موسوعة الأسئلة العقائديّة المجلد 4

هوية الكتاب

المؤلف: مركز الأبحاث العقائديّة

الناشر: مركز الأبحاث العقائدية

المطبعة: ستاره

الطبعة: 1

الموضوع : العقائد والكلام

تاريخ النشر : 1429 ه.ق

ISBN (ردمك): 978-600-5213-04-1

المكتبة الإسلامية

موسوعة

الأسئلة العقائدية

المجلد الرابع

تأليف

مركز الأبحاث العقائدية

ص: 1

اشارة

مركز الأبحاث العقائدية :

إيران - قم المقدسة - صفائية - ممتاز - رقم 34

ص . ب : 3331 / 37185

الهاتف : 7742088 (251) (0098)

الفاكس : 7742056 (251) (0098)

العراق - النجف الأشرف - شارع الرسول (صلى اللّه عليه وآله)

جنب مكتب آية اللّه العظمى السيد السيستاني دام ظله

ص . ب : 729

الهاتف : 332679 (33) (00964)

الموقع على الإنترنيت : www.aqaed.com

البريد الإلكتروني : info@aqaed.com

شابِك ( ردمك ) :3-00-5213-600-978

شابِك ( ردمك ) :0-01-5213-600-978

موسوعة الأسئلة العقائدية المجلد الأول

تأليف

مركز الأبحاث العقائدية

الطبعة الأولى - 2000 نسخة

سنة الطبع: 1429ه

المطبعة : ستارة

الفلم والألواح الحسّاسة : تيزهوش

* جميع الحقوق محفوظة للمركز *

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 3

ص: 4

دليل الكتاب

السبئية وعبد اللّه بن سبأ... 7

السجود على التربة... 15

سرية أُسامة... 27

السقيفة... 33

الشطرنج... 37

الشفاعة... 43

الشهادة الثالثة في الأذان... 53

الشورى... 59

الشيعة... 63

الصحابة... 127

الصلاة... 169

صلاة التراويح... 191

الصلاة عند القبور... 203

الصوم... 209

صوم يوم عاشوراء... 215

الطهارة والنجاسة... 223

عائشة بنت أبي بكر... 227

ص: 5

عالم الذرّ... 257

عثمان بن عفّان... 293

العصمة... 303

علم المعصوم... 359

عمر بن الخطّاب... 375

العولمة والحداثة... 407

الغدير... 411

الغسل... 427

الغلوّ... 431

الغناء والموسيقى... 441

الغيبة... 449

فاطمة الزهراء عليها السلام... 471

فدك... 511

فرق ومذاهب... 517

الفرقة الناجية... 567

الفهرس... 573

ص: 6

السبئية وعبد اللّه بن سبأ :

اشارة

( حامد - البحرين - .... )

ابن سبأ بين الأسطورة والواقع :

س : من هو عبد اللّه بن سبأ؟

ج : هناك نظريتان حول عبد اللّه بن سبأ ، نذكرهما باختصار :

1 - إنّ عبد اللّه بن سبأ شخصية وهمية وأسطورة ، وهذا القول كما ذهب إليه السيّد العسكري والشيخ مغنية ، ذهب إليه عدد من المفكّرين المسلمين المستشرقين.

نعم ، إنّ الآراء التي نشرها السيّد العسكري حول عبد اللّه بن سبأ ، الأسطورة السبئية ، والتي صدرت في مجلّدين ، ليست هي كُلّ النتائج التي توصّل إليها ، فهناك مجلّد مخطوط اسمه « عبد اللّه بن سبأ والأسطورة السبئية » حيث تناول فيه الأسطورة السبئية بتفصيل أوسع.

2 - إنّ عبد اللّه بن سبأ له وجود عادي ، وأنّ الكثير ممّا نسب إليه لا أصل له ، بل اخترعه النواصب للطعن بالتشيّع.

والأدلّة تساعد على أنّ ابن سبأ كان له وجود ، ولكن أعداء التشيّع أرادوا وسيلة يتّخذونها للطعن بالتشيّع ، وخير وسيلة كانت لهم أن جعلوا من ابن سبأ شخصية تاريخية كبيرة نسبوا له تأسيس التشيّع ، مع أنّ ابن سبأ ملعون على

ص: 7

لسان أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، وملعون على لسان علمائنا ، والشيعة منه براء ، ولا توجد له أيّ صلة بالتشيّع.

( عبد اللّه حاجي - الكويت - .... )

طعن علماء السنّة بابن سبأ :

س : تحياتي لكم على هذا المجهود الذي تبذلونه ، منذ فترة قريبة كنت أتناقش مع أحد السنّة ، فذكر لي شخص اسمه « عبد اللّه بن سبأ » ، لذا أُريد أن اسأل بعض الأسئلة عن هذا الشخص :

1 - هل كان يهودياً؟

2 - هل صحيح أنّه مؤسّس مذهب الشيعة؟

3 - هل صحيح أنّه دخل على الإمام علي عليه السلام ، وقال له : أنت ربّي؟

4 - هل صحيح كانت له علاقة قوية بالإمام علي عليه السلام؟

ج : نجيب على أسئلتك إجمالاً وتفصيلاً :

أمّا أجمالاً : بالنسبة لسؤالك الأوّل نقول : نعم ، كان يهودياً ، إن لم نقل أنّه شخصية وهمية.

وبالنسبة لسؤالك الثاني نقول : غير صحيح ، بل مؤسّس أساس التشيّع هو رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

وبالنسبة لسؤالك الثالث نقول : نعم ، هو أوّل من قال بألوهية الإمام علي عليه السلام.

وبالنسبة لسؤالك الرابع نقول : غير صحيح ، ومن يدّعي ذلك فليأتنا بدليل.

وأمّا تفصيلاً : فالذي أفاده جمع من المحقّقين والباحثين - كالعلاّمة السيّد مرتضى العسكري في كتابه عبد اللّه بن سبأ - أنّه رجل اختلقه خصوم الشيعة ، كيداً لهم وإزراءً عليهم.

وتأييداً لذا ، قال الدكتور عبد العزيز الهلابي - الأُستاذ في قسم التاريخ بكُلّية الآداب بجامعة الملك سعود بالرياض - : « وعلى أيّة حال ، فسَيف - وهو راوي قصّة ابن سبأ - أراد طعن الشيعة في الصميم ، وذلك بنسبة مذهب التشيّع

ص: 8

إلى يهودي حاقد على الإسلام ، يريد تقويضه من الداخل ، وأنّ أفكار الشيعة - المعتدلين منهم والغلاة - ليست سوى أفكار هذا اليهودي » (1).

وقال الدكتور طه حسين : « إنّ أمر السبئية وصاحبهم ابن السوداء ، إنّما كان متكلّفاً منحولاً ، قد اختُرع بأخَرَة ، حين كان الجدال بين الشيعة وغيرهم من الفِرق الإسلامية ، أراد خصوم الشيعة أن يُدخِلوا في أُصول هذا المذهب عنصراً يهودياً ، إمعاناً في الكيد لهم والنيل منهم »(2).

ويأتي الدكتور أحمد محمّد صبحي ، ليستعرض كلام الدكتور طه حسين حول وهمية عبد اللّه بن سبأ ، ثمّ يعلّق على هذا الموضوع قائلاً :

« ويبدوا أنّ مبالغة المؤرّخين وكتّاب الفرق في حقيقة الدور الذي قام به عبد اللّه بن سبأ ، يرجع إلى سبب آخر غير ما ذكره الدكتور طه حسين ، فلقد حدثت في الإسلام أحداث سياسية ضخمة - كمقتل عثمان ، ثمّ حرب الجمل ، وقد شارك فيها كبار الصحابة ، وزوجة الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وكُلّهم يتفرّقون ويتحاربون - وكُلّ هذه الأحداث تصدم وجدان المسلم المتتبع لتاريخه السياسي ... ولم يكن من المعقول أن يتحمّل وزر ذلك كُلّه صحابة أجلاّء أبلوا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بلاءً حسناً ، فكان لابدّ أن يقع عبء ذلك كُلّه على ابن سبأ »(3).

وحسبكم هذه الكلمات التي كتبها محمّد كرد علي قائلاً : « أمّا ما ذهب إليه بعض الكتّاب من أنّ مذهب التشيّع من بدعة عبد اللّه بن سبأ - المعروف بابن السوداء - فهو وهم ، وقلّة علم بتحقيق مذهبهم ، ولمن علم منزلة هذا الرجل عند الشيعة ، وبراءتهم منه ومن أقواله وأعماله ، وكلام علمائهم في الطعن فيه بلا خلاف في ذلك ، علم مبلغ هذا القول من الصواب » (4).

ص: 9


1- وقفة مع الجزائري : 81 ، نقلاً عن كتاب الهلابي ، عبد اللّه بن سبأ : 26.
2- نفس المصدر السابق ، نقلاً عن كتاب طه حسين ، علي وبنوه : 518.
3- نظرية الإمامة : 39.
4- الغدير 3 / 95 ، نقلاً عن كتاب محمّد كرد علي ، خطط الشام 6 / 251.

( خالد - الجزائر - .... )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : عفواً ، لكن هناك تناقضاً في إجاباتكم حول ابن سبأ المزعوم : فمرّة تقولون : إنّ ابن سبأ كان وهماً ، ومرّة تقولون : إنّه ادعى الألوهية لأمير المؤمنين عليه السلام ، مع أنّ بعض أهل السنّة أنكروا أو شكّكوا في وجوده ، والذين رووا روايات ابن سبأ ضعّفهم علماء الرجال من السنّة ، وهذه بعض الأدلّة من كتب إخواننا من أهل السنّة :

1 - فقد أشرتم إلى رأي طه حسين ، وراجعت كتابه - الفتنة الكبرى عثمان ، الطبعة التاسعة ، دار المعارف القاهرة - فبعد ذكر ما رواه العامّة عن ابن سبأ المزعوم ، يقول في صفحة 134 :

« وأكبر الظنّ أنّ عبد اللّه بن سبأ هذا - إن كان كُلّ ما يروى عنه صحيحاً - إنّما قال ما قال ، ودعا ما دعا إليه بعد ما كانت الفتنة ، وعظم الخلاف ، فهو قد استغل الفتنة ولم يثرها.

وأكبر الظنّ كذلك أنّ خصوم الشيعة أيّام الأمويين والعباسيين قد بالغوا في أمر ابن سبأ هذا ، ليشكّكوا في بعض ما نسب من الأحداث إلى عثمان وولاته من ناحية ، وليشنّعوا على علي وشيعته من ناحية أُخرى ، فيردّوا بعض أُمور الشيعة إلى يهودي أسلم كيداً للمسلمين ، وما أكثر ما شنّع خصوم الشيعة على الشيعة! وما أكثر ما شنّع الشيعة على خصومهم في أمر عثمان ، وفي غير أمر عثمان!

فلنقف من هذا كُلّه موقف التحفّظ والتحرّج والاحتياط ، ولنكبّر المسلمين في صدر الإسلام عن أن يعبث بدينهم وسياستهم وعقولهم ودولتهم رجل أقبل من صنعاء ، وكان أبوه يهودياً ، وكانت أمّه سوداء ، وكان هو يهودياً ثمّ أسلم لا رغباً ولا رهباً ، ولكن مكراً وكيداً وخداعاً ، ثمّ أتيح له من النجح ما كان يبتغي ، فحرّض المسلمين على خليفتهم حتّى قتلوه ، وفرّقهم بعد ذلك ، أو قبل ذلك شيعاً وأحزاباً ».

ص: 10

2 - وأشرتم إلى رأي الدكتور أحمد محمود صبحي ، فراجعت كلامه ، وانقل كلامه كاملاً بلا تحريف ، يقول الدكتور السنّي أحمد محمود صبحي في كتابه - الزيدية ، الطبعة الثانية سنة 1984 دار الزهراء للنشر العربي ، صفحة 22 - :

« وينسب الكثيرون ظهور التشيّع إلى هذه الفترة ، ويردّها بعض أهل السنّة إلى شخصية يهودي أسلم ليكيد للإسلام والمسلمين ، هو عبد اللّه بن سبأ ، ويصوّره القائلون بهذا الرأي محرّكاً الأحداث التاريخية ، بل والعقائدية في هذه الفترة ، من أواخر عهد عثمان وأثناء خلافة علي ، فهو يؤلّب الناس على عثمان حتّى أفضى الأمر إلى حصاره وقتله ، ثمّ هو يثير حرب الجمل ، ولم يكن اجتماع الفريقين على قتال.

أمّا من الناحية العقائدية ، فهو أوّل من نادى بقداسة علي ، وأنّه وصي النبيّ ، وأنّه نادى برجعته بعد مقتله ، ثمّ هو أوّل من هاجم الخلفاء الثلاثة ، واعتبرهم مغتصبون حقّه.

ويهدف كتّاب الفرق من أهل السنّة - أشاعرة وسلفية - من هذه الرواية إلى إدانة التشيّع من جهة ، وإلى تبرير قيام حرب بين بعض كبار الصحابة وتبرئتهم من دمائها ، حتّى تتسنّى موالاتهم جميعاً من جهة أُخرى ، لقد ساءتهم الحرب وأرادوا أن يحفظوا لصحابة كبار مكانتهم في نفوس المسلمين ، فلم يجدوا إلاّ أن يتحمّل وزر ذلك كُلّه يهودي أسلم ليكيد للإسلام.

ولكن فاتهم أنّ هذا التفسير يعني أنّ يهودياً نكرة ، قد تلاعب بصحابة كبار فأثار بينهم قتال ، وأمّا ما اختلقه ابن سبأ من عقائد فقد أثبت البحث الدقيق أنّ هذا استباق للحوادث ، وأنّ الأفكار المنسوبة إليه من اختلاق المتأخّرين ».

3 - أمّا الرواية التي تصف ابن سبأ ، وما قام به من أعمال خيالية لا يقبلها العقل السليم ، فقد رواها جمع من السنّة ، والظاهر أنّ كُلّ من روى هذه الرواية مثل ابن خلدون وابن كثير وغيرهما ، أخذها من تاريخ الطبري ، لأنّه التاريخ المعتبر والمعتمد عند جمهور السنّة.

ص: 11

نرجع إلى تاريخ الطبري ، طبعة دار الفكر ، بيروت لبنان ، الطبعة الأُولى سنة 1998 ، المجلد الخامس ، أحداث سنة خمس وثلاثين ، صفحة 147 ذكر مسير من سار إلى ذي خشب من أهل مصر ، وسبب مسير من سار إلى ذي المروة من أهل العراق ، يقول الطبري : « أخبرنا شعيب بن إبراهيم ، أخبرنا سيف بن عمر ، عن عطية عن يزيد الفقعسي ، قال : كان ابن سبأ يهودياً من أهل صنعاء ... ».

هنا ندرس الرواية ورواتها حسب كتب الرجال من إخواننا من أهل السنّة :

أوّلاً : شعيب بن إبراهيم الكوفي ، مجهول ، راجع : ميزان الاعتدال 1 / 447 ، لسان الميزان 3 / 145.

ثانياً : سيف بن عمر ، يروي الأحاديث الكاذبة وينسبها إلى الرواة الثقات ، راجع : ميزان الاعتدال 1 / 438 ، تهذيب التهذيب 4 / 295.

ثالثاً : يزيد الفقعسي ، مجهول لم يذكر اسمه في كتب الرجال.

وبعد هذا ، لنا أن نتساءل : لماذا يصرّ بعض الناس على هذه الرواية التي رواها الطبري؟ مع أنّ كُلّ رواتها هم بين كذّاب ومجهول ووضّاع ، وهل يصحّ أن يعتمد على رواية كهذه في إثبات نسبة طائفة تعد ثاني أكبر طائفة من المسلمين؟

ولنا أن نتساءل : هل جهل العلماء - الذين أصرّوا على هذه الرواية - سند الرواية أم تجاهلوها؟ ولم يكن همّهم إلاّ اتهام الشيعة أنّهم من اختلاق اليهودي ابن سبأ المزعوم.

ج : ليس في إجاباتنا تناقض وتعارض ، غاية ما هنالك أردنا طرح المسألة بشكل فيه نوع من التردّد ، وعدم القطع برأي دون آخر ، وإنّما أشرنا إلى الآراء في المسألة ، وما ذُكر من استدلال ؛ ويرجع ذلك إلى أصل الواقع ، والاضطراب الشديد في جزئياتها ، والاختلافات في الأقوال ، وهذا هو السبب وراء من قال بأسطورية عبد اللّه بن سبأ.

ص: 12

( عبد اللّه - الكويت - 28 سنة - خرّيج ثانوية )

وجود ابن سبأ محلّ نظر :

س : كنت أتصفّح في أحد المواقع الشيعية فوجدت هذه الرواية ، في بحار الأنوار : « وقال بعضهم : بل هو الربّ ، وهو عبد اللّه بن سبأ وأصحابه ، وقالوا : لولا أنّه الربّ كيف يحيي الموتى؟ قال : فسمع بذلك أمير المؤمنين عليه السلام وضاق صدره ، وأحضرهم ، وقال : « يا قوم ، غلب عليكم الشيطان إن أنا إلاّ عبد اللّه ، أنعم عليّ بإمامته وولايته ووصية رسوله صلى اللّه عليه وآله ، فأرجعوا عن الكفر ، فأنا عبد اللّه وابن عبده ، ومحمّد صلى اللّه عليه وآله خير منّي ، وهو أيضاً عبد اللّه ، وإن نحن إلاّ بشر مثلكم ».

فخرج بعضهم من الكفر ، وبقي قوم على الكفر ما رجعوا ، فألحّ عليهم أمير المؤمنين عليه السلام بالرجوع ، فما رجعوا ، فأحرقهم بالنار ، وتفرّق منهم قوم في البلاد ، وقالوا : لولا أنّ فيه من الربوبية ما كان أحرقنا بالنار ، فنعوذ باللّه من الخذلان » (1).

وكان الموقع يعدّ هذا الشيء من معجزات الإمام علي عليه السلام ، فما ردّكم على هذه الرواية؟ وهل هي رواية صحيحة؟ والمعلوم أنّ عبد اللّه بن سبأ شخص أسطوري.

ج : وردت الإشارة إلى تلك الرواية في بحار الأنوار مرّتين ، مرّة نقلاً عن الفضائل ، وأُخرى عن عيون المعجزات ، وإذا رجعنا إلى سند الروايتين نجد أنّ كلاهما جاءت عن طريق أبي الأحوص عن أبيه ، عن عمّار الساباطي ، وهذا يعني أنّهما في الحقّيقة رواية واحدة منسوبة إلى عمّار الساباطي ، وبالرجوع إلى سند رواية عيون المعجزات ، نجد أنّ كلاً من حسّان بن أحمد الأزرق ، وموسى ابن عطية الأنصاري مجهول الحال.

ص: 13


1- بحار الأنوار 41 / 214.

وأنّ نسبة كتاب الأنوار إلى الحسن بن همام غير صحيحة ، بل الصحيح أنّ الكتاب لمحمّد بن همام ، هذا بالإضافة إلى ما قيل في عمّار من أنّه ضعيف فاسد المذهب ، لا يعمل على ما يختصّ بروايته.

وأمّا رواية الفضائل فإنّها مقطوعة السند ، كما وإنّ كلا الطريقين لا يظهر منهما أنّ عمّار الساباطي ينسب الرواية إلى المعصومين عليهم السلام ، بل هو ناقل لواقعة تاريخية هو بعيد عنها بما يقارب من المائة والخمسين سنة ، إذاً فالروايتان على هذا غير تامّتي السند.

هذا بالإضافة إلى أنّ هناك اختلافاً في مضمون الروايتين على الرغم من أنّ مرجع سندهما واحد ، فرواية عيون المعجزات تذكر أنّ الذين أحرقهم أمير المؤمنين عليه السلام وذراهم في الريح ، رجعوا إلى منازلهم بأحسنّ ما كانوا بعد ثلاثة أيّام ، والأُخرى لم تذكر ذلك.

ورواية الفضائل تذكر حال ذلك الملك وسقوط قصره وندمه عن عدم إيمانه بالنبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأنّه الآن في النار ، ولا يعذّب بالنار وغير ذلك ، والأُخرى لا تذكر ذلك ، كما وأنّ رواية الفضائل تقول : إنّ الذين قالوا أنّ أمير المؤمنين عليه السلام هو الربّ هو عبد اللّه بن سبأ وأصحابه ، والأُخرى تقول : إنّ بعضهم قالوا مثل ما قال عبد اللّه بن سبأ وأصحابه.

فهذه الاختلافات وغيرها تدلّ على أنّ الرواة غير مضبوطين في نقل الرواية ، فالحصيلة من كُلّ ذلك أنّه لا يمكن الاعتماد على هكذا رواية ، وإنّ ما تثبته من وجود عبد اللّه بن سبأ يبقى محلّ نظر.

وقد ذكرنا مسبقاً من أنّ هناك نظريتين : إحداهما تقول : إنّه شخصية وهمية ، والأُخرى تقول : بأنّه له وجود ، وإن كانت الأدلّة تساعد على أنّ ابن سبأ كان له وجود ، ولكن أعداء التشيّع أرادوه وسيلة يتخذونها للطعن بالتشيّع ، وخير وسيلة كانت لهم أن جعلوا من ابن سبأ شخصية تاريخية كبيرة ، نسبوا له تأسيس التشيّع مع أنّ ابن سبأ ملعون على لسان أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، وملعون على لسان علماء المذهب ، والشيعة منه براء ، ولا توجد أيّ صلة له بالتشيّع.

ص: 14

السجود على التربة :

اشارة

( مفيد أبو جهاد - السعودية - .... )

أدلّته من السنّة :

س : ما الأدلّة التي تقول بوجوب السجود على التربة؟ في السنّة النبوية الشريفة ، وذلك من كتب الشيعة والسنّة؟

ج : إنّ الشيعة لا يوجبون السجود على التربة فحسب ، بل يوجبون السجود على الأرض - التي منها التربة - أو ما أنبتته الأرض ، إلاّ ما أُكل أو لبس ، فلا يجوز السجود عليه ، ويستدلّون على ذلك ب- :

1 - قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً » (1) ، ومن المعلوم ، أنّ لهذا الحديث ألفاظاً مختلفة ، ولكنّ المعنى والمضمون واحد.

كما لا يخفى أنّ المقصود من كلمة « مسجداً » يعني : مكان السجود ، والسجود هو وضع الجبهة على الأرض تعظيماً لله تعالى ، ومن كلمة « الأرض » يعني : التراب والرمل والحجر و... ، وممّا لاشكّ فيه ، أنّ التربة جزء من أجزاء الأرض ، فيصحّ السجود عليها.

ص: 15


1- الخصال : 201 و 292 ، الأمالي للشيخ الصدوق : 285 ، الأمالي للشيخ الطوسي : 57 ، مسند أحمد 1 / 301 و 2 / 250 و 442 و 502 و 5 / 145 ، سنن الدارمي 2 / 224 ، صحيح البخاري 1 / 86 و 113 ، سنن ابن ماجة 1 / 188 ، الجامع الكبير 3 / 56 ، سنن النسائي 1 / 210 و 2 / 56.

2 - قال خالد الحذاء : رأي النبيّ صلى اللّه عليه وآله يسجد كأنّه يتّقي التراب ، فقال له النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « ترّب وجهك يا صهيب » (1).

وصيغة الأمر « ترّب » هنا تدلّ على استحباب السجود على التربة دون غيرها من أجزاء الأرض.

3 - قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لأبي ذر : « حيثما أدركت الصلاة فصلّ ، والأرض لك مسجد »(2).

4 - قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « إذا سجدت فمكّن جبهتك وانفك من الأرض »(3).

5 - عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال : كنت أصلّي مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله الظهر ، فآخذ قبضة من حصى في كفّي لتبرد حتّى اسجد عليها من شدّة الحرّ(4).

فنقول : لو كان السجود على الثياب جائزاً ، لكان أسهل من التبريد جدّاً ، وهذا الحديث ظاهر على عدم جواز السجود على غير الأرض.

6 - قال الإمام الصادق عليه السلام : « لا تسجد إلاّ على الأرض ، أو ما انبتت الأرض ، إلاّ القطن والكتّان »(5).

7 - قال الإمام الصادق عليه السلام : « السجود على الأرض فريضة ، وعلى الخمرة سنّة »(6). وظاهره : أنّ السجود على الأرض فرض من اللّه عزّ وجلّ ، والسجود على الخمرة - التي هي من النباتات ، حصيرة مصنوعة من سعف النخل - ممّا سنّه الرسول صلى اللّه عليه وآله.

ص: 16


1- المصنّف للصنعاني 1 / 391.
2- صحيح البخاري 4 / 136 ، صحيح مسلم 2 / 63 ، سنن النسائي 2 / 32 ، السنن الكبرى للنسائي 6 / 377.
3- أحكام القرآن للجصّاص 3 / 272 ، كنز العمّال 8 / 164.
4- مسند أحمد 3 / 327 ، سنن النسائي 2 / 204 ، السنن الكبرى للنسائي 1 / 227.
5- الكافي 3 / 330 ، الاستبصار 1 / 331 ، تهذيب الأحكام 2 / 303.
6- الكافي 3 / 331.

8 - قال الإمام الصادق عليه السلام : « السجود لا يجوز إلاّ على الأرض ، أو ما انبتت الأرض ، إلاّ ما أُكل أو لبس » (1).

والنتيجة : أنّ جميع الأحاديث تدلّ على وجوب السجود على الأرض ، أو ما انبتت من دون عذر ، وممّا لاشكّ فيه أنّ التربة هي جزء من الأرض ، فيصحّ السجود عليها ، بل تستحبّ إذا كانت من أرض كربلاء ، لوجود روايات كثيرة في هذا المجال عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام.

( أحمد - السعودية - .... )

أدلّة وضع الجبهة على الأرض :

س : أتمنّى منكم لو ترسلوا بعض الأدلّة من القرآن أو السنّة ، بما يفيد وجوب وضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه ، واستحباب باقي الأعضاء ، مع دعائي لكم بالتوفيق والتسديد.

ج : إنّ الأحكام الشرعية تعبّدية ، لا يمكن أخذها إلاّ من الكتاب والسنّة الصحيحة ، والروايات صريحة ودالّة على وجوب وضع الجبهة على الأرض ، أو ما يصحّ السجود عليه ، وأمّا باقي الأعضاء ، فمستحبّ.

والروايات الدالّة على ذلك كثيرة ، فقد ذكر الشيخ الحرّ العاملي قدس سره في كتابه « وسائل الشيعة » تحت عنوان : أنّه لا يجوز السجود بالجبهة إلاّ على الأرض ، أو ما أنبتت غير مأكول ولا ملبوس(2) ، فذكر أحد عشر حديثاً ، منها :

1 - عن هشام بن الحكم ، أنّه قال لأبي عبد اللّه عليه السلام : أخبرني عمّا يجوز السجود عليه؟ وعمّا لا يجوز؟

ص: 17


1- علل الشرائع 2 / 341 ، تهذيب الأحكام 2 / 234.
2- وسائل الشيعة 5 / 343.

قال : « السجود لا يجوز إلاّ على الأرض ، أو على ما أنبتت الأرض ، إلاّ ما أُكل أو لبس » ، فقال له : جعلت فداك ما العلّة في ذلك؟

قال : « لأنّ السجود خضوع لله عزّ وجلّ ، فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل ويلبس ، لأنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون ، والساجد في سجوده في عبادة اللّه عزّ وجلّ ، فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا ، الذين اغترّوا بغرورها ... ».

2 - عن أبي العباس الفضل بن عبد الملك قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : « لا يسجد إلاّ على الأرض ، أو ما أنبتت الأرض ، إلاّ القطن والكتّان ».

3 - عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « وكُلّ شيء يكون غذاء الإنسان في مطعمه أو مشربه أو ملبسه ، فلا تجوز الصلاة عليه ولا السجود ، إلاّ ما كان من نبات الأرض من غير ثمر ، قبل أن يصير مغزولاً ، فإذا صار غزلاً فلا تجوز الصلاة عليه ، إلاّ في حال ضرورة ».

كما وذكر تحت عنوان : عدم جواز السجود اختياراً على القطن والكتّان والشعر والصوف ، وكُلّ ما يلبس أو يؤكل ، سبعة أحاديث(1).

وذكر تحت عنوان : جواز السجود بغير الجبهة على ما شاء ، ثلاثة أحاديث(2).

وذكر تحت عنوان : أنّ من أصابت جبهته مكاناً غير مستو ، أو لا يجوز السجود عليه ، ستة أحاديث(3).

كما وذكر صاحب كتاب ( جامع أحاديث الشيعة ) مائتين وتسعين حديثاً يتعلّق بالسجود ، فأشارت بعض أحاديثه إلى ذلك(4).

ص: 18


1- المصدر السابق 5 / 346.
2- المصدر السابق 5 / 352.
3- وسائل الشيعة 6 / 353.
4- جامع أحاديث الشيعة 5 / 463.

( يعقوب نور - الكويت - سنّي )

حكمته :

س : لماذا نرى بالمذهب الشيعي الصلاة على التربة؟

ج : إنّ السجود على الأرض ممّا أجمع عليه المسلمون ، لما رواه الكُلّ متواتراً عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً »(1).

والشيعة إنّما تسجد على التربة ، لأنّها قطعة متّخذة من الأرض ، يجوز السجود عليها ، وأمّا غير الأرض ، فلم يثبت جوازه.

ومن جانب آخر ، فإنّ الأرض وإن كانت كُلّها مسجداً ، إلاّ أنّ الدليل كما قد خصّ بعضها بالكراهة - كالأرض السبخة - خصّ بعضها الآخر بالرجحان والاستحباب - كأرض كربلاء - لمّا ورد عن أئمّتنا عليهم السلام من الفضل الكثير ، والثواب العظيم للسجود عليها.

فالشيعة اتّخذت هذه القطع من الأرض كمسجد لها ، كما كان الأمر في الصدر الأوّل في اتّخاذ الحصباء والخمرة في هذا المجال.

ففي الحديث : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان يسجد على الخمرة ، والخمرة حصيرة أصغر من المصلّى ، وقيل : الخمرة الحصير الصغير الذي يسجد عليه ، سمّيت خمرة لأنّ خيطها مستورة بسعفها(2).

وأيضاً عن ابن الوليد قال : « سألت ابن عمر عمّا كان بدء هذه الحصباء التي في المسجد؟ قال : نعم ، مطرنا من الليل فخرجنا لصلاة الغداة ، فجعل الرجل

ص: 19


1- الخصال : 201 و 292 ، الأمالي للشيخ الصدوق : 285 ، الأمالي للشيخ الطوسي : 57 ، مسند أحمد 1 / 301 و 2 / 250 و 442 و 502 و 5 / 145 ، سنن الدارمي 2 / 224 ، صحيح البخاري 1 / 86 و 113 ، سنن ابن ماجة 1 / 188 ، الجامع الكبير 3 / 56 ، سنن النسائي 1 / 210 و 2 / 56.
2- لسان العرب 4 / 258.

يمر على البطحاء ، فيجعل في ثوبه من الحصباء ، فيصلّي عليه ، فلمّا رأى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ذاك قال : « ما أحسن هذا البساط » ، فكان ذلك أوّل بدئه »(1).

( عادل عبد الحسين العطّار - البحرين - .... )

أمر مستحبّ لا واجب :

س : أُريد منك شرحاً مفصّلاً عن السجود على التربة الحسينية ، هذا لكثرة سؤال زوجتي ، لأنّها على المذهب السني المالكي ، هذا ، ووفّقكم اللّه إلى ما فيه الخير.

ج : إنّ الشيعة لا تجوّز السجود إلاّ على الأرض ، أو ما أنبتته الأرض من غير المأكول والملبوس ، وتستدلّ بما روي عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام في ذلك ، وكذلك تستدلّ بما روي في مصادر أهل السنّة ، منها :

قوله صلى اللّه عليه وآله : « جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً » ، ومعلوم : أنّ لفظ الفرش ليس من الأرض ، ولا يصدق عليه اسم الأرض ، كما أنّ الحديث المروي عن أبي سعيد الخدري قال : « فبصرت عيناي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله على جبهته أثر الماء والطين »(2).

كما أنّ أحاديث كثيرة وردت : أنّ الصحابة كانوا يأخذون قبضة من حصى في كفّهم لتبرد حتّى يسجدون عليها(3) ، وكذلك وردت أحاديث بأنّ النبيّ والصحابة كانوا يسجدون على حصير ، ويتخذّون منه خمرة للصلاة عليها ، ولا نطيل عليكم بذكر بقيّة الأحاديث ، والشيعة عملت بهذه الأحاديث.

ص: 20


1- السنن الكبرى للبيهقي 2 / 440.
2- صحيح البخاري 2 / 256 ، سنن أبي داود 1 / 311 ، سنن النسائي 2 / 208 ، مسند أحمد 3 / 7 ، صحيح ابن حبّان 8 / 431.
3- السنن الكبرى للبيهقي 2 / 105 ، سنن أبي داود 1 / 100 ، المستدرك 1 / 195 ، المصنّف لابن أبي شيبة 1 / 358 ، صحيح ابن حبّان 6 / 53.

وأمّا التربة ، فإنّها من التراب ، وكما يعلم الجميع فإنّ من شرط السجود أن يكون على شيء طاهر ، فاتخاذ التربة أمر يتيقّن المصلّي منه بطهارة موضع سجوده.

وأمّا بخصوص كون هذه اللبنة والتربة من كربلاء ، فإنّه ليس بواجب - بل كما قلنا فإنّه يجب السجود على الأرض أو ما أنبتته - ولكن هو أمر مستحبّ ، لورود روايات عن أئمة أهل البيت عليهم السلام بذلك ، وكذلك ورود روايات عن أهل السنّة تروي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّ جبرائيل أخبره بمقتل الحسين عليه السلام ، وأتى له بتربة كربلاء ، وكذلك كانت تربة كربلاء عند أمير المؤمنين عليه السلام ، وأمّ سلمة ، وهي التربة التي كان الزوّار يعرفون بشم رائحتها قبر الحسين عليه السلام ، لما أخفاه خلفاء الجور عنهم(1).

( محمّد السعيد - البحرين - .... )

يوجب الاطمئنان من طهارتها :

س : دخلت بعض المنتديات ، ووجدت بعض هذه الشبهات ، فهل من إجابة وبالدليل؟

الشيعة تسجد على التربة ، وحجّتهم أنّه لا يجوز السجود على ما يلبس أو يأكل ، لذا لا يسجدون على السجّاد ، فلماذا لا يسجدون على ثمانية ترب بعدد المساجد الثمانية؟

ج : إنّ الأحكام الشرعية توقيفية ، بمعنى أنّ الشارع يحدّدها ، فإذا ثبت حكم ما أنّ الشارع أثبته ، فلا يحقّ لنا أعمال ما تشتهيه أنفسنا.

ص: 21


1- مجمع الزوائد 9 / 187 و 191 ، مسند أحمد 1 / 85 ، ذخائر العقبى : 148 ، الآحاد والمثاني 1 / 309 ، مسند أبي يعلى 1 / 298 ، كنز العمّال 12 / 127 و 13 / 655 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 188 ، تهذيب الكمال 6 / 407 ، تهذيب التهذيب 2 / 300 ، جواهر المطالب 2 / 290 ، سبل الهدى والنجاة 11 / 74.

فالسجود ثابت في الشريعة ، بأنّه لا يجوز إلاّ على الأرض أو ما أنبتته الأرض ، من غير المأكول والملبوس ، وأن يكون موضع السجود طاهر ، فيمكن للمصلّي أن يسجد على الأرض ، أو على ورق الأشجار ، وسعيف النخل و... ، والشيعة اتخذت قطعة من الأرض لتسجد عليها ، ولتطمئن من طهارتها ، فلا يأتي س : لماذا لا يسجدون على ثمان ترب بعدد المساجد الثمانية؟

( موالي - الكويت - 19 سنة - طالب )

السجود على الثوب مع العذر :

السؤال : عن أنس بن مالك : كنّا إذا صلّينا مع النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فلم يستطع أحدنا أن يمكّن جبهته من الأرض من شدّة الحرّ ، طرح ثوبه ثمّ سجد عليه(1) ، ألا تدلّ هذه الرواية على جواز السجود على الثوب لعذر؟ ودمتم سالمين.

ج : تدلّ هذه الرواية على جواز السجود على الثوب لعذر كشدّة الحرّ ، لا جوازه مطلقاً.

وأمّا الشيعة فعندهم عدم جواز السجود على غير الأرض ، أو ما أنبتته من غير المأكول والملبوس ، إلاّ لعذر شرعي كحال التقية ، وأدلّتهم على ذلك روايات وردت في هذا المضمار عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام.

( عماد - البحرين - 26 سنة - طالب ثانوية )

سجود الشيعة على التربة الحسينية :

س : هناك بعض الأشخاص لديهم بعض الاستغراب ، من أنّا نصلّي على التربة الحسينية ، فلماذا نصلّي على التربة؟ وليس على الأرض مباشرة؟

ص: 22


1- السنن الكبرى للبيهقي 2 / 106.

ج : تختصّ الشيعة الإمامية بالقول باستحباب السجود على تربة قبر الإمام الحسين عليه السلام تبعاً لأئمّتهم ، بل اتباعاً لمنهج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله - ومنهج أهل البيت هو منهج الرسول صلى اللّه عليه وآله لا يخالفونه قيد شعرة أبداً - في تكريمه للحسين سيّد الشهداء عليه السلام ، وتكريم تربة قبره.

فاللازم علينا إذاً ، هو الإتيان ببعض الأحاديث عن أهل البيت عليهم السلام أوّلاً ، وبيان منهج الرسول صلى اللّه عليه وآله ثانياً ، فهاك نصوص كلمات أهل البيت عليهم السلام :

1 - قال الإمام الصادق عليه السلام : « السجود على طين قبر الحسين عليه السلام ينوّر إلى الأرض السابعة ، ومن كان معه سبحة من طين قبر الحسين عليه السلام كتب مسبّحاً وإن لم يسبح بها » (1).

2 - قال الإمام الكاظم عليه السلام : « لا يستغني شيعتنا عن أربع : خمرة يصلّي عليها ، وخاتم يتختّم به ، وسواك يستاك به ، وسبحة من طين قبر الحسين عليه السلام »(2).

3 - عن معاوية بن عمّار قال : كان لأبي عبد اللّه عليه السلام خريطة ديباج صفراء ، فيها من تربة أبي عبد اللّه عليه السلام ، فكان إذا حضرته الصلاة صبّه على سجادته وسجد عليه ، ثمّ قال عليه السلام : « إنّ السجود على تربة أبي عبد اللّه عليه السلام يخرق الحجب السبع » (3).

4 - كان الإمام الصادق عليه السلام لا يسجد إلاّ على تربة الحسين عليه السلام تذلّلاً لله ، واستكانة إليه(4).

5 - سئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن استعمال التربتين ، من طين قبر حمزة وقبر الحسين عليهما السلام ، والتفاضل بينهما ، فقال عليه السلام : « السبحة التي من طين قبر الحسين عليه السلام تسبّح بيد الرجل من غير أن يسبّح »(5).

ص: 23


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 268 ، وسائل الشيعة 5 / 365.
2- وسائل الشيعة 5 / 359.
3- المصدر السابق 5 / 366.
4- نفس المصدر السابق.
5- المصدر السابق 6 / 455.

6 - عن محمّد بن عبد اللّه بن الحميري قال : كتبت إلى الإمام صاحب الزمان عليه السلام أسأله : هل يجوز أن يسبّح الرجل بطين القبر؟ وهل فيه فضل؟ فأجاب : « يسبّح الرجل به ، فما من شيء من السبح أفضل منه »(1).

والظاهر أنّ المراد من القبر قبر الحسين عليه السلام ، والألف واللام للعهد ؛ لكون ذلك معهوداً مشهوراً عند أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم.

7 - عن محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري قال : كتبت إلى الإمام صاحب الزمان عليه السلام أسأله : عن السجدة على لوح من طين القبر ، وهل فيه فضل؟ فأجاب عليه السلام : « يجوز ذلك ، وفيه الفضل »(2).

ولا غرو أن يجعل اللّه سبحانه الفضل في السجود على تربة سيّد الشهداء عليه السلام ، وهو سيّد شباب أهل الجنّة ، وقرّة عين الرسول صلى اللّه عليه وآله ، ومهجة فاطمة البتول عليها السلام ، وابن أمير المؤمنين عليه السلام ، وأحد أصحاب الكساء ، وهو وأخوه المراد من الأبناء في الكتاب الكريم في قصّة المباهلة ، وهو شريك أبيه وأُمّه في سورة هل أتى ، وأحد الأئمّة الكرام الهداة ، وأحد الخلفاء الاثني عشر ، وهو مصباح الهدى ، وسفينة النجاة.

فأيّ مانع من تشريف اللّه تعالى له وتكريمه إيّاه بتفضيل السجود على تربته؟

وقال الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء قدس سره في كتابه « الأرض والتربة الحسينية » في بيان حكمة إيجاب السجود على الأرض ، واستحباب السجود على التربة الشريفة :

ولعلّ السرّ في إلزام الشيعة الإمامية السجود على التربة الحسينية ، مضافاً إلى ما ورد في فضلها من الأخبار ، ومضافاً إلى أنّها أسلم من حيث النظافة والنزاهة من السجود على سائر الأراضي ، وما يطرح عليها من الفرش والبوراي ، الحصر الملوّثة والمملوءة غالباً من الغبار والمكروبات الكامنة فيها ، مضافاً إلى كُلّ ذلك ، فلعلّه

ص: 24


1- الاحتجاج 2 / 312.
2- نفس المصدر السابق.

من جهة الأغراض العالية ، والمقاصد السامية أن يتذكّر المصلّي حين يضع جبهته على تلك التربة ، تضحية ذلك الإمام بنفسه وآل بيته ، والصفوة من أصحابه في سبيل العقيدة والمبدأ ، وتحطيم هياكل الجور والفساد والظلم والاستبداد.

ولمّا كان السجود أعظم أركان الصلاة ، وفي الحديث « أقرب ما يكون العبد إلى اللّه وهو ساجد » (1) ، مناسب أن يتذكّر بوضع جبهته على تلك التربة الزاكية ، أُولئك الذين جعلوا أجسامهم عليها ضحايا للحقّ ، وارتفعت أرواحهم إلى الملأ الأعلى ، ليخشع ويخضع ويتلازم الوضع والرفع ، ويحتقر هذه الدنيا الزائفة وزخارفها الزائلة.

ولعلّ هذا المقصود من أنّ السجود عليها يخرق الحجب السبعة - كما في الخبر الآتي ذكره - فيكون حينئذٍ في السجود سر الصعود والعروج من التراب إلى ربّ الأرباب ، إلى غير ذلك من لطائف الحكم ودقائق الأسرار(2).

( حسين مردان - العراق - 39 سنة - مهندس )

لا يقاس بالتيمّم :

س : إذا كان التيمّم عند عدم وجود الماء يجوز ، حتّى لو مسحت يدك بتراب الجدران ، أو أيّ أثاث في البيت بقصد الصلاة ، فلماذا لا يجوز الصلاة على السجّادة بدون التربة الحسينية؟ هذا السؤال كثيراً ما يثار معي في النقاش مع أهل السنّة ، أجيبونا أثابكم اللّه.

ج : نجيب على هذا السؤال بعدّة نقاط :

1 - إنّ هذا الإشكال مبنيّ على القياس ، وهو مردود صغرى وكبرى :

أ - أمّا الكبرى : فالقياس باطل عندنا ، فقد نهى أئمّتنا عليهم السلام عن اتخاذ القياس دليلاً على الأحكام الشرعية ، فإنّ دين اللّه لا يقاس بالعقول ، وأوّل من قاس إبليس ( لعنه اللّه ).

ص: 25


1- ثواب الأعمال وعقابها : 34 ، المصنّف لابن أبي شيبة 8 / 211 ، كنز العمّال 7 / 292.
2- الأرض والتربة الحسينية : 32.

ب - ثمّ إنّ هذا القياس غير صحيح ، لأنّ الطهارة الترابية بدل اضطراري عن الطهارة المائية ، أي إنّ النوبة تصل إلى التيمّم بعد فقد الماء وعدم التمكّن من الوضوء ، فيتيمّم بغبار الجدران ، أو أثاث البيت إذا عجز عن التيمّم بالأرض ، فالمقاس عليه اضطرار في اضطرار.

فكيف يقاس عليه السجود على السجّادة في حالة الاختيار ، الذي هو مفروض السؤال ، وهو المتبع عند أهل السنّة.

2 - إنّ حكم السجود عندنا هو : وجوب السجود على ما يصدق عليه أنّه أرض ، ومنه التربة الحسينية ، لا ما يتوهّمه الآخرون من وجوب السجود على التربة الحسينية.

نعم ، السجود عليها مستحبّ لورود روايات في استحبابها.

3 - إنّ طريقة طرح السؤال غير صحيحة من البداية ، إذ لا يجوز أن يعترض على مذهب مخالف من خلال الاعتماد على قواعد يعتمدها المذهب الآخر ، بل يجب أمّا أن يبنى على قواعد متّفق عليها ، أو أن يبنى على قواعد نفس المذهب المعترض عليه.

ص: 26

سرية أُسامة :

اشارة

( ناصر - أمريكا - .... )

ثبوت اللعن عقلاً ونقلاً لمن تخلّف عنها :

س : ما هي الكتب التي تقول : لعن اللّه من تخلّف عن حملة أُسامة بن زيد ، غير كتاب الملل والنحل ، والسقيفة للجوهري؟

ج : إنّ المتتبّع يجد ، أنّ ما يرتبط بالصحابة من القضايا التاريخية - سواء ما وقع منها في زمن الرسالة أو بعده - لم يصل لنا إلاّ القليل منه ، أمّا أن يخفى ، أو يذكر بشكل مبهم أو محرّف ، ممّا يشمّ منه أنّ أصل تلك القضايا مسلّمة ، ووجود روايات كثيرة في القرن الأوّل ، فضلاً عمّا بعده ممّا لا يقبل الإنكار.

فإنّ مسألة جيش أُسامة من المسلّمات عند جميع المسلمين ، وقد تناقلوه في أكثر كتبهم.

وأمّا ورود الحديث في لعن المتخلّف عن جيش أُسامة ، فهو في المصادر الشيعية كثير ، وأمّا المصادر السنّية ، فإنّها لم ترد بعد تفحّصنا إلاّ فيما ذكرته من وجودها في كتاب الملل والنحل(1) وكتاب السقيفة ، فإنّ المسائل التي فيها طعن على أيّ واحد من الصحابة أو التابعين تحذف من تاريخ الإسلام ، فضلاً من الخلفاء ، وهذا شيء طبيعي.

ص: 27


1- الملل والنحل 1 / 23.

فتحصيل شيء من هذا القبيل من الصعوبة جدّاً أن يبقيه التاريخ ، لأنّ الذي ينقل الطعن يتّهم بالرفض والزندقة ، وكُلّ التهم التي تترتّب عليه ، حتّى أنّ الأيادي الأثيمة قد بدّلت عبارة اللعن على المتخلّف عن جيش أُسامة - في كتب التاريخ - بفقرة أُخرى وهي : اللعن من اتخاذ قبور الأنبياء مساجد ، وهو كما ترى خيانة وتحريف للحقائق ، إذ لا علاقة بين موضوع خطاب النبيّ صلى اللّه عليه وآله عندئذ ، وبين الصلاة عند القبور(1).

