موسوعة الأسئلة العقائديّة المجلد 5

هوية الكتاب

المؤلف: مركز الأبحاث العقائديّة

المطبعة: ستاره

الطبعة: 1

الموضوع : العقائد والكلام

تاريخ النشر : 1429 ه.ق

ISBN (ردمك): 978-600-5213-05-8

المكتبة الإسلامية

موسوعة

الأسئلة العقائدية

المجلد الخامس

تأليف

مركز الأبحاث العقائدية

ص: 1

اشارة

مركز الأبحاث العقائدية :

إيران - قم المقدسة - صفائية - ممتاز - رقم 34

ص . ب : 3331 / 37185

الهاتف : 7742088 (251) (0098)

الفاكس : 7742056 (251) (0098)

العراق - النجف الأشرف - شارع الرسول (صلى اللّه عليه وآله)

جنب مكتب آية اللّه العظمى السيد السيستاني دام ظله

ص . ب : 729

الهاتف : 332679 (33) (00964)

الموقع على الإنترنيت : www.aqaed.com

البريد الإلكتروني : info@aqaed.com

شابِك ( ردمك ) :3-00-5213-600-978

شابِك ( ردمك ) :0-01-5213-600-978

موسوعة الأسئلة العقائدية المجلد الأول

تأليف

مركز الأبحاث العقائدية

الطبعة الأولى - 2000 نسخة

سنة الطبع: 1429ه

المطبعة : ستارة

الفلم والألواح الحسّاسة : تيزهوش

* جميع الحقوق محفوظة للمركز *

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 3

ص: 4

دليل الكتاب

القرآن الكريم... 7

القسم بغير اللّه... 61

قول آمين في الصلاة... 67

القياس... 73

كتاب لله ثمّ للتاريخ... 91

كربلاء وواقعة الطف... 119

اللعن... 187

متعة الحجّ... 201

متعة النساء... 209

المسح على الرجلين... 235

مصحف فاطمة عليها السلام... 239

المعاد... 245

معاوية بن أبي سفيان... 267

المعجزة... 279

الملائكة... 283

النبوّة والأنبياء... 293

النبي محمّد صلى اللّه عليه وآله... 311

النساء... 381

ص: 5

النصّ على الأئمّة... 393

النصب والنواصب... 405

النكاح... 413

نهج البلاغة... 439

الوحدة الإسلامية... 447

الوضوء... 453

وطئ الزوجة من الدبر... 457

وقت الإفطار... 469

الولاية التكوينية والتشريعية... 471

الوهّابية ومحمّد بن عبد الوهّاب... 483

يزيد بن معاوية... 505

الأسئلة المتفرّقة... 513

فهرس المصادر... 587

الفهرس الإجمالى... 653

ص: 6

القرآن الكريم :

اشارة

( سعيد حبيب اليوسف - الإمارات العربية - .... )

وجه تسمية السور :

س : نودّ من جنابكم التكرّم بالرّد على النقاط التالية :

أ - هل جاءت تسمية السور في القرآن الكريم من قبل الوحي ، أو من جهة أُخرى؟

ب - ما هي الحكمة أو القاعدة المتبعة في تسمية السور في القرآن الكريم؟

ت - من الملاحظ في العديد من السور بأنّ السورة الواحدة تشتمل على عدد من المواضيع ، لا تنسجم مع عنوان السورة ذاتها ، فعلى سبيل المثال في سورة البقرة بالإضافة إلى قصّة البقرة - الآيات 67 إلى 71 - نجد عدداً من المواضيع الأُخرى مثل :

1 - إبراهيم عليه السلام : الآيات 124 - 133.

2 - القبلة : الآيات 142 - 150.

3 - الحجّ : الآيات 196 - 203.

4 - استخلاف آدم عليه السلام : الآيات 30 - 39.

فكيف يمكن تبرير إدراج هذه المواضيع المختلفة ضمن عنوان البقرة؟ تمنّى لكم دوام التوفيق والعافية.

ج : إنّ تسمية السور جاءت من قبل القرّاء والمقرئين ، مع ملاحظة نظر الذوق العام أو العرف العام ، ففي سورة البقرة - مثلاً - جلب نظرهم قوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً ) (1).

ص: 7


1- 1 - البقرة : 67

فابتداءً كانوا يقولون السورة التي تذكر فيها البقرة ، أو السورة التي يذكر فيها آل عمران ، ثمّ اختصاراً تحوّل إلى سورة البقرة ، وسورة آل عمران.

وهذا لا يعود إلى وحي ، ولا إلى تسمية معصوم ، وإنّما يعود إلى نظر الذوق العام أو العرف العام ، فالذي جلب نظرهم في هذه السورة المباركة هو موضوع البقرة لا المواضيع الأُخرى ، كموضوع إبراهيم عليه السلام لم يجلب نظرهم هنا ، نعم في سورة أُخرى موضوع إبراهيم عليه السلام جلب نظرهم ، فسمّيت تلك السورة بسورة إبراهيم ، وهكذا.

( .... - الكويت - .... )

ترتيب الآيات :

س : أسأل اللّه تعالى أن يوفّقكم لخدمة أهل البيت عليهم السلام ، والدفاع عن المذهب الحقّ ، ما هي عقيدتنا بترتيب الآيات في سور القرآن الكريم؟ هل ترتيبها في القرآن الموجود هو الذي أمر به رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟ ولكم جزيل الشكر.

ج : إنّ الترتيب الموجود في الآيات هو ما كان على عهد الرسول صلى اللّه عليه وآله ، بدلالة نفي التحريف مطلقاً عن القرآن ، الذي بمضمونه الالتزامي يدلّ على الاحتفاظ بترتيب الآيات ، كما نشاهده فعلاً ؛ وأيضاً ممّا يدلّ عليه تعارف وتداول قراءة السور ، مع ترتيب آياتها الموجود حاليّاً عند المسلمين ، من لدن الصدر الأوّل إلى الآن.

ولمزيدٍ من التوضيح ، عليكم بمطالعة الكتب التي دوّنت في هذا المجال ، ومنها - على سبيل المثال لا الحصر - « البيان في تفسير القرآن » للسيّد الخوئي قدس سره ، والرأي المتّبع عند الشيعة هو : - كما ذكر وعليه المعوّل ، وصرّح به علماء الطائفة - بأنّ الترتيب الفعلي للآيات كان من زمن النبيّ صلى اللّه عليه وآله (1).

ص: 8


1- صراط النجاة 1 / سؤال 1321.

( موالي - الكويت - 19 سنة - طالب )

قضية خلقه قضية مفتعلة :

س : هل يعتبر القرآن الكريم مخلوقاً أم لا؟

ج : إنّ منهج أهل البيت عليهم السلام هو الاهتمام الجدّي والحقيقي بالقضايا الإسلامية الحيوية ، وعدم اقتحامهم في قضايا لها حساباتها السياسية الخاصّة ، لذا فإنّك تجد أئمّة الهدى عليهم السلام أهملوا مسألة خلق القرآن ، لعدم علاقتها بالفكر الإسلامي الحقيقي ، متجنّبين - وشيعتهم كذلك - مخاطرات اللعب السياسية ، التي كانت الأنظمة تفتعلها لأغراض ليس هنا محلّ ذكرها.

ولو تأمّلت في قضية خلق القرآن ، لوجدتها قضية مفتعلة ليس لها آثارها الواقعية على بساط البحث العلمي ، فلو قلنا : إنّ القرآن مخلوق ، أو غير مخلوق ، فما هي آثار هذه القضية بالضبط في حياة الأُمّة؟ وفي مستقبل المسلمين؟ بل في واقعية الفكر الإسلامي عموماً؟

لذا فإنّ أئمّة آل البيت عليهم السلام أغلقوا باب النزاع العقيم هذا ، وحثّوا شيعتهم إلى الاهتمام بقضايا لا تشغلهم عن واقعهم المأساوي الذي يعيشونه ، وبذلك أجاب الإمام الرضا عليه السلام بإجابة لا تعطي معها نتيجة واضحة ، تدليلاً على أنّ أصل هذه القضية لا تعدو عن محاولاتٍ سياسية ، لتصفية حسابات خصومٍ سياسيين ، فقال عليه السلام في معرض إجابته هل القرآن مخلوق أم لا؟

« ليس بخالق ولا مخلوق ، ولكنّه كلام اللّه عزّ وجلّ » (1) ، وبذلك أراد الإمام عليه السلام أن لا يشغل الشيعة أنفسهم في قضايا عقيمة غير ذات بال.

( بدر الدين - المغرب - .... )

قول الأئمّة حول خلقه :

س : ما موقف الشيعة من مسألة خلق القرآن؟ نجد في التاريخ أنّ علماء قد

ص: 9


1- التوحيد : 223.

امتحنوا في هذه القضية - على رأسهم أحمد بن حنبل ، ونعيم المروزي - لكن لا نجد أثراً يذكر لأئمّة أهل البيت عليهم السلام للتصدّي لهذه المقولة! فهل القول عندهم كان هو أنّ القرآن مخلوق؟ كما يقول الخوارج والمعتزلة ، أم كان لهم موقف لم يصلنا خبره.

أفيدونا جزاكم اللّه خيراً.

ج : إنّ مسألة خلق القرآن إذا كنّا قد عرفنا دوافع افتعالها اتّضح لنا موقف أهل البيت عليهم السلام ، فمسألة خلق القرآن لا تحمل طابعها العلمي والديني بقدر ما تحمل طابعاً ودوافع سياسية صرفة ، أهمّها تصفية حسابات الخليفة العباسي المأمون مع أهل السنّة لأسباب عديدة لا يمكن ذكرها في المقام ، على أنّ أهل السنّة قد استفادوا من الإصرار على القول بعدم خلق القرآن اعتبارات سياسية أُخرى ، إذ كان المتوكّل العباسي الذي رفض سياسة المأمون قال بعدم خلق القرآن ، وقرّب الذين رفضوا بالخضوع لقول المأمون السياسي ، وأسبغ عليهم طابع الإصرار على عدم التساؤم في دين اللّه ... إلى آخرها من الأُمور التي استفاد بها بعضهم سياسياً ، كمعارضين ومؤيّدين لسياسات هوجاء غير صحيحة.

لذا فقد أُريقت دماء لقضية ليس لها أثرها العلمي والديني بحال ، فخلق القرآن وعدم خلقه ، لا يعني إلاّ لعبة سياسية مقيتة ليس لها آثارها على المجتمع الإسلامي ، وبذلك فإنّ أهل البيت عليهم السلام يعرفون دوافع هذه القضية ، فأمروا شيعتهم بتجنّب هذه المزالق السياسية صوناً لحياتهم الشريفة ، وبالمقابل فإنّ أهل البيت عليهم السلام رفضوا الدخول في هذه اللعبة السياسية ، التي ترجع عوائدها إلى النظام لا غير.

لذا فإنّ الإمام الرضا عليه السلام تدارك هذه القضية حينما سئل عن القرآن أهو مخلوق أم لا؟ فقال : « ليس بخالق ولا مخلوق ، ولكنّه كلام اللّه عزّ وجلّ » (1) ، وبذلك تجد أنّ الإمام عليه السلام قد اجتنب الدخول في هذه اللعبة السياسية ، التي أُريقت بسببها دماء دونها طائل.

ص: 10


1- التوحيد : 223.

وأخيراً : ما نؤمن به هو : أنّ القرآن مخلوق ، لأنّه غير ذاته تعالى ، وكُلّ شيء غير ذاته تعالى فهو مخلوق لا محالة.

( صلاح الدين مفتاح - المغرب - سنّي - 23 سنة - طالب جامعة الزراعة )

ترتيب الآيات والسور :

س : ما هو رأي الشيعة في ترتيب آيات وسور القرآن الكريم؟ هل تعتقد بتوقيفيّته؟ وهل يرتبط هذا الموضوع بالتحريف؟

ج : نقول في هذا المجال :

أوّلاً : إنّ الأدلّة العقلية والنقلية مجمعة على عدم التحريف في جانب الزيادة والنقصان ، والتبديل وترتيب الآيات ، كما هو مذكور في مظانّه ، ويتبنّاه المحقّقون من الشيعة من الصدر الأوّل حتّى الآن.

ثانياً : ليس لنا في ترتيب جميع السور طريق إلى إثبات توقيفيّته ، لأنّ الأدلّة العقلية قاصرة عن هذا المطلب ، والأدلّة النقلية لا تشمله إطلاقاً أو مورداً.

ولتوضيح المقام نقول : بأنّ الإعجاز الإلهي في القرآن لا يتوقّف على الترتيب الكامل الموجود بين السور ، كما هو واضح لمن له أدنى تأمّل ، ومن جانب آخر فإنّ النصوص الواردة في عدم التحريف تنصرف كُلّها - إن لم نقل بالتصريح - للتحريف الذي ذكرناه في البند الأوّل ، والذي يلتزم المحققّون بنفيه.

نعم ، كما قلنا : لم نعثر حتّى الآن على دليل علمي لتوقيفية ترتيب السور ، ولكن لا ننكره من الأساس ، بل هو أمر ممكن ، ولكن لا دليل على وقوعه.

( طالب نور - ... - ..... )

معاني الحروف المقطّعة :

س : ما هي معاني الأسماء المقطّعة؟ وهل هي أسماء لأشياء معيّنة أم ماذا؟

ج : أُختلف المفسّرون في معاني الحروف المقطّعة إلى أحد عشر قول :

ص: 11

إحداها : إنّها من المتشابهات التي استأثر اللّه سبحانه بعلمها ، لا يعلم تأويلها إلاّ هو.

الثاني : إنّ كلاً منها اسم للسورة التي وقعت في مفتتحها.

الثالث : إنّها أسماء القرآن ، أي لمجموعه.

الرابع : إنّ المراد بها الدلالة على أسماء اللّه تعالى ، فقوله : ( الم ) معناه : أنا اللّه أعلم ، وقوله : ( المر ) معناه : أنا اللّه أعلم وأرى ، وقوله : ( المص ) معناه : أنا اللّه أعلم وأفصل ، وقوله : ( كهيعص ) الكاف من الكافي ، والهاء من الهادي ، والياء من الحكيم ، والعين من العليم ، والصاد من الصادق ، وهو مروي عن ابن عباس.

الخامس : إنّها أسماء اللّه تعالى مقطّعة ، لو أحسن الناس تأليفها لعلموا اسم اللّه الأعظم ، وهو مروي عن سعيد بن جبير.

السادس : إنّها أقسام أقسم اللّه بها ، فكأنّه هو أقسم بهذه الحروف على أنّ القرآن كلامه ، وهي شريفة لكونها مباني كتبه المنزلة.

السابع : إنّها إشارات إلى آلائه تعالى وبلائه ، ومدّة الأقوام وأعمارهم وآجالهم.

الثامن : إنّ المراد بها الإشارة إلى بقاء هذه الأُمّة على ما يدلّ عليه حساب الجمل.

التاسع : إنّ المراد بها حروف المعجم.

العاشر : إنّها تسكيت للكفّار ، لأنّ المشركين تواصوا فيما بينهم ، أن لا يستمعوا للقرآن ، وأن يلغوا فيه ، كما حكاه القرآن عنهم بقوله : ( لاَ تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ ) (1) ، فربما صفّروا ، وربما صفّقوا ، وربما غلّطوا فيه ، يغلّطوا النبيّ صلى اللّه عليه وآله في تلاوته ، فأنزل اللّه تعالى هذه الحروف ، فكانوا إذا سمعوها استقربوا واستمعوا إليها ، وتفكّروا فيها ، واشتغلوا بها عن شأنهم ، فوقع القرآن في مسامعهم.

ص: 12


1- فصلت : 26.

الحادي عشر : إنّها من قبيل تعداد حروف التعجيز ، والمراد تعجيزهم عن تأليف مثل القرآن ، إلاّ أنّ السيّد الطباطبائي بعد ذكره هذه الوجوه لم يختر أحداً منها ، ويختار رأياً يختصّ به وهو : « أنّ بين هذه الحروف المقطّعة وبين مضامين السور المفتتحة بها ارتباطاً خاصّاً ، ويؤيّد ذلك ما نجد أنّ سورة الأعراف المصدّرة ب- ( المص ) في مضمونها ، كأنّها جامعة بين مضامين الميمات وص.

ويستفاد من ذلك : أنّ هذه الحروف رموز بين اللّه سبحانه وبين رسوله صلى اللّه عليه وآله خفية عنّا ، لا سبيل لإفهامنا العادية إليها إلاّ بمقدار أن نستشعر أن بينها وبين المضامين المودعة في السور ارتباطاً خاصّاً » (1).

( إبراهيم زاير حسين - البحرين - 34 سنة - طالب جامعة )

آخر ما نزل منه :

س : سؤالي حول قوله تعالى : ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ) (2) من حيث الترتيب ، حيث أنّنا نؤمن بأنّ آية : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) (3) قد نزلت بعد آية : ( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ) (4) وهي آخر ما أنزل.

السؤال : ما وجه القول بأنّ قوله تعالى : ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ) قد نزلت بعد الآيات السابقة؟

أرجو أن توضّحوا المسألة بالتفصيل قدر الإمكان ، لكون السائل من إخواننا السنّة ، ودمتم ذخراً ، وسدّد اللّه خطاكم ، ولكم الشكر على ما أسلفتم من ردود ، في أمان اللّه.

ج : من المتسالم عليه عند أهل البيت عليهم السلام : أنّ آخر ما نزل من الفرائض في القرآن سورة المائدة ، وبالتحديد آية إكمال الدين.

ص: 13


1- الميزان في تفسير القرآن 18 / 6.
2- المعارج : 1.
3- المائدة : 3.
4- المائدة : 67.

قال الإمام الصادق عليه السلام : « يقول اللّه عزّ وجلّ : لا أنزل عليكم بعد هذه - فريضة الولاية - فريضة ، قد أكملت لكم الفرائض » (1).

وتؤيّد هذا الرأي روايات صحيحة وكثيرة في مصادر أهل السنّة ، منها :

1 - عن أبي ميسرة قال : آخر سورة أُنزلت سورة المائدة ، وأن فيها لسبع عشرة فريضة (2).

2 - روينا من طريق عائشة أُمّ المؤمنين أنّ سورة المائدة آخر سورة نزلت ، فما وجدتم فيها حلالاً فحلّلوه ، وما وجدتم فيها حراماً فحرّموه (3).

3 - قال عبد اللّه بن عمر : آخر سورة نزلت المائدة (4).

ويمكن القول بأنّ آية ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) وحدها تكفي دليلاً على أنّها آخر آية نزلت من كتاب اللّه تعالى ، لأنّها تنصّ على أنّ نزول الفرائض قد تمّت بها ، فلا يصحّ القول بأنّه نزل بعدها فريضة.

وعليه ، فكُلّ ما نزل بعدها من القرآن ، لابدّ أن يكون خالياً من الفرائض والأحكام ، لأنّ التشريع قد تمّ بنزولها ، فلا حكم بعدها.

وآية ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ ) ليست حكماً ولا فريضة ، فلا مانع من نزولها بعد آية الإكمال ، فتكون آية الإكمال آخر آية تشريعية نزلت ، وآية السائل آخر آية غير تشريعية نزلت.

ثمّ إنّ هناك احتمال آخر وهو : أن تكون آية ( سَأَلَ سَائِلٌ ) قد نزلت بصورة مكرّرة بعد آية الإكمال ، وهذا الاحتمال له نظائر في موارد أُخرى ، كما هي غير خافية على المتّتبع في مجال نزول الآيات.

ص: 14


1- الكافي 1 / 289.
2- الدرّ المنثور 2 / 252.
3- المحلّى 9 / 407.
4- التبيان في تفسير القرآن 3 / 413.

( أمير أحمد - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة )

نزوله باللغة العربية :

س : ما هي أسباب اختيار اللّه تعالى اللغة العربية كي ينزل بها القرآن الكريم؟ ويجب قدر المستطاع الإتيان بها في بعض العبادات والمعاملات - كالصلاة - وكثير من الأعاجم يعتبرونها اللغة الأصعب والأعقد عليهم ، والمستشرقون يأخذون هذا حجّة سلبية على الإسلام.

ج : إنّ اختيار اللّه تعالى للّغة العربية كلسانٍ لخاتم الأديان كان عن مصلحة ، إذ هو حكيم وخالق لكافّة اللغات والألسنة ، فترجيحه لابدّ وأن يصدر عن علمٍ وحكمة.

وهذا ما نراه فعلاً في مميّزات هذه اللغة عن غيرها ، فلم توجد هناك لغة - على ما نعرف - في حدّ شموليّتها للتعبير عن مختلف جوانب الحياة الدنيوية والأُخروية ، بما فيها من تعابير حقيقية ومجازية ، واستعارات وكنايات وغيرها.

ولابأس في هذا المجال أن تقاس الكتب الأدبية والمعاجم اللغوية التي أُلّفت في اللغة العربية بغيرها من اللغات كمّاً وكيفاً ، حتّى نرى وسع دائرة شمول هذه اللغة ، وهذا شيء يرجع فيه إلى ذوي الاختصاص ، والأهمّ دلالةً في هذا المقام ، هو الإعجاز الخالد للقرآن الكريم ، فهو وإن لم ينحصر في مظهره الأدبي - بل ويشمل كافّة أنحاء المفاهيم والمواضيع المختلفة - ولكن لا يخفى أنّ أسلوبه في التعبير والقالب ، له الدور الأساسي في تركيز معانيه القيّمة ، وهذا ممّا أتاحت له مميّزات هذه اللغة الفريدة ، حتّى استطاع أن يبرز كمعجزة خالدة عبر الدهور والأجيال.

ثمّ إنّ الإشكال المتوهّم في عدم إمكانية الإفصاح بهذه اللغة عند البعض ، فليس في محلّه ، إذ أنّ الواجب واللازم الإتيان بقدر الاستطاعة لا أكثر ( لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ) (1).

ص: 15


1- البقرة : 286.

نعم الأحرى والأجدر أن يبذل المسلم المكلّف الجهد في سبيل تعلّم هذه اللغة ، بمقدار متطلّبات الأحكام ، حتّى لا يحرم عن فهم معانيها وميزاتها الفريدة.

( علي عدنان العلي - الكويت - .... )

الفرق بين التدبّر والتفسير والتأويل :

س : ما هو الفرق بين التدبّر في القرآن والتفسير والتأويل؟ وما هو التفسير المنهي عنه في روايات أهل البيت عليهم السلام؟

ج : إنّ التدبّر هو : الوقوف عند الآيات والتعمّق وأخذ العبر للعمل بها ، فهو في الواقع ناتج عن التفسير والتأويل الصحيحين.

وأمّا التفسير في الاصطلاح هو : كشف الغوامض والأستار عن ظاهر القرآن ، بمعونة شرح الألفاظ ، والتفقّه في موارد اللغة ، واستنتاج المفاهيم والمعاني ، خصوصاً بمراجعة المأثور من كلام المعصومين عليهم السلام ، وعلى الأخصّ في مجال تمييز المتشابهات عن المحكمات ، وبيان المراد منها.

وأمّا التأويل فهو في الحقيقة : تطبيق المفاهيم والآيات في الخارج ، أي تعيين المصاديق الخارجية لمعاني الآيات ، فالتأويل الصحيح يترتّب من ناحية المعنى على التفسير الصحيح ، ولا يخفى أنّ التأويل الصحيح لا مجال للوصول إليه إلاّ من طريق الوحي ، وكلام المعصومين عليهم السلام.

وأمّا التفسير المنهي عنه في كلام أهل البيت عليهم السلام ، فهو إظهار معانٍ خاصّة تناقض كلام الوحي والعصمة ، اعتماداً على آراءٍ وأهواءٍ ، والذي يسمّى بالتفسير بالرأي ؛ إذ لا يعقل أن يكون تفسير آية - مثلاً - على خلاف باقي الآيات ، أو نقيض كلام الرسول صلى اللّه عليه وآله ، والأئمّة المعصومين عليهم السلام ، فإنّها كُلّها نزلت من مبدأ واحدٍ ، فلابدّ من التوحيد.

ص: 16

( محمّد شاوف - المغرب - سنّي مالكي - 31 سنة )

تفسير ( وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى ) :

س : يقول اللّه تعالى : ( وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى ) (1) ما تفسيركم؟

ج : قال العلاّمة الطباطبائي في تفسير الميزان حول الآية ما نصّه : « وقوله ( وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى ) أي وعد اللّه كلاً من القاعدين والمجاهدين ، أو كلاً من القاعدين غير أُولى الضرر ، والقاعدين أُولى الضرر ، والمجاهدين الحسنى ، والحسنى وصف محذوف الموصوف ، أي العاقبة الحسنى أو المثوبة الحسنى ، أو ما يشابه ذلك ، والجملة مسوقة لدفع الدخل ، فإنّ القاعد من المؤمنين ربما أمكنه أن يتوهّم من قوله ( لاَّ يَسْتَوِي ) - إلى قوله - ( دَرَجَةً ) أنّه صفر الكفّ ، لا فائدة تعود إليه من إيمانه وسائر أعماله ، فدفع ذلك بقوله : ( وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى ) » (2).

( حيدر - بريطانيا - .... )

تفسير آية 62 من البقرة :

س : أُريد شرحاً لآية 62 من سورة البقرة.

ج : قال العلاّمة الطباطبائي في تفسير الميزان حول الآية ما نصّه : « تكرار الإيمان ثانياً ، وهو الاتصاف بحقيقته ، كما يعطيه السياق يفيد أنّ المراد بالذين آمنوا في صدر الآية هم المتصفون بالإيمان ظاهراً ، المتسمّون بهذا الاسم ، فيكون محصّل المعنى أنّ الأسماء والتسمّي بها مثل المؤمنين واليهود والنصارى والصابئين لا يوجب عند اللّه تعالى أجراً ، ولا أمناً من العذاب ،

ص: 17


1- النساء : 95.
2- الميزان في تفسير القرآن 5 / 46.

كقولهم : ( لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى ) (1) ، وإنّما ملاك الأمر وسبب الكرامة والسعادة حقيقة الإيمان باللّه واليوم الآخر والعمل الصالح ، ولذلك لم يقل من آمن منهم بإرجاع الضمير إلى الموصول اللازم في الصلة ، لئلاّ يكون تقريراً للفائدة في التسمّي على ما يعطيه النظم كما لا يخفى.

وهذا ما تكرّرت فيه آيات القرآن أنّ السعادة والكرامة تدور مدار العبودية ، فلا اسم من هذه الأسماء ينفع لتسمّيه شيئاً ، ولا وصف من أوصاف الكمال يبقى لصاحبه وينجيه إلاّ مع لزوم العبودية ، الأنبياء ومن دونهم فيه سواء ، فقد قال تعالى في أنبيائه بعد ما وصفهم بكُلّ وصف جميل : ( وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) (2).

وقال تعالى في أصحاب نبيّه ومن آمن معه ، مع ما ذكر من عظم شأنهم وعلوّ قدرهم : ( وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) (3) ، فأتى بكلمة منهم ، وقال في غيرهم ممّن أُوتي آيات اللّه تعالى : ( وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ) (4) ، إلى غير ذلك من الآيات الناصّة على أنّ الكرامة بالحقيقة دون الظاهر » (5).

وقال العلاّمة الطباطبائي في بحثه الروائي ما نصّه : « في الدرّ المنثور : عن سلمان الفارسي قال : سألت النبيّ صلى اللّه عليه وآله عن أهل دين كنت معهم ، فذكر من صلاتهم وعبادتهم فنزلت : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ ) (6).

أقول : وروي أيضاً نزول الآية في أصحاب سلمان بعدّة طرق أُخرى.

ص: 18


1- البقرة : 111.
2- الأنعام : 88.
3- الفتح : 29.
4- الأعراف : 176.
5- الميزان في تفسير القرآن 1 / 193.
6- البقرة : 62.

وفي المعاني : عن ابن فضّال قال : قلت للرضا عليه السلام لم سمّي النصارى نصارى؟ قال : « لأنّهم كانوا من قرية اسمها ناصرة من بلاد الشام ، نزلتها مريم وعيسى بعد رجوعيهما من مصر ».

وفي الرواية أنّ اليهود سمّوا باليهود لأنّهم من ولد يهودا بن يعقوب.

وفي تفسير القمّي : قال : قال عليه السلام : « الصابئون قوم لا مجوس ولا يهود ، ولا نصارى ولا مسلمون ، وهم يعبدون النجوم والكواكب ».

أقول : وهي الوثنية ، غير أنّ عبادة الأصنام غير مقصورة عليهم ، بل الذي يخصّهم عبادة أصنام الكواكب » (1).

( حسن عبد الشهيد - البحرين - .... )

معنى الكفر في ( فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) :

س : أشكركم على هذا الموقع الرائع والمثير للإعجاب ، حتّى لأعداء الإسلام ، أودّ الحصول على الإجابة على تفسير قوله تعالى : ( وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) (2) ، حتّى ولو كان الحاكم أو القاضي ينطق بالشهادتين؟

ج : الكفر لغة بمعنى الستر ، فالكافر من يستر على الحقّ ولا يظهره ، والكفر تارة في العقيدة ، كمن يكفر باللّه أو رسوله أو وصيّه ، فيكون كافراً بالتوحيد أو خاتم النبوّة ، أو الإمامة الحقّة ، وأُخرى كفر في العمل ، ومنه كفر النعمة وجحودها ، فمن يترك الصلاة وهو مقرّ بالشهادتين فهو كافر - كما ورد في الأحاديث - ولكن هذا من الكفر في العمل ، وكذلك في قوله تعالى : ( وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللّه غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) (3) ، فهذا لمن ترك الحجّ وهو مستطيع ، فإنّه كافر في

ص: 19


1- الميزان في تفسير القرآن 1 / 194.
2- المائدة : 44.
3- آل عمران : 97.

العمل ، ولا يوجب ذلك نجاسته ، كما هو ثابت في محلّه من الفقه الإسلامي ، وإن كان يعاقب على تركه الحجّ.

وحينئذٍ من يحكم بغير ما أنزل اللّه ، تارة ينكر ما أنزل اللّه فيحكم بغيره ، ويعتقد أنّ غير حكم اللّه هو الصواب والحقّ ، فهذا يرجع إلى إنكار اللّه سبحانه ، والكفر به في العقيدة ، ويحكم عليه بالنجاسة في الدنيا ، والخلود في النار في الآخرة - كالشيوعيين الذين ينكرون اللّه ، وينكرون حكمه - وأُخرى يؤمن باللّه ويقول بالشهادتين إلاّ أنّه جهلاً ، يتصوّر أنّ الأحكام الوضعية أوفق بالتطبيق في عصرنا الحاضر ، فيحكم بغير ما أنزل اللّه جهلاً ، وإن كان مثقّفاً وقاضياً يحمل العلوم العصرية ، فهذا كافر في العمل ، وفاسق في التطبيق ، فيعاقب على فسقه وكفره العملي ، إلاّ أنّه لا يخلّد في النار ، كما كان يخلّد الكافر في العقيدة ، فنقول بالتفصيل بين الكفر العملي والكفر في العقيدة.

( عبد الحسين - لبنان - .... )

هو مخلوق :

س : هل القرآن مخلوق؟

ج : لا يخفى عليك أنّ هذا السؤال طرح في زمن الأئمّة عليهم السلام ، واستغلّه ملوك العباسيين لتثبيت مناصبهم من جهة ، ولإيجاد التفريق بين المذاهب من جهة أُخرى ، وحصلت فيه الكثير من القضايا التي أبعدت المسلمين عن أُمورهم الأساسية ، وتقوية الدولة الإسلامية ، لذا نجد أهل البيت عليهم السلام كانوا يحاولون تجنيب أنفسهم وشيعتهم من الدخول في مثل هذه الفتنة العمياء.

فكان الإمام الصادق عليه السلام حينما يسأل عن خلق القرآن يقول : « كلام اللّه » ، ولكن بعد أن انجلت الفتنة وانتهى أمدها ، صرّحوا عليهم السلام بحدوثه.

ص: 20

هذا وإن كان في الجواب الأوّل للإمام عليه السلام دلالة على خلقه ، وأنّه ليس بقديم ، إذ أنّ كلام اللّه معناه غير اللّه ، وكُلّ ما كان غير اللّه فهو حادث مخلوق.

( محمّد - السعودية - 16 سنة - طالب ثانوية )

قولنا : صدق اللّه العلي العظيم :

س : عندي سؤال وهو : نحن الشيعة عندما ننهي الآية أو السورة من القرآن الكريم نقول : صدق اللّه العلي العظيم ، ولا نقول : صدق اللّه العظيم ، فما هو السر في ذكر العلي؟ ودمتم موفّقين.

ج : من الطبيعي عدم ورود مثل هذه الأُمور في الروايات ، لذا فمن الناحية الأوّلية يمكن الإتيان بأيّهما شاء ، لكن لمّا كان في هذه الجملة « العلي العظيم » من زيادة في تعظيم اللّه تعالى أوّلاً ، وثانياً لأنّها وردت في القرآن الكريم بموردين :

1 - قوله تعالى : ( وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) (1).

2 - قوله تعالى : ( لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) (2).

ولم نجد في القرآن اقتران العظيم بلفظ الجلالة لوحده فقط ، لذا كان الأفضل هو الجملة الأُولى ، أي : « العلي العظيم » ، ولهذا تمسّك بها أتباع أهل البيت عليهم السلام.

( .... - المغرب - .... )

جواز قراءته بالقراءات المشهورة :

س : قرأت كلاماً للشيخ السبحاني مفاده : إنّ القراءة المعتمدة في القرآن الكريم هي القراءة المسندة إلى أمير المؤمنين علي أبي طالب عليه السلام دون باقي الروايات ، فهل هذا يعني أنّ القراءات الأُخرى لا تعتبرونها؟ وكيف يكون ذلك

ص: 21


1- البقرة : 255.
2- الشورى : 4.

والقراءات الأُخرى مروية بالتواتر ، وتستند إلى أجلّة الصحابة ، كأُبي بن كعب ، وعبد اللّه بن مسعود ، وابن عباس.

ونحن في المغرب ، لا نعرف سوى رواية ورش عن نافع ، التي تنتهي إلى ابن عباس ، ثمّ إقرار الرسول صلى اللّه عليه وآله لعمر بن الخطّاب والصحابي لمّا أختلفا في قراءة آية وغير ذلك ، أليس هذا أصلاً لاختلاف القراءات؟ وفّقكم اللّه لإصابة الحقّ ولشفاء الصدر.

ج : إنّ فقهاء الشيعة يفتون بجواز قراءة القرآن بالقراءات المشهورة ، وكون القراءات السبع مجزية عندهم ، ولكن الاختلاف بين الشيعة وأهل السنّة في كون القرآن نزل على سبعة أحرف ، حيث تنفي الشيعة هذا ، وذلك بالاعتماد على ما روي عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام.

فعن الفضيل بن يسار قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إنّ الناس يقولون : إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف ، فقال : « كذبوا أعداء اللّه ، ولكنّه نزل على حرف واحد من عند الواحد » (1).

( .... - المغرب - سنّي )

نزل على حرف واحد :

س : أودّ من فضيلة العلماء أن يرشدوني في مسألة ما تزال غامضة إلى الآن ، خاصّة أنّ كثيراً ممّن تطرّق إليها لا يوفّي حقّها ، ويترك أمام القارئ سلسلة من الاحتمالات والمفاهيم الناقصة ، التي لا تشفي غليل الباحث عن الحقّ ، ذلك أنّي قرأت كتاباً للشيخ مناع القطان بعنوان : مباحث في علوم القرآن ، تطرّق فيه إلى مسألتين مهمّتين : الحروف السبع التي أنزل عليها القرآن الكريم ، والقراءات التي يقرأ بها.

فذكر أنّ القول الراجح هو : أنّ معنى الحروف السبع المذكورة في الأحاديث هي عدد لهجات العرب ، وهذا تخفيفاً على الناس كما ذكر ، ثمّ لمّا وقع

ص: 22


1- الكافي 2 / 630.

الاختلاف والتنازع زمن عثمان بن عفّان ، تمّ جمع الناس على لغة قريش ، أمّا اختلاف القراءات يرجع إلى الرسول صلى اللّه عليه وآله وذلك بأحد أمرين :

أمّا أن يكون الاختلاف في القراءة صادراً عن النبيّ الكريم ، كقراءة ملك ومالك ، وإقرار النبيّ صلى اللّه عليه وآله سلمان الفارسي ذلك : بأنّ منهم صدّيقين ورهباناً ، بدل قسّيسين ورهباناً الآية ، وغير ذلك ممّا هو كثير ، أو أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله أقرّ من يقرأ على هذه القراءة.

إذاً ، فكُلّ قراءة توفّرت فيها الشروط ، ومنها التواتر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله هي قراءة صحيحة ، كما أنّني كنت قرأت عن بعض علمائكم أنّكم لا تعتبرون إلاّ قراءة حفص عن عاصم ، فما مصير القراءات الأُخرى؟

ج : الروايات الواردة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام في هذا المجال تقول : أنّ القرآن نزل على حرف واحد ، لا على سبع حروف كما يدّعون ، فالقرآن واحد ، نزل من عند الواحد ، أنزله الواحد على الواحد ، فهذه هي عقيدة أئمّة أهل البيت عليهم السلام بالقرآن.

وأمّا سبب اختلاف في القراءة فله تأويلات ، وأسباب كثيرة ، وعلى كُلّ حال ، فالقرآن لم ينزل على أشكال وقراءات ، وإنّما الاختلاف حصل من البشر.

( عادل عبد الحسين العطّار - البحرين - .... )

جواز قراءته في أيّام الدورة الشهرية غيباً :

س : هل يجوز لمن هي في أيّام الدورة الشهرية قراءة القرآن غيباً؟ ولكم منّي جزيل الشكر والاحترام.

ج : جوّز فقهاؤنا قراءة القرآن الكريم على ظهر الغيب - لمن هي في أيّام الدورة الشهرية - وفي المصحف ، ولكن لا تمسّ المصحف ، ولا تقرأ آيات السجدة.

ونلفت انتباهك إلى أنّ الروايات عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام وردت في جواز قراءة القرآن لمن هي في أيّام الدورة الشهرية ، إلاّ أنّها تنصّ على كراهة قراءة أكثر من سبع آيات.

ص: 23

( يوسف العاملي - المغرب - .... )

تفسير ( لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) :

س : السلام على جميع العاملين في هذا المركز العظيم ، الذي نشر تعاليم آل محمّد وعلومهم ، جعلهم اللّه شفعاؤكم يوم لا ينفع مال ولا بنون ، إلاّ من أتى اللّه بقلب سليم ، وهكذا فإنّنا نبارك لكم حلول أيّام العيد الفطر السعيد ، جعله اللّه عليكم خيراً وغفراناً من كُلّ ذنب.

لقد أرسلتم لنا في شهر رمضان المبارك هذا العام كتاب جميل جدّاً : عقائد الإمامية لكاتبه العلاّمة الشيخ محمّد رضا المظفّر ، فالشكر لكم على ما تخصصوه من العناية والرعاية لأتباع هذا المذهب في كُلّ أنحاء العالم.

لكنّني عندما قرأت هذا الكتاب الرائع استوقفتني جملة في ، وهي كالتالي : يقول العلاّمة : كما لا يجوز لمن كان على غير طهارة أن يمسّ كلماته أو حروفه ( لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) (1) سواء كان محدثاً بالحدث الأكبر ، كالجنابة والحيض والنفاس وشبهها ....

وبدوري أتساءل : هل يصحّ أن نفسّر هذه الآية بدلالتها اللفظية الظاهرية؟ ونحن نعلم جميعاً أنّ جلّ علماء الشيعة استدلّوا بهذه الآية على عمق علوم أهل البيت عليهم السلام فقالوا : إنّ تلك المعاني العميقة في القرآن لا يمكن لأحد غيرهم فهمها أو إدراكها؟ فكيف يمكن التوفيق بين ما جاء في هذا الكتاب وما قلناه نحن؟ لا تنسونا من خالص الدعاء.

ج : لا مانع من دلالة الآية الشريفة على المعنيين المذكورين بنظرتين مختلفتين في الرتبة ، فعندما ننظر إليها من زاوية الأخذ بظاهر الألفاظ ، تعطينا حكماً فقهياً يمكننا الاستدلال عليه بهذه الآية ، وحينما نريد أن نتأمّل فيها ونستنتج مفادها ، فسوف ترشدنا إلى حكم عقائدي في غاية الأهمّية ، وهو : الإشارة إلى عظمة مرتبة أهل البيت عليهم السلام العلمية ، وقد جاء هذان التفسيران للآية في مصادر الفريقين ، فلاحظ.

ص: 24


1- الواقعة : 79.

ثمّ إنّ العلاّمة المظفر قدس سره لا يريد أن ينفي التفسير الثاني ، بل كان في مقام الاستدلال بالآية على المعنى الأوّل.

( محمّد الحلّي - البحرين - .... )

فائدة الآية المنسوخة :

س : ما الفائدة من الآية المنسوخة؟

ج : يتّضح الجواب بعد بيان عدّة نقاط :

الأُولى : ما معنى النسخ؟

أ - النسخ في اللغة : هو الاستكتاب ، كالاستنساخ والانتساخ ، وبمعنى النقل والتحويل ، ومنه تناسخ المواريث والدهور ، وبمعنى الإزالة ، ومنه نسخت الشمس الظلّ ، وقد كثر استعماله في هذا المعنى في ألسنة الصحابة والتابعين ، فكانوا يطلقون على المخصّص والمقيّد لفظ الناسخ.

ب - النسخ في الاصطلاح : هو رفع أمر ثابت في الشريعة المقدّسة بارتفاع أمده وزمانه ، وسواء أكان من المناصب الإلهية أم من غيرها ، من الأُمور التي ترجع إلى اللّه تعالى بما أنّه شارع ، وهذا الأخير كما في نسخ القرآن من حيث التلاوة فقط.

الثانية : هل وقع النسخ في الشريعة الإسلامية؟

لا خلاف بين المسلمين في وقوع النسخ ، فإنّ كثيراً من أحكام الشرائع السابقة قد نسخت بأحكام الشريعة الإسلامية ، وإنّ جملة من أحكام هذه الشريعة قد نسخت بأحكام أُخرى من هذه الشريعة نفسها ، فقد صرّح القرآن الكريم بنسخ حكم التوجّه في الصلاة إلى القبلة الأُولى ، وهذا ممّا لا ريب فيه.

الثالثة : أقسام النسخ في القرآن :

1 - نسخ التلاوة دون الحكم :

ص: 25

وقد مثّلوا لذلك بآية الرجم فقالوا : إنّ هذه الآية كانت من القرآن ، ثمّ نسخت تلاوتها وبقي حكمها ، والقول بنسخ التلاوة هو نفس القول بالتحريف ، ومستند هذا القول أخبار آحاد ، وأخبار الآحاد لا أثر لها.

2 - نسخ التلاوة والحكم :

ومثّلوا لنسخ التلاوة والحكم معاً ، بما روي عن عائشة أنّها قالت : « كان فيما أُنزل من القرآن : عشر رضعات معلومات يحرّمن ، ثمّ نسخن بخمس معلومات ، فتوفّي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وهن فيما يقرأ من القرآن » (1).

والكلام في هذا القسم ، كالكلام على القسم الأوّل بعينه.

3 - نسخ الحكم دون التلاوة :

وهذا القسم هو المشهور بين العلماء والمفسّرين ، وقد ألّف فيه جماعة من العلماء كتباً مستقلّة ، وذكروا فيها الناسخ والمنسوخ ، وخالفهم في ذلك بعض المحقّقين ، فأنكروا وجود المنسوخ في القرآن ، وقد اتفق الجميع على إمكان ذلك ، وعلى وجود آيات في القرآن ناسخة لأحكام ثابتة في الشرائع السابقة ، ولأحكام ثابتة في صدر الإسلام.

الرابعة : ما الفائدة من الآية المنسوخة؟

سئل الإمام علي عليه السلام عن الناسخ والمنسوخ؟ فقال : « إنّ اللّه تبارك وتعالى بعث رسوله صلى اللّه عليه وآله بالرأفة والرحمة ، فكان من رأفته ورحمته أنّه لم ينقل قومه في أوّل نبوّته عن عادتهم ، حتّى استحكم الإسلام في قلوبهم ، وحلّت الشريعة في صدورهم ، فكان من شريعتهم في الجاهلية أنّ المرأة إذا زنت حبست في بيت ، وأقيم بأودها حتّى يأتيها الموت ، وإذا زنى الرجل نفوه من مجالسهم وشتموه ، وآذوه وعيّروه ولم يكونوا يعرفون غير هذا.

فقال اللّه تعالى في أوّل الإسلام : ( وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ ... فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً * وَاللَّذَانَ

ص: 26


1- صحيح مسلم 4 / 167 ، الجامع الكبير 2 / 309.

يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) (1).

فلمّا كثر المسلمون وقوي ، واستوحشوا أُمور الجاهلية ، أنزل اللّه تعالى : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ ... ) (2) ، فنسخت هذه الآية آية الحبس والأذى » (3).

يظهر من هذه الرواية أنّ هناك مصلحة إلهية اقتضت تغيير الحكم تدريجياً.

ومنها : بيان عظمة وقدرة الباري تعالى على تغيير الحكم ، مع وجود مصلحة مؤقّتة في كلا الحكمين ، ولكن في الحكم الأوّل كانت مصلحة مؤقّتة ، وفي الحكم الثاني كانت المصلحة دائمية ، وكلا المصلحتين كانتا بنفع المؤمنين.

ومنها : إظهار بلاغتها وإعجازها ، وغير ذلك.

( عبد اللّه - السعودية - .... )

تفصيل حول خلقه :

س : أُريد تفصيلاً عن مسألة خلق القرآن من عرض للروايات والأقوال ، مع جمع وتحليل ، وشكراً لكم.

ج : إنّ مسألة كون القرآن قديماً أو مخلوقاً ، والاختلاف في معنى المخلوق ، ونفي الإمام عليه السلام كونه مخلوقاً ، وإنّما كلام اللّه ، ويريد بذلك نفي ما ربما يتصوّر من كونه مخلوقاً أن يطرأ عليه الكذب ، أو احتمال أن يكون منحولاً ، وإلاّ فلا مجال للاختلاف من كون كلام اللّه حادثاً ، ومع هذا فهو غير مخلوق ، بمعنى غير مكذوب.

ص: 27


1- النساء : 15 - 16.
2- النور : 2.
3- بحار الأنوار 90 / 6.

روي عن عبد الرحيم أنّه قال : كتبت على يدي عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد اللّه عليه السلام : جعلت فداك أُختلف الناس في القرآن ، فزعم قوم أنّ القرآن كلام اللّه غير مخلوق ، وقال آخرون : كلام اللّه مخلوق؟

فكتب عليه السلام : « فإنّ القرآن كلام اللّه محدث غير مخلوق ، وغير أزلي مع اللّه تعالى ذكره ، وتعالى عن ذلك علوّاً كبيراً ، كان اللّه عزّ وجلّ ولا شيء غير اللّه معروف ولا مجهول ، كان عزّ وجلّ ولا متكلّم ولا مريد ، ولا متحرّك ولا فاعل ، جلّ وعزّ ربّنا.

فجميع هذه الصفات محدثة غير حدوث الفعل منه ، عزّ وجلّ ربّنا ، والقرآن كلام اللّه غير مخلوق ، فيه خبر من كان قبلكم ، وخبر ما يكون بعدكم ، أُنزل من عند اللّه على محمّد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله » (1).

قال الشيخ الصدوق قدس سره : « كان المراد من هذا الحديث ما كان فيه من ذكر القرآن ، ومعنى ما فيه أنّه غير مخلوق أي غير مكذوب ، ولا يعني به أنّه غير محدث ، لأنّه قال : محدث غير مخلوق ، وغير أزلي مع اللّه تعالى ذكره » (2).

وقال أيضاً : « قد جاء في الكتاب أنّ القرآن كلام اللّه ، ووحي اللّه ، وقول اللّه ، وكتاب اللّه ، ولم يجيء فيه أنّه مخلوق ، وإنّما امتنعنا من إطلاق المخلوق عليه لأنّ المخلوق في اللغة قد يكون مكذوباً ، ويقال : كلام مخلوق أي مكذوب ، قال اللّه تبارك وتعالى : ( إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا ) (3) أي كذباً ، وقال تعالى حكاية عن منكري التوحيد : ( مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاَقٌ ) (4) أي افتعال وكذب.

فمن زعم أنّ القرآن مخلوق بمعنى أنّه مكذوب فقد كذب ، ومن قال : أنّه غير مخلوق بمعنى أنّه غير مكذوب فقد صدق ، وقال الحقّ والصواب ، ومن

ص: 28


1- التوحيد : 227.
2- المصدر السابق : 229.
3- العنكبوت : 7.
4- ص : 7.

زعم أنّه غير مخلوق بمعنى أنّه غير محدث ، وغير منزل وغير محفوظ ، فقد أخطأ وقال غير الحقّ والصواب.

وقد أجمع أهل الإسلام على أنّ القرآن كلام اللّه عزّ وجلّ على الحقيقة دون المجاز ، وأنّ من قال غير ذلك فقد قال منكراً وزوراً ، ووجدنا القرآن مفصّلاً وموصلاً ، وبعضه غير بعض ، وبعضه قبل بعض ، كالناسخ الذي يتأخّر عن المنسوخ ، فلو لم يكن ما هذه صفته حادثاً بطلت الدلالة على حدوث المحدثات ، وتعذّر إثبات محدثها ، بتناهيها وتفرّقها واجتماعها.

وشيء آخر : وهو أنّ العقول قد شهدت ، والأُمّة قد أجمعت : أنّ اللّه عزّ وجلّ صادق في أخباره ، وقد علم أنّ الكذب هو أن يخبر بكون ما لم يكن ، وقد أخبر اللّه عزّ وجلّ عن فرعون وقوله : ( أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى ) (1) ، وعن نوح أنّه : ( وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ ) (2).

فإن كان هذا القول وهذا الخبر قديماً ، فهو قبل فرعون وقبل قوله ما أخبر عنه ، وهذا هو الكذب ، وإن لم يوجد إلاّ بعد أن قال فرعون ذلك ، فهو حادث ، لأنّه كان بعد أن لم يكن.

وأمر آخر وهو : أنّ اللّه عزّ وجلّ قال : ( وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ) (3) ، وقوله : ( مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ) (4) ، وما له مثل ، أو جاز أن يعدم بعد وجوده ، فحادث لا محالة » (5).

وقال الشيخ الطوسي : « كلام اللّه تعالى فعله ، وهو محدث ، وامتنع أصحابنا من تسميته بأنّه مخلوق ، لما فيه من الإيهام بكونه منحولاً ، وقال

ص: 29


1- النازعات : 24.
2- هود : 42.
3- الإسراء : 86.
4- البقرة : 106.
5- التوحيد : 225.

أكثر المعتزلة : أنّه مخلوق ، وفيهم من منع من تسميته بذلك ، وهو قول أبي عبد اللّه البصري وغيره.

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمّد : أنّه مخلوق ، قال محمّد : وبه قال أهل المدينة ، قال الساجي : ما قال به أحد من أهل المدينة ، قال أبو يوسف : أوّل من قال بأنّ القرآن مخلوق أبو حنيفة ، قال سعيد بن سالم : لقيت إسماعيل بن حماد ابن أبي حنيفة في دار المأمون ، فقال : إنّ القرآن مخلوق ، هذا ديني ودين أبي وجدّي.

وروي عن جماعة من الصحابة الامتناع من تسميته بأنّه مخلوق ، وروي ذلك عن علي عليه السلام أنّه قال يوم الحكمين : « واللّه ما حكمت مخلوقاً ، ولكنّي حكمت كتاب اللّه » ، وروي ذلك عن أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وابن مسعود ، وبه قال جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام - فإنّه سئل عن القرآن - فقال : « لا خالق ولا مخلوق ، ولكنّه كلام اللّه تعالى ووحيه وتنزيله » ، وبه قال أهل الحجاز.

وقال سفيان بن عيينة : سمعت عمرو بن دينار وشيوخ مكّة منذ سبعين سنة يقولون : إنّ القرآن غير مخلوق ، وقال إسماعيل بن أبي أويس : قال مالك : القرآن غير مخلوق ، وبه قال أهل المدينة ، وهو قول الأوزاعي وأهل الشام ، وقول الليث بن سعد ، وأهل مصر ، وعبيد اللّه بن الحسن العنبري البصري ، وبه قال من أهل الكوفة ابن أبي ليلى وابن شبرمة ، وهو مذهب الشافعي ، إلاّ أنّه لم يرو عن واحد من هؤلاء أنّه قال : القرآن قديم ، أو كلام اللّه قديم ، وأوّل من قال بذلك الأشعري ومن تبعه على مذهبه ، ومن الفقهاء من ذهب مذهبه.

دليلنا على ما قلناه : ما ذكرناه في الكتاب في الأُصول ليس هذا موضعها ، فمنها قوله : ( مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ ) (1) فسمّاه

ص: 30


1- الأنبياء : 2.

محدثاً ، وقال : ( إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ) (1) ، وقال : ( بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ) (2) فسمّاه عربياً ، والعربية محدثة ، وقال : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ ) (3) ، وقال : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ ) (4) فوصفه بالتنزيل.

وهذه كُلّها صفات المحدث ، وذلك ينافي وصفه بالقدم ، ومن وصفه بالقدم فقد أثبت مع اللّه تعالى قديماً آخر ، وذلك خلاف ما أجمع عليه الأُمّة في عصر الصحابة والتابعين ، ومن بعدهم إلى أيّام الأشعري ، وليس هذا موضع تقصّي هذه المسألة ، فإنّ الغرض هاهنا الكلام في الفروع.

وروي عن نافع قال : قلت لابن عمر : سمعت من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في القرآن شيئاً؟ قال : نعم ، سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول : « القرآن كلام اللّه غير مخلوق ، ونور من نور اللّه » ، ولقد أقرّ أصحاب التوراة : أنّه كلام اللّه ، وأقرّ أصحاب الإنجيل : أنّه كلام اللّه.

وروى أبو الدرداء أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قال : « القرآن كلام اللّه غير مخلوق ».

وقد مدح الصادق عليه السلام بما حكيناه عنه بالنظم ، فقال بعض الشعراء لاشتهاره عنه :

قد سأل عن ذا الناس من قبلكم *** ابن النبيّ المرسل الصادق

فقال قولاً بيّناً واضحاً *** ليس بقول المعجب المايق

كلام ربّي لا تمارونه *** ليس بمخلوق ولا خالق

جعفر ذا الخيرات فافخر به *** ابن الوصي المرتضى السابق (5)

وفي الختام ننقل لكم عدّة روايات حول الموضوع ، وذلك لأهمّيته القصوى :

ص: 31


1- الزخرف : 3.
2- الشعراء : 194.
3- الحجر : 9.
4- النحل : 44.
5- الخلاف 6 / 118.

1 - عن ابن خالد قال : قلت للرضا عليه السلام : يا بن رسول اللّه أخبرني عن القرآن أخالق أو مخلوق؟ فقال : « ليس بخالق ولا مخلوق ، ولكنّه كلام اللّه عزّ وجلّ » (1).

2 - عن الريّان بن الصلت قال : قلت للرضا عليه السلام : ما تقول في القرآن؟ فقال : « كلام اللّه لا تتجاوزوه ، ولا تطلبوا الهدى في غيره فتضلّوا » (2).

3 - عن علي بن سالم ، عن أبيه قال : سألت الصادق عليه السلام فقلت له : يا بن رسول اللّه ، ما تقول في القرآن؟ فقال : « هو كلام اللّه ، وقول اللّه ، وكتاب اللّه ، ووحي اللّه وتنزيله ، وهو الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد » (3).

4 - عن اليقطيني قال : كتب علي الرضا عليه السلام إلى بعض شيعته ببغداد : « بسم اللّه الرحمن الرحيم ، عصمنا اللّه وإيّاك من الفتنة ، فإن يفعل فأعظم بها نعمة ، وإلاّ يفعل فهي الهلكة ، نحن نرى أنّ الجدال في القرآن بدعة ، اشترك فيها السائل والمجيب ، فتعاطى السائل ما ليس له ، وتكلّف المجيب ما ليس عليه ، وليس الخالق إلاّ اللّه ، وما سواه مخلوق ، والقرآن كلام اللّه ، لا تجعل له اسماً من عندك ، فتكون من الضالّين ، جعلنا اللّه وإيّاك من الذين يخشون ربّهم بالغيب ، وهم من الساعة مشفقون » (4).

5 - عن الجعفري قال : قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام : يا بن رسول اللّه ما تقول في القرآن؟ فقد أُختلف فيه من قبلنا ، فقال قوم : إنّه مخلوق ، وقال قوم : إنّه غير مخلوق ، فقال عليه السلام : « أمّا إنّي لا أقول في ذلك ما يقولون ، ولكنّي أقول : إنّه كلام اللّه عزّ وجلّ » (5).

ص: 32


1- التوحيد : 223.
2- نفس المصدر السابق.
3- نفس المصدر السابق.
4- نفس المصدر السابق.
5- نفس المصدر السابق.

6 - عن فضيل بن يسار قال : سألت الرضا عليه السلام عن القرآن ، فقال لي : « هو كلام اللّه » (1).

7 - عن زرارة قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن القرآن ، فقال لي : « لا خالق ولا مخلوق ، ولكنّه كلام الخالق » (2).

8 - عن زرارة قال : سألته عن القرآن أخالق هو؟ قال : « لا » ، قلت : أمخلوق؟ قال : « لا ، ولكنّه كلام الخالق » (3).

9 - عن ياسر الخادم عن الرضا عليه السلام أنّه سئل عن القرآن فقال : « لعن اللّه المرجئة ، ولعن اللّه أبا حنيفة ، إنّه كلام اللّه غير مخلوق ، حيث ما تكلّمت به ، وحيث ما قرأت ونطقت ، فهو كلام وخبر وقصص » (4).

10 - هشام المشرقي أنّه دخل على أبي الحسن الخراساني عليه السلام ، فقال : إنّ أهل البصرة سألوا عن الكلام فقالوا : إنّ يونس يقول : إنّ الكلام ليس بمخلوق ، فقلت لهم : صدق يونس إنّ الكلام ليس بمخلوق ، أما بلغكم قول أبي جعفر عليه السلام حين سئل عن القرآن : أخالق هو أو مخلوق؟ فقال لهم : « ليس بخالق ولا مخلوق ، إنّما هو كلام الخالق » ، فقوّيت أمر يونس (5).

( أبو مهدي - ... - ..... )

كيفية تصحيح الآراء المختلفة في تفسيره :

س : نسمع كثيراً عن اختلاف أصحاب المذاهب الأربعة في تفسير القرآن ، مثل محتوى التابوت الذي فيه آثار آل موسى وهارون ، والمفسّر يستشهد بهذه الآراء المختلفة على أنّها صحيحة.

ص: 33


1- تفسير العيّاشي 1 / 6.
2- نفس المصدر السابق.
3- نفس المصدر السابق.
4- نفس المصدر السابق.
5- اختيار معرفة الرجال 2 / 784.

أرجو إعطاء بعض التفصيل ، ولكم جزيل الشكر.

ج : إنّ أصحاب المذاهب الأربعة يجتهدون بآرائهم ، واختلافهم يكون اختلاف بين مجتهدين - وهذا بخلاف أقوال الأئمّة عليهم السلام ، فإنّهم معصومون يستقون العلم من أصل أصيل - وعليه فإذا وجد اختلاف في رواياتهم في تفسير القرآن ، فهنا تجري عدّة مراحل :

1 - ملاحظة الأسانيد أوّلاً ، ليعمل بالصحيح المروي عنهم.

2 - بعد التسليم بصحّة الأسانيد ، فإنّ الاختلاف في تفسير القرآن محمول على تعدّد معاني هذه الآيات ، وأنّ للقرآن عدّة بطون ، ولكُلّ بطن بطون ....

وأمّا التابوت الذي فيه آثار موسى ، فبعد التسليم بصحّة أسانيد كُلّ ما ورد من روايات في محتوى التابوت ، فلعلّ أنّ كُلّ رواية ناظرة إلى قسم من محتويات التابوت ، والجمع فيما بينها يعطينا نظرة عن محتويات التابوت.

( عبد اللّه - الكويت - 28 سنة - خرّيج ثانوية )

مراحل نزوله :

س : تحية طيّبة وبعد : كيف نزل القرآن الكريم؟ وما هي المراحل التي استغرقها نزوله؟ وهل نزل جملة واحدة على قلب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟ أم نزل على فترات متباعدة؟

وهل نحن الشيعة نعتقد كما يعتقد أهل السنّة ، بأنّ القرآن الكريم نزل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بفترات متباعدة ، ولم ينزل جملة واحدة؟

أتمنّى أنّي أجد منكم الإجابة الوافية مع الأدلّة القاطعة ، ومن كتب الطرفين ، إنّ كنا نختلف معهم بالرأي ، وأكون لكم من الشاكرين.

ج : لاشكّ أنّ القرآن نزل تدريجاً ، وأنّ آياته تتابعت طبق المناسبات والظروف ، التي كانت تمر بها الرسالة الإلهية في مسيرتها ، تحت قيادة الرسول الكريم صلى اللّه عليه وآله ، وقد لمّحت إلى هذا النزول التدريجي للقرآن الآية

ص: 34

الكريمة : ( وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً ) (1) ، وقوله تعالى : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ القرآن جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً ) (2).

ومع ذلك فإنّ هناك نصوصاً قرآنية تشير إلى دفعية النزول القرآني على ما يفهم من ظاهرها ، وذلك كما في الآيات المباركة التالية : قال تعالى : ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ القرآن هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) (3) ، وقال تعالى : ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ) (4) ، وقال تعالى : ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) (5).

وقد أختلف الباحثون في وجه الجمع بين الأمرين ، وقد ذكروا في ذلك آراء ونظريات ، نذكر فيما يلي أهمّها :

النظرية الأُولى : وهي التي تعتبر للقرآن نزولين.

النزول الأوّل إلى البيت المعمور ، أو بيت العزّة - حسب بعض التعابير - وهذا هو النزول الدفعي الذي أشارت إليه بعض الآيات السابقة ، والنزول الثاني على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بالتدريج ، وطيلة المدّة التي كان يمارس فيها مهمّته القيادية في المجتمع الإسلامي.

وقد خالف المحقّقون من علماء القرآن هذا الرأي ، ورفضوا النصوص التي وردت فيها ، ورموها بالضعف والوهن ، وأقاموا شواهد على بطلانه.

وأهمّ ما يرد على هذه النظرية يتلخّص في شيئين :

ص: 35


1- الإسراء : 106.
2- الفرقان : 32.
3- البقرة : 185.
4- الدخان : 3.
5- القدر : 1.

1 - ورود الآيات القرآنية في بعض المناسبات الخاصّة ، بحيث لا يعقل التكلّم بتلك الآية قبل تلك المناسبة المعيّنة.

2 - عدم تعقّل فائدة النزول الأوّل للقرآن من حيث هداية البشر ، فلا وجه لهذه العناية به في القرآن والاهتمام به.

النظرية الثانية : إنّ المراد من إنزاله في شهر رمضان ، وفي ليلة ابتداء القدر منه ، ابتداء إنزاله في ذلك الوقت ، ثمّ استمر نزوله بعد ذلك على الرسول صلى اللّه عليه وآله بالتدريج ، ووفقاً للمناسبات والمقتضيات.

ويبدو أنّ هذا الرأي هو الذي استقطب أنظار الأغلبية من محققّي علوم القرآن والتفسير ، نظراً إلى كونه أقرب الآراء إلى طبيعة الأُمور ، وأوفقها مع القرائن ، وظواهر النصوص القرآنية ، فإنّ القرآن يطلق على القرآن كُلّه ، كما يطلق على جزء منه ، ولذلك كان للقليل من القرآن نفس الحرمة والشرف الثابتين للكثير منه.

وتأييداً لهذه الفكرة ، فإنّنا نحاول الاستفادة من التعابير الجارية بين عامّة الناس حين يقولون مثلاً : سافرنا إلى الحجّ في التاريخ الفلاني ، وهم لا يريدون بذلك إلاّ مبدأ السفر ، أو : نزل المطر في الساعة الفلانية ، ويقصد به ابتداء نزوله ، فإنّه قد يستمر إلى ساعات ، ومع ذلك يصحّ ذلك التعبير.

ولابدّ أن نضيف على هذا الرأي إضافة توضيحية وهي : أنّ المقصود من كون ابتداء النزول القرآني في ليلة القدر من شهر رمضان ليس ابتداء الوحي على النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، لأنّه كان لسبع وعشرين خلون من رجب - على الرأي المشهور - وكانت الآيات التي شعّت من نافذة الوحي على قلب الرسول صلى اللّه عليه وآله لأوّل مرّة هي : ( اقْرَأْ بِاسْمِ ... ) (1).

ثمّ انقطع الوحي عنه لمدّة طويلة ، ثمّ ابتدأ الوحي من جديد في ليلة القدر من شهر رمضان ، وهذا الذي تشير إليه الآية المباركة ، واستمرّ الوحي عليه صلى اللّه عليه وآله

ص: 36


1- العلق : 1.

حتّى وفاته ، وبما أنّ هذا كان بداية استمرار النزول القرآني ، فقد صحّ اعتباره بداية لنزول القرآن.

النظرية الثالثة : وهي النظرية التي اختصّ بها العلاّمة الطباطبائي ، وهي تمثّل لوناً جديداً من ألوان الفكر التفسيري ، انطبعت بها مدرسة السيّد الطباطبائي في التفسير ، وهذه النظرية تعتمد على مقدّمات ثلاث ، تتلخّص فيما يلي :

1 - هناك فرق بين « الإنزال » و « التنزيل » ، والإنزال إنّما يستعمل فيما إذا كان المنزل أمراً وحدانياً نزل بدفعة واحدة ، والتنزيل إنّما يستعمل فيما إذا كان المنزل أمراً تدريجياً ، وقد ورد كلا التعبيرين حول نزول القرآن : ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ) ، ( وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً ) (1).

والتعبير ب- « الإنزال » إنّما هو في الآيات التي يشار فيها إلى نزول القرآن في ليلة القدر ، أو شهر رمضان ، بخلاف الآيات الأُخرى التي يعبر فيها ب- « التنزيل ».

2 - هناك آيات يستشعر منها أنّ القرآن كان على هيئة وحدانية ، لا أجزاء فيها ولا أبعاض ، ثمّ طرأ عليه التفصيل والتجزئة ، فجعل فصلاً فصلاً ، وقطعة قطعة ، قال تعالى : ( كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ) (2).

فهذه الآية ظاهرة في أنّ القرآن حقيقة محكمة ، ثمّ طرأ عليها التفصيل والتفريق بمشيئة اللّه تعالى ، والأحكام الذي يقابل التفصيل هو وحدانية الشيء وعدم تركّبه وتجزّئه.

3 - هناك آيات قرآنية تشير إلى وجود حقيقة معنوية للقرآن غير هذه الحقيقة الخارجية اللقيطة ، وقد عبّر عنها في القرآن ب- « التأويل » في غير واحدة من الآيات ، قال تعالى : ( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ

ص: 37


1- الإسراء : 106.
2- هود : 1.

كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ) (1) ، وقال تعالى : ( وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ ) (2).

فالتأويل على ضوء الاستعمال القرآني هو الوجود الحقيقي والمعنوي للقرآن ، وسوف يواجه المنكرون للتنزيل الإلهي تأويله وحقيقته المعنوية يوم القيامة.

واستنتاجاً من هذه المقدّمات الثلاث ، فللقرآن إذاً حقيقة معنوية وحدانية ليست من عالمنا هذا العالم المتغيّر المتبدّل ، وإنّما هي من عالم أسمى من هذا العالم ، لا ينفذ إليه التغيّر ، ولا يطرأ عليه التبديل.

وتلك الحقيقة هو الوجود القرآني المحكم ، الذي طرأ عليه التفصيل بإرادة من اللّه جلّت قدرته ، كما أنّه هو التأويل القرآني الذي تلمح إليه آيات الكتاب العزيز.

وإذا آمنا بهذه الحقيقة ، فلا مشكلة إطلاقاً في الآيات التي تتضمّن نزول القرآن نزولاً دفعياً في ليلة القدر ، وفي شهر رمضان ، فإنّ المقصود بذلك الإنزال هو هبوط الحقيقة المعنوية للوجود القرآني على قلب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وانكشاف ذلك الوجود التأويلي الحقيقي للقرآن أمام البصيرة الشفّافة النبوية ، فإنّ هذا الوجود المعنوي هو الذي يناسبه الإنزال الدفعي ، كما أنّ الوجود اللفظي التفصيلي للقرآن هو الذي يناسبه التنزيل التدريجي.

وليس المقصود ممّا ورد من روايات عن أهل البيت عليهم السلام حول النزول الأوّل للقرآن في البيت المعمور إلاّ نزوله على قلب النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فإنّه هو البيت المعمور الذي تطوف حوله الملائكة ، وقد رمز إليها الحديث بهذا التعبير الكنائي.

وهذه النظرية مع ما تتّصف به من جمال معنوي ، لا نجد داعياً يدعونا إلى تكلّفها ، كما لا نرى داعياً يدعونا إلى محاولة نقضه وتكلّف ردّه ، فليست النظرية هذه تتضمّن أمراً محالاً ، كما لا لزوم في الأخذ بها بعد أن وجدنا لحلّ المشكلة ما هو أيسر هضماً وأقرب إلى الذهن.

ص: 38


1- يونس : 38 - 39.
2- الأعراف : 52 - 53.

( إبراهيم - المغرب - .... )

معجزته غير البلاغية :

س : هل تضمّن القرآن جوانب أُخرى غير معجزة البلاغة والفصاحة ، تصلح مؤيّداً لنبوّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟ وأنّه المبعوث بحقّ من اللّه تعالى؟

ج : لقد تضمّن القرآن الكريم جملة مؤيّدات في هذا المجال ، نكتفي بذكر مؤيّدين فيها :

الأوّل : الإخبار عن الغيب.

إنّ في القرآن إشارات إلى وقوع بعض الحوادث ، والتي لم تكن قد وقعت بعد ، منها حادثة انتصار الروم على الفرس من بعد انكسارهم ، قال تعالى : ( الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ ) (1).

حيث انتصرت الإمبراطورية الفارسية على الإمبراطورية الرومانية عام 614 م - أي بعد أربع سنوات من ظهور الإسلام - وانتصرت الإمبراطورية الرومانية على الإمبراطورية الفارسية عام 622 م ، الموافق للسنة الثانية للهجرة.

فتحقّق تنبّؤ القرآن الكريم ، وأثبت ما وعد اللّه تعالى من نصرة الروم على الفرس.

الثاني : الإخبار عن بعض الظواهر والقوانين الكونية.

لابدّ من التأكّد أوّلاً على أنّ القرآن ليس إلاّ كتاب هداية ، والهدف منه صنع الإنسان وسوقه إلى طريق الكمال والرقي ، ولا دخل له في ملاحظة ومتابعة الشؤون والمفردات المتعلّقة بالعلوم الأُخرى.

ومع هذا ، فقد أشار القرآن إلى بعض الظواهر والسنن الطبيعية ، ليجعلها دليلاً على وجود اللّه تعالى وعظمته ، وحقانية دعوة الأنبياء إلى ربّهم ، ومن تلك الظواهر العلمية التي أشار إليها القرآن الكريم :

ص: 39


1- الروم : 1 - 3.

1 - قانون الجاذبية : الذي اكتشفه نيوتن في القرن السابع عشر الميلادي ، والذي أكّد عليه نيوتن في هذا القانون هو : أنّ الجاذبية قانون عام ، وحاكم على أرجاء الوجود المادّي كافّة ، بينما هذه الفكرة مسلّمة في منطق القرآن ، وقبل نيوتن بألف عام.

قال تعالى : ( اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى ) (1).

2 - قانون الزوجية العام : الذي اكتشفه العالم السويدي شارك لينيه ، عام 1731 م ، والذي أكّد من خلاله على أنّ الأنوثة والذكورة حقيقة ثابتة في النبات ، وأنّ الأشجار لا يتمّ الحصول على ثمرها إلاّ من خلال تلقيح بذور النبات الذكري للنبات الأنثوي.

بينما القرآن الكريم أثبت وجود هذه الحقيقة لكُلّ الموجودات بقوله تعالى : ( وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (2) ، وأنّ تلقيح النباتات يتمّ عن طريق الرياح لقوله تعالى : ( وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ ) (3).

3 - قد بيّن القرآن الكريم مسألة حركة الأرض ، والأجرام السماوية بقوله : ( لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) (4) ، في الوقت الذي تضارب فيه آراء علماء الهيئة في اليونان.

( رضا شريعتي - إيران - 40 سنة - دكتور )

أُمّ الكتاب :

س : ما أُمّ الكتاب؟ هل هي بنفسها الإمام المبين؟ والكتاب المكنون؟ واللوح المحفوظ؟ والكتاب المبين؟ ومحكمات القرآن؟ وأمير المؤمنين؟ والأئمّة عليهم السلام؟

ص: 40


1- الرعد : 3.
2- الذاريات : 49.
3- الحجر : 22.
4- يس : 40.

ج : إنّ المعاني التي ذكرتها يطلق عليها أُمّ الكتاب على بعض الأقوال ، فالنذكر المعاني مع الأقوال :

1 - الإمام المبين ، ورد في تفسير الصافي ما نصّه : « في المجمع أنّ بني سلمة كانوا في ناحية من المدينة ، فشكوا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بُعد منازلهم من المسجد والصلاة معه ، فنزلت الآية ( وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ) (1) ، قيل : يعني اللوح المحفوظ ، والقمّي يعني في كتاب مبين » (2).

فعلى هذا القول الذي نقله الفيض الكاشاني ، أنّ الإمام المبين هو اللوح المحفوظ ، وقد ذكر في معنى اللوح المحفوظ أنّه أُمّ الكتاب ، إذاً فالإمام المبين هو أُمّ الكتاب.

وورد في تفسير الميزان ما نصّه : « والمراد بكتابة ما قدّموا وآثارهم ، ثبتها في صحائف أعمالهم وضبطها فيها ، بواسطة كتبة الأعمال من الملائكة ، وهذه الكتابة غير كتابة الأعمال وإحصائها في الإمام المبين ، الذي هو اللوح المحفوظ » (3).

فيرى السيّد الطباطبائي : أنّ الإمام المبين هو اللوح المحفوظ ، والنتيجة كسابقه أي : أنّ الإمام المبين هو أُمّ الكتاب.

2 - الكتاب المكنون ، قال العلاّمة الطباطبائي ما نصّه : « ثمّ إنّه تعالى قال : ( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ * لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) (4) ، ولا شبهة في ظهور الآيات في أنّ المطّهرين من عباد اللّه هم يمسّون القرآن الكريم الذي في الكتاب المكنون ، والمحفوظ من التغيّر ، ومن التغيّر تصرف الأذهان بالورود عليه والصدور منه ، وليس هذا المس إلاّ نيل الفهم والعلم ، ومن المعلوم أيضاً أنّ الكتاب المكنون هذا هو أُمّ الكتاب المدلول عليه بقوله : ( يَمْحُو اللّهُ

ص: 41


1- يس : 12.
2- تفسير الصافي 4 / 246.
3- الميزان في تفسير القرآن 17 / 66.
4- الواقعة : 77 - 79.

مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) (1) ، وهو المذكور في قوله : ( وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) (2) » (3).

فيرى السيّد الطباطبائي أنّ الكتاب المكنون هو أُمّ الكتاب.

3 - اللوح المحفوظ ، ورد في تفسير مجمع البيان في تفسير هذه الآية ما نصّه : « ( وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ ) من القرآن ( تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ ) أي : لمعرفتهم بأنّ المتلوّ عليهم كلام اللّه ، وأنّه حقّ ( يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا ) أي : صدّقنا بأنّه كلامك أنزلته على نبيّك ( فَاكْتُبْنَا ) أي : فاجعلنا بمنزلة من قد كتب ودوّن.

وقيل : فاكتبنا في أُمّ الكتاب ، وهو اللوح المحفوظ ( مَعَ الشَّاهِدِينَ ) أي : مع محمّد وأُمّته الذين يشهدون بالحقّ ، عن ابن عباس (4) » (5).

فعلى هذا القول الذي نقله الشيخ الطبرسي ، أنّ أُمّ الكتاب هو اللوح المحفوظ.

4 - الكتاب المبين ، ورد في تفسير نور الثقلين ما نصّه : « عن يعقوب بن جعفر ابن إبراهيم قال : كنت عند أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام ، إذ أتاه رجل نصراني فقال : إنّي أسألك أصلحك اللّه ، فقال : « سل » ، فقال : أخبرني عن كتاب اللّه الذي أُنزل على محمّد ، ونطق به ، ثمّ وصفه بما وصفه ، فقال : ( حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ) (6) ، ما تفسيرها في الباطن؟

ص: 42


1- الرعد : 39.
2- الزخرف : 4.
3- الميزان في تفسير القرآن 3 / 54.
4- المائدة : 83.
5- مجمع البيان 3 / 402.
6- الزخرف : 1 - 3.

فقال : « أمّا حم فهو محمّد صلى اللّه عليه وآله ، وهو في كتاب هود الذي أُنزل عليه ، وهو منقوص الحروف ، وأمّا الكتاب المبين فهو أمير المؤمنين علي عليه السلام ، وأمّا الليلة ففاطمة عليها السلام ... » (1).

فالكتاب المبين هو أمير المؤمنين علي عليه السلام ، وعلي هو أُمّ الكتاب ، إذاً يمكن أن يقال : أنّ الكتاب المبين هو أُمّ الكتاب.

قال العلاّمة الطباطبائي : « ولا مانع من أن يرزق اللّه عبداً وحده ، وأخلص العبودية له العلم بما في الكتاب المبين ، وهو عليه السلام سيّد الموحّدين بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله » (2).

5 - محكمات القرآن أو الآيات المحكمات ، أطلق عليها المولى عزّ وجلّ أنّها أُمّ الكتاب في قوله : ( هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ... ) (3).

6 - الإمام أمير المؤمنين عليه السلام والأئمّة من ولده ، ذكر ابن عباس عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال : « أنا واللّه الإمام المبين ، أُبيّن الحقّ من الباطل ، وورثته من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله » (4).

فعلي عليه السلام إمام مبين ، والإمام المبين هو أُمّ الكتاب ، إذاً يمكن أن يقال : أنّ علياً عليه السلام هو أُمّ الكتاب.

وفي أُصول الكافي : « عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله تعالى : ( هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ) قال : أمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام ، ( وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ) قال : فلان وفلان ، ( فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ ) أصحابهم وأهل ولايتهم ، ( فَيَتَّبِعُونَ مَا

ص: 43


1- تفسير نور الثقلين 4 / 623.
2- الميزان في تفسير القرآن 17 / 70.
3- آل عمران : 7.
4- تفسير القمّي 2 / 212.

تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) أمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام » (1).

( أبو مهدي - السعودية - .... )

بحث في القراءات :

س : من فوائد إثبات عدم تحريف القرآن هي القدرة على استنباط الأحكام والمفاهيم من القرآن الكريم ، مع اليقين بأنّها صادرة عن اللّه تعالى ، وبالتالي نستطيع الاعتماد على القرآن الكريم في جميع أُمورنا الدينية.

لكنّ مع وجود قراءات مختلفة للقرآن الكريم - سبع قراءات - فذلك قد ينفي الفائدة المذكورة أعلاه ، أو يقلّل من شأنها ، بسبب عدم يقيننا بالنصّ الوارد في القرآن الكريم.

كمثال واضح : قال تعالى : ( فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا ) (2) ، وبحسب إحدى القراءات ، كما سمعت في إحدى المحاضرات ( وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتْكاً ) وهو نوع من الفاكهة ، فالمعنى يتراوح بين المتّكَأ والفاكهة.

فتغيّر القراءات بغير المعاني ، وبالتالي قد تتغيّر المفاهيم والأحكام تبعاً لذلك ، فكيف نوفّق بين القراءات وبين حفظ القرآن الكريم؟ وبالخصوص في المثال الذي ذكرت ، شاكرين لكم جهودكم ، ونسألكم الدعاء.

ج : إنّ ثبوت القرآن واتصاف كلام بكونه كذلك - أي قراناً - ينحصر طريقه بالتواتر ، كما أطبق عليه المسلمون بجميع نحلهم المختلفة ومذاهبهم المتفرّقة.

والمعروف عن الشيعة الإمامية : أنّ القراءات غير متواترة ، بل هي بين ما هو اجتهاد من القارئ ، وبين ما هو منقول بخبر الواحد ، واختار هذا القول جماعة

ص: 44


1- الكافي 1 / 414.
2- يوسف : 31.

من المحققّين من العامّة ، ولا يبعد دعوى كونه هو المشهور بينهم ، وهناك أدلّة كثيرة يُستدل بها على عدم تواتر القراءات.

ومن ضمن الأخبار الوارد في ذلك ، خبر الفضيل بن يسار قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إنّ الناس يقولون : إنّ القرآن على سبعة أحرف ، فقال : « كذبوا أعداء اللّه ، ولكنّه نزل على حرف واحد من عند واحد » (1) ، ويؤيّده خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : « إنّ القرآن واحد نزل من عند واحد ، ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة » (2).

وبعد معرفة عدم تواتر القراءات ، لا يبقى مجال للاستدلال بتلك القراءات ، إلاّ أن يقال : إنّها أخبار آحاد ، وتشملها الأدلّة القطعية الدالّة على حجّية خبر الواحد ، ولكنّ هذا غير ظاهر ، لعدم ثبوت كونها رواية ، بل يحتمل أن تكون اجتهادات من القرّاء واستنباطات منهم ، وقد صرّح بعض الأعلام بذلك.

وعلى فرض كونها رواية ، إلاّ أنّه لم يحرز كونها مستوفية لشرائط الحجّية ، ومع جمعها للشرائط يبقى أنّه مع العلم الإجمالي بعدم صدور بعضها عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله يقع بينها التعارض ، ولابدّ من إعمال قواعد التعارض من الترجيح أو التخيير ، فلا يبقى مجال لدعوى الحجّية ، وجواز الاستدلال بكُلّ واحدة منها ، كما هو الظاهر.

وقد صرّح السيّد الخوئي بعدم الحجّية بقوله : « ولكنّ الحقّ عدم حجّية هذه القراءات ، فلا يستدلّ بها على الحكم الشرعي ، والدليل على ذلك أنّ كُلّ واحد من هؤلاء القرّاء يحتمل فيه الغلط والاشتباه ، ولم يرد دليل من العقل ، ولا من الشرع على وجوب إتباع قارئ منهم بالخصوص ، وقد استقلّ العقل ، وحكم الشرع بالمنع عن إتباع غير العلم » (3).

ص: 45


1- الكافي 2 / 630.
2- نفس المصدر السابق.
3- البيان في تفسير القرآن : 164.

أمّا ما يتعلّق بجواز القراءة بتلك القراءات ، فقد ورد عنهم عليهم السلام إمضاء القراءات المعروفة في زمانهم عليهم السلام ، بقولهم : « اقرأ كما يقرأ الناس » (1).

وبعد كُلّ هذا ، وما عرفت من عدم الاعتماد على تلك القراءات في استنباط الحكم الشرعي ، ينحلّ ما أشكل عليك في الآية القرآنية التي استشهدت بها ، إضافة إلى أنّ صاحب مجمع البيان نقل عن الطبري قوله : « وروي في الشواذ قراءة مجاهد متكاً خفيفة ساكنة التاء » (2).

( ... - ... - ..... )

معنى نزوله على سبعة أحرف :

س : السادة الأعزاء ، أودّ الاستفسار عن موضوع نزول القرآن على سبعة أحرف ، كما يقول أبناء المذاهب الأُخرى ، فهل هذا الشيء يقول به الشيعة؟ وكيف ذلك ، أرجو الإفادة عنه ، مشكورين ومقدّرين.

ج : حديث نزول القرآن على سبعة أحرف ، جاء في مصادر أهل السنّة ، وقد أُدّعي تواتره عندهم ، وكيف ما كان فلا أثر لهذا الحديث في مجامعنا الحديثية ، إلاّ ما جاء في الخصال للشيخ الصدوق ، وتفسير العيّاشي بصورة روايتين غير نقيتي السند (3) ، ومنهما قد انتقل الحديث إلى بعض المصادر الأُخرى - كالبحار وبعض التفاسير : كمجمع البيان ، والصافي وغيرهما - وعليه فيلاحظ في المقام :

أوّلاً : إنّ الحديث عنها غير ثابت سنداً بشكل قطعي ، فلا يكون حجّة علينا.

ص: 46


1- الكافي 2 / 633.
2- مجمع البيان 5 / 392.
3- أُنظر : الخصال : 358 ، تفسير العيّاشي 1 / 12.

ثانياً : إنّ هذا الحديث على فرض وروده ، يتعارض مع روايات أُخرى ، تصرّح بكذب مضمونه ، منها : « إنّ القرآن واحد نزل من عند واحد ، ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة » (1).

ومنها : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : إنّ الناس يقولون : إنّ القرآن على سبعة أحرف ، فقال : « كذبوا أعداء اللّه ، ولكنّه نزل على حرف واحد من عند واحد » (2).

ثالثاً : الطريقة الصحيحة هنا لحلّ التعارض هي : أن نلتزم بحكومة هذه الروايات على ذلك الحديث ، أي أنّ هذه الروايات تأخذ في منظارها ذلك الحديث وتردّه وتكذّبه ، ولكن ذلك الحديث لم ينظر إلى هذه الروايات تأييداً أو ردّاً ، فبناءً على القاعدة المقرّرة في علم الأُصول ، تقدّم هذه الروايات دلالة على ذلك الحديث.

ثمّ هناك طريقة أُخرى لحلّ التعارض وهي : تساقط الروايات والحديث من حيث الدلالة ، والرجوع إلى ثبوت شكل واحد في النزول ، كما هو ظاهر القرآن الكريم الفعلي.

وأيضاً لدينا طريق آخر لرفع التعارض في المقام وهو : ترجيح جانب الروايات لاحتمال صدور الحديث - في مصادر الشيعة - تقية موافقاً للعامّة.

رابعاً : أختلف علماء العامّة في معنى سبعة أحرف على خمسة وثلاثين قولاً ، أو أربعين (3) ؛ وهذا إن دلّ على شي? ، فإنّما يدلّ على عدم الوثوق بأيّ معنى من تلك المعاني ، فتبقى الدلالة مجملة وغير واضحة ، فلا حجّية للحديث من حيث الدلالة ، حتّى لو فرضنا صحّة صدوره سنداً.

خامساً : إنّ مضمون هذا الحديث يأباه العقل ، إذ كيف يتصوّر نزول قرآن واحد على النبيّ صلى اللّه عليه وآله بسبعة صور؟ وهل هذا كان ينسجم مع الاحتفاظ على هذا

ص: 47


1- الكافي 2 / 630.
2- نفس المصدر السابق.
3- أُنظر : البرهان في علوم القرآن 1 / 212.

الكتاب المقدّس لدى المسلمين؟ أليس فرض هذا الحديث كان يفتح الباب على تعويم النصّ القرآني وبالتالي تحريفه؟ ومن أجل هذه المحاذير ترى أنّ هذا الحديث يجب أن يردّ علمه إلى اللّه تعالى ، ورسوله صلى اللّه عليه وآله ، وأهل البيت عليهم السلام.

( ... - ... - ..... )

حصل جمعه في زمن النبيّ صلى اللّه عليه وآله :

س : ما هي الانتقادات الموجّهة لعملية جمع القرآن الكريم من طرف عثمان؟

ج : إنّ إسناد جمع القرآن الكريم إلى الخلفاء أمر موهوم مخالف للكتاب والسنّة والإجماع والعقل ، بل إنّ جمعه وتأليفه قد حصل في زمن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، إذ أنّ القرآن كان معروفاً بسوره وآياته حتّى عند المشركين وأهل الكتاب ، لما ثبت من تحدّي الرسول صلى اللّه عليه وآله على الإتيان به أو بسورة منه ، ومعناه إنّ سور القرآن كانت في متناول أيدي الناس ، وأيضاً وردت مجموعة كثيرة من الروايات بهذا المضمون حتّى عند أهل السنّة ، تصرّح بجمعه وتأليفه في زمن الرسول صلى اللّه عليه وآله (1).

ومن جانب آخر لا يعقل أن يكون القرآن - مع اهتمام النبيّ صلى اللّه عليه وآله والمسلمين به - عرضة للضياع في عهد الرسالة ، بل كان مورد تعظيمهم وتبجيلهم وحفظهم له ، مضافاً إلى إجماع المسلمين قاطبة : بأنّ القرآن لا طريق لإثباته إلاّ التواتر ، والحال أنّ الروايات المزعومة في جمع الخلفاء تعتمد في إثباته على شهادة شاهدين ، بل وشهادة رجل واحد في بعض الأحيان ، خصوصاً أنّ هذه الروايات مختلفة فيما بينها في مسألة الجمع ، فلم يعلم أنّ عملية الجمع كانت في زمن أبي بكر أو عمر أو عثمان؟ ومن كانوا العاملين عليها؟

ص: 48


1- أُنظر : صحيح البخاري 4 / 229 و 6 / 103 ، صحيح مسلم 7 / 149 ، الجامع الكبير 5 / 331 ، مسند أحمد 3 / 233 و 277 ، السنن الكبرى للبيهقي 6 / 211 ، مسند أبي داود : 270 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 9 ، مسند أبي يعلى 5 / 258 و 467 و 6 / 22 ، صحيح ابن حبّان 16 / 72.

فبالجملة : لا دليل على جمع القرآن أو تدوينه في زمن الخلفاء الثلاثة ، نعم قد ثبت أنّ عثمان جمع الناس على قراءة واحدة ، وحذف القرائات الأُخر ، وهذا ممّا لا كلام فيه ، ولكن الأمر الذي يؤخذ عليه هو إحراقه لمجموعة كبيرة من المصاحف ، وأمره بإحراقها في مختلف الأمصار في سبيل توحيد القراءة ، وهو كما ترى لا وجه لعمله هذا ، وقد اعترض جماعة من المسلمين في ذلك عليه ، حتّى أنّهم سمّوه بحرّاق المصاحف (1).

( العلام غزوي - المغرب - 40 سنة - أولى ماجستير )

منهج التفسير عند السيّد الطباطبائي :

س : أودّ من سيادتكم تسليط الضوء على منهج التفسير عند السيّد الطباطبائي.

ج : إنّ منهج السيّد الطباطبائي - كما يوضّحه في كتابه الميزان - هو تفسير القرآن بالقرآن ، واستيضاح معنى الآية من نظيرتها بالتدبّر المندوب إليه في نفس القرآن ، وتشخيص المصاديق والتعرّف عليها بالخواص التي تعطيها الآيات ، ويستشهد بقوله تعالى : ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ) (2) ، وحاشا أن يكون القرآن تبياناً لكُلّ شيء ولا يكون تبياناً لنفسه ، وقوله تعالى : ( هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ) (3) ، وقوله تعالى : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا ) (4).

وكيف يكون القرآن هدى وبيّنة وفرقاناً ونوراً مُبيناً للناس في جميع ما يحتاجون ، ولا يكفيهم في احتياجهم إليه وهو أشدّ الاحتياج ، وقوله تعالى :

ص: 49


1- أُنظر : الجامع لأحكام القرآن 1 / 54 ، تاريخ المدينة 3 / 995.
2- النحل : 82.
3- البقرة : 185.
4- النساء : 174.

( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ) (1) ، وأيّ جهاد أعظم من بذل الجهد في فهم كتابه؟ وأيّ سبيل أهدى إليه من القرآن؟

ثمّ لا يخفى تأثير الجنبة الفلسفية للسيّد الطباطبائي على تفسيره ، وذلك العمق العقلي الدقيق ، والتشقيق للمطالب.

ولاحظ أنّ السيّد يبحث الموضوع المشار إليه في الآية ، مورد البحث كاملاً ، ويأتي بالآيات الأُخرى المتفرّقة الدالّة على الموضوع ، ويصبّها في صميم البحث ، مع مراعاة عدم الغفلة عن الروايات الخاصّة به ، وهي نفس الطريقة والمحاولة التي حاولها صدر المتألّهين الشيرازي في مزاوجة وموافق العقل مع النقل.

( الموالي - السعودية - 22 سنة - طالب حوزة )

الآراء المطروحة في نزوله :

س : كيف نجمع بين نزول القرآن في شهر رمضان - كما في سورة القدر ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) - وبين لقاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بجبرائيل للمرّة الأُولى في غار حراء ، وقراءة خمس آيات من سورة العلق؟

أتمنّى التوضيح ، ولكم جزيل الشكر.

ج : هنالك آراء كثيرة حول هذا الموضوع ، ولكن الرأي المشهور هو :

إنّ للقرآن نزولين ، الأوّل : دفعي ويسمّى أيضاً إجمالي ، والثاني : تدريجي أو تنجيمي ، وهو الذي استمر خلال فترة البعثة النبوية قرابة ( 23 ) سنة ، وعلى هذا الرأي فلا إشكال في أنّ أوّل ما نزل من القرآن كانت الآيات الخمس الأوّل من سورة العلق إلى آخر ما نزل كسورة تامّة وهي النصر.

أمّا في النزول الإجمالي أو الدفعي وهو المتحقّق في ليلة القدر ، فكان النازل لا هذا القرآن بسوره وآياته ، وأسباب نزوله المختلفة والمتفرّقة ، لأنّها تابعة

ص: 50


1- العنكبوت : 69.

لحوادث شخصية وزمانية ومكانية لا تصدق عليها إلاّ بحصولها - أي حصول مواردها - وحسب التعابير اللفظية من ماضي ومضارع أو الحال ، التي جميعها تستدعي النزول المتفرّق ، بل النازل هو حقيقة القرآن بعلومه ومعارفه الإلهية ، ليتنوّر قلب النبيّ صلى اللّه عليه وآله بالمعارف القرآنية.

وهذا الرأي ذهب إليه العلاّمة الطباطبائي في الميزان ، والسيّد محمّد باقر الصدر في المدرسة القرآنية ، والسيّد محمّد باقر الحكيم في علوم القرآن ، والشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير الأمثل ، والشيخ هاشم البحراني في البرهان ، والشيخ جواد مغنية في الكاشف.

وإليك الآراء الأُخرى غير المشهورة :

1 - المراد بنزوله في ليلة القدر افتتاح نزوله التدريجي ، حيث إنّ أوّل سورة - وهي الحمد - نزلت في ليلة القدر ، وهو خلاف ظاهر الآيات والأخبار.

2 - إنّه نزل جملة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ، ثمّ نزل نجوماً إلى الأرض.

3 - معظم القرآن نزل في شهر رمضان ، فصحّ نسبة الجميع إليه.

4 - كان ينزل في كُلّ ليلة قدر من كُلّ عام ما يحتاج إليه الناس في تلك السنّة من القرآن.

5 - شهر رمضان الذي نزل في فضله القرآن ، أي فرضَ صيامه.

6 - إنّ بدء نزول القرآن في ليلة القدر ، ولكنّه يختلف عن القول الأوّل ، بأنّ القرآن الذي نزل في ليلة القدر هو هذا القرآن بسوره واسمه قرآن ، والسور المتقدّمة على ليلة القدر ، مثل سورة العلق - أوائل - وغيرها لم تجمع بما يسمّى قرآن.

هذا ملخّص الآراء المطروحة ، والتي تردّ من قبل أصحاب هذا الفن.

ص: 51

( علي - البحرين - 25 سنة - طالب )

المخاطب في قوله ( فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً ) الزوجان لا آدم وحوّاء :

س : قال تعالى : ( فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا ) (1) ، المعروف أنّ النبيّ آدم وحوّاء معصومان عن الخطأ ، فعن مجاهد : كان لا يعيش لآدم عليه السلام ولد ، فقال الشيطان : إذا ولد لكما ولد فسمّياه عبد الحارث - وكان الشيطان يسمّى بالحارث - فأطاعاه في الاسم ، فذلك قوله تعالى : ( فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا ) ما تعليقكم على هذا التفسير؟ نرجو الجواب الكافي.

ج : هذه الرواية واضحة الكذب والبطلان ، فإنّ اللّه سبحانه وهب العقل للإنسان ليفكّر به ، وليميّز الحقّ عن الباطل من خلاله ، فلماذا نعطّل عقولنا إلى هذا الحدِّ؟!

إنّ مضمون القصّة المذكورة نرفض نسبته إلى الإنسان العادي ، فكيف بآدم عليه السلام؟! وكيف نحتمل في حقّه أن يتابع الشيطان إلى هذا الحدِّ ، ويجعل لله شريكاً؟!

إنّه أمر مرفوض ، فآدم عليه السلام حتّى إذا لم نقل بعصمته ، ولكن لا نحتمل أن يكون مستواه بالغاً إلى هذا الحدِّ الذي هو دون مستوى الإنسان العادي.

فلماذا هذا مع خليفة اللّه في الأرض؟! ولماذا هذا مع مَنْ علّمهُ اللّه سبحانه الأسماء؟! ولماذا هذا مع أنبياء اللّه تعالى؟! إنّنا نأسف أن تدخل أساطير الإسرائيليات ، وتشقّ طريقها إلى كتبنا بهذا الشكل ، ويأخذ بتناقلها هذا عن ذاك.

إنّ المقصود من الآية الكريمة واضح ، فهي تشير إلى نوع الإنسان - وليس إلى آدم وحوّاء - وتقول : إنّ أمر الإنسان غريب ، فعندما يتحقّق الحمل يطلب الزوجان من اللّه سبحانه أن يكون ذلك الحمل ولداً صالحاً ، ويكونان بذلك من

ص: 52


1- الأعراف : 190.

الشاكرين له ، ولكن حينما يرزقهما ذلك يأخذ كلامهما بالتغيّر ، فيقولان : إنّ ولدنا كان من عطاء الشيطان ، أو أنّه كان كاملاً ، لأنّ غذاءه وظروفه الصحّية كانت جيّدة ، أو ما شاكل ذلك.

( علي - الكويت - 30 سنة - دبلوم )

معنى ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) :

س : أُريد تفسير الآية الكريمة : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) (1)؟

ج : إنّ الدعوة إلى النار ، هي الدعوة إلى ما يستوجب النار ، من الكفر والمعاصي ، لكونها هي التي تتصوّر لهم يوم القيامة ناراً يعذّبون فيها ، أو المراد بالنار ما يستوجبها مجازاً من باب إطلاق المسبّب وإرادة سببه.

ومعنى جعلهم أئمّة يدعون إلى النار ، تصيرهم سابقين في الضلال يقتدى بهم اللاحقون ، ولا ضير فيه لكونه بعنوان المجازاة على سبقهم في الكفر والجمود ، وليس من الإضلال الابتدائي في شيء.

وفي الكافي عن الإمام الصادق عليه السلام : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) : « يقدّمون أمرهم قبل أمر اللّه ، وحكمهم قبل حكم اللّه ، ويأخذون بأهوائهم خلاف ما في كتاب اللّه عزّ وجلّ » (2).

وفي كتاب نفحات اللاهوت : نقلاً عن كتاب المثالب لابن شهر آشوب : أنّ الصادق (عليه السلام) سئل عن أبي بكر وعمر ، فقال : « كانا إمامين ... » ، فلمّا خلا المجلس ، قال له بعض أصحابه : كيف قلت يا بن رسول اللّه ؟ فقال : « نعم ، أمّا قولي : كانا إمامين ، فهو مأخوذ من قول_ه تعالى : { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ }» (3).

ص: 53


1- القصص : 41.
2- الكافي 1 / 216.
3- بحار الأنوار 30 / 286 .

( فادي نجدي - لبنان - 27 سنة )

ترتيب آيتي البلاغ والإكمال :

س : بالنسبة إلى موضوع ترتيب الآيات في القرآن أرى يستحقّ النظر : إنّ الترتيب الزمني يستوجب أنّ آية البلاغ تأتي بعد آية الإكمال ، بالرغم أنّهما في القرآن موجودتان في سورة واحدة بالترتيب المعكوس.

وقد ألزمتم أنفسكم بأنّ الترتيب للسور والآيات كان منذ عهد الرسول صلى اللّه عليه وآله ، فكيف تردّون على هذه الشبهة التي تجعل من دلالة الآيات منافية لما ندّعيه من نزولها في شأن ولاية علي عليه السلام؟

ج : لا يخفى أنّ القرآن الكريم رتّبت آياته من قبل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بأمر الوحي عن اللّه تعالى ، ولا علاقة لذلك بترتيب السابق واللاحق في النزول ، وهذا ما يسمّى بالنظم ، أي : نظم آيات السورة بحسب أغراض ومصالح معيّنة ، تظهر أسبابها عندنا ، وقد تخفى أسباب بعضها كذلك.

واعلم إنّ آية ( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ... ) (1) إذا أخذنا ترتيب الآيات - وهو ما نسمّيه بسياق الآيات - بنظر الاعتبار ، فإنّ سياق الآيات لا تساعد على قولنا أنّها نزلت في الإمام علي عليه السلام ، بل إنّ الآيات التي قبلها والتي بعدها تتحدّث عن أهل الكتاب ، فالآية التي قبلها هي قوله تعالى : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ ... ) (2) ، والآية التي بعدها هي قوله تعالى : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ ... ) (3) ، مع أنّ اليهود والنصارى في ذلك العهد النبوي لم يكن لهم شأنٌ وخطر ، فهم ليس بأهل قوّةٍ ولا شوكةٍ ، ولا سطوة حتّى يخشى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله منهم إنّ هو بلّغ الإسلام.

فإنّ الإسلام عند نزول الآية قد أعزّه اللّه تعالى بقوّته وتمكّنت سطوته ، فلا معنى لخوف النبيّ صلى اللّه عليه وآله من النصارى في تبليغ الإسلام ، وإذا كان الأمر

ص: 54


1- المائدة : 67.
2- المائدة : 66.
3- المائدة : 68.

كذلك ، فإنّ الآية تشير إلى تبليغ أعظم ، وأمر أخطر لم يألفه المسلمون ، وسيرتاب منه المنافقون ، ويتزعّزع لعظم خطره أهل الجاه والدنيا ، وهذا الأمر هو تبليغ ولاية علي عليه السلام الذي لا يطيقه المنافقون ، والذين في قلوبهم مرض ، فإنّهم سيحاولون إلى التصدّي لجهوده صلى اللّه عليه وآله ، لذا أخبره تعالى إنّ اللّه سيعصمك من خطر هؤلاء ومن مؤامراتهم.

مع أنّ الروايات من قبل الفريقين تؤكّد أنّ آية ( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ... ) قد نزلت في تبليغ ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام ، ممّا يعني أنّ ترتيب الآيات وسياقها لا علاقة له بمعنى الآية وسبب نزولها ، لذا فلا عليك أن ترى تقدّم آية ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ... ) (1) ، على آية ( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ... ) ؟ فإنّ روايات السنّة والشيعة كُلّها متّفقة على نزولهما في تبليغ ولاية علي عليه السلام.

( ... - ... - ..... )

المقصود بالفؤاد :

س : قال تعالى : ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) (2) ، ما المقصود بالفؤاد؟ وما معنى مسؤولية الفؤاد؟ نرجو منكم الإجابة الوافية ، ولكم جزيل الشكر والتحية الطيّبة.

ج : قال العلاّمة الطباطبائي قدس سره ما نصّه : « قوله تعالى : ( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) ... والآية تنهى عن اتباع ما لا علم به ، وهي لإطلاقها تشمل الاتباع اعتقاداً وعملاً ، وتتحصّل في مثل قولنا : لا تعتقد ما لا علم لك به ، ولا تقل ما لا علم لك به ، ولا تفعل ما لا علم لك به ، لأنّ في ذلك كُلّه اتباعاً ...

ص: 55


1- المائدة : 3.
2- الإسراء : 36.

وقوله : ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) تعليل للنهي السابق في قوله : ( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) .

والظاهر المتبادر إلى الذهن ، أنّ الضميرين في ( كَانَ عَنْهُ ) راجعان إلى ( كُلُّ ) ، فيكون ( عَنْهُ ) نائب فاعل لقوله : ( مَسْؤُولاً ) مقدّماً عليه ، كما ذكره الزمخشري في الكشّاف ، أو مغنياً عن نائب الفاعل ، وقوله : ( أُولئِكَ ) إشارة إلى السمع والبصر والفؤاد ...

والمعنى : لا تتبع ما ليس لك به علم ، لأنّ اللّه سبحانه سيسأل عن السمع والبصر والفؤاد ، وهي الوسائل التي يستعملها الإنسان لتحصيل العلم ، والمحصّل من التعليل بحسب انطباقه على المورد ، أنّ السمع والبصر والفؤاد إنّما هي نعم آتاها اللّه الإنسان ، ليشخّص بها الحقّ ، ويحصّل بها على الواقع ، فيعتقد به ويبني عليه عمله ، وسيسأل عن كُلّ منها ، هل أدرك ما استعمل فيه إدراكاً علمياً؟

وهل اتبع الإنسان ما حصلته تلك الوسيلة من العلم؟ فيسأل السمع هل كان ما سمعه معلوماً مقطوعاً به؟ وعن البصر هل كان ما رآه ظاهراً بيّنا؟ وعن الفؤاد هل كان ما فكّره ، وقضى به يقينياً لاشكّ فيه؟ وهي لا محالة تجيب بالحقّ ، وتشهد على ما هو الواقع ، فمن الواجب على الإنسان أن يتحرّز عن اتباع ما ليس له به علم ، فإنّ الأعضاء ووسائل العلم التي معه ستسأل ، فتشهد عليه فيما اتبعه ممّا حصلته ، ولم يكن له به علم ، ولا يقبل حينئذ له عذر.

وما له إلى نحو من قولنا : لا تقف ما ليس لك به علم ، فإنّه محفوظ عليك في سمعك وبصرك وفؤادك ، واللّه سائلها عن عملك لا محالة ، فتكون الآية في معنى قوله تعالى : ( حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ - إلى أن قال - وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا

ص: 56

تَعْمَلُونَ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ ) (1) ، وغيرها من آيات شهادة الأعضاء.

غير أنّ الآية تزيد عليها بعد الفؤاد من الشهداء على الإنسان ، وهو الذي به يشعر الإنسان ما يشعر ، ويدرك ما يدرك ، وهو من أعجب ما يستفاد من آيات الحشر ، أن يوقف اللّه النفس الإنسانية ، فيسألها عمّا أدركت ، فتشهد على الإنسان نفسه.

وقد تبيّن : أنّ الآية تنهى عن الإقدام على أمر مع الجهل به ، سواء كان اعتقاداً مع الجهل ، أو عملاً مع الجهل بجوازه ووجه الصواب فيه ، أو ترتيب أثر لأمر مع الجهل به ، وذيلها يعلّل ذلك بسؤاله تعالى السمع والبصر والفؤاد ، ولا ضير في كون العلّة أعم ممّا عللتها ، فإنّ الأعضاء مسؤولة حتّى عما إذا أقدم الإنسان مع العلم بعدم جواز الإقدام ، قال تعالى : ( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) الآية (2).

قال في المجمع في معنى قوله : ( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) : معناه لا تقل : سمعت ولم تسمع ، ولا رأيت ولم تر ، ولا علمت ولم تعلم ، عن ابن عباس وقتادة ، وقيل : معناه لا تقل في قفا غيرك كلاماً ، أي إذا مرّ بك فلا تغتبه عن الحسن ، وقيل : هو شهادة الزور ، عن محمّد بن الحنفية.

والأصل أنّه عام في كُلّ قول أو فعل أو عزم يكون على غير علم ، فكأنّه سبحانه قال : لا تقل إلاّ ما تعلم أنّه يجوز أن يقال ، ولا تفعل إلاّ ما تعلم أنّه يجوز أن يفعل ، ولا تعتقد إلاّ ما تعلم أنّه ممّا يجوز أن يعتقد انتهى » (3).

وقال الشيخ الطبرسي قدس سره ما نصّه : « ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) معناه : إنّ السمع يسأل عمّا سمع ، والبصر عمّا رأى ، والقلب عمّا عزم عليه.

ص: 57


1- فصّلت : 20 - 23.
2- يس : 65.
3- الميزان في تفسير القرآن 13 / 92.

ذكر سبحانه السمع والبصر والفؤاد ، والمراد أنّ أصحابها هم المسؤولون ، ولذلك قال : ( كُلُّ أُولئِكَ ) وقيل : المعنى كُلّ أُولئك الجوارح يسأل عمّا فعل بها.

قال الوالبي عن ابن عباس : يسأل اللّه العباد فيما استعملوها » (1).

( عبد الماجد - فرنسا - 34 سنة - ليسانس )

ثواب سورة الواقعة :

س : هل صحيح أنّ من قرأ سورة الواقعة كُلّ ليلة يحفظه اللّه من الفقر؟

ج : مصدر هذا الخبر رواية وردت عن أهل العامّة ، نقلها الكثير منهم عن عبد اللّه بن مسعود في محاورة مع عثمان بن عفّان ، يقول عبد اللّه بن مسعود في آخرها : فإنّي سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول : « من قرأ سورة الواقعة كُلّ ليلة لم يصبه فاقة أبداً » (2).

وقد نقلها من علمائنا الشيخ الطبرسي في تفسيره (3) ، ويبدو أنّه نقله عنهم ، وإن لم يصرّح بذلك.

ومن يعمل بها من أصحابنا فهو استناداً على قاعدة التسامح في أدلّة السنن ، والتي تعني أنّ المستحبّات التي ترد في الشريعة المستندة إلى روايات تدلّ على ذلك ، لا ينظر إلى سند تلك الروايات ومدى صحّته وعدمه ، لأنّ الرواية أكثر ما تدلّ على الاستحباب ، وليس هناك محذور في الفعل أو الترك ، بل يعمل بالرواية رجاء صحّة صدورها ، فإنّ المرء يثاب على ذلك العمل.

وقد ورد خبر آخر في سورة الواقعة ، نقله الشيخ الصدوق عن الإمام الصادق عليه السلام قوله : « من قرأ في كُلّ ليلة جمعة الواقعة أحبّه اللّه ، وأحبّه إلى

ص: 58


1- مجمع البيان 6 / 251.
2- معالم التنزيل 4 / 292 ، الجامع لأحكام القرآن 17 / 194 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 302.
3- أُنظر : مجمع البيان 9 / 354.

الناس أجمعين ، ولم ير في الدنيا بؤساً أبداً ولا فقراً ولا فاقة ، ولا آفة من آفات الدنيا ، وكان من رفقاء أمير المؤمنين عليه السلام ، وهذه السورة لأمير المؤمنين عليه السلام خاصّة لم يشركه فيها أحد » (1) ، وبضمّ هذا الخبر إلى ذاك يقوى احتمال صحّة الأثر المترتّب على قراءة تلك السورة ، ويقوى أكثر بضمّهما إلى الخبر الوارد عن الإمام الصادق عليه السلام حيث قال : « من سمع شيئاً من الثواب على شيء فصنعه ، كان له ، وإن لم يكن على ما بلغه » (2).

( نسمة - الإمارات - 20 سنة - طالبة جامعة )

معنى الحجّة البالغة :

س : وفّقكم اللّه تعالى لكُلّ خير ، عندي استفسار حول الآية الكريمة ، ( فَللهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ) (3) ، كيف نربط بين هذه الآية وبين من لم يصل لهم الإسلام ، بمعنى أنّ الحجّة بالغة علينا نحن المسلمين ، ممّن ولد في بيئة مسلمة ، ولكن كيف تكون الحجّة بالغة على ممّن ولد في بيئة كافرة ، لا يعرف عن الإسلام شيئاً؟ وشكراً.

ج : إنّ فهمك للآية القرآنية بما ذكرت غير صحيح ، بل إنّ مراد الآية الردّ على المشركين ، الذين أرادوا أن يثبتوا شركهم بحجّتهم التي ما هي إلاّ إتباع الظنّ ، فجاءت هذه الآية تفريعاً على تلك الآية السابقة ، وفاء التفريع الموجودة في أوّل الآية تدلّ على ذلك.

وقال العلاّمة الطباطبائي حول الآية ما نصّه : « والمعنى : أنّ نتيجة الحجّة قد التبست عليكم بجهلكم وإتباعكم الظنّ ، وتخرّصكم في المعارف الإلهية ، فحجّتكم تدلّ على أنّ لا حجّة لكم في دعوته إيّاكم إلى رفض الشرك ، وترك

ص: 59


1- ثواب الأعمال وعقابها : 117.
2- الكافي 2 / 87.
3- الأنعام : 149.

الافتراء عليه ، وأنّ الحجّة إنّما هي لله عليكم ، فإنّه لو شاء لهداكم أجمعين ، وأجبركم على الإيمان وترك الشرك والتحريم » (1).

وقال الشيخ الطوسي حول الآية ما نصّه : « ومعنى البالغة : التي تبلغ قطع عذر المحجوج ، وتزيل كُلّ لبس وشبهة عمّن نظر فيها ، واستدلّ أيضاً بها » (2) ، لأنّ معناها أنّها تبلغ إلى جميع أفراد البشر كما فهمت.

وعلى هذا فليس هناك أيّ تعارض بين الآية القرآنية وبين عدم وصول الدين الحقّ إلى مجموعة من الأفراد ، بل أنّ القرآن يوضّح أنّ مجموعة من الناس سوف لا يصل إليهم الحقّ ، ويسمّيهم بالمستضعفين ، وهم معذورون في عدم وصول الدين الحقّ إليهم ، يقول تعالى : ( إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ) (3).

قال صاحب الميزان : « يتبيّن بالآية أنّ الجهل بمعارف الدين إذا كان عن قصور وضعف ليس فيه صنع للإنسان الجاهل كان عذراً عند اللّه سبحانه » (4).

ص: 60


1- الميزان في تفسير القرآن 7 / 366.
2- التبيان 4 / 311.
3- النساء : 98.
4- الميزان في تفسير القرآن 5 / 51.

القسم بغير اللّه :

اشارة

( عبد المجيد البحراني - .... )

جائز ولكن لا يصحّ :

س : توجد رواية ذكرت في أكثر من مصدر من مصادرنا ، ونصّ الرواية عن الإمام المعصوم : « إنّ لله عزّ وجلّ أن يقسم من خلقه بما شاء ، وليس لخلقه أن يقسموا إلاّ به » (1).

فيقول السائل : نجد أنّ البعض يقسم على الآخر بالنبيّ صلى اللّه عليه وآله ، والإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، وسائر الأئمّة عليهم السلام ، فكيف نجمع بين هذه الرواية وبين ما يفعله البعض؟

ج : إنّ الأحاديث المروية في الوسائل (2) ، والمقارنة والجمع فيما بينها ، يوصلنا إلى نتيجة : أنّ هذه الرواية لا تدلّ على الحرمة ، بل على عدم ترتّب آثار اليمين ، فلا يكون يميناً ، وليس عليه كفّارة إن خالف ، لأنّ اليمين الذي تترتّب عليه الآثار ، وتجب بمخالفته الكفّارة ، هو الحلف باللّه وأسمائه الخاصّة ، حتّى أنّك تشاهد في الرسائل العملية التعبير : بلا يصحّ الحلف باللّه وبأسمائه تعالى ، ولم يقولوا : لا يجوز.

وللتوضيح أكثر ، فإنّ الروايات المروية في هذا الباب على قسمين :

ص: 61


1- الكافي 7 / 449 ، من لا يحضره الفقيه 3 / 376 ، تهذيب الأحكام 8 / 277.
2- وسائل الشيعة 23 / 259.

قسم : تنهى عن القسم بغير اللّه ، كهذا الحديث وأمثاله.

وقسم فيها القسم بغير اللّه ، كقول الإمام الرضا عليه السلام في حديث : « لا وقرابتي من رسول اللّه ... » (1) ، وقول الإمام الرضا عليه السلام أيضاً : « تعدوا وبيت اللّه الحقّ ... » (2) ، وقول أبي جرير القمّي لأبي الحسن عليه السلام : جعلت فداك ، قد عرفت انقطاعي إلى أبيك ثمّ إليك ، ثمّ حلفت له : وحقّ رسول اللّه ، وحقّ فلان وفلان حتّى انتهيت إليه ... (3).

ولمّا سمع أمير المؤمنين عليه السلام رجلاً يقول : لا والذي احتجب بسبع طباق ، قال : فعلاه بالدرّة وقال له : « ويحك إنّ اللّه لا يحجبه شيء عن شيء » ، فقال الرجل : فأُكفّر عن يميني يا أمير المؤمنين؟ قال : « لا ، لأنّك حلفت بغير اللّه » (4).

فالجمع بين هذه الأحاديث جعل العلماء يفتون بعدم صحّة القسم بغير اللّه ، بمعنى عدم ترتّب آثار القسم عليه ، لا عدم الجواز.

( الغريب - أمريكا - 30 سنة - مهندس كهرباء )

يترتّب عليه أثر دنيوي وأُخروي :

س : هل يترتّب أثر دنيوي أو أُخروي للقسم بالقرآن الكريم كذباً؟

ج : أمّا من حيث الأثر التكليفي كالكفّارة فلا ، لانحصاره بالحلف ب- « اللّه » فقط ، نعم يترتّب عليه أثر دنيوي وأُخروي لفرية الكذب ، منها : حرمان الهداية ، قال تعالى : ( إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ) (5) ، ووراثة الفقر ، فعن الإمام علي عليه السلام : « واعتياد الكذب يورث الفقر » (6).

ص: 62


1- الكافي 1 / 187.
2- الأمالي للشيخ الصدوق : 779.
3- الكافي 1 / 380.
4- الفصول المختارة : 65.
5- غافر : 28.
6- الخصال : 505.

وذهاب البهاء ، قال النبيّ عيسى عليه السلام : « من كثر كذبه ذهب بهاؤه » (1) ، وقد جُعل الكذب شرّ مفاتيح الشرّ ، قال الإمام الباقر عليه السلام : « إنّ اللّه جعل للشرّ أقفالاً ، وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب ، والكذب شرّ من الشراب » (2).

ومن الآثار الآخروية التعرّض لعقاب اللّه تعالى ، والمكوث في النار ، قال المولى جلّ وعلا : ( وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ) (3).

وهذا العمل ، أي الحلف بالقرآن الكريم كاذباً ، فيه جناية مزدوجة ، الأُولى جرأة صارخة على كتاب اللّه العزيز ، الذي قال المولى سبحانه فيه : ( لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللّهِ ) (4) ، والثانية جريمة الكذب والافتراء التي تمحق الحقوق وتهدر الكرامات.

أعاذنا اللّه من شرور أنفسنا ، ووفّقنا لما يحبّه ويرضاه.

( أحمد - ... - 31 سنة )

حكمه في المذاهب الأربعة :

س : هل يجوز الحلف بغير اللّه عزّ وجلّ؟ وما هو حكمه عند المذاهب الأربعة؟ وشكراً.

ج : تضافر الحلف بغير اللّه تعالى في الكتاب العزيز والسنّة النبوية ، فقد حلف النبيّ صلى اللّه عليه وآله في غير مورد بغير اسم اللّه.

فعن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله فقال : يا رسول اللّه أيّ الصدقة أعظم أجراً؟ فقال : « أما وأبيك لتنبئنه أن تصدق وأنت صحيح شحيح ، تخشى الفقر وتأمل البقاء » (5).

ص: 63


1- الكافي 2 / 341.
2- المصدر السابق 2 / 339.
3- الجاثية : 7.
4- الحشر : 21.
5- صحيح مسلم 3 / 93.

هذا وقد حلف غير واحد من الصحابة بغير اللّه تعالى كأبي بكر ، فعن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه ، أنّ رجلاً من أهل اليمن - أقطع اليد والرجل - قدم فنزل على أبي بكر ، فشكا إليه أنّ عامل اليمن قد ظلمه ، فكان يصلّي من الليل ، فيقول أبو بكر : وأبيك ، ما ليلك بليل سارق (1).

وهذا علي بن أبي طالب عليه السلام قد حلف بغيره تعالى في غير واحد من خطبه ، كقوله : « ولعمري ما عليّ من قتال من خالف الحقّ ، وخابط الغي من إدهان ولا إيهان » (2) ، وكقوله عليه السلام : « ولعمري ما تقادمت بكم ولا بهم العهود » (3) ، إلى غير ذلك من الأقسام الواردة في كلامه عليه السلام وسائر أئمّة أهل البيت عليهم السلام.

ومجمل القول : إنّ الكتاب العزيز هو الأُسوة للمسلمين عبر القرون ، فإذا ورد فيه الحلف من اللّه تعالى بغير ذاته تعالى من الجماد والنبات والإنسان ، فيستكشف منه أنّه أمر سائغ لا يمتّ إلى الشرك بصلة ، وتصوّر جوازه لله سبحانه دون غيره أمر غير معقول ، فإنّه لو كان حقيقة الحلف بغير اللّه شركاً ، فالخالق والمخلوق أمامه سواء.

نعم ، الحلف بغير اللّه لا يصحّ في القضاء وفضّ الخصومات ، بل لابدّ من الحلف باللّه تعالى ، أو بإحدى صفاته التي هي رمز ذاته ، وقد ثبت هذا بالدليل ، ولا علاقة له بالبحث.

وأمّا المذاهب الفقهية فغير مجمعين على أمر واحد.

أمّا الحنفية فقالوا : بأنّ الحلف بالأب والحياة - كقول الرجل : وأبيك ، أو : وحياتك وما شابه - مكروه.

وأمّا الشافعية فقالوا : بأنّ الحلف بغير اللّه - لو لم يكن باعتقاد الشرك - فهو مكروه.

ص: 64


1- الموطّأ 2 / 835.
2- شرح نهج البلاغة 1 / 331.
3- المصدر السابق 6 / 387.

وأمّا المالكية فقالوا : إنّ في القسم بالعظماء والمقدّسات - كالنبيّ والكعبة - فيه قولان : الحرمة والكراهة ، والمشهور بينهم : الحرمة.

وأمّا الحنابلة فقالوا : بأنّ الحلف بغير اللّه وبصفاته سبحانه حرام ، حتّى لو كان حلفاً بالنبيّ أو بأحد أولياء اللّه تعالى.

هذه فتاوى أئمّة المذاهب الأربعة ، ولسنا الآن بصدد مناقشتهم ، ولكن الحري بفقهائهم - ولاسيّما في العصر الراهن - فتح باب الاجتهاد والرجوع إلى المسألة والنظر إليها بمنظار جديد ، إذ كم ترك السلف للخلف.

على أنّ نسبة الحرمة إلى الحنابلة غير ثابتة أيضاً ، لأنّ ابن قدامة يصرّح في كتاب المغني - الذي كتبه على غرار فقه الحنابلة - : « أنّ أحمد بن حنبل أفتى بجواز الحلف بالنبيّ ، وأنّه ينعقد لأنّه أحد ركني الشهادة » (1).

وقال أحمد : « لو حلف بالنبيّ صلى اللّه عليه وآله انعقدت يمينه ، لأنّه حلف بما لا يتمّ الأيمان إلاّ به فتلزمه الكفّارة » (2).

ص: 65


1- أُنظر : المغني لابن قدامة 11 / 209.
2- المجموع 18 / 18.

ص: 66

قول آمين في الصلاة :

اشارة

( السيّد سلمان - البحرين - .... )

لا يصحّ لتوقيفية العبادات :

س : أمّا بعد ، لا أرى أيّ مانع في استخدام كلمة آمين في الصلاة ، إذا كانت بمعنى : اللّهم استجب ، فالصلاة في طبيعة الحال هي نوع من أنواع الدعاء ، الذي تصحبه حركات نصّ الباري عليها ، ليقوم بها العبد للتأكيد على صدقية هذا الدعاء ، والحاجة إليه ، وللاعتراف بربوبية اللّه عزّ وجلّ.

كما أنّ كلمة آمين كثيراً ما تنطلق من أفواه خطبائنا على المنابر بعد الفراغ من مجالس الذكر ، فهل يجوز ذكرها على المنابر؟ ولا تجوز في الصلاة؟ وما هو الفرق؟

ج : إنّ العبادات توقيفية ، بمعنى عدم جواز الإضافة من عندنا ، وأن كانت حسنة المعنى ، بل الالتزام بكُلّ تفاصيلها بما ورد من نصوص في ذلك.

وكلمة آمين كلمة حسنة ، نستعملها ونستعمل غيرها من الألفاظ ، ولكنّ استعمالها في الصلاة يحتاج إلى نصّ صريح ، ولم يرد النصّ فتكون بدعة ، والبدعة : إدخال شيء ما في الدين وهو ليس منه.

ونعطيك مثالاً آخر يوضّح لك المطلب : من المستحبّات صلاة ألف ركعة في شهر رمضان ، كانت تصلّى هذه الألف في عهد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأبي بكر فرادى ،

ص: 67

ولمّا كان في عهد عمر بن الخطّاب ، دخل المسجد فرأى الناس يصلّونها فرادى ، فجمعهم فصلّى بهم هذه النافلة جماعة ، ثمّ قال : نعمت البدعة هذه (1).

أُنظر يا أخي ، تارة يكون الملاك الالتزام بما جاء به الشرع ، وتارة يكون بالذوقيات ، لا بما حدّده الشرع ، والعقل والفطرة والقرآن والسنّة كُلّها تدلّ على وجوب الالتزام بما جاء به الشرع ، وإلاّ فكان الدين لعبة بيد الحكّام ، تتلاعب به الأذواق.

( عبد السلام - هولندا - سنّي )

مبطل للصلاة :

س : شكراً لكم على هذه الصفحة العقائدية الهادفة ، وأتمنّى لكم دوام النجاح.

سؤالي هو بخصوص آمين ، حيث أنّ علماء الشيعة لم يتوحّدون على جواب واحد : فمنهم من يقول : إنّ آمين تبطل الصلاة ، لأنّ أي زيادة أو نقصان في الصلاة هو مبطل لها ، مع أنّكم تستحبّون بقول شيء آخر غير آمين ، ولا أتذكر بالضبط القول الذي تقولونه بعد ( وَلاَ الضَّالِّينَ ) .

فهل يوجد حديث يحرّم أو ينهي على قول آمين ، سواء في كتب العامّة؟ أو في كتبكم؟ وشكراً لكم.

ج : الكلام في قول آمين كما يلي : إنّ هذه اللفظة لم ترد على لسان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بعد الحمد ، وبما أنّ العبادات - وعلى رأسها الصلاة - توقيفية ، بمعنى أنّها موقوفة على إذن الشارع وما ورد عنه ، فيجب التقيّد بما صدر عنه فيها.

فإذا لم تكن لفظة آمين واردة عن الشارع ، فإمّا أن يقصد المصلّي من الإتيان بها بعد الحمد أنّها جزء من الصلاة - كما يفعله أهل السنّة - أو لا يقصد الجزئية بها.

ص: 68


1- أُنظر : صحيح البخاري 2 / 252 ، المصنّف للصنعاني 4 / 259 ، صحيح ابن خزيمة 2 / 155 ، المغني لابن قدامة 1 / 798 ، الموطّأ 1 / 114.

فإن كان الأوّل فالصلاة باطلة ، لدخولها تحت عنوان البدعة ، والتي هي : إدخال ما ليس من الدين في الدين.

وإن لم يقصد بها الجزئية - سواء الجزء الواجب أو المستحبّ - فتارة يقصد بها مطلق الدعاء لله تعالى ، والذي هو بمعنى : ربّ استجب ، وأُخرى يأتي بها لا بعنوان الدعاء.

فإن قصد الأوّل فلابأس به ، ويجوز الإتيان بها بعنوان مطلق استحباب الدعاء في إثناء الصلاة ، وإن لم يقصد الدعاء فالصلاة باطلة ، لأنّه لغو وكلام زائد في الصلاة ، وقد اتفق الأعلام على أنّ الكلام الزائد في الصلاة عمداً مبطل لها.

وأمّا ما تقوله الشيعة بعد سورة الحمد ، فهو عبارة عن دعاء ، قولهم : الحمد لله ربّ العالمين ، وقد وردت النصوص والروايات الكثيرة في استحباب هذا الدعاء بعد سورة الحمد ، مضافاً إلى الأدلّة العامّة ، والتي تقول باستحباب الدعاء وذكر اللّه في كُلّ وقت ومكان.

( أبو أحمد - الكويت - .... )

من البدع التي أُحدثت بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله :

س : نشكركم على جهودكم الطيّبة ، وجعلها اللّه في ميزان حسناتكم.

أمّا بعد : هل توجد روايات في كتب العامّة ، من أنّ أوّل من سنّها في الصلاة عمر؟ أي : قول آمين ، هذا وتقبّلوا منّا فائق الاحترام والشكر.

ج : لم يقل أحد من الشيعة أو السنّة بأنّ عمر سنّ قول آمين في الصلاة ، ولكنّ الوارد في رواياتنا عن أهل البيت عليهم السلام : أنّها من البدع التي أُحدثت بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ومن هنا حكم فقهاء الشيعة ببطلان الصلاة حال التلفّظ بها بقصد الجزئية ، كما يفعله أهل السنّة.

ص: 69

وما ورد في روايات أهل السنّة عن قول آمين كُلّها تعاني من مشاكل في أسانيدها ، فمنها المرسل ، ومنها مروية عن رجال متّفق على تضعيفهم ، ومنها مروية عن رجال مختلف فيهم ، ومنها مروية عن مجهولين ، وهكذا.

إذاً ، كُلّها أحاديث عليها علامات استفهام ، ولا يصحّ الاعتماد عليها.

( عبد السلام - هولندا - سنّي )

الروايات الدالّة على مشروعيتها ضعيفة السند :

س : أنا سنّي مالكي ، أُريد الإجابة على سؤالي : ما هو الدليل بأنّ التأمين بدعة ، يوجد حديث في الكتب السنّية بأنّ التأمين سنّة نبوية ، فما هو تعقيبكم على ذلك؟ ولكم جزيل الشكر.

ج : التأمين في الصلاة بعد قراءة الحمد محظور ومبطل عند الشيعة ، لخروجه عن مصداقية الصلاة ، إذ هو من كلام الآدميين ، ولا يصلح شيء منه في الصلاة ، ولهم في هذا المجال أحاديث وردت عن طريق أئمّتهم عليهم السلام.

ويؤيّد هذا الحكم بأنّ الروايات التي وردت عند أهل السنّة لمشروعية التأمين ، بأجمعها غير صالحة للاستناد بسبب ضعف السند ، إذ أكثرها نقلت عن أبي هريرة ، وهو كما نعلم مغموز فيه ، ويكفيك أن تقرأ كتابي : أبو هريرة للسيّد شرف الدين ، وشيخ المضيرة أبي هريرة للشيخ محمود أبو ريّة ، لتطلّع على شخصيته.

وبعضها القليل قد جاء في طريقه محمّد بن كثير العبدي ، الذي جرّحه يحيى بن معين ، وبعضها الآخر قد اشتمل على حجر بن عنبس في السند ، الذي أنكره ابن القطّان ، وقال : إنّه لا يعرف ، وأحياناً وردت عن أبي عبد اللّه ، الذي أنكره صاحب الزوائد ، وعن بشر بن رافع ، الذي ضعّفه أحمد ، ونسبه ابن حبّان بالوضع في الرواية.

ص: 70

فهي كما ترى لا يوجد فيها حديث صحيح السند ، قابل للاعتماد في إثبات هذه السنّة المزعومة!!

ثمّ على فرض ورود أحاديث في هذا المجال ، فهي متعارضة مع روايات أُخرى تحدّثت عن صلاة الرسول صلى اللّه عليه وآله ، ولم يرد فيها التأمين ، فعلى سبيل المثال :

عن محمّد بن عمرو بن عطاء قال : سمعت أبا حميد الساعدي في عشرة من أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه وآله فيهم أبو قتادة الحارث بن ربعي فقال أبو حميد الساعدي : أنا أعلمكم بصلاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ... ، قالوا : فأعرض علينا ، قال : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ... ثمّ يقرأ ثمّ يكبّر (1) ، فلم يذكر التأمين ، وعليه فيجب علينا إسقاط طرفي المعارضة من الحجّية - كما هو مقرّر في علم الأُصول - ثمّ الحكم بعدم ورود التأمين في الصلاة.

ص: 71


1- السنن الكبرى للبيهقي 2 / 72 ، سنن الدارمي 1 / 313 ، شرح معاني الآثار 1 / 223 ، صحيح ابن حبّان 5 / 196.

ص: 72

القياس :

اشارة

( أحمد أزهر - الإمارات - )

في نظر الشيعة :

س : هل تؤمن الشيعة بمبدأ القياس في التشريع الإسلامي؟

ج : الشيعة لا تعمل بالقياس في أحكامها الشرعية ، وذلك لوجود النهي عنه في النصوص الشرعية ، ولبطلانه عقلاً ، ولوجود قواعد كُلّية وأدلّة تامّة تغنينا عن إعمال القياس.

( علي نزار - الكويت - 23 سنة - طالب كُلّية الدراسات التجارية ) تعريفه :

س : ما معنى القياس الذي يعدّه العامّة مصدراً من مصادر التشريع في فقههم؟ ومن المعلوم أنّ القياس باطل في عرف مدرسة أهل البيت عليهم السلام الحقّة ، ودمتم سالمين.

ج : إنّ القياس في اللغة هو : التقدير ، ومنه قست الثوب بالذراع ، إذ قدّرته به ، وفي الاصطلاح عرّف تارة بالاجتهاد ، وأُخرى ببذل الجهد لاستخراج الحقّ ، ولكن يرد على هذين التعريفين أنّهما غير جامعين ولا مانعين.

أمّا كونهما غير جامعين ، فلخروج القياس الجلي عنهما ، إذ لا جهد ولا اجتهاد فيه في استخراج الحكم.

ص: 73

وأمّا كونهما غير مانعين ، فلدخول النظر في بقية الأدلّة ، كالكتاب والسنّة ، وغيرهما من مصادر التشريع ضمن هذا التعريف ، مع أنّها ليست من القياس المصطلح بشيء.

والمشهور أنّه : حمل معلوم على معلوم في إثبات حكم لهما ، أو نفيه عنهما بأمر جامع بينهما ، من حكم أو صفة.

ولكن سجّلت على هذا التعريف عدّة مفارقات ، لعلّ أهمّها ما أورده الآمدي عليه من لزوم الدور ، ولهذا عرّفه الآمدي بأنّه : « عبارة عن الاستواء بين الفرع والأصل في العلّة المستنبطة من حكم الأصل » (1).

وعرّفه ابن الهمام : « هو مساواة محلّ لآخر في علّة حكم له شرعي ، لا تدرك بمجرّد فهم اللغة » ، ويبدو أنّ هذا التعريف أسلم التعاريف من الإشكالات والمؤاخذات.

ثمّ إنّ الذي رفضه أهل البيت عليهم السلام من القياس ، هو القياس في الأحكام الشرعية ، لعدم إحراز علّة الحكم التي بنى الشارع عليها حكمه ، وأمّا القياس في مجال أُصول العقائد فلا مانع فيه.

( جابر عبد الواحد - البحرين - .... )

أدلّته :

س : أشكركم على جهودكم ، وأسألكم عن أدلّة القياس التي أعتمد عليها أهل السنّة في حجّيته؟ مع ذكر ردّ علمائنا عليهم ، وأرجو أن يكون فيه شيء من التطويل ، وجزاكم اللّه خير الجزاء.

ج : الأدلّة التي ذكرها المثبتون للقياس كثيرة ، وهذه الأدلّة تعتمد على الكتاب ، والسنّة ، والإجماع ، والعقل.

أدلّتهم من الكتاب : وقد استدلّوا من الكتاب بعدّة آيات هي :

ص: 74


1- الإحكام في أُصول الأحكام للآمدي 3 / 190.

1 - قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) (1).

وتقريبها : أنّ القياس بعد استنباط علّته بالطرق الظنّية من الكتاب والسنّة ، يكون ردّاً إلى اللّه والرسول ، ونحن مأمورون بالرجوع إليهما بهذه الآية ، ومعناه أنّنا مأمورون بالرجوع إلى القياس عند التنازع ، وليس معنى الأمر بذلك إلاّ جعل الحجّية له.

ولكن يرد عليه بعض المؤاخذات وهي :

أ - إنّ دلالة الآية متوقّفة على أن يكون القياس الظنّي ردّاً إلى اللّه والرسول ، وهو موضع النزاع ، ولذلك احتجنا إلى هذه الآية ونظائرها لإثبات كونه ردّاً.

ب - الآية إنّما وردت في التنازع والرجوع إلى اللّه والرسول لفضّ النزاع والاختلاف ، ومن المعلوم أنّ الرجوع إلى القياس لا يفضّ نزاعاً ولا اختلافاً ، لاختلاف الظنون.

وعلى هذا ، فالآية أجنبية عن جعل الحجّية لأيّ مصدر من مصادر التشريع قياساً أو غير قياس ، وموردها الرجوع إلى من له حقّ القضاء ، والحكم باسم الإسلام لفضّ الخصومات.

ج - إنّ الآية لا تدلّ على حجّية القياس بقول مطلق ، إلاّ بضرب من القياس ، وذلك لورودها في خصوص باب التنازع ، فتعميمها إلى مقام الإفتاء والعمل الشخصي ، لا يتمّ إلاّ من طريق السبر والتقسيم أو غيره.

2 - قوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللّهِ فَأَتَاهُمُ اللّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ ) (2).

ص: 75


1- النساء : 59.
2- الحشر : 2.

موضع الدلالة من الآية كلمة اعتبروا ، بدعوى أنّ في القياس عبوراً من حكم الأصل ومجاوزة عنه إلى حكم الفرع ، فإذا كنّا مأمورين بالاعتبار فقد أُمرنا بالعمل بالقياس ، وهو معنى حجّيته.

ولكن هذه الاستفادة كسابقتها لا يتّضح لها وجه ، وذلك :

أ - إنّ إثبات الحجّية لمطلق الاعتبار بحيث يشمل المجاوزة القياسية موقوف على أن يكون المولى في مقام البيان من هذه الجهة ، والمقياس في كونه في مقام البيان ، هو أنّنا لو صرّحنا بالمعنى الذي يراد بيانه لكان التعبير سليماً ، وظاهر الدلالة على كونه مراداً لصاحبه.

ب - مع التنزّل وافتراض مجيئها لبيان هذا المعنى ولو بإطلاقها ، إلاّ أنّها واردة لجعل الحجّية لأصل القياس كدليل.

3 - قوله تعالى : ( قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ) (1).

وقد قرّب دلالتها صاحب مصادر التشريع بقوله : إنّ اللّه عزّ وجلّ ، استدلّ بالقياس على ما أنكره منكرو البعث ، فإنّ اللّه عزّ وجلّ قاس إعادة المخلوقات بعد فنائها على بدأ خلقها وإنشائها أوّل مرّة ، لإقناع الجاحدين بأنّ من قدر على بدأ خلق الشيء قادر على أن يعيده ، بل هذا أهون عليه ، فهذا الاستدلال بالقياس إقرار لحجّية القياس وصحّة الاستدلال به ، وهو قياس في الحسّيات ، ولكنّه يدلّ على أنّ النظير ونظيره يتساويان.

والجواب على هذا التقريب :

أ - إنّ هذه الآية لو كانت واردة لبيان الإقرار على حجّية القياس ، لصحّ أن يعقّب بمضمون هذا الإقرار ، ولسلّم الكلام كأن نقول : قل يحييها الذي أنشأها أوّل مرّة ، فقيسوا النبيذ على الخمر.

ص: 76


1- يس : 78 - 79.

ب - لو سلّم ذلك - جدلاً - فالآية غاية ما تدلّ عليه ، هو مساواة النظير للنظير ، أي جعل الحجّية لأصل القياس لا لمسالكه ، والدليل الذي يتكفّل حجّية الأصل لا يتكفّل بيان ما يتحقّق به.

ج - ولو سلّمنا أيضاً دلالته على حجّية مسالكه ، فهي لا تدلّ عليها بقول مطلق ، إلاّ بضرب من القياس ، لأنّ الآية إنّما وردت في قياس الأُمور المحسوسة بعضها على بعض ، فتعميمها إلى الأُمور الشرعية موقوف على السبر والتقسيم أو غيره ، فيلزم الدور.

4 - قوله تعالى : ( فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ ) (1).

قد استدلّ بها الشافعي على حجّيته ، حيث قال : « فهذا تمثيل الشيء بعدله ، وقال تعالى : ( يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ ) ، وأوجب المثل ، ولم يقل أيّ مثل ، فوكّل ذلك إلى اجتهادنا ورأينا » (2).

والجواب : إنّ الشارع وإن ترك لنا أمر تشخيص الموضوعات ، إلاّ أنّه على وفق ما جعل لها الشارع ، أو العقل من الطرق ، وكون القياس الظنّي من هذه الطرق كالبيّنة هو موضع الخلاف ، والآية أجنبية عن إثباته.

5 - قوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ) (3).

قد استدلّ بها ابن تيمية على القياس بتقريب : أنّ العدل هو التسوية ، والقياس هو التسوية بين مثلين في الحكم ، فيتناوله عموم الآية.

وقد أجاب عنه الشوكاني : « بمنع كون الآية دليلاً على المطلوب بوجه من الوجوه ، ولو سلّمنا لكان ذلك في الأقيسة التي قام الدليل على نفي الفارق فيها ، فإنّه لا تسوية إلاّ في الأُمور المتوازنة ، ولا توازن إلاّ عند القطع بنفي الفارق ، لا في

ص: 77


1- المائدة : 95.
2- إرشاد الفحول 2 / 127.
3- النحل : 90.

الأقيسة التي هي شعبة من شعب الرأي ، ونوع من أنواع الظنون الزائفة ، وخصلة من خصال الخيالات المختلّة » (1).

والأنسب أن يقال : إنّ هذه لو تمّت دلالتها على الأمر بالقياس ، بما أنّه عدل ، فهي إنّما تدلّ على أصل القياس ، لا على مسالكه المظنونة ، والكلام إنّما هو في القياس المعتمد على استنباط العلل.

أدلّتهم من السنّة : أمّا ما استدل به من السنّة ، فروايات تكاد تنتظم في طائفتين تتمثّل :

أولاهما : حديث معاذ بن جبل ، حيث ورد فيه : لمّا بعثه صلى اللّه عليه وآله إلى اليمن قال : « كيف تقضي إذا عرض لك قضاء »؟ قال : أقضي بكتاب اللّه ، قال : « فإن لم تجد في كتاب اللّه »؟ قال : فبسنّة رسول اللّه ، قال : « فإن لم تجد في سنّة رسول اللّه ، ولا في كتاب اللّه »؟ قال : أجتهد رأيي ... ، قال : فضرب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله صدره ، وقال : « الحمد لله الذي وفّق رسول رسول اللّه لما يرضاه رسول اللّه » (2).

وتقريبه : أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أقرّ الاجتهاد بالرأي في طول النصّ ، بإقراره لاجتهاد معاذ ، وهو شامل بإطلاقه للقياس.

ويردّ على الاستدلال بالرواية :

1 - إنّها ضعيفة بجهالة الحارث بن عمرو ، حيث نصّوا على أنّه مجهول ، وبإغفال راويها لذكر من أخذ عنهم الحديث من الناس من أصحاب معاذ.

2 - إنّ هذا الحديث غير وافي الدلالة على ما سيق لإثباته ، وذلك :

أ - إنّ إقرار النبيّ صلى اللّه عليه وآله لمعاذ ربما كان لخصوصية يعرفها النبيّ صلى اللّه عليه وآله فيه ، تبعده عن الوقوع في الخطأ ، ومجانبة الواقع ، وإلاّ لما خوّله هذا التخويل المطلق في استعمال الرأي.

ص: 78


1- إرشاد الفحول 2 / 128.
2- مسند أحمد 5 / 230 و 236 و 242 ، سنن الدارمي 1 / 60 ، الجامع الكبير 2 / 394 ، السنن الكبرى للبيهقي 10 / 114 ، مسند أبي داود : 76.

ب - إنّ هذا الحديث وارد في خصوص باب القضاء ، وربما اختصّ باب القضاء بأحكام لا تسري إلى عالم الإفتاء.

ج - إنّ هذا الحديث معارض بما دلّ على الردع عن إعمال الرأي ، ولا أقلّ من تخصيصه بخروج الآراء الفاسدة جمعاً بين هذه الأدلّة.

ثانيهما : ما ورد من الأحاديث المشعر بعضها باستعمال النبيّ صلى اللّه عليه وآله للقياس ، وبما أنّ عمله حجّة باعتباره سنّة واجبة الإتباع ، فإنّ هذه الطائفة من الأحاديث دالّة على حجّية القياس.

والأحاديث التي ذكروها كثيرة :

منها : حديث الجارية الخثعمية أنّها قالت : يا رسول اللّه ، إنّ أبي أدركته فريضة الحجّ شيخاً زمناً لا يستطيع أن يحجّ ، إن حججت عنه أينفعه ذلك؟ فقال لها : « أرأيت لو كان على أبيك دين فقضيته ، أكان ينفعه ذلك »؟ قالت : نعم ، قال : « فدين اللّه أحقّ بالقضاء ».

ووجه الاحتجاج به كما قرّبه الآمدي : إنّه ألحق دين اللّه بدين الآدمي في وجوب القضاء ونفعه ، وهو عين القياس.

ومنها : الحديث الذي جاء فيه : إنّه قال لأُمّ سلمة ، وقد سئلت عن قُبلة الصائم : هل أخبرته أنّي أُقبّل وأنا صائم ، وإنّما ذكر ذلك فيما يقول الآمدي تنبيهاً على قياس غيره عليه.

ومنها : قوله لما سئل عن بيع الرطب بالتمر : أينقص الرطب إذا يبس؟ فقالوا : نعم ، فقال : « فلا إذن » (1).

والجواب على هذه الأحاديث :

1 - إنّ هذه الأحاديث لو كانت واردة في مقام جعل الحجّية للقياس ، فغاية ما يستفاد منها ، جعل الحجّية لمثل أقيسته صلى اللّه عليه وآله ، ممّا كان معلوم العلّة لديه ، كما هو مقتضى ما تلزم به رسالته ، من كونه لا يعدو في تشريعاته ما أمر بتبليغه من الأحكام.

ص: 79


1- الإحكام في أُصول الأحكام للآمدي 4 / 34.

ومثل هذا العلم بالحكم لا يتوفّر إلاّ عند العلم بالعلّة في الفرع ، على أنّ نسبة ما يصدر منه للقياس موقوف على إمكان صدور الاجتهاد منه ، أمّا إذا نفينا ذلك عنه ، وقصرنا جميع تصرّفاته على خصوص ما يتلقّاه من الوحي ( إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) (1) ، فتشبيه قياساتنا بقياساته ، وإثبات الحجّية لها على هذا الأساس قياس مع الفارق الكبير ، وقد أشار عمر بن الخطّاب إلى هذا الفارق في بعض خطبه ، بقوله : يا أيّها الناس ، إنّ الرأي إنّما كان من رسول اللّه مصيباً ، لأنّ اللّه كان يريه ، وإنّما هو منّا الرأي والتكلّف (2).

ومع هذا الفارق ، كيف يمكن لنا أن نسري الحكم إلى قياساتنا المظنونة ، أليست صحّة هذه التسرية إليها مبنية على ضرب من القياس المظنون ، وهو موضع الخلاف!

2 - إنّ هذه الأنواع من الأحاديث ليست من القياس في شيء ، فرواية الخثعمية واردة في تحقيق المناط من قسمة الأوّل ، أي تطبيق الكبرى على صغراها.

فالكبرى - وهي مطوية - : « كُلّ دين يقضى » هي في واقعها أعمّ من ديون اللّه وديون الآدميين ، وقد طبّقها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله على دين اللّه لأبيها ، فحكم بلزوم القضاء ، وأين هذا من القياس المصطلح؟ على أنّا لو سلّمنا أنّه منه ، فهو من قبيل قياس الأولوية بقرينة قوله صلى اللّه عليه وآله : « فدين اللّه أحقّ » أي أولى بالقضاء ، وهو ليس من القياس.

وما يقال عن رواية الخثعمية ، يقال عن الرواية الثالثة حيث نقّح صلى اللّه عليه وآله بسؤاله صغرى لكبرى كُلّية ، وهي كُلّما ينقص لا يجوز بيعه.

ولسان الرواية الثانية يأبى نسبة مضمونها إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فهو أسمى من أن يشهر بشيء يعود إلى شؤونه وعوالمه الخاصّة مع نسائه.

ص: 80


1- النجم : 4.
2- الإحكام في أُصول الأحكام لابن حزم 6 / 779.

استدلالهم بالإجماع : والإجماع المحكي هنا ، هو إجماع الصحابة ، وتقريب الاستدلال به هو : أنّ الصحابة اتفقوا على استعمال القياس في الوقائع التي لا نصّ فيها من غير نكير من أحد منهم (1).

وتوجيه اتفاقهم - مع أنّه لم ينقل ذلك عنهم تاريخياً - هو : أنّ آحاداً منهم أفتوا استناداً إلى القياس ، وسكت الباقون فلم ينكروا عليهم ، وسكوتهم يكون إجماعاً ، أو أنّ بعضهم صرّح بالأخذ بالرأي من دون إنكار عليه ، ومن ذلك قول أبي بكر في الكلالة : « أقول فيها برأيي ، فإن يكن صواباً فمن اللّه ، وإن يكن خطأ فمنّي ومن الشيطان ، واللّه ورسوله بريئان منه » (2).

ومنه قول عمر : « أقول في الجدّ برأيي ، وأقضي فيه برأيي » (3).

والنقاش في هذا الإجماع واقع صغرى وكبرى :

أمّا الصغرى : فبإنكار وجود مثله عادة ، لأنّ مثل هذه الروايات - لو تمّت دلالتها على القياس - فإنّما هي صادرة من أفراد من الصحابة أمام أفراد ، فكيف اجتمع عليها الباقون منهم ، واتفقوا على فحواها؟ ولعلّ الكثير منهم لم يكن في المدينة عند صدورها.

وأمّا الكبرى : فبالمنع من حجّية مثل هذا الإجماع ، وذلك لأُمور :

1 - إنّ السكوت - لو شكّل إجماعاً - لا يدلّ على الموافقة على المصدر الذي كان قد اعتمده المفتي ، أو الحاكم بفتياه أو حكمه ، وبخاصّة إذا كان هو نفسه غير جازم بسلامة مصدره ، كقول أبي بكر السابق : « أقول فيها برأيي ، فإنّ يكن صواباً فمن اللّه ، وإن يكن خطأ فمنّي ومن الشيطان ».

على أنّ منشأ السكوت قد يكون هو المجاملة أو الخوف أو الجهل بالمصدر ، فدفع هذه المحتملات وتعيين الإيمان بالمصدر ، وهو حجّية الرأي من

ص: 81


1- الإحكام في أُصول الأحكام للآمدي 4 / 40.
2- تفسير القرآن العظيم 1 / 470.
3- الإحكام في أُصول الأحكام للآمدي 3 / 287.

بينها ، لا يتمّ إلاّ بضرب من القياس المستند إلى السبر والتقسيم أو غيره من مسالك العلّة ، وهو موضع الخلاف ، ولا يمكن إثباته بالإجماع للزوم الدور.

2 - إنّ هذا الإجماع - لو تمّ - معارض بإجماع مماثل على الخلاف.

ويمكن تقريبه بمثل ما قرّبوا به ذلك الإجماع ، من أنّ الصحابة أنكروا على العاملين بالرأي والقياس ، أمثال قول الإمام علي عليه السلام : « لو كان الدين بالرأي ، لكان أسفل الخفّ أولى بالمسح من أعلاه » (1).

وفي رواية أُخرى : « لو كان الدين بالقياس ، لكان المسح على باطن الخفّ أولى من ظاهره » (2).

وسكوت الصحابة بنفس تقريبهم السابق يكون إجماعاً على إبطاله.

3 - مع تسليم حجّية هذا النوع من الإجماع ، والتغاضي عن كُلّ ما أُورد عليه ، إلاّ أنّ ما قام عليه الإجماع هو نفس القياس لا مسالكه المظنونة ، إذ ليس في هذه الفتاوى ما يشير إلى الأخذ بمسلك من هذه المسالك موضع الخلاف ليصلح للتمسّك به على إثباته ، والإجماع من الأدلّة اللبّية التي يقتصر فيها على القدر المتيقّن ، إذ لا إطلاق أو عموم لها ليصحّ التمسّك به ، والقدر المتيقّن هو خصوص ما كان معلوم العلّة منه ، فلا يصحّ التجاوز عنه إلى غيره.

أدلّتهم من العقل : وقد صوّروها بصور عدّة منها :

1 - ما ذكره خلاف من : أنّ اللّه سبحانه ما شرّع حكماً إلاّ لمصلحة ، وأنّ مصالح العباد هي الغاية المقصودة من تشريع الأحكام ، فإذا ساوت الواقعة المسكوت عنها الواقعة المنصوص عليها في علّة الحكم التي هي مظنّة المصلحة ، قضت الحكمة والعدالة أن تساويهما في الحكم ، تحقيقاً للمصلحة التي هي مقصود الشارع من التشريع ، ولا يتّفق وعدل اللّه وحكمته أن يحرّم الخمر

ص: 82


1- سنن أبي داود 1 / 44 ، السنن الكبرى للبيهقي 1 / 292 ، المصنّف لابن أبي شيبة 1 / 207 ، سنن الدارقطني 1 / 211.
2- الإحكام في أُصول الأحكام للآمدي 4 / 47.

لاسكارها محافظة على عقول عباده ، ويبيح نبيذاً آخر فيه خاصّية الخمر وهي الاسكار ، لأنّ مآل هذا المحافظة على العقول من مسكر ، وتركها عرضة للذهاب بمسكر.

وهذا الدليل إنّما يتمّ على خصوص مبنى العدلية في التحسين والتقبيح العقليين ، وإلاّ فأيّ ملزم للشارع المقدّس - بحكم العقل - أن لا يخالف بين الحكمين ، مادام لا يؤمن العقل بحسن أو قبح عقليين.

والحقيقة : إنّ حكم العقل غاية ما يدلّ عليه هو حجّية أصل القياس ، لا حجّية مسالك علله وطرقها ، فمع المساواة في العلّة التامّة الباعثة على الحكم ، لابدّ أن يتساوى الحكم ، أي مع إدراك العقل لمقتضى التكليف وشرائطه ، وكُلّ ما يتّصل به ، لابدّ أن يحكم بصدور حكمه على وفق ما يقتضيه.

أمّا أن يحكم لمجرّد ظنّه بالعلّة ، وتوفّرها في الفرع ، فهذا ما لا يلزم به العقل أصلاً.

نعم ، إذا ظنّ العقل بوجود العلّة فقد ظنّ بوجود الحكم ، إلاّ أنّ مثل هذا الظنّ لا دليل على حجّيته ، مادامت طريقيته ليست ذاتية ، وحجّيته ليست عقلية.

2 - ما ذكره الشهرستاني : « نعلم قطعاً ويقيناً أنّ الحوادث والوقائع في العبادات والتصرّفات ممّا لا يقبل الحصر والعدّ ، ونعلم قطعاً أنّه لم يرد في كُلّ حادثة نصّ ، ولا يتصوّر ذلك أيضاً ، والنصوص إذا كانت متناهية وما لا يتناهى لا يضبطه ما يتناهى علم قطعاً ، أنّ الاجتهاد والقياس واجب الاعتبار حتّى يكون بصدد كُلّ حادثة اجتهاد » (1).

وهذا الاستدلال يبتني في تماميته على مقدّمتين :

الأُولى : دعوى تناهي النصوص وعدم تناهي الحوادث.

الثانية : دعوى أن ما يتناهى لا يضبط ما لا يتناهى.

ص: 83


1- الملل والنحل 1 / 199.

والدعوى الأُولى ليست موضعاً لشكّ ولا شبهة ، فالنصوص بالوجدان متناهية ، والحوادث بالوجدان أيضاً غير متناهية.

ولكن الكلام في تمامية الدعوى الثانية ، وهي دعوى أن ما يتناهى لا يضبط ما لا يتناهى.

وذلك أنّ الذي لا يتناهى هي الجزئيات لا المفاهيم الكُلّية ، والجزئيات يمكن ضبطها - بواسطة كُلّياتها - وقضايا الشريعة إنّما تتعرّض للمفاهيم الكُلّية غالباً ، وهي كافية في ضبط جزئيات ما يجد من أحداث ، وبخاصّة إذا ضمّ إليها ما يكتشفه العقل من أحكام الشرع على نحو القطع.

وما جعل لها من الطرق والإمارات والأُصول المؤمنة ، يغني عن اعتبار القياس بطرقه المظنونة كضرورة عقلية لابدّ من اللجوء إليها ، وهي وافية بحاجات الناس على اختلاف عصورهم وبيئاتهم.

3 - قولهم : إنّ القياس دليل تؤيّده الفطرة السليمة ، والمنطق الصحيح ، ويبني عليه العقلاء أحكامهم ، فمن نهي عن شراب لأنّه سام ، يقيس بهذا الشراب كُلّ سام ، ومن حرم عليه تصرّف لأنّ فيه اعتداء وظلم لغيره ، يقيس بهذا كُلّ تصرّف فيه اعتداء وظلم لغيره ، ولا يعرف بين الناس اختلاف في أنّ ما جرى على أحد المثلين يجري على الآخر ، وأنّ التفريق بين المتساويين في أساسه ظلم.

وهذا الدليل لا يتعرّض إلى أكثر من حجّية أصل القياس لا طرقه المظنونة ، وحجّية أصل القياس لا تقبل المناقشة.

خلاصة البحث : إنّ جميع ما ذكره مثبتو القياس من الأدلّة لا تنهض بإثبات الحجّية له ، فنبقى نحن والشكّ في حجّيته ، والشكّ في الحجّية كاف للقطع بعدمها.

وتمام رأينا في القياس : أنّ القياس يختلف باختلاف مسالكه وطرقه ، فما كان مسلكه قطعياً أُخذ به ، وما كان غير قطعي لا دليل على حجّيته.

ص: 84

( محمّد - السعودية - 16 سنة - طالب ثانوية )

أركانه وحجّيته :

س : يا حبّذا لو تذكروا لنا أركان القياس ومدى حجّيته؟ ودمتم في أمان اللّه.

ج : للقياس أركان أربعة :

1 - الأصل أو المقيس عليه : وهو المحلّ الذي ثبت حكمه في الشريعة ، ونصّ على علّته ، أو استنبطت.

2 - الفرع أو المقيس : وهو الموضوع الذي يراد معرفة حكمه من طريق مشاركته للأصل في علّة الحكم.

3 - الحكم : ويراد به الاعتبار الشرعي ، الذي جعله الشارع على الأصل ، والذي يطلب إثبات نظيره للفرع.

4 - العلّة : وهي الجهة المشتركة بينهما ، التي بني الشارع حكمه عليها في الأصل.

فإذا قال الشارع - مثلاً - : حرّمت الخمر لاسكارها ، فالخمر أصل ، والحرمة حكمه ، والاسكار علّتها ، فإذا وجد الاسكار في النبيذ - وهو الفرع - فقد ثبتت الحرمة له بالقياس.

وأمّا بالنسبة إلى البحث حول حجّية القياس نقول : لقد تباينت الأقوال والآراء حوله.

فالغزالي قال : « وقد قالت الشيعة وبعض المعتزلة : يستحيل التعبّد بالقياس عقلاً ، وقال قوم في مقابلتهم : يجب التعبّد به عقلاً ، وقال قوم : لا حكم للعقل فيه بإحالة ولا إيجاب ، ولكنّه في مظنّة الجواز ، ثمّ اختلفوا في وقوعه ، فأنكر أهل الظاهر وقوعه ، بل ادعوا حظر الشرع له » (1).

ص: 85


1- المستصفى : 283.

ولكن بعض الشافعية أوجبوا التعبّد به شرعاً ، وإن لم يوجبوه من وجهة عقلية ، والذي عليه أئمّة المذاهب السنّية وغيرهم من أعلام السنّة ، هو الجواز العقلي ، ووقوع التعبّد الشرعي به ، كما هو فحوى أدلّتهم.

ونسبة الإحالة العقلية - بقول مطلق - إلى الشيعة غير صحيحة.

ومن الأخطاء التي تكرّرت على ألسنة كثير من الباحثين ، هو نسبة رأي إلى مجموع الشيعة لمجرّد عثورهم على ذهاب مجتهد من مجتهديهم إليه ، ناسين أنّ الشيعة قد فتحوا على أنفسهم أبواب الاجتهاد ، فأصبح كُلّ مجتهد له رأيه الخاصّ ، ولا يتحمّل الآخرون تبعته.

نعم ، ما كان من ضروريات مذهبهم فإنّ الجميع يؤمنون به ، والشيء الذي لا نشكّ فيه هو : أنّ المنع عن العمل بقسم من أقسام القياس يعدّ من ضروريات المذهب ، لتواتر أخبار أهل البيت عليهم السلام في الردع عن العمل به ، لا أنّ العقل هو الذي يمنع التعبّد به ويحيله.

وعلى أيّ حال ، فإنّ حجّية القياس وعدمها تعود إلى ثلاثة أقوال رئيسية :

1 - قول بالإحالة العقلية.

2 - قول بالوجوب العقلي.

3 - قول بالإمكان ، وهو ذو شقّين ، إمكان مع القول بالوقوع ، والقول بعدمه.

( إحسان - ألمانيا - 33 سنة - طالب علم )

أقسامه :

س : الإخوة الأعزاء في مركز الأبحاث العقائدية ، في إحدى كتب القانون كان النقاش حول موضوع مصادر التشريع ، وكما تعلمون أنّ الشيعة يتّفقون مع السنّة في ثلاثة مصادر من مصادر التشريع - القرآن والسنّة والإجماع - ويختلفون في الرابع ، حيث تقول السنّة بالقياس وتقول الشيعة بالعقل.

ص: 86

وكان أحد السلفيين موجود في القاعة ، فاستغلّ هذا الموقف وقال : هل من لا يقولون بالقياس يحلّلون المخدّرات؟! حيث علّل قوله بأنّ الحكم على حرمة المخدّرات مقاسة بحرمة الخمر ، وذلك أنّ الاثنين يذهبا العقل.

فردّ أحد الشيعة : الموضوع لا يحتاج لقياس أو غيره ، كُلّ ما في الأمر أنّ كُلّ ما يضرّ بالنفس فهو حرام ، واستمر الحال ، حيث لا زال ذلك المتشدّد من ذكر بعض العبارات الاستفزازية.

وقد سألت أحد الأصدقاء عن ذلك ، وقال : إنّ الشيعة يستخدمون مصدر القياس في بعض الأُمور وقليلاً ما يستخدم.

وقد ذُكر في الكتاب حادثة وهي : إنّ عمر ابن الخطّاب جاء إلى الرسول صلى اللّه عليه وآله قائلاً : صنعت اليوم يا رسول اللّه أمراً عظيماً ، قبّلت زوجتي وأنا صائم ، فقال له الرسول صلى اللّه عليه وآله : « أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم »؟ فقلت : لا بأس بذلك ، فقال رسول اللّه : « ففيم »؟ أي ففي أمر هذا الأسف؟ وهم يعلّلون بذلك شرعية مصدر القياس.

الأسئلة :

1 - هل مصدر القياس مغيّب عند الشيعة؟

2 - كيف يحكم الشيعة على بعض الأُمور بالحرمة كحرمة المخدّرات؟

3 - كيف يمكن للعقل الحكم في الأُمور المختلفة التي لم يعرف عنها من قبل في زمن الرسول أو أهل البيت ، كالمخدّرات مثلاً؟ جزاكم اللّه خير الجزاء.

ج : نجيب على أسئلتكم بالترتيب كما يلي :

1 - التعبير بالقياس له إطلاقان : فتارةً يطلق ويراد منه القياس المنطقي ، وهذا مقبول عند الكُلّ ، ولا كلام فيه ، فما تمّت فيه المقدّمات تخرج النتيجة بصورة صحيحة وسليمة.

وتارةً يطلق ويراد منه التشبيه ، وهذا هو الذي يعبّر عنه بالقياس الفقهي ، وهو مردود عقلاً - كما هو مقرّر عند المنطقيين والحكماء والأُصوليين - وممنوع شرعاً عند الشيعة الإمامية.

ص: 87

ومضمون هذا القياس الباطل هو : الحكم على موضوع بسبب مشابهته لموضوع آخر ، فترى أنّ العقل السليم أيضاً - مضافاً إلى الدليل النقلي عندنا - يقطع ببطلان هذا القياس ، إذ إنّ الحكم الشرعي يتبع لأوامر الوحي ، ومجرّد المشابهة في بعض الصور والحالات لا يدلّ على اتحاد الحكم.

وأمّا الحديث الذي يذكرونه لشرعية القياس ، فمع غضّ النظر عن سنده لا يدلّ على المدّعى ، فالرسول صلى اللّه عليه وآله - على فرض الرواية - ينظّر بين المقامين ، وهذا من حقّ المشرّع بلا كلام ولا مناقشة ؛ إنّما الكلام في إعمال القياس من جانب الآخرين ، فليس في الحديث ما يشعر بصحّة هذا العمل كما هو واضح بأدنى تأمّل.

وعليه ، فيبقى هذا القياس الفقهي أمراً فارغاً لا يدلّ عليه العقل ، ولا يؤيّده النقل ، نعم قد يكون العمل بهذا القياس موجّهاً في صورة استثنائية ، وهي قياس منصوص العلّة ، وهو فيما إذا كانت علّة الحكم منصوصة ومصرّحة ، كما إذا قيل : لا تأكل الرمّان لأنّه حامض ، فقد اتفقت كلمة الأُصوليين على إسراء حكم عدم الأكل لكافّة الحموضات ، وهذا ليس من باب تشابه موضوعات الأحكام ، بل من جهة تعدّية الحكم بنفسه إلى الموارد الأُخرى بسبب تواجد العلّة فيها.

2 - حرمة المخدّرات ، إمّا أن نحكم عليها - أو على بعضها - من جهة الإسكار ، وإمّا أنّها بصفتها تعتبر من موارد الإضرار المعتدّ به بالنفس عرفاً.

فالحكم في القسم الأوّل يكون من مصاديق حرمة المسكّرات ، وحينئذ تترتّب مقدّمات الاستدلال هكذا : كُلّ مسكر حرام ، وهذا مسكر ، فهذا حرام.

وفي القسم الثاني أيضاً كذلك : كُلّ ما أضرّ إضراراً معتدّاً به للنفس فهو حرام ، والمخدّرات تضرّ ضرراً بليغاً بالنفس ، فهي حرام.

