التنقیح المجلد 4

هویة الکتاب

التنقیح

تلخيص: طباطبایي الحکیم، محمد سعید

تتميم: طباطبایي الحکیم، محمد سعید

مؤلفين آخرين

كاتب: انصاری، مرتضی بن محمدامین

عدد المجلدات: 6

لسان: العربية

الناشر: موسسة الحکمة الثقافة الاسلامية - بیروت - لبنان

سنة النشر: 1431 هجری قمری|2010 میلادی

رمز الكونغرس: BP 159 /الف 9 ف 4026

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الجزء الرابع

بقية الموضع الثانى فى الشك

المطلب الثاني

اشارة

في اشتباه الواجب بغير الحرام

و هو على قسمين،لأن الواجب:

إما مردد بين أمرين متباينين،كما إذا تردد الأمر بين وجوب الظهر و الجمعة في يوم الجمعة،و بين القصر و الإتمام في بعض المسائل.

و إما مردد بين الأقل و الأكثر (1) ،كما إذا ترددت الصلاة الواجبة بين ذات السورة و فاقدتها،للشك في كون السورة جزءا.و ليس المثالان الأولان (2) من الأقل و الأكثر (3) ،كما لا يخفى.

(1)يعني:الارتباطيين،بحيث لو اقتصر على الأقل لا يعلم بحصول شيء من الفرض و لا يتحقق الامتثال.

أما لو لم يكونا ارتباطيين-كما لو دار الأمر بين شغل الذمة بدرهم و درهمين-فهو خارج عما نحن فيه،و يكون من الشك في أصل التكليف بالإضافة إلى الزائد،و يرجع فيه إلى البراءة بناء على ما سبق

(2)يعني:مثالي التردد بين القصر و التمام،و الظهر و الجمعة.

(3)إذا المعتبر في الأقل و الأكثر تحقق الأقل في ضمن الأكثر،بحيث يكون

ص: 5

و اعلم:أنا لم نذكر في الشبهة التحريمية من الشك في المكلف به صور دوران الأمر بين الأقل و الأكثر،لأن مرجع الدوران بينهما في تلك الشبهة إلى الشك في أصل التكليف،لأن الأكثر معلوم الحرمة (1) و الشك في حرمة الأقل.

الإتيان بالأكثر محققا للامتثال قطعا،و هو إنما يتم فيما إذا كان الأقل-على تقدير وجوبه-ملحوظا لا بشرط بالإضافة إلى الزيادة المعتبرة في الأكثر،و لا يتم ذلك في الجمعة بالإضافة إلى الظهر و لا القصر بالإضافة إلى التمام،لأن الأقل ملحوظ بشرط لا بالإضافة إلى الزيادة المعتبرة في الأكثر،كما هو ظاهر.

(1)فلا بد من تركه،و به يتحقق الامتثال بالإضافة إلى التكليف المعلوم، و يعلم بتحقق الغرض بالاضافة اليه.

و هذا بخلاف الأقل فيما نحن فيه،لانه و إن كان معلوم الوجوب استقلالا أو في ضمن الأكثر،إلا أن الاتيان به بدون الاقتصار عليه لا يعلم بكونه امتثالا و موردا للغرض،لاحتمال وجوب الأكثر المفروض كونه ارتباطيا،فلا غرض بالاقتصار على بعض أجزائه.

و هذا هو الذي أوجب احتمال وجوب الاحتياط هنا،دون الدوران بين حرمة الأقل و الأكثر،بل هو نظير الدوران بين وجوب الأقل و الأكثر غير الارتباطيين الذي عرفت أنه مجرى البراءة.

ص: 6

أما القسم الأول

اشارة

[فيما إذا دار الأمر في الواجب بين المتباينين]

فالكلام فيه يقع في مسائل على ما ذكرنا في أول الباب،لأنه إما أن يشتبه الواجب بغير الحرام من جهة عدم النص المعتبر،أو إجماله،أو تعارض النصين،أو من جهة اشتباه الموضوع.

ص: 7

المسألة الأولى

[ما إذا اشتبه الواجب بغيره من جهة عدم النص]

أما الأولى،فالكلام فيها:إما في جواز المخالفة القطعية في غير ما علم-بإجماع أو ضرورة-حرمتها،كما في المثالين السابقين (1) ،فإن ترك الصلاة فيهما رأسا مخالف للإجماع بل الضرورة (2) ،و إما في وجوب الموافقة القطعية.

أما الأول:فالظاهر حرمة المخالفة القطعية،لأنها معصية عند العقلاء،فإنهم لا يفرقون بين الخطاب المعلوم تفصيلا أو إجمالا في حرمة مخالفته و في عدها معصية.

و يظهر من المحقق الخوانساري:دوران حرمة المخالفة مدار الإجماع، و أن الحرمة في مثل الظهر و الجمعة من جهته،و يظهر من الفاضل القمي رحمه اللّه:

الميل إليه،و الأقوى ما عرفت (3) .

(1)و هما مثالا الدوران بين الظهر و الجمعة و القصر و التمام.

(2)لما هو المعلوم من اهتمام الشارع الأقدس بالصلاة فيقع الكلام في غير ذلك من التكاليف التي لا يعلم باهتمام الشارع بها بهذا المقدار.

(3)لنظير ما تقدم في الشبهة التحريمية،لأنهما من باب واحد.

ص: 8

و أما الثاني:ففيه قولان،أقواهما الوجوب،لوجود المقتضي و عدم المانع.

أما الأول،فلأن وجوب الأمر المردد ثابت في الواقع،و الأمر به على وجه يعم العالم و الجاهل صادر عن الشارع واصل إلى من علم به تفصيلا (1) ،إذ ليس موضوع الوجوب في الأوامر مختصا بالعالم بها (2) ، و إلا لزم الدور كما ذكره العلامة رحمه اللّه في التحرير،لأن العلم بالوجوب موقوف على الوجوب (3) ،فكيف يتوقف الوجوب عليه؟

و أما المانع،فلأن المتصور منه ليس إلا الجهل التفصيلي بالواجب، و هو غير مانع عقلا و لا نقلا.

أما العقل،فلأن حكمه بالعذر:إن كان من جهة عجز الجاهل عن الإتيان بالواقع-حتى يرجع الجهل إلى فقد شرط من شروط وجود المأمور (1)يعني:علم تفصيلا بوجوب الأمر المردد بما هو مردد،و إن لم تكن خصوصيته معلومة تفصيلا،بل إجمالا.

(2)أشار هنا إلى عدم اختصاص التكليف الواقعي بالعالم تفصيلا،و قد تقدم منه نظير ذلك في الشبهة التحريمية المحصورة،و ذكرنا هناك أن مرجع القول بعدم وجوب الاحتياط ليس إلى ذلك،بل إلى دعوى عدم منجزية العلم الإجمالي بنحو يقتضي وجوب الموافقة القطعية،فاللازم التعرض لذلك.

و قد عرفت هناك القطع بمنجزية الواقع،و مع تنجز التكليف الواقعي يجب إحراز الفراغ عنه بالإتيان بتمام الأطراف دفعا للعقاب المحتمل على ما تقدم تفصيله، فإن المقامين من باب واحد.فلاحظ.

(3)لتأخره عنه رتبة تأخر مقام الإتيان من مقام الثبوت كما لا يخفى.

ص: 9

به (1) -فلا استقلال للعقل بذلك (2) ،كما يشهد به جواز التكليف بالمجمل في الجملة،كما اعترف به غير واحد ممن قال بالبراءة فيما نحن فيه، كما سيأتي.

و إن كان من جهة كونه غير قابل لتوجه التكليف إليه،فهو أشد منعا،و إلا لجاز إهمال المعلوم إجمالا رأسا بالمخالفة القطعية (3) ،فلا وجه لالتزام حرمة المخالفة القطعية.و لقبح (4) عقاب الجاهل المقصر على ترك الواجبات الواقعية و فعل المحرمات،كما هو (5) المشهور (6) .

(1)لعل الأولى أن يقول:فقد شرط من شروط التكليف،فإن القدرة من شروط التكليف،لا من شروط وجود المأمور به،لإمكان وجود المأمور به بنحو خارج عن اختيار المكلف.

(2)بل يستقل بعدمه.لكنه بمعنى إدراكه ذلك،و هو أمر وجداني بديهي لا نظري،فإن القدرة على الطرفين تستلزم القدرة على الواقع المردد بينهما،لعدم خروجه عنهما.و معه لا حاجة للاستشهاد عليه بجواز التكليف بالمجمل،كما ذكره المصنف قدّس سرّه.

(3)و المفروض الفراغ عن حرمتها،لما تقدم في الأمر الأول.

(4)معطوف على قوله:«لجاز إهمال...».

(5)يعني:عقاب الجاهل المقصر في الفحص عن التكاليف الشرعية.

(6)لا مجال للاستشهاد بذلك،فإن استحقاق العقاب لا ينافي عدم إمكان توجيه التكليف،لإمكان الالتزام بأن عدم توجيه التكليف إنما يمنع من العقاب إذا لم يستند إلى اختيار المكلف و تقصيره،و إلا ثبت معه العقاب.و لذا لا إشكال في امتناع توجيه التكليف للغافل مع استحقاقه للعقاب إذا كانت غفلته مسببة عن اختياره و ناشئة من تقصيره في النظر في أدلة الأحكام الشرعية.

ص: 10

و دعوى:أن مرادهم (1) تكليف الجاهل في حال الجهل برفع الجهل و الإتيان بالواقع،نظير تكليف الجنب بالصلاة حال الجنابة،لا التكليف بإتيانه مع وصف الجهل،فلا تنافي بين كون الجهل مانعا و بين التكليف في حاله،و إنما الكلام في تكليف الجاهل مع وصف الجهل،لأن المفروض فيما نحن فيه عجزه عن تحصيل العلم.

مدفوعة برجوعها حينئذ إلى ما تقدم (2) من دعوى كون عدم الجهل اللهم إلا أن يكون مراده من توجيه التكليف ما يساوق المسئولية به و العقاب عليه،لأنه المهم في المقام من حيث كونه كافيا في وجوب الاحتياط.فتأمل جيدا.

(1)يعني:مراد المشهور من حكمهم بعقاب الجاهل المقصر.

و حاصل الدعوى:أنه لا مجال للاستشهاد بحكم المشهور بذلك على إمكان توجيه التكليف للجاهل،لأن مرادهم أنه مكلف في حال الجهل برفع جهله ثم الإتيان بالواقع،لا أنه مكلف بالواقع في حال جهله حتى يدل على إمكان توجيه التكليف مع الجهل،فهو نظير تكليف الجنب بالصلاة،الراجع إلى تكليفه برفع جنابته ثم الصلاة،لا تكليفه بالصلاة ابتداء حين الجنابة.

(2)يعني:أن الأمر برفع الجهل مقدمة للإتيان،بالواقع راجع إلى كون عدم الجهل من شروط المكلف به حتى يجب مقدمة له،كما تجب الجنابة مقدمة للصلاة، و قد تقدم بطلان ذلك.

كيف و لو تم ذلك لزم عدم إجزاء المأمور به الواقعي لو أتي به حال الجهل، و لا مجال لذلك.

نعم لو كان رفع الجهل من شروط التكليف لا يتوجه الإشكال المذكور، لإمكان التكليف بتحصيل شروط التكليف.لكن-مع أنه لا يناسب التنظير بالجنابة مع الصلاة-يلزمه عدم صحة التكليف لو فرض تعذر رفع الجهل لضيق الوقت

ص: 11

من شروط وجود المأمور به نظير الجنابة،و قد تقدم بطلانها.و أما النقل، فليس فيه ما يدل على العذر،لأن أدلة البراءة غير جارية في المقام،لاستلزام إجرائها جواز المخالفة القطعية (1) ،و الكلام بعد فرض حرمتها.

بل في بعض الأخبار ما يدل على وجوب الاحتياط،مثل:صحيحة عبد الرحمن-المتقدمة (2) -في جزاء الصيد:«إذا أصبتم مثل هذا و لم تدروا، فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا عنه فتعلموا»و غيرها.

فإن قلت:إن تجويز الشارع لترك أحد المحتملين و الاكتفاء بالآخر (3) يكشف عن عدم كون العلم الإجمالي علة تامة لوجوب و نحوه،لعدم التكليف برفع الجهل لفرض تعذره و لا بنفس الواقع لفرض عدم تحقق شرط التكليف به.فلاحظ.

(1)على ما تقدم في الشبهة التحريمية المحصورة.

(2)تقدمت عند الكلام في أدلة الإخباريين على وجوب الاحتياط في الشبهة التحريمية البدوية.

لكنها واردة في الدوران بين الأقل و الأكثر،فلا يعمل بها في موردها فكيف يتعدى منه إلى ما نحن فيه؟

و لا بد أن تحمل على الشبهة قبل الفحص أو غيرها مما هو أجنبي عن المقام، على ما تقدم هناك.

(3)ظاهره بدوا المفروغية عن ثبوت التجويز المذكور من الشارع الأقدس.

مع أنه محل الكلام،بل المنع.فالظاهر أن مراده الاستدلال بإمكان التجويز المذكور بلا فرض ثبوته فعلا بل هو المقطوع به،كما يشهد به التأمل في المطلب و الرجوع إلى شراح كلامه.

ص: 12

الإطاعة (1) حينئذ،كما أن عدم تجويز الشارع للمخالفة مع العلم التفصيلي دليل على كون العلم التفصيلي علة تامة لوجوب الإطاعة،و حينئذ فلا ملازمة بين العلم الإجمالي و وجوب الإطاعة (2) ،فيحتاج إثبات الوجوب إلى دليل آخر غير العلم الإجمالي،و حيث كان مفقودا فأصل البراءة يقتضي عدم وجوب الجمع و قبح العقاب على تركه،لعدم البيان.

نعم،لما كان ترك الكل معصية عند العقلاء حكم بحرمتها،و لا تدل حرمة المخالفة القطعية على وجوب الموافقة القطعية.

قلت:العلم الإجمالي كالتفصيلي علة تامة لتنجز التكليف بالمعلوم، إلا أن المعلوم إجمالا يصلح لأن يجعل أحد محتمليه بدلا عنه في الظاهر (3) ، فكل مورد حكم الشارع بكفاية أحد المحتملين للواقع-إما تعيينا كحكمه بالأخذ بالاحتمال المطابق للحالة السابقة،و إما تخييرا كما في موارد التخيير (1)يعني:القطعية و أما الاحتمالية فالتجويز المذكور لا يشهد بجوازها.

(2)يعني:و إلاّ لامتنع التجويز المذكور،كما امتنع مع العلم التفصيلي.

(3)عرفت في الشبهة التحريمية أن المراد بجعل أحد الطرفين بدلا ظاهريا عن الواقع هو التعبد ظاهرا و يكون الواقع في ذلك الطرف،فيرجع إلى تمييز المعلوم بالإجمال.

و منه يظهر أنه ليس المراد منه استصحاب الحالة السابقة،لعدم تعرضه لتمييز المعلوم بالإجمال بناء على ما هو الحق من عدم حجية الأصل المثبت.و إنما يكفي العمل بالاستصحاب المذكور لانحلال العلم الإجمالي به،كما أشرنا إلى ذلك في التنبيه الخامس من تنبيهات الشبهة التحريمية المحصورة.كما سبق الكلام في التخيير أيضا.فراجع.

ص: 13

بين الاحتمالين-فهو من باب الاكتفاء عن الواقع بذلك المحتمل،لا الترخيص لترك الواقع بلا بدل في الجملة،فإن الواقع إذا علم به و علم إرادة المولى بشيء و صدور الخطاب عنه إلى العبيد و إن لم يصل إليهم (1) ، لم يكن بد عن موافقته إما حقيقة بالاحتياط،و إما حكما بفعل ما جعله الشارع بدلا عنه،و قد تقدمت الإشارة إلى ذلك في الشبهة المحصورة.

و مما ذكرنا يظهر:عدم جواز التمسك في المقام بأدلة البراءة،مثل رواية الحجب و التوسعة و نحوهما،لأن العمل بها في كل من الموردين بخصوصه يوجب طرحها بالنسبة إلى أحدهما المعين عند اللّه المعلوم وجوبه،فإن وجوب واحدة من الظهر و الجمعة أو من القصر و الإتمام مما لم يحجب اللّه علمه عنا،فليس موضوعا عنا و لسنا في سعة منه،فلا بد إما من الحكم بعدم جريان هذه الأخبار في مثل المقام مما علم وجوب شيء إجمالا (2) ،و إما من الحكم بأن شمولها للواحد المعين (3) المعلوم (1)يعني:لم يصل الخطاب إليهم بوجه تفصيلي،و إلاّ فالمفروض وصوله في الجملة.

(2)إما للزوم التناقض بين الصدر و الذيل الكاشف عن عدم شمول أخبار البراءة لأطراف العلم الإجمالي رأسا.

أو للزوم تخصيصها فيها عقلا لاستلزام عمومها الترخيص في المعصية.

و كلا الوجهين مذكوران في وجه سقوط الأصول الترخيصية في أطراف العلم الإجمالي،و إن كان الأول ممنوعا في نفسه،خلافا لما قد يظهر من المصنف قدّس سرّه على ما يذكر في مبحث تعارض الاستصحابين.

(3)يعني:في الواقع و إن كان مرددا عند المكلف.

ص: 14

وجوبه و دلالتها بالمفهوم (1) على عدم كونه موضوعا عن العباد و كونه محمولا عليهم و مأخوذين به و ملزمين عليه،دليل (2) علمي-بضميمة حكم العقل بوجوب المقدمة العلمية-على وجوب الإتيان بكل من الخصوصيتين،فالعلم بوجوب كل منهما لنفسه و إن كان محجوبا عنا،إلا أن العلم بوجوبه من باب المقدمة ليس محجوبا عنا،و لا منافاة بين عدم (1)المستفاد من الغاية في قوله عليه السّلام في حديث السعة:«ما لا يعلمون»و في قوله عليه السّلام في حديث الحجب:«حتى يرد فيه أمر أو نهي»كما في بعض النسخ.

(2)خبر(أن)في قوله:«بأن شمولها...».

و هذا إشارة إلى وجه آخر لعدم الرجوع للأصول في أطراف العلم الإجمالي و لعله راجع إلى ما ذكرناه في الشبهة التحريمية المحصورة من أن الأصول تجري في أطراف العلم الإجمالي ذاتا،إلا أنها لا تقتضي الترخيص فيها مطلقا و من جميع الجهات،بل من حيث كونها مشكوكة التكليف،و ذلك لا ينافي لزوم الاجتناب عنها لتنجزها بالعلم الإجمالي لاحتمال انطباق المعلوم بالإجمال عليها.فراجع.

نعم ظاهره أن تنجز المعلوم بالإجمال إنما هو بسبب المفهوم المستفاد من الروايات المقتضي لتنجز التكليف بالعلم الإجمالي.و هو لا يخلو عن إشكال،لأن منجزية العلم ذاتية لا تحتاج إلى جعل شرعي فلا بد من حمل المفهوم في الروايات المذكورة على أن العلم بالتكليف غاية عقلية رافعة للمعذرية لا شرعية،فالمنجز في الحقيقة هو العلم بنفسه بلا حاجة للمفهوم.

ثم إنا أشرنا في الشبهة التحريمية إلى أن ظاهر بعض الأخبار عدم منجزية العلم الإجمالي،و أن لا بد من حملها على صورة عدم الابتلاء ببعض الأطراف أو نحوها،لئلا تنافي حكم العقل بمنجزيته،و لا يرد ذلك هنا،لاختصاص تلك الأخبار بالشبهة التحريمية.فلاحظ.

ص: 15

وجوب الشيء ظاهرا لذاته و وجوبه ظاهرا من باب المقدمة،كما لا تنافي بين عدم الوجوب النفسي واقعا و ثبوت الوجوب الغيري كذلك.

و اعلم:أن المحقق القمي رحمه اللّه،بعد ما حكى عن المحقق الخوانساري الميل إلى وجوب الاحتياط في مثل الظهر و الجمعة و القصر و الإتمام،قال:

إن دقيق النظر يقتضي خلافه،فإن التكليف بالمجمل المحتمل لأفراد متعددة-بإرادة فرد معين عند الشارع مجهول عند المخاطب-مستلزم لتأخير البيان عن وقت الحاجة (1) الذي اتفق أهل العدل على استحالته، و كل ما يدعى كونه من هذا القبيل فيمكن منعه،إذ غاية ما يسلم في القصر و الإتمام و الظهر و الجمعة و أمثالها:أن الإجماع وقع على أن من ترك الأمرين (1)لا يخفى أنه إن أريد بذلك منع التكليف،واقعا بحيث يكون الجاهل خارجا عن إطلاق الخطاب.

فهو مناف للإجماع و الضرورة على اشتراك التكليف بين الجاهل و العالم،و ما هو الحق من التخطئة.

و إن أراد بذلك منع التكليف به ظاهرا مع ثبوته واقعا فهو مناف لما عرفت من منجزية العلم الإجمالى.

و أما قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة فهو-لو تم-لأدخل له في المقام، لأنه راجع إلى وظيفة المخاطب،لا إلى وظيفة المخاطب كما هو ظاهر فتأمل.

اللهم إلا أن يقال:إن اشتراك التكليف بين العالم و الجاهل و منجزية العلم الإجمالى المفروضين لما لم تجتمع مع قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة المدعى كان مقتضى الجمع بينها الالتزام بجعل البدل الظاهري،الراجع إلى أن ما يختاره المكلف هو الواقع في حقه ظاهرا،فيكون ذلك بيانا للواقع في ظرف الجهل به.

لكن الإنصاف أن كلام المحقق القمي قدّس سرّه بعيد عن ذلك جدا.

ص: 16

بأن لا يفعل شيئا منهما يستحق العقاب،لا أن من ترك أحدهما المعين عند الشارع (1) المبهم عندنا بأن ترك فعلهما مجتمعين،يستحق العقاب.

و نظير ذلك:مطلق التكليف بالأحكام الشرعية،سيما في أمثال زماننا على مذهب أهل الحق من التخطئة،فإن التحقيق:أن الذي ثبت علينا بالدليل هو تحصيل ما يمكننا تحصيله من الأدلة الظنية،لا تحصيل الحكم النفس الأمري في كل واقعة،و لذا لم نقل بوجوب الاحتياط و ترك العمل بالظن الاجتهادي من أول الأمر (2) .

نعم،لو فرض حصول الإجماع أو ورود النص على وجوب شيء معين عند اللّه تعالى مردد عندنا بين أمور من دون اشتراطه بالعلم به (1)و هو موضوع التكليف الواقعي المردد بين الأمرين.

(2)أشار بهذا إلى ما يذكر في دليل الانسداد من أن تعذر العلم التفصيلي موجب للرجوع للظن،و لا يجب معه الاحتياط لأجل تحصيل الواقع المردد على ما هو عليه،الذي يتوقف إحرازه على موافقة جميع الاحتمالات حتى الموهومة.

و قد أراد بهذه الإشارة إلى أن المكلف به في حال الجهل هو خصوص المظنون، و لا إيهام فيه و لا ترديد،لا الواقع المفروض إجماله حتى ينافي ما سبق منه من قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة.

لكن لا يخفى أنه إذا أراد بذلك اختصاص التكليف الواقعي بالمظنون فهو مخالف لفرض التخطئة في كلامه.و إن أراد اختصاص التكليف الظاهري به فحيث عرفت أنه مناف لمنجزية العلم الإجمالي فلا بد أن يكون ناشئا عن سقوط منجزية العلم الإجمالي بسب استلزام الاحتياط الحرج أو اختلال النظام على ما يذكر في محله، و حينئذ فلا يكون نظيرا للمقام،لفرض عدم الموجب هنا لسقوط العلم الإجمالى عن المنجزية.فلاحظ.

ص: 17

المستلزم ذلك الفرض لإسقاط قصد التعيين في الطاعة-لتم ذلك (1) ، و لكن لا يحسن حينئذ قوله-يعني المحقق الخوانساري-:فلا يبعد حينئذ القول بوجوب الاحتياط،بل لا بد من القول باليقين و الجزم بالوجوب.

و لكن،من أين هذا الفرض؟و أنى يمكن إثباته؟،انتهى كلامه، رفع مقامه.

و ما ذكره(قدس اللّه سره)قد وافق فيه بعض كلمات ذلك المحقق (2) ،التي ذكرها في مسألة الاستنجاء بالأحجار،حيث قال بعد كلام له:و الحاصل:إذا ورد نص أو إجماع على وجوب شيء معين معلوم عندنا أو ثبوت حكم إلى غاية معينة معلومة عندنا،فلا بد من الحكم بلزوم تحصيل اليقين أو الظن بوجود ذلك الشيء المعلوم حتى يتحقق الامتثال.

إلى أن قال:

و كذا إذا ورد نص أو إجماع على وجوب شيء معين في الواقع مردد في نظرنا بين أمور،و يعلم أن ذلك التكليف غير مشروط بشيء من العلم (3) بذلك الشيء مثلا،أو على ثبوت حكم إلى غاية معينة في الواقع مرددة عندنا بين أشياء و يعلم أيضا عدم اشتراطه بالعلم (4) ، (1)و هو لزوم الاحتياط بفعل كلا المحتملين.لكن هذا مناف لما سبق منه من امتناع التكليف بالمجمل،لقبح تأخير البيان عن وقت الحاجة.

(2)يعني:المحقق الخوانساري قدّس سرّه.

(3)يعني:التفصيلي.

(4)يعني:بنحو يكون العلم بالموضوع أو الغاية شرطا واقعيا للتكليف فلا تكليف بدونه واقعا،و سيأتي من المصنف قدّس سرّه في إمكان ذلك.

ص: 18

وجب (1) الحكم (2) بوجوب تلك الأشياء المردد فيها في نظرنا،و بقاء ذلك الحكم إلى حصول تلك الأشياء،و لا يكفي الإتيان بواحد منها (3) في سقوط التكليف،و كذا حصول (4) شيء واحد من الأشياء (5) في ارتفاع الحكم المعين.

إلى أن قال:

و أما إذا لم يكن كذلك،بل ورد نص مثلا على أن الواجب الشيء الفلاني،و نص آخر على أن هذا الواجب شيء آخر،أو ذهب بعض الأمة إلى وجوب شيء،و بعض آخر إلى وجوب شيء آخر دونه،و ظهر بالنص و الإجماع في الصورتين أن ترك ذينك الشيئين معا سبب لاستحقاق العقاب،فحينئذ لم يظهر وجوب الإتيان بهما حتى يتحقق الامتثال،بل الظاهر الاكتفاء بواحد منهما،سواء اشتركا في أمر أو تباينا بالكلية (6) .

و كذا الكلام في ثبوت الحكم إلى غاية معينة،انتهى كلامه،رفع مقامه.

(1)جواب الشرط في قوله:«و كذا إذا ورد نصّ...».

(2)يعني:ظاهرا،و أما الحكم الواقعي فهو تابع للموضوع و الغاية الواقعيين.

(3)يعني:من الأشياء المحتملة للوجوب.

(4)عطف على(الإتيان)في قوله:«و لا يكفى الإتيان...».

(5)يعني:المحتمل كونها غاية للتكليف.

(6)لعله أراد بالأول مثل القصر و التمام مما يجمعهما عنوان عرفي،كالصلاة و أراد بالثاني مثل العتق و الصدقة مما لا يجمعهما عنوان كذلك.

ص: 19

و أنت خبير بما في هذه الكلمات من النظر.

أما ما ذكره الفاضل القمي رحمه اللّه:من حديث التكليف بالمجمل و تأخير البيان عن وقت الحاجة،فلا دخل له في المقام،إذ لا إجمال في الخطاب أصلا، و إنما طرأ الاشتباه (1) في المكلف به من جهة تردد ذلك الخطاب المبين بين أمرين،و إزالة هذا التردد العارض من جهة أسباب اختفاء الأحكام غير واجبة على الحكيم تعالى (2) حتى يقبح تأخيره عن وقت الحاجة،بل يجب عند هذا الاختفاء الرجوع إلى ما قرره الشارع كلية في الوقائع المختفية، و إلا (3) فما يقتضيه العقل من البراءة و الاحتياط.

و نحن ندعي أن العقل حاكم-بعد العلم بالوجوب و الشك في الواجب،و عدم الدليل من الشارع على الأخذ (4) بأحد الاحتمالين المعين أو المخير و الاكتفاء به من الواقع (5) -بوجوب الاحتياط (6) ،حذرا من ترك الواجب الواقعي،و أين ذلك من مسألة التكليف بالمجمل و تأخير البيان عن وقت الحاجة؟

(1)يعني:بسبب العوارض الخارجية-كاختلاف الناقلين أو جور الظالمين- مع كون الخطاب مبينا في نفسه.

(2)قد يدعى وجوب إزالة الاشتباه على الحكم بمقتضى لطفه،لكن مع تيسر الطرق المتعارفة للإزالة،و المفروض في المقام عدم تيسرها.

(3)يعني:لو لم يكن للشارع تقرير خاص في اختفاء الأحكام أو اشتباهها.

(4)يعني:على وجوب الأخذ.و هو متعلق بقوله:«عدم الدليل».

(5)يعني:بجعله بدلا ظاهريا عن الواقع المتردد.

(6)متعلق بقوله:«حاكم».

ص: 20

مع أن التكليف بالمجمل و تأخير البيان عن وقت العمل لا دليل على قبحه (1) إذا تمكن المكلف من الإطاعة و لو بالاحتياط.

و أما ما ذكره تبعا للمحقق المذكور (2) :من تسليم وجوب الاحتياط إذا قام الدليل على وجوب شيء معين في الواقع غير مشروط بالعلم به، ففيه:

أنه إذا كان التكليف بالشيء قابلا لأن يقع مشروطا بالعلم و لأن يقع منجزا غير مشروط بالعلم بالشيء،كان ذلك (3) اعترافا بعدم قبح التكليف بالشيء المعين المجهول،فلا يكون العلم شرطا عقليا،و أما اشتراط التكليف به شرعا فهو غير معقول بالنسبة إلى الخطاب الواقعي، فإن الخطاب الواقعي في يوم الجمعة-سواء فرض قوله:«صل الظهر»، أم فرض قوله:«صل الجمعة»-لا يعقل أن يشترط بالعلم بهذا الحكم التفصيلي (4) .

(1)لا يبعد قبحه حينئذ،لكن لا من جهة تفويت الواقع،بل من جهة اللغوية و العبث في الإلزام بالاحتياط.إلا أن يكون هناك جهات ثانوية ترفع محذور اللغوية.

(2)و هو المحقق الخوانساري قدّس سرّه.

(3)يعني:قابلية التكليف للاشتراط بالعلم و عدمه.

(4)لأن العلم متفرع على المعلوم و متأخر عنه رتبة،فكيف يكون مأخوذا فيه و قيدا له.

مع أنه لو فرض إمكانه فلا دليل عليه بعد فرض إطلاق أدلة الاحكام الواقعية، بناء على ما هو التحقيق من إمكان التمسك بالإطلاق اللفظي في التقسيمات الثانوية،

ص: 21

نعم،بعد اختفاء هذا الخطاب المطلق يصح أن يرد خطاب (1) مطلق،كقوله:«اعمل بذلك الخطاب و لو كان عندك مجهولا،و ائت بما فيه و لو كان غير معلوم»،كما يصح (2) أن يرد خطاب مشروط،و أنه لا يجب عليك ما اختفى عليك من التكليف في يوم الجمعة،و أن وجوب امتثاله عليك مشروط بعلمك به تفصيلا.

و مرجع الأول (3) إلى الأمر بالاحتياط (4) ،و مرجع الثاني إلى فضلا عن الإطلاق المقامي.

(1)يعني:يرد خطاب متعرض للتكليف الظاهري.

و أما لو كان متعرضا للتكليف الواقعي فقد يكون ممتنعا لاستلزامه اجتماع الحكمين المتماثلين لو كان مرجعه إلى الإلزام مطلقا و لو مع العلم الإجمالى،و الحكمين المتضادين لو كان مرجعه إلى كون الإلزام مشروطا بالعلم التفصيلي بحيث لا يثبت مع العلم الإجمالي.

هذا و لو كان مرجع الخطاب المذكور إلى التعرض لمقام الإطاعة المتفرع على التكليف و المتأخر عنه رتبة امتنع صدوره من الشارع،لأن مقام الإطاعة من مختصات العقل.و كأنه خارج عن محل كلام المصنف قدّس سرّه.فلاحظ.

(2)سيأتي منه قدّس سرّه امتناع الخطاب المشروط في بعض صوره،و هو ما لو تضمن جواز المخالفة القطعية،فالمراد بالصحة مجرد الفرض و الاحتمال البدوي.

و كأن مراده من الخطاب المشروط ما يقتضي اعتبار العلم التفصيلي في الإلزام بمقتضى الخطاب في مقام المطلق الذي يقتضي الإلزام به و لو مع العلم الإجمالي.

(3)و هو الخطاب المطلق،الراجع إلى الإلزام بالواقع مطلقا و لو مع العلم الإجمالي.

(4)فيكون إرشادا الحكم العقل المدعى في المقام.

ص: 22

البراءة عن الكل إن أفاد نفي وجوب الواقع رأسا المستلزم لجواز المخالفة القطعية،و إلى نفي ما علم إجمالا بوجوبه.و إن أفاد نفي وجوب القطع بإتيانه و كفاية إتيان بعض ما يحتمله،فمرجعه إلى جعل البدل للواقع (1) و البراءة عن إتيان الواقع على ما هو عليه.

لكن دليل البراءة على الوجه الأول (2) ينافي العلم الإجمالي المعتبر بنفس أدلة البراءة المغياة بالعلم (3) ،و على الوجه الثاني (4) غير موجود، فيلزم من هذين الأمرين-أعني وجوب مراعاة العلم الإجمالي و عدم وجود دليل على قيام أحد المحتملين مقام المعلوم إجمالا-أن يحكم (5) العقل بوجوب الاحتياط،إذ لا ثالث لذينك الأمرين،فلا حاجة إلى أمر (1)الحكم المذكور لا يتضمن بحسب الجمود عليه جعل البدل،لما عرفت من أن مرجع جعل البدل إلى التعبد بأن الواقع في أحد الأطراف معينا،أو مخيرا، و الحكم بالترخيص الظاهري لا يقتضي ذلك.

نعم لما كان الحكم بعدم لزوم الامتثال اليقيني خارجا عن وظيفة الشارع و منافيا لحكم العقل بلزومه،تعين حمله-لورود من الشارع-على جعل البدل الظاهري الذي عرفت أنه من وظيفة الشارع تصحيحا لكلامه،و دفعا عن مخالفة حكم العقل المذكور.فلاحظ

(2)يعني:المستلزم لجواز المخالفة القطعية.

(3)لكن عرفت أنه لا حاجة في اعتباره إلى الأدلة المذكورة،لأن حجيّة العلم ذاتية عقلية لا تقبل التصرف الشرعي.فلا بد من حمل الأدلة الشرعية على مجرد إمضاء الحكم المذكور.

(4)و هو المستلزم لجعل البدل و الراجع لعدم وجوب الموافقة القطعية.

(5)مؤوّل بالمصدر فاعل«يلزم»في قوله:«فيلزم من هذين...».

ص: 23

الشارع بالاحتياط (1) ،و وجوب (2) الإتيان بالواقع غير مشروط بالعلم التفصيلي به،مضافا إلى ورود الأمر بالاحتياط في كثير من الموارد (3) .

و أما ما ذكره (4) :من استلزام ذلك الفرض-أعني تنجز التكليف بالأمر المردد من دون اشتراط بالعلم به-لإسقاط قصد التعيين في الطاعة، ففيه:

أن سقوط قصد التعيين إنما حصل بمجرد التردد و الإجمال في الواجب،سواء قلنا فيه بالبراءة (5) أو الاحتياط،و ليس لازما لتنجز (1)تعريض بما سبق من المحققين القمي و الخوانساري قدّس سرّه من أن وجوب الاحتياط مشروط بأن يثبت من الشارع الأقدس إرادة الواقع المردد على ما هو عليه من دون اشتراط ذلك بالعلم.

(2)معطوف على:«أمر الشارع»عطف تفسير،و هو راجع إلى شرح الاحتياط.

(3)كالصلاة إلى أربع جهات مع اشتباه القبلة،و الإتيان بثلاث صلوات لمن علم أنه فاتته إحدى الصلوات الخمس اليومية،و غيرهما.

لكنه مختص بالشبهة الموضوعية التي اعترف المحقق الخوانساري قدّس سرّه في صدر كلامه بوجوب الاحتياط فيها.

(4)يعني:المحقق القمي قدّس سرّه.

(5)يعني:من لزوم الموافقة القطعية و الاكتفاء بالموافقة الاحتمالية،فإن الإتيان بأحد المحتملين يتعذر معه التعيين أيضا كالإتيان بكليهما احتياطا.

نعم لو رجع الاكتفاء بأحد المحتملين إلى جعل البدل الظاهري كان قصد التعيين ممكنا.لكنه أمر آخر لم يذكره المحقق القمي قدّس سرّه و إنما ذكره المصنف قدّس سرّه.فتأمل جيدا.

ص: 24

التكليف بالواقع و عدم اشتراطه بالعلم.

فإن قلت:إذا سقط قصد التعيين لعدم التمكن،فبأيهما ينوي الوجوب و القربة؟

قلت:له في ذلك طريقان:

أحدهما:أن ينوي بكل منهما الوجوب و القربة،لكونه بحكم العقل مأمورا بالإتيان بكل منهما.

و ثانيهما:أن ينوي بكل منهما حصول الواجب به أو بصاحبه تقربا إلى اللّه،فيفعل كلا منهما،فيحصل الواجب الواقعي،و تحصيله لوجوبه و التقرب به إلى اللّه تعالى،فيقصد أني أصلي الظهر لأجل تحقق الفريضة الواقعية به أو بالجمعة التي أفعل بعدها أو فعلت قبلها قربة إلى اللّه، و ملخص ذلك:أني أصلي الظهر احتياطا قربة إلى اللّه.

و هذا الوجه (1) هو الذي ينبغي أن يقصد.

و لا يرد عليه:أن المعتبر في العبادة قصد التقرب و التعبد بها بالخصوص (2) ،و لا ريب أن كلا من الصلاتين عبادة،فلا معنى لكون الداعي في كل منهما التقرب المردد بين تحققه به أو بصاحبه،لأن (3) القصد المذكور إنما هو معتبر في العبادات الواقعية دون المقدمية (4) .

(1)و هو الوجه الثاني.

(2)لأن الأمر لا يدعو إلاّ إلى متعلقه،فلا يمكن قصد امتثاله بغيره.

(3)تعليل لقوله:«و لا يرد عليه...».

(4)لم يتضح الوجه في ذلك،لعدم تعرض الأدلة النقلية لشرح كيفية قصد التقرب المعتبر في العبادة،فصلا عن التفصيل بين العبادات الواقعية و المقدمية،و إنما

ص: 25

و أما الوجه الأول،فيرد عليه:أن المقصود إحراز الوجه الواقعي، و هو الوجوب الثابت في أحدهما المعين (1) ،و لا يلزم من نية الوجوب المقدمي قصده.

هو أمر ارتكازي عرفي.

و من ثم لا يبعد أن يقال:أنه يكفى في التقرب المعتبر في العبادات الإتيان بالفعل برجاء تعلق الأمر به مع فرض عدم اليقين بكونه مأمورا به،و مثل ذلك ممكن في المقام بالإضافة لجميع المحتملات بلا حاجة إلى قصد التعبد بالمأتي به و ببقية الأطراف لتحصيل امتثال الأمر الواحد المعلوم إجمالا،كما ذكره المصنف قدّس سرّه.

و به أمكن تصحيح العبادة مع الشك في أصل وجود الأمر،كما سبق في التنبيه الثاني من تنبيهات الشبهة الوجوبية البدوية،و سبق من المصنف قدّس سرّه احتماله.

و ربما يرجع قوله هنا:«و ملخص ذلك أني أصل الظهر احتياطا قربة إلى اللّه تعالى»إلى ذلك،و شرحه بما تقدم لعله ناش عن ضيق التعبير،و إن كان مقتضى ما يأتي منه في التنبيه الثاني من تنبيهات المسألة الرابعة عدم إرادة ما ذكرنا.فلاحظ.

(1)لأن المقرب هو قصده،لكونه شرعيا،دون المقدمي،لأنه حكم عقلي إرشادي لا يكون قصده موجبا للتقرب من المولى.

و مما ذكرنا يظهر أن ما ذكره بقوله:«و أيضا فالقربة غير حاصلة...»إنما يصلح متمما لهذا الوجه،و لا يصلح وجها آخر في قباله،كما هو ظاهر المصنف قدّس سرّه فإن القربة إنما لا تحصل بفعل أحدهما بلحاظ قصد امتثال أمره المقدمي العقلي،لا بلحاظ قصد امتثال أمره الشرعي المحتمل الذي هو عبارة عن الإتيان بالفعل برجاء كونه مطلوبا،لما عرفت من كفاية التقرب بهذا الوجه.

هذا و قد تقدم من المصنف قدّس سرّه في التنبيه الثاني من تنبيهات الشبهة الوجوبية البدوية التعرض لاحتمال الاكتفاء بقصد الأمر المقدمي العقلي،و تقدم منا الكلام فيه.فراجع.

ص: 26

و أيضا:فالقربة غير حاصلة بنفس فعل أحدهما و لو بملاحظة وجوبه الظاهري،لأن هذا الوجوب مقدمي و مرجعه إلى وجوب تحصيل العلم بفراغ الذمة،و دفع احتمال ترتب ضرر العقاب بترك بعض منهما، و هذا الوجوب إرشادي لا تقرب فيه أصلا،نظير أوامر الإطاعة،فإن امتثالها لا يوجب تقربا،و إنما المقرب نفس الإطاعة،و المقرب هنا-أيضا- نفس الإطاعة الواقعية (1) المرددة بين الفعلين،فافهم،فإنه لا يخلو عن دقة.

و مما ذكرنا يندفع توهم:أن الجمع بين المحتملين مستلزم لإتيان غير الواجب على جهة العبادة،لأن (2) قصد القربة المعتبر في الواجب الواقعي لازم المراعاة في كلا المحتملين-ليقطع بإحرازه في الواجب الواقعي- و من المعلوم أن الإتيان بكل من المحتملين بوصف أنها عبادة مقربة، يوجب التشريع بالنسبة إلى ما عدا الواجب الواقعي (3) فيكون محرما، فالاحتياط غير ممكن في العبادات،و إنما يمكن في غيرها،من جهة أن الإتيان بالمحتملين لا يعتبر فيهما قصد التعيين و التقرب،لعدم اعتباره في الواجب الواقعي المردد،فيأتي بكل منهما لاحتمال وجوبه.

و وجه اندفاع هذا التوهم،مضافا إلى أن غاية ما يلزم من ذلك (1)يعني:بناء على الوجه الثاني الذي اختاره قدّس سرّه.

(2)تعليل لقوله:«مستلزم لاتيان...».

(3)بل حتى بالنسبة إلى الواجب الواقعي،لعدم العلم بوجوبه حين الإتيان به،و لا بد في جواز قصد الأمر الشرعي و الجزم به من العلم به حين قصده،و لا يكفي في جوازه ثبوت الأمر الواقعي مع الجهل به،لعموم دليل حرمة التشريع لذلك.

ص: 27

عدم التمكن من تمام الاحتياط في العبادات حتى من حيث مراعاة قصد التقرب المعتبر في الواجب الواقعي-من جهة استلزامه للتشريع المحرم، فيدور الأمر بين الاقتصار على أحد المحتملين (1) ،و بين الإتيان بهما مهملا لقصد التقرب في الكل (2) فرارا عن التشريع،و لا شك أن الثاني أولى (3) ، لوجوب الموافقة القطعية بقدر الإمكان،فإذا لم يمكن الموافقة بمراعاة جميع ما يعتبر في الواقعي في كل من المحتملين،اكتفي بتحقق ذات الواجب في ضمنهما:

(1)هذا إنما يتم لو أمكن تحصيل التقرب في أحد المحتملين،و هو ممتنع-بناء على توقفه على الجزم بوجوبه-لاستلزامه التشريع المحرم،الشك في انطباق الواجب الواقعي عليه،فلا بد من الإتيان به مجردا عن ذلك،و حينئذ فلا يكون في الاقتصار عليه فائدة،بل يتعين الجمع لو لا ما يأتي.

(2)هذا موقوف على كون قصد التقرب مأخوذا في الواجب بنحو تعدد المطلوب أما لو كان مأخوذا بنحو وحدة المطلوب-كما هو الظاهر،بل المقطوع به، لتقوم العبادة به-فلا يشرع الإتيان بالفاقد له.

(3)الظاهر أن الترجيح بين الموافقة القطعية لبعض المطلوب و الموافقة الاحتمالية لتمام المطلوب تابع لأهمية القيد فاذا كان مهما كانت موافقته أولى،و لا مجال للجزم بأهمية أحد الأمرين مطلقا.

لكن النظر في الترجيح بينهما فرع إمكان كل منهما،و قد عرفت توقف الأولى على كون القيد مأخوذا بنحو تعدد المطلوب و توقف الثانية على إمكان تحصيل القيد في بعض الأطراف،و كلاهما غير تام في المقام،فلا يتم الجواب عن الإشكال المذكور بهذا الوجه.

ص: 28

أن (1) اعتبار قصد التقرب و التعبد في العبادة الواجبة واقعا لا يقتضي قصده في كل منهما (2) ،كيف و هو غير ممكن (3) !و إنما يقتضي وجوب قصد التقرب و التعبد في الواجب المردد بينهما بأن يقصد في كل منهما:أني أفعله ليتحقق به أو بصاحبه التعبد بإتيان الواجب الواقعي.

و هذا الكلام بعينه جار في قصد الوجه (4) المعتبر في الواجب (5) ، فإنه لا يعتبر قصد ذلك الوجه خاصة في خصوص كل منهما (6) ،بأن (1)خبر لقوله:«و وجه اندفاع...»و هو جواب آخر عن التوهم.

(2)على ما قرره في الوجه الثاني المتقدم في كيفية التقرب،و هو لا يستلزم التشريع.

(3)كأنه لفرض العلم بعدم مشروعية أحدهما المانع من القصد و الجزم بالمشروعية في كل منهما،لأنهما متفرعان على العلم بثبوت ما قصد.

لكن الظاهر إمكان الجزم بالشيء و عقد القلب عليه و لو مع العلم بعدمه، و لذا كان التشريع ممكنا عقلا.نعم حرمته توجب امتناعه شرعا لا عقلا.

(4)كالوجوب بخصوصه أو الاستحباب بخصوصه،و ما سبق كان في قصد التقرب المتوقف على قصد مطلق الأمر و التقرب به و لو تردد بين الاستحباب و الوجوب.

(5)تقدم منه قدّس سرّه في مباحث القطع عند الكلام في العلم الإجمالي الكلام في اعتبار نية الوجه،و قرب هناك عدمه،بل جزم به في المقدمة الثالثة من مقدمات دليل الانسداد.فراجع.

(6)لا يخفى أن مراد من اعتبر قصد الوجه هو لزوم قصد الوجه الخاص في الفعل المأتي به،و عدم الاكتفاء بالقصد الإجمالي،و لذا تقدم منه قدّس سرّه في مباحث القطع أنه بناء على اعتبار قصد الوجه لا يجوز الامتثال الإجمالي مع التمكن من الامتثال

ص: 29

يقصد أني أصلي الظهر لوجوبه،ثم يقصد أني أصلي الجمعة لوجوبها،بل يقصد:أني أصلي الظهر،لوجوب الأمر الواقعي المردد بينه و بين الجمعة التي أصليها بعد ذلك أو صليتها قبل ذلك.

و الحاصل:أن نية الفعل هو قصده على الصفة التي هو عليها التي باعتبارها صار واجبا (1) ،فلا بد من ملاحظة ذلك في كل من المحتملين، و إذا لاحظنا ذلك فيه وجدنا الصفة التي هو عليها-الموجبة للحكم بوجوبه-هو احتمال تحقق الواجب المتعبد به و المتقرب به إلى اللّه تعالى التفصيلي.

و حينئذ فالاكتفاء بقصد الوجه بالنحو الذي ذكره هنا إن كان مبنيا على اختصاص اعتبار قصد الوجه بما إذا كان العلم بالوجه ممكنا-كما ذكره في مباحث القطع-فاللازم عدم وجوب قصد الوجه حتى بالنحو الذي ذكره هنا.

و إن كان مبنيا على التفصيل في قصد الوجه المعتبر بين صورتي التمكن من العلم به تفصيلا و العجز عن العلم به تفصيلا و أنه يعتبر في الأولى قصده في العمل حين الإتيان به،و في الثانية بالوجه الخاص الذي ذكره هنا.

ففيه:أن قصد الوجه مما لم يشرع في الأدلة النقلية،فضلا عن أن يستفاد منها التفصيل المذكور في كيفيته،و إنما أخذ من كلماتهم في المقام،بل ليس في كلماتهم الا تفسيره بالوجه الأول لا غير،نظير ما ذكرناه آنفا في قصد التقرب.

(1)هذا إنما يتم في قصد عنوان المأمور به وصفا لا غاية،كقصد عنوان صلاة الظهر أو حج الاسلام،و الكلام إنما هو في قصد الأمر غاية و داعيا.

على أن المعتبر في قصد عنوان المأمور به لو قيل به-هو قصد العنوان المأخوذ في موضوع الحكم الشرعي لا العنوان المأخوذ في الحكم العقلي،كعنوان الاحتياط.

فلاحظ.

ص: 30

في ضمنه،فيقصد هذا المعنى،و الزائد على هذا المعنى غير موجود فيه، فلا معنى لقصد التقرب في كل منهما بخصوصه،حتى يرد:أن التقرب و التعبد بما لم يتعبد به الشارع تشريع محرم.

نعم،هذا الإيراد (1) متوجه على ظاهر من اعتبر في كل من المحتملين قصد التقرب و التعبد به بالخصوص.لكنه (2) مبني-أيضا- على لزوم ذلك من الأمر الظاهري (3) بإتيان كل منهما،فيكون كل منهما عبادة واجبة في مرحلة الظاهر،كما إذا شك في الوقت أنه صلى الظهر أم لا،فإنه يجب عليه فعلها،فينوي الوجوب و القربة و إن احتمل كونها في الواقع لغوا غير مشروع (4) ،فلا يرد عليه إيراد التشريع،إذ التشريع إنما يلزم لو قصد بكل منهما أنه الواجب واقعا المتعبد به في نفس الأمر.

و لكنك عرفت:أن مقتضى النظر الدقيق خلاف هذا البناء (5) ، و أن الأمر المقدمي-خصوصا الموجود في المقدمة العلمية (6) التي لا يكون (1)و هو الإيراد بلزوم التشريع من الاحتياط.

(2)يعني:ما ذكره هذا القائل من اعتبار قصد الوجه بالخصوص في كل من المحتملين.

(3)يعني:الأمر المقدمي الوارد عليهما معا،لا الأمر الشرعي الواقعي المختص بأحدهما.

(4)يأتي من المصنف قدّس سرّه في آخر المسألة التنبيه على الفرق بينه و بين ما نحن فيه.

(5)حيث تقدم أن الأمر المقدمي العقلي لا يصلح للمقربية.

(6)في قبال الأمر المقدمي الموجود في المقدمة الشرعية أو العقلية،و هو الأمر الشرعي الغبري بمقدمة الواجب بناء على القول به،فإنه قد يتوهم صلوحه للمقربية

ص: 31

الأمر بها إلا إرشاديا-لا يوجب موافقته التقرب،و لا يصير منشأ لصيرورة الشيء من العبادات إذا لم يكن في نفسه منها.

و قد تقدم في مسألة(التسامح في أدلة السنن)ما يوضح حال الأمر بالاحتياط (1) .كما أنه قد استوفينا في بحث(مقدمة الواجب)حال الأمر المقدمي،و عدم صيرورة المقدمة بسببه عبادة،و ذكرنا ورود الإشكال من هذه الجهة على كون التيمم من العبادات (2) على تقدير عدم القول برجحانه في نفسه كالوضوء،فإنه لا منشأ حينئذ لكونه منها إلا الأمر المقدمي به من الشارع (3) .

فإن قلت:يمكن إثبات الوجوب الشرعي المصحح لنية الوجه و القربة في المحتملين،لأن الأول منهما واجب بالإجماع و لو فرارا عن المخالفة القطعية،و الثاني واجب بحكم الاستصحاب المثبت للوجوب الشرعي الظاهري،فإن مقتضى الاستصحاب بقاء الاشتغال و عدم الإتيان بالواجب الواقعي و بقاء وجوبه.

و كفاية قصده في عبادية العبادة،و إن كان هو خلاف التحقيق،كما سيشير إليه.

(1)فقد ذكر هناك أنها أوامر إرشادية لا مولوية حتى تكون منشأ للتقرب.

لكن الكلام هنا ليس في الأمر الشرعي بالاحتياط،بل الأمر العقلي و قد تقدم منه في مسألة التسامح في أدلة السنن احتمال كفايته في التقرب،كما أشرنا إليه قريبا.

(2)لكن يظهر من تقريرات درسه قدّس سرّه اندفاع الإشكال المذكور ببعض الوجوه.فراجع.

(3)الذي عرفت منه قدّس سرّه الإشكال في كونه منشأ للعبادية.ثم إن هذا أجنبي عما نحن فيه،إذ الكلام في المقدمة العلمية،لا المقدمة الوجودية للواجب.

ص: 32

قلت:أما المحتمل المأتي به أولا فليس واجبا في الشرع لخصوص كونه ظهرا أو جمعة (1) ،و إنما وجب لاحتمال تحقق الواجب به الموجب للفرار عن المخالفة،أو للقطع بالموافقة إذا أتي معه بالمحتمل الآخر،و على أي تقدير فمرجعه إلى الأمر بإحراز الواقع و لو احتمالا (2) .

و أما المحتمل الثاني فهو أيضا ليس إلا بحكم العقل من باب المقدمة (3) .و ما ذكر من الاستصحاب،فيه-بعد منع جريان الاستصحاب في هذا المقام (4) ،من جهة حكم العقل من أول الأمر بوجوب الجميع و بعد الإتيان بأحدهما يكون حكم العقل باقيا قطعا (5) ، (1)حتى يصح التقرب به بلحاظ الأمر الشرعي المذكور.

(2)يعني:و الأمر المذكور عقلي لا شرعي،و هو راجع إلى لزوم الامتثال القطعي أو الاحتمالي،فيأتي فيه ما سبق.

(3)بناء على ما هو الحق من حكم العقل بلزوم الموافقة القطعية.

(4)هذا رد للوجه الأول من وجوه الاستصحاب،و هو استصحاب بقاء الشغل.

(5)يعني:لا أثر للتعبد الشرعي الاستصحابي بل يلزم منه التعبد بما هو محرز بالوجدان.لكن هذا إنما يتم لو أريد استصحاب الشغل الظاهري الراجع إلى حكم العقل بكون المكلف في خطر العقاب بسبب التكليف الواقعي.أما لو أريد استصحاب الشغل الواقعي الراجع إلى عدم فراغ الذمة عن التكليف الواقعي لعدم امتثاله فهو ليس مما يحكم به العقل،بل لا طريق للحكم به بعد فرض التردد في المكلف به.

و العمدة في الإشكال في الاستصحاب حينئذ:أن الشغل المذكور أمر واقعي لا شرعي،و ليس موضوعا لحكم شرعي و وجوب الفراغ و إن كان من آثاره إلا أنه

ص: 33

و إلا (1) لم يكن حاكما بوجوب الجميع و هو خلاف الفرض-:

أن مقتضى (2) الاستصحاب وجوب البناء على بقاء الاشتغال حتى يحصل اليقين بارتفاعه،أما وجوب تحصيل اليقين بارتفاعه فلا يدل عليه الاستصحاب (3) ،و إنما يدل عليه العقل المستقل بوجوب القطع بتفريغ الذمة عند اشتغالها،و هذا معنى الاحتياط،فمرجع الأمر إليه.

و أما استصحاب (4) وجوب ما وجب سابقا في الواقع أو استصحاب عدم الإتيان بالواجب الواقعي،فشيء منهما لا يثبت وجوب المحتمل الثاني حتى يكون وجوبه شرعيا إلا على تقدير القول بالأصول المثبتة،و هي منفية كما قرر في محله.

و من هنا ظهر الفرق بين ما نحن فيه و بين استصحاب عدم فعل الظهر و بقاء وجوبه على من شك في فعله (5) ،فإن الاستصحاب بنفسه أثر عقلي-لرجوعه إلى وجوب امتثال التكليف الشرعي-لا شرعي.

مضافا إلى أن حكم العقل به لا يتوقف على إحراز بقاء الشغل،بل يكفى فيه الشك في الفراغ،و هو حاصل وجدانا مع قطع النظر عن الاستصحاب.فتأمل.

(1)يعني:لو لم يكن حكم العقل باقيا،بل مرتفعا.

(2)المصدر في محل رفع بالابتداء،و خبره(فيه)في قوله:«و ما ذكر من الاستصحاب فيه...».الذي مر آنفا

(3)لما عرفت من عدم كونه من أحكام الشغل الشرعية،بل العقلية.

(4)هذا رد للوجهين الآخرين للاستصحاب المدعى في المقام.

(5)الذي تقدم التنظير به للمقام.

ص: 34

مقتض هناك لوجوب الإتيان بالظهر (1) الواجب في الشرع على الوجه الموظف،من قصد الوجوب و القربة و غيرهما.

ثم إن بقية الكلام في ما يتعلق بفروع هذه المسألة يأتي في الشبهة الموضوعية إن شاء اللّه تعالى.

(1)لأن أثر التعبد باستصحاب التكليف امتثاله.لكن هذا إنما يتم في استصحاب بقاء وجوب الظهر،لأن الوجوب حكم شرعي أثره لزوم الامتثال، دون استصحاب عدم الإتيان بالظهر،فإن عدم الإتيان من الأمور الخارجية، و ليست حكما شرعيا يترتب عليه العمل،و لا موضوعا لحكم شرعي،لأن وجوب امتثال التكليف من الآثار العقلية لعدم الإتيان بالمكلف به،لا الشرعية.فلاحظ.

ص: 35

المسألة الثانية

ما إذا اشتبه الواجب في الشريعة بغيره

من جهة إجمال النص

بأن يتعلق التكليف الوجوبي بأمر مجمل،كقوله:«ائتني بعين»، و قوله تعالى: حٰافِظُوا عَلَى الصَّلَوٰاتِ وَ الصَّلاٰةِ الْوُسْطىٰ، بناء على تردد الصلاة الوسطى بين صلاة الجمعة كما في بعض الروايات،و غيرها كما في بعض آخر (1) .

(1)و بهذا يمكن دخول ذلك في المسألة الثالثة،لأنهم عدوا من صغريات تلك المسألة الدوران بين القصر و التمام،مع أن مطلقات وجوب الصلاة بالإضافة إليهما تكون مجملة،فوجود الخطاب المجمل لا ينافي دخول المورد في تعارض النصين إذا فرض فيه اختلاف النصوص أيضا،مسألة عدم النص بما إذا لم تتعرض النصوص لشرح الدليل المجمل.

ثم إنه لا يبعد عدم منجزية العلم الإجمالي بسبب إجمال الصلاة الوسطى و ترددها بين صلوات متعددة،لعدم الأثر له بعد فرض وجوب جميع الصلوات الخمس.

و مجرد تأكد وجوب الصلاة الوسطى لا يكون أثرا بلحاظه يكون التنجز.

نعم قد يظهر الأثر في مثل النذر،كما لو نذر أن يصلي الصلاة الوسطى في

ص: 36

و الظاهر:أن الخلاف هنا بعينه الخلاف في المسألة الأولى،و المختار فيها هو المختار هناك،بل هنا أولى،لأن الخطاب هنا تفصيلا متوجه إلى المكلفين،فتأمل (1) .

و خروج الجاهل (2) لا دليل عليه،لعدم قبح تكليف الجاهل بالمراد أول وقتها.

لكن الشبهة بالاضافة إلى وجوب الوفاء بالنذر موضوعية لا حكمية،فتدخل في المسألة الرابعة.

(1)لعله إشارة إلى أنه لا أثر لوحدة الخطاب مع فرض اجماله و تردد المراد بين معنيين،إذ ليس مراد من يعتبر العلم التفصيلي العلم التفصيلي بالخطاب اللفظي،بل بالمكلف به،و هو غير حاصل في المقام،كما يظهر بالتأمل في كلماتهم التي تقدمت في المسألة الأولى.

نعم تقدم في المسألة الثانية من مسائل الشبهة التحريمية البدوية توهم كون الشك مع إجمال النص في متعلق الحكم مستلزم لكون الشبهة موضوعية،و هو لم يقتض أولوية وجوب الاحتياط هنا من المسألة السابقة،لاختصاص بعض أدلة الجواز بالشبهة الحكمية،مثل قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة،و نحوه مما تقدم في كلام المحقق القمي،بل صرح المحقق الخوانساري بوجوب الاحتياط في الشبهة الوجوبية الموضوعية المحصورة.

لكن تقدم من المصنف قدّس سرّه الاعتراف ببطلان توهم رجوع الشك مع إجمال النص للشبهة الموضوعية.فلاحظ.

(2)إن أريد به خروجه عن إطلاق الخطاب واقعا فهو خلاف ما تسالم عليه أهل الحق من اشتراك الأحكام بين العالم و الجاهل.

و إن أريد به معذوريته عن الواقع فهو مردود بما سبق من منجزية العلم الإجمالي كالتفصيلي،و وجود الخطاب لا أثر له في رفع منجزية العلم الإجمالي قطعا،

ص: 37

من المأمور به إذا كان قادرا على استعلامه من دليل منفصل (1) ،فمجرد الجهل لا يقبح توجيه الخطاب.

و دعوى:قبح توجيهه إلى العاجز عن استعلامه تفصيلا القادر على الاحتياط فيه بإتيان المحتملات،أيضا ممنوعة،لعدم القبح فيه أصلا.

و ما تقدم من البعض (2) -من منع التكليف بالمجمل،لاتفاق العدلية على استحالة تأخير البيان-قد عرفت منع قبحه أولا،و كون الكلام فيما عرض له الإجمال ثانيا.

ثم إن المخالف في المسألة ممن عثرنا عليه،هو الفاضل القمي قدّس سرّه و المحقق الخوانساري في ظاهر بعض كلماته،لكنه قدّس سرّه وافق المختار في ظاهر بعضها الآخر،قال في مسألة التوضؤ بالماء المشتبه بالنجس-بعد كلام له في منع التكليف في العبادات إلا بما ثبت من أجزائها و شرائطها- ما لفظه:

و حينئذ فلا مجال للاستدلال بقبح تكليف الجاهل.

نعم قد يدعى قبح توجيه الخطاب المجمل،أو قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة.

لكنهما-لو تما-لا ينفعان فيما نحن فيه،لأنهما راجعان لتكليف المخاطب و وظيفته،و لا دخل لهما بوظيفة المكلف المخاطب بعد فرض منجزية العلم الإجمالي المذكور عليه.فتأمل جيدا.

(1)و هذا يكشف عن عدم كون العلم التفصيلي من شروط المكلف.

(2)تقدم في المسألة الأولى التعرض لذلك عن المحققين القمي و الخوانساري قدّس سرّهما.

ص: 38

نعم،لو حصل يقين بالتكليف بأمر و لم يظهر معنى ذلك الأمر،بل يكون مترددا بين أمور،فلا يبعد القول بوجوب تلك الأمور جميعا حتى يحصل اليقين بالبراءة.انتهى.

و لكن التأمل في كلامه يعطي عدم ظهور كلامه في الموافقة،لأن الخطاب المجمل الواصل إلينا لا يكون مجملا للمخاطبين (1) ،فتكليف المخاطبين بما هو مبين،و أما نحن معاشر الغائبين فلم يثبت اليقين بل و لا الظن بتكليفنا بذلك الخطاب (2) ،فمن كلف به لا إجمال فيه عنده، و من عرض له الإجمال لا دليل على تكليفه بالواقع المردد،لأن اشتراك غير المخاطبين معهم فيما لم يتمكنوا من العلم به عين الدعوى (3) .

فالتحقيق:أن هنا مسألتين:

إحداهما:أنه إذا خوطب شخص بمجمل هل يجب عليه الاحتياط (1)هذا و إن كان غالبيا بل لعله دائمي،إلا أنه لا يمنع من الكلام فيما لو فرض الإجمال في حق المكلف بنحو القضية التعليقية،فما ذكره المصنف قدّس سرّه أشبه بالمناقشة في الصغرى،لا في الكبرى التي هي محل الكلام.

(2)كأنه مبني على اختصاص التكليف بالخطابات الشرعية بالحاضرين، و أن شرعيته لغيرهم بقاعدة الاشتراك،لا بنفس الخطاب،فلا وجه لذكره إلا إذا كان ذلك مختارا للمحقق المذكور.

(3)كأنه من جهة أن ثبوت الحكم في حق غير الحاضرين ليس بالخطاب حتى يدخل فيما ذكره المحقق المذكور بقوله:«نعم لو حصل...»بل بقاعدة الاشتراك فتخرج عن مسألة إجمال النص،و تدخل في مسألة عدم النص التي سبق منه المنع من وجوب الواقع فيها على إجماله و تردده.

ص: 39

أولا (1) ؟

الثانية:أنه إذا علم تكليف الحاضرين بأمر معلوم لهم تفصيلا، و فهموه من خطاب هو مجمل بالنسبة إلينا معاشر الغائبين،فهل يجب علينا تحصيل القطع بالاحتياط بإتيان ذلك الأمر أم لا؟و المحقق حكم بوجوب الاحتياط في الأول (2) دون الثاني.

فظهر من ذلك:أن مسألة إجمال النص إنما يغاير المسألة السابقة -أعني عدم النص-فيما فرض خطاب مجمل متوجه إلى المكلف، إما (3) لكونه حاضرا عند صدور الخطاب،و إما للقول باشتراك الغائبين مع الحاضرين في الخطاب.

أما إذا كان الخطاب للحاضرين و عرض له الإجمال بالنسبة إلى الغائبين،فالمسألة من قبيل عدم النص لا إجمال النص،إلا أنك عرفت أن المختار فيهما (4) وجوب الاحتياط.فافهم.

(1)و هي المسألة التي لا صغرى لها بناء على عدم عموم الخطاب لغير المشافهين.

(2)و هو كاف في كونه موافقا للمشهور في محل الكلام،و ما ذكره المصنف قدّس سرّه من التحقيق راجع إلى الكلام في الصغرى،و لا دخل له بكلام المشهور و لا بكلام المحقق المذكور.

(3)متعلق بقوله:«متوجه إلى المكلف»لا بقوله:«مجمل».

(4)يعني:في مسألتي عدم النص و إجماله،و حينئذ فلا أثر للتردد بينهما عندنا، و إنما يظهر الأثر عند من يفصل بينهما.

ص: 40

المسألة الثالثة

ما إذا اشتبه الواجب بغيره لتكافؤ النصين

كما في بعض مسائل القصر و الإتمام.

و المشهور فيه:التخيير،لأخبار التخيير السليمة عن المعارض حتى ما دل على الأخذ بما فيه الاحتياط،لأن المفروض عدم موافقة شيء منهما للاحتياط (1) .

إلا أن يستظهر من تلك الأدلة:مطلوبية الاحتياط عند تصادم الأدلة (2) .لكن قد عرفت فيما تقدم (3) :أن أخبار الاحتياط لا تقاوم سندا و دلالة لأخبار التخيير.

(1)لفرض التباين بينهما.

(2)يعني:و إن لم يوافق أحد الدليلين،فيكون الحكم فيها بوجوب ترجيح أحوط الدليلين من حيث كونه عملا بالاحتياط،لا لخصوصية في وجود الدليل و موافقته.

(3)تقدم بعض الكلام في ذلك في المسألة الثالثة من مسائل الشبهة البدوية التحريمية.

ص: 41

المسألة الرابعة

ما إذا اشتبه الواجب بغيره من جهة اشتباه الموضوع

كما في صورة اشتباه الفائتة أو القبلة أو الماء المطلق.

و الأقوى هنا-أيضا-:وجوب الاحتياط كما في الشبهة المحصورة، لعين ما مر فيها:من تعلق الخطاب بالفائتة واقعا مثلا و إن لم يعلم تفصيلا، و مقتضاه ترتب العقاب على تركها و لو مع الجهل،و قضية حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل وجوب المقدمة العلمية و الاحتياط بفعل جميع المحتملات (1) .

و قد خالف في ذلك الفاضل القمي رحمه اللّه،فمنع وجوب الزائد على واحدة من المحتملات،مستندا-في ظاهر كلامه-إلى ما زعمه جامعا لجميع صور الشك في المكلف به:من قبح التكليف بالمجمل و تأخير البيان (1)و لا مجال هنا لدعوى:جريان الأصول الترخيصية في بعض الأطراف أو تمامها كما تقدم في المسألة الأولى.للعلم هنا بالتكليف تفصيلا و الشك في امتثاله، و المرجع فيه قاعدة الاشتغال بلا كلام ظاهر.

نعم هذا إنما يتم مع التردد في شرط المكلف به كالستر و القبلة،دون ما لو كان في أصل المكلف به كالفائتة،لإمكان جريان أصالة البراءة من تمام الأطراف او بعضها لو لا العلم الإجمالي.فلاحظ.

ص: 42

عن وقت الحاجة.

و أنت خبير:بأن الاشتباه في الموضوع ليس من التكليف بالمجمل في شيء،لأن المكلف به مفهوم معين طرأ الاشتباه في مصداقه لبعض العوارض الخارجية كالنسيان و نحوه،و الخطاب الصادر لقضاء الفائتة عام في المعلومة تفصيلا و المجهولة،و لا مخصص له بالمعلومة لا من العقل و لا من النقل،فيجب قضاؤها،و يعاقب على تركها مع الجهل كما يعاقب مع العلم.

و يؤيد ما ذكرنا:ما ورد من وجوب قضاء ثلاث صلوات على من فاتته فريضة،معللا ذلك ببراءة الذمة على كل تقدير،فإن ظاهر التعليل يفيد عموم مراعاة ذلك في كل مقام اشتبه عليه الواجب،و لذا تعدى المشهور عن مورد النص (1) -و هو تردد الفائتة بين رباعية و ثلاثية (1)لا يخفى أن النص المذكور قد اشتمل على أمرين:

الأول:لزوم القطع بتفريغ الذمة مع تردد المكلف به.

الثاني:أنه يكفي في تفريغ الذمة من الصلاة المرددة بين صلوات متفقة في عدد الركعات الإتيان بصلاة واحدة.

و الذي تعدى المشهور فيه عن مورد النص لفهم عدم الخصوصية،بل لعموم التعليل هو الثاني و أما الأول-الذي هو المهم فيما نحن فيه-فلعل تعديهم فيه عن مورد النص اعتمادا على القاعدة التي هي محل الكلام هنا،لا لفهم عدم الخصوصية من النص.

إلا أن يدعى أن التعدي في ذلك هو مقتضى عموم التعليل أيضا،لظهوره في المفروغية عن وجوب تحصيل اليقين ببراءة الذمة.فتأمل.

ص: 43

و ثنائية-إلى الفريضة الفائتة من المسافر المرددة بين ثنائية و ثلاثية،فاكتفوا فيها بصلاتين.

ص: 44

و ينبغي التنبيه على أمور:
الأول أنه يمكن القول بعدم وجوب الاحتياط في مسألة اشتباه...

أنه يمكن القول (1) بعدم وجوب الاحتياط في مسألة اشتباه القبلة و نحوها مما كان الاشتباه الموضوعي في شرط من شروط الواجب، كالقبلة و اللباس و ما يصح السجود عليه و شبهها،بناء على دعوى سقوط هذه الشروط عند الاشتباه،و لذا أسقط الحلي وجوب الستر عند اشتباه الساتر الطاهر بالنجس و حكم بالصلاة عاريا (2) ،بل النزاع فيما كان (1)بل يتعين القول بعدم وجوب الاحتياط بناء على سقوط الشرط،إذ الاحتياط فرع التكليف بالمشروط،فمع العلم بعدم التكليف به لا موضوع له.

(2)هذا لا يبتني على سقوط شرطية الطهارة أو اللباس الطاهر،إذ لو فرض مجرد سقوط شرطيتهما لا وجه يقتضي الإلزام بالصلاة عاريا،بل يكفي الصلاة بأحد الثوبين أيضا.

فالظاهر أن مستند الحلي قدّس سرّه دعوى لزوم المحافظة على قصد الوجه مع اجتناب الصلاة في النجس لمانعية النجاسة،لدعوى أهميتها من شرطية اللباس،كما وجهه به سيدنا الأعظم قدّس سرّه في مستمسكه.و سيأتي من المصنف قدّس سرّه الإشارة لتوجيه سقوط الشرط قريبا.

ص: 45

من هذا القبيل ينبغي أن يكون على هذا الوجه،فإن القائل بعدم وجوب الاحتياط ينبغي أن يقول بسقوط الشروط عند الجهل،لا بكفاية الفعل مع احتمال الشرط (1) ،كالصلاة المحتمل وقوعها إلى القبلة بدلا عن القبلة الواقعية.

ثم الوجه في دعوى سقوط الشرط المجهول:

أما انصراف أدلته إلى صورة العلم به تفصيلا،كما في بعض الشروط نظير اشتراط الترتيب بين الفوائت (2) .

و إما دوران الأمر بين إهمال هذا الشرط المجهول و إهمال شرط آخر، (1)كأن الوجه في ذلك منافاته لقاعدة الاشتغال الجارية مع احتمال عدم تحقق الشرط و لو لم يكن مقرونا بالعلم الإجمالي،فإن القول بعدم منجزية العلم إنما ينفع فيما إذا كان الأصل مع قطع النظر عنه يقتضي الرخصة،كما في تردد أصل الواجب، كتردد الفائتة بين الظهر و العصر،بخلاف ما إذا كان مقتضي الأصل الاشتغال،كما هو الحال في الشروط.فلا بد أن يكون الوجه في عدم وجوب الاحتياط سقوط الشرط مع الاشتباه.

لكن هذا الوجه و إن كان متينا إلا أن ظاهر ما حكي عن المحقق القمي قدّس سرّه عدم الفرق في عدم وجوب الاحتياط و الاكتفاء بواحد من المحتملات بين تردد أصل الواجب،كتردد الفائتة بين صلاتين،و تردد شرطه،كتردد القبلة و نحوها.

و حملة على سقوط الشرط خلاف ظاهر كلامه،كيف و لازمه أنه لو ترددت القبلة بين جهتين جازت الصلاة إلى جهة ثالثة يقطع بعدم كونها هي القبلة،و هو خلاف ظاهره جدا.فلاحظ.

(2)ظاهره الجزم بذلك،و هو محل كلام بينهم،و تمام الكلام في الفقه.

ص: 46

و هو وجوب مقارنة العمل لوجهه (1) بحيث يعلم بوجوب الواجب و ندب المندوب حين فعله،و هذا يتحقق مع القول بسقوط الشرط المجهول.و هذا هو الذي يظهر من كلام الحلي (2) .

و كلا الوجهين ضعيفان:

أما الأول:فلأن مفروض الكلام ما إذا ثبت الوجوب الواقعي للفعل بهذا الشرط،و إلا لم يكن من الشك في المكلف به،للعلم حينئذ بعدم وجوب الصلاة إلى القبلة الواقعية المجهولة بالنسبة إلى الجاهل (3) .

و أما الثاني:فلأن ما دل على وجوب مقارنة العمل بقصد وجهه و الجزم مع النية،إنما يدل عليه مع التمكن،و معنى التمكن القدرة على الإتيان به مستجمعا للشرائط جازما بوجهه-من الوجوب و الندب-حين الفعل،أما مع العجز عن ذلك فهو المتعين للسقوط،دون الشرط المجهول (1)يعني:و المفروض أهمية نية الوجه من بقية الشروط التي يطرأ عليها الاشتباه.

(2)عرفت أن كلام الحلي قدّس سرّه موقوف بالإضافة إلى هذا على دعوى أهمية مانعية النجاسة من شرطية اللباس،و إلا تعين التخيير بين الصلاة عاريا و الصلاة بأحد الثوبين،أو لزوم الثانية فقط.

