينفع إلا بناء على الأصل المثبت (5) .و لو قلنا به لم يفرق بين ثبوت الأقل و الأكثر الارتباطيين،فيما لو كان المتعذر هو المشكوك الجزئية.

(1)يعني:في حال القدرة عليه.

(2)يعني:من دون حاجة إلى الوجوه الثلاثة المتقدمة التي تجري لو كان المتعذر مما ثبتت جزئيته بدليل اجتهادي.

لكن لو فرض حكم العقل بذلك مع الشك في جزئية المتعذر فلا اشكال في حكمه به مع العلم بجزئيته لثبوتها بالدليل الاجتهادي.و عليه فهذا الوجه لا يصلح للتفصيل بين ما ثبت بدليل اجتهادي و ما ثبت بقاعدة الاشتغال،بل هو-لو تم- وجه آخر غير الوجوه الثلاثة المتقدمة يجري فى الأمرين و يقتضي الاحتياط سواء كان المتعذر مشكوك الجزئية أم معلومها.فتأمل جيدا.

(3)في مبحث الاقل و الاكثر الارتباطيين.

(4)يعني:فلا يكون وجها للاستصحاب.هذا مع أن العقل إنما يحكم به مع الشك في الامتثال و الفراغ بعد العلم بثبوت التكليف بالمركب،لا مع احتمال سقوط التكليف به بسبب تعذر ما يحتمل جزئيته فيه.فلاحظ.

(5)لأن بقاء التكليف بالمركب مع الاتيان بفاقد مشكوك الجزئية ملازم لأخذه فيه.

ص: 450

الجزء بالدليل و بالأصل،لما عرفت:من جريان استصحاب بقاء أصل التكليف (1) ،و إن كان بينهما فرق،من حيث إن استصحاب التكليف في المقام من قبيل استصحاب الكلي المتحقق سابقا في ضمن فرد معين بعد العلم بارتفاع ذلك الفرد المعين (2) ،و في استصحاب الاشتغال من قبيل استصحاب الكلي المتحقق في ضمن المردد بين المرتفع و الباقي (3) ،و قد عرفت عدم جريان الاستصحاب في الصورة الأولى (4) ،إلا في بعض مواردها بمساعدة العرف (5) .

(1)كما هو مبني التوجيه الثالث.

(2)للعلم بارتفاع وجوب المقام و الشك في حدوث الوجوب على الناقص عند ارتفاعه.لكنه راجع إلى وجوب الناقص من أول الأمر مع التام بنحو تعدد المطلوب لا حدوثه بعد ارتفاعه فهو من القسم الأول من القسم الثالث الذي ذهب المصنف إلى جريانه.فتأمل.

(3)فإن التكليف الواقعي ان كان متعلقا بالاكثر فهو باقي لانه لم يمتثل بالاتيان بالاقل و إن كان متعلقا بالاقل فقد سقط بالامتثال.

فهو من القسم الثاني من استصحاب الكلي لكن هذا يجري أيضا فيما....لو كان المتعذر مشكوك الجزئية غايته أن يكون دائرا بين ما هو مقطوع البقاء و مشكوك الارتفاع و هو بحكم القسم المذكور ان لم يكن منه فلاحظ.

(4)لكن عدم الجريان في الصورة الأولى مبني على عدم جريان الأصل المثبت.أما بناء على جريانه-كما هو مفروض الكلام هنا،فلا فرق بين جميع أقسام استصحاب الكلي في الجريان.

فالفرق المذكور في كلام المصنف قدّس سرّه-لو تم-ليس بفارق.

(5)كما في استصحاب السواد مع العلم بارتفاع بعض مراتبه على ما سبق

ص: 451

نسبة التمسك بالاستصحاب في هذه المسألة إلى الفاضلين

ثم اعلم:أنه نسب إلى الفاضلين قدّس سرّهما التمسك بالاستصحاب في هذه المسألة،في مسألة الأقطع.

و المذكور في المعتبر و المنتهى الاستدلال على وجوب غسل ما بقي من اليد المقطوعة مما دون المرفق:أن غسل (1) الجميع بتقدير وجود ذلك البعض واجب،فإذا زال البعض لم يسقط الآخر،انتهى.

و هذا الاستدلال يحتمل أن يراد منه مفاد قاعدة(الميسور لا يسقط بالمعسور)،و لذا أبد له في الذكرى بنفس القاعدة.

و يحتمل أن يراد منه الاستصحاب،بأن يراد هذا الموجود بتقدير وجود المفقود في زمان سابق واجب،فإذا زال البعض لم يعلم سقوط الباقي،و الأصل عدمه (2) ،أو لم يسقط بحكم الاستصحاب (3) .

الكلام فيه.

(1)في محل نصب بقوله:«الاستدلال على...»على نزع الخافض.

(2)كأنه إشارة إلى قاعدة الاشتغال،بدعوى:أن الشك في المقام لما كان في سقوط-مع أنه لا وجه لعدّ قاعدة الاشتغال وجها للاستصحاب-التكليف بالباقي فالأصل عدمه و بقاء شغل الذمة.

