التنقیح المجلد 2

هویة الکتاب

التنقیح

تلخيص: طباطبایي الحکیم، محمد سعید

تتميم: طباطبایي الحکیم، محمد سعید

مؤلفين آخرين

كاتب: انصاری، مرتضی بن محمدامین

عدد المجلدات: 6

لسان: العربية

الناشر: موسسة الحکمة الثقافة الاسلامية - بیروت - لبنان

سنة النشر: 1431 هجری قمری|2010 میلادی

رمز الكونغرس: BP 159 /الف 9 ف 4026

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

ص: 3

ص: 4

الجزء الثاني

البحث في حجية مطلق الظن

اشارة

فلنشرع في الأدلة التي أقاموها على حجية الظن من غير خصوصية للخبر يقتضيها نفس الدليل،و إن اقتضاها أمر آخر،و هو كون الخبر مطلقا أو خصوص قسم منه متيقن الثبوت من ذلك الدليل إذا فرض أنه (1) لا يثبت إلا الظن في الجملة و لا يثبته كلية (2) ،و هي أربعة:

الوجه الأول:وجوب دفع الضرر المظنون

اشارة

الأول:أن في مخالفة المجتهد لما ظنه من الحكم الوجوبي أو التحريمي مظنة للضرر،و دفع الضرر المظنون لازم.

أما الصغرى فلأن الظن بالوجوب ظن باستحقاق العقاب على الترك،كما أن الظن بالحرمة ظن باستحقاق العقاب على الفعل أو لأن الظن (1)يعني:الدليل العقلي الذي أقيم على حجيّة الظن.

(2)يعني:فتكون النتيجة حينئذ مهملة يقتصر فيها على المتيقن.و يأتي توضيح ذلك في التنبيه الثاني من تنبيهات دليل الانسداد،و لم يتعرض قدّس سرّه له في بقية الوجوه العقلية المقتضية لحجية الظن.

و الظاهر أن الوجهين الأولين يقتضيان حجية الظن بنحو القضية الكلية،و لا خصوصية فيهما للخبر بوجه.و أما الوجه الثالث فهو ملحق بدليل الانسداد فيجري فيه ما يجري فيه.

ص: 5

بالوجوب ظن بوجود المفسدة في الترك،كما أن الظن بالحرمة ظن بالمفسدة في الفعل،بناء على قول العدلية بتبعية الأحكام للمصالح و المفاسد.و قد جعل في النهاية كلا من الضررين دليلا مستقلا على المطلب.

و أجيب عنه بوجوه:

جواب الحاجبي عن هذا الوجه

أحدها:ما عن الحاجبي-و تبعه غيره-من منع الكبرى،و أن دفع الضرر المظنون إذا قلنا بالتحسين و التقبيح العقليين احتياط مستحسن،لا واجب (1) .

المناقشة في هذا الجواب

و هو فاسد،لأن الحكم المذكور حكم إلزامي أطبق العقلاء على الالتزام به في جميع أمورهم و ذم من خالفه (2) ،و لذا استدل به المتكلمون (1)لو تم هذا فإن أريد به أن الاحتمال مؤمن من الضرر مطلقا حتى لو صادف الواقع،و أن الضرر الواقعي لا يترتب إلاّ مع القطع به،فهو قطعي الخلاف.

أما في الأضرار التكوينية-و منها الفاسد هنا-فلوضوح تبعيتها لمسبباتها الواقعية تبعية المعلول لعلته،و أما في الأضرار الشرعيّة-كالعقاب-فارتفاعها موقوف على ثبوت معذرية الجهل-الذي سيأتي من المصنف قدّس سرّه-و لولاه فالمتعين ترتبه.

مع أنه يرجع إلى منع الصغرى لا الكبرى.

و إن أريد أن الضرر و إن كان تابعا لواقعه في الترتب،إلا أنه لا يجب دفعه مع الاحتمال أو الظن،بل يحسن لا غير فذلك لا يجدي في حق من يطلب لنفسه الأمان.

و منه يظهر الحال بناء على عدم التحسين و التقبيح العقليين،فإن عدمهما لا ينافي إدراك الخطر المستوجب للتوقي و إن لم يكن واجبا أو حسنا عقلا،فلا أثر لحكم العقل في المقام في حق من يريد لنفسه الأمان.

(2)المراد من الذم هنا ليس انتقاص الشخص و نحوه ممّا يحكم به العقلاء مع

ص: 6

في وجوب شكر المنعم (1) الذي هو مبنى وجوب معرفة اللّه تعالى (2) و لو لاه لم يثبت وجوب النظر في المعجزة (3) و لم يكن للّه على غير الناظر حجة.

و لذا خصوا النزاع في الحظر و الإباحة في غير المستقلات العقلية بما كان مشتملا على منفعة و خاليا عن أمارة المفسدة،فإن هذا التقييد يكشف عن أن ما فيه أمارة المضرة لا نزاع في قبحه (4) .بل الأقوى-كما صرح به الشيخ في العدة في مسألة الإباحة و الحظر،و السيد في الغنية-وجوب دفع الضرر المحتمل (5) مثل الظلم و التعدّي و الخيانة،بل محض لومه لعدم محافظته على نفسه و دفع الخطر عنها مع التمكن فاللوم في المقام كاشف عن تقصير المكلف بنظر العقلاء،لا عن تمرده على القيم الخلقية أو نحوه،و قد عرفت أن عدم ثبوت هذا لا يضر فيما نحن فيه،لأنه يكفي الكلام في حق الشخص الذي يطلب لنفسه الأمان و يدفع عنها الخطر.

(1)فقد ذكروا أنه يجب شكر المنعم،لأن تركه تعرض لزوال النعمة،و هو راجع إلى تعليل وجوب الشكر بأن فيه دفعا لضرر الحرمان المتوقع.

(2)لأن معرفة المنعم مقدمة لشكره،و لا يمكن شكره بدونها.

(3)وجوب النظر إنما هو لكونه دفعا للخطر،بناء على ما سبق من تبعية العقاب لسببه الواقعي مع عدم المؤمن-لعدم صلوح الجهل في المقام للمعذرية بعد كونه تقصيريا-و لا حاجة إلى إثبات وجوب دفع الضرر المحتمل عقلا،بل يكفي سلطنة المولى على العقاب مع الجهل المذكور لعدم كونه عذرا.

(4)يعني:فهو معلوم الحظر خارج عن النزاع المذكور.فتأمل.

(5)و إن كان احتماله ضعيفا إذا كان للضرر أهمية تقتضي شدة الحذر منه كالأضرار الأخروية.لدخوله في الملاك المتقدم.

ص: 7

و ببالي أنه تمسك في العدة (1) بعد العقل بقوله تعالى وَ لاٰ تُلْقُوا... (2) .

ثم إن ما ذكره من ابتناء الكبرى على التحسين و التقبيح العقليين غير ظاهر،لأن تحريم تعريض النفس للمهالك و المضار الدنيوية و الأخروية ممّا دلّ عليه الكتاب و السنة (3) ،مثل التعليل في آية النبأ (4) .و قوله تعالى:

(1)يأتي إن شاء اللّه تعالى في المسألة الرابعة في الشبهة التحريمية من مبحث الشك في المكلف به أن الشيخ قدّس سرّه استدلّ بالآية الشريفة على دفع أصالة الإباحة.

(2)دلالة الآية الكريمة على التحريم لا تخلو من إشكال،لاحتمال أن يراد منها معنى غير إتلاف النفس،كما يظهر بمراجعة التفاسير.

على أنه لو تم مختص بإتلاف النفس و لا يعم كل ضرر.

مع أنه مختص بالهلكة الواقعية،و لا يعم الاحتمال.إلا أن يراد بالتهلكة الضياع لا التلف،فيحمل على ما يعم الخطر.فراجع تفسير الآية و تأمل.

(3)أما إتلاف النفس فالأمر فيه واضح،و كذا إتلاف الطرف و نحوه ممّا دلّ عليه الأدلّة الخاصّة.و كذا الهتك و المهانة في الجملة.

و أما ما عدا ذلك من الأضرار و الآلام الدنيويّة فلا دليل ظاهري على حرمتها مولويا مع العلم فضلا عن الاحتمال.

و كذا الأضرار الأخروية الناشئة من مخالفة التكاليف،فإن الظاهر عدم حرمتها مولويا بل النواهي الواردة من الشارع الأقدس محمولة على الإرشاد،كما يذكر في محله.

نعم الأدلة الإرشاديّة ظاهرة في المفروغية عن لزوم دفع الضرر عقلا.و هو أمر آخر.

(4)التعليل مختص بالاضرار بالآخرين،و لا يعم إضرار الانسان بنفسه أو تعريضها للضرر.

ص: 8

وَ لاٰ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (1) و قوله: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخٰالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ (2) ،بناء على أن المراد العذاب و الفتنة الدنيوية (3) .و قوله تعالى: وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لاٰ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً و قوله تعالى: وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّٰهُ نَفْسَهُ و قوله: أَ فَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئٰاتِ إلى غير ذلك.

نعم التمسك في سند الكبرى بالأدلة الشرعية يخرج الدليل المذكور عن الأدلة العقلية.لكن الظاهر أن مراد الحاجبي منع أصل الكبرى،لا مجرد منع استقلال العقل بلزومه،و لا يبعد عن الحاجبي أن يشتبه عليه حكم العقل الإلزامي بغيره بعد أن اشتبه عليه أصل حكم العقل بالحسن و القبح،و المكابرة في الأول ليس بأعظم منها في الثاني.

جواب آخر عن هذا الوجه

ثانيها:ما يظهر من العدة و الغنية و غيرهما من أن الحكم المذكور و أما ما يظهر منه من النهي عن الوقوع في الندم،فهو محمول على الإرشاد إلى ضرره و وخيم عاقبته،لا على تحريم الضرر المذكور مولويا.

(1)عرفت الكلام فيه.

(2)لكن الظاهر أنه محمول على الإرشاد،و لذا لا يحتمل تعدد العقاب بمخالفة التكليف الشرعي و بالوقوع في الضرر المذكور.و كذا الحال فيما بعده.

(3)أما لو أريد به الضرر الأخروي فهو محمول على الإرشاد بلا إشكال، كما عرفت.

لكنه لا يناسب ما ذكره المصنف قدّس سرّه في صدر كلامه من تحريم الوقوع في الأضرار الأخروية كالدنيوية.فكلامه لا يخلو عن تدافع.و أما بقية الآيات فهي ظاهرة في الارشاد.

ص: 9

مختص بالأمور الدنيوية،فلا يجري في الأخروية مثل العقاب (1) .و هذا كسابقه في الضعف،فإن المعيار هو التضرر مع أن المضار الأخروية أعظم (2) .

المناقشة في هذا الجواب أيضا

اللهم إلا أن يريد المجيب ما سيجيء من أن العقاب مأمون على ما لم ينصب الشارع دليلا على التكليف به،بخلاف المضار الدنيوية التابعة لنفس الفعل أو الترك علم حرمته أو لم يعلم.أو يريد أن المضار الغير الدنيوية و إن لم تكن خصوص العقاب ممّا دلّ العقل و النقل على وجوب إعلامها على الحكيم (3) و هو الباعث له على التكليف و البعثة (4) .

(1)هذا لو تم لا ينفع في الجواب عن الوجه السابق،إذ لم يقتصر في الوجه السابق على الأضرار الأخروية،بل تضمن الأضرار الدنيوية أيضا التي هي المراد بالفاسد.

(2)و لو لا وجوب دفع الضرر الأخروي لم يصلح التكليف للبعث و الزجر غالبا.

(3)فعدم إعلامه بها يكون قرينة على عدمها و موجبا للعلم بعدم ترتبها.

لكن لا يبعد جريان هذا في الأضرار الدنيوية الباعثة على التكليف،و هي المفاسد المستتبعة لجعل الأحكام،فإن مقتضى اللطف الذي قيل بوجوبه على الحكيم هو الإعلام بها أيضا.

نعم هذا الوجه إنما يقتضي العلم بعدم ترتب الضرر-الدنيوي أو الأخروي- إذا علم بعدم البيان من قبل المولى بالوجه المتعارف،أما لو احتمل قيام المولى بوظيفة البيان بالطرق المتعارفة،إلا أنه اختفى بأسباب خارجية فلا مجال لإحراز عدم الضرر حينئذ.

إلا أن يدعي لزوم البيان عليه و لو بالطرق غير المتعارفة.لكنه لا دليل عليه.

(4)الظاهر أن الباعث على التكليف هو الأضرار و المنافع الدنيوية التي هي

ص: 10

لكن هذا الجواب راجع إلى منع الصغرى لا الكبرى.

جواب ثالث عن هذا الوجه

ثالثها:النقض بالأمارات التي قام الدليل القطعي على عدم اعتبارها (1) ،كخبر الفاسق و القياس على مذهب الإمامية.

و أجيب عنه:تارة:بعدم التزام حرمة العمل بالظن عند انسداد باب العلم.

و أخرى:بأن الشارع إذا ألغى ظنا تبين أن في العمل به ضررا أعظم من ضرر ترك العمل به.

و يضعف الأول بأن دعوى وجوب العمل بكل ظن في كل مسألة انسد فيها باب العلم و إن لم ينسد في غيرها الظاهر أنه خلاف مذهب الشيعة (2) .

لا أقل من كونه مخالفا لإجماعاتهم المستفيضة بل المتواترة،كما يعلم بمعنى المصالح و المفاسد،و أما الأضرار الأخروية فهي مما يترتب على التكليف ليكون التكليف به صالحا للبعث و الزجر.

(1)فإن مقتضى الدليل السابق وجوب العمل بها لأجل دفع الضرر المظنون.

(2)و أما الذي هو محل الكلام فهو حرمة العمل ببعض الظنون مع انسداد باب العلم في معظم الفقه كما سيأتي في آخر التنبيه الثاني من تنبيهات دليل الانسداد.

و هو غير مجد لإمكان الانسداد في خصوص بعض المسائل الذي لا إشكال في حرمة العمل ببعض الظنون معه،فيلزم الوقوع في مظنون الضرر،و يتم النقض بل لا شبهة في حرمة العمل بمطلق الظن معه،لتظافر الأدلّة بالنهي عنه،فلا بدّ من الالتزام ببطلان الدليل،لكونه شبهة في مقابل البديهة.

ص: 11

مما ذكروه في القياس.

و الثاني بأن إتيان الفعل حذرا من ترتب الضرر على تركه أو تركه حذرا من التضرر بفعله لا يتصور فيه ضرر أصلا،لأنه من الاحتياط الذي استقل العقل بحسنه و إن كانت الأمارة ممّا ورد النهي عن اعتباره.

نعم متابعة الأمارة المفيدة للظن بذلك الضرر و جعل مؤداها حكم الشارع و الالتزام و التدين به ربما كان ضرره أعظم (1) من الضرر المظنون فإن العقل مستقل بقبحه و وجود المفسدة فيه و استحقاق العقاب عليه لأنه تشريع.

لكن هذا لا يختص بما علم إلغاؤه،بل هو جار في كل ما لم يعلم اعتباره (2) .توضيحه:

أنا قدمنا لك في تأسيس الأصل في العمل بالمظنة أن كل ظن لم يقم على اعتباره دليل قطعي-سواء قام دليل على عدم اعتباره أم لا-فالعمل به بمعنى التدين بمؤداه و جعله حكما شرعيا تشريع محرم دلّ على حرمته الأدلة الأربعة،و أما العمل بمعنى إتيان ما ظن وجوبه مثلا أو ترك ما ظن حرمته من دون أن يتشرع بذلك،فلا قبح فيه إذا لم يدل دليل من الأصول (1)لو فرض عدم كونه أعظم لم يكن جائزا أيضا لعدم التزاحم بين الضررين، لامكان الفرار عنهما بموافقة الظن على نحو الاحتياط .

(2)فلا يجوز العمل به بنحو التشريع و إن جازت موافقته احتياطا للفرار عن الضرر المظنون.

ص: 12

و القواعد المعتبرة يقينا (1) على خلاف مؤدى هذا الظن،بأن يدل على تحريم ما ظن وجوبه أو وجوب ما ظن تحريمه.

فإن أراد (2) أن الأمارات التي يقطع بعدم حجيتها-كالقياس و شبهه-يكون في العمل بها بمعنى التدين بمؤداها و جعله حكما شرعيا ضرر أعظم من الضرر المظنون،فلا اختصاص لهذا الضرر بتلك الظنون، لأن كل ظن لم يقم على اعتباره دليل قاطع يكون في العمل به بذلك المعنى هذا الضرر العظيم،أعني التشريع.

و إذا أراد ثبوت الضرر في العمل بها بمعنى إتيان ما ظن وجوبه حذرا من الوقوع في مضرة ترك الواجب،و ترك ما ظن حرمته لذلك،كما يقتضيه قاعدة دفع الضرر (3) ،فلا ريب في استقلال العقل و بداهة حكمه بعدم الضرر في ذلك أصلا و إن كان ذلك في الظن القياسي.

الأولى في المناقشة في الجواب الثالث

و حينئذ فالأولى لهذا المجيب أن يبدل دعوى الضرر في العمل بتلك الأمارات المنهي عنها بالخصوص بدعوى أن في نهي الشارع عن الاعتناء بها و ترخيصه في مخالفتها مع علمه بأن تركها ربما يفضي إلى ترك الواجب (1)متعلق بقوله:«المعتبرة»لا بقوله:«يدل...».لكن الظاهر عدم القبح حتى في هذا الفرض و أن قيام الدليل أو الأصل المعتبر على عدم التكليف لا يقبح معه الاحتياط فيه.

(2)يعني:المجيب عن النقض.

(3)يعني:المستدل بها في المقام،فإنها لا تقتضي إلا وجوب موافقة العمل للظن و إن كان بنحو الاحتياط .

ص: 13

و فعل الحرام مصلحة (1) يتدارك بها الضرر المظنون على تقدير ثبوته في الواقع (2) فتأمل.

و سيجيء تمام الكلام عند التكلم في الظنون المنهي عنها بالخصوص (3) و بيان كيفية عدم شمول أدلة حجية الظن لها إن شاء اللّه.

الأولى في الجواب عن الوجه الأول

فالأولى أن يجاب عن هذا الدليل (4) :

إن أريد من الضرر العقاب

بأنه إن أريد من الضرر المظنون العقاب فالصغرى ممنوعة،فإن استحقاق العقاب على الفعل أو الترك كاستحقاق الثواب عليهما ليس ملازما للوجوب و التحريم الواقعيين،كيف و قد يتحقق التحريم و نقطع بعدم العقاب في الفعل كما في الحرام و الواجب المجهولين جهلا بسيطا (5) أو مركبا،بل استحقاق الثواب و العقاب إنما هو على تحقق الاطاعة (1)اسم(أن)في قوله:«بدعوى أن في نهي الشارع...».

(2)ليس في أدلة النهي عن العمل بالظنون المذكورة دلالة على المتدارك، كيف و لازمه انسداد باب الاحتياط معها،و لا يظن منهم الالتزام به.

و لو فرض التدارك أمكن فرضه في مطلق الظنون غير المنهي عنها بالخصوص.

فالتحقيق أن الدليل لو تم كان منافيا لردع الشارع الأقدس عن العمل بمطلق الظن،فضلا عن الظنون الخاصة-كالقياس-و مانعا عنه،و حيث كان الردع الشرعي ثابتا قطعا،كشف عن بطلان الدليل المذكور،و أنه شبهة في مقابل البديهة.

(3)في آخر التنبيه الثاني من تنبيهات دليل الانسداد.

(4)و هو الوجه الأول من أدلة حجية مطلق الظن.

(5)هذا يتم مع الغفلة،و إلا فلو فرض الالتفات و الشك لم يصح النقض، لأن مقتضى الدليل الاحتياط حينئذ.و سيأتي الكلام في ذلك.

ص: 14

و المعصية اللتين لا يتحققان إلا بعد العلم بالوجوب و الحرمة أو الظن المعتبر بهما،و أما الظن المشكوك الاعتبار فهو كالشك.

اللهم إلا أن يقال:الحكم بعدم العقاب و الثواب فيما فرض من صورتي الجهل البسيط أو المركب بالوجوب و الحرمة إنما هو لحكم العقل بقبح التكليف مع الشك أو القطع بالعدم،و أما مع الظن بالوجوب و التحريم (1) فلا يستقل العقل بقبح المؤاخذة (2) ،و لا إجماع أيضا على أصالة البراءة في موضع النزاع (3) .

و يرده:أنه لا يكفي المستدل منع استقلال العقل و عدم ثبوت الإجماع،بل لا بد له من إثبات أن مجرد الوجوب و التحريم الواقعيين مستلزمان للعقاب حتى يكون الظن بهما ظنا به،فإذا لم يثبت ذلك بشرع و لا عقل لم يكن العقاب مظنونا (4) ،فالصغرى غير ثابتة.

و منه يعلم فساد ما ربما يتوهم أن قاعدة دفع الضرر يكفي للدليل على ثبوت الاستحقاق (5) .

(1)كما هو محل الكلام.

(2)بل يستقل بناء على ما سبق من عدم حجية الظن بنظر العقل.

(3)يكفي إطلاق أدلة البراءة مع الجهل و عدم العلم الشامل لصورة حصول الظن لغة و عرفا.بل لو تم الإجماع على البراءة مع الشك فالتشكيك فيه مع الظن في غير محله.

(4)بل مشكوكا،لاحتمال عدم قبح المؤاخذة معه،كما ادعي.فتأمل.

(5)عرفت أن قاعدة دفع الضرر غير مبنية إلا على اللوم من حيث تفريط الإنسان في حق نفسه،لا على الذم من حيث فعل ما هو ممقوت عند العقلاء كالخيانة

ص: 15

وجه الفساد:أن هذه القاعدة موقوفة على ثبوت الصغرى،و هي الظن بالعقاب.

نعم لو ادعي أن دفع الضرر المشكوك لازم (1) توجه فيما نحن فيه الحكم بلزوم الاحتراز في صورة الظن بناء على عدم ثبوت الدليل على نفي العقاب عند الظن فيصير وجوده محتملا،فيجب دفعه.

لكنه رجوع عن الاعتراف باستقلال العقل و قيام الإجماع على عدم المؤاخذة على الوجوب و التحريم المشكوكين (2) .

إن أريد من الضرر المفسدة

و إن أريد من الضرر المظنون المفسدة المظنونة ففيه أيضا منع الصغرى،فإنا و إن لم نقل بتغير المصالح و المفاسد بمجرد الجهل،إلا أنا لا نظن بترتب المفسدة بمجرد ارتكاب ما ظن حرمته،لعدم كون فعل الحرام علة تامة لترتب المفسدة حتى مع القطع بثبوت الحرمة،لاحتمال حتى يصلح للتنجيز.فلاحظ .

(1)كما تقدم منه قدّس سرّه أنه الأقوى.و تقدم وجهه.

(2)حيث اعترف المستدل بعدم العقاب مع الشك في التكليف أو القطع بعدمه لقبحه عقلا.

لكن الاعتراف بوجوب دفع الضرر المشكوك لا ينافي الاعتراف بعدم تنجز التكليف الشرعي المشكوك،كما يظهر بالتأمل.

و لذا تقدم من المصنف قدّس سرّه نفسه وجوب دفع الضرر المحتمل مع عدم بنائه على منجزية الاحتمال للتكاليف الشرعية،فالأولى ما أشار إليه أو لا من أن العقل يقبح العقاب على التكليف مع قيام الظن غير المعتبر عليه خصوصا مع إطلاق أدلة البراءة،فلا يحتمل الضرر حينئذ فضلا عن أن يكون مظنونا.

ص: 16

تداركها بمصلحة فعل آخر لا يعلمه المكلف،أو يعلمه بإعلام الشارع، نظير الكفارة و التوبة و غيرهما من الحسنات اللاتي يذهبن السيئات.

و يرد عليه أن الظن بثبوت مقتضى المفسدة مع الشك في وجود المانع،كاف في وجوب الدفع،كما في صورة القطع بثبوت المقتضي (1) مع الشك في وجود المانع،فإن احتمال وجود المانع للضرر أو وجود ما يتدارك الضرر لا يعتنى به عند العقلاء (2) ،سواء جامع الظن بوجود مقتضي الضرر أم القطع به،بل أكثر موارد التزام العقلاء التحرز عن المضار المظنونة-كسلوك الطرق المخوفة،و شرب الأدوية المخوفة و نحو ذلك -من موارد الظن بمقتضى الضرر،دون العلة التامة له،بل المدار في جميع غايات حركات الإنسان من المنافع المقصود جلبها و المضار المقصود دفعها على المقتضيات دون العلل التامة،لأن الموانع و المزاحمات مما لا تحصى و لا يحاط بها.

و أضعف من هذا الجواب ما يقال:إن في نهي الشارع عن العمل بالظن كلية إلا ما خرج ترخيصا في ترك مراعاة الضرر المظنون،و لذا لا يجب مراعاته إجماعا في القياس.

و وجه الضعف:ما ثبت سابقا من أن عمومات حرمة العمل بالظن أو بما عدا العلم إنما تدل على حرمته من حيث أنه لا يغني عن الواقع، (1)لأن الظن منجز للضرر كالقطع.

(2)خصوصا بناء على ما عرفت من وجوب دفع الضرر المحتمل،فإن احتمال التدارك لا يمنع من احتمال الضرر،كما لا يخفى.

ص: 17

و لا يدل على حرمة العمل به (1) في مقام إحراز الواقع و الاحتياط لأجله و الحذر عن مخالفته.

الأولى في الجواب عن المفسدة المظنونة

فالأولى أن يقال:إن الضرر و إن كان مظنونا،إلا أن حكم الشارع قطعا أو ظنا (2) بالرجوع في مورد الظن إلى البراءة و الاستصحاب، و ترخيصه لترك مراعاة الظن أوجب القطع أو الظن (3) بتدارك ذلك (1)الأدلة المذكورة و إن لم تدل على حرمة العمل به احتياطا،إلاّ أنه لا إشكال ظاهرا في دلالتها على جواز ترك العمل به بالنحو المذكور،إذ لا يظن من أحد دعوى أن أدلة عدم حجية تلك الحجج لا تدلّ على عدم وجوب الاحتياط على طبقها، فإن بيان عدم حجيتها ظاهر في جواز ترك العمل على طبقها و لو بمقتضى الإطلاق المقامي.فما ذكره المجيب من ظهور الأدلّة فى الترخيص في محله.

نعم الترخيص المذكور لما كان شرعيا فهو إنما ينفع إن كان المدعى وجوب دفع الضرر شرعا،و قد عرفت الإشكال فيه،و إن العمدة هو وجوبه عقلا لكونه مقتضى فطرة الانسان على حب نفسه،و ترخيص الشارع لا ينفع في رفع الحكم العقلي المذكور ما لم يرجع إلى التدارك،كما سيأتي من المصنف قدّس سرّه أو غيره ممّا يأتي الكلام فيه.

(2)يعني بوجه معتبر.و هو إشارة إلى ما إذا كان دليل الرجوع للأصل قطعيا أو ظنيا معتبرا.

(3)يعني:فيكون احتمال بقاء الضرر موهوما لا يعتني به العقلاء،فلا يجب الاحتياط بدفعه.

أقول:لو فرض قبح تفويت الواقع بجعل الحجة و أنه يلزم تداركه حينئذ لكان اللازم القطع بالتدارك و لو مع كون دليل الأصل ظنيا،لفرض القطع بحجية ذلك الدليل الظني الموجب لتدارك ما يفوت بسببه قطعا.

ص: 18

الضرر المظنون،و إلا كان في ترخيص العمل على الأصل المخالف للظن إلغاء للمفسدة (1) .

توضيح ذلك:أنه لا إشكال في أنه متى ظن بوجوب شيء و أن الشارع الحكيم طلب فعله منا طلبا حتميا منجزا لا يرضى بتركه،إلا أنه اختفى علينا ذلك الطلب،أو حرم علينا فعلا كذلك،فالعقل مستقل بوجوب فعل الأول و ترك الثاني،لأنه يظن في ترك الأول الوقوع في مفسدة ترك الواجب المطلق الواقعي و المحبوب المنجز النفس الأمري،و يظن في فعل الثاني الوقوع في مفسدة الحرام الواقعي و المبغوض النفس الأمري،إلا أنه لو صرح الشارع بالرخصة في ترك العمل في هذه الصورة كشف ذلك عن مصلحة يتدارك بها ذلك الضرر المظنون (2) .و لذا وقع الإجماع على عدم نعم لو لم يفرض القطع بحجية ذلك الدليل الظني لكانت دعوى الظن بالتدارك في محلها إلا أن من البعيد جدا كون هذا محل كلام المصنف قدّس سرّه.و إلا أشكل الاعتماد على الظن المذكور،لأنه و إن أوجب كون الضرر موهوما،إلا أنه لا بدّ من الالتزام بوجوب دفعه بناء على ما سبق من وجوب دفع الضرر المحتمل و لو كان احتماله ضعيفا إذا كان الضرر مهما،و عليه يبتني عدم جواز العمل بظن عدم التكليف في موارد الاحتياط اللازم-كما سيأتي من المصنف قدّس سرّه في آخر الكلام في هذا المقام-إذ لا ملزم للاحتياط إلاّ قاعدة لزوم دفع الضرر المحتمل،فإذا فرض عدم شمولها للاحتمال الموهوم جاز الاعتماد على ظن عدم التكليف و لم يلزم الاحتياط .

(1)لعل الأولى أن يقول:إلقاء في المفسدة.

(2)كأنه لقبح تفويت الملاك الواقعي من قبل الشارع الأقدس مع عدم تداركه كما تقدّم منه قدّس سرّه نظيره في وجه جعل الطرق الظنية مع انفتاح باب العلم.

لكن تقدم الاشكال في ذلك،و هو هنا أيضا مشكل،فإن مصلحة تحصيل

ص: 19

وجوب مراعات الظن بالوجوب أو الحرمة إذا حصل الظن من القياس، و على جواز مخالفة الظن في الشبهات الموضوعية حتى يستبين التحريم أو تقوم به البينة.

ثم إنه لا فرق بين أن يحصل القطع بترخيص الشارع في ترك مراعات الملاك الواقعي إنما تقتضي ايجاب الاحتياط شرعا إذا لم يكن في ايجابه مفسدة أهم من الملاك الواقعي،و إلا كان اللازم عدم إيجاب الاحتياط و إن فات الملاك الواقعي بتركه،فيكون عدم إيجاب الاحتياط و الترخيص في تركه كاشفا عن ذلك لا عن التدارك بل التدارك خلاف ظاهر الأدلة الشرعية،لظهورها في ترتب المضار و المفاسد بضياع الواقع.

و لذا لا إشكال ظاهرا في مشروعية الاحتياط و حسنه،كما سيأتي من المصنف قدّس سرّه في مبحث البراءة،فإن ذلك كاشف عن احتمال عدم تدارك المفاسد المذكورة و إمكان دفعها بالاحتياط ،و حينئذ لو فرض أن وجوب دفع الضرر يقتضي لزوم الفرار من المفاسد المذكورة عقلا لكان اللازم وجوب الاحتياط عقلا لا شرعا.

فالتحقيق:أن المفاسد المستتبعة للتكاليف ليست من سنخ الاضرار التي يجب عقلا دفعها على الناس بمقتضى الفطرة،لاختصاص ذلك بالاضرار الواردة على الانسان بشخصه أو على ما يهمه أمره و لا يحرز كون المفاسد المذكورة منها،بل لا يظن بذلك و لو احتمل كان احتماله غير معتد به عند العقلاء لضعفه و عدم المنشأ له،بل المفاسد المذكورة غالبا من سنخ الأضرار العامة المخلّة بالنظام الأكمل التي يجب على الشارع الحكيم بمقتضى اللطف الواجب دفعها بتشريع الأحكام و تشريع الطرق لها،و المفروض عدم جعل الشارع لوجوب الاحتياط فى المقام لمزاحمة مفسدته بمفسدة الواقع،فلا يكون الاحتياط واجبا لا شرعا و لا عقلا.و هذا هو العمدة في المقام لا ما ذكره المصنف قدّس سرّه.

ص: 20

الظن بالضرر-كما عرفت من الظن القياسي بالوجوب و التحريم،و من حكم الشارع بجواز الارتكاب في الشبهة الموضوعية-و بين أن يحصل الظن بترخيص الشارع في ترك مراعات ذلك الظن،كما في الظن الذي ظن كونه منهيا عنه عند الشارع،فإنه يجوز ترك مراعاته،لأن المظنون تدارك ضرر مخالفته (1) لأجل (2) ترك مظنون الوجوب أو فعل مظنون الحرمة، فافهم.

إذا عرفت ذلك فنقول:إن أصل البراءة و الاستصحاب إن قام عليهما الدليل القطعي-بحيث يدل على وجوب الرجوع إليهما في صورة عدم العلم و لو مع وجود الظن الغير المعتبر-فلا إشكال في عدم وجوب مراعات ظن الضرر و في أنه لا يجب الترك أو الفعل بمجرد ظن الوجوب أو الحرمة،لما عرفت من أن ترخيص الشارع الحكيم للاقدام على ما فيه ظن الضرر لا يكون إلا لمصلحة يتدارك بها ذلك الضرر المظنون على تقدير الثبوت واقعا.

و إن منعنا عن قيام الدليل القطعي على الأصول-و قلنا:إن الدليل القطعي لم يثبت على اعتبار الاستصحاب خصوصا في الأحكام (1)يعني:فيكون الضرر موهوما لا يجب دفعه.بل عرفت أن مقتضى القطع بحجية الظن المذكور هو القطع بالتدارك و عدم الضرر لو تم وجوب التدارك.

(2)متعلق بقوله:«ضرر...»يعني:ان المظنون تدارك ضرر مخالفته و هو الضرر الحاصل من ترك مظنون الوجوب أو فعل مظنون الحرمة.

ص: 21

الشرعية (1) ،و خصوصا مع الظن بالخلاف،و كذلك الدليل لم يثبت على الرجوع إلى البراءة حتى مع الظن بالتكليف،لأن العمدة في دليل البراءة الإجماع و العقل المختصان بصورة عدم الظن بالتكليف-فنقول:لا أقل من ثبوت بعض الأخبار الظنية على الاستصحاب و البراءة عند عدم العلم الشامل لصورة الظن (2) ،فيحصل الظن بترخيص الشارع لنا في ترك مراعات ظن الضرر و هذا القدر يكفي في عدم الظن بالضرر (3) .

و توهم:أن تلك الاخبار الظنية لا تعارض العقل المستقل بدفع الضرر المظنون.

مدفوع بأن الفرض أن الشارع لا يحكم بجواز الاقتحام في مظان الضرر إلا عن مصلحة يتدارك بها الضرر المظنون على تقدير ثبوته،فحكم الشارع ليس مخالفا للعقل (4) ،فلا وجه لا طراح الأخبار الظنية الدالة على هذا الحكم الغير المنافي لحكم العقل.

مفاد هذا الدليل

ثم إن مفاد هذا الدليل هو وجوب العمل بالظن إذا طابق (1)لأن لامتناع جريان الاستصحاب فيها وجوها لا يستهان بها تمنع من حصول القطع باعتباره،و ليس كالاستصحاب فى الموضوعات الخارجية.

(2)يعني:فيكون جريان الاستصحاب حينئذ مقتضى إطلاق أدلته الذي لا يفيد إلا الظن.

(3)لأن الضرر حينئذ اما موهوم لا يجب دفعه أو مقطوع بعدمه كما سبق.

(4)لعدم حكمه بجواز الوقوع فى الضرر،بل بتداركه و لا مخالفة فيه لحكم العقل.

ص: 22

الاحتياط (1) ،لا من حيث هو،و حينئذ فإذا كان الظن مخالفا للاحتياط الواجب-كما في صورة الشك في المكلف به-فلا وجه للعمل بالظن حينئذ.

و دعوى الإجماع المركب و عدم القول بالفصل،واضحة الفساد، ضرورة أن العمل في الصورة الأولى (2) لم يكن بالظن من حيث هو (3) بل من حيث كونه احتياطا،و هذه الحيثية نافية للعمل بالظن فى الصورة الثانية.فحاصل ذلك العمل بالاحتياط كلية،و عدم العمل بالظن رأسا.

(1)إذ ليس مفاد قاعدة وجوب دفع الضرر المظنون إلا لزوم الاحتياط بدفعه لا حجية الظن في إحرازه،و لذا يجري نظيرها مع الشك و الوهم الذين لا إشكال في عدم كونهما من سنخ الحجج.

(2)و هي صورة موافقة الظن للاحتياط .

(3)كي يدعي عدم الفرق بين موارده بالإجماع و عدم القول بالفصل.

ثم إن في بعض النسخ الاستشكال فى القاعدة أيضا بأن العمل بالظن إذا كان من باب الاحتياط لم ينهض الظن بمقاومة الحجج،فلا يصلح لتخصيص العمومات و لا تقييد المطلقات و لا غير ذلك مما يختص بالحجج.

و يندفع بأن ملاك الاحتياط في القاعدة لا يختص بعدم قيام الحجج على خلافها،كي يكون قيام الحجج رافعا لموضوعها،كما يشهد به الرجوع إلى المرتكزات العقلائية في الاضرار المهمة التي يظن بها أو تحتمل مع قيام الحجج على خلافها فيما لو أمكن الاحتياط على طبق الظن،فإنه لا ريب عندهم في وجوب الاحتياط .

إلا أن يكون قيام الحجج موجبا للأمان من الضرر،فيرتفع موضوع القاعدة، على ما سبق بالاضافة إلى العقاب.و لا فرق في ذلك بين الحجج و الأصول بل يجري الكلام السابق.فلاحظ .

ص: 23

الوجه الثاني في حجية مطلق الظن:قبح ترجيح المرجوح

الثاني:أنه لو لم يؤخذ بالظن لزم ترجيح المرجوح على الراجح،و هو قبيح.

و ربما يجاب عنه بمنع قبح ترجيح المرجوح على الراجح،إذ المرجوح قد يوافق الاحتياط فالأخذ به حسن عقلا.

و فيه:أن المرجوح المطابق للاحتياط ليس العمل به ترجيحا للمرجوح،بل هو جمع في العمل بين الراجح و المرجوح.مثلا:إذا ظن عدم وجوب شيء و كان وجوبه مرجوحا فحينئذ الإتيان به من باب الاحتياط ليس طرحا للراجح فى العمل،لأن الاتيان لا ينافي عدم الوجوب.

و إن أريد الاتيان بقصد الوجوب المنافي لعدم الوجوب.ففيه:أن الاتيان على هذا الوجه مخالف للاحتياط (1) فإن الاحتياط هو الإتيان لاحتمال الوجوب لا بقصده.

و قد يجاب أيضا بأن ذلك فرع وجوب الترجيح،بمعنى أن الأمر إذا دار بين ترجيح المرجوح و ترجيح الراجح كان الأول قبيحا،و أما إذا لم يثبت وجوب الترجيح فلا مرجح للمرجوح و لا للراجح.

و فيه:أن التوقف عن ترجيح الراجح أيضا قبيح كترجيح المرجوح (2) .

(1)بل هو حرام لما فيه من التشريع المحرم.و حينئذ لا يكون حسن الاحتياط مقتضيا للاتيان على هذا الوجه.

(2)إن أريد به التوقف في مقام الاعتقاد فهو ممنوع،فإن الاعتقاد إنما يحسن مع العلم لا بمجرد الرجحان.

ص: 24

و إن أريد به التوقف في مقام العمل فهو فرع وجوب العمل الذي هو المراد بوجوب الترجيح في كلام المجيب،إذ لو لم يجب العمل لا وجه لوجوب الترجيح، كما سيأتي التعرض له من المصنف قدّس سرّه فكأن مراد المجيب عين مراد المصنف من الجواب الحلي،كما يظهر بالتأمل.

و بالجملة:كلام المجيب لا يقتضي جواز التوقف عن ترجيح الراجح من وجوب العمل،كي يرد عليه ما ذكره المصنّف قدّس سرّه،بل جواز اهمال الترجيح مع جواز اهمال الواقع و عدم تعلق الفرض به،و سيأتي من المصنّف الاعتراف به.

ثم إن في بعض النسخ بعد هذا قوله:«فتأمل جدا».و نقل بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه عن المصنف في الهامش في شرحه هذه العبارة:«وجه التأمل أن مراد المستدل من الراجح و المرجوح ما هو الأقرب إلى الغرض و الأبعد منه في النظر، و لا شك في وجوب الترجيح بمعنى العمل بالأقرب،و قبح تركه مطلقا،فلا فرض لعدم وجوب الترجيح يرد به هذا الدليل،فلا فائدة في الرد».

و هذا راجع إلى أن المفروض في كلام المستدل بالقاعدة هو لزوم صورة الترجيح الذي هو بمعنى وجوب العمل على طبق أحد الاحتمالين.

و حينئذ يتعين الجواب عنه بأن الفرض المذكور خارج عما نحن فيه،لعدم ثبوت وجوب الترجيح فيما نحن فيه،مع فرض جعل الأصل من قبل الشارع.

و توضيح ذلك:أن غرض المكلف ليس هو موافقة الواقع كي يكون ترجيح ما هو الأقرب لازما،لقبح ترجيح المرجوح على الراجح،بل غرضه الخلاص عن العقاب و براءة الذمة عن التكليف و هو إنما يكون بالرجوع للأمارات و الأصول التي جعلها الشارع أو ألزم بها العقل،فلا يجب بل لا يجوز تركها و الرجوع إلى ظن المكلف،لعدم القطع معه بحصول الغرض.

و أما غرض الشارع فهو و إن كان موافقة الواقع و تحصيله،إلا أنه لا يقتضي

ص: 25

فالأولى الجواب.أولا:بالنقض بكثير من الظنون المحرمة العمل بالإجماع أو الضرورة.

ثانيا:بالحل.و توضيحه:تسليم القبح إذا كان التكليف و غرض الشارع (1) متعلقا بالواقع و لم يمكن الاحتياط فإن العقل قاطع بأن الغرض إذا تعلق بالذهاب إلى بلد بغداد و تردد الأمر بين طريقين أحدهما مظنون الإيصال و الآخر موهومه،فترجيح الموهوم قبيح،لأنه نقض للغرض (2) ،و أما إذا لم يتعلق التكليف بالواقع،أو تعلق به مع إمكان الاحتياط فلا يجب الأخذ بالراجح،بل اللازم (3) في الأول هو الأخذ الارجاع إلى ظن المكلف،لعدم كونه الأقرب إلى تحصيل الواقع بنظره،بل اللازم الارجاع إلى ما هو الأقرب بنظره من الأمارات و الأصول أو الاحتياط مع ملاحظة الجهات الأخر من المصالح و المفاسد المزاحمة المهمّة بنظره أيضا.فلاحظ .

(1)فرض الشارع بدوا هو تحصيل الواقع نعم يكلف به و يرجع إلى الأصل لبعض الجهات المزاحمة.

كما أن تعلق غرضه بالواقع و تكليفه به-كما في موارد عدم جواز الرجوع للبراءة-لا يقتضي إرجاعه لظن المكلف،لعدم كونه أقرب بنظره،كما ذكرنا،بل له أن يرجع إلى طرق أخرى.نعم إذا لم يجعل طرقا أخرى لزم المكلف الرجوع إلى الظن لأنه الأقرب في تحصيل غرضه على كلام يأتي في المقدمة الرابعة من مقدمات دليل الانسداد.

(2)هذا التعليل لا يخلو عن إشكال،فالظاهر أن القبح من المدركات العقلية غير المحتاجة إلى هذا التعليل.نعم لا يبعد كون ملاكه من سنخ تحصيل الغرض.

(3)لعل الأولى أن يقول:بل يجوز في الأول...

ص: 26

بمقتضى البراءة (1) و في الثاني الأخذ بمقتضى الاحتياط (2) فإثبات القبح موقوف على إبطال الرجوع إلى البراءة في موارد الظن،و عدم وجوب الاحتياط فيها،و معلوم أن العقل قاض حينئذ بقبح ترجيح المرجوح (3) بل ترك ترجيح الراجح على المرجوح،فلا بد من إرجاع هذا الدليل إلى دليل الانسداد الآتي المركب من بقاء التكليف،و عدم جواز الرجوع إلى البراءة،و عدم لزوم الاحتياط ،و غير ذلك من المقدمات التي لا يتردد الأمر بين الأخذ بالراجح و الأخذ بالمرجوح إلا بعد إبطالها.

الوجه الثالث:ما حكي عن صاحب الرياض

الثالث:ما حكاه الأستاذ عن أستاذه السيد الطباطبائي قدّس سرّه (4) من أنه لا ريب في وجود واجبات و محرمات كثيرة بين المشتبهات،و مقتضى ذلك وجوب الاحتياط بالإتيان بكل ما يحتمل الوجوب و لو موهوما، و ترك ما يحتمل الحرمة كذلك،و لكن مقتضى قاعدة نفي العسر و الحرج (1)و إلى هذا يرجع ما سبق في الجواب الثاني من أن لزوم ترجيح الراجح فرع لزوم الترجيح،كما ذكرنا.

(2)لأن فيه جمعا بين الراجح و المرجوح،و وجوب ترجيح الراجح على المرجوح إنما هو مع الدوران بينهما.

(3)الذي هو عبارة عن التوقف الذي تقدم في الجواب عن الوجه الثاني قبحه و يأتي تمام الكلام في ذلك فى المقدمة الرابعة من مقدمات دليل الانسداد.

(4)المراد بالأول شريف العلماء،و بالثاني السيد علي،كما ادعاه بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه.و الظاهر أن السيد علي هو صاحب الرياض قدّس سرّه و قد ذكر المحشي المذكور ان المصنف قدّس سرّه ذكر ذلك في مجلس المذاكرة.

ص: 27

عدم وجوب ذلك كله (1) ،لأنه عسر أكيد و حرج شديد،فمقتضى الجمع بين قاعدتي الاحتياط و انتفاء الحرج العمل بالاحتياط فى المظنونات دون المشكوكات و الموهومات،لأن الجمع على غير هذا الوجه باخراج بعض المظنونات و إدخال بعض المشكوكات و الموهومات باطل إجماعا (2) .

و فيه:أنه راجع إلى دليل الانسداد الآتي،إذ ما من مقدمة من مقدمات ذلك الدليل إلا و هي يحتاج إليها في إتمام هذا الدليل.فراجع و تأمل،حتى يظهر لك حقيقة الحال.

مع أن العمل بالاحتياط فى المشكوكات كالمظنونات أيضا لا يلزم منه حرج قطعا،لقلة موارد الشك المتساوي الطرفين كما لا يخفى،فيقتصر في ترك الاحتياط على الموهومات فقط (3) .

و دعوى:أن كل من قال بعدم الاحتياط فى الموهومات قال بعدمه (1)يعني:بنحو العموم المجموعي،لا بنحو العموم الاستغراقي الراجع إلى عدم وجوب شيء من ذلك.

(2)قيل:إن ذكر الإجماع في مقام الاستدلال يخرج الدليل عن كونه عقليا و عليه فالأولى الاستدلال عليه بقاعدة قبح ترجيح المرجوح على الراجح العقلية، كما يأتي في دليل الانسداد.

و فيه:أنه يكفي في كون الدليل عقليا كون وجوب الاحتياط مع العلم الإجمالي عقليا.

(3)كما يأتي منه قدّس سرّه التعرض لذلك في المقدمة الثالثة من مقدمات دليل الانسداد.

ص: 28

أيضا فى المشكوكات في غاية الضعف و السقوط (1) .

الوجه الرابع:دليل الانسداد

اشارة

الدليل الرابع:هو الدليل المعروف بدليل الانسداد.

و هو مركب من مقدمات:

مقدمات دليل الانسداد

اشارة

المقدمة الأولى:انسداد باب العلم و الظن الخاص في معظم المسائل الفقهية.

الثانية:أنه لا يجوز لنا إهمال الأحكام المشتبهة و ترك التعرض لامتثالها بنحو من أنحاء امتثال الجاهل العاجز عن العلم التفصيلي،بأن يقتصر في الاطاعة على التكاليف القليلة المعلومة تفصيلا أو بالظن الخاص القائم مقام العلم بنص الشارع و نجعل أنفسنا في تلك الموارد ممن لا حكم عليه فيها،كالاطفال و البهائم،أو ممن حكمه فيها الرجوع إلى أصالة العدم.

الثالثة:أنه إذا وجب التعرض لامتثالها فليس امتثالها بالطرق الشرعية (2) المقررة للجاهل من الأخذ بالاحتياط الموجب للعلم الإجمالي بالامتثال،و الأخذ في كل مسألة بالأصل المتبع شرعا في نفس تلك المسألة (1)لعدم بلوغ ذلك حدا يكشف عن رأي المعصوم عليه السّلام،و يرتفع به موضوع الأصل العقلي.

(2)لا يخفى أن بعض الطرق الآتية عقلية لا شرعية كالأخذ بالاحتياط مع العلم الإجمالي.

فالأولى عدم تقييد الطرق بالشرعية،لعدم خصوصية لها في تمامية الدليل،بل لا بد فيه امتناع الرجوع إلى جميع الطرق المقررة عقلية كانت أو شرعية.

ص: 29

مع قطع النظر عن ملاحظتها منضمة إلى غيرها من المجهولات (1) ،أو الأخذ بفتوى العالم بتلك المسألة و تقليده فيها.

الرابعة:أنه إذا بطل الرجوع في الامتثال إلى الطرق الشرعية (2) المذكورة،لعدم الوجوب في بعضها،و عدم الجواز فى الآخر،و المفروض عدم سقوط الامتثال بمقتضى المقدمة الثانية تعين بحكم العقل المستقل الرجوع إلى الامتثال الظني و الموافقة الظنية للواقع (3) ،و لا يجوز العدول عنه إلى الموافقة الوهمية،بأن يؤخذ بالطرف المرجوح،و لا إلى الامتثال الاحتمالي و الموافقة الشكية بأن يعتمد على أحد طرفي المسألة من دون تحصيل الظن فيها،و يعتمد على ما يحتمل كونه طريقا شرعيا للامتثال من دون إفادته للظن أصلا.

المقدمة الأولى:انسداد باب العلم و الظن الخاص

أما المقدمة الأولى:

فهي بالنسبة إلى انسداد باب العلم في الأغلب غير محتاجة إلى الاثبات،ضرورة قلة ما يوجب العلم التفصيلي بالمسألة على وجه لا (1)إذ بملاحظة انضمام الواقعة يجب الاحتياط للعلم الإجمالي الذي فرض عدم وجوبه،و إنما لا يجب الاحتياط لو لحظت كل واقعة بنفسها،فإنه قد يشك فيها في أصل التكليف،و المرجع معه البراءة.

(2)و كذا العقلية،كما ذكرنا.

(3)و مقتضى ذلك وجوب استفراغ الوسع في تحصيل الظن بحكم الواقعة بعد الفحص فى الأمارات الموجبة له-نظير وجوب الفحص عن الأول مع الانفتاح-لا الاكتفاء بما حصل من الظن اتفاقا من دون محض و ترك التعرض لتحصيل غيره،كما يظهر بالتدبر فيما يأتي.

ص: 30

يحتاج العمل فيها إلى إعمال إمارة غير علمية (1) .و أما بالنسبة إلى انسداد باب الظن الخاص فهي مبتنية على أن لا يثبت من الأدلة المقدمة لحجية الخبر الواحد حجية مقدار منه يفي بضميمة الأدلة العلمية و باقي الظنون الخاصة باثبات معظم الأحكام الشرعية،بحيث لا يبقى مانع عن الرجوع فى المسائل الخالية عن الخبر و أخواته من الظنون الخاصة إلى ما يقتضيه الأصل في تلك الواقعة،من البراءة،و الاستصحاب،أو الاحتياط ،أو التخيير.

فتسليم هذه المقدمة و منعها لا يظهر إلا بعد التأمل التام و بذل الجهد فى النظر فيما تقدم من أدلة حجية الخبر،و أنه هل يثبت بها حجية مقدار واف من الخبر أم لا.

و هذه هي عمدة مقدمات دليل الانسداد بل الظاهر-المصرح به في كلمات بعض-أن ثبوت هذه المقدمة يكفي في حجية الظن المطلق، للإجماع عليه (2) على تقدير انسداد باب العلم و الظن الخاص و لذا لم يذكر صاحب المعالم و صاحب الوافية في إثبات حجية الظن الخبري غير انسداد باب العلم.

و أما الاحتمالات الآتية في ضمن المقدمات الآتية من الرجوع بعد (1)و لا أقل من أصالة الظهور التي لا تفيد العلم.

(2)لكن لا مجال للتعويل على دعوى الإجماع المذكورة لعدم ثبوت صحتها، بنحو تكشف عن رأي المعصوم،فمن القريب جدا الرجوع إلى ما تقتضيه الأدلة الآتية في المقام،و إن خالفت مقتضى الدعوى المذكورة.

ص: 31

انسداد باب العلم و الظن الخاص إلى شيء آخر غير الظن فإنما هي أمور احتملها بعض المدققين من متأخري المتأخرين أوّلهم-فيما أعلم-المحقق جمال الدين الخوانساري،حيث أورد على دليل الانسداد باحتمال الرجوع إلى البراءة و احتمال الرجوع إلى الاحتياط ،و زاد عليها بعض من تأخر احتمالات أخر.

المقدمة الثانية:عدم جواز إهمال الوقائع المشتبهة و الدليل عليه من وجوه:
اشارة

و أما المقدمة الثانية:

و هي عدم جواز إهمال الوقائع المشتبهة (1) على كثرتها و ترك التعرض لامتثالها بنحو من الانحاء فيدل عليه وجوه:

الأول:الإجماع القطعي

الأول:الإجماع القطعي (2) على أن المرجع على تقدير انسداد باب (1)إن كان المراد بالاهمال هو الاهمال في جميع الموارد حتى لو كان مقتضى الأصل في كل مسألة بنفسها هو ثبوت التكليف،كما في موارد الشك في المحصل مثلا،أو في موارد الاستصحاب القطعي كأصالة عدم النسخ و نحوها.فيكفي في رده أدلة تلك الأصول الخاصة في مواردها،إذ لا موجب للخروج عنها.فلا حاجة إلى الوجوه المذكورة في كلام المصنف قدّس سرّه و إن كان المراد به هو الاهمال حيث يكون مقتضى الأصل في المسألة الخاصة مع قطع النظر عن غيرها هو الاهمال،فهو راجع إلى العمل في كل مسألة بالأصل الجاري فيها مع قطع النظر عن غيرها،و حينئذ يلزم الاهمال في أغلب المسائل الخالية عن الدليل،لأن أغلبها مجرى للبراءة،لا لغيرها من الأصول.لكن عليه لا وجه لتكرار ذلك فى المقدمة الثالثة،بل كان اللازم الاكتفاء عنه بما يذكر في هذه المقدمة.

(2)الظاهر رجوع هذا الوجه إلى أحد الوجهين الآتيين،لعدم وضوح كون الإجماع المذكور تعبديا،بل الظاهر كون منشئه أحد الأمرين الآتيين،فلا وجه لعده في قبالهما.

ص: 32

العلم و عدم ثبوت الدليل على حجية أخبار الآحاد بالخصوص ليس هي البراءة و إجراء أصالة العدم في كل حكم،بل لا بد من التعرض لامتثال الأحكام المجهولة بوجه ما،و هذا الحكم و إن لم يصرح به أحد من قدمائنا، بل المتأخرين في هذا المقام،إلا أنه معلوم للمتتبع في طريقة الأصحاب،بل علماء الاسلام طرا فربّ مسألة غير معنونة يعلم اتفاقهم فيها من ملاحظة كلماتهم في نظائرها.

أ ترى أن علمائنا العاملين بالأخبار التي بأيدينا لو لم يقم عندهم دليل خاص على اعتبارها كانوا يطرحونها و يستريحون في مواردها إلى أصالة العدم ؟!حاشا ثم حاشا.

مع أنهم كثيرا ما يذكرون أن الظن يقوم مقام العلم فى الشرعيات عند تعذر العلم،و قد حكي عن السيد في بعض كلماته الاعتراف بالعمل بالظن عند تعذر العلم،بل قد ادعى فى المختلف في باب قضاء الفوائت الإجماع على ذلك.

الثاني:لزوم المخالفة القطعية الكثيرة

الثاني:أن الرجوع في جميع تلك الوقائع إلى نفي الحكم مستلزم للمخالفة القطعية الكثيرة،المعبر عنها في لسان جمع من مشايخنا بالخروج عن الدين،بمعنى أن المقتصر على التدين بالمعلومات التارك للأحكام المجهولة جاعلا لها كالمعدومة يكاد يعد خارجا عن الدين،لقلة المعلومات التي أخذ بها،و كثرة المجهولات التي أعرض عنها.و هذا أمر يقطع ببطلانه كل أحد بعد الالتفات إلى كثرة المجهولات،كما يقطع ببطلان الرجوع إلى نفي الحكم و عدم الالتزام بحكم أصلا لو فرض و العياذ باللّه انسداد باب

ص: 33

العلم و الظن الخاص في جميع الأحكام و انطماس هذا المقدار القليل من الأحكام المعلومة.

فيكشف بطلان الرجوع إلى البراءة عن وجوب التعرض لامتثال تلك المجهولات و لو على غير وجه العلم و الظن الخاص لا أن يكون تعذر العلم و الظن الخاص منشأ للحكم بارتفاع التكليف بالمجهولات، كما توهمه بعض من تصدى للإيراد على كل واحدة واحدة من مقدمات الانسداد.

نعم هذا إنما يستقيم في حكم واحد أو أحكام قليلة لم يوجد عليه دليل علمي أو ظني معتبر كما هو دأب المجتهدين بعد تحصيل الأدلة و الأمارات في أغلب الأحكام،أما إذا صار معظم الفقه أو كله مجهولا فلا يجوز أن يسلك فيه هذا المنهج.

و الحاصل:أن ترك أكثر الأحكام الفرعية بنفسه محذور مفروغ عن بطلانه،كطرح جميع الأحكام لو فرضت مجهولة،و قد وقع ذلك تصريحا أو تلويحا في كلام جماعة من القدماء و المتأخرين.

منهم:الصدوق فى الفقيه في باب الخلل الواقع فى الصلاة في ذيل أخبار سهو النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«فلو جاز ردّ هذه الأخبار الواردة في هذا الباب لجاز ردّ جميع الاخبار،و فيه إبطال للدين و الشريعة» (1) .انتهى.

(1)ظاهر كلام الصدوق قدّس سرّه المفروغية عن وجود الأدلّة على الأحكام و أن الاخبار من تلك الأدلة،لا عن وجوب التعرض لامتثال الأحكام لو فرض قصور الأدلّة عنها و خفائها بنحو التفصيل.

ص: 34

و منهم:السيد قدّس سرّه،حيث أورد على نفسه في المنع عن العمل بخبر الواحد و قال:«فإن قلت:إذا سددتم طريق العمل بأخبار الآحاد فعلى أي شيء تعولون فى الفقه كله ؟»فأجاب بما حاصله دعوى انفتاح باب العلم فى الأحكام.

و لا يخفى أنه لو جاز طرح الأحكام المجهولة و لم يكن شيئا منكرا لم يكن وجه للإيراد المذكور،إذ الفقه حينئذ ليس إلا عبارة عن الأحكام التي قام عليها الدليل و كان فيها معول،و لم يكن وقع أيضا للجواب بدعوى الانفتاح الراجعة إلى دعوى عدم الحاجة إلى أخبار الآحاد.

بل المناسب حينئذ الجواب بأن عدم المعول في أكثر المسائل لا يوجب فتح باب العمل بخبر الواحد.

و الحاصل:أن ظاهر السؤال و الجواب المذكورين التسالم و التصالح على أنه لو فرض الحاجة إلى أخبار الآحاد لعدم المعول في أكثر الفقه لزم العمل عليها و إن لم يقم عليه دليل بالخصوص،فإن نفس الحاجة إليها هي أعظم دليل بناء على عدم جواز طرح الأحكام (1) ،و من هنا ذكر السيد الصدر في شرح الوافية أن السيد قد اصطلح بهذا الكلام مع نعم كلمات العلامة و المقداد و غيرهما الآتية ظاهرة في عدم جواز إهمال الأحكام و الرجوع إلى البراءة لو فرض فقد الدليل.

(1)هذا لا يظهر من الكلام المتقدم،غاية ما يظهر منه لزوم وجود أدلّة يرجع إليها من دون خصوصية لخبر الواحد،فلا وجه لما يأتي من السيد الصدر.

ص: 35

المتأخرين (1) .

و منهم:الشيخ قدّس سرّه في العدة،حيث أنه بعد دعوى الإجماع على حجية أخبار الآحاد قال (2) ما حاصله:«أنه لو ادعى أحد أن دعوى عمل الامامية بهذه الاخبار كان لاجل قرائن انضمت إليها كان معولا على ما يعلم من الضرورة خلافه.ثم قال:

و من قال:إني متى عدمت شيئا من القرائن حكمت بما كان يقتضيه العقل يلزمه أن يترك أكثر الأخبار و أكثر الأحكام و لا يحكم فيها بشيء ورد الشرع به،و هذا حدّ يرغب أهل العلم عنه،و من صار إليه لا يحسن مكالمته،لأنه يكون معولا على ما يعلم ضرورة من الشرع خلافه»انتهى.

و لعمري أنه يكفي مثل هذا الكلام من الشيخ في قطع توهم جواز الرجوع إلى البراءة (3) عند فرض فقد العلم أو الظن الخاص في أكثر (1)لعل هذا إشارة إلى ما سبق في الوجه الثاني من وجوه تقرير الإجماع على حجية خبر الواحد و هو الإجماع حتى من السيد قدّس سرّه و أتباعه على وجوب الرجوع إليه في حال الانسداد الذي هو حاصل في الأعصر المتأخرة،و سبق الكلام فيه.

(2)تقدم نقل كلامه في الوجه الأول من وجوه نقل الإجماع على حجية خبر الواحد.

(3)لا يخفى أن الشيخ قدّس سرّه لم يتعرض للبراءة،إذ حكم العقل كما يكون بالبراءة يكون بالاحتياط ،فلا يبعد أن يكون نظره إلى المفروغية عن بطلان دعوى عدم حجية غير العلم.

اللهم إلا أن يستظهر منعه عن الرجوع إلى خصوص البراءة من قوله:«يلزمه أن يترك الأخبار و أكثر الأحكام».

ص: 36

الأحكام.

و منهم:المحقق في المعتبر،حيث قال في مسألة خمس الغوص في رد من نفاه مستدلا بأنه لو كان لنقل بالسنة:«قلنا أما تواترا فممنوع (1) ، و إلا لبطل كثير من الأحكام»انتهى.

و منهم:العلامة في نهج المسترشدين في مسألة إثبات عصمة الامام عليه السّلام،حيث ذكر أنه عليه السّلام لا بد أن يكون حافظا للأحكام،و استدل بأن الكتاب و السنة (2) لا يدلان على التفاصيل...إلى أن قال:«و البراءة الأصلية ترفع جميع الأحكام».

و منهم:بعض أصحابنا في رسالته المعمولة في علم الكلام المسماة بعصرة المنجود حيث استدل على عصمة الإمام عليه السّلام بأنه حافظ للشريعة، لعدم إحاطة الكتاب و السنة به...إلى أن قال:«و القياس باطل و البراءة الأصلية ترفع جميع الأحكام»انتهى.

و منهم:الفاضل المقداد في شرح الباب الحادي عشر،إلا أنه قال:

«إن الرجوع إلى البراءة الأصلية يرفع أكثر الأحكام».

و الظاهر ان مراد العلامة و صاحب الرسالة قدّس سرّهما من جميع الأحكام ما عدا المستنبط من الأدلة العلمية،لأن كثيرا من الأحكام ضرورية لا ترتفع بالأصل و لا يشك فيها حتى يحتاج إلى الامام عليه السّلام.

و منهم:المحقق الخوانساري فيما حكى عنه السيد الصدر في شرح (1)يعني:تمنع الملازمة بين وجود الحكم و ثبوته بالتواتر.

(2)يعني:النبوية.

ص: 37

الوافية،من أنه رجح الاكتفاء في تعديل الراوي بعدل مستدلا بعد مفهوم آية النبأ بأن اعتبار التعدد يوجب خلو أكثر الأحكام عن الدليل (1) .

و منهم:صاحب الوافية،حيث تقدم عنه الاستدلال على حجية أخبار الآحاد بأنا نقطع مع طرح أخبار الآحاد فى مثل الصلاة و الصوم و الزكاة و الحج و المتاجر و الأنكحة و غيرها بخروج حقايق هذه الأمور عن كونها هذه الأمور.

و هذه عبارة أخرى عن الخروج عن الدين الذي عبّر به جماعة من مشايخنا.

و منهم:بعض شراح الوسائل،حيث استدل على حجية أخبار الآحاد بأنه لو لم يعمل بها بطل التكليف،و بطلانه ظاهر.

و منهم:المحدث البحراني صاحب الحدائق،حيث ذكر في مسألة ثبوت الربا في الحنطة بالشعير خلاف الحلي في ذلك و قوله بكونهما جنسين، و أن الأخبار الواردة في اتحادهما آحاد لا يوجب علما و لا عملا قال في رده:

«إن الواجب عليه مع ردّ هذه الأخبار و نحوها من أخبار الشريعة هو الخروج عن هذا الدين إلى دين آخر» (2) .انتهى.

و منهم:العضدي تبعا للحاجبي،حيث حكى عن بعضهم الاستدلال على حجية خبر الواحد بأنه لولاها لخلت أكثر الوقائع عن (1)لا يبعد رجوعه إلى ما سبق من الصدوق و غيره،من المفروغية عن الحجية،لا بطلان الرجوع إلى البراءة على تقدير عدم الحجية.

(2)لا يبعد جريان ما سبق في كلام من عرفت فيه.

ص: 38

المدرك.ثم إنه و إن ذكر فى الجواب عنه أنا نمنع الخلو عن المدرك،لأن الأصل من المدارك،لكن هذا الجواب من العامة القائلين بعدم إتيان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بأحكام جميع الوقائع (1) .و لو كان المجيب من الامامية القائلين بإتمام الشريعة و بيان جميع الأحكام لم يجب بذلك.

و بالجملة:فالظاهر أن خلو أكثر الأحكام عن المدرك المستلزم للرجوع فيها إلى نفي الحكم و عدم الالتزام في معظم الفقه بحكم تكليفي كأنه أمر مفروغ البطلان (2) .

و الغرض من جميع ذلك الردّ على بعض من تصدى لرد هذه المقدمة و لم يأت بشيء عدا ما قرع سمع كل أحد من أدلة البراءة و عدم ثبوت (1)لا يخفى ان التزامهم بذلك لا ينافي توقفهم عن الرجوع إلى البراءة لكثرة الوقائع التي جاء النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بأحكامها و جهلت أحكامها تفصيلا بنحو يكون ترك امتثالها موجبا للخروج عن الدين.

و بالجملة:المدار في الخروج عن الدين على كثرة الأحكام المجهولة لا على استيعاب النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم لأحكام الوقائع.

و عليه فظاهر ما تقدم من العضدي عدم كون كثرة المخالفة محذورا مانعا من الرجوع إلى الأصل لو كان مراده منه البراءة،كما هو غير بعيد.

(2)هذا لا ينفع بعد فرض خلو أكثر الأحكام عن المدرك،كما هو مقتضى المقدمة الأولى،بل لا بد من إثبات أن الإهمال مع فرض عدم المدرك مفروغ عن بطلانه،فإن هذا هو المهم في المقدمة الثانية.

و الظاهر تمامية ذلك و إن قصرت عنه أكثر كلمات من تقدم لظهورها في المفروغية عن وجود المدرك،لا عن امتناع الاهمال مع فرض عدمه،كما تقدم.

ص: 39

التكليف إلا بعد البيان.و لم يتفطن أن مجراها في غير ما نحن فيه فهل يرى من نفسه إجراءها لو فرضنا و العياذ باللّه ارتفاع العلم بجميع الأحكام.

بل نقول:لو فرضنا أن مقلدا دخل عليه وقت الصلاة و لم يعلم من الصلاة عدا ما تعلم من أبويه بظن الصحة مع احتمال الفساد عنده احتمالا ضعيفا،و لم يتمكن من أزيد من ذلك،فهل يلتزم بسقوط التكليف عنه بالصلاة في هذه الحالة أو أنه يأتي بها على حسب ظنه الحاصل من قول أبويه (1) ، و المفروض أن قول أبويه مما لم يدل عليه دليل شرعي (2) ،فإذا لم تجد (1)لا يخفى أن وجوب اتيانه بالصلاة بالنحو المتيسر له معرفته مبني على منجزية العلم الإجمالي الذي يأتي فى الوجه الثالث،و لا يبتني على ما ذكره هنا من محذور لزوم الخروج عن الدين،لما هو المعلوم من أن عدم الاتيان بالصلاة في الفرض لا يستلزم ذلك فالاستشهاد به في غير محله.

و هو مع ذلك مبني على لزوم التبعيض فى الاحتياط عند تعذر الاحتياط التام، و لولاه كان المتعين البناء على عدم وجوب الاتيان بالصلاة في الفرض بلا محذور.

إلا أن يدعى امتناعه لأهمية الصلاة.لكنه مشكل.أو يثبت سقوط جزئية أو شرطية بعض الأمور بسبب الجهل بها من باب قاعدة الميسور.

لكنه لو تم موجب لخروج ذلك عما نحن فيه،للعلم بصحة ما يأتي به و وجوبه تفصيلا،فلا يصلح للتنظير.

و بالجملة:الحكم فيما نحن فيه أظهر من أن يستشهد له بهذا المثال الذي لا يخلو في نفسه عن الاشكال.

(2)هذا موقوف على كونه خارجا عن عموم دليل حجية خبر الثقة،و إذا أمكن البناء على حجيته،و إن كان لا يجوز الاقتصار عليه في مقام الفحص عن الأحكام،لوجوب استفراغ للوسع فيها و بذل الجهد،فإن ذلك لا ينافي حجية

ص: 40

من نفسك الرخصة في تجويز ترك الصلاة لهذا الشخص فكيف ترخص الجاهل بمعظم الأحكام في نفي الالتزام بشيء منها عدا القليل المعلوم أو المظنون بالظن الخاص،و ترك ما عداه و لو كان مظنونا بظن لم يقم على اعتباره دليل خاص ؟

بل الإنصاف أنه لو فرض-و العياذ باللّه-فقد الظن المطلق في معظم الأحكام كان الواجب الرجوع إلى الامتثال الاحتمالي بالتزام ما لا يقطع معه بطرح الأحكام الواقعية (1) .

الثالث:العلم الإجمالي بوجود الواجبات و المحرمات

الثالث:أنه لو سلمنا أن الرجوع إلى البراءة لا يوجب شيئا ممّا ذكر من المحذور البديهي،و هو الخروج من الدين،فنقول:إنه لا دليل على الرجوع إلى البراءة من جهة العلم الإجمالي بوجود الواجبات و المحرمات (2) ،فإن الحجة المتيسرة بنحو يلزم العمل عليها عند تعذر الوصول إلى غيرها و لو بسبب التقصير في مقدمات الفحص.

اللهم إلا أن يقال:البناء على حجية خبر الثقة مستلزم لحجية خبر الواحد الموجب لعدم تمامية المقدمة الأولى،و الكلام في هذه المقدمة بعد الفراغ عن تمامية ما قبلها.

(1)العمدة فيه استلزام الطرح لمحذور الخروج عن الدين الذي يعلم بعدم رضا الشارع الأقدس به.

(2)لكن يأتي إن شاء اللّه تعالى منافي المقدمة الثالثة أن ما دلّ على عدم وجوب الاحتياط التام-من الإجماع و دليل نفي العسر و غيرهما-موجب لسقوط العلم الإجمالي المذكور عن المنجزية،بناء على ما هو الحق من أن دليل الترخيص في بعض أطرافه لا يقتضي التصرف في قاعدة الاحتياط ،بل في التكاليف الواقعية

ص: 41

أدلتها (1) مختصة بغير هذه الصورة،و نحن نعلم إجمالا أن في المظنونات واجبات كثيرة و محرمات كثيرة.

و الفرق بين هذا الوجه و سابقه أن الوجه السابق كان مبنيا على لزوم المخالفة القطعية الكثيرة المعبر عنها بالخروج عن الدين،و هو محذور مستقل و إن قلنا بجواز العمل بالأصل في صورة لزوم مطلق المخالفة القطعية.

و هذا الوجه مبني على أن مطلق المخالفة القطعية غير جائز و أصل البراءة في مقابلها غير جار ما لم يصل المعلوم الإجمالي إلى حدّ الشبهة الغير المحصورة،و قد ثبت في مسألة البراءة أن مجراها الشك في أصل التكليف، لا الشك في تعيينه مع القطع بثبوت أصله،كما في ما نحن فيه.

فإن قلت:إذا فرضنا أن ظن (2) المجتهد أدى في جميع الوقائع إلى ما يوافق البراءة فما تصنع ؟ (3) .

قلت:

أولا:إنه مستحيل،لأن العلم الإجمالي بوجود الواجبات و المحرمات التي هي منشأ الحكم بالاحتياط ،و مع ارتفاعها لا يجب الاحتياط مطلقا و لا وجه لتبعيضه.و حينئذ لا يصلح العلم الإجمالي للاستدلال و المانعية من الرجوع إلى الأصول المرخصة.إلا على احتمال نذكره هناك.

(1)يعني:أدلة البراءة.

(2)يعني:الظن الشخصي في كل مسألة مسألة بعد النظر فيها بنفسها المفروض حجيته لو فرض تمامية مقدمات الانسداد.

(3)يعني:مع أنه يستلزم محذور مخالفة العلم الإجمالي المذكور.

ص: 42

الكثيرة في جملة الوقائع المشتبهة يمنع عن حصول الظن بعدم وجوب شيء من الوقائع المحتملة (1) للوجوب و عدم حرمة شيء من الوقائع المحتملة للتحريم،لأن الظن بالسالبة الكلية يناقض العلم بالموجبة الجزئية،فالظن بأنه لا شخص من العلماء بفاسق يناقض العلم إجمالا بأن بعض العلماء فاسق.

و ثانيا:إنه على تقدير الإمكان غير واقع،لأن الأمارات التي يحصل للمجتهد منها الظن فى الوقائع لا يخلو عن الأخبار المتضمن كثير منها لإثبات التكليف وجوبا و تحريما،فحصول الظن بعدم التكليف في جميع الوقائع أمر يعلم عادة بعدم وقوعه.

و ثالثا:لو سلمنا وقوعه لكن لا يجوز حينئذ العمل بعدم التكليف في (1)فإن الظن المذكور و إن كان قد يحصل في خصوص المسألة إلا أنه بملاحظة غيرها ممّا حصل فيه نفس الظن أيضا مع العلم بمخالفة أحد الظنين أو الظنون للواقع يرتفع الظن المذكور،للعلم بوجود خلل في سببه.

لكن هذا يبتني على أن مقتضى دليل الانسداد حجية خصوص الظن بالواقع،أما بناء على أن مقتضاه حجية الظن بالطريق أيضا-كما هو مختار المصنف قدّس سرّه على ما سيأتي في التنبيه الأول-فلا مانع عقلا من فرض قيام الطرق المظنونة الحجية على مفاد البراءة في معظم الفقه،لأن الطرق المظنونة الحجية لا توجب الظن الشخصي-حتى ينافي العلم الإجمالي المذكور بالنحو الذي ذكره المصنف قدّس سرّه- بل النوعي الذي لا ينافي العلم الاجمالي بثبوت الأحكام التكليفية.

اللهم إلا أن يقال:إن الظن النوعي المذكور بعد فرض أدائه إلى نفي التكليف لا يظن بحجيته في حقنا في فرض الانسداد،و إن ظن بحجيته في نفسه مع قطع النظر عن ذلك.و سيأتي من المصنف قدّس سرّه نظير هذا في المقدمة الثالثة.

ص: 43

جميع الوقائع لأجل (1) العلم الإجمالي المفروض،فلا بد حينئذ من التبعيض بين مراتب الظن بالقوة و الضعف،فيعمل في موارد الظن الضعيف بنفي (2) التكليف (3) بمقتضى الاحتياط ،و في موارد الظن القوي بنفي التكليف بمقتضى البراءة.و لو فرض التسوية في القوة و الضعف كان الحكم كما لو لم يكن ظن في شيء من تلك الوقائع من التخيير إن لم يتيسر لهذا الشخص الاحتياط ،و إن تيسر الاحتياط تعين الاحتياط في حق نفسه و إن لم يجز تقليده (4) .و لكن الظاهر أن ذلك مجرد فرض غير واقع،لأن الأمارات كثير منها مثبتة للتكليف.فراجع كتب الأخبار.

ثم إنه قد يرد الرجوع إلى أصالة البراءة-تبعا لصاحب المعالم و شيخنا البهائي في الزبدة-بأن اعتبارها من باب الظن،و الظن منتف في مقابل الخبر و نحوه من أمارات الظن.

و فيه:منع كون البراءة من باب الظن،كيف و لو كانت كذلك لم يكن (1)تعليل لقوله:«لا يجوز حينئذ...».

(2)متعلق بقوله:«الظن الضعيف...».

(3)متعلق بقوله:«فيعمل...».

(4)لم يتضح الوجه في عدم جواز تقليده،فإن الأدلة الشرعية للتقليد و إن قصرت عن شموله،بل عن شمول مطلق من انسد عنده باب العلم،لعدم دخوله في عناوين التقليد الشرعية،مثل أهل الذكر و العلماء و المتفقهين و غير ذلك،إلا أنه يكفي فيه سيرة العقلاء على رجوع الجاهل إلى العالم بعد عدم اختصاصها بالعالم بالأحكام الشرعية بل المراد بها العالم بطرق الأمان من العقاب التي منها الاحتياط في المقام.

ص: 44

دليل على اعتبارها،بل هو من باب حكم العقل القطعي بقبح التكليف من دون بيان (1) .

كلام المحقق القمي قدّس سرّه

و ذكر المحقق القمي رحمه اللّه في منع حكم العقل المذكور (2) أن حكم العقل إما أن يريد به الحكم القطعي أو الظني.

فإن كان الأول فدعوى كون مقتضى أصل البراءة قطعيا أول الكلام، كما لا يخفى على من لاحظ أدلة المثبتين و النافين من العقل و النقل.

سلمنا كونه قطعيا فى الجملة لكن المسلم إنما هو قبل ورود الشرع، و أما بعد ورود الشرع فالعلم بأن فيه أحكاما إجمالية على سبيل اليقين يثبطنا عن الحكم بالعدم قطعا،كما لا يخفى.

سلمنا ذلك،و لكن لا نسلم حصول القطع بعد ورود مثل الخبر الواحد الصحيح على خلافه (3) .

و إن أردا الحكم الظني-سواء كان بسبب كونه بذاته مفيد الظن، أو من جهة استصحاب الحالة السابقة-فهو أيضا ظن مستفاد من ظاهر (1)هذا لا ينافي افادة البراءة للظن،فتكون من الأمارات العقلية نظير ما قد يحتمل في الاستصحاب.فالعمدة في منع افادتها للظن إنها ليست من الأمارات ارتكازا و ليست متضمنة النظر للواقع و لا الحكاية عنه.

(2)و هو البراءة.

(3)يعني:فى الموارد الخاصة،فإن الخبر المذكور و إن لم يكن حجة إلا أنه يمنع من القطع بعدم الحكم.

ص: 45

الكتاب (1) و الأخبار (2) التي لم يثبت حجيتها بالخصوص (3) .مع أنه ممنوع بعد ورود الشرع،ثم بعد ورود الخبر الصحيح إذا حصل من خبر الواحد ظن أقوى منه.انتهى كلامه رفع مقامه.

المناقشة فيما أفاده المحقق القمي قدّس سرّه

و فيه:أن حكم العقل بقبح المؤاخذة من دون البيان حكم قطعي (4) ،لا اختصاص له بحال دون حال،فلا وجه لتخصيصه بما قبل ورود الشرع (5) ،و لم يقع فيه خلاف بين العقلاء،و إنما ذهب من ذهب إلى وجوب الاحتياط لزعم نصب الشارع البيان على وجوب الاحتياط (1)مثل قوله تعالى: وَ مٰا كُنّٰا مُعَذِّبِينَ حَتّٰى نَبْعَثَ رَسُولاً .

(2)مثل حديثي الرفع و السعة.

(3)اما الأخبار فلعدم تمامية أدلة حجيتها عنده.و أما ظاهر الكتاب المجيد فلدعوى عدم كوننا مقصودين بالافهام منه،و قد سبق عنه عدم حجية الظواهر في حق من لم يقصد بالافهام،فراجع ما سبق عنه في مبحث الظواهر.

(4)فإن المدعى القطع بعدم العقاب على التكاليف المجهولة،و إن كانت ثابتة فى الواقع أو مظنونا بها.نعم لو كان المدعى القطع بعدم الحكم واقعا في مورد فقد الدليل-الذي هو مقتضى قاعدة عدم الدليل دليل العدم-كان لما ذكره المحقق القمي قدّس سرّه وجه.فلاحظ .

(5)فإن ورود الشرع لا دخل فى الحكم المذكور.

نعم لو فرض تنجز العلم الإجمالي بوجود الأحكام بسبب ورود الشرع كان مانعا من الحكم المذكور.

لكنه يرجع إلى المانع الذي ذكره المصنف قدّس سرّه من الرجوع إلى البراءة، لا إلى عدم جريان البراءة ذاتا،لعدم القطع بارتفاع الحكم،كما يظهر من المحقق القمي قدّس سرّه.

ص: 46

من الآيات و الأخبار التي ذكروها.و أما الخبر الصحيح فهو كغيره من الظنون،إن قام دليل قطعي على اعتباره كان داخلا فى البيان و لا كلام في عدم جريان البراءة معه،و إلا فوجوده كعدمه غير مؤثر فى الحكم العقلي.

و الحاصل:أنه لا ريب لأحد فضلا من الاختلاف[عن أنه لا خلاف خ.ل]في أنه على تقدير عدم بيان التكليف بالدليل العام أو الخاص (1) فالأصل البراءة،و حينئذ فاللازم إقامة الدليل على كون الظن المقابل بيانا.

و مما ذكرنا ظهر صحة دعوى الإجماع على أصالة البراءة في المقام، لأنه إذا فرض عدم الدليل على اعتبار الظن المقابل صدق قطعا عدم البيان، فتجري البراءة.

و ظهر فساد دفع أصل البراءة بأن المستند فيها إن كان هو الإجماع فهو مفقود في محل البحث،و إن كان هو العقل فمورده صورة عدم الدليل،و لا نسلم عدم الدليل مع وجود الخبر (2) .

و هذا الكلام خصوصا الفقرة الأخيرة منه ممّا يضحك الثكلى،فإن عدم ثبوت كون الخبر دليلا يكفي في تحقق مصداق القطع بعدم الدليل (1)الدليل العام عبارة عن مثل دليل وجوب الاحتياط مع الشك في التكليف لو فرض تماميته،و الدليل الخاص عبارة عن الأدلة الخاصة الدالّة على وجود التكاليف الواقعية في مورد الشك.

(2)لاحتمال حجيته واقعا،لوضوح عدم كونه ممّا يقطع بعدم حجيته كالقياس،و إن تقدمت دعوى ذلك في كلام السيد المرتضى قدّس سرّه.

ص: 47

الذي هو مجرى البراءة (1) .

و اعلم أن الاعتراض على مقدمات دليل الانسداد بعدم استلزامها العمل بالظن،لجواز الرجوع إلى البراءة و إن كان قد أشار إليه صاحب المعالم و صاحب الزبدة،و أجابا عنه بما تقدم،-مع (2) رده-من (3) أن أصالة البراءة لا يقاوم الظن الحاصل من خبر الواحد،إلا أن أول من شيد الاعتراض به و حرره لا من باب الظن (4) هو المحقق المدقق جمال الدين قدّس سرّه في حاشية،حيث قال:

كلام المحقق جمال الدين الخوانساري قدّس سرّه

«يرد على الدليل المذكور أن انسداد باب العلم بالأحكام الشرعية غالبا لا يوجب جواز العمل بالظن،حتى يتجه ما ذكره.

و لجواز أن لا يجوز العمل بالظن.فكل حكم حصل العلم به من ضرورة أو إجماع نحكم به،و ما لم يحصل العلم به نحكم فيه بأصالة البراءة،لا لكونها مفيدة للظن (5) ،و لا للإجماع على وجوب التمسك (1)إذ ليس المراد من عدم الدليل الذي هو موضوع القضية العقلية هو عدم الدليل المجعول من الشارع واقعا،بل عدم ما يعلم بكونه حجة للشارع واقعا،بل عدم ما يعلم بكونه حجة للشارع يصح الاعتماد عليه في معرفة أحكامه،و كل ما لم يثبت حجيته يعلم بعدم كونه دليلا بهذا المعنى،فيتحقق في مورده موضوع أصل البراءة العقلي.

(2)متعلق بقوله:«تقدم».و المراد منه الرد الذي تقدم من المصنف قدّس سرّه.

(3)بيان للموصول في قوله:«بما تقدم».

(4)يعني:حرر وجوب الرجوع إلى البراءة لا من باب أنه مفيد الظن.

(5)يعني:كي يتوجه ما سبق من انها لا تفيد الظن مع وجود الخبر.

ص: 48

بها (1) ،بل لأن العقل يحكم بأنه لا يثبت تكليف علينا إلا بالعلم به، أو بظن يقوم على اعتباره دليل يفيد العلم،ففيما انتفى الأمران فيه يحكم العقل ببراءة الذمة عنه و عدم جواز العقاب على تركه،لا لأن (2) الأصل المذكور يفيد ظنا بمقتضاها حتى يعارض بالظن الحاصل من أخبار الآحاد بخلافها بل لما ذكرنا من حكم العقل بعدم لزوم شيء علينا ما لم يحصل العلم لنا و لا يكفي الظن به.و يؤيده ما ورد من النهي عن اتباع الظن.

و على هذا ففي ما لم يحصل العلم به على أحد الوجهين (3) و كان لنا مندوحة عنه كغسل الجمعة فالخطب سهل إذ نحكم بجواز تركه بمقتضى الأصل المذكور.

و أما فيما لم يكن مندوحة عنه (4) -كالجهر بالبسملة و الإخفات بها في الصلاة الإخفاتية التي قال بوجوب كل منهما قوم و لا يمكن لنا ترك التسمية (5) -فلا محيص لنا عن الإتيان بأحدهما فنحكم بالتخيير فيها (6) ، لثبوت وجوب أصل التسمية و عدم ثبوت وجوب الجهر و الإخفات،فلا (1)يعني:كي يتوجه ما سبق من عدم الإجماع عليها مع وجود الخبر.

(2)لعلّه تعريض بصاحب المعالم قدّس سرّه.

(3)يعني بقيام دليل يوجب العلم،أو بقيام دليل يوجب الظن قام الدليل العلمي على اعتباره.

(4)يعني:للعلم بوجوب شيء مع الشك في كيفيته.

(5)للقطع بوجوبها من حيث كونها جزءا من السورة الواجبة.

(6)لا وجه للتخيير،بل اللازم الاحتياط بتكرار البسملة أو الصلاة خروجا عن العلم الإجمالي المنجز بوجوب أحد الأمرين،كما حقق في محله.

ص: 49

حرج لنا في شيء منهما.و على هذا فلا يتم الدليل المذكور،لأنا لا نعمل بالظن أصلا»انتهى كلامه رفع مقامه.

و قد عرفت أن المحقق القمي قدّس سرّه قد أجاب عنه بما لا يسلم عن الفساد.فالحق رده بالوجوه الثلاثة المتقدمة (1) .

المناقشة فيما أفاده الخوانساري قدّس سرّه

ثم إن ما ذكره من التخلص عن العمل بالظن بالرجوع إلى البراءة لا يجري في جميع الفقه،إذ قد يتردد الأمر بين كون المال لأحد شخصين، كما إذا شك في صحة بيع المعاطاة،فتبايع بها اثنان فإنه لا مجرى هنا للبراءة، لحرمة تصرف كل منهما على تقدير كون المبيع ملك صاحبه (2) .و كذا في (1)و هي الإجماع على عدم جواز الرجوع إلى البراءة،و كثرة المخالفة من الرجوع إليها بنحو يستلزم الخروج عن الدين،و العلم الإجماعي بثبوت التكاليف في الشريعة لمانع من الرجوع للبراءة.

و ما يظهر من جمال الدين من الرجوع للتخيير مع العلم الإجمالي كما في الجهر و الاخفات في التسمية في غير محله كما عرفت.

(2)و لا أصل يقتضي إباحة التصرف لكلّ منهما.

اللهم إلا أن يقال:إن جرى الأصل الموضوعي،و هو أصالة عدم ترتب الأثر- كما سيشير إليه المصنف قدّس سرّه-كان هو المرجع،و إلاّ تعين جريان الأصول الحكمية، كاستصحاب حرمة التصرف لكل منهما فيما كان يحرم عليه التصرف فيه و استصحاب جوازه فيما كان يجوز له التصرف فيه و لو فرض قصور دليل الاستصحاب-أو عدم الدليل عليه-تعين الرجوع إلى البراءة بعد فرض عدم مانعية العلم الإجمالي منه،كما هو مبنى مثل المحقق جمال الدين قدّس سرّه على ما يظهر من كلامه السابق.

نعم قد لا يمكن الرجوع إلى كلا الأصلين،كما لو تردد المال الموروث بين شخصين،فإن مقتضى الأصل عدم تملك كل منهما له و عدم جواز التصرف من كل

ص: 50

الثمن و لا معنى للتخيير أيضا،لأن كلا منهما يختار مصلحته و تخيير الحاكم هنا لا دليل عليه.

مع أن الكلام في حكم الواقعة،لا في علاج الخصومة.

اللهم إلا أن يتمسك في أمثاله بأصالة عدم ترتب الأثر،بناء على أن أصالة العدم من الأدلة الشرعية (1) ،فلو أبدل في الإيراد أصالة البراءة بأصالة العدم كان أشمل.

و يمكن أن يكون هذا الأصل-يعني-أصل الفساد و عدم التملك و أمثاله-داخلا في المستثنى في قوله:«لا يثبت تكليف علينا إلا بالعلم أو بظن يقوم على اعتباره دليل يفيد العلم»بناء على أن أصل العدم من الظنون الخاصة التي قام على اعتبارها الإجماع و السيرة،إلا أن يمنع قيامهما على اعتباره عند اشتباه الحكم الشرعي مع وجود الظن على خلافه.

و اعتباره من باب الاستصحاب-مع ابتنائه على حجية الاستصحاب فى الحكم الشرعي (2) -رجوع إلى الظن العقلي (3) أو الظن الحاصل من منهما فيه،فلا بد من الرجوع إلى القواعد المقررة فى المال المشتبه بين شخصين من قسمته بينهما أو الاقراع بينهما عليه أو غير ذلك.

(1)يعني:مع قطع النظر عن اخبار الاستصحاب،اما لو ابتنى عليها جرى فيه الكلام الآتي.

(2)فإنه محل الكلام عند القائلين بالاستصحاب.

(3)هذا لا يهم لو فرض كون الظن العقلي المذكور معلوم الحجية،لأنه يكون من الظن الخاص.

ص: 51

أخبار الآحاد (1) الدالة على الاستصحاب.

اللهم إلا أن يدعي تواترها و لو إجمالا،بمعنى حصول العلم بصدور بعضها إجمالا فيخرج عن خبر الآحاد،و لا يخلو عن تأمل،و كيف كان ففي الأجوبة المتقدمة-و لا أقل من الوجه الأخير (2) -غنى و كفاية إن شاء اللّه تعالى.

المقدمة الثالثة:بطلان وجوب تحصيل الامتثال بالطرق المقررة للجاهل
اشارة

و أما المقدمة الثالثة:

ففي بيان بطلان وجوب تحصيل الامتثال بالطرق المقررة للجاهل (1)يعني:و المفروض عدم حجيتها.

(2)و هو العلم الإجمالي.

و كأن خصوصيته لأنه من الوجوه العلمية البرهانية،و ليس كالوجهين الأولين-و هما الإجماع و لزوم الخروج عن الدين-من الأدلة اللبية التي قد يمنعها المتعسف و ينكر حصول القطع منها.

لكن سيأتي منا إن شاء اللّه تعالى فى المقدمة الثالثة أن ما دلّ على عدم وجوب الاحتياط التام-من الإجماع و غيره-موجب لسقوط العلم الإجمالي المذكور بناء على ما هو الحق من أن دليل الترخيص فى البعض لا يقتضي التصرف في قاعدة الاحتياط ، بل في التكاليف الشرعية الواقعية التي هي منشأ الحكم بالاحتياط ،و مع ارتفاعها لا يجب الاحتياط مطلقا،و لا وجه لتبعيض الاحتياط .و حينئذ فلا يصلح العلم الإجمالي للمانعية من الرجوع للأصول المرخصة،إلا على احتمال نذكره هناك.

و لو لاه يتعين التمسك في نفي الرجوع بالبراءة بالوجه الثاني الكاشف عن بقاء الأحكام و تنجيزها بالطريق المتيسر و هو الظن.و أما الأول-و هو الإجماع-فقد عرفت رجوعه لأحد الوجهين الأخيرين.

و بالجملة:عمدة الوجوه فى المقام هو الثاني.فلاحظ و تأمل جيدا.

ص: 52

من الاحتياط (1) ،أو الرجوع في كل مسألة إلى ما يقتضيه الأصل في تلك المسألة (2) ،أو الرجوع إلى فتوى العالم بالمسألة و تقليده فيها،فنقول:

إن كلا من هذا الأمور الثلاثة و إن كان طريقا شرعيا فى الجملة لامتثال الحكم المجهول،إلا أن منها ما لا يجب في المقام،و منها ما لا يجري.

عدم وجوب الاحتياط لوجهين:
اشارة

و أما الاحتياط فهو و إن كان مقتضى الأصل و القاعدة العقلية و النقلية (3) عند ثبوت العلم الإجمالي بوجود الواجبات و المحرمات،إلا أنه فى المقام-أعني صورة انسداد باب العلم في معظم المسائل الفقهية-غير واجب لوجهين:

الأول:الإجماع القطعي

أحدهما:الإجماع القطعي على عدم الوجوب في المقام،لا بمعنى أن أحدا من العلماء لم يلتزم بالاحتياط في كل الفقه أو جله (4) ،حتى يرد عليه أن عدم التزامهم به إنما هو لوجود المدارك المعتبرة عندهم للأحكام،فلا يقاس عليهم من لا يجد مدركا في المسألة،بل بالمعنى الذي تقدم نظيره في (1)يعني:الاحتياط في تمام الشبهات التكليفية عند الانسداد.

(2)يعني:مع قطع النظر عن العلم الإجمالي بوجود التكاليف في جميع المسائل فتنظر كل مسألة بنفسها مع قطع النظر عن غيرها فاما أن تكون مجرى البراءة أو الاحتياط أو الاستصحاب و قد سبق منا في صدر المقدمة الثانية أن اللازم ذكر هذا في تلك المقدمة لا هنا.

(3)الأدلة النقلية و إن دلت على وجوب الاحتياط إلا أنها منزلة على الارشاد إلى حكم العقل بوجوبه،فوجوبه عقلي لا شرعي.

(4)و مرجعه إلى دعوى الإجماع العملي الذي هو عبارة عن سيرة العلماء نظير سيرتهم على العمل بالظواهر.

ص: 53

الإجماع على عدم الرجوع إلى البراءة.

و حاصله دعوى الإجماع القطعي على أن المرجع في الشريعة على تقدير انسداد باب العلم في معظم الأحكام و عدم ثبوت حجية أخبار الآحاد رأسا أو باستثناء قليل هو في جنب الباقي كالمعدوم ليس (1) هو الاحتياط فى الدين و الالتزام بفعل كل ما يحتمل الوجوب و لو موهوما و ترك كل ما يحتمل الحرمة كذلك.

و صدق هذه الدعوى مما يجده المنصف من نفسه بعد ملاحظة قلة المعلومات،مضافا إلى ما يستفاد من أكثر كلمات العلماء المتقدمة في بطلان الرجوع إلى البراءة و عدم التكليف في المجهولات فإنها واضحة الدلالة على أن بطلان الاحتياط كالبراءة مفروغ عنه (2) .فراجع.

الثاني:لزوم العسر و الحرج
اشارة

الثاني:لزوم العسر الشديد و الحرج الأكيد في التزامه،لكثرة ما يحتمل موهوما وجوبه،خصوصا أبواب الطهارة و الصلاة (3) فمراعاته مما (1)خبر لقوله:«أن المرجع في الشريعة...».و هذا مرجعه إلى الإجماع الارتكازي،الذي يقطع معه بالحكم.نعم لا يبعد رجوع هذا الإجماع إلى الوجه الآتي،فيكون مبنيا عليه،لا أنه إجماع تعبدي في قباله ليصح الاعتماد عليه لو فرض قصور الوجه المذكور.

(2)لأن تعليلهم حجية أخبار الآحاد بأنه لولاها لزم إبطال الدين مبني على المفروغية عن عدم وجوب الاحتياط على تقدير عدم الحجية،إذ لو وجب لم يبطل الدين و لم تعطل الأحكام.

(3)لكثرة الابتلاء بهما و كثرة الفروع التي هي مورد الشبهات و صعوبة الاحتياط في كثير منها.

ص: 54

يوجب الحرج و المثال لا يحتاج إليه.فلو بنى العالم الخبير بموارد الاحتياط فيما لم ينعقد عليه إجماع قطعي أو خبر متواتر (1) على الالتزام بالاحتياط في جميع أموره يوما و ليلة لوجد صدق ما ادعيناه.

هذا كله بالنسبة إلى نفس العمل بالاحتياط .

و أما تعليم المجتهد موارد الاحتياط لمقلده،و تعلم المقلد موارد الاحتياطات الشخصية،و علاج تعارض الاحتياطات،و ترجيح الاحتياط الناشئ عن الاحتمال القوي على الاحتياط الناشئ عن الاحتمال الضعيف (2) .فهو أمر مستغرق لاوقات المجتهد و المقلد،فيقع الناس من جهة تعليم هذه الموارد و تعلمها في حرج يخل بنظام معاشهم و معادهم.

توضيح ذلك:أن الاحتياط في مسألة التطهير بالماء المستعمل في رفع الحدث الاكبر ترك التطهير.لكن قد يعارضه في الموارد الشخصية احتياطات أخرى،بعضها أقوى منه،و بعضها أضعف،و بعضها مساو، فإنه قد يوجد ماء آخر للطهارة و قد لا يوجد معه إلا التراب،و قد لا يوجد من مطلق الطهور غيره فإن الاحتياط فى الأول هو الطهارة من ماء آخر لو لم يزاحمه الاحتياط من جهة أخرى،كما إذا كان قد أصابه (3) ما (1)أو ظن خاص صالح للعمل بنفسه،لوفائه بالحكم بتمام ما يتعلق به من شرائط و غيرها.

(2)بناء على لزوم الترجيح بين الاحتياطين بقوة الاحتمال،لا التخيير بينهما، و لا تساقطهما.

(3)يعني أصاب الماء الآخر.

ص: 55

لم ينعقد الإجماع على طهارته (1) ،و في الثاني هو الجمع بين الطهارة المائية و الترابية إن لم يزاحمه ضيق الوقت.

و في الثالثة الطهارة من ذلك المستعمل و الصلاة إن لم يزاحمه أمر آخر واجب أو محتمل الوجوب (2) .

فكيف يسوغ للمجتهد أن يلقي إلى مقلده أن الاحتياط في ترك الطهارة بالماء المستعمل مع كون الاحتياط في كثير من الموارد استعماله فقط أو الجمع بينه و بين غيره.

و بالجملة:فتعليم موارد الاحتياط الشخصية و تعلمها فضلا عن العمل بها أمر يكاد يلحق بالمتعذر و يظهر ذلك بالتأمل فى الوقائع الاتفاقية.

فإن قلت:لا يجب على المقلد متابعة هذا الشخص الذي أدى نظره إلى انسداد باب العلم في معظم المسائل و وجوب الاحتياط ،بل يقلد غيره (3) .

قلت:مع أن لنا أن نفرض انحصار المجتهد فى هذا الشخص (4) أن (1)حيث يصير التطهير بكلا الماءين خلاف الاحتياط من جهة.

(2)فإنه لو علم بجواز استعماله فى التطهير لكان قادرا بسببه على الصلاة، و الصلاة أهم من جميع الواجبات فتقدم مع المزاحمة،أما مع الشك في جواز استعماله فلا يعلم بأهمية الاشتغال به و بالصلاة من ذلك الواجب،لاحتمال عدم مشروعية الصلاة معه،بناء على عدم مشروعيتها لفاقد الطهورين.