وعلى كُلّ حال ، فإنّ ما ورد في كتاب الملل والنحل وكتاب السقيفة فيهما الكفاية في إثبات ما ورد من الحديث ، في لعن المتخلّف عن جيش أُسامة ، وذلك :

لأنّ الشهرستاني في الملل والنحل ، أرسل الحديث إرسال المسلّمات ، والشهرستاني - مع نصبه وعداوته المعروفة لأهل البيت وشيعتهم - لمّا يرسل مثل هذا الحديث إرسال المسلّمات ، يكون حجّة وأيّ حجّة؟

ولأنّ الجوهري في كتابه السقيفة - كما نقله عنه ابن الحديد في الشرح(2) - أورده بسند متّصل معتبر : عن أحمد بن إسحاق بن صالح ، عن أحمد بن سيّار ، عن سعيد بن كثير الأنصاري ، عن رجاله ، عن عبد اللّه بن عبد الرحمن.

ثمّ من جانب آخر ، فإنّ طاعة الرسول واجبة ، وعليه فالتخلّف عن جيش أُسامة تخلّف عن طاعة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، والتخلّف عن طاعة رسول اللّه يوجب أذى رسول اللّه ، وأذية رسول اللّه توجب اللعنة بنصّ القرآن الكريم : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّه وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ) (3).

ومن المجمع والمسلّم عليه بين الكُلّ : أنّ أبا بكر وعمر تخلّفا عن جيش أُسامة ، فسواء ثبت حديث لعن المتخلّف عن جيش أُسامة أو لم يثبت فإنّ اللعنة

ص: 28


1- تاريخ الأُمم والملوك 2 / 431 ، تاريخ مدينة دمشق 2 / 47.
2- شرح ابن أبي الحديد 6 / 52.
3- الأحزاب : 57.

شاملة لكُلّ من تخلَّف ، باستثناء من خرج بالدليل عن شمول الالتحاق ، وهو أمير المؤمنين عليه السلام والفضل بن العباس.

( أُمّ بدر - ... - ..... )

عدم خروج علي فيها :

س : لماذا لم يخرج الإمام علي عليه السلام مع جيش أُسامة؟ وظلّ بالمدينة حتّى موت الرسول الأعظم ، وحتّى عندما خرج جيش أُسامة بعد موت الرسول ، هل خرج علي بن أبي طالب معهم؟ وهل أُسامة خرج بعد موت الرسول صلى اللّه عليه وآله؟

ج : ذكر التاريخ أسماء كبار الصحابة ، الذين أمرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بالخروج مع جيش أُسامة ، ومنهم أبو بكر وعمر وآخرون ، ومن المعلوم وممّا لاشكّ فيه : أنّ علياً عليه السلام كان من كبارهم ، ولكن التاريخ لم يذكر اسمه في ضمن صحابة النبيّ صلى اللّه عليه وآله الذين أمروا بالخروج ، وهذا دليل على عدم أمر النبيّ له بالخروج.

مضافاً إلى أنّه لو كان مأموراً بالخروج ولم يخرج ، لشنّ عليه أعداؤه حملة لا هوادة فيها ، للتقليل من شأنه ، بينما لا نجد ولا أيّ كتاب تاريخي يذكر أنّه تخلّف ، خلافاً لبقية الصحابة الكبار.

كما أنّ عدم خروج الإمام علي بعد وفاة النبيّ صلى اللّه عليه وآله مع جيش أُسامة ، لأنّ الإمام لا يرى الشرعية في بعث جيش أُسامة من قبل أبي بكر ، لأنّه يعتبر نفسه الخليفة الشرعي بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

كما أنّ المعروف والمتّفق عليه تاريخياً : أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لم يؤمّر على علي عليه السلام أحداً طيلة حياة النبيّ ، وهذا من ضمن الموارد ، وفي ذلك دلالة واضحة على رسول اللّه لا يريد أن يجعل شخصاً فوق علي عليه السلام وأميراً عليه ، ممّا يدل على أفضلية علي عليه السلام على غيره من الصحابة.

ص: 29

( باسم علية - تونس - .... )

الكفاءات لا تحسب بالسنّ والوجاهات :

س : أودّ أن أسألكم عن الأسباب الخفية لتجنيد كبار الصحابة في جيش أُسامة ، ولماذا أصرّ الرسول الأكرم على إرسال أُسامة بالذات قائداً للجيش؟ مع الشكر والامتنان.

ج : إنّ الإسلام دين الحقّيقة والمعاملة مع الواقع العملي ، وعليه فالكفاءات لا تحسب بالسنّ والوجاهات التي كانت عليها قريش في الجاهلية ، فالكفاءة إذا كانت في شاب فهو المقدّم.

وفي هذا درس عظيم لنا ، أن نتعامل مع الواقع ، ولا تغلبنا الاعتبارات الأُخرى التي هي أقرب ما تكون إلى البعد عن الواقع العملي.

وعليه ، فتبطل نظرية أبي بكر عندما سئل بأنّ الخليفة الحقّ هو علي؟ فأجابهم : بأنّه أكبر منه سناً!!

وفي مسألة جيش أُسامة وتأميره على كبار الصحابة ، واستثناء النبيّ صلى اللّه عليه وآله أمير المؤمنين عليه السلام للبقاء معه ، ولعنه من تخلّف عن جيش أُسامة ، في كُلّ هذه دروس وعبر لمن اعتبر ، بالأخصّ في مسألة الإمامة.

وفي هذه الأيّام ، طلب النبيّ صلى اللّه عليه وآله بالدواة والقلم ليكتب لهم وصيّته ، فوقف أمامها عمر بن الخطّاب - الذي تخلّف عن جيش أُسامة - وحال دون كتابة النبيّ لهذه الوصية.

( فاضل السبع - البحرين - 22 سنة - طالب )

خروج جميع الصحابة فيها :

س : أشكر القائمين على هذا الموقع المبارك ، وأتمنّى لكم مزيد من التقدّم.

ص: 30

عندي سؤال : هل أنّ أبا ذر ، والمقداد ، وسلمان المحمّدي ، وعمّار ، وجميع صحابة علي عليه السلام الخلّص ، كانوا ضمن جيش أُسامة؟ أم أنّهم بقوا في مدينة الرسول؟

وهل بالإمكان معرفة أسماء الصحابة المتخلّفين عن جيش أُسامة؟ مع كتابة المصادر الدالّة على ذلك من كتب أهل السنّة؟ وشكراً جزيلاً.

ج : ذكرت كتب الفريقين أنّ جميع المهاجرين ووجوه الأنصار خرجوا في جيش أُسامة إلاّ الإمام علي عليه السلام ، ومن هذا الإطلاق يعلم : أنّ أبا ذر ، والمقداد ، وسلمان المحمّدي ، وعمّار ، وكُلّ صحابة الإمام علي عليه السلام ، خرجوا في جيش أُسامة امتثالاً لأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ولم يتخلّفوا عنه ، وعسكروا في منطقة الجرف قرب المدينة المنوّرة ، وبعد وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله رجعوا إلى المدينة ، وفوجئوا بقضية السقيفة ، ومبايعة أبي بكر للخلافة.

وأمّا بالنسبة إلى ذكر أسماء من تخلّف عن جيش أُسامة - خصوصاً من كتب أهل السنّة - فهذا غير ممكن ، لأنّ كُلّ ما يرتبط بالصحابة من القضايا التاريخية - سواء ما وقع منها في زمن النبيّ صلى اللّه عليه وآله أو بعده - لم يصل لنا منه إلاّ القليل ، إمّا أن يخفى ، أو يذكر بشكل مبهم ، أو محرّف ، ممّا يشمّ منه أنّ أصل تلك القضايا كانت من المسلّمات ، ومن تلك القضايا مسألة تخلّف بعض الصحابة عن جيش أُسامة.

نعم ، ورد في بعضها : أنّ أبا بكر وعمر وعثمان وأبا عبيدة وطلحة والزبير كانوا ممّن نفذ في جيش أُسامة ، ولكن في نفس الوقت نجد هؤلاء كانوا في سقيفة بني ساعدة ، بعد وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ممّا يدلّل أنّهم تخلّفوا عن الجيش.

ص: 31

ص: 32

السقيفة :

اشارة

( علي طاهر - السعودية - 40 سنة )

كما في الاحتجاج للطبرسي :

س : ذكر الرواة بأنّ بعض الأنصار كان في السقيفة ، مع أنّ مصادر الشيعة يذكرون بأنّ الأنصار كانوا مع الإمام علي عليه السلام ما عدا ثلاثة أو خمسة ، ومنهم بشير الأنصاري أبو النعمان.

هل الصحابي سعد بن عبادة يريد أن يأخذ الخلافة؟ لأنّه كان موجوداً وعشيرته تريد أن تبايعه ، أم أنّه شعر بريحة الخيانة من جهة عمر؟ أو علم من الأخبار لأنّه رئيس عشيرة وعيونه أخبرته بنية القوم؟

ودمتم موفّقين ، واللّه يحفظكم من كُلّ شرّ ، ويجعلكم نوراً يستضئ به المؤمنون.

ج : لاشكّ ولا ريب أنّ الأنصار قد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة ، كما ذكرت ذلك كتب الفريقين ، والظاهر أنّ المقصود من الاجتماع ، اجتماع بعضهم لا اجتماع كُلّهم من أوسهم وخزرجهم ، ولكن كم مقدارهم؟ فبعض كتبنا كالاحتجاج للعلاّمة الطبرسي قدس سره عبّرت هكذا : « وفي السقيفة خلق كثير من الأنصار ، وسعد بن عبادة بينهم مريض ... » (1).

ص: 33


1- الاحتجاج 1 / 91.

ويمكن أن بعض كتبنا ذكرت مجموعة قليلة ، وسواء قلنا إنّهم كانوا خلقاً كثيراً أم أنّهم كانوا مجموعة قليلة ، كان المعروف بينهم أنّ الخليفة بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله هو الإمام علي عليه السلام.

وأمّا بالنسبة إلى قضية سعد بن عبادة ، فتتّضح من خلال ما نقله العلاّمة الطبرسي في الاحتجاج حول قصّة السقيفة ، حيث قال :

« ثمّ اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة ، وجاءوا به إلى سقيفة بني ساعدة ، فلمّا سمع بذلك عمر أخبر بذلك أبا بكر ، فمضيا مسرعين إلى السقيفة ، ومعهما أبو عبيدة بن الجرّاح ، وفي السقيفة خلق كثير من الأنصار ، وسعد بن عبادة بينهم مريض ، فتنازعوا الأمر بينهم ، فآل الأمر إلى أن قال أبو بكر في آخر كلامه للأنصار : إنّما أدعوكم إلى أبي عبيدة بن الجرّاح أو عمر ، وكلاهما قد رضيت لهذا الأمر ، وكلاهما أراهما له أهلاً.

فقال عمر وأبو عبيدة : ما ينبغي لنا أن نتقدّمك يا أبا بكر ، وأنت أقدمنا إسلاماً ، وأنت صاحب الغار وثاني اثنين ، فأنت أحق بهذا الأمر وأولى به.

فقال الأنصار : نحذر أن يغلب على هذا الأمر من ليس منّا ولا منكم ، فنجعل منّا أميراً ومنكم أميراً ونرضى به ، على أنّه إن هلك اخترنا آخر من الأنصار.

فقال أبو بكر بعد أن مدح المهاجرين : وأنتم يا معشر الأنصار ، ممّن لا ينكر فضلهم ولا نعمتهم العظيمة في الإسلام ، رضيكم اللّه أنصاراً لدينه ، وكهفاً لرسوله ، وجعل إليكم مهاجرته ، وفيكم محل أزواجه ، فليس أحد من الناس بعد المهاجرين الأوّلين بمنزلتكم ، فهم الأمراء وأنتم الوزراء.

فقال الحباب بن المنذر الأنصاري : يا معشر الأنصار ، أمسكوا على أيديكم ، فإنّما الناس في فيئكم وظلالكم ، ولن يجترئ مجتر على خلافكم ، ولن يصدر الناس إلاّ عن رأيكم.

وأثنى على الأنصار ثمّ قال : فإنّ أبى هؤلاء تأميركم عليهم ، فلسنا نرضى بتأميرهم علينا ، ولا نقنع بدون أن يكون منّا أمير ومنهم أمير.

ص: 34

فقام عمر بن الخطّاب فقال : هيهات لا يجتمع سيفان في غمد واحد ، إنّه لا ترضى العرب أن تؤمّركم ونبيّها من غيركم ، ولكن العرب لا تمتنع أن تولّي أمرها من كانت النبوّة فيهم ، وأُلو الأمر منهم ، ولنا بذلك على من خالفنا الحجّة الظاهرة ، والسلطان البيّن ، فيما ينازعنا سلطان محمّد ، ونحن أولياؤه وعشيرته ، إلاّ مدل بباطل أو متجانف بإثم ، أو متورّط في الهلكة محبّ للفتنة.

فقام الحباب بن المنذر ثانية فقال : يا معشر الأنصار امسكوا على أيديكم ، ولا تسمعوا مقال هذا الجاهل وأصحابه ، فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر ، وإن أبوا أن يكون منّا أمير ومنهم أمير ، فأجلوهم عن بلادكم ، وتولّوا هذا الأمر عليهم ، فأنتم واللّه أحقّ به منهم ، فقد دان بأسيافكم قبل هذا الوقت ، من لم يكن يدين بغيرها ، وأنا جذيلها المحكك ، وعذيقها المرجب ، واللّه لئن أحد ردّ قولي لأحطمن أنفه بالسيف.

قال عمر بن الخطّاب : فلمّا كان الحباب هو الذي يجيبني لم يكن لي معه كلام ، فإنّه جرت بيني وبينه منازعة في حياة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فنهاني رسول اللّه عن مهاترته ، فحلفت أن لا أكلّمه أبداً.

قال عمر لأبي عبيدة : تكلّم ، فقام أبو عبيدة بن الجرّاح وتكلّم بكلام كثير ، وذكر فيه فضائل الأنصار ، وكان بشير بن سعد سيّداً من سادات الأنصار ، لمّا رأى اجتماع الأنصار على سعد بن عبادة لتأميره حسده ، وسعى في إفساد الأمر عليه ، وتكلّم في ذلك ورضى بتأمير قريش ، وحثّ الناس كُلّهم لاسيّما الأنصار على الرضا ، بما يفعله المهاجرون.

فقال أبو بكر : هذا عمر وأبو عبيدة شيخان من قريش فبايعوا أيّهما شئتم؟

فقال عمر وأبو عبيدة : ما نتولّى هذا الأمر عليك أمدد يدك نبايعك.

فقال بشير بن سعد : وأنا ثالثكما ، وكان سيّد الأوس ، وسعد بن عبادة سيّد الخزرج ، فلمّا رأت الأوس صنيع سيّدها بشير ، وما ادعيت إليه الخزرج من تأمير سعد ، أكبّوا على أبي بكر بالبيعة ، وتكاثروا على ذلك وتزاحموا ، فجعلوا يطأون سعداً من شدّة الزحمة ، وهو بينهم على فراشه مريض.

ص: 35

فقال : قتلتموني ، قال عمر : اقتلوا سعداً قتله اللّه ، فوثب قيس بن سعد فأخذ بلحية عمر وقال : واللّه يا بن صهّاك ، الجبان في الحرب ، والفرّار الليث في الملا والأمن ، لو حرّكت منه شعرة ما رجعت وفي وجهك واضحة.

فقال أبو بكر : مهلا يا عمر مهلا ، فإنّ الرفق أبلغ وأفضل ، فقال سعد : يا بن صهّاك الحبشية ، أما واللّه لو أنّ لي قوّة النهوض ، لسمعتها منّي في سككها زئيراً أزعجك وأصحابك منها ، ولالحقّنكما بقوم كنتما فيهم أذناباً أذلاء تابعين غير متبوعين لقد اجترأتما.

ثمّ قال للخزرج : احملوني من مكان الفتنة ، فحملوه وأدخلوه منزله ، فلمّا كان بعد ذلك بعث إليه أبو بكر ، أن قد بايع الناس فبايع ، فقال : لا واللّه حتّى أرميكم بكُلّ سهم في كنانتي ، وأخضب منكم سنان رمحي ، وأضربكم بسيفي ما أقلّت يدي ، فأقاتلكم بمن تبعني من أهل بيتي وعشيرتي ، ثمّ وأيم اللّه لو اجتمع الجنّ والأنس عليّ لما بايعتكما ، أيّها الغاصبان حتّى أعرض على ربّي ، وأعلم ما حسابي.

فلمّا جاءهم كلامه ، قال عمر : لا بدّ من بيعته ، فقال بشير بن سعد : إنّه قد أبى ولجّ وليس بمبايع أو يقتل ، وليس بمقتول حتّى يقتل معه الخزرج والأوس ، فاتركوه فليس تركه بضائر ، فقبلوا قوله وتركوا سعداً ، فكان سعد لا يصلّي بصلاتهم ، ولا يقضي بقضائهم ، ولو وجد أعواناً لصال بهم ولقاتلهم ، فلم يزل كذلك مدّة ولاية أبي بكر حتّى هلك أبو بكر ، ثمّ ولي عمر وكان كذلك ، فخشى سعد غائلة عمر ، فخرج إلى الشام فمات بحوران في ولاية عمر ، ولم يبايع أحداً.

وكان سبب موته أن رمي بسهم في الليل فقتله ، وزعم أنّ الجنّ رموه ، وقيل أيضاً أنّ محمّد بن سلمة الأنصاري تولّى ذلك بجعل جعل له عليه ، وروي أنّه تولّى ذلك المغيرة بن شعبة ، وقيل خالد بن الوليد ... » إلى نهاية كلامه قدس سره.

ص: 36

الشطرنج :

اشارة

( حمد النصّار - الكويت - .... )

سبب تحريمها :

س : ما هو سبب تحريم الشطرنج؟ مع أنّها قد تفيد الإنسان ذهنياً عن طريق التفكير ، ونفسياً عن طريق الترفيه ، وشتّان بين الضرر الذي يسبّبه السجائر والضرر الذي يسبّبه الشطرنج؟ ومع ذلك لم يحرّم علماؤنا السجائر مع ثبات الضرر الذي تحقّقه ، أفيدونا يرحمكم اللّه؟

ج : إنّ الأحكام الشرعية تعبّدية ، أي يجب العمل بها تعبّداً ، سواء في ذلك توصّلنا إلى فلسفة الأحكام أو لم نتوصّل ، بل حتّى تلك الأحكام التي توصّلنا إلى فلسفتها ، فهي لا تعبّر بالضرورة الفلسفة الحقّيقية للحكم ، بل تعبّر عن بعض ما توصّلنا إليه.

ويعتبر تحريم الشطرنج من هذا القبيل ، فهو حكم تعبّدي ، حتّى فسّرت آية ( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ ... ) (1) بالشطرنج ، كما ورد في الكثير من الأحاديث(2).

ص: 37


1- الحجّ : 30.
2- أُنظر : الكافي 6 / 435 ، دعائم الإسلام 2 / 210 ، من لا يحضره الفقيه 4 / 58 ، معاني الأخبار : 349 ، تفسير القمّي 2 / 84.

ويمكن أن يكون سبب ورود الكثير من الروايات في التحريم ، والتأكيد على تحريم الشطرنج بالذات : أنّ الشطرنج من الألعاب التي تنسي ذكر اللّه ، حتّى أنّه قيل : أنّ كثيراً من لاعبي الشطرنج يغفلون عن أداء الصلاة ، لأنّ الشطرنج من الألعاب الملهية التي تستغرق وقتاً كثيراً كما يقال.

وقيل أيضاً : إنّ الشطرنج يوجب البغضاء بين الممارسين له ، ويكدّر صفو القلوب.

وكما قلنا لك : الأحكام تعبّدية ، وما ذكر من الأسباب مجرّد احتمال.

هذا ، وبالأخص إذا عدّ عرفاً الشطرنج من آلات القمار ، والمؤمنون لا يقتربون آلة تعدّ عرفاً من آلات القمار التي يقامر بها من لا دين له ، ويكون كتحريم الجلوس على مائدة فيها خمر ، وإن كان الجالس لا يشرب الخمر.

( أحمد - العراق - 29 سنة - طالب حوزة )

مصادر حرمتها :

س : لدي سؤال لو سمحتم :

1 - هل من الممكن أن تدلّونا على أسماء الكتب التي تذكر فلسفة تحريم الشطرنج؟ ويا حبّذا لو تدلّونا على مواقعها في الإنترنت.

2 - تفضّلتم قائلين : ويمكن أن يكون سبب ورود الكثير من الروايات في التحريم ، والتأكيد على تحريم الشطرنج بالذات : أنّ الشطرنج من الألعاب التي تنسي ذكر اللّه ، حتّى أنّه قيل : إنّ كثيراً من لاعبي الشطرنج يغفلون عن أداء الصلاة ، لأنّ الشطرنج من الألعاب الملهية التي تستغرق وقتاً كثيراً كما يقال.

وقيل أيضاً : إنّ الشطرنج يوجب البغضاء بين الممارسين له ، ويكدّر صفو القلوب.

فيا حبّذا لو تذكروا لنا المصدر في ذلك ، مع جزيل الشكر ، ووفّقكم اللّه لما يحبّ ويرضى.

ص: 38

ج : لقد ذكرت مسألة حرمة الشطرنج في المكاسب المحرّمة عند أغلب بحوث علمائنا ، كما وردت عن المعصومين عليهم السلام روايات كثيرة في تلك المسألة ، فارجع إلى الكتب الآتية : « المكاسب المحرّمة » للسيّد الخميني ، « مصباح الفقاهة » للسيّد الخوئي ، كتاب « المكاسب » للشيخ الأنصاري ، « جواهر الكلام » للشيخ الجواهري ، « الكافي » للشيخ الكليني ، « من لا يحضره الفقيه » للشيخ الصدوق ، « وسائل الشيعة » للشيخ الحرّ العاملي ، « بحار الأنوار » للعلاّمة المجلسي (1).

أمّا ما يتعلّق بسبب تحريم الشطرنج ، فكما تعرف قد ذكرنا ما يتعلّق بالموضوع في موقعنا ، وما ذكر ما هي إلاّ استنتاجات مستفادة من أقوال بعض الرواة والعلماء ، والسيّد الخميني لم يحلّل الشطرنج الذي هو من آلات القمار ، بل قال قدس سره : « إنّ الشطرنج إن كان قد خرج عن كونه من آلات القمار جاز اللعب به »(2) ، وهذه قضية تعليقية شرطية ، أي أنّ حرمة الشطرنج ترتفع إذا تبدّل العنوان وصار الشطرنج ليس من آلات المقامرة ، وصدق الشرطية لا يستلزم صدق طرفيها.

( جواد - السعودية - .... )

حكم اللعب بها وبالنرد :

س : إن سمحتم لدي سؤال وهو : من المعروف أنّ النرد والشطرنج من المحرّمات ، وسمعت أنّ هنالك حديث ينصّ على أنّ اللعب بالنرد مثل الزاني بفرج أُمّه؟ فما مدى سند هذا الحديث وصحّته؟ علماً بأنّي سمعت من أحد الأشخاص يقول : بأنّ سند هذا الحديث غير صحيح ، أو أنّه ضعيف ، أفيدونا أفادكم اللّه.

ص: 39


1- مأساة الزهراء 1 / 162.
2- ؟؟؟؟

ج : الآلات التي يلعب بها بعض منها ورد نصّ على تحريمها ، وبعض لم يرد نصّ.

أمّا الآلات التي لم يرد نصّ على تحريمها ، فاللعب بها مع الرهان حرام قطعاً ، وأمّا بدون الرهان ، فإن كان اللعب بها في الأعم الأغلب مع الرهان بحيث سمّيت عرفاً آلة قمار ، فاللعب بها بدون رهان حرام قطعاً ، وإن كان العرف لا يسمّيها آلة قمار ، فإنّ اللعب بها بدون رهان جائز شرعاً.

وأمّا الآلات التي ورد نصّ في تحريمها - كالنرد والشطرنج - فمشهور العلماء يذهب إلى أنّ موضوع الحرمة هو نفس الآلة ، مع غض النظر عن صدق القمارية عليه وعدمه ، وعليه يحرم اللعب بها مطلقاً.

ولكن ذهب بعض إلى أن موضوع الحرمة هو صدق القمارية عرفاً ، فإذا كان العرف لا يعدّها آلة قمار ، فاللعب بها بدون رهان جائز ، وإن اختلفوا في كيفية الصدق العرفي لخروج الآلة عن اسم القمار.

فذهب بعض إلى أنّ الآلة لا يمكن أن تخرج عرفاً عن اسم القمار ، إلاّ بعد أن يترك الجميع اللعب بها مع الرهان ، فلو كان شخص واحد يلعب بها مع الرهان ، فالآلة عرفاً تبقى على اسم القمار ، ويحرم اللعب بها من دون رهان.

وبعض ذهب إلى أنّ الأعم الأغلب إذا ترك اللعب بها مع الرهان ، فعرفاً تخرج عن اسم آلة القمار ، ويكون حكمها كالخمر إذا انقلب خلاً.

هذا هو موجز تفاصيل المسألة ، وعلى كُلّ فرد أن يرجع في هذه المسألة إلى مرجع تقليده ، والاحتياط في الاجتناب عن اللعب بالآلات التي ورد فيها النصّ على الحرمة - كالنرد والشطرنج - لا يترك.

ص: 40

( إيهاب - مصر - 15 سنة - طالب )

القائلون بحرمتها من أهل السنّة :

س : أنا لاعب شطرنج ، أصلّي وأصوم ، وأحبّ زملائي في اللعبة ، هل لعب أحدكم الشطرنج ليعرف مدى رقي تلك اللعبة؟ وأنّها لا يمكن أن تكون الرجز من الأوثان.

ج : إنّ الأحكام الشرعية لا يمكن إدراك العلل الواقعية لها ، وإنّ أغلبها تأتي غير معلّلة ، فلذلك لا يستطيع أحد أن يعترض على تلك الأحكام ، بل عليه التسليم لها.

والذي يمكن البحث فيه والنقاش هو : متابعة دليل الفقيه في استنباط الحكم الشرعي ، فإذا كان دليله فقط الآية القرآنية نوقش فيها ، وإن كان هناك دليل آخر من السنّة ، نوقش فيه أيضاً ، فلابدّ إذاً من فهم الأدلّة التي أدّت بالفقهاء للقول بحرمة الشطرنج.

وكما ذكرنا سابقاً ، فإنّ الذي شرح مراد الآية القرآنية هي الروايات الواردة عن المعصومين عليهم السلام ، فالإمام المعصوم هو الذي يقول : أنّ من الميسر كُلّ ما يتقامر به ، ومنه الشطرنج ، وهذا القول قد قبله بعض علماء أهل السنّة وعمل به.

هذا وأنّ هناك روايات كثيرة تكفي لوحدها أن تكون دليلاً على حرمة الشطرنج ، حتّى لو لم نفهم المراد من الآية القرآنية ، ومن تلك الروايات ما ورد عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « بيع الشطرنج حرام ، وأكل ثمنه سحت ، واتخاذها كفر ، واللعب بها شرك ، والسلام على اللاهي بها معصية ، وكبيرة وموبقة ... » (1).

ص: 41


1- السرائر 3 / 577.

ولسنا الوحيدين القائلين بحرمة الشطرنج ، فقد ورد في فقه السنّة : « فمن حرّمه : أبو حنيفة ومالك وأحمد ، وقال الشافعي وبعض التابعين : يكره ولا يحرم »(1).

وأمّا قولك : أنّ اللعبة فيها رقي ، فنحن لا ننكر أنّ في اللعبة منافع ، بل إنّ هذا هو لسان القرآن ، إذ قال : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ) (2).

فإذا قال لك أحد : إنّ في الخمر منافعاً ، وأنّه شراب لذيذ مثلاً ، وإنّي أشرب منه مقدار لا يضرّ بعقلي ، فهل يحقّ له أن يعترض على حرمة الخمر؟ فإذا لم تقبل منه اعتراضه ، فكذلك الحال في الشطرنج ، فوجود المنافع فيها لا يزيل عنها الحرمة.

ص: 42


1- أُنظر : فقه السنّة 3 / 513.
2- البقرة : 219.

الشفاعة :

اشارة

( أُمّ زهراء - السعودية - .... )

لا يستحقّها الظالم لأهل البيت :

س : ما حكم من يعتقد بأنّ شفاعة المعصومين عليهم السلام ربّما قد تشمل ظالميهم ، ومن أغتصب حقّهم ، وظلم شيعتهم ، أو أنّ رحمة اللّه فوق كُلّ هذا ، أم يستحيل أصلاً ورود الرحمة والشفاعة في مثل هذا المورد بالخصوص؟ مثل قتل الإمام الحسين عليه السلام ، وكسر ضلع الزهراء عليها السلام ، وغصب الخلافة؟

ج : وردت نصوص تفيد بأنّ الظالمين لآل محمّد عليهم السلام آيسون من رحمة اللّه تعالى ، ومن هذا يظهر عدم شمول الشفاعة لمن ظلمهم.

وأمّا من ظلم شيعتهم ، فتارة ظلم شيعتهم لأنّهم شيعة لأهل البيت عليهم السلام ، فهذا بحكم الناصبي ، والناصبي لا شفاعة له ولا نجاة.

وتارة أُخرى ظلم شيعتهم بعنوان شخصي ، فهذا يدخل ضمن مظالم العباد ، ومظالم العباد فيما بينهم - حسب ما في الروايات - معلّق على أداء الحقّ إلى أصحابه ، فإذا أدّى هذا الإنسان الظالم الحقّ إلى أصحابه ، أو ابرأ ذمّتهم ، فحينئذ يمكن أن تعمّه الشفاعة.

وأمّا إذا لم يعد الحقّ إلى صاحبه ولم يستبرئ ذمّته ، فمقتضى الروايات الواردة : أنّ الشفاعة موقوفة على رضا صاحب الحقّ ، ولكن قد يستفاد من بعض الروايات بأنّه من الممكن أنّ اللّه تعالى لبعض الأعمال الصالحة لهذا

ص: 43

الإنسان الظالم يرضي عنه خصومه يوم القيامة ، ثمّ ينجّيه ، ويظهر من هذا توقّف النجاة على الرضا ، فهنا يمكن أن تتناول الشفاعة هذا القسم.

فالخلاصة : من ظلمهم عليهم السلام لا تشمله الشفاعة ، وأمّا من ظلم شيعتهم لتشيّعهم فهو ناصبي فلا تشمله أيضاً ، وإن لم يكن لتشيّعهم فيدخل في مظالم العباد ، فإن أدّى الحقّ أو ابرأ الذمّة فتشمله الشفاعة ، وإلاّ فلا تشمله الشفاعة إلاّ أن يرضي اللّه خصومه.

أمّا كيف يرضي اللّه خصومه؟ فيمكن أن يكون بسبب الأعمال الصالحة - من قبيل الاستغفار والصدقة على الطرف المعتدى عليه - وهذه مسألة متروكة إلى اللّه تعالى.

ثمّ إنّ المتبادر من ظالميهم من ظلم مقامهم وولايتهم ، وأنكر مودّتهم أو ما شاكل ذلك ، فمن اعتقد أنّ الشفاعة تشمل هكذا ظالم ، فهو منحرف الاعتقاد.

وأمّا لو أنّ شخصاً يحبّ الإمام الحسين عليه السلام مثلاً ، ويعتقد بإمامته ، ولكن دخل معه في معاملة فظلمه بدينار مثلاً ، فهنا يمكن للإمام عليه السلام أن يعفو عنه ويصفح عنه ، لأنّها مظلمة شخصية مادّية ، فتناله الشفاعة ، لأنّ ظلمه هذا لم يكن ناتج عن بغض لهم عليهم السلام وإنكار لمقامهم.

( نضال - قطر - .... )

رواياتها في كتب العامّة :

س : ما هي حقيقة الشفاعة؟ وما هي البراهين عليها من كتب السنّة؟

ج : إنّ الشفاعة التي وقع الخلاف فيها هي نوع من الوساطة إلى اللّه تعالى ، من وليّ مقرّب عنده ، ليغفر لمذنب ويسامحه ، وقد أثبتها المسلمون قاطبة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إلاّ من شذّ منهم.

ص: 44

والأدلّة على ثبوتها كثيرة جدّاً ، ومتضافرة على حصول الشفاعة في يوم القيامة ، من قبل الصالحين والأولياء إلى المذنبين والعاصين ، واستجابة لطلبك سوف نقتصر على بعض الروايات المثبتة للشفاعة عند أهل السنّة :

1 - عن ابن عمر قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « من قضى لأخيه حاجة ، كنت واقفاً عند ميزانه ، فإن رجح ، وإلاّ شفعت له » (1).

2 - قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « من صلّى على محمّد وقال : اللّهم أنزله المقعد المقرّب عندك يوم القيامة ، وجبت له شفاعتي »(2).

3 - قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « من قال حين يسمع النداء : اللّهم ربَّ هذه الدعوة التامّة والصلاة القائمة ، آت محمّداً الوسيلة والفضيلة ، وأبعثه مقاماً محموداً الذي وعدته ، حلّت له شفاعتي يوم القيامة »(3).

4 - عن أبي أُمامة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « صنفان من أمّتي لن تنالهما شفاعتي ، ولن أشفع لهما ، ولن يدخلا شفاعتي : سلطان ظلوم غشوم عسوف ، وغال مارق عن الدين »(4).

وهذا الحديث يدلّ بالمفهوم على ثبوت الشفاعة ، وإمكانها لطوائف آخرين في أمّة النبيّ صلى اللّه عليه وآله.

5 - عن جابر بن عبد اللّه قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « أعطيت خمساً لم يعطهّن أحد قبلي ... وأعطيت الشفاعة ، ولم يعط نبيٌّ قبلي ... »(5).

ص: 45


1- الدرّ المنثور 3 / 71.
2- مسند أحمد 4 / 108 ، كتاب السنّة : 381 ، المعجم الأوسط 3 / 321 ، المعجم الكبير 5 / 26.
3- صحيح البخاري 1 / 152 و 5 / 228 ، سنن النسائي 2 / 27 ، السنن الكبرى للبيهقي 1 / 410 ، المعجم الصغير 1 / 240 ، مسند الشاميين 4 / 149.
4- المعجم الكبير 8 / 281 و 20 / 214 ، كنز العمال 6 / 21 و 30 ، مجمع الزوائد 5 / 235 ، كتاب السنّة : 184.
5- صحيح البخاري 1 / 113 ، صحيح مسلم 2 / 63 ، سنن النسائي 1 / 211.

ولنقتصر على هذا القدر من الروايات.

( شهيناز - البحرين - سنّية - 20 سنة - طالبة جامعة )

في الكتاب والسنّة :

س : ما الدليل من الكتاب والسنّة على الشفاعة؟

ج : إنّ القول بالشفاعة لم يختصّ بالشيعة وحدهم ، بل اشترك في ذلك جميع المسلمين ، ودليلهم القرآن الكريم والسنّة الشريفة :

أمّا من القرآن الكريم ، فقوله تعالى : ( وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى ) (1) ، إلى غيرها من الآيات الكريمة التي تؤكّد شفاعة المقرّبين عند اللّه تعالى ، ومن يرتضيهم من شفعاء.

أمّا السنّة الشريفة : فعن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال : إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله تلا قول اللّه عزّ وجلّ : ( وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى ) ، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « إنّ شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي »(2).

وعن قتادة قال : وذكر لنا أنّ نبي اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : « إنّ في أمّتي رجلاً ليدخلن اللّه الجنّة بشفاعته أكثر من بني تميم »(3).

وعن أنس بن مالك قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « أنا أوّل شفيعٍ يوم القيامة ، وأنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة ، إنّ من الأنبياء لمن يأتي يوم القيامة ما معه مصدّق غير واحد »(4).

وعن جابر بن عبد اللّه قال : قال صلى اللّه عليه وآله : « أنا قائد المرسلين ولا فخر ، وأنا خاتم النبيين ولا فخر ، وأنا أوّل شافع ومشفع ولا فخر »(5).

ص: 46


1- الأنبياء : 28.
2- المستدرك 2 / 382.
3- المصدر السابق 6 / 285.
4- السنن الكبرى للبيهقي 9 / 4 ، تاريخ بغداد 12 / 398.
5- المعجم الأوسط 1 / 61 ، الجامع الصغير 1 / 413 ، كنز العمّال 11 / 436 ، التاريخ الكبير 4 / 286.

فهذه الآيات والروايات تؤكّد أصل وجود الشفاعة ، وهي خاصّة بمن ارتضاهم اللّه وفضّلهم وأكرمهم.

( محمّد - السعودية - 16 سنة - طالب ثانوية )

لا تنال شفاعتنا من استخف بصلاته :

س : أسأل اللّه العلي القدير أن يمنّ عليكم بنعمة نشر المعارف الحقّة المستقاة من منبع الطهر والعصمة محمّد وآله الطاهرين.

السؤال حول الحديث المروي عن الرسول صلى اللّه عليه وآله الذي يقول : « ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي يوم القيامة » (1) ، وهناك رواية تنقل عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام تقول : « إنّه لا ينال شفاعتنا من استخفّ بالصلاة »(2).

والسؤال هو : إذا كان الاستخفاف بالصلاة من الكبائر ، والتي وعد صاحبها بعدم نيل الشفاعة ، فهل ينال صاحبها شفاعة الرسول صلى اللّه عليه وآله؟ وكيف؟ وهل هناك بين الروايتين تناقض؟ إذ لا ينال الشفاعة من استخفّ بالصلاة لأنّه عمل كبيرة ، وينال الشفاعة من جهة أُخرى لأنّ شفاعة الرسول صلى اللّه عليه وآله لأهل الكبائر قد ادخرت؟ فعلى كلا الوجهين سينال الشفاعة ممّن سيشفع لمن يستحقّ الشفاعة ، إذ إنّهم عليهم السلام لا يشفعون إلاّ لمن ارتضى ، وهم من خشيته مشفقون ، أم إنّ الذي يأتي بما تقدّم لا ينال الرضى ليستحقّ الشفاعة؟ أم ماذا؟ أفيدونا مأجورين.

ج : يمكن أن نتصوّر عدّة أجوبة للجمع بين الحديثين :

1 - إنّ قول النبيّ صلى اللّه عليه وآله عام يشمل جميع أهل الكبائر ، وأمّا قول الإمام الصادق عليه السلام فهو خاص ينحصر بالمستخف بالصلاة - أي المتهاون بها - ، فيحمل العام على الخاصّ ، كما هو متعارف عليه عند الأُصوليين في مثل هذه الحالة ، وتسمى بالتعارض غير المستقرّ ، وتجمع جمعاً عرفياً ، ذُكر بشكل مفصّل في بحوث أُصول الفقه ، مبحث التعارض والتراجيح.

ص: 47


1- التبيان 1 / 213 ، المعجم الأوسط 6 / 106 ، البداية والنهاية 10 / 254.
2- الكافي 3 / 270 و 6 / 401 ، تهذيب الأحكام 9 / 107.

2 - إنّ شفاعة أهل البيت عليهم السلام لها منازل متعدّدة ، فيمكن حمل قول النبيّ صلى اللّه عليه وآله على منزل منها ، كأن يكون آخر المراحل في يوم القيامة ، ويحمل قول الإمام الصادق عليه السلام على عدم نيل الشفاعة في منزل آخر ، كأن يكون في البرزخ مثلاً أو غيره.

وهنالك ما يؤيّد ما ذكرناه ، وهو قول النبيّ : « ادخرت » ، إٍذ إنّ الادخار يفيد معنى عدم الإعطاء في أوّل أزمنة الحاجة ، والحفاظ عليها إلى الأزمنة المهمّة جدّاً.

3 - يمكن أن يكون الفرق هو : إنّ الإمام الصادق عليه السلام ينفي الشفاعة عن المستخفّ بالصلاة على النحو الفعلي وواقعاً ، وهذا لا تعارض له مع قول النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، إذ إنّ النبيّ لم يقل إنّي اشفع فعلاً لأهل الكبائر ، بل قال : إنّي أدّخر شفاعتي لهم ، ومعنى الادخار هو الحفاظ عليها إلى وقت الشدّة ، والحفاظ لا يعني إعطاؤه بشكل قطعي ، فربما يعطي الشفاعة وربما لا يعطيها.

وهذا كما نجده في قوله تعالى : ( قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) (1) ، فليس معنى السعة لكُلّ شيء هو حصول الرحمة ووقوعها للجميع فعلاً ، وإلاّ لتعارض مع عقاب أيّ مخلوق - الكفرة وغيرهم - بل المقصود أنّ الرحمة من اللّه تعالى لها قابلية الشمول للجميع ، لكن البعض ليست له القابلية على نيلها ، وكما يقال : العجز في القابل لا في الفاعل.

وهنالك أوجه أُخرى يمكن تصوّرها لا داعي لذكرها.

( منير - السعودية - .... )

تكون للأنبياء والأئمّة والشهداء و... :

س : من هم الذين يسمح اللّه لهم بالشفاعة يوم القيامة؟ هل هم الأنبياء فقط؟ أم هناك غيرهم أيضاً؟ وهل هناك أدلّة تؤيّد ذلك؟

ص: 48


1- الأعراف : 156.

ج : الظاهر من روايات كثيرة واردة في كتب الفريقين : إنّ الشفاعة يوم القيامة تكون للأنبياء وللأئمّة والعلماء والشهداء وغيرهم ، ومن تلك الروايات :

1 - عن ابن عباس قال : أوّل من يشفع يوم القيامة في أمّته رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأوّل من يشفع في أهل بيته وولده أمير المؤمنين ، وأوّل من يشفع في الروم المسلمين صهيب ، وأوّل من يشفع في مؤمني الحبشة بلال(1).

2 - عن عثمان بن عفّان عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله قال : « أوّل من يشفع يوم القيامة الأنبياء ، ثمّ الشهداء ، ثمّ المؤذّنون »(2).

3 - عن عثمان بن عفّان قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « أوّل من يشفع يوم القيامة الأنبياء ، ثمّ العلماء ، ثمّ الشهداء »(3).

( جعفر سلمان - البحرين - .... )

شفاعة المعصوم تحقق إرادة اللّه :

س : هل شفاعة المعصوم عليه السلام متأخّرة رتبة على إرادة اللّه؟ وليس دورها إلاّ مطابقتها لهذه الإرادة ، ويكون هدفها فقط بيان مقام هؤلاء المعصومين؟ أو أنّ الأمر أبعد من ذلك ، حيث تكون شفاعة المعصوم من مقتضيات تحقّق إرادة اللّه تعالى ، وبالتالي تكون جزء علّة لفعل اللّه ، أو أنّ هناك شيء آخر؟

ج : لا يخفى أنّ كُلّ شيء وجودي في الكون مسبوق بعلم اللّه تعالى أزلاً ، ومقيّد بتعلّق إرادة اللّه الفعلية به في الوجود تكويناً.

هذا ، وإنّ مقام الشفاعة بتفاصيلها يدخل ضمن المخطّط الإلهي في الوجود ، فلا يخرج عن علمه تعالى أوّلاً ، وعن إرادته سبحانه في الوجود ثانياً.

ص: 49


1- مناقب آل أبي طالب 2 / 14.
2- مجمع الزوائد 10 / 381.
3- الجامع الصغير 1 / 434 ، كنز العمّال 10 / 151 ، تاريخ بغداد 11 / 178 ، تهذيب الكمال 22 / 551.

على ضوء ما ذكرنا ، يظهر أنّ مقام الشفاعة قد أعطي للمعصوم عليه السلام من قبل اللّه تعالى ، ثمّ إنّ المعصوم عليه السلام واستناداً إلى هذه المرتبة الممنوحة له يشفع في العباد.

فالنتيجة : إنّ مقام الشفاعة وإن أعطيت أصالةً من قبل اللّه تعالى ، ولكن تنفيذه وتطبيقه بيد المعصوم عليه السلام ، فلا يكون دوره شكلياً بل حقيقياً ، وإن كنّا نعلم - بمقتضى صفة العصمة - أنّه عليه السلام لا يخرج في شفاعته عن رضوان اللّه تعالى.

ومجمل الكلام : إنّنا إن نظرنا إلى المسألة من زاوية الإرادة الإلهية التكوينية ، فالشفاعة وثمراتها سوف تكون مسبوقة بإرادة اللّه تعالى ، ومتأخّرة من حيث الشأن والرتبة والوجود ، وإن نظرنا إليها من ناحية الإرادة الإلهية التشريعية ، فسوف تعتبر الشفاعة حينئذٍ أصيلة وغير منوطة بأيّ شيء ، ويكون المعصوم عليه السلام فيها مختاراً مستقلاً ، وبالنتيجة يكون عليه السلام من أجزاء تحقّق إرادة اللّه تعالى.

( الحائر - السعودية - .... )

تشمل أهل المعاصي لا النواصب :

س : إلى الإخوان العاملين في مركز الأبحاث ، تحية طيّبة ، أشكركم على الإجابة السابقة ، وإن تأخّرت بعض الشيء.

سؤالي لكم كالتالي : هل الشفاعة تشمل أهل المعاصي الذين ماتوا عليها غير تائبين؟ وهل تشمل كُلّ موحّد وإن كان من الذين نصبوا العداء لأهل البيت عليهم السلام؟

ج : إنّ بحث الشفاعة بحث علمي ودقيق ، وللوقوف على أصلها وحدودها نحتاج إلى تفصيل وإطناب في الكلام ، فلا يسعنا تصوير البحث بنحو تامّ ، ولكن نجيب على سؤالك بالإجمال.

ص: 50

أوّلاً : الظهور الأوّلي المتبادر من مفهوم الشفاعة ، هو شمولها لأهل المعاصي غير التائبين ، إذ إنّ التائب حقيقةً لا ذنب له ، فلا يحتاج إلى شفاعة في ذلك المورد.

مضافاً إلى أنّ بعض الروايات الواردة في المقام تصرّح بهذا المعنى ، قال صلى اللّه عليه وآله : « إنّ شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي » (1).

ثانياً : إنّ شمول الشفاعة للعاصين يختلف باختلاف المعاصي والعصاة في كيفية صدور المعصية عنهم وكمّيتها ؛ فمنهم من تناله الشفاعة في بادئ الأمر ، ومنهم من لا يليق لهذه المكرمة إلاّ بعد مسّه النار وتطهيره ، ومنهم بين ذلك.

ثالثاً : بحسب الأدلّة النقلية فإنّ الشفاعة بمراتبها المختلفة مشروطة بوجود مؤهّلات ومواصفات في المشفوع لهم ، منها : التوحيد وعدم الشرك.

ومنها : الإسلام والإيمان.

ومنها : محبّة أهل البيت عليهم السلام وعدم العداء لهم.

ومنها : عدم الاستخفاف بالصلاة.

ويدلّ على ذلك كُلّه الأخبار الواردة في المقام ، نذكر بعضها :

قال الإمام الصادق عليه السلام : « إنّ المؤمن ليشفع لحميمه ، إلاّ أن يكون ناصباً ، ولو أنّ ناصباً شفع له كُلّ نبي مرسل وملك مقرّب ما شفعوا » (2).

وقال الإمام الصادق عليه السلام أيضاً : « لا ينال شفاعتنا من استخفّ بالصلاة »(3).

ص: 51


1- المستدرك 2 / 382.
2- المحاسن 1 / 186.
3- الكافي 3 / 270 و 6 / 401 ، تهذيب الأحكام 9 / 107.