و فيه:أن سقوط التكليف به ضمنا تبعا لسقوط التكليف بالمقام قطعي،و الشك إنما هو في حدوث تكليف استقلالي به و الأصل البراءة.مع أن الشك في السقوط ناش من احتمال دخل المتعذر لا من الشك في الامتثال كي تجري قاعدة الاشتغال.

نعم قد يكون مقتضي للاشتغال بالطهارة وجوب غسل الباقي من العضو لان المقام من موارد الشك في المحصل.

(3)و الظاهر حينئذ رجوعه للتوجيه الأول من التوجيهات الثلاثة المتقدمة

ص: 452

و يحتمل أن يراد به التمسك بعموم ما دلّ على وجوب كل من الأجزاء من غير مخصص له بصورة التمكن من الجميع،لكنه ضعيف احتمالا (1) و محتملا (2) .

من المصنف.

(1)لبعده عن ظاهر العبارة المتقدمة،لظهورها في ان عدم الاعتناء باحتمال ارتفاع التكليف لانه شك في السقوط،لا لمنافاته لعموم دليل التكليف.

(2)لعدم إطلاق يقتضي وجوب كل جزء بنفسه غير مرتبط ببقية الاجزاء، إذ ليس هنا إلا ما دل على وجوب الوضوء،و هو ظاهر في الارتباط بين اجزائه.و لا اقل من عدم ظهوره في إطلاق وجوب كل منها.فلاحظ.

ص: 453

الأمر الثاني عشر

التنبيه الثاني عشر:جريان الاستصحاب حتى مع الظن بالخلاف و الدليل عليه من وجوه ثلاثة

اشارة

أنه لا فرق في احتمال خلاف الحالة السابقة بين أن يكون مساويا لاحتمال بقائه،أو راجحا عليه بأمارة غير معتبرة.

و يدل عليه وجوه:

الأول:الإجماع القطعي على تقدير اعتبار الاستصحاب من باب الأخبار (1) .

الثاني:أن المراد بالشك في الروايات معناه اللغوي،و هو خلاف اليقين،كما في الصحاح.و لا خلاف فيه ظاهرا.

و دعوى:انصراف المطلق في الروايات إلى معناه الأخص،و هو (1)لكنه ليس مهما بعد قرب كونه مستندا إلى فهمه من الأخبار،فلا يكون دليلا آخر غيرها.

إلا أن يدعى كشفه عن قرنية مقتضية لحملها على ذلك و إن كانت مجملة في أنفسها أو ظاهرة في خلافه.فلاحظ.

ص: 454

الاحتمال المساوي،لا شاهد لها،بل يشهد بخلافها-مضافا إلى تعارف إطلاق الشك في الأخبار على المعنى الأعم (1) -موارد من الأخبار:

منها:مقابلة الشك باليقين في جميع الأخبار (2) .

و منها:قوله عليه السّلام في صحيحة زرارة الأولى:«فإن حرك إلى جنبه شيء و هو لا يعلم به»،فإن ظاهره فرض السؤال فيما كان معه أمارة النوم.

و منها:قوله عليه السّلام:«لا،حتى يستيقن»،حيث جعل غاية وجوب الوضوء الاستيقان بالنوم و مجيء أمر بين عنه.

و منها:قوله عليه السّلام:«و لكن تنقضه بيقين آخر»،فإن الظاهر سوقه في مقام بيان حصر ناقض اليقين في اليقين.

و منها:قوله عليه السّلام في صحيحة زرارة الثانية:«فلعله شيء اوقع عليك، و ليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك»،فإن كلمة(لعل)ظاهرة في مجرد الاحتمال،خصوصا مع وروده في مقام إبداء ذلك كما في المقام، فيكون الحكم متفرعا عليه.

و منها:تفريع قوله عليه السّلام:«صم للرؤية و أفطر للرؤية»على قوله عليه السّلام:

(1)كما لعله ظاهر روايات قاعدة الفراغ و التجاوز.بل لعله ظاهر روايات الشك في ركعات الصلاة بقرينة جعل الظن في بعضها من صور الشك المفروض.

فلاحظها.

(2)إذ ظاهره انحصار الأمر بهما و عدم وجود حالة ثالثة،و إلا كان المناسب التعرض لحكمها.

ص: 455

«اليقين لا يدخله الشك» (1) .

الثالث:أن الظن الغير المعتبر إن علم بعدم اعتباره بالدليل (2) ، فمعناه أن وجوده كعدمه عند الشارع (3) ،و أن كل ما يترتب شرعا على (1)فإنه ظاهر في أن الصوم للرؤية مقتضى عدم الاعتناء بالشك بعد اليقين، و لو كان المراد بالشك خصوص تساوي الطرفين لم يصح التفريع،لامكان الاعتماد على الظن في الصوم و الافطار أو على الأصل في ظرفه دون الرؤية مع عدم منافاته لإلغاء الشك عملا كما لعله ظاهر.

ثم إنه يمكن تقريب ما ذكره المصنف قدّس سرّه بأنه لا اشكال في شمول الحكم للوهم الذي يكون انتفاض الحالة السابقة معه مرجوحا،و لا وجه له إلا عموم الشك لغير اليقين و عدم اختصاصه بتساوي الطرفين.