ص: 88

فترى أنّ الاستدلال في المقام يبتني على مقدّمات ونتيجة ، وليس فيه أي إشارة لمشابهة المخدّرات للخمر في ناحية الموضوع ، نعم هما متشابهان في ناحية الحكم ، ولكن ليس هذا قياساً فقهياً ، بل هو من موارد القياس المنطقي الصحيح.

3 - ظهر ذلك ممّا ذكرنا ، فهذه الأُمور إمّا أن تكون من مصاديق موارد منصوصة ، فتكون صغرى لكبرى مصرّحة في الشرع ؛ وإمّا أن تطبّق فيه قواعد الأُصول العملية من الاستصحاب والبراءة والاحتياط والاشتغال ، كما هو مقرّر في علم الأُصول.

ص: 89

ص: 90

كتاب لله ثمّ للتاريخ :

اشارة

( عقيل أحمد جاسم - البحرين - 32 سنة - بكالوريوس )

تأليف بعض الوهّابية :

س : هناك بعض الاستفسارات بخصوص مذهب أهل البيت ، أرغب في طرحها على سماحتكم ، وأتمنّى أن يكون صدرك واسع في تقبّلها ، والردّ عليها ردّاً شافياً.

1 - هل نكاح الجاريات جائز؟ فهناك من يتّهم الشيعة بأنّهم عند سفرهم يضعون زوجاتهم وجواريهم عند الآخرين للتمتّع بهنّ.

2 - لماذا حرمت أجيالنا السابقة من صلاة الجمعة ، وقالوا : أنّها لا تجوز إلاّ خلف الإمام الغائب؟

3 - بخصوص الإمام المنتظر ، قال الإمام الصادق عن أبيه الباقر عليهما السلام : « كأنّي أنظر إليه بين الركن والمقام ، يبايع الناس على كتاب جديد » (1) ، والمقصود من ذلك كتاب غير القرآن ، لأنّهم يدّعون بأنّنا نقول : بأنّ القرآن محرّف ، والقرآن الحقيقي عند الغائب.

هناك شخصية أريد التعرّف عليها ، هل هي حقيقية أم هي من تأليف الوهّابية؟ من أجل التهجّم علينا ، فقد استغلّوا هذا الاسم من أجل تشويه سمعة مذهبنا ، والنيل من الحوزات الدينية في النجف وقم ، لأنّ هذا الشخص يروي ماذا يحدث في الحوزة : من استغلال أموال الناس من خلال الخمس ، وأُمور أُخرى.

ص: 91


1- الغيبة للنعماني : 263.

وكُلّ هذا افتراءات من أجل النيل بمذهبنا ، والشخصية هي حسين الموسوي.

ج : بما أنّ أسئلتك أكثرها أخذت من كتاب « لله ... ثمّ للتاريخ » نرى من الأفضل أن نعطي بعض المعلومات عن هذا الكتاب ومؤلّفه ؛ فإنّ هذا الكتاب من تأليف بعض الوهّابيين الذي قبض عليه أخيراً في الكويت ، وهو من تلامذة أحد أصنام الوهّابية هناك ، ولا صلة للشيعة بهذا الكتاب ، لا من قريب ولا من بعيد ، بل أنّ المصنّف الحاقد قد جاء في كتابه هذا بإشكالات واهية ، وتهم غريبة على الشيعة ، بأسلوب روائي وقصصي ، حتّى يؤثّر في بعض النفوس الضعيفة ، فتراه يقلّد موسى الأصفهاني في أخذ إجازة الاجتهاد من الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء ، فيرى أن لا يختلف عن سلفه في أسلوبه ، حتّى لا يثير الشكّ في أوساط عامّة الناس ، وينسى أن يصوّر نسخة من تلك الإجازة المزعومة!!

وهو بعد لا يعلم بأنّ كاشف الغطاء كان يعرف بالشيخ لا بالسيّد ، حسب الاصطلاح المتداول في الحوزة العلمية ، وعامّة الشيعة!!

وفي مقطع آخر من الكتاب يروي قصّة مكذوبة في قراءة أُصول الكافي على بعض العلماء ، وهو لا يدري أنّ المنهج الدراسي في الحوزات العلمية الشيعية لا تشتمل على قراءة كتب الأحاديث ، وهذا دليل واضح بأنّ هذا الوهّابي قد قاس الحوزات الشيعية بالسنّية ، إذ يوجد في منهجهم قراءة كتب الحديث - كالبخاري - على الأُستاذ!!

والغريب أنّه يدّعي القرب من أكثرية المراجع ، فيا ترى من هو هذا الذي لا يعرفه أيّ أحد من طلبة الحوزة وعلمائها؟!

وأحياناً يأتي باسم الطباطبائي كمرجع ، وهو لا يعلم أنّ السيّد الطباطبائي هو صاحب تفسير الميزان ، ولم يكن مرجعاً دينياً!!

ص: 92

وتارةً يرى أنّ بعض الشيعة في منطقة الثورة ببغداد يقلّدون السيّد البروجردي ، وهذا ممّا يضحك الثكلى ، إذ أنّ السيّد البروجردي قد توفّي قبل أكثر من أربعين سنة ، ولم يبن في زمانه منطقة الثورة من الأساس!!

حتّى إنّه ومن كثرة جهله لم يعرف الوائلي الخطيب - مع أنّه يعتبره صديقاً لنفسه - كشيخ ، بل عرّفه بأنّه سيّد ، والحال هو معروف حتّى عند العوام ، فكيف عند من يدّعي تواجده سنين متمادية في الحوزات العلمية؟! وهكذا الأمر بالنسبة للشيخ كاشف الغطاء ، الذي يدّعي بأخذ إجازة الاجتهاد منه ، وهو لا يعرفه بتاتاً.

وهذا المؤلّف الكذّاب لا يعرف حدوداً لكذبه وأباطيله ، حتّى أنّه ينقل وصية مكذوبة على الإمام الخوئي قدس سره على فراش الموت!! والكُلّ يعلم أنّ السيّد الخوئي لم يقع في الفراش ، بل أنّ وفاته كانت على أثر سكتة قلبية مفاجئة.

وفي مقطع آخر يتّهم أحد العلماء - والعياذ باللّه - بعدم الختان ، ثمّ لم يعيّنه بالشخص خوفاً من معرفة ذوي الميّت إيّاه - أي المؤلّف - وهذا هو الغريب ، إذ هو يعرّف نفسه بالسيّد حسين ، ويذكر في قصص كثيرة من كتابه هذا ، أنّ المراجع والعلماء كانوا أيضاً يعرفونه بهذا الاسم ، فكيف يا ترى يحتال في إخفاء اسمه؟!

وأخيراً : نكتفي في هذا المجال إلى الكذب الصريح الذي صدر منه - وشاء اللّه أن يفضح الكذّابين - إذ يدّعي زيارته للهند ، والتقاؤه مع السيّد دلدار علي النقوي ، صاحب كتاب أساس الأُصول ، فهذا السيّد قد توفّي سنة 1235 ه- (1) ، فكيف يزوره هذا الكذّاب ، وهو يعيش حالياً في الأربعينات من عمره؟! فإذا كان عمره عند زيارته للهند ثلاثين سنة ، وقد زار السيّد دلدار علي النقوي في سنة وفاته ، فهو الآن يجب أن يكون عمره 218 سنة!!

ص: 93


1- الذريعة 2 / 4.

فكيفما كان ، فالكتاب أثر مختلق يمثّل مدى حقد البعض على الشيعة.

وأمّا بالنسبة إلى الشبهات التي سألت عنها ، فتجد أجوبتها موجودة في محلّها من الأسئلة العقائدية في موقعنا.

( أحمد النمر - السعودية - .... )

في النقد العلمي :

س : السلام عليكم ، وجزاكم اللّه خيراً.

قرأت إجاباتكم حول كتاب لله ثمّ للتاريخ ، وكانت إجابات جيّدة ومقنعة ، ولكن أُريد إجابة وافية ، وتوسعة في الردّ.

ج : لقد كان القلم وما زال أداةً طالما ركبت صهوة المجد ، وتسنّمت ذرى الرفعة والكمال ، حتّى فضّل اللّه تعالى مداد العلماء على دماء الشهداء ، وجعلهم ورثة الأنبياء ، وبه اقسم ربّ العزّة فقال : ( ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ) (1).

لكن وا أسفاه عندما يهبط برمح الحقّ هذا إلى وهاد الزور والكذب ، وا أسفاه حينما يُجرُّ رغماً عنه إلى مهاوي الخداع والتضليل ، فنحن في زمن صارت الكلمة الصادقة فيه أندر وأعزُّ من الكبريت الأحمر ، زمن غدت به الأكاذيب حذّاقة ، والتزوير والخداع فطنة ، فالغاية صارت تبرّر الوسيلة ، حتّى كأنّ اللّه تعالى لم يقل في كتابه المجيد : ( وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ) (2).

لله ... ثمّ للتاريخ : هكذا جاء هذا العنوان المزوق برّاقاً موهماً ، كتاب أساسه الكذب ، ودعائمه البهتان ، وسقفه الزور.

لقد كانت العرب قبل الإسلام تحترم الكلمة ، وتعطي أرواحها كي تصون كلمتها ، فما بال المؤلّف - إن كان يدّعي أنّه عربي - لم يلتزم بأدنى قواعد الجاهلية ، فضلاً عن قواعد الإسلام؟ فأين شرف الكلمة؟! أين أمر اللّه بوجوب الصدق؟!

ص: 94


1- القلم : 1.
2- الحجّ : 30.

كتابٌ حاول النيل من عقائد الشيعة - وليست هذه أوّل ولا آخر محاولة ، ولكن هيهات ، فالجبال لا تزيلها الرياح - فلم يجد إلاّ طريقاً مفضوحاً ساذجاً ، لا ينطلي إلاّ على البسطاء من الناس ، وتغافل أنّنا نعيش في عصر الكمبيوتر والإنترنت ، وأنّه ممكن للقارئ وبضغطة زر واحد أن يحصل على ما شاء من المعلومات الدقيقة والعميقة.

وإليك أيّها المسلم الغيور نكت حول الكتاب ، اختصرناها من كتاب كامل في الردّ على مثل هذه الترهات ، فاضحك إن شئت تضحك ، وأبك أن شئت ، فنحن في زمن مضحك مبك ، يرتكب فيه بعض من يدّعي الإسلام أبشع الكبائر ، وأكبر الذنوب لضرب أخيه المسلم ، فلخدمة مَن؟ وكم هو الأجر؟!

1 - مؤلّف الكتاب عمره 200 سنة أو أكثر :

لقد قيل في المثل : إذا كنت كذوباً فكن ذكوراً ، لكن المؤلّف نسي هذا المثل ، وهذا طبيعي فحبل الكذب قصير ، فقد ذكر في كتابه ص 104 ما نصّه : في زيارتنا للهند التقينا بالسيّد دلدار علي النقوي فأهداني كتابه أساس الأُصول ....

ومعلوم جزماً : أنّ السيّد دلدار علي النقوي - وهو مؤلّف وعالم شيعي - توفّي سنة 1820 م - كما هو مذكور في كتاب الأعلام للزركلي (1) ، ولنفرض أنّ هذا المؤلّف كان عمره آنذاك حين التقى بدلدار علي النقوي 20 سنة - على أقل تقدير - إذاً ستكون ولادة هذا المؤلّف سنة 1800 م ، هذا بالنسبة لولادته.

أمّا وفاته ، فهو لم يتوفّ بعد ، لأنّه قال في مقدّمة كتابه ص 6 : أمّا أنا فما زلت حيّاً داخل العراق ، وفي النجف بالذات ... ، كما أنّه يدّعي أنّه كان حاضراً حينما توفّي السيّد الخوئي ، ومعلوم أنّ السيّد الخوئي توفّي سنة 1992 م ، فإذا طرحنا 1992 من 1800 سيكون عمره إلى حين وفاة السيّد الخوئي 192 سنة ، أمّا عمره إلى الآن فهو 203 سنوات!! فاضحك فقد راق الضحك.

ص: 95


1- الأعلام 2 / 340.

2 - يقول أنّه مجتهد ، وأنّه نال الاجتهاد من الشيخ كاشف الغطاء :

ومعلوم أنّ الشيخ كاشف الغطاء قدس سره - وهو مرجع شيعي كبير - ولد سنة 1877 م (1) ، أي إنّ المؤلّف حينما ولد كاشف الغطاء كان عمره 77 سنة ، كما أنّ الشيخ كاشف الغطاء بدأ بتدريس بحوث الخارج سنة 1898 م ، أي كان عمر المؤلّف 98 سنة ، على أنّ الطالب يحضر هذه الدروس لا أقل مدّة 5 سنوات كي يجتهد ، فيكون عمر المؤلّف 103 سنوات حينما حصل على إجازة الاجتهاد ، ويقول في ص 5 : أنّه حصل عليها بتفوّق ....

فأي تفوّق هذا يا ترى؟ وما حال الطلاّب غير المتفوّقين؟ لابدّ أنّ أعمارهم تصل إلى 200 أو 300 سنة ، حتّى ينالوا الاجتهاد!!

3 - المؤلّف لا يعرف مصطلح السيّد ومصطلح الشيخ ، ولا يميّز بينهما ، وإليكها :

الأُولى : قال في ص 5 : أنهيت الدراسة بتفوّق حتّى حصلت على إجازتي العلمية في نيل درجة الاجتهاد من أوحد زمانه سماحة السيّد محمّد الحسين آل كاشف الغطاء ....

وقال في ص 9 : وسألت السيّد محمّد حسين آل كاشف الغطاء ....

الثانية : قال في ص 13 : والسيّد محمّد جواد مغنية ....

الثالثة : قال في ص 21 : قال السيّد علي الغروي ....

الرابعة : قال في ص 48 : السيّد لطف اللّه الصافي ....

الخامسة : وكان صديقنا الحجّة السيّد أحمد الوائلي ....

السادسة : قال في ص 102 : بينما يقول السيّد أبو جعفر الطوسي المتوفّي 460 ه- ....

السابعة : بل وصل به الحال إلى الجمع بين المتناقضين ، فقال في ص 102 : قال الشيخ الثقة السيّد حسين بن السيّد حيدر الكركي العاملي المتوفّى 1076 ه- ...

ص: 96


1- العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية : 12.

وهناك موارد أُخرى لم نذكرها اختصاراً.

ومن الواضح البيّن عند الشيعة ، يعرفه صغيرهم وكبيرهم : أنّ هناك فرقاً بين السيّد والشيخ ، فالسيّد يطلق على مَن ينتسب إلى السلالة العلوية ، والشيخ يطلق على كُلّ من لم يكن من السلالة العلوية ، فكيف غاب عن هذا الشخص ، والذي يدّعي الاجتهاد ، أنّ هؤلاء الذين ذكرهم في كلامه ، وأطلق عليهم لفظ السيّد ، أنّهم من المشايخ وليسوا من السادة؟!

مع أنّ هذا الأمر يعرفه أطفال الشيعة فضلاً عن عوامّهم ، فما بالك بفقهائهم؟ وكيف غاب عنه أنّ محمّد حسين آل كاشف الغطاء شيخاً ، وليس سيّداً؟ مع أنّه يقول : حضرت عنده وحصلت على درجة الاجتهاد منه ، فكيف غاب عنه خلال هذه الفترة من الحضور عنده أنّه شيخاً ، وليس سيّداً ، بحيث أطلق عليه في ثلاث موارد : ص 5 و 9 و 52 لفظ السيّد؟!

فالمؤلّف المذكور ألّف مسرحية ، ولم يتّقن أداء الدور فيها ، فلبس لباس التشيّع ، وأخذ يكتب بعنوان كونه شيعياً ، لكنّه لم يفلح بذلك ، فوقع في أغلاط فاضحة.

4 - زعم هذا الكذّاب في ص 14 من كتابه المذكور : أنّ الشيعة يسمّون إخوانهم أهل السنّة بالنواصب.

وهذا هو الخبث بعينه ، والفتنة بعينها ، واللّه تعالى يقول : ( وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ) (1) ، فهو يريد الوقيعة بين الشيعة وإخوانهم من أهل السنّة ، ويريد للمسلم أن يكفّر أخاه المسلم ، ويلعنه ويقاتله ، وقد روي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « أُمرت أن أُقاتل الناس حتّى يقولوا لا إله إلاّ اللّه ، فمن قالها فقد عصم منّي ماله ونفسه إلاّ بحقّه وحسابه على اللّه » (2).

ص: 97


1- البقرة : 191.
2- صحيح البخاري 2 / 110 و 4 / 6.

وإليك قارئي الكريم حقيقة الحال في لفظ النواصب ، ومن أُمّهات كتب الشيعة ، لتعرف حقيقة الحال ، ولكي لا تنطلي عليك مثل هذه الألاعيب الخبيثة ، فالنواصب عند الشيعة : هم جماعة خاصّة تبغض أهل البيت عليهم السلام وتكرههم ، وتنصب لهم العداوة ، مخالفةً بذلك أمر اللّه تعالى حيث يقول في كتابه المجيد : ( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (1) ، أي قل يا محمّد لقومك : لا سألكم على الرسالة ، وعلى أتعابي ، وما لقيت من جهد ، أيّ أجر سوى أجراً واحداً ، وهو أن تودّوا أهل قرباي.

ومعلوم لدى كُلّ مسلم من هم قرابة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فكُلّ من يعاديهم - والعياذ باللّه - فهو ناصبي ، وإليك كلمات علمائنا في ذلك :

أ - الشهيد الثاني زين الدين العاملي الجبعي - وهو من كبار فقهاء الشيعة - في كتابه مسالك الإفهام : النواصب : وهم المعلنون بعداوة أهل البيت عليهم السلام أو أحدهم صريحاً أو لزوماً (2).

ب - الشيخ رضا الهمداني في كتابه مصباح الفقيه : النواصب : الذين اظهروا عداوة أهل البيت ، الذين أوجب اللّه مودّتهم وولايتهم ، وأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً (3).

ج - السيّد محمّد رضا الكلبايكاني في هداية العباد : النواصب : وهم المعلنون بعداوة أهل البيت عليهم السلام وإن اظهروا الإسلام (4).

د - السيّد أبو القاسم الخوئي في كتابه تنقيح العروة الوثقى : وهم الفرقة الملعونة التي تنصب العداوة ، وتظهر البغضاء لأهل البيت عليهم السلام (5).

ص: 98


1- الشورى : 23.
2- مسالك الأفهام 1 / 24.
3- مصباح الفقيه 1 / 564.
4- هداية العباد 2 / 217.
5- تنقيح العروة الوثقى 2 / 75.

فاتضحّ لك الأمر قارئي الكريم : أنّ الشيعة تطلق لفظ النواصب على فرقة خاصّة كرهت أهل البيت ، مثل : الخوارج الذين حاربوا إمام زمانهم ، وسيّد أهل بيت النبيّ ، وهو الإمام علي عليه السلام ، أو من قاتل الإمام الحسين عليه السلام ، فهؤلاء نواصب.

أمّا عامّة أهل السنّة ، فإنّهم محبّون لأهل البيت عليهم السلام ، بل إنّ كثيراً منهم يذرفون الدمع عند سماعهم بمصيبة الحسين وأهل بيته ، فكيف نسمّيهم نواصب؟! وما هذا الكذب الذي افتراه هذا المفتري إلاّ كيداً للإسلام ، وضرباً لأتباع النبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله من سنّة أو شيعة ، فأخزى اللّه كُلّ متآمر على الإسلام.

5 - في ص 14 من كتابه المذكور - والكتاب كُلّه عبارة عن كذب ومغالطات رخيصة - ذكر عدّة مفتريات توالت بنسق واحد ، ومصبّها وهدفها إلصاق كُلّ ما يمكن إلصاقه من المفتريات بالشيعة والتشيّع ، محاولاً أن يجمع فيها كُلّ كلمة ذمّ وتوبيخ وعتاب ، قيلت من قبل الأئمّة في أي جماعة كانت ، ولصقها بالشيعة ، بل زاد - وبشكل مفضوح - الأمر بأن جعل كلام الإمام الحسين عليه السلام الذي قاله بحقّ أعدائه وقتلته - الذين قاتلوه في يوم عاشوراء - جعل هذا الكلام موجّهٌ إلى الشيعة ، ولكن لا عجب ، فقد قال الشاعر :

لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى *** حتّى يراق على جوانبه الدم (1)

وقبل البدء بالجواب نستعرض لك - أيّها القارئ اللبيب - قسماً من تلك المفتريات المخزية ، ثمّ نجيب عليها إن شاء اللّه :

أ - في ص 14 : نقل كلام أمير المؤمنين عليه السلام الموجّه لأهل الكوفة : « يا أشباه الرجال ولا رجال ، حلوم الأطفال ، وعقول ربّات الحجال ... » (2).

ص: 99


1- شرح نهج البلاغة 3 / 268.
2- المصدر السابق 2 / 75.

ب - في ص 15 أورد خطبة الإمام علي عليه السلام - وقد حذف منها كلمتين - فغيّر المخاطب وهذا أُسلوب قذر ، إذ قد يرد الذمّ والتوبيخ لزيد ، لكن الناقل للذمّ يغيّره ويقول : إنّ الذمّ ورد في عمرو - فقد أورد الكاتب الخطبة هكذا : « صمٌ ذوو أسماع ، وبكم ذوو كلام ، وعمي ذوو أبصار ، لا أحرار صدق عند اللقاء ... » (1) ، وقد حذف أوّل الخطبة ، وهي قول أمير المؤمنين عليه السلام : « يا أهل الكوفة ، منيت منكم بثلاث واثنتين : صمٌ ذوو أسماع ... ».

فتلاحظ كم تغيّر الخطاب ، وكم هو الفرق بين أن يدّعي هذا الكاذب أنّ الخطاب مقصود به الشيعة ، وبين حقيقة الحال ، وأنّ المقصود به هم أهل الكوفة ، وسنثبت للقارئ الفرق الكبير والبون العظيم الشاسع بين اللفظتين : الشيعة وأهل الكوفة.

ج - في ص 18 لخَّص مطالبه بأُمور ، وكان أهمّها قوله : ملل وضجر أمير المؤمنين من « شيعتهم أهل الكوفة » ، وأرجو من القارئ أن يتنبّه جيّداً للتعبير الذي بين القوسين ، ففيه تمام المغالطة على ما سنبيّنه لاحقاً.

الجواب : تلاحظ - عزيزي القارئ - أنّه استخدم لفظ « أهل الكوفة » ليضرب به الشيعة والتشيّع ، محاولاً إيهام القرّاء أنّ لفظ « الكوفة = الشيعة » والعكس بالعكس ، وهذا كذب عظيم ، سنجيب عليه بالنقاط التالية :

أ - إنّ المتتبّع لتاريخ الكوفة تتبّعاً علمياً دقيقاً يجد : أنّ الكوفة من المدن التي أحدثها الإسلام ، فقد بناها سعد بن أبي وقاص ، بأمر من الخليفة الثاني عمر ابن الخطّاب سنة 17 ه- ، حتّى سمّيت ب- « كوفة الجند » (2) ، وعندما تأسّست هذه المدينة ، تسابق لها المسلمون بشتّى مشاربهم واتجاهاتهم السياسية والفكرية ، حتّى أحصى ابن سعد في كتابه الطبقات الكبرى ، في باب طبقات الكوفيين ، ما يقارب ( 150 ) صحابياً ، ممّن نزل الكوفة ، وقد سكنها العرب واليهود والنصارى والفرس.

ص: 100


1- المصدر السابق 7 / 71.
2- معجم البلدان 4 / 491.

أمّا العرب فقد كان تعدادهم على ما أخبر به الشعبي فقال : كنّا نعدّ أهل اليمن اثني عشر ألفاً ، وكانت نزار ثمانية آلاف (1).

إذاً ، فالعرب في الكوفة أيّام علي عليه السلام وولده الحسن والحسين ، يربوا عددهم على العشرين ألف ، فهل من العقل والمنطق أن نقول : أنّ عشرين ألف عربي ، و 150 صحابياً كُلّهم شيعة لعلي عليه السلام؟!

ب - الفرس في الكوفة : وكان عددهم 4000 رجلاً ، تحالفوا مع قبيلة تميم ، وسمّوا بالحمراء أو حمراء ديلم ، لأنّ قائدهم يدعى ديلم ، وهم بقايا فلول الجيش الفارسي المنهزم من معركة القادسية ، استوطنوا الكوفة (2) ، فهل هؤلاء أيضاً هم شيعة أو يمكن أن يكونوا شيعة؟!

ج - الأديان في الكوفة :

أوّلاً : النصارى : قال ياقوت الحموي في وصف الكوفة : أمّا ظاهر الكوفة فإنّها منازل النعمان بن المنذر ... وما هناك من المتنزّهات والديرة الكبيرة (3).

والديرة : جمع دير وهو مكان عبادة النصارى.

كما ذكر لنا المؤرّخ الشهير الطبري في تاريخه ، كيف أنّ نصارى العرب من قبيلة تغلب ، كانوا ممّن ساهموا في اعمار الكوفة واستيطانها في زمان الخليفة الثاني ، وإليك النصّ : فعاقدوا عمر على بني تغلب فعقد لهم على أنّ من أسلم منهم فله ما للمسلمين وعليه ما عليهم ، ومن أبى فعليه الجزاء - أي أن يدفع الجزية - ... فقالوا : إذاً يهربون وينقطعون فيصيرون عجماً ... فهاجر هؤلاء التغلبيون ومن أطاعهم من النمريين والأياديين إلى سعد بالمدائن ، وخطّوا معه بعد بالكوفة ... (4) ، فلا أدري هل هؤلاء النصارى الذين سكنوا الكوفة هم من الشيعة؟!

ص: 101


1- المصدر السابق 4 / 492.
2- فتوح البلدان 2 / 344.
3- معجم البلدان 4 / 493.
4- تاريخ الأُمم والملوك 3 / 145.

د - اليهود في الكوفة : لقد تواجد اليهود في الكوفة منذ زمن بعيد ، يرجع إلى 597 قبل الميلاد ، منذ أن سباهم الملك الكلداني نبوخذ نصّر ، وحافظوا على وجودهم في المنطقة على مرّ العصور ، كما انظمّ إلى يهود العراق يهود المدينة حين تمّ جلاؤهم منها ، فاستوطنوا الكوفة منذ عام 20 للهجرة.

وقد سيطر اليهود في الكوفة على التجارة والصياغة ، ولهم معابد ومزارات لا تزال موجودة إلى اليوم ، ومن كان من أهل الكوفة يعرف ذلك جيّداً ، فنسأل هل اليهود أيضاً من شيعة علي عليه السلام؟!

ه- - المسلمون ومشاربهم السياسية في الكوفة : وأخيراً ننهي الجواب بالتعرّف إلى أمر مهمّ ، وهو أنّ المسلمين الذين استوطنوا الكوفة أنفسهم لم يكن لهم رأي واحد ، أو مشرب سياسي واجتماعي واحد ، فقد كان كثير منهم ، بل الأغلبية الغالبة ، كانوا يرون أفضلية أبي بكر وعمر وعثمان على علي بن أبي طالب عليه السلام ، وهذا واضح لمن له أدنى تأمّل.

ويكفينا هنا شاهد واحد من أدلّة وشواهد لا تحصى ، لكنّ المقام مقام اختصار ، فقد قال ابن أبي الحديد المعتزلي : « وقد روي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لمّا اجتمعوا إليه بالكوفة ، فسألوه أن ينصب لهم إماماً يصلّي بهم نافلة شهر رمضان - وهي صلاة التراويح عند أهل السنّة ، وهي بدعة عندنا ، بل أنّ عمر نفسه سمّاها بدعة ، واستحسنها قائلاً : نعمت البدعة هذه - فزجرهم - أي أمير المؤمنين - وعرّفهم أنّ ذلك خلاف السنّة ، فتركوه واجتمعوا لأنفسهم ، وقدّموا بعضهم - أي أنّهم عصوا أميرهم وسيّدهم - فبعث إليهم ابنه الحسن عليه السلام ، فدخل عليهم المسجد ومعه الدرّة ، فلمّا رأوه تبادروا الأبواب وصاحوا : وا عمراه » (1).

وأوّل من صاح بها قاضي الكوفة شريح ، كما نقل ذلك التستري (2) ، فهل هؤلاء شيعة علي عليه السلام؟!

ص: 102


1- نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق ليوسف رزق اللّه : 103.
2- شرح نهج البلاغة 12 / 283.

أم هل يمكن أنّ أبا موسى الأشعري ، الذي وقف يخاطب جموع أهل الكوفة ، ويثبّطهم عن نصرة أمير المؤمنين علي عليه السلام في حرب الجمل ، ويقول لهم : « أنّ علياً - لاحظ أنّه حتّى لم يقل أمير المؤمنين وقاحةً وصلفاً - إنّما يستنفركم لجهاد أُمّكم عائشة ... أشيموا سيوفكم ، وقصروا رماحكم ، وقطعوا أوتاركم ، وألزموا البيوت » (1).

فهل هذا ومن لفَّ لفّه يمكن أن نعدّهم من شيعة علي عليه السلام؟

وأخيراً : هذين شذرتين صغناها لك قارئي الكريم لتكتمل معرفتك ، وهناك شذرات لا عدَّ لها لمن أراد الاستزادة ، وهي موجودة في بطون الكتب ، فمن أراد فليتابع البحث بنفسه :

1 - قال الحسين عليه السلام مخاطباً الجيش الذي جاء لقتاله في يوم عاشوراء : « ويلكم يا شيعة آل أبي سفيان ، إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد ، فكونوا أحراراً في دنياكم هذه ، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عرباً كما تزعمون » (2).

2 - في كتاب اختيار معرفة الرجال - المعروف برجال الكشي - للشيخ الطوسي ، عن الإمام الباقر عليه السلام قال : « كان علي بن أبي طالب عليه السلام عندكم بالعراق يقاتل عدّوه ومعه أصحابه ، وما كان منهم خمسون رجلاً يعرفونه حقّ معرفته ، وحقّ معرفته إمامته » (3).

فيتبيّن لك - قارئي الكريم - من هم قتلة الحسين عليه السلام؟ وكم هم الشيعة الواقعيون في ذاك الزمان.

6 - جهل المؤلّف بالمصطلحات الشرعية التي يعرفها عوام الناس ومنها :

جهله بمعنى التقية عند الشيعة والسنّة ، وجاء بكلام حولها لا يتفوّه به إلاّ الجهّال ، ومن لا معرفة عندهم ، فقد قال في ص 9 : وسألت السيّد محمّد

ص: 103


1- قاموس الرجال 5 / 405.
2- الجمل : 134 ، شرح نهج البلاغة 14 / 15.
3- اللّهوف في قتلى الطفوف : 71.

الحسين آل كاشف الغطاء عن ابن سبأ؟ فقال : إنّ ابن سبأ خرافة وضعها الأمويون والعباسيون حقداً منهم على آل البيت الأطهار ، فينبغي للعاقل أن لا يشغل نفسه بهذه الشخصية ... ، ويتابع المؤلّف كلامه فيقول : ولكنّي وجدت في كتابه - أي كتاب كاشف الغطاء - المعروف بأصل الشيعة وأُصولها : 40 - 41 ، ما يدلّ على وجود هذه الشخصية وثبوتها ، حيث قال : أمّا عبد اللّه ابن سبأ ، الذي يلصقونه بالشيعة ، ويلصقون الشيعة به ، فهذه كتب الشيعة بأجمعها تعلن بلعنه والبراءة منه ... ، ثمّ يقول المؤلّف : ولاشكّ أنّ هذا تصريح بوجود هذه الشخصية ، فلمّا راجعته في ذلك قال : إنّما قلت هذا تقية ، فالكتاب مقصود به أهل السنّة.

وملخّص ما ذكره المؤلّف : أنّ كاشف الغطاء ذكر رأيين في كتاب واحد في صفحة واحدة حول عبد اللّه بن سبأ ، فلمّا سأله الكاتب عن ذلك أجاب : إنّ ذلك تقية!

وهذا جهل فضيع من المؤلّف بمعنى التقية ، التي يؤمن بها الشيعة والسنّة ، لا يصدر من متعلّم فضلاً عن عالم يدّعي الاجتهاد والعلم ، وإليك معنى التقية الشرعية عند الشيعة بإجماع فقهائهم ، لترى هل ينطبق عليها كلام المؤلّف أم لا؟

معنى التقية : أنّ الإنسان إذا خاف على نفسه أو عياله أو على مؤمن من عدوّ أو ظالم ، فله أن يخالف الشريعة في حدود ما يرتفع به الخوف والإكراه (1).

وقال بشرعيتها الشيعة والسنّة ، كما أنّ القرآن والسنّة النبوية نطقا بذلك : قال تعالى : ( لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً ... ) (2).

ص: 104


1- اختيار معرفة الرجال 1 / 26.
2- الموسوعة الفقهية الميسّرة 1 / 19.

وأمّا السنّة النبوية : فارجع إلى الحاكم ، وابن سعد ، وابن عساكر ، والذهبي وغيرهم في قضية عمّار بن ياسر ، حينما قال له الرسول صلى اللّه عليه وآله : « ما وراءك »؟ قال : شرّ يا رسول اللّه ، ما تُرِكتُ حتّى نِلتُ منك ، وذكرتُ آلهتهم بخير ، فقال : « كيف تجد قلبك »؟ قال : مطمئن بالإيمان ، قال صلى اللّه عليه وآله : « إن عادوا فعد » (1).

وذكر الشوكاني - وكان قاضي القضاة ، وإمام أهل السنّة - : أنّ تسمية زياد بن سفيان ، الذي ورد في كلام المحدّثين ، كان في زمن بني أُمية خوفاً واتقاءً منهم ، مخالفين بذلك الإجماع على تحريم نسبته إلى أبي سفيان ، قال : وقد أجمع أهل العلم على تحريم نسبته إلى أبي سفيان ، وما وقع من أهل العلم في زمان بني أُمية فإنّما هو تقية (2) ، فهل التقية حلال على أهل السنّة ، حرام على أهل الشيعة؟

وأخرج البخاري قول أبي هريرة : « حفظت عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وعاءين ، فأمّا أحدهما فبثثته ، وأمّا الآخر فلو بثثته لقطع هذا البلعوم » (3) ، أي أنّه أخفاه تقيةً وخوفاً.

وقد علّق العلاّمة شعيب الأرنؤوط على ذلك بقوله : « وقد حمل العلماء الوعاء الذي لم يبثّه على الأحاديث التي فيها تبيين أمراء السوء وأحوالهم ... ولا يصرّح به خوفاً على نفسه منهم ، كقوله : أعوذ باللّه من رأس الستين وإمارة الصبيان ، يشير إلى خلافة يزيد بن معاوية ، لأنّها كانت على رأس سنة ستين من الهجرة » (4).

ص: 105


1- آل عمران : 28 ، النحل : 106 ، غافر : 28.
2- المستدرك 2 / 357 ، الطبقات الكبرى 3 / 249 ، سير أعلام النبلاء 1 / 411 ، تاريخ مدينة دمشق 43 / 373 ، السنن الكبرى للبيهقي 8 / 209 ، شرح نهج البلاغة 10 / 102 ، جامع البيان 14 / 237 ، أحكام القرآن للجصّاص 2 / 13 ، الجامع لأحكام القرآن 10 / 180 ، تفسير القرآن العظيم 2 / 609 ، الدرّ المنثور 4 / 132 ، تفسير الثعالبي 3 / 443.
3- نيل الأوطار 5 / 194.
4- صحيح البخاري 1 / 38 ، الطبقات الكبرى 2 / 362.

وقال الفخر الرازي : « روى عوف عن الحسن : أنّه قال : التقية جائزة للمؤمنين إلى يوم القيامة ، وهذا القول أولى ، لأنّ دفع الضرر عن النفس واجب بقدر الإمكان » (1).

إذا عرفنا معنى التقية عند الشيعة والسنّة أنّها تجوز عند الضرورة ، لا فرق بين أن تكون مع الكفّار أو المسلمين ، نأتي إلى كلام المؤلّف فنقول : إذا كان الشيخ كاشف الغطاء يتّقي في كتابه أصل الشيعة وأُصولها ، فلماذا لم يقتصر على إنكار وجود عبد اللّه بن سبأ فقط ، ولا حاجة لأن يثبت وجوده؟!

بينما نجده يقول في ص 40 - 41 : أمّا عبد اللّه بن سبأ ، الذي يلصقونه بالشيعة ، أو يلصقون الشيعة به ، فهذه كتب الشيعة بأجمعها تعلن بلعنه والبراءة منه ، وأخف كلمة تقولها كتب الشيعة في حقّه ، ويكتفون بها عن ترجمة حاله عند ذكره في العين هكذا : عبد اللّه بن سبأ العن من أن يذكر ، على أنّه ليس من البعيد رأي القائل أنّ عبد اللّه بن سبأ وأمثاله كُلّها أحاديث خرافة ، وضعها القصّاصون وأرباب السمر والمجون؟!

فالشيخ يقول : أوّلاً : أنّ الشيعة تتبرّأ من عبد اللّه بن سبأ ، ولا ربط لعقيدة الشيعة به ، سواء كان موجوداً أو غير موجود.

ثانياً : أنّ عبد اللّه بن سبأ لعلّه شخصية وهمية ، وضعها أعداء الشيعة للنيل منهم.

فأين التقية في هذا الكلام؟ وما هي الضرورة - التي عندها يجوز التقية - التي دعت الشيخ إلى ذلك؟ وإذا كان يريد الاتقاء ومداراة أبناء السنّة ، لكان من المضحك أن يقول هذا الكلام ، إذ فيه الإقرار بوجود عبد اللّه بن سبأ ، فكيف يتّقي وينكره؟!

وكيف يأتي بأمرين في آن واحد وهو يتّقي ، فهذا يكون حاله كحال من اضطره الكفّار إلى الكفر ، فيقول : كفرت ، ثمّ يتبع كلامه بالقول : لا أنا

ص: 106


1- سير أعلام النبلاء 2 / 597.

باق على الإسلام ولم أكفر ، في نفس الوقت ، وفي نفس الموقف ، فهل هذا إلاّ ضحك ولعب؟!

7 - جهل المؤلّف بالمعنى الشرعي لنكاح المتعة :

قال المؤلّف الذي يدّعي العلم - كما زعم - في ص 38 : إنّ المتعة كانت مباحة في العصر الجاهلي ، ولمّا جاء الإسلام أبقى عليها مدّة ، ثمّ حرّمت يوم خيبر.

وأخذ يفسّرها بما شاء من الأكاذيب والأباطيل ، ولكن إذا رجعنا إلى المصادر الروائية والتاريخية ، لا نجد ذكراً لنكاح المتعة في الأنكحة الجاهلية ، فارجع إلى صحيح البخاري ، تجد أنّ عائشة ذكرت أنّ نكاح الجاهلية أربعة أقسام :

1 - النكاح المعروف في زماننا من الخطبة والمهر والتزويج.

2 - المرأة المتزوّجة يطلب منها زوجها أن تذهب ، وتستبضع من رجل آخر ، كي تحمل بحمل من ذلك الشخص ، طلباً لنجابة الولد.

3 - أن يجتمع عشرة أنفار على امرأة ، فإذا حملت أرسلت إليهم ، وهي تعيّن من الأب لهذا الحمل.

4 - نكاح البغايا وحاملات الرايات (1).

ونقل سيّد سابق نوعين آخرين :

1 - نكاح البدل : وهو أن يبدل الرجل مع الرجل الآخر زوجة كُلّ منهما.

2 - الخدن : وهي المتزوّجة التي تصادق شخص سرّاً يزني بها (2).

وسواء كانت الأقسام أربعة أم ستّة ، لا نجد نكاح المتعة في أنكحة الجاهلية ، فكيف يدّعي أنّه نكاح جاهلي؟!

والمؤلّف بما أنّه ليس شيعياً ، فقد أخذ هذا القول من الوهّابي المتشدّد موسى جار اللّه صاحب كتاب الوشيعة في نقض عقائد الشيعة ، حيث قال هناك ص3 : أرى أنّ المتعة من بقايا الأنكحة الجاهلية.

ص: 107


1- التفسير الكبير 3 / 194.
2- صحيح البخاري 6 / 132.

فلاحظ أنّه قال : أرى ، ولم يكن لديه أيّ دليل ، والمؤلّف لمّا كان وهّابي ، ولمّا كان ينقل من غيره ، وقع في هذا الخطأ الفضيع نفسه.

8 - قال في ص 42 عند كلامه عن مفاسد المتعة : « إنّ المتعة ليس فيها إشهاد ولا إعلان ، ولا رضى ولي أمر المخطوبة ، ولا يقع شيء من ميراث المتمتِّع للمتمتَّع بها ، فكيف يمكن إباحتها وإشاعتها ... ».

إنّ أيّ شخص شيعي يقرأ هذا الكلام يتّضح له وضوح الشمس في رائعة النهار : أنّ هذا المؤلّف ليس شيعياً ، وكذلك يتّضح حتّى لغير الشيعة ممّن لهم معرفة بالشيعة وفقههم ، فضلاً عن شخص يدّعي الفقاهة ، كالمؤلّف المزعوم ، وذلك :

أ - قال : « المتعة ليس فيها إشهاد » ، ونحن نقول : إنّ الشيعة قاطبة قديماً وحديثاً ، لا تشترط الإشهاد في عقد النكاح ، لا فرق في ذلك بين الدائم والمنقطع - المتعة - ، أي أنّ حضور شاهدين عند العقد ليس شرطاً في صحّة العقد ، بل يصحّ العقد من دون حضور شهود ، وإنّما يشترط الشهود في عقد النكاح عند المذاهب الأربعة الأُخرى - المالكية ، والحنفية ، والحنبلية ، والشافعية - فمن هذا يتّضح أنّ المؤلّف ليس شيعياً ، فضلاً عن أن يكون عالماً ، إذ لم يميّز بين الفقه الشيعي ، وفقه المذاهب السنّية ، فأخذه قلمه وفضحه.

ب - قال : « ولا إعلان » ، وهذا أيضاً كسابقه ، إذ الشيعة لا تشترط الإعلان في النكاح دوماً أو متعة ، وإنّما يشترطه بقية المذاهب السنّية الأُخرى (1).

فكيف غاب عن المؤلّف الذي يدّعي العلم ، أنّ الشيعة لا تشترط الإعلان في العقد بإجماعهم قديماً وحديثاً ، والذي يشترطه غيرهم ، حتّى جاء وعدّ ذلك من مفاسد المتعة؟!

فهذا يدلّ على أنّ المؤلّف لا يعرف المصطلحات الشرعية في المذهب الشيعي ، فضلاً عن أن يكون عالماً شيعياً عمره 200 سنة ويزيد.

ص: 108


1- فقه السنّة 2 / 8.

ج - قال في ص 40 : « إنّ أمير المؤمنين عليه السلام هو الذي روى تحريم المتعة في نقله عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فكيف يفتي هنا بأن نكاح متعة ... ».

المؤلّف هنا لا يميّز بين كلام الإمام المعصوم عليه السلام ، وبين فتوى الفقيه ، فالشيعة قاطبة تؤمن بأنّ المعصوم هو المصدر للحكم الشرعي ، ولا تطلق عليه أنّه يفتي ، وإنّما كلامه كلام اللّه ورسوله صلى اللّه عليه وآله ، وليس مفتياً ، والفقيه هو الذي يفتي لأنّ الفتوى معرّضة للصواب والخطأ ، فلذلك لا يقال : أفتى علي عليه السلام بحلّية المتعة مثلاً ، لأنّ علي بن أبي طالب عليه السلام معصوم ، وكلامه مطابق للواقع ، ولا يكون فيه خطأ ، فلذلك لا يقال : أفتى علي عليه السلام ، وإنّما يقال : أفتى السيّد الخوئي - مثلاً - بحلّية المتعة ، لأنّ السيّد الخوئي فقيه غير معصوم ، فكلامه يحتمل الإصابة وعدم الإصابة.

ولكن المؤلّف باعتباره سنّياً ، فيرى علي بن أبي طالب عليه السلام ليس معصوماً ، وإنّما هو أحد الصحابة الذين يفتون ، فلذلك ظهر هنا بلباسه الواقعي ، وقال : « فكيف يفتي هنا بأنّ هذا نكاح متعة ... » ، وجهل بأنّ علياً معصوماً ، ولا يطلق عليه أنّه مفتىً ، وإنّما هو مصدر من مصادر التشريع.

فهو جاهل باصطلاح المفتي ، واصطلاح المشرّع ، ومصدر الشرع.

9 - الجهل بمعنى لفظ الجارية :

قال في ص 46 : « إنّ انتشار العمل بالمتعة جرّ إلى إعارة الفروج ، وإعارة الفروج معناها : أن يعطي الرجل امرأته ... إلى رجل آخر ، فيحلّ له أن يتمتّع بها ، أو أن يصنع بها ما يريد ، فإذا ما أراد الرجل أن يسافر أودع امرأته عند جاره أو صديقه ، أو أي شخص يختاره ، فيبيح له أن يصنع بها ما يشاء ... ، وهناك طريقة ثانية لإعارة الفروج ، إذا نزل أحد ضيفاً عند قوم ، وأرادوا إكرامه ، فإنّ صاحب الدار يعير امرأته للضيف طيلة مدّة الإقامة ... ».

ص: 109

واستدلّ لكلامه بما روي عن الصادق عليه السلام : « يا محمّد خذ هذه الجارية تخدمك وتصيب منها ، فإذا خرجت فارددها إلينا » (1).

إنّ من يقرأ هذا الكلام - بغضّ النظر عن الكذب والافتراء الذي فيه ، إذ إنّ ما ذكره ليس هو نكاح متعة ، بل زنا تحرّمه الشيعة - يعجب من المؤلّف المذكور ، ويتحيّر في كيفية فهم كونه فقيهاً ، عمره أكثر من مائتين سنة ، فهو لا يفرّق بين الزوجة الحرّة وبين الجارية ، والتي تعني الأمة المملوكة!

إذ كيف يكون بهذا العمر ويدّعي الفقاهة ، وهو لا يعرف معنى لفظ الجارية؟ سبحانك اللّهم ، فإذا كان حال العالم هكذا ، فماذا نقول عن الجاهل؟! بل وأي معنىً يبقى لتعريف الجاهل؟! فهذا المؤلّف بعيد عن العلم ، بل هو بعيد عن الدين الإسلامي بمذاهبه المختلفة.

هناك في الفقه الإسلامي باب يسمّى : باب الإماء والعبيد ، ويُعنى به أنّ الأسير المشرك إذا وقع بيد المسلمين في حرب إسلامية مع الكفّار ، يكون عبداً لهم ، ويحقّ لهم تملّكه ، سواء كان امرأة أو رجلاً ، ويطلق على الأمة المملوكة لفظ الجارية أيضاً ، لأنّ لفظ الجارية مشترك بين المرأة الحرّة والأمة المملوكة ، وبين الصغيرة والكبيرة ، والمؤلّف هنا خلط - جهلاً أو تجاهلاً - بين المرأة الحرّة والمرأة الأمة.

وهذه الروايات التي أوردها ، والتي ذكرنا منها واحدة - اختصاراً - أوردها الشيخ الطوسي في التهذيب والاستبصار تحت باب نكاح الإماء (2) ، أي النساء الجواري المملوكات ، والمؤلّف لا يعرف معنى الجارية ، ولا يعرف عنوان الباب الذي نقل منه الرواية ، واستخدام لفظ الجارية في المرأة المملوكة أمر معروف ومشهور في كتب الشيعة والسنّة على السواء ، فكيف لم يستطع المؤلّف معرفته ، وجعل الروايات واردة في جواز التمتّع بالزوجة الحرّة؟!

ص: 110


1- بداية المجتهد 2 / 15.
2- تهذيب الأحكام 7 / 242 ، الاستبصار 3 / 136.

هذا بغضّ النظر عن أنّ المتعة هي قسم من أقسام النكاح ، ومن شروط النكاح عند عموم المسلمين - شيعة وسنّة وظاهرية وغيرهم - أن تكون المرأة غير متزوّجة ، ولا يقع نكاح بامرأة متزوّجة ، لأنّه لا ينعقد نكاح مع نكاح آخر ، مع أنّ الروايات واردة في نكاح الجواري - أي النساء المملوكات - ولا ربط لذلك بنكاح المتعة ، ولا بنكاح المرأة الحرّة المتزوجة؟!

ويمكن القارئ مراجعة الكتب الفقهية الشيعية لمعرفة ذلك ، ونقتصر هنا على نقل بعض ما ورد حول الجارية من كتب أهل السنّة :

1 - قال ابن حجر : « إنّ عطاء بن أبي رباح كان يجوّز وطئ الجارية المرهونة بإذن مالكها » (1).

2 - قال محمّد الشربيني : « وللمشتري وطئ الجارية المبيعة حال النزاع وقبل التحالف على الأصح » (2).

3 - قال النووي : « إذا علم البائع أنّ المشتري يطأ الجارية ، وسكت عليه ، هل يكون مجيزاً »؟ (3).

4 - قال الحجّاوي : « إن كان الشريك المستولد أصلاً لشريكه يسري كما لو استولد الجارية التي كانت كُلّها له ، وعليه قيمة نصيب شريكه » (4).

والمؤلّف فضح نفسه حينما قال في ص 6 : « فقرأت كُلّ ما وقفت عليه من المصادر المعتبرة ، وحتّى غير المعتبرة ، بل قرأت كُلّ كتاب وقع في يدي ... ».

مع أنّه لا يميّز بين الجارية التي تعني الأمة المملوكة ، وبين المرأة الحرّة ، ولا يميّز بين نكاح الإماء ، وبين التزوّج متعة؟! ولم يرجع إلى كتاب « الأُم » للشافعي ، ولا إلى « الدرّ المختار » للحصفكي ، و « حاشية المختار » لابن

ص: 111


1- التلخيص الحبير 10 / 194.
2- مغني المحتاج 2 / 96.
3- روضة الطالبين 3 / 118.
4- الإقناع 2 / 291.

عابدين ، و « البحر الرائق » لابن نجيم المصري ، و « الموطّأ » للإمام مالك ، و « تنوير الحوالك » لجلال الدين السيوطي ، و « المبسوط » للسرخسي ، ولا إلى المصادر المتقدّمة ، فأيّ المصادر المعتبرة قرأها؟ وأيّ مصدر غير معتبر قرأه؟

وأيّ كتب قرأها من غير المصادر المعتبرة وغير المعتبرة؟! وأين تقع الكتب التي ذكرناها ممّا قرأه المؤلّف؟إنّ القارئ عندما يلحظ جهل الكاتب بأبسط الأُمور ، بحيث لا يعرف معنى لفظ الجارية ، ويقرأ عبارته في ص 6 يقطع بكذبه وجهله ، وأنّه لم يكن شيعياً في يوم من أيّامه ، وأنّه لم يقرأ إلاّ الكتب التي كتبها أعداء الشيعة ، كإحسان إلهي ظهير ، وموسى جار اللّه ، وناصر القفاري ، ومحمّد مال اللّه ، وعبد اللّه الغفاري ، وقام بتجميع ما فيها من تهم وأباطيل وجمعها في كتابه.

10 - لا يعرف الكتب التي تدرّس في الحوزة :

لعلّ القارئ يتفاجأ من العنوان ويندهش ، إذ كيف يكون المؤلّف غير عارف بمنهج الدراسة الحوزوية ، وما هي الكتب التي تدرّس فيها؟ مع أنّه ذكر في أوّل الكتاب ، بأنّه حضر عند السيّد محمّد حسين آل كاشف الغطاء ، ونال درجة الاجتهاد منه ، وله من العمر الآن أكثر من مائتين سنة ، وقضى عمره في الحوزة العلمية - كما زعم - فكيف لا يعرف ماذا يدرّس في الحوزة العلمية من كتب؟

لكن هذا الاستغراب يزول عندما يأتي المؤلّف في ص 20 ، ويقول : « كنّا نقرأ أُصول الكافي مرّة مع بعض طلبة الحوزة العلمية في النجف على الإمام الخوئي ... ».

وإذا سألنا أيّ طالب علم في الحوزة العلمية : بأنّ أُصول الكافي هل يدرّس في الحوزة أم لا؟

كان الجواب : بأنّ أُصول الكافي لا يدرّس في الحوزة العلمية ، وليس من مناهج التدريس فيها ، والمناهج التدريسية في الحوزة العلمية واضحة ، وهي

ص: 112

الفقه والأُصول ، والعقائد والتفسير ، والنحو ... ، وليس أُصول الكافي واحداً من هذه الأُمور ، وإنّما هو مصدر روائي يرجع إليه لأخذ الروايات فقط ، فأُنظر إلى سفاهة عقل المؤلّف ، يأخذ الاجتهاد بتفوّق في عمر 103 سنة!

وله من العمر أكثر من مائتين سنة ، ولا يعرف ما يُدرّس في الحوزة العلمية من كتب؟!

والمؤلّف بما أنّه ليس شيعياً صدر منه هذا الخطأ المضحك ، وبما أنّ الكتب الروائية - كصحيح مسلم والبخاري - يدرسونها في المدارس الدينية ، فتصوّر أنّ الشيعة أيضاً تدرّس كتبها الروائية في المعاهد الدينية ، فلذلك وقع في هذا الخبط الأعمى وفضح نفسه.

ثمّ إنّه قال : أخذت الاجتهاد من السيّد محمّد الحسين آل كاشف الغطاء ، والشيخ كاشف الغطاء ولد 1877 م ، وفرضنا على أقلّ تقدير أنّه أخذ إجازة الاجتهاد من كاشف الغطاء ، حينما كان عمره 25 سنة ، أي في سنة 1902م ، وعمر المؤلّف حينما أخذ إجازة الاجتهاد 103 سنة على أقلّ حساب ، والسيّد الخوئي ولد عام 1899 م (1) ، أي أنّ المؤلّف قبل ولادة السيّد الخوئي بسبع سنين مجتهداً ، فيكون عمر المؤلّف حينما ولد السيّد الخوئي 110 سنة ، ولنفرض أنّ السيّد الخوئي في سنّ الثلاثين من عمره الشريف درّس المؤلّف المذكور - كتاب أُصول الكافي - فيكون عمر المؤلّف حينما حضر درس أُصول الكافي عند السيّد الخوئي 140 سنة ، وهذا من المضحكات :

1 - أنت مجتهد قبل ولادة السيّد الخوئي ، فكيف لم تطّلع على أُصول الكافي وترجع إليه؟!

2 - كيف تحضر بعد أربعين سنة من اجتهادك - كما زعمت - وتدرس أُصول الكافي؟ إذاً أين كنت في الفترة الماضية؟!

ص: 113


1- مجلّة الموسم 17 / 13.

3 - إذا كان الإنسان في سن 140 سنة يحضر درس أُصول الكافي ، فكم عمره إذا أراد أن يصير مجتهداً؟!

إنّ من يسمع هذا الكلام يضحك ويهزأ بعقل المؤلّف - إن كان له عقل - إذ جعل من نفسه أضحوكة يتسلّى بها الأطفال لا الكبار ، فعميت عيونٌ أصمّها التعصّب ، وأزلّها الشيطان حتّى أصبحت من جنوده ، تدافع عن الباطل بالكذب والخرافات ، وتريد طمس الحقّ بمثل هذه الترهات ، ولكن ( وَاللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (1).

( محمود البصري - البحرين - 19 سنة )

ما نشرته صحف الكويت حوله :

س : هل قبض على ناشر كتاب لله ثمّ للتاريخ المختلق على الطائفة الإمامية؟ وما هو اسمه الحقيقي؟ وما هو مصيره؟ وشكراً.

ج : إنّ هذا الكتاب من تأليف بعض الوهّابيين ، الذي قبض عليه أخيراً في الكويت ، وهو من تلامذة أحد أصنام الوهّابية هناك ، ولا صلة بالكتاب بالنسبة إلى الطائفة الشيعية ، لا من قريب ولا من بعيد ، بل إنّ المصنّف الحاقد قد جاء في كتابه هذا بإشكالات واهية وتهم غريبة على الشيعة ، بأسلوب روائي وقصصي ، حتّى يؤثّر في بعض النفوس الضعيفة.

وفي هذا المجال لابأس أن نذكر لكم ما نشرته جريدة الرأي العام الكويتية بتاريخ 28 / 6 / 2001 ما يلي :

لله ... ثمّ للتاريخ ، يثير شيعة الكويت : كذب وبهتان يهدّد الوحدة الوطنية.

كتب علي الشمّري : حملت أوساط الطائفة الشيعية بعنف على مضمون كتاب ، قالت : إنّ تداوله يتمّ على نطاق واسع في المدارس والجامعات

ص: 114


1- الصف : 8.

والوزارات ، ويوزّع على منازل أبناء الطائفة ومساجدها ، إذ اعتبرت أنّه يهدف إلى ضرب الوحدة الوطنية نظراً لمساسه بالعقيدة الشيعية وبمراجع الطائفة.

وأثار توزيع الكتاب الذي يحمل عنوان « لله ... ثمّ للتاريخ » سخطاً كبيراً في أوساط علماء الشيعة في الكويت.

ويقع الكتاب في 120 صفحة من القطع الوسط ، وذكر على غلافه أنّ مؤلّفه هو السيّد حسين الموسوي ، ووصف الموسوي على الغلاف بأنّه من علماء النجف.

وورد على الغلاف أنّ الكتاب أصدرته دار الأمل للطباعة والنشر والتوزيع في القاهرة ، وله طبعة رابعة مصحّحة ومنقّحة ، وحمل الغلاف كذلك ، تحت عنوان الكتاب ، عبارة : كشف الأسرار وتبرئة الأئمّة الأطهار.

لكن أوساط العلماء الشيعة الكويتيين شكّكت في هوية مؤلّف الكتاب ، وفي هوية الدار التي أصدرته ، إضافة إلى اعتراضها على مضمونه ، داعية وزير الإعلام الشيخ أحمد الفهد إلى التدخّل لمعالجة الأمر.

وفي هذا الإطار ، أعرب إمام جامع معرفي الشيخ علي الصالح عن أسفه لسعي بعض المتطرّفين في الكويت - على حدّ قوله - إلى ضرب الوحدة الوطنية.

وأوضح أنّ الكويتيين ضربوا أروع الأمثلة في تلك الوحدة عندما حاول النظام العراقي خلال فترة الغزو تفكيكها ، لكنّه لم يستطع التفريق بين شخصين ، مع أنّه نجح في اختراق وتفكيك أكثر من عشرين مليون عراقي ، مؤكّداً أنّ هذه الحادثة تدلّ على تماسك الجبهة الداخلية للكويت بفضل عقلائها من جميع الطوائف.

جاء كلام الصالح في خطبة ألقاها وتطرّق فيها إلى كتاب يوزّع بشكل كبير ، وقال : إنّه يتضمّن أحداثاً وأُموراً تمسّ عقيدة الشيعة.

وأوضح في معرض كلامه : أنّ كتاباً يحمل اسم « لله ... ثمّ للتاريخ » دون عليه اسم شخص ، يدّعي أنّه من علماء الشيعة في النجف الأشرف ، يوزّع

ص: 115

بكمّيات كبيرة على منازل ومساجد الشيعة ، وعلى بعض المدارس والجامعات ، وبعض الوزارات في الدولة.

وأردف الصالح أنّ هذا الكتاب مليء بالكذب والبهتان ، وفيه بعض الأحاديث الساقطة.

وأكّد أنّ القرآن الكريم هو الكتاب المعتبر عند الشيعة ، وما عداه فيه خطأ وأخطاء ، وهذا شيء مسلّم به ، إلاّ أنّه أوضح أنّ أيادي خفية تقوم بنشر هذا الكتاب وأمثاله ، لخلق فتنة أن انتشرت فلن تبقي ولن تذر.

وأضاف الصالح : يحتوي الكتاب على الكثير من الكذب على الشيعة وعلى مراجع الشيعة ، ممّا يدلّ على أنّ من قام بتأليف الكتاب ليس لديه إلمام بأُمور الشيعة ، كما أنّ اسم المؤلّف المدوّن على الكتاب غير صحيح ، فهو ليس بعالم شيعي ، والدليل عدم درايته بأبسط أُمور الشيعة.

وأوضح : الكتاب موضّح عليه أنّه طبع في إحدى الدول العربية ، بينما هو مطبوع في الكويت.

وطالب الصالح من اسماهم أصحاب العقول بأن ينقلوا هذه القضية إلى السلطات ، وبشكل خاصّ إلى وزير الإعلام ، لأنّه شاب متفتّح ، وليست لديه طائفية ، ولا يقبل مثل هذه الأُمور.

وطالب الممثّل العام لقائمة الحبّ والحياة في جامعة الكويت علي النقي وزير الإعلام بالتدخّل والتحقيق بأسرع وقت ، إطفاء للفتنة التي يؤجّج نارها الجهل وضبابية الفهم ، فالضرورة ماسّة لتدعيم الأمن القومي ، وتكريس التآلف الوطني.

ثمّ استكمالاً لعمل الجهات الحكومية الكويتية لدرء مفاسد هذه الطائفية اللعينة ، ذكرت الجريدة ذاتها في 29 / 6 / 2001 ما يلي :

الإعلام : أصدرنا قراراً بمنع « لله ... ثمّ للتاريخ » صادرنا نسخاً ، وسنحيل المكتبات على النيابة ، أكّدت وزارة الإعلام أمس أنّها أصدرت في وقت سابق

ص: 116

قراراً بمنع كتاب « لله ... ثمّ للتاريخ » ، الذي اعتبرته أوساط الطائفة الشيعية في الكويت مسيئاً إلى المذهب ، وأنّها صادرت نسخاً منه من بعض المكتبات ، وستحيل هذه المكتبات على النيابة العامّة ، مشدّدة على أنّها حريصة على عدم تداول مثل هذه الكتب التي تثير الفتنة الطائفية ، وتهدّد الوحدة الوطنية.

وقال مدير إدارة الصحافة والمطبوعات والنشر في وزارة الإعلام عبد اللّه الحمّاد ل- « الرأي العام » : أنّ الوزارة سبق أن سحبت هذا الكتاب في 30 إبريل الفائت من جناح مكتبة الشاطئ في معرض الكتاب الإسلامي ، الذي نظّمته جمعية الإصلاح الاجتماعي ، وتمّ عرضه على لجنّة الكتب في الوزارة في 2 مايو فاعتمدت في اليوم نفسه منعه بموجب المحضر الرقم 7 / 2001.

وأكّد الحمّاد حرص الوزارة على عدم نشر وتداول هذه الكتب التي تثير الفتنة الطائفية وتهدّد الوحدة الوطنية ، وأنّها مستمرة في متابعة كُلّ من يسهّل بيع وتداول مثل هذه الكتب ، واتخاذ الإجراءات القانونية ضدّه.

ص: 117

ص: 118

كربلاء وواقعة الطف :

اشارة

( أُمّ مرتضى - ... - ..... )

مسائل تتعلّق بها :

س : لديّ عدّة أسئلة عقائدية ، أودّ من سماحتكم التفضّل عليّ بالإجابة عليها ، مع خالص شكري وتقديري لكم.

1 - لماذا أصرّ يزيد بن معاوية على أخذ البيعة من الإمام الحسين ، حتّى ولو بالإجبار؟

2 - لماذا لم يأخذ الإمام علي بن الحسين بثأر أبيه من بعده ، ويقتل قاتليه؟ ومن هو الذي أخذ بثأر الحسين من بعده؟

3 - لماذا لبّى الإمام الحسين دعوة أهل الكوفة ، رغم معرفته الجيّدة بحالهم ، وبأنّ احتمال خذلانهم له أمر وارد ، فقد خذلوا أباه - الإمام علي - من قبله؟

4 - عرف الإمام الحسين بغدر أهل الكوفة بمسلم بن عقيل وقتلهم له ، وهو في منتصف الطريق إلى الكوفة ، فلماذا لم يرجع إلى مكّة أو المدينة مثلاً ، ويقتل هناك بين أهله وأنصاره؟

5 - نقل في الأخبار : إنّه لو كان الإمام الحسن قد قاوم معاوية وحاربه ثمّ قتل على يديه ، فإنّ هذا الفعل سيكون وصمة عار على الإسلام والمسلمين ، خلافاً للإمام الحسين ، فإنّ قتله مفخرة عظيمة للإسلام ، لماذا؟

6 - قال أحد صحابة الإمام الحسين : يا ابن رسول اللّه ، إنّ قتال هؤلاء الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم ، فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا قيل لنا به.

ص: 119

من قصد الصحابي بقوله : قتال هؤلاء ، وبماذا ردّ عليه الإمام الحسين ، ولماذا؟

7 - طرح الإمام الحسين بعض الخيارات على عمر بن سعد وأصحابه بدلاً من قتله ، ما هي هذه الخيارات؟ ولماذا رفضها عمر بن سعد؟

ج : نجيب على أسئلتكم واحداً تلو الأخر :

ج1 : لقد كان يزيد متلهّفاً لأخذ البيعة من كبار الزعماء - لاسيّما المعروفين - وعلى رأسهم الإمام الحسين عليه السلام ، وبأيّ صورة كانت ، ليضفي على وضعه الطابع الشرعي في أوساط الأُمّة ، ولذا ركّز على ثلاث شخصيات ، حينما كتب إلى والي المدينة الوليد بن عتبة ، جاء فيه : « فخذ حسيناً ، وعبد اللّه بن عمر ، وابن الزبير بالبيعة ، أخذاً ليس فيه رخصة ... ».

لأنّ يزيد كان يرى أنّ لهؤلاء مركزاً ألمع من مركزه ، لاسيّما الإمام الحسين عليه السلام ، لأنّه يمتاز بمزايا منها :

1 - كونه صحابي ، وابن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

2 - سيّد شباب أهل الجنّة ، وخامس أهل العبا.

3 - الأبعاد العلمية والاجتماعية والدينية والأخلاقية التي تؤطّر شخصيته.

4 - العهد الذي يقيّد معاوية في تسليم الأمر إلى الإمام الحسن عليه السلام ، ومن بعده الحسين عليه السلام.

كُلّ هذه الأُمور وغيرها جعلت يزيد يفكّر جدّياً بالإمام الحسين عليه السلام ، لأنّ ابن عمر سرعان ما سلّم عندما قال : إذا بايع الناس بايعت!

وأمّا ابن الزبير فقد أدرك الناس أنّه يسعى للمنصب والتأمّر ، فلم تكن لديه دوافع دينية ، وأمّا الإمام الحسين عليه السلام فقد كانت الأنظار متّجهة صوبه ، ولذا انقطع الناس إليه ، وهذا يدلّ على موقعه في النفوس ، ولذا حاول يزيد التخلّص منه بأيّ شكل ، حتّى آل الأمر إلى بعث عدّة أشخاص لاغتيال الإمام الحسين عليه السلام في موسم الحجّ.

ص: 120

ج2 : إنّ كان معنى الثأر هو قتل نفس القتلة - عبيد اللّه بن زياد ، وعمر بن سعد بن أبي وقّاص ، وشمر بن ذي الجوشن ، وحرملة بن كاهل ، و ... - فقد قيّض اللّه تعالى لهؤلاء المختار بن أبي عبيد الثقفي وقتلهم جميعاً ، كما نال من كثير ممّن اشتركوا في واقعة كربلاء ضدّ الحسين عليه السلام.

وإن كان معنى الثأر هو فضح مخطط هؤلاء ، ومن ورائهم يزيد بن معاوية ، فإنّ الإمام السجّاد عليه السلام لم يتوان عن ذلك ، وثأر لدماء شهداء كربلاء في دمشق ، وبمحضر الجهاز الحاكم - لاحظوا خطبته في ذلك المجلس - حتّى أنّ يزيد أمر المؤذّن أن يقطع عليه خطبته ، لأنّه افتضح أمام أهل الشام المغفّلين ، وقد عرّفه - الإمام السجّاد عليه السلام هذه الحقيقة - حينما قال : ستعرف من الغالب ، وذلك عند رفع المؤذّن للأذان.

ج3 : إنّ تلبية الإمام الحسين عليه السلام لدعوة أهل الكوفة تنطوي على عدّة مضامين منها :

1 - إنّ استجابته عليه السلام لهم هي لقطع الألسنة وقطع المعاذير ، والحقيقة أنّ الأمر أعمق من ذلك ، وهذا ما سيتبيّن في النقاط التالية.

2 - إنّ الإمام الحسين عليه السلام كان يعلم بمقتله ، لأنّ جدّه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أخبر بذلك ، ودفع إليه بتربة من كربلاء - وهذا يرويه علماء من الفريقين - كما أنّه قال عليه السلام : « وخيّر لي مصرع أنا لاقيه » (1).

3 - إنّ الإمام الحسين عليه السلام لم يكن ينوي اللجوء إلى مكان آمن - لغرض السلامة - بل قالها بصراحة : « إنّما خرجت ... أُريد آمر بالمعروف ، وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدّي ... » (2).

فالإمام الحسين عليه السلام قصد الكوفة باعتبارها واحدة من الحواضر المتمرّدة على الحكم الأموي - غالباً - وباعتبار الأعراق والقوميات المختلفة فيها ،

ص: 121


1- شرح الأخبار 3 / 146 ، مثير الأحزان : 29.
2- مناقب آل أبي طالب 3 / 241.

وباعتبار الواجب الذي يراه عليه السلام ملقىً على عاتقه ، ومثل هذه المسألة - الغدر والخيانة - لا يأب بها الإمام حتّى يترك هدفه ، وإلاّ لكان أبوه عليه السلام أولى بمغادرة الكوفة من قبل! فاحتمال العصيان والنكول لا يسقط واجب التصدّي.

ج4 : ليس من السهولة بمكان أن يرجع الحسين عليه السلام إلى المدينة ، ومعه من النساء والأطفال ما يتجاوز المائة نفر ، كما أنّ الدولة الأموية ستحول بينه وبين المدينة ، لأنّها بدأت بالنفير وتجريد الجيوش لقتاله على كُلّ الساحات ، كما أنّ نفس مكّة والمدينة لم تكن صالحة للنصرة لعدّة أُمور :

1 - إنّ هاتان المدينتان حرم اللّه وحرم رسوله صلى اللّه عليه وآله ، فلا يجوز انتهاكهما.

2 - لو كان هناك أنصار واتباع ، لساروا معه ، ولما تركوه يسير بأهل بيته ، وبقلّة من الأنصار ، حتّى أنّ الإمام السجّاد عليه السلام يؤكّد هذه الحقيقة بقوله : « ما بمكّة ولا بالمدينة عشرون رجلاً يحبّنا » (1)!!

ج5 : لم نر أي خبر ينقل : أنّ فعل الإمام الحسن عليه السلام لو كان كفعل الإمام الحسين عليه السلام من حيث إعلان الثورة ، سيكون وصمة عار ، إنّ لكُلّ زمان ظروف ، وأنّه لولا صلح الإمام الحسن عليه السلام لما تمهّدت الأرضية أمام الحسين عليه السلام للثورة.

ج6 : القائل هو زهير بن القين ، والمراد من قوله : قتال هؤلاء ، قتال أصحاب الحرّ قبل مجيء جيش عمر بن سعد ، وأجابه الإمام الحسين عليه السلام بقوله : « فإنّي أكره أن أبدأهم بقتال » (2).

ج7 : ذكر الإمام الحسين عليه السلام خيارين لعمر بن سعد بدلاً من قتاله وهما : دعوني أرجع إلى المكان الذي أقبلت منه ، أو أذهب في هذه الأرض العريضة.

فأرسل عمر رسالة إلى عبيد اللّه بن زياد يذكر له ذلك ، لكن ابن زياد أجابه برسالة أرسلها بيد شمر بن ذي الجوشن : « إنّي لم أبعثك إلى الحسين

ص: 122


1- الغارات 2 / 573 ، شرح نهج البلاغة 4 / 104.
2- الأخبار الطوال : 252.

لتكفّ عنه ، ولا لتطاوله ، ولا لتمنّيه السلامة والبقاء ، ولا لتعذر عنه ، ولا لتكون له عندي شافعاً ، أُنظر فإن نزل الحسين وأصحابه على حكمي واستسلموا ، فابعث بهم إليّ سلماً ، وإن أبوا فازحف إليهم حتّى تقتلهم ، وتمثّل بهم ... فإن أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع ، وإن أبيت فاعتزل عملنا وجندنا ، وخل بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر ، فإنا قد أمرناه بأمرنا ، والسلام » (1).

فبعدما قرأ ابن سعد الكتاب ، قال له شمر : أخبرني بما أنت صانع؟ أتمضي لأمر أميرك وتقاتل عدوّه ، وإلاّ فخل بيني وبين الجند والعسكر ، قال : لا ولا كرامة لك ، ولكن أنا أتولّى ذلك فدونك ، فكن أنت على الرجّالة.

( بدر - قطر - .... )

أسئلة تتعلّق بها :

س : لديّ بعض الأسئلة ، وهي :

1 - هل حقّاً كان الإمام زين العابدين عليه السلام عليلاً؟ وفي بعض الروايات تقول : أنّ الإمام قاتل هل هذا صحيح أم لا؟

2 - هل دفن رأس الحسين عليه السلام مع جسده الطاهر؟ وإذا كان صحيحاً متى دفن الرأس مع الجسد؟ وإذا لم يكن صحيحاً ، أين دفن رأس الحسين عليه السلام؟

3 - ما هي الحكمة في العدد؟ حيث أربعين الإمام الحسين عليه السلام ، واختلاء موسى عليه السلام لربّه ( 40 ) يوماً ، وأيضاً معرفة الجنين في بطن أمّه بعد ( 40 ) يوماً ، وبعض الرياضات الروحية المتعلّقة ب- ( 40 ) يوماً.

ولكم جزيل الشكر والتقدير ، وأتمنّى لكم التوفيق وإلى الأمام.

ج : نجيب على أسئلتكم واحداً تلو الآخر.

ج 1 : الصحيح أنّه كان مريضاً ، ولم يقاتل لمنع الإمام الحسين عليه السلام.

ص: 123


1- روضة الواعظين : 182 ، الإرشاد 2 / 88.

ج 2 : الصحيح الذي عليه محققّو علماء الطائفة : أنّ الرأس الشريف أُلحق بالجسد الشريف في العشرين من صفر عند رجوع السبايا إلى كربلاء.

ج 3 : لا يبعد أن يكون لعدد الأربعين خصوصية ، ولكنّها خصوصية غيبية لم يهتد إليها العلم الحديث إلى الآن ، ولكن جاءت في النصوص الدينية ، ولا يبعد أن يكون هناك ربط بين عدد الأربعين وبين آثار معيّنة يكشف عنها الشارع ، وإن لم يتوصّل العلم بعد إلى كشفها ، ككثير من الحقائق التي لم يهتد العلم إليها بعد ، وإنّما يكتشفها بالتدريج.

( عزيز العرادي - ... - ..... )

لطم الخدود وشق الجيوب :

س : أودّ الاستفسار عن ما إذا كانت بعض الروايات التي يعتمدها خطباء المنبر الحسيني صحيحة وثابتة تماماً أو لا؟ من مثل تلك الروايات التي تقول : بأنّ السيّدة زينب عليها السلام لطمت خدّها ، وشقّت جيبها حزناً على مصاب الإمام الحسين عليه السلام ، أو تلك الواردة في الزيارة المشهورة عن الإمام المهدي عليه السلام : « فلمّا رأين النساء جوادك مخزيّا ، ونظرن سرجك عليه ملويّا ، خرجن من الخدور ، ناشرات الشعور ، وبالعويل داعيات ... » ، والسلام.

ج : الحقيقة أنّ ما وصلنا - من وقائع عاشوراء وتوابعها - هو أقلّ بكثير ممّا كان ، وإنّ الفجائع الواقعة على أهل البيت عليهم السلام لم تنتقل على حقيقتها إلينا ، ولذلك لا يستغرب من مثل هذه الأخبار التي أشرتم إليها ، وإن كان بعضها لم يبلغنا بسند معتبر.

( علي سالم - السعودية - .... )

زواج القاسم :

س : ما هي حقيقة حدوث زواج للقاسم بن الحسن يوم عاشوراء؟ بالرغم من تضارب الأقوال في ذلك وتعارضها ، خاصّة عندما يحدّد زواجه من سكينة بنت

ص: 124

الإمام الحسين عليه السلام! وما هي آراء الفقهاء السابقين والمعاصرين حول هذه الحادثة؟

ج : إنّ مسألة حدوث زواج القاسم عليه السلام يوم عاشوراء ، لم تذكره المصادر المعتبرة والمقاتل المعتمد عليها ، وإن حاول بعض الأعلام - كالعلاّمة الدربندي في كتابه « أسرار الشهادات » - إثبات هذه الحادثة ، وذكر عدّة أدلّة.

وعلى كُلّ حال ، فالمسألة تبقى في حيّز الاحتمال.

( ... - ... - ..... )

علي بن الحسين هو علي الأكبر :

س : من هو المقصود في : « السلام على علي بن الحسين » في زيارة عاشوراء؟ هل هو علي الأكبر أو علي الأصغر أو السجّاد عليه السلام؟ ولماذا هذا التخصيص؟ وشكراً.

ج : إنّ المقصود به علي الأكبر عليه السلام ، وذلك لبيان عظيم منزلته ، حتّى أنّكم لو راجعتم المقاتل ، لشاهدتم بوضوح أنّ من أشدّ المصائب على أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام كانت عندما برز علي الأكبر إلى القتال ، وعند شهادته.

( ... - ... - لبنان )

شبهات وردود حولها :

س : أنا أخوكم في اللّه من لبنان ، وقد حدث شيء أُريد أن أطلعكم عليه ، وهو : أنّ جمعية يعود دعمها إلى الحركة الوهّابية ، وبعض الجمعيات المتعصّبة في مصر ، يسمّون جمعيتهم هنا في لبنان بجمعية الاستجابة ، ومن أنشطتها محاربة البدعة في مدينة صيدا ، والتي معظم سكّانها من المذهب السنّي ، وبعد أن انتشر مذهب أهل البيت في هذه المنطقة ، رأى هؤلاء محاربة المستبصرين ، ولذلك سخّروا الكثير من الإمكانيات ، حتّى يوقفوا هذا الانتشار ، ومن هنا

ص: 125

بدأوا بطبع كتب مجّانية وكتيّبات ، وتوزيعها مجّاناً على الناس ، حتّى لا يتأثّروا بالامتداد الشيعي.

ولقد وقع بيدي كتاب كان يوزّع في العاشر من المحرّم ، والآن هم يوزّعون منه بمناسبة الأربعين ، لاستشهاد الإمام الحسين عليه السلام ، وهذا الكتيّب اسمه : « البرهان الجلي في مقتل الحسين بن علي » ، وبما أنّي إذا أرسلت هذا الكتيّب في البريد سوف يأخذ وقتاً طويلاً ، وللسرعة رأيت أن أرسله لكم طباعة هنا على البريد الإلكتروني ، وحتّى ترسلوا لي الردّ بالطريقة التي تروها ، حتّى ندافع عن هذا المذهب الحقّ بعون اللّه.

وهذا الكتيّب كتب فيه : بويع يزيد للخلافة سنة ستّين للهجرة ، وكان له من العمر أربع وثلاثون سنة ، ولم يبايع الحسين بن علي ، ولا عبد اللّه بن الزبير.

ذكر ابن كثير عن عبد اللّه بن مطيع وأصحابه ، أنّهم مشوا إلى محمّد بن الحنفية - محمّد بن علي بن أبي طالب أخو الحسن والحسين - فراودوه على خلع يزيد فأبى عليهم ، قال : ابن مطيع : إنّ يزيد يشرب الخمرة ويترك الصلاة.

وبلغ الخبر أهل العراق أنّ الحسين لم يبايع ليزيد ، فأرسلوا إليه الرسل والكتب : أنّا قد بايعناك ولا نريد إلاّ أنت ، حتّى بلغت أكثر من خمسمائة كتاب ، كُلّها جاءت من الكوفة.

فأرسل الحسين ابن عمّه مسلم بن عقيل إلى الكوفة ، ليتقصّى الأُمور ويعرف حقيقة الأمر ، فلمّا وصل مسلم بن عقيل إلى الكوفة ، جاء الناس أرتالاً يبايعون مسلماً على بيعة الحسين ، فتمّت البيعة عند أهل الكوفة للحسين.

فما كان من يزيد إلاّ أن أرسل عبيد اللّه بن زياد إلى الكوفة ، ليمنع مسألة الحسين أن يأخذ الكوفة ، لكي لا تعود الأُمور كما كانت قبل عام الجماعة ، فيرجع القتال بين أهل العراق وأهل الشام ، ولم يأمر عبيد اللّه بن زياد بقتل الحسين.

وبعد أن استقرّت الأحوال وبايع الناس لمسلم بن عقيل ، أرسل إلى الحسين أن أقدم ، وأنّ الجوّ قد تهيّأ ، فخرج الحسين من مكّة في يوم التروية قاصداً الكوفة.

ص: 126

فلمّا علم عبيد اللّه بن زياد بذلك ، أمر بقتل مسلم بن عقيل ، فما كان من الأخير إلاّ أن خرج مع أربعة آلاف من أهل الكوفة ، وحاصر قصر بن زياد ، إلاّ أنّ أهل الكوفة ما زالوا يتخاذلون عن مسلم بن عقيل ، حتّى بقي معه ثلاثون رجلاً من أربعة آلاف ، فقتل يوم عرفة.

وكان الحسين قد خرج قاصداً العراق يوم التروية ، وكان كثير من الصحابة نهوا الحسين عن الخروج ، منهم أبو سعيد الخدري ، وعبد اللّه بن عمر ، وعبد اللّه بن عباس ، وكذلك أخوه محمّد بن الحنفية ، وابن الزبير ، وعبد اللّه بن عمرو بن العاص.

قال الشعبي : كان ابن عمر بمكّة ، فلمّا علم أنّه توجّه إلى العراق لحق به إلى العراق على مسيرة ثلاثة أميال ، فقال : أين تريد؟ فقال : العراق ، وأخرج له الكتب التي أرسلت له من العراق وأنّهم معه.

فقال له : هذه كتبهم وبيعتهم ، فقال ابن عمر : لا تأتيهم ، فأبى الحسين إلاّ أن يذهب ، فقال ابن عمر : إنّي محدّثك حديثاً : أنّ جبرائيل أتى النبيّ صلى اللّه عليه وآله فخيّره بين الدنيا والآخرة ، فأختار الآخرة ولن يريد الدنيا ، وأنّك بضعة منه ، واللّه لا يليها أحد منكم أبداً ، ولا صرفها اللّه عنكم إلاّ الذي هو خير لكم ، فأبى أن يرجع ، فاعتنقه ابن عمر فبكى وقال : استودعك اللّه من قتيل.

وكلّمه أبو سعيد الخدري قال : يا أبا عبد اللّه إنّي ناصح لك ، وإنّي عليكم مشفق ، وقد بلغنا أنّ قوماً من شيعتكم قد كاتبوكم من الكوفة ، فلا تخرج إليهم ، فإنّي سمعت أباك يقول : « واللّه إنّي مللتهم وأبغضتهم وملوني وأبغضوني ... ».

ولمّا علم عبيد اللّه بن زياد بقرب وصول الحسين ، أمر الحرّ بن يزيد التميمي أن يخرج بألف رجل ليلقى الحسين في الطريق ، فلقيه قريباً من القادسية ، وأخبره بخبر مسلم بن عقيل ، وأنّ أهل الكوفة قد خدعوك وخذلوك ، فهمّ الحسين أن يرجع ، فتكلّم أبناء مسلم بن عقيل ، قالوا : لا واللّه لن نرجع حتّى نأخذ بثأر أبينا ، عند ذلك رفض الحسين الرجوع.

وأراد أن يتقدّم فجاء الحرّ بن يزيد فسايره وقال : إلى أين تذهب يا ابن بنت رسول اللّه؟ قال إلى العراق ، قال : ارجع من حيث أتيت ، أو اذهب إلى الشام

ص: 127

حيث يزيد بن معاوية ، ولكن لا ترجع إلى الكوفة ، فأبى الحسين ، ثمّ سار إلى العراق والحرّ بن يزيد يمنعه.

فقال الحسين : ابتعد عنّي ثكلتك أُمّك ، فقال الحرّ بن يزيد : واللّه لو غيرك قالها من العرب لاقتصصت منه ، ولكن ماذا أقول وأُمّك سيّدة نساء العرب ، فعند ذلك امتنع الحسين عن الذهاب ، ثمّ جاءت مؤخّرة الجيش ، وكان مقدارها أربعة آلاف بقيادة عمر بن سعد بن أبي وقّاص ، وواجهوا الحسين في مكان يقال له كربلاء.

ولمّا رأى الحسين أنّ الأمر جدّ ، قال لعمر بن سعد : « إنّي أخيّرك بين ثلاث فاختر منها ما تشاء » ، قال : ما هي؟ قال الحسين : « أن تدعني أرجع ، أو تتركني إلى ثغر من ثغور المسلمين ، أو تتركني أذهب إلى يزيد ».

وأرسل عمر بن سعد إلى عبيد اللّه بن زياد بالخبر ، فرضي عبيد اللّه بأيّ واحدة يختارها الحسين ، وكان عند عبيد اللّه بن زياد رجل يقال له شمر بن ذي الجوشن ، قال : لا حتّى ينزل على حكمك ، فقال ابن زياد : نعم حتّى ينزل على حكمي ، بأن يأتي إلى الكوفة ، وأنا أسيّره إلى الشام ، أو إلى الثغور ، أو أرجعه إلى المدينة ، وأرسل عبيد اللّه شمر بن ذي الجوشن إلى الحسين ، إلاّ أنّ الحسين أبى أن ينزل على حكم ابن زياد.

فتوافق الفريقين ، وكان مع الحسين اثنان وسبعون فارساً ، قال الحسين لجيش بن زياد : « راجعوا أنفسكم وحاسبوها ، هل ينفعكم مثل هذا القتال ، وأنا ابن بنت نبيّكم ، وليس على وجه الأرض ابن بنت نبي غيري؟ وقد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لي ولأخي : سيّدا شباب أهل الجنّة ».

فانضمّ الحرّ بن يزيد إلى الحسين ، فقيل له : كيف جئت معنا أمير المقدّمة ، والآن تذهب إلى الحسين؟ قال : « ويحكم واللّه إنّي أُخيّر نفسي بين الجنّة والنار ، واللّه لأختار الجنّة على النار لو قطّعت وأُحرقت ».

وبات الحسين تلك الليلة يصلّي ويدعو اللّه ، ويستغفر هو ومن معه ، وكان جيش بن زياد بقيادة الشمر بن ذي الجوشن يحاصره ومن معه ، فلمّا أصبح الصبح شبّ القتال بين الفريقين ، وذلك لأنّ الحسين رفض أن يستأثر عبيد اللّه ابن زياد.

ص: 128

ولمّا رأى الحسين بأنّه لا طاقة لهم بمقاتلة هذا الجيش ، أصبح همّهم الوحيد الموت بين يدي الحسين ، فأصبحوا يموتون الواحد تلو الآخر ، حتّى فنوا جميعاً ، لم يبق منهم أحد إلاّ الحسين بن علي ، وبقي بعد ذلك نهاراً طويلاً ، لا يقدم عليه أحد حتّى يرجع ، لأنّه لا يريد أن يبتلي بالحسين ، فعند ذلك صاح الشمر بن ذي الجوشن : « ويحكم ما حلّ بكم؟ أقدموا نحو الحسين فاقتلوه » ، كان ذلك في العاشر من محرّم سنة 61 هجرية ، والذي باشر بقتله أنس بن سنان النخعي ، وقيل أنّه الشمر بن ذي الجوشن.

قتل مع الحسين كثير من أهل بيته ، وممّن قتل من أولاد علي بن أبي طالب : الحسين وجعفر والعباس وأبو بكر وعثمان ومحمّد ، وثمانية عشر رجلاً كُلّهم من آل بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

ولمّا بلغ يزيد قتل الحسين ظهر التوجّع عليه ، وظهر البكاء في داره ، ولم يسب لهم حريماً أصلاً ، بل أكرم أهل البيت وأجازهم حتّى ردّهم إلى ديارهم.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : لم يكن في خروج الحسين لا مصلحة دين ولا مصلحة دنيا ، أي أنّ خروجه ما كان سليماً ، لذلك نهاه كبار الصحابة عن ذلك ، يقول : بل يمكن أُولئك الطغاة من سبط النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يكن ليحصل لو بقي في بلده ، ولكنّه أمر من اللّه تعالى ، وقدر اللّه كان ولو لم يشأ الناس.

وطبعاً مقتل الحسين ليس هو بأعظم من قتل الأنبياء ، وقد قدّم رأس يحيى ابن زكريا عليهما السلام لبغي ، ونشر زكريا ، وأرادوا قتل موسى عليه السلام وعيسى عليه السلام ، وكذلك قتل عمر وعثمان وعلي ، وهؤلاء كُلّهم أفضل من الحسين ، ولذلك لا يجوز إذا جاء ذكرى الحسين اللطم والشطم وما شابه ذلك ، بل هذا منهي عنه.

فقد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « ليس منّا من لطم الخدود وشقّ الجيوب » ، والواجب على الإنسان المسلم أمثال هذه المصائب أن يقول كما قال تعالى : ( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ) .

اللّهم ارحم شهداء آل بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وسائر شهداء وموتى المسلمين ، واحفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، واجمعنا على كتابك المنزل ، وعلى سنّة نبيّك المرسل صلى اللّه عليه وآله وصحبه وسلم ....

ص: 129

انتهى نصّ الكتيّب.

هذا النصّ أضعه بين يديكم الكريمة ، وبأذن اللّه ترون كيف تردّون عليهم ، ولكم الأجر والثواب.

ج : إنّ شبيه هذا الكتاب - الذي أرسلتموه - تمّ توزيعه في الكويت وغيرها من الدول ، التي يحيي فيها الشيعة مراسم عاشوراء ، وقد تصدّى الشيخ عبد اللّه حسين للردّ عليه ردّاً علمياً ، ولأهمّيته نورده إليكم بنصّه ، إذ فيه فوائد كثيرة ، ونكات ظريفة.

قال : إنّ نعم اللّه تعالى على أُمّة الإسلام أكثر من نعمه على جميع الأُمم ، فقد حظيت هذه الأُمّة بمقوّمات تجعلها أفضل أُمّة ، فدينها مرضي عند اللّه ، وقرآنها لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ورسولها أكرم خلق اللّه عنده تبارك وتعالى ، ولكن ....

وعلى رغم تلك النعم الإلهية المباركة ، فإنّ تاريخ هذا الدين العظيم يصدم قارئة بما يحويه بين دفتيه ، ممّا تعرّض له المسلمون من ظلم وقتل وسبي وتشريد.

بل الأدهى من ذلك أنّ رسول اللّه نفسه لم يسلم من الأذى والتكذيب عليه ، وأمّا آله فقد سامهم بعض من أدّعى الإسلام ألوان العذاب والاضطهاد ، حتّى كأنّ اللّه قد أوصى الأُمّة بقتلهم لا بمودّتهم واتباعهم.

ويتّضح ذلك بجلاء في مصاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بقتل سبطه سيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام ، فقد ارتكبت حكومة بني أُمية أسوأ جريمة في حقّه عليه السلام ، وحقّ أهل بيته ، وكوكبة من أصحابه ، الذين قلّ نظيرهم على هذه الأرض ، وسجّل لنا التاريخ ذلك ، ونقله إلينا المؤرّخون والمحدّثون بما يندى له الجبين!

لقد اهتزت الأُمّة الإسلامية من أقصاها إلى أقصاها لقتل الإمام الحسين عليه السلام في عصره ، وفي كُلّ العصور على اختلاف مذاهبها ومشاربها ... لكن للأسف أنّ هناك شرذمة لا يتعاطفون من أهل البيت عليهم السلام ، بل كانوا يرصدون - كما ينقل ابن كثير وابن عساكر - لشيعة أهل البيت عليهم السلام ومحبّيهم ، ويسفكون

ص: 130

دماءهم ، ويحبسوهم ليمنعوهم حتّى من إظهار الحزن ، كما حدث في بغداد في أحداث دامية في أيّام تسلّطهم.

وقد حالت بعد ذلك رحمة اللّه زمناً بين تلك الشرذمة وما يفعلون من إثارة الفتن ، وبدأنا نلمس من المنصفين من إخواننا من أهل السنّة التعاون الجميل ، والتعاطف النبيل مع إخوانهم الشيعة في أيّام العزاء ، بل إنّ بعضهم ليشارك ويحترم تلك الأيّام كما شيعة أهل البيت عليهم السلام ، ولكن بوادر الشيطان قد ظهرت ، فعادت الشرذمة للظهور ، وجاءوا بقلوب قاسية وعقول خاوية ، يريدون النيل من هذا التعاون وهذه الأُلفة بين المسلمين ، ليفرّقوا صدوراً مؤتلفة على محبّة أهل البيت عليهم السلام ، وهذا دين النواصب أنّى كانوا ، فلا غرابة ، ولكن الواجب يقتضي توعية الجميع تجاه سمومهم التي ينشرونها باسم الدين ، لذا كانت هذه السطور.

الهدف من هذه الرسالة :

قد أثبتت الأيّام بأنّ كثيراً من أهل السنّة يتعاطفون مع مصاب أهل البيت عليهم السلام كما الشيعة ، بل ويتوسّلون بهم ، فهؤلاء يحيطون بمراقد أهل البيت عليهم السلام في المدينة المنوّرة ، والعراق ومصر وخراسان ، متوسّلين باكين متبرّكين ، ممّا أوغر صدوراً خصبة يرتع فيها الشيطان ، فجاء أُولئك الجهلة وقد اختلط عليهم الأمر ، ليهدّموا تلك العلاقة بين المسلمين وأهل البيت المطهّرين عليهم السلام.

إنّا نعتقد جازمين : بأنّ المنصفين من أهل السنّة ، لا يقيمون وزناً لأمثال أُولئك المتعصّبين ، الذين يتقنون رسم النصوص دون أن يعوها ، وحمل الأسفار دون أن يفهموها.

حيث يلاحظ الجميع تلك المنشورات الخبيثة ، التي توزّع في أيّام عزاء سيّد الشهداء ، وإحياء ذكرى مصابه ، مندّدة بمثل هذه الشعائر الإسلامية ، مفرّقة بيننا كمسلمين ، يستغل أصحابها اختلافنا في الاجتهادات ، غافلين عن اجتماعنا على محبّة أهل البيت عليهم السلام ، الذين نفرح لفرحهم ونحزن لحزنهم.

ص: 131

من الذي يفرّق بين المسلمين؟

إنّنا لنعجب ممّن ينشر تلك المنشورات ، فبينما يجعل كاتبهم عنوان منشوره البغيض بعبارة : لماذا يزرع الشقاق بين المسلمين سنوياً ، إلاّ أنّه يغفل عن أنّه هو زارع الفرقة ، بما تحويه منشوراته من مغالطات وأكاذيب ، فيا عجباً لهذا الكاتب الجاهل ، الذي يعتبر إقامة مظاهر الحزن على الحسين عليه السلام زرعاً للشقاق بين المسلمين ، ويغفل عن أنّه غارق في إيذاء المسلمين ، ينشر أكاذيبه في كُلّ سنة.

وللمتابع أن يلاحظ : أنّ الشيعة - منذ زمن طويل - يقيمون الشعائر والمراسم الحسينية في الحسينيات العامرة ، بجوار إخوانهم السنّة ، وفي قلب مناطقهم بكُلّ رحابة صدر ، فأيّ شقاق تحقّق لولا بروز تلك الدعوات الشاذّة؟ نعم إنّ بذر الشقاق تزامن مع ظهور بعض العقليات السلفية المتحجّرة في مجتمع عرف بالتسامح والمودّة؟

ولو أنّ هذا الكاتب الجاهل يعلم ما يدور في هذه الحسينيات من تربية وتعليم ونصح وتذكير ، ومفاهيم أخلاقية تبني الإنسان المؤمن ليؤمن شرّ لسانه ويده وقلبه ببركة هذه الحسينيات ، لساهم بنفسه في إعمار هذه الشعائر كغيره من أهل السنّة والشيعة المحبّين لأهل البيت عليهم السلام ، ولكن كيف ذلك؟ وهل يرجى القبول بالحقّ ممّن سيطر عليه قرينه؟

المنشور الأسود :

تناولت الشرذمة المتسلّفة في منشورها قصّة مقتل الحسين عليه السلام ، وأظهروا قراطيسهم بمظهر البحث العلمي في عرض ذلك الحدث الأليم ، ولكن من خلال الأسطر التالية التي نكتبها سيتبيّن لك أيّها القارئ مدى الجهل الذي يعيشونه في معرفة التاريخ الإسلامي ، وانقيادهم لبعض مشايخهم المتعصّبين دون دراسة أو تمحيص لمصادر التاريخ ومجرياته ، وسيتبيّن لك من خلال هذه المناقشة أنّهم انتقائيون في قراءتهم للتاريخ ، قائدهم الهوى ، فلا أُصول علمية عندهم ، ولا هم يحزنون!

ص: 132

وهنا نتعرّض لنقاط وردت في إحدى تلك المنشورات ، مع بعض الردود الكافية لفضح تعصّبهم ، واللّه المستعان.

لماذا لم يتّخذ يوم وفاة النبيّ صلى اللّه عليه وآله مأتماً؟

في البدء ذكر الكاتب قول ابن كثير : ورسول اللّه سيّد ولد آدم في الدنيا والآخرة ، وقد قبضه اللّه إليه كما مات الأنبياء قبله ، ولم يتّخذ أحد يوم موتهم مأتماً (1).

نقول : إنّ هذا الكاتب وأمثاله يتغافلون عن الحقّ ، فالشيعة يحيون ذكرى وفاة الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وأئمّة أهل البيت عليهم السلام.

وإن كان يقصد التميّز الموجود في إحياء ذكرى سيّد الشهداء عليه السلام ، فليعلم أنّ ذكرى شهادة الإمام الحسين عليه السلام هي ذكرى مأساة لا مثيل لها ، فقتله جريمة عالمية نظهر موقفنا منها ، وبراءتنا ممّن قتل سبط الرسول وحبيبه ، ونعلن أنّنا نواليه وندين ما فعله أعداؤه.

إنّ زيارة خاطفة يقوم بها أيّ من المنصفين لهذه المجالس ، ودور العبادة والحسينيات المباركة ، يجد أنّنا نبكي على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأهل بيته جميعاً ونتبرّك بذلك ، فليس البكاء مخصوصاً للحسين عليه السلام ، هذا فضلاً عن الأحاديث النبوية ، وعن أهل البيت عليهم السلام ، التي تبيّن خصوصية ظلامة الحسين عليه السلام ، وأهمّيتها عند الرسول وأهل بيته ، فنحن نتأسّى بهم.

ظهور الكرامات عند مقتل الحسين عليه السلام.

قال الكاتب : ولا ذكر أحد أنّه ظهر يوم موتهم ، وقبلهم شيء ممّا ادعاه هؤلاء يوم مقتل الحسين من الأُمور المتقدّمة.

نقول : إنّ هذا جهل من الكاتب ، أو كذب مبين ، فإنّ الأحاديث والنصوص في كتبهم ذكرت حدوث ظواهر كونية في ذلك اليوم ، وقد كذب

ص: 133


1- البداية والنهاية 8 / 221.

من قال أنّه لم يتحقّق في السابقين شيء من تلك الأُمور ، فهذا ابن كثير نفسه يقول في تفسيره :

وقد روى ابن جرير ... عن يحيى بن سعيد قال : سمعت سعيد بن المسيّب يقول : ظهر بخت نصّر على الشام ، فخرّب بيت المقدس وقتلهم ، ثمّ أتى دمشق فوجد بها دماً يغلي على كبا ، فسأل ما هذا الدم؟

فقالوا : أدركنا آباءنا على هذا ، وكُلّما ظهر عليه الكبا ظهر ، قال : فقتل على ذلك الدم سبعين ألفاً من اليهود وغيرهم فسكن ، وهذا صحيح إلى سعيد بن المسيّب ، وهذا هو المشهور (1).

وقال في كتابه قصص الأنبياء : « وقال أبو عبيدة القاسم بن سلام ... عن سعيد بن المسيّب قال : قدم بخت نصّر دمشق ، فإذا هو بدم يحيى بن زكريا يغلي ، فسأل عنه فأخبروه ، فقتل على دمه سبعين ألفاً فسكن ، وهذا إسناد صحيح إلى سعيد بن المسيّب ، وهو يقتضي أنّه قتل بدمشق ، وأنّ قصّة بخت نصّر كانت بعد المسيح ، كما قاله عطاء والحسن البصري ، فاللّه أعلم » (2).

ثمّ روى قصّة مقتل يحيى عن ابن عساكر ، عن سعيد بن عبد العزيز ، عن قاسم مولى معاوية ، ثمّ قال : قال سعيد بن عبد العزيز : وهي دم كُلّ نبي ، ولم يزل يفور حتّى وقف عنده أرميا عليه السلام فقال : أيّها الدم أفنيت بني إسرائيل فاسكن بإذن اللّه ، فسكن ... (3).

جريمة قتل الحسين عليه السلام وجريمة قتل نبي اللّه يحيى عليه السلام!

إنّ الروايات الصحيحة الواردة في مصادر السنّة تقارن بين جريمة قتل يحيى عليه السلام وقتل الحسين عليه السلام ، فقد روى الحاكم في مستدركه ، بستّة طرق عن أبي نعيم : ثنا عبد اللّه بن حبيب بن أبي ثابت عن أبيه ، عن سعيد بن جبير ،

ص: 134


1- تفسير القرآن العظيم 3 / 28.
2- قصص الأنبياء 2 / 364.
3- المصدر السابق 2 / 366.

عن ابن عباس قال : أوحى اللّه تعالى إلى نبيّكم صلى اللّه عليه وآله : إنّي قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفاً ، وإنّي قاتل بابن ابنتك سبعين ألفاً وسبعين ألفاً (1).

إنّ هذه الحديث الشريف يعتبر قتل الحسين عليه السلام خطراً عظيماً ، يعادل قتل نبي اللّه يحيى عليه السلام!! فكيف يصحّ لمن يدّعي العلم أن ينكر الظواهر الكونية يوم مقتل الحسين عليه السلام ، ويستنكر البكاء على الحسين؟!!

وفي حديث القاضي أبي بكر بن كامل : إنّي قتلت على دم يحيى بن زكريا وإنّي قاتل على دم ابن ابنتك ، قال الحاكم : « هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه » (2) ، وقد صحّحه الذهبي في التلخيص على شرط مسلم.

إنّ المنصف يرى أنّ قتل الحسين عليه السلام - وبشهادة جدّه المصطفى صلى اللّه عليه وآله - جريمة عظيمة من جرائم التاريخ البشري ، أراد تعالى أن يخلّدها كما هو الحال في جريمة قتل نبي اللّه يحيى عليه السلام ، إذ لا يقل الحسين عليه السلام عن خاصّة أولياء اللّه ، كما هو واضح في الأحاديث النبوية الشريفة.

مقتل الحسين عليه السلام :

قال الكاتب مدّعياً أنّه ينقل قصّة مقتل الإمام الحسين كما أثبتها الثقات من أهل العلم : بلغ أهل العراق أنّ الحسين لم يبايع يزيد بن معاوية ، وذلك سنة 60 ه- ، فأرسلوا إليه الرسل والكتب يدعونه فيها إلى البيعة ، وذلك أنّهم لا يريدون يزيد ولا أباه ، ولا عثمان ولا عمر ولا أبا بكر ، إنّهم لا يرون إلاّ علياً وأولاده.

نقول : أوّلاً : لم يحدّد الكاتب المصدر الذي اعتمده ، وهذا أوّل التدليس! فأين الثقات الذين قال إنّه ينقل عنهم؟!!

ثانياً : حاول الكاتب أن يظهر أنّ قتلة الحسين هم الشيعة ، الذين يرفضون أبا بكر وعمر ، وأنّهم لا يريدون إلاّ علياً وأولاده.

ص: 135


1- المستدرك 2 / 290.
2- المصدر السابق 3 / 178.

والجواب : أنّهم شيعة آل أبي سفيان ، كما خاطبهم الإمام الحسين عليه السلام ، وهذه بعض النصوص التي تبيّن مذهب أهل الكوفة في ذلك الزمن ، فقد نقل ابن بطّة أحد علماء السنّة في المنتقى : « عن عبد اللّه بن زياد بن جدير قال : قدم أبو إسحاق السبيعي الكوفة ، قال لنا شمر بن عطية : قوموا إليه ، فجلسنا إليه ، فتحدّثوا ، فقال أبو إسحاق : خرجت من الكوفة ، وليس أحد يشكّ في فضل أبي بكر وعمر وتقديمهما ، وقدمت الآن وهم يقولون ويقولون ، لا واللّه ما أدري ما يقولون ».

وقال محبّ الدين الخطيب في حاشية المنتقى : « هذا نصّ تاريخي عظيم في تحديد تطوّر التشيّع ، فإنّ أبا إسحاق السبيعي كان شيخ الكوفة وعالمها ، ولد في خلافة أمير المؤمنين عثمان ، قبل شهادته بثلاث سنين ، وعمّر حتّى توفّي سنة 127ه- ، وكان طفلاً في خلافة أمير المؤمنين علي ... ».

إذاً ، فأبو إسحاق شيخ الكوفة وعالمها ، كان يبلغ من العمر ثمان وعشرين عاماً في سنة استشهاد الإمام الحسين عليه السلام ، ومنه نفهم بأنّ الناس في الكوفة - في ذلك العام بالذات - كانوا على حسب قوله : ليس منهم أحد يشكّ في فضل أبي بكر وعمر وتقديمهما ، وبناءً على ذلك ، فالذين كاتبوا الإمام الحسين عليه السلام ثمّ خانوه وقتلوه لم يكونوا شيعة ، يقدّمون علي بن أبي طالب عليه السلام على أبي بكر وعمر.

وقد ذكر التاريخ : أنّ عبيد اللّه بن زياد ، قد سجن الشيعة المخلصين للإمام الحسين عليه السلام حتّى امتلأت سجونه منهم ، فهؤلاء هم الشيعة في ذلك الوقت!

ولذا قال الذهبي في الميزان : « كالتشيّع بلا غلوّ ولا تحرّف ، فهذا كثير في التابعين وتابعيهم ، مع الدين والورع والصدق ، فلو ردّ حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية ، وهذه مفسدة بيّنة ... فالشيعي الغالي في زمان السلف ، وعرّفهم هو من تكلّم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية ، وطائفة ممّن حارب علياً وتعرّض لسبّهم » (1).

ص: 136


1- ميزان الاعتدال 1 / 5.

هذا ما يردّ كلامه من نصوص السنّة ، وأمّا من نصوص الشيعة :

فمنه : ما ذكره الشيخ الكليني في خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام : عن سليم بن قيس الهلالي قال : خطب أمير المؤمنين عليه السلام ... فقال : « قد عملت الولاة قبلي أعمالاً خالفوا فيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله متعمّدين لخلافه ، ناقضين لعهده ، مغيّرين لسنّته ، ولو حملت الناس على تركها وحوّلتها إلى مواضعها ، وإلى ما كانت في عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، لتفرّق عنّي جندي ، حتّى أبقى وحدي ، أو قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي ، وفرض إمامتي من كتاب اللّه وسنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ... إذاً لتفرّقوا عنّي ، واللّه لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلاّ في فريضة ، وأعلمتهم أنّ اجتماعهم في النوافل بدعة ، فتنادى بعض أهل عسكري ممّن يقاتل معي : يا أهل الإسلام غيّرت سنّة عمر ، ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوّعاً ، ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري ، ما لقيت من هذا الأُمّة من الفرقة ، وطاعة أئمّة الضلالة والدعاة إلى النار » (1).

قال العلاّمة المجلسي عن هذا الخبر : « عندي معتبر لوجوه ، ذكرها محمّد ابن سليمان في كتاب منتخب البصائر وغيره » (2).

وهذا يثبت للقارئ بأنّ أكثرية الذين راسلوا الحسين عليه السلام من أهل الكوفة ، لم يكونوا ممّن يقدّمونه على غيره ، كما يفعل الشيعة الموالون ، كيف وأهل الكوفة لم يقدّموا علياً عليه السلام على الخليفتين ، وهو أولى بالتقديم من الحسين عليه السلام؟ وهذا يخالف ادعاء الكاتب ، الذي ينسب كلامه للثقات من أهل العلم ، ولم يذكر مصدراً واحداً يثبت مزاعمه الباطلة!!

الصحابة ومنعهم الحسين عليه السلام عن الخروالجواب :

قال الكاتب : وحاول منعه كثير من الصحابة ، ونصحوه بعدم الخروج ، مثل ابن عباس ، وابن عمر ، وابن الزبير ، وأبي سعيد الخدري ، وابن عمرو ، وأخيه محمّد بن الحنفية ، وغيرهم ....

ص: 137


1- الكافي 8 / 58.
2- مرآة العقول 25 / 131.

وندعو القارئ هنا لتفحّص حقيقة كلام الكاتب ، نقول : لو كانت هناك فطرة سليمة لقيل : إنّه يجب على الصحابة الذين ذكروا نصرة الإمام الحسين عليه السلام وطاعته ، لا أنّه يجب عليه أن يطيعهم كما يطلب الكاتب!!

فنحن نعرف أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله أخبر المسلمين بأنّ أُمّته سوف تقتل ولده الحسين في كربلاء! وكان الحسين والصحابة يعلمون بذلك؟

نعم ، الحسين كان أدرى من غيره بما سيحدث له بإخبار مسبق من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وروايات الشيعة والسنّة تؤكّد ذلك ، فهذه عمرة بنت عبد الرحمن - كما ذكر ابن كثير - ترسل إليه تطلب منه عدم الخروج وتقول : أشهد لسمعت عائشة تقول ، إنّها سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول : « يقتل الحسين بأرض بابل » ، فلمّا قرأ كتابها قال : « فلابدّ لي إذاً من مصرعي ومضى » (1).

وذكر أيضاً قول الحسين عليه السلام للفرزدق : « لو لم أعجل لأخذت » (2) ، وكذلك ما رواه عن يزيد الرشك ، من قوله عليه السلام : « ولا أراهم إلاّ قاتلي »!

وعن معاوية بن قرّة قال : قال الحسين : « واللّه لتعتدن عليّ كما اعتدت بنو إسرائيل في السبت » ، وعن جعفر الضبعي عنه عليه السلام : « واللّه لا يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي » (3).

وذكر ابن كثير قول الإمام الحسين عليه السلام لمن طلب منه الرجوع : « إنّه ليس بخفي عليّ ما قلت وما رأيت ، ولكنّ اللّه لا يغلب على أمره » ، ثمّ ارتحل قاصداً الكوفة (4) ، فخروج الحسين عليه السلام كان بعلم منه بقتله ، بل كان يعلم بتفاصيل مقتله الشريف أيضاً.

وأمّا نصائح من ذكرهم الكاتب ، فنقول : نصيحة ابن عباس للحسين عليه السلام :

ص: 138


1- البداية والنهاية 8 / 176.
2- المصدر السابق 8 / 180.
3- المصدر السابق 8 / 183.
4- المصدر السابق 8 / 185.

نقل ابن كثير عن ابن عباس قال : استشارني الحسين بن علي في الخروج ، فقلت : لولا أن يزري بي وبك الناس لشبثت يدي في رأسك ، فلم أتركك تذهب ، فكان الذي ردّ عليّ أن قال : « لأن أُقتل في مكان كذا وكذا ، أحبّ إليّ من أن أُقتل بمكّة » ، قال : فكان هذا الذي سلى نفسي عنه (1).

إذاً ، فقد استسلم ابن عباس لرأي الحسين عليه السلام عندما علم أنّ بني أُمية قد عزموا على قتله أينما كان ، وأنّ خروجه إنّما هو لئلا يستحلّ بيت اللّه الحرام ، وتفهّم ابن عباس موقف الحسين عليه السلام! وبهذا يظهر لك زيف قول الكاتب : إنّ ابن عباس نهاه ومنعه!!

روى الحاكم عن ابن عباس قال : أوحى اللّه تعالى إلى محمّد صلى اللّه عليه وآله : إنّي قتلت بيحيى بن زكريا سبعين ألفاً ، وإنّي قاتل بابن ابنتك سبعين ألفاً وسبعين ألفاً ، هذا لفظ حديث الشافعي ، وفي حديث القاضي أبي بكر بن كامل : إنّي قتلت على دم يحيى بن زكريا ، وإنّي قاتل على دم ابن ابنتك (2) ، وقد مرّ تصحيح الحاكم والذهبي للحديث.

وهذا الحديث له دلالة عظيمة جدّاً بمكانة الإمام الحسين عليه السلام عند اللّه تعالى ، لا ينالها إلاّ صاحب حقّ ، وإلاّ فهل يدّعي الكاتب أنّ المخطئ الذي كان في خروجه فساد عظيم ، يقارنه اللّه بيحيى النبيّ عليه السلام ، بل يغضب له غضباً يفوق غضبه وانتقامه له؟ البصير يفهم ، وأمّا عمى القلب فمرض عضال.

ونقل الحاكم أيضاً عن ابن عباس قال : رأيت النبيّ صلى اللّه عليه وآله فيما يرى النائم نصف النهار ، أشعث أغبر معه قارورة فيها دم ، فقلت : يا نبي اللّه ما هذا؟ قال : « هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم » ، قال : فأحصي ذلك اليوم فوجدوه قتل قبل ذلك بيوم ، قال الحاكم : « هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه » (3) ، وقال الذهبي على شرط مسلم.

ص: 139


1- المصدر السابق 8 / 172.
2- المستدرك 3 / 178.
3- المصدر السابق 4 / 398.

ونقل ابن كثير : عن أشعث بن سحيم عن أبيه قال : سمعت أنس بن الحارث يقول : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول : « إنّ ابني - يعني الحسين - يقتل بأرض يقال لها كربلاء ، فمن شهد منكم ذلك فلينصره » ، قال : فخرج أنس بن الحارث إلى كربلاء ، فقتل مع الحسين (1).

ويظهر من ابن حجر في ترجمة أنس بن الحارث قبوله للرواية ، قال : قتل مع الحسين بن علي ، سمع النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، قاله محمّد عن سعيد بن عبد الملك الحرّاني عن عطاء بن مسلم ، حدّثنا أشعث بن سحيم عن أبيه ، سمعت أنس بن الحارث ، ورواه البغوي وابن السكن وغيرهما من هذا الوجه ، ومتنه : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول : « إنّ ابني هذا - يعني الحسين - يقتل بأرض يقال لها كربلاء ، فمن شهد منكم فلينصره » ، قال : فخرج أنس بن الحارث إلى كربلاء ، فقتل بها مع الحسين.

قال البخاري : يتكلّمون في سعيد يعني رواية ، وقال البغوي : لا أعلم رواه غيره ، وقال ابن السكن : ليس يروى إلاّ من هذا الوجه ، ولا يعرف لأنس غيره ، قلت : وسيأتي ذكر أبيه الحارث بن نبيه في مكانه ، ووقع في التجريد للذهبي : لا صحبة له وحديثه مرسل ، وقال المزّي : له صحبه فوهم ، انتهى.

ولا يخفى وجه الردّ عليه ممّا أسلفناه ، وكيف يكون حديثه مرسلاً وقد قال : سمعت ، وقد ذكره في الصحابة البغوي ، وابن السكن ، وابن شاهين ، والدغولي ، وابن زبر ، والباوردي ، وابن مندة ، وأبو نعيم ، وغيرهم (2).

والبخاري إن عبّر عن سعيد بقوله : يتكلّمون في سعيد ... ، وهي تفيد بأنّه غير جازم بشيء ضدّه ، لكن ابن حبّان ذكره في كتابه الثقات (3).

ص: 140


1- البداية والنهاية 8 / 217.
2- الإصابة 1 / 271.
3- الثقات 8 / 267.

فهل يأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بنصح شخص مخطئ؟ أم هو التعصّب الذي دعا الكاتب إلى إنكار كون أنس من الصحابة ، وذلك كطريق وحيد لردّ الرواية ، وما يترتّب عليها.

نصيحة ابن عمر المزعومة!

أمّا عبد اللّه بن عمر ، فقد كان معروفاً بمبدأ الخضوع للحاكم مهما كان ، حيث بايع يزيد وهو يعلم أنّه شارب الخمور مرتكب الفجور ، ولم يترك هذا المبدأ إلاّ عند بيعة الأُمّة لعلي أمير المؤمنين عليه السلام ، وقد ندم على فعله! (1).

فالذي يندم على أفعاله ، ويبايع يزيد مع أقلّ تهديد ، كيف يعتدّ الإمام الحسين عليه السلام بموقفه ونصحه؟

كما أنّ ما ذكروه عن نصيحة أبي سعيد الخدري وغيره غير ثابت ، وحتّى لو ثبت ، فقد عرفت أنّ الإمام الحسين عليه السلام يعمل بما أمر به جدّه المصطفى صلى اللّه عليه وآله ، الذي لا ينطق عن الهوى ، إن هو إلاّ وحي يوحى!

نصيحة ابن الزبير المزعومة!

وأمّا خلط الكاتب نصيحة ابن الزبير بجملة النصائح فعجب من القول ، لأنّ مصادر التاريخ تذكر عكس ذلك ، فقد كان ينصح الإمام الحسين عليه السلام أن يخرج إلى العراق ، وقد نقل ابن كثير قول ابن الزبير : أما لو كان لي مثل أنصارك ما عدلت عنها ، فلمّا خرج من عنده ، قال الحسين : « قد علم ابن الزبير أنّه ليس له من الأمر معي شيء ، وأنّ الناس لم يعدلوا بي غيري ، فودّ أنّي خرجت لتخلو له » (2).

ونقل : ولزم ابن الزبير الحجر ، ولبس المعافري ، وجعل يحرّض الناس على بني أُمية ، وكان يغدو ويروح إلى الحسين ، ويشير إليه أن يقدم العراق ، ويقول : هم شيعتك وشيعة أبيك (3).

ص: 141


1- البداية والنهاية 7 / 253.
2- المصدر السابق 8 / 172.
3- المصدر السابق 8 / 175.

حتّى ظنّ أبو سلمة بن عبد الرحمن ، بأنّ الحسين خرج متأثّراً بكلام ابن الزبير ، أورد ابن كثير : وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن : وقد كان ينبغي لحسين أن يعرف أهل العراق ولا يخرج إليهم ، ولكن شجّعه على ذلك ابن الزبير ، وكتب إليه المسور بن مخرمة : إيّاك أن تغتر بكتب أهل العراق ، وبقول ابن الزبير ، ألحق بهم فإنهّم ناصروك (1).

ومن مسلّمات التاريخ : أنّ ابن الزبير لم يكن يوماً ما ناصحاً للإمام الحسين عليه السلام ، بل قد أثبت ابن كثير في تاريخه قول ابن عباس لابن الزبير وهو مغضب : « يا بن الزبير قد أتى ما أحببت ، قرّت عينك ، هذا أبو عبد اللّه خارج ويتركك والحجاز » (2).

وذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء : « فقال ابن عباس للحسين : لولا أن يزري بي وبك لنشبت يدي في رأسك ، ولو أعلم أنّك تقيم ، إذاً لفعلت ، ثمّ بكى ، وقال : أقررت عين ابن الزبير ، ثمّ قال بعد لابن الزبير : قد أتى ما أحببت أبو عبد اللّه ، يخرج إلى العراق ، ويتركك والحجاز.

يا لك من قنبرة بمعمر *** خلا لك البر فبيضي واصفري

ونقري ما شئت أن تنقري *** صيّادك اليوم قتيل فابشري (3)

نصيحة ابن عمر المزعومة لا أصل لها :

من أين جاء الكاتب بهذه النصيحة المدعاة؟! فلم يذكر التاريخ أيّ لقاء تمّ بين الحسين عليه السلام وعبد اللّه بن عمر ، بل ينقل ابن كثير خلاف ذلك عن يحيى بن معين ، حدّثنا أبو عبيدة ، ثنا سليم بن حيّان عن سعيد بن مينا قال : سمعت عبد اللّه بن عمر : عجّل حسين قدره ، واللّه لو أدركته ما تركته يخرج إلاّ أن يغلبني (4).

ص: 142


1- المصدر السابق 8 / 176.
2- المصدر السابق 8 / 178.
3- سير أعلام النبلاء 3 / 297.
4- البداية والنهاية 8 / 173.

والكاتب يقول : رواه يحيى بن معين بسند صحيح ، ويتغافل عن سند ابن كثير إلى يحيى بن معين ، في حين أنّ سند يحيى ، كما في ابن عساكر مضطرب ، فيقول في تاريخ مدينة دمشق : « يحيى بن معين ثنا أبو عبيدة ثنا سليم بن حيّان ، قال الحرّاني : سليمان بن سعيد بن مينا قال : سمعت عبد اللّه ابن عمر يقول : عجّل حسين قدره ... » (1).

نعم قال المحقّق : بالأصل عمرو ، والمثبت عن الترجمة المطبوعة.

والمهم هنا : أنّ سليم ينقل عن سليمان بن سعيد لا سعيد بن مينا ، فضلاً عن وجود نسخ ، أنّه ابن عمر لا عمرو.

بل أنّ الفرزدق يروي خلاف ذلك - كما في سير أعلام النبلاء - حيث قال : « لمّا خرج الحسين لقيت عبد اللّه بن عمرو فقلت : إنّ هذا الرجل قد خرج ، فما ترى؟ قال : أرى أن تخرج معه ، فإنّك إن أردت دنيا أصبتها ، وإن أردت آخرة أصبتها ... » (2) ، فمن أين احتطب الكاتب هذه النصيحة والمنع المزعوم؟!!

نصيحة محمّد بن الحنفية :

روى ابن عساكر : « وتبعهم محمّد بن الحنفية ، فأدرك حسيناً بمكّة ، وأعلمه أنّ الخروج ليس له برأي » (3).

ولكن ما يرويه الطبري يختلف عن ذلك ، فقد ذكر أنّه قال : « تنح بتبعتك عن يزيد بن معاوية عن الأمصار ما استطعت ، ثمّ ابعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك ، فإن بايعوا لك حمدت اللّه على ذلك ، وإن أجمع الناس على غيرك لم ينقص اللّه بذلك دينك ولا عقلك ... » (4).

ص: 143


1- تاريخ مدينة دمشق 14 / 202.
2- سير أعلام النبلاء 3 / 293.
3- تاريخ مدينة دمشق 14 / 211.
4- تاريخ الأُمم والملوك 4 / 253.

وبهذا يتّضح : أنّ محمّد بن الحنفية لم يخالفه في أصل الخروج ، ولكن اقترح تفاصيل أُخرى ، فأجابه الحسين عليه السلام : « يا أخي قد نصحت فأشفقت ، فأرجو أن يكون رأيك سديداً موفّقاً » (1).

هذا وللحسين جواب شامل لكُلّ من عارضه على الخروج ، هو ما ذكره ابن كثير في ردّه على عبد اللّه بن جعفر ، الذي كتب له كتاباً يحذّره من أهل العراق ، ويناشده اللّه إن شخص إليهم ، فكتب إليه الحسين : « إنّي رأيت رؤيا ، ورأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أمرني بأمر ، وأنا ماض له ، ولست بمخبر بها أحداً حتّى أُلاقي عملي » (2).

الحسين وأهل الكوفة :

يظنّ البعض بأنّهم يعرفون ما لا يعرفه الإمام الحسين عليه السلام في شأن أهل الكوفة ، وكيف يخفى على الحسين عليه السلام تذبذب نفوس أهل الكوفة ، وقد عاشرهم إبّان حياة أمير المؤمنين علي عليه السلام ، ولم ينس قوله فيهم : « اللّهم إنّي قد مللتهم وملوني » (3) ، وقوله : « يا أشباه الرجال ولا رجال » (4).

وقد كانت خيانتهم للحسن عليه السلام على مرأى من عينيه ، ولازال الحسين يسمع صدى دعاء علي عليه السلام عليهم.

وقد صرّح عليه السلام بأنّه ذاهب إلى الشهادة كما نقلنا ، فادعاء الكاتب أنّ خروجه من أجل الدنيا والسلطة قدح في طهارة الحسين عليه السلام ، وتكذيب لجدّه المصطفى صلى اللّه عليه وآله ، بأنّه سيّد شباب أهل الجنّة ، وسوف يُسأل الكاتب عن هذا الظلم والعداء لأهل بيت النبيّ الطاهرين.

النهضة الحسينية : لم تكن نتيجة ضغط من أبناء مسلم بن عقيل :

ص: 144


1- نفس المصدر السابق.
2- البداية والنهاية 8 / 176.
3- شرح نهج البلاغة 1 / 332.
4- المصدر السابق 2 / 75.

قال كاتب المنشور : « وجاء الحسين خبر مسلم بن عقيل عن طريق الرسول ، الذي أرسله مسلم ، فهمّ الحسين بالرجوع ، فامتنع أبناء مسلم وقالوا : لا واللّه لن نرجع حتّى نأخذ بثأر أبينا ، عند ذلك رفض الحسين الرجوع ».

ونقول أوّلاً : الرواية ضعيفة السند ، إذ فيها خالد بن يزيد بن عبد اللّه القسري ، وقد قال عنه الذهبي : « وكان صاحب حديث ومعرفة ، وليس بالمتقن ، ينفرد بالمناكير ....

قال أبو جعفر العقيلي : لا يتابع على حديثه ، وقال أبو حاتم : ليس بقوي ، وذكره ابن عدي ، فساق له جماعة أحاديث ، وقال : أحاديثه لا يتابع عليها كُلّها ، لا إسناداً ولا متناً » (1) ، فعبارة : فهمّ الحسين بالرجوع ، من منكرات خالد هذا.

ثانياً : استغل الكاتب خطأ في تاريخ ابن كثير ، فسعى أن يوهم أن كلمة : لن نرجع ، إنّما هي أمر من أبناء مسلم بن عقيل للإمام الحسين عليه السلام ، فهُم الذين أجبروه على الاستمرار.

ولكن بالرجوع إلى ما نقله الطبري وسائر المؤرّخين ، نرى أنّ أبناء مسلم قالوا : واللّه لا نرجع حتّى نصيب بثأرنا أو نقتل ، فقال عليه السلام : « لا خير في الحياة بعدكم » فسار (2).

ثالثاً : وأمّا الحادثة كما رواها الشيخ المفيد خالية من تلك الزيادة ، بل فيها : فنظر - أي الحسين عليه السلام - إلى بني عقيل فقال : « ما ترون؟ فقد قتل مسلم » ، فقالوا : واللّه لا نرجع حتّى نصيب ثأرنا ، أو نذوق ما ذاق ، فأقبل علينا الحسين عليه السلام وقال : « لا خير في العيش بعد هؤلاء » (3).

ص: 145


1- سير أعلام النبلاء 9 / 410.
2- تاريخ الأُمم والملوك 4 / 292 ، الإصابة 2 / 71 ، تهذيب الكمال 6 / 427 ، تهذيب التهذيب 2 / 304.
3- الإرشاد 2 / 75.

وكيف ينتظر أن ينساق الحسين عليه السلام مع أبناء مسلم؟ وهم أتباعه ، وتحت أمره ورأيه؟ بل كيف يتراجع ، وهو الذي عارض ناصحيه كما يقول الكاتب سابقاً؟ وهل يرتاب الحسين عليه السلام ويتزعزع عند أوّل مشكلة تواجهه؟ بينما هو خارج للشهادة ، ويدرك أنّ المصيبة جسيمة.

ولو أنّ الحسين عليه السلام كان من أُولئك الذين تغلبهم العصبية البغيضة ، لانتقم لمقتل أخيه الإمام الحسن عليه السلام ، خصوصاً مع ما حدث عند دفنه ، من منع عائشة وبني أُمية دفنه عند جدّه صلى اللّه عليه وآله ، وإثارة بني هاشم جميعاً ، لكنّه آثر الصبر.

افتراء نسب إلى الحسين عليه السلام أنّه قال : « أضع يدي في يد يزيد »؟

قال الكاتب : فانطلق الحسين يسير نحو طريق الشام نحو يزيد ، فلقيته الخيول بكربلاء بقيادة عمر بن سعد.

وقال : ولمّا رأى الحسين هذا الجيش العظيم ، علم أنّه لا طاقة له بهم ، وقال : « إنّي أُخيّركم بين أمرين : أن تدعوني أرجع ، أو تتركوني أذهب إلى يزيد في الشام » ، فقال له عمر بن سعد : أرسل إلى يزيد ، وأرسل أنا إلى عبيد اللّه ، فلم يرسل الحسين إلى يزيد.

والكاتب يعرض النصوص بشكل مخلّ ، وأمّا ما أورده الطبري في تاريخه في أحداث سنة 61 ه- ، عن حسان بن فائد بن بكر العبسي قال : أشهد أنّ كتاب عمر بن سعد جاء إلى عبيد اللّه بن زياد وأنا عنده ، فإذا فيه : بسم اللّه الرحمن الرحيم ، أمّا بعد : فإنّي حيث نزلت بالحسين بعثت إليه رسولي ، فسألته عمّا أقدمه؟ وماذا يطلب ويسأل؟ فقال : « كتب إليّ أهل هذه البلاد ، وأتتني رسلهم ، فسألوني القدوم ففعلت ، فأمّا إذ كرهوني ، فبدا لهم غير ما أتتني به رسلهم ، فأنا منصرف عنهم » ، فلمّا قرأ الكتاب على ابن زياد قال : الآن إذ علقت مخالبنا به ، يرجو النجاة لات حين مناص (1).

ص: 146


1- تاريخ الأُمم والملوك 4 / 311.

وروى الطبري : قال أبو مخنف : وأمّا ما حدّثنا به المجالد بن سعيد ، والصقعب بن زهير الأزدي ، وغيرهما من المحدّثين ، فهو ما عليه جماعة المحدّثين قالوا : إنّه قال : « اختاروا منّي خصالاً ثلاثاً : إمّا أن أرجع إلى المكان الذي أقبلت منه ، وإمّا أن أضع يدي في يد يزيد بن معاوية ، فيرى فيما بيني وبينه رأيه ، وإمّا أن تسيّروني إلى أيّ ثغر من ثغور المسلمين شئتم ، فأكون رجلاً من أهله لي ما لهم ، وعليّ ما عليهم ».

قال أبو مخنف : فأمّا عبد الرحمن بن جندب فحدّثني عن عقبة بن سمعان قال : صحبت حسيناً ، فخرجت معه من المدينة إلى مكّة ، ومن مكّة إلى العراق ، ولم أفارقه حتّى قُتل ، وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ، ولا بمكّة ، ولا في الطريق ، ولا في العراق ، ولا في عسكر إلى يوم مقتله ، إلاّ وقد سمعتها ، ألا واللّه ما أعطاهم ما يتذاكر الناس ، وما يزعمون من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية ، ولا أن يسيّروه إلى ثغر من ثغور المسلمين ، ولكنّه قال : « دعوني فلأذهب في هذه الأرض العريضة ، حتّى ننظر ما يصير من أمر الناس » (1).

فالطبري يروي الرواية التي تتحدّث عن الخيارات الثلاثة ، ثمّ يروي عن عقبة ابن سمعان - الذي عاصر الأحداث - إنكاراً واضحاً لما ذكر في الرواية السابقة ، أي ما تبنّاه كاتب المنشور ، وعرضه بشكل مخلّ.

هذا بالإضافة إلى شخصية الحسين عليه السلام وتربيته ، وما ورثه من أبيه عليه السلام ، لا تتناسب مع مثل هذا الموقف ، الذي يريد أن يصوّره الكاتب ، وكأنّ الحسين عليه السلام قد ندم على خروجه ، أو خاف هذه الجموع ، كيف وشجاعته واضحة في صفحات التاريخ؟ وهو الذي بشّره رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بهذا الموقف الإيماني العظيم ، وقد قرأت رسالة عمرة بنت عبد الرحمن قبل فقرات ، وردّ الحسين عليه السلام عليها.

ص: 147


1- المصدر السابق 4 / 313.

ولعلّ الحجّة الأبلغ على الكاتب المحرّف ، ما رواه إمامه ابن كثير في البداية والنهاية قال : « ولكن طلب منهم أحد أمرين : إمّا أن يرجع من حيث جاء ، وإمّا أن يدعوه يذهب في الأرض العريضة حتّى ينظر ما يصير أمر الناس إليه » (1).

بل إنّ الطبري ينقل عكس هذا الادعاء في تاريخه ، حيث ينقل رفض الحسين عليه السلام أن يضع يده بيد يزيد ، قال : فنادى - الحسين عليه السلام - : « يا شبث بن ربعي ، ويا حجّار بن أبجر ، ويا قيس بن الأشعث ، ويا يزيد بن الحارث ، ألم تكتبوا إليّ ... »؟ قالوا له : لم نفعل ، فقال : « سبحان اللّه ، بلى ... إذ كرهتموني دعوني انصرف عنكم ... » ، فقال له قيس : أولا تنزل على حكم ابن عمّك - أي يزيد - فإنّهم لن يروك إلاّ ما تحب ، ولن يصل إليك منهم مكروه ، فقال له الحسين : » ... لا واللّه ، لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ... » (2) ، ورواه أيضاً ابن كثير في تاريخه (3).

ويؤكّد ذلك ما نقله الذهبي في تاريخ الإسلام قول الحسين عليه السلام : « ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمل به ، وإلى الباطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء اللّه ، وإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة ، والحياة مع الظالمين إلاّ برماً » (4).

وهذه هي الحقيقة التي تتناسب مع شخصية سبط النبيّ صلى اللّه عليه وآله وابن علي عليه السلام ، الذي تربّى تحت بارقة ذو الفقار ، لا ما استنتجه الكاتب ، ليقلّل من شأن موقف الحسين عليه السلام ، ويرفع من قيمة يزيد حفيد آكلة الأكباد.

تحريف الكاتب لموقف الحرّ بن يزيد الرياحي!

قال الكاتب : « وكان قد انضم إلى الحسين من جيش الكوفة ثلاثون رجلاً ، على رأسهم الحرّ بن يزيد التميمي ، ولمّا عاب عليه قومه ذلك قال : واللّه إنّي أُخيّر نفسي بين الجنّة والنار ».

ص: 148


1- البداية والنهاية 8 / 190.
2- تاريخ الأُمم والملوك 4 / 323.
3- البداية والنهاية 8 / 194.
4- تاريخ الإسلام 5 / 12.

إنّها كذبة تضاف إلى غيرها! وجملة : « عاب عليه قومه ذلك » ، بعد انضمامه إلى معسكر الحسين عليه السلام ، فهو تحريف لعبارة ابن كثير في البداية والنهاية ، حيث قال : « فلامه بعض أصحابه على الذهاب إلى الحسين ... » (1) ، وكُلّ ناطق بالضاد يعرف بأنّ اللوم غير التعييب ، رغم أنّ ابن كثير نفسه قد اختصر النصّ اختصاراً مخلاً ، إذا ما قارناها بالعبارة التي نقلها ابن جرير الطبري : « فأخذ يدنو من حسين قليلاً قليلاً ، فقال له رجل من قومه - يقال له المهاجر بن أوس - : ما تريد يا ابن يزيد؟ أتريد أن تحمل؟ فسكت وأخذه مثل العرواء ، فقال له : يا ابن يزيد ، واللّه إنّ أمرك لمريب ، واللّه ما رأيت منك في موقف قط مثل شيء أراه الآن ، ولو قيل لي من أشجع أهل الكوفة رجلاً ما عدوتك ، فما هذا الذي أرى منك؟

قال : إنّي واللّه أُخيّر نفسي بين الجنّة والنار ، وواللّه لا أختار على الجنّة شيئاً ، ولو قطّعت وحرّقت ، ثمّ ضرب فرسه فلحق بالحسين » (2).

فنلاحظ أنّ ابن كثير بدأ بالتحريف ، ثمّ جاء الكاتب واستعمل التزييف!! وما فعلهما إلاّ من تأثير الهوى والتعصّب ، ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه.

افتراؤه بأنّ الحسين عليه السلام لم يمنع من الماء!

قال الكاتب : « وأمّا قصّة منع الماء ، وأنّه مات عطشاناً ، وغير ذلك من الزيادات التي إنّما تذكر لدغدغة المشاعر ، فلا يثبت منها شيء ».

لقد زاد هذا الكاتب في بغضه لأهل البيت عليهم السلام حبّه لقاتليهم ، على أسياده وأئمّته ، فاستعمل الكذب الصريح المخالف لقول إمامه ابن كثير!!

قال ابن كثير : « وهذه صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمّة هذا الشأن ، لا كما يزعمه أهل التشيّع من الكذب » (3) ، فما يقوله ابن كثير هنا - كما يزعم - خال عن الكذب ، وهو يردّ كذب هذا الكاتب!

ص: 149


1- البداية والنهاية 8 / 195.
2- تاريخ الأُمم والملوك 4 / 325.
3- البداية والنهاية 8 / 186.

ويقول عن عطش الإمام الحسين عليه السلام : « فردّ عليه ابن زياد : أن حل بينهم وبين الماء ، كما فعل بالتقي الزكي المظلوم أمير المؤمنين عثمان بن عفّان ... ، وجعل أصحاب عمر بن سعد يمنعون أصحاب الحسين الماء » (1) ، فالحديث عن منع الماء حديث أئمّة هذا الشأن - حسب قول ابن كثير - وليس حديث الشيعة كما زعم الكاتب!

وروى الطبري : « ولمّا اشتدّ على الحسين وأصحابه العطش ، دعا العباس بن علي بن أبي طالب أخاه ، فبعثه في ثلاثين فارساً ... واستقدم أمامهم باللواء نافع بن هلال الجملي ، فقال عمرو بن الحجّاج الزبيدي : من الرجل؟ ... فقال : جئنا نشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه ، قال : فاشرب هنيئاً ، قال : لا واللّه لا أشرب منه قطرة وحسين عطشان ... ، فقال : لا سبيل إلى سقي هؤلاء ، إنّما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء ... » (2).

وذكر - وهو يتحدّث عن الحرّ بن يزيد - : « ثمّ ضرب فرسه فلحق بالحسين ، فاعتذر إليه بما تقدّم ، ثمّ قال : يا أهل الكوفة لأُمّكم الهبل والعبر ، إذ دعوتموه حتّى أتاكم أسلمتموه ... وخلاتموه ونساءه واصيبيته وأصحابه عن ماء الفرات الجاري ، الذي يشربه اليهودي والمجوسي والنصراني ، وتمرّغ فيه خنازير السواد وكلابه ، وها هم قد صرعهم العطش » (3).

ما الذي يجنيه كاتب المنشور من نفي العطش عن الحسين عليه السلام؟

هل يريد تقليل التعاطف مع الحسين عليه السلام؟ ظانّاً بأنّ أصل هذا التعاطف هو مجرّد العطش؟ فإن نفاه نفى مظلومية الحسين عليه السلام؟ أم أنّه يريد أن يكون جندياً إعلامياً من جيش ابن سعد ، إن لم يسعفه الزمن أن يكون محارباً مع إمامه يزيد؟

ص: 150


1- المصدر السابق 8 / 189.
2- تاريخ الأُمم والملوك 4 / 311.
3- المصدر السابق 4 / 326.

فللمتّبع أن يدرك أنّ عطش الحسين عليه السلام من مسلّمات يوم الطفّ ، فقد روى ابن كثير : « وقد اشتدّ عطش الحسين ، فحاول أن يصل إلى أن يشرب من ماء الفرات فما قدر ، بل مانعوه عنه ، فخلص إلى شربة منه ، فرماه رجل يقال له حصين بن تميم في حنكه فأثبته ، فانتزعه الحسين من حنكه ففار الدم ، فتلقّاه بيديه ، ثمّ رفعهما إلى السماء وهما مملوءتان دماً ، ثمّ رمى به إلى السماء وقال : « اللّهم أحصهم عدداً ، واقتلهم بدداً ، ولا تذر على الأرض منهم أحداً » ، ودعا عليهم دعاءً بليغاً ، قال : فو اللّه إن مكث الرجل الرامي له إلاّ يسيراً ، حتّى صبّ اللّه عليه الظمأ ، فجعل لا يروى ويسقى الماء مبرداً ... (1).

وقد أنشد الحاكم النيسابوري في ذلك :

جاءوا برأسك يا بن بنت محمّد *** متزمّلاً بدمائه تزميلا

وكأن بك يا بن بنت محمّد *** قتلوا جهاراً عامدين رسولا

قتلوك عطشاناً ولم يتبروا *** في قتلك القرآن والتنزيلا

ويكبّرون بأن قتلت وإنّما *** قتلوا بك التكبير والتهليلا (2)

وروى ذلك ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق ، والمزّي في تهذيب الكمال وغيرهما.

فماذا بقي بعد ذلك من مصادر للتاريخ لم تذكر قصّة منع الماء وعطش الحسين عليه السلام؟ ليقول ذلك الكاتب في كذبته المفضوحة : إنّما تذكر لدغدغة المشاعر ، فلا يثبت منها شيء ، نعوذ باللّه من الخذلان والهوى!

ردّ إنكاره للكرامات التي ظهرت :

ص: 151


1- البداية والنهاية 8 / 203.
2- البداية والنهاية 6 / 261 و 8 / 216 ، تاريخ مدينة دمشق 16 / 181 ، تهذيب الكمال 6 / 448.

قال : « وأمّا ما روي من أنّ السماء صارت تمطر دماً ، أو أنّ الجدران كأن يكون عليها الدم ، أو ما يرفع حجر إلاّ ويوجد تحته دم ، أو ما يذبحون جزوراً إلاّ صار كُلّه دماً ، فهذه كُلّها أكاذيب تذكر لإثارة العواطف ، ليس لها أسانيد صحيحة ».

هنا نقول : ما أعجله؟ أم ما أجهله؟ فقد تعجّل الكاتب إرضاء لهواه ، بالجزم بأنّ هذه الروايات كُلّها ليست لها أسانيد صحيحة ، بينما رواها الثقات من أهل العلم عنده ، بل رواها ابن كثير على تعصّبه ، ولم يجزم بردّها عند الحديث عن دلائل النبوّة ، إذ قال : « إلى غير ذلك ممّا في بعضها نكارة ، وفي بعضها احتمال ، واللّه أعلم » (1).

فإذا نفى بعضها ابن كثير المتعصّب ، واحتمل صحّة بعضها ، فإنّ هذا قد تجاوزه في التعصّب أو النصب حتّى نفاها كُلّها ، وهذه المصادر السنّية لتلك الكرامات :

أ - ما روي من أنّ السماء صارت تمطر دماً :

روى الهيثمي عن أُمّ حكيم قالت : قتل الحسين وأنا يومئذ جويرية ، فمكثت السماء أيّاماً مثل العلقة ، رواه الطبراني ورجاله إلى أُمّ حكيم رجال الصحيح (2).

ب - ما روي من كسوف الشمس :

روي عن أبي قبيل قال : لمّا قُتل الحسين بن علي انكسفت الشمس كسفة حتّى بدت الكواكب نصف النهار ، حتّى ظنّنا أنّها هي - أي القيامة - رواه الطبراني ، وإسناده حسن (3).

ونقل ذلك أيضاً السيوطي في تاريخ الخلفاء ، وأرسله إرسال المسلّمات ، فقال : « ولمّا قُتل الحسين مكثت الدنيا سبعة أيّام ، والشمس على الحيطان

ص: 152


1- البداية والنهاية 6 / 259.
2- مجمع الزوائد 9 / 196.
3- المصدر السابق 9 / 197.

كالملاحف المعصفرة ، والكواكب يضرب بعضها بعضاً ، وكان قتله يوم عاشوراء ، وكسفت الشمس ذلك اليوم ، واحمرت آفاق السماء ستّة أشهر بعد قتله ، ثمّ لا زالت الحمرة ترى فيها بعد ذلك ، ولم تكن ترى فيها قبله » (1).

وروى الذهبي عن ابن سيرين : لم تبك السماء على أحد بعد يحيى عليه السلام إلاّ على الحسين (2) ، ونقل البيهقي في دلائل النبوّة إمطار السماء دماً (3).

وعلم بأنّ هذا لا يتعارض مع قوله صلى اللّه عليه وآله : « إنّ الشمس والقمر ... لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته » (4) ، حيث أنّ خسوف الشمس قد جاء نتيجة جرم البشر بقتل هذا السبط المطهّر عليه السلام ، لا مجرّد موت إنسان كما ينصّ الخبر ، وذلك مصداقاً لقوله تعالى : ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا ) (5).

وهذا هو الحال في جريمة قتل الحسين وأهل بيته عليهم السلام ، فبعد هذا كُلّه ، هل يصحّ كلام الكاتب؟

ج - الدم الذي ظهر على الجدر :

والطريف أنّه مذكور في رواية الطبري عن حصين بن عبد الرحمن ، وقد صرّح الكاتب بحسن سندها حينما استشهد بالرواية ، زاعماً طلب الحسين أن يضع يده في يد يزيد!!

قال الطبري : « قال حصين : فلمّا قتل الحسين لبثوا شهرين أو ثلاثة ، كأنّما تلطّخ الحوائط بالدماء ساعة تطلع الشمس حتّى ترتفع » (6) ، فهذه رغم أنّها صحيحة عنده لم يأخذ بها ، لأنّها لا تصبّ في صالحه!

ص: 153


1- تاريخ الخلفاء : 207.
2- سير أعلام النبلاء 3 / 312.
3- دلائل النبوّة 6 / 471.
4- الكافي 3 / 208.
5- الروم : 41.
6- تاريخ الأُمم والملوك 4 / 296.

د - وما رفع حجر إلاّ وجد تحته دم :

روى الهيثمي عن الزهري قال : قال لي عبد الملك : أيّ واحد أنت إن أعلمتني أيّ علامة كانت يوم قتل الحسين؟ فقال : قلت : لم ترفع حصاة بيت المقدس إلاّ وجد تحتها دم عبيط ، فقال لي عبد الملك : إنّي وإيّاك في هذا الحديث لقرينان ، رواه الطبراني ورجاله ثقات.

وعن الزهري قال : ما رفع حجر يوم قتل الحسين بن علي إلاّ عن دم ، رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح (1).

وروى ذلك الذهبي في سير أعلام النبلاء (2) ، والبيهقي في دلائل النبوّة (3) ، وغيرهم ، هذا ما رواه المخالف ، ومع ذلك ينكره ، فبأيّ حديث بعده يؤمن الكاتب؟

ه- - ذبحوا جزوراً فصار كُلّه دماً!

قال الهيثمي : « عن دويد الجعفي عن أبيه قال : لمّا قُتل الحسين انتهبت جزور من عسكره ، فلمّا طبخت إذا هي دم ، رواه الطبراني ورجاله ثقات » (4).

و - الفتن والحوادث الغريبة :

قال ابن كثير : « وأمّا ما روي من الأحاديث والفتن التي أصابت من قتله فأكثرها صحيح ، فإنّه قلّ من نجا من أُولئك الذين قتلوه من آفة وعاهة في الدنيا ، فلم يخرج منها حتّى أُصيب بمرض ، وأكثرهم أصابه الجنون » (5).

وقال ابن كثير : « وقد روى حماد بن سلمة عن عمّار بن أبي عمارة عن أُمّ سلمة ، أنّها سمعت الجنّ تنوح على الحسين بن علي ، وهذا صحيح » (6) ، وقال

ص: 154


1- مجمع الزوائد 9 / 196.
2- سير أعلام النبلاء 3 / 314.
3- دلائل النبوّة 6 / 741.
4- مجمع الزوائد 9 / 196.
5- البداية والنهاية 8 / 220.
6- المصدر السابق 6 / 259.

الهيثمي عن هذا الخبر : « رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح » (1) ، ترى! هل يظنّ هذا الكاتب أنّه لا يوجد أحد يكشف كذبه؟!

زعم الكاتب أنّه أعرف بمصلحة الإسلام من الحسين!!

قال : « لم يكن في خروج الحسين عليه السلام مصلحة لا في دين ولا دنيا ، ولذلك نهاه كثير من الصحابة وحاولوا منعه ، وهو قد همّ بالرجوع لولا أولاد مسلم » ، ولنترك ابن العماد الحنبلي ليردّ عليه :

يقول الحنبلي : « والعلماء مجمعون على تصويب قتال علي لمخالفيه ، لأنّه الإمام الحقّ ، ونقل الاتفاق أيضاً على تحسين خروج الحسين على يزيد » (2).

فتحسين خروجه مورد اتفاق العلماء ، والقول بعدم وجود مصلحة هو وقاحة وجرأة من الكاتب على مقام الحسين عليه السلام ، فالكاتب يرفع شعار الدفاع عن الصحابة ، ولكن النصب يقتضي أن يبرّر أعمال يزيد ومعاوية ، وهم ثمار الشجرة الملعونة في القرآن ، ويبلغ من جرأته أنّه يخطّئ الحسين المطهّر عليه السلام بنصّ القرآن ، وسيّد شباب أهل الجنّة بنصّ جدّه المصطفى صلى اللّه عليه وآله!!

كُلّ ذلك يفضّل أئمّته بني أُمية على أهل بيت النبوّة الطاهرين المطهّرين!!

قوله : أنّ خروج الحسين عليه السلام مفسدة.

قال الكاتب : « وكان في خروجه من الفساد ما لم يكن يحصل لو قعد في بلده ، ولكنّه أمر اللّه تبارك وتعالى ، وما قدّر اللّه كان ، ولو لم يشأ الناس».

الغريب أنّ الكاتب يقول بأنّه أمر اللّه ، ثمّ يلوم الحسين عليه السلام على الخروج ، فإن كان جبراً فلا ملامة على الحسين عليه السلام ، وإن كان مخيّراً - وهو كذلك - فإنّه أمر اللّه وقد أطاعه الحسين عليه السلام ، فماذا يقصد الكاتب؟ أم أنّه يهجر.

ثمّ العجيب من أمر هذا الكاتب وأضرابه ، يدعون تقديس الصحابة وعدالتهم ، ثمّ يتجرّأ على الإمام الحسين عليه السلام لخروجه على يزيد.

ص: 155


1- مجمع الزوائد 9 / 199.
2- شذرات الذهب 1 / 122.

نعم مع أهل البيت عليهم السلام يختل الميزان ، وتظهر جرأة النواصب ، وكأنّ أهل البيت ليسوا صحابة ، لقد جعلوا القرآن عضين ، يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض.

ما هي جريمة الحسين عليه السلام؟!

إنّ جريمة الحسين عليه السلام سيّد شباب أهل الجنّة ، أنّه رفض بيعة يزيد لأنّه سلطان غاصب جائر ، وقد جعل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أفضل الجهاد أن تعلن كلمة الحقّ أمامه وأمام أمثاله.

وقد أوحى اللّه تعالى لنبيه في حقّ الحسين عليه السلام : « وإنّي قاتل سبعين ألفاً بابن ابنتك » ، فجعل اللّه تعالى الانتقام من إراقة دمه الطاهر أشدّ من انتقامه عزّ وجلّ لقتل نبيّه يحيى عليه السلام ، وهذه لا ينالها إلاّ صاحب حقّ ، وإلاّ فهل يدّعي الكاتب أنّ المخطئ الذي كان في خروجه فساد عظيم يقارن بيحيى النبيّ عليه السلام؟

وقد ردّ الحسين عليه السلام على هذه الترهات قبل أن يتفوّه بها مبغضوه ، فقد نقل ابن كثير في تاريخه : وكتب إليه عمرو بن سعيد بن العاص نائب الحرمين : إنّي أسأل اللّه إن يلهمك رشدك ، وأن يصرفك عمّا يرديك ، بلغني أنّك قد عزمت على الشخوص إلى العراق ، وإنّي أُعيذك اللّه من الشقاق ، فإنّك إن كنت خائفاً فأقبل إليّ ، فلك عندي الأمان والبر والصلة.

فكتب إليه الحسين : « إن كنت أردت بكتابك برّي وصلتي فجزيت خيراً في الدنيا والآخرة ، وإنّه لم يشاقق من دعا إلى اللّه وعمل صالحاً ، وقال : إنّني من المسلمين » (1).

فكلام الإمام الحسين عليه السلام : « لم يشاقق من دعا إلى اللّه وعمل صالحاً ، وقال : إنّني من المسلمين » ، إنّما هو ردّ من الحسين الصحابي عليه السلام على كلام الكاتب ، فهل يقبل به؟ لا أظنّ.

ص: 156


1- البداية والنهاية 8 / 176.

ثمّ نسأل المنصفين : هل الفساد هو أن تجهر بصوتك لإحقاق الحقّ والدين؟ والوقوف بوجه الظلمة؟ أمّ أنّ الفساد هو مداهنة الظلمة؟ ومد يد الخنوع والخضوع ليزيد؟ فصوّروا بذلك الإسلام هو دين الضعف والذل أمام الجبابرة لا دين العزّة ، وذلك الضعف كان مقدّمة واقعة الحرّة بكُلّ فظاعتها؟!

فهل كان موقف الحسين عليه السلام عند الكاتب أسوء من موقف أُولئك الذين مدّوا ليزيد ليفعل ما يشاء؟ ألهذا لم نسمع نقداً صريحاً لأنصار يزيد طوال القرون الماضية؟

لا ، ولكنّه النصب والعداوة الذي يدفع البعض ليتجرّأ على أهل البيت عليهم السلام ، ويمدح الذين ركعوا أمام يزيد ، والمشتكى إلى اللّه ربّ العالمين.

البدعة ومراسم العزاء على الإمام الحسين عليه السلام.

قال : « لا يجوز لمن خاف اللّه إذا تذكّر قتل الحسين ومن معه ، أن يقوم بلطم الخدود ، وشقّ الجيوب والنوح وما شابه ذلك ، وما علم أنّ علي بن الحسين ، أو ابنه محمّد ، أو ابنه جعفر ، أو موسى بن جعفر ، ما عرف عنهم ولا عن غيرهم من أئمّة الهدى ، أنّهم لطموا أو شقّوا أو صاحوا ، فهؤلاء هم قدوتنا ... ».

لابدّ أن نقرّر بداية ، بأنّ العناوين العامّة في الشريعة الإسلامية - كإحياء أمر الدين ، وتوقير النبيّ صلى اللّه عليه وآله بين المسلمين - إنّما هي عناوين شرعية عامّة ، لا يناقش فيها مسلم ، لذلك ترى المسلمين قاطبة - إلاّ المتمسلفين - يدعون للاحتفال بالمولد النبوي الشريف ، ويوم الإسراء والمعراج وغيرها ، كمصاديق لإحياء أمر الدين.

ومن السيرة التي يراها كُلّ عاقل على مرّ القرون ، يجد بأنّ للعرف أن يحدّد الطريقة المناسبة لإحياء أمر الدين ، شريطة أن يصدق عليها توقير مقام النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وإن لم يردّ نصّ صريح بخصوص الكيفية.

ولولا ذلك لما جاز تغيير وتطوير أساليب الدعوة - كطباعة الكتب ، والتلفزيون والمذياع ، والندوات والمخيّمات ، والمدارس الدينية - التي لم تكن في

ص: 157

زمن الرسول صلى اللّه عليه وآله ، ولا زمن الطبقة الأُولى من المسلمين ، ولكن مع تطوّر الزمن تطوّر أُسلوب الدعوة.

وهذا ليس بممنوع ولا هو بدعة ، لأنّه أمر مندوب إليه بعنوانه العام ، وتحديد المصاديق موكول إلى العرف ، ما لم يدخل شيء منها في أحد عناوين المحرّمة.

وبناء على ذلك ، فإنّ من العناوين العامّة في الدين : إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام ، وتوقيرهم ومحبّتهم ، وإظهار الحزن لأحزانهم والفرح لأفراحهم ، فاللّه تعالى قد أمر بمودّة أهل البيت عليهم السلام ، فهل تتصوّر المودّة بالفرح بحزنهم؟ والحزن بفرحهم؟

والمآتم الحسينية إنّما هي مصداق من مصاديق تلك المودّة المفروضة ، وتلك المراسيم لم يرد فيها نهي ولا منع ، لذا فهي جائزة أصالة ، ويرجّح كفّة إقامتها لأنّها إحياء لأمر الدين ، وتتأكّد بورود روايات عن الأئمّة عليهم السلام في الحثّ عليها.

فإن منع الدين الحزن على المؤمن ، فلنمنع الحزن على الحسين عليه السلام ، وإن لم يجز لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله التأثّر الشديد بمقتل حمزة ، لم يجز لنا التأثّر بمقتل الحسين عليه السلام؟

كيف والحسين عليه السلام أعزّ عند اللّه ورسوله صلى اللّه عليه وآله من حمزة عليه السلام؟ كُلّ ذلك حكم العقل والبداهة ، فضلاً عن وجود الأدلّة الخاصّة التي تدلّ على فضل البكاء والنوح على سيّد الشهداء عليه السلام ، سنذكرها فيما يلي.

مشروعية البكاء على سيّد الشهداء عليه السلام.

قال الكاتب : وما يذكر عن فضل البكاء في عاشوراء غير صحيح ، إنّما النياحة واللطم أمر من أُمور الجاهلية التي نهى النبيّ صلى اللّه عليه وآله عنها ، وأمر باجتنابها ، وليس هذا منطق أموي حتّى يقف الشيعة منه موقف العداء ، بل هو منطق أهل البيت ، وهو مروي عنهم عند الشيعة ، كما هو مروي عنهم أيضاً عند أهل

ص: 158

السنّة ، فقد روى ابن بابويه القمّي في من لا يحضره الفقيه : أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : « النياحة من عمل الجاهلية » (1).

إنّ إشكال القوم على الشيعة ، فيما يخصّ مراسيم إحياء ذكرى سيّد الشهداء عليه السلام محصورة في النقاط التالية :

أ - منع البكاء على الميّت مطلقاً.

واستدلّوا على ذلك : « وإنّ الميّت يعذّب ببكاء أهله عليه » (2) ، وقد رواه ابن عمر ، ويرد عليه :

أوّلاً : لاشكّ ببطلان مثل هذا الادعاء ، خاصّة مع وضوح بكاء النبيّ يعقوب على ابنه يوسف عليهما السلام في قوله تعالى : ( وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ) (3).

ثانياً : إنّ عائشة لم تقبل بذلك ، وقد صرّحت بأنّ ابن عمر لم يحفظ الرواية بصورة صحيحة ، وأنّ قوله هذا مخالف لقوله تعالى : ( وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) (4) ، كما يروي ذلك البخاري في كتاب المغازي ، ومسلم في كتاب الجنائز.

ب - الإشكال على خصوص تكرار البكاء على الإمام الحسين عليه السلام ، وإعادة ذكر مصيبته في كُلّ سنة.

أوّلاً : يرد هذا الأمر بأنّ يعقوب عليه السلام قد أشكل عليه أبناؤه ، كما ينقل عنهم القرآن الكريم : ( قَالُواْ تَاللّه تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ) (5) ، فقوله ( تَفْتَأُ ) دليل على تكراره ذلك الأمر ، فحسب الشيعة فخراً أن تقتدي بأنبياء اللّه عليهم السلام حينما يبكون على أوليائه.

ص: 159


1- من لا يحضره الفقيه 4 / 376.
2- صحيح البخاري 2 / 85.
3- يوسف : 84.
4- فاطر : 18.
5- يوسف : 85.

ومكانة الحسين لا ينكرها إلاّ معاند ، فشأنه عند اللّه تعالى يتجلّى بما سبق ذكره من العلامات التي ظهرت في الكون ، وعبّرت عن الغضب الإلهي على قتلته عليه السلام ، وكذلك في الحديث الذي مرّ ذكره : من أنّ اللّه تعالى قد أوحى إلى نبيّه صلى اللّه عليه وآله ، بأنّه تعالى إذا كان قد انتقم لدم يحيى عليه السلام بقتل سبعين ألف ، فسوف ينتقم لدم الحسين عليه السلام بسبعين ألف وسبعين ألف.

ثانياً : وقد أجاب الإمام زين العابدين عليه السلام بما دلّ من القرآن على استمرار حزن يعقوب ، عند ردّه على من أشكل عليه باستمرار حزنه على أبيه ، كما أورده أبو نعيم الأصفهاني عن الحسين عليه السلام عن كثرة بكائه - أي بكاء زين العابدين عليه السلام - فقال : « لا تلوموني فإنّ يعقوب فقد سبطاً من ولده ، فبكى حتّى ابيضت عيناه ، ولم يعلم أنّه مات ، وقد نظرت إلى أربعة عشر رجلاً من أهل بيتي في غزاة واحدة ، أفترون حزنهم يذهب من قلبي »؟ (1).

وهذا الإشكال من السلفيين هو نفس الإشكال على إحياء ذكرى المولد النبوي من التكرار السنوي للذكرى ، فالأمر محبّب ، وهو مثل تكرار دراسة الفقه أو الحديث أو القرآن الكريم.

ج - النياحة :

وقد أورد نصّاً من كتب الشيعة يصف النياحة بأنّها من عمل الجاهلية ، ويرد عليه :

أوّلاً : إنّ هذه الرواية موجودة في مصادر السنّة قبل الشيعة ، ومع ذلك فإنّ من علماء السنّة من أجاز النياحة ، ولم يعتبر هذا النصّ مانعاً من جوازها ، وقد أقرّ ابن حجر بهذا الخلاف عند شرحه لعنوان الباب الذي وضعه البخاري في صحيحه : باب ما يكره من النياحة على الميّت :

« قال الزين بن المنير : ما موصولة ، ومن لبيان الجنس ، فالتقدير الذي يكره من جنس البكاء هو النياحة ، والمراد بالكراهة كراهة التحريم ، لما

ص: 160


1- حلية الأولياء 3 / 162.

تقدّم من الوعيد عليه انتهى ، ويحتمل أن تكون ما مصدرية ، ومن تبعيضية ، والتقدير كراهية بعض النياحة ، أشار إلى ذلك ابن المرابط وغيره ، ونقل ابن قدامة عن أحمد رواية : أنّ النياحة لا تحرم ، وفيه نظر ، وكأنّه أخذه من كونه صلى اللّه عليه وآله لم ينه عمّة جابر لمّا ناحت عليه ، فدلّ على أنّ النياحة إنّما تحرم إذا انضاف إليها فعل من ضرب خدّ ، أو شقّ جيب ، وفيه نظر ... » (1).

وكذلك بحث الأمر ابن القيم وذكر الخلاف في كتابه قائلاً : « وأمّا الندب والنياحة فنصّ أحمد على تحريمها ، قال في رواية حنبل : النياحة معصية ، وقال أصحاب الشافعي وغيرهم : النوح حرام ، وقال ابن عبد البر : أجمع العلماء على أنّ النياحة لا تجوز للرجال ولا للنساء.

وقال بعض المتأخّرين من أصحاب أحمد : يكره تنزيهاً ، وهذا لفظ أبي الخطّاب في الهداية قال : ويكره الندب والنياحة ، وخمش الوجوه ، وشقّ الجيوب والتحفي ، والصواب القول بالتحريم ....

وقال المبيحون لمجرّد الندب والنياحة مع كراهتهم له : روى حرب عن وائلة بن الأسقع وأبي وائل - وهما من الصحابة - أنّهما كانا يسمعان النوح ويسكتان.

قالوا : وفي الصحيحين عن أُمّ عطية قالت : لمّا نزلت هذه الآية : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ ... ) (2) كان منه النياحة ... ، ونهانا عن النياحة فقبضت منّا امرأة يدها فقالت : فلانة أسعدتني فأنا أُريد أن أجزيها ، قالت : فما قال لها شيئاً فذهبت فانطلقت ثمّ رجعت فبايعها.

قالوا : وهذا الإذن لبعضهن في فعله يدلّ على أنّ النهي عنه تنزيه لا تحريم ، ويتعيّن حمله على المجرّد من تلك المفاسد جمعاً بين الأدلّة » (3).

والقصد من إيراده أنّ بعض علماء السنّة قال بجواز النياحة مع وجود الروايات الناهية عندهم ، كرواية الناهية من عمل الجاهلية ، فما هو جوابكم عن

ص: 161


1- فتح الباري 3 / 129.
2- الممتحنة : 12.
3- عدّة الصابرين : 104.

هذا ، أفلا تسمح للفقه الشيعي أن يقول بالجواز مع ورود الرواية المذكورة في مصادره.

والعجب من ابن تيمية حينما يدافع عن يزيد يقول : « وفي الجملة ، فما يعرف في الإسلام أنّ المسلمين سبوا امرأة يعرفون أنّها هاشمية ، ولا سبي عيال الحسين عليه السلام ، بل لمّا دخلوا بيت يزيد قامت النياحة في بيته ، وأكرمهم وخيّرهم بين المقام عنده والذهاب إلى المدينة ، فاختاروا الرجوع إلى المدينة » (1).

فلاحظ أنّ ابن تيمية يمدح يزيداً على إقامته النياح على الحسين عليه السلام ، وهو قاتله!!

ثانياً : إنّ علماء الطائفة لم يخف عليهم أمر الرواية ، وكما كان لعلماء السنّة آراء واجتهادات لفهم النصّ ، كذلك كانت لعلمائنا ، فينبغي للعاقل أن يطّلع على آراء علماء الطائفة وموقفهم تجاه هذا النصّ الشريف.

ويكفي للقارئ ملاحظة ما ورد في كتاب العروة الوثقى ، وهو كتاب يحشد آراء مجموعة من ٹلماء الشيعة الفقهية في حقبة من الزمان ، حيث تجد في كتاب الطهارة تحت عنوان : مكروهات الدفن حديثاً مفصّلاً حول تلك الأُمور ، فيقول السيّد اليزدي :

« مسألة 1 : يجوز البكاء على الميّت ولو كان مع الصوت ، بل قد يكون راجحاً ، كما إذا كان مسكّناً للحزن وحرقة القلب ، بشرط أن لا يكون منافياً للرضا بقضاء اللّه ، ولا فرق بين الرحم وغيره ، بل قد مرّ استحباب البكاء على المؤمن ، بل يستفاد من بعض الأخبار جواز البكاء على الأليف الضال ، والخبر الذي ينقل من أنّ الميّت يعذّب ببكاء أهله ضعيف مناف لقوله تعالى : ( وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) .

وأمّا البكاء المشتمل على الجزع وعدم الصبر فجائز ، ما لم يكن مقروناً بعدم الرضا بقضاء اللّه ، نعم يوجب حبط الأجر ولا يبعد كراهته.

ص: 162


1- منهاج السنّة 4 / 559.

مسألة 2 : يجوز النوح على الميّت بالنظم والنثر ، ما لم يتضمّن الكذب ، ولم يكن مشتملاً على الويل والثبور ، لكن يكره في الليل ، ويجوز أخذ الأجرة عليه إذا لم يكن بالباطل ، لكن الأولى أن لا يشترط أوّلاً.