ص: 52

الشهادة الثالثة في الأذان :

اشارة

( السيّد علي رضا - ... - ..... )

الأدلّة على جوازها :

س : ما هي حقيقة الشهادة الثالثة؟ وهل وصّى بها النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، أم أنّها أضيفت بعد فترة؟

ج : قد اتفق علماء الشيعة على جواز الشهادة الثالثة في الأذان ، ثمّ ذهب بعضهم إلى أنّها جزء مستحبّ من أجزاء الأذان ، كما هو الحال في القنوت بالنسبة إلى الصلاة.

وذهب أكثر علمائنا إلى أنّها مستحبّة لا بقصد الجزئية - أي ليست جزءً ، ولا فصلاً من فصول الأذان - مستفيدين الاستحباب من بعض العمومات والإطلاقات في الروايات المؤكّدة على المقارنة بين اسم النبيّ صلى اللّه عليه وآله واسم الإمام علي عليه السلام ، كما هو الحال في الصلاة على محمّد وآل محمّد بعد الشهادة الثانية.

من تلك العمومات والإطلاقات :

1 - عن القاسم بن معاوية ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « فإذا قال أحدكم : لا اله إلاّ اللّه ، محمّد رسول اللّه ، فليقل : علي أمير المؤمنين » (1) ، والحديث لم يتقيّد بزمان ولا مكان ، ولا في فعل خاصّ ، فهو عام يشمل الأذان وغيره.

ص: 53


1- الاحتجاج 1 / 231.

2 - عن أبي الحمراء عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : « لمّا أسري بي إلى السماء نظرت إلى العرش ، فإذا عليه مكتوب : لا إله إلا اللّه ، محمّد رسول اللّه أيّدته بعلي ونصرته به » (1).

3 - عن عبد اللّه بن مسعود عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : « يا عبد اللّه أتاني ملك فقال : يا محمّد ، سل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما بعثوا؟ قال : قلت : على ما بعثوا؟ قال : على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب »(2).

4 - عن حذيفة بن اليمان عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : « لو علم الناس متى سمّي علي أمير المؤمنين ما أنكروا فضله ، سمّي أميراً وآدم بين الروح والجسد ، قال اللّه تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) (3) قالت الملائكة : بلى ، فقال تبارك وتعالى : أنا ربّكم ومحمّد نبيّكم وعلي أميركم »(4).

ففي كُلّ مورد يذكر رسول اللّه يذكر علي معه ، والأذان من جملة الموارد ، ومن شواهدها من كتب أهل السنّة قوله صلى اللّه عليه وآله لعلي : « ما سألت ربّي شيئاً في صلاتي إلاّ أعطاني ، وما سألت لنفسي شيئاً إلاّ سألت لك »(5).

ص: 54


1- مناقب أمير المؤمنين 1 / 244 ، شرح الأخبار 1 / 210 ، المعجم الكبير 22 / 200 ، شواهد التنزيل 1 / 298 ، جواهر المطالب 1 / 92 ، ينابيع المودّة 1 / 69 و 2 / 160 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 336 ، تهذيب الكمال 33 / 260 ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى 1 / 174.
2- شواهد التنزيل 2 / 223 ، كشف الغمّة 1 / 318.
3- الأعراف : 172.
4- فردوس الأخبار 2 / 197.
5- السنن الكبرى للنسائي 5 / 151 ، خصائص أمير المؤمنين : 125 ، ذخائر العقبى : 61 ، مجمع الزوائد 9 / 110 ، كتاب السنّة : 582 ، أمالي المحاملي : 203 و 367 ، المعجم الأوسط 8 / 47 ، نظم درر السمطين : 119 ، كنز العمّال 11 / 625 و 13 / 151 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 310 ، المناقب : 110 ، جواهر المطالب 1 / 239 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 298 ، ينابيع المودّة 2 / 149.

والخلاصة : إنّ الشهادة لعلي عليه السلام بالولاية في الأذان - عند أكثر علمائنا - مكمّلة للشهادة الثانية بالرسالة ، ومستحبّة في نفسها ، وإن لم تكن جزءً من الأذان.

ونلفت انتباهكم إلى أنّ ما قد يفهم من ظاهر كلمات بعض الأعلام من منعها في الأذان ، فهو وقوعها على نحو الجزئية ، لا على نحو أنّها مستحبّة في نفسها.

جعلنا اللّه وإيّاكم من المتمسّكين بولاية أمير المؤمنين عليه السلام.

( طلال - الكويت - سنّي )

أذان الشيعة من مصادر أهل السنّة :

س : لله الحمد أنّنا مسلمون ، ومنّ اللّه علينا بالإسلام.

سؤالي : أُريد دليلاً على أنّ الأذان الحالي عندكم هو ما كان عليه في صدر الإسلام ، وعهد الرسول صلى اللّه عليه وآله.

ج : إنّ الأذان الموجود عند الشيعة - بحسب الأحاديث التي وصلتهم - هو ما كان في عهد الرسول صلى اللّه عليه وآله ، مضافاً إلى تأييد هذه الصورة من الأذان في كتب أهل السنّة ، فنذكر لك فيما يلي مواضع الاختلاف بين فصول أذان الشيعة وأذان السنّة ، وما يدلّ عليها من مصادركم :

1 - التكبير في أوّل الأذان بنظر الشيعة أربع مرّات ، ويوافقنا في ذلك الشافعي وأبو حنيفة وأحمد والثوري(1).

مضافاً إلى ورود رواية من طرق السنّة تصرّح بهذا الحكم ، فعن محمّد بن عبد الملك بن أبي محذورة عن أبيه عن جدّه قال : قلت : يا رسول اللّه علّمني سنّة

ص: 55


1- أُنظر : المجموع 3 / 90 ، فتح العزيز 3 / 160 ، مختصر المزني : 12 ، مغني المحتاج 1 / 135 ، المغني لابن قدامة 1 / 415 ، بداية المجتهد 1 / 88.

الأذان ، فمسح مقدّم رأسه ، وقال : « تقول : اللّه أكبر ... » (1) فذكر التكبير أربع مرّات.

وأيضاً أنّ الحديث الذي هو المستند في تثنية التكبير لا دلالة له أصلاً ، بل هو إخبار عن المنام ، فهو كما ترى!!(2).

2 - أطبقت الشيعة الإمامية على تثنية التهليل في آخر الأذان ، ويدلّ عليه من كتب أهل السنّة ، ما ورد من أمر النبيّ صلى اللّه عليه وآله بلالاً أن يشفّع الأذان(3).

3 - التثويب بدعة عند الشيعة في الصبح وغيره ، ويوافقنا في ذلك الشافعي في أحد قوليه(4).

ويؤيّد هذا الرأي بما روي في الصحيح عن أذان النبيّ صلى اللّه عليه وآله خالٍ عن التثويب(5).

وروى ابن أبي شيبة : أنّ الأسود بن يزيد كان يعترض لزيادة هذه الفقرة في الأذان(6).

وروى الترمذي : إنكار ابن عمر على من زادها في الأذان ، باعتبارها بدعة(7).

وعن الإمام علي عليه السلام أنّه قال حين سمعها : « لا تزيدوا في الأذان ما ليس منه »(8).

ص: 56


1- سنن أبي داود 1 / 121 ، تحفة الأحوذي 1 / 486 ، صحيح ابن حبّان 4 / 578 ، المعجم الكبير 7 / 174 ، تهذيب الكمال 26 / 23 ، السنن الكبرى للبيهقي 1 / 394.
2- أُنظر : الجامع الكبير 1 / 122 ، صحيح ابن خزيمة 1 / 189 ، أُسد الغابة 3 / 166.
3- صحيح البخاري 1 / 150 ، صحيح مسلم 2 / 2 ، سنن ابن ماجة 1 / 241 ، الجامع الكبير 1 / 124 ، سنن الدارمي 1 / 270 ، سنن أبي داود 1 / 125 ، سنن النسائي 2 / 3.
4- الأُم 1 / 104 ، المجموع 3 / 92 ، فتح العزيز 3 / 169 ، مختصر المزني : 12 ، بدائع الصنائع 1 / 148.
5- صحيح مسلم 2 / 3.
6- المصنّف لابن أبي شيبة 1 / 237.
7- الجامع الكبير 1 / 128 ، السيرة الحلبية 2 / 135.
8- نيل الأوطار 2 / 18.

4 - أجمعت الشيعة على ذكر فقرة « حيّ على خير العمل » في الأذان ، وممّا يدلّ عليها : أنّ عمر نهى عنها - وهو على المنبر - إذ قال : أيّها الناس ثلاث كنّ على عهد رسول اللّه ، أنا أنهى عنهنّ ، وأُحرمهنّ وأُعاقب عليهنّ وهي : متعة النساء ، ومتعة الحجّ ، وحيّ على خير العمل(1) ، وهذا الكلام منه دليل ورود هذه الفقرة « حيّ على خير العمل » في أذان النبيّ صلى اللّه عليه وآله.

وورد أيضاً أنّ الإمام زين العابدين عليه السلام وابن عمر كانا يقولان في الأذان بعد حيّ على الفلاح ، حيّ على خير العمل(2).

وأيضاً جاء عن بلال أنّه كان يؤذّن بالصبح فيقول : حيّ على خير العمل(3).

5 - المستحبّات الواردة قبل البدء في الأذان وبين فقراتها كثيرة ، كقول بعض المؤذّنين في الابتداء : « وقل الحمد لله الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولداً ... » ، أو الصلاة بعد ذكر النبيّ صلى اللّه عليه وآله.

ثمّ إنّ من المستحبّات الشهادة لأمير المؤمنين عليه السلام بالولاية بعد الشهادتين.

فالشيعة لا ترى هذه الفقرة جزءً أو فصلاً من الأذان ، بل هي ذكر مستحبّ ، لورود أحاديث كثيرة في مصادر أهل السنّة ، قرنت بين اسم النبيّ صلى اللّه عليه وآله وبين اسم علي عليه السلام(4).

أضف إلى ذلك ، فقد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « هو وليّ كُلّ مؤمن من بعدي »(5).

ص: 57


1- شرح تجريد العقائد : 374.
2- السيرة الحلبية 2 / 137 ، السنن الكبرى للبيهقي 1 / 424 ، المصنّف للصنعاني 1 / 464 ، المصنّف لابن أبي شيبة 1 / 244 ، مسند زيد بن علي : 93.
3- السنن الكبرى للبيهقي 1 / 425 ، المعجم الكبير 1 / 352 ، كنز العمّال 8 / 342.
4- مناقب أمير المؤمنين 1 / 244 ، شرح الأخبار 1 / 210 ، المعجم الكبير 22 / 200 ، شواهد التنزيل 1 / 298 ، جواهر المطالب 1 / 92 ، ينابيع المودّة 1 / 69 و 2 / 160 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 336 ، تهذيب الكمال 33 / 260 ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى 1 / 174.
5- 5 - فضائل الصحابة : 15 ، المستدرك 3 / 134 ، مسند أبي داود : 111 و 360 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 504 ، الآحاد والمثاني 4 / 279 ، كتاب السنّة : 550 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 45 و 126 و 132، خصائص أمير المؤمنين : 64 و 97 ، مسند أبي يعلى 1 / 293 ، صحيح ابن حبّان 15 / 374 ، المعجم الكبير 12 / 78 و 18 / 129 ، نظم درر السمطين : 79 و 98 ، موارد الظمآن : 543 ، كنز العمّال 11 / 599 و 607 و 13 / 142 ، فيض القدير 4 / 471 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 100 و 198 ، أُسد الغابة 4 / 27 ، سير أعلام النبلاء 8 / 199 ، الإصابة 4 / 467 ، الجوهرة : 64 ، البداية والنهاية 7 / 381 ، المناقب : 127 و 153 ، جواهر المطالب 1 / 212 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 291 ، ينابيع المودّة 1 / 112 و 2 / 78 و 86 و 159 و 236 و 398 و 490 و 3 / 364.

وقال صلى اللّه عليه وآله أيضاً : « أنا وهذا حجّة على أمّتي يوم القيامة »(1).

وأخيراً : ( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الحقّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (2).

( .... - لبنان - .... )

تعقيب على الجواب السابق :

أودّ إضافة شيء على الجواب الجيّد ، وهو أنّه لنا التمسّك بعموم الخبر الصحيح الوارد في الاحتجاج لإثبات أرجحية ذكر الشهادة بالولاية عقب الشهادة بالرسالة ، انقل مضمونه : من قال لا اله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه ، فليقل : علي أمير المؤمنين ....

ص: 58


1- كنز العمّال 11 / 620 ، تاريخ بغداد 2 / 86 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 309 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 292.
2- يونس : 35.

الشورى :

اشارة

( علي - البحرين - .... )

معنى ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) :

س : ما معنى قوله تعالى : ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) ؟

ج : جاء في تفسير مجمع البيان : « وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ(1) أي : استخرج آراءهم ، واعلم ما عندهم.

واختلفوا في فائدة مشاورته صلى اللّه عليه وآله إيّاهم - مع استغنائه بالوحي عن تعرّف صواب الرأي من العباد - على أقوال :

أحدها : إنّ ذلك على وجه التطييب لنفوسهم ، والتآلف لهم ، والرفع من أقدارهم ، ليبيّن أنّهم ممّن يوثق بأقوالهم ، ويرجع إلى آرائهم ، عن قتادة والربيع وابن إسحاق.

وثانيها : إنّ ذلك لتقتدي به أمّته في المشاورة ، ولم يروها نقيصة ، كما مدحوا بأنّ أمرهم شورى بينهم ، عن سفيان بن عيينة.

وثالثها : إنّ ذلك ليمتحنهم بالمشاورة ، ليتميّز الناصح من الغاش.

ورابعها : إنّ ذلك في أُمور الدنيا ، ومكائد الحرب ، ولقاء العدو ، وفي مثل ذلك يجوز أن يستعين بآرائهم ، عن أبي علي الجبائي »(2).

ص: 59


1- آل عمران : 159.
2- مجمع البيان 2 / 428.

وعن ابن عباس بسند حسن : لمّا نزلت : ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) ، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : ( أما أنّ اللّه ورسوله لغنيان عنها ، ولكن جعلها اللّه رحمة لأمّتي ، فمن استشار منهم لم يعدم رشداً ، ومن تركها لم يعدم غيّاً ) (1).

إنّ هذه الرواية تفيد : أنّ استشارته صلى اللّه عليه وآله أصحابه لا قيمة لها على صعيد اتخاذ القرار ، لأنّ اللّه ورسوله غنيان عنها ، لأنّهما يعرفان صواب الآراء من خطئها ، فلا تزيدهما الاستشارة علماً ، ولا ترفع جهلاً ، وإنّما هي أمر تعليمي أخلاقي للأُمّة ... ، وإذا كانت الاستشارة أمراً تعليمياً أخلاقياً ، فلا محذور على الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله فيها(2).

( أحمد - السعودية - .... )

ليست مشروعة في تعيين الخليفة :

س : هل يمكن أن تكون الشورى بديلاً عن النصوص الواردة في تحديد الخلافة بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟

ج : لاشكّ أنّ الشورى لا تصلح أن تكون بديلاً عن النصوص القاطعة في خصوص إمامة أمير المؤمنين عليه السلام بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وذلك لأنّ ترك النصوص واللجوء إلى الشورى يعدّ رأياً واجتهاداً في مقابل النصّ ، وهو بلاشكّ غير صحيح لقوله تعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللّه وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا ) (3).

فالموقف النهائي والقول الفصل يعود إلى اللّه تعالى ورسوله لا إلى من سواهما ، وليس لأحد الامتناع أو المخالفة في ذلك ، إلاّ أن يخرج عن دائرة

ص: 60


1- الدرّ المنثور 2 / 90 ، فيض القدير 5 / 565 ، فتح القدير 1 / 395.
2- الصحيح من سيرة النبيّ 6 / 90.
3- الأحزاب : 36.

الإيمان ، وهذا حكم عامّ لا استثناء فيه حتّى في تلك الموارد التي رخّص اللّه تعالى لرسوله الكريم مشورة الناس فيها.

قال تعالى : ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ) (1).

فمدار القرار ومحوره عزم الرسول وإقدامه في تحديد أيّ موقف ، ولا رأي للناس في ذلك ، ولم تكن مشورتهم إلاّ لتطيب خواطرهم ، وإشعارهم بشخصيتهم في ميدان العمل والتطبيق ، مضافاً إلى ما للمشورة من تأثير على تمسّكهم بأوامر النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، والتزامهم بما ألزموا به أنفسهم ، خصوصاً في مواطن الشدّة كالحرب.

هذا ، وإنّ الشورى لم تتحقّق بعد وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في سقيفة بني ساعدة ، فقد حضرها مجموعة قليلة من الأنصار والمهاجرين ، ولم يكونوا يمثّلون جميع أهل الحلّ والعقد ، خصوصاً وأنّ علياً عليه السلام قد أبدى اعتراضه على ما جرى في السقيفة ورفض البيعة ، كما اعترض كبار الصحابة : كالمقداد ، وسلمان ، والزبير ، وعمّار ، وعبد اللّه بن مسعود ، وسعد بن عبادة ، والعباس ابن عبد المطلب ، وأُسامة بن زيد ، وأُبي بن كعب ، وعثمان بن حنيف.

ولو تنزّلنا وقلنا : حصلت الشورى في انتخاب الخليفة الأوّل ، لكنّها لم تحصل في الخليفة الثاني ، حيث تمّ تعيينه مباشرة ومن دون مشورة أحد.

وهكذا لم تحصل في الخليفة الثالث ، حيث إنّ عمر رشّح ستة أشخاص ، ووضع لهم طريقة خاصّة في انتخاب الخليفة ، كما ورد في كتب التاريخ(2).

ثمّ لو كانت الشورى مشروعة في تعيين الخليفة لبيّنها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ورفع الغموض عنها ، مع أنّه لم يؤثر عنه صلى اللّه عليه وآله شيء في هذا المجال.

ص: 61


1- آل عمران : 159.
2- تاريخ الأُمم والملوك 3 / 295 ، تاريخ المدينة 3 / 924.

وهل يعقل أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله لم يهتمّ في مسألة الحاكم الذي يليه ، بينما يكون غيره - كأبي بكر وعمر - أكثر حرصاً منه صلى اللّه عليه وآله فيقدما على الوصاية من بعدهما ، ولا يقدم نبي الرحمة على ذلك؟

والخلاصة : حيث إنّه لم يؤثر عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله أنّه تحدّث عن الشورى كأسلوب في تعيين الخليفة من بعده ، فلابدّ من الرجوع إلى النصوص المأثورة عنه صلى اللّه عليه وآله والدالّة على تنصيب الإمام علي عليه السلام كخليفة المسلمين.

( .... - السعودية - .... )

ليست أساس الحكم والخلافة :

س : حاول المتجدّدون من متكلّمي أهل السنّة ، صب صيغة الحكومة الإسلامية على أساس المشورة بجعله بمنزلة الاستفتاء الشعبي ، واستدلّوا على ذلك بقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) (1) ، فما هو ردّكم؟

ج : إنّ الآية الشريفة حثّت على الشورى فيما يمت إلى شؤون المؤمنين بصلة ، لا فيما هو خارج عن حوزة أُمورهم ، وكون تعيين الإمام داخلاً في أُمورهم فهو أوّل الكلام ، إذ لا ندري - على الفرض - هل هو من شؤونهم أو من شؤون اللّه سبحانه؟ ولا ندري ، هل هي إمرة وولاية إلهية تتمّ بنصبه سبحانه وتعيينه ، أو إمرة وولاية شعبية يجوز للناس التدخّل فيها؟ فما لم يحرز تعيين الإمام أمر مربوط بالمؤمنين لم يجز التمسّك بعموم الآية في أنّها تشمل تعيين الإمام.

ص: 62


1- الشورى : 38.

الشيعة :

اشارة

( فاطمة السنّية - سنّية - 25 سنة - طالبة )

دفع تهم عنهم :

س : أرجو منكم الردّ عليّ فوراً يا شيعة : سئل الإمام مالك عن الشيعة ، فقال : لا تكلّمهم ، ولا ترو عنهم ، فإنّهم يكذبون.

وقال الشافعي : ما رأيت أهل الأهواء قوم أشهد بالزور من الرافضة.

وقال شيخ الإسلام : لا توجد فرقة تقدّس الكذب سوى الرافضة.

ج : إنّ البحث عن الحقائق لا يُؤخذ هكذا ، ولا يكون بالحكم على الأشياء سلفاً دون الاعتماد على تقصّي الوقائع ، ودون اللجوء إلى استماع الأقاويل ، وتقليد الآخرين في حكمهم ، فإنّ اللّه غداً سائلنا عن كُلّ ما نقوله ، فماذا نعتذر غداً إذا لم نملك حجّة نعتذر بها عند اللّه تعالى؟

قال تعالى : ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) (1) ، نحن مسؤولون عن كُلّ صغيرة وكبيرة ، عن ظلمنا لشخص واحد ، فكيف بظلمنا لطائفةٍ من المسلمين؟

علينا أن نبحث أوّلاً عن نشوء مصطلح الرافضة ، ومن هم؟ فاصطلاح الرافضة ليس من الضروري أن يطلق على الشيعة ، إلاّ أنّ الأنظمة السياسية عزّزت من

ص: 63


1- الإسراء : 36.

فكرة استخدام هذا المصطلح على الشيعة ، وقلّدهم الآخرون في ذلك ، فأطلقوا هذا المصطلح على كُلّ شيعي ، من هنا نشكّك في دعوى انتساب هذا المصطلح إلى التشيّع ، ومنه يمكننا إلغاء كُلّ ما تدّعينه في حقّ شيعة أهل البيت عليهم السلام ، وتنسبين أقوال هؤلاء العلماء في حقّهم ، وهذا الكلام يؤيّده ما قاله إمام الشافعية :

إذا نحن فضّلنا علياً فإنّنا *** روافضُ بالتفضيل عند ذوي الجهلِ

وقال كذلك :

إذا في مجلس ذكروا علياً *** وسبطيه فاطمة الزكية

يقال تجاوزوا يا قوم هذا *** فهذا من حديث الرافضية

برئت إلى المهيمن من أُناسٍ *** يرون الرفض حبّ الفاطمية

وقال كذلك :

قالوا ترفّضت قلت كلاّ *** ما الرفض ديني ولا اعتقادي

لكن تولّيت غير شكّ *** خير إمامٍ وخير هادي

إن كان حبّ الولي رفضاً *** فإنّني أرفض العبادِ(1)

وهكذا فرّق الشافعي بين مصطلح التشيّع الذي هو ولاء علي وأولاده عليهم السلام وبين مصطلح الرافضة الذي أطلقه النظام السياسي الحاكم على معارضيه ، ومن هنا فإنّ الذي تذكرينه عن الشافعي لا يستقيم.

أمّا ما تذكرينه عن مالك في حقّ الشيعة ، فلم يثبت في مصدر يعوّل عليه ، ولم تذكرين لنا المصدر الذي تأخذين هذا القول عنه ، ويستحيل أن ينسب مالك هذا الكلام لشيعة أهل البيت عليهم السلام.

ص: 64


1- نظم درر السمطين : 111.

واعلمي أنّ الشيعة لم يضعوا الحديث ، ولم يكذّبوا فيه ، فإنّهم كانوا تحت رقابةٍ مشدّدة من التعديلات الرجالية ، بحيث كان الرجاليون يترقّبون كُلّ من وضع الحديث ، أو كذّب فيه ، فيسقطونه عن الاعتبار ، وكانوا يتحرّجون في ذلك أشدّ التحرّج ، ولو كان قد صدر منهم كذب في حديث لوجدتِ أنّ الأنظمة الحاكمة قد جعلت ذلك ذريعة للتشهير بهم ، ومحاربتهم بحجّة وضع الحديث وكذبهم فيه.

إلاّ أنّنا نعلمك : أنّ آفة وضع الحديث قد امتاز بها غير الشيعة ، وشهد لذلك ابن حجر الهيثمي وغيره لهذه المشكلة فقال : « وقد اغتر قوم من الجهلة ، فوضعوا أحاديث الترغيب والترهيب وقالوا : نحن لم نكذب عليه - أي على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله - بل فعلنا ذلك لتأييد شريعته ... » (1).

وأخرج البخاري في تاريخه عن عمر بن صبح - وهو من رواة أهل السنّة - يقول : أنا وضعت خطبة النبيّ صلى اللّه عليه وآله(2).

قيل لأبي عصمة : من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضل سور القرآن سورة سورة؟ فقال : إنّي رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن ، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ، ومغازي ابن إسحاق ، فوصفت هذا الحديث حسبة(3).

وهكذا ، فإنّ الوضع لم يكن عند الشيعة كما تذكرين ، بل هؤلاء علماء أهل السنّة يعترفون بمشكلة الوضع عند رواة أهل السنّة ، وهي مشكلة تعمّ الكثير من الأحاديث ، وعليكِ متابعة الموضوع من مصادره ، ليتبيّن لكِ الحقّ والواقع.

نسأل اللّه تعالى أن يكشف لكِ الكثير من الحقائق لتقفين بنفسكِ على كثيرٍ من الأُمور.

ص: 65


1- فتح الباري 1 / 178.
2- التاريخ الصغير 2 / 192.
3- الجامع لأحكام القرآن 1 / 78 ، البرهان في علوم القرآن 1 / 432.

( خالد - الجزائر - 27 سنة - التاسعة أساسي )

تعقيب على الجواب السابق :

لقد قرأت سؤال الأُخت فاطمة السنّية ، حيث نقلت عن بعض النواصب : إنّ الشيعة يكذبون ، وأردت أن أبيّن الحقيقة لكُلّ من يطلبها ، وأبيّن من هم الكذّابين؟ وأرجو منكم أن تنشروا هذه الفقرات تبياناً للحقيقة ، وخدمة لأهل البيت عليهم السلام.

فأقول بعد الصلاة على محمّد وآل محمّد :

1 - قال ابن الأثير في تاريخه : « فلمّا مات زياد عزم معاوية على البيعة لابنه يزيد ... ، ثمّ كتب معاوية بعد ذلك إلى مروان بن الحكم ... ، فقام مروان فيهم وقال : إنّ أمير المؤمنين قد اختار لكم فلم يألُ ، وقد استخلف ابنه يزيد بعده.

فقام عبد الرحمن بن أبي بكر فقال : كذبت واللّه يا مروان وكذب معاوية! ما الخيار أردتما لأُمّة محمّد ، ولكنّكم تريدون أن تجعلوها هرقلية كلّما مات هرقل قام هرقل ....

فسمعت عائشة مقالته فقامت من وراء الحجاب وقالت : يا مروان ... كذبت! ... ولكنّك أنت فضض من لعنه نبي اللّه » (1).

لكن البخاري ذكر الحديث في باب : « والذي قال لوالديه أُفّ لكما ، فقال : كان مروان على الحجاز استعمله معاوية ، فخطب وجعل يذكر يزيد لكي يبايع له بعد أبيه ، فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئاً ، فقال : خذوه ، فدخل بيت عائشة فلم يقدروا عليه ، فقال مروان : إنّ هذا الذي أنزل اللّه فيه : والذي قال لوالديه أُفّ لكما أتعدانني ، فقالت عائشة من وراء الحجاب : ما أنزل اللّه فينا شيئاً من القرآن إلاّ أنّ اللّه أنزل عذري » (2).

لاحظوا جيّداً كيف حذف الشيخ البخاري كلام عبد الرحمن عندما قال : كذبت واللّه يا مروان وكذب معاوية! ما الخيار أردتما لأُمّة محمّد ،

ص: 66


1- الكامل في التاريخ 3 / 506.
2- صحيح البخاري 6 / 42.

ولكنّكم تريدون أن تجعلوها هرقلية كُلّما مات هرقل قام هرقل ، وأبدله بعبارة : فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئاً ، وحذف قول عائشة لمروان : يا مروان ... كذبت! ... ولكنّك أنت فضض من لعنه نبي اللّه.

2 - روى الطبري في تاريخه في وصف مرض النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « عن عائشة قالت : فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بين رجلين من أهله ، أحدهما الفضل بن العباس ورجل آخر ... ، قال عبيد اللّه : فحدّثت هذا الحديث عنها عبد اللّه بن عباس فقال : هل تدري من الرجل؟ قلت : لا ، قال : علي بن أبي طالب ، ولكنّها كانت لا تقدر على أن تذكره بخير وهي تستطيع »(1).

ورواه أيضاً ابن سعد في طبقاته(2).

3 - أخذ ابن هشام من سيرة ابن إسحاق برواية البكائي ، وقال في ذكر منهجه في أوّل الكتاب ، وتارك بعض ما أورده ابن إسحاق في هذا الكتاب ، وأشياء يشنع الحديث به ويسوء الناس ذكره ، وكان ممّا يسوء الناس ذكره ممّا حذف : خبر دعوة النبيّ بني عبد المطلب حينما نزلت ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) (3).

فقد روى الطبري في تاريخه : أنّه بعد نزول هذه الآية دعا النبيّ بني عبد المطلب وقال لعلي : « إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا » (4) ، وقد تدارك الطبري أهمّية هذا الحديث ، فتدارك في تفسيره ما غفل عنه في تاريخه ، فلمّا أورد الحديث بنفس الإسناد في تفسير الآية قال : فقال النبيّ لعلي : « إنّ هذا أخي وكذا وكذا ، فاسمعوا له وأطيعوا »(5).

ص: 67


1- تاريخ الأُمم والملوك 2 / 433.
2- الطبقات الكبرى 2 / 218.
3- الشعراء : 213.
4- تاريخ الأُمم والملوك 2 / 63.
5- جامع البيان 19 / 149.

وكذلك فعل ابن كثير في تاريخه وتفسيره ، حيث حذف كلمة : أخي ووصيي ، وأبدلها بعبارة : كذا وكذا ، وكذلك محمّد حسين هيكل حيث ذكر الحديث بتمامه في الطبعة الأُولى من كتابه حياة محمّد ، لكنّه حذفه في الطبعة الثانية.

4 - أورد الطبري وابن الأثير في تاريخهما خطبة الإمام الحسين عليه السلام فقالوا : قال الحسين : « أمّا بعد ، فانسبوني فانظروا من أنا ، ثمّ ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها ، فانظروا هل يحلّ لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟! ألست ابن بنت نبيّكم ، وابن وصيّه ، وابن عمّه »؟!(1).

لكن ابن كثير ذكر الخبر وحذف عبارة : وابن وصيه وابن عمّه!(2).

5 - ابن تيمية الذي يتهمّ الشيعة بالكذب ، فحسبنا أنّه أنكر حديث من كنت مولاه فعلي مولاه(3).

ويقول الشيخ الألباني : « فزعم - ابن تيمية - أنّه كذب! وهذا من مبالغاته الناتجة في تقديري من تسرّعه في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها ويدقّق النظر فيها »(4).

وبهذه الأمثلة من كتب أهل السنّة يتبيّن للأخوة القرّاء عامّة ، وللأخت فاطمة خاصّة ، من هم الكذّابين الحقّيقيين؟!

وإنّ ما نسب للشيعة وعلمائنا الكبار أنّه محض افتراء ، وفي هذا بيان كافّ إن شاء اللّه تعالى.

ص: 68


1- تاريخ الأُمم والملوك 4 / 322 ، الكامل في التاريخ 4 / 61.
2- البداية والنهاية 8 / 193.
3- منهاج السنّة 7 / 319.
4- سلسلة الأحاديث الصحيحة 4 / 344.

( خالد - الجزائر - 27 سنة - التاسعة أساسي )

تعقيب ثاني على الجواب السابق :

إتماماً للفقرة الأُولى التي ذكر فيها بعض الأمثلة على كذب علماء العامّة ، أرجو منكم أن تضيفوا هذه الفقرات نظراً لأهمّيتها ، وخدمة للقرّاء الكرام.

1 - نقل الذهبي في ترجمة الإمام النسائي قال : « سئل النسائي عن فضائل معاوية : ألا تخرج فضائل معاوية؟ فقال : أيّ شيء أخرج؟ حديث : « اللّهم لا تشبع بطنه » ، فسكت السائل ».

قال الذهبي : لعل هذه منقبة لمعاوية لقول النبيّ : « اللّهم من لعنته أو شتمته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة »!(1).

وجاء ابن كثير من بعده فقال : « لقد انتفع معاوية بهذه الدعوة »(2).

وقد روى مسلم في صحيحه حديث النبيّ صلى اللّه عليه وآله الذي يذمّ فيه معاوية : « لا اشبع اللّه بطنه »(3).

وعندما وقع أهل السنّة في حيرة من هذا الحديث - وقد روته صحاحهم - نسبوا للنبي صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « اللّهم من لعنته أو شتمته فجعل ذلك له زكاة ورحمة » فربطوا بين الحديثين ، وجعلوا منهما منقبة لمعاوية.

سبحان اللّه ، هل يعقل أنّ سيّد الخلق يسبّ ويشتم المؤمنين! وهل يعقل أنّ النبيّ الذي خاطبه اللّه تعالى بقوله : ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (4) ، وبقوله : ( وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ) (5) ، هل يعقل أن يتحوّل هذا النبيّ الكريم من الرسول القدوة إلى من يسبّ ويلعن المؤمنين؟

ص: 69


1- تذكرة الحفّاظ 2 / 699.
2- البداية والنهاية 8 / 128.
3- صحيح مسلم 8 / 27.
4- صحيح مسلم 8 / 27.
5- آل عمران : 159.

2 - ما فعله الطبراني بالحديث الآتي عن سلمان الفارسي رض اللّه عنه قال : قلت يا رسول اللّه لكُلّ نبي وصي فمن وصيّك؟ فسكت عنّي ، فلمّا كان بعد رآني فقال : « يا سلمان » ، فأسرعت إليه قلت : لبيك ، قال : « تعلم من وصي موسى »؟ قلت : نعم يوشع بن نون ، قال : « لِمَ »؟ قلت : لأنّه كان أعلمهم يومئذ ، قال : « فإنّ وصيي وموضع سرّي وخير من اترك بعدي ، وينجز عدّتي ، ويقضي ديني علي بن أبي طالب ».

فبعد روايته للحديث قال الطبراني : « قوله وصيي يعني أنّه أوصاه بأهله لا بالخلافة »(1).

سبحان اللّه ، انظروا كيف أوّل الطبراني هذا الحديث حسب هواه ، والحديث واضح ، وهو يؤكّد أنّ علياً عليه السلام وصي النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وصدق اللّه العظيم حين يقول في كتابه : ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ) (2) ، فلا حول ولا قوّة إلاّ باللّه.

3 - قال الذهبي في ترجمة الحاكم النيسابوري : « فسئل أبو عبد اللّه الحاكم عن حديث الطير فقال : لا يصحّ ، ولو صحّ لما كان أحد أفضل من علي بعد النبيّ.

قلت : ثمّ تغيّر رأي الحاكم ، وأخرج حديث الطير في مستدركه ، ولا ريب أنّ في المستدرك أحاديث كثيرة ليست على شرط الصحّة ، بل فيه أحاديث موضوعة شأن المستدرك بإخراجها فيه.

وأمّا حديث الطير فله طرق كثيرة جدّاً ، قد أفردتها بمصنّف ومجموعها هو يوجب أن يكون الحديث له أصل ، وأمّا حديث : « من كنت مولاه » ، فله طرق جيّدة ، وقد أفردت ذلك أيضاً » (3).

ص: 70


1- المعجم الكبير 6 / 221.
2- الجاثية : 23.
3- تذكرة الحفّاظ 3 / 1042.

فالذهبي ينقل فضل الحاكم ، وبما أنّ الحاكم نقل في مستدركه أحاديث في فضائل علي ، وما فيه انتقاص لمعاوية ، طعنوا فيه وقالوا : ثقة في الحديث رافضي خبيث.

قال الذهبي : « أمّا انحرافه عن خصوم علي فظاهر ، وأمّا أمر الشيخين فمعظّم لهما بكُلّ حال ، فهو شيعي لا رافضي ، وليته لم يصنّف المستدرك على الصحيحين ، فإنّه غضّ من فضائله بسوء تصرّفه »(1).

ومن العجيب أنّ ابن كثير بعدما نقل في أربع صفحات من تاريخه ، ملئها بطرق حديث الطير وأسانيده ورواته ، ونحو أكثر من مائة ممّن رووا عن أنس هذا الحديث قال : « وبالجملة ففي القلب من صحّة هذا الحديث نظر ، وإن كثرت طرقه »(2).

انظروا إلى هذا التعصّب الأعمى ، كيف جعلهم يتّهمون عالماً من علمائهم بالتشيّع والرفض ، بسبب روايته أحاديث لا تعجبهم ، والأعجب بعد هذا أن يقول ابن كثير بعد روايته للحديث : في القلب من صحّة هذا الحديث نظر!

والجدير بالذكر : أنّ حديث الطير رواه الترمذي في سننه ، والطبراني في المعجم الأوسط ، وغيرهما من أعلام السنّة(3) ، وممّا لاشكّ فيه ، أنّه لو كان الحديث يخصّ أحد الصحابة - خاصّة الخلفاء الأوائل - لدقّوا عليه الطبول.

ومن أمثلة الأحاديث التي رواها الحاكم :

1 - عن علي عليه السلام قال : « اخبرني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : إنّ أوّل من يدخل الجنّة أنا وفاطمة والحسن والحسين ، قلت : يا رسول اللّه فمحبّونا ، قال : من ورائكم ».

ص: 71


1- المصدر السابق 3 / 1045.
2- البداية والنهاية 7 / 390.
3- الجامع الكبير 5 / 300 ، طبقات المحدّثين بأصبهان 3 / 454 ، البداية والنهاية 7 / 390 ، المناقب : 108 ، سبل الهدى والرشاد 7 / 191 ، ينابيع المودّة 2 / 150 ، المستدرك 3 / 130 ، أُسد الغابة 4 / 30 ، المعجم الأوسط 2 / 207 و 6 / 90 و 7 / 267 و 9 / 146 ، تاريخ بغداد 9 / 379 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 250 و 257.

قال الحاكم : « صحيح الإسناد ولم يخرجاه »(1) ، وقال الذهبي في تلخيصه : « الحديث منكر من القول ، يشهد القلب بوضعه ».

2 - عن علي عليه السلام قال : « سمعت النبيّ يقول : إذا كان يوم القيامة نادى مناد من وراء الحجاب : غضّوا أبصاركم عن فاطمة بنت محمّد حتّى تمر »(2).

قال الحاكم : « هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه »(3) ، وقال الذهبي في تلخيصه : « لا واللّه بل موضوع ».

وأخرج الحاكم بإسناده إلى علي عليه السلام في تفسير قوله تعالى : ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (4) ، قال علي : « رسول اللّه المنذر وأنا الهادي ».

قال الحاكم : « هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه » (5) ، وقال الذهبي : « بل كذب قبّح اللّه واضعه ».

وسئل أحمد بن حنبل عن حديث : « أنا مدينة العلم وعلي بابها » فقال : « قبّح اللّه أبا الصلت »(6).

لاحظوا كيف استدلّوا على وضع الأحاديث التي لم تعجبهم : فتارة يستشهدون بالقلب ، وتارة باليمين ، وتارة بالسبّ ، وهل يعقل أن نستشهد على وضع الحديث بالقلب أو اليمين بلا دليل؟ فلا حول ولا قوّة إلاّ باللّه.

4 - نقل ابن كثير في تفسيره لقوله تعالى : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) (7) ، قال

ص: 72


1- المستدرك 3 / 151.
2- ذخائر العقبى : 48 ، نظم درر السمطين : 182 ، الجامع الصغير 1 / 127 ، كنز العمّال 12 / 108 ، فيض القدير 1 / 549 ، كشف الخفاء 1 / 96 ، أُسد الغابة 5 / 523 ، ينابيع المودّة 2 / 88 و 137.
3- المستدرك 3 / 153.
4- الرعد : 7.
5- المستدرك 3 / 130.
6- الموضوعات 1 / 354.
7- النساء : 64.

ابن كثير : وقد ذكر جماعة ، منهم الشيخ أبو منصور بن الصبّاغ في كتابه الشامل الحكاية المشهورة عن العتبي قال : كنت جالساً عند قبر النبيّ صلى اللّه عليه وآله فجاء إعرابي فقال : السلام عليك يا رسول اللّه ، سمعت اللّه يقول : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) ، وقد جئتك مستغفراً لذنبي مستشفعاً بك إلى ربّي ، ثمّ انشأ يقول :

يا خير من دفنت بالقاع أعظمه *** فطاب من طيبهن القاع والاكم

نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه *** فيه العفاف وفيه الجود والكرم

ثمّ انصرف الأعرابي فغلبتني عيني فرأيت النبيّ صلى اللّه عليه وآله في النوم فقال : « يا عتبي الحق الإعرابي فبشّره أنّ اللّه قد غفر له »(1).

وذكر هذه القصّة النووي الشافعي في كتابه « الأذكار » ، ولكن عندما طبع الكتاب سنة 1409 هجري في دار الهدى في الرياض ، حذفت قصّة العتبي ، وحذف قول النووي : « اعلم أنّ على كُلّ من حجّ أن يتوجّه إلى زيارة النبيّ ، فإنّ زيارته من أهمّ القربات ».

لماذا حذفت قصّة العتبي وحذف قول النووي؟ بالطبع لأنّ الوهّابية تحرّم الاستشفاع والتوسّل بالنبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وبما أنّ قصّة العتبي رواها كبار علماء السنّة ، فلم يجدوا المخرج إلاّ بتحريف الكتاب ، فحذفوا ما لا يروقهم ، فهل من الأمانة العلمية أن تحرّف الكتب؟! هذا سؤال يبقى مطروح على علماء الوهّابية.

ويشبه هذا ما يفعله علماء الوهّابية حالياً بكتاب الرحّالة ابن بطّوطة ، إذ إنّ ابن بطوطة عندما يصف رحلته إلى الشام يذكر ابن تيمية ، ويقول عنه : أنّه إنسان مجنون ، ونقل عن ابن تيمية أنّه كان ينزل من أعلى المنبر إلى أسفله ، ثمّ يقول : إنّ اللّه ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا ، ونزل درجة من المنبر(2).

ص: 73


1- تفسير القرآن العظيم 1 / 532.
2- رحلة ابن بطّوطة : 95.

لكن الكتب التي تطبع حالياً - خاصّة في الأوساط الوهّابية - تنزع منها هذه العبارة ، ولكن في النسخ القديمة ما زالت موجودة ، والحمد لله.

يقول الشيخ محمّد إبراهيم شقرة في شريط اسمه لا دفاعاً عن ابن تيمية ، ولكن إظهاراً للحقّ : إنّ ابن بطّوطة كان ينقل عن العوام ، وما نقله عن ابن تيمية سمعه ولم يره ، ولهذا فكتب ابن بطّوطة تحذف منها هذه العبارة الآن!

سبحان اللّه ، كيف يجوّزون لأنفسهم حذف الأخبار والأحاديث - التي لا تعجبهم - ثمّ يتّهمون الشيعة بالكذب ، وهل يقبل إنسان عاقل هذه التبريرات منهم؟ وهل اصبحوا كاليهود حيث يقول اللّه تعالى عنهم : ( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ) (1).

هذه بعض الأمثلة سقناها للقرّاء الكرام حول كيفية تحريف علماء العامّة عامّة والوهّابية خاصّة للأخبار والأحاديث التي لا تعجبهم.

والآن نأتي بأمثلة أُخرى من كتبهم حول تركهم للسنّة بدعاوى مختلفة :

1 - قال ابن حزم : « وأمّا قولنا في الرجلين فإنّ القرآن نزل بالمسح ... ، وقد قال بالمسح على الرجلين جماعة من السلف ، منهم علي بن أبي طالب ، وابن عباس ، والحسن ، وعكرمة ، والشعبي ، وجماعة غيرهم ، وهو قول الطبري »(2).

قال ابن الجوزي في المنتظم : « كان ابن جرير - أي الطبري - يرى المسح على القدمين ، ولا يوجب غسلهما ، فلهذا نسب إلى الرفض »(3).

لاحظوا كيف ينسبون علماءهم ويتهمونهم بالرفض والتشيّع إذا اقرّوا بالحقيقة ، ومعروف في التاريخ : أنّ الطبري حاصره الحنابلة - أجداد الوهّابية والسلفية - في داره ، ومنعوا من دفنه ، وادعوا عليه الإلحاد حتّى دفن ليلاً.

ص: 74


1- النساء : 46.
2- المحلّى 2 / 56.
3- المنتظم 13 / 217.

وذكر ثابت بن سنان في تاريخه : « أنّه إنّما أخفيت حاله ، لأنّ العامّة اجتمعوا ومنعوا من دفنه بالنهار ، وادعوا عليه الرفض ثمّ ادعوا عليه الإلحاد »(1).

2 - قال أبو حنيفة ومالك وأحمد : « التسنيم أولى ، لأنّ التسطيح صار شعاراً للشيعة »(2).

وقال الغزّالي : « ثمّ التسنيم أفضل من التسطيح مخالفة لشعار الروافض »!(3).

3 - ذكر الزرقاني في شرح المواهب اللدنية في صفة عِمّة النبيّ على رواية علي في إسدالها على منكبه حين عمّمه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ثمّ ذكر قول الحافظ العراقي : « كما يفعله بعضهم ، إلاّ أنّه صار شعار الإمامية فينبغي تجنّبه ، لترك التشبه بهما »(4).

4 - قال الزمخشري في كيفية الصلاة على النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « وأمّا إذا أفرد غيره من أهل البيت بالصلاة كما يفرد هو فمكروه ، لأنّ ذلك شعاراً لذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ولأنّه يؤدّي إلى الاتهام بالرفض »(5).

قال ابن تيمية عند بيان التشبّه بالشيعة : « ومن هنا ذهب من ذهب من الفقهاء إلى ترك بعض المستحبّات إذ صارت شعاراً لهم »(6).

سبحان اللّه ، هل يعقل أن يترك من يدّعي أنّه يتبع السنّة ، السنّة الصحيحة ، بدعوى أنّ من يسمّوهم الرافضة تتبع هذه السنن.

فهل أمر اللّه تعالى أو نبيّه الكريم صلى اللّه عليه وآله بمخالفة الشيعة؟! وإذا وجب مخالفة الشيعة ، فلماذا لا يفتي علماؤهم لاتباعهم بترك الصلاة والحجّ ، لأنّ الشيعة

ص: 75


1- نفس المصدر السابق.
2- رحمة الأُمّة : 102.
3- الوجيز 1 / 78.
4- شرح المواهب اللدنية 5 / 13.
5- الكشّاف 5 / 96.
6- منهاج السنّة 4 / 154.

يصومون ويحجّون؟! وهل يعقل أن يخالف المرء السنّة بحجّة أنّ الشيعة يعملون بها؟!

ومن هم الرافضة؟! أهم الذين رفضوا الإسلام كما يروّجه الوهّابية؟ أم من رفضوا البدع ، وحكّام الجور ، وتمسكوا بالسنّة؟! هذه أسئلة نطرحها على كُلّ إنسان له ضمير حيّ ، وعلى كُلّ إنسان جرّد نفسه من التعصّب الأعمى.

وممّا يجدر بالذكر أنّ كُلّ الأمثلة التي ذكرت هي من أُمّهات كتب السنّة ، ولا يوجد حديث أو رواية واحدة من كتب الشيعة حتّى تكون الحجّة عليهم ، وكما قيل : ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم.

والحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى اللّه على سيّدنا محمّد وآله المعصومين.

( عاشق التوحيد - السعودية - سنّي )

الأئمّة لم يذمّوا شيعتهم :

س : إنّ علياً رض اللّه عنه وأولاده ، كانوا يبغضون الشيعة المنتسبين إليهم - المدّعين حبّهم واتباعهم - وكانوا يذمّونهم على رؤوس الإشهاد.