(3)لكن الإشكال بذلك إنما يتم لو كان مراد القائل بسقوط الاحتياط حينئذ أن سقوطه مبني على تخصيص قاعدة وجوب الاحتياط مع اشتباه المكلف به، لا قصورها عن المورد و خروجه عنها تخصصا،و لم يذكر قدّس سرّه ما يوجب ظهور كلام القائل المذكور في ذلك.

ص: 47

الذي أوجب العجز عن الجزم بالنية.

و السر في تعيّنه للسقوط هو:أنه إنما لوحظ اعتباره في الفعل المستجمع للشرائط،و ليس اشتراطه في مرتبة سائر الشرائط،بل متأخر عنه (1) ،فإذا قيد اعتباره بحال التمكن سقط حال العجز،يعني العجز (1)لم يتضح الوجه في تأخره رتبة عن سائر الشروط،و مجرد اعتباره في الفعل الجامع للشرائط لا ينافي سقوط الشرط لأجله،فيكون الفعل مع سقوط الشرط جامعا لما اعتبر فيه من الشروط كأن الوجه في تأخره رتبة عن سائر الشروط دعوى عدم كونه من قيود المأمور به المأخوذة في أمره،بل هو خارج عن الأمر لاحق للمأمور به بعد فرض ورود الأمر عليه مستجمعا للشرائط.

لكن ذلك-مع ابتنائه على امتناع التقييد به الذي لا يخلو عن مناقشة-إنما يقتضي تأخره عن بقية الشروط إثباتا في مقام بيان الحكم أو تأخره ثبوتا من حيث كونه بل هو كسائر الشروط دخيل في الملاك المصحح للأمر.

مع أن تأخره رتبة لا يقتضي كونه دونها في الأهمية،بل قد يدعى أهميته لكونه -على القول باعتباره-من شئون عبادية العبادة و به قوامها نظير قصد التقرب، و حينئذ يلزم سقوط الشرط المزاحم له،فيكون الفعل الفاقد للشرط المذكور مستجمعا لما اعتبر فيه من الشرائط،و به يتحقق موضوع قصد الوجه.

نعم لو كان بعض الشروط مشروطا شرعا بالتمكن بحيث لا ملاك فيه مع العجز تعين سقوطه عند المزاحمة يكون كذلك بل كان ملاكه مطلقا،لأن فعلية الخطاب بالمطلق توجب العجز عن المشروط فترفع الخطاب به.

و لا دخل لتأخر الشرط رتبة في ذلك،و ما يظهر من المصنف قدّس سرّه من ابتناء أحدهما على الآخر في غير محله.و هذا هو العمدة في المقام مع أنه لا دليل على اعتبار قصد الوجه مطلقا،فضلا عما لو لم يمكن تحصيله إلا بفقد شرط من الشروط،بل مقتضى الإطلاق الخطاب بالعبادات المقامي بل اللفظي عدم اعتباره فيها،كما سبق

ص: 48

عن إتيان الفعل الجامع للشرائط مجزوما به.

التعرض لذلك في مبحث العلم الإجمالي من مباحث القطع.فراجع.

ص: 49

الثاني أن النية في كل من الصلوات المتعددة،على الوجه المتقدم...

أن النية في كل من الصلوات المتعددة،على الوجه (1) المتقدم في مسألة الظهر و الجمعة (2) ،و حاصله:أنه ينوي في كل منهما فعلها احتياطا لإحراز الواجب الواقعي المردد بينها و بين صاحبها تقربا إلى اللّه، على أن يكون القرب علة للإحراز الذي جعل غاية للفعل.

و يترتب على هذا:أنه لا بد من أن يكون حين فعل أحدهما عازما (1)الجار و المجرور خبر(أن)في قوله:«أن النية في...».

(2)يعني:في المسألة الأولى،حيث تقدم الكلام في ذلك بعد مناقشة المحققين القمي و الخوانساري قدّس سرّه.لكن لا يبعد مخالفة الوجه المتقدم في كلامه قدّس سرّه عما ذكره هنا، إذ ظاهره هناك أن الغاية لكل منهما تحقيق الفريضة الواقعية به أو بصاحبه،و ظاهره هنا أن الغاية هي إحراز تحقق الواجب الواقعي،و لا يخفي أن الغاية الأولى تترتب على أحدهما المجهول للمكلف المعين واقعا،أما الغاية الثانية فهي تترتب على كل منهما مجتمعين.

لكنه لا دخل للفرق المذكور في الأثر المهم الذي سيأتي الكلام فيه.

مع أنه قد يمكن إرجاع أحد الوجهين للآخر.

ص: 50

على فعل الآخر،إذ النية المذكورة لا تتحقق بدون ذلك،فإن من قصد الاقتصار على أحد الفعلين ليس قاصدا لامتثال الواجب الواقعي على كل تقدير،نعم هو قاصد لامتثاله على تقدير مصادفة هذا المحتمل له لا مطلقا،و هذا غير كاف في العبادات المعلوم وقوع التعبد بها.

نعم،لو احتمل كون الشيء عبادة (1) -كغسل الجنابة إن احتمل الجنابة-اكتفى فيه بقصد الامتثال على تقدير تحقق الأمر به.لكن ليس هنا تقدير آخر يراد منه التعبد على ذلك التقدير،فغاية ما يمكن قصده هنا:هو التعبد على طريق الاحتمال.بخلاف ما نحن فيه مما علم فيه ثبوت التعبد بأحد الأمرين،فإنه لا بد فيه من الجزم بالتعبد (2) .

(1)المراد به الشك في عباديته الناشئ من الشك في ثبوت الأمر به،لا الشك في عباديته بعد المفروغية عن ثبوت الأمر به.

(2)أشرنا في المسألة الأولى إلى عدم الوجه في التفصيل المذكور،فلو فرض اعتبار الجزم مع التمكن لزم اعتباره مطلقا المستلزم لسد باب الاحتياط مع الشك في الأمر و حيث لا إشكال في مشروعيته كشف عن كفاية الإتيان بالفعل برجاء تعلق الأمر به،و لازمه صحة العمل مع العزم على الاقتصار على بعض الأطراف أو التردد فيه إذا صادف كون المأتي به هو الواجب الواقعي،و لا يتم ما ذكره المصنف قدّس سرّه هنا.

ص: 51

الثالث أن الظاهر أن وجوب كل من المحتملات عقلي لا شرعي...

أن الظاهر أن وجوب كل من المحتملات عقلي لا شرعي،لأن الحاكم بوجوبه ليس إلا العقل من باب وجوب دفع العقاب المحتمل على تقدير ترك أحد المحتملين،حتى أنه لو قلنا بدلالة أخبار الاحتياط أو الخبر المتقدم في الفائتة على وجوب ذلك،كان وجوبه من باب الإرشاد.و قد تقدم الكلام في ذلك في فروع الاحتياط في الشك في التكليف (1) .

و أما إثبات وجوب التكرار شرعا في ما نحن فيه بالاستصحاب و حرمة نقض اليقين بغير اليقين شرعا،فقد تقدم في المسألة الاولى:عدم دلالة الاستصحاب على ذلك إلا بناء على أن المستصحب يترتب عليه الأمور الاتفاقية المقارنة معه،و قد تقدم إجمالا ضعفه و سيأتي تفصيلا (2) .

و على ما ذكرنا،فلو ترك المصلي المتحير في القبلة أو الناسي لفائتة (1)تقدم الكلام في ذلك في التنبيه الثالث من تنبيهات المسألة الأولى من مسائل الشبهة التحريمية البدوية.

(2)يأتي الكلام في الأصل المثبت في التنبيه السادس من تنبيهات الاستصحاب.

ص: 52

جميع المحتملات لم يستحق إلا عقابا واحدا (1) ،و كذا لو ترك أحد المحتملات و اتفق مصادفته للواجب الواقعي،و لو لم يصادف لم يستحق عقابا من جهة مخالفة الأمر به (2) ،نعم قد يقال باستحقاقه العقاب من جهة التجري.و تمام الكلام فيه قد تقدم.

(1)الظاهر عدم الفرق في هذا بين أن يكون وجوب الاحتياط شرعيا و عقليا،إذ وجوبه لو كان شرعيا لكان طريقيا لإحراز الواقع،فلا معصية في مخالفته إلا من حيث مخالفة الواقع و تفويته.و لذا لا يكون مخالفة الطرق و الأمارات موجبة للمعصية إلا إذا استلزمت تفويت الواقع.

نعم قد يلتزم بالاستحقاق من حيث التجري،إلا أنه لا يختص بما إذا كان وجوب الاحتياط شرعيا،بل يجري مع كونه عقليا أيضا،كما سيذكره.

(2)لكن هذا موقوف على حصول الامتثال بالمأتي به لو صادف الواقع.و هو يتم في التوصليات،و في التعبديات بناء على ما ذكرنا في التنبيه الثاني من عدم توقف الامتثال على العزم على استيفاء تمام الأطراف،أما بناء على ما ذكره المصنف قدّس سرّه فلا يتم إلا إذا كان المكلف عازما على استيفاء تمام الأطراف،و بعد الإتيان ببعضها المصادف للواقع عدل عن الإتيان بالباقي.فلاحظ.

ص: 53

الرابع لو انكشف مطابقة ما أتى به للواقع قبل فعل الباقي أجزأ عنه...

لو انكشف مطابقة ما أتى به للواقع قبل فعل الباقي أجزأ عنه،لأنه صلى الصلاة الواقعية قاصدا للتقرب بها إلى اللّه و إن لم يعلم حين الفعل أن المقرب هو هذا الفعل،إذ لا فرق بين أن يكون الجزم بالعمل (1) ناشئا عن تكرار الفعل أو ناشئا عن انكشاف الحال.

(1)يعني:المعتبر عقلا بمقتضى قاعدة الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني.

و أما الجزم الذي قيل انه يعتبر في العبادة فقد سبق من المصنف قدّس سرّه توجيه حصوله في المقام فيما إذا كان المكلف عازما على استيفاء الأطراف،فلا بد عليه من فرض حصول ذلك في الطرف الذي جاء به و صادف الواقع،بأن كان حين الإتيان به عازما على استيفاء الأطراف ثم انكشف مطابقة ما أتى به للواقع قبل استيفائها.

لكن عرفت عدم اعتبار الجزم بالوجه المذكور.

ص: 54

الخامس لو فرض محتملات الواجب غير محصورة لم يسقط الامتثال في...

لو فرض محتملات الواجب غير محصورة لم يسقط الامتثال في الواجب المردد باعتبار شرطه كالصلاة إلى القبلة المجهولة و شبهها قطعا، إذ غاية الأمر سقوط الشرط (1) ،فلا وجه لترك المشروط رأسا.

و أما في غيره مما كان نفس الواجب مرددا،فالظاهر-أيضا-عدم سقوطه و لو قلنا بجواز ارتكاب الكل في الشبهة الغير المحصورة،لأن فعل الحرام لا يعلم هناك به إلا بعد الارتكاب،بخلاف ترك الكل هنا، فإنه يعلم به مخالفة الواجب الواقعي حين المخالفة (2) .

(1)هذا مختص بما إذا كان الشرط مأخوذا بنحو تعدد المطلوب،و إلا كان اشتباه الشرط كاشتباه أصل الواجب،فيلحقه ما يأتي.

(2)هذا الفرق قد يتجه بناء على ما تقدم منه في التنبيه الأول من تنبيهات الشبهة غير المحصورة من أنه يجوز ارتكاب جميع الأطراف إلا إذا كان من نية المكلف ارتكاب جميعها من أول الأمر،إذ ترك جميع الأطراف هنا ملازم لقصد المخالفة من أول الأمر،فيحرم.

لكن عرفت أن التفصيل في غير محله،و أنه حيث كان منشأ عدم وجوب

ص: 55

و هل يجوز الاقتصار على واحد-إذ به يندفع محذور المخالفة-أم يجب الإتيان بما تيسر من المحتملات؟وجهان:

من أن التكليف بإتيان الواقع ساقط (1) ،فلا مقتضي لإيجاب مقدماته العلمية،و إنما وجب الإتيان بواحد فرارا من المخالفة القطعية.

و من أن اللازم بعد الالتزام بحرمة مخالفة الواقع مراعاته مهما أمكن، و عليه بناء العقلاء في أوامرهم العرفية.

الاجتناب في الشبهة غير المحصورة هو عدم الابتلاء ببعض الأطراف المستلزم لعدم منجزية العلم الإجمالي،فلا بأس بارتكاب تمام الأطراف لو فرض الابتلاء بها تدريجا.

أما هنا فعدم انحصار الشبهة لكثرة الأطراف يقتضي غالبا تعذر استيفائها الذي هو نظير الاضطرار إلى بعض الأطراف في الشبهة التحريمية،فيلحقه ما تقدم في التنبيه الخامس من تنبيهات الشبهة التحريمية المحصورة.

و قد ذكرنا هناك سقوط العلم الإجمالي عن المنجزية مع الاضطرار إلى غير معين،خلافا للمصنف قدّس سرّه حيث بنى على تبعيض الاحتياط.و عليه يبتني الكلام هنا.

و أما ما ذكره قدّس سرّه هنا من أنه يلزم من ترك تمام الأطراف العلم بالمخالفة حين المخالفة فهو ليس محذورا يخرج به عن القواعد المقررة،إذ بناء على ما ذكرنا يسقط التكليف المعلوم بالإجمال واقعا،فلا تكليف حتى يلزم محذور مخالفته.فلاحظ.

(1)لا معنى لفرض سقوطه مع فرض حرمة المخالفة.إلا أن يراد من فرض سقوطه بالإضافة إلى المخالفة الاحتمالية لا غير.

هذا و قد عرفت أن التحقيق هو سقوط الواقع مطلقا بسبب الاضطرار إلى ترك بعض غير معين فلا تحرم المخالفة القطعية،فضلا عن الاحتمالية.

ص: 56

و الاكتفاء بالواحد التخييري عن الواقع إنما يكون مع نص الشارع عليه،و أما مع عدمه و فرض حكم العقل بوجوب مراعاة الواقع،فيجب مراعاته حتى يقطع بعدم العقاب،إما لحصول الواجب،و إما لسقوطه بعدم تيسر الفعل،و هذا لا يحصل إلا بعد الإتيان بما تيسر،و هذا هو الأقوى.

و هذا الحكم مطرد في كل مورد وجد المانع من الإتيان ببعض غير معين من المحتملات (1) .و لو طرأ المانع من بعض معين منها،ففي الوجوب-كما هو المشهور-إشكال،من عدم العلم بوجود الواجب بين الباقي،و الأصل البراءة (2) .

(1)فإن تعذر بعض غير معين في الشبهة الوجوبية كالاضطرار إلى بعض غير معين في الشبهة التحريمية،فيلحقه ما عرفت.

(2)لكنه إنما يتم لو كان التعذر قبل العلم الإجمالي،أما لو كان بعده فلا وجه له،للشك في سقوط التكليف بعد العلم بثبوته،فالمرجع الاشتغال،كما تقدم منا و منه قدّس سرّه في الاضطرار إلى بعض معين في الشبهة التحريمية.

ص: 57

السادس هل يشترط في تحصيل العلم الإجمالي بالبراءة بالجمع بين المشتبهين...

هل يشترط في تحصيل العلم الإجمالي بالبراءة بالجمع بين المشتبهين، عدم التمكن من الامتثال التفصيلي بإزالة الشبهة أو اختيار ما يعلم به البراءة تفصيلا،أم يجوز الاكتفاء به و إن تمكن من ذلك،فيجوز لمن قدر على تحصيل العلم بالقبلة أو تعيين الواجب الواقعي من القصر و الإتمام أو الظهر و الجمعة،الامتثال بالجمع بين المشتبهات؟وجهان،بل قولان:

ظاهر الأكثر:الأول،لوجوب اقتران الفعل المأمور به عندهم بوجه الأمر.و سيأتي الكلام في ذلك عند التعرض لشروط البراءة و الاحتياط إن (1) شاء اللّه.

و يتفرع على ذلك:أنه لو قدر على العلم التفصيلي من بعض الجهات و عجز عنه من جهة أخرى،فالواجب مراعاة العلم التفصيلي من تلك الجهة (2) ،فلا يجوز لمن قدر على الثوب الطاهر المتيقن و عجز عن تعيين (1)تقدم بعض الكلام في ذلك في مبحث العلم الإجمالي من مباحث القطع.

(2)وجوب ذلك غير ظاهر حتى لو قيل باعتبار نية الوجه و اعتبار الجزم

ص: 58

القبلة،تكرار الصلاة في الثوبين المشتبهين إلى أربع جهات (1) ،لتمكنه (2) من العلم التفصيلي بالمأمور به من حيث طهارة الثوب و إن لم يحصل مراعاة ذلك العلم التفصيلي على الإطلاق.

بالنية،لفرض تعذر ذلك في المقام.

نعم بناء على أن الوجه في اعتبار العلم التفصيلي مع التمكن لزوم العبث بأمر المولى مع الامتثال الإجمالي أمكن دعوى لزوم تقليل المحتملات دفعا للعبث المدعى.

و تمام الكلام في خاتمة البراءة و الاشتغال إن شاء اللّه تعالى.

(1)بأن يصلي ثمان صلوات بكل ثوب أربعة.

(2)تعليل لقوله:«فلا يجوز...».

ص: 59

السابع لو كان الواجب المشتبه أمرين مترتبين شرعا،كالظهر و العصر...

لو كان الواجب المشتبه أمرين مترتبين شرعا،كالظهر و العصر المرددين بين القصر و الإتمام أو بين الجهات الأربع،فهل يعتبر في صحة الدخول في محتملات الواجب اللاحق الفراغ اليقيني من الأول بإتيان جميع محتملاته،كما صرح به في الموجز و شرحه و المسالك و الروض و المقاصد العلية،أم يكفي فيه فعل بعض محتملات الأول،بحيث يقطع بحصول الترتيب بعد الإتيان بمجموع محتملات المشتبهين-كما عن نهاية الإحكام و المدارك-فيأتي بظهر و عصر قصرا،ثم بهما تماما؟

قولان،متفرعان على القول المتقدم في الأمر السادس-من وجوب مراعاة العلم التفصيلي مع الإمكان-مبنيان على أنه:

هل يجب مراعاة ذلك من جهة نفس الواجب (1) ؟فلا يجب إلا إذا (1)يعني:أنه بعد الفراغ عما تقدم في الأمر السادس من لزوم تحصيل العلم التفصيلي و لو من بعض الجهات مع الإمكان يقع الكلام في أن منشأ وجوب مراعاة العلم التفصيلي من بعض الجهات هل هو لزوم زيادة الاشتباه في الواجب بدونه، لاستلزامه زيادة المحتملات و كثرة التكرار،أو لمحض الاشتباه،فيجب تقليله مهما

ص: 60

أوجب إهماله ترددا في أصل الواجب،كتكرار الصلاة في الثوبين المشتبهين إلى أربع جهات،فإنه يوجب ترددا في الواجب زائدا على التردد الحاصل من جهة اشتباه القبلة،فكما يجب رفع التردد مع الإمكان كذلك يجب تقليله.

أما إذا لم يوجب إهماله ترددا زائدا في الواجب فلا يجب،كما في ما نحن فيه،فإن الإتيان بالعصر المقصورة بعد الظهر المقصورة لا يوجب ترددا زائدا على التردد الحاصل من جهة القصر و الإتمام،لأن العصر المقصورة إن كانت مطابقة للواقع كانت واجدة لشرطها،و هو الترتب على الظهر،و إن كانت مخالفة للواقع لم ينفع وقوعها مترتبة على الظهر الواقعية،لأن الترتب إنما هو بين الواجبين واقعا (1) .

و من ذلك يظهر:عدم جواز التمسك بأصالة بقاء الاشتغال بالظهر أمكن و لو لم يستلزم زيادة المحتملات،فعلى الأول يجوز بالدخول في بعض محتملات الواجب الثاني المترتب على الأول قبل استكمال محتملات الأول،لعدم لزوم زيادة التكرار منه.و على الثاني لا يجوز لزيادة جهة الاشتباه فيه.

هذا و حيث عرفت عدم لزوم تقليل الاشتباه مع استلزامه زيادة التكرار فعدم لزومه مع عدم استلزامه الزيادة أولى.

و ما سبق من توجيه ذلك مع زيادة التكرار بشبهة لزوم العبث بأمر المولى-لو تم-لا مجال له هنا،إذ لا منشأ لتوهم لزوم العبث إلا لزيادة التكرار.

(1)و العصر المأتى بها لا يعلم بوجوبها واقعا،و لو فرض وجوبها واقعا فالظهر المأتي بها أيضا واجبة واقعا،فيقع الترتب بين الواجبين واقعا.

ص: 61

و عدم فعل الواجب الواقعي (1) ،و ذلك لأن المترتب على بقاء الاشتغال و عدم فعل الواجب عدم جواز الإتيان بالعصر الواقعي،و هو مسلم،و لذا لا يجوز الإتيان حينئذ بجميع محتملات العصر،و هذا المحتمل (2) غير معلوم أنه العصر الواقعي،و المصحح للإتيان به هو المصحح لإتيان محتمل الظهر (3) المشترك معه في الشك و جريان (4) الأصلين (5) فيه.

أو أن الواجب مراعاة العلم التفصيلي من جهة نفس الخصوصية المشكوكة في العبادة و إن لم يوجب إهماله ترددا في الواجب،فيجب على المكلف العلم التفصيلي عند الإتيان بكون ما يأتي به هو نفس الواجب الواقعي؟

فإذا تعذر ذلك من بعض الجهات لم يعذر في إهماله من الجهة (1)يعني:لا حراز عدم جواز الدخول في العصر،لعدم حصول شرطها.

(2)يعني:المأتى به قبل استكمال محتملات الظهر.

(3)و هو الاحتياط و لزوم الإتيان بالمقدمة العلمية.

(4)عطف على قوله:«في الشك».

(5)و هما أصالة بقاء الاشتغال بالظهر،و أصالة عدم فعل الواجب الواقعي.

ثم إنه لو فرض مخالفة الأصلين المذكورين فلا أهمية له،لأن التعبد بالأصلين لما كان طريقيا لإحراز الشرط الواقعي،و هو الترتيب بين الصلاتين فلا أهمية لمخالفته بعد فرض حصول الترتيب بالوجه المذكور.كما أن الأصل الذي ينبغي الكلام في جريانه في المقام هو الأصل الثاني،و هو أصالة عدم فعل الواجب الواقعي-و هو الظهر- لا الأول،و هو أصالة بقاء الاشتغال بالظهر،لأن الأثر الشرعي-و عدم مشروعية العصر-مترتب على مجرى الأصل الثاني،لا الأول،لأن العصر مترتب على فعل الظهر،لا على عدم الاشتغال بها.فلاحظ.

ص: 62

المتمكنة،فالواجب على العاجز عن تعيين كون الصلاة قصرا أو تماما:

العلم التفصيلي بكون المأتي به مترتبا على الظهر،و لا يكفي العلم بترتبه على تقدير صحته.

هذا كله مع تنجز الأمر بالظهر و العصر دفعة واحدة في الوقت المشترك،أما إذا تحقق الأمر بالظهر فقط في الوقت المختص ففعل بعض محتملاته،فيمكن أن يقال بعدم الجواز،نظرا إلى الشك في تحقق الأمر بالعصر (1) ،فكيف يقدم على محتملاتها التي لا تجب إلا مقدمة لها؟بل الأصل عدم الأمر،فلا يشرع الدخول في مقدمات الفعل.

و يمكن أن يقال:إن أصالة عدم الأمر إنما تقتضي عدم مشروعية الدخول في المأمور به و محتملاته التي يحتمله على تقدير عدم الأمر واقعا، كما إذا صلى العصر إلى غير الجهة التي صلى الظهر،أما ما لا يحتمله إلا على تقدير وجود الأمر،فلا يقتضي الأصل المنع عنه (2) ،كما لا يخفى.

(1)هذا إنما يتصور فيما لو قدم القصر،فإنه لما كان المحتمل وجوب التمام لم يحرز خروج الوقت المختص بالظهر و دخول الوقت المشترك بينهما،و لا يتصور محتملان و لا يتصور في محتملات القبلة لعدم الفرق بينهما في المقرر فبفعل أحدها ما يعلم بدخول الوقت المشترك و خروج المختص.

إلا أن يفرض فيما لو كان المأتي به ناقصا سهوا،إذ يحتمل عدم مطابقته للواقع، فلم يخرج الوقت المختص بالسابقة بعده.

و يكفى في دفع المحذور المتأخر قليلا.

(2)لما أشار إليه قريبا،فإن أصالة عدم الأمر الواقعي،إنما تمنع من الدخول في المأمور به الواقعي،و المفروض أن المصحح للإتيان بالظهر ليس امتثال الأمر

ص: 63

الواقعي بل رجاء الإصابة المتحقق في العصر أيضا في الفرض.

نعم قد يشكل ذلك بناء على ما سبق منه قدّس سرّه في شرح كيفية النية المعتبرة في المقام.فإن ظاهره لزوم إحراز الأمر عند الاحتياط مع التمكن و إن لم يحرز امتثاله بالمأتي به.بل ينوي الامتثال به أو بصاحبه.إذ بناء على ذلك لا بد من إحراز دخول الوقت المشترك،ليحرز الأمر،و ليس الأمر كسائر الجهات الراجعة إلى المأمور به -كالقبلة و القصر و التمام-المفروض كونها موردا للشك،كما يظهر بالتأمل في الوجه السابق.

هذا لما كان الوجه الذي ذكره قدّس سرّه لكيفية النية غير تام في نفسه،و كان المصحح للتقرب في باب الاحتياط هو رجاء الأمر تعين عدم الفرق بين الشك في الأمر و الشك في المأمور به،كما لعله ظاهر.

ص: 64

القسمالثاني

اشارة

فيما إذا دار الأمر في الواجب بين الأقل و الأكثر

و مرجعه إلى الشك في جزئية شيء للمأمور به و عدمها،و هو على قسمين،لأن الجزء المشكوك:

إما جزء خارجي.

أو جزء ذهني و هو القيد،و هو على قسمين:

لأن القيد إما منتزع من أمر خارجي مغاير للمأمور به في الوجود الخارجي،فمرجع اعتبار ذلك القيد إلى إيجاب ذلك الأمر الخارجي، كالوضوء الذي يصير منشأ للطهارة المقيد بها الصلاة.

و إما خصوصية متحدة في الوجود مع المأمور به،كما إذا دار الأمر بين وجوب مطلق الرقبة أو رقبة خاصة،و من ذلك دوران الأمر بين إحدى الخصال (1) و بين واحدة معينة منها.

و الكلام في كل من القسمين في أربع مسائل:

(1)يعني:خصال الكفارة،كما لو دار الأمر بين كون الكفارة مخيرة و كونها مرتبة.

ص: 65

أما مسائل القسم الأول،و هو الشك في الجزء الخارجي:
فالأولى منها

أن يكون ذلك مع عدم النص المعتبر في المسألة

فيكون ناشئا من ذهاب جماعة إلى جزئية الأمر الفلاني (1) ، كالاستعاذة قبل القراءة في الركعة الأولى-مثلا-على ما ذهب إليه بعض فقهائنا.

و قد اختلف في وجوب الاحتياط هنا،فصرح بعض متأخري المتأخرين بوجوبه،و ربما يظهر من كلام بعض القدماء كالسيد و الشيخ، لكن لم يعلم كونه مذهبا لهما،بل ظاهر كلماتهم الأخر خلافه.

و صريح جماعة إجراء أصالة البراءة و عدم وجوب الاحتياط، و الظاهر:أنه المشهور بين العامة و الخاصة،المتقدمين منهم و المتأخرين، كما يظهر من تتبع كتب القوم،كالخلاف و السرائر و كتب الفاضلين و الشهيدين و المحقق الثاني و من تأخر عنهم.

بل الإنصاف:أنه لم أعثر في كلمات من تقدم على المحقق السبزواري، على من يلتزم بوجوب الاحتياط في الأجزاء و الشرائط و إن كان فيهم من (1)هذا أحد الأمور التي ينشأ منها الشك،و قد ينشأ من أمر آخر،كما لا يخفى.

ص: 66

يختلف كلامه في ذلك،كالسيد و الشيخ و الشهيد قدّس سرّه.

و كيف كان:فالمختار جريان أصل البراءة.لنا على ذلك:حكم العقل و ما ورد من النقل.

أما العقل:فلاستقلاله بقبح مؤاخذة من كلف بمركب لم يعلم من أجزائه إلا عدة أجزاء (1) ،و يشك في أنه هو هذا أو له جزء آخر و هو الشيء الفلاني،ثم بذل جهده في طلب الدليل على جزئية ذلك الأمر فلم يقتدر،فأتى بما علم و ترك المشكوك،خصوصا مع اعتراف المولى بأني ما نصبت لك عليه دلالة (2) ،فإن القائل بوجوب الاحتياط لا ينبغي أن يفرق في وجوبه بين أن يكون الآمر لم ينصب دليلا أو نصب و اختفى،غاية الأمر:أن ترك النصب من الآمر قبيح،و هذا لا يرفع التكليف بالاحتياط عن المكلف.

فإن قلت:إن بناء العقلاء على وجوب الاحتياط في الأوامر العرفية (1)لما كان مرجع قبح المؤاخذة في المقام إلى قبح العقاب من غير بيان فقد عرفت فيما سبق أن عدم البيان ليس علة تامة لقبح العقاب،و إنما هو مقتض له،و لذا يسوغ للمولى الأمر بالاحتياط المستلزم لمنجزية الاحتمال،فكذلك الحال في المقام، فإنما يقبح العقاب إذا لم يعلم من المولى إرادة الواقع على كل حال،بحيث يستلزم جعل الاحتياط و تنجيزه بمجرد الاحتمال،و إلا فلا قبح.و حيث إن المفروض في المقام عدم الدليل على وجوب الاحتياط شرعا اتجهت دعوى قبح العقاب عقلا.

و لا ينافيها ثبوت وجوب الاحتياط في بعض الموارد الأخر.فلاحظ.

(2)الخصوصية المذكورة لما كانت ناشئة من تقصير المولى في البيان -كما سيأتي من المصنف قدّس سرّه-فلا دخل لها بالمقام،إذ الكلام في القبح من حيث تقصير المكلف و عدمه.

ص: 67

الصادرة من الأطباء أو الموالي،فإن الطبيب إذا أمر المريض بتركيب معجون فشك في جزئية شيء له مع العلم بأنه غير ضار له،فتركه المريض مع قدرته عليه،استحق اللوم.و كذا المولى إذا أمر عبده بذلك.

قلت:أما أوامر الطبيب،فهي إرشادية ليس المطلوب فيها إلا إحراز الخاصية المترتبة على ذات المأمور به،و لا نتكلم فيها من حيث الإطاعة و المعصية (1) ،و لذا لو كان بيان ذلك الدواء بجملة خبرية غير طلبية،كان اللازم مراعاة الاحتياط فيها و إن لم يترتب على مخالفته و موافقته ثواب أو عقاب،و الكلام في المسألة من حيث قبح عقاب الآمر على مخالفة المجهول و عدمه.

و أما أوامر الموالي الصادرة بقصد الإطاعة،فنلتزم فيها بقبح المؤاخذة إذا (2) عجز العبد عن تحصيل العلم بجزء فاطلع (3) عليه المولى و قدر على رفع جهله و لو على بعض الوجوه الغير المتعارفة إلا أنه اكتفى بالبيان المتعارف فاختفى على العبد لبعض العوارض.

(1)فإنهما منوطان بالتنجيز و التعذير المنوطين بقيام الحجة،و ليسا كالآثار الوضعية المنوطة بالواقع،فلا وجه للتنظير بأوامر الطبيب.

(2)عرفت أن قبح المؤاخذة مع عدم البيان لكون عدم البيان مقتضيا للقبح المذكور،فلا مانع من أمر الشارع بالاحتياط،و حينئذ فالقبح في الأوامر العرفية منوط بما إذا لم يعلم من حال الآمر أنه يريد الواقع على كل حال،بحيث يرجع حاله إلى الأمر بالاحتياط و إلا فلا قبح في العقاب،و يكون خارجا عما نحن فيه.

(3)اطلاع المولى لا دخل له في المقام،فإنه قد يوجب تبدل وظيفته،و الكلام هنا في وظيفة العبد التي لا تتبدل بذلك قطعا.

ص: 68

نعم،قد يأمر المولى بمركب يعلم أن المقصود منه تحصيل عنوان يشك في حصوله إذا أتى بذلك المركب بدون ذلك الجزء المشكوك،كما إذا أمر بمعجون و علم أن المقصود منه إسهال الصفراء،بحيث كان هو المأمور به في الحقيقة أو علم أنه الغرض من المأمور به،فإن تحصيل العلم بإتيان المأمور به لازم (1) ،كما سيجيء في المسألة الرابعة.

فإن قلت:إن الأوامر الشرعية كلها من هذا القبيل،لابتنائها على مصالح في المأمور به،فالمصلحة فيها إما من قبيل العنوان في المأمور به أو من قبيل الغرض.

و بتقرير آخر:المشهور بين العدلية أن الواجبات الشرعية إنما وجبت لكونها ألطافا في الواجبات العقلية،فاللطف إما هو المأمور به حقيقة أو غرض للآمر (2) ،فيجب تحصيل العلم بحصول اللطف،و لا يحصل إلا بإتيان كل ما شك في مدخليته.

قلت:أولا:مسألة البراءة و الاحتياط غير مبنية على كون كل واجب (1)أما إذا كان العنوان هو المأمور به في الحقيقة فلزوم الاحتياط واضح، للشك في حصول الامتثال،كما سيأتي في المسألة الرابعة.

و أما إذا كان العنوان داعيا و فرضا من الأمر من دون أن يتعلق التكليف به فلزوم الاحتياط ممنوع،كما سيأتي الكلام فيه عند التعرض لشبهة الفرض في المقام.

(2)لا مجال لدعوى كون الملاك أو اللطف هو المأمور به،لظهور الأدلة في كون موضوع الأمر واجبا نفسيا لا غير.و مجرد ملازمة الملاك المأمور به و كونه داعيا للأمر لا تقتضي توجه الأمر إليه كما حقق في مبحث الوجوب النفسي و الغيري.

نعم لا بأس بدعوى كون الملاك و اللطف غرضا مصححا للأمر.

ص: 69

فيه مصلحة و هو لطف في غيره،فنحن نتكلم فيها على مذهب الأشاعرة المنكرين للحسن و القبح (1) ،أو مذهب بعض العدلية المكتفين بوجود المصلحة في الأمر و إن لم يكن في المأمور به (2) .

و ثانيا:إن نفس الفعل من حيث هو،ليس لطفا،و لذا لو اتي به لا (1)لكن ضعف المبني المذكور مانع من بناء مثل هذا الأصل عليه مع كونه موردا للعمل،لوضوح عدم كون الكلام هنا علميا محضا،بل عمليا أيضا.

(2)إذ عليه ليس وراء المأمور به غرض يجب تحصيله،و لا يناط الأمر بشيء حتى يشك في سقوطه بسبب الشك في حصوله،و حيث أن الأمر لا يتنجز إلا بمقدار ما وصل تعين عدم وجوب الاحتياط.

و دعوى:أن من لا يقول بتبعية الأوامر لصالح في المأمور به-كالأشاعرة و كالقائل بكفاية المصلحة في الأمر-لا يمنع من وجود المصلحة المأمور به،فالشك فيها موجب للشك في سقوط الأمر لاحتمال عدم حصولها بالاقتصار على الأقل مدفوعة:بإمكان دعوى أن تنجز الفرض بنحو يجب إحراز الفراغ عنه إنما هو مع العلم بوجوده،أما مع الشك فيه فلا يتنجز من أصله حتى يجب الفراغ عنه،فلا موجب للاحتياط.

نعم بناء مثل هذا الأصل العملي على القول المذكور مشروط بصحته في نفسه و بطلان ما اشتهر بين العدلية من اعتبار المصلحة في نفس المأمور به،و من البعيد التزام المصنف قدّس سرّه به،فإن القول المشهور لو لم يقتضه حكم العقل فلا يبعد استفادته من الأخبار الكثيرة المتعرضة لعلل الأحكام،و غيرها مما يظهر منه المفروغية عن تبعية الأحكام للمصالح و المفاسد في متعلقاتها.

و لو فرض صحة القول المذكور في نفسه فلا أقل من عدم اعتماد المشهور القائلين بالبراءة عليه،فلا بد من توجيهه على مذهبهم من تبعية الأحكام للمصالح و المفاسد في متعلقاتها.فلاحظ.

ص: 70

على وجه الامتثال لم يصح (1) و لم يترتب عليه لطف و لا أثر آخر من آثار العبادة الصحيحة،بل اللطف إنما هو في الإتيان به على وجه الامتثال، و حينئذ:فيحتمل أن يكون اللطف منحصرا في امتثاله التفصيلي مع معرفة وجه الفعل ليوقع الفعل على وجهه-فإن من صرح من العدلية بكون العبادات السمعية إنما وجبت لكونها ألطافا في الواجبات العقلية،قد صرح بوجوب إيقاع الواجب على وجهه و وجوب اقترانه به (2) -و هذا متعذر فيما نحن فيه،لأن الآتي بالأكثر لا يعلم أنه الواجب أو الأقل المتحقق في ضمنه (3) ،و لذا صرح بعضهم كالعلامة رحمه اللّه و يظهر من آخر منهم:

(1)لكن هذا مختص بالعبادات،و الكلام في المقام لا يختص بها،بل لو فرض وجود واجب ارتباطي غير عبادي و دار بين الأقل و الأكثر لجرى الكلام في وجوب الاحتياط فيه أيضا.

(2)لكن هذا خلاف التحقيق-كما تقدم من المصنف قدّس سرّه-بل هو خلاف الإجماع مع تعذر قصد الوجه،لعدم إمكان العلم به،لما ذكره في غير مقام من إجماعهم على حسن الاحتياط في العبادات إذا تعذر العلم بحكمها.

فلا ينبغي الاعتماد على هذا الوجه في دفع الإشكال عن مثل هذا الأصل الذي هو مورد للعمل.

(3)لكن يمكنه الإتيان بالأقل مع قصد الوجه و الجزم بالوجوب و بالزائد برجاء المطلوبية فإن ذلك إن لم يقطع بوفائه بالفرض لو كان الزائد معتبرا واقعا فلا أقل من احتمال ذلك الموجب للاحتياط مع فرض تنجز الفرض،لرجوع الشك المذكور إلى الشك في القدرة،لا في التكليف و يجب الاحتياط فيه بلا إشكال.

و الذي تحصل:أن ما ذكره المصنف قدّس سرّه في الجواب عن الإشكال لا يفي بدفعه بعد ابتنائه على ما ليس تاما في نفسه،و لا يلتزم هو قدّس سرّه به و لا المشهور القائلين بالبراءة

ص: 71

وجوب تميز الأجزاء الواجبة من المستحبات ليوقع كلا على وجهه.

و بالجملة:فحصول اللطف بالفعل المأتي به من الجاهل فيما نحن فيه غير معلوم،بل ظاهرهم عدمه (1) ،فلم يبق عليه إلا التخلص من تبعة مخالفة الأمر الموجه إليه،فإن هذا واجب عقلي في مقام الإطاعة و المعصية، و لا دخل له بمسألة اللطف،بل هو جار على فرض عدم اللطف و عدم المصلحة في المأمور به رأسا،و هذا التخلص يحصل بالإتيان بما يعلم أن مع تركه يستحق العقاب و المؤاخذة فيجب الإتيان،و أما الزائد فيقبح المؤاخذة عليه مع عدم البيان.

في المقام.

و العمدة في دفعه ما أشرنا إليه من ظهور الأدلة في عدم كون الملاكات الواقعية هي المكلف به بل المكلف به هو متعلق الأمر.

غايته أن الملاك و اللطف غرض مصحح للأمر وداع له،و حينئذ لا يتنجز بنفسه،و إنما يتنجز المأمور به لا غير،و ليس حفظ الفرض من وظيفة المكلف،بل من وظيفة الآمر،فيجب عليه جعل أمره بنحو يفي بالغرض كما يجب عليه أو إيجاب الاحتياط للمحافظة عليه لو كان بنحو يهتم بحفظه على كل حال،فإذا شك المكلف في حصول الفرض لا يجب عليه إحرازه لعدم تنجزه في حقه بعد فرض عدم قيام الدليل على وجوب الاحتياط.

نعم لو علم عدم حصول الفرض وجب عليه فعل ما يعلم بدخله فيه، للتلازم بين أمر الحكيم و غرضه،فيكشف عن كون المأمور به هو المقيد،و لا مجال معه لجريان البراءة منه.فلاحظ.

(1)لا يخفى أن ذلك مناف لما ذكره من إجماعهم على مشروعية الاحتياط مع عدم إمكان العلم بالأمر،كما أشرنا إليه.

ص: 72

فإن قلت:إن ما ذكر في وجوب الاحتياط في المتباينين بعينه موجود هنا،و هو أن المقتضي-و هو تعلق الوجوب الواقعي بالأمر الواقعي المردد بين الأقل و الأكثر-موجود،و الجهل التفصيلي به لا يصلح مانعا لا عن المأمور به (1) و لا عن توجه الأمر (2) ،كما تقدم في المتباينين حرفا بحرف.

قلت:نختار هنا أن الجهل مانع عقلي عن توجه التكليف (3) بالمجهول إلى المكلف،لحكم العقل بقبح المؤاخذة على ترك الأكثر المسبب عن ترك الجزء المشكوك من دون بيان،و لا يعارض بقبح المؤاخذة على ترك الأقل من حيث هو من دون بيان،إذ يكفي في البيان المسوغ للمؤاخذة عليه العلم التفصيلي بأنه مطلوب للشارع بالاستقلال أو في ضمن الأكثر، و مع هذا العلم لا يقبح المؤاخذة.

و ما ذكر في المتباينين-سندا لمنع كون الجهل مانعا:من (4) استلزامه (1)إشارة إلى ما سبق في المتباينين من دعوى مانعية الجهل من الامتثال، لدعوى تعذر قصد القربة،و إلى أنه تقدم منع ذلك لإمكان قصد القربة ببعض الوجوه.

(2)إشارة إلى ما ذكرنا هناك من امتناع توجيه التكليف للجاهل تفصيلا لعدم قابليته للتكليف.

(3)يعني:عن تنجزه في حق الجاهل تفصيلا مع ثبوته واقعا،لما أشرنا إليه هناك من اشتراك الأحكام بين الجاهل و العالم.

(4)بيان لسند مانعية الجهل،حيث تقدم من المصنف قدّس سرّه الإشارة إلى دعوى عدم إمكان توجيه التكليف للجاهل،و دفعها بأن لازم ذلك أمران:

ص: 73

لجواز المخالفة القطعية،و قبح خطاب الجاهل المقصر،و كونه (1) معذورا بالنسبة إلى الواقع-مع أنه (2) خلاف المشهور أو المتفق عليه،غير جار (3) فيما نحن فيه.

أما الأول،فلأن عدم جواز المخالفة القطعية لكونها مخالفة معلومة بالتفصيل (4) ،فإن وجوب الأقل بمعنى استحقاق العقاب بتركه (5) معلوم تفصيلا و إن لم يعلم أن العقاب لأجل ترك نفسه أو لترك ما هو سبب في تركه (6) و هو الأكثر،فإن هذا العلم غير معتبر في إلزام العقل بوجوب الأول:جواز المخالفة القطعية.

الثاني:كون الجاهل المقصر معذورا،لعدم قابليته لتوجه التكليف.

نعم تقدم منا الإشكال في الاستدلال بالوجه الثاني.فراجع.

(1)عطف على:«قبح».

(2)الضمير يرجع إلى قوله:«كونه معذورا...»يعني:أن معذورية الجاهل خلاف المشهور.

(3)خبر لقوله:«و ما ذكر في المتباينين...».

(4)يعني:أن الالتزام هنا بمانعية الجهل التفصيلي من تنجيز التكليف لا تستلزم جواز المخالفة القطعية،لأن الأقل معلوم الوجوب تفصيلا،فيلزم الإتيان به على كل حال،و مع الإتيان به لا تحصل المخالفة القطعية،بخلاف المتباينين،لأن كلا الطرفين فيهما مجهول الوجوب،فلو كان الجهل عذرا لجازت المخالفة القطعية.

(5)بل بمعنى وجوبه شرعا،فإنه معلوم تفصيلا و إن لم يعلم كونه استقلاليا أو ضمنيا.

(6)هذا راجع إلى دعوى أن أجزاء الواجب واجبة بالوجوب الغيري بتبع وجوبه النفسي لا بالوجوب النفسي الضمني،و هو الذي سيصرح به قريبا،و يظهر

ص: 74

الإتيان،إذ مناط تحريك العقل إلى فعل الواجبات و ترك المحرمات،دفع العقاب،و لا يفرق في تحريكه بين علمه بأن العقاب لأجل هذا الشيء أو لما هو مستند إليه.

و أما عدم معذورية الجاهل المقصر (1) ،فهو للوجه الذي لا يعذر من أجله الجاهل بنفس التكليف المستقل،و هو العلم الإجمالي بوجود من تقريرات درسه في مبحث مقدمة الواجب،و ربما نسب له خلاف ذلك،و لم يتضح عاجلا وجه النسبة.

و كيف كان فالتحقيق أن وجوبها نفسي ضمني،كما حقق في محله.و سيأتي الكلام في أثر ذلك فيما نحن فيه.

(1)هذا إشارة إلى الوجه الثاني الذي أورد به على القول بمانعية الجهل التفصيلي من تنجز التكليف،و هو لزوم كون الجاهل المقصر معذورا.و قد ذكر هنا أن الالتزام بكون الجهل التفصيلي في المقام عذرا لا يستلزم عدم عقاب الجاهل المقصر،لأن الجاهل المقصر لا ينحصر وجه عقابه به منجزية العلم الإجمالي في المقام، بل يكفى في عقابه العلم الإجمالي بوجود واجبات و محرمات في الشريعة،فإن ذلك ينجز جميع الأحكام الواقعية في حقه و منها الحكم التكليفي في المقام.

و أما العلم الإجمالي الخاص في المقام الراجع إلى التردد بين الأقل و الأكثر فهو لا يصلح لتنجيز الحكم الواقعي على ما هو عليه حتى يتنجز الأكثر لو فرض الواجب واقعا،لرجوعه إلى العلم التفصيلي بوجوب الأقل و الشك البدوي في وجوب الزائد،و الأول ينجز خصوص الأقل و الثاني لا ينجز الزائد،بل المرجع البراءة.

أقول:مرجع ما ذكره قدّس سرّه ليس إلى مانعية الجهل التفصيلي بعد ثبوت مقتضي التنجز،بل إلى عدم ثبوت المقتضي،لعدم منجزية العلم الإجمالي بسبب انحلاله بالعلم التفصيلي بوجوب الأقل:فالأولى الجواب بذلك.فلاحظ.

ص: 75

واجبات و محرمات كثيرة في الشريعة،و أنه لو لاه لزم إخلال الشريعة،لا العلم الإجمالي الموجود في المقام،إذ الموجود في المقام علم تفصيلي،و هو وجوب الأقل بمعنى ترتب العقاب على تركه،و شك في أصل وجوب الزائد و لو مقدمة.

و بالجملة:فالعلم الإجمالي فيما نحن فيه غير مؤثر في وجوب الاحتياط،لكون أحد طرفيه معلوم الإلزام تفصيلا و الآخر مشكوك الإلزام رأسا.

و دوران الإلزام في الأقل بين كونه مقدميا أو نفسيا،لا يقدح في كونه معلوما بالتفصيل (1) ،لما ذكرنا:من أن العقل يحكم بوجوب القيام بما علم إجمالا أو تفصيلا إلزام المولى به على أي وجه كان،و يحكم بقبح المؤاخذة على ما شك في إلزامه،و المعلوم إلزامه تفصيلا هو الأقل،و المشكوك إلزامه رأسا هو الزائد،و المعلوم إلزامه إجمالا هو الواجب النفسي المردد بين الأقل (1)بل الظاهر قادحيته،لأن الوجوب الغيري لا يصلح للمحركية إلا في طول محركية الوجوب النفسي،فمنجزية العلم به موقوفة على تنجز ما احتمل كونه مقدمة له،فلا يعقل انحلال العلم بوجوبه أو وجوب ما هو مقدمة له نفسيا.

فالعمدة:ما أشرنا إليه من أن الأجزاء لا تجب غيريا،بل نفسيا،و حينئذ يعلم تفصيلا بوجوب الأقل لنفسه و يشك في وجوب الزائد.و الأصل البراءة.و لنكتف بهذا المقدار مجاراة للمصنف قدّس سرّه و لا مجال لاستيعاب ما ذكروه في المقام.لئلا نخرج عن وضع هذه التعليقة.إذ ليس المقصود منها إلا تعقيب كلمات المصنف قدّس سرّه و اللّه سبحانه الموفق.

ص: 76

و الأكثر،و لا عبرة به بعد انحلاله (1) إلى معلوم تفصيلي و مشكوك،كما في كل معلوم إجمالي كان كذلك،كما لو علم إجمالا بكون أحد من الإناءين اللذين أحدهما المعين نجس،خمرا،فإنه يحكم بحلية الطاهر منهما،و العلم الإجمالي بالخمر لا يؤثر في وجوب الاجتناب عنه.

و مما ذكرنا يظهر:أنه يمكن التمسك في عدم وجوب الأكثر بأصالة عدم وجوبه،فإنها سليمة في هذا المقام عن المعارضة بأصالة عدم وجوب الأقل،لأن وجوب الأقل معلوم تفصيلا فلا يجري فيه الأصل.

و تردد وجوبه بين الوجوب النفسي و الغيري مع العلم التفصيلي بورود الخطاب التفصيلي بوجوبه بقوله: وَ رَبَّكَ فَكَبِّرْ، و قوله:

وَ قُومُوا لِلّٰهِ قٰانِتِينَ (2) ،و قوله: فَاقْرَؤُا مٰا تَيَسَّرَ مِنْهُ، و قوله:

اِرْكَعُوا وَ اسْجُدُوا، و غير ذلك من الخطابات المتضمنة للأمر بالأجزاء،لا يوجب (3) جريان أصالة عدم الوجوب أو أصالة البراءة.

لكن الإنصاف:أن التمسك بأصالة عدم وجوب الأكثر لا ينفع في المقام،بل هو قليل الفائدة،لأنه:إن قصد به نفي أثر الوجوب الذي هو استحقاق العقاب بتركه،فهو و إن كان غير معارض بأصالة عدم وجوب (1)عرفت أن انحلاله موقوف على كون وجوب الإجزاء نفسيا،كما هو التحقيق.

(2)بناء على أن المراد به وجوب القيام في الصلاة كما قد يناسبه قوله تعالى:

فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجٰالاً أَوْ رُكْبٰاناً.... و أما القنوت فليس من الواجبات الشرعية بأي معنى فسر.فراجع مجمع البيان و غيره.

(3)خبر لقوله:«و تردد وجوبه...».

ص: 77

الأقل كما ذكرنا،إلا أنك قد عرفت فيما تقدم في الشك في التكليف:

أن استصحاب عدم التكليف المستقل-وجوبا أو تحريما-لا ينفع في دفع استحقاق العقاب على الترك أو الفعل،لأن عدم استحقاق العقاب ليس من آثار عدم الوجوب و الحرمة الواقعيين حتى يحتاج إلى إحرازهما بالاستصحاب،بل يكفي فيه عدم العلم بهما،فمجرد الشك فيهما كاف في عدم استحقاق العقاب بحكم العقل القاطع (1) .

و قد أشرنا إلى ذلك عند التمسك في حرمة العمل بالظن بأصالة عدم حجيته،و قلنا:إن الشك في حجيته كاف في التحريم و لا يحتاج إلى إحراز عدمها بالأصل (2) .

و إن قصد به نفي الآثار المترتبة على الوجوب النفسي المستقل، فأصالة عدم هذا الوجوب في الأكثر معارضة بأصالة عدمه في الأقل،فلا (1)يعني:فيلزم من جريان الأصل إحراز ما هو محرز بالوجدان بالتعبد، و هو يستلزم لغوية التعبد.لكن عدم العقاب مع الشك بملاك قاعدة قبح العقاب بلا بيان،الراجع إلى كون الجهل عذرا مانعا من العقاب،أما مع التعبد بعدم التكليف فهو بملاك عدم وجود المقتضي للعقاب،و مثل هذا كاف في ترتب الأثر العملي على الاستصحاب و في تصحيح التعبد.

و لذا لا إشكال في جريان استصحاب الإباحة مع عدم ترتب أثر عليه إلا عدم العقاب الذي هو مترتب مع الشك فيها.

ثم إنه لم يتقدم من المصنف قدّس سرّه في مبحث الشك في التكليف التعرض للأصل المذكور،و إنما تعرض لتقريره بوجوه أخر تشترك مع هذا الوجه في بعض الكلام.

فراجع.

(2)نقدم بعض الكلام في ذلك.فراجع.

ص: 78

تبقى لهذا الأصل فائدة إلا في نفي ما عدا العقاب من الآثار المترتبة على مطلق الوجوب الشامل للنفسي و الغيري (1) .

ثم بما ذكرنا في منع جريان الدليل العقلي المتقدم في المتباينين فيما نحن فيه،يقدر على منع سائر ما يتمسك به لوجوب الاحتياط في هذا المقام.

مثل:استصحاب الاشتغال بعد الإتيان بالأقل.

و مثل:أن الاشتغال اليقيني يقتضي وجوب تحصيل اليقين بالبراءة.

مثل:أدلة اشتراك الغائبين مع الحاضرين في الأحكام المقتضية لاشتراكنا-معاشر الغائبين-مع الحاضرين العالمين بالمكلف به تفصيلا.

و مثل:وجوب دفع الضرر-و هو العقاب-المحتمل قطعا،و بعبارة اخرى:وجوب المقدمة العلمية للواجب.

و مثل:أن قصد القربة غير ممكن بالإتيان بالأقل،لعدم العلم بمطلوبيته في ذاته،فلا يجوز الاقتصار عليه في العبادات،بل لا بد من الإتيان بالجزء المشكوك.

فإن الأول (2) مندفع-مضافا إلى منع جريانه حتى في مورد وجوب الاحتياط،كما تقدم في المتباينين-بأن بقاء وجوب الأمر المردد بين الأقل و الأكثر بالاستصحاب لا يجدي،بعد فرض كون وجود المتيقن قبل الشك غير مجد في الاحتياط (3) .

(1)و حيث لا يظهر عاجلا مثل هذه الآثار فلا أهمية للاستصحاب المذكور.

(2)و هو استصحاب الاشتغال بعد الإتيان بالأقل.

(3)لا ملازمة بين الأمرين،فإنه لا مانع من عدم منجزية العلم الإجمالي،

ص: 79

نعم،لو قلنا بالأصل المثبت،و أن استصحاب الاشتغال بعد الإتيان بالأقل يثبت كون الواجب هو الأكثر فيجب الإتيان به،أمكن الاستدلال بالاستصحاب (1) .

لكن يمكن أن يقال:إنا نفينا في الزمان السابق وجوب الأكثر، لقبح المؤاخذة من دون بيان،فتعين الاشتغال بالأقل،فهو منفي في الزمان لوجود المتيقن في بعض أطرافه،و جريان الاستصحاب،فيكون هو المنجز.

و الذي ينبغي أن يقال:المراد بالشغل إن كان هو الذمة ظاهرا الراجع إلى حكم العقل بتنجز التكليف بنحو يجب الفراغ عنه فهو-مع إنه حكم عقلي لا يجري فيه الاستصحاب-لا يكون متيقنا من أول الأمر الا بالإضافة إلى الأقل،لما سبق من انحلال العلم الإجمالي و عدم تنجز غير الأقل،و حينئذ يعلم بالفراغ عما اشتغلت به الذمة بعد الإتيان بالأقل،فلا يجري الاستصحاب.

و إن كان المراد به شغل الذمة واقعا-المسبب من عدم امتثال التكليف الواقعي -فعدمه و إن كان متيقنا سابقا و مشكوكا لاحقا،إلا أنه ليس أمرا شرعيا،بل واقعيا، و لا موضوعا لحكم شرعي،بل عقلي،لأن وجوب الفراغ عن التكليف الواقعي بحكم العقل الراجع إلى وجوب الامتثال،فلا يجري فيه الاستصحاب.

نعم لو كان للأصل حجة في لوازم مجراه كان مقتضى الاستصحاب المذكور وجوب الأكثر شرعا،لأن بقاء التكليف الواقعي مع فرض الإتيان بالأقل ملازم لكون الواجب شرعا هو الأكثر.

لكن الأصل المثبت ليس حجة على التحقيق.و قد تقدم قريب من هذا الكلام منّا في الدوران بين المتباينين.فراجع.

(1)هذا مبني على أن المراد بالشغل هو الواقعي،كما يظهر بملاحظة ما سبق.

ص: 80

السابق،فكيف يثبت في الزمان اللاحق (1) ؟

و أما الثاني (2) ،فهو حاصل الدليل المتقدم في المتباينين المتوهم جريانه في المقام،و قد عرفت الجواب،و أن الاشتغال اليقيني إنما هو بالأقل،و غيره مشكوك فيه.

و أما الثالث (3) ،ففيه:أن مقتضى الاشتراك كون الغائبين و الحاضرين على نهج واحد مع كونهما في العلم و الجهل على صفة واحدة، و لا ريب أن وجوب الاحتياط على الجاهل من الحاضرين فيما نحن فيه عين الدعوى (4) .

و أما الرابع (5) :فلأن وجوب المقدمة فرع وجوب ذي المقدمة،و هو (1)هذا يبتني على أن المراد بالشغل هو الظاهري العقلي،كما يظهر بملاحظة ما سبق،فكلام المصنف قدّس سرّه غير جار على مبنى واحد.فلاحظ.

(2)و هو أن الاشتغال اليقيني يقتضي وجوب تحصيل البراءة اليقينية.

(3)و هو الاستدلال بقاعدة الاشتراك بين الغائبين و الحاضرين في الأحكام.

(4)لا يخفى أن الاستدلال إنما هو باشتراك الحاضرين مع الغائبين في الأحكام الواقعية.

فالأولى الجواب بأن اشتراكنا معهم في الأحكام و إن كان مسلما،إلا أنه لا يستلزم تنجزها علينا بعد فرض شكنا فيها و دورانها عندنا بين الأقل و الأكثر،بل لا يتنجز علينا الا الأقل،و تنجزها عليهم على ما هي عليه إنما كان بسبب علمهم بحالها تفصيلا،و هو غير حاصل لنا.

(5)و هو وجوب دفع الضرر المحتمل و وجوب المقدمة العلمية.

و الظاهر أن الوجه المذكور راجع إلى الوجه الثاني.فلاحظ.

ص: 81

الأمر المتردد بين الأقل و الأكثر،و قد تقدم:أن وجوب المعلوم إجمالا مع كون أحد طرفيه متيقن الإلزام من الشارع و لو بالإلزام المقدمي،غير مؤثر في وجوب الاحتياط،لكون الطرف الغير المتيقن-و هو الأكثر في ما نحن فيه-موردا لقاعدة البراءة،كما مثلنا له بالخمر المردد بين إناءين أحدهما المعين نجس.

نعم،لو ثبت أن ذلك-أعني تيقن أحد طرفي المعلوم بالإجمال تفصيلا و ترتب أثره عليه-لا يقدح في وجوب العمل بما يقتضيه (1) من الاحتياط،فيقال في المثال:إن التكليف بالاجتناب عن هذا الخمر المردد بين الإناءين يقتضي استحقاق العقاب على تناوله بتناول أي الإناءين اتفق كونه خمرا،فيجب الاحتياط بالاجتناب عنهما،فكذلك فيما نحن فيه (2) .

و الدليل العقلي على البراءة من هذه الجهة يحتاج إلى مزيد تأمل (3) .

(1)يعني:بما يقتضي العلم الإجمالي.

(2)الأدلة الشرعية على البراءة في الأقل و الأكثر الارتباطيين.

(3)لم يتضح الوجه في احتياجه للتأمل بعد ما سبق منه قدّس سرّه في الشبهة التحريمية المحصورة من الجزم بانحلال العلم الإجمالي بمثل ذلك.

نعم قد يشكل الانحلال في خصوص المقام من حيث كون المتيقن-و هو الأقل-يتردد وجوبه بين النفسي و الغيري،أو بين الضمني و الاستقلالي،أو غير ذلك.

و قد عرفت عدم اندفاع الإشكال من الجهة الأولى و أشرنا إلى عدم توجهه من الجهة الثانية و بقية الكلام في ذلك في المطولات.

ص: 82

و أما الخامس (1) :فلأنه يكفي في قصد القربة الإتيان بما علم من الشارع الإلزام به و أداء تركه إلى استحقاق العقاب لأجل التخلص عن العقاب (2) ،فإن هذا المقدار كاف في نية القربة المعتبرة في العبادات حتى لو علم بأجزائها تفصيلا.

بقي الكلام في أنه كيف يقصد القربة بإتيان الأقل مع عدم العلم بكونه مقربا،لتردده بين الواجب النفسي المقرب و المقدمي الغير المقرب؟ فنقول:

يكفي في قصد القربة:قصد التخلص من العقاب،فإنها إحدى الغايات المذكورة في العبادات.

و أما الدليل النقلي:

فهو الأخبار الدالة على البراءة،الواضحة سندا و دلالة،و لذا عول عليها في المسألة من جعل مقتضى العقل فيها وجوب الاحتياط (3) ، (1)و هو تعذر قصد القربة بالإتيان بالأقل،لعدم العلم بمطلوبيته في ذاته استقلالا.

(2)لكن قصد التخلص من العقاب إنما يصح الإجتزاء به في طول قصد امتثال الأمر النفسي،و لا يكفي قصد الأمر الغيري في نفسه،لعدم صلوحه للمقربية، كما حقق في مبحث مقدمة الواجب.

فالعمدة ما أشرنا إليه من عدم كون وجوب الأقل على تقدير وجوب الأكثر غيريا بل هو واجب نفسي ضمني،و إن شئت قلت:التقرب ليس بأمر الأقل،بل بالأمر الواقعي المتوجه للمكلف الذي لم يتنجز إلا بمقدار الأقل.فتأمل.

(3)يأتي الكلام في ذلك قريبا إن شاء اللّه تعالى.

ص: 83

بناء (1) على وجوب مراعاة العلم الإجمالي و إن كان الإلزام في أحد طرفيه معلوما بالتفصيل.و قد تقدم أكثر تلك الأخبار في الشك في التكليف التحريمي و الوجوبي.

منها:قوله عليه السّلام:«ما حجب اللّه علمه عن العباد فهو موضوع عنهم».

فإن وجوب الجزء المشكوك محجوب علمه عن العباد،فهو موضوع عنهم،فدل على أن الجزء المشكوك وجوبه غير واجب على الجاهل،كما دل على أن الشيء المشكوك وجوبه النفسي (2) غير واجب في الظاهر على الجاهل.

و يمكن تقريب الاستدلال:بأن وجوب الأكثر (3) مما حجب علمه، فهو موضوع.

و لا يعارض بأن وجوب الأقل كذلك،لأن (4) العلم بوجوبه المردد بين النفسي و الغيري غير محجوب،فهو غير موضوع.

و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«رفع عن أمتي...ما لا يعلمون» (5) .

فإن وجوب الجزء المشكوك مما لم يعلم،فهو مرفوع عن المكلفين، (1)تعليل لقوله:«جعل مقتضى العقل...».

(2)يعني:الاستقلالي في الشك في أصل التكليف الذي تقدم الكلام فيه.

(3)يعني:تمام الأكثر بتمامه،لا خصوص الزائد.

(4)تعليل لقوله:«و لا يعارض...».

(5)هذا ملفق من فقرات متقطعة من الحديث الشريف.

ص: 84

أو أن العقاب و المؤاخذة المترتبة على تعمد ترك الجزء المشكوك الذي هو سبب لترك الكل،مرفوع عن الجاهل.

إلى غير ذلك من أخبار البراءة الجارية في الشبهة الوجوبية.

و كان بعض مشايخنا(قدس اللّه نفسه)يدعي ظهورها في نفي الوجوب النفسي المشكوك،و عدم جريانها في الشك في الوجوب الغيري (1) .

و لا يخفى على المتأمل:عدم الفرق بين الوجوبين في نفي ما يترتب عليه،من استحقاق العقاب،لأن ترك الواجب الغيري منشأ لاستحقاق العقاب و لو من جهة كونه منشأ لترك الواجب النفسي (2) .

نعم،لو كان الظاهر من الأخبار نفي العقاب المترتب على ترك الشيء من حيث خصوص ذاته،أمكن دعوى ظهورها في ما ادعي.

(1)فيعارض جريانها في الأكثر بجريانها في الأقل،لعدم العلم بوجوبه النفسي بناء على ما سبق من المصنف قدّس سرّه فتسقط بالإضافة اليهما معا.

(2)لكن ليس في أدلة البراءة رفع كل أمر بسبب تركه العقاب بقول مطلق حتى يشمل الواجب الغيري،بل هي ظاهرة في رفع التكليف الذي يكون منشأ للضيق،لكونه بنفسه منشأ للعقاب.و لا يخفى اختصاصها حينئذ بالتكليف النفسي، إذ الغيري،ليس منشأ للضيق و لا العقاب.و لذا لا إشكال ظاهرا في عدم جريانها في الشك في المحصل،كما لو شك في دخل المضمضة في تحقق الطهارة الواجبة مع كون ترك المضمضة منشأ لاستحقاق العقاب.فلاحظ.

فالعمدة في الجواب ما أشرنا اليه سابقا من أن وجوب الجزء ليس غيريا،بل نفسيا ضمنيا فيكون منشأ للضيق و العقاب،فمع العلم بوجوب الأقل لا تجري البراءة فلا معارض لها بالإضافة إلى الأكثر.فتأمل.

ص: 85

مع إمكان أن يقال:إن العقاب على ترك الجزء أيضا من حيث خصوص ذاته،لأن ترك الجزء عين ترك الكل،فافهم (1) .

هذا كله إن جعلنا المرفوع و الموضوع في الروايات خصوص المؤاخذة، و أما لو عممناه لمطلق الآثار الشرعية المترتبة على الشيء المجهول،كانت الدلالة أوضح،لكن سيأتي ما في ذلك (2) .

ثم إنه لو فرضنا عدم تمامية الدليل العقلي المتقدم،بل كون العقل حاكما بوجوب الاحتياط و مراعاة حال العلم الإجمالي بالتكليف المردد بين الأقل و الأكثر،كانت هذه الأخبار كافية في المطلب حاكمة على ذلك الدليل العقلي،لأن الشارع أخبر بنفي العقاب على ترك الأكثر لو كان واجبا في الواقع،فلا يقتضي العقل وجوبه من باب الاحتياط الراجع إلى (1)لعله إشارة إلى أن هذا تنازل عن دعوى كون وجوب الجزء غيريا و رجوع إلى كونه نفسيا كما سبق.

(2)لعل المراد به مثل الصحة و البطلان بفعله أو تركه.أو مثل الجزئية و الشرطية،فيكون إشارة إلى ما سيأتي عن الفصول،و يأتي الاشكال فيه.

و إلا فقد تقدم منه في الشبهة التحريمية البدوية أن حمل حديث الرفع على إرادة رفع جميع الآثار محتمل في نفسه و لم يظهر منه قدّس سرّه الجزم بدفعه.فراجع

و كيف كان فقد سبق منا هناك حمل الحديث على إرادة رفع نفس التكليف المشكوك،و عرفت منا هنا أنه مختص بالتكليف النفسي و لو كان ضمنيا،و حينئذ فيتجه التمسك به في المقام لنفي وجوب الزائد،و يقتصر على الأقل للعلم بوجوبه على كل حال و لا منجز للزائد حينئذ.فلاحظ.

ص: 86

وجوب دفع العقاب المحتمل (1) .

و قد توهم بعض المعاصرين (2) عكس ذلك و حكومة أدلة (1)لا يخفى أن القول بوجوب الاحتياط إما أن يبتني على منجزية العلم الإجمالي و عدم انحلاله بوجود المتيقن،أو على شبهة الغرض.

أما بناء على منجزية العلم الإجمالي فأصالة البراءة من وجوب الأكثر لكونه مشكوك الوجوب لا تنافى وجوب الإتيان به مقدمة لإحراز الفراغ من المعلوم بالإجمال المفروض تنجزه،كما يتضح بملاحظة ما سبق منا في وجه عدم جريان البراءة في أطراف المعلوم بالإجمال في المتباينين.

و لو فرض كون مفاد أصل البراءة عدم وجوب الإتيان بالأكثر مطلقا لا من حيث خصوصية كونه مشكوك الوجوب كان جريانه مستلزما للترخيص في محتمل المعصية،لفرض تنجز المعلوم بالإجمال فيكون تركه معصية و مع احتمال انطباقه على الأكثر يكون الترخيص فيه ترخيصا في محتمل المعصية.

نعم لو كان مفاد أصل البراءة شرح المعلوم بالإجمال و بيان أنه الأقل و الأكثر كان راجعا إلى جعل البدل الظاهري الذي عرفت أنه يقتضي جواز ارتكاب بعض أطراف المعلوم بالإجمال.لكن من المعلوم عدم كون لسان أدلة البراءة ذلك،كما تقدم في المتباينين.

و أما بناء على شبهة الغرض فالحال أظهر لما هو المعلوم من أنه مع فرض تنجزه لا بد من إحراز الفراغ منه،و أصالة البراءة من وجوب الأكثر لا تحرز ذلك، فلا تنافي وجوب إحرازه و لو بفعل الأكثر.

و بالجملة:مجرد عدم لزوم المعارضة من جريان البراءة في الأكثر لا تنهض في المقام بعد فرض تنجز المعلوم بالإجمال لا تنجز غرضه،فيجب إحراز الفراغ،و لا يحرز بمقتضى الأصل المذكور.فلاحظ.

(2)حكي ذلك عن صاحب الفصول قدّس سرّه في مبحث الصحيح و الأعم في

ص: 87

الاحتياط على هذه الأخبار،فقال:لا نسلم حجب العلم في المقام،لوجود الدليل في المقام،و هي أصالة الاشتغال في الأجزاء و الشرائط المشكوكة.

ثم قال:لأن ما كان لنا إليه طريق في الظاهر لا يصدق في حقه الحجب قطعا،و إلا لدلت هذه الرواية على عدم حجية الأدلة الظنية،كخبر الواحد و شهادة العدلين و غيرهما.ثم قال:

و لو التزم تخصيصها بما دل على حجية تلك الطرق،تعين تخصيصها -أيضا-بما دل على حجية أصالة الاشتغال:من عمومات أدلة الاستصحاب،و وجوب المقدمة العلمية.ثم قال:

و التحقيق:التمسك بهذه الأخبار على نفي الحكم الوضعي و هي الجزئية و الشرطية،انتهى.

أقول:قد ذكرنا في المتباينين و فيما نحن فيه:أن استصحاب الاشتغال لا يثبت لزوم الاحتياط إلا على القول باعتبار الأصل المثبت (1) الذي لا نقول به وفاقا لهذا الفاضل،و أن العمدة في وجوب الاحتياط هو:حكم العقل بوجوب إحراز محتملات الواجب الواقعي بعد إثبات تنجز التكليف (2) ،و أنه المؤاخذ به و المعاقب على تركه و لو حين الجهل به و تردده بين متباينين أو الأقل و الأكثر.

و لا ريب أن ذلك الحكم مبناه وجوب دفع العقاب المحتمل على ترك ثمرة المسألة.

(1)تقدم تفصيل الكلام في ذلك قريبا.

(2)يعني:بالواجب الواقعي المعلوم بالإجمال.

ص: 88

ما يتركه المكلف،و حينئذ:فإذا أخبر الشارع-في قوله«ما حجب اللّه...»، و قوله«رفع عن امتي...»و غيرهما-بأن اللّه سبحانه لا يعاقب على ترك ما لم يعلم جزئيته،فقد ارتفع احتمال العقاب في ترك ذلك المشكوك،و حصل الأمن منه (1) ،فلا يجري فيه حكم العقل بوجوب دفع العقاب المحتمل.

نظير ما إذا أخبر الشارع بعدم المؤاخذة على ترك الصلاة إلى جهة خاصة من الجهات لو فرض كونها القبلة الواقعية (2) ،فإنه يخرج بذلك (1)عرفت أن حصول الأمن منه من حيث كونه مشكوك الوجوب لا ينافي وجوبه من باب المقدمة العلمية للواجب المردد المفروض تنجزه كما هو مبنى جريان الاحتياط العقلي في المقام.نعم ما ذكره في الفصول في توجيه حكومة أدلة الاحتياط على أدلة البراءة لا يخلو عن إشكال أيضا.لأن مفاد وجوب الاحتياط ليس هو وجوب الأكثر شرعا حتى يكون بيانا لوجوبه،و يكون حاكما على أدلة البراءة الحاكمة بالسعة مع عدم البيان.و إنما تدل على وجوبه عقلا فرارا من العقاب المحتمل،و مثل هذا لا يكون بيانا على وجوب المشكوك شرعا.بخلاف الأدلة الظنية كخبر الواحد و البينة و غيرهما،فان مفادها الحكم الواقعي الشرعي،فيرتفع موضوع أدلة البراءة على تفصيل يأتي في محله إن شاء اللّه تعالى.فالعمدة في لزوم الرجوع إلى الاحتياط في المقام-لو فرض بأنه في نفيه عقلا-و عدم الرجوع على أدلة البراءة الشرعية ما ذكرنا.فلاحظ.

(2)لا وجه للترخيص المذكور بعد فرض إرادة الصلاة إلى القبلة الواقعية على كل حال و تنجز ذلك،لاستلزامه الترخيص في محتمل المعصية.

إلا أن يرجع إلى جعل البدل الظاهري،بأن يرجع إلى التعبد ظاهرا بعدم كون الجهة المذكورة قبلة و أن القبلة في الجهات الأخر،و حينئذ فلا يصح قياسه بما نحن فيه،لما عرفت من عدم كون أدلة البراءة واردة في مقام جعل البدل.

ص: 89

عن باب المقدمة،لأن المفروض أن تركها لا يفضي إلى العقاب.

نعم،لو كان مستند الاحتياط أخبار الاحتياط،كان لحكومة تلك الأخبار على أخبار البراءة وجه أشرنا إليه في الشبهة التحريمية من أقسام الشك في التكليف (1) .

و مما ذكرنا يظهر:حكومة هذه الأخبار على استصحاب الاشتغال على تقدير القول بالأصل المثبت أيضا كما أشرنا إليه سابقا،لأنه إذا أخبر الشارع بعدم المؤاخذة على ترك الأكثر الذي حجب العلم بوجوبه،كان المستصحب-و هو الاشتغال المعلوم سابقا-غير متيقن إلا بالنسبة إلى الأقل (2) ،و قد ارتفع بإتيانه،و احتمال بقاء الاشتغال حينئذ من جهة (1)و قد أوضحنا هناك اندفاع الوجه المذكور.فراجع.

(2)فيه:أن أدلة البراءة لا تقتضي تفسير المعلوم بالإجمال و لا شرحه و أنه الأقل لا الأكثر،و إنما تقتضي عدم العقاب على الأكثر لا غير،و حينئذ فلا تكون حاكمة على استصحاب الاشتغال بالمعلوم بالإجمال المقتضى للزوم إحراز الفراغ عنه لو تم،بل يكون الاستصحاب المذكور هو الحاكم،لأنه-بناء على حجية الأصل المثبت-يكون حاكما بوجوب الأكثر فيقدم على أدلة البراءة كما يقدم في سائر الموارد عليها.

هذا كله لو كان المراد الاشتغال الواقعي بالتكليف.

أما لو كان المراد الاشتغال الظاهري،فقد يتم ما ذكره قدّس سرّه بناء على ما سبق منه، لأن أدلة البراءة لما كانت حاكمة بالأمان في ترك الأكثر كان لا بد من تناول العقل عن الاشتغال به و يختص الاشتغال بحكم العقل بالأقل المفروض الفراغ عنه،فيرتفع الشك بسببها في الاشتغال فلا يجرى الاستصحاب.

لكن عرفت أن أدلة البراءة لا تقتضي الأمان في ترك الأكثر مطلقا،بل من

ص: 90

الأكثر منفي بحكم هذه الأخبار.

و بالجملة:فما ذكره،من حكومة أدلة الاشتغال على هذه الأخبار ضعيف جدا،نظرا إلى ما تقدم.