اللهم إلا أن يدعى أن ثبوت الحكم في الوهم بعد ثبوته في الشك بالمعني الاخص إنما هو للأولوية القطعية،لا لدخوله في مفاد الأدلة.لكنه لا يخلو عن إشكال.فلاحظ.

(2)كالقياس.

(3)يعني:أنه لو فرض اختصاص أخبار الاستصحاب بالشك بالمعنى الاخص المقابل للظن،فادلة عدم اعتبار الظن المذكور تقتضي اجراء أحكام الشك شرعا،لانها راجعة إلى إلغائه و تنزيل وجوده منزلة عدمه فهو بمنزلة الشك شرعا في ترتيب أحكامه عليه و منها عدم نقض اليقين به.

و إن شئت قلت:أدلة عدم اعتبار الظن المذكور تكون حاكمة على أخبار الاستصحاب و منزلة له منزلة الشك،كما تكون أدلة اعتبار الظن حاكمة عليها و منزلة له منزلة اليقين في نقض اليقين السابق به.

و فيه:أن أدلة عدم اعتبار الظن المذكور إنما تقتضي الغاءه عملا بمعنى عدم كونه حجة،لا إلغاءه شرعا مطلقا بمعنى عدم ترتيب أحكام الظن عليه و أن وجوده

ص: 456

تقدير عدمه فهو المترتب على تقدير وجوده.و إن كان مما شك في اعتباره، فمرجع رفع اليد عن اليقين بالحكم الفعلي السابق بسببه،إلى نقض اليقين بالشك (1) ،فتأمل جدا.

كعدمه.

كيف و هي لا تتضمن نفي عنوان الظن عنه تنزيلا،و لذا لا إشكال ظاهرا في ترتب أحكام الظن الاخرى عليه.مع أن إلغاءه و تنزيله منزلة العدم لا يقتضي تنزيله منزلة الشك بالمعنى الاخص،ليترتب عليه أحكامه الشرعية،و منها عدم ناقضيته لليقين.

و منه يظهر أنه لا وجه لدعوى حكومة أدلة عدم اعتبار الظن المذكور على أدلة الاستصحاب،لعدم دخل أحدهما بالآخر أصلا.

و لا وجه لقياسه بحكومة أدلة اعتبار الامارات على أدلة الاستصحاب،إذ بناء على ظهور أدلة اعتبارها في تنزيلها منزلة اليقين يتعين ترتيب أحكامه و منها ناقضيته لليقين.و إن كان المبنى المذكور لا يخلو عن اشكال على ما يأتي الكلام فيه في محله.

(1)كأنه من جهة انه إذا كان عدم التعبد الواقعي بالظن موجبا لكونه بمنزلة الشك-كما سبق منه-فمع فرض الشك فيه يحتمل كون الظن بمنزلة الشك،و حيث أن النقض به يتوقف على عدم إلغائه واقعا مع الشك فيه يكون النقض به مستندا إلى الشك المذكور،لا إلى العلم بعدم الالغاء،فيدخل في عموم عدم جواز نقض اليقين بالشك.

و فيه-مع ابتنائه على ما عرفت فساده-أن الشك في دليل الاستصحاب يراد به الشك بالواقع،لا ما يعم الشك بالحجية،غايته أنه مع الشك في الحجية يحتمل كون الظن بمنزلة الشك بالواقع-بناء على ما سبق منه قدّس سرّه-الذي هو ليس بناقض شرعا،فيمتنع التمسك بعموم عدم جواز نقض اليقين بالشك،لانه نظير التمسك

ص: 457

هذا كله على تقدير اعتبار الاستصحاب من باب التعبد المستنبط من الأخبار.

و أما على تقدير اعتباره من باب الظن الحاصل من تحقق المستصحب في السابق،فظاهر كلماتهم أنه لا يقدح فيه أيضا وجود الأمارة الغير المعتبرة (1) ،فيكون العبرة فيه عندهم بالظن النوعي و إن كان الظن الشخصي على خلافه،و لذا تمسكوا به في مقامات غير محصورة على الوجه الكلي،من غير التفات إلى وجود الأمارات الغير المعتبرة في خصوصيات الموارد.

و اعلم:أن الشهيد قدّس سرّه في الذكرى-بعد ما ذكر مسألة الشك في تقدم بالعام في الشبهة المصداقية من طرف العام الذي لا اشكال في امتناعه.

ثم إنه ليس المراد بناقضية الظن غير المعتبر البناء لاجله على انتفاض الحالة السابقة إذ يكفي في بطلانه عدم ثبوت الدليل على حجيته أو ثبوت الدليل على عدمها بلا حاجة إلى الوجوه المذكورة في كلام المصنف قدّس سرّه أو غيرها.بل

المراد البناء لاجله على عدم التمسك باليقين السابق في حالة الظن،و الرجوع إلى مقتضى الأصل الأولى،فإن الرجوع في الحال اللاحق إلى مقتضي اليقين السابق لما كان على خلاف الأصل و محتاجا إلى تعبد شرعي،فمع فرض قصور أدلة الاستصحاب عن شمول الظن يتعين البناء على عدم الرجوع حينه إلى مقتضى اليقين السابق،بل يرجع فيه إلى مقتضى الأصول الأخر المقتضية للعمل تارة على طبق الحالة السابقة و أخرى على خلافها على اختلاف الموارد.فلاحظ.