(3)و حينئذ فلا يلزم الاحتياط الا في حق الشخص نفسه و قد لا يلزم من ذلك عسر شديد.

(4)هذا إنما يصلح جوابا لو كان الوجه فى دعوى عدم وجوب تقليد مثل

ص: 56

هذا المجتهد هو عدم الانحصار به المقتضي للتخيير بينه و بين غيره من دون أن يتعين.

بل يكفي حينئذ فى الجواب فرض المجتهد المذكور اعلم من غيره الموجب لتعينه مع وجود غيره،و لا حاجة لفرض الانحصار به.أما لو كان الوجه في عدم وجوب تقليده قصور أدلة التقليد الشرعية عن شموله لو تحت دعوى فقده للعناوين المعتبرة فيها كالفقهاء و أهل الذكر و نحوهما ممّا أخذ في أدلة التقليد،فإنها لا تشمل مثله ممّن لم يتيسر له معرفة الأحكام بعلم و لا علمي،بل يتعين الرجوع إلى غيره ممّن تنطبق عليه العناوين المذكورة فانحصار المجتهد به لا يقتضي تعين الرجوع إليه،لعدم شمول أدلة الحجية له،بل يتعين على العامي تحصيل الامتثال بطريق آخر غير التقليد.

اللهم إلا أن يقال:مع وجود غيره ممّن يرى الانفتاح يتعين تقليد ذلك الغير عملا بأدلة التقليد الشرعية.أما مع فقد الغير و انحصار الأمر بالشخص المذكور فيتعين إهمال الأدلة الشرعية،لعدم تحقق موضوعها،و يتعين الرجوع إليه حينئذ بمقتضى السيرة العقلائية الارتكازية على رجوع الجاهل إلى العالم،إذ لا يراد به العالم بالأحكام الشرعية-كي لا يشمل الشخص المذكور-بل العالم بطرق الامتثال المؤمنة من العقاب،لأن ذلك هو هم العقلاء و غرضهم من التقليد،فهو في رتبة متأخرة عن غيره لا يجوز الرجوع إليه الا مع فقد الغير ممّن يرى الانفتاح.

لكن قد يدعى أن بعد إهمال أدلة التقليد الشرعية لفرض انحصار المجتهد بالشخص المذكور لا يتعين الرجوع إليه،بل يتعين تقليد الميت القائل بالانفتاح،فإن إهمال قيد الحياة أهون من اهمال العناوين المعتبرة فى الأدلة المذكورة كلية.

هذا و لكن التحقيق أن رجوع العامي إلى المجتهد ليس بمقتضى الأدلة الشرعية لعدم إحاطته بمقتضاها،بل بمقتضى السيرة الارتكازية المذكورة المقتضية للالزام بالرجوع إلى هذا الشخص مع كونه أعلم،بل مع مساواته لغيره لكون قوله أحوط فإن الظاهر ان التعيين بذلك مقتضى الارتكاز العقلائي.

ص: 57

كلامنا فى حكم اللّه سبحانه بحسب اعتقاد هذا المجتهد الذي اعتقد انسداد باب العلم و عدم الدليل على ظن خاص يكتفى به في تحصيل غالب الأحكام،و أن (1) من يدعي وجود الدليل على ذلك فإنما نشأ اعتقاده مما لا ينبغي الركون إليه و يكون الركون إليه جزما في غير محله،فالكلام في أن حكم اللّه تعالى على تقدير انسداد باب العلم و عدم نصب الطريق الخاص لا يمكن أن يكون هو الاحتياط بالنسبة للعباد،للزوم الحرج البالغ حدّ اختلال النظام.

و لا يخفى أنه لا وجه لدفع هذا الكلام بأن العوام يقلدون مجتهدا إن قلت:إذا رجع العامي للشخص المذكور وجب عليه أن يفتي له بالرجوع إلى غيره ممّن يرى الانفتاح،عملا بالادلة الشرعية،كما هو الحال في جميع ما تقتضيه الأدلة الشرعية من شروط المفتي و لا تقتضيه السيرة،كالذكورة مثلا فإن العامي لو قلد المرأة بمقتضى السيرة العقلائية لزم عليها أن تفتي له بالعدول عنها إلى الرجل عملا بأدلة اعتبار الذكورة.

قلت:يمكن فرض الشخص المذكور ممّن لا يرى مقتضى أدلة التقليد الشرعية المشار إليها و لو لعدم ثبوت حجيتها عنده،فكيف يفتي العامي بمضمونها مع انه يرى غيره مخطئا في دعوى الانفتاح و جاهلا بالأحكام الشرعية،فلا يرى للأدلة الشرعية موضوعا يجب الرجوع إليه،بل يلزم عنده العمل بمقتضى السيرة المعينة لتقليد نفسه،نعم لو فرض كون المقلد مجتهدا بنفسه في خصوص مسائل التقليد بحيث ثبت عنده لزوم العمل بمقتضى الأدلة الشرعية المذكورة تعين عليه أن لا يقلد القائل بالانسداد مع وجود من يرى الانفتاح لكنه فرض نادر،ليس موردا لكلماتهم فى المقام.فلاحظ .

(1)عطف على قوله:«انسداد باب العلم».

ص: 58

غير هذا (1) قائلا بعدم انسداد باب العلم أو بنصب الطرق الظنية الوافية بأغلب الأحكام،فلا يلزم عليهم حرج و ضيق.

ثم إن هذا كله مع كون المسألة في نفسها مما يمكن فيه الاحتياط و لو بتكرار العمل في العبادات،أما مع عدم إمكان الاحتياط -كما لو دار المال بين صغيرين يحتاج كل واحد منهما إلى صرفه عليه فى الحال (2) و كما في المرافعات (3) -فلا مناص عن العمل بالظن (4) .

و قد يورد على إبطال الاحتياط بلزوم الحرج بوجوه لا بأس بالإشارة إلى بعضها:

منها:النقض بما لو أدى اجتهاد المجتهد و عمله بالظن إلى فتوى يوجب الحرج،كوجوب الترتيب بين الحاضرة و الفائتة لمن عليه فوائت كثيرة،أو وجوب الغسل على مريض أجنب متعمدا و إن أصابه من المرض (1)كأنه لأن المجتهد المذكور لما كان يرى خطأ غيره في دعوى الانفتاح فهو يرى أن تقليد العوام له في غير محله و إن لازمهم العمل بما يراه هو من الاحتياط ، و حينئذ يمتنع عليه أن يرى لزوم عمل الناس بالاحتياط مع استلزامه اختلاف النظام،و إن لم يلزم فعلا لعدم متابعة الناس له و تقليدهم لغيره عن عذر أولا عن عذر.

(2)إذ لو لم يحتاجا إليه أمكن الاحتياط بانتظار بلوغهما و التصالح بينهما.

(3)لعدم ارتفاع الخصومة بالالزام بالاحتياط بعد عدم امكان حكم الحاكم اعتمادا عليه.لكن قد يتعين حينئذ إجراء حكم المال المشتبه بين شخصين،كما أشرنا إليه في آخر المقدمة الثانية.

(4)لكن هذا يقتضي حجية الظن في خصوص تلك المسائل لا مطلقا.

ص: 59

ما أصابه،كما هو قول بعض أصحابنا و كذا لو فرضنا أداء ظن المجتهد إلى وجوب أمور كثيرة يحصل العسر بمراعاتها.

و بالجملة:فلزوم الحرج من العمل بالقواعد لا يوجب الإعراض عنها،و فيما نحن فيه إذا اقتضى القاعدة رعاية الاحتياط لم يرفع اليد عنها للزوم العسر.

و الجواب:أن ما ذكر في غاية الفساد،لأن مرجعه إن كان إلى منع نهوض أدلة نفي الحرج للحكومة (1) على مقتضيات القواعد و العمومات و تخصيصها بغير صورة لزوم الحرج،فينبغي أن ينقل الكلام في منع ثبوت قاعدة الحرج،و لا يخفى أن منعه في غاية السقوط ،لدلالة الأخبار المتواترة معنى عليه مضافا إلى دلالة ظاهر الكتاب.

و الحاصل:أن قاعدة نفي الحرج ممّا ثبتت بالأدلة الثلاثة،بل الأربعة في مثل المقام،لاستقلال العقل بقبح التكليف بما يوجب اختلال نظام أمر المكلف.نعم هي في غير ما يوجب الاختلال قاعدة ظنية تقبل الخروج عنها بالأدلة الخاصة المحكمة و إن لم تكن قطعية.

(1)يظهر من المصنف قدّس سرّه أن عدم وجوب الاحتياط في المقام مبني على قاعدة نفي الحرج،و لا يبعد أن يكون مبتنيا على ما يستفاد من الأدلّة و سليقة الشارع الأقدس من عدم تشريع الأحكام التي يلزم منها الحرج نوعا،و الفرق بين الوجهين أن الأول موقوف على لزوم الحرج الشخصي و دائر مداره،فلو فرض عدم لزومه في حق شخص،و لو لقلة ابتلائه بموارد الاحتياط ،فلا مجال لسقوط الاحتياط في حقه،و الثاني غير موقوف على ذلك،بل يقتضي عدم تشريع الاحتياط حتى في حق الشخص المذكور و الأمر محتاج إلى التأمل.

ص: 60

حكومة أدلة نفي الحرج على العمومات المثبتة للتكليف

و أما القواعد و العمومات المثبتة للتكليف فلا إشكال بل لا خلاف في حكومة أدلة نفي الحرج عليها،لا لأن النسبة بينهما عموم من وجه فيرجع إلى أصالة البراءة (1) -كما قيل-أو إلى المرجحات الخارجية المعاضدة لقاعدة نفي الحرج-كما زعم-بل لأن أدلة نفي العسر و الحرج بمدلولها اللفظي حاكمة على العمومات المثبتة للتكليف (2) ،فهي بالذات مقدمة عليها.

و هذا هو السر في عدم ملاحظة الفقهاء المرجح الخارجي (3) ،بل يقدمونها من غير مرجح خارجي.

نعم جعل بعض متأخري المتأخرين عمل الفقهاء بها في الموارد من (1)الموافقة لمقتضى قاعدة نفي الحرج عملا.

(2)لظهور بعض أدلتها في النظر إلى الأحكام الأولية،و دفعها بعد فرض وجود المقتضي لها،كما قد يظهر من مثل رواية عبد الأعلى مولى آل سام الآتية،فإن نظر أحد الدليلين إلى حكم الآخر موجب لحكومته عليه و تقديمه عرفا.

مضافا إلى أن تقديم قاعدة نفي الحرج على عمومات الأحكام الأولية لا يوجب إلغاء أدلة تلك الأحكام بالمرة،و إنما يوجب التصرف فيها بحملها على غير موارد الحرج،أما تقديم العمومات على أدلة القاعدة فهو موجب لالغاء القاعدة بالمرة،إذ لا يبقى لها مورد.و مثل ذلك موجب لتقديم القاعدة.

و أما احتمال تقديم القاعدة على بعض العمومات دون بعض فهو ترجيح بلا مرجح عرفا،لاتحاد النسبة عرفا بين جميع العمومات و القاعدة بنحو يرى العرف لزوم تقديمها على الجميع لو فرض تقديمها على البعض.

(3)الذي هو اللازم في سائر موارد تعارض العامين من وجه.

ص: 61

المرجحات لتلك القاعدة،زعما منه أن عملهم لمرجح توقيفي اطلعوا عليه و اختفى علينا،و لم يشعر أن وجه التقديم كونها حاكمة على العمومات.

و مما يوضح ما ذكرنا-و يدعو إلى التأمل في وجه التقديم المذكور في محله،و يجوب الإعراض عما زعمه غير واحد من وقوع التعارض بينها و بين سائر العمومات فيجب (1) الرجوع إلى الأصول و المرجحات- ما رواه (2) عبد الأعلى مولى آل سام في من عثر فانقطع ظفره فجعل عليه مرارة فكيف يصنع بالوضوء فقال عليه السّلام:«يعرف هذا و أشباهه من كتاب اللّه:ما جعل عليكم فى الدين من حرج امسح عليه».

فإن في إحالة الإمام عليه السّلام لحكم هذه الواقعة إلى عموم نفي الحرج و بيان أنه ينبغي أن يعلم منه أن الحكم في هذه الواقعة المسح (3) فوق المرارة مع معارضة العموم المذكور بالعمومات الموجبة للمسح على البشرة،دلالة (4) واضحة على حكومة عمومات نفي الحرج بأنفسها على العمومات المثبتة للتكاليف من غير حاجة إلى ملاحظة تعارض و ترجيح فى البين.فافهم.

(1)تفريع على قوله:«وقوع التعارض بينها».

(2)مبتدأ خبره:«و ممّا يوضح...».

(3)الظاهر أن استدلال الإمام عليه السّلام بالقاعدة لبيان عدم وجوب مسح البشرة، لا لبيان وجوب مسح المرارة،كما تقدم توضيحه في مبحث حجية ظواهر الكتاب عند تعرض المصنف قدّس سرّه للرواية.

(4)اسم مؤخر ل (إن)في قوله:«فإن في إحالة...».

ص: 62

و إن كان (1) مرجع ما ذكره إلى أن التزام العسر إذا دل عليه الدليل لا بأس به،كما في ذكر من المثال (2) و الفرض (3) .ففيه:ما عرفت (4) من أنه لا يخصص تلك العمومات إلا ما يكون أخص منها،معاضدا (5) بما يوجب قوته على تلك العمومات الكثيرة الواردة في الكتاب و السنة، و المفروض أنه ليس في المقام إلا قاعدة الاحتياط (6) التي قد رفع اليد عنها (1)معطوف على الشرط في قوله آنفا:«لأن مرجعه إن كان إلى منع نهوض...».

(2)و هو ما لو أدى ظن المجتهد إلى وجوب الترتيب بين الحاضرة و الفائتة لمن عليه فوائت كثيرة،أو وجوب الغسل على من أجنب متعمّد و إن أصابه من المرض ما أصابه.

(3)و هو ما لو أدى ظن المجتهد إلى امور كثيرة يحصل العسر بمراعاتها.

(4)حيث تقدم أن قاعدة نفي العسر في غير ما يوجب اختلال النظام قاعدة ظنية تقبل الخروج عنها بالأدلة الخاصة.

(5)لم يتضح الوجه فى الحاجة إلى المعاضد بعد فرض كون الدليل أخص و فرض قبول القاعدة للتخصيص.

(6)حيث يظهر من جميع ما ذكره المصنف قدّس سرّه لزوم تقديم قاعدة نفي العسر عليها لوجوه:

الأول:قاعدة نفي العسر في المقام قطعية لا تقبل للتخصيص للزوم اختلال النظام الذي يعلم بعدم رضا للشارع به.

الثاني:أن قاعدة الاحتياط ليست أخص من قاعدة نفي العسر مطلقا كي تخصصها،بل بينهما عموم من وجه،و قد عرفت أن قاعدة نفي العسر حاكمة على القواعد و العمومات الأخر إذا كانت أعم منها من وجه.

ص: 63

لأجل العسر في موارد كثيرة مثل الشبهة الغير المحصورة (1) و ما لو علم أن عليه فوائت لا يحصي عددها (2) و غير ذلك.

بل أدلة نفي العسر بالنسبة إلى قاعدة الاحتياط من قبيل الدليل بالنسبة إلى الأصل (3) ،فتقديمها عليها أوضح من تقديمها على العمومات الثالث:ما ذكره المصنف قدّس سرّه هنا،و مرجعه إلى ثبوت المرجح الخارجي لقاعدة نفي العسر على قاعدة الاحتياط لو فرض عدم حكومة الأولى،و هو ما يأتي الكلام فيه.

(1)الكلام في الشبهة المحصورة مفهوما و دليلا موكول إلى محله،و يأتي هناك أن الدليل فيها ليس هو قاعدة نفي العسر،بل أمر آخر.

(2)يأتي منا و من المصنف قدّس سرّه في مبحث الشبهة الموضوعية الوجوبية البدوية أنه لا مجال للرجوع في مثل ذلك إلى الاحتياط كي يدعي لزوم الخروج عنه في الفرض بأدلة العسر.

مع أنه لو فرض ان المرجع هو الاحتياط فهو بالواجب العسر فإنما يوجبه بلحاظ حيث لزوم العسر من القدر الأعلى،و حينئذ يعلم بعدم وجوب القدر الأعلى إما لعدم فوته أو للزوم العسر من قضائه،كما يعلم بوجوب الأدنى لأنه المتيقن، و حينئذ فعدم وجوب الاحتياط لعدم تحقق موضوعه و هو الشك في تعيين الواجب، فلا يقاس بما نحن فيه ممّا كانت التكاليف الواقعية غير عسرية،و العسر من جهة الاشتباه لا غير.

(3)هذا غير ظاهر،لأن قاعدة العسر في المقام غير ناظرة لبيان التكاليف الواقعية و تمييز مواردها تعبدا،كي ترفع الاشتباه الذي هو موضوع قاعدة الاحتياط ، كما ترفعه الأمارة الواردة لتمييز موارد التكليف من بين أطراف العلم الإجمالي،بل موضوع قاعدة الاحتياط بأن مع القاعدة،و حينئذ حيث كانت قاعدة الاحتياط عقلية قطعية ناشئة من اجود الأحكام الواقعية المجهولة امتنع رفع اليد عنها مع بقاء

ص: 64

الاجتهادية.

رجوع إلى مناقشة الإيراد الأول

و أما ما ذكره من فرض أداء ظن المجتهد إلى وجوب بعض ما يوجب العسر كالترتيب فى الفوائت أو الغسل في المثالين فظهر جوابه مما ذكرنا من أن قاعدة نفي العسر في غير مورد الاختلال قابلة للتخصيص (1) .

و أما ما ذكره من فرض أداء ظن المجتهد إلى وجوب أمور يلزم من الأحكام المذكورة،أولا:انها عقلية و قاعدة نفي الحرج شرعية فيمتنع تصرفها فيها، و ثانيا:لأنها قطعية و قاعدة نفي الحرج إنما تنهض بالتصرف في العمومات الظنية القابلة للتخصيص.نعم يمكن رفع منشأ الاحتياط بقاعدة نفي الحرج،و هو الأحكام الواقعية المشتبهة لأنها هي منشأ الحرج و حينئذ لا يبقى موضوع للاحتياط .

و عليه فالقاعدة لا تعارض قاعدة الاحتياط التي هي من قبيل الأصل،كما ذكره المصنف قدّس سرّه لكن صلاح قاعدة نفي العسر و الحرج لرفع الأحكام الواقعية مع كونها في أنفسها غير عسرية و لا حرجية موقوف على شمول العسر و الحرج في القاعدة لما إذا كان ناشئا من الاشتباه الطارئ على الحكم،و لا يختص بما ينشأ من الحكم المجعول شرعا بنفسه،و هو غير بعيد.و لولاه أشكل الرجوع في المقام لقاعدة نفي الحرج،لا بلحاظ الأحكام الواقعية لأنها في أنفسها غير حرجية،و لا بلحاظ قاعدة الاحتياط لأنها عقلية قطعية كما ذكرنا،و تعين إبطال الاحتياط بوجه آخر، غير لزوم العسر،و لعله يأتي توضيح ذلك عند الكلام في تبعيض الاحتياط و في مبحث الكشف و الحكومة.

(1)ظاهره الالتزام بالحافظة على الترتيب و بالغسل و لو مع الحرج تخصيصا للقاعدة.و هو إنما يتم فى الثاني،لاختصاص أدلته بصورة الحرج-لو تمت-،فيكون أخص مطلقا من القاعدة.أما الأول فلا مجال له لعموم أدلته لغير صورة الحرج فيمكن تنزيله عليها جمعا بينها و بين القاعدة التي تقدم حكومتها على العمومات التي بينها و بينها عموم من وجه.

ص: 65

فعلها الحرج فيرد عليه.

أولا:منع إمكانه،لأنا علمنا بأدلة نفي الحرج أن الواجبات الشرعية في الواقع ليست بحيث يوجب العسر على المكلف،و مع هذا العلم الإجمالي يمنع الظن التفصيلي بوجوب أمور في الشريعة يوجب ارتكابها العسر (1) على ما مر نظيره في الإيراد على دفع الرجوع إلى البراءة.

و ثانيا:سلمنا إمكان ذلك-إما لكون الظنون الحاصلة في المسائل الفرعية كلها أو بعضها ظنونا نوعية (2) لا ينافي العلم الإجمالي بمخالفة البعض للواقع أو بناء على أن المستفاد من أدلة نفي العسر و الحرج ليس هو القطع و لا الظن الشخصي بانتفاء العسر،بل غايته الظن النوعي الحاصل من العمومات بذلك،فلا ينافي الظن الشخصي التفصيلي في المسائل الفرعية على الخلاف (3) و إما بناء على ما ربما يدعى من عدم التنافي بين الظنون التفصيلية الشخصية و العلم الإجمالي بخلافها،كما في الظن الحاصل من (1)هذا مختص بما إذا لزم اختلال النظام،حيث لا مجال لاحتماله،اما مجرد لو لزم الحرج الخالي عنه فلا علم إجمالي بعدم وجوب بعض الامور المذكورة لامكان وجوبها جميعا تخصيصا لقاعدة الحرج الذي عرفت أنه لا بأس به للأدلة الخاصة نعم يتوقف على كون دليل كل منها أقوى من عموم دليل نفي الحرج.

(2)بناء على أن مقتضى دليل الانسداد حجية الظن بالطريق،كما أشرنا إليه في المقدمة الثانية عند الكلام في نظير هذا الاشكال.

(3)هذا إنما يتم إذا كان الحرج اللازم في المقام لا يبلغ حدا يلزم منه اختلال النظام،و إلا امتنع الظن التفصيلي معه،كما أشرنا إليه.

ص: 66

الغلبة مع العلم الإجمالي بوجود الفرد النادر على الخلاف (1) -و لكن نمنع وقوع ذلك (2) ،لأن الظنون الحاصلة للمجتهد بناء على مذهب الامامية من عدم اعتبار الظن القياسي و أشباهه ظنون حاصلة من أمارات مضبوطة محصورة-كأقسام الخبر و الشهرة و الاستقراء و الإجماع المنقول و الأولوية الاعتبارية و نظائرها-و من المعلوم للمتتبع فيها أن مؤدياتها لا تفضي إلى الحرج،لكثرة ما يخالف الاحتياط فيها،كما لا يخفى على من لاحظها و سبرها سبرا إجماليا.

و ثالثا:سلمنا إمكانه و وقوعه،لكن العمل بتلك الظنون لا يؤدي إلى اختلال النظام حتى لا يمكن إخراجها عن عمومات نفي العسر، فنعمل بها في مقابلة عمومات نفي العسر و نخصصها بها،لما عرفت من قبولها التخصيص في غير مورد الاختلال.

و ليس هذا كرا على ما فر منه حيث (3) إنا عملناه بالظن فرارا عن لزوم العسر فإذا أدى إليه فلا وجه للعمل به لأن (4) العسر اللازم على تقدير طرح العمل بالظن كان بالغا حدّ اختلال النظام من جهة لزوم مراعات (1)العلم الإجمالي بوجود الفرد النادر و إن كان مسلما إلا أن أطرافه ليس خصوص موارد الظن الشخصية بمقتضى الغلبة،بل الأعم،لأن موضوع العلم الإجمالي جميع الوقائع و موضوع الظنون الشخصية الوقائع الغالبة.

(2)يعني:أداء ظن المجتهد إلى ما يوجب الحرج من الأحكام.و قد تقدم منه نظيره فى المقدمة الثانية.

(3)بيان لوجه كونه كرا على ما فر منه.

(4)تعليل لقوله:«و ليس هذا كرا على ما فر منه».

ص: 67

الاحتمالات الموهومة و المشكوكة،و أما الظنون المطابقة لمقتضى الاحتياط فلا بد من العمل بها سواء عملنا بالظن أم عملنا بالاحتياط ،و حينئذ فليس العسر اللازم من العمل بالظنون الاجتهادية في فرض المعترض من جهة العمل بالظن (1) ،بل من جهة المطابقة لمقتضى الاحتياط (2) ،فلو عمل بالاحتياط (3) وجب عليه أن يضيف إلى تلك الظنون الاحتمالات الموهومة المشكوكة المطابقة للاحتياط (4) .

الإيراد الثاني على لزوم الحرج و جوابه

و منها:أنه يقع التعارض بين الأدلة الدالة على حرمة العمل بالظن و العمومات النافية للحرج،و الأول أكثر،فيبقى أصالة الاحتياط مع (1)لأنه لازم سواء عمل بالظن أم بالاحتياط .

(2)يعني مطابقة الظن للاحتياط .

(3)يعني:في جميع موارد احتمال التكليف الذي هو مقتضى القاعدة الأولية.

(4)يعني:و باضافتها يلزم اختلال النظام،الذي لا مجال للالتزام به للقطع بقبحه.

و الحاصل:أن العمل بالظن دون العمل بالاحتياط التام لقلة موارده، بالإضافة إليه،فالعسر الحاصل منه لا يوجب اختلال النظام.

نعم لو فرض من بعض الاشخاص حصول الظن له بالتكليف في جميع موارد احتماله أو أكثرها بحيث يلزم من العمل به اختلال النظام أيضا تعين البناء على عدمه حجية الظن في حقه كلية،بل لزم التبعيض فيه بحسب المرتبة،فيعمل بالظن القوي دون الضعيف أو نحو ذلك ممّا لا يلزم منه محذور اختلال النظام،كما تقدم نظيره في المقدمة الثانية.

ص: 68

العلم الإجمالي بالتكاليف الكثيرة سليمة عن المزاحم (1) .

و فيه:ما لا يخفى،لما عرفت في تأسيس الأصل من أن العمل بالظن ليس فيه-إذا لم يكن بقصد التشريع و الالتزام شرعا بمؤداه حرمة ذاتية-،و إنما يحرم (2) إذا أدى إلى مخالفة الواقع من وجوب أو تحريم (3) ، (1)لا يخفى أن المفروض فى المقام لزوم اختلال النظام الذي هو قطعي الامتناع فتعين رفع اليد لأجله عن عموم حرمة العمل بالظن و حمله على خصوص صورة الانفتاح،لأنه عموم قابل للتخصيص مع أن أدلة نفي الحرج لا تقتضي إلا سقوط الاحتياط ،و أما وجوب العمل بالظن فهو مقتضى قاعدة قبح ترجيح المرجوح على الراجح،التي سيأتي الكلام فيها فى المقدمة الرابعة،و هي لو تمت قاعدة عقلية قطعية يتعين الخروج بها عن عموم حرمة العمل بالظن-لو فرض منافاتها له-لأنه عموم قابل للتخصيص كما ذكرنا.هذا و جواب المصنف قدّس سرّه الآتي مبني على اغفال هذه الجهة.

(2)يعني:مع عدم قصد التشريع.ثم إن عدم قصد التشريع هنا مبني على أن دليل الانسداد إنما يقتضي وجوب العمل بالظن من باب الاحتياط -نظير ما سبق في الدليل الأول من أدلة حجية الظن-لا بما أنه حجة في تعيين التكاليف الشرعية، أما لو قيل بأنه يقتضي حجية الظن كسائر الحجج-كما هو الظاهر بناء على الكشف و عدم الحكومة-فيكون منافيا لعموم أدلة حرمة العمل بالظن و يتعين البناء على تخصيص العموم المذكور به،لأنه قطعي،فيحمل العموم على صورة الانفتاح،كما ذكرنا.

(3)أو خالف أصلا أو أمارة معتبرة،و كل ذلك غير آت هنا،إذ مخالفة الواجبات و المحرمات الواقعية ليست ناشئة من العمل بالظن،بل هي ناشئة من سقوط الاحتياط بسبب العسر أو اختلال النظام،و مخالفة الأصول أو الأمارات غير حاصلة بعد فرض فقد الأدلة المعتبرة على التكاليف و فقد الاصول المحرزة لها.

ص: 69

فالنافي للعمل بالظن فيما نحن فيه ليس إلا قاعدة الاحتياط الآمرة باحراز الاحتمالات الموهومة و ترك العمل بالظنون المقابلة لتلك الاحتمالات،و قد فرضنا أن قاعدة الاحتياط ساقطة بأدلة نفي العسر و الحرج.

ثم لو فرضنا ثبوت الحرمة الذاتية للعمل بالظن و لو لم يكن على جهة التشريع،لكن عرفت سابقا عدم معارضة عمومات نفي العسر لشيء من العمومات المثبتة للتكليف المتعسر (1) .

الإيراد الثالث على لزوم الحرج و جوابه

و منها:أن الأدلة النافية للعسر إنما تنفي وجوده فى الشريعة بحسب أصل الشرع أولا و بالذات،فلا تنافي وقوعه بسبب عارض لا يسند إلى الشارع،و لذا لو نذر المكلف أمورا عسرة،كالأخذ بالاحتياط في جميع الأحكام الغير المعلومة،و كصوم الدهر،أو احياء الليالي،أو المشي إلى الحج،أو الزيارات،لم يمنع تعسرها عن انعقاد نذرها،لأن الالتزام بها إنما جاء من قبل المكلف،و كذا لو اجر نفسه لعمل شاق لم يمنع مشقته من صحة الاجارة و وجوب الوفاء بها.

و حينئذ فنقول:لا ريب أن وجوب الاحتياط باتيان كل ما يحتمل الوجوب و ترك كل ما يحتمل الحرمة إنما هو من جهة اختفاء الأحكام الشرعية المسبب عن المكلفين المقصرين في محافظة الآثار الصادرة عن (1)حيث تقدم حكومتها على العمومات المذكورة،و عدم ملاحظة الترجيح بينهما،و حينئذ يتعين حكومتها على عموم حرمة العمل بالظن،و حمله على غير صورة الانسداد التي يلزم من الرجوع إليه فيها العسر.هذا و قد عرفت أن المعارض لعموم حرمة العمل بالظن هو قاعدة قبح ترجيح المرجوح على الراجح لا قاعدة نفي العسر و الحرج.فلاحظ .

ص: 70

الشارع المبينة للأحكام و المميزة للحلال عن الحرام،و هذا السبب و إن لم يكن من فعل كل مكلف،لعدم مدخلية أكثر المكلفين في ذلك،إلا أن التكليف بالعسر ليس قبيحا عقليا حتى يقبح أن يكلف به من لم يكن سببا له،و يختص عدم قبحه بمن صار التعسر من سوء اختياره (1) .

بل هو أمر منفي بالأدلة الشرعية السمعية،و ظاهرها أن المنفي هو جعل الأحكام الشرعية أولا و بالذات على وجه يوجب العسر على المكلف،فلا ينافي عروض التعسر لامتثالها من جهة تقصير المقصرين في ضبطها و حفظها عن الاختفاء.مع كون ثواب الامتثال حينئذ (2) أكثر بمراتب (3) .

أ لا ترى:أن الاجتهاد الواجب على المكلفين و لو كفاية من الأمور الشاقة جدا خصوصا في هذه لأزمنة،فهل السبب فيه إلا تقصير المقصرين الموجبين لاختفاء آثار الشريعة (4) ،و هل يفرق في نفي العسر بين الوجوب الكفائي و العيني ؟!.

(1)نظير ما يقال في الغفلة التي يقبح التكليف و العقاب معها،إلا إذا كانت بسبب تقصير المكلف نفسه.

(2)يعني:مع الاشتباه الخارج عن الاختيار الموجب للاحتياط .

(3)فيصلح لتدارك مشاكل العسر و الحرج.لكن تدارك ذلك بالثواب لا ينافي عموم الأدلة بعد صدق الحرج عليه،و إلا لم يبق مورد للأدلة المذكورة لتحقق التدارك في جميع موارد الحرج.

(4)يعني:فحيث كان الحرج في الاجتهاد بسبب طارئ لم يصلح لزوم وجوبه.

ص: 71

و الجواب عن هذا الوجه:أن أدلة نفي العسر سيما البالغ منه حد اختلال النظام (1) و الإضرار بأمور المعاش و المعاد لا فرق فيها بين ما يكون بسبب يسند عرفا إلى الشارع و هو الذي أريد بقولهم عليهم السّلام:«ما غلب اللّه عليه فاللّه أولى بالعذر» (2) و بين ما يكون مسندا إلى غيره (3) .

و وجوب صوم الدهر على ناذره إذا كان فيه مشقة لا يتحمل عادة ممنوع،و كذا أمثالها من المشي إلى بيت اللّه جل ذكره و إحياء الليالي و غيرها.

مع إمكان أن يقال بأن ما ألزمه المكلف على نفسه من المشاق خارج عن العمومات لا ما كان السبب فيه نفس المكلف (4) ،فيفرق بين الجنابة (1)فإن رفع التكليف في مثله قطعي،لقبحه عقلا،من دون ما يكون بسبب يسند عرفا إلى الشارع و غيره.

(2)الظاهر اختصاص هذا بالاضطرار و لا يشمل الحرج.

(3)اما مع اختلال النظام فلما عرفت،و اما مع غيره فلإطلاق أدلة رفع الحرج مع عدم المخرج عنها.

(4)يعني:أنه يفرق بين ما يكون وجوبه شرعا من باب الامضاء لما التزم به المكلف و ما يكون وجوبه ابتداء من الشارع و تأسيسا منه،فالأول لا يسقط بقاعدة الحرج،كما في باب النذر و الاجارة على الأمور الحرجية،و الثاني يسقط بالقاعدة و إن كان فعل موضوع التكليف مستند إلى المكلف نفسه،كتعمد الجنابة المقتضي للغسل، لإطلاق الأدلّة في الثاني،و قصورها في الأول.

و كأنه لأن مفاد عمومات رفع الحرج رفع الأحكام الشرعية الحرجية لا رفع الالتزامات التي جعلها المكلف فإنها مستندة عرفا للمكلف لا للشارع و إن كان الشارع قد أمضاها.و لا أقل من دعوى انصراف الإطلاقات عن ذلك لو فرض

ص: 72

متعمدا فلا يجب الغسل مع المشقة و بين إجارة النفس للمشاق،فإن الحكم في الأول تأسيس من الشارع،و في الثاني إمضاء لما ألزمه المكلف على نفسه.

فتأمل (1) .

و أما الاجتهاد الواجب كفاية عند انسداد باب العلم فمع أنه شيء عمومها.

و فيه:أن منشأ الحرج ليس هو التزام المكلف،بل امضاء الشارع لالتزامه، فإذا فرض كون الحكم حرجيا كان الحرج مستندا إلى الجعل الشرعي لا إلى المكلف.

و معه لا مجال لدعوى الانصراف.

فالأولى أن يقال:لما كانت أدلة نفي الحرج واردة مورد الامتنان بلحاظ النوع اختصت بما لا يكون رفعه منافيا للامتنان فى حق الآخرين فلا تشمل مثل الاجارة ممّا كان عدم لزومه منافيا للامتنان في حق المستأجر.

نعم لا بأس بشمولها لمثل النذور و تعمد الجنابة ممّا لا دخل له بالآخرين.

و كيف كان فلا ينبغي الاشكال في شمولها لما نحن فيه و نحوه ممّا لم يستند الحرج إلى المكلف أصلا بل كان مسببا عن فعل الغير الخارج عن اختيار المكلف، و إلا فهل يتوهم عدم سقوط وجوب الوضوء إذا كان حرجيا على الشخص بسبب إراقة غيره للماء أو بسبب فعل غيره ما يوجب تعرضه للبرد و نحوهما ممّا كان خارجا عن اختياره.

نعم سبق منا الاشارة إلى احتمال قصور العمومات عن الحرج المستند لاشتباه التكليف مع كون التكليف الواقعي بنفسه غير حرجي.

لكنه في غير محله بعد شمول الإطلاقات لذلك،لأن الاشتباه من حالات المكلف المسببة لكون التكليف حرجيا،و لا سيما مع مناسبة العموم للامتنان.

(1)لعله اشارة إلى ما ذكرنا من الاشكال في كلامه قدّس سرّه.

ص: 73

يقضي بوجوبه الأدلة القطعية،فلا ينظر إلى تعسره و تيسره (1) فهو ليس أمرا حرجا،خصوصا بالنسبة إلى أهله،فإن مزاولة العلوم لأهلها ليس باشق من أكثر المشاغل الصعبة التي يتحملها الناس لمعاشهم،و كيف كان فلا يقاس عليه.

و أما عمل العباد بالاحتياط و مراقبة ما هو أحوط الأمرين أو الأمور فى الوقائع الشخصية إذا دار الأمر فيها بين الاحتياطات المتعارضة فإن هذا دونه خرط القتاد،إذ أوقات المجتهد لا يفي بتمييز موارد الاحتياطات ثم إرشاد المقلدين إلى ترجيح بعض الاحتياطات على بعض عند تعارضها في الموارد الشخصية التي يتفق للمقلدين،كما مثلنا لك سابقا في الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر.

الرد على الاحتياط بوجوه:
اشارة

و قد يرد الاحتياط بوجوه أخر غير ما ذكرنا من الإجماع و الحرج.

الوجه الأول و المناقشة فيه

منها:أنه لا دليل على وجوب الاحتياط ،و أن الاحتياط أمر مستحب إذا لم يوجب إلغاء الحقوق الواجبة.

و فيه:أنه إن أريد أنه لا دليل على وجوبه في كل واقعة إذا لوحظت مع قطع النظر عن العلم الإجمالي بوجود التكاليف بينها و بين الوقائع الأخر،فهو مسلم،بمعنى أن كل واقعة ليست مما يقتضي الجهل فيها بنفسها الاحتياط ،بل الشك فيها إن رجع إلى التكليف-كما في شرب (1)لما عرفت من قبول قاعدة الحرج في غير موارد اختلال النظام التخصيص و لا سيما بالأدلة القطعية.

ص: 74

التتن و وجوب الدعاء عند رؤية الهلال-لم يجب فيها الاحتياط (1) ،و إن رجع إلى تعيين المكلف به-كالشك فى القصر و الاتمام و الظهر و الجمعة، و كالشك في مدخلية شيء في العبادات (2) ،بناء على وجوب الاحتياط فيما شك في مدخليته-وجب فيها الاحتياط ،لكن وجوب الاحتياط في ما نحن فيه في الوقائع المجهولة من جهة العلم الإجمالي بوجود الواجبات و المحرمات فيها و إن كان الشك في نفس الواقعة شكا في التكليف،و لذا ذكرنا سابقا أن الاحتياط هو مقتضى القاعدة الأولية عند انسداد باب العلم.

نعم من لا يوجب الاحتياط حتى مع العلم الإجمالي بالتكليف فهو مستريح عن كلفة الجواب عن الاحتياط .

الوجه الثاني

و منها:أن العمل بالاحتياط مخالف للاحتياط ،لأن مذهب جماعة من العلماء-بل المشهور بينهم-اعتبار معرفة الوجه (3) ،بمعنى تمييز الواجب عن المستحب اجتهادا أو تقليدا قال في الإرشاد في أوائل الصلاة:«يجب (1)على ما يأتي في مبحث البراءة إن شاء اللّه تعالى.

(2)لم تتضح خصوصية العبادات عاجلا،و إنما قيل بوجوب الاحتياط في الدوران بين الأقل و الأكثر الارتباطيين و لو في غير العبادات.كما أنه قيل بأن الشك في أخذ قيد التعبد أو قيد الوجه و التمييز فى العبادات من بين سائر القيود مجرى للاشتغال.و لا يرجع فيه لإطلاق دليل الواجب و لا للبراءة.

(3)لا يخفى أن هذا الوجه لو تم مختص بالعبادات،و لا يتأتى في بقية التكاليف الوجوبية و التحريمية،إذ لا شبهة في عدم اعتبار قصد الوجه و التمييز في امتثالها.

ص: 75

معرفة واجب أفعال الصلاة من مندوبها،و ايقاع كل منها على وجهه» و حينئذ ففي الاحتياط إخلال بمعرفة الوجه التي أفتى جماعة بوجوبها و بإطلاق (1) بطلان عبادة تارك طريقي الاجتهاد و التقليد.

و فيه:

مناقشة هذا الوجه

أولا:أن معرفة الوجه مما يمكن للمتأمل في الأدلة و في إطلاقات العبادات (2) و في سيرة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمة مع الناس الجزم بعدم اعتبارها حتى مع التمكن من المعرفة العلمية،و لذا ذكر المحقق قدّس سرّه-كما في محكي المدارك في باب الوضوء-أن ما حققه المتكلمون من وجوب إيقاع الفعل لوجهه أو وجه وجوبه كلام شعري و تمام الكلام في غير هذا المقام (3) .

و ثانيا:لو سلمنا وجوب المعرفة أو احتمال وجوبها الموجب للاحتياط ،فإنما هو مع التمكن من المعرفة العلمية،أما مع عدم التمكن فلا دليل عليه قطعا لأن اعتبار معرفة الوجه إن كان لتوقف نية الوجه عليها فلا يخفى أنه لا يجدي المعرفة الظنية في نية الوجه،فإن مجرد الظن (1)عطف على قوله:«بوجوبها».يعني:و مقتضى الإطلاق المذكور بطلان عبادة تارك طريقي الاجتهاد و التقليد و إن كان محتاطا،و حتى في حال الانسداد.

(2)تقدم منه في أواخر الكلام في كفاية الامتثال الإجمالي من مباحث القطع المناقشة في الإطلاق المذكور،و أن المرجع في مثل ذلك الاحتياط ،و قد سبق منا الكلام في ذلك.إلا أن يريد بالإطلاق هنا الإطلاق المقامي الظاهر في التحويل في كيفية الاطاعة على العرف الحاكم بعدم دخل قصد الوجه و التمييز في الاطاعة،كما أشرنا إليه هناك.فراجع.

(3)تقدم في أواخر مباحث القطع بعض الكلام في ذلك منه و منا.فراجع.

ص: 76

بوجوب شيء لا يتأتى معه القصد إليه لوجوبه (1) ،إذ لا بد من الجزم بالغاية،و لو اكتفي بمجرد الظن بالوجوب و لو لم يكن نية حقيقة فهو مما لا يفي بوجوبه ما ذكروه في اشتراط نية الوجه.نعم لو كان الظن المذكور مما ثبت وجوب العمل به تحقق معه نية الوجه الظاهري على سبيل الجزم، لكن الكلام بعد في وجوب العمل بالظن.

فالتحقيق أن الظن بالوجه إذا لم يثبت حجيته فهو كالشك فيه لا وجه لمراعاة نية الوجه معه أصلا.

و إن كان اعتبارها لأجل توقف الامتثال التفصيلي المطلوب عقلا أو شرعا عليه-و لذا أجمعوا ظاهرا على عدم كفاية الامتثال الإجمالي مع التمكن عن التفصيلي (2) بأن يتمكن من الصلاة إلى القبلة في مكان و يصلي في مكان آخر غير معلوم القبلة إلى أربع جهات (3) ،أو يصلي في ثوبين (1)القصد إلى ذلك ممكن.

لكنه تشريع محرم،فيكون ممتنعا شرعا،بل مانع عقلا من العبادة لأن تحريم التشريع مانع من تحقق التقرب المعتبر في العبادة يقينا.

(2)لكن الإجماع المذكور لم يثبت بنحو معتد به،بنحو يخرج عن مقتضى الإطلاقات المقامية بل اللفظية في الاكتفاء بالامتثال الإجمالي.و قد تقدم بعض الكلام في ذلك في أواخر مبحث القطع.فراجع.

(3)قد يختص هذا المثال بالاشكال بلحاظ أن الصلاة إلى أربع جهات لا يحرز معها الاستقبال الاختياري،و إنما يحرز الاستقبال الاضطراري لاحتمال الانحراف عن القبلة بما دون ربع الدائرة،فلا وجه للاكتفاء به مع التمكن من الامتثال الاختياري بالاستقبال الحقيقي فى المكان الآخر الذي يمكن فيه معرفة جهة القبلة.

ص: 77

مشتبهين أو أكثر مرتين أو أكثر مع إمكان صلاة واحدة في ثوب معلوم الطهارة إلى غير ذلك-ففيه:

أن ذلك إنما هو مع التمكن من العلم التفصيلي،و أما مع عدم التمكن منه-كما في ما نحن فيه-فلا دليل على ترجيح الامتثال التفصيلي الظني على الامتثال الإجمالي العلمي،إذ لا دليل على ترجيح صلاة واحدة في مكان إلى جهة مظنونة على الصلوات المكررة في مكان مشتبه الجهة،بل بناء العقلاء في إطاعتهم العرفية على ترجيح العلم الإجمالي على الظن التفصيلي.

و بالجملة:فعدم جواز الاحتياط مع التمكن من تحصيل الظن مما لم يقم له وجه،فإن كان و لا بد من إثبات العمل بالظن فهو بعد تجويز الاحتياط و الاعتراف برجحانه و كونه مستحبا بل لا يبعد ترجيح الاحتياط على تحصيل الظن الخاص الذي قام الدليل عليه بالخصوص.فتأمل (1) .

نعم الاحتياط مع التمكن من العلم التفصيلي فى العبادات مما انعقد الإجماع ظاهرا على عدم جوازه كما أشرنا إليه في أول الرسالة (2) في مسألة اعتبار العلم الإجمالي و أنه كالتفصيلي من جميع الجهات أم لا،فراجع.

اللهم إلا أن يفرض عدم التمكن من الجهة الحقيقية،بل يحتمل أيضا الانحراف بما دون ربع الدائرة و إن لم يحتج إلى أربع صلوات.أو يلتزم بجواز الانحراف بالمقدار المذكور اختيارا.

(1)لعله إشارة إلى الاشكال فيه على ما سبق منه في مبحث القطع و سبق منا الكلام فيه.فراجع.

(2)و تقدم منا الاشكال فيه.

ص: 78

و مما ذكرنا ظهر أن القائل بانسداد باب العلم و انحصار المناص في مطلق الظن ليس له أن يتأمل في صحة عبادة تارك طريقي الاجتهاد و التقليد إذا أخذ بالاحتياط ،لأنه لم يبطل عند انسداد باب العلم إلا وجوب الاحتياط لا جوازه أو رجحانه،فالأخذ بالظن عنده و ترك الاحتياط عنده من باب الترخيص و دفع العسر و الحرج لا من باب العزيمة (1) .

و ثالثا:سلمنا تقديم الامتثال التفصيلي و لو كان ظنيا على الإجمالي و لو كان علميا لكن الجمع يمكن بين تحصيل الظن في المسألة و معرفة الوجه ظنا و القصد إليه على وجه الاعتقاد الظني و العمل على الاحتياط .

مثلا:إذا حصل الظن بوجوب القصر في ذهاب أربعة فراسخ، فيأتي بالقصر بالنية الظنية الوجوبية (2) ،و يأتي بالإتمام بقصد القربة احتياطا،و كذلك إذا حصل الظن بعدم وجوب السورة في الصلاة فينوي الصلاة الخالية عن السورة على وجه الوجوب (3) ،ثم يأتي (4) (1)تقدّم منه قدّس سرّه نظير هذا الكلام في مبحث القطع،و سبق منا هناك الإشكال فيه بأن مقتضى دليل الانسداد و إن كان هو جواز ترك الاحتياط لا لزوم تركه،إلا أنه بلحاظ أصل الاحتياط من حيث هو،لا من حيث كونه مفوتا لنية الوجه على تقدير اعتبارها،إذ لا مانع حينئذ من الالتزام بوجوب ترك الاحتياط لو تم استكشاف حجية الظن من عدم وجوب الاحتياط .فراجع و تأمل جيدا.

(2)يعني:من دون جزم حتى لا يستوجب التشريع المحرم.

(3)يعني:ظنا لا مع الجزم،حتى لا يستوجب التشريع المحرم.

(4)قد يشعر هذا بلزوم تأخير الامتثال بالوجه المخالف للظن،و هو كالصريح من كلامه السابق في مبحث القطع،و سبق منا هناك الاشكال فيه.فراجع.

ص: 79

بالسورة (1) قربة إلى اللّه تعالى للاحتياط بناء على اعتبار قصد الوجه (2) .

و رابعا:لو أغمضنا عن جميع ما ذكرنا فنقول:إن الظن إذا لم يثبت حجيته كان اللازم بمقتضى العلم الإجمالي بوجود الواجبات و المحرمات فى الوقائع المشتبهة هو الاحتياط ،كما عرفت سابقا،فإذا وجب الاحتياط حصل معرفة وجه العبادة (3) و هو الوجوب،و يأتي نية الوجه الظاهري، (1)ظاهره كفاية الاتيان بالسورة ضمن الصلاة التي نوى كونها خالية عن السورة.لكن في تحقق الاحتياط إشكال فإنه مع نية كون الصلاة خالية عن السورة يعلم بعدم مشروعية السورة جزءا منها،إما لعدم جزئية السورة من الصلاة،أو لعدم مشروعية الصلاة الماتي بها،لأن المشروع خصوص ما كانت السورة جزءا له، و المفروض انه لم ينوه أولا.

بل اللازم حينئذ تكرار الصلاة مع السورة،لا الاكتفاء بصلاة واحدة نعم لو دخل في الصلاة ناويا ما هو المشروع واقعا تأتى له الاتيان بالسورة في ضمنها احتياطا لكنه يخل بنية الوجه و التمييز فيما هو المظنون،و هو خلاف الاحتياط الذي أشار إليه فلا يتم الاكتفاء بالسورة في ضمن صلاة واحدة لا بناء على عدم وجوب النية المذكورة و لو فيما لا يستوجب التكرار كما في المقام.

(2)الموجود في بعض النسخ:«ثم يأتي بالسورة قربة إلى اللّه تعالى للاحتياط ، أو يقصد الندب بناء على اعتبار قصد الوجه».و لعله أنسب مما هنا،إذ لا معنى للاحتياط بناء على اعتبار قصد الوجه.نعم في حكم النسخة المذكورة بزيادة قوله:

«أو للندب بناء على اعتبار قصد الوجه».

(3)الظاهر أن مرادهم بالوجه هو وجه العبادة الشرعي من وجوب أو ندب لا ما يعلم الوجه العقلي الراجع إلى وجوب الاحتياط ،ليمكن الاكتفاء بقصد

ص: 80

كما يأتي في جميع الموارد التي يفتي فيها الفقهاء بالوجوب من باب الاحتياط و استصحاب الاشتغال (1) .

فتحصل مما ذكرنا أن العمدة في ردّ الاحتياط هي ما تقدم من الإجماع و لزوم العسر،دون غيرهما.

إلا أن هنا شيئا ينبغي أن ينبه عليه،و هو (2) :

أن نفي الاحتياط بالإجماع و العسر لا يثبت إلاّ أنه لا يجب مراعاة جميع الاحتمالات مظنونها و مشكوكها و موهومها،و يندفع العسر بترخيص موافقة الظنون المخالفة للاحتياط كلا أو بعضا (3) بمعنى عدم وجوب الوجوب عند الاحتياط اللازم.

(1)الظاهر أنه لا مجال لنية الوجه في ذلك لما ذكرنا إلا أن يكون الاتيان بالفعل مقتضى أصل شرعي كالاستصحاب،فيتسنى نية الوجه الظاهري الشرعي.

(2)يعني:أن لزوم الحرج من الاحتياط في جميع المحتملات أو الإجماع على عدمه لا يقتضيان سقوطه رأسا في الجميع،و الرجوع إلى الظن على أنه حجة لمعرفة الأحكام بل يقتضيان تبعيض الاحتياط و الاقتصار فيه على بعض المحتملات كموارد الظن بالتكليف و الشك فيه،دون الموارد التي يكون التكليف فيها موهوما، و بين الامرين فرق ظاهر،كما يأتي الكلام فيه.

(3)قد يكون التبعيض بلحاظ أهمية الموارد كالخروج،فيحكم بعدم جواز الاقتصار على تبعيض الاحتياط فيها،بل لا بد من الاحتياط التام،بخلاف غيرها مما لا يكون بهذه الاهمية،فيكفي فيه التبعيض كما قد يكون بلحاظ مرتبة الظن بمعنى انه يقتصر في موافقته للظنون المخالفة للاحتياط على خصوص الظن القوي دون الضعيف.

ص: 81

مراعات الاحتمالات الموهومة (1) ،لأنها الأولى بالإهمال إذا ساغ لدفع الحرج ترك الاحتياط في مقدار ما من المحتملات يندفع به العسر،و يبقى الاحتياط على حاله في الزائد على هذا المقدار،لما تقرر في مسألة الاحتياط من أنه إذا كان مقتضى الاحتياط هو الاتيان بمحتملات،و قام الدليل الشرعي على عدم وجوب إتيان بعض المحتملات (2) في الظاهر (3) تعين مراعات الاحتياط في باقي المحتملات و لم يسقط وجوب الاحتياط رأسا (4) .

(1)يعني:احتمالات التكليف الموهومة،و هي موارد الظن بعدم التكليف.

(2)يعني:بنحو غير معين،كما فيما نحن فيه،لأن الإجماع المتقدم و الحرج إنما يقتضيان عدم وجوب الاحتياط التام من دون تعرض للموارد التي يسقط فيها الاحتياط .و أما لو قام الدليل على عدم وجوب الاحتياط في خصوص بعض الأطراف معينا،ففيه تفصيل يأتي في محله.

(3)ظاهره أنه متعلق بقوله:«عدم وجوب اتيان...»لكن لا يتم لا في ما تقرر في مسألة الاحتياط و لا هنا،بل الكلام فيما لو دل الدليل على عدم الوجوب واقعا من جهة الاضطرار أو الحرج أو نحوهما مما يقتضي الترخيص واقعا.

(4)كما يأتي منه قدّس سرّه فى التنبيه الخامس من تنبيهات مسألة الشبهة التحريمية المحصورة في الدوران بين المتباينين.و يأتي منا إن شاء اللّه تعالى الاشكال فيه.

و ملخص الكلام في ذلك ان ما ذكره المصنف قدّس سرّه إنما يتم إن كان دليل الترخيص منافيا لقاعدة الاحتياط و محكما عليها،إذ الضرورات تقدر بقدرها،فلا وجه لالغاء الاحتياط مطلقا،بل يكفي الغاؤه ببعض مراتبه التي يندفع بها مقتضي دليل الترخيص،و يجمع بين قاعدة الاحتياط و دليل الترخيص بذلك.

لكنه لا مجال لذلك،لأن قاعدة الاحتياط عقلية قطعية في ظرف التكليف بالواقع-كما أشرنا إليه-فلا مجال لالغاء الاحتياط التام مع بقاء التكليف الواقعي

ص: 82

المردد،و ليس للشارع التصرف في مقام الامتثال بل ليس له التصرف في التكليف و رفعه لاجل العسرة أو الضرورة،لأنه تابع لجعله،و مع رفعه لا يبقى موضوع للاحتياط لا التام و لا الناقص،بل يتعين سقوطه بجميع مراتبه.

نعم قد يدعى أن مقتضى الجمع بين دليل الترخيص و دليل الواقع ليس هو رفع الحكم الواقعي مطلقا،بل رفعه في الجملة بمقدار رفع الضرورة،و يبقى في ظرف عدم ارتفاع الضرورة به بنحو يقتضي الاحتياط .

لكنه في غير محله،كما أوضحناه في حاشية الكفاية في بعض تنبيهات الشبهة التحريمية المحصورة بما لا مجال لإطالة الكلام فيه هنا.فراجع.

و عليه فلا مجال لما ذكره المصنف قدّس سرّه من لزوم تبعيض الاحتياط بمقتضى العلم الإجمالي.

نعم قد يقال:العلم الاجمالي و إن كان موجودا في ضمن جميع المحتملات إلاّ أنه موجود أيضا في ضمن خصوص المظنونات،فإن المظنونات ليست كبقية المحتملات،بل تمتاز عنها بأنه لا يحتمل خطأ جميع الظنون بالتكليف بحيث تكون جميع موارد التكليف المعلوم اجمالا في غيرها من الموهومات و المشكوكات،فهنا علمان إجماليان بالتكليف.

الأول:ما تكون أطرافه جميع المحتملات.

الثاني:ما تكون أطرافه خصوص المظنونات،و حينئذ فإن كان المعلوم فيها معا بقدر واحد،تعين انحلال الأول بالثاني،و تنجز الثاني دون الأول،و لازم ذلك وجوب الاحتياط في خصوص المظنونات و الرجوع في غيرها للأصل،فيكون العمل بالظن فيها من باب الاحتياط لا لحجيته.غايته أنه ليس من باب تبعيض الاحتياط كما ذكره المصنف قدّس سرّه بل من باب الانحلال.

و لا يرد عليه ما سبق إيراده على الوجه الأول من الوجوه العقلية التي استدل

ص: 83

توضيح ما ذكرنا:أنا نفرض المشتبهات التي علم إجمالا بوجود الواجبات الكثيرة فيها بين مظنونات الوجوب و مشكوكات الوجوب و موهومات الوجوب،و كان الإتيان بالكل عسرا أو قام الإجماع على عدم وجوب الاحتياط في الجميع،تعين ترك الاحتياط و إهماله في موهومات الوجوب،بمعنى أنه إذا تعلق ظن بعدم الوجوب لم يجب الإتيان.

بها لحجية خبر الواحد.للفرق بأن بقية الأمارات هناك كالخبر في احتمال الصدق، و لا كذلك بقية الاحتمالات هنا،فإنها ليست كالظن في احتمال التكليف.فراجع.

و تأمل جيدا.

و إن لم يكن المعلوم فيهما بقدر واحد بل كان المعلوم في العلم الأول أكثر من المعلوم في الثاني،تعين عدم انحلال الأول بالثاني،و كان كل منهما منجزا لأطرافه.

غايته ان المظنونات تنجز من جهتين،و حينئذ فسقوط العلم الإجمالي الأول عن المنجزية بسبب الحرج أو اختلال النظام-بناء على ما عرفت منا من أن ذلك لا يقتضي تبعيض الاحتياط بل سقوطه رأسا-لا يوجب سقوط العلم الثاني،لعدم محذور في الاحتياط فيه بعد سقوط الاحتياط في الأول فيتعين فيه الاحتياط التام، و يكون العمل بالظن من باب الاحتياط لا لكونه حجة.غايته انه ليس من باب تبعيض الاحتياط .

و منه يظهر أنه بناء على أحد هذين الوجهين يكون العمل بالظن لخصوصيته بالعلم الإجمالي من موارده لا لترجيحه على بقية الاحتمالات بقاعدة قبح ترجيح المرجوح على الراجح،التي سيأتي الكلام فيها في المقدمة الرابعة.و التي يحتاج إليها لو بقينا مع العلم الإجمالي الأول فقط .

و سيأتي بعض الكلام في ذلك في آخر التنبيه الثاني إن شاء اللّه تعالى.فتأمل جيدا.و اللّه سبحانه و تعالى العالم العاصم.

ص: 84

و ليس هذا معنى حجية الظن،لأن الفرق بين المعنى المذكور-و هو أن مظنون عدم الوجوب لا يجب الإتيان به-و بين حجية الظن بمعنى كونه في الشريعة معيارا لامتثال التكاليف الواقعية (1) نفيا و إثباتا.

و بعبارة أخرى:الفرق بين تبعيض الاحتياط في الموارد المشتبهة و بين جعل الظن فيها حجة هو أن (2) الظن إذا كان حجة في الشرع كان الحكم في الواقعة الخالية عنه الرجوع إلى ما يقتضيه الأصل في تلك الواقعة،من دون التفات إلى العلم الإجمالي بوجود التكاليف الكثيرة بين المشتبهات (3) ،إذ حال الظن حينئذ كحال العلم التفصيلي و الظن الخاص بالوقائع،فيكون الوقائع بين معلومة الوجوب تفصيلا،أو ما هو بمنزلة (1)ليس معنى حجية الظن كونه معيارا لامتثال التكاليف الواقعية،بل كونه معيارا بتنجز التكاليف و وصولها،ليتفرع عليه وجوب الامتثال عقلا.

(2)خبر لقوله:«الفرق بين تبعيض...»و واقع موقع خبر(أن)في قوله سابقا:«لأن الفرق بين...».

الفرق بذلك إنما هو من باب الفرق في الأثر لا في المفهوم،و إلاّ فالفرق بين تبعيض الاحتياط و حجية الظن هو أن تبعيض الاحتياط راجع إلى الاتيان بالمحتملات في تبعيض الاحتياط برجاء موافقة التكاليف المعلومة إجمالا خروجا عن العلم الإجمالي المنجز،اما حجية الظن فهي تقتضي الاتيان بالمظنون بما أنه هو التكليف الواقعي الذي قامت عليه الحجة،فالاتيان به عمل بمقتضى الحجة لا من جهة العلم الإجمالي لسقوطه عن المنجزية بناء على عدم التبعيض.

(3)لسقوطه عن المنجزية بسبب العسر و اختلال النظام بناء على عدم تبعيض الاحتياط .

ص: 85

المعلوم (1) و بين مشكوكة الوجوب رأسا (2) .

و أما إذا لم يكن الظن حجة،بل كان غاية الأمر-بعد قيام الإجماع و نفي الحرج على عدم لزوم الاحتياط في جميع الوقائع المشتبهة التي علم إجمالا بوجود التكاليف بينها-عدم (3) وجوب الاحتياط بالإتيان بما ظن عدم وجوبه،لأن ملاحظة الاحتياط في موهومات الوجوب خلاف الإجماع و موجب للعسر (4) ،كان اللازم (5) في الواقعة الخالية عن الظن الرجوع إلى ما يقتضيه العلم الإجمالي المذكور من الاحتياط ،لأن سقوط الاحتياط في سلسلة الموهومات لا يقتضي سقوطه في المشكوكات لاندفاع الحرج بذلك (6) .

(1)و هو المظنون الذي فرض كون الظن فيه حجة.

(2)يعني من دون علم إجمالي منجز،و في مثله يرجع إلى الأصل.

(3)خبر(كان)في قوله:«بل كان غاية الامر...».

(4)لا يخفى أن الموجب للعسر هو الاحتياط التام فلزوم العسر إنما يقتضي سقوطه و الانتقال إلى التبعيض-بناء على مسلك المصنف قدّس سرّه من دون خصوصية لما ظن بعدم التكليف فيه،بل كما يرتفع العسر بسقوط الاحتياط فيه يرتفع بسقوط الاحتياط في غيره من المحتملات،و إنما يترجح ما ظن بعدم التكليف فيه بقاعدة قبح ترجيح المرجوح على الراجح التي سيأتي الكلام فيها في المقدمة الرابعة.و أما الإجماع على خصوصية ما ظن بعدم وجوبه في سقوط الاحتياط فمن القريب ابتناؤه -لو تم-على ذلك،و ليس هو إجماعا تعبديا.

(5)جواب(أما)في قوله:«و أما إذا لم يكن الظن حجة».

(6)يعني بسقوطه في الموهومات.

ص: 86

و حاصل ذلك:أن مقتضى القاعدة العقلية و النقلية لزوم الامتثال العلمي التفصيلي للأحكام و التكاليف المعلومة اجمالا (1) ،و مع تعذره يتعين الامتثال العلمي الإجمالي و هو الاحتياط المطلق (2) ،و مع تعذره لو دار الامر بين الامتثال الظني في الكل (3) و بين الامتثال العلمي الإجمالي في البعض (4) و الظن في الباقي (5) كان الثاني هو المتعين عقلا و نقلا.

ففيما نحن فيه إذا تعذر الاحتياط الكلي و دار الامر بين إلغائه بالمرة و الاكتفاء بالاطاعة الظنية و بين إعماله في المشكوكات و المظنونات و إلغائه في الموهومات كان الثاني هو المتعين (6) .

(1)يعني:فيجب تحصيل العلم التفصيلي تقديما للامتثال التفصيلي مع القدرة عليه،و لا يكتفي بالامتثال الإجمالي.

لكن عرفت الاشكال في ذلك قريبا.

(2)يعني:التام بموافقة جميع محتملات التكليف حتى الموهومات.

(3)يعني:بجعل الظن حجة،لكن عرفت أنه ليس مبنيا على كون الظن حجة في الامتثال بل في احراز التكليف ليترتب عليه الامتثال عقلا.

(4)و هو مظنونات التكليف و مشكوكاته،فإن الاتيان بها مراعاة للاحتياط -بناء على تبعيض الاحتياط -لأجل العلم الإجمالي لا لاعتبار الظن.

(5)و هو مظنونات عدم التكليف،فإنه يكتفي فيها بموافقة الظن و يهمل العلم الإجمالي من جهة العسر.

(6)عرفت أنه مبني على كون دليل التعذر يقتضي التصرف في قاعدة الاحتياط لا في دليل الواقع،و هو خلاف التحقيق،بل هو يمنع من منجزية العلم الإجمالي و يقتضي سقوط الاحتياط كلية،فلا بد في مقام تحصيل غرض الشارع من عدم إهمال التكاليف كلية-كما هو مقتضى المقدمة الثانية-من جعل طريق إلى الواقع

ص: 87

و دعوى (1) :لزوم الحرج أيضا من الاحتياط في المشكوكات، خلاف الإنصاف،لقلة المشكوكات،لأن الغالب حصول الظن إما بالوجوب و إما بالعدم.

اللهم إلاّ أن يدعى قيام الإجماع على عدم وجوب الاحتياط في المشكوكات أيضا،و حاصله:دعوى أن الشارع لا يريد الامتثال (2) ينجزه في ظرف عدم العلم و هو خصوص الظن لما يأتي فى المقدمة الرابعة،و ذلك يقتضي حجية الظن في مقام التكاليف الشرعية كما ذكرنا.

نعم بناء على منجزية العلم الإجمالي الثاني الذي أطرافه خصوص المظنونات -كما أشرنا إليه قريبا-يتعين العمل بالظن من باب الاحتياط لا بما هو حجة.

فلاحظ .

(1)ظاهره أن الفرق بين تبعيض الاحتياط و سقوطه مطلقا مع حجية الظن منحصر بأنه على الأول يجب الاحتياط في المشكوكات و على الثاني لا يجب، فلو فرض عدم وجوبه من جهة العسر أو الإجماع تعين القول بحجية الظن و عدم تبعيض الاحتياط .و قد عرفت الفرق بوجه آخر،و هو أن تبعيض الاحتياط يقتضي موافقة بعض المحتملات لأجل العلم الإجمالي و حجية الظن تقتضي موافقته بما هو حجة مع اهمال العلم الإجمالي،و أما عموم دليل الترخيص للمشكوكات و عدمه فهو-بناء على تبعيض الاحتياط -تابع لمقدار مفاد ذلك الدليل،و لا دخل له في الفرق بين الأمرين،و لا يكون معيارا في تعيين أحدهما.

(2)الامتثال ليس من شئون الشارع،و إنما هو ممّا يحكم به العقل،فلو فرض كون قاعدة العسر محكمة على قاعدة الاحتياط مع بقاء العلم الإجمالي منجزا تعين البناء على اكتفاء العقل بالامتثال الظني لا اكتفاء الشارع به.نعم للشارع جعل الحجج على تكاليفه،و هذا أمر آخر.

ص: 88

العلمي الإجمالي في التكاليف الواقعية المشتبهة بين الوقائع،فيكون حاصل دعوى الإجماع دعوى انعقاده على أنه لا يجب شرعا الاطاعة العلمية الإجمالية في الوقائع المشتبهة مطلقا،لا في الكل،و لا في البعض و حينئذ تعين الانتقال إلى الإطاعة الظنية.

لكن الإنصاف أن دعواه مشكلة جدا،و إن كان تحققه مظنونا بالظن القوي،لكنه لا ينفع ما لم ينته إلى حدّ العلم.

فإن قلت:إذا ظن بعدم وجوب الاحتياط في المشكوكات فقد ظن بأن المرجع في كلّ مورد منها إلى ما يقتضيه الأصل الجاري في ذلك المورد،فيصير الأصول مظنونة الاعتبار في المسائل المشكوكة،فالمظنون في تلك المسائل عدم وجوب الواقع فيها على المكلّف،و كفاية الرجوع إلى الأصول،و سيجيء أنه لا فرق في الظن الثابت حجيته بدليل الانسداد بين الظن المتعلق بالواقع و بين الظن المتعلق بكون شيء طريقا إلى الواقع و كون (1) العمل به مجزيا عن الواقع و بدلا عنه و لو تخلف عن الواقع.

قلت:مرجع الإجماع-قطعيا كان أو ظنيّا-على الرجوع في المشكوكات إلى الأصول هو (2) الإجماع على وجود الحجة الكافية (3) (1)عطف على قوله:«بكون...»،و هو عطف تفسيري.

(2)خبر لقوله:«مرجع الإجماع».

(3)حتى ينحل العلم الإجمالي المانع من جريان الأصول فى الأطراف الموجب للاحتياط فإن العلم الإجمالي بنفسه يقتضي الاحتياط ،الا مع لزوم العسر و نحوه، أو مع انحلاله بوجود الحجة الكافية الوافية بالمقدار المعلوم بالاجمال،و حيث سبق من المصنف قدّس سرّه عدم لزوم العسر من الاحتياط في المشكوكات تعين أن يكون الوجه

ص: 89

في المسائل التي انسد فيها باب العلم حتّى تكون المسائل الخالية عنها موارد للأصول،و مرجع هذا إلى دعوى الإجماع على حجية الظن بعد الانسداد (1) .

في جواز الرجوع للأصول فيها و عدم وجوب الاحتياط هو انحلال العلم الإجمالي بوجود الحجة الكافية الوافية.

لكن إذا فرض إمكان تصرف الشارع في قاعدة الاحتياط بتحكيم قاعدة العسر و الحرج مع بقاء الأحكام الواقعية على ما هي عليه من دون نصب الحجة الكافية-كما هو مبنى القول بتبعيض الاحتياط -امكن تصرف الشارع في قاعدة الاحتياط بجعل الاصول في مورد الشك من دون جعل الحجة الكافية،و عليه فلا يكون الإجماع على حجية الأصول راجعا إلى الإجماع على وجود الحجة الكافية،و لا وجه لما ذكره المصنف قدّس سرّه.

(1)إذ ليس هناك ما هو قابل للحجية سوى الظن.

ثم إنه إذا فرض أن مرجع الإجماع المذكور إلى الإجماع على حجية الظن،فلا مجال لاثباته بالظن للزوم الدور،بل لا بد من العلم به حتى ينتج العلم بحجية الظن.

و الظاهر أن هذا هو مراد المصنف قدّس سرّه في الجواب.

لكنه لا يخلو عن إشكال،فإن تبعيض الاحتياط قد استفيد بمقتضى أدلة العسر،و هي معتبرة قطعا-كما ذكره المصنف قدّس سرّه،و قد فرض انه يقتضي عدم وجوب الاحتياط قطعا في مظنون عدم التكليف،من دون فرق بين الظن بالواقع و الظن بالطريق،و فرض الظن بحجية الأصول في المشكوكات-و لو للظن بحجية الظن -و ذلك يوجب القطع بعدم لزوم الاحتياط فى المشكوكات،إما لحجية الظن أو لتبعيض الاحتياط و حينئذ فإن لم يكن سقوط الاحتياط في المشكوكات ملازما لحجية الظن،بل يمكن فرضه مع تبعيض الاحتياط -كما ذكرناه في تعقيب كلام المصنف قدّس سرّه فى الفرق بين الأمرين-فلا يستكشف به حجية الظن.و إن كان ملازما لها-كما يظهر

ص: 90

من المصنف قدّس سرّه في كلامه السابق-استكشف به،و استكشفت به حجية الأصول فى المشكوكات لا مجرد عدم وجوب الاحتياط فيها و مرجع ذلك إلى أن الظن بحجية الظن و حجية الأصول فى المشكوكات موجب للقطع بعدم وجوب الاحتياط فى المشكوكات،و هو يوجب القطع بحجية الظن و حجية الأصول فى المشكوكات،فلا يتم الجواب المذكور على مباني المصنف قدّس سرّه التي تظهر منه و تحكي عنه.

و عمدة ذلك أمران:

الأول:عدم ابتناء مسألة عدم الفرق بين الظن بالواقع و الظن بالطريق على القول بحجية الظن،بل تلائم القول بتبعيض الاحتياط أيضا.

الثاني:ملازمة عدم وجوب الاحتياط في المشكوكات لحجية الظن و انه لا يلتئم مع تبعيض الاحتياط .

فلو لم يتم الأول تم الجواب الذي ذكره المصنف قدّس سرّه،لأن عدم لزوم الاحتياط في المشكوكات-التي يظن بحجية الاصول فيها-موقوف على القطع بحجية الظن، و لا يتأتى مع الظن به،كما هو المفروض.

و كذا لو لم يتم الثاني فإن عدم الفرق بين الظن بالواقع و الظن بالطريق و إن استلزم سقوط الاحتياط في المشكوكات،إلا أنه لا يستلزم حجية الظن و حجية الأصول فيها،لفرض عدم الملازمة بين الأمرين.لكن الأول محكي عن المصنف قدّس سرّه و يأتي في محله الكلام فيه،و الثاني هو ظاهر في كلامه السابق في تبعيض الاحتياط .

اللهم إلا أن يقال:المصنف قدّس سرّه و إن ظهر منه أن سقوط الاحتياط في المشكوكات مستلزم لحجية الظن و لا يجتمع مع تبعيض الاحتياط ،إلا أنه مختص بما إذا كان سقوط الاحتياط فيها بما هي مشكوكات لا بما هي موارد لما هو مظنون الاعتبار،و إلا فهي ملحقة بالمظنونات-بناء على أن عدم الفرق بين الظن بالواقع و الظن بالطريق يتأتى مع تبعيض الاحتياط أيضا-و قد ذكر قدّس سرّه أن عدم وجوب

ص: 91

فإن قلت (1) :إذا لم يقم في موارد الشك ما ظن طريقيته لم يجب الاحتياط في مظنونات عدم التكليف لا يقتضي حجية الظن.

لكن هذا يقتضي الاعتراف بعدم وجوب الاحتياط في المشكوكات و إن كان لا يستلزم حجية الظن،و ظاهر المصنف قدّس سرّه أنه بصدد بيان أن الظن المذكور بالإجماع المذكور لا يوجب سقوط الاحتياط فى المشكوكات لا أنه يوجبه و إن لم يوجب حجية الظن.

نعم قد يتوجه ما ذكره المصنف قدّس سرّه من عدم سقوط الاحتياط فى المشكوكات و لو مع الظن المذكور بناء على اهمال نتيجة دليل الانسداد و عدم عمومها لكل ظن،و أنه لا بد من الاقتصار على المتيقن من الظنون،إذ قد يدعى أن الأصول في المشكوكات خارجة عن المتيقن و إن كانت مظنونة الاعتبار.

و كذا بناء على أن المراد بالظن بالطريق خصوص الأمارات المظنونة الاعتبار المفيدة للظن النوعي،دون مثل الأصول،ممّا لا تعرض لها للواقع و ليست بلسان الأمارة.لكن هذا أمر آخر لم يتعرض له المصنف قدّس سرّه.

ثم إن في بعض النسخ عبارة أخرى فى الجواب عن الاشكال المذكور تبتني على اختصاص مسألة عدم الفرق بين الظن بالواقع و الظن بالقول بحجية الظن و عدم جريانه على تبعيض الاحتياط .

لكن حكى بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه العبارة المذكورة هنا عن النسخ المصححة،و اقتصر هو و المحقق الخراساني قدّس سرّه عليها في شرح مراد المصنف قدّس سرّه.

و لعله لما حكي عنه قدّس سرّه من عدوله عن الاختصاص المذكور.فلاحظ و تأمل جيدا.

و قد أطلنا الكلام هنا لغموض كلام المصنف قدّس سرّه و اضطراب كلمات شراح كلامه و المتأخرين عنه.و اللّه سبحانه من وراء القصد.

(1)حكي عن بعض النسخ المصححة إسقاط هذه العبارة إلى قوله:

«فراجع».

ص: 92

الاحتياط في ذلك المورد من (1) جهة كونه أحد محتملات الواجبات و المحرمات الواقعية و ان حكم بوجوب الاحتياط من جهة اقتضاء القاعدة في نفس المسألة،كما لو كان الشك فيه في المكلّف به.و هذا إجماع من العلماء،حيث لم يحتط أحد منهم في مورد الشك من جهة احتمال كونه من الواجبات و المحرمات الواقعية،و إن احتاط الأخباريون في الشبهة التحريمية من جهة مجرد احتمال التحريم (2) ،فإذا كان عدم وجوب الاحتياط إجماعيا مع عدم قيام ما يظن طريقيته على عدم الوجوب،فمع قيامه (3) لا يجب الاحتياط بالأولوية القطعية.

قلت:العلماء إنّما لم يذهبوا إلى الاحتياط في موارد الشك لعدم العلم الإجمالي لهم بالتكاليف،بل الوقائع لهم بين معلوم التكليف تفصيلا أو مظنون لهم بالظن الخاص (4) و بين مشكوك التكليف رأسا،و لا يجب الاحتياط في ذلك عند المجتهدين،بل عند غيرهم في الشبهة الوجوبية.

و الحاصل:أن موضوع عمل العلماء القائلين بانفتاح باب العلم أو الظن الخاص مغاير لموضوع عمل القائلين بالانسداد.و قد نبهنا على (1)متعلق بقوله:«يجب الاحتياط ...»لا تعليل لقوله:«لم يجب الاحتياط ...».

(2)و ذلك لخصوصية خاصة،لا لأنه مقتضى الأصل الأولي.

(3)يعني:فمع قيام محتمل الطريقية.و هو في المقام الأصل بناء على ما سبق في الاشكال لكن إذا كان الأصل في موارد الشك مظنون الطريقية بناء على الانسداد فهو مقطوع الطريقية بناء على الانفتاح.فلا أولوية.

(4)لأنهم قائلون بانفتاح باب العلم.

ص: 93

ذلك غير مرة في بطلان التمسك على بطلان البراءة و الاحتياط بمخالفتهما لعمل العلماء (1) .فراجع.

إشكال آخر في المقام

و تحصّل مما ذكر إشكال آخر أيضا،من جهة أن نفي الاحتياط بلزوم العسر لا يوجب كون الظن حجة ناهضة لتخصيص العمومات الثابتة بالظنون الخاصة و مخالفة ساير الظواهر الموجودة فيها (2) .

و دعوى:أن باب العلم و الظن الخاص إذا فرض انسداده سقط عمومات الكتاب و السنة المتواترة و خبر الواحد الثابت حجيته بالخصوص (3) عن الاعتبار،للعلم الإجمالي بمخالفة ظواهر أكثرها لمراد المتكلّم،فلا يبقى ظاهر منها على حاله حتى يكون الظن الموجود على (1)تقدمت الاشارة إلى ذلك في أول المقدمة الثالثة عند الكلام في تقرير الإجماع على عدم وجوب الاحتياط .

(2)إذ بناء على تبعيض الاحتياط لا يكون العمل بالظن بما أنه حجة ليصلح لتخصيص عمومات الحجج و تقييدها و معارضتها.

لكن الظاهر عدم اختصاص ذلك بالقول بتبعيض الاحتياط ،بل يأتي بناء على كون العسر موجبا لسقوط الاحتياط رأسا بنحو يقتضي حجية الظن،فإنه إنما يقتضي حجية للظن حيث لا حجة من الظنون الخاصة أما مع فرض وجود الحجة- و لو كانت عموما-فلا مجال لاستكشاف حجية الظن بنحو يصلح لرفع اليد عنها.

إلا أن يسقط العموم أو غيره من الظواهر بالعلم بمخالفته للواقع و لو اجمالا،و ذلك موجب لعدم الرجوع إليه حتى بناء على تبعيض الاحتياط و عدم حجية الظن.و قد نبه لذلك الهمداني قدّس سرّه في حاشيته.فراجع.

(3)يعني:إذا لم يكن بمقدار يفي بمعظم الفقه،و إلا فلا مجال معه لفرض الانسداد.

ص: 94

خلافه من باب المخصص و المقيد،مجازفة (1) ،إذ لا علم و لا ظن بطروّ مخالفة الظاهر في غير الخطابات التي علم إجمالها بالخصوص (2) مثل:

أَقِيمُوا الصَّلاٰةَ و: لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ و شبههما.و أما كثير من العمومات التي لا نعلم باجمال كل منها فلا نعلم و لا نظن بثبوت المجمل بينها لأجل طرو التخصيص في بعضها.و سيجيء بيان ذلك عند التعرض لحال نتيجة المقدمات إن شاء اللّه.

هذا كله حال الاحتياط في جميع الوقائع.

بطلان الرجوع في كل واقعة إلى ما يقتضيه الأصل

و أما الرجوع في كل واقعة إلى ما يقتضيه الأصل في تلك الواقعة (3) من غير التفات إلى العلم الإجمالي بوجود الواجبات و المحرمات بين الوقائع،بان يلاحظ نفس الواقعة،فإن كان فيها حكم سابق يحتمل بقاؤه استصحب (4) -كالماء المتغير بعد زوال التغيير-و إلاّ فإن كان الشك في أصل التكليف-كشرب التتن-أجري البراءة،و إن كان الشك في تعيين (1)خبر قوله:«و دعوى...».

(2)لورودها في مقام التشريع،فلا ينعقد لها إطلاق حجة.لكن تخصيص العلم الإجمالي بالعمومات المذكورة ممّا لا مجال له.و لا مجال للاستدلال في مثل هذه الأمور الوجدانية.فلاحظ .

(3)سبق في أول المقدمة الثانية أن اللازم أن يراد فيها من الرجوع للأصل هذا المعنى،لا الرجوع إلى البراءة في تمام المسائل حتى لو كان مقتضى الأصل في خصوص المسألة مع قطع النظر عن غيرها،هو الاحتياط أو استصحاب التكليف أو غيرهما،فإنه يكفي في رده أدلة تلك الأصول أو القواعد.فراجع.

(4)بناء على ثبوت الاستصحاب بأدلة قطعية.

ص: 95

المكلف به-مثل القصر و الاتمام-فإن أمكن الاحتياط وجب،و إلاّ تخير، كما إذا كان الشك في تعيين التكليف الإلزامي،كما إذا دار الأمر بين الوجوب و التحريم.

فيرد هذا الوجه أن العلم الإجمالي بوجود الواجبات و المحرمات يمنع عن إجزاء البراءة (1) و الاستصحاب (2) المطابق لها المخالف للاحتياط ،بل و كذا العلم الإجمالي بوجود غير الواجبات و المحرمات في الاستصحابات المطابقة للاحتياط (3) يمنع من العمل بالاستصحاب من حيث انها استصحابات (4) فتأمّل،و إن كان لا يمنع من العمل بها من حيث الاحتياط ،لكن الاحتياط في جميع ذلك (5) يوجب العسر (6) .

و بالجملة:فالعمل بالأصول النافية للتكليف في مواردها مستلزم (1)لكثرة موارد الشك في أصل التكليف،بنحو يعلم بثبوت التكليف في بعضها فيمتنع الرجوع للأصول الترخيصية.

(2)لعدم الفرق بين موارده و موارد البراءة في كونها أطرافا للعلم الإجمالي المذكور.

(3)العلم الإجمالي المذكور غير حاصل لقلة الموارد المذكورة.

(4)بناء على مختاره قدّس سرّه من عدم جريان الاستصحاب ذاتا في أطراف العلم الإجمالي اما بناء على جريانه ذاتا،و إن المانع منه لزوم الترخيص في المعصية فهو يختص بالاستصحاب غير الالزامي،أما الالزامي فاللازم العمل به و تقديمه على الظن.

(5)يعني:في موارد البراءة و الاستصحابات بعد فرض سقوطها عن الحجية بسبب العلم الإجمالي المذكور.

(6)لكثرة الموارد المذكورة.

ص: 96

للمخالفة القطعية الكثيرة و بالأصول المثبتة للتكليف من الاحتياط و الاستصحاب مستلزم للحرج.و هذا لكثرة المشتبهات في المقامين كما لا يخفى على المتأمل.

بطلان الرجوع إلى فتوى العالم و تقليده

و أمّا رجوع هذا الجاهل الذي انسد عليه باب العلم في المسائل المشتبهة إلى فتوى العالم بها (1) و تقليده فيها فهو باطل لوجهين:

أحدهما:الإجماع القطعي (2) .

و الثاني:أن الجاهل الذي وظيفته الرجوع إلى العالم هو الجاهل العاجز عن الفحص (3) ،و أما الجاهل الذي بذل الجهد و شاهد مستند العالم و غلطه في استناده إليه و اعتقاده عنه فلا دليل على حجية فتواه بالنسبة (1)و هو من يرى انفتاح باب العلم لوفاء الظنون الخاصة التي بنى على حجيتها بمعظم الفقه.

(2)لما كانت المسألة المذكورة حديثة التحرير فالإجماع المذكور ارتكازي، و الظاهر ابتناؤه على الوجه الثاني،فلا يصلح لأن يعد وجها في قباله.

(3)و هو المعبر عنه بالعامي في كلماتهم،بل في الروايات.

و الوجه في اختصاص جواز التقليد به اختصاص الأدلة به من سيرة العقلاء و أدلة الرجوع إلى العلماء الشرعية.

أما السيرة فواضح.

و أما الأدلة المذكورة فلأن موضوع الرجوع فيها هو العالم،و مع علم الشخص بخطإ مستند من يدعي العلم فهو جاهل بنظره فلا يدخل في الأدلة المذكورة.

و إن شئت قلت:ظاهر الأدلة الشرعية المذكورة إمضاء السيرة المذكورة فمع فرض اختصاص السيرة بالعامي يتعين اختصاص تلك الأدلة به.

ص: 97

إليه،و ليست فتواه من الطرق المقررة لهذا الجاهل،فإن من يخطئ القائل بحجية خبر الواحد في فهم دلالة آية النبإ عليها كيف يجوز له متابعته، و أيّ مزية له عليه حتى يجب رجوعه إليه و لا يجب العكس ؟

و هذا هو الوجه فيما أجمع عليه العلماء من أن المجتهد إذا لم يجد دليلا في المسألة على التكليف كان حكمه الرجوع إلى البراءة،لا إلى من يعتقد وجود الدليل على التكليف (1) .

و الحاصل:أن اعتقاد مجتهد ليس حجة على مجتهد آخر خال عن ذلك الاعتقاد،و أدلّة وجوب رجوع الجاهل إلى العالم يراد بها العالم الذي يختفي منشأ علمه على ذلك الجاهل،لا مجرد المعتقد بالحكم.و لا فرق بين المجتهدين المعتقدين المختلفين في الاعتقاد (2) و بين المجتهدين الذين أحدهما اعتقد الحكم عن دلالة و الآخر اعتقد بفساد تلك الدلالة،فلا يحصل له اعتقاد.

و هذا شيء مطرد في باب مطلق رجوع الجاهل إلى العالم شاهدا كان أو مفتيا أو غيرهما (3) .

(1)فلو كان قوله حجة في حقه كان دليلا مانعا من الرجوع إلى البراءة.

(2)كما لو اعتقد أحد المجتهدين قيام الدليل على الوجوب و اعتقد الآخر قيام الدليل على الاباحة،فإنه لا إشكال في عدم جواز رجوع أحدهما للآخر.

(3)حتى في مثل الاقرار الذي هو من أقوى الحجج،فإنه إذا علم استناد المقر إلى ما يعلم بخطئه في استناده إليه لا يجوز التعويل على إقراره.نعم قد يدعى نفوذ حكم الحاكم و لو مع العلم بخطإ مستنده للأدلة الخاصة.و تمام الكلام في محله.

ص: 98

المقدمة الرابعة تعيّن العمل بمطلق الظن
اشارة

المقدمة الرابعة:

في أنه إذا وجب التعرض لامتثال الواقع في مسألة واحدة أو في مسائل،و لم يمكن الرجوع فيها إلى الأصول،و لم يجب أو لم يجز الاحتياط ، تعيّن العمل فيها بمطلق الظن.و لعله لذلك يجب العمل بالظن في الضرر (1) و العدالة (2) و أمثالها.

إذا تمهدت هذه المقدمات فقد ثبت وجوب العمل بالظن فيما نحن فيه،و محصلها:أنه إذا ثبت انسداد باب العلم و الظن الخاص-كما هو مقتضى المقدمة الأولى-و ثبت وجوب امتثال الأحكام المشتبهة و عدم جواز إهمالها بالمرة-كما هو مقتضى المقدمة الثانية (3) -و ثبت عدم وجوب (1)وجوب العمل بالظن فى الضرر إنما هو لحجيته فيه بالخصوص بمقتضى أدلة أحكام الضرر،بل لعل مقتضى تلك الأدلة كفاية الخوف و إن لم يوجب الظن، و عليه الفتوى ظاهرا.

و لو لا ذلك لكان اللازم عدم حجية الظن،بل المرجع الأصول المقتضية لثبوت الحكم أو نفيه،إذ لا موجب لسقوطها من علم اجمالي أو نحوه.

(2)لا ينبغي الاشكال في أن حجية الظن بالعدالة مستفادة من الأدلة الخاصة و لذا لا يكفي فيه مطلق الظن،بل خصوص ما ينشأ من حسن الظاهر على ما يذكر في الفقه مفصلا.فارجاع ذلك إلى دليل الانسداد في غير محله.

(3)عرفت أن الوجه فيه أحد أمور:

الأول:الإجماع.

الثاني:لزوم الخروج عن الدين لكثرة المشتبهات و استيعابها لأكثر الفروع الفقهية.

ص: 99

كون الامتثال على وجه الاحتياط و عدم جواز الرجوع فيه إلى الأصول الشرعية-كما هو مقتضى المقدمة الثالثة-تعين (1) بحكم العقل المستقل التعرض لامتثالها على وجه الظن بالواقع فيها (2) ،إذ ليس بعد الامتثال العلمي و الظني بالظن الخاص المعتبر في الشريعة امتثال مقدم على الامتثال الظني.

مراتب امتثال الحكم الشرعي

توضيح:ذلك أنه إذا وجب عقلا أو شرعا التعرض لامتثال الحكم الشرعي فله مراتب أربع.

الأولى:الامتثال العلمي التفصيلي،و هو أن يأتي بما يعلم تفصيلا أنه هو المكلف به:و في معناه ما إذا ثبت كونه هو المكلف به بالطريق الشرعي و إن لم يفد العلم و لا الظن،كالأصول الجارية في مواردها و فتوى المجتهد بالنسبة إلى الجاهل العاجز عن الاجتهاد.

الثانية:الامتثال العلمي الإجمالي و هو يحصل بالاحتياط (3) .

الثالثة:الامتثال الظني (4) و هو أن يأتي بما يظن أنه المكلف به.

الثالث:العلم الإجمالي.و لعله يأتي في بعض المباحث الآتية اختلاف الآثار باختلاف الوجوه المذكورة التي عليها يبتني التنجيز.

(1)جواب(إذا)في قوله:«أنه إذا ثبت انسداد...».

(2)ظاهره كون الرجوع إلى الظن في الامتثال لا في تعيين التكليف،و هو مبني على الحكومة.و يأتي الكلام في ذلك إن شاء اللّه تعالى في التنبيه الثاني.فانتظر.

(3)يعني:التام الموقوف على موافقة جميع المحتملات.

(4)الكلام في هذا و ما بعده موكول إلى مبحث الكشف و الحكومة في التنبيه الثاني.

ص: 100

الرابعة:الامتثال الاحتمالي،كالتعبد بأحد طرفي المسألة من الوجوب و التحريم،أو التعبد ببعض محتملات المكلف به عند عدم وجوب الاحتياط أو عدم إمكانه.

ترتب هذه المراتب

و هذه المراتب مترتبة لا يجوز بحكم العقل العدول عن سابقها [سابقة خ.ل]إلى لاحقها[لاحقة خ.ل]إلا مع تعذرها على إشكال (1) فى الأولين تقدم في أول الكتاب.و حينئذ فإذا تعذرت المرتبة الأولى (2) و لم يجب الثانية (3) تعينت الثالثة و لا يجوز الاكتفاء بالرابعة.

فاندفع بذلك ما زعمه بعض من تصدى لردّ دليل الانسداد بأنه لا يلزم من إبطال الرجوع إلى البراءة و وجوب العمل بالاحتياط وجوب العمل بالظن لجواز أن يكون المرجع شيئا آخر لا نعلمه،مثل القرعة و التقليد أو غيرهما مما لا نعلمه فعلى المستدل سد باب هذه الاحتمالات و المانع يكفيه الاحتمال (4) .

توضيح الاندفاع-بعد الاغماض عن الإجماع (5) على عدم الرجوع (1)بل منع،حيث سبق جواز الاقتصار على الامتثال الإجمالي مع التمكن من التفصيلي.بل الظاهر انه لا اشكال فيه عندهم في غير العبادات.

(2)لفرض انسداد باب العلم.

(3)لما تقدم في المقدمة الثالثة من عدم وجوب الاحتياط التام.

(4)فإن مجرد عدم ثبوت الدليل على جواز الرجوع إلى شيء من هذه الطرق لا يوجب القطع بعدمها،بل يبقى الاحتمال بحاله.

(5)لأن الإجماع المذكور لو تم يقتضي كون تعيين الظن بدليل غير عقلي، و هو خلاف المفروض،إذ الكلام في تعيينه بطريق عقلي.

ص: 101

إلى القرعة و ما بعدها-:أن مجرد احتمال كون شيء غير الظن طريقا شرعيا لا يوجب العدول عن الظن إليه،لأن الأخذ بمقابل المظنون قبيح في مقام امتثال الواقع و إن قام عليه ما يحتمل أن يكون طريقا شرعيا،إذ مجرد الاحتمال لا يجدي في طرح الطرف المظنون،فإن العدول عن الظن إلى الوهم و الشك قبيح (1) .

و الحاصل:أنه كما لا يحتاج الامتثال العلمي إلى جعل جاعل فكذلك الامتثال الظني بعد تعذر الامتثال العلمي و فرض عدم سقوط الامتثال.

و اندفع بما ذكرنا أيضا ما ربما يتوهم من التنافي بين التزام بقاء التكليف في الوقائع المجهولة الحكم و عدم ارتفاعه بالجهل و بين التزام العمل بالظن،نظرا إلى أن التكليف بالواقع لو فرض بقاؤه فلا يجدي غير الاحتياط في إحراز الواقع و امتثاله (2) .

توضيح الاندفاع:أن المراد من بقاء التكليف بالواقع نظير التزام (1)لأن أقربيته إلى الواقع ذاتا موجبة لترجيحه في مقام العمل عقلا بعد فرض عدم ثبوت مزية لغيره عليه شرعا.

(2)لما أشرنا إليه في مبحث تبعيض الاحتياط .لكن يفترقان بأن الذي ادعاه المصنف قدّس سرّه هناك سقوط بعض مراتب الاحتياط شرعا من جهة العسر و الحرج، و قد عرفت الاشكال فيه بعدم كون التصرف في مقام الامتثال من وظيفة الشارع الأقدس،و المدعي هنا لزوم العمل بالظن عقلا لا شرعا،فلا يأتي فيه الاشكال المتقدم،بل لا بد من ملاحظة الحكم العقلي المذكور و التأمل فيه.و لعله يأتي بعض الكلام في مبحث الكشف و الحكومة.

ص: 102

بقاء التكليف فيما تردد الامر بين محذورين (1) من حيث الحكم أو من حيث الموضوع،بحيث لا يمكن الاحتياط ،فإن الحكم بالتخيير لا ينافي التزام بقاء التكليف،فيقال (2) :

إن الأخذ باحدهما لا يجدي في امتثال الواقع،لأن (3) المراد ببقاء (1)قد يفرق بين هذا و بين المقام بأن سقوط الاحتياط في الدوران بين محذورين لما كان عقليا،لاستحالته في نفسه لم يوجب سقوط التكليف الواقعي بعد امكان امتثاله واقعا،و المتعذر ليس إلاّ العلم بالامتثال.بل قد يدعى أن العقل يستقل حينئذ بالاكتفاء بالامتثال الاحتمالي مع عدم تيسر الامتثال الظني لعدم امكان تحصيل الظن،و مع تيسره فهو المتعين.

و هذا بخلاف المقام،فإن سقوط الاحتياط فيه ليس عقليا،لفرض القدرة عليه،بل هو شرعي من جهة العسر أو اختلال النظام،و حيث لم يكن التصرف في مقام الاطاعة باسقاط الاحتياط من وظيفة الشارع-كما ذكرنا عند الكلام في تبعيض الاحتياط -و ليس وظيفته الا التصرف في الأحكام الشرعية تعين رجوع ذلك إلى رفع الحكم الشرعي المعلوم بالاجمال،فيرتفع موضوع الاحتياط ،و حينئذ لا يجب الامتثال مطلقا حتى بوجه ظني،لارتفاع التكليف المعلوم إجمالا واقعا،فيدور الأمر بين الاحتياط التام و سقوط الامتثال مطلقا بجميع مراتبه حتى الاحتمالي منه.

بل لا يبعد دعوى سقوط الامتثال حتى في الدوران بين محذورين و إن الاتيان بأحد الأمرين لاستحالة تركهما لا لوجوب امتثال الحكم الواقعي،على ما يذكر في محله.

لكن هذا إنما يمنع من الرجوع إلى الظن في المقام بنحو الحكومة،لا بنحو الكشف،و سيأتي تحقيق الكلام في ذلك فى التنبيه الثاني إن شاء اللّه تعالى.

(2)تفريع على المنافاة و بيان لوجهها.

(3)تعليل لقوله:«لا ينافي التزام...».

ص: 103

التكليف عدم السقوط رأسا بحيث لا يعاقب عند ترك المحتملات كلا،بل العقل يستقل باستحقاق العقاب عند الترك رأسا،نظير (1) جميع الوقائع المشتبهة.

فما نحن فيه نظير اشتباه (2) الواجب من الظهر و الجمعة في يوم الجمعة،بحيث يقطع بالعقاب بتركهما معا مع عدم إمكان الاحتياط أو كونه عسرا قد نص الشارع على نفيه مع وجود الظن بأحدهما،فإنه يدور الأمر بين العمل بالظن و التخيير و العمل بالموهوم،فإن إيجاب العمل بكل من الثلاثة و إن لم يحرز به الواقع،إلا أن العمل بالظن أقرب إلى الواقع من العمل بالموهوم و التخيير،فيجب عقلا.فافهم.

و لا فرق في قبح طرح الطرف الراجح و الأخذ بالمرجوح بين أن يقوم على المرجوح ما يحتمل أن يكون طريقا معتبرا شرعا و بين أن لا يقوم، لأن العدول عن الظن إلى الوهم قبيح و لو باحتمال كون الطرف الموهوم واجب الأخذ شرعا حيث قام عليه ما يحتمل كونه طريقا.

نعم لو قام على الطرف الموهوم ما يظن كونه طريقا معتبرا شرعيا، و دلّ الأمر بين تحصيل الظن بالواقع و بين تحصيل الظن بالطريق المعتبر الشرعي،ففيه كلام سيأتي إن شاء اللّه (3) .

(1)يعني:نظير ترك جميع الوقائع المشبهة.و في النسخ هنا اختلاف في عبارة المصنف قدّس سرّه.لكنه لا يخل بالمعنى المهم فى المقام.

(2)الكلام فيه هو الكلام فيما نحن فيه.

(3)يأتي في التنبيه الأول.و الحمد للّه رب العالمين.

ص: 104

و الحاصل:أنه بعد ما ثبت بحكم المقدمة الثانية وجوب التعرض لامتثال المجهولات بنحو من الأنحاء و حرمة إهمالها و فرضها كالمعدوم، و ثبت بحكم المقدمة الثالثة عدم وجوب امتثال المجهولات بالاحتياط و عدم جواز الرجوع في امتثالها إلى الأصول الجارية في نفس تلك المسائل، و لا إلى فتوى من يدعى انفتاح باب العلم بها،تعين وجوب تحصيل الظن بالواقع فيها و موافقته،و لا يجوز قبل تحصيل الظن الاكتفاء بالأخذ بأحد طرفي المسألة،و لا بعد تحصيل الظن الأخذ بالطرف الموهوم،لقبح الاكتفاء في مقام الامتثال بالشك و الوهم مع التمكن من الظن،كما يقبح الاكتفاء بالظن مع التمكن من العلم،و لا يجوز أيضا الاعتناء بما يحتمل أن يكون طريقا معتبرا مع عدم إفادته الظن،لعدم خروجه من الامتثال الشكي أو الوهمي.

هذا خلاصة الكلام في مقدمات دليل الانسداد المنتجة لوجوب العمل بالظن في الجملة.