و أضعف من ذلك:أنه رحمه اللّه عدل-من أجل هذه الحكومة التي زعمها لأدلة الاحتياط على هذه الأخبار-عن الاستدلال بها لمذهب المشهور من حيث نفي الحكم التكليفي،إلى التمسك بها في نفي الحكم الوضعي،أعني جزئية الشيء المشكوك أو شرطيته،و زعم أن ماهية المأمور به تبين ظاهرا كونها الأقل بضميمة نفي جزئية المشكوك،و يحكم بذلك على أصالة الاشتغال.

قال في توضيح ذلك (1) :

حيث كونه مشكوك الوجوب،فلا ينافي الاشتغال به من حيث توقف الفراغ عن المعلوم بالإجمال المنجز عليه فلا ترفع حكم العقل المذكور.

مضافا إلى ما سبق من أن الاستدلال باستصحاب الاشتغال المبتني على حجية الأصل المثبت يتوقف على كون المراد من الاشتغال هو الواقعي لا الظاهري فراجع و تأمل جيدا.

(1)قال قبل ذلك في محكي الفصول بعد كلامه السابق قبل كلامه هذا:«بل التحقيق عندي أن يتمسك بالروايات المذكورة باعتبار دلالتها على نفي الحكم الوضعي،نظرا إلى حجب العلم و انتفائه بالنسبة إلى جزئية الجزء المشكوك و شرطية الشرط المشكوك فيكون بمقتضى النص موضوعا و مرفوعا في الظاهر و يكون مكفئين عنه،فلا تكليف به لأن ما ثبت عدم جزئيته أو عدم شرطيته في الظاهر لا يجب الإتيان به في الظاهر قطعا،كما لو قام عليه نص بالخصوص و أصل الاشتغال و وجوب مقدمة العلم لا يثبتان الجزئية و الشرطية في الظاهر،بل مجرد بقاء

ص: 91

إن مقتضى هذه الروايات:أن ماهيات العبادات عبارة عن الأجزاء المعلومة بشرائطها المعلومة،فيتبين مورد التكليف و يرتفع منها الإجمال و الإبهام.

ثم أيد هذا المعنى،بل استدل عليه،بفهم العلماء منها ذلك،حيث قال:

إن من الأصول المعروفة عندهم ما يعبر عنه ب«أصالة العدم»،و «عدم الدليل دليل العدم»،و يستعملونه في نفي الحكم التكليفي و الوضعي، و نحن قد تصفحنا فلم نجد لهذا الأصل مستندا يمكن التمسك به غير عموم هذه الأخبار،فتعين تعميمها للحكم الوضعي و لو بمساعدة أفهامهم،فيتناول الجزئية المبحوث عنها في المقام،انتهى.

أقول:أما ما ادعاه من عموم تلك الأخبار لنفي غير الحكم الإلزامي التكليفي،فلو لا عدوله عنه في باب البراءة و الاحتياط من الأدلة العقلية، لذكرنا بعض ما فيه:من منع العموم أولا (1) ،و منع كون الجزئية أمرا الاشتغال و عدم البراءة في الظاهر بدونهما.

و بالجملة:فمقتضى عموم الروايات أن ماهية العبادات.

(1)كما اعترف به في الفصول في محكي كلامه في باب البراءة و الاحتياط من الأدلة العقلية و هو لا يخلو عن إشكال،و إن كان قد يقرب بأن ورود أدلة الرفع مورد الامتنان يقتضي اختصاصها بالأحكام التكليفية،لأنها هي التي تكون مورد الثقل و يكون رفعها موردا للمنة.

اللهم إلاّ أن يقال:إن بعض الأحكام الوضعية تتضمن الثقل عرفا كنفوذ العقد على المكره و ثبوت الضمان على المتلف.

و لذا استدل الإمام عليه السّلام في صحيحة البزنطي و صفوان بالحديث الشريف

ص: 92

مجعولا شرعيا غير الحكم التكليفي (1) -و هو إيجاب المركب المشتمل على ذلك الجزء (2) -ثانيا.

و أما ما استشهد به:من فهم الأصحاب و ما ظهر له بالتصفح،ففيه:

أن ما يظهر للمتفحص في هذا المقام:أن العلماء لم يستندوا في الأصلين المذكورين إلى هذه الأخبار.

أما(أصل العدم)،فهو الجاري عندهم في غير الأحكام الشرعية أيضا (3) ،من الأحكام اللفظية كأصالة عدم القرينة و غيرها (4) ،فكيف لإثبات بطلان الطلاق و العتاق و الصدقة الواقعة عن إكراه كما تقدم عند الكلام في حديث الرفع في الشبهة التحريمية البدوية و حينئذ يلزم الحمل على العموم لغير الآثار التي لا يكون رفعها موردا للامتنان على الشخص أو النوع على ما تقدم في مبحث الشبهة التحريمية و تمام الكلام في المطولات.

(1)كما ادعاه المصنف قدّس سرّه في جميع الأحكام الوضعية،و إن كان التحقيق خلافه في الجملة.

نعم هو مسلم بالإضافة إلى الشرطية و الجزئية كما اعترف به في الفصول في محكي كلامه في باب البراءة و الاحتياط من الأدلة العقلية.

و كذا بالاضافة إلى السببية و الصحة و الفساد،دون مثل الزوجية و الرقية و الملكية و نحوها،كما يأتى الكلام فيه في مبحث الاستصحاب إن شاء اللّه تعالى.

(2)بيان لما يكون منشأ لانتزاع الجزئية.و تمام الكلام في ذلك في مبحث الاستصحاب.

(3)مع اختصاص روايات الباب بالأحكام الشرعية،لأنها هي التي تقبل الرفع الشرعي.

(4)لكن ذلك مورد لسيرة العقلاء و أهل اللسان،و ليس له عموم يشمل

ص: 93

يستند فيه بالأخبار المتقدمة؟

و أما«عدم الدليل دليل العدم»،فالمستند فيه عندهم شيء آخر (1) ، ذكره كل من تعرض لهذه القاعدة،كالشيخ و ابن زهرة و الفاضلين و الشهيد و غيرهم،و لا اختصاص له بالحكم التكليفي و الوضعي.

و بالجملة:فلم نعثر على من يستدل بهذه الأخبار في هذين الأصلين:

أما رواية الحجب و نظائرها فظاهر (2) .

و أما النبوي المتضمن لرفع الخطأ و النسيان و ما لا يعلمون،فأصحابنا بين من يدعي ظهوره في رفع المؤاخذة و لا ينفي به غير الحكم التكليفي -كأخواته من رواية الحجب و غيرها-و هو المحكي عن أكثر الأصوليين، و بين من يتعدى عن ذلك إلى الأحكام الغير التكليفية،لكن في موارد وجود الدليل على ثبوت ذلك الحكم و عدم جريان الأصلين المذكورين (3) بحيث لو لا النبوي لقالوا بثبوت ذلك الحكم (4) .

جميع الموارد التي يستدل العلماء فيها بالقاعدة المذكورة،فلا بد أن يكون الدليل في تلك الموارد أمرا آخر و لعله أدلة الاستصحاب فإنها تنفع في كثير من الموارد المذكورة.

(1)تقدم الكلام فيه في التنبيه الأول من تنبيهات الشبهة التحريمية البدوية.

(2)كأنه لاتفاقهم على اختصاصها بنفي المؤاخذة مضافا إلى ما يأتي في حديث الرفع.

(3)و هما:الأصل العدم،و عدم الدليل دليل العدم.

(4)هذا مبني على ما يستفاد من ظاهر الرفع،فإنه ظاهر في ثبوت المقتضي

ص: 94

و نظرهم في ذلك (1) إلى:أن النبوي-بناء على عمومه لنفي الحكم الوضعي-حاكم على تلك الأدلة المثبتة لذلك الحكم الوضعي.

و مع ما عرفت،كيف يدعي أن مستند الأصلين المذكورين المتفق عليهما،هو هذه الروايات التي ذهب الأكثر إلى اختصاصها بنفي المؤاخذة؟

نعم،يمكن التمسك بها-أيضا-في مورد جريان الأصلين المذكورين (2) ،بناء على أن صدق رفع أثر هذه الأمور أعني الخطأ و النسيان و أخواتهما،كما يحصل بوجود المقتضي لذلك الأثر تحقيقا-كما في موارد ثبوت الدليل المثبت لذلك الأثر،الشامل لصورة الخطأ و النسيان- و تأثيره لو لا الواقع،و ذلك لا يتم إلا بتمامية الإطلاق على الحكم المرفوع أو العموم المثبت له،و معهما لا يجري أصل العدم،و لا عدم الدليل دليل العدم.

و هذا الوجه يجري أيضا في مثل حديث الحجب المتضمن للوضع.

نعم لما كان مختصا بما لا يعلم كان الرفع فيه ظاهريا،و هو موقوف على احتمال ثبوت الحكم لو لا الجهل،لا على القطع به،بخلاف حديث الرفع المتضمن لمثل الاستكراه و الاضطرار من الروافع الواقعية،إذ هي فرع الثبوت الواقعي لو لا الرافع،كما ذكرنا،فلاحظ.

(1)يعني:كون النبوي مقتضيا لارتفاع الحكم الثابت بمقتضى الإطلاق أو العموم.

(2)لكن البناء المذكور مما لا مجال له في الروافع الواقعية كالاستكراه و الاضطرار فإنها تقتضي الثبوت الواقعي لو لا الرافع.

نعم لا بد منه في مثل الجهل الذي هو رافع ظاهري،فإنه موقوف على احتمال الثبوت لا على العلم به.

ص: 95

كذلك يحصل بتوهم ثبوت المقتضي و لو لم يكن عليه دليل و لا له مقتض محقق (1) .

لكن تصادق بعض موارد الأصلين و الرواية مع تباينهما الجزئي،لا يدل على الاستناد لهما بها،بل يدل على العدم.

ثم إن في الملازمة التي صرح بها في قوله:و إلا لدلت هذه الأخبار على نفي حجية الطرق الظنية كخبر الواحد و غيره،منعا واضحا،ليس هنا محل ذكره (2) ،فافهم.

و اعلم:أن هنا أصولا ربما يتمسك بها على المختار:

منها:أصالة عدم وجوب الأكثر.

و قد عرفت سابقا حالها (3) .

و منها:أصالة عدم وجوب الشيء المشكوك في جزئيته.

و حالها حال سابقها (4) بل أردأ،لأن الحادث المجعول هو وجوب المركب المشتمل عليه،فوجوب الجزء في ضمن الكل عين وجوب الكل (5) ، (1)و حينئذ فيكون ذلك مجرى لأصالة العدم،و عدم الدليل دليل العدم، فيجتمع الأصلان مع مفاد النبوي موردا.

(2)أشرنا إليه فيما سبق في تعقيب كلام صاحب الفصول و تمام الكلام في محله.

(3)تقدم الكلام فيها في تعقيب الدليل العقلي،و سبق منا تقريب الاستدلال بها و دفع ما ذكره المصنف قدّس سرّه.فراجع و تأمل.

(4)لكن عرفت أنه لا بأس بالاستدلال بالوجه السابق،و كذا هذا الوجه.

(5)من الظاهر أنه و إن كان متحدا معه إلا أنه ليس مطابقا له،بل في ضمنه،

ص: 96

و وجوبه المقدمي بمعنى اللابدية (1) لازم له غير حادث بحدوث مغاير كزوجية الأربعة،و بمعنى الطلب الغيري (2) حادث مغاير،لكن لا يترتب عليه أثر يجدي فيما نحن فيه (3) ،إلا على القول باعتبار الأصل و لذا أمكن الشك فيه مع القطع بوجوب الكل،و حينئذ يمكن إجراء أصالة عدم وجوبه لكونه حادثا مشكوكا مسبوقا بالعدم.

نعم يشكل بما سبق من المصنف قدّس سرّه في أصالة عدم وجوب الأكثر من أن الأثر المطلوب و هو نفي العقاب يترتب على محض الشك بلا حاجة إلى الأصل.

لكن عرفت الجواب عنه فيما سبق.فراجع.

(1)إن أريد باللاّبدّية لابدية وجود الجزء في وجود الكل التي قيل إنها منشأ انتزاع المقدمية في المقام-فهي من لوازم ماهيتهما،لا من لوازم وجودهما،فهي غير مسبوقة بالعدم حتى الأزلي،فلا مجال لاستصحابها أو استصحاب عدمها،لعدم الحالة السابقة.

كما أنها ليست من الأحكام أو الموضوعات الشرعية التي تكون مجرى الاستصحاب.

و إن أريد بها لابدية الايجاد عقلا،بمعنى إلزام العقل بإيجاد الجزء تبعا لوجوب الكل شرعا،فهو و إن كان حادثا مسبوقا بالعدم،إلا أنه أمر عقلي لا يجري فيه الاستصحاب.

(2)يعني:المولوي بناء على وجوب المقدمة غيريا،و مقدمية الجزء للكل.

(3)لما عرفت منه من أن الأثر المطلوب و هو العقاب يكفي فيه الشك في الوجوب لكن عرفت الإشكال فيه.

نعم عرفت أيضا أن العقاب ليس من آثار الوجوب الغيري بل النفسي و هو وجوب الأكثر،فالتمسك بأصالة عدمه أولى،و قد سبق الكلام فيها.

ص: 97

المثبت ليثبت بذلك كون الماهية هي الأقل.

و منها:أصالة عدم جزئية الشيء المشكوك.

و فيه:أن جزئية الشيء المشكوك-كالسورة-للمركب الواقعي و عدمها،ليست أمرا حادثا مسبوقا بالعدم (1) .

و إن أريد:أصالة عدم صيرورة السورة جزء المركب المأمور به (2) ، ليثبت بذلك خلو المركب المأمور به منه،و مرجعه إلى أصالة عدم الأمر بما يكون هذا جزء منه،ففيه:ما مر من أنه أصل مثبت (3) .

و إن أريد:أصالة عدم دخل هذا المشكوك في المركب عند اختراعه و ممّا ذكرنا ظهر أنه لا وجه لما ذكره قدّس سرّه من كون أصالة عدم وجوب الزائد أردأ من أصالة عدم وجوب الأكثر.فلاحظ.

(1)فإن جزئية شيء لشيء أمر تابع لذاتيهما مع قطع النظر عن وجوديهما فهي غير مسبوقة بالعدم حتى الأزلي،فلا مجال لاستصحابها مع أنها ليست من الأحكام أو الموضوعات الشرعية.

(2)يعني:من حيث كونه مأمورا به،لا من حيث ذاته.

و المحقق في محله أن الجزئية بالمعنى المذكور ليست حكما شرعيا،بل منتزعة من الحكم الشرعي و هو وجوب الأمر المركب المشتمل على الجزء،فلا تكون مجرى للأصل،بل لا يجري الأصل إلا في منشأ انتزاعها و هو وجوب المركب،فيرجع التمسك بأصالة عدمها إلى أصالة عدمه،فيجري فيه الكلام السابق في أصالة عدم وجوب الأكثر و تقدمت الإشارة إلى بعض ذلك في تعقيب كلام صاحب الفصول قدّس سرّه.

لعله و إلى هذا يرجع قوله هنا:«و مرجعه إلى أصالة عدم الأمر...».

(3)لم يتقدم هذا منه قدّس سرّه في أصالة وجوب الأكثر.و إنما تقدم منه في أصالة عدم وجوب الشيء المشكوك.فلاحظ.

ص: 98

له (1) ،الذي هو (2) عبارة عن ملاحظة عدة أجزاء غير مرتبطة في نفسها شيئا واحدا،و مرجعها إلى أصالة عدم ملاحظة هذا الشيء مع المركب المأمور به شيئا واحدا،فإن الماهيات المركبة لما كان تركبها جعليا حاصلا بالاعتبار (3) -و إلا فهي أجزاء لا ارتباط بينها في أنفسها و لا وحدة تجمعها إلا باعتبار معتبر-توقف (4) جزئية شيء لها على ملاحظته معها و اعتبارها مع هذا الشيء أمرا واحدا.

فمعنى جزئية السورة للصلاة ملاحظة السورة مع باقي الأجزاء شيئا واحدا،و هذا معنى اختراع الماهيات و كونها مجعولة،فالجعل و الاختراع فيها من حيث التصور و الملاحظة،لا من حيث الحكم حتى يكون الجزئية حكما شرعيا وضعيا في مقابل الحكم التكليفي،كما اشتهر في ألسنة جماعة،إلا أن يريدوا بالحكم الوضعي هذا المعنى.و تمام الكلام يأتي في باب الاستصحاب عند ذكر التفصيل بين الأحكام الوضعية و الأحكام التكليفية.

ثم إنه إذا شك في الجزئية بالمعنى المذكور فالأصل عدمها،فإذا ثبت عدمها في الظاهر يترتب عليه كون الماهية المأمور بها هي الأقل،لأن تعيين الماهية في الأقل يحتاج إلى جنس وجودي،و هي الأجزاء المعلومة،و فصل (1)يعني:عند اختراع الشارع الأقدس له.

(2)بيان لكيفية اختراع الشارع للمركبات.

(3)و هذا بخلاف الماهيات الحقيقية كالإنسان-فإن تركبها من الجنس و الفصل ليس اعتباريا،بل حقيقيا ناشئا من اتحادهما حقيقة.

(4)جواب(لما)في قوله:«فإن الماهيات المركبة...».

ص: 99

عدمي هو عدم جزئية غيرها و عدم ملاحظته معها،و الجنس موجود بالفرض،و الفصل ثابت بالأصل،فتعين المأمور به،فله وجه (1) .

إلا أن يقال:إن جزئية الشيء مرجعها إلى ملاحظة المركب منه و من الباقي شيئا واحدا،كما أن عدم جزئيته راجع إلى ملاحظة غيره من الأجزاء شيئا واحدا (2) ،فجزئية الشيء و كلية المركب المشتمل عليه مجعول بجعل واحد،فالشك في جزئية الشيء شك في كلية الأكثر،و نفي جزئية الشيء نفي لكليته،فإثبات كلية الأقل بذلك (3) إثبات لأحد الضدين بنفي الآخر،و ليس أولى من العكس.

و منه يظهر:عدم جواز التمسك بأصالة عدم التفات الآمر حين تصور المركب إلى هذا الجزء،حتى يكون بالملاحظة شيئا واحدا مركبا من (1)جواب لقوله:«و إن أريد...»على أنه لا يخلو عن إشكال،لأن الجزئية بالمعنى المذكور لما كانت منتزعة من لحاظ المركب و اختراعه فاللحاظ و الاختراع كان امرا حادثا إلا أنه ليس حكما و لا موضوعا شرعيا،فلا يجري فيه الاستصحاب.

على أن الاختراع بالمعنى المذكور لما كان منتزعا من اللحاظ استحال حدوثه في حق الشارع القديم،و إنما الحادث هو الحكم الوارد على الماهية،فيلحقه ما سبق في أصالة عدم وجوب الأكثر.فلاحظ.

(2)لا يخفى أن عدم جزئية الشيء راجع إلى عدم ملاحظته مع المركب،لا إلى ملاحظة ما عداه شيئا واحدا.

نعم كلية الأقل راجعة إلى ذلك،فإن الأقل لا يكون تمام الواجب إلا إذا لحظت أجزاؤه شيئا واحدا.و لا يبعد أن يكون مراد المصنف قدّس سرّه ذلك.فلاحظ.

(3)فإن المطلوب شرح الماهية،و هو لا يتم إلاّ بإثبات كلية الأقل حتى يتم أجزاؤه عن المعلوم بالإجمال،و لا يكفى عدم وجوب الأكثر في ذلك.فلاحظ.

ص: 100

ذلك و من باقي الأجزاء،لأن (1) هذا-أيضا-لا يثبت أنه اعتبر التركيب بالنسبة إلى باقي الأجزاء.

هذا،مع أن أصالة عدم الالتفات لا يجري بالنسبة إلى الشارع المنزه عن الغفلة (2) ،بل لا يجري مطلقا في ما دار أمر الجزء بين كونه جزءا واجبا أو جزءا مستحبا،لحصول الالتفات فيه قطعا،فتأمل.

(1)تعليل لقوله:«و منه يظهر...».

(2)لا يخفى أنه ليس المراد بعدم الالتفات عدمه مطلقا،حتى يتوجه الإشكال بذلك،بل المراد عدم الالتفات إليه بتبع المركب الواجب،و هو لا ينافي تنزيه الآمر عن الغفلة.و منه يظهر الإشكال فيما بعده.

فالعمدة في الجواب عن الأصل المذكور:أن الالتفات و عدمه ليس حكما و لا موضوعا شرعيا و إن كان مستلزما للحكم الشرعي في الجملة،كما هو الحال في الاختراع.فلاحظ.

ص: 101

المسألة الثانية

ما إذا كان الشك في الجزئية ناشئ من إجمال الدليل

كما إذا علق الوجوب في الدليل اللفظي بلفظ مردد-بأحد أسباب الإجمال-بين مركبين يدخل أقلهما جزءا تحت الأكثر بحيث يكون الآتي بالأكثر آتيا بالأقل.

و الإجمال:قد يكون في المعنى العرفي (1) ،كأن وجب في الغسل غسل ظاهر البدن،فيشك في أن الجزء الفلاني-كباطن الأذن أو عكنة البطن-من الظاهر أو الباطن (2) .

(1)يعني فيما لو استفيد من الأدلة إرادة الشارع له،و لو لكونه مقتضى الإطلاق المقامي للخطاب.

(2)الشك في ذلك و إن كان في موضوع الحكم الشرعي،إلا أنه لما كان راجعا إلى إجمال الموضوع الشرعي،و هو الظاهر الذي يجب غسله-لتردده بين الضيق و الواسع كان من الشبهة الحكمية التي يرجع فيها إلى المجتهد و يستفاد حكمها من الأدلة الشرعية،لا الموضوعية التي يكون إجراء الأصل فيها من وظيفة العامي،و لم تدخل في المسألة الرابعة.

نعم هذا إنما يتم بناء على أن الواجب النفسي هو الغسل المردد بين الأقل و الأكثر.

أما بناء على أن الواجب هو أثره و هو الطهارة المترتبة عليه التي لا إجمال في

ص: 102

و قد يكون في المعنى الشرعي،كالأوامر المتعلقة في الكتاب و السنة بالصلاة و أمثالها،بناء على أن هذه الألفاظ موضوعة للماهية الصحيحة يعني الجامعة لجميع الأجزاء الواقعية.

و الأقوى هنا أيضا:جريان أصالة البراءة،لعين ما أسلفناه في سابقه من العقل و النقل.

و ربما يتخيل:جريان قاعدة الاشتغال هنا و إن جرت أصالة البراءة في المسألة المتقدمة،لفقد الخطاب التفصيلي المتعلق بالأمر المجمل في تلك المسألة و وجوده هنا،فيجب الاحتياط بالجمع بين محتملات الواجب المجمل،كما هو الشأن في كل خطاب تعلق بأمر مجمل،و لذا فرعوا على القول بوضع الألفاظ للصحيح كما هو المشهور،وجوب الاحتياط في أجزاء العبادات و عدم جواز إجراء أصل البراءة فيها.

و فيه:أن وجوب الاحتياط في المجمل المردد بين الأقل و الأكثر ممنوع،لأن المتيقن من مدلول هذا الخطاب وجوب الأقل بالوجوب المردد بين النفسي و المقدمي،فلا محيص عن الإتيان به،لأن تركه مستلزم للعقاب،و أما وجوب الأكثر فلم يعلم من هذا الخطاب،فيبقى مشكوكا، فيجيء فيه ما مرّ من الدليل العقلي و النقلي.

و الحاصل:أن مناط وجوب الاحتياط عدم جريان أدلة البراءة في واحد معين من المحتملين-لمعارضته (1) بجريانها في المحتمل مفهومها كان من الشك في المحصل الذي لا إشكال ظاهرا في وجوب الاحتياط فيه،لأنه نظير المسألة الرابعة،كما أشرنا إليه في شبهة الغرض.فلاحظ.

(1)بل لمنجزية العلم الإجمالي و عدم انحلاله بوجود المتيقن،كما يظهر

ص: 103

الآخر-حتى يخرج المسألة بذلك عن مورد البراءة و يجب الاحتياط فيها،لأجل تردد الواجب المستحق على تركه العقاب بين أمرين لا معين لأحدهما،من غير فرق في ذلك بين وجود خطاب تفصيلي في المسألة متعلق بالمجمل و بين وجود خطاب مردد بين خطابين (1) .

فإذا فقد المناط المذكور (2) و أمكن البراءة في واحد معين،لم يجب الاحتياط من غير فرق في ذلك بين الخطاب التفصيلي (3) و غيره.

فإن قلت:إذا كان متعلق الخطاب مجملا فقد تنجز التكليف بمراد الشارع من اللفظ،فيجب القطع بالإتيان بمراده (4) ،و استحق العقاب على تركه مع وصف كونه مجملا،و عدم القناعة (5) باحتمال تحصيل المراد و احتمال الخروج عن استحقاق العقاب.

قلت:التكليف ليس متعلقا بمفهوم المراد من اللفظ و مدلوله، بملاحظة ما سبق.و كيف كان فلا يفرق فيه بين وجود خطاب مجمل و عدمه.

(1)بان علم بوجود خطاب واحد مبين إلا أنه تردد حاله و لم يعلم اشتماله على بيان وجوب الأكثر،أو بيان وجوب الأقل.

و كذا لو علم بعدم الخطاب المبين بأن كان الدليل في المسألة هي الأدلة اللبية التي لا تتضمن عنوانا مجملا.

(2)و هو عدم جريان البراءة في أحد المحتملين لمعارضتها بجريانها في الآخر، أو منجزية العلم الإجمالي و عدم انحلاله،على ما تقدم.

(3)يعني:بالعنوان المجمل.

(4)لأن الاشتغال اليقيني بالتكليف يستدعي الفراغ اليقيني.

(5)مفعول معه لقوله:«فيجب القطع بالإتيان بمراده».

ص: 104

حتى يكون من قبيل التكليف بالمفهوم المبين المشتبه مصداقه بين أمرين، حتى يجب الاحتياط فيه و لو (1) كان المصداق مرددا بين الأقل و الأكثر، نظرا (2) إلى وجوب القطع بحصول المفهوم المعين المطلوب من العبد،كما سيجيء في المسألة الرابعة.و إنما هو متعلق بمصداق المراد و المدلول (3) ، لأنه الموضوع له اللفظ و المستعمل فيه،و اتصافه بمفهوم المراد و المدلول بعد الوضع و الاستعمال (4) ،فنفس متعلق التكليف مردد بين الأقل (1)(لو)هنا وصلية.

(2)تعليل لقوله:«حتى يجب الاحتياط فيه».

(3)قد يشكل أيضا بأن مصداق المراد هو العنوان الذي هو أمر بسيط لا مركب،كعنوان الصلاة مثلا،و التركيب إنما هو في مصداقه فإحراز التكليف به يقتضي إحراز الفراغ عنه،و ذلك لا يكون إلاّ بالإتيان بالأكثر.

فالأولى الجواب حينئذ بأن العناوين لم تجعل موضوعا للأحكام إلا من حيث حكايتها عن مصاديقها الخارجية لأنها مورد الأغراض و الآثار،فالتكليف بها لا بالعناوين من حيث هي،فإجمال العنوان يوجب إجمال المكلف به و تردده بين الأقل و الأكثر،و لا يتنجز حينئذ إلا الأقل،و لا مجال لدعوى القطع بالاشتغال بالعنوان الذي هو أمر بسيط حتى يجب إحراز حصوله.

نعم لو كان العنوان حاكيا عن خصوصية زائدة في الذات و كانت الخصوصية واضحة المفهوم،كما في عنوان النافع،كانت تلك الخصوصية متنجزة بسبب الخطاب بها،فيلزم إحراز الفراغ عنها،فلو توقف حصولها على الإتيان بالأكثر وجب الإتيان به لإحراز حصولها و تحقق الامتثال.فلاحظ.

(4)هذا بناء على أن المراد بعنوان المراد هو المراد الاستعمالي،لوضوح كونه متفرعا على الاستعمال.

ص: 105

و الأكثر لا مصداقه.

و نظير هذا،توهم:أنه إذا كان اللفظ في العبادات موضوعا للصحيح، و الصحيح مردد مصداقه بين الأقل و الأكثر،فيجب فيه الاحتياط.

و يندفع:بأنه خلط بين الوضع للمفهوم و المصداق (1) ،فافهم.

و أما ما ذكره (2) بعض متأخري المتأخرين:من الثمرة بين القول أما لو كان المراد به هو المراد المولوي الجدي فهو غير متفرع عن الاستعمال و لا متأخر عنه رتبة،بل هو سابق عليه.

نعم هو لا يكون مكلفا به،لأنه منتزع من تعلق الإرادة بالشيء و المكلف به هو موضوع الإرادة و معروضها،السابق عليها رتبة،فالواجب هو الشيء الذي تعلقت به الإرادة،لا المراد بوصف كونه مرادا،فعنوان المراد من سنخ العناوين التعليلية،التقييدية.فلاحظ.

(1)فإنه ليس مراد القائل بالوضع للصحيح هو الوضع لمفهوم الصحيح، لتأخر عنوان الصحيح عن مقام الأمر فكيف يؤخذ في الوضع السابق على الأمر و الاستعمال بل المراد هو الوضع لمصداق الصحيح،الذي هو عين ما في الخارج و هو الأمر المردد بين الأقل و الأكثر،و لا يتنجز منه إلا الأقل.

نعم يشكل الأمر بناء على أن الجامع الصحيحي الذي يكون الوضع له عنوان منتزع من ترتب بعض الآثار التوليدية على الفعل،مثل الناهي عن الفحشاء،و ما هو معراج المؤمن،أو قربان التقي،فإن العناوين المذكورة واضحة المفهوم بسيطة لا تركب فيها فتكون متنجزة بمقتضى الخطاب بها،و التركب و الإجمال إنما هو في مصداقها،فيجب الاحتياط فيه لإحراز الفراغ عنها.

و تمام الكلام في مبحث الصحيح و الأعم.فتأمل جيدا.

(2)جواب عما سبق من تفريع الثمرة على القول بالصحيح،الذي أشير إليه في كلام المستشكل بقوله:«و لذا فرعوا على القول...».

ص: 106

بوضع ألفاظ العبادات للصحيح و بين وضعها للأعم،فغرضه بيان الثمرة على مختاره من وجوب الاحتياط في الشك في الجزئية (1) ،لا أن كل من قال بوضع الألفاظ للصحيحة فهو قائل بوجوب الاحتياط و عدم جواز إجراء أصل البراءة في أجزاء العبادات،كيف؟و المشهور مع قولهم بالوضع للصحيحة قد ملئوا طواميرهم من إجراء الأصل عند الشك في الجزئية و الشرطية بحيث لا يتوهم من كلامهم أن مرادهم بالأصل غير أصالة البراءة.

و التحقيق:أن ما ذكروه ثمرة للقولين:من وجوب الاحتياط على القول بوضع الألفاظ للصحيح،و عدمه على القول بوضعها للأعم،محل نظر.

أما الأول،فلما عرفت:من أن غاية ما يلزم من القول بالوضع للصحيح كون هذه الألفاظ مجملة،و قد عرفت:أن المختار و المشهور في المجمل المردد بين الأقل و الأكثر عدم وجوب الاحتياط (2) .

و أما الثاني،فوجه النظر موقوف على توضيح ما ذكروه من وجه ترتب تلك الثمرة،أعني عدم لزوم الاحتياط على القول بوضع اللفظ (1)من دون فرق بين عدم النص و إجمال النص،و لا خصوصية في ذلك لإجمال النص الذي نحن بصدده.

(2)و عليه فحقيقة الثمرة هو امتناع الرجوع بناء على الصحيح للإطلاق و لزوم الرجوع للأصل،على الكلام في أن الأصل الجاري في الأقل و الأكثر هو البراءة أو الاحتياط لا أن اللازم الرجوع للاحتياط لخصوصية المورد من بين سائر موارد الدوران بين الأقل و الأكثر.

ص: 107

للأعم،و هو:

أنه إذا قلنا بأن المعنى الموضوع له اللفظ هو الصحيح،كان كل جزء من أجزاء العبادة مقوما لصدق حقيقة معنى لفظ(الصلاة)، فالشك في جزئية شيء شك في صدق الصلاة،فلا إطلاق للفظ(الصلاة) على هذا القول بالنسبة إلى واجدة الأجزاء و فاقدة بعضها،لأن الفاقدة ليس بصلاة،فالشك في كون المأتي به (1) فاقدا أو واجدا شك في كونها صلاة أو ليست بها.

و أما إذا قلنا بأن الموضوع له هو القدر المشترك بين الواجدة لجميع الأجزاء و الفاقدة لبعضها-نظير(السرير)الموضوع للأعم من جامع أجزائه و من فاقد بعضها الغير المقوم لحقيقته بحيث لا يخل فقده بصدق اسم(السرير)على الباقي-كان لفظ(الصلاة)من الألفاظ المطلقة الصادقة على الصحيحة و الفاسدة.

فإذا أريد بقوله: أَقِيمُوا الصَّلاٰةَ فرد مشتمل على جزء زائد على مسمى الصلاة كالصلاة مع السورة،كان ذلك تقييدا للمطلق،و هكذا إذا أريد المشتملة على جزء آخر كالقيام،كان ذلك تقييدا آخر للمطلق،فإرادة الصلاة الجامعة لجميع الأجزاء يحتاج إلى تقييدات بعدد الأجزاء الزائدة على ما يتوقف عليها صدق مسمى الصلاة،أما القدر الذي يتوقف عليه صدق(الصلاة)،فهو من مقومات معنى المطلق،لا من القيود المقسمة له.

و حينئذ:فإذا شك في جزئية شيء للصلاة،فإن شك في كونه جزءا (1)يعني:الأقل الفاقد المشكوك.

ص: 108

مقوما لنفس المطلق فالشك فيه راجع إلى الشك في صدق اسم(الصلاة)، و لا يجوز فيه إجراء البراءة (1) ،لوجوب القطع بتحقق مفهوم الصلاة كما أشرنا إليه فيما سبق،و لا إجراء أصالة إطلاق اللفظ و عدم تقييده،لأنه فرع صدق المطلق على الخالي من ذلك المشكوك،فحكم هذا المشكوك عند القائل بالأعم حكم جميع الأجزاء عند القائل بالصحيح.

و أما إن علم أنه ليس من مقومات حقيقة الصلاة،بل هو على تقدير اعتباره و كونه جزءا في الواقع ليس إلا من الأجزاء التي يقيد معنى اللفظ بها،لكون اللفظ موضوعا للأعم من واجده و فاقده،فحينئذ فالشك في اعتباره و جزئيته راجع إلى الشك في تقييد إطلاق الصلاة في أَقِيمُوا الصَّلاٰةَ بهذا الشيء،بأن يراد منه مثلا:أقيموا الصلاة المشتملة على جلسة الاستراحة.

و من المعلوم:أن الشك في التقييد يرجع فيه إلى أصالة الإطلاق و عدم التقييد،فيحكم بأن مطلوب الآمر غير مقيد بوجود هذا المشكوك،و بأن الامتثال يحصل بدونه،و أن هذا المشكوك غير معتبر في الامتثال،و هذا معنى نفي جزئيته بمقتضى الإطلاق.

نعم،هنا توهم نظير ما ذكرناه سابقا من الخلط بين المفهوم و المصداق،و هو توهم:أنه إذا قام الإجماع بل الضرورة على أن الشارع (1)هذا بناء على مختار صاحب الثمرة من وجوب الاحتياط مع إجمال المفهوم،أما بناء على مختار المصنف قدّس سرّه من جريان البراءة و لذا سبق منه جريانها بناء على الصحيح فالمتعين هنا جريانها.و لعل ذكر المصنف قدّس سرّه لذلك لأنه في مقام تقرير ما ذكره في المقام،لا جريا على ما اختاره هو.

ص: 109

لا يأمر بالفاسدة،لأن الفاسد ما خالف المأمور به،فكيف يكون مأمورا به؟فقد ثبت تقييد الصلاة دفعة واحدة بكونها صحيحة جامعة لجميع الأجزاء،فكلما شك في جزئية شيء كان راجعا إلى الشك في تحقق العنوان المقيد المأمور به (1) ،فيجب الاحتياط (2) ليقطع بتحقق ذلك العنوان على تقيده،لأنه كما يجب القطع بحصول نفس العنوان و هو الصلاة،فلا بد من إتيان كل ما يحتمل دخله في تحققها كما أشرنا إليه،كذلك يجب القطع بتحصيل القيد المعلوم الذي قيد به العنوان،كما لو قال:«أعتق مملوكا مؤمنا»فإنه يجب القطع بحصول الإيمان،كالقطع بكونه مملوكا.

و دفعه يظهر مما ذكرناه:من أن الصلاة لم تقيد بمفهوم(الصحيحة) (3) و هو الجامع لجميع الأجزاء،و إنما قيدت بما علم من الأدلة الخارجية اعتباره (4) ،فالعلم بعدم إرادة(الفاسدة)يراد به العلم بعدم إرادة هذه المصاديق الفاقدة للأمور التي دل الدليل على تقييد الصلاة بها،لا أن مفهوم(الفاسدة)خرج عن المطلق و بقي مفهوم(الصحيحة)،فكلما شك (1)و هو عنوان الصحيح الذي يترتب عليه الأثر.

(2)و لا مجال للتمسك بالإطلاق،لأنه إنما يتمسك به لدفع احتمال التقييد، لا فيما إذا علم التقييد و شك في تحقق القيد و حصوله في مقام الامتثال،بل هو نظير التمسك بالعام في الشبهة المصداقية من طرف الخاص،الذي هو خلاف التحقيق.

فلاحظ.

(3)لأن العنوان المذكور ناشئ من تعلق الأمر و منتزع منه و متأخر عنه رتبة فلا يعقل أخذه في موضوعه بنحو يكون هو المكلف به.

(4)كالقيام و السورة و نحوهما.

ص: 110

في صدق(الصحيحة)و(الفاسدة)وجب الرجوع إلى الاحتياط لإحراز مفهوم(الصحيحة).

و هذه المغالطة جارية في جميع المطلقات،بأن يقال:إن المراد بالمأمور به في قوله:«اعتق رقبة»ليس إلا الجامع لشروط الصحة،لأن الفاقد للشرط غير مراد قطعا،فكلما شك في شرطية شيء كان شكا في تحقق العنوان الجامع للشرائط،فيجب الاحتياط للقطع بإحرازه.

و بالجملة:فاندفاع هذا التوهم غير خفي بأدنى التفات،فلنرجع إلى المقصود،و نقول:

إذا عرفت أن ألفاظ العبادات على القول بوضعها للأعم كغيرها من المطلقات،كان لها حكمها،و من المعلوم أن المطلق ليس يجوز دائما التمسك بإطلاقه،بل له شروط،كأن لا يكون واردا في مقام حكم القضية المهملة بحيث لا يكون المقام مقام بيان،أ لا ترى:أنه لو راجع المريض الطبيب فقال له في غير وقت الحاجة:«لا بد لك من شرب الدواء أو المسهل»،فهل يجوز للمريض أن يأخذ بإطلاق الدواء و المسهل (1) ؟و كذا لو قال المولى (1)إنما لا يجوز له الأخذ بإطلاق الدواء للقرينة الخارجية للعلم بعدم تعلق الغرض بعنوان الدواء من حيث هو مع التخيير بين أفراده،لتضاد آثار الأفراد بنحو يعلم بامتناع التخيير بينها الكاشف عن عدم كون ذكر العنوان لبيان تمام المراد،فلا مجال للتمسك بإطلاقه،و لذا يمتنع التمسك به حتى مع حضور وقت الحاجة بل يعتبر حينئذ بيان المتكلم غير واف بالغرض و لا جاريا على طبق الحكمة لإخلاله بالبيان في وقت الحاجة.

و لو لا ذلك لأمكن التمسك بإطلاقه،و لو كان قبل وقت الحاجة،كما قال

ص: 111

لعبده:«يجب عليك المسافرة غدا» (1) .

و بالجملة:فحيث لا يقبح من المتكلم ذكر اللفظ المجمل-لعدم كونه إلا في مقام هذا المقدار من البيان (2) -لا يجوز أن يدفع القيود المحتملة للمطلق بالأصل (3) ،لأن جريان الأصل لا يثبت الإطلاق و عدم إرادة الرجل للعطار:هيئ محلك لبيع الأدوية،لإمكان تعلق الغرض ببيع الدواء من حيث هو.

و منه يظهر الإشكال فيما ذكره في مثل المسهل،فإنه لما كان له نحو خاص من الأثر مشترك بين الأفراد يمكن تعلق الغرض به مع قطع النظر عن خصوصياته الفردية كان صالحا للبيان و أمكن التمسك بإطلاقه.فلاحظ.

(1)لا مانع من التمسك بإطلاق الخطاب المذكور لو احتمل تعلق الغرض بالمسافرة من حيث هي مع قطع النظر عن الخصوصيات الفردية كما لو احتمل الغرض تقصير الصلاة أو الإفطار،أو الفرار من أمير البلد و نحوها مما يحصل بطبيعة السفر من حيث هي.

نعم لو علم بعدم تعلق الغرض بالطبيعة من حيث هي،بل ببعض خصوصياته كان الخطاب مجملا و لم يمكن التمسك بإطلاقه،كما لو علم بأن مراده جلب بعض الأمتعة التي تختلف باختلاف البلدان و علم بعدم إرادة التخيير بينها بل الغرض متعلق ببعض خصوصياتها التي تحصل في بلد دون آخر.

و بالجملة:لا دخل لحضور وقت الحاجة في إمكان التمسك بالإطلاق،و إنما يكون دخيلا في قبح تأخير البيان من المتكلم.

(2)لو أحرز ذلك فلا إشكال في عدم جواز التمسك بالإطلاق،أنه خلاف الأصل في الخطاب،إذ الأصل ورود الخطاب لبيان تمام المراد إلا القرينة الصارفة، كما أشرنا إليه في مثل الأمر باستعمال الدواء.

(3)يعني:أصالة الإطلاق و عدم التقييد.

ص: 112

المقيد إلا بضميمة:أنه إذا فرض-و لو بحكم الأصل (1) -عدم ذكر القيد، وجب إرادة الأعم من المقيد،و إلا قبح التكليف (2) ،لعدم البيان،فإذا فرض العلم بعدم كونه في مقام البيان لم يقبح الإخلال بذكر القيد مع إرادته في الواقع (3) .

و الذي يقتضيه التدبر في جميع المطلقات الواردة في الكتاب في مقام الأمر بالعبادة:كونها في غير مقام بيان كيفية العبادة،فإن قوله تعالى:

أَقِيمُوا الصَّلاٰةَ إنما هو في مقام بيان تأكيد الأمر بالصلاة و المحافظة عليها (4) ،نظير قوله:«من ترك الصلاة فهو كذا و كذا»،و«أن صلاة فريضة خير من عشرين أو ألف حجة»،نظير تأكيد الطبيب على المريض في شرب الدواء،إما قبل بيانه له حتى يكون إشارة إلى ما يفصله له حين العمل،و إما بعد البيان له حتى يكون إشارة إلى المعهود المبين له في غير (1)يعني أصالة عدم القرينة،الراجعة إلى عدم اشتمال الكلام على قرينة ظاهرة لإرادة المقيد.

(2)يعني:لما يستلزمه من تفويت الغرض،فالقبيح ليس هو التكليف بالمقيد، بل عدم بيانه المستلزم لتفويته.

نعم لو أريد من التكليف لازمه و هو العقاب كان قبيحا بنفسه لكنه لا دخل له بتمامية الإطلاق و عدمها،لأنه يقبح حتى مع فرض الإجمال و عدم الإطلاق.

(3)لعدم حجية الإطلاق حتى يمكن الرجوع إليه في نفي القيد،ليلزم من عدم ذكر القيد تفويت الغرض و الإبهام.

(4)هذا لو تم في نفسه لا يمنع من الظهور في الإطلاق،و لذا لا إشكال ظاهرا في التمسك بإطلاق مثل قوله تعالى: وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كٰانَ مَسْؤُلاً.

ص: 113

هذا الخطاب.و الأوامر الواردة بالعبادات فيه-كالصلاة و الصوم و الحج- كلها على أحد الوجهين (1) ،و الغالب فيها الثاني.

و قد ذكر موانع أخر لسقوط إطلاقات العبادات عن قابلية التمسك فيها بأصالة الإطلاق و عدم التقييد،لكنها قابلة للدفع أو غير مطردة في جميع المقامات،و عمدة الموهن لها ما ذكرناه.

فحينئذ:إذا شك في جزئية شيء لعبادة،لم يكن هنا ما يثبت به عدم الجزئية من أصالة عدم التقييد،بل الحكم هنا هو الحكم على مذهب القائل بالوضع للصحيح في رجوعه إلى وجوب الاحتياط أو إلى أصالة البراءة، على الخلاف في المسألة.

فالذي ينبغي أن يقال في ثمرة الخلاف بين الصحيحي و الأعمي:هو لزوم الإجمال على القول بالصحيح،و حكم المجمل مبني على الخلاف في وجوب الاحتياط أو جريان أصالة البراءة، (1)يعني:أما قبل البيان ليكون إشارة إلى ما يفصل بعد،أو بعده ليكون إشارة إلى المعهود المبين.

ثم إنه أشرنا إلى الإشكال فيما ذكره قدّس سرّه و الظاهر أنه يمكن التمسك بكثير من الإطلاقات الواردة في الكتاب و السنة.

نعم قد يشكل التمسك بكثير منها من حيث القرينة الخارجية الدالة على كثرة ما اعتبر فيها زائدا على المسمى بنحو يعلم معه بعدم وروده في مقام البيان، فلا يتم الظهور في الإطلاق،و إلا لزم كثرة التقييد المستهجنة المانعة من الحمل على الإطلاق،ككثرة التخصيص المستهجنة الموجبة لحمل العموم على خلاف ما يظهر منه بدوا.و تمام الكلام في مبحث الصحيح و الأعم فلاحظ و تأمل جيدا.

ص: 114

و إمكان (1) البيان و الحكم بعدم الجزئية-لأصالة عدم التقييد-على القول بالأعم،فافهم.

(1)عطف على قوله:«لزوم الاجمال...».

ص: 115

المسألة الثالثة

فيما إذا تعارض نصان متكافئان في جزئية

شيء لشيء و عدمها

كأن يدل أحدهما على جزئية السورة و الآخر على عدمها.

و مقتضى إطلاق أكثر الأصحاب القول (1) بالتخيير بعد التكافؤ:

ثبوت (2) التخيير هنا.

لكن ينبغي أن يحمل هذا الحكم منهم على ما إذا لم يكن هناك إطلاق يقتضي أصالة عدم تقييده عدم جزئية هذا المشكوك،كأن يكون هنا إطلاق معتبر للأمر بالصلاة بقول مطلق،و إلا (3) فالمرجع بعد التكافؤ إلى هذا المطلق،لسلامته عن المقيد بعد ابتلاء ما يصلح لتقييده بمعارض مكافئ (4) .

(1)مفعول به و العامل فيه المصدر،و هو قوله:«إطلاق أكثر...».

(2)خبر لقوله:«و مقتضى إطلاق...».

(3)يعني:لو كان هناك إطلاق يقتضي عدم جزئية المشكوك.

(4)لا يخفى أن هذا لو تم منع من التخيير في صورة وجود إطلاق أو عموم يكون هو المرجع لو فرض تساقط الخبرين سواء كان مقتضاه الجزئية كعموم:«لا

ص: 116

و هذا الفرض خارج عن موضوع المسألة،لأنها-كأمثالها من مسائل هذا المقصد-مفروضة فيما إذا لم يكن هناك دليل اجتهادي سليم عن المعارض متكفلا لحكم المسألة حتى تكون موردا للاصول العملية.

فإن قلت:فأي فرق بين وجود هذا المطلق و عدمه؟و ما المانع من الحكم بالتخيير هنا،كما لو لم يكن مطلق؟

فإن حكم المتكافئين إن كان هو التساقط،حتى أن المقيد المبتلى بمثله بمنزلة العدم فيبقى المطلق سالما،كان اللازم في صورة عدم وجود المطلق -التي حكم فيها بالتخيير-هو التساقط و الرجوع إلى الأصل المؤسس فيما لا نص فيه:من البراءة أو الاحتياط،على الخلاف.

و إن كان حكمهما التخيير-كما هو المشهور نصا و فتوى-كان اللازم صلاة إلا بفاتحة الكتاب»أم عدمها كالإطلاق المفروض في كلام المصنف قدّس سرّه.و لا وجه لتخصيصه بالثاني.

بل اللازم عموم ذلك لغير صور الشك في الجزئية أو الشرطية من مسائل الأصول العملية،كالشك في أصل التكليف أو في المكلف به في المتباينين،لعدم الفرق فيما سيذكره من الوجه لو تم.

و كان عليه قدّس سرّه التعرض لذلك في المسألة الثالثة من مسائل الشبهة التحريمية لأنها أولى المسائل التي تعرض فيها لحكم تعارض الخبرين،و تحويل الكلام في المسائل اللاحقة عليها.

و كأنه إنما تعرض لذلك هنا لكثرة الابتلاء بالمطلقات المقتضية لنفي الجزئية.

فلاحظ.

ص: 117

عند تعارض المقيد للمطلق الموجود (1) بمثله (2) ،الحكم (3) بالتخيير هاهنا (4) ،لا تعيين الرجوع إلى المطلق الذي هو بمنزلة تعيين العمل بالخبر المعارض للمقيد.

قلت:أما لو قلنا:بأن المتعارضين مع وجود المطلق غير متكافئين-لأن موافقة أحدهما للمطلق الموجود مرجح له (5) ،فيؤخذ به و يطرح الآخر- فلا إشكال في الحكم (6) ،و في خروج مورده عن محل الكلام (7) .

و إن قلنا:إنهما متكافئان،و المطلق مرجع،لا مرجح-نظرا إلى كون (1)صفة لقوله:«المطلق».

(2)متعلق بقوله:«تعارض...».

(3)خبر«كان»في قوله:«كان اللازم».

(4)و حينئذ فيكون ما يختار من الخبرين هو المرجع لا المطلق،سواء كان موافقا له أم مخالفا،إذ في صورة المخالفة يكون مقيدا للمطلق المذكور فيقدم عليه.

(5)إما لأنه حينئذ داخل في موافق الكتاب أو السنة،الذين هما من المرجحات المنصوصة،أو للبناء على التعدي عن المرجحات المنصوصة إلى كل مزية توجب الأقربية للواقع كما هو مختار المصنف قدّس سرّه على ما سبق في خاتمة دليل الانسداد و يأتي منه في مبحث التعارض.

و لعل ظاهر قوله فيما يأتي:«نظرا إلى كون أصالة عدم التقييد تعبديا لا...» إرادة الوجه الثاني.فلاحظ.

(6)و هو لزوم العمل على طبق الموافق للإطلاق لكنه حينئذ ليس لحجية الإطلاق-كما ذكره في صدر كلامه-بل لحجية خصوص الموافق له من المتعارضين.

(7)إذ الكلام في تعارض النصين المتكافئين.

ص: 118

أصالة عدم التقييد تعبديا،لا من باب الظهور النوعي (1) -فوجه عدم شمول أخبار التخيير لهذا القسم من المتكافئين:دعوى ظهور اختصاص تلك الأخبار بصورة عدم وجود الدليل الشرعي في تلك الواقعة،و أنها مسوقة لبيان عدم جواز طرح قول الشارع في تلك الواقعة و الرجوع إلى الأصول العقلية و النقلية المقررة لحكم صورة فقدان قول الشارع فيها، و المفروض وجود قول الشارع هنا و لو بضميمة أصالة الإطلاق المتعبد بها عند الشك في المقيد.

و الفرق بين هذا الأصل (2) و بين تلك الأصول الممنوع في هذه الأخبار عن الرجوع إليها و ترك المتكافئين:هو أن تلك الأصول عملية فرعية مقررة لبيان العمل في المسألة الفرعية عند فقد الدليل الشرعي فيها، و هذا الأصل مقرر لإثبات كون الشيء و هو المطلق دليلا و حجة (3) عند فقد ما يدل على عدم ذلك (4) .

فالتخيير مع جريان هذا الأصل تخيير مع وجود الدليل الشرعي المعين لحكم المسألة المتعارض فيها النصان،بخلاف التخيير مع جريان تلك الأصول،فإنه تخيير بين المتكافئين عند فقد دليل ثالث في موردهما.

(1)فلا تكون موافقته موجبة للأقربية للواقع التي هي ملاك الترجيح عند المصنف قدّس سرّه.

(2)و هو أصالة الإطلاق.

(3)يعني:من قبل الشارع،فهو رافع لموضوع أخبار التخيير لو فرض اختصاصها بصورة عدم وجود الدليل الشرعي،كما ذكره المصنف قدّس سرّه.

(4)يعني:عدم إرادة المطلق و الموصول كناية عن دليل التقييد.

ص: 119

هذا،و لكن الإنصاف:إن أخبار التخيير حاكمة على هذا الأصل (1) و إن كان جاريا في المسألة الأصولية (2) ،كما أنها حاكمة على تلك الأصول الجارية في المسألة الفرعية (3) ،لأن مؤداها بيان حجية أحد المتعارضين كمؤدى أدلة حجية الأخبار،و من المعلوم حكومتها على مثل هذا الأصل، فهي دالة على مسألة أصولية،و ليس مضمونها حكما عمليا صرفا.

فلا فرق بين أن يرد في مورد هذا الدليل المطلق:«اعمل بالخبر الفلاني المقيد لهذا المطلق»،و بين قوله:«اعمل بأحد هذين المقيد أحدهما له».

فالظاهر:إن حكم المشهور في المقام بالرجوع إلى المطلق و عدم التخيير مبني على ما هو المشهور-فتوى و نصا-:من ترجيح أحد المتعارضين بالمطلق أو العام الموجود في تلك المسألة،كما يظهر من ملاحظة النصوص و الفتاوى.و سيأتي توضيح ما هو الحق من المسلكين في باب التعادل و التراجيح إن شاء اللّه تعالى.

(1)يعني:أصالة الإطلاق.لكن حكومتها مشروطة بعمومها لصورة وجوده أما لو قيل بما ذكره المصنف قدّس سرّه من انصرافها إلى صورة عدم وجود الدليل الشرعي فلا وجه لحكومتها عليه،بل يكون هو رافعا لموضوعها كما ذكرنا.

فالعمدة:أن دعوى الانصراف في غير محلها،و إطلاق أخبار التخيير محكم، و حينئذ فيتم ما ذكره قدّس سرّه هنا من دعوى حكومة أخبار التخيير على أصالة الإطلاق.

فلاحظ.

(2)يعني:التي تتعرض للحجية مع الشك فيها.

(3)يعني:التي يبحث فيها عن نفس الحكم الفرعي.

ص: 120

المسألة الرابعة

فيما إذا شك في جزئية شيء للمأمور به من جهة

الشبهة في الموضوع الخارجي

كما إذا أمر بمفهوم مبين مردد مصداقه بين الأقل و الأكثر.و منه:

ما إذا وجب صوم شهر هلالي-و هو ما بين الهلالين-فشك في أنه ثلاثون أو ناقص (1) .و مثل:ما إذا أمر بالطهور لأجل الصلاة،أعني الفعل (2) الرافع للحدث أو المبيح للصلاة،فشك في جزئية شيء للوضوء أو الغسل الرافعين.

و اللازم في المقام:الاحتياط،لأن المفروض تنجز التكليف بمفهوم (1)هذا مختص بما إذا كان صوم الشهر بتمامه واجبا ارتباطيا،أما إذا لم يكن ارتباطيا خرج عما نحن فيه،و لم يبعد البناء فيه على البراءة،لأنه شك في تكليف زائد و لا بيان عليه،لأن عنوان الشهر حينئذ يكون لمحض الإشارة إلى الأيام مع كون موضوع التكليف هو اليوم بنفسه،و حينئذ فلا يصلح لبيان التكليف بيوم الشك، فيرجع فيه للأصل.فلاحظ.

(2)أما لو كان الواجب هو نتيجة الفعل المذكور،و هو رفع الحدث و الطهارة فلا يكون ممّا نحن فيه،لكونه أمرا بسيطا لا مركبا،و إن كان يجري فيه الاشتغال أيضا،لعين الوجه المذكور هنا.و هذا هو المراد بالشك في المحصل.

ص: 121

مبين معلوم تفصيلا،و إنما الشك في تحققه بالأقل،فمقتضى أصالة عدم تحققه و بقاء الاشتغال (1) :عدم الاكتفاء به و لزوم الإتيان بالأكثر.

و لا يجري هنا ما تقدم من الدليل العقلي و النقلي الدال على البراءة، لأن (2) البيان الذي لا بد منه في التكليف قد وصل من الشارع،فلا يقبح المؤاخذة على ترك ما بينه تفصيلا،فإذا شك في تحققه في الخارج فالأصل عدمه (3) .و العقل-أيضا-يحكم بوجوب القطع بإحراز ما علم وجوبه تفصيلا،أعني المفهوم المعين المبين المأمور به،أ لا ترى (4) :أنه لو شك في وجود باقي الأجزاء المعلومة-كأن لم يعلم أنه أتى بها أم لا-كان مقتضى العقل و الاستصحاب وجوب الإتيان بها؟

و الفارق بين ما نحن فيه و بين الشبهة الحكمية من المسائل المتقدمة التي حكمنا فيها بالبراءة هو:أن نفس التكليف فيها مردد بين اختصاصه بالمعلوم وجوبه تفصيلا و بين تعلقه بالمشكوك،و هذا الترديد لا حكم له بمقتضى العقل،لأن مرجعه إلى المؤاخذة على ترك المشكوك،و هي قبيحة بحكم العقل،فالعقل و النقل الدالان على البراءة مبينان لمتعلق التكليف (1)تقدم منه في المسألة الأولى الإشكال في نظير الأصل المذكور بأنه يكفي في المتنجز الشك في الفراغ،و لا يحتاج إلى إحراز عدم الإتيان.فراجع.

(2)تعليل لقوله:«و لا يجري هنا...».

(3)أشرنا إلى الكلام في الأصل المذكور.

(4)هذا استشهاد على ما ادعاه من حكم العقل بوجوب القطع بإحراز ما علم وجوبه.

ص: 122

من أول الأمر في مرحلة الظاهر (1) .

و أما ما نحن فيه،فمتعلق التكليف فيه مبين معين معلوم تفصيلا،لا تصرف للعقل و النقل فيه،و إنما الشك في تحققه في الخارج بإتيان الأجزاء المعلومة،و العقل و النقل المذكوران لا يثبتان تحققه في الخارج،بل الأصل عدم تحققه (2) ،و العقل أيضا مستقل بوجوب الاحتياط مع الشك في التحقق.

(1)لا يخفى أن أدلة البراءة لا شرح فيها لمتعلق التكليف الواقعي،و لا تنظر فيها إليه،نعم هي تقتضي عدم الاشتغال بغير المعلوم منه.

(2)عرفت الكلام في الأصل المذكور.

ص: 123

و أما القسم الثاني،و هو الشك في كون الشيء قيدا للمأمور به:

فقد عرفت أنه على قسمين،لأن القيد قد يكون منشؤه فعلا خارجيا مغايرا للمقيد في الوجود الخارجي كالطهارة الناشئة من الوضوء،و قد يكون قيدا متحدا معه في الوجود الخارجي.

أما الأول:فالكلام فيه هو الكلام فيما تقدم (1) ،فلا نطيل بالإعادة.

و أما الثاني:فالظاهر اتحاد حكمهما.

و قد يفرق بينهما:بإلحاق الأول (2) بالشك في الجزئية دون الثاني، نظرا إلى جريان العقل و النقل الدالين على عدم المؤاخذة على ما لم يعلم من (1)يعني:في الشك في الجزئية من الرجوع في المشكوك إلى أصالة البراءة، لأن اختلاف الواجب زيادة في التكليف فيدفع بالأصل،و يقتصر على المتيقن و هو التكليف باصل الواجب المعبر عنه بالأقل.

و لو لا ذلك أشكل الرجوع للأصل في الشك في الجزئية،لأن الجزء و إن كان أثرا زائدا في قبال باقى الاجزاء إلا إنه قيد لها أيضا-على تقدير اعتباره-لغرض بالارتباطية فالشك فيه راجع إلى الشك في القيد أيضا،و الاّ فلا يتم البناء على البراءة فيه الأشياء على جريان البراءة مع الشك يتحقق منها رجاء في القيد.فلاحظ.

(2)و هو القيد الذي يكون فعلا خارجيا كالطهارة.

ص: 124

الشارع المؤاخذة عليه في الأول،فإن وجوب الوضوء إذا لم يعلم المؤاخذة عليه كان التكليف به-و لو مقدمة-منفيا بحكم العقل و النقل،و المفروض أن الشرط الشرعي إنما انتزع من الأمر بالوضوء في الشريعة (1) ،فينتفي بانتفاء منشأ انتزاعه في الظاهر.

و أما ما كان متحدا مع المقيد في الوجود الخارجي كالإيمان في الرقبة المؤمنة،فليس مما يتعلق به وجوب و إلزام مغاير لوجوب أصل الفعل (2) و لو مقدمة،فلا يندرج فيما حجب اللّه علمه عن العباد.

و الحاصل:أن أدلة البراءة من العقل و النقل إنما تنفي الكلفة الزائدة الحاصلة من فعل المشكوك و العقاب المترتب على تركه مع إتيان ما هو (1)الأمر بالوضوء لما كان غيريا فهو في رتبة متاخرة عن كونه شرطا و قيدا للصلاة فكيف يكون منشأ لانتزاع الشرطية فالتحقيق:إن منشأ انتزاع قيدية القيد و شرطية الشرط هو التكليف النفسي بالفعل المقيد و المشروط بهما،و أما الأمر الغيري بالشرط فهو من أحكام الشرطية اللاحقة لها و المتفرعة عليها.

نعم قد يكون دليلا لميّا على الشرطية من باب كشف المعلول عن علته.

و حينئذ فإذا لم تكن الشرطية منتزعة من وجوب الشرط غيريا لم ينفع جريان الأصل النافي للوجوب الغيري في رفع الشرطية.

مضافا إلى الاشكال من جريان البراءة من الوجوب الغيري المقدمي،كما أشرنا إلى ذلك في مبحث الشك في الجزئية.

فالعمدة في وجه جريان الأصل في المقام هو إجراؤه بالإضافة إلى أخذ الشرط و التقييد به في الواجب النفسي،لأنه زيادة في التكليف فتدفع مع الشك كما ذكرنا.

و حينئذ فلا يفرق بين أنواع القيود بعد اشتراكها في الوجه المذكور.فلاحظ.

(2)يعني الواجب بالوجوب النفسي المحتمل تقييده.

ص: 125

معلوم الوجوب تفصيلا (1) ،فإن الآتي بالصلاة بدون التسليم المشكوك وجوبه معذور في ترك التسليم،لجهله.و أما الآتي بالرقبة الكافرة فلم يأت في الخارج بما هو معلوم له تفصيلا حتى يكون معذورا في الزائد المجهول، بل هو تارك للمأمور به رأسا.

و بالجملة:فالمطلق و المقيد من قبيل المتباينين،لا الأقل و الأكثر.

و كأن هذا هو السر فيما ذكره بعض القائلين بالبراءة عند الشك في الشرطية و الجزئية كالمحقق القمي رحمه اللّه في باب المطلق و المقيد (2) :من تأييد استدلال العلامة رحمه اللّه في النهاية على وجوب حمل المطلق على المقيد بقاعدة (الاشتغال)،ورد ما اعترض عليه بعدم العلم بالشغل حتى يستدعي العلم بالبراءة،بقوله:

و فيه:أن المكلف به حينئذ هو المردد بين كونه نفس المقيد أو المطلق، و نعلم أنا مكلفون بأحدهما،لاشتغال الذمة بالمجمل،و لا يحصل البراءة إلا بالمقيد-إلى أن قال-:

و ليس هنا قدر مشترك يقيني يحكم بنفي الزائد عنه بالأصل،لأن الجنس الموجود في ضمن المقيد لا ينفك عن الفصل (3) ،و لا تفارق لهما، (1)لاحتمال كون المأتي به مغايرا للواجب لاختلافهما في القيد المعتبر.

لكن مقتضى أصالة البراءة من وجوب القيد مع فرض وجوب الذات يقتضي انطباق المأمور به على المأتي به.فلاحظ.

(2)متعلق بقوله:«ذكره...».

(3)يعني:حتى يكون الجنس هو الواجب المعلوم الوجوب و الزائد-و هو الفصل-مشكوكا فيه،بل الجنس أما أن يوجد في ضمن الفصل المشكوك التكليف

ص: 126

فليتأمل،انتهى.

هذا،و لكن الإنصاف:عدم خلو المذكور عن النظر،فإنه لا بأس بنفي القيود المشكوكة للمأمور به بأدلة البراءة من العقل و النقل،لأن المنفي فيها الإلزام بما لا يعلم و رفع كلفته،و لا ريب أن التكليف بالمقيد مشتمل على كلفة زائدة و إلزام زائد على ما في التكليف بالمطلق و إن لم يزد المقيد الموجود في الخارج على المطلق الموجود في الخارج،و لا فرق عند التأمل بين إتيان الرقبة الكافرة و إتيان الصلاة بدون الوضوء (1) .

مع أن ما ذكر-من تغاير منشأ حصول الشرط مع وجود المشروط في الوضوء و اتحادهما في الرقبة المؤمنة-كلام ظاهري،فإن الصلاة (2) حال الطهارة بمنزلة الرقبة المؤمنة في كون كل منهما أمرا واحدا في مقابل الفرد الفاقد للشرط.

أو في ضمن غيره من الفصول،و ليس الثاني متيقن التكليف،بل و مباين للحصة المكلف بها على أحد التقديرين.

لكن الجنس و إن لم ينفصل عن الفصل،إلا أنه يمكن التكليف به نفسه بلا شرط الفصل،و حينئذ ينطبق المكلف به على تمام الحصص،و قد عرفت أن ورود التكليف عليه متيقن،و على الفصل مشكوك،فيدفع بالأصل فينطبق الواجب على تمام الحصص،و لا يعين بالاشتغال بالفصل حتى يجب الفراغ عنه.

(1)بل لا فرق بينهما و بين الإتيان بالمركب الخالي عن الجزء المشكوك،لما عرفت من رجوع الشك فيه إلى الشك في التقييد.

(2)التي هى الواجب النفسي الذي تنشغل به الذمة و يكون موردا للعقاب.

ص: 127

و أما وجوب إيجاد الوضوء مقدمة لتحصيل ذلك المقيد في الخارج، فهو أمر يتفق بالنسبة إلى الفاقد للطهارة (1) ،و نظيره قد يتفق في الرقبة المؤمنة،حيث إنه قد يجب بعض المقدمات لتحصيلها في الخارج (2) ،بل قد يجب السعي في هداية الرقبة الكافرة إلى الإيمان مع التمكن إذا لم يوجد غيرها و انحصر الواجب في العتق.و بالجملة:فالأمر بالمشروط بشيء لا يقتضي بنفسه إيجاد أمر زائد مغاير له في الوجود الخارجي (3) ،بل قد يتفق و قد لا يتفق.

و أما الواجد للشرط فهو لا يزيد في الوجود الخارجي على الفاقد له، فالفرق بين الشروط فاسد جدا.

فالتحقيق:أن حكم الشرط بجميع أقسامه واحد،سواء ألحقناه بالجزء (4) أم بالمتباينين.

و أما ما ذكره المحقق القمي رحمه اللّه،فلا ينطبق على ما ذكره في باب البراءة و الاحتياط:من إجراء البراءة حتى في المتباينين،فضلا عن غيره،فراجع.

(1)و اما الواجد لها فلا يجب عليه الوضوء مقدمة لها،بل لا يجب عليه إلا الفعل الواجد لها،الذي هو كعتق الرقبة المؤمنة.

نعم يجب عليه المحافظة عليها و لو بالتعجيل بالصلاة لو فرض تعذر تحصيلها على تقدير فوتها و انتقاضها بالحدث كما يجب ذلك في الرقبة المؤمنة أيضا.فلاحظ.

(2)فيجب شراؤها مثلا لو فرض عدم ملكه لها و ملكه لغيرها.

(3)بل غاية ما يقتضي تحصيل خصوص الحصة الواجدة للقيد،و لا يفرق في ذلك بين أنواع القيود.

(4)كما هو الظاهر،لما عرفت.

ص: 128

و مما ذكرنا:يظهر الكلام في ما لو دار الأمر بين التخيير و التعيين (1) ، كما لو دار الواجب في كفارة رمضان بين خصوص العتق للقادر عليه و بين إحدى الخصال الثلاث،فإن في إلحاق ذلك بالأقل و الأكثر فيكون نظير دوران الأمر بين المطلق و المقيد،أو المتباينين،وجهين بل قولين:من عدم جريان أدلة البراءة في المعين،لأنه معارض بجريانها في الواحد المخير، و ليس بينهما قدر مشترك خارجي أو ذهني يعلم تفصيلا وجوبه فيشك في جزء زائد خارجي أو ذهني.

و من أن الإلزام بخصوص أحدهما كلفة زائدة على الإلزام بأحدهما في الجملة،و هو ضيق على المكلف،و حيث لم يعلم المكلف بتلك الكلفة فهي موضوعة عن المكلف بحكم:«ما حجب اللّه علمه عن العباد»، و حيث لم يعلم بذلك الضيق فهو في سعة منه بحكم:«الناس في سعة ما لم يعلموا».

و أما وجوب الواحد المردد بين المعين و المخير فيه فهو معلوم،فليس موضوعا عنه و لا هو في سعة من جهته.

و المسألة في غاية الإشكال،لعدم الجزم باستقلال العقل بالبراءة عن التعيين بعد العلم الإجمالي،و عدم كون المعين المشكوك فيه أمرا خارجا عن المكلف به مأخوذا فيه على وجه الشطرية أو الشرطية،بل هو على تقديره عين المكلف به،و الأخبار غير منصرفة إلى نفي التعيين،لأنه في معنى (1)يعني:من دون أن يكون هناك قدر جامع عرفي في البين يقع الخطاب به و يشك في اعتبار الخصوصية شرطا فيه.

ص: 129

نفي الواحد المعين،فيعارض بنفي الواحد المخير،فلعل الحكم بوجوب الاحتياط و إلحاقه بالمتباينين لا يخلو عن قوة (1) ،بل الحكم في الشرط و إلحاقه بالجزء لا يخلو عن إشكال (2) ،لكن الأقوى فيه:الإلحاق.

فالمسائل الأربع (3) في الشرط حكمها حكم مسائل الجزء، فراجع.

ثم إن مرجع الشك في المانعية إلى (4) الشك في شرطية عدمه.

و أما الشك في القاطعية،بأن يعلم أن عدم الشيء لا مدخل له في (1)الظاهر ابتناؤه على الكلام في حقيقة الوجوب التخييري.

فإن قيل برجوعه إلى التكليف بالجامع الحقيقي بين الطرفين و إن لم يكن عرفيا كان الشك في التعيين راجعا إلى الشك في اعتبار الخصوصية الزائدة،فيلحقها ما عرفت في القيد.

و إن قيل برجوعه إلى التكليف بالجامع الانتزاعي كعنوان أحد الأمرين،الراجع إلى التكليف بكل منهما بخصوصيته فلا متيقن في البين حتى يرجع في الزائد إلى البراءة.

و كذا لو قيل بأن الوجوب التخييري سنخ آخر من الوجوب يقتضي الإتيان بكل طرف في ظرف عدم الإتيان بالآخر،لعدم المتيقن أيضا،و مجرد لزوم الكلفة الزائدة من الوجوب التعييني لا يكفي في جريان الأصل ما لم يرجع الشك إلى وجود تكليف متيقن و آخر مشكوك.و تمام الكلام في المطولات و لا تسعه هذه العجالة.

فلاحظ و تأمل جيدا.

(2)لم يتضح الوجه في الإشكال بعد ما عرفت منه و منا.

(3)و هي مسائل الشك لعدم النص أو لإجماله أو لتعارض النصين،أو للشبهة الموضوعية.

(4)فيلحقه ما سبق في الشك في الشرطية.

ص: 130

العبادة إلا من جهة قطعه للهيئة الاتصالية المعتبرة في نظر الشارع،فالحكم فيه استصحاب (1) الهيئة الاتصالية و عدم خروج الأجزاء السابقة عن قابلية صيرورتها أجزاء فعلية،و سيتضح ذلك بعد ذلك إن شاء اللّه.

ثم إن الشك في الشرطية:قد ينشأ عن الشك في حكم تكليفي نفسي (2) ،فيصير أصالة البراءة في ذلك الحكم التكليفي حاكما (3) على (1)بل يمكن فيه الرجوع إلى أصالة البراءة من اعتبار الهيئة الاتصالية التي يخل بها المشكوك.

لكنه مختص بما إذا شك في كيفية الهيئة الاتصالية المعتبرة شدة و ضعفا أما لو علم بعدم اختلافها و أنها بنحو واحد إلا أنه شك في انقطاعها بالمشكوك فلا مجال للرجوع للبراءة،لعدم الشك في زيادة التكليف،بل في حصول المكلف به،و المرجع فيه الاشتغال لو لا الاستصحاب الذي أشار إليه المصنف قدّس سرّه الذي يكون محرزا لها و واردا على أصالة الاشتغال.فلاحظ.

(2)كما في الشروط التي يتوقف عليها قصد الامتثال و التقرب المعتبر في العبادة كشرطية إباحة المكان أو اللباس في الصلاة،فإنه لو شك في حرمة شيء منهما احتمل شرطية عدمه من حيث حرمته المانعة من التقرب به لا من حيث ذاته، و حينئذ فأصالة البراءة من حرمته لما كانت موجبة للعذر في فعله كانت مقتضية لإمكان التقرب به،لأن الحرمة إنما تمنع من التقرب مع تنجزها.

فيكون الأصل رافعا لاحتمال الشرطية حقيقة لا حكما فلا موضوع للأصل الجاري مع الشك في الشرطية.

كما أنه لو فرض عدم جريان أصالة البراءة من الحرمة أو جريان أصالة الحرمة أو الاحتياط كان احتمال الحرمة منجزا فيمتنع التقرب لامتناع التقرب بما يحتمل مبعديته مع فرض تنجز الاحتمال المذكور.

(3)مما ذكرنا يظهر أنه وارد على الأصل المذكور لرفعه للشك حقيقة لا

ص: 131

الأصل في الشرطية،فيخرج عن موضوع مسألة الاحتياط و البراءة،فيحكم بما يقتضيه الأصل الحاكم:من وجوب ذلك المشكوك في شرطيته (1) أو عدم وجوبه.

حكما.فلاحظ.

(1)كوجوب ترك اللباس الخاص أو المكان الخاص نفسيا،لو فرض كونه مقتضى الأصل،و لو كان استصحابا و كذا لو جرى أصل الاحتياط،إما لكون المورد من موارد الشبهة المحصورة،أو بناء على مذهب الأخباريين في الشبهة التحريمية البدوية،كما أشرنا إليه.فلاحظ.و اللّه سبحانه و تعالى العالم.

ص: 132

و ينبغي التنبيه على أمور متعلقة بالجزء و الشرط:
الامر الأول إذا ثبت جزئية شيء و شك في ركنيته،فهل الأصل كونه ركنا...
اشارة

إذا ثبت جزئية شيء و شك في ركنيته،فهل الأصل كونه ركنا، أو عدم كونه كذلك،أو مبني على مسألة البراءة و الاحتياط في الشك في الجزئية (1) ،أو التبعيض بين أحكام الركن،فيحكم ببعضها و ينفى بعضها الآخر؟وجوه،لا يعرف الحق منها إلا بعد معرفة معنى الركن،فنقول:

إن الركن في اللغة و العرف معروف،و ليس له في الأخبار ذكر حتى يتعرض لمعناه في زمان صدور تلك الأخبار،بل هو اصطلاح خاص للفقهاء.

(1)كأنه من جهة أن الشك راجع إلى الشك في الجزئية حال السهو.

و فيه:أن البطلان بالزيادة العمدية فضلا عن السهوية ليس من أحكام الجزء، فالشك في الركنية بالإضافة إليه لا يرجع إلى الشك في الجزئية.

نعم قد يوجه بأن مرجع الشك فيها إلى الشك في مانعية الزيادة المذكورة، و الشك في المانعية كالشك في الشرطية بحكم الشك في الجزئية،كما عرفت،فإذا قيل بالبراءة فيه تعين البناء على عدم الركنية و سيتضح حقيقة الحال إن شاء اللّه تعالى.