فهذا علي يذمّ شيعته ، ويدعو عليهم فيقول : « لقد ملأتم قلبي قيحاً ، وشحنتم صدري غيظا ... ، وأفسدتم عليّ رأيي بالعصيان والخذلان » (1).

ويروي الكليني عن أبي الحسن أنّه قال : « لو ميّزت شيعتي ما أجدهم إلاّ واصفة ، ولو امتحنتهم لما وجدتهم إلاّ مرتدّين »(2).

وقال الحسين بن علي مخاطباً الرافضة : « تبّاً لكم أيّتها الجماعة وترحاً ، وبؤساً لكم؟ حين استصرختمونا ولهين ، فأصرخناكم موجفين ، فشحذتم علينا سيفاً كان في أيدينا ، وحمشتم علينا ناراً أضرمناها على عدوّكم

ص: 76


1- شرح نهج البلاغة 2 / 75.
2- الكافي 8 / 228.

وعدوّنا ، فأصبحتم ألباً على أوليائكم ، ويداً على أعدائكم ، من غير عدل أفشوه فيكم ، ولا أمل أصبح لكم فيهم ، ولا ذنب كان منّا إليكم ... »(1).

ج : إنّ البحث عن الحقائق لا تأتي هكذا اعتباطاً ، ما لم يعزّز البحث عنها بالدليل والبرهان ، وإلاّ ستكون محاولات يائسة تجرّ صاحبها إلى سخط اللّه تعالى ، وتحيله إلى مقلّدٍ أعمى لا يعي ما يقول ، فالغيور على دينه ، ينبغي عليه أن يتحرّى الأُمور بحقائقها ، ويتابع الأشياء بوقائعها ، وأن لا يقلّد كُلّ ما سمعه وردّده الآخرون.

إنّ ما ذكرته : إنّ علياً عليه السلام قد ذمّ شيعته ، فهذا ما لا ينبغي أن يصدر منك ، فإنّ شيعة علي عليه السلام هم خير من عرفهم التاريخ ، واعتزّ بذكرهم بكُلّ إجلال ، منهم سلمان الفارسي وعمّار وأبو ذر ومحمّد بن أبي بكر وعبد اللّه بن مسعود وأبو الهيثم بن التيّهان وأمثالهم ، فهم خيرة من عرفت وأحصيت ، فكيف فات عليك ذكر هؤلاء؟ وكيف أنّ علياً عليه السلام قد ذمّ أمثال هؤلاء ووبّخهم؟!

وعليك أن ترجع إلى تاريخ ما حدث أيّام خلافة علي عليه السلام ، وتابع بنفسك ما أحدثه المنشقوّن على طاعته ، والخارجون على إمامته ، فأشعلوا حروب صفّين والجمل والنهروان ، فقد كانت مجموعة من رعية الإمام وقت ذاك أناس مخالفون لطاعته ، لا ينصاعون لأوامره ، يثبّطون قومه على الخروج معه ، وكان أشهرهم أبو موسى الأشعري ، الذي تخاذل حين استخلفه الإمام عليه السلام على الكوفة ، وثبّط الناس عن الخروج ، فوبّخه وكتب إليه في أمر الحكمين وخيانته قائلاً : « فإنّ شرار الناس طائرون إليك بأقاويل السوء » (2) ، ممّا يعني أنّ هناك عصابة من المنافقين قد تألبوا عليه.

وعبّر عليه السلام عن سخطه من طلحة والزبير ، ومن كان معهما في حرب الجمل ، التي تسبّبت في إزهاق آلاف من نفوس المسلمين فقال عليه السلام : « فخرجوا يجرّون

ص: 77


1- الاحتجاج 2 / 24.
2- شرح نهج البلاغة 18 / 74.

حرمة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كما تجرّ الأمة عند شرائها ، متوجّهين بها إلى البصرة ، فحبسا نساءهما في بيوتهما ، وأبرز حبيس رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لهما ولغيرهما ، في جيش ما منهم رجل إلاّ وقد أعطاني الطاعة ، وسمح لي بالبيعة ... » (1).

فقد أنّب الإمام علي عليه السلام كُلّ من خرج في حرب الجمل دون استثناء ، وحمّلهم مسؤولية الخروج على طاعته ، وهؤلاء - كما تعلم - كانوا يشكّلون الغالبية العظمى من رعايا الإمام ، فكان الإمام عليه السلام يوجّه لومه إلى مثل هؤلاء ، هذا من جهة.

ومن جهة أُخرى كان رعايا الإمام ممّن انخرطوا في صفٍ معارضٍ خطير ، وهم الخوارج الذين آل الأمر إليهم بالخروج عليه في حرب النهروان ، وأدّى بعد ذلك انحرافهم وخبثهم ، أن سخّروا عبد الرحمن بن ملجم المرادي - الذي هو أحد رؤوس الخوارج - إلى اغتيال الإمام عليه السلام في فاجعة الاعتداء الغشيمة ، وقتله في مسجد الكوفة.

هؤلاء الخوارج ، ومثلهم أصحاب الجمل ، أضف إليهم المتقاعسون القاعدون عن القتال أتباع أبي موسى الأشعري ، إذ كانوا يشكّلون نسبة كبيرة من أتباعه ، وكان الأشعث بن قيس - رأس المنافقين - طابور خيانة داخل دولة الإمام عليه السلام ، فيشعلون الفتن ، ويطعنون بالإمام من خلفه ، كُلّ هؤلاء كان الإمام عليه السلام قد خاطبهم بالخطب التي ذكرتها ، وليس كما عبّرت من كون المخاطبين كانوا شيعة الإمام.

كيف يصف الإمام شيعته ومحبّيه بهذه الأوصاف؟ التي لا تنم إلاّ عن أوصاف أعدائه ومخالفيه ، وعليك فيما بعد أن تتابع الأحداث التي عاشها الإمام مع هؤلاء ، فحينئذ تجد قد شكّلوا نسبة كبرى من المنافقين الذين خرجوا على الإمام ، وخرقوا طاعته ومعصيته. .

ص: 78


1- المصدر السابق 9 / 308.

أمّا ما ذكرته عن خطبة الإمام الحسين عليه السلام ، فإنّك خلطت في كثير من القضايا ، فالخطبة كانت للإمام الحسين عليه السلام يوم الطفّ ، وكان يخاطب بها الجيش الأموي ، ومن الخطأ الكبير أن تنسب هؤلاء إلى شيعة الإمام ، إذ إنّ شيعة الإمام هم الذين شكّلوا جيش الإمام ، وقد فدوا نفوسهم دونه ، وكانوا من خيرة الشيعة الذين يعتزّ بهم التاريخ ، بل يذكرهم العالم - المسلم وغير المسلم - بكُلّ إجلال وإكبار ، لتضحيتهم ووفائهم أمثال : حبيب بن مظاهر الأسدي ، ومسلم بن عوسجة ، وبرير بن خضير ، وأمثالهم الذين ضحّوا بنفوسهم الزكية ، هؤلاء هم شيعة الحسين عليه السلام.

فكيف تنسب أعداء الحسين - الذين خرجوا لحربه - إلى كونهم شيعته؟ فهل هذا إلاّ تناقض وخلط للحقائق؟ أرجو أن تكون دقيقاً في متابعتك للأُمور ، لا أن يغلبك القيل والقال دون تروٍ وتحقيق.

ونفس الكلام سيكون في ما ذكرته من قول الإمام أبي الحسن موسى عليه السلام ، فإنّ الشيعة الذين يقصدهم الإمام لم يكونوا شيعته حقيقة ، بل أنّ ظاهر ما اشتهر عن هؤلاء أنّهم شيعة ، فيظنّ الظانّ أنّ هؤلاء يحسبون من اتباع الإمام اشتباهاً ، وهم ليسوا من أتباعه حقيقة ، فأراد عليه السلام أن يرفع شبهة من نسب هؤلاء إلى الإمام بأنّهم من خيرة شيعته ومريديه.

هذا ، وفي الختام نذكّرك بأنّ لفظ الشيعة له معنى خاصّ ، ومعنى عام ، فالمعنى الخاصّ : من اعتقد بالإمامة وأنّها من اللّه تعالى وبالنصّ ، وذلك يستلزم اعتقاد عصمة الإمام ومقاماته.

والشيعة بالمعنى العام : هو من أحبّ الإمام واتبعه بصفة أنّه خليفة ، أو من أهل البيت عليهم السلام ، ولم يعتقد بإمامته الإلهية ولا بعصمته ، فهذا يعبّر عنه بالشيعة بالمعنى العام ، وفي كلمات الأئمّة عليهم السلام إن ورد ذمّ الشيعة فمحمول على معناه العام لا الخاصّ.

ص: 79

( أبو أحمد - مصر - .... )

موقفهم من أهل السنّة :

س : لماذا هذا العداء بين الشيعة والسنّة؟ مع العلم أنّ العداء من الطرفين.

ج : عليك بالتأمّل في كتب التاريخ لترى بوضوح : إنّ العداء لم يشرع من الشيعة في مقابل إخوانهم السنّة ، ولا أيضاً استمرّ من قبلهم ، فالشيعة وعلى مرّ العصور في موقف دفاع ، فهم دائماً يعانون أنواع الظلم الذي يجري عليهم ، وحتّى يومنا الحاضر ، فالشيعة دائماً في موقف دفاع ، وأكثر ما استعمله الشيعة في موقف الدفاع هو الردّ بالدليل وتأليف الكتب ، حتّى وإن كان ما واجهوه من الظلم بالاعتداء على النفوس المحترمة والأموال ، فالشيعة دائماً في موقف دفاع بالطريق العلمي المستدلّ.

( عبد الأمير - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة )

كيفية انتشارها في إيران :

س : كيف انتشر التشيّع في إيران؟ هل صحيح أنّ أحد حكّام الدولة الصفوية قديماً قام بفرضه على الناس؟ حيث كان وزيره شيعياً ، وذهب معه إلى النجف ، ثمّ اقتنع بالتشيّع ، أو هناك روايات أُخرى؟

ج : إنّ كيفية انتشار التشيّع هي حديث التاريخ لا المذهب والعقيدة ؛ ولكن باختصار نقول :

أوّلاً : إنّ العلّة الأساسية لبسط نفوذ الشيعة في أي منطقة - ومنها إيران - تكمن وراء ثلاث نقاط :

1 - عدالة قضيّتهم وحقّانيتهم المدعومة بالأدلّة الواضحة والمبرهنة.

2 - مظلوميّتهم لما يرونه من السلطات وتحدّيهم لهؤلاء حكّام الجور.

3 - نشاطات علمائهم ومبلّغيهم لنشر أفكارهم.

ص: 80

ومن هذا المنطلق ، كان التواجد الشيعي في إيران منذ الصدر الأوّل مع الفتوحات الإسلامية ، فعلى سبيل المثال ترى أنّ مناطق من آذربيجان عندما فُتحت أسلم أهلها ، واعتنقوا المذهب الشيعي ، بما إنّ القائد لفتوحات تلك المنطقة كان مسلم بن عوسجة رض اللّه عنه - الذي استشهد فيما بعد في كربلاء - فيقول التاريخ عنه : أنّه كان يأخذ البيعة لعلي عليه السلام بعد الشهادتين.

وترى أيضاً : إنّ أهل قم كانوا من الشيعة الخلّص في القرن الأوّل الهجري بنزول الأشعريين فيها(1).

وإنّ خراسان كانت تحتضن الزخم الهائل من الشيعة ، بعدما هجّر زياد بن أبيه - حاكم الكوفة - خمسين ألف من الشيعة من الكوفة إلى خراسان - وهذا هو الداعي لاستغلال العباسيين الموقف للثورة على الأمويين بمعونة الخراسانيين ، لما كانوا يعرفون العداء بينهم وبين الأمويين - وأنّ قدوم الإمام الرضا عليه السلام إلى خراسان ، كان له التأثير التام - وإن كان هو عليه السلام تحت رقابة عباسية شديدة - في نشر الفكر الشيعي في تلك المنطقة بالأخصّ ، وفي جميع ربوع إيران على نحو العموم.

وبالجملة : كانت نشأة التشيّع في بعض المناطق الأُخرى هكذا : كمنطقة همدان ، إصفهان ، ري ، قزوين ، فارس ، طبرستان ، كاشان ، سجستان - من القرن الثالث للهجرة - وكرمان ، خوزستان - من القرن الرابع للهجرة - بيهق - من القرن السادس - ومناطق أُخرى.

ثانياً : إنّ الدولة الصفوية - التي جاءت إلى الحكم في القرن العاشر للهجرة - لا دور لها في تأسيس الفكر الشيعي في إيران.

نعم ، كان لها الفضل في تشييد أركان التشيّع في المنطقة ، بحذف الحكومات الجائرة التي كانت تمنع الإعلام والتحرّك الشيعي ، وأيضاً

ص: 81


1- معجم البلدان 4 / 397.

ساهمت - هذه الدولة - في تثبيت الأُسس الشيعية في المعارف والعقائد والأحكام بتخصيص الموارد المالية ، ودعم علماء الطائفة وغيرها.

ولا يخفى أنّ هذا الدور كان أيضاً للدولة البويهية والدولة السربدارية ، وبعض ملوك المغول ، الذين تشيّعوا بيد العلاّمة الحلّي قدس سره - في القرن الثامن - في نطاق أضيق.

( حسين حسن العلي - سوريا - .... )

يعتمدون على الكتاب والعترة في إثبات مذهبهم :

س : السلام على من يتّبع هدي النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، لماذا اسمع عن أهل السنّة أنّ عندهم دلائل من القرآن والحديث ، ولا اسمع هذا الشيء من الشيعة؟

ج : إنّ الشيعة تعتمد في حقّانيّتها على الحديث المتواتر عند الفريقين ، وهو حديث الثقلين ، حيث قال الرسول صلى اللّه عليه وآله : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي » (1) ، فمن باب أولى تعتمد الشيعة على هذين المصدرين كركيزتين أساسيّتين في إثبات مذهبها ، واستخراج أُصولها وفروعها.

ص: 82


1- فضائل الصحابة : 15 ، الجامع الكبير 5 / 328 ، تحفة الأحوذي 10 / 196 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 418 ، كتاب السنّة : 337 و 629 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 45 و 130 ، خصائص أمير المؤمنين : 93 ، المعجم الصغير 1 / 135 ، المعجم الأوسط 4 / 33 و 5 / 89 ، المعجم الكبير 3 / 66 و 5 / 154 و 166 و 170 و 182 ، شرح نهج البلاغة 9 / 133 ، نظم درر السمطين : 232 ، كنز العمّال 1 / 172 و 186 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 122 ، المحصول 4 / 170 ، الإحكام للآمدي 1 / 246 ، الطبقات الكبرى 2 / 194 ، علل الدارقطني 6 / 236 ، أنساب الأشراف : 111 و 439 ، البداية والنهاية 5 / 228 ، السيرة النبوية لابن كثير 4 / 416 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 6 و 12 / 232 ، ينابيع المودّة 1 / 74 و 95 و 99 و 105 و 112 و 119 و 123 و 132 و 345 و 349 و 2 / 432 و 438 و 3 / 65 و 141 و 294 ، النهاية في غريب الحديث والأثر 1 / 211 و 3 / 177 ، لسان العرب 4 / 538 و 11 / 88 ، تاج العروس 7 / 245.

وهل كان هناك مورداً واحداً تدّعيه الشيعة بلا سندٍ من الكتاب والسنّة الصحيحة؟ والمتّتبع للأقوال يرى أنّ ما تقوله هذه الطائفة - في أيّ مجال - هو المطابق للقرآن والآثار المروية حتّى في كتب أهل السنّة.

وللكلام في هذا المضمار مجال واسع ، ويكفيك أن تقرأ كتب الشيعة المشحونة بهذه الأدلّة القرآنية والحديثية.

( ليالي - السعودية - 18 سنة - طالبة ثانوية )

الفرق بينهم وبين السنّة :

س : ما الفرق بين الشيعة والسنّة؟

ج : الفرق بين الشيعة والسنّة باختصار هو : أنّ الشيعة تعتقد بإمامة أمير المؤمنين علي عليه السلام بعد الرسول صلى اللّه عليه وآله بلا فصل - بحسب الأدلّة العقلية والنقلية المذكورة في مظانّها - ثمّ ترى الإمامة في المعصومين الأحد عشر - المنصوص عليهم من قبل النبيّ صلى اللّه عليه وآله من أولاد علي عليه السلام - وهذا هو الفارق الأساسي بينهما.

ثمّ إنّ هناك فروقاً أُخرى في فهم الشريعة ، وأُصول الدين وفروعه ، كُلّها تبتني على الأخذ من معارف وعلوم أهل البيت عليهم السلام ، فالشيعة - بما ترى العصمة في أئمّتها عليهم السلام - تلتزم بالسير في هداهم والتمسّك بسيرتهم.

ولكن أهل السنّة بما أنّهم حرموا من اتّباع خط الإمامة ، أصبحوا صفر اليد من هذه المعارف الإلهية ، وعلى العكس ، أخذوا علومهم من أشخاص معيّنين - كأئمّة المذاهب الأربعة وغيرهم - ممّن لا ضمان لعلومهم وأقوالهم من الخطأ والزلل ، ثمّ ( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الحقّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى ) (1).

ص: 83


1- يونس : 35.

( حيدر - الكويت - .... )

من علامات الشيعي التختم باليمين :

س : ما هي الدلائل التي نأخذها - نحن الشيعة - عند ارتداء الخاتم باليد ، حيث أنّنا نرتدي الخواتم - سواء عقيق أو غيره - في كلتا اليدين.

فأرجو أن توضّحوا لنا الدلائل من كتب السنّة والشيعة ، حيث أن السنّة يقولون : إنّ التختّم - عموماً باليمين أو باليسار - هو بدعة ، فكيف أرد على مثل هؤلاء؟

ج : لا خلاف في استحباب التختّم - وخصوصاً باليمين عند الشيعة - وهذا ممّا تكاثرت عليه الروايات والأقوال عند علماء الشيعة ، وقد أخذوه قطعاً من السنّة النبوية الشريفة.

فعلى سبيل المثال : « عن عائشة : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان يتختّم في يمينه ، وقبض صلى اللّه عليه وآله والخاتم في يمينه »(1).

وذكر السلامي : « أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كان يتختّم في يمينه والخلفاء الأربعة بعده ، فنقله معاوية إلى اليسار ، فأخذ المروانية بذلك »(2).

وأيضاً صرّح بعضهم كالإمام البروسوي في تفسيره : « كالتختّم باليمين فإنّه في الأصل سنّة ، لكنّه لمّا كان شعار أهل البدعة والظلمة صارت السنّة أن يجعل الخاتم في خنصر اليد اليسرى في زماننا »(3).

وأمّا ما روي من طريق أهل البيت عليهم السلام في استحباب التختّم في اليمين فكثير جدّاً(4).

ص: 84


1- مجمع الزوائد 5 / 153.
2- ربيع الأبرار 4 / 24.
3- روح البيان 4 / 142.
4- جامع أحاديث الشيعة 21 / 459.

نعم ، إذا تختّم الإنسان باليمين فقد أصاب السنّة ، فإذا أراد أن يتختّم بخاتم آخر ، فيمكنه أن يتختّم باليسار ، بشرط أن يبقى الخاتم الأوّل في يده اليمنى.

( صفاء - سوريا - .... )

الفرق بينهم وبين العلويين :

س : من هم العلويين؟ وما الفرق بينهم وبين الشيعة؟

ج : العلويون منهم من يؤلّه علياً عليه السلام فهؤلاء كفّار ، ولا توجد لهم أيّ صلة بالشيعة ، ومنهم من يغالي في علي عليه السلام ويعطي له صفات الربوبية ، وهؤلاء أيضاً لا صلة لهم بالشيعة ، ومنهم من لا يلتزم بالأحكام الشرعية ولا يرى وجوبها ، وهؤلاء أيضاً التشيّع منهم بريء.

نعم ، بعض العلويين معتدلين في الاعتقاد ، ملتزمين بالأحكام الشرعية ، يعتقدون ويعملون كما يعمل الشيعة ، وهؤلاء لا يوجد فرق أساسي بينهم وبين الشيعة.

( سلمان - الكويت - .... )

منها الإخبارية والشيخية والأُصولية :

س : أُريد الإجابة بكُلّ صراحة ، هل الشيعة ينقسمون إلى ثلاثة أقسام هي : الإخبارية والشيخية والأُصولية؟ وإذا كان صحيحاً أرجو التوضيح ، وإذا كان خاطئاً أرجو معرفة الصواب ، مع خالص الشكر لكم.

ج : إنّ الشيعة ينقسمون الآن إلى ثلاث فرق : الشيعة الزيدية ، والشيعة الإسماعيلية ، والشيعة الإمامية الاثني عشرية.

والزيدية والإسماعيلية قليلون ، والنسبة الأكثر تعود إلى الشيعة الإمامية الاثني عشرية ، حتّى إنّه إذا أطلق لفظ التشيّع يتبادر إلى الأذهان الإمامية.

ص: 85

وأمّا ما ذكرت من الإخبارية والشيخية والأُصولية فإنّها ليست فرق ، بل هم شيعة إمامية اثنا عشرية ، وإن اختلفوا في بعض المباني العلمية فيما بينهم ، إلاّ أنّ اختلافهم لا يخرجهم عن التشيّع ، شأنهم شأن اختلاف مراجع مذهب واحد في بعض النظريات.

( أبو الزين - الأردن - .... )

لو ميّزت شيعتي ما أجدهم إلاّ واصفة :

س : أسيادنا الأعزّة ، ما تحليلكم لقول الإمام علي عليه السلام الوارد في الكافي : « لو ميّزت شيعتي ما أجدهم إلاّ واصفة ، ولو امتحنتهم لما وجدتهم إلاّ مرتدّين » (1).

يستغل بعض المشاغبين هذا النصّ للقول أنّ الإمام قد تبرّأ ممّن ينتسب لمسلكه.

ج : الرواية هذا نصّها : وبهذا الإسناد ، عن محمّد بن سليمان ، عن إبراهيم ابن عبد اللّه الصوفي ، قال : حدّثني موسى ابن بكر الواسطي قال : قال لي أبو الحسن عليه السلام : « لو ميّزت شيعتي لم أجدهم إلاّ واصفة ، ولو امتحنتهم لما وجدتهم إلاّ مرتدّين ، ولو تمحصتهم لما خلص من الألف واحد ، ولو غربلتهم غربلة لم يبق منهم إلاّ ما كان لي ، إنّهم طال ما أتكوا على الأرائك ، فقالوا : نحن شيعة علي ، إنّما شيعة علي من صدق قوله فعله ».

وهذه الرواية أوّلاً : ليست عن الإمام أبي الحسن علي عليه السلام ، بل المراد من أبي الحسن هنا هو الإمام الكاظم عليه السلام.

وثانياً : ضعيفة السند بإبراهيم بن بكر الصوفي.

وثالثاً : تتعرّض لمن يخالفون أهل البيت عليهم السلام ويدّعون أنّهم من شيعتهم ، كمؤيّدي أعدائهم والمدافعين عنهم ، فإنّها تتعرّض لمن يدعون محبّة أهل البيت ولا يعملون بمقتضى المحبّة.

ص: 86


1- الكافي 8 / 228.

وأهل السنّة هم الذين يفعلون ذلك ، فيدّعون حبّ أهل البيت ويأخذون دينهم من أعدائهم ، فالبخاري يروي عن معاوية وعمرو بن العاص ومروان وغيرهم من أعداء أهل البيت ، ولا يروي عن فاطمة الزهراء والإمام الحسن عليهما السلام.

فأكثر أهل السنّة يدّعون المحبّة ولا يصدّقهم العمل ، وفي آخر هذه الرواية : « إنّما شيعتنا من صدق قوله فعله ».

ورابعاً : إذا كان أكثر من يدّعي التشيّع ويحاول اللحوق بركبهم بهذه الأوصاف ، فما حال النواصب والتابعين لأعدائهم؟!

( فاطمة - الإمارات - .... )

الفرق بينهم وبين الصوفية :

س : هل يمكن أن تزوّدوني ببعض المعلومات حول الطائفة الصوفية ، وعن الفرق بيننا - نحن الشيعة - وبينهم في عقيدة التوسّل بالأولياء؟

ج : توجد الكثير من المشتركات فيما بيننا وبين الصوفية ، منها مسألة الزيارة والتبرّك والتوسّل ، كما وتوجد اختلافات أساسية أيضاً ، إذ إنّ الكثير من الصوفية على منهج أهل السنّة ، وإن كانت عندهم محبّة شديدة لأهل البيت عليهم السلام ، إذ كما تعلمون أنّ الحبّ شيء والاتباع شيء آخر.

كما أنّ الشيعة تتمسّك بالأذكار بما روي عن أهل البيت عليهم السلام ، وذلك سواء كان في نفس الذكر والدعاء أو في عدده وتكراره ، أمّا الصوفية فلهم أذكارهم الخاصّة ، والتمسّك بعدد معيّن لم ترد أكثرها في الأحاديث النبوية ، ولا في أحاديث أهل البيت عليهم السلام.

والتصوّف يميل إلى العزلة ، والتشيّع صريح في كون الإنسان في المجتمع ، ويكون أيضاً متّصلاً باللّه تعالى ، وذلك تمسّكاً من الشيعة بأهل البيت عليهم السلام الذين قالوا : « لا رهبانية في الإسلام » (1) ، وفوارق أُخرى كثيرة.

ص: 87


1- مجمع البيان 9 / 402 ، دعائم الإسلام 2 / 193.

( حسن محمّد يوسف - البحرين - .... )

لا تألّه غير اللّه تعالى :

س : هل نقول - نحن الشيعة - بتأليه النبيّ أو الإمام أو أحد الأئمّة عليهم السلام؟ وما هو مصدر هذه الفكرة؟

ج : إنّ الشيعة تعتقد بالتوحيد والعدل والنبوّة والإمامة والمعاد ، ولا تألّه غير اللّه تعالى ، ومن ينسب إلى الشيعة أنّهم يألّهون غير اللّه تعالى فهو افتراء على الشيعة.

وأمّا مصدر هذه الفكرة هو : إنّ من طرق خصوم الشيعة للطعن بالتشيّع هو الافتراء والالتجاء إلى اختلاق أفكار ونسبتها إلى الشيعة ، والكثير من هذه النسب والافتراءات لم يسمع بها الشيعة ، فضلاً عن أن يعتقدوا بها.

( حسن أحمد عبد الرزاق - البحرين - .... )

اعتمدوا على القرآن والسنّة والعقل :

س : من هو أحق الشيعة أو السنّة؟ وما الدليل؟

ج : إنّ الدين عند اللّه الإسلام ، ونبي هذا الدين هو محمّد المصطفى صلى اللّه عليه وآله ، ومعجزته القرآن الكريم ، والتشيّع هو الإسلام ، والإسلام هو التشيّع ، ومنشأ الاختلاف كان بعد وفاة الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وأصل الاختلاف في الإمامة ، فمن المسلّم عند الجميع أنّ الأنبياء كان لهم أوصياء ، فهل لنبيّنا محمّد صلى اللّه عليه وآله وصي؟

هل عيّن رسول اللّه الخليفة من بعده ونصّ عليه؟ وإذا لم يكن قد عيّن الخليفة ، هل وضّح الرسول نظام الحكم في الإسلام؟ وما هي الأُسس التي تبتني عليه الأُمّة في تعيين الخليفة؟

هل الخلافة ببيعة الناس لشخص حتّى ولو كان كبار القوم قد تخلّفوا عن البيعة! كما حدث لخلافة أبي بكر! أم أنّها بالنصّ والتعيين كما نصّ

ص: 88

أبو بكر على عمر؟! أم أنّها بالشورى؟ كما حدث لعثمان ، مع العلم أنّ الشورى ما كانت حقيقية ، وإنّما هي أقرب ما تكون إلى مسرح أو تمثيلية!!

أُناس اعتمدوا على القرآن الكريم ، والسنّة النبوية الشريفة ، وأدلّة العقل والفطرة ، وقالوا : إنّ الإمامة بالنصّ ، نصّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله على علي عليه السلام بالإمامة ، والإمامة إلهية ، واحتجّوا بآية التطهير ، وآية الاستخلاف ، وآية المباهلة ، وآية الإنذار ، وآية التصدّق بالخاتم ، وحديث الثقلين ، وحديث الغدير ، وحديث المنزلة ، وغيرها من الآيات والأحاديث.

وإنّ العقل يحتّم على كُلّ إنسان يريد سفراً أن يوصي بعياله من يدبّر أُمورهم ويرجعون إليه ، فكيف برسول اللّه يغادر أُمّته إلى الأبد ، ويتركهم سدى بلا أن يعيّن لهم خليفة ، وهؤلاء الناس هم الشيعة ، لمشايعتهم علياً عليه السلام.

( محمّد خالد زواهرة - فلسطين - .... )

ما كانت في عهد الرسول سنّة ولا شيعة :

س : هل كانت الشيعة في زمن الرسول؟ وما رأي الإسلام بشكل عام فيها؟

ج : ما كانت في عهد الرسول صلى اللّه عليه وآله سنّة ولا شيعة ، كان الرسول والقرآن ، وإنّما نشأ الاختلاف بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، حيث اختلفت الأُمّة في مسألة الخلافة والإمامة.

فقسم قال : بأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله مات ولم يعيّن ولم ينصّ على أحد يكون بعده خليفة ، وإنّما أوكل الأمر إلى الأُمّة ، فتارة قالوا : الخليفة يكون بالبيعة ، وهي لم تتمّ لأبي بكر ، إذ تخلّف عنها كبار بني هاشم والصحابة ، ولم يبايعوا إلاّ بعد مدّة وبالقوّة ، وتارة ينصّ أبو بكر على عمر ، وتارة الشورى التي أمر بها عمر ، وهي أشبه ما تكون بالتمثيلية ، وهؤلاء هم أهل السنّة.

ص: 89

وقسم قال : بأنّ الإمامة بالنصّ - وكما كان للأنبياء السابقين أوصياء فكذلك لنبيّنا - وإنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله نصّ على الإمام علي عليه السلام في الغدير وغيره ، ويستدلّ هؤلاء بآيات كثيرة - كآية البلاغ والتطهير والإنذار والتصدّق بالخاتم - وبأحاديث كثيرة متواترة - كحديث الغدير والثقلين والطير والسفينة - وهؤلاء هم الشيعة.

( بشاير - الكويت - .... )

أحاديث في فضلهم من مصادر السنّة :

س : إنّي أواجه صعوبة مع أحد صديقاتي في ما هو معنى الشيعة؟ ولماذا أطلق هذا الاسم؟ وأنا في الحقيقة لا أعلم الكثير ، فأحببت أن أشارك حتّى أستفيد ، ولا تتصوّرون فرحتي الكبيرة لأنّي وجدت هذا الموقع ، وشكراً.

ج : إنّ الاختلاف في الأُمّة الإسلامية نشأ بعد وفاة النبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله ، فالشيعة قالت : بأنّ الإمامة والخلافة بعد رسول اللّه بالنصّ - يعني أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله نصّ على شخص بعينه ليكون الخليفة والإمام بعده - وهذا الشخص المنصوص عليه هو الإمام علي عليه السلام للآيات والأحاديث الدالّة على ذلك.

فمن تابع علياً عليه السلام وقال بإمامته بعد الرسول بلا فصل فهم الشيعة ، يعني شايعوا علياً عليه السلام.

هذا ، وسنذكر لك بعض الأحاديث الواردة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حول فضل الشيعة ، ومن مصادر أهل السنّة :

فقد روى الكثير من مفسّري أهل السنّة وعلماء الحديث في تفسير قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) (1).

ص: 90


1- البينة : 7.

1 - قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لعلي عليه السلام : « هو أنت وشيعتك »(1) ، « أنت يا علي وشيعتك »(2) ، « هم أنت وشيعتك »(3).

2 - وقال صلى اللّه عليه وآله لعلي عليه السلام : « أنت وشيعتك في الجنّة »(4).

3 - وقال صلى اللّه عليه وآله : « إذا كان يوم القيامة دعي الناس بأسمائهم وأسماء أمّهاتهم ستراً من اللّه عليهم ، إلاّ هذا - يعني علياً - وشيعته ، فإنّهم يدعون بأسمائهم وأسماء آبائهم لصحّة ولادتهم »(5).

4 - وقال صلى اللّه عليه وآله لعلي عليه السلام : « يا علي إنّك ستقدم على اللّه أنت وشيعتك راضين مرضيين »(6).

5 - وقوله صلى اللّه عليه وآله لعلي عليه السلام : « يا علي إنّ اللّه قد غفر لك ولولدك ولأهلك ولذرّيتك ولشيعتك ولمحبّي شيعتك »(7).

6 - وقال صلى اللّه عليه وآله : « يا علي إنّ أوّل أربعة يدخلون الجنّة : أنا ، وأنت ، والحسن ، والحسين ، وذرارينا خلف ظهورنا ، وأزواجنا خلف ذرارينا ، وشيعتنا عن أيماننا وعن شمائلنا » (8).

ص: 91


1- نظم درر السمطين : 92 ، الدرّ المنثور 6 / 379 ، فتح القدير 5 / 477 ، المناقب : 226 ، ينابيع المودّة 2 / 357.
2- جامع البيان 30 / 335.
3- شواهد التنزيل 2 / 459.
4- المعجم الأوسط 6 / 354 و 7 / 343 ، كنز العمّال 11 / 323 ، تاريخ بغداد 12 / 284 و 353 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 332 ، المناقب : 113 ، ينابيع المودّة 1 / 425.
5- مروج الذهب 3 / 428.
6- المعجم الأوسط 4 / 187 ، نظم درر السمطين : 92 ، كنز العمّال 13 / 156 ، شواهد التنزيل 2 / 465 ، ينابيع المودّة 2 / 357 و 445 و 452 ، الصحاح 1 / 397 ، النهاية في غريب الحديث والأثر 4 / 106 ، لسان العرب 2 / 566 ، تاج العروس 2 / 209.
7- ينابيع المودّة 2 / 357 و 452 ، الصواعق المحرقة 2 / 467 و 672.
8- المعجم الكبير 1 / 319 و 3 / 41 ، كنز العمّال 12 / 104 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 169 ، الصواعق المحرقة 2 / 466 و 671 ، مجمع الزوائد 9 / 131.

هذا ، وإنّ الإنسان لا يصدق عليه أنّه من شيعة علي إلاّ إذا اتبعه وأخذ معالم دينه منه.

( أبو الزين - الأردن - .... )

نصيحة في جواب رسالة النصح :

س : نحن من الذين هدانا اللّه إلى اعتناق مذهب أهل البيت عليهم السلام ، وعلماؤنا دائماً يتهجّمون علينا ويرموننا بالجهل وما إلى ذلك من الكلمات البذيئة ، حتّى أنّ مدير جمعية الصالحين أصدر منشوراً تحت عنوان « رسالة النصح » ، نرجو أن تولّوها اهتماماً خاصّاً ، لعلّ اللّه تعالى يفتح على أيديكم ، إنّه سميع مجيب.

ج : لقد قرأنا مقتطفات من رسالة النصح - التي وجهها الأُستاذ مدير جمعية الصالحين - ونحن بدورنا - مع احترامنا لهذا الأُستاذ - نوجّه رسالة إلى كُلّ إنسان تجرّد عن العصبية ، واتخذ البحث الموضوعي منهجاً له لمعرفة الحقّ ، فنقول :

الإنسان بفطرته يفكّر ، وبفطرته يبحث عن الحقّ ، والتكليف الموجّه إلى المخلوق من الخالق هو أن يبحث الإنسان عن الحقّ بمقدار وسعه ، ومن ثمّ يعتقد به ، وسيكون بهذا قد أدّى تكليفه أمام خالقه ، ومثل هكذا إنسان سيلقى ربّه يوم القيامة منادياً : ربّاه هذه عقيدتي اعتقدت بها بعد بحث وتمحيص بمقدار وسعي ....

أمّا إذا اقتصر الإنسان على عقائده الموروثة ، متجنّباً توسيع آفاق رؤيته لمعرفة الحقّ ، بذريعة أنّ كُلّ فكر غير ما هو عليه ضلال وبدعة ، فإنّ هذا سوف يسدّ سُبل الهداية لمن يرث الأفكار الخاطئة من مجتمعه.

وأمّا منهج كيفية البحث الموضوعي الذي يرضي اللّه تعالى ، فيبيّنه لنا أمير المؤمنين علي عليه السلام بقوله : « لا يعرف الحقّ بالرجال ، اعرف الحقّ تعرف أهله »(1) ،

ص: 92


1- روضة الواعظين : 31.

وقد صدق أمير المؤمنين عليه السلام إذ جعل المناط في معرفة الحقّ هو معرفة الحقّ نفسه ، لا معرفة الحقّ بالرجال.

وهذه المقولة تفيدنا بأن يجرّد الإنسان نفسه من الموروث ، وممّا ورثه من البيئة والرجال ، وليس المقصود أن يتخلّى من الموروث ، بل المقصود أن يبحث في الموروث ، فما وافق منه الكتاب والسنّة والعقل اتبعه ، وما خالفه رفضه.

ومعرفة الحقّ في أيّ مسألة لا يمكن إلاّ بعد معرفة المباني التي تبتني عليه هذه المسألة ، فالبحث في الجزئيات من دون معرفة المباني بحث عقيم لا يوصل إلى الحقّ.

فإذا أردنا أن نعرف أيّة مسألة - عند أيّ مذهب ما - لابدّ علينا أوّلاً أن نعرف المبنى الذي ابتنت عليه هذه المسألة وإلاّ فسنقع في متاهات ، وسنرمي المؤمنين بما لم يقولوه.

وعليه ، فالمناقشة في المسائل العقائدية في مذهب أهل البيت عليهم السلام لا يمكن معرفتها والوصول إلى كنهها إلاّ بعد معرفة المباني التي تبتني عليها هذه المسائل.

ومنها على سبيل المثال : ينبغي أن نعرف معنى التمسّك بأهل البيت عليهم السلام ، هل هو مجرد محبّة سطحية لا أثر لها في واقعنا العملي؟ أم هو اتباع واقتداء وانتهال علوم ومعارف الرسول صلى اللّه عليه وآله منهم؟

كما ينبغي أن نعرف مَن هم أهل البيت؟ وما المراد من سنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟

فمعرفة المصدر الذي منه نتلقّى العلوم والمعارف الإسلامية - التي جاء بها الرسول - يعتبر من المباني التي لابدّ من الإحاطة بها قبل الخوض في الجزئيات.

ومن هذا القبيل قوله صلى اللّه عليه وآله : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي » ، فعلينا أن نبحث أوّلاً هل هذا الحديث صحيح؟ أو أنّ الحديث الذي يقول : « كتاب اللّه وسنّتي » صحيح؟ أو أنّ كلا الحديثين صحيحان؟

ص: 93

وذلك بالجمع بينهما ، بأنّ أهل البيت هم المصدر الذي يمكن الوثوق به لمعرفة سنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

وهذه المفردة مهمّة جدّاً ، إذ تبيّن لنا المصدر الذي منه نأخذ معالم ديننا ، وأحكامنا الشرعية.

كما يحقّ لنا أن نتساءل : لماذا قال الرجل : حسبنا كتاب اللّه؟ ولماذا منع من تدوين سنّة رسول اللّه؟ ولماذا حرق مدوّنات سنّة رسول اللّه؟

والسؤال الآخر : من هم آل البيت عليهم السلام؟ وهذه مسألة مهمّة جدّاً ، علينا أن نعرفهم لنأخذ معالم ديننا منهم ونقتدي بهديهم ، ونجعلهم سبيلاً موثوقاً يوصلنا إلى ما جاء به النبيّ صلى اللّه عليه وآله.

هل آل البيت هم : النبيّ وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام؟ - كما ورد في الصحاح والمسانيد والسنن في تفسير آية التطهير - أو أنّهم نساؤه؟ كما قال به البعض.

وبناءً على مقولة هذا القائل بأنّ نساءه من أهل البيت ، ماذا يقول بالنسبة للأحاديث الواردة في الصحاح والسنن في حصر أهل البيت بهؤلاء الخمسة؟

بالأخصّ ما ورد من سؤال أُمّ المؤمنين أُمّ سلمة : وأنا منهم يا رسول اللّه؟ فقال صلى اللّه عليه وآله : « لا ، إنّك على خير » (1).

وأمّا مسألة الفرق بين الشيعة والسنّة ، فلا يمكن التوصّل إليها بالتمسّك بالجزئيات ، وإنّما يمكن التوصّل إليه بمعرفة أُسس الاختلاف ومبانيه ، فأصل الخلاف هو في الإمامة والخلافة والصحبة والصحابة.

فالشيعة تعتقد أنّ اللّه تعالى اصطفى لهذه الأُمّة بعد الرسول أئمّة - ( ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ ... ) (2) - كما اصطفى آل عمران وآل إبراهيم ، فجعلهم حفظة

ص: 94


1- شواهد التنزيل 2 / 63 و 115 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 142 ، المستدرك 2 / 416 ، مسند أبي يعلى 12 / 456 ، المعجم الكبير 3 / 53 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 13.
2- آل عمران : 34.

على الشريعة ، التي جاء بها الرسول وخلفاؤه في الأرض ، وقد مدّهم بعناياته الخاصّة ، فهم الملجأ بعد الرسول صلى اللّه عليه وآله لأخذ معالم الدين ، لأنّهم أعرف الناس بعد الرسول بمحكم القرآن ومتشابهه ، ومطلقه ومقيّده ، وناسخه ومنسوخه ، وهم الذين جعل الرسول صلى اللّه عليه وآله التمسّك بهم وبالقرآن عصمة من الضلال ، فالشيعة تتّبعهم وتأخذ معالم الدين منهم.

ولكن أهل السنّة يعتقدون بأنّ مصدر أخذ معالم الشريعة هم الصحابة ، وهم لمّا رأوا التناحر والتمزّق والصراع بين مصادر أخذ معالم الدين اضطروا إلى مقولة عدالة الصحابة مع اعترافهم بعدم عصمتهم ، ومع اعترافهم بأنّ فيهم القاتل والمقتول ، ومع اعترافهم بأنّ فيهم من كفّر بعضهم بعضاً ، وأنّ فيهم من لعن بعضهم بعضاً ، ومع اعترافهم بورود آيات كثيرة تخاطب الرسول صلى اللّه عليه وآله وتحذّره من المنافقين - والمنافق غير الكافر ، إذ المنافق من يظهر الإسلام ويبطن الكفر - ، ومع اعترافهم بورود أحاديث كثيرة في الصحاح والسنن تقول : « ليأتينّ أقوام يوم القيامة فيذادون عن الحوض أعرفهم بأسمائهم فأقول : يا ربّ أصحابي أصحابي! فيأتي النداء : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك! فأقول : بعداً بعداً ، أو قال : سحقاً سحقاً لمن بدّل بعدي »!(1).

وأمّا الشيعة فيقولون : نحن مع احترامنا للصحابة لكنّنا حين أخذ معالم الدين نجري عليهم قواعد الجرح والتعديل ، وننظر إلى سيرتهم ، فمن لم يغيّر ولم يبدّل ولم يحدث في الدين فهو مصدر ثقة ، نعتمد عليه في نقله لروايات الرسول صلى اللّه عليه وآله ، ومن كان غير ذلك فلا.

ص: 95


1- مسند أحمد 3 / 28 و 281 و 5 / 48 و 393 و 400 ، صحيح البخاري 4 / 110 ، صحيح مسلم 7 / 68 ، المستدرك 2 / 447 ، المصنّف للصنعاني 11 / 407 ، مسند ابن راهويه 1 / 379 ، صحيح ابن حبّان 16 / 344 ، المعجم الكبير 7 / 207 ، مسند الشاميين 3 / 310 ، الجامع الصغير 2 / 449 ، جامع البيان 4 / 55 ، الدرّ المنثور 2 / 349.

فهذه الأبحاث من المباني التي لابدّ أن نتطرّق إليها ، وأمّا الأُمور الأُخرى فهي أُمور تترتّب على هذه الأبحاث ، ويمكننا أن نتداولها فيما لو حدّدنا مواقفنا من البحث الأساسي.

وكذلك مسألة الإمامة والخلافة ، وهل نصّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله على أحد؟ وهل عيّن نظام الحكم أم أهمله؟ وإذا عيّن وقلنا بأنّه عيّنه شورى ، فهل كانت خلافة الخلفاء كلّهم بالشورى؟ أم نصّ بعضهم على بعض؟

وهل اطلعنا على استدلالات الشيعة؟ ومرادنا من الاطلاع قراءة ما كتبه الشيعة أنفسهم لا ما كتبه أعداؤهم.

وأمّا مسألة الاستشهاد بقول واحد من علماء فرقة معيّنة ، فهو لا يدلّ ولا يمثّل رأي كُلّ تلك الفرقة ، ولا ينكر أحد وجود أقوال شاذّة في كُلّ مذهب ، لا يمكن حملها على جميع المذهب.

وأمّا التشنيع على الشيعة بتصرّفات بعض أبنائها فهذا تهريج ، وهذه مقولة بعيدة عن البحث العلمي الموضوعي ، لأنّ بعض أهل السنّة يشرب الخمر ولا يتّقي اللّه تعالى ، ولا يصلّي ولا يصوم ، فهل يصحّ لنا أن نرمي جميع أهل السنّة أو غالبيتهم بهذه الصفات؟ أو أن نستنكر منهجهم الفكري بهذه الطريقة؟

وأمّا مسألة البدعة وأهل البدع ، فإذا أردنا أن يكون بحثنا موضوعياً مبتنياً على المباني فعلينا أن نعرف معنى البدعة ، فهي إدخال ما ليس من الدين في الدين ، وعليه فعلينا أن نعرف الدين لنعرف المسائل التي هي ليست من الدين ، ثمّ دخلت في الدين.

فإذا عرفنا الدين بالبحث والتتبع يمكننا بعد ذلك أن نعرف هل مقولة « الصلاة خير من النوم » في الأذان من الدين أو لا؟

أو أنّ نافلة صلاة شهر رمضان جماعة - المعروفة بصلاة التراويح - كانت من الدين أو لم تكن؟ وإنّما سنّها البعض قائلاً : « نعمت البدعة »!!

ص: 96

أو أنّ مقولة قائلهم : « متعتان كانتا على عهد رسول اللّه وأنا أُحرّمهما »!! من الدين أم ليست من الدين؟!

أو أنّ مقولة : « السنّة هي التختّم باليمين ولكن بما أنّها صارت شعاراً للرافضة فالسنّة تكون التختم باليسار » ، فهل هذا من الدين؟!

والمسألة الأُخرى هي : باللّه عليكم إذا تحرّى شخص الحقّ وبحث بفكر حرّ بعيد عن كُلّ تعصّب وتقليد أعمى ، فتوصّل إلى أنّ الحقّ مع أهل البيت عليهم السلام ومذهبهم ، فهل يمكننا أن ننهى هذا الشخص ونقول له : لماذا بحثت؟ ونرميه بشتّى الألفاظ الركيكة.

ونسلّط الضوء على المقولة التي تقول : « وغرّتك كثرتهم » ، ونسيت أو تناسيت أنّ أهل الحقّ هم القلّة في كُلّ زمان ومكان!

باللّه عليك ، أناشد فطرتك ، ألم تعلم أنّ أتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام كانوا على مرّ العصور هم المضطهدون المقتولون المشرّدون ، فأين كثرتهم؟! أليسوا هم من أهل القلّة التي تصدق عليهم مقولة هذا القائل : ونسيت أو تناسيت أنّ أهل الحقّ هم القلّة.