ص: 105

ص: 106

و ينبغي التّنبيه على أمور:

الأوّل
اشارة

أنك قد عرفت أن قضية المقدمات المذكورة وجوب الامتثال الظني (1) للأحكام المجهولة،فاعلم:

عدم الفرق في الامتثال الظني بين الظن بالحكم الواقعي أو الظاهري

أنه لا فرق فى الامتثال الظني بين تحصيل الظن بالحكم الفرعي الواقعي،كأن يحصل من شهرة القدماء الظن بنجاسة العصير العنبي و بين تحصيل الظن بالحكم الفرعي الظاهري،كأن يحصل من أمارة الظن بحجية أمر لا يفيد الظن،كالقرعة مثلا فإذا ظن حجية القرعة حصل الامتثال الظني في مورد القرعة و إن لم يحصل ظن بالحكم الواقعي،إلا أنه حصل ظن ببراءة ذمة المكلف في الواقعة الخاصة (2) ،و ليس الواقع بما هو (1)عرفت أن هذا مبني على الحكومة لا على الكشف،و يأتي الكلام في ذلك في التنبيه الثاني.

(2)من الظاهر أن موافقة الطريق لا توجب براءة ذمة المكلف واقعا و لا تحقق الامتثال كذلك،و إنما توجب براءة ذمته ظاهرا الراجع إلى معذوريته،فلا بد في دعوى العموم له من دعوى أن موضوع الظن الثابت بدليل الانسداد هو الأعم

ص: 107

واقع مقصودا للمكلف إلا من حيث كون تحققه مبرءا للذمة.

فكما أنه لا فرق في مقام التمكن من العلم بين تحصيل العلم بنفس الواقع و بين تحصيل العلم بموافقة طريق علم كون سلوكه مبرءا للذمة في نظر الشارع،فكذا لا فرق عند تعذر العلم بين الظن بتحقق الواقع و بين الظن ببراءة الذمة في نظر الشارع.

المخالف للتعميم فريقان

و قد خالف في التعميم فريقان:

أحدهما:من يرى أن مقدمات دليل الانسداد لا تثبت إلا اعتبار الظن و حجيته في كون الشيء طريقا شرعيا مبرءا للذمّة في نظر الشارع، و لا يثبت اعتباره في نفس الحكم الفرعي،زعما منهم عدم نهوض المقدمات المذكورة لإثبات حجية الظن في نفس الأحكام الفرعية،إما مطلقا (1) أو بعد العلم الإجمالي (2) بنصب الشارع طرقا للأحكام الفرعية.

الثاني:مقابل هذا،و هو من يرى أن المقدمات المذكورة لا تثبت إلا اعتبار الظن في نفس الأحكام الفرعية،و أما الظن بكون شيء طريقا مبرءا للذمة فهو ظن في المسألة الأصولية لم يثبت اعتباره فيها من دليل الانسداد، من الواقع و المعذرية.و هو لا يخلو عن إشكال،بل المتيقن الأول،خصوصا بعد عدم تمامية بعض مقدمات الانسداد لتتم النتيجة و يتضح حالها من حيثية العموم و الخصوص.

(1)الظاهر انه مقتضى الوجه الثاني الذي يأتي في الاحتجاج لهذا القول.

(2)الظاهر انه مقتضى الوجه الأول الذي يأتي في الاحتجاج لهذا القول.

ص: 108

لجريانها في المسائل الفرعية دون الأصولية (1) .

أدلة القائلين باعتبار الظن في المسائل الأصولية دون الفرعية:

و أما الطائفة الأولى فقد ذكروا لذلك وجهين:

أحدهما:-و هو الذي اقتصر عليه بعضهم (2) -:ما لفظه:

الأول:ما ذكره صاحب الفصول

«إنا كما نقطع بأنا مكلفون في زماننا هذا تكليفا فعليا بأحكام فرعية كثيرة لا سبيل لنا بحكم العيان و شهادة الوجدان إلى تحصيل كثير منها بالقطع،و لا بطريق معين يقطع (3) من السمع بحكم الشارع بقيامه أو قيام طريقه مقام القطع و لو عند تعذره (4) كذلك نقطع بأن الشارع قد جعل لنا إلى تلك الأحكام طرقا مخصوصة و كلفنا تكليفا فعليا بالرجوع إليها في معرفتها.

و مرجع هذين القطعين عند التحقيق إلى أمر واحد،و هو القطع (5) بأنا مكلفون تكليفا فعليا بالعمل بمؤدى طرق مخصوصة،و حيث أنه لا سبيل غالبا إلى تعيينها بالقطع،و لا بطريق يقطع عن السمع بقيامه (1)لا يتعرض المصنف قدّس سرّه للاحتجاج لهذا القول هنا،و إنما يأتي في التنبيه الثالث التعرض لذلك.

(2)ذكره فى الفصول بلفظه الآتي.

(3)صفة لقوله:«بطريق».

(4)يعني و لو عند تعذر القطع.و هو راجع إلى فرض عدم الدليل على حجية شيء لا في عرض العلم،و لا في رتبة متأخرة عنه.

(5)كأنه لأن مقتضى حجية الطريق الاجتزاء به في الوصول للواقع و عدم التكليف بالواقع على تقدير عدم وصول الطريق إليه.و سيأتي في الجواب عنه شرحه إن شاء اللّه تعالى.

ص: 109

بالخصوص أو قيام طريقه كذلك (1) مقام القطع و لو بعد تعذره (2) فلا ريب أن الوظيفة في مثل ذلك بحكم العقل إنما هو الرجوع في تعيين تلك الطرق إلى الظن الفعلي الذي لا دليل على عدم حجيته،لأنه أقرب إلى العلم و إلى إصابة الواقع مما عداه».

المناقشة فيما أفاده صاحب الفصول

و فيه:أولا:إمكان منع نصب الشارع طرقا خاصة للأحكام الواقعية (3) ،كيف و إلا لكان وضوح تلك الطرق كالشمس في رابعة (1)يعني:بالخصوص.

(2)يعني:بعد تعذر القطع.

(3)يظهر منه قدّس سرّه أنه فهم من الطرق الشرعيّة الخاصّة المدعاة في كلام المستدل هي الطرق التي يختصّ بها الشارع الأقدس من بين العرف و العقلاء،فيكون حكمه بها تأسيسيا لا إمضاء لطريقة العقلاء.

لكن هذا ليس مرادا للخصم،بل المراد بها الطرق المجعولة للشارع التي أمر بالعمل بها و لو امضاء كخبر الواحد الذي هو على تقدير حجيته من الطرق الشرعية و العقلائية معا.

و حينئذ فالمنع من العلم الإجمالي بجعل الطرق الخاصة-غير ما علم جعله تفصيلا كالظواهر-و إن كان ممكنا،إلا أنه ليس جعل تلك الطرق مستلزما لوضوحها و عدم خفائها و الخلاف فيها،لامكان كون بيانها بنحو لا يلفت النظر،كما هو الحال في الامضائيات فيكون موردا للكلام.

نعم لو كانت الطرق غير عرفية بل تاسيسية للشارع كان بيانها محتاجا إلى عناية خاصة فقد يبعد اختفاؤها معه.على أنها قد تختفي لعدم أهميتها كثيرا حتى يهتم بحفظها،للاستغناء عنها بتيسر العلم.فلاحظ .

ص: 110

النهار،لتوفر الدواعي بين المسلمين على ضبطها (1) ،لاحتياج كل مكلف إلى معرفتها أكثر من حاجته إلى معرفة صلواته الخمس.

و احتمال اختفائها مع ذلك لعروض دواعي الاختفاء-إذ ليس الحاجة إلى معرفة الطريق أكثر من الحاجة إلى معرفة المرجع بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم- مدفوع بالفرق بينهما (2) ،كما لا يخفى.

و كيف كان فيكفي في رد الاستدلال احتمال عدم نصب الطريق الخاص للأحكام و إرجاع امتثالها إلى ما يحكم به العقلاء و جرى عليه ديدنهم في امتثال أحكام الملوك و الموالي مع العلم بعدم نصب الطريق الخاص،من الرجوع (3) إلى العلم (4) الحاصل من تواتر النقل عن صاحب الحكم،أو باجتماع جماعة من أصحابه على عمل خاص،أو الرجوع إلى الظن الاطمئناني (5) الذي يسكن إليه النفس و يطلق عليه (1)توفر الدواعي موقوف على انحصار طريق الاصول بها إذ مع تيسر العلم أو غيره من الطرق المعلومة الحجية تفصيلا لا يهتم بضبطها لعدم الحاجة إليها،و هذا بخلاف مثل لصلوات الخمس ممّا يبتلى به كثيرا و يكون مهما شرعا.

على أنه ما أكثر الخلاف في خصوصياتها.

(2)كأنه من جهة تعلق غرض كثير من الناس باخفاء الخليفة و المرجع بعد النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم تحقيقا لمطامعهم و شهواتهم الشيطانية،بخلاف الحجج على الأحكام.

(3)بيان للموصول في قوله:«و إرجاع امتثالها إلى ما يحكم به العقلاء...».

(4)هذا من الطرق العقلية لا العقلائية،فهو لا يقبل الإمضاء و لا الردع.

(5)هذا من الطرق العقلائية،و على تقدير حجيته يكون حجة شرعا أيضا غايته أنها إمضائية لا تأسيسية،كما عرفت.

ص: 111

العلم عرفا و لو تسامحا في إلغاء احتمال الخلاف،و هو الذي يحتمل حمل كلام السيد عليه،حيث ادعى انفتاح باب العلم.

هذا حال المجتهد،و أما المقلد فلا كلام في نصب الطريق الخاص له، و هي فتوى مجتهده مع احتمال عدم النصب في حقه أيضا،فيكون رجوعه إلى المجتهد من باب الرجوع إلى أهل الخبرة المركوز في أذهان جميع العقلاء، و يكون بعض ما ورد من الشارع في هذا الباب تقريرا لهم (1) لا تأسيسا.

و بالجملة:فمن المحتمل قريبا إحالة الشارع للعباد في طريق امتثال الأحكام إلى ما هو المتعارف بينهم في امتثال أحكامهم العرفية من الرجوع إلى العلم أو الظن الاطمئناني،فإذا فقد تعين الرجوع أيضا بحكم العقلاء إلى الظن الغير الاطمئناني كما أنه لو فقد و العياذ باللّه الأمارات المفيدة لمطلق الظن لتعين الامتثال بأخذ أحد طرفي الاحتمال،فرارا عن المخالفة القطعية و الاعراض عن التكاليف الإلهية الواقعية.

فظهر مما ذكرنا اندفاع ما يقال،من أن منع نصب الطريق لا يجامع القول ببقاء الأحكام الواقعية،إذ بقاء التكليف من دون نصب طريق إليها ظاهر البطلان (2) .

(1)لكنه داخل في مراد الخصم،كما عرفت،فلا يرد الاشكال عليه به.

نعم لا يبعد كونه معلوم الحجية بالتفصيل لا إجمالا فلا ينفع الخصم.مع أنه خارج عن محل الكلام ظاهرا إذ الكلام في الطرق التي يرجع إليها المجتهد لا العامي.

(2)كأنه من جهة أن عدم نصب الطريق مستلزم لضياع الحكم و عدم تيسر امتثاله،و هو نقض للغرض الداعي لجعل الحكم.

ص: 112

توضيح الاندفاع:أن التكليف إنما يقبح مع عدم ثبوت الطريق رأسا و لو بحكم العقل الحاكم بالعمل بالظن مع عدم الطريق الخاص،أو مع ثبوته و عدم رضاء الشارع بسلوكه،و إلا فلا يقبح التكليف مع عدم الطريق الخاص و حكم العقل بمطلق الظن و رضاء الشارع به (1) .و لذا اعترف هذا المستدل (2) بأن الشارع لم ينصب طريقا خاصا يرجع إليه عند انسداد باب العلم في تعيين الطرق الخاصة الشرعية مع بقاء التكليف بها.

و فيه:أنه إن فرض انفتاح باب العلم فلا يلزم الضياع،بل لا حاجة إلى نصب الطرق حينئذ.و إن فرض انسداده فسيأتي الكلام فيه من المصنف قدّس سرّه.

(1)رضا الشارع بالظن إن كان راجعا إلى رضاه بالامتثال الظني،فمن الظاهر أن الامتثال الظني-على تقدير القول به-لازم عقلا لا شرعا،و ليس للشارع الردع عنه حتى يهم رضاه به.و إن كان راجعا إلى رضاه بالعمل به في مقام احراز التكليف فهو راجع إلى امضائه لحجيته عند العقلاء،فيكون حجة شرعية،كما يريده المستدل.

اللهم إلا أن يقال:هذا يقتضي العلم التفصيلي بحجية الظن بالواقع حال الانسداد،لا العلم الإجمالي بوجود الطرق الشرعية كي يلزم الرجوع في تعيينها إلى الظن كما هو مقتضى أصل الاستدلال.

و كيف كان فالأولى أن يقال:إن جعل الحكم مع عدم نصب الطريق إنما يقبح إذا لم يلزم العقل بطريق خاص في مقام امتثاله،إذ معه يحصل الغرض من الحكم في الجملة و إن كان قد يتخلف بالخطإ كما قد يتخلف مع نصب الطريق بل مع العلم أيضا.

(2)و هو صاحب الفصول قدّس سرّه حيث إنه مع اعترافه بجعل الطرق و بقاء التكليف بها لم يدع جعل الشارع الطرق لتعيينها لا اجمالا و لا تفصيلا،بل رجع في تعيينها إلى الظن بحكم العقل.

ص: 113

و ربما يستشهد للعلم الإجمالي بنصب الطريق بأن المعلوم من سيرة العلماء في استنباطهم هو اتفاقهم على طريق خاص و إن اختلفوا في تعيينه.

و هو ممنوع (1) :

أولا:بأن جماعة من أصحابنا-كالسيد رحمه اللّه و بعض من تقدم عليه و تأخر عنه-منعوا نصب الطريق الخاص رأسا بل أحاله بعضهم (2) .

و ثانيا:لو أغمضنا عن مخالفة السيد و أتباعه،لكن مجرد قول كل من العلماء بحجية طريق خاص حسب ما أدى إليه نظره لا يوجب العلم الإجمالي بأن بعض هذه الطرق منصوبة،لجواز خطأ كل واحد فيما أدى إليه نظره.

و اختلاف الفتاوى في الخصوصيات لا يكشف عن تحقق القدر المشترك إلا إذا كان اختلافهم راجعا إلى التعيين على وجه ينبئ عن اتفاقهم على قدر مشترك،نظير الأخبار المختلفة فى الوقائع المختلفة،فإنها لا توجب تواتر القدر المشترك إلا إذا علم من أخبارهم كون الاختلاف راجعا إلى التعيين،و قد حقق ذلك في باب التواتر الإجمالي،و الإجماع المركب.

و ربما يجعل تحقق الإجماع على المنع عن العمل بالقياس و شبهه و لو مع انسداد باب العلم كاشفا عن أن المرجع إنما هو طريق خاص (3) .

(1)يعني:الاستشهاد بالوجه المذكور.

(2)كما تقدم عن ابن قبة.

(3)كأنه من جهة انه لو كان المرجع ما حكم به العقل في ظرف الانسداد لم يفرق بين القياس و غيره،لعدم الفرق بينهما بنظر العقل،فلا بد أن يكون المرجع غير

ص: 114

و ينتقض أولا:بأنه مستلزم لكون المرجع في تعيين الطريق أيضا طريقا خاصا (1) ،للإجماع على المنع عن العمل فيه بالقياس.

و يحل ثانيا:بأن مرجع هذا إلى الإشكال الآتي (2) في خروج القياس عن مقتضى دليل الانسداد،فيندفع بأحد الوجوه الآتية.

فإن قلت:ثبوت الطريق إجمالا ممّا لا مجال لإنكاره حتى على مذهب من يقول بالظن المطلق،فإن غاية الأمر أنه يجعل مطلق الظن طريقا عقليا رضى به الشارع،فنصب الشارع للطريق بالمعنى الأعم من الجعل و التقرير معلوم (3) .

قلت:هذا مغالطة،فإن مطلق الظن ليس طريقا في عرض الطرق ما حكم به العقل،و هو الطرق الخاصة المجعولة للشارع الأقدس.

لكن هذا إنما يدل على وجود الطريق الخاص من الشارع بلحاظ الانسداد،لا مع قطع النظر عنه،فلا يقتضي العلم الإجمالي مع قطع النظر عنه.

(1)مع أنه لم يتقدم دعوى ذلك من الفصول،كما عرفت.

(2)حيث أنه يأتي في التنبيه الثاني الاشكال في خروج القياس بأن الرجوع إلى الظن حال الانسداد لما كان عقليا امتنع استثناء مثل القياس ممّا لا يرى العقل خصوصية تقتضي استثناءه،لامتناع تخصيص الأحكام العقلية بطريق تعبدي،و يأتي الكلام في دفع الاشكال المذكور.

(3)لكن فرض التقرير من الشارع الأقدس لا يخلو عن إشكال،إذ بناء على الحكومة يكون الحكم راجعا إلى مقام الامتثال الذي ليس من وظيفة الشارع،و بناء على الكشف يستكشف حكم الشارع بحجية الظن ابتداء لا تقريرا لحكم العقل كما سيتضح في محله إن شاء اللّه تعالى.

ص: 115

المجعولة حتى يتردد الأمر بين كون الطريق هو مطلق الظن أو طريق آخر مجعول (1) ،بل الطريق العقلي بالنسبة إلى الطريق الجعلي كالأصل بالنسبة إلى الدليل،إن وجد (2) الطريق الجعلي لم يحكم العقل بكون الظن طريقا، لأن الظن بالواقع لا يعمل به (3) في مقابلة القطع ببراءة الذمة،و إن لم يوجد كان طريقا،لأن احتمال البراءة لسلوك[بسلوك ظ ]الطريق المحتمل لا يلتفت إليه مع الظن بالواقع،فمجرد عدم ثبوت الطريق الجعلي-كما في ما نحن فيه-كاف في حكم العقل بكون مطلق الظن طريقا.و على كل حال فتردد الأمر بين مطلق الظن و طريق خاص آخر ممّا لا معنى له (4) .

المناقشة الثانية في كلام صاحب الفصول

و ثانيا:سلمنا نصب الطريق،لكن بقاء ذلك الطريق لنا غير معلوم (5) ،بيان ذلك:

(1)حتى تتم دعوى العلم الإجمالي المتقدمة التي أراد المستدل التخلص منها إلى لزوم الرجوع إلى الظن في تعيين الطريق.

(2)يعني:إن وصل و علم بحجيته،و إلاّ فمجرد جعله من قبل الشارع واقعا لا ينفع.

(3)لعل الأولى أن يقول:لأن العقل لا يحكم بالظن مع وجود الطرق المجعولة من قبل الشارع و وصولها.

(4)بل ان علم بجعل الطريق الخاص من قبل الشارع يعلم بعدم جواز الرجوع إلى مطلق الظن،و إن لم يعلم به يعلم بلزوم الرجوع لمطلق الظن،و لا أثر للعلم الإجمالي بحجية أحدهما بحيث يقتضي التردد بينهما و الرجوع في تعيين الطريق المجعول إلى الظن.

(5)و حينئذ لا يكون العلم الإجمالي بنصب الطريق منجزا،حتى يجب

ص: 116

أن ما حكم بطريقيته لعله قسم من الأخبار ليس منه بأيدينا اليوم إلاّ قليل،كأن يكون الطريق المنصوب هو الخبر المفيد للاطمينان الفعلي بالصدور،الذي كان كثيرا فى الزمان السابق،لكثرة القرائن،و لا ريب في ندرة هذا القسم في هذا الزمان أو خبر العادل أو الثقة الثابت عدالته أو وثاقته بالقطع أو بالبينة الشرعية أو الشياع مع إفادته الظن الفعلي بالحكم و يمكن دعوى ندرة هذا القسم في هذا الزمان،إذ غاية الأمر أن نجد الراوي في الكتب الرجالية محكي التعديل بوسائط عديدة من مثل الكشي و النجاشي و غيرهما،و من المعلوم أن مثل هذا لا تعد بينة شرعية (1) ،و لذا لا يقبل مثله في الحقوق.

و دعوى:حجية مثل ذلك (2) بالإجماع (3) .ممنوعة،بل المسلم أن الخبر المعدل بمثل هذا حجة بالاتفاق (4) ،لكن قد عرفت سابقا عند الرجوع في تمييز المعلوم إلى الظن،كما ادعاه المستدل.

و كذا لو بقي منه شيء قليل لا يفي بمعظم الفقه فإنه لا يصلح لحل العلم الإجمالي بوجود الأحكام الشرعية و سقوطه عن المنجزية.

(1)كأنه لاختصاص البينة بالخبر الحسي بلا واسطة.

(2)يعني:مثل هذا التعديل،كما يظهر من بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه تفسيره به.

(3)كأنه لتسالم الأصحاب على قبول اخبار من عدل بمثل هذه التعديلات.

(4)يعني:ان المسلم اتفاقهم على العمل باخبار المعدلين بالتعديل المذكور، و ذلك لا يقتضي إجماعهم على قبول التعديل المذكور،لاحتمال استناد عملهم إلى قرائن خاصة تقتضي قبول الخبر،أو لبنائهم على حجيته من باب الظن المطلق أو لغير ذلك.

ص: 117

تقرير الإجماع على حجية خبر الواحد (1) أن مثل هذا الاتفاق العملي لا يجدي في الكشف عن قول الحجة.مع أن مثل هذا الخبر في غاية القلة (2) ، خصوصا إذا انضم إليه إفادة الظن الفعلي.

المناقشة الثالثة

و ثالثا:سلمنا نصب الطريق،و وجوده في جملة ما بأيدينا من الطرق الظنية-من أقسام الخبر و الإجماع المنقول و الشهرة و ظهور الإجماع و الاستقراء و الأولوية الظنية-إلا أن اللازم من ذلك هو الأخذ بما هو المتيقن من هذه (3) ،فإن و فى بغالب الأحكام (4) اقتصر عليه (5) ،و إلا و بالجملة:الاتفاق على العمل بالخبر لا يكشف عن الاتفاق على الوجه في العمل المذكور،و لا يصلح لشرح مناط العمل حتى يستكشف منه إجماعهم على قبول التعديل.

(1)تقدم فى الوجه السادس لتقرير الإجماع.

(2)لم يتضح الوجه في قلته،فإن الاخبار الصحيحة كثيرة جدا صالحة لحل العلم الإجمالي بالأحكام الشرعية،لوفائها بمعظم الفقه بالاضافة إلى بقية الأمارات المعلومة الاعتبار.

فالعمدة أن الاعتراف بحجية هذا ينافي فرض انسداد باب العلم الذي يبتني عليه دليل الانسداد،و يتعين الجواب بما ذكر في صدر هذا الوجه من احتمال كون الطرق المجعولة لم يبق منها شيء بايدينا كي يكون العلم الإجمالي منجزا.

(3)لأنه معلوم الحجية تفصيلا بعد فرض العلم الإجمالي بنصب بعض هذه الطرق.

(4)بحيث لا يلزم من الرجوع إلى الأصول في فرض عدمه و عدم بقية الأمارات و القواعد المعلومة الاعتبار محذور المخالفة القطعية.

(5)لأصالة عدم الحجية في غير المتيقن بعد انحلال العلم الإجمالي بوجود

ص: 118

فالمتيقن من الباقي (1) .مثلا الخبر الصحيح و الإجماع المنقول (2) متيقن بالنسبة إلى الشهرة و ما بعدها من الأمارات إذ لم يقل أحد بحجية الشهرة و ما بعدها دون الخبر الصحيح و الإجماع المنقول (3) ،فلا معنى لتعيين الطريق بالظن بعد وجود القدر المتيقن و وجوب الرجوع في المشكوك إلى أصالة حرمة العمل.

نعم لو احتيج إلى العمل باحدى أمارتين و احتمل نصب كل منهما (4) ،صح تعيينه بالظن بعد الاغماض عما سيجيء من الجواب.

المتيقن.

(1)لأنها معلومة الاعتبار حينئذ تفصيلا بعد فرض العلم الإجمالي بنصب الشارع طرقا وافية بالأحكام.

و لو أنكر العلم الإجمالي المذكور لم يتم الوجه الذي ادعاه المستدل للرجوع إلى الظن بالطريق.

(2)الظاهر أن الإجماع النقول في رتبة متأخرة عن الخبر الصحيح،لابتنائه عليه على كلام سبق في مبحث الإجماع المنقول.

نعم بعض أفراد الخبر الصحيح قد لا يكون متيقنا بالاضافة إلى بقية الأمارات، كالخبر المهجور عند الأصحاب.

(3)الظاهر أن الأدلة المتقدمة المستدل بها على حجية الشهرة لا تقتضي كون الشهرة المحققة متأخرة رتبة عن الإجماع المنقول،بل قد تقتضي تقديمها عليه،كما يظهر بالتأمل في الوجه الذي سبق في الاشكال في حجية الإجماع.

(4)لعل الأولى أن يقول:و علم إجمالا بنصب أحدهما من دون أن يكون أحدهما متيقنا.

ص: 119

المناقشة الرابعة

و رابعا:سلمنا عدم وجود القدر المتيقن،لكن اللازم من ذلك وجوب الاحتياط (1) ،لأنه مقدم على العمل بالظن،لما عرفت من تقديم الامتثال العلمي على الظني.اللهم إلا أن يدل دليل على عدم وجوبه،و هو في المقام مفقود.

و دعوى:أن الأمر دائر بين الواجب و الحرام،لأن العمل بما ليس طريقا حرام.مدفوعة بأن العمل بما ليس طريقا إذا لم يكن على وجه التشريع غير محرم،و العمل بكل ما يحتمل الطريقية رجاء أن يكون هو الطريق لا حرمة فيه من جهة التشريع.

نعم قد عرفت أن حرمته مع عدم قصد التشريع إنما هي من جهة أن فيه طرحا للأصول المعتبرة من دون حجة شرعية،و هذا أيضا غير لازم في المقام،لأن مورد العمل بالطريق المحتمل إن كان الأصول على طبقه (2) فلا مخالفة،و إن كان مخالفا للأصول،فإن كان مخالفا للاستصحاب النافي (1)بموافقة كل ما يحتمل الطريقية إذا قام على ثبوت التكليف،أما إذا قام على عدم ثبوت التكليف فلا يكون العمل به مقتضى الاحتياط ،كما لا يخفى،لعدم تنجز احتمال الطريق إلا بتبع تنجز احتمال التكليف فمع فرض قيام الطريق على عدم التكليف لا موجب لتنجز العمل به.

(2)بأن كانت الأصول مثبتة للتكليف أما إذا كانت نافية للتكليف فالأصل الموافق لها لا يجب العمل به العلم الإجمالي بجعل الطرق إنما يقتضي الاحتياط بالعمل بالطرق و الأصول المثبتة للتكليف دون النافية كما ذكرنا.نعم يجوز العمل بالأصول النافية،لعدم المانع بعد سقوط العلم الإجمالي بجعل الأحكام عن المنجزية لانحلاله بالعلم بجعل الطرق كما ذكرنا.

ص: 120

للتكليف فلا إشكال،لعدم حجية الاستصحابات بعد العلم الإجمالي بأن بعض الأمارات الموجودة على خلافها معتبرة عند الشارع (1) .و إن كان مخالفا للاحتياط (2) فحينئذ يعمل بالاحتياط في المسألة الفرعية (3) .و كذا لو كان مخالفا للاستصحاب المثبت للتكليف (4) .

فحاصل الأمر يرجع إلى العمل بالاحتياط في المسألة الاصوليّة -أعني نصب الطريق-إذا لم يعارضه الاحتياط في المسألة الفرعية (5) (1)بناء على عدم جريان الاستصحاب في أطراف العلم الإجمالي ذاتا لا للزوم المخالفة القطعية،كما هو مختار المصنف قدّس سرّه،أما بناء على المختار من جريانه ذاتا و ان المانع هو لزوم المخالفة القطعية فعدم جريان الاستصحابات النافي موقوف على العلم اجمالا بمخالفة بعض الاستصحاب النافية للتكليف للطرق المجعولة واقعا المجهولة عندنا،و هو غير بعيد.فتأمل جيدا.

(2)لا يخفى ان الطريق المخالف للاحتياط هو الطريق النافي للتكليف و قد عرفت أن العمل به ليس مقتضى الاحتياط ،فهو خارج عن مقتضى العلم الإجمالي بجعل الطرق،و لا مقتضى للعمل به حتى يرفع اليد به عن مقتضى الاحتياط في المسألة الفرعية.

(3)كما في موارد دوران الواجب بين أمرين كالقصر و الإتمام.

(4)مقتضى ما تقدم منه من سقوط الاستصحاب مع العلم الإجمالي يتعين البناء هنا على سقوط الاستصحاب،و إنما يتعين العمل بالاستصحاب بناء على المختار من حجية الاستصحاب ذاتا مع العلم الإجمالي،لعدم لزوم محذور المخالفة القطعية من العمل بالاستصحاب المثبت للتكليف.

(5)هذا إنما يتم إذا كان الاحتياط يلزم في المسألة الفرعية بنفسها مع قطع النظر عن العلم الإجمالي بوجود التكاليف الشرعية،كما في مورد الدوران بين القصر

ص: 121

فالعمل مطلقا على الاحتياط .

اللهم إلا أن يقال:إنه يلزم الحرج من الاحتياط في موارد جريان الاحتياط في نفس المسألة كالشك في الجزئية (1) و في مورد الاستصحابات و الإتمام.

أما إذا لم يلزم الاحتياط في المسألة بنفسها فلا يجب في مورد احتمال التكليف المجرد،لعدم المنجز له بعد فرض سقوط العلم الإجمالي بوجود التكاليف الشرعية عن التنجزية بسبب انحلاله بالعلم الإجمالي بجعل الطرق كما هو المفروض.

و بعبارة أخرى:بعد فرض سقوط العلم الإجمالي بوجود الأحكام عن المنجزية و اختصاص التنجز بالعلم الإجمالي بجعل الطرق يلزم الاحتياط بموافقة جميع الطرق المثبتة للتكليف،و أما النافية للتكليف،فإن عارضت أصلا شرعيا مقتضيا للتكليف في خصوص المسألة-كالاستصحاب بناء على حجيته ذاتا في مورد العلم الإجمالي-كان اللازم العمل على الأصل،و كذا لو عارضت الاحتياط اللازم في خصوص المسألة-كما في مورد الدوران بين القصر و الإتمام-و في غير ذلك يجوز العمل بمقتضى الطرق النافية للتكليف،كما يجوز الرجوع للأصول النافية للتكليف في صورة عدم قيام شيء من الطرق المحتملة الجعل على التكليف،لعدم المنجز المانع من الرجوع للأصل.

و منه يظهر عدم لزوم الحرج من الاحتياط بهذا الوجه،و لا وجه لقياسه على الاحتياط التام في موارد احتمال التكليف الذي هو مقتضى العلم الإجمالي بوجود التكاليف الشرعية،لأن مورد الاحتياط هنا أقل كثيرا من مورد الاحتياط هناك، إذ لا يجب الاحتياط هنا الا في مورد قيام بعض الطرق المحتملة على التكليف و في موارد الأصول المثبتة للتكليف دون غيرها من موارد احتمال التكليف إلا أن يدعي لزوم الحرج بهذا المقدار أيضا و هو محتاج إلى سبر المسائل.

(1)بناء على أنه يجب الاحتياط في مثل ذلك.

ص: 122

المثبتة للتكليف و النافية له بعد العلم الإجمالي بوجوب العمل في بعضها على خلاف الحالة السابقة إذ يصير حينئذ كالشبهة المحصورة (1) فتأمل.

المناقشة الخامسة

و خامسا:سلمنا العلم الإجمالي بوجود الطريق المجعول و عدم المتيقن،و عدم وجوب الاحتياط ،لكن نقول:إن ذلك لا يوجب تعيين العمل بالظن في مسألة تعيين الطريق فقط (2) ،بل هو مجوز (1)التي لا يكون الاستصحاب فيها حجة مطلقا و لو كان مثبتا للتكليف عند المصنف قدّس سرّه.

لكن على هذا لا يجب الاحتياط في مورد الاستصحاب المثبت و لا النافية إذا لم يقم بعض الطرق على اثبات التكليف،لعدم المنجز لا بعد فرض سقوط الاستصحاب عن الحجية و انحلال العلم الإجمالي بوجود التكاليف الشرعية بالعلم الإجمالي بجعل الطرق.كما يظهر بأدنى تأمل.

(2)لعل الموجب للاقتصار عليه هو انحلال العلم الإجمالي بوجود الأحكام بالعلم الإجمالي بنصب الطرق،فلا يكون الأول منجزا،فلا يمنع من الرجوع إلى الأصول الترخيصية في ظرف عدم قيام شيء من الطرق المحتملة الجعل على التكليف،و يكون المنجز هو الثاني لا غير.

و من ثم ذكرنا في تعقيب الوجه الرابع ممّا ذكره المصنف قدّس سرّه في الجواب أن العلم الإجمالي في مورد استصحاب عدم التكليف لا يكون موجبا للاحتياط ، لانحلاله بالعلم الإجمالي بجعل الطرق،بل يرجع معه إلى البراءة،و يتعين الاحتياط التام في أطراف العلم الإجمالي بجعل الطرق لعدم لزوم العسر منه بعد سقوط العلم بوجود الأحكام عن المنجزية.

لكن هذا إنما يسلم بناء على منجزية العلم الإجمالي بجعل الطرق بنحو يقتضي الاحتياط التام في أطرافه.أما مع سقوطه عن المنجزية و لو من جهة لزوم

ص: 123

له (1) كما يجوز العمل بالظن في المسألة الفرعية و ذلك لأن الطريق المعلوم العسر-كما هو مبنى الرجوع إلى الظن في الطريق-فلا وجه لاختصاص التنجز بموارده حتى تختص حجية الظن به لأن المنجز حينئذ غيره كالإجماع أو العلم باهتمام الشارع الأقدس بالأحكام بنحو لا يرضى بترك التعرض لامتثالها،و هو المراد من لزوم الخروج عن الدين بالرجوع إلى البراءة و من الظاهر ان العلم بالاهتمام-مثلا- لا يختص بموارد الطرق،بل المدار فيه على الأحكام الواقعية،فإن جعل الطرق إنما هو لأجلها،لا لموضوعيتها حتى يحتمل اهتمام الشارع بها،و حينئذ يتعين الرجوع إلى الظن بالأحكام لأنها مورد الاهتمام،كما ذكره المصنف قدّس سرّه.

نعم بناء على عدم كون العسر موجبا لسقوط العلم الإجمالي عن المنجزية رأسا،بل يبقى موجبا للاحتياط في الأطراف التي لا يلزم منها العسر الذي هو المراد من بتبعيض الاحتياط -و قد سبق من المصنف قدّس سرّه اختياره-فلا يبعد كونه موجبا لانحلال العلم الإجمالي الكبير بالأحكام و يتعين الاقتصار في العمل بالظن على موارد العلم الإجمالي بجعل الطرق،لأنه المنجز في المقام،فلا يتم ما ذكره المصنف قدّس سرّه هنا.

لكن مبنى كلامهم ظاهرا على حجية الظن لا على تبعيض الاحتياط .

(1)بناء على ما قربناه في توجيه ما ذكره المصنف قدّس سرّه لا يكون العلم الاجمالى المذكور-و هو العلم بنصب الطرق-مجوزا للعمل بالظن بالطريق لما عرفت من سقوطه و عدم منجزيته و ان المنجز هو اهتمام الشارع،و هو إنما يقتضي الرجوع إلى الظن بالأحكام،لأنها هي مورد الاهتمام و ليس الاهتمام بالطرق الا من حيث كشفها عنها و ايصالها إليها،فلا أهمية للظن بها.

و بالجملة العلم الإجمالي بعد فرض سقوطه لا يقتضي جواز الاعتماد على الظن بالطريق.

نعم قد يستفاد ذلك ممّا ذكره المصنف قدّس سرّه في وجه التعميم من أن موافقة

ص: 124

نصبه اجمالا إن كان منصوبا حتى حال انفتاح باب العلم فيكون هو في عرض الواقع مبرأ للذمة بشرط العلم به،كالواقع المعلوم.

مثلا إذا فرضنا حجية الخبر مع الانفتاح تخير المكلف بين امتثال ما علم كونه حكما واقعيا بتحصيل العلم به و بين امتثال مؤدى الطريق المجعول الذي علم جعله بمنزلة الواقع،فكل من الواقع و مؤدى الطريق مبرئ مع العلم به،فإذا انسد باب العلم التفصيلي باحدهما تعين الآخر،و إذا انسد باب العلم التفصيلي بهما تعين العمل فيهما بالظن،فلا فرق بين الظن بالواقع و الظن بمؤدى الطريق في كون كل واحد منهما امتثالا ظنيا (1) .

و إن كان ذلك الطريق منصوبا عند انسداد باب العلم بالواقع فنقول:إن تقديمه حينئذ على العمل بالظن إنما هو مع العلم به و تميزه عن غيره،إذ حينئذ يحكم العقل بعدم جواز العمل بمطلق الظن مع وجود هذا الطريق المعلوم،إذ فيه عدول عن الامتثال القطعي إلى الظني،أما مع الطريق مبرئة للذمّة كموافقة الواقع،و قد سبق الكلام فيه.

و لو تم فلا دخل له للعلم الإجمالي بجعل الطرق،و لذا جزم المصنف قدّس سرّه بالتعميم مع إنكاره للعلم الإجمالي المذكور،كما سبق منه قدّس سرّه في الوجه الأول من الجواب.

ثم إنه بناء على أن اعتبار الطرق من باب السببية يتعين الرجوع إلى الظن فيها و فى الواقع معا لاهتمام الشارع الأقدس بهما معا،على تفصيل لا مجال لإطالة الكلام فيه.

(1)كما ذكره المصنف قدّس سرّه في وجه التعميم،و سبق هناك الكلام فيه،كما ذكرنا هنا أن هذا لا دخل له بالعلم الإجمالي بجعل الطرق الذي هو محل الكلام هنا.

ص: 125

انسداد باب العلم بهذا الطريق و عدم تميزه عن غيره إلا بإعمال مطلق الظن فالعقل لا يحكم بتقديم إحراز الطريق بمطلق الظن على إحراز الواقع بمطلق الظن (1) .

و كأن المستدل توهم أن مجرد نصب الطريق و لو مع عروض الاشتباه فيه موجب لصرف التكليف عن الواقع إلى العمل بمؤدى الطريق،كما ينبئ عنه قوله:«و حاصل القطعين إلى أمر واحد،و هو التكليف الفعلي بالعمل بمؤديات الطرق».

و سيأتي مزيد توضيح لاندفاع هذا التوهم إن شاء اللّه تعالى.

فإن قلت:نحن نرى أنه إذا عين الشارع طريقا للواقع عند انسداد باب العلم به،ثم انسد باب العلم بذلك الطريق،كان البناء على العمل بالظن في الطريق دون نفس الواقع،أ لا ترى أن المقلد يعمل بالظن (2) في تعيين المجتهد،لا في نفس الحكم الواقعي،و القاضي يعمل بالظن في تحصيل الطرق المنصوبة لقطع المرافعات (3) ،لا في تحصيل الحق الواقعي بين المتخاصمين.

(1)هذا إنما يتم بناء على ما ذكره المصنف قدّس سرّه في وجه التعميم،الذي عرفت انه لا دخل له بالعلم الإجمالي بجعل الطرق،و أما بلحاظ العلم الإجمالي المذكور فقد عرفت تفصيل الكلام في ذلك.

(2)كالبينة.

(3)فيرجع إلى خبر الواحد في تعيين وظيفة القاضي،و يرجع إلى الظن في تزكية الشاهد،و نحو ذلك.

ص: 126

قلت:فرق بين ما نحن فيه و بين المثالين،فإن الظنون الحاصلة للمقلد و القاضي في المثالين بالنسبة إلى نفس الواقع أمور غير مضبوطة كثير المخالفة للواقع (1) .مع قيام الإجماع على عدم جواز العمل بها (2) ، كالقياس،بخلاف ظنونهما المعمولة في تعيين الطريق،فإنها حاصلة من أمارات منضبطة غالبة المطابقة لم يدل دليل بالخصوص على عدم جواز العمل بها.

فالمثال المطابق لما نحن فيه أن يكون الظنون المعمولة في تعيين الطريق بعينها هي المعمولة في تحصيل الواقع لا يوجد بينهما فرق من جهة العلم الإجمالي بكثرة مخالفة إحداهما للواقع،و لا من جهة منع الشارع عن (1)لا مأخذ للفرق بذلك بحسب القواعد الشرعية و العقلية التي بين أيدينا و الذي ينبغي أن يقال:إن الظنون التي يعملها العامي و القاضي و غيرهما إن كانت معتبرة شرعا بالخصوص-و لو كانت امضائية لا تأسيسية-كالبينة،كانت من الظنون الخاصة التي يتعين الاعتماد عليها و ترك الظنون الاخرى التي لم يجعلها الشارع سواء كانت الظنون الاخرى بالطريق أم بالواقع،و إن لم تكن مجعولة بالخصوص فهي كالظنون القائمة على الواقع و لا وجه لترجيحها عليها بناء على ما ذكره المصنف قدّس سرّه في وجه التعميم،و يجري فيها الكلام السابق.

و أما الفرق الذي ذكره فهو-مع المناقشة فيه صغرويا في الجملة-ممّا لا أساس له بحسب الضوابط الشرعية.

اللهم إلا أن يريد بيان الحكمة لاعتبار الشارع بعض الظنون دون بعض،لا بيان العلة التي هي موضوع الحكم في الحقيقة.

(2)الظاهر أن عدم جواز العمل بها بملاك عدم جواز العمل بالظن،لا لخصوصية فيها كالقياس.

ص: 127

إحداهما بالخصوص كما أنا لو فرضنا أن الظنون المعمولة في نصب الطريق على العكس من المثالين كان المتعين العمل بالظن في نفس الواقع دون الطريق.فما ذكرنا:من أن العمل على الظن سواء تعلق بالطريق أم بنفس الواقع فإنما هو مع مساواتهما من جميع الجهات (1) .فإنا لو فرضنا أن المقلد يقدر على إعمال نظير الظنون التي يعملها لتعيين المجتهد في (2) الأحكام الشرعية مع قدرة الفحص عما يعارضها على الوجه المعتبر في العمل بالظن لم يجب عليه العمل بالظن في تعيين المجتهد،بل وجب (3) عليه العمل بظنه في تعيين الحكم الواقعي (4) .

و كذا القاضي إذا شهد عنده عادل واحد بالحق لا يعمل به،و إذا أخبره هذا العادل بعينه بطريق قطع هذه المخاصمة (5) يأخذ به،فإنما هو لأجل قدرته على الاجتهاد في مسألة الطريق بإعمال الظنون و بذل الجهد في المعارضات و دفعها،بخلاف الظن بحقيقة أحد المتخاصمين،فإنه مما (1)أما من جهة عدم المنع بالخصوص فلما يأتي في التنبيه الثاني في وجه خروج القياس.و أما من جهة الانضباط و عدمه فقد عرفت أنه لا أهمية له فيما نحن فيه.

(2)متعلق بقوله:«يقدر على إعمال...».

(3)مقتضى ما ذكره في وجه التعميم أن يقول:«بل جاز».

(4)هذا تابع لعموم دليل حجية الظن المذكور شرعا بنحو يتناول الظن بالواقع و الظن بالطريق و لو اختص دليل الحجية بأحدهما كان المتعين العمل به دون الآخر و إن اشتركا في الانضباط و عدمه،كما ذكرنا.

(5)يعني:بنقل الحكم الشرعي من طريق نقل الخبر عن المعصوم عليه السّلام.

ص: 128

يصعب الاجتهاد (1) و بذل الوسع في فهم الحق من المتخاصمين،لعدم انضباط الأمارات فى الوقائع الشخصية،و عدم قدرة المجتهد على الاحاطة بها حتى يأخذ بالاخرى[بالأقوى.ظ ]،و كما أن المقلد عاجز عن الاجتهاد فى المسألة الكلية كذلك القاضي عاجز عن الاجتهاد فى الوقائع الشخصية فتأمل.

هذا مع إمكان أن يقال:إن مسألة عمل القاضي بالظن فى الطريق مغايرة لمسألتنا من جهة أن الشارع لم يلاحظ الواقع في نصب الطريق و أعرض عنه،و جعل مدار قطع الخصومة على الطرق التعبدية (2) ، مثل الإقرار و البينة و اليمين و النكول و القرعة و شبهها،بخلاف الطرق (1)هذا كما ترى لا يخلو عن تحكم.

(2)و حينئذ إذا فرض انسداد باب العلم بالطرق التعبدية كان اللازم الرجوع للظن فيها،و لا وجه للرجوع للظن بالواقع،لفرض إهماله الواقع و عدم اهتمام الشارع به.

لكن ما ذكره قدّس سرّه من عدم ملاحظة الواقع في نصب الطريق للقاضي ممّا يكاد بقطع ببطلانه،إذ لا معنى لاعراض الشارع عن الواقع مع القطع بأن وظيفة القاضي هي حفظ العدل و ايصال الحقوق إلى أهلها.

و جعل المدار على الطرق المذكورة لا ينافي لحاظها بما هي طرق إلى الواقع و كاشفة عنه و موصلة له غالبا،و إن كان لا يجوز الخروج عنها لغيرها لعدم الدليل على حجيته،كما هو شأن جميع الحجج،خصوصا مع بناء المشهور على جواز حكم القاضي بعلمه،فإنه ممّا لا يظهر جمعه مع ما ذكره فالمصنف قدّس سرّه.خصوصا بملاحظة أن الطرق المنصوبة كلها طرق عقلائية لا غرض منها ارتكازا إلا الوصول للواقع.

ص: 129

المنصوبة للمجتهد على الأحكام الواقعية (1) فالظاهر أن مبناها على الكشف الغالبي عن الواقع،و وجه تخصيصها من بين سائر الأمارات كونها أغلب مطابقة للواقع و كون غيرها غير غالب المطابقة،بل غالب المخالفة،كما ينبئ عنه ما ورد في نتيجة العمل بالعقول في دين اللّه أنه ليس شيء أبعد عن دين اللّه من عقول الرجال،و أن ما يفسده أكثر مما يصلحه، و أن الدين يمحق بالقياس و نحو ذلك.

و لا ريب:أن المقصود من نصب الطرق إذا كان غلبة الوصول إلى الواقع لخصوصية فيها من بين سائر الأمارات،ثم انسد باب العلم بذلك الطريق المنصوب،و التجئ إلى إعمال ساير الأمارات التي لم يعتبرها الشارع في نفس الحكم،لوجود الأوفق منها بالواقع،فلا (2) فرق بين إعمال هذه الأمارات في تعيين ذلك الطريق و بين إعمالها في نفس الحكم الواقعي.

بل الظاهر:أن إعمالها في نفس الواقع (3) أولى لإحراز المصلحة الأولية التي هي أحق بالمراعاة من مصلحة نصب الطريق،فإن غاية ما في نصب الطريق من المصلحة ما به يتدارك المفسدة (4) المرتبة على مخالفة (1)لم يتضح وجه الفرق بينها و بين طرق فصل الخصومة.

(2)جواب الشرط في قوله:«لا ريب أن المقصود من نصب الطريق إذا كان...».

(3)بل لعله اللازم حسب هذا الوجه.و إن كان التعميم للظن بالطريق قد يوجه بما سبق من المصنف قدّس سرّه على كلام سبق.

(4)هذا بناء على القول بالمصلحة السلوكية في الطرق في قبال مصلحة الواقع و انه يتدارك بها ما فات من مصلحة الواقع.و قد سبق في أوائل الكلام في حجية

ص: 130

الواقع اللازمة من العمل بذلك الطريق،لا إدراك المصلحة الواقعية و لهذا اتفق العقل و النقل على ترجيح الاحتياط على تحصيل الواقع بالطريق المنصوب في غير العبادات مما لا يعتبر فيه نية الوجه اتفاقا بل الحق ذلك فيها (1) أيضا كما مرت الاشارة إليه في إبطال وجوب الاحتياط .

فإن قلت:العمل بالظن في الطريق عمل بالظن في الامتثال الظاهري و الواقعي،لأن الفرض إفادة الطريق للظن بالواقع،بخلاف غير ما ظن طريقيته،فإنه ظن بالواقع و ليس ظنا بتحقق الامتثال في الظاهر،بل الامتثال الظاهري مشكوك أو موهوم بحسب احتمال اعتبار ذلك الظن.

قلت:

أولا:ان هذا خروج عن الفرض،لأن مبنى الاستدلال المتقدم على وجوب العمل بالظن في الطريق و إن لم يكن الطريق مفيدا للظن بالواقع أصلا.نعم قد اتفق في الخارج أن الأمور التي يعلم بوجود الطريق فيها إجمالا مفيدة للظن (2) ،لا أن مناط الاستدلال اتباع الظن بالطريق المفيد للظن بالواقع.

الظن انكار ذلك لعدم الدليل عليه.و حينئذ لا يصلح هذا وجها للتعميم،و ينحصر وجه التعميم بما سبق منه قدّس سرّه على كلام سبق فيه.

(1)يعني:في العبادات.

(2)يعني:النوعي لا الشخصي.بل قد يدعى عمومه لما إذا كان أصلا غير مفيد للظن النوعي فضلا عن الشخصي،كما يظهر من المصنف قدّس سرّه عند الكلام في تبعيض الاحتياط من المقدمة الثالثة،فراجع.

ص: 131

و ثانيا:أن هذا يرجع إلى ترجيح بعض الأمارات الظنية على بعض باعتبار الظن باعتبار بعضها شرعا دون الآخر،بعد الاعتراف بأن مؤدى دليل الانسداد حجية الظن بالواقع لا بالطريق و سيجيء الكلام في أن نتيجة دليل الانسداد على تقدير إفادته اعتبار الظن بنفس الحكم كلية بحيث لا يرجح بعض الظنون على بعض أو مهملة بحيث يجب الترجيح بين الظنون ثم التعميم مع فقد المرجح.

و الاستدلال المذكور (1) مبني على إنكار ذلك كله،و أن دليل الانسداد جار في مسألة تعيين الطريق-و هي المسألة الأصولية-لا في نفس الأحكام الواقعية الفرعية،بناء منه على أن الأحكام الواقعية بعد نصب الطرق ليست مكلفا بها تكليفا فعليا إلا بشرط قيام تلك الطرق عليها (2) ،فالمكلف به في الحقيقة مؤديات تلك الطرق لا الأحكام الواقعية من حيث هي.

و قد عرفت مما ذكرنا أن نصب هذه الطريق ليس إلا لأجل كشفها الغالبي عن الواقع و مطابقتها له،فإذا دار الأمر بين إعمال ظن في تعيينها أو في تعيين الواقع لم يكن رجحان للأول (3) .

ثم إذا فرضنا أن نصبها ليس لمجرد الكشف،بل لأجل مصلحة يتدارك بها مصلحة الواقع (4) ،لكن ليس مفاد نصبها تقييد الواقع بها (1)يعني:المتقدم في كلام صاحب الفصول قدّس سرّه.

(2)عرفت أن ذلك مبني على انحلال العلم الإجمالي بجعل الأحكام بالعلم الإجمالي بنصب الطرق،و انحصار التنجيز بالثاني.و قد سبق الكلام فيه.

(3)لا مانع من الالتزام برجحانه لو فرض اختصاص التنجيز به.

(4)أشرنا قريبا إلى الاشكال في ذلك.

ص: 132

و اعتبار مساعدتها في إرادة الواقع (1) ،بل مؤدى وجوب العمل بها جعلها عين الواقع (2) و لو بحكم الشارع لا قيدا له.

و الحاصل:أنه فرق (3) بين أن يكون مرجع نصب هذه الطرق إلى قول الشارع لا أريد من الواقع إلا ما ساعد عليه ذلك الطريق،فينحصر التكليف الفعلي حينئذ في مؤديات الطرق،و لازمه إهمال ما لم يؤد إليه الطريق من الواقع سواء انفتح باب العلم بالطريق أم انسد و بين أن يكون التكليف الفعلي بالواقع باقيا على حاله،إلا أن الشارع حكم بوجوب البناء على كون مؤدى الطريق هو ذلك الواقع،فمؤدى هذه الطرق واقع جعلي فإذا انسد طريق العلم إليه و دار الأمر بين الظن بالواقع الحقيقي و بين الظن بما جعله الشارع واقعا فلا ترجيح،إذ الترجيح مبني على إغماض الشارع عن الواقع.

و بذلك ظهر ما في قول هذا المستدل (4) من أن التسوية بين الظن (1)بحيث لا يراد الواقع في نفسه لو لاها،فإن هذا يشبه التصويب المنسوب للاشاعرة لو لم يكن عينه.لكن عرفت أن كلام صاحب الفصول يتوجه بدعوى انحلال العلم الإجمالي بالواقع بالعلم الإجمالي بنصب الطريق،و لا يتوقف على تقييد الواقع ثبوتا بقيام الطريق،ليرد عليه ما ذكره المصنف قدّس سرّه.

(2)يعني:بمنزلته تعبدا من دون تقييد له به،بحيث لا يراد الواقع بدونه.

(3)تعريض بما سبق من صاحب الفصول في كلامه المتقدم.و قد عرفت قرب ابتنائه على الانحلال،لا تقييد الأحكام الواقعية بقيام الطريق عليها الذي لا يبعد عدم معقوليته في نفسه.

(4)في بعض النسخ بدل قوله:«هذا المستدل»قوله:«بعضهم».و قد رجعت

ص: 133

بالواقع و بين الظن بالطريق إنما يحسن لو كان أداء التكليف المتعلق بكل من الفعل و الطريق المقرر مستقلا (1) لقيام الظن بكل من التكليفين حينئذ مقام العلم به مع قطع النظر عن الآخر،و أما لو كان أحد التكليفين منوطا بالآخر مقيدا له فمجرد حصول الظن بأحدهما دون حصول الظن بالآخر المقيد له لا يقتضي الحكم بالبراءة (2) و حصول (3) البراءة في صورة العلم إلى كتاب الفصول فلم أجد فيه هذه العبارة،و إن كان مشتملا على ما قد يستفاد منه هذا المطلب بعبارة أخرى و مضمون آخر.

و قد ذكر بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه أن العبارة المذكورة في المتن موجودة في كلام المحقق التقي قدّس سرّه في حاشيته على المعالم.

و كيف كان فهذه العبارة ظاهرة في بدو النظر في دعوى تقييد الأحكام الواقعية ثبوتا بقيام الطرق عليها،الذي عرفت الاشكال فيه من المصنف قدّس سرّه.و ربما تنزل على ارادة التقييد في مقام الاثبات الراجع إلى انحلال العلم الإجمالي بوجود الأحكام بالعلم الإجمالي بنصب الطرق الذي عرفت الكلام فيه.فلا وقع للإيراد عليه بما ذكره المصنف قدّس سرّه.لكنه بعيد عن بعض فقرات العبارة المذكورة.

(1)يعني:بحيث يكون كل من الافعال التي هي موضوع الأحكام الواقعية و سلوك الطرق المجعولة مكلفا به مع قطع النظر عن الآخر.

(2)هذا كالصريح في ارادة التقييد ثبوتا و هو الذي فهمه المصنف قدّس سرّه لوضوح أن انحلال العلم الإجمالي بوجود الأحكام إنما يقتضي عدم تنجيزها،لا عدم حصول البراءة الواقعية بموافقتها من دون سلوك الطرق.

(3)دفع دخل.

و حاصل الدخل:أن التزام تقييد الأحكام الواقعية بسلوك الطرق المجعولة يستلزم عدم حصول البراءة لو امتثلت تلك الأحكام من طريق العلم بها من دون

ص: 134

بأداء الواقع إنما هو لحصول الأمرين به،نظرا إلى أداء الواقع و كونه من الوجه المقرر،لكون العلم طريقا إلى الواقع في العقل و الشرع.فلو كان الظن بالواقع ظنا بالطريق (1) جرى ذلك فيه أيضا،لكنه ليس كذلك، سلوك الطرق الشرعية المنصوبة.

و حاصل الدفع:أن العلم أيضا من الطرق العقلية و الشرعية،فموافقته كافية في تحصيل البراءة.

و فيه:أولا:أن كون العلم طريقا إلى الواقع عقلا لا يقتضي تقييد أحكام الشارع به.و أما كونه طريقا شرعا فهو ممنوع في نفسه-كما تقدم في أول الكتاب-، فضلا عن أن يكون قيدا في الأحكام الشرعية الواقعية،و حينئذ لا يبقى وجه للعمل بالعلم في الأحكام الواقعية إلا دعوى كون الواقع من حيث هو مرادا للشارع فلا بد من تنزيل أدلة الطرق على محض الطريقية للواقع من دون أن تقتضي تقييده،كما ذكره المصنف قدّس سرّه،بل قد يمتنع التقييد المذكور لرجوعه إلى التصويب المحال،كما أشرنا إليه.

و ثانيا:أن لازم ما ذكره عدم الاجتزاء بموافقة الأحكام الواقعية من دون علم بها و لا سلوك طريق شرعي إليها،إذا انكشفت الموافقة بعد العمل.و لا مجال للالتزام بذلك خصوصا في التوصليات.

و الحاصل:أن دعوى تقييد الأحكام الواقعية بالطرق موهونة جدا.

نعم عرفت أن تعيين الظن بالطريق لا يتوقف على ذلك،بل يمكن توجيهه بالانحلال الذي عرفت عدم توجه الاشكال عليه.و حمل كلام الفصول المتقدم عليه غير بعيد،و لذا سبق منا توجهه به.

إلا أن الانحلال مبني على ما سبق الكلام فيه في الوجوه الخمسة السابقة في كلام المصنف قدّس سرّه.

(1)بأن ظن بحجية الظن بالواقع-مع قطع النظر عن الانسداد-فيكون في متابعته جمع بين الأمرين الواقع و الطريق،و حينئذ يكون في العمل به حال الانسداد

ص: 135

فلذا لا يحكم بالبراءة معه.انتهى.

الثاني:ما ذكره صاحب هداية المسترشدين

الوجه الثاني (1) :ما ذكره بعض المحققين من المعاصرين (2) مع الوجه الأول و بعض الوجوه الأخر قال:

«لا ريب في كوننا مكلفين بالأحكام الشرعية،و أنه لم يسقط عنا التكليف بالأحكام الشرعية فى الجملة،و أن الواجب علينا أولا هو تحصيل العلم بتفريغ الذمة في حكم المكلّف،بأن يقطع معه بحكمه بتفريغ ذمتنا عما كلفنا به و سقوط التكليف عنا،سواء حصل العلم منه بأداء الواقع أولا،حسب ما مر تفصيل القول فيه.

و حينئذ فنقول:إن صح لنا تحصيل العلم بتفريغ الذمة في حكم الشارع فلا إشكال في وجوبه و حصول البراءة به،و إن انسد علينا سبيل العلم به كان الواجب علينا تحصيل الظن بالبراءة في حكمه،إذ هو الأقرب إلى العلم به (3) ،فيتعين الأخذ به عند التنزل من العلم في حكم العقل (4) بعد انسداد سبيل العلم به (5) و القطع ببقاء التكليف، كالعمل بالعلم في حال الانفتاح الذي ما سبق منه أن فيه جمعا بين الواقع و الطريق.

(1)يعني:من وجهي الاحتجاج على تعيين الظن بالطريق دون الظن بالواقع.

(2)هو الشيخ محمد تقي في حاشيته الكبيرة على المعالم.

(3)يعني:بتفريغ الذمة في حكم المكلف و هو الشارع الأقدس.

(4)متعلق بقوله:«فيتعين الأخذ...».

(5)يعني:بتفريغ الذمة في حكم المكلف.

ص: 136

دون (1) ما يحصل معه الظن بأداء الواقع،كما يدعيه القائل بأصالة حجية الظن.

و بينهما بون بعيد،إذ المعتبر في الوجه الأول (2) هو الأخذ بما يظن كونه حجة،لقيام دليل ظني على حجيته،سواء حصل منه الظن بالواقع أولا،و في الوجه الثاني (3) لا يلزم حصول الظن بالبراءة في حكم الشارع، اذ لا يستلزم مجرد الظن بالواقع الظن باكتفاء المكلّف بذلك الظن في العمل، سيما بعد النهي عن اتباع الظن،فإذا تعين تحصيل ذلك (4) بمقتضى حكم العقل حسب ما عرفت يلزم اعتبار أمر آخر (5) يظن معه رضا المكلّف بالعمل به،و ليس ذلك إلا الدليل الظني الدال على حجيته،فكل طريق قام ظن على حجيته عند الشارع يكون حجة،دون ما لم يقم عليه ذلك انتهى بألفاظه.

و أشار بقوله:«حسب ما مر تفصيل القول فيه»إلى ما ذكره سابقا في مقدمات هذا المطلب،حيث قال في المقدمة الرابعة من تلك المقدمات:

(1)يعني:دون الأخذ بما يحصل...

(2)و هو المختار له قدّس سرّه أعني:وجوب تحصيل الظن بتفريغ الذمة في حكم المكلف.

(3)و هو الذي يدعيه القائل بأصالة حجية الظن،أعني:وجوب تحصيل الظن بأداء الواقع.

(4)و هو الظن بتفريغ الذمة في حكم المكلف.

(5)يعني:غير الظن بالواقع.

ص: 137

«إن المناط في وجوب الأخذ بالعلم و تحصيل اليقين من الدليل هل هو اليقين بمصادفة الأحكام الواقعية الأولية إلا أن يقوم دليل على الاكتفاء بغيره،أو أن الواجب أولا هو تحصيل اليقين بتحصيل الأحكام و أداء الأعمال على وجه أراده الشارع منافي الظاهر (1) و حكم معه قطعا (1)يعني:بسلوك الطرق المقررة شرعا.

ثم إن هذا ظاهر بدوا في إرادة لزوم تحصيل العلم بالامتثال بحكم الشارع الأقدس و عدم الاكتفاء بالعلم بأداء الواقع.و يناسبه مقابلته للوجه الأول،إذ ليس المراد بالوجه الأول وجوب العلم باداء الواقع و عدم إجزاء الامتثال بحكم الشارع بل التخيير بين الأمرين،كما هو مقتضى قوله:«إلا أن يقوم دليل على الاكتفاء بغيره» فإنه صريح في أنه مع جعل الشارع طريقا للامتثال يكون المكلف مخيرا بينه و بين الامتثال الواقعي،و إنما يتعين الامتثال الواقعي حيث يقوم دليل على جعل الشارع شيئا يقوم مقامه،فلا بد أن يكون المراد بالوجه الثاني المقابل له عدم الاكتفاء بالامتثال الواقعي لا عدم لزومه.

و هو المناسب أيضا لتفريع ما نحن فيه عليه في الكلام السابق،لكن المصنف قدّس سرّه-كما سيأتي-فهم منه التخيير بين الأمرين لا عدم الاكتفاء بالامتثال الواقعي.

و يناسبه استدلاله الآتي،فإنه لا يقتضي إلاّ الاكتفاء بالامتثال الشرعي لا لزومه.

مضافا إلى قوله بعد ذلك:«و بعبارة أخرى:لا بد...».

و لو تم ما فهمه المصنف قدّس سرّه تعين كون الفرق بين الوجه الأول و الثاني هو أن الوجه الأول يبتني على الاكتفاء بالامتثال الشرعي من حيث كونه بدلا عن الامتثال الواقعي،لا في عرضه و الوجه الثاني يبتني على التخيير بينهما ابتداء لكون كل منهما في عرض الآخر لا بدلا عنه.

و كلامه مع ذلك لا يخلو عن غموض و إشكال.

ص: 138

بتفريغ ذمتنا بملاحظة الطرق المقررة لمعرفتها مما جعلها وسيلة للوصول إليها،سواء علم مطابقته للواقع،أو ظن ذلك،أو لم يحصل شيء منهما؟ وجهان.

الذي يقتضيه التحقيق هو الثاني،فإنه القدر الذي يحكم العقل بوجوبه (1) و دلت الأدلة المتقدمة على اعتباره،و لو حصل العلم بها (2) على الوجه المذكور (3) لم يحكم العقل قطعا بوجوب تحصيل العلم بما في الواقع و لم يقض شيء من الأدلة الشرعية بوجوب تحصيل شيء آخر (4) وراء ذلك.

بل الأدلة الشرعية قائمة على خلاف ذلك،إذ لم يبن الشريعة من أول الأمر على وجوب تحصيل كل من الأحكام الواقعية على سبيل القطع و اليقين،و لم يقع التكليف به حين انفتاح سبيل العلم بالواقع،و في ملاحظة طريقة السلف من زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمة عليهم السّلام كفاية في ذلك، إذ لم يوجب (5) النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم على جميع من في بلده من الرجال و النسوان (1)من الظاهر أن العقل إنما يحكم بالاجتزاء به لا بتعيينه و عدم الاجتزاء بالامتثال الواقعي.فإن كان مراده ذلك ففي محله،و إلا فلا وجه له.و قد عرفت اضطراب كلامه.

(2)يعني:بتفريغ الذمة.

(3)و هو الوجه الذي أراد الشارع.

(4)و هو تحصيل اليقين بفراغ الذمة.

(5)هذا لو تم إنما يقتضي جواز الاكتفاء بالطرق المقررة،لا وجوب تحصيلها و عدم الاجتزاء بتحصيل العلم،و قد عرفت غموض كلام المحقق المذكور من هذه

ص: 139

السماع منه في تبليغ الأحكام،أو حصول التواتر لآحادهم بالنسبة إلى آحاد الأحكام،أو قيام القرينة القاطعة على عدم تعمد الكذب أو الغلط فى الفهم أو في سماع اللفظ بالنظر إلى الجميع،بل لو سمعوه من الثقة اكتفوا به» (1) .انتهى.

ثم شرع في إبطال دعوى حصول العلم بقول الثقة مطلقا،إلى أن قال:

«فتحصل مما قررناه كون العلم الذي هو مناط التكليف أولا هو العلم بالأحكام من الوجه المقرر لمعرفتها و الوصول إليها،و الواجب بالنسبة إلى العمل هو أداؤه على وجه يقطع معه بتفريغ الذمة في حكم الشرع،سواء حصل العلم بأدائه على طبق الواقع أو على طبق الطريق المقرر من الشارع و إن لم يعلم أو لم يظن بمطابقتها للواقع.

و بعبارة أخرى:لا بد من المعرفة بالتكليف و أداء المكلف به على وجه اليقين أو على وجه منته إلى اليقين (2) من غير فرق بين الوجهين و لا الجهة.

(1)هذا راجع إلى حجية خبر الثقة،و أين هو من دليل الانسداد الذي يفرض فيه انسداد باب الظن الخاص ؟!.

نعم كلامه هذا ليس في مقدمات دليل الانسداد إلا أن بناء الكلام في دليل الانسداد عليه-كما سبق في كلامه الأول-لا يخلو عن اشكال و إن كان لا بد من التوقف و عدم التسرع في الإيراد عليه،لعدم الاحاطة بتمام كلامه و لا مجال له فعلا لطوله و تشعبه.فلاحظ .

(2)هذا ظاهر في التخيير بين القطع بفراغ الذمة واقعا و القطع بفراغها في حكم الشارع،بأن يكون المراد بوجه اليقين الأول،و بالوجه المنتهى إلى اليقين الثاني.

ص: 140

ترتيب بينهما.

نعم لو لم يظهر طريق مقرر من الشارع لمعرفتها تعين الأخذ بالعلم بالواقع مع إمكانه (1) ،إذ هو طريق إلى الواقع بحكم العقل من غير توقف لإيصاله إلى الواقع على بيان الشرع،بخلاف غيره من الطرق المقررة»انتهى كلامه رفع مقامه.

المناقشة فيما أفاده صاحب الهداية

أقول:ما ذكره في مقدمات مطلبه من عدم الفرق بين علم المكلف بأداء الواقع على ما هو عليه و بين العلم بأدائه من الطريق المقرر (2) مما لا إشكال فيه.

نعم ما جزم به (3) -من أن المناط في تحصيل العلم أولا هو العلم و قد عرفت انه الذي فهمه المصنف قدّس سرّه منه،كما عرفت غموض كلامه.

(1)لأنه مع تعذر أحد طرفي التخيير يتعين الآخر.و هذا مبني على أن مراده سابقا التخيير بين الأمرين.

أما لو كان مراده سابقا تعيين الامتثال بحكم الشارع و عدم الاكتفاء بالامتثال الواقعي،فلا وجه لدعوى لزوم الامتثال الواقعي في ظرف عدم ثبوت الامتثال الشرعي إلا دعوى أن عدم نصب الشارع الطريق ظاهر في إمضائه للطريق العقلي و هو العلم بالواقع.

و هو كما ترى،لأن طريقية العلم ذاتية لا تقبل الإمضاء.و لأجل ذلك كان حمله على الأول قريبا،و إن كان كلامه مع ذلك لا يخلو عن غموض كما أشرنا إليه.

فلاحظ .

(2)تقدم الوجه في حمل كلامه المذكور على ذلك.

(3)يعني:في كلامه الأول الذي تقدم نقله في وجه تعيين الظن بالطريق.لكن

ص: 141

بتفريغ الذمة دون أداء الواقع على ما هو عليه-فيه:

أن تفريغ الذمة عما اشتغلت به إما بفعل نفس ما أراده الشارع في ضمن الأوامر الواقعية،و إما بفعل ما حكم حكما جعليا بأنه نفس المراد و هو مضمون الطرق المجعولة،فتفريغ الذمة بهذا على مذهب المخطئة من حيث إنه نفس المراد الواقعي بجعل الشارع (1) ،لا من حيث إنه شيء مستقل في مقابل المراد الواقعي،فضلا عن أن يكون هو المناط في لزوم تحصيل العلم و اليقين.

و الحاصل:أن مضمون الأوامر الواقعية المتعلقة بأفعال المكلفين مراد واقعي حقيقي و مضمون الأوامر الظاهرية المتعلقة بالعمل بالطرق المقررة ذلك المراد الواقعي لكن على سبيل الجعل لا الحقيقة،و قد اعترف المحقق المذكور،حيث عبّر عنه بأداء الواقع من الطريق المجعول،فأداء (2) كل من الواقع الحقيقي و الواقع الجعلي لا يكون بنفسه امتثالا و إطاعة للأمر نقل بعض أعاظم المحشين قدّس سرّه تتمة لكلامه المذكور صريحة في التخيير بين تحصيل العلم بالواقع و تحصيل العلم بالطريق المقرر من الشارع و أنه لا ترتب بينهما.

و هو و إن كان حينئذ خاليا عن الاشكال الذي سيذكره المصنف قدّس سرّه إلا انه لا يناسب مطلبه المذكور لتقريب حجية الظن بالطريق دون الظن بالواقع.و لذا كان كلامه قدّس سرّه في غاية الغموض.

(1)إذا المكلف به على مذهب المخطئة هو الواقع على ما هو عليه المشترك بين من قامت عنده الطرق و غيره،و ليس الرجوع إلى الطرق إلا من حيث ايصاله إليه لا لموضوعيتها.

(2)تفريع هذا على ما تقدم غير ظاهر الوجه.

ص: 142

المتعلق به ما لم يحصل العلم به.

نعم لو كان كل من الأمرين المتعلقين بالأداءين مما لا يعتبر في سقوطه قصد الإطاعة و الامتثال كان مجرد إتيان كل منهما مسقط للأمر من دون امتثال،و أما الامتثال للأمر بهما فلا يحصل إلا مع العلم (1) .

ثم إن هذين الأمرين مع التمكن من امتثالهما يكون المكلف مخيرا في امتثال أيهما،بمعنى أن المكلّف مخير بين تحصيل العلم بالواقع،فيتعين عليه (2) و ينتفي موضوع الأمر الآخر،إذ المفروض كونه ظاهريا قد أخذ في موضوعه عدم العلم بالواقع،و بين ترك تحصيل الواقع و امتثال الأمر الظاهري.

هذا مع التمكن من امتثالهما،و أما لو تعذر عليه امتثال أحدهما تعين عليه امتثال الآخر،كما لو عجز عن تحصيل العلم بالواقع و تمكن من سلوك الطريق المقرر،لكونه معلوما (3) له،أو انعكس الأمر،بأن تمكن من العلم و انسد عليه باب سلوك الطريق المقرر،لعدم العلم به.

(1)بل مع الشك أيضا إذا كان الاتيان به برجاء إدراك الواقع لو فرضت المصادفة له.إلا أن الكلام هنا ليس في تحقق الامتثال الواقعي أو الظاهري،بل في اجتزاء العقل،و الظاهر انه موقوف على العلم-كما ذكره المصنف قدّس سرّه-لعدم الأمان إلا به.لكن هذا لا يفرق فيه بين ما يعتبر فيه قصد الطاعة و هو العبادات و غيره و هو التوصليات.

(2)يعني:فيتعين عليه الامتثال العلمي بعد تحصيل العلم بالواقع.

(3)بأن علم بجعل الشارع له.

ص: 143

و لو عجز عنهما معا قام الظن بهما مقام العلم بهما (1) بحكم العقل، فترجيح الظن بسلوك الطريق المقرر على الظن بسلوك الواقع لم يعلم وجهه.بل الظن بالواقع أولى في مقام الامتثال،لما أشرنا إليه سابقا من حكم العقل و النقل بأولوية إحراز الواقع.

هذا في الطريق المجعول في عرض العلم بأن أذن في سلوكه مع التمكن من العلم،و أما إذا نصبه بشرط العجز عن تحصيل العلم فهو أيضا كذلك،ضرورة أن القائم مقام تحصيل العلم-الموجب للإطاعة الواقعية-عند تعذره هي الإطاعة الظاهرية المتوقفة على العلم بسلوك الطريق المجعول،لا على مجرد سلوكه (2) .

و الحاصل:أن سلوك الطريق المجعول مطلقا أو عند تعذر العلم في مقابل العمل بالواقع،فكما أن العمل بالواقع مع قطع النظر عن العلم لا يوجب امتثالا (3) ،و إنما يوجب فراغ الذمة من المأمور به واقعا لو لم يؤخذ فيه تحققه على وجه الامتثال (4) فكذلك سلوك الطريق المجعول (5) فكل (1)قيام الظن بهما مقام العلم بهما موقوف على ما سبق من المصنف قدّس سرّه في وجه التعميم.و قد سبق الكلام فيه.

(2)فإن سلوكه من دون علم بحجيته لا يوجب حكم العقل بالأمان من تبعة التكليف الواقعي الذي هو المراد من الإطاعة الظاهرية في المقام.

(3)يعني:بنحو يقتضي حكم العقل بالأمان من تبعة التكليف.

(4)يعني:بأن كان عبادة.

لكن عرفت أن فراغ الذمة فيه يتحقق بالإتيان بالواقع برجاء الامتثال.

(5)سلوك الطريق المجهول-من دون علم لا يوجب فراغ الذمة لا من

ص: 144

منهما موجب لبراءة الذمة واقعا و إن لم يعلم بحصوله (1) بل و لو اعتقد عدم حصوله.

و أما العلم بالفراغ المعتبر في الإطاعة (2) فلا يتحقق في شىء منهما إلا بعد العلم أو الظن القائم مقامه.

فالحكم بأن الظن بسلوك الطريق المجعول يوجب الظن بفراغ الذمة،بخلاف الظن بأداء الواقع فإنه لا يوجب الظن بفراغ الذمة إلا إذا ثبت حجية ذلك الظن،و إلا فربما يظن بأداء الواقع من طريق يعلم بعدم حجيته تحكم (3) صرف.

الواقع لعدم ملازمته لتحصيل الواقع،و لا من الحكم الظاهري لعدم انشغال الذمة بالتكليف الظاهري إلا في طول انشغالها بالواقع،فالمكلف به حقيقة هو الواقع و ليس الطريق الظاهري إلا موجبا لحكم العقل بالأمان منه من دون أن تكون الذمة مشغولة به بنفسه.و قد سبق أن حكم العقل بالأمان من الواقع بموافقة الطريق الظاهري إنما تكون مع العلم بنصب الشارع له و قيام الحجة عليه لا مع عدمه.

(1)هذا إنما يتم بموافقة الواقع لا غير،أما موافقة الطريق من دون علم بجعله فلا يكفي في المعذرية،لتوقف المعذرية على الاعتماد على الطريق الذي هو فرع إحراز كونه مجعولا و كون موافقته عذرا،فتأمل.

(2)يعني:التي يحكم بها العقل لتحصيل الأمان من تبعة التكليف.

(3)خبر لقوله:«فالحكم بأن الظن...».

و الوجه في كونه تحكما أنه إن أريد بفراغ الذمة مطابقة الأمر و سقوطه واقعا فهو ممّا يظن به بأداء الواقع و لو مع العلم بعدم حجية الظن كالقياس.و إن أريد بها ما يساوق حكم العقل بالأمان من تبعة التكليف فمتابعة مظنون الطريقية لا يكفي في حصولها ما لم يعلم بحجيته و لو من طريق دليل الانسداد،و قد عرفت أن دليل

ص: 145

و منشأ ما ذكره تخيل أن نفس سلوك الطريق الشرعي المجعول (1) في مقابل سلوك الطريق العقلي الغير المجعول و هو العلم بالواقع الذي هو سبب تام لبراءة الذمة (2) فيكون هو (3) أيضا كذلك،فيكون الظن بالسلوك ظنا بالبراءة،بخلاف الظن بالواقع،لأن نفس أداء الواقع ليس سببا تاما للبراءة (4) حتى يحصل من الظن به الظن بالبراءة،فقد قاس الطريق الشرعي بالطريق العقلي.

و أنت خبير بأن الطريق الشرعي لا يتصف بالطريقية فعلا إلا بعد العلم به تفصيلا،و إلا فسلوكه-أعني مجرد تطبيق الأعمال عليه- مع قطع النظر عن حكم الشارع لغو صرف.و لذلك أطلنا الكلام في أن سلوك الطريق المجعول في مقابل العمل بالواقع لا في مقابل العلم بالعمل بالواقع،و يلزم من ذلك كون كل من العلم و الظن المتعلق بأحدهما في مقابل المتعلق بالآخر،فدعوى:أن الظن بسلوك الطريق يستلزم الظن بالفراغ بخلاف الظن باتيان الواقع (5) ،فاسدة.

الانسداد إما أن يقتضي حجية الظن بالواقع دون الظن بالطريق،أو حجيتها معا.

(1)يعني:و إن لم يعلم بكونه مجعولا.

(2)يعني:بالمعنى الذي يحكم به العقل للأمان من تبعة التكليف.

(3)يعني سلوك الطريق الشرعي و موافقته واقعا.

(4)يعني:بالمعنى المتقدم،و إن كان سببا للبراءة بالمعنى الآخر الراجع إلى سقوط التكليف واقعا.

(5)إشارة إلى ما سبق في كلام المحقق المذكور.

لكنه صريح في أن الظن بالواقع لا يوجب الظن بالبراءة بحكم الشارع،لا

ص: 146

هذا كله مع ما علمت سابقا في رد الوجه الأول من إمكان منع جعل الشارع طريقا إلى الأحكام (1) و إنما اقتصر على الطرق المنجعلة عند العقلاء و هو العلم ثم على الظن الاطمئناني (2) .

أنه لا يوجب الظن بالبراءة واقعا،حيث قال:«إذ لا يستلزم مجرد الظن بالواقع الظن باكتفاء المكلّف بذلك الظن سيما بعد النهي عن اتباع الظن...».

و التأمل في كلام المحقق المتقدم يشهد بأن منشأ ما ذكره ليس هو التخيل الذي ذكره المصنف قدّس سرّه بل تخيل كون الواجب أولا و بالذات هو التعين بالبراءة بحكم الشارع،لا اليقين بالبراءة الواقعية،إذ على ذلك يتعين التنزل بعد تعذر العلم إلى الظن بالبراءة بحكم الشارع لا الظن بالبراءة الواقعية.

إلاّ أن مراده بالبراءة ليس هو البراءة بالمعنى المتقدم الذي يحكم به العقل للأمان من تبعة العقاب،فإنه لا يقبل الظن،بل إما أن يعلم بتحققه التحقق الحجة- و لو كانت هي الظن الانسدادي-أو يعلم بعدمه،و لا يتصور الشك فيه.

بل المراد البراءة عن التكليف واقعا،فإن البراءة الواقعية من التكليف الواقعي أو الظاهري مما يقبل الشك و الظن مع حصوله واقعا.كما لعله ظاهر.

فالعمدة في رد ما ذكره المحقق المذكور ما عرفت من انه لا وجه لكون الواجب اولا هو تحصيل البراءة بحكم الشارع،بل يكفي تحصيل البراءة الواقعية، بل هي أولى،لأنها المقصودة بالأصل.و حينئذ يتعين كفاية الظن بها بعد تعذر العلم و لا وجه لتعين تحصيل الظن بالبراءة بحكم الشارع.

(1)تقدم الكلام فيه هناك.

لكن في صلوح هذا الرد على المحقق المتقدم إشكال لعدم ابتناء كلامه على العلم بنصب الطرق،بل على الظن بذلك،بل صرح في آخر كلامه المتقدم في انه لو فرض عدم ثبوت الطريق الشرعي تعين الطريق العقلي.

(2)لكن هذا اعتراف بنصب الطريق،إذ مراد المحقق المتقدم من الطريق ما

ص: 147

ثم إنك حيث عرفت أن مآل هذا القول إلى أخذ نتيجة دليل الانسداد بالنسبة إلى المسائل الأصولية و هي حجية الأمارات المحتملة للحجية،لا بالنسبة إلى نفس الفروع،فاعلم:

أن في مقابله قولا آخر لغير واحد من مشايخنا المعاصرين قدّس اللّه أسرارهم و هو عدم جريان دليل الانسداد على وجه يشمل مثل هذه المسألة الاصولية-أعني حجية الأمارات المحتملة-و هذا هو القول الذي ذكرنا في أول التنبيه أنه ذهب إليه فريق و سيأتي الكلام فيه عند التكلم في حجية الظن المتعلق بالمسائل الأصولية إن شاء اللّه تعالى.

ثم اعلم أن بعض من لا خبرة له لما لم يفهم من دليل الانسداد إلا ما تلقن من لسان بعض مشايخه و ظاهر عبارة كتاب القوانين رد القول الذي ذكرناه أولا عن بعض المعاصرين من حجية الظن في الطريق لا نفس الأحكام بمخالفته لإجماع العلماء،حيث زعم أنهم بين من يعمم دليل الانسداد لجميع المسائل العلمية أصولية أو فقهية-كصاحب القوانين- و بين من يخصصه بالمسائل الفرعية،فالقول بعكس هذا خرق للإجماع المركب.

و يدفعه:أن المسألة ليست من التوقيفات التي يدخلها الإجماع المركب،مع أن دعواه في مثل هذه المسائل المستحدثة بشيعة جدا،بل يعم ذلك،و لذا استشهد عليه بسيرة المسلمين على الرجوع لخبر الثقة،مع أنه يفيد الاطمئنان خصوصا مع قلة الوسائط .

ص: 148

المسألة عقلية (1) فإذا فرض استقلال العقل بلزوم العمل بالظن في مسألة تعيين الطريق فلا معنى لرده بالإجماع المركب.

فلا سبيل إلى رده إلا بمنع جريان حكم العقل و جريان مقدمات الانسداد (2) في خصوصها كما عرفته منا (3) أو فيها في ضمن مطلق الأحكام الشرعية كما فعله غير واحد من مشايخنا (4) .

(1)هذا راجع إلى الوجه الأول،و هو أن المسألة ليست من التوقيفيات.

(2)متعلق بقوله:«جريان حكم...».

(3)فإن المصنف قدّس سرّه لم يمنع من جريانه فيها،و إنما منع من اختصاصه بها.

(4)فإنهم منعوا من جريانه فيها،و خصوه بغيرها و هي الأحكام الفرعية.

ص: 149

ص: 150

الأمر الثاني
الكلام في مقامات
اشارة

و هو أهم الأمور في هذا الباب:أن نتيجة دليل الانسداد هل هي قضية مهملة من حيث أسباب الظن،فلا يعم الحكم لجميع الأمارات الموجبة للظن إلا بعد ثبوت معمم-من لزوم ترجيح بلا مرجح،أو إجماع مركب،أو غير ذلك-أو قضية كلية لا يحتاج فى التعميم إلى شيء؟

و على التقدير الأول فهل ثبت المرجح لبعض الأسباب على بعض أم لم يثبت ؟

و على التقدير الثاني-أعني كون القضية كلية-فكيف توجيه خروج القياس مع أن الدليل العقلي لا يقبل التخصيص ؟

فهنا مقامات:

ص: 151

الأول
هل أن نتيجة دليل الانسداد مهملة أو معينة ؟

في كون نتيجة دليل الانسداد مهملة أو معينة.

و التحقيق:أنه لا إشكال في أن المقدمات السابقة-التي حاصلها بقاء التكليف،و عدم التمكن من العلم،و عدم وجوب الاحتياط ،و عدم جواز الرجوع إلى القاعدة التي يقتضيها المقام-إذا جرت (1) في مسألة تعين وجوب العمل بأي ظن حصل في تلك المسألة (2) من أي سبب،و هذا الظن كالعلم في عدم الفرق في اعتباره بين الأسباب و الموارد و الأشخاص.

و هذا ثابت بالإجماع (3) و بالعقل.

(1)خبر(أن)في قوله:«أن المقدمات السابقة».

(2)فإن امتناع الرجوع للطرق المذكورة في تلك المسألة مستلزم للرجوع إلى غيرها،و حيث أنه لا مرجح لغير الظن باعتباره المترجح في نفسه عقلا مع قطع النظر عن جعل الشارع تعين الرجوع إليه من بين الطرق الاخرى،و حيث لا يفرق في جهة رجحانه بين المسائل و لا بين الأسباب و لا بين المراتب تعين التعميم بلحاظها.

نعم يجب استفراغ الوسع في تحصيل الظن بالفحص عن أسبابه،و لا يجوز الاقتصار على بعض الأسباب أو المراتب مع احتمال التمكن من غيرها،بنحو ينافي ما حصل بدوا لعدم اليقين حينئذ بالاجتزاء لا عقلا و لا شرعا.

(3)لا أهمية للاجماع في هذه المسائل و العمدة العقل.

ص: 152

و قد سلك هذا المسلك صاحب القوانين،حيث إنه أبطل البراءة في كل مسألة من غير ملاحظة لزوم الخروج عن الدين،و أبطل لزوم الاحتياط كذلك مع قطع النظر عن لزوم الحرج و يظهر أيضا من صاحبي المعالم و الزبدة بناء على اقتضاء ما ذكراه لإثبات حجية خبر الواحد للعمل بمطلق الظن (1) فلاحظ .

لكنك قد عرفت مما سبق أنه لا دليل على منع جريان أصالة البراءة أو أصالة الاحتياط أو الاستصحاب المطابق لأحدهما في كل مورد مورد من مواردها بالخصوص،إنما الممنوع جريانها في جميع المسائل للزوم المخالفة القطعية الكثيرة و لزوم الحرج عن الاحتياط ،و هذا المقدار لا يثبت إلاّ وجوب العمل بالظن في الجملة (2) ،من دون تعميم بحسب الأسباب و لا بحسب الموارد و لا بحسب مرتبة الظن.

تقرير دليل الانسداد بوجهين:
اشارة

و حينئذ فنقول:إنه إما أن يقرر دليل الانسداد على وجه يكون كاشفا عن حكم الشارع بلزوم العمل بالظن،بأن يقال:إن بقاء التكاليف-مع العلم بأن الشارع لم يعذرنا في ترك التعرض لها و إهمالها،مع عدم إيجاب (1)اما بناء على اختصاصه بخبر الواحد،فلا تعميم من حيث الأسباب.

و هذا ظاهر كلام صاحب المعالم خصوصية الخبر في بعض مقدمات الاستدلال،فإنه أبطل الرجوع لعموم الكتاب بعدم الإجماع على الرجوع إليه مع وجود الخبر الجامع الشرائط .و أما كلام الزبدة فلا يحضرني فعلا.

(2)لأن المحذور إنما هو في الاحتياط و البراءة في مجموع المسائل لا في كل مسألة مسألة،و هو إنما يقتضي الرجوع إلى الظن في الجملة في مقابل عدم الرجوع إليه في الجميع،و يحتاج التعميم إلى وجه آخر.

ص: 153

الاحتياط علينا،و عدم بيان طريق مجعول فيها-يكشف عن أن الظن جائز العمل،و أن العمل به ماض عند الشارع،و أنه لا يعاقبنا على ترك واجب إذا ظن بعدم وجوبه و لا بفعل محرم إذا ظن بعدم تحريمه.

الوجه الأول على الكشف

فحجية الظن على هذا التقرير تعبد شرعي كشف عنه العقل من جهة دوران الأمر بين أمور كلها باطلة سواه،فالاستدلال عليه من باب الاستدلال على تعيين أحد طرفي المنفصلة او أطرافها بنفي الباقي،فيقال:إن الشارع إما أن أعرض عن هذه التكاليف المعلومة إجمالا،أو أراد الامتثال بها على العلم،أو أراد الامتثال المعلوم إجمالا،أو أراد امتثالها من طريق خاص تعبدي،أو أراد امتثالها الظني (1) ،و ما عدا الأخير باطل (2) ، (1)ظاهر هذا التقرير أن يكون الظن مجعولا من قبل الشارع الأقدس في مقام الامتثال لا في مقام تنجيز الأحكام و إيصالها و هو مشكل،لما أشرنا إليه غير مرة من امتناع تصرف الشارع في مقام الامتثال لأنه ليس من وظيفته بل مما يختص به العقل.

و بعبارة أخرى:للحكم مراحل ثلاث:

الأولى:مرحلة الجعل و التشريع ثبوتا.

الثانية:مرحلة الإيصال و التنجيز إثباتا.

الثالثة:مرحلة الامتثال،و لا إشكال في الرجوع في الأولى إلى الشارع،و في الثالثة إلى العقل.و أما في الثانية فبالإضافة إلى العلم يتوقف على جعل الشارع و بالإضافة إلى غيره يتعين الرجوع إليه و يتوقف على جعله و لو إمضاء.و لأجل هذا منع المصنف قدّس سرّه من الكشف و بنى على الحكومة،و سيأتي الكلام في ذلك.

(2)لأن الأول باطل بمقتضى المقدمة الثانية،و الثاني باطل بمقتضى المقدمة الأولى،و الثالث باطل بمقتضى المقدمة الثالثة.و كذا الرابع لو أريد منه الطرق التي

ص: 154

فتعين هو.

الوجه الثاني على الحكومة

و إما أن يقرر على وجه يكون العقل منشأ للحكم بوجوب الامتثال الظني،بمعنى حسن المعاقبة على تركه و قبح المطالبة بأزيد منه،كما يحكم بوجوب تحصيل العلم و عدم كفاية الظن عند التمكن من تحصيل العلم، فهذا الحكم العقلي ليس من مجعولات الشارع،إذ كما أن نفس وجوب الإطاعة و حرمة المعصية بعد تحقق الأمر و النهي من الشارع ليس من الأحكام المجعولة للشارع،بل شيء يستقل به العقل لا على وجه الكشف، فكذلك كيفية الإطاعة و أنه يكفي فيها الظن بتحصيل مراد الشارع في مقام،و يعتبر فيها العلم بتحصيل المراد في مقام آخر إما تفصيلا أو إجمالا.

و توهم:أنه يلزم على هذا انفكاك حكم العقل عن حكم الشرع، مدفوع بما قررنا في محله:من أن التلازم بين الحكمين إنما هو مع قابلية المورد لهما (1) ،أما لو كان قابلا لحكم العقل دون الشرع فلا تلازم،كما في الإطاعة و المعصية،فإنهما لا يقبلان لورود حكم الشارع عليهما بالوجوب تقدمت،و لو أريد منه احتمال نصب طريق خاص غير تلك الطرق فيكفي فيه عدم وصول الطريق المذكور الموجب لعدم ترتب الأثر عليه و عدم مرجح الثاني له بخلاف الظن.

و إن شئت قلت:يكفي في تعيين الظن من بين غيره من الطرق رجحانه الذاتي و عدم ثبوت جعل غيره من قبل الشارع الأقدس،كما تقدم.

نعم يشكل هذا الوجه بما عرفت من عدم تصرف الشارع في مقام الامتثال فلا بد من تقرير الكشف بوجه آخر،كما سيأتي الكلام فيه.

(1)ليس في كلام المصنف قدّس سرّه الآتي جواب ل (إما).و المراد واضح.

ص: 155

و التحريم الشرعيين-بأن يريد فعل الأولى و ترك الثانية بإرادة مستقلة غير إرادة فعل المأمور به و ترك المنهي عنه الحاصلة بالأمر و النهي-حتّى أنه لو صرح بوجوب الاطاعة و تحريم المعصية (1) كان الأمر و النهى للإرشاد لا للتكليف،إذ لا يترتب على مخالفة هذا الأمر أو النهي إلاّ ما يترتب على ذات المأمور به و المنهي (2) عنه-أعني نفس الإطاعة و المعصية-و هذا دليل (1)كما هو مقتضى الأوامر و النواهي الكثيرة الواردة في الكتاب و السنة.

(2)يعني:من تفويت الملاك الأصلي المترتب على ذات المأمور به و الوقوع في المفسدة المترتبة على الذات المنهي عنها.

و بعبارة أخرى:لا غرض من الأمر المولوي بالذات إلا حفظ ملاكها من حيث كونه محدثا للداعي العقلي لأنه بنظر العقل كاف في جعل السبيل على العبد و لا يترتب على أمر الإطاعة أكثر من ذلك إذ ليس الغرض منه إلا حفظ الملاك الأصلي، و لا يكون موجبا لحدوث الداعي العقلي في قبال الأمر بالذات و لا لتأكيده،فلا يكون أمرا مولويا.

و منه يظهر أنه لا مجال لقياسه بمقام جعل الحجية،فإن الغرض منه و إن كان هو حفظ ملاك الأمر الواقعي،إلا أنه يترتب عليه جعل السبيل على العبد،من حيث عدم صلوح الأمر الواقعي له بنفسه،لعدم وصوله،فهو شرط لكون الأمر الواقعي منشأ لجعل السبيل على العبد بالفعل.

نعم لو فرض كون الأمر بالإطاعة ناشئا عن ملاك فيها زائدا على الملاك الأولي المترتب على ذات الفعل كان أمرها مولويا،كما لو فرض كون أمر المولى موجبا لحدوث مصلحة في الفعل زائدا على مصلحته الذاتية الموجبة للأمر به،فيتأكد التكليف به بنحو يستتبع تأكد الداعي له لتعدد العقاب.

إلا أن هذا خلاف ظاهر الأوامر المذكورة،لأن المنصرف منها الإرشاد بلحاظ

ص: 156

الإرشاد،كما في أوامر الطبيب،و لذا لا يحسن من الحكيم عقاب آخر (1) ، أو ثواب آخر غير ما يترتب على نفس المأمور به و المنهي عنه فعلا أو تركا من الثواب و العقاب.

التعميم من حيث الموارد مشترك بين التقريرين

ثمّ إنّ هذين التقريرين مشتركان في الدلالة على التعميم من حيث الموارد،يعني المسائل،إذ على الأول يدعى الإجماع القطعي على أن العمل بالظن لا يفرق فيه بين أبواب الفقه (2) .و على الثاني يقال:إن العقل أثر الأمر بالذات.

إن قلت:الأمر موجب لصدق عنوان الانقياد على المأمور به،و هو ذو مصلحة زائدة على مصلحة المأمور به الذاتية.

قلت:المراد بالاطاعة محض موافقة الأمر و لو لا بداعي الانقياد،و مثل هذا لا مصلحة فيه وراء مصلحة الذات.و أما الانقياد و التعبد فهو أمر آخر قد يتوقف عليه ملاك الذات الموجب للأمر بها،كما في التعبدي،فيجب عقلا فيها أو شرعا على الكلام في مبحث التعبدي.و قد لا يتوقف عليه ملاك الذات،بل يحسن في نفسه عقلا أو شرعا،و هو خارج عمّا نحن فيه.فلاحظ .

(1)عرفت أنه يمكن عقلا تأكد العقاب بلحاظ أمر الاطاعة لو فرض صدوره عن ملاك غير ملاك الأمر الأولي.إلا أنه لا دليل عليه،و خلاف المنصرف من أوامر الاطاعة.فلاحظ .

(2)هذا إنما بمقتضى التعميم بمقتضى الإجماع لا بحكم العقل.و لعله خلاف الفرض.

فالظاهر إن التعميم عقلا موقوف على عموم المقدمات المذكورة لجميع المسائل الموجب للرجوع للظن في جميعها،حيث لا طريق سواه،فإن أمكن إحراز العموم المذكور و لو بطريق الإجماع،فهو و إن لم يمكن و ادعي أن المقدمات المذكورة

ص: 157

مستقل بعدم الفرق في باب الاطاعة و المعصية بين واجبات الفروع من أوّل الفقه إلى آخره،و لا بين محرماتها كذلك (1) .فيبقى التعميم من جهتي الأسباب و مرتبة الظن.

فنقول:

أما التقرير الثاني فهو يقتضي التعميم و الكلية من حيث الأسباب، إذ العقل لا يفرق في باب الاطاعة الظنية بين أسباب الظن،بل هو من هذه الجهة نظير العلم لا يقصد منه إلاّ الانكشاف (2) .

و أما من حيث مرتبة الانكشاف قوة و ضعفا فلا تعميم في النتيجة، إنما تقتضي عدم وجوب الاحتياط و عدم جواز الرجوع للبراءة في مجموع المسائل لا في كل مسألة مسألة،كما سبق من المصنف قدّس سرّه و هو الظاهر تعين البناء على إهمال النتيجة حينئذ بحكم العقل،و إن أمكن التعميم بعد فرض الإهمال بالإجماع أو بعدم المرجح أو غيرهما من الأمور الخارجية كما سيأتي في المقام الثاني.

(1)إذ ملاك حكم العقل بوجوب الاطاعة و قبح المعصية كون التكليف الشرعي موجبا لجعل السبيل على المكلف،بنحو يجب الخروج عنه بالظن بعد تعذر العلم،و هو جار في جميع التكاليف الشرعية.

لكنه موقوف على جريان مقدمات الانسداد في جميع المسائل و عمومها لها، لا على جريانها فيها في الجملة،و لا تعين البناء على إهمال النتيجة،كما سبق بناء على الكشف،و لا فرق بين الكشف و الحكومة في ذلك.

(2)لكن حكم العقل بالرجوع إليه موقوف على جريان المقدمات معه، و حينئذ فلو فرض عدم تماميتها في مورد بعض الظنون لوجوب الاحتياط أو جريان البراءة لم يحكم العقل بالرجوع إليه،و حينئذ يبتني العموم من حيثية الأسباب على عموم جريان المقدمات،و لو لاه تعين إهمال النتيجة،كما سبق.

ص: 158

إذ لا يلزم من بطلان كلية العمل بالأصول التي هي طرق شرعية الخروج عنها بالكلية،بل يمكن الفرق في مواردها بين الظن القوي البالغ حد سكون النفس في مقابلها فيؤخذ به و بين ما دونه فيؤخذ بها (1) .

و أما التقرير الأول فالإهمال فيه ثابت من جهة الأسباب و من جهة المرتبة (2) .

الحق في تقرير دليل الانسداد هو الحكومة من وجوه:
اشارة

إذا عرفت ذلك فنقول:الحق في تقرير دليل الانسداد هو التقرير الثاني،و أن التقرير على وجه الكشف فاسد.

الوجه الأول

أما أولا:فلأن المقدمات المذكورة لا تستلزم جعل الشارع للظن مطلقا أو بشرط حصوله من أسباب خاصة حجة،لجواز أن لا يجعل الشارع طريقا للامتثال (3) بعد تعذر العلم أصلا،بل عرفت في الوجه الأول من (1)يعني:بالأصول.لكن لو فرض عدم جريان الأصول و تمامية مقدمات الانسداد في مورد الظن الضعيف تعين بحكم العقل الرجوع إليه،و عليه فالتعميم بحسب المرتبة مبني على عموم جريان المقدمات المذكورة،كما تقدم في سابقه.

(2)الظاهر أن الاهمال فيهما مبني على عدم عموم المقدمات،إذ مع عمومها لجميع موارد الظن على اختلاف أسبابه و مراتبه يتعين البناء على حجية الظن بحكم الشرع لو قيل بالكشف.

و الحاصل:أنه لا فرق بين الكشف و الحكومة و لا بين الموارد و الأسباب و المراتب في كون العموم مبنيا على عموم جريان المقدمات،و الإهمال مبنيا على عدم عمومها،و أنها إنما تجري في الجملة،على ما سبق توضيحه.