(1)لكن سبق منه في الأمر الرابع من الامور التي ذكرها في مقدمة الاستصحاب نقل بعض الكلمات الظاهرة في خلاف ذلك.

ص: 458

الحدث على الطهارة-قال:

كلام الشهيد قدّس سرّه في الذكرى

تنبيه:قولنا:«اليقين لا يرفعه الشك»،لا نعني به اجتماع اليقين و الشك في زمان واحد،لامتناع ذلك،ضرورة أن الشك في أحد النقيضين يرفع يقين الآخر،بل المعني به:أن اليقين الذي كان في الزمن الأول لا يخرج عن حكمه بالشك في الزمان الثاني،لأصالة بقاء ما كان على ما كان، فيؤول إلى اجتماع الظن و الشك في الزمان الواحد،فيرجح الظن عليه،كما هو مطرد في العبادات (1) و غيرها،انتهى.

و مراده من الشك معناه اللغوي،و هو مجرد الاحتمال المنافي لليقين، فلا ينافي ثبوت الظن الحاصل من أصالة بقاء ما كان،فلا يرد ما اورد عليه:

من أن الظن كاليقين في عدم الاجتماع مع الشك.

نعم،يرد على ما ذكرنا من التوجيه:أن الشهيد قدّس سرّه في مقام دفع ما يتوهم من التناقض المتوهم في قولهم:«اليقين لا يرفعه الشك»،و لا ريب أن الشك الذي حكم بأنه لا يرفع اليقين،ليس المراد منه الاحتمال الموهوم، لأنه إنما يصير موهوما بعد ملاحظة بقاء أصالة ما كان (2) ،نظير المشكوك (1)تقدم في الأمر الرابع من الامور التي ذكرها في مقدمة الاستصحاب توجيه المراد بذلك.

(2)لكن هذا لو تم فلا وجه لوروده في المقام،لانه لم يتقدم من الشهيد قدّس سرّه و لا من المصنف قدّس سرّه دعوى كون الاحتمال موهوما حتى يتوجه الإشكال المذكور، و إنما تقدم في توجيه كلام الشهيد أن مراده من الشك معناه اللغوي،لا خصوص تساوي الطرفين.

اللهم إلا أن يقال:إنما احتج إلى دعوى ذلك لاجل توهم توقف رفع التنافي

ص: 459

الذي يراد إلحاقه بالغالب،فإنه يصير مظنونا بعد ملاحظة الغلبة.و على تقدير إرادة الاحتمال الموهوم-كما ذكره المحقق[خ.ل]الخوانساري- فلا يندفع به توهم اجتماع الوهم و اليقين المستفاد (1) من عدم رفع الأول للثاني (2) .و إرادة اليقين السابق و الشك اللاحق (3) يغني عن إرادة خصوص الوهم من الشك (4) .

به و أن الذي يجتمع مع الظن هو خصوص الوهم لا الشك بالمعنى الاخص،فهو راجع إلى دعوى كون الاحتمال في المقام موهوما،فيتوجه الإشكال عليه بانه ليس موهوما بحسب ذاته في ظرف وجوده،و إنما صار موهوما بلحاظ الاستصحاب و إبقاء ما كان.

نعم يرد على ما ذكره المصنف قدّس سرّه أن هذا إنما يمنع من إرادة الوهم من الشك فى قولهم:«اليقين لا يرفعه الشك»لكون الملحوظ هو الشك في نفسه حال حدوثه، لا من قول الشهيد قدّس سرّه:«فيئول إلى اجتماع الظن و الشك»فإن الشهيد إنما ذكر ذلك بعد فرض جريان أصالة بقاء ما كان،و من الظاهر أنه بعد فرض جريانها ينقلب الشك و هما-بناء على أنها تفيد الظن،كما هو مبنى كلام المصنف قدّس سرّه هنا-فكلام الشهيد قدّس سرّه ليس من تتمة توجيه قولهم:«اليقين لا يرفعه الشك»بل هو أمر آخر ذكره بعد توجيه كلامهم بأن المراد إبقاء حكم اليقين.و عليه ينحصر دفع اشكال امتناع اجتماع الظن و الشك بما ذكره الخونساري من ان المراد من الشك الوهم.فلاحظ.

(1)نعت لقوله:«اجتماع»في قوله:«توهم اجتماع الوهم...».

(2)يعني:في قولهم:«اليقين لا يرفعه الشك».

(3)كما تقدم في كلام الشهيد قدّس سرّه في مقام توجيه كلامهم.

(4)يعني:فلا فائدة في ذكر الخونساري لذلك.لكن عرفت أن الخونساري في مقام توجيه قول الشهيد:«فيئول إلى اجتماع الظن...»لا في مقام توجيه و قولهم:

ص: 460

و كيف كان،فما ذكره المورد-من اشتراك الظن و اليقين في عدم الاجتماع مع الشك مطلقا-في محله (1) .