ص: 133

و قد اختلفوا في تعريفه:بين من قال (1) بأنه:ما تبطل العبادة بنقصه عمدا و سهوا،و بين من عطف على النقص زيادته.و الأول أوفق بالمعنى اللغوي و العرفي (2) ،و حينئذ فكل جزء ثبت في الشرع بطلان العبادة بالإخلال في طرف النقيصة أو فيه و في طرف الزيادة،فهو ركن.

فالمهم:بيان حكم الإخلال بالجزء في طرف النقيصة أو الزيادة،و أنه إذا ثبت جزئيته فهل الأصل يقتضي بطلان المركب بنقصه سهوا كما يبطل بنقصه عمدا،و إلا لم (3) يكن جزءا (4) ؟

فهنا مسائل ثلاث:

(1)الظاهر أن تفسير الركن بأحد المعنيين المذكورين مختص بالصلاة،و لهم في الحج اصطلاح آخر ليس المصنف قدّس سرّه بصدد التعرض له.

(2)لأن زيادة الركن لا تضر في المركب عرفا.

(3)يعني:لو لم يكن نقصه العمدي مبطلا.

(4)يمكن تصور جزئيته عدم البطلان بالإخلال العمدي به إذا كان المراد من البطلان ما يلازم وجوب القضاء أو الإعادة،و ذلك بأن يكون الناقص وافيا ببعض المصلحة أو بمصلحة أخرى،أو لا مصلحة فيه،لكن كان مانعا من استيفاء تمام المصلحة الموجبة لتشريع المركب التام.

نعم لو أريد من البطلان مجرد عدم ترتب الأثر المقصود من المركب كانت الجزئية ملازمة للبطلان مع النقص العمدي،إذ لو ترتب الأثر بدونه لم يكن جزءا و لا دخيلا في المركب.لكن لا يفرق حينئذ بين النقص العمدي و السهوي.

و لعل تفريق المصنف قدّس سرّه بينهما بلحاظ أجزاء الصلاة التي لا إشكال في بطلانها بالإخلال بها عمدا مطلقا مع التفصيل فيها بالسهو.فلاحظ.

ص: 134

بطلان العبادة بتركه سهوا.

و بطلانها بزيادته عمدا.

و بطلانها بزيادته سهوا.

ص: 135

المسألة الأولى

[في ترك الجزء سهوا]

أما الأولى،فالأقوى فيها:أصالة بطلان العبادة بنقص الجزء سهوا إلا أن يقوم دليل عام أو خاص على الصحة،لأن ما كان جزءا في حال العمد كان جزءا في حال الغفلة،فإذا انتفى انتفى المركب،فلم يكن المأتي به موافقا للمأمور به،و هو معنى فساده.

أما عموم جزئيته لحال الغفلة،فلأن الغفلة لا توجب تغيير المأمور به،فإن المخاطب بالصلاة مع السورة إذا غفل عن السورة في الأثناء لم يتغير الأمر المتوجه إليه قبل الغفلة،و لم يحدث بالنسبة إليه من الشارع أمر آخر حين الغفلة،لأنه غافل عن غفلته (1) ،فالصلاة المأتي بها من غير (1)يعني:فيمتنع توجيه الخطاب إليه إنما يتوجه بداعي جعل الداعي،و مع فرض غفلة المخاطب عن تحقق موضوعه يمتنع جعل الداعي له للعمل.

لكن عدم توجيه الخطاب لا ينافي ثبوت الملاك في الناقص حال الغفلة بنحو يحصل به تمام الملاك الحاصل في التام وقت الالتفات،و معه لا مجال لإطلاق الجزئية بنحو يشمل حال النسيان لتبعية الأمر للملاك،و حينئذ فلا بد من التكليف بخصوص الناقص حال النسيان و تقييد التكليف بالتام بخصوص حال الالتفات،

ص: 136

سورة غير مأمور بها بأمر أصلا.غاية الأمر:عدم توجه الأمر بالصلاة مع السورة إليه،لاستحالة تكليف الغافل،فالتكليف ساقط عنه ما دام الغفلة، نظير من غفل عن الصلاة رأسا أو نام عنها،فإذا التفت إليها و الوقت باق وجب عليه الإتيان بها بمقتضى الأمر الأول (1) .

فإن قلت:عموم جزئية الجزء لحال النسيان يتم فيما لو ثبت الجزئية بمثل قوله:«لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب» (2) ،دون ما لو قام الإجماع مثلا على جزئية شيء في الجملة و احتمل اختصاصها بحال الذكر،كما انكشف ذلك بالدليل في الموارد التي حكم الشارع فيها بصحة الصلاة ففي الحقيقة لا يكون الفاقد للجزء حال النسيان ناقصا.

إن قلت:يمتنع تقييد الجزئية بالالتفات إليها لاستلزامه أخذ الغفلة في موضوعها الراجع إلى أخذ المتأخر في المتقدم.

قلت:هذا إنما يمتنع تقييد الجزئية بالالتفات إليها لاستلزامها أخذ الغفلة في موضوعها الراجع إلى أخذ المتأخر في المتقدم.

و حينئذ فغفلة المخاطب عن غفلته و عن كونه موردا للخطاب الجديد لا يمنع من قصده امتثاله بأن يقصد امتثال التكليف الفعلي،و يكون اعتقاد كونه هو التكليف بالتام من باب الخطأ في التطبيق الذي لا يضر بالامتثال.

نعم يشكل الحال لو فرض قصد الأمر التام بنحو التقييد لكن في إمكانه أو وقوعه من الناسي إشكال،إذ لا يبعد غفلته عن هذه الخصوصيات،و التفاته إليها ملازم لعدم النسيان.و لا أقل من كون ذلك على خلاف المتعارف.فتأمل.

(1)الثابت بمقتضى إطلاق دليله بعد فرض ارتفاع المانع و هو الغفلة.

(2)فإن إطلاقه يقتضي عدم تحقق الصلاة بدون الفاتحة حتى لو كان عدم الإتيان بها للغفلة.

ص: 137

المنسي فيها بعض الأجزاء على وجه يظهر من الدليل كون صلاته تامة، مثل قوله عليه السّلام:«تمت صلاته،و لا يعيد» (1) ،و حينئذ فمرجع الشك إلى الشك في الجزئية حال النسيان،فيرجع فيها إلى البراءة أو الاحتياط على الخلاف.

و كذا لو كان الدال على الجزئية حكما تكليفيا (2) مختصا بحال (1)التعبير المذكور و إن كان ظاهره بدوا تمامية الصلاة و عدم نقصها المستلزم لعدم جزئية الجزء حين النسيان،إلا أن الظاهر سوقه لبيان إجزاء الصلاة و عدم وجوب إعادتها،و لذا ورد في مثل ترك القراءة مع إطلاق دليل اعتبارها الشامل لحال النسيان.

اللهم إلا أن يدعى أن مقتضى الجمع بين الإطلاق و الدليل المذكور تقييد الإطلاق بحال الذكر.لكنه خلاف المرتكز عرفا في الجمع بين الدليلين، خصوصا مثل قوله عليه السّلام في صحيح محمد بن مسلم:«إن اللّه عزّ و جل فرض الركوع و السجود،و جعل القراءة سنة،فمن ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة و من نسي القراءة فقد تمت صلاته و لا شيء عليه»لظهوره في كون الناسي قد ترك السنة و نقصت صلاته منها،لا أن سنها مختص بحال الذكر و لا ملاك لها حال النسيان،فيتعين حمله على محض الاجزاء في مقام العمل لنفي الإعادة أو القضاء.

فتأمل جيدا.

(2)كان المراد به ما استفيدت جزئيته من الأمر به في المركب،مثل ما عن أبي جعفر عليه السّلام في الركعتين الأخيرتين:«إن كنت إماما فقل:سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلا اللّه و اللّه أكبر...».

لكن الأمر لما لم يكن واردا لمحض التكليف و إلا كان مقتضاه تحقق العصيان بالترك العمدي لا بطلان الصلاة،تعين حمله على الكناية عن الجزئية،و حينئذ فلا موجب لاختصاصها بحال الذكر،و لا سيما مع كون المرتكز عرفا كون النسيان من سنخ

ص: 138

الذكر و كان الأمر بأصل العبادة مطلقا (1) ،فإنه يقتصر في تقييده على مقدار قابلية دليل التقييد أعني حال الذكر،إذ لا تكليف حال الغفلة، فالجزء المنتزع من الحكم التكليفي نظير الشرط المنتزع منه في اختصاصه بحال الذكر،كلبس الحرير (2) و نحوه.

قلت:إن أريد بعدم جزئية ما ثبت جزئيته في الجملة في حق الناسي إيجاب العبادة الخالية عن ذلك الجزء عليه،فهو غير قابل لتوجيه الخطاب إليه بالنسبة إلى المغفول عنه إيجابا و إسقاطا (3) .

و إن أريد به إمضاء الخالي عن ذلك الجزء من الناسي بدلا عن العبادة الواقعية،فهو حسن،لأنه حكم في حقه بعد زوال غفلته (4) ،لكن عدم العذر الرافع للعقاب،لا من سنخ الرافع للملاك،فالبناء على عموم الجزئية فيه متعين.

و منه يظهر حال الشرط المنتزع من التكليف فافهم.

(1)إذ لو لم يكن للمركب إطلاق يقتضي نفي جزئية المشكوك حال النسيان لم ينفع اختصاص دليل جزئيته بحال الذكر في إثبات عدم جزئيته حال النسيان.

لكن اللازم حينئذ الرجوع للأصل المقتضي لعدم الجزئية بعد فرض اختصاص دليلها بغير حال النسيان.فلاحظ.

(2)حيث استفيد اشتراط عدمه ما دل على النهي عن الصلاة فيه كقوله عليه السّلام:

«لا تحل الصلاة في حرير محض».

(3)لما سبق منه قدّس سرّه من امتناع توجيه الخطاب للغافل.و سبق الكلام في ذلك.

(4)الحكم المذكور ثابت قبل زوال الغفلة بمجرد الإتيان بالناقص كسائر الأحكام الواقعية.

نعم الرجوع إليه و الاعتماد عليه في مقام العمل موقوف على ارتفاع الغفلة.

ص: 139

الجزئية بهذا المعنى عند الشك مما لم يقل به أحد من المختلفين في مسألة البراءة و الاحتياط،لأن هذا المعنى حكم وضعي لا يجري فيه أدلة البراءة، بل الأصل فيه العدم بالاتفاق (1) .

و هذا معنى ما اخترناه:من فساد العبادة الفاقدة للجزء نسيانا، بمعنى عدم كونها مأمورا بها و لا مسقطا عنه (2) .

و مما ذكرنا ظهر:أنه ليس هذه المسألة من مسألة اقتضاء الأمر للإجزاء في شيء،لأن تلك المسألة مفروضة فيما إذا كان المأتي به مأمورا به بأمر شرعي،كالصلاة مع التيمم أو بالطهارة المظنونة (3) ،و ليس في المقام (1)لأن مرجع الشك فيه إلى الشك في المسقط،لا في التكليف،و المرجع في الشك المذكور أصالة الاحتياط،لأن التكليف اليقيني يستدعي الفراغ اليقين.

(2)لكن مما ذكرنا يتضح الفرق بين ما إذا شك في وجود الملاك للجزء المنسي حال النسيان،و ما إذا علم بوجود الملاك فيه،بحيث يكون الخالي عنه ناقصا حينئذ، و إنما يحتمل إجزاؤه لاحتمال تعذر استيفاء تمام الملاك بالتام.

ففي الأول إن كان هناك إطلاق يقتضي التكليف بالجزء حال النسيان-و إن كان ساقطا بالغفلة-إما لإطلاق الأمر بالمركب أو لإطلاق دليل جزئية المنسي منه كان هو المرجع و تعين البناء على عدم الإجزاء،و إن لم يكن هناك إطلاق تعين الرجوع للأصل المقتضي لعدم الجزئية و اختصاص التكليف بغير المنسي المقتضي لإجزاء المأتي به.

و في الثاني يكون المرجع هو المقتضي لعدم الإجزاء للشك في سقوط التكليف من غير جهة الامتثال،و هو خلاف الأصل.فلاحظ.

(3)من جهة الأمر الاضطراري في الأول،و الظاهري في الثاني.

ص: 140

أمر بما أتى به الناسي أصلا (1) .

و قد يتوهم:أن في المقام أمرا عقليا،لاستقلال العقل بأن الواجب في حق الناسي هو هذا المأتي به،فيندرج-لذلك-في إتيان المأمور به بالأمر العقلي (2) .

و هو فاسد جدا،لأن العقل ينفي تكليفه بالمنسي و لا يثبت له تكليفا بما عداه من الأجزاء،و إنما يأتي بها بداعي الأمر بالعبادة الواقعية غفلة عن عدم كونه إياها (3) ،كيف و التكليف-عقليا كان أو شرعيا-يحتاج إلى الالتفات (4) ،و هذا الشخص غير ملتفت إلى أنه ناس عن الجزء حتى يكلف بما عداه.

و نظير هذا التوهم:توهم أن ما يأتي به الجاهل المركب باعتقاد أنه (1)لكن عرفت إمكان فرض الأمر الواقعي به الذي لا إشكال في إجزائه عقلا،بخلاف الأمر الاضطراري و الظاهري،فإنه محل الكلام.بل التحقيق أن الإجزاء فيهما على خلاف الأصل،و إن كان لا يبعد ثبوته في الاضطراري خاصة.

(2)يعني:فيمكن دعوى الإجزاء فيه لأجل الأمر المذكور.

(3)و الغفلة المذكورة و إن كانت سببا في حدوث الداعي العقلي نحو الفعل الناشئ من تخيل ثبوت الأمر إلا أن الإجزاء لأجل الداعي المذكور مما لا دليل عليه، بل الدليل على عدمه بحسب الأصل،كما يشهد به الرجوع للمرتكزات العقلية في الأوامر العرفية و إجزاء الأمر العقلي إنما يتم إذا كان الأمر العقلي لإدراك العقل للملاك المقتضى للأمر لا في مثل ذلك.فلاحظ.

(4)عرفت أن المعيار في الإجزاء هو موافقة الملاك الموجب للأمر و لا أهمية للغفلة.فالعمدة في الجواب ما ذكرنا.

ص: 141

المأمور به،من باب إتيان المأمور به بالأمر العقلي (1) .

و فساده يظهر مما ذكرنا بعينه (2) .

و أما ما ذكره:من أن دليل الجزء قد يكون من قبيل التكليف، و هو-لاختصاصه بغير الغافل-لا يقيد الأمر بالكل إلا بقدر مورده، و هو غير الغافل،فإطلاق الأمر بالكل-المقتضي لعدم جزئية هذا الجزء له بالنسبة إلى الغافل-بحاله،ففيه:

أن التكليف المذكور إن كان تكليفا نفسيا (3) ،فلا يدل على كون متعلقه جزءا للمأمور به (4) حتى يقيد به الأمر بالكل،و إن كان تكليفا غيريا (5) (1)لعل الفرق بينه و بين ما قبله أن ملاك هذا وجوب متابعة القطع و ملاك ما قبله معذرية الناسي المقتضى للتكليف بما عدا الجزء المنسي.

لكن وجوب متابعة القطع ليس من الأحكام القطعية الناشئة عن إدراك الملاك في المقطوع،بل من الأمور الفطرية و حكم العقل إنما هو بوجوب إطاعة المولى،و تطبيقه على مقتضى اعتقاده من الخطأ في التطبيق و حدوث الداعي العقلي بسبب الخطأ المذكور ليس من الأحكام العقلية التي توجب الإجزاء قطعا،كما أشرنا إليه قريبا.فلاحظ.

(2)بل مما ذكرنا من أن الأمر المذكور ليس ناشئا عن ملاك يدركه العقل حتى يوجب الإجزاء.

(3)يعني:استقلاليا كوجوب رد السلام في الصلاة.

(4)بل غاية ما يدل عليه أنه واجب مستقل فلا يكون تركه معصية مع قطع النظر عن المركب.

(5)يعني تكليفا ضمنيا يكون المراد منه بيان جزئية متعلقة للمركب و جعله

ص: 142

فهو كاشف عن كون متعلقه جزء،لأن الأمر الغيري إنما يتعلق بالمقدمة، و انتفاؤه بالنسبة إلى الغافل لا يدل على نفي جزئيته في حقه،لأن الجزئية غير مسببة عنه،بل هو مسبب عنها (1) .

و من ذلك يعلم:الفرق بين ما نحن فيه و بين ما ثبت اشتراطه من الحكم التكليفي (2) ،كلبس الحرير،فإن الشرطية مسببة عن تكليفا غيريا مبني على ما سبق منه قدّس سرّه من كون الجزء واجبا بالوجوب الغيري.

(1)هذا و إن كان مسلما إلا أنه لا يقتضي عموم الجزئية،لأن الدليل لما لم يدل على الجزئية ابتداء،و إنما دل عليها بتوسط الدلالة على مسببها و هو التكليف فمع فرض عدم عموم التكليف لحال النسيان لا دليل على عمومها لحاله،و إن كان ممكنا.

اللهم إلا أن يتمسك في ذلك بما تقدم منه قدّس سرّه من استحالة اختصاص الجزئية بحال الذكر.لكن عرفت الاشكال فيه.

فالعمدة في وجه ذلك:أن النسيان و إن كان مسقطا للأمر،إلاّ أنه بحسب المرتكزات العرفية من الأعذار التي لا ترفع الملاك و إنما تمنع من محركية الأمر و تنجزه لا غير،و لذا لا إشكال في أن نسيان الأمر بالكل لا يقتضي إلاّ العذر في تركه،لا سقوط ملاكه،و لذا لا يكون الذكر بعد النسيان موجبا لتجدد الملاك بل لارتفاع العذر مع بقاء الملاك الأول.

و حينئذ فحيث كانت الجزئية تابعة لدخل الجزء في الملاك المستكشف بالأمر لا لمحركية الأمر و تنجزه تعين عدم سقوطها بالنسيان.

نعم لو فرض تبعية الجزئية لمحركية الأمر تم سقوطها بالحسيات،كما هو الحال في الشرط،كما سيأتي و أما احتمال دخل النسيان في الملاك فهو على خلاف المرتكز عرفا لا يعتنى به إلا بدليل خاص.فلاحظ.

(2)الحكم التكليفي إذا كان غيريا مسوقا لبيان شرطية متعلقة كالأمر

ص: 143

التكليف (1) -عكس ما نحن فيه-،فينتفي بانتفائه.

و الحاصل:أن الأمر الغيري بشيء-لكونه جزءا-و إن انتفى في حق الغافل عنه،من حيث انتفاء الأمر بالكل في حقه،إلا أن الجزئية لا تنتفي بذلك.

بالاستقبال في الصلاة لحقه ما سبق في الجزئية المنتزعة من الحكم التكليفي.

نعم إذا كان نفسيا و كان انتزاع الشرطية منه بلحاظ محركيته و منجزية توجه عدم الشرطية في حال النسيان لعدم محركية التكليف و منجزيته،كما هو الحال في حرمة الغصب المقتضية لشرطية عدمه في الصلاة من حيث مانعيته من التقرب المعتبر فيها،فإن مانعية الحرام من التقرب يختص بما إذا كان منجزا فمع فرض عدم تنجزه بسبب النسيان يتعين عدم مانعيته فلا يكون عدمه شرطا.

و منه يظهر الوجه في تخصيص تلك الشرطية دون الجزئية لعدم وجود مثل ذلك فيها،كما لا يخفى.

(1)هذا لا يخلو عن إشكال أو منع،فان مجرد حرمة لبس الحرير تكليفا إذ يقتضي مانعيته من الصلاة،لا بنفسه،و لا من حيث منافاته للتقرب المعتبر فيها، ليكون نظير الغصب،لعدم اقتضاء حرمته حرمة الحركات و الأكوان الصلاتية، بخلاف الغصب،كما حرر في محله و إنما استفيدت مانعيته من النواهي الخاصة المحمولة على الإرشاد إلى مانعيته،نظير الأمر بالاستقبال في الصلاة الذي عرفت أنه لا يقتضي الاختصاص بحال الذكر.

نعم قد يستفاد من دليل مانعيته الاختصاص بصورة حرمة لبسه و لا تعم صورة حل لبسه.

لكن ذلك-لو تم-يختص بالحلية الواقعية كاللبس حال الحرب،و لا يعم مثل النسيان الذي يكون موجبا لمحض العذر و عدم المنجزية مع بقاء الحرمة واقعا، فلاحظ.

ص: 144

و قد يتخيل:أن أصالة العدم على الوجه المتقدم (1) و إن اقتضت ما ذكر،إلا أن استصحاب الصحة (2) حاكم عليها.

و فيه:ما سيجيء في المسألة الآتية:من فساد التمسك به في هذه المقامات،و كذا التمسك بغيره مما سيذكر هناك.

فإن قلت:إن الأصل الأولي و إن كان ما ذكرت،إلا أن هنا أصلا ثانويا يقتضي إمضاء ما يفعله الناسي خاليا عن الجزء و الشرط المنسي عنه، و هو قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«رفع عن امتي تسعة:الخطأ و النسيان...»،بناء على أن المقدر ليس خصوص المؤاخذة،بل جميع الآثار الشرعية المترتبة على الشيء المنسي لو لا النسيان،فإنه لو ترك السورة لا للنسيان يترتب حكم الشارع عليه بالفساد و وجوب الإعادة،و هذا مرفوع مع ترك السورة نسيانا.

و إن شئت قلت:إن جزئية السورة مرتفعة حال النسيان.

قلت-بعد تسليم إرادة رفع جميع الآثار-:إن جزئية السورة ليست من الأحكام المجعولة لها شرعا،بل هي ككلية الكل (3) ،و إنما (1)و هي أصالة عدم إمضاء الخالي عن الجزء المنسي بعد الاعتراف بعدم الأمر به.

(2)يعني:الثانية للمركب قبل الوصول إلى موضع الجزء المنسي.

لكنه مختص بنسيان ما عدا الجزء الاول.

(3)فإن جزئية الجزء و كلية الكل أمران إضافيان منتزعان من طروء الوحدة الاعتبارية.على الأمور المتكثرة في نفسها،كالتسمية للمجموع،و الأمر بالمجموع و نحوهما،و حينئذ فجزئية الجزء للواجب المركب منتزعة من الأمر به،كما أوضحناه في تعليقتنا على الكفاية.

ص: 145

المجعول الشرعي وجوب الكل،و الوجوب مرتفع حال النسيان بحكم الرواية،و وجوب الإعادة بعد التذكر مترتب على الأمر الأول،لا على ترك السورة.

و دعوى:أن ترك السورة سبب لترك الكل (1) الذي هو سبب وجود الأمر الأول،لأن عدم الرافع من أسباب البقاء،و هو من المجعولات القابلة للارتفاع في الزمان الثاني،فمعنى رفع النسيان رفع ما يترتب عليه و هو ترك الجزء،و معنى رفعه رفع ما يترتب عليه و هو ترك الكل،و معنى رفعه رفع ما يترتب عليه و هو وجود الأمر في الزمان الثاني.

مدفوعة:بما تقدم في بيان معنى الرواية في الشبهة التحريمية في الشك في أصل التكليف:من أن المرفوع في الرواية الآثار الشرعية الثابتة لو لا النسيان،لا الآثار الغير الشرعية،و لا ما يترتب على هذه الآثار من الآثار الشرعية.

فالآثار المرفوعة في هذه الرواية نظير الآثار الثابتة للمستصحب بحكم أخبار الاستصحاب في أنها هي خصوص الشرعية المجعولة للشارع،دون الآثار العقلية و العادية،و دون ما يترتب عليها من الآثار (1)لا يخفى إن ترك الجزء مقارن لترك الكل لا سبب له،لأنه عينه خارجا، فيمتنع سببية أحدهما للآخر.و من ثم أشرنا فيما سبق إلى أن الأمر الوارد على الجزء ضمني لا غيري.

ثم إن هذا الوجه لو تم لاقتضى عدم لزوم امتثال الكل لو فرض نسيانه كلية، و هو كما ترى.

ص: 146

الشرعية.

نعم،لو صرح الشارع بأن حكم نسيان الجزء الفلاني مرفوع،أو أن نسيانه كعدم نسيانه،أو أنه لا حكم لنسيان السورة مثلا،وجب حمله -تصحيحا للكلام (1) -على رفع الإعادة و إن لم يكن أثرا شرعيا (2) ، فافهم.

و زعم بعض المعاصرين الفرق بينهما (3) ،حيث حكم في مسألة البراءة و الاشتغال في الشك في الجزئية:بأن أصالة عدم الجزئية لا يثبت بها ما يترتب عليه،من كون المأمور به هو الأقل،لأنه لازم غير شرعي.أما رفع الجزئية الثابتة بالنبوي فيثبت به كون المأمور به هو الأقل.و ذكر في وجه الفرق ما لا يصلح له،من إرادة راجعة فيما ذكره في أصالة العدم.

و كيف كان،فالقاعدة الثانوية في النسيان غير ثابتة.

نعم يمكن دعوى القاعدة الثانوية في خصوص الصلاة من جهة قوله عليه السّلام:«لا تعاد الصلاة إلا من خمسة:الطهور،و الوقت،و القبلة، و الركوع،و السجود»،و قوله عليه السّلام في مرسلة سفيان:«يسجد سجدتي (1)لامتناع حمله على خصوص الحكم الشرعي بعد فرض عدم الحكم له في المقام.

(2)لعدم امتناع التعبد بالأصل المثبت عقلا،و إنما يتوقف فيه لقصور الأدلة عنه بسبب انصرافها إلى خصوص الآثار الشرعية،فمع فرض انحصار تصحيح كلام الشارع به يتعين الالتزام به.

(3)يعني:بين النبوي الدال على البراءة و أخبار الاستصحاب،التي تكون هي الدليل على أصالة العدم.

ص: 147

السهو في كل زيادة و نقيصة» (1) ،و قوله عليه السّلام في من نسي الفاتحة:«أ ليس قد أتممت الركوع و السجود» (2) ،و غيره.

ثم إن الكلام في الشرط كالكلام في الجزء في الأصل الأولي و الثانوي المزيف و المقبول،و هو غاية المسئول.

(1)فإنه ظاهر في عدم البطلان بالزيادة و النقيصة.

لكن الظاهر أنه لا إطلاق له بنحو يكون مرجعا عند الشك و إنما يدل على الحكم في الجملة،و ذلك لعدم سوقه لبيان الحكم المذكور،بل لبيان وجوب سجود السهو،و حيث أنه يختص بحكم الإجماع بصورة عدم بطلان الصلاة كان مختصا بالزيادة و النقيصة غير المبطلين من دون شرح لهما.فلاحظ.

(2)فإنه ظاهر في أن المدار في صحة الصلاة على تماميتهما،و لا أهمية لبقية الأجزاء.

ص: 148

المسألة الثانية

في زيادة الجزء عمدا

و إنما يتحقق في الجزء الذي لم يعتبر فيه اشتراط عدم الزيادة،فلو أخذ بشرطه (1) فالزيادة عليه موجب لاختلاله من حيث النقيصة (2) ،لأن فاقد الشرط كالمتروك.كما أنه لو أخذ في الشرع لا بشرط الوحدة و التعدد (3) (1)يعني:بشرط عدم الزيادة،بحيث تكون الزيادة موجبة لخروج المأتي به عن كونه جزءا.

(2)يعني:فيدخل في المسألة الأولى التي عرفت أن مقتضى الأصل فيها البطلان.

(3)يعني:بنحو لو حصل المتعدد لكان بتمامه جزءا و لو حصل الواحد لكان وحده جزءا.

و قد يقال:إن ذلك مبني على إمكان التخيير بين الأقل و الأكثر التدريجيين.

و فيه:أن ذلك مختص بالواجبين الاستقلاليين،أما الجزء فالتخيير فيه ليس بين التدريجيين لرجوع التخيير فيه إلى التخيير بين المركبين المشتمل أحدهما على الأقل و الآخر على الأكثر،و ليس المركبان تدريجيين بل دفعيين كالقصر و التمام،فلا إشكال ظاهرا في إمكان التخيير بينهما.

ص: 149

فلا إشكال في عدم الفساد (1) .

و يشترط في صدق الزيادة:قصد كونه من الأجزاء،أما زيادة صورة الجزء لا بقصدها-كما لو سجد للعزيمة في الصلاة-لم تعد زيادة في الجزء (2) .نعم،ورد في بعض الأخبار:«أنها زيادة في المكتوبة»،و سيأتي الكلام في معنى الزيادة في الصلاة.

ثم الزيادة العمدية تتصور على وجوه (3) :

أحدها:أن يزيد جزءا من أجزاء الصلاة بقصد كون الزائد جزءا مستقلا،كما لو اعتقد شرعا أو تشريعا أن الواجب في كل ركعة ركوعان، (1)لكون تمام المأتي به جزءا فلا زيادة،لا لأجل عدم قادحية الزيادة.

ثم أنه بناء على ما عرفت يختص الكلام بما إذا كان الجزء هو الواحد لا بقيد الوحدة بحيث لو وجد غيره معه لم يمنع من انطباق الجزء عليه و لم يشترك معه في صدق الجزء عليهما،بل كان زائدا على الجزء مع فرض عدم الدليل على قادحية الزيادة في أصل الواجب.فلاحظ.

(2)تحقيق معنى الزيادة موكول إلى الفقه،و هو إنما ينفع بالإضافة إلى أحكام الزيادة لا في مثل المقام،مما لا أثر فيه لعنوان الزيادة،و إنما يقع الكلام فيها من حيث احتمال قادحيتها،فإن ذلك قد يفرض أيضا بالإضافة إلى زيادة صورة الجزء من دون قصد الجزئية،فيجري فيه الكلام الآتي،و لا وجه لتخصيص محل الكلام بالمعنى الذي ذكره قدّس سرّه.

نعم الوجوه الثلاثة للزيادة سيأتي منه التعرض لها إنما تتصور فيما قصد به الجزئية،دون غيره،كما لا يخفى.

(3)الوجوه المذكورة إنما يظهر أثرها في التعبديات أما التوصليات و فرض احتمال قدح الزيادة فيها فالمرجع فيها أصالة البراءة مطلقا،كما لعله ظاهر.

ص: 150

كالسجود.

الثاني:أن يقصد كون مجموع الزائد و المزيد عليه جزءا واحدا،كما لو اعتقد أن الواجب في الركوع الجنس الصادق على الواحد و المتعدد.

الثالث:أن يأتي بالزائد بدلا عن المزيد عليه بعد رفع اليد عنه:إما اقتراحا،كما لو قرأ سورة ثم بدا له في الأثناء (1) أو بعد الفراغ و قرأ سورة أخرى لغرض ديني كالفضيلة،أو دنيوي كالاستعجال.و إما لإيقاع الأول على وجه فاسد (2) بفقد بعض الشروط،كأن يأتي ببعض الأجزاء رياء أو مع عدم الطمأنينة المعتبرة فيها،ثم يبدو له في إعادته على وجه صحيح.

أما الزيادة على الوجه الأول:فلا إشكال في فساد العبادة إذا نوى ذلك قبل الدخول في الصلاة أو في الأثناء (3) ،لأن ما أتى به و قصد الامتثال به-و هو المجموع المشتمل على الزيادة-غير مأمور به،و ما أمر به (1)العدول في الأثناء مانع من صدق الجزء على السورة المعدول عنها، فتكون الزيادة بها لا بالسورة المعدول اليها.

(2)لكن هذا يوجب عدم صدق الجزء على الأول،فيكون هو الزائد،لا الثاني لتعينه للجزئية.

نعم لو فرض عدم إمكان تدارك الجزء مع بطلانه و مضيه بنحو يجوز الإجتزاء بالمركب الناقص حينئذ تعين كون الثاني زائدا أيضا.فلاحظ.

(3)قصد ذلك في الأثناء إنما يضر مع الإتيان بشيء من الأجزاء المعتبرة مع القصد المذكور،أما لو قصد ذلك حين الإتيان بالزيادة لا غير ثم عدل عنه في بقية الأجزاء المعتبرة في المركب فلا موجب للبطلان،و لا يتوجه فيه ما يأتي.

ص: 151

و هو ما عدا تلك الزيادة لم يقصد الامتثال (1) به.

و أما الأخيران:فمقتضى الأصل عدم بطلان العبادة فيهما،لأن مرجع ذلك الشك إلى الشك في مانعية الزيادة،و مرجعها إلى الشك في (1)هذا موقوف على أن يكون قاصدا اختراع أمر آخر غير الأمر الواقعي واردا على مركب آخر مشتمل على الزيادة المذكورة،نظير ما لو كان الواجب عليه سجود التلاوة فأتى بسجدتي السهو،أو كان الواجب عليه صلاة المغرب فنوى صلاة غيرها مشتملة على أربع ركعات.

بل قد يبطل المركب حينئذ مع قطع النظر عن الزيادة من جهة التشريع بناء على أنه يقتضي حرمة الفعل المأتي به تبعا له حتى لو فرض ثبوت شرعيته واقعا،لعدم تأتي قصد القربة فيه.

أما لو كان مرجع قصده إلى التصرف في كيفية المأمور به الواقعي مع قصد الأمر المتعلق به لا غير من دون اختراع أمر آخر،كما لو اعتقد كون الواجب عليه من سجود التلاوة سجدتين أو اعتقد كون صلاة المغرب أربع ركعات،فلا موجب للبطلان،و لا يتأتى ما ذكره المصنف قدّس سرّه إذ لم يقصد إلا امتثال الأمر الواقعي و المفروض انطباقه على المأتي به بلحاظ بعض أجزائه و عدم الدليل على مبطلية الزيادة،و مجرد قصد الامتثال بالمجموع لا ينافي قصد امتثال الأمر،و لا يمنع من وقوعه مع فرض انطباقه عليه.

كما لا يمنع التشريع من التقرب المعتبر بعد فرض عدم التشريع في نفس الأمر و عدم الاندفاع إلا عن الأمر الواقعي الذي لا تشريع فيه،و مجرد التشريع في كيفيته لا يمنع من ذلك،و الظاهر أن محل الكلام هو هذا لا الوجه الأول.

نعم لو فرض تقييد الامتثال بما إذا كان المأمور به بالنحو الخاص لم يقع الامتثال كما فيه أيضا كما لو قيده بسائر ما لا واقع له و لو لم يكن من شئون الامر.

لكنه خارج عن محل كلامهم أيضا.

ص: 152

شرطية عدمها،و قد تقدم أن مقتضى الأصل فيه البراءة (1) .

و قد يستدل على البطلان:بأن الزيادة تغيير لهيئة العبادة الموظفة فتكون مبطلة.و قد احتج به في المعتبر على بطلان الصلاة بالزيادة.

و فيه نظر،لأنه إن أريد تغيير الهيئة المعتبرة في الصلاة،فالصغرى ممنوعة،لأن اعتبار الهيئة الحاصلة من عدم الزيادة أول الدعوى،فإذا شك فيه فالأصل البراءة عنه.

و إن أريد أنه تغيير للهيئة المتعارفة المعهودة للصلاة فالكبرى ممنوعة (2) ،لمنع كون تغيير الهيئة المتعارفة مبطلا.

و نظير الاستدلال بهذا للبطلان في الضعف:الاستدلال للصحة باستصحابها،بناء على أن العبادة قبل هذه الزيادة كانت صحيحة، و الأصل بقاؤها و عدم عروض البطلان لها.

و فيه:أن المستصحب إن كان صحة مجموع الصلاة فلم يتحقق بعد (3) .

و إن كان صحة الأجزاء السابقة منها فهي غير مجدية،لأن صحة (1)هذا يتم في الوجه الثالث،أما الوجه الثاني فيجري فيه ما تقدم في الوجه الأول لرجوع التصرف في الجزء إلى التصرف في المركب المشتمل عليه.فلاحظ.

(2)بل الصغرى أيضا ممنوعة في كثير من الفروض،لأن كثيرا من الأجزاء يتعارف الإتيان بها لا بقصد الجزئية ككثير من الأذكار،و لا مجال لتوهم اختلاف الهيئة المتعارفة باختلاف القصد.فتأمل.

(3)لعدم تحقق موضوعه بعد فرض الزيادة قبل إكمال العمل.

ص: 153

تلك الأجزاء:إما عبارة عن مطابقتها للأمر المتعلق بها،و إما ترتب الأثر عليها.

و المراد بالأثر المترتب عليها:حصول المركب بها منضمة مع باقي الأجزاء و الشرائط (1) ،إذ ليس أثر الجزء المنوط به صحته إلا حصول الكل به منضما إلى تمام غيره مما يعتبر في الكل.

و لا يخفى:أن الصحة بكلا المعنيين باقية للأجزاء السابقة،لأنها بعد وقوعها مطابقة للأمر بها لا تنقلب عما وقعت عليه (2) ،و هي بعد على وجه (1)ظاهره أن المراد بها شأنية ترتب المركب عليها ذاتا المنتزع من صدق الشرطية و هي قولنا:إن ضم لها باقى الأجزاء و الشرائط لحصل المركب و هي حينئذ لا تقبل الارتفاع و تحصل بمجرد حصول الجزء واجدا لما يعتبر فيه،كما سيأتي.

لكن لا يبعد كون أثر الجزء هو حصول أثر المركب و فعليته حال انضمام بقية الأجزاء و الشرائط عليه،فمع فقد بعض ما يعتبر في المركب لما لم يحصل أثر المركب لا يحصل أثر الجزء،فلا يكون صحيحا.

(2)هذا توجيه لحصول الصحة لو كانت بمعنى المطابقة للأمر.

لكنه لا يخلو عن إشكال فإن اعتبار الارتباطية و الشرائط بين الأجزاء موجب لعدم مطابقة كل جزء لأمره إلا بانضمامه لبقية الأجزاء و الشرائط،و قبل التمام تكون المطابقة مراعاة بالتمام،لا فعلية متيقنة.

نعم لا يبعد كون التمام شرطا فيها بنحو الشرط المتأخر فلو حصل كشف عن وقوع الجزء صحيحا من أول الأمر.

و كيف كان فلا يقين بالمطابقة للأمر قبل التمام فضلا عن كونها غير قابلة للارتفاع.فلاحظ.

ص: 154

لو انضم إليها تمام ما يعتبر في الكل حصل الكل (1) ،فعدم حصول الكل لعدم انضمام تمام ما يعتبر في الكل إلى تلك الأجزاء،لا يخل بصحتها (2) .

أ لا ترى:أن صحة الخل من حيث كونه جزءا للسكنجبين (3) ،لا يراد بها إلا كونه على صفة لو انضم إليه تمام ما يعتبر في تحقق السكنجبين لحصل الكل،فلو لم ينضم إليه تمام ما يعتبر فلم يحصل-لذلك-الكل،لم يقدح ذلك في اتصاف الخل بالصحة في مرتبة جزئيته.

فإذا كان عدم حصول الكل يقينا لعدم حصول تمام ما يعتبر في الكل، غير قادح في صحة الجزء،فكيف إذا شك في حصول الكل من جهة الشك في انضمام تمام ما يعتبر،كما فيما نحن فيه؟فإن الشك في صحة الصلاة بعد تحقق الزيادة المذكورة،من جهة الشك في انضمام تمام ما يعتبر إلى الأجزاء، لعدم كون عدم الزيادة شرطا،و عدم انضمامه،لكون عدم الزيادة أحد الشرائط المعتبرة،و لم يتحقق،فلا يتحقق الكل.

(1)هذا توجيه لحصول الصحة لو كانت بمعنى ترتب الأثر.و هو مبني على ما ذكره من أثر الجزء أما بناء على ما ذكرنا فيجري فيه ما سبق في مطابقة الأمر.

(2)لأن صدق الشرطية لا يتوقف على صدق طرفيها.

(3)الكلام في صحة الخل من الحيثية المذكورة هو الكلام في صحة الأجزاء، فيجري ما سبق.

نعم صحة الخل في نفسه منتزعة من ترتب أثره المرغوب فيه مع قطع النظر عن السكنجبين،و لا دخل لترتب السكنجبين فيها و لا لتمامية شرائطه و أجزائه إلاّ أنه لو فرض سقوط الخل عن قابلية ترتب الأثر المطلوب منه في نفسه بسبب خلطه ببعض أجزاء السكنجبين صار فاسدا بعد صحته.

ص: 155

و من المعلوم:أن هذا الشك لا ينافي القطع بصحة الأجزاء السابقة، فاستصحاب صحة تلك الأجزاء غير محتاج إليه،لأنا نقطع ببقاء صحتها، لكنه لا يجدي في صحة الصلاة بمعنى استجماعها لما عداها من الأجزاء و الشرائط الباقية.

فإن قلت:فعلى ما ذكرت فلا يعرض البطلان للأجزاء السابقة أبدا، بل هي باقية على الصحة بالمعنى المذكور إلى أبد الدهر و إن وقع بعدها ما وقع من الموانع،مع أن من الشائع في النصوص و الفتاوى إطلاق المبطل و الناقض على مثل الحدث و غيره من قواطع الصلاة (1) .

قلت:نعم،و لا ضير في التزام ذلك،و معنى بطلانها عدم الاعتداد بها في حصول الكل (2) ،لعدم التمكن من ضم تمام الباقي إليها،فيجب (1)الشائع إطلاق الناقض و المبطل بالإضافة إلى نفس الصلاة لا بالإضافة إلى خصوص الأجزاء السابقة،فيقال مثلا:انتقضت الصلاة أو بطلت.

اللهم إلا أن يدعى أن المراد به الانتقاض و البطلان بالإضافة إلى خصوص ما وقع من الأجزاء لا بالإضافة إلى تمام الصلاة،لفرض عدم تماميتها،و يكون التعبير تسامحيا من حيث كون الشروع في الأجزاء شروعا في الكل.فلاحظ.

(2)فيكون المراد بالبطلان حصول المانع من صحة الكل و وقوعه.

لكن هذا يناسب ما ذكرناه في معنى صحة الأجزاء من كونها منوطة بتمامية المركب فمع عدم تماميته لا تتم الصحة بل يصح إطلاق البطلان أما بناء على ما ذكره فعدم ترتب المركب لا يقتضي بطلان الأجزاء كما لا يخفى.

إن قلت:بناء على ما ذكرنا لا تتصف الأجزاء بالصحة من أول الأمر لا أنها تقع صحيحة ثم تبطل.

ص: 156

استئناف الصلاة،امتثالا للأمر.

نعم،إن حكم الشارع على بعض الأشياء بكونه قاطعا للصلاة أو ناقضا،يكشف عن أن لأجزاء الصلاة في نظر الشارع هيئة اتصالية (1) ترتفع ببعض الأشياء دون بعض،فإن الحدث يقطع ذلك الاتصال قلت:إطلاق البطلان بلحاظ سبق شأنية الصحة لها حيث كانت في معرض الصحة و قابلة لها،فعروض المانع لما كان مانعا من صحتها صح لأجله إطلاق البطلان و لو بنحو من التسامح.فلاحظ.

ثم إنه لا يخفى أن الصحة بنفسها لما لم تكن أمرا مجعولا،بل منتزعا من مطابقة الأمر فلا مجال لاستصحابها.

و أما مطابقة الأمر فهي أمر واقعي ليست مجعولا شرعيا و لا موضوعا لأثر شرعي لأن سقوط الأمر بسببها عقلي لا شرعي،فلا مجال لاستصحابها أيضا.

نعم إذا فرض إحراز ذلك سابقا فقد أحرز عدم التكليف فيمكن استصحابه لو فرض الشك في عود التكليف.

إلا أنه لا مجال لإحرازه أما بالإضافة إلى أمر المركب فواضح لأن الشك في بطلان العمل ملازم للشك في سقوط أمره،و أما بالإضافة إلى أمر الأجزاء فهو -مع أنه ليس موردا للأثر،إذ الأثر لسقوط أمر المركب الملازم لسقوط أمر الجزء، لا لنفس سقوط أمر الجزء-غير محرز أيضا بناء على ما عرفت من أن موافقة أمرها مراعاة بتمامية أمر المركب.

و الحاصل:أنه لا مجال للرجوع إلى استصحاب الصحة على جميع تقادير الكلام.فلاحظ.

(1)فان القطع و النقض إنما يصدق في الأمر المستمر الواحد كقطع الحبل و نقضه.

ص: 157

و التجشؤ لا يقطعه،و القطع يوجب الانفصال القائم بالمنفصلين،و هما في ما نحن فيه الأجزاء السابقة و الأجزاء التي تلحقها بعد تخلل ذلك القاطع، فكل من السابق و اللاحق يسقط عن قابلية ضمه إلى الآخر و ضم الآخر إليه.

و من المعلوم:أن الأجزاء السابقة كانت قابلة للضم إليها و صيرورتها أجزاء فعلية للمركب،و الأصل بقاء تلك القابلية (1) و تلك الهيئة الاتصالية بينها و بين ما يلحقها،فيصح الاستصحاب في كل ما شك في قاطعية الموجود.

و لكن هذا مختص بما إذا شك في القاطعية،و ليس مطلق الشك في مانعية الشيء-كالزيادة في ما نحن فيه-شكا في القاطعية.

و حاصل الفرق بينهما:أن عدم الشيء في جميع آنات الصلاة قد يكون بنفسه من جملة الشروط،فإذا وجد آناً ما فقد انتفى الشرط على وجه لا يمكن تداركه،فلا يتحقق المركب من هذه الجهة،و هذا لا يجدي فيه القطع بصحة الأجزاء السابقة (2) ،فضلا عن استصحابها (3) .

(1)سيأتي أن استصحاب القابلية المذكورة مثبت،لأن الأثر لفعلية الاتصال.

نعم لا بأس بالتمسك باستصحاب نفس الهيئة الاتصالية المعتبرة في المركب المتيقنة سابقا.

(2)بناء على إحرازها بمجرد حصول الجزء،و قد عرفت الكلام في ذلك.

(3)كما لا يجدي فيه استصحاب الهيئة الاتصالية،لأن احتمال بطلان المركب ليس لاحتمال فقدها،بل لأمر آخر و هو احتمال وجود المانع.

ص: 158

و قد يكون اعتباره من حيث كون وجوده قاطعا و رافعا للهيئة الاتصالية و الارتباطية في نظر الشارع بين الأجزاء،فإذا شك في رافعية شيء لها حكم ببقاء تلك الهيئة و استمرارها و عدم انفصال الأجزاء السابقة عما يلحقها من سائر الأجزاء.

و ربما يرد (1) استصحاب الصحة،بأنه:إن أريد صحة الأجزاء المأتي بها بعد طرو المانع الاحتمالي فغير مجد،لأن البراءة إنما تتحقق بفعل الكل دون البعض (2) .و إن أريد إثبات عدم مانعية الطارئ أو صحة بقية الأجزاء فساقط،لعدم التعويل على الأصول المثبتة (3) ،انتهى.

و فيه نظر يظهر مما ذكرنا،و حاصله:

أن الشك إن كان في مانعية شيء و شرطية عدمه للصلاة،فصحة الأجزاء السابقة لا تستلزم عدمها (4) ظاهرا و لا واقعا،حتى يكون الاستصحاب بالنسبة إليها من الأصول المثبتة.

و إن كان في قاطعية الشيء و رفعه للاتصال و الاستمرار الموجود (1)كما عن الفصول.

(2)فلا يهم إحراز صحته،بل لا بد من إحراز صحة الكل.

(3)يعني:لأن صحة الأجزاء بعد طروء ما يحتمل المانعية ملزوم لعدم مانعيته و صحة الكل معه الذي هو مورد الأثر.

(4)لما عرفت منه قدّس سرّه من أن الجزء لا ينقلب عما وقع عليه من الصحة بسبب طروء المانع المقطوع فضلا عن المحتمل.

و قد سبق الكلام في ذلك،و ذكرنا أن الصحة في الجزء لا مجال لإحرازها إلا بتمامية المركب،فلا يمكن استصحابها،فضلا عن أن يثبت لوازمها.

ص: 159

للعبادة في نظر الشارع،فاستصحاب بقاء الاتصال كاف (1) ،إذ لا يقصد في المقام سوى بقاء تلك الهيئة الاتصالية،و الشك إنما هو فيه،لا في ثبوت شرط أو مانع آخر حتى يقصد بالاستصحاب دفعه (2) ،و لا في صحة بقية الأجزاء من غير جهة زوال الهيئة الاتصالية بينها و بين الأجزاء السابقة، و المفروض إحراز عدم زوالها بالاستصحاب.

هذا،و لكن يمكن الخدشة فيما اخترناه من الاستصحاب:بأن المراد بالاتصال و الهيئة الاتصالية إن كان ما بين الأجزاء السابقة بعضها مع بعض،فهو باق لا ينفع.و إن كان ما بينها و بين ما لحقها من الأجزاء الآتية،فالشك في وجودها لا بقائها (3) .

و أما أصالة بقاء الأجزاء السابقة على قابلية إلحاق الباقي بها،فلا يبعد كونها من الأصول المثبتة (4) .

اللهم إلا أن يقال:إن استصحاب الهيئة الاتصالية من الاستصحابات العرفية الغير المبنية على التدقيق،نظير استصحاب الكرية في الماء المسبوق (1)فهو نظير استصحاب الطهارة في أثناء الصلاة.

(2)ليكون الاستصحاب مثبتا.

(3)لأن الهيئة إضافة قائمة بطرفيها،فمع فرض عدم وجود الطرفين معا لا واقع لها،و إنما تحدث بحدوث الطرف الآخر،فإذا فرض حدوثه بعد وجود محتمل القاطعية فلا علم بها.

(4)لأن الأثر للهيئة الاتصالية التي هي عبارة عن فعلية الاتصال،فلا ينفع فيه استصحاب القابلية المذكورة و إن كان لازما لها.

ص: 160

بالكرية (1) .

(1)التحقيق عدم جريان استصحاب الكرية و نحوه ممّا يكون موضوع المستصحب هو الكل حقيقة،لأن ذهاب بعض الأجزاء لا موجب لعدم سلامة الموضوع و التسامح العرفي في موضوع الاستصحاب لا أصل له،بل المعتبر هو البقاء الحقيقي للموضوع الذي يرى العرف انه معروض المستصحب شرعا،على ما يأتي في محله إن شاء اللّه تعالى.

نعم الظاهر أن ذلك لا يجري في استصحاب الهيئة الاتصالية و نحوها من الأمور التدريجية أو القائمة بالأمور المتدرجة،فإن تعددها و تحليلها إلى جزائها عقلا لا ينافي وحدتها الحقيقية بالمعنى المعتبر في الأدلة،فيصح استصحابها مع الشك في استمرارها نظير استصحاب الكلام و نحوه على ما يذكر في محله.

لكن هذا مختص بما إذا كان مفاد الأدلة اعتبار بقاء الهيئة الاتصالية بمفاد كان التامة،أما إذا كان مفادها اعتبار الهيئة بين كل جزء و ما بعده،بحيث يرجع إلى اعتبارها الهيئات المتعددة بنحو الانحلال،كما هو غير بعيد-فلا دافع للإشكال،إذ لا مجال لاستصحاب ذلك و مجرد استصحاب الهيئة الواحدة القائمة بالجميع بمفاد كان التامة لا ينفع إلاّ بناء على الأصل المثبت.

هذا كله مع الإشكال في اعتبار الهيئة الاتصالية على آنها جزء أو شرط في قبال الأجزاء و الشرائط،لعدم ظهور الأدلة في ذلك.

و مجرد التعبير عن بعض الموانع بالناقض و القاطع لا يقتضيه بعد إمكان حمله على إرادة مجرد عدم الاعتداد بالأجزاء المأتي بها سابقا،نظير ما ورد من أن من جهر في موضع الإخفات أو أخفت في موضع الجهر عامدا فقد نقض صلاته.

و دعوى:أن التعبير المذكور مبني على التسامح فلا مجال للحمل عليه مع عدم القرينة،بل يتعين الحمل على المعنى الحقيقي و هو النقض و القطع للأمر الواحد المتصل،فيستلزم وجود الهيئة الاعتبارية المذكورة.مدفوعة:بأن فرض الاتصال

ص: 161

و يقال (1) في بقاء الأجزاء السابقة على قابلية الاتصال:إنه لما كان المقصود الأصلي من القطع و عدمه هو لزوم استئناف الأجزاء السابقة و عدمه،و كان الحكم بقابليتها لإلحاق الباقي بها في قوة الحكم بعدم وجوب استئنافها،خرج من الأصول المثبتة التي ذكر في محله عدم الاعتداد بها في الإثبات،فافهم.

و بما ذكرنا يظهر سر ما أشرنا إليه في المسألة السابقة:من عدم الجدوى في استصحاب الصحة لإثبات صحة العبادة المنسي فيها بعض الأجزاء عند الشك في جزئية المنسي حال النسيان.

الاعتباري المذكور مبني على العناية و التوسع أيضا،إذ لا اتصال عرفا.و ما يدركه العرف من الاتصال قد لا يخل به السبب المفروض الذي أطلق عليه القاطع او الناقض في الأدلة،فلا ينفع الحمل عليه في العمل بأصالة الحقيقة.

مضافا إلى الإشكال في حجية أصالة الحقيقية في استكشاف مثل الأمور المذكورة من اللوازم الخفية التي لا تقصد بالبيان و إنما تستفاد تبعا،فإن مقصود المتكلم بيان عدم الاعتداد بما وقع من الأجزاء،لا بيان اعتبار الهيئة المذكور،و إنما يدعى استفادته تبعا بسبب الملازمة المبنية على التمسك بأصالة الحقيقة،فانه لا يبعد اختصاص حجية أصالة الحقيقة باستكشاف مراد المتكلم لا غير.

و الحاصل:أن استفادة اعتبار الهيئة الاتصالية من النصوص المذكورة في غاية الإشكال أو المنع،و لا سيما مع ثبوت إرادة مجرد عدم الاعتداد بما وقع من الأجزاء من التعبير المذكور في بعض الموارد.

فلا موضع للكلام في استصحاب الهيئة المذكورة.فلاحظ.

(1)لعل الأولى أن يقول:«أو يقال...».لأن هذا وجه آخر لتصحيح التمسك بالاستصحاب لا يبتني على الوجه السابق.

ص: 162

و قد يتمسك لإثبات صحة العبادة عند الشك في طرو المانع بقوله تعالى: وَ لاٰ تُبْطِلُوا أَعْمٰالَكُمْ، فإن حرمة الإبطال إيجاب للمضي فيها، و هو مستلزم لصحتها و لو بالإجماع المركب،أو عدم القول بالتفكيك بينهما في غير الصوم و الحج.

و قد استدل بهذه الآية غير واحد تبعا للشيخ قدّس سرّه.

و هو لا يخلو عن نظر يتوقف على بيان ما يحتمله الآية الشريفة من المعاني،فنقول:

إن حقيقة الإبطال-بمقتضى وضع باب الإفعال-إحداث البطلان في العمل الصحيح (2) و جعله باطلا،نظير قولك:أقمت زيدا أو أجلسته أو أغنيته.

و الآية بهذا المعنى راجعة إلى النهي عن جعل العمل لغوا لا يترتب عليه أثر كالمعدوم بعد أن لم يكن كذلك،فالإبطال هنا نظير الإبطال في قوله تعالى: لاٰ تُبْطِلُوا صَدَقٰاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذىٰ، بناء على أن النهي عن تعقيبها بهما (3) ،بشهادة قوله تعالى: ثُمَّ لاٰ يُتْبِعُونَ مٰا أَنْفَقُوا مَنًّا وَ لاٰ أَذىً (2)يكفي في صدق الإبطال حدوثه بعد عدمه لو لم يكن العمل صحيحا، كما في العمل الموقوف القابل للصحة و الفساد،كالأجزاء التي عرفت أن صحتها و فسادها مراعاة بتمام المركب و عدمه،كما سيأتي من المصنف قدّس سرّه تطبيق هذا المعنى على الأجزاء،و إن كان لا يناسب ما سبق منه من عدم طروء البطلان على الجزء بعد صحته.فلاحظ.

(3)لا إيقاعها مقارنة لهما،إذ يناسب حينئذ المعنى الثاني،لا ما نحن بصدده.

ص: 163

...الآية (1) .

الثاني:أن يراد به إيجاد العمل على وجه باطل،من قبيل قوله:«ضيق فم الركية»،يعني أحدثه ضيقا،لا أحدث فيه الضيق بعد السعة.

و الآية بهذا المعنى نهي عن إتيان الأعمال مقارنة للوجوه المانعة عن صحتها،أو فاقدة للأمور المقتضية للصحة.

و النهي على هذين الوجهين ظاهره الإرشاد،إذ لا يترتب على إحداث البطلان في العمل أو إيجاده باطلا عدا فوت مصلحة العمل الصحيح (2) .

(1)و يشهد له أيضا الآية الاخرى التي بين الآيتين،و هي قوله تعالى: قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَ مَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهٰا أَذىً فإن السياق المذكور المستفاد من الآيتين الكريمتين شاهد بالمراد من الآية الثالثة و موضح له فيتعين الحمل على ذلك خصوصا بناء على أن المراد من المن الاعتداد بالإحسان بالتبجّح به و نحوه،و بالأذى ما يفعله المحسن من توهين الفقير إدلالا بإحسانه إليه،إذ من شأن ذلك أن يقع بعد الصدقة.

نعم لا يبعد النهي عما يعم المقارن،كما قد يساعده التدبر في بقية الآيات و النظر في الأمثلة المضروبة،التي يظهر من مجموعها أن ترتب الأثر على الصدقة و كسب ثوابها موقوف على صدورها في سبيل اللّه تعالى غير مشوبة بمن و لا أذى لا حينها و لا بعدها.

و لا أقل من كون ذلك مستفادا بتنقيح المناط.و تمام الكلام في محله.فتأمل جيدا.

(2)لا مجال للاستدلال على كون النهي إرشاديا بذلك،لا مكان أن يتعلق غرض آخر للمولى يقتضي النهي المولوي،و عدم ترتب اثر آخر عين الدعوى.

فالعمدة ظهور الآية في النهي الإرشادي،كما سيأتي.

ص: 164

الثالث:أن يراد من إبطال العمل قطعه و رفع اليد عنه،كقطع الصلاة و الصوم و الحج.و قد اشتهر التمسك لحرمة قطع العمل بها.

و يمكن إرجاع هذا إلى المعنى الأول،بأن يراد من الأعمال ما يعم الجزء المتقدم من العمل (1) ،لأنه أيضا عمل لغة،و قد وجد على وجه قابل لترتب الأثر و صيرورته جزءا فعليا للمركب،فلا يجوز جعله باطلا ساقطا عن قابلية كونه جزءا فعليا.

فجعل هذا المعنى مغايرا للأول مبني على كون المراد من العمل مجموع المركب الذي وقع الإبطال في أثنائه.

و كيف كان:فالمعنى الأول أظهر،لكونه المعنى الحقيقي (2) ، و لموافقته لمعنى الإبطال في الآية الاخرى المتقدمة (3) ،و مناسبته لما قبله من قوله تعالى: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ لاٰ تُبْطِلُوا أَعْمٰالَكُمْ، فإن تعقيب إطاعة اللّه و إطاعة الرسول بالنهي عن الإبطال يناسب الإحباط،لا إتيان العمل على الوجه الباطل،لأنها مخالفة (1)هذا وحده لا يكفي في الاستدلال،بل لا بد مع ذلك من إثبات كون النهي مولويا،إذ مجرد الإرشاد لعدم إبطال الجزء لا ينفع في المطلوب،كما لا يخفى.

و سيأتي الكلام في ذلك.

(2)المعنى الثالث الذي نحن بصدده لا ينافي المعنى الحقيقي،فالعمدة ما أشرنا من توقفه على حمل النهي على المولوية و ظهور الآية في الإرشاد،لما سيأتي.

(3)و هي آية الصدقة.

لكنه إنما ينفي المعنى الثاني لا الثالث.

ص: 165

للّه و للرسول (1) .

(1)إذ تعقيب الأمر باطاعة اللّه تعالى و الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالنهي عن الإبطال ظاهر في سوقه مساق التعليل المناسب لحمله على الإحباط و الإرشاد،نظير قول القائل:أطع السلطان و لا تضر نفسك،لا مساق التفريع من باب تفريع الصغرى على الكبرى،نظير:أطع اللّه و لا تشرب الخمر،حتى يتعين حمله على قطع العمل، و تكون الآية متعرضة لحرمته مولويا.

فإن التفريع المذكور لا يحسن إلا مع المفروغية عن ثبوت الحكم المولوي،فلا يراد إلا التأكيد عليه،كما هو الحال في حرمة شرب الخمر في المثال و من الظاهر عدم المفروغية عن حرمة الإبطال بالمعنى المذكور مولويا،و إنما المدعى بيانه بهذا الخطاب تأسيسا.

أما التعليل فهو و إن كان موقوفا على المفروغية عن علية العلة أيضا،لا أن المفروغية في المقام حاصلة،لما هو المعلوم ارتكازا من أن إطاعة اللّه تعالى و الرسول قوام لقبول الأعمال و مشاقتها سبب للهلاك الدائم و الخذلان الذي قد يؤدى إلى الكفر أو نحوه ممّا لا يقبل معه العمل،و قد تضمنت ذلك بعض الآيات الكريمة كقوله تعالى: إِنَّمٰا يَتَقَبَّلُ اللّٰهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ، و قد أشير إلى ذلك في مواقع من سورة محمد التي تضمنت الآية المستدل بها ممّا يصلح لأن يكون شارحا لها كقوله تعالى:

ذٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مٰا أَسْخَطَ اللّٰهَ وَ كَرِهُوا رِضْوٰانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمٰالَهُمْ.

و قوله تعالى قبل الآية المذكورة مباشرة إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ وَ شَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مٰا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدىٰ لَنْ يَضُرُّوا اللّٰهَ شَيْئاً وَ سَيُحْبِطُ أَعْمٰالَهُمْ.

و الحاصل:أن ملاحظة سياق الآية و لسانها شاهد صدق على كون المراد منها النهي عن إبطال العمل بنحو الإحباط إرشادا،لا النهي عن قطعه مولويا،فلاحظ و تدبر جيدا.

ص: 166

هذا كله،مع ظهور الآية في حرمة إبطال الجميع (1) ،فيناسب الإحباط بمثل الكفر،لا إبطال شيء من الأعمال الذي هو المطلوب.

و يشهد لما ذكرنا-مضافا إلى ما ذكرنا-:ما ورد من تفسير الآية بالمعنى الأول،فعن الأمالي و ثواب الأعمال (2) ،عن الباقر عليه السّلام،قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:من قال:سبحان اللّه،غرس اللّه له بها شجرة في الجنة، و من قال:الحمد للّه،غرس اللّه له بها شجرة في الجنة،و من قال:لا إله إلا اللّه،غرس اللّه له بها شجرة في الجنة».فقال له رجل من قريش:إن شجرتنا في الجنة لكثير،قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«نعم،و لكن إياكم أن ترسلوا إليها نارا فتحرقوها»،إن اللّه عزّ و جل يقول: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ لاٰ تُبْطِلُوا أَعْمٰالَكُمْ.

هذا إن قلنا بالإحباط مطلقا أو بالنسبة إلى بعض المعاصي.و إن لم نقل به و طرحنا الخبر-لعدم اعتبار مثله في مثل المسألة (3) -كان المراد في الآية (1)كأنه من جهة إسناد الإبطال للعمل الظاهر في إبطاله بتمامه،و قطع العمل إنما يقتضي إبطال ما وقع منه لا غير.

لكن هذا إنما يمنع من المعنى الثالث لو لم يمكن إرجاعه للمعنى الأول بتعميم العمل للجزء،كما سبق،إذ حينئذ يصح أيضا إسناد الإبطال للعمل بتمامه.

(2)الخبر المذكور لا يتضمن تفسير الآية بذلك،بل مجرد تطبيقها،فلا ينافي إرادة الأعم.فالعمدة عدم الجامع بينهما من حيث كون إرادة الإحباط تقتضي الحمل على الإرشاد.

و الاستدلال لما نحن فيه مبني على حمل النهي عن المولوية كما سبق.

(3)كأنه لأنها من الأصول التي ليست موردا للعمل،و منصرف جعل

ص: 167

الإبطال بالكفر (1) ،لأن الإحباط به اتفاقي.و ببالي أني وجدت أو سمعت ورود الرواية في تفسير الآية: وَ لاٰ تُبْطِلُوا أَعْمٰالَكُمْ بالشرك (2) .

هذا كله،مع أن إرادة المعنى الثالث الذي يمكن الاستدلال به موجب لتخصيص الأكثر،فإن ما يحرم قطعه من الأعمال بالنسبة إلى ما لا يحرم في غاية القلة (3) .

فإذا ثبت ترجيح المعنى الأول،فإن كان المراد بالأعمال ما يعم بعض العمل المتقدم،كان دليلا-أيضا-على حرمة القطع في الأثناء (4) ،إلا أنه لا ينفع فيما نحن فيه،لأن المدعى (5) فيما نحن فيه هو انقطاع العمل بسبب الحجية هو مقام العمل.

لكن عدم حجية الرواية في موردها لذلك لا ينافي صلوحها للقرينة على عدم إرادة المعنى الذي بصدره و الذي يتعلق بمقام العمل.فتأمل.

(1)و لو من حيث أن من العصيان في غيره الكفر ما قد يوجب استحقاق الخذلان منه تعالى للعبد،فيكفر و يحبط عمله بسبب الخذلان المسبب عن العصيان.

(2)و عن بعض المفسرين حملها على الشك و النفاق،فيدل المطلوب و بعضهم حملها على الرياء و السمعة،فتكون قريبة إلى المعنى الثاني،و تكون للإرشاد أيضا.فلاحظ.

(3)لاختصاصه بصلاة الفريضة و صوم قضاء رمضان بعد الظهر و للاعتكاف في اليوم الثالث و الحج.

و أما مثل صوم رمضان فحرمة قطعه لكونه مضيقا كالمنذور المضيق..

(4)لكن عرفت أن ذلك لا يكفي بعد ظهور القضية في الإرشاد.

(5)يعني:مدعى القائل بمانعية الزيادة.

ص: 168

الزيادة الواقعة فيه،كانقطاعه بالحدث الواقع فيه لا عن اختيار،فرفع اليد عنه بعد ذلك لا يعلم كونه قطعا له و إبطالا (1) ،و لا معنى لقطع المنقطع و إبطال الباطل.

و مما ذكرنا يظهر:ضعف الاستدلال على الصحة فيما نحن فيه باستصحاب حرمة القطع،لمنع كون رفع اليد بعد وقوع الزيادة قطعا، لاحتمال حصول الانقطاع،فلم يثبت في الآن اللاحق موضوع القطع، حتى يحكم عليه بالحرمة (2) .

(1)هذا موقوف على كون وجه الاستدلال بالآية دعوى دلالتها على حرمة الإبطال ابتداء،و قد سبق منه قدّس سرّه في وجه الاستدلال بوجه آخر،و هو دلالة الآية على وجوب المضي في العمل،فتدل على عدم بطلانه بالإجماع المركب و عدم الفصل،فإن هذا لو تم لا يتوجه عليه الإشكال المذكور،إذ لا حاجة إلى إحراز عنوان الإبطال في رتبة سابقة على الاستدلال حتى يتوجه عليه ما ذكره من عدم إحرازه مع احتمال مانعية الزيادة.

فالعمدة الإشكال في الوجه المذكور بعدم دلالة الآية على وجوب المضي إلا تبعا لدلالتها على حرمة الإبطال،فلا يجب المضي إلا من حيث ملازمة عدمه للإبطال، و حينئذ فلا بد من إحراز عنوان الإبطال في رتبة سابقة حتى يصح الاستدلال بالآية، فيتوجه ما ذكره قدّس سرّه حينئذ من عدم إحرازه مع احتمال مانعية الزيادة.فلاحظ.

(2)على أن استصحاب حرمة القطع لا يقتضي صحة العمل و عدم مانعية الزيادة إلا بناء على الأصل المثبت،لما أشير إليه في صدر الاستدلال بالآية من الملازمة بينهما المستفادة بالإجماع المركب و عدم الفصل.

و دعوى:أن ذلك دليل شرعي فتكون الملازمة شرعية و يخرج عن الأصل المثبت.مدفوعة:بأن الملازمة الشرعية المخرجة للأصل عن كونه مثبتا هي الراجعة

ص: 169

و أضعف منه:استصحاب وجوب إتمام العمل.

للشك (1) في الزمان اللاحق في القدرة على إتمامه،و في أن مجرد إلحاق باقي الأجزاء إتمام له،فلعل عدم الزيادة من الشروط،و الإتيان بما عداه من الأجزاء و الشرائط تحصيل لبعض الباقي،لا لتمامه حتى يصدق إتمام العمل.

أ لا ترى:أنه إذا شك بعد الفراغ عن الحمد في وجوب السورة و عدمه،لم يحكم على إلحاق ما عداه (2) إلى الأجزاء السابقة،أنه إتمام للعمل (3) ؟

و ربما يجاب عن حرمة الإبطال و وجوب الإتمام الثابتين بالأصل:بأنهما لا يدلان على صحة العمل (4) ،فيجمع بينهما و بين أصالة الاشتغال (5) إلى كون الملازم اثرا شرعيا للملزوم كطهارة المغسول التي هي من آثار طهارة الماء الذي يغسل به،لا مجرد ثبوت اللازم بين الحكمين من الأدلة الشرعية.فلاحظ.

و سيأتي بعض الكلام في ذلك قريبا.

(1)تعليل لقوله:«و أضعف منه..».

(2)يعني:ما عدا السورة المحتملة الجزئية.

(3)هذا مضافا إلى ما عرفت في الوجه السابق من أنه أصل مثبت.مع أن الوجهين يختصان بما يحرم قطعه من الأعمال كالصلاة،فلا يطّردان في جميع موارد احتمال مانعية الزيادة.

(4)لما عرفت من كونهما من الأصول المثبتة بالإضافة إليها.

(5)يعني:بالتكليف بالمركب الحد فإن مقتضى أصالة الاشتغال به لزوم إحراز الإتيان به صحيحا.

ص: 170

بوجوب (1) إتمام العمل ثم إعادته،للشك (2) في أن التكليف هو إتمام هذا العمل أو عمل آخر مستأنف؟

و فيه نظر،فإن البراءة اليقينية-على تقدير العمل باستصحاب وجوب التمام-يحصل بالتمام،و أن هذا الوجوب يرجع إلى إيجاب امتثال الأمر بكلي الصلاة في ضمن هذا الفرد (3) .و على تقدير عدم العمل به تحصل (4) بالإعادة من دون الإتمام.

و احتمال وجوبه و حرمة القطع مدفوع بالأصل،لأن الشبهة في أصل (1)متعلق بقوله:«فيجمع...».

(2)هذا تعليل آخر لوجوب الجمع بين الإتمام و الإعادة،و هو العلم الإجمالي بوجوب أحدهما،و هو يفترق عن الوجه السابق،و هو الجمع بين الأصلين بأنه لا يتوقف على جريانهما،فهو يجري حتى بناء على ما عرفت من المصنف قدّس سرّه من الإشكال في الاستصحاب بعدم الموضوع.فلاحظ.

(3)كأنه لأن الإتمام مع عدم وقوعه امتثالا يعلم بعدم وجوبه في مثل الصلاة، بل حتى في مثل الحج فإن وجوب الاستمرار فيه مع بطلانه ليس لكونه إتماما،لعدم إمكان اتمامه،بل هو حكم تعبدي خاص.

و بالجملة:الإتمام هو الإتيان بالعمل تاما بلحاظ الأثر المترتب عليه،و هو إسقاط الأمر الوارد عليه،فاستصحابه لو تم يقتضي الإجزاء.

لكن في خروج الأصل عن كونه مثبتا بذلك إشكال،لأن أخذ التمامية بالمعنى المذكور في موضوع وجوب الإتمام ليس شرعيا،بل عقليا.فتأمل جيدا.

(4)يعني:الامتثال.

ص: 171

التكليف الوجوبي أو التحريمي (1) .

بل لا احتياط في الإتمام مراعاة لاحتمال وجوبه و حرمة القطع،لأنه موجب لإلغاء الاحتياط من جهة أخرى،و هي مراعاة نية الوجه التفصيلي في العبادة (2) ،فإنه لو قطع العمل المشكوك فيه و استأنفه نوى الوجوب على وجه الجزم،و إن أتمه ثم أعاد فاتت منه نية الوجوب فيما هو الواجب عليه،و لا شك أن هذا الاحتياط على تقدير عدم وجوبه أولى من الاحتياط المتقدم،لأنه كان الشك فيه في أصل التكليف (3) ،و هذا شك في المكلف به.

(1)هذا و إن كان مسلما إلا أنه إنما يقتضي البراءة مع قطع النظر عن العلم الإجمالي المشار إليه في كلام من تقدم،لأن المفروض إن العمل إن لم يبطل يجب إكماله،و إن بطل وجب الاستئناف،و معه يتعين الاحتياط.

نعم لو فرض الشك في وجوب الإكمال بدوا إما للشبهة الحكمية-كما لو شك في وجوب إكمال النافلة-أو الموضوعية-كما لو شك في أنه نوى الفريضة أو النافلة-تعين الرجوع لأصل البراءة بلا إشكال.فلاحظ.

(2)لكن نية الوجه لا تجب إما مطلقا أو في مورد التعذر كما في المقام بناء على ما أشرنا إليه من منجزية العلم الإجمالي.و قد صرح المصنف قدّس سرّه بذلك غير مرة.

(3)يعنى:الاستقلالي،لوضوح أن وجوب الإتمام تكليف مستقل،و ليس شرطا في المكلف به،بخلاف وجوب نية الوجه،فالاحتياط فيه أولى.

لكن عرفت أنه يجب الاحتياط في الشك في وجوب الإتمام في المقام من جهة العلم الإجمالي،لا من جهة مجرد الشك.

و من هنا جرى الفقهاء(رضوان اللّه عليهم)على الأمر بالاحتياط في موارد احتمال بطلان العمل بالجمع بين الإتمام و الإعادة.

نعم لا مجال لوجوب ذلك في المقام،لما عرفت من أن الأصل مع الشك في

ص: 172

و الحاصل:أن الفقيه إذا كان مترددا بين الإتمام و الاستئناف،فالأولى له:الحكم بالقطع،ثم الأمر بالإعادة بنية الوجوب.

ثم إن ما ذكرناه:من حكم الزيادة و أن مقتضى أصل البراءة عدم مانعيتها،إنما هو بالنظر إلى الأصل الأولي،و إلا فقد يقتضي الدليل في خصوص بعض المركبات البطلان كما في الصلاة،حيث دلت الأخبار المستفيضة على بطلان الفريضة بالزيادة فيها.

مثل قوله عليه السّلام:«من زاد في صلاته فعليه الإعادة».

و قوله عليه السّلام:«إذا استيقن أنه زاد في المكتوبة فليستقبل صلاته» (1) .

و قوله عليه السّلام فيما حكي عن تفسير العياشي في من أتم في السفر:«إنه يعيده»،قال:«لأنه زاد في فرض اللّه عزّ و جل»،دل-بعموم التعليل-على وجوب الإعادة لكل زيادة في فرض اللّه عزّ و جل.

مانعية الزيادة عدم مانعيتها،فيصح العمل معها بل يجب الإتمام في مثل الصلاة لا من جهة الاستصحاب،و حينئذ فينحل العلم الإجمالي المذكور و يتعين تحقق البراءة من التكليف بالمركب و لا يلزم الإعادة.فلاحظ.

(1)هذا ظاهر في الزيادة السهوية لا العمدية بقرينة ذكر الاستيفاء الظاهر أنه حاصل بعد تحقق الزيادة لا حينها،إلا أن يستفاد منه حكم العمدية بالأولوية.

لكن التعرض للاستيقان ظاهر في كون الرواية في مقام بيان الحكم الظاهري لليقين في قبال الشك،فلا إطلاق لها يقتضي عموم مانعية الزيادة واقعا،بل هي في مقام بيان أن الزيادة المفروض مانعيتها إنما تتنجز مع اليقين لا مع الشك،فهو نظير قولك:إن شككت في موت الحيوان فابن على طهارته،فإن استيقنت بذلك فاغسل يدك منه،فإنه لا إطلاق له يشمل الحيوان الذي لا نفس له سائله.

ص: 173

و ما ورد في النهي عن قراءة العزيمة في الصلاة:من التعليل بقوله عليه السّلام:«لأن السجود زيادة في المكتوبة».