(3)بناء على ما سبق من تقرير الكشف بنحو يقتضي حكم الشارع في مقام الامتثال يتعين امتناع الكشف،لما عرفت من كون الحكم في مقام الامتثال من

ص: 159

مختصات العقل لا الشرع،و جعل الشارع للطرق إنما يمكن في مقام تنجيز التكليف و ايصاله اثباتا أو في مقام إحراز الامتثال اثباتا أيضا،كما في قاعدة الفراغ و التجاوز، لا بنحو يرجع إلى وجوب الامتثال بنحو خاص،فإنه ممّا يحكم به العقل لا غير،كما ذكرنا و ذكره قدّس سرّه.

نعم يمكن تقرير الكشف بنحو آخر.

و الذي ينبغي أن يقال:لزوم الحرج أو اختلال النظام من الاحتياط التام إن كان يقتضي تبعيض الاحتياط مع بقاء العلم الإجمالي على المنجزية-كما هو مختار المصنف قدّس سرّه-كان موجبا للعمل بالظن من باب الاحتياط في مقام الامتثال،لا بما أنه حجة عقلا أو شرعا،لأن تنجز التكليف بالعلم الإجمالي لا بالظن،و إنما يجب سلوك الظن في مقام الفراغ عنه بحكم العقل لأنه القدر الممكن من الامتثال بعد عدم وجوب الامتثال العلمي.

أما بناء على أنه يقتضي سقوط الاحتياط كلية لسقوط العلم الإجمالي عن المنجزية،لأن أدلة الترخيص تنافي الأحكام الواقعية،لا أنها راجعة إلى التصرف في مقام الامتثال مع بقاء الأحكام الواقعية بحالها،فلا بد للشارع في مقام تحصيل غرضه في عدم إهمال التكاليف الواقعية-كما هو مقتضى المقدمة الثانية-و عدم الوقوع في الحرج أو الاختلال-كما هو مقتضى المقدمة الثالثة-من جعل المنجز للأحكام الواقعية و الحجة عليها بالمقدار الكافي الذي لا يلزم منه الاخلال بأحد الغرضين المذكورين و لو بامضاء الطرق العقلائية.و مع جعل الحجة المذكورة لا يبقى مورد لحكم العقل بالاطاعة الظنية،بل يتعين له الحكم بوجوب الاطاعة العلمية للتكليف الذي قامت عليه الحجة الشرعية.

و أما تعيين الحجة الشرعية المجعولة في حال الانسداد فالمرجع فيه العقل بعد عدم البيان الشرعي،و هو إنما يحكم بالظن،لأن أقربيته الذاتية صالحة بنظر العقل

ص: 160

الإيراد على القول باعتبار الظن في الطريق أن ذلك غير بعيد (1) .

و هو أيضا طريق العقلاء في التكاليف العرفية،حيث يعملون بالظن في تكاليفهم العرفية مع القطع بعدم جعل طريق لها من جانب الموالي،و لا يجب على الموالي نصب الطريق عند تعذر العلم،نعم يجب عليهم الرضا بحكم العقل (2) و يقبح عليهم المؤاخذة على مخالفة الواقع الذي يؤدي إليه الامتثال الظني.

إلاّ أن يقال:إنّ مجرد إمكان ذلك (3) ما لم يحصل العلم به (4) لا لا تكال الشارع عليها في مقام البيان بعد فرض عدم وصول غيره من قبله.و احتمال جعل غيره و إن كان متوجها بدوا،إلا أنه مع فرض عدم قيام الحجة عليه لا يؤدي الغرض المطلوب في رفع الاشتباه في الأحكام فيقطع بعدم اتكال الشارع عليه، و يتعين الظن لأنه الذي يصل إليه المكلف لما عرفت.

و الذي تحصل:أن المتعين هو الحكومة بناء على تبعيض الاحتياط ،و الكشف بناء على سقوط الاحتياط رأسا.

(1)تقدم الكلام في ذلك،و ذكرنا أن إمضاء الطرق العقلائية في مقام تنجيز الأحكام الواقعية راجع إلى جعل الطريق شرعا،لا الاتكال على الطريق العقلي في معرفة الأحكام الشرعية.

(2)إن رجع هذا إلى إمضاء الطريق المذكور فهو عبارة أخرى عن الكشف بالتقرير الذي ذكرنا.و إن رجع إلى الاكتفاء بالإطاعة الظنية تبعا لحكم العقل بعد فرض تنجز التكليف بالعلم الإجمالي رجع إلى الحكومة التي جرى عليها المصنف قدّس سرّه.

(3)يعني:امكان عدم نصب الطريق من قبل الشارع و اتكاله على حكم العقل.

(4)عرفت قيام الدليل عليه و حصول العلم به بناء على إرادة الحكم في مقام

ص: 161

يقدح في إهمال النتيجة و إجمالها (1) فتأمّل.

الوجه الثاني

و أما ثانيا:فلأنه إذا بني على كشف المقدمات المذكورة عن جعل الظن على وجه الإهمال و الإجمال صح المنع الذي أورده بعض المتعرضين لردّ هذا الدليل،و قد أشرنا إليه سابقا،و حاصله:

أنه كما يحتمل أن يكون الشارع قد جعل لنا مطلق الظن أو الظن في الجملة-المتردد بين الكل و البعض المردد بين الابعاض-كذلك يحتمل أن يكون قد جعل لنا شيئا آخر حجة من دون اعتبار إفادته الظن،لأنه أمر ممكن غير مستحيل (2) ،و المفروض عدم استقلال العقل بحكم في هذا الامتثال.

(1)هذا منه قدّس سرّه ليس اشكالا على الحكومة.بل على أثرها و هو التعميم بحسب الأسباب،الذي تقدم منه أنه مبني عليها.

يعني أن البناء على التعميم موقوف على العلم بعدم جعل الشارع للظن و حجية الظن من باب الحكومة لا على مجرد على ثبوت جعل الشارع له و إمكان اتكاله على مقتضى حكم العقل.

لكن عرفت الإشكال في التعميم حتى بناء على الحكومة،كما عرفت امتناع حكم الشارع في مقام الامتثال و لا مجال لاحتماله إلا أن يدعى احتمال نصبه الطريق في مقام إيصال التكليف و تنجيزه،فيرتفع معه موضوع حكم العقل بالرجوع للظن،و يتعين الاقتصار على المتيقن.لكن لا مجال للاحتمال المذكور مع فرض كون المنجز هو العلم الإجمالي لعدم سقوطه بسبب العسر كما هو مبني كلام المصنف قدّس سرّه.

فلاحظ .

(2)لإمكان اطلاعه على كون غير الظن من الطرق أقرب إيصالا من الظن.

ص: 162

المقام (1) ،فمن أين يثبت جعل الظن في الجملة دون شيء آخر؟و لم يكن لهذا المنع دفع أصلا،إلاّ أن يدعى الإجماع على عدم نصب شيء آخر غير الظن في الجملة فتأمّل (2) .

الوجه الثالث

و أمّا ثالثا:فلأنّه لو صح كون النتيجة مهملة مجملة لم ينفع أصلا إن بقيت على إجمالها،و إن عينت فإما أن يعين في ضمن كل الأسباب، و إما أن يعين في ضمن بعضها المعين،و سيجيء عدم تمامية شيء من هذين إلاّ بضميمة الإجماع،فيرجع الأمر بالاخرة إلى دعوى الإجماع على حجية مطلق الظن بعد الانسداد،فتسميته دليلا عقليا لا يظهر له وجه (3) ،عدا كون الملازمة بين تلك المقدمات الشرعية (4) و نتيجتها عقلية،و هذا جار في جميع الأدلّة السمعية،كما لا يخفى.

(1)عدم حكم العقل بالرجوع للظن في مقام الامتثال بتعين الظن من بين الطرق التي يحتمل جعل الشارع لها،لأقربيته الذاتية بنحو يصح بنظره اتكال الشارع عليه في مقام البيان بعد فرض عدم بيان جعل غيره.كما ذكرنا.

(2)لعله إشارة إلى أن هذا خروج عن فرض كون الدليل عقليا.

(3)وجهه:أن أصل ادراك حجية الظن من طريق العقل،و الإجماع إنما يحتاج إليه في تعيين مقدار الحجة منه لا في أصل جعل حجيته.

على أن هذا المعنى جار بناء على الحكومة كما عرفت.

و بهذا يظهر الفرق بينه و بين الأدلة السمعية،فإن دلالتها مبنية على الوضع و نحوه،على أن هذا لا أهمية له عملا بل هو أشبه بالإشكال اللفظي.

(4)المقدمات السابقة ليست كلها شرعية،فإن امتناع الرجوع للبراءة مع العلم الإجمالي عقلي.

ص: 163

المقام الثاني
اشارة

في أنه على أحد التقريرين السابقين هل يحكم بتعميم الظن (1) من حيث الأسباب و المرتبة أم لا؟

طرق التعميم على الكشف

فنقول:أما على تقدير كون العقل كاشفا عن حكم الشارع بحجية الظن في الجملة فقد عرفت أن الإهمال بحسب الأسباب و بحسب المرتبة (2) ،و يذكر للتعميم من جهتهما وجوه:

الطريق الأول:عدم المرجح
اشارة

الأول:عدم المرجح لبعضها على بعض (3) ،فيثبت التعميم،لبطلان (1)يعني:من غير طريق المقدمات،لفرض أنها لا تقتضي الا الحجية في الجملة بنحو الاهمال ثم إن تعميم النتيجة أو تعيينها في معين مبني على تعميم المقدمات أو تعيينها للتلازم بين الأمرين.فلاحظ .

(2)عرفت أن الإهمال بحسب الموارد أيضا،و أنه لا يفرق فيه بين الكشف و الحكومة.

(3)إن أريد به عدم المرجح واقعا فلا إشكال في أنه يقتضي التعميم بعد فرض عدم التخيير بل يوجب العلم بالتعميم إلا أن احراز ذلك في غاية الإشكال، إذ غاية ما يمكن إثباته قصور المرجحات المذكورة،و هو لا يدفع احتمال كون غيرها مرجحا و إن لم يعلم بعينه.

و إن أريد به عدم ثبوت المرجح فاحرازه و إن كان متيسرا،إلا أن كشفه عن

ص: 164

الترجيح بلا مرجح،و الإجماع على بطلان التخيير (1) .

و التعميم بهذا الوجه يحتاج إلى ما ذكر ما يصلح أن يكون مرجحا و إبطاله،و ليعلم أولا:أنه لا بد أن يكون المعين و المرجح معينا لبعض كاف، بحيث لا يلزم من الرجوع بعد الالتزام به إلى الأصول (2) محذور (3) و إلاّ فوجوده لا يجدي

إذا تمهد هذا فنقول:

ما يصلح أن يكون معيّنا أو مرجحا:
اشارة

ما يصلح أن يكون معينا أو مرجحا أحد أمور ثلاثة.

كون بعض الظنون متيقنا بالنسبة إلى الباقي

الأوّل من هذه الأمور:كون بعض الظنون متعينا بالنسبة إلى الباقي، بمعنى كونه واجب العمل قطعا على كل تقدير (4) ،فيؤخذ به و يطرح عموم الحجية لا يتم إلا بضميمة أن تردد الحجية بين أنواع الظن و أقسامه و عدم معرفة الحجة بخصوصه موجب لعدم كون النتيجة عملية،فلا يتخلص بها عن محذوري إهمال الأحكام و العسر أو اختلال النظام،فالعلم باهتمام الشارع الأقدس بالمحذورين المذكورين كاشف عن كون قضية حجية الظن صالحة للعمل،و حيث أن صلوحها له موقوف على تعيين موردها خصوصا و عموما و فرض عدم ثبوت المرجح تعين استكشاف عموم الحجية.فتأمل جيدا.

(1)يكفي فيه عدم ثبوت التخيير،فإن التخيير نحو من الترجيح،و قد عرفت أنه مع عدم ثبوت الترجيح يتعين البناء على التعميم في الجملة.

(2)متعلق بقوله:«الرجوع».

(3)فاعل لقوله:«لا يلزم»و المراد بالمحذور لزوم الأحكام و العسر أو اختلال النظام.

(4)يعني:سواء كانت النتيجة مهملة أم كلية.

ص: 165

الباقي،للشك في حجيته.

و بعبارة أخرى:يقتصر في القضية المهملة المخالفة للأصل على المتيقن،و إهمال النتيجة حينئذ من حيث الكم فقط (1) ،لتردده بين الأقل المعين و الأكثر.

و لا يتوهم أن هذا المقدار المتيقن حينئذ من الظنون الخاصة،للقطع التفصيلي بحجيته.

لاندفاعه بان المراد من الظن الخاص ما علم حجيته بغير دليل الانسداد (2) ،فتأمل.

كون بعض الظنون أقوى

الثاني:كون بعض الظنون أقوى من بعض،فيتعين العمل عليه، (1)يعني:أنه بعد فرض وجود القدر المتيقن لا يكون التردد فيما هو الحجة، للعلم بحجية المتيقن،بل في مقدار الحجة،و أنه خصوص المتيقن أو ما زاد عليه.

(2)يعني:و في المقام لو لا مقدمات الانسداد لم يثبت حجية المتيقن،لأنه متيقن من نتيجة المقدمات،لا مطلقا و مع قطع النظر عنها.

لكن تفسير الظن العام بذلك لا يخلو عن إشكال لقرب احتمال كون المراد منه ما كان حجة بما هو ظن،المقتضي لحجية كل ظن في قبال ما كان حجة لخصوصيته، فيكون المورد من الظنون الخاصة و إن كان ثابتا بدليل الانسداد.

اللهم إلا أن يقال:المقدمات لا تقتضي حجيته بخصوصيته،بل بما هو ظن فهي تقتضي حجية الظن غايته أنها لا تقتضيه بنحو العمل بل بنحو القضية المهملة و الحكم بحجيته بالخصوص ليس لأخذ خصوصيته في دليل الحجية بل لأنه المتيقن منه لا غير فتأمل.و كيف كان فالإشكال المذكور غير مهم،لأنه أشبه بالإشكال اللفظي،إذ المهم معرفة ما تقتضيه المقدمات و لا أهمية لكونها ظنا عاما أو خاصا.

ص: 166

للزوم الاقتصار في مخالفة الاحتياط اللازم في كل واحد من محتملات التكاليف الواقعية من الواجبات و المحرمات على القدر المتيقن،و هو ما كان الاحتمال الموافق للاحتياط فيه في غاية العبد،فإنه كلما ضعف الاحتمال الموافق للاحتياط كان ارتكابه أهون (1) .

كون بعض الظنون مظنون الحجية

الثالث:كون بعض الظنون مظنون الحجية،فإنه في مقام دوران الأمر بينه و بين غيره يكون أولى من غيره.

إما لكونه أقرب إلى الحجية من غيره،و معلوم أن القضية المهملة المجملة تحمل-بعد صرفها إلى البعض بحكم العقل-على ما هو أقرب (1)و لذا ترجح ترك الاحتياط في موهومان التكليف على تركه في مظنوناته، بل مشكوكاته كما سبق من المصنّف قدّس سرّه لكن هذا مبني على تبعيض الاحتياط و منجزية العلم الإجمالي،بحيث لا يخرج عن مقتضاها إلاّ بالمقدار المتيقن و هو صورة ضعف احتمال التكليف.

كما أنه يقتضي ترجيح الظن القوي بعدم التكليف،و لا ينافي التعميم بجميع أفراد الظن بالتكليف،فإن التعميم المذكور مطابق للاحتياط لا مخالف له.بل سبق من المصنف تعين الاحتياط في المشكوكات فضلا عن موارد الظن الضعيف بالتكليف.

أما بناء على عدم تبعيض الاحتياط ،و أن الظن حجة بنفسه في تنجيز التكليف كما عرفت أنه التحقيق في تقرير الكشف فلا وجه للترجيح باقوائية الظن،لإمكان أن يجعل الشارع الظن الضعيف حجة كالظن القوي،إلا أن يرجع إلى دعوى كونه متيقنا مع فرض إهمال النتيجة لأن الوجه المقتضي لتعيين الظن من بين الاحتمالات يقضي بحجية الظن الأقوى بين سائر الظنون.و عليه يرجع هذا الوجه إلى الوجه الأول.فلاحظ .

ص: 167

محتملاتها إلى الواقع (1) .

و إما لكونه أقرب إلى إحراز مصلحة الواقع،لأن المفروض رجحان مطابقته للواقع،لأن المفروض كونه من الأمارات المفيدة للظن بالواقع، و رجحان كونه بدلا عن الواقع،لأن المفروض الظن بكونه طريقا قائما مقام الواقع بحيث يتدارك مصلحة الواقع على تقدير مخالفته له (2) .

(1)هذا ممّا لم يتضح وجهه كلية،خصوصا بعد كون ملاك حجية الظنون غير ملاك القضية المهملة،كما فيما نحن فيه،لأن الظن باعتبار بعض الظنون بلحاظ كونه ظنا خاصا يظن بحجيته مع قطع النظر عن الانسداد،و القضية المهملة تقتضي حجيته الظن بلحاظ الانسداد.

اللهم إلا أن يقال:ما يظن بحجيته في غير حال الانسداد يظن بحجيته حال الانسداد،إذ لا يحتمل كون ما هو الحجة حال الانفتاح غير حجة حال الانسداد فلا أهمية لاختلاف الملاك.كما أن ملاك ترجيح الظن بالواقع من بين الطرق حال الانسداد يقتضي ترجيح مظنون الطريقية من بين الظنون في مقام تعيين القضية المهملة،فإنه المطابق للمرتكزات العقلائية،لكن هذا لو تم يتوقف على تمامية مقدمات الانسداد في تعيين المهملة،فلا بد من فرض امتناع الرجوع إلى أصالة عدم الحجية في الأطراف المحتملة،و امتناع الاحتياط فيها،و لا مجال له بدونها.فتأمل جيدا.

(2)هذا موقوف على المصلحة السلوكية في الطرق بحيث يتدارك بها مصلحة الواقع على تقدير فوته،و على أنها ثابتة بمجرد موافقة الطريق و لو لم تصل حجيته.

و كلاهما محل اشكال،خصوصا الأول.

إلا أن يقال:إنه يكفي الاحتمال فى الترجيح.فتأمل.

ص: 168

فاحتمال مخالفة هذه الأمارة للواقع و لبدله موهوم في موهوم (1) ، بخلاف احتمال مخالفة ساير الأمارات للواقع،لأنها على تقدير مخالفتها للواقع لا يظن كونها بدلا عن الواقع.

و نظير ذلك ما لو تعلق غرض المريض بدواء تعذر الاطلاع العلمي عليه،فدار الأمر بين دواءين أحدهما يظن أنه ذلك الدواء و على تقدير كونه غيره يظن كونه بدلا عنه في جميع الخواص (2) ،و الآخر يظن أنه ذلك الدواء،لكن لا يظن أنه على تقدير المخالفة بدل عنه،و معلوم بالضرورة أن العمل بالأول أولى.

ثمّ إن البعض المظنون الحجية قد يعلم بالتفصيل،كما إذا ظن حجية الخبر المزكى رواته بعدل واحد،أو حجية الإجماع المنقول.

و قد يعلم إجمالا وجوده بين أمارات،فالعمل بهذه الأمارات أرجح من غيرها الخارج عن محتملات ذلك المظنون الاعتبار،و هذا كما لو ظن عدم حجية بعض الأمارات،كالأولوية،و الشهرة،و الاستقراء،و فتوى الجماعة الموجبة للظن،فإنا إذا فرضنا نتيجة دليل الانسداد مجملة مرددة بين هذه الأمور و غيرها،و فرضنا الظن بعدم حجية هذه لزم من ذلك الظن بأن الحجة في غيرها،و إن كان مرددا بين أبعاض ذلك الغير،فكان الأخذ بالغير أولى من الأخذ بها،لعين ما تقدم،و إن لم يكن بين أبعاض ذلك الغير مرجح،فافهم.

(1)و حينئذ فيرجع إلى المرجح الثاني.

(2)هذا راجع إلى احتمال كونه دواء مثله.

ص: 169

هذه غاية ما يمكن أن يقال في ترجيح بعض الظنون على بعض.

المناقشة في المرجحات المذكورة:
اشارة

لكن نقول:إن المسلم من هذه في الترجيح لا ينفع،و الذي ينفع غير مسلم كونه مرجحا.

تيقن البعض لا ينفع

توضيح ذلك:هو أن المرجح الأول-و هو تيقن البعض بالنسبة إلى الباقي-و إن كان من المرجحات،بل لا يقال له المرجح،لكونه معلوم الحجية تفصيلا و غيره مشكوك الحجية،فيبقى تحت الأصل،لكنه لا ينفع، لقلته و عدم كفايته،لأن القدر المتيقن من هذه الأمارات هو الخبر الذي زكي جميع رواته بعدلين،و لم يعمل في تصحيح رجاله و لا في تمييز مشتركاته بظن أضعف نوعا من ساير الأمارات الأخر،و لم يوهن لمعارضته بشيء منها،و كان معمولا به عند الأصحاب كلا أو جلا (1) ،و مفيدا للظن الاطمئناني بالصدور،إذ لا ريب أنه كلما انتفى أحد هذه القيود الخمسة في خبر احتمل كون غيره حجة (2) دونه،فلا يكون متيقن الحجية.على كل تقدير (3) .

(1)يعني:عند كل الأصحاب أو جلّهم.

(2)فقد ذهب بعض الأصحاب إلى حجية الصحيح و إن لم يكن معمولا به عند الأصحاب،كما ذهب بعضهم إلى حجية ما عمل به المشهور و إن لم يكن صحيحا.

(3)لكن لو فرض تردد المتيقن بين نوعين أو أكثر كالصحيح و إن لم يكن معمولا به عند المشهور،و المعمول به عند المشهور و إن لم يكن صحيحا و كان كل منهما كافيا تعين الاحتياط فيهما بموافقة ما كان منهما مثبتا للتكليف و الرجوع في غيرهما إلى أصالة عدم الحجية.

إلا أن يكون في الاحتياط محذور،فيتعين البناء على حجيتهما معا لو فرض

ص: 170

و أما عدم كفاية هذا الخبر[كفايته]لندرته فهو واضح،مع أنه لو كان بنفسه كثيرا كافيا،لكن يعلم إجمالا بوجود مخصصات كثيرة و مقيدات له في الأمارات الأخر (1) ،فيكون نظير ظواهر الكتاب في عدم جواز التمسك بها مع قطع النظر عن غيرها إلاّ (2) أن يؤخذ بعد الحاجة إلى التعدي منها بما هو متعين بالإضافة إلى ما بقي (3) عدم مرجح آخر بينهما.

و الحاصل:أنه مع فرض تردد المتيقن بين فرعين أو أكثر يتعين الرجوع في غير ما احتمل كونه المتيقن إلى أصالة عدم الحجية.

(1)قد يدعى انحلال العلم الإجمالي بالعلم التفصيلي في كثير من الموارد بسبب الإجماعات و نحوها،بنحو لا يكون الاحتمال في بقية الموارد طرفا للعلم الإجمالي.و ليس هو كظواهر الكتاب و عموماته من الكثرة و الانتشار بحيث يحصل العلم الإجمالي بمخالفتها بنحو لا ينحل بالعلم التفصيلي.

بل قد يمنع حصول العلم الإجمالي بمخالفة تلك الظواهر لما هو الحجة من الأمارات الأخر أو المطابق للواقع منها،إذ مجرد مخالفة ظواهر المتيقن من الأدلة للأمارات الأخر يمنع من العمل بها ما لم يعلم بحجية تلك الأمارات أو مطابقتها للواقع و لو اجمالا.و هو محتاج إلى دليل.

و لو فرض عدم المتيقن فيما بقي أمكن الرجوع إلى المرجحات الأخر فيه لو تمت،فيعمل بالمجموع من المتيقن و الراجح-بحسب تلك المرجحات-و يقتصر عليه إذا كان وافيا بمعظم الفقه.

(2)هذا استدراك من قوله:«و أما عدم كفاية...»،لا من قوله:«مع أنه لو كان بنفسه كثيرا...».

(3)لأنه معلوم الحجية حينئذ،فيتعين صرف المهملة إليه و الرجوع في غيره

ص: 171

فتأمل (1) .

أقوائية البعض لا يمكن ضبطه

و أما المرجح الثاني-و هو كون بعضها أقوى ظنا من الباقي-ففيه:أن ضبط مرتبة خاصة له متعذر،أو متعسر،لأن القوة و الضعف إضافيان (2) ، و ليس تعارض القوي مع الضعيف هنا في متعلق واحد حتى يذهب الظن من الأضعف و يبقى في الأمارة الأخرى،نعم يوجد مرتبة خاصة و هو الظن الاطمئناني-الملحق بالعلم حكما بل موضوعا (3) -لكنه نادر إلى الأصل.

(1)لعله إشارة إلى عدم وجود القدر المتيقن فيما بقي،لأن الأصحاب مثلا بين من يقول بحجية الصحيح و إن لم يعمل به الأصحاب و من يقول بحجية ما عمل به الأصحاب و إن لم يكن صحيحا.

و ربما يكون إشارة إلى ما سبق منّا في فرض تردد المتيقن بين نوعين أو أكثر.

(2)هذا ليس محذورا صالحا للمنع،إذ الفرق بين بعض الظنون واضح،و ما اشتبهت مرتبته يمكن الرجوع فيه إلى أصالة عدم الحجية.

نعم ضبط المقدار الكافي على أساس مرتبة الظن في غاية الاشكال لتوقفه على الاحاطة بمرتبة الظن في جميع المسائل تفصيلا،ثم ترجيح الأقوى في مقام العمل و هو متعسر أو متعذر.

لكن ربما يقتصر على بعض المراتب و لو مع عدم وفائه بمعظم الفقه،مع إتمام الباقي بالمتيقن و نحوه و إن كان لا يخلو عن عسر يبعد تكليف الشارع الاقدس به.

و كيف كان فالظاهر أن الرجوع إلى هذا المرجح لو تم في رتبة متأخرة عن المرجح الآتي بناء على ما يأتي منّا في وجهه،كما أن المرجحين معا في رتبة متأخرة عن المرجح الأول.فلاحظ .

(3)كلاهما لا يخلو عن اشكال بل منع،بل الظاهر أن الاطمئنان لو كان

ص: 172

التحقق (1) .

مع أن كون القوة معينه للقضية المجملة محل منع،إذ لا يستحيل أن يعتبر الشارع في حال الانسداد ظنا يكون أضعف من غيره (2) ،كما هو المشاهد في الظنون الخاصة،فإنها ليست على الإطلاق أقوى من غيرها بالبديهة.

و ما تقدم في تقريب مرجحية القوة إنما هو مع كون إيجاب العمل بالظن عند انسداد باب العلم من منشآت العقل و أحكامه،و أما على تقدير كشف مقدمات الانسداد عن أن الشارع جعل الظن حجة في الجملة و تردد أمره في أنظارنا بين الكل و الأبعاض فلا يلزم من كون بعضها أقوى كونه هو المجعول حجة (3) ،لأنا قد وجدنا تعبد الشارع بالظن الأضعف و طرح الأقوى في موارد كثيرة.

الظن بحجية البعض ليست له ضابطة كلية أيضا

و أما المرجح الثالث و هو الظن باعتبار بعض فيؤخذ به لأحد الوجهين المتقدمين،ففيه-مع أن الوجه الثاني (4) لا يفيد لزوم التقديم حجة كان من الظنون الخاصة المجعولة شرعا،و هو محتاج إلى دليل.

(1)الظاهر كثرته.نعم لا يبعد عدم وفائه بمعظم الفقه.و لعل مراده من الندرة ذلك.

(2)هذا نظير الاشكال المتقدم في أصل تعيين الظن بنحو الكشف من احتمال جعل الشارع طريقا آخر غير الظن،فما تقدّم في دفعه جار هنا.

(3)تقدم تقريب كونه المتيقن مع فرض اهمال النتيجة.فراجع و تأمل جيدا.

(4)و هو أن الظن بحجية الطريق المستلزم(ظ )للظن بتدارك مصلحة الواقع به لو كان مخطئا.

ص: 173

بل أولويته (1) -:

أن الترجيح على هذا الوجه (2) يشبه الترجيح بالقوة و الضعف (3) في أن مداره على الأقرب إلى الواقع،و حينئذ فإذا فرضنا كون الظن الذي لم يظن حجيته أقوى ظنا بمراتب من الظن الذي ظن حجيته فليس بناء العقلاء على ترجيح الثاني (4) ،فيرجع الأمر إلى لزوم ملاحظة الموارد الخاصة،و عدم وجود ضابطة كلية بحيث يؤخذ بها في ترجيح الظن المظنون الاعتبار.

نعم لو فرض تساوى أبعاض الظنون دائما من حيث القوة و الضعف كان ذلك المرجح بنفسه منضبطا (5) ،و لكن الفرض مستبعد، (1)لا معنى لأولوية التقديم في باب الحجج إلا كون ما يكون تقديمه أولى معلوم الحجية بنحو يسوغ العمل به،و ما عداه مشكوك الحجية بعد فرض القضية مهملة،فيرجع فيه إلى أصالة عدم الحجية،و هو راجع إلى لزوم التقديم.

(2)و هو الوجه الثاني للمرجح الأول.

(3)كما تقدمت الاشارة منّا إلى ذلك.

(4)لأن ملاك الترجيح و هو الاقربية لا يقتضي ترجيحه،بل يقتضي تقديم الاقوى نتيجة بعد ملاحظة جهتي القوة.

لكن التوقف حينئذ ليس لعدم كون الظن بالحجية مرجحا،بل لتزاحم المرجحين،و هما الظن بالحجية،و اقوائية أحد الظنين،الموجب للأخذ بأقواهما ملاكا في الترجيح،و إليه يرجع ما سيذكره المصنف قدّس سرّه.

(5)لأنه جهة زائدة منضبطة.

ص: 174

بل مستحيل (1) .

مع أن اللازم على هذا أن لا يعمل بكل مظنون الحجية،بل بما ظن حجيته بظن قد ظن حجيته،لأنه أبعد عن مخالفة الواقع و بدله بناء على التقرير المتقدم (2) .

و أما الوجه الأول (3) المذكور في تقريب ترجيح مظنون الاعتبار على غيره،ففيه.

أوّلا:أنه لا أمارة تفيد الظن بحجية أمارة على الإطلاق،فإن أكثر ما أقيم على حجيته الأدلّة من الأمارات الظنية المبحوث عنها الخبر الصحيح، و معلوم عند المنصف أن شيئا مما ذكروه لحجيتها لا يوجب الظن بها على الإطلاق (4) .

(1)يعني:عادة،لما هو المعلوم من اختلاف مراتب أفراد الظن الحاصلة من سبب واحد.

(2)لكن لا يبعد التزام القائل بالترجيح بالوجه المذكور بذلك،لو فرض اختلاف أفراد مظنون الاعتبار من حيث كون بعضها مما قام الظن المظنون الاعتبار على اعتباره،و بعضها مما قام الظن المجرد على اعتباره فيلتزم بترجيح الأول.

(3)و هو أنه يجب الرجوع للظن في تعيين المهملة لو فرض عدم البيان العلمي.

(4)لكن هذا لا يصلح وجها لمنع المرجح المذكور،و غاية ما يلزم من ذلك الاقتصار في الترجيح على المقدار المظنون،و هو غير مناف لما ذكره القائل بالمرجح المذكور.

إلا أن يرجع ما ذكره المصنف قدّس سرّه إلى أن الاقتصار على القدر المظنون و ترجيحه لا ينفع،لعدم وفائه بمعظم الفقه،كما سبق في الترجيح بوجود المتيقن.

ص: 175

و ثانيا:أنه لا دليل على اعتبار مطلق الظن في مسألة تعيين هذا الظن المجمل (1) .

عدم اعتبار مطلق الظن في تعيين القضية المهملة

ثمّ إنه قد توهم غير واحد أنه ليس المراد اعتبار مطلق الظن و حجيته في مسألة تعيين القضية،و إنما المقصود ترجيح بعضها على بعض (2) .

فقال بعضهم (3) في توضيح لزوم الأخذ بمظنون الاعتبار-بعد الاعتراف بانه ليس المقصود هنا إثبات حجية الظنون المظنونة الاعتبار بالأمارات الظنية القائمة عليها،ليكون الاتكال في حجيتها على مجرد لكنه مندفع أولا:بأن قلة المتيقن لا تستلزم قلة المظنون،لإمكان أن يكون المظنون أكثر.

و ثانيا:بأن قلته إنما تمنع من الترجيح به إذا لم يكن هناك مرجح آخر لأفراد أخر يكون مجموعها وافيا بمعظم الفقه،و إلا كان الترجيح وافيا بالغرض و تعين البناء عليه.فلاحظ .

(1)عرفت أن تعيين المهملة بالظن موقوف على تمامية مقدمات الانسداد، و أهمها تعذر الاحتياط بالجمع بين الأطراف المحتملة في مقام العمل.

(2)يعني:أن الرجوع إلى الظن بالاعتبار في المقام ليس لاثبات حجية المظنون حتى يرد بعدم صلوح الظن لاثبات حجية الظن،بل لا بد فيها من العلم،بل لترجيح بعض الظنون بعد فرض اهمال القضية لئلا يلزم التعميم،و في مثله يكفي الظن بل الاحتمال،لأن المظنون هو المتيقن حينئذ،و غيره يشك في حجيته،فيرجع فيه إلى أصالة عدم الحجية.

(3)نسب في بعض الحواشي إلى المحقق الشيخ محمد تقي صاحب الحاشية قدّس سرّه.

ص: 176

الظن (1) :

كلام صاحب هداية المسترشدين في لزوم الأخذ بمظنون الحجية

إنّ الدليل العقلي المثبت لحجيتها (2) هو الدليل العقلي المذكور (3) ، و الحاصل من تلك الأمارات (4) الظنية هو ترجيح بعض الظنون على البعض،فيمنع ذلك (5) من إرجاع القضية المهملة إلى الكلية،بل يقتصر في مفاد القضية المهملة على تلك الجملة (6) .فالظن المفروض إنما يبعث على صرف مفاد الدليل المذكور (7) إلى ذلك (8) ،و عدم صرفه إلى سائر الظنون،نظرا إلى حصول القوة بالنسبة إليها،لانضمام الظن بحجيتها إلى الظن بالواقع.

فإذا قطع العقل (9) بحجية الظن بالقضية المهملة،ثم وجد الحجية (1)يعني:و هو لا يجوز،بل لا بد فيه من العلم.

(2)يعني:لحجية الظنون المظنونة الاعتبار.

(3)يعني:دليل الانسداد الموجب للقطع لا للظن.

(4)يعني:الأمارات الموجبة للظن باعتبار تلك الظنون.و حاصل ما ذكره أن الموجب لحجية مظنون الاعتبار ليس هو الأمارات الظنية الموجبة للظن بالاعتبار (ظ )،بل هو دليل الانسداد العقلي القطعي و الأمارات المذكورة ليست إلا موجبة لترجيح الظن المذكور بعد فرض كون النتيجة مهملة.

(5)و هو الترجيح المذكور.

(6)و هي الظنون التي يظن باعتبارها.

(7)و هو دليل الانسداد.

(8)و هو الظنون التي يظن باعتبارها.

(9)يعني:بسبب مقدمات الانسداد.

ص: 177

متساوية بالنظر إلى الجميع حكم بحجية الكل و أما إذا وجدها مختلفة و كان جملة منها أقرب إلى الحجية من الباقي،نظرا إلى الظن بحجيتها دون الباقي،فلا محالة يقدم المظنون على المشكوك،و المشكوك على الموهوم،في مقام الحيرة و الجهالة،فليس الظن مثبتا لحجية ذلك الظن (1) ،و إنما هو قاض بتقديم جانب الحجية في تلك الظنون،فينصرف إليه ما قضى به الدليل المذكور (2) .

ثمّ اعترض على نفسه بان صرف الدليل إليها ان كان على وجه اليقين تم ما ذكر،و إلاّ كان اتكالا على الظن.

و الحاصل:أنه لا قطع بصرف الدليل (3) إلى تلك الظنون.

ثمّ أجاب بأن الاتكال ليس على الظن الحاصل بحجيتها،و لا على الظن بترجيح تلك الظنون على غيرها،بل التعويل على القطع بالترجيح (4) .

(1)بل الذي يثبته هو دليل الانسداد العقلي القطعي.

(2)و هو دليل الانسداد.

(3)و هو دليل الانسداد المفروض أنه يقتضي حجية الظن بنحو القضية المهملة.

(4)حاصل ما ذكره:أن المرجح للظن المذكور و إن كان هو الظن باعتباره إلا أن الترجيح به عقلي قطعي لا ظني،لأن العقل يقطع بالترجيح مع الظن المذكور، فإذا كان أصل القضية المهملة قطعيا،و تعيينها في الظن المذكور قطعيا أيضا،كان الظن المذكور قطعي الاعتبار لا ظنيا.

هذا و قد عرفت أن حكم العقل بمرجحية الظن موقوف على تمامية مقدمات

ص: 178

و توضيحه:أن قضية دليل الانسداد حجية الظن على سبيل الإهمال، فيدور الأمر بين القول بحجية الجميع و البعض،ثمّ الأمر في البعض يدور بين المظنون و غيره،و قضية العقل في الدوران بين الكل و البعض هو الاقتصار على البعض أخذا بالمتيقن،و لذا قال علماء الميزان:إن المهملة في قوة الجزئية،و لو لم يتعين البعض في المقام و دارت الحجية بينه و بين ساير الأبعاض من غير تفاوت في نظر العقل لزم الحكم بحجية الكل،لبطلان الترجيح من غير مرجح (1) .

و أما لو كانت حجية البعض مما فيه الكفاية مظنونة بخصوصه بخلاف الباقي،كان ذلك أقرب إلى الحجية من غيره مما لم يقم على حجيته دليل،فتعين عند العقل الأخذ به دون غيره،فإن الرجحان حينئذ قطعي وجداني،و الترجيح من جهته ليس ترجيحا بمرجح ظني و إن كان ظنا (2) بحجية تلك الظنون،فإن كون المرجح ظنيا لا يقتضي كون الترجيح ظنيا (3) و هو ظاهر.انتهى كلامه رفع مقامه.

الانسداد في تعيين المهملة،لا دفع عدمها يتعين الاحتياط أو الرجوع إلى غيره من الأصول التي هي المرجع في أمثال المقام.

(1)تقدم في أول الكلام في استكشاف التعميم من ذلك أنه موقوف على عدم إمكان الاحتياط .

(2)يعني:و إن كان المرجح ظنا.

(3)فإن الترجيح إنما يكون ظنيا فيما إذا كان المرجح امرا واقعيا و انحصر إحرازه بالظن أما لو كان المرجح عند العقل نفس الظن فالترجيح يكون قطعيا.

نعم عرفت ان حكم العقل بمرجحية الظن موقوف على تمامية مقدمات

ص: 179

أقول:قد عرفت سابقا أن مقدمات دليل الانسداد إما أن تجعل كاشفة عن كون الظن في الجملة حجة علينا بحكم الشارع،كما يشعر به قوله:كان بعض الظنون أقرب إلى الحجية من الباقي (1) .و إما أن تجعل منشأ لحكم العقل بتعين إطاعة اللّه سبحانه حين الانسداد على وجه الظن، كما يشعر به قوله:نظرا إلى حصول القوة لتلك الجملة،لانضمام الظن بحجيتها إلى الظن بالواقع (2) .

فعلى الأول،إذا كان الظن المذكور مرددا بين الكل و البعض اقتصر على البعض،كما ذكره،لأنه القدر المتيقن.و أما إذا تردد ذلك البعض بين الأبعاض،فالمعين لأحد المحتملين أو المحتملات لا يكون إلا بما يقطع بحجيته (3) ،كما أنه إذا احتمل في الواقعة الوجوب و الحرمة لا يمكن ترجيح أحدهما بمجرد الظن به إلا بعد إثبات حجية ذلك الظن.

الانسداد في تعيين المهملة و لا حكم له بدونها.

(1)لعل الوجه في إشعار ذلك بالكشف إشعاره بان الحجية من الأمور الواقعية و أن الظنون تختلف في قرب احتمال ثبوتها و عدمه.

(2)لعل الوجه في إشعار ذلك بالحكومة إشعاره بأن ملاك الحجية في المظنون الاعتبار أقوى،و هو موقوف على إدراك الملاك المذكور للعقل،و عدم كونه أمرا واقعيا مجهولا.

(3)المستفاد من كلام البعض المتقدم كون الظن بالاعتبار مما يوجب القطع بتعيين المهملة في مورده بنظر العقل.و منه يظهر الجواب عما ذكره المصنف قدّس سرّه بعد هذا بقوله:«بل التحقيق أن المرجح لأحد الدليلين...يتوقف على القطع باعتباره عقلا أو نقلا».

ص: 180

بل التحقيق:أن المرجح لأحد الدليلين عند التعارض-كالمعين لأحد الاحتمالين-يتوقف على القطع باعتباره عقلا أو نقلا،و إلا فأصالة عدم اعتبار الظن لا فرق في مجراها بين جعله دليلا و جعله مرجحا.

هذا،مع أن الظن المفروض إنما قام على حجية بعض الظنون في الواقع من حيث الخصوص،لا على تعيين الثابت حجيته بدليل الانسداد (1) ، فتأمل.

و أما على الثاني (2) ،فالعقل إنما يحكم بوجوب الإطاعة على الوجه الأقرب إلى الواقع،فإذا فرضنا أن مشكوك الاعتبار يحصل منه ظن بالواقع أقوى مما يحصل من الظن المظنون الاعتبار،كان الأول أولى بالحجية في نظر العقل (3) ،و لذا قال صاحب المعالم:إن العقل قاض بأن الظن إذا كان (1)كأنه إشارة إلى ما سبق منا عند الكلام في مرجحية الظن المذكور من اختلاف ملاك حجية الظن المظنونة مع ملاك القضية المهملة،لأن الظن بحجية الظن من حيث كونه ظنا خاصا مع قطع النظر عن دليل الانسداد،و القضية المهملة ترجع إلى حجية الظن من حيث الانسداد.

لكن عرفت الإشكال في ذلك بأن ما يكون حجة في حال الانفتاح حجة في حال الانسداد،فالأقربية تعم حال الانسداد و لا أهمية لاختلاف الملاك و لعل قوله:

«فتأمل»إشارة إلى ذلك.

(2)و هو الحكومة.لكن تقدم من المصنف قدّس سرّه أنه عليها لا إهمال من حيث الأسباب،بل يتعين التعميم،فلا حاجة للترجيح،و إن عرفت الإشكال في ذلك.

(3)لا إشكال في كون أقوائية الظن موجبة لترجحه بنظر العقل إلا أنه لا مانع من كون الظن بالحجية من المرجحات أيضا،بحيث لو تحققت جهة الترجيح

ص: 181

له جهات متعددة متفاوتة بالقوة و الضعف،فالعدول عن القوي منها إلى الضعيف قبيح،انتهى.

نعم،لو كان قيام الظن على حجية بعضها مما يوجب قوتها في نظر العقل-لأنها جامعة لإدراك الواقع أو بدله على سبيل الظن،بخلافه- رجع الترجيح به إلى ما ذكرنا سابقا،و ذكرنا ما فيه (1) .

و حاصل الكلام يرجع إلى:أن الظن بالاعتبار إنما يكون صارفا للقضية إلى ما قام عليه من الظنون إذا حصل القطع بحجيته في تعيين الاحتمالات،أو صار موجبا لكون الإطاعة بمقتضاها أتم،لجمعها بين الظن بالواقع و الظن بالبدل.و الأول موقوف على حجية مطلق الظن (2) .

و الثاني لا اطراد له،لأنه قد يعارضها قوة المشكوك الاعتبار (3) .

كلام الفاضل النراقي إلزاما على القائلين بحجية مطلق الظن

و ربما التزم بالأول بعض من أنكر حجية مطلق الظن (4) ،و أورده إلزاما على القائلين بمطلق الظن،فقال:

«كما يقولون يجب علينا في كل واقعة البناء على حكم،و لعدم في ظنين كان من تزاحم المرجحين.

(1)تقدم عند الكلام في الوجه الثاني للمرجح الثالث.

(2)عرفت من كلام البعض المتقدم القطع بحجية مطلق الظن في الترجيح مع فرض إهمال القضية،كما عرفت منا توقفها على تمامية مقدمات الانسداد في تعيين المهملة.

(3)على ما تقدم الكلام فيه في الوجه الثاني للمرجح الثالث.

(4)قيل:إنه الفاضل النراقي قدّس سرّه.

ص: 182

كونه معلوما لنا يجب في تعيينه العمل بالظن،فكذا نقول:بعد ما وجب علينا العمل بالظن و لم نعلم تعيينه،يجب علينا في تعيين هذا الظن العمل بالظن (1) .

ثم اعترض على نفسه بما حاصله:أن وجوب العمل بمظنون الحجية لا ينفي غيره.

فقال:قلنا:نعم،و لكن لا يكون حينئذ دليل على حجية ظن آخر، إذ بعد ثبوت حجية الظن المظنون الحجية ينفتح باب الأحكام و لا يجري دليلك فيه و يبقى تحت أصالة عدم الحجية».

و فيه:أنه إذا التزم باقتضاء مقدمات الانسداد مع فرض عدم المرجح العمل بمطلق الظن في الفروع،دخل الظن المشكوك الاعتبار و موهومه (2) ،فلا مورد للترجيح و التعيين (3) حتى يعين بمطلق الظن، (1)هذا بظاهره راجع إلى حجية الظن في تعيين المهملة بمقتضى دليل الانسداد،كحجيته في تعيين الأحكام الفرعية و هو موقوف على تمامية مقدمات الانسداد،و منها عدم إمكان الاحتياط في العمل بالمهملة أو عدم وجوبه،كما ذكرناه في أول الكلام في هذا المرجح.

(2)يعني:دخل في عموم الحجية.

(3)لأنه فرع الشك،و هو خلاف فرض التعميم.لكن التعميم لما كان متفرعا على عدم المرجح،فلا يصلح للمنع من مرجحية الظن،و حينئذ فمع فرض جريان مقدمات دليل الانسداد في تعيين المهملة يتعين الظن للمرجحية،و يمتنع التعميم.نعم مع قطع النظر عنها لا وجه للرجوع له.هذا و يأتي من المصنف قدّس سرّه الاعتراف بحجية الظن لو فرض تمامية مقدمات الانسداد في تعيين المهملة.فلا بد

ص: 183

لأن الحاجة إلى التعيين بمطلق الظن فرع عدم العمل بمطلق الظن.

و بعبارة أخرى:إما أن يكون مطلق الظن حجة و إما لا،فعلى الأول لا مورد للتعيين و الترجيح (1) ،و على الثاني لا يجوز الترجيح بمطلق الظن (2) ،فالترجيح بمطلق الظن ساقط على كل تقدير.

و ليس للمعترض القلب:بأنه إن ثبت حجية مطلق الظن تعين ترجيح مظنون الاعتبار به،إذ (3) على تقدير ثبوت حجية مطلق الظن لا يتعقل ترجيح حتى يتعين الترجيح بمطلق الظن.

ثم إن لهذا المعترض كلاما في ترجيح مظنون الاعتبار بمطلق الظن، أن يكون إيراده على النراقي مبنيا على أنه فهم منه عدم ابتناء الرجوع إلى الظن في جريان مقدمات الانسداد بل على الرجوع إلى الظن ابتداء.

(1)هذا إنما يتم لو كان التعميم غير متوقف على فقد المرجح،أما حيث كان موقوفا على عدم المرجح لفرض إهمال النتيجة فلا وجه لما نسبته من الترجيح و التعيين.

(2)يعني:لعدم الدليل على مرجحيته بعد فرض إهمال النتيجة.لكن إذا فرض تمامية مقدمات الانسداد في تعيين المهملة كان الظن مرجحا عقلا.نعم يبقى الاشكال في أن حجية الظن في تعيين المهملة بنحو الإهمال أيضا،فلا يكون كل ظن مرجحا.لكنه لا يتم مع وحدة الظن المتعلق بحجية الظن،أو تعدده و عدم إمكان الاقتصار على البعض لعدم وفائه.نعم مع تعدده و إمكان الاقتصار على البعض يتعين إجراء مقدمات الانسداد في ذلك أيضا حتى ينتهي إلى المقدار الكافي الذي لا يمكن التبعيض فيه لعدم وفاء البعض و يأتي التعرض لذلك في كلام المصنف قدّس سرّه.

(3)تعليل لقوله:«و ليس للمعترض».

ص: 184

لا من حيث حجية مطلق الظن (1) حتى يقال (2) :إن بعد ثبوتها لا مورد للترجيح،لا بأس بالإشارة إليه و إلى ما وقع من الخلط و الغفلة منه في المراد بالترجيح هنا.فقال معترضا على القائل بما قدمنا (3) -من أن ترجيح أحد المحتملين عين تعيينه بالاستدلال-بقوله (4) :

كلام آخر للفاضل النراقي قدّس سرّه في ترجيح مظنون الاعتبار بمطلق الظن

إن هذا القائل خلط بين ترجيح الشيء و تعيينه و لم يعرف الفرق بينهما،و لبيان هذا المطلب نقدم مقدمة،ثم نجيب عن كلامه،و هي:

أنه لا ريب في بطلان الترجيح بلا مرجح،فإنه مما يحكم بقبحه العقل و العرف و العادة،بل يقولون بامتناعه الذاتي (5) كالترجح بلا مرجح، (1)ظاهره ابتناء الكلام السابق على كون مقتضى مقدمات الانسداد حجية مطلق الظن بنحو التعميم،و هو غير ظاهر منه.

(2)إشارة إلى ما سبق منه إيراده عليه،و قد عرفت الكلام فيه.

(3)يعني:في رد الكلام الأول الذي عرفت حكايته عن الشيخ محمد تقي صاحب الحاشية قدّس سرّه.

(4)متعلق بقوله:«معترضا»

(5)الترجيح من الأمور النفسية و هو من سنخ الأحكام المتابعة للأغراض المصححة لها عند العقلاء،فهو تابع عقلا للمرجح الواقعي تبعية الحكم لملاكه،فمع عدم المرجح يكون قبيحا عند العقلاء،لأنه جزاف،و لا وجه لامتناعه،لعدم امتناع الأحكام الجزافية.

نعم يمتنع صدوره مع عدم حصول علله النفسية مما يقتضي الترجيح نفسا من حب أو بغض أو قصور في بعض الجهات الخاصة التي هي غير دخيلة في الملاك الواقعي المصحح للحكم و لا راجعة إليه،و لا متوقفة عليه فإن الترجيح كالحكم من المعلولات التي لا بد فيها عن علة،فما هو القبيح هو الترجيح بلا مرجح واقعي

ص: 185

و المراد بالترجيح بلا مرجح هو سكون النفس إلى أحد الطرفين (1) و الميل إليه من غير مرجح و إن لم يحكم بتعيينه وجوبا،و أما الحكم بذلك فهو أمر آخر وراء ذلك.ثم أوضح ذلك بأمثلة:

منها:أنه لو دار أمر العبد في أحكام السلطان المرسلة إليه بين أمور، و كان بعضها مظنونا بظن لم يعلم حجيته من طرف السلطان،صح له ترجيح المظنون،و لا يجوز له الحكم بلزوم ذلك (2) .

و منها:أنه لو أقدم إلى أحد طعامان أحدهما ألذ من الآخر فاختاره عليه،لم يرتكب ترجيحا بلا مرجح (3) ،و إن لم يلزم أكل الألذ،و لكن لو راجع إلى ملاك الحكم،و ما هو الممتنع هو الترجح بلا مرجح نفسي يكون هو العلة الخارجية له و لا يتوقف على الملاك،و لا وجه للخلط بينهما.

(1)لا يخفى أن سكون النفس ليس ترجيحا،و ليس الترجيح إلا الجزم بالرجحان بحيث يجزم بالراجح و يترك المرجوح.

نعم هو تارة:يكون بنحو الإلزام.و أخرى:يكون بدونه.و كلاهما لا يصح عند العقلاء الا مع الملاك المقتضي له.

(2)لعدم حجية الظن.و قد أراد بهذا أن الظن و إن لم يكن حجة يمكن أن يكون مرجحا،بحيث لا يمتنع الترجيح معه و لا يقبح.

(3)بل لو لم يكن أحدهما ألذ فاختار أحدهما لعدم إمكان الجمع بينهما أو لوفاء أحدهما بالغرض لم يكن ترجيحا بلا مرجح.نعم لا بد في خصوصية أحدهما بالاختيار من علة نفسية تقتضي ذلك،و لو لقربه إليه،كما ذكرنا.

و بعبارة أخرى:الترجيح في مقام الحكم يقبح مع عدم الملاك،و أما الترجيح في مقام العمل فيكفي أدنى جهة مقتضية و لو مع عدم الترجيح ملاكا.

ص: 186

حكم بلزوم الأكل لا بد من تحقق دليل عليه،و لا يكفي مجرد الألذية.نعم لو كان أحدهما مضرا صح الحكم باللزوم.

ثم قال:

و بالجملة:فالحكم بلا دليل غير الترجيح بلا مرجح،فالمرجح غير الدليل،و الأول يكون في مقام الميل و العمل (1) ،و الثاني يكون في مقام التصديق و الحكم.

ثم قال:

أن ليس المراد أنه يجب العمل بالظن المظنون حجيته و أنه الذي يجب العمل به بعد انسداد باب العلم،بل مراده:أنه بعد ما وجب على المكلف- لانسداد باب العلم و بقاء التكليف-العمل بالظن،و لا يعلم أنه أي ظن، لو عمل بالظن المظنون حجيته أي نقص يلزم عليه (2) ؟

فإن قلت:ترجيح بلا مرجح،فقد غلطت غلطا عظيما ظاهرا (3) ، و إن كان غيره،فبينه حتى ننظر،انتهى كلامه رفع مقامه.

(1)هذا إنما يتم في العمل الخارجي،كاختيار الطعام الألذ أو الأقرب، أما العمل بالطريق في مقام الوصول للواقع فهو يبتني على تعيينه من بين غيره من الطرق،و هو نحو من الحكم.

(2)لكن هذا لا يقتضي عدم حجية غير الظنون،فلا يصلح لتعيين المهملة نحو من الحكم.بل لا ينافي تعميم الحجية،و هو خارج عن محل الكلام،فإن الكلام في تعيين المهملة الراجع إلى نحو من الحكم كما ذكرناه آنفا.

(3)لأن الظن و إن لم يكن حجة،إلا أنه صالح للترجيح بالوجه الذي تقدم منه و عرفت الكلام فيه.

ص: 187

أقول:لا يخفى أنه ليس المراد من أصل دليل الانسداد إلا وجوب العمل بالظن،فإذا فرض أن هذا الواجب تردد بين ظنون،فلا غرض إلا في تعيينه بحيث يحكم بأن هذا هو الذي يجب العمل به شرعا،حتى يبني المجتهد عليه في مقام العمل و يلتزم بمؤداه على أنه حكم شرعي عزمي من الشارع.و أما دواعي ارتكاب بعض الظنون دون بعض فهي مختلفة غير منضبطة:فقد يكون الداعي إلى الاختيار موجودا في موهوم الاعتبار لغرض من الأغراض،و قد يكون في مظنون الاعتبار.

فليس الكلام إلا في أن الظن بحجية بعض الظنون هل يوجب الأخذ بذلك الظن شرعا،بحيث يكون الآخذ بغيره لداع من الدواعي معاقبا عند اللّه في ترك ما هو وظيفته من سلوك الطريق ؟و بعبارة أخرى:

هل يجوز شرعا أن يعمل المجتهد بغير مظنون الاعتبار،أم لا يجوز؟إن قلت:لا يجوز شرعا.

قلنا:فما الدليل الشرعي بعد جواز العمل بالظن في الجملة على أن (1) تلك المهملة غير هذه الجزئية (2) ؟

و إن قلت:يجوز ذلك،لكن بدلا عن مظنون الاعتبار (3) لا جمعا (1)متعلق بقوله:«فما الدليل الشرعي»و المراد بالجزئية هي عدم جواز العمل بالظن غير الذي لا يظن باعتباره.

(2)هذا الكلام متين في رد الكلام السابق.فلا بد في تعيين مظنون الاعتبار من معين قطعي،و قد عرفت أنه موقوف على جريان دليل الانسداد في تعيين المهملة.

(3)هذا قد يوهم أن المراد به كون مظنون الاعتبار هو الأصل و غيره بدلا عنه لكن لا وجه للأصالة المذكورة،بل الظاهر أن المراد كون الحجة شيئا واحدا

ص: 188

بينهما،فهذا هو التخيير الذي التزم المعمم (1) ببطلانه.

و إن قلت يجوز جمعا بينهما،فهذا هو مطلب المعمم.

فليس المراد بالمرجح ما يكون داعيا إلى إرادة أحد الطرفين (2) ، بل المراد:ما يكون دليلا على حكم الشارع،و من المعلوم أن هذا الحكم الوجوبي لا يكون إلا عن حجة شرعية،فلو كان هي مجرد الظن بوجوب العمل بذلك البعض فقد لزم العمل بمطلق الظن عند اشتباه الحكم الشرعي،فإذا جاز ذلك في هذا المقام لم لا يجوز في سائر المقامات (3) ؟فلم قلتم:إن نتيجة دليل الانسداد حجية الظن في الجملة ؟

و بعبارة أخرى:لو اقتضى انسداد باب العلم في الأحكام تعيين الأحكام المجهولة بمطلق الظن،فلم منعتم إفادة ذلك الدليل إلا لإثبات صالحا للانطباق على كل منهما بنحو البدلية.و الظاهر أنه مراد المصنف قدّس سرّه لأنه المطابق للتخيير دون الوجه الأول.

(1)بل التزم الكل ببطلانه كما سبق من المصنف قدّس سرّه.بل هو محتاج إلى دليل، لأنه نحو من الترجيح،كما سبق.

(2)يعني:من المكلف،نظير الداعي إلى اختيار الألذ من الطعامين.

(3)عرفت أن عدم جوازه في سائر المقامات لإهمال النتيجة،و جوازه في المقام مبني على إجراء مقدمات الانسداد في تعيين المهملة،و هي و إن كانت تقتضي حجية الظن في تعيين المهملة بنحو الإهمال لا بنحو التعميم،إلا أن المهملة قد تنفع، كما أشرنا إليه و يأتي في كلام المصنف قدّس سرّه،فكان كلام المصنف قدّس سرّه هنا مبني على غض النظر عن إجراء دليل الانسداد في تعيين المهملة،و هو حينئذ متجه.

ص: 189

حجية الظن في الجملة (1) ؟و إن اقتضى تعيين الأحكام بالظن في الجملة،لم يوجب انسداد باب العلم في تعيين الظن في الجملة (2) -الذي (3) وجب العمل (4) به بمقتضى الانسداد-العمل في تعيينه بمطلق الظن.

و حاصل الكلام:أن المراد من المرجح هنا هو المعين و الدليل الملزم من جانب الشارع ليس إلا،فإن كان في المقام شيء غير الظن فليذكر،و إن كان مجرد الظن فلم تثبت حجية مطلق الظن (5) .فثبت من جميع ذلك:

أن الكلام ليس في المرجح للفعل (6) ،بل المطلوب المرجح للحكم بأن الشارع أوجب بعد الانسداد العمل بهذا دون ذاك.

و مما ذكرنا يظهر ما في آخر كلام البعض المتقدم (7) ذكره في توضيح مطلبه:من أن كون المرجح ظنا لا يقتضي كون الترجيح ظنيا.

فإنا نقول (8) :إن كون المرجح قطعيا لا يقتضي ذلك،بل إن قام (1)فإنه خلف.

(2)يعني:في تعيين المهملة.

(3)صفة ل (الظن)في قوله:«في تعيين الظن في الجملة».

(4)مفعول(يوجب)في قوله:«لم يوجب انسداد».

(5)أشرنا إلى أنه قد يكفي ثبوت حجية الظن في الجملة في تعيين المهملة لو فرض جريان مقدمات الانسداد في ذلك.

(6)كي لا يحتاج إلى الدليل،بل يكفي فيه أدنى جهة ترجيح،كما ذكره هذا القائل.

(7)و هو الشيخ محمد تقي صاحب الحاشية فيما حكي.

(8)تعليل لقوله:«و مما ذكرنا يظهر...»و حاصله:أنه لا يكفي في قطعية الترجيح كون المرجح قطعي الحصول-كالظن في المقام-بل لا بد مع ذلك عن

ص: 190

دليل على اعتبار ذلك المرجح شرعا كان الترجيح به قطعيا،و إلا فليس ظنيا أيضا.

ثم إن ما ذكره الأخير (1) في مقدمته:من أن الترجيح بلا مرجح قبيح بل محال،يظهر منه خلط بين الترجيح بلا مرجح في الإيجاد و التكوين، و بينه في مقام الإلزام و التكليف،فإن الأول محال لا قبيح (2) ،و الثاني قبيح لا محال،فالإضراب في كلامه عن القبيح إلى الاستحالة لا مورد له، فافهم.

فثبت مما ذكرنا:أن تعيين الظن في الجملة من بين الظنون بالظن غير مستقيم.

و في حكمه:ما لو عين بعض الظنون لأجل الظن بعدم حجية ما سواه،كالأولوية (3) و الاستقراء بل الشهرة،حيث إن المشهور على عدم اعتبارها،بل لا يبعد دخول الأولين تحت القياس المنهي عنه،بل النهي عن العمل بالأولى منهما وارد في قضية«أبان»المتضمنة لحكم دية أصابع يعني:القطع بمر حجيته شرعا،فمع عدم ذلك لا يكون الترجيح قطعيا لكن المستفاد من الكلام المتقدم دعوى القطع بمر حجية الظن،و قد عرفت ابتناءه على جريان مقدمات الانسداد في تعيين المهملة.فراجع.

(1)يعنى:النراقي في كلامه الثاني.

(2)و لذا ذكرنا ان الترجح النفسي الذي هو من الأمور التكوينية يمتنع مع عدم المرجح النفسي الذي هو من سنخ العلة الخارجية له.

(3)يعني:الظنية.

ص: 191

المرأة،فإنه يظن بذلك:أنه الظن المعتبر بحكم الانسداد في ما عدا هذه الثلاثة (1) .

و قد ظهر ضعف ذلك مما ذكرنا:من عدم استقامة تعيين القضية المهملة بالظن.

و نزيد هنا:أن دعوى حصول الظن على عدم اعتبار هذه الأمور ممنوعة،لأن مستند الشهرة على عدم اعتبارها ليس إلا عدم الدليل عند المشهور على اعتبارها،فيبقى تحت الأصل،لا لكونها منهيا عنها بالخصوص (2) -كالقياس-و مثل هذه الشهرة المستندة إلى الأصل لا يوجب الظن بالواقع (3) .

(1)الظن بذلك موقوف على الظن بعدم حجيتها حتى في حال الانسداد، أما مجرد الظن بعدم كونها من الظنون الخاصة فهو لا يوجب الظن بانحصار الظن الانسدادي بغيرها لإمكان كون الانسداد موجبا لحجية جميع أفراد الظن حتى هذه الظنون و هذا بخلاف الظن بحجيته بعض الظنون بالخصوص،فإنه ملازم للظن بحجيتها حال الانسداد،إذ لا يحتمل كون الانسداد مخرجا للحجة عن الحجية.

و لذا لا يكفي في خروج القياس العلم بعدم حجيته حال الانفتاح،للنهي عنه حينئذ بالخصوص،بل لا بد من العلم بعدم حجيته حتى حال الانسداد حتى يمكن دعوى خروجه عن نتيجة دليل الانسداد لو فرض عمومها،على ما يأتي الكلام فيه في المقام الثالث.

(2)عرفت أن النهي بالخصوص لا يوجب الظن بعدم انطباق المهملة عليها ما لم يظن بعموم النهي لحال الانسداد.

(3)لعدم كون الأصل موجبا للظن بمؤداه.اللهم إلا أن يكون مرجع الأصل عموم عدم جواز العمل بغير العلم،فإنه من الأمارات الظنية.لكن العموم

ص: 192

و أما دعوى كون الأولين قياسا،فنكذبه بعمل غير واحد من أصحابنا عليهما (1) ،بل الأولوية قد عمل بها غير واحد من أهل الظنون الخاصة في بعض الموارد.

و منه يظهر:الوهن في دلالة قضية«أبان»على حرمة العمل عليها بالخصوص (2) ،فلا يبقى ظن من الرواية بحرمة العمل عليها بالخصوص.

و لو فرض ذلك:دخل الأولوية في ما قام الدليل على عدم اعتباره (3) ، لأن الظن الحاصل من رواية«أبان»متيقن الاعتبار بالنسبة إلى الأولوية، فحجيتها مع عدم حجية الخبر الدال على المنع عنها غير محتملة،فتأمل.

صحة تعيين القضية المهملة بمطلق الظن في مواضع

ثم بعد ما عرفت:من عدم استقامة تعيين القضية المهملة بمطلق الظن،فاعلم:أنه قد يصح تعيينها بالظن في مواضع:

المذكور بعد العلم بتخصيصه و لزوم الخروج عنه بدليل الانسداد لا يوجب الظن في حال الانسداد.

(1)عمل بعض الأصحاب بهما لا ينافي كونهما قياسا يعلم أو يظن بعدم حجيته،لاحتمال غفلتهم في مقام العمل بهما عن رجوعهما إلى القياس.مع قرب احتمال حصول القطع لهم منهما.و إلا فمن البعيد جدا بناء أحد من الأصحاب على حجيتهما مع عدم حصول القطع بهما.

(2)لم يتضح وجه الوهن في دلالة الرواية.و مجرد عمل بعض الأصحاب لا يقتضيه مع ما عرفت.فالعمدة ما ذكرنا:من أن النهي مع الانفتاح لا يقتضي النهي مع الانسداد.

(3)و يأتي الكلام فيه في المقام الثالث.

ص: 193

أحدها:أن يكون الظن القائم على حجية بعض الظنون من المتيقن اعتباره بعد الانسداد،إما مطلقا كما إذا قام فرد من الخبر الصحيح المتيقن اعتباره من بين سائر الأخبار و سائر الأمارات على حجية بعض ما دونه، فإنه يصير حينئذ متيقّن الاعتبار،لأجل قيام الظن المتيقن الاعتبار على اعتباره.

و إما بالإضافة إلى ما قام (1) على اعتباره إذا ثبت حجية ذلك الظن القائم (2) ،كما لو قام الإجماع المنقول على حجية الاستقراء مثلا،فإنه يصير بعد إثبات حجية الإجماع المنقول ببعض الوجوه ظنا معتبرا (3) .

و يلحق به ما هو متيقن بالنسبة إليه،كالشهرة إذا كانت متيقنة الاعتبار بالنسبة إلى الاستقراء بحيث لا يحتمل اعتباره دونها (4) .

لكن،هذا مبني على عدم الفرق في حجية الظن بين كونه في المسائل الفروعية و كونه في المسائل الأصولية،و إلا فلو قلنا:إن الظن في الجملة (1)فاعل(قام)ضمير يرجع إلى الظن القائم في قوله:«أحدها أن يكون الظن القائم».

(2)لا بد من ثبوت حجية الظن القائم بدليل الانسداد ككونه قعدا متيقنا عن القضية المهملة.أما لو ثبتت حجيته بما هو ظن خاص خرج عما نحن فيه و لزم انفتاح باب العلم.كما يظهر بالتأمل.

(3)مفعول ثان لقوله:«يصير».

(4)و حينئذ فإن قامت الشهرة على حجية بعض الظنون وجب الاعتماد عليه في تفسير المهملة،لأنه مما قام عليه الظن المتيقن الاعتبار بالإضافة إلى ما ثبت اعتباره.

ص: 194

الذي قضى به مقدمات الانسداد،إنما هو المتعلق بالمسائل الفرعية دون غيرها،فالقدر المتيقن إنما هو متيقن بالنسبة إلى الفروع،لا غير (1) .

و ما ذكرنا سابقا:من عدم الفرق بين تعلق الظن بنفس الحكم الفرعي و بين تعلقه بما جعل طريقا إليه،إنما هو بناء على ما هو التحقيق من تقرير مقدمات الانسداد على وجه يوجب حكومة العقل دون كشفه عن جعل الشارع،و القدر المتيقن مبني على الكشف (2) ،كما سيجيء.

إلا أن يدعى:أن القدر المتيقن في الفروع هو متيقن في المسائل الأصولية أيضا (3) .

الثاني:أن يكون الظن القائم على حجية ظن متحدا لا تعدد فيه، كما إذا كان مظنون الاعتبار منحصرا فيما قامت أمارة واحدة على حجيته، (1)و حينئذ لا يكون الخبر الصحيح العالي السند-الذي تقدم أنه المتيقن من المهملة-حجة في المسألة الأصولية حتى يصح الاعتماد عليه في حجية بعض الظنون.

(2)أما بناء على الحكومة فقد سبق من المصنف قدّس سرّه التعميم من حيث الأسباب.

(3)كونه متيقنا في المسائل الأصولية لا ينفع ما لم يعلم بجعل الحجة في المسائل الأصولية،إذ يعلم حينئذ بحجيته بعد فرض كونه القدر المتيقن فيها.أما لو احتمل عدم جعل الحجة في المسائل الأصولية و الاكتفاء بجعل الحجة في المسائل الفرعية فوجود القدر المتيقن لا يوجب العلم بحجيته.نعم سيأتي منه قدّس سرّه إجراء دليل الانسداد في المسائل الأصولية بعد فرض تعذر تعيين المهملة،و حينئذ يكون وجود القدر المتيقن نافعا.

ص: 195

فإنه يعمل به في تعيين المتبع و إن كان أضعف الظنون،لأنه إذا انسد باب العلم في مسألة تعيين ما هو المتبع بعد الانسداد و لم يجز الرجوع فيها إلى الأصول حتى الاحتياط كما سيجيء (1) ،تعين الرجوع إلى الظن الموجود في المسألة (2) فيؤخذ به،لما عرفت (3) :من أن كل مسألة انسد فيها باب (1)يأتي الكلام فيه في آخر المعمم الثالث.و يأتي منه قدّس سرّه ما ظاهره المنافاة لما هنا.

(2)هذا راجع إلى جريان مقدمات الانسداد في تعيين المهملة،الذي عرفت منا أنه يمكن به جعل الظن مرجحا.و عرفت أن ظاهر كلام النراقي الرجوع إليه، و لعله ظاهر كلام صاحب الحاشية.و كأن ما سبق من المصنف قدّس سرّه في ردهما مبني على أنه فهم منهما الترجيح بالظن ابتداء مع قطع النظر عن ذلك.

نعم تمامية مقدمات الانسداد في تعيين المهملة إنما تقتضي حجية الظن بنحو الإهمال لا حجية كل ظن بنحو العموم لعين ما سبق في نتيجة دليل الانسداد في المسائل الفرعية.

و حينئذ فإن كان الظن القائم على التعيين واحدا تعينت به المهملة و التزم بحجيته في جميع المسائل التي قام عليها بناء على ما عرفت من المصنف قدّس سرّه من الإجماع على التعميم من حيث الموارد.و عليه يبتني الكلام في هذا الوجه،و إن كان متعددا فسيأتي الكلام فيه في الوجه الثالث.

(3)حيث تقدم في أول الكلام في هذا المقام أن تمامية المقدمات في كل مسألة يقتضي حجية الظن فيها و أن الإهمال إنما يكون مع تمامية المقدمات في مجموع المسائل لا في كل مسألة مسألة،و المفروض هنا تمامية المقدمات في مسألة تعيين المهملة، فيتعين حجية الظن فيها.

نعم هذا لا يقتضي إلا حجية الظن في الجملة لا بنحو العموم كما ذكرنا.

و حينئذ فمع فرض وحدة الظن تتعين به المهملة،كما سبق.

ص: 196

العلم و فرض عدم صحة الرجوع فيها إلى مقتضى الأصول،تعين-بحكم العقل-العمل بأي ظن وجد في تلك المسألة (1) .

الثالث:أن يتعدد الظنون في مسألة تعيين المتبع بعد الانسداد بحيث يقوم كل واحد منها على اعتبار طائفة من الأمارات كافية في الفقه، لكن يكون هذه الظنون القائمة-كلها-في مرتبة لا يكون اعتبار بعضها مظنونا (2) ،فحينئذ:إذا وجب-بحكم مقدمات الانسداد في مسألة (1)هذا مع وحدته-كما هو المفروض هنا-أما مع تعدده فلا دليل على التعميم.نعم في المسألة الفرعية بقصور التعدد لامتناع تعدد الظن مع وحدة متعلقه متعلقه،أما في المسألة الأصولية-و هي تعيين المهملة في المقام-فيمكن التعدد بلحاظ اختلاف متعلق الظن فيتقوم بعض الظنون على حجية خبر الواحد مثلا و آخر على حجية الشهرة،و ثالث على حجية الاستقراء و هكذا.

و حينئذ يجري ما عرفت من الإهمال،و يحتاج التعميم إلى دليل كما سيأتي في الوجه الثالث.أما هنا فالمفروض وحدة الظن الجاري في تعيين المهملة فتخص به المهملة بلا إشكال.

(2)مع فرض تعدد الظنون في المسألة الأصولية فقد عرفت أن مقدمات الانسداد إنما تقتضي حجية الظن بنحو الإهمال،و حينئذ لا بد من النظر في المهملة المذكورة على نحو ما سبق،فإن كان هناك قدر متيقن كاف تعين الاقتصار في المهملة عليه،و إلا تعين الرجوع إلى الاحتياط ،فإن تعذر-كما هو المفروض في كلام المصنف قدّس سرّه- تعين الرجوع إلى دليل الانسداد في تعيين هذه المهملة أيضا إن كانت الظنون متفاوته من حيثية الظن بالاعتبار و عدمه،و إلا تعين البناء على التعميم،لما تقدم في أول هذا الكلام في وجه التعميم هذا.

نعم تقدم منا تقريب الترجيح بأقوائية الظن فلا يبعد الرجوع إليه هنا لو

ص: 197

تعيين المتبع-الرجوع فيها إلى الظن في الجملة،و المفروض تساوي الظنون الموجودة في تلك المسألة و عدم المرجح لبعضها (1) ،وجب الأخذ بالكل بعد بطلان التخيير بالإجماع و تعسر ضبط البعض الذي لا يلزم العسر من الاحتياط فيه.

ثم على تقدير صحة تقرير دليل الانسداد على وجه الكشف،فالذي ينبغي أن يقال (2) :إن اللازم على هذا-أولا-هو الاقتصار على المتيقن من الظنون.

و هل يلحق به كل ما قام المتيقن على اعتباره ؟وجهان:أقواهما العدم كما تقدم (3) ،إذ بناء على هذا التقرير لا نسلم كشف العقل بواسطة مقدمات الانسداد إلا عن اعتبار الظن في الجملة في الفروع دون الأصول، و الظن بحجية الأمارة الفلانية ظن بالمسألة الأصولية.

نعم،مقتضى تقرير الدليل على وجه حكومة العقل:أنه لا فرق بين فرض تساوي الظنون من حيث الظن بالاعتبار و عدمه،و عدم الحكم بالتعميم إلاّ بعد فرض تساوي الظنون في القوة،بل سبق امتناع التعميم مع وجود محتمل.

فراجع و تأمل جيدا.

(1)يعني:كي يتعين و تنزل عليه المهملة.

(2)يعني:بعد ما عرفت من الكلام في المرجحات.

(3)في الوجه الأول من الوجوه التي ذكرها للرجوع للظن في تعيين المهملة.و تقدم منه احتمال التلازم بين حجية الظن في المسألة الفرعية و حجيته في المسألة الأصولية.

ص: 198

تعلق الظن بالحكم الفرعي أو بحجية طريق (1) .

ثم إن كان القدر المتيقن كافيا في الفقه-بمعنى أنه لا يلزم من العمل بالأصول في مجاريها المحذور اللازم على تقدير الاقتصار على المعلومات (2) -فهو،و إلا فالواجب الأخذ بما هو المتيقن من الأمارات الباقية الثابتة بالنسبة إلى غيرها (3) ،فإن كفى في الفقه بالمعنى الذي ذكرنا فهو،و إلا فيؤخذ بما هو المتيقن بالنسبة،و هكذا.

ثم لو فرضنا عدم القدر المتيقن بين الأمارات أو عدم كفاية ما هو القدر المتيقن مطلقا أو بالنسبة:فإن لم يكن على شيء منها أمارة فاللازم الأخذ بالكل (4) ،لبطلان التخيير بالإجماع و بطلان طرح الكل بالفرض (5) و فقد المرجح،فتعين الجمع.

و إن قام على بعضها أمارة:فإن كانت أمارة واحدة-كما إذا قامت (1)على ما تقدم منه في التنبيه الأول،و تقدم بعض الكلام فيه.

(2)و هو العسر و الحرج أو اختلال النظام،أو إهمال الأحكام.

(3)نظير ما تقدم منه من كون الشهرة متيقنة بالإضافة إلى الاستقراء.للعلم بحجيتها حينئذ.

(4)أشرنا قريبا-كما تقدم سابقا-إلى أن التعميم موقوف على تساوي الظنون في القوة،و على عدم وجود ما يحتمل خصوصيته بعينه دون غيره،إذ مع وجود الأقوى يترجح بحكم العقل بملاك ترجح الظن على بقية الاحتمالات كما تقدم في المرجح الثاني و مع وجود محتمل الخصوصية يتعين الاقتصار عليه لأنه المتيقن بعد فرض إهمال النتيجة،كما تقدم في أول الكلام في هذا المعمم.

(5)لما يستلزمه من فقد الحجة و الرجوع إلى الأصول المفروض امتناعه.

ص: 199

الشهرة على حجية جملة من الأمارات-كان اللازم الأخذ بها (1) ،لتعيين الرجوع إلى الشهرة (2) في تعيين المتبع من بين الظنون.

و إن كانت أمارات متعددة قامت كل واحدة منها على حجية ظن مع الحاجة إلى جميع تلك الظنون في الفقه و عدم كفاية بعضها،عمل بها.و لا فرق حينئذ بين تساوي تلك الأمارات القائمة من حيث الظن بالاعتبار و العدم،و بين تفاوتها في ذلك (3) .

و أما لو قامت كل واحدة منها على مقدار من الأمارات كاف في الفقه:فإن لم تتفاوت الأمارات القائمة في الظن بالاعتبار،وجب الأخذ بالكل-كالأمارة الواحدة-،لفقد المرجح (4) .و إن تفاوتت،فما قام متيقن الاعتبار و مظنون الاعتبار على اعتباره يصير معينا (5) ،كما إذا قام الإجماع المنقول-بناء على كونه مظنون الاعتبار-على حجية أمارة غير مظنون الاعتبار،و قامت تلك الأمارة،فإنها تتعين بذلك.

(1)بعد فرض تمامية مقدمات الانسداد في تعيين المهملة.

(2)لما عرفت من تعيين المهملة بالظن إذا كان واحدا.

(3)للعلم بحجية الجميع بعد فرض الحاجة إليها و عدم إمكان الاستغناء عن بعضها.

(4)عرفت توقفه على امتناع الاحتياط في الكل،ثمّ عدم تفاوت الظنون في الأقوائية ثم عدم وجود محتمل الرجحان بخصوصه.

(5)لجريان مقدمات الانسداد في تعيين المهملة في المسألة الأصولية.لكنه موقوف على امتناع الاحتياط .كما أن الرجوع في ذلك إلى مظنون الاعتبار موقوف على وحدة الظن به أو تساوي الظنون على ما سبق.

ص: 200

هذا كله على تقدير كون دليل الانسداد كاشفا.

و أما على ما هو المختار من كونه حاكما،فسيجيء الكلام فيه بعد الفراغ عن المعممات التي ذكروها لتعميم النتيجة إن شاء اللّه تعالى.

إذا عرفت ذلك:فاللازم على المجتهد أن يتأمل في الأمارات،حتى يعرف المتيقن منها حقيقة أو بالإضافة إلى غيرها،و يحصل ما يمكن تحصيله من الأمارات القائمة على حجية تلك الأمارات،و يميز بين تلك الأمارات القائمة من حيث التساوي و التفاوت من حيث الظن بحجية بعضها من أمارة أخرى،و يعرف كفاية ما أحرز اعتباره من تلك الأمارات و عدم كفايته في الفقه.

و هذا يحتاج إلى سبر مسائل الفقه إجمالا،حتى يعرف أن القدر المتيقن من الأخبار مثلا لا يكفي في الفقه،بحيث يرجع في موارد خلت عن هذا الخبر إلى الأصول التي يقتضيها الجهل بالحكم في ذلك المورد، و أنه إذا انضم إليه قسم آخر من الخبر-لكونه متيقنا إضافيا،أو لكونه مظنون الاعتبار بظن متبع-هل يكفي أم لا؟فليس له الفتوى على وجه يوجب طرح سائر الظنون حتى يعرف كفاية ما أحرز من جهة اليقين أو الظن المتبع.وفقنا اللّه للاجتهاد الذي هو أشد من طول الجهاد،بحق محمد و آله الأمجاد.

الطريق الثاني للتعميم:عدم كفاية الظنون المعتبرة
اشارة

الثاني من طرق التعميم:ما سلكه غير واحد من المعاصرين:من عدم الكفاية،حيث اعترفوا-بعد تقسيم الظنون إلى مظنون الاعتبار و مشكوكه و موهومه-بأن مقتضى القاعدة بعد إهمال النتيجة الاقتصار

ص: 201

على مظنون الاعتبار،ثم على المشكوك،ثم يتسرى إلى الموهوم.

لكن الظنون المظنونة الاعتبار غير كافية،إما بأنفسها،بناء على انحصارها في الأخبار الصحيحة بتزكية عدلين.إما لأجل العلم الإجمالي بمخالفة كثير من ظواهرها للمعاني الظاهرة منها (1) و وجود (2) ما يظن منه ذلك في الظنون المشكوكة الاعتبار (3) ،فلا يجوز التمسك بتلك الظواهر،للعلم الإجمالي المذكور،فيكون حالها حال ظاهر الكتاب و السنة المتواترة في عدم الوفاء بمعظم الأحكام.

فلا بد من التسري-بمقتضى قاعدة الانسداد و لزوم المحذور من الرجوع إلى الاصول-إلى (4) الظنون المشكوكة الاعتبار (5) التي دلت على إرادة خلاف الظاهر في ظواهر مظنون الاعتبار،فيعمل بما هو-من مشكوك الاعتبار-مخصص لعمومات مظنون الاعتبار و مقيد لإطلاقاته و قرائن لمجازاته.

فإذا وجب العمل بهذه الطائفة من مشكوك الاعتبار ثبت وجوب العمل بغيرها مما ليس فيها معارضة لظواهر الأمارات المظنونة الاعتبار، (1)يعني:أنه أريد بتلك الظواهر معاني مخالفة للظاهر منها.

(2)عطف على«مخالفة»في قوله:«لأجل العلم الإجمالي بمخالفة كثير...».

(3)يعني:أنها مشتملة على بيان المراد بتلك الظواهر.

(4)متعلق بقوله:«التسري».

(5)لأنها أقرب من موهوم الاعتبار و إن كان كل منهما صالحا لتفسير الظواهر المذكورة.

ص: 202

بالإجماع (1) على عدم الفرق بين أفراد مشكوك الاعتبار،فإن أحدا لم يفرق بين الخبر الحسن المعارض لإطلاق الصحيح،و بين خبر حسن آخر غير معارض لخبر صحيح،بل بالأولوية القطعية،لأنه إذا وجب العمل بمشكوك الاعتبار الذي له معارضة لظاهر مظنون الاعتبار،فالعمل بما ليس له معارض أولى.

ثم نقول (2) :إن في ظواهر مشكوك الاعتبار (3) موارد كثيرة يعلم إجمالا بعدم إرادة المعاني الظاهرة،و الكاشف عن ذلك-ظنا-هي الأمارات الموهومة الاعتبار،فنعمل بتلك الأمارات،ثم نعمل بباقي أفراد الموهوم الاعتبار بالإجماع المركب،حيث إن أحدا لم يفرق بين الشهرة المعارضة للخبر الحسن بالعموم و الخصوص و بين غير المعارض له،بل بالأولوية، كما عرفت.

المناقشة في هذا الطريق

أقول:الإنصاف:أن التعميم بهذا الطريق أضعف من التخصيص (1)متعلق بقوله:«ثبت وجوب...»و الباء في قوله:«بالإجماع»للسببية.

(2)يعني:بعد فرض الرجوع إلى جميع أفراد مشكوك الاعتبار و إن لم يكن مبينا لموارد مخالفة الظاهر في مظنون الاعتبار.

(3)قد يدعى أنه لا موجب للرجوع إلى موهوم الاعتبار،لإمكان الرجوع في تفسير ظواهر مشكوك الاعتبار إلى مظنون الاعتبار و بقية أفراد مشكوك الاعتبار مما اشتمل على التفسير المذكور.و احتمال وجود التفسير في موهوم الاعتبار لا يعبأ به بعد عدم العلم به لا إجمالا و لا تفصيلا،و إنما هو محض شبهة بدوية.و إن كان لا بد من التأمل و السبر.

ص: 203

بمظنون الاعتبار،لأن هذا المعمم قد جمع ضعف القولين،حيث اعترف بأن مقتضى القاعدة-لو لا عدم الكفاية-الاقتصار على مظنون الاعتبار، و قد عرفت أنه لا دليل على اعتبار مطلق الظن بالاعتبار (1) إلا إذا ثبت جواز العمل بمطلق الظن عند انسداد باب العلم.

و أما ما ذكره من التعميم لعدم الكفاية،ففيه:

أولا:أنه مبني على زعم كون مظنون الاعتبار منحصرا في الخبر الصحيح بتزكية عدلين،و ليس كذلك،بل الأمارات الظنية-من الشهرة، و ما دل على اعتبار قول الثقة،مضافا إلى ما استفيد من سيرة القدماء في العمل بما يوجب سكون النفس من الروايات و في تشخيص أحوال الرواة -توجب الظن القوي بحجية الخبر الصحيح بتزكية عدل واحد،و الخبر الموثق،و الضعيف المنجبر بالشهرة من حيث الرواية (2) ،و من المعلوم:

(1)لكن عرفت منه أخيرا أنه مع فرض إهمال النتيجة في الفروع يتعين إجراء دليل الانسداد في المسألة الأصولية المقتضي للرجوع للظن في المسألة الأصولية.نعم الرجوع إلى الظن في ذلك بنحو القضية المهملة لا العامة،و حينئذ فهو لا يقتضي الرجوع إلى كل ظن إلا على الوجه المتقدم في التفصيل.

و كأن هذا هو منشأ الإشكال على هذا القائل،حيث ذكر إن مقتضى القاعدة الرجوع إلى الظن من دون تفصيل بين الظنون و لا تقييد.اللهم إلا أن يكون كلامه مبنيا على عدم إمكان الاقتصار على بعض أفراد مظنون الاعتبار لعدم الكفاية،فإنه تقدم أنه مع ذلك يتعين البناء على التعميم لجميع أفراد المظنون.

(2)بل من حيث عمل الأصحاب به،فإن هذا هو الذي قال به جمع من الأصحاب منهم المحقق قدّس سرّه،و عليه عمل كثير منهم في الفقه،و لم يذكر أحد الشهرة

ص: 204

كفاية ذلك و عدم لزوم محذور من الرجوع في موارد فقد تلك الأمارات إلى الأصول.

و ثانيا:أن العلم الإجمالي الذي ادعاه يرجع حاصله إلى العلم بمطابقة بعض مشكوكات الاعتبار للواقع من جهة كشفها عن المرادات في مظنونات الاعتبار،و من المعلوم أن العمل بها لأجل ذلك لا يوجب التعدي إلى ما ليس فيه هذه العلة (1) ،أعني مشكوكات الاعتبار الغير في الرواية.نعم هي معتبرة في ترجيح إحدى الروايتين على الأخرى بعد فرض حجية كل منهما لو لا المعارضة.

(1)لكن العلة المذكورة تكشف عن جعل الشارع لها حجة،لعدم إمكان الاقتصار في تعيين المهملة على خصوص المظنون الاعتبار،فلو فرض تمامية الإجماع على الفصل تعين التعدي كما ذكره المعمم.

اللهم إلا أن يقال:العلم الإجمالي المذكور لا يكشف عن جعل هذه الأمور حجة،لإمكان الاقتصار على خصوص مظنونات الاعتبار،غايته أن العلم الإجمالي بمخالفة بعض ظواهر مظنونات الاعتبار يقتضي الاحتياط بالعمل بها،و لا محذور في الاحتياط المذكور لقلة موارده.فلا كاشف عن حجيتها حتى يتعدى عنها بعدم الفصل.

لكن هذا لو تم مبني على أن الوجه في عدم الكفاية هو العلم الإجمالي المذكور، أما لو كان الوجه فيه قلة مظنونات الاعتبار،فيتعين البناء على حجية المشكوكات حينئذ و تنزيل المهملة على ما يعمها.

نعم لا مجال للتعدي إلى الموهومات لأجل ذلك،لكثرة المشكوكات بنحو يكفي في أنفسها،و ينحصر وجه التعدي إلى الموهومات بالعلم الإجمالي المذكور.

فيجري ما سبق.

ص: 205

الكاشفة عن مرادات مظنونات الاعتبار،فإن العلم الإجمالي بوجود شهرات متعددة مقيدة لإطلاقات الأخبار أو مخصصة لعموماتها،لا يوجب التعدي إلى الشهرات الغير المزاحمة للأخبار بتقييد أو تخصيص، فضلا عن التسري إلى الاستقراء و الأولوية.

و دعوى الإجماع لا يخفى ما فيها،لأن الحكم بالحجية في القسم الأول لعلة غير مطردة في القسم الثاني حكم عقلي (1) نعلم بعدم تعرض الإمام عليه السّلام له قولا و لا فعلا،إلا من باب تقرير حكم العقل،و المفروض عدم جريان حكم العقل في غير مورد العلة،و هي وجود العلم الإجمالي.

و من ذلك يعرف الكلام في دعوى الأولوية،فإن المناط في العمل بالقسم الأول إذا كان هو العلم الإجمالي،فكيف يتعدى إلى ما لا يوجد فيه المناط ،فضلا عن كونه أولى (2) ؟

و كأن متوهم الإجماع رأى أن أحدا من العلماء لم يفرق بين أفراد الخبر الحسن أو أفراد الشهرة،و لم يعلم أن الوجه عندهم ثبوت الدليل (1)هذا خلاف فرض الكشف،إذ هو مبني على جعل الظن حجة من قبل الشارع و حينئذ يتجه التعدي لو تم عدم الفصل.لكن في استكشاف عدم الفصل من الإجماع تأمل،لاحتمال ابتناء عدم الفصل عند المجمعين على حجية الظنون المذكورة بالخصوص،فلا يكشف عن عدم الفصل في حال الانسداد،و إن كان قريبا.

(2)عرفت أن الملاك ليس هو العلم الإجمالي،بل العلم الإجمالي،بل العلم الإجمالي كاشف عن جعل الحجية بملاكها.نعم في تمامية الأولوية إشكال،إذ لا مانع من تخصيص الحجية بما يفسر ظواهر مظنون الاعتبار لأجل تدارك ما يفوت به،دون غيره من أفراد مشكوك الاعتبار،لعدم الموجب لحجيته.فتأمل.

ص: 206

عليها مطلقا أو نفيه كذلك،لأنهم أهل الظنون الخاصة،بل لو ادعى الإجماع على أن كل من عمل بجملة من الأخبار الحسان أو الشهرات لأجل العلم الإجمالي بمطابقة بعضها للواقع لم يعمل بالباقي الخالي عن هذا العلم الإجمالي،كان في محله.

الطريق الثالث للتعميم:قاعدة الاشتغال
اشارة

الثالث من طرق التعميم:ما ذكره بعض مشايخنا طاب ثراه،من قاعدة الاشتغال،بناء على أن الثابت من دليل الانسداد وجوب العمل بالظن في الجملة،فإذا لم يكن قدر متيقن كاف في الفقه وجب العمل بكل ظن (1) .

(1)هذا بظاهره موهم لجريان قاعدة الاشتغال في المسألة الأصولية،و هي الحجة(ظاهرا)فيجب الاحتياط فيها بالعمل بكلتا الحجتين.و لا وجه له،لأن الحجية لما كانت من الأحكام الطريقية فهي بنفسها ليست موردا للإطاعة و المعصية و الاحتياط ،بل بلحاظ الحكم الفرعي الذي قامت الحجة عليه.

و حينئذ إذا علم إجمالا بحجية أمور و قام محتمل الحجية على حكم الزامي كان احتمال الحجية موضوعا للاحتياط بلحاظه،و إذا قام على حكم غير إلزامى فحيث أنه ليس قابلا للاحتياط ،لا يكون احتمال الحجية موضوعا للاحتياط .

و منه يظهر أن قاعدة الاشتغال في المقام إنما تقتضي الاحتياط بموافقة جميع الظنون المقتضية للتكليف،دون الظنون المقتضية لعدمه،بل مقتضي احتمال عدم حجيته عدم الاعتداد بالظن المذكور،و الرجوع في كل مورد من موارد الظن بعدم التكليف إلى ما يقتضيه الأصل أو القاعدة فيه بخصوصه،فإن كان هناك دليل أو أصل يقتضي التكليف فيه لزم العمل عليه،و كذا إن كان مقتضي القاعدة الاحتياط فيه،و إلا رجع إلى مقتضى أصالة البراءة.

و منه يظهر أن الفرق بين التعميم بقاعدة الاشتغال،و التعميم واقعا بناء على

ص: 207

و منع جريان قاعدة الاشتغال هنا-لكون ما عدا واجب العمل من الظنون محرم العمل-قد عرفت الجواب عنه في بعض أجوبة الدليل الأول من أدلة اعتبار الظن بالطريق (1) .

المناقشة في هذا الطريق أيضا

و لكن فيه:أن قاعدة الاشتغال في مسألة العمل بالظن معارضة في بعض الموارد بقاعدة الاشتغال في المسألة الفرعية،كما إذا اقتضى الاحتياط في الفرع وجوب السورة (2) ،و كان ظن مشكوك الاعتبار على عدم وجوبها، فإنه يجب مراعاة قاعدة الاحتياط في الفروع و قراءة السورة،لاحتمال وجوبها،و لا ينافيه الاحتياط في المسألة الأصولية،لأن الحكم الأصولي الكشف أنه على الثاني يكون الظن بعدم التكليف حجة يجوز الاعتماد عليها في رفع اليد عن الأصول الترخيصية و الإلزامية،فيكون هو المرجع دونها،و على الأول لا ينهض الظن بذلك،بل المرجع هو الأصول المذكورة.

(1)و هو الوجه الرابع:و حاصله:أن العمل بما ليس طريقا شرعا ليس محرما إذا لم يكن بنحو التشريع،بل برجاء إدراك الواقع.

(2)كما هو الحال بناء على وجوب الاحتياط في الشك في الجزئية.لكن عرفت أنه لا موضوع للاحتياط في المسألة الأصولية،كي يعارض الاحتياط في المسألة الفرعية.

و أما دعوى:أن مقتضى احتمال حجية الظن عدم الإتيان بالسورة بقصد الوجوب،و هذا نحو من الاحتياط اللازم في المسألة الأصولية،لتعلقه بمقام العمل.

فمندفعة-مضافا إلى ما سيذكره المصنف من عدم معارضة الاحتياط المذكور للاحتياط في المسألة الفرعية-:بأنه يكفي في امتناع الإتيان بالسورة بقصد الوجوب عدم قيام الحجة على وجوبها،للزوم التشريع به و لا أثر فيه لقيام محتمل الحجية على عدم وجوبها،كي يكون أثرا للاحتياط فيها.

ص: 208

المعلوم بالإجمال-و هو وجوب العمل بالظن القائم على عدم الوجوب -معناه وجوب العمل على وجه ينطبق مع عدم الوجوب،و يكفي فيه أن يقع الفعل لا على وجه الوجوب،و لا تنافي بين الاحتياط و فعل السورة لاحتمال الوجوب،و كونه لا على وجه الوجوب الواقعي.

و توضيح ذلك:أن معنى وجوب العمل بالظن وجوب تطبيق عمله عليه،فإذا فرضنا أنه يدل على عدم وجوب شيء،فليس معنى وجوب العمل به إلا أنه لا يتعين عليه ذلك الفعل،فإذا اختار فعل ذلك فيجب أن يقع الفعل لا على وجه الوجوب،كما لو لم يكن هذا الظن (1) و كان غير واجب بمقتضى الأصل،لا أنه يجب أن يقع على وجه عدم الوجوب،إذ لا يعتبر في الأفعال الغير الواجبة قصد عدم الوجوب.نعم،يجب التشرع و التدين بعدم الوجوب-سواء فعله أو تركه-من باب وجوب التدين بجميع ما علم من الشرع (2) .

و حينئذ:فإذا تردد الظن-الواجب العمل-المذكور بين ظنون تعلقت بعدم وجوب أمور،فمعنى وجوب ملاحظة ذلك الظن المجمل المعلوم إجمالا وجوب أن لا يكون فعله لهذه الأمور على وجه الوجوب (3) ،كما (1)هذا شاهد بما ذكرنا من أن عدم جواز قصد الوجوب غير ناش من قيام محتمل الحجية على عدمه،بل يكفي فيه عدم قيام الحجة على الوجوب للزوم التشريع.

(2)هذا إنما يقتضي التدين بالحكم مع العلم به تفصيلا،لا مع احتمال عدمه و إن قام عليه معلوم الحجية فضلا عن محتمل الحجية،كما في المقام.نعم يجب التدين بأحكام الدين إجمالا مع عدم العلم بها تفصيلا،لأنه مقتضى التدين بالدين.

(3)مقتضى قوله قريبا:«نعم يجب التشرع و التدين....»هو وجوب قصد

ص: 209

لو لم يكن هذه الظنون و كانت هذه الأمور مباحة بحكم الأصل،و لذا يستحب الاحتياط (1) و إتيان الفعل لاحتمال أنه واجب.

ثم إذا فرض العلم الإجمالي من الخارج بوجوب أحد هذه الأشياء على وجه يجب الاحتياط و الجمع بين تلك الأمور (2) ،فيجب على المكلف الالتزام بفعل كل واحد منها (3) ،لاحتمال أن يكون هو الواجب.

و ما اقتضاه الظن القائم على عدم وجوبه-من (4) وجوب أن يكون عدم الوجوب هنا احتياطا في محتمل الحجية.لكن عرفت الإشكال في ذلك.

(1)لا ينبغي أن يراد هنا الاستحباب شرعا،لعدم الوجه له و أوامر الاحتياط لو شملت موارد قيام الحجة محمولة على الإرشاد كما ذكره المصنف قدّس سرّه في محله.

فالاحتياط راجح عقلا برجاء إدراك الواقع بعد عدم منافاته للحجة عملا،لأن مجرد عدم وجوب الشيء لا يمنع من الإتيان به.

و أما دعوى:أنه لما كان مقتضى الحجة هو عدم الوجوب لزم الالتزام بعدم الوجوب،و هو ينافي الإتيان برجاء الوجوب.فمندفعة بقصور أدلة الحجية عن النظر للالتزام و انصرافها إلى مقام العمل.

و بعبارة اخرى:المنصرف من أدلة التعبد بالحجج و الأصول كونه بلحاظ الالتزام العملي و ترتيب الآثار العملية،لا بلحاظ محض الالتزام النفسي المنافي للاحتياط .مع أنه لو سلم مختص بمعلوم الحجية تفصيلا دون المعلوم إجمالا لامتناع الالتزام بتمام مؤديات أطراف محتمل الحجية للزوم التشريع بلا حجة.

(2)كما في دوران الأمر بين القصر و الإتمام و الجهر و الإخفات.

(3)اللازم على المكلف فعل كل منها.لا التزام فعل كل منها.

(4)تفسير للموصول في قوله:«و ما اقتضاه الظن...»لكن ذلك ليس مقتضى الظن القائم على عدم الوجوب،بل يكفي فيه عدم الدليل على الوجوب،

ص: 210

فعله لا على وجه الوجوب-باق (1) بحاله،لأن الاحتياط في الجميع لا يقتضي إتيان كل منها بعنوان الوجوب الواقعي،بل بعنوان أنه محتمل الوجوب،و الظن القائم على عدم وجوبه لا يمنع من لزوم إتيانه على هذا الوجه،كما أنه لو فرضنا ظنا معتبرا معلوما بالتفصيل-كظاهر الكتاب- دلّ على عدم وجوب شيء،لم يناف مؤداه لاستحباب (2) الإتيان بهذا الشيء لاحتمال الوجوب.