المراد من قولهم:«اليقين لا يرفعه الشك»

فالأولى أن يقال:إن قولهم:«اليقين لا يرفعه الشك»لا دلالة فيه على اجتماعهما في زمان واحد،إلا من حيث الحكم في تلك القضية بعدم الرفع (2) .و لا ريب أن هذا ليس إخبارا عن الواقع،لأنه كذب،و ليس حكما شرعيا بإبقاء نفس اليقين أيضا،لأنه غير معقول (3) ،و إنما هو حكم شرعي بعدم رفع آثار اليقين السابق بالشك اللاحق (4) ،سواء كان احتمالا متساويا أو مرجوحا (5) .

«اليقين لا يرفعه الشك».

(1)لم يتضح الوجه في ورود ذلك على الشهيد قدّس سرّه بعد ما سبق..

اللهم إلا أن يريد انه تام في نفسه لا وارد على الشهيد قدّس سرّه.

(2)فإن الحكم بعدم ارتفاع إحدى الحالتين بالأخرى ظاهر في اجتماعهما.

(3)لانه من الامور الوجدانية التكوينية فلا يمكن الحكم بها شرعا.

(4)و إلى هذا يرجع كلام الشهيد قدّس سرّه في توجيه قولهم:«اليقين لا يرفعه الشك».

(5)يعني:فلا موجب لحمله على الوهم.لكن عرفت أن الحمل المذكور إنما هو لقول الشهيد قدّس سرّه:«فيئول الأمر إلى اجتماع الظن...»لا لقولهم:«اليقين لا يرفعه الشك».

ثم إنه تقدم من المصنف قدّس سرّه في الأمر الرابع من مقدمة الاستصحاب التعرض لكلام الشهيد المذكور هنا،و حمله على ما قد ينافى حمله له هنا،كما قد يظهر بالتأمل فيما ذكرناه هناك.

ص: 461

ص: 462

المحتويات

المقام الثاني:في الاستصحاب

الاستصحاب لغة و اصطلاحا 7

تعريف صاحب القوانين و المناقشة فيه 9

توجيه تعريف القوانين 9

عدم تمامية التوجيه المذكور 10

تعريف شارح المختصر 10

تعريف صاحب الوافية 11

الكلام في أمور:

الأمر الأول:هل الاستصحاب أصل عملي أو أمارة ظنية؟13

المختار كونه من الأصول العملية 14

الأمر الثاني:الوجه في عدّ الاستصحاب من الأدلة العقلية 16

الأمر الثالث:هل الاستصحاب مسألة أصولية أو فقهية؟18

بناء على كونه حكما عقليا فهو مسألة أصولية 18

بناء على كونه من الأصول العملية ففي كونه من المسائل الأصولية غموض 19

الإشكال في كون الاستصحاب من المسائل الفرعية 20

كلام السيد بحر العلوم قدّس سرّه فيما يرتبط بالمقام 22

المناقشة فيما أفاده السيد بحر العلوم قدّس سرّه 23

ص: 463

الاستصحاب الجاري في الشبهة الموضوعية 23

الأمر الرابع:مناط الاستصحاب بناء على كونه من باب التعبد 25

ليس المناط الظن الشخصي بناء على كونه من باب الظن 25

كلام الشيخ البهائي قدّس سرّه في أن المناط الظن الشخصي 26

ظاهر شارح الدروس ارتضاؤه ذلك 26

استظهار ذلك من كلام الشهيد قدّس سرّه في الذكرى 27

الأمر الخامس:تقوم الاستصحاب بأمرين:اليقين بالحدوث،و الشك في البقاء 29

الاستصحاب القهقرى 30

المعتبر هو الشك الفعلي 30

الأمر السادس:تقسيم الاستصحاب من وجوه:33

تقسيم الاستصحاب باعتبار المستصحب 34

المستصحب إمّا وجودي و إمّا عدمي 34

كلام شريف العلماء قدّس سرّه في خروج العدميات من محل النزاع 34

المناقشة فيما أفاده شريف العلماء قدّس سرّه 35

قيام السيرة على التمسك بالأصول الوجودية و العدمية في باب الألفاظ 35

كلام الوحيد البهبهاني قدّس سرّه في ذلك 36

ما يظهر منه الاختصاص بالوجوديات و مناقشته 36

التتبع يشهد بعدم خروج العدميات عن محل النزاع 39

ظاهر جماعة خروج بعض العدميات عن محل النزاع 39

المستصحب إما حكم شرعي و إما من الأمور الخارجية 40

وقوع الخلاف في كليهما 41

للحكم الشرعي إطلاقان:إطلاق الحكم الكلي و إطلاق ما يعم الحكم الجزئي 41

إنكار الأخباريين جريان الاستصحاب في الحكم بالإطلاق الأول 41

تقسيم المحقق الخوانساري قدّس سرّه الاستصحاب في الحكم بالإطلاق الثاني 42

الأقوى في حجية الاستصحاب من حيث هذا التقسيم 43

ص: 464

المستصحب إما حكم تكليفي و إما حكم وضعي 44

القول بالتفصيل بين التكليفي و غيره 44

تقسيم الاستصحاب باعتبار دليل المستصحب 46

دليل المستصحب إما الإجماع و إما غيره 46

المستصحب إما يثبت بالدليل العقلي و إما بالدليل الشرعي 46

الإشكال في الاستصحاب مع ثبوت الحكم بالدليل العقلي 47

عدم جريان الاستصحاب في الأحكام العقلية و الشرعية المستندة إليها 52

استصحاب حال العقل لا يستند إلى القضية العقلية 54

دليل المستصحب قد يدلّ على الاستمرار و قد لا يدلّ 56

دليل الاستصحاب باعتبار الشك المأخوذ فيه 61

منشأ الشك إما اشتباه الأمر الخارجي و إما اشتباه الحكم الشرعي 61

دخول القسمين في محل النزاع 61

المحكي عن الأخباريين اختصاص النزاع بالشبهة الحكمية 62

كلام المحدث الاسترآبادي قدّس سرّه في الفوائد المدنية 62

كلامه قدّس سرّه في الفوائد المكية 63

الشك في البقاء قد يكون مع تساوي الطرفين و قد يكون مع رجحان البقاء أو الارتفاع 63

محل الخلاف في هذه الصور 64

الشك إمّا في المقتضي و إمّا في الرافع 65

أقسام الشك من جهة الرافع 66

محل الخلاف من هذه الأقسام 66

الأقوال في حجية الاستصحاب 68

أقوى الأقوال 70

مختار المصنف و المحقق قدّس سرّهما حجية الاستصحاب عند الشك في الرافع دون المقتضي 70

كلام المحقق قدّس سرّه في المعارج 70

ص: 465

الاستدلال على المختار بوجوه:

الأول:ظهور كلام جماعة في الاتفاق عليه 72

الثاني:الاستقراء 73

الثالث:السنة:صحيحة زرارة الأولى 74

تقرير الاستدلال 75

معنى الرواية 75

كون اللام في(اليقين)للجنس 76

صحيحة زرارة الثانية 78

فقه الحديث و مورد الاستدلال 80

صحيحة زرارة الثالثة 86

التأمل في الاستدلال بهذه الصحيحة 86

المراد من(اليقين)في هذه الصحيحة 87

المراد من(البناء على اليقين)في الأخبار 88

الاستدلال بموثقة إسحاق ابن عمار و الإشكال فيه 92

الاستدلال برواية الخصال و رواية أخرى 94

المناقشة في الاستدلال بهاتين الروايتين 94

إمكان دفع المناقشة المذكورة 97

مكاتبة علي بن محمد القاساني 98

تقريب الاستدلال 98

تأييد المختار بالأخبار الخاصة:

رواية عبد اللّه بن سنان 99

موثقة عمار 100

معنى الموثقة إما الاستصحاب أو قاعدة الطهارة 102

عدم إمكان إرادة القاعدة و الاستصحاب معا من الموثقة 106

كلام صاحب الفصول في جواز إرادة كليهما منها 106

ص: 466

المناقشة فيما أفاده صاحب الفصول 107

الظاهر إرادة القاعدة 110

الروايتان الثالثة و الرابعة 111

اختصاص الأخبار بالشك في الرافع 113

تأمل المحقق الخوانساري قدّس سرّه في الاستدلال بالأخبار على الحجية مطلقا 113

المراد من(نقض اليقين)116

حجة القول الأول الاستدلال على الحجية مطلقا بوجوه:

الوجه الأول و المناقشة فيه 122

الوجه الثاني 123

المناقشة في الوجه الثاني 124

الوجه الثالث 127

المناقشة في الوجه الثالث 128

دعوى أن وجود الشيء سابقا يقتضي الظن ببقائه و الجواب عنها 128

كلام السيد الصدر قدّس سرّه في المقام 130

المناقشة فيما أفاده السيد الصدر قدّس سرّه 131

كلام صاحب القوانين في المقام 132

المناقشة فيما أفاده صاحب القوانين 135

الوجه الرابع 138

المناقشة في الوجه الرابع 139

كلام الشيخ الطوسي قدّس سرّه في العدة 140

حجة القول الثاني الاستدلال على عدم الحجية مطلقا بوجوه:

الوجه الأول:دعوى أن الاستصحاب إثبات للحكم من غير دليل 142

المناقشة في ذلك 142

ص: 467

الوجه الثاني:لزوم القطع بالبقاء بناء على حجية الاستصحاب 145

المناقشة فيه 146

الوجه الثالث:لزوم التناقض بناء على الحجية 146

المناقشة فيه 146

الوجه الرابع:استلزام القول بالحجية ترجيح بينة النافي 147

المناقشة في ذلك 148

حجة القول الثالث

القول بالتفصيل بين العدمي و الوجودي 150

عدم استقامة هذا القول بناء على اعتبار الاستصحاب من باب الظن 151

معنى عدم اعتبار الاستصحاب في الوجودي 154

ما يمكن أن يحتج به لهذا القول 156

المناقشة في الاحتجاج المذكور 157

حجة القول الرابع

حجة القول بالتفصيل بين الأمور الخارجية و الحكم الشرعي مطلقا 160

المناقشة في الحجة المذكورة 160

حجة القول الخامس

التفصيل بين الحكم الشرعي الكلي و غيره 166

كلام المحدث الاسترآبادي قدّس سرّه في الاستدلال على هذا القول 166

المناقشة فيما أفاده المحدث الاسترآبادي قدّس سرّه 168

حجة القول السادس

التفصيل بين الحكم الجزئي و غيره و الجواب عنه 174

حجة القول السابع

تفصيل الفاضل التوني قدّس سرّه بين الحكم التكليفي و الوضعي 174

كلام الفاضل التوني قدّس سرّه 175

المناقشة فيما أفاده الفاضل التوني قدّس سرّه 180

ص: 468

الكلام في الأحكام الوضعية 182

هل الحكم الوضعي حكم مستقل مجعول،أو لا؟182

كلام السيد الكاظمي قدّس سرّه 183

مناقشة كلام السيد الكاظمي قدّس سرّه 184

الكلام في الصحة و الفساد 189

رجوع إلى كلام الفاضل التوني قدّس سرّه و ما أورد عليه و جوابه 192

التعليق على ما ذكره الفاضل التوني قدّس سرّه 199

شبهة أخرى في منع جريان الاستصحاب في الأحكام التكليفية 213

الجواب عن هذه الشبهة 217

حجة القول الثامن

التفصيل بين ما ثبت بالإجماع و غيره و نسبته إلى الغزالي 221

ظاهر كلام الغزالي إنكار الاستصحاب مطلقا 221

منشأ نسبة هذا التفصيل إلى الغزالي 222

كلام الغزالي 223

نسبة شارح المختصر القول بحجية الاستصحاب مطلقا إلى الغزالي 226

كلام السيد الصدر قدّس سرّه في الجمع بين قولي الغزالي 226

المناقشة فيما أفاده السيد الصدر قدّس سرّه 227

حجة القول التاسع

التفصيل بين الشك في المقتضي و الشك في الرافع 232

ما استدل به في المعارج على هذا القول 232

المناقشة في الدليل المذكور 233

الأولى في الاستدلال على هذا القول 233

مبنى نسبة هذا القول إلى المحقق قدّس سرّه 234

المناقشة في المبنى المذكور 235

توجيه نسبة هذا القول إلى المحقق قدّس سرّه 237

ص: 469

حجة القول العاشر

التفصيل بين الشك في وجود الغاية و عدمه 240

ما استدل به المحقق السبزواري قدّس سرّه على هذا القول 240

المناقشة فيما أفاده المحقق السبزواري قدّس سرّه 242

حجة القول الحادي عشر

التفصيل المتقدم مع زيادة الشك في مصداق الغاية 248

استدلال المحقق الخوانساري قدّس سرّه على هذا القول 248

كلام آخر للمحقق الخوانساري قدّس سرّه 256

المناقشة فيما أفاده المحقق الخوانساري قدّس سرّه 260

توجيه ما ذكره المحقق الخوانساري قدّس سرّه في الحكم التخييري 268

توجيه المحقق القمي قدّس سرّه 268

المناقشة في توجيه المحقق القمي قدّس سرّه 268

ما أورده السيد الصدر قدّس سرّه على المحقق الخوانساري قدّس سرّه 271

المناقشة في الإيراد 272

رجوع إلى كلام المحقق الخوانساري قدّس سرّه 273

أقوى الأقوال القول التاسع و بعده المشهور 283

ينبغي التنبيه على أمور:

التنبيه الأول:أقسام استصحاب الكلي 285

جواز استصحاب الكلي و الفرد في القسم الأول 285

جواز استصحاب الكلي في القسم الثاني دون الفرد 286

توهم عدم جريان استصحاب الكلي في هذا القسم و دفعه 288

ظاهر المحقق القمي قدّس سرّه عدم جريان الاستصحاب الكلي 289

المناقشة فيما أفاده المحقق القمي قدّس سرّه 290

القسم الثالث من استصحاب الكلي و فيه قسمان 291

هل يجري الاستصحاب في القسمين أو لا يجري في كليهما أو فيه تفصيل؟292

ص: 470

مختار المصنف هو التفصيل 294

العبرة في جريان الاستصحاب 296

كلام الفاضل التوني قدّس سرّه تأييدا لبعض ما ذكرنا و بعض مناقشاته 297

المناقش فيما مثّل به الفاضل التوني قدّس سرّه لما نحن فيه 302

التنبيه الثاني:الكلام في جريان الاستصحاب في الزمان و الزمانيات 305

أقسام استصحاب الزمان و الزمانيات ثلاثة:

استصحاب نفس الزمان 306

استصحاب الأمور التدريجية غير القارّة 310

استصحاب الأمور المقيدة بالزمان 315

ما ذكره الفاضل النراقي قدّس سرّه:من معارضة استصحاب عدم الأمر الوجودي المتيقن سابقا مع استصحاب وجوده 316