و ما ورد في الطواف من:«أنه مثل الصلاة المفروضة في أن الزيادة فيه مبطلة له» (1) .

و لبيان معنى الزيادة و أن سجود العزيمة كيف يكون زيادة في المكتوبة،مقام آخر.و إن كان ذكره هنا لا يخلو عن مناسبة،إلا أن الاشتغال بالواجب ذكره بمقتضى وضع الرسالة أهم من ذكر ما يناسب.

(1)لا يبعد انصرافه إلى تشبيه زيادة الشوط في الطواف بزيادة الركعة في الصلاة،فلا إطلاق له يقتضي قادحية الزيادة في الصلاة.فلاحظ.

ص: 174

المسألة الثالثة

في ذكر الزيادة سهوا

التي تقدح عمدا،و إلا فما لا يقدح عمدا فسهوها أولى بعدم القدح.

و الكلام هنا كما في النقص نسيانا،لأن مرجعه إلى الإخلال بالشرط (1) نسيانا،و قد عرفت:أن حكمه البطلان و وجوب الإعادة.

فثبت من جميع المسائل الثلاث:أن الأصل في الجزء أن يكون نقصه مخلا و مفسدا دون زيادته.

نعم،لو دل دليل على قدح زيادته عمدا كان مقتضى القاعدة البطلان بها سهوا،إلا أن يدل دليل على خلافه.

مثل قوله عليه السّلام:«لا تعاد الصلاة إلا من خمسة»،بناء على شموله لمطلق الإخلال الشامل للزيادة (2) .

و قوله عليه السّلام في المرسلة:«تسجد سجدتي السهو لكل زيادة و نقيصة (1)و هو في المقام عدم الزيادة.

(2)كما هو الظاهر.

ص: 175

تدخل عليك» (1) .

فتلخص من جميع ما ذكرنا:أن الأصل الأولي فيما ثبت جزئيته:

الركنية إن فسر الركن بما يبطل الصلاة بنقصه.و إن عطف على النقص الزيادة عمدا و سهوا،فالأصل يقتضي التفصيل بين النقص و الزيادة عمدا و سهوا (2) .

لكن التفصيل بينهما غير موجود في الصلاة،إذ كل ما يبطل الصلاة بالإخلال به سهوا يبطل بزيادته عمدا و سهوا،فأصالة البراءة الحاكمة بعدم البأس بالزيادة،معارضة-بضميمة عدم القول بالفصل-بأصالة الاشتغال الحاكمة ببطلان العبادة بالنقص سهوا.فإن جوزنا الفصل في الحكم الظاهري (3) الذي يقتضيه الأصول العملية فيما لا فصل فيه من (1)تقدم الكلام فيه في آخر المسألة الأولى.

(2)يعني:فبالإضافة إلى الزيادة العمدية و السهو فالأصل يقتضي عدم البطلان بها.

(3)كما هو الظاهر،لعدم محذور فيه بعد شمول دليل الحكم الظاهري و هو الأصل الجاري في كل مقام،و إنما يلتزم به في أطراف العلم الإجمالي للزوم محذور المخالفة القطعية الذي لا مجال له هنا،فالمقام نظير ما إذا كان احد الإنائين مستصحب الطهارة و الآخر مستصحب النجاسة و علم بكونهما بحكم واحد أما الطهارة لوقوع المطر عليهما أو النجاسة لملاقاة الميتة لهما لا ينبغي الإشكال في الرجوع إلى الاستصحابين المذكورين فيهما.

نعم لا يقال إن وجوب الإعادة مع النقيصة ليس مقتضى الأصل العملي،بل هو مقتضى إطلاق دليل الخطاب بالمركب التام الشامل لما لو أتى بالناقص سهوا.

و حينئذ فيكون الإطلاق المذكور في اللازم و هو مبطلية الزيادة-لو فرضت

ص: 176

حيث الحكم الواقعي،فيعمل (1) بكل واحد من الأصلين،و إلا فاللازم ترجيح قاعدة الاشتغال على البراءة (2) ،كما لا يخفى.

هذا كله مع قطع النظر عن القواعد الحاكمة على الأصول،و أما بملاحظتها:

فمقتضى«لا تعاد الصلاة إلا من خمسة»و المرسلة المذكورة (3) :عدم قدح النقص سهوا و الزيادة سهوا،و مقتضى عموم أخبار الزيادة المتقدمة:

قدح الزيادة عمدا و سهوا،و بينهما تعارض العموم من وجه في الزيادة الملازمة لعدم الفصل-لحجية الأمارة للازم مؤداها و ليست كالأصل.

كما انه لو فرض قصور دليل الجزئية عن شمول حال ترك الجزء سهوا-كما سبق الكلام فيه-فأصالة البراءة من الجزئية حينئذ تقتضي صحة الصلاة مع النقيصة فتوافق أصالة البراءة من مانعية الزيادة و لا يلزم الفصل في الحكم الظاهري بين ما لا فصل فيه في الواقع.فتأمل جيدا.

(1)جواب الشرط في قوله:«فإن جوزنا...».

(2)لم يتضح وجه ترجيح قاعدة الاشتغال لو كانت هي المرجع على أصالة البراءة بعد أن لم يكن كل منهما حجة في لازمه،و لا أقوى دليلا.

و دعوى:أن قاعدة الاشتغال قضية لا تقبل التخصيص،بخلاف قاعدة البراءة،لأن الأدلة الشرعية الدالة عليها تقبل التخصيص.

مدفوعة:بأن ذلك لو تم إنما يمنع من جريان البراءة الشرعية لا العقلية فتأمل جيدا.

(3)و هي قوله عليه السّلام:«تسجد سجدتي السهو لكل زيادة و نقيصة تدخل عليك».

ص: 177

السهوية بناء على اختصاص(لا تعاد)بالسهو (1) .

و الظاهر حكومة قوله:(لا تعاد)على أخبار الزيادة،لأنها كأدلة سائر ما يخل فعله أو تركه بالصلاة،كالحدث و التكلم و ترك الفاتحة،و قوله:«لا تعاد»يفيد أن الإخلال بما دل الدليل على عدم جواز الإخلال به إذا وقع سهوا،لا يوجب الإعادة و إن كان من حقه أن يوجبها.

و الحاصل:أن هذه الصحيحة مسوقة لبيان عدم قدح الإخلال سهوا بما ثبت قدح الإخلال به في الجملة.

ثم لو دل دليل على قدح الإخلال بشيء سهوا،كان أخص من الصحيحة (2) إن اختصت بالنسيان (3) و عممت بالزيادة و النقصان (4) .

(1)إذ لو قيل بعمومها للعمد كانت أعم من أخبار مبطلية الزيادة مطلقا، فتكون مخصصة بها.لكن هذا لو تم لجرى في النقيصة أيضا فإن مقتضى عموم دليل اعتبار الجزء البطلان بتركه مطلقا سهوا و عمدا و لم يفرق حينئذ بين الزيادة و النقيصة.

فلا بد حينئذ إما من طرح عموم«لا تعاد»لمنافاته لدليل اعتبار الجزء أو الشرط.أو توجيه الجمع بينه و بين الأدلة الأولية بدعوى حكومته عليها حتى مع الزيادة العمدية،لما أشرنا إليه في أول هذا التنبيه من إمكان فرض صحة المركب مع الإخلال بالجزء عمدا.فلاحظ.

(2)يعني:و حينئذ فتخصص به.

(3)لو دخل لاختصاصها بالنسيان في كون الدليل المذكور أخص منها.

(4)إذ لو اختصت بالنقيصة كانت أجنبية عن الدليل المذكور لو فرض وروده في الزيادة،أما لو كان واردا في النقيصة فهو أخص أيضا.

ص: 178

و الظاهر أن بعض أدلة الزيادة مختصة بالسهو،مثل قوله:«إذا استيقن أنه زاد في المكتوبة استقبل الصلاة» (1) .

(1)لكن عرفت الإشكال في إطلاقه،فيتعين حمله على خصوص الأركان و لا سيما و في بعض الروايات:«إذا استيقن أنه زاد في المكتوبة ركعة...»و عليه فإنها إن لم تكن رواية واحدة فلا أقل من كون الثانية مخصصة للأولى.و تمام الكلام في هذا المبحث في خلل الصلاة من الفقه.

و قد تعرض له المصنف قدّس سرّه هنا استطرادا،و لم يستوفه،بل ربما كان كلامه غير خال عن الاضطراب و التشويش،و المهم هنا معرفة القاعدة العامة الجارية في غير الصلاة أيضا.فلاحظ و اللّه سبحانه و تعالى العالم العاصم.

ص: 179

الأمر الثاني إذا ثبت جزئية شيء أو شرطيته في الجملة،فهل يقتضي الأصل...

إذا ثبت جزئية شيء أو شرطيته في الجملة،فهل يقتضي الأصل جزئيته و شرطيته المطلقتين حتى إذا تعذرا سقط التكليف بالكل أو المشروط،أو اختصاص اعتبارهما بحال التمكن،فلو تعذرا لم يسقط التكليف؟وجهان،بل قولان.

للأول:أصالة البراءة من الفاقد و عدم ما يصلح لإثبات التكليف به،كما سنبين.

و لا يعارضها استصحاب وجوب الباقي (1) ،لأن وجوبه كان مقدمة لوجوب الكل،فينتفي بانتفائه.و ثبوت الوجوب النفسي له مفروض الانتفاء (2) .

(1)حيث كان واجبا قبل تعذر الجزء و لو بتبع وجوب الواجد للجزء فيستصحب وجوبه بعد تعذره.

(2)لكن عرفت أن وجوب الجزء ليس مقدميا،بل نفسيا،نعم هو ضمني، و من المعلوم ارتفاعه بتعذر الجزء لارتفاع الأمر بالمركب الواجد له،و إنما يحتمل

ص: 180

نعم،إذا ورد الأمر بالصلاة-مثلا-و قلنا بكونها اسما للأعم،كان ما دل على اعتبار الأجزاء الغير المقومة فيها من قبيل التقييد،فإذا لم يكن للقيد إطلاق-بأن قام الإجماع على جزئيته في الجملة،أو على وجوب المركب من هذا الجزء في حق القادر عليه-كان القدر المتيقن منه ثبوت مضمونه بالنسبة إلى القادر،أما العاجز فيبقى إطلاق الصلاة بالنسبة إليه سليما عن المقيد،و مثل ذلك الكلام في الشروط.

نعم،لو ثبت الجزء و الشرط بنفس الأمر بالكل و المشروط (1) -كما لو قلنا بكون الألفاظ أسامي للصحيح-لزم من انتفائهما انتفاء الأمر،و لا أمر آخر بالعاري عن المفقود.و كذلك لو ثبت أجزاء المركب من أوامر متعددة،فإن كلا منها أمر غيري (2) إذا ارتفع بسبب العجز ارتفع الأمر حدوث الوجوب الاستقلالي للناقص بعد التعذر.

(1)كما لو قال:صل متطهرا،فتعذرت الطهارة.

و أما تمثيله له بما إذا قيل بأن الألفاظ أسامي للصحيح،فلا يخلو عن إشكال، لأنه إذا احتمل سقوط جزئية المتعذر حال التعذر فقد احتمل بقاء الأمر بالفاقد له و يكون هو الصحيح حين التعذر،فلا يعلم بسقوط الأمر بالمسمى بالتعذر.

نعم لا إطلاق للأمر يقتضي ثبوته حال التعذر،لأن المتيقن من المسمى هو الواجد للجزء،و لا إشكال في سقوط الأمر به.فلاحظ.

(2)مجرد كون الأمر غيريا بمقتضى الجمع بين الأدلة لا ينافي العمل بإطلاقه في مورد الشك في التقييد،فإن الغيرية مستتبعة لنحو من التقييد،فأصالة الإطلاق عدم تقييده و يقتصر في تقييده على المتيقن.

اللهم إلا أن يقال:الأمر الغيري ليس واردا في مقام البيان للواجب النفسي،فلا

ص: 181

بذي المقدمة،أعني الكل.

فينحصر الحكم بعدم سقوط الباقي في الفرض الأول (1) كما ذكرنا.

و لا يلزم من ذلك استعمال لفظ(المطلق)في المعنيين،أعني:المجرد عن ذلك الجزء بالنسبة إلى العاجز،و المشتمل على ذلك الجزء بالنسبة إلى القادر،لأن (2) المطلق-كما بين في موضعه-موضوع للماهية المهملة وجه للتمسك بإطلاقه في تعيين الواجب النفسي و أنه الخالي عن الجزء المتعذر فلاحظ.

نعم هذا إنما يتم في الشرط المستفاد من الأمر الغيري به،كالأمر بالوضوء الذي يستفاد منه شرطيته للصلاة،و لا يتم في الجزء،لما ذكرناه غير مرة من عدم كون وجوبه غيريا بل هو واجب بالوجوب النفسي الثابت للمركب،و مقتضى إطلاق الأمر به عدم اعتبار جزء آخر معه،فيقتصر في تقييده على المتيقن،و هو محل الكلام في المقام فتأمل جيدا.

(1)و يمكن تصوره أيضا فيما ورد شرح شرعي للماهية يقتضي عدم دخل الجزء المتعذر فيها،و علم بدخله في الجملة،فإنه يلزم الاقتصار في رفع اليد عن مقتضى الشرح المذكور على القدر المتيقن و هو حال القدرة،كما هو الحال في مثل:«لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال:الطعام و الشراب و النساء،و الارتماس في الماء»فلو فرض قيام الإجماع على جزئية أمر آخر في الجملة تعين الاقتصار على المتيقن و هو حال القدرة عليه.

و الحاصل:أن المدار على أن يكون مقتضى الإطلاق عدم جزئية المتعذر و المفروض ثبوت جزئيته في الجملة.

(2)تعليل لقوله:«و لا يلزم...».

ص: 182

الصادقة على المجرد عن القيد (1) و المقيد،كيف؟و لو كان كذلك كان كثير من المطلقات مستعملا كذلك (2) ،فإن الخطاب الوارد بالصلاة قد خوطب به جميع المكلفين الموجودين أو مطلقا (3) ،مع كونهم مختلفين في التمكن من الماء و عدمه،و في الحضر و السفر،و الصحة و المرض،و غير ذلك (4) .و كذا غير الصلاة من الواجبات.

و للقول الثاني:استصحاب وجوب الباقي إذا كان المكلف مسبوقا بالقدرة (5) ،بناء على أن المستصحب هو مطلق الوجوب،بمعنى لزوم الفعل (6) من غير التفات إلى كونه لنفسه أو لغيره (7) ،أو الوجوب النفسي (1)فدليل التقييد لا يكشف عن استعمال المطلق في المقيد بما هو مقيد،و لذا لا يكون مجازا.

(2)يعني:في أكثر من معنى.

(3)على الكلام في مسألة خطاب المشافهة.

(4)و اختلافهم في ذلك يوجب اختلافهم في القيود المأخوذة في الصلاة.

نعم التمثيل بذلك مبني على أن لفظ الصلاة موضوع للأعم،إذ لو كان موضوعا للصحيح كان مجملا و لم يكن له إطلاق حتى يكون مما نحن فيه.

(5)إذ لو كان عاجزا من أول الوقت فلا يقين بالتكليف لا بالتام و لا بالناقص بتبعه.

(6)و هو الناقص المعلوم الوجوب سابقا بسبب وجوب الكل.

(7)لكنه يشكل بعدم الأثر للوجوب الأعم من الوجوبين المذكورين،بل الأثر لخصوص الوجوب النفسي الاستقلالي،لأنه هو موضوع الإطاعة و المعصية و الوجوب الغيري في طوله.

ص: 183

المتعلق بالموضوع الأعم من الجامع لجميع الأجزاء و الفاقد لبعضها (1) ، بدعوى (2) صدق الموضوع عرفا على هذا المعنى الأعم الموجود في اللاحق و لو مسامحة،فإن أهل العرف يطلقون على من عجز عن السورة بعد قدرته عليها:أن الصلاة كانت واجبة عليه حال القدرة على السورة،و لا يعلم بقاء وجوبها بعد العجز عنها.

و لو لم يكف هذا المقدار في الاستصحاب لاختل جريانه في كثير من الاستصحابات،مثل استصحاب كثرة الماء و قلته (3) ،فإن الماء المعين و كذا الحال في الوجوب الضمني الثابت للجزء،كما عرفت غير مرة مضافا إلى أنه يبتني على القسم الثالث من استصحاب الكلي،و مختاره قدّس سرّه على عدم جريانه.

و دعوى:أن الوجوب اللاحق استمرار للوجوب السابق عرفا و إن كان يباينه دقة و فعلا.مدفوعة بما أشرنا إليه غير مرة من عدم العبرة بتسامح العرف في بقائه.

(1)فلا تسامح و لا تردد في نفس الوجوب،بل يراد منه خصوص النفسي، إلا أن التسامح في موضوعه و هو الواجب،فيراد منه الأعم من الفاقد للجزء و الواجد له.

لكنه مبتن على كفاية التسامح العرفي في موضوع الاستصحاب،و قد عرفت أنها خلاف التحقيق.

و يأتي من المصنف قدّس سرّه الكلام في الاستصحاب في المقام في التنبيه الحادي عشر من تنبيهات الاستصحاب.

(2)يعني:مع دعوى...،فهو تتمة لتوجيه الاستصحاب،و ليس كلاما مستأنفا.

(3)ذكرنا في استصحاب الهيئة الاتصالية المنع من جريان الاستصحاب المذكور،لعدم العبرة بتسامح العرف في تطبيق كبرى الاستصحاب.

ص: 184

الذي أخذ بعضه أو زيد عليه يقال:إنه كان كثيرا أو قليلا،و الأصل بقاء ما كان،مع أن هذا الماء الموجود لم يكن متيقن الكثرة أو القلة،و إلا لم يعقل الشك فيه،فليس الموضوع فيه إلا هذا الماء مسامحة في مدخلية الجزء ثم إنه قدّس سرّه لم يتعرض في المقام لأصالة البراءة من جزئية المتعذر حين التعذر بعد فرض كون المتيقن هو جزئيته حال القدرة لا مطلقا.

و لعله لأن الجزئية ليست من الأحكام الشرعية و لا يراد بالبراءة منها إلا البراءة من وجوب الجزء تبعا للكل،و لا مجال لها في المقام بعد العلم بعدم وجوبه للتعذر و ليس الشك إلاّ في وجوب الباقي و لا تنهض به ادلة البراءة.

إن قلت:لازم ذلك أنه لو شك في أصل جزئية الشيء للمركب كالسورة للصلاة-اذ في إطلاقها بعد الفراغ عن أصل جزئيتها-فجرت البراءة لنفي جزئيته ثم تعذر ذلك الشيء يسقط وجوب المركب،لأصالة البراءة منه بعد احتمال سقوطه بتعذر محتمل الجزئية،و أما البراءة من جزئيته إنما تنفع قبل تعذره لنفي التكليف به، لا بعده لاثبات وجوب الباقي،كما ذكر.

قلت:لا يبعد الالتزام بذلك إلا أن يبتلي بعلم اجمالي،كما لو وجب القضاء على تقدير الفوت،فانه يعلم حينئذ إما بوجوب المبادرة للناقص في الوقت أو الإتيان بالتمام بعده قضاء و كذا لو كان مبتلى بالعجز عن محتمل الجزئية في بعض الوقائع دون بعض،كما لو علم من نفسه القدرة يوم الجمعة و العجز يوم السبت فانه يعلم اجمالا إما بوجوب التام عليه يوم الجمعة أو الناقص يوم السبت،فيجب الاحتياط حينئذ.

نعم لو تجدد العجز في أثناء الوقت لم يبعد الرجوع إلى استصحاب وجوب الناقص الحاكم على أصل البراءة و الموجب لانحلال العلم الإجمالي في مثل الفرضين السابقين.

و لا بد من التأمل التام في المسألة.و اللّه سبحانه ولي التوفيق.

ص: 185

الناقص أو الزائد في المشار إليه،و لذا يقال في العرف:هذا الماء كان كذا، و شك في صيرورته كذا من غير ملاحظة زيادته و نقيصته.

و يدل على المطلب أيضا:النبوي و العلويان المرويات في عوالي اللآلي.

فعن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم».

و عن علي عليه السّلام:«الميسور لا يسقط بالمعسور»،و«ما لا يدرك كله لا يترك كله».

و ضعف أسنادها مجبور باشتهار التمسك بها بين الأصحاب في أبواب العبادات،كما لا يخفى على المتتبع (1) .

(1)كما في باب الطهور و الصلاة الاضطراريين على اختلاف مراتب الاضطرار.

لكن مجرد موافقة المشهور في بعض الموارد للرواية لا يوجب جبرها ما لم يثبت اعتمادهم عليها و تسالمهم على العمل بها و هو غير ثابت في المقام،خصوصا بعد عدم كون كتاب غوالي اللآلي من الكتب المعتمدة للأصحاب،و تأخر عصره و لم يشر فيما أعلم أحد من القدماء إلى هذه الروايات،و إلاّ لما نسبت للكتاب المذكور، كما لم يأخذوا بمضمونها في سائر أبواب الفقه؟

بل في فاقد الطهورين على ما حكي عنهم،فمن الغريب جدا أن يكون مبناهم في الموارد المذكورة على الاجتزاء بالناقص لاستفادة كون المتعذر مأخوذا بنحو تعدد المطلوب لعدم إطلاق لدليل جزئيته أو شرطيته،أو لقرائن خاصة كالأخبار الكثيرة الخاصة الواردة في الموارد المتفرقة التي قد يستفيد منها الفقيه عدم الخصوصية لموردها أو لمفروغية الحكم عند الأصحاب أو لنحو ذلك.

ص: 186

نعم،قد يناقش في دلالتها:

أما الأولى،فلاحتمال كون(من)بمعنى الباء (1) أو بيانيا (2) ،و(ما) مصدرية زمانية.

و فيه:أن كون(من)بمعنى الباء مطلقا و بيانية في خصوص المقام مخالف للظاهر بعيد (3) ،كما لا يخفى على العارف بأساليب الكلام.

و بالجملة:لا مجال لدعوى انجبار الأخبار المذكورة بعمل المشهور.

(1)فعن يونس أنها ترد بالمعنى المذكور مستشهدا بقوله تعالى: يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ.

لكن من الغريب جدا حملها على الابتدائية الواردة لبيان المنشأ نظير جرى الماء من الميزاب،فكأنّ الطرف في الآية الكريمة منشأ النظر.

مع أنه لو سلم فهي بمعنى باء الاستعانة أو الآلة لا باء التعدية كما هو المدعى في المقام.

(2)و هي المبيّنة لنوع ما قبلها مثل:خاتم من حديد.و لا يبعد رجوعها إلى الابتدائية،أو التبعيضية،فكأن المراد خاتم ناش و صادر من حديد،أو بعض منه.

فلاحظ.

(3)إما كونها بمعنى الباء فوجه بعده ما عرفت.

و إما كونها بيانية فوجه بعده أن البيانية تختص بما إذا كان ما بعدها جنسا لما قبلها أو أصلا،كخاتم حديد دون مثل المقام مما وقعت فيه بين الفعل و متعلقة إذ لم يعهد إرادة الجنس منها لكي يكون المراد به هنا:فأتوا من ذلك النوع ما استطعتم.

بل تعيين حمل(من)على التبعيضية.

نعم التبعيض قد يكون بلحاظ الأجزاء الخارجية للمركب،و قد يكون بلحاظ الأفراد من الكلي و الذي ينفع في الاستدلال الأول،و ظاهر الرواية الثاني

ص: 187

و العجب معارضة هذا الظاهر بلزوم تقييد الشيء-بناء على المعنى المشهور-بما كان له أجزاء حتى يصح الأمر بإتيان ما استطيع منه،ثم تقييده بصورة تعذر إتيان جميعه (1) ،ثم ارتكاب التخصيص فيه بإخراج ما لا يجري فيه هذه القاعدة اتفاقا،كما في كثير من المواضع،إذ (2) لا يخفى أن التقييدين الأولين يستفادان من قوله (3) :«فأتوا منه...الخ»،و ظهوره حاكم عليهما (4) .

نعم،إخراج كثير من الموارد لازم،و لا بأس به في مقابل ذلك المجاز بقرينة السياق و المورد،فقد روى أن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم خطب فقال:«إن اللّه كتب عليكم الحج،فقال له رجل:في كل عام يا رسول اللّه»فاعرض عنه فكر السؤال إلى أن قال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم،و إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه».

فإن المراد من اجتناب المنهي عنه اجتناب الماهية باجتناب أفرادها،لا اجتناب المركب باجتناب أجزائه،فيتعين حمل الأمر على ما ذكرنا ليناسبه و يناسب المورد.فلا مجال للاستدلال بها.فلاحظ.

(1)إذ لو أمكن الإتيان بجميعه كان هو المتعين،و لا مجال للتبعيض المستفاد من«من»بناء على كونها للتبعيض.

(2)تعليل لقوله:«و العجب معارضة...»و بيان لبطلان المعارضة المدعاة.

(3)لظهوره في لزوم الإتيان بالبعض،و هو إنما يصح فيما يقبل التبعيض و تعذر بعضه.لكن عرفت إن التبعيض بلحاظ الأفراد لا الأجزاء.

(4)لأن أصالة الإطلاق إنما تجري مع عدم البيان المتصل،أما معه فلا موضوع،فالبيان المتصل مانع من انعقاد الظهور في الإطلاق،لا مزاحم له بعد وجوده،كي يكون خلاف الأصل.

ص: 188

البعيد (1) .

و الحاصل:أن المناقشة في ظهور الرواية من اعوجاج الطريقة في فهم الخطابات العرفية (2) .

و أما الثانية،فلما قيل:من أن معناه أن الحكم الثابت للميسور لا يسقط بسبب سقوط المعسور،و لا كلام في ذلك،لأن سقوط حكم شيء لا يوجب بنفسه سقوط الحكم الثابت للآخر.

فتحمل الرواية على دفع توهم السقوط في الأحكام المستقلة التي يجمعها دليل واحد،كما في«أكرم العلماء» (3) .

(1)و هو حمل«من»على كونها بمعنى الباء أو بيانية.لكن لا يبعد عدم صحته حتى مجازا.

(2)عرفت أن الرواية أجنبية عما نحن فيه،لأن التبعيض فيها بلحاظ الأفراد لا الأجزاء.

مضافا إلى أنه لا مجال لحملها على الوجوب،لاستلزامه خروج المورد،فيتعين حملها على الاستحباب أو مجرد المشروعية،لبيان أن التكاليف و إن كانت مبنية على الاكتفاء في الامتثال بصرف الوجود،إلا أن ملاكاتها قابلة للتكرار،فامتثالها لا ينافي مشروعيتها بلحاظ ذلك كما هو الحال في الحج.

فلو فرض تعميمها للتبعيض بلحاظ الأجزاء،لكان المتعين عدم حملها على الوجوب.

على أنه لا مجال لتعميمها للتبعيض بلحاظ الأجزاء،لعدم الجامع بينه و بين التعميم بلحاظ الأفراد-الذي هو مورد الرواية-عرفا،كما لا يخفى.فلاحظ.

(3)فإن العرف قد يتسامحون في إطاعة الأحكام الميسورة لأجل المتعذر في

ص: 189

و فيه:

أولا:أن عدم السقوط محمول على نفس الميسور لا على حكمه (1) ، غيرها.

(1)يعني:أن ما ذكر في الإشكال إنما يتم لو كان المراد بالسقوط سقوط الحكم،إذ لا بد حينئذ من فرض حكمين يبقى أحدهما و يسقط الآخر،فلا بد من فرض الواجبين استقلاليين،أما لو كان المراد سقوط نفس الفعل-كما هو ظاهر الرواية-فلا يلزم إلا تعدد الفعلين الذين يكون أحدهما ميسورا و الآخر معسورا، و إن كانا جزئي مركب واحد واجب بوجوب استقلالي واحد.

و حينئذ فحيث كان بيان هذا المعنى لغوا في الأمور التي يعلم بعدم الارتباط بينها كالصلاة و الصوم تعين حمله على الواجبات الارتباطية التي هي أجزاء لمركب واحد ظاهر أدلته الارتباطية-كما في المقام-و على الواجبات الاستقلالية التي قد يتوهم من دليلها الارتباط بينها كأفراد العموم الأفرادي،كما لو قيل:أكرم كل عالم، فلم يتمكن إلا من إكرام عشرة منهم.و يصح الاستدلال بها في المقام.

أقول:ظاهر الرواية الشريفة المفروغية عن تحقق مقتضي الثبوت في الميسور و دفع احتمال سقوطه بسبب المعسور،الذي هو أمر ارتكازي عرفي لا بيان تحقق مقتضي ثبوته،الذي هو أمر تعبدي شرعي،و من الظاهر أن مقتضي ثبوت الميسور في الأجزاء الارتباطية هو ثبوت مقتضي المركب التام المعلوم ارتفاعه بالتعذر،فوجوب الناقص محتاج إلى إحراز المقتضي له،و لا يكفي فيه عدم المسقط،فلا تنهض بإثباته الرواية.

و بعبارة أخرى:ظاهر الرواية الشريفة رفع احتمال سقوط الميسور بعد فرض ثبوت مقتضيه لبيان قضية ارتكازية عقلائية،لا التصرف في أصل الجعل بنحو يكون ناظرا لأدلته الأولية و شارحا و مبينا لحال الأجزاء و أنها ناشئة عن مقتضيات متعددة لا يوجب سقوط بعضها بالتعذر سقوط الآخر،خلافا لظهور أدلتها في الارتباطية

ص: 190

فالمراد به عدم سقوط الفعل الميسور بسبب سقوط المعسور يعني:أن الفعل الميسور إذا لم يسقط عند عدم تعسر شيء فلا يسقط بسبب تعسره.و بعبارة أخرى:ما وجب عند التمكن من شيء آخر فلا يسقط عند تعذره.و هذا الكلام إنما يقال في مقام يكون ارتباط وجوب الشيء بالتمكن من ذلك الشيء الآخر محققا ثابتا من دليله كما في الأمر بالكل،أو متوهما كما في الأمر بما له عموم أفرادي.

و ثانيا:أن ما ذكر من عدم سقوط الحكم الثابت للميسور بسبب سقوط الحكم الثابت للمعسور،كاف في إثبات المطلوب،بناء على ما و وحدة الغرض،فإن هذا أمر شرعي تعبدي لا يناسبه لسان الرواية المتعرض للسقوط لا غير.

و لأجل ذلك يتعين حمله على ما إذا تعذر امتثال بعض مراتب التكليف، و أنه لا يوجب سقوط تمام مراتبه،بعد الفراغ عن كونها انحلالية ملحوظة بنحو تعدد المطلوب،أو على التكاليف المتعددة التي هي من سنخ واحد كأفراد العموم و نحوها مما قد يتسامح العامة في ميسوره،لتعسر المعسور،كما نشاهده في كثير من أعمال الخير التي يتركها الناس كلية لأجل عدم تهيئها لهم بالمراتب العالية المعتد بها بنظرهم،فمن لا يستطيع تفطير صائم لا يدفع عن نفسه بشق تمرة و من لا ينهض بقضاء حاجة أخيه المؤمن لا يؤنسه بالكلمة الطيبة،معتذرا بالمعسور،غافلا عن اغتنام الميسور،فالرواية واردة للإرشاد إلى هذا المعنى الارتكازي،و هي أجنبية عما نحن فيه جدا.

و أما دعوى شمولها لما نحن فيه و لو بالأولوية و الفحوى أو عدم القول بالفصل،كما يظهر من بعض الأعاظم من المحشين قدّس سرّه.فهي لا تخلو عن غموض.

فراجع و تأمل.

ص: 191

ذكرنا في توجيه الاستصحاب:من أن أهل العرف يتسامحون فيعبرون عن وجوب باقي الأجزاء بعد تعذر غيرها من الأجزاء ببقاء وجوبها، و عن عدم وجوبها بارتفاع وجوبها و سقوطه،لعدم مداقتهم (1) في كون الوجوب الثابت سابقا غيريا و هذا الوجوب الذي يتكلم في ثبوته و عدمه نفسي فلا يصدق على ثبوته البقاء،و لا على عدمه السقوط و الارتفاع.

فكما يصدق هذه الرواية لو شك-بعد ورود الأمر بإكرام العلماء بالاستغراق الأفرادي-في ثبوت حكم إكرام البعض الممكن الإكرام و سقوطه بسقوط حكم إكرام من يتعذر إكرامه،كذلك يصدق لو شك بعد الأمر بالمركب في وجوب باقي الأجزاء بعد تعذر بعضه،كما لا يخفى.

و بمثل ذلك يقال في دفع دعوى:جريان الإيراد المذكور على تقدير تعلق عدم السقوط بنفس الميسور لا بحكمه،بأن يقال (2) :إن سقوط المقدمة لما كان لازما لسقوط ذيها،فالحكم بعدم الملازمة في الخبر لا بد أن يحمل على الأفعال المستقلة في الوجوب،لدفع توهم السقوط الناشئ عن إيجابها بخطاب واحد (3) .

(1)هذا وحده لا يكفي في ظهور الرواية في المطلوب،خصوصا بعد ما ذكرنا من ظهور كونها إشارة إلى قضية ارتكازية.

(2)بيان لكيفية توجيه الإيراد المذكور.

(3)لعل الأولى أن يقال:للردع عن التسامح في الميسور تبعا للمعسور.

فإن عدم سقوط الواجب الاستقلالي بتعذر غيره،واضح لا يحتاج إلى تنبيه،و إنما يتسامح العامة في الفعل،فتكون الرواية واردة للردع عن ذلك و الإرشاد إلى ما يقتضيه العقل كما ذكرنا.

ص: 192

و أما في الثالثة،فما قيل:من أن جملة«لا يترك»خبرية (1) لا تفيد إلا الرجحان.

مع أنه لو أريد منها الحرمة (2) لزم مخالفة الظاهر فيها،إما بحمل الجملة على مطلق المرجوحية (3) ،أو إخراج المندوبات،و لا رجحان للتخصيص.

مع أنه قد يمنع كون الجملة إنشاء،لإمكان كونه إخبارا عن طريقة الناس و أنهم لا يتركون الشيء بمجرد عدم إدراك بعضه.

مع احتمال كون لفظ(الكل)للعموم الأفرادي،لعدم ثبوت كونه حقيقة في الكل المجموعي،و لا مشتركا معنويا بينه و بين الأفرادي،فلعله مشترك لفظي أو حقيقة خاصة في الأفرادي،فيدل على أن الحكم الثابت ثم إن المصنف قدّس سرّه قد اعتمد في الجواب عن هذا الإشكال على ما سبق منه من دعوى التسامح العرفي في صدق عدم السقوط على مثل ذلك.

بدعوى:أن الناقص و إن كان يجب بوجوب جديد لا أنه يبقى له الوجوب الأول،إلا أن العرف يتسامحون في إطلاق عدم السقوط.و قد عرفت الإشكال في الجواب بمثل ذلك.

(1)بناء على أن(لا)في قوله عليه السّلام:«لا يترك»نافية و الفعل مرفوع،لا ناهية جازمة للفعل.

(2)يعني:لو كانت ظاهرة في الحرمة في نفسها مع قطع النظر عن خصوص المورد.

(3)فلا تنفع فيما نحن فيه،إذ المدعى وجوب الإتيان بالناقص عند تعذر الكامل.

ص: 193

لموضوع عام بالعموم الأفرادي إذا لم يمكن الإتيان به على وجه العموم،لا يترك موافقته في ما أمكن من الأفراد.

و يرد على الأول:ظهور الجملة في الإنشاء الإلزامي كما ثبت في محله (1) .مع أنه إذا ثبت الرجحان في الواجبات ثبت الوجوب،لعدم القول بالفصل في المسألة الفرعية (2) .

و أما دوران الأمر بين تخصيص الموصول و التجوز في الجملة، فممنوع،لأن المراد بالموصول في نفسه ليس هو العموم قطعا،لشموله للأفعال المباحة بل المحرمة،فكما يتعين حمله على الأفعال الراجحة بقرينة قوله:«لا يترك»،كذلك يتعين حمله على الواجبات بنفس هذه القرينة الظاهرة في الوجوب (3) .

(1)لما حقق في محله من ظهور الجملة الخبرية في الوجوب كصيغة«افعل» مضافا إلى احتمال كون«لا»ناهية،لا نافية،كما أشرنا إليه و سيأتي الكلام في ذلك.

(2)يعني:في الواجب المتعذر بعض أجزائه فإنه لا قائل بالفصل فيه بين الرجحان و الوجوب،و إن وقع الكلام في ذلك في المسألة الأصولية،و هي ظهور الجملة الخبرية في الوجوب.

(3)تحكيما لظهور القرينة في الوجوب على ظهور ذي القرينة في العموم للمستحبات.

لكنه موقوف على أقوائية الظهور الأول من الثاني،فمع عدم ثبوت ذلك يتعين العكس أو الإجمال إذ لا أصل لما قيل من تحكيم ظهور ذي القرينة مطلقا.

مع أن قصور الموصول من المحرمات و المباحات ليس بقرينة قوله:«لا يترك» بل لأجل أن التعبير في الصلة بالإدراك ظاهر في كون الشيء مما ينبغي تحصيله،فيعم

ص: 194

و أما احتمال كونه إخبارا عن طريقة الناس،فمدفوع:بلزوم الكذب أو إخراج أكثر وقائعهم (1) .

و أما احتمال كون لفظ(الكل)للعموم الأفرادي،فلا وجه له،لأن المراد بالموصول هو فعل المكلف،و كله عبارة عن مجموعه.

نعم،لو قام قرينة على إرادة المتعدد من الموصول-بأن أريد أن الأفعال التي لا يدرك كلها،كإكرام زيد و إكرام عمرو و إكرام بكر،لا يترك كلها-كان لما احتمله وجه.لكن لفظ(الكل)حينئذ أيضا مجموعي لا أفرادي،إذ لو حمل على الأفرادي كان المراد:«ما لا يدرك شيء منها لا يترك شيء منها»،و لا معنى له،فما ارتكبه في احتمال العموم الأفرادي مما لا ينبغي له و لم ينفعه في شيء (2) .

المستحبات و الواجبات بنفسه،و حينئذ يقع التعارض بين عموم الموصول و ظهور الخبر في الوجوب،و لا وجه لتقديم الثاني على الأول إلاّ بدعوى كونه أقوى،و هو في غاية الإشكال بعد كون عموم الرواية للمستحبات ارتكازيا.

نعم لا يبعد حملها على الإرشاد إلى عدم سقوط تمام المركب المشروع في نفسه بالعجز عنه،فتشمل المستحبات و الواجبات كل بحسبه نظير ما يأتي في الرواية الثانية.فلاحظ.

(1)هذا يتم لو أريد من طريقة الناس طريقهم الخارجية،أما لو أريد طريقتهم بما هم عقلاء حكماء فلا يلزم المحذور المذكور،بل هو راجع إلى كون الرواية مسوقة لبيان أمر ارتكازي عقلائي،لا تأسيسي تعبدي محض.و سيأتي توضيح ذلك.

(2)إلا أن يكون المراد به أن الكلية و التبعيض بلحاظ الأفراد للماهية الواحدة،لا لأجزاء المركب الواحد،نظير ما سبق في الرواية الأولى.

ص: 195

فثبت مما ذكرنا:أن مقتضى الإنصاف تمامية الاستدلال بهذه الروايات،و لذا شاع بين العلماء-بل بين جميع الناس (1) -الاستدلال بها لكنه لا مجال له هنا،إذ ليس هناك ماهية يمكن إدراكها و فعلها بفعل جميع أفرادها،مع ظهور الرواية في أن الشيء من شأنه ذاتا أن يحصل بتمامه.

و هذا بخلاف الرواية الأولى فإنها تضمنت الأمر بالمقدار المستطاع ابتداء، كما لا يخفى فيتعين الحمل على التبعيض بلحاظ الأجزاء و لو بنحو يعم العام بلحاظ أفراده من حيث كونها أجزاء لمجموعه.

نعم من القريب جدا أن تكون الرواية واردة مورد الإرشاد إلى قضية ارتكازية و هي لزوم تحصيل الفائدة القليلة مع تعذر الفائدة الكثيرة،و عدم إهمال القليل للعجز من الكثير،كما سبق في الرواية الثانية،فلا بد من الفراغ من تحقق الفائدة و الملاك الناقص حتى يكون مشمولا للرواية،و ليست في مقام بيان قضية تعبدية راجعة إلى شرح حال حصل المركبات و أنه لا ارتباطية بين أجزائها حال العجز، حتى تكون حاكمة على أدلة المركبات الظاهرة في الارتباطية مطلقا أو المجملة من هذه الجهة فان التعبير المذكور مما ينسبق منه المعنى الارتكازي جدا و عليه يبتني ما سبق من عمومها للمستحبات ارتكازا فانه لا وجه له لو لا كونها متعرضة لقاعدة ارتكازية فلاحظ و تأمل جيدا.

(1)الشائع بين عامة الناس ما ذكرنا،لأنه هو الأمر الارتكازي و أما المعنى الذي هو محل الكلام فهو أمر تعبدي يحتاج لأدلة خاصة و لا يدركه العرف.

و أما تطبيق المتشرعة لها بحسب ارتكازاتهم في الأمور التعبدية مثل الصلاة و الطهارة فهو مبني على المفروغية عن تشريعها في حال التعذر بنحو الانحلال المتسالم عليه بينهم في الجملة،و لذا يستبشع تطبيقها فيما لم يظهر فيه ذلك مثل الصوم و الحج في كثير من موارده كالتبعيض في أشواط الطواف و السعي أو في أعمال الحج التي قد يتعذر بعضها كلية و لو بنحو النيابة بل حتى في الصلاة في مثل تعذر بعض

ص: 196

في المطالب،حتى أنه يعرفه العوام،بل النسوان و الأطفال.

ثم إن الرواية الاولى و الثالثة و إن كانتا ظاهرتين في الواجبات (1) ، إلا أنه يعلم بجريانهما في المستحبات بتنقيح المناط العرفي (2) .مع كفاية الرواية الثانية في ذلك (3) .

و أما الكلام في الشروط:

فنقول:إن الأصل فيها ما مر في الأجزاء:من أن دليل الشرط إذا لم يكن فيه إطلاق عام لصورة التعذر و كان لدليل المشروط إطلاق،فاللازم الاقتصار في التقييد على صورة التمكن من الشرط.

و أما القاعدة المستفادة من الروايات المتقدمة،فالظاهر عدم جريانها.

الركعات.فتأمل جيدا.

(1)عرفت أن الرواية الاولى محمولة على التبعيض في الأفراد على كون الأمر زائدا على صرف الوجود للاستحباب،لا للوجوب حتى في الواجبات لئلا يلزم خروج المورد و هي حينئذ شاملة للمستحبات،و إن كانت أجنبية عما نحن فيه.

كما أن الرواية الثالثة شاملة للمستحبات ارتكازا.فلاحظ.

(2)تنقيح المناط العرفي إنما يتم بناء على ما ذكرناه في معنى الرواية الأخيرة، لكونه أمرا عرفيا ارتكازيا،أما بناء على ما ذكره هو قدّس سرّه فلا مجال لتنقيح المناط،لكون القضية تعبدية لا يدركها العرف حتى يحكم بعموم مناطها لغير مورد الرواية.

أما الرواية الأولى فقد عرفت الكلام فيها.

(3)لدعوى شمولها للمستحبات،بأن يراد بالسقوط ما يقابل المشروعية،لا ما يقابل الوجوب.للإطلاق.فتأمل.

ص: 197

أما الأولى و الثالثة،فاختصاصهما بالمركب الخارجي واضح (1) .

و أما الثانية،فلاختصاصها-كما عرفت سابقا-بالميسور الذي كان له مقتض للثبوت حتى ينفى كون المعسور سببا لسقوطه،و من المعلوم أن العمل الفاقد للشرط-كالرقبة الكافرة مثلا-لم يكن المقتضي للثبوت فيه موجودا (2) حتى لا يسقط بتعسر الشرط و هو الإيمان.

هذا،و لكن الإنصاف:جريانها في بعض الشروط التي يحكم العرف -و لو مسامحة-باتحاد المشروط الفاقد لها مع الواجد لها.

أ لا ترى:أن الصلاة المشروطة بالقبلة أو الستر أو الطهارة إذا لم يكن (1)لاستفادة التركيب الخارجي من«من»التبعيضية في الأولى و«كل»في الثالثة.

(2)لمباينته للواجد للشرط،و ليس هو ميسورا منه،فما كان واجدا للمقتضي مباين للميسور لا عينه.

و بعبارة أخرى:ليس الشك في بقاء المقتضي فيما كان واجدا له،بل في حدوث المقتضي لما كان فاقدا له.

و فيه:أن فاقد الجزء كفاقد الشرط مباين للواجد بما هو واجد بمقتضى الارتباطية المستفادة من الأدلة،فإن استفيد من الرواية شرح مقتضى الجعل الأولي و بيان عدم الارتباطية في حال التعذر،جرى ذلك في المقامين،و إن استفيد منها الإرشاد للإتيان بالميسور بعد الفراغ عن كونه واجدا للمقتضي كما ذكرنا-امتنع جريانها في المقامين،و التفريق بينهما غير ظاهر.

نعم لا بد من فرض كون الشرط من سنخ القيد الزائد على الذات،لا المقوم لها.فلاحظ.

ص: 198

فيها هذه الشروط،كانت عند العرف هي التي فيها هذه الشروط،فإذا تعذر أحد هذه صدق الميسور على الفاقد لها،و لو لا هذه المسامحة لم يجر الاستصحاب بالتقرير المتقدم (1) .

نعم،لو كان بين واجد الشرط و فاقده تغاير كلي في العرف-نظير الرقبة الكافرة بالنسبة إلى المؤمنة (2) ،أو الحيوان الناهق بالنسبة إلى الناطق، و كذا ماء غير الرمان بالنسبة إلى ماء الرمان-لم يجر القاعدة المذكورة.

و مما ذكرنا (3) يظهر ما في كلام صاحب الرياض (4) ،حيث بنى (1)لكن عرفت أن لا عبرة بذلك في أمثال المقام،فالعمدة ما ذكرنا.

(2)الظاهر أن الإيمان من القيود الزائدة على الذات لا المقومة لها،فهي كالستر و الطهارة.

نعم عدم جريان القاعدة هو المناسب للمرتكزات المتشرعية من حيث أن عتق غير المؤمن مما يبعد وجود المقتضي فيه.

لكنه إنما ينفع بناء على ما ذكرنا من عدم جريان الرواية إلا بعد الفراغ عن ثبوت المقتضي،أما بناء على أن الرواية شارحة لأدلة الجعل و ظاهرة في ثبوت المقتضي في الميسور بعد التعذر فلا ينفع ذلك مع فرض الشك،كما يظهر بأدنى تأمل.

(3)يعني:من جريان قاعدة الميسور في الأجزاء و الشروط إذا كان الفاقد لها متحدا مع الواجد عرفا.

(4)قال في الرياض:«و لو تعذر السدر و الكافور كفت المرة بالقراح عند المصنف و جماعة،لفقد المأمور به بفقد جزئه بعد تسليمه،و هو كذلك إذا دلت الأخبار على الأمر بالمركب و ليس كذلك،لدلالة أكثرها-و فيها الصحيح و غيره -على الأمر بتغسيله بماء و سدر،فالمأمور به شيئان متمايزان و إن امتزجا في الخارج، و ليس الاعتماد في ايجاب الخليطين على ما دل على الأمر بتغسيله بماء السدر خاصة،

ص: 199

وجوب غسل الميت بالماء القراح بدل ماء السدر،على:أن ليس الموجود في الرواية الأمر بالغسل بماء السدر على وجه التقييد،و إنما الموجود:«و ليكن في الماء شيء من السدر».

توضيح ما فيه (1) :أنه لا فرق بين العبارتين،فإنه إن جعلنا ماء السدر من القيد و المقيد،كان قوله:«و ليكن فيه شيء من السدر» (2) كذلك،و إن كان من إضافة الشيء إلى بعض أجزائه (3) كان الحكم فيهما حتى يرتفع الأمر بارتفاع المضاف إليه و بعد تسليمه لا نسلم فوات الكل بفوات الجزء بعد قيام المعتبرة بإتيان الميسور و عدم سقوطه بالمعسور...»و كلامه كما ترى ظاهر في خلاف ما نقله المصنف قدّس سرّه و إن كان هو خلاف الظاهر أيضا.

(1)لا يخفى أن ما ذكره قدّس سرّه لو تم لا دخل له بما سبق من جريان قاعدة الميسور في الشروط و عدمه،إذ كون العبارتين راجعتين إلى معنى واحد مبني على صرف الاستظهار،و لا دخل له بشيء من المباني السابقة.

(2)لا يخفى أن هذه العبارة لم يذكرها في الرياض.

و لو سلمت أمكن دعوى ظهورها في كون وضع السدر من باب تعدد المطلوب،و أنه واجب في واجب،الذي لا إشكال معه في عدم سقوطهما معا بتعذر أحدهما،لا من باب التقييد،بخلاف قوله:اغسله بماء السدر،فإنه لا مجال فيه لهذا الاحتمال.

نعم العبارة التي ذكرها في الرياض،و هي اغسله بماء و سدر،لا مجال فيها لذلك،بل هي ظاهرة في التقييد أيضا-خلافا لما يظهر من الرياض-لوحدة المأمور به-و هو الغسل-و تعدد متعلقه-أعنى الماء و السدر-لا يقتضي تعدده كما لعله ظاهر.

(3)هذا لا مجال له في قوله:بماء السدر،لكون السدر مباينا للماء فلا بد من

ص: 200

واحدا.

و دعوى:أنه من المقيد،لكن لما كان الأمر الوارد بالمقيد مستقلا، فيختص بحال التمكن،و يسقط حال الضرورة (1) ،و تبقى المطلقات غير مقيدة بالنسبة إلى الفاقد.

مدفوعة:بأن الأمر في هذا المقيد للإرشاد و بيان الاشتراط (2) ،فلا يسقط بالتعذر،و ليس مسوقا لبيان التكليف،إذ التكليف المتصور هنا هو التكليف المقدمي،لأن جعل السدر في الماء مقدمة للغسل بماء السدر المفروض فيه (3) عدم التركيب الخارجي،لأجزاء خارجية (4) له حتى رجوعه إلى تقييد الغسل الواجب لا غير.

(1)لنظير ما سبق في مبحث النقيصة السهوية من أنه إذا كان الجزء أو الشرط مستفادين من الحكم التكليفي اختصا بحال الالتفات إذ لا خطاب مع الغفلة،بخلاف ما لو كان لهما إطلاق يشمل حال الغفلة،كما فى:«لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب»و«لا صلاة إلا بطهور»فراجع.

(2)تقدم الكلام في نظير ذلك في مبحث النقيصة السهوية.فراجع.

(3)يعني:في الغسل بماء السدر.

(4)لكن حتى لو كان جزءا خارجيا أمكن فرض الارتباطية فيه،للارتباطية بين وجوب الأجزاء في المركب،و حينئذ فسقوطه بالتعذر يقتضي المركب،إلا بناء على قاعدة الميسور التي ليست محلا لكلام الرياض،إذ صدر كلامه وارد لبيان عدم السقوط مع قطع النظر عن القاعدة فالأولى للمصنف قدّس سرّه أن يقول:لا واجبا مستقلا.

ص: 201

يسقط عند التعذر (1) ،فتقييده بحال التمكن ناش من تقييد وجوب ذيها، فلا معنى لإطلاق أحدهما و تقييد الآخر (2) ،كما لا يخفى على المتأمل.

و يمكن أن يستدل على عدم سقوط المشروط بتعذر شرطه،برواية عبد الأعلى مولى آل سام،قال:

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة،فكيف أصنع بالوضوء؟قال:يعرف هذا و أشباهه من كتاب اللّه عزّ و جل: مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، امسح عليه».

فإن معرفة حكم المسألة-أعني المسح على المرارة من آية نفي الحرج -متوقفة على كون تعسر الشرط غير موجب لسقوط المشروط،بأن يكون المنفي-بسبب الحرج-مباشرة اليد الماسحة للرجل الممسوحة (3) ،و لا ينتفي بانتفائه أصل المسح المستفاد وجوبه من آية الوضوء،إذ (4) لو كان سقوط المعسور-و هي المباشرة-موجبا لسقوط أصل المسح،لم يمكن معرفة وجوب المسح على المرارة من مجرد نفي الحرج،لأن نفي الحرج يدل على سقوط المسح في هذا الوضوء رأسا،فيحتاج وجوب المسح على المرارة (1)يعني:مع بقاء المركب الناقص.

(2)يعني:حتى يكون مقتضى إطلاق وجوب ذي المقدمة وجوبه بعد سقوط التعذر.

(3)يعني:التي هي من سنخ الشرط.

(4)تعليل لقوله:«فإن معرفة حكم المسألة...».

ص: 202

إلى دليل خاص خارجي (1) .

فرعان:

الأول:لو دار الأمر بين ترك الجزء و ترك الشرط،كما في ما إذا لم يتمكن من الإتيان بزيارة عاشوراء بجميع أجزائها في مجلس واحد-على القول باشتراط اتحاد المجلس فيهما (2) -فالظاهر تقديم ترك الشرط،فيأتي بالأجزاء تامة في غير المجلس،لأن فوات الوصف أولى من فوات الموصوف،و يحتمل التخيير (3) .

(1)يعني:غير الآية.لكن من الظاهر أن المسح على المرارة ليس ميسورا عرفيا للمسح على البشرة،بل هو من سنخ البدل،حيث أن المباشرة مقومة لصدق المسح على الرجل المستفاد من آية الوضوء و ليست من القيود الزائدة عليه،فلا بد أن يكون الاستدلال مبنيا على المفروغية عن بدلية الجبائر،لا على المفروغية من جريان قاعدة الميسور في الشروط الذي هو محل الكلام.

(2)لا يخفى أنه لا عجز هنا عن الجزء أصلا،و العجز إنما هو عن الشرط، و هو اتحاد المجلس لا غير.

إذ المراد به هو اتحاد المجلس في الجميع،و مع التبعيض في مجلس واحد لا يحصل الشرط المذكور و إنما يصح فرض ذلك فيما يكون نقصه غير مخل بتمامية الواجب شرعا،كالسورة في الصلاة،فان نقصها لا ينافي تمامية الصلاة بالسلام شرعا أما في مثل زيارة عاشوراء فيتعين ترك الشرط خاصة و المحافظة على تمام الاجزاء،لما ذكرنا.

نعم لو فرض تشريع صورة ناقصة للزيارة،بحيث يصدق فيها الانتهاء من الزيارة كالصلاة بلا سورة.لكنه لم يثبت.فلاحظ.

(3)لعدم وضوح التعليل السابق،و هو التعليل بأن فوات الوصف أولى من

ص: 203

الثاني:لو جعل الشارع للكل بدلا اضطراريا كالتيمم،ففي تقديمه على الناقص وجهان:

من أن مقتضى البدلية كونه بدلا عن التام فيقدم على الناقص كالمبدل.

و من أن الناقص حال الاضطرار تام،لانتفاء جزئية المفقود (1) ، فوات الموصوف.

لكن مقتضى القاعدة في التزاحم في الأجزاء و الشرائط هو أنه مع العلم بأهمية أحد الأمرين المعين يتعين المحافظة عليه و ترك الآخر.

و كذا مع احتمال الأهمية في أحد الطرفين فقط،للشك في العجز عنه و في تحقق العذر في تركه.

و أما مع احتمال الأهمية في كل من الطرفين فيتعين الاحتياط بتكرار المركب مع كل منهما،لاحتمال عدم سقوطه.إلا أن يتعذر الاحتياط أو يعلم بعدم وجوبه، فيتعين التخيير.و كذا مع العلم بالتساوي.

(1)ليس مفاد قاعدة الميسور-لو تمت-تمامية الناقص،فإن مجرد وجوبه إنما يكشف من عدم الارتباطية بينه و بين المتعذر حال التعذر،لا عن تمامية المسمى -كالوضوء و الغسل و الصلاة-بدونه و حينئذ فمقتضى دليل بدلية البدل حال تعذر المبدل تشريع البدل،إذ لا يراد به الا تعذر التام المفروض في المقام.

نعم ظاهر أدلة قاعدة الميسور في الموارد الخاصة كالوضوء و الغسل و الصلاة تقديمها على الأبدال الاضطرارية كالتيمم و القضاء،إلا أن ذلك لقرائن خاصة لعدم إمكان حملها على صورة تعذر البدل الاضطراري،و هذا بخلاف أدلة قاعدة الميسور العامة،لإمكان حملها على ذلك،أو على صورة تشريع بدل اضطراري.

ص: 204

فيقدم على البدل كالتام،و يدل عليه رواية عبد الأعلى المتقدمة (1) .

(1)عرفت أنها لا تدل على جريان قاعدة الميسور،بل على بدلية المسح على الجبيرة عن المسح على البشرة،و لا إشكال في مثله في تقديم الإتيان ببدل الجزء على الإتيان ببدل المركب،لأن مقتضى بدلية البدل عن الجزء تحقق المركب به،فيكون المركب مقدورا،فلا يشرع بدله-كالتيمم-لاختصاص مشروعيته بحال تعذر المركب بخلاف قاعدة الميسور،كما سبق.

و الحاصل:إن دليل بدلية البدل عن الجزء حاكم على دليل بدلية المركب، و دليل بدلية بدل المركب،حاكم على قاعدة الميسور في المركب،لأنها تقتضي وجوب الباقي ذاتا،فمع فرض تشريع البدل عن المركب لا يجب الباقى قطعا لأن ظاهر دليل البدل أنه بدل عن تمام الأجزاء،حتى المقدور منها.فتأمل جيدا.

ص: 205

الأمر الثالث لو دار الأمر بين الشرطية و الجزئية،فليس في المقام أصل كلي يتعين...

لو دار الأمر بين الشرطية و الجزئية،فليس في المقام أصل كلي يتعين به أحدهما،فلا بد من ملاحظة كل حكم يترتب على أحدهما (1) و أنه موافق للأصل أو مخالف له.

(1)لو فرض اختلافهما في الحكم،كما لو قيل بجريان قاعدة الميسور في الأجزاء دون الشرائط فإن مقتضى أصالة البراءة من وجوب الباقي إلحاق المتعذر بالشرط.

ص: 206

الأمر الرابع لو دار الأمر بين كون شيء شرطا أو مانعا،أو بين كونه جزءا أو...

لو دار الأمر بين كون شيء شرطا أو مانعا،أو بين كونه جزءا أو كونه زيادة مبطلة،ففي التخيير هنا،لأنه من دوران الأمر في ذلك الشيء بين الوجوب و التحريم.أو وجوب الاحتياط بتكرار العبادة و فعلها مرة مع ذلك الشيء و أخرى بدونه،وجهان:

مثاله:الجهر بالقراءة في ظهر الجمعة،حيث قيل بوجوبه و قيل بوجوب الإخفات و إبطال الجهر،و كالجهر بالبسملة في الركعتين الأخيرتين،و كتدارك الحمد عند الشك فيه بعد الدخول في السورة (1) .

(1)كان منشأ الشك فيه احتمال عدم جريان قاعدة التجاوز في أبعاض القراءة،فمقتضى الاستصحاب لزوم الإتيان بالحمد،و احتمال جريانها فتكون الحمد مبطلة،لأنها زيادة ظاهرا.

لكن فيه:أنه يمكن الإتيان بالحمد احتياطا،فلا تكون زيادة بعد الدليل على جواز قراءة القرآن في الصلاة.

و لعله لهذا يمكن التكرار في المثالين الأولين،فيأتي بالبسملة و القراءة جهرا

ص: 207

فقد يرجح الأول:

أما بناء على ما اخترناه:من أصالة البراءة مع الشك في الشرطية و الجزئية،فلأن المانع من إجراء البراءة عن اللزوم الغيري في كل من الفعل و الترك ليس إلا لزوم المخالفة القطعية،و هي غير قادحة (1) ،لأنها لا تتعلق بالعمل،لأن واحدا من فعل ذلك الشيء و تركه ضروري مع العبادة،فلا يلزم من العمل بالأصل في كليهما معصية متيقنة (2) ،كما كان و اخفاتا،فإن مانعية الجهر أو الاخفات على تقديرها مختصة بالقراءة التي هي جزء من الصلاة لا في مطلق قراءة القرآن و لو لا بقصد الجزئية.

فالأولى التمثيل بما تكون زيادة مخلة مطلقا و لو لا بقصد الجزئية كالركوع و السجود.فلاحظ.

(1)يعني في المقام.

(2)لكن هذا لا يمنع من منجزية العلم الإجمالي بوجوب أحدهما بعد إمكان الاحتياط فيه بالتكرار،فإن أصالة عدم وجوب كل منهما بخصوصه إنما تجوز البناء على مضمونها لو كان موردا لأثر عملي،أما وجوب أحدهما المردد المعلوم فلا وجه لمنعها عنه،فيتنجز،فالمقام.ملحق بالمتباينين،لرجوعه إلى الدوران بين وجوب المقيد بوجود المشكوك و وجوب المقيد بعدمه،و ما هو بشرط شيء مباين لما هو بشرط لا، فالمقام نظير الدوران بين القصر و التمام و الظهر و الجمعة.

و منه يظهر الفرق بين المقام و موارد الدوران بين وجوب شيء و حرمته استقلالا،فإن العلم الإجمالي فيها لما امتنع الاحتياط على طبقه لم يكن منجزا،فلم يكن مانعا من جريان الأصول في كل من الطرفين لو فرض له أثر عملي.

و من ثم كانت سيرة الفقهاء-خصوصا المتأخرين منهم-على الإلزام بالاحتياط في مثل ما نحن فيه.

ص: 208

يلزم في طرح المتباينين كالظهر و الجمعة.

و بتقرير آخر:إذا أتى بالعبادة مع واحد منهما قبح العقاب من جهة اعتبار الآخر في الواقع لو كان معتبرا،لعدم الدليل عليه،و قبح المؤاخذة من دون بيان (1) ،فالأجزاء المعلومة مما يعلم كون تركها منشأ للعقاب، و أما هذا المردد بين الفعل و الترك فلا يصح استناد العقاب إليه،لعدم العلم به،و تركهما جميعا غير ممكن (2) حتى يقال:إن العقاب على تركهما معا ثابت،فلا وجه لنفيه عن كل منهما.

و أما بناء على وجوب الاحتياط عند الشك في الشرطية و الجزئية، فلأن (3) وجوب الاحتياط فرع بقاء وجوب الشرط الواقعي المردد بين نعم لو فرض ضيق الوقت و عدم التمكن من التكرار لحقه حكم الاضطرار إلى بعض الأطراف في الشبهة التحريمية من منجزية العلم الإجمالي بنحو يقتضي حرمة المخالفة القطعية فيختار أحدهما-كما هو مختار المصنف قدّس سرّه أو سقوطه عن المنجزية مطلقا،فيجوز تركهما معا بترك أصل الواجب،كما هو الظاهر،إلا أن يعلم حينئذ بسقوط الشرط لأهمية الواجب فيتعين التخيير.فلاحظ.

(1)يكفي في البيان المصحح للعقاب العلم الإجمالي بعد ما عرفت من إمكان موافقته القطعية بالتكرار،و مخالفته القطعية بترك كلا الفعلين الواجد للمشكوك و الفاقد له.

(2)عرفت إمكانه.على أنه يكفي في منجزية العلم الإجمالي إمكان الموافقة القطعية.

(3)تعليل للتخيير بناء على وجوب الاحتياط في الشك في الجزئية و الشرطية.

و لا يخفى أنه بناء على ما سبق منه من عدم إمكان منجزية العلم الإجمالي،

ص: 209

الفعل و الترك (1) ،و إيجابه (2) مع الجهل مستلزم لإلغاء شرطية الجزم بالنية و اقتران (3) الواجب الواقعي بنية الإطاعة به بالخصوص مع التمكن،فيدور الأمر بين مراعاة ذلك الشرط المردد،و بين مراعاة شرط الجزم بالنية (4) .

و بالجملة:فعدم وجوب الاحتياط في المقام،لمنع اعتبار ذلك الأمر المردد بين الفعل و الترك في العبادة واقعا في المقام-نظير القول بعدم وجوب الاحتياط بالصلاة مع اشتباه القبلة،لمنع شرطية الاستقبال مع الجهل-لا لعدم المخالفة القطعية و لا الموافقة يتعين عدم جريان الاحتياط بلا حاجة إلى الوجه الآتي،و لذا نقول به فيما لو تعذر الجمع بسبب ضيق الوقت و نحوه.فتأمل جيدا.

(1)يعني:أن الاحتياط إنما يجب لتحصيل الشرط الواقعي،فإذا فرض سقوطه فلا موضوع للاحتياط.

(2)يعني:ايجاب الاحتياط هنا.

(3)عطف تفسير على قوله:«الجزم بالنسبة».

(4)لكن ذلك موقوف على أهمية شرطية الجزم بالنية من الشرط المردد،و قد سبق من المصنف قدّس سرّه في التنبيه الأول من تنبيهات المسألة الرابعة من مسائل دوران الواجب بين متباينين أن الجزم بالنية لو كان معتبرا في العبادة لكان متأخرا رتبة عن سائر الشروط.

و لو فرض التردد في الأهم تعين سقوط شرطية الجزم بالنية لتعذره مع التردد المذكور.

نعم لو فرض العلم بأهميته استلزم العلم بسقوط الشرط الآخر،فيكون مقدورا.

و قد سبق تمام الكلام في ذلك في التنبيه المذكور.

ص: 210

لعدم وجوب الاحتياط في الشك في المكلف به.

هذا،و قد يرجح الثاني (1) و إن قلنا بعدم وجوبه (2) في الشك في الشرطية و الجزئية،لأن مرجع الشك هنا إلى المتباينين (3) ،لمنع جريان أدلة نفي الجزئية و الشرطية عند الشك في المقام من العقل و النقل.

و ما ذكر:من أن إيجاب الأمر الواقعي المردد بين الفعل و الترك مستلزم لإلغاء الجزم بالنية،مدفوع بالتزام ذلك،و لا ضير فيه،و لذا وجب تكرار الصلاة في الثوبين المشتبهين،و إلى الجهات الأربع،و تكرار الوضوء بالماءين عند اشتباه المطلق و المضاف مع وجودهما (4) ،و الجمع بين الوضوء و التيمم إذا فقد أحدهما (5) .

مع أن ما ذكرنا في نفي كل من الشرطية و المانعية بالأصل إنما يستقيم لو كان كل من الفعل و الترك توصليا على تقدير الاعتبار،و إلا فيلزم من العمل بالأصلين مخالفة عملية (6) ،كما لا يخفى.

(1)و هو لزوم الاحتياط بتكرار العبادة.

(2)يعني:بعدم وجوب الاحتياط.

(3)كما ذكرنا قريبا.

(4)بأن يكون هناك إناءان يعلم بأن أحدهما مطلق،و يتعذر تعيينه.

(5)بأن لا يكون عند المكلف إلا إناء واحد لا يعلم بأن ماءه مطلق أو مضاف.

(6)تقدم منه في التنبيه الرابع من تنبيهات القطع أنه يعتبر في حصول المخالفة القطعية كون أحدهما المعين تعبديا،و تقدم منه في المسألة الأولى من مسائل الدوران بين الوجوب و الحرمة أنه يكفي في حصولها أن لا يكونا توصليين،سواء كانا

ص: 211

و التحقيق:أنه إن قلنا بعدم وجوب الاحتياط في الشك في الشرطية و الجزئية و عدم حرمة المخالفة القطعية للواقع إذا لم تكن عملية،فالأقوى التخيير هنا (1) ،و إلا تعين (2) الجمع بتكرار العبادة،و وجهه يظهر مما ذكرنا.

تعبديين أم كان أحدهما المعين تعبديا،و تقدم فيه منا توجيه الاختلاف المذكور.

و كيف كان فقد يقال في المقام بإمكان المخالفة القطعية لأن الإتيان بالمشكوك لا بقصد القربة يوجب القطع بالمخالفة إما لكونه جزءا لعبادة فيعتبر في امتثاله قصد القربة،و مع عدمه يتحقق العصيان،أو لكونه زيادة مبطلة.فتأمل.

(1)لم يتضح وجهه بعد ما عرفت منا و منه قدّس سرّه،بل يتعين الاحتياط بالتكرار خروجا عن العلم الإجمالي الذي لا مانع من منجزيته،لما ذكرنا.

و منه يظهر اضطراب كلام المصنف قدّس سرّه و ابتناؤه على مبان لا يلتزم بها في غير المقام.

(2)يعني:إن قلنا بوجوب الاحتياط في الشك في الشرطية و الجزئية.

هذا و قد عرفت عدم الفرق بين البناء على البراءة و الاحتياط في الوجوه المتقدمة المقتضية للتخيير أو الاحتياط في المقام،فالفرق في النتيجة بين المبنيين في غير محله كما يظهر بالتدبر.و اللّه سبحانه ولي التوفيق.

ص: 212

المطلب الثالث

في اشتباه الواجب بالحرام

بأن يعلم أن أحد الفعلين واجب و الآخر محرم،و اشتبه أحدهما بالآخر (1) .و أما لو علم أن واحدا من الفعل و الترك واجب و الآخر محرم (2) ،فهو خارج عن هذا المطلب،لأنه من دوران الأمر بين الوجوب و الحرمة (3) الذي تقدم حكمه في المطلب الثالث من مطالب الشك في التكليف.

(1)كما لو علم بوجوب إكرام العادل و حرمة إكرام الفاسق و اشتبه أحدهما بالآخر.

(2)كما لو دار الأمر في إكرام العالم الفاسق بين الوجوب و الحرمة،فعلى الأول يجب فعله و يحرم تركه و على الثاني بالعكس.

(3)حيث لا يعتنى بوجود الحرام و لا بوجود الواجب،و إنما يعلم إجمالا بأحدهما بخلاف ما نحن فيه.

ص: 213

و الحكم فيما نحن فيه:وجوب الإتيان بأحدهما و ترك الآخر مخيرا (1) في ذلك،لأن الموافقة الاحتمالية في كلا التكليفين (2) أولى من الموافقة القطعية في أحدهما مع المخالفة القطعية في الآخر،و منشأ ذلك:أن الاحتياط لدفع الضرر المحتمل لا يحسن بارتكاب الضرر المقطوع (3) ، و اللّه أعلم.

(1)يعني:و لا يجوز تركهما معا و لا فعلهما معا المستلزمين للموافقة القطعية في أحد التكليفين مع المخالفة القطعية في الآخر.

(2)و هي تحصل بفعل أحد الأمرين و ترك الآخر.

(3)إن كان المراد من الضرر المعصية المتوقعة على التنجز فلا تنجز في المقام بعد العجز عن الاحتياط حتى الاحتمالي،لاقتران احتمال الموافقة باحتمال المخالفة.

و إن كان المراد به الحرام الواقعي فهو معلوم لا محتمل،و لا أهمية له بعد عدم تنجزه.

و الظاهر الحكم في المقام بالتخيير بين فعلهما و تركهما و ترك أحدهما مع فعل الآخر،إذ ليست الموافقة الاحتمالية المشفوعة بالمخالفة الاحتمالية في التكليفين معا بأولى من الموافقة القطعية في أحدهما المشفوعة بالمخالفة القطعية في الآخر.

و عليه يبتني كون التخيير في دوران الأمر بين الوجوب و الحرمة استمراريا، الذي تقدم من المصنف قدّس سرّه اختياره هناك،و إن أنكره في مباحث القطع.

نعم بناء على أن دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة يتعين تركهما معا احتياطا للحرام و إن استلزم العلم ثبوت الواجب.

لكنه غير ثابت،كما تقدم في مبحث الدوران بين الوجوب و الحرمة.فراجع و اللّه سبحانه العالم العاصم و له الحمد وحده.

ص: 214

خاتمة

اشارة

فيما يعتبر في العمل بالأصل

و الكلام:تارة في الاحتياط،و أخرى في البراءة:

أما الاحتياط:

فالظاهر:أنه لا يعتبر في العمل به أمر زائد على تحقق موضوعه، و يكفي في موضوعه إحراز الواقع المشكوك فيه به (1) و لو كان على خلافه دليل اجتهادي بالنسبة إليه،فإن قيام الخبر الصحيح على عدم وجوب شيء لا يمنع من الاحتياط فيه،لعموم أدلة رجحان الاحتياط (2) ،غاية الأمر (1)يعني:بالاحتياط،و الجار و المجرور متعلق بقوله:«إحراز الواقع...».

(2)كان المراد بها الأخبار الآمرة به،التي تقدم منه قدّس سرّه في الشبهة التحريمية حملها على الإرشاد لكن الظاهر اختصاصها بما إذا كانت الشبهة منجزة و لا إلى لزومه في خصوص صورة تنجز الشبهة،فلا تعم ما نحن فيه.

فالعمدة في وجه مشروعية الاحتياط إطلاق أدلة الواقع المقتضية لرجحان

ص: 215

عدم وجوب الاحتياط.و هذا (1) مما لا خلاف فيه و لا إشكال.

إنما الكلام يقع في بعض الموارد،من جهة تحقق (2) موضوع الاحتياط و إحراز الواقع،كما في العبادات المتوقفة صحتها على نية الوجه، فإن المشهور أن الاحتياط فيها غير متحقق إلا بعد فحص المجتهد عن الطرق الشرعية المثبتة لوجه الفعل،و عدم عثوره على طريق منها،لأن (3) نية الوجه حينئذ ساقطة قطعا (4) .

فإذا شك في وجوب غسل الجمعة و استحبابه،أو في وجوب السورة و استحبابها،فلا يصح له الاحتياط بإتيان الفعل قبل الفحص عن الطرق الشرعية،لأنه لا يتمكن من الفعل بنية الوجه،و الفعل بدونها غير مجد بناء على اعتبار نية الوجه،لفقد الشرط (5) ،فلا يتحقق قبل الفحص إحراز الواقع.فإذا تفحص:فإن عثر على دليل الوجوب أو الاستحباب، موافقته مع الشبهة على تقدير ثبوته،و هو المطابق للمرتكزات العقلائية من حيث اشتماله على الانقياد،و قد تقدّم في التنبيه الثالث من تنبيهات الشبهة التحريمية البدوية لعدم النص ما له نفع في المقام.فراجع.

(1)يعني:إنه يكفي في الاحتياط تحقق موضوعه.

(2)يعني:من جهة الكلام في تحقق...

(3)تعليل لتحقق الاحتياط بعد الفحص عن الطرق الشرعية المثبتة لوجه الفعل و عدم العثور على طريق منها.

(4)كما تقدم منه في مباحث القطع و الانسداد و البراءة و الاشتغال تصريحا أو تلويحا.فراجع.

(5)تعليل لقوله:«و الفعل بدونها غير مجد بناء...».

ص: 216

أتى بالفعل ناويا لوجوبه أو استحبابه،و إن لم يعثر عليه فله أن يعمل بالاحتياط،لأن المفروض سقوط نية الوجه،لعدم تمكنه منها.

و كذا لا يجوز للمقلد الاحتياط قبل الفحص عن مذهب مجتهده، نعم يجوز له بعد الفحص (1) .و من هنا قد اشتهر بين أصحابنا:أن عبادة تارك طريقي الاجتهاد و التقليد غير صحيحة و إن علم إجمالا بمطابقتها للواقع،بل يجب أخذ أحكام العبادات عن اجتهاد أو تقليد.

ثم إن هذه المسألة-أعني بطلان عبادة تارك الطريقين-يقع الكلام فيها في مقامين،لأن العامل التارك في عمله لطريقي الاجتهاد و التقليد:إما أن يكون حين العمل بانيا على الاحتياط و إحراز الواقع،و إما أن لا يكون كذلك (2) .

و المتعلق بما نحن فيه هو الأول،و أما الثاني فسيجيء الكلام فيه في شروط البراءة.فنقول:

إن الجاهل التارك للطريقين الباني على الاحتياط على قسمين،لأن (1)إما مع عدم العثور على فتوى مجتهده و لو لعدم الفتوى له في تلك المسألة.

أو مع العثور عليها و العمل على طبقها ثم الإتيان بالمحتمل الآخر احتياطا،على ما سبق منه قدّس سرّه في مبحث القطع.

هذا و قد يقال:انه مع عدم العثور على فتوى مجتهده و لو لعدم الفتوى له في تلك المسألة يجب الرجوع إلى مجتهد آخر،كما يذكر في مبحث الاجتهاد و التقليد.