يكفي لمن له أدنى معرفة بالتاريخ أن يراجع وليرى الفجائع التي ارتكبت ضدّ الشيعة - من إباحة دمائهم وأعراضهم وأموالهم ، وما لقوه من قتل وظلم -.

وأقسم باللّه ، لو أنّ أيّ فرقة من الفرق الإسلامية الأُخرى لاقت عشر معشار ما لاقاه شيعة أهل البيت لما بقي لهم الآن إلاّ الاسم ، ولانمحوا عن التاريخ أساساً.

ولكن السؤال هنا : إنّ الشيعة على رغم ما لاقوه من ظلم وتعدّي ومصاعب هل انمحوا من التاريخ؟ أم بقوا وصمدوا وواجهوا من واجههم بالدليل والبرهان والبحث العلمي حتّى نصرهم اللّه ، وهم يوماً بعد يوم في انتشار واسع في العالم ، ودليل انتشارهم هو دليلهم القاطع والقوي المتّفق مع العقل والفطرة ، الذي جعل الأنظار تتوجّه إليهم وإلى كتبهم وأدلّتهم ومبانيهم الفكرية ، كما يمكننا أن نعتبر التراث الإسلامي الذي جاء به الشيعة هو الأنقى والأفضل ، لأنّه

ص: 97

لم يتأثّر بضغوط السلطات الجائرة ولم يخضع لهم ، ولم يسمح لتراثه الإسلامي أن يصاغ بصورة تتلاءم مع أهواء حكّام الجور من بني أُمية وبني العباس وغيرهم.

فكان الشيعة هي الثلّة الوحيدة التي صمدت بوجه الذين أرادوا أن يغيّروا معالم الدين وفق مصالحهم ومبتغياتهم الشخصية ، فالذي يستخدم العقل ويتمسّك بالدليل والبرهان ويبحث وينقّب ويصل إلى الحقّ لا يتأثّر بمقولات من يقول : هل نصبت نفسك مجتهداً لتطلق أحكاماً تتعلّق بعقائد الأُمّة ....

أو من يقول : هل هي من اختصاص حثالة من الأولاد يعبثون بشرع اللّه ....

هذه المقولات الجارحة - غفر اللّه لمن قالها - لا تؤثّر على الشباب الواعي الذي يتحرّى الحقيقة ليجدها ويقبلها برحابة صدر.

وأمّا الإحصائيات الدقيقة عن نسبة الشيعة من بين المسلمين جميعاً ، فالقدر المتيقّن أنّ الشيعة الإمامية يمثّلون 25 % من المسلمين بجميع طوائفهم.

وأمّا فيما يخصّ معاوية فإنّ هذا البحث إذا أردنا أن نبحثه وفق الأُسس والأُصول فإنّه يعود إلى مبنى عدالة جميع الصحابة الذي مرّ ذكره.

فإذا كان معاوية من الصحابة ، فإنّه لاشكّ سيكون من الذين بلغته أقوال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في حقّ علي عليه السلام أمثال : « الحقّ مع علي وعلي مع الحقّ » ، وحديث سدّ الأبواب ، وحديث مدينة العلم ، وحديث الطير المشوي ، وحديث الغدير ، وآية التطهير ، وآية الولاية ، وآية المباهلة ، وغير ذلك.

وهنا نورد حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في حقّ علي عليه السلام : « سيكون من بعدي فتنة ، فإذا كان ذلك فألزموا علي بن أبي طالب ، فإنّه أوّل من آمن بي ، وأوّل من يصافحني يوم القيامة ، وهو الصدّيق الأكبر ، وهو فاروق هذه الأُمّة ، وهو يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب المنافقين » (1).

ص: 98


1- الإصابة 7 / 294 ، المناقب : 105 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 450 ، أُسد الغابة 5 / 287.

وكذلك ما رواه الحاكم النيسابوري في « المستدرك » وصحّحه ، حيث قال سعد بن أبي وقّاص لمن شتم علياً : يا هذا ، على ما تشتم علي بن أبي طالب ، ألم يكن أوّل من أسلم؟ ألم يكن أوّل من صلّى مع رسول اللّه؟ ألم يكن أزهد الناس؟ ألم يكن أعلم الناس؟ وذكر حتّى قال : ألم يكن ختن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله على ابنته؟ ألم يكن صاحب راية رسول اللّه في غزواته؟ ثمّ استقبل القبلة ورفع يديه وقال : اللّهم إن هذا يشتم ولياً من أوليائك ، فلا تفرّق هذا الجمع حتّى تريهم قدرتك ، قال قيس : فو اللّه ما تفرّقنا حتّى ساخت به دابته ، فرمته على هامّته في تلك الأحجار فانفلق دماغه ومات(1).

فنحن الآن في عصرٍ لا يعذر فيه الجاهل ، لأنّ التقدّم الحادث في عصرنا في مجال الاتصالات مهّد السبيل للوصول إلى الحقائق ، وجعل العالم بأسرة كأنّه قرية صغيرة.

فيا ترى هل يعقل أن يأتي أقوام فيقولون : القاتل والمقتول في الجنّة!! القاتل اجتهد في قتل وقتال علي عليه السلام فأخطأ! فباللّه عليك كيف وسعه أن يجتهد في مقابل النصوص التي سمعها بنفسه من الرسول صلى اللّه عليه وآله فهل هذا اجتهاد؟ أم هو اتباع للأهواء والمصالح والمبتغيات؟!

وفي النهاية أختم رسالتي بالإشارة إلى مسألة الوحدة والتقريب بين المذاهب الإسلامية فأقول : إنّ مفهوم الوحدة هو أن يتقارب المسلمون بشتّى المذاهب فيما اتفقوا عليه ، وهذا المتّفق عليه يكون سبباً لتقاربهم ووحدة صفهم.

وأمّا في المسائل الخلافية الموجودة حتّى بين المذاهب الأربعة السنّية فنقول : على المسلمين أن يجلسوا على طاولة الحوار الهادف الهادئ بعد تزكية أنفسهم وقصد التقرّب إلى اللّه تعالى فقط ، لأنّ الإنسان إذا لم يتمكّن من مجاهدة هواه ، فإنّه لا يتمكّن أن يطمئن إلى النتائج الفكرية التي يتوصّل إليها ، فمن

ص: 99


1- المستدرك 3 / 500.

لم يتغلّب على هواه ، لا يستطيع أن يتنازل عن عقائده الموروثة ، ولا يستطيع أن يتخلّى عن التعصّب ، فتكون النتيجة أنّه يلتجئ إلى التبرير والتمويه والمغالطة اتباعاً لهواه.

فالحوار والتفاهم هو الرابط الوحيد بين من يختلفون في الفكر والعقيدة ، فإن توصّلوا بالدليل إلى النتيجة فهو المطلوب ، وإن لم يتوصّلوا فتبقى الوجوه المشتركة التي أقلّها هي الإنسانية هي السبب في أخوتهم وعلاقتهم ، وهذا هو الذي رسمه لنا اللّه تعالى ، ونبيّه العظيم محمّد صلى اللّه عليه وآله.

ونوجّه نداءنا إلى جميع الإخوان من جميع المذاهب الإسلامية : أن يتّحدوا ويتقاربوا ويتحاببوا في اللّه ، وأن تكون أبحاثهم علمية موضوعية متجرّدة عن أيّ تعصّب أو تقليد أعمى للموروث.

( .... - السعودية - .... )

توضيح المذهب الشيعي :

س : نشكركم إخواني على تعاونكم مع العالم ، وجزاكم اللّه خيراً.

أمّا بعد : في إحدى محادثاتي مع الأخوات على الماسنجر اتصلت بي بنت من أهل السنّة ، ودامت المحادثات بيننا لأيّام على أشياء عديدة ، وعندما وصلنا إلى المذاهب أرادت أن تعرف نبذة عن الشيعة ، لاحتمال دخولها في المذهب الشيعي ، بعدما تعرف من هم؟

وأنا الآن أُريد منكم مساعدتي في توضيح المذهب الشيعي لها ، وما هي الأساسيات الواجب أن تعلمها لدينا؟ مع الشكر الجزيل.

ج : أهمّ شيء في البحث الموضوعي أن نعرف أنّ لكُلّ إنسان موروثاً ، وهذا الموروث شيء محترم يعتزّ به كُلّ منّا ، لكنّ المشكلة تكمن فيما إذا تعصّبنا لهذا الموروث ، نحن لا نريد ممّن خالفنا أن يترك الموروث ويرفضه ، بل نريد منه أن لا يتعصّب له ، بل ينظر له نظرة ناقد وباحث عن الحقيقة ، فما وافق من هذا الموروث الحقّ اتبعناه ، وما خالف للحقّ والأدلّة العقلية رفضناه.

ص: 100

بعد هذه المقدّمة ، وبعد تفهيمنا هذا الأصل إلى الآخرين ، يمكن الجلوس على طاولة الحوار الهادف للوصول إلى الحقّ.

فأوّل ما نعرض على مَن خالفنا من المذاهب الأُخرى : مسألة الإمامة التي هي أصل الاختلاف ، ونذكر الأدلّة العقلية النابعة عن الوجدان والفطرة ، ومن ثّم ننتقل إلى الأدلّة النقلية من الكتاب والسنّة.

فنستدلّ بالعقل بنفس الأدلّة العقلية على وجود النبيّ صلى اللّه عليه وآله وبعثه للأُمّة من قبل اللّه تعالى وأنّه لطف ، وذلك لتتمّ الحجّة ، وأنّ اللّه تعالى من عدله لا يترك الأُمّة سُدى ، كذلك يمكن الاستدلال بنفس هذا الدليل على لزوم تعيين الإمام بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأنّ اللّه لم يترك أُمّته سُدى ، بل عيّن لهم الأوصياء بعد النبيّ الخاتم ، كما عيّن لكُلّ نبي من الأنبياء السابقين وصيّاً.

ومن القرآن يمكن الاستدلال بآية التصدّق بالخاتم ، وآية الإنذار ، وآية التطهير ، وآية الاستخلاف ، وغيرها من الآيات.

ومن السنّة يمكن الاستدلال بحديث الغدير ، وحديث الثقلين ، وحديث الطير ، وحديث الولاية ، وغيرها من الأحاديث.

ولكُلّ مفردة من هذه المفردات توجد أبحاث مفصّلة ، تجدونها في المكتبة العقائدية من موقعنا ، وفي نفس الإجابة على الأسئلة العقائدية.

( مازن - ... - ..... )

بالمعنى الأعم والأخص :

س : إنّي أحد المتابعين المهتمّين لموقعكم القيّم ، وخاصّة فقرة الأسئلة العقائدية.

هل إنّ رواية ترك عقيل بن أبي طالب لأخيه أمير المؤمنين - في فترة خلافته أو بعدها - والتجائه إلى معاوية وقوله : الدنيا مع معاوية والآخرة مع علي صحيحة؟

ص: 101

وهل صحيح أنّ جيش عمر بن سعد - الذي حارب الحسين عليه السلام في الطفّ - كان يتكوّن من أهل الكوفة؟ أي من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام ، وممّن بايعوا الحسين في بادئ الأمر؟ وكم كانت نسبتهم في الجيش؟

ج : في الإجابة نقول :

أوّلاً : إنّ التاريخ وما ورد من روايات عن أهل البيت عليهم السلام حول عقيل مضطرب كُلّ الاضطراب ، لذا لا يمكن لنا أن نخرج بنتيجة علمية مبتنية على أُسس صحيحة حول هذا الموضوع ، وإن كان بعض العلماء حاول أن يوجد بعض المبرّرات لما يُنسب إلى عقيل لتنزيه ساحته.

وثانياً : وأمّا عن شيعة الإمام الحسين عليه السلام من أهل الكوفة فإنّهم على قسمين :

1 - شيعة بالمعنى الأخصّ ، يعني يعتقدون بالتولّي والتبرّي ، وهؤلاء لم يكونوا في جيش عمر بن سعد - الذي حارب الإمام الحسين عليه السلام - بل إمّا استشهدوا مع الحسين عليه السلام ، أو كانوا في السجون ، أو وصلوا إلى كربلاء بعد شهادة الحسين عليه السلام.

2 - شيعة بالمعنى الأعم ، يعني يحبّون أهل البيت عليهم السلام ، ويعتقدون بالتولّي ولا يعتقدون بالتبرّي ، ولا يرون أنّ الإمامة إلهية وبالنصّ ، وهؤلاء كان منهم من بايع الإمام الحسين عليه السلام في أوّل الأمر وصار إلى جيش عمر بن سعد.

وكُلّ ما ورد من روايات ونصوص تاريخية فيها توبيخ لأهل الكوفة فإنّما تحمل على الشيعة بالمعنى الأعم ، أي الذين كانوا يتشيّعون بلا رفض وبلا اعتقاد بالإمامة الإلهية ، وما إلى ذلك من أُصول التشيّع.

( محمّد الجعفري - المغرب - .... )

يدخّنون في المساجد :

س : هل صحيح أنّ الشيعة يدخّنون في مساجدهم؟

ص: 102

ج : أوّلاً نذكر لكم أنّ أصل المبنى عند أكثر علماء الشيعة أنّ التدخين حلال ، لأنّ الأصل في الأُمور الإباحة ما لم يأت دليل من القرآن والسنّة ينصّ على التحريم.

هذا ، وإنّ مساجد الشيعة تقام فيها الجماعة ، والدروس الدينية ، وإحياء المناسبات الدينية لتثقيف المسلمين ، فالمساجد هي بيوت للعبادة بكُلّ ما تحمله لفظة العبادة من معنى.

وعليه ، فالتدخين عند الشيعة في المساجد غير صحيح ، وما يفعله بعض العوام من الناس فهذا غير محمول على أصل المذهب.

( محمّد علي الشاخوري - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

تكفير ابن باز لهم :

س : ما هو الدليل على أنّ ابن باز كان يحلّل دماء الشيعة وتكفيرهم في كُلّ شيء؟ ودمتم سالمين.

ج : قد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية - المؤلّفة كلاً من عبد العزيز بن باز ، وعبد الرزاق عفيفي ، وعبد اللّه بن غديان ، وعبد اللّه ابن قعود - عدّة أسئلة حول الشيعة الإمامية الاثني عشرية ، منها :

وجّه إلى اللجنة الدائمة سؤال عن حكم أكل ذبائح جماعة من الجعفرية الإمامية الاثني عشرية ، فأجابت اللجنة بقولها ما نصّه : « إذا كان الأمر كما ذكر السائل من أنّ الجماعة الذين لديه من الجعفرية يدعون علياً والحسن والحسين وسادتهم فهم مشركون مرتدّون عن الإسلام والعياذ باللّه ، لا يحلّ الأكل من ذبائحهم ، لأنّها ميتة ولو ذكروا عليها اسم اللّه » (1).

وقالت اللجنة في جواب آخر ما نصّه : « إذا كان الواقع كما ذكرت من دعائهم علياً والحسن والحسين ونحوهم فهم مشركون شركاً أكبر يخرج من

ص: 103


1- فتاوى اللجنة الدائمة 2 / 372.

ملّة الإسلام ، فلا يحلّ أن نزوّجهم المسلمات ، ولا يحلّ لنا أن نتزوّج من نسائهم ، ولا يحلّ لنا أن نأكل من ذبائحهم »(1).

كما قالت اللجنة في جواب آخر عن حكم من يعتقد أنّ القرآن قد وقع فيه التحريف - يقصدون بهم الشيعة الإمامية - بقولها ما نصّه : « ومن قال : إنّه غير محفوظ ، أو دخله شيء من التحريف أو النقص فهو ضالّ مضلّ ، يستتاب فإن تاب وإلاّ وجب على ولي الأمر قتله مرتداً ... »(2).

وقال ابن باز حول الشيعة ما نصّه : « وأفيدكم بأنّ الشيعة فرق كثيرة وكُلّ فرقة لديها أنواع من البدع ، وأخطرها فرقة الرافضة الخمينية الاثنا عشرية لكثرة الدعاة إليها ، ولما فيها من الشرك الأكبر كالاستغاثة بأهل البيت ، واعتقاد أنّهم يعلمون الغيب ، ولاسيّما الأئمّة الاثني عشر حسب زعمهم ، ولكونهم يكفّرون ويسبّون غالب الصحابة كأبي بكر وعمر رضي اللّه عنهما ، نسأَلُ اللّه السلامة ممّا هم عليه من الباطل » (3).

وقال أيضاً : « وبذلك نكتشف بطلان جميع المذاهب الهدّامة والأكثر منحلة ، لأنّ من علم شرع اللّه وتبصّر في دينه ، وتفقّه في ذلك اتضح له كُلّ مذهب باطل ، وكُلّ فكر فاسد ، سواء كان ذلك فكراً خارجاً عن الدين بالكُلّية ، أو فكراً يزعم صاحبه أنّه من الإسلام ، وليس من الإسلام ، فتعرف المذاهب الهدّامة من شيوعية وغيرها ، وهكذا الأفكار والدعوات المنحرفة من الإمامية أو قومية أو غير ذلك ، ممّا يدعو إليه كثير من الناس ، فالقرآن الكريم والسنّة المطهّرة يحاربان كُلّ هذه الدعوات الباطلة ، فلا قومية ولا علمانية ، ولا شيوعية ولا بعثية ، ولا شيعية ولا بوذية ، ولا نصرانية ولا يهودية ، ولا غير ذلك.

ص: 104


1- المصدر السابق 2 / 373.
2- المصدر السابق 4 / 9.
3- مجموع فتاوى ابن باز 3 / 1108.

كتاب اللّه وسنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يحاربون هذه المذاهب الباطلة ، وهذه الأفكار الزائفة ، ويبيّن القرآن والسنّة أنّ الحقّ في اتباع كتاب اللّه العظيم ، وسنّة رسول اللّه الأمين فقط ».

وسُئلت اللجنة أيضاً : ما حكم عوام الروافض الإمامية الإثنى عشرية؟ وهل هناك فرق بين علماء أيّ فرقة من الفرق الخارجة عن الملّة وبين أتباعها من حيث التكفير أو التفسيق؟

فأجابت : من شايع من العوام إماماً من أئمّة الكفر والضلال ، وانتصر لسادتهم وكبرائهم بغياً وعدواً ، حكم له بحكمهم كفراً وفسقاً ، قال اللّه تعالى : ( قَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا ) (1) ... وغير ذلك في الكتاب والسنّة كثير ؛ ولأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قاتل رؤساء المشركين وأتباعهم ، وكذلك فعل أصحابه ، ولم يفرّقوا بين السادة والأتباع.

وباللّه التوفيق ، وصلى اللّه على نبيّنا محمّد وآله وصحبه وسلم(2).

إذاً ، الدليل على تكفير الشيعة هو الفتاوى الصادرة من اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية ، وفيهم ابن باز.

( عبد اللّه - عمان - 28 سنة - دبلوم )

تأسيسهم للعلوم المختلفة :

س : ماذا قدّم المذهب الشيعي على مدى التاريخ للإسلام من ثقافات؟ العلم والأدب ، والطبّ والشعر ، والفلسفة والفيزياء ، والكيمياء والرياضيات ، وغيرها من العلوم الأُخرى مع ذكر أسماء العلماء ، وشكراً على المساعدة.

ص: 105


1- الأحزاب : 67 - 68.
2- فتاوى اللجنة الدائمة 2 / 376.

ج : لا يخفى أنّ لعلماء الشيعة السبق على غيرهم من الطوائف الإسلامية في تأسيس كثير من فنون العلوم الإسلامية ، نذكر في هذا المجال بعض مشاهير الشيعة في كُلّ علم ، مع مراعاة الأقدم منهم فالأقدم.

1 - علم النحو : أوّل من أسّس هذا العلم هو أبو الأسود الدؤلي ، وهو من كبار التابعين الشيعة.

ومن مشاهيره : الخليل بن أحمد إمام البصريين ، محمّد بن الحسن الرواسي إمام الكوفيين ، حمران بن أعين أخو زرارة بن أعين ، الفرّاء يحيى بن زياد ، أبو العباس المبرّد ، الشيخ أبو علي الفارسي ، أبو بكر الخوارزمي.

2 - علم الصرف : أوّل من أسّس هذا العلم هو معاذ بن مسلم الهراء ، وهو من كبار الشيعة.

ومن مشاهيره : الشيخ أبو علي الفارسي ، أبو الفتح عثمان بن جنّي ، أبو جعفر الطبري ، الشيخ أحمد بن علي الماه آبادي ، محمّد بن الحسن الاسترآبادي الغروي.

3 - علم اللغة : أوّل من أسّس هذا العلم هو الخليل بن أحمد ، وهو من علماء الشيعة.

ومن مشاهيره : أبان بن تغلب ، ابن السكّيت ، أبو بكر بن دريد الأزدي ، الصاحب بن عبّاد ، محمّد بن سلمة اليشكري ، أبو الفضل الصابوني ، محمّد ابن يحيى بن محمّد الأرزني.

4 - علم المعاني والبيان والبديع : أوّل من أسّس هذا العلم الإمام المرزباني أبو عبد اللّه محمّد بن عمران ، وهو من علماء الشيعة.

ومن مشاهيره : الشيخ ميثم بن علي بن ميثم البحراني ، الشيخ حسام الدين المؤذني ، الشيخ يحيى بن أحمد الكاشي ، صفي الدين الحلّي ، الشيخ إبراهيم ابن علي العاملي.

ص: 106

5 - علم العروض : أوّل من أسّس هذا العلم هو الخليل بن أحمد ، وهو من علماء الشيعة.

ومن مشاهيره : أبو عثمان المازني ، السيّد أبو الرضا فضل اللّه ضياء الدين الراوندي الحسين ، الشيخ أبو المحاسن شهاب الدين يوسف ، الشيخ عبد علي ابن رحمة الحويزي.

6 - فنون الشعر وطرائقه :

ومن مشاهيره : النابغة الجعدي حبّان بن قيس المضري ، لبيد بن أبي ربيعة العامري ، الفرزدق ، الكميت الأسدي ، السيّد الحميري ، سفيان بن مصعب العبدي ، دعبل الخزاعي ، المفجّع ، ابن الرومي ، السيّد الشريف الرضي ، السيّد المرتضى ، أبو الحسين المهيار ، أبو الطيّب المتنبّي.

7 - التاريخ والسير : أوّل من أسّس علم السير والآثار ، هو عبيد اللّه بن أبي رافع مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وكان من خيار الشيعة.

وأوّل من أسّس علم المغازي - مغازي النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسيرته - هو محمّد بن إسحاق المطلبي.

وأوّل من أسّس علم الرجال ، هو أبو محمّد عبد اللّه بن جبلة الكناني.

وأوّل من صنّف في علم الفرق في الإسلام ، هو الحسن بن موسى النوبختي.

8 - علم الحديث : أوّل من جمع الحديث النبوي في الإسلام ودوّنه ، هو أبو رافع مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

أوّل من صنّف في الآثار ، هو سلمان الفارسي ، أبو ذر الغفاري ، الأصبغ بن نباتة ، سليم بن قيس الهلالي ، ميثم التمّار ، جابر بن يزيد الجعفي ، زيد الشهيد ، زرارة بن أعين ، الشيخ الكليني ، الشيخ الطوسي ، الشيخ المجلسي ، الفيض الكاشاني ، الحرّ العاملي ، النوري الطبرسي.

9 - علم الدراية : أوّل من دوّن في علم دارية الحديث ، هو أبو عبد اللّه الحاكم النيسابوري ، السيّد ابن طاووس ، الشيخ البهائي.

ص: 107

10 - علم الفقه : أوّل من دوّن في علم الفقه علي بن أبي رافع مولى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

ومن مشاهيره : سعيد بن المسيّب ، علي بن حمزة البطائني ، إبراهيم بن محمّد الثقفي ، صفوان بن يحيى البجلي ، علي بن أحمد الكوفي ، ابن الجنّيد ، ابن أبي عقيل ، السيّد المرتضى ، الشيخ الطوسي.

11 - علم أُصول الفقه : أوّل من صنّف في مسائل علم أُصول الفقه ، هو هشام بن الحكم.

ومن مشاهيره : أبو سهل النوبختي ، ابن الجنيد ، ابن داود ، الشيخ المفيد ، السيّد المرتضى ، الشيخ الطوسي ، العلاّمة الحلّي ، المحقّق الحلّي.

12 - علوم القرآن : أوّل من وضع نقط المصحف ، هو أبو الأسود الدؤلي.

وأوّل من صنّف في القراءة ودوّن علمها ، هو أبان بن تغلب.

وأوّل من صنّف في فضائل القرآن ، هو أُبي بن كعب.

وأوّل من صنّف في مجاز القرآن ، هو الفرّاء يحيى بن زياد.

وأوّل من صنّف في أحكام القرآن ، هو محمّد بن السائب.

وأوّل من صنّف في علم تفسير القرآن ، هو سعيد بن جبير.

13 - علم الكلام : أوّل من ناظر في التشيّع ، هو الكميت بن زياد.

وأوّل من صنّف في علم أُصول العقائد ، هو علي بن إسماعيل بن ميثم التمّار.

14 - علم الأخلاق : أوّل من صنّف في علم الأخلاق ، هو إسماعيل بن مهران السكوني.

نكتفي بهذا المقدار ، وللمزيد راجع كتاب تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام للسيّد حسن الصدر.

ص: 108

( البحرين - سنّي - 21 سنة - طالب جامعة )

يتأثّرون بالقرآن ويخشونه :

س : العجيب أنّنا نرى الشيعة وصل بهم الغلوّ في آل البيت بحيث يبكون حين يقرأ عليهم أبيات شعر في عزاء علي أو الحسين أو فاطمة ، ولم ترهم يتأثّرون حين تقرأ آيات من القرآن الحكيم؟ بالرغم من أنّ اللّه تعالى يقول : ( اللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللّهِ ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللّهُ فَمَا له مِنْ هَادٍ ) (1).

وقال سبحانه : ( لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) (2) ، فجميعنا نحبّ آل البيت ، ولكن لا يعني أنّنا نصرف الدعاء لهم؟

ج : ادعاؤك بأنّ الشيعة غلاة لأنّهم يبكون على مصائب أهل البيت عليهم السلام ، ولا يبكون من ذكر اللّه تعالى ، فهذا بهتان مبين وفرية علينا.

فإنّ أكثر الشيعة على مرِّ التاريخ متمسّكون بالثقل الأكبر القرآن الكريم ، ويتبعونه ويقدّسونه ، ويستشهدون بآياته على جميع مسائل الشريعة ، ويتعاهدون قراءته ، ويخشعون عند سماعه ، وهم أشدّ حبّاً لله ولكلامه.

وهذا أمر قلبي لا يعلمه إلاّ اللّه ، ولم يكونوا يوماً ممّن يتباكون بالدموع فقط ، وعلى الصوت الجميل القريب من الغناء يدغدغ المشاعر ، ويسمّوا أنفسهم خاشعين باكين من خشية اللّه تعالى ، وكُلّ ذلك مجانب للصواب ، وإنّما العبرة والصواب والمأمور به هو الخشوع والخشية والتأثّر والتقوى والهداية ، التي تنشأ من التدبّر في القرآن ، وليس صبّ الدموع المزعوم فقط.

ص: 109


1- الزمر : 23.
2- الحشر : 21.

قال تعالى : ( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ) (1) ، وقوله عزّ وجلّ : ( أَفَمَن شَرَحَ اللّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ ) (2) ، وقوله تعالى : ( اللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللّهِ ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللّهُ فَمَا له مِنْ هَادٍ ) (3) فالخشوع هو الاحتياج والانكسار لله تعالى والإذعان للحقّ ، وكذلك الخشية بمعنى الخوف والتقوى التي يلزم منها الإذعان للحقّ.

فالخشوع والخشية قلبية ، وهذا العمل القلبي مطلوب وممدوح لأنّه ملازم للتقوى والإذعان للحقّ والهداية ، أمّا البكاء فهو تعبير ظاهري عن الخشية والخشوع وهو غير ملازم لها ، لأنّه قد يكون مفتعلاً ، وقد يكون لسبب آخر ، وقد يكون آنياً وقتياً ، وقد يكون صادقاً ، ولكن صاحبه في ضلال مبين ، كالخوارج أو النواصب ، أو المشرك أو المبتدع ، فبالتالي لا يجوز الحكم على الفرقة ، أو الشخص عن طريق البكاء ، بأنّه على صواب أو خطأ ، فلا تلازم في ذلك.

( ... - ... - سنّي )

ليسوا هم قتلة الحسين عليه السلام :

س : إلى مركز الأبحاث العقائدية : أرجو أن يكون الاستدلال عن طريق كتب أهل السنّة.

يطرح سؤال مهمّ : من قتلة الحسين؟ أهم أهل السنّة ، أم معاوية ، أم يزيد بن معاوية ، أم من؟ إنّ الحقيقة المفاجئة أنّنا نجد العديد من كتب الشيعة تقرّر وتؤكّد أنّ شيعة الحسين هم الذين قتلوا الحسين.

ص: 110


1- محمّد : 24.
2- الزمر : 22.
3- الزمر : 23.

فقد قال أبو جعفر الباقر : « ثمّ بايع الحسين عليه السلام من أهل العراق عشرون ألفاً ، ثمّ غدروا به وخرجوا عليه ، وبيعته في أعناقهم وقتلوه »(1).

والحسين يناديهم قبل أن يقتلوه : « تبّاً لكم أيّتها الجماعة وترحاً ، وبؤساً لكم حين استصرختمونا ولهين ، فاصرخناكم موجفين ، فشحذتم علينا سيفاً كان في أيدينا ، وحمشتم علينا ناراً أضرمناها على عدوّكم وعدوّنا ، فأصبحتم ألباً أوليائكم ، ويداً على أعدائكم ... » (2).

ثمّ ناداهم الحرّ بن يزيد أحد أصحاب الحسين - وهو واقف في كربلاء - فقال لهم : « أدعوتم هذا العبد الصالح حتّى إذا أتاكم أسلمتموه ، وزعمتم أنّكم قاتلو أنفسكم دونه ، ثمّ عدوتم عليه لتقتلوه ... فصار كالأسير في أيديكم ... لا سقاكم اللّه يوم الظمأ الأكبر »(3).

ويذكر المؤرخ الشيعي اليعقوبي في تاريخه : أنّه لمّا دخل علي بن الحسين الكوفة رأى نساءها يبكين ويصرخن فقال : « هؤلاء يبكين علينا فمن قتلنا »؟(4) أي من قتلنا غيرهم.

هذه الأشياء ليس من تفسيري بل علماء السنّة يقولون هكذا ، هل هذا صحيح؟

ج : كأنّك هنا تريد أحد أمرين أو كلاهما معاً :

الأوّل : إنّ شيعة الحسين عليه السلام هم قتلته ، وهم الذين يبكون عليه.

الثاني : إنّ قتلة الحسين عليه السلام هم الشيعة فلا ربط لذلك بيزيد وبني أُمية ، وبالتالي كُلّ ما ورد من ذمّ لا يعود لابن زياد ، وابن مرجانه ، وعمر بن سعد ، ويزيد بل يرجع على الشيعة.

ص: 111


1- شرح نهج البلاغة 11 / 43.
2- الاحتجاج 2 / 24.
3- الإرشاد 2 / 100.
4- تاريخ اليعقوبي 2 / 245.

ونأتي لمعالجة القضيتين ، أمّا الأُولى فنقول : هذه المقولة قديمة جدّاً وليست جديدة ، ومثلها مقولة معاوية بن سفيان حينما قتل عمّار بن ياسر ، حيث كان معلوماً لدى العموم أنّ الفئة الباغية هي التي تقتل عمّار بن ياسر ، فبعد مقتل عمّار تبيّن للناس أنّ معاوية وحزبه بغاة ، وليسوا على حقّ موهوم ، وهو دم عثمان فضلاً عن حقّ واقعي ، فأطلق معاوية مقولته المشهورة : لم نقتله نحن ، بل قتله من جاء به ، وهو علي بن أبي طالب ، فقلب الأمر ظهراً على عقب ، وجعل علياً هو قاتل عمّار ، وبالتالي يكون علي بن أبي طالب عليه السلام - والعياذ باللّه - هو الباغي ، طبقاً لقول النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ولا يكون على حقّ ، إذ ذلك لازم لمقولة معاوية.

وقد ردّ علماء السنّة وحتّى السلفية على معاوية مقولته هذه ، وحكموا ببطلانها(1).

ومن المعلوم أنّ الكوفة من الحواضر الإسلامية المستحدثة ، والتي فتحت متأخّراً ، وكان مكانها من اليهود والنصارى كثير كما يذكر الطبري وغيره.

وكان إحدى تشكيلتها السكّانية هم المسلمون ، وهؤلاء المسلمون جديدو عهدٍ بالإسلام ، لا يعرفون بعد النبوّة فضلاً عن الإمامة ، وقد تولّى عليها حكّام من طرف الخليفة عمر ، وربّاهم على التربية العمرية ، بحيث إنّ علي بن أبي طالب عليه السلام عندما أراد منعهم من صلاة التراويح ، صاحوا جميعاً في المسجد : وا عمراه ، واضطر إلى الاصطدام معهم(2).

ص: 112


1- سبل السلام 3 / 258 ، أحكام القرآن للجصّاص 3 / 532 ، المناقب : 234 ، مسند أحمد 2 / 161 و 4 / 199 ، الطبقات الكبرى 3 / 253 ، تاريخ مدينة دمشق 43 / 425 ، أنساب الأشراف : 317.
2- شرح نهج البلاغة 12 / 283.

وتولّى أمرتها أبو موسى الأشعري المعروف بالعداء لعلي عليه السلام ، فقد ذكر ابن حجر في فتح الباري : « أنّ علي بن أبي طالب حينما خرجت عليه عائشة في واقعة الجمل ، أرسل إلى أبي موسى الأشعري أن يدعوا الناس للخروج مع علي عليه السلام ، فأبى وثبّط عزائم الناس حتّى اضطر علي عليه السلام إلى عزله »(1).

وبعد أن قدم الإمام علي عليه السلام الكوفة سعى بكُلّ جهده إلى أن يفهّمهم الإسلام ، فضلاً عن الإمامة ، وقد ذكر ذمّهم في كثير من خطبه ، ولمّا استشهد عليه السلام تولّى خلافة الكوفة المغيرة بن شعبة من قبل معاوية ، وأخذ يربّي الناس على بغض علي وآل علي ، إلى أن أوصل بهم الأمر إلى أن يسبّ علياً على المنبر علناً ، ويأمر أولياءه بالسبّ(2).

في ظلّ هذه الأجواء تصل الأُمور إلى يزيد ، ويبلغ الظلم أوجه ، إذ تصل الخلافة إلى مستوى الطلقاء ، وهم بنو أُمية ، ثمّ تصل إلى دعي من أدعياء الطلقاء ، وهو يزيد ذو التربية النصرانية ، التي لا تعرف معنى الإسلام ، فضلاً عن حقوق المسلمين ، وفي ظلّ هذه الأُمور يرسل يزيد إلى الحسين عليه السلام أن بايعني ، فيأبى الحسين ويخرج إلى العراق ، فيكتب يزيد إلى عامله على الكوفة عبيد اللّه بن زياد : إنّه قد بلغني أنّ حسيناً قد سار إلى الكوفة ، وقد ابتلى زمانك من بين الأزمان ، وبلدك من بين البلاد ، وابتليت به من بين العمّال ، وعندها تعتق أو تعود عبداً كما تعتبد العبيد(3) ، وصرّح بوثاقة رجاله.

والإمام الحسين عليه السلام عندما رفض البيعة دعا إلى إقامة العدل والحقّ ، وأطلق كلمته المشهورة - والصحيحة سنداً - إذ قال : « قد نزل ما ترون من الأمر ، وإنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت ، وأدبر معروفها ، وانشمر حتّى لم يبق منها إلاّ صبابة كصبابة الإناء ، إلاّ خسيس عيش كالمرعى الوبيل ، ألا ترون الحقّ لا

ص: 113


1- فتح الباري 13 / 48.
2- سير أعلام النبلاء 3 / 31.
3- مجمع الزوائد 9 / 193.

يعمل به ، والباطل لا يتناهى عنه؟! ليرغب المؤمن في لقاء اللّه ، فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة ، والحياة مع الظالمين إلاّ برما »(1).

فعقد العزم سيّد الشهداء عليه السلام للخروج على حكم الطلقاء ، ودعا الناس إلى ذلك ، وأجاب من أجاب ، وأبى من أبى ، وممّن بعث إليه بالنصرة قسم من أهل الكوفة ، فأرسلوا إليه على أن يقدم عليهم ، والحسين عليه السلام كان عازماً على الخروج ، سواء بايعته الناس على النصرة أو لا ، ودليل ذلك أنّه بعد أن خذلوه لم يتراجع ، لأنّ قولته المتقدّمة « والحياة مع الظالمين إلاّ برما » لم يغيّرها خذل الخاذلين ، وتراجع بعض من المبايعين.

ثمّ أنّ أهل الكوفة ، هذا المجتمع الخليط من المسلمين والنصارى واليهود ، وصاحب التركيبة الاجتماعية الغريبة ، لما مرّ عليه من حكم القرآن المتمثّل بعلي عليه السلام ، وحكم الجاهلية المتمثّل بمعاوية وخليفته المغيرة بن شعبة ، ثمّ جاء يزيد وسلّط عليه عن أصلاب الأدعياء ، وهو عبيد اللّه بن زياد بن أبيه ، فهذا المجتمع عندما نريد أن نحكم عليه بأنّه شيعي ، وبايع الحسين وخذله ، لابدّ أن تتوفّر فيه أوّلاً : كونه شيعياً ، وثانياً : كونه بأجمعه خذل الحسين عليه السلام.

أمّا القضية الأُولى وهي كونه شيعياً : فالشيعي له اصطلاحان لغوي وشرعي ، اللغوي يعني الناصر ( وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ ) (2) ، أي من أنصاره وأعوانه ومن المؤازرين له ، والمعنى الاصطلاحي : يعني من يعتقد بأحقّية علي بن أبي طالب عليه السلام بالخلافة ، وأنّه الخليفة بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، لقول النبيّ صلى اللّه عليه وآله مخاطباً علياً : « من كنت مولاه فهذا علي مولاه ... » الحديث المتواتر الذي صرّح بتواتره الشيخ محمد ناصر الدين الألباني(3) ، وغيره من العلماء.

ص: 114


1- المصدر السابق 9 / 192 ، المعجم الكبير 3 / 114 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 217 ، سير أعلام النبلاء 3 / 310 ، تاريخ الأُمم والملوك 4 / 305 ، جواهر المطالب 2 / 270.
2- الصافات : 83.
3- سلسلة الأحاديث الصحيحة 4 / 344.

فمن بايع الحسين؟ ولم ينصره؟ وخرج عليه في جيش يزيد ، أي معنىً من معاني الشيعي يصدق عليه؟ هل يصدق عليه المعنى اللغوي ، أو المعنى الشرعي ، أو كليهما؟

والجواب : إنّه لا يصدق عليه أي معنىً من المعنيين ، وذلك لأنّ المعنى اللغوي أُخذ فيه النصرة والمؤازرة ، وهؤلاء لم ينصروا ولم يؤازروا ، وإنّما وعدوا الحسين عليه السلام بالنصرة ، ولم يفوا بالوعد ، وهذا ليس نصرة ، وإنّما وعد بالنصرة ، والنصرة هي المؤازرة والمعاونة ، فأيّ تشيّع لغوي يصدق عليهم؟ وهذا من المغالطات التي يستخدمها السلفية لنصرة الطلقاء وأبناء الأدعياء ، ويقولون : الشيعة هم قتلوا الحسين عليه السلام ، مع أنّ هؤلاء لا يصدق عليهم التشيّع بجميع معانيه ، لأنّه لم ينصر ولم يؤازر ، وإنّما وعد بالنصر والمؤازرة ولم يفِ.

وأمّا المعنى الشرعي للتشيّع ، فلا يصدق عليه ، إذ متى اعتقدوا بالنصّ على خلافة الحسين عليه السلام ، ومتى صرّحوا بذلك؟! وهم النصرة والمؤازرة لا تصدق عليهم ، فكيف يصدق عليهم الولاء والاعتقاد بخلافة الحسين عليه السلام؟!

أضف إلى ذلك أنّ مسلم بن عقيل حين ورد الكوفة ، ودعا الناس إلى الحسين عليه السلام ، واجتمع حوله من اجتمع ، وكان الوالي عليها من قبل يزيد النعمان ابن بشير ، فلم يبادر إلى المنع ، وكان جاسوس يزيد مسلم بن سعيد الحضرمي ، فكتب إلى يزيد بن معاوية ما يجري في الكوفة ، وموقف النعمان بن بشير ، فبعث يزيد بكتاب إلى عبيد اللّه بن زياد ، وكان واليه على البصرة في ضمّ ولاية الكوفة له ، وأمره بأن يقتل مسلم بن عقيل ، ويترصّد الحسين عليه السلام ومحاربته ، وجاء عبيد اللّه بن أبيه الكوفة ، وتوعّد أهلها بالقتل ، وقتل وسجن من لم يرجع ، أي الشيعة الثابتين(1).

ص: 115


1- أُنظر : فتح الباري 7 / 74 ، البداية والنهاية 8 / 166 ، أنساب الأشراف : 78 ، تاريخ مدينة دمشق 18 / 295 ، الثقات 2 / 309 ، تهذيب الكمال 6 / 425 ، الإصابة 2 / 70.

ومن ذلك نعرف أن أهل الكوفة ، ممّن وعد نصرة الحسين عليه السلام ، إمّا تخاذل ولم يفِ بوعده ، وهذا ليس شيعياً لا بمعناه اللغوي ولا الشرعي كما هو واضح ، وإمّا تعرّض للقتل أو السجن وهذا معروف حكمه ، وإمّا وعد بنصره لكنّه من بطش عبيد اللّه بن زياد انقلب وخرج مع جيش يزيد لقتل الحسين ، فهذا يبرأ منه التشيع لغة وشرعاً.

فهذه المقولة وهي : أنّ الشيعة هم قتلة الحسين لا أساس لها من الصحّة ، وإنّما يلهج بها نابتة الطلقاء والأدعياء نصراً لآبائهم ، وسيراً على منهجهم في قتل آل البيت ، وعترتهم الطاهرة ، التي هي عدل القرآن ، المأمورين باتباعها.

( البحرانية - البحرين - 18 سنة - طالبة ثانوية )

لغة واصطلاحاً وتاريخاً :

س : ما هو المقصود بالتشيّع؟ ومن هم الشيعة؟

ج : إنّ معنى الشيعة لغة كما ورد في كتب اللغة : شيعة الرجل بالكسر أتباعه وأنصاره ، والفرقة على حدة ، ويقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكّر والمؤنّث ، وقد غلب هذا الاسم على من يتولّى علياً وأهل بيته عليهم السلام حتّى صار اسماً لهم خاصّاً.

قال الشيخ السبحاني : « الشيعة لغة هم الجماعة المتعاونون على أمر واحد في قضاياهم ، يقال تشايعَ القوم إذا تعاونوا ، وربّما يُطلق على مطلق التابع ، قال تعالى : ( وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) (1).

وأمّا اصطلاحاً : فتطلق على من يشايع علياً وأولاده باعتبار أنّهم خلفاء الرسول وأئمّة الناس بعده ، نصبهم لهذا المقام بأمر من اللّه سبحانه ... »(2).

ص: 116


1- الصافات : 83 - 84.
2- بحوث في الملل والنحل 6 / 7.

وقال السيّد محسن الأمين : « وكانت هذه اللفظة تقال على من شايع علياً عليه السلام قبل موت النبيّ صلى اللّه عليه وآله وبعده » (1).

أمّا تاريخ الشيعة والتشيّع ، فقال عنه السيّد الأمين : « وسواء أكان إطلاق هذا الاسم عليهم يوم الجمل أم في حياة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، أو بعد يوم الجمل ، فالقول بتفضيل علي عليه السلام وموالاته الذي هو معنى التشيّع كان موجوداً في عهد الرسول صلى اللّه عليه وآله ، واستمر بعده إلى اليوم »(2).

وأمّا الشيخ السبحاني فقال عنه : « وأمّا تاريخاً : والشيعة هم المسلمون من المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بإحسان في الأجيال اللاحقة ، هم الذين بقوا على ما كانوا عليه في عصر الرسول في أمر القيادة ، ولم يغيّروه ولم يتعدّوا عنه إلى غيره ... ففزعوا في الأُصول والفروع إلى علي وعترته الطاهرة »(3).

فليس للتشيّع تاريخ وراء تاريخ الإسلام ، ولا للشيعة أُصول سوى أنّهم رهط من المسلمين الأوائل في عصر الرسول صلى اللّه عليه وآله ، ومن جاء بعدهم عبر القرون ، وجاء في مدح هذه التسمية ما رواه أبو بصير عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال : « ليهنئكم الاسم » ، قلت : وما هو جعلت فداك؟ قال : « الشيعة » ، قلت : إنّ الناس يعيّروننا بذلك ، قال : أمّا تسمع قول اللّه : ( وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ ) وقوله : ( فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ) (4).

والشيعة فرق ومذاهب شتّى ، فمنها نحن الإمامية الاثنا عشرية ، ومنها : الزيدية والإسماعيلية ، والواقفية والفطحية ، والكيسانية والناووسية ، وغيرهم ، فإذا أطلق لفظ الشيعة أو الرافضة أو الإمامية فإنّما يقصدون الطائفة

ص: 117


1- أعيان الشيعة 1 / 18.
2- المصدر السابق 1 / 19.
3- بحوث في الملل والنحل 6 / 102.
4- تفسير القمّي 2 / 223.

المنصورة ، والفرقة الناجية الإمامية الإثنى عشرية ، أوّل أئمّتهم أمير المؤمنين ونفس رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وزوج ابنته سيّدة نساء العالمين ، وأبو سبطي وريحانتي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله سيّدا شباب أهل الجنّة ، علي بن أبي طالب عليه السلام ، وآخرهم الإمام المهدي المنتظر عليه السلام ، الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلِئت ظلماً وجَوراً.

( محمّد الشوحة - الأردن - 26 سنة - طالب جامعة )

لا توجد فيها المفضّلة :

س : ماذا يقصد الوهّابية بقولهم : إنّ المفضّلة من الشيعة هم معتدلون أقرب للسنّة ، وعليه من هم هذه الفئة من الشيعة؟

ج : إنّ مذهب التشيّع مذهب عريق وأصيل ، ويحاول المشكّكون والمخالفون النيل منه بشتّى الوسائل ، ومنها ما ذكرته ، وغيره من التشكيكات في أصل نشأة التشيّع ، مستغلّين بعض الوسائل التي يستخدمها الشيعة في الحفاظ على كيانهم ووجودهم ، كمسألة التقية التي حوفظ من خلالها على المذهب بعدم التصريح بالمعتقد ، وبعض الاختلافات مع العامّة في الفروع ، ممّا جعلهم يستغلّون ذلك في النيل من أيّ شخص يصرّح ببعض ذلك ، أو قيامهم بالتفكيك بين الشيعة وجعلهم طوائف متعدّدة ، بسبب بوح شخص بمسألة وبوح آخر بغيرها ، وهكذا حتّى جعلوا للشيعة عشرات الفرق حسب ذلك.

وهذه الفرقة - المفضّلة - هي إحدى الفرق المختلقة منهم ، للتشكيك بتكامل مذهب أهل البيت عليهم السلام ، حيث جعلوا بعض الشيعة يفضّلون عليّاً على أبي بكر وعمر فحسب ، وبعضها يفضّله على عثمان فقط ، وبعضهم كابن سبأ - وفي حقيقته ونسبته إلى الشيعة كلام كثير - يسبّ الشيخين ويتبرّأ منهما ، ويؤمن بأنّ الخلافة في علي وبنيه ، وبعضهم كجابر الجعفي يؤمن بالرجعة فقط ، وآخر يؤمن بالبداء فقط ، وآخر يغلو في علي ويعبده ، وهكذا دواليك.