هذا،و أما ما قرع (3) سمعك:من تقديم قاعدة الاحتياط في المسألة الأصولية على الاحتياط في المسألة الفرعية أو تعارضهما،فليس في مثل المقام.

بل مثال الأول منهما (4) :ما إذا كان العمل بالاحتياط في المسألة الأصولية مزيلا للشك الموجب للاحتياط في المسألة الفرعية،كما إذا تردد الواجب بين القصر و الإتمام و دل على أحدهما أمارة من الأمارات التي يعلم إجمالا بوجوب العمل ببعضها،فإنه إذا قلنا بوجوب العمل بهذه الأمارات يصير حجة (5) معينة لإحدى الصلاتين.

للزوم التشريع.

(1)خبر قوله:«و ما اقتضاه...».

(2)عرفت أن هذا الاستحباب ليس شرعيا.

(3)القاعدة المذكورة لا يعلم عاجلا من ذكرها أو تعرض لها.

(4)و هو تقديم الاحتياط في المسألة الأصولية على الاحتياط في المسألة الفرعية.

(5)لا وجه لكونها حجة بعد فرض كونها محتملة الحجية لا معلومة الحجية، فلا وجه لرفع اليد عن مقتضى العلم الإجمالي بها.نعم يمكن فرض ذلك لو تحقق الاحتياط التام في الحجة،كما لو كان هناك علم إجمالي بنجاسة إناء بين عشرة أوان،

ص: 211

إلا أن يقال:إن الاحتياط في المسألة الأصولية إنما يقتضي إتيانها لا نفي غيرها،فالصلاة الأخرى حكمها حكم السورة في عدم جواز إتيانها على وجه الوجوب،فلا ينافي وجوب إتيانها لاحتمال الوجوب،فيصير نظير ما نحن فيه.

و أما الثاني و هو مورد المعارضة (1) ،فهو كما إذا علمنا إجمالا بحرمة شيء من بين أشياء،و دلت على وجوب كل منها أمارات نعلم إجمالا بحجية إحداها،فإن مقتضى هذا وجوب الإتيان بالجميع،و مقتضى ذاك ترك الجميع،فافهم (2) .

و أما دعوى:أنه إذا ثبت وجوب العمل بكل ظن في مقابل غير الاحتياط من الأصول وجب العمل به في مقابل الاحتياط ،للإجماع المركب،فقد عرفت شناعته (3) .

و علم إجمالا بحجية إحدى أمارتين قامت كل منهما على تعيين المعلوم بالإجمال في إناء غير ما عينته الأخرى،فإن مقتضى الاحتياط في الحجية اجتناب كلا الإنائين الذين قامت عليهما الأمارتين،و يجتزأ بذلك في الخروج عن مقتضى العلم الإجمالي بنجاسة أحد الأواني العشرة،فيجوز ارتكاب ما عداهما.

(1)يعني:بين الاحتياط في المسألة الأصولية و الاحتياط في المسألة الفرعية.

(2)أشير في بعض النسخ المطبوعة إلى زيادة هذه العبارة من قوله:«و أما ما قرع...»إلى هنا.

(3)يعني:في الوجه الثاني،للتعميم حيث تقدم أن العمل ببعض الأمارات لأجل العلم الإجمالي لا يقتضي التعدي إلى غيرها مما خرج عن العلم الإجمالي.و لا مجال لما تقدم منا هناك،لوضوح أن العمل هنا بملاك الاحتياط لا بملاك الحجية،

ص: 212

فإن قلت:إذا عملنا في مقابل الاحتياط (1) بكل ظن يقتضي التكليف (2) و عملنا في مورد الاحتياط بالاحتياط ،لزم العسر و الحرج، إذ يجمع حينئذ بين كل مظنون الوجوب و كل مشكوك الوجوب و موهوم الوجوب مع كونه مطابقا للاحتياط اللازم (3) ،فإذا فرض لزوم العسر بخلاف العمل هناك،فإنه بملاك الكشف عن حكم الشارع بالحجية.

(1)يعني:في مقابل الاحتمال غير المطابق للاحتياط في المسألة الفرعية.

(2)كما هو مقتضى الاحتياط في المسألة الأصولية.

(3)لما عرفت من أن الاحتياط في المسألة الأصولية لا يقتضي العمل بالظن المخالف للاحتياط في المسألة الفرعية،بل يرجع في مورده إلى مقتضى الأصل،فإذا كان مقتضى الأصل في المورد هو الاحتياط اللازم كان اللازم الالتزام به،ثم إن الكلام يقع في مقامين:

الأول:في لزوم العسر من الرجوع إلى الاحتياط اللازم في مورد الظنون المخالفة للاحتياط ،كما ذكره المستشكل.

الثاني:في مقتضى الوظيفة بعد فرض لزوم العسر.أما الكلام في المقام الأول فلا إشكال في لزوم العسر بناء على مختار المصنف قدّس سرّه من لزوم تبعيض الاحتياط مع لزوم العسر في بعض أطرافه لتنجز جميع الموارد بالعلم الإجمالي الكبير،و يجب الاقتصار في الخروج عن الاحتياط المتيقن فإذا فرض إهمال النتيجة و عدم تعيين الظن المتبع،فالاحتياط في المسألة الأصولية لا يقتضي إلا اتباع الظن بالتكليف،أما الظن بعدم التكليف فالمتبع فيه هو الاحتياط في المسألة الفرعية.لكن عرفت أن تبعيض الاحتياط يقتضي الحكومة لا الكشف،و أن الكشف يبتني على كون لزوم العسر موجبا لسقوط الاحتياط كلية،و عدم صلوح العلم الإجمالي الكبير للتنجيز، و حينئذ ففي موارد الظن بعدم التكليف أو الشك فيه لا يجب الاحتياط في المسألة الفرعية إلا بمنجز خاص،و هو أحد أمور:

ص: 213

الأول:عمومات التكليف و إطلاقاته المفروض كونها قطعية الصدور- كعموم الكتاب-أو لكونها من الظنون الخاصة القليلة التي لا تنافي الانسداد،أو لكونها من الظنون المتيقنة من المهملة الثابتة بدليل الانسداد إذا لم تكن كافية أيضا بنحو تصلح لتعيين المهملة.

و دعوى:سقوط العمومات و الإطلاقات المذكورة بالعلم الإجمالي بتقييد و تخصيص كثير منها.

مدفوعة:بأنها إنما تسقط إذا لم يعلم بجعل الحجة الكافية في التمييز.أما مع جعل الظن بالمقدار الكافي هو المفروض بدليل الانسداد فلا وجه لسقوطها،بل يلزم الرجوع إليه في تمييز موارد المخالفة للمراد منها.

و حينئذ فمع تردد ما هو الحجة المجعول من الظن بين الظنون المختلفة لفرض إهمال النتيجة يجب الاحتياط في موارد العمومات التي قام الظن فيها على عدم التكليف للعلم الإجمالي بثبوت التكليف في بعضها على طبق العموم،لعدم حجية بعض الظنون القائمة على التخصيص.فتأمل جيدا.

الثاني:الأصول الإحرازية المقتضية للتكليف كاستصحاب التكليف الذي يجري مع العلم الإجمالي بالمخالفة على التحقيق.

الثالث:الأصول غير الإحرازية المقتضية للاحتياط كأصالة الاحتياط في الشبهة التحريمية أو في الشك في الجزئية أو الشرطية.إلا أن التحقيق عدم ثبوت الدليل على الأصول المذكورة.

الرابع:العلم الإجمالي بالتكليف في الموارد الخاصة،كما في موارد الدوران بين القصر و الإتمام و الجهر و الإخفات.هذا و حيث أن الموارد المذكور ليست كثيرة فالظاهر عدم لزوم العسر من الاحتياط فيها مع الرجوع في غيرها إلى الأصول الترخيصية.

و أما الكلام في المقام الثاني:فالظاهر أن لزوم العسر من الاحتياط في المسألة

ص: 214

من مراعاة الاحتياطين معا في الفقه تعين دفعه بعدم وجوب الاحتياط في مقابل الظن (1) ،فإذا فرضنا هذا الظن مجملا لزم العمل بكل ظن مما يقتضى الظن بالتكليف احتياطا،و أما الظنون المخالفة للاحتياط اللازم فيعمل بها،فرارا عن لزوم العسر.

قلت:دفع العسر يمكن بالعمل ببعضها،فما المعمم ؟فيرجع الأمر إلى أن قاعدة الاشتغال لا ينفع و لا يتم في الظنون المخالفة للاحتياط ،لأنك عرفت أنه لا يثبت وجوب التسري إليها فضلا عن التعميم فيها،لأن التسري إليها كان للزوم العسر (2) ،فافهم.

الأصولية بموافقة جميع الظنون بالتكليف دون الظنون بعدمه يقتضي حجية الظن في تعيين المهملة،كما ذكرناه في وجه ترجيح الظن المظنون الاعتبار عند الكلام في المعمم الأول،و ذكرنا تفصيل الكلام في ذلك.فراجع.

و منه يظهر أن التعميم بقاعدة الاشتغال يبتني على عدم لزوم العسر من الاحتياط في المسألة الأصولية.كما أنه لا يقتضي إلا التعميم بالإضافة إلى الظن بالتكليف،و أما الظن بعدم التكليف فاللازم البناء على عدم حجيته أصلا و إنما يرجع في مورده إلى الأصول و العمومات المقتضية لإثبات التكليف أو نفيه.فلاحظ و تأمل جيدا.

(1)يعني بعدم التكليف،و الوجه فيه:أن رجحان الاحتمال المطابق للاحتياط موجب لأولويته عقلا.لكن هذا مبني على كون لزوم العسر مقتضيا لتبعيض الاحتياط لا لسقوطه كلية،و هو-مع أنه خلاف التحقيق-لا يناسب القول بالكشف،بل المناسب له هو سقوط الاحتياط كلية،و إجراء دليل الانسداد في تعيين المهملة بالوجه الذي ذكرناه قريبا.فلاحظ .

(2)يعني:لا لقاعدة الاشتغال،كما هو غرض المعمم.

ص: 215

هذا كله على تقدير تقرير مقدمات دليل الانسداد على وجه يكشف عن حكم الشارع بوجوب العمل بالظن في الجملة،و قد عرفت أن التحقيق خلاف هذا التقرير (1) ،و عرفت أيضا ما ينبغي سلوكه على تقدير تماميته:من وجوب اعتبار المتيقن-حقيقة أو بالإضافة-ثم ملاحظة مظنون الاعتبار بالتفصيل الذي تقدم في آخر المعمم الأول من المعممات الثلاثة.

ثم إن هذا من المصنف قدّس سرّه اعتراف بلزوم العمل بكل ظن بالتكليف لقاعدة الاشتغال،و أن التبعيض إنما هو في الظنون القائمة على عدم التكلف لا غير.و هو لا يناسب ما سبق منه قدّس سرّه في المعمم الأول من أن تعذر الاحتياط في المهملة يقتضي حجية الظن في تعيينها.

بل كان المناسب له هناك التفصيل بين الظن بالتكليف فيعمل به مطلقا، و الظن بعدمه فيبني على الإهمال و يقتصر فيه على خصوص مظنون الحجية،فالظن بالحجية لا يرجع إليه إلا في الظنون المخالفة للاحتياط دون المطابقة له.

و الظاهر ابتناء الكلام في ذلك على أن لزوم العسر موجب لسقوط الاحتياط كلية.أو لتبعيض فيه.

فعلى الأول-الذي عرفت أنه التحقيق-لا موجب للعمل بجميع الظنون بالتكليف احتياطا-كما أشرنا إليه قريبا-بل يقتصر على مظنون الحجية من الظنون المطابقة للاحتياط و المخالفة له لجريان دليل الانسداد في المهملة،كما ذكرناه سابقا.

و على الثاني-الذي عرفته من المصنف قدّس سرّه-يتعين العمل بجميع الظنون بالتكليف احتياطا،كما ذكره المستشكل،و يقتصر في مظنون عدم التكليف على خصوص مظنون الحجية لكفايته في رفع العسر.فلاحظ و تأمل جيدا.

(1)مما سبق تعرف أنه هو الظاهر.

ص: 216

و أما على تقدير تقريرها على وجه يوجب حكومة العقل بوجوب الإطاعة الظنية و الفرار عن المخالفة الظنية،و أنه يقبح من الشارع تعالى إرادة أزيد من ذلك كما يقبح من المكلف الاكتفاء بما دون ذلك،فالتعميم و عدمه لا يتصور بالنسبة إلى الأسباب (1) ،لاستقلال العقل بعدم الفرق فيما إذا كان المقصود الانكشاف الظني بين الأسباب المحصلة له،كما لا فرق فيما كان المقصود الانكشاف الجزمي بين أسبابه،و إنما يتصور من حيث مرتبة الظن و وجوب الاقتصار على الظن القوي الذي يرتفع معه التحير عرفا.

وجوب الاقتصار على الظن الاطمئناني بناء على الحكومة

بيان ذلك:أن الثابت من مقدمتي بقاء التكليف و عدم التمكن من العلم التفصيلي:هو وجوب الامتثال الإجمالي بالاحتياط في إتيان كل ما يحتمل الوجوب و ترك كل ما يحتمل الحرمة،لكن المقدمة الثالثة النافية للاحتياط إنما أبطلت وجوبه على وجه الموجبة الكلية،بأن يحتاط في كل (1)يعني:التعميم المبني على إهمال النتيجة ابتداء،و أما التعميم ابتداء فهو الذي اختاره قدّس سرّه.

و منه يظهر الإشكال في قوله:«و إنما يتصور من حيث مرتبة الظن»فإن اللازم بناء على ما ذكره دعوى جزم العقل بالتبعيض من حيث المرتبة ابتداء لا بعد إهمال النتيجة.و كيف كان فقد عرفت أن اللازم إهمال النتيجة من حيث الأسباب و المرتبة و الموارد من دون فرق بين القول بالكشف و الحكومة،لابتناء العمل بالظن على تمامية المقدمات،في كل مورد بخصوصه،و قد عرفت أن تماميتها في المجموع إنما هو بنحو القضية المهملة و هو لا يقتضي إلا الرجوع للظن كذلك فراجع.

ص: 217

واقعة قابلة للاحتياط أو يرجع إلى الأصل كذلك،و من المعلوم أن إبطال الموجبة الكلية لا يستلزم صدق السالبة الكلية (1) ،و حينئذ فلا يثبت من ذلك إلا وجوب العمل بالظن على خلاف الاحتياط و الأصول في الجملة.

ثم إن العقل حاكم بأن الظن القوي الاطمئناني أقرب إلى العلم عند تعذره،و أنه إذا لم يمكن القطع بإطاعة مراد الشارع و ترك ما يكرهه وجب تحصيل ذلك بالظن الأقرب إلى العلم.

و حينئذ:فكل واقعة تقتضي الاحتياط الخاص بنفس المسألة (2) أو الاحتياط العام من جهة كونها إحدى المسائل التي نقطع بتحقق التكليف فيها،إن قام على خلاف مقتضى الاحتياط أمارة ظنية توجب الاطمئنان بمطابقة الواقع تركنا الاحتياط و أخذنا بها (3) .

و كل واقعة ليست فيها أمارة كذلك،نعمل فيها بالاحتياط ، سواء لم توجد أمارة أصلا كالوقائع المشكوكة،أو كانت و لم تبلغ مرتبة الاطمئنان.

(1)يعني:بنحو يقتضي جواز ترك الاحتياط في تمام المسائل.و هذا منه قدّس سرّه مبني على تبعيض الاحتياط الذي عرفت الكلام فيه.

(2)كما في موارد الدوران بين القصر و التمام.

(3)إذا لم يكن مقتضاها خلاف الأصل،كالاستصحاب في تلك المسألة، و إلا لزم العمل بالأصل،و تقديمه على الظن المذكور،بناء على جريان الأصول الإلزامية في أطراف العلم الإجمالي،كما هو التحقيق.

ص: 218

و كل واقعة لم يمكن فيها الاحتياط (1) ،تعين التخيير في الأول (2) ، و العمل بالظن في الثاني (3) و إن كان في غاية الضعف،لأن الموافقة الظنية أولى من غيرها،و المفروض عدم جريان البراءة و الاستصحاب،لانتقاضهما بالعلم الإجمالي (4) ،فلم يبق من الأصول إلا التخيير،و محله عدم رجحان (1)إما بالذات،كما في موارد الدوران بين الوجوب و الحرمة،أو بالعرض، كما في الدوران بين القصر و التمام مع ضيق الوقت عن الجمع بينهما،فإنه و إن وجب الجمع بينهما بالإتيان بأحدهما في الوقت و بالآخر في خارجه،إلا أن المهم تعيين ما يجب الإتيان به في الوقت.

(2)و هو مورد الشك الذي لم يقم فيه أمارة على أحد الطرفين.لكن ذلك يختص بما إذا لم تقتض الأصول أحد الطرفين،و إلا تعين العمل بالأصل بناء على حجيته في أطراف العلم الإجمالي كما هو التحقيق،و إن كان مذهب المصنف قدّس سرّه خلاف ذلك،كما سبقت الإشارة إليه في المقدمة الثالثة،و سيشير إليه هنا.و تفصيل الكلام في محله.

(3)يعني:في مورد قيام الأمارة على أحد الطرفين.لكن وجوب العمل بالظن هنا لا يخلو عن إشكال،بل منع،لعدم الدليل عليه بعد سقوط العلم الإجمالي عن المنجزية بسبب تعذر أحد الطرفين.

نعم قد يتجه بناء على تبعيض الاحتياط في مثل ذلك لجريان مقدمات الانسداد حينئذ في الواقعة الشخصية،الذي عرفت أنه يقتضي حجية الظن مطلقا و إن كان ظاهر المصنف قدّس سرّه في مسألة الدوران بين الوجوب و الحرمة من مباحث أصل البراءة عدم ترجيح المحتمل المظنون،حيث لم يذكر ذلك من المرجحات.على أنه لو فرض العمل بالظن فهو مختص بما إذا لم يكن مخالفا للأصل-كالاستصحاب-و إلا كان العمل على الأصل بناء على ما عرفت من حجيته في أطراف العلم الإجمالي.

(4)عرفت الاشكال في انتقاض الاستصحاب بذلك،خصوصا

ص: 219

أحد الاحتمالين،و إلا فيؤخذ بالراجح (1) .

النتيجة بناء على الحكومة هو التبعيض في الاحتياط

و نتيجة هذا:هو الاحتياط في المشكوكات و المظنونات بالظن الغير الاطمئناني إن أمكن (2) ،و العمل بالظن في الوقائع المظنونة بالظن الاطمئناني (3) ،فإذا عمل المكلف قطع بأنه لم يترك القطع بالموافقة-الغير الواجب على المكلف من جهة العسر-إلا إلى الموافقة الاطمئنانية،فيكون مدار العمل على العلم بالبراءة و الظن الاطمئناني بها.

و أما مورد التخيير،فالعمل فيه على الظن الموجود في المسألة و إن كان ضعيفا،فهو خارج عن الكلام (4) ،لأن العقل لا يحكم فيه بالاحتياط (5) حتى يكون التنزل منه إلى شيء آخر،بل التخيير أو العمل إذا كان الزاميا.

(1)عرفت الاشكال في ذلك.

(2)عرفت قرب الرجوع إلى الاصول:هذا و في بعض النسخ زيادة قوله بعد ذلك:«و إلا فبالأصول»و هو يلائم ما سبق منه قريبا من عدم الرجوع للبراءة و الاستصحاب.

(3)بناء على ما سبق من المصنف قدّس سرّه يكون العمل به من باب الاحتياط بما هو حجة.هذا إذا كان مقتضيا للتكليف.و أما الظن الاطمئناني بعدم التكليف فالعمل به من باب لزوم العسر من الاحتياط في مورده لا لأنه حجة على نفي التكليف.

و سيأتي من المصنف التنبيه على ذلك لانتقاضهما بالعلم الإجمالي.

(4)يعني:فلا يكون منافيا لما سبق من لزوم الاقتصار على الظن الاطمئناني.

(5)كأنه من جهة فرض تعذر الاحتياط في مورد التخيير.لكن المفروض في

ص: 220

بالظن الموجود تنزل من العلم التفصيلي إليهما بلا واسطة.

و إن شئت قلت:إن العمل في الفقه في مورد الانسداد على الظن الاطمئناني و مطلق الظن و التخيير،كل في مورد خاص (1) ،و هذا هو الذي يحكم به العقل المستقل.

و قد سبق لذلك مثال في الخارج،و هو:ما إذا علمنا بوجود شياه محرمة في قطيع،و كان أقسام القطيع-بحسب احتمال كونها مصداقا للمحرمات-خمسة،قسم منها يظن كونها محرمة بالظن القوي الاطمئناني لا أن المحرم منحصر فيه (2) ،و قسم منها يظن ذلك فيها بظن قريب من الشك و التحير،و ثالث يشك في كونها محرمة،و قسم منها في مقابل محل الكلام التعذر أيضا،و ليس الواجب الا تبعيض الاحتياط و هو ممكن في مورد التخيير أيضا.فالظاهر أن وجوب العمل بمطلق الظن هنا ليس لخروجه عن محل الكلام،بل لما عرفت من أن ذلك راجع إلى جريان مقدمات الانسداد في الواقعة الشخصية،و قد سبق من المصنف قدّس سرّه أنه يقتضي حجية الظن مطلقا من دون فرق بين المراتب و الموارد و الأسباب.

نعم هو مبني على تبعيض الاحتياط مع تعذر الاحتياط التام،أما بناء على سقوطه كلية فلا مانع من الرجوع للأصول فلا تتم مقدمات الانسداد و قد عرفت أن ما ذكره المصنف قدّس سرّه هنا مناف لما يظهر منه في مبحث مسألة الدوران بين الوجوب و الحرمة من مباحث الأصول العلمية.

(1)فالعمل مع الظن الاطمئناني مع إمكان الاحتياط ،و بمطلق الظن مع تعذر الاحتياط و حصول الظن و بالتخيير مع تعذر الاحتياط و عدم الظن.

(2)إذ مع الظن الاطمئناني بالانحصار يطمئن بخلو الباقي عن الحرام،فلا مجال لفرض بقية الأقسام إلاّ الرابع.

ص: 221

الظن الأول (1) ،و قسم منها في مقابل الظن الثاني (2) ،ثم فرضنا في المشكوكات و هذا القسم من الموهومات (3) ما يحتمل أن يكون واجب الارتكاب.

و حينئذ:فمقتضى الاحتياط وجوب اجتناب الجميع مما لا يحتمل الوجوب (4) ،فإذا انتفى وجوب الاحتياط لأجل العسر و احتيج إلى ارتكاب موهوم الحرمة،كان ارتكاب الموهوم في مقابل الظن الاطمئناني (5) أولى من الكل،فيبنى على العمل به،و يتخير في المشكوك الذي يحتمل الوجوب (6) ،و يعمل بمطلق الظن في المظنون (1)يعني:يظن بالظن الاطمئناني بعدم كونه محرما.

(2)يعني:يظن ظنا ضعيفا بعدم كونه محرما.

(3)و هو القسم الخامس من الأقسام المتقدمة.

(4)و هو الأول و الثاني و الرابع من الأقسام المتقدمة.ثم إنه كان على المصنف قدّس سرّه فرض محتمل الوجوب في غير هذا القطيع ليطابق ما نحن فيه.

حيث إن ما يمكن فيه الاحتياط في مورد احتمال الحكم الشرعي واجد للأقسام الخمسة،كما أن ما لا يمكن فيه الاحتياط كذلك فكان المناسب فرض قطيع آخر يدور الأمر فيه بين إقراره بين الوجوب و التحريم.مع الظن في بعضها بخصوص الوجوب مع الاطمئنان و بدونه و الظن في آخر بخصوص التحريم كذلك و يتساوي الاحتمالان في الثالث.فإن ذلك أنسب بما نحن فيه، كما لا يخفى.

(5)و هو القسم الرابع من الأقسام المتقدمة.

(6)و هو القسم الثالث.

ص: 222

منه (1) .

الفرق بين العمل بالظن بعنوان التبعيض في الاحتياط أو بعنوان الحجية

لكنك خبير:بأن هذا ليس من حجية مطلق الظن و لا الظن الاطمئناني في شيء،لأن معنى حجيته أن يكون دليلا في الفقه-بحيث يرجع في موارد وجوده إليه لا إلى غيره،و في موارد الخلوّ عنه إلى مقتضى الأصل الذي يقتضيه-و الظن هنا ليس كذلك،إذ العمل:

أما في موارد وجوده،ففيما طابق منه الاحتياط على الاحتياط لا عليه،إذ لم يدل على ذلك مقدمات الانسداد (2) ،و فيما خالف الاحتياط لا يعول عليه إلا بمقدار مخالفة الاحتياط لدفع العسر (3) ،و إلا فلو فرض فيه جهة أخرى لم يكن معتبرا من تلك الجهة (4) ،كما لو دار الأمر بين شرطية (1)و هو القسم الخامس.هذا و قد عرفت قرب الرجوع للاستصحاب لو كان له موضوع في جميع هذه الأقسام.

(2)هذا بناء على ما سبق منه في المقدمة الثالثة من أن سقوط الاحتياط التام لا يوجب سقوط العلم الإجمالي عن المنجزية،بل اللازم التبعيض في الاحتياط .و قد عرفت أن الحكومة تبتني على ذلك.أما بناء على أنه يوجب سقوط العلم الإجمالي عن المنجزية،فلا بد من نصب الشارع الطريق على الأحكام الواقعية مع فرض اهتمامه بها و عدم ترخيصه في إهمالها،و هو راجع إلى حجية الظن بنحو الكشف على ما سبق توضيحه في أول التنبيه الثاني.فراجع.

(3)فالعمل في الحقيقة بقاعدة نفي العسر لا به و إن طابقته عملا.

(4)لا مانع من التفكيك في الحجية بين الجهات المتلازمة كما في البينة على السرقة،حيث إنها حجة في إثبات الضمان لا في إثبات القطع،بل لا بد فيه من أربعة شهود فالعمدة في نفي حجية الظن ما سبق.

ص: 223

شيء (1) و إباحته و استحبابه،فظن باستحبابه،فإنه لا يدل مقدمات دليل الانسداد إلا على عدم وجوب الاحتياط في ذلك الشيء (2) ،و الأخذ بالظن في عدم وجوبه،لا في إثبات استحبابه (3) .

و أما في موارد عدمه و هو الشك،فلا يجوز العمل إلا بالاحتياط الكلي الحاصل من احتمال كون الواقعة من موارد التكليف المعلوم إجمالا و إن كان لا يقتضيه نفس المسألة،كما إذا شك في حرمة عصير التمر أو وجوب الاستقبال بالمحتضر،بل العمل على هذا الوجه يتبعض في الاحتياط و طرحه (4) في بعض الموارد دفعا للحرج،ثم يعين العقل للطرح البعض (1)يعني:في واجب.

(2)لفرض الظن بعدم التكليف الالزامي.

(3)فإن الرجوع إلى الظن في الأحكام غير الالزامية-كالاستحباب-لا مجال لإثباته بمقدمات الانسداد لعدم قابليتها للاحتياط اللازم المستلزم للحرج أو اختلال النظام،بل ليس الاحتياط فيها إلا راجحا من حيثية موافقة الحكم غير الإلزامي عملا و تحصيل مصلحته،و لا محذور فيه من حرج أو اختلال نظام،بل يبقى لاختيار المكلف،كما هو الحال في موافقة الحكم مع العلم به تفصيلا،فلا محذور من عدم نصب الحجة عليها.

نعم قد يستبعد ترك الشارع الأقدس لها بلا حجة.فيتعين كون الظن حجة بعد عدم وجود حجة سواه.لكنه استبعاد محض لا أثر له في المقام ما لم يبلغ مرتبة اليقين.و لا مجال لليقين بعد عدم لزوم محذور من ترك نصب الحجة لما عرفت.و لو فرض حصول اليقين كان أمرا شخصيا لا يستند إلى جهة عقلية.فلاحظ .

(4)يعني:طرح الاحتياط .

ص: 224

الذي يكون وجود التكليف فيها احتمالا ضعيفا في الغاية (1) .

فإن قلت:إن العمل بالاحتياط في المشكوكات منضمة إلى المظنونات مطلقا يوجب العسر فضلا عن انضمام العمل به في الموهومات المقابلة للظن الغير القوي،فيثبت وجوب العمل بمطلق الظن و وجوب الرجوع في المشكوكات إلى مقتضى الأصل (2) ،و هذا مساو في المعنى لحجية الظن المطلق،و إن كان حقيقة تبعيضا في الاحتياط الكلي،لكنه لا يقدح بعد عدم الفرق في العمل.

قلت:لا نسلم لزوم الحرج من مراعاة الاحتياط في المظنونات بالظن الغير القوي في نفي التكليف،فضلا عن لزومه من الاحتياط في المشكوكات فقط بعد الموهومات،و ذلك لأن حصول الظن الاطمئناني غير عزيز في الأخبار و غيرها (3) .

أما في غيرها،فلأنه كثيرا ما يحصل الاطمئنان من الشهرة و الإجماع المنقول و الاستقراء و الأولوية.

و أما الأخبار،فلأن الظن المبحوث عنه في هذا المقام هو الظن بصدور (1)لما تقدم في المقدمة الرابعة من تعين الرجوع للظن،و لما تقدم هنا منه قدّس سرّه من لزوم الاقتصار على المتيقن و هو الظن الاطمئناني و عدم ترك الاحتياط الا مع كون احتمال التكليف ضعيفا جدا.

(2)بناء على تبعيض الاحتياط يكون ترك الاحتياط في المشكوكات من جهة العسر،لا رجوعا إلى الأصل و إن اتفقا عملا،لسقوط الأصل بالعلم الإجمالي عند المصنف قدّس سرّه.

(3)يعني:فهو لأجل كثرته يفي بمعظم الفقه،و لا يلزم العسر.

ص: 225

المتن (1) ،و هو يحصل غالبا من خبر من يوثق بصدقه-و لو في خصوص الرواية-و إن لم يكن إماميا أو ثقة على الإطلاق (2) ،إذ ربما يتسامح في غير الروايات بما لا يتسامح فيها.

و أما احتمال الإرسال،فمخالف لظاهر كلام الراوي (3) ،و هو داخل (1)و أما الظن أو الاطمئنان بإرادة ظهور الكلام أو بصدوره لبيان الحكم الواقعي لا لتقية أو نحوها،فلا يلزم حصولهما،لكفاية أصالة الظهور و الجهة عنهما، لأنهما من الظنون الخاصة و إن لم يحصل بهما الظن أو الاطمئنان.

و دعوى:أنه مع عدم حصول الظن بهما لا يظن بالحكم الشرعي و لا بالامتثال -الذي هو مقتضى مقدمات الانسداد-لأن النتيجة تتبع أخس المقدمتين.

مدفوعة:بأن اعتبار الظن أو الاطمئنان على حد اعتبار العلم،فإنه لا يراد به إلا التنزل منه إليهما،فكما كان مقتضى حجية العلم العمل عليه سواء تعلق بالحكم ابتداء،فيعمل به وحده،أم تعلق ببعض مقدماته من الصدور أو غيره،فيعمل به منضما إلى الحجج في بقيتها و إن لم يحصل منها العلم،فلذا الحال في الظن أو الاطمئنان.

و لذا لا إشكال حتى بناء على تبعيض الاحتياط في كفاية قيام الحجج و الأصول الخاصة في إحراز موضوعات الأحكام،مع أن الامتثال لا يكون اطمئنانيا بها،كما في موارد قاعدة الفراغ و التجاوز و نحوهما.

(2)يعني:حتى في غير الرواية.

(3)لظهور كلامه في كون نقله عن حس و مباشرة لا اعتمادا على نقل غيره له.

لكن أصالة الظهور في كلام الراوي لا أثر لها بعد عدم كونه حجة بالخصوص.

غايته أن العلم و الاطمئنان بارادته لظاهر الكلام في عدم الإرسال يوجب الاطمئنان بصدور الكلام عن الإمام عليه السّلام،و أصالة الظهور كبقية الأصول التعبدية

ص: 226

في ظواهر الألفاظ ،فلا يعتبر فيها إفادة الظن فضلا عن الاطمئناني منه، فلو فرض عدم حصول الظن بالصدور لأجل عدم الظن بالإسناد (1) ،لم يقدح في اعتبار ذلك الخبر،لأن الجهة التي يعتبر فيها الظن الاطمئناني هو جهة صدق الراوي في إخباره عمن يروي عنه،و أما أن إخباره بلا واسطة فهو ظهور لفظي لا بأس بعدم إفادته للظن (2) ،فيكون صدور المتن غير مظنون أصلا،لأن النتيجة تابعة لأخس المقدمتين.

و بالجملة:فدعوى كثرة الظنون الاطمئنانية في الأخبار و غيرها من الأمارات،بحيث لا يحتاج إلى ما دونها،و لا يلزم من الرجوع في الموارد الخالية عنها إلى الاحتياط محذور (3) و إن كان هناك ظنون لا تبلغ مرتبة -بل الأمارات-إنما تكون حجة بلحاظ ترتب الأثر العملي عليها و لو بضميمة غيرها،لا بلحاظ الاطمئنان و نحوه من اللوازم الخارجية للعلم بما هو صفة خاصة.

و يفترق هذا عما سبق بأنه بعد فرض تحقق الاطمئنان بصدور الكلام عن الإمام عليه السّلام و حجية الاطمئنان-لما تقدم-تكون أصالة الظهور في كلامه عليه السّلام موردا للأثر العملي، و لو بالانضمام إلى غيرها لحجية كلامه عليه السّلام.

نعم لو فرض حجية خبر الثقة بنفسه-لا بما هو موجب للاطمئنان بصدور الكلام عن الإمام عليه السّلام-لترتب الأثر على أصالة الظهور في كلامه،فيبنى في الفرض على عدم الإرسال،كما هو الحال بناء على حجية خبر الواحد بالخصوص.

(1)لاحتمال الإرسال.

(2)لما عرفت من كونه من الظنون الخاصة التي لا يعتبر فيها إفادة الظن الشخصي،فضلا عن الاطمئنان.لكن عرفت الإشكال في كفاية ذلك في خصوص المقام.

(3)فاعل(يلزم)في قوله:«و لا يلزم من الرجوع...».

ص: 227

الاطمئنان (1) ،قريبة جدا (2) .إلا أنه يحتاج إلى مزيد تتبع في الروايات و أحوال الرواة و فتاوى العلماء.

و كيف كان:فلا أرى الظن الاطمئناني الحاصل من الأخبار و غيرها من الأمارات أقل عددا من الأخبار المصححة بعدلين،بل لعل هذا أكثر (3) .

عدم الفرق في الظن الاطمئناني بين الظن بالحكم أو الظن بالطريق

ثم إن الظن الاطمئناني من أمارة أو أمارات إذا تعلقت بحجية أمارة ظنية كانت في حكم الاطمئنان و إن لم تفده،بناء على ما تقدم:من عدم الفرق بين الظن بالحكم و الظن بالطريق،إلا أن يدعي مدع قلتها بالنسبة إلى نفسه (4) ،لعدم الاطمئنان له غالبا من الأمارات القوية و عدم ثبوت حجية أمارة بها أيضا (5) ،و حينئذ فيتعين في حقه التعدي منه إلى مطلق الظن.

(1)يعني:فيجب الاحتياط فيها.

(2)خبر قوله:«فدعوى...».

(3)هذا و إن لم يكن قريبا،إلا أن الأخبار المصححة بعدلين غير كافية ظاهرا كما يشهد به ما سبق منه في ردّ الوجه الثاني من وجوه التعميم،فكون الظن الاطمئناني اكثر منها لا يشهد بكفايته و عدم لزوم العسر من الاقتصار عليه.و لا سيما مع كون المرجع في مورد عدم الاطمئنان عند المصنف قدّس سرّه هو الاحتياط ،و المرجع في مورد فقد الخبر المصحح بعدلين بناء على حجيته هو الأصل المقتضي للسعة.

(4)لأن الاطمئنان من الأمور الوجدانية التي تختلف باختلاف الأشخاص، فبعضهم يطمئن من أضعف أمارة،و آخر لا يطمئن من الأمارات القوية،فتكثر موارد الاطمئنان للأول،و تقل للثاني.

(5)يعني من باب حجية الظن بالطريق،لعدم حصول الظن المذكور له.

ص: 228

الإشكال في العمل بما يقتضيه الأصل في المشكوكات

و أما العمل في المشكوكات بما يقتضيه الأصل في المورد،فلم يثبت، بل اللازم بقاؤه على الاحتياط ،نظرا إلى كون المشكوكات من المحتملات التي يعلم إجمالا بتحقق التكليف فيها وجوبا و تحريما.و لا عسر في الاحتياط فيها،نظرا إلى قلة المشكوكات،لأن أغلب المسائل يحصل فيها الظن بأحد الطرفين (1) ،كما لا يخفى.

مع أن الفرق بين الاحتياط في جميعها (2) و العمل بالأصول الجارية في خصوص مواردها (3) إنما يظهر في الأصول المخالفة للاحتياط (4) ، و لا ريب أن العسر لا يحدث بالاحتياط فيها (5) ،خصوصا مع كون مقتضى الاحتياط في شبهة التحريم الترك،و هو غير موجب للعسر (6) .

(1)كما تقدم منه قدّس سرّه في المقدمة الثالثة.و هو لا يخلو عن إشكال،و يحتاج إلى سبر للمسائل الفقهية إجمالا،مع أنه يختلف باختلاف الأشخاص،كالاطمئنان.

(2)يعني:في جميع المشكوكات،كما ذكره المصنف قدّس سرّه.

(3)التي قد تقتضي الاحتياط ،كما في مثل الدوران بين القصر و الإتمام و موارد الشك في المحصل،و قد تقتضي السعة،كما في موارد الشبهة البدوية في التكليف.

و هذا هو الذي ذكره المستشكل في المقام.

(4)أما الأصول الموافقة للاحتياط فلا يثمر الرجوع إليها تخفيف العسر.

(5)كأنه لقلة مواردها و هو غير ظاهر لكثرة الوقائع التي يرجع فيها إلى الأصول الترخيصية،خصوصا البراءة.إلا أن يرجع إلى ما ذكره أولا من قلة الوقائع المشكوكة التي لا رجحان فيها لأحد الطرفين،فيجري فيه ما سبق.

(6)لأن الترك لا يحتاج إلى مئونة،فيتسنى للمكلف أن يترك أمورا كثيرة في وقت واحد،بخلاف الفعل.لكن قد يلزم العسر من الترك بسبب كون المتروك موردا للابتلاء العام،فيحتاج تركه إلى مئونة.

ص: 229

و حينئذ:فلا يثبت المدعى،من حجية الظن و كونه دليلا بحيث يرجع في موارد عدمه إلى الأصل،بل يثبت عدم وجوب الاحتياط في المظنونات.

و الحاصل:أن العمل بالظن من باب الاحتياط لا يخرج المشكوكات عن حكم الاحتياط الكلي الثابت بمقتضى العلم الإجمالي في الوقائع.

نعم،لو ثبت بحكم العقل أن الظن عند انسداد باب العلم مرجع في الأحكام الشرعية نفيا و إثباتا كالعلم،انقلب التكليف إلى الظن، و حكمنا بأن الشارع لا يريد إلا الامتثال الظني (1) ،و حيث لا ظن-كما في المشكوكات-فالمرجع إلى الأصول الموجودة في خصوصيات المقام (2) ، فيكون كما لو انفتح باب العلم أو الظن الخاص،فيصير لزوم العسر حكمة في عدم ملاحظة الشارع العلم الإجمالي في الامتثال بعد تعذر التفصيلي،لا علة حتى يدور الحكم مدارها (3) .

و لكن الإنصاف:أن المقدمات المذكورة لا تنتج هذه النتيجة،كما (1)لصلوحه لتمييز موارد العلم الإجمالي و انحلال العلم الإجمالي به،فلا منجز لموارد الشك الخالية عنه.

(2)لما عرفت من عدم المنجز لها،فلا محذور من الرجوع فيها إلى الأصول المذكورة.

(3)بل قد يكون علة،غايته أنه علة لسقوط الاحتياط في المقام،و سقوط الاحتياط في خصوص بعض الموارد إنما هو للارتباطية بين الموارد في الاحتياط ،بناء على أن سقوط الاحتياط في المقام ناش عن سقوط التكليف المعلوم بالإجمال و مانع من منجزية العلم الإجمالي مطلقا،خلافا لما ذكره المصنف قدّس سرّه من التبعيض في الاحتياط .

ص: 230

يظهر لمن راجعها و تأملها (1) .

نعم،لو ثبت أن الاحتياط في المشكوكات يوجب العسر ثبتت النتيجة المذكورة (2) ،لكن عرفت فساد دعواه في الغاية،كدعوى أن العلم الإجمالي المقتضي للاحتياط الكلي إنما هو في موارد الأمارات دون المشكوكات (3) ، فلا مقتضي فيها للعدول عما تقتضيه الأصول الخاصة في مواردها (4) ، فإن هذه (5) الدعوى يكذبها ثبوت العلم الإجمالي بالتكليف الإلزامي (1)عرفت غير مرة أن هذا مبني على أن قاعدة العسر هل تقتضي التصرف في قاعدة الاحتياط مع بقاء التكليف المعلوم بالإجمال منجزا،أو التصرف في نفس التكليف الشرعي،فلا موضوع للاحتياط معه.و قد عرفت من المصنف الأول.

(2)عرفت أن ذلك و إن اقتضى عدم وجوب الاحتياط في المشكوكات،إلا أنه عند المصنف ليس مبنيا على الرجوع للأصول،بل لقاعدة العسر،و إن لم يكن فرق بين الأمرين عملا.

(3)حاصل الدعوى المذكورة أنه كما يعلم إجمالا بثبوت التكاليف الشرعية في جميع موارد احتمالها كذلك يعلم إجمالا بثبوتها في خصوص موارد الظن،و حينئذ فإن كان المعلوم في الثاني بقدر المعلوم في الأول تعين انحلال الأول بالثاني،ابتداء فلا يتنجز إلا العلم الثاني بلا حاجة إلى لزوم العسر من الاحتياط في الأول و إن كان أقل منه كان كل من العلمين منجزا في نفسه،إلا أنه لو فرض سقوط الأول عن المنجزية بسبب العسر و الحرج بناء على عدم تبعيض الاحتياط بقي الثاني منجزا في نفسه بلا محذور فيجب الاحتياط فيه لا غير.

(4)لخروجها عن العلم الإجمالي فلا يحتاج في سقوط الاحتياط فيها إلى دعوى لزوم الحرج منه.

(5)بيان لفساد دعوى اختصاص العلم الإجمالي بموارد الأمارات.

ص: 231

قبل استقصاء الأمارات،بل قبل الاطلاع عليها (1) ،و قد مر تضعيفه سابقا (2) ،فتأمل فيه،فإن ادعاء ذلك ليس كل البعيد.

الإشكال في الأصول اللفظية أيضا

ثم إن نظير هذا الإشكال الوارد في المشكوكات من حيث الرجوع فيها بعد العمل بالظن إلى الأصول العملية،وارد فيها من حيث الرجوع فيها بعد العمل بالظن إلى الأصول اللفظية الجارية في ظواهر الكتاب و السنة المتواترة و الأخبار المتيقن كونها ظنونا خاصة.

توضيحه:أن من مقدمات دليل الانسداد إثبات عدم جواز العمل بتلك الظواهر،للعلم الإجمالي بمخالفة ظواهرها في كثير من الموارد (3) ، (1)هذا لا ينافي انحلال العلم الإجمالي الكبير بالعلم الإجمالي في خصوص موارد الأمارات لو فرض الالتفات إليه و لو إجمالا حين العلم الإجمالي الكبير و قبل النظر فيها،كما لا ينافي منجزية العلم المذكور بعد حصوله فيجب الاحتياط فيه بعد سقوط الاحتياط في مورد العلم الإجمالي الكبير من جهة لزوم العسر بناء على عدم تبعيض الاحتياط ،بل سقوطه كلية بسبب العسر.

(2)قال بعض أعاظم المحشّين قدّس سرّه:«تقدم بعض الكلام في ذلك نقضا و إبراما عند الكلام في حجية الأخبار من حيث الخصوص».و لم يتضح مما سبق هناك تضعيف ذلك.نعم له نحو ارتباط به.

(3)تقدم منه التعرض للعلم الإجمالي المذكور في المقدمة الثالثة في آخر الكلام في تبعيض الاحتياط .و تقدم منه إنكاره.و عليه بنى الإشكال في العمل بالظن في قبال الظواهر المذكورة بناء على تبعيض الاحتياط .و تقدم منا أن العلم الإجمالي المذكور لو لم يتم لأشكل العمل بالظن في قبال الظواهر المذكورة حتى بناء على أن مقتضى مقدمات الانسداد حجية الظن لا تبعيض الاحتياط .نعم تقدم منا تقريب ثبوت العلم الإجمالي المذكور.فراجع.

ص: 232

فتصير مجملة لا تصلح للاستدلال.

فإذا فرضنا رجوع الأمر إلى ترك الاحتياط في المظنونات أو في المشكوكات أيضا (1) ،و جواز العمل بالظن المخالف للاحتياط و بالأصل المخالف للاحتياط (2) ،فما الذي أخرج تلك الظواهر عن الإجمال حتى يصح الاستدلال بها في المشكوكات،إذ لم يثبت كون الظن مرجعا كالعلم (3) ،بحيث يكفي في الرجوع إلى الظواهر عدم الظن بالمخالفة ؟

مثلا:إذا أردنا التمسك ب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لإثبات صحة عقد انعقدت أمارة-كالشهرة أو الإجماع المنقول-على فساده،قيل:لا يجوز التمسك بعمومه،للعلم الإجمالي بخروج كثير من العقود عن هذا العموم لا نعلم تفصيلها.

ثم إذا ثبت وجوب العمل بالظن-من جهة عدم إمكان الاحتياط في بعض الموارد (4) ،و كون الاحتياط في جميع موارد إمكانه مستلزما للحرج-فإذا شك في صحة عقد لم يقم على حكمه أمارة ظنية،إن الواجب الرجوع إلى عموم الآية،و لا يخفى أن إجمالها لا يرتفع بمجرد حكم العقل بعدم وجوب الاحتياط فيما ظن فيه بعدم التكليف (5) .

(1)يعني:من باب تبعيض الاحتياط لتسليم لزوم العسر من الاحتياط فيها.

(2)يعني:في المشكوكات بناء على عدم وجوب الاحتياط فيها للزوم العسر.

(3)حتى يوجب انحلال العلم الإجمالي الذي أوجب إجمال الظواهر المذكورة.

(4)كما في موارد الدوران بين الوجوب و الحرمة.

(5)إذ لا يصلح ذلك لتمييز موارد المعلوم بالإجمال و لا لانحلال العلم الإجمالي بعد فرض عدم رجوعه إلى حجية الظن.

ص: 233

و دفع هذا-كالإشكال السابق (1) -منحصر في أن يكون نتيجة دليل الانسداد حجية الظن كالعلم،ليرتفع الإجمال في الظواهر-لقيامه في كثير من مواردها-من جهة ارتفاع (2) العلم الإجمالي،كما لو علم تفصيلا بعض تلك الموارد بحيث لا يبقى علم إجمالا في الباقي.

أو يدعى أن العلم الإجمالي الحاصل في تلك الظواهر إنما هو بملاحظة موارد الأمارات،فلا يقدح في المشكوكات (3) سواء ثبت حجية الظن أم لا (4) .

و أنت خبير:بأن دعوى (5) النتيجة على الوجه المذكور (6) يكذبها مقدمات دليل الانسداد (7) .

(1)و هو إشكال الرجوع في المشكوكات للأصول العملية.لكن عرفت أن الإشكال المذكور يندفع لو فرض لزوم العسر من الاحتياط في المشكوكات و لا ينحصر بالوجهين الآتين،بخلاف إشكال الرجوع للأصول اللفظية،فإن اندفاعه منحصر بالوجهين المذكورين.

(2)تعليل لارتفاع الإجمال في الظواهر بقيام الظن في كثير من مواردها.

(3)لخروجها عن أطراف العلم الإجمالي،فلا مانع من التمسك فيها بالأصول اللفظية،لعدم إجمالها بالاضافة إليها.و اختصاص الإجمال بموارد الأمارات التي هي أطراف العلم الإجمالي المذكور.

(4)بأن قيل بتبعيض الاحتياط على طبقه.

(5)هذا جواب عن الوجه الأول لدفع الإشكال المتقدم.

(6)يعني:بنحو يقتضي حجية الظن.

(7)على ما تقدم و تقدم الكلام فيه.

ص: 234

و دعوى (1) :اختصاص المعلوم إجمالا من مخالفة الظواهر بموارد الأمارات،مضعفة بأن هذا العلم حاصل من دون ملاحظة الأمارات و مواردها (2) ،و قد تقدم سابقا (3) أن المعيار في دخول طائفة من المحتملات في أطراف العلم الإجمالي (4) -لنراعي فيها حكمه-و عدم دخولها،هو تبديل طائفة من المحتملات-المعلوم لها دخل في العلم (1)هذا جواب عن الدفع الثاني للإشكال المتقدم.

(2)على ما تقدم منه،لكن الظاهر أنه لا مجال لدعوى ذلك في المقام،فإنه لما كانت أصالة الظهور محكمة بنظر أهل اللسان فلا موجب للعلم بمخالفتها لمراد المتكلم إلا الاطلاع على الأمارات الكثيرة الدالة على المخالفة التي يعلم إجمالا بصدق بعضها و إن لم تكن حجة في أنفسها.

و هذا بخلاف العلم بوجود الأحكام الشرعية،فإنه ملازم للعلم بوجود الشريعة،و لا يحتاج إلى الاطلاع على الأمارات الدالة عليها،فلا مجال لهذا الوجه هنا و إن كان له مجال فيما سبق.على أنه سبق الكلام فيه من بعض الجهات الأخر.

(3)تقدم هذا منه في الإشكال الأول على الوجه الأول من الوجوه العقلية التي يستدل بها لحجية خبر الواحد بالخصوص.و تقدم منا الكلام فيه،و توجيه الإشكال بوجه آخر لا يرد على دعوى اختصاص العلم الإجمالي بالظن،كما أشرنا إليه عند الكلام في تبعيض الاحتياط ،كما سبق.

و كيف كان فالظاهر أن عزل مقدار من المظنونات بنحو يرتفع العلم الإجمالي و ضم طائفة من المشكوكات إلى الباقي لا يوجب رجوع العلم الإجمالي.لعدم احتمال كذب جميع الظنون و إمكان عدم وجود التكليف في موارد الشك فلا مجال لدعوى عدم خصوصية المظنونات في العلم الإجمالي.

(4)كالمظنونات في المقام.

ص: 235

الإجمالي-بهذه الطائفة المشكوك دخولها (1) ،فإن حصل العلم الإجمالي كانت من أطراف العلم،و إلا فلا.

و قد يدفع الإشكالان (2) :بدعوى قيام الإجماع بل الضرورة على أن المرجع في المشكوكات إلى العمل بالأصول اللفظية إن كانت،و إلا فإلى الأصول العملية.

و فيه:أن هذا الإجماع مع ملاحظة الأصول في أنفسها (3) ،و أما مع طرو العلم الإجمالي بمخالفتها في كثير من الموارد-غاية الكثرة-فالإجماع على سقوط العمل بالأصول مطلقا،لا على ثبوته.

ثم إن هذا العلم الإجمالي و إن كان حاصلا لكل أحد قبل تمييز (1)كالمشكوكات في المقام.

(2)و هما الإشكال بامتناع الرجوع في المشكوكات للأصول العملية، و الإشكال بامتناع الرجوع فيها للأصول اللفظية.

(3)هذا إنما يتوجه لو كان الاستدلال بالإجماع القولي،أما لو كان الاستدلال بالإجماع العملي فلا وجه له،إذ لا معنى للتقدير و التعليق في العمل.بل لو تم الإجمال العملي كان كاشفا عن خلل فيما ادعي كونه مانعا من الرجوع للأصول العملية و اللفظية.

فالأولى الجواب حينئذ بأن عملهم بالأصول اللفظية و العملية كان مبنيا على عدم تنجز العلم الإجمالي المذكور و انحلاله بقيام الطرق الخاصة لبنائهم على انفتاح باب العلم و وجود الحجج الخاصة الكافية،فلا مجال للاعتماد على العمل المذكور بناء على الانسداد و ثبوت العلم الإجمالي المانع من الرجوع للأصول.و كأن قوله قدّس سرّه:

«ثم إن هذا العلم الإجمالي...»ناظر إلى ما ذكرنا.

ص: 236

الأدلة عن غيرها،إلا أن من تعينت له الأدلة و قام الدليل القطعي عنده على بعض الظنون عمل بمؤداها،و صار المعلوم بالإجمال عنده معلوما بالتفصيل (1) ،كما إذا قامت أمارة معتبرة كالبينة و اليد على حرمة بعض القطيع الذي علم بحرمة كثير من شياهها،فإنه يعمل بمقتضى الأمارة، ثم يرجع في مورد فقدها إلى أصالة الحل،لأن المعلوم إجمالا صار معلوما بالتفصيل،و الحرام الزائد عليه غير معلوم التحقق في أول الأمر.

و أما من لم يقم عنده الدليل على أمارة،إلا أنه ثبت له عدم وجوب الاحتياط ،و العمل بالأمارات لا من حيث إنها أدلة،بل من حيث إنها مخالفة للاحتياط و ترك الاحتياط فيها موجب لاندفاع العسر،فلا رافع لذلك العلم الإجمالي لهذا الشخص بالنسبة إلى المشكوكات (2) .

حاصل الكلام في المسألة

فعلم مما ذكرنا:أن مقدمات دليل الانسداد على تقرير الحكومة و إن كانت تامة في الإنتاج (3) إلا أن نتيجتها لا تفي بالمقصود:من حجية الظن و جعله كالعلم أو كالظن الخاص.

و أما على تقرير الكشف،فالمستنتج منها و إن كان عين المقصود،إلا (1)هذا موقوف على كون مؤدى الطرق الظاهرية شرح المعلوم بالإجمال و حصره،و هو غير ظاهر في المقام فالأولى دعوى أن الطرق المذكورة بعد فرض حجيتها تقتضي انحلال العلم الإجمالي.

(2)بناء على تنجزها بالعلم الإجمالي لكونها من أطرافه.

(3)حيث تقدم منه البناء على الحكومة.و من هنا كانت هذه النسخة هي الصحيحة دون ما في بعض النسخ من جعل كلمة«الكشف»هنا بدل «الحكومة»و جعل كلمة«الحكومة»فيما يأتي قريبا بدلا عن«الكشف».

ص: 237

أن الإشكال و النظر بل المنع في استنتاج تلك النتيجة (1) .

فإن كنت تقدر على إثبات حجية قسم من الخبر (2) لا يلزم من الاقتصار عليه محذور،كان أحسن (3) ،و إلا فلا تتعد على تقرير الكشف عما ذكرناه من المسلك في آخره (4) ،و على تقدير الحكومة ما بينا هنا أيضا:

من الاقتصار في مقابل الاحتياط على الظن الاطمئناني بالحكم أو بطريقية أمارة دلت على الحكم و إن لم تفد اطمئنانا بل و لا ظنا،بناء على ما عرفت من مسلكنا المتقدم من عدم الفرق بين الظن بالحكم و الظن بالطريق.

و أما في ما لا يمكن الاحتياط (5) ،فالمتبع فيه-بناء على ما تقدم في المقدمات:من سقوط الأصول عن الاعتبار،للعلم الإجمالي بمخالفة الواقع فيها-هو (6) مطلق الظن إن وجد (7) ،و إلا فالتخيير.

و حاصل الأمر:عدم رفع اليد عن الاحتياط في الدين مهما أمكن إلا (1)كما تقدم منه قدّس سرّه و تقدم الكلام فيه.

(2)يعني بالخصوص بالنظر إلى الأدلة المتقدمة في مسألة حجية خبر الواحد.

فيكون مغنيا عن دليل الانسداد و رافعا للمقدمة الأولى منه.

(3)لا معنى للحسن في المقام،بل المدار على التمكن و عدمه بالنظر للأدلة.

إلا أن يريد بحسنه كونه أقرب لراحة بال الفقيه و أولى بتسهيل عمله.

(4)من الاقتصار على المتيقن إن و فى بمقدار الحاجة،و إلا لزم الرجوع في تعيين المهملة إلى الظن،على ما سبق تفصيله.

(5)كما في مورد الدوران بين الوجوب و الحرمة.

(6)خبر لقوله:«فالمتبع...».

(7)تقدم الإشكال في ذلك،و قرب التخيير حتى مع الظن.

ص: 238

مع الاطمئنان بخلافه.

و عليك بمراجعة ما قدمنا من الأمارات على حجية الأخبار، عساك تظفر فيها بأمارات توجب الاطمئنان بوجوب العمل بخبر الثقة عرفا (1) إذا أفاد الظن و إن لم يفد الاطمئنان،بل لعلك تظفر فيها بخبر مصحح بعدلين مطابق لعمل المشهور (2) مفيد للاطمئنان (3) يدل على حجية المصحح بواحد عدل (4) -نظرا إلى حجية قول (1)فإنها توجب كون خبر الثقة المفيد للظن بمنزلة الاطمئنان بناء على عدم الفرق بين الظن بالواقع و الظن بالطريق،فلا يحتاج في العمل به إلى دعوى لزوم العسر من الاحتياط في المظنونات بالظن غير الاطمئناني.

(2)لأنه متيقن الحجية بناء على الكشف،كما سبق.

(3)فيدخل في المتيقن بناء على الحكومة و تبعيض الاحتياط .

(4)العبارة لا تخلو عن تشويش،لأن ظاهر قوله:«يدل على حجية المصحح بواحد عدل»هو دلالة الخبر المصحح بعدلين المتيقن الحجية على الخبر المصحح بواحد عدل ابتداء بلا حاجة إلى مقدمة أخرى.

و ظاهر قوله:«نظرا إلى حجية قول الثقة المعدل»و قوله بعد ذلك:«حجية خبر الثقة المعدل المستلزم...»أن حجية المصحح بواحد عدل إنما تثبت بضميمة دخول خبر المعدّل في ملاك الحجية،و لو لا ذلك فلا طريق لإثباته من نفس الخبر المصحح بعدلين.

و لو أنه قدّس سرّه أبدل قوله:«يدل على حجية المصحح بواحد عدل»بقوله:«يدل على حجية خبر العدل»لجرى الكلام على سمت واحد،و سلم من التدافع.و مع أنه المناسب لحال الأخبار الدالة على حجية الخبر،فإنها لا تتعرض للتعديل،كي يمكن أن يتحصل منها حجية المعدل بعدل واحد ابتداء.بل غاية ما يستفاد منها حجية خبر

ص: 239

الثقة (1) المعدل في تعديله،فيصير (2) بمنزلة المعدل بعدلين-حتى (3) يكون المصحح بعدل واحد متبعا،بناء على دليل الانسداد بكلا تقريريه، لأن المفروض حصول الاطمئنان من الخبر القائم (4) على حجية قول الثقة المستلزم (5) لحجية المصحح بعدل واحد،بناء على شمول دليل اعتبار خبر الثقة للتعديلات (6) ،فيقضي (7) به تقرير الحكومة.

العدل مع السكوت عن ثبوت طريق عدالته.و كأن هذا هو مراد المصنف قدّس سرّه على غموض عبارته.و محصله:أنه لو فرض دلالة الخبر المعدل بعدلين المشار إليه على حجية خبر العدل كان مقتضاه-بناء على شموله للأخبار بالعدالة و عدم اختصاصه بالرواية-هو حجية خبر العدل الواحد المعدل للراوي،فإذا ثبتت به عدالة الراوي كانت روايته حجة لدخولها في خبر العدل المفروض ثبوت حجيته.

(1)الأولى-بناء على ما سبق-إبدال(الثقة)بكلمة(العدل).

(2)يعني:الراوي المعدل بعدل واحد.

(3)متعلق بقوله:«تظفر»في قوله:«لعلك تظفر فيها...».

(4)و هو الخبر المعدل بعدلين المفروض في المقام.

(5)يتحمل ضميرا عائدا على(حجية)في قوله:«على حجية قول الثقة...».

(6)إذ لو قيل باختصاص ما دل على حجية خبر العدل بالرواية لم يمكن اثبات حجية رواية المصحح بعدل واحد،لعدم ثبوت عدالته.

هذا و قد عرفت أن الاحتياج إلى هذه المقدمات موقوف على كون الخبر المصحح بعدلين المفروض دالا على حجية خبر العدل،أما لو كان دالا على حجية خبر المصحح بعدل ابتداء-كما هو ظاهر صدر كلامه-فلا حاجة إلى هذه المقدمات الطويلة.و من ثم حملنا كلامه على الوجه الأول المناسب لهذه المقدمات.

(7)تفريع على«حصول»في قوله:«لأن المفروض حصول الاطمئنان...»

ص: 240

و كون (1) مثله متيقن الاعتبار من بين الأمارات فيقضي به تقرير الكشف (2) .

(1)عطف على«حصول»في قوله:«لأن المفروض حصول الاطمئنان...»

(2)لكن يشكل ما ذكره قدّس سرّه أما بناء على الحكومة و تبعيض الاحتياط فلأن مقتضى ما سبق هو الرجوع في مورد فقد خبر المصحح بعدل واحد إلى الاحتياط لا إلى الأصل،لما عرفت منه من لزوم الاحتياط في المشكوكات.فلا يتأتى بذلك غرض القائل بالانسداد.

و أما بناء على الكشف فلأنه موقوف على عدم الفرق في المتيقن بين الظن بالواقع و الظن بالطريق.و قد تقدم منه قدّس سرّه الإشكال في ذلك،بل منعه عند الكلام في المواضع التي يرجع فيها إلى الظن في تعيين المهملة فراجع و تأمل جيدا.و اللّه سبحانه و تعالى العالم.و له الحمد.

ص: 241

المقام الثالث
عدم الإشكال في خروج الظن القياسي على الكشف

في أنه إذا بني على تعميم الظن،فإن كان التعميم على تقرير الكشف، بأن يكون مقدمات الانسداد كاشفة عن حكم الشارع بوجوب العمل بالظن في الجملة ثم تعميمه بإحدى المعممات المتقدمة،فلا إشكال أصلا من جهة العلم بخروج القياس عن هذا العموم (1) ،لعدم جريان المعمم فيه بعد وجود الدليل على حرمة العمل به،فيكون التعميم بالنسبة إلى ما عداه،كما لا يخفى على من راجع المعممات المتقدمة.

توجه الإشكال على الحكومة

و أما على تقرير الحكومة،بأن يكون مقدمات الدليل موجبة لحكومة العقل بقبح إرادة الشارع ما عدا الظن و قبح اكتفاء المكلف بما دونه، فيشكل توجيه خروج القياس (2) ،و كيف يجامع حكم العقل بكون الظن (1)بل لو فرض الشك فيه لاحتمال خصوصيته في ذلك دون غيره كفى في عدم العمل به بناء على ما سبقت الإشارة إليه في أول المعمم الأول من امتناع التعميم مع وجود محتمل الترجيح بخصوصه،بل يتعين الاقتصار عليه بعد فرض إهمال النتيجة،فلو فرض احتمال عدم الحجية في القياس وحده تعين عدم العمل به.

فراجع.

(2)لا إشكال في أن حكم العقل بالعمل بالظن إنما هو بعد فرض تمامية

ص: 242

كالعلم مناطا للإطاعة و المعصية و يقبح من الآمر و المأمور التعدي عنه، و مع ذلك يحصل الظن أو خصوص الاطمئنان من القياس،و لا يجوّز الشارع العمل به فإن المنع عن العمل بما يقتضيه العقل-من الظن أو خصوص الاطمئنان-لو فرض ممكنا جرى في غير القياس،فلا يكون العقل مستقلا،إذ لعله نهى عن أمارة مثل ما نهى عن القياس بل و أزيد، و اختفى علينا.

و لا رافع لهذا الاحتمال إلا قبح ذلك على الشارع،إذا احتمال صدور الممكن بالذات عن الحكيم لا يرتفع إلا بقبحه.و هذا من أفراد ما اشتهر:

من أن الدليل العقلي لا يقبل التخصيص،و منشؤه لزوم التناقض (1) .

و لا يندفع إلا بكون الفرد الخارج عن الحكم خارجا عن الموضوع و هو التخصص (2) .و عدم التناقض في تخصيص العمومات اللفظية إنما مقدمات الانسداد،و منها عدم جواز الرجوع للاصول،و قد سبق أن المقدمات المذكورة إنما تجري في مجموع المسائل لا في كل مسألة مسألة،و هو إنما يقتضي حجية الظن في الجملة لا مطلقا،و من ثم سبق منا عدم الفرق بين الكشف و الحكومة في إهمال نتيجة الانسداد،و حينئذ فمع فرض العلم بالنهي فمع فرض العلم بالنهي عن القياس يلزم العلم بجواز الرجوع للأصول،و معه لا يبقى موضوع لحكم العقل بالاكتفاء بالظن،فلا إشكال.و إلى هذا يرجع الوجه الثالث في الجواب على كلام سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

(1)لأن الدليل العقلي بعد فرض عمومه يوجب العلم بالموجبة الكلية، المناقضة للسالبة الجزئية المستفادة من الدليل المخصص.

(2)كما أشرنا إليه في المقام.

ص: 243

هو لكون العموم صوريا (1) ،فلا يلزم إلا التناقض الصوري.

الإشكال في مقامين:

ثم إن الإشكال هنا في مقامين:

الأول:خروج الظن القياسي عن حجية مطلق الظن

أحدهما:في خروج القياس و أمثاله مما نقطع بعدم اعتباره.

الثاني:في حكم الظن الذي قام على عدم اعتباره ظن آخر،حيث إن الظن المانع و الممنوع متساويان في الدخول تحت دليل الانسداد و لا يجوز العمل بهما،فهل يطرحان أو يرجح المانع أو الممنوع منه أو يرجع إلى الترجيح ؟وجوه بل أقوال.

أما المقام الأول،فقد قيل في توجيهه أمور:

منع حرمة العمل بالقياس في زمان الانسداد

الأول:ما مال إليه أو قال به بعض:من منع حرمة العمل بالقياس في أمثال زماننا (2) ،و توجيهه بتوضيح منا:

أن الدليل على الحرمة:إن كان هي الأخبار المتواترة معنى في الحرمة، فلا ريب أن بعض تلك الأخبار في مقابلة معاصري الأئمة صلوات اللّه عليهم من العامة التاركين للثقلين،حيث تركوا الثقل الأصغر الذي عنده علم الثقل الأكبر،و رجعوا إلى اجتهاداتهم و آرائهم،فقاسوا و استحسنوا و ضلوا و أضلوا،و إليهم أشار النبي:في بيان من يأتي من بعده من الأقوام، (1)لأن دليل التخصيص يكشف عن عدم إرادة العموم من دليله المفروض كونه ظني الدلالة.

(2)نقل بعض أعاظم المحشّين قدّس سرّه عن كاشف الغطاء قدّس سرّه كلاما يظهر منه الميل إلى جواز العمل بالقياس مع الانسداد.و ربما يظهر من بعض الكلمات المنقولة عن المحقق القمي قدّس سرّه.

ص: 244

فقال:«برهة يعملون بالقياس (1) »،و الأمير صلوات اللّه عليه بما معناه:

«إن قوما تفلتت عنهم الأحاديث أن يحفظوها و أعوزتهم النصوص أن يعوها،فتمسكوا بآرائهم...إلى آخر الرواية».

و بعض منها:إنما يدل على الحرمة من حيث إنه ظن لا يغني من الحق شيئا.

و بعض منها:يدل على الحرمة من حيث استلزامه لإبطال الدين و محق السنة،لاستلزامه الوقوع غالبا في خلاف الواقع.

و بعض منها:يدل على الحرمة و وجوب التوقف إذا لم يوجد ما عداه (2) ،و لازمه الاختصاص (3) بصورة التمكن من إزالة التوقف لأجل العمل بالرجوع إلى أئمة الهدى عليهم السّلام،أو بصورة ما إذا كانت المسألة من غير العمليات،أو نحو ذلك.

و لا يخفى:أن شيئا من الأخبار الواردة على أحد هذه الوجوه المتقدمة، لا يدل على حرمة العمل بالقياس الكاشف (4) عن صدور الحكم عموما (1)لم يتضح كون هذا الحديث من هذه الطائفة.و كذا ما بعده.

(2)لعله مثل رواية أبي بصير:«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب اللّه و لا سنته،فننظر فيها؟فقال:لا،أما إنك إن أصبت لم تؤجر، و إن أخطأت كذبت على اللّه».

(3)لم يتضح الوجه في اللزوم المذكور،بل هذا القسم كالنص في حرمة العمل به حال الانسداد.اللهم إلا أن يحمل على صورة إمكان إهمال الواقعة و الرجوع فيها للأصل،أو الاحتياط ،فلا تتم مقدمات الانسداد.

(4)أما القسم الأول فلأنه مختص بإعمال القياس في قبال المعصوم،فلا يدل

ص: 245

أو خصوصا عن النبي:أو أحد أمنائه صلوات اللّه عليهم أجمعين،مع عدم التمكن من تحصيل العلم به و لا الطريق الشرعي،و دوران الأمر بين العمل بما يظن أنه صدر منهم عليهم السّلام و العمل بما يظن أن خلافه صدر منهم، كمقتضى الأصول المخالفة للقياس في موارده أو الأمارات المعارضة له.

و ما ذكرنا واضح على من راعى الإنصاف و جانب الاعتساف.

و إن كان الدليل هو الإجماع،بل الضرورة عند علماء المذهب كما ادعي،فنقول:إنه كذلك،إلا أن دعوى الإجماع و الضرورة على الحرمة في كل زمان ممنوعة.

أ لا ترى:أنه لو فرض-و العياذ باللّه-انسداد باب الظن من الطرق على حرمة العمل به في معرفة الحكم الصادر منه.

و أما الثاني فهو إنما يقتضي كون القياس كالظن،فكما أمكن العمل في حال الانسداد مع إطلاق الأدلة الدالة على أنه لا يغني من الحق شيئا فكذلك القياس.

و أما الثالث فربما قيل:أنه كالثاني.لكن ظاهر التعليل فيه اختصاص القياس بجهة مانعة عن العمل به حتى في حال الانسداد،لأن الجهة الموجبة للعمل به- كسائر الظنون-كونه أقرب إصابة بنظر العقل،و ظاهر هذه الأخبار أن القياس أبعد عن الإصابة و أن ما يفسده أكثر مما يصلحه،فهو مناف رادع من نظر العقل في تشخيص الصغرى المدعاة في المقام.

إلا أن يقال:ملاك حكم العقل بالعمل بالظن ليس غلبة مصادفته للواقع،بل اقربيته في نفسه من حيث الاحتمال،و ذلك موجود في القياس.و سيأتي تمام الكلام في ذلك في الوجه السابع.و أما الرابع فلما أشار إليه المصنف قدّس سرّه عند التعرض له، و عرفت الكلام فيه.

ص: 246

السمعية لعامة المكلفين أو لمكلف واحد باعتبار ما سنح له من البعد عن بلاد الإسلام،فهل تقول:إنه يحرم عليه العمل بما يظن بواسطة القياس أنه الحكم الشرعي المتداول بين المتشرعة،و أنه مخير بين العمل به و العمل بما يقابله من الاحتمال الموهوم،ثم تدعي الضرورة على ما ادعيته من الحرمة ؟ حاشاك!

و دعوى:الفرق بين زماننا هذا و زمان انطماس جميع الأمارات السمعية (1) ممنوعة،لأن المفروض أن الأمارات السمعية الموجودة بأيدينا لم تثبت كونها مقدمة في نظر الشارع على القياس،لأن تقدمها:إن كان لخصوصية فيها،فالمفروض بعد انسداد باب الظن الخاص عدم ثبوت خصوصية فيها،و احتمالها بل ظنها لا يجدي (2) ،بل نفرض الكلام فيما إذا قطعنا بأن الشارع لم ينصب تلك الأمارات بالخصوص.

و إن كان لخصوصية في القياس أوجبت كونه دونها في المرتبة،فليس الكلام إلا في ذلك.

و كيف كان،فدعوى الإجماع و الضرورة في ذلك في الجملة مسلمة، و أما كلية فلا.و هذه الدعوى ليست بأولى من دعوى السيد ضرورة (1)يعني:أنه يفترق ما نحن فيه عن الفرض الذي ذكره المصنف قدّس سرّه لمن بعد عن بلاد الإسلام بأن العمل ببقية الأمارات متيسر فيما نحن فيه بخلاف الفرض المذكور،إذا المفروض فيه انحصار الأمر بالقياس.

(2)عرفت أنه يجدي بناء على إهمال النتيجة.لكن الكلام في المقام مبني على عمومها.

ص: 247

المذهب على حرمة العمل بأخبار الآحاد.

و لكن الإنصاف:أن إطلاق بعض الأخبار و جميع معاقد الإجماعات يوجب الظن المتاخم للعلم بل العلم بأنه ليس مما يركن إليه في الدين مع وجود الأمارات السمعية (1) ،فهو حينئذ مما قام الدليل على عدم حجيته، بل العمل بالقياس المفيد للظن في مقابل الخبر الصحيح-كما هو لازم القول بدخول القياس في مطلق الظن المحكوم بحجيته-ضروري البطلان في المذهب.

منع إفادة القياس للظن

الثاني:منع إفادة القياس للظن،خصوصا بعد ملاحظة أن الشارع جمع في الحكم بين ما يتراءى متخالفة،و فرق بين ما يتخيل متآلفة.

و كفاك في هذا:عموم ما ورد من:«أن دين اللّه لا يصاب بالعقول»، و:«أن السنة إذا قيست محق الدين»،و:«أنه لا شيء أبعد عن عقول الرجال من دين اللّه»،و غيرها مما دل على غلبة مخالفة الواقع في العمل بالقياس،و خصوص رواية أبان بن تغلب الواردة في دية أصابع الرجل و المرأة الآتية (2) .

و فيه:أن منع حصول الظن من القياس في بعض الأحيان مكابرة (1)خصوصية الأمارات السمعية مع فرض عدم حجيتها بالخصوص و إن كانت قريبة جدا للمرتكزات،إلا أنه لا دلالة في الأخبار عليها.نعم لا يبعد ذلك في معاقد الإجماعات.

(2)لا يحضرني فعلا المحل الذي يذكرها فيه فيما يأتي.نعم تقدم ذكرها في التنبيه الثاني من تنبيهات مباحث القطع.

ص: 248

مع الوجدان (1) .و أما كثرة تفريق الشارع بين المؤتلفات و تأليفه بين المختلفات،فلا يؤثر في منع الظن،لأن هذه الموارد بالنسبة إلى موارد الجمع بين المؤتلفات أقل قليل (2) .

(1)لا إشكال في حصول الظن مع القياس،إلا أن في كونه مسببا عنه كلام يأتي.

(2)الغلبة إنما توجب الظن بلحاظ اعتقاد أن الأفراد مشتركه بحسب الاقتضاء و أن اختلافها بسبب الموانع الخاصة الموجودة في الأفراد الشاذة النادرة، ففي الفرد المشكوك لما كان المقتضي محرزا بسبب الاعتقاد المذكور،و كان البناء عرفا على عدم تحقق المانع،خصوصا مع قلة وجوده،لأنه خلاف الأصل،أوجب ذلك الظن بمشابهته لحكم الأفراد الغالبة و عدم حمله على النادر.

هذا إذا بقي الذهن على طبيعته و غفلته،أما لو نبه من قبل من بيده الجعل العالم به إلى أن الأمر على خلاف المعتقد المذكور،و أن الاستنتاج في غير محله،و أن بناء الجاعل على ملاكات خاصة لا يطلع عليها المكلف،و لا تدخل تحت ضابط ،فلا توجب الغلبة الظن،بل يتعين الوقفة.

إذا عرفت هذا فحيث إن الجمع بين المتفرقات و التفريق بين المؤتلفات من الشارع لم يدرك بمحض عثورنا عليه،حتى لا يمنع من حصول الظن بسبب الغلبة، و إنما نبهنا إليه الشارع نفسه بمقتضى الأحاديث التي أشير إليها في هذا الوجه التي هي واردة مورد الردع عن القياس و التنبيه على أن العقول قاصرة عن إدراك علل الأحكام كان ذلك مانعا من حصول الظن بسبب الغلبة،و إلا لزم حصول الظن من القياس دائما،إذ مع تحقق سببه و هو الغلبة لا وجه لعدم حصول المسبب و هو الظن، كما لا يخفى.

و من هنا قد يقال بعدم حصول الظن من القياس بعد الالتفات للاخبار المذكورة و التدبر في حال الأحكام الشرعية.نعم لا إشكال في حصول الظن في

ص: 249

نعم،الإنصاف:أن ما ذكر من الأخبار في منع العمل بالقياس موهن قوي يوجب غالبا ارتفاع الظن الحاصل منه في بادئ النظر،أما منعه عن ذلك دائما فلا،كيف ؟و قد يحصل من القياس القطع،و هو المسمى عندهم بتنقيح المناط القطعي (1) .و أيضا:فالأولوية الاعتبارية من أقسام القياس، و من المعلوم إفادتها للظن،و لا ريب أن منشأ الظن فيها هو استنباط المناط ظنا،و أما آكديته في الفرع فلا مدخل له في حصول الظن (2) .

موارد القياس في الجملة،إلا أنه لا بد من الالتزام بأنه ليس مسببا عن القياس،بل لخصوصية في المورد و إن كانت مغفولا عنها،إذ لو كان القياس موجبا للظن لا وجه دائما لما ذكرنا من عدم تخلف المسبب عنه سببه،إلا أن الخصوصيات المذكورة لما كانت قد يغفل عنها و لا يلتفت إلا إلى القياس يتوهم كونه هو السبب في حصول الظن.

اللهم إلا أن يقال:الوجه المذكور إنما يقتضي عدم صلوح غلبة الجمع بين المؤتلفات لحصول الظن.و ذلك لا ينافي حصول الظن من القياس في بعض الموارد بسبب الظن بملاك الحكم المستند إلى علل أخر غير الغلبة المذكورة.و ما تضمن أن دين اللّه لا يصاب بالعقول إنما ورد مورد السلب الجزئي في قبال الإيجاب الكلي الذي يدعيه العاملون بالقياس،حيث يدعون تيسر الوصول للأحكام من طريق القياس و النظر،فهو وارد لبيان كثرة الخطأ لا امتناع الوصول و دوام الخطأ،فلا ينافي حصول الظن بملاك الأحكام في بعض الموارد المقتضي للظن بجريانها في مورد الملاكات المظنونة.فلاحظ .

(1)الذي يبتني على القطع بملاك الحكم،و لا مانع من حصوله بناء على ما عرفت.

(2)إذ يكفي في تحقق الحكم في مورد حصول ملاكه،بلا حاجة إلى تأكده.

ص: 250

إن باب العلم في القياس مفتوح

الثالث:أن باب العلم في مورد القياس و مثله مفتوح،للعلم بأن الشارع أرجعنا في هذه الموارد إلى الأصول اللفظية أو العملية،فلا يقضي دليل الانسداد باعتبار ظن القياس في موارده.

و فيه:أن هذا العلم إنما حصل من جهة النهي عن القياس،و لا كلام في وجوب الامتناع عنه بعد منع الشارع،إنما الكلام في توجيه نهي الشارع عن العمل به مع أن موارده و موارد سائر الأمارات متساوية (1) ،فإن أمكن منع الشارع عن العمل بالقياس أمكن ذلك في أمارة أخرى (2) ،فلا يستقل العقل بوجوب العمل بالظن و قبح الاكتفاء بغيره من المكلف (3) .

و قد تقدم أنه لو لا ثبوت القبح في التكليف بالخلاف لم يستقل العقل بتعيين العمل بالظن،إذ لا مانع عقلا عن وقوع الفعل الممكن ذاتا من (1)لا طريق إلى إحراز التساوي واقعا،و غاية ما في المقام أنه بعد عدم نصب الشارع للطرق فالعقل لا يدرك الفرق بين أفراد الظن،لاشتراكها في الجهة التي أوجبت الرجوع للظن،بعد عدم نصب الشارع للطرق و هي الأقربية للواقع، و ذلك لا يقتضي قبح منع الشارع عن العمل بالقياس الكاشف عن جعل الطرق الشرعية في مورده،فينفتح باب العلم و يرتفع موضوع حكم العقل،كما أشرنا إليه في أول الكلام في هذا المقام.نعم هذا مبني على إهمال النتيجة،فإن كان مرجع الوجه المذكور إلى ذلك فهو في محله،و إلا كان خلفا.

(2)لا مانع من الالتزام بإمكانه،و إنما يحكم العقل بقبحه في ظرف عدم نصب الشارع للطرق،و امتناع الرجوع للأصول،فإن أحرز في مورد الأمارات الأخر ذلك فهو،و إلا فلا يحكم العقل بالرجوع للأمارات.

(3)عرفت أن استقلاله بذلك لا يمنع من نصب الطرق،بل هو موقوف على عدم نصبها.

ص: 251

الحكيم إلا قبحه.

و الحاصل:أن الانفتاح المدعى إن كان مع قطع النظر عن منع الشارع فهو خلاف المفروض،و إن كان بملاحظة منع الشارع،فالإشكال في صحة المنع و مجامعته مع استقلال العقل بوجوب العمل بالظن (1) ، فالكلام هنا في توجيه المنع،لا في تحققه.

عدم حجية مطلق الظن النفس الأمري

الرابع (2) :أن مقدمات دليل الانسداد-أعني انسداد باب العلم مع العلم ببقاء التكليف-إنما توجب جواز العمل بما يفيد الظن،يعني في نفسه و مع قطع النظر عما يفيد ظنا أقوى،و بالجملة:هي تدل على حجية الأدلة الظنية دون مطلق الظن النفس الأمري،و الأول أمر قابل للاستثناء، إذ يصح أن يقال:إنه يجوز العمل بكل ما يفيد الظن بنفسه و يدل على مراد الشارع ظنا إلا الدليل الفلاني،و بعد إخراج ما خرج عن ذلك يكون باقي الأدلة المفيدة للظن حجة معتبرة،فإذا تعارضت تلك الأدلة لزم الأخذ بما هو الأقوى و ترك ما هو الأضعف،فالمعتبر حينئذ (3) هو الظن بالواقع، و يكون مفاد الأقوى حينئذ ظنا و الأضعف و هما،فيؤخذ بالظن و يترك (1)عرفت أن منع الشارع مانع عن استقلال العقل بالرجوع للظن لا مجامع معه.فلا إشكال في المنع حتى يحتاج إلى توجيه.

(2)يظهر هذا الوجه من محكي كلام المحقق القمي قدّس سرّه مع الوجه الثاني.قال قدّس سرّه في التفصي عن إشكال خروج القياس و خبر الفاسق المصرح في آية النبأ بعدم حجيته:

«و ذلك إما لأنهما لا يفيدان الظن،و ذلك علة منع الشارع عنهما.أو لأنهما مستثنيان من الأدلة المفيدة للظن،لا أن الظن الحاصل منهما مستثنى من مطلق الظن».

(3)يعني:في فرض التعارض بين الدليلين.

ص: 252

غيره،انتهى.

أقول:كأن غرضه-بعد فرض (1) جعل الاصول من باب الظن و عدم وجوب العمل بالاحتياط -:أن (2) انسداد باب العلم في الوقائع مع بقاء التكليف فيها يوجب عقلا الرجوع إلى طائفة من الأمارات الظنية (3) ،و هذه القضية يمكن أن تكون مهملة (4) و يكون القياس خارجا عن حكمها،لا أن العقل يحكم بعمومها و يخرج الشارع القياس، لأن هذا عين ما فر منه من الإشكال.فإذا علم بخروج القياس عن هذا الحكم فلا بد من إعمال الباقي في مواردها (5) ،فإذا وجد في مورد أصل (1)يظهر من كلام المصنف قدّس سرّه أن هذا مفروض في كلام من ذكر هذا الوجه، و على تقديره فلا يتضح فعلا دخله في تمامية هذا الوجه.

(2)خبر«كأن»في قوله:«كأن غرضه...»

(3)لا الرجوع إلى نفس الظن الحاصل منها.

(4)هذا خلاف ظاهر الكلام السابق الذي ذكره المصنف قدّس سرّه و الكلام الذي ذكرناه عن المحقق القمي قدّس سرّه لظهور الكلامين في عموم الحجية و إن كانت قابلة للاستثناء،بحيث أنه لو كلا الاستثناء لكان اللازم البناء على العموم.لا الإهمال، كي يحتاج التعيين إلى دليل آخر.فهو قدّس سرّه قد فرّ عن الإشكال بدعوى قابلية العموم للتخصيص،لا بدعوى إهمال القضية.و إن كان ما ذكره غير تام في نفسه،لما تكرر بيانه من عدم قابلية العموم العقلي للتخصيص.نعم يمكن رفع موضوعه،فيخرج المورد عنه تخصصا،لا تخصيصا،على ما سبق منا في دفع الإشكال.

(5)هذا لا يناسب الإهمال،لأن دليل خروج القياس لا يصلح لتعيين المهملة في تمام الباقي،بل لا بد من الرجوع إلى دليل آخر يقتضي التعيين،على ما سبق تفصيله.

ص: 253

و أمارة-و المفروض أن الأصل لا يفيد الظن في مقابل الأمارة-وجب الأخذ بها،و إذا فرض خلو المورد عن الأمارة أخذ بالأصل،لأنه يوجب الظن بمقتضاه.

و بهذا التقرير:يجوز منع الشارع عن القياس،بخلاف ما لو قررنا دليل الانسداد على وجه يقتضي الرجوع في كل مسألة إلى الظن الموجود فيها،فإن هذه القضية لا تقبل الإهمال و لا التخصيص،إذ ليس في كل مسألة إلا ظن واحد (1) .

و هذا معنى قوله في مقام آخر:إن القياس مستثنى من الأدلة الظنية، لا أن الظن القياسي مستثنى من مطلق الظن (2) .و المراد بالاستثناء هنا إخراج ما لولاه لكان قابلا للدخول،لا داخلا بالفعل،و إلا لم يصح بالنسبة إلى المهملة (3) .

هذا غاية ما يخطر بالبال في كشف مراده.

و فيه:أن نتيجة المقدمات المذكورة لا تتغير بتقريرها على وجه دون (1)هذا لا يصلح تعليلا لعدم قابلية القضية للإهمال أو التخصيص،و إنما تصلح تعليلا لعدم موضوع للتعارض و الترجيح بلحاظ مثل هذه القضية،بمعنى أنه لا مجال لفرض تعارض الظنين أو الترجيح بينهما بعد فرض وحدة الظن في كل مسألة.

(2)هذا قريب من الكلام الذي نقلناه عن المحقق القمي قدّس سرّه.

(3)لأن المهملة لا تقتضي دخول الفرد فعلا،بل قابليته للدخول لكن عرفت أن الحمل على ذلك خلاف ظاهر الكلام المنقول في تقرير هذا الوجه.

ص: 254

وجه (1) ،فإن مرجع ما ذكر-من الحكم بوجوب الرجوع إلى الأمارات الظنية في الجملة-إلى العمل بالظن في الجملة،إذ ليس لذات الأمارة مدخلية في الحجية في لحاظ العقل (2) ،و المناط هو وصف الظن،سواء اعتبر مطلقا أو على وجه الإهمال،و قد تقدم:أن النتيجة على تقرير الحكومة ليست مهملة (3) ،بل هي معينة للظن الاطمئناني مع الكفاية،و مع عدمها فمطلق الظن،و على كلا التقديرين لا وجه لإخراج القياس.

و أما على تقرير الكشف فهي مهملة لا يشكل معها خروج القياس، إذ الإشكال مبني على عدم الإهمال و عموم النتيجة (4) ،كما عرفت.

عدم حجية الظن الذي قام على حجيته دليل

الخامس:أن دليل الانسداد إنما يثبت حجية الظن الذي لم يقم (1)يعني فلا فرق بين أن يكون موضوع الحجية الأمارات الموجبة للظن، و أن يكون نفس الظن الحاصل من الأمارات،فإن كلا منهما صالح للتعميم و الإهمال،و مع التعميم يشكل الاستثناء منه بمعناه الحقيقي.لأن القضية العقلية لا تقبل التخصيص.

(2)هذا راجع إلى بطلان ما ذكر في هذا الوجه من أن موضوع الحجية هو الأمارات المفيدة للظن،لا الظن الحاصل من الأمارات.

(3)عرفت أنها مهملة حتى على الحكومة،و أن النهي عن القياس كاشف عن عدم تحقق موضوع حكم العقل في مورده.

(4)لكن المحكي عن المحقق القمي قدّس سرّه،أنه اختار الكشف،فهو في مقام التوجيه بناء عليه لا على الحكومة.لكن عرفت أنه لا فرق بين أن تكون النتيجة هي حجية الأمارات المفيدة للظن و أن تكون هي حجية الظن الحاصل من الأمارات.

و قد أطال بعض الأعاظم من المحشّين قدّس سرّه في توجيه كلام المحقق القمي قدّس سرّه بما لا مجال للتعرض له.فراجع.

ص: 255

على عدم حجيته دليل،فخروج القياس على وجه التخصص دون التخصيص (1) .

توضيح ذلك:أن العقل إنما يحكم باعتبار الظن و عدم الاعتناء بالاحتمال الموهوم في مقام الامتثال،لأن البراءة الظنية تقوم مقام العلمية، أما إذا حصل بواسطة منع الشارع القطع بعدم البراءة بالعمل بالقياس، فلا يبقى براءة ظنية حتى يحكم العقل بوجوبها.

و استوضح ذلك من حكم العقل بحرمة العمل بالظن و طرح الاحتمال الموهوم عند انفتاح باب العلم في المسألة،كما تقدم في تقرير أصالة حرمة العمل بالظن،فإذا فرض قيام الدليل من الشارع على اعتبار ظن و وجوب العمل به،فإن هذا لا يكون تخصيصا في حكم العقل بحرمة (1)قال بعض أعاظم المحشّين قدّس سرّه:«قد تكرر هذا الوجه للتفصي عن إشكال خروج القياس في كلام الشيخ المحقق المحشي في هداية المسترشدين المعلقة على المعالم،و في كلام أخيه الشيخ الفاضل في فصوله قدّس سرّه و اعتمدا عليه كمال الاعتماد،من حيث إن الحجة عندهم بمقتضى دليل الانسداد الأمارات التي ظن حجيتها و إن لم تفد الظن الشخصي في المسألة الفرعية،و من المعلوم أن خروج القياس و أشباهه من هذه الكلية ليس بعنوان التخصيص،بل التخصص و الخروج عن موضوع حكم العقل،حيث أنه مما يعلم عدم حجيته.

نعم يشكل الامر عليهما فيما فرض قيام القياس المفيد للظن على المسألة الأصولية،كما قيل:إن الشهرة المحققة يحصل منها الظن الاقوى من الظن الحاصل من خبر العادل،فإذا فرض قيام الدليل الظني على حجيته فيظن منها حجية الشهرة من جهة القياس المذكور...فالاشكال متوجه عليهما لا محالة،فلا بد من دفعه...» ثم تعرض لكلامهما المتضمن للوجه المذكور بطوله.

ص: 256

العمل بالظن،لأن حرمة العمل بالظن مع التمكن إنما هو لقبح الاكتفاء بما دون الامتثال العلمي مع التمكن من العلمي،فإذا فرض الدليل على اعتبار ظن و وجوب العمل به صار الامتثال-في العمل بمؤداه-علميا، فلا يشمله حكم العقل بقبح الاكتفاء بما دون الامتثال العلمي،فما نحن فيه على العكس من ذلك (1) .

و فيه:أنك قد عرفت-عند التكلم في مذهب ابن قبة-:أن التعبد بالظن مع التمكن من العلم على وجهين:

أحدهما:على وجه الطريقية بحيث لا يلاحظ الشارع في أمره عدا كون الظن انكشافا ظنيا للواقع بحيث لا يترتب على العمل به عدا مصلحة الواقع على تقدير المطابقة.

(1)لا يخفى الفرق بين المقامين،فإن ملاك حكم العقل بقبح الاكتفاء بالامتثال غير العلمي للمكلف مع تمكنه من العلمي إنما هو خوف الضرر،و عدم إحراز الفراغ عن مسئولية التكليف،لعدم إحراز تحقق الواقع به و لاكتفاء الشارع به،فمع جعل الشارع الظن حجة،يكون العمل به موجبا للأمان و القطع بالفراغ و الفراغ عن مسئولية التكليف،و إن لم يتحقق معه الامتثال الواقعي،فلا يبقى معه موضوع حكم العقل بالقبح و لا ملاكه.

أما حكمه في المقام بالاكتفاء بالظن بالامتثال فملاكه أقربية الظن الذاتية للواقع أو الطريق الشرعي،و النهي عن العمل بالظن لا يوجب ارتفاع الأقربية المذكورة.فإذا ظن مثلا بسبب القياس بحجية الشهرة فالظن بحصول البراءة بالعمل بها لا يرتفع بسبب النهي عن القياس،فلا يصلح النهي لرفع ملاك حكم العقل،كي يوجب خروج مورده عن موضوعه تخصصا.و الظاهر أن ما ذكرناه في الجواب أولى مما سيذكره المصنف قدّس سرّه على ما سيأتي.

ص: 257

و الثاني:على وجه يكون في سلوكه مصلحة يتدارك بها مصلحة الواقع (1) الفائتة على تقدير مخالفة الظن للواقع.

و قد عرفت:أن الأمر بالعمل بالظن مع التمكن من العلم على الوجه الأول قبيح جدا،لأنه مخالف لحكم العقل (2) بعدم الاكتفاء في الوصول إلى الواقع بسلوك طريق ظني يحتمل الإفضاء إلى خلاف الواقع.

نعم،إنما يصح التعبد على الوجه الثاني.

فنقول:إن الأمر في ما نحن فيه كذلك،فإنه بعد ما حكم العقل بانحصار الامتثال عند فقد العلم في سلوك الطريق الظني،فنهي الشارع عن العمل ببعض الظنون:إن كان على وجه الطريقية-بأن نهى عند فقد العلم عن سلوك هذا الطريق من حيث إنه ظن يحتمل فيه الخطأ-فهو قبيح، لأنه معرض لفوات الواقع (3) فينتقض به الغرض،كما كان يلزم ذلك من (1)تقدم منا أنه لا بد من مصلحة مصححة لجعل الطريق مساوية لمصلحة الواقع الذي يفوت به أو أهم منها،و لا يلزم أن تكون المصلحة المذكورة موجبة لتدارك مصلحة الواقع.

(2)حكم العقل المذكور راجع إلى حكمه بالقبح في حق المكلف للملاك المتقدمة إليه الاشارة،و هو الظاهر من كلام من تقدم في تقريب الوجه المذكور، أما حكم العقل بالقبح فيما تقدم عند التعرض لكلام ابن قبة فهو راجع إلى حكمه بالقبح في حق الشارع الأقدس بملاك قبح تفويت الملاك الواقعي بجعل الطريق الذي قد لا يوصل إليه فلا ينبغي التعرض له في المقام،لانه أجنبي عن محل كلام من تقدم.نعم قد يكون هذا وجها آخر راجعا إلى الوجه السادس.

(3)لأن ترك العمل بالظن حينئذ يستلزم العمل بالوهم الذي هو أبعد عن

ص: 258

الأمر بسلوكه على وجه الطريقية عند التمكن من العلم،لأن حال الظن عند الانسداد من حيث الطريقية حال العلم مع الانفتاح لا يجوز النهي عنه من هذه الحيثية في الأول كما لا يجوز الأمر به في الثاني،فالنهي عنه و إن كان مخرجا للعمل به عن ظن البراءة إلى القطع بعدمها (1) ،إلا أن الكلام في جواز هذا النهي،لما عرفت من أنه قبيح.

و إن كان على وجه يكشف النهي عن وجود مفسدة في العمل بهذا الظن يغلب على مفسدة مخالفة الواقع اللازمة عند طرحه،فهذا كان جائزا حسنا نظير الأمر به على هذا الوجه مع الانفتاح،إلا أنه يرجع إلى ما سنذكره.

ما اخترناه سابقا

الوجه السادس:و هو الذي اخترناه سابقا،و حاصله:أن النهي يكشف عن وجود مفسدة غالبة على المصلحة الواقعية المدركة على تقدير تحصيل الواقع،بخلاف النهي عنه مع التمكن من العلم،فإنه يستلزم العمل بالعلم الذي هو أقرب إيصالا للواقع.

(1)لا يخفى أنه لا يوجب القطع بعدم البراءة.إلا أن يريد بالبراءة الأمان على تقدير المخالفة،و عدم إصابة الواقع فإن النهي عن الظن يوجب القطع بعدم البراءة عند عدم الإصابة،لتوقف البراءة مع عدم إصابة الظن على جعل الشارع للطريق أو رضاه به فمع عدمها يقطع بعدم البراءة على تقدير الخطأ.لكن كان اللازم حينئذ أن يقول:مخرجا للعمل به عن اليقين بالبراءة إلى اليقين بعدمها،إذ قبل نهي الشارع يقطع بأن العمل بالظن موجب للبراءة.مع أن البراءة بالمعنى المذكورة مترتبة على حكم العقل بوجوب العمل بالظن حين الانسداد،لا أنها ملاك له سابق عليه بالمرتبة،كما يظهر من كلام من سبق.

ص: 259

العمل به (1) ،فالنهي عن الظنون الخاصة في مقابل حكم العقل بوجوب العمل بالظن مع الانسداد نظير الأمر بالظنون الخاصة في مقابل حكم العقل بحرمة العمل بالظن مع الانفتاح.

فإن قلت:إذا بني على ذلك،فكل ظن من الظنون يحتمل أن يكون في العمل به مفسدة كذلك.

قلت:نعم،و لكن احتمال المفسدة لا يقدح في حكم العقل بوجوب سلوك طريق يظن معه بالبراءة عند الانسداد،كما أن احتمال وجود المصلحة المتداركة لمصلحة الواقع في ظن لا يقدح في حكم العقل بحرمة العمل بالظن مع الانفتاح (2) ،و قد تقدم في آخر مقدمات الانسداد:أن (1)لكن المفسدة المذكورة إن كانت من سنخ المصلحة المقتضية للحجية، فهي موجبة لقصور ملاك الحجية و مانعة من حجية الظن المذكور،إلا أن هذا خلاف فرض كون الحجية عقلية،إذ العقل إنما يحكم بالحجية بعد اطلاعه على الملاك و صلوحه و عدم مزاحمته.

و إن كانت من سنخ آخر فهي إنما تقتضي حرمة الاعتماد على الظن المذكور، نفسيا،و لا تنافي حجيته بمعنى جواز الاكتفاء به في الامتثال،حيث فرض ثبوت ذلك بحكم العقل.فتأمل.

(2)عرفت أن منشأ الحرمة المذكورة عدم الأمان بسلوك الطريق لعدم العلم باكتفاء الشارع به،و أن الملاك المذكور يرتفع مع العلم بنصب الشارع له.أما ملاك حكم العقل بجواز العمل بالظن حال الانسداد فهو لا يرتفع بنهي الشارع عنه.

و أما المفسدة المزاحمة فإن كانت من سنخ المصلحة المقتضية للحجية لم تخف على العقل.و إن كانت من سنخ آخر لم تمنع من حجية الطريق و إن اقتضت حرمة سلوكه نفسيا.فراجع ما سبق و تأمل.

ص: 260

العقل مستقل بوجوب العمل بالظن مع انسداد باب العلم،و لا اعتبار باحتمال كون شيء آخر هو المتعبد به غير الظن،إذ لا يحصل من العمل بذلك المحتمل سوى الشك في البراءة أو توهمها،و لا يجوز العدول عن البراءة الظنية إليهما.

و هذا الوجه و إن كان حسنا و قد اخترناه سابقا،إلا أن ظاهر أكثر الأخبار الناهية عن القياس:أنه لا مفسدة فيه إلا الوقوع في خلاف الواقع (1) ،و إن كان بعضها ساكتا عن ذلك و بعضها ظاهرا في ثبوت المفسدة الذاتية،إلا أن دلالة الأكثر أظهر،فهي الحاكمة على غيرها (2) ، كما يظهر لمن راجع الجميع،فالنهي راجع إلى سلوكه من باب الطريقية، و قد عرفت الإشكال في النهي على هذا الوجه.