اللهم إلا أن يفرض العجز عن معرفة رأي غير مجتهده أيضا.فلاحظ.

(2)بأن كان بانيا على الاقتصار على بعض المحتملات.

ص: 217

إحرازه للواقع:تارة لا يحتاج إلى تكرار العمل،كالآتي بالسورة في صلاته احتياطا،و غير ذلك من موارد الشك في الشرطية و الجزئية.و اخرى يحتاج إلى التكرار كما في المتباينين،كالجاهل بوجوب القصر و الإتمام في مسيرة أربع فراسخ،و الجاهل بوجوب الظهر و الجمعة عليه.

أما الأول،فالأقوى فيه الصحة،بناء على عدم اعتبار نية الوجه في العمل (1) .و الكلام في ذلك قد حررناه في الفقه في نية الوضوء.

نعم،لو شك في اعتبارها و لم يقم دليل معتبر-من شرع أو عرف (2) - حاكم بتحقق الإطاعة بدونها،كان مقتضى الاحتياط اللازم الحكم بعدم الاكتفاء بعبادة الجاهل،حتى على المختار:من إجراء البراءة في الشك في الشرطية،لأن هذا الشرط ليس على حد سائر الشروط المأخوذة في المأمور به الواقعة في حيز الأمر،حتى إذا شك في تعلق الإلزام به من الشارع حكم العقل بقبح المؤاخذة المسببة عن تركه،و النقل (3) بكونه مرفوعا عن المكلف (4) ،بل هو على تقدير اعتباره شرط لتحقق الإطاعة (5) و سقوط (1)كما تقدم منه في دليل الانسداد.

(2)ظاهره في مبحث القطع أنه يكفي في عدم الاجتزاء بعبادة الجاهل عدم قيام الدليل الشرعي على تحقق الإطاعة منه،و أنه لا يكفي حكم العرف بحصول الإطاعة منه.و لذا ألزم هناك بالفحص مع لزوم التكرار-اعتمادا على هذا التقرير- مع اعترافه بأن العرف يحكم بحصول الإطاعة قبله.و قد تقدم الإشكال فيه هناك.

(3)يعني:و حكم النقل.

(4)لمثل حديث الرفع.

(5)لكن التحقيق أنه لا يعتبر في الإطاعة إلا موافقة المأمور به،و جميع ما

ص: 218

المأمور به و خروج المكلف عن العهدة،و من المعلوم أن مع الشك في ذلك لا بد من الاحتياط و إتيان المأمور به على وجه يقطع معه بالخروج عن العهدة.

و بالجملة:فحكم الشك في تحقق الإطاعة و الخروج عن العهدة بدون الشيء (1) غير حكم الشك في أن أمر المولى متعلق بنفس الفعل لا بشرط أو به بشرط كذا.و المختار في الثاني البراءة (2) ،و المتعين في الأول الاحتياط.

لكن الإنصاف:أن الشك في تحقق الإطاعة بدون نية الوجه غير متحقق،لقطع العرف بتحققها،و عدهم الآتي بالمأمور به بنية الوجه الثابت عليه في الواقع (3) مطيعا و إن لم يعرفه تفصيلا،بل لا بأس بالإتيان يعتبر عند الامتثال لا بد من إرجاعه إلى المأمور به و لو نتيجة التقييد لو فرض امتناعه فمع الشك فيه يرجع إلى الإطلاق،و مع عدمه يرجع إلى الأصل الذي هو البراءة، كما ذكرنا ذلك في مبحث القطع.و تمام الكلام في مبحث التعبدي و التوصيلي.

نعم لو فرض شك العامي في اعتبار مثل نية الوجه فليس له الرجوع إلى الأصل المذكور،إلا أن يقطع بمقتضاه،فيكون مجتهدا في الواقعة الخاصة،أما لو شك لزمه التقليد و لا يستقل بالنظر،لعدم إحرازه براءة ذمته بعمله،كما حقق في مبحث الاجتهاد و التقليد في نظيره.فتأمل جيدا.

(1)يعني:الذي يحتمل أخذه في الإطاعة،كقصد الوجه.

(2)كما سبق في مبحث الأقل و الأكثر الارتباطيين

(3)فيقصد الوجه الواقعي على إجماله.

ص: 219

به بقصد القربة المشتركة بين الوجوب و الندب (1) من غير أن يقصد الوجه الواقعي المعلوم للفعل إجمالا.و تفصيل ذلك في الفقه.

إلا أن الأحوط:عدم اكتفاء الجاهل عن الاجتهاد أو التقليد بالاحتياط،لشهرة القول بذلك بين الأصحاب،و نقل غير واحد اتفاق المتكلمين (2) على وجوب إتيان الواجب و المندوب لوجوبه أو ندبه أو لوجههما،و نقل السيد الرضي قدّس سرّه إجماع أصحابنا على بطلان صلاة من صلى صلاة لا يعلم أحكامها،و تقرير أخيه الأجل علم الهدى قدّس سرّه له على ذلك (3) في مسألة الجاهل بالقصر.

بل يمكن أن يجعل هذان الاتفاقان المحكيان من أهل المعقول و المنقول المعتضدان بالشهرة العظيمة،دليلا في المسألة (4) ،فضلا عن (1)الفرق بينه و بين الأول:أن هذا مبني على قصد ما به الاشتراك بين الحكمين تفصيلا،و الأول مبني على قصد ما به الامتياز بينهما إجمالا.

لكن لا يبعد ملازمة قصد الوجه بالنحو الإجمالي لقصد القربة بناء على أن قصد القربة في طول قصد الأمر.فلاحظ.

(2)تقدم منه في دليل الانسداد عن المحقق أنه ذكر أن ما حققه المتكلمون من وجوب إيقاع الفعل لوجهه أو وجه وجوبه كلام شعري.كما تقدم منه قدّس سرّه أنه يمكن الجزم بعدم اعتبار ذلك.فراجع.

(3)تقدم في مبحث القطع التعرض لمحكى كلامهما و الإشكال في الاستشهاد به.فراجع.

(4)هذا مناف لما سبق منه في دليل الانسداد جدا.

ص: 220

كونهما منشأ للشك الملزم للاحتياط (1) ،كما ذكرنا.

و أما الثاني و هو ما يتوقف الاحتياط فيه على تكرار العبادة،فقد يقوى في النظر-أيضا-:جواز ترك الطريقين فيه إلى الاحتياط بتكرار العبادة،بناء على عدم اعتبار نية الوجه.

لكن الإنصاف:عدم العلم بكفاية هذا النحو من الإطاعة الإجمالية، و قوة احتمال اعتبار الإطاعة التفصيلية في العبادة (2) ،بأن يعلم المكلف حين الاشتغال بما يجب عليه،أنه هو الواجب عليه.

و لذا يعد تكرار العبادة-لإحراز الواقع-مع التمكن من العلم التفصيلي به أجنبيا عن سيرة المتشرعة (3) ،بل من أتى بصلوات غير (1)عرفت أنه مجرى البراءة.

(2)لكن مجرد الاحتمال المذكور لا يمنع من التكرار بعد ما عرفت منه أنه مع حكم العرف بتحقق الإطاعة بوجه يتعين الاجتزاء به،لما هو المعلوم من حكم العرف بتحقق الإطاعة مع التكرار،إذ ليس المدعى لهم إلا المنع منه شرعا.فتأمل.

بل لو فرض عدم وضوح ذلك عند العرف أمكن الرجوع فيه إلى الأصل المقتضي للاجتزاء،كما سبق منا قريبا.

نعم لو ادعي العلم بعدم جواز التكرار من جهة الإجماع أو نحوه فلا مجال لشيء من ذلك.

لكن ما يذكر دليلا في المقام لا يوجبه،خصوصا بعد ما عرفت من حكم العرف بتحقق الإطاعة مع التكرار.

(3)مجرد عدم قيام السيرة عليه لو تم لا يقتضي المنع منه بعد قرب كون منشئه صعوبة الاحتياط.إلا أن يدعى كونه من المستنكرات عند المتشرعة.لكنه في

ص: 221

محصورة لإحراز شروط صلاة واحدة-بأن صلى في موضع تردد فيه القبلة بين أربع جهات،في خمسة أثواب أحدها طاهر،ساجدا على خمسة أشياء أحدها ما يصح السجود عليه،مائة صلاة (1) -مع التمكن من صلاة واحدة يعلم فيها تفصيلا اجتماع الشروط الثلاثة،يعد (2) في الشرع و العرف لاعبا بأمر المولى (3) .

و الفرق بين الصلوات الكثيرة و صلاتين لا يرجع إلى محصل (4) .

غير محله قطعا.

(1)مفعول مطلق لقوله:«بأن صلى...».

(2)خبر للموصول في قوله:«بل من أتى...».

(3)يعني:فينافي مقام التعبد المعتبر في العبادة.

أقول:لا إشكال في أن هذا ببعض مراتبه مستلزم اللغوية و العبث و اللعب، لكن بشرط عدم الداعي و الغرض مطلقا،لما فيه من تضييع الجهد و العمل بلا مقابل.

أما مع الداعي لذلك و لو كان هو صعوبة تحصيل العلم التفصيلي في الجملة، فلا يلزم شيء من ذلك،و كذا لو كانت أطراف الاحتياط مما يترتب عليها غرض ديني أو دنيوي في نفسها مع قطع النظر عن تحقق الامتثال بها،اشتباه الواجب بالمستحب،لتحقق الفائدة الرافعة للغوية و العبث.

هذا مع أنّ اللعب و العبث في كيفية الامتثال لا يستلزم اللعب و العبث بنفس الأمر المنافي لمقام التعبد و الامتثال،لما فيه من الاستهانة بالمولى،بل هو نظير اختيار الامتثال ببعض الأفراد المستبشعة النادرة مع عدم غرض عقلائي في اختيارها.

فلاحظ.

(4)قد يفرق بينهما بأن صعوبة مائة صلاة إنما يحسن الإقدام عليها مع امتناع

ص: 222

نعم،لو كان ممن لا يتمكن من العلم التفصيلي،كان ذلك منه محمودا مشكورا.

و ببالي:أن صاحب الحدائق قدّس سرّه يظهر منه:دعوى الاتفاق على عدم مشروعية التكرار مع التمكن من العلم التفصيلي.

و لقد بالغ الحلي في السرائر،حتى أسقط اعتبار الشرط المجهول تفصيلا،و لم يجوز التكرار المحرز له،فأوجب الصلاة عاريا على من عنده ثوبان مشتبهان (1) و لم يجوز تكرار الصلاة فيهما،مع ورود النص به لكن من طريق الآحاد (2) ،مستندا (3) في ذلك إلى وجوب مقارنة الفعل الواجب لوجهه.

و كما لا يجوز الدخول في العمل بانيا على إحراز الواقع بالتكرار،كذا لا يجوز (4) بانيا على الفحص بعد الفراغ،فإن طابق الواقع و إلا أعاده.

العلم التفصيلي أو تعسره أو صعوبة تحصيله كثيرا،أما الصلاتان فيكفي في حسنهما أدنى صعوبة في تحصيل العلم.

و إن شئت قلت:العبث و اللعب إنما يكون مع عدم الغرض المصحح للعمل، فكلما كان التكرار أكثر و كان الاحتياط أصعب احتاج إلى أهمية الغرض الموجب له لشدة صعوبة تحصيل العلم التفصيلي.فتأمل جيدا.

(1)تقدم الكلام فيه في التنبيه الأول من تنبيهات المسألة الرابعة لاشتباه الواجب بغير الحرام.

(2)و هي ليست حجة عند الحلي قدّس سرّه.

(3)حال من قوله:«حتى أسقط...».

(4)كأنه لدعوى عدم الفرق في السيرة و في لزوم العبث،إذ التكرار في المقام

ص: 223

و لو دخل في العبادة بنية الجزم،ثم اتفق له ما يوجب تردده في الصحة و وجوب الإتمام،و في البطلان و وجوب الاستئناف،ففي جواز الإتمام بانيا على الفحص بعد الفراغ و الإعادة مع المخالفة و عدمه،وجهان:

من اشتراط العلم بالصحة حين العمل كما ذكرنا،و لذا لم نجوّز هذا من أول الأمر.و بعبارة اخرى:الجزم بالنية معتبر في الاستدامة كالابتداء (1) .

و من أن المضي على العمل مترددا بانيا على استكشاف حاله بعد الفراغ،محافظة على عدم إبطال العمل-المحتمل حرمته واقعا على تقدير صحته-ليس بأدون من الإطاعة التفصيلية،و لا يأباه العرف و لا سيرة المتشرعة (2) .

و بالجملة:فما اعتمد عليه-في عدم جواز الدخول في العمل و إن لم يكن معلوما إلا أنه لما كان محتملا و كان مستلزما للعبث كان الإقدام عليه إقداما على ما يتوقع معه العبث،و هو مستنكر كالإقدام على ما يعلم بكونه عبثا فتأمل.

(1)هذا موقوف إلى دلالة الأدلة على اعتبار الجزم المذكور مطلقا،و الأدلة السابقة لا نقتضيه،و إنما تقتضي اعتباره في موارد السيرة،و في موارد لزوم العبث و اللعب بأمر المولى،و الظاهر خروج المقام عن ذلك.

(2)بل هو اللازم للزوم الاحتياط في الشبهة الحكمية قبل الفحص،فلما كان يحتمل في المقام القطع كان اللازم الاحتياط في ذلك،و معه يتعذر تحصيل العلم، فيتعين سقوط نية الوجه،لما عرفت من المفروغية بينهم عن سقوطها مع تعذر تحصيل العلم،فلاحظ.

ص: 224

مترددا-من السيرة العرفية و الشرعية،غير جار في المقام.

و يمكن التفصيل بين كون الحادث الموجب للتردد في الصحة مما وجب على المكلف تعلم حكمه قبل الدخول في الصلاة،لعموم البلوى، كأحكام الخلل الشائع وقوعها و ابتلاء المكلف بها،فلا يجوز لتارك معرفتها إذا حصل له التردد في الأثناء المضي و البناء على الاستكشاف بعد الفراغ، لأن التردد حصل من سوء اختياره،فهو في مقام الإطاعة كالداخل في العمل مترددا (1) .و بين كونه مما لا يتفق إلا نادرا،و لأجل ذلك لا يجب تعلم حكمه قبل الدخول،للوثوق بعدم الابتلاء غالبا،فيجوز هنا المضي في العمل على الوجه المذكور.

هذا بعض الكلام في الاحتياط.

و أما البراءة:

اشارة

فإن كان الشك الموجب للرجوع إليها من جهة الشبهة في الموضوع، فقد تقدم (2) أنها غير مشروطة بالفحص عن الدليل المزيل لها،و إن كان (1)هذا لا يرجع إلى محصل و لو تم لزم البطلان حتى لو لم يعرض الشك في الأثناء،كما لا يخفى.

فالتحقيق:أن التقصير إنما يقتضي عدم المعذورية من حيث العقاب لو فرض تحقق فرض مخالفة الأحكام الواقعية،لا كون الجزم بمنزلة التردد.فلاحظ.

(2)في التنبيه الرابع من تنبيهات المسألة الرابعة من مسائل الشبهة التحريمية في مبحث الشك في التكليف.

و العمدة فيه-بعد الاتفاق ظاهرا-إطلاق أدلة البراءة الشرعية،و خصوص بعضها كرواية مسعدة بن صدقة الظاهرة في أن المدار على الاستبانة الظاهرية في عدم

ص: 225

من جهة الشبهة في الحكم الشرعي،فالتحقيق:أنه ليس لها إلا شرط واحد، و هو الفحص عن الأدلة الشرعية.

و الكلام:يقع تارة في أصل الفحص،و أخرى في مقداره.

لزوم الفحص و أما حكم العقل فقد سبق الكلام فيه هناك.فراجع.

ص: 226

وجوب أصل الفحص

أما وجوب أصل الفحص،و حاصله:عدم معذورية الجاهل المقصر في التعلم،فيدل عليه وجوه:

الأول:الإجماع القطعي على عدم جواز العمل بأصل البراءة قبل استفراغ الوسع في الأدلة.

الثاني:الأدلة الدالة على وجوب تحصيل العلم (1) ،مثل آيتي:النفر (1)بناء على دلالتها على الوجوب الطريقي،لأجل الوصول إلى الواقع و الفراغ عنه،فيستلزم تنجز الواقع بمجرد الاحتمال،بل و لو مع الغفلة عنه،و ربما عبر عنه المصنف قدّس سرّه بالوجوب المقدمي،أما لو كان مفادها الوجوب النفسي فهي إنما تدل على وجوب تحصيل العلم و العقاب على تركه،و لا تنافي معذورية الجاهل من حيث الحكم الواقعي،فلا يعاقب على مخالفته.فلا تمنع من جريان البراءة في التكليف المجهول.

ثم إن حملها على الوجوب النفسي و إن كان هو مقتضى الأصل في الأمر، إلا أنه خلاف الظاهر في المقام،بل الظاهر هو الحمل على الوجوب الطريقي،لأنه مقتضى مناسبة الحكم و الموضوع،خصوصا بعد ظهور مثل آية سؤال أهل الذكر في أنها إشارة إلى قضية ارتكازية،و سيأتي توضيح ذلك في حكم العمل بالبراءة قبل الفحص.فلاحظ.

ص: 227

للتفقه و سؤال أهل الذكر،و الأخبار الدالة على وجوب تحصيل العلم و تحصيل التفقه،و الذم على ترك السؤال.

الثالث:ما دل على مؤاخذة الجهال بفعل المعاصي المجهولة (1) ، المستلزم لوجوب تحصيل العلم،لحكم العقل بوجوب التحرز عن مضرة العقاب:

مثل قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في من غسل مجدورا أصابته جنابة فكز فمات:

«قتلوه،قتلهم اللّه،أ لا سألوا،ألا يمموه».

و قوله عليه السّلام لمن أطال الجلوس في بيت الخلاء لاستماع الغناء:«ما كان أسوأ حالك لو مت على هذه الحالة»،ثم أمره بالتوبة و غسلها.

و ما ورد في تفسير قوله تعالى: فَلِلّٰهِ الْحُجَّةُ الْبٰالِغَةُ، من أنه:«يقال للعبد يوم القيامة:هل علمت؟فإن قال:نعم،قيل:فهلا عملت؟و إن قال:لا،قيل له:هلا تعلمت حتى تعمل؟».

و ما رواه القمي في تفسير قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفّٰاهُمُ الْمَلاٰئِكَةُ ظٰالِمِي أَنْفُسِهِمْ: «نزلت في من اعتزل عن أمير المؤمنين عليه السّلام و لم يقاتل معه، قٰالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قٰالُوا كُنّٰا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ أي لم نعلم من الحق، فقال اللّه تعالى: أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّٰهِ وٰاسِعَةً فَتُهٰاجِرُوا فِيهٰا، أي دين اللّه (1)فإنه صريح في عدم كون الجهل عذرا حينئذ.

ثم إن كلام المصنف قدّس سرّه قد يوهم بإطلاقه عدم كون الجهل عذرا حتى بعد الفحص،لكن مراده خصوص صورة التقصير في الفحص،و هو المستفاد من الأدلة أيضا.

ص: 228

و كتابه واسعا متسعا،فتنظروا فيه،فترشدوا و تهتدوا به سبيل الحق».

الرابع:أن العقل لا يعذر الجاهل القادر على الاستعلام في المقام (1) ، الذي نظيره في العرفيات ما إذا ورد من يدعي الرسالة من المولى،و أتى بطومار يدعي أن الناظر فيه يطلع على صدق دعواه أو كذبها،فتأمل.

و النقل (2) الدال على البراءة في الشبهة الحكمية معارض بما تقدم من الأخبار الدالة على وجوب الاحتياط حتى يسأل عن الواقعة،كما في صحيحة عبد الرحمن المتقدمة (3) ،و ما دل على وجوب التوقف بناء (1)لا يخفى أن هذا مخالف لقاعدة قبح العقاب بلا بيان،الذي لا يراد به إلا الحجة،و من الظاهر عدم قيام الحجة بمجرد الاحتمال مع التقصير في الفحص،بل لا تتم الحجية و التنجز إلا بوصول الحجة للعبد.

اللهم إلا أن يقال:قاعدة قبح العقاب بلا بيان لما لم تكن من القواعد اللفظية حتى يؤخذ بإطلاقها،بل هي من القواعد اللبية العقلية فلا مانع من دعوى عدم حكم العقل بها في المقام.

و قد تقدم بعض الكلام في ذلك في التنبيه الرابع من المسألة الرابعة من مسائل الشبهة التحريمية فراجع.

و لعل قوله:«فتأمل»إشارة إلى بعض ما ذكرنا.

(2)كأنه إشارة إلى دفع ما قد يقال:من أن حكم العقل بعدم المعذورية مع التقصير في الفحص محكوم لإطلاقات أدلة البراءة المقتضية لمعذورية الجاهل قبل الفحص شرعا.

و حاصل الدفع:انه لا بد من رفع اليد عن الإطلاقات المذكورة بما دل على وجوب الاحتياط قبل السؤل...إلى آخر ما سيذكره.

(3)في أدلة الأخباريين على وجوب الاحتياط في الشبهة التحريمية

ص: 229

على الجمع بينها و بين أدلة البراءة بحملها على صورة التمكن من إزالة الشبهة (1) .

الخامس:حصول العلم الإجمالي لكل أحد-قبل الأخذ في استعلام المسائل-بوجود واجبات و محرمات كثيرة في الشريعة،و معه لا يصح التمسك بأصل البراءة،لما تقدم من أن مجراه الشك في أصل التكليف،لا في المكلف به مع العلم بالتكليف.

فإن قلت:هذا يقتضي عدم جواز الرجوع إلى البراءة في أول الأمر و لو بعد الفحص،لأن الفحص لا يوجب جريان البراءة مع العلم الإجمالي (2) .

قلت:المعلوم إجمالا وجود التكاليف الواقعية في الوقائع التي يقدر الحكمية.

(1)إذ بناء على ذلك لا مجال للرجوع إلى عموم أدلة البراءة قبل الفحص، لاحتمال كون الشبهة ممّا يمكن إزالتها بالفحص،فيكون الرجوع إلى العموم حينئذ من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية،الذي لا يجوز على التحقيق.

بل قد تحمل أخبار التوقف على صورة التمكن من الفحص المفروض تحققه في المقام و إن كان لا يعلم بارتفاع الشبهة بسببه.

نعم حمل أخبار التوقف على ذلك أو على ما ذكره المصنف قدّس سرّه ممّا لا شاهد له بل لعله خلاف ظاهر كثير من الأخبار،و إن كان لا يبعد تمامية بعضها.

فالعمدة في وجه رفع اليد عن إطلاقات البراءة هي الوجوه الأربعة المذكورة هنا.

(2)لعدم ارتفاع الشك بالفحص،فيتعين تنجزه بسبب العلم الإجمالي.

ص: 230

على الوصول إلى مداركها،و إذا تفحص و عجز عن الوصول إلى مدارك الواقعة خرجت تلك الواقعة عن الوقائع التي علم إجمالا بوجود التكاليف فيها،فيرجع فيها إلى البراءة.

و لكن هذا لا يخلو عن نظر،لأن العلم الإجمالي إنما هو بين جميع الوقائع من غير مدخلية لتمكن المكلف من الوصول إلى مدارك التكليف و عجزه عن ذلك (1) ،فدعوى اختصاص أطراف العلم الإجمالي بالوقائع (1)لأن التمكن و عدمه لا دخل له في كون التكليف فعليا صالحا للامتثال بناء على عدم التصويب،و ثبوت التكاليف الواقعية و إن كانت على خلاف مقتضى الأصل أو الأمارة.

و بعبارة أخرى:دخل التمكن و عدمه في العلم الإجمالي إن كان لدخله في التكليف المعلوم بالإجمال،بحيث يكون التكليف الذي لا يقدر على الوصول إليه غير صالح للامتثال،فيدفعه ما هو المعلوم من اشتراك الأحكام الفعلية بين العالم بها و الجاهل و إن كان الثاني معذورا،و لا مجال لعذره في المقام بعد العلم الإجمالي المفروض.

و إن كان لدخل الوقائع التي يمكن فيها الوصول لمدارك الأحكام في نفس العلم بمعنى أنه لا علم إلا في الوقائع المذكورة،و إن كان لو فرض وجود الأحكام في غيرها كانت فعلية صالحة للامتثال،إلا أنها ليست أطرافا للعلم المذكور بل مورد للشبهة البدوية فلا يتنجز احتمالها-فخصوصية ذلك في تحقق العلم غير ظاهرة،بل كما يعلم بوجود أحكام في تلك الموارد كذلك يحتمل الخطأ في بعض تلك الأدلة و وجود أحكام في غير مواردها.

و قد سبق من المصنف قدّس سرّه في الدليل الأول من الأدلة العقلية على حجية خبر الواحد بيان الضابط الذي يرجع إليه في تمييز خصوصية بعض الموارد في العلم الإجمالي و عدمها،و الظاهر أنه يقتضي في المقام عدم الخصوصية لموارد التمكن كما

ص: 231

المتمكن من الوصول إلى مداركها مجازفة.

مع أن هذا الدليل إنما يوجب الفحص قبل استعلام جملة من التكاليف يحتمل انحصار المعلوم إجمالا فيها (1) ،فتأمل و راجع ما ذكرنا في رد استدلال الأخباريين على وجوب الاحتياط في الشبهة التحريمية ذكره المصنف قدّس سرّه هنا فراجع.

و لعل الأولى أن يقال:كما يعلم بوجود أحكام شرعية في الوقائع،كذلك يعلم مقارنا له بقيام الحجج على أحكام شرعية إلزامية،و هذا العلم الإجمالي منجز بنفسه لخصوص أطرافه على كل حال و لو فرض عدم وجود الحكم واقعا فإن قيام الحجة منجز لمورده و لو احتمل خطؤها،كما أن تنجز المورد بقيام الحجة لا يتوقف على وصولها تفصيلا.

كي يقال:إن وصولها متأخر عن العلم الإجمالي بوجود الأحكام الشرعية،فلا يكفي في انحلاله،بل يكفي العلم بقيامها إجمالا الحاصل في المقام،و حينئذ فالعلم المذكور لما كان منجزا بنفسه منع من منجزية العلم الإجمالي الكبير لكونه مقارنا له و في ضمنه كما أن الفحص إنما يلزم خروجا عن العلم الإجمالي بقيام الحجج على الأحكام،و مع الفحص المذكور لا يبقى الشك في قيام الحجة،بل أما أن يعلم به أو يعلم بعدمه،و إن بقي الشك في وجود الحكم الشرعي إذ لا منجز للشك المذكور بعد فرض انحلال العلم الإجمالي الكبير.فتأمل جيدا و راجع ما سبق منا في الدليل العقلي الأول على حجية خبر الواحد.

(1)إذ بعد ذلك لا يعلم إجمالا بوجود أحكام شرعية كي يجب الفحص لأجله.

لكن بناء على ما ذكرنا يتعين وجوب الفحص أيضا،لأن الموجب له ليس إلا العلم بقيام الحجج على الأحكام و هو يقتضي تنجز جميع موارد قيام الحجج،فلو فرض كون المورد من موارد قيام الحجج لكان منجزا بمقتضى العلم المذكور،و لا يعلم بخروجه عنه إلا بالفحص،فتأمل جيدا.

ص: 232

بالعلم الإجمالي (1) .

و كيف كان:فالأولى ما ذكر في الوجه الرابع،من أن العقل لا يعذر الجاهل القادر على الفحص،كما لا يعذر الجاهل بالمكلف به العالم به إجمالا.

و مناط عدم المعذورية في المقامين هو:عدم قبح مؤاخذة الجاهل فيهما،فاحتمال الضرر بارتكاب الشبهة غير مندفع بما يأمن معه من ترتب الضرر.

أ لا ترى:أنهم حكموا باستقلال العقل بوجوب النظر في معجزة مدعي النبوة و عدم معذوريته في تركه،مستندين في ذلك إلى وجوب دفع الضرر المحتمل،لا إلى أنه شك في المكلف به (2) .

هذا كله،مع أن في الوجه الأول-و هو الإجماع القطعي-كفاية (3) .

(1)تقدم منه هناك ذكر بعض الوجوه لتوجيه الرجوع للبراءة بعد الفحص لكنها لا تخلو عن إشكال أشرنا إليه هناك،فراجع.

(2)لعدم العلم بالتكليف،لاحتمال كذب المدعي.

(3)لأن قبح العقاب مع الجهل المقارن للالتفات مختص بما إذا لم يعلم من سليقة الشارع الأقدس الاهتمام بالواقع و إرادته على كل حال،أما مع ذلك فلا إشكال في وجوب الاحتياط،و لذا ذهب الأخباريون إلى الاحتياط في الشبهة التحريمية من جهة الأخبار،و سبق من المصنف قدّس سرّه أنها لو تمت كانت واردة على قاعدة قبح العقاب بلا بيان،و من الظاهر أن الإجماع المذكور صالح لبيان سليقة الشارع لكشفه عن رأي المعصوم.

نعم معذرية الغفلة المطلقة الناشئة عن قصور المكلف لا مجال لردع الشارع

ص: 233

ثم إن في حكم أصل البراءة كل أصل عملي خالف الاحتياط (1) .

بقي الكلام في حكم الأخذ بالبراءة مع ترك الفحص:

و الكلام فيه:إما في استحقاقه العقاب،و إما في صحة العمل الذي أخذ فيه بالبراءة.

أما العقاب:

فالمشهور:أنه على مخالفة الواقع لو اتفقت،فإذا شرب العصير العنبي من غير فحص عن حكمه،فإن لم يتفق كونه حراما واقعا فلا عقاب،و لو اتفقت حرمته كان العقاب على شرب العصير،لا على ترك التعلم.

أما الأول (2) ،فلعدم المقتضي للمؤاخذة،عدا ما يتخيل:من ظهور أدلة وجوب الفحص و طلب تحصيل العلم في الوجوب النفسي.

و هو مدفوع:بأن المستفاد من أدلته بعد التأمل إنما هو وجوب الفحص لئلا يقع في مخالفة الواقع،كما لا يخفى (3) .

عنها و قيام الأدلة على خلافها،لأنها كاملة الغاية في العذر لا تقبل المنع الشرعي.

و مما ذكرنا يظهر أنه كان على المصنف قدّس سرّه أن يذكر بالاضافة إلى الإجماع الأخبار التي أشار إليها في الوجه الثاني و الثالث،لتمامية دلالتها.بل هي أولى من الإجماع، إذ قد يناقش فيه باحتمال استناده إلى الوجه الرابع و الخامس العقليين،لا إلى رأي المعصوم،و إن كان خلاف الظاهر.

(1)لعين ما سبق من العلم بالوجوه النقلية و العقلية.

(2)و هو عدم العقاب مع عدم مخالفة الواقع.

(3)كما أشرنا إليه عند الكلام في الوجه الثاني.

ص: 234

أو ما يتخيل (1) :من قبح التجري،بناء على أن الإقدام على ما لا يؤمن كونه مضرة كالإقدام على ما يعلم كونه كذلك،كما صرح به جماعة منهم الشيخ في العدة و أبو المكارم في الغنية.

لكنا قد أسلفنا الكلام فيه صغرى و كبرى (2) .

و أما الثاني (3) ،فلوجود المقتضي،و هو الخطاب الواقعي الدال و لو لا ذلك لزم وجوب التعلم حتى مع الأمن من مخالفة الواقع من جهة الاحتياط أو متابعة من يؤمن منه الإيقاع في خلاف الواقع،بل وجوبه حتى بالاضافة إلى الأحكام التي لا تكون موردا لابتلاء المكلف،و لا يظن التزام أحد بذلك،و ما ذلك إلا لانصراف كون الأدلة إلى الوجوب طريقيا لأجل التجنب عن مخالفة الواقع،لا نفسيا.

(1)عطف على قوله:«ما يتخيل من ظهور أدلة...».

(2)أما الكبرى فقد سبق منه قدّس سرّه الكلام فيها في مباحث القطع،حيث قرب عدم استحقاق العقاب بالتجري و إن عرفت منا خلاف في ذلك.

و أما الصغرى فقد تقدم منه في تعداد أقسام التجري أن منه ما إذ احتمل المعصية فاقدم برجاء أن لا يكون معصية بلا عذر مصحح للإقدام.

لكن لم يتقدم منه قدّس سرّه الانكار أو الاشكال في صدق التجري بذلك.

نعم تقدم منا عدم تحقق التجري به.و أوضح منه ما لو أقدم غافلا عن احتمال الحرام و لم تكن غفلته عذرا لكونها عن تقصير في الفحص،كما قد يتحقق في المقام، و إن كان خارجا عن مورد كلام المصنف إذ الكلام في الأخذ بالبراءة الذي لا يتأتى مع الغفلة،بل مع الاحتمال.فلاحظ.

(3)و هو ثبوت العقاب لو اتفقت الحرمة واقعا و كان قد عمل بمقتضى البراءة.

ص: 235

على وجوب الشيء أو تحريمه (1) ،و لا مانع منه عدا ما يتخيل:من جهل المكلف به،و هو غير قابل للمنع عقلا و لا شرعا.

أما العقل،فلا يقبح مؤاخذة الجاهل التارك للواجب،إذا علم أن بناء الشارع على تبليغ الأحكام على النحو المعتاد المستلزم لاختفاء بعضها لبعض الدواعي،و كان قادرا على إزالة الجهل عن نفسه.

و أما النقل (2) ،فقد تقدم (3) عدم دلالته على ذلك،فإن الظاهر منها -و لو بعد ملاحظة ما تقدم من أدلة الاحتياط-الاختصاص بالعاجز.

مضافا إلى ما تقدم في بعض الأخبار المتقدمة في الوجه الثالث (4) المؤيدة بغيرها،مثل رواية تيمم عمار (5) المتضمنة لتوبيخ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إياه (1)لا يخفى أن المقتضي للعقاب هو التحريم و الوجوب الواقعيين المدلولين للخطاب،و إنما يحتاج إلى الخطاب لتنجيزهما و الاحتجاج به في مقام التبليغ،فمع فرض تنجز الواقع بالاحتمال قبل الفحص لا يهم عدم الاطلاع على الخطاب.

(2)و هو ما دلّ على عدم العقاب مع الجهل،مثل حديث الرفع و غيره.

(3)في الدليل الرابع على وجوب الفحص،و تقدم الكلام في ذلك.

(4)بل ما تقدم في الوجه الثاني صالح أيضا لرفع اليد عن إطلاقات البراءة بناء على ما عرفت من ظهوره في أن وجوب التعلم طريقي لا نفسي،فإنه ملازم لعدم معذرية احتمال التكليف مع إمكان التعلم.

(5)الواردة في التيمم،حيث تمعك بالتراب و مسحه بتمام بدنه.

لكن لم أعثر عاجلا على توبيخ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم له،و إنما تضمنت بعض الروايات استهزائه به.فراجع الباب الحادي عشر من أبواب التيمم من الوسائل.

هذا و من القريب جدا أن لا يكون فعل عمار ناشئا من تقصيره في السؤال،بل

ص: 236

بقوله:«أ فلا صنعت كذا».

و قد يستدل أيضا:بالإجماع على مؤاخذة الكفار على الفروع مع أنهم جاهلون بها.

و فيه:أن معقد الإجماع تساوي الكفار و المسلمين في التكليف بالفروع كالأصول و مؤاخذتهم عليها بالشروط المقررة للتكليف،و هذا لا ينفي دعوى اشتراط العلم بالتكليف في حق المسلم و الكافر (1) .

و قد خالف فيما ذكرنا صاحب المدارك تبعا لشيخه المحقق الأردبيلي، حيث جعلا عقاب الجاهل على ترك التعلم،لقبح تكليف الغافل.و فهم منه بعض المدققين أنه قول بالعقاب على ترك المقدمة دون ذي المقدمة (2) .

من غفلة ناشئة عن قصور،لشرح كيفية التيمم الذي هو بدل عن الوضوء و الغسل في آيته بنحو لا يناسب حمله على التمعك،كما فعله عمار،فلا بد أن يكون فعله ناشئا عن الذهول عن ذلك،بلا إهمال و لا تقصير،فلا مجال لتوبيخه.

(1)لكن لازم هذا كون الإجماع المذكور واردا في حكم غير عملي،لأن الكافر دائما لا يعلم بثبوت الحكم في حقه،لعدم اعتقاده بشريعته،فلو كان العلم شرطا في العقاب،و لا يكفي فيه التقصير فيه يلزم عدم عقاب الكافر،إلا أن يكون عالما فعلا بحقية الدين و كان إنكاره عنادا،و هو ممّا يأباه كلام المجمعين جدا.

(2)لا يخفى أن التعلم-بناء على عدم وجوبه لنفسه-ليس من سنخ المقدمة الوجودية للواجب التي قيل بوجوبها شرعا،لعدم توقف فعل الواجب و لأصل ترك الحرام على العلم بوجوب الأول و حرمة الثاني،لإمكان حصوله بدواع أخر و لو بنحو الاحتياط أو صدقه بلا قصد،و إنما هو من سنخ المقدمة العلمية،حيث إنه مع عدم التعلم لا يعلم بالفراغ عن التكاليف المعلومة إجمالا،و من الواضح أن المقدمة العلمية ليست واجبا شرعا،بل عقلا بملاك حكم العقل بعدم كون الجهل

ص: 237

و يمكن توجيه كلامه:بإرادة استحقاق عقاب ذي المقدمة حين ترك المقدمة،فإن من شرب العصير العنبي غير ملتفت حين الشرب إلى احتمال كونه حراما،قبح توجه النهي إليه في هذا الزمان،لغفلته (1) ،و إنما يعاقب عذرا حينئذ،و لا بد من حمل الأوامر الشرعية الواردة به إلى الإرشاد إلى ذلك و التنبيه عليه،فلا مجال لتوهم العقاب على ترك التعلم،بل لا عقاب إلا على الواقع الذي فرض عدم كون الجهل عذرا في تركه.

و أما توهم:أن كون الجهل عذرا من الأحكام العقلية غير القابلة للتخصيص.

اندفع بأن حكم العقل بكونه عذرا مختصا بما إذا لم يكن عن تقصير،خصوصا مع تنبيه المولى على لزوم التعلم،كما سبق،فلا حكم للعقل بكونه عذرا حينئذ،بل يلزم بالتعلم دفعا لخطر العقاب.فلاحظ.

(1)إن أريد بتوجه النهي الخطاب الخارجي بالتحريم بمثل المشافهة،فمن الظاهر عدم التزام أحد به في الغافل و لا في الملتفت،لعدم ابتناء الأحكام الشرعية على ذلك،بل على جعل الأحكام و تشريعها بنحو العموم نظير جعل القوانين العامة.

و إن أريد به ثبوت النهي في نفسه فهو في محله،بل لعله لا خلاف فيه بيننا.

و عليه يبتني ما تكرر من المصنف قدّس سرّه من الإجماع على اشتراك الأحكام بين العالم و الجاهل و الملتفت و الغافل.

نعم الحكم المذكور لا يصلح لاحداث الداعي للامتثال،لاشتراط داعوية الداعي بالالتفات إليه.

إلا أن ذلك لا ينافي ثبوت العقاب بمخالفته حين المخالفة،لثبوت المقتضي -و هو التكليف-و عدم المانع و هو العذر،لفرض عدم كون الجهل و الغفلة الناشئين عن تقصير عذرا عند العقلاء فلا مانع من استحقاق العقاب حين المخالفة،و لا حاجة إلى ما تكلفه المصنف قدّس سرّه في المقام.

ص: 238

على النهي الموجه إليه قبل ذلك،حين التفت إلى أن في الشريعة تكاليف لا يمكن امتثالها إلا بعد معرفتها،فإذا ترك المعرفة عوقب عليه من حيث إفضائه إلى مخالفة تلك التكاليف،ففي زمان الارتكاب لا تكليف،لانقطاع التكليف حين ترك المقدمة (1) و هي المعرفة.

و نظيره:من ترك قطع المسافة في آخر أزمنة الإمكان،حيث إنه يستحق أن يعاقب عليه،لإفضائه إلى ترك أفعال الحج في أيامها،و لا يتوقف استحقاق عقابه على حضور أيام الحج و أفعاله.

و حينئذ:فإن أراد المشهور توجه النهي إلى الغافل حين زمان غفلته، فلا ريب في قبحه.

و إن أرادوا استحقاق العقاب على المخالفة و إن لم يتوجه إليه نهي وقت المخالفة:

ثم إن توجيه كلام صاحب المدارك بما ذكره المصنف قدّس سرّه بعيد عن ظاهره و هو ظاهر في استحقاق العقاب على ترك التعلم لا على ترك الواجب حين تركه.

فراجع.

(1)ذكرنا أن المعرفة ليست مقدمة للعمل،فتركها لا يوجب العجز عنه حتى يمتنع التكليف معه،فلا مانع من ثبوت التكليف،كما لا مانع من العقاب عليه بعد عدم كون الجهل عذرا لاستناده إلى التقصير.

و منه يظهر الفرق بين ترك قطع المسافة للحج و بين ترك المعرفة،فان قطع المسافة لما كان مقدمة للحج كان تركه موجبا للعجز عنه الموجب لقبح التكليف.

نعم لا مانع من العقاب و لو مع سقوط التكليف بعد كون سقوطه ليس ناشئا عن الامتثال،و لا عن القصور،بل عن التقصير.فلاحظ.

ص: 239

فإن أرادوا أن الاستحقاق على المخالفة وقت المخالفة،لا قبلها، لعدم (1) تحقق معصية،ففيه:

أنه لا وجه لترقب حضور زمان المخالفة،لصيرورة الفعل مستحيل الوقوع (2) لأجل ترك المقدمة.

مضافا إلى شهادة العقلاء قاطبة بحسن مؤاخذة من رمى سهما لا يصيب زيدا و لا يقتله إلا بعد مدة مديدة،بمجرد الرمي (3) .

و إن أرادوا استحقاق العقاب في زمان ترك المعرفة على ما يحصل بعد من المخالفة،فهو حسن لا محيص عنه.

هذا،و لكن بعض كلماتهم ظاهرة في الوجه الأول،و هو توجه النهي إلى الجاهل حين عدم التفاته،فإنهم يحكمون بفساد الصلاة في المغصوب جاهلا بالحكم،لأن الجاهل كالعامد،و أن التحريم لا يتوقف على العلم به.

(1)تعليل لقوله:«لا قبلها».

(2)عرفت أنه لا استحالة في المقام.

مع أنها لو تمت لا تقتضي سبق العقاب بعد فرض عدم مخالفة غرض المولى إلا حين حضور زمن التكليف.

(3)المؤاخذة هنا شبيهة بالمؤاخذة على التجري،و إلا فلا معصية إلا بعد الإصابة و تحقق القتل.

فالإنصاف أن ما يظهر من المشهور من استحقاق العقاب بالمخالفة في محله و هو مطابق للمرتكزات العقلائية.

ص: 240

و لو لا توجه النهي إليه حين المخالفة لم يكن وجه لبطلان الصلاة، بل كان كناسي الغصبية.

و الاعتذار عن ذلك:بأنه يكفي في البطلان اجتماع الصلاة المأمور بها مع ما هو مبغوض في الواقع و معاقب عليه و لو لم يكن منهيا عنه بالفعل.

مدفوع-مضافا إلى عدم صحته في نفسه (1) -:بأنهم صرحوا بصحة صلاة من توسط أرضا مغصوبة في حال الخروج عنها،لعدم النهي عنه و إن كان آثما بالخروج.

إلا أن يفرق بين المتوسط للأرض المغصوبة و بين الغافل،بتحقق المبغوضية في الغافل،و إمكان تعلق الكراهة الواقعية بالفعل المغفول عن حرمته مع بقاء الحكم الواقعي بالنسبة إليه،لبقاء الاختيار فيه،و عدم ترخيص الشارع للفعل في مرحلة الظاهر،بخلاف المتوسط،فإنه يقبح منه تعلق الكراهة الواقعية بالخروج كالطلب الفعلي لتركه،لعدم التمكن (1)لم يتضح عاجلا الوجه في عدم صحته في نفسه.

إلا أن يريد أن المبغوضية الواقعية لا تمنع من التقرب و إن كانت موجبة للعقاب،لتقوم التقرب بالقصد الحاصل مع الغفلة عن المبغوضية و إن كانت عن تقصير و بنحو يستحق معه العقاب.

لكن هذا جار في النهي أيضا،مع أن ظاهره تسليم امتناع التقرب إذا كان الجهل عن تقصير.

و كيف كان فالظاهر أن المبغوضية إذا كانت موجبة للبعد من جهة عدم معذرية الجهل تكون مانعة من التقرب بأن أريد به التقرب الفاعلي،و إن أريد به التقرب القصدي فهي غير مانعة عنه.و كذا حال النهي.فلاحظ.

ص: 241

من ترك الغصب (1) .

و مما ذكرنا:من عدم الترخيص،يظهر الفرق بين جاهل الحكم و جاهل الموضوع المحكوم بصحة عبادته مع الغصب (2) و إن فرض فيه الحرمة الواقعية.

نعم،يبقى الإشكال في ناسي الحكم خصوصا المقصر (3) .و للتأمل في حكم عبادته مجال،بل تأمل بعضهم في ناسي الموضوع،لعدم الترخيص الشرعي من جهة الغفلة (4) ،فافهم.

(1)عدم التمكن من ترك الغصب إنما يمنع من طلبه فعلا لا من مبغوضية الغصب التي هي العبارة في امتناع التقرب.

نعم قد يدعي أن الخروج محبوب للمولى فعلا لانحصار التخلص عن الحرام به،و إن كان مبغوضا ذاتا من جهة كونه غصبا.

و فيه:أن التخلص عن الحرام إنما يوجب كونه أخف المحذورين في نظر المولى،و هذا لا يستلزم المحبوبية التي هي المعيار في مانعية التقرب.فالبناء على عدم صحة الصلاة حال الخروج-لو استلزمت تصرفا في المغصوب-لعله الأوفق.و تمام الكلام في مبحث اجتماع الأمر و النهي.

(2)من جهة العذر المانع من تحقق البعد حتى الفاعلي و إن كان الفعل مبغوضا واقعا.

(3)اللازم التفصيل في الناسي بين القاصر و المقصر على النحو الذي سبق في الجاهل.

(4)يعني:المانعة من توجه الترخيص كسائر الخطابات.لكنه-لو تم-لا ينافي تحقق العذر المانع من البعدية.

و لذا لم يتوهم أحد الفرق في الجاهل المعذور بين الملتفت الشاك و الغافل،

ص: 242

و مما يؤيد إرادة المشهور للوجه الأول (1) دون الأخير:أنه يلزم حينئذ عدم العقاب في التكاليف الموقتة التي لا تتنجز على المكلف إلا بعد دخول أوقاتها،فإذا فرض غفلة المكلف عند الاستطاعة عن تكليف الحج، و المفروض أن لا تكليف قبلها (2) ،فلا سبب هنا (3) لاستحقاق العقاب رأسا.أما حين الالتفات إلى امتثال تكليف الحج (4) ،فلعدم التكليف به، لفقد الاستطاعة.و أما بعد الاستطاعة،فلفقد الالتفات و حصول الغفلة.

و كذلك الصلاة و الصيام بالنسبة إلى أوقاتها.

و من هنا قد يلتجئ إلى ما لا يأباه كلام صاحب المدارك و من تبعه، من أن العلم واجب نفسي،و العقاب على تركه من حيث هو،لا من حيث إفضائه إلى المعصية،أعني ترك الواجبات و فعل المحرمات المجهولة تفصيلا.

بالصحة في الأول و التوقف في الثاني.فلاحظ.

(1)و هو العقاب بالمخالفة حينها لا حين ترك المعرفة كما هو مقتضى الوجه الثاني.

(2)هذا الفرض مبني على رجوع قيد الاستطاعة للهيئة الدالة على الوجوب لا للمادة الدالة على الواجب،كما هو مختار المشهور،أما بناء على مختار المصنف قدّس سرّه من رجوع جميع القيود للمادة فيتعين ثبوت التكليف و تنجزه في أول زمان التكليف حين ترك المعرفة.و التحقيق الأول،و تمام الكلام في مبحث الواجب المشروط.

(3)يعني:بناء على الوجه الثاني المبني على استحقاق العقاب على المخالفة حين ترك المعرفة.

(4)الذي هو زمان الخطاب بالمعرفة.

ص: 243

و ما دل بظاهره-من الأدلة المتقدمة-على كون وجوب تحصيل العلم من باب المقدمة،محمول على بيان الحكمة في وجوبه،و أن الحكمة في إيجابه لنفسه صيرورة المكلف قابلا للتكليف بالواجبات و المحرمات حتى لا يفوته منفعة التكليف بها و لا تناله مضرة إهماله عنها،فإنه قد يكون الحكمة في وجوب الشيء لنفسه صيرورة المكلف قابلا للخطاب، بل الحكمة الظاهرة في الإرشاد و تبليغ الأنبياء و الحجج عليهم السّلام ليست إلا صيرورة الناس عالمين قابلين للتكاليف (1) .

لكن الإنصاف:ظهور أدلة وجوب العلم في كونه واجبا غيريا (2) ، مضافا إلى ما عرفت من الأخبار في الوجه الثالث الظاهرة في المؤاخذة على نفس المخالفة.

و يمكن أن يلتزم-حينئذ-:باستحقاق العقاب على ترك تعلم التكاليف،الواجب مقدمة،و إن كانت مشروطة بشروط مفقودة حين الالتفات إلى ما يعلمه إجمالا من الواجبات المطلقة و المشروطة،لاستقرار بناء العقلاء في مثال الطومار المتقدم على عدم الفرق في المذمة على ترك التكاليف المسطورة فيه بين المطلقة و المشروطة (3) ،فتأمل.

(1)مع وضوح عدم كونهم عليهم السّلام مكلفين بعمل الناس حتى يكون وجوب التبليغ عليهم طريقيا أو غيريا،بل لا بد من كونه نفسيا.

(2)لما سبق تفصيله.

لكن عرفت أنه واجب طريقي لا غيري.

(3)هذا ممّا لا إشكال فيه،إلا أنه لا مانع من الالتزام باستحقاق العقاب بنفس المخالفة حينها،كما عرفت.

ص: 244

هذا خلاصة الكلام بالنسبة إلى عقاب الجاهل التارك للفحص العامل بما يطابق البراءة.

و أما الكلام في الحكم الوضعي:و هي صحة العمل الصادر من الجاهل و فساده،فيقع الكلام فيه تارة في المعاملات،و أخرى في العبادات.

أما المعاملات:

فالمشهور فيها:أن العبرة فيها بمطابقة الواقع و مخالفته،سواء وقعت عن أحد الطريقين أعني الاجتهاد و التقليد،أم لا عنهما،فاتفقت المطابقة للواقع،لأنها من قبيل الأسباب لأمور شرعية،فالعلم و الجهل لا مدخل له في تأثيرها و ترتب المسببات عليها.

فمن عقد على امرأة عقدا لا يعرف تأثيره في حلية الوط ء فانكشف بعد ذلك صحته،كفى في صحته من حين وقوعه،و كذا لو انكشف فساده رتب عليه حكم الفاسد من حين الوقوع.و كذا من ذبح ذبيحة بفري ودجيه،فانكشف كونه صحيحا أو فاسدا.

نعم قد يشكل بأن ترك التعلم لما كان حين عدم تنجز التكليف لعدم حضور شرطه تعين قبح العقاب،لعدم الملزم بالتعلم حينئذ و لذا لا عقاب لو كان ترك التعلم حين الصّبا قبل البلوغ و وضع قلم التكليف.

و يندفع بأنه يكفي في تنجز التكليف توقع حضوره في وقته إذا تمت شرائط التكليف العامة،بخلاف ما لو لم تتم كما في حال الصبي،على ما أوضحناه في مبحث الواجب المشروط.

ص: 245

و لو رتب عليه أثرا (1) قبل الانكشاف،فحكمه في العقاب ما تقدم:

من كونه مراعى بمخالفة الواقع،كما إذا وطأها فإن العقاب عليه مراعى.

و أما حكمه الوضعي-كما لو باع لحم تلك الذبيحة-فكما ذكرنا هنا:من مراعاته حتى ينكشف الحال.

و لا إشكال فيما ذكرنا بعد ملاحظة أدلة سببية تلك المعاملات (2) ، و لا خلاف ظاهرا في ذلك أيضا إلا من بعض مشايخنا المعاصرين قدّس سرّهم (3) ، حيث أطال الكلام هنا في تفصيل ذكره بعد مقدمة،هي:

أن العقود و الإيقاعات بل كل ما جعله الشارع سببا،لها حقائق واقعية:هي ما قرره الشارع أولا،و حقائق ظاهرية:هي ما يظنه المجتهد أنه ما وضعه الشارع.و هي قد تطابق الواقعية و قد تخالفها،و لما لم يكن لنا سبيل في المسائل الاجتهادية إلى الواقعية فالسبب و الشرط و المانع في حقنا هي الحقائق الظاهرية،و من البديهيات التي انعقد عليها الإجماع بل الضرورة:أن ترتب الآثار على الحقائق الظاهرية يختلف بالنسبة إلى الأشخاص،فإن ملاقاة الماء القليل للنجاسة سبب لتنجسه عند واحد دون غيره،و كذا قطع الحلقوم للتذكية،و العقد الفارسي للتمليك أو الزوجية.

و حاصل ما ذكره من التفصيل:

أن غير المجتهد و المقلد على ثلاثة أقسام،لأنه إما غافل عن احتمال (1)يعني:أثرا لحكم تكليفي،كما لو أكل اللحم في الفرض.

(2)لظهورها في دوران الأمر مدار الواقع.

(3)حكي عن الفاضل النراقي قدّس سرّه في مناهجه.

ص: 246

كون ما أتى به من المعاملة مخالفا للواقع (1) ،و إما أن يكون غير غافل،بل يترك التقليد مسامحة.

فالأول،في حكم المجتهد و المقلد،لأنه يتعبد باعتقاده (2) -كتعبد المجتهد باجتهاده و المقلد بتقليده-ما دام (3) غافلا،فإذا تنبه:فإن وافق اعتقاده قول من يقلده (4) فهو،و إلا كان كالمجتهد المتبدل رأيه،و قد مر حكمه في باب رجوع المجتهد.

و أما الثاني،و هو المتفطن لاحتمال مخالفة ما أوقعه من المعاملة للواقع:

فإما أن يكون ما صدر عنه موافقا أو مخالفا للحكم القطعي الصادر من الشارع،و إما أن لا يكون كذلك،بل كان حكم المعاملة ثابتا بالظنون الاجتهادية.

فالأول،يترتب عليه الأثر مع الموافقة،و لا يترتب عليه مع المخالفة، (1)كما لو تعلم الأحكام بوجه غير صحيح اعتمادا على تعليم من ليس حجة في نفسه.

(2)التعبد بالاعتقاد لو تم مشروط بجعل الشارع له،حتى يكون من الأسباب الشرعية الظاهرية.

أما مجرد الغفلة فهي حتى لو كانت عذرا لا تصحح التعبد بحيث يكون التكليف في حق المتعبد بمقتضاها،و إن قلنا بالسببية،لأنها في الجعل الشرعي،و لا يكفي فيها الاعتقاد الناشئ من الغفلة أو غيرها.

(3)راجع إلى قوله:«فالأول في حكم المجتهد و...».

(4)يعني:بعد أن يتنبه.و الظاهر أن في حكمه من ينبغي له تقليده و إن لم يقلده.

ص: 247

إذ المفروض أنه ثبت من الشارع-قطعا-أن المعاملة الفلانية سبب لكذا، و ليس معتقدا لخلافه حتى يتعبد بخلافه،و لا دليل على التقييد في مثله بعلم و اعتقاد (1) ،و لا يقدح كونه محتملا للخلاف أو ظانا به،لأنه مأمور بالفحص و السؤال (2) ،كما أن من اعتقد حلية الخمر مع احتمال الخلاف يحرم عليه الخمر و إن لم يسأل،لأنه مأمور بالسؤال.

و أما الثاني (3) ،فالحق عدم ترتب الأثر في حقه ما دام باقيا على عدم التقليد،بل وجود المعاملة كعدمها،سواء طابقت على أحد الأقوال أم لا،إذ المفروض عدم القطع بالوضع الواقعي من الشارع،بل هو مظنون للمجتهد،فترتب الأثر إنما هو في حقه (4) .

(1)يعني:لا دليل على أن ترتب أثر الحكم الواقعي بموافقته مشروط بالعلم به أو بالاعتقاد،و لا يترتب أثره مع الجهل به،بل إطلاق الاحكام الواقعية يدفع احتمال ذلك.

(2)يعني:و ذلك يكشف عن عدم اعتناء الشارع بالظن أو الاحتمال المذكورين فلا يرفع اليد بهما عن الحكم الواقعي.فقوله:«لأنه مأمور...»تعليل لقوله:«و لا يقدح...».

(3)و هو المتفطن حين العمل لاحتمال مخالفة عمله للواقع،و لا يتيسر له بعد ذلك معرفة الحكم الواقعي،لكون الحكم ثابتا بالظنون الاجتهادية لا غير.

(4)يعني:و حق مقلديه،و المفروض أن العامل ليس منهم فلا طريق له إلى القصد بقوله.

و هذا مبني على عدم حجية قول المجتهد في حق العامي بمجرد أهليته للتقليد، و أنه يتوقف على نية الرجوع إليه و تقليده،أما لو قيل بحجيته بمجرد أهليته تعين البناء على حجيته في المقام بلا إشكال.فلاحظ.

ص: 248

ثم إن قلد بعد صدور المعاملة المجتهد القائل بالفساد،فلا إشكال فيه (1) .و إن قلد من يقول بترتب الأثر،فالتحقيق فيه التفصيل بما مر في نقض الفتوى بالمعنى الثالث،فيقال:إن ما لم يختص أثره بمعين أو بمعينين كالطهارة و النجاسة و الحلية و الحرمة (2) و أمثالها،يترتب عليه الأثر،فإذا غسل ثوبه من البول مرة بدون تقليد،أو اكتفى في الذبيحة بقطع الحلقوم مثلا كذلك،ثم قلد من يقول بكفاية الأول في الطهارة و الثاني في التذكية، ترتب الأثر على فعله السابق،إذ المغسول يصير طاهرا بالنسبة إلى كل من يرى ذلك،و كذا المذبوح حلالا بالنسبة إلى كل من يرى ذلك،و لا يشترط كونه مقلدا حين الغسل و الذبح.

و أما ما يختص أثره بمعين أو معينين،كالعقود و الإيقاعات و أسباب شغل الذمة (3) و أمثالها،فلا يترتب عليه الأثر،إذ آثار هذه الأمور لا بد و أن تتعلق بالمعين،إذ لا معنى لسببية عقد صادر عن رجل خاص على امرأة خاصة لحليتها على كل من يرى جواز هذا العقد و مقلديه.

و هذا الشخص حال العقد لم يكن مقلدا،فلم يترتب في حقه الأثر (4) كما تقدم،و أما بعده و إن دخل في مقلديه،لكن لا يفيد لترتب (1)يعني:في الفساد ظاهرا،لعدم المخرج عن أصالة الفساد في المعاملة.

(2)يعني:من حيث التذكية و عدمها،أما من الجهات الأخر فقد تختص بمعين،كما في حلية وط ء المرأة لزوجها.

(3)كسببية الإتلاف للضمان.

(4)إذ لا طريق له إلى السبب الواقعي،و المسبب الظاهري مشروط بالتقليد المفروض عدم تحققه منه حين العمل-لكن هذا-مع ابتنائه على توقف حجية قول

ص: 249

الأثر في حقه،إذ المظنون لمجتهده سببية هذا العقد متصلا بصدوره للأثر، و لم يصر هذا سببا كذلك.

و أما السببية المنفصلة فلا دليل عليها،إذ ليس هو مظنون المجتهد، و لا دليل على كون الدخول في التقليد كإجازة المالك،و الأصل في المعاملات الفساد.

مع أن عدم ترتب الأثر كان ثابتا قبل التقليد فيستصحب (1) ،انتهى كلامه ملخصا.

و المهم في المقام بيان ما ذكره في المقدمة:من أن كل ما جعله الشارع من الأسباب لها حقائق واقعية و حقائق ظاهرية.

فنقول-بعد الإغماض عما هو التحقيق عندنا تبعا للمحققين،من أن التسببات الشرعية راجعة إلى تكاليف شرعية (2) -:

المجتهد على تقليده لا على أهليته للتقليد كما سبق-يجري فيما لا يختص بمعين،فان ثبوته في حق كل أحد-ظاهرا-مشروط بقيام الطريق عنده المتوقف على التقليد،فلا فرق بين القسمين.مع ما سيأتي من المصنف قدّس سرّه من إنكار أصل التقسيم.

(1)لا يخفى أن منشأ أصالة عدم ترتب الأثر هو الاستصحاب،فلا وجه لعده وجها آخر في قبالها.

(2)إن كان المراد به أن السببية غير مجعولة بالأصل بل هي منتزعة.فهو في محله،حيث ذكرنا في غير مقام أن المجعول هو المسبب لا غير.

لكن المناسب حينئذ أن يقول:أنها راجعة إلى تكاليف أو أحكام وضعية شرعية،و لا وجه لإرجاعها إلى التكاليف فقط،لأن المسبب كما يكون حكما تكليفيا كحل الأكل بعد التذكية كذلك يكون حكما وضعيا،كزوجية المرأة بعد العقد

ص: 250

إن الأحكام الوضعية على القول بتأصلها،هي الأمور الواقعية المجعولة للشارع،نظير الأمور الخارجية الغير المجعولة كحياة زيد و موت عمرو (1) ،و لكن الطريق إلى تلك المجعولات كغيرها قد يكون هو العلم،و قد يكون هو الظن الاجتهادي أو التقليد،و كل واحد من الطرق قد يحصل قبل وجود ذي الأثر،و قد يحصل معه،و قد يحصل بعده.

عليها.

و إن كان المراد به أن الأحكام الوضعية مطلقا غير مجعولة بالأصل-كما لعله مختاره قدّس سرّه على ما يأتي في مبحث الاستصحاب إن شاء اللّه تعالى،و هو المناسب لقوله بعد ذلك:«إن الأحكام الوضعية على القول بتأصلها»فهو في محل منع،و التحقيق أن الأحكام الوضعية كالتكليفية مجعولة للشارع بالأصل،و لا يخرج منها إلا السببية و الشرطية و الجزئية و نحوهما على ما يأتي في مبحث الاستصحاب إن شاء اللّه تعالى.

و كيف كان فتوجه الإشكال المذكور على المحقق المذكور لا يخلو عن تأمل بل منع،فإنه لم يظهر منه دعوى أن السببية ظاهرية و واقعية،بل يظهر منه أن الأسباب و الموضوعات التي رتب الشارع الأقدس عليها الأحكام الوضعية أو التكليفية هي المنقسمة إلى الظاهرية و الواقعية،و هذا لا يحتاج إلى دعوى جعلها،بل يجري مع كونها أمورا حقيقية خارجية كفري الأوداج و الايجاب و القبول،فدخل ما ذكره المصنف قدّس سرّه في رد ما ذكره المحقق المذكور غير ظاهر.

و التحقيق:ابتناؤه على أن الطرق الظاهرية بنحو السببية أو الطريقية،و على الأول يتم ما ذكره المحقق المذكور في الجملة،و لا يتم على الثاني،بل المتعين ما سيذكره المصنف قدّس سرّه.فتأمل جيدا.

(1)يعني من الموضوعات الخارجية التي تقع موردا للشبهة الموضوعية،فإن الظاهر عدم الإشكال عندهم في عدم كون قيام الطرق عليها موجبا لكونها ذات حقائق ظاهرية،بل ليس وظيفة الطرق إلا إحرازها لا غير.

ص: 251

و لا فرق بينهما (1) في أنه بعد حصول الطريق يجب ترتيب الأثر على ذي الأثر من حين حصوله (2) .

إذا عرفت ذلك،فنقول:إذا كان العقد الصادر من الجاهل سببا للزوجية،فكل من حصل له إلى سببية هذا العقد طريق عقلي أعني العلم، أو جعلي بالظن الاجتهادي أو التقليد،يترتب في حقه أحكام تلك الزوجية من غير فرق بين نفس الزوجين و غيرهما،فإن أحكام زوجية هند لزيد ليست مختصة بهما،فقد يتعلق بثالث حكم مترتب على هذه الزوجية، كأحكام المصاهرة،و توريثها منه،و الإنفاق عليها من ماله،و حرمة العقد عليها حال حياته.

و لا فرق بين حصول هذا الطريق حال العقد أو قبله أو بعده.

ثم إنه إذا اعتقد السببية و هو في الواقع غير سبب،فلا يترتب عليه شيء في الواقع (3) .نعم لا يكون مكلفا بالواقع ما دام معتقدا (4) ،فإذا زال الاعتقاد رجع الأمر إلى الواقع و عمل على مقتضاه.

و بالجملة:فحال الأسباب الشرعية حال الأمور الخارجية (5) كحياة (1)يعني:بين العلم و غيره من الطرق.

(2)كما هو مقتضى كاشفيته و طريقيته المحضة،كما أشرنا إليه.

(3)كما هو مقتضى الطريقية المحضة التي هي التحقيق.

(4)يعني:تكليفا منجزا يستتبع العقاب بالمخالفة،و إلا فثبوت التكليف الواقعي في حقه هو مبنى المخطئة الذين هم أهل الحق.

(5)لعل الأولى أن يقول:حال الطرق في الشبهات الحكمية هو حال الطرق

ص: 252

زيد و موت عمرو،فكما أنه لا فرق بين العلم بموت زيد بعد مضي مدة من موته و بين قيام الطريق الشرعي (1) في وجوب ترتيب آثار الموت من حينه،فكذلك لا فرق بين حصول العلم بسببية العقد لأثر بعد صدوره و بين الظن الاجتهادي به بعد الصدور،فإن مؤدى الظن الاجتهادي الذي يكون حجة له و حكما ظاهريا في حقه:هو كون هذا العقد المذكور حين صدوره محدثا لعلاقة الزوجية بين زيد و هند،و المفروض أن دليل حجية هذا الظن لا يفيد سوى كونه طريقا إلى الواقع،فأي فرق بين صدور العقد ظانا بكونه سببا و بين الظن به بعد صدوره؟

و إذا تأملت في ما ذكرنا عرفت مواقع النظر في كلامه المتقدم،فلا نطيل بتفصيلها.

و محصل ما ذكرنا:أن الفعل الصادر من الجاهل باق على حكمه الواقعي التكليفي و الوضعي،فإذا لحقه العلم أو الظن الاجتهادي أو التقليد،كان هذا الطريق كاشفا حقيقيا أو جعليا عن حاله حين الصدور، فيعمل بمقتضى ما انكشف.

بل حققنا في مباحث الاجتهاد و التقليد:أن الفعل الصادر من المجتهد أو المقلد أيضا باق على حكمه الواقعي،فإذا لحقه اجتهاد مخالف للسابق كان كاشفا عن حاله حين الصدور،فيعمل بمقتضى ما انكشف، خلافا لجماعة حيث تخيلوا أن الفعل الصادر عن الاجتهاد أو التقليد إذا في الشبهات الموضوعية،كما سبق بيان نظيره.

(1)يعني:على موت زيد بعد مضي مدة من موته.

ص: 253

كان مبنيا على الدوام و استمرار الآثار-كالزوجية و الملكية (1) -لا يؤثر فيه الاجتهاد اللاحق.و تمام الكلام في محله.

و ربما يتوهم الفساد في معاملة الجاهل،من حيث الشك في ترتب الأثر على ما يوقعه،فلا يتأتى منه قصد الإنشاء في العقود و الإيقاعات.

و فيه:أن قصد الإنشاء إنما يحصل بقصد تحقق مضمون الصيغة -و هو الانتقال في البيع و الزوجية في النكاح-و هذا يحصل مع القطع بالفساد شرعا (2) ،فضلا عن الشك فيه،أ لا ترى:أن الناس يقصدون التمليك في القمار و بيع المغصوب و غيرهما من البيوع الفاسدة.

و مما ذكرنا يظهر:أنه لا فرق في صحة معاملة الجاهل مع انكشافها بعد العقد،بين شكه في الصحة حين صدورها و بين قطعه بفسادها، فافهم.

هذا كله حال المعاملات.

و أما العبادات:

(1)قال بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه:«الابتناء على الدوام لم يعلم له معنى محصل،إذ كثيرا ما يكون مبنى تحصيل الملكية على التبدل،كما في أمر التجار،و كذا الزوجية في حق بعض الأشخاص.و لو كان المراد الدوام ما لم يوجد الرافع لم يكن هناك فرق بين الطهارة و الملكية.فتدبر».

(2)إذ ليس المقصود إنشاء المجعول شرعا،فانه تابع للشارع،و لا سلطان للعاقد عليه،بل إنشاء المعنى اعتبارا مع قطع النظر عن الشارع،و ليس من الشارع إلا الإمضاء مع استكمال الشروط.فتأمل جيدا.

ص: 254

فملخص الكلام فيها:أنه إذا أوقع الجاهل عبادة عمل فيها بما يقتضيه البراءة،كأن صلى بدون السورة،فإن كان حين العمل متزلزلا في صحة عمله بانيا على الاقتصار عليه في الامتثال (1) ،فلا إشكال في الفساد و إن انكشف الصحة بعد ذلك،بلا خلاف في ذلك ظاهرا،لعدم تحقق نية القربة،لأن الشاك في كون المأتي به موافقا للمأمور به كيف يتقرب به (2) ؟

و ما يرى:من الحكم بالصحة فيما شك في صدور الأمر به على تقدير صدوره (3) ،كبعض الصلوات و الأغسال التي لم يرد بها نص معتبر، و إعادة بعض العبادات الصحيحة ظاهرا من باب الاحتياط،فلا يشبه ما نحن فيه.

لأن الأمر على تقدير وجوده هناك لا يمكن قصد امتثاله إلا بهذا النحو،فهو أقصى ما يمكن هناك،بخلاف ما نحن فيه حيث يقطع بوجود أمر من الشارع،فإن امتثاله لا يكون إلا بإتيان ما يعلم مطابقته له،و إتيان ما يحتمله-لاحتمال مطابقته له-لا يعد إطاعة عرفا.

و بالجملة:فقصد التقرب شرط في صحة العبادة إجماعا-نصا (1)أما لو كان بانيا على الفحص فقد سبق منه قدّس سرّه في شروط الاحتياط عدم الصحة فيه أيضا و لو طابق الواقع.و قد سبق منا الكلام فيه هناك.فراجع.

(2)تقدم الكلام في ذلك في التنبيه الثاني من تنبيهات المسألة الرابعة من مسائل الشبهة الوجوبية المحصورة.فراجع.

(3)الجار و المجرور متعلق بقوله:«و الحاكم بالصحة...».

ص: 255

و فتوى-و هو لا يتحقق مع الشك في كون العمل مقربا.

و أما قصد التقرب في الموارد المذكورة من الاحتياط،فهو غير ممكن على وجه الجزم،و الجزم فيه غير معتبر إجماعا،إذ لو لاه لم يتحقق احتياط في كثير من الموارد،مع رجحان الاحتياط فيها إجماعا (1) .

و كيف كان:فالعامل بما يقتضيه البراءة مع الشك حين العمل،لا يصح عبادته و إن انكشف مطابقته للواقع.

أما لو غفل عن ذلك أو سكن فيه إلى قول من يسكن إليه-من أبويه و أمثالهما-فعمل باعتقاد التقرب،فهو خارج عن محل كلامنا الذي هو في عمل الجاهل الشاك قبل الفحص بما يقتضيه البراءة،إذ مجرى البراءة في الشاك دون الغافل و معتقد الخلاف (2) .

و على أي حال:فالأقوى صحته إذا انكشف مطابقته للواقع،إذ لا يعتبر في العبادة إلا إتيان المأمور به على قصد التقرب،و المفروض حصوله.

و العلم بمطابقته للواقع أو الظن بها من طريق معتبر شرعي،غير معتبر (3) في صحة العبادة،لعدم الدليل،فإن أدلة وجوب رجوع المجتهد (1)تقدم منا في التنبيه الثاني من تنبيهات المسألة الرابعة من مسائل الشبهة الوجوبية المحصورة أن ذلك كاشف عن عدم اعتبار الجزم في قصد تحقق القربة مطلقا حتى مع التمكن منه.فراجع.

(2)إذ لا يكون عمله مبنيا على الأصل،بل اعتقاده أو غفلته،فهو ليس عاملا بالأصل.

(3)خبر لقوله:«و العلم بمطابقته...».

ص: 256

إلى الأدلة و رجوع المقلد إلى المجتهد،إنما هي لبيان الطرق الشرعية التي لا يقدح مع موافقتها مخالفة الواقع،لا لبيان اشتراط كون الواقع مأخوذا من هذه الطرق (1) ،كما لا يخفى على من لاحظها.

ثم إن مرآة (2) مطابقة العمل الصادر للواقع:العلم بها،أو الطريق الذي يرجع إليه المجتهد أو المقلد.

و توهم:أن ظن المجتهد أو فتواه لا يؤثر في الواقعة السابقة غلط، لأن مؤدى ظنه نفس الحكم الشرعي الثابت للأعمال الماضية و المستقبلة.

و أما ترتيب الأثر على الفعل الماضي فهو بعد الرجوع،فإن فتوى المجتهد بعدم وجوب السورة كالعلم في أن أثرها قبل العمل عدم وجوب السورة في الصلاة،و بعد العمل عدم وجوب إعادة الصلاة الواقعة من غير سورة،كما تقدم نظير ذلك في المعاملات (3) .

(1)إذ ليس فيها شائبة التقييد لا في موضوع الحكم و لا في كيفية امتثاله،بل هي واردة في مقام الإحراز و الإثبات لا غير.فلاحظ.

(2)يعني:أنه لو وقع العمل قبل الفحص فحيث كان إجزاؤه موقوفا على مطابقته للواقع كما ذكرنا فإحراز المطابقة يكون إما بالعلم بها،أو بقيام الطرق المنصوبة للمجتهد أو المقلد.

(3)في تعقيب كلام الفاضل النراقي قدّس سرّه.

ص: 257

ص: 258

و لنختم الكلام في الجاهل العامل قبل الفحص بأمور:

الأول هل العبرة في باب المؤاخذة و العدم بموافقة الواقع الذي يعتبر...

هل العبرة في باب المؤاخذة و العدم بموافقة الواقع الذي يعتبر مطابقة العمل له و مخالفته،و هو الواقع الأولي الثابت في كل واقعة عند المخطئة؟فإذا فرضنا العصير العنبي الذي تناوله الجاهل حراما في الواقع، و فرض وجود خبر معتبر يعثر عليه بعد الفحص على الحلية،فيعاقب، و لو عكس الأمر لم يعاقب؟

أو العبرة بالطريق الشرعي المعثور عليه بعد الفحص،فيعاقب في صورة العكس دون الأصل؟أو يكفي مخالفة أحدهما،فيعاقب في الصورتين؟

أم يكفي في عدم المؤاخذة موافقة أحدهما،فلا عقاب في الصورتين؟

وجوه:

من:أن (1) التكليف الأولي إنما هو بالواقع،و ليس التكليف بالطرق (1)بيان لدليل الوجه الأول،و هو استحقاق العقاب مع مخالفة الواقع لا

ص: 259

الظاهرية إلا على من عثر عليها (1) .

و من:أن الواقع (2) إذا كان في علم اللّه سبحانه غير ممكن الوصول إليه،و كان هنا طريق مجعول مؤداه بدلا عنه (3) ،فالمكلف به هو مؤدى الطريق دون الواقع على ما هو عليه،فكيف يعاقب اللّه سبحانه على شرب العصير العنبي من يعلم أنه لن يعثر بعد الفحص على دليل حرمته؟

و من:أن كلا (4) من الواقع و مؤدى الطريق تكليف واقعي،أما إذا غير و لا أثر للطريق.

(1)يشكل بأن الطرق الظاهرية صالحة للمنجزية و إن لم يعثر عليها إذا كان عدم العثور ناشئا عن تقصير.