مسألة 3 : لا يجوز اللطم والخدش وجز الشعر ، بل والصراخ الخارج عن حد الاعتدال على الأحوط ، وكذا لا يجوز شقّ الثوب على غير الأب والأخ ، والأحوط تركه فيهما أيضاً » (1).

هذا علماً بأنّ هذه الفتاوى بكراهة الجزع أو النياحة ناظرة إلى غير مصاب سيّد الشهداء عليه السلام ، وأمّا مصابه أرواحنا له الفداء فقد وردت روايات خاصّة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام تجعله مصاباً مميّزاً عن غيره ، لا تشمله هاتيك الأحكام (2).

ثالثاً : روى الطوسي في أماليه عن المفيد ، عن ابن قولويه ، عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن عبد اللّه ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن أبي محمّد الأنصاري ، عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « كُلّ الجزع والبكاء مكروه ، سوى الجزع والبكاء على الحسين » (3).

والسند تام ، فكُلّ الرواة ثقات عدا أبو محمّد الأنصاري ، وقد قال عنه السيّد الخوئي في المعجم : « أبو محمّد الأنصاري ، هذا يعتد بقوله لقول محمّد ابن عبد الجبّار ، في رواية الكافي المتقدّمة : أنّه خير ... ، وأمّا قول نصر بن الصباح من أنّه مجهول لا يعرف فلا يعتنى به ، لأنّ نصر بن الصباح ضعيف » (4).

ورواه ابن قولويه في كامل الزيارات مثل الرواية السابقة عن أبيه عن سعد عن الجاموراني ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام سمعته يقول : « إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كُلّ ما جزع ، ما خلا البكاء على الحسين بن علي عليهما السلام فإنّه فيه مأجور » (5).

ص: 163


1- العروة الوثقى 1 / 447.
2- بحار الأنوار 44 / 280.
3- الأمالي للشيخ الطوسي : 162.
4- معجم رجال الحديث 23 / 42.
5- كامل الزيارات : 201.

فهذه الرواية صريحة في أنّ المكروه السابق لا يشمل الحزن على سيّد الشهداء الحسين عليه السلام.

هذا وقد أشبع الحديث عن ذلك العلاّمة في المنتهى ، حيث قال : « البكاء على الميّت جائز غير مكروه إجماعاً قبل خروج الروح وبعده إلاّ الشافعي ، فإنّه كرهه بعد الخروج ....

النياحة بالباطل محرّمة إجماعاً ، أمّا بالحقّ فجائزة إجماعاً ....

يحرم ضرب الخدود ونتف الشعر وشقّ الثوب ، إلاّ في موت الأب والأخ ، وقد سوّغ فيها شقّ الثوب للرجل ، وكذا يكره الدعاء بالويل والثبور » (1).

وقال الشهيد في الذكرى : « يحرم اللطم والخدش وجز الشعر إجماعاً ، قاله في المبسوط لما فيه من السخط لقضاء اللّه ... ، واستثنى الأصحاب إلاّ ابن إدريس شقّ الثوب على موت الأب والأخ ، لفعل العسكري على الهادي عليهما السلام ، وفعل الفاطميات على الحسين عليه السلام ....

وسئل الصادق عليه السلام عن أجر النائحة فقال : « لابأس قد نيح على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله » ، وفي خبر آخر عنه عليه السلام : « لابأس بكسب النائحة إذا قالت صدقاً » ....

وروى أبو حمزة عن الباقر عليه السلام : « مات ابن المغيرة ، فسألت أُمّ سلمة النبيّ صلى اللّه عليه وآله أن يأذن لها في المضي إلى مناحته فأذن لها ، وكان ابن عمّها - ثمّ رثته بأبيات - وفي تمام الحديث ، فما عاب عليها النبيّ صلى اللّه عليه وآله ذلك ولا قال شيئاً » ....

يجوز الوقف على النوائح لأنّه فعل مباح ، فجاز صرف المال إليه ، ولخبر يونس بن يعقوب عن الصادق عليه السلام قال : « قال لي أبي : يا جعفر ، قف من مالي كذا وكذا لنوادب تندبني عشر سنين بمنى أيّام منى » ، والمراد بذلك تنبيه الناس على فضائله ، وإظهارها ليقتدى بها » (2).

ص: 164


1- منتهى المطلب 1 / 467.
2- الذكرى : 72.

والشيخ في المبسوط وابن حمزة حرّما النوح ، وادعى الشيخ الإجماع ، والظاهر أنّهما أرادا النوح بالباطل ، أو المشتمل على المحرّم كما قيّده في النهاية ، وفي التهذيب جعل كسبها مكروهاً بعد روايته أحاديث النوح.

ثمّ أوّل الشهيد أحاديث المانع المروية من طرق المخالفين بالحمل على ما كان مشتملاً على الباطل أو المحرّم ، لأنّ نياحة الجاهلية كانت كذلك غالباً ، ثمّ قال : المراثي المنظومة جائزة عندنا ، وقد سمع الأئمّة عليهم السلام المراثي ولم ينكروها (1).

البكاء على الميّت مستحبّ عند أهل السنّة!

هذا وقد ورد في مصادر العامّة ما يدلّ على أنّ البكاء على الميّت سنّة سنّها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فقد روى إسحاق بن راهويه في مسنده قائلاً : « أخبرنا النضر ابن شميل أخبرنا محمّد بن عمرو ، حدّثني محمّد بن إبراهيم عن عائشة قالت : مر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حين انصرف على بني عبد الأشهل ، فإذا نسائهم يبكين على قتلاهم ، وكان استمر القتل فيهم يومئذ ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « لكن حمزة لا بواكي له ».

قال : فأمر سعد بن معاذ نساء بني ساعدة أن يبكين عند باب المسجد على حمزة ، فجعلت عائشة تبكي معهن ، فنام رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فاستيقظ عند المغرب ، فصلّى المغرب ثمّ نام ، ونحن نبكي فاستيقظ رسول اللّه لعشاء الآخرة ، فصلّى العشاء ثمّ نام ، ونحن نبكي فاستيقظ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ونحن نبكي ، فقال : « ألا أراهن يبكين حتّى الآن ، مروهن فليرجعن » ، ثمّ دعا لهن ولأزواجهن ولأولادهن » (2).

والرواية حسنة على الأقل لوثاقة الكُلّ ، إلاّ محمّد بن عمرو بن علقمة الليثي ، قال ابن حجر في التقريب : « صدوق له الأوهام » (3).

ص: 165


1- بحار الأنوار 79 / 107.
2- مسند ابن راهويه 2 / 599.
3- تقريب التهذيب 2 / 119.

وقال أحمد في مسنده : حدّثنا زيد بن الحباب ، حدّثني أُسامة بن زيد ، حدّثني نافع عن ابن عمر : أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لمّا رجع من أُحد ، فجعلت نساء الأنصار يبكين على من قُتل من أزواجهن ، قال : فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « ولكن حمزة لا بواكي له » ، قال : ثمّ نام فاستنبه وهن يبكين ، قال : « فهن اليوم إذاً يبكين يندبن بحمزة » (1).

وقد بيّن الحاكم في مستدركه الأمر الأخير بقوله : « وهو أشهر حديث بالمدينة ، فإنّ نساء المدينة لا يندبن موتاهن حتّى يندبن حمزة ، وإلى يومنا هذا » (2).

ولعلّك تلاحظ في هذه الرواية أنّها لا تدلّ على جواز البكاء على الميّت وندبه فحسب ، بل إنّها تدلّ على مشروعية تحويل البكاء إلى عادة مستمرة لقرون طويلة.

وقد ورد في المروي عن طريق أُسامة بن زيد الليثي زيادة تدلّ بظاهرها على نسخ الجواز ، وهي زيادة : « مروهن فليرجعن ولا يبكين على هالك بعد اليوم » (3).

قال الشوكاني : « ورجال إسناد حديث ابن عمر ثقات إلاّ أُسامة بن زيد الليثي ، ففيه مقال » (4).

ولك حتّى من لم يرفض هذه الزيادة من حيث السند ، فإنّه رفض كونها ناسخة ، كما صرّح بذلك ابن القيّم في كتابه عدّة الصابرين قال : « وأمّا دعوى النسخ في حديث حمزة فلا يصحّ ، إذ معناه لا يبكين على هالك بعد اليوم من قتلى أُحد ، ويدلّ على ذلك أنّ نصوص الإباحة أكثرها متأخّرة عن غزوة أُحد ، منها حديث أبي هريرة ، إذ إسلامه وصحبته كانا في السنة السابعة ،

ص: 166


1- مسند أحمد 2 / 40.
2- المستدرك 1 / 381.
3- مسند أحمد 2 / 84.
4- نيل الأوطار 4 / 253.

ومنها البكاء على جعفر وأصحابه ، وكان استشهادهم في السنة الثامنة ، ومنها البكاء على زينب ، وكان موتها في السنة الثامنة أيضاً ، ومنها البكاء على سعد بن معاذ ، وكان موته في الخامسة ، ومنها البكاء عند قبر أُمّه صلى اللّه عليه وآله ، وكان عام الفتح في السنة الثامنة » (1).

البكاء على الحسين سنّة سنّها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله :

فقد كان صلى اللّه عليه وآله أوّل من أخبر بواقعة شهادة الحسين عليه السلام ، وأوّل الباكين عليه عند ولادته عليه السلام.

روى ابن حبّان في صحيحه عن أنس بن مالك قال : « استأذن ملك القطر ربّه أن يزور النبيّ صلى اللّه عليه وآله فأذن له ، فكان في يوم أُمّ سلمة.

فقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « احفظي علينا الباب ، لا يدخل علينا أحد » ، فبينا هي على الباب إذ جاء الحسين بن علي فظفر فاقتحم ففتح الباب فدخل ، فجعل يتوثّب على ظهر النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وجعل النبيّ يتلثّمه ويقبّله ، فقال له الملك : أتحبّه؟ قال : « نعم » ، قال : أما إنّ أُمّتك ستقتله ، إن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه؟ قال : « نعم » ، فقبض قبضة من المكان الذي يقتل فيه فأراه إيّاه ، فجاءه بسهلة أو تراب أحمر ، فأخذته أُمّ سلمة فجعلته في ثوبها » (2).

وأمّا بكاؤه صلى اللّه عليه وآله عليه ، فقد روى أحمد في مسنده عن نجي عن أبيه أنّه سار مع علي عليه السلام - وكان صاحب مطهرته - فلمّا حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفّين ، فنادى علي : « اصبر أبا عبد اللّه ، اصبر أبا عبد اللّه بشط الفرات » ، قلت : وماذا؟

قال : « دخلت على النبيّ صلى اللّه عليه وآله ذات يوم ، وعيناه تفيضان؟ قلت : يا نبي اللّه أغضبك أحد ، ما شأن عينيك تفيضان؟ قال : بل قام من عندي جبرائيل قبل ، فحدّثني أنّ الحسين يقتل بشطّ الفرات ، قال : فقال : هل لك إلى أن أشمّك من

ص: 167


1- عدّة الصابرين : 104.
2- صحيح ابن حبّان 15 / 142.

تربته؟ قال : قلت : نعم ، فمدّ يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها ، فلم أملك عيني أن فاضتا » (1).

قال الهيثمي معلّقاً على الرواية : « رواه أحمد وأبو يعلى والبزّار والطبراني ، ورجاله ثقات ، ولم ينفرد نجي بهذا » (2).

وروى الطبراني عن أُمّ سلمة قالت : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله جالساً ذات يوم في بيتي فقال : « لا يدخل عليّ أحد « فانتظرت ، فدخل الحسين عليه السلام ، فسمعت نشيج رسول اللّه يبكي ، فاطلعت فإذا حسين في حجره ، والنبيّ صلى اللّه عليه وآله يمسح جبينه ، وهو يبكي ، فقلت : واللّه ما علمت حين دخل.

فقال : « إنّ جبرائيل كان معنا في البيت ، فقال : تحبّه؟ قلت : أمّا من الدنيا فنعم ، قال : إنّ أُمّتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء » ، فتناول جبرائيل عليه السلام من تربتها فأراها النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فلمّا أُحيط بحسين حين قتل ، قال : ما اسم هذه الأرض؟ قالوا : كربلاء ، قال : « صدق اللّه ورسوله أرض كرب وبلاء » (3).

قال الهيثمي معلّقاً على سند الرواية : « رواه الطبراني بأسانيد ، ورجال أحدها ثقات » (4).

وروى الحاكم عن أُمّ الفضل بنت الحارث ، أنّها دخلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فقالت : يا رسول اللّه إنّي رأيت حلماً منكراً الليلة ، قال : « ما هو »؟ قالت : إنّه شديد ، قال : « ما هو »؟ قالت : رأيت كأنّ قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « رأيت خيراً ، تلد فاطمة إن شاء اللّه غلاماً ، فيكون في حجرك » ، فولدت فاطمة عليها السلام الحسين عليه السلام فكان في حجري ، كما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

ص: 168


1- مسند أحمد 1 / 85.
2- مجمع الزوائد 9 / 187.
3- المعجم الكبير 3 / 108.
4- مجمع الزوائد 9 / 189.

فدخلت يوماً إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فوضعته في حجره ، ثمّ حانت منّي التفاته ، فإذا عينا رسول اللّه تهريقان من الدموع ، قالت : فقلت : يا نبي اللّه بأبي وأُمّي ما لك؟ قال : « أتاني جبرائيل فأخبرني أنّ أُمّتي ستقتل ابني هذا ، فقلت : هذا؟ فقال : نعم ، وأتاني بتربة من تربته حمراء » (1).

هذه روايات صريحة في أنّ البكاء على الحسين هي سنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، والشيعة يتّبعون سنّته صلى اللّه عليه وآله في البكاء على سيّد الشهداء الحسين عليه السلام.

أعداء أهل البيت يصومون يوم عاشوراء فرحاً!

قال : « ممّا ورد من روايات في فضل صيام هذا اليوم من روايات الشيعة ، ما رواه الطوسي في الاستبصار ، وما لا أُطيق أفهم تجاهل علماء الشيعة للروايات الواضحة في بيان فضل صيام عاشوراء ... ».

لم يكن لصوم يوم العاشر من المحرّم صدى كما نسمعه اليوم ، ولا تركيز من قبل النواصب كما يفعلون اليوم ، فهل يريدون بذلك أن يغطّوا على شناعة فعل يزيد في ذلك اليوم ، دفاعاً عن بني أُمية.

أمّا عند الشيعة فقد اختلفت آراء فقهاء الشيعة ، تبعاً لاختلاف الروايات وتعارضها في مسألة صوم عاشوراء.

إذ يبدو أنّ القدماء منهم قد حكموا باستحباب صوم يوم العاشر ، إن كان على وجه الحزن ، وحمل الشهيد الثاني معنى الصوم على الامتناع عن المفطّرات إلى العصر ، لا على المعنى الشرعي للصوم ، فهو يرد القول باستحباب الصوم الشرعي ، إذ يقول : « لأنّ صومه متروك ، كما وردت به الرواية » (2).

وحكم المحقّق البحراني - من المتأخّرين - بالحرمة ، ويفهم من السيّد الطباطبائي في الرياض الاستحباب العام ، لا بالعنوان الخاصّ المؤكّد عليه

ص: 169


1- المستدرك 3 / 176.
2- مسالك الأفهام 2 / 78.

بالشريعة ، ويؤيّد صاحب الجواهر رأي القدماء ، نعم ظاهر السيّد الخوئي في كتابه المستند ترجيح الاستحباب الخاصّ.

فالقول بأنّ علماء الشيعة تجاهلوا الروايات الدالّة على فضل صيام عاشوراء ، يكشف عن جهل الكاتب الشديد ، بل هو توغّل في الجهالة.

إذاً ، فصوم عاشوراء إمّا أن يكون بالعنوان العام ، أو بالعنوان الخاصّ ، وكلاهما له مؤيّد ومعارض ، نعم هم يتّفقون على حرمة صوم العاشر بعنوان التبرّك ، واعتباره يوم فرح ، كما ظاهر بعض النصوص الواردة في مصادر السنّة ، وظاهر صيام بعضهم ، فذاك موطن التشنيع من قبل الشيعة ورفضهم.

ولعلّ القارئ المنصف يفهم ذلك عندما يقرأ ما صرّح به ابن تيمية في مجموعة الفتاوى : « فعارض هؤلاء قوم إمّا من النواصب المتعصّبين على الحسين وأهل بيته ، وإمّا من الجهّال ... » (1).

وقال : « فوضعوا الآثار في شعائر الفرح والسرور يوم عاشوراء ، كالاكتحال والاختضاب ، وتوسيع النفقات على العيال ، وطبخ الأطعمة الخارجة عن العادة ونحو ذلك ، ممّا يفعل في الأعياد والمواسم ، فصار هؤلاء يتّخذون يوم عاشوراء موسماً كمواسم الأعياد والأفراح » (2).

وقال : « وكذلك حديث عاشوراء ، والذي صحّ في فضله هو صومه ، وأنّه يكفّر سنة ، وأنّ اللّه نجّى فيه موسى من الغرق ، وقد بسطنا الكلام عليه في موضع آخر ، وبيّنا أنّ كُلّ ما يفعل فيه سوى الصوم بدعة مكروهة لم يستحبّها أحد من الأئمّة مثل الاكتحال والخضاب ، وطبخ الحبوب ، وأكل لحم الأضحية ، والتوسيع في النفقة وغير ذلك ، وأصل هذا من ابتداع قتلة الحسين ونحوهم » (3).

ص: 170


1- مجموع الفتاوى 25 / 309.
2- الفتاوى الكبرى 2 / 300.
3- منهاج السنّة 8 / 151.

وقد أقرّ ابن كثير في تاريخه ، بأنّ يوم عاشوراء يتّخذ يوم سرور عند النواصب من أهل الشام ، فقال : « وقد عاكس الرافضة والشيعة يوم عاشوراء النواصب من أهل الشام ، فكانوا إلى يوم عاشوراء يطبخون الحبوب ، ويغتسلون ويتطيّبون ويلبسون أفخر ثيابهم ، ويتّخذون ذلك اليوم عيداً ، يصنعون فيه أنواع الأطعمة ، ويظهرون السرور والفرح » (1).

وقال العيني : « اتفق العلماء على أنّ صوم يوم عاشوراء سنّة وليس بواجب » (2).

نعم ، اختلق أعداء أهل البيت عليهم السلام أحاديث في استحباب التوسعة على العيال يوم عاشوراء ، والاغتسال والخضاب والاكتحال.

قال ابن الجوزي : « قد تمذهب قوم من الجهّال بمذهب أهل السنّة ، فقصدوا غيظ الرافضة ، فوضعوا أحاديث في فضل عاشوراء ، ونحن براء من الفريقين ، وقد صحّ أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أمر بصوم عاشوراء ، إذ قال : « إنّه كفّارة سنة » ، فلم يقنعوا بذلك حتّى أطالوا وأعرضوا ، وترقّوا في الكذب » (3).

إذاً ، فمورد الخلاف في الحقيقة يتوجّه إلى ما صدر بعنوان السرور والفرح ، والزينة يوم عاشوراء ، وما زالت تجد بقاياه إلى يومنا هذا!! فاعتراضنا على من وضعوا الأحاديث التي تتّخذ يوم عاشوراء يوم فرح! منها ما عدّه ابن الجوزي في الموضوعات عن عبد اللّه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « من وسّع على أهله يوم عاشوراء ، وسّع اللّه عليه سائر سنته » (4).

وكذلك روى ابن الجوزي عن ابن عباس قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبداً » (5).

ص: 171


1- البداية والنهاية 8 / 220.
2- عمدة القارئ 11 / 167.
3- الموضوعات 2 / 199.
4- المصدر السابق 2 / 203.
5- نفس المصدر السابق.

فنكرّر ونقول : إنّ اعتراض الشيعة على هذه الأُمور لا على مجرّد الصيام ، ويبدو من النصوص أنّ من ناقش مستحبّات ذلك اليوم قد ربط ذكرها بالصيام ، فغدا الصوم علامة على فرح ذلك اليوم ، ممّا جعل الصيام شعاراً للفرحين مع الأيّام إضافة للاكتحال والزينة ، ولبس الحلي والتوسعة على العيال وغيرها ، ولذا ينبغي للصائم في هذا اليوم ، أن يكون صومه حزناً ، ولا يفرح كما فرح أعداء الحسين وقاتلوه.

محاولة الكاتب تبرئة يزيد من قتل الحسين عليه السلام!

أ- نقل المؤرّخون رسالة يزيد بن معاوية إلى الوليد بن عتبة والي المدينة : « أمّا بعد ، فخذ حسيناً وعبد اللّه بن عمر وابن الزبير بالبيعة ، أخذاً شديداً ليست فيه رخصة ، حتّى يبايعوا والسلام » (1).

ب - ذكر في عهد يزيد إلى عبيد اللّه الأمر بقتل مسلم بن عقيل : ثمّ دعا مسلم بن عمرو الباهلي وكان عنده ، فبعثه إلى عبيد اللّه بعهده إلى البصرة ، وكتب إليه معه : أمّا بعد ، فإنّه كتب إليّ شيعتي من أهل الكوفة ، يخبرونني أنّ ابن عقيل بالكوفة ، يجمع الجموع لشقّ عصا المسلمين ، فسر حين تقرأ كتابي هذا حتّى تأتي أهل الكوفة ، فتطلب ابن عقيل كطلب الخرزة حتّى تثقفه فتوثقه ، أو تقتله أو تنفيه والسلام (2).

ت - وعن جعفر بن سليمان الضبعي قال : قال الحسين بن علي : « واللّه لا يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فإذا فعلوا سلّط اللّه عليهم من يذلّهم ، حتّى يكونوا أذلّ من فرم الأمة » (3).

ث - قول يزيد لزينب عليها السلام مؤكّداً لنظرته في استحقاق الإمام عليه السلام للقتل ، لأنّه خارجي خرج من الدين : إنّما خرج من الدين أبوك وأخوك ، فقالت زينب : « بدين اللّه ودين أبي ودين أخي وجدّي اهتديت أنت وأبوك وجدّك » (4).

ص: 172


1- تاريخ الأُمم والملوك 4 / 250 ، البداية والنهاية 8 / 157 ، الإمامة والسياسة 1 / 225.
2- تاريخ الأُمم والملوك 4 / 265.
3- تاريخ مدينة دمشق 14 / 216 ، تاريخ الأُمم والملوك 4 / 296 ، البداية والنهاية 8 / 183.
4- تاريخ مدينة دمشق 69 / 177 ، تاريخ الأُمم والملوك 4 / 353 ، البداية والنهاية 8 / 212.

ج - وجاء كتاب : بأن سرّح الأُسارى إليّ ، قال : فدعا عبيد اللّه بن زياد محفز بن ثعلبة ، وشمر بن ذي الجوشن ، فقال : انطلقوا بالثقل والرأس إلى أمير المؤمنين يزيد بن معاوية ، قال : فخرجوا حتّى قدموا على يزيد ، فقام محفز بن ثعلبة ، فنادى بأعلى صوته : جئنا رأس أحمق الناس وألامهم ، فقال يزيد : ما ولدت أُمّ محفز ألام وأحمق ، ولكنّه قاطع ظالم ، قال : فلمّا نظر يزيد إلى رأس الحسين قال :

يفلقن هاما من رجال أعزّة *** علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما (1)

ح - رأي الذهبي في يزيد : « وكان ناصبياً فظّاً غليظاً جلفاً ، يتناول المسكر ، ويفعل المنكر ، افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين ، واختتمها بواقعة الحرّة ، فمقته الناس » (2).

خ - قال السيوطي : « فقُتل وجيء برأسه في طست حتّى وضع بين يدي ابن زياد ، لعن اللّه قاتله ، وابن زياد معه ويزيد أيضاً » (3).

فما هو وجه اللعن من السيوطي ليزيد ، إذا لم يكن له يد في قتله عليه السلام؟

د - قال ابن كثير : « وقد أخطأ يزيد خطأً فاحشاً في قوله لمسلم بن عقبة ، أن يبيح المدينة ثلاثة أيّام ، وهذا خطأ كبير فاحش ، مع ما انضم إلى ذلك من قتل خلق من الصحابة وأبنائهم ، وقد تقدّم أنّه قتل الحسين وأصحابه على يدي عبيد اللّه بن زياد ، وقد وقع في هذه الثلاثة أيّام من المفاسد العظيمة في المدينة النبوية ما لا يحدّ ولا يوصف » (4).

ذ - قال الذهبي : « ولمّا فعل يزيد بأهل المدينة ما فعل ، وقتل الحسين واخوته وآله ، وشرب يزيد الخمر ، وارتكب أشياء منكرة بغضه الناس ، وخرج عليه غير واحد ، ولم يبارك اللّه في عمره » (5).

ص: 173


1- تاريخ الأُمم والملوك 4 / 354.
2- سير أعلام النبلاء 4 / 36.
3- تاريخ الخلفاء : 207.
4- البداية والنهاية 8 / 243.
5- تاريخ الإسلام 5 / 30.

وسؤالنا هو : أليست هذه أقوال علماء السنّة؟ أم لا يوجد عالم سنّي إلاّ ابن تيمية؟!

ندم يزيد المزعوم :

قال : « ولما بلغ يزيد قتل الحسين أظهر التوجّع على ذلك ، وظهر البكاء في داره ... ».

نعم ، قد بالغ يزيد في الندم حتّى صار بعد هذا البكاء المزعوم ، ينكت الرأس الشريف بقضيب بيده ، ثمّ يترنّم بأشعار جاهلية - كما سيأتي نقلاً عن تاريخ ابن كثير - ثمّ أدّعى أمام الجميع ، وبمواجهة العقيلة زينب بنت أمير المؤمنين عليه السلام : أنّ بإمكانه أن يهدي ابنة الحسين عليه السلام جارية إلى أحد الحضور.

فإن كان ندم فهو ، لما قاله السيوطي في تاريخه : « ولمّا قُتل الحسين وبنو أبيه ، بعث ابن زياد برؤوسهم إلى يزيد ، فسُرّ بقتلهم أوّلاً ، ثمّ ندم لما مقته المسلمون على ذلك ، وأبغضه الناس ، وحقّ لهم أن يبغضوه » (1).

فأنت ترى أيّها القارئ أنّ ندمه سياسي للعواقب السيّئة التي ترتّبت على جريمته ، لا لأنّه يرى قتل الحسين عليه السلام جريمة في نفسها.

ادعاؤه بأنّ يزيد لم يسب لهم حريماً ، بل أكرم أهل بيته وأجازهم ، حتّى ردّهم إلى بلادهم.

وتتجلّى مظاهر التكريم من يزيد لأهل بيت الحسين عليه السلام ، الذي يدّعيه الكاتب فيما نقله ابن كثير في تاريخه : « فلمّا دخلت الرؤوس والنساء على يزيد ، دعا أشراف الشام فأجلسهم حوله ، ثمّ دعا بعلي بن الحسين وصبيان الحسين ونسائه ، فأدخلن عليه والناس ينظرون ، فقال لعلي بن الحسين : يا علي أبوك قطع رحمي ، وجهل حقّي ، ونازعني سلطاني ، فصنع اللّه به ما قد رأيت ، فقال علي : ( مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي

ص: 174


1- تاريخ الخلفاء : 208.

كِتَابٍ ) (1) ، فقال يزيد لابنه خالد : أجبه ، قال : فما درى خالد ما يردّ عليه ، فقال له يزيد : ( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ) (2) ، فسكت عنه ساعة » (3).

وذكر في نفس الصفحة عن فاطمة بنت علي قالت : إنّ رجلاً من أهل الشام أحمر قام إلى يزيد فقال : يا أمير المؤمنين هب لي هذه - يعنيني - وكنت جارية وضيئة ، فارتعدت فزعة من قوله ، وظننت أنّ ذلك جائز لهم ، فأخذت بثياب أختي زينب - وكانت أكبر منّي وأعقل ، وكانت تعلم أنّ ذلك لا يجوز - فقالت لذلك الرجل : « كذبت واللّه ولؤمت ، وما ذلك لك وله » ، فغضب يزيد فقال لها : كذبت ، واللّه إنّ ذلك لي ، ولو شئت أن أفعله لفعلت.

قالت : « كلاّ واللّه ، ما جعل اللّه ذلك لك ، إلاّ أن تخرج من ملّتنا ، وتدين بغير ديننا » ، قالت : فغضب يزيد واستطار ، ثمّ قال : إيّاي تستقبلين بهذا؟ إنّما خرج من الدين أبوك وأخوك ، فقالت زينب : « بدين اللّه ودين أبي ودين أخي وجدّي اهتديت أنت وأبوك وجدّك » ، قال : كذبت يا عدوّة اللّه.

قالت : « أنت أمير المؤمنين مسلّط تشتم ظالماً تقهر بسلطانك » ، قالت : فو اللّه كأنّه استحى فسكت ، ثمّ قام ذلك الرجل فقال : يا أمير المؤمنين هب لي هذه ، فقال له يزيد : أعزب وهب اللّه لك حتفاً قاضياً.

وذُكر أيضاً : لمّا وضع رأس الحسين بين يدي يزيد بن معاوية ، جعل ينكت بقضيب كان في يده في ثغره ، ثمّ قال : إنّ هذا وإيّانا كما قال الحصين بن الحمام المري :

يفلقن هاما من رجال أعزّة *** علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

ص: 175


1- الحديد : 22.
2- الشورى : 30.
3- البداية والنهاية 8 / 211.

فقال له أبو برزة الأسلمي : أما واللّه لقد أخذ قضيبك هذا مأخذاً ، لقد رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يرشفه (1).

ونحن نظنّ بأنّ كاتب المنشور لو كان متواجداً في ذاك المجلس لقال لأبي برزة : دع عنك هذا ، فإنّ يزيداً يكرمه بهذا.

مستند غريب لتبرئة يزيد :

قال : إنّ بني هاشم وبني أُمية أبناء عمومة ، وذلك إنّ هاشم بن عبد مناف والد بني هاشم ، وبني عبد شمس بن عبد مناف والد بني أُمية إخوان ، فالحسين ويزيد أبناء عمومة.

إنّ أوّل ما يتبادر إلى ذهن العاقل هذا التساؤل : ماذا يريد الكاتب من هذا الكلام؟ أيقول بأنّ أبناء العمومة يجوز لهم أن يقتلوا بعضهم؟ ولا حقّ لكم في التدخّل؟ أم أنّه يقول : بأنّ أبناء العمومة لا يقتلون بعضهم؟

وعلى كلا الفرضين ، فإنّ هذا الكلام نابع وبوضوح من نفس تؤمن بالعصبية والقبلية أيما إيمان ، وبغض النظر عن ذلك ، فإنّنا قد رأينا في تاريخ حكّام المسلمين : أنّ الأخ لا يمانع في قتل أخاه في سبيل المُلك ، فكيف بقرابة العمومة؟!

وهل يريد أن يقول أيضاً : أنّ المعلومات الواردة عن المعارك بين رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وعتاة بني أُمية - كأبي سفيان - غير صحيحة ، لأنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وأبا سفيان أبناء عمومة؟!

نعم ، هناك قرابة وتكنّها قرابة سوء كان يبغضها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فقد روى الحاكم عن أبي برزة الأسلمي قال : كان أبغض الأحياء إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بنو أُمية وبنو حنيفة وثقيف ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (2).

ص: 176


1- المصدر السابق 8 / 209.
2- المستدرك 4 / 480.

ورواه الطبراني في المعجم الكبير بإضافة قول عمران بن حصين : اكتم عليّ حتّى أموت (1).

وربما كانت هذه العداوة لاصطفاء اللّه تعالى بني هاشم دونهم ، كما يذكر ذلك مسلم في صحيحه عن واثلة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « إنّ اللّه اصطفى كنانة من ولد إسماعيل ، واصطفى قريشاً من كنانة ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم » (2) ، فكم حسدت الناس بني هاشم؟

مكان دفن رأس الحسين عليه السلام :

قال : « لم يثبت أنّ رأس الحسين أُرسل إلى يزيد بالشام ، بل الصحيح أنّ الحسين قتل في كربلاء ، ورأسه أُخذ إلى عبيد اللّه بن زياد في الكوفة ».

هذا رأي الكاتب الذي ينتقي من كتب التاريخ ويختار منها ما يوافق هواه ، أمّا ابن كثير فيختلف رأيه عن رأي الكاتب ، إذ يقول : « وقد اختلف العلماء بعدها في رأس الحسين ، هل سيّره ابن زياد إلى الشام إلى يزيد أم لا؟ على قولين : الأظهر منهما أنّه سيّره إليه ، وقد ورد في ذلك آثار كثيرة ، فاللّه أعلم » (3).

وقال أيضاً : « وأمّا رأس الحسين ، فالمشهور عند أهل التاريخ وأهل السير : أنّه بعث به ابن زياد إلى يزيد بن معاوية ، ومن الناس من أنكر ذلك ، وعندي أنّ الأوّل أشهر ، فاللّه أعلم » (4).

ثمّ نقل أخباراً ، منها : ما رواه عن القاسم بن بخيت قال : ولمّا وضع رأس الحسين بين يدي يزيد قال : أما واللّه لو أنّي صاحبك ما قتلتك ، ثمّ أنشد قول الحصين بن الحمام المري الشاعر :

يفلقن هاما من رجال أعزّة *** علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

ص: 177


1- المعجم الكبير 18 / 230.
2- صحيح مسلم 7 / 58.
3- البداية والنهاية 8 / 209.
4- المصدر السابق 8 / 222.

وذكر أيضاً : « ثمّ أمر برأس الحسين فنصب بالكوفة ، وطيف به في أزقّتها ، ثمّ سيّره مع زحر بن قيس ، ومعه رؤوس أصحابه إلى يزيد بن معاوية بالشام ، وكان مع زحر جماعة من الفرسان ، منهم : أبو بردة بن عوف الأزدي ، وطارق بن أبي ظبيان الأزدي ، فخرجوا حتّى قدموا بالرؤوس كُلّها على يزيد بن معاوية بالشام » (1).

ونقل عن مجاهد قال : لمّا جيء برأس الحسين ، فوضع بين يدي يزيد ، تمثّل بهذه الأبيات :

ليت أشياخي ببدر شهدوا *** جزع الخزرج في وقع الأسل

فأهلّوا واستهلوا فرحاً *** ثمّ قالوا لي هنياً لا تسل

حين حكت بفناء بركها *** واستحر القتل في عبد الأسل

قد قتلنا الضعف من أشرافكم *** وعدلنا ميل بدر فاعتدل (2)

وقد صرّح السيوطي بإرسال الرأس إلى يزيد فقال : « ولمّا قُتل الحسين وبنو أبيه ، بعث ابن زياد برؤوسهم إلى يزيد » (3).

تشكيك الكاتب في مكان قبر الحسين عليه السلام :

قال : « ولا يعلم قبر الحسين ، ولا يعلم مكان رأسه ... ».

ولعلّ آخر ما في كنانة هذا الكاتب جهالته وزعمه أنّ قبر الإمام الحسين عليه السلام مجهول!! فأُنظر إلى ما يقوله ابن كثير : « وأمّا قبر الحسين فقد اشتهر عند كثير من المتأخّرين أنّه في مشهد علي بمكان من الطف عند نهر كربلاء ، فيقال : إنّ ذلك المشهد مبني على قبره ... ، وذكر هشام بن الكلبي : أنّ الماء لمّا أُجرى على قبر الحسين ليمحي أثره ، نضب الماء بعد أربعين يوماً ، فجاء أعرابي من بني أسد ،

ص: 178


1- المصدر السابق 8 / 208.
2- المصدر السابق 8 / 209.
3- تاريخ الخلفاء : 208.

فجعل يأخذ قبضة قبضة ويشمها ، حتّى وقع على قبر الحسين فبكى ، وقال : بأبي أنت وأُمّي ما كان أطيبك وأطيب تربتك ، ثمّ أنشأ يقول :

أرادوا ليخفوا قبره عن عدوّه *** فطيب تراب القبر دلّ على القبر (1)

وممّا يدلّ على بقاء محلّه معروفاً ، ما ينقله ابن كثير : « ثمّ دخلت سنة ستّ وثلاثين ومائتين ، فيها أمر المتوكّل بهدم قبر الحسين بن علي بن أبي طالب ، وما حوله من المنازل والدور » (2).

نقل ذلك الذهبي في سير أعلام النبلاء معلّقاً : « وكان المتوكّل فيه نصب وانحراف » (3).

وذكر ذلك السيوطي في تاريخه (4) ، ثمّ قال : « ذكر أنّ الخليفة المنتصر باللّه ، الذي كان راغباً في الخير ، قليل الظلم ، محسناً إلى العلويين ، وصولاً لهم ، أزال عن آل أبي طالب ما كانوا فيه من الخوف والمحنة ، بمنعهم من زيارة قبر الحسين ، وردّ على آل الحسين فدك » (5).

بل كان القبر معروفاً إلى عام 553 ه- ، قال ابن كثير : « ثمّ دخلت سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة ... ، وفيها خرج المقتفي نحو الأنبار متصيّداً ، وعبر الفرات ، وزار قبر الحسين » (6).

وختام الكلام : نحن - كشيعة - نعلم يقيناً بأنّ من أهل السنّة من يحبّ أهل البيت عليهم السلام ، فأهل البيت ليسوا حكراً على الشيعة ، فقد أمر اللّه بمودّتهم المسلمين جميعاً ، بل هناك من النصارى من يحبّهم ، وقد تأثّر بهم ، وكتب عنهم!

ص: 179


1- البداية والنهاية 8 / 221.
2- المصدر السابق 10 / 347.
3- سير أعلام النبلاء 12 / 35.
4- تاريخ الخلفاء : 347.
5- المصدر السابق : 356.
6- البداية والنهاية 12 / 296.

ونحن نعلم : أنّ هذه الفئة القليلة المتمسلفة فئة شاذّة أموية ، لا تمثّل أيّاً من المذاهب السنّية ، وأنّهم مهما ادعوا مودّة أهل البيت النبوي عليهم السلام ، فهم يبغضونهم ، ويفضّلون عليهم من ظلمهم وقتلهم!! ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (1).

نرجو أن نكون قد وفّقنا في تحصيل رضى اللّه تعالى ، ورضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في الدفاع عن العترة الطاهرة ، خاصّة فلذة كبده الإمام الحسين عليه السلام ، جعلنا اللّه من ناصريه ، وإن حال بيننا الزمن.

( .... - سنّي - .... )

منع جيش الحسين من الماء :

س : إلى مركز الأبحاث العقائدية : أرجو أن يكون الاستدلال عن طريق كتب أهل السنّة.

هل قصّة منع الماء صحيحة؟ وأنّ الحسين مات عطشاناً ، ولاشكّ أنّها قصّة محزنة مؤلمة ، وخاب وخسر من شارك في قتل الحسين ومن معه ، وباء بغضب من ربّه.

ج : القصّة صحيحة ، وقد ذكرها علماء السنّة في كتبهم ، نذكر بعضهم :

1 - قال ابن حبّان : « فلمّا بلغ الحسين بن علي الخبر بمصاب الناس بمسلم بن عقيل ، خرج بنفسه يريد الكوفة ، وأخرج عبيد اللّه بن زياد عمر بن سعد إليه ، فقاتله بكربلاء قتالاً شديداً حتّى قُتل عطشاناً ، وذلك يوم عاشوراء » (2).

2 - قال ابن حجر الهيتمي : « ولولا ما كادوه به من أنّهم حالوا بينه وبين الماء لم يقدروا عليه ، إذ هو الشجاع القرم الذي لا يزول ولا يتحوّل ، ولمّا منعوه

ص: 180


1- الشعراء : 226.
2- الثقات 2 / 309.

وأصحابه الماء ثلاثاً ، قال له بعضهم : أُنظر إليه كأنّه كبد السماء ، لا تذوق منه قطرة حتّى تموت عطشاً » (1).

3 - قال ابن كثير : « وقد اشتدّ عطش الحسين ، فحاول أن يصل إلى أن يشرب من ماء الفرات فما قدر ، بل مانعوه عنه » (2).

وقال : « وهذه صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمّة هذا الشأن لا كما يزعمه أهل التشيّع من الكذب » (3).

4 - قال ابن الأثير : « وحالوا بين الحسين وبين الماء ، وذلك قبل قتل الحسين بثلاثة أيّام ، ونادى عبد اللّه بن أبي الحصين الأزدي ، وعداده في بجلية : يا حسين أما تنظر إلى الماء كأنّه كبد السماء ، واللّه لا تذوق منه قطرة حتّى تموت عطشاً » (4).

وقد ذكر في مقدّمة كتابه أنّه يعتمد على المصادر الموثوقة.

5 - نفس كلام الكامل ذكره الطبري في تاريخه ، فارجع إليه (5).

6 - قال ابن الدمشقي الشافعي : « واشتدّ العطش بالحسين ، فحاول أن يصل إلى الفرات فمانعوه دونه ، فخلص إلى شربة من الماء ، فلمّا هوى إليها رماه حصين بن نمير بسهم في حنكه فأثبته فيه ... » (6).

7 - وارجع أيضاً إلى تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ترجمة الإمام الحسين عليه السلام.

8 - قال أبو الفداء : « واشتدّ بالحسين العطش ، فتقدّم ليشرب ، فرمي بسهم فوقع في فمه » (7).

ص: 181


1- الصواعق المحرقة 2 / 576.
2- البداية والنهاية 8 / 203.
3- المصدر السابق 8 / 186.
4- الكامل في التاريخ 4 / 53.
5- تاريخ الأُمم والملوك 4 / 312.
6- جواهر المطالب 2 / 288.
7- المختصر في أخبار البشر 1 / 265.

9 - قال القندوزي الحنفي : « فمنعهم جيش عمر بن سعد ، فحمل عليهم العباس ، فقتل رجالاً من الأعداء حتّى كشفهم عن المشرعة ، ودفعهم عنها ، ونزل فملأ القربة ، وأخذ غرفة من الماء ليشرب ، فذكر عطش الحسين وأهل بيته ، فنفض الماء من يده ... » (1).

وارجع إلى كتاب سبل الهدى والرشاد ، ومقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي وغيرها ، لترى الواقعة ثابتة بما لا يقبل أدنى شكّ (2).

ويكفي شهادة ابن كثير المتعصّب الذي لا يخفى حاله على أحد ، لكن أبت المكابرة أن تفارق أهلها.

( ... - ... - ..... )

تقدّم كربلاء بالخلق بمعنى التقدير :

س : رأيت هذه الرواية يتداولها أهل السنّة ، وأحببت معرفة مدى صحّتها؟

عن أبي جعفر قال : « خلق اللّه تبارك وتعالى أرض كربلاء قبل أن يخلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عاماً ... ، ولا تزال كذلك حتّى يجعلها اللّه أفضل أرض في الجنّة ، وأفضل منزل ومسكن يسكن اللّه فيه أوليائه في الجنّة » (3).

ج : لاشكّ ولا ريب أنّ قُدسية كربلاء لم تكن لأجل أرض كربلاء ، بل لأجل من دُفن فيها ، فقد دُفن فيها أقدس إنسان في زمانه ، سيّد شباب أهل الجنّة ، الإمام الحسين عليه السلام ، الذي ضحّى بكُلّ شيء حتّى نفسه المقدّسة في سبيل اللّه تعالى ، ومن أجل الدين والعقيدة ، من أجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، من أجل إحقاق الحقّ وإبطال الباطل.

ص: 182


1- ينابيع المودّة 3 / 67.
2- سبل الهدى والرشاد 11 / 79 ، مقتل الحسين للخوارزمي 2 / 42.
3- كامل الزيارات : 450.

وليس معنى أنّ كربلاء مقدّسة إنكار كون بيت اللّه الحرام مقدّس ، فالبيت مقدّس باعتباره يرمز إلى توحيد اللّه تعالى ، ونبذ الشيطان ، وهكذا كربلاء ، فإنّها ترمز إلى التضحية من أجل بقاء التوحيد الصحيح ، ونكران شياطين الإنس المتمثّلة بالطواغيت والظلمة ، والغاصبين للحقوق اللّه تعالى والناس.

ولو تنزّلنا وقلنا : إنّ قُدسية كربلاء لم تكن من قُدسية الإمام الحسين عليه السلام ، مع ذلك فإنّ لها قُدسية خاصّة ، تفوق قُدسية الحرم الشريف ، وذلك بجعل من اللّه تعالى لها ، كما جعل المسح في الوضوء على ظاهر القدم ، مع أنّ باطنه أحقّ بالمسح من ظاهره ، وكما جعل الموقف خارج الحرم ، ولو كان في الحرم كان أفضل لأجل الحرم ، ولكن اللّه صنع ذلك في غير الحرم.

ثمّ إنّ من أشهر معاني الخلق في الآيات والأخبار هو التقدير ، ومنه قوله تعالى : ( فَتَبَارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) (1) ، فيكون تقدّم أرض كربلاء بالخلق بمعنى التقدير ، وتقدّم الكعبة بالخلق بمعنى الإيجاد.

ولعل المراد بالقبلية القبلية بالشرف ، وبالأعوام ، والدرجات.

( عبد اللّه - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

فضل كربلاء

س : لماذا سمّيت الحسينيات بحسينيّات؟ ولم تسم مثلاً بمحمّديات أو عليّات؟ مع أنّ النبيّ أفضل من الحسين؟ ولماذا حازت كربلاء فضلاً لم تحزه باقي الأراضي كالنجف والبقيع؟

ولماذا أصبحت مصيبة الحسين من أشدّ المصائب؟ ففقد الرسول صلى اللّه عليه وآله ألا يعد من أشدّ المصائب؟

ج : بالنسبة إلى السؤال الأوّل نقول :

ص: 183


1- المؤمنون : 14.

سمّيت بالحسينيّات نسبة إلى ما يقام فيها من مجالس الحزن والعزاء على الإمام الحسين عليه السلام ، هذه المجالس التي أهتمّ بإحيائها أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، وحثّوا شيعتهم على إحيائها وإظهار الحزن والبكاء فيها على مصيبة الإمام الحسين عليه السلام ، باعتبار أنّ مأساته لا مثيل لها ، ومصيبته من أعظم المصائب ، كما يظهر من قول الإمام الحسن عليه السلام : « لا يوم كيومك يا أبا عبد اللّه » (1).

وبالنسبة إلى السؤال الثاني نقول :

حازت ذلك باعتبارها صارت محلاًّ لدفن جثمان الإمام الحسين عليه السلام ، والشهداء من أهل بيته وأصحابه ، الذين بذلوا مهجهم في سبيل اللّه تعالى ، وأبلوا بلاءً حسناً من أجل الدين والعقيدة ، حتّى قُتلوا بتلك القتلة البشعة ، فكبرت ظلامتهم ومصيبتهم.

وهناك بعض الروايات جاءت بهذا المضمون ، منها :

1 - قال الإمام علي بن الحسين عليهما السلام : « اتخذ اللّه أرض كربلاء حرماً آمنا مباركاً قبل أن يخلق اللّه أرض الكعبة ، ويتخذها حرماً بأربعة وعشرين ألف عام ، وأنّه إذا زلزل اللّه تبارك وتعالى الأرض وسيّرها رفعت كما هي بتربتها نورانية صافية ، فجعلت في أفضل روضة من رياض الجنّة ، وأفضل مسكن في الجنّة لا يسكنها إلاّ الأنبياء والمرسلون ، وأنّها لتزهر بين رياض الجنّة كما يزهر الكوكب الدري بين الكواكب لأهل الأرض ، يغشي نورها أبصار أهل الجنّة جميعاً ، وهي تنادي : أنا أرض اللّه المقدّسة الطيّبة المباركة ، التي تضمّنت سيّد الشهداء وسيّد شباب أهل الجنّة » (2).

2 - قال الإمام الباقر عليه السلام : « الغاضرية هي البقعة التي كلّم اللّه فيها موسى ابن عمران عليه السلام ، وناجى نوحاً فيها ، وهي أكرم أرض اللّه عليه ، ولولا ذلك ما استودع اللّه فيها أولياءه وأبناء نبيّه ، فزوروا قبورنا بالغاضرية » (3).

ص: 184


1- الأمالي للشيخ الصدوق : 177.
2- كامل الزيارات : 451.
3- المصدر السابق : 452.

3 - قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « يقبر ابني بأرض يقال لها : كربلاء ، هي البقعة التي كانت فيها قبّة الإسلام التي نجّا اللّه عليها المؤمنين ، الذين آمنوا مع نوح في الطوفان » (1).

وبالنسبة إلى السؤال الثالث نقول :

إنّما صارت مصيبة الإمام الحسين عليه السلام من أشدّ المصائب ، لعظم ما جرى فيها من المأساة والظلامات التي لم تجر على أحد من الأئمّة عليهم السلام ، بل لم ير مثلها في التاريخ.

ص: 185


1- نفس المصدر السابق.

ص: 186

اللعن :

اشارة

( علي - أمريكا - 27 سنة - طالب )

جواز لعن بعض الصحابة :

س : ما هو حكم سبّ الخلفاء الراشدين؟ وإذا كانت الإجابة بالنهي ، إذاً قصّة فاطمة الزهراء عليها السلام مع الخليفة الأوّل من حرق باب البيت وغيرها ، هي قصّة غير مؤكّدة.

ج : نقول في الجواب : إنّ الصحابة ينقسمون إلى قسمين :

1 - قسم منهم توفّوا في زمن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فالشيعة وباقي المسلمين يحترمونهم.

2 - قسم منهم توفّوا بعد وفاة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وهؤلاء على قسمين :

الأوّل : منهم من عمل بوصية النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فالشيعة وباقي المسلمين يحترمونهم.

الثاني : منهم من لم يعمل بوصية النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، التي أوصى بها في عدّة مواطن ، فالشيعة وكُلّ منصف لا يحترمهم.

وأمّا بالنسبة إلى السبّ ، فالسبّ غير اللعن ، لأنّ اللّه تعالى قد لعن في القرآن الكريم في عدّة مواطن منها : قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ) (1).

ص: 187


1- الأحزاب : 57.

ومع الجمع بين هذه الآية وما روي - في مصادر أهل السنّة - عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها ، ويغضبني ما أغضبها » (1).

وما روي أيضاً - في صحيح البخاري وغيره - من أنّ فاطمة عليها السلام ماتت وهي واجدة - أي غاضبة - على أبي بكر (2) ، يتبيّن الجواب عن سؤالكم.

وأمّا قصّة فاطمة الزهراء عليها السلام مع الخليفة الأوّل من حرق باب بيتها ، فيمكنك مراجعة المصادر الآتية للتحقّق من صحّة هذه الواقعة : المصنّف لابن أبي شيبة ، تاريخ الطبري ، العقد الفريد ، المختصر في أخبار البشر ، وغيرها من المصادر (3).

( أبو محسن - الكويت - .... )

من لعنهم اللّه ورسوله :

س : نشكركم على جهودكم العظيمة ، ما مدى صحّة لعن الصحابة ، وهل هي جائزة؟ ولماذا؟

ج : نحن لا نعمل شيئاً ولا نفعله إلاّ على طبق ما ورد في القرآن الكريم ، أو السنّة الشريفة.

فنحن لا نلعن أحداً من الصحابة إلاّ من لعنه اللّه تعالى في كتابه العزيز ، أو لعنه الرسول العظيم صلى اللّه عليه وآله ، وأهل بيته الميامين عليهم السلام في السنّة الشريفة.

فقد لعن اللّه تعالى المنافقين والمنافقات في كتابه الكريم بقوله : ( وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللّهِ ظَنَّ السَّوْءِ

ص: 188


1- الآحاد والمثاني 5 / 362 ، المعجم الكبير 22 / 405 ، تاريخ مدينة دمشق 3 / 156.
2- صحيح البخاري 5 / 82 ، مسند أحمد 1 / 9 ، صحيح مسلم 5 / 154 ، السنن الكبرى للبيهقي 6 / 300 ، صحيح ابن حبّان 11 / 153 و 14 / 573 ، مسند الشاميين 4 / 198 ، الطبقات الكبرى 2 / 315 ، سبل الهدى والرشاد 12 / 369.
3- الإمامة والسياسة 1 / 30 ، المختصر في أخبار البشر 1 / 219 ، العقد الفريد 5 / 13 ، تاريخ الأُمم والملوك 2 / 443 ، السقيفة : 52 ، شرح نهج البلاغة 2 / 56 و 6 / 48 ، الملل والنحل 1 / 57 ، المصنّف لابن أبي شيبة 8 / 572 ، كنز العمّال 5 / 651.

عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا ) (1).

وعليه ، فحقّ لنا أن نلعن كُلّ من ثبت بالأدلّة القطعية نفاقه وفسقه.

كما لعن اللّه تعالى أيضاً الذين في قلوبهم مرض بقوله : ( رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ... أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ) (2).

ولعن أيضاً الظالمين بقوله : ( أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) (3).

فنحن أيضاً نلعن كُلّ من ظلم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأهل بيته عليهم السلام ، وبالأخص ابنته المظلومة المغصوب حقّها فاطمة الزهراء عليها السلام.

ولعن أيضاً كُلّ من آذى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بقوله : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ) (4).

ولاشكّ ولا ريب أنّ المتخلّف عن جيش أُسامة متخلّف عن طاعة رسول اللّه ، والتخلّف عن طاعة رسول اللّه يوجب أذى رسول اللّه ، وأذيّة رسول اللّه توجب اللعنة بصريح الآية.

ومن المجمع والمسلّم عليه بين الكُلّ : أنّ بعض الصحابة قد تخلّف عن جيش أُسامة فاستحقّ اللعنة.

كما لاشكّ ولا ريب أنّ أذيّة فاطمة الزهراء عليها السلام توجب أذيّة رسول اللّه لقوله صلى اللّه عليه وآله : « فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها ، ويغضبني ما أغضبها » (5).

وقد نقل ابن أبي الحديد والجوهري : « أنّ فاطمة ماتت وهي غضبى على قوم ، فنحن غضاب لغضبها » (6).

ص: 189


1- الفتح : 6.
2- محمّد : 20 - 23.
3- هود : 18.
4- الأحزاب : 57.
5- الآحاد والمثاني 5 / 362 ، المعجم الكبير 22 / 405 ، تاريخ مدينة دمشق 3 / 156.
6- شرح نهج البلاغة 6 / 49 و 16 232 ، السقيفة : 75 و 118.

هذا كُلّه بالنسبة إلى من لعنهم المولى تعالى في كتابه الكريم ، وهناك أصناف أُخر لعنهم في كتابه فراجع.

وأمّا بالنسبة إلى من لعنهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فقد لعن كُلّ من تخلّف عن جيش أُسامة (1).

ولعن أيضاً معاوية وأباه وأخاه بقوله صلى اللّه عليه وآله : « اللّهم العن القائد والسائق والراكب » ، فالراكب هو أبو سفيان ، ومعاوية وأخوه أحدهما قائد والآخر سائق (2).

ولعن صلى اللّه عليه وآله عمرو بن العاص بقوله : « اللّهم إنّ عمرو بن العاص هجاني ، وقد علم أنّي لست بشاعر ، فالعنه واهجه عدد ما هجاني » (3).

كما أنّه صلى اللّه عليه وآله لعن آخرين ، ومن هنا جاز لنا أن نلعن من لعنه النبيّ صلى اللّه عليه وآله.

ثمّ على فرض عدم جواز لعن بعض الصحابة ، فلماذا بعض الصحابة والتابعين لعنوا بعض أكابر الصحابة؟ من قبيل معاوية ابن أبي سفيان ، فإنّه لعن أمير المؤمنين علي عليه السلام مدّة أربعين سنة من على المنابر ، مع أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قال في علي عليه السلام : « من سبّ علياً فقد سبّني » (4).

وقال صلى اللّه عليه وآله أيضاً : « من أحبّ علياً فقد أحبّني ، ومن أبغض علياً فقد أبغضني ، ومن آذى علياً فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى اللّه عزّ وجلّ » (5).

ص: 190


1- الملل والنحل 1 / 23 ، شرح نهج البلاغة 6 / 52 ، السقيفة : 77.
2- وقعة صفّين : 220.
3- الجامع لأحكام القرآن 2 / 188 ، كنز العمّال 13 / 548 ، تاريخ مدينة دمشق 46 / 118 ، لسان العرب 15 / 353.
4- مسند أحمد 6 / 323 ، ذخائر العقبى : 66 ، المستدرك 3 / 121 ، مجمع الزوائد 9 / 130 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 133 ، خصائص أمير المؤمنين : 99 ، نظم درر السمطين : 105 ، الجامع الصغير 2 / 608 ، كنز العمّال 11 / 573 و 602 ، فيض القدير 6 / 190 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 132 و 30 / 179 و 42 / 266 و 533 ، البداية والنهاية 7 / 391 ، المناقب : 137 و 149 ، جواهر المطالب 1 / 65 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 250.
5- ذخائر العقبى : 65 ، الجوهرة : 66.

كما بالغ مروان بن الحكم في سبّ الإمام علي عليه السلام ولعنه ، وانتقاصه حتّى امتنع الإمام الحسن عليه السلام عن الحضور في الجامع النبوي (1).

وأخيراً أنّ للشيعة على لعن بعض الصحابة أدلّة قاطعة.

( أحمد الخاجة - البحرين - 15 سنة - طالب ثانوية )

دعاء صنمي قريش :

س : ما هو دعاء صنمي قريش؟ الذي تتحدّث عنه بعض الكتب التي صدرت للتشهير بمذهب أهل البيت؟ والذي يحتوي على سبّ ولعن للشيخين وابنتيهما ، وإقرار بأنّهما حرّفا القرآن؟ هل تعتقدون بثبوته؟ وهل صحيح ما يقولونه بعض الأعلام ، فإنّه قد صدّق هذا الدعاء وأقرّه؟

ج : نودّ إعلامكم بأنّ هذا الدعاء قد ذكر في بعض المجامع الروائية ، وكتب الدعاء القديمة ، وقبوله وعدمه مبني على قواعد درائية وأُصول حديثية مختلف فيها عند العلماء سنداً ، كما ولهم في شرحه وبيان معانيه رسائل ، وتحليلات خاصّة قد ذكرت في محلّها ، وما ذكرته من تصديق الأعلام لهذا الدعاء ، لا نعرف له مستنداً ولا شاهداً ، مع بحثنا عن ذلك في مضانّه.

ولا تنسى أنّ أعداء الشيعة يترصّدون كُلّ صغيرة وكبيرة ، ويتوسّلون بكُلّ ذريعة للكيد بالمذهب والتنقيص به ، وليس هذا بجديدٍ منهم.

( إيمان - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة )

المقصود من لعن بني أُمية قاطبة :

س : ورد في زيارة الإمام الحسين عليه السلام لعن بني أُمية قاطبة ، فهل يعني أنّ اللعنة تشمل جيلهم إلى يومنا هذا؟ وربما أنّ فيهم من تشيّع وليس له يد فيما حصل.

ص: 191


1- تطهير الجنان واللسان : 163.

ج : ينبغي الالتفات إلى أنّ اللعن يشتمل على معنيين ، أحدهما : البراءة من ذلك الملعون ، ومن ثمّ عمله ، والثاني : الدعاء والطلب من اللّه تعالى إبعاده عن رحمته ورضاه.

ومقتضى الأوّل - وهو البراءة من الملعون ومن عمله - يقتضي تشخيص تلك الجهة ومعرفتها ، والإشارة إلى ذلك العمل المتبرأ منه ، كُلّ ذلك يعني الدافع الذي حثّ عليه أهل البيت عليهم السلام إلى التأكيد على لعن أعدائهم ، وهذه قضية جديرة بالاهتمام والتمعّن.

من هنا أمكننا تشخيص الجهة والأفراد الذين يشملهم اللعن ، ومقتضى ذلك أن يكون كُلّ فردٍ قد سلك بسلوك أعدائهم ، أو رضي بفعل أُولئك الذين قتلوا وغصبوا ، وأسّسوا أساس الظلم والجور والعدوان.

لذا فإنّنا نعني في اللعن لبني أُمية قاطبة ، أي من تسبّب في قتل أئمّة آل البيت عليهم السلام ، ومن رضي بفعلهم ، ألا تجدين اليوم من يبرّر فعل بني أُمية؟ ويلتزم فكرتهم في غصب حقوق آل البيت عليهم السلام وقتلهم؟ أي أنّه لا يزال يتربّص لأن يفعل ما فعل آباؤه من الظلم والعدوان.

نعم إنّنا لا نقصد من كان على خير وهدى منهم ، أمثال سعد بن عبد الملك الأموي ، الذي كان ملازماً للإمام الباقر عليه السلام ، فكان يسمّيه سعد الخير لجلالته وعلوّ شأنه ، مع أنّه أحد بني أُمية ، ممّا يعني أنّنا بلعننا لهؤلاء لا نقصد من كان على هدى وخير ، وهذا واضح جلي.

( محمّد - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

لا ينافي التقريب :

س : كيف نقرّب بين المذاهب الإسلامية ، وأهل المذاهب الأُخرى يبغضوننا؟ لأنّنا نسبّ ونشتم ونلعن عمر بن الخطّاب وغيره من الصحابة؟ ألا يحتاج ذلك منّا إلى وقفة لتدارس هذا الأمر والنهي عنه؟

ص: 192

ج : في الجواب نشير إلى بعض المطالب باختصار :

1 - الاختلاف بين الشيعة والسنّة حقيقة ثابتة لا يمكن أن ينكرها أحد ، وأنّ التجاهل بهذا الاختلاف ظاهراً ليس هو إلاّ تصنّع لا تحمد عواقبه.

ولكن المهمّ هو أن نعرف كيف نتعامل مع هذا الاختلاف ، والطرح الذي نؤكّد عليه باستمرار هو الحوار الهادئ الأخوي ، واستمرارية هذا الحوار ، مع التأكيد على أُسس الحوار الموضوعي ، فإن توصّل المتحاورون إلى نتيجة فهو المطلوب ، وإلاّ فلا يفسد الاختلاف للودّ قضية.

2 - اللعن غير الشتم فلا نخلط بينهما ، إذ اللعن حقيقة ثابتة في القرآن والسنّة ، لأنّ اللعن هو الدعاء على أشخاص أن يطردهم اللّه من رحمته ، بينما السبّ والشتم قد نهى عنه النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، والأئمّة عليهم السلام.

فإذا عرفنا هذا ، علينا أن نعرف حقيقة اللعن أوّلاً ، ثمّ نبحث عن مَن يستحق لهذا اللعن.

هذا ، ونوصيكم بالبحث أكثر والتعمّق في المسائل ، لئلاّ نقع في أخطاء لا تحمد عواقبها بسبب جهل بعض الأُمور.

( ... - ... - سنّي )

السبّ مرفوض في ديننا دون اللعن :

س : كيف تشتمون وتلعنون معاوية؟ بدلاً من أن تسبّوا شارون أو بوش تلعنون الصحابة؟ احذروا إذا كان معاوية قد أخطأ في حكمه ، أو أي شيء ، فحسابه على اللّه تعالى ، فكيف توقدون شعلة قد انتهت وانقرضت من زمان؟ وشكراً.

ج : السبّ والشتم والكلام البذيء مرفوض في ديننا دون اللعن ، فإنّه حقيقة ثابتة في القرآن الكريم والسنّة الصحيحة ، ويكفيك مراجعة المعجم المفهرس لألفاظ القرآن في مادّة « لعن » ، لتقف بنفسك على موارد اللعن في القرآن.

ص: 193

لا يقال : هذا اللعن مختصّ باللّه تعالى ، لأنّ الآية تقول : ( أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ) (1).

وهنا حقيقة أُخرى علينا أن نبحثها بحثاً موضوعياً ، وهي هل جميع الصحابة عدول؟ إن قلنا : نعم ، فما هو الدليل؟ هل الدليل لأنّهم معصومون؟ كلاّ ، لم يقول أحد بعصمتهم.

وهل الدليل الآيات القرآنية الواردة في مدح الصحابة؟ أيضاً هذه الآيات لم تدلّ على أنّ جميعهم عدول ، ولا توجد ولا آية واحدة صريحة في عدالتهم جميعاً.

هل الدليل الحديث المشهور : « أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم »؟ وأيضاً فهذا الحديث حكم بوضعه وضعفه وعدم قابليته للحجّية أكثر علماء الجرح والتعديل من أهل السنّة (2).

فإذاً الصحابة ليسوا جميعاً عدول ، وعليه فحالهم حال غيرهم في إجراء قواعد الجرح والتعديل عليهم.

فلا حاجة لنا بأن نخلق المبرّرات لمعاوية بأنّه أخطأ ، وما إلى ذلك من الخزعبلات ، التي ليس وراءها إلاّ إيجاد المبرّرات لأخطاء وقع فيها زعماء الأُمّة العربية ، وهذه المبرّرات هي التي ساقتنا إلى ما نحن عليه اليوم ، حيث الكثير منّا يبحث عن مبرّرات لزعمائه الخونة ، الذين هم في الحقيقة شاركوا شارون في طغيانه وعدوانه على الفلسطينيين ، فلو كنّا من اليوم الأوّل وقفنا أمام الظالمين ولعناهم ، وأعلنا براءتنا من معاوية لما قام به من الظلم والعدوان ، لما وصل بنا الحال إلى ما نحن عليه ، ولكن كُلّ ما كان منّا هو خلق المبرّرات ، وهذه تعاستنا.

ص: 194


1- البقرة : 159.
2- أُنظر : تحفة الأحوذي 10 / 155 ، لسان الميزان 2 / 137.

( باحث عن الحقيقة - .... - سنّي )

البحث فيه يستلزم التجرّد عن كُلّ موروث :

س : إنّكم تجيزون السبّ واللعن للشيخين وابنتيهما.

ج : على كُلّ باحث عن الحقيقة أن يتّبع الدليل ، ومهما كانت النتيجة فيقبلها برحابة صدر ، وإن كانت مخالفة للموروث العقائدي الذي وصل إليه.

تارة نبحث عن أصل اللعن ومشروعيته ، وتارة نبحث عن المصاديق والأفراد الذين يستحقّون اللعن ، وصفات من يستحقّ اللعن ، وفي هذه المسألة علينا أن نجرّد أنفسنا عن كُلّ موروث ونبحث بحثاً موضوعياً ، ثمّ مهما كانت النتيجة نركن إليها ، لأنّنا سمّينا أنفسنا بالباحثين عن الحقيقة ، وكما تعلم : فإنّ قبول الحقّ المخالف لما عليه الفرد صعب ومرّ.

ونوصيك بالبحث والتحقيق بحثاً موضوعياً في كُلّ مسألة تريد الاعتقاد بها.

( .... - السعودية - .... )

معناه ودليل جوازه من الكتاب والسنّة :

س : لديّ عدد من الأسئلة ، أرجو الإجابة عليها بشكل موجز :

1 - ما هو معنى اللعن؟

2 - متى يجوز اللعن؟

3 - ما هو الدليل على جوازه من القرآن الكريم؟

4 - ما هو دليل جوازه من سنّة الرسول والمعصومين عليهم السلام؟

5 - هل يوجد دليل عقلي على جوازه؟ وشكراً.

ج : إنّ معنى اللعن هو : الدعاء على شخص أو أشخاص أن يبعدهم اللّه تعالى ، ويطردهم عن رحمته ، وهو جائز وثابت في الشريعة الإسلامية ، والدليل على جوازه من القرآن الكريم آيات كثيرة ، منها :

1 - قوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا ) (1).

ص: 195


1- الأحزاب : 64.

2 - قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ) (1).

3 - قوله تعالى : ( أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) (2).

4 - قوله تعالى : ( لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (3).

5 - قوله تعالى : ( أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ) (4).

ومن السنّة الشريفة روايات كثيرة منها :

1 - قوله صلى اللّه عليه وآله : « لعنة اللّه على الراشي والمرتشي » (5).

2 - قوله صلى اللّه عليه وآله : « من أحدث في المدينة حدثاً ، أو آوى محدثاً فعليه لعنة اللّه » (6).

3 - قوله صلى اللّه عليه وآله : « إذا ظهرت البدع في أُمّتي ، فليظهر العالم علمه ، فمن لم يفعل فعليه لعنة اللّه » (7).

4 - قوله صلى اللّه عليه وآله : « جهّزوا جيش أُسامة ، لعن اللّه من تخلّف عنه » (8).

بالإضافة إلى هذا الدليل النقلي ، فقد قام الدليل العقلي على جواز اللعن ، فالعقل يحكم بصحّة وجواز دعاء المظلوم على الظالم - بإبعاده عن رحمة اللّه - والغاصب والخائن والقاتل والكاذب وغيرهم.

خصوصاً لمن يظلم آل البيت عليهم السلام ، ويغصب حقّهم ، ويقتل شيعتهم ، ويخون في أمانة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

ص: 196


1- الأحزاب : 57.
2- هود : 18.
3- آل عمران : 61.
4- البقرة : 159.
5- نيل الأوطار 9 / 170 ، المصنّف للصنعاني 8 / 148 ، مسند ابن الجعد : 406 ، الجامع الصغير 2 / 405.
6- الصراط المستقيم 2 / 226.
7- المحاسن 1 / 231 ، الكافي 1 / 54.
8- الملل والنحل 1 / 23.

( شري - البحرين - 20 سنة - طالبة )

حقيقته :

س : هل صحيح سبّ ولعن أبي بكر وعمر وعثمان مباح عندنا نحن الشيعة؟

ج : إذا عرفنا أنّ اللعن في اللغة هو الطرد والإبعاد ، لعنه لعناً - من باب نفع - : طرده وأبعده (1) ، فإذا قيل لأحد : لعنه اللّه ، فهو دعاء على هذا الشخص بالطرد والإبعاد من رحمة اللّه تعالى.

وإذا عرفنا أنّ اللعن حقيقة قرآنية ، وأنّ لفظ اللعن ورد في القرآن في أكثر من ثلاثين آية ، منها :

1 - ( إِنَّ اللّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ ) (2).

2 - ( فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ ) (3).

3 - ( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ ) (4).

4 - ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ) (5).

5 - ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا ) (6).

6 - ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ) (7).

إذا عرفنا كُلّ هذا ، يكون تشخيص المصداق الخارجي سهل ، يمكن معرفته بأدنى تأمّل في تراجم الأشخاص ، وذلك بمعرفة من تنطبق عليه هذه

ص: 197


1- لسان الميزان 13 / 387 ، القاموس المحيط 4 / 267 ، تاج العروس 9 / 334.
2- الأحزاب : 64.
3- المائدة : 13.
4- النساء : 93.
5- الأحزاب : 57.
6- النساء : 52.
7- البقرة : 159.

الآيات : من اللذين كتموا ما أنزل من البينات والهدى ، ومن اللذين آذوا اللّه ورسوله ، ومن اللذين نقضوا ميثاقهم ؛ فهؤلاء اللذين يستحقون اللعنة : ( يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ) .

( فاطمة - بريطانيا - 20 سنة - طالبة )

آيات وروايات تنهى عن السبّ :

س : ما هو حكم سبّ من ثبت نصبه لأهل البيت بمطلق السباب - باللغة العامية ، أو العربية الفصحى -؟ هل هو جائز أو غير جائز؟

ج : قد وردت عندنا روايات وآيات تنهى عن السبّ ، منها : قوله تعالى : ( وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ) (1) ، وكذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام لمّا سمع قوماً من أصحابه يسبّون أهل الشام ، فقال : « إنّي أكره لكم أن تكونوا سبّابين ، ولكنّكم لو وصفتم أعمالهم ، وذكرتم حالهم كان أصوب في القول ، وأبلغ في العذر » (2).

وكذلك قول أمير المؤمنين عليه السلام لقنبر ، وقد رام أن يشتم شاتمه : « مهلاً يا قنبر ، دع شاتمك مهاناً ، ترض الرحمن وتسخط الشيطان ، وتعاقب عدّوك » (3).

وكذلك قول الرسول صلى اللّه عليه وآله : « لا تسبّوا الناس فتكتسبوا العداوة بينهم » (4).

وكذلك قول الإمام الكاظم عليه السلام لمّا رآى رجلين يتسابّان : « البادي منهما أظلم ، ووزره ووزر صاحبه عليه ، ما لم يعتذر إلى المظلوم » (5).

وكذلك قول الرسول صلى اللّه عليه وآله : « المتسابّان ما قالا ، فعلى البادي حتّى يعتدي المظلوم » (6).

ص: 198


1- الأنعام : 108.
2- شرح نهج البلاغة 11 / 21.
3- الأمالي للشيخ المفيد : 118.
4- الكافي 2 / 360.
5- نفس المصدر السابق.
6- ميزان الحكمة 2 / 1237.

وكذلك قول الإمام علي عليه السلام : « ما تسابّ اثنان إلاّ غلب الأمهما » (1).

وكذلك قول الإمام الكاظم عليه السلام : « ما تساب اثنان إلاّ انحط الأعلى إلى مرتبة الأسفل » (2).

وكذلك قول الرسول صلى اللّه عليه وآله بعد ما سأله عياض بن حماد : يا رسول اللّه ، الرجل من قومي يسبّني وهو دوني ، فهل عليّ بأس أن انتصر منه؟ فقال : « المتسابّان شيطانان يتعاويان ويتهاتران » (3).

فعلى الإنسان أن يترفّع عن السبّ ، وإن كان جائزاً ، لما عرف من الآيات والروايات الناهية عن السبّ.

ولكن هناك فرق بين السبّ واللعن ، وقد أوضحنا ذلك في موقعنا ، تحت عنوان الأسئلة العقائدية : السبّ مرفوض في ديننا دون اللعن.

ص: 199


1- شرح نهج البلاغة 19 / 204.
2- ميزان الحكمة 2 / 1237.
3- نفس المصدر السابق.

ص: 200

متعة الحجّ :

اشارة

( ... - ... - ..... )

ماهيّتها وتحريم عمر لها :

س : شكراً على المجهود الذي تبذلونه من أجل نشر مذهب أهل البيت ، ووفّقكم اللّه إلى ذلك ، وأرجو منكم وبدون مزاحمة أن توضّحوا لي : ما المقصود بمتعة الحجّ؟ ودمتم موفّقين

ج : ينقسم الحجّ إلى ثلاثة أقسام : حجّ إفراد ، وحجّ قِران ، وحجّ تمتّع ، ولكُلّ قسم أحكامه وخصائصه ، وقد كان القسمان الأوّل والثاني - أي الإفراد والقِران - معروفين حتّى حجّة الوداع ، حيث هبط جبرائيل على النبيّ صلى اللّه عليه وآله وأعلمه بقسم ثالث من الحجّ ، وهو حجّ التمتّع.

وحجّ التمتّع : أن يحرم من الميقات ، ويأتي مكّة محرماً ، فيطوف حول البيت سبعة أشواط ، ثمّ يصلّي ركعتي صلاة الطواف ، ثمّ يسعى بين الصفا والمروة ، ويقصّر فيحل من إحرامه ، فإذا أحلّ من إحرامه حلّ له كُلّ شيء من النساء والطيب ، وكُلّ تروك الإحرام.

وهذه الفترة بين عمرته - هي عمرة التمتّع - حتّى الوقوف بعرفة تسمّى متعة الحجّ ، فيتمتّع الحاج خلال هذه الفترة بكُلّ ما كان محظوراً عليه من تروك الإحرام ، فهذه هي متعة الحجّ.

ص: 201

وقد عارض النبيّ صلى اللّه عليه وآله في ذلك عمر بن الخطّاب حيث قال : كيف نحلّ يا رسول اللّه ونتمتّع بالنساء والطيب وغير ذلك؟! وأصرّ عمر أن لا يفعلها!! وأعلن تحريمها عند خلافته ، كما اعترفت بذلك صحاح أهل السنّة.

روى البخاري : « عن عمران بن حصين : تمتّعنا على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ونزل القرآن ، قال رجل برأيه ما شاء » (1).

وقال العسقلاني : « قال رجل برأيه ما شاء هو عمر بن الخطّاب لا عثمان بن عفّان ، لأنّ عمر أوّل من نهى عنها ، فكان مَن بعده تابعاً له في ذلك » (2).

وروى أحمد : « عن أبي موسى أنّه كان يفتي بالمتعة ، فقال له رجل : رويدك ببعض فتياك ، فإنّك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعدك ، حتّى لقيه فسأله ، فقال عمر : قد علمت أنّ النبيّ قد فعله وأصحابه ، ولكنّي كرهت أن يظلّوا بهنّ معرّسين في الأراك ، ثمّ يروحون في الحجّ تقطر رؤوسهم » (3).

وهذه مخالفة واضحة صريحة من عمر بن الخطّاب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في أحكامه ، وهو يعلم أنّ رسول اللّه ( مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) (4).

فماذا تعني هذه المخالفة وهذا الرأي قبال حكم اللّه ورسوله؟!

( إبراهيم - ... - 27 سنة )

أدلّتها ومن نهى عنها :

س : الرجاء بيان المقصود من حجّ التمتّع؟ وما الدليل عليه؟ ومن نهى عنه؟ ولكم جزيل الشكر.

ص: 202


1- صحيح البخاري 2 / 153 و 5 / 158.
2- إرشاد الساري 4 / 88.
3- مسند أحمد 1 / 50 ، السنن الكبرى للبيهقي 5 / 20 ، فتح الباري 3 / 332 ، السنن الكبرى للنسائي 2 / 349 ، صحيح مسلم 4 / 45 ، سنن ابن ماجة 2 / 992.
4- النجم : 3 - 4.

ج : المقصود من حجّ التمتّع هو : إحرام الشخص بالحجّ في أشهره المعروفة - شوّال وذي القعدة وذي الحجّة - والإتيان بأعمالها ، وهو الإحرام من الميقات بالعمرة إلى الحجّ ، ثمّ يدخل مكّة فيطوف بالبيت سبعة أشواط ، ثمّ يصلّي ركعتي الطواف في مقام إبراهيم ، ثمّ يسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط ، ثمّ يقصر ، بأن يقلّم شيئاً من أظفاره ، أو يأخذ شيئاً من شعره ، فيحلّ له حينئذ جميع ما حرّم عليه بالإحرام.

ثمّ ينشئ بعد ذلك إحراماً للحجّ من مكّة يوم التروية ، والإتيان بأعماله من الوقوف بعرفات ، والإفاضة إلى المشعر الحرام ... الخ.

ويصحّ هذا النوع من الحجّ ممّن كان آفاقياً ، أي من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ، بحيث يبتعد بيته عن مكّة بمقدار يجوز فيه تقصير الصلاة ، والمسافة هي عند الإمامية ( 48 ) ميلاً من كُلّ جانب ، وهي لا تتجاوز عن ( 16 ) فرسخاً.

وقد تظافرت الروايات المروية عند الفريقين أنّ متعة الحجّ ورد ذكرها وأحكامها في القرآن ، وهو قوله تعالى : ( فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) (1).

وتفسير الآية الشريفة : إنّ من ( تَمَتَّعَ ) بسبب الإتيان ( بِالْعُمْرَةِ ) بما يحرم على المحرم - كالطيب والمخيط والنساء - ومتوجّهاً ( إِلَى الْحَجِّ ) ، ( فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) أي عليه ما استيسر من الهدي من البدنة أو البقرة أو الشاة ، ثمّ تبيّن الآية الشريفة حكم من لم يقدر على ذلك ، وهو الصيام عشرة أيّام.

وكيفية الصيام هي ( ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ ) متواليات و ( وَسَبْعَةٍ إِذَا

ص: 203


1- البقرة : 196.

رَجَعْتُمْ ) إلى أوطانكم ( تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ) ، ( ذَلِكَ ) التمتّع بالعمرة إلى الحجّ فرض ( لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) أي لم يكن من أهل مكّة وقُراها ( وَاتَّقُواْ اللّهَ ) فيما أُمرتم به ، ونُهيتم عنه في أمر الحجّ ( وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) .

والآية صريحة في جواز التمتّع بمحظورات الإحرام بعد الإتيان بأعمال العمرة ، وقبل الإحرام للحجّ ، ولم يدّع أحد أنّ الآية نسخت بآية أُخرى ، أو قول أو فعل من قبل النبيّ الأكرم صلى اللّه عليه وآله ، بل أنّه صلى اللّه عليه وآله أكّدها وأمر بها.

روى أحمد : « عن عائشة زوج النبيّ قالت : خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إلى الحجّ ، لخمس ليال بقين من ذي القعدة ، ولا يذكر الناس إلاّ الحجّ ، حتّى إذا كان بسرف وقد ساق رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله معه الهدي ، وأشراف من أشراف الناس ، أمر الناس أن يحلّوا بعمرة إلاّ من ساق الهدي ... ودخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله مكّة ، فحلّ كُلّ من كان لا هدي معه ، وحلّ نساؤه بعمرة » (1).

وروى ابن هشام : عن حفصة ابنة عمر قالت : لمّا أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله نساءه أن يحللن بعمرة قلن : فما يمنعك يا رسول اللّه أن تحلّ معنا؟ فقال : « إنّي أهديت ولبدت ، فلا أحلّ حتّى أنحر هديي » (2).

وتظافرت الروايات حول هذه الواقعة وما أمر به النبيّ ، وسنذكر هنا قسماً منها.

1 - روى ابن داود : عن جابر بن عبد اللّه : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله أمر أصحابه أن يجعلوها عمرة : يطوفوا ، ثمّ يقصّروا ، ويحلّوا ، إلاّ من كان معه الهدي ، فقالوا : أفنطلق إلى منى وذكورنا تقطر؟! فبلغ ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فقال : « لو أنّي استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ، ولولا أنّ معي الهدي لأحللت » (3).

ص: 204


1- مسند أحمد 6 / 273 ، تاريخ الأُمم والملوك 2 / 401.
2- السيرة النبوية لابن هشام 4 / 1021.
3- سنن أبي داود 1 / 402.

2 - روى مسلم : « عن أبي رجاء قال : قال عمران بن حصين : نزلت آية المتعة في كتاب اللّه - يعني متعة الحجّ - وأمرنا بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ثمّ لم تنزل آية تنسخ آية متعة الحجّ ، ولم ينه عنها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حتّى مات ، قال رجل برأيه بعد ما شاء » (1).

وكان عمر بن الخطّاب أوّل من نهى عنها ، وبهذا تواترت الأخبار ، منها :

1 - روى الطبراني : « عن سعيد بن المسيّب : إنّ عمر بن الخطّاب نهى عن المتعة في أشهر الحجّ وقال : فعلتها مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وأنا أنهى عنها ، وذلك أنّ أحدكم يأتي من أُفق من الآفاق شعثاً نصباً معتمراً في أشهر الحجّ ، فإنّما شعثه ونصبه وتلبيته في عمرته ، ثمّ يقدم فيطوف بالبيت ويحلّ ويلبس ويتطيّب ويقع على أهله إن كانوا معه ، حتّى إذا كان يوم التروية أهل بالحجّ ، وخرج إلى منى يلبّي بحجّة لا شعث فيها ولا نصب ولا تلبية إلاّ يوماً ، والحجّ أفضل من العمرة ، لو خلينا بينهم وبين هذا لعانقوهم تحت الإزار » (2).

2 - روى ابن حزم : « ثمّ اتفق أيوب وخالد كلاهما عن أبي قلابة قال : قال عمر بن الخطّاب : مُتعتان كانتا على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وأنا أنهى عنهما وأضرب عليهما ، هذا لفظ أيّوب ، وفي رواية خالد : أنا أنهى عنهما وأُعاقب عليهما : متعة النساء ومتعة الحجّ » (3).

3 - روى أحمد : « عن جابر قال : مُتعتان كانتا على عهد النبيّ صلى اللّه عليه وآله فنهانا عنهما عمر فانتهينا » (4).

ولا نريد الاستطراد أكثر من هذا في ذكر الروايات التي أكّدت أنّ عمر بن الخطّاب نهى عن متعة الحجّ ، وأنّه كان يعاقب عليها ، وهي جزء من التشريع ، وسنّة الرسول الأكرم صلى اللّه عليه وآله.

ص: 205


1- صحيح مسلم 4 / 48.
2- مسند الشاميين 3 / 320 ، كنز العمّال 5 / 164.
3- المحلّى 7 / 107.
4- مسند أحمد 3 / 325 و 356 و 363.

( .... - الكويت - 20 سنة )

موقف المسلمين من نهي عمر :

س : اخوتي الأعزّاء : ما هو موقف المسلمين من نهي عمر لمتعة الحجّ؟ ودمتم موفّقين.

ج : لقد عارض المسلمون هذا النهي الصريح من عمر ، وإليك الروايات الدالّة على ذلك مختصرة :

1 - روى مالك : « عن محمّد بن عبد اللّه ، أنّه سمع سعد بن أبي وقّاص ، والضحّاك بن قيس ، عام حجّ معاوية بن أبي سفيان ، وهما يذكران التمتّع بالعمرة إلى الحجّ ، فقال الضحّاك بن قيس : لا يفعل ذلك إلاّ من جهل أمر اللّه عزّ وجلّ! فقال سعد : بئس ما قلت يا ابن أخي! فقال الضحّاك : فإنّ عمر بن الخطّاب قد نهى عن ذلك ، فقال سعد : قد صنعها رسول اللّه وصنعناها معه » (1).

وللقارئ أن يمعن جيّداً في قول الضحّاك : لا يفعل ذلك إلاّ من جهل أمر اللّه عزّ وجلّ ، إذ إنّ التمتّع بالعمرة إلى الحجّ هي من أوامر اللّه الصريحة في القرآن الكريم ، لكنّها أصبحت عنده بسبب نهي عمر عنها مخالفة لأمر اللّه!!

وهذا من أسوأ آثار البدعة في الدين ، إذ تتحوّل الشريعة إلى بدعة عند الجهلة.

2 - روى الترمذي : « عن ابن شهاب : أنّ سالم بن عبد اللّه حدّثه : أنّه سمع رجلاً من أهل الشام وهو يسأل عبد اللّه بن عمر عن التمتّع بالعمرة إلى الحجّ ، فقال عبد اللّه بن عمر : حلال.

فقال الشامي : إنّ أباك قد نهى عنها! فقال عبد اللّه بن عمر : أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، أمر أبي يتبع أم أمر رسول اللّه؟ فقال الرجل : بل أمر رسول اللّه ، فقال : لقد صنعها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله » (2).

ص: 206


1- الموطّأ 1 / 344 ، الجامع الكبير 2 / 159.
2- الجامع الكبير 2 / 159 ، مسند أبي يعلى 9 / 415.

3 - عن ابن تيمية : « وقد كان بعض الناس يناظر ابن عباس في المتعة ، فقال له : قال أبو بكر وعمر ، فقال ابن عباس : يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء ، أقول : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وتقولون : قال أبو بكر وعمر » (1).

4 - روى الهيثمي : « عن الحسن : أنّ عمر بن الخطّاب أراد أن ينهى عن متعة الحجّ ، فقال له أُبي : ليس ذلك لك ، قد تمتّعنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فأضرب عمر » (2).

لكن هذا الإضراب كان مؤقّتاً ، فقد نهى عنها فيما بعد.

ثمّ إنّ المتأخّرين قاموا بحفظ كرامة عمر ، فحرّفوا الكلم عن مواضعه ، وأوّلوا نهي عمر بوجهين :

1 - قال القرطبي : « وذلك أن يحرم الرجل بالحجّ حتّى إذا دخل مكّة ، فسخ حجّه في عمرة ، ثمّ حلّ وأقام حلالاً حتّى يهل بالحجّ يوم التروية » (3).

وهذا كما ترى ، لا يوافق ما مرّ من النصوص ، خصوصاً ما نقلناه من المناظرة بين سعد والضحّاك بن قيس ، ومن وقف على النصوص الكثيرة ، والمناظرة الدائرة بين النبيّ وأصحابه ، وبين الصحابة أنفسهم يقف على أنّه نهى عن حجّ التمتّع.

روى البخاري : عن مروان بن الحكم قال : شهدت عثمان وعلياً ، وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما ، فلمّا رأى علي - أي النهي - أهل بهما : لبيك بعمرة وحجّة قال : « ما كنت لأدع سنّة النبيّ صلى اللّه عليه وآله لقول أحد » (4).

2 - إنّ نهي عمر عن متعة الحجّ لأجل اختصاص إباحة المتعة بالصحابة في عمرتهم مع رسول اللّه فحسب.

ص: 207


1- الفتاوى الكبرى 2 / 460.
2- مجمع الزوائد 1 / 285.
3- الجامع لأحكام القرآن 2 / 392.
4- صحيح البخاري 2 / 151.

ويكفينا في الردّ عليه ما نقله ابن القيّم : « فإنّ هذه الآثار - أي الدالّة على الاختصاص بالصحابة - بين باطل لا يصحّ ، عمّن نسب إليه البتة ، وبين صحيح عن قائل غير معصوم لا تعارض به نصوص المعصوم » (1).

ففي صحيحة الشيخين وغيرهما عن سراقة بن مالك قال : متعتنا هذه يا رسول اللّه لعامنا هذا أم للأبد؟ قال : « لا بل للأبد » (2).

قال العيني في قوله تعالى : ( فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ ) (3) : « وهذا عام ، وأجمع المسلمون على إباحة التمتّع في جميع الأعصار ، وإنّما اختلفوا في فضله ، وأمّا السنّة فحديث سراقة : المتعة لنا خاصّة أو هي للأبد؟ قال : « هي للأبد » ، وحديث جابر المذكور في صحيح مسلم في صفة الحجّ نحو هذا.

ومعناه : أهل الجاهلية كانوا لا يجيزون التمتّع ، ولا يرون العمرة في أشهر الحجّ ، فجوّزوا ، فبيّن النبيّ أنّ اللّه قد شرع العمرة في أشهر الحجّ ، وجوّز المتعة إلى يوم القيامة » (4).

ص: 208


1- زاد المعاد 2 / 191.
2- أُنظر : صحيح البخاري 3 / 114 ، صحيح مسلم 4 / 37.
3- البقرة : 196.
4- عمدة القاري 9 / 284.

متعة النساء :

اشارة

( ندى - ... - ..... )

في الكتاب والسنّة :

س : ما هو البرهان من القرآن والسنّة الصحيحين على جواز المتعة؟

ج : لاشكّ ولا ريب في تشريع متعة النساء - الزواج المؤقت - في الإسلام ، وهذا ما نصّ عليه القرآن الكريم والسنّة الشريفة ، وإنّما الخلاف بين المسلمين في نسخها أو عدمه؟ فذهب أهل السنّة إلى أنّها منسوخة ، واستدلوا لذلك بعدّة روايات متعارضة فيما بينها ، بينما ذهبت الشيعة إلى بقاء هذا التشريع المقدّس وعدم نسخه لا من القرآن ولا السنّة.

وقبل التطرّق إلى الأدلّة نودّ القول : أنّ زواج المتعة ما هو إلاّ قضية فقهية ثابتة عند قوم ، وغير ثابتة عند آخرين - كسائر القضايا والأحكام الفقهية الأُخرى التي يمكن الاختلاف فيها - فليس من الصحيح التشنيع والتشهير بالشيعة وجعل زواج المتعة أداة لذلك ، فإنّ هذه الأساليب غير العلمية تكون سبباً للفرقة بين المسلمين ، في الوقت الذي تتركّز حاجتنا إلى لمّ الشعث ورأب الصدع.

وأمّا ما دلّ على مشروعيتها في القرآن الكريم قوله تعالى : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً … ) (1) ، فقد روي عن جماعة - من كبار الصحابة والتابعين المرجوع إليهم في قراءة القرآن الكريم وأحكامه - التصريحُ

ص: 209


1- النساء : 24.

بنزول هذه الآية المباركة في المتعة ، منهم : عبد اللّه بن عباس ، وأُبي بن كعب ، وعبد اللّه بن مسعود ، وجابر بن عبد اللّه ، وأبو سعيد الخدري ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، والسدي ، وقتادة (1).

وما دلّ على مشروعيتها من السنّة الشريفة :

أخرج البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم ، عن عبد اللّه بن مسعود قال : كنّا نغزو مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ليس لنا نساء ، فقلنا : ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ، ثمّ رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ، ثمّ قرأ عبد اللّه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) (2).

مضافاً إلى ذلك الإجماع المنقول ، نصّ على ذلك القرطبي حيث قال : لم يختلف العلماء من السلف والخلف أنّ المتعة نكاح إلى أجل لا ميراث فيه ، والفرقة تقع عند انقضاء الأجل من غير طلاق ، ثمّ نقل عن ابن عطية كيفية هذا النكاح وأحكامه (3).

وكذا الطبري ، فقد نقل عن السدّي : هذه هي المتعة ، الرجل ينكح المرأة بشرطٍ إلى أجل مسمّى (4).

وعن ابن عبد البرّ في التمهيد : وأجمعوا أنّ المتعة نكاح لا إشهاد فيه ولا ولي ، وإنّه نكاح إلى أجلٍ ، تقع فيه الفرقة بلا طلاق ، ولا ميراث بينهما (5).

ص: 210


1- أُنظر : صحيح البخاري 6 / 129 ، جامع البيان 5 / 18 ، معاني القرآن : 61 ، أحكام القرآن للجصّاص 2 / 184 ، نواسخ القرآن : 124 ، الدرّ المنثور 2 / 140 ، فتح القدير 1 / 449 ، السنن الكبرى للبيهقي 7 / 205 ، المغني لابن قدامة 7 / 571 ، سير أعلام النبلاء 13 / 108.
2- المائدة : 87 ، وأُنظر : مسند أحمد 1 / 432 ، صحيح البخاري 6 / 119 ، صحيح مسلم 4 / 130 ، السنن الكبرى للبيهقي 7 / 79 و 200 ، المصنّف لابن أبي شيبة 3 / 271 و 391 ، السنن الكبرى للنسائي 6 / 337 ، مسند أبي يعلى 9 / 260 ، صحيح ابن حبّان 9 / 449.
3- الجامع لأحكام القرآن 5 / 132.
4- جامع البيان 5 / 18.
5- التمهيد 10 / 116.

وما زالت متعة النساء سارية المفعول مباحة للمسلمين زمن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وزمن أبي بكر ، وشطراً من خلافة عمر بن الخطّاب ، حتّى قال : مُتعتان كانتا على عهد رسول اللّه وأنا أنهى عنهما ، وأُعاقب عليهما ، وقد أورد مقالته هذه جمهرة من الكتّاب والحفّاظ في كتبهم (1).

فثبت من خلال هذا الاستعراض المختصر جواز ومشروعية زواج المتعة في الإسلام ، ومات النبيّ صلى اللّه عليه وآله وهي بعد مشرّعة غير محرّمة ، حتّى حرّمها عمر في أيّام خلافته.

( قيس - الدانمارك - .... )

أنواع الزواج وشروطه :

س : ما هي أنواع الزواج في الإسلام؟ وما هي شروطه؟

ج : في نظر الشيعة الإمامية أنّ الزواج الثابت في الإسلام هو : الزواج الدائم ، والزواج المؤقت - المتعة - ولا يوجد في زماننا اتصال واقتران بين الزوجين شرعي إلاّ من خلال هذين الزواجين.

وأمّا شروطهما فهي :

1 - يشترط في كليهما التلفّظ بصيغة عقد الزواج من الإيجاب والقبول.

ففي الدائم تقول المرأة للرجل : زوّجتكَ نفسي - أو أنكحتك نفسي - على المهر المعلوم.

فيقول الرجل لها : قبلت.

ص: 211


1- أُنظر : السنن الكبرى للبيهقي 7 / 206 ، معرفة السنن والآثار 5 / 345 ، الاستذكار 4 / 65 و 5 / 505 ، التمهيد 8 / 355 و 10 / 113 و 23 / 357 و 365 ، المحلّى 7 / 107 ، المبسوط للسرخي 4 / 27 ، المغني لابن قدامة 7 / 572 ، الشرح الكبير 7 / 537 ، شرح معاني الآثار 2 / 146 ، أحكام القرآن للجصّاص 1 / 338 و 354 و 3 / 312 ، التفسير الكبير 4 / 42 ، الجامع لأحكام القرآن 2 / 392 ، الدرّ المنثور 2 / 141.

وفي المؤقت تقول المرأة للرجل : متّعتك نفسي - أو أنكحتك نفسي - على المهر المعلوم في المدّة المعلومة.

فيقول الرجل لها : قبلت.

2 - يشترط في كليهما تعيين المهر.

ولا فرق بين أن يكون المهر مالاً - كألف دينار أو درهم - أو غير مال ، كمنفعة أو عمل أو تعليم أو غير ذلك.

3 - يشترط في كليهما إذن الولي على الأحوط عند المشهور - الأب والجد من طرف الأب - إذا كانت البنت بكراً ، ولا يشترط في كليهما إذن الولي إذا كانت المرأة ثيّباً.

4 - يشترط في كليهما العدّة بالمدخول بها ، لمن تريد أن تتزوّج ثانية.

5 - يشترط في الدائم النفقة على الزوجة ، ولا يشترط في المؤقت إلاّ مع الشرط ضمن العقد.

6 - يشترط في المؤقت ذكر مدّة التمتّع ، كسنة أو شهر أو يوم أو غير ذلك.

7 - يشترط في الدائم التوارث بين الزوجين دون المؤقت.

8 - يشترط الإشهاد في طلاق الزوجة الدائمة.

9 - لا طلاق في زواج المؤقت ، وإنّما تبين المرأة بانقضاء المدّة المقرّرة ، أو بهبة بقية المدّة لها.

10 - لا يشترط في كليهما الإشهاد حال العقد ، بل هو أمر مستحبّ.

( شاكر أحمد - السعودية - سنّي )

جوازها :

س : ما هو الدليل لجواز زواج المتعة؟ وهل ترضى أن تطبّقها على أُختك أو ابنتك؟

ص: 212

ج : الشيعة تستدلّ بالكتاب والسنّة الشريفة على إباحته ، وأنّ هذا الزواج كان مباحاً على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وعهد أبي بكر ، وشطراً من عهد عمر ، إلى أن حرّمه عمر بن الخطّاب ، وعمر هو من رواة حديث جواز المتعة ، حيث قال : « مُتعتان كانتا على عهد رسول اللّه وأنا أُحرّمهما » ، فالشيعة تأخذ بروايته وتترك درايته.

وأمّا قولك : هل ترضى أن تطبّقها ... ، فنقول : إنّ هذا الحكم مباح ، والإباحة ليست فيها إلزام بالعمل ، وكم من مباحات نتركها أو لا ترضاها عاداتنا وتقاليدنا ، وعلى سبيل المثال نقول : قال تعالى : ( فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ... ) (1) ، فهي صريحة في جواز تعدّد الزوجات ، فهل ترضى أن تزوّج أُختك إلى من له ثلاث زوجات؟ مع أنّ في جوازه نصّ قرآني صريح.

( عبد اللّه المحمّدي - السعودية - .... )

كيفية صيغتها :

س : أودّ الإفادة عن زواج المتعة بالبكر والثيّب ، وكيفية نطقه وشروط صحّتهما ، وهل يجوز التمتّع بمن لا تعتقد بزواج المتعة؟

ج : المشهور بين فقهاء الإمامية هو : عدم جواز التمتّع بالبكر غير الرشيدة ، إلاّ بإذن وليّها.

أمّا الرشيدة ، فالمسألة خلافية بين الفقهاء ، بين مجيزٍ وناهٍ ، ومعلّق ذلك على إذن الولي ، وبذلك يلزم رجوع المكلّف إلى مقلّده في هكذا أحكام شرعية ، هذا عن التزويج بالبكر.

أمّا الزواج بالثيّب ، فلا إشكال في جوازه ومشروعيته.

ص: 213


1- النساء : 3.

أمّا كيفية نطقه وشروط صحّته : فيشترط فيه تعيين المدّة والمهر ، وعدم كونها في عدّة آخر ، كأن تقول للرجل : متّعتك نفسي - أو أنكحتك نفسي - في المدّة المعلومة على المهر المعلوم ، وتلحظ حين قولها : المدّة المعلومة ، شهراً أو سنة أو يوماً ، أو غير ذلك ممّا تعاقدا عليه من الزمن في التمتّع ، وفي حين قولها : المهر المعلوم ، تلحظ ما تعاهدا عليه من مال - كألف دينار أو درهم - أو ما له المالية - كالسجّاد والتعلّم - أو غير ذلك ممّا لحظوه في العقد.

ويلزم على المرأة أن تعني بكلامها الإنشاء لا الإخبار ، ويقول الرجل - حين سماعه بكلام المرأة - : قبلتُ.

وأمّا اللاتي لا يؤمن بزواج المتعة من المسلمين فالأولى ترك التمتّع بهنّ.

أمّا الناصبة المعلنة بعداوة أهل البيت عليهم السلام ، فلا يجوز التمتّع بها ، لكونها كافرة ، بل هي شرّ من اليهود والنصارى على ما روي في أخبار أهل البيت عليهم السلام.

هذا ، وعليكم الرجوع إلى من تقلّدونه في الأحكام للأخذ بها.

( أمير العرادي - الكويت - .... )

الأدلّة على جوازها :

س : ما هو الدليل على جواز زواج المتعة؟ وما هو ردّكم على من يقول : أنّ المتعة تسبّب اختلاط الأنساب ، لأنّه قد يتزوّج الفرد امرأة تزوّجها والده ، أو أخوه دون علم ، وأنجب منها الاثنان ، وأنّ المتعة تشبه زواج المقت؟

ج : إنّ زواج المتعة - أي الزواج المنقطع - ممّا اتفقت عليه الإمامية ، واُعتبر من مختصّاتهم ، واستدلّوا له بأدلّة عديدة من القرآن الكريم ، والسنّة القطعية - كالتواتر - والإجماع.

ونذكر لك بعض الروايات في ذلك :

ص: 214

ورى الشيخ الكليني قدس سره عن أبي بصير قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن المتعة؟ فقال : نزلت في القرآن ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ) (1).

وروى عن عبد اللّه بن سليمان قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : « كان علي عليه السلام يقول : لولا ما سبقني به بني الخطّاب ما زنى إلاّ شقي » (2).

وقد وردت أحاديث كثيرة أيضاً في استحباب زواج المتعة ، منها : عن محمّد ابن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : قال لي : « تمتّعت »؟ قلت : لا ، قال : « لا تخرج من الدنيا حتّى تحيي السنّة » (3).

وهنالك روايات أُخرى تثبت عدم نسخ هذا الحكم وبقاءه إلى اليوم ، ففي الوسائل بأسانيد كثيرة إلى أبي عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام : هل نسخ آية المتعة شيء؟ قال : « لا ، ولولا ما نهى عنها عمر ما زنى إلاّ شقي » (4).

فما يقال من أنّها منسوخة بروايات عن الصحابة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، مضافاً إلى ضعف سندها ، وتناقضها وتعارضها فيما بينها ، لا يقابل ولا يعارض ما ثبت بالضرورة عند الإمامية من شرعيّتها ، وعدم نسخها إلى يوم القيامة.

وبعد أن ثبت بالدليل والبرهان جوازها ، فلا مجال للاستحسان وإبداء الرأي وأشباه ذلك ، فهذه الأُمور متأخّرة عن الدليل الشرعي ، حتّى عند القائلين بحجيّتها وصحّتها.

والإشكال الذي أوردته من اختلاط الأنساب غير وارد ، وذلك لأنّ الأحكام الشرعية الثابتة لا تبطل اعتماداً على ما ربما تترتّب عليها ، وحكم ما ذكرته

ص: 215


1- النساء : 24 ، الكافي 5 / 448.
2- نفس المصدر السابق.
3- وسائل الشيعة 21 / 15.
4- المصدر السابق 21 / 11.

حكم الرضاع ، فما ربما يتسبّب من الاختلاط في الرضاع أكثر بكثير من موردنا ، فهل يصحّ لنا أن نحرّم الرضاع لأجله؟! وكذا ما ذكرته قد يقع في الزواج الدائم وإن كان نادراً.

( .... - السعودية - 22 سنة )

الفرق بينها وبين زواج المسيار :

س : ما هو الفرق بين زواج المسيار وزواج المتعة؟ هل الفارق هو الأسامي والاصطلاحات؟ أم هناك اختلافاً جوهرياً؟

ج : زواج المسيار هو أن يتّفق الزوجان فيما بينهما على إسقاط حقوق الزوجة من النفقة ، وتقسيم الليلة بين الزوجتين ، ثمّ ينتهي بالطلاق ، أو يستمرّا في حياتهما إن شاءا كذلك.

وهذا الزواج كما تعلم اتفاقٌ بين الزوجين بإسقاط الحقوق إشباعاً للحاجة الجنسية بينهما ، وهي طريقة مستجدّة ، وممّا يُؤسف عليه أنّ هؤلاء الذين لجئوا إلى هذه الطريقة من الزواج لم يريدوا - عن عمدٍ أو عن جهل - أن يذعنوا إلى حكم شرعي شرّعه اللّه تعالى في كتابه - كما شرّع الزواج الدائم - وهو نكاح المتعة ، فبما أنّ المجتمع يخشى إفلات أبنائه بسبب الدوافع الجنسية غير المهذّبة ، شرّع اللّه تعالى - وهو العالم بما يحتاجه خلقه - شرّع زواج المتعة تلافياً لأي عملٍ يوقع الإنسان في معصيته ، بعد أن يكون غرضاً للتجاذبات الجنسية المجنونة.

وزواج المتعة هو عقد بين الزوجين على مهرٍ معلوم وبأجلٍ معلوم ، فإذا انتهى الأجل انتهى الزواج دون الحاجة إلى طلاق ، وليس بين الزوجين توارث - أي لا يرث أحدهما الآخر - إن مات أحدهما في مدّة العقد ، وعلى الزوجة أن تعتد بحيضة واحدة ، أو بخمسٍ وأربعين يوماً ، إذا كانت ممّن لا تحيض.

ص: 216

وبهذا استطاع الإسلام من أوّل بزوغه أن يعالج المشكلة الجنسية بحكمةٍ بالغة ، لم ينسخ حكم زواج المتعة أبداً ، بل اجتهد رجل برأيه فحرّم ذلك ، وبقي البعض على تشريع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، واتبع الآخرون تحريم من اجتهد بالتحريم.

فزواج المتعة زواجٌ قائم بذاته له خصوصياته ، وللزوجة مهرها وعليها عدّتها ، في حين زواج المسيار هو زواج دائم بإسقاط حقوق الزوجة ، أو حقوق الزوجين كلاهما.

( كوثر - المغرب - دكتورة في الرياضيات )

فرقها مع الزنا ، ولم تحرّم يوم خيبر :

س : لدي عدّة أسئلة حول الزواج المؤقت :

1 - ما الفرق بين المتعة والزنا؟

2 - هل هذا الزواج يجوز لرجل له زوجة في البيت ، ويعيش مع أطفاله وعائلته ، بدون أن يستأذن زوجته؟

3 - هل يجوز للمتمتعة أن تفسخ عقد المتعة؟

4 - ما رأيكم حول هذا الحديث : قال علي عليه السلام : « إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله نهى عن نكاح المتعة يوم خيبر » (1)؟

ج : أوّلاً : أنّ قولك : ما الفرق بين المتعة والزنا ، هو كقولك : ما الفرق بين الزواج والزنا؟ أو ما الفرق بين البيع والربا؟ وهكذا ، فالزواج هو تشريع من اللّه تعالى بعقدٍ يقع بين الطرفين ، لتتمّ العلاقة الجنسية بين الزوجين ، والزنا هو تمرد على ذلك العقد ، فتقع العلاقة بين الرجل والمرأة دون الاستناد إلى شرعية هذا الاقتران.

وهكذا البيع فهو تبادل منفعة محلّلة ، والربا هو كسب الفائدة من الزيادة حراماً ، وهكذا يتمّ التقابل بين التشريع وبين غير التشريع ، أي بين الحلال

ص: 217


1- صحيح مسلم 4 / 134 ، البداية والنهاية 4 / 219.

وبين الحرام ، فبالكلام يقع التحليل ، وبالكلام يتمّ التحريم ، فالكلام الذي هو العقد له أثره في التشريعات ، وما نحن فيه من هذا القبيل ، فالمتعة عقد شرعي يقع بين الزوجين على مهرٍ معيّن ، والزنا هو اتفاق محرّم لا يستند إلى عقدٍ بين الرجل والمرأة.

ثمّ إنّ مشروعية هذا العقد تؤكّدها الآية الكريمة ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) (1).

قال السيوطي في تفسير الآية : « وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان متعة النساء في أوّل الإسلام ، كان الرجل يقدم البلدة ليس معه من يصلح له ضيعته ولا يحفظ متاعه ، فيتزوّج المرأة إلى قدر ما يرى أنّه يفرغ من حاجته ، فتنظر في متاعه ، وتصلح له ضيعته ، وكان يقرأ : فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ إلى أجل مسمّى ... » (2).

وأخرج ابن جرير عن مجاهد ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ ) قال : يعني نكاح المتعة (3).

وأخرج عن السدي في الآية قال : « هذه المتعة ، الرجل ينكح المرأة بشرط إلى أجلٍ مسمّى ، ... وإذا انقضت المدّة فليس له عليها سبيل ، وهي منه بريئة ، وعليها أن تستبرئ ما في رحمها ، وليس بينهما ميراث ، ليس يرث واحد منهما صاحبه » (4).

وعلى هذا ، فإنّ المتعة زواج شرعي يتمّ بعقدٍ بين الزوجين ، وعلى مهر معلوم ، وبأجلٍ معلوم ، أي أنّ الفرق بينها وبين الزواج الدائم ، أنّ في المتعة تحديداً للأجل ، وهذا كما تعلمين - أيّتها الأُخت - محاولة تشريعية راعى بها

ص: 218


1- النساء : 24.
2- الدرّ المنثور 2 / 139.
3- جامع البيان 5 / 18.
4- نفس المصدر السابق.

الإسلام تهذيب الدوافع الجنسية ، ومحاولة السيطرة عليها ، وتجنّب المزالق الأخلاقية ، التي تؤدّي بالمجتمع إلى مخاطر الانحراف والسقوط ، وعلينا أن نفرّق بين التشريع وحكمته وبين عواطفنا الفردية ومصالحنا الشخصية ، وأن لا نحمّل مسؤولية ذلك على حكمة التشريع البديعة والحكمة الإلهية الرائعة.

ثانياً : نعم ، يحقّ للزوج أن يتزوّج متعة دون أن يستأذن زوجته ، فإنّ ذلك معلّق برغبة الزوج وإرادته ، فكما يحقّ للزوج أن يتزوّج زوجة ثانية بالزواج الدائم ، يحقّ له أن يتزوّج ثانية بالزواج المنقطع.

وأعلمي أنّ هذا الزواج المنقطع سيجنّب العائلة من أزماتٍ ومشاكل خطيرة ، حيث أنّ الرجل لو رغب في امرأةٍ ما ، ولم يحقّ له الاقتران بها ، فإنّه سوف يرى كُلّ شيء حوله غير مقنعٍ ، وسيعكس هذه الحالة على زوجته ، وعلى علاقته بها وبأطفاله ، وسيجعل ذلك سبباً في عدم قناعته بحياته الزوجية ، فيلجأ إلى ارتكاب ما حرّمه اللّه وهو الزنا ، فتكون المشكلة وبالاً عليه وعلى عائلته ، وعلى المجتمع جميعاً ، في حين إذا وجد هناك مجالاً لتنفيذ رغبته بطريق حلال ، فسوف يكون ذلك حافزاً لحبّ زوجته واحترامها وحبّ أطفاله كذلك ، لإمكانية تنفيذ رغبته واستجابة عواطفه.

وسيجد أنّ الإسلام قد استجاب في تشريعاته لرغباته ، فسيكون أكثر التزاماً وأكثر تمسّكاً ، وعلى الزوج في الوقت نفسه مراعاة علاقته بزوجته وأطفاله ، وأن لا يكون اقترانه بأُخرى متعة على حساب حبّه لزوجته ولأطفاله ، كما عليه مراعاة احتياجات عائلته بكُلّ مسؤولية.

ثالثاً : لا يحقّ للمرأة فسخ عقد المتعة مادامت هي في مدّة العقد ولم ينته أجله ، نعم يحقّ للزوج أن يهبها المدّة المتبقية ، فإنّ عصمة الزوجية بيد الزوج لا بيد الزوجة ، فهو الذي يملك إنهاء المدّة وإبراءها ، كما لا يحقّ للمرأة أن تطلّق نفسها في الزواج الدائم ، لأنّ الزوجية بيد الزوج وليست بيد الزوجة ، فانتهاء المدّة في المتعة هو بمثابة الطلاق في الزواج الدائم.

ص: 219

رابعاً : أنّ روايات تحريم المتعة مضطربة اضطراباً عجيباً ، فبعضها تذكر أنّ علياً عليه السلام قال : « إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله حرّمها في خيبر » ، والأُخرى تقول : أنّه حرّمها في حجّة الوداع ، وثالثة تقول : بتحريمها في عام أوطاس ، وهكذا رابعة وخامسة ، وكُلّ رواية تحكي أنّ وقت التحريم يختلف عمّا حكته الرواية الأُخرى ، على أنّ نسخ الحكم - أي إلغائه - لا يكون إلاّ بآية بيّنة من كتاب اللّه ، أو بسنّة قطعية عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

أمّا أخبار الآحاد - أي التي لم تصل إلى حدّ اليقين والعلم - لا يمكن الاعتماد عليها ، وهذه الرواية من هذا القبيل ، أي من قبيل أخبار الآحاد وهي ظنّية ، فلا يمكنها نسخ حكم قطعي يقيني كنكاح المتعة ، الذي أحلّه كتاب اللّه تعالى وقرّره رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وبهذا فقد ثبت جواز نكاح المتعة ، والإبقاء على حلّيته مهما كانت الظروف ، وافترضت المقتضيات.

( عبد اللّه - الكويت - سنّي - 25 سنة - دبلوم تجارة )

جائزة مع الزانية :

س : في البداية أودّ أن أقول بأنّني لم أجد موقعاً في الإنترنت مثل موقعكم هذا ، حيث أنّني من محبّي معرفة الإسلام الحقّ ، وهذا الموقع وضّح لي الكثير من الأشياء ، التي كانت تُخفى عليّ ، المهمّ أُحبّ أن أقول بأنّني سنّي المذهب حتّى الآن ، ولكن فهمت الكثير من هذا الموقع ، وجزاكم اللّه خيراً ، حيث أنّني لم أكن أعرف معنى السجود على التربة ، وجمع الصلوات ، والخمس ، وزواج المتعة.

مع أنّي لست مع زواج المتعة كثيراً ، لأنّه بدأ الشباب بالعزوف عن الزواج العادي ، بحجّة جواز زواج المتعة لكُلّ شخص بالغ ، حيث أنّي لاحظت أنّ المراهقين عندنا في الكويت - يعني الذين عمرهم ما بين 15 إلى 18 - أكثر إقبالاً على هذا النوع من الزواج ، ممّا يجعلهم يتعوّدون على النساء ، والمشكلة

ص: 220

أنّهم يتزوّجون من مسيحيات ، ممّا يجعلهم يختلطون معهم في حفلات مختلطة ، وغناء ورقص وغير ذلك.

وأنا - كسنّي - فهمت بأنّ زواج المتعة حلال ، وله أدلّته كالزواج الدائم ، كما ذكر السيّد السيستاني وغيره من العلماء والمراجع ، يحفظهم اللّه أجمعين ، ولكن لماذا يحلّل بعض العلماء الزواج المؤقت من الزانية والمشهورة بالزنى؟ أو ليس هناك آية صريحة يقول فيها اللّه : ( وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ ) (1) ، أو ليس هذا اجتهاد صريح مقابل النصّ؟! أرجو التوضيح.

آسف على الإطالة ، ولكنّي أبحث عن الحقّ ، وقد أُعجبت بمذهب أهل البيت ، ولكن رأيت من يمثّل أهل البيت لهم فتاوى غريبة ، كالتي ذكرتها ، وأنا أُريد أن أسير في طريق أهل البيت ، ولكن يوجد فتاوى كالتي ذكرتها ، والمزيد ما لم اذكره أجد فيه غرابة ، واجتهاد مقابل النصّ القرآني.

على العموم أنا إنسان في طريق الاستبصار ، فقد فهمت كُلّ عقائد أهل البيت ، ولكنّي أعجب من فتاوى العلماء الذين سوف يكون واحد منهم مرجعي ، فأرجو منكم التوضيح التامّ للأمر الذي ذكرته ، وسوف يكون بيننا تواصل إنشاء اللّه تعالى.

ج : مسألة التمتّع بالزانية محلّ خلاف عند فقهاء الشيعة ، فمنهم من يرى الكراهة ، ومنهم من لا يجوّزها خصوصاً في المشهورة بالزنا ، ويعتمد كُلّ منهم على نصوص وأحاديث - كما هو مقرّر في محلّه - ولكن بنحو الإجمال نشير إلى أنّ الآية التي ذكرتموها ( وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ ) ، قد يحتمل فيها وجه آخر وهو : أنّ الزاني والزانية بعد توبتهما يصبحان كمن لا ذنب له ، والآية - على هذا الاحتمال - في مجال ذكر حكمهما قبل التوبة.

وعلى فرض التنزّل ، فالمسألة محلّ خلاف حتّى عند السنّة أيضاً ، وفي هذا المجال لابأس أن يراجع إلى المجموع للنووي (2) ، اعتماداً على حديث « لا يحرّم

ص: 221


1- النور : 3.
2- المجموع 16 / 219.

الحرام الحلال » (1) ؛ فالمسألة هي محلّ بحث ونقاش عند الفريقين ، وليس بالأمر المسلّم حتّى يعتمد عليه.

وأخيراً : لابأس أن نشير إلى نقطة هامّة في المقام ، وهو أنّه في طريق البحث عن العقيدة والمذهب الصحيح لا ينبغي أن نتحقّق في المواضيع الهامشية ، بل يجب علينا أن نبحث في الأُسس والأركان ، ثمّ إنّ رضينا وقنعنا بها ، نقبل بالتفاصيل بصورة عامّة.

ولا يعقل أن نتساءل في كُلّ مورد عن الأدلّة والتفاصيل ، بل نرجع فيها إلى ذوي الخبرة والاختصاص ، فالمسائل والفروع الفقهية هي محلّ بحث ونقاش حتّى الآن ، وهذا لا يخدش في أصل العقيدة والمذهب بعد ما أثبتنا صحّته بالدلائل العقلية والنقلية.

( عبد اللّه - الكويت - سنّي - 25 سنة - دبلوم تجارة )

تعليق على الجواب السابق :

س : السلام عليكم يا اتباع الحقّ.

في الحقيقة أنّني استلمت ردّكم على سؤالي ، وأنا أشكركم جدّاً على جهدكم المتواصل ، لتوصيل مذهب أهل البيت للناس ، ولكن للأسف قليل من الناس من يعرف قدر أهل بيت رسول اللّه ، المهمّ أنّني قرأت الإجابات ، وإنّني أصارحكم بأنّني لم اقتنع بشكل كامل ، ولكن أصبحت الصورة أوضح والحمد لله.

( حسام - .... - سنّي )

التطبيق العملي لها :

السؤال : الإخوة الأفاضل في مركز الأبحاث العقائدية.

ص: 222


1- السنن الكبرى للبيهقي 7 / 168 ، سنن الدارقطني 3 / 188 ، سنن ابن ماجة 1 / 649.

أُحبّ أن أشكركم على الكتب التي أرسلتموها لي في الفترة الماضية ، والحقيقة تقال : أنّ لديكم علماء ذوي أقدام راسخة في العلم ، وللأسف نحن أهل السنّة لا نعرفهم ، وهذا من باب إغلاق العقول وللأسف ، ولكنّني لست ممّن يغلق عقله ، بل على العكس أُحبّ الانفتاح على الفرق المخالفة لأهل السنّة ، بل لي كثير من الأفكار التي تخالفهم ، والحقيقة أنّني أقرأ كتبكم بحبّ وشوق ، وأنا حريص على الحقيقة.

ولكن عندي تساؤل وهو : إذا قلنا بالمتعة وجوازها بناء على الأدلّة ، كيف سيتمّ تطبيق ذلك عملياً ، ومقصدي : أنّ المرأة حينما تتزوّج بطريق المتعة عدّة مرّات ، ألا يعتبر ذلك عيباً في حقّها ، حتّى أنّ الأمر قد يصل إلى أن تفتح النساء مجالاً لأن تتزوّج بالمتعة ، فهل هذه التطبيقات العملية تكون مجدية أم لا يعتبر ذلك من العيوب؟ فيصير الأمر كأنّه شبيه ببيوت الدعارة؟ أرجو الإفادة في هذه النقطة.

ج : نسأل اللّه تعالى أن يوفّقكم لكُلّ خير ، ويبارك في جهودكم ويسدّد خطاكم ، ونلفت انتباهكم إلى عدّة أُمور :

1 - المتعة كالزواج الدائم في وجوب العدّة ، فكما يجب على المرأة المطلّقة في الزواج الدائم أن تعتدّ ، فكذا يجب على المرأة في المتعة أن تعتدّ بعد أن تنقضي المدّة المقرّرة ، وبناء على هذا الأصل لا يرد ما ذكرتموه.

ويكون حال المتمتعة كحال المرأة التي تطلّق عدّة مرّات ثمّ تتزوّج ، وما أكثر أمثال هذه الموارد في عصرنا الحاضر ، بالأخص في الخليج ، حيث أنّ الطلاق عندهم كثير جدّاً ، والمرأة تطلّق وتتزوّج عدّة مرّات.

2 - أنّ المتعة بُنيت على الكتمان ، كما ورد في الحديث.

3 - أنّ المتعة من المسائل التي جعلها الإسلام لحلّ المسألة الجنسية والاحتياج الجنسي في المجتمع ، وذلك بصورة منتظمة ، وذلك لئلاّ يقع الناس في حرج

ص: 223

ويرتكبوا المحرّم ، حتّى أنّ أمير المؤمنين عليه السلام صرّح : « لولا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلاّ شقي » (1).

وعن ابن عباس : « ما كانت المتعة إلاّ رحمة رحم اللّه بها هذه الأُمّة ، ولولا نهي عمر بن الخطّاب عنها ما زنى إلاّ شقي » (2).

وكُلّ ما ذكرتموه من اشكالات وتصوّرات ترتابها الشكوك عن الواقع العملي للمتعة ، إنّما ينشأ لعدم أُلفة مجتمعاتنا لهذه المسألة ، ولم يكن تحريماً بسيطاً كسائر التحريمات ، وإنّما تحريم وعقاب ، تحريم مع تهديد بالرجم ، مع التشديد في العقوبة.

ففي المبسوط للسرخسي قال عمر : « لا أُوتي برجل تزوّج امرأة إلى أجل إلاّ رجمته ، ولو أدركته ميّتاً لرجمتُ قبره » (3).

وإنّ تحريم عمر للمتعة وتغليظه في التحريم ، ممّا جعل هذه المسألة تكون غير مألوفة في المجتمعات الإسلامية ، وإلاّ فإنّها كانت في غاية البساطة ، حتّى أنّ عبد اللّه بن مسعود قال : كنّا نغزو مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ليس لنا نساء ، فقلنا : ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ، ثمّ رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل ، ثمّ قرأ عبد اللّه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) (4).

وروي عن ابنة أبي خثيمة : « أنّ رجلاً قدم من الشام فنزل عليها ... ، فمكث معها ما شاء اللّه أن يمكث ، ثمّ إنّه خرج ، فأخبر عن ذلك عمر بن الخطّاب ،

ص: 224


1- المصنّف للصنعاني 7 / 500 ، جامع البيان 5 / 19 ، الدرّ المنثور 2 / 140 ، التفسير الكبير 4 / 41 ، تفسير البحر المحيط 3 / 225.
2- شرح معاني الآثار 3 / 26 ، الاستذكار 5 / 506 ، التمهيد 10 / 114 ، أحكام القرآن للجصّاص 2 / 186 ، الجامع لأحكام القرآن 5 / 130 ، الدرّ المنثور 2 / 141.
3- المبسوط للسرخي 5 / 153.
4- المائدة : 87 ، وأُنظر : مسند أحمد 1 / 432 ، صحيح البخاري 6 / 119 ، صحيح مسلم 4 / 130 ، السنن الكبرى للبيهقي 7 / 79 و 200 ، المصنّف لابن أبي شيبة 3 / 271 و 391 ، السنن الكبرى للنسائي 6 / 337 ، مسند أبي يعلى 9 / 260 ، صحيح ابن حبّان 9 / 449.

فأرسل إليّ فسألني : أحقّ ما حدّثت؟ قلت : نعم ... ، قال : ما حملك على الذي فعلته؟

قال : فعلته مع رسول اللّه ثمّ لم ينهاها عنه حتّى قبضه اللّه ، ثمّ مع أبي بكر فلم ينهاها عنه حتّى قبضه اللّه ، ثمّ معك فلم تحدث لنا فيه نهياً ، فقال عمر : أما والذي نفسي بيده ، لو كنت تقدّمت في نهي لرجمتك » (1).

فمن هذا يتبيّن : أنّ المسألة كانت في غاية السهولة من ناحية الدافع العملي ، ولو كانت مجتمعاتنا قد رضيت بهذه المسألة وطبّقتها عملياً ، لكانت مجتمعاتنا مجتمعات صالحة يسودها كُلّ خير ، ولما اضطرّت إلى اختراع زواج المسيار!!

هذا ، وإنّ الأحكام الشرعية تعبّدية ، ليس لنا أن نرفضها لمجرّد بعض الفرضيات ، ولو فتحنا هكذا باب لرفضنا الكثير من الأحكام الشرعية ، أمثال مسألة الرضاع التي ربما سبّبت بعض المشاكل.

( إبراهيم عبد الكريم - النيجر - سنّي )

الشيعة تحلّلها :

س : بعد التحية الطيّبة ، أسأل اللّه أن يهدينا إلى الحقّ ، ويثبّتنا عليه بفضله وكرمه ، سؤالي هو : إنّ الشيعة يحلّلون زواج أكثر من أربع نساء.

ج : إنّ طلب الحقّ أمر ممدوح ، وعدم الاعتماد على الخصم في فهم التشيّع ، والاعتماد على كتب علماء الشيعة ، هو الطريق الوحيد لفهم مذهب أهل البيت عليهم السلام.

الشيعة لا تحلّل الزواج أكثر من أربع نساء ، نعم تحلّل الزواج المؤقت ، وله شروط منها : أن لا تكون البنت بكراً ، فلو كانت بكراً توقّف الجواز على إذن أبيها ، وتعيين الوقت والمهر ، والعدّة بعد انقضاء المدّة.

ص: 225


1- كنز العمّال 16 / 522.

وزواج المتعة اتفق المسلمون على أنّه كان حلالاً زمن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأبي بكر ، وبعض خلافة عمر ، حتّى حرّمه عمر بقوله : « مُتعتان كانتا على عهد رسول اللّه وأنا أنهى عنهما ، وأُعاقب عليهما » (1).

( أحمد منصور - البحرين )

التمتّع بالصغيرة ليست من مختصّات الشيعة :

س : أودّ في بداية هذه الرسالة أن أشكركم على جهودكم لتبيين كلمة الحقّ ، ودحض الحجج الواهية لأعداء مذهب الحقّ ، ممّا يأخذه بعضهم علينا مسألة التمتّع بالصغيرة أو الرضيعة ، وضّحوا لنا هذه المسألة ، جزاكم اللّه خيراً ، وكتبه في ميزان أعمالكم.

ج : أكثر علمائنا يشترط في التمتّع بالبنت بلوغها سنّاً يصدق عليه عرفاً إمكان التمتّع بها ، وهذا غير العقد على الصغيرة ، فالعقد شيء والتمتّع شيء آخر.

وهذه الشبهة ممّا أُثيرت مؤخّراً ضدّ الشيعة ، مع أنّها ليست من مختصّات فقه الشيعة ، بل يشترك فيها الكثير من علماء مذاهب أهل السنّة ، فهذا النووي يذكر في كتابه المجموع الكثير من الآراء لفقهاء المذاهب الإسلامية ، وفي أبواب مختلفة من كتابه تصبّ مصبّ التمتّع بالصغيرة (2).

ص: 226


1- أُنظر : السنن الكبرى للبيهقي 7 / 206 ، معرفة السنن والآثار 5 / 345 ، الاستذكار 4 / 65 و 5 / 505 ، التمهيد 8 / 355 و 10 / 113 و 23 / 357 و 365 ، المحلّى 7 / 107 ، المبسوط للسرخي 4 / 27 ، المغني لابن قدامة 7 / 572 ، الشرح الكبير 7 / 537 ، شرح معاني الآثار 2 / 146 ، أحكام القرآن للجصّاص 1 / 338 و 354 و 3 / 312 ، التفسير الكبير 4 / 42 ، الجامع لأحكام القرآن 2 / 392 ، الدرّ المنثور 2 / 141.
2- المجموع 16 / 27 و 40 و 168 و 172 و 196 و 330 و 340 و 374 و 408 و 17 / 9 و 51 و 74 و 154 و 169 و 308 و 395.

( .... - الجزائر - .... )

حلّ من الحلول للزانية :

س : في اعتقادنا أنّ الزانية أصلح ما يكون لها هو زواج المتعة بعد استتابتها ، لأنّه أحفظ لها من الضياع المطلق ، والفساد الأكيد الذي يحرق الأخضر واليابس ، فالزانية أخطر على الأُمّة من الأسلحة الفتّاكة ، لأنّ الزنا يفسد الحرث والنسل ، ولو دقّقتم في الأمر ، وتتبّعتم التسلسل القرآني لوجدتم ما أشرنا له.

ج : نعم ، الزانية يمكن أن يكون زواج المتعة حلّ من الحلول لها بعد استتابتها ، ولكن لا يمكن لنا أن نحصر فلسفة زواج المتعة بهذا المنظار الضيّق ، ولا أنّ الحلّ للزانية التائبة بزواج المتعة.

وعلى كُلّ حال ، فما ذكرتموه بعمومه جيّد.

( .... - السعودية - سنّي )

تعتبر من الحلول الأساسية للمجتمع :

س : بالنسبة لزواج المتعة لدي سؤال واحد فقط : هل ترضى أن تزوّج أُختك أو ابنتك زواج متعة؟ يتمتّع بها الرجال بين الحين والآخر ، هذا هو البلاء وعدم الاستقرار ، وهضم كامل لحقوق المرأة ، وبه أصبحت المرأة مجرّد سلعة رخيصة يلهو بها الرجال بين الحين والآخر ، يأكلون منها يوماً ويتركونها يوماً ، وبزواج المتعة ليس هناك حفظ للنسل ، ولا لحقوق المرأة ، فأيّ زواج هذا الذي تصبح به المرأة مجرّد شهوة وقتية يقضي به الرجل شهوته ثمّ يتركها؟ وألا تعتقد أنّ هذا الزواج قريب جدّاً من الزنا؟

ج : تارة نبحث عن أصل المشروعية له ، وما ذكر حوله في القرآن والسنّة ، وأنّه كان ثابتاً قطعاً ، فهل نسخ؟! وكما هو المعلوم النسخ لابدّ أن يأتي متواتراً ، وإذا كان قد نسخ ، لماذا قال عمر بن الخطّاب : « مُتعتان كانتا على عهد رسول اللّه وأنا أنهى عنهما ، وأُعاقب عليهما »؟! ولماذا كان ابن عباس

ص: 227

يفتي بالمتعة إلى آخر حياته؟! وهل يصدّق بأنّ ابن عباس لم يصل إليه النسخ؟! تساؤلات علينا أن نبحث فيها.

وتارة نبحث أترضى كذا وكذا ، فهل هذا بحث علمي ، أم هو من كلام العاجزين عن الدليل الذين يهذون بهذه الترهات.

فإذا استطعنا أن نثبت أصل الحكم الشرعي ، لا يمكن أن نورد هكذا خزعبلات ، وإذا فتحنا الباب أمام هذه المغالطات ، فإنّها ستجري على جميع الأحكام الشرعية.

فلو كانت أُختك أو ابنتك قد طلّقت ، وتزوّجت ثانية ، وطلّقت ، وأرادت الزواج مرّة أُخرى ، فكيف ترضى أن يتمتّع بها الرجال بين الحين والآخر؟!

وكما هو معلوم لدى أهل التحقيق : أنّ المتعة لها شروط منها : أن لا تكون بكراً ، فإذا كانت بكراً يشترط في زواجها متعة إذن الولي ، ومنها : العدّة ، فإذا انقضت المدّة وأرادت أن تتمتّع بآخر لا يمكن لها إلاّ بعد العدّة.

فالمتعة حقيقة ثابتة ، تعتبر من الحلول الأساسية للمجتمع ، وذلك إذا طبّقت بشرطها وشروطها.

( كنان حداد - ... - ..... )

تساؤلات حول المتعة :

س : وجزاكم اللّه كُلّ خير ، أرجو إجابتكم المفصّلة عن هذه الأسئلة التي طالما أرقتني وأضاقت صدري ، وأشعلت الشكوك في نفسي :

1 - هل تمتّع الأئمّة عليهم السلام أو نساء أهل البيت؟ - مع الدليل - وإذا لم يفعلوها ، فلماذا نفعل ما لم يفعلوه؟

2 - لماذا لم يعد الإمام علي عليه السلام العمل بالمتعة عند خلافته ، وإذا أعادها فما الدليل؟

3 - كيف يمكن التوفيق بين شرط العدل بين الزوجات وبين زواج المتعة؟

4 - كيف يمكن التوفيق بين أبغض الحلال عند اللّه الطلاق ، وبين استحباب التمتّع ، بل وأكثر من مرّة؟

ص: 228

5 - كيف تكون المستمتع بها مستأجرة وهو عقد بين طرفين؟

ج : نجيب على أسئلتكم بالترتيب كما يلي :

1 - إنّ الكلام في موضوع المتعة هو الكلام في جوازه لا في وجوبه حتّى يلتزم كُلّ مسلم بإتيانه ، فنحن نثبت جواز هذا العمل في السنّة النبوية ، ومن ثمّ تفسيق من حرّمه.

هذا ، وقد يستفاد من بعض النصوص أنّ المعصومين عليهم السلام قد أتوا بهذه السنّة في بعض الأحيان (1).

ثمّ إنّ هذا العمل أساسه على الكتمان والتستّر ، خصوصاً بعد أن عرفنا أنّ السلطات آنذاك كانت تطارد المجوّزين ، وتصرّ على الحرمة.

2 - من الطبيعي أن لا تكون الإعادة بالإشهار ، فهل يعقل أنّ الإمام عليه السلام يعلن الجواز على رؤوس الإشهاد؟ وما هي المصلحة من وراء ذلك؟ بل الطريق المتعارف هو عدم الردع عن العمل من جهة ، والإشارة إلى شناعة اجتهاد عمر في المسألة من جهة أُخرى ، وهذا ما صدر عنه عليه السلام إذ قال : « لولا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلاّ شقي » (2).

3 - لا علاقة بين المسألتين ، فإنّ المتعة لا تعارض حقوق الزوجات ، فللرجل أن يجمع بين الجهات المذكورة ، وأمّا إن فرضنا أنّ رجلاً لا يتمكّن من الجمع المذكور ، فهذا أمر يخصّه ، ولا يرتبط بمبدأ تشريع الحكم.

4 - الفرق واضح بين المقامين : فإنّ حكمة الزواج الدائم تأسيس كيان في المجتمع - العائلة - بناؤه على الدوام والاستمرار ، وحينئذٍ فانقطاعه في الحقيقة يحدث تضعضعاً في نظام المجتمع والأُسرة ، فهو حدث غير مرغوب فيه على شذوذه وندرته بخلاف زواج المتعة ، إذ هو عقد منقطع ومؤقت إلى أجل معلوم ، فلم يؤخذ فيه الاستمرارية حتّى نصطدم بانقضاء المدّة ، أي أن انتهاء الأجل في

ص: 229


1- وسائل الشيعة 21 / 10 و 13.
2- المصنّف للصنعاني 7 / 500 ، جامع البيان 5 / 19 ، الدرّ المنثور 2 / 140 ، التفسير الكبير 4 / 41 ، تفسير البحر المحيط 3 / 225.

الزواج المنقطع هو فرض قد أُخذ في العقد ، والطرفان على علم مسبق به ، ولكنّ الطلاق في الزواج الدائم هو أمر غير متوقّع في الأصل ، بل هو حلّ لحالات استثنائية وطارئة.

5 - نعم ، زواج المتعة عقد بين الطرفين ، ولا ينافي ذلك أن يكون عقد إجارة ، والمقصود من عقد الإجارة في المقام هو التنظير بين المسألتين في الحكم من حيث اعتبار المدّة والأجل والأجرة في مشروعية العمل في كلا الموردين.

( أبو هادي - فلسطين - سنّي - بكالوريوس تجارة )

صحيحة عقلاً وشرعاً :

س : أودّ أن أسأل عن زواج المتعة وحكمه؟ مع الاسترشاد بالأحاديث أو الآيات القرآنية الكريمة.

ج : هو حلّ معقول وجذري للمشكلة الجنسية في ظروف عدم التمكّن من الزواج الدائم ، أو موارد حرجة أُخرى ، هذا بحسب العقل.

وأمّا من جهة النصوص ، فلا خلاف في ثبوت تشريع المتعة عند علماء المذاهب الإسلامية بأجمعهم ، معتمدين في ذلك على آية ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) (1) ، حتّى أن بعضهم قد قرأها بالشكل التالي : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ إلى أجل مسمّى ) (2) ، وهذا صريح في إرادة الزواج المؤقت.

وعلى أيّ حال ، فالكُلّ متّفقون على إباحة المتعة بالكتاب والسنّة (3).

ص: 230


1- النساء : 24.
2- المستدرك 2 / 305 ، السنن الكبرى للبيهقي 7 / 206 ، المعجم الكبير 10 / 320 ، الاستذكار 5 / 505 ، التمهيد 10 / 113 ، جامع البيان 5 / 18 ، معاني القرآن 2 / 61 ، أحكام القرآن للجصّاص ، الكشف والبيان 3 / 286 ، معالم التنزيل 1 / 414 ، الجامع لأحكام القرآن 5 / 130 ، تفسير البحر المحيط 3 / 225 ، تفسير القرآن العظيم 1 / 486 ، الدرّ المنثور 2 / 140.
3- أُنظر : جامع البيان 5 / 18 ، الجامع لأحكام القرآن 5 / 130 ، الدرّ المنثور 2 / 140 ، تفسير القرآن العظيم 1 / 486.

ثمّ إنّ المخالفين للجواز يدّعون ورود النسخ لهذه الآية بآيات أظهرها من حيث الدلالة هي : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ) (1) بتوهّم حصر الزواج الشرعي في الدائم ، وملك اليمين ، ولكن من الواضح أنّ هذه الآية مكّية ، وآية المتعة مدنية ، ولا يعقل تقدّم الناسخ على المنسوخ ، على أنّ الآية المذكورة لا تنفي مشروعية المتعة ، إذ أنّها زواج شرعي - استناداً إلى الأدلّة التي ذكرناها - فتدخل ضمن ( أَزْوَاجِهِمْ ) في الآية.

وأيضاً قد اعتمدوا في إثبات الناسخ بروايات وأحاديث قد يوهم بعضها النسخ ، ولكن يردّه - مع غضّ النظر عن أسانيدها - بأنّها مختلفة فيما بينها في محلّ ورود النسخ ، حتّى أُشير إلى ستّة مواطن : خيبر ، عمرة القضاء ، عام الفتح ، أوطاس ، تبوك ، حجّة الوداع ، حنين (2) ، ممّا يوجب الاضطراب في مفادها ومضامينها ، ومن ثمّ عدم الركون إليها ، خصوصاً أنّها أخبار آحاد ، لا تصلح لنسخ الكتاب - على مبناهم -.

ومع التنزّل فإنّ هذه الأخبار متعارضة مع الأحاديث الدالّة على الجواز ، والتي هي صحاح تصل إلى حدّ الاستفاضة ، فإن قلنا بتساقط الطرفين في المعارضة ، أو ترجيح طرف الجواز لموافقتها لآية المتعة - كما هو المقرّر في علم الأُصول في حلّ التعارض بين الأخبار - تثبت نظرية الشيعة في التمسّك بالجواز في المقام.

وهنا لابأس أن نشير بورود بعض الروايات التي تدلّ بصراحة على أنّ المنع لم يشرّع في عهد الرسول صلى اللّه عليه وآله ، بل أنّه كان باجتهاد خاصّ من قبل عمر! (3) حتّى أنّ بعضهم صرّح بأنّ عمر أسند النهي والمنع عن المتعة إلى نفسه ، لا إلى تشريع الرسول صلى اللّه عليه وآله (4).

ص: 231


1- المؤمنون : 5 - 6 ، المعارج : 29 - 30.
2- فتح الباري 9 / 138.
3- فتح الباري 3 / 339 و 9 / 141 ، كنز العمّال 16 / 523 ، جامع البيان 5 / 19 ، الدرّ المنثور 2 / 140 ، مسند أحمد 3 / 380.
4- شرح تجريد العقائد : 374.

( محمود أحمد عباس - العراق .... )

النهي عنها محمول على التقية :

س : وجدت حديثاً في كتاب وسائل الشيعة عن المتعة ، والحديث يقول : عن الحسين بن علوان ، عن عمرو بن خالد ، عن زيد بن علي ، عن آبائه عن علي عليه السلام قال : « حرّم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يوم خيبر لحوم الحمر الأهلية ونكاح المتعة » (1) ، فهذا الحديث يدلّ على أنّ النبيّ قد حرّم المتعة؟

ج : عند مراجعة سند الحديث نجد فيه : الحسين بن علوان : لم ينصّ على توثيقه ، بعكس أخيه ، ونسبه البعض إلى العامّة أو الزيدية ، وهو إلى الزيدية أقرب ، بدلالة من يروي عنهم.

وعمرو بن خالد : نُسب إلى العامّية ، وذكروا أنّه بتري زيدي ، بل من رؤسائهم ، وهو الأقرب (2).

وعلّق على الحديث الحرّ العاملي في الوسائل : حمله الشيخ وغيره على التقية - يعني في الرواية - لأنّ إباحة المتعة من ضروريات مذهب الإمامية.

فهذه الرواية لا تنهض حجّة على تحريم المتعة ، وذلك : لما مرّ آنفاً ما في سندها من وهن ، مع معارضتها لظاهر القرآن ، والروايات الصحيحة الكثيرة في حلّية المتعة ، وبعدها فهي محمولة على التقية.

( عبد السلام - المغرب - .... )

التمتّع بملك اليمين :

س : الإخوة الأفاضل القائمين على هذا الموقع : حكم التمتّع بالأمة ملك اليمين؟ هل لازال هذا الحكم قائماً؟ وجزاكم اللّه خيراً.

ص: 232


1- وسائل الشيعة 21 / 12.
2- أُنظر : منتهى المطلب 4 / 255 ، رجال الطوسي : 142 ، رجال ابن داود : 264 ، نقد الرجال 3 / 331 ، طرائف المقال 2 / 33 ، معجم رجال الحديث 14 / 102 ، وغيرها.

ج : ملك اليمين والعبيد والإماء في عصرنا الحاضر ليس لهم وجود ، وفي زمان وجودهم كُلّ من كان يملك أمة فيحقّ له أن يتمتّع بها بملكها ، وهذا ممّا لا خلاف فيه بين جميع المسلمين.

( محمّد - السعودية - 16 سنة - طالب ثانوية )

تكره مع المشهورة بالزنا :

س : لا أعرف ردّ هذه الشبهة ، فالرجاء المساعدة - وجدتها في بعض المنتديات - الخميني يجيز التمتّع بالزانية ، يقول في كتابه « تحرير الوسيلة » : مسألة 18 : يجوز التمتّع بالزانية على كراهية ، خصوصاً لو كانت من العواهر والمشهورات بالزنا ، وإن فعل فليمنعها من الفجور. تحرير الوسيلة 2 / 292.

ج : هذه الفتوى لم ينفرد بها السيّد الخميني ، بل هي قول الكثير من علمائنا ، بل المشهور جوازه بلا كراهة ما لم تكن مشهورة بالزنا ، فيكون السيّد أشدّ من غيره ، وأكثر احتياطاً بقوله بالكراهة مع وجوب منعها حينئذ من الزنا فلا مؤاخذة عليه.

وأمّا الآية الكريمة : ( الزَّانِي لاَ يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) (1).

فسوف لن أقول لك راجع التفاسير وكتب الفقه لمذهبك ، وأُنظر الاختلاف في فهمها منذ الرعيل الأوّل من الصحابة ، وثمّ التابعين ، ثمّ المذاهب الفقهية الأربعة وغيرها ، ولكنّني سوف أردّ ردّاً واحداً وبسيطاً وهو : لو كانت الآية على ظاهرها للزم جواز زواج الزاني المسلم من المشركة ، والزانية المسلمة من المشرك ، وهذا لا يقول به مسلم ، وانعقد الإجماع على خلاف ذلك وعدم جوازه ، وبالتالي نقول : أنّ الآية صحيح أنّ ظاهرها يقتضي تحريم الزواج من الزانية ، ولكنّ الظاهر إذا اصطدم بإجماع أو نصّ - كما قدّمنا آنفاً - فحينئذ لا يكون الظاهر حجّة.

ص: 233


1- النور : 3.

( أحمد - الإمارات - 19 سنة - طالب حوزة )

ليست مسألة سائبة لا ضوابط فيها :

س : هذه شبهة وردت في إحدى مواقع الوهّابية في المنتديات ، أرجو الردّ السريع : لو سألت هذا السؤال : هل يجوز لأيّ رجل أن يدخل أيّة أُنثى أيّ مكان ليفعل بها ما يشاء متى شاء ، ثمّ يدعها لينصرف إلى غيرها بمجرّد أن يتبادلا التلفّظ ببضع كلمات عن الثمن والمدّة أو عدد المرّات ، ومتّعتك نفسي وبلا حاجة إلى ولي أو شهود؟ ولا داعي للسؤال عمّا إذا كانت المرأة ذات زوج أو أنّها من الزانيات؟

لجاء الجواب ومن أوثق المصادر : بسمه تعالى يجوز ذلك!! أرجو المساعدة على الردّ على تلك الحثالة الوهّابية ، وشكراً.

ج : إنّ النكاح المنقطع - أو زواج المتعة كما يسمّى - هو زواج شرعي دلّت عليه النصوص القرآنية والنبوية الشريفة بما لا غبار عليه ، ودعوى نسخه دعوى باطلة لم يرد بها كتاب أو سنّة ، ومن أجل الوقوف التفصيلي على أدلّة هذا الزواج ومشروعيته وضوابطه انصح السائل أو المستشكل بالعودة إلى بعض البحوث المهمّة التي تناولت هذا الزواج بالشرح والتحقيق ككتاب « مسائل فقهية » للسيّد عبد الحسين شرف الدين قدس سره.

وكذلك كتاب « المتعة وأثرها في الإصلاح الاجتماعي » للأستاذ توفيق الفكيكي ، ليقف المرء على شروط وضوابط هذا الزواج الشرعي الصحيح ، وأنّه متى تحتاج المرأة إلى إذن وليّها في هذا الزواج ومتى لا تحتاجه ، وأيضاً ليتعرّف على الصفات التي يحثّ الشرع على توفّرها في المرأة المتمتّع بها.

فالمسألة ليست كما يتوهّم البعض أنّها مسألة سائبة لا ضوابط فيها ، كي تكون محلاً للترهات والأقوال الجاهلة ، وبالعودة إلى تلك المصادر وقراءتها بتمعّن وتدبّر يزداد المرء فهماً وعلماً بدينه وأحكام شريعته.

ص: 234

المسح على الرجلين :

اشارة

( سارة حسين - الكويت - .... )

في قوله ( وَأَرْجُلَكُمْ ) ثلاث قراءات :

س : بالنسبة لآية الوضوء الواردة في سورة المائدة ، هل صحيح أنّ ( وَأَرْجُلَكُمْ ) معطوفة على اغسلوا ، حيث أنّ الآية تقول : ( وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ) (1) ، ولستُ ضالعة بقواعد اللغة العربية ، فهي معطوفة على من؟ أرجو إفادتي بأقرب وقت ممكن ، وجزاكم اللّه خيراً.

ج : في قوله تعالى : ( وَأَرْجُلَكُمْ ) ثلاث قراءات :

القراءة بالرفع ، ووصفت هذه القراءة بالشذوذ ، والوجه بالرفع قالوا : بأنّ الرفع هذا على الابتداء ، وكُلّ مبتدأ يحتاج إلى خبر ، فقال بعضهم : الخبر مغسولة ، يعني : وأرجلكم مغسولة.

قال الآلوسي : « وأمّا قراءة الرفع فلا تصلح للاستدلال للفريقين ، إذ لكُلّ أن يقدّر ما شاء ، ومن هنا قال الزمخشري فيها : إنّها على معنى وأرجلكم مغسولة أو ممسوحة » (2).

وأمّا القراءة بالجر ، ووجه هذه القراءة واضح ، لأنّ الواو عاطفة : تعطف الأرجل على الرؤوس ، والرؤوس ممسوحة فتكون الأرجل أيضاً ممسوحة.

ص: 235


1- المائدة : 6.
2- روح المعاني 3 / 251.

وأمّا القراءة بالنصب ، ووجه هذه القراءة واضح ، لأنّ الواو عاطفة على محلّ الجار والمجرور ، يعني : على محلّ كلمة : ( بِرُؤُوسِكُمْ ) ، ومحلّ ( بِرُؤُوسِكُمْ ) منصوب ، والعطف على المحلّ مذهب مشهور في النحو ، ولا خلاف في هذا على المشهور بين علماء النحو ، فيكون حكم الأرجل المسح كما هو في الرأس ، بناءً على العطف على محلّ ( بِرُؤُوسِكُمْ ) .

وتجدون الاعتراف من كبار علماء أهل السنّة على أنّ قراءة الجر والنصب على وجوب المسح دون الغسل (1).

( محمّد السعيد - البحرين - .... )

القرآن صريح في وجوبه :

س : دخلت بعض المنتديات ووجدت بعض هذه الشبهات ، فهل من إجابة وبالدليل؟ الشيعة يمسحون على أرجلهم ولا يغسلونها ، مع أنّه هناك من هو كثير العرق ، والذي رائحة رجله مؤذية ....

ج : إنّ الأحكام الشرعية توقيفية ، بمعنى أنّ الشارع يحدّدها ، فإذا ثبت حكم ما أنّ الشارع أثبته ، فلا يحقّ لنا إعمال ما تشتهيه أنفسنا ، ولماذا كذا؟ أو هل إذا كان كذا كان كذا.

فالقرآن صريح في وجوب المسح على الرجلين ، لأنّ قوله تعالى : ( وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ) (2) إذا قرأت بالنصب أو الجرّ فإنّها معطوفة على برؤوسكم ، أو على محلّ برؤوسكم ، فيكون حكم الأرجل المسح ، فالشارع يوجب المسح ، ومن شاء بعد المسح أن يغسل فإنّه ليس من الوضوء ، بل أمر آخر خارج عن الوضوء.

ص: 236


1- أُنظر : المبسوط للسرخي 1 / 8 ، المغني لابن قدامة 1 / 120 ، التفسير الكبير 4 / 305.
2- المائدة : 6.

( عبد اللّه - الكويت - 28 سنة - خرّيج ثانوية )

معنى الكعب في قوله ( إِلَى الْكَعْبَينِ ) :

س : إنّ سؤالي بسيط جدّاً ، وهو عن موضوع مسح الرجلين في الوضوء : إنّي قرأت الكثير من الكتب في هذا المجال من السنّة والشيعة ، وكُلّ له دلائله ، ولكن سؤالي هو : لماذا ذكرت الآية القرآنية ( إِلَى الْكَعْبَينِ ) ، ونحن كشيعة لا نصل إلى الكعبين مطلقاً؟

نعم ، نحن نمسح كما في الآية المباركة ، ولكنّنا كما قلت أنّنا لا نصل إلى الكعبين ، وهم - أي أهل السنّة - يصلون إلى الكعبين ولكنّهم يغسلون ، لماذا توجد كلمة في القرآن ونحن لا نطبّقها ، أعني بذلك كلمة الكعبين؟

أرجو المعذرة ، ولكنّي فعلاً لا أستطيع أن أُجيب أيّ أحد ، وهل هي مجرّد زيادة في القرآن والعياذ باللّه؟ عندما يقول لي : إنّ الآية قالت : إلى الكعبين ، فلماذا لا نصل للكعبين؟

ج : إنّ الكعبين لا تعنيان أسفل القدم كما ربما يتوهّمه البعض ، بل المقصود من الكعبين هو قبّة القدم ، أي : أعلاه ، بمعنى : الارتفاع الظاهر فوق القدم ، هذا هو تعريف الكعبين.

ولا يمكن الاعتماد على قول أهل اللغة هنا لتحديد مفهوم الكعبين ، لاختلافهم في تعريفهما ، والرجوع إلى روايات أهل البيت عليهم السلام في تحديد مفهوم الكعبين هو الأهم في هذا المقام.

ففي صحيحة أحمد بن محمّد البزنطي عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : « سألته عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفّه على الأصابع فمسحها إلى الكعبين إلى ظاهر القدم ... » (1).

وهذا ظاهر أنّ المراد من الكعبين هو : العظم الناتي من قبّة القدم ، وليس شيئاً آخر ، وذلك بقرينة قوله عليه السلام : « إلى الكعبين إلى ظاهر القدم » ، وقوله : « ظاهر القدم » بيان لمعنى الكعبين.

ص: 237


1- الكافي 3 / 30 ، الاستبصار 1 / 62.

وما ورد عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال : « ألا أحكي لكم وضوء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله »؟ ثمّ أخذ كفّاً من ماء فصبّها على وجهه ... ثمّ مسح رأسه وقدميه ، ثمّ وضع يده على ظهر القدم ، ثمّ قال : « هذا هو الكعب » ، وأومأ بيده إلى أسفل العرقوب ، ثمّ قال : « إنّ هذا هو الظنبوب » (1).

فالظنبوب هو : منتهى العرقوب إلى أسفل ، أي سفل القدم من مؤخّره ، وقد اشتبه على أهل السنّة بأنّ هذا هو الكعب ، لذا فقوله تعالى : ( إِلَى الْكَعْبَينِ ) ليس كلاماً زائداً بل حكيماً ، ولا اشتباه فيما التزمه الشيعة من المسح على هذه المنطقة ، فالمسح أوفق في تحديدنا هذا بالكعب.

ولا يصلح الغسل بعد ذلك ، إذ كيف يمكنك غسل هذه المنطقة دون التعدّي إلى ما خلف الكعبين ، لذا فمسح الكعبين هو ما ذهب إليه الشيعة وهو ما ذكرناه لك.

ص: 238


1- تهذيب الأحكام 1 / 75.

مصحف فاطمة عليها السلام :

اشارة

( أحمد الخاجة - البحرين - 15 سنة - طالب ثانوية )

عند الإمام المهدي :

س : هل ينزل الوحي بعد الرسول صلى اللّه عليه وآله؟ وما صحّة الرواية أنّ الوحي نزل على فاطمة الزهراء عليها السلام ، ليوحي لها بمصحف فاطمة؟ وهل مصحف فاطمة لا يزال موجوداً؟ وهل هو نفس المصحف الذي نراه عند بعض الإيرانيين في البقيع ، والذي يكتب عليه مصحف فاطمة؟

ج : وردت أحاديث - فيهّن صحاح - على وجود مصحف لفاطمة عليها السلام ، من إملائها أو إملاء الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وخطّ علي عليه السلام ، وفي بعضها أنّ ملكاً أو جبرائيل كان يحدثّها ، ثمّ هي تملي على أمير المؤمنين عليه السلام ليخطّه (1) ، ولكن هذا ليس بمعنى نزول الوحي بعد الرسول صلى اللّه عليه وآله ، بل أنّ الوحي هو نزول جبرائيل بالرسالة النبوية ومتطلّباتها.

والحال أنّ المصادر التي أثبتت وجود المصحف المذكور أكّدت في نفس الوقت بعدم علاقته بالتشريع ، بل فيه إخبارات عن التكوين ، وإنباءات عن المستقبل ، وبين المقامين بون شاسع كما ترى.

ثمّ الذي ينبغي أن يقال هو : إنّ هذا المصحف لم يكن موجوداً في متناول أيدينا ، بل هو عند إمام العصر المهدي عليه السلام ، وعليه لا معنى للظفر عليه عند بعض الشيعة!!

ص: 239


1- الكافي 1 / 240 ، بصائر الدرجات : 173.

( عبد اللّه - السعودية .... )

ليس هو قرآن الشيعة :

س : أُريد أن أعرف هل صحيح أنّ للشيعة قرآناً غير هذا القرآن الموجود في البلاد الإسلامية؟ ويسمّونه بمصحف فاطمة.

ج : لقد أثار مصحف فاطمة عليها السلام حفيظة العديد من الكتّاب ، واتخذوا منه وسيلة للطعن والتشنيع على أتباع أهل البيت عليهم السلام ، باستغلال اسمه باعتبار أنّه يطلق عليه مصحف ، وجعله باباً لاتهام الشيعة بأنّهم لا يعترفون بالقرآن الموجود بين الدفتين ، والمتداول بين المسلمين قاطبة ، فيوقعون الناس في وهم : بأنّ مصحف فاطمة المذكور هو القرآن الذي يعتقده الشيعة.

وهنا لابدّ من معالجة هذه الشبهة التي أُثيرت حول مصحف فاطمة عليها السلام ، والضجّة المفتعلة التي يطلقها هؤلاء الكتّاب ، الذين ينقصهم الاطلاع الكافي والدقّة العلمية إن أحسنّا الظنّ بهم ، أو تنقصهم الأمانة والإنصاف ، فنقول :

أنّ الشيعة تعتقد بأنّ مصحف فاطمة عليها السلام ليس قرآناً ، بل القرآن هو ذلك الكتاب المنزل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، والمتداول الآن بين يدي المسلمين.

وأمّا مصحف فاطمة عليها السلام فهو مجرّد كتاب كتبه الإمام علي عليه السلام ، ذكر فيه أخبار ما كان وما يكون التي نقلتها له فاطمة الزهراء عليها السلام ، وليس فيه آية من آيات القرآن الكريم ، كما صرّحت بذلك الروايات الواردة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، نذكر منها :

1 - عن أبي عبيدة عن الإمام الصادق عليه السلام : « إنّ فاطمة مكثت بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله خمسة وسبعين يوماً ، وقد كان دخلها حزن شديد على أبيها ، وكان جبرائيل يأتيها فيحسن عزاها على أبيها ، ويطيب نفسها ، ويخبرها عن أبيها ومكانه ، ويخبرها بما يكون بعدها في ذرّيتها ، وكان علي عليه السلام يكتب ذلك ، فهذا مصحف فاطمة عليها السلام » (1).

ص: 240


1- بصائر الدرجات : 173.

2 - عن أبي حمزة عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « مصحف فاطمة ما فيه شيء من كتاب اللّه ، وإنّما هو شيء أُلقي عليها بعد موت أبيها صلى اللّه عليهما » (1).

3 - عن عنبسة بن مصعب عن الإمام الصادق عليه السلام : « ومصحف فاطمة أما واللّه ما أزعم أنّه قرآن » (2).

4 - عن الحسين بن أبي العلاء قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : « ومصحف فاطمة ما أزعم أنّ فيه قرآناً » (3).

5 - عن محمّد بن عبد الملك عن الإمام الصادق عليه السلام : « وعندنا مصحف فاطمة ، أما واللّه ما هو بالقرآن » (4).

6 - عن علي بن سعد عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « وفيه مصحف فاطمة ، ما فيه آية من القرآن » (5).

7 - عن علي بن أبي حمزة عن الإمام الكاظم عليه السلام قال : « عندي مصحف فاطمة ليس فيه شيء من القرآن » (6).

8 - عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « وإنّ عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام ، وما يدريهم ما مصحف فاطمة ، مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرّات ، واللّه ما فيه من قرآنكم حرف واحد » (7).

9 - عن حمّاد بن عثمان قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : « إنّ اللّه تعالى لمّا قبض نبيّه صلى اللّه عليه وآله دخل على فاطمة من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلاّ اللّه عزّ وجلّ ، فأرسل إليها ملكاً يسلّي عنها غمّها ويحدّثها ، فشكت ذلك إلى أمير

ص: 241


1- المصدر السابق : 179.
2- المصدر السابق : 174.
3- المصدر السابق : 170.
4- بحار الأنوار 26 / 38.
5- بصائر الدرجات : 176.
6- المصدر السابق : 174.
7- المصدر السابق : 172.

المؤمنين عليه السلام فقال لها : إذا أحسست بذلك فسمعت الصوت فقولي لي ، فأعلمته بذلك ، فجعل يكتب كُلّما سمع حتّى أثبت من ذلك مصحفاً ».

قال : ثمّ قال : « أما إنّه ليس فيه شيء من الحلال والحرام ، ولكن فيه علم ما يكون » (1).

يتبيّن من خلال هذه الروايات أنّ مصحف فاطمة عليها السلام ليس قرآناً ، وليس هناك أيّ رواية توهّم كونه قرآناً ، فضلاً عن كونها ظاهرة في ذلك ليتمسّك بها من يفتّش عن المطاعن ، وعلى فرض وجودها فإنّ الروايات المستفيضة الواضحة صريحة ، والتي قدّمنا طائفة منها تقتضي رفع ذلك التوهّم أو الظهور لو تمّ وسلّم.

( محمّد - 22 سنة - طالب )

ليس فيه أحكاماً شرعية :

س : بارك اللّه في جهودكم ، لدي سؤال : هل في مصحف فاطمة أحكام شرعية؟

ج : يزعم البعض أنّ مصحف فاطمة عليها السلام يحوي أحكاماً شرعية ، وهو يستند إلى رواية عن الحسين بن أبي العلاء قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : « عندي الجفر الأبيض » ، قال : قلنا : وأيّ شيء فيه؟ قال : فقال لي : « زبور داود ، وتوراة موسى ، وإنجيل عيسى ، وصحف إبراهيم ، والحلال والحرام ، ومصحف فاطمة ، ما أزعم أنّ فيه قرآناً ، وفيه ما يحتاج الناس إلينا ، ولا نحتاج إلى أحد ، حتّى أنّ فيه الجلدة ، ونصف الجلدة ، وثلث الجلدة ، وربع الجلدة ، وأرش الخدش » (2).

ونجيب : أوّلاً : إنّ قوله : « وفيه ما يحتاج الناس إلينا » ليس معطوفاً على قوله : « ما أزعم أنّ فيه قرآناً » ليكون بياناً لما يحتويه المصحف ، وإنّما هو

ص: 242


1- المصدر السابق : 177.
2- بصائر الدرجات : 170.

معطوف على قوله : « زبور داود ، وتوراة موسى و ... » أي إنّ في الجفر الأبيض : زبور داود ، وتوراة موسى ، ومصحف فاطمة ، وفيه الحلال والحرام ، وفيه ما يحتاج الناس إلينا.

وثمّة رواية أُخرى عن عنبسة بن مصعب ذكرت : أنّ في الجفر سلاح رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، والكتب ، ومصحف فاطمة (1).

ثانياً : إنّ الحلال والحرام - أي الأحكام الشرعية - موجود في الجفر لا في المصحف.

ص: 243


1- أُنظر : المصدر السابق : 174.

ص: 244

المعاد :

اشارة

( السيّد علي - البحرين - .... )

رأي الشيعة في التناسخ والحلول والتشبيه :

س : ما معنى التناسخ والحلول والتشبيه؟ وما هو رأي الشيعة فيها؟

ج : إنّ معنى التناسخ هو رجوع الإنسان بعد موته إلى الحياة الدنيوية عن طريق النطفة ، والمرور بمراحل التكوّن البشري من جديد ، ليصير إنساناً مرّة أُخرى ، أو هو انتقال الروح من بدن إلى بدن آخر منفصل عن الأوّل.

وقد اتّفقت الشيعة على بطلان التناسخ وامتناعه ، لأنّ في التناسخ إبطال الجنّة والنار.

سأل المأمون الإمام الرضا عليه السلام : ما تقول في القائلين بالتناسخ؟ فقال عليه السلام : « من قال بالتناسخ فهو كافر باللّه العظيم مكذّب بالجنّة والنار » (1).

ثمّ إنّ القائلين بالتناسخ ينكرون القيامة والآخرة ، ويقولون : ليس قيامة ولا آخرة ، وإنّما هي أرواح في الصور ، فمن كان محسناً جوزي بأن ينقل روحه إلى جسد لا يلحقه فيه ضرر ولا ألم ، ومن كان مسيئاً جوزي بأن ينقل روحه إلى أجساد يلحق الروح في كونه فيها الضرر والألم ، وليس غير ذلك (2).

ص: 245


1- عيون أخبار الرضا 1 / 218.
2- محاضرات في الإلهيات : 423.

وأمّا بالنسبة إلى معنى الحلول ، فهو بمعنى : أنّ اللّه تعالى يحلّ في أبدان العارفين أو يتحدّ بها ، والحلول والاتحاد من مصطلحات الصوفية.

وقد اتّفقت الشيعة على بطلانه بالوجوه العقلية والنقلية من الكتاب والسنّة الشريفة ، لأنّه يستلزم على تقدير وقوعه اجتماع القدم والحدوث ، والوجوب والإمكان في أبدان العارفين ، وغير ذلك من اللوازم الفظيعة.

وأمّا بالنسبة إلى معنى التشبيه ، فهو بمعنى : التماس الشبه لله تعالى في مخلوقاته ، أو تمثيله تعالى بمخلوقاته في الأُمور الجسمية المادّية ، والأُمور المعنوية الفكرية.

وقد اتّفقت الشيعة على بطلان التشبيه وامتناعه لعدّة أدلّة منها : قوله تعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) (1).

( .... - إيران - .... )

من هم الولدان المخلّدون :

س : من هم الولدان المخلّدون الذين ذكروا بالقرآن الكريم؟ وماذا يفعلون يوم القيامة؟

ج : قد وردت آيتان في القرآن الكريم فيها لفظ : ( وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ ) ، كما في قوله تعالى : ( وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَّنثُورًا ) (2) ، وقوله تعالى : ( يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ ) (3).

والولدان جمع ولد وهو الغلام ، وطوافهم عليهم - على المؤمنين في الجنّة - كناية عن خدمتهم لهم ، والمخلّدون من الخلود ، بمعنى الدوام - أي دائمون على ما هم عليه من الطراوة والبهاء ، وصباحة المنظر ، وباقون أبداً على هيئتهم من

ص: 246


1- الشورى : 11.
2- الإنسان : 19.
3- الواقعة : 17.