إلا أن يقال:إن النواهي اللفظية عن العمل بالقياس من حيث الطريقية لا بد من حملها-في مقابل العقل المستقل-على صورة انفتاح باب العلم بالرجوع إلى الأئمة عليهم السّلام.و الأدلة القطعية منها-كالإجماع المنعقد على حرمة العمل به حتى مع الانسداد-لا وجه له غير المفسدة الذاتية (3) ، (1)كما هو مقتضى ما تضمن أن دين اللّه لا يصاب بالعقول،و أن السنة إذا قيست محق الدين،و ما ورد في القياس من أن ما يفسده أكثر مما يصلحه،و نحو ذلك مما يظهر منه كون مفسدة القياس غلبة عدم الوصول للواقع.

(2)لكن هذا فرع التعارض بين الظهورين،و لا تعارض بينهما.

(3)و حينئذ فيتعين التفكيك بين الأدلة اللفظية و اللبية.و هو و إن كان خلاف الظاهر إلا أنه لا بد منه بعد فرض انحصار التخلص عن المحذور العقلي به.لكن الظاهر أن الإجماع مستند إلى الأدلة اللفظية الكثيرة فهو تابع لها سعة و ضيقا.

ص: 261

كما أنه إذا قام دليل على حجية ظن مع التمكن من العلم نحمله على وجود المصلحة المتداركة لمخالفة الواقع،لأن حمله على العمل من حيث الطريقية مخالف لحكم العقل بقبح الاكتفاء بغير العلم مع تيسره.

الوجه السابع:هو أن خصوصية القياس من بين سائر الأمارات هي غلبة مخالفتها للواقع (1) ،كما يشهد به قوله عليه السّلام:«إن السنة إذا قيست محق الدين»،و قوله:«كان ما يفسده أكثر مما يصلحه»،و قوله:«ليس شيء أبعد عن عقول الرجال من دين اللّه»،و غير ذلك.

و هذا المعنى لما خفي على العقل الحاكم بوجوب سلوك الطرق الظنية عند فقد العلم،فهو إنما يحكم بها لإدراك أكثر الواقعيات المجهولة بها،فإذا كشف الشارع عن حال القياس و تبين عند العقل حال القياس فيحكم-حكما إجماليا-بعدم جواز الركون إليه.

نعم،إذا حصل الظن منه في خصوص مورد،لا يحكم بترجيح غيره عليه في مقام البراءة عن الواقع (2) ،لكن يصح للشارع المنع عنه تعبدا و انحصار التخلص عن المحذور العقلي بهذا الوجه أول الكلام،و خفاء وجه آخر غيره لا يكشف عن عدمه و تعين هذا الوجه.

(1)الضمير يرجع إلى(القياس).و كأن تأنيث الضمير بلحاظ كونه أمارة.

(2)لم يتضح الوجه في توقف العقل عن الحكم بعدم حجية القياس في المورد الشخصي،فانه إذا كان ملاك حكم العقل بالحجية هو كثرة المصادفة،و المفروض انكشاف عدمها ببيان الشارع يتعين عدول العقل عن حكمه بحجيته في جميع الموارد بنحو القضية الكلية الاستغراقية،لا المجموعية المهملة،فلا يكون حجة في المورد الشخصي و غاية ما يدركه العقل في المورد الشخصي بسبب القياس هو الأقربية

ص: 262

للواقع بمعنى رجحان الإصابة،لا بمعنى غلبتها،و ليس هو حسب الفرض ملاكا للحجية،فلا وجه لتوقف العقل عن الحكم بعدم الحجية لأجله.

و إن شئت قلت:ملاك حكم العقل بحجية الظن حال الانسداد تارة:يكون هو غلبة مصادفته للواقع.و أخرى:يكون هو رجحان إصابته للواقع و اقربيتها.

و على الأول فهو ليس من لوازم الظن الذاتية،بل غاية ما يمكن الالتزام به أنه من لوازمه الغالبية.و حينئذ فمع انكشاف عدمها في خصوص قسم-كالقياس- يتعين عدول العقل عن حكمه بحجيته،و الجزم بعدم حجيته بنحو القضية الاستغراقية،و حينئذ يحتاج في عدم الحجية في المورد الشخصي إلى منع الشارع تعبدا بنحو يظهر منه عدم إرادة الواقع،بل يكفي كشفه عن غلبة الخطأ،إذ ليس في المورد الشخصي إلا الأقربية للواقع بمعنى رجحان الإصابة لا بمعنى غلبة المصادفة،لأن الغلبة مما لا يتصف المورد الشخصي بها،كما لا يخفى.

و على الثاني فهو من لوازم الظن الذاتية غير القابلة للانفكاك،و ليس نهي الشارع كاشفا عن عدمه،حتى يوجب عدول العقل عن حكمه بالحجية،و خروج المورد عنه تخصصا،و لا يندفع الإشكال إلا بدعوى تنازل الشارع عن الواقع في ظرف الإصابة،فإنه بيد الشارع.لكنه و إن كان ممكنا ثبوتا،إلا أنه معلوم البطلان، لما هو المعلوم من بقاء الواقع في حق الجاهل.

ثم إن الظاهر أن ملاك الحجية في المقام هو الأمر الثاني لا الأول،كما أن ملاك حجية العلم هو انكشاف الواقع معه،لا استمرار الإصابة.و غلبة الإصابة في الظن -لو كانت مسلمة في الجملة-ليس علة للحكم المذكور،لعدم توقف العقل في المقام في كل ظن على استيعاب حاله و أنه غالب المصادفة أولا،لما هو المعلوم من اختلاف أسباب الظنون و الأشخاص في ذلك،بل العقل يحكم بحجية الظن من دون نظر و فحص من هذه الجهة،كما لا يخفى.

ص: 263

بحيث يظهر له (1) :أني ما أريد الواقعيات التي تضمنها القياس،فإن الظن ليس كالعلم في عدم جواز تكليف الشخص بتركه و الأخذ بغيره (2) .

و حينئذ:فالمحسن لنهي الشارع عن سلوكه على وجه الطريقية كونه في علم الشارع مؤديا في الغالب إلى مخالفة الواقع.

و الحاصل:أن قبح النهي عن العمل بالقياس على وجه الطريقية، إما أن يكون لغلبة الوقوع في خلاف الواقع مع طرحه فينا في الغرض،و إما أن يكون لأجل قبح ذلك في نظر الظان،حيث إن مقتضى القياس أقرب في نظره إلى الواقع،فالنهي عنه نقض لغرضه في نظر الظان.

أما الوجه الأول،فهو مفقود في المقام،لأن المفروض غلبة مخالفته و من جميع ما ذكرنا يظهر النظر في كلمات المصنف قدّس سرّه في المقام،و أنها مبتنية تارة على الوجه الأول و أخرى على الثاني،و قد اختلطا فيها،الأمر الذي أوجب اضطراب كلامه جدا و تشويشه.فلاحظ .

(1)يعني:للمكلف.و في بعض النسخ:«يظهر منه»يعني:من الشارع.

(2)إن كان المراد باظهار عدم إرادة الواقعيات العدول عن الحكم الواقعي بحيث يرتفع واقعا لو فرض ثبوته ذاتا،فهو مما يصح من الشارع الأقدس كما سبق، و لم يتجه التعليل بأن الظن ليس كالعلم في عدم جواز تكليف الشخص بتركه،لعدم رجوع ذلك إلى النهي عن الأخذ بالظن،بل إلى رفع الحكم المظنون،و هو متيسر حتى مع العلم،كما في موارد نسخ الأحكام الواقعية.

و إن كان المراد به عدم إرادة الواقع من طريق القياس الراجع إلى عدم حجية القياس في الوصول للواقع،فهو مناف لحكم العقل المفروض بحجيته،و لا يندفع به الأشكال.هذا و يظهر من بقية كلام المصنف قدّس سرّه إرادة الأول.

ص: 264

للواقع.

و أما الوجه الثاني،فهو غير قبيح بعد إمكان (1) حمل الظان النهي في ذلك المورد الشخصي على عدم إرادة الواقع منه في هذه المسألة و لو لأجل اطراد الحكم (2) .

أ لا ترى:أنه يصح أن يقول الشارع (3) للوسواسي القاطع بنجاسة ثوبه:«ما أريد منك الصلاة بطهارة الثوب»و إن كان ثوبه في الواقع نجسا، حسما لمادة وسواسه.

و نظيره:أن الوالد (4) إذا أقام ولده الصغير في دكانه في مكانه، (1)العمدة الإمكان الوقوعي الراجع إلى الاحتمال،لا الإمكان العقلي الذي يكون مع القطع بالعدم،و قد عرفت أنه غير محتمل الوقوع،فلا رافع للقبح المفروض.

(2)يعني:أن الحكم بعدم إرادة الواقع الذي قام عليه القياس ليس لعدم إصابته الواقع دائما،و لا لعدم تمامية ملاك الحكم الواقعي،بل لأجل التمكن من المنع عن القياس في موارد عدم الإصابة و اطّراد الحكم بالمنع فيها،إذ مع تعذر التمييز بين موارد الإصابة و غيرها يتعين تعميم الحكم بعدم الحجية و بعدم إرادة الواقع لموارد الإصابة للمحافظة على الواقع في موارد الخطأ التي هي أغلب.

(3)لا إشكال في صحة ذلك،إلا أن المهم وقوعه كما عرفت،و لو أمكن تسليم وقوعه في حق الوسواسي فلا مجال له هنا،للقطع بعدم تنازل الشارع عن الواقع،كما تقدم.

(4)لا مجال للتنظير مع فرض عدم تكليف الوالد للولد بالبيع حسب المصلحة،فلا ملزم بحجية ظنه عقلا.نعم لو فرض إلزام الوالد للولد بالبيع مع المصلحة و فرض انسداد باب العلم و امتناع الرجوع للاحتياط و غيره من الأصول

ص: 265

و علم منه أنه يبيع أجناسه بحسب ظنونه القاصرة،صح له منعه عن العمل بظنه،و يكون منعه في الواقع لأجل عدم الخسارة في البيع،و يكون هذا النهي في نظر الصبي الظان بوجود النفع في المعاملة الشخصية إقداما منه (1) و رضى بالخسارة و ترك العمل بما يظنه نفعا،لئلا يقع في الخسارة في مقامات أخر،فإن حصول الظن الشخصي بالنفع تفصيلا في بعض الموارد لا ينافي علمه (2) بأن العمل بالظن القياسي منه و من غيره في هذا المورد و في غيره يوجب الوقوع غالبا في مخالفة الواقع،و لذا علمنا ذلك من الأخبار المتواترة معنى مع حصول الظن الشخصي في الموارد منه،إلا أنه كل مورد حصل الظن نقول بحسب ظننا:إنه ليس من موارد التخلف، فنحمل عموم نهي الشارع الشامل لهذا المورد على رفع الشارع يده عن الواقع و إغماضه عن الواقع في موارد مطابقة القياس (3) ،لئلا يقع في مفسدة تخلفه عن الواقع في أكثر الموارد.

هذه جملة ما حضرني من نفسي و من غيري في دفع الإشكال،و عليك بالتأمل في هذا المجال (4) ،و اللّه العالم بحقيقة الحال.

كان نظيرا لما نحن فيه مما فرض فيه عدم سقوط التكاليف بسبب الجهل و امتناع الاحتياط .و يأتي فيه حينئذ الكلام بعينه.

(1)الضمير يعود إلى«الوالد».

(2)بل العلم بالمخالفة إجمالا لا ينافي حصول العلم في المورد الشخصي،إلا أنه لا وجه للاستشهاد بذلك،كما يظهر مما ذكرنا.

(3)لكن عرفت أنه لا مجال لذلك مع القطع بعدم تبدل الواقع بسبب الجهل.

(4)هذا و قد عرفت أن أولى الوجوه بالصحة هو الثالث،و أنه مبني على

ص: 266

الثاني:لو قام ظن على حرمة العمل ببعض الظنون

المقام الثاني:

فيما إذا قام ظن من أفراد مطلق الظن على حرمة العمل ببعضها (1) بالخصوص (2) ،لا على عدم الدليل على اعتباره،فيخرج مثل الشهرة القائمة على عدم حجية الشهرة،لأن مرجعها إلى انعقاد الشهرة على عدم الدليل على حجية الشهرة و بقائها تحت الأصل (3) .

هل يجب العمل بالظن الممنوع أو المانع أو الأقوى منهما أو التساقط؟

و في وجوب العمل بالظن الممنوع أو المانع أو الأقوى منهما أو التساقط وجوه،بل أقوال.

ذهب بعض مشايخنا إلى الأول،بناء منه على ما عرفت سابقا:من بناء غير واحد منهم على أن دليل الانسداد لا يثبت اعتبار الظن في المسائل الأصولية التي منها مسألة حجية المانع (4) .

إهمال النتيجة،الراجع إلى عدم جريان مقدمات الانسداد في كل مسألة بل في مجموع المسائل بنحو يقتضي حجية الظن فيها في الجملة.

(1)يعني:بعض الظنون.

(2)بناء على إمكان المنع عن بعض أفراد الظن عقلا،على ما تقدم في المقام الأول.

(3)فإن هذا لا ينافي حجيتها بدليل الانسداد،إذ لا إشكال في الخروج به عن الأصل المذكور،سواء كان مستنده أصالة عدم الحجية،أم عموم أدلة عدم حجية الظن.

(4)و حينئذ فلا يكون الظن المانع داخلا في ملاك الحجية،و يختص ملاكها بالممنوع،فلا وجه للمزاحمة بينهما،بل يتعين العمل بالممنوع لا غير.

اللهم إلا أن يقال:حكم العقل بالحجية في ظن موقوف على قطعه بتمامية

ص: 267

و لازم بعض المعاصرين الثاني،بناء على ما عرفت منه:من أن اللازم بعد الانسداد تحصيل الظن بالطريق،فلا عبرة بالظن بالواقع ما لم يقم على اعتباره ظن (1) .

ملاكها فيه،فمع فرض توقف ملاكها على عدم النهي الشرعي بالخصوص لو فرض الظن بالنهي-و لو لم يكن حجة-امتنع القطع بتحقق ملاكها،بل يكون موهوما، فيمتنع حكم العقل بحجيته،بل مقتضى أصالة عدم الحجية البناء على عدمها.و منه يظهر أنه لا بد من القطع بعدم النهي،و لا يكفي الظن به،فضلا عن مجرد الاحتمال.

نعم لو كان عدم الحجية مع النهي ليس لقصور ملاكها،بل لمزاحمته بما يمنع من تأثيره-كما هو مقتضى الوجه السادس على كلام تقدم-لم يبعد بناء العقل على عدم المزاحم إلا مع قيام الحجة عليه،و حيث فرض عدم حجية الظن بالمسألة الأصولية لم يكن وجه لرفع اليد عن ملاك الحجية المتيقن بالظن بالمزاحم بعد فرض عدم حجيته.

كما أنه لو فرض كون موضوع حكم العقل بالحجية صورة ما إذا لم يصل النهي من الشارع،لا ما إذا لم يكن نهي واقعي-كما لعله مقتضى الوجه الخامس- كان المتعين البناء على الحجية بعد فرض كون الظن بالنهي غير صالح لإيصاله، لعدم حجيته.

و بالجملة:الكلام هنا يبتني على الكلام في المقام السابق،فاللازم التأمل في الوجوه السابقة و في غيرها مما يصحح النهي في المقام لاختلاف الكلام باختلافها.

هذا و حيث عرفت أن المصحح للنهي هو إهمال النتيجة المقتضي للرجوع في تعيينها إلى الظن تعين البناء على عدم حجية الظن الممنوع،كما هو ظاهر.

(1)فما ظن بعدم اعتباره خارج موضوعا لكن هذا إنما يتم لو قام الظن الممنوع على الحكم في المسألة الفرعية،أما لو قام على الحكم في المسألة الأصولية فهو واجد لملاك الحجية،كما لو ظن بعدم حجية الشهرة فقامت على حجية الخبر

ص: 268

و قد عرفت ضعف كلا البناءين (1) ،و أن نتيجة مقدمات الانسداد هو الظن بسقوط التكاليف الواقعية في نظر الشارع الحاصل بموافقة نفس الواقع،و بموافقة طريق رضي الشارع به عن الواقع.

القول بوجوب طرح الظن الممنوع و الاستدلال عليه

نعم،بعض من وافقنا-واقعا أو تنزلا-في عدم الفرق في النتيجة بين الظن بالواقع و الظن بالطريق،اختار في المقام وجوب طرح الظن الممنوع، نظرا إلى أن مفاد دليل الانسداد-كما عرفت في الوجه الخامس من وجوه دفع إشكال خروج القياس-هو اعتبار كل ظن لم يقم على عدم اعتباره دليل معتبر،و الظن الممنوع مما قام على عدم اعتباره دليل معتبر و هو الظن المانع،فإنه معتبر،حيث لم يقم دليل على المنع منه (2) ،لأن الظن الممنوع لم يدل على حرمة الأخذ بالظن المانع.

غاية الأمر:أن الأخذ به مناف للأخذ بالمانع،لا أنه يدل على وجوب طرحه (3) ،بخلاف الظن المانع فإنه يدل على وجوب طرح الظن الممنوع.

فخروج الممنوع من باب التخصص لا التخصيص،فلا يقال:إن دخول أحد المتنافيين تحت العام لا يصلح دليلا لخروج الآخر مع تساويهما في الضعيف المعمول به عند الأصحاب.و حينئذ يمكن النزاع في مثل ذلك في تعيين ما يعمل به.

(1)هذا بناء على الحكومة و أما بناء على الكشف فقد تقدم منه قدّس سرّه عند الكلام في المورد الأول من الموارد التي يرجع فيها إلى الظن في تعيين المهملة الإشكال في عموم النتيجة للظن بالطريق.فراجع و تأمل.

(2)و مقتضى دليل الانسداد حجيته حينئذ.

(3)ضمير(أنه)يعود إلى(الممنوع)و ضمير(طرحه)يعود إلى(المانع).

ص: 269

قابلية الدخول من حيث الفردية (1) .

و نظير ما نحن فيه:ما تقرر في الاستصحاب،من أن مثل استصحاب طهارة الماء المغسول به الثوب النجس دليل حاكم على استصحاب نجاسة الثوب،و إن كان كل من طهارة الماء و نجاسة الثوب-مع قطع النظر عن حكم الشارع بالاستصحاب-متيقنة في السابق مشكوكة في اللاحق، و حكم الشارع بإبقاء كل متيقن في السابق مشكوك في اللاحق متساويا بالنسبة إليهما،إلا أنه لما كان دخول يقين الطهارة في عموم الحكم بعدم النقض و الحكم عليه بالبقاء يكون دليلا على زوال نجاسة الثوب المتيقنة (1)لأن ذلك إنما يصح فيما إذا لم يكن دخول أحد الفردين موجبا لخروج الآخر تخصصا،أما مع ذلك فاللازم البناء على خروجه،لعدم المقتضي لشموله معه حينئذ.

بل لو فرض كونه ناظرا إليه و موجبا لخروجه تخصيصا-لا تخصصا-دون العكس كان اللازم البناء على شمول العام للأول دون الثاني،لأن شموله للأول فعلي لتحقق موضوعه،و إذا كان العام حجة فيه كان هو صالحا لتخصيص العام و مانعا من جريان أصالة العموم بالإضافة إلى الثاني و إن كان العام شاملا للأول بدوا.و ذلك كعموم حجية خبر الثقة لو فرض ورود خبر ثقة باشتراط العدالة في حجية الخبر،فإن اللازم البناء على حجية الخبر المتضمن لذلك،لعدم المانع،و يبنى على عدم حجية خبر الثقة غير العادل،لعدم الموضوع لأصالة العموم بالإضافة إليه بعد فرض تحقق المخصص.

نعم لو فرض الفردان المتنافيان في رتبة واحدة لا نظر لأحدهما للآخر تعين التوقف فيهما معا مع عدم المرجح الخارجي،كما في الدليلين المتعارضين الذين يمتنع دخولهما معا تحت عموم دليل الحجية.

ص: 270

سابقا،فيخرج عن المشكوك لاحقا (1) ،بخلاف دخول يقين النجاسة و الحكم عليها بالبقاء،فإنه لا يصلح للدلالة على طرو النجاسة للماء المغسول به قبل الغسل و إن كان منافيا لبقائه على الطهارة.

المناقشة في هذا الاستدلال

و فيه:أولا:أنه لا يتم فيما إذا كان الظن المانع و الممنوع من جنس أمارة واحدة،كأن يقوم الشهرة مثلا على عدم حجية الشهرة،فإن العمل ببعض أفراد الأمارة و هي الشهرة في المسألة الأصولية دون البعض الآخر و هي الشهرة في المسألة الفرعية،كما ترى (2) .

(1)لا إشكال في عدم خروجه بذلك عن كونه مشكوكا،و إلا لزم كون استصحاب طهارة الماء واردا على استصحاب نجاسة الثوب،لا حاكما كما ادعاه المصنف قدّس سرّه و تمام الكلام في مبحث تعارض الاستصحابين من خاتمة الاستصحاب.

(2)لم يتضح المحذور فيه،فإنه لو فرض كون مفاد الشهرة المذكورة عدم حجية الشهرة في المسألة الفرعية،كانت الشهرة في المسألة الأصولية داخلة في القضية العقلية،لعدم الموجب لخروجها،فتكون حجة على خروج الشهرة في المسألة الفرعية عن القضية العقلية و على وجود المانع من شمولها لها،لعين الوجه السابق.و مجرد اتحادهما سنخا لا أهمية له،كما ذكرناه في عموم حجية الخبر.و مثله ما قيل من أن خبر الواحد دل على عدم حجية خبر الواحد في الموضوعات،فيكون موجبا لخروجه عن عموم حجية خبر الواحد.بل ما نحن فيه أولى،لأن خروج الممنوع عن القضية العقلية من باب التخصص لا التخصيص،بخلاف الفرضين المذكورين.

نعم لو كان مفاد الشهرة عدم حجية الشهرة مطلقا،لا في خصوص المسألة الفرعية أشكل التمسك بها،من حيث كونها مانعة عن نفسها،فيلزم من حجيتها عدم حجيتها.و هذا محذور آخر لا دخل له بما ذكره المصنف قدّس سرّه و إن كان لا يبعد اندفاع المحذور المذكور بأنه يمتنع اختصاص القضية بنفسها،كما أنه في مثل المقام لما

ص: 271

و ثانيا:أن الظن المانع إنما يكون-على فرض اعتباره-دليلا على عدم اعتبار الممنوع،لأن الامتثال بالممنوع حينئذ مقطوع العدم-كما تقرر في توضيح الوجه الخامس من وجوه دفع إشكال خروج القياس-و هذا المعنى موجود في الظن الممنوع.مثلا:إذا فرض صيرورة الأولوية مقطوعة الاعتبار بمقتضى دخولها تحت دليل الانسداد،لم يعقل بقاء الشهرة المانعة عنها على إفادة الظن بالمنع (1) .

و دعوى:أن بقاء الظن من الشهرة بعدم اعتبار الأولوية دليل على عدم حصول القطع من دليل الانسداد بحجية الأولوية،و إلا لارتفع الظن بعدم حجيتها،فيكشف ذلك عن دخول الظن المانع تحت دليل الانسداد.

معارضة:بأنا لا نجد من أنفسنا القطع بعدم تحقق الامتثال بسلوك الطريق الممنوع (2) ،فلو كان الظن المانع داخلا لحصل القطع بذلك.

كان يمتنع عموم ملاكها لنفسها تعين خروجها عن حكم نفسها،و مع خروج الظن المانع عن عموم المنع الذي اقتضاه يتعين الرجوع فيه إلى القضية العقلية الحاكمة بالحجية لعدم المانع منه،و يبنى على عدم حجية الممنوع لا غير و إن كان من سنخه.

و قد تقدم زيادة توضيح لذلك في خبر الواحد عند الكلام في إشكال خبر الواسطة في الاستدلال بآية النبأ.فراجع و تأمل جيدا.

(1)هذا مبني على امتناع النهي عن الظن الذي يقتضي دليل الانسداد حجيته عقلا،و هو خلاف فرض الكلام،إذ المفروض إمكان النهي و كونه موجبا لخروج الظن المنهي عنه عن عموم القضية العقلية تخصصا،فلا وجه للإيراد بذلك.

(2)إن أريد به الامتثال الواقعي فلا إشكال في عدم القطع بعدم حصوله، بل هو مظنون الحصول فرضا.لكنه لا ينفع،إذ لا بد من إحراز الفراغ عن التكليف بطريق معتبر عقلي أو شرعي،و لا يكفي الظن غير المعتبر به.و إن أريد به الامتثال

ص: 272

و حل ذلك:أن الظن بعدم اعتبار الممنوع إنما هو مع قطع النظر عن ملاحظة دليل الانسداد (1) ،و لا نسلم بقاء الظن بعد ملاحظته.

ثم إن الدليل العقلي أو الأمارة القطعية يفيد القطع بثبوت الحكم بالنسبة إلى جميع أفراد موضوعه،فإذا تنافى دخول فردين:فإما أن يكشف عن فساد ذلك الدليل،و إما أن يجب طرحهما-لعدم حصول القطع من ذلك الدليل العقلي بشيء منهما-و إما أن يحصل القطع بدخول أحدهما فيقطع بخروج الآخر (2) ،فلا معنى للتردد بينهما (3) و حكومة أحدهما الظاهري الراجع إلى عدم قيام الحجة عن الامتثال،فالمتعين الالتزام بالقطع بعدمه بعد كون الظن المانع حجة-بمقتضى دليل الانسداد،كما سبق-على عدم حجية الظن الممنوع،فلا يكون الظن بالامتثال الواقعي حجة عليه،و لا يغني في إحراز الفراغ عقلا.

(1)هذا إنما يتم لو كان المراد بالظن بعدم حجية الممنوع عدم حجيته في نفسه مع قطع النظر عن الانسداد،و هو خلاف مفروض الكلام،إذ مع قطع النظر عن الانسداد يقطع بعدم حجية أكثر الظنون لا خصوص الممنوع.فمحل الكلام إنما هو عدم حجية الممنوع بعد فرض الانسداد-المفروض إمكانه كما سبق-و حينئذ يتعين العكس،و أن القطع بحجية الظن حال الانسداد عقلا موقوف على عدم نهي الشارع عنه،و معه يقطع بعدمه،و حينئذ فمع كون المانع حجة على عدم حجية الممنوع-كما سبق توضيحه-يتعين البناء على خروج الممنوع عن القضية العقلية القطعية،كما ذكره المستدل و أوضحناه.

(2)عرفت أن المقام كذلك،غايته أن تقديم المانع ليس لمرجح خارجي بل لخصوصية فيه تقتضي تقديمه على الممنوع و خروج الممنوع موضوعا.

(3)إن أريد به التردد بدوا فلا مانع منه في الأدلة العقلية،لإمكان خفاء الأمر

ص: 273

على الآخر.

فما مثلنا به المقام:من استصحاب طهارة الماء و استصحاب نجاسة الثوب،مما لا وجه له،لأن مرجع تقديم الاستصحاب الأول إلى تقديم التخصص على التخصيص (1) ،و يكون أحدهما دليلا رافعا لليقين السابق بخلاف الآخر،فالعمل بالأول تخصص و بالثاني تخصيص،و مرجعه-كما تقرر في مسألة تعارض الاستصحابين-إلى وجوب العمل بالعام تعبدا إلى أن يحصل الدليل على التخصيص.

إلا أن يقال:إن القطع بحجية المانع عين القطع بعدم حجية الممنوع،لأن معنى حجية كل شيء وجوب الأخذ بمؤداه،لكن القطع بحجية الممنوع-التي هي نقيض مؤدى المانع-مستلزم للقطع بعدم حجية المانع،فدخول المانع لا يستلزم خروج الممنوع،و إنما هو عين خروجه،فلا ترجيح و لا تخصيص بخلاف دخول الممنوع،فإنه يستلزم خروج المانع، فيصير ترجيحا من غير مرجح،فافهم (2) .

على العقل و التباس الحال،و إن أريد به التردد المستحكم الراجع إلى إجمال الدليل فهو غير لازم في المقام،بل عرفت لزوم تقديم المانع.

(1)عرفت أن الأمر في المقام كذلك.و أما في مسألة الاستصحاب فهو محل كلام يأتي في محله.

(2)لعله إشارة إلى أن القطع بحجية المانع ليس عين عدم حجية الممنوع،بل مستلزم له،فإن وجوب الأخذ بالمانع في عدم العمل بالممنوع مفاد حجية المانع،لا مفاد القطع بحجيته،كما يظهر بأدنى تأمل.مع أن في كفاية ذلك في تقديم المانع على الممنوع تأمل،بل منع.إلا أن يرجع إلى ما ذكرنا.لكنه خلاف ظاهره.و كأنه لأجل

ص: 274

مختار المصنف في المسألة

و الأولى أن يقال:إن الظن بعدم حجية الأمارة الممنوعة لا يجوز -كما عرفت سابقا في الوجه السادس (1) -أن يكون من باب الطريقية، بل لا بد أن يكون من جهة اشتمال الظن الممنوع على مفسدة غالبة على مصلحة إدراك الواقع،و حينئذ:فإذا ظن بعدم اعتبار ظن فقد ظن بإدراك الواقع،لكن مع الظن بترتب مفسدة غالبة (2) ،فيدور الأمر بين المصلحة المظنونة (3) و المفسدة المظنونة (4) ،فلا بد من الرجوع إلى الأقوى (5) .

ذلك أعرض عنه،كما هو ظاهر قوله:«فالأولى أن يقال...».

(1)لم يظهر منه سابقا الجزم بالوجه المذكور.

(2)كما هو مقتضى الظن المانع.

(3)و هي مصلحة إدراك الواقع المفروض كونه مظنونا.

(4)و هي المفسدة التي اقتضت المنع المفروض كونه مظنونا.

(5)الرجوع إلى الاحتمال الاقوى-لو تم-إنما هو فيما إذا دار الأمر بين المصلحة و المفسدة،و علمت إحداهما إجمالا،و لم يكن مع أحد الاحتمالين حجة، أما إذا احتمل وجود المصلحة و قامت الحجة على وجود المفسدة الفعلية المقتضية للعمل التي هي أقوى من المصلحة على تقدير وجودها،فاللازم العمل على الحجة المذكورة.

و الظن المانع في المقام لما كان داخلا في ملاك الحجية-لعدم الموجب لخروجه عن القضية العقلية كما تقدم توضيحه-كان كاشفا عن وجود مفسدة في العمل بالظن الممنوع أقوى من مصلحة الواقع على تقدير وجودها،فيلزم العمل عليه،و لا وجه للتعارض بينه و بين احتمال المفسدة،لعدم الدوران بينهما،بل يحتمل وجودهما معا المقتضي للتزاحم بينهما و تقديم الأقوى منهما ثبوتا-لا احتمالا-و المفروض قيام الحجة على وجود المفسدة و كونها أقوى،و الحجة هي الظن المانع،هذا كله بناء

ص: 275

فإذا ظن بالشهرة نهي الشارع عن العمل بالأولوية،فيلاحظ مرتبة هذا الظن،فكل أولوية في المسألة كان أقوى مرتبة من ذلك الظن الحاصل من الشهرة أخذ به،و كل أولوية كان أضعف منه وجب طرحه،و إذا لم يتحقق الترجيح بالقوة حكم بالتساقط ،لعدم استقلال العقل بشيء منهما حينئذ.

هذا إذا لم يكن العمل بالظن المانع سليما عن محذور ترك العمل بالظن الممنوع،كما إذا خالف الظن الممنوع الاحتياط اللازم في المسألة، و إلا تعين العمل (1) به،لعدم التعارض (2) .

على تمامية الوجه السادس.

و أما على بقية الوجوه فالأمر كذلك،و إن اختلف في بعض الخصوصيات التي تظهر بالتأمل.و بالجملة:لا مخرج عما سبق من لزوم تقديم المانع.

(1)يعني:بموافقته احتياطا.

(2)لأن الظن الممنوع لما كان على طبق الاحتياط اللازم فهو لا يعارض الظن المانع،إذ العمل بالمانع أيضا يوجب الرجوع بعد سقوط الممنوع إلى الاحتياط اللازم فهما متفقان عملا و لا تعارض بينهما.إذ يلزم الاحتياط المذكور على كل حال من جهة المانع و الممنوع.لكنه مبني على تبعيض الاحتياط الذي هو مبنى الحكومة عند المصنف قدّس سرّه.أما بناء على كون مقتضى مقدمات الانسداد حجية الظن في استكشاف الحكم الشرعي،كان هناك فرق بين حجية الظن الممنوع المقتضية لنسبة مضمونه للشارع،و عدمها المقتضية للاحتياط ،و إن اتفقا عملا،فتأمل فيما ذكرناه جيدا،و اللّه سبحانه و تعالى العالم العاصم و له الحمد.

ص: 276

الأمر الثالث
لو حصل الظن بالحكم من أمارة متعلقة بألفاظ الدليل

أنه لا فرق في نتيجة مقدمات دليل الانسداد بين الظن الحاصل أولا من الأمارة بالحكم الفرعي الكلي كالشهرة أو نقل الإجماع على حكم، و بين الحاصل به من أمارة متعلقة بألفاظ الدليل،كأن يحصل الظن من قوله تعالى: فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً ،بجواز التيمم بالحجر مع وجود التراب الخالص،بسبب قول جماعة من أهل اللغة:إن الصعيد هو مطلق وجه الأرض.

ثم إن الظن المتعلق بالألفاظ على قسمين،ذكرناهما في بحث حجية الظواهر.

أحدهما:ما يتعلق بتشخيص الظواهر،مثل الظن من الشهرة بثبوت الحقائق الشرعية،و بأن الأمر ظاهر في الوجوب لأجل الوضع،و أن الأمر عقيب الحظر ظاهر في الإباحة الخاصة أو في مجرد رفع الحظر،و هكذا (1) .

(1)و منه تشخيص ما وضعت له المفردات،كلفظ (الصعيد)و نحوه مما

ص: 277

و الثاني:ما يتعلق بتشخيص إرادة الظواهر و عدمها،كأن يحصل ظن بإرادة المعنى المجازي أو أحد معاني المشترك،لأجل تفسير الراوي مثلا أو من جهة كون مذهبه (1) مخالفا لظاهر الرواية (2) .

و حاصل القسمين:الظنون غير الخاصة المتعلقة بتشخيص الظواهر أو المرادات.

و الظاهر:حجيتها عند كل من قال بحجية مطلق الظن لأجل الانسداد (3) ،و لا يحتاج إثبات ذلك إلى إعمال دليل الانسداد في نفس الظنون المتعلقة بالألفاظ ،بأن يقال:إن العلم فيها قليل،فلو بني الأمر على يرجع فيه إلى قول اللغويين و نحوهم.

(1)يعني:مذهب الراوي في مورد الرواية.

(2)فإنه قد يوجب الظن بأن المراد من الرواية ما يوافق مذهبه لقرينة اطلع عليها و اختفت علينا.

(3)يعني:فيما إذا أوجبت الظن الشخصي بالحكم الشرعي،أما إذا لم توجبه،و إنما أوجبت الظن النوعي فلا وجه للاعتماد عليها،إلا إذا ظن بحجيتها بالخصوص،بناء على عموم دليل الانسداد للظن بالطريق،كما لو فرض الظن بحجية قول اللغويين.

ثم إنه يشكل ما ذكره قدّس سرّه فيما إذا كان الظن الموجب للظن بالحكم الشرعي على خلاف الظن الخاص،كاحتمال إرادة المجاز،فإن أصالة الحقيقة لما كانت من الظنون الخاصة فلا وجه لرفع اليد عنها بالظن المطلق،لانفتاح باب العلم المانع من حجية الظن المطلق،إلا أن تسقط أصالة الحقيقة بالعلم الإجمالي بالخروج عنها الموجب لإجمال الدليل عرضا،فلا مانع من الرجوع للظن المطلق حينئذ مع تمامية مقدمات الانسداد.

ص: 278

إجراء الأصل لزم كذا و كذا (1) .

بل لو انفتح باب العلم في جميع الألفاظ إلا في مورد واحد وجب العمل بالظن (2) الحاصل بالحكم الفرعي من تلك الأمارة المتعلقة بمعاني الألفاظ عند انسداد باب العلم في الأحكام.

و هل يعمل بذلك الظن في سائر الثمرات المترتبة على تعيين معنى اللفظ في غير مقام تعيين الحكم الشرعي الكلي،كالوصايا و الأقارير و النذور؟

فيه إشكال،و الأقوى العدم،لأن مرجع العمل بالظن فيها إلى العمل بالظن في الموضوعات الخارجية المترتبة عليها الأحكام الجزئية الغير المحتاجة إلى بيان الشارع (3) حتى يدخل في ما انسد فيه باب العلم، (1)لكن هذا ليس من وجوه تقرير دليل الانسداد في خصوص باب الألفاظ ،لاختصاص المقدمات بانسداد باب العلم بالأحكام الذي يمتنع معه الرجوع للأصول الترخيصية لاستلزامه المخالفة الكثيرة،كما يمتنع معه الرجوع للاحتياط للزوم العسر و الحرج أو اختلال النظام،و لا يلزم المحذوران من انسداد باب العلم بالألفاظ مع قطع النظر عن ذلك.

نعم قد يكون انسداد باب العلم فيها حكمة في جعل الظن فيها حجة بالخصوص كما تقدمت الإشارة إلى ذلك عند الكلام في حجية قول اللغويين.

(2)لدخوله في القضية العقلية المتحصلة من تمامية مقدمات الانسداد.

(3)هذا مشعر بأن الاحتياج إلى بيان الشارع مما يتوقف عليه تمامية مقدمات الانسداد.و هو غير ظاهر الوجه،بل لو فرض في الموضوعات الخارجية انسداد باب العلم و امتناع الرجوع للأصول و الاحتياط تعين الرجوع للظن.نعم الظاهر

ص: 279

و سيجيء (1) عدم اعتبار الظن فيها.

نعم،من جعل الظنون المتعلقة بالألفاظ من الظنون الخاصة مطلقا لزمه الاعتبار في الأحكام و الموضوعات،و قد مرّ تضعيف هذا القول عند الكلام في الظنون الخاصة (2) .

و كذا:لا فرق بين الظن الحاصل بالحكم الفرعي الكلي من نفس الأمارة (3) أو عن أمارة متعلقة بالألفاظ (4) ،و بين الحاصل بالحكم الفرعي الكلي من الأمارة المتعلقة بالموضوع الخارجي (5) ،ككون الراوي عادلا أو مؤمنا حال الرواية،و كون زرارة هو ابن أعين لا ابن لطيفة، و كون علي بن الحكم هو الكوفي بقرينة رواية أحمد بن محمد عنه،فإن جميع ذلك و إن كان ظنا بالموضوع الخارجي،إلا أنه لما كان منشأ للظن بالحكم الفرعي الكلي الذي انسد فيه باب العلم عمل به من هذه الجهة،و إن لم يعمل به من سائر الجهات المتعلقة بعدالة ذلك الرجل أو بتشخيصه عند أن الفرض المذكور لا واقع له،كما لعله يأتي توضيحه في التنبيه الرابع.

(1)في التنبيه الرابع.

(2)الذي تقدم في مبحث حجية الظواهر هو تضعيف القول باشتراط حجية الظواهر بإفادتها الظن.أما القول بأن المدار على إفادة الكلام الظن بالمراد و لو مع إجماله أو ظهوره في خلاف المعنى المظنون،فلم يتقدم،و لا يظن من أحد الالتزام به.

(3)كالشهرة الدالة على الحكم ابتداء الموجبة للظن به،كما تقدم.

(4)كقول اللغويين و غيره مما تقدم.

(5)هذا إذا كان ظنا شخصيا،أما إذا كان نوعيا فلا وجه لحجيته إلا إذا ظن بحجيته،بناء على عموم دليل الانسداد للظن بالطريق،كما ذكرنا في سابقه.

ص: 280

إطلاق اسمه المشترك.

حجية الظنون الرجالية

و من هنا تبين:أن الظنون الرجالية معتبرة بقول مطلق عند من قال بمطلق الظن في الأحكام،و لا يحتاج إلى تعيين أن اعتبار أقوال أهل الرجال من جهة دخولها في الشهادة أو في الرواية (1) ،و لا يقتصر على أقوال أهل الخبرة،بل يقتصر (2) على تصحيح الغير للسند و إن كان من آحاد العلماء إذا أفاد قوله الظن بصدق الخبر المستلزم للظن بالحكم الفرعي الكلي.

و ملخص هذا الأمر الثالث:أن كل ظن تولد منه الظن بالحكم الفرعي الكلي فهو حجة من هذه الجهة،سواء كان الحكم الفرعي واقعيا أو كان ظاهريا (3) -كالظن بحجية الاستصحاب تعبدا (4) و بحجية الأمارة الغير المفيدة للظن الفعلي بالحكم-و سواء تعلق الظن أولا بالمطالب العلمية (5) أو غيرها (6) أو بالأمور (1)فإن ذلك إنما يحتاج إليه بناء على الظن الخاص،لا المطلق الذي هو محل الكلام.

(2)لعل حق العبارة أن يقول:«بل يكفي تصحيح...».

(3)بناء على ما سبق منه من عموم دليل الانسداد للظن بالطريق.

(4)يعني:من باب الأخبار بما هو من الأصول،لا بما هو أمارة،و إلا دخل في قوله:«و بحجية الأمارة...»

(5)لعل المراد به الظن بالحكم الفرعي ابتداء،كما في الشهرة على ما تقدم.

و دليل الصحيح:«العملية»فيكون كناية عن الأحكام الفرعية.

(6)كالظن بالأوضاع،أو بمراد المتكلم في الموارد الشخصية بسبب القرائن الخاصة.و هو إن كان داخلا في الأمور الخارجية،إلا أنه سبق منه عدة في قبالها،

ص: 281

الخارجية (1) من غير استثناء في سبب هذا الظن.

و وجهه واضح،فإن مقتضى النتيجة هو لزوم الامتثال الظني و ترجيح الراجح على المرجوح في العمل.حتى أنه لو قلنا بخصوصية في بعض الأمارات-بناء على عدم التعميم في نتيجة دليل الانسداد-لم يكن فرق بين ما تعلق تلك الأمارة بنفس الحكم أو بما يتولد منه الظن بالحكم (2) ، و لا إشكال في ذلك أصلا،إلا أن يغفل غافل عن مقتضى دليل الانسداد فيدعي الاختصاص بالبعض دون البعض من حيث لا يشعر.

و ربما تخيل بعض:أن العمل بالظنون المطلقة في الرجال غير مختص بمن يعمل بمطلق الظن في الأحكام،بل المقتصر على الظنون الخاصة في الأحكام أيضا عامل بالظن المطلق في الرجال.

و فيه نظر،يظهر للمتتبع لعمل العلماء في الرجال،فإنه يحصل القطع بعدم بنائهم فيها على العمل بكل أمارة.

فجرى على ذلك هنا.

(1)كعدالة الراوي.

(2)يعني:أنه بناء على إهمال النتيجة لو فرض خصوصية بعض الأمارات بحيث تتعين بها القضية المهملة-كخبر الثقة-يتعين البناء على عموم حجيتها لجميع الموارد المتقدمة.و كأنه مبني على ما سبق منه قدّس سرّه من التعميم من حيثية الموارد.حتى بناء على الكشف،لكنه-مع عدم تماميته في نفسه كما سبق-لا يقتضي التعميم هنا، لأن أقسام الظنون في المقام ليست من سنخ الموارد،بل من سنخ الأسباب للظن بالحكم الشرعي و بالامتثال،و قد بنى قدّس سرّه على الإهمال فيها بناء على الكشف،فلا وجه لخصوصية المقام في التعميم.

ص: 282

نعم،لو كان الخبر المظنون الصدور-مطلقا أو بالظن الاطمئناني- من الظنون الخاصة لقيام الأخبار أو الإجماع عليه،لزم القائل به العمل بمطلق الظن أو الاطمئنان منه في الرجال (1) ،كالعامل بالظن المطلق في الأحكام.

حجية الظن في المسائل الأصولية
اصالة حرمة العمل بالظن

ثم إنه قد ظهر مما ذكرنا:أن الظن في المسائل الأصولية العملية حجة بالنسبة إلى ما يتولد منه،من الظن بالحكم الفرعي الواقعي أو الظاهري (2) ،و ربما منع منه غير واحد من مشايخنا رضوان اللّه عليهم، و ما استند إليه أو يصح الاستناد إليه للمنع أمران:

أدلة القائلين بعدم الحجية: أحدهما:أصالة الحرمة و عدم شمول دليل الانسداد،لأن دليل الانسداد:إما أن يجري في خصوص المسائل الأصولية كما يجري في خصوص الفروع،و إما أن يقرر دليل الانسداد بالنسبة إلى جميع الأحكام )1(- (1)لأن الظن أو الاطمئنان بوثاقة الراوي لما كان موجبا للظن بصدور الرواية التي يرويها دخلت الرواية في عموم حجية الخبر المظنون أو المطمأن بصدوره.نعم لو كان الظن أو الاطمئنان بوثاقة الراوي لا يوجب الظن أو الاطمئنان بصدور روايته،لبعض الطوارئ،لم يكن وجه للاكتفاء به،كما هو الحال بناء على الانسداد أيضا،كما سبقت الإشارة إليه.

)2(- (2)الظن بالمسألة الأصولية العملية إنما يوجب الظن بالحكم الظاهري لا الواقعي،و الظن بالحكم الواقعي عبارة أخرى عن الظن بالمسألة الفرعية،الذي هو لا يرتبط بالظن بالمسألة الأصولية و لا يتولد منه.ثم إن ما سبق من المصنف قدّس سرّه من عدم الفرق بين الظن بالواقع و الظن بالطريق راجع إلى ما ذكره هنا من عدم الفرق بين الظن بالمسألة الفرعية و الظن بالمسألة الأصولية،و الكلام فيهما واحد.و لذا سبق منه قدّس سرّه في آخر التنبيه الأول التحويل على ما هنا.

ص: 283

الشرعية،فيثبت حجية الظن في الجميع و يندرج فيها المسائل الأصولية، و إما أن يجري في خصوص المسائل الفرعية،فيثبت به اعتبار الظن في خصوص الفروع،لكن الظن بالمسألة الأصولية يستلزم الظن بالمسألة الفرعية التي تبتني عليها (1) .

و هذه الوجوه بين ما لا يصح و ما لا يجدي.

أما الأول،فهو غير صحيح،لأن المسائل الأصولية التي ينسد فيها باب العلم ليست في أنفسها من الكثرة بحيث يلزم من إجراء الأصول فيها (2) محذور (3) كان يلزم من إجراء الأصول في المسائل الفرعية التي انسد فيها باب العلم،لأن ما كان من المسائل الأصولية يبحث فيها عن كون شيء حجة-كمسألة حجية الشهرة و نقل الإجماع و أخبار الآحاد- أو عن كونه مرجحا (4) ،فقد انفتح فيها باب العلم و علم الحجة منها من غير الحجة و المرجح منها من غيره،بإثبات (5) حجية الظن في المسائل الفرعية،إذ بإثبات ذلك المطلب حصل الدلالة العقلية على أن ما كان من )1(- (1)و حينئذ فحجية الظن بالمسألة الفرعية تستلزم العمل بالظن في المسألة الأصولية.

)2(- (2)كأصالة عدم الحجية مع الشك فيها بدوا،و الاحتياط بموافقة محتمل الحجية مع العلم بها إجمالا.

)3(- (3)و هو إهمال الأحكام بنحو يعلم بعدم رضا الشارع الأقدس اللازم من الأصل النافي،أو العسر و الحرج و اختلال النظام اللازمين من الاحتياط .

)4(- (4)كمسألة ترجيح إحدى الروايتين بالشهرة في الفتوى.

)5(- (5)متعلق بقوله:«فقد انفتح فيها باب...»و الباء للسببية.

ص: 284

الأمارات داخلا في نتيجة دليل الانسداد فهو حجة (1) .

و قس على ذلك معرفة المرجح،فإنا قد علمنا بدليل الانسداد أن كلا من المتعارضين إذا اعتضد بما يوجب قوته على غيره من جهة من الجهات (2) ،فهو راجح على صاحبه مقدم عليه في العمل.

و ما كان (3) منها يبحث فيها عن الموضوعات الاستنباطية-و هي ألفاظ الكتاب و السنة من حيث استنباط الأحكام عنهما،كمسائل الأمر و النهي،و أخواتهما من المطلق و المقيد،و العام و الخاص،و المجمل و المبين، إلى غير ذلك-فقد (4) علم حجية الظن فيها من حيث استلزام الظن بها الظن بالحكم الفرعي الواقعي (5) ،لما عرفت (6) :من أن مقتضى دليل الانسداد في الفروع حجية الظن الحاصل بها من الأمارة ابتداء،و الظن المتولد من أمارة موجودة في مسألة لفظية.

)1(- (1)بأن كانت موجبة للظن الشخصي بالحكم الشرعي،دون ما لم يوجبه.

)2(- (2)بحيث يكون مفاده مظنونا،و مفاد معارضه موهوما.

)3(- (3)عطف على قوله:«لان ما كان من المسائل الأصولية...».

)4(- (4)خبر الموصول في قوله:«و ما كان منها...».و ذكر الفاء للإشعار بالعلية.

)5(- (5)هذا الاستلزام غير مطرد،فمثلا الظن بأن صيغة«افعل»موضوعة للوجوب إنما يوجب الظن بإرادته من الكلام إذا علم أو ظن بعدم القرينة الصارفة، أما مع احتمال القرينة المذكورة فلا يظن بإرادة الوجوب.و أصالة عدم القرينة إنما يرجع إليها مع ثبوت الوضع أو الظهور الأولي،لا مع الظن بهما.

)6(- (6)يعني:في أول هذا التنبيه.

ص: 285

و يلحق بهما:بعض المسائل العقلية،مثل وجوب المقدمة و حرمة الضد و امتناع اجتماع الأمر و النهي و الأمر مع العلم بانتفاء شرطه،و نحو ذلك مما يستلزم الظن به الظن بالحكم الفرعي،فإنه يكتفى في حجية الظن فيها بإجراء دليل الانسداد في خصوص الفروع،و لا يحتاج إلى إجرائه في الأصول.

و بالجملة:فبعض المسائل الأصولية صارت معلومة بدليل الانسداد (1) ،و بعضها صارت حجية الظن فيها معلومة بدليل الانسداد في الفروع (2) ،فالباقي منها-الذي يحتاج إثبات حجية الظن فيها إلى )1(- (1)و هي المسائل التي يبحث فيها عن حجية شيء،كالشهرة،فإن الظن بالحجية مع قطع النظر عن مقدمات الانسداد ينقلب إلى العلم بها بملاحظتها،لكن بشرط إفادتها الظن الشخصي.

)2(- (2)و هي المسائل التي يكون الظن بها مستلزما للظن بالحكم الفرعي كمسائل الأصول اللفظية و الملازمات العقلية،فإن حجية الظن بالحكم الفرعي في حكم حجية الظن بالمسائل المذكورة عملا.

هذا و ظاهر المصنف قدّس سرّه إمضاء هذا التقرير في إبطال الوجه الأول.و هو غير ظاهر،فإنه كما يمكن دعوى كون إجراء دليل الانسداد في خصوص الفروع موجبا لانفتاح باب العلم في المسائل الأصولية،المانع من جريان دليل الانسداد فيها.

كذلك يمكن العكس و أن إجراء الدليل في المسائل الأصولية موجب لانفتاح باب العلم في المسائل الفرعية فيمتنع جريان الدليل فيها،لما هو المعلوم من أنه مع انفتاح باب العلم في المسائل الأصولية يتحصل للمكلف مقدار من الأدلة في الفروع فلا محذور من الرجوع فيها في غير موارد الأدلة المذكورة إلى الأصول.

فالعمدة في الإشكال على الوجه المذكور هو عدم تمامية مقدمات الانسداد في

ص: 286

إجراء دليل الانسداد في خصوص الأصول-ليس في الكثرة بحيث يلزم من العمل بالأصول و طرح الظن الموجود فيها محذور و إن كانت في أنفسها كثيرة،مثل المسائل الباحثة عن حجية بعض الأمارات،كخبر الواحد و نقل الإجماع لا بشرط الظن الشخصي،و كالمسائل الباحثة عن شروط أخبار الآحاد على مذهب من يراها ظنونا خاصة (1) ،و الباحثة عن بعض المرجحات التعبدية (2) ،و نحو ذلك،فإن هذه المسائل لا تصير المسائل الأصولية،إما لعدم العلم الإجمالي بنصب الشارع للطرق غير العلمية بناء على ما سبق من المصنف قدّس سرّه في الوجه الأول من الإشكال على الوجه الأول من دليلى القول باختصاص الحجية بالظن بالطريق.و إما لأنه لا موضوع للاحتياط في المسائل الأصولية،لأن الحجية من الأحكام الطريقية التي لا تكون متنجزة في نفسها،و إنما المتنجز هو الأحكام المحصلة بها،فلا موضوع للاحتياط إلا في الأحكام الفرعية.

كما تقدم منا توضيحه عند الكلام في المعمم الثالث لنتيجة الانسداد فراجع.

غاية الأمر أنه لو فرض العلم الإجمالي بنصب الطرق فقد يدعى انحلال العلم الإجمالي الكبير المقتضي لتنجز جميع المحتملات بالعلم الإجمالي بنصب الطرق المقتضي لتنجز الأحكام الفرعية في خصوص موارد الطرق.على ما سبق منا الكلام فيه عند الكلام في الوجه الأول من دليلى القول باختصاص الحجية بالظن بالطريق.

فراجع.

و من هنا يشكل الوجه الثاني من الوجوه الثلاثة المذكورة هنا لتقرير دليل الانسداد الذي سيأتي من المصنف قدّس سرّه الكلام فيه،كما يظهر بالتأمل.

)1(- (1)لكن مع كون ما هو الحجة منها لا يفي بمعظم الفقه،و إلا لزم انفتاح باب العلم و لم يبق مورد لدليل الانسداد لا في الفروع و لا في الأصول.

)2(- (2)يعني:من دون أن توجب الظن بالراجح.

ص: 287

معلومة بإجراء دليل الانسداد في خصوص الفروع.لكن هذه المسائل بل و أضعافها ليست في الكثرة بحيث لو رجع مع حصول الظن بأحد طرفي المسألة إلى الأصول و طرح ذلك الظن لزم محذور كان يلزم في الفروع.

و أما الثاني،و هو إجراء دليل الانسداد في مطلق الأحكام الشرعية- فرعية كانت أو أصلية-فهو غير مجد (1) ،لأن النتيجة و هو العمل بالظن لا يثبت عمومه من حيث موارد الظن إلا بالإجماع المركب أو الترجيح بلا مرجح (2) ،بأن يقال:إن العمل بالظن في الطهارات دون الديات-مثلا- ترجيح بلا مرجح و مخالف للإجماع،و هذان الوجهان مفقودان في التعميم و التسوية بين المسائل الفرعية و المسائل الأصولية.

أما فقد الإجماع فواضح،لأن المشهور-كما قيل-على عدم اعتبار الظن في الأصول.

و أما وجود المرجح،فلأن الاهتمام بالمطالب الأصولية أكثر،لابتناء الفروع عليها،و كلما كانت المسألة مهمة كان الاهتمام فيها أكثر (3) ، )1(- (1)عرفت أنه غير تام في نفسه،لعدم تمامية مقدمات الانسداد في المسائل الأصولية.

)2(- (2)سبق من المصنف قدّس سرّه أنه بناء على الكشف فالتعميم ثابت بالإجماع القطعي،و بناء على الحكومة فالتعميم ثابت بحكم العقل لاستقلاله بعدم الفرق بين الموارد.و الظاهر انه راجع إلى قبح الترجيح بلا مرجح.نعم عرفت الاشكال في ذلك في محله.

)3(- (3)لكن الاهتمام بالمسائل الأصولية لما كان ناشئا من ابتناء الفروع عليها فهو لا يقتضي الاهتمام بها زائدا على الاهتمام بالفروع،و لا تقتضي ترجيحها عليها،

ص: 288

و التحفظ عن الخطأ فيها آكد،و لذا يعبرون في مقام المنع عن ذلك بقولهم:

إن إثبات مثل هذا الأصل بهذا مشكل،أو إنه إثبات أصل بخبر،و نحو ذلك.

و أما الثالث،و هو اختصاص مقدمات الانسداد و نتيجتها بالمسائل الفرعية،إلا أن الظن بالمسألة الفرعية قد يتولد من الظن بالمسألة الأصولية، فالمسألة الأصولية بمنزلة المسائل اللغوية يعتبر الظن فيها من حيث كونه منشأ للظن بالحكم الفرعي،ففيه:

أن الظن بالمسألة الأصولية:إن كان منشأ للظن بالحكم الفرعي الواقعي-كالباحثة عن الموضوعات المستنبطة (1) ،و المسائل العقلية مثل وجوب المقدمة و امتناع اجتماع الأمر و النهي-فقد اعترفنا (2) بحجية الظن فيها.

و أما ما لا يتعلق بذلك و تكون باحثة عن أحوال الدليل من حيث بحيث يجتزأ بالظن في الفروع و لا يجتزأ به فى الأصول بل لا بدّ فيها من العلم و ما في كلمات بعضهم من عدم إثبات الأصل بالظن غير ظاهر المأخذ،كما تقدم فى الاستدلال بآية النبأ لحجية خبر الواحد.

فالعمدة في ردّ هذا الوجه ما عرفت من عدم تمامية مقدمات الانسداد في المسائل الأصولية.مع ما عرفت سابقا من إهمال النتيجة من حيثية الموارد حتى على الحكومة،و الظاهر عدم جريان ما تقدم في وجه التعميم هنا.

)1(- (1)و هي الباحثة عن ألفاظ الكتاب و السنة من حيث استنباط الأحكام عنهما كمسائل الأمر و النهي و العموم و الخصوص و غيرهما،كما تقدم في كلام المصنف قدّس سرّه.

)2(- (2)كما سبق في الجواب عن الوجه الأول.

ص: 289

الاعتبار في نفسه أو عند المعارضة (1) -و هي التي منعنا عن حجية الظن فيها-فليس يتولد من الظن فيها الظن بالحكم الفرعي الواقعي،و إنما ينشأ منه الظن بالحكم الفرعي الظاهري،و هو مما لم يقتض انسداد باب العلم بالأحكام الواقعية العمل بالظن فيه،فإن انسداد باب العلم في حكم العصير العنبي إنما يقتضي العمل بالظن في ذلك الحكم المنسد (2) ،لا في حكم العصير من حيث أخبر عادل بحرمته (3) .

بل أمثال هذه الأحكام الثابتة للموضوعات لا من حيث هي،بل من حيث قيام الأمارة الغير المفيدة للظن الفعلي عليها:إن ثبت انسداد باب العلم فيها على وجه يلزم المحذور من الرجوع فيها إلى الأصول عمل فيها بالظن (4) ،و إلا فانسداد باب العلم في الأحكام الواقعية و عدم إمكان العمل فيها بالأصول لا يقتضي العمل بالظن في هذه الأحكام،لأنها لا تغني عن الواقع المنسد فيه العلم.

هذا غاية توضيح ما قرره أستاذنا الشريف قدّس سره اللطيف،في )1(- (1)يعني:مع قطع النظر عن إفادته الظن الشخصي.

)2(- (2)و هو الحكم الواقعي.

)3(- (3)بل الظاهر أن الحكم المذكور غير مجعول للشارع الأقدس كغيره من الأحكام الظاهرية و إنما هي منتزعة من جعل الحجج الذي هو موضوع المسائل الأصولية،المفروض هنا عدم جريان الانسداد فيها.و إنما يجري في المسائل الفرعية لا غير.

)4(- (4)لكن هذا يبتني على أحد الوجهين السابقين الذين عرفت الكلام فيهما.

و أما هذا الوجه فهو يبتني على تمامية مقدمات الانسداد في المسائل الفرعية لا غير.

ص: 290

منع نهوض دليل الانسداد لإثبات حجية الظن في المسائل الأصولية.

ما اشتهر من عدم حجية الظن في مسائل أصول الفقه

الثاني من دليلي المنع:هو أن الشهرة المحققة و الإجماع المنقول على عدم حجية الظن في مسائل أصول الفقه،و هي مسألة أصولية،فلو كان الظن فيها حجة وجب الأخذ بالشهرة و نقل الإجماع في هذه المسألة (1) .

و الجواب:

أما عن الوجه الأول:فبأن دليل الانسداد وارد على أصالة حرمة العمل بالظن،و المختار في الاستدلال به في المقام هو الوجه الثالث،و هو إجراؤه في الأحكام الفرعية،و الظن في المسائل الأصولية مستلزم للظن في المسألة الفرعية.

و ما ذكر:من كون اللازم منه هو الظن بالحكم الفرعي الظاهري صحيح،إلا أن ما ذكر-من أن انسداد باب العلم في الأحكام الواقعية و بقاء التكليف بها و عدم جواز الرجوع فيها إلى الأصول،لا يقتضي إلا اعتبار الظن بالحكم الفرعي الواقعي-ممنوع،بل المقدمات المذكورة كما عرفت غير مرة (2) ،إنما تقتضي اعتبار الظن بسقوط تلك الأحكام الواقعية )1(- (1)بناء على ما عرفت من لزوم العمل بالظن المانع و إهمال الظن الممنوع مع فرض عموم نتيجة الانسداد لهما.

)2(- (2)سبق الكلام فيه منه و منّا في الأمر الأول حيث سبق منه عدم الفرق بين الظن بالواقع و الظن بالطريق.لكن ما ذكره قدّس سرّه لو تم في نفسه مبني على الحكومة أما بناء على الكشف فاحتمال الفرق بين الظن بالحكم الواقعي و الظاهري كاف في التوقف،كما أشار إليه قدّس سرّه عند الكلام في المورد الأول من الموارد التي يرجع فيها إلى الظن في تعيين نتيجة دليل الانسداد.

ص: 291

و فراغ الذمة منها.

فإذا فرضنا مثلا:أنا ظننا بحكم العصير لا واقعا،بل من حيث قام عليه ما لا يفيد الظن الفعلي بالحكم الواقعي،فهذا الظن يكفي في الظن بسقوط الحكم الواقعي للعصير.

بل لو (1) فرضنا:أنه لم يحصل ظن بحكم واقعي أصلا،و إنما حصل الظن بحجية أمور لا تفيد الظن،فإن العمل بها يظن معه سقوط الأحكام الواقعية عنا،لما تقدم:من أنه لا فرق في سقوط الواقع بين الإتيان بالواقع علما أو ظنا،و بين الإتيان ببدله كذلك،فالظن بالإتيان بالبدل كالظن بإتيان الواقع،و هذا واضح.

و أما الجواب عن الثاني:

أولا:فبمنع الشهرة و الإجماع،نظرا إلى أن المسألة من المستحدثات، فدعوى الإجماع فيها مساوقة لدعوى الشهرة (2) .

بل الظاهر أنه حتى بناء على الحكومة فالالتزام بعدم الفرق بين الظن بالحكم الواقعي و الظاهري مبني على عموم النتيجة،أما بناء على الإهمال-كما عرفت أنه الظاهر-فهو محتاج إلى ما يقتضي التعميم،و هو غير ثابت،كما قد يظهر بالتأمل في وجوه التعميم المتقدمة.

(1)يعني:أنه لا يعتبر حصول الظن بالواقع أصلا،كما لو كان الظن به متعذرا و لم يتهيأ إلا الظن بالطريق،فإنه يكفي في جريان دليل الانسداد،و لا يتوقف على التمكن من الظن بالواقع.

(2)يعني:في عدم التعويل عليها،لعدم كشف الإجماع و لا الشهرة عن رأى المعصوم عليه السّلام و لو ظنا بعد عدم الابتلاء بالمسألة في عصره ليحتمل أخذ حكمها منه.

ص: 292

و ثانيا:لو سلمنا الشهرة،لكنه لأجل بناء المشهور على الظنون الخاصة كأخبار الآحاد و الإجماع المنقول،و حيث إن المتبع فيها الأدلة الخاصة،و كانت أدلتها كالإجماع و السيرة على حجية أخبار الآحاد مختصة بالمسائل الفرعية،بقيت المسائل الأصولية تحت أصالة حرمة العمل بالظن،و لم يعلم بل و لم يظن من مذهبهم الفرق بين الفروع و الأصول، بناء على مقدمات الانسداد و اقتضاء العقل كفاية الخروج الظني عن عهدة التكاليف الواقعية.

و ثالثا:سلمنا قيام الشهرة و الإجماع المنقول على عدم الحجية على تقدير الانسداد،لكن المسألة-أعني كون مقتضى الانسداد هو العمل بالظن مطلقا أو في خصوص الفروع دون الأصول-عقلية،و الشهرة و نقل الإجماع إنما يفيدان الظن في المسائل التوقيفية دون العقلية (1) .

و رابعا:أن حصول الظن بعدم الحجية مع تسليم دلالة دليل الانسداد على الحجية (2) لا يجتمعان (3) ،فتسليم دليل الانسداد يمنع من حصول (1)هذا إنما يتم لو كان مراد المستدل الرجوع إلى الشهرة و الإجماع في منع جريان دليل الانسداد بنحو يقتضي حجية الظن في المسألة الأصولية،و الظاهر أن ذلك ليس مردا له،بل مراده دعوى الشهرة و الإجماع على كون الظن في المسألة الأصولية منهيا عنه بالخصوص،و إن كان مقتضى دليل الانسداد حجيته لو لا المانع، و من الظاهر أن النهي المذكور ليس عقليا،بل شرعيا توقيفيا،فلا مانع من استفادته من الشهرة و الإجماع.فلاحظ .

(2)لما سبق منه قدّس سرّه في وجه التعميم للمسألة الأصولية.

(3)بل يجتمعان بناء على إمكان منع الشارع بعض الظنون بالخصوص،و قد

ص: 293

الظن.

و خامسا:سلمنا حصول الظن،لكن غاية الأمر دخول المسألة فيما تقدم،من قيام الظن على عدم حجية ظن،و قد عرفت أن المرجع فيه إلى متابعة الظن الأقوى (1) ،فراجع.

عرفت أن الكلام في الظن المانع و الممنوع مبني على ذلك.

(1)لكن عرفت منّا أن اللازم الرجوع إلى الظن المانع و إهمال الظن الممنوع.

هذا و قد ذكر بعض أعاظم المحشّين قدّس سرّه وجها آخر للمنع من الرجوع للشهرة و الإجماع المنقول في المقام قال:«حيث إن شمول الدليل لهما موجب لعدم شموله لهما،فإنهما ظن في المسألة الأصولية و ما يستلزم وجوده عدمه فهو محال.

و قد اختار قدّس سرّه هذا الجواب و ارتضاه بعد ما عرضته عليه في مجلس المذاكرة..»لكنه مندفع بما سبق منا في مسألة الظن المانع و الممنوع في الجواب عن الوجه الأول الذي ذكره المصنف قدّس سرّه لرد حجة القول بتقديم المانع فراجع.

ص: 294

الأمر الرابع
عدم كفاية الظن بالامتثال في مقام التطبيق

أن الثابت بمقدمات دليل الانسداد هو الاكتفاء بالظن في الخروج عن عهدة الأحكام المنسد فيها باب العلم،بمعنى أن المظنون إذا خالف حكم اللّه الواقعي لم يعاقب بل يثاب عليه (1) ،فالظن بالامتثال إنما يكفي في مقام تعيين الحكم الشرعي الممتثل.

و أما في مقام تطبيق العمل الخارجي على ذلك المعين،فلا دليل على الاكتفاء فيه بالظن،مثلا:إذا شككنا في وجوب الجمعة أو الظهر جاز لنا تعيين الواجب الواقعي بالظن،فلو ظننا وجوب الجمعة فلا نعاقب على تقدير وجوب الظهر واقعا،لكن لا يلزم من ذلك حجية الظن في مقام العمل على طبق ذلك الظن،فإذا ظننا بعد مضي مقدار من الوقت بأنا قد أتينا بالجمعة في هذا اليوم،لكن احتمل نسيانها،فلا يكفي الظن (1)يعني:لو كان العمل به موجبا للانقياد،كالظن بوجوب الجمعة،أما لو لم يوجبه كالظن بحلية التتن أو بعدم وجوب الدعاء عند رؤية الهلال فلا يوجب الثواب مع الإصابة فضلا عن الخطأ.

ص: 295

بالامتثال من هذه الجهة،بمعنى أنه إذا لم نأت بها في الواقع و نسيناها قام الظن بالإتيان مقام العلم به،بل يجب بحكم الأصل وجوب (1) الإتيان بها.و كذلك لو ظننا بدخول الوقت و أتينا بالجمعة فلا يقتصر على هذا الظن بمعنى عدم العقاب على تقدير مخالفة الظن للواقع بإتيان الجمعة قبل الزوال.

و بالجملة:إذا ظن المكلف بالامتثال و براءة ذمته و سقوط الواقع، فهذا الظن:إن كان مستندا إلى الظن في تعيين الحكم الشرعي كان المكلف فيه معذورا مأجورا على تقدير المخالفة للواقع،و إن كان مستندا إلى الظن بكون الواقع في الخارج منه منطبقا على الحكم الشرعي فليس معذورا (2) ، بل يعاقب على ترك الواقع أو ترك الرجوع إلى القواعد الظاهرية التي هي المعول لغير العالم.

عدم حجية الظن في الأمور الخارجية

و مما ذكرنا تبين:أن الظن بالأمور الخارجية عند فقد العلم بانطباقها (1)كذا فيما عندي من النسخ،و الظاهر زيادة كلمة(وجوب).

(2)هذا ظاهر بناء على الكشف عن حجية الظن شرعا،فظاهر لأن حجية الظن في الحكم الكلي لا تستلزم حجيته في الموضوع الخارجي.و لذا اشتهر حجية خبر الواحد في الأحكام و عدم حجيته في الموضوعات،بل لا بد فيها من البينة.

و أما بناء على الحكومة و أن الظن حجة في مقام الامتثال،فاللازم الاقتصار على المقدار الذي يتعذر فيه الرجوع للعلم و العلمي،لما عرفت في أول التنبيه الثاني من أن دليل الانسداد يقتضي استفراغ الوسع في تحصيل الحكم و عدم الاكتفاء بالمرتبة الضعيفة من الظن مع التمكن من المرتبة القوية،فإن ذلك يقتضي وجوب الرجوع للعلم و العلمي في المقام مع التمكن منهما،كما لا يخفى.فلاحظ .

ص: 296

على المفاهيم الكلية التي تعلق بها الأحكام الشرعية لا دليل على اعتباره، و أن دليل الانسداد إنما يعذر الجاهل فيما انسد فيه باب العلم لفقد الأدلة المنصوبة من الشارع أو إجمال ما وجد منها،و لا يعذر الجاهل بالامتثال من غير هذه الجهة،فإن المعذور فيه هو الظن بأن قبلة العراق ما بين المشرق و المغرب،أما الظن بوقوع الصلاة إليه فلا يعذر فيه.

فظهر:اندفاع توهم أنه إذا بني على الامتثال الظني للأحكام الواقعية فلا يجدي إحراز العلم بانطباق الخارج على المفهوم،لأن الامتثال يرجع بالآخرة إلى الامتثال الظني،حيث إن الظان بكون القبلة ما بين المشرق و المغرب امتثاله للتكاليف الواقعية ظني،علم بما بين المشرق و المغرب أو ظن (1) .

و حاصله:أن حجية الظن في تعيين الحكم بمعنى معذورية الشخص مع المخالفة لا تستلزم حجيته في الانطباق بمعنى معذوريته لو لم يكن الخارج منطبقا على ذلك الذي عين،و إلا (2) لكان الإذن في العمل بالظن في بعض شروط الصلاة أو أجزائها يوجب جوازه في سائرها (3) ،و هو (1)الظاهر إنه لا ملازمة بين الظن بالموضوع حينئذ و الظن بالامتثال و أن الظن بالموضوع إنما يستلزم الظن بالامتثال إذا كان الحكم الشرعي الكلي معلوما، لأن النتيجة تتبع أخس المقدمات أما أن الظن بجميع المقدمات مستلزم للظن بالنتيجة فهو غير ظاهر،و إن كان لا بد من التأمل.

(2)يعني:لو كانت حجية الظن من بعض الجهات مستلزمة لحجيته من جميعها،لعدم التفكيك بين الجهات في ذلك.

(3)لأن الارتباطية بين الأجزاء و الشرائط يوجب كون الرجوع إلى الظن في

ص: 297

بديهي البطلان.

فعلم:أن قياس الظن بالأمور الخارجية على المسائل الأصولية و اللغوية،و استلزامه الظن بالامتثال قياس مع الفارق،لأن جميع هذه يرجع إلى شيء واحد هو الظن بتعيين الحكم.

ثم من المعلوم عدم جريان دليل الانسداد في نفس الامور الخارجية (1) ،لأنها غير منوطة بأدلة و أمارات مضبوطة حتى يدعى طرو الانسداد فيها في هذا الزمان (2) فيجري دليل الانسداد في أنفسها،لأن بعضها عوضا للامتثال الظني بالإضافة إلى الواجب الارتباطي و هو المركب التام سواء كان البعض الآخر معلوما أم مظنونا.

(1)يعني:مع قطع النظر عن انسداد باب العلم بالأحكام.

(2)لا يخفى أن موضوع حكم العقل هو الانسداد مع بقية المقدمات، و لا خصوصية لطروئه.على أنه يمكن فرض الطروء في بعض الموضوعات بسبب ضياع بعض أماراتها و انطماسها كالفجر الذي يصعب العلم به أول وقته بسبب انتشار الأنوار الكهربائية المانع من رؤيته.و كون المرجع في الأمور الخارجية ليس هو الشرع لا أهمية له بعد عدم أخذ الرجوع إلى الشارع في موضوع القضية العقلية و عدم كونه من مقدمات دليل الانسداد،فليس المدار إلا على مقدمات الانسداد التي لو فرض تماميتها في مورد لزم البناء على الرجوع إلى الظن فيه من دون فرق بين الأحكام الكلية و الموضوعات الخارجية.

نعم الظاهر عدم تماميتها في الموضوعات الخارجية.

أولا:من جهة إن الابتلاء بالموضوعات ليس دفعيا حتى يمتنع مع العلم الإجمالي فيها بالتكليف الرجوع للأصول الترخيصية،بل لا مانع من الرجوع إليها في ما هو مورد الابتلاء لخروج غيره من أطراف العلم الإجمالي عن الابتلاء فلا يكون

ص: 298

مرجعها ليس إلى الشرع و لا إلى مرجع آخر منضبط .

حجية الظن في بعض الأمور الخارجية كالضرر و النسب و شبههما

نعم،قد يوجد في الامور الخارجية ما لا يبعد إجراء نظير دليل الانسداد فيه،كما في موضوع الضرر الذي أ-نيط به أحكام كثيرة من جواز التيمم و الافطار و غيرهما،فيقال:إن باب العلم بالضرر منسد غالبا،إذ لا العلم الإجمالي منجزا.

و ثانيا:لأنه لو فرض منجزية العلم الإجمالي فلا مانع من وجوب الاحتياط التام،لقلة الموارد بنحو لا يلزم من الاجتناب فيها للحرج فضلا عن اختلال النظام.

و ثالثا:لأنه لو فرض وجود المانع من الاحتياط التام-و لو في مورد شخصي خاص-تعين سقوط الاحتياط مطلقا و إهمال الحكم،بناء على ما هو التحقيق-كما سبق-من أن المانع من الاحتياط التام كالحرج و نحوه يكون رافعا لفعلية التكليف المعلوم بالإجمال،فلا منجز للواقع حتى يتعين الرجوع للظن في تشخيصه مع تعذر العلم.و هذا بخلاف الأحكام الكلية،لأن امتناع الاحتياط التام فيها و إن أوجب سقوط العلم الإجمالي عن المنجزية،إلا إنّها متنجزة بالعلم باهتمام الشارع الأقدس بنحو يعلم بعدم رضاه بتركها بسبب الجهل الكاشف عن جعله الحجة الكافية عليها و هو الظن،لأن ترجحه الذاتي بنظر العقل صالح لاتكال الشارع عليه في مقام البيان بخلاف غيره من الطرق،كما تقدم.

و هذا بخلاف الموضوعات الخارجية فإن مع قلة موارد المخالفة فيها لا يحصل العلم بالاهتمام لعدم بلوغ ذلك حدا يشبه الخروج عن الدين.نعم بناء على مختار المصنف قدّس سرّه من أن تعذر الاحتياط التام لا يسقط التكليف المعلوم بالاجمال،بل يقتضي تبعيض الاحتياط بتعين حجية الظن بعد فرض تنجز الأحكام الجزئية بالعلم الإجمالي و عدم تعيينها بعلم و لا علمي.فتتم مقدمات الانسداد في الفرض المذكور.

فلاحظ .

ص: 299

يعلم غالبا (1) إلا بعد تحققه،و إجراء أصالة عدمه في تلك الموارد يوجب المحذور،و هو الوقوع في الضرر غالبا،فتعين إناطة الحكم فيه بالظن.

هذا إذا أنيط الحكم بنفس الضرر،و أما إذا أنيط بموضوع الخوف (2) فلا حاجة إلى ذلك (3) ،بل يشمل حينئذ الشك أيضا.

و يمكن أن يجري مثل ذلك في مثل العدالة و النسب و شبههما من الموضوعات التي يلزم من إجراء الأصول فيها مع عدم العلم الوقوع في (1)الوقوع في الضرر غالبا مع الجهل ليس محذورا شرعيا و لا عقليا.إلا أن يفرض العلم باهتمام الشارع به نظير العلم باهتمام الشارع بالأحكام الواقعية مع فرض انسداد العلم بها.فتتم مقدمات الانسداد.

أو يقال:لو لم يكن بناء المسلمين على الاكتفاء بالظن بالضرر في ترتيب أحكامه للزم الهرج و المرج الموجبان لكثرة السؤال و انكشاف الحال، و حيث لم يقع ذلك كشف عن المفروغية عن حجيته بنحو يوجب القطع بحجيته شرعا.فيكون الظن حينئذ حجة خاصة في باب الضرر،و لا يبتني على دليل الانسداد.

(2)كما يظهر من بعض الأخبار.

(3)من دون فرق بين أن يكون للخوف موضوعية في ترتب الأحكام،و أن يكون طريقا محضا مع كون الموضوع هو الضرر الواقعي.

إذ على الأول لا يكون الموضوع مما يتعذر فيه تحصيل العلم،بل يكون أمرا وجدانيا لا يقبل الجهل.

و على الثاني فالموضوع و إن كان مما يتعذر فيه العلم إلا أنه لا محذور فيه بعد تيسر الرجوع فيه إلى الحجة الخاصة شرعا،و هي الخوف.و كيف كان فلا تتم مقدمات الانسداد.كما لا يخفى.

ص: 300

مخالفة الواقع كثيرا (1) ،فافهم.

(1)عرفت أن كثرة الوقوع في مخالفة الواقع لا أهمية لها مع فرض عدم تنجز الواقع لعدم الابتلاء ببعض أطراف العلم أو مع لزوم محذور في الاحتياط التام.إلا أن يعلم باهتمام الشارع بذلك لخصوصية في المورد،و ذلك غير مطرد،بل لعله لا مورد له في الشبهات الموضوعية.

ص: 301

ص: 302

الأمر الخامس
اشارة

في اعتبار الظن في أصول الدين

و الأقوال المستفادة من تتبع كلمات العلماء في هذه المسألة،من حيث وجوب مطلق المعرفة،أو الحاصلة عن خصوص النظر،و كفاية الظن مطلقا،أو في الجملة،ستة.

الأقوال في المسألة:
القول الأول

الأول:اعتبار العلم فيها من النظر و الاستدلال،و هو المعروف عن الأكثر،و ادعى عليه العلامة-في الباب الحادي عشر من مختصر المصباح- إجماع العلماء كافة.و ربما يحكى دعوى الإجماع عن العضدي،لكن الموجود منه في مسألة عدم جواز التقليد في العقليات من أصول الدين:

دعوى إجماع الأمة على وجوب معرفة اللّه (1) .

(1)في بعض الحواشي:«و ليس فيه تعرض لاعتبار العلم،و لا لكونه حاصلا من النظر و الاستدلال».و لا أدري هل أن ذلك اجتهاد في تفسير مراد المصنف قدّس سرّه أو بعد الاطلاع على كلام العضدي ؟

ص: 303

القول الثاني

الثاني:اعتبار العلم و لو من التقليد،و هو المصرح به في كلام بعض و المحكي عن آخرين.

القول الثالث

الثالث:كفاية الظن مطلقا،و هو المحكي عن جماعة،منهم المحقق الطوسي في بعض الرسائل المنسوبة إليه و حكي نسبته إليه في فصوله و لم أجده فيه،و عن المحقق الأردبيلي و تلميذه صاحب المدارك و ظاهر شيخنا البهائي و العلامة المجلسي و المحدث الكاشاني و غيرهم قدّس اللّه أسرارهم.

القول الرابع

الرابع:كفاية الظن المستفاد من النظر و الاستدلال دون التقليد، حكي عن شيخنا البهائي قدّس سرّه في بعض تعليقاته على شرح المختصر:أنه نسبه إلى بعض.

القول الخامس

الخامس:كفاية الظن المستفاد من أخبار الآحاد،و هو الظاهر مما حكاه العلامة قدّس سرّه في النهاية عن الأخباريين:من أنهم لم يعولوا في أصول الدين و فروعه إلا على أخبار الآحاد،و حكاه الشيخ في عدته في مسألة حجية أخبار الآحاد عن بعض غفلة أصحاب الحديث.

و الظاهر:أن مراده حملة الأحاديث،الجامدون على ظواهرها، المعرضون عما عداها من البراهين العقلية المعارضة لتلك الظواهر.

القول السادس

السادس:كفاية الجزم بل الظن من التقليد،مع كون النظر واجبا مستقلا لكنه معفو عنه،كما يظهر من عدة الشيخ قدّس سرّه في مسألة حجية أخبار الآحاد و في أواخر العدة (1) .

(1)يأتي نقل كلامه في آخر هذا التنبيه.

ص: 304

ثم إن محل الكلام في كلمات هؤلاء الأعلام غير منقح،فالأولى ذكر الجهات التي يمكن أن يتكلم فيها،و تعقيب كل واحدة منها بما يقتضيه النظر من حكمها،فنقول-مستعينا باللّه:

مسائل أصول الدين على قسمين:
اشارة

إن مسائل أصول الدين،و هي التي لا يطلب فيها أولا و بالذات إلا الاعتقاد باطنا و التدين ظاهرا و إن ترتب على وجوب ذلك بعض الآثار العملية (1) ،على قسمين:

ما يجب الاعتقاد به إذا حصل العلم به

أحدهما:ما يجب على المكلف الاعتقاد و التدين به غير مشروط بحصول العلم كالمعارف،فيكون تحصيل العلم من مقدمات الواجب المطلق (2) ،فيجب.

الثاني:ما يجب الاعتقاد و التدين به إذا اتفق حصول العلم به (3) ، كبعض تفاصيل المعارف.

أما الثاني،فحيث كان المفروض عدم وجوب تحصيل المعرفة العلمية كان الأقوى القول بعدم وجوب العمل فيه بالظن لو فرض حصوله، (1)لعل المراد به لزوم العمل بقول المعصوم بعد التدين و الاعتقاد بعصمته أو أحكام الإسلام و الكفر الفرعية من الطهارة و النجاسة و التوارث و عدمه.

(2)بناء على توقف الاعتقاد و التدين على العلم.و لعله يأتي الكلام في ذلك.

(3)الظاهر أن وجوب الاعتقاد به حينئذ لأجل إنه يتوقف عليه الاعتقاد بصحة الدين و صدق النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:فيما جاء به الذي هو قوام الدين،لا لأنه من الأصول التي يجب الاعتقاد بها في نفسها.

ص: 305

و وجوب (1) التوقف فيه،للأخبار الكثيرة الناهية عن القول بغير علم و الآمرة بالتوقف،و أنه:«إذا جاءكم ما تعلمون فقولوا به،و إذا جاءكم ما لا تعلمون فها.و أهوى بيده إلى فيه.

و لا فرق في ذلك بين أن تكون الأمارة الواردة في تلك المسألة خبرا صحيحا أو غيره.

قال شيخنا الشهيد الثاني في المقاصد العلية-بعد ذكر أن المعرفة بتفاصيل البرزخ و المعاد غير لازم-:و أما ما ورد عنه:في ذلك من طريق الآحاد فلا يجب التصديق به مطلقا و إن كان طريقه صحيحا،لأن خبر الواحد ظني،و قد اختلف في جواز العمل به في الأحكام الشرعية الظنية، فكيف بالأحكام الاعتقادية العلمية،انتهى.

و ظاهر الشيخ في العدة:أن عدم جواز التعويل في أصول الدين على أخبار الآحاد اتفاقي إلا عن بعض غفلة أصحاب الحديث (2) .و ظاهر المحكي في السرائر عن السيد المرتضى عدم الخلاف فيه أصلا.و هو مقتضى كلام كل من قال بعدم اعتبار أخبار الآحاد في أصول الفقه (3) .

لكن يمكن أن يقال:إنه إذا حصل الظن من الخبر:

فإن أرادوا بعدم وجوب التصديق بمقتضى الخبر عدم تصديقه علما أو ظنا،فعدم حصول الأول كحصول الثاني قهري لا يتصف بالوجوب (1)عطف على قوله:«القول بعدم...»

(2)تقدم في مبحث خبر الواحد نقل كلامه،و يأتي أيضا في آخر هذا التنبيه.

(3)لعله للأولوية،أو لعموم أدلتهم،فلا بد من النظر في مفاد تلك الأدلة.

ص: 306

و عدمه.

و إن أرادوا التدين به الذي ذكرنا وجوبه في الاعتقاديات و عدم الاكتفاء فيها بمجرد الاعتقاد (1) -كما يظهر من بعض الأخبار الدالة على أن فرض اللسان القول و التعبير عما عقد عليه القلب و أقر به،مستشهدا على ذلك بقوله تعالى: قُولُوا آمَنّٰا بِاللّٰهِ وَ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْنٰا ...إلى آخر الآية- فلا مانع من وجوبه في مورد خبر الواحد،بناء على أن هذا نوع عمل بالخبر، فإن ما دل على وجوب تصديق العادل لا يأبى الشمول لمثل ذلك (2) .

نعم،لو كان العمل بالخبر لا لأجل الدليل الخاص على وجوب العمل به،بل من جهة الحاجة إليه-لثبوت التكليف و انسداد باب العلم -لم يكن وجه للعمل به في مورد لم يثبت التكليف فيه بالواقع كما هو المفروض (3) ،أو يقال:إن عمدة أدلة حجية أخبار الآحاد-و هي الإجماع العملي-لا تساعد على ذلك (4) .

(1)مراده بالاعتقاد هنا العلم أو الظن أو ما يلازمهما،لا عقد القلب،فإنه عبارة أخرى عن التدين.

(2)كأنه يريد مثل ما روي من قوله عليه السّلام:«اعتمدا في دينكما على كل مسن في حبّنا كثير القدم في أمرنا»فإنه شامل للاعتقاديات.و مثله كثير من روايات خبر الواحد.

(3)فإن المفروض عدم الإطلاق لوجوب الاعتقاد بذلك،و إنما هو مشروط بحصول العلم به،فمع قيام الخبر لا دليل على وجوب الاعتقاد.إلا أن يثبت من الخارج كونه بمنزلة العلم،و المفروض أنه محل الكلام.

(4)لما عرفت من شهرة القول بالمنع،بل دعوى الإجماع عليه.

ص: 307

و مما ذكرنا يظهر الكلام في العمل بظاهر الكتاب و الخبر المتواتر في أصول الدين،فإنه قد لا يأبى دليل حجية الظواهر (1) عن وجوب التدين بما تدل عليه من المسائل الأصولية التي لم يثبت التكليف بمعرفتها،لكن ظاهر كلمات كثير عدم العمل بها في ذلك.

و لعل الوجه في ذلك:أن وجوب التدين المذكور إنما هو من آثار العلم بالمسألة الأصولية لا من آثار نفسها،و اعتبار الظن مطلقا أو الظن الخاص-سواء كان من الظواهر أو غيرها-معناه:ترتيب الآثار المتفرعة على نفس الأمر المظنون لا على العلم به (2) .

(1)بل قد يدعى أنه المقطوع به منه،فإن انحصار طريق التبليغ و البيان عرفا بالظواهر مما يبعد معه عدم حجيتها،مع كون كثير من الأصول لا طريق لها إلا السماع.و احتمال التوقف على النصوص القطعية الدلالة بعيد جدا،لعدم الضابط لها مما يمنع من صلوحها للاستدلال و الاحتجاج.فتأمل.

(2)كأنه يريد أن الحجج إنما تقوم مقام العلم الطريقي الذي يكون الأثر فيه للمعلوم،و لا تقوم مقام العلم الموضوعي الذي يكون الأثر فيه لنفس العلم،كما في المقام،حيث أن المفروض أن وجوب التدين و الاعتقاد من آثار العلم و مشروط به.

لكن تقدم منه قدّس سرّه في أول مبحث القطع الاعتراف بقيام الحجج مقام القطع الموضوعي إذا كان مأخوذا بنحو الطريقية،لا بما هو صفة خاصة.و من الظاهر أن اعتبار العلم في المقام بما هو طريق لا بما هو صفة خاصة إذ التدين إنما هو بالواقع بنفسه و المنساق عرفا أن اعتبار العلم به لأجل انكشافه،لا لخصوصية فيه.فتأمل.

فالعمدة ما أشرنا إليه من عدم الدليل على وجوب الاعتقاد بعد حصول العلم في نفسه،و إنما يجب من حيث كونه من لوازم الاعتقاد بالدين و صدق ما جاء به النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و من الظاهر أن ملازمة الاعتقاد بالدين للاعتقاد بالأمور المذكورة

ص: 308

و أما ما يتراءى من التمسك بها أحيانا لبعض العقائد،فلاعتضاد مدلولها بتعدد الظواهر و غيرها من القرائن،و إفادة كل منها الظن، فيحصل من المجموع القطع بالمسألة،و ليس استنادهم في تلك المسألة إلى مجرد أصالة الحقيقة التي قد لا تفيد الظن بإرادة الظاهر،فضلا عن العلم.

ثم،إن الفرق بين القسمين المذكورين،و تمييز ما يجب تحصيل العلم به عما لا يجب في غاية الإشكال.

و قد ذكر العلامة قدّس سرّه في الباب الحادي عشر-فيما يجب معرفته على كل مكلف من تفاصيل التوحيد و النبوة و الإمامة و المعاد-أمورا لا دليل على وجوبها كذلك (1) ،مدعيا أن الجاهل بها عن نظر و استدلال خارج عن ربقة الإيمان مستحق للعذاب الدائم.و هو في غاية الإشكال.

نعم،يمكن أن يقال:إن مقتضى عموم وجوب المعرفة (2) مثل قوله موقوفة على العلم بها،و لا يكفي فيها قيام الحجة عليها.

بل الاعتقاد بصحة الدين لا يقتضي حينئذ إلا الاعتقاد بها إجمالا.ففي الحقيقة إنه لا أثر عملى شرعي للأمور المذكورة و لا العلم بها كى يترتب بقيام الحجة عليها.

فلاحظ .

(1)الظاهر أن المراد وجوبها مطلقا غير مشروط بالمعرفة،بل تكون المعرفة شرطا للواجب لا للوجوب.

(2)إن كان المراد بالعموم ما سيأتي من الأدلة فالظاهر أنه لا دلالة فيه، كما سيأتي،و إن كان غيره فاللازم النظر فيه.و الظاهر أنه لا مجال لاستفادة العموم بالنحو المذكور من الإطلاقات الآمرة بالمعرفة لو فرض تحققها،إذ لا وجه له إلا دعوى ظهور حذف المتعلق في العموم.

ص: 309

تعالى: وَ مٰا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّٰ لِيَعْبُدُونِ أي ليعرفون (1) ،و قوله:

«ما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوات الخمس»،بناء على أن الأفضلية من الواجب (2) خصوصا مثل الصلاة تستلزم الوجوب (3) ، و هي مندفعة بأن ذلك مخصوص بما إذا كان يمكن إرادة العموم،دون مثل المقام مما يعلم فيه بعدم إرادة وجوب معرفة كل شيء،لاستلزامه كثرة التخصيص المستهجن.و ليس حمله على جميع الأمور الدينية بأولى من حمله على خصوص بعضها مما لا إشكال في وجوبه-كما سيأتي-بل يكون مجملا من هذه الجهة،و يجب الرجوع إلى مقتضى الأدلة المفصلة الآتية.

بل لو فرض الظهور في العموم المذكور تعين رفع اليد عنه بالأدلة الآتية الظاهرة في عدم وجوب ما عدا الأمور المذكورة فيها و لو مع القدرة على أكثر من ذلك لا على مجرد عدم دخل ذلك في الإيمان،كما سيأتي من المصنف قدّس سرّه.فلاحظ .

(1)هذا مختص بمعرفته سبحانه،و المنصرف منها معرفة وجوده و استناد الخلق إليه،و لا إطلاق له يشمل ما عدا ذلك.

و دعوى:إن المعرفة الكاملة له تعالى لا تتم إلا بمعرفة أنبيائه و أوليائه و جميع أمور الدين.لو تمت لا تنافي انصراف الخطاب بالمعرفة إلى ما ذكرنا.مع أن حمل العبادة على المعرفة خلاف ظاهر الآية الكريمة،إلا أن يعتمد فيه على الأخبار الكافية في المسألة لو فرض وجودها.

(2)لكن المبنى المذكور في غير محله.و كفى في ذلك ما ذكره بعض أعاظم المحشّين قدّس سرّه من إن السلام المستحب أفضل بمراتب من رده الواجب.

(3)هذا لو تم إنما يقتضي المفروغية عن وجوب المعرفة،و ليس في مقام بيان ما يجب معرفته ليتمسك بإطلاقه المستفاد من حذف المتعلق.مضافا إلى ما عرفت من الأشكال في الاعتماد على ذلك في العموم.

ص: 310

و كذا عمومات وجوب التفقه في الدين الشامل للمعارف (1) ،بقرينة استشهاد الإمام عليه السّلام بها لوجوب النفر لمعرفة الإمام بعد موت الإمام السابق عليه السّلام،و عمومات طلب العلم (2) ،هو وجوب معرفة اللّه جل ذكره و معرفة النبي و معرفة الإمام عليه السّلام (3) و معرفة ما جاء به النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (4) على كل قادر يتمكن من تحصيل العلم،فيجب الفحص حتى يحصل اليأس،فإن حصل العلم بشيء من هذه التفاصيل اعتقد و تدين،و إلا (1)هذا و إن كان مسلما،إلا إنه لا إطلاق له في وجوب معرفة كل شيء من الدين نفسيا،و لا سيما بعد كون الغاية في آية النفر هي الحذر.و لذا لا إشكال في إن وجوب معرفة الأحكام العملية طريقي لأجل العمل،لا نفسي.فالظاهر أنه مسوق لبيان كيفية تحصيل العلم و التنبيه إلى طريقه.و لا إطلاق له بنحو يتمسك به في معرفة ما يجب تحصيل العلم به.بل هو مجمل من هذه الجهة

(2)لعله مثل ما ورد من أن طلب العلم فريضة على كل مسلم و مسلمة، و الأمر بطلب العلم و لو بالصين،و نحوهما مما تضمن التأكيد و الحث على تحصيل العلم.لكن الظاهر إجماله من حيثية ما يجب تحصيل العلم به،و لا سيما مع ما هو المعلوم من إن وجوب تحصيل العلم في كثير من أمور الدين طريقي لا نفسي، فالأحاديث المذكورة مسوقة للحث على طلب العلم بعد المفروغية عن أصل وجوبه و لو طريقيا.

(3)لا إشكال في وجوب معرفة هذه الأمور الثلاثة،فإنها متيقنة بلا حاجة إلى العموم.

(4)لا دليل على وجوبه،لما عرفت من الإشكال في العموم.نعم يجب تصديق النبي في كل ما جاء به و لو على الإجمال.و هو مستلزم لتصديقه فيما علم إتيانه به تفصيلا.

ص: 311

توقف و لم يتدين بالظن لو حصل له (1) .

و من هنا قد يقال:إن الاشتغال بالعلم المتكفل لمعرفة اللّه و معرفة أوليائه صلوات اللّه عليهم أهم من الاشتغال بعلم المسائل العملية،بل هو المتعين،لأن العمل يصح عن تقليد،فلا يكون الاشتغال بعلمه إلا كفائيا، بخلاف المعرفة.

هذا،و لكن الإنصاف ممن جانب الاعتساف يقتضي الإذعان بعدم التمكن من ذلك إلا للأوحدي من الناس،لأن المعرفة المذكورة لا تحصل إلا بعد تحصيل قوة استنباط المطالب من الأخبار،و قوة نظرية أخرى،لئلا يأخذ بالأخبار المخالفة للبراهين العقلية،و مثل هذا الشخص مجتهد في الفروع قطعا (2) ،فيحرم عليه التقليد (3) .

و دعوى جوازه له للضرورة،ليس بأولى من دعوى جواز ترك الاشتغال بالمعرفة التي لا تحصل غالبا بالأعمال المبتنية على التقليد (4) .

(1)هذا مبني على عدم كفاية الظن فيما يجب الاعتقاد به مطلقا.و إلا فلو فرض كفاية الظن في مثل ذلك وجب الاعتقاد بناء على دلالة العموم المدعى على وجوب العلم به كما سبق منه قدّس سرّه.

(2)بمعنى:إن له ملكة الاجتهاد.لكن هذا إنما يسلم في الجملة لا مطلقا.

(3)لحرمة التقليد في حق الواجد لملكة الاجتهاد،بل يجب عليه أعمالها.

(4)هذه العبارة لا تخلو عن غموض.نعم يظهر من بعض أعاظم المحشّين قدّس سرّه أن المراد بها أن فيض المعرفة الكاملة لا يوفق إليه المقلد في العمل من حيث نقصان عمله و عدم البصيرة التامة فيه الموجب لعدم صفاء نفسه.لكنه كما ترى لا يبتني على دليل كما أوضحه المحشي المذكورة.

ص: 312

هذا إذا لم يتعين عليه الإفتاء و المرافعة لأجل قلة المجتهدين،و أما في مثل زماننا فالأمر واضح (1) .

فلا تغتر حينئذ بمن قصر استعداده أو همته عن تحصيل مقدمات استنباط المطالب (2) الاعتقادية الأصولية و العملية (3) عن الأدلة العقلية و النقلية،فيتركها بغضا لها،لأن الناس أعداء ما جهلوا،و يشتغل بمعرفة صفات الرب جل ذكره و أوصاف حججه صلوات اللّه عليهم،ينظر في الأخبار لا يعرف من ألفاظها الفاعل من المفعول،فضلا عن معرفة الخاص من العام،و ينظر في المطالب العقلية لا يعرف البديهيات منها،و يشتغل في خلال ذلك بالتشنيع على حملة الشريعة العملية و الاستهزاء بهم بقصور الفهم و سوء النية،فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزءون.

هذا كله حال وجوب المعرفة مستقلا،و أما اعتبار ذلك في الإسلام أو الإيمان فلا دليل عليه،بل يدل على خلافه الأخبار الكثيرة المفسرة لمعنى الإسلام و الإيمان.

(1)قال بعض أعاظم المحشّين قدّس سرّه:«إلا أن كلّ من يقدر على تحصيل المعارف ليس ممن يقوم به الكفاية يقينا».مع أنه لو فرض وجوب المعرفة بالنحو المذكور فلا وجه لتقديم الاجتهاد الواجب عليها مع التزاحم لعدم العلم بأهميته بل لا يبعد أهمية المعرفة كما قد يشهد به قوله تعالى: «وَ مٰا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاّٰ لِيَعْبُدُونِ » بناء على الاستدلال به كما سبق.فلاحظ

(2)كعلوم اللغة و المنطق و نحوهما مما يتوقف عليه النظر في الأدلة السمعية و العقلية.

(3)متعلق بقوله:«استنباط ...».

ص: 313

ففي رواية محمد بن سالم،عن أبي جعفر عليه السّلام،المروية في الكافي:(إن اللّه عزّ و جل بعث محمدا صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و هو بمكة عشر سنين،فلم يمت بمكة في تلك العشر سنين أحد يشهد أن لا إله إلا اللّه و أن محمدا رسول اللّه:

إلا أدخله اللّه الجنة بإقراره،و هو إيمان التصديق»،فإن الظاهر أن حقيقة الإيمان التي يخرج الإنسان بها عن حد الكفر الموجب للخلود في النار،لم تتغير بعد انتشار الشريعة.