مع أن هذا الوجه إنما يقتضي عدم العقاب بمخالفة الطريق،فيبطل الوجه الثاني و الثالث،و لا يقتضي العقاب بمخالفة الواقع مع موافقة الطريق الذي هو مفاد الوجه الأول،بل يمكن معه الوجه الرابع إذ مجرد عدم التكليف بالطرق الظاهرية قبل العثور عليها لا ينافي كونها عذرا في مخالفة الواقع،لتعذر الوصول إليه معها و لو لم يعثر عليها فعلا.و سيأتي الكلام في ذلك.فلاحظ.

(2)بيان لدليل الوجه الثاني،و هو استحقاق العقاب مع مخالفة الطريق،و لا أثر لموافقة الواقع.

(3)إن أريد البدلية الواقعية فمن الظاهر أن جعل الطرق لا يقتضي بدليتها عن الواقع على ما هو الحق من التخطئة.

و إن أريد البدلية الظاهرية فوجوب الرجوع إلى الطرق الظاهرية طريقي،لا تكون مخالفته موردا للعقاب إلا في ظرف إصابته للواقع،كما سيأتي من المصنف قدّس سرّه.

(4)بيان لدليل الوجه الثالث،و هو استحقاق العقاب بمخالفة أحد الأمرين من الواقع و الطريق.

ص: 260

كان التكليف ثابتا في الواقع،فلأنه كان قادرا على موافقة الواقع بالاحتياط، و على إسقاطه عن نفسه بالرجوع إلى الطريق الشرعي المفروض دلالته على نفي التكليف،فإذا لم يفعل شيئا منهما فلا مانع من مؤاخذته.

و أما إذا كان التكليف ثابتا بالطريق الشرعي،فلأنه قد ترك موافقة خطاب مقدور على العلم (1) به،فإن أدلة وجوب الرجوع إلى خبر العادل أو فتوى المجتهد يشمل العالم و الجاهل القادر على المعرفة.

و من:عدم التكليف (2) بالواقع،لعدم القدرة،و بالطريق الشرعي، لكونه ثابتا في حق من اطلع عليه من باب حرمة التجري (3) ،فالمكلف به (1)لكن هذا لا يقتضي استحقاق العقاب بعد ما أشرنا إليه و يأتي من المصنف قدّس سرّه من أن وجوب الرجوع إلى الطرق الظاهرية طريقي،فلا أثر لمخالفته مع فرض عدم إصابته للواقع.

و منه يظهر عدم استحقاق العقاب بمخالفته و لو مع وصوله،إلا إذا تحقق التجري بناء على استحقاق العقاب به.

(2)بيان لدليل الوجه الرابع،و هو عدم استحقاق العقاب إلا بمخالفة كلا الأمرين الواقع و الطريق،دون مخالفة أحدهما.

(3)يعني:أن مخالفة الطريق إنما تقتضي العقاب في حق من اطلع عليه لتحقيق التجري بها،لا لكونها معصية واقعية.

أقول:أشرنا في حجة الوجه الأول إلى أن الطريق منجز حتى في حق من لم يطلع عليه إذا كان عدم اطلاعه لتقصيره،و عليه فيتحقق التجري به بمخالفته أيضا،بناء على تحقق التجري بمجرد الإقدام في مورد منجز التكليف،كما يظهر من المصنف قدّس سرّه في مبحث القطع.

لكن ذكرنا هناك انه لا يتحقق مع كون الإقدام برجاء عدم مخالفة الواقع

ص: 261

فعلا المؤاخذ على مخالفته:هو الواجب و الحرام الواقعيان المنصوب عليهما طريق،فإذا لم يكن وجوب أو تحريم فلا مؤاخذة.

نعم،لو اطلع على ما يدل ظاهرا على الوجوب أو التحريم الواقعي مع كونه مخالفا للواقع بالفرض،فالموافقة له لازمة من باب الانقياد و تركها تجر.و إذا لم يطلع على ذلك-لتركه الفحص-فلا تجري أيضا.

و أما إذا كان وجوب واقعي و كان الطريق الظاهري نافيا،فلأن المفروض عدم التمكن من الوصول إلى الواقع،فالمتضمن للتكليف متعذر الوصول إليه،و الذي يمكن الوصول إليه ناف للتكليف.

و الأقوى:هو الأول،و يظهر وجهه بالتأمل في الوجوه الأربعة.

و حاصله:أن التكليف الثابت في الواقع و إن فرض تعذر الوصول إليه تفصيلا (1) ،إلا أنه لا مانع من العقاب بعد كون المكلف محتملا له (2) ،قادرا عليه (3) ،غير مطلع على طريق شرعي ينفيه (4) ،و لا واجدا -كما هو المفروض هنا-و إن كان تقريرا لما فيه من احتمال الضرر.و عليه فلا يحصل التجري حتى من المطلع على الطريق إذا كان إقدامه برجاء الخطأ فيه.

(1)تعريض بحجة القول الثاني و الرابع،المقتضية لعدم العقاب بمخالفة الواقع في المقام.

(2)لا حاجة إلى الاحتمال المتوقف على الالتفات،بل يكفي الغفلة إذا كانت عن تقصير،كما سبق.

(3)لتمكنه من الاحتياط.

(4)ظاهره أن وجود الدليل النافي إذا لم يطلع عليه المكلف لا يكفي في دفع العقاب بمخالفة الحكم الواقعي الثابت.و لعله لأن الدليل المذكور ليس

ص: 262

لدليل يؤمن من العقاب عليه مع بقاء تردده (1) ،و هو (2) العقل و النقل الدالان على براءة الذمة بعد الفحص و العجز عن الوصول إليه،و إن احتمل التكليف و تردد فيه.

و أما إذا لم يكن التكليف ثابتا في الواقع،فلا مقتضي للعقاب من حيث الخطابات الواقعية.و لو فرض هنا (3) طريق ظاهري مثبت للتكليف لم يعثر عليه المكلف،لم يعاقب عليه،لأن مؤدى الطريق الظاهري غير مجعول من حيث هو هو في مقابل الواقع،و إنما هو مجعول بعنوان كونه طريقا إليه،فإذا أخطأ لم يترتب عليه شيء،و لذا لو أدى عبادة بهذا الطريق فتبين مخالفتها للواقع،لم يسقط الأمر و وجب إعادتها.

رافعا للحكم الواقعي بل هو عذر مصحح لمخالفته العذر لا يرفع العقاب و الذم بمجرد وجوده واقعا،بل لا بد من وصوله و اعتماد المكلف عليه حتى يصح له الاحتجاج و الاعتذار به،كما أشرنا إلى ذلك في آخر الكلام في التجري عند التعرض لاقسامه.

و لو لا ذلك لتعين البناء على عدم استحقاق العقاب بمخالفة الواقع في المقام،كما لا عقاب بمخالفة الطريق وحده،لما أشرنا إليه من أن وجوب الرجوع إليه طريقي لا يقتضي المعصية مع عدم إصابته للواقع،كما لا يقتضي التجري في مثل المقام مما كان العمل برجاء عدم مخالفة التكليف الواقعي،و مما ذكرنا ظهر أن الأقرب هو الوجه الأول ثم الرابع.

(1)يعني:تردد المكلف في ثبوت التكليف و عدمه.

(2)بيان للدليل المؤمن.

(3)تعريض بما ذكر في حجة الوجه الثاني و الثالث من ثبوت العقاب بمخالفة الطريق.

ص: 263

نعم،إذا عثر عليه المكلف لم يجز مخالفته،لأن المفروض عدم العلم بمخالفته للواقع،فيكون معصية ظاهرية،من حيث فرض كونه طريقا شرعيا إلى الواقع،فهو في الحقيقة نوع من التجري (1) .و هذا المعنى مفقود مع عدم الاطلاع على هذا الطريق (2) .

و وجوب رجوع العامي إلى المفتي لأجل (3) إحراز الواجبات الواقعية،فإذا رجع و صادف الواقع (4) وجب من حيث الواقع،و إن لم يصادف الواقع لم يكن الرجوع إليه في هذه الواقعة واجبا في الواقع، و يترتب عليه آثار الوجوب ظاهرا مشروطة (5) بعدم انكشاف الخلاف،لا (1)عرفت انه موقوف على عدم كون الارتكاب برجاء خطأ الطريق.

(2)أشرنا قريبا إلى منجزية الطريق مع عدم الاطلاع عليه إذا كان ناشئا عن تقصير.

(3)خبر لقوله:«و وجوب رجوع...».و هو بيان إلى أن هذا الوجوب طريقي.

(4)لما كان وجوب الرجوع إلى الحجة-كقول المفتي-منتزعا من حجيتها تعين ثبوته مع الخطأ أيضا،لامتناع تقييد حجية الحجة بصورة إصابتها،و إلا كانت لاغية غير صالحة للعمل كما لا يخفى.

فالعمدة ما ذكره أولا من أن وجوب الرجوع للحجة طريقي لا يكون بنفسه موردا للعقاب،بل من حيث كونه منجزا للواقع،فمع فرض عدم إصابته للواقع لا موضوع للعقاب،إلا من حيث التجري على ما سبق.

(5)حال من(آثار)معمول لقوله:«و يترتب...».لكن العبارة لا تخلو من ركاكة.

ص: 264

استحقاق العقاب على الترك (1) ،فإنه يثبت واقعا من باب التجري (2) .

و من هنا يظهر:أنه لا يتعدد العقاب مع مصادفة الواقع من جهة تعدد التكليف (3) .

نعم،لو قلنا بأن مؤديات الطرق الشرعية أحكام واقعية ثانوية، لزم من ذلك انقلاب التكليف إلى مؤديات تلك الطرق (4) ،و كان أوجه الاحتمالات حينئذ الثاني منها.

(1)يعني:ترك العمل بقول المفتي لو أخطأ الواقع.

و العبارة لا تخلو عن ركاكة و لعل المناسب أن يقول:و لا يستحق العقاب على الترك من حيث كونه معصية و إن كان يثبت واقعا من باب التجري.

(2)يعني:التجري بالإقدام على مخالفة الحجة التي قامت على ثبوت الحكم الواقعي.

لكن هذا مبني على كون التجري موجبا لاستحقاق العقاب،و على تحققه في المقام،و الأول خلاف مبنى المصنف قدّس سرّه الذي ذكره في مباحث القطع،و الثاني موقوف على عدم صدور العمل برجاء عدم مخالفة الحكم الواقعي،كما ذكرناه قريبا.

(3)يعني:بسبب التكليف بالواقع و الطريق.و وجه عدم تعدد العقاب ما عرفت من عدم الأثر لمخالفة الطريق بنفسها.

(4)لكنه مشروط بكون مؤديات الطرق أحكاما فعلية ثانوية مطلقا حتى لو لم يطلع عليها المكلف،أما لو قيل باشتراط ذلك بوصولها فعلا فمع عدم العثور عليها-كما هو المفروض في المقام-ليس هناك إلا الحكم الواقعي،فيكون المعيار في العقاب مخالفته،كما هو مقتضى الوجه الاول.

ص: 265

الثاني قد عرفت:أن الجاهل العامل بما يوافق البراءة مع قدرته على...

قد عرفت:أن الجاهل العامل بما يوافق البراءة مع قدرته على الفحص و استبانة الحال،غير معذور،لا من حيث العقاب و لا من جهة سائر الآثار،بمعنى:أن شيئا من آثار الشيء المجهول-عقابا أو غيره من الآثار المترتبة على ذلك الشيء في حق العالم-لا يرتفع عن الجاهل لأجل جهله.

و قد استثنى الأصحاب من ذلك:القصر و الإتمام (1) و الجهر و الإخفات،فحكموا بمعذورية الجاهل في هذين الموضعين.و ظاهر كلامهم إرادتهم العذر من حيث الحكم الوضعي،و هي الصحة بمعنى سقوط الفعل ثانيا دون المؤاخذة،و هو الذي يقتضيه دليل المعذورية في (1)أما مع الإتيان بالإتمام في موضع القصر فهو المحكي عن المشهور،و أما مع الإتيان بالقصر في موضع الإتمام مطلقا أو في الجملة فالمحكي عن المشهور عدم الإجزاء،و إن اختاره بعض.فراجع.

ص: 266

الموضعين (1) أيضا.

فحينئذ:يقع الإشكال في أنه إذا لم يكن معذورا من حيث الحكم التكليفي كسائر الأحكام المجهولة للمكلف المقصر،فيكون تكليفه بالواقع و هو القصر بالنسبة إلى المسافر باقيا (2) ،و ما يأتي به-من الإتمام المحكوم بكونه مسقطا-إن لم يكن مأمورا به فكيف يسقط الواجب؟و إن كان مأمورا به فكيف يجتمع الأمر به مع فرض وجود الأمر بالقصر؟

و دفع هذا الإشكال:إما بمنع تعلق التكليف فعلا بالواقعي (1)يعني:في الجهر و الاخفات،و القصر و الإتمام،فإن مفاد الدليل الوارد فيهما عدم وجوب الإعادة من دون تعرض للعقاب،ففي صحيح زرارة و محمد بن مسلم:«قلنا لأبي جعفر عليه السّلام:رجل صلى في السفر أربعا أ يعيد أم لا؟قال عليه السّلام:إن كانت قرئت عليه آية التقصير و فسرت له فصلى أربعا أعاد،و إن لم تكن قرئت عليه و لم يعلمها فلا إعادة عليه».

و في صحيح زرارة عنه عليه السّلام عن رجل جهر فيما لا ينبغي الاجهار فيه و أخفى فيما لا ينبغي الاخفاء فيه،فقال عليه السّلام:«أي ذلك فعل متعمدا فقد نقص[نقض خ.ل] صلاته و عليه الإعادة،فان فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شيء عليه و قد تمت صلاته».و من الظاهر أن إطلاقهما شامل للجهل التقصيري،نعم لا إشكال ظاهرا في عدم شمولهما للمتردد.

و الظاهر أن الإشكال يجري في جميع موارد الأجزاء مع الجهل التقصيري،كما في موارد حديث«لا تعاد...»بناء على شموله للمورد المذكور.

و الأدلة المذكورة-كما ترى-لم تتعرض إلا لنفي الإعادة،لا لنفي العقاب، فالمرجع فيه القواعد المتقدمة و لعله يأتي تمام الكلام في ذلك.

(2)و إلا لما استحق العقاب من أجله.

ص: 267

المتروك (1) ،و إما بمنع تعلقه بالمأتي به،و إما بمنع التنافي بينهما.

فالأول،إما بدعوى كون القصر مثلا واجبا على المسافر العالم (2) ، (1)فلا مانع من التزام ثبوت التكليف بالمأتي به.و كذا الحال فيما بعده فانه بعكسه.

(2)يعني بوجوب القصر.

لكنه بظاهره يستلزم تقييد الحكم بالعلم به،و هو ممتنع.

مع أنه يستلزم عدم صحة القصر لو فرض تحققه من الجاهل،و لا يظن من أحد التزامه.

إلا أن يدفع الثاني بأن المراد بتقييد القصر بالعلم به تقييد وجوبه التعييني لا ما يعم الوجوب التخييري،فهو مع الجهل لا يجب تعيينا بل يتخير بينه و بين التمام نظير الصلاة في أماكن التخيير.

و أما الأول فيدفع بأن العلم لا يكون دخيلا في وجوب القصر بنحو التقييد اللحاظي،بل بنحو نتيجة التقييد،نظير ما تقدم منّا في نسيان الجزء.

نعم هذا الوجه لا يدفع إشكال العقاب على الواجب الأصلي،إذ لا معنى للعقاب عليه مع فرض عدم وجوبه.

و تفصيل الكلام في ذلك:أن الإجزاء مع الجهل بالحكم:

تارة:يكون لوفاء المأتي به حال الجهل بغرض الواجب،و يتعين حينئذ عدم شمول التكليف التعييني لحال الجهل،بل لا بد من اختصاصه بحال العلم و لو بنتيجة التقييد لتبعية التكليف للغرض،نظير ما سبق في نسيان الجزء.و حينئذ يتعين عدم العقاب لعدم فوت الواقع.

و أخرى:يكون لمانعيته من بقاء الملاك في الواجب الأصلى،بحيث يكون فعله موجبا لحدث و المانع من الإلزام بمصلحته و إن كان تحصيلها ممكنا بفعله،و حكمه

ص: 268

و كذا الجهر و الإخفات.

و إما بمعنى معذوريته فيه،بمعنى:كون الجهل بهذه المسألة كالجهل بالموضوع يعذر صاحبه،و يحكم عليه ظاهرا بخلاف الحكم الواقعي (1) .

و هذا الجاهل و إن لم يتوجه إليه خطاب مشتمل على حكم ظاهري (2) -كما في الجاهل بالموضوع (3) -إلا أنه مستغنى عنه باعتقاده لوجوب هذا الشيء عليه في الواقع (4) .

كما سبق.

نعم قد يترتب العقاب لا لفوات الواقع بل لحدوث المانع من بقاء ملاكه، و لو فرض نهي المولى عن ذلك.

و ثالثه:يكون لمانعيته من تحصيل غرض الواجب و إن كان ملاكه باقيا غير مستوفى،كما لو نذر الإفطار بالتمر فأفطر بالماء.و اللازم حينئذ بقاء التكليف بالواقع و إطلاقه،و ثبوت العقاب عليه.و من الظاهر أن ما سبق مبني على أحد الوجهين الأولين.

(1)لكن هذا-مع استلزامه لعدم العقاب على الواقع-لا يقتضى ارتفاع الحكم الواقعي بنحو يكون المأتي به بدلا عنه،كي يتوجه الإجزاء،كما هو الحال في الشبهة الموضوعية التي يعذر فيها بلا إشكال.

(2)كأنه من جهة الغفلة المفروضة،لما عرفت من عدم التزامهم بالإجزاء في المتردد.

(3)يعني:المتردد فيه،فإنه موضوع للحكم الظاهري،أما الغافل فهو كالغافل عن الحكم.

(4)فإن الاعتقاد يقتضي العمل كالحكم الظاهري،و ليس كالتردد ليحتاج

ص: 269

و إما من جهة القول بعدم تكليف الغافل بالواقع،و كونه مؤاخذا على ترك التعلم،فلا يجب عليه القصر،لغفلته عنه (1) .نعم يعاقب على عدم إزالة الغفلة،كما تقدم استظهاره من صاحب المدارك و من تبعه.

و إما من جهة تسليم تكليفه بالواقع،إلا أن الخطاب بالواقع ينقطع عند الغفلة،لقبح خطاب العاجز.و إن كان العجز بسوء اختياره فهو معاقب حين الغفلة على ترك القصر (2) ،لكنه ليس مأمورا به حتى يجتمع مع فرض وجود الأمر بالإتمام.

لكن هذا كله خلاف ظاهر المشهور،حيث إن الظاهر منهم-كما تقدم-بقاء التكليف بالواقع المجهول بالنسبة إلى الجاهل،و لذا يبطلون صلاة الجاهل بحرمة الغصب،إذ لو لا النهي حين الصلاة لم يكن وجه للبطلان (3) .

و الثاني،منع تعلق الأمر بالمأتي به،و التزام أن غير الواجب مسقط عن الواجب،فإن قيام ما اعتقد وجوبه مقام الواجب الواقعي غير ممتنع (4) .

لحاكم ظاهري.

(1)لكن هذا كسابقه لا يقتضي الإجزاء.

(2)نظير ما وجه به المصنف قدّس سرّه كلام صاحب المدارك في العقاب.لكن هذا كما سبقه لا يقتضي الإجزاء،فإن عدم العقاب على الواقع لا يقتضي بدلية المأتي به عنه.

(3)تقدم الكلام في ذلك في تعقيب كلام صاحب المدارك في العقاب.

(4)كما تقدم تقريبه في الصورة الثانية و الثالثة من الصور المتقدمة.

ص: 270

نعم،قد يوجب إتيان غير الواجب فوات الواجب،فيحرم بناء على دلالة الأمر بالشيء على النهي عن الضد (1) ،كما في آخر الوقت،حيث يستلزم فعل التمام فوات القصر.

و يرد هذا الوجه:أن الظاهر من الأدلة كون المأتي به مأمورا به في حقه (2) ،مثل قوله عليه السّلام في الجهر و الإخفات:«تمت صلاته»و نحو ذلك.

و في الموارد التي قام فيها غير الواجب مقام الواجب نمنع عدم وجوب البدل،بل الظاهر في تلك الموارد سقوط الأمر الواقعي و ثبوت الأمر بالبدل (3) ،فتأمل.

و الثالث،بما ذكره كاشف الغطاء رحمه اللّه:من أن التكليف بالإتمام مرتب على معصية الشارع بترك القصر (4) ،فقد كلفه بالقصر و الإتمام (1)لا يخفى أن فرض المانعية يقتضي كون المأتي به علة لفوت الواجب فيحرم غيريا لا من جهة المضادة حتى يبتني على المسألة المذكورة.

(2)هذا غير ظاهر من الأدلة،و التعبير بالتمامية يمكن أن يكون كناية عن اكتفاء الشارع بالمأتي به،لا عن الأمر به.فتأمل.

(3)هذا يختلف باختلاف الموارد.فراجع ما ذكرناه من الصور الثلاث و تأمل.

(4)لا بد من أن يراد منه كون المعصية شرطا فيه بنحو الشرط المتأخر،و إلا فالمفروض الإتيان بالإتمام أثناء الوقت قبل معصية أمر القصر.بل المحكي من كلام كاشف الغطاء قدّس سرّه ظاهر في أن الشرط هو العزم على المعصية،إلا أنه حيث كان المفروض جهل المكلف بالأمر بالقصر فلا عزم له على معصيته.

إلا أن يريد العزم على فعل ما يوجب المعصية واقعا و إن لم تكن مقصودة كما

ص: 271

على تقدير معصيته في التكليف بالقصر.و سلك هذا الطريق في مسألة الضد في تصحيح فعل غير الأهم من الواجبين المضيقين،إذا ترك المكلف الامتثال بالأهم.

و يرده:أنا لا نعقل الترتب في المقامين (1) ،و إنما يعقل ذلك فيما أنه لا بد من أن يكون المراد بالمعصية ما يعم المنع عن حصول مصلحته أو عن ثبوت الملاك فيها و لو مع بقاء الوقت لا عدم الامتثال حتى يخرج الوقت،إذ من الواضح أنه لو التفت بعد الإتيان قبل خروج القصر لم يكن عليه الإتيان بالقصر.

فلاحظ.

(1)لكن المتأخرين عنه قدّس سرّه-كتلميذه السيد الشيرازي قدّس سرّه و غيره من الأعاظم قدّس سرّه-قد عقلوا الترتب في الضدين و نقحوه و شيدوا أركانه و التزموا به.و تفصيله في محله.و هو في المقام موقوف على وفاء المأتي به في خصوص حال الجهل ببعض المصلحة الملزمة لاهتمامها،بنحو يمنع من استيفاء تمام المصلحة مع بقاء ملاكها،نظير ما ذكرناه في الصورة الثالثة،فمن حيث وفائه ببعض المصلحة يتجه الأمر به،و من حيث مانعيته عن تحصيل تمام المصلحة يتجه العقاب على ترك الواجب الأصلي كما يتجه الإجزاء.

و دعوى امتناع الأمر الذي يكون موضوعه العصيان عن جهل،لامتناع محركيته و باعثيته،لأن باعثية التكليف مشروطة بالتفات المكلف إلى تحقق شرائطه، و يمنع التفات المكلف إلى جهله بوجوب القصر في المقام إذ بالتفاته إليه ينقلب علما و يرتفع موضوع التكليف.

مدفوعة:بأن المكلف إنما يرجع في المقام إلى إطلاق أمر التمام المفروض تقييده واقعا بأمر لقصر،فإذا فرض ثبوت أمر التمام في حال الجهل بأمر القصر لم يكن الجهل مأخوذا في موضوعه،بل كان موضوعه ذات المكلف و لا يخرج عنه إلا حال العلم بأمر القصر،فمع فرض عدم العلم به يتسنى له الالتفات إلى أمر التمام.فتأمل

ص: 272

جيدا.

مع أنه يكفي في صحة التمام الذي هو المهم في المقام ثبوت الملاك له و إن لم يكن أمره فعليا لفرض امتناع الخطاب به.

و الحاصل أنه لا مانع من الالتزام بالترتب في المقام،كما التزمنا امكانه في الضدين.

نعم يفترقان بوجوه:

الأول:أن التزاحم هناك بين الخطابين بسبب التضادين الواجبين مع إطلاق ملاك كل منهما،بحيث لو أمكن تحصيلهما معا لوجب،بخلاف التزاحم هنا،فإنه بين الملاكين من حيث أن استيفاء ملاك القصر مانع من ثبوت ملاك التمام،كما أن حصول ملاك التمام مانع من استيفاء ملاك القصر،لا من ثبوت ملاكه،من دون تضاد بين الأمرين،بل يمكن الجمع بينهما.

و من ثم كان محذور اجتماع الأمرين بالضدين الذي قد يتوهم لزومه من الترتب هناك لا مجال له هنا.

الثاني:أن المراد بمعصية الأهم التي هي شرط للأمر بالمهم هناك مجرد عدم الإتيان به في وقته،و المراد بمعصيته القصر هنا امتناع استيفاء ملاكه كما ذكرناه.

الثالث:أن مشروعية المهم هناك لا تختص بحال الغفلة،بل تعم حال العمد، فيصح معه إذا كان عبادة بناء على أن الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده،بخلافه هنا،فلا يشرع التمام إلا مع الغفلة عن وجوب القصر.

إما لاختصاص ملاكه بحال الغفلة،أو لأنه إذا كان مفوتا لبعض ملاك القصر الملزم كان محرما فلا يمكن التقرب به إلا مع الغفلة،و ليس كالضد.

نعم لو قيل بامتناع التقرب مع الجهل التقصيري بالحرمة أشكل صحته في المقام بعد فرض العقاب على ترك القصر.

ص: 273

إذا حدث التكليف الثاني بعد تحقق معصية الأول (1) ،كمن عصى بترك الصلاة مع الطهارة المائية،فكلف لضيق الوقت بالترابية.

ثم إن الملزم بالترتب في المقام هو دعوى ثبوت العقاب بفوت القصر.

و لعله خلاف ظاهر بعض الأدلة في المقام،لظهورها في معذرية الجهل هنا.

و لأجله فلا ملزم بالترتب،بل يتعين البناء على حمل المقام على الصورة الأولى أو الثانية من صور إجزاء ما يؤتى به حال الجهل التي تقدمت الإشارة إليها.و قد أطلنا الكلام في المقام لأهميته،و تركنا التعرض لبعض ما يناسب ذكره لضيق المجال.

فلاحظ.

(1)يعني:الموجب لسقوط أمره فعلا و تعين الأمر بالبدل.

ص: 274

الثالث أن وجوب الفحص إنما هو في إجراء الأصل في الشبهة الحكمية...

أن وجوب الفحص إنما هو في إجراء الأصل في الشبهة الحكمية الناشئة من عدم النص،أو إجمال بعض ألفاظه،أو تعارض النصوص.

أما إجراء الأصل في الشبهة الموضوعية:

فإن كانت الشبهة في التحريم،فلا إشكال و لا خلاف ظاهرا في عدم وجوب الفحص.

و يدل عليه إطلاق الأخبار (1) -مثل قوله عليه السّلام:«كل شيء لك حلال حتى تعلم»،و قوله:«حتى يستبين لك غير هذا أو تقوم به البينة»، و قوله:«حتى يجيئك شاهدان يشهدان أن فيه الميتة»و غير ذلك-السالم عما يصلح لتقييده (2) .

(1)تقدم الكلام في ذلك في التنبيه الرابع من تنبيهات الشبهة الموضوعية التحريمية،و تقدم الإشكال في بعض هذه الأدلة،و تقدم أيضا بعض الكلام في ذلك في أول الكلام في شروط البراءة.

(2)لعدم شمول الأدلة المتقدمة في الشبهة الحكمية للشبهة الموضوعية.أما

ص: 275

و إن كانت الشبهة وجوبية،فمقتضى أدلة البراءة حتى العقل كبعض كلمات العلماء:عدم وجوب الفحص أيضا،و هو مقتضى حكم العقلاء في بعض الموارد،مثل قول المولى لعبده:«أكرم العلماء أو المؤمنين»،فإنه لا يجب الفحص في المشكوك حاله في المثالين (1) .

إلا أنه قد يتراءى:أن بناء العقلاء في بعض الموارد على الفحص و الاحتياط،كما إذا أمر المولى بإحضار علماء البلد أو أطبائها،أو إضافتهم، أو إعطاء كل واحد منهم دينارا،فإنه قد يدعى أن بناءهم على الفحص عن أولئك،و عدم الاقتصار على المعلوم ابتداء مع احتمال وجود غيرهم في البلد.

قال في المعالم،في مقام الاستدلال على وجوب التبين في خبر مجهول الحال بآية التثبت في خبر الفاسق:

إن وجوب التثبت فيها متعلق بنفس الوصف،لا بما تقدم العلم الإجماع فظاهر.

و كذا ما دل على وجوب التعلم و الذم على المعاصي المجهولة،لاختصاص جميع ذلك بالشبهة الحكمية.

و أما العلم الإجمالي بالتكليف مع عدم الفحص فهو لو حصل في الشبهة الموضوعية لا يكون منجزا لعدم الابتلاء ببعض أطرافه.

و أما حكم العقل بعدم المعذورية مع عدم الفحص فقد تقدم الكلام فيه في الشبهة الحكمية.على أنه لو تم كان إطلاق أدلة البراءة واردا عليه،فيخرج عنه به.

(1)لم يتضح الفرق بين هذين المثالين و الأمثلة الآتية،حيث لم ينكر فيها دعوى أن بناء العقلاء على وجوب الفحص.

ص: 276

به منه،و مقتضى ذلك إرادة الفحص و البحث عن حصوله و عدمه،أ لا ترى أن قول القائل:«أعط كل بالغ رشيد من هذه الجماعة-مثلا-درهما» يقتضي إرادة السؤال و الفحص عمن جمع الوصفين،لا الاقتصار على من سبق العلم باجتماعهما فيه،انتهى.

و أيد ذلك المحقق القمي قدّس سرّه في القوانين:

ب«أن الواجبات المشروطة بوجود شيء إنما يتوقف وجوبها على وجود الشرط لا على العلم بوجوده،فبالنسبة إلى العلم مطلق لا مشروط.

مثل:أن من شك في كون ماله بمقدار استطاعة الحج-لعدم علمه بمقدار المال-لا يمكنه أن يقول:إني لا أعلم أني مستطيع و لا يجب علي شيء،بل يجب عليه محاسبة ماله،ليعلم أنه واجد للاستطاعة أو فاقد لها.

نعم،لو شك بعد المحاسبة في أن هذا المال هل يكفيه في الاستطاعة أم لا؟فالأصل عدم الوجوب حينئذ» (1) .

ثم ذكر المثال المذكور في المعالم بالتقريب المتقدم عنه.

و أما كلمات الفقهاء فمختلفة في فروع هذه المسألة:فقد أفتى جماعة منهم-كالشيخ و الفاضلين و غيرهم-بأنه لو كان له فضة مغشوشة بغيرها و علم بلوغ الخالص نصابا و شك في مقداره،وجب التصفية،ليحصل العلم بالمقدار،أو الاحتياط بإخراج ما يتيقن معه البراءة.

نعم،استشكل في التحرير في وجوب ذلك،و صرح غير واحد من هؤلاء مع عدم العلم ببلوغ الخالص النصاب:بأنه لا يجب التصفية.

(1)لم يتضح الفرق-بين الفرضين في وجوب الفحص و عدمه.

ص: 277

و الفرق بين المسألتين مفقود إلا ما ربما يتوهم:من أن العلم بالتكليف ثابت مع العلم ببلوغ النصاب،بخلاف ما لم يعلم به.

و فيه:أن العلم بالنصاب لا يوجب الاحتياط مع القدر المتيقن و دوران (1) الأمر بين الأقل و الأكثر مع كون الزائد على تقدير وجوبه تكليفا مستقلا،أ لا ترى:أنه لو علم بالدين و شك في قدره،لم يوجب ذلك الاحتياط (2) و الفحص.

مع أنه لو كان هذا المقدار يمنع من إجراء البراءة قبل الفحص لمنع منها بعده،إذ العلم الإجمالي لا يجوز معه الرجوع إلى البراءة و لو بعد الفحص (3) .

(1)عطف على:«القدر المتيقن»يعني:الاحتياط لا يجب مع وجود القدر المتيقن و كون الدوران بين الأقل و الأكثر غير الارتباطيين بلا إشكال.

(2)كما تقدم نظير ذلك في المسألة الرابعة من مسائل الشبهة الوجوبية عند الكلام فيمن عليه فوائت لا يعلم عددها.

(3)إذا فرض كون الفحص لا يوجب انكشاف الحال.لكن لم يظهر ممن سبق جريان البراءة إذا لم يظهر الحال،و مجرد إيجابهم الفحص أو الاحتياط فيمن عنده فضة مغشوشة لا يظهر منه جريان البراءة مع الفحص إذا لم ينكشف الحال،لقرب مفروغيتهم عن ظهور الحال بالفحص،فلا موضوع معه للبراءة و لا الاحتياط.

و أما ما سيأتي من التحرير فهو لا يصلح حجة عليهم،لاختصاصه بصورة الشك في بلوغ النصاب،و لا مجال فيه لتوهم العلم الإجمالي بل سبق من التحرير الاستشكال في وجوب الفحص حتى مع العلم الإجمالي ببلوغ النصاب،فكيف يستشهد به في النقض على من يرى وجوب الفحص.

نعم من البعيد جدا بناؤهم على وجوب الاحتياط حتى بعد الفحص فيما لو

ص: 278

و قال في التحرير في باب نصاب الغلات:و لو شك في البلوغ، و لا مكيال هنا و لا ميزان،و لم يوجد،سقط الوجوب دون الاستحباب، انتهى.

و ظاهره:جريان الأصل مع تعذر الفحص و تحصيل العلم.

و بالجملة:فما ذكروه من إيجاب تحصيل العلم بالواقع مع التمكن في بعض أفراد الاشتباه في الموضوع،مشكل.

و أشكل منه:فرقهم بين الموارد،مع ما تقرر عندهم من أصالة نفي الزائد عند دوران الأمر بين الأقل و الأكثر (1) .

و أما ما ذكره صاحب المعالم رحمه اللّه و تبعه عليه المحقق القمي رحمه اللّه:من تقريب الاستدلال بآية التثبت على رد خبر مجهول الحال،من جهة اقتضاء وجب إكرام علماء البلد و أطبائها و جهل بعضهم.

و الحاصل:أن حكمهم بوجوب الفحص في مثل ذلك إن كان يبتني على دعوى منجزية العلم الإجمالي،نظير ما تقدم من بعض الأصحاب من وجوب الاحتياط فيمن عليه فوائت لا يعلم عددها-فهو مع إشكاله بما عرفت من لزوم الأخذ بالمتيقن-مختص بما إذا علم التكليف و دار أمره بين الأقل و الأكثر،دون ما لو شك في أصل التكليف.

مع أنه يقتضي عدم الرجوع إلى البراءة مع تعذر الفحص أو بعده إذا لم ينكشف به الحال.

و إن كان يبتنى على دعوى وجوب الفحص في الشبهة الموضوعية الوجوبية مطلقا أو في الجملة فهو محتاج إلى دليل،و إطلاق أدلة البراءة يدفعه.

(1)لإطلاقات أدلة البراءة،خصوصا في غير الارتباطيين.

ص: 279

تعلق الأمر بالموضوع الواقعي وجوب الفحص عن مصاديقه و عدم الاقتصار على القدر المعلوم،فلا يخفى ما فيه.

لأن رد خبر مجهول الحال ليس مبنيا على وجوب الفحص عند الشك (1) ،و إلا لجاز الأخذ به،و لم يجب التبين فيه بعد الفحص و اليأس عن العلم بحاله،كما لا يجب الإعطاء في المثال المذكور (2) بعد الفحص عن حال المشكوك و عدم العلم باجتماع الوصفين فيه.

بل وجه رده قبل الفحص و بعده:أن وجوب التبين شرطي، و مرجعه إلى اشتراط قبول الخبر في نفسه (3) من دون اشتراط التبين فيه بعدالة المخبر (4) ،فإذا شك في عدالته شك في قبول خبره في نفسه، (1)كما هو ظاهر كلامهما حيث أوجب صاحب المعالم الفحص فيما لو أمر المولى باعطاء كل بالغ رشيد من هذه الجماعة،و أوجب صاحب القوانين مع الشك في الاستطاعة.

(2)و هو قوله:أعط كل بالغ رشيد من هذه الجماعة.

(3)متعلق بقوله:«قبول الخبر...».

(4)متعلق بقوله:«اشتراط...»يعني:أن مرجعه إلى أن قبول الخبر من دون التبين فيه مشروط بعدالة المخبر.

ثم إن هذا خلاف ظاهر الآية،فإن مقتضاها مانعية الفسق من قبول الخبر،لا شرطية العدالة فيه و حينئذ فمع الشك يمكن الرجوع إلى أصالة عدم الفسق لإحراز حجية الخبر و لزوم قبوله،لا التوقف نعم لو لم يجر استصحاب عدم الفسق اتجه التوقف لما ذكره المصنف قدّس سرّه.

اللهم إلا أن يدعي أن مقتضى التعليل في الآية اشتراط القبول بالعدالة،لا

ص: 280

و المرجع في هذا الشك و المتعين فيه عدم القبول،لأن عدم العلم بحجية شيء كاف في عدم حجيته.

ثم الذي يمكن أن يقال في وجوب الفحص:أنه إذا كان العلم بالموضوع المنوط به التكليف يتوقف كثيرا على الفحص بحيث لو أهمل الفحص لزم الوقوع في مخالفة التكليف كثيرا،تعين هنا بحكم العقلاء اعتبار الفحص (1) ،ثم العمل بالبراءة،كبعض الأمثلة المتقدمة،فإن إضافة مانعية الفسق منه،فلا بد من إحراز العدالة،إذ يكفي في الوقوع في الندم عدم إحراز العدالة،و مجرد عدم إحراز الفسق لا ينفع في عدم الندم.فلاحظ.

(1)هذا غير ظاهر،كيف و باب النجاسة و التذكية و الحلية في الأشياء يستلزم عدم الفحص فيها الوقوع في خلاف الواقع كثيرا،مع عدم وجوب الفحص فيها قطعا.

نعم قد تكون كثرة المخالفة في بعض الموارد مع عدم الفحص قرينة على إرادة وجوبه لمناسبة الحكم و الموضوع أو غيرها،كما قد يعلم باهتمام الشارع الأقدس بالواقع بحيث يعلم بعدم رضاه بالتقصير فيه،فيجب الفحص حينئذ،بل قد يجب الاحتياط مطلقا و لو بعد الفحص لأجل ذلك تخصيصا لأدلة البراءة،فإن أدلة البراءة قابلة للتخصيص في موارد العلم بالاهتمام،و كذا قاعدة قبح العقاب بلا بيان،فإنها لا تجري مع العلم بالاهتمام بالنحو المذكور.كما أشرنا إلى ذلك في أوائل الكلام في الأقل و الأكثر الارتباطين.

هذا و لو شك في ذلك تعين الرجوع إلى إطلاقات البراءة.

و منه يظهر الحال في الأوامر العرفية،فإنه ليس فيها إطلاق يرجع إليه يقتضي البراءة و قاعدة قبح العقاب بلا بيان يشكل الرجوع إليها مع التقصير في الفحص، كما أشرنا إليه في الشبهة الحكمية.و حينئذ فقد يدعى وجوب الفحص فيها إما مطلقا

ص: 281

جميع علماء البلد أو أطبائهم لا يمكن للشخص الجاهل إلا بالفحص، فإذا حصل العلم ببعض،و اقتصر على ذلك-نافيا لوجوب إضافة من عداه بأصالة البراءة من غير تفحص زائد على ما حصل به المعلومين-عد مستحقا للعقاب و الملامة عند انكشاف ترك إضافة من تمكن من تحصيل العلم به بفحص زائد.

و من هنا يمكن أن يقال في مثال الحج المتقدم:إن العلم بالاستطاعة في أول أزمنة حصولها يتوقف غالبا على المحاسبة،فلو بني الأمر على تركها و نفي وجوب الحج بأصالة البراءة،لزم تأخير الحج عن أول سنة الاستطاعة بالنسبة إلى كثير من الأشخاص،لكن الشأن في صدق هذه الدعوى (1) .

أو فيما لو لزم كثرة المخالفة مع عدمه،فإن ذلك قد يكون قرينة على وجوبه.

و منه يظهر الحال في بناء العقلاء الذي ادعاه المصنف قدّس سرّه،فإنه إن أريد منه حكمهم بالاستحقاق بحيث لا يمكن العمل معه بأدلة البراءة فهو ممنوع،و إن أريد به كون كثرة المخالفة قرينة في خطاباتهم على عدم جريان البراءة عندهم،فهو غير بعيد في الجملة،لكنه لا يسلم في الأحكام الشرعية فلا ينفع في الخروج عن مقتضى إطلاقات البراءة و لذا لم ينفع في الشبهة التحريمية،حيث لم يذكر فيها التفصيل المذكور.فتأمل جيدا.

(1)إن كان المراد بها دعوى لزوم الفحص مع لزوم كثرة المخالفة من عدمه.

فقد عرفت أنها غير تامة،و لا مجال للخروج بها عن إطلاق أدلة البراءة،و إن كان المراد بها دعوى كون عدم الفحص في الاستطاعة موجبا لتأخير الحج عن أول سنة الاستطاعة كثيرا،فالظاهر تماميتها.فلاحظ.

ص: 282

و أما ما استند إليه المحقق المتقدم:من أن الواجبات المشروطة يتوقف وجوبها على وجود الشرط لا العلم بوجوده،ففيه:أنه مسلم،و لا يجدي، لأن الشك في وجود الشرط يوجب الشك في وجوب المشروط و ثبوت التكليف،و الأصل عدمه.

غاية الأمر الفرق بين اشتراط التكليف بوجود الشيء و اشتراطه بالعلم به،إذ مع عدم العلم في الصورة الثانية يقطع بانتفاء التكليف من دون حاجة إلى الأصل،و في الصورة الأولى يشك فيه،فينفى بالأصل.

ص: 283

مقدار الفحص

و أما الكلام في مقدار الفحص،فملخصه:أن حد الفحص هو اليأس عن وجدان الدليل فيما بأيدينا من الأدلة،و يختلف ذلك باختلاف الأعصار،فإن في زماننا هذا إذا ظن المجتهد بعدم وجود دليل التكليف في الكتب الأربعة و غيرها من الكتب المعتبرة في الحديث-التي يسهل تناولها على نوع أهل العصر-على وجه صار مأيوسا،كفى ذلك منه في إجراء البراءة.

أما عدم وجوب الزائد (1) ،فللزوم الحرج،و تعطيل استعلام سائر (1)العمدة في عدم وجوب الزائد إطلاق أدلة البراءة و غيرها من الأصول، لقصور أدلة التقييد المقتضية للفحص عن وجوب ما زاد على ذلك.

فإن عمدتها أدلة وجوب السؤال و الذم على مخالفة التكليف مع الجهل التقصيري،و العلم الإجمالي المانع من العمل بالأصل المرخص.

لكن أدلة وجوب السؤال لا تقتضي الفحص إلا بالمقدار المتعارف الملازم لليأس عن تحصيل الدليل،فإنه المراد من سائر الأوامر العرفية و الشرعية بالسؤال و الفحص و نحوهما بقرينة تعذر ما يقتضي العلم بعدم الوجدان غالبا،لعدم الإحاطة التامة بالجهات المقتضية للانكشاف.

و أما العلم الإجمالي فقد عرفت أن عمدته العلم بقيام الحجج التي يمكن

ص: 284

التكاليف،لأن انتهاء الفحص في واقعة إلى حد يحصل العلم بعدم وجود دليل التكليف يوجب الحرمان من الاطلاع على دليل التكليف في غيرها من الوقائع،فيجب (1) فيها إما الاحتياط،و هو يؤدي إلى العسر (2) ، و إما لزوم التقليد لمن بذل جهده على وجه علم بعدم دليل التكليف فيها، و جوازه ممنوع (3) ،لأن هذا المجتهد المتفحص ربما يخطئ ذلك المجتهد في كثير من مقدمات استنباطه للمسألة (4) .

نعم،لو كان جميع مقدماته مما يرتضيها هذا المجتهد،و كان التفاوت بينهما أنه اطلع على ما لم يطلع هذا،أمكن أن يكون قوله حجة في حقه.

الوصول إليها على الأحكام الشرعية،و المتيقن من ذلك هو الحجج التي يسهل الوصول إليها و لا يعسر الاطلاع عليها،و ما زاد عن ذلك غير معلوم فلا يجب الفحص بلحاظه.

و منه يظهر الوجه في كفاية مثل هذا الفحص في الرجوع إلى سائر الأصول غير البراءة،بل الأدلة عند احتمال وجود المعارض لها،لإطلاق أدلة اعتبارها المقتصر في تقييده على ما إذا لم يفحص عن المعارض أصلا أو فحص بمقدار لا يقتضي اليأس.

أما مع الفحص بالنحو المذكور فمقتضى إطلاق دليل الحجية وجوب العمل به لا غير.فلاحظ.

(1)يعني:في الوقائع الآخر المفروض تعطيل استعلام حكمها.

(2)كما سبق الكلام فيه في دليل الانسداد.

(3)على أنه قد لا يتيسر،لعدم وجود مثل هذا المجتهد،لتشابه الناس غالبا في عدم حصول العلم بالفحص.

(4)و حينئذ فلا يجوز له الرجوع إليه لأنه جاهل بنظره.

ص: 285

لكن اللازم-حينئذ (1) -أن يتفحص في جميع المسائل (2) إلى حيث يحصل الظن بعدم وجود دليل التكليف،ثم الرجوع إلى هذا المجتهد،فإن كان مذهبه مطابقا للبراءة كان مؤيدا لما ظنه من عدم الدليل،و إن كان مذهبه مخالفا للبراءة كان شاهد عدل على وجود دليل التكليف.

فإن لم يحتمل في حقه الاعتماد على الاستنباطات الحدسية و العقلية من الأخبار،أخذ بقوله في وجود دليل (3) ،و جعل فتواه كروايته.

و من هذا القبيل:ما حكاه غير واحد،من أن القدماء كانوا يعملون برسالة الشيخ أبي الحسن علي بن بابويه عند إعواز النصوص.

و التقييد بإعواز النصوص مبني على ترجيح النص المنقول بلفظه على الفتوى التي يحتمل الخطأ في النقل بالمعنى (4) .

و إن (5) احتمل في حقه ابتناء فتواه على الحدس و العقل،لم يكن دليل على اعتباره في حقه،و تعين العمل بالبراءة (6) .

(1)يعني:لو فرض حجية قوله في حقه.

(2)لاحتمال اطلاعه على دليل في المسألة لم يعثر عليه الآخر أو عثر عليه و لم يكن بنظره دليلا.

(3)لكن هذا مختص بما إذا لم يحتمل اختلافه معه في الاستظهار،أما لو احتمل ذلك لم يجب عليه الرجوع إليه،و جاز له الرجوع للأصل،لعدم المانع،كما ذكرنا.

(4)أو هو مبني على ترجيح الرواية المسندة على المرسلة،لما هو المعلوم من أن فتاوى الشيخ المذكور لا تكون بمنزلة الرواية المسندة.فلاحظ.

(5)عطف على قوله:«فإن لم يحتمل في حقه الاعتماد...».

(6)لما عرفت من إطلاق أدلتها،و عدم المانع منه.

ص: 286

تذنيب ذكر الفاضل التوني لأصل البراءة شروطا أخر

اشارة

ذكر الفاضل التوني لأصل البراءة شروطا أخر:

الأول: أن لا يكون إعمال الأصل موجبا لثبوت حكم شرعي من جهة أخرى...

أن لا يكون إعمال الأصل موجبا لثبوت حكم شرعي من جهة أخرى،مثل أن يقال في أحد الإناءين المشتبهين:الأصل عدم وجوب الاجتناب عنه،فإنه يوجب الحكم بوجوب الاجتناب عن الآخر (1) ، أو عدم بلوغ الملاقي للنجاسة كرا،أو عدم تقدم الكرية-حيث يعلم بحدوثها-على ملاقاة النجاسة (2) ،فإن إعمال الأصول يوجب الاجتناب (1)يعني:أو يقال:الأصل عدم بلوغ...

(2)كما لو علم بحدوث الكرية للماء و ملاقاته للنجاسة و جهل السابق منهما.

هذا و لا يخفى عدم اختصاص كلامه:أصل البراءة،بل يجري في غيره من الأصول كالاستصحاب لوضوح عدم جريان أصل البراءة في الشك في الكرية،و إنما يجري فيه الاستصحاب بناء على الاكتفاء فيه بالتسامح العرفي في بقاء الموضوع،كما

ص: 287

عن الإناء الآخر أو الملاقي أو الماء (1) .

أقول:توضيح الكلام في هذا المقام:أن إيجاب العمل بالأصل لثبوت حكم آخر:

إما بإثبات الأصل المعمول به لموضوع أنيط به حكم شرعي،كأن يثبت بالأصل براءة ذمة الشخص الواجد لمقدار من المال واف بالحج من الدين (2) ،فيصير بضميمة أصالة البراءة مستطيعا،فيجب عليه الحج،فإن الدين مانع عن الاستطاعة،فيدفع بالأصل،و يحكم بوجوب الحج بذلك المال.و منه المثال الثاني (3) ،فإن أصالة عدم بلوغ الماء الملاقي للنجاسة كرا يوجب الحكم بقلته التي أنيط بها الانفعال.

تقدم في حكم الزيادة العمدية و غيره.

و الظاهر أن عدم الاختصاص بأصل البراءة في محله لما سيأتي.

(1)الظاهر أن هذا مبني على اللف و النشر المرتب،فالأمور الثلاثة راجعة إلى الأمثلة الثلاثة بالترتيب.

لكن لو اكتفى بأحد الأخيرين لصح الكلام،لإمكان رجوعه حينئذ إلى المثالين الأخيرين معا.فلاحظ.

(2)لا يخفى أن التمسك هنا باستصحاب عدم الدين الحاكم على أصالة البراءة من وجوب أدائه،و هو أجنبي عما نحن فيه إذ الكلام في أصل البراءة،و إن كان ذكره يناسب كلام الفاضل التوني،لما عرفت من عموم كلامه لجميع الأصول.

(3)و كذا الثالث بناء على جريان الاستصحاب مع الشك في تقدم أحد الحادثين على الآخر مطلقا أو في بعض الصور،و الكلام في ذلك موكول إلى محله.

ص: 288

و إما (1) لاستلزام نفي الحكم به حكما يستلزم-عقلا (2) أو شرعا أو عادة و لو في هذه القضية الشخصية-ثبوت (3) حكم تكليفي في ذلك المورد أو في مورد آخر،كنفي وجوب الاجتناب عن أحد الإناءين.

فإن كان إيجابه للحكم على الوجه الأول (4) كالمثال الثاني،فلا يكون ذلك مانعا عن جريان الأصل،لجريان أدلته-من العقل و النقل- من غير مانع.و مجرد إيجابه لموضوع حكم وجودي آخر لا يكون مانعا عن جريان أدلته (5) ،كما لا يخفى على من تتبع الأحكام الشرعية (1)عطف على قوله:«إما بإثبات الأصل المعمول به لموضوع...».

(2)بيان لنوع الاستلزام.فإن الاستلزام قد يكون عقليا كاستلزام نفي أربعة من الأحكام التكليفية لثبوت الحكم الخامس منها،و قد يكون شرعيا كاستلزام طهارة الماء لجواز شربه،و قد يكون عاديا كاستلزام طهارة أحد الإناءين المعلوم إجمالا طهارة أحدهما لنجاسة الآخر.

لكن الظاهر أن التلازم الشرعي مختص بما إذا كان الملزوم موضوعا للازم في القضية الشرعية،فيدخل في القسم الأول،و تجري عليه أحكامه.

(3)مفعول للمصدر في قوله:«إما لاستلزام...».

(4)و هو ما إذا كان الأصل منقحا لموضوع حكم آخر.

(5)قد يشكل هذا في مثل أصل البراءة مما كان منصرف أدلته الامتنان برفع التكليف إذ لو لم يكن لرفع التكليف أثر شرعي إلا ثبوت تكليف آخر لم يبعد البناء على عدم جريانه،لعدم الامتنان في رفعه حينئذ.

و من ثم ذكرنا أن أصالة عدم الدين لإثبات وجوب الحج راجعة إلى استصحاب عدمه،لا إلى أصالة البراءة من وجوب أدائه،و لو لا ذلك أشكل جريان الأصل.

ص: 289

و العرفية (1) .

و مرجعه في الحقيقة إلى رفع المانع،فإذا انحصر الطهور في ماء مشكوك الإباحة-بحيث لو كان محرم الاستعمال لم يجب الصلاة لفقد الطهورين- فلا مانع من إجراء أصالة الحل،و إثبات كونه واجدا للطهور،فيجب عليه الصلاة.

و مثاله العرفي:ما إذا قال المولى لعبده:إذا لم يكن عليك شغل واجب من قبلي فاشتغل بكذا،فإن العقلاء يوجبون عليه الاشتغال بكذا إذا لم يعلم بوجوب شيء على نفسه من قبل المولى.

و إن كان على الوجه الثاني،الراجع إلى وجود العلم الإجمالي بثبوت كما أشرنا إليه في التنبيه الثاني من تنبيهات مسألة الدوران بين الأقل و الأكثر الارتباطيين.

و أما ما سيأتي من أن جريان أصالة الإباحة في الماء موجب لوجوب الوضوء به و الصلاة فلعل وجهه:أن توقف وجوب الوضوء و الصلاة على الإباحة ليس لكونها شرطا فيهما شرعا،بل للعجز عنهما بدونها،فالشك في وجوبهما ناش من الشك في القدرة و العقل يحكم في مثله بالاحتياط فإذا لم يكن هناك ما يحرز المنع ممّا ينجز احتمال التحريم و يوجب العلم بالعجز يلزم الإتيان بهما عقلا،فوجوب الإتيان بهما ظاهرا ليس ناشئا من أصالة البراءة،بل من مجرد عدم جريان الأصل المانع.فتأمل جيدا.

(1)فإن مقتضى حجية الأصول عند المتشرعة و العرف هو ترتيب أحكامها.

نعم عرفت الإشكال في خصوص أصل البراءة.

ص: 290

حكم مردد بين حكمين:

فإن أريد بإعمال الأصل في نفي أحدهما إثبات الآخر،ففيه:أن مفاد أدلة أصل البراءة مجرد نفي التكليف (1) ،دون إثباته و إن (2) كان الإثبات لازما واقعيا لذلك النفي،فإن الأحكام الظاهرية إنما تثبت بمقدار مدلول أدلتها،و لا يتعدى إلى أزيد منه بمجرد ثبوت الملازمة الواقعية بينه و بين ما ثبت (3) .إلا أن يكون الحكم الظاهري الثابت بالأصل موضوعا لذلك الحكم الآخر،كما ذكرنا في مثال براءة الذمة عن الدين و الحج.و سيجيء توضيح ذلك في باب تعارض الاستصحابين (4) .

و إن اريد بإعماله في أحدهما مجرد نفيه دون الإثبات،فهو جار،إلا أنه معارض بجريانه في الآخر (5) ،فاللازم إما إجراؤه فيهما،فيلزم طرح ذلك العلم الإجمالي،لأجل العمل بالأصل (6) ،و إما إهماله فيهما،فهو (1)كما هو مفاد مثل حديث الرفع و الحجب.

(2)«إن»هنا وصلية.

(3)و عليه يبتني ما اشتهر من عدم التمسك بالأصل المثبت.

(4)يجيء في باب تعارض الاستصحابين جواز الرجوع للأصل في إحراز موضوع حكم شرعي،كما يجيء في التنبيه السادس من تنبيهات الاستصحاب عدم نهوض الأصل باثبات لوازم مجراه العقلية و العادية.

(5)هذا لا يطرد إذ قد لا يجري في الأصل في الآخر،و حينئذ يتعين العمل بالأصل الجاري في أحدهما،من دون إثبات لازمه.

(6)يعني:و هو غير جائز.لكنه مختص بما إذا كان المعلوم بالإجمال حكما إلزاميا يلزم من جريان الأصل مخالفته،و يأتي عند الكلام في تعارض الاستصحابين

ص: 291

المطلوب،و إما إعمال أحدهما بالخصوص،فترجيح بلا مرجح.

نعم،لو لم يكن العلم الإجمالي في المقام مما يضر طرحه (1) لزم العمل بهما،كما تقدم أنه أحد الوجهين فيما إذا دار الأمر بين الوجوب و التحريم.

و كيف كان:فسقوط العمل بالأصل في المقام لأجل المعارض،و لا اختصاص لهذا الشرط بأصل البراءة (2) ،بل يجري في غيره من الأصول و الأدلة.

و لعل مقصود صاحب الوافية ذلك (3) ،و قد عبر هو قدّس سرّه عن هذا الشرط في باب الاستصحاب بعدم المعارض.

و أما أصالة عدم بلوغ الماء الملاقي للنجاسة كرا،فقد عرفت:أنه لا مانع من استلزام جريانها الحكم بنجاسة الملاقي (4) ،فإنه نظير أصالة البراءة من الدين المستلزم لوجوب الحج.

التعرض لوجه ذلك إن شاء اللّه تعالى.

(1)لعدم كونه منجزا إما لكون المعلوم حكما ترخيصيا،أو لعدم امكان المخالفة و الموافقة القطعيتين.

و إن كان قد يظهر من المصنف قدّس سرّه مانعية العلم الإجمالي في الأول.

و يأتي الكلام فيه في تعارض الاستصحابين إن شاء اللّه تعالى.

(2)كما سبق التنبيه عليه.لعين الوجه المتقدم.

(3)كما هو مقتضى استشهاده بأصالة عدم الكرية حين الملاقاة التي عرفت أنها راجعة إلى الاستصحاب.

(4)خلافا لما يظهر سبق من الفاضل التوني صاحب الوافية.

ص: 292

و قد فرق بينهما المحقق القمي رحمه اللّه،حيث اعترف:بأنه لا مانع من إجراء البراءة في الدين و إن استلزم وجوب الحج،و لم يحكم بنجاسة الماء مع جريان أصالة عدم الكرية،جمعا بينها (1) و بين أصالة طهارة الماء.

و لم يعرف وجه فرق بينهما أصلا (2) .

ثم إن مورد الشك في البلوغ كرا:الماء المسبوق بعدم الكرية (3) ،و أما المسبوق بالكرية فالشك في نقصانه من الكرية،و الأصل هنا بقاؤها (4) .

و لو لم يكن مسبوقا بحال:

ففي الرجوع إلى طهارة الماء،للشك في كون ملاقاته مؤثرة في الانفعال،فالشك في رافعيتها للطهارة.

أو إلى النجاسة (5) ،لأن الملاقاة مقتضية للنجاسة،و الكرية مانعة (1)الضمير يرجع إلى أصالة عدم الكرية.

و هذا منه إشارة إلى وجه حكم المحقق القمي قدّس سرّه بنجاسة الماء.

يعني:انه إنما حكم بعدم نجاسة الماء من جهة أصالة عدم الكرية لأنه جمع بينها و بين أصالة طهارة الماء،و قدم أصالة الطهارة عليها.

(2)فإن أصالة عدم الكرية حاكم على أصالة الطهارة فلو بني على تقديم الأصل المحكوم على الحاكم لجرى ذلك في مثال الحج،فيحكم بأصالة البراءة من وجوب الحج و يرفع اليد بها عن مقتضى أصالة البراءة من الدين.فلاحظ.

(3)كما هو المنسبق من كلام التوني قدّس سرّه المتقدم.

(4)و مقتضاه طهارة الماء و عدم انفعاله بملاقاة النجاسة.

(5)عطف على(إلى الطهارة)في قوله:«ففي الرجوع إلى طهارة...».

ص: 293

عنها-بمقتضى قوله عليه السّلام:«إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شيء»،و نحوه مما دل على سببية الكرية لعدم الانفعال،المستلزمة لكونها مانعة عنه-، و الشك في المانع في حكم العلم بعدمه (1) ،وجهان.

و أما أصالة عدم تقدم الكرية على الملاقاة،فهو في نفسه ليس من الحوادث المسبوقة بالعدم حتى يجري فيه الأصل (2) .

(1)كأنه يشير بذلك إلى قاعدة المقتضي،و مرجعها أنه إذا احرز المقتضي و شك في المانع،بني على عدمه،و حكم بتأثير المقتضي،بلا حاجة إلى إحراز عدم المانع بمقتضى أصل أو أمارة،ففي المقام حيث كان مقتضي النجاسة و هو ملاقاة النجس معلوما مع الشك في وجود المانع و هو الكرية يحكم بالنجاسة.

لكن القاعدة المذكورة لم يتضح مستندها،من شرع أو عرف.

نعم لو أحرز عدم المانع و لو بمقتضى أصل تعين ترتيب الأثر،لإحراز موضوعه.و لا مجال له في المقام بعد فرض عدم العلم بحال الماء سابقا حتى يستصحب،فلا مجال لإحراز النجاسة،بل يتعين الرجوع إلى أصالة الطهارة،بل استصحابها في الماء.

و لا مجال لتوهم الرجوع إلى استصحاب عدم الكرية بنحو العدم الأزلي، لعدم كون الكرية من عوارض الوجود بل هي من لوازم الماهية و كذا الحال في سائر المقادير،فلا مجال لدعوى أن الماء المشكوك الكرية لم يكن كرا و لو قبل وجوده،كما حقق في محله من الفقه.فلاحظ.

(2)لما كان التقدم متقوما بالهيئة الخاصة بين الوجودين فهو أمر وجودي تابع للوجودين حادث بحدوثهما فلا يمكن استصحابه مع فرض الشك فيه،لعدم العلم بحال الوجود سابقا،لكن يمكن استصحاب عدمه الأزلي السابق على الوجود،بناء على جريان استصحاب العدم الأزلي،كما هو غير بعيد،و كذا الحال في التأخر.

ص: 294

نعم،نفس الكرية حادثة،فإذا شك في تحققها حين الملاقاة حكم بأصالة عدمها.و هذا معنى عدم تقدم الكرية على الملاقاة (1) .

لكن هنا أصالة عدم حدوث الملاقاة حين حدوث الكرية (2) ،و هو معنى عدم تقدم الملاقاة على الكرية،فيتعارضان،فلا وجه لما ذكره من الأصل (3) .

و قد يفصل فيها بين ما كان تاريخ واحد من الكرية و الملاقاة معلوما، فإنه يحكم بأصالة تأخر المجهول (4) بمعنى عدم ثبوته في زمان يشك نعم تقدم الكرية على الملاقاة ليس موضوعا لأثر شرعي و كذا تأخرها عنها لأن الأثر لمجرد عدم الكرية حين الملاقاة،أو وجودها حينها فلا مجال لاستصحاب عدم تقدم الكرية بنفسه،و يتعين الرجوع إلى استصحاب عدم الكرية،كما سيذكر المصنف قدّس سرّه.

(1)يعني:أن من تمسك بأصالة عدم تقدم الكرية على الملاقاة أراد هذا المعنى،و إلا فعدم التقدم بنفسه ليس موضوعا للأثر-كما عرفت منا-و لا متيقن سابقا بناء على ما عرفت منه.

(2)فإنه يحرز اعتصام الماء و عدم تنجسه بالملاقاة المتيقنة،فيعارض استصحاب عدم الكرية حين الملاقاة المقتضي لانفعال الماء بالنجاسة فيتساقطان.

(3)يعني:الفاضل التوني قدّس سرّه،حيث تقدم منه الاستشهاد بأصالة عدم تقدم الكرية،و ظاهره أنه جار في نفسه لو لا المحذور الذي ذكره،مع أنه ساقط بالمعارضة.

(4)كما يأتي من المصنف قدّس سرّه عند الكلام في أصالة تأخر الحادث في التنبيه السابع من تنبيهات الاستصحاب،حيث يأتي أنه مع العلم بحدوث أمرين و الشك في تقدم أحدهما على الآخر إذا كان أحدهما معلوم التاريخ يصح استصحاب عدم

ص: 295

في ثبوته فيه،فيلحقه حكمه من الطهارة و النجاسة،و قد يجهل التأريخان بالكلية،و قضية الأصل في ذلك التقارن،و مرجعه إلى نفي وقوع كل منهما في زمان يحتمل عدم وقوعه فيه (1) ،و هو يقتضي ورود النجاسة على ما هو كر حال الملاقاة،فلا ينجس به،انتهى.

و فيه:أن تقارن ورود النجاسة و الكرية موجب لانفعال الماء، لأن الكرية مانعة عن الانفعال بما يلاقيه بعد الكرية على ما هو مقتضى قوله عليه السّلام:«إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شيء»،فإن الضمير المنصوب راجع إلى الكر المفروض الكرية (2) ،فإذا حصلت الكرية حال الملاقاة كان الآخر إلى زمان وجود معلوم التاريخ و يترتب الأثر.

(1)لكن إحراز عدم وقوع كل منهما في زمان الشك،الراجع إلى إحراز عدم حدوث أحدهما قبل الآخر لا يقتضي حدوث كل منهما حين وقوع الآخر الذي هو معنى التقارن إلا بناء على الأصل المثبت.و منه يظهر الإشكال في كلام المصنف قدّس سرّه الآتي،لظهوره في تسليم اقتضاء الأصل في مجهولي التاريخ التقارن.فتأمل.

(2)إن قلت:الماء المذكور مفروض الكرية أيضا،و اعتبار سبق فرض الكرية زمانا لا وجه له.

قلت:ظاهر الحديث الشريف أن الشرط في الاعتصام استقرار الكرية،لا مجرد حصولها،و من الظاهر أن الماء المذكور لم تستقر كريته حين الملاقاة.

اللهم إلا أن يقال:لا وجه لأخذ الاستقراء و مجرد التعبير ب«كان»لا يقتضيه، فإن المراد بها مجرد الحكاية عن تحقق النسبة الحملية،و يكفي فيه صرف اتصاف الماء بالكرية.و تمام الكلام في الفقه.فراجع و تأمل جيدا.

و كيف كان فقد عرفت أن الأصل في المقام لا يحرز التقارن،و عليه فيتعين الرجوع لأصالة الطهارة بلا إشكال.

ص: 296

المعروض للملاقاة غير كر (1) ،فهو نظير (2) ما إذا حصلت الكرية بنفس الملاقاة فيما إذا تمم الماء الطاهر كرا بالماء النجس،و الحكم فيه النجاسة.

إلا أن ظاهر المشهور فيما نحن فيه (3) الحكم بالطهارة،بل ادعى المرتضى قدّس سرّه عليه الإجماع،حيث استدل بالإجماع على طهارة كر رئي فيه نجاسة لم يعلم تقدم وقوعها على الكرية،على (4) كفاية تتميم النجس كرا في زوال نجاسته.

و رده الفاضلان و غيرهما:بأن الحكم بالطهارة هنا لأجل الشك في ثبوت التنجيس،لأن الشك مرجعه إلى الشك في كون الملاقاة مؤثرة -لوقوعها قبل الكرية-أو غير مؤثرة.

لكنه يشكل،بناء على أن الملاقاة سبب للانفعال،و الكرية مانعة، فإذا علم بوقوع السبب في زمان لم يعلم فيه وجود المانع،وجب الحكم (1)الظاهر أن حق التعبير أن يقول:كان الملاقي غير مفروض الكرية.

(2)لا وجه للتنظير بذلك ضرورة أن الملاقاة فيه ليست للكر،إذ الملاقاة إنما تكون في أحد الماءين و الكرية قائمة بهما معا،فما هو الكر لم يلاق النجاسة و ما لاقاها ليس كرا خصوصا مع كون حصول الكرية متوقف على اتحاد الماءين و استقرارهما، و هو متأخر زمانا عن زمان الملاقاة الذي يكفي فيه محض الاتصال قبل الاستقرار فالبناء فيه على النجاسة هو المتعين فلاحظ.

(3)و هو صورة الشك في تقدم الكرية على الملاقاة و عدمه.و قد عرفت وجه الحكم بالطهارة.

(4)متعلق بقوله:«حيث استدل...».

ص: 297

بالمسبب (1) .

إلا أن الاكتفاء بوجود السبب من دون إحراز عدم المانع و لو بالأصل محل تأمل (2) ،فتأمل.

الثاني أن لا يتضرر بإعمالها مسلم،كما لو فتح إنسان قفص طائر فطار...

(3) :

أن لا يتضرر بإعمالها مسلم،كما لو فتح إنسان قفص طائر فطار،أو حبس شاة فمات ولدها،أو أمسك رجلا فهربت دابته.

فإن إعمال البراءة فيها يوجب تضرر المالك،فيحتمل اندراجه في قاعدة(الإتلاف)،و عموم قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«لا ضرر و لا ضرار»،فإن المراد نفي الضرر من غير جبران بحسب الشرع (4) ،و إلا فالضرر غير منفي (5) ،فلا علم (6) حينئذ-و لا ظن-بأن الواقعة غير منصوصة،فلا يتحقق شرط التمسك بالأصل من فقدان النص،بل يحصل القطع بتعلق (1)إشارة إلى قاعدة المقتضي التي سبق الكلام فيها.

(2)لما أشرنا إليه من عدم ثبوت قاعدة المقتضي.

و كأن هذا من المصنف قدّس سرّه عدول عما يظهر منه سابقا من كون مقتضى الأصل في مجهولي التاريخ التقارن،و أن الحكم في المتقارن النجاسة،إذ لو تمّ ذلك أغنى عن قاعدة المقتضي،و لزم الحكم بالنجاسة بمقتضى الأصل المذكور.فلاحظ.

(3)يعني:الشرط الثاني الذي ذكره الفاضل التوني قدّس سرّه لأصل البراءة.

(4)يعني:أن المراد أنه لا ضرر إلا و هو مجبور من قبل الشارع بالحكم بالضمان فهو يقتضي ثبوت الضمان في المقام لو فرض شمول أدلة نفي الضرر له.

(5)لأنه من الأمور التكوينية التي لا تقبل النفي الشرعي الاعتباري.

(6)تفريع على قوله:«فيحتمل اندراجه».

ص: 298

حكم شرعي بالضار،و لكن لا يعلم أنه مجرد التعزير أو الضمان أو هما معا،فينبغي له تحصيل العلم بالبراءة (1) و لو بالصلح.

و يرد عليه:أنه إن كانت قاعدة«نفي الضرر»معتبرة في مورد الأصل،كانت دليلا كسائر الأدلة الاجتهادية الحاكمة على البراءة،و إلا فلا معنى للتوقف في الواقعة و ترك العمل بالبراءة.

و مجرد احتمال اندراج الواقعة في قاعدة(الإتلاف)أو(الضرر)لا يوجب رفع اليد عن الأصل (2) .

و المعلوم تعلقه بالضار فيما نحن فيه هو الإثم و التعزير (3) إن كان متعمدا،و إلا فلا يعلم وجوب شيء عليه،فلا وجه لوجوب تحصيل العلم بالبراءة و لو بالصلح.

و بالجملة:فلا يعلم وجه صحيح لما ذكره في خصوص أدلة الضرر.

كما لا وجه لما ذكره (4) :من تخصيص مجرى الأصل بما إذا لم يكن (1)لكن وجوب التعزير ليس من أحكام الشخص الموقع للضرر،بل من أحكام الحاكم الشرعي و وظيفته،فالموقع للضرر لا يعلم إجمالا بثبوت تكليف في حقه حتى يتوهم وجوب اليقين عليه بالبراءة و لو بالصلح.

(2)إذ الأصل حجة ما لم يعلم بالدليل المخرج عنه.

(3)يعني:بنظر الحاكم.

(4)هذا إشارة إلى شرط ثالث ذكره الفاضل التوني قدّس سرّه،و هو لا يكون مجرى الأصل جزء عبادة أو شرطا لها،كما حكاه عنه بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه،نظرا إلى أن المثبت لإجزاء العبادة هو النص لا غير.

ص: 299

جزء عبادة،بناء على أن المثبت لأجزاء العبادة هو النص.

فإن (1) النص قد يصير مجملا،و قد لا يكون نص في المسألة،فإن قلنا بجريان الأصل (2) و عدم العبرة بالعلم (3) بثبوت التكليف بالأمر المردد بين الأقل و الأكثر فلا مانع (4) منه،و إلا فلا مقتضي له (5) ،و قد قدمنا ما عندنا في المسألة.

(1)تعليل لقوله:«كما لا وجه لما ذكره...».

(2)يعني:في جريان أصل البراءة في الأقل و الأكثر.

(3)يعني:العلم الإجمالي،الذي تقدمت دعواه في دوران الواجب بين الأقل و الأكثر.

(4)يعني:في العبادة،لعدم خصوصيتها من بين سائر العبادات الواجبات.

(5)يعني:لا مقتضي للأصل في العبادة حتى يدعى كون النص مانعا منه.

ص: 300

قاعدة لا ضرر و لا ضرار

و حيث جرى ذكر حديث«نفي الضرر و الضرار»ناسب بسط الكلام في ذلك في الجملة،فنقول:

قد ادعى فخر الدين في الإيضاح-في باب الرهن-:تواتر الأخبار على نفي الضرر و الضرار،فلا نتعرض من الأخبار الواردة في ذلك إلا لما هو أصح ما في الباب سندا و أوضحه دلالة،و هي الرواية المتضمنة لقصة سمرة بن جندب مع الأنصاري،و هي ما رواه غير واحد عن زرارة،عن أبي جعفر عليه السّلام:

«إن سمرة بن جندب كان له عذق،و كان طريقه إليه في جوف منزل رجل من الأنصار،و كان يجيء و يدخل إلى عذقه بغير إذن من الأنصاري.

فقال الأنصاري:يا سمرة،لا تزال تفجأنا على حال لا نحب أن تفجأنا عليها،فإذا دخلت فاستأذن.فقال:لا أستأذن في طريقي إلى عذقي.

فشكاه الأنصاري إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فأتاه،فقال له:إن فلانا قد شكاك و زعم أنك تمر عليه و على أهله بغير إذنه،فاستأذن عليه إذا أردت

ص: 301

أن تدخل.

فقال:يا رسول اللّه،أستأذن في طريقي إلى عذقي؟

فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:خل عنه و لك عذق في مكان كذا.

قال:لا.

قال:فلك اثنان.فقال:لا أريد.

فجعل صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يزيد حتى بلغ عشر أعذق.فقال:لا.

فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:خل عنه و لك عشر أعذق في مكان كذا،فأبى.

فقال:خل عنه و لك بها عذق في الجنة.فقال:لا أريد.

فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:إنك رجل مضار،و لا ضرر و لا ضرار على مؤمن.

قال عليه السّلام:ثم أمر بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقلعت،ثم رمي بها إليه.و قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:انطلق فاغرسها حيث شئت...الخبر».

و في رواية أخرى موثقة:«إن سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الأنصار و كان منزل الأنصاري بباب البستان-و في آخرها-:

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم للأنصاري:اذهب فاقلعها و ارم بها إليه،فإنه لا ضرر و لا ضرار...الخبر».

و أما معنى اللفظين:

فقال في الصحاح:الضر خلاف النفع (1) ،و قد ضره و ضاره بمعنى.

(1)لا يبعد أن يكون مراده به ما يستلزم نحوا من النقص في قبال النفع المبني

ص: 302

و الاسم الضرر.ثم قال:و الضرار المضارة.

و عن النهاية الأثيرية:في الحديث:«لا ضرر و لا ضرار في الإسلام».

الضر ضد النفع،ضره يضره ضرا و ضرارا،و أضر به يضره إضرارا،فمعنى قوله:«لا ضرر»لا يضر الرجل أخاه فينقصه شيئا من حقه.

و الضرار فعال من الضر،أي لا يجازيه على إضراره بإدخال الضرر عليه.

و الضرر فعل الواحد،و الضرار فعل الاثنين (1) ،و الضرر ابتداء الفعل،و الضرار الجزاء عليه.

على نحو من الزيادة،كما هو المعنى العرفي-و إليه يرجع ما يأتي من القاموس-لا مجرد عدم النفع،كما قد يوهمه،و إلا فهو مقطوع ببطلانه.

و منه يظهر الإشكال فيما ذكره المحقق الخراساني قدّس سرّه من أن التقابل بين الضرر و النفع من تقابل العدم و الملكة.

(1)الظاهر أن مراده عدم تحققه إلا بفعل الاثنين،لأن الجزاء متوقف على البدء لا أنه عين فعلهما،و إلاّ لم ينطبق على الجزاء الذي هو فعل الثاني لا غير.