ص: 118

فكُلّ هذه المحاولات لإضعاف المذهب أوّلاً ، ولتشويهه والحطّ منه ومن معتنقيه ثانياً ، ولإضاعة المذهب بين فرق متعدّدة غير واضحة ، لكُلّ فرقة مسألة واحدة ، أو مسألتين يشذّون فيها عن بقية المسلمين ، حتّى لا يُعبأ بهم ولا يُلتفت إليهم ، وبالتالي لا يكون هنالك مذهب متكامل أصيل يجسّد التمسّك بأهل البيت ، كما أمر بذلك النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه وآله في حديث الثقلين وغيره.

فنطالبهم بذكر أسماء المفضّلة لعلي عليه السلام على الشيخين ، وعددهم وإثبات كونهم شيعة وأتباع علي ، وأنت تنقض كلامك بأنّ علياً عليه السلام كان ينكر ذلك ، ويقيم عليهم الحدّ ، فأتني بشخص واحد فقط أقام علي عليه السلام عليه الحدّ بسبب تفضيله على الشيخين ، أُنظر كيف كذّبوا على أنفسهم ، وضلّ عنهم ما كانوا يفترون.

( كامل غني عزيز العبيدي - العراق - 45 سنة - خريج إعدادية )

لا يتجاوزون على غيرهم مع القدرة :

س : لماذا الشيعة دائماً مظلومين وغير مرغوب بهم في بعض المجالات؟ هل لأنّ الإمام علي عليه السلام كان غير مرغوب فيه؟ أم لأنّ الشيعة أخذوا البساطة من الإمام علي عليه السلام؟ أم ما هو السبب؟

ج : الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن بسيطاً أو ساذجاً - حاشاه - بل هو اعلم وأحكم وأشجع الناس بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، نعم كان غير مرغوب به لأنّه صاحب حقّ ، وينادي بالحقّ ، ويطبّق الحقّ في جميع المحافل وعلى أعلى المستويات.

وكان كحال أبي ذر رض اللّه عنه حين قال : إنّ قول الحقّ لم يدع لي صديقاً.

وكذلك لكون أمير المؤمنين عليه السلام وشيعته أيضاً مخالفين لهم ، ولديهم من الفضائل والعلم والتميّز على أقرانهم والحظوة والاحترام في داخل المذهب ، فهم محسودون ويتمنّى مخالفوهم زوال ذلك عنهم إليهم ، فيقومون دائماً بسحب البساط

ص: 119

من تحت أقدام الشيعة ، وكذلك يقومون بتفضيل أنفسهم والتعالي علينا من دون أيّ سبب أو دليل من أجل حطام الدنيا ، وكما فعل ذلك من قبل معاوية ويزيد.

وكذلك فإنّ الإمام عليه السلام وشيعته لا يظلمون ولا يتجاوزون على غيرهم مع القدرة ، وكما قال أمير المؤمنين عليه السلام : « واللّه ما معاوية بأدهى منّي ، ولكنّه يغدر ويفجر ، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس ، ولكن كُلّ غدرة فجرة ، وكُلّ فجرة كفرة ، ولكُلّ غادر لواء يعرف به يوم القيامة ، واللّه ما أستغفل بالمكيدة ، ولا أستغمز بالشديدة » (1).

والأوضاع الآن خير دليل على حقيقة ذلك وواقعه من قبل شيعة علي عليه السلام ، فموقف الشيعة عموماً والمرجعية خصوصاً كان ناصعاً كالشمس في رابعة النهار في بثّ روح التسامح والتآخي والتعاون ، ونسيان الآلام التي كان بعض مخالفيهم يسومونهم منها سوء العذاب ، فاستبدلوا الانتقام بالعفو والنسيان ، وأبدلوا خوفهم بالأمان.

فكانوا خير من طبّق قاعدة العفو عند المقدرة ، والحديث في هذا المجال ذو شجون ويبكي العيون ، ولكنّنا نقتصر على النزر اليسير الذي ذكرناه ، لعلّه يكفي في هذه العجالة.

( ... - .... - .... )

الاستبصار عمل يثاب عليه :

س : هل ترك أحد المذاهب والتشيّع وموالاة أهل البيت والتأسّي بهم يثاب عليه الإنسان ، أو أنّه يعاقب؟ وشكراً.

ج : إنّ التحوّل إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام عمل كبير يثاب عليه المستبصر أعظم الثواب ، وينال من الجزاء أعظم الجزاء ، لأنّه عمل يصحّح للإنسان أعماله ، ويتقبّل اللّه أعماله بذلك العمل أحسن القبول ، أمّا الأعمال السابقة

ص: 120


1- شرح نهج البلاغة 10 / 211.

التي عمل بها على مذهبه السابق ، فقسم من تلك الأعمال تحتاج إلى إعادة ، وقسم منها لا تحتاج إعادة ، بل تكون أعماله السابقة مجزية ، وهذا مذكور في اغلب الرسائل العملية للعلماء ، فلكي يتخلّص المستبصر من تبعات الأعمال السابقة لابدّ من تصحيح تلك الأعمال ، التي لا تصحّ إلاّ على طريقة مذهب أهل البيت عليهم السلام ، وبتصحيحها سوف يأمن من العقوبة.

( عمرو - السودان - سنّي )

هم اتباع أهل البيت :

س : أخوتي أنا سنّي المذهب ، وأودّ أن أعرف ما هو المذهب الشيعي؟ والفرق بينه وبين المذاهب الأُخرى؟ وما هو حقيقة الذي نسمعه عنهم؟ وجزاكم اللّه خيراً.

ج : الشيعة الإمامية اتباع أهل البيت عليهم السلام الذين أمرنا بالتمسّك بهم ، وهكذا جميع المسلمين مأمورون بذلك بأدلّة نثبتها من القرآن الكريم ، والسنّة النبوية الشريفة ، منها قوله تعالى : ( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (1) ، ومنها حديث الثقلين : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً »(2).

ص: 121


1- الشورى : 23.
2- 2 - فضائل الصحابة : 15 ، الجامع الكبير 5 / 328 ، تحفة الأحوذي 10 / 196 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 418 ، كتاب السنّة : 337 و 629 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 45 و 130 ، خصائص أمير المؤمنين : 93 ، المعجم الصغير 1 / 135 ، المعجم الأوسط 4 / 33 و 5 / 89 ، المعجم الكبير 3 / 66 و 5 / 154 و 166 و 170 و 182 ، شرح نهج البلاغة 9 / 133 ، نظم درر السمطين : 232 ، كنز العمّال 1 / 172 و 186 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 122 ، المحصول 4 / 170 ، الإحكام للآمدي 1 / 246 ، الطبقات الكبرى 2 / 194 ، علل الدارقطني 6 / 236 ، أنساب الأشراف : 111 و 439 ، البداية والنهاية 5 / 228 ، السيرة النبوية لابن كثير 4 / 416، سبل الهدى والرشاد 11 / 6 و 12 / 232 ، ينابيع المودّة 1 / 74 و 95 و 99 و 105 و 112 و 119 و 123 و 132 و 345 و 349 و 2 / 432 و 438 و 3 / 65 و 141 و 294 ، النهاية في غريب الحديث والأثر 1 / 211 و 3 / 177 ، لسان العرب 4 / 538 و 11 / 88 ، تاج العروس 7 / 245.

ومنها حديث الغدير الذي يثبت الإمامة لأمير المؤمنين علياً عليه السلام وهو الخليفة لرسوله اللّه صلى اللّه عليه وآله الذي كان يجب أن يتبعه المسلمون دون غيره ، وهذا هو الأساس في الاختلاف وانشقاق المسلمين إلى فرقتين هم الشيعة والسنّة.

فالشيعة يرون أنّ الإمام علي عليه السلام هو الأحقّ بالخلافة بنصّ الرسول صلى اللّه عليه وآله على ذلك ، وأنّ المتقدّمين عليه ما هم إلاّ غاصبين لها منه ، وأنّهم بتوليهم ذلك المنصب حرفوا الأُمّة عن مسارها الذي أراده اللّه لها ، وتسبّبوا في انشقاق المسلمين إلى تلكما الفرقتين.

أمّا أهل السنّة فيرون أنّه لا يوجد نصّ على نصب علياً عليه السلام للخلافة ، وإنّما رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ترك الأُمّة سدى ، وفوّض للمسلمين اختيار الخليفة من بعده ، فاختار بعض المسلمين في السقيفة أبا بكر ، وكاد أن يقع بين المسلمين القتال على ذلك ، إلاّ أنّه مع ذلك يدعون الإجماع على خلافة أبي بكر ، ونحن نكذّب هذا الإجماع ، لأنّ أفضل المسلمين وهم أهل بيت الرسول ظلّوا يرفضون خلافة أبي بكر ، وأعلنوا معارضتهم لذلك ، ومعهم غيرهم من المهاجرين والأنصار.

هذا بالإضافة إلى الأدلّة الكثيرة التي نثبتها تنصّ على خلافة الإمام علي عليه السلام من قبل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، والتي بثبوتها لا يبقى أي مجال لخلافة أبي بكر سواء تمّ الإجماع أم لم يتمّ.

إذاً منشأ الخلاف هو النزاع على تولّي أمر المسلمين بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ولا يخفى عليك أنّ هذا المنصب منصب مرموق تطمح له العيون ويتنافس عليه الكثيرون ، ولعلّك تدرك أنّ أيّ ملك أو زعيم قوم عندما يجعل له خليفة من بعده ، لابدّ أن يتعرّض إلى معارضين يرفضون هذا التعيين ، وقد لا يتمّ لهذا الخليفة تولّي الأُمور أن لم يستخدم القوّة ، وهذا هو فعلاً ما حصل مع الإمام

ص: 122

علي عليه السلام ، لكن الذين عارضوا الإمام علي عليه السلام ، قد عارضوا بفعلهم ذاك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، الذي نصّ على خلافة علي عليه السلام ، بل قد عارضوا اللّه تعالى الذي أوحى إلى رسوله أن يبلّغ ما أمر به من تنصيب علي عليه السلام للإمامة ، بقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (1) ، والذي حصل بتنصيب علياً عليه السلام إكمال الدين لقوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) (2).

ومن الجدير ذكره أنّ الشيعة تعتبر منصب الإمامة على أنّه رئاسة في الدين والدنيا ، لا كما يقصره غيرهم على أنّه رئاسة في أُمور الدنيا.

واستمر الخلاف وانشقاق المسلمين والذي أدّى بالتبع نتيجة الاعتقاد السابق إلى أن يختلف الشيعة عن السنّة في الأخذ بتعاليم دينهم ، ففي حين تمسّك الشيعة الإمامية بأئمّتهم الاثني عشر المعصومين ، الذين اختارهم اللّه ليكونوا هداة إلى دينه ، وأوصياء لنبيّه من بعده ، ومنهم أخذوا أحكام دينهم افترق بقية المسلمين إلى فرق ومذاهب تبعاً لعلمائهم وفقهاءهم ورؤساءهم.

وهذا ممّا وسّع الخلاف وافترق المسلمون في العقائد والأحكام ، إلاّ أنّ الأمر المهمّ الذي نتمسّك به نحن الإمامية أنّنا نقول بعصمة الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام ، الذي يجعلنا نختلف عن باقي المسلمين ، الذين أخذوا معالم دينهم من أشخاص يقرّون بخطئهم ويعترفون بعدم عصمتهم.

ولأنّه ورد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّ أُمّته ستفترق من بعده إلى فرق كثيرة ، وأنّ واحدة هي فقط الناجية ، يجعل حتماً على الجميع البحث عن تلك الفرقة الناجية ، ونحن بحمد اللّه ليس لدينا أدنى شكّ في أنّ المراد بتلك الفرقة الناجية هي فرقة أهل البيت عليهم السلام ، والأئمّة المعصومين عليهم السلام.

ص: 123


1- المائدة : 67.
2- المائدة : 3.

فعليك أن تبحث عن تلك الفرقة الناجية ، ويكفيك للوصول إليها والتعرّف عليها أن تحكّم عقلك ، وتنساق وراء الأدلّة العلمية دون الأقوال.

وأن ما تسمعه من أقوال عن الشيعة لابدّ أن تميّز بعضه عن بعض ، فقسم منه نحن لا نقول به ، بل يقول به بقية الفرق القريبة منّا ، وقسم آخر لا يعرض بالشكل الذي نقول به بل يضاف عليه أو ينقص منه بحيث يشوّه محتواه.

فعليك إذاً أن تسألنا لنجيبك أو تقرأ كتبنا لتتعرّف على حقيقة مذهب أهل البيت عليهم السلام.

( أبو محمّد - البحرين - سنّي - 30 سنة - دبلوم )

عقائدهم تثبت بالعقل والنقل :

س : سمعت أنّ العقائد الرئيسية عند الشيعة تعتمد على العقل أكثر منها على النقل ، واعتقد أنّ هذا الكلام منطقي جدّاً ، فهل هذا الكلام صحيح وما رأيكم؟ وكيف أحصل على كتاب أو موقع يعلّق على هذه المقولة.

ج : العقائد عند الشيعة الإمامية سواء الرئيسة منها أو الجزئية تثبت بالطريقين النقلي والعقلي ، ولعلّ ما سمعته ناتج من القول أنّ عقيدة التوحيد مثلاً لا نثبتها - إذا أردنا البدء بها في إثبات بقية العقائد - بالأدلّة النقلية ، لأنّ ذلك يستلزم الدور المحال ، وكذلك الحال في إثبات النبوّة مثلاً ، أو إعجاز القرآن ، فإنّنا لا نثبتها إذا أردنا البدء بها بالأدلّة النقلية ، لأنّ ذلك يستلزم الدور المحال.

ومعنى هذا الكلام أنّنا لو أثبتنا مثلاً نبوّة محمّد صلى اللّه عليه وآله عن طريق القرآن دون الاعتراف بعد بأعجازه ، فهذا يعني أنّنا أثبتنا النبوّة بالقرآن والقرآن بالنبوّة ، وهذا هو الدور المحال غير المقبول عقلاً ، فلابدّ للتخلّص منه أن نثبت أحدهما بالدليل العقلي ، ويمكن بذلك أن نثبت الآخر بالدليل النقلي ، فبعد الاعتراف مثلاً بأعجاز القرآن ، وأنّه كلام اللّه ، وأنّه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من

ص: 124

خلفه ، كُلّ ذلك نثبته بالأدلّة العقلية ، يمكن بعدها إثبات النبوّة بما يقوله القرآن.

ولأنّ هناك أكثر من طريق لإثبات جميع العقائد ، نرى أنّ جميع العقائد مرّة يستدلّ عليها بالدليل النقلي ، وأُخرى بالدليل العقلي ، على أن يراعى في كُلّ تلك الأدلّة عدم الوقوع في الدور المحال.

ص: 125

ص: 126

الصحابة :

اشارة

( علي حسين - السعودية - سنّي )

بين الجرح والتعديل :

س : الذي اعرفه ويعرفه الكثيرون أنّ أُصول مذهبكم يقوم على سبّ أبي بكر وعمر.

ج : إنّ مقتضى الإنسانية أن يكون الإنسان ذا إنصاف في الحكم على من يعتقد غير عقيدته ، وأن يتفحّص أوّلاً ويقرأ كتب علماء المتخاصمين ثمّ يحكم ، لا أن يتكلّم بجهل وعدم دراية ، فنوصيك بمطالعة كتب الشيعة أوّلاً ، ثمّ تحكيم العقل.

فالشيعة تحترم صحابة الرسول صلى اللّه عليه وآله وتعظّمهم ، ولكن تجري قواعد الجرح والتعديل عليهم ، فالصحابة غير معصومين باتفاق جميع المسلمين ، فأيّ عقل يقبل أن تكون مجرّد رؤية الرسول - حيث يكون بها الإنسان صحابياً - ترفع قانون البحث عن الرجل وأفعاله؟

فالشيعة تجري قواعد الجرح والتعديل عليهم ، فمن بقي على الدين بعد الرسول صلى اللّه عليه وآله ومات على الملّة ولم يغيّر ولم يبدّل فالشيعة تعظّمه ، ومن لا فلا.

( أحلام - لبنان - .... )

ليس كُلّهم عدول :

س : ما هو دليلكم بعدم عدالة الصحابة؟

ص: 127

ج : إنّ سؤالك يعطي انطباعاً عن الشيعة أنّهم لا يعترفون بعدالة الصحابة على الإطلاق ، وهذا التصوّر بعيد عن الحقّيقة ، مجانب للواقع ، فليس الأمر كما تتصوّرين ، أو يتصوّره البعض ، فالشيعة يقولون في حقّ الصحابة ما يلي :

إنّ اللّه تعالى أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ، وشرّع له شريعة ليبلّغها إلى المسلمين ، فقال : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) (1).

فمن التزم بهذه الشريعة - بكُلّ أبعادها من الأوامر والنواهي - فهو مسلم بحقّ ، ويجب على جميع المسلمين احترامه وتقديره والترحّم عليه.

ثمّ من ضيّع هذه الأوامر أو بعضها ، فإن كان عن جهلٍ وقصور فهو معذور ، وإن كان عن عمدٍ وعنادٍ واستخفافٍ بأوامر اللّه ورسوله ، فهو وإن لم يخرج عن الإسلام - إذا بقي ملتزماً بالشهادتين - لكن يعتبر خارجاً عن طاعة اللّه ورسوله ، وموجباً للحكم عليه بالفسق ، وهذا أمر نعتقد أنكِ توافقين عليه بشكلٍ كامل.

وهنا نقول : إنّ من ضمن الأوامر التي أمرنا اللّه ورسوله باتباعها والالتزام بها هي قوله تعالى : ( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (2).

فمودّة أهل بيت النبيّ صلى اللّه عليه وآله من الواجبات على كُلّ مسلم بنصّ القرآن الكريم والسنّة القطعيّة ، والتارك لها مخالف لأمر اللّه تعالى ، كما أنّ التارك لغيرها من الواجبات - كالصلاة والصوم وغيرهما - يعتبر فاسقاً عند المسلمين كافّة.

وعلى كُلّ حال ، فالإشكال في أنّ جميع الصحابة عدول والبحث في الكُلّية ، لأنّ الصحابي من رأى الرسول صلى اللّه عليه وآله ، ولا يوجد دليل صحيح صريح يقول بعدالة كُلّ هؤلاء ، بل نجري قواعد الجرح والتعديل عليهم.

ص: 128


1- المائدة : 67.
2- الشورى : 23.

( معاذ - الأردن - سنّي - 33 سنة - طالب جامعة )

تعقيب على الجواب السابق :

الصحابة ليس كُلّهم عدول ، لأنّ منهم المغيرة بن شعبة وهو رجل فاسق ، ويقال : إنّه أوّل من شتم علي بن أبي طالب على المنابر ، كما أنّه زاني ، وقصّته معروفة حينما شهد عليه ثلاث بالزنا ، ثمّ قال الرابع : إنّي لم أتحقّق من الرؤية جيّداً ، فبرّأه عمر بن الخطّاب.

( ... - ... - سنّي )

آية البيعة لا تدل على عدالتهم :

س : إلى كُلّ شيعي يبحث عن الحقّ ، ويتبع الحوار الهادف الذي فيه نجاته من عذاب اللّه ، لدّي مداخلة بسيطة ، وهو سؤال واحد ، اسأل فيه كُلّ جمهور الشيعة : من كذبّ على اللّه ما حكمه في الإسلام؟

فإن قلت : لا يكفّر ، فهذا قول غير المسلمين.

وإن قلت : يكفّر ، فسوف نأخذ شريحة واحدة من قول اللّه تعالى في كتابه الكريم : ( لَقَدْ رَضِيَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) (1).

من الذي كان تحت الشجرة؟ إن قلت : غير الصحابة ، فمن هم إذاً؟ اليهود ، قريش ، الروم ، الفرس؟ كُلّ المفسّرين يتّفقون على أنّهم صحابة رسول اللّه ، أكثر من ألف صحابي ، وعلى رأسهم أبي بكر وعمر وعثمان وعلي.

والشيعة أجمعت بردّتهم وخروجهم من الإسلام ، من غير علي رض اللّه عنه ، وقليل من الصحابة - على عدد أصابع اليد الواحدة - وإن قلت بردّتهم ، فمعنى هذا أنّ الشيعة يتّهمون اللّه بالجهل ، إذ رضي اللّه عنهم ، ولم يعلم ما في قلوبهم ، أنّهم

ص: 129


1- الفتح : 18.

يرتدّون بعد وفاة رسوله ، وعلى هذا من كفّر من رضي اللّه عنهم فقد وصف اللّه بالجهل ، ومن وصف اللّه بهذا فقد كفر بإجماع أهل الإسلام.

وإن قلت : بردّ هذه الآية ، فقد اتهم اللّه بالعجز ، لعدم حفظ كتابه من التحريف والنقص والزيادة ، واللّه قد تكفّل بحفظ كتابه ، حيث يقول في كتابه الكريم : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا له لَحَافِظُونَ ) (1).

ومن ردّ هذه الآية فقد ردّ كتاب اللّه بأكمله ، ويقول المفسّرون : إنّ اللّه قد حفظ كتابه عند إنزاله من استراق الشياطين ، وبعد نزوله من التغيير والزيادة ، والنقص والتحريف ، ومعانية من التبديل.

وأطلب من كُلّ الشيعة الرجوع إلى كتاب اللّه وسنّة رسوله ، وعدم المكابرة مثل بني إسرائيل ، والجهل مثل النصارى.

ومعذرة في الإطالة ، وشكراً لله أن يسّر لنا هذا ، والحمد لله وحده.

ج : نجيبك باختصار ، وعليك بالتأمّل والمراجعة :

1 - هذه الآية لا يمكن الاستدلال بها على عدالة جميع الصحابة ، لأنّها مختصّة بأهل بيعة الرضوان - بيعة الشجرة - ولا علاقة لها بسائر الصحابة ، والنزاع الأساسي فيما بيننا هو في مسألة عدالة جميع الصحابة ، التي تقول بها أهل السنّة ، ولا تقول بها الشيعة ، مادام لم تثبت عصمتهم ، ولم يدّعها أحد لهم.

2 - في الآية المباركة قيود ، إذ رضي اللّه تعالى عن المؤمنين الذين بايعوا ، وليس كُلّ من بايع كان مؤمناً ، فالآية ليست بصدد إثبات أنّ كُلّ من بايع فهو مؤمن ، بل هي في صدد بيان شمول رضوان اللّه ، ونزول السكينة على المؤمنين منهم.

3 - ثمّ إنّ هناك شرط آخر في المقام ، وهو مذكور في القرآن الكريم أيضاً : ( فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللّه ... ) (2).

ص: 130


1- الحجر : 9.
2- الفتح : 10.

فالآية لا تدلّ على الأصل الذي أنتم قائلون به ، وهو عدالة جميع الصحابة ، ولابدّ من توفّر الشروط والقيود المذكورة فيها ، لمن نريد تزكيته منهم ، وأنّ المزكّى منهم لابدّ وأن لا يكون ممّن بايع ثمّ نكث البيعة فيما بعد.

وأخيراً : فموضوع عدالة الصحابة مسألة مهمّة جدّاً ، لابدّ من التأمّل فيها ، ودراسة النصوص القرآنية دراسة معمّقة ، والبحث في السنّة النبوية من ناحية السند والدلالة ، ومن ثمّ تحكيم العقل بعيداً عن التعصّب ، واتّخاذ القرار الحاسم والعقيدة الصحيحة في أنّ الصحابة كُلّهم عدول؟ أم يجوز إجراء قواعد الجرح والتعديل عليهم؟

( أبو القاسم - البحرين - 21 سنة )

تعقيب على الجواب السابق :

تعقيباً على سؤال الأخ الذي أجبتم عليه ، أقول : إبليس كان يعبد اللّه ، وأكرمه اللّه ورفعه إلى السماء ، وحين عصا ولم يسجد لآدم غضب عليه الرحمن وأنزله ، فما المانع أن يكون الصحابة هكذا.

ونذكر لك أبسط الأُمور :

إنّهم تخلّفوا عن جيش أُسامة ، وأيضاً قوله تعالى : ( قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ... إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا باللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) (1).

ويلحق بهم المؤلّفة قلوبهم من الصحابة ، فإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كان يعطيهم الأموال ليتألفهم على الإسلام ، ومنهم أبو سفيان وأولاده(2) ، ومع هذا كُلّه ، وتقولون : كُلّهم عدول؟

ص: 131


1- الحجرات : 14 - 15.
2- سير أعلام النبلاء 2 / 106.

وأيضاً الآية : ( أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لاَّ يَسْتَوُونَ ) (1) ، روي عن عبد اللّه بن عباس أنّها نزلت في علي والوليد ، والمراد بالفاسق هو الوليد بن عقبة(2).

وأيضاً الآية : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين ) (3).

وسبب نزولها : أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بعث الوليد بن عقبة لجمع صدقات بني المصطلق ، فلمّا شارف ديارهم ركبوا مستقبلين له فحسبهم مقاتليه ، فرجع لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وقال له : إنّهم قد ارتدّوا ومنعوا الزكاة ، فجاءوا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وأخبروه بعدم صحّة قول الوليد ، فنزلت الآية.

وهي محلّ اتّفاق بين المفسّرين والمؤرّخين في نزولها في الوليد بن عقبة ، وفي تسميته فاسقاً ...(4).

( آمال - الأردن - سنّية - 30 سنة - طالبة ثانوية )

منهم المؤمن ومنهم المنافق :

س : هناك بعض الأحاديث الموضوعة ، والتي تقلّل من شأن صحابة الرسول صلى اللّه عليه وآله ، فبعض الصحابة تقدّسونهم وبعضهم تسبّونهم؟ ونحن من أين نعلم ما في نفوس البشر ، حتّى ولو كانوا منافقين؟ بل اللّه أعلم بهم.

ص: 132


1- السجدة : 18.
2- نظم درر السمطين : 92 ، شواهد التنزيل 1 / 573 ، الجامع لأحكام القرآن 14 / 105 ، جواهر المطالب 1 / 220 ، ينابيع المودّة 2 / 176.
3- الحجرات : 6.
4- السنن الكبرى للبيهقي 9 / 55 ، مجمع الزوائد 7 / 109 ، الآحاد والمثاني 4 / 310 ، المعجم الكبير 3 / 275 و 23 / 401 ، أحكام القرآن للجصّاص 3 / 529 ، أسباب نزول الآيات : 262 ، زاد المسير 7 / 180 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 223 ، الدرّ المنثور 6 / 88 ، فتح القدير 5 / 60 ، تاريخ مدينة دمشق 63 / 230 ، أُسد الغابة 5 / 90 ، تهذيب الكمال 31 / 56 ، تهذيب التهذيب 11 / 126 ، الإصابة 1 / 674 و 6 / 481 ، البداية والنهاية 8 / 234 ، جواهر المطالب 2 / 225.

ج : تقديس أحد أو التبرّي من أحد لا يكون صحيحاً ما لم تكن هناك قرائن على استحقاق ذلك الشخص منزلة التقديس أو التبرّي ، ونحن الإمامية ننتهج منهجاً عقلائياً لا يحيد عن الفطرة والوجدان ، وتؤيّده أدلّة صحيحة صريحة.

والشيعة الإمامية يرفضون التقديس الاعتباطي الذي لا يستند إلى دليل ، ولا يقرّه عقل ، بل يرفضه القرآن الكريم بقوله تعالى : ( وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) (1) ، وقوله تعالى : ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ ) (2) ، وهكذا نهى اللّه تعالى عن مساواة المؤمن بالكافر أو بالمنافق.

هذا من جهة ، ومن جهة أُخرى فإنّ تقديسنا لصحابي أو عدمه تؤيّده سيرته وأحواله ، إذ ذلك مرهون بالاستقراء التاريخي الذي تفرضه سيرة هذا وأحوال ذاك ، وإذا كنّا نتردّد في حديثٍ أو حديثين ونتهمهما بالوضع والكذب ، فلا يمكننا أن نتهم التاريخ كُلّه بالوضع وعدم الصحّة ، إذ ذلك إلغاء لكثير من الحقائق ، واتهام أكثر الأُمور بالتشكيك وعدم التصديق.

والتحقيق : إنّ أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كان منهم الصالحين ، ومنهم المنافقين الذين لم يدخل الإيمان في قلوبهم ، ولعلّ استعراضاً لسيرة الكثير من الصحابة سيعطيكِ تصوّراً آخر عن موقفكِ من جميع الصحابة ، بما فيهم أُولئك الذين أباحوا سبّ علي عليه السلام على منابر الشام أربعين عاماً ، وقد قال النبيّ صلى اللّه عليه وآله فيه : « من سبّ علياً فقد سبّني » (3).

ص: 133


1- غافر : 58.
2- الأنعام : 50.
3- مسند أحمد 6 / 323 ، ذخائر العقبى : 66 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 121 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 133 ، خصائص أمير المؤمنين : 99 ، نظم درر السمطين : 105 ، الجامع الصغير 2 / 608 ، كنز العمّال 11 / 573 و 602 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 132 و 30 / 179 و 42 / 266 و 533 ، البداية والنهاية 7 / 391 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 250 و 294 ، ينابيع المودّة 1 / 152 و 2 / 102 و 156 و 274 و 395 ، جواهر المطالب 1 / 65.

وكان معاوية يدعو أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إلى سبّ علي ، كالمغيرة بن شعبة ، وبسر بن أرطاة ، وأمثالهما.

فإنّ بسر بن أرطاة صعد على منبر البصرة ، فشتم علياً عليه السلام ، ثمّ قال : نشدت اللّه رجلاً علم أنّي صادق إلاّ صدّقني ، أو كاذب إلاّ كذّبني ، فقال أبو بكرة : اللّهم إنا لا نعلمك إلاّ كاذباً ، قال : فأمر به فخنق(1).

وكان المغيرة بن شعبة - لمّا ولي الكوفة - يقوم على المنبر ويخطب ، وينال من علي عليه السلام ويلعنه ويلعن شيعته(2).

فإذا كان النبيّ صلى اللّه عليه وآله يصرّح بأن : « من سبّ علياً فقد سبّني » ، وكان معاوية وبعض الصحابة يسبّون علياً عليه السلام ، ممّا يعني أنّهم كانوا يسبّون رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، كما قالت أُمّ سلمة حينما سمعت بعضهم يسبّ علياً عليه السلام : من منكم سبّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟ فقيل لها : معاذ اللّه ، فقالت : سمعت رسول اللّه يقول : « من سبّ علياً فقد سبّني »(3).

هذه سيرة بعض الصحابة ، فهل بإمكاننا أن نتردّد في التبرّي من هؤلاء بحجّة الصحبة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟!

( عبدو - لبنان - .... )

عدم ثبوت عدالتهم في نقل الحديث :

س : ما رأيكم بقول عدالة الصحابة؟ على اعتبار العدالة هي في التبليغ عن ما سمعوا عن الرسول - أي أنّهم عدول في نقل الحديث - مع احتجاج الخصم على ذلك بعدم ورود مثل هذا التجريح في الصحاح.

ص: 134


1- تاريخ الأُمم والملوك 4 / 128.
2- مسند أحمد 4 / 369 ، المصنّف لابن أبي شيبة 3 / 244 ، المستدرك على الصحيحين 1 / 385.
3- مسند أحمد 6 / 323 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 121 ، مجمع الزوائد 9 / 130 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 133 ، خصائص أمير المؤمنين : 99 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 266 و 533 ، البداية والنهاية 7 / 391 ، المناقب : 149 ، جواهر المطالب 1 / 66.

ج : لابدّ وأن يكون لكُلّ دعوى دليل ، وإلاّ لابتعدنا عن المباني العلمية ، وهذا المدّعى في المقام لا يتمّ لعدم ثبوت الدليل ، بل الدليل على خلافه.

وهنا أسئلة نطرحها حول المدّعى :

1 - هل كُلّ ما ورد في الصحاح صحيح؟! بالأخصّ عند البحث في الأسانيد الواردة في الصحاح ، ففيها من الرواة الوضّاعين والكذّابين والمدلّسين ، ولأجل هذا اعترف قسم كبير من علماء أهل السنّة مؤخّراً بعدم صحّة كُلّ ما ورد في الصحاح.

2 - هل الصحابة كُلّهم عدول؟ سواء في ذلك العدالة المطلقة أو في نقل الحديث؟ بالأخصّ عند مراجعة سيرة حياة بعضهم المليئة بمخالفة سنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، والنفاق ، وتكفير بعضهم بعضاً ، وتكذيب بعضهم بعضاً ، والجهل!!

3 - لم يثبت بالدليل عدالة جميع الصحابة ، فأيّ فرق بين العدالة المطلقة والعدالة في النقل؟! بالأخصّ إذا لاحظنا أنّ بعض الصحابة حارب السنّة ، ومنع من تدوينها ، وقال : حسبنا كتاب اللّه.

( معد البطاط - استراليا - 30 سنة )

أحدثوا بعد الرسول بنص حديث الحوض :

س : من عقائدنا أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله يعلم ما يحدث بعده بإذن اللّه ، فكيف يتلائم مع ما موجود في كتب القوم من حديث الحوض : « إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك » ، وما هو الجواب على ذلك؟ أنؤمن بمتناقضات؟ أو تأويلات بعيدة لا تقنع القوم؟ أم ماذا؟

ج : إنّ علم النبيّ صلى اللّه عليه وآله بالحوادث والوقائع هو بإذن اللّه تعالى ، وعليه ففي بعض الأحيان قد تكون مصلحة في إخفائه - من خضوع المورد للامتحان

ص: 135

والاختبار ، أو احتمال طرّو البداء وغيرها من المصالح - فعلم الرسول صلى اللّه عليه وآله هو علم إلهي مأذون ، فلا دليل على إطلاق علمه صلى اللّه عليه وآله بدون قيد وشرط.

وأمّا القاعدة التي ذكرتموها في مورد علم النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فهي مطابقة لعقيدة الشيعة ، ولكنّ الرواية المشار إليها - حديث الحوض - حديث عامّي السند ، وما جاء في بعض المصادر الشيعية فهو مرسل(1) ، فلا حجيّة له ، إذاً لا يكون نقضاً للقاعدة المذكورة.

نعم ، لابأس بالاستناد بهذه الرواية على معتقدات القوم ؛ ولكن ليس من معتقداتهم علم النبيّ صلى اللّه عليه وآله بالموضوعات والوقائع بتمامها حتّى في زمن حياته ، فضلاً عن بعد ارتحاله.

ثمّ إنّ الحديث المذكور - على فرض تماميّته سنداً - محمول على الظاهر من عدم العلم ظاهراً بحدوث ما صدر عن بعض الصحابة في زمن حياة الرسول صلى اللّه عليه وآله ، أي أنّ العلم الظاهري للنبي صلى اللّه عليه وآله لا يشمل تلك الحوادث في ذلك الزمان - وإن كان يعلم النبيّ صلى اللّه عليه وآله بهذه الوقائع بعلم النبوّة والإمامة - ولكن كان صلى اللّه عليه وآله مكلّفاً بالظاهر ، وعليه فجواب : « إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك » هو على ضوء العلم العادي والظاهري لا علم النبوّة.

وهنا لابدّ من ملاحظة أمر وهو : أنّنا بحكمنا على جماعة من الصحابة بالانحراف عن خطّ الرسالة ، لم نكن أعلم من الرسول صلى اللّه عليه وآله - كما يتوهّم بعضهم - بل إنّ الحوادث السلبية التي وقعت بعد ارتحال النبيّ صلى اللّه عليه وآله هي مسلّمة الوقوع عندنا ، لأنّ علمنا بها كانت بعد وقوعها ، ولكن تلك الحوادث لم تقع في حياة الرسول صلى اللّه عليه وآله فعلمه بها - بالعلم العادي والظاهري - لم يحصل بعد ، وإن كانت هذه الوقائع معلومة بالتفصيل عنده صلى اللّه عليه وآله بالعلم النبوي.

ويدلّ عليه ما جاء عنه صلى اللّه عليه وآله في وصيّته لعلي عليه السلام ، وإخباره عن مستقبل الأُمّة وحكّامها وغير ذلك ؛ وحتّى إنّ أمثال هذه الرواية المبحوث عنها في المقام ، خير

ص: 136


1- الاعتقادات : 65 ، الإفصاح : 51 ، الأمالي للشيخ المفيد : 37.

دليل لإثبات علمه النبوي ، إذ يتحدّث هو صلى اللّه عليه وآله ويخبرهم بأنّ أمر الصحابة - بمجموعهم - لم يكن إلى خير ، خصوصاً أنّ في بعض الروايات التي وردت في هذا المجال لم تذكر عبارة : « إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك » ، بل جاء فيها قول النبيّ جازماً بحدوث الردّة في الصحابة ، بعبارة : « ولكنّكم أحدثتم بعدي ورجعتم - أو ارتددتم - على أعقابكم القهقري » (1).

ثمّ إنّ هناك احتمال آخر في المقام وهو : أن يكون جوابه صلى اللّه عليه وآله جواباً تعريضيّاً واستنكاريّاً - أي يريد أن يلفت أنظار الجميع إلى ما أحدثه بعضهم بعد ارتحاله - وهذا النوع من البيان يكون أبلغ في إيصال المعنى ؛ وله نظائر حتّى في القرآن المجيد ، فمثلاً يخاطب اللّه تعالى عيسى عليه السلام يوم القيامة : ( وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ... مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ ... وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا توفّيتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) (2).

وأيضاً جاء في قصّة إبراهيم عليه السلام أنّه قال : ( قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِين فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ) (3).

والحال نعلم بالقطع واليقين أنّ عيسى عليه السلام يعلم يوم القيامة بانحراف قومه - إذ هو عليه السلام سيهبط قبل يوم القيامة إلى دار الدنيا ، ويصلّي خلف الإمام المهدي عليه السلام بإجماع الفريقين - فسيكون على علمٍ ممّا حدث في أُمّته بعد توفّيه.

ص: 137


1- مسند أحمد 3 / 18 و 39 ، المستدرك 4 / 74 ، مسند أبي داود : 295 ، كنز العمّال 11 / 177 و 14 / 434.
2- المائدة : 116 - 117.
3- الأنعام : 76 - 78.

وهكذا فإنّ إبراهيم عليه السلام لم يعتقد بعبادة الأصنام قطّ ، ولكن هذا نوع من البيان يتماشى القائل والمستدلّ فيه مع اعتقاد المخاطب ، ثمّ يفنّد أساس معتقده بالأدلّة الواضحة عنده.

( معد البطاط - استراليا - 30 سنة )

الآيات النازلة في حقّهم لا تعمّ الجميع :

س : السؤال كما طرحه الأخوة السنّة :

قال تعالى : ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (1).

وقال تعالى : ( لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللّه وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) (2).

وروى الكليني عن أبي جعفر عليه السلام قال : « كان الناس أهل ردّة بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله إلاّ ثلاثة » ، فقلت : ومن الثلاثة؟ فقال : « المقداد بن الأسود ، وأبو ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي »(3) ، فأين ذهب الذين ذكرهم اللّه تعالى؟

فائدة : جاء في الكافي في حديث أبي بصير عن المرأة التي جاءت إلى أبي عبد اللّه عليه السلام ، تسأل عن أبي بكر وعمر ، فقال لها : « تولّيهما » ، قالت : فأقول لربّي إذا لقيته : إنّك أمرتني بولايتهما؟ قال : « نعم » (4).

أرجو أن تبيّنوا هل الروايتين صحيحتين؟ مع ذكر السند ، وخدش الرواية أو صحّتها ، مع ذكر المصادر تفصيلاً ، وشرح للآيات التي تتكلّم عن رضا اللّه ، وآية بيعة الشجرة ، والسلام.

ص: 138


1- التوبة : 100.
2- الحشر : 8.
3- الكافي 8 / 245.
4- المصدر السابق 8 / 101.

ج : نرجو الانتباه إلى النقاط التالية للإجابة على الموارد التي ذكرتموها :

أوّلاً : إنّ الآيتين في مجال ذكر فضيلة الهجرة والنصرة واتباعهما ، ولا إشكال فيه من حيث المبدأ ، ولكن لا تدلاّن على تأييد جميع المهاجرين والأنصار ، حتّى ولو انحرفوا عن الخطّ السليم ، وغاية ما يمكن أن يدّعى أنّ فيهما إطلاق ، وقد ثبت في محلّه : أنّ الإطلاق محمول على المقيّد إن ثبت التقييد - أي إن لم يرد قيد فالإطلاق محكم ، وإلاّ فلا - وفي المقام قد ثبت بالأدلّة الواضحة : انحراف جماعة عن الخطّ النبوي الذي رسمه لهم صاحب الرسالة صلى اللّه عليه وآله.

مضافاً إلى أنّ في الآية الأُولى توجد قرينة صارفة عن الإطلاق ، وهي « من » التي تدلّ على التبعيض ، لأنّ الأصل فيها أن تكون تبعيضية لا بيانية - كما قرّر في محلّه - وعليه فإنّ رضا اللّه كان لعدد منهم لا لجميعهم.

وممّا يدلّ على هذا الوجه الآية التي تلت الآية الأُولى في سورة التوبة هي : ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ) (1) أليس أهل المدينة من الأنصار؟ فكيف نجمع بين الآيتين بغير ما ذكرناه؟

وأيضاً على سبيل المثال يقول أصحاب السير : بأنّ أُمّ حبيبة - زوجة الرسول صلى اللّه عليه وآله - هاجرت مع زوجها الأوّل ، والذي كان مسلماً آنذاك إلى الحبشة - في هجرة المسلمين إليها - وهناك ارتدّ زوجها وصار ما صار ، إلى أن رجعت هي مع المسلمين إلى المدينة.

وهنا ، أفهل يحقّ لنا أن ندخل هذا المرتدّ تحت شمول الآية استناداً إلى صدق الهجرة عليه؟!

ص: 139


1- التوبة : 101.

وبالجملة : فإنّ الآيتين لا تدلاّن نصّاً أو مضموناً على ما يدّعيه بعضهم ، بل أنّهما تدلاّن على اقتضاء الهجرة والنصرة للفضيلة إن لم يكن هناك مانع ، والحال نحن نعلم بطروّ المانع في بعضهم ، وهو تخلّفهم عن طاعة الرسول صلى اللّه عليه وآله.

وأمّا الروايات التي وردت في مصادرنا الخاصّة عن الارتداد ، فهي وإن كانت موجودة في بعض الموارد ، ولكن معناها العدول والانحراف عن وصية الرسول صلى اللّه عليه وآله ، بالنسبة لإمامة أمير المؤمنين عليه السلام لا غير ، وهذا ثابت تاريخيّاً.

ثمّ إنّه قد ورد في بعض كتب التاريخ - مثل تاريخ الطبري - : أنّ العرب ارتدّوا كُلّهم بعد الرسول صلى اللّه عليه وآله عدا فئة في المدينة والطائف ، فكيف لا يثير هذا المطلب التساؤل عندهم؟!

وأمّا الرواية التي نقلت عن الكافي ففيها : أنّ السند ضعيف ، بسبب ورود معلّى بن محمّد ، الذي ضعّفه كُلّ من النجاشي وابن الغضائري في رجالهما ، وعليه ورد تضعيف المجلسي لسند الرواية(1).

ومع غضّ النظر عن سندها ، فهي محمولة على التقية - جمعاً بينها وبين باقي الروايات - ، مضافاً إلى أنّ في تتمّة الحديث إشارة واضحة لنية الإمام عليه السلام ، إذ يرجّح القائل بالبراءة ، فهو عليه السلام يشير إلى مراده بترجيح ذلك القائل ، ومن ثمّ يؤكّد على مقصوده بآيات كريمة ، ويقول : إنّ هذا نوع من التخاصم ، أي إنّه عليه السلام أبدى رأيه بلسان أحد أصحابه.

وعليه فلا غرابة في حديث الإمام عليه السلام إذ إنّ ظروف التقية - وجود حاكم سفّاك من جلاوزة بني أُمية وهو يوسف بن عمر الثقفي ، كما ذكرته الرواية ، على اطلاع قريب من المرأة السائلة « أُمّ خالد » ، وأيضاً نشر آراء وأفكار أحد المنحرفين القريبين للسلطة « كثير النوا » - كانت تفرض عليه أن يذكر الحقيقة بشكل دقيق ، حتّى لا يثير مؤيّدي الخطّ المنحرف لدى وصول الخبر إليهم ، وفي نفس الوقت يعلن الحقّ لذوي البصيرة.

ص: 140


1- مرآة العقول 25 / 244.

( محمّد إبراهيم الإبراهيم - الكويت - 23 سنة - ثانوية عامّة )

من التزم منهم بوصية الرسول فهو ممدوح :

س : يرجى تزويدي بأسماء جميع معاصرين النبيّ صلى اللّه عليه وآله من الصحابة ، مع ذكر الموالي منهم لأهل البيت والمعادي لهم؟ دون الحاجة لذكر الموقف الذي حصل له.

مع خالص شكري وتقديري لجهودكم المبذولة في خدمة الدين والمسلمين ، ودمتم موفّقين إن شاء اللّه.

ج : فكما روى علماء المذاهب الإسلامية : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قال : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً » ، قاله صلى اللّه عليه وآله في عدّة مواطن ، آخرها قبيل وفاته ، ويعتبر هذا الحديث وصية رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إلى أُمّته.

وكذا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في يوم غدير خم : « من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللّهم وال من والاه ، وعاد من عاداه » (1) ، فجمع المسلمين ، وأخذ منهم البيعة لعلي عليه السلام.

فالصحابة الذين عملوا بوصية رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، والتزموا بالبيعة التي أخذها منهم لعلي عليه السلام يوم غدير خم ، فهؤلاء هم الصحابة الذين استقاموا على الطريق السوي.

نعم ، ربما كان بعض الصحابة ، ولظروف قاسية لم يلتزموا بوصية رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فترة ، ثمّ عادوا إلى الحقّ ، فهؤلاء أيضاً من الممدوحين.

وما ورد على لسان الروايات بالارتداد بالنسبة إلى الصحابة الذين لم يلتزموا بوصية رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فهو ارتداد عن الولاية والإمامة لا ارتداد عن الإسلام.

وكُلّ متفحّص في كتب الحديث والسير والتاريخ سيشخص الصالح من الصحابة من الطالح.

ص: 141


1- الدرّ المنثور 2 / 293.

( أحمد - ... - سنّي )

حديث لا تسبّوا أصحابي :

س : قال الرسول صلى اللّه عليه وآله : « لا تسبّوا أصحابي ، فإنّ أحدكم لو أنفق مثل أُحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه » (1) ، ما صحّة هذا الحديث؟ ومن هو الذي رواه من الصحابة؟

ج : قد روى هذا الحديث أبو هريرة ، وأبو سعيد الخدري ، وآخرون.

وعلى فرض صحّة الحديث ، فليس المقصود هو أنّه لا تسبّوا كُلّ الصحابة ، حتّى ولو كان منافقاً ، أو فاسقاً ، أو مرتدّاً ، أو ... ، بل المقصود : لا تسبّوا الصحابة الذين آمنوا ، وعملوا الصالحات ، وأطاعوا اللّه ورسوله ، ويؤيّد هذا قوله تعالى : ( وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم - أي من الصحابة - مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) (2) ، وأمّا غير المؤمنين من الصحابة لا يغفر لهم.