نعم،ظهر في الشريعة أمور صارت ضرورية الثبوت من النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، فيعتبر في الإسلام عدم إنكارها،لكن هذا لا يوجب التغيير،فإن المقصود أنه لم يعتبر في الإيمان أزيد من التوحيد و التصديق بالنبي و بكونه رسولا صادقا فيما يبلغ،و ليس المراد معرفة تفاصيل ذلك،و إلا لم يكن من آمن بمكة من أهل الجنة أو كان حقيقة الإيمان بعد انتشار الشريعة غيرها في صدر الإسلام (1) .

و في رواية سليم بن قيس،عن أمير المؤمنين عليه السّلام:«إن أدنى ما يكون به العبد مؤمنا أن يعرفه اللّه تبارك و تعالى إياه فيقر له بالطاعة،و يعرفه نبيه:

فيقر له بالطاعة،و يعرفه إمامه و حجته في أرضه و شاهده على خلقه فيقر له بالطاعة،فقلت:يا أمير المؤمنين و إن جهل جميع الأشياء إلا ما وصفت ؟ قال:نعم»،و هي صريحة في المدعى.

(1)لا بأس بالالتزام بهذا،فإنه لا إشكال ظاهرا-كما هو ظاهر الرواية-في عدم اعتبار الولاية في الإيمان في صدر الإسلام،مع أنه لا إشكال أيضا في اعتبارها بعد ذلك،كما تشهد به الروايات الآتية،بمعنى لزومها تفصيلا،و لا بالمقدار الملازم لتصديق النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إجمالا.

ص: 314

و في رواية أبي بصير،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:«جعلت فداك، أخبرني عن الدين الذي افترضه اللّه تعالى على العباد،ما لا يسعهم جهله و لا يقبل منهم غيره،ما هو؟فقال:أعد علي،فأعاد عليه،فقال:شهادة أن لا إله إلا اللّه،و أن محمدا رسول اللّه:،و إقام الصلاة،و إيتاء الزكاة،و حج البيت من استطاع إليه سبيلا،و صوم شهر رمضان-ثم سكت قليلا،ثم قال-:و الولاية و الولاية،مرتين-ثم قال-:هذا الذي فرض اللّه عزّ و جل على العباد،لا يسأل الرب العباد يوم القيامة،فيقول:أ لا زدتني على ما افترضت عليك،و لكن من زاد زاده اللّه،إن رسول اللّه:سن سنة حسنة ينبغي للناس الأخذ بها (1) ».

و نحوها رواية عيسى بن السري:«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:حدثني عما بنيت عليه دعائم الإسلام،التي إذا أخذت بها زكى عملي و لم يضرني جهل ما جهلت بعده ؟فقال:شهادة أن لا إله إلا اللّه،و أن محمدا رسول اللّه،و الإقرار بما جاء من عند اللّه،و حق في الأموال الزكاة،و الولاية التي أمر اللّه بها ولاية آل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال:من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية،و قال اللّه تعالى: أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ،فكان علي،ثم صار من بعده الحسن،ثم من بعده الحسين،ثم من بعده علي بن الحسين،ثم من بعده محمد بن علي،ثم (1)لا يبعد ظهور هذه الرواية في شرح الدين العملي أيضا،لا خصوص ما يجب معرفته و الاعتقاد به من أمور الدين.نعم هي تدل على المطلوب في عدم وجوب الاعتقاد بما زاد على ما تضمنته.و كذا حال أكثر الروايات الآتية،بخلاف الروايتين السابقتين.فلاحظ .

ص: 315

هكذا يكون الأمر،إن الأرض لا تصلح إلا بإمام...الحديث».

و في صحيحة ابن أبي اليسع:«قال:قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:أخبرني بدعائم الإسلام التي لا يسع أحدا التقصير عن معرفة شيء منها التي من قصر عن معرفة شيء منها فسد عليه دينه و لم يقبل منه عمله،و من عرفها و عمل بها صلح دينه و قبل عمله و لم يضق به مما هو فيه لجهل شيء من الأمور جهله ؟فقال:شهادة أن لا إله إلا اللّه،و الإيمان بأن محمدا رسول اللّه:،و الإقرار بما جاء به من عند اللّه،و حق في الأموال الزكاة،و الولاية التي أمر اللّه عزّ و جل بها ولاية آل محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم».

و في رواية إسماعيل:«قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الدين الذي لا يسع العباد جهله،فقال:الدين واسع،و إن الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهلهم،فقلت:جعلت فداك أما أحدثك بديني الذي أنا عليه ؟فقال:

بلى،قلت:أشهد أن لا إله إلا اللّه،و أن محمدا عبده و رسوله،و الإقرار بما جاء به من عند اللّه،و أتولاكم،و أبرأ من عدوكم و من ركب رقابكم و تأمر عليكم و ظلمكم حقكم،فقال عليه السّلام:ما جهلت شيئا،هو و اللّه الذي نحن عليه،قلت:فهل سلم أحد لا يعرف هذا الأمر؟قال:لا،إلا المستضعفين، قلت:من هم ؟قال:نساؤكم و أولادكم،قال عليه السّلام:أ رأيت أم أيمن،فإني أشهد أنها من أهل الجنة،و ما كانت تعرف ما أنتم عليه».

فإن في قوله عليه السّلام:«ما جهلت شيئا»دلالة واضحة على عدم اعتبار الزائد في أصل الدين (1) .

(1)بل هي ظاهرة في عدم وجوب معرفة الزائد مطلقا حتى على القادر.

ص: 316

و المستفاد من هذه الأخبار المصرحة بعدم اعتبار معرفة أزيد مما ذكر فيها في الدين (1) -و هو الظاهر أيضا من جماعة من علمائنا الأخيار، كالشهيدين في الألفية و شرحها،و المحقق الثاني في الجعفرية،و شارحها، و غيرهم-هو (2) :أنه يكفي في معرفة الرب التصديق بكونه موجودا واجب الوجود لذاته (3) ،و التصديق بصفاته الثبوتية الراجعة إلى صفتي العلم و القدرة،و نفي الصفات الراجعة إلى الحاجة و الحدوث،و أنه لا يصدر منه القبيح فعلا أو تركا.

و المراد بمعرفة هذه الأمور:ركوزها في اعتقاد المكلف،بحيث إذا سألته عن شيء مما ذكر،أجاب بما هو الحق فيه و إن لم يعرف التعبير عنه بالعبارات المتعارفة على ألسنة الخواص.

و يكفي في معرفة النبي:معرفة شخصه بالنسب المعروف المختص و لذا ذكرنا أنه يمكن الخروج بها عن عموم وجوب المعرفة لو تم.نعم لا مجال لذلك في الروايتين الأوليين،لظهورهما في شرح ما يقوم الإيمان،لا في بيان تمام ما يجب معرفته.

(1)بل مطلقا،كما عرفت.

(2)خبر قوله:«و المستفاد من...».

(3)بل يكفي التصديق بتوحيده الملازم لوجوده-كما هو مقتضى الروايات التي لم تتضمن الا الشهادة التي لا تدل على أكثر من ذلك-و لو مع الغفلة عن بقية الأمور.نعم إنكار بعضها قد يوجب الكفر،إما من حيث كونها من ضروريات الدين،أو لخصوص بعض النصوص الدالة على كفر المجسمة و نحوهم ممن ينكر بعض هذه الأمور.فلاحظ .

ص: 317

به (1) ،و التصديق بنبوته و صدقه (2) ،فلا يعتبر في ذلك الاعتقاد بعصمته، أعني كونه معصوما بالملكة من أول عمره إلى آخره.

قال في المقاصد العلية:و يمكن اعتبار ذلك،لأن الغرض المقصود من الرسالة لا يتم إلا (3) به،فتنتفي الفائدة التي باعتبارها وجب إرسال الرسل.و هو ظاهر بعض كتب العقائد المصدرة بأن من جهل ما ذكروه فيها فليس مؤمنا مع ذكرهم ذلك.و الأول غير بعيد من الصواب (4) ،انتهى.

أقول:و الظاهر أن مراده ببعض كتب العقائد هو الباب الحادي عشر للعلامة قدّس سرّه حيث ذكر تلك العبارة،بل ظاهره دعوى إجماع العلماء عليه.

نعم،يمكن أن يقال:إن معرفة ما عدا النبوة واجبة بالاستقلال على من هو متمكن منه بحسب الاستعداد و عدم الموانع،لما ذكرنا:من عمومات وجوب التفقه (5) و كون المعرفة أفضل من الصلوات الواجبة (6) ،و أن (1)لا وجه لاعتبار معرفة نسبه الشريف،بل يكفي تعيينه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الإشارة إلى شخصه على ما هو مقتضى الاسم العلم الحاكي عن الخصوصية الشخصية.

(2)كما هو مقتضى اشتمال النصوص على الشهادة له بالرسالة و الإقرار بما جاء به.

(3)لم يتضح الوجه في ذلك.

(4)كأنه لموافقته للروايات السابقة.

(5)عرفت الاشكال في ثبوت العمومات المذكورة و إمكان الخروج عنها لو تمت بالروايات السابقة.

(6)عرفت الاشكال في دلالته على ما نحن فيه.

ص: 318

الجهل بمراتب سفراء اللّه جل ذكره مع تيسر العلم بها تقصير في حقهم، و تفريط في حبهم (1) ،و نقص يجب بحكم العقل رفعه (2) ،بل من أعظم النقائص.

و قد أومأ (3) النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إلى ذلك حيث قال-مشيرا إلى بعض العلوم (1)كأنه لأن معرفة فضائلهم و سمو مقامهم موجب للازدياد في حبهم و شدة التمسك بهم.لكن في صلوح ذلك لإثبات وجوب ما زاد على ما تقدم إشكال بل منع،فإنه لا يقتضي إلاّ رجحان النظر و المعرفة بذلك،لا وجوبه،خصوصا بعد ما عرفت من الروايات السابقة.

(2)لم يتضح دخل العقل في مثل هذه الأمور،بحيث يدرك وجوب النظر ما لم يرجع إلى خوف الضرر من عدم النظر،و لا وجه له بعد عدم الدليل على وجوبه.

(3)كأن وجه الايماء قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في العلوم الأخرى:«ذلك علم لا يضر من جهله»فإنه مشعر بكون العلوم الدينية مما يضر جهلها.لكنه لو تم لاقتضى وجوب العلم بجميع ما يمكن معرفته من العلوم الدينية،و لا يمكن الالتزام به.

و لأجله قد يحمل على إرادة أن العلوم الدينية يضر الجهل بها بنحو الموجبة الجزئية في مقابل العلوم الأخرى التي لا يضر الجهل بها أصلا بنحو الموجبة الجزئية.

على أن الحديث مذيل بقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«و لا ينفع من علمه»فهو لا يدل على أكثر من أهمية العلوم الدينية و أنها مورد للنفع و الضرر،بخلاف بقية العلوم،فإنها ليست مهمة في نفسها.

و هذا غير وجوب المعرفة بالوجه المذكور في كلام المصنف قدّس سرّه و أما قوله:

«انما العلوم ثلاثة...»فهو إنما يدل على رجحان تعلمها لا لزومه.مع إن في شمولها لمعرفة هذه الأمور إشكال.نعم قد يظهر من الأدلة النقلية اعتبار معرفة كونهم عليهم السّلام آل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بحيث تكون موالاتهم عليهم السّلام موالاة له صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلا تكفي معرفة أشخاصهم مع الغفلة عن ذلك.

ص: 319

الخارجة عن العلوم الشرعية-:«إن ذلك علم لا يضر جهله.-ثم قال:- إنما العلوم ثلاثة:آية محكمة و فريضة عادلة و سنة قائمة،و ما سواهن فهو فضول».

و قد أشار إلى ذلك رئيس المحدثين في ديباجة الكافي،حيث قسم الناس إلى أهل الصحة و السلامة و أهل المرض و الزمانة،و ذكر وضع التكليف عن الفرقة الأخيرة (1) .

و يكفي في معرفة الأئمة(صلوات اللّه عليهم):معرفتهم بنسبهم المعروف (2) و التصديق بأنهم أئمة يهدون بالحق و يجب الانقياد إليهم و الأخذ منهم (3) .

و في وجوب الزائد على ما ذكر من عصمتهم الوجهان.

و قد ورد في بعض الأخبار:تفسير معرفة حق الإمام عليه السّلام بمعرفة (1)هذا لا يدل على المطلوب،و ديباجة الكافي لا تتضمن إلا وجوب المعرفة على أهل الصحة و السلامة مقدمة للقيام بوظائف التكليف،و هو أجنبي عما نحن فيه.فراجع.

(2)عرفت الإشكال في لزوم معرفة النسب.

(3)الإمامة و إن كانت متقومة بلزوم الائتمام بالإمام و الأخذ عنه إلا أنها عند الإمامية مبنية على كون ذلك متفرعا عن ملازمتهم عليهم السّلام للحق و عدم خروجهم عليه،كما يرشد إليه قوله تعالى: لاٰ يَنٰالُ عَهْدِي الظّٰالِمِينَ و قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم:«علي مع الحق و الحق مع العلي»،فهو مأخوذ في صميم الأصل المعتقد،لا أن المعتبر هو الائتمام بهم و إن خالفوا الحق،كما قد يوجد في بعض المذاهب الفاسدة،فانه هدم للإمامة و لكيانها الديني و العقائدي.

ص: 320

كونه إماما مفترض الطاعة.

و يكفي في التصديق بما جاء به النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم (1) :التصديق بما علم مجيئه به متواترا،من أحوال المبدأ و المعاد،كالتكليف بالعبادات و السؤال في القبر و عذابه و المعاد الجسماني و الحساب و الصراط و الميزان و الجنة و النار إجمالا،مع تأمل في اعتبار معرفة ما عدا المعاد الجسماني من هذه الأمور في الإيمان (2) المقابل للكفر الموجب للخلود في النار،للأخبار المتقدمة المستفيضة،و السيرة المستمرة،فإنا نعلم بالوجدان جهل كثير من الناس بها من أول البعثة إلى يومنا هذا.

و يمكن أن يقال:إن المعتبر هو عدم إنكار هذه الأمور و غيرها من الضروريات،لا وجوب الاعتقاد بها،على ما يظهر من بعض الأخبار (3) ، (1)الذي تعرضت له الأخبار السابقة المتضمنة للاقرار بما جاء به من عند اللّه و الظاهر إن ذكر ذلك كفاية عن تصديقه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و التسليم له و هو إنما يقتضي التسليم بما جاء به صلّى اللّه عليه و آله و سلّم إجمالا مع عدم معرفة تفاصيله،و تفصيلا مع معرفتها.

(2)لا إشكال في لزوم التصديق بالمعاد و كونه من أصول الدين،بل لعله الأصل فيها لكونه الداعي الأهم للتمسك بالدين،و يشهد به الآيات الكثيرة المتضمنة للأمر بالأيمان بالآخرة و بيوم الدين.و لا يبعد كون عدم ذكره في النصوص السابقة للمفروغية عنه،كما يظهر من كلام المسائل في كثير منها.و أما كون المعاد جسمانيا فلا يظهر الوجه في عدّه من الاصول.نعم لا يبعد كونه من ضروريات الدين التي يلزم التصديق بها اجمالا و لا يجوز إنكارها،و هو لا يقتضي كون التدين بها من أصول الدين،بحيث لا يسوغ الغفلة عنها و إن كان لا بد من التأمل.

(3)الأخبار المذكورة ظاهرة في ذلك حتى بالإضافة إلى الأصول الثلاثة و يأتي الكلام فيها.

ص: 321

من أن الشاك إذا لم يكن جاحدا فليس بكافر،ففي رواية زرارة،عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«لو أن العباد إذا جهلوا وقفوا و لم يجحدوا،لم يكفروا»، و نحوها غيرها.

و يؤيدها:ما عن كتاب الغيبة للشيخ قدّس سرّه بإسناده عن الصادق عليه السّلام:

«إن جماعة يقال لهم الحقيقة،و هم الذين يقسمون بحق علي و لا يعرفون حقه و فضله،و هم يدخلون الجنة».

و بالجملة:فالقول بأنه يكفي في الإيمان الاعتقاد بوجوب الواجب الجامع للكمالات المنزه عن النقائص و بنبوة محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و بإمامة الأئمة عليهم السّلام،و البراءة من أعدائهم و الاعتقاد بالمعاد الجسماني الذي لا ينفك غالبا عن الاعتقادات السابقة،غير بعيد،بالنظر إلى الأخبار و السيرة المستمرة.

و أما التدين بسائر الضروريات،ففي اشتراطه،أو كفاية عدم إنكارها،أو عدم اشتراطه أيضا،فلا يضر إنكارها إلا مع العلم بكونها من الدين أو لا يشترط ذلك (1) ،وجوه أقواها الأخير (2) ،ثم الأوسط .

و ما استقربناه في ما يعتبر في الإيمان وجدته بعد ذلك في كلام محكي (1)يعني:عدم الإنكار.

(2)ظاهره أن المراد به أنه لا يشترط عدم إنكارها حتى مع العلم بكونه من الدين.و هو كما ترى مما لا يمكن الالتزام لرجوع إنكارها إلى إنكار الدين و تكذيب المبلغين.فلا يبعد حمله على إرادة الإنكار مع عدم العلم.على أنه لا يخلو عن إشكال أيضا لما ورد من النهي عن الإنكار مع عدم العلم،بل ظاهر كثير من النصوص تحقق الكفر به لو كان الشيء ثابتا في الواقع.و إن كان لا يبعد حملها على التنزيل منزلة الكفر بلحاظ شدة التحريم،لا على تحقق الكفر.فلاحظ .

ص: 322

عن المحقق الورع الأردبيلي في شرح الإرشاد.

ثم إن الكلام إلى هنا في تمييز القسم الثاني-و هو ما لا يجب الاعتقاد به إلا بعد حصول العلم به-عن القسم الأول،و هو ما يجب الاعتقاد به مطلقا فيجب تحصيل مقدماته،أعني الأسباب المحصلة للاعتقاد،و قد عرفت:أن الأقوى عدم جواز العمل بغير العلم في القسم الثاني.

ما يجب فيه النظر لتحصيل الاعتقاد
اشارة

و أما القسم الأول الذي يجب فيه النظر لتحصيل الاعتقاد،فالكلام فيه يقع تارة بالنسبة إلى القادر على تحصيل العلم و أخرى بالنسبة إلى العاجز،فهنا مقامان:

القادر على تحصيل العلم في الاعتقاديات

الأول:في القادر.

و الكلام في جواز عمله بالظن يقع في موضعين:

الأول:في حكمه التكليفي.

و الثاني:في حكمه الوضعي من حيث الإيمان و عدمه،فنقول:

أما حكمه التكليفي،فلا ينبغي التأمل في عدم جواز اقتصاره على العمل بالظن،فمن ظن بنبوة نبينا محمد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أو بإمامة أحد من الأئمة (صلوات اللّه عليهم)فلا يجوز له الاقتصار،فيجب عليه-مع التفطن لهذه المسألة-زيادة النظر،و يجب على العلماء أمره بزيادة النظر ليحصل له العلم إن لم يخافوا عليه الوقوع في خلاف الحق،لأنه حينئذ يدخل في قسم العاجز عن تحصيل العلم بالحق،فإن بقاءه على الظن بالحق أولى من رجوعه إلى الشك أو الظن بالباطل،فضلا عن العلم (1) به.

(1)يعني:بالباطل.و كان الأولى أن يقول:فضلا عن القطع به.

ص: 323

و الدليل على ما ذكرنا (1) :جميع الآيات و الأخبار الدالة على وجوب الإيمان و العلم و التفقه و المعرفة و التصديق و الإقرار و الشهادة و التدين (2) (1)يعني:من وجوب تحصيل العلم مع التمكن و عدم جواز الاقتصار على الظن.

(2)لا يخفى أن الأدلة المذكورة مختلفة المفاد،فبعضها ظاهر في وجوب تحصيل العلم،و هو ما دل على وجوب التفقه و العلم و المعرفة.و بعضها ظاهر في وجوب الاعتقاد،و هو ما دلّ على وجوب الإيمان و التصديق و الإقرار و الشهادة و التدين، و الظاهر أنهما مختلفان حقيقة و وجودا،و أن الأول من سنخ الصفات النفسية،و الثاني من سنخ الأفعال النفسية.

كما أن الظاهر عدم التلازم بينهما خارجا،بل يمكن انفكاك أحدهما عن الآخر، فيمكن الاعتقاد بما علم خلافه فضلا عما لم يعلم به أو ظن به،و ذلك بسبب العوامل النفسية الخارجية من التقليد للآباء أو الحسد أو الحب أو البغض أو غيرها.و لذا لا لا إشكال ظاهرا في أن كثيرا من الكفار و المنافقين الذين كانوا معاصرين للنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم العارفين بنفسيته العالية و الناظرين في آياته النيرة و معاجزه الباهرة كانوا عالمين بصدقه مع أنهم عقدوا قلوبهم على تكذيبه و رفض ما عنده.

و قد يشهد بما ذكرنا ما ورد من أن أدنى الشرك أن يقول الرجل للحصاة:هي نواة،ثم يدين اللّه بذلك.و قوله تعالى: وَ جَحَدُوا بِهٰا وَ اسْتَيْقَنَتْهٰا أَنْفُسُهُمْ .و ما ورد من أنه لو أن العباد إذا جهلوا وقفوا و لم يجحدوا لم يكفروا،بناء على أن المراد من الجحود القلبي الراجع لعقد القلب على العدم-كما لعله الظاهر-لا اللساني،و غير ذلك مما يجده الناظر في الأدلة.و حينئذ فلا بد من التوفيق بين الطائفتين.

و هو يكون تارة:بالأخذ بظاهر الأولى،و حمل الثانية على أن ذكر الاعتقاد بلحاظ كونه ملازما عرفا للعلم و نتيجة له.

و أخرى:بالأخذ بظاهر الثانية و حمل الأولى على أن ذكر العلم كفاية عن

ص: 324

الاعتقاد الواجب من حيث كونه الطريق العقلي المعذر المتعارف في تحصيله.

و ثالثة:بالأخذ بهما معا بعد تقييد إحداهما بالأخرى،فيكون الواجب خصوص الاعتقاد الناشئ عن العلم،و لا اعتداد بغيره.

و رابعة:بالأخذ بهما معا مع إطلاقهما،فيكون كل منهما واجبا مستقلا.

لكن الأول بعيد جدا عن مقام الجمع العرفي بل هو كالمقطوع بعدمه،لعدم الإشكال ظاهرا في لزوم الاعتقاد و أنه المقوم الحقيقة الدين.و الثالث و إن كان ممكنا، إلا أنه لا شاهد عليه،فإن التقييد يحتاج إلى عناية خاصة لا شاهد لها من الكلام خصوصا بعد اشتمال كثير من النصوص على تفسير المعرفة بالاعتقاد،فإنه كالصريح بأن العبرة بالاعتقاد لا غير.فلاحظ النصوص السابقة.

و منه يظهر اندفاع الرابع.فالمتعين عرفا هو الثاني الراجع إلى أن الواجب النفسي هو الاعتقاد،و ليس العلم إلا واجبا طريقيا من حيث كونه معذرا عقلا.فلو فرض حصول الاعتقاد مع الظن كفى في تحقق الدين،و إن لم يكن الظن طريقا عقليا معذرا،بل يجب بحكم العقل تحصيل العلم بالطرق الصحيحة الصالحة للاحتجاج من دون تقصير في المقدمات،ليتم به الأمان،إلا أن الحكم المذكور لما كان طريقيا صرفا لم تضر مخالفته مع فرض الإصابة و الوصول للواقع.

و لذا سيأتي من المصنف قدّس سرّه الاكتفاء بالعلم الحاصل من التقليد مع الاعتراف بعدم كونه طريقا عقليا.و مثله العلم النظري مع التقصير في المقدمات إذا أوصل إلى الواقع.

نعم إذا التفت المكلف إلى ظنه و عدم حجيته حرم عليه الاعتقاد على طبقه في الأصول التي يكون الاعتقاد بها قولا في الدين بغير علم،من حيث لزوم التشريع المحرم،بنسبتها له تعالى من غير علم كالنبوة و الإمامة و هذا بخلاف الاعتقاد بالتوحيد أو بوجوده تعالى،فإنه لا يتضمن نسبة شيء إليه من غير علم و لا يصدق

ص: 325

و عدم الرخصة في الجهل (1) و الشك (2) و متابعة الظن (3) ،و هي أكثر من أن تحصى.

و أما الموضع الثاني:فالأقوى فيه-بل المتقين-الحكم بعدم الإيمان، للأخبار المفسرة للإيمان بالإقرار و الشهادة و التدين و المعرفة و غير ذلك من العبائر الظاهرة في العلم (4) .

و هل هو كافر مع ظنه بالحق ؟فيه وجهان:

معه التشريع.فتأمل جيدا.

(1)هذا محمول على ما إذا كان الجهل مستلزما لعدم الاعتقاد،لما عرفت، و لا سيما مع قرب إرادة الغفلة منه،لشياع استعماله في ذلك.

(2)من القريب جدا حمله على التحير و التردد المنافي للاعتقاد.و لا سيما مع ما عرفت.

(3)هذا محمول على الإرشاد إلى حكم العقل بعدم حجية الظن و عدم معذريته.و لذا ورد مورد التبكيت و الاستنكار على الكفار غير المؤمنين،فإنه لا يناسب مقام التعبد،كما أشرنا إليه عند الكلام في حجج المانعين من حجية خبر الواحد.

و من ثم لم يختص بالظن،بل ورد أيضا في بعض الطرق غير العقلائية التي قد توجب العلم و إن لم تصلح للعذر،كالتقليد.و حينئذ فلا تمنع هذه الأدلة من الاجتزاء بالاعتقاد المصيب للواقع المستند إلى الظن.كما اعترف به المصنف قدّس سرّه في التقليد،كما سيأتي.

نعم تمنع من نسبة شيء إليه تعالى معه و إن كان حقا للزوم التشريع،كما ذكرنا.

(4)عرفت ظهور هذه العبائر في الاعتقاد،و هو غير ملازم للعلم،بل منفك عنه.

ص: 326

من إطلاق ما دل على أن الشاك (1) و غير المؤمن كافر،و ظاهر ما دل من الكتاب و السنة على حصر المكلف في المؤمن و الكافر.

و من تقييد كفر الشاك في غير واحد من الأخبار بالجحود (2) ،فلا يشمل ما نحن فيه،و دلالة الأخبار المستفيضة على ثبوت الواسطة بين الكفر و الإيمان،و قد أطلق عليه في الأخبار الضلال.

لكن أكثر الأخبار الدالة على الواسطة مختصة بالإيمان بالمعنى الأخص (3) ،فيدل على أن من المسلمين من ليس بمؤمن و لا كافر، لا على ثبوت الواسطة بين الإسلام و الكفر (4) ،نعم بعضها قد (1)مثل رواية عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«من شك في اللّه و في رسوله:فهو كافر».و عن أمير المؤمنين عليه السّلام:«لا ترتابوا فتشكوا و لا تشكوا فتكفروا».

و غيرهما.

(2)ففي رواية محمد بن سلم:«كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام جالسا عن يساره و زرارة عن يمينه فدخل عليه أبو بصير،فقال:يا أبا عبد اللّه ما تقول فيمن شك في اللّه فقال:كافر يا أبا محمد.قال:فشك في رسول اللّه فقال:كافر قال:ثم التفت إلى زرارة فقال:إنما يكفر إذا جحد».و غيرها،و لا ينبغي الإشكال في تقديمها على المطلقات السابقة،لأنها من سنخ المقيد.ثم إن الظاهر من الجحود هو القلبي لا اللفظي،كما سبق.و يأتي بعض الكلام في ذلك في العاجز عن تحصيل العلم.

(3)الذي هو متوقف على التشيع،فهي تدل على أن غير الشيعي المحق قد لا يكون كافرا.مثل ما ورد في المستضعفين غير الشيعة.هذا و الظاهر أن المراد بالكفر المنفي عن هؤلاء ليس هو الكفر المقابل للإسلام،بل المستلزم للهلاك.فلاحظ .

(4)لكن هذا لا حاجة له في المقام،إذ محل الكلام هو ثبوت الواسطة بين الايمان و الكفر و عدمها،فعلى الثاني يكون الشاك غير المؤمن كافرا،و على الأول لا

ص: 327

يظهر منه ذلك (1) .

و حينئذ:فالشاك في شيء مما يعتبر في الإيمان بالمعنى الأخص ليس بمؤمن و لا كافر،فلا يجري عليه أحكام الإيمان.

و أما الشاك في شيء مما يعتبر في الإسلام بالمعنى الأعم كالنبوة يكون كافرا.أما الإسلام فسيأتي الكلام فيه.

(1)لم يتضح المراد بالنصوص المذكورة و قد ذكر بعض أعاظم المحشّين قدّس سرّه جملة من النصوص مدعيا دلالتها على المطلوب،مثل ما عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام:

«في قول اللّه عزّ و جل: وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّٰهِ قال:كانوا مشركين فقتلوا مثل حمزة و جعفر و أشباههما من المؤمنين.ثم إنهم دخلوا في الإسلام فوحدوا اللّه و تركوا الشرك و لم يعرفوا الإيمان بقلوبهم فيكونوا من المؤمنين فيجب لهم الجنة،و لم يكونوا على جحودهم فيكفروا فيجب لهم النار فهم على تلك الحالة إما يعذبهم و إما يتوب عليهم»و غيره.لكنها صريحة في كونهم مسلمين فهم ليسوا واسطة بين الإسلام و الكفر،بل بين الإيمان و الكفر.

نعم الإيمان تارة:يراد به الإقرار بالأمور الاعتقادية على بصيرة،في مقابل المؤلفة قلوبهم من المسلمين و من يعبد اللّه على حرف و هو المراد بهذه النصوص.

و أخرى:يراد به ما يتوقف على الإقرار بالولاية،في مقابل العامة.و هو المراد بالنصوص السابقة و لا إشكال في أن الإسلام أعم من الأمرين معا فهو المشتمل على الواسطة بينهما و بين الكفر.

و منه يظهر أنه لا بدّ من الخروج بذلك عما قد يظهر منه نفى الواسطة بين الإيمان و الكفر من الآيات.إما بحمل الإيمان فيه على ما يساوق الإسلام أو بحمل الحصر فيه على الإضافي بلحاظ المعتقد و الجاحد فلا ينافي كون المستضعف و نحوه واسطة بين الأمرين،كما يظهر من الروايات المشار إليها.فلاحظ و تأمل جيدا.

ص: 328

و المعاد،فإن اكتفينا في الإسلام بظاهر الشهادتين و عدم الإنكار ظاهرا و إن لم يعتقد باطنا فهو مسلم (1) .و إن اعتبرنا في الإسلام الشهادتين مع احتمال الاعتقاد على طبقهما (2) -حتى يكون الشهادتان أمارة على الاعتقاد الباطني-فلا إشكال في عدم إسلام الشاك لو علم منه الشك (3) ،فلا يجري عليه أحكام المسلمين:من جواز المناكحة و التوارث و غيرهما.

و هل يحكم بكفره و نجاسته حينئذ؟

فيه إشكال:من تقييد كفر الشاك في غير واحد من الأخبار بالجحود.

هذا كله في الظان بالحق،أما الظان بالباطل فالظاهر كفره (4) .

بقي الكلام في أنه إذا لم يكتف بالظن و حصل الجزم من التقليد،فهل يكفي ذلك أو لا بد من النظر و الاستدلال ؟

ظاهر الأكثر:الثاني،بل ادعى عليه العلامة قدّس سرّه-في الباب الحادي (1)يعني:و إن لم يكن مؤمنا لما عرفت من الواسطة بين الإيمان و الكفر.

(2)هذا بعيد عن سيرة المسلمين،خصوصا الصدر الأول.نعم لا بد من كونه في مقام الاستمرار على ذلك و الجري عليه،فلا يكفي الإظهار المؤقت.فلاحظ .

(3)عرفت أن المدار ليس على الشك،بل على عدم الاعتقاد،فلو كان معتقدا واقعا كان مسلما و لو مع عدم حصول العلم له.نعم في إطلاق الشك على ذلك إشكال،بل لا يبعد كون المراد بالشك التحير و التردد المنافي للاعتقاد.فتأمل جيدا.

(4)لم يتضح الوجه في ذلك،بل اللازم التفصيل بين تدينه بالحق و جحوده له و توقفه فيه.فيحكم بإيمانه في الأول و كفره في الثاني،و يبتني الكلام في الثالث على ما سبق من حيث إسلامه مع إظهار الشهادة و عدمه نعم لا إشكال في عدمه إيمانه.

ص: 329

عشر-الإجماع،حيث قال:«أجمع العلماء على وجوب معرفة اللّه و صفاته الثبوتية و ما يصح عليه و ما يمتنع عنه و النبوة و الإمامة و المعاد بالدليل لا بالتقليد».فإن صريحه أن المعرفة بالتقليد غير كافية.و أصرح منها عبارة المحقق في المعارج،حيث استدل على بطلان التقليد بأنه جزم في غير محله (1) .و مثلهما عبارة الشهيد الأول و المحقق الثاني.

لكن مقتضى استدلال العضدي على منع التقليد بالإجماع على وجوب معرفة اللّه و أنها لا تحصل بالتقليد،هو:أن الكلام في التقليد الغير المفيد للمعرفة.و هو الذي يقتضيه أيضا ما ذكره شيخنا في العدة-كما سيجيء كلامه-و كلام الشهيد في القواعد:من عدم جواز التقليد في العقليات، و لا في الأصول الضرورية من السمعيات،و لا في غيرها مما لا يتعلق به عمل و يكون المطلوب فيها العلم (2) ،كالتفاضل بين الأنبياء السابقة.

و يعضده أيضا:ظاهر ما عن شيخنا البهائي قدّس سرّه في حاشية الزبدة:من أن النزاع في جواز التقليد و عدمه يرجع إلى النزاع في كفاية الظن و عدمها.

و يؤيده أيضا:اقتران التقليد في الأصول في كلماتهم بالتقليد في الفروع،حيث يذكرون في أركان الفتوى أن المستفتى فيه هي الفروع دون (1)فإنه ظاهر في المفروغية عن حصول الجزم من التقليد،فينحصر بما إذا أفاد العلم،بناء على التلازم بينهما أو اتحادهما.لكن الظاهر أن الجزم مساوق للاعتقاد الذي عرفت أنه لا يتوقف على العلم.نعم لا إشكال في أنه قد يحصل معه فكلام المحقق قدّس سرّه و إن لم يكن صريحا في شمول العلم إلا أنه ظاهر فيه.فلاحظ .

(2)هذا لا يدل على فرض كون التقليد غير مفيد للعلم،بل على عدم الاجتزاء به فيما يطلب فيه العلم،من دون مانع من فرض إفادته العلم.

ص: 330

الأصول.

لكن الظاهر:عدم المقابلة التامة بين التقليدين،إذ لا يعتبر في التقليد في الفروع حصول الظن،فيعمل المقلد مع كونه شاكا،و هذا غير معقول في أصول الدين التي يطلب فيها الاعتقاد (1) حتى يجري فيه الخلاف (2) .

و كذا ليس المراد من كفاية التقليد هنا كفايته عن الواقع،مخالفا كان في الواقع أو موافقا كما في الفروع،بل المراد كفاية التقليد في الحق و سقوط النظر به (3) عنه،إلا أن (4) يكتفي فيها بمجرد التدين ظاهرا و إن لم يعتقد،لكنه بعيد (5) .

ثم إن ظاهر كلام الحاجبي و العضدي اختصاص الخلاف بالمسائل العقلية،و هو في محله،بناء على ما استظهرنا منهم من عدم حصول الجزم من التقليد،لأن الذي لا يفيد الجزم من التقليد إنما هو في العقليات المبتنية على الاستدلالات العقلية،و أما النقليات فالاعتماد فيها على قول المقلّد- بالفتح-كالاعتماد على قول المخبر الذي قد يفيد الجزم بصدقه بواسطة (1)بناء على امتناع الاعتقاد مع عدم الظن و العلم.لكن عرفت المنع من ذلك.

(2)يعني:الخلاف في الاكتفاء بالتقليد.

(3)لعل في كلام الشيخ قدّس سرّه في العدة الآتي إشعار بذلك.

(4)الظاهر أن هذا استدراك من قوله:«و هذا غير معقول في أصول الدين...»و المراد به احتمال كون مراد من جوز التقليد في أصول الدين هو التدين ظاهرا من دون اعتقاد فلا يتوقف على العلم أو الظن.

(5)لما فيه من الخروج عما دل على وجوب الاعتقاد و التدين.

ص: 331

القرائن (1) ،و في الحقيقة يخرج هذا عن التقليد.

و كيف كان:فالأقوى كفاية الجزم الحاصل من التقليد،لعدم الدليل على اعتبار الزائد على المعرفة و التصديق و الاعتقاد،و تقييدها بطريق خاص لا دليل عليه (2) .

مع أن الإنصاف:أن النظر و الاستدلال بالبراهين العقلية للشخص المتفطن لوجوب النظر في الأصول لا يفيد بنفسه الجزم (3) ،لكثرة الشبه (1)لكن إمكان حصول العلم بسبب القرائن في النقليات لا يستلزم حصوله دائما فيها،فلا موجب لتقييد كلامهم بالعقليات.على أنه قد يحصل القطع من التقليد في العقليات.كما إذا كان للمقلّد مكانه سامية في نفس المقلّد.فلاحظ .

(2)تقدم أن الواجب هو حصول الجزم و الاعتقاد من دون تقييد بالعلم فضلا عن الطريق الخاص له،و أن وجوب العلم عقلي طريقي لكونه عذرا مؤمنا من الخطر،و كذا حال سبب العلم،فلا بد من كونه سببا عقلائيا،و إلا فلا أمان مع فرض التقصير في مقدمات العلم.و الظاهر أن التقليد ليس طريقا عقلائيا صالحا للمعذرية عقلا إلا للقاصر الغافل،و لا يجتزئ به العقلاء مع الالتفات.لكن لو فرض الوصول للواقع مع التقليد أجزأ مع حصول الاعتقاد الواجب،كما تقدم، و إليه يرجع كلام المصنف قدّس سرّه هنا،كما يشهد به قوله آنفا:«و كذا ليس المراد من كفاية التقليد...»

(3)يعني:فلا يمكن دعوى تقييد الاعتقاد بذلك و عدم الاجتزاء بالتقليد.

لكن هذا قد يتم في البراهين العقلية الصرفة،و لم يظهر منهم اختصاص النظر بها بل يمكن سلوك الطرق السمعية في كثير من أمور الدين مع النظر في المعاجز الموجبة لليقين بالحق كالقرآن الكريم و نحوه مما يجتزئ به العقل في مقام الفحص و إن لم يستند إلى العقليات المحضة.و الظاهر أن مرادهم من النظر ما يعم ذلك،و مثل هذا

ص: 332

الحادثة في النفس و المدونة في الكتب،حتى أنهم ذكروا شبها (1) يصعب الجواب عنها للمحققين الصارفين لأعمارهم في فن الكلام،فكيف حال المشتغل به مقدارا من الزمان لأجل تصحيح عقائده،ليشتغل بعد ذلك بأمور معاشه و معاده،خصوصا و الشيطان يغتنم الفرصة لإلقاء الشبهات و التشكيك في البديهيات،و قد شاهدنا جماعة صرفوا أعمارهم و لم يحصلوا منها شيئا إلا القليل.

العاجز عن تحصيل العلم في الاعتقاديات

المقام الثاني:في غير المتمكن من العلم.

و الكلام فيه:تارة في تحقق موضوعه في الخارج.

و أخرى في أنه يجب عليه مع اليأس من العلم تحصيل الظن أم لا؟

و ثالثة في حكمه الوضعي قبل الظن و بعده (2) .

أما الأول،فقد يقال فيه بعدم وجود العاجز،نظرا إلى العمومات الدالة على حصر الناس في المؤمن و الكافر،مع ما دل على خلود الكافرين لا يتعذر في حق الكثير،بل الأكثر،لوضوح الحق و كثرة البينات المشاهدة عليه وَ مٰا كٰانَ اللّٰهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدٰاهُمْ حَتّٰى يُبَيِّنَ لَهُمْ مٰا يَتَّقُونَ و عنهم عليهم السّلام:أن أمرنا في عهد الغيبة أبين من هذه الشمس.

نعم لا بد في ذلك من كون الشخص في مقام طلب الحق للحق،لا في مقام الإصرار على معتقده و تنزيل الحق على طبقه،و إلا اختلطت العاطفة بالدين و تسنى للشيطان التلبيس و الإضلال.و الحمد للّه على الهداية و نسأله العصمة و السداد.

(1)يكفي الجواب عنها بأنها شبهة في مقابل البديهة بعد تمامية الاستدلال على الحق و وضوح برهانه.

(2)يعني:من حيثية الإسلام و الكفر.

ص: 333

بأجمعهم في النار،بضميمة حكم العقل بقبح عقاب الجاهل القاصر، فيكشف ذلك عن تقصير كل غير مؤمن (1) ،و أن من نراه قاصرا عاجزا عن العلم قد تمكن من تحصيل العلم بالحق و لو في زمان ما و إن كان عاجزا قبل ذلك أو بعده،و العقل لا يقبح عقاب مثل هذا الشخص،و لهذا ادعى غير واحد-في مسألة التخطئة و التصويب-الإجماع على أن المخطئ في العقائد غير معذور.

شهادة الوجدان بقصور بعض المكلفين

لكن الذي يقتضيه الإنصاف:شهادة الوجدان بقصور بعض المكلفين (2) ،و قد تقدم عن الكليني ما يشير إلى ذلك،و سيجيء عن (1)و إلا فإما أن يكون غير كافر،أو كافرا غير معاقب،أو معاقبا و إن كان قاصرا.و الأول مناف لما دل على حصر الناس في المؤمن و الكافر.و الثاني مناف لما دل على خلود الكفار في النار،و الثالث مناف لحكم العقل بقبح عقاب القاصر.

لكن هذا مبني على عدم الاجتزاء بالظن في حصول الإيمان،و إلا تعين كونه مؤمنا مع فرض حصوله منه و إن كان عاجزا عن تحصيل العلم.فلاحظ .

(2)لا إشكال في هذا،إلا أن المكلف القاصر لا يتسنى له حصول الظن بالنظر،و لو حصل له لم يلتفت إلى كونه ظنا و لم يلتفت إلى إمكان حصول العلم له و عدمه،فلا ينفع فيما نحن فيه.أما من يلتفت إلى ذلك فمن البعيد جدا عجزه عن تحصيل العلم و الوصول للواقع.فإن اللّه سبحانه و تعالى قد هيأ للحق الطرق الكافية و أقام عليه الأدلة الوافية و حفظه-من حيث قيام الحجة-أكمل الحفظ ،حتى لو أراد كل أحد-ممن له قابلية النظر-الوصول إليه لوصل لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيىٰ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ، وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً .

نعم ذلك محفوف بمشاكل و مصاعب تهون دونها إزالة الجبال الرواسي، و عمدتها التجرد عن العواطف،و لا سيما عاطفة الحب للآباء و العقائد التي ينشأ

ص: 334

الشيخ قدّس سرّه في العدة:من كون العاجز عن التحصيل بمنزلة البهائم.

هذا،مع ورود الأخبار المستفيضة بثبوت الواسطة بين المؤمن و الكافر (1) ،و قضية مناظرة زرارة و غيره مع الإمام عليه السّلام في ذلك مذكورة في الكافي (2) .و مورد الإجماع على أن المخطئ آثم هو المجتهد الباذل جهده بزعمه (3) ،فلا ينافي كون الغافل و الملتفت العاجز عن بذل الجهد معذورا غير آثم.

عليها الإنسان،فإنها تكون جزءا من كيانه يصعب عليه التخلي عنها و التجرد منها، حتى ينظر بعين البصيرة الصافية الخالية عن شوائب الأوهام و التمويه،كما نشاهده في أعاظم علماء الفرق و كبارهم.و الحمد للّه رب العالمين و له الشكر على ما من به علينا،حيث هيأ لنا ظروف الاعتقاد الحق من دون تعب و لا نصب.و نسأله تعالى أن يتم علينا هذه النعمة العظمى بحسن الخاتمة و الثبات على الحق مع العصمة و السداد.

إنه أرحم الراحمين،و هو حسبنا و نعم الوكيل.

نعم يمكن فرض العجز عن الوصول إلى الحق و العلم به مع عدم قصور الشخص في نفسه،و كمال التفاته،فيما لو ابتلي بالموانع الخارجية كحبس و تشريد و نحوهما مما يمنعه من النظر في الأدلة السمعية و الاطلاع على مفادها،و في مثل هذا يقع الكلام في كفاية الظن و عدمه.فلاحظ .

(1)حيث قسم الناس إلى أهل الصحة و السلامة و أهل المرض و الزمانة.

و ذكر وضع التكليف عن الفرقة الأخيرة.

(2)تقدمت الإشارة إلى بعض الأخبار المذكورة في المقام الأول.

(3)و لا إشكال في عدم كون مثله قاصرا.و خطؤه في الاجتهاد ناش عما ذكرناه من ابتناء فحصه على العاطفة،فهو في مقام تنزيل الأدلة على معتقده،لا في مقام الاعتقاد على طبق الأدلة.

ص: 335

هل يجب تحصيل الظن على العاجز؟

و أما الثاني،فالظاهر فيه عدم وجوب تحصيل الظن،لأن المفروض عجزه عن الإيمان و التصديق (1) المأمور به،و لا دليل آخر على عدم جواز التوقف (2) ،و ليس المقام من قبيل الفروع في وجوب العمل بالظن مع تعذر العلم،لأن المقصود فيها العمل،و لا معنى للتوقف فيه،فلا بد عند انسداد باب العلم من العمل على طبق أصل أو ظن.و المقصود فيما نحن فيه الاعتقاد،فإذا عجز عنه فلا دليل على وجوب تحصيل الظن الذي لا يغني عن الحق شيئا،فيندرج في عموم قولهم عليهم السّلام:«إذا جاءكم ما لا تعلمون فها» (3) .

نعم،لو رجع الجاهل بحكم هذه المسألة إلى العالم،و رأى العالم منه التمكن من تحصيل الظن بالحق و لم يخف عليه إفضاء نظره الظني إلى (1)الظاهر عدم عجزه عنهما،لأنهما من سنخ الاعتقاد الذي عرفت أنه لا يتوقف على العلم،إلا أنه مع فرض عدم علمه بالحق الذي يجب الاعتقاد،لا يكون وجوب الاعتقاد به متنجزا عليه و إن كان ثابتا في الواقع،بل لو فرض تنجزه عليه بتقصير سابق أو بعلم إجمالي امتنع منه الاعتقاد اعتمادا على الظن،بما فيه من التشريع و التدين بلا بصيرة،بل يتعين الاعتقاد بالواقع على إجماله و التسليم به على ما هو عليه الذي هو كاف مع فرض العجز و لو لموانع خارجية.كما يشهد به ما ورد في تدين أهل البلاد النائية إذا بلغهم موت الإمام في زمن الفحص عن من قام مقامه.

فلاحظ .

(2)بل عرفت الدليل على وجوبه.

(3)و أشار عليه السّلام إلى فمه-كما في الرواية-كناية عن السكوت و قد تظافرت الأخبار عنهم عليهم السلام بأن من حق اللّه على العباد أن يقولوا ما يعلمون و يقفوا عند ما لا يعلمون.

ص: 336

الباطل،فلا يبعد وجوب إلزامه بالتحصيل،لأن انكشاف الحق-و لو ظنا- أولى من البقاء على الشك فيه (1) .

حكم العاجز من حيث الإيمان و الكفر

و أما الثالث (2) ،فإن لم يقر في الظاهر بما هو مناط الإسلام فالظاهر كفره.

و إن أقر به مع العلم بأنه شاك باطنا فالظاهر عدم إسلامه،بناء على أن الإقرار الظاهري مشروط باحتمال اعتقاده لما يقربه.

و في جريان حكم الكفر عليه حينئذ إشكال:

من إطلاق بعض الأخبار بكفر الشاك.

و من تقييده في غير واحد من الأخبار بالجحود،مثل:رواية محمد بن مسلم،قال:«سأل أبو بصير أبا عبد اللّه عليه السّلام،قال:ما تقول في من شك في اللّه ؟قال:كافر،يا أبا محمد.قال:فشك في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم ؟قال:كافر.

ثم التفت إلى زرارة،فقال:إنما يكفر إذا جحد»،و في رواية اخرى:«لو أن الناس إذا جهلوا وقفوا و لم يجحدوا لم يكفروا».

(1)لم يتضح الوجه فيه إذا لم يحتمل إفضاء النظر إلى العلم،فيجب حينئذ احتياطا،من باب وجوب الاحتياط مع الشك في القدرة،أما مع العلم بالعجز عن تحصيل العلم و عدم الوصول إلى الاعتقاد التفصيلي فلا يظهر الوجه في وجوب تحصيل الظن و إن كان قريبا إلى الذوق

(2)الكلام فيه هو الكلام في الظان مع التمكن من تحصيل العلم،إذ لا دخل للقدرة و العجز في تحقق الإسلام و الإيمان و عدمه،و إنما هما دخيلان في العذر و عدمه.و قد تقدم الكلام في المتمكن من تحصيل العلم،كما تقدم التعرض لبعض النصوص التي استشهد بها المصنف قدّس سرّه هنا.فراجع.

ص: 337

ثم إن جحود الشاك،يحتمل أن يراد به إظهار عدم الثبوت و إنكار التدين به،لأجل عدم الثبوت،و يحتمل أن يراد به الإنكار الصوري على سبيل الجزم (1) ،و على التقديرين فظاهرها:أن المقر ظاهرا الشاك باطنا الغير المظهر لشكه،غير كافر (2) .

و يؤيد هذا:رواية زرارة-الواردة في تفسير قوله تعالى: وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّٰهِ -عن أبي جعفر عليه السّلام،قال:«قوم كانوا مشركين فقتلوا مثل حمزة و جعفر و أشباههما من المؤمنين،ثم إنهم دخلوا في الإسلام فوحدوا اللّه و تركوا الشرك،و لم يعرفوا الإيمان بقلوبهم فيكونوا مؤمنين فتجب لهم الجنة،و لم يكونوا على جحودهم فيكفروا فتجب لهم النار،فهم على تلك الحالة إما يعذبهم و إما يتوب عليهم»،و قريب منها غيرها.

و لنختم الكلام بذكر كلام السيد الصدر الشارح للوافية،في أقسام المقلد في أصول الدين بناء على القول بجواز التقليد،و أقسامه بناء على (1)هذا هو الظاهر من الجحود،و أما مجرد إعلان عدم التدين و التوقف فليس بجحود قطعا.نعم لا يبعد ان يكون المراد بالجحود القلبي،لا اللساني،و لا يكون الجحود اللساني إلا دليلا عليه،لا أنه هو الموضوع الأصلي،كما أنه لا يبعد كون النصوص المذكورة واردة في بيان حكم الشخص في الآخرة من جهة العقاب -كما قد يشهد به الرواية الآتية-لا في الدنيا،و إلا فمن البعيد جدا عدم الحكم بكفر الشخص مع إعلانه الشك و عدم التدين في مقام ترتيب الأثر الخارجي.فتأمل جيدا.

(2)بل مقتضى الثاني عدم كفره مع إعلانه الشك أيضا.و قد عرفت أنه لا يبعد حمله على حكمه في الآخرة،لا في الدنيا.فلاحظ .

ص: 338

عدم جوازه،قال:

كلام السيد الصدر قدّس سرّه في أقسام المقلد في أصول الدين و بعض المناقشات فيه

إن أقسام المقلد-على القول بجواز التقليد-ستة،لأنه:إما أن يكون مقلدا في مسألة حقة أو في باطلة،و على التقديرين:إما أن يكون جازما بها أو ظانا،و على تقديري التقليد في الباطل:إما أن يكون إصراره على التقليد مبتنيا على عناد و تعصب (1) ،بأن حصل له طريق علم إلى الحق فما سلكه، و إما لا،فهذه أقسام ستة.

فالأول:و هو من قلد في مسألة حقة جازما بها-مثلا:قلد في وجود الصانع و صفاته و عدله-فهذا مؤمن،و استدل عليه بما تقدم حاصله:من أن التصديق معتبر من أي طريق حصل-إلى أن قال:-الثاني:من قلد في مسألة حقة ظانا بها من دون جزم،فالظاهر إجراء حكم المسلم عليه في الظاهر (2) إذا أقر باللسان،إذ ليس حاله بأدون من حال المنافق،سيما إذا كان طالبا للجزم مشغولا بتحصيله فمات قبل ذلك.

أقول:هذا مبني على أن الإسلام مجرد الإقرار الصوري و إن لم يحتمل مطابقته للاعتقاد (3) .و فيه:ما عرفت من الإشكال (4) و إن دل عليه غير واحد من الأخبار.

(1)لا معنى لفرض العناد و التعصب إلا مع فرض عدم جواز التقليد.

(2)بل في الواقع بناء على جواز التقليد و إمكان حصول الاعتقاد مع الظن.

(3)بل هو مبني على إمكان حصول الاعتقاد مع الظن،كما يشهد به ما يأتي منه في صور التقليد غير الجائز،حيث حكم بأن المقلد الظان مؤمن غير فاسق.

(4)تقدم بعض الكلام فيه في المقام الأول.

ص: 339

الثالث:من قلد في باطل-مثل إنكار الصانع أو شيء مما يعتبر في الإيمان-و جزم به من غير ظهور حق و لا عناد.

الرابع:من قلد في باطل و ظن به كذلك.

و الظاهر في هذين إلحاقهما بمن يقام عليه الحجة يوم القيامة (1) ، و أما في الدنيا فيحكم عليهما بالكفر إن اعتقدا ما يوجبه،و بالإسلام إن لم يكونا كذلك.فالأول كمن أنكر النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مثلا،و الثاني كمن أنكر إماما.

الخامس:من قلد في باطل جازما مع العناد.

السادس:من قلد في باطل ظانا كذلك.

و هذان يحكم بكفرهما مع ظهور الحق و الإصرار (2) .

ثم ذكر أقسام المقلد على القول بعدم جواز التقليد،قال:

إنه إما أن يكون مقلدا في حق أو في باطل،و على التقديرين:مع الجزم أو الظن،و على تقديري التقليد في الباطل:بلا عناد أو به،و على التقادير (1)يعني:فهما غير معذورين لعدم وصولهما للواقع.لكن عدم الوصول لا ينافي العذر إلا مع التقصير.و هو لا يجتمع مع فرض جواز التقليد.إلا أن يريد من جوازه كفاية الوصول من طريقه إلى الواقع و اعتقاد الحق،إلاّ أنه عذر على كل حال.

(2)يعني:مع اعتقادهما لما يوجب الكفر كإنكار الصانع،لا مع غيره كإنكار الإمامة،فلا فرق بينهما و بين الصورتين السابقتين.فلاحظ .

ص: 340

كلها (1) :دل عقله على الوجوب أو بين له غيره،و على تقدير الدلالة:

أصر على التقليد أو رجع و لم يحصل له كمال الاستدلال بعد أو لا (2) .

فهذه أقسام أربعة عشر (3) .

الأول:التقليد في الحق جازما مع العلم بوجوب النظر و الإصرار، فهذا مؤمن فاسق (4) ،لإصراره على ترك الواجب.

(1)يعني:في الباطل مع العناد و بدونه مع الجزم و الظن،و في الحق مع الجزم و الظن.

(2)عطف على قوله:«دل عقله على وجوب...».

(3)الظاهر أن الأقسام ثمانية عشر،و هي ستة في الحق،و اثنى عشر في غيره.أما الستة في الحق فهي التقليد مع الجزم و مع الظن،و كل منهما مع الغفلة،أو الالتفات إلى وجوب النظر مع العناد في تركه أو الرجوع إليه قبل استكمال الفحص.

و أما الاثنى عشر في غير الحق فهي الستة في صورتي العناد و بدونه و إن كان التقسيم لا يخلو في نفسه عن اضطراب،من حيث تكرار ذكر العناد إلا أن يراد بالعناد الأول التعصب للباطل في قبال اعتقاده من دون تعصب،و بالعناد الثاني العناد لوجوب النظر المفروض التفاته إليه.لكن فرض اعتقاد الباطل مع عدم التعصب له مما لا يتعقل إلا أن يراد العلم به أو الظن من دون اعتقاده في قبال العلم به مع الاعتقاد.

فلاحظ .

(4)بناء على وجوب النظر تكليف نفسي مستقل،لا أنه شرط في الإيمان،و لا واجب طريقي عقلي كما ذكرنا،إذ على الأول لا يكون الشخص في الفرض مؤمنا، و على الثاني لا يكون فاسقا،لأن الواجب الطريقي لا موضوع له مع فرض الوصول للواقع و الجزم به من التقليد،فلا يكون تركه موجبا للفسق.

ص: 341

الثاني:هذه الصورة مع ترك الإصرار و الرجوع،فهذا مؤمن (1) غير فاسق.

الثالث:المقلد في الحق الظان مع الإصرار،و الظاهر (2) أنه مؤمن مرجى في الآخرة (3) ،و فاسق،للإصرار.

الرابع:هذه الصورة مع عدم الإصرار،فهذا مسلم ظاهرا غير فاسق.

الخامس و السادس:المقلد في الحق جازما أو ظانا مع عدم العلم بوجوب الرجوع،فهذان كالسابق بلا فسق.

أقول:الحكم بإيمان هؤلاء لا يجامع فرض القول بعدم جواز التقليد (4) ،إلا أن يريد بهذا القول قول الشيخ قدّس سرّه:من وجوب النظر (1)إيمانه موقوف على تحقق الاعتقاد منه بعد فرض عدوله عن التقليد و عدم استكماله النظر،و هو لا يخلو عن إشكال.إلا أن يكون المفروض في كلامه ضمّ النظر للتقليد للاستظهار به،لا عدوله منه إليه.

(2)إيمانه موقوف على تحقق الاعتقاد مع الظن.إلا أن يريد من الإيمان الظاهري الإسلام،كما يناسبه جعله مرجى في الآخرة حيث تقدم في النصوص عدّ المرجى واسطة بين الإيمان و الكفر مع دخوله في الإسلام.و يناسبه ما في بعض النسخ من عدّ القسم الرابع مسلما ظاهرا.

(3)كأنه لما تقدم في النصوص من إرجاء من لم يدخل الإيمان في قلوبهم إما لكون دخول الإيمان في القلب كفاية عن العلم به المفروض عدم تحققه في المقام.أو لكونه كناية عن الاعتقاد الذي عرفت الكلام في تحققه في المقام.فلاحظ .

(4)عرفت الكلام في ذلك.و أما قول الشيخ فسيأتي عند التعرض لكلامه، و لعل مقتضى ما يأتي منه من العفو مع التقليد عدم تحقق الفسق به.فلاحظ .

ص: 342

مستقلا،لكن ظاهره إرادة قول المشهور،فالأولى الحكم بعدم إيمانهم على المشهور،كما يقتضيه إطلاق معقد إجماع العلامة في أول الباب الحادي عشر،لأن الإيمان عندهم المعرفة الحاصلة عن الدليل لا التقليد.

ثم قال:

السابع:المقلد في الباطل جازما معاندا (1) مع العلم بوجوب النظر و الإصرار عليه،فهذا أشد الكافرين.

الثامن:هذه الصورة من غير عناد و لا إصرار،فهذا أيضا كافر.ثم ذكر الباقي و قال:إن حكمها يظهر مما سبق.

كلام الشيخ الطوسي قدّس سرّه في العدة في وجوب النظر مع العفو

أقول:مقتضى هذا القول الحكم بكفرهم (2) ،لأنهم أولى به من السابقين.

بقي الكلام في ما نسب إلى الشيخ في العدة:من القول بوجوب النظر مستقلا مع العفو،فلا بد من نقل عبارة العدة،فنقول:

قال في باب التقليد-بعد ما ذكر استمرار السيرة على التقليد في الفروع،و الكلام في عدم جواز التقليد في الأصول،مستدلا بأنه لا خلاف في أنه يجب على العامي معرفة الصلاة و أعدادها (3) -:و إذا كان لا يتم (1)يعني:كفر بقية الأقسام.و لكن لم يتضح وجه الأولوية من السابقين و لا سيما القسم الأول.هذا و يظهر من بعض أعاظم المحشّين قدّس سرّه مخالفة المصنف قدّس سرّه في نقل كلام السيد الصدر في حكم الأقسام.فليراجع.و الأمر ليس بمهم.

(2)لا يخفى أن وجوب ذلك طريقي لأجل إحراز الامتثال،لا نفسي.

(3)لأنها متفرعة على ذلك،فمع عدم انتهاء مقدماتها إلى العلم لا تكون

ص: 343

ذلك إلا بعد معرفة اللّه و معرفة عدله و معرفة النبوة،وجب أن لا يصح التقليد في ذلك.

ثم اعترض:

بأن السيرة كما جرت له على تقرير المقلدين في الفروع كذلك جرت على تقرير المقلدين في الاصول و عدم الإنكار عليهم.

فأجاب:بأن على بطلان التقليد في الاصول أدلة عقلية و شرعية من كتاب و سنة و غير ذلك،و هذا كاف في النكير (1) .

ثم قال:على أن المقلد للحق في اصول الديانات و إن كان مخطئا في تقليده غير مؤاخذ به و أنه معفو عنه،و إنما قلنا ذلك لمثل هذه الطريقة التي قدمناها، معلومة و لا دليل على إجزاء التقليد في هذه الأمور،لعدم إحراز الإمضاء،بخلاف الفروع فإنه يمكن فيها إحراز الإمضاء بعد العلم بالأصول.لكن هذا-مع توقفه على فرض عدم إفادة التقليد في الأصول للعلم بها كما سيأتي-لا يخلو عن إشكال، لأن العلم بوجوب الصلاة و أعدادها المفضي لوجوب العلم بها-مقدمة لامتثالها- موقوف على العلم بالأصول،فكيف يكون دليلا على وجوبه و هل هو إلا دور واضح ؟فلاحظ .

(1)قد يحمل هذا على أن المراد أن الأدلة المذكورة كاشفة عن كون السيرة في غير محلها بل كان اللازم الانكار لأجلها.و قد يحمل على أن المراد أن الحاجة إلى الإنكار انّما هي لكشف الحق فمع انكشافه بالأدلة المذكورة لا يبقى للإنكار حاجة، فلا يدل السكوت عن الإنكار على التقرير.

بل الادلة المذكورة بانفسها نحو من الانكار كافية فيه.و لعل الثاني هو الاظهر،و هو الذي فهمه المصنف قدّس سرّه كما سيأتي.

ص: 344

لأني لم أجد أحدا من الطائفة و لا من الأئمة عليهم السّلام قطع موالاة من يسمع قولهم و اعتقد مثل اعتقادهم و إن لم يستند ذلك إلى حجة من عقل أو شرع.

ثم اعترض على ذلك:بأن ذلك (1) لا يجوز،لأنه يؤدي إلى الإغراء بما لا يأمن أن يكون (2) جهلا.

و أجاب:بمنع ذلك،لأن هذا المقلد لا يمكنه أن يعلم سقوط العقاب عنه فيستديم الاعتقاد،لأنه إنما يمكنه معرفة ذلك إذا عرف الأصول (3) ،و قد فرضنا أنه مقلد في ذلك كله (4) ،فكيف يكون إسقاط (1)يعني:العفو و عدم العقاب.أو إقرار المقلدة و عدم قطع موالاتهم من الأئمة و أصحابهم.

(2)لعل الأولى أن يقول:إلى الاغراء بما هو جهل.فإن المفروض أن التقليد بنفسه محرم فهو جهل قطعى.و كأن المراد بالجهل ما يقابل الحكمة لا ما يقابل العلم.

و هو قدّس سرّه يشير بهذا إلى الوجه الملزم بالعقاب على المعاصى أو بإنكارها على أصحابها و هو أن عدم العقاب أو عدم الإنكار على المعاصي موجب للإغراء بها،لضعف الداعي إلى اجتنابها بدونهما.

(3)الظاهر أن مراده من الأصول ما يعمّ مسألة العقاب على التقليد و عدمه، و إلا فلو كان المراد من الأصول خصوص الأصول المقومة للدين كالتوحيد و العدل و النبوة لم يتوقف معرفة العفو عن التقليد على معرفتها،لإمكان أن يتضح للمكلف بعد النظر في السيرة المشار إليها العفو عن التقليد مع أنه مقلد في الأصول المذكورة.

على أن كلامه قدّس سرّه لا يفي بدفع الإشكال حتى بناء على ما ذكرنا،لإمكان التفكيك في الأصول،فيقلد في بعضها كالتوحيد و النبوة،و يستكمل النظر في بعضها كمسألة العفو عن التقليد،فلا يندفع إشكال الإغراء بالجهل.فتأمل جيدا.

(4)يعني:فلا يتيسر له العلم بالعفو حتى يتكل عليه و يتحقق الإغراء بالجهل

ص: 345

العقاب مغريا؟و إنما يعلم ذلك غيره من العلماء الذين حصل لهم العلم بالأصول (1) و سبروا أحوالهم (2) ،و أن العلماء لم يقطعوا موالاتهم و لا أنكروا عليهم،و لا يسوغ ذلك لهم إلا بعد العلم بسقوط العقاب عنهم، و ذلك يخرجه من باب الإغراء (3) ،و هذا القدر كاف في هذا الباب إن شاء اللّه.و أقوى مما ذكرنا:أنه لا يجوز التقليد في الأصول إذا كان للمقلد طريق إلى العلم به،إما على جملة أو تفصيل،و من ليس له قدرة على ذلك أصلا فليس بمكلف،و هو بمنزلة البهائم التي ليست مكلفة بحال،انتهى.

و ذكر عند الاحتجاج على حجية أخبار الآحاد ما هو قريب من ذلك،قال:

و أما ما يرويه قوم من المقلدة،فالصحيح الذي أعتقده أن المقلد للحق و إن كان مخطئا معفو عنه،و لا أحكم فيه بحكم الفساق،فلا يلزم على هذا ترك ما نقلوه،انتهى.

أقول:ظاهر كلامه قدّس سرّه في الاستدلال على منع التقليد بتوقف معرفة و اعتماده على التقليد في إثبات العفو عنه دوري.فلاحظ .

(1)فلا يتحقق في حقهم الإغراء بالجهل،لفرض عدم ارتكابهم له.لكن عرفت الإشكال في ذلك بإمكان التفكيك في الأصول في التقليد و عدمه.

(2)يعني:أحوال المقلدة.أو أحوال الأئمة و أصحابهم في عدم قطعهم لموالاة المقلدة.

(3)لم يتضح الوجه في ذلك،و كلامه لا يخلو عن غموض.

ص: 346

الصلاة و أعدادها على معرفة اصول الدين:أن الكلام في المقلد الغير الجازم (1) ،و حينئذ فلا دليل على العفو.

و ما ذكره:من عدم قطع العلماء و الأئمة موالاتهم مع المقلدين -بعد تسليمه و الغض عن إمكان كون ذلك من باب الحمل على الجزم بعقائدهم،لعدم العلم بأحوالهم (2) -لا يدل على العفو،و إنما يدل على كفاية التقليد (3) .

و إمساك النكير عليهم في ترك النظر و الاستدلال إذا لم يدل على عدم وجوبه عليهم-لما اعترف به قبل ذلك من كفاية النكير المستفاد من الأدلة الواضحة على بطلان التقليد في الأصول-لم يدل على العفو عن هذا الواجب المستفاد من الأدلة،فلا دليل على العفو عن هذا الواجب المعلوم وجوبه.

و التحقيق:أن إمساك النكير لو ثبت و لم يحتمل كونه لحمل أمرهم على الصحة و لعلمهم بالأصول،دليل (4) على عدم الوجوب،لأن وجود (1)إذ المقلد الجازم بالأصول يمكنه معرفة الفروع،لأنها تنتهي إلى العلم.

(2)هذا قد يتم في أصحاب الأئمة لا في الأئمة عليهم السّلام بأنفسهم،لوضوح علمهم بحال المقلدة و عدم اشتباهه عندهم.

(3)كما هو الحال في سائر السير العملية،فإن إقرارها كاشف عن صوابها لا عن خطئها مع العفو.و لو فرض تحقق النكير عليها كشف عن خطئها و لا موجب للعفو و لا كاشف عنه.

(4)خبر(أن)في قوله:«و التحقيق أن...».

ص: 347

الأدلة (1) لا يكفي في إمساك النكير من باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر (2) و إن كفى فيه من حيث الإرشاد و الدلالة على الحكم الشرعي (3) ،لكن الكلام في ثبوت التقرير و عدم احتمال كونه لاحتمال العلم في حق المقلدين.

رأي المصنف في المسألة

فالإنصاف:أن المقلد الغير الجازم المتفطن لوجوب النظر عليه فاسق مؤاخذ على تركه للمعرفة الجزمية بعقائده (4) ،بل قد عرفت احتمال كفره،لعموم أدلة كفر الشاك.

و أما الغير المتفطن لوجوب النظر للغفلة أو العاجز عن تحصيل الجزم فهو معذور في الآخرة (5) .و في جريان حكم الكفر احتمال تقدم.

(1)يعني:على وجوب النظر و بطلان التقليد،كما أشار إليه قدّس سرّه في صدر كلامه.

(2)فعدم النكير من هذه الجهة كاشف عن اطلاعهم على خلل في الأدلة المذكورة.

(3)كأنه لأن الارشاد يحصل بالأدلة المذكورة،كما ذكره الشيخ قدّس سرّه.لكنه لا يخلو عن إشكال،ضرورة أن العامي لا يطلع على الأدلة المذكورة،و ليس مضمونها من الواضحات التي لا تخفى على العوام،فوصول الحكم للعوام موقوف على نكير العلماء و لا يكفي فيه الأدلة المذكورة.

(4)بناء على اعتبار العلم في الأصول،أو توقف الاعتقاد عليه.و قد عرفت الكلام في ذلك،و أن الظاهر كفاية الاعتقاد غير المتوقف على العلم،فلو حصل أغنى عن تحصيل العلم.لكن لا بد من الغفلة،و إلاّ لزم التشريع المحرم.

(5)معذورية الغافل موقوفة على عدم تقصيره في غفلته.

ص: 348

و أما الجازم فلا يجب عليه النظر و الاستدلال و إن علم من عمومات الآيات و الأخبار وجوب النظر و الاستدلال،لأن وجوب ذلك توصلي لأجل حصول المعرفة،فإذا حصلت سقط وجوب تحصيلها بالنظر (1) ، اللهم إلا أن يفهم هذا الشخص منها كون النظر و الاستدلال واجبا تعبديا مستقلا أو شرطا شرعيا للإيمان،لكن الظاهر خلاف ذلك،فإن الظاهر كون ذلك من المقدمات العقلية.

(1)هذا راجع إلى عدم وجوب النظر و الاستدلال إلا تخييرا بينه و بين التقليد،إذ مع فرض وجوب المعرفة و حصولها بالنظر و بالتقليد معا يتعين الالتزام بالتخيير بينهما.و لو التزم بكون الواجب هو خصوص المعرفة عن نظر و استدلال لم يجز التقليد،كما لا يخفى.

فالعمدة ما سبق منا من كون الواجب الأصلي هو الاعتقاد و أن الطريق العقلي له هو العلم الناشئ من النظر و الاستدلال و استفراغ الوسع في تحصيل الواقع،و غيره من الطرق و إن أغنى في تحصيل الواجب الأصلي إلا أنه ليس عذرا عقليا،فلا ينفع في ظرف الخطأ،و إن نفع في ظرف الإصابة و الوصول للواقع.

ص: 349

ص: 350

الأمر السادس
بناء على عدم حجية الظن فهل له آثار أخر غير الحجية ؟

إذا بنينا على عدم حجية ظن أو على عدم حجية الظن المطلق،فهل يترتب عليه آثار أخر غير الحجية بالاستقلال،مثل كونه جابرا لضعف سند أو قصور دلالة،أو كونه موهنا لحجة أخرى،أو كونه مرجحا لأحد المتعارضين على الآخر؟

و مجمل القول في ذلك:أنه كما يكون الأصل في الظن عدم الحجية، كذلك الأصل فيه عدم ترتب الآثار المذكورة:من الجبر،و الوهن، و الترجيح (1) .

و أما تفصيل الكلام في ذلك فيقع في مقامات ثلاثة
اشارة

(1)لرجوع ذلك إلى حجية المنجبر مع عدم حجيته في نفسه،و عدم حجية الموهن مع حجيته في نفسه،و حجية خصوص الراجح من المتعارضين الذين كان الأصل عدم حجيتهما معا،و الأول و الثالث خلاف أصالة عدم الحجية،و الثاني خلاف إطلاق دليل الحجية،و كلاهما محتاج إلى دليل.

ص: 351

الأول:الجبر بالظن الغير المعتبر
هل يكون الظن غير المعتبر جابرا؟

فنقول:عدم اعتباره:إما أن يكون من جهة ورود النهي عنه بالخصوص كالقياس و نحوه،و إما من جهة دخوله تحت عموم أصالة حرمة العمل بالظن.

أما الأول،فلا ينبغي التأمل في عدم كونه مفيدا للجبر،لعموم ما دل على عدم جواز الاعتناء به و استعماله في الدين (1) .

الكلام في جبر قصور السند

و أما الثاني،فالأصل فيه و إن كان ذلك،إلا أن الظاهر أنه إذا كان المجبور محتاجا إليه من جهة إفادته للظن-كالخبر إذا قلنا بكونه حجة بالخصوص بوصف كونه مظنون الصدور (2) ،فأفاد تلك الأمارة الغير (1)لا يخفى أن ظاهر ما دل على عدم الاعتناء به عدم حجيته في نفسه،فلا يمنع من الجبر به إذا كان وجوده موجبا لتمامية ملاك الحجية في المجبور،كما يأتي في القسم الثاني،فإن الاعتناء حينئذ ليس به،بل بالمجبور الذي فرض تمامية ملاك حجيته به.اللهم إلا أن يستفاد من عدم الاعتناء به عدم ترتيب الأثر عليه أصلا و لو بهذا المقدار بحيث يكون وجوده كعدمه فيكون مخصصا لدليل الانجبار.لكن هذا لو أمكن تسليمه في مثل القياس مما ارتكز في نفوس المتشرعة طرحه،فلا مجال له في غيره من موارد النهي عن الظن بالخصوص.

(2)يعني:بالظن الشخصي.

ص: 352

المعتبرة الظن بصدور ذلك الخبر-انجبر قصور سنده به (1) .

إلا أن يدعى:أن الظاهر اشتراط حجية ذلك الخبر بإفادته للظن بالصدور (2) ،لا مجرد كونه مظنون الصدور و لو حصل الظن بصدوره من غير سنده.

الكلام في جبر قصور الدلالة

و بالجملة:فالمتبع هو ما يفهم من دليل حجية المجبور،و من هنا لا ينبغي التأمل في عدم انجبار قصور الدلالة بالظن المطلق،لأن المعتبر في باب الدلالات هو ظهور الألفاظ نوعا في مدلولاتها،لا مجرد الظن بمطابقة مدلولاتها للواقع و لو من الخارج.

فالكلام إن كان ظاهرا في معنى بنفسه أو بالقرائن الداخلة (3) فهو،و إلا-بأن كان مجملا أو كان دلالته في الأصل ضعيفة كدلالة الكلام بمفهومه الوصفي-فلا يجدي الظن بمراد الشارع من أمارة خارجية غير معتبرة بالفرض،إذ التعويل حينئذ على ذلك الظن من غير مدخلية للكلام (4) .

بل ربما لا تكون تلك الأمارة موجبة للظن بمراد الشارع من هذا (1)لتمامية ملاك الحجية بسبب الظن المذكور.

(2)بحيث يكون الظن بالصدور مستندا إلى نفس الخبر،لا لضميمة خارجية.

(3)يعني:التي توجب ظهوره ظهورا ثانويا في المعنى المظنون،سواء كانت من سنخ القرائن الحالية أم المقالية،و المعيار فيها ما يصح اعتماد المتكلم عليه في مقام البيان،لا مطلق ما يفيد الظن.

(4)فلا يدخل في كبرى حجية الظهور.

ص: 353

الكلام،غايته إفادة الظن بالحكم الفرعي،و لا ملازمة بينه و بين الظن بإرادته من اللفظ ،فقد لا يريده بذلك اللفظ (1) .

نعم،قد يعلم من الخارج كون المراد هو الحكم الواقعي (2) ،فالظن (1)و الضابط في ذلك:أن اللفظ تارة:يتردد بين معنيين متنافيين خارجا، بحيث لا يمكن تحققهما معا في الخارج،كالقرء المردد بين الطهر و الحيض.

و أخرى:يتردد بين معنيين يمكن اجتماعهما في الخارج كصيغة(افعل)المرددة بين مطلق الطلب و خصوص الوجوب،أما في الأول فالظن بصدق الأمارة موجب للظن بإرادة مؤداها من الكلام،لامتناع إرادة المعنى الأخر المنافي مع صدقها.

بخلاف الثاني،فإن صدق الأمارة لا يمنع من إرادة المعنى الآخر بعد عدم التنافي بينهما.و على الوجهين لا يوجب الظن بصدق الأمارة حجية الكلام بناء على ما هو الظاهر من اعتبار الظهور في الحجية،و إن كان عدم الحجية في الصورة الثانية أولى.

نعم قد تكون الأمارة موجبة للعلم أو الاطمئنان بوجود قرائن حالية أو مقالية موجبة لظهور الكلام على طبقها و إن اختفت علينا،كما لو فرض فتوى المشهور استنادا إلى رواية مجملة أو ظاهرة في خلاف ما أفتوا به،بحيث لا يحتمل ابتناء فتواهم على دعوى ظهورها في نفسها فيما ذهبوا إليه،و لا على دليل آخر غيرها.

فإن ذلك قد يوجب القطع باطلاعهم على قرائن صارفة لها على طبق فتواهم.

و حينئذ لا إشكال في كون الفتوى جابرة لضعف الدلالة في مثل ذلك، بخلاف ما لو احتمل كون مستند فتواهم دليلا آخر غير ظاهر الحال لنا،أو ابتنائها على دعوى ظهور الرواية فيما أفتوا به لجهات لم تثبت عندنا،فإنه لا مجال للانجبار.

كما لا يخفى.

(2)المدار على ما ذكرنا من كون الاحتمال الآخر منافيا لما قامت عليه الأمارة، و أما مجرد العلم بتعرض الكلام لبيان الحكم الواقعي فهو لا ينفع،كما لو تردد المراد بالصيغة بين أن يكون هو مطلق الطلب و أن يكون خصوص الوجوب،و ظن من

ص: 354

به يستلزم الظن بالمراد،لكن هذا من باب الاتفاق.

و مما ذكرنا يظهر:أن ما اشتهر-من أن ضعف الدلالة منجبر بعمل الأصحاب-غير معلوم المستند،بل و كذلك دعوى انجبار قصور الدلالة بفهم الأصحاب لم يعلم لها بينة.

و الفرق:أن فهم الأصحاب و تمسكهم به كاشف ظني عن قرينة على المراد،بخلاف عمل الأصحاب،فإن غايته الكشف عن الحكم الواقعي (1) الذي قد عرفت أنه لا يستلزم كونه مرادا من ذلك اللفظ ، كما عرفت.

بقي الكلام في مستند المشهور،في كون الشهرة في الفتوى جابرة لضعف سند الخبر:

فإنه إن كان من جهة إفادتها الظن بصدق الخبر،ففيه-مع أنه قد لا يوجب الظن بصدور ذلك الخبر (2) ،نعم يوجب الظن بصدور حكم عن الشارع مطابق لمضمون الخبر-:أن جلهم لا يقولون بحجية الخبر المظنون الخارج بأن الحكم هو الوجوب،فإنه لا يوجب الظن بإرادته من الكلام،لاحتمال إرادة مطلق الطلب فإنه هو الحكم الواقعي أيضا.فلاحظ .

(1)لا يخفى أن عمل الأصحاب بالكلام فرع فهمهم له،فهو راجع إلى اطلاعهم على قرنية مقتضية لتعيين ما فهموه منه.إلا أن يكون المراد بالعمل مجرد الفتوى من غير أن تستند إلى الكلام المجمل،فيتم ما ذكره المصنف قدّس سرّه.

(2)لاحتمال استنادهم لغيره،أو غفلتهم عن ضعف سنده.لكن لا يبعد كون مراد القائل بالانجبار بعمل المشهور غير هذه الصورة،فلا يتوجه الإيراد عليه بذلك.

ص: 355

الصدور مطلقا،فإن المحكي (1) عن المشهور اعتبار الإيمان في الراوي، مع أنه لا يرتاب في إفادة الموثق للظن (2) .

فإن قيل:إن ذلك لخروج خبر غير الإمامي بالدليل الخاص (3) ، مثل منطوق آية النبأ،و مثل قوله عليه السّلام:«لا تأخذن معالم دينك من غير شيعتنا».

قلنا:إن كان ما خرج بحكم الآية و الرواية مختصا بما لا يفيد الظن فلا يشمل الموثق (4) ،و إن كان عاما لما ظن بصدوره كان خبر غير الإمامي (5) المنجبر بالشهرة و الموثق متساويين في الدخول تحت الدليل المخرج (6) .و مثل الموثق خبر الفاسق المتحرز عن الكذب (7) (1)يشكل الاعتماد على الحكاية المذكورة مع ما تقدم في مبحث خبر الواحد عن الشيخ قدّس سرّه من دعوى عمل الطائفة بأخبار الفطحية و أمثالهم.

(2)فعدم حجيته عندهم كاشف عن عدم كون معيار الحجية هو الظن بالصدور.

(3)يعني:خروجه عن عموم دليل حجية الخبر المفيد للظن لو تم.

(4)يعني:فيبقى الموثق داخلا في عموم حجية الخبر المفيد للظن لو تم،مع أن مبناهم على عدم العمل به.

(5)يعني:الضعيف في نفسه.

(6)مع أن مبناهم على العمل بخبر غير الإمامي الضعيف المنجبر بالشهرة دون الموثق الذي لم ينجبر بها.

(7)فإنه داخل في منطوق آية النبأ مع إفادته الظن،فإن كان مفاد الآية عدم حجية خبر الفاسق مطلقا و لو كان مفيدا للظن لزم البناء على عدم حجيته و لو كان

ص: 356

و الخبر (1) المعتضد بالأولوية و الاستقراء و سائر الأمارات الظنية (2) ،مع أن المشهور لا يقولون بذلك.

و إن كان (3) لقيام دليل خاص عليه (4) ،ففيه:المنع من وجود هذا الدليل.

و بالجملة:فالفرق بين الضعيف المنجبر بالشهرة و المنجبر بغيرها من الأمارات و بين الخبر الموثق المفيد لمثل الظن الحاصل من الضعيف المنجبر،في غاية الإشكال (5) ،خصوصا مع عدم العلم باستناد المشهور منجبرا بالشهرة،و إن كان مفادها عدم حجية خبر الفاسق الذي لا يفيد الظن دون المفيد للظن،لزم حجيته حتى لو لم ينجبر بالشهرة.

(1)يعني:الضعيف في نفسه.

(2)فإنه لا فرق بينها و بين الشهرة في إفادة الظن.

اللهم إلا أن يقال:الأمور المذكورة إنما توجب الظن بالحكم الشرعي لا بصدور الخبر،فلا تقاس بالشهرة المفروض كونها موجبة للظن بصدور الخبر.

(3)عطف على قوله:«فإنه إن كان من جهة أفادتها الظن بصدق الخبر».

(4)يعني:حجية الخبر الضعيف في نفسه المنجبر بالشهرة.

(5)عرفت الفرق بين المنجبر بالشهرة و المنجبر بغيرها من الأمارات بأن الشهرة قد توجب الظن بل الاطمئنان بصدور الخبر،و ذلك إذا كانت راجعة إلى الشهرة على العمل به لا مجرد الفتوى بمضمونه.أما بقية الأمارات فهي لا توجب إلا الظن،بمضمون الخبر لا بصدوره.

نعم الفرق بين المنجبر بالشهرة و الموثق أو نحوه في غاية الإشكال لكن عرفت الإشكال في صدق ما حكي عنهم من إنكار حجية الموثق.فلاحظ .

ص: 357

إلى تلك الرواية (1) .و إليه أشار شيخنا في موضع من المسالك بأن جبر الضعف بالشهرة ضعيف مجبور بالشهرة (2) .

و ربما يدعى كون الخبر الضعيف المنجبر من الظنون الخاصة،حيث ادعي الإجماع على حجيته،و لم يثبت.

و أشكل من ذلك:دعوى دلالة منطوق آية النبأ عليه،بناء على أن التبين يعم الظني الحاصل من ذهاب المشهور إلى مضمون الخبر.و هو بعيد،إذ لو أريد مطلق الظن فلا يخفى بعده،لأن المنهي عنه ليس إلا خبر الفاسق المفيد للظن،إذ لا يعمل أحد بالخبر المشكوك صدقه (3) .و إن (1)لا يبعد خروج هذا عن محل كلامهم.

(2)لا يخفى أن انجبار ذلك بالشهرة لا ينفع بعد عدم ثبوت صلوح الشهرة للجبر-كما هو مقتضى اعترافه بضعف الجبر بالشهرة-إذ لا بد من انتهاء حجية الحجة إلى معلوم الحجية.

(3)يعني:فلا يمكن حمل الآية على الردع عنه فقط ،بل لا بد من حملها على الردع عما يعم خبر الفاسق المفيد للظن،لأنه الذي يمكن به حتى يتجه الردع عنه، فلا تدل على كفاية التبين الظني.

و إن شئت قلت:لما كانت الآية واردة للردع عن قضية واقعة،و كان من المعلوم عدم عمل أحد بخبر الفاسق الذي لا يفيد الظن،فحمل الآية عليه مستلزم لخروج المورد.و هذا مبني على كون خبر الوليد-بناء على أنه مورد نزول الآية- مفيدا للظن،و هو غير معلوم،و لم يثبت ممن يعتد به العمل به،كما أشرنا إلى ذلك في مبحث خبر الواحد عند الكلام في مفاد الآية الشريفة.

فالأولى رد الاحتمال المذكور بأن حمل التبين على الظني خلاف الظاهر منه،فإن التبين طلب البيان،و هو لا يكون بغير العلم أو الاطمئنان على كلام فيه.فلاحظ .

ص: 358

أريد البالغ حد الاطمئنان فله وجه،غير أنه يقتضي دخول سائر الظنون الجابرة إذا بلغت-و لو بضميمة المجبور-حد الاطمئنان و لا يختص بالشهرة.فالآية تدل على حجية الخبر المفيد للوثوق و الاطمئنان،و لا بعد فيه (1) ،و قد مر في أدلة حجية الأخبار ما يؤيده أو يدل عليه،من حكايات الإجماع و الأخبار.

و أبعد من الكل:دعوى استفادة حجيته مما دل من الأخبار- كمقبولة ابن حنظلة و المرفوعة إلى زرارة-على الأمر بالأخذ بما اشتهر بين الأصحاب من المتعارضين،فإن (2) ترجيحه على غيره في مقام التعارض يوجب حجيته في مقام عدم المعارض بالإجماع و الأولوية.

و توضيح فساد ذلك:أن الظاهر من الروايتين شهرة الخبر من حيث الرواية (3) ،كما يدل عليه قول السائل فيما بعد ذلك:«إنهما معا مشهوران»،مع أن ذكر الشهرة من المرجحات يدل على كون الخبرين في أنفسهما معتبرين مع قطع النظر عن الشهرة (4) .

(1)هذا-لو تم-مختص بما إذا حصل الاطمئنان بصدور الخبر،لا بمطابقة مضمونه للواقع فقط .

(2)بيان لوجه الاستدلال بالأخبار المشار إليها.

(3)فانه الظاهر من وصف الخبر بالشهرة،إذ الشهرة الفتوائية بنفسها لا تصحح وصف الخبر بالشهرة،و لا الشذوذ،بل يكون الخبر معها موافقا للمشهور أو مخالفا له.

(4)لأن فرض التعارض إنما يهتم بالسؤال عنه مع كون الخبرين واجدين لملاك الحجية،و حينئذ فلا إطلاق للأخبار المتضمنة لذلك بنحو يشمل الضعيف

ص: 359

المقام الثاني:في كون الظن الغير المعتبر موهنا
اشارة

و الكلام هنا أيضا يقع:تارة فيما علم بعدم اعتباره،و أخرى فيما لم يثبت اعتباره.

الكلام في الظن الذي علم عدم اعتباره

و تفصيل الكلام في الأول:أن المقابل له (1) إن كان من الأمور المعتبرة لأجل إفادته الظن النوعي-أي لكون نوعه لو خلي و طبعه مفيدا للظن،و إن لم يكن مفيدا له في المقام الخاص-فلا إشكال في عدم وهنه بمقابلة ما علم عدم اعتباره (2) ،كالقياس في مقابل الخبر الصحيح بناء على كونه من الظنون الخاصة على هذا الوجه (3) .و من هذا القبيل:القياس في مقابلة الظواهر اللفظية،فإنه لا عبرة به أصلا بناء على كون اعتبارها من باب الظن النوعي.

و لو كان من باب التعبد فالأمر أوضح.

في نفسه،حتى يقال:إن ترجيحه على غيره في مقام التعارض بسبب الشهرة يستلزم حجيته بها مع عدم المعارضة بالإجماع و الأولوية.

(1)يعني:للظن،و هو الأمر الذي يراد توهينه بالظن.

(2)لعدم خروجه بذلك عن موضوع الحجية.

(3)يعني:بما هو مفيد للظن النوعي لا الشخصي.

ص: 360

نعم،لو كان حجيته-سواء كان من باب الظن النوعي أو كان من باب التعبد-مقيدة بصورة عدم الظن على خلافه،كان للتوقف مجال (1) .

و لعله الوجه فيما حكاه لي بعض المعاصرين،عن شيخه:أنه ذكر له مشافهة:أنه يتوقف في الظواهر المعارضة بمطلق الظن على الخلاف حتى القياس و أشباهه.

لكن هذا القول-أعني تقييد حجية الظواهر بصورة عدم الظن على خلافها-بعيد في الغاية (2) .

و بالجملة:فيكفي في المطلب ما دل على عدم جواز الاعتناء بالقياس (3) ،مضافا إلى استمرار سيرة الأصحاب على ذلك (4) .

مع أنه يمكن أن يقال:إن مقتضى النهي عن القياس-معللا بما (1)لخروجه بقيام القياس مثلا على خلافه عن موضوع الحجية.

(2)على ما سبق توضيحه في آخر مبحث حجية الظواهر.

(3)عرفت أن عدم جواز الاعتناء بالقياس راجع إلى عدم حجيته،و ذلك لا ينافي كونه رافعا لموضوع الحجية في غيره.مع أنه لو سلم أختص بالقياس و لا يشمل جميع ما يفرض النهي عنه بالخصوص،فإن المفروض أن النهي لبيان عدم الحجية لا غير،كما ذكرناه في أول المقام الأول.فالعمدة ما ذكره أولا من عدم اشتراط حجية الظواهر بعدم قيام الظن على خلافها،فلا يكون قيام الظن على خلافها موجبا لخروجها عن موضوع الحجية.

(4)الظاهر أن منشأ السيرة المذكورة بناؤهم على عموم حجية الظواهر لصورة قيام الظن على خلافها،الذي عرفت أنه الحق.

ص: 361

حاصله غلبة مخالفته للواقع (1) -يقتضي أن لا يترتب شرعا على القياس أثر،لا من حيث تأثيره في الكشف و لا من حيث قدحه فيما هو كاشف بالذات (2) ،فحكمه حكم عدمه،فكأن مضمونه مشكوك لا مظنون (3) ، (1)مثل التعليل بأن ما يفسده أكثر مما يصلحه و أن السنة إذا قيست محق الدين.

(2)لكن بناء على اشتراط حجية الظواهر بعدم قيام الظن على خلافها لا يكون الظاهر المخالف للقياس كاشفا بالذات،لخروجه عن ملاك الحجية.

فلاحظ .

(3)هذا لا يرجع إلى محصل ما لم يرجع إلى دعوى:أن الشارع اعتبره شكا تنزيلا و تعبدا و أخرجه عن الظن كذلك.و هو كما ترى للقطع بعدم كون مفاد نهي الشارع عن حجيته ذلك،و لا سيما مع عدم كون الحجية من أحكام الظن كي يتوهم رجوع رفعها إلى التعبد بعدمه.مع أن إلغاء كونه ظنا إنما يقتضي رفع أحكام الظن شرعا عنه،نظير:«لا شك لكثير الشك»و من الظاهر أن وهن الأمارة بمخالفة الظن لها-كما هو المفروض-ليس حكما شرعيا للظن،فمجرد توقف حجية الظواهر مثلا على عدم قيام الظن على خلافها ليس من أحكام الظن،فإن مرجعه ليس إلا إلى عدم حجية الظواهر التي ظن بخلافها،و ليس عدم الحجية من الأحكام الشرعية،فإنه مقتضى الأصل الأولي لكل شيء بلا حاجة إلى جعل،فيلغو جعله، لعدم الأثر.

نعم لو فرض حجية الظواهر من حيث هي مع كون الظن معارضا لها و مسقطا لها عن الحجية كان ذلك من أحكام الظن التي يصح النفي بلحاظها.لكنه بعيد عن مساق كلام المصنف قدّس سرّه فإن إسقاط الحجية فرع حجية المسقط عرفا،فمع عدم حجية الظن-كما هو المفروض-لا يكون صالحا لإسقاط الظواهر عن الحجية، بل لا بد من فرض كون عدمه شرطا في حجية الظواهر،لا أنه مسقط لها بعد فرض حجيتها ذاتا.فتأمل جيدا.

ص: 362

بل مقتضى ظاهر التعليل (1) أنه كالموهوم (2) ،فكما أنه لا ينجبر به ضعيف لا يضعف به قوي.

و يؤيد ما ذكرنا:الرواية المتقدمة عن أبان الدالة على ردع الإمام له في رد الخبر الوارد في تنصيف دية أصابع المرأة بمجرد مخالفته للقياس (3) ، فراجع.

و هذا حسن،لكن الأحسن منه:تخصيص ذلك بما كان اعتباره من قبل الشارع كما لو دل الشرع على حجية الخبر ما لم يكن الظن على خلافه، فإن نفي الأثر شرعا من الظن القياسي (4) يوجب بقاء اعتبار تلك الأمارة (1)و هو التعليل بأن ما يفسده أكثر مما يصلحه و نحوه مما تقدم.

(2)التعليل السابق لا يقتضي تنزيله منزلة الموهوم،فإن غلبة الخطأ ليست من آثار الوهم كي يمكن دعوى أن بيانها كناية عنه،و ليست غلبة الإصابة من لوازم الظن،على ما تقدم التنبيه له في الوجه السابع من وجوه خروج القياس عن نتيجة دليل الانسداد،كما تقدم في الوجه الثاني من الوجوه المذكورة التعرض لدفع توهم كون التعليل المشار إليه مانعا من إفادة القياس للظن.مع أن التوهم المذكور لو تم كان خروجا عن الفرض،إذ المفروض إفادة القياس للظن.

(3)لا يخفى أن ردعه عليه السّلام كان عن ردّ الخبر و القطع بكذبه بسبب القياس، لا عن التوقف عن الخبر و عدم الحكم بحجيته بسبب القياس حتى ينفع فيما نحن فيه.بل لو فرض الردع فيه عن التوقف في الخبر بسبب القياس فمن القريب ابتناؤه على حجية الخبر مطلقا حتى لو قام الظن الشخصي على خلافه،فلا ينفع فيما نحن فيه.على أنه مختص بالخبر فلا يعم غيره مما يفرض كون الظن على خلافه مانعا من حجيته:فلاحظ .

(4)عرفت أن النهي عن القياس ظاهر في عدم حجيته،لا عدم ترتيب الآثار

ص: 363

على حاله.

و أما ما كان اعتباره من باب بناء العرف و كان مرجع حجيته شرعا إلى تقرير ذلك البناء كظواهر الألفاظ ،فإن وجود القياس إن كان يمنع عن بنائهم فلا يرتفع ذلك بما ورد من قصور القياس عن الدلالة على الواقع (1) ،فتأثير الظن بالخلاف في القدح في حجية الظواهر ليس عليه مطلقا.مع أنه مختص بالآثار الشرعية دون مثل عدم الحجية.إلا أن يرجع إلى فرض كون القياس من سنخ المعارض مع حجية الخبر ذاتا،فمع فرض عدم حجيته لا يصلح لمعارضة الخبر المفروض كونه حجة ذاتا لو لا المعارض.فراجع و تأمل.

(1)لا فرق بين كون الحكم بالحجية تأسيسيا للشارع و كونه إمضائيا منه لما عند العرف لرجوع الوجهين إلى الحكم الشرعي بالحجية.

و أما عدم بناء العرف على حجية الظواهر مع قيام القياس على خلافها فاللازم فيه التفصيل المتقدم في الخبر،فإن كان راجعا إلى بنائهم على حجية القياس في قبال الظواهر بحيث يوجب سقوطها بمعارضته مع حجيتها ذاتا لو لا المعارضة به فإمضاء الشارع لحجيتها مع حكمه بعدم حجية القياس موجب لعدم صلوحه لمعارضتها و إن كان عند العرف معارضا لها،نظير بنائهم على معارضة اليد بخبر الثقة،فإن إمضاء الشارع لحجية اليد مع حكمه بعدم حجية خبر الفاسق و إن كان ثقة موجب لحجية اليد شرعا مع معارضتها لخبره،لعدم المانع شرعا منها بعد حجيتها ذاتا شرعا و عرفا.

و إن كان راجعا إلى بنائهم على تقييد حجية الظواهر ذاتا بما إذا لم يظن بخلافها فإمضاء الشارع لحجيتها لا يقتضي التعدي عما عند العرف،و لا ينافي ذلك النهي عن القياس الراجع إلى عدم حجيته،لأن عدم حجيتها معه عندهم ليس من جهة كونه حجة معارضا لها،بل لخروجها معه عن موضوع الحجية و لا دليل حينئذ على حجيتها شرعا بعد فرض كون حجيتها تأسيسية.

ص: 364

مثل تأثيره في القدح في حجية الخبر المظنون الخلاف في كونه (1) مجعولا شرعيا يرتفع بحكم الشارع بنفي الأثر عن القياس،لأن المنفي في حكم الشارع من آثار الشيء الموجود حسا هي الآثار المجعولة دون غيرها (2) .

نعم،يمكن أن يقال:إن العرف بعد تبين حال القياس لهم من قبل الشارع لا يعبئون به في مقام استنباط أحكام الشارع (3) من خطاباته، فيكون النهي عن القياس ردعا لبنائهم على تعطيل الظواهر لأجل مخالفتها للقياس (4) .

و مما ذكرنا يعلم حال القياس في مقابل الدليل الثابت حجيته بشرط الظن،كما لو جعلنا الحجة من الأخبار المظنون الصدور منها أو الموثوق به (1)يعني:في كون تأثير الظن في القدح،في حجية الظواهر.

(2)ذكرنا أن الآثار المجعولة إمضاء مجعولة للشارع أيضا كما هي مجعولة للعرف فهي مثل الآثار المجعولة تأسيسا في قابليتها للرفع الشرعي.نعم القدح في الحجية إن كان ناشئا من تقييد موضوع الحجية فهو ليس أثرا مجعولا حتى يقبل الرفع،و إن كان ناشئا من معارضة الحجة بأخرى فهو أمر مجعول قابل للرفع،كما سبق توضيحه.

(3)و أما أحكامهم فلا يصلح الردع الشرعي للتعرض لها بوجه.

(4)هذا إنما يتم لو كان تعطيلهم للظواهر لأجل مخالفتها للقياس ناشئا من بنائهم على حجية القياس و معارضته للظواهر مع حجيتها ذاتا لو لا المعارضة،لا من تقييد موضوع الحجية بخصوص ما لا يخالف القياس،إذ على الثاني لا يكون تعطيل الظواهر ناشئا من الاعتناء بالقياس في مقام الاستنباط ،بل لخروجها عن موضوع الحجية كما سبق.