و احتمال إرادته الاشتراك اللفظي بين الجزاء و ما هو فعل الاثنين،فيكون هذا معنى آخر غير الجزاء،لا راجع إليه.لا يناسب ما قبله و لا ما بعده،للتعرض فيهما معا لمعنى الجزاء لا غير،فمن القريب جدا أن يكون هذا جريا على مقتضاهما و توضيحا لهما.

نعم سيأتي من المصنف قدّس سرّه احتمال إرجاع التفسير بالجزاء إلى التفسير بأنه فعل الاثنين عكس ما ذكرنا و هو غير ظاهر لظهور كلام النهاية في تباين الضرر و الضرار خارجا لا دخول الضرر في الضرار.فلاحظ.

ص: 303

و قيل:الضرر ما تضر به صاحبك و تنتفع أنت به.و الضرار أن تضره من غير أن تنتفع.

و قيل:هما بمعنى.و التكرار للتأكيد،انتهى (1) .

و عن المصباح:«ضره يضره»من باب قتل:إذا فعل به مكروها و أضر به.يتعدى بنفسه ثلاثيا و بالباء رباعيا.و الاسم الضرر.و قد يطلق على نقص في الأعيان.

و ضاره مضارة و ضرارا بمعنى ضره،انتهى.

و في القاموس:الضر ضد النفع،و ضاره يضاره ضرارا.ثم قال:

و الضرر سوء الحال.ثم قال:و الضرار الضيق»،انتهى (2) .

(1)قريب مما في النهاية ما في لسان العرب.

(2)و الذي تحصل من كلمات اللغويين المتقدمة:أن الضرر إدخال النقص أو نحوه على الانسان بأي وجه كان،كما هو معناه العرفي الذي يبعد مخالفته للمعنى اللغوي جدا.

و أما الضرار فهو لا يخلو عن إجمال،فقد يدعى مرادفته للضرر و قد يؤخذ فيه خصوصية زائدة عليه،ككونه صادرا تشهيا و رغبة في الإضرار من دون حصول نفع للمضر،أو كونه صادرا جزاء على الضرر.

أما الأول فهو و إن كان ممكنا في نفسه،إلا أنه مستلزم للتأكيد في الحديث، و هو خلاف الأصل فتأمل.

و أما الثالث فبعيد لا يناسب التطبيق في الرواية لعدم سبق الانصاري بالضرر لسمرة،كما لا يناسب استعماله في كثير من الموارد،كقوله تعالى: وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرٰاراً... و قوله تعالى: وَ لاٰ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرٰاراً.... بل لعله لا يناسب

ص: 304

إذا عرفت ما ذكرناه،فاعلم:

أن المعنى (1) بعد تعذر إرادة الحقيقة (2) :عدم تشريع الضرر، بمعنى أن الشارع لم يشرع حكما يلزم منه ضرر على أحد (3) ،تكليفيا كان ما يرتكز في الذهن من استنكار الضرار و مقته،و الجزاء على الضرر بمثله ليس بتلك الحال،بل هو بنظر العرف من حق الإنسان العام.

و لعله عليه جرى قوله تعالى: فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ. نعم هو خلاف الأولى.

و لعل الأقرب الثاني لملاءمته لكثير من الاستعمالات.و إن كان في صلوح ذلك لرفع الإجمال بعد اختلاف اللغويين،و عدم شيوع استعمال الكلمة في العرف العام إشكال،بل منع.فلاحظ.

(1)يعني:معنى الحديث من حيث التركيب،لا من حيث المفردات.

(2)و هي نفي الضرر تكوينا و خارجا.و تعذره ظاهر،و لا سيما مع عدم مناسبته لما في بعض طرق الحديث من قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«في الاسلام».

(3)فيكون نفي الضرر بلحاظ نفي سببه شرعا،و هو الحكم الضرري، فالحديث وارد لنفي السبب و هو الحكم بلسان نفي المسبب و هو الضرر.

لكن هذا يقتضي اختصاص الحديث بنفي الأحكام الضررية،لا تشريع الأحكام التي يتدارك بها الضرر الحاصل،فلا وجه لما يظهر منه قدّس سرّه من كون ثبوت حق الشفعة للشريك مقتضى الحديث الشريف،فإنه أمر زائد على مفاد النفي الذي ذكرناه.

نعم ورد في بعض الروايات:«قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بالشفعة بين الشركاء في الأرضين و المساكن،و قال:«لا ضرر و لا ضرار»و ظاهر الرواية أن جعل حق الشفعة من صغريات نفي الضرر الذي تضمنه الحديث،و لازمه كون مفاد«لا ضرر»

ص: 305

ليس محض النفي،بل ما يعم جعل الحكم بنحو لا يكون معه ضرر،فيصح البيع مع جعل الحق المذكور للشريك،و مثله ما ورد أيضا،و هو:«قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بين أهل المدينة في مشارب النخل أنه لا يمنع نفع البئر[الشيء خ.ل]».

و قضى بين أهل البادية انه لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلاء.فقال:«لا ضرر و لا ضرار».

و لعل ذلك هو المنشأ لما يظهر من بعضهم من دلالة الحديث الشريف على جعل أحكام يتدارك بها الضرر،كالضمان على المتلف.

لكن الالتزام بالكلية المذكورة غير ممكن،و إلاّ لزم تأسيس فقه جديد،كما قيل،و ذلك موجب لحمل التعليل على بيان حكمة التشريع التي تكون ملاحظتها من وظيفة الشارع الأقدس،و لا تكون قاعدة عملية يطبّقها الناس بأنفسهم،و يدور الحكم مدارها وجودا و عدما،و لا سيما مع عدم اطراد الضرر في حق الشريك مثلا، لإمكان عدم كون المشتري أسوأ حالا من البائع،بل قد يكون أحسن حالا منه، و عدم اطراد ارتفاع الضرر مع الحق المذكور كما لو كان عاجزا عن تهيئة الثمن.

ثم إن إجمال التطبيق في الموردين لا يوجب التوقف في ظهور الرواية في قضية سمرة في إرادة القاعدة العملية الّتي يطبقها الناس من دون محذور فيها.

و إن قلت:قصة سمرة قد اشتملت على قلع النخلة،و ليس هو مقتضى مجرد نفي سلطنته عليها،بل هو تشريع زائد في جعل سلطنته للأنصاري في القلع،و ذلك نظير حق الشفعة.

قلت:إذا فرض سقوط سلطنته على النخلة و ذهاب حرمته،جاز لكل أحد التصرف فيها،إذ لا موجب لحرمة التصرف في مال الغير إلا سلطنته.مع أنه يمكن دعوى:أن تطبيق رفع الضرر بلحاظ رفع السلطنة لا غير،و أن الحكم بالقلع أمر تعبدي خاص ليس تطبيقا لنفى الضرر.فتأمل.

ص: 306

أو وضعيا.

فلزوم البيع مع الغبن حكم يلزم منه ضرر على المغبون فينتفى بالخبر، و كذلك لزوم البيع من غير شفعة للشريك،و كذلك وجوب الوضوء على من لا يجد الماء إلا بثمن كثير (1) ،و كذلك سلطنة المالك على الدخول إلى عذقه و إباحته له من دون استئذان من الأنصاري،و كذلك حرمة الترافع إلى حكام الجور إذا توقف أخذ الحق عليه.

و منه:براءة ذمة الضار من تدارك ما أدخله من الضرر (2) ،إذ كما هذا و قد يقال:إن تطبيق التعليل في الروايتين السابقتين في مقام تشريع الأحكام الرافعة للضرر لا ينافي العمل بعمومه لرفع الأحكام الضررية،فإن عدم كون أحكام الإسلام ضررية يكفي فيه تشريع أحكام يتدارك بها الضرر،فإن ثبت هذا التشريع عمل به و صح تطبيق العموم بلحاظه،و إلا كان اللازم رفع الحكم الضرري الثابت بعموم دليله أو إطلاقه بعموم التعليل،لأن الحمل على التدارك محتاج إلى عناية خاصة و الأصل عدمها،فيتعين تطبيق الحديث بلحاظ الرفع لا غير، لأنه الظاهر اوّلا و بالذات من عموم نفي الضرر.

و إن شئت قلت:القضية ظاهرة في إرادة النفي،و تطبيقها على موارد تشريع ما يرتفع به الضرر كحق الشفعة إنما يحتاج إلى عناية في التطبيق،و لا يوجب إجمال القضية نفسها بنحو يتوقف في اعمالها في موارد عدم الحاجة إلى تشريع الأحكام التي يتدارك بها الضرر،بل يكفي فيها مجرد الرفع.فتأمل.و اللّه سبحانه العالم العاصم.

(1)مما سبق يظهر أنه يصح تطبيق القاعدة بلحاظ رفع وجوب الوضوء، لا بلحاظ وجوب التيمم،و يكون وجوبه مستندا إلى مقتضى الملازمة الشرعية بين الأمرين التي دلت عليها أدلة أخر مذكورة في محلها.

(2)كما سبق من الفاضل التوني قدّس سرّه.

ص: 307

أن تشريع حكم يحدث معه الضرر منفي بالخبر،كذلك تشريع ما يبقى معه الضرر الحادث،بل يجب أن يكون الحكم المشروع في تلك الواقعة على وجه يتدارك ذلك الضرر كأن لم يحدث.

إلا أنه قد ينافي (1) هذا قوله:«لا ضرار»،بناء على أن معنى الضرار المجازاة على الضرر.و كذا لو كان بمعنى المضارة التي هي من فعل الاثنين (2) ،لأن فعل البادئ منهما ضرر قد نفي بالفقرة الأولى فالضرار المنفي بالفقرة الثانية إنما يحصل بفعل الثاني.

و كأن من فسره بالجزاء على الضرر أخذه من هذا المعنى،لا على أنه و يظهر الإشكال فيه مما ذكرناه هنا في مفاد الحديث،فإن البراءة ليست من الأحكام المجعولة،بل هي مقتضي النفي،فلا تنهض القاعدة برفعها،كما لا تصلح لتشريع الضمان،لأنه أمر زائد على مقتضى النفي و الرفع فلاحظ.

(1)وجه المنافاة:أن التدارك قد يكون بالجزاء و لو بمثل الضمان،الذي هو الإشكال في التفسير المذكور.فتأمل.

(2)لما اشتهر من أنه هيئة تقتضي الاشتراك و لا تقوم بفعل الواحد،فالفرق بين قتل زيد عمرا،و قاتل زيد عمرا،اختصاص القتل في الأول بزيد،و اشتراكهما فيه في الثاني لكنه في غير محله،لأن تعدي الهيئة إلى المفعول يقتضي امتيازه عن الفاعل و عدم كون نسبة المادة إليهما بنحو واحد،و إلا لزم رفعها فاعلين متعاطفين،كهيئة التفاعل مثل:تقاتل زيد و عمرو.

نعم هي في بعض الموارد تقتضي نحوا من الاشتراك و لو بلحاظ النتائج أو المقارنات،كما أطلنا الكلام فيه في بعض ما كتبناه في العقود،و الظاهر أن المضارة ليست من تلك الموارد،فلا تقتضي أي اشتراك،كما يظهر من إطلاقها في الحديث على سمرة المعلوم اختصاصه بالإضرار،فلاحظ.

ص: 308

معنى مستقل (1) .

و يحتمل أن يراد من النفي:النهي عن إضرار (2) النفس أو الغير، ابتداء أو مجازاة.لكن لا بد من أن يراد بالنهي زائدا على التحريم الفساد و عدم المضي،للاستدلال به في كثير من رواياته على الحكم الوضعي (3) دون محض التكليف،فالنهي هنا نظير الأمر بالوفاء في الشروط و العقود (4) ، فكل إضرار بالنفس أو الغير محرم غير ماض على من أضره.

و هذا المعنى قريب من الأول،بل راجع إليه.

و الأظهر بملاحظة نفس الفقرة و نظائرها و موارد ذكرها في الروايات و فهم العلماء:هو المعنى الأول (5) .

(1)تقدم الكلام في ذلك في تعقيب كلام النهاية،و أشرنا إلى ما ذكره المصنف قدّس سرّه هنا و إلى حاله.

(2)نظير قوله تعالى: فَلاٰ رَفَثَ وَ لاٰ فُسُوقَ وَ لاٰ جِدٰالَ فِي الْحَجِّ.

(3)كأنه يشير إلى مثل رواية الشفعة المتقدمة.لكن من الظاهر عدم اشتمال موردها على التحريم التكليفي،لوضوح عدم حرمة البيع على غير الشريك.

(4)لكن الظاهر أنه كناية عن نفوذها من حيث أن التكليف من أحكام نفوذ العقد و صحته،فدلالتها على التكليف و الوضع إنما هو من حيث كون أحدهما من أحكام الآخر و لوازمه الشرعية،فلا يشبه المقام مما كان التكليف أمرا مجعولا في قبال الوضع،و ليس من أحكامه و لا ملازمة بينهما،فحمل الحديث على كليهما نظير استعمال المشترك في أكثر من معنى.فلاحظ.

(5)لأن ظاهر النفي هو النفي الخارجي للضرر،بعد تعذره بحمل على النفي الشرعي بنفي الحكم الموجب له،و هو أقرب من حمل النفي على إرادة النهي.

ص: 309

ثم إن هذه القاعدة حاكمة على جميع العمومات الدالة بعمومها على تشريع الحكم الضرري،كأدلة لزوم العقود،و سلطنة الناس على أموالهم، و وجوب الوضوء على واجد الماء،و حرمة الترافع إلى حكام الجور،و غير ذلك.

و ما يظهر من غير واحد كالفاضل النراقي:من أخذ التعارض بين العمومات المثبتة للتكليف و هذه القاعدة،ثم ترجيح هذه إما بعمل الأصحاب و إما بالأصول-كالبراءة في مقام التكليف (1) ،و غيرها (2) في غيره-،فهو خلاف ما يقتضيه التدبر في نظائرها:من أدلة(رفع الحرج)، و(رفع الخطأ و النسيان)،و(نفي السهو على كثير السهو)،و(نفي السبيل على المحسنين)،و(نفي قدرة العبد على شيء)،و نحوها.

مع أن وقوعها في مقام الامتنان يكفي في تقديمها على العمومات (3) .

كما أنه المناسب لمورد التطبيق في الرواية و عليه جرى الأصحاب،كما ذكره المصنف قدّس سرّه.فالتحقيق أن التحريم التكليفي في الجملة مستفاد من أدلة أخر.

(1)يعني:في مقام يكون منشأ الضرر تكليفا،كوجوب الوضوء و الصوم.

(2)كأصالة عدم ترتب الأثر في الأمور الوضعية،و إن كان الظاهر عدم اطرادها في ترجيح القاعدة.

(3)لأن الامتنان لما كان أمرا ارتكازيا كان التكليف بين موارده مخالفا للمرتكزات العرفية،بخلاف عمومات الأحكام التعبدية فإن تخصيصها أسهل بحسب المرتكزات المذكورة.

خصوصا في مثل المقام مما كان عدم تقديمه مستلزما لإلغائه بالمرة فإن القاعدة مع كل عام و إن كانت أعم من وجه إلاّ أن العمومات لما كانت من سنخ

ص: 310

و المراد بالحكومة:أن يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي متعرضا لحال دليل آخر (1) من حيث إثبات حكم الشيء أو نفيه عنه.

فالأول:مثل ما دل على الطهارة بالاستصحاب أو شهادة العدلين، فإنه حاكم على ما دلّ على أنه«لا صلاة إلا بطهور»،فإنه يفيد بمدلوله اللفظي:أن ما ثبت من الأحكام للطهارة في مثل«لا صلاة إلا بطهور» و غيرها،ثابت للمتطهر بالاستصحاب أو بالبينة (2) .

واحد كان اللازم عرفا اما تقديمها بأجمعها على القاعدة أو تقديم القاعدة عليها، و الأول مستلزم لإلغاء القاعدة بالمرة و أما التفصيل بين العمومات فهو بلا مرجح عرفا.فلاحظ.

فإذا فرض ظهور روايات نفي الضرر في محض الأخبار عن عدم تحققه في الأحكام الشرعية كشف عن كون المصلحة بنحو يتدارك بها الضرر مهما كان،كما لعله ظاهر.و لعل ما ذكره المصنف قدّس سرّه في الجواب راجع إلى هذا.

(1)قد يوهم هذا التعبير لزوم كون الحاكم في مقام شرح الدليل المحكوم و تفسيره،مثل ما دل على أنه لا يعيد الصلاة ففيه مع مثل صحيح عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«سألته عن رجل لم يدر أ ركعتين صلى أم ثلاثا؟قال عليه السّلام:يعيد.

قلت:أ ليس يقال:لا يعيد الصلاة فقيه؟قال عليه السّلام:إنما ذلك في الثلاث و الأربع».

لكن الظاهر انه غير مراد المصنف قدّس سرّه بل يكفي عنده في الحكومة كون الدليل الحاكم بنظر العرف مفسرا للمحكوم و مبينا للمراد منه لخصوصية في مدلوله تقتضي ذلك و إن لم يصرح بالتفسير المذكور،كما يدل عليه الأمثلة التي ساقها.

بل حكي عنه قدّس سرّه أنه ضرب على العبارة الموهمة لذلك في مبحث التعارض في الدورة الأخيرة،و هي قريبة من هذه العبارة.فلاحظها.

(2)و إلا كان التعبد بالطهارة بالاستصحاب أو بالبينة لاغيا.

ص: 311

و الثاني (1) مثل الأمثلة المذكورة (2) .

و أما المتعارضان،فليس في أحدهما دلالة لفظية على حال الآخر من لكن مجرد التعرض لثبوت أحكام الطهارة لا يقتضي تفسير المراد بموضوعات أحكامها في أدلتها،لأن ثبوت حكم موضوع لآخر لا يقتضي عموم دليل ثبوت ذلك الحكم لذلك الموضوع له،لجواز اشتراك المتباينين في حكم واحد.بخلاف نفي عنوان موضوع عن بعض أفراده،فإنه يقتضي كون المراد بذلك الموضوع ما عداها عند جعل الحكم لاغ،كما أوضحناه في مبحث التعارض من شرح كفاية الأصول.

فراجع.

(1)و هو ما اقتضى نفي حكم الشيء.

(2)و هي أدلة رفع الحرج و الخطأ و غيرها ممّا تقدم في كلامه قدّس سرّه.

و وجه نظر هذه الأدلة لأدلة الأحكام الأولية و تفسيرها لها ما أشرنا إليه من أن نفي عنوان موضوع الحكم عن بعض أفراده يكشف عن كون المراد بالموضوع في دليل جعل الحكم له ما عدا تلك الأفراد،فيصلح لتفسير المراد منه.

و ممّا ذكره قدّس سرّه في تفسير الحكومة يتضح وجه حكومة قاعدة نفي الضرر على عمومات الأحكام،فإنه حيث لم يكن المقصود الإخبار عن عدم وقوعه خارجا، بل رفعه تشريعا الراجع إلى رفع الحكم المسبب له-كما سبق تقريبه-كان ناظرا -و لو إجمالا-إلى الأحكام الشرعية و مبينا لكيفية جعلها و إنها لم تجعل بنحو توجب الضرر،بل بنحو ترتفع بسببه و لذا كان المفهوم عرفا عدم ارتفاع ملاك الأحكام عند لزوم الضرر،بل يرتفع الحكم الفعلي بسببه مع بقاء الملاك،لأن الموجب للضرر هو الحكم التابع للملاك لا نفس الملاك،فلا موجب لارتفاع الملاك.

و هذا بخلاف ما لو كانت القاعدة مخصصة لعمومات الأحكام لأن الدليل المخصص موجب لخروج مورده عن حكم العام رأسا،و لا يحكم العرف ببقاء ملاكه.فلاحظ.

ص: 312

حيث العموم و الخصوص،و إنما يفيد حكما منافيا لحكم آخر،و بملاحظة تنافيهما و عدم جواز تحققهما واقعا يحكم بإرادة خلاف الظاهر في أحدهما المعين إن كان الآخر أقوى منه،فهذا الآخر الأقوى قرينة عقلية (1) على المراد من الآخر،و ليس في مدلوله اللفظي تعرض لبيان المراد منه.و من هنا وجب ملاحظة الترجيح في القرينة،لأن قرينيته بحكم العقل بضميمة المرجح (2) .

أما إذا كان الدليل بمدلوله اللفظي كاشفا عن حال الآخر،فلا يحتاج إلى ملاحظة مرجح له،بل هو متعين للقرينية بمدلوله له.و سيأتي لذلك توضيح في تعارض الاستصحابين (3) إن شاء اللّه تعالى.

(1)كأنه لامتناع اجتماع المتنافيين عقلا فمع كون أحدهما أقوى دلالة يرى العقل قرينيته على الآخر.

لكن ادراك الأقوائية الدلالية و تقديم الأقوى إنما هو بحكم العرف و لا دخل في ذلك للعقل،فالأولى أن يقول:إن الأقوائية قرينة عرفية.

نعم كونه قرينة عرفية ليس لسوقه عرفا في مقام القرينية،بخلاف الدليل الحاكم الناظر للدليل المحكوم،فإنه مسوق للقرينية،فالفرق بين الحاكم و المخصص بعد كون كل منهما قرينة عرفا أن قرينية الحاكم ناشئة من ظهور كونه مسوقا لها، بخلاف المخصص فإنه بحكم العرف ابتداء جمعا بين الدليلين بعد فرض تنافيهما.

(2)يعني:أن العقل لا يحكم بقرينيته إلا مع المرجح.

(3)يأتي الكلام فيه أيضا في الشرط الثالث من شروط جريان الاستصحاب عند الكلام في وجه تقديم الأمارة على الاستصحاب،و في مبحث التعادل و التراجيح.

ص: 313

ثم إنه يظهر مما ذكرنا-من حكومة الرواية و ورودها في مقام الامتنان،نظير أدلة نفي الحرج و الإكراه-:أن مصلحة الحكم الضرري المجعول بالأدلة العامة (1) لا تصلح أن تكون تداركا للضرر،حتى يقال:

إن الضرر يتدارك بالمصلحة العائدة إلى المتضرر،و إن الضرر المقابل بمنفعة راجحة عليه ليس بمنفي،بل ليس ضررا.

توضيح الفساد:أن هذه القاعدة تدل على عدم جعل الأحكام الضررية و اختصاص أدلة الأحكام بغير موارد الضرر (2) .نعم،لو لا الحكومة و مقام الامتنان كان للتوهم المذكور مجال (3) .

و قد يدفع (4) :بأن العمومات الجاعلة للأحكام إنما تكشف عن (1)كعمومات السلطنة و وجوب الوضوء و الغسل و القيام في الصلاة و غيرها.

(2)فهي إما أن تدل على عدم ثبوت المصلحة للحكم الأولي في مورد الضرر حتى تكون متداركة له.أو عدم صلوحها للتدارك،لأهمية مصلحة رفع الضرر منها،فيكون حكمها مرفوعا لأجله،و لعل الأظهر بمقتضى الجمع العرفي الثاني،كما هو الظاهر في جميع القواعد الامتنانية،فإنها ظاهرة في عدم ارتفاع ملاكات الأحكام الأولية في مواردها و إن لم تصلح للتأثير.فلاحظ.

(3)كما هو الحال لو كانت الروايات مسوقة لبيان قضية خبرية،نظير إخبارنا نحن بابتناء الأحكام الشرعية على المصالح لا على الإضرار،فإنه راجع إلى دعوى تدارك الأضرار و المفاسد الظاهرة المدركة لنا بالمصالح الواقعية المقتضية لجعل الأحكام.

(4)يعني:توهم صلوح المصالح الواقعية لتدارك الضرر.

ص: 314

المصلحة في نفس الحكم و لو في غير مورد الضرر،و هذه المصلحة لا يتدارك بها الضرر الموجود في مورده،فإن الأمر بالحج و الصلاة-مثلا-يدل على عوض و لو مع عدم الضرر،ففي مورد الضرر لا علم بوجود ما يقابل الضرر (1) .

و هذا الدفع أشنع من أصل التوهم،لأنه إذا سلم عموم الأمر لصورة الضرر كشف عن وجود مصلحة يتدارك بها الضرر في هذا المورد.

مع أنه يكفي حينئذ في تدارك الضرر الأجر المستفاد من قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:

«أفضل الأعمال أحمزها»،و ما اشتهر في الألسن و ارتكز في العقول من:«أن الأجر على قدر المشقة» (2) .

(1)إن أريد أنه لا يعلم بوجود ما يقابل الضرر زائدا على المصلحة الأولية الموجبة لجعل الحكم فهو مسلم،إلا أنه لا يمنع من تشريع الحكم بلحاظ المصلحة الأولية لإمكان كونها أهم من الضرر.

و إن أريد أنه لا يعلم بوجود ما يقابل الضرر مطلقا،لعدم إحراز كون المصلحة الواقعية بنحو يصلح لتدارك الضرر،فهو ممنوع،لأنه إذا فرض شمول إطلاق دليل الحكم لحال الضرر كشف عن تمامية ملاكه و عدم مزاحمته بالضرر الطارئ.

(2)إن قلت:الأجر لا يصحح جعل الحكم،بل لا بد من استناد الحكم إلى الملاك نعم لو فرض أهمية الملاك بنحو لا يمكن التخلي عنه عند إصابة المكلف بالضرر و لم يكن لضررهم تدارك في الدنيا أمكن إبقاء الحكم تبعا لملاكه و تعويضهم بالأجر الكثير تفضلا منه تعالى.و لعل منه مثل الجهاد.

قلت:الأجر و إن لم يصحح جعل الحكم بملاكه-بل لا بد فيه من الملاك-إلا أنه كاف في تدارك الضرر و صدق قضية نفي الضرر،لو فرض عموم أدلة الأحكام الأولية لحال الضرر الكاشف عن ثبوت الملاك المصحح للحكم في ذلك الحال.

ص: 315

فالتحقيق في دفع التوهم المذكور:ما ذكرناه من الحكومة،و الورود في مقام الامتنان.

ثم إنك قد عرفت بما ذكرنا:أنه لا قصور في القاعدة المذكورة من حيث مدركها،سندا و دلالة،إلا أن الذي يوهن فيها هي:كثرة التخصيصات فيها (1) بحيث يكون الخارج منها أضعاف الباقي،كما لا فالعمدة ما ذكره المصنف قدّس سرّه من ظهور القضية في الحكومة على العمومات الكاشف-كما ذكرنا-عن عدم صلوح ملاكها لاستتباع الحكم في حال الضرر.

و العمدة فيه ما ذكره من ظهور القضية في النظر إلى الأحكام الشرعية و رفعها،كما يقتضيه قرينة تطبيقها في الروايات الظاهر في كونها قاعدة شرعية يرجع إليها الناس في مقام العمل،لا خبرية بلحاظ واقع الأحكام الشرعية و شرحها،حتى يكفي في ذلك المصالح الخفية أو الأجر الذي يتدارك به الضرر حتى يصح التعبير بنفيه.فلاحظ.

(1)لأن كثيرا من الأحكام ضررية،مثل باب الحقوق الشرعية العامة، كالزكاة و الخمس و الخاصة كأبواب النفقات على الناس و الحيوان،و الضمانات و الجهاد و الكفارات و الديات و القصاص و غيرها من الأحكام التي تستلزم الضرر بالمكلف المالي أو البدني أو غيرهما.

لكن المتأمل قاض بخروج كثير منها تخصصا لا تخصيصا،لرجوع فرض الحقوق العامة إلى قلة النفع فإن الحكم بعدم ملك تمام الربح بل أربعة أخماسه مثلا ليس فيه ضرر بالمالك،بل تقليل النفع،فإن جعل الملك و الحق بيد الشارع الأقدس، فحكمه بعدم ملك شيء من الربح غير ضرري،فضلا عن عدم ملك بعضه.

كما أن ورود القاعدة مورد الامتنان الظاهر في رفع الحكم مع بناء الملاك ظاهر في اختصاصها بالضرر الذي يقع لا باختيار المكلف،فما يقع باختيار المكلف

ص: 316

يخفى على المتتبع،خصوصا على تفسير الضرر بإدخال المكروه كما تقدم (1) ، بل لو بني على العمل بعموم هذه القاعدة حصل منه فقه جديد.

و مع ذلك،فقد استقرت سيرة الفريقين على الاستدلال بها في مقابل العمومات المثبتة للأحكام،و عدم رفع اليد عنها إلا بمخصص قوي في غاية الاعتبار،بحيث يعلم منهم انحصار مدرك الحكم في عموم هذه القاعدة.

و لعل هذا كاف في جبر الوهن المذكور و إن كان في كفايته نظر،بناء على أن لزوم تخصيص الأكثر على تقدير العموم قرينة على إرادة معنى لا يلزم لجعل نفسه موضوعا للحكم الضرري يشكل عموم القاعدة له و عليه يشكل شمول القاعدة لموارد الغرامات و الكفارات و القصاص و نحوها إذا كان الوقوع فيها باختيار المكلف.

كما أن ورود القاعدة مورد الامتنان موجب لقصورها عن شمول الأحكام التي يتدارك بها ضرر الآخرين الذي حصل بفعل المكلف و لو خطأ،فخرج باب الديات و الضمانات الخطائية.

كما انها لا تشمل الخسارات الحاصلة مقابل نفع للمكلف الراجع إلى تنظيم حقوق الناس بعضهم مع بعض،كنفقة الزوجية و الحيوان و نحوهما ممّا يمكن التخلص عنه برفع منشأ انتزاعه،كبيع الحيوان و طلاق الزوجة،إلا أنه لا يختاره المكلف،لتعلق غرض المكلف بها.فلم يبق إلا ما لا نفع فيه و لا ينشأ من فعل المكلف نفسه،بل قهرا عليه،مثل الجهاد و باب نفقات الأقارب و نحوها،و ذلك لا يوجب كثرة التخصيص المستهجن المانع من ظهور القضية في العموم.فتأمل جيدا.

(1)قد يستظهر من كلام المصباح المتقدم.

لكنه معلوم البطلان لو أريد على إطلاقه.

ص: 317

منه ذلك (1) .غاية الأمر تردد الأمر بين العموم و إرادة ذلك المعنى (2) ، و استدلال العلماء لا يصلح معينا (3) ،خصوصا لهذا المعنى (4) المرجوح المنافي لمقام الامتنان (5) و ضرب القاعدة.

(1)يعني:إنه إذا كان الحمل على العموم مستلزما لتخصيص الأكثر كشف عن عدم صحته و أن المراد معنى آخر غيره فلا مجال للحمل عليه.

(2)يعني الذي لا يلزم منه كثرة التخصيص.

و الظاهر أن قوله:«غاية الأمر...»تنزل عن الدعوى الأولى،و هي دعوى ظهور العام في عدم إرادة العموم إلى دعوى الإجمال و تردد الأمرين إرادة العموم و إرادة معنى آخر.لكن الظاهر أنه لا مجال لدعوى الإجمال لأن كثرة التخصيص توجب استهجان العموم فيكشف عن عدم إرادته.

(3)لا يبعد كونه معينا لكشفه عن اطلاعهم على قرينة في تعيين المعنى الآخر الذي يرجع إليه بعد تعذر العموم.

لكن لا مجال لدعوى ذلك في المقام،لعدم حملهم للقاعدة على معنى آخر غير العموم،حتى يكشف إرادته،بل لم يصدر منهم إلا الفتوى على خلاف القاعدة مورد التخصيصات المدعاة،و ذلك لا يصلح لتعيين المعنى المراد بالقاعدة كي يرجع إليه في موارد الشك.

هذا لو أريد تعيين المعنى الآخر غير العموم بسبب فهمهم،أما لو أريد تعيين العموم-كما يظهر منه قدّس سرّه-فلا مجال له بعد كونه مستهجنا،و قد عرفت الإشكال في دعوى الإجمال.فلاحظ.

(4)و هو العموم المفروض كونه مرجوحا بسبب كثرة التخصيص.فتأمل.

(5)كأنه لدعوى:أن ظهور القاعدة في الامتنان يجعلها آبية عن التخصيص فضلا عن كثرته.

ص: 318

إلا أن يقال-مضافا إلى منع أكثرية الخارج و إن سلمت كثرته (1) -:

إن الموارد الكثيرة الخارجة عن العام إنما خرجت بعنوان واحد جامع لها و إن لم نعرفه على وجه التفصيل،و قد تقرر أن تخصيص الأكثر لا استهجان فيه إذا كان بعنوان واحد جامع لأفراد هي أكثر من الباقي (2) ،كما إذا قيل:

«أكرم الناس»و دل دليل على اعتبار العدالة،خصوصا إذا كان المخصص مما يعلم به المخاطب حال الخطاب (3) .

و من هنا ظهر وجه صحة التمسك بكثير من العمومات مع خروج أكثر أفرادها،كما في قوله عليه السّلام:«المؤمنون عند شروطهم»،و قوله تعالى:

(1)عرفت الإشكال في الكثرة فضلا عن الأكثرية بالنحو الموجب لسقوط العموم.

(2)هذا مما لم يتضح وجهه أصلا،خصوصا إذا لم يعرف العنوان بالتفصيل لعدم تعرض دليل واحد له،بل تعرضت الأدلة لعناوين متعددة،كما هو المفروض في المقام.

(3)فإن ذلك مانع من انعقاد الظهور في العموم و ظهور العام في خصوص العنوان الخاص.

لكن هذا موقوف على وضوح العنوان المخصص حين صدور العام،بحيث يكون العام ظاهرا في إرادته حين صدوره،أما إذا كان عنوان التخصيص مجملا، لكون موارد التخصيص متباينة لا عنوان بجميعها عرفا كما هو المفروض في المقام فالاطلاع عليها لا يوجب رفع إجمال العام بعد العلم بعدم إرادة ظاهره،بل يبقى مجملا.

فالعمدة ما ذكرنا من عدم المانع من ظهور القاعدة في العموم،لعدم كثرة التخصيص.

ص: 319

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، بناء على إرادة العهود (1) كما في الصحيح.

ثم إنه يشكل الأمر من حيث:إن ظاهرهم في الضرر المنفي الضرر النوعي لا الشخصي،فحكموا بشرعية الخيار للمغبون،نظرا إلى ملاحظة نوع البيع المغبون فيه و إن فرض عدم تضرره في خصوص مقام (2) ،كما إذا لم يوجد راغب في المبيع و كان بقاؤه ضررا على البائع،لكونه في معرض الإباق أو التلف أو الغصب (3) ،و كما إذا لم يترتب على ترك الشفعة ضرر على الشفيع،بل كان له فيه نفع.

و بالجملة:فالضرر عندهم في بعض الأحكام حكمة لا يعتبر اطرادها،و في بعض المقامات يعتبرون اطرادها،مع أن ظاهر الرواية اعتبار الضرر الشخصي (4) .

إلا أن يستظهر منها:انتفاء الحكم رأسا إذا كان موجبا للضرر غالبا (1)يعني:و لو كانت ابتدائية من جانب واحد.لكنه محل إشكال و استفادته من الصحيح اشكل.و لأجل ذلك لا مجال لدعوى كثرة التخصيص المستهجن.

و كذا الحال في عموم الشروط و تمام الكلام في محله.

(2)التعين حينئذ عدم الاستدلال بقاعدة نفي الضرر،بل التحقيق عدم صحة الاستدلال به في خيار الغبن مطلقا،لأنه راجع إلى تشريع حكم يتدارك به الضرر،و أن وجه الخيار أمرا آخر كما حقق في محله،و منه يظهر حال الشفعة،و قد سبق بعض الكلام فيها

(3)يعني:مع عدم كون ذلك موجبا لنقصان قيمة المبيع و إلا خرج عن الغبن.

(4)و يتعين العمل عليه.

ص: 320

و إن لم يوجبه دائما (1) ،كما قد يدعى نظير ذلك في أدلة نفي الحرج.

و لو قلنا بأن التسلط على ملك الغير بإخراجه عن ملكه قهرا عليه بخيار أو شفعة ضرر أيضا،صار الأمر أشكل (2) .

إلا أن يقال:إن الضرر أوجب وقوع العقد على وجه متزلزل يدخل فيه الخيار (3) ،فتأمل.

ثم إنه قد يتعارض الضرران بالنسبة إلى شخص واحد أو شخصين، فمع فقد المرجح (4) يرجع إلى الأصول و القواعد الأخر،كما أنه إذا أكره (1)هذا خلاف ظاهر الأدلة في المقام،كما أنه خلاف ظاهر أدلة نفي الحرج كما تقدم في الدليل الثاني لجواز ارتكاب أطراف الشبهة غير المحصورة.

(2)لتزاحم الضررين فأعمال أحدهما مناف للامتنان في حق الآخر،فاللازم رفع اليد عنهما معا و الرجوع للقواعد الأخر.

(3)فهو نظير ما سبق في الحقوق الشرعية من أنها منع نفع لا توجب ضررا.

(4)الظاهر أن المراد بالمرجح أهمية أحد الضررين.

و قد حكي عن المصنف قدّس سرّه في رسالته الخاصة في القاعدة الجزم بترجيح الضرر الأهم و رفع الحكم الموجب له،دون الحكم الآخر بالنسبة إلى شخص واحد.

و لعل وجهه أن تطبيق القاعدة في الأهم مقتضى الامتنان و في الثاني على خلاف الامتنان و حيث كانت القاعدة امتنانية تعين الأول.

و لو لا ذلك أشكل الترجيح،إذ الترجيح قد ثبت بين الروايات بالأدلة الخاصة فلا وجه للتعدي منها إلى مطلق المتعارضين و لو كأن أصالة العموم بالإضافة إلى كل من الفردين.فتأمل.

و أما بالنسبة إلى شخصين فالترجيح بالأهمية لا يخلو عن إشكال،لأن تطبيق القاعدة بالإضافة إلى الضرر الأهم و إن كان امتنانا في حق صاحبه إلا أنه مناف

ص: 321

على الولاية من قبل الجائر المستلزمة للإضرار على الناس،فإنه يرجع إلى قاعدة(نفي الحرج)،لأن إلزام الشخص بتحمل الضرر لدفع الضرر عن غيره حرج (1) ،و قد ذكرنا توضيح ذلك في مسألة التولي من قبل الجائر من كتاب المكاسب.

و مثله:إذا كان تصرف المالك في ملكه موجبا لتضرر جاره و تركه موجبا لتضرر نفسه (2) ،فإنه يرجع إلى عموم:«الناس مسلطون على للامتنان في حق الآخر و إن كان ضرره أقل.و تعين الترجيح إنما يتم فيما لو لم يمكن سقوط القاعدة و لزم العمل بها،كما هو الحال في حرمة الإضرار،فإنه لو دار الأمر بين إضرار شخصين تعين اختيار الأخف ضررا ترجيحا للفرد الآخر لأنه أقوى ملاكا،بحكم العقل.و كذا سائر موارد التزاحم.

أما في المقام فلا محذور في الالتزام بسقوط القاعدة لمنافاة أعمالها للامتنان،و لا ملزم للعمل بها،و حينئذ فيكون الحكم كما لو لم يكن مرجح.

(1)بل هو ضرر في حقه.لكن هذا بالإضافة إلى وجوب دفع الضرر عن الغير،و هو خلاف الفرض،لأن المفروض أن الولاية تقتضي الإضرار بالناس، فالتكليف حينئذ ليس هو وجوب دفع الضرر عن الناس،بل حرمة إضرارهم و التعدي عليهم،و حينئذ فرفع الحكم المذكور بقاعدة نفي الضرر لا وجه له،لمنافاته للامتنان في حقهم.

و كذا رفعه بقاعدة نفي الحرج لأنها أيضا امتنانية.

نعم لو لم يكن امتناعه و تحمله الضرر موجبا لرفع الضرر عنهم لقيام غيره به لم يكن إجراء القاعدة في حقه منافيا للامتنان في حقهم،فيجوز له التولي حينئذ،كما أوضحنا ذلك في شرح كلام المصنف في مبحث الولاية.

(2)هذا اذا لم يكن التضرر بفعل ما ينافي سلطنة الجار على ملكه كما فيما إذا

ص: 322

أموالهم»،و لو عد مطلق حجره عن التصرف في ملكه ضررا (1) ،لم يعتبر في ترجيح المالك ضرر زائد على ترك التصرف فيه،فيرجع إلى عموم التسلط.

و يمكن الرجوع إلى قاعدة(نفي الحرج)،لأن منع المالك لدفع ضرر الغير حرج و ضيق عليه (2) ،إما لحكومته ابتداء على نفي الضرر (3) ،و إما لتعارضهما و الرجوع إلى الأصول (4) .

رفع حائطه،أما إذا كان بفعل ما ينافي سلطنة الجار كتسليط الماء على داره فمقتضى قاعدة السلطنة في حق الجار منعه و حرمته،و لا مجال لرفع اليد عنها بقاعدة نفي الضرر في حق الشخص نفسه لمنافاته للامتنان في حق الجار بعد فرض تضرره.

و بالجملة:بعد سقوط قاعدة نفي الضرر بمنافاة الامتنان يجب الرجوع إلى القاعدة الأولية،و هي قد تكون قاعدة السلطنة في حق الشخص نفسه فتقتضي جواز عمله،و قد تكون قاعدة السلطنة في حق الجار فتقتضي المنع،فتأمل.

ثم إنه بناء على ما سبق من المصنف قدّس سرّه من ملاحظة الترجيح في تعارض ضرر شخصين فاللازم ملاحظته هنا لا إطلاق القول بالتساقط و الرجوع إلى قاعدة السلطنة،كما يظهر منه.

(1)لكنه في غير محله،و لا سيما بملاحظة قصة سمرة،بل قد يكون الحجر مفوتا للنفع لا غير من دون ضرر.

(2)هذا بعمومه غير مسلم،بل يختلف باختلاف أنحاء التصرفات.

(3)لا وجه للحكومة المذكورة بعد كون كل منهما قاعدة امتنانية ثانوية.

بل قد يحتمل ترجح قاعدة نفي الضرر لأقوائية ملاكها عرفا،و إن كان لا يخلو عن خفاء.

(4)لكن الأصول و القواعد العامة قد تقتضي ملاحظة حال الجار.

ص: 323

و لعل هذا أو بعضه منشأ إطلاق جماعة و تصريح آخرين بجواز تصرف المالك في ملكه و إن تضرر الجار،بأن يبني داره مدبغة أو حماما أو بيت القصارة أو الحدادة،بل حكي عن الشيخ و الحلبي و ابن زهرة دعوى الوفاق عليه.

و لعله أيضا منشأ ما في التذكرة:من الفرق بين تصرف الإنسان في الشارع المباح بإخراج روشن أو جناح،و بين تصرفه في ملكه،حيث اعتبر في الأول عدم تضرر الجار بخلاف الثاني،فإن المنع (1) عن التصرف في المباح لا يعد ضررا بل فوات انتفاع.

نعم،ناقش في ذلك صاحب الكفاية-مع الاعتراف بأنه المعروف بين الأصحاب-:بمعارضة عموم التسلط بعموم نفي الضرر،قال في الكفاية:

و يشكل جواز ذلك فيما إذا تضرر الجار تضررا فاحشا،كما إذا حفر في ملكه بالوعة ففسد بها بئر الغير،أو جعل حانوته في صف العطارين حانوت حداد،أو جعل داره مدبغة أو مطبخة،انتهى.

و اعترض عليه-تبعا للرياض-بما حاصله:أنه لا معنى للتأمل بعد (1)بيان لوجه الفرق الذي ذكره في التذكرة.

و حاصله:أن منع التصرف في الملك يعد ضررا فيعارض به ضرر الجار، بخلاف المنع من التصرف في المباح فإنه لا يعد ضررا،بل فوت نفع،فلا يعارض به ضرر الجار.

و قد عرفت الإشكال في عموم كون المنع من التصرف في الملك ضررا.

ص: 324

إطباق الأصحاب عليه-نقلا و تحصيلا-،و الخبر المعمول عليه بل المتواتر:

من أن«الناس مسلطون على أموالهم».

و أخبار الإضرار على ضعف بعضها و عدم تكافؤها لتلك الأدلة، محمولة على ما إذا لم يكن غرض له إلا الإضرار،بل فيها-كخبر سمرة ابن جندب-إيماء إلى ذلك (1) .

سلمنا،لكن التعارض بين الخبرين (2) بالعموم من وجه،و الترجيح للمشهور،للأصل (3) ،و الإجماع (4) ،انتهى.

ثم فصل المعترض بين أقسام التصرف:

بأنه إن قصد به الإضرار من دون أن يترتب عليه جلب نفع أو دفع ضرر،فلا ريب في أنه يمنع،كما دل عليه خبر سمرة بن جندب،حيث قال له النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«إنك رجل مضار».

و أما إذا ترتب عليه نفع أو دفع ضرر و على جاره ضرر يسير،فإنه جائز قطعا (5) .و عليه بنوا جواز رفع الجدار على سطح الجار.

(1)كأنه لقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم-على ما في بعض طرق الرواية-:«ما أراك يا سمرة إلا مضارا...»بناء على تفسير المضار بذلك،كما سبق الكلام فيه.

(2)يعني:خبري السلطنة و الضرر.

(3)كأن المراد به أصالة البراءة من حرمة الإضرار.لكنه-لو تم-لا يقتضي السلطنة له بنحو لا يجوز للجار منعه خارجا،كما لعله يظهر بالتأمل.

(4)هذا لو تم كان دليلا قطعيا مستقلا لا مرجحا للدليل المتقدم.

(5)اللازم التفصيل بين ما إذا كان الفرض منع الضرر و ما إذا كان جلب

ص: 325

و أما إذا كان ضرر الجار كثيرا يتحمل عادة،فإنه جائز على كراهية شديدة (1) .و عليه بنوا كراهية التولي من قبل الجائر لدفع ضرر يصيبه (2) .

و أما إذا كان ضرر الجار كثيرا لا يتحمل عادة لنفع يصيبه،فإنه لا يجوز له ذلك (3) .و عليه بنوا حرمة الاحتكار في مثل ذلك (4) .و عليه النفع،فيجوز في الأول،لقصور قاعدة نفي الضرر،بلحاظ ورودها مورد الامتنان، و يحرم في الثاني،لعدم كون ترتب النفع مانعا من امتنانية القاعدة.

نعم لو فرض عدم صدق الضرر على الجار عرفا لقلته،أو كان ما يترتب عليه منع نفع أو نحوه،جاز مطلقا و لو لم يكن فيه نفع للمالك.و لعل منه رفع الجدار على سطح الجار،خصوصا في الأمكنة المعدة لذلك،كمناطق الدور.فلاحظ.

(1)هذا مما لم يتضح مأخذه،بل اللازم التفصيل على الوجه السابق.

نعم في صورة الجواز قد يترجح الحكم باستحباب الترك أو كراهة الفعل، و يشتد بشدة الضرر الواقع على الجار أو كثرة النفع الذي يمنع منه.فلاحظ.

(2)أشرنا قريبا إلى اختصاص الحكم بما إذا لم يوجب امتناعه دفع الضرر عن الناس،لقيام غيره به،كما هو الغالب،فالمدار على ذلك لا على ما ذكره.

(3)كأنه لتزاحم الضررين و أهمية ضرر الجار.لكن عرفت الإشكال في الترجيح بالأهمية في حق شخصين.

نعم يتجه الحكم في الفرض الذي ذكره،و هو ما إذا كان الفرض ترتب النفع لنفسه لا دفع الضرر عنها،لجريان قاعدة نفي الضرر في حق الجار بلا مزاحم،لكنه يقتضي الحكم بالحرمة بمطلق ضرر الجار و لو كان متحملا إذا كان معتدا به عرفا.

(4)عرفت أن مفاد القاعدة النفي لا تشريع الأحكام الرافعة للضرر،و حينئذ فاستفادة الحرمة منها لا تخلو من إشكال.

ص: 326

بنى جماعة-كالفاضل في التحرير و الشهيد في اللمعة-الضمان إذا أجج نارا بقدر حاجته مع ظنه التعدي إلى الغير (1) .

و أما إذا كان ضرره كثيرا و ضرر جاره كذلك،فإنه يجوز له دفع ضرره و إن تضرر جاره أو أخوه المسلم.و عليه بنوا جواز الولاية من قبل الجائر (2) -إلى أن قال-:

و الحاصل:أن أخبار الإضرار فيما (3) يعد إضرارا معتدا به عرفا و الحال أنه لا ضرر بذلك على المضر،لأن الضرر لا يزال بالضرر (4) ، انتهى.

أقول:الأوفق بالقواعد تقديم المالك (5) ،لأن حجر المالك عن نعم مقتضاها رفع سلطنته على ماله،و ذلك غير حرمة الاحتكار كما أن إثبات السلطنة لغيره محتاج إلى عناية فتأمل.و تمام الكلام في التجارة.

(1)و هو المتعين مطلقا و لو لم يظن التعدي إذا فرض التعدي خارجا.لكن لقاعدة الإتلاف لا لقاعدة الضرر،لعدم تضمنها التشريع،كما ذكرنا.

(2)عرفت الكلام فيها.

(3)لانصراف الضرر إلى ذلك،بل لعله لا يصدق على غيره.فتأمل.

(4)كأنه إشارة إلى ما ذكرناه من كون القاعدة امتنانية،و إجراؤها في حق شخص مع لزوم الضرر على غيره خلاف الامتنان.

لكنه لا يقتضي جواز إضرار الغير بفعل ما لا يجوز فعله ممّا ينافي حرمة ما له أو دمه أو عرضه و غيرها مما لا يجوز فعله مع قطع النظر عن القاعدة،كما نبهنا إليه في الولاية من قبل الجائر.

(5)عرفت الإشكال فيه،كما عرفت الإشكال في الرجوع إلى قاعدة نفي

ص: 327

التصرف في ماله ضرر يعارض ضرر الغير،فيرجع إلى عموم قاعدة «السلطنة»و«نفي الحرج».نعم،في الصورة الأولى التي يقصد المالك مجرد الإضرار من غير غرض في التصرف يعتد به،لا يعد فواته ضررا.

و الظاهر:عدم الفرق بين كون ضرر المالك بترك التصرف أشد من ضرر الغير أو أقل،إما لعدم ثبوت الترجيح بقلة الضرر كما سيجيء (1) ، و إما لحكومة (2) نفي الحرج على نفي الضرر،فإن تحمل (3) الغير على الضرر و لو يسيرا لأجل دفع الضرر عن الغير و لو كثيرا،حرج و ضيق.

و لذا اتفقوا على أنه يجوز للمكره الإضرار بما دون القتل لأجل دفع الضرر عن نفسه و لو كان أقل من ضرر الغير (4) .

هذا كله في تعارض ضرر المالك و ضرر الغير.

و أما في غير ذلك (5) ،فهل يرجع ابتداء إلى القواعد الأخر أو بعد الحرج،و كذا دعوى حكومتها.

(1)لم يتضح مراده بما سيجيء.

نعم سبق منا توجيه ما ذكره قدّس سرّه في أدلة الكلام في تعارض الضررين.

(2)عرفت الإشكال في جريانها لأنها امتنانية فضلا عن حكومتها.

(3)بيان لوجه لزوم الحرج،و قد عرفت الإشكال فيه.

(4)عرفت الإشكال فيه.نعم لا يجب عليه دفع الضرر عن الغير بتحمل الضرر.

(5)كما في تعارض ضرر أحد المالكين،و اللازم التفصيل بين ما إذا كان أحدهما يريد القيام بالتصرف الدافع لضرره،و ما إذا تصدى الحاكم لذلك بعد تشاحهما و ترافعهما إليه.

ص: 328

الترجيح بقلة الضرر؟وجهان،بل قولان.

يظهر الترجيح من بعض الكلمات المحكية عن التذكرة و بعض موارد الدروس،و رجحه غير واحد من المعاصرين.

و يمكن أن ينزل عليه ما عن المشهور:من أنه لو أدخلت الدابة رأسها في القدر بغير تفريط من أحد المالكين،و كسرت (1) القدر ضمن ففي الأول يتعين جريان ما سبق من سقوط القاعدة بتزاحم الضررين و عدم الترجيح بالأهمية ثم الرجوع إلى القواعد الأولية المقتضية لجواز التصرف تارة و لعدمه أخرى،مع الضمان لو فرض تحقق سببه من إتلاف أو نحوه.

و في الثاني يعمل الحاكم بوظيفته،و لا ينبغي الإشكال في اقتصاره من الإضرار على ما لا بد منه مع اختيار أخف الضررين عند التزاحم،لأقوائية ملاك الآخر،و مع التساوي لا يبعد الإقراع مع تشاحهما،كما لا يبعد البناء على تقسيط الضرر المالي عليهما إذا كان ناشئا من فعل ما يرفع ضررهما،مثلا إذا كان بقاء الدابة في الدار مضرا بمالكيهما،و دار الأمر بين ذبحها و قلع الباب،و كان كلاهما موجبا للإضرار المالي بمالكه،لم يبعد البناء على الاقراع،لأنها لكل أمر مشكل،و ما خرجت عليه القرعة يقسط ضرره المالي عليهما،بخلاف ما لو لم يكن البقاء مضرا إلا بأحد المالكين،فإنه يتحمل الضرر المالي خاصة.

هذا مع ملاحظة ما إذا كان السبب في تحقق الأمر الموجب للضرر-كدخول الدابة في الدار-هو أحدهما أو كلاهما،أو أمر ثالث كالغاصب و نحوه،فيختص تحمل الضرر بالمسبب و للكلام مقام آخر.فلاحظ.و اللّه سبحانه العالم.

(1)بالبناء للمفعول،يعني:لو كسرت القدر في مقام تخليص الدابة،لا أن الدابة هي التي كسرتها.

ص: 329

قيمته صاحب الدابة،معللا بأن الكسر لمصلحته (1) .

فيحمل إطلاق كلامهم على الغالب:من أن ما يدخل من الضرر على مالك الدابة إذا حكم عليه بتلف الدابة و أخذ قيمتها،أكثر مما يدخل على صاحب القدر بتلفه و أخذ قيمته (2) .و بعبارة اخرى:تلف إحدى العينين و تبدلها بالقيمة أهون من تلف الأخرى.

و حينئذ (3) :فلا يبقى مجال للاعتراض (4) على تعليل الحكم بكونه لمصلحة صاحب الدابة (5) ،بما في المسالك:من أنه قد يكون المصلحة لصاحب القدر فقط (6) ،و قد يكون المصلحة مشتركة بينهما.

(1)هذا وحده لا يجدي ما لم يكن هو المتلف،أو يصطلحان على ذلك،أو بحكم الحاكم.

(2)هذا غير ظاهر بعد فرض عدم الخسارة المالية في حق كل منهما،و تعلق الفرض الشخصي بالعين مشترك بينهما.

و قد أشرنا إلى ما ينبغي للحاكم فعله مع التشاح.

كما أشرنا إلى أنه لا مجال لتحمل أحدهما للخسارة المالية،بل لا بد من تقسيطها عليهما مع عدم اختصاص أحدهما بالتسبيب،أو بالضرر من بقاء الدابة.

(3)يعني:حين فرض الغلبة المذكورة.

(4)الوجه في عدم صحه الاعتراض حينئذ أن حكم المشهور إذا كان مبنيا على الغلبة المذكورة فإذا فرض كون الأمر على خلاف مقتضى الغلبة-كما فرضه في المسالك-فلا حكم للمشهور بما سبق حتى يتوجه عليهم الإشكال.

(5)متعلق بقوله:«الاعتراض».

(6)لا يتصور كون كسر القدر لمصلحة صاحبه.

ص: 330

و كذلك حكمهم بضمان صاحب الدابة إذا دخلت في دار لا تخرج إلا بهدمها معللا بأنه لمصلحة صاحب الدابة،فإن الغالب (1) أن تدارك المهدوم أهون من تدارك الدابة (2) .و به نستعين و منه نستمد.

نعم إذا أمكن إصلاحه بعد كسره و كان بقاؤه في رأس الدابة ضررا و لو لعدم إمكان الانتفاع به أصلا كان الكسر في مصلحته لكنه خلاف فرض تلفه بالكسر الذي فرض كونه موجبا للضمان.

(1)تعليل للحكم بالضمان.لكن عرفت أن هذا-لو تم-إنما يصلح تعليلا لترجيح الهدم مع الضمان إتلاف الدابة معه،لا لتعليل الضمان.

(2)ممّا سبق تعرف الإشكال فيه.

و إشكال المسالك هنا متجه لإمكان كون تهديم الدار لتخليصها من الدابة من صالح صاحب الدار.

و الظاهر أن عمدة الإشكال ليس في تعيين المتلف مع ضمانه لصاحبه،بل في تعيين المضمون،لأنه خسارة على الضامن،فكل منهما لا يرضى بها.

و الظاهر ما ذكرنا من لزوم التقسيط.

و كيف كان فجميع ذلك أجنبي عن قاعدة نفي الضرر،لعدم جريانها مع تزاحم الضررين،و لا لتشريع الأحكام التي يتدارك بها الضرر،بل المرجع هي القواعد و الأصول الأخر.فلاحظ.

و اللّه سبحانه و تعالى العالم العاصم.و له الحمد وحده و الصلاة و السلام على رسوله الأمين و آله الغرّ الميامين.

انتهى الكلام هنا في الثاني عشر من شهر جمادى الثانية سنة ألف و ثلاثمائة و سبع و ثمانين للهجرة في النجف الأشرف بقلم العبد الفقير محمد سعيد الطباطبائي الحكيم عفي عنه.

ص: 331

كما انتهى تبييضه من أول مبحث الشبهة الوجوبية المحصورة إلى هنا في ليلة الثلاثاء الرابع عشر من شهر ذي القعدة الحرام سنة ألف و ثلاثمائة و تسعين للهجرة بقلم مؤلفه الفقير و الحمد للّه في البدء و الختام،و به الاعتصام،و الصلاة و السلام على محمد و آله الكرام.

ص: 332

المحتويات

المطلب الثاني في اشتباه الواجب بغير الحرام

و هو على قسمين:

القسم الأول:فيما إذا دار الأمر في الواجب بين المتباينين و فيه مسائل:

المسألة الأولى:اشتباه الواجب بغيره من جهة فقدان النص 8

الظاهر حرمة المخالفة القطعية و الدليل عليه 8

الأقوى وجوب الموافقة القطعية و الدليل عليه 9

عدم كون الجهل التفصيلي عذرا لا عقلا و لا نقلا 9

دلالة بعض الأخبار على وجوب الاحتياط في المسألة 12

العلم الإجمالي كالتفصيلي علة تامة لتنجز التكليف بالمعلوم 13

عدم جواز التمسك في المسألة بأدلة البراءة 14

كلام المحقق القمي قدّس سرّه في عدم وجوب الاحتياط في المسألة 16

ظاهر بعض كلمات المحقق الخوانساري قدّس سرّه عدم وجوب الاحتياط أيضا 18

المناقشة في كلمات المحقق القمي قدّس سرّه 20

إذا سقط قصد التعيين فبأيهما ينوي الوجوب و القربة؟25

توهم أن الجمع بين المحتملين مستلزم لإتيان غير الواجب على جهة العبادة 27

ص: 333

اندفاع التوهم 27

معنى نية الفعل 30

هل يمكن إثبات الوجوب الشرعي المصحح لنية الوجه و القربة؟32

المسألة الثانية:اشتباه الواجب بغيره من جهة إجمال النص 36

مختار المصنف قدّس سرّه في المسألة 37

المخالف في المسألة 38

كلام المحقق الخوانساري قدّس سرّه في المسألة 39

عدم ظهور الكلام المذكور في موافقة المختار 39

المسألة الثالثة:اشتباه الواجب بغيره لتكافؤ النصين 41

المسألة الرابعة:اشتباه الواجب بغيره من جهة اشتباه الموضوع 42

الأقوى وجوب الاحتياط 42

المخالف في المسألة هو المحقق القمي قدّس سرّه 42

تأييد القول المختار 43

لو كان الاشتباه الموضوعي في شرط من شروط الواجب 45

دعوى سقوط الشرط المجهول لوجهين 46

المناقشة في الوجه الأول 47

المناقشة في الوجه الثاني 47

كيفية النية في الصلوات المتعددة في مسألة اشتباه القبلة و نحوها 50

وجوب كل من المحتملات عقلي لا شرعي 52

لو انكشفت مطابقة المأتي به للواقع قبل فعل الباقي 54

لو كانت محتملات الواجب غير محصورة 55

هل يشترط في الامتثال الإجمالي عدم التمكن من الامتثال التفصيلي؟58

لو قدر على العلم التفصيلي من بعض الجهات و عجز عنه من جهة أخرى 59

لو كان الواجب المشتبه أمرين مترتبين شرعا 60

إذا تحقق الأمر بأحدهما في الوقت المختص 63

ص: 334

القسم الثاني:فيما إذا دار الأمر في الواجب بين الأقل و الأكثر

و هو على قسمين:

القسم الأول:الشك في الجزء الخارجي و فيه مسائل:

الجزء المشكوك إما جزء خارجي و إما جزء ذهني و هو القيد 65

المسألة الأولى:الشك في الجزئية من جهة فقدان النص 66

المشهور إجراء أصالة البراءة في المسألة 66

المختار جريان البراءة 67

الاستدلال عليه من العقل 67

قبح المؤاخذة إذا عجز العبد عن تحصيل العلم بجزء 68

عدم ابتناء مسألة البراءة و الاحتياط على مسألة اللطف 69

اللطف إنما هو في الإتيان على وجه الامتثال 71

الجهل مانع عقلي عن توجه التكليف بالجزء المشكوك 73

عدم جريان الدليل العقلي المتقدم في المتباينين فيما نحن فيه 73

عدم معذورية الجاهل المقصر 75

العلم الإجمالي فيما نحن فيه غير مؤثر في وجوب الاحتياط 76

التمسك بأصالة عدم وجوب الأكثر في المسألة 77

المناقشة في هذا الأصل 77

سائر ما يتمسك به لوجوب الاحتياط في المسألة 79

المناقشة فيما يتمسك به 79

كيف تقصد القربة بإتيان الأقل؟83

الاستدلال بالأخبار على البراءة في المسألة:

الاستدلال بحديث الحجب 84

الاستدلال بحديث الرفع 84

عدم الفرق في أخبار البراءة بين الشك في الوجوب النفسي أو في الوجوب الغيري 85

ص: 335

حكومة أخبار البراءة على الدليل العقلي المتقدم لوجوب الاحتياط 86

كلام صاحب الفصول في حكومة أدلة الاحتياط على أخبار البراءة في المسألة 88

المناقشة فيما أفاده صاحب الفصول 88

حكومة أخبار البراءة على استصحاب الاشتغال أيضا 90

استدلال صاحب الفصول بأخبار البراءة على نفي الحكم الوضعي 91

كلام صاحب الفصول 92

المناقشة في كلام صاحب الفصول 92

أصول أخر قد يتمسك بها على المختار و المناقشة فيها:

أصالة عدم وجوب الأكثر 96

أصالة عدم وجوب الشيء المشكوك في جزئيته 96

أصالة عدم جزئية الشيء المشكوك 98

إذا شك في الجزئية عند اختراع المركب 99

التمسك بأصالة عدم التفات الآمر إلى الجزء المشكوك،و المناقشة فيه 100

المسألة الثانية:الشك في الجزئية من جهة إجمال النص 102

الإجمال قد يكون في المعنى العرفي و قد يكون في المعنى الشرعي 102

الأقوى جريان أصالة البراءة أيضا 103

تخيل جريان قاعدة الاشتغال في المسألة 103

دفع التخيل المذكور 103

عدم تعلق التكليف بمفهوم المراد من اللفظ بل بمصداقه 104

توهم و دفع 106

ما ذكره بعض من الثمرة بين الصحيحي و الأعمّي 106

عدم كون الثمرة وجوب الاحتياط بناء على الصحيحي 107

توضيح ما ذكروه ثمرة للصحيحي و الأعمّي 107

عدم كون الثمرة البراءة بناء على الأعمّي 111

ما ينبغي أن يقال في ثمرة الخلاف بين الصحيحي و الأعمّي 114

ص: 336

المسألة الثالثة:الشك في الجزئية من جهة تعارض النصين 116

مقتضى إطلاق أكثر الأصحاب ثبوت التخيير 116

موضوع المسألة 117

المتعارضان مع وجود المطلق 118

الفرق بين أصالة الإطلاق و سائر الأصول العقلية و النقلية 119

الكلام في حكومة أخبار التخيير على أصالة الإطلاق 120

المسألة الرابعة:الشك في الجزئية من جهة اشتباه الموضوع 121

اللازم في المسألة الاحتياط 121

عدم جريان أدلة البراءة في المسألة 122

الفرق بين المسألة و المسائل المتقدمة من الشبهة الحكمية 122

الشك في القيد 124

القيد يكون منشؤه مغايرا للمقيد و قد يكون قيدا متحدا معه 124

الظاهر اتحاد حكمهما 124

قد يفرق بين القسمين بإلحاق الأول بالشك في الجزئية دون الثاني 124

كلام المحقق القمي قدّس سرّه في وجوب الاحتياط في القسم الثاني 126

المناقشة فيما ذكر من الفرق بين القسمين 127

المناقشة في كلام المحقق القمي قدّس سرّه 128

مسألة دوران الأمر بين التخيير و التعيين 129

الأقوى وجوب الاحتياط 130

الشك في المانعية 130

الشك في القاطعية 130

إذا كان الشك في الجزئية أو الشرطية ناشئا عن الشك في حكم تكليفي نفسي 131

الشك في الركنية 133

الركن في اصطلاح الفقهاء 133

حكم الإخلال بالجزء نقيصة و زيادة 134

ص: 337

القسم الثاني:الشك في الجزء الذهني

و فيه مسائل:

المسألة الأولى:هل تبطل العبادة بترك الجزء سهوا؟136

الأصل البطلان و الدليل عليه 136

عدم كون هذه المسألة من مسألة الإجزاء 140

توهم آخر و دفعه 141

التمسك في المسألة باستصحاب الصحة و المناقشة فيه 145

توهم أصل ثانوي في المسألة من جهة حديث الرفع 145

المناقشة في التمسك بحديث الرفع 145

إمكان دعوى أصل ثانوي في خصوص الصلاة 147

المسألة الثانية:هل تبطل العبادة بزيادة الجزء عمدا؟149

موضوع المسألة 149

أقسام الزيادة العمدية:

قصد كون الزائد جزءا مستقلا 150

قصد كون مجموع الزائد و المزيد عليه جزءا واحدا 151

أن يأتي بالزائد بدلا عن المزيد 151

بطلان العبادة في القسم الأول 151

عدم البطلان في القسمين الأخيرين 152

استدلال المحقق قدّس سرّه على البطلان و المناقشة فيه 153

الاستدلال على الصحة باستصحاب الصحة 153

المناقشة في استصحاب الصحة 153

عدم الحاجة إلى استصحاب صحة الأجزاء السابقة 156

صحة الاستصحاب إذا شك في القاطعية 158

الفرق بين الشك في المانعية و القاطعية 158

كلام صاحب الفصول في رد استصحاب الصحة 159

ص: 338

المناقشة فيما أفاده صاحب الفصول 159

الكلام في الاستصحاب إذا شك في القاطعية 160

دفع الإشكال 160

الاستدلال على الصحة بقوله تعالى: لاٰ تُبْطِلُوا أَعْمٰالَكُمْ 163

المناقشة في الاستدلال 163

معاني حرمة إبطال العمل 163

الاستدلال على الصحة باستصحاب حرمة القطع و المناقشة فيه 169

الاستدلال على الصحة باستصحاب وجوب الإتمام و المناقشة فيه 170

الجواب عن الاستصحابين بوجه آخر 170

المناقشة في هذا الجواب 171

الدليل الخاص على مبطلية الزيادة في بعض العبادات 173

ما ورد في الصلاة 173

ما ورد في الطواف 174

المسألة الثالثة:هل تبطل العبادة بزيادة الجزء سهوا؟175

الأقوى البطلان 175

الأصل في الجزء أن يكون نقصه مخلا دون زيادته 175

ملخص ما ذكرنا في هذا التنبيه 176

مقتضى الأصول 176

مقتضى القواعد الحاكمة على الأصول 177

هل يسقط التكليف بالكل أو المشروط إذا تعذر الجزء أو الشرط،أم لا؟180

القول بالسقوط و دليله 180

القول بعدم السقوط و دليله 183

الاستدلال على هذا القول بثلاثة روايات أيضا 186

الإشكال في دلالة الرواية الأولى و دفعه 187

الإشكال في دلالة الرواية الثانية 189

ص: 339

دفع الإشكال 190

الإشكال في دلالة الرواية الثالثة 193

دفع الإشكال 194

تمامية الاستدلال بهذه الروايات 196

الأصل في الشروط ما مرّ في الأجزاء 197

عدم جريان القاعدة المستفادة من الروايات في الشروط 197

جريان القاعدة في بعض الشروط 198

النظر فيما ذكره صاحب الرياض 199

الاستدلال برواية عبد الأعلى على عدم سقوط المشروط بتعذر شرطه 202

لو دار الأمر بين ترك الجزء و ترك الشرط 203

لو جعل الشارع للكل بدلا اضطراريا 204

لو دار الأمر بين الشرطية و الجزئية 206

لو دار الأمر بين كون الشيء شرطا أو مانعا أو بين كونه جزءا أو زيادة مبطلة 207

وجهان في المسألة 207

وجوب الاحتياط و الدليل عليه 211

التحقيق في المسألة 212

المطلب الثالث في اشتباه الواجب بالحرام

حكم المسألة 214

خاتمة فيما يعتبر في العمل بالأصل

الكلام في مقامين:

المقام الأول:ما يعتبر في العمل بالاحتياط

لا يعتبر في الاحتياط إلا إحراز الواقع 215

المشهور عدم تحقق الاحتياط في العبادات إلا بعد الفحص 216

ص: 340

المشهور بطلان عبادة تارك طريقي الاجتهاد و التقليد 217

لو كان التارك للطريقين بانيا على الاحتياط 217

الأقوى الصحة إذا لم يتوقف الاحتياط على التكرار 218

الأحوط عد الاكتفاء بالاحتياط 220

لو توقف الاحتياط على التكرار 221

قوة احتمال اعتبار الإطاعة التفصيلية دون الاحتمالية 221

لو دخل في العبادة بنية الجزم ثم اتفق ما يوجب تردده في الصحة و البطلان 224

إمكان التفصيل بين كون الموجب للتردد مما يعم به البلوى و غيره 225

المقام الثاني:ما يعتبر في العمل بالبراءة

عدم اعتبار الفحص في الشبهة الموضوعية 226

أدلة وجوب الفحص:

الإجماع 227

ما دلّ على وجوب تحصيل العلم 227

ما دلّ على مؤاخذة الجهّال 228

العقل 229

العلم الإجمالي 230

المناقشة في العلم الإجمالي 230

الأولى ما ذكر في الوجه الرابع 233

الأخذ بالبراءة مع ترك الفحص 234

المشهور أن عقاب الجاهل المقصر على مخالفة الواقع 234

عدم العقاب مع عدم مخالفة الواقع 234

الاستدلال على العقاب عند مخالفة الواقع 235

عدم كون الجهل مانعا من العقاب لا عقلا و لا شرعا 236

الاستدلال على العقاب بالإجماع على مؤاخذة الكفار على الفروع و المناقشة فيه 237

جعل العقاب على ترك التعلم في كلام صاحب المدارك 237

ص: 341

توجيه كلام صاحب المدارك 238

ما هو مراد المشهور القائلين بالعقاب على مخالفة الواقع؟239

ظاهر بعض كلماتهم توجه النهي إلى الجاهل حين غفلته 240

الفرق بين جاهل الحكم و جاهل الموضوع 242

مما يؤيد مراد المشهور 243

عدم إباء كلام صاحب المدارك عن كون العلم واجبا نفسيا 243

ظاهر أدلة وجوب العلم كونه واجبا غيريا 244

هل العمل الصادر من الجاهل صحيح أو فاسد؟245

المشهور أن العبرة في المعاملات بمطابقة الواقع و مخالفته 245

عدم الخلاف في المسألة إلا من الفاضل النراقي قدّس سرّه 246

كلام الفاضل النراقي قدّس سرّه 246

المناقشة فيما أفاده الفاضل النراقي قدّس سرّه 250

محصل ما ذكرنا 253

عدم الفرق في صحة معاملة الجاهل بين شكّه في الصحة حين صدورها أو قطعه بفسادها 254

إذا أوقع الجاهل عبادة عمل فيها بما تقتضيه البراءة 255

عدم تحقق قصد القربة مع الشك في كون العمل مقربا 255

إذا كان غافلا و عمل باعتقاد التقرب 256

هل العبرة في عقاب الجاهل بمخالفة الواقع أو الطريق؟259

في المسألة وجوه أربعة:

دليل الوجه الأول 259

دليل الوجه الثاني 260

دليل الوجه الثالث 260

دليل الوجه الرابع 261

الأقوى الوجه الأول و الدليل على ذلك 262

ص: 342

معذورية الجاهل بالقصر و الإتمام و الجهر و الإخفات 266

دفع الإشكال من وجوه:

الوجه الأول 268

الوجه الثاني 270

الوجه الثالث 271

عدم وجوب الفحص في الشبهة الموضوعية التحريمية 275

هل يجب الفحص في الشبهة الموضوعية الوجوبية؟276

بناء العقلاء في بعض الموارد على الفحص 276

كلام صاحب المعالم في وجوب الفحص في خبر مجهول الحال 276

كلام المحقق القمي قدّس سرّه تأييدا لصاحب المعالم 277

اختلاف كلمات الفقهاء في فروع المسألة 277

المناقشة فيما ذكره صاحب المعالم و المحقق القمي قدّس سرّهما 279

ما يمكن أن يقال في المسألة 281

رجوع إلى مناقشة المحقق القمي قدّس سرّه 283

حدّ الفحص هو اليأس 284

تذنيب

شرطان آخران ذكرهما الفاضل التوني لأصل البراءة:

الأول:أن لا يكون موجبا لثبوت حكم آخر 287

توضيح المقام و مناقشة كلام الفاضل التوني قدّس سرّه 288

إذا أريد بإعمال الأصل إثبات موضوع لحكم شرعي 289

إذا أريد بإعمال الأصل نفي أحد الحكمين و إثبات الآخر 291

إذا أريد مجرد نفي أحد الحكمين 291

سقوط العمل بكل أصل لأجل المعارض 292

عدم الفرق بين أصالة عدم بلوغ الملاقي للنجاسة كرّا و أصالة البراءة من الدّين 292

مورد الشك في البلوغ كرّا 293

ص: 343

أصالة عدم تقدم الكرية على الملاقاة 294

تفصيل صاحب الفصول في مسألة الكرية و الملاقاة 295

المناقشة فيما أفاده صاحب الفصول 296

الثاني:عدم تضرر آخر 298

المناقشة فيما ذكره الفاضل التوني قدّس سرّه 299

قاعدة لا ضرر و لا ضرار

دعوى فخر الدين قدّس سرّه تواتر الأخبار بنفي الضرر و الضرار 301

الرواية المتضمنة لقضية سمرة بن جندب 301

معنى(الضرر)و(الضرار)302

معاني«لا ضرر و لا ضرار»في الرواية:

عدم تشريع الضرر 305

حمل النفي على النهي 309

الأظهر المعنى الأول 309

حكومة هذه القاعدة على عمومات تشريع الأحكام الضررية 310

المراد من(الحكومة)311

توهم أن الضرر يتدارك بمصلحة الحكم الضرري المجعول 314

فساد هذا التوهم 314

دفع التوهم بوجه آخر 314

فساد هذا الدفع 315

تمامية القاعدة سندا و دلالة 316

وهن القاعدة بكثرة التخصيصات 316

الجواب عن هذا الوهن 319

وجه التمسك بكثير من العمومات مع خروج أكثر أفرادها 319

الضرر المنفي هو الضرر النوعي لا الشخصي 320

تعارض الضررين 321

ص: 344

تعارض ضرر المالك و ضرر الغير 322

جواز تصرف المالك و إن تضرر الجار 324

إشكال المحقق السبزواري فيما إذا تضرر الجار ضررا فاحشا 324

اعتراض السيد العاملي على المحقق السبزواري قدّس سرّهما 324

كلام السيد العاملي قدّس سرّه 325

الأوفق بالقواعد تقديم المالك 327

عدم الفرق بين كون ضرر المالك أشد من ضرر الغير أو أقل 328

تعارض ضرر المالكين 328

المحتويات 333

ص: 345

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.