إذاً فمجرّد اسم الصحابي لا ينفع ، بل لابدّ أن يكون مؤمناً ، وعاملاً للصالحات ، ومطيعاً لله ورسوله.

( أبو أيمن علي - الجزائر - سنّي )

تساؤلات؟

س : أنا من المداومين على قراءة كتب إخواننا الشيعة وأشرطتهم ، خصوصاً المستبصرين منهم ، وأحاول جهدي الاقتناع بمحصّلاتهم العقائدية ، لكنّني ألاحظ عليهم الكثير من التحفّظات ، وهي كالتالي : مواقفهم المبدئية من بعض الصحابة ، تجعلهم يرمونهم بأيّ كان من النقائص ، كتفسيرهم مثلاً لحادثة الإفك ، والغار ، وغيرها كثير.

ص: 142


1- مسند أحمد 3 / 11 و 64 و 6 / 6 ، صحيح البخاري 4 / 195 ، سنن أبي داود 2 / 404 ، السنن الكبرى للبيهقي 10 / 209.
2- الفتح : 29.

ألا تعتقدون أنّ ما تقومون به في هذا الموقع يعمّق فجوة الخلاف بين المسلمين؟

ألا تعتقدون الإخوّة في قناة المنار قدوة لكم في حرصهم على الوئام الإسلامي؟ وهناك أسئلة كثيرة أتمنّى أن يتّسع صدركم لها ، ودمتم في رعاية اللّه.

ج : نحيّي فيكم هذه الروح الشفّافة ، والتطلّع والبحث في كتب الشيعة والمستبصرين منهم ، وهذا كُلّه إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على وجود روح البحث والتحقيق عندكم ، والتجرّد عن تقليد الموروث بلا دليل ، وهذه صفة قلّ من يتّصف بها في عصرنا الحاضر.

وأمّا تحفّظاتكم في مسألة الصحابة ، فإنّ البحث في هذا الموضوع لابدّ وأن يبحث فيه بحثاً مبنائياً ، نشرع فيه من بداية الهرم وحتّى منتهاه ، وبداية الهرم هو مسألة كون الصحابة جميعاً عدول ، وهنا عندنا بعض التحفّظات والأسئلة :

1 - هل الصحابة معصومون؟

2 - إذا قلنا : لا ، فكيف نثبت عدالتهم ككُلّ؟!

3 - هل فيهم من قتل بعضهم بعضاً؟

4 - هل فيهم مَن كفّر بعضهم بعضاً؟

5 - هل فيهم من لعن وسبّ وشتم بعضهم بعضاً؟

6 - إذا كان كُلّ هذا موجود ، فكيف نقول بعدالتهم جميعاً؟!

7 - مَن هم المنافقون؟

8 - هل المنافق كافر؟

9 - أم المنافق مَن أظهر الإسلام وأبطن الكفر؟

10 - هل الآيات الواردة في المنافقين تقصد بعض الصحابة؟

11 - إذاً مَن هم المنافقون من الصحابة؟!

12 - ألم يضعّف علماء الحديث : « أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم » ورموه بالوضع؟!(1).

ص: 143


1- لسان الميزان 2 / 137 و 312.

13 - هل أنّ ما استدلّ من آيات على عدالة الصحابة ، هل هو صريح أو يدلّ على عدالة جميعهم ، إذ بحثنا في الكُلّ؟

وبعد كُلّ هذا ، فإذا لم نستطع أن نثبت عدالة جميع الصحابة ، يحقّ لنا بل يجب أن نبحث في حالاتهم وخصوصياتهم ، فمن ثبتت عدالته فهو الصحابي الذي يقتدى به ، ونطمئن بما ينقله من أحاديث ، ومن لم تثبت عدالته وغيّر وبدّل ، فإنّه ليس فقط لا يستحقّ الاقتداء به ، وأخذ معالم الدين منه ، بل يستحقّ لعنة اللّه والرسول والمؤمنين.

وفي الختام : كما أنّنا نقدّر ما تقوم به قناة المنار من الحفاظ على الوحدة الإسلامية ، والتقريب بين المذاهب ، وهذا فرض على الجميع ، عقيدة نعتقد بها ، ولكن لا ينافي هذا الجلوس على طاولة الحوار الهادئ الهادف ، الحوار الأخوي ، وذلك للوصول إلى نتيجة فيما اختلفنا فيه ، فإن توصّلنا إلى نتيجة فهو المطلوب ، وإلاّ فإنّ اختلاف الرأي لا يفسد للودّ قضية.

هذا ، وإنّ وحدتنا وتقاربنا الظاهري مع الاعتراف بوجود اختلافات أساسية ، ومن دون أن نوجد الجوّ الهادئ للحوار الهادف قربة إلى اللّه ، فإنّ هكذا وحدة سوف لن تستمرّ ، لأنّ الاختلافات ستظهر وستؤثّر ، وربما لو ظهرت ستكون شديدة بعض الشيء ، لأنّ الإخفاء سيولد الكبت ، والكبت يولد الانفجار.

( علي - السعودية - .... )

حديث خير القرون قرني :

س : ما مدى صحّة الحديث : « خير القرون قرني ، ثمّ الذين يلونهم ، ثمّ الذين يلونهم »؟(1) وما هي دلالته؟ جزاكم اللّه خيراً ، ونفعنا بكم.

ص: 144


1- أحكام القرآن للجصّاص 1 / 615 ، تفسير القرآن العظيم 3 / 331 و 4 / 305 ، الإصابة 1 / 21 ، البداية والنهاية 6 / 283.

ج : في الجواب نشير إلى نقاط :

1 - إنّ هذا الحديث وأمثاله لم يرد من طرق الشيعة ، وإنّما ورد من طرق أهل السنّة ، وهو لا يمكن أن يكون حجّة علينا ، لأنّ قانون المناظرة والمحاججة أن تذكر المسائل المتّفق عليها بين الطرفين ، أو أن يحتجّ بما وافق عليه الطرف الآخر ، « ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم »(1).

2 - بعد الإغماض عمّا في سند هذا الحديث عند أهل السنّة ، فإنّه لا دلالة لهذا الحديث على ما يقصده أهل السنّة منه ، وذلك بادعائهم خيرية جميع الناس الموجودين في قرن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، لأنّ قولنا : إنّ قريش أفصح العرب وأكرمهم ، لا يقتضي لغة وعرفاً أن يكون كُلّ واحد من آحاده كذلك ، لظهور وجود الآحاد المتّصفة بأضداد ذلك.

3 - هذا الحديث معارض بما رواه أهل السنّة عن عمر ، قال صلى اللّه عليه وآله : « أتدرون أيّ الخلق أفضل إيماناً »؟ قالوا : الملائكة ، قال : « وحقّ لهم بل غيرهم » ، قالوا : الأنبياء ، قال : « وحقّ لهم بل غيرهم » ، ثمّ قال : « أفضل الخلق إيماناً قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني ، فهم أفضل الخلق إيماناً » (2).

4 - وكذلك هذا الحديث معارض بأحاديث أُخرى مثل : « مثل أُمّتي مثل المطر ، لا يدرى أوّله خير أم آخره »(3) ، وقوله : « ليدركن المسيح أقواماً ، إنّهم لمثلكم أو خير ثلاثاً »(4).

5 - إن مظلومية أهل بيت النبيّ صلى اللّه عليه وآله أمر متسالم عليه ، وكُلّ ما ذكرته كتب الحديث والتاريخ ممّا جرى على فاطمة عليها السلام ، وعلي أمير المؤمنين

ص: 145


1- تهذيب الأحكام 9 / 322.
2- فيض القدير 4 / 369 ، كنز العمّال 12 / 182 ، الجامع لأحكام القرآن 4 / 172.
3- مسند أحمد 3 / 130 و 143 و 4 / 319 ، مجمع الزوائد 10 / 68 ، مسند أبي داود : 90 و 270 ، مسند أبي يعلى 6 / 380.
4- فتح الباري 7 / 5 ، المصنّف لابن أبي شيبة 4 / 567 و 8 / 548.

والحسنين عليهم السلام ، كُلّ هذا كان في تلك البرهة من الزمن ، وكُلّ الفتن كانت في تلك البرهة من الزمن!!

فكيف يعبّر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عن تلك الفترة بأنّها ... ، وفيها سفكت دماء أهل بيته عليهم السلام ، وظلمت ابنته ، وقتل الحسن والحسين عليهما السلام؟!

كُلّ ذلك ، وقد أخبر الرسول صلى اللّه عليه وآله عن ما يجري على أهل بيته بأحاديث كثيرة.

ولا تنس عزيزي القارئ فترة بني أُمية التي كانوا يسبّون فيها أمير المؤمنين علي عليه السلام ، ويلعنونه على المنابر.

6 - كُلّ ما جرى من محن على أهل بيت النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وكذلك ما جرى من فتن عمياء ، كُلّ ذلك جرى من أناس شاهدوا الرسول صلى اللّه عليه وآله ، أو شاهدوا من شاهد الرسول صلى اللّه عليه وآله ، فتكون الحجّة عليهم أكمل ، والعقاب أشدّ بكثير ممّن لم تتمّ عليهم الحجّة.

وأخيراً : فإنّ هذا الحديث وأمثاله لا يمكن أن يستند عليه باحث متجرّد عن أيّ تعصّب ، هدفه إصابة الحقّ.

إضافة إلى أنّ اختلاف الأئمة نشأ نتيجة اختلاف القرن الأوّل الذي وقعت فيه الحروب ، وسفكت الدماء وقتل بعضهم بعضاً.

( ... - ... - سنّي )

الرسول لم يصلحهم :

س : لقد قرأت الكثير عن الشيعة أو الرافضة ، ولكن عندي ملاحظة على موضوع الصحابة ، واتهامكم لهم ، ألم يستطع الرسول صلى اللّه عليه وآله أن يصلح الصحابة؟ ألم يستطع أن يحذّرنا منهم؟ وهم من حملوا لنا رسالة الإسلام والقرآن ، وأوصلوه لنا بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ألم يستطع علي رض اللّه عنه أن يخلّصنا منهم؟ وهو أشجع الرجال وأقواهم.

ص: 146

ج : إنّ الشيعة ليس لها عداء شخصي وخصومة مع الصحابة ، بل وبعبارة واضحة : لا تعتقد ولا تلتزم بما سمّوه الآخرين ب- « عدالة الصحابة » ، أي لم تر أصلاً موضوعياً - من الكتاب والسنّة والعقل والإجماع - في المقام يطهّر الصحابة بأجمعهم عن الخطأ والزلل ، وهذا لم يكن اتهاماً منّا لهم ، بل هو نتيجة متابعة الدليل والعقل.

وأمّا الرسول الأكرم صلى اللّه عليه وآله ، فهو وإن كان يستطيع أن يصلح المنحرف منهم بالقدرة الإلهية والمعجزة ، ولكن ليس هذا دأب الرسل ، ولم تكن وظيفته تفرض عليه أن يعالج كافّة الانحرافات بالقهر والغلبة : ( فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ ) (1) ، وإلاّ فأين دور الامتحان والاختبار؟!

وهكذا كان معاملة الإمام علي عليه السلام معهم ، فكان يداريهم ما لم يقفوا في وجه الحكومة ، ثمّ عندما أقدموا على محاربته تصدّى لهم.

وأمّا أنّ رسالة الإسلام والقرآن قد وصلت إلينا بواسطة المنحرفين من الصحابة ، فهذا بهتان عظيم ، بل أنّ المعارف والأحكام كانت لها حملة لا تأخذهم في اللّه لومة لائم ، وهم أهل البيت عليهم السلام ، والخطّ الموالي لهم في مختلف العصور والفترات دون انقطاع ، وحاش للإسلام أن يحتاج لبعض المنحرفين والمنافقين والظلمة - وإن تلبّسوا بزيّ الصحابة - في نقل ثقافته وفكره إلى الأجيال.

وهنا نشير إلى نكتة مهمّة في مقام النقض وهي : إنّ الكثير من الأنبياء والرسل السابقين على نبيّنا محمّد صلى اللّه عليه وآله ، لم يستطيعوا أن يبلّغوا رسالات ربّهم ، بل قُتلوا وشرّدوا ، فهل يصحّ لنا أن نعترض ونقول : ألم يستطيعوا أن يصلحوا أُمّتهم؟!

القضية ليست قضية استطاعة وعدمها ، وإنّما اختبار وامتحان ، فالأنبياء والرسل بعثوا ليوضّحوا للناس البينات ، ( وَلَقَدْ جَاءكُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ

ص: 147


1- الغاشية : 21 - 22.

اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ ... ) (1) ، ( وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ ) (2) ، وذلك : ( لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ) (3).

وثمّة مسألة أُخرى وهي : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله نوّه إلى مسألة ما سيحدث بعده من الاختلاف بين الصحابة ، وأن بعضهم سيضرب رقاب بعض ، وأنّهم سيرجعون بعدّه مرتدّين.

قال صلى اللّه عليه وآله : إنّكم محشورون إلى اللّه تعالى ... ، ويؤخذ بقوم منكم ذات الشمال ، فأقول : يا ربّ أصحابي! فيقال لي : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم مذ فارقتهم ، فأقول كما قال العبد الصالح : ( كُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا توفّيتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ... ) (4).

وقال صلى اللّه عليه وآله : « ليردن عليّ الحوض رجال ممّن صحبني ورآني ، حتّى إذا رفعوا إليّ ورأيتهم اختلجوا دوني ، فلأقولن : ربّ أصحابي أصحابي؟ فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك »(5).

وقال صلى اللّه عليه وآله : « بينا أنا قائم فإذا زمرة ، حتّى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلمّ ، فقلتُ : أين؟ قال : إلى النار واللّه ، قلتُ : ما شأنهم؟ قال : إنّهم ارتدّوا بعدك على أدبارهم القهقري ، ثمّ إذا زمرة ... فلا أراهم يخلص منهم إلاّ مثل همل النعم ، فأقول : أصحابي أصحابي ، فقيل : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : بُعداً بُعداً - أو : سحقاً سحقاً - لمن بدّل بعدي »(6).

ص: 148


1- البقرة : 92.
2- البقرة : 99.
3- الأنفال : 42.
4- المائدة : 117 ، مسند أحمد 1 / 235 و 253 ، صحيح البخاري 4 / 110 و 143 و 5 / 192 و 240 و 7 / 195 ، صحيح مسلم 8 / 157.
5- مسند أحمد 5 / 48 ، صحيح البخاري 7 / 208 ، صحيح مسلم 7 / 70 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 415 ، مسند ابن راهويه 1 / 379.
6- صحيح البخاري 7 / 208 ، كنز العمّال 11 / 132 ، تاريخ مدينة دمشق 8 / 108.

( السيّد يوسف البيومي - لبنان - 25 سنة - طالب جامعة وحوزة )

تفسير آية ( محمّد رَّسُولُ اللّهِ ... )

س : إنّ هناك آية في القرآن الكريم تتكلّم عن أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، والسنّة يستدلّون بها على عدالتهم ، وهذه الآية هي : ( محمّد رَّسُولُ اللّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء ... ) (1) ، فما هو التفسير الحقيقي لهذه الآية؟ وكيف يمكن أن ندحض زعمهم؟ ولكم الأجر والثواب.

ج : ننقل لكم نصّ ما قاله الشيخ المفيد قدس سره حول الآية في كتابه « الإفصاح » : « فإن قال : أفليس اللّه تعالى يقول في سورة الفتح : ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ ) ، وقد علمت الكافّة أنّ أبا بكر وعمر وعثمان من وجوه أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ورؤساء من كان معه ، وإذا كانوا كذلك فهم أحقّ الخلق ، بما تضمّنه القرآن من وصف أهل الإيمان ، ومدحهم بالظاهر من البيان ، وذلك مانع من الحكم عليهم بالخطأ والعصيان؟!

قيل لهم : إنّ أوّل ما نقول في هذا الباب : أنّ أبا بكر وعمر وعثمان ، ومن تضيفه الناصبة إليهم في الفضل - كطلحة والزبير ، وسعد وسعيد ، وأبي عبيدة ، وعبد الرحمن - لا يتخصّصون من هذه المدحة بما خرج عنه أبو هريرة وأبو الدرداء ، بل لا يتخصّصون بشيء لا يعمّ عمرو بن العاص ، وأبا موسى الأشعري ، والمغيرة بن شعبة ، وأبا الأعور السلمي ، ويزيد ومعاوية بن أبي سفيان ، بل لا يختصّون منه بشيء دون أبي سفيان صخر بن حرب ، وعبد اللّه ابن أبي سرح ، والوليد بن عقبة بن أبي معيط ، والحكم بن أبي العاص ،

ص: 149


1- الفتح : 29.

ومروان بن الحكم ، وأشباههم من الناس ، لأنّ كُلّ شيء أوجب دخول من سمّيتهم في مدحة القرآن ، فهو موجب دخول من سمّيناه ، وعبد اللّه بن أبي سلول ، ومالك بن نويرة ، وفلان وفلان ، إذ إنّ جميع هؤلاء أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ومن كان معه ، ولأكثرهم من النصرة للإسلام ، والجهاد بين يدي النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، والآثار الجميلة والمقامات المحمودة ما ليس لأبي بكر وعمر وعثمان ، فأين موضع الحجّة لخصومنا في فضل من ذكره على غيره؟ من جملة من سمّيناه ، وما وجه دلالتهم منه على إمامتهم ، فإنا لا نتوهّمه ، بل لا يصحّ أن يدّعيه أحد من العقلاء؟!

ثمّ يقال لهم : خبّرونا عمّا وصف اللّه تعالى به من كان مع نبيّه صلى اللّه عليه وآله بما تضمّنه القرآن ، أهو شامل لكُلّ من كان معه صلى اللّه عليه وآله في الزمان ، أم في الصقع والمكان ، أم في ظاهر الإسلام ، أم في ظاهره وباطنه على كُلّ حال ، أم الوصف به علامة تخصيص مستحقّه بالمدح دون من عداه ، أم لقسم آخر غير ما ذكرناه؟

فإن قالوا : هو شامل لكُلّ من كان مع النبيّ صلى اللّه عليه وآله في الزمان أو المكان أو ظاهر الإسلام.

ظهر سقوطهم وبان جهلهم ، وصرّحوا بمدح الكفّار وأهل النفاق ، وهذا ما لا يرتكبه عاقل.

وإن قالوا : إنّه يشمل كُلّ من كان معه على ظاهر الديانة وباطنها معاً ، دون من عددتموه من الأقسام.

قيل لهم : فدلّوا على أئمّتكم وأصحابكم ، ومن تسمّون من أوليائكم ، أنّهم كانوا في باطنهم على مثل ما أظهروه من الإيمان ، ثمّ ابنوا حينئذ على هذا الكلام ، وإلاّ فأنتم مدعون ومتحكّمون بما لا تثبت معه حجّة ، ولا لكم عليه دليل ، وهيهات أن تجدوا دليلاً يقطع به على سلامة بواطن القوم من الضلال ، إذ ليس به قرآن ولا خبر عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ومن اعتمد فيه على غير هذين ، فإنّما اعتمد على الظنّ والحسبان.

ص: 150

وإن قالوا : إنّ متضمّن القرآن من الصفات المخصوصة ، إنّما هي علامة على مستحقّي المدحة من جماعة مظهري الإسلام ، دون أن تكون منتظمة لسائرهم على ما ظنّه الجهّال.

قيل لهم : فدلّوا الآن على من سمّيتموه كان مستحقّاً لتلك الصفات ، لتتوجّه إليه المدحة ، ويتمّ لكم فيه المراد ، وهذا ما لا سبيل إليه حتّى يلج الجمل في سمّ الخياط.

ثمّ يقال لهم : تأمّلوا معنى الآية ، وحصّلوا فائدة لفظها ، وعلى أيّ وجه تخصص متضمّنها من المدح ، وكيف مخرج القول فيها؟ تجدوا أئمّتكم أصفاراً ممّا ادعيتموه لهم منها ، وتعلموا أنّهم باستحقاق الذمّ وسلب الفضل بدلالتها منهم بالتعظيم والتبجيل من مفهومها ، وذلك أنّ اللّه تعالى ميّز مثل قوم من أصحاب نبيّه صلى اللّه عليه وآله في كتبه الأُولى ، وثبوت صفاتهم بالخير والتقى في صحف إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ، ثمّ كشف عنهم بما ميّزهم به من الصفات التي تفرّدوا بها من جملة المسلمين ، وبانوا بحقيقتها عن سائر المقرّبين.

فقال سبحانه : ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ ... ) وكأنّ تقدير الكلام : إنّ الذين بينت أمثالهم في التوراة والإنجيل من جملة أصحابك ومن معك - يا محمّد - هم أشدّاء على الكفّار ، والرحماء بينهم الذين تراهم ركّعاً سجّداً ، يبتغون فضلاً من اللّه ورضواناً.

وجرى هذا في الكلام مجرى من قال : زيد بن عبد اللّه إمام عدل ، والذين معه يطيعون اللّه ، ويجاهدون في سبيل اللّه ، ولا يرتكبون شيئاً ممّا حرّم اللّه ، وهم المؤمنون حقّاً دون من سواهم ، إذ هم أولياء اللّه الذين تجب مودّتهم دون من معه ممّن عداهم ، وإذا كان الأمر على ما وصفناه ، فالواجب أن تستقرئ الجماعة في طلب هذه الصفات ، فمن كان عليها منهم فقد توجّه إليه المدح

ص: 151

وحصل له التعظيم ، ومن كان على خلافها ، فالقرآن إذاً منبّه على ذمّه ، وكاشف عن نقصه ، ودالّ على موجب لومه ، ومخرج له عن منازل التعظيم.

فنظرنا في ذلك واعتبرناه ، فوجدنا أمير المؤمنين عليه السلام ، وجعفر بن أبي طالب ، وحمزة بن عبد المطلب ، وعبيدة بن الحارث ، وعمّار بن ياسر ، والمقداد ابن الأسود ، وأبا دجانة - وهو سمّاك بن خرشة الأنصاري - وأمثالهم من المهاجرين والأنصار ( رضي اللّه عنهم ) ، قد انتظموا صفات الممدوحين من الصحابة في متضمّن القرآن.

وذلك أنّهم بارزوا من أعداء الملّة الأقران ، وكافحوا منهما الشجعان ، وقتلوا منهم الأبطال ، وسفكوا في طاعة اللّه سبحانه دماء الكفّار ، وبنوا بسيوفهم قواعد الإيمان ، وجلوا عن نبيّهم صلى اللّه عليه وآله الكرب والأحزان ، وظهر بذلك شدّتهم على الكفّار ، كما وصفهم اللّه تعالى في محكم القرآن ، وكانوا من التواصل على أهل الإسلام ، والرحمة بينهم على ما ندبوا إليه ، فاستحقّوا الوصف في الذكر والبيان.

فأمّا إقامتهم الصلاة وابتغاؤهم من فضل اللّه تعالى القربات ، فلم يدفعهم عن علو الرتبة في ذلك أحد من الناس ، فثبت لهم حقيقة المدح لحصول مثلهم فيما أخبر اللّه تعالى عنهم في متقدّم الكتب ، واستغنينا بما عرفنا لهم ممّا شرحناه في استقراء غيرهم ، ممّن قد ارتفع في حاله الخلاف ، وسقط الغرض بطلبه على الاتفاق.

ثمّ نظرنا فيما ادعاه الخصوم لأجل أئمّتهم ، وأعظمهم قدراً عندهم من مشاركة من سمّيناه فيما ذكرنا من الصفات وبيّناه ، فوجدناهم على ما قدّمناه من الخروج عنها ، واستحقاق أضدادها على ما رسمناه.

وذلك أنّه لم يكن لأحد منهم مقام في الجهاد ، ولا عرف لهم قتيل من الكفّار ، ولا كلّم كلاماً في نصرة الإسلام ، بل ظهر منه الجزع في مواطن القتال ، وفرّ في يوم خيبر وأُحد وحنين ، وقد نهاهم اللّه تعالى عن الفرار ، وولّوا

ص: 152

الأدبار ، مع الوعيد لهم على ذلك في جلي البيان ، وأسلموا النبيّ صلى اللّه عليه وآله للحتوف في مقام بعد مقام ، فخرجوا بذلك عن الشدّة على الكفّار ، وهان أمرهم على أهل الشرك والضلال ، وبطل أن يكونوا من جملة المعنيين بالمدحة في القرآن ، ولو كانوا على سائر ما عدا ما ذكرناه من باقي الصفات ، وكيف وأنّى يثبت لهم شيء منها بضرورة ولا استدلال ، لأنّ المدح إنّما توجّه إلى من حصل له مجموع الخصال في الآية دون بعضها ، وفي خروج القوم من البعض بما ذكرناه ، ممّا لا يمكن دفعه إلاّ بالعناد ، ووجوب الحكم عليهم بالذمّ بما وصفناه؟! وهذا بيّن جلي والحمد لله.

ثمّ يقال لهم : قد روى مخالفوكم عن علماء التفسير من آل محمّد عليهم السلام : أنّ هذه الآية إنّما نزلت في أمير المؤمنين والحسن والحسين والأئمّة عليهم السلام من بعدهم خاصّة دون سائر الناس ، وروايتهم لما ذكرنا عمّن سمّينا أولى بالحقّ والصواب ، ممّا ادعيتموه بالتأويل والظنّ الحسبان والرأي ، لإسنادهم مقالتهم في ذلك إلى من ندب النبيّ صلى اللّه عليه وآله إلى الرجوع إليه عند الاختلاف ، وأمر باتباعه في الدين ، وأمن متبعه من الضلال.

ثمّ إنّ دليل القرآن يعضده البيان ، وذلك أنّ اللّه تعالى أخبر عمّن ذكره بالشدّة على الكفّار ، والرحمة لأهل الإيمان ، والصلاة له ، والاجتهاد في الطاعات ، بثبوت صفته في التوراة والإنجيل ، وبالسجود لله تعالى وخلع الأنداد ، ومحال وجود صفة ذلك لمن سجوده للأوثان ، وتقرّبه لللات والعزّى دون اللّه الواحد القهّار ، لأنّه يوجب الكذب في المقال ، أو المدحة بما يوجب الذمّ من الكفر والعصيان.

وقد اتفقت الكافّة على أنّ أبا بكر وعمر وعثمان ، وطلحة والزبير ، وسعداً وسعيداً ، وأبا عبيدة وعبد الرحمن ، قد عبدوا قبل بعثة النبيّ صلى اللّه عليه وآله الأصنام ، وكانوا دهراً طويلاً يسجدون للأوثان من دون اللّه تعالى ، ويشركون به الأنداد ، فبطل أن تكون أسماؤهم ثابتة في التوراة والإنجيل ، بذكر السجود على ما نطق به القرآن ، وثبت لأمير المؤمنين والأئمّة من ذرّيته عليهم السلام ذلك ، للاتفاق على أنّهم لم يعبدوا قط غير اللّه تعالى ، ولا سجدوا لأحد سواه ، وكان

ص: 153

مثلهم في التوراة والإنجيل واقعاً موقعه على ما وصفناه ، مستحقّاً به المدحة قبل كونه ، لما فيه من الإخلاص لله سبحانه على ما بيّناه.

ووافق دليل ذلك برهان الخبر عمّن ذكرناه ، من علماء آل محمّد عليهم السلام ، بما دلّ به النبيّ صلى اللّه عليه وآله من مقاله الذي اتفق العلماء عليه ، وهذا أيضاً ممّا لا يمكن التخلّص منه مع الإنصاف.

ثمّ يقال لهم : خبّرونا عن طلحة والزبير ، أهما داخلان في جملة الممدوحين بقوله تعالى : ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ ... ) إلى آخره ، أم غير داخلين في ذلك؟

فإن قالوا : لم يدخل طلحة والزبير ونحوهما في جملة القوم.

خرجوا من مذاهبهم ، وقيل لهم : ما الذي أخرجهم من ذلك ، وأدخل أبا بكر وعمر وعثمان ، فكُلّ شيء تدعونه في استحقاق الصفات ، فطلحة والزبير أشبه أن يكونا عليها منهم ، لما ظهر من مقاماتهم في الجهاد ، الذي لم يكن لأبي بكر وعمر وعثمان فيه ذكر على جميع الأحوال؟!

فلا يجدون شيئاً يعتمدون عليه في الفرق بين القوم ، أكثر من الدعوى الظاهرة الفساد.

وإن قالوا : إنّ طلحة والزبير في جملة القوم الممدوحين بما في الآية.

قيل لهم : فهلاّ عصمهما المدح الذي ادعيتموه لهم ، من دفع أمير المؤمنين عليه السلام عن حقّه ، وإنكار إمامته ، واستحلال حربه ، وسفك دمه ، والتديّن بعداوته على أيّ جهة شئتم : كان ذلك من تعمّد ، أو خطأ ، أو شبهة ، أو عناد ، أو نظر ، أو اجتهاد!

فإن قالوا : إنّ مدح القرآن - على ما يزعمون - لم يعصمهما من ذلك ، ولابدّ من الاعتراف بما ذكرناه ، لأنّ منع دفعه جحد الاضطرار.

قيل لهم : فبما تدفعون أنّ أبا بكر وعمر وعثمان ، قد دفعوا أمير المؤمنين عليه السلام عن حقّه ، وتقدّموا عليه وكان أولى بالتقدّم عليهم ، وأنكروا إمامته وقد كانت ثابتة ، ودفعوا النصوص عليه وهي له واجبة ، ولم يعصمهم

ص: 154

ذلك ، ثمّ توجّه المدح لهم من الآية ، كما لم يعصم طلحة والزبير ممّا وصفناه ، ووقع منهم في إنكار حقّ أمير المؤمنين عليه السلام ، كما وقع من الرجلين المشاركين لهم فيما ادعيتموه من مدح القرآن ، وعلى الوجه الذي كان منهما ذلك ، من تعمّد أو خطأ أو شبهة أو اجتهاد أو عناد؟ وهذا ما لا سبيل لهم إلى دفعه ، وهو مبطل لتعلّقهم بالآية ، ودفع أئمّتهم عن الضلالة ، وإن سلم لهم منها ما تمنّوه تسليم جدل للاستظهار.

ويؤكّد ذلك : أنّ اللّه تعالى مدح من وصف بالآية ، بما كان عليه في الحال ، ولم يقض بمدحه له على صلاح العواقب ، ولا أوجب العصمة له من الضلال ، ولا استدامة لما استحقّ به المدحة في الاستقبال.

ألا ترى أنّه سبحانه قد اشترط في المغفرة لهم والرضوان ، الإيمان في الخاتمة ، ودلّ بالتخصيص لمن اشترط له ذلك ، على أنّ في جملتهم من يتغيّر حاله ، فيخرج عن المدح إلى الذمّ واستحقاق العقاب ، فقال تعالى فيما اتصل به من وصفهم ومدحهم بما ذكرناه من مستحقّهم في الحال : ( كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) (1).

فبعضهم في الوعد ولم يعمهم به ، وجعل الأجر مشترطاً لهم بالأعمال الصالحة ، ولم يقطع على الثبات ، ولو كان الوصف لهم بما تقدّم موجباً لهم الثواب ، ومبيّناً لهم المغفرة والرضوان ، لاستحال الشرط فيهم بعده وتناقض الكلام ، وكان التخصيص لهم موجباً بعد العموم ظاهر التضاد ، وهذا ما لا يذهب إليه ناظر ، فبطل ما تعلّق به الخصم من جميع الجهات ، وبان تهافته على اختلاف المذاهب في الأجوبة والإسقاطات ، والمنّة لله » (2).

ص: 155


1- الفتح : 29.
2- الإفصاح : 139.

( عبد اللّه النمر - السعودية - .... )

حقيقة الخلاف حولهم بين الشيعة والسنّة :

س : أُريد معرفة حقيقة الخلاف بين الشيعة وأهل السنّة في مسألة الصحابة؟

ج : الكلام حول عدالة الصحابة عنوان وتعبير لا يرسم حقيقة الخلاف بين الشيعة الإمامية وأهل السنّة ، لأنّ الخلاف ليس في كُلّ الصحابة ، فانّ الإمامية تعدل الصحابة ممّن تابع ووالى علياً عليه السلام - كسلمان والمقداد وعمّار وأبي ذر ، وخالد بن سعيد بن العاص وأخيه ، وابن التيّهان وذي الشهادتين ، وجابر بن عبد اللّه الأنصاري ، وأبي بردة الأسلمي ، وغيرهم جمع غفير ممّن والى علياً عليه السلام - وكذلك غالب وجلّ الأنصار فإنّهم ممدوحون عندهم.

وإنّما الخلاف حقيقة هو في أصحاب السقيفة ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر فإنّ القرآن الكريم قد نطق بوجود المنافقين ، والذين في قلوبهم مرض ، والمرجفون ، ومنهم الذين يلمزون رسول اللّه في الصدقات ، ومنهم الذين يؤذون النبيّ ، ويقولون : هو أُذن ، ومنهم من عاهد اللّه ونكث ، ومنهم الذين يلمزون المطوّعين من المؤمنين ، ومنهم المخلّفون بمقعدهم ، ومنهم الخوالف ، ومنهم المعذرون ، ومنهم الذين مردوا على النفاق ، ومنهم المرجون ، ومنهم الذين ارتابت قلوبهم ، ومنهم الذين ابتغوا الفتنة ، ومنهم أهل الإفك ، وغيرهم من الطوائف التي نصّ عليها القرآن ، فكما قد مدح طائفة منهم ، فقد ذمّ طوائف عديدة كثيرة ، أفتؤمنون ببعض وتكفرون ببعض؟!

وفي سورة المدّثر - وهي رابع سورة من البعثة ، نزلت على النبيّ صلى اللّه عليه وآله - يشير القرآن إلى اندساس مجموعة في صفوف المسلمين الأوائل ، ويطلق عليهم اسم ( الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ) (1) ، أي ممّن يظهر الإسلام ويبطن المرض في قلبه ، وقد فسّرت سورة محمّد صلى اللّه عليه وآله معنى المرض ، وهو الظغينة والعداء للرسول صلى اللّه عليه وآله

ص: 156


1- المائدة : 52.

وخاصّته ، وقد ذمّ القرآن بعض أهل بدر في سورة الأنفال ، كما ذمّ بعض أهل أُحد في سورة آل عمران ، كما ذمّ طوائف من الصحابة في واقعة الأحزاب في سورة الأحزاب وسورة محمّد صلى اللّه عليه وآله ، وذمّ جماعة منهم في واقعة حنين.

بل في واقعة أُحد قال تعالى : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ ) (1).

وقد اشترط القرآن الكريم لنجاة الصحابي وكُلّ مسلم شرائط ، إن وفى بها نجى وسلم وفاز ، وإلاّ فيهلك ويخسر ، لقوله تعالى مخاطباً أصحاب بيعة الرضوان : ( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللّه يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللّه فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) (2) ، فالناكث هالك منهم بحكم القرآن الكريم ، ومن ثمّ اصطلح بين الصحابة اشتراط أن لا يبدّل الواحد منهم في الدين ، ولا يحدث حدث.

وفي ذيل سورة الفتح ، وعد القرآن بعض الذين مع الرسول بالنجاة فقال : ( وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) (3) ، فقال تعالى : ( مِنْهُم ) أي بعضهم لا كُلّهم.

وقد روى البخاري ومسلم في كتاب الفتن والعلم : إنّ جمع من الصحابة يرتدّون على أدبارهم القهقري بعد رسول اللّه ، ويبعدون عن حوض الكوثر ، ويختلسون دون رسول اللّه ، فيقول صلى اللّه عليه وآله : « ربّ أصحابي أصحابي ، فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : سحقاً سحقاً »(4).

ص: 157


1- آل عمران : 144.
2- الفتح : 10.
3- الفتح : 29.
4- مسند أحمد 2 / 300 و 3 / 28 و 5 / 333 ، صحيح البخاري 7 / 208 و 8 / 87 ، صحيح مسلم 1 / 151 و 7 / 66 ، السنن الكبرى للبيهقي 4 / 78.

( خالد - الجزائر - 27 سنة - التاسعة أساسي )

عدم ثبوت توبة طلحة والزبير :

س : هل ثبتت توبة الزبير ابن العوام بعد محاربته للإمام علي عليه السلام؟

إذ إنّ كثيراً من المصادر التاريخية تذكر أنّ الزبير انسحب من المعركة بعد أن ذكّره أمير المؤمنين عليه السلام بكلام ، فتبعه ابن جرموز فقتله ، وهو يصلّي ، وأصبح ابن جرموز فيما بعد من كبار الخوارج.

وهل صحّت توبة طلحة ، إذ إنّ المصادر تذكر أن مروان بن الحكم قتله أثناء المعركة؟ حتّى يختلط الحابل بالنابل ، فهل أراد طلحة الانسحاب من المعركة - كالزبير - فقتله مروان حتّى لا يتمّ الصلح؟

ج : إنّ طلحة والزبير قد ضلاّ وأضلاّ الكثير بنكثهما البيعة مع أمير المؤمنين عليه السلام ، وبهذا أصبحا جاحدين لإمام زمانهما ، وشملهما الحديث : « من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية » (1).

وأيضاً قد فقدا إيمانهما بخروجهما على إمام زمانهما ، فاعتُبرا من الغاوين المنحرفين.

وأمّا توبتهما فلم تثبت بطريق صحيح ، لأنّهما قُتلا وهما مصمّمان على الحرب مقيمان على الفسق ، ولو كانا تائبين للزمهما أن يصرّحا بخطئهما ، وظلمهما واعتداءاتهما ، ثمّ كان يجب عليهما الحضور في معسكر الإمام عليه السلام ، وإطاعة أوامره ونواهيه ، لا الانسحاب والفرار من المعركة ؛ إذ قد يحتمل أن انسحاب الزبير كان بسبب بدو العجز والانكسار في معسكر الضلال.

وأمّا قضية طلحة فهي أوضح ، لأنّه كان عازماً على الاستمرار في القتال إلى أن غدر به صاحبه.

ص: 158


1- كتاب السنّة : 489 ، مجمع الزوائد 5 / 225 ، مسند أبي يعلى 13 / 366 ، المعجم الأوسط 6 / 70.

وبالجملة : فهما إلى النار ، ولا سبيل إلى فرض صحّة توبتهما ؛ وهذا ما عليه أعلام الشيعة ، كالشيخ المفيد وغيره من وجوه الطائفة.

( فراس العبدواني - ... - ..... )

لا يصحّ الترضي على جميعهم :

س : هل صحيح أنّه يستحبّ الترضي للصحابة ، ولا يصحّ أن يقال بعد ذكر اسم الإمام علي بقول عليه السلام أو ( كرّم اللّه وجهه ) ، والصحيح أن يقال : رض اللّه عنه.

ج : هذه دعوى بلا دليل ، إذ إنّ من الصحابة :

1 - يسار بن سبع - المعروف بأبي الغادية الجهني - وهو من الصحابة بإجماع أهل السنّة ، وهو قاتل عمّار بن ياسر رض اللّه عنه ، وقد صحّ عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله قوله : « قاتل عمّار وسالبه في النار » (1) ، فهذا الشخص في النار بشهادة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، كما اعترف شيخ الوهّابية ناصر الدين الألباني ، فكيف ترضى على أهل النار؟!

2 - مسلم بن عقبة المري ، ذكره ابن عساكر وابن حجر من الصحابة(2) ، وهو الذي غزا المدينة ، واستباح بنات الصحابة والتابعين ، وقد صحّ عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله قوله : « من آذى أهل المدينة آذاه اللّه ، وعليه لعنة اللّه والملائكة »(3) ، واعترف النووي بأنّه من أهل النار ، فكيف تترضى عليه؟!

3 - بسر بن أرطاة ، قد أوقع بأهل المدينة ومكّة أفعال قبيحة ، وآذى الصحابة ، وارتكب الأُمور العظام منها ما نقله أهل الأخبار والحديث : من ذبحه عبد الرحمن وقثم ابني عبيد اللّه بن العباس بن عبد المطلب ، وهما

ص: 159


1- المستدرك 3 / 387 ، مجمع الزوائد 7 / 244 و 9 / 297 ، الآحاد والمثاني 2 / 102 ، الجامع الصغير 2 / 233 ، تاريخ مدينة دمشق 43 / 474.
2- تاريخ مدينة دمشق 58 / 102 ، الإصابة 6 / 232.
3- مجمع الزوائد 3 / 307 ، الجامع الصغير 2 / 547 ، كنز العمّال 12 / 237 ، فيض القدير 6 / 25.

صغيران بين يدي أُمّهما ، وكان معاوية سيّره إلى الحجاز واليمن ليقتل شيعة علي ، ويأخذ البيعة له ، فسار إلى المدينة ففعل بها أفعالاً شنيعة ، وسار إلى اليمن ففعل فيها كذلك.

وقال الدارقطني : « بسر بن أرطاة له صحبة ، ولم تكن له استقامة بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ... ودخل المدينة فهرب منه كثير من أهلها ... ، وقتل فيها كثيراً ، وأغار على همدان باليمن ، وسبى نساءهم ، فكنّ أوّل مسلمات سُبين في الإسلام »(1).

فكيف ترضى على القتلة المستبيحين للنفس المحرّمة ، وللزنا؟!

4 - معاوية بن خديج أو حديج ، ذكروا في ترجمته أنّه كان صحابياً ، وكان من أسبّ الناس لعلي عليه السلام ، وقد صحّ عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله قوله : « من سبّ علياً فقد سبّني » (2) ، فكيف تترضى على رجل يسبّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟

5 - المغيرة بن شعبة ، ولي لمعاوية الكوفة ، وكان ينال من علي عليه السلام ، ولم يكتفِ بذلك ، بل أمر الولاة بالنيل منه ، وقد صحّ عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله قوله : « ولا يحبّه إلاّ مؤمن ، ولا يبغضه إلاّ منافق »(3) ، فكيف تترضى على المنافقين؟!

6 - مروان بن الحكم ، كان يسبّ علياً عليه السلام ، فكيف تترضى عليه؟!

7 - معاوية بن أبي سفيان ، كان يسبّ علياً ، ويأمر الولاة بسبّه ، فكيف تترضى عليه؟!

ص: 160


1- أُسد الغابة 1 / 180 ، تهذيب 4 / 62.
2- مسند أحمد 6 / 323 ، ذخائر العقبى : 66 ، المستدرك على الصحيحين 3 / 121 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 133 ، خصائص أمير المؤمنين : 99 ، نظم درر السمطين : 105 ، الجامع الصغير 2 / 608 ، كنز العمّال 11 / 573 و 602 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 132 و 30 / 179 و 42 / 266 و 533 ، البداية والنهاية 7 / 391 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 250 و 294 ، ينابيع المودّة 1 / 152 و 2 / 102 و 156 و 274 و 395 ، جواهر المطالب 1 / 65.
3- شرح نهج البلاغة 8 / 119 و 9 / 172 و 18 / 24 ، كنز العمّال 14 / 81 ، تاريخ مدينة دمشق 12 / 398 و 42 / 134 و 279 ، تهذيب التهذيب 8 / 411 ، جواهر المطالب 1 / 250 ، ينابيع المودّة 2 / 179 و 492.

8 - طليحة بن خويلد ، ارتدّ بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله وادّعى النبوّة(1) ، وقتل هو وأخوه بعض الصحابة ، فكيف تترضى عليه؟!

9 - عمرو بن العاص ، قد ورد بإسناد صحيح أنّ الإمام الحسن عليه السلام شهد بأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله لعنه ، وقد كان يسبّ علياً عليه السلام ، فكيف تترضى على من لعنه النبيّ صلى اللّه عليه وآله؟!

هذه غيض من فيض الصحابة ، الذين يطهر اللسان عن ذكرهم فضلاً عن الترضّي عليهم ، فبأيّ حقّ يقال باستحباب الترضّي على جميع الصحابة ، روايات أُموية أظهرت لنا عموم الصحابة بمظهر ملائكي!!

وماذا يفعل لحديث الحوض المتواتر والمروي في صحيح مسلم والبخاري ، والذي فيه ارتداد الصحابة ، ولا يبقى منهم بدون ردّة إلاّ مثل همل النعم ، أي القليل جدّاً؟!

وليس بعيد على الدين الأموي أن يترضّى حتّى على إبليس وحزبه ، ويخالف صريح القرآن ، كالغزّالي الذي يمنع من لعن يزيد ، بل وحتّى الكافر إذا لم يتيقّن من موته على الكفر ، ويقول : ولا خطر في السكوت عن لعن إبليس(2)!! أي لعن إبليس لعلّه فيه خطر ، لكن ترك لعنه لا خطر فيه!!

( منار أحمد - السعودية - 26 سنة - طالب )

نكثوا البيعة :

س : ما هو الردّ على أهل السنّة؟ حيث يقولون : إنّ اللّه تعالى علم ما في قلوب المبايعين فأنزل السكينة عليهم وأثابهم.

ص: 161


1- السنن الكبرى للبيهقي 8 / 175 ، فتح الباري 13 / 180 ، كنز العمّال 14 / 551 ، الثقات 2 / 167 و 3 / 321 ، تاريخ مدينة دمشق 25 / 149.
2- إحياء علوم الدين 3 / 186.

قال تعالى : ( لَقَدْ رَضِيَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ ... ) ، ومن ضمن الذين بايعوا الرسول أبو بكر وعمر ، فالخطاب إذاً يشملهم بأنّهم مؤمنين ، ونزول السكينة عليهم.

ج : إنّ الآية الكريمة قيّدت رضوان اللّه ونزول السكينة على المؤمنين فحسب ، فقالت : ( لَقَدْ رَضِيَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) (1).

ولو سلّمنا أنّ أبا بكر وعمر وعثمان كانوا من المؤمنين في تلك البيعة ، ولكن نقول : استمرارية بقاء رضوان اللّه تعالى على المبايع ، ونزول السكينة عليه ، مشروطة بأن لا ينكث البيعة ، ولا ينقض إيمانه ولا يرتدّ ، ويرجع عن الجادّة المحمّدية لقوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللّه يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللّه فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) (2).

وعندنا نحن روايات بأنّ هؤلاء الثلاثة وآخرين من الصحابة ارتدوا بعد وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عن الولاية والإمامة لعلي عليه السلام ، ولم يعملوا بأوامر النبيّ صلى اللّه عليه وآله ونواهيه ، وتراجعوا عن منهج الرسالة المحمّدية.

( حسن - السعودية - سنّي - 27 سنة - طالب جامعة )

نبحث حولهم لضمان سلامة ديننا :

س : أشكرك أخي على ردّك عليّ ، ولكن ألا ترى أنّ الغوص في الصحابة والحكم عليهم ليس من شأننا نحن ، وحسابهم عند اللّه ، هو خالقهم وإليه يرجعون ، ولك منّي جزيل الشكر.

ص: 162


1- الفتح : 18.
2- الفتح : 10.

ج : نحن نتّفق معك تمام الاتفاق أنّ البحث في أمر لا يعني المسلم في شيء من أُمور دينه ودنياه هو مضيعة للوقت وهدر للطاقات ، ولكن المشكلة الأساسية في موضوع البحث عن واقع الصحابة ، وما كانوا عليه في حياة النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه وآله وبعده يرتبط ارتباطاً مباشراً بالكثير من القضايا التي تهمّ عقيدة المسلم ، وتفاصيل فروع دينه ، الأمر الذي يدفع للبحث والتنقيب في الموضوع بكُلّ جدّية.