حداثة السن - وقيل : من الخَلَد بفتحتين وهو القرط ، والمراد أنّهم مقرطون بالخلد.

( ... - ... - ..... )

معنى ( لاَبِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا ) :

س : يقول تعالى في كتابه الكريم : ( لِلْطَّاغِينَ مَآبًا لاَبِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا ) (1) ، هل تكون الأحقاب مدّة محدّدة قد تنتهي يوماً؟

ج : الأحقاب جمع الحقبة ، وهي مدّة مبهمة من الزمن أو بلا نهاية ، فالأحقاب تكون بمعنى الأزمنة الكثيرة والدهور الطويلة من غير تحديد ، وبهذا المعنى تدلّ الآية على الخلود.

ثمّ إنّه قد ورد في بعض الأخبار والأقوال تحديد الحقب من الزمن بأربعين أو ستّين أو ثمانين سنة من سنين الآخرة ، الذي يكون اليوم فيها ( كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ) (2) ، فإن ثبت هذا المعنى فتكون الآية بمثابة الآية ( خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ... ) (3) ، إشارة كنائية إلى الديمومة والأبدية - إذ أنّ السماوات والأرض لا خلود لهما البتةً -.

نعم جاء عن حمران أنّه سأل الإمام الباقر عليه السلام عن قول اللّه ( خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ ... ) فقال : هذه في الذين يخرجون من النار (4) - لا الخالدين فيها - فإن قلنا بهذا التفسير ، فهو مذكور في بعض الآيات الأُخر مثل : ( قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ ) (5) ؛ والعلم عند اللّه تعالى.

ص: 247


1- النبأ : 22 - 23.
2- الحج : 47.
3- هود : 107.
4- تفسير العيّاشي 2 / 160.
5- الأنعام : 128.

( معد البطاط - استراليا - 30 سنة )

ماهية الولدان المخلّدون :

س : إنّ في الجنّة ولدان مخلّدون ، فكيف يدخل اللّه ناس بالجنّة ويبقون خدم؟

ج : إنّ موضوع الولدان المخلّدون أمر مسلّم عند المسلمين ، ولكن اختلفوا في ماهيّتهم ، فقيل : إنّهم أولاد أهل الدنيا لم يكن لهم حسنات فيثابوا عليها ، ولا سيئات فيعاقبوا ، فأنزلوا هذه المنزلة ، كما روي عن علي عليه السلام.

ورأي آخر قد روي عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله أنّه سئل عن أطفال المشركين فقال صلى اللّه عليه وآله : « هم خدم أهل الجنّة » ، وقيل : بل هم من خدم الجنّة على صورة الولدان ، خلقوا لخدمة أهل الجنّة (1).

وهذا يؤيّد بما في بعض الروايات من خلق جماعة لملء الجنّة في مقابل امتلاء جهنّم (2) ، وأيضاً وجود ولدان مستورون (3).

فعلى ضوء ما ذكر لا يرد هناك نقض على حكمة اللّه في خلقه وعدله.

( رباب - البحرين - 20 سنة - طالبة جامعة )

من يرعى الأطفال بعد موتهم :

س : أُولئك الذين يموتون ساعة الصيحة للآخرة لا يعيشون حياة البرزخ ، كيف ذلك؟ وسمعت أنّ الأطفال الذين يموتون وهم صغار ، ترعاهم السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام ، فهل هذا صحيح؟ أم السيّدة مريم عليها السلام؟ وجزاكم اللّه ألف خير.

ص: 248


1- مجمع البيان 9 / 391.
2- بحار الأنوار 8 / 133 و 198.
3- التبيان 10 / 215.

ج : إنّ الأدلّة العقلية والنقلية لا تدلّ على بقاء الحياة الدنيوية إلى نفخ الصور ، أي صيحة الآخرة ، فيمكن أن نلتزم بانتهاء الحياة في عالمنا ، وانتقال الجيل الأخير من البشر إلى عالم البرزخ قبل نفخ الصور بمدّة ، فيصدق عليهم أيضاً اجتياز البرزخ إلى أن ينفخ في الصور بإماتة الكُلّ.

وأمّا سؤالك عن الأطفال الذين يموتون ، فوردت روايات بمضامين مختلفة قريبة المعنى : بأنّ هؤلاء يراعون ويربّون تربية ربّانية ، إلى أن يرد أحد ذويهم إلى البرزخ ، فيدفعون إليه ، أو يبقون إلى أن يهدوا إلى آبائهم يوم القيامة.

وأمّا أنّ هذه الرعاية بيد من تكون؟ فالروايات الموجودة على طائفتين : منها ما تصرّح بأنّ هؤلاء الأطفال يحضنهم إبراهيم عليه السلام وتربّيهم سارة عليها السلام (1) ، ومنها ما تؤكّد بأنّ هذه التربية والحضانة تكون بيد فاطمة عليها السلام ؛ ويمكن الجمع بأن تكون فئة منهم هكذا وفئة أُخرى كذلك ، أو يكون الإشراف من ناحية فاطمة عليها السلام والحضانة والتربية بيدهما عليهما السلام.

وعلى أيّ حال لم نعثر على رواية يرد فيها ذكر السيّدة مريم عليها السلام كمربّية للأطفال.

( جميل أحمد - البحرين .... )

ما للنساء من أزواج في الجنّة :

س : في الجنّة يفوز المسلمين بالحور العين كما ذكر القرآن الكريم ، فعلى ماذا تحصل المسلمات؟

ج : وردت في عدّة روايات أنّ المؤمنة الصالحة تتخيّر بين البقاء مع زوجها وعدمه ، فمثلاً ورد عن الإمام الصادق عليه السلام : « إذا كان هو أفضل منها خيّره ، فإن اختارها كانت من أزواجه ، وإن كانت هي خيراً منه خيرّها ،

ص: 249


1- شجرة طوبى 1 / 32.

فإن اختارته كان زوجاً لها » (1) ، وأنّها هي المرادة من الخيرات الحسان والحور العين ، كما ورد : « أنتم الطيّبون ونساؤكم الطيّبات ، كُلّ مؤمنة حوراء عيناء » (2).

وأمّا إن لم تتخيّر زوجها ، أو كانت غير متزوّجة في دار الدنيا ، فبمقتضى قوله تعالى : ( وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ ) (3) ، لابدّ وأن يكون هناك ما يؤمّن هذا الجانب الذي أُشير إليه في السؤال ، وإن كنّا لم نعلم بخصوصيات ذلك ، وهذا لا يضّر بنا بعد يقيننا بالنعيم والجنّة.

( أُمّ علي - البحرين - .... )

نصوص في المعاد الجسماني :

س : أُريد شرحاً لمعنى تجسيد الروح؟

ج : إذا كان سؤالك عن كيفية المعاد الجسماني ، فالذي ينبغي أن يقال أنّ مورد الإعادة هو الجسم والروح معاً ، وفي نفس القالب الدنيوي ، والأدلّة العقلية والنقلية من الكتاب والسنّة تدلّ على هذا الموضوع ، والمشهور من العلماء والمحقّقين من المتكلّمين يرون هذا النوع من المعاد هو الحقّ ، فمثلاً تقول الآية : ( قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ ) (4) ، وأيضاً : ( أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ ) (5) ، وهكذا : ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ ) (6).

ص: 250


1- مجمع البيان 9 / 351.
2- الكافي 8 / 213 و 365 ، الأمالي للشيخ الصدوق : 726.
3- الزخرف : 71.
4- يس : 79.
5- العاديات : 9.
6- يس : 51.

وورد في نهج البلاغة : « أخرجهم من ضرائح القبور ، وأوكار الطيور ، وأوجرة السباع ، ومطارح المهالك ، سراعاً إلى أمره ، مهطعين إلى معاده » (1) ، « وأخرج من فيها فجدّدهم بعد أخلاقهم ، وجمعهم بعد تفريقهم » (2) ، « وأعلموا أنّه ليس لهذا الجلد الرقيق صبر على النار ، فارحموا نفوسكم » (3) ، فنرى في جميع الفقرات الإشارة إلى الجسد الدنيوي في الإعادة ، فلا محيص من الإذعان بهذا الرأي وقبوله.

( السيّد محمّد السيّد حسن - البحرين .... )

شبهة الآكل والمأكول :

س : الرجاء الردّ على شبهة الآكل والمأكول بشكل مفصّل.

ج : إنّ هذه الشبهة من أقدم الشبهات التي وردت في الكتب الكلامية حول المعاد الجسماني ، وقد اعتنى بدفعها المتكلّمون والفلاسفة على اختلاف تعابيرهم ، والإشكال يقرّر بصورتين :

الصورة الأُولى : إذا أكل إنسان إنساناً بحيث عاد بدن الثاني جزءً من بدن الإنسان الأوّل ، فالأجزاء التي كانت للمأكول ثمّ صارت للآكل ، إمّا أن تعاد في كُلّ واحد منهما ، أو تعاد في أحدهما ، أو لا تعاد أصلاً؟ والأوّل محال ، لاستحالة أن يكون جزءً واحداً بعينه في آن واحد في شخصين متباينين.

والثاني خلاف المفروض ، لأنّ لازمه أن لا يعاد الآخر بعينه.

والثالث أسوأ حالاً من الثاني ، إذ يلزم أن لا يكون أي من الإنسانين معاداً بعينه ، فينتج أنّه لا يمكن إعادة جميع الأبدان بأعيانها.

الصورة الثانية : لو أكل إنسان كافر إنساناً مؤمناً ، وقلنا بأنّ المراد من المَعاد هو : حشر الأبدان الدنيوية في الآخرة ، فيلزم تعذيب المؤمن ، لأنّ المفروض

ص: 251


1- شرح نهج البلاغة 6 / 249.
2- المصدر السابق 7 / 201.
3- المصدر السابق 10 / 122.

أنّ بدنه أو جزءً منه صار جزءً من بدن الكافر ، والكافر يٌعَذَّب ، فيلزم تعذيب المؤمن.

والفرق بين الصورتين هو : أنّ الإشكال بالتقرير الأوّل يركّز على نقص الإنسان المُعاد من حيث البدن ، ولكنّه في التقرير الثاني يركّز على أنّ المَعاد الجسماني في المقام يستلزم خلاف العدل الإلهي ، فالأساس في الإشكال في الصورتين واحد ، وهو كون بدن إنسان جزءً من بدن إنسان آخر ، ولكن المترتّب على الصورة الأُولى هو عدم صدق كون المُعاد هو المنشأ في الدنيا ، وعلى الصورة الثانية هو تعذيب البريء مكان المجرم.

أمّا الصورة الأُولى من الإشكال ، فبعض احتمالاتها ساقط جدّاً ، وهو عود المأكول جزءً لكلا الإنسانين ، فيبقى الاحتمالان الآخران ، وبأيّ واحد منهما أخذنا يندفع الإشكال ، وذلك بالبيان التالي :

إنّ الإنسان من لدن تكوّنه وتولّده إلى يوم وفاته ، واقع في مهبّ التغيّر وخضم التبدّل ، فليس وجوده جامداً خالياً عن التبدّل ، فبدن الإنسان ليس إلاّ خلايا لا يحصيها إلاّ اللّه سبحانه ، وكُلّ منها يحمل مسؤوليته في دعم حياة البدن ، والخلايا في حال تغيّر وتبدّل مستمر ، تموت وتخلفها خلايا أُخرى.

إذا عرفت ذلك ، فنقول :

1 - لو فرض أنّ بدن إنسان صار جزءً من بدن إنسان آخر ، فبما أنّ للمأكول أبداناً متعدّدة على مدى حياته ، فواحد منها مقرون بالمانع ، والأبدان الأُخر خالية منه فيحشر مع الخالي.

2 - ولو فرض أنّ جميع أبدانه اقترنت بالمانع ، فإنّه أيضاً لا يصد عن القول بالمعاد الجسماني ، لأنّ الناموس السائد في التغذية هو أنّ ما يستفيده الإنسان من الغذاء لا يتعدّى ثلاثة بالمائة من المأكول والباقي يدفعه ، فإذاً لا مانع من أن تتعلّق الروح بأحد هذه الأبدان التي تتفاوت عن البدن الدنيوي من حيث الوزن والحجم ، ولم يدلّ على أنّ المحشور في النشأة الأُخروية يتّحد مع الموجود في النشأة الدنيوية في جميع الجهات ، وعامّة الخصوصيات.

ص: 252

وأمّا الصورة الثانية من الإشكال : فقد عرفت أنّها ترجع إلى مسألة العدل الإلهي ، وأنّ كون بدن المؤمن جزءً من بدن الكافر يستلزم تعذيب المؤمن ، ولكنّه مبني على إعطاء الأصالة في الحياة للبدن ، وهي نظرية خاطئة ، فإنّ اللذائذ والآلام ترجع إلى الروح ، والبدن وسيلة لتعذيبه وتنعيمه.

فصيرورة بدن المسلم جزءً من بدن الكافر لا يلازم تعذيب المؤمن ، لأنّ المعذّب بتعذيب البدن هو روح الكافر ونفسه ، لا روح المؤمن.

وهذا نظير أخذ كُليةٍ من إنسان حيّ ، ووصلها بإنسان يعاني من ضعفها وعلّتها ، فإذا نجحت عملية الوصل وصارت الكُلية الموصولة جزءً من بدن المريض ، ثمّ عُذّب هذا المريض فالمعذّب هو هو ولو نُعّم ، فالمُنعَّم هو هو ، ولا صلة بينه وبين من وَهَب كُليته وأهداها إليه.

( جنيد عباس - غانا - .... )

الحساب أوّلاً ثمّ المرور على الصراط :

س : هل يكون الحساب قبل المرور على الصراط؟ أو يكون المرور على الصراط أوّلاً ثمّ الحساب؟ ودمتم بخير.

ج : إنّ المستفاد من النصوص الروائية هو أنّ الصراط والحساب موقفان من مواقف يوم القيامة ، وبما أنّ موقف الصراط يعني تجاوز الإنسان من منطقة قريبة عن جهنّم ، فإمّا هو ينجو من الهلكة هناك ، وإمّا أن يسقط في الهاوية - نعوذ باللّه - فيظهر أنّ أحد هذين الاحتمالين هو نتيجة أعماله التي حوسب عليها قبل الورود على الصراط.

وعليه ، فموقف الحساب والميزان يكون مقدّماً على الصراط ، وذلك لأنّ محاسبة الأعمال سوف تنتج الوقوع في جهنّم أو الخلاص منها ، وهذا هو شأن الصراط.

ص: 253

( حسن الموسوي ........ )

مسألة خلق الجنّة والنار :

س : لو تفضّلتم بالجواب على هذا السؤال : هل الجنّة موجودة حالياً أم لا؟ وإن لم تكن حالياً موجودة ، فكيف عاش آدم عليه السلام فيها ، وثمّ أُخرج منها؟ وإن كانت موجودة فأين هي حالياً؟ شكراً جزيلاً.

ج : إنّ مسألة خلق الجنّة - وكذلك النار - مسألة خلافية ؛ فقد ذهب إلى عدم خلقها أكثر المعتزلة والخوارج ، وطائفة من الزيدية ، بينما تعتقد الأشاعرة والشيعة الإمامية خلقها ، استناداً إلى ظهور الآيات والروايات.

نعم ، يظهر من كلام السيّد الرضي من الإمامية أنّه كان يقول بعدم الخلق (1).

ثم إنّ هذه الجنّة لا علاقة لها بجنّة آدم عليه السلام على التحقيق ؛ إذ أنّ جنّته عليه السلام كانت تختلف عن جنّة القيامة جذريّاً ، والفارق الأساسي هو الخلود وعدم الخروج منها ، اللذان لم نجدها في جنّة آدم عليه السلام ؛ أضف إلى ذلك عدم وجود أوامر أو تكاليف في جنّة الآخرة ، خلافاً لما كان في جنّة آدم ، وأيضاً لا مجال للشيطان أن يدخل في جنّة القيامة ، على عكس ما حدث في جنّة آدم عليه السلام.

وأمّا تعيين محلّ جنّة الخلد حالياً ، فليس من المقدور لأيّ أحد ، لسكوت الآيات والروايات عن هذه الجهة.

( أُمّ علي - الإمارات - .... )

نصوص حول عالم البرزخ :

س : ما هي أهمّ النصوص الدالّة على وجود عالم البرزخ؟ وما هي مراحلها؟

ص: 254


1- حقائق التأويل : 245.

ج : الأدلّة النقلية على وجود عالم البرزخ قد جاءت في الكتاب والسنّة ، فمن الكتاب :

1 - قوله تعالى : ( وَمِن وَرائِهِم بَرزَخ إلى يَوم يُبعَثون ) (1).

2 - قوله تعالى : ( قالوا رَبَنا أمتنا اثنَتَينِ وَأحيَيتَنا اثنَتَين ) (2).

3 - قوله تعالى : ( وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ ) (3).

4 - قوله تعالى : ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (4).

5 - قوله تعالى : ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ) (5).

6 - قوله تعالى : ( أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا ) (6).

وأمّا الروايات فهي متواترة ومتظافرة في كتب الفريقين ، ويمكن الوقوف عليها بمراجعة كتاب بحار الأنوار المجلّد السادس ، والمجامع الحديثية عند غيرنا.

وبعبارة مختصرة : وجود هذا العالم في الفاصل بين هذه الدنيا وعالم القيامة أمر مسلّم عند جميع المسلمين ، ومن ضروريات الدين.

( أحلام ........ )

غير المسلم قد يدخل الجنّة :

السؤال : هل غير المسلم يدخل الجنّة؟ وما هو الدليل؟

ص: 255


1- المؤمنون : 100.
2- غافر : 11.
3- البقرة : 154.
4- آل عمران : 169.
5- غافر : 46.
6- نوح : 25.

ج : ورد في الروايات عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام : بأنّ الكثير من غير المسلمين وغير الشيعة هم من المستضعفين ، وهم الذين لم يصل لهم الدليل بكماله ووضوحه ، ولم يكن لهم عناد في قبول الحقّ وإتباعه ، وعبّر عنهم بأنّهم من المرجوّين الذين ترجى لهم رحمة ربّ العالمين (1).

( صديقة - البحرين - .... )

الجنّ يحشرون مع الإنس في الجنّة والنار :

س : كما نعلم أنّ الجنّ يحشرون مع الإنس ليحاسبهم اللّه ، والجنّ والإنس مكلّفون بالعبادة كما في قوله تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) (2) ، وهذا التكليف ينبني عليه حساب.

السؤال : هل يحشرون الجنّ على الهيئة التي خُلقوا عليها؟ أم تتبدّل هيئتهم؟ لأنّ الإنسان لا يطيق رؤية الجنّ.

ج : قبل الإجابة على سؤالكم ننقل لكم ما ورد في سورة الأعراف : ( وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا أُوْلََئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُواْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ * قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِن لاَّ تَعْلَمُونَ * وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ * إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ

ص: 256


1- الكافي 2 / 407.
2- الذاريات : 56.

الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ * لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ * وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) (1).

فمن قوله تعالى : ( قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ ) ، نعرف أنّ قسماً من الجنّ والإنس يدخلون في النار ، بسبب استكبارهم وتكذيبهم آيات اللّه ، وتركهم لما كلّفوا به.

وعليه ، لا فرق للإنسان الداخل في النار أن يرى الجنّ بهيئتهم التي لا تطاق ، أو بهيئة أُخرى تطاق ، لأنّ الإنسان هناك يعيش في أجواء كُلّها لا تطاق - من تعذيب وتخويف وحرق وغير ذلك - فليكن منها رؤيته للجنّ.

ومن قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ ) ، نعرف أنّ قسماً من الجنّ والإنس يدخلون في الجنّة ، بسبب إيمانهم بآيات اللّه تعالى وعملهم للصالحات ، وما أوجبه اللّه عليهم.

وأنّ اللّه تعالى قد نزع من صدورهم الغلّ ، ونزع الغلّ في الجنّة تصفية الطباع ، وإسقاط الوساوس ، وإعطاء كُلّ نفس مناها ، ولا يتمنّى أحد ما لغيره.

فسلمت قلوبهم وطهرت من الحقد والحسد والشحناء ، ولم يكن بينهم إلاّ التعاطف والتراحم والتواد.

وعليه ، فلو كانت حالة أهل الجنّة - من الجنّ والإنس - هكذا ، فلابدّ أن هناك نوع من الانسجام والمحبّة بين الجنّ والإنس ، بحيث يمكن التعايش معهم ، والنظر إليهم ، بدون أي خوف وارتباك.

ص: 257


1- الأعراف : 36 - 43.

ثمّ من قال أنّ رؤية الجنّ لا تطاق ، لأنّ منظرهم مخوف مثلاً ، فالجنّ كما يعرّفه علماؤنا : جنس من الحيوان مستترون عن أعين البشر لرقّتهم (1).

( عماد الدين - أمريكا - 36 سنة - بكالوريوس هندسة )

الحياة في البرزخ :

س : سمعت أنّ الإنسان يذهب بعد الموت إلى البرزخ ، فكيف هي الحياة في البرزخ؟ هل هي شبه الجنّة أو ماذا؟ الرجاء أفادتني وشكراً.

ج : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « من مات فقد قامت قيامته » (2) ، فالبرزخ هي حياة ونشأة بين الدنيا والآخرة ، والمقصود من الحديث « قامت قيامته » هي القيامة الصغرى ، أو فقل أوّل درجات القيامة ، والقيامة الكبرى هي يوم الحشر الأكبر.

والآيات والروايات تثبت الحياة في عالم البرزخ ، وتثبت فيه النعيم والعذاب ، فالقبر إمّا روضة من رياض الجنّة ، أو حفرة من حفر النيران.

قال الشيخ الصدوق : « اعتقادنا في المسألة في القبر أنّها حقّ لابدّ منها ، فمن أجاب بالصواب فاز بروح وريحان في قبره ، وبجنّة نعيم في الآخرة ، ومن لم يأت بالصواب فله نزل من حميم في قبره ، وتصلية جحيم في الآخرة » (3).

قال اللّه تعالى عن فرعون وأتباعه : ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ) (4).

وأجاب الإمام الصادق عليه السلام عندما سُئِلَ عن أرواح المؤمنين : « أرواح المؤمنين في حجرات في الجنّة ، يأكلون من طعامها ، ويشربون من شرابها ، ويقولون : ربّنا أقم لنا الساعة لتنجز لنا ما وعدتنا ».

ص: 258


1- التبيان 4 / 397 ، مجمع البيان 4 / 251.
2- بحار الأنوار 58 / 7.
3- الاعتقادات : 58.
4- غافر : 46.

وسُئل عليه السلام عن أرواح المشركين فأجاب : « في حجرات في النار يأكلون من طعامها ، ويشربون من شرابها ، ويتزاورون فيها ويقولون : ربّنا لا تُقم لنا الساعة ، لتنجز لنا ما وعدتنا » (1).

وهذه الرواية تدلّ بتمامها على وجود البرزخ بَعد الموت مباشرة ، ونعيم المؤمنين وعذاب الكافرين فيه مستمر حتّى تقوم الساعة.

فالبرزخ عالم حائل وحاجز بين الدنيا والآخرة ، وهو أوّل محطّات الرحلة إلى الآخرة ، وهو المنزل الأوّل للإنسان بعد مفارقة الدنيا بالموت ، كما قال تعالى : ( وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (2).

( رقية - السعودية - .... )

التناسخ عقيدة باطلة :

س : ماذا تعتقد في التناسخ؟ وكيف تبرّر الحالات التي تحدث عند المعتقدين به؟

ج : التناسخ عقيدة باطلة ، ولو فرضنا أنّ بعض الحالات تحدث عند المعتقدين به ، فإنّها لا تدلّ على صحّة المعتقد ، ومثال ذلك : من لهم رياضات من عبّاد البقر والأوثان ، وما تحدث لهم من حالات ، فإنّها لا تدلّ على صحّة معتقدهم.

( سلام حسن الشمّري - العراق - طالب علم )

الحساب في البرزخ يختلف عمّا هو في الدنيا :

س : السؤال فرضي : لو أنّ شخصين كان لهما نفس العمر ، كأن يكون ( 55 ) سنة ، وكان لهما نفس الأعمال ، أي أنّهما بعد موتهما كان سجل أعمالهما متساوياً ، ولكن الأوّل عاش من سنة ( 1800 إلى 1855 ) ، والثاني من

ص: 259


1- المحاسن 1 / 178.
2- المؤمنون : 100.

( 1900 إلى 1955 ) ، فإنّ الأوّل سوف تكون فترة برزخه أكثر ، فلو كانا معذّبين ، فسوف يكون عذاب الأوّل أكثر من الثاني ، ولو كانا منعّمين فكذلك ، نعيم الأوّل أكثر من الثاني.

السؤال المترتّب على هذا الفرض : ألا يضرّ هذا في العدل الإلهي؟ أرجو الإيضاح المبسّط.

ج : السؤال المفترض مبنيّ على أنّ الحساب الزماني في البرزخ ويوم الحشر مثل ما عليه في الحياة الدنيوية.

فيقال : إنّ الحياة الأُخروية لا تقاس بالحياة الدنيوية ، فالنفس بعدما تفارق الجسد في الحياة الدنيوية ، تدخل إلى عالم آخر يختلف من حيث الزمان والمكان وباقي الأُمور الطبيعية ، وهذا الأمر قد أشارت إليه بعض النصوص القرآنية ، والسنّة المحمّدية.

ويمكن أن يقال لرفع الإشكال : إنّ الإنسان إذا ما مات تبدأ استحقاقاته ، فيكون في فترة البرزخ حساب بنحو من الأنحاء ، كما يشير إلى ذلك الحديث : « من مات فقد قامت قيامته » (1) ، وهي التي تسمّى عند البعض بالقيامة الصغرى.

( علي العلي - السويد - .... )

وقت موت إبليس :

س : أسأل اللّه تعالى أن تكونوا في أتمّ الصحّة والعافية ، وأن يسدّد خطاكم لما هو خير ، ويوفّقكم لإعلاء كلمة الحقّ ، إنّه سميع مجيب.

لقد شجّعتموني على أن أسألكم كُلّما احتجت إلى ذلك ، ويا كثرة احتياجاتي ، وأعانكم اللّه عليها.

ص: 260


1- بحار الأنوار 58 / 7.

في الحقيقة أنا أحاور في كُلّ الأُمور ومع الجميع ، حيث أحاور الشيعة على التمسّك بخطّهم ، وخصوصاً من له ميل للعلمانية ، وحوار مثل هؤلاء أشدّ من غيرهم ، وأحاور أهل السنّة لأثبت لهم أنّ منهج الحقّ ليس منهجهم ، كما وأحاور النصارى ، وأنا دارس جيّد لكتابهم بعهديه القديم والجديد ، كما وأحاور غيرهم ، وبأساليب مختلفة ، كُلّ حسب طريقته أو الطريقة التي تنفع معه.

سادتي الكرام ، يقول تعالى - وهو يتحدّث عن الحوار مع إبليس اللعين - : ( قَالَ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) (1) ، وقد وعده اللّه سبحانه بذلك.

وحسب علمي البسيط أنّ يوم البعث بعد الممات ، أي يوم القيامة ، ( ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ ) (2) ، ونحن نعلم من الروايات بأنّه يوم القيامة - أي يوم البعث - يكون بعد أن يموت الكُلّ ، ولا يبقى إلاّ وجهه الكريم ، ومن بعد ذلك أوّل من يحيه اللّه إسرافيل عليه السلام حيث ينفخ في الصور.

ما استشكل عليّ هو :

أ - أمّا بقاء إبليس اللعين إلى يوم البعث حسب ظاهر الآية ، وبالتالي يبقى هو مع اللّه ، ونحن نعلم بعد البعث الحساب والكتاب والخلود ، إمّا في الجنّة أو في النار ، ومعنى ذلك أنّ إبليس اللعين سيكون من الخالدين ، ولم يمر بمرحلة الموت! وهذا مخالف لما نؤمن به.

ب - وأمّا أن يبقى إلى يوم البعث ثمّ يموت بمفرده ، كخصوصية له حيث لا موت بعد البعث ، وقد أعطاه اللّه ما وعده ، وبالتالي يكون قد انتهى كمخلوق! وهنا استشكال أكبر حيث سوف لن يعاقب ولن يكون في جهنّم خالداً فيها ، كما خبّرنا بذلك.

سادتي الكرام : قد يكون الموضوع ليس موضوع ابتلاء ، ولكن قد ابتلاني اللّه بحبّ المعرفة ، والتأكّد من كُلّ شيء لأزداد علماً.

ص: 261


1- الأعراف : 14.
2- المؤمنون : 16.

أرجو أن لا أكون قد أطلت عليكم ، هذا وتقبّلوا فائق التقدير والاحترام.

ج : إنّ السؤال ذو جهتين : أصل الإمهال ، وغاية الإمهال ، أي أنّ الشيطان كان يريد الحياة إلى يوم القيامة ، ولكن اللّه تعالى ووفقاً لحكمته أجابه على أصل الإمهال ، ولم يجبه من جهة غايته ، إذ قال تعالى في جوابه : ( قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ) (1) ، والوقت المعلوم - كما في بعض الأحاديث - يوم ظهور القائم عليه السلام ، أو رجعة الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله والأئمّة عليهم السلام.

وبهذا التفسير يندفع كافّة الإشكالات المذكورة كما هو واضح.

وهناك بعض الروايات تشير إلى أنّ إبليس يموت في النفخة الأُولى ، وفي بعضها الآخر أنّ موته بين النفختين الأُولى والثانية ؛ فحتّى على هذين الاحتمالين يذوق الموت لا محالة.

والأصل في هذا المقام ونظائره هو : ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) (2) فلا يشذّ من هذه القاعدة أحد من الإنس والجنّ والملائكة.

( مؤيّد الشمّري - العراق - 26 سنة - بكالوريوس الهندسة الكهربائية )

نوع الأكل يوم الحشر :

س : ندعو لكم بالتسديد الموفّق ، ونرجو الإجابة عن السؤال التالي :

ورد في الروايات : إنّ الخلائق يوم الحشر يبعثون عراة ، ينتظرون الحساب - وبفرض الانتظار أكثر من يوم - فعلى ماذا يتغذّون هناك؟ وإذا قلنا بالأكل هناك ، كيف يكون توابع الأكل من التخلّي وغيره؟ نسأل اللّه أن تشملنا وإيّاكم شفاعة محمّد وآل محمّد.

ص: 262


1- ص : 79 - 80.
2- العنكبوت : 57.

ج : سأل زرارة الإمام الباقر عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ : ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ ) (1) قال : « تبدّل خبزة نقية يأكل منها الناس حتّى يفرغوا من الحساب » (2) ، ويمكن أن يكون ذلك الطعام على نحوٍ لا يحوجهم إلى توابع الأكل - من التخلّي وغيره - على نحو ما نشاهده في الجنين في بطن أُمّه ، وورد ذلك في أهل الجنّة أيضاً.

( حبيب عباس راضي - البحرين - 14 سنة - طالب إعدادية )

حساب عرب الجاهلية :

س : كان العرب أيّام الجاهلية لا يعرفون الإسلام ، بل يعبدون الأصنام ، فهل يخلّدون في النار رغم أنّهم كانوا لا يعرفون النار؟

ج : إنّ اللّه سبحانه لا يعذّب قوماً حتّى يقيم الحجّة عليهم ، كما قال تعالى : ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) (3) ، وقد وردت بعض الروايات التي تفيد بأنّ الكفّار القاصرين الذين لم تصل إليهم الأدلّة - أي أدلّة التوحيد ومعرفة اللّه وما يجب عليهم القيام به من تكاليف في زمانهم ، إذ لكُلّ زمان نبي وشريعة كما نعرف من الروايات - فإنّ هؤلاء موكولون في الحكم عليهم في الآخرة إلى اللّه سبحانه ، وعبّرت عنهم هذه الروايات بالمستضعفين والمرجوّين لشمول رحمة الباري لهم.

ومن هنا علينا أن نعرف حال أهل الجاهلية ، فلا يمكن أن نجزم بأنّهم لم يعرفوا الجنّة ولا النار ، ولا الحساب ولا العقاب ، كيف وقد كان فيهم من الموحّدين من آباء النبيّ صلى اللّه عليه وآله الذين كانوا على الإبراهيمية أو الحنفية ، الأمر

ص: 263


1- إبراهيم : 48.
2- الكافي 6 / 286.
3- الإسراء : 15.

الذي يجعلنا نشكّ في عدم معرفتهم وجهلهم بأحكام التوحيد ، وعلى أيّة حال فالتفصيل السابق الذي أوردناه هو الجواب لهذا السؤال.

( عيسى سلمان - البحرين - 36 سنة - خرّيج ثانوية )

حشر الوحوش فيه :

س : كيف الوحوش تحشر يوم القيامة؟

ج : قال العلاّمة الطباطبائي في تفسير قوله تعالى : ( وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ) (1) : « الوحوش جمع وحش ، وهو من الحيوان ما لا يتأنس بالإنسان كالسباع وغيرها.

وظاهر الآية من حيث وقوعها في سياق الآيات الواصفة ليوم القيامة ، أنّ الوحوش محشورة كالإنسان ، ويؤيّده قوله تعالى : ( وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ) (2).

وأمّا تفصيل حالها بعد الحشر وما يؤول إليه أمرها فلم يرد في كلامه تعالى ، ولا فيما يعتمد عليه من الأخبار ما يكشف عن ذلك ، نعم ربما استفيد من قوله في آية الأنعام : ( أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ) ، وقوله : ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ) بعض ما يتّضح به الحال في الجملة ، لا يخفى على الناقد المتدبّر ، وربما قيل : إنّ حشر الوحوش من أشراط الساعة لا ممّا يقع يوم القيامة ، والمراد به خروجها من غاباتها وأكنانها » (3).

وقال الشيخ الطوسي في تفسير قوله تعالى : ( وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ) : « قال عكرمة : حشرها موتها ، وغيره قال : معناه تغيّرت الأُمور ، بأن صارت الوحوش التي تشرد في البلاد تجتمع مع الناس ، وذلك أنّ اللّه تعالى يحشر

ص: 264


1- التكوير : 5.
2- الأنعام : 38.
3- الميزان في تفسير القرآن 20 / 213.

الوحوش ليوصل إليها ما تستحقه من الأعواض على الآلام التي دخلت عليها ، وينتصف لبعضها من بعض ، فإذا عوّضها اللّه تعالى ، فمن قال : العوض دائم ، قال تبقى منعّمة على الأبد ، ومن قال : العوض يستحق منقطعاً ، اختلفوا فمنهم من قال : يديمها اللّه تفضّلاً لئلا يدخل على العوض غم بانقطاعه ، ومنهم من قال : إذا فعل بها ما تستحقه من الأعواض جعلها تراباً » (1) ، واللّه العالم بحقائق الأُمور.

ص: 265


1- التبيان 10 / 281.

ص: 266

معاوية بن أبي سفيان :

اشارة

( محمّد علي - أمريكا - .... )

بعض مثالبه :

س : جزاكم اللّه خيراً على مجهودكم هذا ، وبارك اللّه فيكم.

إذا أمكن ذكر بعض الشيء حول معاوية ، من الأحاديث والروايات من كتب أهل السنّة ، التي تبيّن بعض حقائق كاتب الوحي هذا؟ ونسألكم الدعاء.

ج : نذكر بعض الروايات الواردة في كتب أهل السنّة :

1 - عن ابن عباس قال : كنت ألعب مع الصبيان ، فجاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فتواريت خلف باب ، قال : فجاء فحطأني حطأة وقال : اذهب وادع لي معاوية ، قال : جئت فقلت : هو يأكل ، قال : ثمّ قال لي : اذهب فادع لي معاوية ، قال : فجئت فقلت : هو يأكل ، فقال صلى اللّه عليه وآله : « لا أشبع اللّه بطنه » (1).

2 - عن ابن عباس قال : سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله صوت رجلين يغنّيان ... فسأل عنهما ، فقيل : معاوية وعمرو بن العاص ، فقال : « اللّهم أركسهما في الفتنة ركساً ، ودعهما إلى النار دعّاً » (2).

3 - عن الإمام الحسن عليه السلام قال : « باللّه يا عمرو وأنت يا مغيرة تعلمان أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : لعن اللّه السائق والراكب ، أحدهما فلان » - أي معاوية - قالا : اللّهم نعم بلى (3).

ص: 267


1- صحيح مسلم 8 / 27 ، مسند أبي داود : 359.
2- المعجم الكبير 11 / 32.
3- المصدر السابق 3 / 72 ، مجمع الزوائد 7 / 247.

هذا مضافاً إلى ما ورد من أخبار النبيّ صلى اللّه عليه وآله بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين ، وأنّ عمّار تقتله الفئة الباغية.

( أسد - أمريكا - سنّي )

كان يسبّ علياً :

س : ما هو دليلكم على أنّ معاوية كان يشتم علياً ( كرّم اللّه وجهه )؟

ج : إنّ مصادر التاريخ والسير مليئة بإثبات هذا المطلب ، حتّى كادت أن تكون متواترة ، ولا ينكر هذا المطلب إلاّ مكابر ، ونحن هنا نقتصر على ذكر روايتين ، علّنا في المستقبل نوفّق لأن نذكر بحثاً مختصراً يجمع أهم مصادر هذا البحث :

1 - عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص ، عن أبيه قال : « أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً ، فقال : ما منعك أن تسبّ أبا التراب؟ فقال : أما ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فلن أسبه ... » (1).

2 - عن سهل بن سعد قال : « استعمل على المدينة رجل من آل مروان ، قال : فدعا سهل بن سعد فأمره أن يشتم علياً ، قال : فأبى سهل ، فقال له : أما إذا أبيت فقل : لعن اللّه أبا تراب ... » (2).

( منتظر - ... - ..... )

من الطائفة الباغية :

س : الحمد لله على ما أنعم ، وله الشكر على ما ألهم ، أفضل الصلاة وأزكى التسليم على خير الخلائق أجمعين ، محمّد وآله الطاهرين ، واللعن الدائم المؤبّد على أعدائهم أجمعين ، إلى قيام يوم الدين.

ص: 268


1- صحيح مسلم 7 / 120 ، الجامع الكبير 5 / 301 ، المستدرك 3 / 108 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 122 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 111 ، أُسد الغابة 4 / 25 ، الإصابة 4 / 468 ، البداية والنهاية 7 / 376.
2- صحيح مسلم 7 / 123.

إخوتي الأعزاء : لقد وقع نقاش بيني وبين أحد الوهّابيين فقلت له : ارجع إلى حديث الرسول الأكرم صلى اللّه عليه وآله الخاصّ بالصحابي الجليل عمّار بن ياسر : « تقتلك الفئة الباغية » (1) ، وهذا ما حصل في معركة صفّين.

فقال لي : ارجع إلى كتاب اللّه ما معنى البغي : ( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حتّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ) (2).

ومن هنا يكتشف لدينا : أنّ معاوية وأصحابه من المؤمنين ، واستدلّ بقول الإمام علي عليه السلام : ( إخواننا بغوا علينا ) ، ما هو الردّ على هذا الإشكال؟ مع الشكر.

ج : نود توضيح بعض النقاط تتوقّف إجابة السؤال عليها :

1 - إنّ صفة المؤمنين مفهوم كُلّي ينطبق على مصاديق وأفراد كثيرة ، ولا يندرج فرداً أو مصداقاً تحت هذا المفهوم إلاّ بدليل قطعي ، ولا يكفي في دخوله مجرّد الشكّ ، وعليه فلابدّ من وجود دليل على كون معاوية وبعض من حوله من المؤمنين ، حتّى يدخل تحت هذه الآية ، ولا يكفي الشكّ في كونهم مؤمنين ، وهذا واضح.

2 - إذا ادّعى مدّعٍ : أنّ معاوية قد أسلم ظاهراً ، وهذا يكفي لإطلاق صفة الإيمان عليه ، نقول : إنّ الإسلام غير الإيمان ، فلا يخرج إثبات إيمانه عن احتياجه لدليل ، بل الأدلّة الكثيرة قائمة على عدم إيمانه ونفاقه ، وهي لا تخفى عليكم ، حيث أنّ الإيمان عمل قلبي لا يعرفه إلاّ اللّه والشخص المعني ، وإنّما نستدلّ عليه من تطابق أعمال الفرد مع المعايير الإسلامية ، ومعاوية بعيد عنها كُلّ البعد ، والأمثلة كثيرة.

3 - قد نثبت لمعاوية الإسلام الظاهري مع النفاق فهو منافق ، فيمكن أن يدخل في الآية من هذه الجهة ، لأنّ القرآن سمّى أُناساً كانوا مع النبيّ صلى اللّه عليه وآله

ص: 269


1- مسند أحمد 2 / 161 و 3 / 5 و 5 / 306 و 6 / 300 و 311 ، صحيح مسلم 8 / 186 ، الجامع الكبير 5 / 333.
2- الحجرات : 9.

مؤمنين ، مع أنّ أفعالهم أفعال المنافقين ، فهذا الإطلاق في القرآن إطلاق عام يشمل المؤمنين حقيقة والمنافقين ، قال تعالى : ( وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ ) (1).

قال الشيخ الطوسي : « وهذه صفة المنافقين بلا خلاف » (2).

4 - يجب التنبيه هنا على شيء مهمّ ، وهو التفريق في الكلام بين معاوية بخصوصه مع بعض من اتبعه - كمروان وعمرو بن العاص - وبين جماعة أهل الشام الذين معه ، فإنّ الغالبية العظمى من أتباعه جهّال خدعوا وهم مسلمون ، قد يكون منهم مخلصون في الدفاع عن الإسلام ، ولكن داءهم الجهل ، وهذا أمر عرفي واضح.

فإذا كان الكلام عن الجماعة ككل ، فلا مانع من أن تصفهم بأنّهم مسلمون ، أو مؤمنون بالمعنى العام المشار إليه ، أو حتّى مؤمنون جهّال وغير منافقين ، إذ كانوا يظنّون أنّهم يمثّلون الإسلام الحقيقي ، بما مارسه معاوية عليهم من كذب وإشاعات.

فإذا كان الكلام بخصوص معاوية وهؤلاء البعض من أعوانه ، فإنّ الأمر يختلف ، إذ أنّا يمكن أن ننسب إليهم النفاق والكفر بالمعنى الخاصّ - المقابل للإيمان - وإن كانوا غير كافرين بالمعنى العام - أي مجاهرين بالكفر - إذ هم مسلمون على الظاهر.

وهذا أمر واضح ، فإنّ الجماعة - كجماعة - يمكن أن تضم بينها المسلم والمؤمن والمنافق ، ولكن عند الخطاب يطلق عليها الصفة التي تنطبق عليها بالظاهر العام ، ولا تنفي هذه الصفة حقيقة الفرد المنضوي تحتها ، وهذا الأمر أيضاً ينطبق على جيش أمير المؤمنين عليه السلام ، فإنّ فيهم الخوارج والمنافقين ، وهذا أمر واضح.

ص: 270


1- الأنفال : 5 - 6.
2- المبسوط للشيخ الطوسي 7 / 262.

فيجب التفريق في الكلام على الجماعة بما هم جماعة ، وعلى الأفراد بما هم أفراد ، ومن هنا نفهم كلمات أمير المؤمنين عليه السلام : « إخواننا بغوا علينا » (1) ، نعم هم إخوان بالإسلام بما هم جماعة ككل ، وأحكامهم تختلف عن الكفّار المجاهرين بالكفر.

5 - إنّ الآية قد أطلقت صفة المؤمنين بالمعنى العام السابق على الطائفتين ، ثمّ قالت : ( فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى ) ، وقد حدّد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله الطائفة الباغية ، التي تأمرنا الآية بقتالها.

فالمقتول في طائفة الحقّ في الجنّة كعمّار ، والمقتول في طائفة البغي في النار ، فعند حدوث البغي حصل التفريق بين الطائفتين وبين موقفيهما ، وهو واضح من الآية ، فما معنى إطلاق لفظة المؤمنين على البغاة بعد ذلك؟ إذ النزاع ليس لفظي ، مع أنّه يخالف المفهوم من الآية ، وجهة المقابلة الموجودة فيها بين الطائفتين.

ثمّ إنّ هذه المفاهيم - كالإسلام والإيمان - وضعت واستعملت للإشارة إلى حقائق أُخروية ، ونحن نستعملها كذلك ، فعندما نطلق على شخص أنّه مؤمن ، أي أنّه مصنّف في الناجين يوم القيامة ، فإذا ثبت لنا أنّه في النار ، فلا يكون إطلاق صفة الإيمان عليه إلاّ سفسطة.

ونزاعنا مع القوم ليس بالألفاظ ، وإنّما في المآل الأخروي الذي تدلّ عليه الألفاظ ، وإلاّ فما فائدة أن نطلق عليه مؤمن وهو في النار؟ إلاّ التلاعب بالألفاظ.

6 - ليكن من الواضح : أنّا عندما نطلق على معاوية أنّه كافر ، نريد به إمّا أنّه كافر بالمعنى الخاصّ المقابل للإيمان الخاصّ ، الذي هو الإيمان بالإمامة ، وهو غير الكافر بالمعنى العام ، أي المجاهر بالكفر المقابل للمسلم ، أو نريد به المنافق ، بل الأصح أنّا نريد به المنافق الذي يعامل معاملة المظهر للإسلام باللسان ، فهو كافر بالباطن.

ص: 271


1- السنن الكبرى للبيهقي 8 / 173.

أمّا الفئة العظمى من جيشه ، فإنّا نطلق عليهم مسلمين غير مؤمنين بالإمامة ، فهم ليسوا كفّاراً مجاهرين ، ولكن إذا أُطلق عليهم الكفر يراد به الكافر الخاصّ ، المقابل للإيمان الخاصّ ، ويمكن أن يطلق عليهم مؤمنين بالمعنى العام المشار إليه سابقاً ، الذي يساوي الإسلام العام.

7 - إنّ اختلاف جماعتين ربما يكون في شيء لا يخرج عن الإيمان أو الإسلام ، وربما يختلفان في شيء يخرج عنهما ، والآية عامّة شاملة لكلا الحالين.

ويبقى علينا التشخيص في تحديد الأمر المختلف عليه ، إذ بعد وقوع القتال وحصول التمايز بينهما بالبغي وعدمه ، نرجع في تحديد صفة كُلّ طائفة بما تعتقد به ، وتخالف الأُخرى عليه ، فإذا كانت طائفة تقاتل وتخالف الأُخرى على شيء يخرج عن الإسلام أو الإيمان ، نسبنا تلك الطائفة بما يناسبها من ذلك ، وهو ما حصل بين طائفة علي عليه السلام وطائفة معاوية ، فالخروج على إمام الزمان موبقة تخرج عن الإسلام أو الإيمان على الخلاف ، فلاحظ.

( الموسوي - العراق - 20 سنة - طالب )

مسلم في الظاهر :

س : قد طرح عليّ هذا السؤال : هل معاوية كان مؤمناً قبل الفتنة على الأقل في نظرك أنت؟ أُريد الجواب للتأصيل فقط لا غير ، وبعدها أنا سأكمل ، فأجبته : بنعم ، فأجابني الزميل المخالف بهذا ج : سيّدنا علي رضي اللّه عنه يقول : نعم ، حتّى في وقت الحرب ، وكما وعدتك ... من كتبك.

الأوّل : عن جعفر عن أبيه أنّ علياً عليه السلام كان يقول لأهل حربه : « إنّا لم نقاتلهم على التكفير لهم ، ولم نقاتلهم على التكفير لنا ، ولكنّا رأينا أنّا على حقّ ، ورأوا أنّهم على حقّ » (1).

ص: 272


1- قرب الإسناد : 93.

الثاني : قال علي عليه السلام : « وكان بدء أمرنا أنّا التقينا بالقوم من أهل الشام ، والظاهر أنّ ربّنا واحد ، ونبيّنا واحد ، ودعوتنا في الإسلام واحدة ، ولا نستزيدهم في الإيمان باللّه والتصديق برسوله ولا يستزيدوننا ، والأمر واحد إلاّ ما اختلفنا فيه من دم عثمان ، ونحن منه براء » (1).

الثالث : عن جعفر عن أبيه : « أنّ علياً عليه السلام لم يكن ينسب أحداً من أهل حربه إلى الشرك ولا إلى النفاق ، ولكنّه كان يقول : هم إخواننا بغوا علينا » (2).

الرابع : قال علي عليه السلام : « إنّي أكره لكم أن تكونوا سبّابين ، ولكنّكم لو وصفتم أعمالهم ، وذكرتم حالهم كان أصوب في القول ، وأبلغ في العذر ، وقلتم مكان سبّكم إيّاهم : اللّهم أحقن دماءنا ودماءهم ، وأصلح ذات بيننا وبينهم ... » (3).

أذكرك بقوله تعالى : ( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حتّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ) (4).

وبالإضافة للآية ... يكفيك الأحاديث المذكورة ، فما ردّي؟ هل هذه حجّة علينا أنّ الإمام علي عليه السلام شهد لمعاوية عليه من اللّه ما يستحق بأنّه مسلم ، فسؤالي هل معاوية كان مسلماً؟

أرجو الإفادة والمساعدة ، بارك اللّه بكم ، وجزاكم اللّه ألف خير في الدفاع عن هذا الإسلام المحمّدي الأصيل.

الجواب : الإسلام الظاهري لا ننفيه عن أيّ أحد يدّعي الإسلام ، ويتشهّد الشهادتين ، إلاّ أن يأتي بكفر بواح ، أو أنكر معلوماً من الدين بالضرورة عناداً للحقّ ، وتكذيباً للرسول صلى اللّه عليه وآله.

فنحن لا ننفي إسلام معاوية أو غيره في هذه الدنيا ، وإنّما نعتقد بأنّ من يخالف الحقّ ، ولم يتولّ أهل البيت عليهم السلام فهو ليس بمؤمن بالمعنى الأخص في

ص: 273


1- شرح نهج البلاغة 17 / 141.
2- قرب الإسناد : 94.
3- شرح نهج البلاغة 11 / 21.
4- الحجرات : 9.

الدنيا ، وليس بمسلم حقيقي عند اللّه في الواقع ، وهو يستحقّ النار في الآخرة.

ودليلنا على ذلك حديث الافتراق ، قال صلى اللّه عليه وآله : « وستفترق أُمّتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كُلّها في النار إلاّ واحدة » (1) ، فبيّن النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه وآله بأنّ جميع الفرق هي أُمّته الإسلامية ، وتنتسب ظاهراً - وفي هذه الدنيا - إلى الإسلام ، ولكن الفرقة الناجية منها هي واحدة فقط ، فهي المسلمة حقّاً ، وهي المتبعة للحقّ وتستحقّ الجنّة.

فهؤلاء المحاربين لأمير المؤمنين عليه السلام لا نخرجهم عن الإسلام في هذه الدنيا ، فنجري عليهم حكم الإسلام والمسلمين ، ودليلنا ما ورد من قول النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن ، كما قاتلت على تنزيله » (2) ، وقال عن إسناده ابن حجر : « ورجاله رجال الصحيح » (3).

وأمّا ما أوردت من نصوص عن أئمّتنا عليهم السلام فهي تدلّ على ما قدّمنا من إثبات إسلامهم الظاهري ، ولكن لم يثبت نجاتهم في الآخرة أبداً.

وأمّا الأحاديث والآية التي ذكرتها لإثبات إسلامهم ، فقد أثبتنا نحن أيضاً الإسلام الظاهر ، ولا تدلّ على أكثر من ذلك ، وكذلك وصف الإمام عليه السلام لهم بأنّهم إخواننا بغوا علينا ، أو أنّهم رأوا أنّهم على حقّ ، فهذه الأوصاف ليست كُلّية ، وتشمل كُلّ فرد فرد ، وإنّما فيهم المنافق وفيهم الفاسق ، وفيهم المعاند وفيهم الجاهل الخ.

وخصوصاً قول الإمام عليه السلام : « والظاهر أنّ ربّنا واحد » ، فإنّ الإمام عليه السلام يبيّن أيضاً بأنّهم مسلمون ظاهراً ، بل هي تدلّ على بغيهم ، ولو تأمّلت بالآية الكريمة

ص: 274


1- سنن الدارمي 2 / 241 ، سنن ابن ماجة 2 / 1322 ، سنن أبي داود 2 / 390 ، الجامع الكبير 4 / 135 ، المستدرك 1 / 128 ، المعجم الكبير 8 / 273.
2- مسند أحمد 3 / 33 و 82 ، المستدرك 3 / 123 ، مجمع الزوائد 5 / 186 و 6 / 244 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 154 ، خصائص أمير المؤمنين : 131 ، مسند أبي يعلى 2 / 341 ، صحيح ابن حبّان 15 / 385 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 451 ، أُسد الغابة 4 / 32.
3- مجمع الزوائد 5 / 186.

لما وجدتها تثبت ذلك لهم بعد البغي ( فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حتّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ) ، فالآية غير متعرّضة بالمرّة لمن لا يفئ إلى أمر اللّه ، فلا تستطيع إثبات الإيمان لمن أصرّ وبقي على بغيه من خلال هذه الآية ، فهي عليك لا لك.

ويكفينا لحكمنا هذا بالتفريق بين حالهم في الدنيا وحالهم في الآخرة ما روي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لعمّار - في أوّل أيّام الهجرة النبوية الشريفة ، عندما كانوا يبنون المسجد النبوي الشريف - : « ويح عمّار تقتله الفئة الباغية ، يدعوهم إلى الجنّة ، ويدعونه إلى النار » (1).

فانظر يا أخي هداك اللّه كيف تجهد نفسك ، وتجعلها في صفّ مَن يدعو إلى النار وتتولاّه ، وتدافع عنه بهذه القوّة ، وتأتي بأحاديث وتقول : وكما وعدتك ... من كتبك ....

اتق اللّه يا أخي ، ودافع وجاهد عن الحقّ ، وعن الدعاة إلى الجنّة ، وكن معهم ، وجاهد وعاند الدعاة إلى النار ، وكن ضدّهم وتبرأ منهم.

( عيسى الشيباني - الإمارات - 26 سنة - الثانوية العامّة )

لم يبك على علي عند شهادته :

س : عداء معاوية لعلي بن أبي طالب عليه السلام كان معروفاً من عدّة روايات من كلا الفريقين , فأهل السنّة يقولون حين جاء خبر مقتل علي بن أبي طالب عليه السلام لمعاوية بكى ، فكيف لنا أن نوافق ما بين العداء الذي كان يحمله معاوية للإمام , والبكاء الذي ذرف من عينيه بعد سماعه مقتله؟

كيف لنا أن نقيم الحجّة على القوم؟ وخاصّة في حال وجود التضارب في الأقوال في مثل هذه الحالة؟ مع المتيقّن منه العداء للإمام ، فما مدى صحّة القول الثاني؟

ص: 275


1- مسند أحمد 3 / 91 ، صحيح البخاري 1 / 115 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 523 ، صحيح ابن حبّان 15 / 554 ، المعجم الكبير 12 / 301 ، صحيح مسلم 8 / 186.

ج : الخبر المذكور نقله ابن عساكر بسند متّصل إلى مغيرة ، ومغيرة هذا هو ابن مقسم الضبي ، وهو بعيد بكثير عن حادثة شهادة الإمام علي عليه السلام ، فالخبر إذاً مقطوع السند ، ثمّ أنّ هناك كلام في المغيرة ، فمنهم من وثّقة ، ومنهم من قال : أنّه يدلّس (1).

والخبر الذي نقله هو : « جاء نعي علي بن أبي طالب إلى معاوية ، وهو نائم مع امرأته فاخته بنت قرظة ، فقعد باكياً مسترجعاً ، فقالت له فاخته : أنت بالأمس تطعن عليه واليوم تبكي عليه ، فقال : ويحك أنا أبكي لما فقد الناس من حلمه وعلمه » (2).

ولو غضضنا النظر عن السند ، وبحثنا في دلالته لتوصّلنا إلى ما يأتي :

1 - اعتراف معاوية للإمام علي عليه السلام بالحلم والعلم.

2 - استنكار امرأة معاوية من التناقض في سلوك معاوية من قتاله والبكاء عليه ، ومعنى كلامها أنّ عدائك للإمام عليه عليه السلام شديد ، حتّى وصل إلى القتال ، فما معنى بكاءك؟ فيردّ عليها : أنّ الذي عند الإمام علي عليه السلام من الحلم والعلم يجعل الأعداء تبكي عليه.

3 - احتياج الناس إلى الإمام عليه السلام ، وافتقارهم له عند موته.

4 - إقرار معاوية بقتاله لعلي عليه السلام.

5 - بكاء معاوية كان إشفاقاً على الناس لفقدهم الإمام عليه السلام حسب تعليله هو.

وبملاحظة هذه الأُمور ، فإنّ هذا الخبر لا يعطي أيّ دلالة على عدم وجود العداء بين الإمام عليه السلام ومعاوية ، بل على العكس من ذلك ، فهو يؤكّد وجود ذلك العداء ، ويظهر فضائل الإمام عليه السلام ، ويؤكّد الحجّة على معاوية.

ص: 276


1- الثقات : 464 ، التبيين لأسماء المدلّسين : 56.
2- تاريخ مدينة دمشق 42 / 582.

( أُمّ محمّد - الكويت - 40 سنة - خرّيجة جامعة )

وصيته ليزيد إن ظفر بالحسين :

س : ورد في رواياتنا وصية معاوية لابنه يزيد ، وكان فيها إشارة إلى معرفة معاوية لحقّ الحسين عليه السلام : « وأمّا الحسين فقد عرفت حظّه من رسول اللّه , وهو من لحم رسول اللّه ودمه , وقد علمت لا محالة أنّ أهل العراق سيخرجونه إليهم ، ثمّ يخذلونه ويضيّعونه , فإن ظفرت به فاعرف حقّه ومنزلته من رسول اللّه , ولا تؤاخذه بفعله , ومع ذلك فإنّ لنا به خلطة ورحماً , وإيّاك أن تناله بسوء , أو يرى منك مكروهاً ».

فهل يعقل ذلك أم في الروايات مآخذ؟

ج : الحديث نقله من أصحابنا الشيخ الصدوق قدس سره (1) ، وفي السند الذي ذكره أفراد مجهولون ، فلهذا لا يمكن الوثوق بصحّة مثل هكذا حديث.

ولو سلّمنا بصحّة السند ، فهو يدلّ على مدى الوقاحة لدى يزيد أن أقدم على قتل الحسين عليه السلام ، وهو عارف بحقّه ، ويدلّ أيضاً على مدى الدهاء الذي يتمتّع به معاوية الغاصب للخلافة ، والمحارب لأبي الحسين عليهما السلام ، العارف بحقّهما وقربهما من رسول اللّه ، والذي يجيز لابنه الظفر بالحسين عليه السلام ، ولا يجيز له أن يناله مكروه ، لأنّه يعلم أنّ إلحاق الأذى بالحسين عليه السلام سوف يزلزل ملك ابنه ، فهو معلّم لابنه أُسلوباً من أساليب الدهاء ، التي لم يجد الابن ممارستها.

وبالتمحيص في شخصية معاوية لا يبدو غريباً أن يصدر منه مثل هكذا وصيّه ، فقد عُرف بالمكر والخداع والدهاء ، وصدور مثل هكذا وصيّة من معاوية لا يعدّ فضيلة له ، بل فيها أكبر إدانة له ، حيث يعلّم ابنه الأساليب المناسبة للتسلّط على المسلمين ، وكبح جماح المعارضين ، وفي تسلّط يزيد

ص: 277


1- الأمالي للشيخ الصدوق : 216.

الفاسق الفاجر على المسلمين أكبر ظلامة وقعت على الإسلام والمسلمين ، والتي يتحمّل جزءً كبيراً منها معاوية ، وذلك بتمهيد الطريق أمام ابنه للتسلّط على رقاب المسلمين ، وهذا ما ذكره معاوية في تلك الوصية في غير تلك الأسطر التي ذكرتها.

ص: 278

المعجزة :

اشارة

( السيّد علي - البحرين - .... )

شروطها :

س : ما هي شروط المعجزة؟

ج : ننقل لك نصّ عبارة الشيخ الطوسي قدس سره حول شروط المعجز : « والمعجز يدلّ على ما قلناه بشروط : أوّلها : أن يكون خارقاً للعادة ، والثاني : أن يكون من فعل اللّه تعالى أو جارياً مجرى فعله ، والثالث : أن يتعذّر على الخلق جنسه أو صفته المخصوصة ، والرابع : أن يتعلّق بالمدّعي على وجه التصديق لدعواه.

وإّنما اعتبرنا كونه خارقاً للعادة لأنّه لو لم يكن كذلك لم يعلم أنّه فعل للتصديق دون أن يكون فعل بمجرى العادة ، ألا ترى أنّه لا يمكن أن يستدلّ بطلوع الشمس من مشرقها على صدق الصادق ، ويمكن بطلوعها من مغربها وذلك لما فيه من خارق العادة.

واعتبرنا كونه من فعل اللّه لأنّ المدّعي إذا ادّعى أنّ اللّه يصدّقه بما يفعله ، فيجب أن يكون الفعل الذي قام مقام التصديق من فعل من طلب منه التصديق ، وإلاّ لم يكن دالاً عليه ، وفعل المدّعي كفعل غيره من العباد ، لأنّه لا يدلّ على التصديق ، وإنّما يدلّ فعل من أدّعى عليه التصديق ....

وإنّما اعتبرنا أن يكون متعذّراً في جنسه أو صفته ، لأنّا متى لم نعلمه كذلك لم نأمن أن يكون من فعل غير اللّه ، وقد بيّنا لابدّ أن يكون من فعله ... » (1).

ص: 279


1- الاقتصاد : 155.

( عبد اللّه - أمريكا - .... )

التمييز بين معجزة النبيّ وغيره :

س : كيف نفرّق بين معاجز الأنبياء وبين بعض الظواهر الغريبة الصادرة من السحرة ، والمرتاضين ، وأصحاب التنويم المغناطيسي؟

ج : يمكننا تمييز النبيّ بمعجزته عن غيره - من الذين تظهر منهم بعض الظواهر الخارقة للعادة - بعدّة نقاط :

الأُولى : أنّ النبيّ لا يحتاج في إظهار معجزته إلى تعليم أو تمرين ، بينما يحتاج غيره إلى ذلك ، حتّى يظهر ما هو خارق للعادة.

الثانية : ظاهرة المعجزة لا يمكن لغير النبيّ من الإتيان بمثلها ، بينما ظاهرة السحر والشعوذة ، والتنويم المغناطيسي ، ورياضة المرتاض يسهل على الغير تكرارها.

فبإمكان كُلّ إنسان أن يحوّل من الحبال أشكالاً وهمية تشبه الأفاعي ، حينما يسحر أعين الناس ، إلاّ أنّه يعجز عن أن يلقي عصاه - كما فعل النبيّ موسى عليه السلام - لتكون أفعى تلقف ما يؤفك من السحر.

الثالثة : ليس من عادة غير الأنبياء إعلان تحدّيهم للغير في الإتيان بمثل ما أتوا به ، بينما نلاحظ الأنبياء قد قرنوا معجزتهم بالتحدّي على الإتيان بمثل ما أتوا به ، كما تحدّى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله المشركين حينما أظهر معجزة القرآن : ( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ) (1).

الرابعة : أنّ الساحر والمشعوذ والمرتاض وغيرهم يكون ما يظهر على أيديهم محدّداً بحدود خاصّة - تبعاً لطريقة التمرين والرياضة التي تعلّموها - بينما كان الأنبياء يلبّون طلب الناس في إظهار أيّ معجزة ، ومن دون سابق إعلان في تحديد

ص: 280


1- الإسراء : 88.

صورة وشكل المعجزة ، التي يريدها الناس منهم ، مع ملاحظة المصلحة في المقام ، كما حدث للنبي صالح عليه السلام حينما أخرج لقومه ناقة مع فصيلها ، حينما طالبه قومه بإظهارها كمعجزة لإثبات نبوّته ، ومن دون سبق إنذار.

( محمّد - ... - طالب )

لازمة لكُلّ نبي :

س : لماذا يحتاج كُلّ نبي إلى معجزة لإثبات نبوّته؟ ومع الشكر الجزيل.

ج : تكليف عامّة البشر واجب على اللّه تعالى ، وهذا الحكم قطعي قد ثبت بالبراهين الصحيحة ، والأدلّة العقلية الواضحة ، فإنّ البشر محتاجون إلى التكليف في طريق تكاملهم ، وحصولهم على السعادة الكبرى ، والتجارة الرابحة.

فإذا لم يكلّفهم اللّه تعالى ، فإمّا أن يكون ذلك لعدم علمه بحاجتهم إلى التكليف ، وهذا جهل يتنزّه عنه المولى عزّ وجلّ ، وإمّا لأنّ اللّه أراد حجبهم عن الوصول إلى كمالاتهم ، وهذا بخل يستحيل على الجواد المطلق ، وإمّا لأنّه أراد تكليفهم فلم يمكنه ذلك ، وهو عجز يمتنع على القادر المطلق ، فلابدّ من تكليف البشر.

ومن الضروري أنّ التكليف يحتاج إلى مبلّغ من نوع البشر يوقفهم على خفي التكليف وجليه : ( لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ) (1).

ومن الضروري أيضاً أنّ السفارة الإلهية من المناصب العظيمة التي يكثر لها المدّعون ، ويرغب في الحصول عليها الراغبون ، ونتيجة هذا أن يشتبه الصادق بالكاذب ، ويختلط المضلّ بالهادي ، فلابدّ لمدّعي السفارة أن يقيم شاهداً واضحاً يدلّ على صدقه في الدعوى ، وأمانته في التبليغ ، ولا يكون هذا الشاهد من الأفعال العادّية التي يمكن غيره أن يأتي بنظيرها ، فينحصر الطريق بما يخرق النواميس الطبيعية.

ص: 281


1- الأنفال : 42.

وإنّما يكون الإعجاز دليلاً على صدق المدّعي ، لأنّ المعجز فيه خرق للنواميس الطبيعية ، فلا يمكن أن يقع من أحد إلاّ بعناية من اللّه تعالى ، وإقدار منه ، فلو كان مدّعي النبوّة كاذباً في دعواه ، كان إقداره على المعجز من قبل اللّه تعالى إغراء بالجهل ، وإشادة بالباطل ، وذلك محال على الحكيم تعالى.

فإذا ظهرت المعجزة على يده كانت دالّة على صدقه ، وكاشفة عن رضا الحقّ سبحانه بنبوّته.

ص: 282

الملائكة :

اشارة

( ... - ... - ..... )

علمها بأنّ الإنسان يسفك الدماء :

س : قالت الملائكة لله تعالى : ( أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء ... ) (1) ، فظاهر الآية أنّ الملائكة كانت على علم بما سيقع ، من أين علمت؟ ونلاحظ أنّ الملائكة في ظاهر الآية أبدت اعتراض لمشيئة اللّه ، فكيف نفسّر هذا؟

ج : إنّ الملائكة قد رأوا من قبل ما فعله الجنّ في الأرض من الفساد ، والحديث عن الخلافة الإلهية في الأرض ، وهذه لا تتلائم مع السفك والفساد ، فبتحليلهم الخاصّ كأنّما قالوا في مقام الاستفهام وليس الاعتراض والاستنكار : أنّه كيف تجعل فيها خليفة لك ، وهو بطبيعته سوف يسفك الدم ويفسد في الأرض ، كما حدث لأبناء آدم عليه السلام؟

فأجابهم اللّه تعالى : ( إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) ، كما أنّه يعلم غيب السماوات والأرض.

هذا ، وأجاب السيّد الطباطبائي بجواب آخر فقال : « قوله تعالى : ( قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء ) إلى قوله : ( وَنُقَدِّسُ لَكَ ) مشعر بأنّهم إنّما فهموا وقوع الإفساد وسفك الدماء من قوله سبحانه : ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ) (2) ، حيث أنّ الموجود الأرضي بما أنّه مادّي مركّب من القوى

ص: 283


1- البقرة : 30.
2- البقرة : 30.

الغضبية والشهوية ، والدار دار التزاحم ، محدودة الجهات وافرة المزاحمات ، مركباتها في معرض الانحلال ، وانتظاماتها وإصلاحاتها في مظنّة الفساد ومصبّ البطلان ، لا تتمّ الحياة فيها إلاّ بالحياة النوعية ، ولا يكمل البقاء فيها إلاّ بالاجتماع والتعاون ، فلا تخلو من الفساد وسفك الدماء.

ففهموا من هناك أنّ الخلافة المرادة لا تقع في الأرض إلاّ بكثرة من الأفراد ، ونظام اجتماعي بينهم يفضي بالآخرة إلى الفساد والسفك ، والخلافة وهي قيام شيء مقام آخر لا تتمّ إلاّ بكون الخليفة حاكياً للمستخلف في جميع شؤونه الوجودية ، وآثاره وأحكامه وتدابيره بما هو مستخلف ، واللّه سبحانه في وجوده مسمّى بالأسماء الحسنى ، متّصف بالصفات العليا ، من أوصاف الجمال والجلال ، منزّه في نفسه عن النقص ، ومقدّس في فعله عن الشرّ والفساد جلّت عظمته ، والخليفة الأرضي بما هو كذلك لا يليق بالاستخلاف ، ولا يحكي بوجوده المشوب بكُلّ نقص وشين الوجود الإلهي المقدّس المنزّه عن جميع النقائص وكُلّ الأعدام ، فأين التراب وربّ الأرباب.

وهذا الكلام من الملائكة في مقام تعرف ما جهلوه ، واستيضاح ما أشكل عليهم من أمر هذا الخليفة ، وليس من الاعتراض والخصومة في شيء ، والدليل على ذلك قولهم فيما حكاه اللّه تعالى عنهم : ( إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) (1) حيث صدّر الجملة بأن التعليلية المشعرة بتسلّم مدخولها ، فافهم.

فملخّص قولهم يعود إلى أنّ جعل الخلافة إنّما هو لأجل أن يحكى الخليفة مستخلفه بتسبيحه بحمده وتقديسه له بوجوده ، والأرضية لا تدعه بفعل ذلك ، بل تجرّه إلى الفساد والشر ، والغاية من هذا الجعل وهي التسبيح والتقديس بالمعنى الذي مر من الحكاية حاصلة بتسبيحنا بحمدك وتقديسنا لك ، فنحن خلفاؤك أو فاجعلنا خلفاء لك ، فما فائدة جعل هذه الخلافة الأرضية لك؟ فردّ اللّه سبحانه ذلك عليهم بقوله : ( إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ... ) (2).

ص: 284


1- البقرة : 32.
2- الميزان في تفسير القرآن 1 / 115.

( أبو ياسر الجبوري - سويسرا - .... )

اللّه تعالى غير محتاج لهم :

س : سؤالي هو : إن كان اللّه غير محتاج لأحد ، فلماذا خلق اللّه الملائكة رغم زهده فيهم؟ وفّقكم اللّه لمرضاته.

ج : إنّ خلق اللّه تعالى للملائكة ليس بسبب الحاجة إلى مراقبة العباد في أعمالهم ، والاستعانة بالملائكة لأُمور خلقه ، بل اللّه أكرم من أن يحتاج إلى أحد من خلقه ، إذ كيف يحتاج إلى مَن هو محتاج إليه؟ وقوله تعالى : ( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا ) (1) دليل على افتقار الملائكة إليه.

وعلمه تعالى بما يفعله العباد يدلّ على أنّه غير محتاج إلى الاستعانة بالملائكة ، وقد أشار إلى إحاطته بأعمال عباده بقوله تعالى : ( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) (2) أي : يعلم دقائق وتفاصيل أعضائه فضلاً عن خطرات قلبه ، فلا يحتاج إلى أن تعلمه الملائكة بذلك ، بل خلقه للملائكة لا من باب الحاجة بل من جهة أنّ اللّه تعالى قد خلق هذا الكون حسب نظام ومقتضيات وأسباب ، وأراد تعالى أن تجري أُمور هذا الكون بأسبابها ، وفق قوانينه التي خلقها لهذا الكون ، فهذا الكون وما فيه تحت هيمنته وجبروته لا يتخلّف عنه طرفة عين أبداً.

قال الإمام علي عليه السلام في دعاء كميل : « وكلّ سيئة أمرت باثباتها الكرام الكاتبين الذين وكّلتهم بحفظ ما يكون منّي ، وجعلتهم شهوداً عليّ مع جوارحي ، وكنت أنت الرقيب عليّ من ورائهم ، والشاهد لما خفي عنهم ... » (3).

ص: 285


1- البقرة : 31 - 32.
2- ق : 16.
3- مصباح المتهجّد : 849.

ومعنى هذا : أنّ الملائكة يخفى عليهم ما لا يخفى على اللّه تعالى ، فكيف هو يحتاج إليهم ويستعين بهم؟ بل الصحيح - واللّه أعلم - أنّ ذلك لانتظام الكون وشؤون الخلق ، فخلق الملائكة وكلّفهم بمهام وقضايا هو أعلم بها.

( سعد الحسيني - العراق - .... )

حول نورهم وسجودهم :

س : أرجو التفضّل بالإجابة على التساؤل التالي : هل إذا اجتمعت الملائكة يصبح نورهم مساوياً لنور اللّه عزّ وجلّ؟ وهل سجد جميع الملائكة لآدم عليه السلام؟ أم جزء منهم؟ أرجو تقبّل الشكر الجزيل.

ج : إنّ نور اللّه تعالى نور أزلي غير مخلوق لا نعرف كنهه ، بينما نور الملائكة نور حادث مخلوق ، وعليه لا يمكن أن نقيس نور من الأنوار بنور اللّه تعالى ، هذا أوّلاً.

وثانياً : قد سجد جميع الملائكة لآدم عليه السلام إلاّ إبليس ، وذلك لصريح الآية : ( فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ ) (1) ، فكلمة ( كُلُّهُمْ ) و ( أَجْمَعُونَ ) تدلاّن على سجود كُلّ الملائكة إلاّ ما استثنته الآية ، وهو إبليس لعنة اللّه عليه.

( .... - سوريا - 16 سنة )

تعقيب على الجواب السابق :

أُريد أن أنوّه إلى الأخ سعد الحسيني في سؤاله عن سجود الملائكة لآدم عليه السلام ، بعد أن أجاب مركز الأبحاث العقائدية جزاه اللّه تعالى عنّا كُلّ خير : أنّ إبليس لعنه اللّه ليس من الملائكة ، بل هو من الجنّ ، وقد خلقه اللّه تعالى من نار.

ص: 286


1- ص : 72 - 73.

قال اللّه تعالى في كتابه الكريم : ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ) (1) ، وهذا يدلّ أنّ إبليس لعنه اللّه ليس من الملائكة ، ولكنّه كان عبداً صالحاً ، وقد عصى اللّه تعالى وأصرّ على معصيته ، ولم يستغفر ربّه ولم يتب إليه ، فخرج من رحمة اللّه تعالى ، وهبط إلى الأرض.

( زهرة - البحرين - .... )

وظائفها :

س : لماذا خلق اللّه الملائكة؟ ولماذا كلّفهم بمهمّات معيّنة ومحدّدة؟ شاكرين لكم إجابتكم.

ج : حكمة خلق الملائكة - كما تظهر من بعض النصوص - هي لتنفيذ مشيئة اللّه تعالى في خلقه ، فمهمّتهم تلقّي الأوامر من مبدأ الخلق وإيصالها إلى عالم الخلق ، إمّا تشريعاً - كإيصال الوحي إلى الأنبياء - وإمّا تكويناً في موارد الإرادة التكوينية.

وبما أنّ إرادة الباري تعالى ومشيئته غير قابلة للخطأ والزلل ، فلابدّ أن تكون آلاتها وأدواتها مصونة من ذلك ، وهذا معنى عصمة الملائكة عليهم السلام.

وبما أنّ الوظائف والمهمّات التي يتولّونها هي مختلفة وأحياناً متغايرة ، فلابدّ من تقسيم الوظائف والتكاليف بالنظر إلى الأدوار التي خصّصوا للقيام بها.

( عصام البعداني. اليمن .... )

حكمة خلقهم :

س : ما هي الحكمة من خلق اللّه للملائكة؟

ص: 287


1- الكهف : 50.

ج : إنّ كثيراً من الحكم والعلل والأسباب لا يعلمها إلاّ اللّه تعالى ، وعليه لا يمكننا معرفة كُلّ الحكم والعلل ، نعم يمكن أن نعرف بعضها من خلال ما ورد في القرآن الكريم ، والروايات عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام.

فما ورد في القرآن قوله تعالى : ( الْحَمْدُ للهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلآئِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (1) ، إذاً من الحكم : أنّهم رسل من قبل اللّه تعالى.

وأمّا ما ورد في الروايات ممّا يفهم منه بعض الحكم فكثير ، منها :

1 - قول الإمام علي عليه السلام : « ثمّ خلق سبحانه لإسكان سماواته ، وعمارة الصفيح الأعلى من ملكوته ، خلقاً بديعاً من ملائكته ، وملأ بهم فروج فجاجها ، وحشا بهم فتوق أجوائها ... » (2).

2 - قول الإمام الصادق عليه السلام : « والذي نفسي بيده! لملائكة اللّه في السماوات أكثر من عدد التراب في الأرض ، وما في السماء موضع قدم إلاّ وفيها ملك يسبّحه ويقدّسه ، ولا في الأرض شجرة ولا مدر إلاّ وفيها ملك موكّل بها ... » (3).

3 - قول الإمام علي عليه السلام : « وملائكة خلقتهم وأسكنتهم سماواتك ، فليس فيهم فترة ، ولا عندهم غفلة ، ولا فيهم معصية ، هم أعلم خلقك بك ، وأخوف خلقك منك ، وأقرب خلقك إليك ، وأعملهم بطاعتك ، لا يغشاهم نوم العيون ، ولا سهو العقول ، ولا فترة الأبدان ، لم يسكنوا الأصلاب ، ولم تتضمّنهم الأرحام ، ولم تخلقهم من ماء مهين ، أنشأتهم إنشاءً ، فأسكنتهم سماواتك » (4).

4 - قول الإمام علي عليه السلام : « ثمّ فتق ما بين السماوات العلا ، فملأهن أطواراً من ملائكته : منهم سجود لا يركعون ، وركوع لا ينتصبون ، وصافّون لا

ص: 288


1- فاطر : 1.
2- شرح نهج البلاغة 6 / 423.
3- تفسير القمّي 2 / 255.
4- المصدر السابق 2 / 207.

يتزايلون ، ومسبّحون لا يسأمون ، لا يغشاهم نوم العيون ، ولا سهو العقول ، ولا فترة الأبدان ، ولا غفلة النسيان.

ومنهم أمناء على وحيه ، وألسنة إلى رسله ، ومختلفون بقضائه وأمره.

ومنهم الحفظة لعباده ، والسدنة لأبواب جنانه.

ومنهم الثابتة في الأرضيين السفلى أقدامهم ، والمارقة من السماء العليا أعناقهم ، والخارجة من الأقطار أركانهم ، والمناسبة لقوائم العرش أكتافهم ، ناكسة دونه أبصارهم ، متلفعون تحته بأجنحتهم ، مضروبة بينهم وبين من دونهم حُجب العزّة وأستار القدرة ، لا يتوّهمون ربّهم بالتصوير ، ولا يجرون عليه صفات المصنوعين ، ولا يحدّونه بالأماكن ، ولا يشيرون إليه بالنظائر » (1).

5 - قول الإمام زين العابدين عليه السلام - في الصلاة على حملة العرش وكُلّ ملك مقرّب - : « اللّهم وحملة عرشك الذين لا يفترون من تسبيحك ... ، ورسلك من الملائكة إلى أهل الأرض بمكروه ، ما ينزل من البلاء ، ومحبوب الرخاء ، والسفرة الكرام البررة ، والحفظة الكرام الكاتبين ، وملك الموت وأعوانه ، ومنكر ونكير ، ومبشّر وبشير ، ورومان فتّان القبور ، والطائفين بالبيت المعمور ، ومالك والخزنة ، ورضوان وسدنة الجنان ، والذين لا يعصون اللّه ما أمرهم ، ويفعلون ما يؤمرون ، والذين يقولون : سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ، والزبانية الذين إذا قيل لهم : ( خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ) (2) ابتدروه سراعاً ولم ينظروه ، ومن أوهمنا ذكره ، ولم نعلم مكانه منك ، وبأيّ أمر وكّلته ، وسكّان الهواء والأرض والماء ... » (3).

هذا ويمكن أن نعرف الحكمة من خلقهم من خلال أعمالهم التي وكّلوا بها ، والصفات التي يحملوها وهي :

ص: 289


1- شرح نهج البلاغة 1 / 91.
2- الحاقة : 30 - 31.
3- بحار الأنوار 56 / 218.

أوّلاً : أنّهم موجودات مكرّمون ، هم وسائط بينه تعالى وبين العالم المشهود ، فما من حادثة أو واقعة صغيرة أو كبيرة إلاّ وللملائكة فيها شأن ، وعليها ملك موكّل ، أو ملائكة موكّلون بحسب ما فيها من الجهة أو الجهات ، وليس لهم في ذلك شأن ، إلاّ إجراء الأمر الإلهي في مجراه ، أو تقريره في مستقرّه ، كما قال تعالى : ( لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (1).

ثانياً : أنّهم لا يعصون اللّه فيما أمرهم به ، فليست لهم نفسية مستقلّة ، ذات إرادة مستقلّة ، تريد شيئاً غير ما أراد اللّه سبحانه ، فلا يستقلّون بعمل ، ولا يغيّرون أمراً حملهم اللّه إيّاه ، بتحريف أو زيادة أو نقصان ، قال تعالى : ( لاَ يَعْصُونَ اللّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) (2).

ثالثاً : أنّ الملائكة - على كثرتهم - على مراتب مختلفة علوّاً ودنواً ، فبعضهم فوق بعض ، وبعضهم دون بعض ، فمنهم آمر مطاع ، ومنهم مأمور مطيع لأمره ، والآمر منهم آمر بأمر اللّه حامل له إلى المأمور ، والمأمور مأمور بأمر اللّه مطيع له ، فليس لهم من أنفسهم شيء البتة ، قال تعالى : ( وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ ) (3) ، وقال تعالى : ( مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ) (4) ، وقال تعالى : ( قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ ) (5).

رابعاً : أنّهم غير مغلوبين ، لأنّهم إنّما يعملون بأمر اللّه وإرادته ، قال تعالى : ( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ ) (6) ، وقال تعالى : ( وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ) (7) ، وقال تعالى : ( إِنَّ اللّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ) (8).

ص: 290


1- الأنبياء : 27.
2- التحريم : 6.
3- الصافّات : 164.
4- التكوير : 21.
5- سبأ : 23.
6- فاطر : 44.
7- يوسف : 21.
8- الطلاق : 3.

إذاً ، فهم وسائط بينه تعالى وبين الأشياء ، بدءاً وعوداً على ما يعطيه القرآن الكريم ، بمعنى أنّهم أسباب للحوادث ، فوق الأسباب المادّية في العالم المشهود ، قبل حلول الموت والانتقال إلى نشأة الآخرة وبعده.

أمّا في العود - أي حال ظهور آيات الموت ، وقبض الروح ، وإجراء السؤال ، وثواب القبر وعذابه ، وإماتة الكُلّ بنفخ الصور وإحيائهم بذلك ، والحشر ، وإعطاء الكتاب ، ووضع الموازين والحساب ، والسوق إلى الجنّة والنار - فوساطتهم فيها غني عن البيان ، والآيات الدالّة على ذلك كثيرة ، لا حاجة إلى إيرادها ، والأخبار المأثورة فيها عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وأئمّة أهل البيت عليهم السلام فوق حدّ الإحصاء.

وكذا وساطتهم في مرحلة التشريع ، من النزول بالوحي ، ودفع الشياطين عن المداخلة فيه ، وتسديد النبيّ ، وتأييد المؤمنين ، وتطهيرهم بالاستغفار.

( أبو ياسر الجبوري - ... - ..... )

أيضاً يموتون :

س : منذ أيّام مرّ عليّ تساؤل حول الملائكة ، ولكنّني لم أجد الجواب لهذا السؤال ، أرجو منكم إرشادنا للجواب الصحيح.

سؤالنا هو : هل الملائكة تموت؟ وإن كانت لا تموت فما معنى الآية ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالْإِكْرَامِ ) (1) ، وهناك من يقول : بأنّ اللّه يميت ويفني كُلّ ما خلق ، لكي يبرهن قدرته على فناء كُلّ شيء ، أرجو الإجابة مع جزيل الشكر.

ج : قد روى الشيخ الحرّ العاملي بإسناده عن أبي المغرا قال : حدّثني يعقوب الأحمر قال : دخلنا على أبي عبد اللّه عليه السلام نعزيه بإسماعيل ، فترحّم عليه ثمّ قال : « إنّ اللّه عزّ وجلّ نعى إلى نبيه صلى اللّه عليه وآله نفسه ، فقال : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم

ص: 291


1- الرحمن : 26 - 27.

مَّيِّتُونَ ) ، وقال : ( كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ ) » ، ثمّ أنشأ يحدّث فقال : « أنّه يموت أهل الأرض حتّى لا يبقى أحد ، ثمّ يموت أهل السماء حتّى لا يبقى أحد ، إلاّ ملك الموت ، وحملة العرش ، وجبرائيل ، وميكائيل ».

قال : « فيجيء ملك الموت حتّى يقوم بين يدي اللّه عزّ وجلّ فيقول له : من بقى؟ - وهو أعلم - فيقول : يا ربّ لم يبق إلاّ ملك الموت ، وحملة العرش وجبرائيل وميكائيل ، فيقال له : قل لجبرائيل وميكائيل فليموتا ، فتقول الملائكة عند ذلك : يا رب رسوليك وأمينيك! فيقول : إنّي قد قضيت على كُلّ نفس فيها الروح الموت.

ثمّ يجيء ملك الموت حتّى يقف بين يدي اللّه عزّ وجلّ ، فيقال له : من بقى؟ - وهو أعلم - فيقول : يا ربّ لم يبق إلاّ ملك الموت ، وحملة العرش ، فيقول : قل لحملة العرش فليموتوا ، قال : ثمّ يجيء مكتئباً حزيناً لا يرفع رأسه ، فيقول : من بقي؟ فيقول : يا ربّ لم يبق إلاّ ملك الموت ، فيقال له : مت يا ملك الموت ، ثمّ يأخذ الأرض بيمينه والسماوات بيمينه - أي بقدرته - ويقول : أين الذين كانوا يدّعون معي شريكاً؟ أين الذين كانوا يجعلون معي إلهاً آخر »؟ (1).

إذاً ، بموجب هذه الرواية والروايات الأُخرى الواردة في ذيل قوله تعالى : ( كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ ) (2) أنّ الملائكة أيضاً تموت.

ص: 292


1- الفصول المهمّة 1 / 297.
2- آل عمران : 158.

النبوّة والأنبياء :

اشارة

( زينب - بريطانيا - .... )

من صفات النبوّة السلامة من العاهات :

س : نشكر لكم جهودكم ونتمنّى لكم كُلّ خير وصلاح.

هناك سؤال نتمنّى الإجابة عليه وهو : من صفات اختيار الأنبياء والأئمّة عليهم السلام السلامة من العاهات والأمراض المعدية ، فلماذا شاء اللّه تعالى أن يبلى النبيّ أيوب بالأمراض المعدية؟

ج : أوّلاً : كُلّ ما جاء في القرآن الكريم فهو تعاليم لنا ، لا تعاليم لأُمّة موسى أو عيسى أو أيوب أو سليمان أو داود عليهم السلام.

واللّه تعالى صنع بأيوب عليه السلام ما صنع ، لكي يدلّ على شيء واحد وهو : أنّ اللّه تعالى لا يدفع عن أنبيائه وأوليائه كافّة مكاره الدنيا ، وحتّى أنّه لا يمنع عنهم القتل ( قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاء اللّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) (1) ، ( فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ) (2) ، ( أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ ) (3).

ص: 293


1- البقرة : 91.
2- النساء : 155.
3- البقرة : 87.

هذا التأكيد في الآيات الكريمة يعطي بأنّ اللّه تعالى لا يعصم نبيه عصمة مادّية ، نعم اللّه تعالى يعصم نبيّه عصمة معنوية ، يعني لا يرضى بهوان رسوله ، ولا بهوان نبيّه.

فاللّه تعالى ابتلى أيوب عليه السلام حيث يمتحن صبره ، فعندما تحوّل إلى نوع من الاستهانة نادى أيوب ربّه ، فأجابه تعالى : ( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ) (1) ، ( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ) (2).

ثمّ أنّ رسل اللّه تعالى لهم مسؤوليتان :

الأُولى : إبلاغ ما شرّعه اللّه لعباده من أحكام.

والثانية : قيادة الأُمّة ، ولابدّ لها نوع من الخصائص والامتيازات التي بها تنقاد الأُمّة ، وإلاّ لا تنقاد الأُمّة إلى عالم بعلمه ، وإنّما تنقاد لعالم يتمكّن من جعل علمه مركز قوّة وسيطرة عقلية لا مادّية على من يؤمنون بعلمه ، فالأنبياء والأئمّة عليهم السلام حيث أنّ مسؤوليتهم الثانية أنّهم قادة أُممهم ، فلابدّ وأن تتوفّر فيهم المزايا والخصائص التي أن توفّرت في قائد تنقاد له الأُمّة.

فمثلاً : لا يشترط أن يكون أجمل الخلق ، لكن يشترط في حقّه أن لا يكون سيء الخلق والخُلق ، فالعاهات إن كانت عاهات لا تمسّ كرامة النبيّ والولي فيصابون بها ، فالنبيّ والولي يصابون بالحمّى ، لأنّ الحمّى والرمد وأمثال ذلك لا تشمئزّ منه النفوس ، وأمّا البتور مثلاً أو الجروح ، فهذه حيث النفوس تشمئزّ منها ، فاللّه تعالى يجنّب رسوله أو وليّه منها.

فالعمدة في المسألة تملّك قلوب من ينقادون إليه ، والناس اعتادوا أن تكون نظرتهم الحسّية مدخلاً للطاعة.

ص: 294


1- ص : 40 - 41.
2- الأنبياء : 90.

فمن هذه الناحية العاهات تختلف : عاهات لا تشمئزّ منها النفوس إن أُصيب بها واحد منهم ، وإنّما يعالجونه ويأتون لزيارته ، وعاهات تشمئزّ منها النفوس ، فاللّه تعالى لا يجنّب رسوله من كُلّ مرض وعاهة وحمّى ورمد وأمثال ذلك ، وأمّا الطاعون والبثور والأمراض المعدية ، أو الأمراض التي توجب سوء المنظر ، فاللّه تعالى يجنّب وليّه ونبيّه ، لأنّه جعل له مسؤولية قيادة الأُمّة.

( فاروق - المغرب - .... )

إدريس ومعجزته :

س : أُريد أن أعرف عن سيّدنا إدريس؟ ولماذا سمّي بهذا الاسم؟ وما هي معجزته؟

ج : إنّ إدريس كان نبيّاً من أنبياء اللّه تعالى لقوله تعالى : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا * وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ) (1).

وقيل : سُمّي إدريس لكثرة درسه الكتب ، وهو أوّل من خطّ بالقلم ، وكان خيّاطاً ، وأوّل من خاط الثياب.

وقيل : إنّ اللّه سبحانه علّمه النجوم والحساب وعلم الهيئة ، وكان ذلك معجزة له (2).

( أُمّ أحمد الدشتي - الكويت - .... )

المقصود بالأسباط :

س : وردت كلمة الأسباط في قوله تعالى : ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ

ص: 295


1- مريم : 56 - 57.
2- بحار الأنوار 11 / 270.

وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ) (1) فمن هم الأسباط؟ ولكم جزيل الشكر.

ج : الأسباط هم أنبياء أُنزل عليهم الوحي من ذرّية يعقوب عليه السلام ، أو من أسباط بني إسرائيل - كداود وسليمان ويونس وأيوب وغيرهم - أرسلهم اللّه تعالى لإتمام الحجّة على الناس ، ببيان ما ينفعهم وما يضرّهم في أخراهم ودنياهم ، لئلا يكون للناس على اللّه حجّة بعد الرسل.

( حسن محمّد يوسف - البحرين - 18 سنة - طالب جامعة )

عيسى ونفخ الروح :

س : من البديهي أن يوجد الولد بواسطة الأب والأمّ ، ولكن المسيحيين يعتقدون بأنّ المسيح هو ابن اللّه ، وذلك لوجود الأمّ دون الأب ، ولأنّ اللّه هو الذي نفخ في روح الأُمّ - على حدّ زعمهم - أرجو من سماحتكم توضيح هذا الإشكال.

ج : إنّ الطريقة المألوفة لولادة المولود عند البشر هي ولادته من أبٍ وأُمّ ، وهذا ممّا لا خلاف فيه ؛ إنّما الكلام في أنّ هذه الطريقة هل هي من مقوّمات وجود الإنسان؟ أي أنّ الإنسان بما هو إنسان هل تتوقّف ماهية وجوده على كيفية ولادته؟

والجواب واضح : بأنّ ولادة الإنسان لا ترتبط بموضوع تعنونه وتشخّصه ، بل إنّ كيفية الولادة هي طريق الوصول إلى عالم الدنيا فحسب.

نعم ، لا ننكر أنّ الأسلوب المتعارف هو الولادة من أب وأُمّ ، ولكن إذا اقتضت المصلحة الإلهية في موردٍ ما - كإظهار معجزة - تبديل هذه الكيفية بشكل آخر فلا مانع منه ، فلا يستغرب من ولادة المسيح عليه السلام من دون أب لأجل إظهار المعجزة التكوينية لله تعالى في هكذا خلقه ، ثمّ تأييد رسوله - عيسى -

ص: 296


1- النساء : 163.

بها ؛ وهذا الأمر قد حدث مسبقاً عند خلق آدم عليه السلام وحوّاء من غير أب ولا أُمّ ، فلا يستبعد أبداً.

وأمّا مسألة النفخ في المقام ، فهي عبارة عن إيجاد الحياة ليس إلاّ ، وعليه فإنّ النفخ الذي صدر من اللّه تعالى في الحقيقة هو إلقاء الروح البشري عند مريم عليها السلام.

ويدلّنا على هذا المعنى استعمالات كلمة النفخ في الموارد المشابهة في القرآن الكريم ، مثلاً : ( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ) (1) ، إذ ليس المقصود في الآية : أنّ الباري تعالى قطع قطعةً من روحه ووهبها لمخلوقه!! بل بمعنى أنّه تعالى أعطى ومنح الوجود لهذا المخلوق ، وإضافة الروح إليه - روحي - إضافة تشريفية.

ثمّ لنا أن نقول لهم - على سبيل النقض - : إذا كانت عملية النفخ موجبة لإسناد المولود إلى اللّه ، فالأولى أن ينسب آدم عليه السلام إليه!! ( سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ ) (2).

( الموالي - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

التفاضل بين الأنبياء موجود :

س : ما هو الدليل القطعي على أفضلية الأنبياء على بعضهم ، رغم قوله تعالى : ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) (3).

وقوله تعالى : ( قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) (4).

ص: 297


1- الحجر : 29.
2- الأنعام : 100.
3- البقرة : 285.
4- البقرة : 136.

أمّا هذه الآية فتفضّل الأنبياء على بعض : ( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ) (1) ، ولكم جزيل الشكر.

ج : صرّحت الآية الشريفة : ( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ... ) بوجود تفضيل إلهي واقع بين الأنبياء عليهم السلام ، ففيهم من هو أفضل ، وفيهم من هو مفضّل عليه ، وللجميع فضل ، فإنّ الرسالة في نفسها فضيلة ، وهي مشتركة بين الجميع.

كما صرّحت بوجود اختلاف في علوّ مقاماتهم ، وتفاوت درجاتهم ، مع اتحادهم في أصل الفضل وهو الرسالة ، واجتماعهم في مجمع الكمال وهو التوحيد.

وأمّا بالنسبة إلى قوله تعالى : ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ... ) ، فلا يدلّ على عدم تفضيل اللّه تعالى بعض الأنبياء على البعض الآخر ، وقوله : ( لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ... ) هو لسان حال المؤمنين ، فالمؤمنون كُلّ منهم آمن باللّه تعالى ، وبملائكته وبكتبه وبرسله ، لا يفرّقون بين أحد من الرسل ، بخلاف اليهود فإنّهم فرّقوا بين موسى وبين عيسى ومحمّد صلى اللّه عليه وآله ، وبخلاف النصارى فإنّهم فرّقوا بين موسى وعيسى وبين محمّد ، فانشعبوا شعباً وتحزّبوا أحزاباً ، مع أنّ اللّه تعالى خلقهم أُمّة واحدة على الفطرة ، وعدم تفريق المؤمنين بين الرسل لا يدلّ على عدم وجود تفاضل بين الرسل عند اللّه تعالى.

ونفس هذا الكلام يأتي في قوله تعالى : ( وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ

ص: 298


1- البقرة : 253.

مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) (1).

فالآية المباركة في صدد بيان جواب المؤمنين لليهود والنصارى ، وأنّهم لا يفرّقون بين أحد من الأنبياء ، فيؤمنون ببعض ولا يؤمنون بالبعض الآخر ، وإنّما يعتقدون بجميعهم.

( ... - ... - ..... )

دانيال وجرجيس نبيّان :

س : من هو النبيّ دانيال؟ وهل هناك نبي اسمه جرجيس؟

ج : كان دانيال عليه السلام نبيّاً مبعوثاً في بني إسرائيل ، حينما كانوا أسرى بيد بخت النصر في بابل ، إذ يظهر من بعض الآثار والأخبار أنّ بخت النصر قد أغار على أورشليم - عاصمة اليهود - ونهبها ، وأجلى أهلها إلى بابل في سنة 588 ق م.

وعلى كُلّ فقد عذّبه بخت النصر في بادئ الأمر ، وثمّ بعد الوقوف على غزارة علمه وحكمته - بتعبيره الرؤيا الخاصّة ببخت النصر - أطلق سراحه ، وخفّف عن اليهود بسببه ، ولكن هو عليه السلام قد قبض في تلك الأيّام بعدما بشّر قومه بعودتهم إلى وطنهم ، بيد من يبيد حكم بخت النصر.

وقد دفن عليه السلام في مدينة شوش في محافظة خوزستان الإيرانية ، ومضجعه معروف هناك.

ويظهر من بعض الأخبار : أنّ دانيال عليه السلام قد لاقى نبيّ اللّه داود عليه السلام في وقتٍ ما ، وعلى ضوء ما ذكرنا ، فلابدّ أن يكون هذا اللقاء قبل نبوّة دانيال عليه السلام بفترة غير وجيزة ، وعليه يجب أن نلتزم بأنّ دانيال عليه السلام كان من المعمّرين.

وأمّا جرجيس عليه السلام ، فقد جاء ذكره في عداد الأنبياء عليهم السلام في موارد كثيرة (2) ، وأنّه بعث إلى ملك بالشام كان يعبد الأصنام فردعه عنها فلم

ص: 299


1- البقرة : 135 - 136.
2- بحار الأنوار 14 / 445 و 39 / 64.

يرتدع ، بل وحبس جرجيس عليه السلام وعذّبه بشتّى الطرق ، وظهرت منه عليه السلام في هذه الفترة معاجز وكرامات ، أدّت إلى اعتقاد جماعة كثيرة من الناس ، وحتّى من حاشية الملك المذكور بنبوّته ورسالته.

( ... - .... - .... )

عدم اشتراط النبوّة بعمر خاصّ :

س : إنّ الأنبياء عليهم السلام لا يصبحون أنبياء إلاّ إذا أصبحوا أعمارهم ( 40 ) عاماً - مثل الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله - بغض النظر عن معجزاتهم عليهم السلام قبل الرسالة - مثل النبيّ عيسى عليه السلام - فلماذا لا ينطبق ذلك على الأئمّة عليهم السلام ، فهل شروط الإمامة مغايرة لشروط النبوّة؟

ج : ليس من شرائط النبوّة التخصيص بعمر خاصّ ، أضف إلى ذلك فإنّ شرائط النبوّة لا تتحد في جميعها مع شرائط الإمامة ، فإن بينهما اتحاد واختلاف.

( السيّد علي - ... - ..... )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : أنتم قلتم في ردّكم : ليس من شرائط النبوّة التخصيص بعمر خاصّ ، ولكن هذه الآية : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً ) (1) تثبت أنّ من شروط الأنبياء عليهم السلام هي الرجولة ، ولكن ما هو العمر المقصود هنا؟ واللّه ولي التوفيق.

ج : إنّ الجواب كان ليس من شرائط النبوّة التخصيص بعمر خاصّ ، والجواب لا يوحي إلى نفي أي شرط ، بل بالنسبة إلى العمر لا يوجد أيّ دليل يحدّد الأنبياء بعمر معيّن.

ص: 300


1- يوسف : 109.

( ميكائيل - ... - ..... )

رواية ضرب موسى لملك الموت ضعيفة :

س : بارك اللّه جهودكم الطيّبة ، ووفّقكم لنصرة أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة ، أمّا بعد ، لدي سؤال أرجو أن أحصل على الإجابة الشافية منكم عليه :

هل صحيح أنّ رواية ضرب النبيّ موسى عليه السلام لملك الموت حتّى فقأ عينه صحيحة عند علماء الشيعة؟ حسب ما ذكر لي أحد المناقشين من أهل السنّة في المصادر التالي : لئالى الأخبار ، الأنوار النعمانية ، المحجّة البيضاء ، البرهان ، بحار الأنوار ، وفّقكم اللّه لما يحبّه ويرضاه.

ج : كُلّ الأحاديث المذكورة هي أحاديث ضعيفة غير معتمدة ، منقولة من كتب متأخّرة ، أُلّفت بعد القرن العاشر الهجري ، وكما تعلمون : فإنّ وجود رواية في مصادر الحديث عند الشيعة لا يعني أن تكون صحيحة ويجب العمل بها ، فكيف وأن ما ذكر موجود في مصادر متأخّرة ، وفي بعضها كالمحجّة البيضاء فإنّها منقولة عن مصادر أهل السنّة ، وعلى المدّعي أنّ الشيعة تعمل بهذه الروايات وتعتقد بها إثبات هذا المدّعى بالدليل ، ووفقاً على مباني الشيعة.

( مريم ساجواني - الإمارات - .... )

حكمة ذكر النبيّ موسى أكثر من غيره :

س : ما الحكمة من ذكر قصّة نبي اللّه موسى عليه السلام في القرآن الكريم أكثر من باقي الأنبياء عليهم السلام؟

ج : يمكن أن يقال : أنّ الحكمة في ذكر قصّة موسى عليه السلام في القرآن الكريم أكثر من باقي الأنبياء ، وذلك لما في عهد موسى عليه السلام من قضايا كثيرة تكون عبراً ودروساً ، ولكون قومه اليهود الذين أتمّ اللّه عليهم الحجّة أبوا إلاّ عتواً واستكباراً ، ومراحل التدرّج مع اليهود ومحاولات الهداية لهم ، فكانت نبوّة موسى عليه السلام مليئة بالحوادث والإثارات التي يمكن أن يستلهم منها الكثير من الدروس.

ص: 301

( مهند - البحرين - .... )

نوح الأب الثاني للبشرية :

س : لماذا لقّب نبي اللّه نوح عليه السلام بأنّه ثاني أب للبشرية بعد آدم عليه السلام؟ ألم يكن في السفينة معه بشر غيره؟ وألف سلام لكم وتحية.

ج : يستفاد من الآية : ( وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمْ الْبَاقِينَ ) (1) ، أنّ البشرية بعد نوح عليه السلام تكوّنت من نسله ، وأنّ الآخرين الموجودين في السفينة قد انقرضوا فيما بعد ، ولكن توجد رواية في تفسير القمّي لهذه الآية : بأنّ ولد آدم عليه السلام بالعموم لم يكونوا من ولد نوح بعد الطوفان (2) ، بل أنّ الآية بصدد حصر المؤمنين من ولد آدم عليه السلام في عقب نوح عليه السلام.

وممّا ذكرنا يظهر أن لقب الأب الثاني للبشرية ، لا يمكن التأكّد عليه إلاّ من باب المجاز والتوسّع في الكلمة ، وعلى أيّ حال فالأمر سهل ، كما لا يخفى على المتأمّل.

( أحمد عيسى - البحرين - 22 سنة - خرّيج معهد )

حكمة منع آدم الأكل من الشجرة :

س : أوّلاً نشكركم على فكرة طرح الأسئلة ، سؤالي هو : ما هي الحكمة من منع اللّه تعالى آدم عليه السلام من الأكل من تلك الشجرة؟

ج : الآيات القرآنية في آدم عليه السلام ، وفي هذا الموضوع بالذات ، تشير إلى وجود نوع من اختبار خاصّ ، وفتنة من نوع خاصّ مغاير للاختبار والفتنة الدنيوية ، وفيه إشارة إلى ما ستؤول إليه البشرية من بعد آدم ، وما ستبتلي به من الامتحان والاختبار.

ص: 302


1- الصافات : 77.
2- تفسير القمّي 2 / 223.

قال تعالى : ( يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ ) (1).

وقال تعالى : ( فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى * إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تَعْرَى * وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تَضْحَى * فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَى * فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى * قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ) (2).

حيث تشاهد بوضوح مسألة الامتحان ووسوسة الشيطان والاختبار ، وفي آخر الآيات ينجرّ الامتحان ليشمل الجميع من ذرّيته وولده.

هذا كُلّه أن استطعنا أن نتوصّل إلى حكمة وعلّة هذا المنع من أكل الشجرة ، الذي يعود إلى الامتحان والاختبار ، وإلاّ فإنّه ربما لم نتوصّل إلى سبب وحكمة بعض الأعمال ، وليس من الواجب أن يتّضح سبب وحكمة كُلّ الأعمال.

( أبو أحمد الموسوي - بريطانيا - 37 سنة - مهندس كيمياء )

أجساد المعصومين لا تبلى :

س : ورد في سيرة مولانا أبي محمّد الحسن العسكري عليه السلام ، قصّة الراهب النصراني ، والاستسقاء متوسّلاً بعظم لأحد الأنبياء عليهم السلام ، فكيف يتّفق هذا مع المشهور من أنّ الأجساد الشريفة للأنبياء والأئمّة عليهم السلام ، وكذا الشهداء

ص: 303


1- الأعراف : 27.
2- طه : 117 - 126.

والصالحين لا تبلى ، ولا ينتابها الفناء كرامة لهم؟ أفيدونا غفر اللّه لكم.

ج : هذه القصّة وردت في جُلّ الكتب التي دوّنت في مجال الحديث والسيرة (1) ، ممّا يبعث الاطمئان في النفس بحدوثها ؛ وفي نفس الوقت لا معارضة بينها وبين الاعتقاد بعدم فناء أجساد الأنبياء والأولياء عليهم السلام ، إذ بناءً على هذه الرواية فإنّ رجلاً أخذ عظماً من عظام النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فلا يبعد أن يكون اقتطعه وفصله عن جسده الشريف ، وليس في الحديث إشارة إلى تفسّخ الجسد ، وانفصال العظام وتجزئتها.

( أحمد جعفر - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة )

الحجّة ما بين عيسى ومحمّد :

س : من اعتقاداتنا الأساسية نحن الشيعة : أنّ الأرض لا تخلو من حجّة ، لكن من زمن عيسى عليه السلام إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، هل كانت الأرض من دون حجّة؟ أو كان هناك أنبياء موجودين؟

ج : إنّ عقيدتنا بأنّ الأرض لا تخلو من الحجّة ممّا لا شبهة فيه عقلاً ونقلاً ، والأدلّة الواضحة هي قائمة على هذا المدّعى ، كما لا يخفى على المتتبع في هذا المجال ، ولكن لا نعتقد أنّ هؤلاء الحجج كانوا كُلّهم أنبياء ، بل أنّ بعضهم كانوا أوصياء.

وأمّا في الفترة ما بين عيسى عليه السلام والنبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله فقد تشير بعض الروايات إلى وجود بعض الأوصياء بل وحتّى الأنبياء ، فمثلاً ينقل الشيخ الصدوق قدس سره أنّ بين نبيّنا صلى اللّه عليه وآله وبين عيسى عليه السلام أنبياء وأئمّة مستورون خائفون ، منهم خالد بن سنان العبسي ، نبي لا يدفعه دافع ولا ينكره منكر ... ، وكان بين مبعثه ومبعث نبيّنا محمّد صلى اللّه عليه وآله خمسون سنة (2).

ص: 304


1- أُنظر : الثاقب في المناقب : 575 ، الخرائج والجرائح 1 / 442 ، كشف الغمّة 3 / 225 ، بحار الأنوار 50 / 271.
2- كمال الدين وتمام النعمة : 659.

ويؤيّده ما ورد في كتب أهل السنّة بوجود أربعة من الأنبياء في هذه الفترة ، منهم خالد المذكور (1) ، وقد ورد في بعض الآثار : أنّ أبا طالب كان من الأوصياء في هذه الفترة (2).

( جمال أحمد - البحرين - .... )

الفرق بين النبيّ والرسول :

س : هل يوجد فرق جوهري بين النبيّ والرسول؟ أم أنّ النبيّ هو ذاته الرسول؟ الرجاء التفصيل مع ذكر الأمثلة.

ج : أختلف العلماء في تعريف النبيّ والرسول ، وبيان الفرق بينهما ، ولكن الحقّ أنّ الرسول أعلى رتبةً من النبيّ ، إذ هو يحمل رسالةً إلى من بعث إليه ، وأمّا النبيّ فلا يتحمّل هداية الآخرين.

نعم الاثنان متّفقان في مسألة نزول الوحي إليهما ، ولكن النبيّ يأتيه الوحي في المنام ، والرسول يرى جبرائيل ، ويتلقّى الوحي معاينةً ومشافهةً (3).

وبالجملة : فالأمر سهل ، إذ قد تجتمع لبعضهم الرتبتان معاً ، كنبيّنا صلى اللّه عليه وآله وإبراهيم عليه السلام ، ومن جانب قد يستعمل كثيراً التعبير بأحدهما مكان الآخر مسامحةً وعنايةً.

( زكريا عباس راضي - البحرين - .... )

يأجوج ومأجوج :

س : أودّ أن أسألكم ، هل هناك موضوع يحكي عن يأجوج ومأجوج في موقعكم ، فقد بحثت فيه ولم أجد ، وشكراً لكم.

ص: 305


1- التفسير الكبير 4 / 330 ، روح المعاني 10 / 295 ، السيرة الحلبية 1 / 33.
2- الكافي 1 / 445 ، بحار الأنوار 35 / 73.
3- الكافي 1 / 176.

ج : هناك الكثير من الأخبار الغريبة في وصف يأجوج ومأجوج نحن اعرضنا عنها ، واكتفينا بنقل الأخبار المقبولة نوعاً ما.

فيأجوج ومأجوج أُمّتان ، وهم من أولاد آدم وحوّاء ، وهو قول أكثر العلماء ، ويشهد له قول الإمام الهادي عليه السلام : « إنّهم من ولد يافث بن نوح » (1).

وعن حذيفة قال : سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عن يأجوج ومأجوج فقال : « يأجوج أُمّة ، ومأجوج أُمّة ، كُلّ أُمّة أربعمائة أُمّة ، لا يموت الرجل منهم حتّى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه ، كُلّ قد حمل السلاح » (2).

والمروي أنّهم أقوام وحشية غير متمدّنين ، بل يعيشون كالبهائم ، وقد أشار القرآن إلى أنّهم قوم مفسدون في الأرض ، وقيل من فسادهم أنّهم كانوا يخرجون فيقتلون ، ويأكلون لحومهم ودوابهم.

وعن الكلبي : كانوا يخرجون أيّام الربيع ، فلا يدعون شيئاً أخضر إلاّ أكلوه ، ولا يابساً إلاّ احتملوه (3).

كما إنّهم يتميّزون عن باقي الأقوام بكثرة العدد ، كما في الخبر عن الرسول صلى اللّه عليه وآله (4).

كما وإنّهم من الأقوام الذين يقاتلون عيسى بن مريم عليه السلام بعد خروجه ، فيغلبهم عليه السلام ويكون ذلك بين يدي الساعة (5).

( أميرة - البحرين - 15 سنة - طالبة )

علّة تكليم موسى :

س : لماذا النبيّ موسى عليه السلام هو الذي كلّمه اللّه تعالى؟

ص: 306


1- الكافي 8 / 220.
2- مجمع البيان 6 / 387.
3- نفس المصدر السابق.
4- المصدر السابق 7 / 126.
5- الخصال : 447.

ج : أورد الشيخ الصدوق روايتين عن العلّة التي من أجلها اصطفى اللّه تعالى موسى لكلامه دون خلقه :

1 - عن الإمام الباقر عليه السلام قال : « أوحى اللّه عزّ وجلّ إلى موسى عليه السلام : أتدري لما اصطفيتك لكلامي دون خلقي؟ فقال موسى : لا يا ربّ ، فقال : يا موسى إنّي قلّبت عبادي ظهراً لبطن ، فلم أجد فيهم أحداً أذلّ لي منك نفساً ، يا موسى إنّك إذا صلّيت وضعت خدّيك على التراب ».

2 - عن إسحاق بن عمّار قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : « إنّ موسى عليه السلام احتبس عنه الوحي أربعين أو ثلاثين صباحاً ، قال : فصعد على جبل بالشام يقال له : أريحا ، فقال : يا ربّ إن كنت حبست عنّي وحيك وكلامك لذنوب بني إسرائيل ، فغفرانك القديم ».

قال : « فأوحى اللّه عزّ وجلّ إليه : يا موسى بن عمران ، أتدري لم اصطفيتك لوحي وكلامي دون خلقي؟ فقال : لا علم لي يا ربّ ، فقال : يا موسى إنّي أطلعت إلى خلقي إطلاعة ، فلم أجد في خلقي أشدّ تواضعاً لي منك ، فمن ثمّ خصصتك بوحي وكلامي من بين خلقي ».

قال : « وكان موسى عليه السلام : إذا صلّى لم ينفتل حتّى يلصق خدّه الأيمن بالأرض والأيسر » (1).

هذه بعض العلل ، وقد تكون هناك علل أُخرى ، لا يعلمها إلاّ اللّه والراسخون في العلم ، بالإضافة إلى أنّ مثل هذه الأُمور لا يسأل عنها لقوله تعالى : ( لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) (2).

( أبو حيدر - عمان - 25 سنة - بكالوريوس )

اصطفاء الأنبياء :

س : كيف يتمّ اصطفاء واختيار الأنبياء عليهم السلام؟ وفي أيّ مرحلة يتمّ ذلك؟

ص: 307


1- علل الشرائع 1 / 56.
2- الأنبياء : 23.

ج : إنّ اللّه تعالى - ومن منطلق علمه الذاتي والأزلي - كان يعلم بأنّ الأنبياء عليهم السلام سيصلون بجدّهم وجهدهم في عالم الدنيا إلى المرتبة القصوى بين الممكنات ، بعد إعطائهم الخيار والاختيار من جانب الباري تعالى.

وبعبارة أُخرى : إنّ اللّه تعالى كان يعلم بوفاء الأنبياء عليهم السلام في عالم الوجود بكافّة المتطلّبات التي تؤهّلهم لهذا المنصب الإلهي ، وعليه فأعطاهم تلك المرتبة السامية بسبب علمه المسبق على الإعطاء.

فالنتيجة : إنّ كافّة المواهب المعطاة هي ناتجة ومكافئة على سلوكهم وسيرتهم عليهم السلام في الدنيا ، وإن أُعطيت من قبل.

ولا يخفى أنّ هذه النظرية قابلة للتأييد بنصوص روائية ، وعلى سبيل المثال ورد في فقرات من دعاء الندبة هكذا : « اللّهم لك الحمد على ما جرى به قضاؤك في أوليائك ، الذين استخلصتهم لنفسك ودينك ، إذ اخترت لهم جزيل ما عندك من النعيم المقيم ، الذي لا زوال له ولا اضمحلال ، بعد أن شرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا الدنية ، وزخرفها وزبرجها ، فشرطوا لك ذلك ، وعلمت منهم الوفاء به ، فقبلتهم وقرّبتهم ... » (1).

والخلاصة : إنّ الفضائل والميزات التكوينية والتشريعية للأنبياء عليهم السلام بأجمعها هي حصيلة الجهود والمتاعب التي تحمّلوها في سبيل نشر الدين والعقيدة ، وتبليغ الوحي وزعامة الأُمّة وغيرها.

( الموالي - عمان - 24 سنة )

تمنّي مريم لا ينافي التسليم :

س : سؤالي حول السيّدة مريم العذراء عليها السلام حين قالت : ( يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا ) (2) ، كيف نوفّق بين هذا وبين رضاها بقضاء اللّه وقدره؟

ص: 308


1- إقبال الأعمال 1 / 504.
2- مريم : 23.

ج : إنّ مريم عليها السلام حينما تمنّت الموت لم تتمنّه رفضاً منها للقضاء الإلهي وإنكاراًً له ، بل كان ذلك منها استحياءً من قومها ، وخوفاً من اتهامهم لها ، إنّه حقّاً موقف عصيب وأمر شديد ، فمريم كانت امرأة معروفة بالعفّة والصلاح والمكانة العالية ، إذا بها فجأة تحمل وتلد من غير زوج ، ماذا تقول لهم؟ وهل يصدّقونها في دعواها؟ أنّه لهذا تمنّت الموت.

وهذا لا يتنافى مع التسليم للقضاء الإلهي ، أنّه تماماً نظير موقف الإمام الحسين عليه السلام حينما قال : « صبراً على قضائك ، ولا معبود سواك » (1) ، ولكنّه في نفس الوقت كان قلبه يعتصر ألماً لعياله وأطفاله ، بل ولأهل الكوفة المقاتلين له ، حيث يدخلون النار بسبب قتالهم له ، بل إنّ جدّه الرسول الأكرم صلى اللّه عليه وآله الذي هو المصداق البارز للراضي بقضاء اللّه تعالى ، كان يتألّم لقومه ويحزن من إيذائهم له ، حتّى قال : « ما أُوذي نبيّ مثل ما أُوذيت » (2) ، إنّه كما لا منافاة بين هذا وذاك في حقّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله والإمام الحسين عليه السلام ، وكذلك لا منافاة بينهما في حقّ مريم عليها السلام.

ص: 309


1- ينابيع المودّة 3 / 82.
2- مناقب آل أبي طالب 3 / 42 ، كشف الغمّة 3 / 346.

ص: 310

النبي محمّد صلى اللّه عليه وآله :

اشارة

( عبد اللّه - الكويت - 28 سنة - خرّيج ثانوية )

وآية عبس وتولّى :

س : فيمن نزلت الآية : ( عَبَسَ وَتَوَلَّى ) ؟

ج : قد ذهب أبناء العامّة في هذه القضية أنّها نزلت في النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، واعتمدوا في ذلك على أحاديث ضعيفة السند ، لأنّها تنتهي إلى من لم يدرك هذه القضية أصلاً ، لأنّه أمّا كان حينها طفلاً ، أو لم يكن ولد (1).

وورد عن أهل البيت عليهم السلام أنّها نزلت في رجل من بني أُمية (2) ، والقرائن أيضاً تدلّ على أنّها بعيدة عن ساحة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وذلك أنّ الآية تصف المعاتب بصفات منها : أنّه يتصدّى للأغنياء لغناهم ، ويتلهّى عن الفقراء لفقرهم ، وهذه الصفات بعيدة عن سجايا نبيّنا الأكرم ، إذ هو الذي وصفه اللّه بأنّه : ( بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) (3).

وقال اللّه تعالى عن نبيّه في سورة القلم التي نزلت قبل سورة عبس ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (4) ، فكيف يصدر عنه صلى اللّه عليه وآله هذا الأمر المنافي للأخلاق ،

ص: 311


1- أُنظر : جامع البيان 30 / 64 ، أسباب نزول الآيات : 297 ، الجامع لأحكام القرآن 19 / 211 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 501.
2- التبيان 10 / 269 ، مجمع البيان 10 / 266 ، الأصفى في تفسير القرآن 2 / 1405.
3- التوبة : 128.
4- القلم : 4.

ولقد نزلت آية الإنذار ( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (1) قبل سورة عبس بسنتين ، فهل نسي الرسول ذلك ، وإذا كان نسي فما الذي يؤمننا من أن لا يكون قد نسي غير ذلك أيضاً؟ وفي قوله تعالى عن الرسول : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) (2).

ومن يتمعّن هذه الآيات يجد أنّها خبر محض ، ولم يُصرّح فيها بالمخبر عنه ، وقوله تعالى : ( وَمَا يُدْرِيكَ ) (3) ليس الخطاب فيها لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وإنّما هو التفات من الغيبة إلى الخطاب مع العابس نفسه ، فالآية في ظاهرها لا تدلّ أنّها فيمن نزلت ، وإنّما يفسّرها لنا أهل البيت - وهم الثقل الثاني الذي به نعتصم من الضلال - فورد عنهم أنّها نزلت في رجل من بني أُمية.

وعن الإمام الصادق عليه السلام قال : « كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إذا رأى عبد اللّه بن أُمّ مكتوم قال : مرحباً مرحباً ، لا واللّه لا يعاتبني اللّه فيك أبداً » (4) ، وكان يريد الرسول بذلك التعريض بمن صدر منه ذلك في حقّ ابن أُمّ مكتوم ، كأنّه يقول له : واللّه أنا لا أعاملك كما عاملك فلان.

فمدلول الآية يكون كالتالي : ( عَبَسَ وَتَوَلَّى ) ذلك الرجل من بني أُمية ( أَن جَاءهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيك ) هذا التفات من الغيبة إلى الخطاب مع العابس نفسه ( لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى فَأَنتَ ) أيّها العابس الغني ( لَهُ تَصَدَّى ) لأهداف دنيوية ( وَمَا عَلَيْك ) أيّها العابس ( أَلاَّ يَزَّكَّى ) على يد شخص آخر ممّن هو في المجلس كالنبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ( وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى فَأَنتَ ) أيّها العابس ( عَنْهُ تَلَهَّى ) لأهداف دنيوية.

ص: 312


1- الشعراء : 215.
2- الأحزاب : 21.
3- عبس : 3.
4- مجمع البيان 10 / 266.

هذا ولكن الأيدي غير الأمينة قد حرّفت هذا الموقف ، لتدافع عن بني أُمية غفلة منها أن ذلك يكون سبب ليتشبّث به المخالفون للإطاحة بمكانة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ولكن ( يَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (1).

( رضا يوسف التوبلاني - البحرين - .... )

استشهاده مسموماً :

س : ما مدى صحّة ما ينقل من أنّ الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله استشهد مسموماً ، وما المصادر الذي تؤيّد ذلك؟ وهل تتّفقون مع ما قدّمه الكاتب المعاصر نجاح الطائي من تحقيقات تاريخية في اغتيالات الصدر الإسلامي الأوّل؟ دمتم موفّقين لكُلّ خير.

ج : إنّ استشهاد النبيّ صلى اللّه عليه وآله مسموماً أورده الشيخ الصدوق قدس سره ، وعدّه من عقائد الشيعة ، حيث قال : « اعتقادنا في النبيّ أنّه سُمّ في غزوة خيبر ، فما زالت هذه الأكلة تعاوده حتّى قطعت أبهره فمات منها » (2) ، وقد أخبر النبيّ والأئمّة أنّهم مقتولون ، فمن قال : إنّهم لم يقتلوا فقد كذبهم ... (3).

نعم ، بعض القدماء من علمائنا الأبرار لم تثبت عندهم شهادة النبيّ بالسمّ ، وذلك يعود للاختلاف في المبنى ، حيث أنّ مبناهم في الأحكام والموضوعات لا يتمّ إلاّ بالأخبار المتواترة ، ومن المعلوم : أنّ شهادة النبيّ بالسمّ ، أو العمومات الدالّة على شهادة جميع المعصومين ، لم ترد بها الأخبار المتواترة التي توجب القطع ، بل وردت بها أخبار تورث الظنّ القوي.

قال العلاّمة المجلسي : « مع ورود الأخبار الكثيرة الدالّة عموماً على هذا الأمر ، والأخبار المخصوصة الدالّة على شهادة أكثرهم ، وكيفيتها كما سيأتي في أبواب تواريخ وفاتهم عليهم السلام ، لا سبيل إلى الحكم بردّه ، وكونه من

ص: 313


1- التوبة : 32.
2- الاعتقادات : 97.
3- المصدر السابق : 99.

الأرجاف ، نعم ليس فيمن سوى أمير المؤمنين ، وفاطمة والحسن والحسين ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى عليهم السلام أخبار متواترة توجب القطع بوقوعه ، بل إنّما تورث الظنّ القوي بذلك ، ولم يقم دليل على نفيه ، وقرائن أحوالهم وأحوال مخالفيهم شاهدة بذلك » (1).

وأمّا سؤالك عن التحقيقات التاريخية في اغتيالات الصدر الأوّل ، فهي أيضاً تبقى في دائرة الاحتمال ، لعدم وجود دليل قطعي على إثباتها أو نفيها.

( خليفة - ... - ..... )

لا يتأثّر بالسحر :

س : توجد بعض المذاهب تعتقد بأنّ النبيّ قد سحر في فترة من فترات حياته ، فما رأيكم في هكذا اعتقاد؟ وما ردّكم عليهم؟

ج : جاء في بعض المجامع الحديثية من الفريقين ما يشعر بوقوع السحر (2) ، ولكنّ الصحيح أنّ السحر لا يؤثّر في نفوس الأنبياء والأئمّة عليهم السلام - كما عليه المشهور والمحقّقون من علماء الإمامية - ويدلّ عليه عقلاً ، بأنّه صلى اللّه عليه وآله في فترة السحر - على فرض المحال - تكون تصرّفاته غير لائقة بالإنسان العادي ، فكيف وهو نبي؟!

وأيضاً يعتبره القرآن من تقوّلات الكفّار والمعاندين في سبيل عدم الرضوخ للحقّ ( إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا ) (3) ، و ( فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا ) (4) ، و ( وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ فَضَلُّوا ) (5).

ص: 314


1- بحار الأنوار 27 / 216.
2- الخرائج والجرائح 1 / 34 ، طبّ الأئمّة : 113 ، صحيح البخاري 7 / 29 و 88 و 164 ، صحيح مسلم 7 / 14 ، سنن ابن ماجة 2 / 1173.
3- الإسراء : 47.
4- الإسراء : 101.
5- الفرقان : 8 - 9.

وعليه فلابدّ من تأويل الأحاديث الواردة في هذا المجال بما لا ينافي المسلّمات ، أو طرحها من الأساس باعتبار ضعف أسانيدها.

وهنا نقطة لابأس بالإشارة إليها وهي : أنّ الروايات الشيعية في هذا الموضوع تدلّ فقط على محاولة بعض اليهود لسحر النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وليس فيها دلالة على تأثير ذلك السحر في نفسه الكريمة صلى اللّه عليه وآله ، بل وفيها دلالة على صدق نبّوته ، إذ أنّه صلى اللّه عليه وآله اطّلع على هذا التمويه بإخبار من اللّه تعالى ، فأمر باستخراج السحر من مكان خاصّ ، فكان كما أخبر هو صلى اللّه عليه وآله ، وهذه القضية أصبحت تأييداً آخر لنبوّته ورسالته.

وعلى العكس ، فإنّ في روايات أهل السنّة في هذا المجال ما يأباه العقل والنقل ، ويردّه حتّى القرآن - كما ذكرنا - بالصراحة ، فتأويلها أو رفع اليد عنها أحرى وأجدر من طرح الأدلّة العقلية والنقلية بهذا الشأن.

( يحيى العلوي - البحرين - .... )

من اختصاصاته الزواج بأكثر من أربع نساء :

س : إذا كان الزواج بالمرأة الخامسة مع وجود أربع زوجات في ذمّة الرجل يعتبر غير جائز ، فما هو وجه الاستثناء بالنسبة للرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله؟ إذ بلغ عدد زوجاته - على أصحّ الروايات - تسع زوجات دائمات؟

أليس من الأحرى بالرسول صلى اللّه عليه وآله أن يلتزم بالحكم القرآني لعدد الزوجات ، وهو قدوة العالمين؟ هل السبب السياسي للزواجات هو كاف لتسويغ هذا الحكم؟ والحالة الاستثنائية له صلى اللّه عليه وآله.

وإن كان هذا هو السبب وغيره من الأسباب الاجتماعية أو النفسية ، أو غيرها من مسوّغات هذه الحالة الاستثنائية ، فلماذا لم ينزل فيها قرآن؟ مع علمنا بحكم الآية ( مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (1).

ص: 315


1- الحشر : 7.

ج : هناك أحكام شرعية خاصّة برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لمصالح وأسباب وحِكم لا يعلمها إلاّ اللّه ورسوله ، ومن تلك الأحكام ، له أن يتزوّج أكثر من أربع زوجات بعقد دائم.

وأمّا قضية ( مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) فهي بمعنى أنّ الأحكام الشرعية التي جاء بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لعموم المسلمين ، عليهم أن يتبعوه فيها ويطيعوه ، أمّا الأحكام الشرعية الخاصّة به فليس عليهم شيء.

( أبو قاسم - الكويت - 28 سنة - طالب ثانوية )

ليس له أُخوة :

س : هل الرسول صلى اللّه عليه وآله عنده إخوة؟ وما أسماؤهم؟ وأتمنّى أن تكون الإجابة سريعة ، واللّه يعطيكم العافية ، وشكراً على هذا الموقع الممتاز.

ج : لم يكن لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إخوة من النسب.

نعم ، ورد في حديث المؤاخاة الذي رواه جماعة من أعلام السنّة في أنّ علي بن أبي طالب عليه السلام أخو رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، بل نفسه كما ورد في آية المباهلة (1).

( زينب - بريطانيا - .... )

لا يحتاج إلى اجتهاد :

س : عفواً أطرح على حضرتكم هذا السؤال : نحن الشيعة نقول بعدم وقوع الاجتهاد من النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فلماذا لم يقع الاجتهاد منه صلى اللّه عليه وآله مع أنّه معصوم ، والمعصوم لا يخطأ؟

ج : إنّ المراد من الاجتهاد الممنوع وقوعه من النبيّ صلى اللّه عليه وآله هو العمل بالظنّ في الأحكام الشرعية ، وبما أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله متّصل بالوحي وعنده العلم التام بالأحكام الواقعية ، فحينئذ لا يحتاج إلى اجتهاد وإلى عمل بالظنّ.

ص: 316


1- آل عمران : 61.

( تيما - الكويت - .... )

ابنته الوحيدة فاطمة :

س : هل صحيح أنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله لم يكن لديه من البنات إلاّ السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام؟ وأنّ باقي البنات هنّ ربيباته ، وبنات السيّدة خديجة عليها السلام؟

ج : أقوال في عدد بنات رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، والقول الحقّ هو ما عليه شيعة أهل البيت عليهم السلام تبعاً لأئمّتهم عليهم السلام ، وأهل البيت أدرى بما فيه.

وقولهم هو : لم يكن لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بنتاً غير فاطمة الزهراء عليها السلام ، وأمّا رقية وزينب فهما ابنتي هالة أُخت خديجة ، حيث تكفّلهما رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بعد وفاة هالة وهما طفلتان ، وليستا هما بنات خديجة عليها السلام ، لأنّ خديجة تزوّجت من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وهي عذراء ، ولم تلد له من البنات إلاّ فاطمة عليها السلام (1).

( أُمّ البنين - السعودية - .... )

تعقيب على الجواب السابق :

قالت فاطمة الزهراء عليها السلام في خطبتها الشهيرة أمام الغاصبين : « فإن تعزوه وتعرفوه تجدوه أبي دون آبائكم وأنا ابنته دون نسائكم » (2).

وهذا دليل على أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لم يكن له بنات غيرها عليها السلام ، ودليل على أنّ عمر لم يتزوّج بنات رسول اللّه ، وشكراً.

( رملة السيّد مصطفى - البحرين - 19 سنة - طالبة جامعة )

على الأكثر مات مسموماً :

س : أودّ أن أطرح إلى حضرتكم سؤال ، وهو يتعلّق بنبي الرحمة النبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله باختلاف وتعدّد الروايات ، بعضها تقول : إنّ النبيّ مات مسموماً من

ص: 317


1- أُنظر : الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم 2 / 121.
2- الطرائف : 264.

امرأة يهودية ، وبعضها تقول : موته طبيعي ، وسؤالي : ما هو سبب موت النبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله؟

ج : إنّ بعض الروايات تؤكّد أنّ النبيّ استشهد في أثر السمّ الذي قدّم له بعد غزوة خيبر (1) ، وهذا ممّا يدلّ عليه الدليل النقلي مثل : « ما منّا إلاّ مقتول أو مسموم » (2) ، وكما عليه الشيخ الصدوق قدس سره (3) ، وأكثر علمائنا الأبرار ، وإن كان بعضهم لا يرتضي بهذا القول بنحو الإطلاق ، بل يرى أنّ الشهادة ثابتة في حقّ بعضهم عليهم السلام ، لعدم توفّر شرط تواتر الخبر عنده ، وإن كان صحيحاً.

ويؤيّده أيضاً الدليل العقلي بأنّ المعصوم عليه السلام بما هو عارف بمنافع ومضارّ الأشياء فلا يتناول ضرراً جسيماً على حدّ التهلكة على نفسه ؛ وعليه فلا مناص من الالتزام بأنّ موته لا يكون كالمتعارف بين باقي الناس ، بل هو نتيجة مؤامرة تحاك عليه فتنجرّ إلى استشهاده.

ثمّ إنّ هناك اختلاف في منشأ السمّ ، فالمعروف أنّه من امرأة يهودية ، ولكن بعض الروايات الخاصّة لا توافق هذا الرأي ، بل ترى أنّ عملية دسّ السم كانت من عمل الآخرين ، ممّن لم تكن مصلحة في إظهار أساميهم لعلاقاتهم الوثيقة بالحكم السائد بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله (4).

ولا يبعد أن تشير قصّة اللدود إلى هذا المطلب ، فإنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله بعدما نهى أن يلدوه في مرضه ، أفاق وعلم بلدودهم فاعترض عليهم ، وأمر أن يلد كُلّ من كان في البيت من الرجال والنساء!! (5) ، وهذا يثير التساؤل ، فهل كان

ص: 318


1- الخرائج والجرائح 1 / 34 ، طب الأئمّة : 113 ، صحيح البخاري 7 / 29 و 88 و 164 ، صحيح مسلم 7 / 14 ، سنن ابن ماجة 2 / 1173.
2- كفاية الأثر : 162.
3- الاعتقادات : 99.
4- بحار الأنوار 28 / 20 و 31 / 641 ، تفسير العيّاشي 1 / 200.
5- صحيح البخاري 8 / 42 ، صحيح مسلم 7 / 24 ، السنن الكبرى للنسائي 4 / 374 ، صحيح ابن حبّان 14 / 554 ، تاريخ الأُمم والملوك 2 / 437 ، البداية والنهاية 5 / 246 ، مسند أحمد 6 / 53 و 118.

النبيّ صلى اللّه عليه وآله على علم مسبق من الموضوع؟ وشكّ في مؤامرة داخل بيته ، فأمرهم بتناول اللدود ، أم ماذا؟! واللّه أعلم بحقائق الأُمور.

( هناء علي - البحرين - 19 سنة - طالبة جامعة )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : أُريد أن أعرف ماذا قصدتم من اللدود؟ وبأنّه صلى اللّه عليه وآله أمر بأن يلد كُلّ من كان في البيت من الرجال والنساء.

ج : إنّ المقصود من اللدود هو نوع من الدواء - عجينة مُرّة - يُعطى لمن أُصيب بداء ذات الجنب.

والنبيّ صلى اللّه عليه وآله لمّا أحسّ بأنّه أُعطي هذا الدواء ، أمر بأن يُعطى لكُلّ من كان في البيت من الرجال والنساء.

( ريما الجزيري - البحرين - .... )

أزواجه وسبب زواجه منهنّ :

س : يقولون لنا : إنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله والأئمّة عليهم السلام كانوا يتزوّجون في الحروب ، فأنا أُريد أن أعرف لماذا كانوا يفعلون ذلك؟ مع العلم أنّ البعض يقول : أنّهم لا يستغنون عن الزوجات ، وكيف ذلك وهم قد ارتقوا إلى مرحلة أعلى من الملائكة؟! ولكم جزيل الشكر.

ج : قد قصد النبيّ صلى اللّه عليه وآله بزواجه - في بعض الحالات - مصاهرة من تقوى بهم شوكته ويشتدّ بهم أزره ، وقصد في حالات أُخرى منح عطفه وحنانه ورعايته لبعض الأرامل والمنكوبات ، ممّن ترمّلن أو نكبن بسبب الإسلام وحروبه.

وإليك قائمة بزوجات النبيّ صلى اللّه عليه وآله :

1 - خديجة عليها السلام : تزوّج بها النبيّ صلى اللّه عليه وآله وهي في الأربعين من العمر ، والنبيّ صلى اللّه عليه وآله يعيش الخامسة والعشرين من حياته ، معرفة منه صلى اللّه عليه وآله بها ، فأصبحت المؤمنة الأُولى برسالته صلى اللّه عليه وآله.

ص: 319

2 - سودة بنت زمعة : أرملة توفّي زوجها المسلم في مكّة قبل الهجرة ، فخلّفها محنتي الوحدة والترمّل في تلك الظروف العصيبة ، فتزوّجها النبيّ صلى اللّه عليه وآله تقديراً لها ولزوجها ، وحفظاً عليها.

3 - عائشة بنت أبي بكر : تزوّجها النبيّ صلى اللّه عليه وآله وهي صغيرة السن , لمصالح يعرفها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله تخدم الاسلام والمسلمين.

4 - حفصة بنت عمر : مات زوجها متأثّراً بجراحات غزوة بدر ، واستدعى أبوها زواجها من عثمان وأبي بكر فأبيا ، فتزوّجها الرسول صلى اللّه عليه وآله (1) تقديراً لمواقف زوجها ، ولنفس المصالح التي كانت في زواج عائشة.

5 - زينب بنت خزيمة : تزوّجت قبل النبيّ صلى اللّه عليه وآله مرّتين ، واستشهد زوجها الثاني يوم بدر ، فتزوّجها النبيّ صلى اللّه عليه وآله تكريماً لها وتقديراً له ؛ ولم تمكث في دار النبيّ صلى اللّه عليه وآله سوى ثمانية أشهر حتّى ماتت.

6 - أُمّ سلمة : استشهد زوجها أثر جراحات غزوة أُحد فيما بعد ، وخلّف أولاداً له منها ، فتزوّجها النبيّ صلى اللّه عليه وآله تكريماً لزوجها وإشفاقاً عليها ورعايةً لأطفالها ، مضافاً إلى أنّ زوجها الشهيد كان ابن عمّة النبيّ صلى اللّه عليه وآله.

7 - زينب بنت جحش : ابنة عمّة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، طلّقها زيد بن حارثة بعد أن كان قد زوجّه النبيّ صلى اللّه عليه وآله بها ، فتزوّجها الرسول صلى اللّه عليه وآله ، لأنّ زيد كان في الماضي قد تبنّاه النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وعرف بزيد بن محمّد إلى أن نزلت الآية ( ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ ) (2) فنسب إلى أبيه الحقيقي حارثة ، فأراد النبيّ صلى اللّه عليه وآله من زواجه هذا أن يظهر الحكم الشرعي في جواز الزواج مع مطلّقة الابن غير الحقيقي.

8 - جويرية بنت الحارث : أُسرت وهي بنت سيّد بني المصطلق ، وعلى أثر زواج النبيّ صلى اللّه عليه وآله بها بادر المسلمون بإطلاق سراح كُلّ أسرى هذه القبيلة ، باعتبارهم أصهار الرسول صلى اللّه عليه وآله.

ص: 320


1- مسند أحمد 2 / 27 ، الطبقات الكبرى 8 / 81.
2- الأحزاب : 5.

9 - صفية بنت حيي : تزوّجت مرّتين من أبناء قومها اليهود ، وأُسرت في خيبر ، فتزوّجها إكراماً للأُسارى.

10 - أُمّ حبيبة بنت أبي سفيان : هاجرت مع زوجها المسلم إلى الحبشة مع من هاجر آنذاك ، وهناك ارتدّ زوجها ، فلم تطاوعه في ارتداده ، بل بقيت على غربتها محافظة على دينها ، فتزّوجها النبيّ صلى اللّه عليه وآله تقديراً لمواقفها.

11 - ميمونة بنت الحارث : أرملة ، لها من العمر ( 49 ) سنة ، وهبت نفسها للرسول صلى اللّه عليه وآله طالبة من أن يجعلها إحدى زوجاته.

12 - مارية القبطية : أُهديت كجارية إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله من جانب مقوقس صاحب الإسكندرية ، عندما بعث النبيّ صلى اللّه عليه وآله كتاباً إليه يدعوه إلى الإسلام ، فتقبّلها الرسول صلى اللّه عليه وآله ، فأنجبت إبراهيم عليه السلام ، وكان هذا سبباً لجعلها من أُمّهات المؤمنين.

13 - أُمّ شريك : واسمها غُزَية ، كانت متزوّجة من قبل ، ولها ولد يسمّى شريكاً ، ثمّ بعدها وهبت نفسها للنبي صلى اللّه عليه وآله لتكون إحدى أُمّهات المؤمنين.

14 - الجونية : كانت من كندة ، وأهداها أبو أسيد الساعدي للنبي صلى اللّه عليه وآله ، فوليت عائشة وحفصة مشطها وإصلاح أمرها ، ثمّ إنّها عندما رأت النبيّ صلى اللّه عليه وآله تعوّذت باللّه منه صلى اللّه عليه وآله - وهذا ما لقّنتاها عائشة وحفصة تدبيراً للخلاص منها ، حتّى لا تصبح شريكة أُخرى في أمرهما - فخرج النبيّ صلى اللّه عليه وآله عنها وأمر بالساعدي أن يلحقها بأهلها (1).

فكُلّ هذا كان لمصلحة الإسلام لا المصلحة الشخصية كما نرى.

ومنه يظهر حال زوجات الأئمّة عليهم السلام مطلقاً ، أو في بعض الحروب ، أو المقاطع الزمنية الخاصّة.

( أحمد البلوشي - الكويت - .... )

أسباب ونتائج هجرته :

س : الهجرة النبوية ، أسبابها ونتائجها؟

ص: 321


1- تاريخ اليعقوبي 2 / 85.

ج : إنّ السبب الرئيسي لهجرة نبينا محمّد صلى اللّه عليه وآله من مكّة إلى المدينة هو إفشال المؤامرة التي حاكتها قريش لقتله صلى اللّه عليه وآله ، وبالتالي إنهاء دعوته إلى الدين الإسلامي.

فقد أخبر اللّه تعالى نبيّه بهذه المؤامرة عن طريق الوحي ، ونزل قوله تعالى : ( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) (1).

فأمر صلى اللّه عليه وآله أمير المؤمنين علياً عليه السلام بالمبيت على فراشه ، بعد أن أخبره بمكر قريش ، ثمّ خرج النبيّ صلى اللّه عليه وآله في الليل ، وهو يقرأ هذه الآية : ( وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ) (2).

وأمّا من نتائج هذه الهجرة المباركة هو : تأسيس الدولة الإسلامية الكبرى ، ومن ثمّ دعوة الناس إلى الإسلام ، وأيضاً القيام بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ، وزرع روح المحبّة والإيمان والأُخوّة الإسلامية بين المسلمين.

( مصطفى البحراني - عمان - 25 سنة - طالب ثانوية )

لم يكن جبرائيل أعلم منه :

س : هل الأعلمية تعني الأفضلية؟ ومن كان أعلم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أم جبرائيل عليه السلام؟ وكيف؟

إنّ مثل هذه الأسئلة تطرح من أناس يريدون أن يثبتوا أنّ خلافة أبي بكر صحيحة لا غبار عليها ، حيث أنّ جبرائيل عليه السلام هو من علّم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ورسول اللّه صلى اللّه عليه وآله خير منه ، فكيف الردّ على مثل هذا الكلام؟

ج : نحن لا نسلّم بأنّ علم جبرائيل عليه السلام كان أكثر من علم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، بل غاية ما في الأمر هو أنّ جبرائيل عليه السلام كان رسولاً ، وحاملاً للوحي المنزّل على

ص: 322


1- الأنفال : 30.
2- يس : 9.

النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، بما أعطاه اللّه من دورٍ في إيصال كلامه تعالى إلى الأنبياء عليهم السلام ، أفهل ترى أنّ هذا بمعنى أعلميّته من الأنبياء عليهم السلام؟ هل هناك قاعدة علمية أو شرعية أو عرفية تدلّ على أعلمية الرسول من المرسل إليه؟ هذا أوّلاً.

وثانياً : تصرّح بعض الروايات : بأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان يتّصل أحياناً مباشرةً - وبدون معونة جبرائيل عليه السلام - بمبدأ الوحي ، وكانت هذه الحالة تعرف عند الأصحاب ، ويميّزونها عن اتّصاله بجبرائيل عليه السلام ، وهذا يعني إمكانية أخذه صلى اللّه عليه وآله العلم من الباري تعالى ، حيث لا يعلم به جبرائيل عليه السلام.

وثالثاً : لو أمعنّا النظر في الأخبار التي تدلّ على أفضلية خلقه صلى اللّه عليه وآله عن جميع المخلوقات ، التي توجد في كتب الفريقين ، نستنتج بأنّ الكون بأسره باستثناء وجود الباري تعالى يستفيض نور وجوده من فيض وجود الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله ، وعليه هل يبقى توهّم أنّ جبرائيل عليه السلام كان أعلم منه صلى اللّه عليه وآله؟!

وأخيراً : فإنّ تشبّث بعضهم بهذه الموهومات لإثبات خلافة فلان ، لا ناتج له إلاّ الحرمان من الحقّ ، جعلنا اللّه وإيّاهم من المتّقين.

( السيّد محمّد - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

موقفه من أسرى بدر :

س : ما هو تفسير الآية الشريفة التالية : ( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ ... ) (1) بالإضافة إلى الردّ الذي نردّ به على من يقول : أنّ عمر بن الخطّاب أصاب في هذه الواقعة ، حيث كان يريد أن يقتل الخصم ، والرسول أراد أن يبقيهم.

ج : إنّ النصوص التاريخية التي نطمئنّ بصحّتها نقلت : بأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان رأيه أن يقتل أسرى معركة بدر - وهو الأصوب - ولكن لأجل إصرار بعض

ص: 323


1- الأنفال : 67.

الصحابة - كأبي بكر - على عدم قتلهم وأخذ الفداء منهم ، قرّر صلى اللّه عليه وآله أن يأخذ منهم الفداء ، بعد أن أخبر أصحابه بأنّ نتيجة أخذ الفداء هو أن يقتل في العام القابل من المسلمين بعدد الأسرى ، فقبلوا ذلك ، وتحقّق ما أوعدهم به صلى اللّه عليه وآله في معركة أُحد.

وممّا يؤيّد هذا ما جاء في بعض النصوص : أنّ جبرائيل نزل على النبيّ صلى اللّه عليه وآله يوم بدر فقال : « يا محمّد إنّ اللّه قد كره ما صنع قومك ، من أخذهم الأسارى ، وقد أمرك أن تخيّرهم بين أمرين : أن يقدّموا فتضرب أعناقهم ، وبين أن يأخذوا الفداء على أن يقتل منهم عدتهم ».

فذكر صلى اللّه عليه وآله ذلك لهم ، فقالوا : يا رسول اللّه ، عشائرنا وإخواننا - وهذه الكلمة تشير إلى أنّ الذين قالوا ذلك هم من المهاجرين - لا بل نأخذ فداءهم ، فنقوى به على عدوّنا ، ويستشهد منّا عدّتهم (1).

فما تقدّم يدلّ على أنّ تخييرهم هذا إنّما كان بعد تأكيدهم على رغبتهم في أخذ الفداء ، وظهور إصرارهم عليه ، فأباح لهم ذلك.

ولكنّنا نجد روايات أُخرى تقرّر عكس ما ذكر آنفاً وتقول : إنّه صلى اللّه عليه وآله مال إلى رأي أبي بكر - أي إلى أخذ الفداء - ولكن عمر رفض ذلك ، وكان رأيه هو قتلهم ، فنزل القرآن بمخالفته وموافقة عمر ، وهذا غير صحيح ، لأنّ بعض علماء السنّة نصّ على أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله مال إلى القتل (2).

وذكر الجاحظ : أنّ الأُسرى قالوا : « لو بعثنا إلى أبي بكر ، فإنّه أوصل قريش لأرحامنا ، ولا نعلم أحداً آثر عند محمّد منه ؛ فبعثوا إلى أبي بكر فأتاهم فقالوا : يا أبا بكر ، إنّ فينا الآباء والأبناء ، والأخوان والعمومة ، وبني العمّ ، وأبعدنا قريب ، فكلّم صاحبك يمن علينا أو يفادينا ، قال : نعم ، لا

ص: 324


1- جامع البيان 4 / 222 ، زاد المسير 2 / 52 ، تفسير القرآن العظيم 1 / 434 ، الدرّ المنثور 2 / 93 ، سبل الهدى والرشاد 4 / 61.
2- الكامل في التاريخ 2 / 136.

آلوكم إن شاء اللّه خيراً ، ثمّ انصرف إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله » (1) ، وهذا دليل على أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله لم يرض بأخذ الفداء ، هذا أوّلاً.

وثانياً : إنّ الالتزام بما ذكروه معناه تكذيب قوله تعالى : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) (2).

كما أنّه لا يبقى معنى - والحالة هذه - لأمر اللّه تعالى للناس بإطاعة الرسول حيث قال : ( أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ ) (3) ، حتّى إذا امتثلوا الأمر الإلهي وأطاعوه يؤنّبهم ، ثمّ يتهدّدهم ، لقد كان يجب أن يتوجّه التأنيب والتهديد للرسول ، والمدح والثناء لهم ، لأنّهم عملوا بوظيفتهم.

وثالثاً : إنّ مجرّد الإشارة على الرسول بالفداء لا تستوجب عقاباً ، إذ غاية ما هناك أنّهم قد اختاروا غير الأصلح ، وعليه فلابدّ أن يكون ثمّة أمر آخر قد استحقوا العقاب لمخالفته ، وهو أنّهم حين أصرّوا على أخذ الفداء قد أصرّوا على مخالفة الرسول ، والتعلّق بعرض الحياة الدنيا في مقابل إرادة اللّه للآخرة - كما قال تعالى : ( تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ ) (4) - بعد بيان النبيّ صلى اللّه عليه وآله لهم بصورة صريحة ، إذ لا عقاب قبل البيان ثمّ المخالفة.

ولكن اللّه تكرّم وتفضّل عليهم ، وغفر لهم هذه المخالفة ، وأباح لهم أخذ الفداء تأليفاً لهم ، على ما فيه من عواقب وخيمة ، وقد بلغ من حبّهم لعرض الدنيا أنّهم قبلوا بهذه العواقب أيضاً.

بل يمكن أن يكون إصرار بعض المهاجرين على أخذ الفداء ، يرجع إلى أنّهم قد صعب عليهم قتل صناديد قريش ، حيث كانت تربطهم بهم صداقات ومصالح ووشائج رحم ، وقد استهوى موقفهم هذا جماعة من البسطاء والسذّج من سائر المسلمين الحاضرين.

ص: 325


1- العثمانية : 67.
2- النجم : 3 - 4.
3- النساء : 59.
4- الأنفال : 67.

فهذا التعاطف مع المشركين من قبل البعض ، ثمّ حبّ الحصول على المال ، قد جعلهم يستحقّون العذاب العظيم ، الذي إنّما يترتّب على سوء النيّات ، وعلى الإصرار على مخالفة الرسول ، والنفاق في المواقف والأقوال والحركات ، لاسيّما مع وجود رأي يطالب بقتل بني هاشم ، الذين أخرجهم المشركون كُرهاً ، ونهى الرسول صلى اللّه عليه وآله عن قتلهم ، مع ملاحظة : أنّه لم يشترك من قوم عمر أحد في حرب بدر.

( فاضل - السعودية - .... )

كونه أُمّياً لا يعدّ منقصة :

س : إنّنا نعتقد بعصمة الرسول صلى اللّه عليه وآله ، ونعتبره أكمل خلق اللّه ، والمعروف عنه صلى اللّه عليه وآله أنّه كان أُمّياً لا يقرأ ولا يكتب ، فهل تعتبر هذه منقصة في كمال الرسول صلى اللّه عليه وآله؟

ج : إنّ عدم القراءة لدى الإنسان العادي لعلّها تعدّ نقصاً ، إذ أنّ القراءة والكتابة الرافد الثقافي الطبيعي لدينا نحن ، أمّا علم النبيّ صلى اللّه عليه وآله وعلم المعصومين عليهم السلام فهو علم حضوري لدنّي لا علاقة له بالاكتساب العلمي ، وليس للقراءة والكتابة من أثر في ذلك ، هذا من جهة.

ومن جهة أُخرى : لعلّ الحكمة من كونه صلى اللّه عليه وآله أُمّياً ، لكي لا يتاح للمشركين من إثارة تهمهم وشبهاتهم حول القرآن ، وأنّه من صنع البشر ، وأنّ محمّداً هو الذي كتبه وألّفه ، فإذا علموا أنّه صلى اللّه عليه وآله أُمّياً ، علموا أنّ ذلك إيحاء أو إعجازاً ، وليس ليد البشر من دخل.

على أنّ البعض نفوا كون النبيّ صلى اللّه عليه وآله أُمّياً ، أي لا يقرأ ولا يكتب ، وأنّه سيحتاج إلى من يكتب له ، والنبيّ صلى اللّه عليه وآله أفضل الخلق فلا يحتاج إلى مَن هو دونه ، وفسّروا أنّ الأُمّي نسبةً إلى أُمّ القرى ، أي مكّة.

ص: 326

( نصر اللّه - السعودية - .... )

هو والأئمّة سواء في رتبة الإمامة :

س : سؤالي هو : هل النبيّ صلى اللّه عليه وآله والأئمّة عليهم السلام في مرتبة واحدة؟ وهل يجوز أن نساوي بين النبيّ وأحد من الخلق؟

وما معنى قوله تعالى : ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (1) ، هذه بعض الأسئلة احتاج الردّ عليها لو سمحتم ، وشكراً.

ج : إنّ نبيّنا محمّد صلى اللّه عليه وآله له مقامان : مقام النبوّة ، من حيث رسالته ونزول الوحي عليه كان له مرتبة النبوّة ، ومقام الإمامة ، من حيث قيادته للأُمّة.

وأمّا باقي الأئمّة المعصومين عليهم السلام فلهم مرتبة الإمامة ، بما أنّهم قد جاء النصّ بخلافتهم عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ولكن ليسوا أنبياء لأنّهم لم يأتوا بدين جديد ، ولم يأتهم الوحي برسالة أُخرى.

فمجمل الكلام : أنّهم - النبيّ والأئمّة عليهم السلام - سواء في الإمامة ، ويمتاز عنهم النبيّ صلى اللّه عليه وآله بمقام النبوّة والرسالة ، نعم ، هم يتساوون أيضاً في مرتبة العصمة ، بما أنّها صفة ملحوظة في كلا الرتبتين.

وأمّا بالنسبة إلى الآية ، فإنّها تشير وتؤيّد الأخلاق الحسنة والممتازة عند الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله ، كما سجّل ذلك سيرته وحياته وتحمّله للمتاعب والمصاعب في سبيل تبليغ رسالته ، فكان خُلُقه العظيم في كُلّ ذلك ، هو الذي دعا الناس أن يحوموا حوله ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ) (2).

( ... - ... - ..... )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : كيف نوفّق بين كلامكم هذا ، وبين أنّ دعاء النبيّ مستجاب حتماً؟

ص: 327


1- القلم : 4.
2- آل عمران : 159.

أنّ دأب النبيّ صلى اللّه عليه وآله أن يسعى لما فيه صلاح أُمّته وهدايتهم ، فهو يبذل لهم النُصح والموعظة الحسنة ، ومن ثمّ يدعو لهم بالهداية ، راجياً أن يهتدوا وأن لا يضلّوا ، وهذا من خُلقه الكريم ، فهو يأمل أن يهتدي بعضهم إلى الحقّ ، لذا فقوله : « اللّهم اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون » (1) ، لا يعني أنّ اللّه قد غفر لهم ، فقد بقوا على كفرهم وضلالهم ، بل أراد أن يترفّع الدعاء عليهم وإصابتهم بالسوء فلعلّهم يرجعون ، حتّى أنّ اللّه تعالى مدحه على كريم أدبه وحسن خُلقه فقال : ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (2).

وهذا دأب الأنبياء ، كذلك فإنّ إبراهيم حاول هداية قومه وأن لا يصيبهم السوء ، وكان يحلم عنهم ، حتّى وصفه اللّه تعالى : ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ ) (3) ، فهو يتأسّف على قومه لما سيصيبهم من سوء بسبب جهلهم وغيّهم ، هذا هو خُلق الأنبياء ، وقد مثّل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أروع أدبهم ، وكريم أخلاقهم ، وأمل في هداية قومه إلقاءً للحجّة عليهم ، وهذا لا يعني أنّهم سوف يهتدون فعلاً ، بل فيهم من بقي على كفره ، ومنهم من زاغ إلى النفاق والضلال.

أمّا دعاؤه لأهل عمان فلا نعلم مصدر ذلك ، وإن صحّ فإنّ نفس الكلام يأتي في أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يتنزّه عن الدعاء على قومه ، ويدأب في صلاحهم.

كلامكم جميل ، ولكن كيف نوفّق بين هذا وبين أنّ دعاء النبيّ مستجاب حتماً؟

ج : إنّ دعاء النبيّ صلى اللّه عليه وآله مستجاب حتماً ، والتوفيق يكون بأنّ المراد ليس جميع القوم أو جميع أهل عمان ، بل ما يصدق أن يسمّى قوماً ، فإنّ الكلام تارة يراد منه الجميع ، وأُخرى يراد المجموع ، والفرق بينهما أنّ في الأوّل لا يتحقّق إلاّ بشموله لجميع الأفراد ، وفي الثاني يتحقّق ببعضهم ، ممّا يصدق عليه اسم القوم أو جماعة من أهل عمان.

ص: 328


1- الطرائف : 505.
2- القلم : 4.
3- التوبة : 114.

ويمكن أن يقال : بأنّ كُلّ فرد يحبّ الخير والهداية لجميع البشرية ، فكيف برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟ فإنّه قطعاً يحبّ الهداية للجميع ، وهذا الحبّ ظهر على صيغة الدعاء ، فليس المراد منه الطلب الحقيقي ، بل المراد منه إظهار هذا الحبّ لجميع البشرية.

( موالي - الكويت - 19 سنة - طالب )

كان يرقص بأكمامه في روايات أهل السنّة :

س : أودّ أن أسأل : هل توجد رواية في كتب الحديث لدى العامّة تقول : بأنّ رسول اللّه يرقص بأكمامه حين دخوله للمدينة ، وحين غناء النساء والصبيان ب- « طلع البدر علينا من ثنيّات الوداع »؟ ودمتم سالمين.

ج : قد جاءت عبارة الرقص بالأكمام في نقل العلاّمة الحلّي عن أهل السنّة (1).

والذي يؤيّد هذا الموضوع في المقام : هو أنّ الفضل بن روزبهان - وهو من أعلام العامّة - وفي مجال نقضه كلام العلاّمة لم يردّ هذا المطلب ، الأمر الذي يورث الاطمئنان في النفس بأنّ الحديث كان موجوداً في بعض مصادر أهل السنّة ، وإن حذفته بعض الأيادي الأثيمة دفاعاً عن مذهبهم.

( موالي - الكويت - 19 سنة - طالب )

لم يكن خائفاً عند نزول الوحي عليه :

س : كيف نردّ على روايات العامّة في بدء نزول الوحي؟ التي تصوّر النبيّ بأنّه خائف ، وأنّ جبرائيل عصره ثلاث مرّات ، وأنّ ورقة بن نوفل أو نسطور أو بحيرا أو عداس أو خديجة - حسب الروايات - نبّأوه بنبوّته؟

مع العلم أنّ بعض العامّة يبرّرون عصر جبرائيل لمحمّد كان بدافع إعطائه قوّة إيمانية وجسدية ، أو أنّه يريد إخباره بأنّه في يقظة لا في منام.

ص: 329


1- دلائل الصدق 1 / 631.

ج : الأخبار والأقوال التي ذكرتها معظمها ضعيفة السند والدلالة ، أمّا سنداً فيجب أن يراجع في كُلّ مورد حتّى يتبيّن وهن الأسانيد التي يعتمدون عليها.

وأمّا من جهة الدلالة ، فلا تنطبق على الموازين العقلية والنقلية القطعية ، ولا تنسجم مع أُصول العقيدة ، إذ كيف يكون النبيّ صلى اللّه عليه وآله خائفاً من أمر إيجابي ، وكأنّه لم يعرّف بالوحي ، بل أتاه دفعةً ومن غير مقدّمة؟ أو هل يعقل أن لا يعرف النبيّ الوحي بنفسه؟ وساعده الآخرون في تعريفه؟ وكأنّما الآخرون كانوا أولى منه في معرفة الوحي ، نعوذ باللّه ، هذه هي تساؤلات ونقوض لابدّ من اعتبارها على رأي هؤلاء.

وأمّا الحلّ ، فيجب علينا أن نعتقد أنّ الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله - الذي هو أشرف الكائنات - لا يحتاج في معرفة شؤون الوحي وأطواره ، وكيفية نزوله إلى أيّ شخص وجهة تعينه ، وإلاّ لتوقّفت مصداقية نبوّته على الآخرين ، وحتّى في موارد توسيط جبرائيل عليه السلام يعتقد المحققّون : بأنّ النبيّ كان بإمكانه الاتصال بمبدأ الوحي والكون بدونه - كما هو الحال في موارد متعدّدة من نزول الوحي المباشر التي نقلتها مصادر معتبرة عند الفريقين - ولكن نزول جبرائيل كان من باب إظهار عظمة الوحي ، كما ورد في تنزيل بعض السور والآيات من السماء بمعية الآلاف من الملائكة ، لبيان جلالتها وعظمتها.

وأخيراً : كم هو الفرق بين هذه الأقوال غير الصحيحة في كتب العامّة ، وبين ما ورد في هذا المجال عند الشيعة ، فمثلاً : جاء عن زرارة قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : كيف لم يخف رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فيما يأتيه من قبل اللّه أن يكون ذلك ممّا ينزغ به الشيطان؟

قال : فقال عليه السلام : « إنّ اللّه إذا اتخذ عبداً رسولاً أنزل عليه السكينة والوقار ، فكان الذي يأتيه من قبل اللّه مثل الذي يراه بعينه » (1).

ص: 330


1- تفسير العيّاشي 2 / 201.

( السيّد عدنان - البحرين - .... )

هو الصادر الأوّل :

س : عندما يقال بأنّ نبيّنا محمّد صلى اللّه عليه وآله هو الصادر الأوّل ، فالسؤال المنطقي يقول : لماذا كان هو دون غيره؟ فيقال : بأنّ قابليته هي التي أهلّته لذلك المقام ، فالسؤال هو : أليس هو لم يكن شيئاً قبل ذلك؟

فالعبارة هذه يُفهم منها أنّه كان موجوداً قبل الخلقة ، فنرجو منكم توضيح هذا المطلب ، ولكم خالص الشكر.

ج : يجاب على سؤالكم بنحوين كُلّ منهما يصلح أن يكون جواباً مستقلاً في المقام :

الأوّل : إنّ اللّه تعالى - ومن منطلق علمه الذاتي والأزلي - كان يعلم بأنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله سيصل بجدّه وجهده في عالم الدنيا إلى المرتبة القصوى بين الممكنات ، بعد إعطائه الخيار والاختيار من جانب الباري تعالى ، فعلم اللّه تعالى وإن كان مقدّماً ولكن التطبيق كان متأخّراً.

وبعبارة واضحة : إنّ اللّه تعالى كان يعلم بوفاء نبيّنا صلى اللّه عليه وآله في عالم الوجود بكافّة المتطلّبات التي تؤهّله لهذا المنصب الإلهي ، وعليه فأعطاه تلك المرتبة السامية بسبب علمه المسبق على الإعطاء ، فالنتيجة : أنّ كافّة المواهب المعطاة هي ناتجة ومكافئة على سلوك وسيرة النبيّ صلى اللّه عليه وآله في الدنيا ، وإن أُعطيت من قبل.

ولا يخفى أنّ هذه النظرية قابلة للتأييد بنصوص روائية ، وعلى سبيل المثال ورد في فقرات من دعاء الندبة هكذا : « اللّهم لك الحمد على ما جرى به قضاؤك في أوليائك ، الذين استخلصتهم لنفسك ودينك ، إذ اخترت لهم جزيل ما عندك من النعيم المقيم ، الذي لا زوال له ولا اضمحلال ، بعد أن شرطت عليهم

ص: 331

الزهد في درجات هذه الدنيا الدنية ، وزخرفها وزبرجها ، فشرطوا لك ذلك ، وعلمت منهم الوفاء به ، فقبلتهم وقرّبتهم ... » (1).

وملخّص الكلام : إنّ الفضائل والميزات التكوينية والتشريعية للنبي صلى اللّه عليه وآله - على ضوء هذا القول - بأجمعها هي حصيلة الجهود والمتاعب التي تحمّلها الرسول صلى اللّه عليه وآله في سبيل نشر الدين والعقيدة ، وتبليغ الوحي وزعامة الأُمّة ، وغيرها.

الثاني : عند بدء الخلق وفي أوانه ، عندما تعلّقت الإرادة التكوينية لله تعالى بإنشاء الممكنات ، جاء النور الأوّل - أو بعبارة أُخرى الصادر الأوّل - كأوّل مخلوق له سمة الخلافة عن الخالق في عالم الخلق ، وهذا هو الفيض الأوّل الصادر إلى عالم الوجود - وهنا لابأس بالإشارة إلى أنّ العلاقة بين الممكن والواجب أمر ضروري عقلاً ونقلاً ، فيجب أن تكون رابطة الفيض مستمرة بين الخالق والمخلوق بنحو تام -.