كلام الفاضل النراقي قدّس سرّه 316

المناقشة فيما أفاده الفاضل النراقي قدّس سرّه 319

الزمان قد يؤخذ قيدا و قد يؤخذ ظرفا 319

مناقشة ثانية فيما أفاده النراقي قدّس سرّه 322

مناقشة ثالثة فيما أفاده قدّس سرّه 325

التنبيه الثالث:عدم جريان الاستصحاب في الأحكام العقلية 327

عدم جريان الاستصحاب في الحكم الشرعي المستند إلى الحكم العقلي أيضا 329

هل يجري الاستصحاب في موضوع الحكم العقلي؟331

ما يظهر مما ذكرنا 332

التنبيه الرابع:الكلام في الاستصحاب التعليقي 339

توضيح هذا الاستصحاب 339

كلام صاحب المناهل في عدم جريان الاستصحاب التعليقي 340

المناقشة فيما أفاده صاحب المناهل 340

بعض المناقشات في الاستصحاب التعليقي و دفعها 342

ص: 471

مختار المصنف قدّس سرّه في المسألة 344

التنبيه الخامس:الكلام في استصحاب أحكام الشرائع السابقة 346

ما ذكره صاحب الفصول في وجه المنع عن هذا الاستصحاب 346

المناقشة فيما أفاده صاحب الفصول 347

وجه آخر للمنع و دفعه 350

ما ذكره المحقق القمي قدّس سرّه في وجه المنع 352

الجواب عما ذكره المحقق القمي قدّس سرّه 352

الثمرات الست لهذه المسألة و مناقشتها 353

التنبيه السادس:عدم ترتب الآثار غير الشرعية على الاستصحاب و الدليل عليه 363

المراد من نفي الأصول المثبتة 366

عدم ترتب الآثار و اللوازم غير الشرعية مطلقا 367

ما استدل به صاحب الفصول على عدم حجية الأصل المثبت 370

المناقشة فيما أفاده صاحب الفصول 370

وجوب الالتزام بالأصول المثبتة بناء على اعتبار الاستصحاب من باب الظن 372

فروع خمسة تمسكوا فيها بالأصول المثبتة 374

عدم عمل الأصحاب بكل أصل مثبت 381

حجية الأصل المثبت مع خفاء الواسطة 382

نماذج من خفاء الواسطة 383

التنبيه السابع:الكلام في جريان أصالة تأخر الحادث 386

صور تأخر الحادث 387

إذا لوحظ تأخر الحادث بالقياس إلى ما قبله من أجزاء الزمان 388

إذا لوحظ تأخر الحادث بالقياس إلى حادث آخر و جهل تاريخهما 391

لو كان أحدهما معلوم التاريخ 393

قولان آخران في هذه الصورة 394

صحة الاستصحاب القهقرى بناء على الأصل المثبت 399

ص: 472

الاتفاق على هذا الاستصحاب في الأصول اللفظية 400

التنبيه الثامن:هل يجري استصحاب صحة العبادة عند الشك في طروء مفسد؟401

مختار المصنف التفصيل 403

التمسك باستصحاب حرمة القطع و مناقشته 405

التنبيه التاسع:الكلام في جريان الاستصحاب في الأمور الاعتقادية 407

لو شك في نسخ أصل الشريعة 410

تمسك بعض أهل الكتاب باستصحاب شرعه 412

بعض الأجوبة عن استصحاب الكتابي و مناقشتها 412

الجواب عن استصحاب الكتابي بوجوه أخر 421

كلام الإمام الرضا عليه السّلام في جواب الجاثليق 428

التنبيه العاشر:الكلام في دوران الأمر بين التمسك بالعام أو استصحاب حكم المخصص 430

الدليل الدال على الحكم في الزمان السابق على ثلاثة أنحاء 430

هل يجري استصحاب حكم المخصص مع العموم الأزماني أم لا؟431

إذا كان العموم الأزماني استمراريا 432

المخالفة لما ذكرنا في موضعين:

الأول:ما ذكره المحقق الثاني قدّس سرّه في مسألة خيار الغبن و ما يرد عليه 434

الثاني:ما ذكره السيد بحر العلوم قدّس سرّه 436

المناقشة فيما أفاده بحر العلوم قدّس سرّه 438

توجيه كلام بحر العلوم قدّس سرّه 441

التنبيه الحادي عشر:لو تعذر بعض المأمور به فهل يستصحب وجوب الباقي؟444

الإشكال في هذا الاستصحاب 444

توجيه الاستصحاب بوجوه ثلاثة 444

ثمرة هذه التوجيهات 447

الصحيح من هذه التوجيهات 448

ص: 473

عدم الفرق بناء على جريان الاستصحاب بين تعذر الجزء بعد تنجز التكليف أو قبله 449

تخيل و دفع 450

نسبة التمسك بالاستصحاب في هذه المسألة إلى الفاضلين 452

المناقشة في هذه النسبة 452

التنبيه الثاني عشر:جريان الاستصحاب حتى مع الظن بالخلاف و الدليل عليه من وجوه ثلاثة 454

كلام الشهيد قدّس سرّه في الذكرى 459

توجيه كلام الشهيد قدّس سرّه 459

ما يرد على هذا التوجيه 459

المراد من قولهم:«اليقين لا يرفعه الشك»461

المحتويات 463

ص: 474

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.