ص: 365

منها (1) ،فإن في وهنهما بالقياس الوجهين:

من حيث رفعه للقيد المأخوذ في حجيتهما على وجه الشرطية (2) ، فمرجعه إلى فقدان شرط وجداني-أعني وصف الظن (3) -بسبب (4) القياس.و نفي الآثار الشرعية للظن القياسي لا يجدي،لأن الأثر المذكور أعني رفع الظن ليس من الأمور المجعولة.

و من أن أصل اشتراط الظن من الشارع،فإذا علمنا من الشارع أن الخبر المزاحم بالظن القياسي لا ينقص أصلا-من حيث الإيصال إلى الواقع و عدمه-من الخبر السليم عن مزاحمته (5) ،و أن وجود القياس و عدمه في (1)لا يخفى أن كون القياس على خلاف الخبر لا ينافي الظن و الوثوق بصدوره لإمكان التشكيك في أصالة الظهور أو الجهة بالإضافة إليه،نعم لو كان المعتبر في حجية الخبر الظن أو الوثوق بمضمونه كان مما نحن فيه.

(2)لا يخفى أن القياس لا يرفع القيد،إذ ليس القيد عدم الظن بالخلاف حتى يكون القياس على خلاف الظن رافعا له،بل القيد وجود الظن بالخبر نفسه،و قد لا يكون القياس المخالف للخبر رافعا له،فلا أثر لإلغاء القياس في إثبات حجيته،و لا تتأتى الشبهة التي سبقت في القسم السابق.إلا أن يختص الكلام بما إذا كان الخبر مفيدا للظن الشخصي لو لا القياس،بحيث يستند عدم الظن به إلى القياس لا إلى جهة أخرى.

(3)يعني:على طبق الخبر.

(4)متعلق بقوله:«فقدان»و قد عرفت أن ذلك قد لا يستند إلى القياس.

(5)إن كان الخبر السليم موجبا للظن كان مختلفا مع الخبر المزاحم بالقياس من جهة أخرى غير المزاحمة،و بسبب المخالفة المذكورة يدخل الخبر السليم في ملاك الحجية دون المزاحم.و إن لم يكن الخبر السليم موجبا للظن كانا على حدّ سواء في

ص: 366

نظره سيان،فلا إشكال في الحكم بكون الخبرين المذكورين عنده على حد سواء.

و من هنا يمكن جريان التفصيل السابق (1) :بأنه إن كان الدليل المذكور المقيد اعتباره بالظن مما دل الشرع على اعتباره،لم يزاحمه القياس الذي دل الشرع على كونه كالعدم من جميع الجهات التي لها مدخل في الوصول إلى دين اللّه (2) ،و إن كان مما دل على اعتباره العقل الحاكم بتعيين الأخذ بالراجح عند انسداد باب العلم و الطرق الشرعية،فلا وجه لاعتباره مع مزاحمة القياس الرافع لما هو مناط حجيته أعني الظن (3) ، فإن غاية الأمر صيرورة مورد اجتماع تلك الأمارة و القياس مشكوكا،فلا يحكم العقل فيه بشيء.

عدم الحجية لا في الحجية.و النهي عن القياس لا دخل له على كلا الوجهين،إذ ليس المراد به إلا عدم حجيته و لا نظر له إلى التسوية بين الخبرين المذكورين و عدمها بعد فرض كون ملاك الحجية حصول الظن من الخبر.فلاحظ .

(1)عرفت الإشكال في التفصيل السابق.مع أن ما سبق كان تفصيلا بين ما حكم العرف بحجيته و أمضاه الشارع،و ما حكم الشارع بحجيته تأسيسا.أما هذا التفصيل فهو بين ما حكم به الشارع و ما استقل به العقل من دون أن يحكم به الشارع و لو إمضاء،و هو الظن الانسدادي بناء على الحكومة.

(2)لا مجال لاستفادة ذلك من دليل النهي عن القياس،لرجوعه إلى عدم حجيته-كما سبق-فلا ينافي كونه موجبا لقصور بعض الطرق و عدم اشتمالها على ملاك لحجية.

(3)عرفت أن ارتفاع الظن قد لا يستند للقياس،بل لقصور الخبر عن إفادته.

ص: 367

إلا أن يدعي المدعي:أن العقل بعد تبين حال القياس لا يسقط عنده الأمارة المزاحمة به عن القوة (1) التي تكون لها على تقدير عدم المزاحم،و إن كان لا يعبر عن تلك القوة حينئذ بالظن و عن مقابلها بالوهم.

و الحاصل:أن العقلاء إذا وجدوا في شهرة خاصة أو إجماع منقول مقدارا من القوة و القرب إلى الواقع،و التجئوا إلى العمل على طبقهما مع فقد العلم،و علموا من حال القياس ببيان الشارع أنه لا عبرة بما يفيده من الظن و لا يرضى الشارع بدخله في دين اللّه،لم يفرقوا بين كون الشهرة و الإجماع المذكورين مزاحمين بالقياس أم لا،لأنه لا ينقصهما عما هما عليه من القوة و المزية المسماة بالظن الشأني و النوعي و الطبعي (2) .

و مما ذكرنا:صح للقائلين بمطلق الظن لأجل الانسداد إلا ما خرج،أن يقولوا بحجية الظن الشأني،بمعنى أن الظن الشخصي إذا ارتفع عن الأمارات المشمولة لدليل الانسداد بسبب الأمارات الخارجة عنه (3) لم يقدح ذلك في حجيتها (4) ،بل يجب القول بذلك على رأي (1)لا قوة لها بنفسها بعد فرض كون موضوع حكم العقل هو الظن الشخصي لا النوعي.

(2)لكن هذا خروج عن فرض كون موضوع حكم العقل هو الظن الشخصي لا النوعي،كما تقدم في تقرير نتيجة الانسداد.إذ مع ذلك لا بد من الفرق بين الأمارتين.

(3)يعني:عن دليل الانسداد،كالقياس و نحوه مما فرض خروجه عن عموم نتيجة دليل الانسداد بنهي الشارع لو أمكن.

(4)لما كان شمول دليل الانسداد للأمارة من حيث إفادتها الظن الشخصي

ص: 368

بعضهم (1) ممن يجري دليل الانسداد في كل مسألة مسألة،لأنه إذا فرض في مسألة وجود أمارة مزاحمة بالقياس،فلا وجه للأخذ بخلاف تلك الأمارة (2) ،فافهم.

هذا كله،مع استمرار السيرة على عدم ملاحظة القياس في مورد من الموارد الفقهية و عدم الاعتناء به في الكتب الأصولية،فلو كان له أثر شرعي و لو في الوهن لوجب التعرض لأحكامه في الأصول (3) ،و البحث فلا وجه لشموله لها مع انسلاخها عنه.و أما احتمال كون شموله لها من حيث إفادتها الظن النوعي فلا وجه له بعد كون ملاك الحجية مما يدركه العقل،فإن العقل لا يدرك الأقربية الشأنية النوعية،و إنما يدرك ذلك الشرع لعلمه بالملاك الخفية.

نعم قد يدرك العرف الأقربية الشأنية،فيبني على كون موضوعها حجة بالخصوص،كما في الظواهر،و يكون حكمه قابلا للإمضاء الشرعي حينئذ،و هذا غير ما نحن فيه من فرض الحجية بدليل الانسداد.

(1)لم يتضح وجه خصوصية ذلك فيما نحن فيه.

(2)الأخذ بخلاف تلك الأمارة إن كان بمعنى الأخذ بالقياس،فهو ممنوع بعد فرض النهي عنه بالخصوص.و إن كان بمعنى الأخذ بالأصل فلا مانع منه،بل هو المتعين،لعموم دليل حجيته بعد خروج الأمارة عن ملاك الحجية.

(3)التعرض له إنما يجب إذا كان حجة بالخصوص،حيث يلزم حينئذ البحث في قيوده الدخيلة في الحجية.أما إذا كان المعيار في الحجية الظن فهو أمر وجداني لا يقبل التقييد و التخصيص.و لذا لم يتعرضوا لأحكام الظن المطلق و قيوده و شروطه.

و أما عدم التعرض له في الفقه فلعله لأجل بنائهم على عدم كون الظن قيدا في حجية الأمارة لا وجودا و لا عدما،بل هي حجة مطلقا،كما هو المعلوم من حالهم في

ص: 369

و التفتيش عن وجوده في كل مورد من موارد الفروع،لأن الفحص عن الموهن كالفحص عن المعارض واجب،و قد تركه أصحابنا في الأصول و الفروع،بل تركوا روايات من اعتنى به منهم و إن كان من المؤسسين لتقرير الأصول و تحرير الفروع،كالإسكافي الذي نسب إليه بناء تدوين أصول الفقه من الإمامية منه و من العماني يعني ابن أبي عقيل قدّس سرّهما،و في كلام آخر:أن تحرير الفتاوى في الكتب المستقلة منهما أيضا،جزاهما اللّه و جميع من سبقهما و لحقهما خير الجزاء.

ثم إنك تقدر بملاحظة ما ذكرنا في التفصي عن إشكال خروج القياس عن عموم دليل الانسداد من الوجوه،على التكلم فيما سطرنا هاهنا نقضا و إبراما (1) .

الكلام في الظن الذي لم يثبت اعتباره

هذا تمام الكلام في وهن الأمارة المعتبرة بالظن المنهي عنه بالخصوص، كالقياس و شبهه.

و أما الظن الذي لم يثبت إلغاؤه إلا من جهة بقائه تحت أصالة حرمة العمل بالظن،فلا إشكال في وهنه لما كان من الأمارات اعتبارها مشروطا الظواهر و الأخبار،فلا مجال للاستشهاد به بناء على كونه قيدا،كما هو محل الكلام.

(1)لا دخل لما سبق فيما هاهنا،إذ الكلام فيما سبق في عدم حجيته بالخصوص و ذلك لا دخل له بكونه موهنا و جابرا إذا كان موجبا لخروج غيره من ملاك الحجية أو لدخوله فيه.

نعم سبق في الوجه الثاني دعوى عدم حصول الظن من القياس بسبب تنبيه الشارع الأقدس إلى حاله،و هو لو تم دخيل فيما نحن فيه،إلا أنه يوجب خروج القياس عن محل الكلام،كما سبق التنبيه له قريبا.

ص: 370

بعدم الظن بالخلاف،فضلا عما كان اعتباره مشروطا بإفادة الظن،و السر فيه انتفاء الشرط .

و توهم:جريان ما ذكرنا في القياس هنا،من جهة أن النهي يدل على عدم كونه مؤثرا أصلا،فوجوده كعدمه من جميع الجهات،مدفوع (1) .

كما أنه لا إشكال في عدم الوهنية إذا كان اعتبارها من باب الظن النوعي (2) .

(1)مما سبق منا تعرف الوجه في دفعه،فإن النهي إنما يدل على عدم حجيته بنفسه مستقلا،و لا يمنع من موهنيته لغيره إذا كان موجبا لخروجه عن ملاك الحجية و موضوعها.بل كيف يمكن دعوى كونه غير مؤثر أصلا مع فرض كون عدمه شرطا في حجية الأمارة ؟!.نعم تقدم أن هذا جار في القياس أيضا.

(2)لعدم خروجها به عن موضوع الحجية و ملاكها.

ص: 371

المقام الثالث:في الترجيح بالظن الغير المعتبر
اشارة

و قد عرفت أنه على قسمين:أحدهما ما ورد النهي عنه بالخصوص كالقياس و شبهه،و الآخر ما لم يعتبر لأجل عدم الدليل و بقائه تحت أصالة الحرمة.

أما الأول،فالظاهر من أصحابنا عدم الترجيح به،نعم يظهر من المعارج وجود القول به بين أصحابنا،حيث قال في باب القياس:

كلام المحقق في الترجيح بالقياس

ذهب ذاهب إلى أن الخبرين إذا تعارضا و كان القياس موافقا لما تضمنه أحدهما،كان ذلك وجها يقتضي ترجيح ذلك الخبر على معارضه، و يمكن أن يحتج لذلك بأن الحق في أحد الخبرين فلا يمكن العمل بهما و لا طرحهما،فتعين العمل بأحدهما،و إذا كان التقدير تقدير التعارض،فلا بد للعمل بأحدهما من مرجح،و القياس يصلح أن يكون مرجحا،لحصول الظن به،فتعين العمل بما طابقه.

لا يقال:أجمعنا على أن القياس مطروح في الشريعة.

لأنا نقول:بمعنى أنه ليس بدليل على الحكم،لا بمعنى أنه لا يكون مرجحا لأحد الخبرين على الآخر،و هذا لأن فائدة كونه مرجحا كونه رافعا للعمل بالخبر المرجوح،فيعود الراجح كالخبر السليم عن المعارض،

ص: 372

فيكون العمل به،لا بذلك القياس.و فيه نظر،انتهى.

و مال إلى ذلك بعض سادة مشايخنا المعاصرين قدّس سرّه بعض الميل (1) ، و الحق خلافه،لأن رفع الخبر المرجوح بالقياس عمل به (2) حقيقة،فإنه لو لا القياس كان العمل به (3) جائزا،و المقصود (4) تحريم العمل به لأجل القياس،و أي عمل أعظم من هذا؟ (5) .

و الفرق بين المرجح و الدليل ليس إلا أن الدليل مقتض لتعين العمل به و المرجح رافع للمزاحم عنه،فلكل منهما مدخل في العلة التامة لتعين العمل به،فإذا كان استعمال القياس محظورا و أنه لا يعبأ به في الشرعيات كان وجوده كعدمه غير مؤثر (6) .

مع أن مقتضى الاستناد في الترجيح به إلى إفادته للظن كونه من قبيل (1)حكى بعض أعاظم المحشّين قدّس سرّه الميل المذكور عن السيد في المناهل.

(2)يعني:بالقياس.

(3)يعني:بالمرجوح.

(4)يعني:من الترجيح بالقياس.

(5)بناء على هذا فلا يزيد القياس عن كونه شرطا في العمل بالخبر،لا أنه موضوع العمل،فلو فرض اختصاص أدلة النهي عن القياس بالعمل به كان خارجا عن مفاد النهي،فلا أهمية لهذا الوجه ما لم يرجع للوجه الآتي.

(6)لو فرض دلالة الدليل على أن القياس لا يعبأ به لم يبعد شموله للترجيح به لأنه نحو من الاعتناء به.لكنه مختص بالقياس و لا يعم جميع ما كان منهيا عنه بالخصوص،و أما مجرد النهي عن العمل به فهو ظاهر في جعله موضوعا للعمل و لا يعم الترجيح به.

ص: 373

الجزء لمقتضي تعين العمل،لا من قبيل دفع المزاحم،فيشترك مع الدليل المنضم إليه في الاقتضاء (1) .

هذا كله على مذهب غير القائلين بمطلق الظن،و أما على مذهبهم (2) (1)كأن المراد به أن الوجه الذي ذكره المحقق قدّس سرّه في كلامه المتقدم تضمن أن ملاك الترجيح بالقياس هو إفادته للظن،و حينئذ فيكون دخيلا في المقتضي للعمل، لأن مقتضى العمل بالراجح إفادته الظن أيضا،فيكون كل من القياس و الدليل المترجح دخيلا في المقتضي.لكن إن أريد بمقتضى العمل موضوعه،و هو الأمر الذي يعمل به و يجعل دليلا في المسألة فلا دليل على أن موضوع العمل هو الظن الحاصل من الدليل و القياس بل الظاهر أن العمل إنما هو بالدليل في ظرف رجحانه بما تقتضي قوة الظن.فموضوع العمل هو الدليل لا غير.و إن أريد بمقتضى العمل ملاكه فدخل القياس في الملاك لا يهم بعد ظهور دليل النهي عن القياس في النهي عن العمل به و جعله دليلا و موضوعا لا غير.

إلا أن يرجع إلى التمسك بما دل على أنه لا يعبأ به،فيرجع إلى الوجه السابق.

على أن كون ملاك العمل بالدليل هو الظن محل إشكال و محتاج إلى الاثبات.و كونه ملاكا في الترجيح لا يستلزم كونه ملاكا للعمل بالدليل.

و الذي ينبغي أن يقال:أما بناء على الاقتصار على المرجحات المنصوصة فالأمر واضح،لعدم كون القياس منها.و أما بناء على التعدي منها إلى كل أمارة توجب الظن و أقربية أحد الخبرين للواقع فإن تم إطلاق عدم الاعتناء بالقياس و أنه لا يعبأ به تعين عدم الترجيح به،لأنه نحو من الاعتناء به.و إلا تعين الترجيح به، و مجرد النهي عن العمل به لا يمنع من الترجيح به،لظهوره في جعله دليلا و موضوعا للعمل،و لا يشمل الترجيح به بعد فرض العمل بالدليل المترجح به لا بالقياس نفسه.فلاحظ .

(2)يعني:أن ما سبق من كون القياس جزء المقتضي أو شرطه مبني على

ص: 374

فيكون القياس تمام المقتضي بناء على كون الحجة عندهم الظن الفعلي،لأن الخبر المنضم إليه ليس له مدخل في حصول الظن الفعلي بمضمونه (1) .

نعم،قد يكون الظن مستندا إليهما فيصير من قبيل جزء المقتضي (2) ،فتأمل.

و يؤيد ما ذكرنا،بل يدل عليه:استمرار سيرة أصحابنا الإمامية رضوان اللّه عليهم في الاستنباط على هجره و ترك الاعتناء بما حصل لهم من الظن القياسي أحيانا،فضلا عن أن يتوقفوا في التخيير بين الخبرين المتعارضين مع عدم مرجح آخر أو الترجيح (3) بمرجح موجود،إلى أن يبحثوا عن القياس،كيف و لو كان كذلك لاحتاجوا إلى عنوان مباحث القياس و البحث عنه بما يقتضي البحث عنها على تقدير الحجية (4) .

حجية الظنون الخاصة،إذ حينئذ يكون الحجة هو إحدى الروايتين المتعارضين تعيينا أو تخييرا،و ليس القياس إلا من سنخ المرجح لا الدليل إلى آخر ما سبق،أما بناء على حجية الظن المطلق بدليل الانسداد فتعارض الروايتين يوجب خروجهما معا عن موضوع الحجية،لعدم إفادتهما للظن بسبب المعارضة،و يكون الرجوع للقياس في الترجيح عبارة أخرى عن العمل بالظن الناشئ منه لا بالأمارة المرجحة به،فيشمله النهي عن العمل بالقياس بناء على خروج القياس عن عموم نتيجة الانسداد.

(1)كأنه من جهة المعارضة،كما سبق.

(2)كما لو فرض عدم كون القياس بنفسه مفيدا للظن،بل بضميمة الخبر المعارض المترجح به.و حينئذ لا يبعد شمول إطلاق النهي عن القياس لمثل ذلك، لأن تتميم الدليل به نحو عمل به.فتأمل.

(3)عطف على(التخيير)في قوله:«فضلا عن أن يتوقفوا في التخيير...».

(4)لعل عدم البحث عنه لأن المرجح إذا كان هو خصوص القياس المفيد للظن فهو أمر وجداني لا يحتاج إلى تحديد،و إنما يحتاج إلى التحديد لو كان معتبرا

ص: 375

و أما القسم الآخر،و هو الظن الغير المعتبر لأجل بقائه تحت أصالة حرمة العمل.

الكلام في الظن غير المعتبر لأجل عدم الدليل:

فالكلام في الترجيح به يقع في مقامات:

الأول:الترجيح به في الدلالة،بأن يقع التعارض بين ظهوري الدليلين كما في العامين من وجه و أشباهه.و هذا (1) لا اختصاص له بالدليل الظني السند،بل يجري في الكتاب و السنة المتواترة (2) .

الثاني:الترجيح به في وجه الصدور،بأن نفرض الخبرين صادرين و ظاهري الدلالة،و انحصر التحير في تعيين ما صدر لبيان الحكم و تمييزه عما صدر على وجه التقية أو غيرها من الحكم المقتضية لبيان خلاف الواقع.و هذا يجري في مقطوعي الصدور و مظنوني الصدور مع بقاء الظن بالصدور في كل منهما.

الثالث:الترجيح به من حيث الصدور،بأن صار بالمرجح أحدهما مظنون الصدور.

الترجيح به في الدلالة

أما المقام الأول،فتفصيل القول فيه:

بنفسه بما هو أمر خاص و إن لم يفد ظنا بالفعل،فعدم تعرضهم له بالخصوص لا يشهد بعدم كونه مرجحا عندهم،و لذا لم يتعرضوا لبقية الأمارات المفيدة للظن التي يمكن الترجيح بها بناء على التعدي عن المرجحات المنصوصة.

(1)يعني:التعارض بين ظهوري الدليلين الموجب للرجوع للمرجح الدلالي.

(2)فإن القطع بصدور الدليل لا ينافي إجماله بسبب المعارضة أو غيرها.

ص: 376

أنه إن قلنا بأن مطلق الظن على خلاف الظواهر يسقطها عن الاعتبار -لاشتراط حجيتها بعدم الظن على الخلاف-فلا إشكال في وجوب الأخذ بمقتضى ذلك الظن المرجح،لكن يخرج حينئذ عن كونه مرجحا،بل يصير سببا لسقوط الظهور المقابل له عن الحجية (1) ،لا لدفع مزاحمته للظهور المنضم إليه،فيصير ما وافقه حجة سليمة عن الدليل المعارض،إذ لو لم يكن في مقابل ذلك المعارض إلا هذا الظن لأسقطه عن الاعتبار،نظير الشهرة في أحد الخبرين الموجبة لدخول الآخر في الشواذ التي لا اعتبار بها (2) ،بل أمرنا بتركها و لو لم يكن في مقابلها خبر معتبر.

و أولى من هذا:إذا قلنا باشتراط حجية الظواهر بحصول الظن منها أو من غيرها على طبقها.لكن هذا القول سخيف جدا،و الأول أيضا بعيد،كما حقق في مسألة حجية الظواهر.

و إن قلنا بأن حجية الظواهر من حيث إفادتها للظن الفعلي (3) و أنه لا عبرة بالظن الحاصل من غيرها على طبقها،أو قلنا بأن حجيتها من حيث (1)بل سببا لقصوره عنها ذاتا،كما سبق التنبيه عليه عند الكلام في كون الظن موهنا.إذ ما نحن فيه يدخل في الحقيقة في التوهين بالظن،لا في الترجيح به، كما يظهر بالتأمل.

(2)لم يتضح بعد كون الشهرة المذكورة مسقطة لمخالفها عن الحجية أو مخرجه له عن موضوعها ذاتا،بل ظاهر أدلة الأخبار العلاجية كونها مرجحة لأحد الدليلين في فرض التعارض.و لا بد من التأمل في الأدلة.

(3)يعني:بحيث يعتبر إفادتها بنفسها للظن،لا مجرد مطابقة الظن لها و لو مع كونه مسببا عن أمر آخر.

ص: 377

الاتكال على أصالة عدم القرينة التي لا يعتبر فيها إفادتها للظن الفعلي (1) ، فالأقوى عدم اعتبار مطلق الظن في مقام الترجيح،إذ المفروض على هذين القولين سقوط كلا الظاهرين عن الحجية في مورد التعارض،و أنه إذا صدر عنه قوله-مثلا-:«اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه»،و ورد أيضا:

«كل شيء يطير لا بأس بخرئه و بوله»،و فرض عدم قوة أحد الظاهرين من حيث نفسه على الآخر،كان ذلك مسقطا لظاهر كليهما عن الحجية في مادة التعارض،أعني خرء الطير الغير المأكول و بوله.

أما على القول الأول (2) ،فلأن حجية الظواهر مشروطة بالظن المفقود في المقام (3) .

و أما على الثاني،فلأن أصالة عدم القرينة في كل منهما معارضة بمثلها في الآخر،و الحكم في باب تعارض الأصلين مع عدم حكومة أحدهما على الآخر،التساقط (4) و الرجوع إلى عموم أو أصل يكون حجيته مشروطة (1)كما هو الظاهر على ما تقدم في مبحث حجية الظواهر.

(2)و هو القول بلزوم إفادة الظهور بنفسه للظن الفعلي.

(3)إذ لا يمكن أن يفيد كل منهما الظن بعد فرض التعارض بينهما.نعم لو كان أحدهما أقوى ظهورا أمكن أن يفيد الظن دون الآخر،لكنه يدخل في تحكيم أحد الظاهرين على الآخر من باب الجمع العرفي.

(4)لكن هذا مشروط بعدم المرجح،فلو فرض كون الظن مرجحا كان العمل حينئذ بالظاهر الراجح لا بالظن،و كان على المصنف قدّس سرّه التنبيه إلى وجه عدم مرجحية الظن في المقام بناء على ما يأتي منه قدّس سرّه من ظهور أدلة الترجيح في عموم الترجيح للمرجحات غير المنصوصة مما يوجب أقربية أحد المتعارضين للواقع من

ص: 378

بعدم وجودهما على قابلية الاعتبار (1) ،فلو عمل حينئذ بالظن الموجود مع أحدهما-كالشهرة القائمة في المسألة المذكورة على النجاسة-كنا قد عملنا بذلك الظن مستقلا،لا من باب كونه مرجحا،لفرض تساقط الظاهرين و صيرورتهما كالعدم،فالمتجه حينئذ الرجوع في المسألة-بعد الفراغ من المرجحات من حيث السند أو من حيث الصدور تقية أو لبيان (2) الواقع- الآخر.و لعله مبني على دعوى انصراف تلك الأدلة إلى التعارض من جهة السند أو الجهة و لا تشمل التعارض من جهة الظهور،كما في المقام.و تمام الكلام في محله.

(1)إذ لو كان حجة في عرضهما كان معارضا للمرجوح أيضا،فيسقط بالمعارضة.مثلا إذا فرض حجية العموم في عرض الخاصين المتعارضين كان معارضا لما خالفه كالآخر،فيسقط الجميع عن الحجية بالمعارضة.و لا مجال لدعوى التعارض أولا بين الخاصين و بعد سقوطهما يرجع إلى العموم بعد فرض حجيته في عرضهما.

و من ثم كان ثمرة القول بعدم حجية الدليل و الأصل المحكوم في عرض الدليل أو الأصل الحاكم هو الرجوع إليه بعد تعارض الحاكمين و تساقطهما،فلو كان حجة في عرضهما لزم سقوطه معهما و الرجوع إليه بعد سقوطهما.

إن قلت:ذلك قد يتم فيما لو كان المرجح الأصل،بناء على كونه محكوما للدليل المعارض و الموافق معا،و أما العموم فلا ينبغي الإشكال في كونه حجة مع الدليل الخاص الموافق له،فيسقط معه بالمعارضة للخاص الآخر و يمتنع الرجوع له بعد تساقط الخاصين.

قلت:الخاص الموافق للعام و إن لم يمنع من حجيته،إلا أن الخاص الآخر مانع منها،ففي مرتبة حجيته يتعين عدم حجية العام،و لا يكون حجة إلا بعد سقوطه بالمعارضة للخاص الموافق،فيتم ما ذكره المصنف قدّس سرّه في العموم و الأصل معا.فتأمل.

(2)ظاهره جريان المرجحات المذكورة في تعارض الظهورين.و هو موقوف

ص: 379

إلى قاعدة الطهارة (1) .

الترجيح به في وجه الصدور

و أما المقام الثاني،فتفصيل القول فيه:

أن أصالة عدم التقية:إن كان المستند فيها أصل العدم في كل حادث -بناء على أن دواعي التقية التي هي من قبيل الموانع لإظهار الحق حادثة تدفع بالأصل-فالمرجع بعد معارضة هذا الأصل في كل خبر بمثله في الآخر،هو التساقط (2) .و كذلك لو استندنا فيها (3) إلى أن ظاهر حال المتكلم بالكلام-خصوصا الإمام عليه السّلام في مقام إظهار الأحكام التي نصب على عموم أدلة الترجيح لتعارضهما،و لازمه الترجيح بالظن فيه بناء على مختاره قدّس سرّه من التعدي من المرجحات المنصوصة إلى جميع ما يوجب أقربية أحد الدليلين للواقع، فلا يلائم ما سبق.

(1)الرجوع إلى قاعدة الطهارة مبني على قصور أدلة التخيير عن شمول المقام مما كان التعارض من حيث الظهور لانصرافها عنه.و هو لو تم اقتضى قصور أدلة الترجيح أيضا،لأنها جارية في مساق واحد،مع أن ظاهره جريان المرجحات.

فلاحظ .

(2)لكن التساقط موقوف على عدم مرجحية الظن المفروض في المقام،إذ مع الترجيح لا مجال لأصالة التساقط في المتعارضين.فاللازم الكلام في وجه الترجيح و عدمه و الكلام فيه نظير الكلام الآتي في قوله:«و إن استندنا فيها إلى الظهور النوعي...»فإنهما من باب واحد.و كان على المصنف قدّس سرّه التنبيه على ذلك.

(3)إلا أن الفرق بينهما أنه على الأول يكون التعارض موجبا لتساقط الأصلين مع كون كل منهما واجدا لملاك الحجية ذاتا،و على الثاني يكون التعارض موجبا لتساقط الأصلين مع فقد كل منهما لملاك الحجية ذاتا،لفقد شرطها و هو إفادة ظهور حال المتكلم للظن الفعلي بعدم التقية.

ص: 380

لأجلها-هو بيان الحق،و قلنا بأن اعتبار هذا الظهور مشروط بإفادته الظن الفعلي المفروض سقوطه من الطرفين.

و حينئذ:فإن عملنا بمطلق الظن في تشخيص التقية و خلافها-بناء على حجية الظن في هذا المقام،لأجل الحاجة إليه،من جهة العلم بصدور كثير من الأخبار تقية،و أن الرجوع إلى أصالة عدمها في كل مورد يوجب الافتاء بكثير مما صدر تقية،فيتعين العمل بالظن (1) ،أو لأنا نفهم مما ورد في ترجيح ما خالف العامة على ما وافقهم كون ذلك من أجل كون الموافقة مظنة للتقية،فيتعين العمل بما هو أبعد عنها بحسب كل أمارة (2) -كان ذلك الظن دليلا مستقلا في ذلك المقام و خرج عن كونه مرجحا.

و لو استندنا فيها إلى الظهور المذكور و اشترطنا في اعتباره عدم الظن على خلافه،كان الخبر الموافق لذلك الظن حجة سليمة عن المعارض (3) لا عن المزاحم،كما عرفت نظيره في المقام الأول.

و إن استندنا فيها إلى الظهور النوعي،نظير ظهور فعل المسلم في الصحيح و ظهور تكلم المتكلم في كونه قاصدا لا هازلا،و لم نشترط في اعتباره الظن الفعلي و لا عدم الظن بالخلاف،تعارض الظاهران،فيقع (1)لكن من باب الانسداد مع كونه مرجعا مرجحا لأحد الدليلين،كما هو محل الكلام.

(2)و حينئذ فيكون الظن بعدم التقية من الظنون الخاصة.قد استفيدت حجيته من الدليل المذكور.

(3)لتمامية ملاك الحجية فيه دون معارضه لخروجه بالظن على خلافه عن موضوع الحجية.

ص: 381

الكلام في الترجيح بهذا الظن المفروض،و الكلام فيه يعلم مما سيجيء في المقام الثالث.

ترجيح السند بمطلق الظن

[و أما المقام الثالث]:

و هو ترجيح السند بمطلق الظن،إذ الكلام فيه أيضا مفروض فيما إذا لم نقل بحجية الظن المطلق و لا بحجية الخبرين بشرط إفادة الظن و لا بشرط عدم الظن على خلافه،إذ يخرج الظن المفروض على هذه التقادير عن المرجحية.

بل يصير حجة مستقلة على الأول (1) ،سواء كان حجية المتعارضين من باب الظن المطلق أو من باب الاطمئنان (2) أو من باب الظن الخاص،فإن القول بالظن المطلق لا ينافي القول بالظن الخاص في بعض الأمارات كالخبر الصحيح بعدلين (3) .و يسقط المرجوح عن الحجية على (1)لا إشكال في كونه حجة مستقلة،إلا أنه لا ينافي مرجحيته أيضا،فيكون الموافق له حجة أخرى معاضدة له،نظير ما لو حصل في مسألة ظن بالواقع و ظن بالطريق فإن كلا منهما يكون حجة.فلاحظ .

(2)الظاهر أنه إشارة إلى ما تقدم منه قدّس سرّه من تقريب اختصاص نتيجة دليل الانسداد بالظن الاطمئناني.

(3)إذا كان لا يفي بمعظم الفقه على ما سبق.لكن الظاهر أن وجود الظن الخاص مانع من جريان دليل الانسداد في المسألة،و حينئذ إذا فرض مرجحية الظن -على ما سيأتي الكلام فيه-تعين حجية الخبر الموافق له،فيكون الظن مرجحا لا مرجعا.

نعم لو فرض عدم مرجحية الظن تعين سقوط الخبرين معا عن الحجية،

ص: 382

الأخيرين (1) .

فيتعين الكلام في مرجحيته فيما إذا قلنا بحجية كل منهما من حيث الظن النوعي كما هو مذهب الأكثر.

و الكلام يقع:تارة في الترجيح بالظن في مقام لو لاه لحكم بالتخيير، و أخرى في الترجيح به في مقابل المرجحات المنصوصة في الأخبار العلاجية.

أما الكلام في الأول فملخصه:

أنه لا ريب في أن مقتضى الأصل عدم الترجيح (2) كما أن الأصل فتكون المسألة خالية عن الظن الخاص،فيرجع فيها إلى مقتضى دليل الانسداد من كون الظن مرجعا و حجة مستقلة،لا مرجحا.فلاحظ .

(1)لأنه بقيام الظن على خلافه يخرج عن موضوع الحجية،على ما تقدم في المقام الأول.و أما الراجح فهو حجة على الأخير،دون الثاني،لعدم إفادته الظن بسبب المعارضة فلا يتحقق فيه شرط الحجية،و هو إفادته للظن الفعلي على القول المذكور،فإنه و إن فرض فيه تحقق الظن،إلا أنه مستند لأمر خارجي لا إليه.

و منه يظهر الإشكال فيما في بعض النسخ،من إبدال هذه العبارة بقوله:«و يسقط الخبران كلاهما من الحجية على الأخيرين»فإن ذلك لا يتم على القول الأخير، لأن الراجح واجد لشرط الحجية عليه،كما لا يخفى.

(2)هذا إنما بناء على الرجوع إلى أصالة التساقط في المتعارضين،لأصالة عدم الحجية بعد قصور دليل الحجية عن شمول حال التعارض،فالخروج عن مقتضى الأصل المذكور في خصوص ما طابق الظن من دون دليل على مرجحيته مستلزم لما سيأتي من المحذور.

ص: 383

عدم الحجية،لأن العمل بالخبر الموافق لذلك الظن إن كان على وجه التدين و الالتزام بتعين العمل به من جانب الشارع و أن الحكم الشرعي الواقعي هو مضمونه-لا مضمون الآخر-من غير دليل قطعي يدل على ذلك،فهو تشريع محرم بالأدلة الأربعة (1) .و العمل به لا على هذا الوجه محرم إذا استلزم مخالفة القاعدة أو الأصل الذي يرجع إليه على تقدير فقد هذا الظن (2) .

فالوجه المقتضي لتحريم العمل بالظن مستقلا-من التشريع أو مخالفة الأصول القطعية الموجودة في المسألة-جار بعينه في الترجيح بالظن، و الآيات و الأخبار الناهية عن القول بغير علم كلها متساوية النسبة إلى أما بناء على الرجوع في المتعارضين إلى التخيير فالأصل هو الترجيح بالظن لليقين بحجية الراجح دون غيره،و لذا اشتهر الرجوع إلى أصالة التعيين عند الدوران بينه و بين التخيير في الحجية،كما سيأتي من المصنف قدّس سرّه في الوجه الأول من وجوه الترجيح بالظن.نعم الترجيح على خلاف إطلاقات التخيير لو تمت،و لعله يأتي بعض الكلام في ذلك في آخر الكلام في هذا المقام.

(1)هذا إنما يتم بناء على أصالة التساقط في المتعارضين،أما بناء على التخيير فلا تشريع أما من حيث الواقع فلفرض قيام الحجة عليه،لأن المظنون متيقن الحجية،و أما من حيث نفس الترجيح الراجع إلى البناء على عدم حجية المرجوح فلأنه مقتضى الأصل نعم لو تمت إطلاقات التخيير كان البناء على الترجيح منافيا للإطلاقات المذكورة كما ذكرنا.

(2)هذا كسابقه موقوف على أصالة التساقط ،أما بناء على التخيير فيكون المظنون متيقن الحجية فلا بأس بالخروج به عن مقتضى القاعدة أو الأصل.

ص: 384

الحجية و إلى المرجحية (1) ،و قد عرفت في الترجيح بالقياس أن المرجح يحدث حكما شرعيا لم يكن مع عدمه،و هو وجوب العمل بموافقه عينا مع كون الحكم لا معه هو التخيير أو الرجوع إلى الأصل الموافق (2) للآخر.

هذا،و لكن الذي يظهر من كلمات معظم الأصوليين هو الترجيح بمطلق الظن.

و ليعلم أولا:أن محل الكلام-كما عرفت في عنوان المقامات الثلاثة، أعني:الجبر،و الوهن،و الترجيح-هو الظن الذي لم يعلم اعتباره.

فالترجيح به من حيث السند أو الدلالة ترجيح بأمر خارجي،و هذا لا دخل له بمسألة أخرى اتفاقية،و هي وجوب العمل بأقوى الدليلين و أرجحهما،فإن الكلام فيها في ترجيح أحد الخبرين الذي يكون بنفسه أقوى من الآخر (3) من حيث السند،كالأعدل و الأفقه أو المسند (4) أو (1)هذا كسابقه مبني على أصالة التساقط ،أما بناء على أصالة التخيير فالترجيح يكون مقتضى الأصل و ليس كالحجية.نعم لو تمت إطلاقات التخيير كانت حاكمة على الأصل المذكور،كما ذكرنا.

(2)هذا إنما يتم بناء على إطلاقات التخيير أو أصالة التساقط ،أما بناء على عدمهما فاحتمال الترجيح على طبق الأصل فيتعين العمل به.

(3)بحيث ترجع جهة الرجحان إلى أمر في نفس الخبر،كالأوثقية و نحوها مما سيذكره المصنف قدّس سرّه.

(4)لعل المراد به ما يقابل المسند و المرفوع.لكن هذا في الحقيقة من معارضة الحجة باللاحجة،لا من تعارض الحجتين الذي هو محل الكلام.إلا أن يفرض فيما إذا كان المرفوع أو المرسل حجة و لو من جهة الانجبار بالعمل بناء على أنه جابر

ص: 385

الأشهر رواية أو غير ذلك،أو من حيث الدلالة،كالعام على المطلق (1) ، و الحقيقة على المجاز،و المجاز على الإضمار (2) ،و غير ذلك.

و بعبارة اخرى:الترجيح بالمرجحات الداخلية من جهة السند اتفاقي،و استفاض نقل الإجماع من الخاصة و العامة على وجوب العمل بأقوى الدليلين عن الآخر (3) .

و الكلام هنا في المرجحات الخارجية المعاضدة لمضمون أحد الخبرين الموجبة لصيرورة مضمونه أقرب إلى الواقع من مضمون الآخر.

نعم،لو كشف تلك الأمارة عن مزية داخلية لأحد الخبرين على الآخر من حيث سنده أو دلالته دخلت في المسألة الاتفاقية (4) و وجب الأخذ بها،لأن العمل بالراجح من الدليلين واجب إجماعا،سواء علم وجه الرجحان تفصيلا أم لم يعلم إلا إجمالا.

و من هنا ظهر:أن الترجيح بالشهرة و الإجماع المنقول إذا كشفا عن مزية داخلية في سند أحد الخبرين أو دلالته،مما لا ينبغي الخلاف فيه.نعم، لضعف السند.

(1)حيث ذكروا أن العام لما كان ظهوره مستندا إلى الوضع فهو أقوى من المطلق الذي يستند ظهوره إلى مقدمات الحكمة.

(2)حيث ذكروا أن المجاز أقرب من الإضمار و أولى.

(3)لكن المتيقن منه الترجيح بقوة الدلالة الراجع إلى الجمع العرفي، و بالمرجحات المنصوصة.و تمام الكلام في محله.

(4)مما سبق يظهر أنه قد يقع الخلاف فيه لو لم ترجع المزية إلى مقام الدلالة و لم تكن من المرجحات المنصوصة.

ص: 386

لو لم يكشفا عن ذلك إلا ظنا ففي حجيته أو إلحاقه بالمرجح الخارجي وجهان:أقواهما الأول (1) كما سيجيء.

ما استدل به للترجيح بمطلق الظن:
اشارة

و كيف كان:فالذي يمكن أن يستدل به للترجيح بمطلق الظن الخارجي وجوه:

الأول:قاعدة الاشتغال

الأول:قاعدة الاشتغال،لدوران الأمر بين التخيير و تعيين الموافق للظن (2) .

و توهم:أنه قد يكون الطرف المخالف للظن موافقا للاحتياط اللازم في المسألة الفرعية فيعارض الاحتياط في المسألة الأصولية،بل يرجح عليه في مثل المقام كما نبهنا عليه عند الكلام في معممات نتيجة دليل الانسداد (3) .

(1)و هو لزوم الترجيح به مع قطع النظر عما يأتي في المرجح الخارجي.

و العمدة فيه ما أشرنا إليه في الترجيح بالظن من أنه بناء على عدم التساقط في المتعارضين فالمظنون متيقن الحجية و غيره مشكوكها،و الأصل عدم حجيته.و لا مجال لما ذكرناه هناك من الرجوع إلى إطلاقات التخيير بعد فرض تقييدها بما إذا كان أحد الدليلين بنفسه أقوى،فإنه مع الشك في الأقوائية يكون الرجوع إلى إطلاقات نظير التمسك بالعام في الشبهة المصداقية من طرف الخاص الذي هو خلاف التحقيق،بخلاف ما سبق في الترجيح بالظن،فإن الشك فيه في أصل التقييد،فيصح الرجوع فيه للإطلاقات المقتضية للتخيير الحاكمة على أصالة عدم الحجية.

(2)هذا راجع إلى ما ذكرناه في تقريب الأصل بناء على التخيير في المتعارضين، و ذكرنا أنه محكوم لإطلاقات التخيير لو تمت.

(3)لما عرفت هناك من أن الاحتياط في المسألة الأصولية إنما هو لتنجز

ص: 387

مدفوع:بأن المفروض في ما نحن فيه عدم وجوب الأخذ بما وافق الاحتياط من الخبرين لو لا الظن،لأن الأخذ به (1) :إن كان من جهة اقتضاء المورد للاحتياط (2) ،فقد ورد عليه حكم الشارع بالتخيير المرخص للأخذ بخلاف الاحتياط ،و براءة الذمة من الواقع في حكم الشارع بالعمل بالخبر المخالف له،و لهذا يحكم بالتخيير أيضا و إن كان أحدهما موافقا للاستصحاب و الآخر مخالفا،إذ كما أن الدليل المعين للعمل به (3) يكون حاكما على الأصول،كذلك الدليل المخير في العمل به و بمعارضه (4) .

الحكم الفرعي و وجوب الاحتياط فيه،لأن الحجية من الأحكام الطريقية التي لا يكون تنجزها إلا بتبع تنجز ما قامت عليه الحجة،فيتعين تقديم الاحتياط في الحكم الفرعي على الاحتياط في الحجية.

لكن ما سبق مبني على أن مقتضى الاحتياط في المسألة الأصولية يطابق الحجية عملا للعلم الإجمالي بحجية بعض الظنون الموجب لترتيب آثار الحجية على جميعها، أما هنا فالمفروض أن مقتضاه عدم الحجية،لوجود القدر المتيقن و الشك فيما عداه المقتضي للرجوع إلى أصالة عدم الحجية،فلا وجه لقياس أحدهما بالآخر.فراجع و تأمل.

(1)يعني:بما وافق الاحتياط .

(2)كما في موارد العلم الإجمالي كالدوران بين القصر و التمام.

(3)و هو دليل الحجية.

(4)لأن الدليل المخير راجع في الحقيقة إلى الحكم بحجية الدليل المختار، فيحكم على الأصل كسائر الأدلة الحاكمة بالحجية.

ص: 388

و إن كان (1) من جهة بعض الأخبار الدالة على وجوب الأخذ بما وافق الاحتياط و طرح ما خالفه.

ففيه:ما تقرر في محله،من عدم نهوض تلك الأخبار لتخصيص الأخبار الدالة على التخيير.

بل هنا كلام آخر،و هو:أن حجية الخبر المرجوح في المقام و جواز الأخذ به يحتاج إلى توقيف،إذ لا يكفي في ذلك ما دل على حجية كلا المتعارضين (2) بعد فرض امتناع العمل بكل منهما،فيجب الأخذ بالمتيقن جواز العمل به و طرح المشكوك (3) ،و ليس المقام مقام التكليف المردد بين التعيين و التخيير حتى يبنى على مسألة البراءة و الاشتغال (4) .و تمام الكلام في خاتمة الكتاب في مبحث التراجيح إن شاء اللّه تعالى.

الثاني:الإجماع على ذلك

الثاني:ظهور الإجماع على ذلك،كما استظهره بعض مشايخنا، فتراهم يستدلون في موارد الترجيح ببعض المرجحات الخارجية،بإفادته للظن بمطابقة أحد الدليلين للواقع،فكأن الكبرى-و هي وجوب الأخذ بمطلق ما يفيد الظن على طبق أحد الدليلين-مسلمة عندهم.و ربما يستفاد (1)عطف على الشرطية في قوله:«لأن الأخذ به إن كان من جهة...».

(2)كعموم حجية خبر الثقة مثلا.و الوجه في عدم كفاية مثل ذلك امتناع شموله للمتعارضين معا لاستلزامه التعبد بالنقيضين،كما يذكر في مباحث التعارض.

(3)لأصالة عدم حجيته.لكن عرفت أن إطلاقات أدلة التخيير تقتضي حجيته على تقدير اختياره،فيخرج بها عن مقتضى الأصل المذكور.

(4)لأن الحجية ليست حكما تكليفيا حتى يمكن جريان البراءة من التعيين فيها.

ص: 389

ذلك من الإجماعات المستفيضة على وجوب الأخذ بأقوى المتعارضين.

إلا أنه يشكل بما ذكرنا (1) :من أن الظاهر أن المراد بأقوى الدليلين فيها ما كان كذلك في نفسه و لو لكشف أمر خارجي عن ذلك،كعمل الأكثر الكاشف عن مرجح داخلي لا نعلمه تفصيلا،فلا يدخل فيه ما كان مضمونه مطابقا لأمارة غير معتبرة،كالاستقراء و الأولوية الظنية مثلا على تقدير عدم اعتبارهما،فإن الظاهر خروج ذلك عن معقد تلك الإجماعات و إن كان بعض أدلتهم الأخر قد يفيد العموم لما نحن فيه كقبح ترجيح المرجوح،إلا أنه لا يبعد أن يكون المراد المرجوح في نفسه من المتعارضين لا مجرد المرجوح بحسب الواقع،و إلا اقتضى ذلك حجية نفس المرجح مستقلا (2) .

نعم،الإنصاف:أن بعض كلماتهم يستفاد منه،أن العبرة في الترجيح بصيرورة مضمون أحد الخبرين بواسطة المرجح أقرب إلى الواقع من مضمون الآخر.

و قد استظهر بعض مشايخنا الاتفاق على الترجيح بكل ظن ما عدا القياس.

فمنها:ما تقدم عن المعارج،من الاستدلال للترجيح بالقياس بكون مضمون الخبر الموافق له أقرب إلى الواقع من مضمون الآخر.

(1)تقدم منه قدّس سرّه التعرض لذلك قريبا قبل ذكر أدلة الترجيح بالظن.

(2)و لذا تقدم الاستدلال بالقاعدة المذكورة على حجية الظن.

ص: 390

و منها:ما ذكروه في مسائل تعارض الناقل مع المقرر (1) ،فإن مرجع ما ذكروا فيها لتقديم أحدهما على الآخر إلى الظن بموافقة أحدهما لحكم اللّه الواقعي (2) .

إلا أن يقال:إن هذا حاصل من نفس الخبر المتصف بكونه مقررا أو ناقلا (3) .

و منها:ما (4) ذكروه في ترجيح أحد الخبرين بعمل أكثر السلف معللين:بأن الأكثر يوفق للصواب بما لا يوفق له الأقل،و في ترجيحه بعمل علماء المدينة.

إلا أن يقال أيضا:إن ذلك كاشف عن مرجح داخلي في أحد (1)الناقل هو المخالف للأصل الناقل عن حكمه،و المقرر هو الموافق للأصل المقرر لحكمه.

(2)فقد علل تقديم الناقل بأن التأسيس أولى من التأكيد،و بأن اهتمام الشارع ببيان المحرمات لا المباحات،فيظن صدور المخالف للأصل.كما علل تقديم المقرر باعتضاده بالأصل،فيظن صدوره.و قد أشار إلى ذلك بعض أعاظم المحشّين قدّس سرّه و هذه الوجوه ظاهرة في كون الأمارة الخارجية كافية في الترجيح.

(3)يعني:فيدخل في المرجح الداخلي الذي تقدم منه أنه خارج عن محل الكلام.لكن لا يخفى أن اتصاف الخبر بكونه ناقلا أو مقررا ليس راجعا إلى أمر فيه، و إنما هو راجع إلى أمر خارج عنه،و هو الأصل الموافق له أو المخالف،و مثل ذلك لا يوجب كون المزية داخلية.مع أن حمل بعض وجوه الترجيح السابقة على المزية الداخلية بعيد جدا.فتأمل جيدا.

(4)لا يخفى أن الترجيح بهذا الوجه يناسب طريقة العامة،فلا يكشف عن رأى المعصوم عليه السّلام و لو ظنا.

ص: 391

الخبرين (1) .

و بالجملة:فتتبع كلماتهم يوجب الظن القوي بل القطع بأن بناءهم على الأخذ بكل ما يشتمل على ما يوجب أقربيته إلى الصواب،سواء كان لأمر راجع إلى نفسه أو لاحتفافه بأمارة أجنبية توجب قوة مضمونها.

ثم لو فرض عدم حصول القطع (2) من هذه الكلمات بمرجحية مطلق الظن المطابق لمضمون أحد الخبرين،فلا أقل من كونه مظنونا، و الظاهر وجوب العمل به في مقابل التخيير و إن لم يجب العمل به في مقابل الأصول،و سيجيء بيان ذلك إن شاء اللّه تعالى (3) .

الثالث:ما يظهر من بعض الأخبار:

الثالث:ما يظهر من بعض الأخبار،من أن المناط في الترجيح كون أحد الخبرين أقرب مطابقة للواقع،سواء كان لمرجح داخلي كالأعدلية مثلا،أو لمرجح خارجي كمطابقته لأمارة توجب كون مضمونه أقرب إلى الواقع من مضمون الآخر:

فمنها:ما دل على الترجيح بالأصدقية في الحديث كما في مقبولة ابن حنظلة،فإنا نعلم أن وجه الترجيح بهذه الصفة ليس إلا كون خبر الموصوف بها أقرب إلى الواقع من خبر غير الموصوف بها،لا لمجرد كون (1)لم يتضح الوجه فيه،فإن مبنى الترجيح بذلك ليس على كشفه عن المزية الداخلية،بل لموضوعيته في الترجيح،كما يناسبه التعليل بأن الأكثر موفق للصواب بما لا يوفق له الأقل،و من الظاهر أنه بنفسه مزية خارجية لا داخلية.

(2)لا ينبغي الإشكال في عدم صلوح ما تقدم لحصول القطع.

(3)يأتي منه قدّس سرّه التعرض لذلك في آخر المبحث.

ص: 392

راوي أحدهما أصدق،و ليس هذه الصفة مثل الأعدلية و شبهها في احتمال كون العبرة بالظن الحاصل من جهتها بالخصوص،و لذا (1) اعتبر الظن الحاصل من عدالة البينة دون الحاصل من مطلق (2) وثاقته (3) ،لأن صفة الصدق ليست إلا المطابقة للواقع،فمعنى الأصدق هو الأقرب إلى الواقع (4) ،فالترجيح بها يدل على أن العبرة بالأقربية من أي سبب (1)تعليل لاحتمال خصوصية العدالة في الترجيح و عدم رجوع الترجيح بها إلى الترجيح بمطلق الأقربية.

(2)و لو كان ملاك أخذ العدالة هو القرب للواقع لم يفرق بينها و بين الوثاقة، و حيث فرق بينهما في الحجية كشف عن خصوصية العدالة في ذلك،و هذا مما يوجب احتمال خصوصية العدالة في الترجيح في المقام.

(3)تعليل لقوله:«و ليس هذه الصفة مثل الأعدلية...».

(4)هذا و إن سلم لا ينفع،لأن الترجيح ليس بأصدقية الخبر،حتى يرجع إلى الترجيح بأقربيته للواقع،بل بأصدقية الراوي،فلا وجه للتعدي إلى مطلق الاقربية و لو من غير جهة الراوي.بل يمتنع الترجيح بأصدقية الخبر،لأن معنى الصدق ليس هو القرب للواقع،حتى يكون معنى الأصدق هو الأقرب،بل المطابقة له،و هو أمر لا يقبل الزيادة و النقصان،بل الوجود و العدم لا غير،فلا معنى للتفضيل و التعبير بالأصدق.و حمله على أصل الصدق في مقابل عدمه،نظير قولنا:الصدق خير من الكذب،لا مجال له أيضا لأن معرفة صدق الخبر و كذب معارضه كافية في العمل به دون معارضه بلا حاجة إلى الترجيح الشرعي،فلا بد من تنزيله على أصدقية الراوي من حيث شدة ملكة الصدق فيه في مقابل الراوي الآخر الذي تضعف فيه الملكة.

فتأمل.

هذا مع أن الترجيح بالأصدقية لم يذكر إلا في مقبولة ابن حنظلة،و هي ظاهرة في أن ذكرها للترجيح بين الحكمين لا بين الروايتين،فهي أجنبية عما نحن فيه.

ص: 393

حصلت.

و منها:ما دل على ترجيح أوثق المخبرين (1) ،فإن معنى الأوثقية شدة الاعتماد عليه،و ليس إلا لكون خبره أوثق،فإذا حصل هذا المعنى في أحد الخبرين من مرجح خارجي،اتبع.

و مما يستفاد منه المطلب على وجه الظهور:ما دل على ترجيح أحد الخبرين على الآخر بكونه مشهورا بين الأصحاب بحيث يعرفه كلهم و كون الآخر غير مشهور الرواية بينهم بل ينفرد بروايته بعضهم دون بعض،معللا ذلك بأن المجمع عليه لا ريب فيه،فيدل على أن طرح الآخر لأجل ثبوت الريب فيه (2) ،لا لأنه لا ريب في بطلانه كما قد يتوهم (3) ، و إلا لم يكن معنى للتعارض و تحير السائل (4) ،و لا لتقديمه على الخبر (1)لم يتعرض لذلك إلا في مقبولة زرارة التي ذكر المصنف قدّس سرّه في مبحث الشهرة أنها غير معتمدة فى المقام.مع أنها إنما تضمنت الترجيح بأوثقية الراوي لقوله عليه السّلام:

«خذ بما يقول أعدلهما عندك و أوثقهما في نفسك»لا أوثقية الرواية،و حينئذ يأتي ما سبق في الترجيح بالأصدقية.و من ثم لا مجال للاستدلال على حجية الخبر الموثوق بصدوره لقرائن خارجية بما دل على حجية خبر الثقة.

(2)لأنه المقابل لما لا ريب فيه.

(3)حكي عن صاحب الفصول قدّس سرّه.

(4)هذا إنما يتم لو كان المراد نفي الريب حقيقة و خارجا من كل أحد في المشهور و إثباته كذلك في الآخر،فإنه لو أريد بإثباته في الآخر أنه لا ريب في بطلانه لم يجتمع مع تحيّر السائل.لكن لا يبعد كون مراد الإمام عليه السّلام أنه مما لا ينبغي الريب فيه و أن التشكيك فيه من قبيل الوساوس التي لا ينبغي الاعتماد عليها و الالتفات إليها،

ص: 394

المجمع عليه،إذا كان راويه أعدل (1) كما يقتضيه صدر الخبر (2) ،و لا لقول السائل بعد ذلك:«هما معا مشهوران» (3) .

فحاصل المرجح:هو ثبوت الريب في الخبر الغير المشهور و انتفاؤه في المشهور،فيكون المشهور من الأمر البين الرشد،و غيره من الأمر المشكل، لا بين الغي كما توهم.

فلا مانع من كون المراد أن الآخر مما لا ينبغي الريب في بطلانه.فلاحظ .

(1)إذ من البعيد أن يكون الشاذ مما لا ريب في بطلانه إذا لم يكن راويه أعدل مع أنه مقدم على المجمع عليه إذا كان راويه أعدل،بل ذلك إنما يناسب كونه مما فيه الريب و أن الريب ينتفي أو يضعف مع فرض أعدلية راويه.و هذا غير بعيد في الجملة و أما دعوى أن الترجيح بالاعدلية للحكم لا للرواية.فلا تهمّ إذ لا معنى الترجيح حكم الأعدل مع كون روايته مما لا ريب في بطلانه.فتأمل جيدا.

(2)حيث ذكر الترجيح بالأعدلية قبل الترجيح بالشهرة.

(3)هذا لا دخل له بالمطلب و لا يصلح قرينة على ما ذكره من كون غير المشهور فيه الريب لا أنه لا ريب في بطلانه،و إنما يصلح شاهدا على ما يأتي من أن نفي الريب ليس من جميع الجهات،بل في الجملة،حيث أنه لو أريد به نفي الريب من جميع الجهات امتنع كون الخبرين مشهورين ينتفي الريب فيهما من جميع الجهات، مع فرض تعارضهما،كما ذكره قدّس سرّه في مبحث التعارض.

هذا و قد عرفت أن ما ذكره المصنف قدّس سرّه في تفسير الرواية هو الأنسب بالمقابلة في الرواية مع قطع النظر عن الوجوه التي ذكرها لكن لا يبعد كون المراد نفي الريب من جهة الصدور،لا من جميع الجهات و لا بالإضافة،لمناسبته للشهرة،كما أنه أشرنا إلى أنه لا يبعد كون المراد نفي الريب ادعاء الراجع إلى أنه لا ينبغي أن يرتاب فيه،إذ مع ذلك لا مانع من اجتماع الشهرة و نفي الريب في الخبرين معا.فلاحظ .

ص: 395

و ليس المراد به نفي الريب من جميع الجهات،لأن الإجماع على الرواية لا يوجب ذلك ضرورة،بل المراد وجود ريب في غير المشهور يكون منتفيا في الخبر المشهور (1) ،و هو احتمال وروده على بعض الوجوه أو عدم صدوره رأسا.

و ليس المراد بالريب مجرد الاحتمال و لو موهوما،لأن الخبر المجمع عليه يحتمل فيه أيضا من حيث الصدور بعض الاحتمالات المتطرقة في غير المشهور،غاية الأمر كونه في المشهور في غاية الضعف بحيث يكون خلافه واضحا و في غير المشهور احتمالا مساويا يصدق عليه الريب عرفا.

و حينئذ:فيدل على رجحان كل خبر (2) يكون نسبته إلى معارضه مثل نسبة الخبر المجمع على روايته إلى الخبر الذي اختص بروايته بعض دون بعض مع كونه بحيث لو سلم عن المعارض أو كان راويه أعدل (1)يعني:فيكون المراد نفي الريب بالاضافة إلى غير المشهور لا مطلقا، و بمقتضى عموم التعليل يتعين التعدي إلى غير الشهرة مما يوجب كون أحد الخبرين لا ريب فيه بالإضافة إلى الآخر.

هذا و قد عرفت قرب حمل نفي الريب على نفيه من حيث الصدور لا غير و أن الظاهر نفي الريب ادعاء،بمعنى أنه لا ينبغي أن يرتاب فيه،و مرجعه حينئذ إلى تعليل تقديم المشهور بأن المشهور لا ينبغي الارتياب في سنده،بخلاف غير المشهور فإنه مورد الريب،فتكون الشهرة من المرجحات الصدورية،و لا يستفاد من التعليل العموم الذي يدعيه المصنف،كما يظهر بالتأمل.

(2)عرفت أنه مستند لعموم التعليل،و عرفت حمل التعليل على ما لا يقتضي العموم المذكور.

ص: 396

و أصدق من راوي معارضه المجمع عليه لأخذ به،و من المعلوم أن الخبر المعتضد بأمارة توجب الظن بمطابقته و مخالفة معارضه (1) للواقع نسبته إلى معارضه تلك النسبة.

و لعله لذا علل تقديم الخبر المخالف للعامة على الموافق:بأن ذاك لا يحتمل إلا الفتوى و هذا يحتمل التقية،لأن الريب الموجود في الثاني منتف في الأول.و كذا كثير من المرجحات الراجعة إلى وجود احتمال في أحدهما مفقود-علما أو ظنا-في الآخر،فتدبر.

فكل خبر من المتعارضين يكون فيه ريب لا يوجد في الآخر،أو يوجد و لا يعد لغاية (2) ضعفه ريبا،فذاك الآخر مقدم عليه.

و أظهر من ذلك كله في إفادة الترجيح بمطلق الظن:ما دلّ من الأخبار العلاجية على الترجيح بمخالفة العامة،بناء على أن الوجه في الترجيح بها أحد وجهين:

أحدهما:كون الخبر المخالف أبعد من التقية،كما علل به الشيخ و المحقق،فيستفاد منه اعتبار كل قرينة خارجية (3) توجب أبعدية (1)إشارة إلى ما سبق التنبيه عليه من تقديم الترجيح بالأعدلية و الأصدقية على الترجيح بالشهرة.

(2)اللام للتعليل،و هو متعلق بقوله:«يعد».يعني:لا يعد ريبا لأنه في غاية الضعف.ثم إن هذا الوجه لو تم فهو يقتضي الترجيح بمجرد وجود احتمال في أحد الخبرين و لو لم يكن ظنا غير موجود في الآخر،لا الاقتصار على الظن،كما قد يظهر بالمتأمل فيه.و سيأتي التنبيه له من المصنف قدّس سرّه.

(3)بناء على استفادة عدم الخصوصية للعبد عن التقية،و أن المعيار مجرد

ص: 397

أحدهما عن خلاف الحق و لو كانت مثل الشهرة و الاستقراء،بل يستفاد منه:عدم اشتراط الظن في الترجيح،بل يكفي تطرق احتمال غير بعيد في أحد الخبرين بعيد في الآخر،كما هو مفاد الخبر المتقدم (1) الدال على ترجيح ما لا ريب فيه على ما فيه الريب بالإضافة إلى معارضه.

لكن هذا الوجه لم ينص عليه في الأخبار،و إنما هو شيء مستنبط منها،ذكره الشيخ و من تأخر عنه.نعم في رواية عبيد بن زرارة:«ما سمعت مني يشبه قول الناس ففيه التقية،و ما سمعت مني لا يشبه قول الناس فلا تقية فيه»دلالة على ذلك (2) .

البعد عن الحق و الواقع،كما قد يقتضيه ظهور التعليل في كونه ارتكازيا،لعدم خصوصية ارتكازية لاحتمال التقية.لكن الظهور المذكور فرع اشتمال الأدلة على التعليل المذكور،أما لو كان التعليل مستنبطا-و لو كان قطعيا-فيجب الاقتصار فيه على المتيقن،و هو احتمال التقية.

و الظن بالعموم لا يجدي ما لم يستند إلى الظهور و لا سيما مع قرب احتمال خصوصية لاحتمال التقية،بلحاظ كثرة ابتلاء الأخبار بها المناسب لجعل الطريق لإحرازها و عدم الاكتفاء بأصالة الجهة،بخلاف بقية الاحتمالات،فإنها مدفوعة بالأصول و القواعد المعول عليها.و إليه يرجع ما يأتي من الترجيح بالغلبة فإن الغلبة مختصة بالتقية و لا تأتي في غيرها من الجهات و إن كانت قد يظن بها،فلا مجال لاستفادة عموم الترجيح بالظن من ذلك.

(1)كما أشرنا إليه قريبا.

(2)الذي تدل عليه الرواية أمارية المشابهة لقول الناس على كون الكلام تقية فتكون حاكمة على أصالة الجهة فيه،و هذا و إن كان مناسبا لتعليل الترجيح بمخالفة العامة المتقدم إلا أنه لا ظهور له في عموم الترجيح بالأقربية بنحو ينفع في المقام،كما

ص: 398

الثاني:كون الخبر المخالف أقرب من حيث المضمون إلى الواقع.

و الفرق بين الوجهين:أن الأول كاشف عن وجه صدور الخبر،و الثاني كاشف عن مطابقة مضمون أحدهما للواقع.

و هذا الوجه لما نحن فيه منصوص في الأخبار،مثل:تعليل الحكم المذكور فيها بقولهم عليهم السّلام:«فإن الرشد في خلافهم»،و:«ما خالف العامة ففيه الرشاد»،فإنه هذه القضية قضية غالبية لا دائمية،فيدل على أنه يكفي في الترجيح الظن بكون الرشد في مضمون أحد الخبرين (1) .

و يدل على هذا التعليل أيضا:ما ورد في صورة عدم وجدان المفتي بالحق في بلد،من قوله:«ائت فقيه البلد فاستفته في أمرك،فإذا أفتاك بشيء لا يخفى.

(1)هذا إنما يدل على كون الغلبة في المقام أمارة معتبرة على بطلان أحد الخبرين في ظرف المعارضة،فيبقى الآخر سليما عن المعارض،و لا عموم فيه للترجيح بكل ظن.

و أما دعوى:استفادة العموم بقرينة التعليل الظاهر في كونه ارتكازيا لارتكاز عدم خصوصية الغلبة المذكورة بين الأمور الموجبة للظن.

فهي مندفعة:أولا:بعدم ظهور الروايات في سوق هذا مساق التعليل،بل هو قد وقع جوابا ابتداء.

نعم ظاهر مرسلة الكليني:«دعوا ما وافق القوم فإن الرشد في خلافهم» سوق الغلبة مساق التعليل،إلا أنها ضعيفة السند.

و ثانيا:بمنع ارتكاز عدم خصوصية للغلبة من بين الطرق الظنية،كما يظهر بالتأمل فيما ذكرناه في الجواب عن الوجه الأول.فلاحظ .

ص: 399

فخذ بخلافه،فإن الحق فيه» (1) .

و أصرح من الكل في التعليل بالوجه المذكور:مرفوعة أبي إسحاق الأرجائي إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام،قال:قال عليه السّلام:«أ تدري لم أمرتم بالأخذ بخلاف ما يقوله العامة ؟فقلت:لا أدري،فقال:إن عليا عليه السّلام لم يكن يدين اللّه بدين إلا خالف عليه الأمة،إرادة لإبطال أمره،و كانوا يسألون أمير المؤمنين عليه السّلام عن الشيء الذي لا يعلمونه،فإذا أفتاهم بشيء جعلوا له ضدا من عند أنفسهم ليلبسوا على الناس» (2) .

و يصدق هذا الخبر سيرة أهل الباطل مع الأئمة عليهم السّلام على هذا النحو تبعا لسلفهم،حتى أن أبا حنيفة حكي عنه أنه قال:خالفت جعفرا في كل ما يقول أو يفعل،لكني لا أدري هل يغمض عينيه في السجود أو يفتحهما.

و الحاصل:أن تعليل الأخذ بخلاف العامة في هذه الروايات بكونه أقرب إلى الواقع (3) -حتى أنه يجعل دليلا مستقلا عند فقد من يرجع إليه (1)هذا يدل على حجية فتوى العامة على مخالفة حكمهم للواقع في ظرف الانسداد،و هو أجنبي عن الترجيح بمطلق الظن في ظرف المعارضة،فلا يصلح للاستدلال في المقام.

(2)هذا لا يدل إلا على تعليل الأمر بالأخذ بخلاف العامة بالغلبة،فيجري فيه ما سبق بالأقربية للواقع حتى يتمسك بعمومه.

(3)لم يتقدم في النصوص التعليل بالأقربية للواقع حتى يتمسك بعمومه، بل غاية ما تقدم هو التعليل بغلبة مخالفة العامة للواقع،و لا يدل على العموم المدعى كما تقدم.

ص: 400

في البلد-ظاهر (1) في وجوب الترجيح بكل ما هو من قبيل هذه الأمارة في كون مضمونه مظنة الرشد،فإذا انضم هذا الظهور إلى الظهور الذي ادعيناه في روايات الترجيح بالأصدقية و الأوثقية،فالظاهر أنه يحصل من المجموع دلالة لفظية تامة (2) .

و لعل هذا الظهور المحصل من مجموع الأخبار العلاجية هو الذي دعا أصحابنا (3) إلى العمل بكل ما يوجب رجحان أحد الخبرين على (1)خبر(أن)في قوله:«و الحاصل:أن تعليل....».

(2)عرفت عدم تمامية الظهورين،فلا مجال للخروج عن إطلاقات التخيير لو تمت.و لا سيما مع استلزامه ندرة العمل بالتخيير لندرة التساوي من جميع الجهات بحيث لا يمتاز أحد المتعارضين بجهة تقتضي أقربيته.مع أنه لو كان المراد ذلك لكان المناسب التنبيه إليه و عدم الاقتصار على المرجحات المنصوصة و على مثل هذه الإشعارات و الإشارات المدعاة،فعدم التنبيه عليه كالصريح في عدم اعتباره.

إلا أن يدعى أن ذلك من الأمور الارتكازية فيكفي في بيانها مثل هذه الإشارات و الإشعارات.فلاحظ .

(3)الإنصاف أن مبنى الأصحاب رضوان اللّه عليهم في الفقه على عدم التخيير،كما نبه له شيخنا الأستاذ دامت بركاته،و لا يبعد أن يكون بناؤهم على الترجيح بكل مزية.و لأجله يمكن دعوى هجر أخبار التخيير عندهم عملا،لو لا بناؤهم عليه في الأصول و قرب احتمال أن يكون عملهم في الفقه ناشئا من ملاحظة طريقة الاحتياط غفلة عن حكومة أخبار التخيير عليه أو نحو ذلك مما لا تسقط معه أخبار التخيير عن الحجية.

لا لما ذكره المصنف قدّس سرّه من الظهورات،كما قد يشهد به بناؤهم على الترتيب بين المرجحات المنصوصة،و تقديمها على غير المنصوصة،مع أن مقتضى الظهورات

ص: 401

الآخر،بل يوجب في أحدهما مزية مفقودة في الآخر و لو بمجرد كون خلاف الحق في أحدهما أبعد منه في الآخر،كما هو كذلك في كثير من المرجحات.

فما ظنه بعض المتأخرين من أصحابنا على العلامة و غيره قدست أسرارهم:من متابعتهم في ذلك طريقة العامة،ظن في غير المحل (1) .

ثم إن الاستفادة التي ذكرناها إن دخلت تحت الدلالة اللفظية، فلا إشكال في الاعتماد عليها،و إن لم يبلغ هذا الحد-بل لم يكن إلا مجرد الإشعار-كان مؤيدا لما ذكرناه من ظهور الاتفاق،فإن لم يبلغ المجموع حد الحجية فلا أقل من كونها أمارة مفيدة للظن بالمدعى (2) ،و لا بد من العمل به،لأن التكليف بالترجيح بين المتعارضين ثابت،لأن التخيير في جميع الموارد و عدم ملاحظة المرجحات يوجب مخالفة الواقع في كثير من التي ادعاها المصنف قدّس سرّه عدم الترتيب بين جميع المرجحات منصوصة كانت أو غيرها، و أن اللازم ترجيح ما يفيد الظن الأقوى منها،كما يظهر بالتأمل.

و إن كان لا بد من سبر كلماتهم حتى يتضح مذهبهم بنحو معتد به،و ذلك لا يتهيأ فعلا.و اللّه سبحانه ولي العصمة و السداد.

(1)كأنه من جهة الظهور المدعى.لكن من البعيد التفاتهم إليه،فضلا عن اعتمادهم عليه.نعم متابعتهم للعامة عن التفات أبعد،بل هي مقطوع بخلافها.

و المظنون ما سبق منا من ملاحظتهم لطريقة الاحتياط في اختيار الأقرب،فإن ذلك لما كان أمرا ارتكازيا أمكن غفلتهم عن عدم لزومه بعد إطلاقات التخيير لو تمت.

فلاحظ .

(2)مما تقدم يظهر إمكان منع الظن المذكور.

ص: 402

الموارد (1) ،لأنا نعلم بوجوب الأخذ ببعض الأخبار المتعارضة و طرح (1)إن كان المراد به لزوم المخالفة للأحكام الواقعية.

ففيه:أنه لا أهمية للعلم الإجمالي المذكور،لعدم تنجزه،فإن كل شخص لو تخير لا يعلم بمخالفة عمله للواقع،غاية الأمر أنه يعلم بحدوث المخالفة من بعض الناس،نظير واجدي المني في الثوب المشترك مع أنه لو تم يقتضي بطلان التخيير حتى مع تساوي الدليلين من جميع الجهات.على أنه لا يقتضي الترجيح بالظن و لا غيره،بل لزوم الأخذ بأحوط الخبرين أو الرجوع للأصل بعد سقوط المتعارضين معا عن الحجية بسبب العلم الإجمالي المذكور.و لا يلزم من ذلك حرج و لا مخالفة قطعية،لقلة موارد تعارض الأدلة،كما لا يخفى.

و إن كان المراد به لزوم المخالفة لوجوب الترجيح-كما قد يشهد به قوله:«لانا نعلم بوجوب الأخذ ببعض الأخبار المتعارضة و طرح بعضها معينا و المرجحات المنصوصة غير وافية»-فهو موقوف على العلم بجعل الشارع للمرجحات غير المرجحات المنصوصة و أن إطلاقات التخيير مخصصة واقعا و إن اختفى ذلك علينا تفصيلا،و عهدة ذلك على مدعيه إذ لم يثبت علما،بل و لا ظنا.

على أن هذا مبني على إجراء دليل الانسداد في المسألة الأصولية نظير ما سبق من صاحب الحاشية و أخيه صاحب الفصول قدّس سرّه من دعوى نصب الشارع للطرق، و أنه بعد تعذر العلم بها يلزم العمل بما ظن أنه طريق.و لا وجه هنا للعمل بما ظن أنه الراجح إلا ذلك.و قد سبق من المصنف قدّس سرّه الإشكال في ذلك.

و حاصل ما يقال هنا في دفع ذلك:إنه بعد سقوط إطلاقات التخيير لفرض العلم الإجمالي بتقييدها يتعين سقوط كلا الخبرين عن الحجية لاشتباه الحجة منهما باللاحجة،فيلزم حينئذ الرجوع للعمومات أو الأصول لو لم يلزم مخالفة العلم الإجمالي في المسألة الفرعية.

أما لو لزم مخالفة العلم الإجمالي فاللازم الاحتياط فيها.و لو تعذر جرى

ص: 403

بعضها معينا،و المرجحات المنصوصة في الأخبار غير وافية،مع أن تلك الأخبار معارض بعضها بعضا (1) ،بل بعضها غير معمول به بظاهره، كمقبولة ابن حنظلة المتضمنة لتقديم الأعدلية على الشهرة و مخالفة العامة و موافقة الكتاب (2) .

و حاصل هذه المقدمات:ثبوت التكليف بالترجيح (3) ،و انتفاء المرجح اليقيني،و انتفاء ما دل الشرع على كونه مرجحا،فينحصر العمل في الظن بالترجيح (4) ،فكل ما ظن أنه مرجح في نظر الشارع وجب الترجيح به،و إلا لوجب ترك الترجيح أو العمل بما ظن من المتعارضين أن الشارع رجح غيره عليه،و الأول مستلزم للعمل بالتخيير في موارد كثيرة نعلم بوجوب الترجيح،و الثاني ترجيح للمرجوح على الراجح (5) الكلام السابق هناك في لزوم العمل بالظن في المسألة الأصولية أو الفرعية أو فيهما معا.و كأن ما سيأتي من المصنف قدّس سرّه ناظر إلى بعض ما ذكرنا.فلاحظ .

(1)لكن الجمع العرفي بينها غير متعذر ظاهرا و تمام الكلام في مبحث التعارض.

(2)الظاهر أن الترجيح بذلك في المقبولة بين الحكمين لا بين الروايتين،فلا تنافي عمل المشهور.

(3)عرفت عدم ثبوت الترجيح بما زاد على المرجحات المنصوصة المتيقنة.

(4)عرفت أن اللازم سقوط كلا الخبرين و الرجوع للعمومات أو الأصول و لو فرض لزوم محذور مخالفة العلم الإجمالي يلزم الاحتياط .فراجع.

(5)عرفت أنه يلزم ترك الخبرين و الرجوع للعموم أو الأصل أو الاحتياط و لا يحتاج إلى التخيير و لا إلى ترجيح المرجوح

ص: 404

في مقام وجوب البناء-لأجل تعذر العلم-على أحدهما،و قبحه بديهي، و حينئذ:فإذا ظننا من الأمارات السابقة أن مجرد أقربية مضمون أحد الخبرين إلى الواقع مرجح في نظر الشارع تعين الأخذ به.

هذا،و لكن لمانع أن يمنع وجوب الترجيح بين المتعارضين الفاقدين للمرجحات المعلومة،كالتراجيح الراجعة إلى الدلالة التي دل العرف على وجوب الترجيح بها كتقديم النص و الأظهر على الظاهر.

بيان ذلك:أن ما كان من المتعارضين من قبيل النص و الظاهر -كالعام و الخاص و شبههما مما لا يحتاج الجمع بينهما إلى شاهد-فالمرجح فيه معلوم من العرف.

و ما كان من قبيل تعارض الظاهرين كالعامين من وجه و شبههما مما يحتاج الجمع بينهما إلى شاهد واحد (1) ،فالوجه فيه-كما عرفت سابقا -:عدم الترجيح إلا بقوة الدلالة،لا بمطابقة أحدهما لظن خارجي غير معتبر،و لذا لم يحكم فيه بالتخيير مع عدم ذلك الظن،بل يرجع فيه إلى الأصول و القواعد (2) ،فهذا كاشف عن أن الحكم فيهما ذلك من أول الأمر،للتساقط ،لإجمال الدلالة.

و ما كان من قبيل المتباينين اللذين لا يمكن الجمع بينهما إلا (1)يقتضي التصرف في أحدهما و يخرج مورد الاجتماع عن عمومه،فيرتفع التنافي بينه و بين الآخر.

(2)تقدم منا الكلام في ذلك في آخر المقام الأول من هذه المقامات الثلاثة عند الكلام في تعارض الخبرين من حيث الظهور.فراجع.

ص: 405

بشاهدين (1) ،فهذا هو المتيقن من مورد وجوب الترجيح بالمرجحات الخارجية.و من المعلوم أن موارد هذا التعارض على قسمين:

أحدهما:ما يمكن الرجوع فيه إلى أصل أو عموم كتاب أو سنة مطابق لأحدهما،و هذا القسم يرجع فيه إلى ذلك العموم أو الأصل (2) و إن كان الخبر المخالف لأحدهما مطابقا لأمارة خارجية،و ذلك لأن العمل بالعموم و الأصل يقيني لا يرفع اليد عنه إلا بوارد يقيني،و الخبر المخالف له لا ينهض لذلك-لمعارضته بمثله-،و المفروض أن وجوب الترجيح بذلك الظن لم يثبت،فلا وارد على العموم و الأصل.

القسم الثاني:ما لا يكون كذلك (3) ،و هذا أقل قليل بين (1)يقتضي كل منهما التصرف في ظهور أحد المتعارضين بما لا ينافي الآخر، كتخصيص كل منهما ببعض أفراده غير ما يخصص به الآخر،مثل حمل ما دل على أنه لا بأس ببيع العذرة على عذرة غير الإنسان،و ما دلّ على أن ثمن العذرة سحت على عذرة الإنسان لكن الظاهر أنه لا يعتبر في المتباينين ذلك،بل قد يكتفى بشاهد واحد،كما لو تعارض الأمر و النهي و أمكن حمل أحدهما على التهديد و إبقاء الآخر على ظاهره مع أنهما متباينين عرفا.فتأمل.

(2)لا يخفى أن اللازم في هذا القسم الرجوع للمرجحات المنصوصة ثم إلى التخيير لإطلاق أدلته الحاكم على أصالة التساقط في المتعارضين.إلا أن يفرض تعارض الأخبار في المرجحات الموجب لتساقطها،و العلم بتقييد إطلاقات التخيير إجمالا الموجب لسقوطها أيضا،فيسقط الخبران المتعارضان عن الحجة لاشتباه الحجة منهما باللاحجة،فيلزم الرجوع للعموم أو الأصل المفروضين.لكن عرفت الاشكال من ذلك.

(3)لا يتصور الفرض الذي لا يكون موردا للأصل من براءة أو احتياط

ص: 406

المتعارضات،فلو فرضنا العمل فيه بالتخيير مع وجود ظن خارجي على طبق أحدهما لم يلزم محذور (1) -نعم الاحتياط يقتضي الأخذ بما يطابق الظن (2) -خصوصا مع أن مبنى المسألة على حجية الخبر من باب الظن غير مقيد بعدم الظن الفعلي و لا بعدم الظن على خلافه،و الدليل على هذا الإطلاق مشكل (3) ،خصوصا لو كان الظن المقابل من الشهرة المحققة أو أو غيرهما.إلا أن يريد به مورد العلم الإجمالي بالتكليف مع تعذر الاحتياط ،كما في الدوران بين محذورين.

(1)كأنه لفرض عدم العموم أو الأصل المانعين منه.لكن عرفت أن ذلك إنما يتم في الدوران بين محذورين و نحوه مما يعلم فيه بالتكليف و يتعذر الاحتياط .

و الالتزام بالتخيير فيه إنما يتجه بناء على أنه مع تعذر الاحتياط يسقط العلم الإجمالي عن المنجزية،كما هو الظاهر.

أما بناء على عدم سقوطه عن المنجزية،و أنه يتعين تبعيض الاحتياط -كما هو مختار المصنف قدّس سرّه-فاللازم الرجوع للظن،كما تقدم في تقريب دليل الانسداد نعم بناء على تمامية إطلاقات التخيير يتعين جواز اختيار ما يخالف المظنون،فيكون حاكما على أصالة الاحتياط و مانعا من لزوم العمل بالظن لانفتاح باب العلم.لكنه خلاف فرض المصنف قدّس سرّه العلم بتقييد الإطلاقات المذكورة إجمالا.

(2)عرفت تقريب أن هذا هو الذي أوجب سيرة الأصحاب على الرجوع للظن.

(3)إطلاقات حجية خبر الثقة مما لا مجال لإنكارها ظاهرا.و لا سيما بعد كونها مقتضى السيرة العقلائية التي يسهل تحصيل إمضائها.و كيف كان فهو خلاف فرض الكلام،إذ الكلام مبني على أن حجية الخبر غير مشروطة بالظن الفعلي على طبقه و لا بعدم قيام الظن على خلافه و إلا كان الظن موهنا لا مرجحا كما يظهر بملاحظة ما سبق.

ص: 407

نقل الإجماع الكاشف عن تحقق الشهرة،فإن إثبات حجية الخبر المخالف للمشهور في غاية الإشكال (1) و إن لم نقل بحجية الشهرة،و لذا قال صاحب المدارك:إن العمل بالخبر المخالف للمشهور مشكل،و موافقة الأصحاب من غير دليل أشكل.

و بالجملة:فلا ينبغي ترك الاحتياط بالأخذ بالمظنون في مقابل التخيير،و أما في مقابل العمل بالأصول:فإن كان الأصل مثبتا للاحتياط -كالاحتياط اللازم في بعض الموارد-فالأحوط العمل بالأصل (2) ،و إن كان نافيا للتكليف كأصل البراءة و الاستصحاب النافي للتكليف،أو مثبتا له مع عدم التمكن من الاحتياط كأصالة الفساد في باب المعاملات (3) (1)الظاهر أنه لا إشكال فيه إلا أن تكشف الشهرة عن خلل في الخبر إجمالا، كما أشرنا إلى ذلك في أول هذا التنبيه.

(2)لكن بناء على أن المتيقن من حجية الخبر خصوص المطابق للظن أو غير المخالف له يكون المطابق للظن هو الحجة الحاكمة على الاحتياط ،لفرض عدم ثبوت حجية معارضه كما أنه بناء على تمامية إطلاق دليل حجية الخبر و عدم تمامية إطلاق أدلة التخيير في المتعارضين للعلم الإجمالي بالترجيح يلزم تساقط الخبرين، لاشتباه الحجة منهما باللاحجة،فيتعين الاحتياط .إلا أن تتم مقدمات الانسداد المقتضية للترجيح بالظن.و بناء على تمامية إطلاقات التخيير فالعمل عليه بلا موجب للاحتياط ،و لا للترجيح بالظن.فلاحظ .

(3)لتعارض الحقوق المانع من الاحتياط .لكنه إنما يمنع من الاحتياط في حقّ مثل الحاكم.أما الأفراد الذين هم أصحاب الحق فلا مانع من الاحتياط في حقهم.كما لا مانع من الرجوع إلى الأصل الترخيصي في حقّ كل منهم لو فرض له موضوع،لعدم العلم الإجمالي بالتكليف في حق كل شخص بنفسه،و إن علم إجمالا

ص: 408

و نحو ذلك،ففيه الإشكال (1) .

و في باب التراجيح تتمة المقال،و اللّه العالم بحقيقة الحال.و الحمد للّه أولا و آخرا،و صلى اللّه على محمد و آله الطاهرين.تم الجزء الأول و يليه الجزء الثاني في البراءة و الاشتغال.

بالتكليف في حق أحد الشخصين نظير واجدي المني في الثوب المشترك.

(1)من حيث لزوم العمل بالأصل،أو بالموافق للظن من الخبرين،أو التخيير بينهما.و اللازم تعيين مباني المسألة بلحاظ إطلاق دليل الحجية و عدمه،و إطلاق أخبار التخيير و عدمه،ثم رفع الإشكال على أساس المباني المذكورة.و قد ظهر ما ينبغي العمل عليه.و اللّه سبحانه و تعالى العالم العاصم،و الحمد له وحده.

و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده محمد المبعوث بالحق و آله سادات الخلق،انتهى الكلام في التعليق على مباحث الظن شرحا و تعليقا على كتاب فرائد الأصول بقلم العبد الفقير(محمد سعيد)عفي عنه نجل العلامة الجليل الحجة السيد محمد علي الطباطبائي الحكيم دامت بركاته في النجف الأشرف عصر يوم يوم الاثنين الخامس و العشرين من شهر جمادى الآخرة لسنة ألف و ثلاثمائة و تسع و ثمانين للهجرة النبوية على صاحبها و آله أفضل الصلوات و أزكى التحيات و الحمد للّه في البدء و الختام و به الاعتصام.

كما انتهى بمنه و عونه تبييضه بعد إعادة النظر فيه بقلم مؤلفه الفقير ليلة الجمعة الثامن من شهر رمضان المبارك ألف و ثلاثمائة و إحدى و تسعين لهجرة سيد المرسلين صلى اللّه عليه و آله الطيبين الطاهرين في النجف الأشرف ببركة الحرم المقدس المشرف على مشرفه الصلاة و السلام.و الحمد للّه أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا و له الشكر كثيرا.و هو حسبنا و نعم الوكيل.نعم المولى و نعم النصير.

ص: 409

ص: 410

المحتويات

حجية مطلق الظن

دليل العقل على حجية مطلق الظن من وجوه:

الوجه الأول:وجوب دفع الضرر المظنون 5

جواب الحاجبي عن هذا الوجه 6

المناقشة في هذا الجواب 6

جواب آخر عن هذا الوجه 9

المناقشة في هذا الجواب أيضا 10

جواب ثالث عن هذا الوجه 11

الأولى في المناقشة في الجواب الثالث 13

الأولى في الجواب عن الوجه الأول 14

إن أريد من الضرر العقاب 14

إن أريد من الضرر المفسدة 16

الأولى في الجواب عن المفسدة المظنونة 18

مفاد هذا الدليل 22

الوجه الثاني في حجية مطلق الظن:قبح ترجيح المرجوح 24

ما أجيب عن هذا الوجه و مناقشته 24

الأولى في الجواب عن هذا الوجه 24

ص: 411

الوجه الثالث:ما حكي عن صاحب الرياض 27

مناقشة ما أفاده في الرياض 28

الوجه الرابع:دليل الانسداد 29

مقدمات دليل الانسداد 29

المقدمة الأولى:انسداد باب العلم و الظن الخاص 30

تسليم أو منع هذه المقدمة 31

المقدمة الثانية:عدم جواز إهمال الوقائع المشتبهة و الدليل عليه من وجوه:

الأول:الإجماع القطعي 32

الثاني:لزوم المخالفة القطعية الكثيرة 33

الإشارة إلى هذا الوجه في كلام جماعة 34

الثالث:العلم الإجمالي بوجود الواجبات و المحرمات 41

كلام المحقق القمي قدّس سرّه 45

المناقشة فيما أفاده المحقق القمي قدّس سرّه 46

كلام المحقق جمال الدين الخوانساري قدّس سرّه 48

المناقشة فيما أفاده الخوانساري قدّس سرّه 50

المقدمة الثالثة:بطلان وجوب تحصيل الامتثال بالطرق المقررة للجاهل 52

عدم وجوب الاحتياط لوجهين:

الأول:الإجماع القطعي 53

الثاني:لزوم العسر و الحرج 54

تعليم و تعلّم موارد الاحتياط حرج أيضا 55

توضيح الحرج في ذلك 55

مع عدم إمكان الاحتياط لا مناص عن العمل بالظن 59

الإيراد على لزوم الحرج بوجوه:

الإيراد الأول 59

جواب الإيراد 60

ص: 412

حكومة أدلة نفي الحرج على العمومات المثبتة للتكليف 61

مما يوضح الحكومة 62

رجوع إلى مناقشة الإيراد الأول 65

الإيراد الثاني على لزوم الحرج و جوابه 68

الإيراد الثالث على لزوم الحرج و جوابه 70

الرد على الاحتياط بوجوه:

الوجه الأول و المناقشة فيه 74

الوجه الثاني 75

مناقشة هذا الوجه 76

مقتضى نفي الاحتياط عدم وجوب مراعاة الاحتمالات الموهومة فقط 81

دعوى الإجماع على عدم وجوب الاحتياط في المشكوكات أيضا 88

الإشكال في هذه الدعوى 89

إشكال آخر في المقام 94

بطلان الرجوع في كل واقعة إلى ما يقتضيه الأصل 95

بطلان الرجوع إلى فتوى العالم و تقليده 97

المقدمة الرابعة تعيّن العمل بمطلق الظن 99

مراتب امتثال الحكم الشرعي 100

ترتب هذه المراتب 101

الامتثال الظني بعد تعذر العلمي لا يحتاج إلى جعل جاعل 102

توهم و دفع 102

الأخذ بالمرجوح و طرح الراجح قبيح مطلقا 104

عدم الفرق في الامتثال الظني بين الظن بالحكم الواقعي أو الظاهري 107

المخالف للتعميم فريقان 108

أدلة القائلين باعتبار الظن في المسائل الأصولية دون الفرعية:

الأول:ما ذكره صاحب الفصول 109

ص: 413

المناقشة فيما أفاده صاحب الفصول 110

المناقشة الثانية في كلام صاحب الفصول 116

المناقشة الثالثة 118

المناقشة الرابعة 120

المناقشة الخامسة 123

الثاني:ما ذكره صاحب هداية المسترشدين 136

المناقشة فيما أفاده صاحب الهداية 141

القول باعتبار الظن في المسائل الفرعية دون الأصولية 148

ما ذكره صاحب ضوابط الأصول 148

المناقشة فيما أفاده صاحب ضوابط الأصول 148

الكلام في مقامات 151

هل أن نتيجة دليل الانسداد مهملة أو معينة ؟152

تقرير دليل الانسداد بوجهين:

الوجه الأول على الكشف 154

الوجه الثاني على الحكومة 155

التعميم من حيث الموارد مشترك بين التقريرين 157

لازم الحكومة التعميم من حيث الأسباب دون المراتب 158

لازم الكشف الإهمال من حيث الأسباب و المراتب 159

الحق في تقرير دليل الانسداد هو الحكومة من وجوه:

الوجه الأول 159

الوجه الثاني 162

الوجه الثالث 163

طرق التعميم على الكشف 164

الطريق الأول:عدم المرجح 164

ما يصلح أن يكون معيّنا أو مرجحا:

ص: 414

كون بعض الظنون متيقنا بالنسبة إلى الباقي 165

كون بعض الظنون أقوى 166

كون بعض الظنون مظنون الحجية 167

المناقشة في المرجحات المذكورة:

تيقن البعض لا ينفع 170

أقوائية البعض لا يمكن ضبطه 172

الظن بحجية البعض ليست له ضابطة كلية أيضا 173

عدم اعتبار مطلق الظن في تعيين القضية المهملة 176

كلام صاحب هداية المسترشدين في لزوم الأخذ بمظنون الحجية 177

المناقشة فيما أفاده صاحب الهداية 180

كلام الفاضل النراقي إلزاما على القائلين بحجية مطلق الظن 182

المناقشة في كلام الفاضل النراقي قدّس سرّه 183

كلام آخر للفاضل النراقي قدّس سرّه في ترجيح مظنون الاعتبار بمطلق الظن 185

المناقشة فيما أفاده الفاضل النراقي قدّس سرّه أيضا 188

عدم صحة تعيين بعض الظنون لأجل الظن بعدم حجية ما سواه 191

صحة تعيين القضية المهملة بمطلق الظن في مواضع 193

وجوب الاقتصار على القدر المتيقن بناء على الكشف 198

لو لم يكن القدر المتيقن كافيا 199

الطريق الثاني للتعميم:عدم كفاية الظنون المعتبرة 201

المناقشة في هذا الطريق 203

الطريق الثالث للتعميم:قاعدة الاشتغال 207

المناقشة في هذا الطريق أيضا 208

وجوب الاقتصار على الظن الاطمئناني بناء على الحكومة 217

النتيجة بناء على الحكومة هو التبعيض في الاحتياط 220

الفرق بين العمل بالظن بعنوان التبعيض في الاحتياط أو بعنوان الحجية 223

ص: 415

عدم الفرق في الظن الاطمئناني بين الظن بالحكم أو الظن بالطريق 228

الإشكال في العمل بما يقتضيه الأصل في المشكوكات 229

الإشكال في الأصول اللفظية أيضا 232

حاصل الكلام في المسألة 237

عدم الإشكال في خروج الظن القياسي على الكشف 242

توجه الإشكال على الحكومة 242

الإشكال في مقامين:

الأول:خروج الظن القياسي عن حجية مطلق الظن 244

ما قيل في توجيه خروج القياس:

منع حرمة العمل بالقياس في زمان الانسداد 244

المناقشة في هذا الوجه 248

منع إفادة القياس للظن 248

المناقشة في هذا الوجه 248

إن باب العلم في القياس مفتوح 251

المناقشة في هذا الوجه 251

عدم حجية مطلق الظن النفس الأمري 252

المناقشة في هذا الوجه 254

عدم حجية الظن الذي قام على حجيته دليل 255

المناقشة في هذا الوجه 257

ما اخترناه سابقا 259

عدم تمامية هذا الوجه أيضا 261

مختار المصنف في التوجيه 262

الثاني:لو قام ظن على حرمة العمل ببعض الظنون 267

هل يجب العمل بالظن الممنوع أو المانع أو الأقوى منهما أو التساقط؟267

القول بوجوب طرح الظن الممنوع و الاستدلال عليه 269

ص: 416

المناقشة في هذا الاستدلال 271

مختار المصنف في المسألة 275

لو حصل الظن بالحكم من أمارة متعلقة بألفاظ الدليل 277

الظن المتعلق بالألفاظ على قسمين 277

الظاهر حجية هذه الظنون 278

لو حصل الظن بالحكم من الأمارة المتعلقة بالموضوع الخارجي 280

حجية الظنون الرجالية 281

ملخص الكلام في هذا التنبيه 281

ما تخيله السيد المجاهد قدّس سرّه و المناقشة فيه 282

حجية الظن في المسائل الأصولية 283

أدلة القائلين بعدم الحجية:

اصالة حرمة العمل بالظن 283

ما اشتهر من عدم حجية الظن في مسائل أصول الفقه 291

الجواب عن الدليل الأول 291

الجواب عن الدليل الثاني 292

عدم كفاية الظن بالامتثال في مقام التطبيق 295

عدم حجية الظن في الأمور الخارجية 296

حجية الظن في بعض الأمور الخارجية كالضرر و النسب و شبههما 299

هل يعتبر الظن في أصول الدين ؟303

الأقوال في المسألة:

القول الأول 303

القول الثاني 304

القول الثالث 304

القول الرابع 304

القول الخامس 304

ص: 417

القول السادس 304

مسائل أصول الدين على قسمين:

ما يجب الاعتقاد به إذا حصل العلم به 305

كلام الشهيد الثاني قدّس سرّه 306

لو حصل الظن من الخبر 306

العمل بظاهر الكتاب و الخبر المتواتر في أصول الدين 308

تمييز ما يجب تحصيل العلم به عما لا يجب 309

هل تجب معرفة التفاصيل ؟309

عدم اعتبار معرفة التفاصيل في الإسلام و الإيمان للأخبار الكثيرة 313

ما يكفي في معرفة اللّه تعالى 317

المراد من المعرفة 317

ما يكفي في معرفة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم 317

ما يكفي في معرفة الأئمة عليهم السّلام 320

ما يكفي في التصديق بما جاء به النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم 321

ما يعتبر في الإيمان 322

ما يجب فيه النظر لتحصيل الاعتقاد 323

القادر على تحصيل العلم في الاعتقاديات 323

وجوب تحصيل العلم و عدم جواز الاقتصار على الظن في الاعتقاديات 323

الاستدلال على ذلك 324

الحكم بعدم الإيمان لو اقتصر على الظن و الدليل عليه 326

هل يحكم بالكفر مع الظن بالحق ؟326

حكم الشاك غير الجاحد من حيث الإيمان و الكفر 328

هل يكفي حصول الجزم من التقليد أو لا بد من النظر و الاستدلال ؟329

الأقوى كفاية الجزم الحاصل من التقليد في الاعتقاديات 332

العاجز عن تحصيل العلم في الاعتقاديات 333

ص: 418

الكلام في وجود العاجز في الاعتقاديات 333

شهادة الوجدان بقصور بعض المكلفين 334

هل يجب تحصيل الظن على العاجز؟336

حكم العاجز من حيث الإيمان و الكفر 337

كلام السيد الصدر قدّس سرّه في أقسام المقلد في أصول الدين و بعض المناقشات فيه 339

كلام الشيخ الطوسي قدّس سرّه في العدة في وجوب النظر مع العفو 343

المناقشة فيما أفاده الشيخ الطوسي قدّس سرّه 346

رأي المصنف في المسألة 348

بناء على عدم حجية الظن فهل له آثار أخر غير الحجية ؟351

هل يكون الظن غير المعتبر جابرا؟352

الكلام في جبر قصور السند 352

الكلام في جبر قصور الدلالة 353

الكلام فيما اشتهر من كون الشهرة في الفتوى جابرة لضعف سند الخبر 355

هل يكون الظن غير المعتبر موهنا؟360

الكلام في الظن الذي علم عدم اعتباره 360

الكلام في الظن الذي لم يثبت اعتباره 370

هل يكون الظن غير المعتبر مرجحا؟372

الكلام في الظن الذي ورد النهي عنه بالخصوص 372

كلام المحقق في الترجيح بالقياس 372

الحق عدم الترجيح 373

الكلام في الظن غير المعتبر لأجل عدم الدليل:

الترجيح به في الدلالة 376

الترجيح به في وجه الصدور 380

ترجيح السند بمطلق الظن 382

مقتضى الأصل عدم الترجيح 383

ص: 419

ظاهر معظم الأصوليين هو الترجيح 385

ما استدل به للترجيح بمطلق الظن:

الأول:قاعدة الاشتغال 387

الثاني:الإجماع على ذلك 389

الثالث:ما يظهر من بعض الأخبار:

ما دلّ على الترجيح بالأصدقية 392

ما دلّ على ترجيح أوثق الخبرين 394

ما دلّ على ترجيح أحد الخبرين لكونه مشهورا 394

ما دلّ على الترجيح بمخالفة العامة 397

ما دعا أصحابنا إلى العمل بكل ما يوجب رجحان أحد الخبرين 401

القول بوجوب الترجيح و دليله 402

القول بعدم وجوب الترجيح و دليله 405

مقتضى الاحتياط في المقام 408

المحتويات 411

ص: 420

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.