ثمّ على ضوء ما ذكرنا ، فإنّ المخلوق الأوّل يجب أن تتوفّر فيه الميزات العالية التكوينية والتشريعية لنيل هذه الرتبة السامية - أي الاستخلاف والنيابة عن اللّه تعالى في دائرة الوجود - لأنّ الحكمة الإلهية كانت تقتضي ولا تزال بأن يصدّر الأفضل حتّى تكون متابعة الآخرين له ينسجم مع القواعد العقلية في طريق الكمال والرقي ، وهذا النور الأوّل والمخلوق الممتاز قد سمّي وتعيّن بأنّه محمّد صلى اللّه عليه وآله ، لا أنّ نبيّنا قد حصل على هذه المكانة في أوّل الخلق ، بل أنّ الصادر الأوّل المميّز قد لقّب وتعنون بأنّه هو الرسول الأعظم أشرف الكائنات محمّد صلى اللّه عليه وآله.

وممّا ذكرنا يظهر جواب التوهّم المذكور ، إذ لم يكن يوجد أيّ ممكن عند نقطة بدء الخلق حتّى يتوهّم الانحياز والتمييز لمخلوق دون آخر ، بل أنّ

ص: 332


1- إقبال الأعمال 1 / 504.

الوجود الأوّل قد تعنون وسمّي بأنّه محمّد صلى اللّه عليه وآله ، ومن الملاحظ أنّه عند خلقه لم يكن هناك مخلوق آخر يوازيه ، حتّى يفرض أنّه صلى اللّه عليه وآله قد أعطي ما كان بالإمكان أن يعطي غيره.

وبعبارة دقيقة وواضحة : إنّ المرتبة العليا والوحيدة لعالم الممكنات خلق وسمّي محمّداً صلى اللّه عليه وآله ، لا أنّ التسمية والتعنون سبق إعطاء هذه المكانة السامية ، وفي الواقع أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله هو رمز المُثل والقيم الإلهية بشكل مجسّم في عالم الخلق ، والنموذج الحيّ الوحيد لكافّة الايجابيات في عالم الكون.

وهذا الرأي أيضاً قابل للتأييد بنصوص روائية كثيرة موجودة في مجامعنا الحديثة.

ثمّ لا يخفى أنّ النظريتين لا تتعارضان فيما بينهما ، بل نتمكّن من الجمع بينهما كما هو واضح بأدنى تأمّل.

( حسين أحمد مطر - البحرين - .... )

علماء السنّة القائلين بعدم نزول ( عَبَسَ ) فيه :

س : لديّ سؤال وهو : أنّ علماء أهل السنّة يفسّرون الآيات الأُولى من سورة ( عَبَسَ ) في الرسول الأكرم صلى اللّه عليه وآله ، فيقولون : إنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله هو الذي عبس بوجهه وولّى عن ابن أُمّ مكتوم إلى نهاية الحادثة التي يروونها.

أمّا مرادي من حضرتكم الغالية : هل جميع أهل السنّة يقولون بهذا القول؟ وإذا وجد من يقول بخلاف هذا القول ، الرجاء منكم إرشادي إلى المصدر إن أمكن ، هذا ودمتم مسدّدين إن شاء اللّه لكُلّ خير.

ج : إنّ هناك جملة من كبار علماء السنّة ومفسّريهم ، لا يسلّم أنّ خطاب ( عَبَسَ وَتَوَلَّى ) متوجّه إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، لأنّه ليس من صفات النبيّ صلى اللّه عليه وآله العبوسة ، من هؤلاء :

ص: 333

1 - الإمام الفخر الرازي - المتوفّى 606 ه- - في كتابه عصمة الأنبياء (1).

2 - القاضي عياض اليحصبي - المتوفّى 544 ه- - في كتابه الشفا بتعريف حقوق المصطفى (2).

3 - الزركشي - المتوفّى 794 ه- - في كتابه البرهان في علوم القرآن (3).

4 - الصالحي الشامي - المتوفّى 942 ه- - في كتابه سبل الهدى والرشاد (4).

( يوسف البيومي - لبنان - 25 سنة - طالب جامعة )

بحث مفصّل في شأن نزول ( عَبَسَ وَتَوَلَّى ) :

اشارة

س : لقد قرأت جوابكم الكريم عن مسألة آية ( عَبَسَ وَتَوَلَّى ) ، وقد دخلت في مناقشة مع أحد المشايخ السنّة ، وطلب منّي شيئاً تفصيلاً عن الموضوع ، فهل تستطيعون أن تساعدوني على هذا ، ولكم الأجر والثواب.

ج : لقد بحث هذه المسألة بشكل مفصّل المحقّق السيّد جعفر مرتضى العاملي في كتابه الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه وآله ، ننقل لكم نصّه :

ويذكر المؤرّخون بعد قضية الغرانيق ، القضية التي نزلت لأجلها سورة عبس وتولّى المكّية ، والتي نزلت بعد سورة النجم.

وملخص هذه القضية : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان يتكلّم مع بعض زعماء قريش ، ذوي الجاه والمال ، فجاءه عبد اللّه بن أُمّ مكتوم - وكان أعمى - فجعل يستقرئ النبيّ صلى اللّه عليه وآله آية من القرآن قال : يا رسول اللّه ، علّمني ممّا علّمك اللّه.

فأعرض عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وعبس في وجهه وتولّى ، وكره كلامه ، وأقبل على أُولئك الذين كان صلى اللّه عليه وآله قد طمع في إسلامهم ، فأنزل اللّه تعالى : ( عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَاءهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى

ص: 334


1- عصمة الأنبياء : 108.
2- الشفا بتعريف حقوق المصطفى 2 / 161.
3- البرهان في علوم القرآن 2 / 243.
4- سبل الهدى والرشاد 11 / 474.

* أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى * وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى ) (1).

وفي رواية : أنّه صلى اللّه عليه وآله كره مجيء ابن أُمّ مكتوم ، وقال في نفسه : يقول هذا القرشي : إنّما أتباعه العميان والسفلة والعبيد ، فعبس صلى اللّه عليه وآله إلخ.

وكأنّ ذلك الزعيم لم يكن يعلم بذلك!! وكأنّ قريشاً لم تكن قد صرّحت بذلك وأعلنته!!

وعن الحكم : « ما رؤي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بعد هذه الآية متصدّياً لغني ، ولا معرضاً عن فقير » (2).

وعن ابن زيد : « لو أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كتم شيئاً من الوحي ، كتم هذا عن نفسه » (3).

وأيّ تفسير قرآن آخر لغير الشيعة ؛ فإنّك تجد فيه الروايات المختلفة التي تصبّ في هذا الاتجاه.

فابن زيد يؤكّد بكلامه هذا على مدى قبح هذا الأمر ، وعلى مدى صراحة الرسول صلى اللّه عليه وآله ، حتّى إنّه لم يكتم هذا الأمر ، رغم شدّة قبحه وشناعته!

لقد أجمع المفسّرون ، وأهل الحديث ، باستثناء شيعة أهل البيت عليهم السلام على أصل القضية المشار إليها.

ونحن نرى : أنّها قضية مفتعلة ، لا يمكن أن تصحّ ، وذلك أوّلاً : لضعف أسانيدها ، لأنّها تنتهي إلى عائشة ، وأنس ، وابن عباس من الصحابة ، وهؤلاء لم يدرك أحد منهم هذه القضية أصلاً ، لأنّه إمّا كان حينها طفلاً ، أو لم يكن ولد (4).

ص: 335


1- عبس : 1 - 10.
2- الدرّ المنثور 6 / 315.
3- جامع البيان 30 / 66 ، الدرّ المنثور 6 / 315.
4- أُنظر : الهدى إلى دين المصطفى 1 / 158.

أو إلى أبي مالك - الظاهر أنّ المراد به أبا مالك الأشجعي ، المشهور بالرواية وتفسير القرآن ، وهو تابعي - والحكم ، وابن زيد ، والضحّاك ، ومجاهد ، وقتادة ، وهؤلاء جميعاً من التابعين ، فالرواية مقطوعة لا تقوم بها حجّة.

وثانياً : تناقض نصوصها حتّى ما ورد منها عن راوٍ واحد ، فعن عائشة في رواية : إنّه كان عنده رجل من عظماء المشركين ، وفي أُخرى عنها : عتبة وشيبة ، وفي ثالثة عنها : في مجلس فيه ناس من وجوه قريش ، منهم أبو جهل ، وعتبة بن ربيعة.

وفي رواية عن ابن عباس : إنّه صلى اللّه عليه وآله كان يناجي عتبة ، وعمّه العباس ، وأبا جهل.

وفي التفسير المنسوب إلى ابن عباس : إنّهم العباس ، وأُمية بن خلف ، وصفوان بن أُمية.

وعن قتادة : أُمية بن خلف ، وفي أُخرى عنه : أُبي بن خلف.

وعن مجاهد : صنديد من صناديد قريش ، وفي أُخرى عنه : عتبة بن ربيعة ، وأُمية بن خلف.

هذا ، عدا عن تناقض الروايات مع بعضها البعض في ذلك ، وفي نقل ما جرى ، وفي نصّ كلام الرسول صلى اللّه عليه وآله ، ونصّ كلام ابن أُمّ مكتوم.

ونحن نكتفي بهذا القدر ، ومن أراد المزيد فعليه بالمراجعة والمقارنة.

وثالثاً : إنّ ظاهر الآيات المدّعى نزولها في هذه المناسبة ، هو أنّه كان من عادة هذا الشخص وطبعه وسجيّته وخُلقه أن يتصدّى للغني ويهتم به ، ولو كان كافراً ، ويتلهّى عن الفقير ولا يبالي به أن يتزكّى ، ولو كان مسلماً.

وكُلّنا يعلم : أنّ هذا لم يكن من صفات وسجايا نبيّنا الأكرم صلى اللّه عليه وآله ، ولا من طبعه وخُلقه.

ص: 336

كما أنّ العبوس في وجه الفقير ، والإعراض عنه ، لم يكن من صفاته صلى اللّه عليه وآله حتّى مع أعدائه ، فكيف بالمؤمنين من أصحابه وأودّائه ، وهو الذي وصفه اللّه تعالى بأنّه : ( بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) (1).

بل لقد كان من عادته صلى اللّه عليه وآله مجالسة الفقراء ، والاهتمام بهم ، حتّى ساء ذلك أهل الشرف والجاه ، وشقّ عليهم ، وطالبه الملأ من قريش بأن يبعد هؤلاء عنه ليتّبعوه ، وأشار عليه عمر بطردهم ، فنزل قوله تعالى : ( وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ) (2).

ويظهر : أنّ الآية قد نزلت قبل الهجرة إلى الحبشة لوجود ابن مسعود في الرواية ، أو حين بلوغهم أمر الهدنة ، ورجوعهم إلى مكّة.

ولكن يبقى إشكال أن ذكر عمر في هذا المقام في غير محلّه ، لأنّه لم يكن قد أسلم حينئذٍ ، لأنّه إنّما أسلم قبل الهجرة إلى المدينة بيسير.

كما أنّ اللّه تعالى قد وصف نبيّه في سورة القلم التي نزلت قبل سورة عبس وتولّى بأنّه على خُلق عظيم ، فإذا كان كذلك ، فكيف يصدر عنه هذا الأمر المنافي للأخلاق ، والموجب للعتاب واللوم منه تعالى لنبيّه صلى اللّه عليه وآله ، فهل كان اللّه - والعياذ باللّه - جاهلاً بحقيقة أخلاق نبيّه؟ أم أنّه يعلم بذلك لكنّه قال هذا لحكمة ولمصلحة اقتضت ذلك؟ نعوذ باللّه من الغواية ، عن طريق الحقّ والهداية.

ورابعاً : إنّ اللّه تعالى يقول في الآيات : ( وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى ) (3) ، وهذا لا يناسب أن يخاطب به النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، لأنّه مبعوث لدعوة الناس وتزكيتهم.

وكيف لا يكون ذلك عليه مع أنّه هو مهمّته الأُولى والأخيرة ، ولا شيء غيره ، ألم يقل اللّه تعالى : ( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ

ص: 337


1- التوبة : 128.
2- الأنعام : 52 ، وأُنظر : الدرّ المنثور 3 / 12.
3- عبس : 7.

آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ) (1) ، فكيف يغريه بترك الحرص على تزكية قومه.

خامساً : لقد نزلت آية الإنذار : ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ، وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (2) ، قبل سورة عبس بسنتين ، فهل نسي صلى اللّه عليه وآله أنّه مأمور بخفض الجناح لمن اتبعه؟ وإذا كان نسي ، فما الذي يؤمّننا من أن لا يكون قد نسي غير ذلك أيضاً؟ وإذا لم يكن قد نسي ، فلماذا يتعمّد أن يعصي هذا الأمر الصريح؟!

سادساً : إنّه ليس في الآية ما يدلّ على أنّها خطاب للنبي صلى اللّه عليه وآله ، بل اللّه سبحانه يخبر عن رجل ما أنّه : ( عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَاءهُ الأَعْمَى ) ، ثمّ التفت اللّه تعالى بالخطاب إلى ذلك العابس نفسه وخاطبه بقوله : ( وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ) إلخ.

سابعاً : لقد ذكر العلاّمة الطباطبائي : « أنّ الملاك في التفضيل وعدمه ليس هو الغنى والفقر ، وإنّما هو الأعمال الصالحة ، والسجايا الحسنة ، والفضائل الرفيعة ، وهذا حكم عقلي وجاء به الدين الحنيف ، فكيف جاز له صلى اللّه عليه وآله أن يخالف ذلك ، ويميّز الكافر لما له من وجاهة على المؤمن » (3)؟

والقول : بأنّه إنّما فعل ذلك لأنّه يرجو إسلامه ، وعلى أمل أن يتقوّى به الدين ، وهذا أمر حسن ، لأنّه في طريق الدين وفي سبيله ، لا يصحّ لأنّه يخالف صريح الآيات التي تنصّ على أنّ الذمّ له كان لأجل أنّه يتصدّى لذاك الغني لغناه ، ويتلهّى عن الفقير لفقره ، ولو صحّ هذا ، فقد كان اللازم أن يفيض القرآن في مدحه وإطرائه على غيرته لدينه ، وتحمّسه لرسالته ؛ فلماذا هذا الذمّ والتقريع إذن.

ونشير أخيراً : إلى أنّ البعض قد ذكر : أنّه يمكن القول بأنّ الآية خطاب كُلّي مفادها : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان إذا رأى فقيراً تأذّى وأعرض عنه.

ص: 338


1- الجمعة : 2.
2- الشعراء : 213 - 214.
3- الميزان في تفسير القرآن 20 / 303.

والجواب أوّلاً : إنّ هذا يخالف القصّة التي ذكروها من كونها قضية في واقعة واحدة لم تتكرّر.

وثانياً : إذا كان المقصود هو الإعراض عن مطلق الفقير ؛ فلماذا جاء التنصيص على الأعمى؟!

وثالثاً : هل صحيح أنّه قد كان من عادة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ذلك؟!

المذنب رجل آخر :

فيتّضح ممّا تقدّم : أنّ المقصود بالآيات شخص آخر غير النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ويؤيّد ذلك : ما روي عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام أنّه قال : « كان رسول اللّه إذا رأى عبد اللّه بن أُمّ مكتوم قال : مرحباً مرحباً ، واللّه لا يعاتبني اللّه فيك أبداً ، وكان يصنع به من اللطف حتّى يكف عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ممّا كان يفعل به » (1).

فهذه الرواية تشير إلى أنّ اللّه تعالى لم يعاتب نبيّه في شأن ابن أُمّ مكتوم ، بل فيها تعريض بذلك الرجل الذي ارتكب في حقّ ابن أُمّ مكتوم تلك المخالفة ، إن لم نقل : إنّه يستفاد من الرواية نفي قاطع حتّى لإمكان صدور مثل ذلك عنه صلى اللّه عليه وآله ، بحيث يستحقّ العتاب والتوبيخ ؛ إذ لا معنى لهذا النفي لو كان اللّه تعالى قد عاتبه فعلاً.

هذا ولكن الأيدي غير الأمينة قد حرّفت هذه الكلمة ؛ فادعت أنّه صلى اللّه عليه وآله كان يقول : « مرحباً بمن عاتبني فيه ربّي » ، فلتراجع كتب التفسير ، كالدرّ المنثور وغيره ، والصحيح هو ما تقدّم.

سؤال وجوابه :

ولعلّك تقول : إنّه إذا كان المقصود بالآيات شخصاً آخر ؛ فما معنى قوله تعالى : ( فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى ) ، وقوله : ( فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى ) ، فإنّ ظاهره : أنّ هذا التصدّي والتلهّي من قبل من يهمّه هذا الدين ؛ فيتصدّى لهذا ، ويتلهّى عن ذاك.

ص: 339


1- مجمع البيان 10 / 266.

فالجواب : أنّه ليس في الآيات ما يدلّ على أنّ التصدّي كان لأجل الدعوة إلى اللّه أو لغيرها.

فلعلّ التصدّي كان لأهداف أُخرى دنيوية ، ككسب الصداقة أو الجاه ، أو نحو ذلك.

وقوله تعالى : ( لَعَلَّهُ يَزَّكَّى ) ليس فيه أنّه يزكّى على يد المخاطب ، بل هو أعم من ذلك ، فيشمل التزكّي على يد غيره ممّن هم في المجلس ، كالنبيّ صلى اللّه عليه وآله أو غيره.

ثمّ لنفرض : أنّه كان التصدّي لأجل الدعوة ، فإنّ ذلك ليس محصوراً به صلى اللّه عليه وآله ؛ فهم يقولون : إنّ غيره كان يتصدّى لذلك أيضاً ، وأسلم البعض على يديه لو صحّ ذلك!

الرواية الصحيحة : وبعد ما تقدّم ، فإنّ الظاهر هو أنّ الرواية الصحيحة ، هي ما جاء عن الإمام الصادق عليه السلام : « أنّها نزلت في رجل من بني أُمية كان عند النبيّ صلى اللّه عليه وآله ؛ فجاءه ابن أُمّ مكتوم ، فلمّا رآه تقذّر منه ، وجمع نفسه ، وعبس في وجهه ، وأعرض بوجهه عنه ، فحكى اللّه سبحانه ذلك ، وأنكره عليه » (1).

ويلاحظ : أنّ الخطاب في الآيات لم يوجّه أوّلاً إلى ذلك الرجل ؛ بل تكلّم اللّه سبحانه عنه بصورة الحكاية عن الغائب : إنّه عبس وتولّى ، أن جاءه الأعمى.

ثمّ التفت إليه بالخطاب ، فقال له مباشرة : وما يدريك ، ويمكن أن يكون الخطاب في الآيات أوّلاً للنبي صلى اللّه عليه وآله من باب : إيّاك أعني واسمعي يا جارة ، والأوّل أقرب ، وألطف ذوقاً.

اتهام عثمان :

وبعض الروايات تتّهم عثمان بهذه القضية ، وأنّه هو الذي جرى له ذلك مع ابن أُمّ مكتوم (2).

ص: 340


1- نفس المصدر السابق.
2- تفسير القمّي 2 / 405.

ولكنّنا نشكّ في هذا الأمر ، لأنّ عثمان قد هاجر إلى الحبشة مع من هاجر ، فمن أين جاء عثمان إلى مكّة ، وجرى منه ما جرى؟!

إلاّ أن يقال : إنّهم يقولون : إنّ أكثر من ثلاثين رجلاً قد عادوا إلى مكّة بعد شهرين من هجرتهم كما تقدّم ، وكان عثمان منهم ، ثمّ عاد إلى الحبشة.

وعلى كُلّ حال ، فإنّ أمر اتهام عثمان - ونحن نجد في عثمان بعض الصفات التي تنسجم مع مدلول الآية ، كما يشهد له قضيّته مع عمّار حين بناء المسجد في المدينة - أو غيره من بني أُمية لأهون بكثير من اتهام النبيّ المعصوم ، الذي لا يمكن أن يصدر منه أمر كهذا على الإطلاق ، وإن كان يهون على البعض اتهام النبيّ صلى اللّه عليه وآله بها أو بغيرها ، شريطة أن تبقى ساحة قدس غيره منزّهة وبريئة!!

تاريخ هذه القضية :

ونسجّل أخيراً : تحفّظاً على ذكر المؤرّخين لرواية ابن مكتوم ، ونزول سورة عبس بعد قضية الغرانيق ؛ فإنّ الظاهر هو أنّ هذه القضية قد حصلت قبل الهجرة إلى الحبشة ، لأنّ عثمان كان قد هاجر إلى الحبشة قبل قضية الغرانيق بشهرين كما يقولون ، إلاّ أن يكون عثمان قد عاد إلى مكّة مع من عاد ، بعد أن سمعوا بقضية الغرانيق كما يدّعون.

أعداء الإسلام وهذه القضية :

وممّا تجدر الإشارة إليه هنا : أنّ بعض المسيحيين الحاقدين قد حاول أن يتّخذ من قضية عبس وتولّى وسيلة للطعن في قدسية نبيّنا الأعظم صلى اللّه عليه وآله ، ولكن اللّه يأبى إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون ( وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (1).

فها نحن قد أثبتنا : أنّها أكاذيب وأباطيل ما أنزل اللّه بها من سلطان.

ص: 341


1- التوبة : 32.

( غانم النصار - الكويت - .... )

تأخير نزول الوحي عليه لا يدلّ على عدم عصمته :

س : تقول الروايات : أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أخطأ عدّة مرّات ، ونحن نقول : أنّ الرسول معصوم من كُلّ زلل ، وإن كان كذلك ما هو تفسيركم للروايات التي فسّرت نزول سورة الكهف؟ التي تقول : أنّ الرسول لم يقل إن شاء اللّه ، وانقطع عنه الوحي عدّة أيّام؟ أليس في هذا زلل؟ يرجى التوضيح.

ج : من المعلوم أنّ العصمة هي الابتعاد عن كُلّ خطأ وزلّة ، وهذا المعنى ثابت ومسلّم بالنسبة إلى الرسول صلى اللّه عليه وآله.

وأمّا مورد السؤال فلا يدلّ على صدور معصية أو خطأ تمس جانب العصمة منه - والعياذ باللّه - بل أكثر ما تدلّ الروايات الواردة في هذا المجال هو الإشارة إلى الجانب التأديبي والأخلاقي بالنسبة إلى الأُمّة ، أي يعطي الفرد المسلم درساً لكي لا يستقل في كافّة تصرّفاته عن مبدأ الوجود ، وقد ورد عنه صلى اللّه عليه وآله : « أدّبني ربّي فأحسنَ تأديبي » (1).

مضافاً إلى أنّه يحتمل قوياً أن يكون في تأخّر الوحي فترة وجيزة مصالح أُخرى ، من اختبار المؤمنين وغيره ، وهذا الأمر كان له نظير في الأُمم السابقة ، فقد ذكر القرآن الكريم تأخير نزول النصر على نبي من الأنبياء ، إلى أن قالوا : ( وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ ) (2).

وبالجملة : فليس في تأخير نزول الأمر الإلهي أيّ محذور عقلي أو شرعي ، حتّى يكون إشكالاً وإيراداً على عصمة الأنبياء عليهم السلام.

ص: 342


1- شرح نهج البلاغة 11 / 233 ، الجامع الصغير 1 / 51.
2- البقرة : 214.

( علي - البحرين - 30 سنة - دبلوم )

لماذا ختمت به الرسالات مع أنّ العلم يتطوّر :

س : لماذا ختم اللّه الرسالات السماوية برسالة النبيّ صلى اللّه عليه وآله؟ على الرغم من أنّ العلم ما زال يتطوّر؟

ج : لم يقل أحد أنّ اللّه بعث الأنبياء والرسل بعلم الطبّ أو العلوم المادّية من الهندسة والتكنولوجيا ، وإنّما بعثهم لإيصال أوامر اللّه ونواهيه للبشرية ، ليكونوا الواسطة بين اللّه وبين خلقه ، وعلى هذا فلا مانع من ختم الرسالة بالنبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله ، على الرغم من أنّ العلم ما زال يتطوّر ، فإنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله وإن كان يعلم هذه العلوم بتعليم إلهي ، ولكنّه لم يبعث لهذا الفرض ، لذا لا نجده كان يستعمل هذه العلوم إلاّ في موارد نادرة.

فلم يبعث اللّه الأنبياء ليعلّموا الناس الطبّ أو النجارة أو الزراعة أو تطوير العلوم ، وإنّما بعثه ليكون واسطة بينه وبين الخلق في إيصال أوامر اللّه ونواهيه للبشرية ، لعبادة ربّ العالمين وعدم الخروج عن طاعته تعالى ، وبذلك تتمّ الحجّة ويكون الثواب والعقاب ، وفي إجراء أوامر اللّه ونواهيه تطبيق للعدل الإلهي في الكرة الأرضية.

( سمير - روسيا - 25 سنة )

الجمع بين كون آباءه موحّدون وتسمية عبد المطلب ابنه بعبد العزى :

س : جزاكم اللّه خيراً عن هذا الموقع وعن جهودكم الجليلة ، عندي سؤال حيّرني ، وأرجو أن أجد عندكم ج :

بما أنّ آباء النبيّ صلى اللّه عليه وآله من آدم عليه السلام موحّدون ، ومن البعيد جدّاً أن يختار اللّه تعالى الأنبياء من نطف غير طاهرة قد دنّستها الأرجاس ، فما علّة تسمية عبد المطلب لابنه المعروف بأبي لهب بعبد العزّى؟ حفظكم اللّه ، والسلام عليكم.

ص: 343

الجواب : ممّا يجب أن نعرفه قبل الخوض في التسمية ومشروعيتها : أنَّ هناك أدلّة عديدة نؤمن بها بأنّ آباء الأنبياء والأئمّة عليهم السلام موحّدون مؤمنون ، وهم من أصلح وأفضل أهل زمانهم ، قال تعالى : ( مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ ) (1) ، وكذلك قوله تعالى : ( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) (2).

وقد جاءت أحاديث كثيرة تتضمّن هذه المعاني ، فنذكر منها اختصاراً :

روى ابن جرير الطبري الشيعي : « قذفنا في صلب آدم ، ثمّ أخرجنا إلى أصلاب الآباء وأرحام الأُمّهات ، لا يصيبنا نجس الشرك ، ولا سفاح الكفر ، يسعد بنا قوم ، ويشقى بنا آخرون » (3).

وورد في تاريخ اليعقوبي : فكانت قريش تقول : عبد المطلب إبراهيم الثاني (4).

وكذلك قصّته المشهورة ، وقوله العظيم في وجه أبرهة الحبشي : للبيت ربٌّ يحميه ، واستسقائه بالنبيّ صلى اللّه عليه وآله عند الجدب والمجاعة ، وتوجّهه إلى الكعبة ، والتوجّه والتوسّل به إلى اللّه تعالى.

وقال الشيخ المفيد : واتفقت الإمامية على أنّ آباء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله من لدن آدم إلى عبد اللّه بن عبد المطلب مؤمنون باللّه عزّ وجلّ موحّدون له.

واحتجّوا في ذلك بالقرآن والأخبار ، قال اللّه عزّ وجلّ : ( الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) .

وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « لم يزل ينقلني من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهّرات ، حتّى أخرجني في عالمكم هذا » (5).

وروى الشيخ الصدوق بإسناده عن الإمام علي عليه السلام أنّه قال : « واللّه ما عبد أبي ولا جدّي عبد المطلب ولا هاشم ولا عبد مناف صنماً قط ».

ص: 344


1- الحجّ : 78.
2- الشعراء : 218.
3- دلائل الإمامة : 158.
4- تاريخ اليعقوبي 2 / 11.
5- أوائل المقالات : 45.

قيل له : فما كانوا يعبدون؟ قال : « كانوا يصلّون إلى البيت على دين إبراهيم عليه السلام متمسّكين به » (1).

وقد روى أهل السنّة في تفاسيرهم ما يدعم صلاحهم ومدحهم ، ونقتصر على هذه الرواية :

روى السيوطي عن ابن مردويه عن ابن عباس قال : سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فقلت : بأبي أنت وأُمّي أين كنت وآدم في الجنّة؟ فتبسّم حتّى بدت نواجذه ثمّ قال : « إنّي كنتُ في صلبه ... ولم يلتقِ أبواي قطّ على سفاح ، لم يزلِ اللّه ينقلني من الأصلاب الطيّبة إلى الأرحام الطاهرة ، مصفّى مهذّباً ، لا تتشعّب شعبتان إلاّ كنت في خيرهما » (2).

وبعد هذه المقدّمة والتسليم بها ، ينبغي علينا إحسان الظنّ بهم ، وتأويل بعض الأسماء مثل « عبد العزّى » التي وردت عنهم ، خصوصاً أنّ أبا لهب هذا من الكفّار ، وليس والداً للنبي صلى اللّه عليه وآله ، ولا للأئمّة عليهم السلام ، ولله الحمد والمنّة.

ومع ذلك نقول : بأنّ الأسماء عند العرب من أقسام الألفاظ المرتجلة التي لا تدلّ فيها الألفاظ على معانيها بل على مسمّياتها ، ومنها أسماء الأعلام والبلدان والآلات والأدوات وغيرها.

فمثلاً مَن سمّى ابنه جميلاً لا يجعله بهذه التسمية جميلاً واقعاً ، بل قد يكون غيرَ جميلٍ واقعاً ، ومن سمّى ابنه عبد اللّه قد يكون عدّواً لله ، فلم يدلّ الاسم على مسمّاه وهكذا.

بالإضافة إلى أن مفردة « العُزّى » غير مختصّة بالآلهة في أصل وضعها في اللغة العربية ، فإنّها تعني العزيزة الشريفة - مؤنث الأعز - ، فيكون معنى « عبد العزّى » خادم العزيزة ، وليس عبداً بمعنى العبادة ، كما في عبد المطلب نفسه.

ص: 345


1- كمال الدين وتمام النعمة : 174.
2- الدرّ المنثور 5 / 98.

وكذلك تسمية هذا الابن من بين أبنائه السبعة بهذه التسمية ، لها دلالتها على علم عبد المطلب بجحده وكفره بالرسالة العظيمة في مستقبله ، ويدعم هذا الرأي تسمية عدو اللّه أبي لهب بعبد العزّى ، وتسمية أبي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بعبد اللّه.

وربما علمه وفعله في هاتين التسميتين ناتجة عن المداراة والمصلحة والتقية ، مع ذلك المجتمع القبلي الجاهلي الظالم ، فلولا هذه التغطية بعبد العزّى ، والتي قد يقصد منها « خادم العزيزة » ، وظاهرها اعترافه بآلهتهم كما كان أبو طالب يفعل ذلك معهم حمايةً للرسول صلى اللّه عليه وآله ، لما استطاع التسمية بعبد اللّه والحفاظ عليه وعلى نفسه من هؤلاء المشركين ، ليكون نبيّنا صلى اللّه عليه وآله بأبهى صورة ، وأجمل الأسماء وأحبّها إلى اللّه تعالى ، واللّه العالم.

( حسين الميّاحي - العراق - 35 سنة - طالب حوزة )

قضية زوجة زيد :

س : أدامكم اللّه ووفّقكم لكُلّ خير ، وسدّد خطاكم لنصرة الدين الحنيف.

لا يخفى عليكم ما يتعرّض له المذهب الحقّ ، مذهب أهل البيت عليهم السلام من حملات مسعورة ، خصوصاً في هذه الأيّام التي أصبحت فيها عقائد الشيعة ونظرياتهم وآراؤهم تلقى الترحيب والقبول من جمهور المسلمين.

ومساهمة منّا في دفع الشبهات التي يتشبّث بها المخالفون ، وتنطلي على العامّة أحياناً ، نرجو مساعدتنا في إيضاح ما يحتاج إلى التوضيح في أُمورنا العقائدية ، التي نرغب في الحصول عليها من المصادر الموثوقة ، لكي تكون إجاباتنا شافية كافية.

وسؤالي هو حول موقف علمائنا ورأيهم في الرواية الواردة في عيون أخبار الرضا عليه السلام ، عن علي بن محمّد بن الجهم : أنّ المأمون سأل الإمام الرضا عليه السلام

ص: 346

مجموعة من الأسئلة منها : أنّه سأله عن قوله تعالى : ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِ ... ) (1).

وأنّ الإمام الرضا عليه السلام أجاب : « إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قصد دار زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي في أمر أراده ، فرأى امرأته تغتسل ، فقال لها : سبحان الذي خلقك ... » (2) ، وما في هذا الخبر من إساءة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟ تقبّل اللّه أعمالكم.

ج : إنّه من المؤسف تسامح البعض في تعابيره بشكل يمنح الأعداء حرّية الطعن في مقام النبوّة ، في الوقت الذي يمكن أن يفهم من القرائن الموجودة في نفس الآية ، وسبب نزولها وتاريخ النزول ، والأمر ليس بشكل معقّد.

إنّ زيداً كان عبداً للنبي صلى اللّه عليه وآله واعتقه ، وكان ابناً له بالتبنّي ، وكان الابن بالتبنّي طبقاً للسنّة الجاهلية يتمتّع بكُلّ أحكام الابن الحقيقي ، ومن جملتها حرمة الزواج بزوجة الابن المتبنّى المطلّقة.

في البداية خطب النبيّ صلى اللّه عليه وآله ابنة عمّته زينب لزيد ، ولكنّها رفضت لأنّها كانت ترى أنّ موقعها الاجتماعي أعلى من زيد ، فنزلت الآية الكريمة تهدّد مخالفة اللّه سبحانه ورسوله بقولها : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) (3) ، فرضخت زينب.

وكان المقصود من وراء ذلك كسر سنّة جاهلية ، تقتضي بأنّ المؤمن ليس كفواً للمؤمنة ، ولكن لم يستمر الزواج طويلاً لحدوث خلاف بين الزوجين ، فصمّم زيد على طلاقها ، وصمّم النبيّ صلى اللّه عليه وآله بدوره جبراً لخاطر زينب أن يتزوّج بها ، إذا ما طلّقها زيد ، ليحقّق إلى جنب ذلك هدفاً آخر ، وهو هدم سنّة جاهلية أُخرى ، ويوضّح جواز الزواج بزوجة الابن المتبنّى المطلّقة.

ولكن النبيّ صلى اللّه عليه وآله خاف إبراز ما أضمره ، خشية من المجتمع وسننه الباطلة ، فطلب منه اللّه سبحانه أن لا يخشى الناس ممّا صمّم عليه ، بل عليه أن يخشى

ص: 347


1- الأحزاب : 37.
2- عيون أخبار الرضا 2 / 180.
3- الأحزاب : 36.

اللّه وحده ، وعلى هذا نفهم أنّ هدف النبيّ صلى اللّه عليه وآله هدف نبيل ، قصد من ورائه هدم سنّتين جاهليتين.

وإذا كانت التهمة الموجّهة إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله صحيحة ، وأنّه كان يعجبه جمال زينب ، فلماذا لم يخطبها في البداية لنفسه؟ وهي ابنة عمّته ، بل خطبها لزيد؟! ولماذا كان النبيّ صلى اللّه عليه وآله يمنع زيداً من طلاق زينب؟ في حين أنّ المناسب على تقدير رغبته في جمالها عدم تشجيعه على إبقاء الزوجية : ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللّهَ ) (1)؟

على أنّ القرآن أوضح الهدف من الزواج المذكور ، وأنّه ليس جمال زينب ، بل هو شيء آخر : ( فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ) (2).

وأمّا ما جاء في عيون أخبار الرضا عليه السلام ، فلا نرى اشتماله على قدح في مقام النبوّة ، لأنّ الرواية هكذا : « إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قصد دار زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي في أمر أراده ، فرأى امرأته تغتسل ، فقال لها : سبحان الذي خلقك أن يتّخذ له ولداً ، يحتاج إلى هذا التطهير والاغتسال ... ».

والقدح المتصوّر هو من إحدى جهتين ، فهو أمّا من جهة أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله رآها تغتسل ، ولكن من الواضح أنّ الرواية لم تقل رآها عارية ، وإنّما المقصود رآها مشغولة بالغسل ، والمناسب أن تكون مستورة ، أو من جهة أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله عبّر بما يوحي بتأثير جمالها عليه ، ولكن يردّه أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله لم يقل : سبحان الذي خلق جمالك ، وإنّما نزّه اللّه سبحانه من مقالة من قال : أنّ اللّه قد اتخذ بنات ، إنّه كيف يتّخذ بنتاً وهي تحتاج إلى التطهير والاغتسال؟!

وقد أخذ علمائنا بظاهر القرآن ، وأنّه هو الحجّة ، ولم يعيروا للرواية أهمّية ، وبعضهم أزرى بمثل هذه الرواية في كتب العامّة ، ووافق من أبطلها

ص: 348


1- الأحزاب : 37.
2- الأحزاب : 37.

منهم ، كالفخر الرازي والآلوسي ، نعم لم يتعرّضوا لهذه الرواية ، أو ما في معناها من كتبنا بالخصوص ، إلاّ من قال منهم أنّها قد تكون للتقية.

1 - إنّ هذه الشبهة ، وبهذا الحجم إنّما سعّر نارها المستشرقون ، وإن كان لها أصل في روايات الفريقين.

2 - لقد ذكر ابن الأثير في تاريخه ، والطبري في تاريخه أيضاً ، مثل هذه الرواية ، وقد وردت أيضاً من جانبنا ، فضلاً عما ذكرت في رواية قبل الرواية المعنية في نفس الكتاب ، وأيضاً بأكثر من رواية في تفسير القمّي ، وأوردها المجلسي في البحار ، والحويزي في نور الثقلين ، والصافي في تفسيره وغيرهما فراجع ، فإنّ للرواية بهذا المضمون أسانيد أُخرى غير هذا السند!!

3 - كما ذكرت لك أنّ لهذه الروايات أسانيد أُخرى ، وعن عدّة من الأئمّة ، وليست منحصرة بهذا السند حتّى يكفينا تضعيفه ، ولكن مع ذلك نتكلّم في أسانيدها ومتنها.

أ - هذه الرواية وردت بسندين مرّة عن طريق علي بن الجهم ، وأنّ السائل هو المأمون ، وأُخرى في الرواية التي قبلها أنّ السائل كان علي بن الجهم نفسه ، نقلها أبو الصلت الهروي ، وهذه الرواية بالخصوص تخلو ممّا ورد في رواية علي بن الجهم من رؤية النبيّ صلى اللّه عليه وآله لزينب.

ب - وردت الرواية المتضمّنة لرؤية النبيّ صلى اللّه عليه وآله لزينب بأسانيد أُخرى في تفسير القمّي ، ولنا في تفسير القمّي وتوثيق رجاله بحث نخالف فيه رأي السيّد الخوئي في معجم رجال الحديث ، لا يسع المجال هنا لبسطه.

ج - ولكن مع ذلك قد يكون من الصعب التفصّي عن الرواية بالطعن في السند ، لأنّك كما تعرف ستدعم الروايات بعضها بعضاً ، فقد يقال على رواية علي بن الجهم أنّه تابعه فلان وفلان ، وبعضهم لا يروي إلاّ عن ثقة ، مثل ابن أبي عمير فلاحظ.

د - ولكن يمكن الجمع بين الروايات ، ومعارضة متونها مع بعضها ، فإنّ إحداها لا تذكر الرؤية والبقية الأُخرى ، وأن اتفق مضمونها على حدوث الرؤية

ص: 349

من النبيّ صلى اللّه عليه وآله لزينب ، ولكن الكيفية التي رآها النبيّ صلى اللّه عليه وآله عليها متضاربة جدّاً فيها ، وأحسنها ما في رواية علي بن الجهم ، إذ فيه تنزيهاً للنبي صلى اللّه عليه وآله.

و - قد حمل بعض علمائنا هذه الرواية على التقية ، وذلك لمقام المأمون ، وحضور علماء العامّة في المجلس ، ومنهم نفس علي بن الجهم ، فحملوا جواب الإمام تنزيلاً على ما ذكره العامّة في كتبهم ، إذ في أحد الروايات يطرح السائل أقوال علماء العامّة في المسألة ، ثمّ يجيبه عليها الإمام عليه السلام.

ط - إنّ ما ذكره الشيخ الصدوق قدس سره في تعليقه على الرواية من قوله : هذا حديث غريب من طريق علي بن الجهم ... الخ ، لا يعني بالغريب المصطلح المتداول في علم الحديث ، من أنّه لا متابع له ، وإنّما غريب من جهة رواية علي ابن الجهم الناصبي له ، وقد ذكر الجزائري في قصص الأنبياء قول الصدوق بصيغة أُخرى هكذا : هذا حديث عجيب ... ، ثمّ علّق عليه بأنّه ليس عجيباً ، فإنّ اللّه يجري الحقّ في بعض الأحيان على لسان أعدائه.

( حبيب - الدانمارك - سنّي حنفي - 20 سنة )

سهوه في الصلاة غير صحيح :

س : قال الحرّ العاملي : « ذكر السهو في هذا الحديث وأمثاله - يقصد حديث السهو - محمول على التقية في الرواية ، كما أشار إليه الشيخ وغيره ، لكثرة الأدلّة العقلية والنقلية على استحالة السهو عليه مطلقاً » (1).

كيف يحمل على التقية؟ وكيف نعرف أيّهما قاله الإمام تقية؟ إنّ التقية تستلزم إظهار خلاف المعتقد ، والوقوع في الأخطاء والذنوب ، ومن ثمّ يقلّد الأتباع الأئمّة ، لقد جمع الشيعة في هذا المعتقد بين المتناقضات ، فإمّا أن يقولوا بالعصمة ، وإمّا أن يقولوا بالتقية ، أمّا الجمع بين الاثنين فهو تناقض واضح وبيّن.

ص: 350


1- وسائل الشيعة 8 / 199.

وإن كان العاملي ينقل كثرة الأدلّة العقلية والنقلية على استحالة السهو عليه مطلقاً ، فالمجلسي نفسه ينقل كثرة الأدلّة على صدور السهو عن الأئمّة ، حيث يقول : « وبالجملة المسألة في غاية الإشكال ، لدلالة كثير من الأخبار والآيات على صدور السهو عنهم » (1).

وكان ابن بابويه وغيره من شيعة القرن الرابع يعتبرون الردّ لهذه الروايات - روايات سهو النبيّ صلى اللّه عليه وآله في صلاته - يفضي إلى إبطال الدين والشريعة.

يقول ابن بابويه : « ولو جاز أن تردّ الأخبار الواردة في هذا المعنى لجاز أن تردّ جميع الأخبار ، وفي ردّها إبطال الدين والشريعة ، وأنا احتسب الأجر في تصنيف كتاب منفرد في إثبات سهو النبيّ صلى اللّه عليه وآله والردّ على منكريه إن شاء اللّه تعالى » (2).

ويؤيّد هذا القول - وهو الاعتقاد بأنّ الأئمّة يسهون - هو مذهب جميع الشيعة ، ونرى في كتابات شيعية معاصرة أُخرى نقل إجماع الشيعة على نفي السهو عنهم (3) ، وأنّ ذلك من ضرورات مذهب التشيّع فمن نصدّق؟ ومن هو الذي يعبّر عن مذهب الشيعة؟

وأخيراً أقول : اعتقادنا - أهل السنّة - في مسألة العصمة هو الموافق لنصوص الكتاب ، فكلّ هذه الآيات التي تفيد وجود ذنوب وتوبة ومعصية ونسيان كُلّها تؤيّد عقيدة أهل السنّة ولله الحمد ، فمن تلك النصوص في كتب الشيعة :

قيل للإمام الرضا : إنّ في سواد الكوفة قوماً يزعمون أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله لم يقع عليه السهو في صلاته ، فقال : « كذبوا لعنهم اللّه ، أنّ الذي لا يسهو هو اللّه الذي لا إله إلاّ هو » (4).

وهناك نصوص كثيرة في كتبكم تفيد أنّ الأئمّة يستغفرون اللّه ويعترفون بالمعصية ، بل إنّ علمائكم المتقدّمين كانوا يلعنون من نفى السهو عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأنت ترى أنّه بذلك يلعن المظفّر ومن وافقه!

ص: 351


1- بحار الأنوار 25 / 351.
2- من لا يحضره الفقيه 1 / 360.
3- صراط الحقّ 3 / 121.
4- عيون أخبار الرضا 1 / 219.

يقول ابن بابويه : « إنّ الغلاة والمفوضة لعنهم اللّه ينكرون سهو النبيّ صلى اللّه عليه وآله ويقولون : لو جاز أن يسهو عليه السلام في الصلاة لجاز أن يسهو في التبليغ ، لأنّ الصلاة فريضة كما أنّ التبليغ عليه فريضة ... وليس سهو النبيّ صلى اللّه عليه وآله كسهونا ، لأنّ سهوه من اللّه عزّ وجلّ ، وإنّما أسهاه ليعلم أنّه بشر مخلوق ، فلا يتّخذ ربّاً معبوداً دونه ، وليعلم الناس بسهوه حكم السهو متى سهوا ... وكان شيخنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد يقول : أوّل درجة في الغلوّ نفي السهو عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله » (1).

قد يظنّ ظانّ أنّ نفي العصمة على الصورة الإمامية فيه تنقيص من شأن الأنبياء؟ فنقول : إنّ الصواب هو أن تعتقد فيما دلّت عليه نصوص الكتاب ، ولاشكّ أنّ الغلوّ في أي أمر لا يعدّ أمراً محموداً بل هو مذموم.

ونقول : إنّ الأنبياء عليهم السلام إن أخطأوا فإنّهم سرعان ما يتوبون ، ويكونون بعد الذنب خيراً منهم قبل الذنب ، إذ بدّل اللّه سيّئاتهم حسنات ، واللّه تعالى يحبّ التوّابين العائدين.

ج : إذا ثبت عندنا بالدليل القاطع أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله يستحيل عليه السهو مطلقاً ، فإنّ كُلّ الروايات التي ظاهرها يوحي إلى نسبة السهو للنبي صلى اللّه عليه وآله يجب أن تأوّل إلى ما يتوافق مع الدليل القاطع - سواءً كان ذلك الدليل القاطع عقلياً أو نقلياً - وعلى هذا الأساس حمل الشيخ الحرّ العاملي قدس سره الروايات على التقية ، وهذا هو أحد الوجوه العلمية لتأويل تلك الروايات ، التي تتعارض مع الدليل القاطع ، وهناك وجوه أُخرى لرفع التعارض.

أمّا كيفية معرفة ما قاله الإمام تقية ، فيكون بعدّة أُمور منها :

1 - تعارض الخبر مع الأدلّة القاطعة.

2 - وجود قرائن داخلية أو خارجية.

3 - موافقة الأخبار لروايات أهل المذاهب التي يُتّقى منها في زمن الرواية.

ص: 352


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 359.

ولا تناقض في البين ، إذ نحن نقول : إنّا نعتقد بالعصمة ونعتقد أيضاً بالتقية ، والعمل على أساس التقية لا يقدح بالعصمة ، وليس العمل بالتقية يستلزم الوقوع في الخطأ ، بل هو رخصة أجازها الشارع المقدّس ، بل العمل على التقية في بعض الأحيان واجب لا يجوز مخالفته ، وبالحقيقة أنّ تصوّر الملازمة بين القول بالتقية ونفي العصمة ما هو إلاّ وهم من الأوهام ، وإلاّ فبيّن لنا الملازمة؟!

ثمّ إنّ الذي يعبّر عن رأي مذهب الشيعة هو العالم الذي يأتي بدليل ، ويبطل جميع الأدلّة التي تتعارض مع دليله ، ونحن ممّن لا نعرف الحقّ بالرجال ، ولكن نعرف الرجال بالحقّ ، ولا يقبل قول أيّ عالم إذا تعارض مع الدليل القاطع.

وصاحب البحار الذي تنقل عبارته ، وإن ذكر تلك العبارة ، إلاّ أنّه أيضاً ممّن يقول فيه : « إذا عرفت هذا فأعلم : أنّ العمدة فيما اختاره أصحابنا من تنزيه الأنبياء والأئمّة عليهم السلام من كُلّ ذنب ودناءة ومنقصة قبل النبوّة وبعدها قول أئمّتنا عليهم السلام بذلك المعلوم لنا قطعاً ، بإجماع أصحابنا ( رضوان اللّه عليهم ) مع تأييده بالنصوص المتظافرة ، حتّى صار ذلك من قبيل الضروريات في مذهب الإمامية » (1).

وحتّى الإسهاء الذي يريد ابن بابويه إثباته للرسول لم يرتضه من جاء بعده من العلماء ، فقالوا : النبيّ صلى اللّه عليه وآله منزّه حتّى عن الإسهاء من قبل اللّه تعالى.

والحقّ هو : نفي السهو عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله حتّى بذلك المعنى ، وعدم الاعتداد بالروايات التي تنسب السهو للنبي صلى اللّه عليه وآله ، وذلك لوجوه :

الأوّل : إنّ هذه الروايات معارضة لظاهر القرآن الدالّ على أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله مصون عن السهو ، كما في قوله تعالى : ( وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ

ص: 353


1- بحار الأنوار 11 / 91.

عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ) (1) وغيرها من الآيات.

الثاني : إنّ هذه الروايات معارضة لأحاديث كثيرة تدلّ على صيانة النبيّ عن السهو ، وقد جمعها المحدّث الحرّ العاملي في كتابه « التنبيه بالمعلوم من البرهان ».

الثالث : إنّ ما روته الإمامية من أخبار السهو ، أكثر أسانيده ضعيفة ، وأمّا النقي منها فخبر واحد لا يصحّ الاعتماد عليه في باب الأُصول.

الرابع : إنّها معارضة للأدلّة العقلية ، والتي منها :

1 - الوثوق فرع العصمة.

إنّ ثقة الناس بالأنبياء - وبالتالي حصول الغرض من بعثتهم - إنّما هو رهن الاعتقاد بصحّة مقالهم وسلامة أفعالهم ، وهذا بدوره فرع كونهم معصومين عن الخلاف والعصيان في السرّ والعلن عمداً وسهواً ، من غير فرق بين معصية وأُخرى ، ولا بين فترة من فترات حياتهم وأُخرى.

2 - إنّ الهدف العام الذي بُعث لأجله الأنبياء هو تزكية الناس وتربيتهم ، وأنّ التربية عن طريق الوعظ والإرشاد وأن كانت مؤثّرة ، إلاّ أنّ تأثير التربية بالعمل أشدّ وأعمق وآكد ، وذلك أنّ التطابق بين مرحلتي القول والفعل هو العامل الرئيسي في إذعان الآخرين بأحقّية تعاليم المصلح والمربّي.

ولو كان هناك انفكاك بينهما لأنفضّ الناس من حول النبيّ أو الرسول ، وفقدت دعوته أيّ أثر في القلوب ، ولأجل ذلك يقول سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللّهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ ) (2).

وهذا الأصل التربوي يجرّنا إلى القول بأنّ التربية الكاملة المتوخّاة من بعثة الأنبياء ، وترسيخها في نفوس المتربّين لا تحصل إلاّ بمطابقة أعمالهم لأقوالهم ، فليس هناك مجال لمخالفة أعمالهم لأقوالهم حتّى على سبيل السهو.

ص: 354


1- النساء : 113.
2- الصف : 2 - 3.

وإذا رجعنا إلى الروايات التي رواها أصحاب الصحاح ، فمع غض النظر عن إسنادها ، فإنّها مضطربة جدّاً في متونها.

والإجماع الذي يقوله صاحب صراط الحقّ لا يقدح به خروج بعض العلماء المعروفي النسب - كالصدوق وشيخه ابن الوليد - كما هو محقّق في محلّه من الأُصول.

ورواية الإمام الرضا عليه السلام لو سلّمنا بصحّة سندها ، فهي من أخبار آحاد ، ولا يمكن الاعتماد عليها في باب الأُصول كما عرفت ، ولتعارضها دلالة مع عشرات الأدلّة التي تشير إلى خلاف مدلولها.

ثمّ إنّ العصيان قد يأتي بمعنى خلاف الأولى ، فإنّه يسمّى عصياناً وسيّئة - كما ورد في الحديث « حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين » - والروايات والنصوص التي تنسب الذنب والمعصية إليهم عليهم السلام ، هي أمّا أنّها لا تدلّ على ما يقدح بالعصمة - ولكن فهمك القاصر يوحي لك بذلك - أو أنّ الروايات لا يعتمد عليها لضعف أو إرسال سندها.

ولو فرض وجود رواية أو روايتين ، فلا يمكن الاعتماد عليها ، وتُترك الأدلّة العقلية والنقلية القاطعة الكثيرة الدالّة على مطلق عصمتهم عليهم السلام.

والعلماء المتقدّمون الذين تذكرهم ، ما هم إلاّ ابن بابويه ، وشيخه محمّد بن الحسن ، وشذوذ اثنين لا يخرق الإجماع الذي عليه علماء الإمامية.

وقد ردّ قول ابن بابويه بسهو النبيّ صلى اللّه عليه وآله علماء عصره ومن جاء بعده ، فالحرّ العاملي يردّ ويقول : « واستحالة السهو على المعصوم مطلقاً متّفق عليه من الإمامية ، لم يخالف فيه إلاّ ابن بابويه ، وهو أولى بالسهو من النبيّ » (1).

وهذا تلميذ ابن بابويه الشيخ المفيد يردّ على أُستاذه فيقول : « الذي خالف في هذا ، وقال بجواز وقوع السهو والنسيان عن المعصوم ، هو الشيخ الصدوق أبو جعفر

ص: 355


1- وسائل الشيعة 8 / 252.

ابن بابويه القمّي قدس سره ، فإنّه نظراً إلى ظاهر بعض روايات واردة في ذلك ، كالخبر المروي عن طرق العامّة ... وزعم أنّ من نفى السهو عنهم هم الغلاة والمفوّضة ... ومحقّقو أهل النظر من الإمامية ذهبوا إلى نفي وقوع السهو في أُمور الدين عنهم ، لما دلّ على ذلك من الأدلّة القطعية عقلاً ونقلاً ، والأدلّة الدالّة على عصمتهم ... » (1).

حتّى أنّه ألّف رسالة في عدم سهو النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وذكر فيها وهو في ذلك الزمان - زمان العلماء المتقدّمين - : « وإن شيعياً - يعتمد على هذا الحديث في الحكم على النبيّ صلى اللّه عليه وآله بالغلط والنقص ، وارتفاع العصمة - لناقص العقل ، ضعيف الرأي ، قريب إلى ذوي الآفات المسقطة عنهم التكليف » (2).

فهذه هي عقيدتنا منذ ذلك الزمن ، وليس هنا أيّ تحوّل كما تدّعي ، وليس هنا أيّ غلوّ سوى ما ينسبه ابن بابويه وشيخه ، وقد ردّ عليهم الشيخ المفيد - تلميذ ابن بابويه - في رسالته تلك ، حتّى أنه قال : « وينبغي أن يكون كُلّ من منع السهو على النبيّ صلى اللّه عليه وآله في جميع ما عددناه من الشرع ، غالياً كما زعم المتهوّر في مقاله : أنّ النافي عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله السهو غال ، وخارج عن حد الاقتصاد » (3).

( إبراهيم أحمد - السعودية - 33 سنة - طالب جامعة )

لم يحرّم على نفسه ما هو حرام :

س : بعلمنا أنّ الرسول الأكرم صلى اللّه عليه وآله معصوم ، فلا يحرّم ولا يحلّل إلاّ من عند اللّه ، فما هو تفسيركم للآية التي تقول : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكَ ... ) (4) ، أفيدوني ، ودمتم سالمين.

ج : يتّضح الجواب بعد بيان عدّة أُمور :

ص: 356


1- أوائل المقالات : 171.
2- عدم سهو النبيّ : 7.
3- المصدر السابق : 30.
4- التحريم : 1.

أوّلاً : ليس المراد بالتحريم هنا أنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله شرّع على نفسه الحرمة ، مقابل ما شرّع اللّه له من الحلّية ، فهذا ما لم يكن ، بل يعني أنّه منع على نفسه ما هو حلال له ، وأوجبه بالحلف ، وهذا ليس تشريعاً ولا قبيحاً ، فإنّ تحريم المرء ما هو حلال له بسبب من الأسباب ، أو لغير سبب ليس حراماً ، ولا من جملة الذنوب ، مع أنّه قد يقال لتارك النَفل لِمَ لَمْ تفعله مع كونه نفلاً؟

وبقرينة : ( تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ) يظهر أنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله قام بعمل ممّا أحلّ اللّه له ، فآذاه بعض أزواجه وضيقن عليه ، وألجأنه بسبيل إرضائهن على أن يحلف لهن بتركه وعدم فعله بعد ذلك ، والمسؤولية في هذا تتوجّه إليهن في الحقيقة ، فهن من حملنه على ما ليست لهن بحقّ.

ويؤيّد ذلك قوله تعالى : ( إِن تَتُوبَا إِلَى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ ) (1).

ويومئ إلى ذلك أنّ اللّه تعالى حين أمر نبيّه أن يتحلّل من يمينه في قوله : ( قَدْ فَرَضَ اللّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ) (2) ختمها بقوله : ( وَاللّه مَوْلاَكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) فهي تشعر بالنصرة له صلى اللّه عليه وآله ، وبيان علم اللّه وحكمته التي كانت وراء أمره له.

وهذا هو الوارد في الخبر ، فقد روي : أنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله كان في بيت حفصة في نوبتها فاستأذنته في الذهاب إلى بيت أبيها لحاجة ، فأذن لها ، فلمّا ذهبت أرسل إلى جاريته مارية القبطية فكانت عنده ... فلمّا عادت حفصة ووجدتها خاصمته قائلة : إنّما أذنت لي من أجل هذا ، أدخلت أمَتك بيتي ، ثمّ وقعت عليها في يومي ، وعلى فراشي ... أما رأيت لي حرمة وحقّاً؟! فقال صلى اللّه عليه وآله : « أليس هي جاريتي؟ قد أحلّ اللّه ذلك لي ، اسكتي فهو حرام عليّ ... » (3).

ص: 357


1- التحريم : 4.
2- التحريم : 2.
3- مجمع البيان 10 / 56.

ويبدو أنّ أُخريات ظاهرن حفصة ومنهنّ عائشة ، ولم يرضين حتّى حلف على عدم مقاربته لمارية بعد ذلك ، وحين أنزل اللّه سورة التحريم ، ومع تكريمه له في مخاطبته بلقب النبوّة ، فإنّ قوله : ( لِمَ تُحَرِّمُ ) مشوب بالعتاب ، ولذلك فإنّه حين تحلّل من يمينه طلّق حفصة ، وهجر نساءه سبعة وعشرين يوماً ، وسكن في مشربة أُمّ إبراهيم - مارية القبطية - ونزلت آية التخيير له في نسائه ، وبهذا يتّضح لك أنّ لا منافاة بين الخطاب في هذه الآية وبين العصمة.

ثانياً : إنّ كُلّ ما ورد في القرآن الكريم ممّا ظاهره عتاب أو لوم للنبي صلى اللّه عليه وآله ، فهو محمول على مخالفة الأولى من حيث المصلحة الواقعية ، شخصية أو اجتماعية ، حزبية أو سياسية ، أو ما يشبه ذلك ، وليس على المخالفة الشرعية أو الخُلقية.

ثالثاً : إنّ كثيراً ممّا خوطب به الرسول صلى اللّه عليه وآله في القرآن ممّا لا يناسب مقامه ، أو ما هو مفروض فيه كرسول ، علماً وتوحيداً وعصمةً لا يقصد به الرسول صلى اللّه عليه وآله نفسه وإنّما الناس ، ولذلك ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « إنّ اللّه تعالى بعث نبيّه بإياك أعني واسمعي يا جارة ، فالمخاطبة للنبي صلى اللّه عليه وآله والمعنى للناس » (1).

وذكروا في الأمثلة قوله تعالى : ( وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا ) (2) ، وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللّهَ وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ) (3) ، فهما ممّا لا يمكن أن يصدرا عنه بحكم علمه وعصمته ، وقوله تعالى على سبيل الإخبار : ( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ) (4) فإنّ القصد فيها أن يعلم الناس أنّه لا يمكن أن يفعل ذلك لا تجويز المنقول عليه حاشاه.

ص: 358


1- تفسير القمّي 2 / 171.
2- الإسراء : 39.
3- الأحزاب : 1.
4- الحاقة : 44 - 46.

( حسين حبيب عبد اللّه - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

ما ينطق عن الهوى فيما يتعلّق بالوحي :

س : سؤالي يدور حول : هل أنّ الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله كُلّ ما يلفظه وحي ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ) (1) ، فمثلاً : عندما يقوم بأمر معيّن من باب اجتهاد شخصي وليس وحي ، مع وجود العصمة فلا يقع في الخطأ ، فهل هذا ممكن؟ أم أنّ ما يصدر من النبيّ من كلمة أو حركة كان وحياً وأمراً إلهياً؟ رجاءً التوضيح مع الشكر.

ج : ليس مقصود الآية الكريمة مطلق الأقوال الصادرة من النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، بل خصوص ما من شأنه الارتباط بالوحي ، فإذا قال صلى اللّه عليه وآله لشخص : أفتح الباب أو أغلقها مثلاً ، فليس شأن مثل هذا الارتباط بالوحي ، فلا يكون مشمولاً للآية الكريمة ، أمّا إذا قال صلى اللّه عليه وآله : « آتوني بكتاب اكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً » (2) ، فحيث أنّ المناسب لمثله الارتباط بالوحي ، فيكون مشمولاً للآية الكريمة.

وقد تسأل عن القرينة على تخصيص الآية الكريمة بما ذكر؟ إنّ القرينة نفس التعبير الوارد فيها ، حيث قالت : ( إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) (3) ، فما يرتبط بالوحي لا ينطق به عن الهوى.

( علي - البحرين - 25 سنة - طالب )

العفو عن تركه الأولى :

س : قال تعالى : ( عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حتّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ) (4) ، نلاحظ الخطاب موجّه لرسولنا الكريم صلى اللّه عليه وآله ، هل معناه ترك الأولى؟ أو ليس من ذلك شيء؟

ص: 359


1- النجم : 3.
2- صحيح البخاري 4 / 31.
3- النجم : 4.
4- التوبة : 43.

وإنّ كان ليس للرسول صلى اللّه عليه وآله ، هل يعني اللّه تعالى عفا عن المنافقين ، كما قال عزّ من قائل : ( عَفَا اللّهُ عَنكَ ... ) ؟ وهل النبيّ صلى اللّه عليه وآله لم يأذن لهم؟ ومنهم الذين أذن لهم؟ أي من هو الشخص الذي أذن لشخص آخر؟

وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) (1).

هل هذا عتب؟ ونرجو بيان ( وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ، هل يعني هناك ذنب ولو أولى؟ واللّه تعالى غفر له؟ وما معنى الرحمة هذه؟ والمعروف ضدّها غضب والعياذ باللّه؟ والرسول صلى اللّه عليه وآله معصوم ورحمة للعالمين.

وما معنى : ( قَدْ فَرَضَ اللّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ) ؟ وهل يعني هناك ذنب والعياذ باللّه؟ وإن لم يكن ذلك لماذا فرض اللّه تحلّة الإيمان؟ وهلاّ ضربتم لنا مثالاً في حياتنا؟ إن لم يكن ذنب وجب علينا تحلّة الإيمان؟ على العموم أنا مؤمن أنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله معصوم من كُلّ ذنب ، وكذلك الأئمّة عليهم السلام ، ولكن أُريد توضيحاً منكم.

ج : علينا في البداية أنّ نعرف المضمون الإجمالي للآية الكريمة ، وحاصله : أنّ بعض المنافقين جاء إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله في غزوة تبوك ، وأخذ ببيان بعض الأعذار الواهية في تركه الخروج للغزوة ، وكان النبيّ صلى اللّه عليه وآله يعرف أن أعذارهم باطلة ، وأنّهم لا يريدون الخروج رأساً ، وأنّ استنادهم إلى تلك الأعذار ليس صادقاً.

أي أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان يعلم أنّه حتّى لو لم يأذن لهم يتركون الحرب ، وينكشفون آنذاك لجميع المسلمين ، وحيث أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله عرف واقع الحال أذن لهم ، ونزلت الآية لتقول : إنّك لو لم تأذن لهم لانكشف حالهم إلى جميع المسلمين بسرعة ، فالمسألة مسألة عتاب على ترك الأولى ، أي أنّ الأولى له كان هو عدم الأذن لهم ، حتّى ينكشف حالهم للجميع بسرعة.

فالخطاب إذاً موجّه إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله وليس إلى المنافقين ، والعفو المذكور عفو عن ترك الأولى.

ص: 360


1- التحريم : 1 - 2.

هذا ويمكن أن يقال : أنّ ما جاء في الآية الكريمة ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكَ ... ) ليس عتاباً وتوبيخاً ، بل هو عطف وإشفاق ، نظير أن يقال للشخص : لماذا تتعب نفسك إلى هذا الحدِّ من دون نتيجة تعادل أتعابك ، فالآية الكريمة كأنّها تريد أن تقول : لماذا تتعب نفسك بإلزامها بترك ذلك الطعام الخاصّ - وهو العسل الذي كانت تقدّمه إليه زوجته زينب بنت جحش - لترضي بذلك بعض أزواجك ، يعني حفصة وعائشة.

وأمّا قوله تعالى : ( وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) فيمكن رجوعه إلى حفصة وعائشة ، أي أنّه سبحانه يغفر لهما ما صدر منهما من إيذاء النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، حيث طلب من حفصة أن لا تخبر أحداً بأنّه أكل عسلاً في بيت زينب ، ولكنّها أفشت سرَّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله.

وأمّا قوله تعالى : ( قَدْ فَرَضَ اللّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ... ) فهو في صدد بيان طريق لتخليص النبيّ صلى اللّه عليه وآله نفسه من القسم ، الذي الزم به نفسه - حيث حلف صلى اللّه عليه وآله على ترك تناول العسل ، الذي كانت تقدّمه إليه زينب بنت جحش - وذكرت أنّه سبحانه قد شرَّع ما يمكن به تخليص النفس من القسم ، وهو دفع الكفّارة ، فالمقصود من تحلّة إيمانكم هو الكفّارة التي يحلُّ بها الحالف حلفه ، وهذا لا يدلّ على صدور ذنب من النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، بل على صدور القسم منه لا أكثر.

( السيّد يوسف البيومي - لبنان - 25 سنة - طالب جامعة وحوزة )

قصّة الإفك :

س : هل لكم أن تذكروا تفاصيل قصّة الإفك ، وكيف حدثت ، برأي علمائنا الأبرار؟ ولكم الأجر والثواب.

ج : خلاصة القصّة حسب ما ورد في رواياتنا عن أهل البيت عليهم السلام : أنّ ملك القبط أهدى إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله غلاماً يدعى جريج ، وجارية تدعى مارية القبطية ، فأسلما وحسن إسلامهما.

ص: 361

فضمّ الرسول صلى اللّه عليه وآله الجارية إليه ، فولدت له إبراهيم ، فكان يحبّهما حبّاً شديداً ، وأصبح حبّه سبباً لحسد عائشة وحفصة ، حتّى قالتا مع أبويهما للرسول صلى اللّه عليه وآله : إنّ إبراهيم ليس بابنك؟! بل هو ولد الغلام جريج ، ونحن نشهد على ذلك.

وعلى الرغم من علم الرسول صلى اللّه عليه وآله بكذب الشهادة والتهمة ، لما كان يلهمه من أثر في النفوس ، أراد أن يظهر الأمر ويبيّن الحقيقة لأصحابه ، فأمر الإمام علي عليه السلام أن يذهب ويقتل الغلام جريجاً ، وقال له : إذا بان لك أنّ الأمر على غير ما قيل فلا تتعرّض له بسوء.

فذهب الإمام علي عليه السلام إلى جريج شاهراً سيفه ، ففرّ جريج من خوفه ، وتسلّق شجرة ، فتبعه عليه السلام فأهوى جريج بنفسه على الأرض ، فانحسر ثوبه عن رجليه ، فبان لعلي عليه السلام أنّه ممسوح ، فأتى به الرسول صلى اللّه عليه وآله وعرض عليه ما رأى منه.

فأحضر الرسول صلى اللّه عليه وآله أصحابه ، فشاهدوا الغلام ، وانكشف أمرهم وبطلت تهمتهم ، فجاءوا إليه صلى اللّه عليه وآله يطلبون المغفرة ... فنزلت الآيات بتبرئة الجارية مارية وجريج عن التهمة ، التي اتهما بها (1).

( السيّد يوسف البيومي - لبنان - 25 سنة - طالب جامعة وحوزة )

له قرين :

س : ما هو القرين؟ وهل صحيح أنّ النبيّ كان عنده قرين؟ ولكم الأجر والثواب.

ج : إنّ معنى القرين هو الصاحب ، أو الشيء الملازم للإنسان ، كعمله وفعله ، قال اللّه تعالى : ( قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ ) (2) ، أي كان له

ص: 362


1- أُنظر : تفسير القمّي 2 / 99.
2- الصافّات : 51.

مصاحب لا يفارقه ، وقال تعالى : ( وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ) (1).

وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لقيس بن عاصم وهو يعظه : « وإنّه لابدّ لك يا قيس من قرين ، يدفن معك وهو حيّ ، وتدفن معه وأنت ميّت ، فإن كان كريماً أكرمك ، وإن كان لئيماً أسلمك ، ثمّ لا يحشر إلاّ معك ، ولا تبعث إلاّ معه ، ولا تسأل إلاّ عنه ، فلا تجعله إلاّ صالحاً ، فإنّه إن صلح آنست به ، وإن فسد لا تستوحش إلاّ منه ، وهو فعلك » (2).

وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « ما منكم من أحد إلاّ وقد وكّل به قرين من الشياطين » ، قالوا : وأنت يا رسول اللّه؟ قال : « نعم ، ولكنّ اللّه أعانني عليه فأسلم » ، رواه أحمد والطبراني والبزّار ، ورجاله رجال الصحيح غير قابوس بن أبي ظبيان ، وقد وثّق على ضعفه (3).

وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « ما من أحد إلاّ جعل معه قرين من الجنّ » ، قالوا : ولا أنت؟ قال : « ولا أنا إلاّ أنّ اللّه أعانني عليه فأسلم ، فلا يأمرني إلاّ بخير » رواه الطبراني ، وفيه أبو حماد المفضّل بن صدقة ، وهو ضعيف (4).

فكُلّ إنسان إذاً له قرين من الشياطين أو من الجنّ ، أي مصاحب له.

( أشتر مذحِج - مصر - 20 سنة - طالب كُلّية الطبّ )

الحقيقة النبوية :

س : أمّا بعد ، فقد كان لي عدّة تساؤلات تعربد في عرصات فكري القاصر ، وعقلي الضئيل العاجز ، ترجو هدوءً لها وسكوناً ، والحديث

ص: 363


1- الزخرف : 36.
2- الخصال : 114.
3- مجمع الزوائد 8 / 225.
4- نفس المصدر السابق.

بخصوص أسرار محمّد وآله الطاهرين ، وبالأخص زعيم أهل البيت الأمير الأقدس عليه السلام ، وعن حقيقته المعمّى أمرها في مراتب الوجود!

وترددت كثيراً في أن أكتب إليكم كلامي هذا ، لولا أنّني وجدت العديد من الأسئلة لأخوة الولاية ، تعرّضت لهذا الموضوع كثيراً ... ، ولئن كانت أقل تعمّقاً من تعرّضي هذا ، بل ربما كان السائل يسأل بقصد التكذيب والطعن ، مرتدياً في سؤاله زيّ الموالي المتشيّع ، ووجدت أنّكم قد جاوبتم عليهم بما هو خير جواب ، يحمل في طيّاته هدي أهل البيت وجوهرية كلامه ، الذي ينهل منه كُلّ على حسب علمه ، ويردّه كُلّ امرؤ فيشب منه على قدر ظمئه ، ولا تحجب عن دارها سائل مهما كان علمه!

فوجدت أنّ السكوت عن طلب حقّ لي على نفسي من طلب العلم من مقرّكم يكون طاعةً للشيطان ، وتكاسل عن تلبية نداء الرحمن ، وعلى كُلّ حال فإنّنا قد تشرّفنا بمجرّد طرح سؤالنا ، وقراءتكم لاستفسارنا ، سواء أتانا جوابكم أو حجبتموه عنّا.

عن سيّد الكونين ونبراس نشأة العالمين صلى اللّه عليه وآله : « أوّل ما خلق اللّه القلم ... العقل ... روحي ... نور نبيّك يا جابر »! قال بعض المفسّرين : هي الحقيقة المحمّدية! في حين أنّ أساطين الحكمة والإشراق وجهابذة العرفان والتحقيق ، قد أشاروا إلى غير ذلك ، وخصوصاً الشيخ الأكبر ، ملاّ هادي السبزواري ، وعليه حكم ابن العربي ، فالعقل الأوّل - روح المصطفى - هو أوّل المبدعات ، وأكثرهم قبولاً لنور الحقيقة المحمّدية.

وعلى قول ملاّ هادي قدس سره : « أنّ العقل الأوّل هو أوّل المبدعات أيضاً ، والحقيقة المحمّدية هي برزخ البرازخ ، والنفس الرحماني ، والرحمة التي وسعت كُلّ شيء ، ووجه اللّه الباقي بعد فناء كُلّ شيء ، والوجود المطلق القائم بقيومية الوجود الحقّ » (1).

وكلاهما يتّفق مع الآخر مع الاختلاف في أنّ ابن العربي يقرّر أنّ الحقيقة المحمّدية ، أو الوجود المطلق هو الموصوف بالاستواء على العرش الرحماني.

ص: 364


1- شرح الأسماء الحسنى 1 / 7.

وهذا يتّضح أنّه يعني أنّ العرش هو القلم الأعلى ، وهذا يروق لي في النظر كثيراً جدّاً ، وأيضاً أنّ برزخ البرازخ عند ابن العربي ، أو أوّل البرازخ هي النفس الكُلّية ، ويبقى تناقض ظاهري واضح نرجو تفسيره الباطني الثاقب ، ونرجو جوابه عندكم إن شاء اللّه.

« أنا النقطة تحت الباء » اتفق أهل الحقيقة جميعاً على سرّ النقطة ، وإن اختلفت أقوالهم مع ثبات معناها ، فعند الشيخ الأكبر هي الموجودات كُلّها ، وعند ملاّ هادي هي الإمكان ، وكلاهما شيء واحد ، وكلاهما حقيقة الأمير ، وأنّ الباء بشكلها ونقطتها تمثّل خلافة العقل الكُلّي ، أو الإنسان الكامل عن الألف المحتجبة المنطوي نورها في نور الباء المظلمة بذاتها ، والمنوّرة بنور ربّها ، نعني خلافة الإنسان الكامل عن الذات الإلهية في مرتبتها الواحدية ، ونأتي للإشكال هنا :

ملاّ هادي قدس سره يقول : لأنّ الوجود المطلق الذي أشرنا إليه من قبل هو صنع اللّه وكلامه ، وكلمة كن المشار إليها في الآية الشهيرة ، والمشار إليها في كلام أصل طوبى ، وحقيقة سدرة المنتهى ، الأمير الأقدس صلى اللّه عليه وآله ، إنّما كلامه سبحانه فعله ، ولو كان قديماً لكان إلها ثانياً.

قال قدس سره : « فإنّ العقل الصريح والبرهان الصحيح يدلّنا على التثليث الآمر والأمر والمؤتمر ، والصانع والصنع والمصنوع » (1).

وهو يعني الوجود الحقّ هو الصانع ، والوجود المطلق هو الصنع ، والوجود المقيّد هو الصنعة ، وتتبادر إلى الأذهان عند ذكر هذه الكلمات ، فتحضر بوجودٍ لا ينكر وشهودٍ لا يستر ، قولة الأمير الشهيرة جدّاً لابن الآكلة : « فإنّا صنائعُ ربّنا والناسُ بعد صنائعٌ لنا » (2)!!

وأيضاً تلحق بها أقواله : « أنا واللّه وجهُ اللّه ... وأنا العرش ، وأنا الكرسي ... »! وهذا كُلّه إشارة إلى الوجود المطلق ، الذي هو صنع اللّه

ص: 365


1- نفس المصدر السابق.
2- شرح نهج البلاغة 11 / 113.

وكلامه ، وأيضاً روي عنه عليه السلام : « أنا الأسماءُ الحسنى ... » (1) ، وهي كذلك أيضاً!

والسؤال الذي يطرح نفسه لدينا بقوّة : بأيّ وجه يتّفق السابق مع اللاحق؟ إنّ مرتبة علي عليه السلام في مراتب الوجود ، وإن كانت عمى أمرها بعض الشيء أو كثيره.

فإنّ الكثير من العلماء كادوا أن يصرّحون بها ، أمثال ابن العربي في فتوحاته ، وكثير من شعراء أهل البيت المؤيّدين بروح القدس ، بشهادة سيّد الكونين في حديثه لحسّان بن ثابت ... أمثال كاظم الأزري ، وعبد الباقي الغمري ، بل ومن ليسوا أصلاً من أهل الولاية ، كالحكيم الفاضل ابن أبي الحديد!

ومن علمائنا الكرام ، فالإمام الخميني كاد أن يصرّح بها في مصباح هدايته ، إن لم يكن قد صرّح بها بالفعل ، مستنداً إلى أحد أقوال أبيه المرتضى!

والسؤال مرّة أُخرى ، وننتظر جوابكم على أحرّ من الجمر ، كيف يصحّ الإطلاق على العقل الكُلّي أنّه الحقيقة المحمّدية ، وأنّه كلام اللّه وأسمائه ، ووجهه الباقي ، وأنّه الرحمة التي وسعت كُلّ شيء ، وكُلّ ما أسلفناه من قبل رغم اختلاف المرتبة تقريباً!

هل هو من جهة الخلافة لهذا؟! أو كما قال السيّد الخميني قدس سره : أنّ الإنسان الكامل هو خليفة الاسم الأعظم ... ثمّ أعقب : بل هو عين الاسم الأعظم!!

وهذا ما أدين به ، وما دفعني للسؤال سوى بغية الطمأنينة على محصول فكري وبحثي ، وعندنا في مصر تعرفون الحال ، لا حوزات ولا يحزنون ، بل لا كتب أصلاً ، والرجوع إليكم أمثل ، وأكثر طمأنينة لبالي بدلاً من الخوض هكذا بلا دليل أو مرشد ، ومن ليس له شيخ فشيخه الشيطان! ودمتم سالمين.

ج : ينبغي أن يعلم أنّ الوجود المطلق في حقيقته كمفهومه ، له مراتب وتجلّيات ، وهذه التجلّيات إذ لوحظت باعتبار اتصالها ، بل اتحادها بالوجود

ص: 366


1- شرح الأسماء الحسنى 1 / 215.

المطلق فهي عينه ، وتلك التجلّيات مع كونها عينه يغايره بلحاظات ، وهذه اللحاظات لا تشكّل قيوداً ، إنّما هي عبارة عن اتصال النفوس بعد تحرّرها من علائق الجهل بالرياضة ، أو بالجذب إلى الأعلى لاستفادته بنور هدى هاديه ، فعليه هذه اللحاظات أشبه شيء بالمعاني الحرفية لا تقيد تلك التجلّيات ، ولا يمكن أن تصبح عناوينها بل هي نحو استنارة من تلك التجلّيات التي أمكن الاتصال بها كُلّ بحسبه.

هذا التجلّيات على وحدتها من حيث المبدأ تبدو في عين الممكن متكثّرة ، وكُلّ واحد منها يحمل في طيّاته ما هو أوسع من هذا الكون المرئي المحسوس ، فكثرة تلك التجلّيات وسعتها تؤكّد الوحدة التي نشأت منها ، فالعلم واللوح والعرش والكرسي - مع قطع النظر عن التفصيليات الواردة في العلم المنقول - هي متّحدة بفيض الفيّاض المطلق ، ومن هذا المنطلق كانت الحقيقة المحمّدية والولاية العلوية السامية فكان التجلّي ، وكان الفعل الكُلّي لسعته وإحاطته ، والتعبير عن هذه الذوات بالخلافة ، كما وجد في تعبيرات بعضهم ، إنّما هو نظراً إلى الوظائف التي أُنيطت بها باعتبارها تجلّيات.

واعلم أنّه إن حاول أحد الوصول إلى حقائق هذه المعاني ، فالطريق إليها مخيف ، محاط بمزال الأقدام ، فهو بين الرقي المطلق وبين الانحطاط المطلق ، لأنّ الوصول إلى كنه تلك التجلّيات لا يمكن باستعانة الألفاظ ، وإنّما كما قال سيّد الشهداء عليه السلام في مناجاته : « إلهي ما أقربك منّي ، وأبعدني عنك ، وما أرأفك بي ، فما الذي يحجبني عنك » (1) ، وقال : « ها أنا أتوسّل إليك بفقري إليك ، وكيف أتوسّل إليك بما هو محال أن يصل إليك » (2).

والمحال أنّ الوصول التي تلك المعاني إنّما يتمّ بطريق الجذب ، والتعبيرات لا توصله بل تبعد وتضطرب وتختلف ، لأنّها تقصر عن أداء الواقع ، وعن الإرشاد

ص: 367


1- تفسير الصافي 1 / 223.
2- بحار الأنوار 95 / 225.

إلى الحقيقة ، ولذلك لن تجد اثنين اتفقا على التعبير إلاّ نادراً ، بل لعلّك تجد شخصاً واحداً تعبّر تارة بشيء ، وبنحو وأُخرى بشيء آخر ونحو آخر.

ولذلك تجد شمس العارفين وقدوة الموحّدين بعد المعصومين يقول في بعض أرجوزته في مدح النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه وآله :

هو التجلّي التام والمجلى الأتم *** ومالك الحدث سلطان القدم

أبو العقول والنفوس والبشر *** وقوّة القوى وصورة الصور

ولوح ألواح مجامع الحكم *** أو قلم الأقدام أو أعلى القلم

أصل الأُصول فهو علّة العلل *** عقل العقول فهو أوّل الأوّل

حقيقة الحقائق الكُلّية *** وجوهر الجواهر العلوية (1)

ويقول في ضمن ما وصف به الإمام علي عليه السلام :

اسم سما في عالم الأسماء *** كالشمس في كواكب السماء

اسم به سيدفع البلاء *** وإن يكن أبرمه القضاء

اسم به أورقت الأشجار *** اسم به أينعت الثمار

وقامت السبع العلى بلا عمد *** باسم علي فهو خير معتمد (2)

وكما ترى أنّ التعبير أن أراد به الإنسان الكشف والتعبير عن الحقيقة انزلق القلم وتطفّل اللسان ، ولذلك الخير في حقّ المحدد ، أمّا الاكتفاء بما يحصل عليه بالمنقول ، وأمّا إتباع من يجذبه ويعرج به إلى العلا وهو أن نجا وحصل على بغيته ، وأن حفظ من السقطة والزلّة ، فليصمت ولا ينطق ببنت شفه ، فإن فعل فلا يعدم في معظم الأحوال.

ص: 368


1- الأنوار القدسية : 14.
2- المصدر السابق : 32.

( سمير - روسيا - 25 سنة )

( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) :

س : حول آية ( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) (1) ، ما تفسير ما جاء في القرآن عن أب إبراهيم ، وكذلك آدم وداود وسليمان ، وذي النون وموسى؟

ج : قال الشيخ الطوسي في تفسير قوله تعالى : ( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) : « أي تصرّفك في المصلّين بالركوع والسجود والقيام والقعود - في قول ابن عباس وقتادة - وفي رواية أُخرى عن ابن عباس : إنّ معناه إنّه أخرجك من نبي إلى نبي حين أخرجك نبيّاً.

وقيل : معناه يراك حين تصلّي وحدك ، وحين تصلّي في جماعة ، وقال قوم من أصحابنا : إنّه أراد تقلّبه من آدم إلى أبيه عبد اللّه في ظهور الموحّدين ، لم يكن فيهم من يسجد لغير اللّه » (2).

وأمّا عن قول البعض : بأنّنا نسلّم بإيمان آباء النبيّ صلى اللّه عليه وآله إلى إبراهيم عليه السلام ، ولكن كيف بالنسبة إلى أب إبراهيم عليه السلام ، وقد نصّ القرآن الكريم على كفره؟ حيث قال تعالى : ( وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ ) (3).

فنقول : إنّ ابن حجر العسقلاني يدّعي إجماع المؤرّخين على أنّ آزر لم يكن أبا لإبراهيم عليه السلام ، وإنّما كان عمّه أو جدّه لأُمّه على اختلاف النقل ، واسم أبيه الحقيقي : تارخ (4).

ص: 369


1- الشعراء : 218.
2- التبيان 8 / 68.
3- التوبة : 114.
4- فتح الباري 6 / 297.

وإنّما أُطلق عليه لفظ الأب توسّعاً وتجوّزاً ، وهذا كقوله تعالى : ( أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ ) (1) ، ثمّ عدّ فيهم إسماعيل ، وليس من آبائه ، ولكنّه عمّه.

وعلى هذا يثبت أنّ أباء النبيّ صلى اللّه عليه وآله من بعد إبراهيم إلى آدم عليهم السلام موحّدون أيضاً ، وأمّا آدم عليه السلام فلا أب له حتّى نبحث عن إيمانه.

وإمّا داود وسليمان وذي النون وموسى عليهم السلام ، فالمفروض أنّ آباءهم إلى آدم عليه السلام موحّدون كذلك ، لأنّه من البعيد جدّاً أن يختار اللّه تعالى الأنبياء من نطف غير طاهرة قد دنّستها الأرجاس ، مع أنّ المفروض أنّ النبيّ عليه السلام لابدّ أن يكون أكمل وأفضل الناس في زمانه من جميع الجهات حتّى من جهة النطفة.

( حسين حبيب عبد اللّه - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

كان يعلم قبل نبوّته أنّه سيكون نبيّاً :

س : هل الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله كان يعلم من قبل أنّه نبي؟ أم من بعد نزول الرسالة؟ وهل كان معصوماً قبل البعثة؟ وإذا كان معصوماً ، فهل كان معصوم على دين عيسى عليه السلام؟ أو إبراهيم الحنيف عليه السلام؟

ج : هناك بعض فرق المسلمين ممّن يعتقد أنّ الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله لم يكن يعرف قبل البعثة أنّه نبي ، أو سوف يكون نبيّاً ، ولذلك حسب روايات هؤلاء خاف من الملك حين رآه أوّل مرّة ، وأخذته زوجته إلى ورقة بن نوفل ، ولكن الحقّ عند الإمامية أنّه كان نبيّاً ، ولم يخلق عارياً عن العلم والنبوّة.

غاية ما هنالك كان اللازم عليه بأمر من اللّه الصمت ، وعدم الإعلان إلى حين ما يأمره اللّه سبحانه به ، وهكذا حصل.

وأمّا أنّه كان يعمل على طبق أيّة شريعة؟ فمسألة طرحت في الكتب الأُصولية القديمة - كالعدّة للشيخ الطوسي وغيره - وليس لنا فعلاً طريق إلى

ص: 370


1- البقرة : 133.

إحراز ذلك ، والذي نعتقده أنّه كان يعمل على طبق ما أراد اللّه سبحانه منه ، وأفضلية شريعته يرجّح احتمال كونه يعمل بهذه الشريعة الغرّاء ، ولا ينافي ذلك تأخّر نزول القرآن ، فإنّ الأحكام الشرعية ليست كُلّها موضّحة في القرآن دائماً ، عرفها النبيّ الأعظم بطريق الوحي والإلهام ، ولم ينقطع الاتصال بينه وبين اللّه سبحانه طرفة عين في حياته.

( أحمد - السعودية - 22 سنة - طالب جامعة )

يجوز له أن يقتل من يشاء في مكّة :

س : يقال أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله في فتح مكّة أمر المسلمين بقتل المشركين ، حتّى ولو تعلّقوا بأستار الكعبة ، ومن ثمّ عفا عنهم عندما دخل مكّة ، فلماذا غيّر النبيّ صلى اللّه عليه وآله رأيه؟ ألا يعد رأيه الأوّلي انتهاك لحرمات الكعبة؟

ج : لقد آمن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله من تعلّق بأستار الكعبة ، واستثنى من ذلك نفر قليل هدر دمهم ، وهم : مقيس بن سبابة ، وابن أخطل ، وابن أبي سرح ، وقينتان وغيرهم ، وهؤلاء لم يعف عنهم النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وقد أجارت أُمّ هاني - أُخت الإمام علي عليه السلام - اثنين منهم ، فآجرهم النبيّ لإجارتها لهم ، ولمكانتها من علي عليه السلام.

وكذلك استأمن لامرأتين فأمنهما الرسول صلى اللّه عليه وآله ، واستأمن عثمان لأبي سرح فأمنه النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، والنبيّ لم يغيّر رأيه فيهم ، لأنّهم كانوا ممّن يستحقّون القتل ، ولا يستحقّون العفو ، ولا يمكن التغاضي عن الأفعال الشنيعة التي كانوا يعملونها ، حتّى أنّه عاتب المسلمين من عدم قتلهم لأبي سرح ، لما جاء به عثمان ، وتأخّر النبيّ صلى اللّه عليه وآله عن قبول الأمان له ، وعندما لم يبادر إلى قتله أحد آمنه الرسول صلى اللّه عليه وآله ، فإنّ من خُلقه أن لا يردّ طلب طالب ، ويقبل إجارة المستجير.

ص: 371

ثمّ إنّ ما فعله النبيّ صلى اللّه عليه وآله من مختصّاته ، ولا يجوز لأحد غيره ، وعلى هذا الأساس فسّر قوله تعالى : ( وَأَنتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ ) (1) ، أي وأنت محلّ بهذا البلد ، وهو ضدّ المحرم ، والمراد : وأنت حلال لك قتل من رأيت به من الكفّار ، وذلك حين أمر بالقتال يوم فتح مكّة ، فأحلّها اللّه له ، حتّى قاتل وقتل ، وقد قال صلى اللّه عليه وآله : « لا يحلّ لأحد قبلي ، ولا يحلّ لأحد من بعدي ، ولم يحلّ لي إلاّ ساعة من نهار ».

وعن ابن عباس ومجاهد وقتادة وعطاء : وهذا وعد من اللّه لنبيّه صلى اللّه عليه وآله أن يحلّ له مكّة حتّى يقاتل فيها ، ويفتحها على يده ، ويكون بها حلاً ، يصنع بها ما يريد من القتل والأسر ، وقد فعل سبحانه ذلك ، فدخلها غلبة وكُرهاً ، وقتل ابن أخطل وهو متعلّق بأستار الكعبة ، ومقيس بن سبابة وغيرهما (2).

( مطير - البحرين - 25 سنة - طالب جامعة )

زينب ورقية ربيبتاه :

س : ورد في أحد الأدعية النهارية الخاصّة بشهر رمضان المبارك هذا القول : اللّهم صلّ على رقية بنت نبيّك ، والعن من آذى نبيّك فيها ، اللّهم صلّ على أُمّ كلثوم بنت نبيّك ، والعن من آذى نبيّك فيها.

مع العلم أن عميد المنبر الحسيني الشيخ الدكتور أحمد الوائلي يقول في إحدى محاضراته في تفسير سورة الكوثر : أنّه لا بنت للنبي صلى اللّه عليه وآله إلاّ فاطمة عليها السلام , وأمّا زينب ورقية فهما ربائب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

وأمّا ما يتعلّق بأُمّ كلثوم فقد عبّر عنها الدكتور بقوله : إنّ بعض المحقّقين يشكّك في وجودها ، وقد اخترعت اختراع لتصبح كلمة ذو النورين ، والسؤال هو التالي :

ص: 372


1- البلد : 2.
2- مجمع البيان 10 / 361.

1 - كيف لنا أن نوفّق بين ما ورد في الدعاء وبين قول الدكتور الوائلي , مع العلم أنّ الدكتور - وكما عرف عنه - لا يتكلّم جزافاً؟

2 - هل هذا الدعاء من قول المعصوم عليه السلام؟

3 - إذا كان كلام الدكتور صحيح ألا يعد ذلك جرحاً في صيام الفرد؟

ملاحظة : أعتذر لعدم تمكّني من تقديم تأريخ المحاضرة ، حيث كانت مأخوذة من القسم العربي براديو الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

والأمر الآخر أنّ ذلك الدعاء وارد في كتيب لبعض أدعية الشهر الكريم دون توضيح اسم الدعاء الواردة به تلك العبارات.

وفي الختام : أدعو من العلي القدير أن يسدّد خطاكم في إظهار المذهب الحقّ ، وردّ الشبهات عنه , وشكراً.

ج : يتّضح الجواب بعد بيان عدّة نقاط :

1 - ما قاله الشيخ الوائلي راجع إلى الروايات التي تقول أنّه كانت لخديجة بنت خويلد من أُمّها أُخت يقال لها هالة ، لديها ابنتين هما زينب ورقية ، وقد ضمّت خديجة أُختها هالة مع تلك الاثنتين لها ، لأنّها كانت فقيرة ، وقد نسبت تلك الابنتان إلى الرسول صلى اللّه عليه وآله لأنّه هو الذي ربّاهما ، وقد كانت عادة أهل الجاهلية أن يسمّون الربيب ابناً.

فالأدعية الواردة - والتي تنسب الابنتان إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله - لابدّ أن تأوّل ، وتحمل على أنّ المراد منها ليس الابن بالمعنى الحقيقي ، بل الابن بمعنى الربيب.

2 - قد ذكر هذا الدعاء كُلّ عن الشيخ المفيد في المقنعة ، والشيخ الطوسي في مصباح المتهجّد ، وتهذيب الأحكام ، ولم ينسباه إلى المعصوم.

3 - نفهم من كلامك أنّ كلام الدكتور إذا كان صحيحاً يعني أنّ الدعاء كاذب ، والكذب على اللّه ورسوله في نهار شهر رمضان من المفطّرات.

فنقول : وإنّ كان كلام الشيخ الوائلي صحيحاً بناءً على صحّة تلك الأخبار ، إلاّ أنّه يبقى الدعاء صحيحاً ، لأنّه قابل للتأويل ، وكما عرفت من أنّ المقصود بالابن في الدعاء هو الربيب.

ص: 373

هذا بالإضافة إلى أنّ الذي يقدح في صحّة الصيام هو الكذب على اللّه ورسوله والأئمّة ، والقول عنهم بشيء لم يقولوه ، أمّا الدعاء بدعاء منسوب إليهم في بعض الكتب ، فالعهدة فيه على من أورده في كتابه هو لا يدّعي صحّته مطلقاً ، فضلاً عن أنّ الدعاء قابل للتأويل كما عرفت.

وعلى كُلّ حال فزينب ورقية هما ربيبتا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله والذي يرجّح هذا القول الكثير من الحقائق منها :

1 - هناك من يقول : أنّ خديجة إنّما تزوّجت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قبل البعثة بعشر أو ثلاث أو خمس سنوات ، فكيف تكون رقية وزينب قد ولدتا من خديجة ، وتزوّجتا قبل البعثة؟

2 - إنّ بعضهم ينصّ على أنّه قد صحّ عنده : أنّ رقية كانت أصغر من الكُلّ حتّى من فاطمة عليها السلام ، لكن هذا يناقض ما هو معروف من أنّها تزوّجت في الجاهلية من ابن أبي لهب ، ثمّ جاء الإسلام ففارقهما ، وهذا يدلّل على عدم صحّة الأخبار التي تنسب ولادتها من النبيّ صلى اللّه عليه وآله بعد فاطمة عليها السلام.

3 - تذكر بعض المصادر : أنّ زينب ولدت وعمر النبيّ صلى اللّه عليه وآله ثلاثين سنة ، وتزوّجها أبو العاص بن الربيع قبل البعثة ، وولدت له علياً - مات صغيراً - وأمامة ، وأمامة أسلمت حيث أسلمت أُمّها أوّل البعثة النبوية.

وهذا غير معقول ، فإنّه لا يمكن لبنت في العاشرة أن تتزوّج ، ويولد لها بنت وتكبر تلك البنت حتّى تسلم مع أُمّها في أوّل البعثة ، وأُمّها لا تزال في العاشرة من عمرها.

( علي سالم الشمّاع - الكويت - 20 سنة - طالب جامعة )

حقيقته :

س : ما هي الحقيقة المحمّدية؟ وفّقتم لكُلّ خير.

ص: 374

ج : اعلم إنّ الإنسان العادي عاجز عن معرفة حقيقته ، فكيف به أن يعرف حقيقة غيره ، ولاسيّما حقيقة سيّد الرسل صلى اللّه عليه وآله ، وقد روي : « يا علي ما عرف اللّه حقّ معرفته غيري وغيرك ، وما عرفك حقّ معرفتك غير اللّه وغيري » (1).

وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « يا علي ما عرف اللّه إلاّ أنا وأنت ، ولا عرفني إلاّ اللّه وأنت ، ولا عرفك إلاّ اللّه وأنا » (2) ، فكيف يمكن أن نعرف الحقيقة المحمّدية؟

( خالد - الجزائر - 28 سنة - التاسعة أساسي )

سمّى المنافقين :

س : أردت أن أسألكم عن ليلة العقبة ، حين قام مجموعة من المنافقين بمحاولة اغتيال النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، من هؤلاء القوم اللذين أرادوا اغتيال النبيّ؟ ولماذا أغلب الروايات المروية عن حذيفة أو غيره تقول فلان وفلان ، ولا تذكر الأسماء صراحة؟

ج : إنّ المجموعة التي تآمرت على تنفير ناقة النبيّ صلى اللّه عليه وآله عند العقبة كانوا أربعة عشر شخصاًً ، وصفوا بالنفاق ، وقد عرفهم حذيفة من رواحلهم لأنّهم كانوا ملثّمين ، وعرّفه النبيّ صلى اللّه عليه وآله بأسمائهم ، فكان - كما يقول ابن الأثير - صاحب سر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في المنافقين لم يعلمهم أحد إلاّ حذيفة ، أعلمه بهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وسأله عمر أفي عمّالي أحد من المنافقين؟ قال : نعم واحد ، قال : من هو؟ قال : لا أذكره ، قال حذيفة : فعزله ، فكأنّما دلّ عليه ، وكان عمر إذا مات ميّت يسأل عن حذيفة ، فإن حضر الصلاة عليه صلّى عليه عمر (3).

وعن أبي الطفيل قال : « كان بين رجل من أهل العقبة وبين حذيفة بعض ما يكون بين الناس ، فقال : أنشدك باللّه كم كان أصحاب العقبة؟ قال : فقال

ص: 375


1- مناقب آل أبي طالب 3 / 60.
2- مختصر بصائر الدرجات : 125.
3- أُسد الغابة 1 / 391.

له القوم أخبره إذ سألك ، قال : كنّا نخبر أنّهم أربعة عشر ، فإن كنت منهم فقد كان القوم خمسة عشر ، وأشهد باللّه أنّ اثني عشر منهم حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد » (1).

وروي : أنّ عمّاراً سئل عن أبي موسى ، فقال : لقد سمعت فيه قولاً عظيماً سمعته يقول : صاحب البرنس الأسود ، ثمّ كلح كلوحاً علمت أنّه كان ليلة العقبة بين ذلك الرهط (2).

وعن أبي نجا حكيم قال : « كنت جالساً مع عمّار فجاء أبو موسى فقال : ما لي ولك؟ ألست أخاك؟ قال : ما أدري إلاّ أنّي سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يلعنك ليلة الجبل ، قال : إنّه قد استغفر لي ، قال عمّار : قد شهدت اللعن ولم أشهد الاستغفار » (3).

وعن أبي مسعود قال : خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله خطبة ، فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال : « إنّ فيكم منافقين فمن سمّيت فليقم » ، ثمّ قال : « قم يا فلان ، قم يا فلان » ، حتّى سمّى ستة وثلاثين رجلاً ثمّ قال : « إنّ فيكم أو منكم فاتقوا اللّه » (4).

أقول : فيظهر ممّا سبق أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله سمّاهم وغيرهم من المنافقين ، إلاّ أنّ التعتيم الإعلامي الرسمي كنّى عن الأسماء بفلان وفلان ، وكذلك فيما روي عن حذيفة قال : قال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « إنّ في أصحابي اثنا عشر منافقاً ، فيهم ثمانية لا يدخلون الجنّة ، ولا يجدون ريحها حتّى يلج الجمل في سم الخياط ، ثمانية منهم تكفيهم الدبيلة » ، وأربعة لم احفظ ما قال شعبة فيهم (5).

ص: 376


1- صحيح مسلم 8 / 123.
2- شرح نهج البلاغة 13 / 315.
3- تاريخ مدينة دمشق 32 / 93.
4- مسند أحمد 5 / 273 ، المعجم الكبير 17 / 246.
5- مسند أحمد 4 / 320 ، صحيح مسلم 8 / 122 ، السنن الكبرى للبيهقي 8 / 198 ، مسند أبي يعلى 3 / 190.

وعلى ذلك شواهد كثيرة طمست فيها حقائق تاريخية حفاظاً على شخوص الحاكمين.

( ........... )

حاشاه أن يتبوّل قائماً :

س : عن رجل عن الإمام الصادق عليه السلام قال : سألته عن الرجل يطلي فيبول وهو قائم؟ قال : « لابأس به » (1) ، فما مدى صحّة هذه الرواية؟ كما أنّ أهل السنّة يزعمون بأنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله قد بال قائماً ، أليس في ذلك انتقاص له صلى اللّه عليه وآله؟

ج : لقد ثبتت عصمة الأنبياء عليهم السلام بدليلي العقل والنقل ، ومن مراتب العصمة أن لا تحصل من الأنبياء أُمور توجب النفرة منهم ، لأنّ ذلك ينافي الغرض من بعثتهم ، وهو إبلاغ الرسالات السماوية بواسطتهم إلى الناس ، ومن ذلك مسألة البول قائماً التي توجب النفر من فاعلها ، وقلّة مروءته بين الناس ، والتي لا نتصوّر نحن البشر العادّيون أنّ أحداً من الناس المحترمين - فضلاً عن ذوي الشأن والسمو - يفعل ذلك.

ومن هنا يذكر ابن قدامة عن أبي مسعود قوله : « من الجفاء أن تبول وأنت قائم ، وكان سعد بن إبراهيم لا يجيز شهادة من بال قائماً ، قالت عائشة : من حدّثكم أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كان يبول قائماً فلا تصدّقوه ، ما كان يبول إلاّ قاعداً ، قال الترمذي : هذا أصحّ شيء في الباب » (2).

وأمّا الرواية المنقولة فهي تدلّ على الجواز لا على رجحان الفعل ، وموردها مورد المعذور عن القعود للتبوّل لوجود علّة ، وهي الطلاء من النورة ، مع أنّ الكلام في نسبة ذلك إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأنّه ينافي المروءة لا في جواز الفعل منّا ، فالرواية أجنبية عن محلّ الكلام.

ص: 377


1- الكافي 6 / 500.
2- المغني لابن قدامة 1 / 156.

أعاذنا اللّه من زلل الأقدام وزيغ الأفهام ، وأعاننا على ديننا ، وفهم عقيدتنا بجاه محمّد وآله الطيّبين الكرام.

( محمّد - الكويت - 40 سنة - خرّيج جامعة )

عوتب عتاب تشريف لا ذنب :

س : روى علي بن إبراهيم بسند صحيح في تفسير قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ ) (1) عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « نزلت هذه الآية في أمير المؤمنين عليه السلام ، وبلال ، وعثمان بن مظعون ، فأمّا أمير المؤمنين عليه السلام فحلف أن لا ينام بالليل أبداً ، وأمّا بلال فإنّه حلف أن لا يفطر بالنهار أبداً ، وأمّا عثمان بن مظعون فإنّه حلف أن لا ينكح أبداً.

فدخلت امرأة عثمان على عائشة وكانت امرأة جميلة ، فقالت عائشة : ما لي أراك معطّلة؟ فقالت : ولمن أتزيّن؟ فو اللّه ما قاربني زوجي منذ كذا وكذا ، فإنّه قد ترهّب ، ولبس المسوح ، وزهد في الدنيا ، فلمّا دخل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أخبرته عائشة بذلك ، فخرج فنادى : الصلاة جامعة.

فاجتمع الناس ، فصعد المنبر ، فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال : ما بال أقوام يحرّمون على أنفسهم الطيّبات؟ ألا إنّي أنام بالليل ، وأنكح ، وأفطر بالنهار ، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي.

فقام هؤلاء فقالوا : يا رسول اللّه فقد حلفنا على ذلك ، فانزل اللّه : ( لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ ... ) (2) ، ثمّ بيّن كفّارته.

والسؤال الآن : هل علي بن أبي طالب عليه السلام أخطأ لأنّه أقسم يمين بعدم النوم ليلاً ، أو أنّ الرسول الذي أخطأ لأنّه خطب على المنبر ، بأنّ ما قام به هؤلاء - بمن فيهم علي عليه السلام - ليس من سنّته؟

ص: 378


1- المائدة : 87.
2- المائدة : 89 ، تفسير القمّي 1 / 179.

فكان ج : ليس في هذا الخطاب والعتاب منقصة على المخاطب والمعاتب إن لم يكن محمّدة نظير قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (1) ، فهل أخطأ النبيّ حين حرّم ما أحلّ لله له؟

فقالوا : نعم أخطأ النبيّ في ذلك ، وإلاّ ما احتاج الأمر إلى المعاتبة ، فما هو جوابكم؟ ولكم جزيل الشكر.

الجواب : في هذا الحديث دلالة على الكمال ، وفيه محمّدة للمخاطب ، ومن قال لك أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله أخطأ فعوتب ، فالمخطئ هو لا النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وتقريب ذلك :

1 - إنّ التحريم ليس تحريماً شرعياً ، بل هو تحريم لغوي ، بمعنى المنع ، أي : لِمَ تمنع نفسك عن مشتهياتك بسبب مرضاة زوجاتك ، فإنّ رضاك مقدّم على رضاهُنّ ، فافعل ما تريد ، وإن هُنّ فعلن ما أردنَ ، فالإثم لهُنَّ لا لك ، فيكون التحريم بالمعنى اللغوي ، كما في قوله تعالى في موسى عليه السلام : ( وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ ) (2) ، أي منعنا موسى عن ارتضاع امرأة مطلقاً إلاّ أُمّه حتّى رجع إليها.

2 - إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله وعلياً عليه السلام ، كُلّ منهما حرَّم على نفسه ، ولم يحرّم تحريماً عامّاً شرعياً ، ليكون خلاف ما أمر اللّه ، فلو أنّ شخصاً مَنَع نفسه من أكل التفاح مثلاً ، فهل يُعَدُّ هذا مشرِّعاً مُحرِّماً؟! اللّهم لا.

3 - إنّ هذا وارد مورد التحنّن والتوجّع ، مثل قوله تعالى : ( طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ) (3).

قال الطبرسي : ( تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ) ، أي تطلب به رضاء نسائك ، وهُنَّ أحقّ بطلب مرضاتك منك ، وليس في هذا دلالة على وقوع ذنب منه ، صغير أو كبير ، لأنّ تحريم الرجل بعض نسائه ، أو بعض الملاذ ، لسببٍ أو لغير سبب

ص: 379


1- التحريم : 1.
2- القصص : 12.
3- طه : 1 - 2.

ليس بقبيح ، ولا داخلاً في جملة الذنوب ، ولا يمتنع أن يكون خرج هذا القول مخرج التوجّع له ، إذ بالغ في إرضاء أزواجه وتحمَّل في ذلك المشقّة (1).

4 - قال الفخر الرازي : « أنّ تحريم ما أحلّ اللّه ليس بذنب بدليل الطلاق والعتاق ، وأمّا العتاب ، فإنّ النهي عن فعل ذلك لابتغاء مرضاة النساء ، أو ليكون زجراً لهُنَّ عن مطالبته بمثل ذلك ، كما يقول القائل لغيره : لم قبلت أمر فلان واقتديت به وهو دونك ، وآثرتَ رضاهُ وهو عبدك ، فليس هذا عتاب ذنب ، وإنّما هو عتاب تشريف » (2).

ولذلك ذكر الإمام الحسن عليه السلام قضية أمير المؤمنين عليه السلام في معرض المدح والفخر ، فقال في حديث له عند معاوية وأصحابه : أنشدكم باللّه أتعلمون أنّ عليّاً أوّل من حرّم الشهوات كُلّها على نفسه من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فأنزل اللّه عزّ وجلّ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) (3).

ولتقريب الموضوع خُذ هذا المثال : أنّك لو قلت لولدك : يا بني اعمل ، فصار ولدك يعمل من أجل رضاك ثمانية عشر ساعة كُلّ يوم ، فإنّك سترتاح لامتثاله لأمرك وحرصه على طاعتك ، لكنّك ستقول له : يا بُني أرح نفسك ولا تتعبها كُلّ هذا التعب!! فنهيك له عن أتعاب نفسه مدح وتشريف له.

5 - يبقى إشكال لم تطرحوه ، ولكن ربّما يخطر ببالكم ، وذلك في مثل قوله تعالى : ( وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ ) (4) ، فإنّ النهي في مثل هذه الموارد نهي تنزيهي إرشادي ، يرشد به إلى ما فيه خير المكلّف وصلاحه في مقام النصح ، لا نهي مولوي.

ص: 380


1- مجمع البيان 10 / 57.
2- عصمة الأنبياء : 111.
3- المائدة 87 ، الاحتجاج 1 / 407.
4- البقرة : 35.

النساء :

اشارة

( لجين - الكويت - 21 سنة - طالبة جامعة )

معالجة الروايات التي تذمّ المرأة :

س : أرجو المعذرة ، ولكن الموضوع له شجون في القلب ، عن كيف نكون نحن من خلقنا البارئ ناقصات؟ هل نحن لا نستحقّ لقب الإنسانية الذي هو لنا؟ أرجو إفادتي في تفسير هذه الروايات التالية ، مع بيان مصادرها أو آراء العلماء الأجلاّء الأفاضل فيها :

1 - قال النبيّ : « شاوروا النساء وخالفوهن ، فإنّ خلافهن بركة » (1).

2 - قال النبيّ : « ليس على النساء جمعة ولا جماعة ... ولا تستشار » (2).

3 - قال الإمام الصادق : « استعيذوا باللّه من شرار نسائكم ، وكونوا من خيارهن على حذر ، ولا تطيعوهن في المعروف ، فيدعونكم إلى المنكر » (3).

4 - قال الإمام علي : « يا معاشر الناس ، لا تطيعوا النساء على حال ... » (4).

5 - قال الإمام الصادق : « يستشير رجلاً عاقلاً » (5).

6 - قال الإمام علي : « إيّاك ومشاورة النساء ، فإنّ رأيهن إلى الأفن ، وعزمهن إلى الوهن » (6).

ص: 381


1- بحار الأنوار 100 / 262.
2- من لا يحضره الفقيه 4 / 364.
3- الكافي 5 / 518.
4- من لا يحضره الفقيه 3 / 554.
5- المحاسن 2 / 602.
6- الكافي 5 / 338.

7 - قال النبيّ : « فإنّ أكثركن حطب جهنّم » (1).

8 - قال تعالى : ( إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ) (2).

ج : إنّ اللّه تعالى قد شاء أن تكون استمرارية الحياة البشري على دعامتين : الرجل والمرأة ، فكُلّ منهما له الدور الأساسي في هذا المجال.

ومن جانب آخر فقد أودع بمقتضى المصلحة والحكمة في كُلّ منهما قوى ومشاعر لتوظيفها في الجهة المقصودة ، فكان السهم الأوفر من العواطف والحنان والأحاسيس نصيب المرأة ، بما أنّها تكون في الغالب ربّة البيت ، وأُمّاً للأطفال ، في حين أنّ وظيفة الرجل وهي إدارة العائلة والتوغّل في المجتمع يحتاج بالضرورة إلى تدبير أرقى وعقل مدبّر ، فكان نصيبه من قوّة العقل - بعيداً عن إثارة العواطف عنده - أكثر.

وهذا الفارق الأساسي لا يعني أنّ الرجل - بما هو رجل - في جميع الأحوال يكون أعظم درجةً من المرأة في الإسلام ، بل هو بمعنى تقسيم الوظائف والأدوار ليس إلاّ ، حتّى أنّه ورد عن الإمام الصادق عليه السلام : « ربّ امرأة خير من رجل » (3).

وهنا لابدّ من التنبيه بأنّ المقصود من كلام الإمام عليه السلام في هذه الرواية ليس أمثال فاطمة وزينب عليهما السلام ، فإنّ الحكم بالنسبة إلى أمثالهما واضح ، بل الكلام هو في مجال سائر الناس ، كما يظهر من مفاد الرواية.

ثمّ البحث في الروايات والآية المشار إليها في السؤال يتطلّب أُموراً :

أوّلاً : إنّ الآية الكريمة : ( إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ) نقل لكلام عزيز مصر ، ولا يدلّ على تأييده من جانب اللّه تعالى ، على أنّ الإشارة فيها إلى زوجته بالذات ، فلا يشمل باقي النساء لزوماً.

ص: 382


1- المصدر السابق 5 / 514.
2- يوسف : 28.
3- من لا يحضره الفقيه 2 / 427.

ثانياً : الروايات المذكورة بما أنّ أكثرها مرسلة ومقطوعة السند ، أو أنّ بعضها تحتوي في السند على رجال غير موثقين ، فلا يعتمد عليها في الاستدلال ، ولا حجّية لأكثرها سنداً.

ثالثاً : ومع غض النظر عن البحث في السند ، فإنّ الكثير من الروايات لا يصلح دليلاً على مدّعى القائل ، فعلى سبيل المثال : « يستشير رجلاً عاقلاً » لا ينفي استشارة امرأة عاقلة ؛ أو أنّ شاوروا النساء يتعارض مع « إيّاك ومشاورة النساء ».

وإنّ « ولا تطيعوهن في المعروف » مقطوع البطلان ، إذ كيف يكون معروفاً وفي نفس الوقت منهياً عنه! أو أنّ « لا تطيعوا النساء على حال » لا إطلاق له ، إذ قد يكون كلامهن ورأيهن - ولو في مورد واحد - صحيحاً ، فكيف ينبغي أن لا تطاع حتّى في هذه الحالة.

وحتّى أنّ « إنّهن ناقصات عقل ودين » (1) ليس معناه نقص الرتبة والمنزلة ، بل المراد هنا هو النقص التكويني والوظائفي - كما بيّناه في صدر الجواب - وهكذا باقي الموارد.

مضافاً إلى أنّ كافّة هذه الأحاديث - لو سلّمنا بصدورها بهذه الكيفية من المعصومين عليهم السلام - معارضة في إطلاقاتها ومفاهيمها مع أمثال الرواية التي ذكرناها في المقدّمة ، وعليه لابدّ من رفع اليد عنها ، أو تأويلها بما لا يتصادم مع صريح تلك الرواية أي « ربّ امرأة خير من رجل ».

ومن جملة ما يمكن أن يقال في سبيل علاج تلك الأحاديث هو : أن نلتزم بأنّها قضايا خاصّة تشير إلى موارد معيّنة ، وإن جاءت بنحو الإطلاق ، فإنّ هذا نوع من بديع الكلام ، كما هو المسلّم في الآية ( إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ) ، إذ المخاطب زوجته فقط ، ولكن يذكر الحكم بنحو العموم لما فيه من التأثير في المخاطب.

ص: 383


1- شرح نهج البلاغة 18 / 199.

( حسين ناصر العباس - السعودية - 40 سنة - خرّيج ثانوية )

ورود ذم لركوبها الخيل :

س : هناك قول سمعته من أحد المؤمنين وهو : أنّ الفروج لا تركب السروج ، فهل هذا القول لأحد المعصومين عليهم السلام؟ وأن كان الحديث صحيحاً ، فهل معنى ذلك أنّ النساء يحرم عليهن ركوب الخيل؟ أفيدونا جزاكم اللّه خيراً.

ج : قد ورد الخبر بذلك ضمن الأخبار الواردة عن بعض الأئمّة عليهم السلام عن أحوال الناس قبل ظهور الإمام المهدي عليه السلام (1) ، وظاهر العبارة ذمّ ذلك إلاّ عند الضرورة والاضطرار ، واللّه العالم.

( .... - العراق - .... )

مسائل مختلفة تتعلّق بها :

س : أشكركم على إتاحة هذه الفرصة للسؤال ، وعندي أسئلة حول كتاب أحكام النساء للشيخ المفيد قدس سره :

1 - في صفحة 56 يقول : يكره لهن تعلّم الكتابة ، وقراءة الكتب ، هل هذا يتناسب مع الشريعة؟

2 - في صفحة 57 يقول : ولا يحلّ لها أن تصل شعرها بشعر غيرها من الناس ، ولابأس أن تصله بأصواف الغنم ، ألا ينطبق هذا مع الحديث الذي يرويه أهل السنّة « لعن اللّه الواصلة والمستوصلة »؟

3 - في ص 58 يقول : لا يحلّ لهن الاجتماع في العرسات ، ولا يجتمعن في المصائب.

4 - حديث : « أوصيكم بالضعيفين المرأة واليتيم » هل هو صحيح؟

5 - أهل السنّة يدعون إلى قعود المرأة في البيت بدليل آية القرّ ، ما هو الجواب الراد على هؤلاء؟

ص: 384


1- أُنظر : كمال الدين وتمام النعمة : 331.

6 - يقول الشيخ في إحدى محاضراته : أنّه لا توجد آية في القرآن تقول أنّ الرجل أفضل - بمعنى أحسن - من المرأة ، هل هذا صحيح؟

7 - آية : ( إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ) (1) وردت على لسان العزيز ، فهل هي عامّة تشمل كُلّ النساء؟

ج : نجيب على أسئلتكم على الترتيب :

1 - لابدّ أوّلاً من التمييز بين العلم والتعلّم ، وبين الكتابة والقراءة ، فإنّ مصطلح الأُمّية والجهل لم يعدّ في المحافل الرسمية الدولية ، بمعنى عدم الكتابة والقراءة ، كما أعلنت اليونسكو عن ذلك في السنوات الأخيرة ، فإنّ العلم والتعلّم مقابل الجهل والأُمّية عرّفوه أخيراً ، بمعنى حرمان الإنسان العلم اللازم له كي يستثمر البيئة والوسط المعاش الذي هو فيه.

مثلاً : الزارع والفلاّح في الريف لا نستطيع أن نطلق عليهما الأُمّية والجهل لمجرّد عدم تعلّم الكتابة والقراءة ، والحال أنّهما يمتلكان علم الزراعة والفلاحة ، بحيث يتمكّنا من التغلّب والسيطرة على قواعد البيئة الزراعية والفلاّحية ، وعلى العكس لو كان ابن الزارع والريف يعرف الكتابة والقراءة ، لكن لا يعلم الموروث العلمي الزارعي والفلاحي من آبائه وقومه ، فإنّه يعدّ أُمّياً وجاهلاً لكونه لا يعرف العلم اللازم لحياته المعاشة.

وكذلك الحال في أصحاب وأرباب الصناعات والحرف ، فإنّ العلم والتعلّم في حقّهم ، لا تعنى بالضرورة الكتابة والقراءة ، بل تعنى في الدرجة الأُولى هو إتقانهم للصناعة والحرفة المتلبّسين هم بها.

ومن ثمّ تثار الأزمة في مجتمعات المدن في العصر الحاضر أنّ السلك التعليمي على صعيد المدارس والجامعات لا يلبّي حاجة المجتمع في جوانب الصناعة والزراعة والتجارة وغيرها من المجالات ، فإنّ تلك المدارس والجامعات لاسيّما في

ص: 385


1- يوسف : 28.

دول العالم الثالث تغذّي الطلاّب والمتعلّمين بعلوم لا تستثمر بعد سنين التخرّج من المدرسة والجامعة ، وبالتالي فلا يكون الفرد المتخرّج منهما مؤهّلاً للوظيفة في القطّاعات الكثيرة في مؤسّسات المجتمع.

وبكلمة : فأصبح في العرف التعليمي العلم في مقابل الأُمّية والجهل هو ليس بمعنى الكتابة والقراءة ، بل بمعنى معرفة العلم اللازم للعمل في المحيط والبيئة المعاشة ، فنعرف من ذلك أنّ الكتابة والقراءة ليس إلاّ آلة غير منحصرة للتعلّم ، وليست هي الآلة الوحيدة ، كما أنّ الكتابة والقراءة ليستا هما نفس العلم والمعرفة ، والعلم والمعرفة قد رغّب فيهما كُلّ من القرآن وسنّة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأهل بيته عليهم السلام.

وقد يعزى هذا الحكم بالكراهة دون الحرمة في الكتابة والقراءة ، أنّهما كانا في العصور السابقة طابعاً لأعمال الرجال ولأعمال النظام الاجتماعي خارج المنزل ، أي عليهما صبغة المهن والأعمال المستلزمة للاختلاط بالرجال.

وقد ورد في الحديث : « وعلّموهن سورة النور » (1) ، كما ورد استفتاء وتعلّم عدّة من النساء من النبيّ صلى اللّه عليه وآله والأئمّة عليهم السلام.

2 - قد فسّر فقهاء أهل السنّة لعن الواصلة والمستوصلة : بوصل المرأة شعرها بشعر غيرها ، ومن ثمّ أفتوا بالحرمة ، ولكن ذلك نتيجة ابتعادهم عن الثقل الثاني وهو عترة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فإنّه قد ورد في روايات أهل البيت عليهم السلام تفسير الواصلة والمستوصلة بالقوّادة والمقودة للفاحشة ، فالواصلة التي تقود لجمع الرجال بالنساء على الفاحشة ، والمستوصلة هي التي تقاد لذلك (2).

3 - فتوى فقهاء العصر على حلّية اجتماع النساء في الأعراس والمصائب ، شريطة أن لا يرتكب في تلك المجالس المعصية ، كما هو مقتضى الغالب في

ص: 386


1- الكافي 5 / 516.
2- المصدر السابق 5 / 119.

تلك المجالس ، فإنّ مجالس الأعراس في العادة ما يتغنّى بالمثير لشهوة الجنسية ، ويحصل الابتذال والرقص وغير ذلك ، ممّا يسبب الانحراف في السلوك الخُلقي ، وكذلك مجالس المصائب في موتى أهالي النساء ، فإنّه ربما ترتكب بعض الشنائع لإظهار المصاب في العادات التقليدية القديمة ، ولعلّ ذلك هو محمل فتوى الشيخ.

4 - وردت نصوص قرآنية وروائية عديدة توصي بحسن رعاية اليتيم ، وكذلك في المرأة ، وأنّهن قوارير فلا تكسر ، وأنّها ريحانة تعامل باللين والمودّة والمداراة ، وأنّ عقاب القبر هو من سوء المعاملة مع العيال.

5 - لا ريب أنّ من أعظم مسؤوليات المرأة هو تربية الجيل الناشئ الصالح للمجتمع ، وهو وظيفة منزلية ، كما أنّ من مسؤوليتها توفير الراحة والسكون النفسية للرجل في البيت ، وهو محطّة دفء واستقرار مهمّ عظيم لكُلّ أعضاء الأُسرة ، مضافاً إلى أنّ القرّ في الآية قد بيّن الغاية منه ، هو لأجل عدم التبرّج تبرّج الجاهلية الأُولى ، أي محافظة المرأة على الستر على بدنها ، ومفاتن جسدها ، كي لا تتلوّث بيئة المجتمع بالإثارات الغريزية الحيوانية ، فيكون الجوّ العام الخارجي جوّاً حيوانياً غرائزياً ، كما هو عليه الحال في المجتمعات الغربية ، حيث تبذلت المرأة عند خروجها من المنزل ، وأصبحت سلعة جنسية وأداة حيوانية لمسيرة الجنس ، والاستهلاك التجاري.

وتكبّلت المرأة مسؤوليات الرجل خارج المنزل ، فضاعت وظائف الأُسرة من دون من يتحمّل مسؤوليّتها ، فتصدّعت وأورثت ظواهر اجتماعية حادّة تفتك بالاستقرار الاجتماعي والأمني والروحي.

6 - الأفضلية في القرآن أعطيت للمتّقي : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ ) (1) ، وكما ذكر القرآن الأنبياء والمرسلين والأئمّة عليهم السلام ، فقد ذكر فاطمة في سورة

ص: 387


1- الحجرات : 13.

المباهلة ، والحشر ذي القربى والمودّة لهم وغيرها من السور ، وذكر مريم وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، وأُمّ موسى وأُمّ مريم وغيرهن.

نعم ، هذا لا يعني تشاكل وظائف الجنسين وكيفية أدوارهما ومسؤوليّتهما ، وإن كان باب الكمال مفتوح لكُلّ منهما ، لاسيّما الأخروي الأبدي ، وإن كان هناك عوائق ومؤهّلات تخصّ كُلّ جنس على حده يجب الجمع في النظرة ، وفي قراءة النصوص الدينية إلى ذلك نصوص العوائق ، ونصوص المؤهّلات المساعدة في كُلّ جنس.

7 - ورد في الروايات أنّ المرأة إذا لم تلتزم ، وصارت من جند الشر والشيطان ، فإنّ لها قابليات خطيرة للفتنة ، وافتتان الرجال والمجتمع بهن من ناحية الشهوة وغيرها ، ممّا يدلّل على خطورة موقعية المرأة في المجتمع والأُسرة وتنشأة الأجيال.

( عمرو إبراهيم يوسف - مصر - 25 سنة - بكالوريوس تجارة )

معنى ناقصة عقل ودين :

س : أرجو تفسير حديث : « إنّهن ناقصات عقل ودين » (1).

ج : مع غض النظر عن البحث في سند الحديث ، نلفت انتباهكم إلى أنّ نفس الحديث يشرح المراد من النقص في الدين ، وذلك بتركها للصلاة في أيّام عادتها ، وكذلك يشرح المراد من النقص في العقل ، بجعل شهادة امرأتين تعادل شهادة رجل واحد ، ويعود ذلك إلى تركيبتها البدنية ، حيث خلقها اللّه تعالى لتكون أُمّاً تغلب عليها العاطفة ، وبذلك تستطيع أن تتحمّل أنواع المصاعب في تربيتها لأولادها ، بما أودعها اللّه من عاطفة كبيرة ، ولولا تلك العاطفة المودعة في المرأة لحدث نوع من الخلل في التركيبة الاجتماعية ، حيث كُلّ من الرجل والمرأة أودع اللّه تعالى فيهم من القدرات البشرية ما تحتاجه وتفرضه وظيفته.

ص: 388


1- شرح نهج البلاغة 9 / 192 و 18 / 199.

وبعد هذا ، فإنّ العاطفة الغالبة على المرأة سبّبت في أن تكون شهادة امرأتين تعادل شهادة رجل واحد.

( السيّد علي الموسوي - إيران - 27 سنة - طالب حوزة )

( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) :

س : إنّ القرآن يثبت في آيات عديدة تساوي الإنسانية بين الرجال والنساء ، وأنّ الرجل بما هو الرجل ، والمرأة بما هي المرأة ، لا كرامة لهما ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ ) (1) ، إذاً فلماذا ( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) (2)؟

ج : ننقل لكم ما ذكره الشيخ لطف اللّه الصافي حول هذا الموضوع :

« وأمّا الاختلاف في قدر نصيب الرجل والمرأة في بعض الموارد كالبنت والابن ، حيث قدّر للذكر مثل حظّ الأُنثيين ، وكالزوج والزوجة ، فليس فيه احتقار للمرأة وبخس حقّها ، بل إنّما جعل نصيب الرجل أكثر لكثرة حوائجه الاقتصادية ونفقاته المالية ، ولما أُلقي عليه من النفقات - كنفقة الزوجة والأولاد - أو يلقى عليه العرف والعادة - كتجهيز البنات - وإعطاء صداق زوجة الولد وغيرها.

وأمّا المرأة فليس عليها هذه النفقات ، ولا تدفع المهر عند الزواج ، بل تأخذه بعكس الرجل ، كما يتحمّل زوجها نفقتها ، فحاشا الإسلام أن يدع الضعيف ويوفّر نصيب القوي ، أو ينظر في مثل هذه الأحكام المالية المتضمّنة لحكم اقتصادية إلى ما ليس له دخل في تشريعها ، فهذا الفرق الطفيف بينهما ليس إلاّ لإقامة العدل بين الذكر والأُنثى ، والأخذ بأسباب الواقع والحقيقة.

ويدفع تعليل هذه الأحكام بتفضيل الرجال على النساء ، إنّ اللّه تعالى ساوى بين الأبوين في الميراث ، فقال سبحانه : ( وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا

ص: 389


1- الحجرات : 13.
2- النساء : 11.

السُّدُسُ ) (1) ، فلو كان الإسلام فضّل نصيب الرجل على المرأة مطلقاً لعلّة أنّ هذا رجل وهذه امرأة لما ساوى بينهما في هذا المقام ، وفي بعض المقامات الأُخر.

فهذا شاهد على أنّ الحكمة في امتياز الرجل على المرأة في الميراث ، ليس فضله عليها ، وهذا التوهّم إنّما نشأ من عدم مراجعة نصوص الكتاب والسنّة والتأمّل فيها.

والحاصل : أنّ من سبر الشرائع والقوانين وتواريخ الملل ، يجد أنّ أيّ شريعة من الشرائع ، وأُمّة من الأُمم ، لم تنصف المرأة كما أنصفها الإسلام وشريعته السمحاء.

فالإسلام قرّر حقوق المرأة ، وناصر المرأة ، وكرّم المرأة ، وحرّر المرأة ، وأخذ بيدها ممّا كانت تتردى فيه.

فعلى الذين يهتفون في بلاد المسلمين ، وتعلو صيحاتهم منادين بحقوق المرأة ، ويظهرون الترحّم على النساء ، إن كانوا صادقين أن يدعوا الجميع ، الرجال والنساء إلى النظام الإسلامي ، الذي عالج مشاكل الحياة الإنسانية كُلّها.

وإن كانت نزعتهم في ذلك أن يتّخذوا المرأة مطيّة لشهواتهم ، وأن يروّجوا الدعارة ، وفوضى الأخلاق ، وانحطاط الآداب ، وخروج النساء كاسيات عاريات ، يخلعن جلبات الحياء والعفّة ، وينزعن زيّ النجابة ، ويسلكن مسلك المرأة الغربية ، فنعوذ باللّه من فتنهم ، ومن دعاياهم الفاسدة الهدّامة ، التي هي من أضرّ ألاعيب الاستعمار على المسلمين » (2).

( علي - أمريكا - 27 سنة - طالب )

معنى غيرة المرأة كفر :

س : حفظكم اللّه ورعاكم لما فيه خدمة الجميع ، وأثابكم اللّه خيراً ، وأعطاكم الأجر والثواب.

ص: 390


1- نفس الآية السابقة.
2- مجموعة الرسائل 1 / 225.

أتمنّى أن تشرحوا لي لماذا غيرة المرأة كفر؟ وغيرة الرجل إيمان؟ وهل في جميع الحالات تصبح غيرة المرأة كفر؟ حتّى لو تصرّف زوجها مع النساء الأجانب؟ ولكم شكري وامتناني.

ج : قال الإمام علي عليه السلام : « غيرة المرأة كفر ، وغيرة الرجل إيمان » (1) ، والمقصود من كلامه عليه السلام : بأنّ غيرة المرأة على الرجل قد تؤدّي إلى الكفر ، وليست هي كفراً قطعاً ، فإنّها إذا اعترضت على زوجها إذا أحتاج إلى زواج آخر مثلاً ، قد تؤدّي غيرتها عليه إلى إنكار معلوم من الدين بالضرورة ، وهو جواز التعدّد للرجل ، فتنكر النصّ ، أو تعترض على اللّه تعالى ، أو على الإسلام ، وقد تكيد بزوجها ، أو تعصي ربّها ، أو تقصّر معه ، أو تلجأ إلى وسائل شيطانية ، أو غير ذلك ، وكُلّ ذلك من الظلم الذي قد يؤدّي إلى الكفر.

أمّا مسألة غيرتها العادية ، وتدلّلها عليه ، أو محاولة بيان اهتمامها وحبّها واعتزازها به ، فليس ذلك مقصوداً من الحديث ، وخصوصاً ما ذكرت من بعض التصرّفات مع النساء الأجنبيات ، مع امرأة أجنبية دون وجود نية حقيقية للزواج ، فغيرة زوجته في هذه الحالة عليه من الإيمان قطعاً ، ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

والخلاصة : فغيرة المرأة إذا كانت مانعة للزوج من الارتباط بأُخرى ، فهو من الاعتراض على الحقّ الجائز فعله للرجل.

أمّا غيرة الرجل على زوجته فهو حرص وإيمان لعدم جواز ارتباطها بغيره مع ارتباطها به ، بأيّ حال من الأحوال.

( أحمد - الإمارات - 19 سنة - طالب حوزة )

النظر إلى المبتذلات منهنّ :

س : هذه شبهة وردت في إحدى مواقع الوهّابية في المنتديات ، أرجو الردّ السريع : يقول فضل اللّه في كتابه النكاح 1 / 66 : « فلو أنّ النساء قد اعتادت

ص: 391


1- شرح نهج البلاغة 18 / 312.

الخروج بلباس البحر ، جاز النظر إليهن بهذا اللحاظ ... وفي ضوء ذلك قد يشمل الموضوع النظر إلى العورة عندما تكشفها صاحبتها ، كما في نوادي العراة ، أو السابحات في البحر في بعض البلدان ، أو نحو ذلك ».

قلت : أيّ دين وأي منطق هذا؟

أرجو المساعدة على الردّ على تلك الحثالة الوهّابية ، وشكراً.

ج : إنّ هناك مسألة فقهية يذكرها الفقهاء وهي : جواز النظر إلى النساء المبتذلات ، والمراد بهنّ النساء اللاتي لا ينتهين إذا نُهين عن التكشّف ، حيث لا يمنع معهن أمر بمعروف ونهي عن منكر ، وقد ذكر السيّد فضل اللّه جملة من مصاديق هذه المسألة ، كالنساء اللاتي يرتدين لباس البحر مثلاً ، أو ما يتواجد منهنّ في نوادي العراة وغيرها.

وبالطبع إنّ أمثال هذه الموارد مشروطة بعدم التلذّذ ، وإلاّ حرمت حسب القاعدة ، ولا يعني ذلك أنّ هذا السيّد يدعو الناس للوقوف على شواطئ البحار لينظروا ما شاء لهم النظر إلى أجساد النساء العاريات ، أو ليدخلوا نوادي العراة كي يشاهدوا عورات النساء ، فهذا ممّا لا يقول به عاقل ، فضلاً عن عالم.

وبيان الجواز هنا يشير بوضوح إلى مسألة فيما لو ابتلي إنسان ما بالتواجد في مكان تكون فيه أمثال هذه الحالات ، فالحكم الشرعي له حسب الأدلّة الشرعية هو الجواز المشروط بعدم التلذّذ ، وإلاّ حرم النظر عليه.

ونسأل هنا : ألا يبتلى المسلمون في الدول الغربية بمثل هذه المواقف فيما لو اضطرتهم الظروف للتواجد في هذه الدول ، فما هو الحكم الشرعي الذي يراه المتحذلقون لهؤلاء المبتلين بمثل هذه الحالات؟ وفي أماكن يكون توقّع العمل في مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا فائدة منه ، بل قد يؤدّي إلى الضرر حسب أحكام وقوانين تلك الدول ، فهل تراهم يأمرون المسلمين المتواجدين في تلك الأماكن بوضع الأغطية على عيونهم يسيرون في تلك البلدان؟ أم ماذا يقولون للمبتلين بمثل هذه المواقف؟ فليجيبونا مشكورين؟

ص: 392

النصّ على الأئمّة :

اشارة

( أحمد - ... - ..... )

نقوضات على النصّ في الإمامة وردّها :

س : لقد وجدت هذا في أحد المنتديات ، فما ردّكم عليه : إذا فرضنا أنّ الإمامة نصّ عليها اللّه تعالى ورسوله صلى اللّه عليه وآله فنجد الآتي :

1 - إنّ علياً رضي اللّه عنه رفض أن يصبح خليفة بعد استشهاد عثمان بن عفّان.

2 - إنّ علياً رضي اللّه عنه أصبح وزيراً في عهد أبي بكر ، فهذا يخالف النصّ.

3 - أصبح علياً والياً عند فتح المقدس والشام في عصر عمر ، فماذا يعني لك النصّ في الولاية؟ هل تعتقد بمن استطاع أن يخترق بصره عرش الرحمن والثرى في الأرض أن يعجز أن يأخذ الولاية؟

فماذا تعني لك النصّ بالولاية؟ هل تعتقد بمن فتح خيبر بضربة سيفه حتّى عجز جبرائيل عليه السلام أن يمسك يده ، لكي لا يصل سيفه إلى سابع أرض ، بعاجز أن يأخذ الخلافة؟ ودمتم سالمين.

ج : الموضوع الذي ذكرتموه فيه عدّة تساؤلات :

أوّلها : لماذا رفض علي عليه السلام الخلافة بعد مقتل عثمان؟ وهذا ما سنأتي إلى تفصيله.

ثانيها : إنّ علياً عليه السلام أصبح وزيراً في عهد أبي بكر؟ هذا كذب محض ، لا يسنده أيّ شاهد تاريخي ضعيف ، فضلاً عن أن يكون صحيحاً ، فعلي عليه السلام لم يصبح وزيراً في يومٍ من الأيّام لأبي بكر أو عمر أو عثمان ، وهذه افتراءات وتقوّلات جاءت من أتباع ابن تيمية.

ص: 393

ثالثها : أصبح علي عليه السلام والياً للمقدس عند فتحها في عهد عمر؟ هذا من المضحكات ، فهو مثل سابقه دعوى لا دليل عليها ، وزوبعة كلام يتشدّق بها أتباع ابن تيمية ، بلا سند أو عمد ، كشيخهم الذي كثرت ادعاءاته بدون سند ولا دليل.

الرابعة : هو الربط بين فضائل علي عليه السلام - وخصوصاً الشجاعة منها - وبين عدم أخذه للسلطة ومغالبته عليها.

وبتعبير آخر : الاتكاء على نظرية الاستبعاد ، فإنّ من كان في الشجاعة ما يذكر له عليه السلام في الفتوحات والحروب كيف يغلب؟ وكيف يؤخذ حقّه في السلطة؟

وهذا الاعتراض متوقّف على فهم الإمامة في القرآن الكريم والسنّة المطهرة ، والتي بني عليها المذهب الشيعي أُسسه ، والأخ صاحب هذا المقال باعتبار كونه يعيش ذهنياً في نظرية مدرسة الخلفاء التي صوّرت الإمامة مساوية للحكومة والسلطة ، فلأجل ذلك يحتاج تفهيمه إلى شرح ما ، وبيان للموضوع.

أمّا التساؤل الأوّل فيجاب : إذا رجعنا إلى الوراء قليلاً وسرنا مع الأحداث نعرف السبب الذي دعا علياً عليه السلام أن يرفض ، وإليك بيان موجز من ذلك :

الإمامة التي يطرحها القرآن الكريم والسنّة النبوية - والتي سار عليها المذهب الاثنا عشري - تعني رئاسة عامّة على أُمور الدين والدنيا ، أي القيمومة الكاملة من قبل شخصٍ ، وهو الذي يسمّى إمام على سائر المخلوقات ، وهو المتصرّف لأُمورهم الدينية والدنيوية ، أي هو العارف بالأحكام والمبيّن لها ، والذي يسوس الرعية ، وهو الذي يحملها على ما يراه.

قال اللّه تعالى مخاطباً إبراهيم عليه السلام : ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (1) ، وقال تعالى : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ

ص: 394


1- البقرة : 124.

الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) (1) ، وقال تعالى : ( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) (2) ، وقال تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (3) ، إلى غيرها من الآيات الكثيرة الناطقة بالولاية والإمامة والخلافة الإلهية.

ومن الواضح أنّ هذه الخلافة لا تساوي الحكومة بالمفهوم الذي فسّرته مدرسة الخلفاء للإمامة ، وذلك واضح في القرآن الكريم ، حيث أنّه جعل إبراهيم إماماً مع كونه لم يكن حاكماً ، ولم يستلم الحكومة بعد ، فالإمامة لو كانت بمعنى الحكومة التي نفهمها الآن لما كان إبراهيم إماماً ، مع أنّه إمام ولم يكن حاكماً.

فمن ذلك نفهم أنّ الإمامة القرآنية تعني السلطة الواقعية على الكائنات ، والتصرّف في شؤونها الدينية والدنيوية ، وأنّ الحكومة السياسية هي وظيفة من وظائف الإمامة وشعبة من شعبها ، فالإمام فيه اقتضاء وقابلية الحكومة ، وأنّ المفروض على الرعية تسلّم الأمر إليه ، ولهذا يظهر الفرق واضحاً بين الإمامة العامّة التي هي جعل من اللّه ، ولا دخل للإنسان فيها ، بل هي من مختصّات الذات الإلهية المقدّسة ، فاللّه هو المعيّن للإمام لا غير.

وأمّا السلطة والحكومة فبما أنّها تعني التصرّف بشؤون الناس السياسية فتحتاج إلى بيعة ومناصر وتحتاج إلى مؤازر ، ولأجل ذلك أخذ الرسول الأكرم محمّد صلى اللّه عليه وآله البيعة لعلي عليه السلام يوم غدير خم ، فإنّ سرّ أخذ البيعة هو ذلك.

هذا مفهوم الإمامة الكُلّية ، وبه يتّضح الفرق بين مذهب الشيعة ومذهب مدرسة الخلفاء ، فإنّهم فسّروا الإمامة بما يساوي الحكومة التي نعرفها بمعناها اليوم.

ص: 395


1- فاطر : 32.
2- الزخرف : 28.
3- المائدة : 55.

وأمّا مصداق الإمامة ، وأنّ مَن هو الإمام؟ فهذا تحدّده السنّة النبوية المطهرة ، والسنّة النبوية بيّنت أنّ الإمام بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله هو علي بن أبي طالب عليه السلام ، كما في حديث الغدير المتواتر ، والذي يقول فيه النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « من كنت مولاه فعلي مولاه » (1).

وكذلك في أحاديث أُخرى كثيرة ، تشير إلى ما لا ريب فيه ولا مناقشة تعتريه ، وهو ما أخرجه الحاكم في المستدرك ، وصرّح بصحّته ، والحديث هو : قال ابن عباس : وقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « أنت ولي كُلّ مؤمن من بعدي ومؤمنة » (2) ، وصرّح الشيخ الألباني بصحّته وبطرق عديدة للحديث (3).

إنّ هذا الحديث يقصم ظهور القوم ، إذ لا يمكنهم تأويله بالمحبّة أو النصرة ، لأنّ معنى ذلك أنّ علي بن أبي طالب عليه السلام يحبّ المؤمنين وينصرهم بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ولو على نحو السالبة الجزئية ، أي بعض المؤمنين يحبّهم وينصرهم بعد الرسول لا في حياته ، وهذا يشهد القرآن والسنّة والتاريخ بكذبه ، لأنّ علياً كان وما زال منذ بعث النبيّ إلى يوم استشهاده ناصراً ومحبّاً للمؤمنين.

هذا عرض موجز لمفهوم الإمامة الكُلّي وشخصها الجزئي يمهّد لنا الدخول في الموضوع ، فبعد اتضاح معنى الإمامة ، وأنّها تنصيب من اللّه سبحانه ، وأنّ الإمام إمام ، تسلّم السلطة أو لا ، كما في حديث النبيّ صلى اللّه عليه وآله في حقّ الحسن والحسين حيث قال : « الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا » (4).

فعلى ذلك ، لماذا رفض الإمام علي عليه السلام بيعة القوم بعد وفاة عثمان؟ مع أنّه منصّب من اللّه ، وأنّ الظرف تهيّأ للحكم والسيادة؟

الجواب : إذا رجعنا إلى الفترة التي أعقبت وفاة النبيّ صلى اللّه عليه وآله نعرف ذلك ، فبعد أن ظهر قوله تعالى للعيان وأتضح : ( أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ

ص: 396


1- الدرّ المنثور 2 / 293.
2- المستدرك 3 / 134.
3- سلسلة الأحاديث الصحيحة 5 / 261.
4- علل الشرائع 1 / 211.

وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ) (1) ، وانقلب الأمر على آل بيت النبيّ ، وصدق قول النبيّ صلى اللّه عليه وآله كما يرويه علي عليه السلام حينما قال : « قال لي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : إنّ الأُمّة ستغدر بك بعدي » (2).

فأخذها أبو بكر وابن الخطّاب من علي بن أبي طالب مدّعين الشورى ، وأنّ النبيّ لم يوصّ ، في حين عدم حضور الشورى كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار - كعلي والعباس ، وطلحة والزبير ، وعمّار وأبي ذر ، وسلمان وسعد ابن عبادة وغيرهم - فأخذ الأمر وزحزح عن علي إلى أبي بكر ، فصار الإمام بين أمرين : إمّا أن يقاتلهم على الخلافة التي هو أحقّ بها أم يصبر؟

ومن المعلوم أنّ الدخول معهم في معركة لم يكن صالحاً للإسلام ، بل يقضى عليه ، وتذهب أتعاب النبيّ وعلي خلال السنين السالفة هباءً منثوراً ، وذلك لكثرة المنافقين في المدينة وحولها.

قال اللّه تعالى : ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ ... ) (3) ، وقال تعالى : ( إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللّهِ ... ) (4) ، وقال تعالى : ( وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (5).

فإذاً المبرّر لسكوت الإمام علي عليه السلام هو وجود المنافقين في المجتمع الإسلامي ، وكانوا بكثرة ، ويشكّلون قوّة لا يستهان بها ، وهم يتربّصون بالمسلمين الفلتات والزلاّت.

فلو نازع أمير المؤمنين عليه السلام القوم لكان في ذلك فرصة لهم في ضرب المجتمع الإسلامي والإسلام ، وإرجاع الناس إلى الجاهلية الأُولى ، فحفاظاً على ذلك لم

ص: 397


1- آل عمران : 144.
2- المستدرك 3 / 142 ، شرح نهج البلاغة 4 / 107 ، كنز العمّال 11 / 297 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 448 ، البداية والنهاية 6 / 244 و 7 / 360.
3- التوبة : 101.
4- المنافقون : 1.
5- التوبة : 98.

يدخل أمير المؤمنين عليه السلام مع القوم في نزاع ، وصبر على خلافة الأوّل ، وعلى خلافة الثاني ، ولم يدخل معهم في وزارة أو إمرة ، بل كان معتزلاً عنها ، ومن يدّعي أنّه تولّى أمراً ، أو استوزر من قبل الخليفة ، فهو كاذب لا مستند تاريخي له.

إلى أن وصل الأمر إلى الثالث ، وبوصولها إليه ابتعد المسلمون كثيراً عن الخطّ الذي رسمه النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ووضح الشرخ المنحرف داخل المجتمع ، بخلافه على زمن الأوّل والثاني ، فإنّ الانحراف لم يكن بالمستوى الذي وصل إليه في خلافة عثمان ، لأنّ عثمان بن عفّان ولّى بني عمّه على الأمصار ، وعزل الصحابة الأخيار ، وولّى الطلقاء الذين هم من المنافقين والذين لم يسلموا ، بل استسلموا ، خوفاً على دمائهم ، لا رغبة في الإيمان.

فهؤلاء عندما ولاّهم عثمان عاثوا في الأرض الفساد ، واستعبدوا العباد ، وغيّروا السنّة ، وبدّلوا الشريعة ، فلذلك رفض أمير المؤمنين البيعة ، لأنّه لو كانت الخلافة جاءته بعد عمر لكان هناك مجال واسع لإصلاح الانحراف الذي خلّفه أبو بكر وعمر ، فلذلك دخل عليه السلام في الشورى ، الذين عيّنهم عمر.

وأمّا بعد تولّي عثمان الخلافة فإنّ الانحراف وصل إلى أوجه ، بحيث لا ينفع معه إصلاح ولا تعديل ، فلذلك رفض البيعة ، وقال لهم : افعلوا بها كما شئتم ، فكما قدّمتم الأوّل والثاني والثالث عليّ فالآن لا حاجة لي بها ، قدّموها إلى غيري ، واطلبوا لها غيري يسايرها مع هذا الانحراف ، لأنّه إذا أخذها علي عليه السلام لا تستطيعون أن تسيروا حسب ما يريد ، ولا تطيقوا تعاليمه التي هي تعاليم القرآن ، لأنّه غرس بنو أُمية في نفوسهم تعاليم الجاهلية ، وأبعدوهم عن تعاليم الإسلام ، فلذلك لا يستطيعون مسايرة الإمام وإتباعه ، وهذا ما عرفه عليه السلام من الأوّل ، فلذلك قال لهم : « دعوني والتمسوا غيري ».

وإليك هذان النصّان التاريخيان يوضّحان ما قلناه ، ويشهدان عليه :

1 - روي عن ابن عباس أنّه قال : دخلت على عمر يوماً ، فقال لي : يا ابن عباس لقد أجهد هذا الرجل نفسه في العبادة حتّى نحلت رياءً.

قلت : من هو؟

ص: 398

فقال : هذا ابن عمّك - يعني علياً -.

قلت : وما يقصد بالرياء أمير المؤمنين؟

قال : يرشح نفسه بين الناس للخلافة.

قلت : وما يصنع بالترشيح ، قد رشّحه لها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فصرفت عنه.

قال : إنّه كان شابّاً حدثاً فاستصغرت العرب سنّه وقد كمل الآن ، ألم تعلم أنّ اللّه تعالى لم يبعث نبيّاً إلاّ بعد الأربعين.

قلت : يا أمير المؤمنين ، أمّا أهل الحجى والنهى فإنّهم مازالوا يعدّونه كاملاً منذ رفع اللّه منار الإسلام ، ولكنّهم يعدّونه محروماً محدوداً.

فقال : أمّا إنّه سيليها بعد هياط ومياط ، ثمّ تزل قدمه فيها ، ولا يقضى فيها إربة ، ولتكونن شاهداً عليه يا عبد اللّه ، ثمّ يتبيّن الصبح لذي عينين ، وتعلم العرب صحّة رأي المهاجرين الذين صرفوها عنه بادئ بدء (1).

فأنظر إلى قوله : سيليها بعد هياط ومياط ، أي : تصله مضطربة قد نخر فيها الفساد نخراً ، وانحرفت أشدّ الانحراف ، فلا يستطيع أن يصنع فيها شيء ، فلذلك ستلفظه لعدم طاقتها له.

2 - لمّا ضرب عمر بن الخطّاب ، قال الإمام لقوم من بني هاشم : « إن أطيع فيكم قومكم من قريش لم تؤمروا أبداً » ، وقال للعباس : « عدل بالأمر عنّي يا عم » - يقصد عمر بن الخطّاب - قال : وما علمك؟

قال : « قرن بي عثمان ، وقال عمر : كونوا مع الأكثر ، فإن رضي رجلان رجلاً ورجلان رجلاً ، فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف ، فسعد - أي سعد بن أبي وقّاص - لا يخالف ابن عمّه - يعني عبد الرحمن - وعبد الرحمن صهر عثمان لا يختلفان ، فيوليهما أحدهما الآخر ، فلو كان الآخران معي لم يغنيا شيئاً ».

ص: 399


1- تاريخ الأُمم والملوك 3 / 456.

فقال العباس : لم أرفعك إلى شيء إلاّ رجعت إليّ مستأخراً بما أكره ، أشرت عليك عند مرض رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أن تسأله عن هذا الأمر فيمن هو ، فأبيت ، وأشرت عليك عند وفاته أن تعاجل البيعة فأبيت ، وقد أشرت عليك حين سمّاك عمر في الشورى اليوم أن ترفع نفسك عنها ، ولا تدخل معهم فيها ، فأبيت ، فاحفظ عنّي واحدة ، كُلّما عرض عليك القوم الأمر فقل : لا ، إلاّ أن يولّوك ، وأعلم أنّ هؤلاء لا يبرحون يدفعونك عن هذا الأمر حتّى يقوم لك به غيرك ، وأيم اللّه لا تناله إلاّ بشر لا ينفع معه خير.

فقال علي : « أما إنّي أعلم أنّهم سيولّون عثمان ، وليحدثن البدع والأحداث ، ولئن بقى لأذكّرنّك ، وإن قتل أو مات ليتداولنها بنو أُمية بينهم ، وإن كنت حيّاً لتجدني حيث تكرهون » ، ثمّ تمثّل :

حلفت بربّ الراقصات عشية غدون خفافاً يتبدرن المحصبا ليجتلبن رهط ابن يعمر غدوة نجيعاً بنو الشداخ ورداً مصلبا (1).

فكلمة : وأيم اللّه لا تناله إلاّ بشرٍ لا ينفع معه خير ، وتداول بني أُمية لها ، هو الذي يوضّح سرّ رفض أمير المؤمنين عليه السلام للبيعة.

وأمّا التساؤل الرابع فجوابه : أتّضح جلياً أمره ، وأنّ المسألة لم تكن مسألة شجاعة وإظهار القوّة ، وإنّما مسألة بقاء الشريعة وذهابها ، فهناك كما أسلفنا المنافقون من الصحابة ، وهناك المحيطين بالمدينة من الأعراب المنافقين ، والذين يتربّصون الدوائر بالمسلمين ، ويتحينون الفرصة التي يرون ضعف المسلمين بها حتّى يقضوا عليهم ، ويرجعوهم إلى الجاهلية.

فهنا ليست الحرب مع المشركين كي يبرز لها علي عليه السلام كما برز في الحروب والغزوات ، بل هنا انحراف في داخل المجتمع ، وهنا أنفس مريضة في داخل المسلمين والمجتمع المدني ، فيحتاج التعامل معها إلى حنكة وخبرة أكثر ممّا يحتاجه من

ص: 400


1- شرح نهج البلاغة 1 / 191 و 12 / 262 ، تاريخ الأُمم والملوك 3 / 294 ، الكامل في التاريخ 3 / 68 ، تاريخ المدينة المنوّرة 3 / 925.

إبراز العضلات والضرب بالصمصام ، فلذلك لم يكن بدّاً لأمير المؤمنين عليه السلام إلاّ الصبر أمام هذا الانحراف والتنازل عن الحقّ ، مادام في ذلك حفظ بيضة الإسلام ، وبقاء كلمة لا إله إلاّ اللّه على رؤوس الأشهاد ، ولمدى الأجيال.

والإمام علي عليه السلام هو ربيب البيت النبوي ، والنبيّ صلى اللّه عليه وآله ربيب ربّه ، إذ اللّه الذي قام بتربيته وتأديبه ، فعلي ينتهي أدبه وتعليمه إلى اللّه تعالى ، وحاشاه أن يجبن أو يضعف ، لكن الظروف حكمته ، والمجتمع المنحرف خان به ، فلذلك لم يكن له طريق غير الصبر ، كما أشار إليه في خطبته الشقشقية : « فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجا ، أرى تراثي نهبا » (1).

فالمسألة تحتاج قبل الحكم عليها إلى تأمّل ودراسة ، ولا يكفي الجلوس خلف المنضدة وقراءة كتاب أو كرّاس ، ثمّ الحكم على وقائع تاريخية مرّ عليها أربعة عشر قرناً ، فإنّ العاقل الباحث لا يفعل ذلك ، بل التأمّل ودراسة الأحداث بموضوعية هو الحلّ الوحيد.

فهناك مجتمع فتي في أوّل نشأته وأوّل ظهوره بعد جاهلية عمياء طالت قروناً من الزمن ، وهذا المجتمع الناشئ فيه الكثير من المنافقين ، والذين في قلوبهم مرض ، ومن حوله من الأعداء الذين يتربّصون به السوء ، وعلي عليه السلام لا ترتضيه قريش والقبائل الحليفة بها ، لأنّه ضرب خراطيمهم حتّى اسلموا ، وهو الذي أذلّهم بعد عزّتهم ، وهو الذي قتل فرسانهم ورجالاتهم ، ففي أنفسهم عليه الأحقاد ، كما أشار عمر بن الخطّاب إلى ذلك ، فعلى ذلك لا مفرّ من ركوب أمرين لا ثالث لهما.

إمّا أن يقاتل عليه السلام على حقّه الشرعي ، وفي ذلك تحطيم للمجتمع الذي جهد النبيّ الأكرم صلى اللّه عليه وآله لبنائه طيلة (2) ( 23 ) سنة ، لأنّ المنافقين وممّن حول المدينة سيجدون في اضطراب أهل المدينة الفرصة لتحقيق أهدافهم ، التي يصبون إليها

ص: 401


1- شرح نهج البلاغة 1 / 151.
2- نفس المصدر السابق.

منذ سنين ، وبالتالي سيؤدّي ذلك إلى ذهاب الإسلام ، وذهاب الحقّ الشرعي العلوي معه.

وإمّا أن يصبر على الظلم ، ويكون بذلك حقّق شيئاً وخسر شيئاً ، حقّق بقاء الإسلام ، وأغلق الباب أمام المنافقين للانقلاب على المجتمع الإسلامي ، وخسر خلافته ومنصبه الإلهي الذي كان به يحمل الناس على طاعة اللّه تعالى.

فالطريق الثاني - وهو الصبر - أولى ، لأنّ فيه بقاء الإسلام الذي نافح وكافح علي عليه السلام طيلة حياته في تشييد دعائمه وإقامة أركانه ، خلافاً للطريق الأوّل - وهو القيام والمطالبة بالحقّ - فإنّ في ذلك هدم الإسلام ، وفتح الباب للمنافقين وغيرهم لضرب المجتمع الإسلامي ، وهذا ما يكون فيه الوبال على الإسلام والمسلمين ، الذين منهم علي عليه السلام ، فلذلك قال : « فرأيت أنّ الصبر على هاتا أحجى » (1) ، أي الصبر على غصب الخلافة ، وتحمّل الظلم أرجح عقلياً ، وأشدّ صواباً.

( سامي عبد اللّه ، اليمن - زيدي - 20 سنة - طالب دراسات عليا )

بحديث صحيح السند :

س : إذا كان هناك نصّاً من النبيّ على الاثني عشر بأسمائهم فأعطونيه ، ولو من كتبكم ، ولو نصّاً واحداً ، بشرط أن يكون من الكتب والمصادر التي كتبت قبل عصر الغيبة ، وشكراً.

ج : قد صنّف غير واحد من أصحاب الأئمّة عليهم السلام كتاباً في الأئمّة ، وفي خصوص الثاني عشر المهدي وغيبته - على أساس الروايات والأخبار الواردة - وقد وصلنا بعض تلك الكتب ، ومنها كتاب الفضل بن شاذان النيسابوري من أصحاب الإمامين الرضا والجواد عليهما السلام ، واسمه كتاب الغيبة ، وإليك نصّ روايةٍ واحدةٍ من رواياته الصحيحة :

الفضل بن شاذان ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي حمزة الثمالي.

ص: 402


1- كمال الدين وتمام النعمة : 409.

وعن الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنّه قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « لما عرج بي إلى السماء بلغت سدرة المنتهى ناداني ربّي جلّ جلاله فقال : يا محمّد ، فقلت : لبيك لبيك يا ربّ.

قال : ما أرسلت رسولاً فانقضت أيّامه إلاّ أقام بالأمر بعده وصيّه ، فأنا جعلت علي بن أبي طالب خليفتك وإمام أُمّتك ، ثمّ الحسن ، ثمّ الحسين ، ثمّ علي بن الحسين ، ثمّ محمّد بن علي ، ثمّ جعفر بن محمّد ، ثمّ موسى بن جعفر ، ثمّ علي بن موسى الرضا ، ثمّ محمّد بن علي ، ثمّ علي بن محمّد ، ثمّ الحسن بن علي ، ثمّ الحجّة بن الحسن.

يا محمّد ، ارفع رأسك ، فرفعت رأسي ، فإذا بأنوار علي والحسن والحسين ، وتسعة أولاد الحسين ، والحجّة في وسطهم يتلألأ كأنّه كوكب درّي.

فقال اللّه تعالى : يا محمّد ، هؤلاء خلفائي وحججي في الأرض ، وخلفاؤك وأوصياؤك من بعدك ، فطوبى لمن أحبّهم ، والويل لمن أبغضهم ».

( عبد اللّه أحمد حمادي - اليمن - .... )

إشكالات حوله وردّها :

س : هناك بعض الإشكالات آملاً منكم الردّ عليها ، وهي كالتالي :

1 - مع وجود نصّ مشهور ينصّ على أسماء الأئمّة ، لماذا وكيف كان أصحاب الإمام من الخواص يسألونه من بعدك؟ فيجيبهم باسم الذي بعده؟

2 - كيف جهلت الشيعة وأبو الأديان خادم الحسن العسكري ، والنفر الذين قدموا من قم ، أنّ جعفر ليس هو الإمام ، إذ أنّهم عزّوه وهنّأوه بالإمامة ، ثمّ عرفوا عدم استحقاقه فيها بعد ، مع وجود نصوص تنصّ على أسماء الأئمّة ، وعلى اسم الإمام الذي بعد الحسن العسكري؟

3 - لماذا يدعو الإمام شهوداً ليعرفوا إلى من أوصى؟ مع وجود نصوص تنصّ على أسماء الأئمّة؟ ومع أنّ الإمام الذي بعده يستطيع أن يقيم معجزته أو يظهر علم الغيب ، إذا ما أحد أنكر إمامته ، أو يثبت له تواتر الحديث الذي ينصّ على أسماء الأئمّة؟

ص: 403

ج : إنّ الأئمّة عليهم السلام لا يكتفون في الاستدلال على إمامتهم بطريق واحد ، بل يلجأون إلى كُلّ طريقة تنفع لإثبات حقّهم ، من اشهاد الشهود ، أو الاستدلال بالأحاديث التي وردت عن آبائهم المعصومين ، أو إظهار المعجزة إن اضطرّه الموقف لذلك ، وهذا يختلف باختلاف الناس ومراتبهم وعلمهم ، فهم يكلّمون الناس على قدر عقولهم.

أمّا النصوص الوارد بأسماء الأئمّة جميعاً ، فهي نصوص كانت تتداول عند مجموعة من الرواة ، ولا يخفى ما يتعرّض له الراوي عن الأئمّة من الخوف والمطاردة والمحاسبة من قبل حكّام تلك العصور ، وحتّى لو كان هؤلاء الرواة يسعون إلى نشرها ، فإنّها لا يمكن أن تصل إلى أكثر من مجموعة قليلة من الناس ، بحسب الظروف في ذلك الزمان ، وتبقى الفئة الكبيرة من الناس تطلب معرفة الإمام من الإمام الذي قبله.

كما إنّ كثيراً من رواة الحديث كانوا يعرضون ما عندهم من الروايات عن إمام سابق على الإمام اللاحق ، ويسألونه عن روايات هي موجودة عندهم ، وذلك ليتأكّدوا من صحّتها أو عدم حصول البداء فيها.

أمّا ما يتعلّق بالشهود ، فهو بالإضافة إلى ما ذكر من أنّه طريق لزيادة بصيرة ومعرفة الناس بالإمام ، هو لإتمام الحجّة على الناس ، لأنّ الإمام يعلم أنّ بعضهم سوف ينحرف عن الحقّ.

فقد روى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن الحسن بن علي عليهما السلام يقول : « كأنّي بكم وقد اختلفتم بعدي في الخلف منّي ... ، أما إنّ لولدي غيبة يرتاب فيها الناس إلاّ من عصمه اللّه عزّ وجلّ » (1) ، وليس هذا بالغريب ، فالنبيّ صلى اللّه عليه وآله مع كثرة النصوص التي قالها في حقّ الإمام علي عليه السلام تراه يُشهد الأُمّة كاملة في يوم الغدير بالنصّ على ولاية أمير المؤمنين عليه السلام.

ص: 404


1- ثواب الأعمال وعقابها : 90.

النصب والنواصب :

اشارة

( ... - ... - ..... )

معنى الناصبي :

س : من أنكر حقّ من حقوق أمير المؤمنين عليه السلام ، هل يعتبر ناصبياً؟ حتّى وإن لم يكن من المعلنين لعداوة أهل البيت عليهم السلام؟

ج : إنّ الناصبي هو من ثبت عداؤه لأهل البيت عليهم السلام بالقول أو الفعل ، بشكل مباشر أو غير مباشر ، أمّا من ودّهم ولم يتّبع طريقتهم الفقهية والعقائدية ، ولكن لا يظهر لهم العداء ، لا يعتبر ناصبيّاً بالاصطلاح.

ولكن ربّ إنسان يدّعي المودّة لأهل البيت عليهم السلام ، ولكن يحارب منهجهم وطريقتهم وأتباعهم ، فهذا ناصبي وإن ادّعى المودّة لهم.

( محمّد علي الشحي - الإمارات - سنّي - 18 سنة - طالب جامعة )

معنى العامّة ومعنى النواصب :

س : هناك فئة من الناس تسمّونهم العامّة أو النواصب ، فمن هؤلاء؟

ج : إنّ العامّة الذين يطلق عليهم هذا المصطلح هم من يتعاملون مع الأُمور دون عمق ، وبشكل سطحي ساذج ، أي غير عميقين في تفكيرهم ، وغير دقيقين في معرفتهم للواقع ، ويتعاملون مع كثيرٍ من المعطيات بشكل بسيط غير واقعي ولا حصيف ، مع أنّ الواقع أمامهم غير خفي ، والشواهد كثيرة غير قليلة ، ومع

ص: 405

ذلك فهم يتعاملون مع هذه الأُمور بشكل بسيط لا يوصلهم إلى حقائق الأُمور ووقائعها ، ويأخذون كُلّ ما قيل ويقال دون تحكّم العقل والبرهان.

أمّا النواصب : فهم الذين ينصبون العداء لآل محمّد عليهم السلام ، أي يبغضون علي ابن أبي طالب وأولاده ، ويحاولون أن يتربّصوا بهم وبشيعتهم كُلّ سوء ، وهذا لا ينطبق على مسلم يقرّ لله بالوحدانية وللنبي بالشهادة ، وهو مع ذلك يبغض آل بيت النبيّ صلى اللّه عليه وآله الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

أعاذنا اللّه وإيّاكم من هؤلاء الذين نصبوا العداء لله ولرسوله ، ولآل بيت النبيّ الأطهار عليهم السلام ، ووفّقنا وإيّاكم لحبّهم والالتزام بنهجهم.

( نجيب العجمي - عمان - 22 سنة - طالب جامعة )

النواصب كفّار وإن صلّوا وصاموا :

س : عندي استفسار عن مدى صحّة الروايات التالية :

1 - عن علي بن أسباط يرفعه إلى أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « إنّ اللّه تبارك وتعالى يبدأ بالنظر إلى زوّار قبر الحسين بن علي عليهما السلام عشية عرفة » ، قال : قلت : قبل نظره إلى أهل الموقف؟ قال : « نعم » , قلت : وكيف ذاك؟ قال : « لأنّ في أُولئك أولاد زنى ، وليس في هؤلاء أولاد الزنا » (1) ، سبحان اللّه كُلّ الناس أولاد زنا؟

2 - عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت : إنّ بعض أصحابنا يفترون ويقذفون من خالفهم؟ فقال لي : « الكفّ عنهم أجمل » ، ثمّ قال : « واللّه يا أبا حمزة ، إنّ الناس كُلّهم أولاد بغايا ما خلا شعيتنا » (2).

3 - جاء في الأنوار النعمانية : روي عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « أنّ علامة النواصب تقديم غير علي عليه » ... ويؤيّد هذا المعنى : أنّ الأئمّة عليهم السلام وخواصّهم أطلقوا لفظ

ص: 406


1- الكافي 8 / 285.
2- الأنوار النعمانية 2 / 307.

الناصبي على أبي حنيفة وأمثاله ، مع أنّ أبا حنيفة لم يكن ممّن نصب العدواة لأهل البيت عليهم السلام ، بل كان له انقطاع إليهم ، وكان يظهر لهم التودّد ....

الثاني : في جواز قتلهم واستباحة أموالهم - يعني بالنواصب أهل السنّة - (1).

4 - جاء في نور البراهين : وأمّا طوائف أهل الخلاف على هذه الفرقة الإمامية ، فالنصوص متضافرة في الدلالة على أنّهم مخلّدون في النار ....

وروى المحقّق الحلّي في آخر السرائر مسنداً إلى محمّد بن عيسى قال : « كتبت إليه أسأله عن الناصب ، هل أحتاج في امتحانه إلى أكثر من تقديمه الجبت والطاغوت ، واعتقاد إمامتهما؟ - والمقصود بالجبت والطاغوت هما أبا بكر وعمر - فرجع ج : من كان على هذا فهو ناصب » (2).

الجواب : فقد ذكرت أربعة كتب رأيت فيها ما استفزّك حين أشكل عليك أمر ما رأيت ، ولعلّك ظننت أنّ كُلّ كتاب ما ضمّ بين دفتيه هو حقّ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وليس الأمر كذلك ، فكُلّ كتاب تراه لشيعي أو سنّي أو غيرهما ، يُؤخذ منه ويُقبل ما فيه إذا لم يعارض كتاب اللّه وسنّة نبيّه صلى اللّه عليه وآله.

ولمّا كان كتاب اللّه تعالى ثابتاً بالتواتر عند جميع المسلمين ، فلسنا بحاجة إلى بحث ثبوته ، ولكن سنّة النبيّ صلى اللّه عليه وآله لم ترد كذلك ، بل نقلت أحاديثها عن طريق الإسناد ، وفي رجاله ربما كان من لا تُقبل روايته ، لجهة من جهات الرفض المذكورة في كتب الدراية وغيرها ، لذلك يلزمنا النظر في رجال السند أوّلاً ، فإن سلّم نظرنا إلى المتن لئلا يكون معارضاً لما صحّ وثبت من كتاب اللّه تعالى ، أو لضروري من ضروريات العقيدة الإسلامية ، ممّا أجمع عليه المسلمون ، لأنّ الحديث النبوي الشريف تعرّض لدخيل فيه أباطيل ، وكذلك ما ورد عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام.

لذلك كان الشيعة أقوم قيلاً حين أخضعوا جميع الأحاديث والأخبار للنظر سنداً ومتناً ، بخلاف أهل السنّة الذين أطّروا بعض الكتب الحديثية - كصحيح

ص: 407


1- نور البراهين 1 / 57.
2- مقدّمة فتح الباري : 9.

البخاري ومسلم وغيرهما - بما جاوز الحدّ ، حتّى غلوا في صحيح البخاري ، فقالوا : أنّه أصحّ كتاب بعد كتاب اللّه ، وأنّ من روى عنه البخاري فقد جاز القنطرة ، ونحو ذلك في غيره من كتب الصحاح عندهم ، وهذا ما جعلهم في حيرة حين وجدوا في البخاري ومسلم - فضلاً عن غيرهما - رجالاً ليسوا بأهل للرواية عنهم.

وعليك أن تراجع مقدّمة فتح الباري لابن حجر لتجد أنّ المتكلّم فيه بالضعف من رجال البخاري ثمانون رجلاً ، والمتكلّم فيه بالضعف من رجال مسلم مئة وستّون رجلاً (1).

أمّا الشيعة فقد قالوا : سائر الكتب - ما عدا القرآن الكريم - تخضع للفحص ، فما وافق كتاب اللّه تعالى فهو حقّ ، وما خالف فهو زخرف يضرب به عرض الجدار ، فإذا عرفت فلنذكر لك ما اشتبه عليك علمه ، وغلب عليك وهمه.

1 - ما ذكرته عن علي بن أسباط ، ففي سنده انقطاع ، وهو ما يسمّى بالمعضَل ، وجهالة الرواة فيما بين علي بن أسباط وبين أبي عبد اللّه عليه السلام ، وهذا كاف في ردّه وعدم حجّيته ، ومع الإغماض عمّا في سنده ، فالمراد أُولئك الذين لم يأتوا بواجبات الحجّ كاملاً ، لأنّ من واجباته طواف النساء ، ومن لم يأت به حرمت عليه النساء ، وبعض المذاهب لا يرون للحجّاج الإتيان به ، لذلك كانت مباشرتهم لنسائهم حرام ، ومن ولد من نكاح حرام فهو ولد زنا ، فهذا معنى قوله عليه السلام على تقدير صحّة الرواية سنداً.

وممّا ينبغي التنبيه عليه في المقام ، أنّ لعلي بن أسباط كتاب نوادر ، وكتبالنوادر أقلّ مرتبة في القبول من غيرها ، لأنّ ما يذكر في أبواب النوادر لا يعتمد عليه كما سيأتي مزيد بيان عن ذلك في آخر الأجوبة ، وأخيراً لاحظ كتاب الخلاف للطوسي قدس سره حول طواف النساء ووجوبه عندنا.

ص: 408


1- مجمع الزوائد 9 / 172.

2 - ما ذكرته عن أبي حمزة ففي سنده مجهولان ، وهما : علي بن العباس والحسن بن عبد الرحمن ، وهذا يكفي في سقوط الاستدلال بالخبر ، ولو أغمضنا عن ذلك ورجعنا إلى المتن لوجدنا بقية الخبر ولم تذكره ، فيه بيان وتفسير لما استنكرت ، والخبر بنصّه كما في المصدر.

عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت : إنّ بعض أصحابنا يفترون ويقذفون من خالفهم؟ فقال لي : « الكفّ عنهم أجمل » ، ثمّ قال : « واللّه يا أبا حمزة ، إنّ الناس كُلّهم أولاد بغايا ما خلا شعيتنا » ، قلت : كيف لي بالمخرج من هذا؟

فقال لي : « يا أبا حمزة كتاب اللّه المنزل يدلّ عليه ، أنّ اللّه تبارك وتعالى جعل لنا أهل البيت سهاماً ثلاثة في جميع الفيء ، ثمّ قال عزّ وجلّ : ( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) ، فنحن أصحاب الخمس والفيء ، وقد حرّمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا.

واللّه يا أبا حمزة ، ما من أرض تفتح ولا خمس يخمّس فيضرب على شيء منه إلاّ كان حراماً على من يصيبه فرجاً كان أو مالاً ، ولو قد ظهر الحقّ لقد بيع الرجل الكريمة عليه نفسه فيمن لا يزيد ، حتّى أنّ الرجل منهم ليفتدي بجميع ماله ويطلب النجاة لنفسه ، فلا يصل إلى شيء من ذلك ، وقد أخرجونا وشيعتنا من حقّنا ذلك بلا عذر ولا حقّ ولا حجّة ».

3 - وما ذكرته عن الأنوار النعمانية ، فأوّل ما فيه أنّ النبوي المذكور مرسل ، فلا ندري من رواه ، وعمّن رواه ، لنعرف الحال في أُولئك الرجال ، والذي ذكره بعده فهو من اجتهاد المؤلّف ، فلا يعبّر إلاّ عن رأيه الشخصي ، ولا يلزمنا ذلك بشيء ، إذ لسنا مقلّدين له ، ورأيه كآراء غيره من الناس فمن ارتضاه قبله ، ومن لم يقبله رفضه.

4 - وما ذكرته عن نور البراهين ، فإنّ مؤلّفه هو مؤلّف الأنوار النعمانية ، وللرجل اجتهادات شخصية لسنا ملزمين بها ، وما نقله عن المحقّق الحلّي في آخر

ص: 409

السرائر ، فإنّ آخر السرائر هو باب النوادر ، ممّا استطرفه من كتب الآخرين ، فهو لا يعني التزامه بصحّة ما فيه كما صرّح بذلك في كتاب السرائر ، وإنّ ما يوجد في باب النوادر لا يعمل به.

هذا باختصار جواب ما ذكرته عن تلك الكتب ، والآن لزيادة الإيضاح والإفصاح كيلا تستوحش من وصف النواصب بالكفر ، أذكر لك جملة أحاديث نبوية مذكورة في مصادرها السنّية :

1 - أخرج الهيثمي عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال : خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فسمعته وهو يقول : « أيّها الناس من أبغضنا أهل البيت حشره اللّه يوم القيامة يهودياً » ، فقلت : يا رسول اللّه وإن صام وصلّى؟

قال : « وإن صلّى وصام ، وزعم أنّه مسلم ، احتجر بذلك من سفك دمه ، وأن يؤدّي الجزية عن يد وهم صاغرون ، مثل لي أمّتي في الطين ، فمر بي أصحاب الرايات فاستغفرت لعلي وشيعته » رواه الطبراني في الأوسط ، وفيه : من لم أعرفهم (1).

أقول : لماذا لم يذكرهم؟ لئلا يوجد من يعرفهم.

2 - أخرج الحاكم بإسناده عن ابن عباس : أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : « يا بني عبد المطلب ، إنّي سألت اللّه لكم ثلاثاً ، أن يثبّت قائمكم ، وأن يهدي ضالّكم ، وأن يعلّم جاهلكم ، وسألت اللّه أن يجعلكم جوداء نجداء رحماء ، فلو أنّ رجلاً صفن بين الركن والمقام فصلّى وصام ، ثمّ لقى اللّه وهو مبغض لأهل بيت محمّد دخل النار » ، هذا حديث حسن صحيح على شرط مسلم (2).

ورواه الطبري في ذخائر العقبى ، وابن أبي عاصم في كتاب السنّة ، والطبراني في المعجم الكبير ، والمتّقي الهندي في كنز العمّال وغيرهم.

ص: 410


1- المستدرك 3 / 148.
2- الكشف والبيان 8 / 214 ، الجامع لأحكام القرآن 16 / 23 ، تفسير الثعالبي 5 / 157 ، التفسير الكبير 9 / 595 ، أحكام القرآن لابن العربي 2 / 219.

3 - قال صلى اللّه عليه وآله : « من مات على حبّ آل محمّد مات شهيداً ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مغفوراً له ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات تائباً ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد مات مؤمناً مستكمل الإيمان ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد بشّره ملك الموت بالجنّة ، ثمّ منكراً ونكيراً ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد جعل اللّه زوّار قبره ملائكة الرحمة ، ألا ومن مات على حبّ آل محمّد فتح له في قبره بابان إلى الجنّة ، ألا ومن مات على بغض آل محمّد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة اللّه ، ألا ومن مات على بغض آل محمّد مات كافراً ، ألا ومن مات على بغض آل محمّد لم يشم رائحة الجنّة » (1).

قال الفخر الرازي : « آل محمّد صلى اللّه عليه وآله هم الذين يؤول أمرهم إليه ، فكُلّ من كان أمرهم إليه أشدّ وأكمل كانوا هم الآل ، ولاشكّ أنّ فاطمة وعلياً والحسن والحسين كان التعلّق بينهم وبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أشدّ التعلّقات ، وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر ، فوجب أن يكونوا هم الآل » (2).

فبعد هذا عليك أن تميّز بين المحبّ لهم والمبغض لهم ، فالمحبّ مؤمن والمبغض كافر كما مرّ في الحديث ، فعلى هذا كان عدّ النواصب كفّاراً ، وإن صلّوا وصاموا كما مرّ في الحديث الأوّل ، ولو راجعت معاجم اللغة تجد تعريفهم بأنّهم قوم يبغضون الإمام علي عليه السلام.

قال الفيروز آبادي الشافعي : « والنواصب والناصبية وأهل النصب : المتدينون ببغضة علي ، لأنّهم نصبوا له ، أي عادوه ».

إذاً ، فالميزان هو بغض الإمام في علامة النصب ، فأينما مبغض فهو ناصبي ، وهو كافر بنصّ ما سبق في الحديث : « ألا ومن مات على بغض آل محمّد مات

ص: 411


1- التفسير الكبير 9 / 595.
2- القاموس المحيط 1 / 123.

كافراً » ، مضافاً إلى ما ورد من أحاديث نبوية في علي خاصّة ، نحو قوله صلى اللّه عليه وآله : « من أحبّ علياً فقد أحبّني ، ومن أبغض علياً فقد أبغضني » (1).

ونحو قوله صلى اللّه عليه وآله : « لا يحبّ علياً إلاّ مؤمن ، ولا يبغضه إلاّ منافق » (2) ، إلى غير ذلك ممّا يطول بيانه.

ص: 412


1- ذخائر العقبى : 65 ، المستدرك 3 / 130 ، مجمع الزوائد 9 / 132 ، المعجم الكبير 23 / 380 ، الجامع الصغير 2 / 554 ، كنز العمّال 11 / 601 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 270 ، الصواعق المحرقة 2 / 360 ، الجوهرة : 66 ، الوافي بالوفيات 21 / 179 ، جواهر المطالب 1 / 63 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 293.
2- المعجم الكبير 23 / 375 ، كنز العمّال 11 / 622 ، تهذيب الكمال 15 / 233 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 295 ، ينابيع المودّة 2 / 85 و 274.

النكاح :

اشارة

( عقيل أحمد جاسم - البحرين - 32 سنة - بكالوريوس )

جواز التمتّع بالزوجة الرضيعة :

س : أسألكم عن فتوى الإمام الخميني حول جواز التمتّع بالرضيعة؟

ج : لابأس أن نذكر بعض النقاط لها صلة بالجواب :

1 - لا مجال للعقل باستقلاله عن الشرع أن يكون ميزاناً لمعرفة الأحكام الشرعية ، فكم من حكم شرعي لا يتطابق - ظاهراً وفي بدو النظر - مع الحكم العقلي ، فهل ينتفي الحكم الشرعي بمجرّد هذا التباين الظاهري؟!

2 - إنّ كلام القائل في المقام هو بصدد نفي المواقعة مع الزوجة الصغيرة ، ولو أنّه أجاز سائر الاستمتاعات ؛ وعليه فتنويع الاستمتاعات لا يدلّ على تجويزها في كافّة الموارد ، بل إنّ الأمر يدور مدار المورد ونوع الاستمتاع ، فمثلاً : اللّمس والضمّ قد يكون جائزاً بالنسبة حتّى للرضيعة ، وأمّا التفخيذ فيكون مثالاً للاستمتاع بالصغيرة التي تكون قريبة عن البلوغ ، وقابلةً لهذه الكيفية من الاستمتاع.

3 - الأحكام الفرعية تكون دائماً قابلة للأخذ والردّ ولا حرج فيه ، وهذا لا يعني المساس بالعقيدة وأصل المذهب - إلاّ عند أهل العقد والأهواء - خصوصاً إذا كان حكماً يختصّ بشخصٍ دون آخر ، فهذا لا يعني إجماع الطائفة عليه حتّى يكون مورداً للإشكال والنقض كما هو الحال في المقام ، إذ أنّ للعلماء آراء أُخر تطلب من رسائلهم العملية.

ص: 413

4 - لابأس في هذا المجال أن يراجع إلى فتاوى أهل السنّة ، فإنّ لبعضهم في هذه المسألة أحكاماً تفوق رأي ذلك القائل ؛ وفي سبيل المثال نذكر في هذه العجالة بعض ما ذكروه : فإن كانت صغيرة جاز للأب تزويجها بغير إذنها بغير خلاف (1) ، وذكر موضوع مسألة اعتداد الصغيرة (2) ، فما سبب عدّة الصغيرة غير الدخول؟!

ويصرّح في مقام آخر بموضوع : وقت زفاف الصغيرة المزوّجة والدخول بها ... قال الشافعي ومالك وأبو حنيفة : حدّ ذلك أن تطيق الجماع ، ويختلف ذلك باختلافهنّ ، ولا يضبط بسنّ ، وهذا هو الصحيح (3).

فنرى أنّ الشافعي ومالك وأبا حنيفة يعلّقون الاستمتاع في المسألة - وهو الجماع - على حالة طاقتها ، ثمّ ما المانع عقلاً من اطّراد هذه الكيفية من الاستدلال في سائر الاستمتاعات في مطلق الصغيرة حتّى الرضيعة؟!

( علي الهندي - ... - ..... )

تعقيب على الجواب السابق :

مسألة جواز الزواج من الصغيرة من المسائل المتّفق عليها بين الشيعة والسنّة ، إلاّ بعض السنّة وهم : ابن شبرمة وأبو بكر الأصم ، وعثمان البتّي ، وهذا ما نبيّنه لك ضمن نقطتين هما :

الأُولى : في تعريف الزواج شرعاً : هو عقد يتضمّن إباحة الاستمتاع بالمرأة بالوطء والمباشرة والتقبيل والضمّ وغير ذلك ، إذا كانت المرأة غير محرم بنسب أو رضاع أو صهر.

ملاحظة : لم يؤخذ في التعريف قيد البلوغ.

ص: 414


1- المجموع شرح المهذّب 16 / 168.
2- المصدر السابق 19 / 330.
3- شرح مسلم 9 / 206.

أو هو عقد وضعه الشارع ليفيد ملك استمتاع الرجل بالمرأة ، وحلّ استمتاع المرأة بالرجل.

وعرّفه الحنفية بقولهم : عقد يفيد ملك المتعة قصداً ، أي حلّ استمتاع الرجل من امرأة لم يمنع في نكاحها مانع شرعي بالقصد المباشر ، فخرج بكلمة المرأة الذكر والخنثى المشكل لجواز ذكوريته ، وخرج بقوله : لم يمنع من نكاحها مانع شرعي ، المرأة الوثنية والمحارم والجنّية وإنسان الماء لاختلاف الجنس.

ملاحظة : هنا أيضاً لم يلاحظ من المستثنيات الصغيرة.

قال الدكتور وهبة الزحيلي : « والنكاح عند الفقهاء ومنهم مشايخ المذاهب الأربعة : حقيقة في العقد مجاز في الوطء ، لأنّه المشهور في القرآن والأخبار ، وقد قال الزمخشري - وهو من علماء الحنفية - : ليس في الكتاب لفظ النكاح بمعنى الوطء إلاّ قوله تعالى : ( حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ) (1) لخبر الصحيحين حتّى تذوقي عسيلته ، فالمراد به العقد ، والوطء مستفاد من هذا الخبر » (2).

من هذه المقدّمة نفهم : أنّ العقد يبيح للرجل جميع الاستمتاعات خرج منها : الدخول بالمرأة لدليل خاصّ به ، فتبقى جميع الاستمتاعات تحت عموم جواز الاستمتاع ، وهذا الأمر لا يختلف فيه الفقهاء من الشيعة والسنّة كما قلت.

يبقى السؤال التالي : هل يجوز زواج الصغيرة؟ أو العقد على غير البالغة؟ هذا ما نبحثه في النقطة الثانية.

لقد عقد الدكتور وهبة الزحيلي في كتابه « الفقه الإسلامي » تحت عنوان : الأهلية والولاية والوكالة في الزواج ، وفيه مباحث ثلاثة :

المبحث الأوّل : أهلية الزوجين : يرى ابن شبرمة وأبو بكر وعثمان البتّي أنّه لا يزوّج الصغير والصغيرة حتّى يبلغا لقوله تعالى : ( حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ ) (3) ، فلو جاز التزويج قبل البلوغ لم يكن لهذا فائدة ، ولأنّه لا حاجة بهما إلى

ص: 415


1- البقرة : 230.
2- أُنظر : الفقه الإسلامي وأدلّته 7 / 30.
3- النساء : 6.

النكاح ، ورأى ابن حزم أنّه يجوز تزويج الصغيرة عملاً بالآثار المروية في ذلك (1).

ولم يشترط جمهور الفقهاء لانعقاد الزواج : البلوغ والعقل ، وقالوا بصحّة الزواج الصغير والمجنون.

الصغر : أمّا الصغر ، فقال الجمهور - منهم أئمّة المذاهب الأربعة - : بل ادعى ابن المنذر الإجماع على جواز تزويج الصغيرة من كفء ، واستدلّوا عليه بما يأتي (2) :

1 - بيان عدّة الصغيرة : وهي ثلاثة أشهر في قوله تعالى : ( وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ ) (3) ، فإنّه تعالى حدّد عدّة الصغيرة التي لم تحض بثلاثة أشهر كاليائسة ، ولا تكون العدّة إلاّ بعد زواج وفراق ، فدلّ النصّ على أنّها تزوّج وتطلّق ولا إذن لها.

2 - الأمر بنكاح الإناث في قوله تعالى : ( وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ ) (4) ، والأيم : الأنثى التي لا زوج لها ، صغيرة كانت أو كبيرة.

3 - زواج النبيّ صلى اللّه عليه وآله بعائشة وهي صغيرة ، فإنّها قالت : تزوّجني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وأنا ابنة ست ... ودخل بي وأنا ابنة تسع (5) ، وفي رواية : تزوّجها وهي بنت سبع سنين ، وزفّت إليه وهي بنت تسع سنين (6).

4 - آثار عن الصحابة : فقد زوّج علي ابنته أُمّ كلثوم وهي صغيرة من عروق بن الزبير ، وزوّج عروة بن الزبير بنت أخيه من ابن أخيه وهما صغيران ، ووهب رجل ابنته الصغيرة لعبد اللّه بن الحسن بن علي ، فأجاز ذلك علي ، وزوّجت امرأة ابن

ص: 416


1- المحلّى 9 / 458.
2- أُنظر : المبسوط للسرخسي 4 / 212 ، بدائع الصنائع 2 / 240 ، مغني المحتاج 3 / 168.
3- الطلاق : 4.
4- النور : 32.
5- صحيح البخاري 6 / 139 ، مسند أحمد 6 / 118. السنن الكبرى للبيهقي 7 / 148.
6- أُنظر : مسند أحمد 6 / 280 ، سنن أبي داود 1 / 471 و 2 / 463 ، مسند أبي يعلى 8 / 74 ، المعجم الكبير 23 / 21.

مسعود بنتاً لها صغيرة لابن المسيّب بن نخبة ، فأجاز ذلك زوّجها عبد اللّه بن مسعود.

5 - قد تكون هناك مصلحة بتزويج الصغار ، ويجد الأب الكف ء فلا يفوت إلى وقت البلوغ.

من الذي يزوّج الصغار؟ وأُختلف الجمهور القائلون بجواز تزويج الصغار فيمن يزوّجهم؟

فقال المالكية والحنابلة (1) : ليس لغير الأب أو وصيّه أو الحاكم تزويج الصغار ، لتوافر شفقة الأب وصدق رغبته في تحقيق مصلحة ولده ، والحاكم ووصي الأب كالأب ، لأنّه لا نظر لغير هؤلاء في مال الصغار ومصالحهم المتعلّقة بهم ، ولقوله صلى اللّه عليه وآله : « تستأمر اليتيمة في نفسها ، وإن سكتت فهو إذنها ، وإن أبت فلا جواز عليها » (2).

وروي عن ابن عمر أن قدامة بن مظعون زوّج ابن عمر ابنة أخيه عثمان ، فرفع ذلك إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله فقال : « هي يتيمة ولا تنكح إلاّ بإذنها » (3).

واليتيمة : هي الصغيرة التي مات أبوها لحديث : « لا يتم بعد احتلام » (4) ، فدلّ الحديث على أنّ الأب وحده هو الذي يملك تزويج الصغار.

وقالت الحنفية (5) : يجوز للأب والجدّ ولغيرهما من العصبات تزويج الصغير والصغيرة لقوله تعالى : ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى ) (6) أي في نكاح اليتامى ، أي إذا كان خوف من ظلم اليتامى ، فالآية تأمر الأولياء بتزويج اليتامى.

وأجاز أبو حنيفة في رواية عنه خلافاً للصاحبين لغير العصبات من قرابة الرحم كالأُم والأُخت والخالة تزويج الصغار أن لم يكن ثمّة عصبة ، ودليله عموم

ص: 417


1- أُنظر : المغني لابن قدامة 7 / 382.
2- مسند أحمد 2 / 259 و 475 ، سنن أبي داود 1 / 465 ، الجامع الكبير 2 / 288.
3- أُنظر : السنن الكبرى للبيهقي 7 / 113 ، مجمع الزوائد 4 / 280.
4- سنن أبي داود 1 / 657 ، السنن الكبرى للبيهقي 6 / 57.
5- المغني لابن قدامة 7 / 382 ، سبل السلام 3 / 120.
6- النساء : 3.

قوله تعالى : ( وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ ) من غير تفرقة بين العصبات وغيرهم.

وقالت الشافعية (1) : ليس لغير الأب والجدّ تزويج الصغير والصغيرة في حقّ الأب للآثار المروية فيه ، فبقي ما سواه على أصل القياس ، والحنابلة رأوا أنّ الأحاديث مقصورة على الأب ، والشافعية استدلوا بالأحاديث ، لكنّهم قاسوا الجدّ على الأب ، والحنفية أخذوا بعموم الآيات القرآنية التي تأمر الأولياء بتزويج اليتامى ، أو بتزويجهن من غيرهم.

وقد أشترط أبو يوسف ومحمّد في تزويج الصغار الكفاءة ومهر المثل ، لأنّ الولاية للمصلحة ، ولا مصلحة في التزويج من غير كف ء ولا مهر مثل ، وكذلك اشترط الشافعية في تزويج الأب الصغيرة أو الكبيرة بغير إذنها شروطاً سبعة ، وهي :

الأوّل : ألا يكون بينه وبينها عداوة ظاهرة.

الثاني : أن يزوّجها من كف ء.

الثالث : أن يزوّجها بمهر مثلها.

الرابع : أن يكون من نقد البلد.

الخامس : ألا يكون الزوج معسراً بالمهر.

السادس : ألا يزوّجها بمن تتضرّر بمعاشرته كأعمى وشيخ هرم.

السابع : ألا يكون قد وجب عليها الحجّ ، فإنّ الزوج قد يمنعها لكون الحجّ على التراخي ، ولها عوض في تعجيل براءتها ، ويجوز أن يزوّج الصغير أكثر من واحدة.

وأجاز المالكية للأب تزويج البكر الصغيرة ، ولو بدون صداق المثل ، ولو لأقلّ حال منها ، أو لقبيح منظر ، وتزوّج البالغ بإذنها ، إلاّ اليتيمة الصغيرة التي بلغت عشر سنين ، فتزوّج بعد استشارة القاضي على أن يكون الزواج بكف ء وبمهر المثل.

ص: 418


1- مغني المحتاج 3 / 149.

ورأى الحنابلة : أن يزوّج الأب ابنه الصغير أو المجنون بمهر المثل وغيره ولو كرهاً ، لأنّ للأب تزويج ابنته البكر بدون صداق مثلها ، وهذا مثله ، فإنّه قد يرى المصلحة في تزويجه ، فجاز له بذل المال فيه كمداواته فهذا أولى ، وإذا زوّج الأب ابنه الصغير ، فيزوجه بامرأة واحدة لحصول الغرض بها ، وله تزويجه بأكثر من واحدة إن رأى فيه مصلحة.

وضعّف بعض الحنابلة هذا ، إذ ليس فيه مصلحة بل مفسدة ، وصوّب أنّه لا يزوّجه أكثر من واحدة ، أمّا الوصي لا يزوّجه أكثر بلا خلاف لأنّه تزويج لحاجة ، والكفاية تحصل به ، إلاّ أن تكون غائبة أو صغيرة أو طفلة وبه حاجة ، فيجوز أن يزوّجه ثانية.

وهذه بعض المستندات الروائية وغيرها عندنا نحن الإمامية : ففي الحديث قال عبد اللّه بن الصلت : سألت أبا الحسن عن الجارية الصغيرة يزوّجها أبوها ألها أمر إذا بلغت؟ قال : « لا ليس لها من أبيها أمر » (1).

وسأل محمّد بن إسماعيل بن بزيع الرضا عليه السلام عن الصبية يزوّجها أبوها ثمّ يموت وهي صغيرة ، ثمّ تكبر قبل أن يدخل بها زوجها ، أيجوز عليها التزويج أو الأمر إليها؟ قال : « يجوز عليها تزويج أبيها » (2).

وجواز النكاح مشروطاً بإذن أبيها متّفق بين الفقهاء ، إلاّ أنّهم اختلفوا في جوازه بإذن الجدّ للأب ، وفي جواز ردّها وفسخها بعد البلوغ ، فيقول الشيخ الطوسي قدس سره : « يجوز للرجل أن يعقد على بنته إذا كانت صغيرة لم تبلغ مبلغ النساء من غير استيذان لها ، ومتى عقد عليها لم يكن لها خيار وإن بلغت » (3).

ويقول ابن زهرة قدس سره : « والولاية التي يجوز معها تزويج غير البالغ - سواء كانت بكراً أو قد ذهبت بكارتها بزوج أو غيره ... - مختصة بأبيها وجدّها له في حياته » (4).

ص: 419


1- الكافي 5 / 394.
2- من لا يحضره الفقيه 3 / 395.
3- النهاية للشيخ الطوسي : 464.
4- غنية النزوع : 342.

وقال ابن حمزة قدس سره : « الذي بيده عقدة النكاح أربعة : ... والأب والجدّ مع وجود الأب إذا كانت طفلة ، أو بالغة غير رشيدة ... ومن يعقد عليها : حرّة وأمة ، والحرّة بالغة ، وطفل ، والبالغة رشيدة ... » (1).

وقال المحقّق الحلّي قدس سره : « وتثبت ولاية الأب والجدّ للأب على الصغيرة ، وإن ذهبت بكارتها بوطء أو غيره » (2).

فهل بعد هذا البيان يبقى مجال للاستغراب والتساؤل عن مسألة الزواج من الصغيرة؟!

وفي الختام نقول : على فرض أنّ أهل السنّة لم يقولوا بجواز ذلك ، فهذا لا يعني أنّنا أيضاً نمنع ذلك ، وذلك لأنّنا نتّبع الدليل ، فإذا ثبت عندنا الدليل الشرعي على جواز الزواج من الصغيرة نأخذ به ، حتّى لو خالفنا جميع الناس ، لأنّ الحقّ أحقّ أن يتّبع.

( غانم النصّار - الكويت - .... )

كيفية الاستمتاع بالزوجة الرضيعة :

السؤال : لقد قرأت فتوى للسيّد الخميني قدس سره أنّه يجيز التمتّع بالرضيعة ، أو بمعنى أصح التفخيذ ، فما هو المقصود من هذا الكلام؟ هل هو ما نحن نفهمه أن يتمتّع الرجل البالغ برضيعة ويفخذها؟ أم أنّ القصد شيء آخر؟ إفيدونا جزاكم اللّه خيراً.

ج : نشير إلى رؤوس مواضيع تفيدكم في إجابتها :

1 - إنّ الأحكام الشرعية والفقهية لها موازينها في الإثبات ؛ فالعقل بالاستقلال لا دخل له في إثبات أو نفي الحكم الشرعي ، إلاّ إذا عيّنه الشرع في إطار محدّدٍ.

2 - إنّ هذا الكلام المنقول هو بصدد نفي المواقعة مع الزوجة الصغيرة - أي قبل إكمال تسع سنين - (3).

ص: 420


1- الوسيلة : 299.
2- شرائع الإسلام 2 / 502.
3- تحرير الوسيلة 2 / 241.

وأمّا بالنسبة إلى سائر الاستمتاعات معها ، فيعطي الجواز لعدم دليل رادعٍ عنها بنظر القائل.

3 - تنويع الاستمتاعات المذكورة في المسألة لا يدلّ على تجويزها في كُلّ مورد ، فإنّ الرضيعة غير قابلة للتفخيذ مثلاً ، حتّى يبحث عن حكمه بالنسبة إليها.

فذكر أنواعٍ من الاستمتاعات هو لبيان أمثلةٍ للاستمتاع بالصغيرة غير البالغة في مستوياتٍ مختلفة من العمر ، فعلى سبيل المثال : اللّمس والضمّ المذكوران في المسألة ، لابأس بهما في مورد الرضيعة ؛ وأمّا التفخيذ ، فهو يمكن أن يكون مثالاً للاستمتاع بالصغيرة التي هي على وشك البلوغ.

4 - إنّ هذا الرأي فتوى خاصّ بالقائل وليس إجماعياً ، فللعلماء فتاوى أُخر في هذا المجال يحصل عليها من رسائلهم العملية ؛ وعلى كُلّ ليس هذا الحكم المذكور ممّا يتبنّاه كُلّ الطائفة الشيعية حتّى يكون مورداً للتهريج وإثارة الضغائن ، عصمنا اللّه وإيّاكم منها.

( عقيل أحمد جاسم - البحرين - 32 سنة - بكالوريوس )

نكاح الجواري بملك اليمين :

س : هل نكاح الجاريات جائز؟ وما المقصود بها؟ روي عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له : الرجل يحلّ لأخيه فرج جاريته؟ قال : « نعم ، لابأس به له ما أحلّ له منها » (1).

وروي عن محمّد بن مضارب قال : قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام : « يا محمّد خذ هذه الجارية تخدمك وتصيب منها ، فإذا خرجت فارددها إلينا » (2).

هذه الروايات تتّهم الشيعة بأنّهم عند سفرهم يضعون زوجاتهم وجواريهم عند الآخرين للتمتّع بهن.

ص: 421


1- الاستبصار 3 / 136.
2- نفس المصدر السابق.

ج : لا خلاف بين المسلمين بأنّ نكاح الجواري يكون بملك اليمين ، ولا يحتاج إلى صيغة العقد ، وعليه لو أراد مالك الأمة - قبل أن يدخل بها أو بعد الدخول والاستبراء - أن يزوّجها من أحد ، فليس عليه إلاّ أن يعطيه إجازة بذلك ، أي يمنحه حصّة ملكيته منه ، وبطبيعة الحال هذا الزواج الجديد لا يحتاج إلى صيغة النكاح ، بل يسوّغ بملك اليمين الذي منح من قبل مالكها.

ولرفع الاستغراب نذكر فقرات من كتب أهل السنّة في أمثال هذا المورد ، فمثلاً : « وإن كانت المنكوحة أمة فوليّها مولاها لأنّه عقد على منفعتها ، فكان إلى المولى كالإجارة » (1) ، وهكذا : « إذا ملك مئة دينار وأمة قيمتها مئة دينار ، وزوّجها من عبد بمئة ... » (2) ، ترى مشروعية تزويج الإنسان الحرّ أمته من غيره حتّى العبد.

أو مثلاً : « رجل له جارية ... وإن كانت في غير ملكه ، فقال : قد وطئتها ... » (3) ، فترى فرض الوطء في غير الملك ، وأيضاً : « والأمة إذا غاب مولاها ليس للأقارب التزويج » (4) ، والمفهوم من العبارة أنّ المولى إذا كان حاضراً فله أن يزوّج أمته ممّن يشاء ، وعشرات الأمثلة الأُخرى تظهر للمتتبّع في كتبهم ، وفيما ذكرناه كفاية.

( ... - ... - ..... )

ليس فيه ظلم للزوجة :

س : إنّ اللّه تعالى عادل لاشكّ في ذلك.

السؤال : كيف تتحقّق العدالة في حقوق الزوجين؟ حيث أنّ للزوجة حقّ على زوجها بتوفير المأكل والملبس والمسكن دون إشباع حاجاتها الجنسية والعاطفية

ص: 422


1- المجموع 16 / 147.
2- المصدر السابق 16 / 293.
3- البحر الرائق 3 / 167.
4- الفتاوى الهندية 1 / 285.

والنفسية ، وبما أنّ الإسلام لا يحلّ لها غير زوجها ، فكيف يتحقّق الإشباع لديها إن كانت تلك الأُمور ليست من واجبات الزوج؟ في حين أنّها واجبات للمرأة تجاه زوجها الذي يمتلك بدائل عدّة ، منها الزواج من أربع ، بالإضافة إلى المتعة ، أليس اللّه خلقها عاطفية بطبيعتها؟ أليس لها حاجات غير المأكل والملبس والمسكن؟ فكيف تشبع تلك الحاجات؟ ألا يؤدّي ذلك لبحثها عن بدائل والعياذ باللّه؟ أليس في ذلك فساد للمجتمع؟

ج : لتوضيح الجواب لابأس بذكر مقدّمات :

الأُولى : ليس العدل بمعنى المساواة دائماً ، بل معناه لغة واصطلاحاً : وضع الشيء في موضعه ، فلو كان عندنا رجل وطفل صغير جائعان ، وعندنا قرصان من الخبز ، فليس العدل بينهما أن يُعطى لكُلّ واحد منهما قرصاً بنحو التساوي والمساواة ، بل يُعطى للطفل بمقدار بطنه وسدّ جوعه ، كما يُعطى للرجل كذلك ، فوضع الأشياء في مواضعها هو حقيقة العدل ، كما هو من العقل أيضاً ، وربما في بعض الموارد يستلزم المساواة.

الثانية : إنّ اللّه سبحانه خلق الرجل والمرأة من نفس واحدة ، وجعلهما بمنزلة واحدة في أصل الخلقة والتربية والتعليم وكسب المكارم والأخلاق ، والتكاليف الشرعية والوظائف الدينية والاجتماعية ، إلاّ إنّه جعل أيضاً لكُلّ واحد منهما خصائص ومميّزات في الغرائز والأحاسيس والجسم من أجل التكامل ، فإنّ كُلّ واحد منهما مكمّل للآخر ، وهذا يعني أنّ الإنسان بطبيعته ناقص ، فإنّ الكمال المطلق ومطلق الكمال هو اللّه سبحانه ، وما سواه ناقص ومحدود.

فالرجل ينقصه العاطفة الكاملة التي تحملها المرأة ، كما إنّ المرأة بحاجة إلى عقل كامل يعينها في مسيرة الحياة الزوجية ، فتكمل بالرجل ، وكُلّ واحد يكمّل الآخر في مجالات خاصّة.

ولا ينكر اختلافهما في خلقة أبدانهما ، فإنّ الرجل من الجنس الخشن ، والمرأة من الجنس اللطيف الناعم ، وبطبيعة الحال يلزم الاختلاف بينهما في الخلقة الجسدية ، وإن كانا في أصل الخلقة من نفس واحدة.

ص: 423

الثالثة : لحكمة ربّانية جعل اللّه شهوة المرأة تزيد عن شهوة الرجل بدرجات ، كما ورد في الروايات الشريفة ، إلاّ إنّه جعل معها الحياء أيضاً ، فإنّها تزيد على الرجل بدرجات (1) ، فمن العدل الإلهي حينئذٍ إن يجعل أحكام النكاح والزواج والمقاربة الجنسية بحسب ما أودعه في الرجل والمرأة ، فلو كان حياء المرأة بمقدار حياء الرجل لكان العدل يقتضي بينهما المساواة في النكاح ومطالبة المقاربة ، ولكن جعل سبحانه حياء المرأة حاجزاً أمام شهوتها ، فهي لا تطالب بالمقاربة إلاّ نادراً.

كما إنّ الرجل هو صاحب النطفة ، فمطالبته للنكاح مقدّمة لتوليد المثل وبقاء النوع الإنساني ، كما إنّ تعدّد الرجال للمرأة الواحدة يوجب اختلاط المياه وضياع النسل والنسب ، وهذا يتنافى مع العدالة الاجتماعية.

كما إنّ الحروب تقتل الرجال غالباً ، فتبقى النساء الكثيرات من دون أزواج ، ممّا يوجب الفساد في المجتمع ، فمن العدل أن يكون تعدّد الزوجات للرجل دون المرأة ، وأنّ تكون مطالبة المقاربة بيده ، وعلى المرأة أن تستجيب في كُلّ الأحوال إلاّ ما نهى الشارع المقدّس عنه.

الرابعة : إنّ اللّه سبحانه في تشريعاته السمحاء قد شوّق الرجال على المقاربة ، وإن كثرة الطروق من سنن الأنبياء ، وما أكثر الروايات في هذا الباب ، وأنّ من يغتسل من نكاح حلال ، فإنّ كُلّ قطرة تكون بمنزلة ملك يستغفر له (2) ، وبمثل هذه المشوّقات الدينية من الأجر والثواب.

إضافة إلى قوّة الشهوة في الرجال ، ممّا يوجب إقدامهم على المقاربة ليل نهار ، ممّا يوجب إشباع المرأة في غريزتها الجنسية ، بل الكثير من النساء يعجزن أمام شهوة أزواجهن ، حتّى منهن من تريد الطلاق لكثرة الطروق من قبل زوجها ، فهل بعد هذا مجال للإشكال؟

ثمّ يستحبّ للرجل أن يستجيب دعوة زوجته ، ولهذا يستحبّ قبل المقاربة أن يداعبها ويلاعبها حتّى تصل إلى أوج شهوتها وتفرغ ما عندها.

ص: 424


1- أُنظر : الكافي 5 / 338.
2- الأمالي للشيخ الصدوق : 258.

الخامسة : لقد جعل اللّه تعالى مفاتن الزوجة فتنة الزوج ، فيكفيها أن تتزيّن وتتعطّر وتكشف عن محاسنها ومفاتنها ، عند ذلك لا يتمالك الزوج عن نفسه ولو كان كهلاً عجوزاً ، فتنال بغيتها بكُلّ سهولة ، وهل تريد المرأة من الرجل غير هذا؟!

إلاّ إذا كانت عاهرة تحبّ التنوّع والتبديل واختلاف الرجال ، وهذا أمر آخر يتنافى مع حيائها وروح الإسلام والشريعة المقدّسة ، ولا يكون إلاّ نادراً ، والنادر كالمعدوم لا قيمة له في وضع القوانين والأحكام ، فإنّها توضع على الأعم الأغلب.

( سوسن - ... - ..... )

جائز بين سنّي وشيعية وبالعكس :

س : تساؤلي عن مدى صحّة الزواج بين السنّة والشيعة - سواء الزواج الدائم أو المؤقت ، أي زواج المتعة - هل هو جائز؟ حلال أم حرام؟

ج : إنّ الفقهاء قد أجازوا الزواج بين المسلمين جميعاً : بأن يتزوّج السنّي من شيعية ، أو الشيعي من سنّية ، الزواج الدائم والمؤقت - إلاّ إذا خيف عليه أو عليها الضلال فيحرم - وهذا الحكم يستثنى منه النواصب.

ولكن ينصح العلماء أن لا تتزوّج الشيعية من سنّي ، لأنّه سيؤثّر على عقائدها - ولذا حكموا فيه بالكراهة - إلاّ إذا كانت مطمئنّة من قدرتها على المسائل العقائدية ، وأنّها هي التي ستؤثّر على الزوج.

( سيّد سلمان سيّد علوي - البحرين )

ولد الزنا كغيره مرهون بعمله :

س : كثير من الكتّاب والباحثين يؤكّدون على أنّ الإنسان المتولّد من حرام. أي من الزنا والعياذ باللّه. لابدّ أن يدخل النار ، هنا أكثر من استفسار يجب أن يوضّح :

ص: 425

1 - لماذا يتحمّل ذلك الإنسان ذنب قد ارتكبه غيره من البشر؟ والجليل يقول في كتابه الحكيم : ( لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ ) (1).

2 - ما هو البعد الإلهي لهذه القضية؟

3 - ما هي الأدلّة العقلية والنقلية في هذه القضية؟

4 - الرجاء ذكر اسم أيّ كتاب قد أُلّف خصّيصاً لمناقشة هذا الموضوع؟ غفر اللّه لنا ولكم ، ودمتم مشكورين على هذا الموقع المفيد لجميع المسلمين في العالم.

ج : إنّ الرأي المتّبع عند الفقهاء والمحققّين هو : أنّ ولد الزنا كغيره مرهون بعمله ، فلا وجود لحكم مسبق عليه ، فإن أطاع اللّه في واجباته واحترز عن معاصيه فهو جدير أن يدخل الجنّة.

والأدلّة العقلية قائمة بحدّ ذاتها على هذا الموضوع ؛ وأمّا الأدلّة النقلية فما كان منها يوهم خلاف هذا المطلب ، فهو إمّا ساقط سنداً أو دلالةً - باعتبار تعارضها بأخبار وأحاديث أُخرى تفيد ما قلناه - وإمّا مؤوّل يرجع بالنتيجة إلى ما ذكرناه من رأي الفقهاء.

( ... - ... - ..... )

النظر إلى عورة كُلّ من الزوجين جائز :

س : هل يجوز نظر الرجل لعورة امرأته وبالعكس؟ خاصّة أنّي وجدت أنّ الحديث الذي يستدلّ به الذين يقولون بكراهة النظر إلى عورة المرأة يورث العمى ، قد ضعّفه الألباني من أهل السنّة ، في حين جوّز النظر اعتماداً على الحديث « احفظ عورتك إلاّ من امرأتك ، أو ما ملكت يمينك » المروي عند أهل السنن إلاّ النسائي ، وهذا قول كثير من علماء أهل السنّة ، كابن مفلح الحنبلي ، الذي قال كذلك أنّ الشريعة إذا أحلّت شيئاً أحلت الأسباب الموصلة إليه ، وإذا كان هذا الأمر سيزيد في الاستمتاع ألا يعد أمراً مشروعاً؟

ص: 426


1- البقرة : 233.

وإذا كان المسلم محرّماً عليه النظر إلى عورات الناس رجالاً ونساءً ، فمن الذي يحلّ له ذلك ، أن لم يكن الزوج والزوجة؟

ج : من قال لك بحرمة نظر الرجل إلى عورة زوجته وبالعكس؟! أقصى ما يمكن أن يقال : بأنّه مكروه ، والحديث محمول على الكراهية لا على الحرمة (1).

هذا ، وقد خصّ بعضهم كراهية النظر إذا كان يريد الولد لا مطلق الجماع.

( أحمد - الإمارات - 19 سنة - طالب حوزة )

حدّ العورة :

س : هذه شبهة وردت في إحدى مواقع الوهّابية في المنتديات ، أرجو الردّ السريع : أقبح ما عند الرافضة حدّ العورة عند الشيعة.

قال الكركي : « إذا سترت القضيب والبيضتين فقد سترت العورة » الكافي 6 / 501 ، تهذيب الأحكام 1 / 374.

والدبر : نفس المخرج ، وليست الأليتان ، ولا الفخذ منها ، لقول الصادق عليه السلام : « الفخذ ليس من العورة ».

وروى الصدوق أنّ الباقر عليه السلام كان يطلي عورته ، ويلف الإزار على الإحليل ، فيطلي غيره سائر بدنه « جامع المقاصد للمحقّق الكركي 2 / 94 ، المعتبر للحلّي 1 / 122 ، منتهى المطلب 1 / 39 للحلّي ، تحرير الأحكام 1 / 202 للحلّي ، مدارك الأحكام 3 / 191 للسيّد محمّد العاملي ، ذخيرة المعاد للمحقّق السبزواري ، الحدائق الناضرة 2 / 5 ».

عن أبي الحسن الماضي قال : « العورة عورتان : القُبل والدبر ، الدبر مستور بالأليتين ، فإذا سترت القضيب والأليتين فقد سترت العورة » ، ولأنّ ما عداهما ليس محلّ الحدث ، فلا يكون عورة كالساق « الكافي 6 / 501 ، تهذيب الأحكام 1 / 374 ، وسائل الشيعة 1 / 365 ، منتهى المطلب 4 / 269 ، الخلاف للطوسي 1 / 396 ، المعتبر للحلّي 1 / 122 ».

ص: 427


1- الخلاف 4 / 249.

وعن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « الفخذ ليس من العورة » تهذيب الأحكام 1 / 374 ، وسائل الشيعة 1 / 365.

والدبر نفس المخرج وليست الأليتان ولا الفخذ منها « جامع المقاصد للمحقّق الكركي 2 / 94 ».

ولهذا كان الباقر يطلي عانته ، ثمّ يلفّ إزاره على أطراف إحليله ، ويدعو قيّم الحمّام فيطلي سائر بدنه « الفقيه 1 / 117 ، وسائل الشيعة 1 / 378 ، كتاب الطهارة للخوئي 3 / 356 ، كتاب الطهارة 1 / 422 للأنصاري ».

أرجو المساعدة على الردّ على تلك الحثالة الوهّابية ، وشكراً.

ج : ليس قبيحاً الامتثال لشرع اللّه بما دلّت عليه الأدلّة الشرعية موضع الاستنباط عند الفقهاء من الكتاب والسنّة الشريفة - التي تشمل أقوال وأفعال المعصومين عليهم السلام جميعاً - وإنّما القبيح أن يقحم المرء نفسه فيما لا يُحسن ، ويتجنّى على غير أهل الصناعة ، ويحسب نفسه على شيء وهو لا شيء بعينه.

وبالنسبة للحكم الفقهي لحدّ العورة ، فقد أختلف فقهاء الإمامية تبعاً لاستفاداتهم الاجتهادية من الروايات الواردة في الموضوع.

قال المحقّق البحراني قدس سره : « في العورة التي يجب سترها في الصلاة ، وعن الناظر المحترم ، وأنّها عبارة عن ماذا؟ والأشهر الأظهر أنّها عبارة عن القُبل والدبر ، والمراد بالقُبل الذكر والبيضتان ، وبالدبر حلقة الدبر التي هي نفس المخرج.

ونقل عن ابن البرّاج أنّها ما بين السرة والركبة ، وجعله المرتضى رواية كما نقله في المنتهى.

وعن ابن الصلاح أنّه جعلها من السرّة إلى نصف الساق ، مع أنّ المحقّق في المعتبر نقل الإجماع على أنّ الركبة ليست من العورة » (1).

وعليه ، فلا يحقّ لشخص خارج عن صناعة الفقه ، أن يدلي بدلوه فيما لا يُحسن ، ويأتي بروايات لا يعلم محلّها من الصحّة أو الإرسال ، أو المعارضة أو

ص: 428


1- الحدائق الناضرة 7 / 6.

التقييد والإطلاق ، ليقول : أنّ هذه الرواية هي الحكم الفقهي للموضوع الكذائي عند الطائفة ، فالأحكام الفقهية محلّها الكتب الاستدلالية لا الكتب الروائية ، وحسب ما أورده هذا البعض في نقله لهذه الرواية مثلاً : أنّ الباقر عليه السلام كان يطلي عانته وما يليها ، ثمّ يلف إزاره على أطراف إحليله ، ويدعو قيّم الحمّام فيطلي سائر بدنه (1).

نقول : ماذا يفعل هذا البعض بالرواية التالية الواردة عن بشير النبّال حيث يقول : سألت أبا جعفر عليه السلام عن الحمّام ، فقال : « تريد الحمّام »؟ فقلت : نعم ، قال : فأمر بإسخان الحمّام ، ثمّ دخل فاتزر بإزار ، وغطّى ركبتيه وسرّته ، ثمّ أمر صاحب الحمّام فطلى ما كان خارجاً عن الإزار ، ثمّ قال : « أُخرج عنّي » ، ثمّ طلى هو ما تحته بيده ، ثمّ قال : « هكذا فافعل » (2).

ولو سلّمنا لهذا البعض استفاداته الخاصّة من الروايات ، وقلنا أنّها وافقت فتوى المشهور عند علماء الإمامية في حدّ العورة ، فهاهم فقهاؤهم يفتون كما يفتي الإمامية في الموضوع ، فإنّنا نجد » أنّ أبا عبد اللّه الحنّاطي حكى عن الاصطخري أنّ عورة الرجل هي القُبل والدبر فقط » (3).

وفي رواية عن أحمد أنّ العورة الفرجان : « قال مهنا : سألت أحمد ما العورة؟ قال : الفرج والدبر. وهذا قول ابن أبي ذئب وداود لما روى أنس أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله يوم خيبر حسر الإزار عن فخذه حتّى أنّي لأنظر إلى بياض فخذ النبيّ صلى اللّه عليه وآله رواه البخاري » (4).

وقال ابن رشد : « وأمّا المسألة الثانية : وهو حدّ العورة من الرجل ، فذهب مالك والشافعي إلى أنّ حدّ العورة منه ما بين السرّة إلى الركبة ، وكذلك قال

ص: 429


1- أُنظر : وسائل الشيعة 2 / 53.
2- الكافي 6 / 501.
3- فتح العزيز 4 / 85.
4- المغني لابن قدامة 1 / 616.

أبو حنيفة ، وقال قوم : العورة هما السوأتان فقط من الرجل ، وسبب الخلاف في ذلك : أثران متعارضان ، كلاهما ثابت :

أحدهما : حديث جرهد : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قال : « الفخذ عورة » ، والثاني : حديث أنس : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله حسر عن فخذه ، وهو جالس مع أصحابه ، قال البخاري : وحديث أنس أسند ، وحديث جرهد أحوط » (1).

وفي نيل الأوطار : « قال النووي : ذهب أكثر العلماء إلى أنّ الفخذ عورة ، وعن أحمد ومالك في رواية : العورة القُبل والدبر فقط ، وبه قال أهل الظاهر وابن جرير والاصطخري » (2).

وفي المصدر نفسه : « باب من لم ير الفخذ من العورة ، وقال : هي السوأتان فقط.

عن عائشة : أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كان جالساً كاشفاً عن فخذه ، فاستأذن أبو بكر فإذن له وهو على حاله ، ثمّ استأذن عمر فأذن له وهو على حاله ، ثمّ استأذن عثمان فأرخى عليه ثيابه ، فلمّا قاموا قلت : يا رسول اللّه استأذن أبو بكر وعمر فأذنت لهما وأنت على حالك ، فلمّا استأذن عثمان أرخيت عليك ثيابك؟ فقال : « يا عائشة ألا استحي من رجل ، واللّه إنّ الملائكة لتستحي منه » رواه أحمد.

وروى أحمد هذه القصّة من حديث حفصة بنحو ذلك ولفظه : دخل عليّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ذات يوم ، فوضع ثوبه بين فخذيه ، وفيه فلمّا استأذن عثمان تجلّل بثوبه.

الحديث أخرج نحوه البخاري تعليقاً فقال في صحيحه في بعض ما يذكر في الفخذ : ... وعن أنس : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله يوم خيبر حسر الإزار عن فخذه حتّى إنّي

ص: 430


1- بداية المجتهد 1 / 95.
2- نيل الأوطار 2 / 49.

لأنظر إلى بياض فخذه ، رواه أحمد والبخاري وقال : حديث أنس أسند ، وحديث جرهد أحوط » (1).

فالمسألة كما ترى خاضعة للأدلّة الشرعية عند الفقهاء ، ومن هنا نرى اختلاف الفقهاء عند الفريقين - على حدّ سواء - تبعاً لاختلاف استفاداتهم من الأدلّة الشرعية ، فليست هذه المسألة محلاً للتهريج أو التشنيع بقدر ما هي محلاً للتحقيق والبحث العلميين في بيان حقيقة استفادة مثل هذا الحكم من الأدلّة الشرعية المتوفّرة لدى علماء المسلمين.

( ... - ... - ..... )

اختيار زوجة علوية حسن :

س : البعض من الشباب المقدمين على الزواج ، من ضمن الشروط التي يفضّلونها كون الفتاة سيّدة ، أي : ينتهي نسبها إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فما رأيكم بذلك؟

ج : هذا شيء حسن ولا حزازة فيه ، فقد ورد عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « كُلّ نسب وسبب منقطع يوم القيامة إلاّ حسبي ونسبي » (2) ، فالمصاهرة بالسادة لها آثارها الطيّبة ، إلاّ أنّ ذلك لا يمنع عن الإقدام بزواج المؤمنات العفيفات من غير السادة اللواتي يتّصفن بصفات الإيمان ، فضلاً عن مواصفاتٍ أُخرى يرغبها الجميع.

( رزان - الإمارات .... )

أحاديث تحث على الإنجاب :

س : أُريد حديثاً عن الرسول يحثّ على الإنجاب؟

ص: 431


1- المصدر السابق 2 / 50.
2- الخصال : 559.

ج : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « تزوّجوا ، فإنّي مكاثر بكم الأُمم غداً في القيامة ، حتّى أنّ السقط يجيء محبنطئاً على باب الجنّة ، فيقال له : أُدخل الجنّة ، فيقول : لا ، حتّى يدخل أبواي الجنّة » (1).

وقال صلى اللّه عليه وآله : « ما يمنع المؤمن أن يتّخذ أهلاً؟! لعلّ اللّه يرزقه نسمة تثقل الأرض بلا إله إلاّ اللّه » (2).

وقال صلى اللّه عليه وآله : « من كان يحبّ أن يستن بسنّتي فليتزوّج ، فإنّ من سنّتي التزويج ، اطلبوا الولد فإنّي مكاثر بكم الأُمم غداً » (3).

( علي نزار - الكويت - 23 سنة - طالب كُلّية الدراسات التجارية )

من جوّز نكاح الرجل لابنته وأخته من الزنا :

س : نيابة عن جميع الموالين لأهل البيت عليهم السلام أحبّ أن أشكركم على جهودكم في تبيان عقائد المذهب الحقّ ، ودحض ادعاءات أهل البدع والضلال ، وسؤالي هو :

هل فعلاً بأنّ المذهب الشافعي يبيح أن ينكح الرجل ابنته من الزنا؟ وإن كان كذلك ، فما هو المصدر الفقهي المعتبر الذي يمكنني الاستشهاد به في خصوص هذه المسألة؟ ودمتم سالمين.

ج : تذهب المالكية بالإضافة إلى الشافعية إلى جواز أن يتزوّج الرجل ابنته وأخته ، وبنت ابنته وبنت أخيه من الزنا ، ومن المصادر السنّية التي ذكرت ذلك :

1 - الشرح الكبير لابن قدامه : « فصل : ويحرم على الرجل نكاح ابنته من الزنا ، وأخته ، وبنت ابنه ، وبنت بنته ، وبنت أخيه ، وأخته من الزنا في قول عامّة الفقهاء.

ص: 432


1- من لا يحضره الفقيه 3 / 383.
2- وسائل الشيعة 20 / 14.
3- تحف العقول : 105.

وقال مالك والشافعي في المشهور من مذهبه يجوز له لأنّها أجنبية منه ، ولا تنسب إليه شرعاً ، ولا يجري التوارث بينهما ، ولا تعتق عليه إذا ملكها ، ولا يلزمه نفقتها ، فلم تحرم عليه كسائر الأجانب » (1).

2 - روضة الطالبين للنووي : « فرع : زنا بامرأة فولدت بنتاً ، يجوز للزاني نكاح البنت لكن يكره ، وقيل : إن تيقّن أنّها من مائه ، إن تصوّر تيقّنه حرمت عليه ، وقيل : تحرم مطلقاً ، والصحيح : الحلّ مطلقاً » (2).

3 - كشّاف القناع للبهوتي : « أو نكح بنته من الزنا » فعليه الحدّ « نصّاً ، وحمله جماعة على إن لم يبلغه الخلاف » وهو كون الشافعي أباحه ، « فيحمل إذن على معتقد تحريمه » أي تحريم نكاح البنت ونحوها ، وعبارة الفروع : وحمله جماعة على أنّه لم يبلغه الخلاف ، ويحتمل حمله على معتقد تحريمه (3).

4 - الفائق في غريب الحديث للزمخشري : « ومن شعره - أي الزمخشري - أيضاً :

إذا سألوا عن مذهبي لم أبُحْ به *** وأكتمُهُ كتمانُهُ لي أسلَمُ

فإن حنفيّاً قلتُ قالوا بأنّني *** أبيح الطلا وهو الشرابُ المحرَّم

وإن مالكيّاً قلتُ قالوا بأنّني *** أبيحُ لهم أكلَ الكلابِ وهمْ هم

وإن شافعيّاً قلتُ قالوا بأنّني *** أبيحُ نكاحَ البنتِ والبنتُ تحرم

وإن حنبليّاً قلتُ قالوا بأنّني *** ثقيلٌ حلولي بغيضٌ مجسِّم

وإن قلتُ من أهلِ الحديثِ وحزبِه *** يقولون تَيْسٌ ليس يدري ويفهمُ

تعجبت من هذا الزمان وأهله *** فما أحد من ألسن الناس يسلم

ص: 433


1- الشرح الكبير 7 / 483.
2- روضة الطالبين 5 / 448.
3- كشّاف القناع 6 / 125.

وأخّرني دهري وقدّم معشراً *** على أنّهم لا يعلمون وأعلم » (1)

5 - شرح صحيح مسلم للنووي : « وقال مالك والشافعي وأبو ثور وغيرهم : لا أثر لوطء الزنا ، بل للزاني أن يتزوّج أُمّ المزني بها وبنتها ، بل زاد الشافعي فجوّز نكاح البنت المتولّدة من مائه بالزنا » (2).

( نايل معايعة - الأردن - سنّي - 30 سنة - معلّم )

لا تزاوج بين الإنس والجنّ :

س : هل يوجد تزاوج بين الإنس والجنّ؟ وإذا كان يحصل مثل هذا الأمر كيف؟

ج : الجنّ نوع من الخلق مستورون عن حواسنا ، يخبر القرآن الكريم بوجودهم ، ويذكر أنّهم بنوعهم مخلوقون قبل نوع الإنسان ، وأنّهم مخلوقون من النار ، كما في قوله تعالى : ( وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ ) (3) ، والإنسان مخلوق من تراب ، وأنّهم يعيشون ويموتون ويبعثون كالإنسان ، ومكلّفون ، ويتوالدون ويتناسلون.

ولكن لا يتصوّر ممّا تقدّم أنّه يمكن أن يحصل تزاوج لاختلاف في مادّة الخلق ، فضلاً عن النوع الواحد ، فهل يتصوّر زواج إنسان من كلب ، أو حصان ببقرة ، فكيف بالجنّ؟

هذا من جهة ، ومن جهة أُخرى أن مر عليك في بعض الأخبار التي قد تصحّ أنّ جنّياً تزوّج من إنس ، فهذا لا يعني بقاءه على صورته ، بل حوّله اللّه تعالى إلى مخلوق أنسي ، حتّى يصحّ التزاوج.

ص: 434


1- الفائق في غريب الحديث 1 / 7.
2- شرح صحيح مسلم 10 / 40.
3- الحجر : 27.

( ليلى - ... - ..... )

زواج الشيعية من السنّي :

س : لو تزوّجت شيعية من سنّي بشرط ثباتها على مذهبها وقدرتها على التأثير عليه ، ولكن في حالة أن لم تستطع هدايته ، وأرادت من أبنائها أن يكونوا على مذهبها ، ما الحكم لو أرادوا مذهب أبيهم؟ ولم تتمكّن الأُم من هدايتهم ، خصوصاً وأنّ دائماً يتّبع الأولاد ملّة أبيهم ، أتعتبر المرأة ظالمة لأولادها؟ أو البعض منهم ، وهل تعاقب مثل التي تتزوّج كتابي؟ أم الأفضل أن لا تتزوّج السنّي ، أو أن تحاول هدايته.

وهل يجوز أن تشترط عليه قبل الزواج أن يكون الأولاد من مذهبها في حالة رفضها أن يكونوا على مذهب أبيهم؟ حيث أنّ من الصعب أن تربّي الأُمّ أولاده على مذهب تيقّن الأُمّ على عدم صحّته ، وأنّ مذهب أهل البيت بدون شكّ هو الطريق الصحيح؟

ج : إنّ العقيدة والمذهب ليست وراثية ولا تحكّمية ، فلا تأتي بالوراثة للأب أو الأُمّ ، ولا باشتراط أحدهما على الآخر ، فلا إكراه في الدين ، والمهمّ أن تبذلي يا أُختي جهدك على الاستزادة من العلم والمعرفة بأهل البيت عليهم السلام ، والاهتمام بأمرهم وإبراز فضائلهم ، وفضلهم على غيرهم ، وتنشأت أولادك على موالاة أهل البيت عليهم السلام ، وبيان حال مخالفيهم بهدوء ، وطرح علمي دون تهجّم ودون إساءة ، لكي لا يكون الردّ عكسياً - سواء من الزوج أو الأبناء - حتّى يفتح اللّه بينك وبينهم بالحقّ وهو خير الفاتحين.

وننصح بالدعاء والاستعانة باللّه تعالى على ذلك ، مع بذل المزيد من الجهد والثبات ، قال تعالى : ( وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) (1).

ص: 435


1- العصر : 1 - 3.

وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ) (1).

( محمّد - أمريكا - 19 سنة - طالب جامعة )

زواج الذكور بالذكور فيه تجاوز على الإنسانية :

س : انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة الحرّية بالمفهوم الغربي ، والذي يؤمن بالحضارة المادّية غافلاً عن الأُمور المعبّر عنها ما وراء الطبيعة ، إلاّ أنّ حقوق الشواذ أصبحت مسألة نقاشية في الولايات المتحدة ، لدرجة أنّ إحدى الولايات أجازت جواز الشواذ.

كيف نثبت خطأ هذا المفهوم؟ وهذا الحقّ المدّعى للعامّة من المجتمع الغربي أو للمسلمين ، ممّن أخذتهم رياح الحضارة المادّية حيث تسير؟

ج : إنّ من لا يؤمن بعالم ما وراء الطبيعة - بما في ذلك المنادي بالحرّية بمفهومها الغربي - لا يمكنه أيضاً الإيمان بالحرّية بمفهومها الوسيع وعرضها العريض ، فهل يقبل أحد المنادين بالحرّية سرقة أمواله ، واغتصاب زوجته وأطفاله ، أن لا يرى أنّ الحرّية تسمح له بذلك.

وإذا فرضنا أنّه أجاب بالإيجاب وقال : أقبل باقتضاء الحرّية سرقة مالي وما شاكل ذلك ، فنسأله : هل تقبل ضربك وقتلك من دون مبرّر؟ إنّك حتماً تجيب بالنفي ، وهذا يعني أنّ الحرّية ينبغي أن تكون لها حدود ، ولا يمكن لأحد أن يقبلها بعرضها العريض.

وآنذاك نسأل : ما هي حدود الحرّية؟ لابدّ وأن يكون الجواب : أنّ حدَّها عدم التجاوز على الإنسانية والبشرية ، وهو جواب جيّد ومقبول ، ولكن أليس زواج الذكور بالذكور فيه تجاوز على الإنسانية ، كيف لا يكون كذلك

ص: 436


1- العنكبوت : 69.

ونحن بتشريع الزواج المذكور نكون قد حكمنا على البشرية بالفناء والدمار بشكل تدريجي وبطيء ، إنّه ليس من المقبول تحت شعار الحرّية القضاء على البشرية والإنسانية.

( أحمد - الإمارات - 19 سنة - طالب حوزة )

جواز نكاح دون العاشرة :

س : هذه شبهة وردت في إحدى مواقع الوهّابية في المنتديات ، أرجو الردّ السريع : يجوز التمتّع وممارسة الجنس مع الصبية البكر إذا بلغت تسع سنوات - أو سبعاً على رواية - بشرط عدم الإدخال في الفرج كراهة العيب على أهلها!! لا تحريماً ولا مراعاة لذوق أو خلق ولك - بعد - أن تطلق لخيالك العنان طويلاً لتتصوّر مستقبل أخلاق طفلة بهذا العمر تتفرّج على أعضاء الرجال التناسلية ، وتلحظ حركاتهم الجنسية ، وهم يفعلون معها كُلّ شيء إلاّ الجماع!! والجماع المكروه من الفرج فقط ، أي تجوز المجامعة من الدبر!

هل يرضى إنسان غيور كريم مثل ذلك لابنته الصغيرة أو أخته أو قريبته أو لأيّ من أطفال العالمين؟! وما هو شعورك وأنت تتخيّل وقوع ذلك مع ابنتك البريئة مجرّد تخيّل؟!

إنّ تحليل هذه الحيوانية الهابطة لا يصدر من شيطان أو وحش عدو لبني الإنسان ، فكيف ينسب إلى أئمّتنا ويلصق بشرعتنا؟ كيف؟! أرجو المساعدة على الردّ على تلك الحثالة الوهّابية ، وشكراً.

ج : هل يدري هذا المستشكل المتحذلق أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قد عقد على السيّدة عائشة وهي ابنة ستّ سنوات ، ودخل بها وهي ابنة تسع , فقد ورد : وزفّت إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله وهي بنت تسع ، ولعبتها معها (1).

ص: 437


1- أُنظر : فتح الباري 7 / 176 ، مسند أحمد 6 / 280 ، سنن أبي داود 1 / 471 و 2 / 463 ، مسند أبي يعلى 8 / 74 ، المعجم الكبير 23 / 21.

فإذا كانت علّة المنع عندهم هي صغر عمر المعقود عليها ، فلا يختلف الكلام هنا بالنسبة للزواج الدائم أو المنقطع ، بل حتّى زواج النبيّ صلى اللّه عليه وآله من غيره ، وقد تبيّن جواز ذلك من فعل النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، الذي هو حجّة بلا خلاف ، فلا قيمة بعد هذا لكلام من يخالف فعل النبيّ صلى اللّه عليه وآله وقوله ، فلا نطيل الكلام هنا في هذه المسألة.

ص: 438

نهج البلاغة :

اشارة

( أبو الزين - الأردن - .... )

المراد من والزموا السواد الأعظم :

س : مع قيام المنهج القرآني بأنّ الأحقّية غالباً في الأقلّية ، كيف يوجّه كلام أمير المؤمنين في نهج البلاغة : ومن كلام له عليه السلام ، وفيه يبيّن بعض أحكام الدين ، ويكشف للخوارج الشبهة ، وينقض حكم الحكمين :

« فإن أبيتم إلاّ أن تزعموا أنّي أخطأتُ وضللتُ ، فلم تضلّلون عامّة أُمّة محمّد صلى اللّه عليه وآله بضلالتي ، وتأخذونهم بخطئي ، وتكفّرونهم بذنوبي ... والزموا السواد الأعظم ، فإنّ يد اللّه مع الجماعة ، وإيّاكم والفرقة ، فإنّ الشاذّ من الناس للشيطان ، كما أنّ الشاذّ من الغنم للذئب » (1).

هذا النصّ ، وقد استغله الإخوة الأشاعرة عندنا للإشارة إلى أنّ أحقّية أهل السنّة تنبع من كونهم السواد الأعظم وبنصّ أمير المؤمنين ، فما قولكم يا مولانا؟

ج : نلفت انتباهكم إلى النكات التالية :

1 - إنّ هذه الخطبة ليس لها سند معتبر ، ولم يقل أحد بصحّة كُلّ ما جاء في نهج البلاغة ، فلابدّ من استخراج أسانيد كُلّ خطبة فيه.

2 - إنّ الخطبة قد وردت في ردّ الخوارج المارقين ، فلابدّ من ملاحظة المخاطبين في فهم كلامه عليه السلام ، وذلك ليلزمهم بما ألزموا به أنفسهم.

ص: 439


1- شرح نهج البلاغة 8 / 112.

ويمكن أن يكون المراد من السواد الأعظم المذكور في الخطبة هو : أتباعه ومن بايعه ، وبعبارة واضحة : أنّ الإمام عليه السلام يريد أن ينبّه الخوارج بالرجوع إلى الخطّ العام الذي كانوا عليه قبل انحرافهم ، ويدلّ على هذا المعنى أن نعرف أنّ المسلمين في تلك الفترة قد انقسموا إلى ثلاث طوائف :

الأُولى : هم أصحاب الإمام عليه السلام ومن بايعه من عامّة الناس.

الثانية : أصحاب معاوية.

الثالثة : هم الذين انشقّوا من معسكر الإمام عليه السلام ، واتبعوا أهواءهم ، فضلّوا وأضلّوا.

فحينئذٍ هل يعقل أنّ الإمام عليه السلام ينصح هذه الفئة الثالثة بالرجوع إلى أصحاب معاوية؟ فلا يبقى إلاّ القول بأنّه عليه السلام كان يوبّخهم لخذلانهم الحقّ ، وهم الطائفة الأُولى ، الذين سمّاهم بالسواد الأعظم ، ويريد منهم أن لا يفترقوا عنها.

3 - إنّ هذا المعنى يتبيّن بوضوح من السياق الموحد في الخطبة ، إذ يذكر الإمام في الفقرة السابقة : « وخير الناس فيّ حالاً النمط الأوسط فالزموه ».

ثمّ يقول مباشرةً بعدها : « والزموا السواد الأعظم ، فإنّ يد اللّه مع الجماعة ، وإيّاكم والفرقة ، فإنّ الشاذّ من الناس للشيطان ... » ، فمن مجموع هذه الفقرات المتتالية يمكننا معرفة مقصود الإمام من عبارة : « السواد الأعظم ، والجماعة ، والفرقة ، والشذوذ » ، فنعرف أنّ المشار إليه في تلك المقاطع مجموعات معيّنة ، أي : أن « أل » المذكور في كُلّها للعهد لا للجنس.

ويدلّ على هذا الاستعمال بعض الروايات التي وردت في توضيح تلك الكلمات ، فمنها : أنّ رجلاً سأل علياً عليه السلام عن السنّة والبدعة والفرقة والجماعة؟

فقال : « أمّا السنّة فسنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأمّا البدعة فما خالفها ، وأمّا الفرقة فأهل الباطل وإن كثروا ، وأمّا الجماعة فأهل الحقّ وإن قلّوا » (1).

ص: 440


1- تحف العقول : 211.

ومنه يظهر أنّ تعريفه عليه السلام لتلك الفقرات هو تعريف خاصّ ، يجب ملاحظته في فهم كلامه عليه السلام في المقام.

4 - وأخيراً : توجد في نفس نهج البلاغة كلمات وخطب أُخرى تصرّح باحتمال تواجد الحقّ مع القلّة ، مثل : « لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلّة أهله » (1) ، أو « إنّ هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا بقلّة » (2).

وعليه ، فيجب أن نفهم كلام الإمام عليه السلام في المقام بشكل يتّفق مع كلماته وخطبه في سائر الموارد.

( محمّد - أمريكا - .... )

لم يذكر فيه كسر ضلع الزهراء :

س : إذا ثبتت مسألة كسر ضلع الزهراء عليها السلام عند علمائنا الأجلاّء ، فلماذا لم يرد ذكرها في نهج البلاغة؟ علماً أنّ الإمام علي عليه السلام ذكر معظم ما جرى له في حياته في خطبه المجموعة في نهج البلاغة؟

ج : أوّلاً : إنّ الشريف الرضي قدس سره جمع خطب أمير المؤمنين عليه السلام ورسائله وكلماته القصار ، وكان نظره إلى الجانب الأدبي والبلاغي في كلامه عليه السلام ، ولم يجمع كُلّ كلام الإمام عليه السلام ، حتّى أنّه لم يورد في بعض الأحيان الخطبة بأكملها ، بل أورد قسماً منها.

وعليه ، فلا يرد الإشكال إذا لم ترد مسألة كسر الضلع في نهج البلاغة صريحاً ، مع أنّه أشار عليه السلام إلى مظلومية الزهراء عليها السلام بإشارات يفهمها اللبيب ، وبعبارات بليغة ، وجمل ظريفة ، حيث قال عليه السلام - عند دفن فاطمة عليها السلام ، كالمناجي به رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عند قبره - :

ص: 441


1- شرح نهج البلاغة 10 / 261.
2- المصدر السابق 9 / 95.

« السَلامُ عَلَيكَ يا رَسولَ اللّهِ عَنّي وَعَن ابنَتِكَ النازِلَة في جِوارِكَ ، وَالسَريعَةِ اللِحاقِ بِكَ! قَلَّ يا رَسولَ اللّه عَن صَفِيّتِكَ صَبري ، وَرَقّ عَنها تَجَلُدي ، إلاّ أنَّ فِي التَأسّي لي بِعَظيمِ فُرقَتِكَ ، وَفَادِحِ مُصيبَتِكَ مَوضِعَ تَعَزّ ، فلقد وَسّدتُكَ في مَلحودةِ قَبرك ، وفاضَت بينَ نَحري وصَدري نفسُكَ ، إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، فَلَقَد استُرجِعت الوَديعة ، وأخذتِ الرَهينة!

أمّا حُزني فَسَرمَدٌ ، وأمّا لَيلي فَمُسَهّدٌ ، إلى أن يَختارَ اللّهُ لي دارك التي أنتَ بِها مُقيم ، وسَتُنَبئكَ ابنتُكَ بِتَضافُرِ أُمّتك عَلَى هَضمِها ، فَأحفِها السُؤالَ ، واستَخبِرها الحالَ ، هذا وَلَم يَطُلِ العَهدُ ، ولَم يَخلُ مِنكَ الذكر ، والسلام عليكما سَلامَ مُودّعٍ ، لا قالٍ ولا سَئمٍ ، فإن أنصَرِف فَلا عَن مَلالةٍ ، وَإن أُقِم فلا عَن سُوء ظَنّ بما وَعَدَ اللّهُ الصابِرينَ » (1).

وفي الختام ننبّهك إلى عدّة نقاط :

1 - ليست كُلّ الخطب قد وصلت إلينا ، لأنّ أئمّة أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم - وعلى مرّ العصور - كانوا مظلومين مقهورين ، وفي حالة تقية ، وكذلك الأيادي الأثيمة دمّرت الكثير من تراث أهل البيت عليهم السلام.

وبناء عليه إذا لم ترد مسألة كسر الضلع في خطب أمير المؤمنين عليه السلام الواصلة إلينا ، فإنّ هذا لا يعني أنّهم عليهم السلام لم يذكروا هذه المسألة في خطبهم ، بالأخصّ مع تصريحهم عليهم السلام إلى هذا المطلب في أحاديثهم ورواياتهم الواصلة إلينا.

2 - إنّ مقام الخطبة غير مقام الكلام والحديث ، ففي الخطبة تراعى المسائل البلاغية والإشارات إلى المطالب التي لم يمكن التصريح بها ، لأنّ الخطبة تكون في الملأ العام ، وهذا بخلاف الأحاديث الخاصّة ، والتي تقال لخواص الأصحاب.

3 - إنّ من أكثر المسائل التي حاول النواصب طمسها وامحاءها هي مسألة مظلومية الزهراء عليها السلام ، لأنّها المصداق البارز للتبرّي الذي بُني عليه التشيّع بعد

ص: 442


1- شرح نهج البلاغة 10 / 265.

التولّي ، وكذلك هو الدليل القاطع على فضائح القوم ، فحاول الخصم بكُلّ جهده أن لا تصل هذه الحقائق.

فبعد هذا ، كُلّ ما وصل إلينا من مصاديق مظلومية الزهراء عليها السلام فهو من المعجزات ، وبسبب تضحيات العلماء ، الذين ضحّوا بكُلّ شيء لأجل إيصال هذه الحقائق.

( علي - ... - ..... )

الخطبة الشقشقية في مصادر سنّية :

س : ناقشي صديق سنّي حول الخطبة الشقشقية لأمير المؤمنين عليه السلام ، وأنّها لا صحّة لها لعدم وجود خلاف بين الإمام والخلفاء ، ولم تذكرها كتب علماء أهل السنّة القدماء ، فهل بإمكانكم تزويدي بمصادر الخطبة في كتب السنّة.

ج : إنّ الخطبة الشقشقية من خطب أمير المؤمنين عليه السلام المشهورات ، وقد روتها العامّة والخاصّة ، وشرحوها ، وضبطوا ألفاظها من دون غمز في متنها ، ولا طعن في أسانيدها.

وتكاد أن تكون هذه الخطبة هي الباعث الأوّل ، والسبب الأكبر لمحاولة تزييف نهج البلاغة بإثارة الشبهات الواهية حوله ، وتوجيه الاتهامات الباطلة لجامعه الشريف الرضي بوضعها ، وما علموا أنّ هذه الخطبة بالخصوص مثبّتة في مصنّفات العلماء المشهورة ، وخطوطهم المعروفة قبل أن تلد الرضي أُمُّه ، وإليك طائفة من علماء السنّة الذين رووها ، أو استشهدوا ببعض مقاطعها.

1 - الإنصاف في الإمامة لابن قبة الرازي ، كان من المعتزلة ، ومن تلامذة أبي القاسم البلخي شيخ المعتزلة ، ثمّ انتقل إلى مذهب الإمامية.

ص: 443

2 - أبو القاسم البلخي الكعبي ، المتوفّى سنة 317 ه- ، إمام البغداديين من المعتزلة ، له تصانيف تضمّن بعضها كثيراً من الخطبة الشقشقية ، كما شهد لنا بذلك ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (1).

3 - العقد الفريد لابن عبد ربّه المالكي ، المتوفّى سنة 328 ه- ، كما نقل ذلك العلامة المجلسي في البحار (2).

ويؤيّد ما نقله المجلسي : أنّ القطيفي - في كتاب الفرقة الناجية - نصّ على أنّها في الجزء الرابع من العقد الفريد ، ثمّ جاءت الأيدي الأمينة على ودائع العلم! فحذفتها عند النسخ أو عند الطبع ، وكم لهم من أمثالها.

4 - المغني للقاضي عبد الجبار المعتزلي ، المتوفّى 415 ه.

5 - نثر الدرر ، وكتاب نزهة الأديب للوزير أبي سعيد الآبي ، المتوفّى 422 ه.

6 - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي (3).

7 - تذكرة الخواص لابن الجوزي : 133.

هذا ، وأنّ كتب الأدب ومعاجم اللغة ، لا تخلو من ذكر الخطبة الشقشقية :

أ - مجمع الأمثال للميداني 1 / 369.

ب - النهاية لابن الأثير (4).

ج - لسان العرب لابن منظور في مادّة شقشق (5).

د - تاج العروس للزبيدي (6).

ص: 444


1- شرح نهج البلاغة 1 / 205.
2- بحار الأنوار 29 / 506.
3- شرح نهج البلاغة 1 / 151.
4- النهاية لابن الأثير 2 / 490.
5- لسان العرب 10 / 185.
6- تاج العروس 6 / 398.

( يوسف العاملي. المغرب .... )

حول عبارة خطرك يسير :

س : جاء في نهج البلاغة في باب حكم أمير المؤمنين عليه السلام عبارة هي : وخطرك يسير - أي الدنيا - ووجدت في كتاب آخر : وخطرك كبير ، فما هو الأصل؟

ج : بحسب المصادر الموجودة عندنا العبارة المذكورة هكذا : « وخطرك يسير » (1) ، ووردت عبارة : « وخطرك حقير » (2) ، كنسخة أُخرى من عبارة : خطرك يسير.

نعم ، ووردت عبارة : « وخطرك كبير » في بعض المصادر (3).

ص: 445


1- شرح نهج البلاغة 18 / 224 ، خصائص الأئمّة : 71 ، روضة الواعظين : 441 ، شرح الأخبار 2 / 392 ، مناقب آل أبي طالب 1 / 371 ، عدة الداعي : 195 ، تاريخ مدينة دمشق 24 / 401 ، ينابيع المودّة 1 / 438.
2- شرح نهج البلاغة 18 / 226.
3- كشف الغمّة 1 / 76 ، بحار الأنوار 75 / 23.

ص: 446

الوحدة الإسلامية :

اشارة

( عبد الحميد صالح المعراج - السعودية - .... )

تتحقّق بالتمسّك بوصية الرسول :

س : كيف يتمّ التقريب بين المذهب السنّي والمذهب الشيعي؟ بحيث نتوصّل إلى وحدة باطنية ووحدة ظاهرية ، حيث يتمّ الإقناع لكُلّ من السنّي والشيعي ، بحيث لا يبقى مجال لينكر أحدهما على الآخر ، وبالتالي يعيش كُلّ منهما في سعادة واطمئنان وسلام.

ج : إنّ التمسّك بوصية رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله هو الحلّ الوحيد لإيجاد التقريب ، والتوصّل إلى الوحدة الباطنية ، وذلك يتمّ ببحث أُمور :

1 - ما هي وصية الرسول صلى اللّه عليه وآله لأُمّته؟ الجواب : حديث الثقلين.

2 - هل جاء في حديث الثقلين « الكتاب والعترة » أو « الكتاب والسنّة »؟ الجواب : ورد في حديث الثقلين « الكتاب والعترة » ، كما ورد به الكثير من الأخبار الصحيحة في الصحاح والمسانيد المعتبرة (1) ، وأمّا ما ورد من الوصية

ص: 447


1- أُنظر : فضائل الصحابة : 15 ، الجامع الكبير 5 / 328 ، تحفة الأحوذي 10 / 196 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 418 ، كتاب السنّة : 337 و 629 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 45 و 130 ، خصائص أمير المؤمنين : 93 ، المعجم الصغير 1 / 135 ، المعجم الأوسط 4 / 33 و 5 / 89 ، المعجم الكبير 3 / 66 و 5 / 154 و 166 و 170 و 182 ، شرح نهج البلاغة 9 / 133 ، نظم درر السمطين : 232 ، كنز العمّال 1 / 172 و 186 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 122 ، المحصول 4 / 170 ، الإحكام للآمدي 1 / 246 ، الطبقات الكبرى 2 / 194 ، علل الدارقطني 6 / 236 ، أنساب الأشراف : 111 و 439 ، البداية والنهاية 5 / 228 ، السيرة النبوية لابن كثير 4 / 416، سبل الهدى والرشاد 11 / 6 و 12 / 232 ، ينابيع المودّة 1 / 74 و 95 و 99 و 105 و 112 و 119 و 123 و 132 و 345 و 349 و 2 / 432 و 438 و 3 / 65 و 141 و 294 ، النهاية لابن الأثير 1 / 211 و 3 / 177 ، لسان العرب 4 / 538 و 11 / 88 ، تاج العروس 7 / 245.

بالكتاب والسنّة ، فهو حديث ضعيف صرّح بضعفه كبار محدّثي علماء القوم (1).

3 - من هم أهل البيت؟ الجواب : ورد في تفسير آية التطهير أنّهم : النبيّ وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.

4 - هل النساء من أهل البيت؟ حيث يستدلّ بسياق الآية على دخولهن في مصداق أهل البيت؟ الجواب : السياق حجّة إذا لم يرد دليل آخر يخالفه ويخرجه عن السياق ، ولكن الروايات المعتبرة خصّصت أهل البيت بهؤلاء ، وأخرجت غيرهم ، حيث أنّ أُمّ سلمة سألت النبيّ : وأنا منهم؟ فأجاب : « إنّك على خير » (2).

وبعد كُلّ هذا ، فإنّ التمسّك بوصية النبيّ لأُمّته خير طريق لإيجاد الوحدة.

( عمر بن محمّد - السعودية - سنّي )

مطلوبة بين المسلمين :

س : الحقيقة أنّكم إخواننا في الإسلام ، ونحن الآن في عصر العولمة والتقدّم ، ولعلّنا نستفيد من هذا التقدّم بدفع عجلة الانصهار الطائفي إلى الأمام ، أعني لابدّ للشيعة والسنّة أن يكونوا على قلب واحد لمواجهة الآفة الكبرى أمريكا وإسرائيل ، نحن يا أخواني نعبد اللّه ، ونحجّ ونصوم ، وقبلتنا

ص: 448


1- كنز العمّال 1 / 187 ، العلل 1 / 9 ، الضعفاء الكبير 2 / 251 ، الكامل في ضعفاء الرجال 4 / 69.
2- مسند أبي يعلى 12 / 456 ، المعجم الكبير 3 / 53 ، شواهد التنزيل 2 / 115 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 142 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 13.

واحدة ، وأنا في الحقيقة يا إخواني لا أفرّق بين المذهبين ، لماذا هذا التراشق والتشكيك بالدين بينكم وبين السنّة؟

أتمنّى أن يأتي اليوم الذي نكون به في خندق واحد ضدّ أمريكا واليهود ، دعونا نعمل للأجيال القادمة ، نزرع لهم الحبّ والوآم قبل أن نزرع الحقد.

في عام 1948 م دفعت السفارة البريطانية للكتّاب من الشيعة والسنّة لتأليف كتب معادية للطرفين ، والهدف هو إشعال الفتنة بين المسلمين ، نتمنّى من اللّه العزيز الحكيم أن يصفّي القلوب ، وتذوب الشوائب ، ويرتفع علم الإسلام خفّاقاً رغماً عن أمريكا ، مع تحياتي للجميع.

ج : نحن نعتقد بالوحدة الإسلامية ، وأنّ المسلمين بأمسّ الحاجة إلى التقارب والاتحاد ، بالأخصّ في وقتنا الحاضر ، ولكن هذا لا يعني ترك الحوار الهادئ الهادف للوصول إلى الحقيقة في المسائل العلمية ، فإنّ الأُمم والحضارات والمدارس الفكرية لا يمكن أن تصل إلى مرحلة الترقّي إلاّ بالتقارب الفكري والحوار الهادف.

فالوحدة مطلوبة ، والحوار الهادف مطلوب أيضاً ، بشرط أن لا يخرج الحوار عن أُسسه العلمية.

( رضا - البحرين - .... )

تتحقّق بالحوار الهادف :

س : ما هو رأيكم في التقريب بين المذاهب الإسلامية؟ وما هو المطلوب ، تقريب المذاهب أم توحيدها؟ وما الذي يترتّب على ذلك؟

ج : الآية القرآنية الواردة في الوحدة : ( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ ) (1) ، ورد في تفسيرها عند الشعية والسنّة : أنّ المراد بحبل اللّه هو الكتاب والعترة ، وذلك يفهم بوضوح عند مراجعة حديث الثقلين المتواتر : « إنّي

ص: 449


1- آل عمران : 103.

تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما فلن تضلوا بعدي أبداً ».

فالوحدة الحقيقية : التمحور حول الكتاب والعترة ، والتمسّك بهما ، وأخذ معالم الدين منهما ، ولا يمكن أن نفرّق بينهما « لن يفترقا » ، ولن تفيد التأبيد ، يعني إلى يوم قيام الساعة.

هذا ، وإنّ العقل يحتّم على جميع المسلمين : أن يتركوا المنابزات بالألقاب ، والسباب والشتائم ، وكُلّ شيء يكون سبباً للنفرة ، ويتّحد المسلمون في قبال العدو المشترك ، الذي لا يفتأ عن العمل للإحاطة بالمسلمين.

ومع كُلّ هذا ، فإنّ الاختلاف في الرأي حقيقة ثابتة لا يمكن إنكارها ، ولكن كيف نتعامل مع هذا الاختلاف؟

الوحدة الإسلامية والتقارب يحتّمان على الجميع ، أن يجلسوا على طاولة الحوار الهادف الهادئ لبحث الاختلافات قربة إلى اللّه تعالى ، متجنّبين عن كُلّ ما يسبّب النفرة ، فإن توصّلوا إلى حلّ فهو المطلوب ، وإلاّ فالاختلاف لا يفسد للودّ قضية.

فالوحدة والتقارب يعني ترك النزاع والالتجاء إلى البحث العلمي الموضوعي المبتني على أُسس علمية.

( أُسامة - الأردن - سنّي )

لتحقيقها نظرتان :

س : الأحبة في اللّه ، أعرّفكم بنفسي ، فأنا شافعي من مدرسة فقهية مجدّدة في الأردن ، معجب بجهودكم المباركة ، مبغض لكُلّ نصب وتجسيم وتفريق بين المسلمين ، تخلّصت بفضل اللّه من التعصّب ، غير أنّي أتمنّى منكم بيان جهودكم في التقريب.

أرجو أن تواصلوني بنصائحكم من أجل توصيل الفائدة للسنّة المعتدلين.

ص: 450

ج : إنّ للتقريب نظرتان : نظرة تقول : بأن يتّحد المسلمون فيما اتفقوا عليه ، ويتركوا فيما اختلفوا فيه لا يبحثونه بالمرّة ، ونظرة تقول : بأن يتّحد المسلمون فيما اتفقوا عليه ويكون سبباً لتقاربهم ، وأمّا فيما اختلفوا فيه فيجلسون على طاولة الحوار الهادف الهادئ متقرّبين بذلك إلى اللّه تعالى فيتحاوروا ، فإذا توصّلوا إلى نتيجة فيما اختلفوا فيه فهو المطلوب ، وإذا لم يتوصّلوا إلى حلّ فيما اختلفوا فيه ، فتبقى إخوتهم ومحبّتهم ويواصلوا الحوار.

وهذه النظرية الثانية هي التي يركّز عليها المركز ، وبنى منهجه على وفقها ، وكلّنا أمل في أن يدوم الاتصال فيما بيننا.

ص: 451

ص: 452

الوضوء :

اشارة

( أحمد جعفر - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة )

ما ورد في كيفيته من كتاب الغارات لا يعتمد عليه :

س : طالعت كتاب الغارات للثقفي ، فوجدت فيه طريقة الوضوء ، فكان الحديث عن الإمام علي عليه السلام يشرح فيه طريقة الوضوء ، وفي الحديث طريقة الوضوء جاءت مطابقة لطريقة وضوء أهل السنّة ، فما هي الحقيقة حول هذا الحديث؟

ج : إنّ الرواية المذكورة في كتاب الغارات لا يمكن الاعتماد عليها (1) ، وذلك لمعارضتها لروايات متواترةٍ صحيحة تصف الوضوء على طريقة الإمامية المتعارفة المتبعة ، لذا فهي ساقطة عن الاعتبار ، وقد روى هذه الرواية الشيخ المفيد قدس سره في أماليه بنفس السند (2) ، إلاّ أنّ نصّها يؤكّد طريقة وضوء الإمامية خلاف النصّ الوارد في كتاب الغارات ، ممّا جعل المحقّق النوري قدس سره - صاحب المستدرك على الوسائل - أن يعتبر ما ورد في نصّ كتاب الغارات هو من تصحيف العامّة ، أي من تحريفهم (3).

لذا فلا طعن في سندها ، إلاّ أنّ نصّها مخالف لروايات متواترة تعارضها ، وبذلك فلا يعتنى بهذه الرواية ولا الأخذ بها ، فإنّ وضوء الإمامية قد وردت فيه روايات صحيحة صريحة متواترة فضلاً عن إجماع الطائفة دون معارض.

ص: 453


1- الغارات 1 / 244.
2- الأمالي للشيخ المفيد : 260.
3- مستدرك الوسائل 1 / 306.

( الكويت - ... - ..... )

كيفيته :

س : كيف يتم الوضوء؟

ج : إنّ الوضوء يتمّ بعدّة أُمور :

أوّلاً : غسل الوجه ، ما بين قصاص الشعر إلى طرف الذقن طولاً ، وما اشتملت عليه الإصبع الوسطى والإبهام عرضاً ، والابتداء بأعلى الوجه إلى الأسفل ، ولا يجوز العكس.

ثانياً : غسل اليدين من المرفقين إلى أطراف الأصابع ، ولا يصحّ العكس.

ثالثاً : مسح مقدّم الرأس بما بقي من بلل اليد ، بمقدار ثلاثة أصابع مضمومة عرضاً ، وقدر إصبع طولاً ، وأن يكون المسح من الأعلى إلى الأسفل بباطن الكفّ اليمنى.

رابعاً : مسح القدمين من أطراف الأصابع إلى الكعبين.

( سامي مراد - الكويت - .... )

غسل اليد من المرفق :

س : قال اللّه تعالى في آية الوضوء : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ ) (1).

فأرجو أن توضّحوا لي : لماذا يكون وضوؤنا إلى الأصابع؟ وليس إلى المرافق؟ كما في الآية ، أي إنّنا عندما نريد أن نتوضّأ نغسل أيدينا من المرافق إلى الأصابع؟

ج : قال تعالى : ( فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ) ، والأيدي جمع يد ، وهي العضو الخاصّ الذي به القبض والبسط والبطش وغير ذلك ، وهو : ما

ص: 454


1- المائدة : 6.

بين المنكب وأطراف الأصابع ، وبما أنّ المعظم من مقاصد اليد تحصل بما دون المرفق إلى أطراف الأصابع ، سُمّي هذا المقطع باليد أيضاً ، فصار اللفظ بذلك مشتركاً ، كالمشترك بين الكلّ والأبعاض ، وهذا الاشتراك هو الموجب لذكر القرينة المعيّنة إذا أُريد به أحد المعاني ، ولذلك قيّد تعالى قوله : ( وَأَيْدِيَكُمْ ) بقوله : ( إِلَى الْمَرَافِقِ ) ، ليتعيّن أنّ المراد غسل اليد التي تنتهي إلى المرافق.

فتبيّن : أنّ قوله تعالى : ( إِلَى الْمَرَافِقِ ) قيد لقوله : ( أَيْدِيَكُمْ ) ، فيكون الغسل المتعلّق بها مطلقاً غير مقيّد بالغاية ، يمكن أن يبدأ فيه من المرفق إلى أطراف الأصابع ، وهو الذي يأتي به الإنسان طبعاً إذا غسل يده في غير حال الوضوء من سائر الأحوال ، أو يبدأ من أطراف الأصابع ويختم بالمرفق ، لكن الأخبار الواردة من طريق أئمّة أهل البيت عليهم السلام تفتي بالنحو الأوّل دون الثاني ، وبعبارة أسهل نقول :

1 - إنّ لفظ الأيدي في الآية الشريفة مشترك بين كونه ما بين المنكب وأطراف الأصابع ، أو ما بين المرفق وأطراف الأصابع.

2 - هذا الاشتراك يحتاج إلى قرينة تعيّنه.

3 - قوله تعالى : ( إِلَى الْمَرَافِقِ ) قرينة على تعيين المراد من اليد ، فقوله تعالى : ( إِلَى الْمَرَافِقِ ) قيد لقوله تعالى : ( وَأَيْدِيَكُمْ ) ، لا قيداً لقوله تعالى : ( فاغْسِلُواْ ) ، ولا معنى لكونه قيداً لهما جميعاً.

4 - وبعد هذا ، فإنّ الآية غير ناظرة إلى أنّ الغسل من أين يبدأ فيه ، فحينئذ يرجع فيه إلى السنّة.

5 - إنّ الأُمّة أجمعت على صحّة وضوء من بدأ في الغسل بالمرافق وانتهى إلى أطراف الأصابع ، وهذا يؤيّد مدّعانا من الاستفادة من الآية القرآنية.

ص: 455

( جنيد عباس - غانا - .... )

كيفية وضوء رسول اللّه :

س : من فضلكم كيف كان الرسول صلى اللّه عليه وآله يتوضّأ؟ لأنّي أرى بعض المسلمين يفعلون شيئاً ، وآخرون يفعلون شيئاً آخر ، لذلك أُريد البيان الكامل منكم.

ج : روى الشيخ الكليني قدس سره عن زرارة وبكير أنّهما سألا أبا جعفر عليه السلام عن وضوء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فدعا بطشت ، أو تور فيه ماء ، فغمس يده اليمنى ، فغرف بها غرفة ، فصبّها على وجهه ، فغسل بها وجهه ، ثمّ غمس كفّه اليسرى ، فغرف بها غرفة ، فأفرغ على ذراعه اليمنى ، فغسل بها ذراعه من المرفق إلى الكفّ ، لا يردّها إلى المرفق ، ثمّ غمس كفّه اليمنى ، فأفرغ بها على ذراعه اليسرى من المرفق ، وصنع بها مثل ما صنع باليمنى ، ثمّ مسح رأسه وقدميه ببلل كفّه ، لم يحدث لهما ماء جديداً ... (1).

ص: 456


1- الكافي 3 / 25.

وطئ الزوجة من الدبر :

اشارة

( عبد اللّه - الكويت - سنّي - 25 سنة - دبلوم تجارة )

محلّ نقاش عند أهل السنّة :

س : في البداية أودّ أن أقول : بأنّني لم أجد موقعاً في الإنترنت مثل موقعكم هذا ، حيث أنّني من محبّي معرفة الإسلام الحقّ ، وهذا الموقع وضّح لي الكثير من الأشياء ، التي كانت تخفى عليّ أنا ، المهمّ أحبّ أن أقول : بأنّني سنّي المذهب حتّى الآن ، ولكن أحبّ أن أوضّح لكم بعض الأُمور ، أنا اقتنعت من مذهب الشيعة ، حيث أنّني فهمت الكثير من هذا الموقع ، وجزاكم اللّه خيراً ، حيث أنّني لم أكن أعرف معنى السجود على التربة ، وجمع الصلوات ، والخمس ، وزواج المتعة.

المهمّ أنّ موضوعي ليس زواج المتعة ، بل هو بعض الفتاوى التي تصدر من مراجع الشيعة ، مثل ما يلي : علماء الشيعة يجوّزون في الزواج أن يدخل الرجل بزوجته من الدبر ، وهذا متّفق عليه عند المراجع كُلّهم ، أنا أعلم بأنّه مكروه كراهية شديدة ، والمرأة إن رفضت لا تعتبر ناشزة ، ولكن هل هذا جائز فعلاً؟ أعني بذلك أنّه هل توجد أدلّة تبيّن لنا - نحن الباحثون عن الحقّ - لماذا هذا جائز عند الشيعة ، وليس جائز عند السنّة؟

وهل يوجد من علماء السنّة من الأوّلين إلى الآن ، من جوّز الدخول على المرأة من الدبر؟ وإن كان يوجد فأرجو ذكر أسمائهم ، حيث أنّه هناك آية قرآنية تبيّن فيها أن تأتي المرأة من ما أمرنا اللّه ، أو ليس هذا اجتهاد مقابل النصّ

ص: 457

القرآني؟ أرجو التوضيح ، لأنّ الشيعة هم ينادون بأنّهم يندّدون ويبغضون من يجتهد مقابل النصّ ، مثل عمر بن الخطّاب.

آسف على الإطالة ، ولكنّي أبحث عن الحقّ ، وقد أُعجبت بمذهب أهل البيت ، ولكن رأيت من يمثّل أهل البيت لهم فتاوى غريبة ، كالتي ذكرتها ، وأنا أُريد أن أسير في طريق أهل البيت ، ولكن يوجد فتاوى كالتي ذكرتها ، والمزيد ما لم أذكره أجد فيه غرابة واجتهاد مقابل النصّ القرآني.

على العموم أنا إنسان في طريق الاستبصار ، فقد فهمت كُلّ عقائد أهل البيت ، ولكنّي أعجب من فتاوى العلماء الذين سوف يكون واحد منهم مرجعي ، فأرجو منكم التوضيح التام للأمر الذي ذكرته ، وسوف يكون بيننا تواصل إن شاء اللّه تعالى.

ج : إنّ موضوع إتيان النساء في أدبارهنّ مختلف فيه عند الشيعة ، فمنهم من يفتي بكراهته ، ومنهم من يحرّمه ، ولكُلّ من الفريقين أدلّة ونصوص قرآنية وروائية لا مجال لنا أن نتعرّض لسردها وتأييدها أو ردّها ، ولكن نشير إلى الآية التي ذكرتموها ، وهي : ( ... فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ ) (1) ، فلا يظهر المراد منها على وجه تختصّ بالقُبل ، كما هو ظاهر للمتأمّل ، بل كما يجوز هذا الوجه ، يحتمل أيضاً أن يكون المراد هو حلّية مطلق الإتيان ، ورفع الحظر الذي كان في حالة الحيض.

ثمّ إنّ المتتبّع المنصف يرى أنّ الموضوع هو محلّ النقاش عند السنّة أيضاً ، فعلى سبيل المثال نذكر هنا هذه الرواية التي تجوّز هذا الأمر عندهم : عن أبي سعيد : أنّ رجلاً أصاب امرأته في دبرها ، فأنكر الناس ذلك عليه ، وقالوا : نعيّرها ، فأنزل اللّه عزّ وجلّ ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) (2).

ص: 458


1- البقرة : 222.
2- البقرة : 223.

قال أبو جعفر : فذهب قوم إلى أنّ وطئ المرأة في دبرها جائز ، واحتجّوا في ذلك بهذا الحديث ، وتأوّلوا هذه الآية على إباحة ذلك (1).

وأخيراً : لابأس أن نشير إلى نقطة هامّة في المقام ، وهو أنّه في طريق البحث عن العقيدة والمذهب الصحيح لا ينبغي أن نتحقّق في المواضيع الهامشية ، بل يجب علينا أن نبحث في الأُسس والأركان ، ثمّ إنّ رضينا وقنعنا بها نقبل بالتفاصيل بصورة عامّة.

ولا يعقل أن نتساءل في كُلّ مورد عن الأدلّة والتفاصيل ، بل نرجع فيها إلى ذوي الخبرة والاختصاص ، فالمسائل والفروع الفقهية هي محلّ بحث ونقاش حتّى الآن ، وهذا لا يخدش في أصل العقيدة والمذهب بعد ما أثبتنا صحّته بالدلائل العقلية والنقلية.

( عبد اللّه - الكويت - سنّي - 25 سنة - دبلوم تجارة )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : السلام عليكم يا أتباع الحقّ ، في الحقيقة أنّني استلمت ردّكم على سؤالي ، وأنا أشكركم جدّاً على جهدكم المتواصل ، لتوصيل مذهب أهل البيت للناس ، ولكن للأسف قليل من الناس من يعرف قدر أهل بيت رسول اللّه ، المهمّ أنّني قرأت الإجابات ، وإنّني أصارحكم بأنّني لم اقتنع بشكل كامل ، ولكن أصبحت الصورة أوضح والحمد لله.

ولكن مشكلتي هي أنّني لا أملك الوقت الكامل لأطّلع على الكتب التي وضعتم عناوينها ورقم صفحاتها ، وذلك بسبب عملي الطويل وبقائي خارج البيت ، وهذا الموضوع بالنسبة لي مهمّ جدّاً ، فلو تكرّمتم أن تكتبوا لي النصوص الموجودة في الكتب السنّية التي ذكرتموها عن إتيان المرأة في الدبر.

ص: 459


1- شرح معاني الآثار 3 / 40 ، جامع البيان 2 / 537 ، فتح الباري 8 / 141 ، فيض القدير 1 / 88 ، نيل الأوطار 6 / 355 ، الدرّ المنثور 1 / 265 ، فتح القدير 1 / 229.

ج : نذكر لكم بعض النصوص المشار إليها في جوابنا لكم ؛ ففي مجال إتيان النساء في أدبارهنّ ، أخرج البخاري عن ابن عمر في آية ( فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) (1) ، أنّه قال : يأتيها في الدبر (2).

ونقل الطبري عن نافع قال : « كان ابن عمر إذا قرئ القرآن لم يتكلّم ، قال : فقرأت ذات يوم هذه الآية ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) فقال : أتدري فيمن نزلت هذه الآية؟ قلت : لا ، قال : نزلت في إتيان النساء في أدبارهنّ » (3).

وعن أبي سعيد الخدري : « أنّ رجلاً أصاب امرأته في دبرها ، فأنكر الناس ذلك عليه ، وقالوا : نعيّرها ، فأنزل اللّه عزّ وجلّ هذه الآية ، وعلّقه النسائي عن هشام بن سعيد عن زيد : وهذا السبب في نزول هذه الآية مشهور » (4).

وعن أبي سعيد الخدري قال : أبعر رجل امرأته على عهد رسول اللّه ، فقالوا : أبعر فلان امرأته ، فأنزل اللّه ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ... ) (5).

وعن مالك قال : « ما أدركت أحداً أقتدي به في ديني يشكّ في أنّه حلال ، يعني وطء المرأة في دبرها ، ثمّ قرأ ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ... ) ، قال : فأيّ شيء أبين من هذا وما أشكّ فيه » (6).

وأخرج ابن جرير في كتاب النكاح من طريق ابن وهب عن مالك : أنّه مباح (7).

ص: 460


1- البقرة : 223.
2- صحيح البخاري 6 / 160 ، فتح الباري 8 / 141 ، عمدة القاري 18 / 154.
3- جامع البيان 2 / 535 ، صحيح البخاري 5 / 160 ، عمدة القاري 18 / 153 ، أحكام القرآن لابن العربي 1 / 238 ، الجامع لأحكام القرآن 3 / 91 ، تفسير القرآن العظيم 1 / 269.
4- فتح الباري 8 / 142.
5- مسند أبي يعلى 2 / 355.
6- أحكام القرآن للجصّاص 1 / 426 ، المجموع 16 / 420 ، المغني لابن قدامة 8 / 131 ، عمدة القاري 18 / 155 ، تفسير القرآن العظيم 1 / 272.
7- الدرّ المنثور 1 / 266.

( عبد اللّه - الكويت - 27 سنة - طالب ثانوية )

تعليق على الجواب السابق :

اشارة

تحية طيّبة ، وبعد : أشكر القائم على هذا الموقع ، والمجيب على سؤال السائل ، والإخوة الذين شاركوا بهذا الموضوع.

والكثير كان يسأل عن مصادر أهل السنّة القائلين بإتيان الزوجة من الدبر ، أو كما ذكر الغير : من الخلف ، فلا حياء بالدين ، وأبدأ بتفسير الإمامين الجليلين العلاّمة جلال الدين محمّد بن أحمد المحلّي ، والعلاّمة جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي المطبوع في دار المعرفة بيروت لبنان ، الطبعة الأُولى 1403 هجري 1983 ميلادي :

ذكروا في تفسيرهم عن أسباب نزول قوله تعالى : ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) : روى الشيخان وأبو داود والترمذي عن جابر قال : كانت اليهود تقول : إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول ، فنزلت ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) .

وأخرج أحمد والترمذي عن ابن عباس قال : جاء عمر إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فقال : يا رسول اللّه ، هلكت ، قال : « وما أهلكك »؟ قال : حوّلت رحلي الليلة ، فلم يرد عليه شيئاً ، فأنزل اللّه هذه الآية ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) أقبل وأدبر ....

وأخرج أبن جرير وأبو يعلى وابن مردويه من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري : أنّ رجلاً أصاب امرأته في دبرها ، فأنكر الناس عليه ذلك ، فأنزلت ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ) الآية.

وأخرج البخاري عن ابن عمر قال : أنزلت هذه الآية في إتيان النساء في أدبارهن.

وأخرج الطبري في الأوسط بسند جيّد عنه قال : إنّما أنزلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ) رخصة في إتيان الدبر.

وأخرج أيضاً عنه : أنّ رجلاً أصاب امرأة في دبرها في زمن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فأنكر ذلك ، فأنزل اللّه ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ) .

ص: 461

وتوجد رواية أُخرى لمن يحبّ يراجع المصدر ، ومن هذه الأحاديث نستدلّ بأنّ بعض مصادر أهل السنّة تجوّز إتيان النساء من الدبر.

وأقول بالختام : إن كان المذهب فيه شوائب كما يدّعي الغير ، فالأفضل يطّلع على مذهبه ، وسوف يرى العجب من العجائب التي ذكرت في كتبهم ، وأقول : من أراد الحقّ لا يبحث عن الفرع بل عن الأصل.

( مشري المشري - السعودية - إسماعيلي - 35 سنة - طالب جامعة )

حكمه وأدلّته :

س : ما هو حكم إتيان الزوجة من الدبر في المذهبين الشيعي الإمامي والإسماعيلي؟

ج : أختلف الحكم عند الإمامية في جواز الوطء بالدبر ، فالأكثر على جواز الوطء على كراهة شديدة ، والبعض اختار التحريم ، وسبب ذلك لاختلاف الأدلّة ، فمنها من أجازت ذلك ، ومنها من شدّدت على التحريم.

أمّا أدلّة المجوّزين ، فهي رواية عبد اللّه بن أبي يعفور : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يأتي المرأة في دبرها ، قال عليه السلام : « لابأس إذا رضيت » ، قلت : فأين قول اللّه تعالى : ( فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ ) ؟ قال عليه السلام : « هذا في طلب الولد ، فاطلبوا الولد من حيث أمركم اللّه ، إنّ اللّه تعالى يقول : ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) » (1).

واحتجّوا أنّ كلمة ( أنَّى ) في الآية مكانية ، يعني فأتوا نساؤكم في أيّ مكانٍ شئتم ، إضافة إلى إطلاقات جواز التمتّع في المرأة ، فإنّها غير مقيّدة.

أمّا القائلون بالتحريم ، فاستدلّوا برواية معمّر بن خلاّد قال : قال لي أبو الحسن عليه السلام : « أيّ شيء يقولون في إتيان النساء في أعجازهن »؟ قلت : إنّه بلغني أنّ أهل المدينة لا يرون به بأساً.

ص: 462


1- الاستبصار 3 / 243.

فقال : « إنّ اليهود كانت تقول : إذا أتى الرجل المرأة من خلفها خرج ولده أحول ، فأنزل اللّه تعالى : ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) من خلف أو قدّام مخالفاً لقول اليهود ، ولم يعن في أدبارهن » (1).

على أنّهم حملوا كلمة ( أنَّى ) بأنّها زمانية ، أي فأتوا حرثكم في أيّ وقت شئتم ، ولذا من أختار الجواز ذهب إلى كراهة الفعل جمعاً لروايات الحلّية وروايات التحريم.

أمّا على المذهب الإسماعيلي فلم تتوفّر لدينا مصادر فقهية يمكن الرجوع إليها والجزم بها ، إلاّ أنّ ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام من الجواز يمكن ركونهم إليه ، وحمل الفعل على الكراهة جمعاً بين روايات وردت عن الصادق عليه السلام وأهل البيت في حلّية الفعل وفي تحريمه ، والرجوع إلى علماء الإسماعيلية للقطع بفتواهم هو الأفضل.

( ... - ... - ..... )

معنى قوله : ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ) :

س : جاء في سورة البقرة : ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) ، قرأت في التفسير الكاشف لمحمّد جواد مغنية أن ( فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) ، أنّ جماعة من فقهاء الشيعة الإمامية قد أباحوا وطء الزوجة دبراً ، وأنّ الرازي نقل في تفسير هذه الآية أن ابن عمر كان يقول : المراد من الآية تجويز إتيان النساء في أدبارهن ، فما صحّة هذا القول؟ وما هو الحكم الشرعي في هذه المسألة؟

ج : اعلم أنّ كلمة ( أنَّى ) من أسماء الشرط ، وهو إمّا أن يكون للزمان أو للمكان ، فقد وقع الاختلاف فيه ، فمن قال للزمان فيكون تفسير الآية

ص: 463


1- المصدر السابق 3 / 245.

الشريفة ( فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ ) في أيّ زمان شئتم إلاّ ما خرج بالدليل ، وهو أيّام الأذى ، أي أيّام الحيض.

وإذا كان للمكان فمعنى الآية ( فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ ) في أيّ مكان شئتم ، فيعمّ الدبر حينئذٍ ، إلاّ أنّه قيل قد خرج بالدليل أيضاً بقوله تعالى : ( وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ) (1) ، وكذلك ورد عن النبيّ الأكرم صلى اللّه عليه وآله : « محاش النساء على أُمّتي حرام » (2) ، ولكن في روايات أُخرى نُفي البأس عن ذلك ، فالفقهاء جمعاً بين الروايات حكموا بالكراهة ، ومنهم من قال بالكراهة الشديدة ، ومنهم بالحرمة من باب الاحتياط الوجوبي ، كما عند السيّد الخوئي قدس سره.

فالمسألة خلافية باعتبار اختلاف لسان الروايات ، وهذا يعني أنّه في مقام التقليد لابدّ أن ترجع إلى من تقلّده ، وتعمل على طبق فتواه.

( أبو علي - ... - 20 سنة )

في صحيح البخاري وفتح الباري :

س : السؤال هو عن وطي الزوجة من الدبر ، أتمنّى أن تذكروا نصّ البخاري مع المصدر؟ لأنّ كتاب البخاري يوجد له نسخ كثيرة ، فالأفضل ذكر نصّ الحديث والباب ، وكذلك في المصادر الأُخرى ، ودمتم موفقين.

ج : ننقل لك نصّ ما ورد في البخاري في نكاح الدبر : « عن نافع قال : كان ابن عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلّم حتّى يفرغ منه ، فأخذت عليه يوماً ، فقرأ سورة البقرة حتّى انتهى إلى مكان قال : تدري فيما أُنزلت؟ قلت : لا ، قال : أُنزلت في كذا وكذا ، ثمّ مضى.

وعن عبد الصمد حدّثني أبي حدّثني أيوب عن نافع عن ابن عمر ( فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) قال : يأتيها في ....

ص: 464


1- البقرة : 189.
2- الاستبصار 3 / 244.

رواه محمّد بن يحيى بن سعيد عن أبيه عن عبيد اللّه عن نافع عن ابن عمر » (1).

قال ابن حجر العسقلاني في شرح هذا الحديث : « أُختلِف في معنى أنّى ، فقيل : كيف ، وقيل : حيث ، وقيل : متى ، وبحسب هذا الاختلاف جاء الاختلاف في تأويل الآية » (2).

ثمّ علّق ابن حجر على الحديث « أُنزلت في كذا وكذا » : هكذا أورد مبهماً لمكان الآية والتفسير (3).

ثمّ قال ابن حجر : « قوله يأتيها في ... ، هكذا وقع في جميع النسخ ، لم يذكر ما بعد الظرف وهو المجرور ، ووقع في الجمع بين الصحيحين للحميدي يأتيها في الفرج ، وهو من عنده بحسب ما فهمه ، ثمّ وقفت على سلفه فيه ، وهو البرقاني فرأيت في نسخة الصنعاني زاد البرقاني يعني الفرج ، وليس مطابقاً لما في نفس الرواية عن ابن عمر لما سأذكره.

وقد قال أبو بكر بن العربي في سراج المريدين : أورد البخاري هذا الحديث في التفسير ، فقال : يأتيها في وترك بياضاً ، والمسألة مشهورة ، صنّف فيها محمّد بن سحنون جزءً ، وصنّف فيها محمّد بن شعبان كتاباً ، وبيّن أنّ حديث ابن عمر في إتيان المرأة في دبرها » (4).

ثمّ قال ابن حجر : « فأمّا الرواية الأُولى - وهي رواية بن عون - فقد أخرجها إسحاق بن راهويه في مسنده ، وفي تفسيره بالإسناد المذكور ، وقال بدل قوله حتّى انتهى إلى مكان ، حتّى انتهى إلى قوله : ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) ، فقال : أتدرون فيما أُنزلت هذه الآية؟ قلت : لا ، قال :

ص: 465


1- صحيح البخاري 5 / 160.
2- فتح الباري 8 / 140.
3- نفس المصدر السابق.
4- فتح الباري 8 / 141.

نزلت في إتيان النساء في أدبارهن ، وهكذا أورده بن جرير من طريق إسماعيل ابن علية عن بن عون ، ومن طريق إسماعيل بن إبراهيم الكرابيسي عن بن عون نحوه ، وأخرجه أبو عبيدة في فضائل القرآن عن معاذ بن عون فأبهمه ، فقال في كذا وكذا.

وأمّا رواية عبد الصمد فأخرجها ابن جرير في التفسير عن أبي قلابة الرقاشي ، عن عبد الصمد بن عبد الوارث ، حدّثني أبي فذكره بلفظ يأتيها في الدبر ، وهو يؤيّد قول ابن العربي ، ويرد قول الحميدي ، وهذا الذي استعمله البخاري نوع من أنواع البديع يسمّى الاكتفاء ، ولابدّ له من نكته يحسن بسببها استعماله.

وأمّا رواية محمّد بن يحيى بن سعيد القطان فوصلها الطبراني في الأوسط من طريق أبي بكر الأعين ، عن محمّد بن يحيى المذكور بالسند المذكور إلى ابن عمر قال : إنّما نزلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله نساؤكم حرث لكم رخصة في إتيان الدبر » (1).

ثمّ قال ابن حجر : « وقد عاب الإسماعيلي صنيع البخاري فقال : جميع ما أخرج عن بن عمر مبهم لا فائدة فيه » (2).

نرجو الإطلاع على جميع البحث هناك ، ففيه المزيد من الروايات والطرق وتصحيحها.

ونقول : هذه ليست المرّة الأُولى التي يقوم البخاري بتقطيع الأحاديث وإبهامها بكذا وكذا ، بل هذا ديدنه ومنهجه في نقل أحاديث تدعم مذهب أهل البيت عموماً - سواء في الفقه أو العقائد - والحمد لله الذي أظهر هذا الموضع على أيدي علماء ثقات عندهم لا من غيرهم.

ص: 466


1- نفس المصدر السابق.
2- نفس المصدر السابق.

وقال ابن حجر عن التحريم : « وذهب جماعة من أئمّة الحديث - كالبخاري والذهبي والبزّار والنسائي وأبي علي النيسابوري - إلى أنّه لا يثبت فيه شيء » (1).

فهؤلاء كُلّهم وآخرون معهم حتّى يصل الدور إلى مالك والشافعي يقولون بالجواز ، وهم ليسوا من الشيعة ، فثبت قولنا بأنّ المسألة فرعية فقهية خلافية عندنا وعندهم ، ولكن ماذا نفعل لمن عماه نصبه عن الحقيقة.

( أحمد - الإمارات - 19 سنة - طالب حوزة )

معنى اللعن الوارد فيه :

س : هذه شبهة وردت في إحدى مواقع الوهّابية في المنتديات ، أرجو الردّ السريع : الخميني يبيح وطء الزوجة في الدبر : يقول الخميني في تحرير الوسيلة : المشهور الأقوى جواز وطء الزوجة دبراً على كراهية شديدة!

ولا نملك إلاّ ذكر قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « ملعون من أتى امرأة في دبرها » ، أرجو المساعدة على الردّ على تلك الحثالة الوهّابية ، وشكراً.

ج : وطي الزوجة من دبر مسألة فقهية ، ولابأس أن ننقل هنا كلام السيّد المرتضى قدس سره في كتابه « الانتصار » حول الموضوع إذ يقول : « وممّا شنّع به على الإمامية ونسبت إلى التفرّد به ، وقد وافق فيه غيرها القول بإباحة وطء النساء في غير فروجهن المعتادة للوطء ، وأكثر الفقهاء يحظرون ذلك.

وحكى الطحاوي في كتاب الاختلاف عن مالك أنّه قال : ما أدركت أحداً أقتدي به في ديني يشكّ في أنّ وطء المرأة في دبرها حلال ، ثمّ قرأ : ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ) الآية ، وقال الطحاوي في كتابه هذا : حكى لنا محمّد بن عبد اللّه بن الحكم أنّه سمع الشافعي يقول : ما صحّ عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله في تحريمه ولا تحليله شيء ، والقياس أنّه حلال.

ص: 467


1- فتح الباري 8 / 142.

والحجّة في إباحة ذلك إجماع الطائفة ، وأيضاً قوله تعالى : ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ ) ، ومعنى أنّى شئتم كيف شئتم ، وفي أيّ موضع شئتم وآثرتم ، ولا يجوز حمل لفظة ( أَنَّى ) هاهنا على الوقت ، لأنّ لفظة ( أَنَّى ) تختصّ بالأماكن ، وقلّما تستعمل في الأوقات ، واللفظة المختصّة بالوقت أيّان شئتم ، ولا فرق بين قولهم : ألق زيداً أنّى كان ، وأين كان في عموم الأماكن ، على أنّا لو سلّمنا أنّ الوقت مراد بهذه اللفظة حملناها على الأمرين معاً من الأوقات والأماكن.

فأمّا من أدّعى أنّ المراد بذلك إباحة وطء المرأة من جهة دبرها في قُبلها بخلاف ما تكرهه اليهود من ذلك ، فهو تخصيص لظاهر القرآن بغير دليل ، والظاهر متناول لما قالوه ولما قلناه » (1).

أمّا حديث : « ملعون من أتى امرأته في دبرها » (2) ، لو سلّمنا بصحّة الحديث ، فاللعن لا يعني الحرمة ، وإنّما يدور أمره بين الحرمة والكراهة ، كما هو المعلوم عند المحقّقين من الأُصوليين ، فلا وجه للاستشهاد به ، فإذا استفاد الفقيه من اللعن الكراهة ، فهي تعني الجواز كما لا يخفى ، ومن هنا تجد بعض الفقهاء يفتون في المسألة - ومنهم السيّد الخميني في تحرير الوسيلة - بجواز وطء الزوجة في دبرها على كراهية شديدة.

فلاحظ ذلك وتأمّله فهل تجده مخالفاً لأدلّة الشرع؟ وقد جاء يستدلّ بها من لا يعرف هذه الصناعة ، بل من لا يدرك أي طرفيه أطول ليصول به ، وتلك محنة أهل العلم مع أهل الجهل في كُلّ زمان ومكان.

ص: 468


1- الانتصار : 294.
2- مسند أحمد 2 / 444 و 479 ، سنن أبي داود 1 / 479.

وقت الإفطار :

( علي - المغرب - 22 سنة - ليسانس )

زوال الحمرة المشرقية :

س : ما معنى قوله تعالى : ( ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ ) (1)؟

ج : إنّ ظهور الآية تدلّ بالصراحة على وجهة نظر الشيعة في تعيين المغرب ، بأنّه يصدق عند ذهاب وزوال الحمرة المشرقية عن قمّة رأس الإنسان نحو الأُفق.

وتوضيحه : أنّ كلمة ( الَّليْلِ ) لا تعطي معنى مجرّد سقوط قرص الشمس في الأُفق الغربي - كما عليه أهل السنّة - وهذا واضح لمن راجع كتب اللغة في هذا المجال ، فإنّ كلمة ( الَّليْلِ ) تحتوي في مفادها على الظلمة والسواد ، وهذا لا يجتمع مع فتوى أهل السنّة.

وأمّا رأي الشيعة فيتّفق مع معنى ومفهوم الكلمة تماماً ، فبعد ذهاب الحمرة في السماء عن فوق رأس الإنسان نحو المغرب ، يبدأ الظلام والسواد في السماء.

نعم ، قد يتكلّف فقهاء أهل السنّة في إثبات رأيهم بالتمسّك بروايات تحدّد تعريف المغرب كما يرونه ، ولكن لنا أيضاً روايات تخالفهم ، فالقاعدة المحكمة في المقام أن نأخذ بالموافق للقرآن ، وهو كما ذكرناه لكم ؛ ولابأس أن نشير هنا بأنّ الفخر الرازي قد ذكر في تفسير الآية وجود رأي أو آراء من أهل السنّة كانت ترى مصداق ( الَّليْلِ ) موافقاً لما تتبنّاه الشيعة في المقام (2).

ص: 469


1- البقرة : 187.
2- التفسير الكبير 2 / 275.

ثمّ إنّ تطبيق رأي الشيعة في المقام واضح ، فعندما يرى الإنسان أنّ الحمرة المتبقّية من ضوء الشمس ، قد أتاه من جانب المشرق وزال وتجاوز عن فوق رأسه في السماء ، يقطع حينئذٍ بدخول وقت المغرب المجوّز لصلاته والإفطار.

ص: 470

الولاية التكوينية والتشريعية :

اشارة

( أبو أحمد الموسوي - ... - )

معنى التكوينية وثبوتها لأهل البيت :

س : اللّهم صلّ على محمّد وآل محمّد ، وعجّل فرج آل محمّد.

ما هو المراد بالولاية التكوينية؟ وهل هي ثابتة لأهل البيت عليهم السلام؟ نرجو بيان الدليل ، وما هو حكم منكرها على فرض ثبوتها؟ وهل يجب الاعتقاد بها؟ أفيدونا غفر اللّه لكم ، وأدامكم ذخراً.

ج : لقد تعدّدت أسئلتك وسوف نجيب عليها بالنقاط التالية :

1 - الولاية التكوينية : هنالك عدّة معانٍ لها يذكرها العلماء في كتبهم ، بعضها شرك محرّم ، وهي القائلة بأنّ معنى الولاية التكوينية لغير اللّه ، أنّهم يتصرّفون بالكون والخلق بانفصال عن إرادة اللّه تعالى ، أو أنّ اللّه تعالى قد فوّض إليهم شؤون العالم ، وهذه المعاني كما قلنا قد اتفق العلماء على استلزامها للشرك المحرّم.

أمّا إن كان معنى الولاية التكوينية غير هذا ، بل هو التصرّف في الكون بإشارة اللّه وإرادته ، فلا مانع من ذلك ولا محذور ، وقد وقع في حقّ غير أهل البيت عليهم السلام ، كما يذكر القرآن الكريم قصّة آصف وزير سليمان ( قَالَ الَّذِي

ص: 471

عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي ... ) (1).

وهنالك معان أُخرى لا تصل إلى الأوّل ، وإن كانت أعمق من الثاني ، أعرضنا عنها للاختصار.

2 - أمّا ثبوتها لأهل البيت عليهم السلام ، فلا ريب في ذلك ولا شبهة - بما عدا المعنى الأوّل الذي يستلزم الشرك والتفويض المحرّم - ويكفينا دلالة على ذلك الآية التي ذكرناها حكاية عن آصف ، فمن كان عنده علم من الكتاب - ومن تبعيضية - يستطيع أن يتصرّف في شؤون الكون ، ويأتي بعرش بلقيس من اليمن إلى بيت المقدس.

فكيف لا يستطيع ذلك - وأكثر منه - من عنده علم الكتاب - أي جميع الكتاب - وقد وردت الروايات الكثيرة أنّ أهل البيت عليهم السلام عندهم علم جميع الكتاب ، بل القرآن صريح في ذلك ، حيث يقول إشارة إلى الكتاب الكريم ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (2).

3 - أمّا سؤالك عن حكم منكرها أو وجوب الاعتقاد بها : إنّ مقامات أهل البيت عليهم السلام كثيرة جدّاً ، قد لا يصل إلى إدراكها إلاّ الأوحدي من الناس ، وهذا ما نجد بعض الأحاديث المستفيضة تشير إليه ، فعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : ( فمن عرف فاطمة حقَّ معرفتها ، فقد أدرك ليلة القدر ، وإنّما سمّيت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها ) (3).

ومن هنا نقول : إنّه ليس ذنباً أن تقصر إفهام البعض عن إدراك هذه الذوات القدسية والأنوار الإلهية ، ولكن الذنب في إنكارها وجحدها بدون دليل وعلم ، بل لمجرّد قصور الذهن وعدم التفاعل.

اللّهم عرّفنا حجّتك ، فإنّك إن لم تعرفنا حجّتك ضللنا عن ديننا.

ص: 472


1- النمل : 40.
2- آل عمران : 7.
3- تفسير فرات : 581.

( أبو مصطفى - البحرين - )

ثبوت التكوينية للمعصوم :

س : ما رأيكم في من يقول بثبوت الولاية التكوينية للمعصوم؟ ولكنّه يجعلها مؤقّتة ، أي يقول : أنّ المعصوم يفعل ما يفعل من معجز بموجب ولاية تكوينية بالعرض ، تكون في طول الولاية التكوينية الذاتية لله تعالى ، ولكن غاية ما هنالك هو أنّ هذه الولاية ليست دائمية ، بل هي مؤقّتة تعطى للمعصوم حين يطلبها هو من اللّه تعالى ، وليس المقصود أنّه يطلب من اللّه المعجز ، فيجريها اللّه على يديه دون أن يكون له في ذلك أي دخل ، بل المراد أنّه يطلب هذه الولاية فيعطيها اللّه له ، وهو يقوم بالمعجز بها.

ج : في صدد الجواب عن سؤالكم نجيب باختصار :

1 - لابدّ أن نفرّق بين الولاية التكوينية والعلم بالغيب ، إذ في العلم بالغيب بإذن اللّه عدّة نظريات ، بعضها تثبت العلم الفعلي وبعضها الإنشائي ، وبعبارة أُخرى : بعض النظريات تقول المعصوم إذا شاء علم ، وبعضها تقول أنّ علمه حضوري دائماً.

2 - أمّا بالنسبة إلى الولاية التكوينية فعموم الأدلّة النقلية لا تفصّل في مَن أُعطي هذه الولاية بين كونها فعلية أو إنشائية.

فقوله تعالى : ( وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي ... ) (1) ، فالإذن هنا مطلق ، غير مخصّص بزمان معيّن ، فمن أُعطي هكذا إذن يستطيع أن يستعمل هذه القدرة متى شاء.

وكذلك قوله تعالى : ( وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ ... ) (2).

ص: 473


1- المائدة : 110.
2- آل عمران : 49.

وقوله تعالى : ( فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ ... ) (1).

وجريان الريح قطعاً بإذن اللّه تعالى ، وهو يثبت الولاية التكوينية الفعلية من دون تخصيص بوقت معيّن.

وقوله تعالى : ( قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ... ) (2) ، وهذا أيضاً يثبت الولاية التكوينية من دون أن تخصّص بوقت معيّن.

وأمثال هذه الآيات كثير ، وكذلك توجد روايات كثيرة في هذا الصدد ، بالأخصّ تلك الواردة في معاجز الأنبياء ، بالأخص نبيّنا محمّد صلى اللّه عليه وآله وآل بيته المعصومين ، وكُلّها مطلقة لا تخصّص هذه الولاية بوقت معيّن ، ولا تقسّمها إلى أقسام.

نعم ، توجد هناك بعض الآراء الشاذّة تقسّم الولاية التكوينية إلى إنشائية وفعلية ، وبعض الآراء التي ترى ارتباطاً مباشراً بين العلم بالغيب والولاية التكوينية ، وبعض آراء أُخرى لا يمكننا المساعدة عليها لضعف الأدلّة التي تعتمد عليها.

( ... - ... - ..... )

التكوينية ثابتة للأئمّة بروايات كثيرة :

س : هل للأئمّة ولاية تكوينية؟

ج : إنّ أئمّة أهل البيت عليهم السلام بما لهم من المكانة الرفيعة والسامية عند اللّه تعالى ، فلا يأبى العقل والنقل بأن تكون لهم قدرة التصرّف في الكون التي تسمّى في الاصطلاح ب- « الولاية التكوينية » ، وهذا ممّا ورد فيه الروايات الكثيرة.

ص: 474


1- ص : 36.
2- النمل : 40.

ولكن الأمر المهمّ أن نعرف مدى هذه الولاية والسلطة ، فتؤكّد نفس المصادر بأنّها في طول ولاية اللّه تعالى ، أي : أنّ هذه القدرات كُلّها تكون بإذن صريح من الباري تعالى ولم تكن بالاستقلال ، وهذا هو الفارق بين عقيدة الشيعة ورأي الغلاة والمفوّضة ، فإنّهم يرون الاستقلالية في هذا المجال.

والدليل الواضح لنا في هذا الموضوع هو القرآن الكريم ، فيقول : ( وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي ) (1).

فالأنبياء والأئمّة عليهم السلام وسائط في هذا التصرّف التكويني ، والروايات الواردة في هذا المجال كُلّها تصرّح أو تلوّح بهذا الموضوع ، ولمعرفتها لابأس بمراجعة كتاب بحار الأنوار أبواب معجزات الأئمّة عليهم السلام.

( أبو علي - البحرين - .... )

معناهما وتعريفهما :

س : ما الفرق بين الولاية التكوينية والولاية التشريعية؟

ج : يتمّ الجواب على سؤالكم في نقاط خمس :

الأُولى : أنّ مصطلح الولاية التكوينية من المصطلحات المستحدثة في كلمات المتأخّرين ، وغير موجود في كلمات القدماء ، وعليه فهذا المصطلح لم يرد لا في آية قرآنية ولا في سنّة شريفة ، ولكنّه يشير إلى مفهوم قد تداولته العديد من الآيات القرآنية ، والنصوص الشريفة.

الثانية : معنى الولاية التكوينية لغة :

الولاية : التمكّن من الشيء والتسلّط عليه.

التكوينية : مأخوذة من الكون.

ص: 475


1- المائدة : 110.

فالولاية التكوينية لغة هي : التمكّن من الإحداث في الكون والتسلّط عليه.

الثالثة : معنى الولاية التكوينية اصطلاحاً :

قد اختلفت كلمات العلماء في معنى هذا الاصطلاح الجديد ، والظاهر : بأنّها القدرة على فعل المعجزات - أي : خرق نواميس الطبيعة - والتسلّط على الظواهر الكونية ، وما يتعلّق بعالم الوجود ، كالإحياء والإماتة ، والقبض والبسط ، والإيجاد والخلق والمنع ونحو ذلك.

الرابعة : معنى الولاية التشريعية هي : القدرة والتصرّف في أُمور تتعلّق بعالم التشريع والقانون ، كالحلال والحرام ، والواجب والمباح ، والأحكام في الصحّة والبطلان ونحو ذلك.

إذاً ، إذا كان متعلّق التصرّف والولاية هو التشريع فالولاية تشريعية ، وإذا كان متعلّقها أُموراً وجودية فهي ولاية تكوينية.

الخامسة : من له الولاية؟ اتفقت كلمة علمائنا بأنّ للأنبياء والأئمّة المعصومين عليهم السلام ولاية تكوينية وتشريعية ، بموهبة وإذن من اللّه تعالى ، واختلفت كلمتهم في معنى وحدود تلك الولاية وسعة قدرتها.

( أحمد - إيران - 23 سنة - طالب جامعة )

مصطلح الولاية التكوينية :

س : من هو أوّل من استعمل مصطلح الولاية التكوينية؟ ومن هم أهمّ العلماء المعتقدين بالولاية التكوينية؟ وما أهمّ الأدلّة القرآنية لهذه الولاية؟

ج : بالنسبة إلى سؤالك الأوّل نقول :

إنّ مصطلح الولاية التكوينية من المصطلحات المستحدثة في كلمات المتأخّرين ، وغير موجودة في كلمات القدماء ، وعليه فهذا المصطلح لم يرد لا في آية قرآنية ولا في سنّة شريفة ، ولكنّه يشير إلى مفهوم قد تداولته العديد من الآيات القرآنية والنصوص الشريفة ، وبقدر عدم أهمّية الاهتمام بمن وضع هذه

ص: 476

التسمية من علماء الكلام من علمائنا ( قدس سرهم ) ، إلاّ أنّنا نجد أنّ من الحقّ الإشارة إلى أنّ من وضع التسمية قد وفّق أيّما توفيق في الوصف الدقيق للمفهوم.

وبالنسبة إلى سؤالك الثاني نقول :

اتفقت كلمة علمائنا : بأنّ للأنبياء والأئمّة المعصومين عليهم السلام ولاية تكوينية وتشريعية ، بموهبة وإذن من اللّه تعالى ، واختلفت كلمتهم في معنى وحدود تلك الولاية وسعة قدرتها.

وبالنسبة إلى سؤالك الثالث نجيب : من الآيات القرآنية الدالّة على الولاية التكوينية :

1 - قوله تعالى : ( قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ ) (1).

2 - قوله تعالى : ( قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ... ) (2).

3 - قوله تعالى : ( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) (3).

4 - قوله تعالى : ( أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ ... ) (4).

5 - قوله تعالى : ( وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ ) (5).

6 - قوله تعالى : ( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ... ) (6).

ص: 477


1- النمل : 39.
2- النمل : 40.
3- الجن : 6.
4- آل عمران : 49.
5- الأنبياء : 79.
6- النمل : 16.

7 - قوله تعالى : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ) (1).

8 - قوله تعالى : ( وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ... ) (2).

9 - قوله تعالى : ( وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ) (3).

10 - قوله تعالى : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ... ) (4).

11 - قوله تعالى : ( وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لاَّ تَخَافُ دَرَكًا وَلاَ تَخْشَى ) (5).

12 - قوله تعالى : ( فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ) (6).

13 - قوله تعالى : ( وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً ... ) (7).

14 - قوله تعالى : ( وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي ... ) (8).

ص: 478


1- سبأ : 10.
2- الأنبياء : 81.
3- النمل : 18.
4- البقرة : 260.
5- طه : 77.
6- الشعراء : 63.
7- البقرة : 60.
8- المائدة : 110.

( أبو علي - الكويت - .... )

لا يلزم الغلوّ من ثبوتها لأهل البيت :

س : هذا يعني أنّ اللّه أعطى الإمام علي عليه السلام ولاية تكوينية ، كما تقولون بإذنه ، هل اللّه أعطى سيّدنا محمّد صلى اللّه عليه وآله هذه الولاية ، هذا ما لم يثبت عندنا نحن الشيعة الإمامية؟ أين الأدلّة التي تنصّ على إعطاء اللّه الولاية التكوينية الخاصّ به فقط لأحد من البشر؟

إنّ إمامنا علي عليه السلام وليّنا ووليّ كُلّ مسلم ، لكن المغالات في حبّ أهل البيت عليهم السلام من قبلنا ، ونصاب الفرق الأُخرى لهم أدّى إلى هذا الفراق بين المسلمين على أهل البيت عليهم السلام.

تذكّروا أنّ المستهدف الآن هي كلمة لا اله إلاّ اللّه ، رحم اللّه مولاي علي عليه السلام كيف كان يدافع عن هذه الكلمة.

ج : الولاية التكوينية ثابتة في القرآن الكريم للأنبياء ولغير الأنبياء ، فثبوتها بنصّ صريح لبعض الأنبياء بحديث القرآن عن عيسى عليه السلام بقوله : ( وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ ) (1) ، فالآية تثبت الإحياء لعيسى عليه السلام والإحياء تصرّف تكويني لا تشريعي.

كما أنّ الولاية التكوينية تثبت لغير الأنبياء من الناس بقوله تعالى : ( قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ) (2) هذا التصرّف الذي قام به وصي سليمان بجلب عرش ملكة سبأ من اليمن إلى فلسطين ، هو أجلى تعبير للولاية التكوينية بمعنى التصرّف بنظام التكوين.

أمّا إثبات الولاية التكوينية لنبيّنا محمّد صلى اللّه عليه وآله وللأئمّة عليهم السلام فيكون بأنّ نبيّنا أفضل من جميع الأنبياء السابقين ، فما ثبت لهم ثبت لنبيّنا ، وأوصياء نبيّنا أفضل من أوصياء جميع الأنبياء ، فما ثبت لأوصياء الأنبياء ثبت لأوصياء نبيّنا صلى اللّه عليه وآله.

ص: 479


1- آل عمران : 49.
2- النمل : 40.

والقول بالولاية التكوينية ليس من المغالات فيهم عليهم السلام ، إنّما يكون مغالات إذا قلنا : أنّ الولاية التكوينية ثابتة لهم من دون إذن من اللّه تعالى ، ولا نقول نحن بذلك.

نحن مع كلمة لا إله إلاّ اللّه دائماً وأبداً ، ولكن معرفة الإمام عليه السلام حقّ معرفته لا تخرجنا عن تلك الكلمة ، بل تزيدنا تمسّكاً بها.

( علي - أمريكا - 27 سنة - طالب )

ثابتان لمعصوم بإذن اللّه :

س : هل لأهل البيت عليهم السلام الولايتين التكوينية والتشريعية؟

ج : الولاية التكوينية إذا كانت بمعنى التصرّف الخارق للعادة الصادر من الإمام عليه السلام بإذن وإرادة من قبل اللّه سبحانه فهي ثابتة لهم ، كيف وقد كانت ثابتة لمثل عيسى عليه السلام ، حيث كان يبرئ الأكمة والأبرص ، ويحيي الموتى بإذن اللّه سبحانه ، وكانت ثابتة لآصف بن برخيا : ( قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ) (1).

إنّ الولاية التكوينية إذا كانت ثابتة لأمثال هؤلاء ، فلماذا لا يمكن أن تكون ثابتة لمثل الإمام عليه السلام؟ ولكن كُلّ ذلك بإذن اللّه سبحانه وإرادته.

نعم ، إذا كان يقصد من الولاية التكوينية أنّ أمر التصرّف في العالم قد أُوكل إلى الإمام عليه السلام من دون إشراف وإذن من اللّه سبحانه ، فذلك هو التفويض الباطل والموجب للكفر.

إذاً ، لابدّ من التفصيل في مسألة الولاية التكوينية ، فالثابت منها هو ما كان بإذن اللّه سبحانه وإرادته ، والمنفي منها ما كان من دون ذلك.

وأمّا الولاية التشريعية فهي ثابتة للنبي صلى اللّه عليه وآله جزماً على ما يظهر من روايات متعدّدة ، كما هو الحال في ركعات الصلاة ، حيث أنّ الأوّليين هما من تشريع

ص: 480


1- النمل : 40.

اللّه سبحانه ، بينما الأخيرتان هما من تشريع الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وكما في النوافل الرواتب ، فإنّها من تشريع الرسول صلى اللّه عليه وآله ، إلى غير ذلك من الموارد الكثيرة.

وإذا أمكن ذلك في حقّ الرسول صلى اللّه عليه وآله أمكن في حقّ الإمام عليه السلام أيضاً.

فأصل الإمكان ينبغي أن لا يكون محلاً للكلام ، وإنّما الكلام ينبغي أن ينصبَّ على مرحلة الوقوع ، وهناك بعض الروايات في كتاب الكافي ربما توحي بالوقوع.

ص: 481

ص: 482

الوهّابية ومحمّد بن عبد الوهّاب :

اشارة

( السعودية - سنّي - .... )

اعتقاداتهم :

س : لقد قرأت معظم كتب ابن تيمية ومحمّد بن عبد الوهّاب ، فلم أجد فيها كفراً ولا ضلالاً ، بل وجدت دعوتهما هي دعوة الحقّ الذي أرسل به النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، والسؤال : لماذا هذا الافتراء على هذين الشيخين؟

ج : نذكر لك بعض أقوالهما الدالّة على ضلالهما ، وانحرافهما ومخالفتهما لجميع المسلمين ، وإن أردت المزيد وافيناك به :

1 - اعتقاد ابن تيمية قدم نوع الحوادث من الأفعال والمفاعيل ، واعتقاده بحوادث لا أوّل لها ، ممّا يستلزم قدم شيء غير اللّه ، وهو كفر (1).

2 - قول ابن تيمية بفناء النار ، وهو مخالف لإجماع المسلمين (2).

3 - قول ابن تيمية ومحمّد بن عبد الوهّاب بالتجسيم ، وهذا الرأي مشهور عنهما ، وقد ذكراه في أكثر كتبهما وصرّحا به (3).

4 - تكفير ابن تيمية ومحمّد بن عبد الوهّاب المسلمين (4).

ص: 483


1- منهاج السنّة 1 / 215.
2- حادي الأرواح 1 / 256.
3- منهاج السنّة 2 / 648.
4- فصل الخطاب لسليمان بن عبد الوهّاب : 28.

5 - نسب محمّد بن عبد الوهّاب القول بنفي ذرّية الإمام الحسن إلى الشيعة ، وقال : وهذا القول شائع فيهم ، وهم مجمعون عليه (1).

ولا يوجد ولا شيعي واحد ينفي ذرّية الإمام الحسن المجتبى عليه السلام ، بل كُلّهم يثبتونها.

6 - إنكار ابن تيمية وابن عبد الوهّاب الزيارة والتبرّك ، وخالفا في قولهما هذا رأي الأكثرية للمذاهب الإسلامية.

وأهمّ شيء يجب أن تعرفه وتطّلع عليه هو : أنّ كبار علماء المذاهب الإسلامية منذ أن أعلن ابن تيمية وابن عبد الوهّاب عن آرائهما المنحرفة وقفوا أمام انحرافهما ، وكتبوا مئات الكتب في الردّ عليهما ، وعلى آرائهما المخالفة لإجماع المسلمين ، والمخالفة للكتاب والسنّة الصريحة وكذبهما.

فمن أكاذيب ابن تيمية :

1 - إنكاره أن يكون ابن عباس تتلمذ على الإمام علي عليه السلام (2) ، وقد أثبت المنّاوي تتلمذ ابن عباس على الإمام عليه السلام (3) ، كما أثبت ذلك القاضي الإيجي (4).

2 - تكذيبه لحديث « علي مع الحقّ والحقّ مع علي » ، وادعاؤه أنّ أحداً لم يروه (5) ، مع أنّ هذا الحديث رواه جمهرة من علماء أهل السنّة (6).

3 - إنكاره قضية المؤاخاة بين النبيّ والإمام علي ، وبين المهاجرين بعضهم من بعض (7) ، والحال أنّك تجد حديث المؤاخاة في مجموعة من مصادر أهل السنّة (8).

ص: 484


1- رسالة في الردّ على الرافضة : 29.
2- منهاج السنّة 7 / 536.
3- أُنظر : فيض القدير 4 / 470.
4- أُنظر : المواقف : 411.
5- منهاج السنّة 4 / 238.
6- أُنظر : تاريخ بغداد 14 / 322 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 449 ، الإمامة والسياسة 1 / 98 ، جواهر المطالب 1 / 343 ، شرح نهج البلاغة 2 / 297 و 18 / 72 ، ينابيع المودّة 1 / 173.
7- منهاج السنّة 4 / 32 و 5 / 71 و 7 / 117 و 279 و 361.
8- أُنظر : الجامع الكبير 5 / 300 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 61 ، المستدرك 3 / 14 ، نظم درر السمطين : 95 ، كنز العمّال 13 / 140 ، ينابيع المودّة 1 / 177 ، ذخائر العقبى : 66 ، تحفة الأحوذي 10 / 152.

حتّى ردّ ابن حجر على ابن تيمية في إنكاره مسألة المؤاخاة في كتابه فتح الباري ، وقال : « هذا ردّ للنصّ بالقياس ، وإغفال عن حكمة المؤاخاة » (1) ، كما وردّ عليه أيضاً الزرقاني في شرح المواهب اللدنية (2).

4 - قول ابن تيمية حول حديث « اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه » : « كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث » (3) ، مع أنّ هذا الحديث أخرجه أحمد بأسانيد صحيحة ، كما أخرجه غيره (4).

5 - قول ابن تيمية حول حديث « مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح » : « هذا لا يعرف له إسناد لا صحيح ، ولا هو في شيء من كتب الحديث التي يعتمد عليها » (5) ، والحال أنّ الحديث يرويه جماعة من علماء أهل السنّة (6).

ص: 485


1- فتح الباري 7 / 211.
2- شرح المواهب اللدنية 1 / 373.
3- منهاج السنّة 7 / 55.
4- أُنظر : مسند أحمد 1 / 118 و 4 / 281 و 370 و 5 / 370 ، المستدرك 3 / 109 و 116 و 371 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 499 و 503 ، ذخائر العقبى : 67 ، كتاب السنّة : 552 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 45 و 130 و 135 و 155 ، خصائص أمير المؤمنين : 93 و 100 و 132 ، مسند أبي يعلى 1 / 429 و 11 / 307 ، صحيح ابن حبّان 15 / 376 ، المعجم الصغير : 65 ، المعجم الأوسط 2 / 24 و 275 و 369 و 6 / 218 ، المعجم الكبير 2 / 357 و 3 / 180 و 4 / 17 و 174 و 5 / 166 و 175 و 192 و 203 و 212 و 12 / 95 ، مسند الشاميين 3 / 223 ، شرح نهج البلاغة 2 / 289 و 3 / 208 و 4 / 68 و 8 / 17 و 13 / 193 و 18 / 72 و 19 / 217 و 20 / 221 ، نظم درر السمطين : 95 و 109 ، موارد الظمآن : 544 ، كنز العمّال 1 / 187 و 5 / 290 و 11 / 609 و 13 / 104 و 131 و 139 و 157 و 169 ، فيض القدير 6 / 282 ، كشف الخفاء 2 / 274 ، شواهد التنزيل 1 / 210 و 223 و 251 و 2 / 390 ، الدرّ المنثور 2 / 293 ، تاريخ بغداد 7 / 389 و 14 / 240 ، تاريخ مدينة دمشق 25 / 108 و 42 / 205 و 210 و 215 و 220 و 227 و 235 ، أُسد الغابة 1 / 308 و 367 و 2 / 233 و 3 / 92 و 307 و 321 و 4 / 28 و 5 / 6 و 205 و 276 ، تهذيب الكمال 11 / 100 و 33 / 284 و 368 ، تاريخ اليعقوبي 2 / 112 ، البداية والنهاية 5 / 228 و 7 / 370 و 383.
5- منهاج السنّة 7 / 395.
6- 2 - أُنظر : المستدرك 2 / 343 و 3 / 151 ، المعجم الأوسط 5 / 355 و 6 / 85 ، المعجم الكبير 3 / 45 و 12 / 27 ، مسند الشهاب 2 / 273 ، نظم درر السمطين : 235 ، الجامع الصغير 1 / 373 و 2 / 532، كنز العمّال 12 / 94 ، فيض القدير 2 / 658 و 5 / 660 ، الدرّ المنثور 3 / 334 ، تهذيب الكمال 28 / 411 ، سبل الهدى والرشاد 10 / 490 ، ينابيع المودّة 1 / 93 و 2 / 90 و 472 ، أحكام القرآن لابن العربي 1 / 322 ، المعارف : 146.

6 - قول ابن تيمية عن حديث الطير : « من المكذوبات الموضوعات عند أهل العلم والمعرفة بحقائق النقل » (1) ، والحال أنّ هذا الحديث يرويه جماعة من علماء أهل السنّة (2).

وإن شئت المزيد من ذكر انحرافات ابن تيمية وابن عبد الوهّاب ومخالفتهما في العقائد والأحكام لما أجمعت عليه الأُمّة الإسلامية ، فسنوافيك بمئات الموارد منها ، كُلّها مأخوذة من كتبهما.

( الباحث عن الحقّ - السعودية - سنّي )

بعض المآخذ والانتقادات عليهم :

س : أرجو من المختصّين والمتمكّنين هنا أن يسردوا لي جميع المآخذ والانتقادات التي يأخذها الشيعة على الشيخ محمّد بن عبد الوهّاب ودعوته ، مشفوعة بالحجج والبراهين التي تدعم كلامهم؟

ج : أودّ أوّلاً أن أشير إلى ملاحظة وجدتها في سؤالك ، ألا ترى نفسك متفائل جدّاً ، أو غير واقعي بقولك : أرجو من المختصّين والمتمكّنين هنا أن يسردوا لي جميع المآخذ.

أخي : أتعرف أنّ لفظ جميع يطلق ويراد به كُلّ ما موجود من المآخذ ، فهل

ص: 486


1- منهاج السنّة 7 / 371.
2- أُنظر : الجامع الكبير 5 / 300 ، ذخائر العقبى : 61 ، طبقات المحدّثين بأصبهان 3 / 454 ، البداية والنهاية 7 / 390 ، المناقب : 108 ، سبل الهدى والرشاد 7 / 191 ، ينابيع المودّة 2 / 150 ، المستدرك 3 / 130 ، أُسد الغابة 4 / 30 ، المعجم الأوسط 2 / 207 و 6 / 90 و 7 / 267 و 9 / 146 ، تاريخ بغداد 9 / 379 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 250 و 257 ، المواقف 3 / 624 و 632 ، الجوهرة : 63 ، البداية والنهاية 7 / 390 ، مطالب السؤول : 76.

تعتقد أنّه من السهل على أحد من الناس ، أو من الباحثين أن يسرد لك كُلّ المآخذ في وقت قصير من الزمن ، أو تعتقد أنّ هذه المآخذ تعد على الأصابع مثلاً.

إنّ مذهباً كتب فيه وفي الردّ عليه من قبل جميع المذاهب الإسلامية مئات الكتب منذ أن ظهر إلى الآن ، واللّه أعلم إلى متى سيستمر هذا ، كيف تريد أن نجمع لك مآخذه في صفحة أو صفحتين أو حتّى عشر صفحات؟

إنّ مذهباً مثل المذهب الذي أسسه محمّد عبد الوهّاب ، ويدّعي أنّه يقدّم نظرة مستقلّة على الأقل في كُلّ مسألة من المسائل الإسلامية ، مع الادعاء العريض بالانتساب إلى السلف والصحابة ، والأخذ من القرآن والسنّة ، والأخذ بالظاهر وردّ التأويل ، وأنّ العربية كُلّها موضوعة على الحقيقة ، ولا مجاز فيها ، و ... الخ.

كيف تريد منّا أن نذكر لك كُلّ مآخذنا عليه ، وعلى ادعاءاته في هذه الصفحة العقائدية ، إنّ هذا لا يحاط به إلاّ بالإطلاع على عدد كبير من الكتب ، مشفوعة بالبحث والتدقيق والتأكّد من المصادر ، ونسبة الأقوال إلى قائليها ، وهذا ليس بالهيّن كما ترى.

ولذا يا أخي ، وحتّى لا نردّك بدون جواب سوف نقتصر على بعض المآخذ ، وأدلّتها والبراهين عليها ، وليس جميعها ، لأنّ سرد المآخذ وحدها يطول ، فكيف بسرد حججها معها ، مع إرشادك إلى بعض المصادر لزيادة الإطلاع.

فنقول : إنّ المآخذ على محمّد عبد الوهّاب تنقسم قسمين : الأوّل في شخص محمّد عبد الوهّاب ، والثاني في عقائده.

الأوّل : من هو محمّد عبد الوهّاب؟ وما هو مستواه العلمي؟ وإلى أيّ حدّ وصل في دراسته الدينية؟ وما علاقته بمستر همفر الجاسوس البريطاني؟ وبالتالي ما هي علاقة بريطانيا بذلك كُلّه؟

ص: 487

ويتفرّع عليه علاقته بمحمّد بن سعود مؤسّس المملكة السعودية ، ودور بريطانيا في ذلك ، وهذا الجزء الأخير يتعلّق بالأُمور السياسية ، ولا نحبّ الخوض فيه ، ولا صفحة المركز مخصّصة لذلك.

أمّا من هو محمّد عبد الوهّاب ، وما هو مستواه ، فقد ذكر من أرّخ له دراسته على يد أبيه ، وعلى يد عدّة شيوخ في مدن مختلفة ، رحل إليها في مدّة قصيرة ، لا مجال لذكر تفاصيلها هنا.

ولكن باختصار ذكروا : أنّ بداية دراسته كانت على يد والده ، وبعد ذلك سافر إلى الحجّ والمدينة المنوّرة ، وهو في عمر صغير ، ثمّ بعدها إلى عدّة مدن أُخرى إلى أن استقرّ في البصرة ، ومن المعلوم أنّ التحصيل العلمي يحتاج إلى وقت طويل ، واستقرار في أيّ مدينة يذهب إليها لطلب العلم ، وهذا لم يفعله محمّد ابن عبد الوهّاب ، ولا فائدة في ردّ ذلك بالقول : بأنّه كان يمتلك من النبوغ والذكاء ما يجعله يستغني عن ذلك ، فإنّ أذكى الأذكياء في العالم احتاج إلى مدّة من الزمن للدرس والتحصيل.

ثمّ في البصرة ذكروا أنّه درس على يد عدد من الشيوخ منهم المجموعي ، وعدد آخر لا يعرف أحد أسمائهم ، وكذا لم يبيّنوا كيف كان يعيش في البصرة ، ورجّحوا أنّه كان يعمل بالتجارة ، ولا أعلم كيف كان يجمع بين التجارة والدراسة؟ وكذا قالوا أنّه كان يعيش من ريع عائلته ، وهذا كُلّه نقلناه من المؤرّخين المؤيّدين له.

وأمّا المخالفين فحدّث ولا حرج ، فمذكّرات مستر همفر مثلاً تذكر أشياء عن محمّد بن عبد الوهّاب في البصرة ، وعلاقة مستر همفر - الجاسوس البريطاني - به ما لا يذكره كتّاب ومؤرّخي الوهّابية بحرف ، ولا تقل : أنّ هذا كلام نقله فاسق مغرض عميل لبريطانيا وما إلى ذلك ، فإنّ هذا الاعتراض قد يكون صحيحاً لو لم تكن هناك أدلّة على عدم وجود مصلحة لبريطانيا بنشر ذلك ، ووجود قرائن على العكس تؤيّد ضلوع بريطانيا في هذا الأمر من أوّل

ص: 488

تأسيس الإمارة السعودية إلى أن سلّمتها إلى يد أمريكا ، وما في تاريخ نجد لعبد اللّه في ليبي يكفي الباحث عن الحقّ.

ثمّ يذكر المؤرّخون عودته من البصرة ، وأنّه عاد للدرس على يد والده مرّة أُخرى حتّى وفاته ، وفي الأثناء يذكرون خلافه مع والده ، أُنظر كتاب « الشيخ محمّد عبد الوهّاب حياته وفكره » للدكتور عبد اللّه الصالح القيسي ، حيث قال : ويقول ابن بشر : « أنّه وقع بينه وبين أبيه كلام » ، وأُنظر كتاب « فصل الخطاب في بيان عقيدة الشيخ محمّد بن عبد الوهّاب » لأحمد نجيب ، حيث قال : « حتّى وقع بينه وبين أبيه كلام ».

فالمؤرّخون المؤيّدون يعلّلون هذا الاختلاف بحيث يصبّ في صالح محمّد بن عبد الوهّاب على أيّ حال ، وأمّا المخالفون فإنّهم يقولون : أنّ أباه أنكر عليه عقيدته ، كما أنكرها عليه غيره من العلماء ، ومنهم أخوه سليمان ، وكتابه « الصواعق الإلهية في الردّ على الوهّابية » ، أشهر من أن يذكر ، هذا موجز مختصر جدّاً لنظرتنا لشخص محمّد بن عبد الوهّاب.

الثاني : عقائده.

وقبل الشروع بذكر عقائده نودّ أن نقول : أنّ محمّد بن عبد الوهّاب كان تلميذاً على كتب ابن تيمية وعيالاً عليه ، وياليته كان تلميذاً جيّداً وذكياً يفهم كُلّ ما يقوله ابن تيمية! لكنّه كان ينقل من ابن تيمية ما يقوله بسطحية ساذجة ، فتراه في ما كتبه ينقل عنه العبارات البسيطة غير العميقة والمعقدّة علمياً ، ولو تصفّحت مؤلّفات ابن عبد الوهّاب لرأيتها في حدّ ذاتها أقوالاً يستطيع أن يتلفّظ بها كُلّ شخص قرأ عدّة كتب في الفقه والحديث ، ولا يغرّنّك ما أضاف إليها أتباعه من الشرح والاستدلال ، فمثلاً أُنظر ما كتبه في تفسير بعض الآيات ، فإنّه لا يرتفع فوق فهم أيّ شخص عادي من الآية ، وإن كان ذلك يعتبر عند سكّان نجد في ذلك الوقت علماً ليس فوقه علم.

ص: 489

ولذا لا ترى أيّ من الكتّاب والعلماء ينقل له تحقيق علمي ، أو قول فقهي ، أو رأي تفسيري يستدلّ به في كتابه ، اللّهم ما عدا أتباعه ، وسببه واضح للباحث عن الحقّ ، مع أنّهم أيضاً كذلك لا يأتون بكلامه كدليل علمي إذ لا يتحمّل مثل ذلك ، وإنّما يأتون بها كاستشهادات ومؤيّدات.

ولك مثال على ذلك ، بأن تنظر في أوّل أجزاء المجموعة الكاملة لابن عبد الوهّاب في العقيدة ، فخذ كتاب التوحيد وما بعده ، ترى فقر المستوى العلمي لفهم الآيات من خلال ما يطرحه بعدها من مسائل! يستطيع أيّ مثقّف بسيط أن يستخرجها كعناوين لما موجود في الآية ، وهو شبيه بالتفسير الموضوعي ، ولكنّه يفتقر إلى العمل الأساسي فيه ، ألا وهو الربط بين معاني ومواضيع الآيات المختلفة المنتشرة في كُلّ القرآن الكريم.

فإنّك تراه يأخذ عدّة آيات فقط ، ويفسّر العقيدة عليها بكلمات بسيطة لا تغني طالب العلم ، نعم هي كبيرة عند سكّان نجد في ذلك الوقت ، إذ أكثرهم أُمّيّون ، فخذ مثلاً مسألة من مسائل باب التوحيد التي أخذها ، من أوّل آية ذكرها ، ألا وهي قوله تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) (1) قال : « المسألة الأُولى : الحكمة في خلق الجنّ والأنس » (2) ، هكذا فقط! وفقط!!

وكأنّ العربي عندما تقرأ عليه هذه الآية لا يفهم هذه الجملة منها ، وكأنّ قوله هذا أصبح تفسيراً! أين كلامه من كلام فطاحلة الإسلام في التفسير ، إنّ هذه الآية فيها من الكلام والبحث العلمي والغور في أعماقها ممّا ينقل القارئ لتفسيرها إلى عالم العبادة والتوحيد والعشق والإخلاص الإلهي ، ممّا لا يسع المقام لذكره هنا ، فراجع تفاسير المفسّرين إن أردت ذلك.

وهكذا في بقية المسائل في هذا الكتاب وبقية الكتب ، إلى آخر ما كتبه في الحديث والفقه والسيرة ، فإنّه لا يعدو إلاّ أن يكون كلمات إنشائية فقيرة

ص: 490


1- الذاريات : 56.
2- كتاب التوحيد : 12.

علمياً ، أو مقتطفة من كلمات آخرين بدون تحقيق أو تعليق ، وما أكثرها عن ابن تيمية ، وياليته نقل وعلّق على كلمات ابن تيمية في الكلام والفلسفة والمنطق والمجاز ، وسند الحديث والدراية والفقه ، التي تدلّ على أنّ من كتبها قد أتعب فكره وصرم وقته بالدرس ، على ما فيها من الباطل والمغالطات ، ولكن حتّى هذا لم يستطع ابن عبد الوهّاب أن يفعله.

وأمّا عقائده : فإنّ له الكثير من العقائد التي يأخذها عليه الشيعة الإمامية فضلاً عن بقية المسلمين ، هذا بغض النظر عمّا تبع فيه ابن تيمية في معتقده وآرائه ، والتي ردّها معاصروه من علماء المسلمين شيعة وسنّة ، فضلاً عن اللاحقين لهم وإلى الآن ، فما يردّه الشيعة على ابن تيمية يعتبر بحدّ ذاته ردّاً على ابن عبد الوهّاب لأنّه يعتبره إمامه.

وأمّا اعتقاداته التي ضمّنها في كتبه ، فإنّا نرشدك إلى مراجعة كتاب « البراهين الجلية في رفع تشكيكات الوهّابية ».

يقول في كتابه « كشف الشبهات » : تبيّن لك أنّ الشفاعة كُلّها لله ، وأطلبها منه وأقول : اللّهم لا تحرمني شفاعته ، اللّهم شفّعه فيّ ، وأمثال هذا.

فإن قال : النبيّ صلى اللّه عليه وآله أُعطي الشفاعة وأنا أطلبه ممّا أعطاه اللّه ، فالجواب : أنّ اللّه أعطاه الشفاعة ، ونهاك عن هذا فقال : ( فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللّهِ أَحَدًا ) (1).

بينما الشيعة الإمامية تقول : أنّ الشفاعة ثابتة للنبي صلى اللّه عليه وآله وصالح المؤمنين ، والملائكة المقرّبين ، فيجوز الاستشفاع بهم إلى اللّه تعالى ، لنهوض الكتاب والسنّة عليه.

ويقول : « فاستغاثتهم بالأنبياء يوم القيامة يريدون منهم أن يدعوا اللّه ، أن يحاسب الناس حتّى يستريح أهل الجنّة من كرب الموقف ، وهذا جائز في الدنيا والآخرة ، وذلك أن تأتي عند رجل صالح حتّى يجالسك ويسمع كلامك ، تقول له : ادع اللّه لي ، كما كان أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يسألونه ذلك في حياته ،

ص: 491


1- الجنّ : 18 ، كشف الشبهات : 17.

وأمّا بعد موته ، فحاشا وكلاّ أنّهم سألوا ذلك عند قبره ، بل أنكر السلف على من قصد دعاء اللّه عند قبره ، فكيف بدعائه نفسه » (1)؟!

ويرد عليه : أنّ السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان لم ينكروا التوسّل بالنبيّ صلى اللّه عليه وآله لا حال حياته ولا بعد وفاته ، بل كانوا يتوسّلون به قبل وجوده ، وعليه مذهب المسلمين كافّة ، ما عدا الطائفة الوهّابية الذين عبّروا عنه بالشرك الأكبر ، وأباحوا لأجله دماء المسلمين وأموالهم على خلاف الكتاب والسنّة وما عليه الصحابة.

واحتجّ ابن عبد الوهّاب على تحريم مطلق ما عليه الإمامية من تعظيم قبور الأنبياء والأولياء وإكرامها ، والالتزام بها وبآدابها - من الزيارة والدعاء والتوسّل وطلب الشفاعة - بقوله : ومن الدليل على ذلك أيضاً : ما حكى اللّه تعالى عن بني إسرائيل مع إسلامهم وعلمهم وصلاحهم أنّهم قالوا لموسى : ( اجْعَل لَّنَا إِلَهًا ) (2).

ونقول له : أنّ الإمامية على جواز زيارة قبور المؤمنين ، وأنّها مستحبّة شرعاً فضلاً عن زيارة قبر النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، لتواتر الأحاديث الصحيحة الصريحة في استحبابها ، مضافاً إلى عمل المسلمين قاطبة من زمان النبيّ صلى اللّه عليه وآله إلى زماننا هذا ، فضلاً عن عمل النبيّ في زيارته شهداء أُحد ، وحضوره صلى اللّه عليه وآله لزيارة البقيع.

( صالح - السعودية - سنّي .... )

علاقتهم بمستر همفر :

س : أنا لا أصدّق أنّ الشيخ محمّد بن عبد الوهّاب كان يتعامل مع مستر همفر البريطاني ، أعتقد هذه قصّة مصطنعة؟

ص: 492


1- كشف الشبهات : 27.
2- الأعراف : 138 ، كشف الشبهات : 23.

ج : إنّ الشيعة وغيرهم من المذاهب الإسلامية لا يعتمدون في ردّهم على محمّد ابن عبد الوهّاب والوهّابية على كتاب مذكّرات مستر همفر ، بل يعتمدون في ردّهم على ما ورد في كتب محمّد بن عبد الوهّاب ، وكتاب مذكّرات مستر همفر ليس إلاّ مذكّرات كتبها الجاسوس البريطاني مستر همفر ، محفوظة في بريطانيا ، ومترجمة إلى اللغة العربية ، وشأن هذه المذكّرات شأن سائر المذكّرات الأُخرى ، التي يمكن أن يستفاد منها كقرائن لإثبات بعض الحقائق التاريخية ، وأكثر ما ورد في مذكّرات مستر همفر لم يتفرّد به ، بل له قرائن كثيرة في كتب التاريخ.

( هدى - السعودية - .... )

زرعوا الفتنة والبغضاء بين المسلمين :

س : لماذا لا يحبّونا نحن الشيعة؟

ج : الشيعة والسنّة هم إخوان يحبّ بعضهم بعضاً ، ولهم عِشرة حسنة في أكثر دول العالم ، باستثناء الوهّابية الموجود أكثرهم في السعودية ، حيث زرعوا الفتنة بين المسلمين ، ونشروا البغضاء بما طرحوه من أفكارهم المسمومة ، حتّى وصل بهم الأمر إلى تكفير الكثير من الفرق الإسلامية.

فالمشكلة هي في الأماكن التي يتواجد فيها أتباع محمّد بن عبد الوهّاب ، وفي كُلّ مكان يخلو منهم ، فإنّ المسلمين في أمان ومحبّة ومودّة.

( ... - ... - ..... )

الردّ عليهم واجب :

س : لكم منّي جزيل الشكر والامتنان على إرسالكم لي هدية مسابقة عاشوراء ، الصغيرة في حجمها الكبيرة في معناها ، وأثابكم اللّه على

ص: 493

جهودكم الجبّارة ، واهتمامكم الواسع في نشر العقيدة الصحيحة ، والردّ على الشبهات التي يثيرونها.

وهنا أُريد أن أشير لكم عن موقف حدث لي وأنا كنت في موقع من مواقع الوهّابية : عندما كنت أستمع لهم وهو يقومون بشتمنا ويسمّونا بالرافضة ، وبمجرّد الدخول معهم في المناقشة للردّ عليهم نبدأ بالصلاة والسلام على محمّد وآل محمّد يقوموا بطردنا من الموقع ، هنا سؤال : كيف يمكننا الردّ عليهم؟ واللّه ولي التوفيق.

ج : الردّ على أباطيل خصوم مذهب أهل البيت عليهم السلام واجب شرعي على كُلّ من له قدرة على الردّ ، وذلك باستعمال شتّى الأساليب في الردّ عليهم ، وتبيين أكاذيبهم وافتراءاتهم.

هذا ، وإنّ ما يقوم به الوهّابية من طرد للشيعة بمجرّد محاولتهم التكلّم ، لهو دليل على ضعف حجّتهم ، إذ من له دليل يناقش ويعتمد على المباني ، ومن لا دليل له يعتمد على السبّ والشتم والطرد.

وعليه ، فعلى الشيعة أن لا ييأسوا بمحاولات الوهّابية هذه ، بل عليهم أن يكرّروا دخولهم في هذه المواقع ، ويحاولوا أن يوجدوا جوّاً يفرضون به على الخصم قبول المناظرة ، وسماع كلام الشيعة.

( حمد حسن - قطر - 21 سنة - طالب جامعة )

كيف نتعامل معهم :

س : نلاحظ - خاصّة في مواقع الإنترنت - تكفير الوهّابية للشيعة ومحاربتهم واتهامهم بالتكذيب وبالبدع والضلالة إلى حدّ التكفير وغيرها!!

فكيف نتعامل معهم؟ هل نردّ عليهم كما يهاجموننا؟ أو نحاول التقريب - رغم أنّ بعضهم يرفض ذلك بحجّة أنّهم هم الحقّ -؟

ص: 494

ج : نتعامل معهم كما كان أئمّتنا عليهم السلام يتعاملون مع مخالفيهم ، بالحكمة والموعظة الحسنة ، لأنّ الأئمّة عليهم السلام كانوا الأوصياء لجدّهم النبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله ، الذي بُعث رحمة للعالمين ، ليخرجهم من الظلمات إلى النور.

فكان صلى اللّه عليه وآله يتحمّل أنواع الأذى بسعة صدر ، وهو في ذلك يدعو لهم بالهداية ، وكذلك كان أهل البيت عليهم السلام ، والمتوقّع منّا نحن شيعة أهل البيت عليهم السلام أن نكون كذلك ، نتحمّل أذاهم وتجريحهم ، رأفة بهم ورحمة ، لنخرجهم ممّا هم عليه ، من الظلمات إلى النور ، وذلك بتبيين الدليل لهم ، وعرضه عليهم بأسلوب ممزوج بالمحبّة والإشفاق عليهم ، ومهما حاولوا أن يستفزّونا بكلماتهم وأساليبهم الوحشية ، فالواجب علينا أن نتحمّلهم بسعة صدر.

وهذه هي الطريقة التي يتعامل بها المركز مع الوهّابيين في موقعه ، وفي حضور أعضائه في معارض الكتاب في العالم ، وقد أعطت نتاجاً حسناً ، وها هو المركز يقطف ثمار هذا التعامل - الذي اقتبسه من سيرة أهل البيت عليهم السلام - : بركوب الكثيرين - وحتّى من الوهّابيين - في سفينة النجاة واستبصارهم.

( عماد الدين - أمريكا - 36 سنة - بكالوريوس هندسة )

فيهم العالم المنحرف والجاهل المتعصّب :

س : هناك أدلّة كثيرة على إمامة علي عليه السلام بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في كتب أهل السنّة فضلاً عن الشيعة ، ولكن لماذا بعد كُلّ هذه الدلائل نجد الوهّابيين النواصب لا يزالون يرفضون ويجحدون ولاية علي عليه السلام ، ويطعنون بفاطمة الزهراء عليها السلام كما فعل ابن تيمية؟ فلماذا كُلّ هذا الاجحاد بعد كُلّ هذه الأدلّة؟

ج : لقد قام المذهب المناوئ لأهل البيت عليهم السلام بتزوير الإسلام ، وأسّسوا سبلاً غير سبيل اللّه تعالى ، وغير صراطه المستقيم ، فقاموا بإخفاء الأحاديث التي تثبت الحقّ والفضل لأهل البيت عليهم السلام بوسائل مختلفة ، منها :

ص: 495

منع الصحابة من التحديث ، ومن تدوين الأحاديث ، والإقامة الجبرية لبعضهم الموالين وغير ذلك ، وكذلك بثّوا ووضعوا أحاديث في قبال أحاديث أهل البيت عليهم السلام ، مثل قول النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة » ، فقد وضعوا في قباله : « أبو بكر وعمر سيّدا كهول أهل الجنّة » ، مع خلو الجنّة من الكهول بالاتفاق.

وكذلك قول النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « سدّوا كُلّ الأبواب إلاّ باب علي » ، فوضعوا في قباله : « سدّوا عنّي كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر » ، وقول النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « تركت فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي » ، فوضعوا في قباله « كتاب اللّه وسنّتي » ، مع العلم أنّ أكثر الأحاديث التي وضعوها لم تصحّ على شروطهم أيضاً ، ولله الحمد والمنّة ، ولله الحجّة البالغة.

فالمتأخّرون كما هو الحال في المتقدّمين ، منهم من يعلم الحقّ وينحرف عنه ويحاربه ، ومنهم من انطلى عليه الباطل وأخذ به ، فإذا هو في وادٍ سحيق من دون أن يلتزم البحث العلمي الرصين النزيه دون تعصّب ، فبقي يدافع عن مذهبه الذي وضعه أعداء الحقّ بمكرهم وكيدهم ، دون الالتفات إلى الحجج الباهرة البالغة الواضحة الصريحة ، فهم بين من ألبست عليه الشبهة وغاب عنه الحقّ ، وبين عالم بالحقّ معاند ، يدفعه إلى ذلك ما دفع كُلّ الجاحدين من زمن أبينا آدم عليه السلام إلى الآن.

( حسين حسن السهيل - لبنان )

تكفيرهم لأهل القبلة :

س : إنّي شيعي من جنوب لبنان ، لقد تعرّفت على هذا الموقع عن طريق أخي ، وأنا قد واجهت بعض المشاكل في الحديث عن أهل البيت مع الإخوة السنّة ، وإنّي حاولت أن أحدّد إجاباتي في كُلّ وقت يطرح عليّ سؤال ما ،

ص: 496

ولكن وفي وقت من الأوقات تحدّثت مع أخي ، وقال لي تراسل مع هذا المركز الذي سوف يساعدك قي مواجهة هذه المشكلة.

والمشكلة على وجه التحديد هي : تكفير المذهب الوهّابي للمذهب الشيعي ، واعتقادهم بأنّهم هم المذهب المسلم المسالم المسلمين ، فأتمنّى منكم أن ترسلوا لي بعض الأحاديث والدلائل على مناقشة هذا الموضوع بطريقة الكتاب ، وعبر طريق المستندات السنّية ، التي تثبت القول ، وذلك لفقر مناطقنا الشيعية بهذه الكتب ، وشكراً.

ج : إنّ تكفير أهل القبلة أمر مردود على صاحبه ، ومرفوض كتاباً وسنّة ، قال تعالى في كتابه الكريم : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ... ) (1).

وعن ابن عباس قال : لحق المسلمون رجلاً في غنيمة له ، فقال : السلام عليكم ، فقتلوه ، وأخذوا غنيمته ، فنزلت هذه الآية : ( وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) تلك الغنيمة (2).

وأيضاً عن ابن عباس قال : مر رجل من سليم على نفر من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ومعه غنم فسلّم عليهم ، فقالوا : ما سلّم عليكم إلاّ ليتعوّذ منكم ، فقاموا إليه فقتلوه ، وأخذوا غنمه وأتوا بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فأنزل اللّه تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ ... ) (3).

فقد دلّت الآية الكريمة على أنّ من أظهر أدنى علامات الإسلام - كالتحية - تجري عليه أحكامه ، من عصمة ماله ودمه.

ص: 497


1- النساء : 94.
2- صحيح البخاري 5 / 182 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 174 و 6 / 326 ، جامع البيان 5 / 305 ، أسباب نزول الآيات : 115 ، الجامع لأحكام القرآن 5 / 336 ، تفسير القرآن العظيم 1 / 551 ، الدرّ المنثور 2 / 199 ، فتح القدير 1 / 502.
3- أسباب نزول الآيات : 115.

عن ابن عباس في قوله : ( وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا ) ، قال : حرّم اللّه على المؤمنين أن يقولوا لمن يشهد أن لا إله إلاّ اللّه لست مؤمناً ، كما حرّم عليهم الميتة ، فهو آمن على ماله ودمه ، فلا تردّوا عليه قوله (1).

وقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « إيّاكم والظنّ فإنّه أكذب الحديث » (2) ، وقال تعالى : ( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) (3) ، وقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ) (4) ، ومعلوم أنّه لم يرد حقيقة العلم بضمائرهنّ واعتقادهنّ ، وإنّما أراد ما ظهر من إيمانهنّ من القول.

وقال تعالى : ( وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا ) ، وذلك عموم في جميع الكفّار ، وقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله لأُسامة بن زيد ، حيث قتل الرجل الذي قال : لا إله إلاّ اللّه ، فقال : إنّما قالها متعوّذاً ، قال : « هلاّ شققت عن قلبه » (5).

وقال سيّد سابق في فقه السنّة : وفي ميدان الحرب والقتال ، إذا أجرى المقاتل كلمة السلام على لسانه ، وجب الكفّ عن قتاله ، يقول اللّه تعالى : ( وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا ) (6).

نقول : فما بالك بالذي يشهد الشهادتين ، ويؤمن بالمعاد ، ويأتي بما أوجب اللّه تعالى عليه ، من صلاة وصيام وزكاة وحجّ وغيرها من فروع الدين ، هل يحقّ لأحد - ممّن يدّعي الإسلام - أن يكفّره؟ أو يقاتله؟ أو يعتدي على ماله؟ ويسبي ذراريه؟ وهو ما يفتي به علماء الوهّابية بحقّ من خالفهم من المسلمين ،

ص: 498


1- جامع البيان 5 / 305 ، الدرّ المنثور 2 / 201.
2- مسند أحمد 2 / 539 ، مسند الشهاب 2 / 97 أحكام القرآن للجصّاص 2 / 350 و 360 و 3 / 397 ، تفسير الثعالبي 5 / 273.
3- الإسراء : 36.
4- الممتحنة : 10.
5- مسند أحمد 5 / 207 ، صحيح مسلم 1 / 67.
6- فقه السنّة 2 / 596.

ويخصّون بالذكر أتباع أهل البيت عليهم السلام ، يبتغون بذلك عرض الحياة الدنيا ، كما هو الواقع الذي تحكي عنه الآية السابقة ، فبئس ما يصنعون.

وقد ورد في السنّة الشريفة من الأحاديث والمواقف الدالّة على النهي الشديد عن تكفير أهل القبلة ، وأهل الشهادتين وقتالهم ، نذكر جملة منها :

1 - قال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « لا تكفّروا أهل ملّتكم ، وإن عملوا الكبائر » (1).

2 - وقال صلى اللّه عليه وآله : « لا تكفّروا أحداً من أهل قبلتي بذنب ، وإن عملوا الكبائر » (2) ، نقول : نعم إنّ الكبائر توجب العقاب لا الكفر.

3 - وقال صلى اللّه عليه وآله : « بني الإسلام على خصال : شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّداً رسول اللّه ، والإقرار بما جاء من عند اللّه , والجهاد ماض منذ بعث رسله إلى آخر عصابة تكون من المسلمين ... فلا تكفّروهم بذنب ، ولا تشهدوا عليهم بشرك » (3).

4 - وقال صلى اللّه عليه وآله : « بني الإسلام على ثلاث ، أهل لا إله إلاّ اللّه لا تكفّروهم بذنب ، ولا تشهدوا عليهم بشرك » (4).

5 - وقال صلى اللّه عليه وآله : « إذا أحدكم قال لأخيه : يا كافر ، فقد باء بها أحدهما » (5).

6 - وقال صلى اللّه عليه وآله : « لا يرمي رجل رجلاً بالفسق ، ولا يرميه بالكفر إلاّ ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك » (6).

7 - وقال صلى اللّه عليه وآله : « من كفّر أخاه فقد باء بها أحدهما » (7).

ص: 499


1- نصب الراية 2 / 35 ، كنز العمّال 1 / 215.
2- الجامع الكبير 2 / 43 ، كنز العمّال 1 / 215.
3- كنز العمّال 1 / 29.
4- المصدر السابق 1 / 277.
5- مسند أحمد 2 / 18 و 60 و 112 ، صحيح البخاري 7 / 97 ، صحيح مسلم 1 / 57 ، الجامع الكبير 4 / 132.
6- مسند أحمد 5 / 181 ، صحيح البخاري 7 / 84 ، الجامع الصغير 2 / 464.
7- مسند أحمد 2 / 142 ، تاريخ بغداد 9 / 64.

8 - وقال صلى اللّه عليه وآله : « أيّما رجل مسلم كفّر رجلاً مسلماً ، فإن كان كافراً وإلاّ كان هو الكافر » (1).

9 - وقال صلى اللّه عليه وآله : « إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فهو كقتله » (2).

10 - وقال صلى اللّه عليه وآله : « كفّوا عن أهل لا إله إلاّ اللّه ، لا تكفّروهم بذنب ، فمن أكفر أهل لا إله إلاّ اللّه فهو إلى الكفر أقرب » (3).

وعن الزهري : أخبرني محمود بن الربيع قال : سمعت عتبان بن مالك يقول : غدا عليّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فقال رجل : أين مالك بن الدخشن؟ فقال رجل منّا : ذلك منافق لا يحبّ اللّه ورسوله ، فقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « ألا تقولوه يقول لا إله إلاّ اللّه يبتغي بذلك وجه اللّه » قال : بلى ، قال : « فإنّه لا يوافي عبد يوم القيامة به ، إلاّ حرّم اللّه عليه النار » (4).

وعن ابن ظبيان : « سمعت أُسامة بن زيد بن حارثة يحدّث قال : بعثنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إلى الحرقة من جهينة ، قال : فصحبنا القوم فهزمناهم ، قال : ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجل منهم ، قال : فلمّا غشّيناه قال : لا إله إلاّ اللّه ، فكفّ عنه الأنصاري ، فطعنته برمحي حتّى قتلته.

قال : فلمّا قدمنا بلغ ذلك النبيّ صلى اللّه عليه وآله قال : فقال لي : « يا أُسامة ، أقتلته بعدما قال لا إله إلاّ اللّه »؟ قال : قلت : يا رسول اللّه إنّما كان متعوّذاً ، قال : « أقتلته بعد أن قال لا إله إلاّ اللّه »؟ قال : فما زال يكرّرها عليّ حتّى تمنّيت أنّي لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم » (5).

وعن الزهري قال : حدّثنا عطاء بن يزيد : أنّ عبيد اللّه بن عدي حدّثه : أنّ المقداد بن عمرو الكندي - حليف بني زهرة - حدّثه ، وكان شهد بدراً مع

ص: 500


1- كنز العمّال 3 / 635.
2- المعجم الكبير 18 / 194 ، مجمع الزوائد 8 / 73.
3- المعجم الكبير 12 / 211 ، الجامع الصغير 2 / 275 ، مجمع الزوائد 1 / 106.
4- صحيح البخاري 8 / 54.
5- المصدر السابق 8 / 36.

النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، أنّه قال : يا رسول اللّه إن لقيت كافراً فاقتتلنا ، فضرب يدي بالسيف فقطعها ، ثمّ لاذ بشجرة وقال : أسلمت لله ، أأقتله بعد أن قالها؟

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « لا تقتله » ، قال : يا رسول اللّه ، فإنّه طرح إحدى يدي ، ثمّ قال ذلك بعدما قطعها أأقتله؟ قال : « لا تقتله ، فإن قتلته فإنّه بمنزلتك قبل أن تقتله ، وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال » (1).

لمّا خاطب ذو الخويصرة الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله بقوله : اتق اللّه ... قال خالد بن الوليد : يا رسول اللّه! ألا أضرب عنقه؟ قال صلى اللّه عليه وآله : « لا ، لعلّه أن يكون يصلّي » ، فقال خالد : كم مصلّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « إنّي لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس ، ولا أشقّ بطونهم » (2).

وفي هذه الأحاديث نجد الدلالة واضحة في النهي عن تكفير أهل القبلة ، وأهل الشهادتين كذلك ، والنهي عن رمي الناس بالكفر أو الشرك لأدنى ذنب أو خلاف.

ومن أقوال العلماء في النهي عن تكفير أهل القبلة والناطقين بالشهادتين ، قال ابن حزم عندما تكلّم فيمن يكفّر ولا يكفّر : « وذهبت طائفة إلى أنّه لا يكفّر ولا يفسّق مسلم بقول قاله في اعتقاد أو فتيا ، وإنّ كُلّ من اجتهد في شيء من ذلك فدان بما رأى أنّه الحقّ ، فإنّه مأجور على كُلّ حال ، إن أصاب فأجران ، وإن أخطأ فأجر واحد.

وهذا قول ابن أبي ليلى وأبي حنيفة والشافعي وسفيان الثوري وداود بن علي ، وهو قول كُلّ من عرفنا له قولاً في هذه المسألة من الصحابة ، لا نعلم منهم في ذلك خلافاً أصلاً » (3).

وعن أحمد بن زاهر السرخسي - أجلّ أصحاب الشيخ أبي الحسن الأشعري - قال : « لمّا حضرت الشيخ أبا الحسن الأشعري الوفاة في داري ببغداد قال لي :

ص: 501


1- المصدر السابق 8 / 35.
2- المصدر السابق 5 / 111.
3- الفصل بين الملل والأهواء والنحل 3 / 247.

أجمع أصحابي ، فجمعتهم ، فقال لنا : أشهدوا على أنّي لا أقول بتكفير أحد من عوام أهل القبلة ، لأنّي رأيتهم كُلّهم يشيرون إلى معبود واحد ، والإسلام يشملهم ويعمّهم » (1).

وقال القاضي الإيجي : « جمهور المتكلّمين والفقهاء على أنّه لا يكفّر أحد من أهل القبلة » (2).

وقال المنّاوي : « فمخالف الحقّ من أهل القبلة ليس بكافر ، ما لم يخالف ما هو من ضروريات الدين ، كحدوث العالم وحشر الأجساد » (3).

بل إنّنا نجد أنّه قد جاء عن ابن تيمية ما هذا لفظه : « جميع أُمّة محمّد صلى اللّه عليه وآله موحّدون ، ولا يخلّد في النار من أهل التوحيد أحد » (4).

ولا تظنّ أنّ ابن تيمية يريد بأهل التوحيد أمراً غامضاً معقّداً أكثر ممّا هو وارد في الروايات الواردة عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله السالفة الذكر ، من النطق بالشهادتين والإتيان بالفرائض وعدم جحدها.

وقال الإمام الشافعي : « فأعلم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أن فرض اللّه أن يقاتلهم حتّى يظهروا أن لا إله إلاّ اللّه ، فإذا فعلوا منعوا دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّها » (5).

وقال القاضي عياض : « اختصاص عصم النفس والمال بمن قال : لا إله إلاّ اللّه ، تعبير عن الإجابة إلى الإيمان ، أو أنّ المراد بهذا مشركو العرب وأهل الأوثان ومن لا يوحّد ، وهم كانوا أوّل من دعي إلى الإسلام وقوتل عليه ، فأمّا غيرهم ممّن يقرّ بالتوحيد ، فلا يكتفي في عصمته بقوله لا إله إلاّ اللّه ، إذا كان يقولها في كفره وهي من اعتقاده ، ولذلك جاء في الحديث الآخر : وأنّي رسول اللّه ، ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة » (6).

ص: 502


1- اليواقيت والجواهر : 50.
2- المواقف في علم الكلام 3 / 560.
3- فيض القدير 5 / 12.
4- مجموع الفتاوى 11 / 487.
5- الأُم 7 / 311.
6- بحار الأنوار 65 / 243.

وبعد هذا لم نجد عند الوهّابيين ما ينهضون به لتكفير المسلمين ، ومنهم أتباع أهل البيت عليهم السلام من دليل راجح ، سوى شبهات احتطبوها هنا وهناك من قشور فهم سقيم للشريعة المقدّسة ، فانكبّوا على المسلمين يكفّرونهم لمجرّد التوسّل بالأولياء ، أو لمجرّد زيارة قبورهم ، أو الدعاء عند أضرحتهم الشريفة ، وأمثال هذه الأُمور التي بيّن موارد جوازها علماء المسلمين من جميع المذاهب الإسلامية - عدا المخالفين في ذلك لأدلّة الجواز الواردة في القرآن والسنّة كالوهّابيين مثلاً - بما لا مزيد عليه.

ص: 503

ص: 504

يزيد بن معاوية :

اشارة

( أُم زهراء - السعودية - .... )

مخلّد في النار لقتله أهل البيت :

س : ما حكم من يعتقد بأنّ يزيد قد يستحقّ العفو والرحمة يوم القيامة؟

ج : نعتقد أنّ صاحب هذا القول مبتدع ، لأنّه خلاف النصوص الواردة ، فقد ورد بالتخليد في جهنّم لمن يرتكب قتل إنسان مؤمن عادي ، فكيف بمن يرتكب قتل سيّد الشهداء عليه السلام.

بالإضافة إلى النصوص الخاصّة لمن يقتل أهل البيت عليهم السلام ، وأن قتلتهم مخلّدون في النار ، ولا تشملهم الشفاعة ، ولا تدركهم الرحمة ، وأنّ من مات مبغضاً لآل محمّد جاء يوم القيامة آيس من رحمة اللّه ، إلى آخره من النصوص العديدة ، والقول باحتمال شمول العفو والرحمة لمثل هؤلاء ابتداع في الدين.

( ... - ... - ..... )

مصادر سنّية تكفّره وتجوّز لعنه :

س : أرجو التكرّم بتزويدي بمصادر من أهل السنّة عن سيرة يزيد ، والمصادر التي تجيز لعنه لديهم.

ج : قد أفتى كُلّ من سبط بن الجوزي ، والقاضي أبو يعلى ، والتفتازاني ، والسيوطي ، وغيرهم من أعلام السنّة القدامى ، بكفر يزيد وجواز لعنه.

ص: 505

قال اليافعي : « وأمّا حكم من قتل الحسين أو أمر بقتله ممّن استحلّ ذلك ، فهو كافر » (1).

وقال التفتازاني في شرح العقائد النسفية : « والحقّ إنّ رضا يزيد بقتل الحسين ، واستبشاره بذلك ، وإهانته أهل بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ممّا تواتر معناه ... لعنة اللّه عليه وعلى أنصاره وأعوانه » (2).

وقال الذهبي : « كان ناصبياً فظّاً غليظاً ، يتناول المسكر ويفعل المنكر ، افتتح دولته بقتل الحسين ، وختمها بوقعة الحرّة ، فمقته الناس » (3).

وقالوا : « إنّه كان مع ذلك إماماً فاسقاً » (4).

وقال المسعودي : « ولمّا شمل الناس جور يزيد وعمّاله ، وعمّهم ظلمه وما ظهر من فسقه : من قتله ابن بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وأنصاره ، وما أظهر من شرب الخمور ، وسيره سيرة فرعون ، بل كان فرعون أعدل منه في رعيّته ، وأنصف منه لخاصّته وعامّته : أخرج أهل المدينة عامله عليهم ، وهو عثمان بن محمّد بن أبي سفيان » (5).

وقال عبد اللّه بن حنظلة الغسيل : « فو اللّه ما خرجنا على يزيد حتّى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء ، إنّ رجلاً ينكح الأُمّهات والبنات والأخوات ، ويشرب الخمر ويدع الصلاة » (6).

وقال الذهبي : « ولما فعل يزيد بأهل ما فعل ، وقتل الحسين واخوته وآله ، وشرب يزيد الخمر ، وارتكب أشياء منكرة ، بغضه الناس ، وخرج عليه غير واحد ، ولم يبارك اللّه في عمره » (7).

ص: 506


1- شذرات الذهب 1 / 124.
2- المصدر السابق 1 / 123.
3- نفس المصدر السابق.
4- البداية والنهاية 8 / 245.
5- مروج الذهب 3 / 68.
6- الطبقات الكبرى 5 / 66 ، تاريخ مدينة دمشق 27 / 429 ، تاريخ الإسلام 5 / 27 ، تاريخ الخلفاء : 209.
7- تاريخ الإسلام 5 / 30.

هذا ، وقد صنّف أبو الفرج ابن الجوزي - الفقيه الحنبلي الشهير - كتاباً في الردّ على من منع لعن يزيد واسماه : « الردّ على المتعصّب العنيد ».

( موالي - الكويت - 19 سنة - طالب )

ما ذكر من مناقبه غير صحيح :

س : أمّا بعد ، هناك بعض الروايات التي يدّعي بعض العامّة بأنّها مناقب ليزيد بن معاوية ، منها :

1 - أخرج البخاري عن خالد بن معدان : أنّ عمير بن الأسود العنسي حدّثه : أنّه أتى عبادة بن الصامت - وهو نازل في ساحل حمص وهو في بناء له - ومعه أُمّ حرام ، قال عمير : فحدّثتنا أُمّ حرام أنّها سمعت النبيّ صلى اللّه عليه وآله يقول : « أوّل جيش من أُمّتي يغزون البحر قد أوجبوا ».

قالت أُمّ حرام : قلت : يا رسول اللّه أنا فيهم؟ قال : « أنت فيهم » ، ثمّ قال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « أوّل جيش من أُمّتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم » ، فقلت : أنا فيهم يا رسول اللّه؟ قال : « لا » (1).

2 - وأخرج البخاري أيضاً ، عن محمود بن الربيع في قصّة عتبان بن مالك ، قال محمود : فحدّثتها قوماً فيهم أبو أيوب صاحب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في غزوته التي توفّي فيها ، ويزيد بن معاوية عليهم - أي أميرهم - بأرض الروم (2).

3 - قدم ابن عباس وافداً على معاوية ، أمر معاوية ابنه يزيد أن يأتيه - أي أن يأتي ابن عباس - فأتاه في منزله ، فرحّب به ابن عباس وحدّثه ، فلمّا نهض يزيد من عنده قال ابن عبا السؤال : إذا ذهب بنو حرب ذهب علماء الناس (3).

فما رأي سماحتكم في هذه الأحاديث؟

ج : في مقام الجواب ننبّهك إلى عدّة نقاط :

ص: 507


1- صحيح البخاري 3 / 232.
2- المصدر السابق 2 / 56.
3- البداية والنهاية 8 / 251.

1 - إنّ استشهاد الشيعة بمصادر أهل السنّة ليس من باب القول بحجّيتها ، وإنّما من باب الإلزام : « الزموهم بما الزموا به أنفسهم » ، والشيعة وعلى مرّ العصور لم تعتبر صحاح ومسانيد أهل السنّة حجّة عليهم ، لأنّها قد ورد القدح في طرقها وفي مؤلّفيها ، فهي غير سليمة من ناحية الأسانيد ، لذلك لا تكون حجّة ، وإنّما يبحث فيها الشيعة من باب الإلزام.

فإذا استدلّ أهل السنّة بحديث أو أحاديث من صحاحهم أو مسانيدهم ، حاول علماء الشيعة في نقضه الاعتماد على نفس مصادرهم في الجرح والتعديل ، ليكون الزم في الحجّة ، فلو فرضنا أنّ حديثاً ما عندهم لم نتمكّن من إبطاله على مصادرهم ، فهو لا يكون حجّة علينا.

2 - إنّ الأيادي الأثيمة التي حرّفت التاريخ وكانت مستأجرة من قبل السلطان ، أدّت إلى أن لا يصل التاريخ والحوادث المهمّة فيه بصورة نقية ، فأكثر التاريخ الذي رواه أهل السنّة متّهم ، لا يمكن الاعتماد عليه ، يحتاج إلى بحث عميق ، وملاحظة سائر القرائن للتثبّت من الأحداث.

3 - بالنسبة إلى الحديث الأوّل والثاني ، نشاهد بوضوح بأنّه ليس من المتسالم عليه في كتب القوم أنّ يزيد قاد أوّل جيش غزا مدينة قيصر ، حيث ذكر ابن خلدون في تاريخه : « بعث معاوية سنة خمسين جيشاً كثيفاً إلى بلاد الروم مع سفيان بن عوف ، وندب يزيد ابنه ، فتثاقل فتركه ، ثمّ بلغ الناس أنّ الغزاة أصابهم جوع ومرض ، وبلغ معاوية أن يزيد أنشد في ذلك ... » (1).

وكذلك نُقل عن ابن التين وابن المنير نفيهما حضور يزيد في تلك الغزوة ، وذهب إلى النفي غيرهم من المؤرّخين.

4 - ذهب ابن التين وابن المنير - كما عنهما في فتح الباري - أنّ يزيد على فرض وجوده في الجيش ، فإنّ المراد بالمغفرة لمن وجد شرط المغفرة ، قالا : أنّه لا يلزم من دخوله في ذلك العموم أن لا يخرج بدليل خاصّ ، إذ لا يختلف أهل العلم أنّ

ص: 508


1- تاريخ ابن خلدون 3 / 9.

قوله صلى اللّه عليه وآله : « مغفور لهم » ، مشروط بأن يكونوا من أهل المغفرة حتّى لو ارتدّ واحد ، ممّن غزاها بعد ذلك لم يدخل في ذلك العموم اتفاقاً ، فدلّ على أنّ المراد : مغفور لمن وجد شرط المغفرة فيه منهم (1).

5 - الرواية الثالثة ضعيفة غير متصلة السند ، فهي مرفوعة ، وأغلب الظنّ كونها أيضاً من وضع أُولئك الذين تلاعبوا في التاريخ ليغيّروا الحقائق.

6 - وأخيراً : فإنّ كُلّ هذا معارض بما روي في ذمّ يزيد ، وكونه خارج عن الجادّة المستقيمة ، ومجموع ما روي في ذمّ يزيد يعطينا اطمئناناً بصدور هذا الذمّ في حقّه ، وهنا نشير إلى بعض ما روي من ذلك ، موكلين التفصيل فيه إلى مراجعة الكتب المؤلّفة في ذلك الموضوع :

عن عبد اللّه بن جعفر : وكان فيه أيضاً إقبال على الشهوات ، وترك بعض الصلوات في بعض الأوقات ، وإماتتها في غالب الأوقات.

وقد قال الإمام أحمد : حدّثنا أبو عبد الرحمن ، ثنا حيوة ، حدّثني بشير بن أبي عمرو الخولاني : أنّ الوليد بن قيس حدّثه أنّه سمع أبا سعيد الخدري يقول : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول : « يكون خلف من بعد ستين سنة أضاعوا الصلاة ، واتبعوا الشهوات ، فسوف يلقون غياً ، ثمّ يكون خلف يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، ويقرأ القرآن ثلاثة : مؤمن ومنافق وفاجر » ....

وقال الحافظ أبو يعلى : حدّثنا زهير بن حرب ، ثنا الفضل بن دكين ، ثنا كامل أبو العلاء : سمعت أبا صالح ، سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « تعوّذوا باللّه من سنة سبعين ، ومن إمارة الصبيان ».

وروى الزبير بن بكار ، عن عبد الرحمن بن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أنّه قال في يزيد بن معاوية :

لست منّا وليس خالك منّا *** يا مضيع الصلوات للشهوات

ص: 509


1- فتح الباري 6 / 74.

وقال الحافظ أبو يعلى : حدّثنا الحكم بن موسى ، ثنا يحيى بن حمزة ، عن هشام بن الغاز ، عن مكحول ، عن أبي عبيدة : أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : « لا يزال أمر أُمّتي قائماً بالقسط ، حتّى يثلمه رجل من بني أُمية يقال له يزيد » ....

وقد رواه ابن عساكر من طريق صدقة بن عبد اللّه الدمشقي ، عن هشام بن الغاز ، عن مكحول ، عن أبي ثعلبة الخشني ، عن أبي عبيدة ، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : « لا يزال أمر هذه الأُمّة قائماً بالقسط ، حتّى يكون أوّل من يثلمه رجل من بني أُمية يقال له يزيد » ....

وقال أبو يعلى : حدّثنا عثمان بن أبي شيبة ، ثنا معاوية بن هشام ، عن سفيان ، عن عوف ، عن خالد بن أبي المهاجر ، عن أبي العالية قال : كنّا مع أبي ذر بالشام ، فقال أبو ذر : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول : « أوّل من يغيّر سنّتي رجل من بني أُمية ».

ورواه ابن خزيمة عن بندار ، عن عبد الوهّاب بن عبد المجيد ، عن عوف : حدّثنا مهاجر بن أبي مخلّد ، حدّثني أبو العالية ، حدّثني أبو مسلم ، عن أبي ذر فذكر نحوه ....

وكذا رواه البخاري في التاريخ ، وأبو يعلى عن محمّد بن المثنّى ، عن عبد الوهّاب ... ، وقد أورد ابن عساكر أحاديث في ذمّ يزيد بن معاوية ... (1).

وكذا أورد غيره ، وهي بمجموعها تبعث الاطمئنان على صدور الذمّ من الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله في حقّ يزيد ، وأنّه على غير الصراط المستقيم.

وذكر ابن كثير عن عرقدة بن المستظل قال : « سمعت عمر بن الخطّاب يقول : قد علمت وربّ الكعبة متى تهلك العرب ، إذا ساسهم من لم يدرك الجاهلية ، ولم يكن له قدم في الإسلام.

قلت : يزيد بن معاوية أكثر ما نقم عليه في عمله شرب الخمر ، وإتيان بعض الفواحش ، فأمّا قتل الحسين فإنّه كما قال جدّه أبو سفيان يوم أُحد لم يأمر بذلك ولم يسؤه ....

ص: 510


1- البداية والنهاية 8 / 252.

وقيل : إنّ يزيد فرح بقتل الحسين أوّل ما بلغه ، ثمّ ندم على ذلك ، فقال أبو عبيدة معمر بن المثنّى : إنّ يونس بن حبيب الجرمي حدّثه قال : لمّا قتل ابن زياد الحسين ومن معه بعث برؤوسهم إلى يزيد ، فسرّ بقتله أوّلاً ، وحسنت بذلك منزلة ابن زياد عنده ، ثمّ لم يلبث إلاّ قليلاً حتّى ندم » (1)!

وهذا من ابن كثير ليس ببعيد ، فإنّه معروف عنه من دفاعه عن النواصب ومحاولاته لخلق التبريرات لقبائحهم ، وليس العجيب من ابن كثير محاولاته لإيجاد التبريرات ليزيد ، وإنّما العجيب قبوله شرب الخمر ليزيد ، وأنّه فرح بقتل الحسين في البداية.

هذا ، وإنّ من أشدّ قبائح يزيد بعد قتله للحسين عليه السلام ما فعله من إباحة المدينة ثلاثة أيّام ، وما جرى في تلك الواقعة ، حتّى اضطر ابن كثير إلى الاعتراف ببعض هذه القبائح فقال : ولكن تجاوز الحدّ بإباحة المدينة ثلاثة أيّام ، فوقع بسبب ذلك شر عظيم كما قدّمنا (2).

ص: 511


1- المصدر السابق 8 / 254.
2- المصدر السابق 8 / 255.

ص: 512

الأسئلة المتفرّقة :

اشارة

( هاني - الكويت - .... )

عيد النيروز والغسل فيه :

س : لماذا تعظّمون عيد النيروز؟ وما هي الأدلّة على أنّ الغُسل في ذلك اليوم سنّة مؤكّدة؟

ج : إنّ عيد النيروز هو بإجماع المسلمين ليس من الأعياد التأسيسية التي جاء بها الإسلام ، وكُلّ من قال به فقد قال أنّه عيد تقريري ، أي أنّه قد كان شرّع في الأُمم والشرائع الأُخرى ، والإسلام لم يخالف ذلك بل قرّره ، لما فيه من ميّزات تعبّدية ، فشرّع فيه الغسل والدعاء والصلاة ، وبعض الأذكار الربّانية ، على أنّه لا يخفى عليك أنّ خلفاء أهل السنّة العباسيين كانوا يحتفلون فيه ويعدّونه عيداً ، يوزّعون فيه الهدايا والأموال.

وعليه ، فهذا العيد لم يختصّ بطائفة أو مذهب ، وبما أنّ الشريعة الإسلامية لم تخالف ذلك فنحن نقبله ، لا على أنّه شريعة ودين أتى به الإسلام ، بل على أنّه عيد فيه العبادة والخضوع ، والتوجّه إلى اللّه تعالى ، والتواصل بين المؤمنين ، وزيارة الأحبّة والأقرباء ، وخصوصاً كبار العائلة - من جدّ وأب وأُمّ و ... - وفيه صارت بعض البشارات للأنبياء والرسل والصالحين.

ص: 513

( العرادي - البحرين - .... )

الفتوحات الإسلامية :

س : أمّا بعد ، يذهب المسلمون عموماً إلى أنّ الإسلام لم ينتشر بالسيف ، وأنّه ( لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّين ) (1) ، فمن شاء أن يسلم فله إسلامه ، ومن أبى فعليه ذنبه.

ولكن ما هو تفسير الفتوحات الإسلامية في عهد الرسول صلى اللّه عليه وآله؟ ومن بعده الخلفاء؟ فمنها ما كان بالسيف ، وأنّه من يؤمن ويدخل بالإسلام فقد نجى ، ومن يأبى فقد كفر ، أُريد جواب واضح عن ذلك ، وجزاكم اللّه خيراً.

ج : فلم يثبت أنّ الجيش الإسلامي بأمر الرسول صلى اللّه عليه وآله قد هاجم مدينةً آمنةً ، أو مجتمعاً آمناً مسالماً بدون مبرّر ، بل التحديد يثبت أنّ كُلّ حرب من الحروب ، أو فتح من تلك الفتوحات كان لسبب مبرّر للقتال ، من قبيل قتل دعاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، حيث كانوا يذهبون لنشر الدعوة الإسلامية في بعض البلدان فيتعرّضون للقتل ، أو من قبيل اضطهاد طغاة تلك البلدان المسلمين في تلك البلدان ، هذا بالنسبة إلى المجتمعات الكافرة.

وأمّا المجتمعات غير الكافرة المسالمة ، التي لم تعلن الحرب على المسلمين ، ولا على الدولة الإسلامية ، ولا على دعاة الإسلام ، ولم تشكّل خطراً على الإسلام والمسلمين ( لاَ يَنْهَاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ ) (2) فمثل هذا الصنف الكافر المسالم لم يثبت أنّه صلى اللّه عليه وآله شنّ عليهم الحرب.

كلامنا في تلك الفتوحات التي جرت على زمن الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وهي في الواقع بعنوان فتوحات قليلة ، مثلاً من بينها فتح مكّة ، والبقية كانت على شكل حروب دفاعية يتصدّى فيها الجيش الإسلامي للكفّار المعتدين ، كما اعتدى

ص: 514


1- البقرة : 256.
2- الممتحنة : 8.

الكافرون في أُحد ، وجمّعوا قواهم وأحزابهم في واقعة الخندق ، وهكذا بقية الحروب ، فالفتح لم يكن في زمن الرسول صلى اللّه عليه وآله إلاّ قليلاً كفتح مكّة.

أمّا الفتوحات في زمن الخلفاء ، إن ثبت خروج بعض تلك الحروب عن الضوابط ، فذلك ممّا يتحمّل حاكم الوقت آنذاك مسؤوليته ، إذا كان غير المعصوم.

أمّا الإمام المعصوم عليه السلام فنقطع أنّه كان يسير بحسب الضوابط العسكرية الفقهية في هذا المجال ، كما في عهد الإمام علي عليه السلام ، وأشهر قليلة في عهد الإمام الحسن عليه السلام.

وأمّا ما عدا ذلك من الحكومات التي لم يكن الحاكم بها المعصوم عليه السلام ، فإن كانت منطبقة على الضوابط فهي تمثّل الإسلام وإلاّ فلا.

ثمّ بالنسبة إلى الفتوحات فيها كلام ، في أنّ بعض الفتوحات لم تكن على الضوابط ، وإنّما كانت حركة توسّعية لا مبرّر لها ، وبهذا لا يمكننا أن نحمل كُلّ تصرّفات الأمويين أو العباسيين - بل وحتّى الخلفاء الثلاثة - على الإسلام ، وندّعي أنّها تمثّل خطّ الإسلام الأصيل.

وبالنسبة إلى ما حدث للإمام علي عليه السلام ، وأن كان قليلاً لكنّا نجزم أنّه كان مطابقاً للضوابط الإسلامية ، كما وأن أكثر الفتوحات كذلك.

( أُمّ يحيى - السعودية - .... )

من البرامج الروحية التزكية والتحلية :

س : ما هي أهمّ البرامج الروحية التي يجب على السالك إلى اللّه انتهاجها؟

ج : من أهمّ الأُمور التي ينبغي على المؤمن أن يأتي بها هي التزكية والتحلية.

فالتزكية تحصل بالامتناع عن مجموعة من الأُمور التي تجرّ الإنسان إلى الأُمور المادّية الدنيوية ، وتبعده عن التقرّب إلى اللّه تعالى.

ص: 515

والتحلية تحصل بإتيان مجموعة من الأُمور العبادية التي تقرّب الإنسان إلى اللّه تعالى ، من قبيل الصلاة ، فإنّها قربان كُلّ تقي ، وقربان كُلّ مؤمن - كما ورد في الروايات - وخصوصاً إتيانها في أوّل وقتها ، بالإضافة إلى صلاة الليل ، فإنّ لها آثار كبيرة وعظيمة على الإنسان.

ومن قبيل الصوم ، فإنّه زكاة لكم - كما ورد في الحديث - ففيه أيضاً آثار جليلة للإنسان ، وغير هذه الأُمور التي نصّ الشارع المقدّس عليها ، ويجب إتباع الشارع فيها ، وعدم تجاوزها إلى أعمال من قبيل الصوفية وأمثالها.

( محمّد - السعودية - 16 سنة - طالب ثانوية )

جاء الإسلام بالعدالة لا بالمساواة :

س : الإسلام جاء بالمساواة بين الناس ، ولكن نرى في حكم القصاص إذا قتل الحرُّ عبداً ، فإنّ الحرّ لا يُقتل ، بينما إذا قتل العبدُ الحرَّ فإنّه يُقتل ، نرجو التوضيح.

ج : إنّ الإسلام لم يأت بالمساواة بين الناس ، وإنّما جاء الإسلام بالعدالة بين الناس ، وفرق بين العدالة والمساواة ، فتارة تتحقّق العدالة ولا مساواة ، وبعبارة أُخرى : يكون تحقّق العدالة بعدم المساواة ، ومورد سؤالكم من هذا القبيل.

( محمّد - السعودية - 16 سنة - طالب ثانوية )

أعمال الكفّار لا تُقبل :

س : هل أعمال الكفّار تُقبل؟

ج : قد قرّر علماؤنا : أنّ أعمال الكفّار لا تُقبل ، لأنّ قبولها مشروط بالإيمان ، إذاً ما لم يؤمن الإنسان فلا قيمة لأعماله عند اللّه تعالى.

ص: 516

( حفيظ بلخيرية - تونس - 40 سنة )

تشكّل الجنّ بشكل الإنسان :

س : جاء في حديثكم : وأنّ الجنّ يتشكّل بشكل الإنسان ، فكيف يمكن أن نأمن على أموالنا وأنفسنا ونسائنا و ... مع العلم أنّ الآية الكريمة تقول : ( إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ ) (1).

لي سؤال آخر في موضوع الجنّ وهو : جاء في قوله تعالى : ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأرض ) (2) مع العلم أنّ الجنّ يسبح كما يريد في الفضاء ، إلاّ أماكن استراق السمع ، فلماذا جمعتهم الآية مع الإنس؟

ج : إنّ ما ذكر : من أنّ الجنّ يتشكّل بشكل الإنسان ليس على عمومه ، بل في موارد خاصّة ، فلا يكون خارجاً عن الإرادة والتخطيط الإلهي ، وعليه فلا يشكّل خطراً على حياة الإنسان بدون نزول أوامر السماء ، حيث يقول جل وعلا : ( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ) (3).

وأمّا آية ( إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُه ... ) فلا تنفي إمكانية تشكّل الجنّ بأنواع الصور ، بل تبيّن سعة نظره التي هي من مقوّمات وجوده ، إذ هو يرى الإنسان ، ولا يراه الإنسان في الحالات العادية.

وأمّا آية ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ ... ) فتبيّن لنا أهمّية تحصيل العلم في سبيل الإشراف ، وسعة الإطلاع على الآيات التكوينية المخلوقة في عالم الوجود ، هذا من جانب.

ومن جانب آخر ، تنفي عدم انخرام السماوات في وجه الإنس والجنّ - كما كان يعتقده أصحاب الفلسفة اليونانية - بل تصرّح بإمكانية التوغّل والنفوذ إلى أبعد حدٍ في عالم المادّة ، بشرط الاستعانة بالعقل والعلم.

ص: 517


1- الأعراف : 27.
2- الرحمن : 33.
3- الانفطار : 10.

ثمّ من المعلوم ، أنّ الجنّ - وبحسب كيفية خلقهم - يمكن لهم التردّد في الفضاء في حدودٍ معيّنة ، وهذا لا يزيد في شأنهم ، إذ لا دور لهم في تحديد هذه الإمكانية ، ولا في أصل وجودها ، بل أنّهم خلقوا هكذا.

وممّا ذكرنا يظهر أنّهم أيضاً - كالإنس - مخاطبون بهذه الآية إلى توسيع دائرة علومهم في معرفة الكون ، بمعونة تحصيل الأسباب والمقدّمات العلمية.

( حسن البحراني - البحرين - 20 سنة - طالب )

معنى آية اللّه :

س : هناك أُناس جهّال ، عندما يسمعون كلمة « آية اللّه » يسخرون منها ، ويقولون : بأن لا يصحّ هذا القول إلاّ للقرآن فقط ، وإنّما أناس مثلنا لا نقول لهم هذه الكلمة.

ج : إنّ معنى الآية في اللغة : العلامة ، وآية الرجل بمعنى شخصه ، لذا تسمّى آيات القرآن آية ، لأنّها علامة لانقطاع الكلام ، وتأتي أيضاً بمعنى العبرة ، قال تعالى : ( لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ ) (1) ، أي أُمور وعبر مختلفة.

وإذا استقصيت آيات القرآن الكريم لوجدت أنّ معنى الآية هي العلامة والعبرة ، والحجّة والدليل والبرهان إلى غير ذلك من المترادفات.

قال تعالى : ( سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ ) (2) ، وقال تعالى : ( أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ) (3) ، وقال تعالى : ( وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا ) (4) ، وقال تعالى : ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ) (5) ، إلى آخر الآيات الكريمة التي تعطي مجتمعة بمعنى الحجّية ، أي لو ضممنا

ص: 518


1- يوسف : 7.
2- البقرة : 211.
3- آل عمران : 49.
4- الأنعام : 25.
5- هود : 103.

جميع المعاني إلى بعضها ، لكان المعنى المستحصل من الآية بمعنى الحجّة والحجّية التي يحتجّ بها اللّه تعالى على عباده ، سواء كان مصداق الحجّية نبيّاً من الأنبياء ، أو كان كافراً من الكافرين.

فعلى الأوّل كما في قوله تعالى : ( وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً ) (1) ، وعلى الثاني كما في قوله تعالى واصفاً مآل فرعون ومصيره : ( فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ) (2) ، فكلا المصداقين يكونان في مقام الحجّية التي يحتجّ اللّه بها على عباده ، إلاّ أنّ مقام المصداقين متغايران ، فأحدهما مصداق الطاعة - كما في مريم وابنها - والآخر مصداق المعصية - كما في فرعون وقومه - وكذلك إذاً تتعدد أغراض الآية ، فكُلّ بحسبه.

وهكذا دأبت الإمامية في أدبياتها المرجعية أن تطلق على كُلّ من يكون حجّة بينها وبين اللّه تعالى في أخذ الأحكام بكونه آية - أي دليلاً ومرجعاً للناس في أخذ الأحكام الإلهية - ونسبة الآية إلى اللّه تعالى ، بمعنى حجّة اللّه على عباده ، كي يحتجّ بها عليهم في التبليغ والإرشاد.

فهل من مانع لغوي أو اصطلاحي يدفع بهؤلاء أن يستغربوا من المصطلح؟ أو يؤدّي بهم إلى الاستهزاء كما عبّرتم؟ وهذا لعلّه جهلاً منهم بمنشأ الاصطلاح وسببه ، والناس أعداء ما جهلوا.

( خليفة - ... - ..... )

مفهوم نحوسة الأيّام :

س : ما هو تعريف النحوسة؟ وما هي مسبّباتها؟ وهل توجد روايات صحيحة السند مروية عن الرسول وأهل بيته عليهم السلام؟ شاكرين لكم جهودكم رعاكم اللّه.

ص: 519


1- المؤمنون : 50.
2- يونس : 92.

ج : إنّ النحوسة قد وردت في النصوص الدينية ، ففي الكتاب قوله تعالى : ( فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ ) (1) ، وقوله تعالى : ( فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ ) (2) ، وأما في الروايات فكثير ، يمكنك لمشاهدتها مراجعة كتاب بحار الأنوار ، الجزء التاسع والخمسين ، أبواب التعويذات من الأدعية ، وعليه ، فلا مجال لإنكارها ، إلاّ ما دلّ عليه دليل عقلي أو نقلي صحيح.

وأمّا مفهوم نحوسة الأيّام ، فهو ليس بمعنى شؤم اليوم نفسه ، بل هو إشارة إلى الظرف الزماني الذي لا يناسب العمل الكذائي ، وهذا لا بُعد فيه ، بل قد يؤيّده العقل والنقل.

وتوضيحه : أنّ ظروف الحياة البشرية وجميع مستلزماتها وملابساتها لم تكن معلومةً في جميع أبعادها ، فكُلّ جزءٍ منها يرتبط بملايين العوامل المؤثّرة والمنفعلة في الكون ، والتشريعات والأديان السماوية بما أنّها تمتدّ جذورها إلى مبدأ الخلق والتكوين ، فإنّها تنظر بعين الحقيقة إلى كافّة الظروف والشرائط الزمانية والمكانية في حياة الإنسان ، لتحسين وضعه ، وتجنّبه المساوئ والسلبيّات ، فترى مثلاً : أنّ العمل الفلاني في مقطع خاصّ من الزمان ، قد يؤدّي إلى إرهاقه وعرقلة سيره في حياته نحو الأفضل ، وهذه هي عبارة أُخرى عن نحوسة ذلك المقطع الخاصّ من الزمان ، وهكذا.

وبالجملة : فالنحوسة - وما يقابلها أي السعادة - ليست صفة للأيّام في الواقع ، بل إنّها إشعار وإشارة إلى عدم ملائمة الوقت لفعلٍ ما ، ويؤيّد ما ذكرناه أنّه قد ورد في بعض النصوص أنّ اليوم الفلاني نحس بالنسبة لفعلٍ ما ، أو شخصٍ معيّنٍ ما ، وفي نفس الوقت لم يكن نحساً لأعمال أُخرى ، أو أشخاص آخرين.

ص: 520


1- القمر : 19.
2- فصّلت : 16.

( أمريكا - ... - ..... )

كيفية التدريس ومنح الألقاب في الحوزة :

س : أنا شاب من اليمن أدرس في الولايات المتحدة ، عندي سؤال أتمنّى من اللّه أن تجيبوني عليه : كيف تتمّ طريقة التدريس في الحوزات العلمية؟ وكيف يتمّ اعتماد المراتب والألقاب مثل : حجّة الإسلام ، وآية اللّه العظمى ، وما هي معاني تلك الصفات؟

ج : لاشكّ بأنّ الدراسة الحوزوية تجتمع مع الدراسة الأكاديمية في بعض النقاط ، وتختلف عنها في نقاط أُخرى ، ونذكر هنا بعض النقاط التي تتميّز بها الدراسة الحوزوية :

1 - للطالب الحرّية الكاملة في انتخاب الأُستاذ الذي يريده ، والمادّة الدراسية ، حسب مقرّرات خاصّة ومواد معيّنة.

2 - لا يقيّم الطالب بالامتحان فحسب ، وإنّما يقيّم من خلال دراسته ومباحثته ، ومناقشته وتدريسه.

3 - تقوم الدراسة في الحوزة على شكل حلقات غالباً.

4 - مناقشة الأُستاذ في كُلّ جزئية وبكُلّ حرّية.

5 - تعتمد الدراسة في الحوزة على أسلوب طرح الموضوع والفكرة من قبل الأُستاذ ، ثمّ مناقشته من قبل الطلبة ، ثمّ مباحثة الطلبة فيما بينهم لهضم المادّة ، ثمّ مراجعة الأُستاذ بعد ذلك.

6 - تعتمد الدراسة في الحوزة على مطالعة مسبقة على الدرس ، ثمّ الحضور في الدرس ، ثمّ مطالعة ملحقة بعد الدرس وتقييد النقاط الغامضة ، ثمّ السؤال من الطالب الآخر ، أو الرجوع إلى الأُستاذ.

7 - إنّ التدريس في الحوزة مبنيّ على اللياقات الموجودة عند الأُستاذ ، وليس على منح درجات أو رتب ، وأمثال ذلك.

ص: 521

وأمّا بالنسبة إلى مسألة الألقاب والمنح في الحوزة ، فهي مسألة اعتبارية تمنح نتيجة لدراسات معيّنة من أهل الخبرة ، فلا تقبلوها من كُلّ أحد ، لأنّها قد تمنح بلا حقّ.

ولا يخفى عليكم أنّ هذه الألقاب ليس لها مداليل واقعية ، يعني عندما نلقّب هذا بآية اللّه ، ليس معناه أنّ الآخر أو الآخرين ليسوا بآية من آيات اللّه ، ولكن لقّب هذا بآية اللّه باعتبار تبنّى بعض المسائل الفقهية والأُصولية ، ودرس ودرّس وباحث لمدّة مطوّلة.

( حيدر النور - كندا - 31 سنة - طالب إعدادية )

مقوّمات شخصية الإنسان :

س : من أين تتكوّن شخصية الإنسان؟ هل من الوالدين أو من الثقافة؟

ج : إنّ تكوّن شخصية الإنسان تتقوّم على أُسس وخطوط عريضة هي : عالم النطفة والخلق ، وأجواء البيت والأُسرة ، والثقافة العامّة المتداولة في الوسط الاجتماعي المحيط به ، التي تشمل حتّى مجالات التعليم والتعلّم ، ومستوى ثقافة المعلّم ، وحقّ الاختيار الدائم والمستمر في جميع هذه المراحل.

وباختصار : هذه كُلّها ممّا تكوّن شخصية كُلّ إنسان في التقدير الإلهي لخلقه.

نعم ، مع فرض وجود النقص في كُلّ من الجوانب المذكورة ، يمكن للإنسان أن يعوّضه في مجال آخر منها ، وحينئذٍ لا تفرض حالة شخصية غير قابلة للتغيير ، وعليه يجب أن يسعى الإنسان لتحسين شخصيّته وتصحيحها دائماً نحو الأفضل والأكمل.

( علي العلي - الكويت - .... )

أسباب ثورة الزنج :

س : ما هي أسباب ثورة الزنج؟ ومن قام بها؟ وفي أيّ زمن حصلت؟

ص: 522

ج : نقلت كتب التاريخ : أنّ ثورة الزنج دامت نحواً من أربع عشرة سنة « 255 - 270 ه- = 869 - 883 م » ، والذي قاد هذه الثورة على الأشهر هو علي بن محمّد ابن أحمد بن علي بن عيسى بن زيد بن الإمام علي زين العابدين عليه السلام.

والسبب الرئيسي لهذه الثورة هو ما كان يعانيه الزنج من الفقر والحرمان والبؤس ، وللمزيد من الإطلاع راجع :

1 - شرح نهج البلاغة 8 / 126.

2 - تاريخ الأُمم والملوك 7 / 547.

3 - الكامل في التاريخ 7 / 205.

4 - ثورة الزنج للدكتور فيصل السامر.

( علي عدنان العلي - الكويت - .... )

الفرق بين العلم الحصولي والحضوري :

س : هناك من يقول أنّ العلم الحصولي لا ينفكّ عن العلم الحضوري ، بل هما متلازمان ، مثلاً : الجهاز الذي أمامي هو علم حصولي ، وصورته علم حضوري ، والعلم الحضوري مقتصر على الأحاسيس والشعور وما شابه ، ما مدى صحّة هذه المقولة؟

ج : هناك فرق بين العلمين في المنشأ ، ينبغي التنبّه له : فما كان صورته المنتزعة بأدوات الإحساس هي الحاضرة عند العالم - دون وجوده الخارجي - فهو علم حصولي والصورة المذكورة هي المعلومة بالذات ، وفي نفس الوقت واسطة لمعرفة ذلك الوجود الخارجي.

وما كان وجوده حاضراً ومعلوماً عند العالم من دون توسيط شيءٍ أو صورة ، فهو علم حضوري ، كعلم الإنسان بنفسه.

فإن قال قائل : إنّ العلم في هذا المثال أيضاً حصولي.

قلنا : بأنّ هذا التوهّم باطل ، إذ العلم الحصولي يحتاج إدراكه إلى توسيط صورة تدلّ على الوجود الخارجي ، فلو قلنا بهذا في المثال المذكور يلزمنا تعيين صورة دالّة

ص: 523

على الإنسان عند نفسه ، ثمّ نبحث عن نوعية العلم لهذه الصورة ، فلو كان العلم لها حضوري ثبت المطلوب ، وإن قلنا بأنّه حصولي يحتاج هذا الآخر لمعرفته إلى صورة ذهنية أُخرى ، وهلّم جرّاً يتسلسل الأمر ، والتسلسل واضح البطلان.

فالحلّ : أن نقطع السبيل ونجزم بوجود نوع من العلم لا يحتاج في إدراكه إلى صورة توسيطية ، بل إنّه مجرّد حضور المعلوم والمدرَك عند العالم والمدرِك ، وهو الذي يسمّى بالعلم الحضوري ، ويختلف جذريّاً مع العلم الحصولي.

( السيّد الموسوي الساري - البحرين - .... )

الدليل العقلي على التمسّك بالإسلام :

س : ما هو الدليل العقلي على لزوم التمسّك بالدين الإسلامي ورفض بقية الديانات؟

ج : إنّ الدليل العقلي على لزوم التمسّك بالدين الإسلامي دون بقية الأديان هو بالكمال ، بمعنى أنّ العقل يقدّم الشيء الكامل والفاضل على الشيء الناقص والمفضول ، باعتبار تقديم الكامل عدل ، والعدل حسن عقلاً ، كما أنّه يقبح عقلاً تقديم الناقص على الكامل مع وجود الكامل ، باعتبار تقديم الناقص حينئذ ظلم ، والظلم قبيح عقلاً ، فتقديم الكامل من الحُسن العقلي.

ومن المعلوم : أنّ الدين الإسلامي هو خاتم الأديان وآخرها ، فلابدّ وأن يكون أكملها وأجمعها لجميع جوانب حياة الإنسان وأبعاده ، وممّا يدلّ على كماله الروايات الشريفة والآيات المباركة ، منها : قوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ) (1).

إذاً ، العقل يلزمنا أن نختار الدين الإسلامي باعتباره الدين الكامل ، كما يحكم أنّ المتأخّر ينسخ المتقدّم ، وأنّ في الثاني ما في الأوّل ولا عكس ، فإنّ الاثنين يضمّ الواحد ولا عكس ، كما هو واضح.

ص: 524


1- المائدة : 3.

وبمثل هذه الملاكات العقلية يقدّم الدين الإسلامي على غيره عقلاً ، كما يقدّم نقلاً ، فإنّ الشرائع السماوية الأُخرى ، أخبرت بظهور الدين الإسلامي ، وأنّه خاتم الشرائع السماوية ، كما أنّ نبيّه صلى اللّه عليه وآله خاتم الأنبياء عليهم السلام.

( علي العلي - الكويت - .... )

الطريق إلى معرفة الثقافة الإسلامية :

س : ما هي الطريقة لتكوين ثقافة إسلامية؟ وما هي الكتب المهمّة في هذا المجال؟

ج : إنّ سؤالكم مركب من كلمتين : ثقافة وإسلامية ، فالثقافة لوحدها لا تكون كاملة ما لم تضاف إلى الكلمة الثانية « إسلامية » ، فيمكننا أن نعرّف الثقافة بالعلم بالشيء والعمل به ، العلم بالتعاليم الإسلامية ، والعمل بهذه التعاليم ، هو الذي يخلق عند الإنسان ثقافة إسلامية ، فإذا عرفنا الإسلام بمفاهيمه الصحيحة وعملنا بها - إذ أنّ للإسلام تعاليم وقوانين في جميع المجالات - حصلت لنا ثقافة إسلامية.

وبما أنّ الإسلام لم يصلنا بالصورة المتكاملة إلاّ عن طريق أهل البيت عليهم السلام ، وأهل البيت أدرى بما في البيت ، وقد نقلوا الصورة الصحيحة للإسلام ومفاهيمه - كما نزل به جبرائيل الأمين على النبيّ صلى اللّه عليه وآله - فالرجوع إلى كلامهم للوصول إلى ثقافة إسلامية يكون ضرورياً لكُلّ طالب حقّ وحقيقة.

ومن الكتب التي ننصحكم بقراءتها كتاب : « التكامل في الإسلام » لأحمد أمين ، وكتب الشيخ محمّد جواد مغنية ، والسيّد شرف الدين ، والشيخ المظفر ، والشيخ كاشف الغطاء.

ص: 525

( أمير أحمد - أمريكا - 16 سنة - طالب )

الكافر يكافأ في الدنيا على أعماله الإيجابية :

س : هل يثاب أديسون - مخترع الكهرباء - على خدمته الفاضلة للبشرية من قبل اللّه تعالى؟ بالرغم من أنّه - كما تعرفون - لم تكن نيّته قربة إلى اللّه تعالى ، وحفظكم اللّه تعالى.

ج : تدلّ العمومات التي وردت في بعض الروايات : بأنّ الكافر يكافأ في هذه الدنيا على أعماله الإيجابية ، التي خدمت النوع البشري ، حتّى لا يبقى له حقّ في الآخرة ، ويؤيّده حكم العقل بعدم ضياع عمله ، وإن كان كافراً ( وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ) (1).

نعم ، هناك بعض الروايات تفيد : بأنّ الكفّار القاصرين الذين لم تصل إليهم الأدلّة ، ولم يكونوا معاندين ، موكلون في الحكم عليهم في الآخرة إلى اللّه تعالى ، وعبّرت عنهم - هذه الروايات - بالمستضعفين والمرجوّين لشمول رحمة الباري لهم.

( محمّد حسام - سوريا - 32 سنة - طبيب أسنان )

تشخيص الحقّ من الباطل بالعقل :

س : ألا تعتقدون بأنّ كُلّ واحد في هذه الأرض يعتبر نفسه أنّه الأقرب إلى الأصحّ؟ فما هي الآليات العملية التي يمكن أن نطبّقها للوصول إلى إقناع الطرف الآخر؟ بأنّه يمكن أن يكون بعيداً عن الحقّ ، طبعاً أتكلّم من وجهة الفهم النبوي لشريعة اللّه على الأرض ، وشكراً لكم.

ج : إنّ الآلية الوحيدة - في نقطة الصفر - للبحث عن الحقّ والحقيقة هو العقل ، والاعتماد على الدليل مهما كانت نتائجه ، ويؤيّده ما ورد في أحاديث الشيعة :

ص: 526


1- فصلت : 46.

أنّ أوّل ما خلق اللّه هو العقل (1) ؛ ولا يخفى أنّ في كُلّ موضوع حقّ وباطل ، فالدليل القوي والمتين يكون مع الحقّ ويردّ الباطل ، فلا مجال لتوهّم وجود دليلين أساسيين لصالح الحقّ والباطل على حدّ سواء ، بل كُلّ ما في الأمر أنّ للباطل شبهات يخيّل أنّها دلائل ، ولكن عندما تعرض وتقاس بأدلّة الحقّ ، تنكشف زيفها ، فللباطل جولة ، ولكن للحقّ دولة.

فالمهمّ في هذا المجال : أن يدرس أدلّة كُلّ مدّع للحقّانية في قبال أدلّة الآخرين - ولا يكفي مجرّد ادّعائه هذا المقال - حتّى يحصحص الحقّ من خلاله ، ثمّ ( فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ ) (2).

( أحمد - فلسطين - سنّي )

لابدّ من معرفة من نحبّ :

س : أنا أحبّ الشيعة لأنّهم أكثر المسلمين ثورة على الظلم.

ج : الحبّ له مراحل ، لابدّ من تخطّي هذه المراحل لأجل الوصول إلى الحبّ الحقيقي ، ومن أهمّ مراحل الرقي في الحبّ معرفة من نحبّ.

وبعد هذه المقدّمة ندعوك لمعرفة الشيعة الذين تحبّهم ، والتشيّع الذي يعتقدون به ، لا ندعوك لأن تتشيّع!! بل ندعوك لأن تعرف الشيعة والتشيّع ، وتعرف أدلّتهم من كتبهم ، لا من كتب خصومهم.

( بنت العفاف - البحرين - .... )

معنى تجرّد الروح :

س : هناك اختلاف بين المحقّقين وعلماء الكلام في قضية تجرّد الروح ، أرجو من حضرتكم التوضيح مع التفصيل ، وهل المجرّدات تتعرّض للفناء؟

ص: 527


1- شرح نهج البلاغة 18 / 185 ، من لا يحضره الفقيه 4 / 369.
2- يونس : 32.

ج : هذه المسألة طرحت من زمن أفلاطون وأرسطو.

فأفلاطون كان يقول : إنّ الروح جاءت من عالم المجرّدات والمثل ، وما وراء الطبيعة ، وحلّت في الإنسان ، وهي كالطائر في القفس تريد الخلاص منه ، وسبب حلولها في البدن معصيتها ، فحبسها اللّه في البدن ....

أمّا أرسطو يخالف أفلاطون ويقول : إنّها مع كونها مجرّدة ، ولكنّها تخلق مع البدن.

هذا خلاصة ما قيل حولها ، ولمّا وصلت إلى يد العرفاء قالوا : إنّ الإنسان له جسد ونفس وروح ، أمّا الروح فهي إلهية ، كما في قوله تعالى : ( وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ) (1) ، وأمّا النفس فهي صاحبة الأهواء والغرائز ، لكنّها تتكامل شيئاً فشيئاً ، إلى أن تصل إلى مرحلة النفس المطمئنة ، وتتّحد مع الروح.

وأمّا الحكماء والفلاسفة فلا يفرّقون بين الروح والنفس ، وجعلوهما شيئاً واحداً ، وهي مع كونها مجرّدة لكنّها ناقصة ، وتتكامل شيئاً فشيئاً.

والمجرّدات لا تفنى ، لأنّ الفناء خاصّ بالمادّيات ، وما ليس بمادّي لا فناء له.

طبعاً هذه المسألة طرحت في الغرب من زمن ديكارت ، وأختلف الفلاسفة فيها ، فقسم منهم - وهم الإلهيون - يعتقدون بالفصل التامّ بين الروح والجسد ، ويقولون : إنّ بينهما تنافراً ولا يلتقيان ، وقسم منهم - وهم المادّيون - لا يعتقدون بهذا ، بل يقولون بمادّية الروح أو النفس ، وانعدامها بعد الموت.

( عبد المنعم - البحرين - .... )

محاسبة النفس :

س : كيف يحقّق المسلم رضا نفسي عمّا يفعله من أفعال ركنية أو واجبة أو مستحبّة بحيث تحقّق رضا اللّه عنه؟

ص: 528


1- الحجر : 29.

ج : قال تعالى : ( يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ) (1).

هذه الآيات وإن كانت حاكية عن الوضع في يوم القيامة ، إلاّ أنّنا يمكن أن نستفيد منها في عالمنا هذا - عالم الحياة الدنيا - إذ أنّ الإنسان يوم القيامة ينبأ ، وفي عالم الدنيا يستطيع أن يستخبر من نفسه حقائق الأُمور ، من دون لفّ ودوران ، ليعلم أنّ أعماله هل هي خالصة لله تعالى أم يشوبها الشرك؟ وكذلك هل استتبع أعماله أو يستتبعها منّةً وحسابات أُخرى أم لا؟

ولهذا العمل في الحياة الدنيا ، واستخبار الإنسان لنفسه ، يسمّى بمحاسبة النفس ، التي ورد في الحثّ عليها الروايات الكثيرة.

فيعيّن الإنسان وقتاً بين الحين والآخر ، يخلو فيه مع نفسه ، ويحاسبها على جميع أعماله ، فما شاهد منها الخير والإخلاص حمد اللّه وسأله أن يزيده منها ، وما رأى غير ذلك استغفر اللّه وصمّم على أن لا يعود.

( نورة إبراهيم - البحرين - .... )

معنى كلمة الحلوليون :

س : ما معنى كلمة الحلوليون؟

ج : تطلق كلمة الحلوليون على القائلين بأنّ اللّه تعالى حلّ في الأجسام ، أو حلّ في جسم معيّن ، ولهذا سمّوا بهذا الاسم ، وفي تعريف هذا المصطلح من المعاني الفلسفية ما يصعب فهمه على الجميع.

( إبراهيم - فلسطين - .... )

حول الوطنية والقومية والديمقراطية :

س : ما هو تعريفكم للوطنية والقومية والديمقراطية؟

ص: 529


1- القيامة : 13 - 15.

ج : نحن لا ننفي الوطنية والقومية والديمقراطية بالكُلّية ، ولا نؤيّدها مطلق التأييد ، بل نحن مع القومية والوطنية والديمقراطية - بمعناها اللغوي - الشرعية ، بمعنى أن نكون معها مادامت لا تخالف النصوص الدينية ، ونكون ضدّها إذا خالفت النصوص الدينية.

( عبد الحليم نواصر - الجزائر )

المرجعية أولت اهتماماً لقضية فلسطين :

س : اقتراحي يتمثّل في التكثيف من المسائل التي توحّد المسلمين حول القضية الفلسطينية.

ج : المرجعية الشيعية أولت اهتماماً كبيراً لقضية فلسطين ، وأصدر مراجع الدين بياناتهم وابدوا فيها عن استنكارهم ، وأوصوا الأُمّة الإسلامية بالتماسك والوحدة لأجل الدفاع عن الفلسطينيين ، ولا زالت الشيعة في أنحاء العالم وعلى رأسهم حزب اللّه الذي دعمته المرجعية الشيعية ، بل أحد المصاديق الخارجية لتلامذة المرجعية الشيعية ، لازالوا هم السبّاقين في التضحية والفداء.

( ... - ... - ..... )

توضيح عن الديمقراطية والوطنية والقومية :

س : أُريد توضيحاً عن الديمقراطية والوطنية والقومية إذا أمكن ، وشكراً.

ج : الديمقراطية تعني الحرّية ، والحرّية تارة تكون للفرد وأُخرى للمجتمع ، والديمقراطية المطلقة والتي لا تتقيّد بأيّ قيد غير مقبولة عند الشارع المقدّس ، بل الديمقراطية المقيّدة - التي تحفظ كرامة الإنسان والمجتمع ، ولا تتعدّى الحدود التي رسمها الشارع - هي المقبولة عند الشارع.

وأمّا الوطنية والقومية ، فهما اصطلاحان منتزعان من الوطن والقوم ، والمراد منهما : أن يتعصّب كُلّ إنسان لقومه ووطنه ، وهذا أيضاً بإطلاقه غير صحيح

ص: 530

عند الشارع ، لأنّ التعصّب للقوم والوطن يسبّب ضياع حقوق الآخرين ، ويزيغ الإنسان عن العدل والحقّ ، ولكن القومية والوطنية إذا حدّدتا وقيّدتا بضوابط عقلية وشرعية فإنّهما سيكونان مقبولان شرعاً وعقلاً.

( عبد السلام - المغرب - .... )

التشبّه بالكفّار حرام :

س : الإخوة الأفاضل القائمين على هذا الموقع : هل النهي عن التشبّه بالكفّار وارد في الفقه الإمامي؟ هل بالإمكان إيراد بعض الأمثلة المنهي عنها؟ وجزاكم اللّه خيراً.

ج : نعم ، التشبّه بالكفّار وارد في الفقه الإمامي وهو حرام ، وتشخيصه يرجع إلى العرف الذي يحكم بأنّه تشبّه بالكفّار.

( ريما الجزيري - البحرين - .... )

حقوق الناس وإبراء ذمّتهم :

س : أُريد أن أشكركم على جهودكم البنّاءة لخدمة وبناء هذا المجتمع.

طالما رددت في أحد الأدعية : « وقد خفقت أجنحة الموت عند رأسي ... وقد نزلت منزلة الآيسين من خيري فمن يكون أسوأ حالاً منّي » ، وتفكّرت فيها كثيراً جدّاً.

ولكن السؤال هو : أنّ اللّه سبحانه رحيم ، ورحمته وسعت كُلّ شيء ، أي أنّ اللّه ممكن أن يغفر لنا ذنوبنا التي تتّصل به - كالأحكام الفقهية من صلاة وصوم و ... - ولكن ماذا عن حقوق الناس؟ فما هي حقوقهم؟ وكيف التكفير عنها عند ظلم أي إنسان؟ وإذا كان هناك تعذّر من الوصول إليه - لسبب من الأسباب - فما العمل؟ وهل من اللازم عند براءة الذمّة ذكر الظلم الذي وقع على هذا الإنسان؟ أعينوني أعانكم اللّه.

ص: 531

ج : الإنسان عليه أن يبقى دائماً يعيش حالة الخوف والرجاء ، الخوف من جهنّم ، ورجاء رحمة اللّه تعالى ، لمّا يقرأ آيات الرحمة والغفران يحصل له الرجاء ، ولمّا يقرأ آيات العذاب وجهنّم يحصل له الخوف.

وأمّا حقوق الناس ، فهي على قسمين : مادّية ، ومعنوية.

أمّا المادّية ، فيجب على كُلّ إنسان غصب حقّاً من مال أو عين أو تصرّف بأموال غيره ، أو تسلّط عليها ، فيجب أن يرجع كُلّ شيء ليس له إلى أهله.

وأمّا المعنوية ، كالغيبة والافتراء على الآخرين و ... ، فإنّه يجب أن يستميحه في هذه الحياة الدنيا ويبرأ ذمّته ، وإن كان هناك تعذّر من الوصول إليه فيستغفر له ، ويتصدّق عنه عسى أن ينفع يوم لا ينفع مال ولا بنون.

( أبو الزين - الأردن - .... )

الحسن والقبح العقليين :

س : في موضوع الحُسن والقبح يعقّب صديقي قائلاً : وأمّا وصف الأفعال بالقبح والحسن ، فإننا لا ننكر أنّ العقل يقبّح ويحسّن بعض الأُمور ، لكن لا مدخلية له في تقبيح أفعال يترتّب عليها حساب ، وتحسينها التي هي محلّ التكليف الشرعي ، بل الشرع هو الذي يحسّن ويقبّح الأفعال ابتداءً دون مدخلية للعقل فيها ، وإلاّ فكيف تفرّون من إباحة شرب الخمر ثمّ تحريمها؟

وأين العقل من هذا؟ أو كذلك إباحة زواج الأخت في الشرائع السابقة؟ هل حقّاً أنّ الأشاعرة لا ينكرون أنّ العقل يقبّح ويحسّن بعض الأُمور؟ وهل يطرد ذلك مع قواعدهم؟

ج : الذي ينبغي أن يقال : هو أنّ العقل بعدما يحكم في كُلّ مورد ، يرى الملازمة أيضاً بين هذا الحكم وحكم الشارع ، نعم لو لم يدرك العقل الملازمة المذكورة تماماً في موضوعٍ ما لم يحكم بوجود الحكم الشرعي في ذلك المجال.

ص: 532

وبعبارة أُخرى : لو أدرك العقل العلّية التامّة بين الأفعال ومواصفاتها من الحُسن والقبح ، فحينئذٍ يحكم بتحسين أو تقبيح الشرع لها ، وإلاّ فلا.

وممّا ذكرنا يظهر عدم ورود النقوض المذكورة - إباحة شرب الخمر وزواج الأُخت - فإنّ العقل لم يحكم بالبداهة على حرمة الموردين بدون معونة الشرع ، أي أنّ العقل لا يستقلّ في حصول الضرر الذي يبلغ حدّ الضرر المحرّم ، وأن كان يعلم بالضرورة بوجود الضرر بنحو الموجبة الجزئية ، وهذا المقدار لا يكفي في حكم العقل بالتحسين والتقبيح ، ومن ثمّ الحكم بالملازمة على حكم الشرع في المجالين.

وأمّا الأشاعرة ، فلا يرون للعقل دوراً في الحكم بالحسن والقبح ، وإنّما دوره ينحصر في دركه لهما ، فلا مجال لتوغّل العقل في حوزة معرفة حكمة الأحكام وغيرها ، فمثلاً لا يرى الأشعري قبحاً في ايلام الأطفال ، أو عذاب المؤمنين وإدخالهم النار ، أو إدخال الكافرين الجنّة (1).

وهي كما ترى أحكام مناقضة للعقل بالبداهة ، فلا تتصوّر في ساحة الباري تعالى.

( أحمد - ... - ..... )

تسمية المولود بيد الزوج :

س : هل للزوجة أن تسمّي المولود بخلاف رضا الزوج؟ في حال اختلاف الآراء ، هل للزوجة الحقّ في التصرّف بالتسمية على اعتبار المشقّة والأذى الحاصل من الحمل والولادة؟ وفي حال عدم الاتفاق على التسمية ، فما هو المترتّب على الزوجة والزوج عمله؟

ج : إنّ الأمر في هذه المسألة سهل ، ويمكن الوصول إلى حلّ ، بالأخصّ إذا كانت العلاقة الزوجية مبتنية على المحبّة والتفاهم ، فلا مجال لأمثال

ص: 533


1- اللمع في أُصول الفقه : 116.

هكذا اختلافات بسيطة لتكدّر العيش السعيد الذي يسعى إليه كُلّ زوجين صالحين.

ولكن ، إن كان ولابدّ ، فإنّ الشارع المقدّس ، وحسماً للنزاع ، فإنّه يكون قول الزوج هو المقدّم ، وذلك من باب : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء ) (1).

( محمّد علي حسن - البحرين - .... )

التوبة وشروطها :

س : هل الإنسان إذا فعل أشياء غير أخلاقية هل يقبل اللّه توبته؟ وشكراً.

ج : علّمنا أئمّتنا عليهم السلام أن نكون دوماً بين الخوف والرجاء ، رجاء رحمة اللّه تعالى ، والخوف من عقاب اللّه تعالى ، والآيات القرآنية والأحاديث الشريفة تؤكّد على ( إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء ) (2) ، ولكن بشرط أن تكون توبة حقيقية لا يعود بعدها إلى الذنب وفعل القبيح ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا ) (3).

وإذا كان للناس عليه حقّ أن يتخلّص منه ، ويرجع إلى كُلّ ذي حقّ حقّه ، حتّى أنّه ورد عن الأئمّة عليهم السلام : ( إنّ من أكبر الكبائر عند اللّه اليأس من روح اللّه ) (4).

( هادي - البحرين - .... )

الفرق بين الاحتمال والمُحتمل :

س : ما الفرق بين الاحتمال والمُحتمل؟

ص: 534


1- النساء : 34.
2- النساء : 48.
3- التحريم : 8.
4- الكافي 2 / 545.

ج : الاحتمال : هو إبداء الفرض ، والمُحتمل : هو ما يكون متعلّقاً لهذا الفرض والاحتمال ، فالاحتمال هو : المصدر ، والمُحتمل : اسم مفعول ومتعلّق هذا المصدر.

نعم ، قد يذكر البعض هاتين الكلمتين في الاستدلالات الفلسفية والكلامية ، أو حتّى الأُصولية ، بصورة الفرق بين قوّة الاحتمال وقوّة المُحتمل ، والمقصود منها :

أنّه قد يكون في مورد خاصّ نفس الاحتمال والفرض ذا أهمّية عند العقل والعقلاء ، وإن لم يبدوا اهتماماً لما يحتملونه أو يفرضوه ، أي : أنّ عملية الاحتمال هو بنفسه له موضوعية في ذلك البحث مع غضّ النظر عن متعلّق الاحتمال.

وقد يكون - على العكس - المُحتمل معتبراً عند العقل والعقلاء وملحوظاً عندهم ، وإن كان الاحتمال ليس بذلك الشأن ، أي : أنّ العقلاء يرون المورد خطيراً فيكون مورد اهتمامهم فيحتملونه ، وإن كان عملية الاحتمال ليس فيها تلك الأهمّية.

( علياء - البحرين - 21 سنة )

الذنوب الكبيرة والصغيرة :

س : على أيّ أساس تقسّم الذنوب إلى الكبيرة والصغيرة؟ وما هي الذنوب التي تستلزم الخلود في النار؟ أُريد الجواب في أسرع وقت ممكن ، ولكم جزيل الشكر.

ج : قال المحقّق النراقي : « وقد اختلفوا أوّلاً في تقسيم الذنوب إلى الكبائر والصغائر ، فحكي عن جماعة - منهم : المفيد والطبرسي والشيخ في العدّة والقاضي والحلبي - إلى عدم التقسيم ، بل الذنوب كُلّها كبائر ، ونسبه الثاني - أي الطبرسي - في تفسيره إلى أصحابنا ، مؤذناً بدعوى الاتفاق ، وكذلك الحلّي ،

ص: 535

حيث قال - بعد نقل القول بالتقسيم إلى الكبائر والصغائر ، وعدم قدح الثاني نادراً في قبول الشهادة عن المبسوط - : ولا ذهب إليه أحد من أصحابنا ، لأنّه لا صغائر عندنا في المعاصي إلاّ بالإضافة إلى غيرها.

والحاصل : أن الوصف بالكبر والصغر إضافي (1).

وذهب طائفة منهم : الشيخ في النهاية والمبسوط ، وابن حمزة والفاضلان والشهيدان ، بل أكثر المتأخّرين كما في المسالك ، بل عامّتهم كما قيل ، ونسب إلى الإسكافي والديلمي أيضاً إلى انقسام المعاصي إلى الكبائر والصغائر ، بل يستفاد من كلام الصيمري ، وشيخنا البهائي في الحبل المتين - على ما حكي عنهما - الإجماع عليه.

وهو الحقّ ، لظاهر قوله سبحانه : ( إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ) (2) ، وقوله : ( وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثمِ وَالْفَوَاحِشَ ) (3).

ولقول علي عليه السلام : « من كبير أوعد عليه نيرانه ، أو صغير أرصد له غفرانه ».

ورواية ابن سنان : « لا صغيرة مع الإصرار ، ولا كبيرة مع الاستغفار ».

ومرسلة الفقيه : « من اجتنب الكبائر كفّر اللّه عنه جميع ذنوبه ».

وفي خبر آخر : « إنّ الأعمال الصالحة تكفّر الصغائر ».

وفي آخر : هل تدخل الكبائر في مشيئة اللّه؟ قال : « نعم ».

وتشهد له الأخبار الواردة في ثواب بعض الأعمال : « أنّه يكفّر الذنوب إلاّ الكبائر » ....

ثمّ أختلف القائلون بالتقسيم في تفسير الكبائر وتحديدها ، فمنهم من قال : إنّ كُلّ ما وجب فيه حدّ فهو كبيرة ، وما لم يقرّر فيه حدّ فهو الصغيرة.

ص: 536


1- مستند الشيعة 18 / 122.
2- النساء : 31.
3- الشورى : 37.

ومنهم من قال : ما ثبت تحريمه بقاطع فهو كبيرة ، ومنهم من قال : كُلّ ما آذن بقلّة الاكتراث في الدين فهو كبيرة ، ومنهم من قال : ما يلحق صاحبه العقاب الشديد من كتاب أو سنّة.

وقيل : إنّها ما نهى اللّه عنه في سورة النساء من أوّلها إلى قوله سبحانه : ( إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ ) ، وقيل : إنّها سبع ، وقيل : إنّها تسع ، وقيل : عشرون ، وقيل : أزيد.

وعن ابن عباس : أنّها إلى السبعمائة أقرب منها إلى السبعة ، وبه صرّح في الروضة ، وفي الدروس : أنّها إلى السبعين أقرب منها إلى السبعة.

والمشهور بين أصحابنا : أنّها ما توعّد عليها إيعاداً خاصّاً ، ولكن اختلفت كلماتهم في بيان الإيعاد الخاصّ » (1).

وحاصل ما نستفيده من كلام المحقّق النراقي هو : في مسألة الذنوب قولان : قول يرى أنّ الذنوب كُلّها كبيرة ، ولا توجد ذنوباً صغيرة ، وقول يرى أنّ الذنوب كبيرة وصغيرة ، وعلى القول الثاني فأساس التقسيم يختلف باختلاف تعريفهم للكبيرة.

ثمّ إنّ عدد الذنوب الكبيرة مختلف فيه ، وعليه لا يمكن إعطاء عدداً معيّناً للذنوب التي يستلزم منها الخلود في النار ، ولكن ورد في بعض الروايات ذكر بعضها ، منها :

الكفر باللّه تعالى ، والشرك به ، والزنا ، فعن علي بن أبي طالب عليه السلام عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله أنّه قال في وصية له : « يا علي في الزنا ستّ خصال ، ثلاث منها في الدنيا ، وثلاث في الآخرة : فأمّا في الدنيا فيذهب بالبهاء ، ويعجّل الفناء ، ويقطع الرزق ، وأمّا التي في الآخرة فسوء الحساب ، وسخط الرحمن ، والخلود في النار » (2).

ص: 537


1- مستند الشيعة 18 / 124.
2- الخصال : 321.

( ياسمين - النرويج - .... )

علّة تحريم لحم الخنزير :

س : لماذا حرّم الخنزير في القرآن الكريم؟

ج : لقد حرّم اللّه تعالى لحم الخنزير بقوله : ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ ... ) (1).

ولا يُباح بحال من الأحوال لمسلم أن يتناول منه شيئاً ، إلاّ في حالة الضرورة التي تتوقّف فيها صيانة حياته على تناوله ، كما لو كان في مفازة ، ولا يجد طعاماً سواه ؛ وفقاً لقاعدة : أنّ الضرورات تبيح المحظورات ، المقرّرة في القرآن العظيم بقوله تعالى في الآية السابقة التي جاءت بتحريم الميتة ولحم الخنزير : ( مَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ... ) .

وقال اللّه تعالى في موطن آخر بعد ذكر تلك المحرّمات : ( إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ) (2).

وقد نقل الشيخ الصدوق قدس سره عدّة أحاديث حول علّة تحريم لحم الخنزير ، منها :

1 - عن محمّد بن عذافر عن بعض رجاله ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له : لم حرّم اللّه عزّ وجلّ الخمر والميتة والدم ولحم الخنزير؟

فقال : « إنّ اللّه تبارك وتعالى لم يحرّم ذلك على عباده ، وأحلّ لهم ما سوى ذلك من رغبة فيما أحلّ لهم ، ولا زهد فيما حرّمه عليهم ، ولكنّه تعالى خلق الخلق فعلم ما يقوم به أبدانهم وما يصلحهم ، فأحلّه لهم وأباحه ، وعلم ما يضرّهم ، فنهاهم عنه وحرّمه عليهم ، ثمّ أحلّه للمضطّر في الوقت الذي لا يقوم بدنه إلاّ به ، فأمره أن ينال منه بقدر البلغة لا غير ذلك » ، ثمّ قال : « وأمّا

ص: 538


1- البقرة : 173.
2- الأنعام : 119.

لحم الخنزير ، فإنّ اللّه تعالى مسخ قوماً في صور شتّى ، مثل الخنزير والقرد والدب ، ثمّ نهى عن أكل المثلة لكيما ينتفع بها ، ولا يستخف بعقوبته ، وأمّا الخمر ... » (1).

2 - عن محمّد بن سنان أنّ الرضا كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله : « حرّم الخنزير لأنّه مشوّه ، جعله اللّه تعالى عظة للخلق ، وعبرة وتخويفاً ، ودليلاً على ما مسخ على خلقته ، ولأنّ غذاؤه أقذر الأقذار ... » (2).

وقد أثبتت الاكتشافات الطبّية في عصرنا الحديث ، الذي اكتُشفت فيه عوامل الأمراض ، وخفايا الجراثيم الضارّة : أنّ الخنزير يتولّد من لحمه في جسم الإنسان الذي يأكله دودة خطرة ، توجد بذرتها في لحم الخنزير ، وتنشب في أمعاء الإنسان بصورة غير قابلة للعلاج بالأدوية الطاردة لديدان الأمعاء.

وقد جاء في موسوعة لاروس الفرنسية : « إنّ هذه الدودة الخبيثة « التريشين » تنتقل إلى الإنسان ، وتتّجه إلى القلب ، ثمّ تتوطّن في العضلات ، وخاصّة في الصدر والجنب والحنجرة والعين ، والحجاب الحاجز ، وتبقى أجنّتها محتفظة بحيويتها في الجسم سنين عديدة.

ولا يمكن الوقوف عند هذا الاكتشاف في التعليل ، بل يمكن للعلم الذي اكتشف في الخنزير هذه الآفة ، أن يكتشف فيه في المستقبل آفات أُخرى ، لم تعرف بعد.

إذاً ، لم يحرّم اللّه تعالى شيئاً على الإنسان ، إلاّ بعد علمه تعالى بأنّه مضرّ ومهلك ، وما أراد سبحانه لعباده سوى الراحة والسعادة ، ولذلك حرّم أكل لحم الخنزير في كافّة الكتب السماوية ، لهذه العلل التي نقلناها ، ولعلل لم نعلمها بعد.

ص: 539


1- علل الشرائع 2 / 483.
2- المصدر السابق 2 / 484.

( منصور - البحرين - 33 سنة - خرّيج جامعة )

تعقيب على الجواب السابق :

تعليق على موضوع أكل لحم الخنزير : فقد وجدنا أنّ كُلّ أكلة يتناولها الإنسان تؤثّر مباشرة على نفسيته بالسلب أو الإيجاب ، وتناول لحم الخنزير ممّا يساعد على ذهاب الغيرة والشرف في الإنسان ، كما ترون في حال الشعوب التي تربّت على أكل النجاسات والمحرّمات ، وتولّد أيضاً في النفس خبثاً لا يقاس بأيّ خبث.

ولعلّي استشهد بمقطع للحوراء زينب عند كلامها مع الطاغية يزيد بن معاوية ، حيث تقول : « وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت ... وكيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الأزكياء » (1) إشارة إلى واقعة أُحد ، ومحاولة هند هضم كبد الشهيد حمزة بن عبد المطلب عليه السلام.

( خالد عبد القادر - مصر - .... )

الذكاء الوجداني :

س : أُريد معرفة بعض المعلومات عن الذكاء الوجداني.

ج : تؤكّد نظريات الذكاء الحديثة على تعدّد الذكاء ، وأهمّها نظرية الذكاء المتعدّدة ، أي أنّ الذكاء ليس أحاديّاً ، والفرق بين الأفراد ليس في درجة أو مقدار ما يملكون من ذكاء ، وإنّما في نوعية الذكاء.

ومن أنواع الذكاء ، الذكاء الوجداني الذي عرّف بقدرة الفرد على فهم مشاعره الشخصية ، واستخدام هذه المعرفة لاتخاذ القرارات الصائبة ، والتكيّف مع ضغوط الحياة ، والتحكّم في الانفعالات ، والتعاطف مع الآخرين ، والقدرة على إثارة الحماس في النفس.

ص: 540


1- اللّهوف في قتلى الطفوف : 106.

فزيادة هذا النوع من الذكاء لدى أفراد المجتمع ، يؤثّر في ضبط النفس والانفعالات بينهم ، ويساعد في تحويل هذه الانفعالات السيّئة ، من كره وبغض واحتقار ، وتدبير مؤامرات ، وغيبة ونميمة ، وإثارة الفتن وعدوانية و ... إلى انفعالات إيجابية ، من حبّ واحترام ، وصدق وأمانة و ... ، ممّا تساعد في تقدّم وازدهار المجتمع ، وبالتالي إبداعه.

ومن مكوّنات هذا الذكاء الوجداني ، الوعي بالذات ، أو الوعي بالانفعالات ، والمشاعر والأحاسيس والأفكار.

ومن مكوّناته أيضاً ، القدرة على السيطرة على انفعالاته بطريقة تنمّي قدراته العقلية والوجدانية ، كما في الحديث : « ليس الشديد بالصرعة ، إنّما الشديد يملك عند الغضب » (1).

ويرى بعض علماء النفس : أنّ الوجدان يعطي الإنسان معلومات ذات أهمّية ، هذه المعلومات تجعله يفسّرها ويستفيد منها ، ويستجيب لها من أجل أن يتوافق مع المشكلة ، أو الموقف المتوتّر بشكل أكثر ذكاء ، فالوجدان يجعل تفكيرنا أكثر ذكاء.

فالذكاء الوجداني يشمل القدرة على أدراك الانفعالات ، وتقييمها والتعبير عنها ، ويشمل القدرة على فهم الانفعالات ، ويشمل أيضاً القدرة على تنظيم الانفعالات بما يعزز النمو الوجداني والعقلي.

فالفرد الذكي انفعالياً أو وجدانياً ، يعتبر فرد أفضل من غيره في التعرّف على انفعالاته وانفعالات الآخرين ، ولديه قدرة كبيرة على التعبير عن انفعالاته بصورة دقيقة ، تمنع سوء فهم الآخرين له ، فعندما يغضب فإنّ لديه القدرة على عكس انفعال الغضب على ملامح وجهه وصوته ، كما أنّ لديه القدرة على إظهار التعاطف مع الآخرين ، وفهم وتحليل انفعالاته ، كالتمييز بين الشعور

ص: 541


1- روضة الواعظين : 380.

بالذنب ، والحياء والحزن والغضب ، والشعور بالحسد والغيرة ، كما أنّ لديه القدرة على السيطرة على انفعالاته بطريقة تنمّي قدراته العقلية والوجدانية ، كتأجيل إشباع حاجاته ، وكبح جماح غضبه.

( عبد الرحيم يوسف - الإمارات - سنّي - 30 سنة - خرّيج متوسطة )

حقوق الزوجين :

س : ما هي حقوق الزوج على زوجته؟ وما هي حقوق الزوجة على زوجها؟

ج : يجب على الزوج أن يوفّر المسكن والملبس والمأكل المناسب مع شأن الزوجة ، والمبيت معها وتأمين حاجتها الجنسية ، وأن لا يظلمها ، ويتعامل معها بالمعروف ، وأن لا يتخذ من الحياة الزوجية مبرّراً ليفرض بذلك سطوته وتكوين سلطة استبدادية على عائلته.

ويجب على الزوجة أن تمكّن نفسها للزوج من الناحية الجنسية ، وكذلك يجب عليها تهيئة سائر المقدّمات والمستلزمات العرفية للتمكين ، وأن تسعى لإيجاد بيت يسوده الحبّ والأُلفة ، وأن تطيع زوجها ، ولا تتصرّف في أمواله ، ولا تخرج من البيت إلاّ بإذنه.

وعلى كُلّ حال ، فإنّ الواجب على الزوجين السعي لكُلّ ما يكون سبباً لتشكيل الأُسرة الصالحة ، والبيت الذي يهيمن عليه الحبّ والأُلفة.

( محمّد بغدادي - سوريا - 23 سنة - طالب جامعة الطبّ البشري )

الإسلام ومسألة الرقّ والعبودية :

س : إنّ الإسلام نزل كديانة سماوية من أجل إنقاذ البشرية ، لكن لماذا لم يحارب الإسلام نظام الرقّ والعبودية ، فقد بقي الرقّ والعبيد حتّى بعد الإسلام ، وقد تجد بعض الأحكام الإسلامية فيما يخصّ العبيد والجواري ، فهل من جواب شافي لهذه النقطة؟! ولكم جزيل الشكر وخالص الدعاء.

ص: 542

ج : ينبغي ملاحظة نقاط متعدّدة في مقام الجواب :

أوّلاً : نظام الرقّ والعبودية قد نشأ في أحضان الجاهلية ، وترسّخت مبانيه في أذهانهم ، فكان يتحتّم على النظام الإسلامي أن يقابل هذه الحالة السلبية بطريقة مرنة من خلال تثقيف المسلمين ، وحثّهم على إطلاق سراح العبيد والإماء وتحريرهم ، حتّى تتمّ عملية فكّ رقابهم في المجتمع بصورة غير قسرية وبحالة تدريجية ، لكي لا تؤثّر في الموازنات الاجتماعية والاقتصادية بصورة دفعية ، فتنتج انقلابات وفوضى يمكن الاستغناء عنها.

ثانياً : الإسلام ومن منطلق حرصه على حرّية الفرد كان يحرّض المسلمين دائماً على عملية تحرير الرقاب ، فمن جانب يذكر الأجر والثواب على تحرير العبيد ، ومن جانب آخر يعتبر هذا العمل كفّارة لبعض الذنوب والمعاصي ، وبهذين الطريقين يحاول الإسلام أن يحرّر الكثير من العبيد والإماء ، وقد تخلّص عدد كبير منهم من وطأة الرقّ والعبودية فعلاً.

ثالثاً : إنّ مسألة الرّق في الواقع تشمل المحاربين من الكفّار الذين تمّت عليهم الحجّة ، ولم يقبلوا الإسلام ، فبعد الحرب معهم ، تكون مسألة الرّق والعبودية لنسائهم وأطفالهم بمثابة مدرسة تعليمية يختلطون بواسطتها مع المجتمع الإسلامي ، ويتعايشون معهم ، ويتزوّج بعضهم من بعض ، مع تحديد شروط للمجتمع الإسلامي في معاملته معهم ، كما أنّ الحلول التي وضعها الإسلام لعتقهم هي في غاية الدقّة ، تجعلهم يتحرّرون في أسرع وقت ، وقد اندمجوا في المجتمع الإسلامي ، وتعلّموا المباني الإسلامية ، وهذا ما نشاهده بوضوح من معاملة النبيّ صلى اللّه عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام مع العبيد من تعليمهم وعتقهم ، وكانت علاقة هؤلاء العبيد مع أهل البيت عليهم السلام بمكانة ، ممّا كانت تجعل العبيد يفضّلون البقاء مع أهل البيت عليهم السلام عبيداً لهم ، على حرّيتهم وعتقهم.

رابعاً : إنّ عدداً من أُمّهات الأئمّة عليهم السلام كنّ من الجواري والإماء ، ممّا يدلّ على عدم الفرق من حيث المبدأ بين الحرّ والعبيد في سلوك طريق السعادة

ص: 543

والكمال ، وهذه إشارة واضحة لنا بأن لا نميّز الآخرين على أساس الفروق الاجتماعية.

( أبو أحمد - السعودية - 37 سنة - ماجستير هندسة )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : في الواقع السؤال كان حول نظام الرّق في الإسلام من أساسه :

فكما هو معروف ، يستطيع المسلم أن يهدي رقّيقته التي اشتراها بماله ، أو اكتسبها من حرب إلى ولده أو صديق أو أخ وكأنّها سلعة ، فأين كرامة أو قيمة الإنسان في ذلك؟ ثمّ صحيح أنّ الرّق يكاد لا يذكر ، أو لا يوجد في هذا الزمان ، ولكن وجوده في أشكال مختلفة ، وأحكامه ما زالت سارية ، وهو ليس بمحرّم.

ج : الإسلام كدين إلهي يحاول أن يعالج السلبيات الموجودة في المجتمع بطريقة مرنة حدّ الإمكان ، حتّى لا يوقع الناس في أضرار جرّاء التغييرات والتقلّبات.

نعم ، إن كان الموضوع من قضايا العقيدة وأركان الإسلام فلا يتهاون في حقّه ، بل يتخذ الإجراءات الحاسمة والفورية ، ولكن لمّا لم يصل إلى هذا الحدّ من الضرورة فلا حاجة إلى الإسراع والتعجيل ، بل ولربما يكون فيهما - الإسراع والتعجيل - ما يخلّ النظام الاجتماعي ، ففي هذه الصورة يتصرّف المشرّع بشكل آخر ، وهو التطبيق التدريجي للأحكام نحو الهدف الغائي والمطلوب ، لكي لا يصطدم المجتمع بصدمة عنيفة في بُنيته الأساسية إزاء التطبيق الدفعي والقسري.

فمثلاً : عندما يرى أنّ المشركين يحجّون إلى بيت اللّه الحرام ، ويؤدّون مناسك خاصّة - وأن كان العمل بمجموعه من تراث الدين التوحيدي ، دين إبراهيم الخليل عليه السلام ، ولكن حرّفوه في طول التاريخ - فهو يقع بين أمرين : إمّا أن يمنعهم عن هذا العمل مطلقاً ، فينبغي أن يتحمّل تبعات هذا المنع من اعتراضات

ص: 544

وتهم تردّ للنيل من سمعة الإسلام متّهماً إيّاه بعدوله عن خطّ الأديان التوحيدية ؛ أو يتصرّف في شكلية النسك ، فيطهّرها من آثار الكفر والشرك مع عدم المساس بأصل العمل ، وهذا النوع من التصرّف مع سهولته لا يثير حفيظة ذلك المجتمع قريب العهد من الجاهلية ، وبالتالي ينال هؤلاء المخضرمون شيئاً فشيئاً مزايا الحجّ التوحيدي والصحيح ، وهذا ما قد حصل فعلاً.

ومثال آخر : ترى أنّ الخمر قد حُرّم في ثلاث مراحل - كما هو معروف - فعندما رأى الإسلام تفشّي هذه الحالة السيّئة - شرب الخمر - في الجاهلية عالجها بأسلوب تدريجي ، فمرّة بيّن للناس مضارّه ، ثمّ في مرحلة ثانية منعهم عن الصلاة في حالة السكر ، وفي المرحلة الثالثة صرّح بتحريمه مطلقاً.

وهكذا كان يواجه الإسلام المشاكل والمصاعب التي ورثها من الجاهلية ، فلا يؤيّدها ولا يصطدم معها بشكل سافر ، بل ويتّخذ الإجراءات الكفيلة لحذف النقاط السلبية من المجتمع بغية الوصول إلى الهدف الأسمى مع أقلّ الضرر.

وفي مسألة العبيد والرقيق واجه الإسلام حالة مُرّة في المجتمع البشري آنذاك - وهذه لم تكن مختصّة بالعرب ، بل وحتّى الفرس والروم كانوا يمارسونها - فوقع بين أمرين :

فإمّا أن يلغي الصورة الاجتماعية من الأساس ، فعندئذٍ كان عليه أن ينشغل فقط بهذا الأمر ، ويترك باقي القضايا والمشاكل دون حلّ ، لأنّ نظام الرقّية كان سائداً في كُلّ أرجاء المعمورة - فضلاً عن شبه الجزيرة العربية - فكان الأمر ينتهي - في أحسن الحالات - إلى صراع طبقي قد لا ينتج منه إلاّ الدمار.

ولكنّه اختار أسلوباً آخر للتعامل مع هذه المعضلة ، فتدرّج في الموضوع بحيث لم يثر مشاعر الناس ، فاستطاع أن يقلب الموازين ويأتي بعلاقات أخوية بين الموالي والعبيد لم تكن تخطر ببال أحد من قبل.

ص: 545

هذا وفي نفس الوقت ، استغلّ الفرصة ليجعل بيوت الموالي مدارس تربوية لمن كان دونهم من العبيد والإماء الذين دخلوا في المجتمع الإسلامي عن طريق الحروب وغيرها.

فترى ظهور وبزوغ ثلّة مؤمنة من هؤلاء ارتقوا أعلى مراتب العزّ والشرف ، ممّا يدلّ على صحّة موقف الإسلام من المسألة.

وبعد معرفة هذا والتأمّل فيه ، يمكن معرفة سائر الجزئيات المتعلّقة بأحكام الرّق ، والتي أشرتم إلى بعضها.

( بدر - ... - ..... )

من لم يخف اللّه خاف من الناس :

س : تحية طيّبة ، وبعد : يوجد حديث بما معناه : إنّ من لم يخف اللّه ، خاف من الناس ، ما مدى صحّة هذا الحديث؟ وما معناه؟ نرجو من سماحتكم الإجابة الوافية ، ولكم جزيل الشكر.

ج : ورد في شرح أُصول الكافي للمولى محمّد صالح المازندراني :

« عن الهيثم بن واقد قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : « من خاف اللّه أخاف اللّه منه كُلّ شيء ، ومن لم يخف اللّه أخافه اللّه من كُلّ شيء ».

الشرح : قوله « من خاف اللّه أخاف اللّه منه كُلّ شيء » ظاهره أنّ اللّه تعالى يلقي الخوف منه على الأشياء ، مع احتمال أن يكون سرّ ذلك أنّ الخائف من اللّه نفسه قوّية قدسية مقرّبة للحضرة الإلهية ، قادرة على التأثير في الممكنات ، فلذلك يخاف منه كُلّ شيء حتّى الوحوش والسباع والحيّات ، كما نقل ذلك عن كثير من المقرّبين.

ومن لم يخف اللّه ، نفسه ضعيفة متّصفة بالنقصان ، بعيدة عن التأثّر في عالم الإمكان ، فلذلك يخاف من كُلّ شيء ، ويتأثّر منه ، ولمّا كانت القوّة والضعف والتأثير والتأثّر بسبب القرب من اللّه وعدمه ، نسبت الإخافة إليه » (1).

ص: 546


1- شرح أُصول الكافي 8 / 218.

وورد في التحفة السنية للسيّد عبد اللّه الجزائري :

وعن أبي عبد اللّه عليه السلام : « من خاف اللّه أخاف اللّه منه كُلّ شيء ، ومن لم يخف اللّه أخافه اللّه من كُلّ شيء » ، وهو ممّا لابدّ منه أيضاً ، فهو الذي يزجر النفس عن المعصية فعلاً وتركاً ، وهو ممّا ينفي العجب عن الطاعة ، فإنّ الخائف غير مستعظم نفسه وخصالها ، وضدّه الأمن كما تقدّم وهو خسر ، وفي التنزيل : ( فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ) (1).

هذا وأنّ الرواية صحيحة ، حيث كُلّ رواتها ثقات.

( طالب خالد - الجزائر - 27 سنة - التاسعة أساسي )

حقيقة الزلازل وكونها من الابتلاءات الإلهية :

س : ما هي حقيقة الزلازل؟ وكونها من الابتلاءات الإلهية.

ج : يسبّب انفجار الغازات المنضغطة المتصاعدة من البراكين - في بعض الأحيان - هزّات تُعرف بالزلازل البركانية.

وأحدث مفهوم لحدوث الزلازل هو قوى التشويه التي تُحدِث في الأرض صدوعاً ، فصخور الأرض تتعرّض باستمرار لضغوط وقوى مختلفة ، مثل ضغوط الغازات وأبخرة المياه ، وتنتهي مقاومة الصخور لهذه الضغوط بتصدّعها ، ثمّ تنزلق الكتل الصخرية والأتربة التي حولها.

إذا وصلت هذه الصدوع إلى سطح الأرض تسبّب شقوقاً طولية تمتد لمسافات ، وعندئذ تسري الذبذبات في موجات اهتزازية خلال القشرة الأرضية وفي باطنها ، وتصل إلى جهات بعيدة عن مركز الزلزال.

ولاشكّ أنّ الزلازل نوع من الابتلاءات والامتحانات الإلهية للإنسان ، حاله حال بقية الظواهر الطبيعية ، وقد يكون ناتجاً عن غضب المولى عزّ وجلّ على

ص: 547


1- الأعراف : 99 ، التحفة السنية : 70.

عصيان الناس لأوامره تعالى ، فقد ورد في رواياتنا : أنّ من أسباب الزلزال هو انتشار الفاحشة.

فعن الإمام الصادق عليه السلام قال : « إذا فشت أربعة ظهرت أربعة : إذا فشا الزنا ظهرت الزلازل ، وإذا أمسكت الزكاة هلكت الماشية ، وإذا جار الحكّام في القضاء أمسك القطر من السماء ، وإذا خفرت الذمّة نصر المشركون على المسلمين » (1).

وهكذا نجد القرآن الكريم يعد الإنسان مسؤولاً عن كثير من الحوادث المؤلمة ، والوقائع الموجعة في عالم الكون ، ومنها الزلازل ، قال تعالى : ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ) (2).

( إبراهيم - السعودية - 25 سنة - طالب جامعة )

معنى الصدفة :

س : نودّ من سماحتكم أن تعطونا رأيكم في الصدفة؟ مكانتها في الدين؟ وهل هي موجودة أو لا؟

ج : لا واقع للصدفة عقلاً ونقلاً ، وينبغي أن لا تعتبر اعتباراً شرعياً ، وأمّا ما يجري على ألسنة الناس فهو من باب التسامح في التعبير والغفلة عن العلل.

ويدلّ على ما ذكرنا : أنّ القانون العام في كُلّ حدث وحادث أن يصدر عن علّة ، وهذه قاعدة كُلّية عقلية اتفقت عليها جميع أرباب الملل والنحل ، فلا يشذّ منه أيّ مورد حتّى نعتبره من باب الصدفة.

نعم ، قد تخفى علينا العلّة أو العلل في واقعة ، فنتصوّرها حدثت بغير حساب وكتاب ، وهذا لا يعني عدم وجود علّة لها ، إذ عدم الوجدان لا يدلّ على عدم

ص: 548


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 524 ، الخصال : 242.
2- الروم : 41.

الوجود ، فربما توجد هناك علّة بعيدة أو قريبة أثّرت في الموضوع لا علم لنا بوجودها ، إذ لا نحيط بجميع العلل في الكون.

( فايد - كندا - .... )

تعريف المكان فلسفياً :

س : الإخوة في مركز الأبحاث العقائدية ، يدور في خلدي سؤال حبّذا لو تفضّلتم بالإجابة عليه : ما هو تعريف المكان فلسفياً؟ وكيف يكون موجود ما محتاجاً في وجوده إلى المكان فيصبح بذلك حادثاً ، ولكم الأجر والثواب.

ج : قال العلاّمة الطباطبائي قدس سره : « والمكان بما له من الصفات المعروفة عندنا بديهي الثبوت ، فهو الذي يصحّ أن ينتقل الجسم عنه وإليه ، وأن يسكن فيه ، وأن يكون ذا وضع ، أي مشاراً إليه بأنّه هنا أو هناك ، وأن يكون مقدّراً له نصف وثلث وربع ، وأن يكون بحيث يمتنع حصول جسمين في واحد منه ، قال صدر المتألّهين قدس سره : « هذه أربع أمارات تصالح عليها المتنازعون لئلا يكون النزاع لفظياً » ، وقد اختلفوا على حقيقته على أقوال خمسة » (1).

والموجودات إذا كانت أجسام تحتاج إلى حيّز ومكان ، والمحتاج إلى غيره ممكن ، والممكن حادث.

( علياء - البحرين - 21 سنة )

أسباب الخوف من سوء الخاتمة :

س : ما هي أسباب الخوف من سوء الخاتمة؟ أُريد الجواب في أسرع وقت ممكن ، ولكم جزيل الشكر.

ص: 549


1- نهاية الحكمة : 129.

ج : على الإنسان أن يكون دائماً بين الخوف والرجاء ، الخوف من عقاب اللّه ورجاء رحمته ، وبذلك يكون في توازن واعتدال ، فلا يكون له يأس من رحمة اللّه ، ولا أمان من عقاب اللّه ، هذا أوّلاً.

وثانياً : على الإنسان أن يكون دائماً في حذر تامّ من الوقوع في أُمور لها آثارها الوضعية ، وما ربما سبّبت سوء العاقبة والعياذ باللّه ، كأكل مال اليتيم ، والظلم بالأخصّ لمن لا حول له ولا قوّة ، وغصب حقوق الناس ، فإنّ كُلّ هذه لها آثارها الوضعية الخارجية.

وثالثاً : كثرة الدعاء والتوسّل بأهل البيت عليهم السلام في حسن العاقبة ، ممّا له الأثر في النيل بحسن العاقبة إن شاء اللّه.

ورابعاً : محاسبة النفس التي ورد الحثّ عليها في روايات متواترة ، حيث يراقب المرء نفسه ويحاسبها ، فإذا رأى صدور طاعة منها وعبادة ، شكر اللّه وسأله المزيد من التوفيق ، وإذا شاهد معصية استغفر ربّه ، واتخذ قراراً في عدم العودة ، وسأل اللّه أن يعينه على تركه.

( حفيظ بلخيرية - تونس - .... )

نظرية التطوّر فاسدة عقلاً وشرعاً :

س : جاء في ردّكم : إنّ نظرية التطوّر هي فاسدة عقلاً وشرعاً ، وكان استنادكم على أنّه يلزم منها انسلاخ الذات عن حقيقتها ، وهذا يتنافى مع القرآن ، إذ أنّه يطرح مسألة المسخ ، وهي مادّية وليست مجازية ، كما سأُبيّن ذلك :

إنّ كُلّ مخلوق - نباتاً كان أم حيواناً - له شريط جينات يحدّد هويّته وشكله ، ولا يستعمل منه إلاّ عشرة بالمئة 10% ، والبقية إمّا معطّلة أو قامت بدورها وانتهت مهمّتها.

1 - لاحظ العلماء مرض تناذر الغول الذئبي ، وهذا المرض يتمثّل في كون الإنسان ينمو وجسمه مكسو بالوبر ، فبحثوا عن الجين المسؤول عن هذا السبب -

ص: 550

وهو جين الوبر - فوجدوا وأنّه من المفروض أن يكون نائماً أو معطّلاً ، لكنّه تفاعل لسبب من الأسباب.

2 - أخذ مجموعة من العلماء قطّاً ، وهو ينمو في بطن أُمّه ، وبحثوا عن الجين المسؤول عن الأجنحة ، وأيقظوه فولد هذا القطّ بجناحين ، وهذا يقرّب إلى أذهاننا عملية المسخ في القرآن ، أمّا التطوّر فكما يلي :

1 - لاحظ العلماء أن الديناسورات الأوّلية كانت كبيرة الحجم ، ثمّ أصبحت صغيرة ، فبحثوا عن السبب ، فوجدوا أنّ الجينات المسؤولة عن النموّ كانت تعمل بحرّية ، ثمّ بعد ذلك أخذت الجينات المعدلة تقوم بدورها ، أي تعدل نشاط الأُولى.

2 - تتكوّن الرِجل من ثلاثة أجزاء : الفخذ ثمّ ربلة الساق ، فالساق ، وتقوم الجينات المكوّنة للرِجل بعملها كما يلي ، تتحرّك الجينات المسؤولة عن الفخذ ، وتصنع هذا الأخير ، وعندما تنتهي تتحرّك المسؤولة عن ربلة الساق ، وهكذا بالنسبة للساق ، فأخذ العلماء فأرة وأخذوا الجينات المسؤولة عن الأصابع لأنّها الأقلّ عدداً ، وركّبوا عليها الجينات المعدلة فنمت بدون أصابع.

ج : نودّ أن نوضّح عدّة نقاط حتّى ندخل في الموضوع ، فهناك مصطلح « التطوّر » ، ومصطلح « المسخ » ، ومصطلح « الحركة » ، وأضيف مصطلح أو نظرية « الجبر الجيني ».

وإذا حدّدنا المصطلحات نستطيع أن نفهم الكلام ، وأنّه سليم أو سقيم ، أو أنّ الكلام يناسب هذا المصطلح أم له معنىً آخر ، وإليكم هذا البيان.

التطوّر : تغيّر الشيء من حالة إلى حالة أفضل وأكمل.

المسخ : تحويل صورة إلى ما هو أقبح منها.

فهنا نسأل : ما هي نظرية التطوّر الداروينية؟

والجواب : أنّها تعني أنّ جميع الكائنات الحية - من حيوانات ونباتات ، وفطريات وطحالب ، وغيرها من الأحياء - ترجع إلى أصل واحد ، يرجع إلى زمن

ص: 551

بعيد ، وأنّ هذا الأصل هو أبسط الكائنات كافّة ، ومنه بدأ انحدار الكائنات ، وهذه الانقسامات التكاثرية المتشعّبة ، والتي أظهرت تغايرات متباينة في الأجيال.

وقد تكيّفت هذه الأجيال ببيئات مختلفة ، فأنتجت أنواعاً مستحدثة ، تعيش مواكبة لبيئتها الجديدة ، وهي تبتني على عدّة أُسس :

1 - التنازع حول البقاء.

2 - الانتخاب الطبيعي.

3 - ناموس التحوّل.

4 - ناموس الوراثة.

هذه هي الأُسس الرئيسية التي بنى دارون عليها نظريته التطوّرية.

ويعتبر لامارك - العالم الفرنسي - أوّل من صدع بالقول بوجود علاقة وثيقة بين الكائنات الحية ، وفرضية التطوّر والارتقاء (1).

وعلى أيّ حال ، فالكتب مفصّلة فيها النظرية من أحبّ فليراجع.

ثمّ نأتي إلى مسألة التطوّر من حيث إمكانها عقلاً وشرعاً.

وإذا رجعنا إلى النصوص الدينية المقدّسة نجدها تنفي تطوّر الإنسان من نوع سابقاً له على النوع الإنساني ، والآيات القرآنية تكاد أن تكون صريحة في أنّ الإنسان نوع مستقلّ يرجع إلى أبيه آدم وأُمّه حوّاء ، وهما مخلوقان من تراب أو طين ، أو صلصال حسب اختلاف التعبير القرآني ، قال تعالى : ( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) (2).

حينما ردّ اللّه فيها على مزاعم النصارى ، من أنّ عيسى عليه السلام ولد من غير أب بشري ، ولا ولد إلاّ بوالد ، فعليه يكون أبوه اللّه تعالى - تقدّس ذات الحقّ عن ذلك - فردّ اللّه عليهم ، بأنّ خلقه كخلق آدم ، فكيف أنّ آدم خلق من طين ،

ص: 552


1- الداروينية عرض وتحليل : 36.
2- آل عمران : 59.

فأيضاً لا أب له ، وعليه بطلان الدليل الذي استندوا إليه لإثبات بنوّة عيسى عليه السلام لله تعالى.

وقال تعالى : ( إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ ) (1) ، وقال تعالى : ( وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ ) (2) ، وقال تعالى : ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ) (3) ، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة المبيّنة لكون المخلوق الأوّل هو آدم ، وأنّ هذا النسل البشري يرجع إليه ، وأنّ آدم خلق من طين أو تراب أو غير ذلك ، فلم يتطوّر من مخلوق آخر سابق عليه ، كأن يكون فرداً أو جينة أو غير ذلك.

وأمّا العقل : فالبحث العقلي طويل وعميق جدّاً لا نستطيع سرده هنا إجمالاً فضلاً عن التفصيل ، لكن على أيّ حال نقول : الإنسان مركّب من مادّة وصورة ، وهذه المادّة هي القوّة الكامنة في الإنسان ، والتي بها يقبل أن يتكامل أو يتسافل ، وأمّا الصورة فهي الهوية النوعية أو الشخصية المميّزة للإنسان عن غيره ، فهي تميّزه عن البقر وعن الغنم وعن القرد و ... ، وهي التي تتحقّق بها إنسانية الإنسان ، بحيث عندما نقول إنسان إشارة إلى هذه الهوية المتشخّصة بهذه الصورة ، وهي لا تقبل تكاملاً أو تنازلاً من حيثيّتها ، بل تقبل ذلك من حيث المادّة.

وعليه ، فإذا فرضنا أنّ الهوية القردية أو الصورة القردية - كما تفرضها نظرية التطوّر - أرادت أن تحلّ محلّها الصورة الإنسانية ، فأمّا أن نفرض بقاء الهوية والصورة القردية على حالها ، وأمّا أن نفرض انسلاخها عنها ، فإن فرضنا بقاء الصورة القردية أو البقرية ، ومع ذلك وردت عليها أيضاً الصورة الإنسانية ، فحينئذ يلزم اجتماع هويّتين في موجود واحد ، وهذا يلزم منه وحدة الكثير وكثرة الواحد ، وهو بديهي الفساد.

ص: 553


1- ص : 71.
2- السجدة : 7.
3- النساء : 71.

وإن فرضنا ذهاب الصورة القردية وانتفائها ، ثمّ مجيء الصورة الإنسانية ، فأيضاً لم تصل النظرية إلى مرادها ، لأنّ معنى انتفاء الصورة القدرية ، هو بطلان هوية القرد ولم يبق قرد حقيقة حتّى نقول بأنّه تحوّل إلى إنسان ، إذ ذكرنا أوّلاً أنّ الهوية الحقيقية للموجود هي في صورته ، فعند بطلان صورته تبطل هويّته الحقيقية ، فلا معنى لأن نقول تطوّر ، بل نقول : بطلت الصورة القردية ، وحلّت مكانها الصورة الإنسانية ، فإذاً التطوّر باطل عقلاً.

أضف إلى ذلك أنّ سير الصورة الحيوانية في قناة الصورة القردية لا يمكن أن يجتمع مع تحوّل الصورة القردية تطوّراً إلى الصورة الإنسانية ، لأنّ الاستعداد الذي تحمله المادّة امتلأ بالصورة القردية ، فلم يبقِ هناك استعداد لأن تقبل المادّة الصورة الإنسانية.

هذا موجز ما يمكن ذكره الآن ، وعليه فالنظرية الدارونية أو اللاماركية مجانبة لما نطقت به الشرائع السماوية ، ولما بنيت عليه الفطرة العقلية.

وبعد أن عرضنا ذلك نتعرّض إلى مسألة المسخ التي نطقت بها الشريعة ، وصرّحت بوقوعها الروايات المتواترة من ناحية انطباقها وعدم انطباقها على نظرية التطوّرية الداروينية أوّلاً ، ومن حيث تفسيرها على ضوء الفلسفة الإسلامية؟

أمّا كون المسخ غير التطوّر فيكاد يكون ذلك أوضح من الشمس في رابعة النهار ، لأنّ التطوّر يبتني على أُسس قدّمنا ذكرها ، منها إرجاع الهيكل الوجودي العام ذو الشعب التي لا تحصى كثرة إلى أصل وجودي واحد ، وخلية أو مادّة فردية ، ومنها يتشبّع الوجود العام ، ويبتني على الانتخاب الطبيعي ، والتنازع حول البقاء وأثر البيئة والوراثة ، وأين هذه من المسخ الذي يقصد قلب الصورة الوجودية إلى ما هو أدون منها ، إذ لا تنازع ولا انتخاب ولا محاولة إيجاد محورية فاردة لهيكلية الوجود المشتعّبة ، فضلاً عن كون الارتقاء والتطوّر يعني

ص: 554

التكامل نحو الجمال والكمال التام ، بينما المسخ هو التسافل نحو النقص والفقدان ، فهما على طرفي نقيض.

نعم يطرح التساؤل التالي : وهو أنّه مهما حاولنا إبراز المفارقات بينهما ، لكنّهما على كُلّ حال يتشابهان في شيء واحد ، وهو نزع صورة المشخّصة لهذا الكائن ، وإيجاد صورة أُخرى محلّها ، وهي في الاثنين موجودة؟

نقول : صحيح هذا التشابه موجود ، لكنّه صوري لا غير ، لأنّ النظرية الداروينية اللاماركية بالمعنى المطروح قدّمنا بطلانها ، وأوضحنا ذلك موجزاً ، لكن المسخ - كما سيأتي - سنثبت إمكانه عقلاً ، وهو واقع شرعاً.

وأمّا المسخ الذي نطقت به الشريعة ونصّت عليه فهو ممكن ، ولا ينافي الفلسفة الإسلامية باطروحاتها ، لأنّ الموجود الإنساني وغيره مركب من مادّة وصورة ، ادخل فيه حيثية الفعل وحيثية القبول ، ففعليته بهذه الصورة الإنسانية ، وحيثية قبوله هو الاستعداد الذي يحمله في داخله ، لأن يكون أيّ شيء آخر.

وعليه ، فهنا هؤلاء الذين مسخهم ربِّ العزّة والجلال ، كان فيهم استعداد قبول الصورة القردية أو الخنزيرية ، لأنّ أنفسهم وصلت إلى مرحلة قبول إفاضة هذه الصور من اللّه تعالى لتكامل الاستعداد فيها ، فلمّا دنا أجلها أفاض اللّه عليها ما استعدّت له ، ولهذا كان المسخ إلى القرد في البعض ، وإلى الخنزير في البعض الآخر ليس عبثاً ، وإنّما لأنّ من مسخ قرداً قد حقّق شرائط الصورة القردية ، ومن مسخ خنزيراً قد حقّق شرائطها ، وعلى هذا فلا ربط بين المسألتين في البين أصلاً.

نعم يبقى مشكل آخر مرتبط ببحث الحركة والتكامل داخل الأطر الصورية المشخّصة للكائنات ، إذ إنّها تكامل وتنامي من القوّة إلى الفعل ، وعليه لابدّ أن يكون الفيض اللاحق أكمل من الفيض السابق ، والحال أنّا نجد عكس ذلك تماماً في المسخ ، لأنّ الصورة الإنسانية أكمل من الصورة القردية أو الخنزيرية ، فكيف مسخ الإنسان قرداً؟

ص: 555

وجواب هذا الإشكال فيه بحث وتفصيل يخرجنا عن المقام ، نتركه لمطالعاتكم الشريفة.

وأمّا ربط مسألة المسخ بالبحث الجيني ، وأنّ هناك جينات تحدّد مسار الهوية الإنسانية أو غيرها ، ومن خلال الوصول إليها ، وادخل بعض التغييرات فيها ، نستطيع أن نحصل على نتاج آخر أو تطوّر ، فهذا قبل كُلّ شيء بحث طبّي مبنيٌّ على التجربة ، وهو يقرّب مسألة المسخ إلى الذهن ويجعلها ممكنة ، لكن لا يمكن الجزم بأنّ عملية المسخ بالتحليل الجيني المطروح هي الواقعة والمحقّقة ، لأنّ التجربة مهما يكن ظنّية لا يمكن أن نحصل على يقيني جزمي منها ، لكن بالتالي تكون مدخل لفهم مسألة المسخ وإمكانيته من الناحية العملية ، على أنّه يمكن التوفيق بين ما ذكرتم وما طرح سابقاً ، إذ تكون هذه الجينات هي المادّة المعدّة لقبول الهوية اللاحقة لهذا الكائن ، أو إحدى المعدّات لذلك ، لكن لا يمكن تطبيق البحث الجيني على نظرية التطوّر ، لأنّ نظرية التطوّر تبتني على العفوية والانتخاب الطبيعي ، والمفروض أنّ المذكور في التجربة الجينية يبتني على أُسس عملية ذات نظام محدّد ، يقوم به موجود له إحساس وشعور.

اللّهم إلاّ أن نفسّر الانتخاب الطبيعي بمعنى الخلاّقية الطبيعية المغروسة في كيان الكائن الحي ، والمحرّك من قبل قوّة أُخرى خارجة منظّمة ، هي التي فعلت فيه عند الاحتياج.

لكن مع ذلك نبقى بين مفرقات عديدة ، قد يصعب تجاوزها للتوفيق بين البحث التجريبي الحديث وبين نظرية التطوّر ، وقد تحتاج فيه إلى شطب بعض الفرضيات في نظرية التطوّر ، لكن مع ذلك كُلّه تبقى في مشكلة إرجاع الهيكلية العامّة للوجود إلى محور واحد ومنطلق فرد ، فإنّه لا يمكن إثباته على ضوء نظرية التطوّر إلاّ بالشطب عليه ، وعند ذلك لا يبقى لنا من نظرية التطوّر

ص: 556

بعد شطب هذه الأُمور إلاّ الصورة الشكلية للنظرية ، التي لا توافق بمعظمها لما طرحه دارون أو لامارك.

وأمّا ما ذكرتم حول التطوّر فقد أسلفنا الكلام عليه ، وقلنا بأنّه يحتاج إلى التوفيق بين أُسس نظرية التطوّر وبين البحث التجريبي الحديث ، وهو بحاجة إلى وقت ودراسة ، وما ذكر لا يشكل إلاّ تشبيهاً يعيد المحتوى عمّا طرحه دارون ولامارك.

( عبد اللّه - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

التفكير ليس أثراً مادّياً :

س : يقول الفيلسوف ماركس مضموناً : إنّ المادّة هي أسبق بالوجود من العقل ، وإنّما العقل هو انعكاس لوجود المادّة ، فكيف يمكنكم الردّ على هذه النظرية؟

ج : أوّلاً : ليست هذه مقالة لماركس بل لجميع المادّيين ، وذلك أنّهم يرون أنّ عملية التفكير هي أثر ومعنى مادّي لا مجرّد ، إذ المادّة عندهم تساوي الوجود ، فكُلّ غير مادّي هو ليس بموجود ، إذاً فكون العقل أثر للمادّة مبتن على أنّ الموجود مساوي للمادّة ، ولكنّا لا نسلّم ذلك ، بل عندنا أنّ الموجود أعم من المادّي والمجرّد ، وإثباته في محلّه.

ثانياً : أنّ هناك أدلّة كثيرة أُقيمت على أنّ التفكير ليس أثراً مادّياً :

منها : استحالة انطباع الكبير في الصغير ، فإنّ صورة الموجودات بما لها من حجم موجودة في أذهاننا ، مع أنّ دماغنا المادّي صغير ، فلابدّ من وجود مجرّد وارد دماغنا هو الذي يشكّل حقيقة العلم.

ومنها : امتناع انطباع المتّصل في المنفصل.

ومنها : الروابط التصديقية لا تقبل الانقسام.

ومنها : الوجدانيات لا تنقسم.

ص: 557

ومنها : إدراك الكُلّي غير مادّي.

ومنها : ثبات الفكر وعدم تغيّره.

وللبسط في هذه الأدلّة راجع كتاب « نظرية المعرفة » للشيخ جعفر السبحاني.

( علي - البحرين - 30 سنة - طالب )

معنى قاعدة حكم الأمثال :

س : قرأت في بعض الكتب أنّ قاعدة : حكم الأمثال في ما يجوز ولا يجوز واحد ، مستنبطة من مبدأ العلّية ، فهل لكم أن تشرحوا لنا كيف يكون ذلك؟ وما هو وجه استنباطها منه ، ولكم الشكر الجزيل.

ج : إنّ قانون العلّية أو مبدأ العلّية هو قانون عقلي عام ، يعني : إذا ثبت أنَّ هذه العلّة تؤثّر هذا المعلول ، فكُلّما وجدت العلّة وجد المعلول وبالعكس ، فهذا القانون لا يتخلّف ، فإذا ثبت الحكم لأحد أفراد المعلول ، فيجب أن يسري ذلك الحكم ، ويحمل على أفراده الأُخرى من دون فرق بين فرد وآخر.

وكذلك إذا انتفى حكم عن فرد من أفراد نوع أو معلول ، فيجب أن ينتفي ولا يثبت لفرد آخر من نفس النوع وهكذا.

فإذا ثبت الضحك أو المشي للإنسان ، فيجب إثباته لجميع الأفراد على حدٍّ سواء ، وإذا نفينا العلّية مثلاً عن أحد أفراد الإنسان ، فيجب نفيه وعدم إمكان إثباته لأي فرد آخر من نوع الإنسان.

فالأمثال عبارة أُخرى عن المثلين في المنطق - وهما المشتركان في حقيقة واحدة بما هما مشتركان - فما يصدق على أحد المثلين يصدق على الآخر دون فرق ، وما لا يصدق على أحدهما لا يصدق على الآخر.

ص: 558

( .... - سنّي - .... )

اختلاف العبادات بين الشيعة والسنّة :

س : أتمنّى أن تعينوني على فهم بعض الأُمور التي مرّت عليّ ، وأُريد التأكّد منها ، هل هناك اختلاف في العبادات بين السنّة والشيعة؟

ج : نعم يوجد بعض الاختلاف في الفروع بين الفريقين ، بسبب أخذنا تفسير الكتاب والسنّة من أهل البيت عليهم السلام حصراً ، وأخذهم من جميع الصحابة لهما رواية ودراية.

فالصحابة كثيرون جدّاً ، ويروون الأحاديث المختلفة والمتعارضة ، وكذلك فهمهم مختلف ، وكُلّ يدلو بدلوه ، وهم ليسوا سواء في العلم ، أو كثرة المصاحبة للنبي صلى اللّه عليه وآله ، أو السابقة أو عدم الانشغال عنه بالأُمور الحياتية من زراعة وتجارة وغيرها.

وكذلك نرى أنّ العدالة تختلف درجاتها بينهم ، وتغيير الأحكام والدين بدأ ينمو بشكل كبير في أزمان قريبة من وفاة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وبدأ الاجتهاد يطفو على سطح المجتمع الإسلامي ، ويقدّم قول فلان وفلان على النصوص الواضحة الصريحة ، وبدأ النهي عن رواية الحديث الشريف أيضاً ، وحبس الصحابة في المدينة وعدم خروجهم للتبليغ ، وكذلك ضرب عمر بعض الصحابة بالدُّرة لتحديثهم عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وغير ذلك من ملابسات عديدة قد نبَّه وحذّر النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه وآله منها ، كقوله صلى اللّه عليه وآله : « لينتقضن عرى الإسلام عروة عروة ... وأولهن نقضاً الحكم ، وآخرهن الصلاة » (1).

وقال الهيثمي : « رواه أحمد والطبراني ورجالهما رجال الصحيح » (2).

وكذلك أثبت الصحابة ذلك التغيير والانحراف بعد وفاة النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه وآله ، فقد روى البخاري بإسناده عن الزهري قال : « دخلت على أنس بن مالك بدمشق

ص: 559


1- مسند أحمد 5 / 251 ، المستدرك 4 / 92.
2- مجمع الزوائد 7 / 281.

وهو يبكي ، فقلت له : ما يبكيك؟ فقال : لا أعرف شيئاً ممّا أدركت إلاّ هذه الصلاة ، وهذه الصلاة قد ضُيّعت » (1).

وفي البخاري وعن أنس أيضاً قال : « ما أعرف شيئاً ممّا كان على عهد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، قيل الصلاة ، قال : أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها؟ » (2).

وروى البخاري أيضاً عن أُمّ الدرداء قالت : « دخل عليَّ أبو الدرداء وهو مغضب ، فقلت : ما أغضبك؟ فقال : واللّه ما أعرف من أُمّة محمّد صلى اللّه عليه وآله شيئاً إلاّ أنّهم يصلّون جميعاً » (3).

فهذا أبو الدرداء يثبت شيئاً واحداً بقي في المسلمين على حاله ، وهو صلاة الجماعة ، وذاك أنس بن مالك يثبت تغيّر كُلّ شيء عمّا كان على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وهؤلاء الصحابة كانوا في زمن قريب من النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فكيف الحال الآن؟

وهذه النصوص صريحة في التغيير والانحراف حتّى في العبادات ، ولكن مع كُلّ ذلك فإنّ المستقي للفروق الفقهية بين مذهب أهل البيت والمذاهب الأُخرى يجد : أنّ الاتفاق أكثر من الاختلاف ، وهذا ما ذكره جمع من المحقّقين ، واللّه العالم.

( وسام صباح عبد الرضا - العراق - 28 سنة - بكالوريوس طبّ وجراحة عامّة )

علاقة الأجزاء بالمركّب :

س : هل العبارة التالية أوّلية بديهية : المركّب يحتاج إلى وجود أجزائه قبل وجوده ، ثمّ يحتاج إلى التأليف بين هذه الأجزاء؟ إن نعم كيف ذلك؟ أرجوكم أن تكون الإجابة بشيء من التفصيل ، مع جزيل الشكر والتقدير.

ص: 560


1- صحيح البخاري 1 / 134.
2- نفس المصدر السابق.
3- المصدر السابق 1 / 159.

ج : قد أشار الأعلام في المصادر المعقولية إلى وجه امتياز الأجزاء عن المركّب ، وأنّ الأجزاء من دون شرط التمام تعتبر أجزاء ، وبشرط الاجتماع تسمّى مركّباً.

وقول : أنّ المركّب مفتقر إلى الأجزاء إنّما يصحّ بنحو من الاعتبار ، وإلاّ فهما من حيث الوجود الحقيقي الذي له منشئية الآثار متّحدان ، فالأجزاء بالأسر هو عين المركّب ، وبما أنّ الشرط هو الهيئة الاجتماعية ، لا يمكن أن يحدث من دون التئام واجتماع للأجزاء كُلّها على النسق المعيّن المعتبر.

وقول : أنّ المركّب محتاج إلى الأجزاء ، في الحقيقة أنّه إذا لوحظ الأجزاء بالأسر ، فحاجة المركّب إليها احتياج الشيء إلى نفسه ، وإذا لوحظ المركّب بالمعنى المتقدّم بالقياس إلى كُلّ واحد من الأجزاء ، مع قطع النظر عن شرط التمام ، فالاحتياج وإن كان ثابتاً ، إلاّ أنّ كُلّ واحد من تلك الأُمور التي ينشأ منها المركّب ، لا يوصف بأنّه جزء قبل الاجتماع إلاّ بعلاقة الأوّل.

لأنّ وصف الجزئية والكُلّية متضايفان ، يمتنع أن يتحقّق أيّ منهما قبل الآخر ، فاحتياج المركّب إلى الجزء بالدقّة العقلية ، وأن كان لابدّ من تحقّق الأجزاء لأنّها عين المركّب ، ولا دليل على لزوم تقدّمها عليه ، بل ممكن تحقّق المركّب مع جميع أجزائه دفعة واحدة ، بل في المركّب من جنس وفصل ، ومن الوجود والماهية يستحيل تقدّم الأجزاء على المركّب في الوجود ، الذي له منشئية الآثار ، وتوقّفه على حصوله ليس في الحقيقة احتياج المركّب إلى الجزء بالدقّة العقلية ، وإن كان لابدّ من تحقّق الأجزاء ليلتئم منها المركّب ، وهذا ما يسع له المجال في المقام.

فالقضية المذكورة في صورة إمكان فرض الاحتياج بديهية ، يكفي فيها تصوّر الأطراف.

ص: 561

( علي - البحرين - 26 سنة - تعليم عالي )

معنى التقليد والأدلّة عليه :

س : ما هو التقليد؟ ومتى بدأ؟ وما الدليل عليه؟

ج : التقليد لغةً بمعنى : جعل الشخص أو غيره ذا قلادة ، فيقال : تقلّد السيف ، أي ألقى حمالته في عنقه ، وفي حديث الخلافة : « قلّدها رسول اللّه علياً » (1) ، أي جعلها قلادة له ، ومعنى أنّ العامي قلّد المجتهد ، أنّه جعل أعماله على رقبة المجتهد وعاتقه ، وأتى بها استناداً إلى فتواه.

وقد أشارت جملة من الروايات إلى هذا المعنى ، نذكر منها معتبرة عبد الرحمن بن الحجّاج قال : « كان أبو عبد اللّه عليه السلام قاعداً في حلقة ربيعة الرأي ، فجاء إعرابي ، فسأل ربيعة الرأي عن مسألة ، فأجابه ، فلمّا سكت ، قال له إعرابي : أهو في عنقك؟ فسكت عنه ربيعة ولم يردّ عليه شيئاً ، فأعاد المسألة عليه ، فأجابه بمثل ذلك ، فقال له الإعرابي : أهو في عنقك؟ فسكت ربيعة ، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : « هو في عنقه » ، قال : أو لم يقل : وكُلّ مفتٍ ضامن » (2).

وهناك أخبار مستفيضة يمكنك الرجوع إليها في كتاب وسائل الشيعة (3).

وعلى هذا نرى بأنّ اللغة والاصطلاح والعرف متطابقة على أنّ التقليد هو الاستناد إلى قول الغير في مقام العمل ، فالتقليد أمّا أن يكون بمعنى الأخذ والالتزام ، أو يكون معناه العمل استناداً إلى رأي الغير ، وهو العالم الجامع للشرائط.

والضرورة تقتضي التقليد ، وذلك لأنّ كُلّ مكلّف يعلم علماً إجمالياً بثبوت أحكام إلزامية فرضها الشارع المقدّس عليه - من وجوب أو حرمة - والإتيان

ص: 562


1- الاجتهاد والتقليد : 78.
2- الكافي 7 / 409.
3- وسائل الشيعة 27 / 220.

بالواجب وترك المحرّم له طريقان : أمّا أنّه يعرف الواجب فيأتي به ، والمحرّم فيتركه ، وأمّا أنّه غير عالم بهما ، فيجب الرجوع إلى العالم بهما ، وهو المتخصّص في عمله لإبراء ذمّته أمام مولاه ، وهذا هو معنى التقليد الذي هو الاعتماد على المتخصّصين والرجوع إليهم.

ومن هنا يظهر : أنّ التقليد من الأُمور الارتكازية ، حيث رجوع كُلّ ذي صنعة إلى أصحاب الصنائع ، وكُلّ من لا يعرف أحكام الدين يعتمد في معرفته على المجتهد المتخصّص ، فيضع عمله كالقلادة في رقبة المجتهد الذي يقلّده ، وهذا غير محدّد بزمان ، بل هو جار في كُلّ الأزمنة.

والتقليد من فطريات العقول والشارع ، قد أمضاه بعدم الردع عنه ، فرجوع الجاهل إلى العالم في زمان الأئمّة عليهم السلام ، كان رجوعاً إلى من علم الأحكام بالعلم الوجداني ، الحاصل من مشافهة الأئمّة عليهم السلام ، وأمّا في زماننا ، فهو رجوع إلى من عرف الأحكام بالظنّ الاجتهادي والإمارات.

ويكون عمله تنزيلياً تعبّدياً لا وجدانياً ، فهو الطريق الأكثر عملية لُجلّ الناس ، لاعتيادهم في كُلّ مجال على الرجوع إلى ذوي الاختصاص والخبرة ، وهو واجب كُلّ مكلّف لا يتمكّن من الاجتهاد أو الاحتياط.

( أحمد - الكويت - 20 سنة - طالب )

العقل في حالة قطعيته مقدّم على النصّ :

س : تقبّل اللّه أعمالكم ، ووفّقكم اللّه لمرضاته ، في الحقيقة عندي استفسار بخصوص العقل ، ما هو دوره في الأُصول العقائدية؟ هل القرآن والسنّة مقدّمتان على العقل أم هو العكس؟

ج : لا نتمكّن أن نجيب بضرس قاطع بتقديم النصّ على العقل ، أو بتقديم العقل على النصّ ، بل لابدّ من التفصيل ، فتارة يكون حكم العقل قطعياً وبدرجة كاملة من الوضوح ، وفي مثله يقدَّم العقل ، ويكون كقرينة على

ص: 563

التصرّف في ظهور النصّ ، فإنّ القرائن ذات ألوان مختلفة ، وأحد تلك الألوان هي القرائن العقلية.

فإذا حكم العقل بنحو القطع بأنّ اللّه سبحانه لا يمكن أن يكون جسماً ، أو في مكان معيّن مثلاً ، فإذا جاء نصّ يقول : ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) (1) فلابدّ من حمله على الكناية عن السيطرة الكاملة.

هذا إذا كان حكم العقل قطعياً ، وأمّا إذا لم يكن قطعياً ، فيؤخذ بظاهر النصّ ، ولا يجوز تأويله ، ورفع اليد عنه بحكم العقل.

إذاً ، العقل في حالة قطعيته هو المقدّم على النصّ ، وفي حالة عدم قطعيته يكون النصّ هو المقدّم.

( أبو بكر أحمد صدّيق - مصر - شافعي - 32 سنة - دكتوراه فلسفة في التربية )

قول لا إله إلاّ اللّه مشروط بالإخلاص :

س : أُريد معرفة مدى صحّة الحديث التالي؟ وما هي الكتب التي ورد بها؟ وما هو تعليقكم عليه : « من قال لا اله إلاّ اللّه ومدّها ، هدمت له أربعة آلاف ذنب من الكبائر » (2) ، مع إرسال النصوص الأصلية الاستدلالية إن أمكن ، أو إرشادي إلى مواقعها تحديداً ، وجزاكم اللّه خيراً ، ونفعنا بعلمكم.

ج : لا يوجد هذا الحديث في مصادرنا ، ولم يُروَ عن أهل البيت عليهم السلام.

وأمّا المصادر السنّية ، فقد ورد في كتب غير معتبرة الصحّة ، فقد رواه المتّقي الهندي في كنز العمّال عن ابن النجار ، وذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان - وهو كتاب تراجم الضعفاء في ترجمة نعيم بن تمام - قال : « عن أنس : وعنه الحسن بن إسماعيل اليمامي ، له حديث أخرجه ابن النجار في الذيل في ترجمة أبي القاسم عبد اللّه بن عمر الكلوذاني المعروف بابن

ص: 564


1- طه : 5.
2- كنز العمّال 1 / 60.

داية ، من روايته عن يونس ... عن الحسن ولفظ المتن : « من قال لا إله إلاّ اللّه ومدّها ، هدمت له ذنوب أربعة آلاف كبيرة » ، هذا حديث باطل » (1).

وقال الفتني في تذكرة الموضوعات : « فيه نعيم كذّاب » (2).

وأمّا تعليقنا عليه : فبعد أن قلنا بعدم صدوره عن أئمّتنا عليهم السلام ، فإنّه لا يثبت لدينا مشروعية التعبّد به ، وكذلك هناك أحاديث لدينا تخالف مضمونه ، وتبيّن أن قول لا إله إلاّ اللّه مشروط بالإخلاص أو الصدق ، وهذه الشروط تعني الالتزام العقائدي والأخلاقي والعملي بمعنى لا إله إلاّ اللّه.

قال اللّه تعالى : ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ ) (3).

وقال الإمام علي عليه السلام : « من قال : لا إله إلاّ اللّه بإخلاص فهو بريء من الشرك ، ومن خرج من الدنيا لا يشرك باللّه شيئاً دخل الجنّة ... » (4).

وقال الإمام الصادق عليه السلام : « من قال : لا إله إلاّ اللّه مخلصاً دخل الجنّة » (5).

وقال زيد بن أرقم : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « من قال : لا إله إلاّ اللّه مخلصاً دخل الجنّة » ، قيل : وما إخلاصها؟ قال : « أن تحجزه عن محارم اللّه عزّ وجلّ » (6).

فهذه الروايات تبيّن وتوضّح مراد الرسول صلى اللّه عليه وآله أو الإمام عليه السلام من قول لا إله إلاّ اللّه ، وشروط نفعها لقائلها ، وهو الإخلاص والصدق والمعرفة ، وعدم ارتكاب المعصية بإصرار وعناد ، وليس مجرّد التلفّظ بها من دون ذلك كُلّه.

ص: 565


1- لسان الميزان 6 / 169.
2- تذكرة الموضوعات : 55.
3- محمّد : 19.
4- من لا يحضره الفقيه 4 / 411.
5- ثواب الأعمال وعقابها : 5.
6- المعجم الأوسط 2 / 56 ، المعجم الكبير 5 / 197 ، الدرّ المنثور 2 / 237 ، تفسير الثعالبي 2 / 22.

( رضا - بريطانيا - 18 سنة - طالب )

معرفة الحقّ من خلال قواعد عقلية :

س : هناك كثير من يقول أنّه لا يمكن معرفة الحقّ مطلقاً ، أي ليس هناك مثلاً قانون صحيح مطلقاً ، ولكن صحيح إلى درجة ، كيف يمكن الردّ على هذا؟ أرجو الإجابة ، وأشكركم جزيل الشكر.

ج : ينبغي ملاحظة أُمور :

أوّلاً : إنّ الدليل العقلي غير قابل للتخصيص من دون دليل آخر ، فالدليل العقلي هو بنفسه يتولّى تعيين حوزة شموله.

وبعبارة واضحة : كُلّ ما يثبته أو ينفيه العقل ، يأتي بكُلّ قيوده وسعة دلالته.

وثانياً : الحكم على صحّة أو فساد أمر هو قانون عقلي ، يجب فيه اتباع حكم العقل ؛ فالعقل هو الذي يتكفّل إعطاء نسبة الصحّة أو الفساد لكُلّ قضية وموضوع.

ثالثاً : المقصود من الحقّ المطلق هو الأمر الذي يعتبره العقل من البديهيات والأوّليات ، بحيث يكون العلم به ضرورياً ، فلا يرى احتمال الخلاف فيه جائزاً.

نعم ، إنّ لم تصل معرفة العقل لقانون أو قاعدةٍ إلى هذا المستوى ، فقد يرى اشتمال العلم به مع احتمالات أُخرى قد تتناقض مع ذلك العلم.

وعلى سبيل المثال : يجزم العقل باستحالة اجتماع النقيضين ، ولا يرى مجالاً لأي احتمال مخالف لهذا الحكم القطعي ، وحتّى أنّه يرى هذا الحكم مستقلاً عن أيّ قيد وشرط ، فلا يختصّ بزمان أو مكان ، أو أيّة خصوصية أُخرى.

ثمّ في فرض هذا الحكم ، كيف يعقل أن يحتمل تخصيص هذا القانون والحكم المقطوع به ، أو تقليل نسبة الصحّة فيه.

ص: 566

وباختصار : فإمّا نقطع بقانون أو قاعدة - بالدقّة العقلية لا العرفية - فهذا لا يجتمع مع احتمال الخلاف فيه ، إذ أنّ الاحتمالات المناقضة هي قضايا لابدّ أن تكون صادرة من العقل ، والعقل يأبى أن يقطع بشيء ويحتمل خلافه.

نعم حدود هذه الأحكام والقوانين العقلية البحتة قد تكون مضيّقة ، ولكن لا ينكر وجود هكذا قواعد مسلّمة عند العقل غير قابلة للنقاش لضرورتها وبداهتها.

( علي نزار - الكويت - 23 سنة - طالب كُلّية الدراسات التجارية )

تسمية علم الكلام :

س : لماذا سمّي العلم الذي يُعنى بدراسة أُصول الدين الإسلامي والاستدلال عليها بأدلّة وبراهين تفيد العلم واليقين بعلم الكلام؟ ودمتم سالمين بجاه محمّد وآله الطاهرين.

ج : إنّ تسمية مباحث العقيدة الإسلامية بعلم الكلام لها وجوه :

1 - إنّه سمّي بذلك لأنّ القدماء من العرب سمّوا علم الجدل اليوناني بالمنطق ، والمنطق الذي يدلّ على النفس الناطقة التي تدرك الكُلّيات ، والنطق هو الكلام ، فعلم الكلام وعلم المنطق واحد.

2 - إنّه سمّي بذلك لأنّ أصحابه تكلّموا بمسائل لم يذكرها السلف.

3 - إنّه سمّي بذلك لأنّ المتقدّمين كانوا يعنونون فصول مباحثهم الكلامية بقولهم : كلام في التوحيد ، كلام في القدرة ، وهكذا ....

4 - إنّه سمّي بذلك لأنّ الماهر الخبير بقوانينه يمتلك قوّة الكلام على إنزال الخصم ومحاكمته والغلبة عليه.

5 - إنّه سمّي بذلك لأنّه كثر فيه الكلام مع المخالفين ما لم يكثر في غيره.

6 - إنّه سمّي بذلك لأنّه يورث القدرة على الكلام في الشرعيات ، كالمنطق في الفلسفيات.

ص: 567

7 - إنّه سمّي بذلك - كما هو المشهور والمودّى إليه النظر - لأنّ أوّل مسألة طرحت بين المسلمين في صدر الإسلام بين الأشاعرة والمعتزلة هي : خلق القرآن الكريم أو قدمه ، على أنّ كلام اللّه قديم كذاته ، أو أنّه من الصفات الفعلية كالرازقية والخالقية ، وليست من الصفات الذاتية التي هي عين ذات اللّه تعالى ، كالعلم والقدرة والحياة.

وعلى هذا الضوء سمّي العلم المتكفّل لهذه المباحث بعلم الكلام على نحو المجاز في باب التسمية ، بعلاقة الكُلّ والجزء الأوّل أو الأهم أو المعظم.

( فاطمة - أمريكا - 19 سنة - طالبة ثانوية )

الرؤية الكونية :

س : ما معنى الرؤية الكونية؟ وما المقصود بالكونية؟ وشكراً.

ج : إنّ النظام الفكري ينقسم إلى قسمين : نظام نظري ، ونظام عملي.

فالنظام الفكري النظري : هو أسلوب من التفكّر عمّا هو موجود.

والنظام الفكري العملي : هو أسلوب من التفكّر عمّا ينبغي أن يُفعل أو لا يُفعل.

فالأوّل يسمّى الرؤية الكونية ، والثاني يسمّى الأيديولوجية ، وقد عُرِّفا بالتعريف التالي :

الرؤية الكونية : مجموعة من المعتقدات والنظريات الكونية المتناسقة حول الكون والإنسان ، بل حول الوجود بصورة عامّة.

الأيديولوجية : مجموعة من الآراء الكُلّية المتناسقة حول سلوك الإنسان وأفعاله.

وهناك تعبير آخر في عرف الحكماء ، حيث يعبّرون عن الرؤية الكونية بالحكمة النظرية ، وعن الأيديولوجية بالحكمة العملية.

ويمكن تقسيم الرؤية الكونية إلى الأقسام التالية :

ص: 568

1 - الرؤية الكونية العلمية : بأن يتوصّل الإنسان من طريق معطيات العلوم التجريبية إلى رؤى كُلّية حول الوجود.

2 - الرؤية الكونية الفلسفية : وتحصل من خلال الاستدلال والبحوث العقلية.

3 - الرؤية الكونية التعبّدية : ويتوصّل الإنسان إليها عن طريق الاعتقاد بقادة الأديان ، والإيمان بأحاديثهم.

4 - الرؤية الكونية العرفانية : التي تحصل عن طريق الكشف والشهود والإشراق ، ومعرفة أبعد الحقائق بالتأمّل الذاتي ، والتوجّه الروحي ، والسلوك المهذّب نحو اللّه تعالى.

( أحمد - السعودية - سنّي - 20 سنة - طالب جامعة )

برهان النظم لا يجري في عالم التشريع :

س : الشيعة تقول بدليل النظم في إثبات الصانع ووحدته ، ولكن لا تطبّق دليل النظم في حياتها الفقهية ، فنجد الفقهاء لا يأخذون بدليل النظم في منازل القمر ، وإثبات دخول الشهر أو خروجه؟

ج : لا يخفى عليكم أوّلاً : أنّ برهان النظم لا يختصّ بالشيعة كما ذكرت ، بل هو برهان اعتمد عليه المسلمون كُلّهم ، بل وغيرهم من الأديان الأُخرى ، على إثبات وجود اللّه تعالى.

وثانياً : أنّ برهان النظم يجري في عالم التكوين ، فهو يُثبت أنّ للكون نظام ، ولا يجري في عالم التشريع والتكليف ، فهو لا يثبت لنا حكماً شرعياً ، بل الأحكام تثبت من خلال القرآن والسنّة.

وعليه ، فالفقهاء يتعبّدون بما ورد من الروايات عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام ، ولا يعتمدون على برهان النظم في أُمورهم الفقهية ، ففي قضية الصوم مثلاً ورد عن الإمام الصادق عليه السلام : « صم لرؤية الهلال ، وأفطر لرؤيته » (1).

ص: 569


1- الاستبصار : 63.

وعليه ، فلابدّ من إثبات دخول الشهر أو خروجه من خلال رؤية الهلال ، لا من خلال الاعتماد على الحسابات ، أو الاعتماد على برهان النظم.

( أحمد محمّد - ... - ..... )

البكاء من خشية اللّه :

س : حُرمت البكاء من خشية اللّه تعالى ، فماذا أفعل؟ جزاكم اللّه خيراً.

ج : من وصايا النبيّ صلى اللّه عليه وآله لأبي ذر : « يا أبا ذر : من استطاع أن يبكي قلبه فليبك ، ومن لم يستطع فليشعر قلبه الحزن وليتباك ، يا أبا ذر ، إنّ القلب القاسي بعيد من اللّه تعالى ، ولكن لا تشعرون » (1).

إذا لم تساعدك العينان على البكاء ، فاحمل نفسك على البكاء وتشبّه بالباكين ، متذكّراً الذنوب العظام ، ومنازل مشهد اليوم العظيم ، يوم تبلى السرائر ، وتظهر فيه الضمائر ، وتنكشف فيه العورات ، عندها يحصل لك باعث الخشية ، وداعية البكاء الحقيقي ، والرقّة وإخلاص القلب.

وقد ورد في الحديث ما يدلّ على استحباب التباكي ، ولو بتذكّر من مات من الأولاد والأقارب والأحبّة ، فعن إسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : أكون أدعو فأشتهي البكاء ولا يجيئني ، وربما ذكرت بعض من مات من أهلي فأرق وأبكي ، فهل يجوز ذلك؟

فقال عليه السلام : « نعم ، فتذكّرهم ، فإذا رققت فأبك ، وأدع ربّك تبارك وتعالى » (2).

ثمّ لا يخفى عليك أن ترك الذنوب والمعاصي ، وأن تذكر اللّه كثيراً ، وأن تدعو وتتوسّل بأهل البيت عليهم السلام ، وتأكل الحلال وتجتنب الحرام ، وتأكل العدس المطبوخ ، وغير ذلك ، لأنّ هذه الأُمور تساعد على البكاء من خشية اللّه تعالى.

ص: 570


1- الأمالي للشيخ الطوسي : 529.
2- الكافي 2 / 483.

( وسام صباح عبد الرضا - العراق - 28 سنة - طبيب )

احتياج المركّب إلى الجزء :

س : في الكتب العقائدية أجد العبارة التالية : « المركّب يحتاج إلى الجزء » ونحن نعلم : بأنّ المركّب يتألّف من جزئين فأكثر ، ويستحيل وجود مركّب من جزء واحد فقط ، فهل المقصود بالجزء في العبارة هو جنس الجزء ، الذي يصدق على أفراده؟ أم المقصود به المقابل للمركّب من باب التضايف؟

والسؤال الثاني : يقول ابن ميثم البحرانى : « الواجب بالذات لا يتركّب عن غيره ، وإلاّ لافتقر إلى ذلك الغير ، فكان ممكناً بذاته هذا خلف » (1).

هل يقصد القائل أنّ المركّب محتاج إلى الغير في تركّبه ، كي يكون مركّباً ، وبذلك فإن ارتفع الغير ارتفع التركيب فيرتفع المركّب ، أي أنّ التركيب يكون عن طريق الغير ، وما يأتي من الغير يزول بزواله ، فيكون المركّب من الغير ممكناً بذاته ، لحاجته للغير في كونه مركّباً ، أم لكم رأي آخر في ذلك؟ الرجاء عدم إهمال الرسالة والإجابة بالسرعة الممكنة.

ج : بالنسبة إلى السؤال الأوّل نقول : المقصود جنس الجزء ، فهم يريدون أن يقولوا : أنّ المركّب يحتاج إلى كُلّ جزء من أجزائه ، إذ بفقدان أي جزء من الأجزاء ينعدم ذلك المركّب ويزول ، فهو بحاجة في تحقّقه إلى كُلّ واحد من أجزائه.

وهم من باب الاختصار في التعبير قالوا : المركّب مفتقر إلى الجزء ، يعني إلى كُلّ جزء من أجزائه ، أنّ هذا هو المقصود ، وليس المقصود أنّه يحتاج إلى واحد من أجزائه دون بقية الأجزاء.

وبالنسبة إلى السؤال الثاني نقول : هناك قضية ينبغي أن تكون واضحة ، وهي : أنّ الحاجة والافتقار هما من لوازم الإمكان ، والغنى وعدم الاحتياج هما من لوازم الوجوب ، فكُلّما فرضنا الشيء محتاجاً ومفتقراً إلى غيره فذلك يعني أنّه ممكن ، وكُلّما افترضناه واجباً فذلك يعني أنّه غني وليس محتاجاً.

ص: 571


1- قواعد المرام في علم الكلام : 45.

وإذا تمّت هذه القضية ، وكانت مورد قبولنا ، فسوف نخرج بقضية أُخرى ، وهي : أنّ الشيء متى ما كان مركّباً ، فيلزم أن يكون ممكناً ، لأنّ المركّب يحتاج في تحقّقه إلى كُلّ واحد من أجزائه ، إذ مع انخرام أيّ واحد من الأجزاء يزول ذلك المركّب ، فالخلُّ مثلاً الذي هو مركّب من سكّر وحموضة ، يحتاج في تحقّقه إلى كُلّ واحد من هذين الجزئين ، إذ بعدم تحقّق أي واحد منهما يزول المركّب ، أعني الخلَّ ، ويحصل مركّب آخر.

ونحن ما دمنا قد سلّمنا مسبقاً أنّ الحاجة هي من لوازم الإمكان ، فيلزم أن نحكم بالإمكان على كُلّ موجود مركّب.

( علي العريان - أيرلندا - 19 سنة - طالب الثانوية )

عملية التنصيص الإلهي على المرجع مفقودة :

س : أوّلاً : نعلم أنّ الهدف من الإمامة هو الأمان من الفرقة وتوحيد الأُمّة ، ولذلك كانت الإمامة بالنصّ.

ثانياً : نلاحظ أنّ فتاوى مراجعنا في القيادة السياسية في زمان الغيبة متضاربة ، بين قائل بولاية الفقيه المطلقة ، وآخر بولاية الفقيه في الأُمور الحسبية ، وآخر بشورى الفقهاء ، ورابع بأنّ القيادة بالانتخاب الشعبي لمجموعة من الفقهاء ، وخامس يرى أن لا يلزم أن يكون القائد السياسي فقيهاً ، وغيرها من أقوال فقهائنا.

ثالثاً : أنّ المرجعية الدينية امتداد للإمامة ، ولها نفس هدفها ، وهو وحدة المسلمين.

السؤال : ألا يقع الإشكال نفسه على المرجعية الدينية حيث يقال : بأنّ المرجعية التي بها وحدة الأُمّة هي نفسها مختلفة في السبيل الذي يحقّق وحدة الأُمّة ، وبالتالي نحن مختلفون أساساً في مؤهّلات الحاكم السياسي ، الذي فائدته الأُولى توحيد الأُمّة؟

ص: 572

ج : مسألة توحيد الكلمة على شخص واحد ورأي واحد وموقف واحد ، تحتاج إلى تنصيص من قبل اللّه سبحانه على شخص واحد للمرجعية الدينية ، كما حصل ذلك في حقّ أئمّتنا عليهم السلام.

أمّا بعد أن كانت عملية التنصيص الإلهي على المرجع مفقودة ، فتعدّد المرجعية الدينية يكون أمراً طبيعياً ، واختلافهم أيضاً يكون أمراً طبيعياً.

ولا يمكن أن يوجّه نداء لهم بترك اجتهادهم ، وطرحه على الجدار ، وإلزامهم برأي موحّد ، إنّ هذا أشبه بما إذا قلنا لمجموعة أطباء : على كُلّ واحد منكم ترك اجتهاده الشخصي في تشخيص علاج هذا المرض ، وبالتالي عليكم الاجتماع على رأي واحد ، إنّه طلب مرفوض ، ورأي غير مقبول.

تبقى قضية ينبغي لفت الأنظار إليها وهي : أنّ الفقيه الذي لا يرى الولاية السياسية ، يرى في نفس الوقت أن أيّ فقيه إذا تصدّى للعمل السياسي ، وكان مرضياً في طريقته وعمله ، فلا يحقُّ لأيّ شخص إرباك الوضع ، وشقُّ العصا عليه ، فإنّ الحفاظ على النظام ، ووحدة الكلمة ، وتوحيد الصف قضية لازمة ، فإنّ الإسلام دين النظام ، ويريد النظام في أيّ مجال من مجالات الحياة ، ولا ينبغي أن نتصوّر أنّ الذي لا يرى الولاية السياسية يسوّغ لاتباعه إرباك النظام والإخلال به.

( علي عمران - السعودية - 26 سنة - طالب جامعة )

إطلاق لقب العلاّمة :

س : تحية معطّرة برياحين ولاية محمّد وآل محمّد.

أساتذتي القائمين على موقع العقائد حفظكم اللّه ، طالعت مقالاً بأحد المنتديات بعنوان الألقاب العلمية , وهذا نصّه :

« لقب آية اللّه : يُطلق على من وصل إلى رتبة الاجتهاد ؛ وآية اللّه العظمى : يُطلق على من يتصدّى للتقليد والإفتاء ؛ والمرجع : يطلق على من يتبوّأ مقام

ص: 573

المرجعية والإفتاء ، ويرجع إليه الناس في تقليدهم ؛ والمرجع الأعلى : يطلق على يُقلّده أكثرية الشيعة.

وهي مصطلحات ظهرت في هذا العصر الأخير ، ولم تكن متداولة في العصور الماضية عند الشيعة ، فما كان يُطلق شيء من هذا القبيل على الشيخ المفيد ، ولا الشيخ الطوسي ، ولا الشريف الرضي والمرتضى ، ولا العلاّمة الحلّي ، ولا المحقّق الحلّي ، والشهيدين الأوّل والثاني ، والمجلسي وبقية العلماء في الأزمنة الماضية ، رحمهم اللّه جميعاً ، وأسكنهم فسيح جنانه مع محمّد وآله ».

سؤالي الأوّل : على من يطلق لقب العلاّمة؟

سؤالي الثاني : هل تدرّج الألقاب من حيث المراتب بنفس الترتيب الذي ذكرت؟ أي أقصد هل أقل مرتبة هي آية اللّه ، ثمّ آية اللّه العظمى ، ثمّ المرجع ، ثمّ المرجع الأعلى؟ وجزاكم اللّه خير جزاء.

ج : الظاهر أنّ لقب العلاّمة يطلق على الذي وصل إلى درجة علمية أعلى من حجّة الإسلام والمسلمين ، وأقلّ من آية اللّه.

نعم ، بعض الأحيان تختصّ بشخص معيّن ، مثل العلاّمة الحلّي ، والعلاّمة الطباطبائي ، فهي تدلّ على مرتبة أعلى من ذلك قطعاً ، وما ذكرت من الترتيب والتدرّج ، فهو من ناحية الواقع العلمي صحيح.

أمّا قولهم : « إنّ هذه مصطلحات ظهرت ... » فلا نرى صحّة ذلك ، بل هي ألقاب كما هو في لفظة دكتور وما شاكلها.

( عيسى الشيباني - الإمارات - 25 سنة - طالب ثانوية )

الحكم في المسائل المستحدثة :

س : من المعلوم بأنّ الشيعة الإمامية تتّخذ من القرآن الكريم والسنّة النبوية - والمتمثّلة بأهل البيت عليهم السلام - منهجاً لها في استخراج الأحكام والمسائل الشرعية ، والمقصد من ذلك أنّها لا تستخدم القياس والاستنباط في استخراج المسائل ، كما يستخدمه أهل السنّة.

ص: 574

ولكن بالنسبة للأُمور المستحدثة والتي لم تكن موجودة في عهد الرسول والأئمّة عليهم السلام ، وإنّما ظهرت في العصور المتأخّرة والحديثة ، فما هي أو ما هو الأسلوب المتبع للاستخراج الحلول والمنافذ عند سماحة العلماء إن لم تكن موجودة في القرآن الكريم والسنّة النبوية المطهّرة؟ ولكم فائق الاحترام والتقدير.

ج : في القرآن الكريم والسنّة الشاملة لأقوال المعصومين عليهم السلام ، هناك قواعد كُلّية قد استخرجها العلماء ، وهذه القواعد تنطبق على كثير من المسائل الفرعية ، فإذا جاءت مسألة فرعية فالفقيه يرجعها إلى تلك القواعد الكُلّية ، فإن دخلت تلك المسألة تحت حكم إحدى تلك القواعد أفتى الفقيه بذلك.

مثلاً : إذا اكتشفت مادّة جديدة مسكرة ، والقرآن والسنّة لم يشيرا إلى حرمة تلك المادّة ، لكن الفقيه عنده قاعدة كُلّية : بأنّ كُلّ مسكر حرام ، فيستطيع أن يفتي بحرمة هذه المادّة طبقاً إلى تلك القاعدة ، وكذلك هناك قواعد عقلية كُلّية عامّة يستطيع أن يستخدمها ويفتي على طبقها ، وإذا لم توجد هناك أي قاعدة عامّة ، يمكن إدخال المسائل المستحدثة تحتها ، تصل النوبة إلى الأُصول العملية التي هي أيضاً قواعد مستنبطة من أقوال المعصومين عليهم السلام ، وهذه الأُصول يدخل تحتها جميع المسائل الفرعية ، التي لم يمكن إدخالها تحت القواعد العامّة المستنبطة من القرآن والسنّة ، أو التي لا يمكن إدخالها تحت القواعد العامّة المكتشفة بحكم العقل ، وهذه القواعد المشار إليها بقسميها - التي يحرز منها الدليل - أو التي يؤخذ منها الموقف العملي - تدرس في علم أُصول الفقه.

فالفقيه يبحث أوّلاً عن الحكم الشرعي الذي يسند إلى دليل استخرج من القرآن أو السنّة ، أو العقل أو الإجماع ، ويسمّى الحكم المستخرج من تلك القاعدة الحكم الشرعي الظاهري ، أمّا إذا فقدت تلك القواعد ، فإنّ الفقيه يبحث عن الوظيفة العملية للمكلّف عند فقد تلك الأدلّة المستخرجة من القرآن والسنّة والعقل والإجماع ، ويستطيع الفقيه الوصول إلى تلك الوظيفة بأعمال تلك القواعد المسمّاة بالأُصول العملية.

ص: 575

وعليه ففي كُلّ مسألة مستحدثة يرجع الفقيه إلى القواعد التي لديه لاستخراج حكمها الشرعي الظاهري ، أو الوظيفة العملية اتجاهها.

( محمّد - كندا - 33 سنة )

حلّية التدخين :

س : بعد الاستبصار - ولله الحمد - بدأت أقرأ وابحث كثيراً ، وما أذهلني ظهور بعض المعمّمين المشايخ في التلفاز ، وهم يدخّنون ، وقرأت أنّ شرب الدخّان ليس بحرام عندنا ، لكن بدأ أهل السنّة يعيبون علينا ذلك ، وأُصدّقكم القول أنّ بحكم ماضي مع العامّة ، كنت دائماً مع تحريم الدخّان ، خصوصاً لكراهة رائحته ، وكذلك ضرره البيّن بالنفس ، التي أمر الشارع بحفظها ، وكذلك ضرره بالمال ، الذي أُمرنا بعدم تبذيره.

أفيدونا ، فقد علّمتمونا وعوّدتمونا اشفاء الغليل في أجوبة سماحتكم ، فكثيراً من العامّة والخاصّة يدمنون على شربه ، ولا يمكن القول أنّ شربه لا يمكن تركه ، إذا تبيّن الضرر ، سامحوني فقد أحسست بعدم اطمئنان لحلّيته إلاّ يدخل في الخبائث ، كما يقول العامّة ، وأنا أميل إليهم ، واستغفر اللّه في قولهم ، حين يجعلونه مشمولاً بحكم الآية الكريمة في حلّية الطيّبات ، وحرمة الخبائث ، أفلا يكون خبثاً شرب الدخّان؟ سامحوني على وقاحتي بحضرتكم ، وجزاكم اللّه خيراً.

ج : يعتبر التدخين من مستحدثات المسائل ، فهو من المسائل غير المنصوصة الحكم ، إذ لم يكن له وجود زمن النصّ.

فإذا أراد الفقيه أنّ يعرف حكمه ، فيقول : إنّ التدخين نحتمل حرمته شرعاً ، ولا نحتمل وجوبه ، فنتّجه أوّلاً إلى محاولة الحصول على دليل يعيّن حكمه الشرعي ، فلا نجد دليلاً من هذا القبيل ، فيبقى حكم التدخين مجهولاً ، وحرمته مشكوكة لدينا ، لا ندري أهو حرام أو مباح؟

ص: 576

وحينئذ نتساءل ما هو الموقف العملي ، الذي يتحتّم علينا أن نسلكه تجاه ذلك الحكم المجهول؟ هل يجب الاحتياط ، فلا ندخّن أو نحن في سعةٍ من ذلك ، مادمنا لا نعلم الحرمة؟ ولبيان الموقف العملي نذكر نقاط :

1 - إنّ الأصل الأوّلي وهو حلّية أكل شيء أو شربه ما لم يصلنا النهي عنه من الشارع ، إذ لو علمنا عدم النهي عنه أصلاً ، فلأنّ العقل يحكم بذلك سيّما وأنّ طريقة الشارع هي بيان وذكر المحرّمات لا المباحات ، قال تعالى فيما علّم نبيّه الردّ على الكفّار : ( قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (1) ، وهناك روايات في ذلك.

أمّا لو لم نعلم النهي ، أو لم يصل إلينا ، أو وصل إلينا مجملاً فشككنا في حكمه ، فالأصل في ذلك هو البراءة لما حقّق في الأُصول مستدلّين بالآيات والروايات ، كقوله تعالى : ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً ) (2) ، وقوله تعالى : ( لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا ) (3) ، إذاً فكُلّ ما لم يثبت حرمته فهو حلال.

2 - ربما يقال : أنّ هذا مفاد الأصل الأوّلي ، ولكن هناك أصل ثانوي في المأكولات والمشروبات ، وهو حرمة ما يتنفّر منه الطبع ، واستدلّ عليه بالآية : ( وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ ) (4) ، وذلك بأنّ الطيّب ما يستطيب الناس ، والخبائث ما يستخبثه الناس على حسب عادتهم ، فيدخلون التدخين في الخبائث.

ص: 577


1- الأنعام : 145.
2- الإسراء : 15.
3- الطلاق : 7.
4- الأعراف : 157.

ولكن يبقى أنّ الطيّب له عدّة معاني مأخوذة من آيات الذكر الحكيم ، كالحلال والجيّد والطاهر ، وما لا أذى فيه ، وما فيه الخير والبركة ، وما تستطيبه النفس ولا تنفر منه ، وغير ذلك ، والاستدلال بهذه الآية مبنيّ على المعنى الأخير ، وهو ما تستطيبه النفس ولا تنفر منه ، حتّى يكون الخبيث عكسه ، وهو ما يتجنّبه الناس ، وهو غير ظاهر من الآية ، إذ تبقى المعاني الأُخرى محتملة.

ولو سلّم إرادة هذا المعنى ، ولكن يبقى تحديد المعنى المراد من الخبائث غير منضبط عرفاً ، فهل يراد عرف الناس ، أو عرف المكلّف ، أو عرف قوم معينين؟

ومن الواضح سعة اختلاف العرف بينهم ، فربَّ شيء يتجنّبه أهل بلد ما ، ترى آخرين يأكلونه ، بل يختلف الأمر من شخص إلى شخص ، والتجربة أمامك ، بل يتوجّه النقض عليه بكثير من الأدوية ، التي يتنفّر عن أكلها أو شربها الأغلب ، ومع ذلك لا يحكم أحد بخبثها ، وعلى كُلّ فلا ضابط في تعيّن ذلك ، حتّى يستفاد منه الأصل الثانوي.

3 - وربما يستدلّ على الحرمة من جهة توجّه الضرر على البدن من التدخين ، ولكن المتيقّن هو حرمة الأضرار بالبدن ، إذا كان يؤدّي إلى التهلكة ، أو إلى الأضرار الكبير بالبدن - كتلف أحد الأعضاء مثلاً - أمّا ما دون ذلك ، فلم يثبت حرمته لا عقلاً ولا شرعاً.

فإنّ العقل لا يأبى من تحمّل الضرر القليل من أجل هدف معيّن ، وأنّ أدلّة الشرع لو سلّم أنّها تنفي الضرر لا تشمل مثل الضرر الجزئي لغرض عقلائي ، لأنّه مخالف للامتنان الذي هو مصبّ أدلّة النهي عن الضرر ، على أنّ مثل هذا الضرر لا يعدّ ضرراً عند العرف ، والعرف أمامك.

وما يظهر من بعض الأخبار من أنّ علّة تحريم أكل بعض الأشياء هو الضرر ، لا يعدو أن يكون حكمة ، وإلاّ لزم تحليل تلك الأشياء إذا قطع بارتفاع الضرر ، كالذبح من دون استقبال القبلة مثلاً ، وبعض الأخبار الأُخرى ضعيفة السند.

ص: 578

إضافة إلى الإجماع على جواز بعض الأشياء ، مع أنّ فيها مضرّة - كدخول الحمّام مع الجوع ، وكثرة الجماع ، والعمل تحت الشمس الحارّة وغيرها -.

( سالم أبو المصطفى اللامي - العراق - 41 سنة - دبلوم تحليلات مرضيه )

المراد من مسيرة عام :

س : كيف تكون المسافة بين الأرض والسماء الدنيا هي مسيرة 500 عام ، والسماء الدنيا فيها أقرب نجم لدينا هو لا يقلّ عن سنة ضوئية ، وإنّ الفرق بينهما كبير جدّاً ، بارك اللّه بكم.

ج : إنّ مثل هذه الروايات على فرض صحّتها ، وردت على لسان الملائكة في تحديد بُعد السماء الدنيا عن الدنيا - كما في الحديث - بمسيرة 500 عام ، ولم يحدّد الملائكة مسيرة ماذا؟ هل مسيرة رجل؟ أو مسيرة فرس؟ أو مسيرة جمل؟ أو مسيرة الملائكة؟ أو مسيرة الضوء؟

وهكذا يحتمل كلامهم أكثر من احتمال ، فتبقى المسافة مجملة ، كما أنّه ليس هناك ما يثبت أنّ تكون في كُلّ سماء نجوم أو نجوم مرئية إلينا ، فهذه العين البشرية - وإن تقدّم العلم - تبقى قاصرة عن إدراك ومشاهدة الكثير ممّا خلق اللّه تعالى.

( أُمّ جعفر - البحرين - 21 سنة - طالبة جامعية )

العلم نور من اللّه :

س : العلم نور يقذفه اللّه في قلب من يشاء ، كيف يكون ذلك؟ وشكراً ، نسألكم الدعاء.

ج : هذا المقطع هو جملة من حديث للإمام الصادق عليه السلام يقول فيه : « ليس العلم بكثرة التعلّم ، إنّما هو نور يقع في قلب من يريد اللّه أن يهديه ... » (1) ،

ص: 579


1- منية المريد : 149.

والذي يفهم من الحديث أنّ العلم ليس هو مجرّد استحضار المعلومات الخاصّة ، وإن كانت هي العلم في العرف العامّي ، وإنّما هو النور الناشئ من ذلك العلم الموجب للبصيرة ، والخشية من اللّه تعالى.

وهذا النور الذي يمنّ اللّه به على عباده ، بعد أن يجد فيهم أهلية الخشية والطاعة ، إذ يتنوّر القلب به بالإفاضة ، وهي تحصل إمّا بالمكاشفة أو بالكسب والتعلّم تحت عناية اللّه سبحانه ، بما يسبّب للقلب حالات أُخر من الشوق والعزم على العمل الموجب للقرب من الحقّ جلّ وعلا.

( أُمّ جعفر - البحرين - 21 سنة - طالبة جامعية )

الفرق بين الوجود والموجود :

س : ما هو الفرق بين الوجود والموجود؟ وشكراً ، نسألكم الدعاء.

ج : كلمة الوجود - وهي مبدأ الاشتقاق لكلمة الموجود - مصدر يتضمّن معنى الحدث ، ويُنسب إمّا إلى الفاعل أو إلى المفعول ، كما أنّ كلمة الموجود اسم مفعول ، ويتضمّن معنى وقوع الفعل على الذات.

وأحياناً يُؤخذ من كلمة الموجود مصدر جعلي هو الموجودية ، ويستعمل بمعنى الوجود ، هذا من حيث الاصطلاح اللغوي.

أمّا من الجانب الفلسفي ، فإنّ المفهوم الفلسفي للوجود يساوي مطلق الواقع ، وهو المقابل للعدم ، وحسب الاصطلاح فإنّه نقيضه ، ولهذا فهو يشمل الذات الإلهية المقدّسة ، والواقعيات المجرّدة ، والمادّية الجواهر منها والأعراض ، والذوات والحالات.

وهذه الواقعيات العينية عندما تنعكس في الذهن بصورة قضية فإنّه يؤخذ منها على الأقلّ مفهومان اسميّان ، يحتلّ أحدهما طرف الموضوع ، ويحتلّ الآخر الذي هو مفهوم موجود طرف المحمول ، وهو من المفاهيم الفلسفية ، وكونه محمولاً يقتضي أن يصبح مشتقّاً.

ص: 580

( هدى السيّد حسن - البحرين - 14 سنة )

العقيدة لغة واصطلاحاً :

س : ما هو تعريف العقيدة لغةً وشرعاً؟

ج : العقيدة لغة مأخوذة من العقد ، وهو نقيض الحلّ ، ويقال : عقدت الحبل فهو معقود ، ومنه عُقدة النكاح ، والعقد : العهد ، والجمع عقود ، وهي أوكد العهود ، ويقال : عهدت إلى فلان في كذا وكذا ، وتأويله ألزمته بذلك.

فإذا قلت : عاقدته أو عقدت عليه ، فتأويله أنّك ألزمته ذلك باستيثاق ، والمعاقدة : المعاهدة ، قال اللّه تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ) (1) ، قيل : هي العهود ، وقيل : هي الفرائض التي ألزموها ، قال الزجّا الجواب : أوفوا بالعُقود ، خاطب اللّه المؤمنين بالوفاء بالعُقود التي عقدها اللّه تعالى عليهم ، والعُقود التي يعقدها بعضهم على بعض على ما يوجبه الدين (2).

أمّا العقيدة في الاصطلاح الشرعي ، فهي تطلق على الإيمان بأُصول الدين ، من التوحيد والعدل والنبوّة والإمامة والمعاد.

وقد قرّر العلماء من الفريقين على أنّ العقائد يجب أن يتوصّل إليها الإنسان بالقطع واليقين ، ولا يكفي في العقيدة الظنّ والتقليد ، وقال اللّه تعالى : ( إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ) (3) ، فالظنّ لا يغني من الواقعيات شيئاً ، إذ المطلوب في الواقعيات القطع واليقين.

والقرآن الكريم يشير ويرشد إلى هذه القاعدة العقلية القطعية ، قال تعالى : ( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ

ص: 581


1- المائدة : 1.
2- لسان العرب 3 / 297.
3- يونس : 36.

تَحْكُمُونَ ) (1) ، فالعقلاء إذا أرادوا الوصول إلى أمر واقع ، وحقيقة من الحقائق يهتدون بمن يعلم تلك الحقائق ، ويهدي ويوصل إلى تلك الحقيقة ، أمّا الذي ليس بهادٍ وليس بعارف بالحقيقة لا يهتدي إلى الواقع ، فلا يمكن أن يكون هادياً للآخرين ، وغاية ما يستفاد من قوله الظنّ ، وهو لا يغني من الحقّ شيئاً كما تقدّم ، فلابدّ من اتباع الأدلّة والبحث عن صحّتها للوصول إلى حالة الاطمئنان والعلم ، بأنّ الإنسان على عقيدة صحيحة سليمة.

( علي - أمريكا - 27 سنة - طالب )

لا يجب على المعصوم فعل كُلّ مستحبّ :

س : الإخوة المسؤولين عن الموقع المحترمين.

لدي سؤالاً ، أرجو مساعدتي في الإجابة عليه ، جزاكم اللّه خير الجزاء.

جاء في الحديث الشريف : إنّ للمؤمن أجر كبير إذا ما قام بتنظيف المسجد ، فهل قام الرسول صلى اللّه عليه وآله أو الخلفاء من بعده بهذا العمل؟

ج : سواء ثبت عن النبيّ وآله عليهم السلام أنّهم نظّفوا المسجد بأنفسهم أم لا ، فهو أمر مستحبّ وليس بواجب ، وخصوصاً مع وجود من تقوم به الكفاية ، بل هناك واجبات كفائية مثل الأعمال العامّة ، والخدمات للمجتمع الإسلامي ، مثل صنع الخبز أو بيع الغذاء ، أو نقل الناس أو المتاع ، ولم يفعلوه عليهم السلام قطعاً.

ولم يفعل ذلك كُلّ فرد فرد ، وإنّما يجب كفاية ، أو يستحبّ فعلاً ترغيباً للمسلمين بتلك الأعمال ، وكذلك لتوزيع المهام بين الأفراد لتكامل المجتمع ، فليس كُلّ مستحبّ أو واجب كفائي يجب على النبيّ وآله عليهم السلام فعله ، فإنّ ترك ذلك لا يوجب الإثم ، أمّا فعله ففيه ذلك الأجر والثواب ، ولكنّهم قد يعوّضون ذلك بفعل واجبات أُخر ، أو مستحبّات أعظم ، والأمر سهل.

ص: 582


1- يونس : 35.

( أحمد - الإمارات - 19 سنة - طالب حوزة )

فتاوى غريبة لأئمّة المذاهب :

س : هذه شبهة وردت في إحدى مواقع الوهّابية في المنتديات ، أرجو الردّ السريع :

« الخوئي يبيح لعب الرجل بعورة الرجل ، والمرأة بعورة المرأة من باب المزاح!

سؤال 784 : هل يجوز لمس العورة من وراء الثياب من الرجل لعورة رجل آخر ، ومن المرأة لعورة أُخرى ، لمجرّد اللعب والمزاح ، مع فرض عدم إثارة الشهوة؟

الخوئي : لا يحرم في الفرض ، واللّه العالم.

المصدر : صراط النجاة في أجوبة الاستفتاءات ج3 مسائل في الستر والنظر والعلاقات.

وأنا أقول لك نصيحة أخوية صغيرة : إحذر من مجالسة مقلّد للخوئي يكثر المزاح! ».

أرجو المساعدة على الردّ على تلك الحثالة الوهّابية ، وشكراً.

ج : ما أفتاه السيّد الخوئي بجوازه لمس العورة من وراء الثياب لغرض المزاح بشرط عدم إثارة الشهوة ، فالمستفاد من الأدلّة الشرعية أنّ حس العورة محرّم في حال الحياة لغير الزوجين ، والمراد به المباشرة من غير ساتر ، وأمّا مع الساتر فالمحرّم هو اللمس بشهوة ، ويبقى اللمس من دون شهوة مع الساتر مسكوت عنه ، ولم يدلّ الدليل على حرمته ، وعليه لا يمكن للفقيه أن يفتي بحرمة شيء لم يدلّ الدليل على حرمته ، لذا قال قدس سره : « لا يحرم ... » ، ولم يقل : أنّه راجح الفعل وما شابه ، وكان جوابه جواب فقيه خاضع للأدلّة الشرعية.

ولكن ومن أجل الاطلاع على عبقرية هؤلاء المتحذلقين نقول : هل يستطيعون أن يبيّنوا لنا الوجوه الشرعية في الفتاوى التالية لأئمّتهم وساداتهم :

ص: 583

1 - أفتى أبو حنيفة بما يلي : « ولو تزوّج رجل امرأة في مجلس ، ثمّ طلّقها فيه قبل غيبته عنهم ، ثمّ أتت امرأته بولد لستة أشهر من حين العقد ، أو تزوّج مشرقي بمغربية ، ثمّ مضت ستة أشهر ، وأتت بولد ، فإنّه يلحق به ، لأنّ الولد يلحقه بالعقد ومضي مدّة الحمل ، وإن علم أنّه لم يحصل منه الوطء » (1).

2 - وعن أبي حنيفة أيضاً بأنّه لو تزوّج رجلان امرأتين ، فغلط بهما عند الدخول ، فزفّت كُلّ واحدة إلى زوج الأُخرى ، فوطأها وحملت منه ، لحق الولد بالزوج لا بالواطئ ، لأنّ الولد للفراش!! (2).

3 - وأفتى مالك والشافعي بحلّية الزواج من بنته من الزنا ، ومن أخته وبنت ابنه ، وبنت بنته ، وبنت أخيه وأخته من الزنا (3) ، وإليه أشار الزمخشري بقوله :

وإن شافعيّاً قلتُ قالوا بأنّني *** أبيحُ نكاحَ البنتِ والبنتُ تحرم

4 - ذهب مالك إلى أن أقصى مدّة الحمل سبع سنين ، فلو طلّق الرجل امرأته أو مات عنها ، فلم تنكح زوجاً غيره ، ثمّ جاءت بولد بعد سبع سنين من الوفاة أو الطلاق ، لحقه الولد ، وانقضت العدّة به (4).

وأمّا أحمد بن حنبل فقد ذهب إلى أن أقصى مدّة الحمل أربع سنين (5).

نقول : ألا يجد هؤلاء المتحذلقين في فتاوى أئمّتهم وساداتهم من التسهيلات لأغراض الزنا وعمل الفاحشة تحت غطاء يحسبونه شرعياً ، وهو لم ينزل اللّه به من سلطان؟! نترك الإجابة للمتنطعين ليبيّنوا الأدلّة الشرعية لهذه الأحكام إن استطاعوا ، وأيضاً بيان الحكمة منها!!

ص: 584


1- أُنظر : المغني لابن قدامة 9 / 54.
2- المصدر السابق 9 / 58.
3- المصدر السابق 7 / 485.
4- أُنظر : المحلّى 10 / 317.
5- أُنظر : المغني لابن قدامة 9 / 116.

( أحمد - الإمارات - 19 سنة - طالب حوزة )

النظر بالمرآة إلى عورة الخنثى لأجل الميراث :

س : هذه شبهة وردت في إحدى مواقع الوهّابية في المنتديات ، أرجو الردّ السريع :

« يجوز النظر إلى المحرم من خلال المرآة.

أجازوا النظر إلى فرج الخنثى للتأكّد أيّهما أسبق من أجل الميراث ، فقالوا : ينظر إلى المرآة فيرى شبحا ، يعني يرون شبح الفرج وليس الفرج نفسه - الكافي 7 / 158 ، وسائل الشيعة 26 / 290 ، بحار الأنوار 60 / 388 - ».

أرجو المساعدة على الردّ على تلك الحثالة الوهّابية ، وشكراً.

ج : أفتى علماء أهل السنّة في أصل مسألة توريث الخنثى كما عن ابن قدامة : قال ابن المنذر : أجمع كُلّ من نحفظ عنه من أهل العلم على أنّ الخنثى يورث من حيث يبول ، إن بال من حيث يبول الرجل فهو رجل ، وإن بال من حيث تبول المرأة فهو امرأة ، وممّن روي عنه ذلك علي ومعاوية وسعيد بن المسيّب وجابر بن زيد وأهل الكوفة وسائر أهل العلم.

وقال ابن اللبّان : روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله سئل عن مولود له قُبل وذكر من أين يورث؟ قال : « من حيث يبول » ، وروي أنّه صلى اللّه عليه وآله أتي بخنثى من الأنصار فقال : « ورثوه من أوّل ما يبول منه » (1).

وهنا نوجّه السؤال إلى زمرة المتخذلقين هؤلاء ونقول لهم : كيف يتمّ لكم تطبيق هذا الحكم الشرعي الذي سمعتموه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله من مصادركم؟ هل توكلون بالشهادة إلى نفس الخنثى؟ والجار إلى نفسه لا تقبل شهادته كما هو معلوم ، وهنا توجد مسألة مالية ، الحكم الشرعي فيها أنّ للذكر مثل حظ الأنثيين فما العمل إذاً؟

ص: 585


1- المغني لابن قدامة 7 / 114.

ومن هنا جاء الجواب عن الإمام الهادي عليه السلام كما في الكافي : « عن موسى ابن محمّد بن أخي أبي الحسن الثالث عليه السلام أنّ يحيى بن أكثم سأله في المسائل التي سأله عنها قال : وأخبرني عن الخنثى وقول أمير المؤمنين عليه السلام فيه يورث الخنثى من المبال من ينظر إليه إذا بال ، وشهادة الجار إلى نفسه لا تقبل؟

مع أنّه عسى أن تكون امرأة ، وقد نظر إليها الرجال ، أو عسى أن يكون رجلاً ، وقد نظر إليه النساء ، وهذا ممّا لا يحل؟ فأجابه أبو الحسن الثالث عليه السلام عنها : « أمّا قول علي عليه السلام في الخنثى أنّه يورث من المبال ، فهو كما قال ، وينظر قوم عدول يأخذ كُلّ واحد منهم مرآة ، ويقوم الخنثى خلفهم عريانة ، فينظرون في المرآة ، فيرون شبحاً فيحكمون عليه » (1).

نقول : فهل رأيت مثل هذا التطبيق الحكيم لهذا الحكم الشرعي؟ الذي احتوى على جملة من القيود التي تبعد الإنسان عن الفتنة ، وتوصل إلى الغاية المرجوة ، وذلك حين اشترط أن يكون المحتكم إليهم من القوم العدول - أي من أهل الدين والصلاح - وإن يكونوا جماعة لا فرادى - ليكون التركيز على غاية الموضوع هدفاً أساسياً عند كُلّ واحد منهم ، ولدحض عامل الفتنة فيما لو توقّع سريانه إلى النفوس - وأيضاً أن تكون النظرة بالواسطة لا بالمباشرة.

فهل ترى بعد هذا التطبيق الحكيم لهذا الحكم الشرعي أيّة موضوعية لكلام المتحذلقين ، بأنّ الشيعة يجوّزون النظر إلى المحرم من خلال المرآة ، مع أنّهم قد غضّوا الطرف عن أصل الحكم الشرعي وآلية تطبيقه وشروطه وظرفه.

وقد ذكر علماء أهل السنّة أصل الحكم ولم يذكروا آلية لتطبيقه ، مع أنّ الحكم الشرعي لا تكون فاعلية له ما لم تشرّع له آلية للتطبيق في أرض الواقع ، كما هو المعلوم من علّة تشريع الأحكام!!

ص: 586


1- الكافي 7 / 158.

فهرس المصادر

1 - آثار الباقية عن القرون الخالية :

أبو الريحان محمّد بن أحمد البيروني ، المتوفّى 440 ه- ، تحقيق خليل عمران المنصور ، الطبعة الأُولى 1420 ه- ، بيروت ، منشورات دار الكتب العلمية.

2 - الآحاد والمثاني :

عمرو بن أبي عاصم الضحّاك ، المتوفّى 287 ه- ، الطبعة الأُولى 1411 ه- ، دار الدراية.

3 - الأئمّة الإثنا عشر :

محمّد بن طولون ، المتوفّى 953 ه- ، تحقيق صلاح الدين المنجد ، قم ، منشورات الرضي.

4 - الأباضية مذهب إسلامي معتدل :

علي يحيى معمّر ، المتوفّى 1400 ه- ، تعليق أحمد بن سعود السيابي ، الطبعة الثانية ، عمان.

5 - أبو هريرة :

عبد الحسين شرف الدين الموسوي ، المتوفّى 1377 ه- ، قم ، منشورات أنصاريان.

6 - إثبات الوصية للإمام علي بن أبي طالب :

أبو الحسن علي بن الحسين بن علي الهذلي المسعودي ، المتوفّى 346 ه- ، طبعة 1417 ه- ، قم ، مؤسّسة أنصاريان.

7 - الاحتجاج :

أبو منصور أحمد بن علي الطبرسي ، المتوفّى 560 ه- ، تحقيق السيّد محمّد باقر الخرسان ، منشورات دار النعمان.

8 - إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل :

نور اللّه الحسيني التستري ، المتوفّى 1019 ه- ، شرح السيّد المرعشي ، قم ،

ص: 587

منشورات مكتبة السيّد المرعشي.

10 - الإحكام في أصول الأحكام :

أبو محمّد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي ، المتوفّى 456 ه- ، تحقيق أحمد شاكر ، الناشر زكريا علي يوسف.

11 - الإحكام في أُصول الأحكام :

علي بن محمّد الآمدي ، المتوفّى 631 ه- ، الطبعة الثالثة 1418 ه- ، بيروت ، دار الكتاب العربي.

12 - أحكام القرآن :

أبو بكر أحمد بن علي الرازي الجصّاص ، المتوفّى 370 ه- ، تصحيح عبد السلام محمّد علي شاهين ، الطبعة الأُولى 1415 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

13 - أحكام القرآن ( تفسير ابن العربي ) :

أبو بكر محمّد بن عبد اللّه المعروف بابن العربي ، المتوفّى 543 ه- ، تحقيق عبد الوارث محمّد علي ، الطبعة الأُولى 1422 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

14 - أحكام القرآن :

أبو عبد اللّه محمّد بن إدريس الشافعي ، المتوفّى 204 ه- ، الطبعة الأُولى 1415 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

15 - إحياء علوم الدين :

أبو حامد محمّد بن محمّد الغزالي ، المتوفّى 505 ه- ، الطبعة الأُولى 1412ه- ، بيروت ، دار الهادي.

16 - إحياء الميت بفضائل أهل البيت :

عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ، المتوفّى 911 ه- ، تحقيق الشيخ كاظم الفتلاوي ، الشيخ محمّد سعيد الطريحي ، الطبعة الأُولى 1421 ه- ، طهران ، المجمع العالمي لأهل البيت.

17 - الأخبار الطوال :

أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري ، المتوفّى 282ه- ، تحقيق عبد المنعم عامر ،

ص: 588

الطبعة الأُولى 1960 م ، دار إحياء الكتب العربية.

18 - الاختصاص :

أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المفيد ، المتوفّى 413 ه- ، تحقيق علي أكبر الغفّاري ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

19 - اختيار معرفة الرجال ( المعروف برجال الكشّي ) :

أبو جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطوسي ، المتوفّى 460 ه- ، تحقيق مير داماد ، محمّد باقر الحسيني ، السيّد مهدي الرجائي ، طبعة 1404 ه- ، قم ، مؤسّسة آل البيت.

20 - الأذكار النووية :

أبو زكريا يحيى بن شرف النووي الدمشقي ، المتوفّى 676 ه- ، طبعة 1414ه- ، بيروت ، دار الفكر.

21 - الأربعين حديثاً في إثبات إمامة أمير المؤمنين :

سليمان بن عبد اللّه الماحوزي البحراني ، المتوفّى 1121 ه- ، تحقيق السيّد مهدي الرجائي ، الطبعة الأُولى 1417 ه- ، قم.

22 - أرجح المطالب :

نقلنا عنه بالواسطة.

23 - إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري :

أبو العباس أحمد القسطلاني ، المتوفّى 923 ه- ، طبعة 1421 ه- ، بيروت ، دار الفكر.

24 - الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد :

أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المفيد ، المتوفّى 413 ه- ، تحقيق مؤسّسة آل البيت ، دار المفيد.

25 - الأرض والتربة الحسينية :

محمّد حسين كاشف الغطاء ، طبعة 1416 ه- ، قم ، المجمع العالمي لأهل البيت.

26 - إرغام المبتدع الغبيّ بجواز التوسّل بالنبيّ :

ابن الصدّيق المغربيّ ، تحقيق حسن بن علي السقّاف ، طبعة 1412ه- ، عمان ،

ص: 589

دار الإمام النووي.

27 - إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل :

محمّد ناصر الدين الألباني ، الطبعة الثانية 1405 ه- ، بيروت ، المكتب الإسلامي.

28 - إزالة الخفاء عن خلافة الخلفاء :

شاه ولي اللّه الدهلوي ، طبعة كراجي.

29 - أسباب نزول الآيات :

أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري ، المتوفّى 468 ه- ، طبعة 1388 ه- ، القاهرة ، مؤسّسة الحلبي وشركاه.

30 - الاستذكار :

أبو عمر يوسف بن عبد اللّه بن محمّد بن عبد البرّ القرطبي ، المتوفّى 463ه- ، تحقيق سالم محمّد عطا ، الطبعة الأُولى ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

31 - الاستبصار فيما أُختلف من الأخبار :

أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ، المتوفّى 460 ه- ، تحقيق السيّد حسن الخرسان ، الطبعة الرابعة ، قم ، دار الكتب الإسلامية.

32 - الاستيعاب في معرفة الأصحاب :

أبو عمر يوسف بن عبد اللّه بن محمّد بن عبد البرّ القرطبي ، المتوفّى 463ه- ، تحقيق الشيخ علي محمّد معوض ، الشيخ عادل أحمد عبد الموجود ، الطبعة الأُولى 1415 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

33 - أُسد الغابة في معرفة الصحابة :

أبو الحسن علي بن محمّد بن محمّد الشيباني ، المعروف بابن الأثير ، المتوفّى 630 ه- ، طهران ، منشورات إسماعيليان.

* أسرار الشهادات = إكسير العبادات في أسرار الشهادات :

آغا بن عابد الشيرواني الحائري ، المعروف بالفاضل الدربندي ، المتوّفى 1285 ه- ، تحقيق الشيخ محمّد جمعة بادي ، عباس ملاّ عطية الجمري ، الطبعة الأُولى 1415 ه- ، المنامة ، شركة المصطفى.

ص: 590

34 - إسعاف الراغبين في سيرة المصطفى وفضائل أهل بيته الطاهرين :

محمّد بن علي الصبّان ، مصر ، مطبعة الشرق.

35 - الإشفاق على أحكام الطلاق :

محمّد زاهد الكوثري ، طبعة ابن زيدون.

36 - الإصابة في تمييز الصحابة :

أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي ، المتوفّى 852 ه- ، تحقيق الشيخ عادل أحمد ، الطبعة الأُولى 1415 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

37 - أصدق المناهج في تمييز الأباضية من الخوارج :

سالم بن حمّود بن شامس السيابي السمائلي ، تحقيق سيّدة إسماعيل كاشف ، طبعة 1979 م ، القاهرة.

38 - الأصفى في تفسير القرآن :

محمّد محسن الفيض الكاشاني ، المتوفّى 1091 ه- ، تحقيق محمّد حسين الدرايتي ، محمّد رضا النعمتي ، الطبعة الأُولى 1418 ه- ، قم ، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي.

39 - أضواء على السنّة المحمّدية :

محمود أبو ريّه ، دار الكتاب الإسلامي.

40 - أطلس تاريخ العالم :

حسين مؤنس ، ( نقلنا عنه بالواسطة ).

41 - إعانة الطالبين :

أبو بكر بن السيّد محمّد شطا البكري الدمياطي ، المتوفّى 1310 ه- ، الطبعة الأُولى 1418 ه- ، بيروت ، دار الفكر.

42 - الاعتصام بحبل اللّه المتين :

القاسم بن محمّد بن علي ، المتوفّى 1029 ه- ، طبعة 1408 ه- ، صنعاء ، مكتبة اليمن الكبرى.

43 - الاعتقادات :

أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، المعروف بالشيخ

ص: 591

الصدوق ، المتوفّى 381 ه- ، تحقيق عصام عبد السيّد ، الطبعة الثانية 1414ه- ، دار المفيد.

44 - الأعلاق الخطيرة في ذكر أُمراء الشام والجزيرة :

أبو عبد اللّه محمّد بن علي بن إبراهيم الحلبي ، المتوفّى 684 ه.

45 - الأعلام ( قاموس تراجم ) :

خير الدين الزركلي ، الطبعة الرابعة عشرة 1999 ه- ، بيروت ، دار العلم للملايين.

46 - أعلام النساء المؤمنات :

محمّد الحسّون وأُمّ علي مشكور ، قم ، دار الأسوة.

47 - إعلام الورى بأعلام الهدى :

أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي ، المتوفّى 548 ه- ، تحقيق مؤسّسة آل البيت ، الطبعة الأُولى 1417 ه- ، قم ، مؤسّسة آل البيت.

48 - أعيان الشيعة :

محسن عبد الكريم الأمين العاملي ، المتوفّى 1371ه- ، تحقيق حسن الأمين ، طبعة 1403 ه- ، بيروت ، دار التعارف للمطبوعات.

49 - إغاثة اللّهفان من مصائد الشيطان :

أبو عبد اللّه محمّد بن أبي بكر الدمشقي ، المعروف بابن القيّم الجوزية ، المتوفّى 751 ه- ، تحقيق محمّد حامد الفقي ، الطبعة الثانية 1395 ه- ، بيروت ، دار المعرفة.

50 - الأغاني :

أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني ، المتوفّى 356 ه- ، الطبعة الثانية ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي.

51 - الإفصاح في إمامة أمير المؤمنين :

أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المفيد ، المتوفّى 413 ه- ، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية ، الطبعة الأُولى 1412 ه- ، قم ، مؤسّسة البعثة.

ص: 592

52 - إقبال الأعمال :

أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن طاووس ، المتوفّى 664 ه- ، تحقيق جواد القيومي الأصفهاني ، الطبعة الأُولى 1414 ه- ، مكتب الإعلام الإسلامي.

53 - الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد :

أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ، المتوفّى 460 ه- ، تحقيق الشيخ حسن سعيد ، طهران ، منشورات مكتبة جهلستون.

54 - الإقناع في حلّ ألفاظ أبي شجاع :

محمّد بن أحمد الشربيني الخطيب ، المتوفّى 960 ه- ، بيروت ، دار المعرفة.

55 - إكسير العبادات في أسرار الشهادات :

آغا بن عابد الشيرواني الحائري ، المعروف بالفاضل الدربندي ، المتوفّى 1285 ه- ، تحقيق الشيخ محمّد جمعة بادي ، عباس ملاّ عطية الجمري ، الطبعة الأُولى 1415 ه- ، المنامة ، شركة المصطفى.

56 - إلزام الناصب في إثبات الحجّة الغائب :

علي اليزدي الحائري ، المتوفّى 1333 ه- ، تحقيق علي عاشور.

57 - الأُم :

أبو عبد اللّه محمّد بن إدريس الشافعي ، المتوفّى 204 ه- ، الطبعة الثانية 1403 ه- ، بيروت ، دار الفكر.

58 - الأمالي ( أمالي السيّد المرتضى ) :

علي بن الحسين الموسوي الشريف المرتضى ، المتوفّى 436 ه- ، تحقيق السيّد محمّد بدر الدين النعساني الحلبي ، طبعة 1403 ه- ، قم ، مكتبة السيّد المرعشي النجفي.

59 - الأمالي ( أمالي الشيخ الطوسي ) :

أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ، المتوفّى 460 ه- ، تحقيق مؤسّسة البعثة ، الطبعة الأُولى 1414 ه- ، قم ، دار الثقافة.

60 - الأمالي ( أمالي الشيخ الصدوق ) :

أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، المعروف بالشيخ

ص: 593

الصدوق ، المتوفّى 381 ه- ، تحقيق مؤسّسة البعثة ، الطبعة الأُولى 1417 ه- ، قم ، مؤسّسة البعثة.

61 - الأمالي ( أمالي الشيخ المفيد ) :

أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المفيد ، المتوفّى 413 ه- ، تحقيق الحسين أستاذ ولي وعلي أكبر الغفّاري ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

62 - الأمالي ( أمالي الخميسية ) :

أبو الحسين يحيى بن الحسين الشجري ، الطبعة الثالثة 1403 ه- ، بيروت ، عالم الكتب.

63 - أمالي المحاملي :

الحسين بن إسماعيل الضبّي المحاملي ، المتوفّى 330 ه- ، تحقيق إبراهيم القيسي ، الطبعة الأُولى 1412 ه- ، الأردن ، المكتبة الإسلامية ، دار ابن القيّم.

64 - الإمامة والتبصرة من الحيرة :

ابن بابويه القمّي ، المتوفّى 329 ه- ، تحقيق مدرسة الإمام المهدي ، قم ، مدرسة الإمام المهدي.

65 - الإمامة والسياسة ( تاريخ الخلفاء ) :

أبو محمّد عبد اللّه بن مسلم ابن قتيبة الدينوري ، المتوفّى 276 ه- ، تحقيق علي الشيري ، الطبعة الأُولى 1413 ه- ، قم ، منشورات الشريف الرضي.

66 - الأنساب :

أبو سعد عبد الكريم بن محمّد التميمي السمعاني ، المتوفّى 562 ه- ، تعليق عبد اللّه عمر البارودي ، الطبعة الأُولى 1408 ه- ، بيروت ، دار الجنان.

67 - أنساب الأشراف ( تاريخ البلاذري ) :

أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري ، المتوفّى 279 ه- ، تحقيق محمّد باقر المحمودي ، الطبعة الأُولى 1394 ه- ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي.

ص: 594

68 - الإنصاف في معرفة الراحج من الخلاف :

أبو الحسن علي بن سليمان بن أحمد المرداوي السعدي الحنبلي ، المتوفّى 885ه- ، تحقيق أبو عبد اللّه محمّد حسن الشافعي ، الطبعة الأُولى 1418 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

69 - أنوار التنزيل وأسرار التأويل ( تفسير البيضاوي ) :

أبو سعيد عبد اللّه بن عمر بن محمّد الشيرازي البيضاوي ، المتوفّى 791 ه- ، الطبعة الأُولى 1420 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

70 - الأنوار العلوية والأسرار المرتضوية :

جعفر النقدي ، المتوفّى 1370 ه- ، الطبعة الثانية 1381 ه- ، النجف ، المطبعة الحيدرية.

71 - الأنوار القدسية :

محمّد حسين الأصفهاني ، المتوفّى 1320 ه- ، تحقيق علي النهاوندي ، الطبعة الأُولى 1415 ه- ، قم ، مؤسّسة المعارف الإسلامية.

72 - الأنوار النعمانية :

نعمة اللّه الموسوي الجزائري ، المتوفّى 1112 ه- ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي.

73 - أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم :

جعفر السبحاني ، الطبعة الأُولى 1420 ه- ، قم ، مؤسّسة الإمام الصادق.

74 - الأوائل :

أبو القاسم سليمان بن أحمد اللخمي الطبراني ، المتوفّى 360 ه- ، تحقيق محمّد شكور بن محمود الحاجي ، الطبعة الأُولى 1403 ه- ، بيروت ، مؤسّسة الرسالة.

75 - أوائل المقالات في المذاهب والمختارات :

أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المفيد ، المتوفّى 413 ه- ، تحقيق إبراهيم الأنصاري الزنجاني ، الطبعة الثانية 1414 ه- ، بيروت ، دار المفيد.

76 - إيضاح الفوائد :

فخر المحقّقين ابن العلاّمة ، المتوفّى 770 ه- ، تحقيق الكرماني والاشتهاردي

ص: 595

والبروجردي ، الطبعة الأُولى 1389 ه.

77 - أين سنّة الرسول وماذا فعلوا بها :

أحمد حسين يعقوب ، الطبعة الأُولى 1421 ه- ، بيروت ، الدار الإسلامية.

78 - الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث :

أحمد محمّد شاكر ، الطبعة الثانية 1419 ه- ، الكويت ، جمعية إحياء التراث الإسلامي.

79 - بحار الأنوار :

محمّد باقر المجلسي ، المتوفّى 1111 ه- ، الطبعة الثانية 1403 ه- ، بيروت ، مؤسّسة الوفاء.

80 - البحر الرائق ( شرح كنز الدقائق ) :

ابن نجيم المصري الحنفي ، المتوفّى 970 ه- ، تحقيق الشيخ زكريا عميرات الطبعة الأُولى 1418 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

81 - البحر الزخّار الجامع لمذاهب علماء الأمصار :

أحمد بن يحيى بن المرتضى ، المتوفّى 840 ه- ، الطبعة الثانية 1394 ه- ، صنعاء ، دار الحكمة اليمانية.

82 - بحوث في الملل والنحل :

جعفر السبحاني ، الطبعة الرابعة 1416 ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

83 - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع :

أبو بكر بن مسعود الكاشاني الحنفي ، المتوفّى 587 ه- ، الطبعة الأُولى 1409 ه- ، باكستان ، المكتبة الحبيبية.

84 - بدائع الفوائد :

أبو عبد اللّه محمّد بن أبي بكر الدمشقي ، المعروف بابن القيّم الجوزية ، المتوفّى 751 ه- ، هشام عبد العزيز عطا ، عادل عبد الحميد العدوي ، أشرف أحمد الج ، الطبعة الأُولى 1416 ه- ، مكّة المكرّمة ، مكتبة نزار مصطفى الباز.

85 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد :

أبو الوليد محمّد بن أحمد القرطبي ، المعروف بابن رشد الحفيد ، المتوفّى 595 ه- ، تصحيح خالد العطّار ، طبعة 1415 ه- ، بيروت ، دار الفكر.

ص: 596

86 - البداية والنهاية :

أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي ، المتوفّى 774 ه- ، تحقيق علي الشيري ، الطبعة الأُولى 1408 ه- ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي.

87 - البرهان في تفسير القرآن :

هاشم بن سليمان بن إسماعيل الحسيني البحراني التوبلي ، المتوفّى 1109 ه- ، الطبعة الثالثة 1393 ه- ، قم ، المطبعة العليمة.

88 - البرهان في علوم القرآن :

أبو عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه الزركشي الشافعي ، المتوفّى 794 ه- ، تحقيق أبو الفضل إبراهيم ، الطبعة الأُولى 1376 ه- ، القاهرة ، دار إحياء الكتب العربية.

89 - بشارة المصطفى لشيعة المرتضى :

أبو جعفر محمّد بن أبي قاسم الطبري ، المتوفّى 525 ه- ، تحقيق جواد القيّومي الأصفهاني ، الطبعة الأُولى 1420 ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

90 - بصائر الدرجات الكبرى :

محمّد بن الحسن الصفّار ، المتوفّى 290 ه- ، تحقيق ميرزا محسن كوجه باغي ، طبعة 1404 ه- ، طهران ، مؤسّسة الأعلمي.

91 - بلاغات النساء :

أبو الفضل بن أبي طاهر ، المعروف بابن طيفور ، المتوفّى 380 ه- ، قم ، منشورات مكتبة بصيرتي.

92 - بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة :

محمّد تقي التستري ، تحقيق مؤسّسة البلاغ ، الطبعة الأُولى 1418 ه- ، طهران ، دار أمير كبير.

93 - البيان في أخبار صاحب الزمان :

أبو عبد اللّه محمّد بن يوسف بن محمّد القرشي الكنجي الشافعي ، المتوفّى 658 ه- ، تحقيق الشيخ مهدي حمد الفتلاوي ، الطبعة الأُولى 1421 ه- ، بيروت ، دار المحجّة البيضاء.

ص: 597

94 - البيان في تفسير القرآن :

أبو القاسم الموسوي الخوئي ، المتوفّى 1413 ه- ، الطبعة الرابعة 1395 ه- ، بيروت ، دار الزهراء.

95 - بيت الأحزان في ذكر أحوالات سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء :

عباس القمّي ، المتوفّى 1359 ه- ، الطبعة الأُولى 1412 ه- ، قم ، دار الحكمة.

96 - بين الشيعة وأهل السنّة :

إحسان إلهي ظهير ، الطبعة الأُولى 1405 ه- ، لاهور ، إدارة ترجمان السنّة.

97 - تاج العروس من جواهر القاموالسؤال :

محمّد مرتضى الزبيدي ، المتوفّى 1205 ه- ، بيروت ، مكتبة الحياة.

98 - تاريخ ابن خلدون :

عبد الرحمن بن محمّد بن خلدون الحضري ، المتوفّى 808 ه- ، الطبعة الرابعة ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي.

99 - تاريخ ابن الوردي :

عمر بن مظفّر الوردي ، المتوفّى 749 ه- ، الطبعة الأُولى 1417 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

100 - تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام :

أبو عبد اللّه محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي ، المتوفّى 748 ه- ، تحقيق عمر عبد السلام تدمري ، الطبعة الثانية 1418 ه- ، بيروت ، دار الكتاب العربي.

101 - تاريخ الأُمم والملوك ( تاريخ الطبري ) :

أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري ، المتوفّى 310ه- ، تحقيق نخبة من العلماء ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي.

102 - تاريخ بغداد أو مدينة السلام :

أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي ، المتوفّى 463 ه- ، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا ، الطبعة الأُولى 1417 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

ص: 598

103 - تاريخ جرجان :

حمزة بن يوسف السهمي ، المتوفّى 427 ه- ، الطبعة الرابعة 1407 ه- ، بيروت ، عالم الكتب.

104 - تاريخ جهانكشاي :

عطا ملك بن محمّد بن محمّد الجويني ، طبعة 1355 ه- ، هلند ، مطبعة بريل.

105 - تاريخ الخلفاء :

عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ، المتوفّى 911 ه- ، تحقيق محمّد محيي الدين عبد الحميد ، الطبعة الثالثة 1383 ه- ، القاهرة ، مطبعة المدني.

106 - تاريخ الخميس في أحوال أنفس نفيس :

حسين بن محمّد بن الحسن الديار بكري ، بيروت ، مؤسّسة شعبان.

107 - التاريخ الصغير :

أبو عبد اللّه محمّد بن إسماعيل البخاري ، المتوفّى 256 ه- ، تحقيق محمود إبراهيم زايد ، الطبعة الأُولى 1406 ه- ، بيروت ، دار المعرفة.

108 - التاريخ الكبير :

أبو عبد اللّه محمّد بن إسماعيل البخاري ، المتوفّى 256 ه- ، ديار بكر ، المكتبة الإسلامية.

109 - تاريخ مدينة دمشق :

أبو القاسم علي بن الحسن المعروف بابن عساكر ، المتوفّى 571 ه- ، تحقيق علي الشيري ، طبعة 1415 ه- ، بيروت ، دار الفكر.

110 - تاريخ المدينة المنوّرة :

عمر بن شبه النميري ، المتوفّى 262 ه- ، تحقيق فهيم محمّد شلتوت ، قم ، دار الفكر.

111 - تاريخ اليعقوبي :

أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر ، المتوفّى 284 ه- ، قم ، مؤسّسة ونشر فرهنك أهل بيت.

ص: 599

112 - تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة :

علي الحسيني الاسترآبادي النجفي ، المتوفّى نحو 965 ه- ، تحقيق مدرسة الإمام المهدي ، الطبعة الأُولى 1407 ه- ، قم ، مدرسة الإمام المهدي.

113 - تأويل مختلف الحديث :

أبو محمّد عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة ، المتوفّى 276 ه- ، تحقيق الشيخ إسماعيل الاسعردي ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

114 - التبيان في تفسير القرآن :

أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ، المتوفّى 460 ه- ، تحقيق أحمد حبيب قصير العاملي ، الطبعة الأُولى 1409 ه- ، مكتب الإعلام الإسلامي.

115 - التبيين لأسماء المدلّسين :

أبو الوفا إبراهيم سبط ابن العجمي الحلبي الطرابلسي ، المتوفّى 841 ه- ، تحقيق يحيى شفيق ، الطبعة الأُولى 1406 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

116 - تتمّة المختصر في أخبار البشر :

عمر بن الوردي ، الطبعة الأُولى 1389 ه- ، بيروت ، دار المعرفة.

117 - تحرير الأحكام :

الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي ، المعروف بالعلاّمة ، المتوفّى 726ه- ، الطبعة الحجرية ، منشورات مؤسّسة آل البيت.

118 - التحرير الطاووسي ( المستخرج من كتاب حلّ الإشكال في معرفة الرجال ) :

أبو منصور حسن بن زين الدين العاملي الجبعي صاحب المعالم ، المتوفّى 1011 ه- ، تحقيق فاضل الجواهري ، الطبعة الأُولى 1411 ه- ، قم ، مكتبة السيّد المرعشي النجفي.

119 - تحف العقول عن آل الرسول :

أبو محمّد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحرّاني ، المتوفّى في القرن الرابع ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الثانية 1404 ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

ص: 600

120 - تحفة الأحوذي في شرح الترمذي :

أبو العلاء محمّد بن عبد الرحمن المباركفوري ، المتوفّى 1353 ه- ، الطبعة الأُولى 1410 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

121 - تجريد الاعتقاد :

أبو جعفر محمّد بن محمّد بن الحسن نصير الدين الطوسي ، المتوفّى 672 ، تحقيق محمّد جواد الحسيني الجلالي ، الطبعة الأُولى 1407 ه- ، قم ، مكتب الإعلام الإسلامي.

122 - تركة النبي والسبل التي وجهها فيها :

حماد بن إسحاق بن إسماعيل بن زيد البغدادي ، المتوفّى 267 ه- ، تحقيق أكرم ضياء العمري ، الطبعة الأُولى 1404 ه.

123 - تذكرة الحفّاظ :

أبو عبد اللّه محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي ، المتوفّى 748 ه- ، مكتبة الحرم المكّي.

124 - تذكرة الفقهاء :

الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي ، المعروف بالعلاّمة ، المتوفّى 726ه- ، مكتبة الرضوية لإحياء الآثار الجعفرية.

125 - تصحيح اعتقادات الإمامية :

أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المفيد ، المتوفّى 413 ه- ، تحقيق حسين دركاهي ، الطبعة الثانية 1414 ه- ، بيروت ، دار المفيد.

126 - تطهير الجنان واللسان عن الخطور والتفوّه بثلب سيّدنا معاوية بن أبي سفيان.

أبو العباس أحمد بن محمّد بن علي بن حجر الهيتمي ، المتوفّى 973 ه- ، تحقيق عبد الوهّاب عبد اللطيف ، مكتبة القاهرة.

127 - تطهير الفؤاد من دنس الاعتقاد :

محمّد بخيت المطيعي الحنفي ، المتوفّى 1350 ه- ، طبعة 1396 ه- ، اسلامبول ، مكتبة اشيق.

ص: 601

128 - التعديل والتجريح لمن خرّج عنه البخاري في الجامع الصحيح :

أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد الباجي المالكي ، المتوفّى 474 ه- ، تحقيق أحمد لبزار.

129 - تفسير ابن جزي :

محمّد بن أحمد بن جزي الكلبي ، طبعة 1403 ه- ، بيروت ، دار الكتاب العربي.

130 - تفسير البحر المحيط :

أبو حيّان محمّد بن يوسف الأندلسي ، المتوفّى 745 ه- ، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود ، الطبعة الأُولى 1422 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

131 - تفسير الثعالبي المسمّى بالجواهر الحسان في تفسير القرآن :

عبد الرحمن بن محمّد الثعالبي المالكي ، المتوفّى 875 ه- ، تحقيق عبد الفتّاح أبو سنة ، علي محمّد معوض ، عادل أحمد عبد الموجود ، الطبعة الأُولى 1418 ه- ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي.

132 - تفسير الصافي :

محمّد محسن الفيض الكاشاني ، المتوفّى 1091 ، تصحيح الشيخ حسين الأعلمي ، الطبعة الثانية 1416 ه- ، طهران ، مكتبة الصدر.

133 - تفسير العياشي :

النضر محمّد بن مسعود بن عياش السلمي السمرقندي ، المتوفّى 320 ه- ، تحقيق هاشم الرسولي المحلاّتي ، طهران ، المكتبة العلمية الإسلامية.

134 - تفسير فرات الكوفي :

أبو القاسم فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي ، المتوفّى 352 ه- ، تحقيق محمّد الكاظم ، الطبعة الأُولى 1410 ه- ، طهران ، وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي.

135 - تفسير القرآن :

أبو بكر عبد الرزّاق بن همام الصنعاني ، المتوفّى 211 ه- ، تحقيق مصطفى مسلم محمّد ، الطبعة الأُولى 1410 ه- ، الرياض ، مكتبة الرشد.

ص: 602

136 - تفسير القرآن العظيم :

أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي ، المتوفّى 774 ه- ، طبعة 1412 ه- ، بيروت ، دار المعرفة.

137 - تفسير القرآن الكريم :

أبو حمزة ثابت بن دينار الثمالي ، المتوفّى 148 ه- ، تجميع عبد الرزّاق محمّد حسين حرز الدين ، الطبعة الأُولى 1420 ه- ، قم ، دفتر نشر الهادي.

138 - تفسير القمّي :

أبو الحسن علي بن إبراهيم القمّي ، المتوفّى 329 ه- ، تصحيح السيّد طيّب الجزائري ، الطبعة الثالثة 1404 ه- ، قم ، مؤسّسة دار الكتاب.

139 - التفسير الكبير ( تفسير الفخر الرازي ) :

محمّد بن عمر بن الحسين الرازي ، المتوفّى 606 ه- ، الطبعة الثانية 1417ه- ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي.

140 - التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري :

أبو محمّد الحسن بن علي ، تحقيق مدرسة الإمام المهدي ، الطبعة الأُولى 1409 ه- ، قم ، مدرسة الإمام المهدي.

141 - تفسير نور الثقلين :

عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي ، المتوفّى 1112 ه- ، تحقيق هاشم الرسولي المحلاّتي ، الطبعة الرابعة 1412 ه- ، قم ، مؤسّسة إسماعيليان.

142 - تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة :

محمّد بن الحسن الحرّ العاملي ، المتوفّى 1104 ه- ، تحقيق مؤسّسة آل البيت ، الطبعة الثانية 1414 ه- ، قم ، مؤسّسة آل البيت.

143 - تقريب التهذيب :

أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي ، المتوفّى 852 ه- ، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا ، الطبعة الثانية 1415 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

ص: 603

144 - التلخيص الحبير في تخريج الرافعي الكبير :

أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي ، المتوفّى 852 ه- ، دار الفكر.

145 - تلخيص الشافي :

أبو جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطوسي ، المتوفّى 460 ه- ، تحقيق السيّد حسين بحر العلوم ، الطبعة الأُولى ، قم ، مؤسّسة انتشارات المحبّين.

146 - تمام المنّة في التعليق على فقه السنّة :

محمّد ناصر الدين الألباني ، الطبعة الثالثة 1409 ه- ، الرياض ، المكتبة الإسلامية دار الراية.

147 - التمهيد لما في المؤطّأ من المعاني والمسانيد :

أبو عمر يوسف بن عبد اللّه بن محمّد بن عبد البرّ القرطبي ، المتوفّى 463ه- ، تحقيق مصطفى بن أحمد العلوي ، طبعة 1387 ه- ، وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية.

148 - التنبيه والإشراف :

المسعودي ، المتوفّى 345 ه.

149 - تنزيه الأنبياء :

أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي ، المعروف بالشريف المرتضى ، المتوفّى 436 ه- ، الطبعة الثانية 1409 ه- ، بيروت ، دار الأضواء.

150 - التنقيح في شرح العروة الوثقى :

الميرزا علي الغروي التبريزي ، الطبعة الثانية ، مؤسّسة آل البيت.

151 - تنقيح المقال في علم الرجال :

عبد اللّه المامقاني ، المتوفّى 1351 ه- ، طبعة 1350 ه- ، النجف الأشرف ، مكتبة المرتضوية.

152 - تنوير الحوالك ( شرح على موطّأ مالك ) :

عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ، المتوفّى 911 ه- ، تصحيح محمّد بن عبد العزيز الخالدي ، الطبعة الأُولى 1418 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

ص: 604

153 - تهذيب الأحكام في شرح المقنعة :

أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي ، المتوفّى 460 ه- ، تحقيق السيّد حسن الخرسان ، الطبعة الرابعة ، قم ، دار الكتب الإسلامية.

154 - تهذيب التهذيب :

أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي ، المتوفّى 852 ه- ، الطبعة الأُولى 1404 ه- ، دار الفكر.

155 - تهذيب الكمال في أسماء الرجال :

أبو الحجّاج يوسف المزّي ، المتوفّى 742 ه- ، تحقيق بشّار عوّاد معروف ، الطبعة الرابعة 1406 ه- ، مؤسّسة الرسالة.

156 - التوحيد :

أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، المعروف بالشيخ الصدوق ، المتوفّى 381 ه- ، تحقيق السيّد هاشم الحسيني الطهراني ، طبعة 1387 ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

157 - التوسّل بالنبيّ وجهلة الوهّابيون :

أبو حامد بن مرزوق ، طبعة 1396 ه- ، اسلامبول ، دار الشفقة.

158 - الثاقب في المناقب :

أبو جعفر محمّد بن علي بن حمزة الطوسي ، المتوفّى 560 ه- ، تحقيق نبيل رضا علوان ، الطبعة الثانية 1412 ه- ، قم ، مؤسّسة انصاريان.

159 - الثقات :

أبو حاتم محمّد بن حبّان التميمي البستي ، المتوفّى 354 ه- ، الطبعة الأُولى 1393 ه- ، مؤسّسة الكتب الإسلامية.

160 - ثمّ اهتديت :

محمّد التيجاني السماوي ، لندن ، مؤسّسة الفجر.

161 - ثواب الأعمال وعقابها :

أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، المعروف بالشيخ الصدوق ، المتوفّى 381 ه- ، الطبعة الثانية ، قم ، منشورات الرضي.

ص: 605

162 - جامع أحاديث الشيعة في أحكام الشريعة :

إسماعيل المعزّي الملايري ، قم.

163 - جامع البيان ( تفسير الطبري ) :

أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري ، المتوفّى 310 ه- ، طبعة 1415 ه- ، بيروت ، دار الفكر.

164 - جامع الرواة وإزاحة الاشتباهات عن الطرق والإسناد :

محمّد بن علي الأردبيلي الغروي الحائري ، المتوفّى 1101 ه- ، قم ، مكتبة المحمّدي.

165 - الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير :

عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ، المتوفّى 911 ه- ، الطبعة الأُولى 1401ه- ، بيروت ، دار الفكر.

166 - الجامع الكبير ( سنن الترمذي ) :

أبو عيسى محمّد بن عيسى الترمذي ، المتوفّى 279 ه- ، تحقيق عبد الوهّاب عبد اللطيف ، الطبعة الثانية 1403 ه- ، بيروت ، دار الفكر.

167 - الجامع لأحكام القرآن ( تفسير القرطبي ) :

أبو عبد اللّه محمّد بن أحمد الأنصاري القرطبي ، المتوفّى 671 ه- ، طبعة 1405 ه- ، بيروت ، مؤسسّة التاريخ العربي.

168 - جامع المسانيد :

أبو المؤيّد محمّد بن محمود الخوارزمي ، المتوفّى 665 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

169 - جامع المقاصد في شرح القواعد :

علي بن الحسين الكركي ، المتوفّى 940 ه- ، تحقيق مؤسّسة آل البيت ، الطبعة الأُولى 1408 ه- ، قم ، مؤسّسة آل البيت.

170 - الجرح والتعديل :

أبو محمّد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي ، المتوفّى 327 ه- ، الطبعة الأولى 1371 ه- ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي.

ص: 606

171 - جمهرة أنساب العرب :

أبو محمّد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي ، المتوفّى 456 ه- ، طبعة 1421 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

172 - جنّة المأوى :

محمّد حسين كاشف الغطاء ، المتوفّى 1373 ه- ، طبعة 1397 ه- ، تبريز ، مطبعة شفق.

173 - الجواهر السنية في الأحاديث القدسية :

محمّد بن الحسن بن علي الحرّ العاملي ، المتوفّى 1104 ه- ، قم ، مكتبة المفيد.

174 - جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام :

محمّد حسن النجفي ، المتوفّى 1266 ه- ، تحقيق الشيخ عبّاس القوجاني ، الطبعة الثالثة ، طهران ، دار الكتب الإسلامية.

175 - جواهر المطالب في مناقب الإمام علي بن أبي طالب :

أبو البركات محمّد بن أحمد الدمشقي الباعوني الشافعي ، المتوفّى 871 ه- ، تحقيق الشيخ محمّد باقر المحمودي ، الطبعة الأُولى 1415 ه- ، قم ، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية.

176 - الجوهرة في نسب الإمام علي وآله :

محمّد بن أبي بكر الأنصاري التاهساني ، المعروف بالبرّي ، تحقيق محمّد التونجي ، الطبعة الأُولى 1402 ه- ، دمشق ، مكتبة النوري.

177 - حاشية السندي على النسائي :

نور الدين بن عبد الهادي ، المتوفّى 1138 ه- ، تحقيق عبد الفتّاح ، الطبعة الثانية 1406 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

178 - حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح :

أبو عبد اللّه محمّد بن أبي بكر الدمشقي ، المعروف بابن القيّم الجوزية ، المتوفّى 751 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

179 - حاوي الأقوال في معرفة الرجال :

عبد النبيّ بن سعد الدين الجزائري ، المتوفّى 1021 ه- ، تحقيق مؤسّسة

ص: 607

الهداية ، الطبعة الأُولى 1418 ه- ، قم ، مؤسّسة الهداية لإحياء التراث.

180 - الحاوي للفتلاوي :

عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ، المتوفّى 911 ه- ، طبعة 1408 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

181 - الحبل المتين :

محمّد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي ، المتوفّى 1031 ه- ، طبعة 1398 ه- ، قم ، مكتبة بصيرتي.

182 - الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة :

يوسف البحراني ، المتوفّى 1186 ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

183 - حقّ اليقين في معرفة أُصول الدين :

عبد اللّه شبّر ، المتوفّى 1242 ه- ، الطبعة الأُولى ، 1418 ه- ، بيروت ، منشورات مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات.

184 - حقائق التأويل في متشابه التأويل :

أبو الحسن محمّد بن الحسين المشهور بالسيّد الشريف الرضي ، المتوفّى 406ه- ، بيروت ، دار المهاجر.

185 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء :

أبو نعيم أحمد بن عبد اللّه الأصفهاني الشافعي ، المتوفّى 430 ه- ، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا ، الطبعة الأُولى 1418 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

186 - الخرائج والجرائح :

قطب الدين الراوندي ، المتوفّى 573 ه- ، تحقيق مؤسّسة الإمام المهدي ، قم ، مؤسّسة الإمام المهدي.

187 - خصائص الأئمّة :

أبو الحسن محمّد بن الحسين ، المعروف بالشريف الرضي ، المتوفّى 406 ه- ، تحقيق محمّد هادي الأميني ، طبعة 1406 ه- ، مشهد ، مجمع البحوث الإسلامية ، الآستانة الرضوية المقدّسة.

ص: 608

188 - خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب :

أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي الشافعي ، المتوفّى 303 ه- ، تحقيق محمّد هادي الأميني ، مكتبة نينوى الحديثة.

189 - خصائص الوحي المبين :

يحيى بن الحسن بن الحسين الأسدي ، المعروف بابن البطريق ، المتوفّى 600ه- ، تحقيق مالك المحمودي ، الطبعة الأُولى 1417 ه- ، قم ، دار القرآن الكريم.

190 - الخصال :

أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، المعروف بالشيخ الصدوق ، المتوفّى 381 ه- ، تصحيح علي أكبر غفّاري ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

191 - خلاصة الأقوال في معرفة الرجال :

أبو منصور الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي ، المعروف بالعلاّمة الحلّي ، المتوفّى 726 ه- ، تحقيق الشيخ جواد القيّومي ، الطبعة الأُولى 1417ه- ، قم ، مؤسّسة نشر الفقاهة.

192 - خلاصة عبقات الأنوار في إمامة الأئمّة الأطهار :

علي الميلاني ، طبعة 1406 ه- ، قم ، مؤسّسة البعثة.

193 - الخلاف :

أبو جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطوسي ، المتوفّى 460 ه- ، تحقيق السيّد علي الخراسان ، السيّد جواد الشهرستاني ، الشيخ محمّد مهدي نجف ، الطبعة الأُولى 1407 ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

194 - دائرة المعارف :

بطرس البستاني ، بيروت ، دار المعرفة.

195 - دائرة المعارف الإسلامية :

أحمد الشنتناوي ، إبراهيم زكي خورشيد ، عبد الحميد يونس ، بيروت ، دار المعرفة.

ص: 609

196 - دائرة معارف القرن الرابع عشر :

محمّد فريد وجدي ، الطبعة الرابعة 1386 ه.

197 - الدرّ المنثور في التفسير المأثور :

عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ، المتوفّى 911ه- ، الطبعة الأُولى 1365ه- ، دار المعرفة.

198 - درء تعارض العقل والنقل :

أبو عباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الدمشقي الحنبلي ، المتوفّى 728ه- ، تحقيق محمّد رشاد سالم ، طبعة 1391 ه- ، الرياض ، دار الكنوز الأدبية.

199 - الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة :

علي خان المدني الشيرازي الحسيني ، المتوفّى 1120 ه- ، الطبعة الثانية 1397ه- ، قم ، منشورات مكتبة بصيرتي.

200 - دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام والقضايا والأحكام عن أهل بيت رسول اللّه عليه وعليهم أفضل السلام :

أبو حنيفة النعمان بن محمّد بن منصور التميمي المغربي ، المتوفّى 363 ه- ، تحقيق آصف بن علي أصغر فيضي ، طبعة 1383 ه- ، القاهرة ، دار المعارف.

201 - الدعوات :

أبو الحسين سعيد بن هبة اللّه ، المعروف بقطب الدين الراوندي ، المتوفّى 573 ه- ، تحقيق مدرسة الإمام المهدي ، الطبعة الأُولى 1407 ه- ، قم ، مدرسة الإمام المهدي.

202 - دفاع عن الكافي :

ثامر هاشم العميدي ، الطبعة الأُولى 1415 ه- ، قم ، مركز الغدير للدراسات الإسلامية.

203 - دفع شبه التشبيه بأكفّ التنزيه :

أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي القرشي ، المتوفّى 597 ه- ، تحقيق حسن السقّاف ، الطبعة الثالثة 1413 ه- ، عمان ، دار الإمام النووي.

204 - دفع الشبه عن الرسول والرسالة :

أبو بكر بن محمّد بن عبد المؤمن الحصني الدمشقي ، المتوفّى 829 ه- ،

ص: 610

الطبعة الثانية 1418 ه- ، القاهرة ، دار إحياء الكتاب العربي.

205 - دلائل الإمامة :

أبو جعفر محمّد بن جرير بن رستم الطبري الشيعي ، المتوفّى في أوائل القرن الرابع ، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية ، الطبعة الأُولى 1413 ه- ، قم ، مؤسّسة البعثة.

206 - دلائل الصدق :

محمّد الحسن المظفّر ، المتوفّى 1375 ه- ، الطبعة الثانية 1396 ه- ، القاهرة ، دار المعلّم.

207 - دلائل النبوّة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة :

أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي ، المتوفّى 458 ه- ، تعليق عبد المعطي قلعجي ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

208 - دول الإسلام :

أبو عبد اللّه محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي ، المتوفّى 748 ه- ، تحقيق حسن إسماعيل مروة ، الطبعة الأُولى 1999 م ، بيروت ، دار صادر.

209 - ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى :

أبو جعفر أحمد بن عبد اللّه الطبري ، المتوفّى 694 ه- ، طبعة 1356 ه- ، القاهرة ، مكتبة القدسي.

210 - الذريعة إلى تصانيف الشيعة :

آقا بزرك الطهراني ، المتوفّى 1389 ه- ، الطبعة الثالثة 1403 ه- ، بيروت ، دار الأضواء.

211 - الذرّية الطاهرة النبوية :

أبو بشر محمّد بن أحمد بن حماد الدولابي ، المتوفّى 310 ه- ، تحقيق سعد المبارك الحسن ، الطبعة الأُولى 1407 ه- ، الكويت ، الدار السلفية.

212 - ذكر أخبار إصبهان :

أبو نعيم أحمد بن عبد اللّه الإصبهاني ، المتوفّى 430 ه- ، طبعة 1934 م ، مطبعة بريل.

ص: 611

213 - الذكرى :

محمّد بن مكّي ، المعروف بالشهيد الأوّل ، المتوفّى 786 ه- ، طبعة حجرية 1272 ه.

214 - ذوب النضار في شرح الثار :

جعفر بن محمّد ، المعروف بابن نما الحلّي ، المتوفّى 645 ه- ، تحقيق فارس حسّون كريم ، الطبعة الأُولى 1416 ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

215 - ربيع الأبرار ونصوص الأخبار :

أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري ، الطبعة الأُولى 1410 ه- ، قم ، منشورات الشريف الرضي.

216 - رجال ابن داود :

الحسن بن علي بن داود الحلّي ، المتوفّى 707 ه- ، طبعة 1392 ه- ، النجف ، المطبعة الحيدرية.

217 - الرجال لابن الغضائري :

أحمد بن الحسين بن عبيد اللّه الواسطي البغدادي , المتوفّى في القرن الخامس ، تحقيق السيّد محمّد رضا الحسيني الجلالي ، الطبعة الأُولى 1422ه- ، قم ، دار الحديث.

218 - رجال الطوسي :

أبو جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطوسي ، المتوفّى 460 ه- ، تحقيق جواد القيّومي الأصفهاني ، طبعة 1415 ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

219 - رحلة ابن بطّوطة ( تحفة النظّار في غرائب الأمصار ) :

أبو عبد اللّه محمّد بن إبراهيم اللواتي ، المعروف بابن بطّوطة ، المتوفّى 779 ه- ، تحقيق طلال حرب ، الطبعة الثالثة 1423 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

220 - رحمة الأمّة في اختلاف الأئمّة :

محمّد بن عبد الرحمن الدمشقي العثماني الشافعي ، الطبعة الأُولى 1354ه- ، القاهرة ، مطبعة حجازي ، ضمن كتاب الميزان.

ص: 612

221 - الرسائل العشر :

أبو جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطوسي ، المتوفّى 460 ه- ، تحقيق واعظ زادة الخراساني ، طبعة 1404 ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

222 - رسائل المرتضى :

علي بن الحسين الموسوي الشريف المرتضى ، المتوفّى 436 ه- ، إعداد السيّد مهدي الرجائي ، طبعة 1405 ه- ، قم ، دار القرآن.

223 - الرسالة السعدية :

الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي ، المعروف بالعلاّمة ، المتوفّى 726ه- ، تحقيق عبد الحسين محمّد علي بقّال ، الطبعة الأُولى 1410 ه- ، قم ، مكتبة المرعشي النجفي.

224 - رسالة في الردّ على الرافضة :

محمّد بن عبد الوهّاب ، المتوفّى 1206 ه- ، تحقيق ناصر بن سعد الرشيد ، الطبعة الثانية 1400 ه- ، مكّة المكرّمة ، مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي.

225 - رسالة في العدالة :

زين الدين الجبعي العاملي ، المعروف بالشهيد الثاني ، المتوفّى 966 ه.

226 - رسالة القبور والاستنجاد بالمقبور :

أبو عباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الدمشقي الحنبلي ، المتوفّى 728ه- ، الطبعة الأُولى 1410 ه- ، الرياض ، الإدارة العامّة للطبع والترجمة.

227 - روح المعاني في تفسير القرآن الكريم والسبع المثاني :

أبو الفضل محمود الآلوسي البغدادي ، المتوفّى 1270 ه- ، تصحيح علي عبد الباري عطية ، الطبعة الأُولى 1415 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

228 - روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان :

زين الدين الجبعي العاملي ، المعروف بالشهيد الثاني ، المتوفّى 966 ه- ، طبعة 1404 ه- ، قم ، مؤسّسة آل البيت.

229 - الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير :

الحسين بن أحمد السياغي ، المتوفّى 1221 ه- ، الطبعة الثانية 1388 ه- ،

ص: 613

الطائف ، مكتبة المؤيّد.

230 - روضات الجنّات في أحوال العلماء والسادات :

محمّد باقر الموسوي الخونساري ، المتوفّى 1313 ه- ، طبعة 1390 ه- ، قم ، مكتبة إسماعيليان.

231 - روضة الواعظين :

محمّد بن فتّال النيسابوري ، المتوفّى 508 ه- ، تحقيق محمّد مهدي حسن الخرسان ، قم ، منشورات الشريف الرضي.

232 - رياض الصالحين من حديث سيّد المرسلين :

أبو زكريا يحيى بن شرف النووي الدمشقي ، المتوفّى 676 ه- ، الطبعة الثانية 1411 ه- ، بيروت ، دار الفكر.

233 - الرياض النضرة في مناقب العشرة :

أبو جعفر أحمد بن عبد اللّه الطبري ، المتوفّى 694 ه- ، الطبعة الأُولى 1418ه- ، بيروت ، دار المعرفة.

234 - زاد المسير في علم التفسير :

أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي القرشي ، المتوفّى 597 ه- ، تحقيق محمّد بن عبد الرحمن ، الطبعة الأُولى 1407 ه- ، بيروت ، دار الفكر.

235 - زاد المعاد في هدي خير العباد :

أبو عبد اللّه محمّد بن أبي بكر الدمشقي ، المعروف بابن القيّم الجوزية ، المتوفّى 751 ه- ، تحقيق شعيب الأرناؤوط ، الطبعة الرابعة عشر 1407 ه- ، بيروت ، مؤسّسة الرسالة.

236 - زبدة البيان في أحكام القرآن :

المحقّق الأردبيلي ، المتوفّى 993 ه- ، مكتبة المرتضوية.

237 - سبل السلام شرح بلوغ المرام من أدلّة الأحكام :

محمّد بن إسماعيل الصنعاني ، المتوفّى 1182 ه- ، تعليق محمّد عبد العزيز الخولي ، الطبعة الرابعة 1379 ه- ، مصر ، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده.

ص: 614

238 - سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد :

محمّد بن يوسف الصالحي الشامي ، المتوفّى 942 ه- ، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود ، علي محمّد معوض ، الطبعة الأُولى 1414 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

239 - سرّ السلسلة العلوية :

أبو نصر سهل بن عبد اللّه البخاري ، كان حيّاً 341 ه- ، تعليق السيّد محمّد صادق بحر العلوم ، الطبعة الأُولى 1413 ه- ، قم ، منشورات الشريف الرضي.

240 - السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي :

أبو جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي ، المتوفّى 598 ه- ، الطبعة الثانية 1410 ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

241 - السقيفة :

أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري ، المتوفّى 323 ه- ، تحقيق محمّد هادي الأميني ، الطبعة الثانية 1413 ه- ، بيروت ، شركة الكتبي.

242 - سلسلة الأحاديث الصحيحة :

محمّد ناصر الدين الألباني ، طبعة 1415 ه- ، الرياض ، مكتبة المعارف.

243 - سنن ابن ماجة :

أبو عبد اللّه محمّد بن يزيد القزويني ، المعروف بابن ماجة ، المتوفّى 275 ه- ، تحقيق محمّد فؤاد عبد الباقي ، بيروت ، دار الفكر.

244 - سنن أبي داود :

أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني ، المتوفّى 275 ه- ، تحقيق سعيد محمّد اللحّام ، الطبعة الأُولى 1410 ه- ، بيروت ، دار الفكر.

245 - سنن الدارقطني :

أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني البغدادي ، المتوفّى 385 ه- ، تحقيق مجدي بن منصور ، الطبعة الأُولى 1417 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

246 - سنن الدارمي :

أبو محمّد عبد اللّه الدارمي ، المتوفّى 255 ه- ، دمشق ، مطبعة الاعتدال.

ص: 615

247 - السنن الكبرى :

أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي الشافعي ، المتوفّى 303 ه- ، تحقيق عبد الغفّار سليمان البنداري وسيّد كسروي حسن ، الطبعة الأُولى 1411ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

248 - السنن الكبرى :

أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي ، المتوفّى 458 ه- ، بيروت ، دار الفكر.

249 - سنن النسائي :

أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي ، المتوفّى 303 ه- ، الطبعة الأُولى 1348 ه- ، بيروت ، دار الفكر.

250 - سير أعلام النبلاء :

أبو عبد اللّه محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي ، المتوفّى 748 ه- ، الطبعة التاسعة 1413 ه- ، بيروت ، مؤسّسة الرسالة.

251 - سيرة الإمام علي بن أبي طالب :

أبو الحسن ، أحمد بن عبد اللّه البكري ، المتوفّى 891 ه- ، تونس ، مطبعة المنار.

252 - السيرة الحلبية ( إنسان العيون في سيرة الأمين والمأمون ) :

أبو الفرج علي بن إبراهيم بن أحمد الحلبي الشافعي ، المتوفّى 1044 ه- ، تصحيح عبد اللّه محمّد الخليلي ، الطبعة الأُولى 1422 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

253 - السيرة النبوية :

محمّد بن إسحاق بن يسار المطلبي المدني ، المتوفّى 151 ه- ، تحقيق أحمد فريد المزيدي ، الطبعة الأُولى 1424 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

254 - السيرة النبوية :

أبو محمّد عبد الملك بن هشام المعافري الحميري ، المتوفّى 218 ه- ، تحقيق محمّد محي الدين عبد الحميد ، طبعة 1383 ه- ، مصر ، مكتبة محمّد علي صبيح وأولاده.

ص: 616

255 - السيرة النبوية :

أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي ، المتوفّى 774 ه- ، تحقيق مصطفى عبد الواحد ، الطبعة الأُولى 1396 ه- ، بيروت ، دار المعرفة.

256 - سيف الجبّار المسلول على الأعداء الأبرار :

شاه فضل رسول قادري ، المتوفّى 1289 ه- ، طبعة 1321 ه.

257 - السيف الصقيل في الردّ على ابن زفيل :

أبو الحسن علي بن عبدالكافي السبكي ، المتوفّى 756 ه- ، مكتبة زهران.

258 - الشافي :

أبو محمّد عبد اللّه بن حمزة بن سليمان ، المتوفّى 614 ه- ، الطبعة الأُولى 1406 ه- ، صنعاء ، منشورات اليمن الكبرى.

259 - الشافي في الإمامة :

علي بن الحسين الموسوي ، المعروف بالشريف المرتضى ، المتوفّى 436 ه- ، تحقيق السيّد عبد الزهراء الحسيني الخطيب ، الطبعة الثانية 1410 ه- ، طهران ، مؤسّسة الصادق.

260 - شجرة طوبى :

محمّد مهدي الحائري ، الطبعة الخامسة 1385 ه- ، النجف ، منشورات المكتبة الحيدرية.

261 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب :

أبو الفلاح عبد الحي بن أحمد بن محمّد بن العماد الحنبلي ، المتوفّى 1089 ه- ، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا ، الطبعة الأُولى 1419 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

262 - شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام :

أبو القاسم جعفر بن الحسن ، المعروف بالمحقّق الحلّي ، المتوفّى 676 ه- ، الطبعة الثانية 1409 ه- ، تعليق السيّد صادق الشيرازي ، طهران ، منشورات الاستقلال.

ص: 617

263 - شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار :

أبو حنيفة النعمان بن محمّد التميمي المغربي ، المتوفّى 363 ه- ، تحقيق السيّد محمّد الحسيني الجلالي ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

264 - شرح الأسماء الحسنى :

ملاّ هادي السبزواري ، المتوفّى 1300 ه- ، قم ، مكتبة بصيرتي.

265 - شرح أُصول الكافي :

محمّد صالح المازندراني ، المتوفّى 1081 ه- ، تعليق أبو الحسن الشعراني.

266 - شرح تجريد العقائد :

علي بن محمّد القوشجي ، المتوفّى 879 ه- ، الطبعة الحجرية ، قم ، منشورات الرضي.

267 - شرح الزرقاني على موطّأ الإمام مالك :

محمّد بن عبد الباقي الزرقاني ، المتوفّى 1122 ه- ، الطبعة الأُولى 1411 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

268 - شرح صحيح مسلم ( المنهاج شرح مسلم بن الحجّاج ) :

أبو زكريا يحيى بن شرف النووي ، المتوفّى 676 ه- ، الطبعة الثانية 1407ه- ، بيروت ، دار الكتاب العربي.

269 - شرح العلاّمة الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمّدية :

محمّد بن عبد الباقي الزرقاني ، المتوفّى 1122 ه- ، تصحيح محمّد عبد العزيز الخالدي ، الطبعة الأولى 1417 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

270 - الشرح الكبير على متن المقنعة :

أبو الفرج عبد الرحمن بن محمّد بن أحمد بن قدامة المقدسي ، المتوفّى 682ه- ، بيروت ، دار الكتاب العربي.

271 - شرح معاني الآثار :

أبو جعفر أحمد بن محمّد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة الأزدي الطحاوي ، المتوفّى 321 ه- ، تحقيق محمّد زهري النجّار ، الطبعة الثالثة 1416 ه- ، دار الكتب العلمية.

ص: 618

272 - شرح المقاصد :

مسعود بن عمر بن عبد اللّه الشهير بسعد الدين التفتازاني ، المتوفّى 793 ه- ، تحقيق عبد الرحمن عميرة ، الطبعة الأُولى 1409 ه- ، قم ، منشورات الشريف الرضي.

273 - شرح المنام :

أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المفيد ، المتوفّى 413 ه- ، تحقيق الشيخ مهدي نجف ، الطبعة الثانية 1414 ه- ، بيروت ، دار المفيد.

274 - شرح المواقف :

علي بن محمّد الجرجاني ، المتوفّى 812 ه- ، الطبعة الثانية 1415 ه- ، قم ، منشورات الشريف الرضي ، أوفسيت على طبعة مطبعة السعادة بمصر.

275 - شرح المواهب اللدنية :

محمّد بن عبد الباقي الزرقاني ، المتوفّى 1122 ه- ، طبعة 1414 ه- ، بيروت ، دار المعرفة.

276 - شرح نهج البلاغة :

أبو حامد بن هبة اللّه بن محمّد بن الحسين ابن أبي الحديد المدائني ، المتوفّى 656 ه- ، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم ، الطبعة الأُولى 1378 ه- ، دار إحياء الكتب العربية.

277 - الشفا بتعريف حقوق المصطفى :

أبو الفضل عياض اليحصبي ، المتوفّى 544 ه- ، طبعة 1409 ه- ، بيروت ، دار الفكر.

278 - شفاء السقام في زيارة خير الأنام :

أبو الحسن علي بن عبد الكافي السبكي ، المتوفّى 756 ه- ، تحقيق السيّد محمّد رضا الحسيني الجلالي ، الطبعة الرابعة 1419 ه.

279 - شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل :

أبو عبد اللّه محمّد بن أبي بكر الدمشقي ، المعروف بابن القيّم الجوزية ،

ص: 619

المتوفّى 751 ه- ، تحقيق أبو فراس النعساني الحلبي ، طبعة 1398 ه- ، بيروت ، دار الفكر.

280 - شوارق النصوص :

حامد حسين الموسوي ، المتوفّى 1306 ه- ، تحقيق طاهر السلامي ، الطبعة الأُولى 1423 ه- ، قم ، منشورات دليل ما.

281 - شواهد التنزيل لقواعد التفضيل في آيات النازلة في أهل البيت :

عبيد اللّه بن أحمد المعروف بالحاكم الحسكاني ، المتوفّى 544 ه- ، تحقيق الشيخ محمّد باقر المحمودي ، الطبعة الأُولى 1411 ه- ، طهران ، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية.

282 - شواهد الحقّ في الاستغاثة بسيّد الخلق :

يوسف بن إسماعيل النبهاني ، المتوفّى 1350 ه- ، طبعة جديدة بالأوفست.

283 - شيخ المضيرة أبو هريرة :

محمود أبو ريّه ، المتوفّى 1970 ه- ، الطبعة الثالثة ، مصر ، دار المعارف.

284 - الشيعة في أحاديث الفريقين :

علي بن مرتضى الموحّد الأبطحي ، الطبعة الأُولى 1416 ه.

285 - الشيعة والقرآن :

إحسان إلهي ظهير ، الطبعة العاشرة 1416 ه- ، لاهور ، إدارة ترجمان السنّة.

286 - الشيعة وفنون الإسلام :

حسن الصدر ، المتوفّى 1354 ه- ، الطبعة الرابعة 1396 ه- ، القاهرة ، مطبوعات النجاح.

287 - الصبح السافر :

أبو الفضل عبد اللّه الغماري ، ( نقلنا عنه بالواسطة ).

288 - الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية :

إسماعيل بن حمّاد الجوهري ، المتوفّى 393 ه- ، تحقيق أحمد بن عبد الغفور عطّار ، الطبعة الرابعة 1407 ه- ، بيروت ، دار العلم للملايين.

289 - صحيح ابن حبّان بترتيب ابن بلبان :

أبو حاتم محمّد بن حبّان التميمي البستي ، المتوفّى 354 ه- ، تحقيق شعيب

ص: 620

الارنؤوط ، الطبعة الثانية 1414 ه- ، بيروت ، مؤسّسة الرسالة.

290 - صحيح ابن خزيمة :

أبو بكر محمّد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري ، المتوفّى 311 ه- ، تحقيق محمّد مصطفى الأعظمي ، الطبعة الثانية 1412 ه.

291 - صحيح البخاري :

أبو عبد اللّه محمّد بن إسماعيل البخاري ، المتوفّى 256 ه- ، طبعة بالأوفست 1401 ه- ، بيروت ، دار الفكر.

292 - صحيح مسلم :

أبو الحسين مسلم بن الحجّاج القشيري النيسابوري ، المتوفّى 261 ه- ، بيروت ، دار الفكر.

293 - الصحيح من سيرة النبي الأعظم :

جعفر مرتضى العاملي ، الطبعة الرابعة 1415 ه- ، بيروت ، دار الهادي.

294 - صحيفة السجادية الجامعة لأدعية الإمام علي بن الحسين :

علي بن الحسين بن أبي طالب ، المتوفّى 94 ه- ، تحقيق مؤسّسة الإمام المهدي ، الطبعة الأُولى 1411 ه- ، قم ، مؤسّسة الإمام المهدي.

295 - صراط الحقّ في المعارف الإسلامية والأُصول الاعتقادية :

محمّد آصف المحسني ، الطبعة الثانية 1413 ه.

296 - الصراط المستقيم إلى مستحقّي التقديم :

أبو محمّد علي بن محمّد بن يونس العاملي النباطي البياضي ، المتوفّى 877 ه- ، تحقيق محمّد باقر البهبودي ، الطبعة الأُولى 1384 ه- ، طهران ، المكتبة المرتضوية.

297 - صفة الصفوة :

أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي القرشي ، المتوفّى 597 ه- ، تحقيق عبد الرحمن اللادقي وحياة شيحا اللادقي ، الطبعة الرابعة 1412 ه- ، بيروت ، دار المعرفة.

298 - صلاح الدين الأيوبي بين العباسيين والفاطميين والصلبيين :

نقلنا عنه بالواسطة.

ص: 621

299 - الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة :

نور اللّه الحسيني التستري ، المتوفّى 1019 ه- ، تحقيق السيّد جلال الدين المحدّث ، طبعة 1367 شمسي ، طهران ، مطبعة نهضت.

300 - الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة :

أبو العباس أحمد بن محمّد بن علي بن حجر الهيتمي ، المتوفّى 973 ه- ، تحقيق عبد الرحمن بن عبد اللّه التركي ، كامل محمّد الخرّاط ، الطبعة الأُولى 1417 ه- ، بيروت ، مؤسسّة الرسالة.

301 - الضعفاء الكبير :

أبو جعفر محمّد بن عمرو العقيلي ، المتوفّى 322 ه- ، تحقيق عبد المعطي أمين قلعجي ، الطبعة الثانية 1418 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

302 - طبّ الأئمّة :

أبو عتاب عبد اللّه بن سابور الزيات والحسين بن بسطام النيسابوريين ، المتوفّى 262 ه- ، الطبعة الثانية ، قم ، انتشارات الشريف الرضي.

303 - طبقات الشافعية الكبرى :

أبو نصر عبد الوهّاب بن علي السبكي ، المتوفّى 771 ه- ، تحقيق مصطفى عبد القادر أحمد عطا ، الطبعة الأُولى 1420 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

304 - الطبقات الكبرى :

محمّد بن سعد بن منيع ، المتوفّى 230 ه- ، بيروت ، دار صادر.

305 - طبقات المحدّثين بأصفهان والواردين عليها :

أبو محمّد عبد اللّه بن محمّد بن جعفر بن حبّان ، المتوفّى 369 ه- ، تحقيق عبد الغفور عبد الحقّ حسين البلوشي ، الطبعة الثانية 1412 ه- ، بيروت ، مؤسّسة الرسالة.

306 - طبقات المدلّسين :

أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ، المتوفّى 852 ه- ، تحقيق عاصم بن عبد اللّه القريوني ، الطبعة الأُولى ، عمان ، مكتبة المنار.

ص: 622

307 - طبقات المفسّرين :

عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ، المتوفّى 911 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

308 - الطرائف في معرفة الطوائف :

أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن طاووس ، المتوفّى 664 ه- ، الطبعة الأُولى 1371 ه- ، قم.

309 - طرائف المقال في معرفة طبقات الرجال :

علي أصغر محمّد البروجردي ، المتوفّى 1313 ه- ، تحقيق السيّد مهدي الرجائي ، الطبعة الأُولى 1410 ه- ، قم ، مكتبة السيّد المرعشي النجفي.

310 - العبر في خبر من غبر :

أبو عبد اللّه محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي ، المتوفّى 748 ه- ، الطبعة الأولى 1405 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

311 - العثمانية :

أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ، المتوفّى 255 ه- ، طبعة 1374 ، تحقيق عبد السلام محمّد هارون ، مصر ، مكتبة الجاحظ.

312 - العدد القوية لدفع المخاوف اليومية :

علي بن يوسف المطهّر الحلّي ، المعروف بالعلاّمة ، المتوفّى 726 ه- ، تحقيق السيّد مهدي الرجائي ، الطبعة الأُولى 1408 ه- ، قم ، مكتبة السيّد المرعشي النجفي.

313 - عدّة الداعي ونجاح الساعي :

أحمد بن فهد الحلّي ، المتوفّى 841 ه- ، تصحيح أحمد الموحّدي القمّي ، قم ، مكتبة الوجداني.

314 - العدّة شرح العمدة :

عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي ، المتوفّى 620 ه- ، تحقيق أبو عبد الرحمن صلاح بن محمّد ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

315 - عدم سهو النبيّ :

أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المفيد ، المتوفّى

ص: 623

413 ه- ، الطبعة الثانية 1414 ه- ، بيروت ، دار المفيد.

316 - العروة الوثقى :

محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي ، الطبعة الثانية 1409 ه- ، بيروت ، منشورات مؤسّسة الأعلمي.

317 - عصمة الأنبياء :

محمّد بن عمر بن الحسين الرازي ، المتوفّى 606 ه- ، طبعة 1406 ه- ، قم ، منشورات الكتبي.

318 - عقد الدرر في أخبار المنتظر :

يوسف بن يحيى بن علي المقدسي الشافعي السلمي ، من علماء القرن السابع ، تحقيق عبد الفتّاح محمّد الحلو ، الطبعة الأُولى 1416 ه- ، قم ، منشورات نصايح.

319 - العقد الفريد :

أحمد بن محمّد بن عبد ربّه الأندلسي ، المتوفّى 328 ه- ، تحقيق عبد المجيد الترحيني ، الطبعة الأُولى 1417 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

320 - العقيدة الواسطية :

أبو عباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الدمشقي الحنبلي ، المتوفّى 728ه- ، تحقيق محمّد بن عبد العزيز بن مانع ، الطبعة الثانية 1412 ه- ، الرياض ، الرئاسة العامّة لإدارات البحوث والإفتاء.

321 - علل الشرائع :

أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، المعروف بالشيخ الصدوق ، المتوفّى 381 ه- ، طبعة 1385 ه- ، النجف ، المكتبة الحيدرية.

322 - العلل الواردة في الأحاديث النبوية ( علل الدارقطني ) :

أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني ، المتوفّى 385 ه- ، تحقيق محفوظ الرحمن زين اللّه السلفي ، الطبعة الأُولى 1405 ه- ، الرياض ، دار طيبة.

323 - العلل ومعرفة الرجال :

أبو عبد اللّه أحمد بن محمّد بن حنبل الشيباني ، المتوفّى 241 ه- ، تحقيق وصيّ اللّه بن محمّد عباس ، الطبعة الأُولى 1408 ه- ، الرياض ، دار الخاني.

ص: 624

324 - علم اليقين في أصول الدين :

محمّد بن المرتضى ، المعروف بالمولى محسن الفيض الكاشاني ، المتوفّى 1091 ه- ، الطبعة الأُولى 1410 ه- ، بيروت ، دار البلاغة.

325 - العلويون أو النصيرية :

عبد الحسين مهدي العسكري.

326 - عمدة عيون صحاح الأخبار في مناقب إمام الأبرار :

يحيى بن الحسن بن الحسين الأسدي الحلّي ، المعروف بابن البطريق ، المتوفّى 600 ه- ، الطبعة الأُولى 1407 ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

327 - عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب :

أحمد بن علي الحسيني ، المعروف بابن عنبة ، المتوفّى 828 ه- ، تصحيح محمّد حسن آل الطالقاني ، الطبعة الثانية 1380 ه- ، النجف الأشرف ، المكتبة الحيدرية.

328 - عمدة القاري شرح صحيح البخاري :

أبو محمّد محمود بن أحمد العيني ، المتوفّى 855 ه- ، تصحيح عبد اللّه محمود محمّد عمر ، الطبعة الأُولى 1421 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

329 - العهود المحمّدية :

عبد الوهّاب الشعراني ، المتوفّى 973 ه- ، الطبعة الثانية 1393 ه- ، مصر ، شركة مصطفى البابي الحلبي وأولاده.

330 - عون المعبود شرح سنن أبي داود :

أبو الطيّب محمّد شمس الحق العظيم الآبادي ، المتوفّى 1329 ه- ، الطبعة الثانية 1415 ه- ، بيروت ، دار الكتب الإسلامية.

331 - عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير :

محمّد بن عبد اللّه بن يحيى ابن سيّد الناس ، المتوفّى 734 ه- ، طبعة 1406ه- ، بيروت ، مؤسّسة عز الدين.

332 - عيون الأخبار :

أبو محمّد عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري ، المتوفّى 276 ه- ، شرح يوسف علي طويل ، طبعة 1418 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

ص: 625

333 - عيون أخبار الرضا :

أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، المعروف بالشيخ الصدوق ، المتوفّى 381 ه- ، تصحيح الشيخ حسين الأعلمي ، الطبعة الأُولى 1404 ه- ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي.

334 - الغارات :

أبو إسحاق إبراهيم بن محمّد الثقفي الكوفي ، المتوفّى 283 ه- ، تحقيق السيّد جلال المحدّث.

335 - الغدير في الكتاب والسنّة والأدب :

عبد الحسين أحمد الأميني ، المتوفّى 1392 ه- ، الطبعة الرابعة 1397 ه- ، بيروت ، دار الكتاب العربي.

336 - غريب الحديث :

أبو محمّد عبد اللّه بن مسلم ابن قتيبة الدينوري ، المتوفّى 276 ه- ، تحقيق عبد اللّه الجبوري ، الطبعة الأُولى 1408 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

337 - الغيبة :

محمّد بن إبراهيم النعماني ، المتوفّى 380 ه- ، تحقيق علي أكبر الغفّاري طهران ، مكتبة الصدوق.

338 - الغيبة :

أبو جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطوسي ، المتوفّى 460 ه- ، الشيخ عباد اللّه الطهراني ، الشيخ علي أحمد ناصح ، الطبعة الأُولى 1411 ه- ، قم ، مؤسّسة المعارف الإسلامية.

339 - الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف :

أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن طاووس ، المتوفّى 664 ه- ، الطبعة الأُولى 1399 ه- ، قم.

340 - الفائق في رواة وأصحاب الإمام الصادق :

عبد الحسين الشبستري ، الطبعة الأُولى 1418 ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

ص: 626

341 - الفتاوى الكبرى :

أبو عباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الدمشقي الحنبلي ، المتوفّى 728ه- ، تحقيق حسنين محمّد مخلوف ، الطبعة الأُولى 1386 ه- ، بيروت ، دار المعرفة.

342 - فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء :

الشيخ أحمد بن عبد الرزاق الدويش ، الطبعة الثالثة 1421 ه- ، الرياض ، دار المؤيّد.

343 - الفتاوى الهندية :

حسن بن منصور الأوز جندي الفرغاني الحنفي ، المتوفّى 295 ه- ، الطبعة الرابعة ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي.

344 - فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب في الاستخارات :

أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن طاووس ، المتوفّى 664 ه- ، تحقيق حامد الخفّاف ، الطبعة الأُولى 1409 ه- ، قم ، مؤسّسة آل البيت.

345 - فتح الباري شرح صحيح البخاري :

أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ، المتوفّى 852 ه- ، الطبعة الثانية ، بيروت ، دار المعرفة.

346 - فتح العزيز في شرح الوجيز :

أبو القاسم عبد الكريم بن محمّد الرافعي ، المتوفّى 623 ه- ، دار الفكر.

347 - فتح القدير الجامع بين فنّي الرواية والدراية من علم التفسير :

محمّد بن علي الشوكاني ، المتوفّى 1250 ه- ، عالم الكتب.

348 - فتوح البلدان :

أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري ، المتوفّى 279 ه- ، طبعة 1379 ، القاهرة ، مكتبة النهضة المصرية.

349 - فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول والسبطين :

إبراهيم بن محمّد الجويني الخراساني ، المتوفّى 730 ه- ، الطبعة الأُولى 1400 ه- ، بيروت ، مؤسّسة المحمودي.

350 - فرائد فوائد الفكر في الإمام المهدي المنتظر :

مرعي بن يوسف بن أبي بكر المقدسي الحنبلي ، من علماء القرن الحادي

ص: 627

عشر ، تحقيق الشيخ سامي الغريري ، الطبعة الأولى 1421 ه- ، قم ، مؤسّسة المعارف الإسلامية.

351 - فرحة الغري في تعيين قبر أمير المؤمنين علي :

عبد الكريم بن طاووس الحسيني ، المتوفّى 693 ه- ، تحقيق السيّد تحسين آل شبيب الموسوي ، الطبعة الأُولى 1419 ه- ، قم ، مركز الغدير للدراسات الإسلامية.

352 - فرج المهموم في تاريخ علماء النجوم :

أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن طاووس ، المتوفّى 664 ه- ، الطبعة الأُولى ، دار الذخائر للمطبوعات.

353 - فردوس الأخبار :

شيرويه بن شهردار بن شيرويه الديلمي ، المتوفّى 509 ه- ، الطبعة الأُولى 1418 ه- ، بيروت ، دار الفكر.

354 - فرق الشيعة :

أبو محمّد الحسن بن موسى النوبختي ، تصحيح السيّد محمّد صادق بحر العلوم ، النجف الأشرف ، المكتبة المرتضوية.

355 - فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب ربّ الأرباب :

حسين بن محمّد تقي النوري الطبرسي ، المتوفّى 1320 ه.

356 - فصل الخطاب في مذهب ابن عبد الوهّاب :

سليمان بن عبد الوهّاب النجدي الحنبلي ، المتوفّى 1210 ه- ، تحقيق لجنة من العلماء ، الطبعة الرابعة.

357 - الفصول المختارة :

أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المفيد ، المتوفّى 413 ه- ، تحقيق السيّد علي مير شريفي ، الطبعة الثانية 1414 ه- ، بيروت ، دار المفيد.

358 - الفصول المهمّة في أُصول الأئمّة :

محمّد بن الحسن الحرّ العاملي ، المتوفّى 1104 ه- ، تحقيق محمّد بن محمّد

ص: 628

حسين القائيني ، الطبعة الأُولى 1418 ه- ، قم ، مؤسّسة معارف إسلامي إمام رضا.

359 - الفضائل :

أبو الفضل شاذان بن جبرائيل القمّي ، المتوفّى نحو 660 ه- ، طبعة 1381ه- ، النجف ، منشورات المطبعة الحيدرية.

361 - فضائل الصحابة :

أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي ، المتوفّى 303 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

362 - فضل الذاكرين والردّ على المنكرين :

عبد الغني حمادة ، ( نقلنا عنه بالواسطة ).

363 - فقه الرضا :

علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، المتوفّى 329 ه- ، تحقيق مؤسّسة آل البيت ، الطبعة الأُولى 1406 ه- ، المؤتمر العالمي للإمام الرضا.

364 - فهرست كتب الشيعة وأُصولهم وأسماء المصنّفين وأصحاب الأصول :

أبو جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطوسي ، المتوفّى 460 ه- ، تحقيق الشيخ جواد القيّومي ، الطبعة الأُولى 1417 ه- ، قم ، مؤسّسة نشر الفقاهة.

365 - فهرست أسماء مصنّفي الشيعة المشتهر برجال النجاشي :

أبو العباس أحمد بن علي النجاشي ، المتوفّى 450 ه- ، تحقيق السيّد موسى الشبيري الزنجاني ، الطبعة الخامسة 1416 ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

366 - فوائد العراقيين :

أبو سعيد محمّد بن علي بن عمرو النقّاش ، المتوفّى 414 ه- ، تحقيق مجدي السيّد إبراهيم ، القاهرة ، مكتبة القرآن.

367 - فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير :

محمّد عبد الرؤوف المنّاوي ، المتوفّى 1331 ه- ، تصحيح أحمد عبد السلام ، الطبعة الأُولى 1415 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

368 - قاموس الرجال :

محمّد تقي بن كاظم التستري ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

ص: 629

369 - القاموس المحيط :

محمّد بن يعقوب الفيروز آبادي الشيرازي ، المتوفّى 817 ه- ، الطبعة الأولى 1420 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

370 - قبسات من فضائل أمير المؤمنين :

عبد العزيز الطباطبائي ، المتوفّى 1416 ه- ، الطبعة الثانية 1421 ه- ، قم ، منشورات دليل.

371 - قرب الإسناد :

أبو العباس عبد اللّه بن جعفر الحميري البغدادي ، المتوفّى 300 ه- ، تحقيق مؤسّسة آل البيت ، الطبعة الأولى 1413 ه- ، قم ، مؤسّسة آل البيت.

372 - قصص الأنبياء :

أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي ، المتوفّى 774 ه- ، تحقيق مصطفى عبد الواحد ، الطبعة الأُولى 1388 ه- ، دار الكتب الحديثة.

373 - الكافئة في إبطال توبة الخاطئة :

أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المفيد ، المتوفّى 413 ه- ، تحقيق علي أكبر زماني نجاد ، الطبعة الثانية 1414 ه- ، بيروت ، دار المفيد.

374 - الكافي ( الأُصول والفروع ) :

أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني ، المتوفّى 329 ه- ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الثالثة 1388 ه- ، طهران ، دار الكتب الإسلامي.

375 - كامل الزيارات :

جعفر بن محمّد بن قولويه القمّي ، المتوفّى 368 ه- ، تحقيق الشيخ جواد القيّومي ، الطبعة الأُولى 1417 ه- ، قم ، مؤسّسة نشر الفقاهة.

376 - الكامل في التاريخ :

أبو الحسن علي بن محمّد بن محمّد الشيباني ، المعروف بابن الأثير ، المتوفّى 630 ه- ، طبعة 1399 ه- ، بيروت ، دار صادر.

377 - الكامل في ضعفاء الرجال :

أبو أحمد عبد اللّه بن عدي الجرجاني ، المتوفّى 365 ه- ، تحقيق سهيل

ص: 630

زكار ، الطبعة الثالثة 1409 ه- ، بيروت ، دار الفكر.

378 - كتائب أعلام الأخيار :

مخطوط ، ( نقلنا عنه بالواسطة ).

379 - كتاب التوحيد :

محمّد بن عبد الوهّاب ، المتوفّى 1206 ه- ، طبعة 1413 ه- ، دار الدعوة السلفية.

380 - كتاب السنّة :

أبو بكر عمرو بن أبي عاصم الضحّاك ، المتوفّى 287 ه- ، الطبعة الثالثة 1413 ه- ، بيروت ، المكتب الإسلامي.

381 - كتاب سليم بن قيس :

أبو صادق سليم بن قيس الهلالي ، المتوفّى 76 ه- ، تحقيق محمّد باقر الأنصاري الزنجاني.

382 - كتاب الصمت وآداب اللسان :

أبو بكر عبد اللّه بن محمّد بن عبيد بن أبي الدنيا ، المتوفّى 281 ه- ، تحقيق أبو إسحاق الحويني ، الطبعة الأُولى 1410 ه- ، بيروت ، دار الكتاب العربي.

383 - كتاب الطهارة :

السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي ، المتوفّى 1413 ه- ، الطبعة الثانية 1413ه- ، قم ، لطفي.

384 - كتاب العين :

أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي ، المتوفّى 175 ه- ، تحقيق مهدي المخزومي ، إبراهيم السامرئي ، الطبعة الثانية 1409 ه- ، مؤسّسة دار الهجرة.

385 - كتاب المجروحين من المحدّثين والضعفاء والمتروكين :

أبو حاتم محمّد بن حبّان التميمي البستي ، المتوفّى 354 ه- ، تحقيق محمود إبراهيم زايد.

ص: 631

386 - كشف الأسرار :

الإمام الخميني ، الطبعة الثانية 1421 ه- ، بيروت ، دار المحجّة البيضاء.

387 - كشف الخفاء ومزيل الإلباس عمّا اشتهر من الأحاديث على ألسنة النا السؤال :

إسماعيل بن محمّد الجرّاحي العجلوني ، المتوّفى 1162 ه- ، الطبعة الثالثة 1408 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

388 - كشف الشبهات :

محمّد بن عبد الوهّاب ، المتوفّى 1206 ه- ، تحقيق عصام الدين الصبابطي ، القاهرة ، دار الحديث.

389 - كشف الغمّة في معرفة الأئمّة :

أبو الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الأربلي ، المتوفّى 693 ، الطبعة الثانية 1405 ه- ، بيروت ، دار الأضواء.

390 - كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد :

أبو منصور الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي ، المعروف بالعلاّمة الحلّي ، المتوفّى 726 ه- ، تحقيق حسن حسن زاده الآملي ، الطبعة التاسعة 1422 ه- ، قم مؤسّسة النشر الإسلامي.

391 - الكشف والبيان ( تفسير الثعلبي ) :

أبو إسحاق أحمد الثعلبي ، المتوفّى 427 ه- ، تحقيق أبو محمّد بن عاشور ، الطبعة الأُولى 1422 ه- ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي.

392 - كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين :

الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي ، المعروف بالعلاّمة ، المتوفّى 726ه- ، تحقيق حسين الدركاهي ، الطبعة الأُولى 1411 ه- ، طهران.

393 - كفاية الأثر في النصّ على الأئمّة الإثني عشر :

أبو القاسم علي بن محمّد بن علي الخزاز القمّي الرازي ، المتوفّى 400 ه- ، تحقيق السيّد عبد اللطيف الحسيني ، طبعة 1401 ه- ، قم ، منشورات بيدار.

ص: 632

394 - كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب :

أبو عبد اللّه محمّد بن يوسف بن محمّد القرشي الكنجي الشافعي ، المتوفّى 658 ه.

395 - كمال الدين وتمام النعمة :

أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، المعروف بالشيخ الصدوق ، المتوفّى 381 ه- ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، طبعة 1405 ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

396 - الكنى والألقاب :

عباس القمّي ، المتوفّى 1359 ه.

397 - كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال :

علي المتّقي بن حسام الدين الهندي ، المتوفّى 975 ه- ، تصحيح الشيخ بكري حياني ، طبعة 1409 ه- ، بيروت ، مؤسّسة الرسالة.

398 - كنز الفوائد :

أبو الفتح محمّد بن علي الكراجكي ، المتوفّى 449 ه- ، الطبعة الثانية 1410 ه- ، قم ، مكتبة المصطفوي.

399 - لسان العرب :

أبو الفضل محمّد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري ، المتوفّى 711 ه- ، الطبعة الأُولى 1405 ه- ، قم ، نشر أدب الحوزة.

400 - لسان الميزان :

أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي ، المتوفّى 852 ه- ، الطبعة الثانية 1390 ه- ، بيروت ، منشورات مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات.

401 - اللمعة البيضاء في شرح خطبة الزهراء :

محمّد علي بن أحمد القراجة داغي التبريزي الأنصاري ، المتوفّى 1310 ه- ، تحقيق السيّد هاشم الميلاني ، الطبعة الأُولى 1418 ه- ، قم ، دفتر نشر الهادي.

402 - اللّهوف على قتلى الطفوف :

أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن طاووس ، المتوفّى 664 ه- ، الطبعة الأُولى 1417 ه- ، قم ، الأنوار الهدى.

ص: 633

403 - لواعج الأشجان في مقتل الحسين :

محسن عبد الكريم الأمين العاملي ، المتوفّى 1371 ه- ، قم ، مكتبة بصيرتي.

404 - ليالي بيشاور :

محمّد الموسوي الشيرازي ، الطبعة الثانية 1420 ه- ، تحقيق السيّد حسين الموسوي ، بيروت ، مؤسّسة الثقلين.

405 - ما روي في الحوض والكوثر :

بقي بن مخلّد القرطبي ، المتوفّى 276 ه- ، تحقيق عبد القادر محمّد عطا ، الطبعة الأُولى 1413 ه- ، المدينة المنوّرة ، مكتبة العلوم والحكم.

406 - مائة منقبة من مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب :

أبو الحسن محمّد بن أحمد بن الحسن بن شاذان القمّي ، من أعلام القرن الخامس ، تحقيق مدرسة الإمام المهدي ، الطبعة الأُولى 1407 ه- ، قم ، مدرسة الإمام المهدي.

407 - المبسوط :

أبو بكر محمّد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي الحنفي ، المتوفّى 483 ه- ، تحقيق جمع من الأفاضل ، طبعة 1406 ه- ، بيروت ، دار المعرفة.

408 - المبسوط في فقه الإمامية :

أبو جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطوسي ، المتوفّى 460 ه- ، تصحيح السيّد محمّد تقي الكشفي ، طبعة 1387 ه- ، المكتبة المرتضوية.

409 - مثير الأحزان :

محمّد بن جعفر بن هبة اللّه بن نما الحلّي ، المتوفّى 645 ه- ، الطبعة 1369ه- ، النجف ، المطبعة الحيدرية.

410 - مجالس المؤمنين :

نور اللّه الحسيني التستري ، المتوفّى 1019 ه- ، طهران ، منشورات إسلامية.

411 - مجلّة الثقافة :

نقلنا عنها بالواسطة.

ص: 634

412 - مجمع البحرين :

فخر الدين الطريحي ، المتوفّى 1085 ه- ، تحقيق السيّد أحمد الحسيني ، الطبعة الثانية 1408 ه- ، مكتب نشر الثقافة الإسلامية.

413 - مجمع البيان في تفسير القرآن :

أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي ، المتوفّى 560 ه- ، تحقيق لجنة من العلماء ، الطبعة الأُولى 1415 ه- ، بيروت ، منشورات مؤسّسة الأعلمي.

414 - مجمع الزوائد :

علي بن أبي بكر الهيثمي ، المتوفّى 807 ه- ، الطبعة 1408 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

415 - مجمع النورين وملتقى البحرين :

أبو الحسن المرندي.

416 - المجموع ( شرح المهذّب ) :

أبو زكريا يحيى بن شرف النووي ، المتوفّى 676 ه- ، بيروت ، دار الفكر.

417 - مجموع الفتاوى :

أبو عباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الدمشقي الحنبلي ، المتوفّى 728ه.

418 - مجموع فتاوى ابن باز :

عبد اللّه بن محمّد الطيّار ، الطبعة الأُولى 1416 ه- ، الرياض ، دار الوطن.

419 - مجموعة الرسائل :

لطف اللّه الصافي.

420 - المحاسن :

أبو جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي ، المتوفّى 274 ه- ، تصحيح السيّد جلال الدين الحسيني ، قم ، دار الكتب الإسلامية.

421 - محاضرات في الإلهيات :

جعفر السبحاني ، قم ، مؤسّسة الإمام الصادق.

422 - المحبر :

محمّد بن حبيب البغدادي ، المتوفّى 245 ه.

ص: 635

423 - المحجّة البيضاء في تهذيب الإحياء :

محمّد بن مرتضى ، المدعو بالمولى محسن الكاشاني ، المتوفّى 1091 ه- ، الطبعة الثانية 1403 ه- ، بيروت ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات.

424 - المحصول في علم أُصول الفقه :

محمّد بن عمر بن الحسين الرازي ، المتوفّى 606 ه- ، تحقيق طه جابر فيّاض العلواني ، الطبعة الثانية 1412 ه- ، بيروت ، مؤسّسة الرسالة.

425 - المحلّى شرح المجلّى :

أبو محمّد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي ، المتوفّى 456 ه- ، تحقيق أحمد محمّد شاكر ، بيروت ، دار الفكر.

426 - محمّد وعلي وحديث الثقلين :

نجم الدين الشريف العسكري ، المتوفّى 1390 ه- ، الطبعة الرابعة ، النجف الأشرف ، مطبعة الآداب.

427 - مختصر بصائر الدرجات :

حسن بن سليمان الحلّي ، المتوفّى في القرن التاسع ، الطبعة الأُولى 1370ه- ، النجف الأشرف ، المطبعة الحيدرية.

428 - مختصر المزني :

أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني ، المتوفّى 264 ه- ، بيروت ، دار المعرفة.

429 - المختصر في أخبار البشر ( تاريخ أبي الفداء ) :

أبو الفداء إسماعيل بن علي بن محمود ، المتوفّى 732 ه- ، تحقيق محمود ديّوب ، الطبعة الأُولى 1417 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

430 - مختلف الشيعة في أحكام الشريعة :

أبو المنصور الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلّي ، المعروف بالعلاّمة ، المتوفّى 726 ه- ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الأُولى 1412ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامية.

431 - المدونة الكبرى :

أبو عبد اللّه ، مالك بن أنس الأصبحي ، المتوفّى 179 ه- ، مصر ، مطبعة السعادة.

ص: 636

432 - مدينة العلوم :

نقلنا عنه بالواسطة.

433 - مدينة معاجز الأئمّة الأثني عشر ودلائل الحجج على البشر :

هاشم بن سليمان البحراني ، المتوفّى 1107 ه- ، تحقيق الشيخ عزّة اللّه المولائي الهمداني ، الطبعة الأُولى 1413 ه- ، مؤسّسة المعارف الإسلامية.

434 - مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان :

أبو محمّد عبد اللّه بن اسعد اليافعي ، المتوفّى 768 ه- ، الطبعة الأُولى 1417ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

435 - مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول :

محمّد باقر المجلسي ، المتوفّى 1111 ه- ، تصحيح السيّد هاشم الرسولي ، الطبعة الثانية ، طهران ، دار الكتب الإسلامية.

436 - المزار :

أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المفيد ، المتوفّى 413 ه- ، تحقيق السيّد محمّد باقر الأبطحي ، الطبعة الأُولى ، قم ، مدرسة الإمام المهدي.

437 - المزار :

محمّد بن مكّي العاملي ، المعروف بالشهيد الأوّل ، المتوفّى 786 ه- ، تحقيق مدرسة الإمام المهدي ، الطبعة الأُولى 1410 ه- ، قم ، مدرسة الإمام المهدي.

438 - المزار الكبير :

أبو عبد اللّه محمّد بن جعفر المشهدي ، المتوفّى 610 ه- ، تحقيق جواد القيومي الأصفهاني ، الطبعة الأُولى 1419 ه- ، قم ، نشر القيّوم.

439 - المسائل السروية :

أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المفيد ، المتوفّى 413 ه- ، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد.

440 - المسائل العكبرية :

أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المفيد ، المتوفّى 413 ه- ، الطبعة الثانية 1414 ه- ، بيروت ، دار المفيد.

ص: 637

441 - مسار الشيعة في مختصر تواريخ الشريعة :

أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المفيد ، المتوفّى 413 ه- ، تحقيق الشيخ مهدي نجف ، الطبعة الثانية 1414 ه- ، بيروت ، دار المفيد.

442 - مستدرك سفينة البحار :

علي النمازي الشاهرودي ، المتوفّى 1405 ه- ، تحقيق حسن بن علي النمازي ، طبعة 1419 ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

443 - المستدرك على الصحيحين :

أبو عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه النيسابوري ، المعروف بالحاكم ، المتوفّى 405 ه- ، تحقيق يوسف المرعشلي ، طبعة 1406 ه- ، بيروت ، دار المعرفة.

444 - مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل :

حسين بن محمّد تقي النوري الطبرسي ، المتوفّى 1320 ه- ، تحقيق مؤسّسة آل البيت ، الطبعة الأُولى 1408 ه- ، بيروت ، مؤسّسة آل البيت.

445 - المسترشد في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب :

محمّد بن جرير بن رستم الطبري الإمامي ، المتوفّى أوائل القرن الرابع ، تحقيق الشيخ أحمد المحمودي ، الطبعة الأُولى ، قم ، مؤسّسة الثقافة الإسلامية.

446 - المستصفى في علم الأُصول :

أبو حامد محمّد بن محمّد الغزالي ، المتوفّى 505 ه- ، تصحيح محمّد عبد السلام ، الطبعة 1417 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

447 - مسكن الفؤاد عند فقد الأحبّة والأولاد :

علي بن أحمد الجبعي العاملي ، المعروف بالشهيد الثاني ، المتوفّى 965 ه- ، تحقيق مؤسّسة آل البيت ، الطبعة الأُولى 1407 ه- ، قم ، مؤسّسة آل البيت.

448 - مسند ابن الجعد لمسند بغداد :

أبو الحسن علي بن الجعد بن عبيد الجوهري ، المتوفّى 230 ه- ، تحقيق الشيخ عامر أحمد حيدر ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

ص: 638

449 - مسند ابن راهويه :

إسحاق بن إبراهيم بن مخلّد الحنطلي المروزي ، المتوفّى 238 ه- ، تحقيق عبد الغفّور البلوسي ، الطبعة الأُولى 1412 ه- ، المدينة المنوّرة ، مكتبة الإيمان.

450 - مسند أبي داود الطيالسي :

أبو داود سليمان الطيالسي ، المتوفّى 204 ه- ، بيروت ، دار الحديث.

451 - مسند أبي يعلى الموصلي :

أبو يعلى أحمد بن علي الموصلي التميمي ، المتوفّى 307 ه- ، تحقيق حسين سليم أسد ، دمشق ، دار المأمون للتراث.

452 - مسند أحمد بن حنبل :

أبو عبد اللّه أحمد بن حنبل الشيباني ، المتوفّى 241 ه- ، بيروت ، دار صادر.

453 - مسند الحميدي :

أبو بكر عبد اللّه بن الزبير الحميدي ، المتوفّى 219 ه- ، تحقيق حبيب الرحمن العظمي ، الطبعة الأُولى 1409 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

454 - مسند زيد بن علي :

زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، المتوفّى 122 ه- ، تحقيق أحد العلماء الزيديين ، بيروت ، منشورات دار مكتبة الحياة.

455 - مسند سعد بن أبي وقّاص :

أحمد بن إبراهيم بن كثير الدورقي ، المتوفّى 246 ه- ، الطبعة الأُولى 1407ه- ، بيروت ، دار البشائر الإسلامية.

456 - مسند الشاميين :

أبو القاسم سليمان بن أحمد اللخمي الطبراني ، المتوفّى 360 ه- ، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي ، الطبعة الثانية 1417 ه- ، بيروت ، مؤسّسة الرسالة.

457 - مسند الشهاب :

أبو عبد اللّه محمّد بن سلامة القضاعي ، المتوفّى 454 ه- ، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي ، الطبعة الأُولى 1405 ه- ، بيروت ، مؤسّسة الرسالة.

458 - مشارق الأنوار في فوز أهل الاعتبار :

حسن العدوي الحمزاوي ، مصر ، مطبعة الشرق.

ص: 639

459 - مشكاة الأنوار في غرر الأخبار :

أبو الفضل علي الطبرسي ، المتوفّى في القرن السابع ، تحقيق مهدي هوشمند ، الطبعة الأُولى 1385 ه- ، النجف الأشرف ، المكتبة الحيدرية.

460 - مشكل الآثار :

أبو جعفر أحمد بن محمّد الطحّاوي ، المتوفّى 321 ه- ، الطبعة الأُولى 1333 ه- ، الهند ، حيدر آباد.

461 - المصابيح في إثبات الإمامة :

أحمد حميد الدين الكرماني ، المتوفّى 411 ه- ، تحقيق مصطفى غالب ، الطبعة الأُولى 1416 ه- ، بيروت ، دار المنتظر.

462 - مصباح الفقيه :

رضا الهمداني ، المتوفّى 1322 ه- ، مكتبة الصدر.

463 - مصباح المتهجّد :

أبو جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطوسي ، المتوفّى 460 ه- ، الطبعة الأولى 1411 ه- ، بيروت ، مؤسّسة فقه الشيعة.

464 - المصباح المنير :

أحمد بن محمّد المقري الفيّومي ، المتوفّى 770 ه- ، طبعة 1405 ه- ، قم ، منشورات دار الهجرة.

465 - المصنّف :

أبو بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني ، المتوفّى 211 ه- ، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي ، المجلس العلمي.

466 - المصنّف :

أبو بكر عبد اللّه بن محمّد بن أبي شيبة الكوفي ، المتوفّى 235 ه- ، تعليق سعيد اللحام ، الطبعة الأُولى 1409 ه- ، دار الفكر.

467 - مطالب السؤول في مناقب آل الرسول :

محمّد بن طلحة الشافعي ، المتوفّى 652 ه- ، تحقيق ماجد بن أحمد العطية ، الطبعة الأُولى 1420 ه- ، بيروت ، مؤسّسة أُمّ القرى.

ص: 640

468 - مع الخطيب في خطوطه العريضة :

لطف اللّه الصافي ، الطبعة الأُولى 1418 ه- ، قم ، مؤسّسة السيّدة معصومة.

469 - المعارف :

أبو محمّد عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري ، المتوفّى 276 ه- ، الطبعة الأولى 1407 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

470 - معالم التنزيل ( تفسير البغوي ) :

أبو محمّد الحسين بن مسعود البغوي ، المتوفّى 516 ه- ، تحقيق خالد عبد الرحمن العك ، الطبعة الخامسة 1423 ه- ، بيروت ، دار المعرفة.

471 - معالم العلماء :

أبو عبد اللّه محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني ، المتوفّى 588 ه- ، قم.

472 - معالم الفتن نظرات في حركة الإسلام وتاريخ المسلمين :

سعيد أيوب ، الطبعة الأُولى 1414 ه- ، قم ، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية.

473 - معاني الأخبار :

أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، المعروف بالشيخ الصدوق ، المتوفّى 381 ه- ، تصحيح علي أكبر الغفّاري ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

474 - معاني القرآن :

أبو جعفر النحّاس ، المتوفّى 338 ه- ، تحقيق محمّد علي الصابوني ، الطبعة الأُولى 1409 ه- ، مكّة المكرّمة ، جامعة أُمّ القرى.

475 - المعتبر في شرح المختصر :

أبو القاسم جعفر بن الحسن ، المعروف بالمحقّق الحلّي ، المتوفّى 676 ه- ، تحقيق لجنة التحقيق بإشراف الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ، قم ، مؤسّسة سيّد الشهداء.

476 - المعجم الأوسط :

أبو القاسم سليمان بن أحمد اللخمي الطبراني ، المتوفّى 360 ه- ، تحقيق أبو معاذ طارق بن عوض ، طبعة 1415 ه- ، دار الحرمين.

ص: 641

477 - معجم البلدان :

أبو عبد اللّه ياقوت بن عبد اللّه الحموي ، المتوفّى 626 ه- ، طبعة 1399 ه- ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي.

478 - معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة :

السيّد أبو القاسم الموسوي الخوئي ، المتوفّى 1413 ه- ، الطبعة الخامسة 1413 ه.

479 - المعجم الصغير :

أبو القاسم سليمان بن أحمد اللخمي الطبراني ، المتوفّى 360 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

480 - المعجم الكبير :

أبو القاسم سليمان بن أحمد اللخمي الطبراني ، المتوفّى 360 ه- ، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي ، الطبعة الثانية ، القاهرة ، مكتبة ابن تيمية.

481 - معرفة الثقات :

أبو الحسن أحمد بن عبد اللّه العجلي ، المتوفّى 261 ه- ، الطبعة الأُولى 1405ه- ، المدينة المنوّرة ، مكتبة الدار.

482 - معرفة السنن والآثار :

أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي ، المتوفّى 458 ه- ، تحقيق سيّد كسروي حسن ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

483 - معرفة علوم الحديث :

أبو عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه النيسابوري ، المعروف بالحاكم ، المتوفّى 405 ه- ، تصحيح السيّد معظم حسين ، الطبعة الرابعة 1400 ه- ، بيروت ، دار الآفاق الجديدة.

484 - المغني :

القاضي أبو الحسن عبد الجبّار أسد آبادي ، المتوفّى 415 ه- ، تحقيق محمّد مصطفى حلمي ، أبو الوفا الغنيمي ، الدار المصرية.

485 - المغني :

أبو محمّد عبد اللّه بن أحمد بن محمّد بن قدامة ، 620 ه- ، تحقيق جماعة

ص: 642

من العلماء ، بيروت ، دار الكتاب العربي.

486 - مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج :

محمّد الشربيني الخطيب ، المتوفّى 977 ه- ، طبعة 1377 ه- ، مصر ، شركة مكتبة ومطبعة البابي الحلبي وأولاده.

487 - مفاهيم القرآن :

جعفر الهادي ، الطبعة الثانية 1404 ه- ، قم ، منشورات توحيد.

488 - المفردات في غريب القرآن :

أبو القاسم الحسين بن محمّد ، المعروف بالراغب الأصفهاني ، المتوفّى 502 ه- ، الطبعة الأُولى 1404 ه- ، دفتر نشر الكتاب.

489 - مقتل الحسين ( مقتل أبي مخنف ) :

لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف الأزدي ، المتوفّى 157 ه- ، تحقيق الشيخ حسن الغفّاري ، طبعة 1398 ه- ، قم ، مكتبة السيّد المرعشي النجفي.

490 - مقتل الحسين أو واقعة الطفّ :

محمّد تقي آل بحر العلوم ، المتوفّى 1393 ه- ، تعليق الحسين بن التقي آل بحر العلوم ، الطبعة الثالثة 1412 ه- ، بيروت ، دار الزهراء.

491 - مقتل الحسين ( مقتل الخوارزمي ) :

أبو المؤيّد الموفّق بن أحمد المكّي أخطب خوارزم ، المتوفّى 568 ه- ، تحقيق الشيخ محمّد السماوي ، الطبعة الأُولى 1418 ه- ، قم ، دار أنوار الهدى.

492 - مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين :

أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري ، المتوفّى 324 ه- ، تصحيح هلموت ريتر ، الطبعة الثالثة 1400 ه.

493 - المقنع :

أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، المعروف بالشيخ الصدوق ، المتوفّى 381 ه- ، تحقيق مؤسّسة الإمام الهادي ، طبعة 1415 ه- ، قم ، مؤسّسة الإمام الهادي.

494 - المقنعة :

أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي المفيد ، المتوفّى

ص: 643

413 ه- ، تحقيق مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية 1410 ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

495 - مكارم الأخلاق :

أبو نصر الحسن بن الفضل الطبرسي ، المتوفّى 548 ه- ، الطبعة السادسة 1392 ه- ، قم ، منشورات الشريف الرضي.

496 - الملل والنحل :

أبو الفتح محمّد بن عبد الكريم بن أحمد الشهرستاني ، المتوفّى 548 ه- ، تحقيق محمّد سيّد كيلاني ، بيروت ، دار المعرفة.

497 - من لا يحضره الفقيه :

أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، المعروف بالشيخ الصدوق ، المتوفّى 381 ه- ، تحقيق علي أكبر الغفّاري ، الطبعة الثانية 1404 ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

498 - المنار المنيف في الصحيح والضعيف :

أبو عبد اللّه محمّد بن أبي بكر الدمشقي ، المعروف بابن القيّم الجوزية ، المتوفّى 751 ه- ، تحقيق عبد الفتّاح أبو غدة ، الطبعة الثانية 1403 ه- ، حلب ، مكتب المطبوعات الإسلامية.

499 - المناقب ( مناقب الخوارزمي ) :

أبو المؤيّد الموفّق بن أحمد المكّي أخطب خوارزم ، المتوفّى 568 ه- ، تحقيق الشيخ مالك المحمودي ، الطبعة الثانية 1411ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

500 - مناقب آل أبي طالب :

أبو عبد اللّه محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني ، المتوفّى 588 ه- ، تحقيق لجنة من أساتذة النجف ، طبعة 1376 ه- ، النجف ، المكتبة الحيدرية.

501 - مناقب الإمام علي بن أبي طالب :

أبو الحسن علي بن محمّد الشافعي ، الشهير بابن المغازلي ، المتوفّى 483 ه- ، الطبعة الثالثة 1424 ه- ، بيروت ، دار الأضواء.

ص: 644

502 - مناقب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب :

محمّد بن سليمان الكوفي القاضي ، كان حيّاً سنة 300 ه- ، تحقيق الشيخ محمّد باقر االمحمودي ، الطبعة الأُولى 1412 ه- ، قم ، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية.

503 - مناقب علي بن أبي طالب وما نزل من القرآن في علي :

أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه الأصفهاني ، المتوفّى 410 ه- ، تحقيق عبد الرزّاق محمّد حسين حرز الدين ، الطبعة الأُولى 1422 ه- ، قم ، دار الحديث.

504 - مناقب المرتضوية :

الكشفي ، ( نقلنا عنه بالواسطة ).

505 - المنتخب من مسند عبد بن حميد :

أبو محمّد عبد بن حميد ، المتوفّى 249 ه- ، تحقيق صبحي البدري السامرّائي ، محمود محمّد الصعيدي ، الطبعة الأُولى 1408 ه- ، بيروت ، مكتبة النهضة العربية.

506 - منتهى المطلب :

أبو منصور الحسن بن يوسف بن علي بن المطهّر الحلّي ، المعروف بالعلاّمة ، المتوفّى 726 ه- ، تبريز ، حاج أحمد.

507 - المنجد في اللغة :

الطبعة الخامسة والثلاثون 1996 م ، بيروت ، منشورات دار المشرق.

508 - منهاج السنّة النبوية :

أبو عباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الدمشقي الحنبلي ، المتوفّى 728 ه- ، تحقيق محمّد رشاد سالم ، الطبعة الأُولى 1406 ه- ، مؤسّسة قرطبة.

510 - منهاج الصالحين :

السيّد أبو القاسم الخوئي ، المتوفّى 1413 ه- ، الطبعة الثامنة والعشرون 1410 ه- ، قم ، مدينة العلم.

511 - منهاج النجاة في بيان العلم الواجب على كلّ مسلم ومسلمة :

محمّد محسن الفيض الكاشاني ، المتوفّى 1091 ه- ، تحقيق غالب حسن ،

ص: 645

طبعة 1411 ه- ، قم ، المركز العالمي للدراسات الإسلامية.

512 - منهج الرشاد لمن أراد السداد :

جعفر كاشف الغطاء المتوفّى 1228 ه- ، تحقيق جودت القزويني ، الطبعة الأُولى 1418 ه- ، ضمن كتاب ( العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية ) للشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء.

513 - موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبّان :

علي بن أبي بكر الهيثمي ، المتوفّى 807 ه- ، تحقيق محمّد بن عبد الرزاق حمزة ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

514 - المواقف في علم الكلام :

القاضي عبد الرحمن بن أحمد الإيجي ، المتوفّى 756 ه- ، القاهرة ، مكتبة المتنبّي.

515 - الموافقات في أصول الشريعة :

أبو إسحاق إبراهيم بن موسى اللّخمي الغرناطي ، المعروف بالشاطبي ، المتوفّى 790 ه- ، تحقيق خالد عبد الفتّاح شبل ، طبعة 1420 ه- ، بيروت ، مؤسّسة الكتب الثقافية.

516 - مواهب الجليل لشرح مختصر خليل :

أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد المغربي ، المعروف بالحطّاب الرعيني ، المتوفّى 954 ه- ، تصحيح الشيخ زكريا عميرات ، الطبعة الأُولى 1416 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

517 - المواهب اللدنية بالمنح المحمّدية ( مع شرح الزرقاني ) :

أبو العباس أحمد السقطلاني ، المتوفّى 923 ه- ، الطبعة الأُولى 1417 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

518 - الموحّدون الدروز في الإسلام :

مرسل نصر ، الطبعة الثانية 1417 ه- ، بيروت ، الدار الإسلامية.

519 - الموسوعة اليهودية :

نقلنا عنها بالواسطة.

ص: 646

520 - الموضوعات :

أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي القرشي ، المتوفّى 597 ه- ، تحقيق عبد الرحمن محمّد عثمان ، الطبعة الأُولى 1386 ه- ، المدينة المنوّرة ، المكتبة السلفية.

521 - الموطأ :

مالك بن أنس ، المتوفّى 179 ه- ، تحقيق محمّد فؤاد عبد الباقي ، الطبعة الأولى 1406 ه- ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي.

522 - ميزان الحكمة :

محمّد الري شهري ، تحقيق دار الحديث ، الطبعة الأُولى 1416 ه- ، قم ، دار الحديث.

523 - ميزان الاعتدال في نقد الرجال :

أبو عبد اللّه محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي ، المتوفّى 748 ه- ، تحقيق علي محمّد البجاوي ، الطبعة الأُولى 1382 ه- ، بيروت ، دار المعرفة.

524 - الميزان في تفسير القرآن :

محمّد حسين الطباطبائي ، المتوفّى 1402 ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

525 - الناصريات :

علي بن الحسين الموسوي الشريف المرتضى ، المتوفّى 436 ه- ، تحقيق مركز البحوث والدراسات العلمية ، طبعة 1417 ه- ، طهران ، رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية.

526 - النزاع والتخاصم بين بني أُمية وبني هاشم :

أحمد بن علي المقريزي ، المتوفّى 845 ه- ، تحقيق السيّد علي عاشور.

527 - نزل الأبرار بما صحّ في مناقب أهل البيت الأطهار :

محمّد بن معتمد خان البدخشي ، دار المعرفة والهدى.

528 - نسيم الرياض في شرح الشفا القاضي عياض :

أحمد شهاب الدين الخفاجي ، دار الفكر.

ص: 647

529 - النصّ والاجتهاد :

عبد الحسين شرف الدين الموسوي ، المتوفّى 1377 ه- ، تحقيق أبو مجتبى ، الطبعة الأُولى 1404 ه- ، قم ، أبو مجتبى.

530 - نصب الراية تخريج أحاديث الهداية :

جمال الدين الزيعلي ، المتوفّى 762 ه- ، تحقيق أيمن صالح شعباني ، الطبعة الأُولى 1415 ه- ، القاهرة ، دار الحديث.

531 - نقد الرجال :

مصطفى بن الحسين الحسيني التفريشي ، كان حيّاً سنة 1044 ه- ، تحقيق مؤسّسة آل البيت ، الطبعة الأُولى 1418 ه- ، قم ، مؤسّسة آل البيت.

532 - نظم درر السمطين في فضائل المصطفى والمرتضى والبتول والسبطين :

محمّد بن يوسف الزرندي الحنفي ، المتوفّى 750 ه- ، الطبعة الأُولى 1377ه- ، من مخطوطات مكتبة الإمام أمير المؤمنين العامّة.

533 - نفحات محمّدية :

محمّد جواد مغنية ، الطبعة الأُولى 1400 ه- ، بيروت ، دار الجواد.

534 - نفس المهموم في مصيبة سيّدنا الحسين المظلوم :

عباس القمّي ، المتوفّى 1359 ه- ، طبعة 1405 ه- ، قم ، مكتبة بصيرتي.

535 - نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار :

مؤمن بن حسن الشبلنجي ، تخريج الشيخ عبد الوارث محمّد علي ، الطبعة الأُولى 1418 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

536 - نور البراهين في أخبار السادة الطاهرين :

نعمة اللّه الموسوي الجزائري ، المتوفّى 1112 ه- ، تحقيق السيّد الجزائري ، الطبعة الأُولى 1417 ه- ، قم ، مؤسّسة النشر الإسلامي.

537 - النهاية في غريب الحديث والأثر :

أبو السعادات المبارك بن محمّد ابن الأثير الجزري ، المتوفّى 606 ه- ، تخريج صلاح بن محمّد بن عويضة ، الطبعة الأُولى 1418 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

ص: 648

538 - النهاية في مجرد الفقه والفتاوى :

أبو جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطوسي ، المتوفّى 460 ه- ، طبعة أوفست ، قم ، منشورات قدس.

539 - نهج الإيمان :

علي بن يوسف بن جبر ، المتوفّى في القرن السابع ، تحقيق السيّد أحمد الحسيني ، الطبعة الأُولى 1418 ه- ، مشهد ، مجتمع الإمام الهادي.

540 - نواسخ القرآن :

أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي القرشي ، المتوفّى 597 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

541 - نيل الأوطار من أحاديث سيّد الأخيار ( شرح منتقي الأخبار ) :

محمّد بن علي بن محمّد الشوكاني ، المتوفّى 1255 ه- ، طبعة 1973 م ، بيروت ، دار الجيل.

542 - الهدى إلى دين المصطفى :

محمّد جواد البلاغي ، قم ، دار الكتب الإسلامية.

543 - الهداية في الأُصول والفروع :

أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، المعروف بالشيخ الصدوق ، المتوفّى 381 ه- ، تحقيق مؤسّسة الإمام الهادي ، الطبعة الأُولى 1418 ه- ، قم ، مؤسّسة الإمام الهادي.

544 - الهداية الكبرى :

أبو عبد اللّه الحسين بن حمدان الخصيبي ، المتوفّى 334 ه- ، الطبعة الرابعة 1411 ه- ، بيروت ، مؤسّسة البلاغ.

545 - الوافي :

محمّد محسن الفيض الكاشاني ، المتوفّى 1091 ، طبعة 1404 ه- ، إيران ، منشورات مكتبة السيّد المرعشي النجفي.

546 - الوافي بالوفيات :

خليل بن ايبك الصفدي ، المتوفّى 764 ه- ، تحقيق أحمد الأرنأووط ، تركي مصطفى ، الطبعة الأُولى 1420 ه- ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي.

ص: 649

* وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة = تفصيل وسائل الشيعة :

محمّد بن الحسن الحرّ العاملي ، المتوفّى 1104 ه- ، تحقيق مؤسّسة آل البيت ، الطبعة الثانية 1414 ه- ، قم ، مؤسّسة آل البيت.

547 - الوافي :

محمّد محسن الفيض الكاشاني ، المتوفّى 1091 ، طبعة 1404 ه- ، إيران ، منشورات مكتبة السيّد المرعشي.

548 - الوفا بأحوال المصطفى :

أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي القرشي ، المتوفّى 597 ه- ، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا ، الطبعة الأُولى 1408 ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

549 - وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى :

علي بن أحمد السمهودي ، المتوفّى 911 ه- ، تحقيق محمّد محيي الدين عبد الحميد ، طبعة 1417 ه- ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي.

550 - وفيات الأئمّة :

مجموعة من العلماء ، الطبعة الأُولى 1412 ه- ، بيروت ، دار البلاغة.

551 - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان :

أبو العباس أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلّكان ، المتوفّى 681ه- ، تحقيق يوسف علي طويل ، مريم قاسم طويل ، الطبعة الأُولى 1419ه- ، بيروت ، دار الكتب العلمية.

552 - وقعة الجمل :

ضامر بن شدقم بن علي الحسيني المدني ، المتوفّى 1082 ه- ، تحقيق السيّد تحسين آل شبيب الموسوي ، الطبعة الأُولى 1420 ه.

553 - وقعة صفّين :

نصر بن مزاحم المنقري ، المتوفّى 212 ه- ، تحقيق عبد السلام محمّد هارون ، الطبعة الثانية 1382 ه- ، المؤسّسة العربية الحديثة.

554 - وقفة مع الجزائري في نصيحته لكُلّ شيعي :

حسن عبد اللّه.

ص: 650

555 - اليقين باختصاص مولانا علي بإمرة المؤمنين :

أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن طاووس ، المتوفّى 664 ه- ، تحقيق الأنصاري ، الطبعة الأُولى 1413 ه- ، قم ، مؤسّسة دار الكتاب.

556 - ينابيع المودّة لذوي القربى :

سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي ، المتوفّى 1294 ه- ، تحقيق علي جمال اشرف الحسيني ، الطبعة الأُولى 1416 ه- ، دار الأسوة.

ص: 651

ص: 652

الفهرس

القرآن الكريم

وجه تسمية السور... 7

ترتيب الآيات... 8

قضية خلقه قضية مفتعلة... 9

قول الأئمّة حول خلقه... 9

ترتيب الآيات والسور... 11

معاني الحروف المقطّعة... 11

آخر ما نزل منه... 13

نزوله باللغة العربية... 15

الفرق بين التدبّر والتفسير والتأويل... 16

تفسير ( وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى ) ... 17

تفسير آية 62 من البقرة... 17

معنى الكفر في ( فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) ... 19

هو مخلوق... 20

قولنا : صدق اللّه العلي العظيم... 21

جواز قراءته بالقراءات المشهورة... 21

نزل على حرف واحد... 22

جواز قراءته في أيّام الدورة الشهرية غيباً... 23

تفسير ( لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) ... 24

فائدة الآية المنسوخة... 25

ص: 653

تفصيل حول خلقه... 27

كيفية تصحيح الآراء المختلفة في تفسيره... 33

مراحل نزوله... 34

معجزته غير البلاغية... 39

أُمّ الكتاب... 40

بحث في القراءات... 44

معنى نزوله على سبعة أحرف... 46

حصل جمعه في زمن النبيّ صلى اللّه عليه وآله... 48

منهج التفسير عند السيّد الطباطبائي... 49

الآراء المطروحة في نزوله... 50

المخاطب في قوله ( فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً ) الزوجان لا آدم وحوّاء... 52

معنى ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) ... 53

ترتيب آيتي البلاغ والإكمال... 54

المقصود بالفؤاد... 55

ثواب سورة الواقعة... 58

معنى الحجّة البالغة... 59

القسم بغير اللّه

جائز ولكن لا يصحّ... 61

يترتّب عليه أثر دنيوي وأُخروي... 62

حكمه في المذاهب الأربعة... 63

قول آمين في الصلاة

لا يصحّ لتوقيفية العبادات... 67

ص: 654

مبطل للصلاة... 68

من البدع التي أُحدثت بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله... 69

الروايات الدالّة على مشروعيتها ضعيفة السند... 70

القياس

في نظر الشيعة... 73

تعريفه... 73

أدلّته... 74

أركانه وحجّيته... 85

أقسامه... 86

كتاب لله ثمّ للتاريخ

تأليف بعض الوهّابية... 91

في النقد العلمي... 94

ما نشرته صحف الكويت حوله... 114

كربلاء وواقعة الطف

مسائل تتعلّق بها... 119

أسئلة تتعلّق بها... 123

لطم الخدود وشق الجيوب... 124

زواج القاسم... 124

علي بن الحسين هو علي الأكبر... 125

شبهات وردود حولها... 125

منع جيش الحسين من الماء... 180

تقدّم كربلاء بالخلق بمعنى التقدير... 182

ص: 655

فضل كربلاء... 183

اللعن

جواز لعن بعض الصحابة... 187

من لعنهم اللّه ورسوله... 188

دعاء صنمي قريش... 191

المقصود من لعن بني أُمية قاطبة... 191

لا ينافي التقريب... 192

السبّ مرفوض في ديننا دون اللعن... 193

البحث فيه يستلزم التجرّد عن كُلّ موروث... 195

معناه ودليل جوازه من الكتاب والسنّة... 195

حقيقته... 197

آيات وروايات تنهى عن السبّ... 198

متعة الحجّ

ماهيّتها وتحريم عمر لها... 201

أدلّتها ومن نهى عنها... 202

موقف المسلمين من نهي عمر... 206

متعة النساء

في الكتاب والسنّة... 209

أنواع الزواج وشروطه... 211

جوازها... 212

كيفية صيغتها... 213

الأدلّة على جوازها... 214

ص: 656

الفرق بينها وبين زواج المسيار... 216

فرقها مع الزنا ، ولم تحرّم يوم خيبر... 217

جائزة مع الزانية... 220

تعليق على الجواب السابق... 222

التطبيق العملي لها... 222

الشيعة تحلّلها... 225

التمتّع بالصغيرة ليست من مختصّات الشيعة... 226

حلّ من الحلول للزانية... 227

تعتبر من الحلول الأساسية للمجتمع... 227

تساؤلات حول المتعة... 228

صحيحة عقلاً وشرعاً... 230

النهي عنها محمول على التقية... 232

التمتّع بملك اليمين... 232

تكره مع المشهورة بالزنا... 233

ليست مسألة سائبة لا ضوابط فيها... 234

المسح على الرجلين

في قوله ( وَأَرْجُلَكُمْ ) ثلاث قراءات... 235

القرآن صريح في وجوبه... 236

معنى الكعب في قوله ( إِلَى الْكَعْبَينِ ) ... 237

مصحف فاطمة عليها السلام

عند الإمام المهدي... 239

ليس هو قرآن الشيعة... 240

ص: 657

ليس فيه أحكاماً شرعية... 242

المعاد

رأي الشيعة في التناسخ والحلول والتشبيه... 245

من هم الولدان المخلّدون... 246

معنى ( لاَبِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا ) ... 247

ماهية الولدان المخلّدون... 248

من يرعى الأطفال بعد موتهم... 248

ما للنساء من أزواج في الجنّة... 249

نصوص في المعاد الجسماني... 250

شبهة الآكل والمأكول... 251

الحساب أوّلاً ثمّ المرور على الصراط... 253

مسألة خلق الجنّة والنار... 254

نصوص حول عالم البرزخ... 254

غير المسلم قد يدخل الجنّة... 255

الجنّ يحشرون مع الإنس في الجنّة والنار... 256

الحياة في البرزخ... 258

التناسخ عقيدة باطلة... 259

الحساب في البرزخ يختلف عمّا هو في الدنيا... 259

وقت موت إبليس... 260

نوع الأكل يوم الحشر... 262

حساب عرب الجاهلية... 263

حشر الوحوش فيه... 264

ص: 658

معاوية بن أبي سفيان

بعض مثالبه... 267

كان يسبّ علياً... 268

من الطائفة الباغية... 268

مسلم في الظاهر... 272

لم يبك على علي عند شهادته... 275

وصيته ليزيد إن ظفر بالحسين... 277

المعجزة

شروطها... 279

التمييز بين معجزة النبيّ وغيره... 280

لازمة لكُلّ نبي... 281

الملائكة

علمها بأنّ الإنسان يسفك الدماء... 283

اللّه تعالى غير محتاج لهم... 285

حول نورهم وسجودهم... 286

تعقيب على الجواب السابق... 286

وظائفها... 287

حكمة خلقهم... 287

أيضاً يموتون... 291

النبوّة والأنبياء

من صفات النبوّة السلامة من العاهات... 293

ص: 659

إدريس ومعجزته... 295

المقصود بالأسباط... 295

عيسى ونفخ الروح... 296

التفاضل بين الأنبياء موجود... 297

دانيال وجرجيس نبيّان... 299

عدم اشتراط النبوّة بعمر خاصّ... 300

تعليق على الجواب السابق وجوابه... 300

رواية ضرب موسى لملك الموت ضعيفة... 301

حكمة ذكر النبيّ موسى أكثر من غيره... 301

نوح الأب الثاني للبشرية... 302

حكمة منع آدم الأكل من الشجرة... 302

أجساد المعصومين لا تبلى... 303

الحجّة ما بين عيسى ومحمّد... 304

الفرق بين النبيّ والرسول... 305

يأجوج ومأجوج... 305

علّة تكليم موسى... 306

اصطفاء الأنبياء... 307

تمنّي مريم لا ينافي التسليم... 308

النبي محمّد صلى اللّه عليه وآله

وآية عبس وتولّى... 311

استشهاده مسموماً... 313

لا يتأثّر بالسحر... 314

من اختصاصاته الزواج بأكثر من أربع نساء... 315

ص: 660

ليس له أُخوة... 316

لا يحتاج إلى اجتهاد... 316

ابنته الوحيدة فاطمة... 317

تعقيب على الجواب السابق... 317

على الأكثر مات مسموماً... 317

تعليق على الجواب السابق وجوابه... 319

أزواجه وسبب زواجه منهنّ... 319

أسباب ونتائج هجرته... 321

لم يكن جبرائيل أعلم منه... 322

موقفه من أسرى بدر... 323

كونه أُمّياً لا يعدّ منقصة... 326

هو والأئمّة سواء في رتبة الإمامة... 327

تعليق على الجواب السابق وجوابه... 327

كان يرقص بأكمامه في روايات أهل السنّة... 329

لم يكن خائفاً عند نزول الوحي عليه... 329

هو الصادر الأوّل... 331

علماء السنّة القائلين بعدم نزول ( عَبَسَ ) فيه... 333

بحث مفصّل في شأن نزول ( عَبَسَ وَتَوَلَّى ) ... 334

تأخير نزول الوحي عليه لا يدلّ على عدم عصمته... 342

لماذا ختمت به الرسالات مع أنّ العلم يتطوّر... 343

الجمع بين كون آباءه موحّدون وتسمية عبد المطلب ابنه بعبد العزى... 343

قضية زوجة زيد... 346

سهوه في الصلاة غير صحيح... 350

ص: 661

لم يحرّم على نفسه ما هو حرام... 356

ما ينطق عن الهوى فيما يتعلّق بالوحي... 359

العفو عن تركه الأولى... 359

له قرين... 362

الحقيقة النبوية... 363

( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ) ... 369

كان يعلم قبل نبوّته أنّه سيكون نبيّاً... 370

يجوز له أن يقتل من يشاء في مكّة... 371

زينب ورقية ربيبتاه... 372

حقيقته... 374

سمّى المنافقين... 375

حاشاه أن يتبوّل قائماً... 377

عوتب عتاب تشريف لا ذنب... 378

النساء

معالجة الروايات التي تذمّ المرأة... 381

ورود ذم لركوبها الخيل... 384

مسائل مختلفة تتعلّق بها... 384

معنى ناقصة عقل ودين... 388

( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) ... 389

معنى غيرة المرأة كفر... 390

النظر إلى المبتذلات منهنّ... 391

ص: 662

النصّ على الأئمّة

نقوضات على النصّ في الإمامة وردّها... 393

بحديث صحيح السند... 402

إشكالات حوله وردّها... 403

النصب والنواصب

معنى الناصبي... 405

معنى العامّة ومعنى النواصب... 405

النواصب كفّار وإن صلّوا وصاموا... 406

النكاح

جواز التمتّع بالزوجة الرضيعة... 413

تعقيب على الجواب السابق... 414

كيفية الاستمتاع بالزوجة الرضيعة... 420

نكاح الجواري بملك اليمين... 421

ليس فيه ظلم للزوجة... 422

جائز بين سنّي وشيعية وبالعكس... 425

ولد الزنا كغيره مرهون بعمله... 425

النظر إلى عورة كُلّ من الزوجين جائز... 426

حدّ العورة... 427

اختيار زوجة علوية حسن... 431

أحاديث تحث على الإنجاب... 431

من جوّز نكاح الرجل لابنته وأخته من الزنا... 432

لا تزاوج بين الإنس والجنّ... 434

ص: 663

زواج الشيعية من السنّي... 435

زواج الذكور بالذكور فيه تجاوز على الإنسانية... 436

جواز نكاح دون العاشرة... 437

نهج البلاغة

المراد من والزموا السواد الأعظم... 439

لم يذكر فيه كسر ضلع الزهراء... 441

الخطبة الشقشقية في مصادر سنّية... 443

حول عبارة خطرك يسير... 445

الوحدة الإسلامية

تتحقّق بالتمسّك بوصية الرسول... 447

مطلوبة بين المسلمين... 448

تتحقّق بالحوار الهادف... 449

لتحقيقها نظرتان... 450

الوضوء

ما ورد في كيفيته من كتاب الغارات لا يعتمد عليه... 453

كيفيته... 454

غسل اليد من المرفق... 454

كيفية وضوء رسول اللّه... 456

وطئ الزوجة من الدبر

محلّ نقاش عند أهل السنّة... 457

تعليق على الجواب السابق وجوابه... 459

ص: 664

تعليق على الجواب السابق... 461

حكمه وأدلّته... 462

معنى قوله : ( نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ) ... 463

في صحيح البخاري وفتح الباري... 464

معنى اللعن الوارد فيه... 467

وقت الإفطار

زوال الحمرة المشرقية... 469

الولاية التكوينية والتشريعية

معنى التكوينية وثبوتها لأهل البيت... 471

ثبوت التكوينية للمعصوم... 473

التكوينية ثابتة للأئمّة بروايات كثيرة... 474

معناهما وتعريفهما... 475

مصطلح الولاية التكوينية... 476

لا يلزم الغلوّ من ثبوتها لأهل البيت... 479

ثابتان لمعصوم بإذن اللّه... 480

الوهّابية ومحمّد بن عبد الوهّاب

اعتقاداتهم... 483

بعض المآخذ والانتقادات عليهم... 486

علاقتهم بمستر همفر... 492

زرعوا الفتنة والبغضاء بين المسلمين... 493

الردّ عليهم واجب... 493

كيف نتعامل معهم... 494

ص: 665

فيهم العالم المنحرف والجاهل المتعصّب... 495

تكفيرهم لأهل القبلة... 496

يزيد بن معاوية

مخلّد في النار لقتله أهل البيت... 505

مصادر سنّية تكفّره وتجوّز لعنه... 505

ما ذكر من مناقبه غير صحيح... 507

الأسئلة المتفرّقة

عيد النيروز والغسل فيه... 513

الفتوحات الإسلامية... 514

من البرامج الروحية التزكية والتحلية... 515

جاء الإسلام بالعدالة لا بالمساواة... 516

أعمال الكفّار لا تُقبل... 516

تشكّل الجنّ بشكل الإنسان... 517

معنى آية اللّه... 518

مفهوم نحوسة الأيّام... 519

كيفية التدريس ومنح الألقاب في الحوزة... 521

مقوّمات شخصية الإنسان... 522

أسباب ثورة الزنج... 522

الفرق بين العلم الحصولي والحضوري... 523

الدليل العقلي على التمسّك بالإسلام... 524

الطريق إلى معرفة الثقافة الإسلامية... 525

الكافر يكافأ في الدنيا على أعماله الإيجابية... 526

ص: 666

تشخيص الحقّ من الباطل بالعقل... 526

لابدّ من معرفة من نحبّ... 527

معنى تجرّد الروح... 527

محاسبة النفس... 528

معنى كلمة الحلوليون... 529

حول الوطنية والقومية والديمقراطية... 529

المرجعية أولت اهتماماً لقضية فلسطين... 530

توضيح عن الديمقراطية والوطنية والقومية... 530

التشبّه بالكفّار حرام... 531

حقوق الناس وإبراء ذمّتهم... 531

الحسن والقبح العقليين... 532

تسمية المولود بيد الزوج... 533

التوبة وشروطها... 534

الفرق بين الاحتمال والمُحتمل... 534

الذنوب الكبيرة والصغيرة... 535

علّة تحريم لحم الخنزير... 538

تعقيب على الجواب السابق... 540

الذكاء الوجداني... 540

حقوق الزوجين... 542

الإسلام ومسألة الرقّ والعبودية... 542

تعليق على الجواب السابق وجوابه... 544

من لم يخف اللّه خاف من الناس... 546

حقيقة الزلازل وكونها من الابتلاءات الإلهية... 547

ص: 667

معنى الصدفة... 548

تعريف المكان فلسفياً... 549

أسباب الخوف من سوء الخاتمة... 549

نظرية التطوّر فاسدة عقلاً وشرعاً... 550

التفكير ليس أثراً مادّياً... 557

معنى قاعدة حكم الأمثال... 558

اختلاف العبادات بين الشيعة والسنّة... 559

علاقة الأجزاء بالمركّب... 560

معنى التقليد والأدلّة عليه... 562

العقل في حالة قطعيته مقدّم على النصّ... 563

قول لا إله إلاّ اللّه مشروط بالإخلاص... 564

معرفة الحقّ من خلال قواعد عقلية... 566

تسمية علم الكلام... 567

الرؤية الكونية... 568

برهان النظم لا يجري في عالم التشريع... 569

البكاء من خشية اللّه... 570

احتياج المركّب إلى الجزء... 571

عملية التنصيص الإلهي على المرجع مفقودة... 572

إطلاق لقب العلاّمة... 573

الحكم في المسائل المستحدثة... 574

حلّية التدخين... 576

المراد من مسيرة عام... 579

العلم نور من اللّه... 579

ص: 668

الفرق بين الوجود والموجود... 580

العقيدة لغة واصطلاحاً... 581

لا يجب على المعصوم فعل كُلّ مستحبّ... 582

فتاوى غريبة لأئمّة المذاهب... 583

النظر بالمرآة إلى عورة الخنثى لأجل الميراث... 585

فهرس المصادر... 587

الفهرس الإجمالى... 653

ص: 669

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.