وأنت تعلم علم اليقين أنّ رواة السنّة وأحاديث النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه وآله التي تمثّل العمود الفقري لديننا الحنيف - وهي المبيّنة للكتاب الكريم - هم من الصحابة ، والعقل والشرع يأمرنا أن لا نأخذ بكُلّ حديث يرويه أيّ كان من الناس عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله إلاّ من كان ثقة مأموناً على نقل الخبر الصحيح إلى أهله ، وإلاّ لو قبلنا نقل أيّ كان من الناس لحديث النبيّ صلى اللّه عليه وآله حتّى ولو كان فاسقاً ، بدون فحص وتمحيص فقد هلكنا وأهلكنا ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين ) (1).

وقد ثبت في القرآن الكريم(2) ، وأيضاً في النقل الصحيح عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله - كما في أحاديث الحوض وغيرها - أنّ هناك انحرافاً واضحاً وبيّناً قد حصل عند الصحابة عن الدين القويم ، الأمر الذي يدعونا للبحث والتنقيب في الموضوع بشكل موضوعي نستطيع فيه معرفة الغثّ من السمين في هذا الموضوع الحسّاس والمهمّ ، كي نضمن سلامة ديننا والتوقّف عن أخذ الدين عن كُلّ من هبّ ودبّ من الناس ، والذين لا يمكن الاطمئنان إليهم في نقل الشريعة المقدّسة إلى المسلمين ، وقد ورد عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله الحثّ والدعوة إلى التدقيق والتحقيق بما لا مزيد عليه.

ص: 163


1- الحجرات : 6.
2- أُنظر : سورة التوبة : 101 - 107.

فالبحث في موضوع الصحابة وشؤونهم لا يخدمنا إلاّ بما له علاقة بنقلهم لأحاديث النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وتبيان حقيقة المؤمن من الفاسق ، أو المنافق منهم لأجل ذلك فقط ، إذ لا يستقيم جعل المنافقين والمؤمنين من الصحابة في عرض واحد ، وقد أخبر اللّه سبحانه بآية محكمة : ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ) (1).

فاللّه سبحانه لا يريد في هذه الآية الحديث عن اليهود أو النصارى ، فأُولئك يُطلق عليهم الكفّار ، أو أهل الكتاب ، أو الحديث عن المشركين ، إنّما أراد الحديث عن المسلمين الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر ، وهو معنى النفاق ، وهؤلاء كانوا من أصحاب النبيّ صلى اللّه عليه وآله.

( عيسى - الإمارات - 26 سنة - طالب ثانوية )

كمال بعضهم نسبي لا مطلق :

س : قد يصادف الإنسان الموالي الكثير من الشبهات والردود حول مذهبه الحقّ ، ليس فقط من إخواننا أهل السنّة ، وإنّما من جميع المذاهب الإسلامية الأُخرى , فعند الخوض في الحديث عن الصحابة ، فأهل السنّة لا يرضون النقد والجرح على أيّ منهم ، بل في ميزان العدل والتجريح عندهم إن ثبتت رواية تقدح صحابياً أو آخر فيجب عليهم أن يخرجوها بأحسن تأويل , أي تفسيرها إلى ما يليق صحبتهم إلى الرسول صلى اللّه عليه وآله وعدم انتقاصهم ونقدهم ، وذلك لآيات وروايات قد اتخذوها دليلاً على ذلك.

وبحمد اللّه علماء الإمامية قد أفحموهم بأدلّة ليس بعدها أدلّة ، إن كان من القرآن أو السنّة النبوية ، وحتّى الدليل العقلي الذي لا يقبل حجّتهم في هذا

ص: 164


1- التوبة : 100.

الموضوع ، ولكن تبقى مسألة وأتمنّى منكم بأنّ توضّحوها لنا , ألا وهي أنّ أهل السنّة يقولون : إنّكم تأخذون بعدالة عمّار بن ياسر ، وسلمان وأبي ذر وغيرهم من الصحابة من أمثالهم ، أليس ذلك اعترافاً منكم أنتم الشيعة على أنّهم وصلوا إلى درجة الكمال , حيث نحن نعرف بأنّ الكمال لله عزّ وجلّ؟ فما هو ردّكم على تلك الشبهة , ولكم فائق الاحترام والتقدير.

ج : تقول الشيعة - وذلك حسبما تمليه عليهم تعاليم الشريعة السمحاء المتمثّلة بالكتاب الكريم والسنّة الشريفة الصحيحة - بعدالة جمع من الصحابة ثبت أنّهم أطاعوا اللّه ورسوله صلى اللّه عليه وآله ، ولم ينقلبوا على الأعقاب كما حصل للآخرين ، فهم كما ذكرت الصحابي الجليل عمّار بن ياسر الذي وصفه النبيّ صلى اللّه عليه وآله بقوله : « عمّار ملئ إيماناً إلى مشاشه » (1) ، وسلمان الفارسي الذي قال عنه صلى اللّه عليه وآله : « سلمان منّا أهل البيت »(2) ، وأبا ذر الذي جاء في حقّه عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « ما اظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء من رجل أصدق لهجة أصدق من أبي ذر »(3).

ولا يعني القول بعدالة هؤلاء الصحابة وأمثالهم أنّهم وصلوا إلى درجة الكمال المطلق ، فهذه المنزلة هي لله سبحانه وتعالى فقط ، ولا يصل إليها أحد من عباده أبداً من الأنبياء أو الملائكة فما دونهم ، وإنّما هناك كمال نسبي بين العباد أنفسهم ، أي أنّ الأنبياء أكمل من بقية العباد ، وبعض الصالحين أكمل من غيرهم ، وهكذا.

أمّا الكمال المطلق فهو من خصوصيات الخالق سبحان جلَّ شأنه ، وتكامل هؤلاء الصحابة إنّما هو تكامل نسبي بلحاظ كمال طاعتهم لله ورسوله صلى اللّه عليه وآله.

ص: 165


1- الجامع الصغير 2 / 178 ، فيض القدير 4 / 473 ، البداية والنهاية 7 / 345.
2- المستدرك 3 / 598 ، مجمع الزوائد 6 / 130 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 616 ، المعجم الكبير 6 / 213 ، الجامع الصغير 2 / 52.
3- مسند أحمد 2 / 163 ، سنن ابن ماجة 1 / 55 ، المستدرك 3 / 342 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 526 ، الآحاد والمثاني 2 / 231 ، صحيح ابن حبّان 16 / 84 ، المعجم الأوسط 5 / 223.

( لقمان - السعودية - .... )

في بيعة الرضوان :

س : سلامي الكبير إلى من يخدم النبيّ الأكرم وأهل بيته في هذه الشبكة الكبيرة الجبّارة بمواضيعها.

أخواني لقد أرسلت لكم سؤال حول بيعة الرضوان أو آية الرضوان ( لَقَدْ رَضِيَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ) وكان منهم أبو بكر وعلي وعثمان و... ، وأنا بصراحة محتاج إلى الإجابة ، ولكم منّي ألف تحية وشكر.

ج : آية الرضوان أو ما يعرف ببيعة الرضوان المشار إليها في قوله تعالى : ( لَقَدْ رَضِيَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) (1) فإنّ سبب البيعة هو وصول الخبر بمقتل عثمان بن عفّان من قبل المشركين ، بعد أن أرسله النبيّ صلى اللّه عليه وآله مبعوثاً عنه إلى قريش ، فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إلى البيعة على قتال المشركين ، وقد نزلت هذه الآية في عام الحديبية لحصول الحادثة في ذلك الوقت.

وفي الآية المباركة قيود ، إذ هي لم تتضمّن إطلاق الرضا عنهم ، بل تضمّنت بيان منشأ الرضا وسببه - وهو بيعتهم تحت الشجرة - والظاهر أنّ ذلك لا ينافي غضبه عليهم إذا عصوه ، فلا يمكن أن نفهم منها التأبيد في الرضا ، كما يريد البعض.

وأيضاً يوجد شرط آخر في الآية ، بأنّ البيعة لا تكفي في النجاة إلاّ مع الوفاء ، إذ قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللّه يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللّه فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا

ص: 166


1- الفتح : 18.

عَظِيمًا ) (1) قال المفسّرون : إنّ رضوان اللّه وسكينته مشروطة بالوفاء وعدم نكث العهد(2).

وقد ذكر أهل الحديث والمؤرّخون أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بايعهم على أن يقاتلوا المشركين ولا يفرّوا(3).

والظاهر أنّ المراد أن لا يفرّوا في جميع حروبهم ، لا في خصوص غزوة الحديبية ، ولذا اشترط اللّه تعالى عليهم الوفاء في الآية المتقدّمة ، مع أنّ غزوة الحديبية لم يقع فيها حرب ، وسورة الفتح نزلت بعد صلح الحديبية ، كما يناسبه أيضاً تذكير النبيّ صلى اللّه عليه وآله لهم بهذه البيعة في واقعة حنين ، حيث صاح النبيّ صلى اللّه عليه وآله بالناس : « يا أهل سورة البقرة ، يا أهل بيعة الشجرة ، أنا رسول اللّه ونبيّه ، فتولّوا مدبرين »(4).

وعلى ذلك يكون فرار جماعة منهم في غزوة خيبر وفرار أكثرهم في غزوة حنين نكثاً لتلك البيعة ، رافعاً لرضا اللّه سبحانه عنهم ، بل الملاحظ أنّ الشكّ والريب دخل قلوب بعض الصحابة ، فخالفوا أوامر النبيّ صلى اللّه عليه وآله بعد معاهدة الصلح في الحديبية مباشرة ، فلم يستجيبوا للنبي صلى اللّه عليه وآله حينما أمرهم بالحلق والنحر إلاّ بعد التكرار ، وقيامه بنفسه بالحلق والنحر(5).

ويمكنك أن تراجع جملة من المصادر التي ذكرت في هذا الجواب ، لتطلع على أسماء الفارّين والهاربين من غزوتي خيبر وحنين ، وكذلك الشاكّين في يوم الحديبية ، واللّه الموفّق للصواب.

ص: 167


1- الفتح : 10.
2- أُنظر : جامع البيان 26 / 100 ، الجامع لأحكام القرآن 16 / 268 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 199.
3- أُنظر : صحيح مسلم 6 / 25 ، صحيح ابن حبّان 10 / 415 ، الجامع الكبير 3 / 75 ، السنن الكبرى للبيهقي 8 / 146 ، السنن الكبرى للنسائي 4 / 423.
4- المصنّف لابن أبي شيبة 8 / 552.
5- تاريخ اليعقوبي 2 / 55.

ص: 168

الصلاة :

اشارة

( محمّد يوسف - السعودية - .... )

كيفية صلاة المعصومين :

س : أُودّ أن أعرف عن كيفية الصلاة التي كان يعمل بها في زمن الرسول صلى اللّه عليه وآله ، ومن بعده الأئمّة الأطهار؟ جزاكم اللّه خيراً.

ج : إنّ أفضل حديث يمكن الاعتماد عليه في معرفة كيفية صلاة المعصوم عليه السلام هو حديث حمّاد بن عيسى الصحيح السند :

قال : قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام يوماً : « يا حمّاد تحسن أن تصلّي »؟ قال : فقلت : يا سيّدي أنا أحفظ كتاب حريز في الصلاة ، فقال عليه السلام : « لا عليك يا حمّاد ، قم فصلّ » ، قال : فقمت بين يديه متوجّهاً إلى القبلة ، فاستفتحت الصلاة فركعت وسجدت ، فقال عليه السلام : « يا حمّاد ، لا تحسن أن تصلّي ، ما أقبح بالرجل أن يأتي عليه ستّون سنة ، أو سبعون سنة ، فما يقيم صلاة واحدة بحدودها تامّة »؟!

قال حمّاد : فأصابني في نفسي الذلّ فقلت : جعلت فداك فعلّمني الصلاة ، فقام أبو عبد اللّه عليه السلام مستقبل القبلة منتصباً ، فأرسل يديه جميعاً على فخذيه ، قد ضمّ أصابعه ، وقرّب بين قدميه حتّى كان بينهما ثلاثة أصابع مفرجات ، واستقبل بأصابع رجليه جميعاً لم يحرّفهما عن القبلة ، وقال بخشوع : « اللّه أكبر » ، ثمّ قرأ الحمد بترتيل ، وقل هو اللّه أحد ، ثمّ صبر هنيئة بقدر ما يتنفّس وهو قائم ، ثمّ رفع يديه حيال وجهه وقال : « اللّه أكبر » وهو قائم ، ثمّ ركع وملأ كفّيه من ركبتيه منفرجات ، وردّ ركبتيه إلى خلفه حتّى استوى ظهره ، حتّى لو صبّ عليه

ص: 169

قطرة من ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره ، ومدّ عنقه وغمّض عينيه ، ثمّ سبّح ثلاثاً بترتيل وقال : « سبحان ربّي العظيم وبحمده ».

ثمّ استوى قائماً ، فلمّا استمكن من القيام قال : « سمع اللّه لمن حمده » ، ثمّ كبّر وهو قائم ، ورفع يديه حيال وجهه وسجد ، وبسط كفّيه مضمومي الأصابع بين يدي ركبتيه حيال وجهه فقال : « سبحان ربّي الأعلى وبحمده » ثلاث مرّات ، ولم يضع شيئاً من بدنه على شيء منه ، وسجد على ثمانية أعظم : الكفّين ، والركبتين ، وأنامل إبهامي الرجلين ، والجبهة ، والأنف وقال : « سبعة منها فرض يسجد عليها وهي التي ذكرها اللّه في كتابه ... ».

ثمّ رفع رأسه من السجود ، فلمّا استوى جالساً قال : « اللّه أكبر » ، ثمّ قعد على فخذه الأيسر ، وقد وضع ظاهر قدمه الأيمن على بطن قدمه الأيسر وقال : « استغفر اللّه ربّي وأتوب إليه » ، ثمّ كبّر وهو جالس وسجد السجدة الثانية وقال كما قال في الأُولى ، ولم يضع شيئاً من بدنه على شيء منه في ركوع ولا سجود وكان مجنّحاً ، ولم يضع ذراعيه على الأرض فصلّى ركعتين على هذا ، ويداه مضمومتا الأصابع وهو جالس في التشهّد ، فلمّا فرغ من التشهّد سلّم فقال : « يا حمّاد ، هكذا صلِّ » (1).

( .... - السعودية - .... )

كيفية السلام في صلاة الشيعة :

س : أنا على مذهب الإسماعيلية ، ولكن قدّر لي اللّه أن أطّلع على أُمور كثيرة عن مذهب الاثني عشرية وأُعجبت به ، وبدأت أشعر أنّه هو المذهب الصحيح ، ولكنّي لم أحسم أمري بعد ، فهناك بعض التساؤلات التي لم أجد لها إجابة ، إذا كنتم على استعداد على حلّها لي أكون لكم من الشاكرين.

السلام في الصلاة عند جميع المذاهب واحد وغير مختلف فيه حتّى في المذاهب الشيعية الأُخرى ، فلو افترضنا جدلاً أنّ هذه هي الطريقة التي كان عليها السنّة

ص: 170


1- الكافي 3 / 311 ، من لا يحضره الفقيه 1 / 300.

المطهّرة وآل البيت ، لوجدناها في المذاهب الشيعية الأُخرى ، لأنّنا نعرف أنّ الاختلافات في الصلاة حصلت بعد موت الرسول وفي عهد عمر ، عندما زاد « آمين » ، وحذف « حيّ على خير العمل » ، وهذا ما يعترف به جميع المذاهب الشيعية ، ولكن موضوع التسليم في آخر الصلاة هذا تتساوى فيه المذاهب الشيعية - كالزيدية والإسماعيلية - مع السنّة ، ويشذّ عنها مذهب الاثنا عشرية ، ممّا يعطي الإيحاء بأنّ هذه الزيادة أتت من عند الاثني عشرية ، وليست في سنّة آل البيت.

أرجو الإجابة حيث أنّ هذا السؤال يحيّرني.

ج : نسأل اللّه تعالى لك التوفيق في التعرّف على مذهب أهل البيت عليهم السلام أكثر فأكثر ، والتعمّق فيه ، ومعرفة مبانيه وأدلّته ، ليكون اختيارك لمذهب أهل البيت عليهم السلام عن دليل وقناعة كافية.

أعلم أنّ التسليم عندنا يتم بأحد الصيغتين : الأُولى : « السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين » ، والثانية : « السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته ».

فالمصلّي إذا قال الصيغة الأُولى استحبّت له الصيغة الثانية ، أمّا لو قال الثانية قبل الأُولى لم تستحبّ له الأُولى ، وعليه فبأيّ الصيغتين ختم صلاته فإنّ صلاته تختم.

وأمّا صيغة « السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة اللّه وبركاته » فهي ليست من صيغ السلام - كما نصّ الفقهاء - وإنّما هي مستحبّة ، والدليل هو ورود نصوص عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام.

وهذا ليس بالأمر الغريب ، إذ في المقابل المذاهب الأربعة ربّما استدلّوا على بعض الأحكام التي لا يقول بها الشيعة بقول بعض الصحابة ، فمثلاً ما ينقل عن عمر بن الخطّاب أنّه قال : في العسل زكاة(1) ، فلماذا يستغرب هؤلاء إذا اعتمدنا على أئمّة أهل البيت عليهم السلام؟

ص: 171


1- المصنّف لابن أبي شيبة 3 / 33 ، الآحاد والمثاني 5 / 147.

إذاً ، مستند التسليم عندنا هو ما ورد عن طريق أهل البيت عليهم السلام عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله - وليس المستند هو المزاج والهوى - أي ورد من طرقنا ، وفي أدلّة صحيحة عن أهل البيت عليهم السلام : أنّ الحكم الكذائي كذا وكذا ، وأهل البيت عليهم السلام لم يأخذوه دون مستند ، ومستندهم هو النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، لذا هم أمناء على سنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

هذا بالإضافة إلى أنّنا مأمورون باتباع النبيّ صلى اللّه عليه وآله عند اختلاف الأُمّة ، والنبيّ صلى اللّه عليه وآله دلّنا إلى من نرجع إليهم عند الاختلاف ، لأنّ بالرجوع إليهم نجاة ، وبتركهم هلاك ، وهم أهل البيت عليهم السلام : « مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها هوى » (1).

ثم إنّ انفرادنا عن بقية المذاهب في الحكم الكذائي ليس بالأمر الغريب ، لأنّ كثير من أهل السنّة خالفوا فقهاء المسلمين ، من قبيل ما يقوله الشافعي في جواز نكاح البنت من الزنا ، فإنّه انفرد فيه وخالفه بقية الفقهاء.

نسأله تعالى أن يعرّفنا الحقّ حقّاً ويوفّقنا لاتباعه.

( .... - السعودية - .... )

التخيير بين الحمد والتسبيحات الأربعة :

س : أودّ أن أشكركم على الجهود التي تبذلونها لوجه اللّه تعالى في الردّ على بعض الشبهات ، التي نقابلها من بعض الجماعة ، الذين عندهم حبّ استطلاع عن مذهب آل البيت عليهم السلام.

ص: 172


1- المستدرك على الصحيحين 2 / 343 و 3 / 151 ، مجمع الزوائد 9 / 168 ، المعجم الأوسط 5 / 355 و 6 / 85 ، المعجم الكبير 3 / 45 و 12 / 27 ، مسند الشهاب 2 / 273 ، نظم درر السمطين : 235 ، الجامع الصغير 1 / 373 و 533 ، كنز العمّال 12 / 94 ، فيض القدير 2 / 658 و 5 / 660 ، الدرّ المنثور 3 / 334 ، علل الدارقطني 6 / 236 ، تهذيب الكمال 28 / 411 ، سبل الهدى والرشاد 10 / 490 ، ينابيع المودّة 1 / 93 و 2 / 90 و 101 و 472 ، النهاية في غريب الحديث والأثر 2 / 298 ، لسان العرب 3 / 20.

لماذا أكثر المذاهب يقومون بقراءة الفاتحة في جميع الركعات ، بينما المذهب الجعفري يكتفي بقراءتها في الأُولى والثانية فقط ، ويقول التسبيحات في بقية الركعات؟ جزاكم اللّه عنّا خيراً.

ج : قد وردت روايات عن أهل البيت عليهم السلام تدلّ على التخيير ، بمعنى أنّ المكلّف مخيّر في الركعتين الأخيرتين بين قراءة سورة الحمد وبين قراءة التسبيحات الأربعة ، دون الركعتين الأوّليتين فيجب فيهما قراءة الحمد ، وذلك لقوله : « لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب » (1).

( موالي - الكويت - 19 سنة - طالب )

حكم صلاة الجمعة في عصر الغيبة :

س : لماذا لا تقام صلاة الجمعة إلاّ في حضور الإمام الغائب؟ أليس حلال محمّد حلال إلى يوم القيامة ، وحرامه حرام إلى يوم القيامة؟

ج : إنّ صلاة الجمعة تقام في حضور الإمام عليه السلام أو في غيبته ، إلاّ أنّ حكمها في غيبة الإمام لا يكون واجباً تعيينياً بل هي واجب تخييري ، أي إنّ المكلّف مخيّر بين إقامة صلاة الجمعة عند توفّر شرائطها وبين الإتيان بصلاة الظهر فيما إذا لم يحضر صلاة الجمعة.

نعم ، عند حضور الإمام عليه السلام يكون حكم صلاة الجمعة واجباً تعيينياً ، أي يتعيّن على المكلّف الإتيان بها ، ولا يصحّ منه الإتيان بصلاة الظهر ، على أنّ الإمامية يقيمون صلاة الجمعة في بلدانهم ، ولعلّ ما تراه في إيران دليل على ذلك ، إذ إقامتها في الجمهورية الإسلامية منذ تأسيسها دليل على أنّ الإمامية يقيمون صلاة الجمعة حتّى عند عدم حضور الإمام عليه السلام ، ولا علاقة لذلك في زمن الحضور أو الغيبة.

ص: 173


1- الخلاف 1 / 327 و 342 ، المعتبر 2 / 166 و 173 و 349 و 382.

( أمريكا - 31 سنة - ليسانس )

ما يقرأ في القنوت والركعتين الأخيرتين :

س : هل القنوت في الصلاة مستحبّ أم واجب؟ وهل يجب فيه قول مخصوص؟ وماذا يقرأ في الركعة الثالثة والرابعة؟

ج : إنّ القنوت مستحبّ في جميع الصلوات - فريضة كانت أو نافلة - والمستحبّ منه مرّة بعد القراءة قبل الركوع في الركعة الثانية ، إلاّ في العيدين والآيات والجمعة والوتر ففيها تفصيل.

ولا يشترط في القنوت قول مخصوص ، بل يكفي فيه ما يتيسّر من ذكر أو دعاء أو حمد أو ثناء ، والمستحبّ قراءة المأثور عن المعصومين عليهم السلام ، ودلّت على استحباب القنوت مجموعة روايات عن أهل البيت عليهم السلام.

وأمّا بالنسبة إلى ما يقرأ في الركعة الثالثة والرابعة ، فالمصلّي - مأموماً كان أو إماماً - يتخيّر في ثالثة المغرب وأخيرتي الرباعيات بين قراءة الفاتحة والتسبيحات الأربعة وهي : « سبحان اللّه ، والحمد لله ، ولا إله إلاّ اللّه ، واللّه أكبر ».

( وليد محمّد - مصر - 27 سنة )

التكبيرات الثلاث بعدها :

س : بالنسبة للتكبيرات الثلاث في نهاية كُلّ صلاة هل لكم أن توافونا بالروايات الصحيحة الواردة في هذا الخصوص؟

ج : وردت روايات كثيرة تدلّ على التكبير بعد الصلاة في مصنّفات الفريقين ، نذكر لك بعضها على سبيل المثال لا الحصر :

1 - عن المفضّل بن عمر قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : لأيّ علّة يكبّر المصلّي بعد التسليم ثلاثاً يرفع بها يديه؟ فقال : « لأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله لمّا فتح مكّة صلّى بأصحابه الظهر عند الحجر الأسود ، فلمّا سلّم رفع يديه وكبّر ثلاثاً وقال : لا

ص: 174

إله إلاّ اللّه وحده وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وأعزّ جنده ، وغلب الأحزاب وحده ، فله الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ، وهو على كُلّ شيء قدير ».

ثمّ أقبل على أصحابه فقال : « لا تدعوا هذا التكبير وهذا القول في دبر كُلّ صلاة مكتوبة ، فإنّ من فعل ذلك بعد التسليم وقال هذا كان قد أدّى ما يجب عليه من شكر اللّه تعالى على تقوية الإسلام وجنده » (1).

2 - عن ابن عباس قال : ما كنّا نعرف انقضاء صلاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إلاّ بالتكبير(2).

3 - عن أبي معبد مولى ابن عباس أخبره : أنّ رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأنّه قال : قال ابن عباس : كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته(3).

( أحمد الخاجة - البحرين - 15 سنة - طالب ثانوية )

طهارة المولد شرط في إمامة الجماعة :

س : من الشروط الواجب توفّرها في إمام الجماعة أن يكون طاهر المولد ، فهل يتحمّل المرء عقوبة جريمة لم يقم بارتكابها؟

ج : ليس ما ذكرتموه من باب العقوبة ، إذ أنّ تعريف العقوبة في الإسلام ، هو ما توعدّ عليه الباري تعالى النار - مع فرض عدم التوبة - ومورد السؤال ليس من هذا القبيل قطعاً.

ص: 175


1- علل الشرائع 2 / 360.
2- صحيح مسلم 2 / 91 ، مسند الحميدي 1 / 225 ، مسند أبي يعلى 4 / 280 ، المعجم الكبير 11 / 335 ، تفسير القرآن العظيم 1 / 223.
3- مسند أحمد 1 / 367 ، صحيح البخاري 1 / 204 ، صحيح مسلم 2 / 92 ، سنن أبي داود 1 / 226.

بل إنّ طهارة المولد صفة وميزة متوخّاة في إمامة الجماعة ، لا أنّ عدم طهارة المولد ذنب يؤاخذ عليه ، أو جريمة يؤنّب عليها ، وحال هذه الخصوصية حال بقية مواصفات الإمام ؛ وعليه فتوزيع الوظائف والأدوار وتعيين الحدود والشرائط في نفسه لا يدلّ على نقصٍ أو مزية ، إلاّ فيما نصّ عليه الشرع.

( ... - .... - .... )

كيفية المواظبة على صلاة الصبح :

س : لا أُريد أن أضيّع صلاة الفجر فما السبيل لذلك؟

ج : إنّ التوفيق لطاعة اللّه تعالى تحتاج إلى أن يصل العبد إلى منزلة خاصّة ، وما يرتكبه العبد من أُمور لا يرتضيها اللّه تعالى يوجب الحرمان من هذه المرتبة ، فلا يوفّقه حينئذ لطاعته بل يخذله ويكلّه إلى نفسه.

وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « إنّ الرجل ليكذب الكذبة فيحرم بها صلاة الليل فإذا حرم صلاة الليل حرم بها الرزق » (1) ، فكم من خطايا وذنوب حرمت العبد من توفيق الطاعة ، وكم من حسناتٍ زادته تقرّباً وتسديداً منه تعالى.

وأعلم ، إنّ الإنسان كلّما أراد القرب منه تعالى جعل نفسه متذلّلاً لسلطانه وجبروته ، فهو دائماً طوع إرادته ، فيتخضّع إليه بالإقرار بذنوبه وطلب مغفرته ، ويتقرّب له بالاستغفار ممّا ارتكبه ، وهذا ديدن أهل البيت عليهم السلام مع عدم ارتكابهم المعصية ، أو اقترافهم الذنوب ، فإنّهم يجعلون أنفسهم أذلاء لسلطانه ، فلا يخرجون عن ربقة عبوديته وذل طاعته ، فتراهم يستغفرون ويتأوّهون على ما لا يعد عندنا معصية أو ذنب ، بل تركهم الأُولى يجعلهم هكذا يرجون عفوه ، ويطمعون في رحمته.

ص: 176


1- علل الشرائع 2 / 362.

وأنت أيّها الأخ ونحن جميعاً في نير عبوديته ، ثمّ نرتكب من المعاصي ما لا يعفو عنها إلاّ الندم والرجوع إليه تعالى ، فإكثار الاستغفار للعفو عنّا يقرّبنا منزلة لديه ، ويفتح لنا آفاق الطاعة ، ويعيننا على عبادته ، فأكثر الاستغفار والتوسّل بأن يوفّقك لصلاة الفجر ، فإذا علم منك الصدق وخلوص النية أخذ بيديك ووفّقك إلى ما تحبّ.

ثمّ أبحث عن السبب المادّي لذلك ، فلعلّ السهر أكثر من المعتاد يجعلك غير قادرٍ على النهوض ، فتغيير برنامجك اليومي ، والنوم مبكّراً ، سيعينك في المرحلة الأُولى على النهوض إلى صلاة الفجر ، عندها ستقوى على ما تتعوّد عليه ، واللّه يعينك على طاعته ولزوم عبادته.

( علوي - البحرين - .... )

أهمّيتها عند المؤمن :

س : لو سمحتم عندي سؤال : ما أهمّية الصلاة عند المؤمن؟

ج : لا يخفى عليك أنّ الصلاة هجرة روحية ، يطوي الإنسان فيها فواصل البعد بينه وبين اللّه تعالى ، وممارسة تعبّدية يستهدف بها اكتشاف العلاقة بينه وبين بارئه تعالى.

ففي الصلاة يكون الإنسان المؤمن في موارد القرب ، والحبّ الإلهي العظيم ، وفي الصلاة يعلن عن تصاغره وعبوديّته لخالقه ، وفي الصلاة تتّسع أمام الإنسان المؤمن آفاق العظمة والقدرة الإلهية.

وفي الصلاة يتجسّد للإنسان فقره وضعفه وحاجته إلى غنى بارئه ، وتتابع افاضاته ورحمته ، وفي الصلاة تهبط الحجب بين العبد وربّه ، فتفيض اشراقات الحبّ والجمال الإلهي على النفس ، لتعيش أسعد لحظات الاستمتاع والرضى ، وهي في أرقى ما تكون من حالات الصحو الوجداني ، والاستعداد للتلقّي والقبول التعبّدي.

ص: 177

وفي الصلاة عودة للوعي ، واكتشاف لحقيقة الذات ، ومعرفة قدرها أمام خالقها العظيم ، وفي الصلاة محاولة صادقة للهجر والخلاص من الذنوب ، وفي الصلاة سعي للعودة بطهارة النفس ، وسلامتها إلى لحظة ميلادها الفطري ، بنقائه وطهارته ؛ لأنّ في الصلاة عزيمة جادّة لهجر الذنوب والمعاصي ، ومحاولة مخلصة للانفلات من قيود المادّة والشهوة.

فهي سعي للهجرة إلى اللّه تعالى ، والتسامي نحوه ، وهي محاولة للتعالي والانتقال إليه ، وهي عودة إلى اللّه بعد كُلّ فترة زمنية يمارس فيها الإنسان حياته ؛ فيتعامل مع نفسه أو مع اللّه ، والناس الذين يعيش معهم ، فيتهاون بأداء حقوق اللّه عليه حيناً ، أو يسيء إلى الناس فيسلك سلوكاً شاذّاً ومنحرفاً حيناً آخر ، فيكون بحاجة إلى التخلّص من هذه الآثار السلوكية السلبية ، والتوجّهات النفسية المنحرفة ، فيجد في الصلاة محطّة لتطهير النفس ، والتأمّل في خيرها وصلاحها ، ومنطلقاً لتغيير مساره وتوجّهه في الحياة.

فهو في وقفته الصادقة بين يدي اللّه تعالى يستغفره ويتضرّع إليه ، ويعلن براءته وندمه ، ورغبته في الاستقامة والطهارة ، فيجدّد بذلك عهده مع اللّه تعالى ، ويستشرف آفاق مسيرته الحياتية من أوضح مداخلها ، وأصفى أجوائها ، فتنمو بكثرة الممارسة والإقبال على الصلاة ملكات الخير ، وتتصاغر نوازع الشرّ ، وتتوارى عن الظهور مناشئ الإجرام ، فتقوى بذلك العزيمة ، وتشتدّ الإرادة على الإصلاح وارتياد سبل الخير ، وتنمو الرغبة في الطرح والخلاص من كُلّ سيئ في الحياة ، بممارسة انسحاب النفس الدائم ، وإخلاء آفاقها من عتمة الجرائم والآثام.

لذا كانت الصلاة نظاماً تعبّدياً لوقاية النفس من شذوذها ، وعلاجاً جذرياً يداوي أمراضها ، بتعهّد قواها وملكاتها ونوازعها بالتنشئة الصحيحة ، والتربية المستقيمة.

ص: 178

وصدق رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وهو يصف أهمّية الصلاة ، ودورها في تطهير النفس ، وتقويم السلوك البشري في الحياة بقوله : « لو كان على باب دار أحدكم نهر فاغتسل في كُلّ يوم منه خمس مرّات ، أكان يبقى في جسده من الدرن شيء »؟ قلنا : لا.

قال : « فإنّ مثل الصلاة كمثل النهر الجاري ، كُلّما صلّى صلاة كفّرت ما بينهما من الذنوب » (1).

وقال رجل : يا رسول اللّه أوصني ، فقال صلى اللّه عليه وآله : « لا تدع الصلاة متعمّداً ، فإنّ من تركها متعمّداً فقد برئت منه ملّة الإسلام »(2).

وجاء عنه صلى اللّه عليه وآله : « ما بين الكفر والإيمان إلاّ ترك الصلاة »(3).

وقال صلى اللّه عليه وآله : « لكُلّ شيء وجه ، ووجهُ دينكم الصلاة ، فلا يُشِينَنَّ أحَدُكُم وجهَ دينه ... »(4).

وروي عنه صلى اللّه عليه وآله : « ليسَ منّي من استخفّ بصلاته ، لا يَردُ عليَّ الحوضَ لا واللّه ... »(5).

وقال صلى اللّه عليه وآله : « لا يزال الشيطان ذعراً من المؤمن ما حافظ على الصلوات الخمس لوقتهن ، فإذا ضيّعهن تجرأ عليه فأدخله في العظائم » (6).

وروي عن الإمام الصادق عليه السلام : « ما أعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة ، ألا ترى أنّ العبد الصالح عيسى بن مريم قال : ( وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ) »(7).

ص: 179


1- تهذيب الأحكام 2 / 237 ، وسائل الشيعة 4 / 12.
2- الكافي 3 / 488 ، وسائل الشيعة 4 / 42.
3- ثواب الأعمال وعقابها : 231 ، وسائل الشيعة 4 / 43 ، الصراط المستقيم : 204.
4- الكافي 3 / 270 ، تهذيب الأحكام 2 / 238.
5- فقه الرضا : 101 ، المقنعة : 73 ، الكافي 3 / 269 ، من لا يحضره الفقيه 1 / 206.
6- عيون أخبار الرضا 1 / 31 ، تهذيب الأحكام 2 / 236.
7- مريم : 31 ، الكافي 3 / 264 ، من لا يحضره الفقيه 1 / 210.

وروي أيضاً عنه عليه السلام : « إذا قام المصلّي إلى الصلاة نزلت عليه الرحمة من أعنان السماء إلى أعنان الأرض ، وحفّت به الملائكة وناداه ملك : لو يعلم هذا المصلّي ما في الصلاة ما انفتل »(1).

ولهذه الأهمّية العظمى للصلاة أصبحت فريضة عبادية في كُلّ رسالة إلهية بشّر بها الأنبياء ، لأنّها الصلة بين العبد وربّه ، ولأنّها معراج يتسامى الفرد بها إلى مستوى الاستقامة والصلاح.

ولذلك فإنّ القرآن الكريم عندما تحدّث عن الأنبياء ورسالتهم في الحياة قال : ( وَجَعلناهُم أئمةً يَهدُونَ بأمرِنا وأوحينا إِليهمْ فِعْلَ الخيراتِ وإقامَ الصّلاةِ وإيتاءَ الزَّكاةِ وكانوا لنا عابِدين ) (2).

فالصلاة شعار وعلامة للفرد المؤمن وللأُمّة المؤمنة ، وهي حدّ فاصل بين المؤمن الحقّ وبين من لا ينتمي لأُمّة الإيمان ، لذا جاء قوله تعالى : ( فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا ) (3).

فهي شعار أهل الإيمان ، وصفة أُمّة التوحيد على تعاقب الأجيال ، وتتابع الرسالات والعصور.

لذلك تحدّث القرآن الكريم عن أُولئك المسلمين ، وعن شعارهم مع النبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله فأثنى عليهم ، وقرن صفتهم بصفة أسلافهم من أتباع الأنبياء ، وأصفياء الرسل ، فقال عزّ من قائل : ( محمّد رسولُ اللّهِ وَالَّذينَ مَعَهُ أشِدّاءُ على الكُفّارِ رُحَماءُ بينهُم تَراهُم رُكَّعاً سُجَّداً يبتَغُونَ فضْلاً منَ اللّهِ ورضْواناً سيماهُمْ في وُجوهِهم من أثَرِ السُّجودِ ذلكَ مَثَلُهُم في التَّوراةِ ومَثَلُهُمْ في الإنجيلِ كزَرْعٍ أخرَجَ شَطْأََهُ فآزرهُ فاستغلظَ فاستَوى على سُوقهِ يُعْجِبُ الزُّراعَ لِيَغيظَ بِهِمُ الكُفَّارَ .. ) (4).

ص: 180


1- الكافي 3 / 265 ، وسائل الشيعة 4 / 32.
2- الأنبياء : 73.
3- النساء : 103.
4- الفتح : 29.

وما كان للقرآن هدف في هذا العرض التاريخي للصلاة إلاّ ليؤكّد للمؤمنين أنّ الصلاة في كُلّ الرسالات الإلهية كانت أولى شعائرها ، ومخّ عبادتها بعد الإيمان باللّه تعالى.

وكم أوحى لنا القرآن بقداسة الصلاة ، وأهمّيتها في دعوة الأنبياء ؛ فحدّثنا عن مناجاة أبي الأنبياء عليه السلام وشعاره الحنيفي الذي تلقّاه من ربّه ، والذي كان يردّده خشوعاً ينساب في نفوس أتباعه عقيدةً ووعياً وطريقةً : ( قُلْ إنّ صلاتي ونُسُكي وَمَحيايَ ومَماتي للهِ ربِ العالَمينَ لا شَريكَ له وبذلكَ أُمِرتُ وَأنا أوَّلُ المسلمين ) (1).

وكم كان يشتدّ بإبراهيم عليه السلام الشوق إلى اللّه تعالى ، فيرفع دعاءه إليه راجياً منه أن يجعله وذرّيته من مقيمي الصلاة والمتعبّدين بها فيقول : ( رَبِّ اجعلني مُقيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرّيتي ... ) (2).

وهكذا عرض لنا القرآن نماذج من الخطابات الإلهية الموجّهة للأنبياء ، بوجوب الصلاة فريضة على أُممهم وأتباعهم ، ليؤكّد لنا أهمّية الصلاة ، ويوضّح مركزها في دعوات الأنبياء ورسالات الرسل عليهم السلام.

( عقيل أحمد جاسم - البحرين - 32 سنة - بكالوريوس )

حول صلاة الجمعة :

س : لماذا حرمت أجيالنا السابقة من صلاة الجمعة وقالوا : إنّها لا تجوز إلاّ خلف الإمام الغائب؟

ج : إنّ صلاة الجمعة مشروعة القيام زمن الحضور والغيبة ، ففي زمن الحضور هي واجبة تعييناً ، وفي زمن الغيبة واجبة تخييراً ، وفقهاء الشيعة

ص: 181


1- الأنعام : 162 - 163.
2- إبراهيم : 40.

يعتقدون بمشروعيتها إلا آن يطرأ طارئ فتكون محرّمة ، فإن منصب الإمامة في صلاة الجمعة منصباً سياسياً وحكومياً - بما أنّ الإمام يجب عليه أن يتطرّق إلى المسائل السياسية والاجتماعية ، ويبدي نظراً خاصّاً في كُلّ موضوع - فيجب أن يكون منصوباً مباشرةً - بالنيابة الخاصّة أو العامّة - من قبل الحاكم وهو الإمام المعصوم عليه السلام حسب رأي الشيعة.

وعندما كانوا لا يرون للإمام عليه السلام أو المجتهدين يداً مبسوطة في الجانب الحكومي كانت الجمعة عندهم محظورة ، لأنّها حينئذٍ تؤدّي إلى تأييد وتشييد مباني الظلمة وحكوماتهم.

( علي أحمد جعفر - البحرين 19 سنة - طالب متوسطة )

لا تصحّ خلف الفاجر :

س : لماذا في مذهبنا الشيعي دائماً يكون إمام الجماعة عالم دين؟ ولا تصحّ الصلاة إلاّ إذا كنت تعرفه وتطمئن إليه؟

أمّا عند إخواننا السنّة فكُلّ مسلم يمكن أن يكون إمام جماعة - سواء كان ملتزماً أو غير ملتزم ، طاهر المولد أو لا - فأرى أنّهم على صواب ، فصلاة الجماعة لها ثواب عظيم ، فهم أين ما ذهبوا يصلّون جماعة.

نرجو أن تبصرونا حول هذا الموضوع ، ونشكركم على هذه الجهود الجبّارة.

ج : الصلاة جماعة عندنا تصحّ خلف كُلّ مكلّف بالغ ، فيحقّ لأيّ شخص التقدّم لإمامة جماعة من الناس - سواء كان عالماً أو غير عالم ، مرتدياً لزي العلماء أو غير مرتدٍ لذلك الزي - لكن عندنا لإمام الجماعة شروط يجب تحقّقها ، منها : عدالته ، فلا تصحّ الصلاة خلف الفاسق ، والفقهاء إنّما استفادوا وجوب هذا الشرط في إمام الجماعة من خلال أدلّة من الكتاب والسنّة.

ص: 182

فمن الكتاب : قوله تعالى : ( وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) (1) ، والفاسق ظالم لقوله تعالى : ( وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ) (2) ، والائتمام ركون ، لأنّ معنى الركون هو الميل القليل.

ومن الروايات : قول الإمام الصادق عليه السلام : « لا تصلّ خلف الغالي وإن كان يقول بقولك ، والمجهول والمجاهر بالفسق ، وإن كان مقتصداً »(3).

ومنها : قيل للإمام الرضا عليه السلام : رجل يقارف الذنوب وهو عارف بهذا الأمر ، أُصلّي خلفه؟ قال : « لا »(4).

ومنها : قيل لأبي جعفر عليه السلام : إنّ مواليك قد اختلفوا ، فأُصلّي خلفهم جميعاً؟ قال : « لا تصلّ إلاّ خلف من تثق بدينه »(5).

فعلى هذا الشرط يمكن لك إذا كنت تحرز في نفسك العدالة أن تصلّي بالناس جماعة ، أو تصلّي خلف أيّ شخص تثق بعدالته ، مع تحقّق الشروط الأُخرى لصلاة الجماعة ، من كونه صحيح القراءة ، بالغاً عاقلاً مؤمناً ، وولادته شرعية ، ذكراً إذا كان المأموم ذكراً ، فهذه الشروط يمكن أن تتحقّق في كثير من الناس ، وليست هي متحققّة فقط في رجل الدين ، بل رجل الدين هو أحد المصاديق.

نعم بعض العلماء يذكرون تحديد الإمام بالمتلبّس بزي العلماء ، إذا كان موجوداً في الجماعة ، ولا يصحّ لغيره أن يكون إماماً وهو مأموم ، وهو من باب حفظ مقام العلماء ، ودوام نظام معتنقي مذهب أهل البيت عليهم السلام ، وأنّ العالم هو المركز الذي تدور عليه كُلّ أُمور الجماعة.

ص: 183


1- هود : 113.
2- الطلاق : 1.
3- تهذيب الأحكام 3 / 31 و 282.
4- المصدر السابق 3 / 31.
5- الكافي 3 / 374 ، تهذيب الأحكام 3 / 266.

وأمّا عند أهل السنّة فإنّهم لكي يصحّحوا صلاة من تسلّط على رقاب المسلمين ، أفتوا بصحّة الصلاة خلف كُلّ بر وفاجر ، حتّى عمّ وانتشر هذا التساهل في الإمام ، ووصل إلى وقتنا الحاضر ، وإن كان منشأه سياسياً.

( حسين - السعودية - 34 سنة - خرّيج جامعة )

كراهة لبس السواد فيها :

س : هل يكره للمصلّي لبس السواد؟ أرجو الإجابة ، مع شكري الجزيل.

ج : قد ذكر بعض فقهائنا ذلك ، واستثنى منه العمامة والخف ، وقد قيّدها بعضهم بها ، إذا اتخذ السواد شعاراً كبني العباس ، لا فيما إذ لبس السواد صدفة ، أو حزناً على ميّت ، أو لجمال فيه وهيبة أحياناً ، واستثنى بعضهم ما لبسه للحسين عليه السلام ، فإنّه لا يكره بل يرجّح لغلبة جانب تعظيم شعائر اللّه على ذلك ، مضافاً إلى روايات متضافرة في موارد مختلفة يستفاد منها ذلك.

( علي العلي - السويد - .... )

وجوب صلاة الجمعة تخييري :

س : أسأل اللّه تعالى أن تكونوا في أتمّ الصحّة والعافية ، وأن يسدّد خطاكم لما هو خير ، ويوفّقكم لإعلاء كلمة الحقّ ، إنّه سميع مجيب.

لقد شجّعتموني على أن أسألكم كُلّما احتجت إلى ذلك ، ويا كثرة احتياجاتي ، وأعانكم اللّه عليها.

في الحقيقة أنا أحاور في كُلّ الأُمور ومع الجميع ، حيث أحاور الشيعة على التمسّك بخطّهم ، وخصوصاً من له ميل للعلمانية ، وحوار مثل هؤلاء أشدّ من غيرهم ، وأحاور أهل السنّة لأثبت لهم أنّ منهج الحقّ ليس منهجهم ، كما وأحاور النصارى ، وأنا دارس جيّد لكتابهم بعهديه القديم والجديد ، كما وأُحاور غيرهم ، وبأساليب مختلفة ، كُلّ حسب طريقته أو الطريقة التي تنفع معه.

ص: 184

سادتي الكرام ، لقد حاورت أحد الإخوة الشيعة ذوي الميول العلمانية ، وكان دائماً يقول : بأنّ علماء الدين الشيعة يفتون كما يحلوا لهم ، وبدون أيّ سند ، وقد أقنعته في كُلّ استشكالاته , وكان أحد استشكالاته عن تعطيل صلاة الجمعة.

بعد انتهاء الحديث أحببت أنا شخصيّاً أن ازداد علماً بموضوع صلاة الجمعة ، ومتى تمّ تعطيلها؟ ومن أوّل من عطّلها من علمائنا ( رضوان اللّه عليهم ) وأدلّة ذلك ، وما هي استدلالاته على ذلك؟

ج : الكلام في إقامتها وعدمها لا يتبع لأيّ عامل غير الأدلّة المستفادة من الكتاب والسنّة ، وبحسب هذه الأدلّة قد يخرج الفقيه الشيعي بنتيجة تدل على وجوب إقامة الجمعة في عصر الغيبة ، وقد يرى عدمه ، وثالثة يفتي بالوجوب التخييري بينها وبين الظهر ، هذه كُلّها خيارات الفقيه ، ولا يجوز - بحسب مذهب الشيعة - إلزام المجتهد بإحداها تمشيةً لأهواء البعض.

وأمّا أدلّة القائلين بالوجوب أو الجواز فمعروفة وواضحة من الكتاب والسنّة والإجماع ، منها آية : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ... ) (1).

منها : الأحاديث المعتبرة الدالّة على وجوب الجمعة مطلقاً ، أعمّ من زمن الحضور والغيبة(2).

وأمّا من لا يرى الوجوب التعييني لصلاة الجمعة في زمن الغيبة ، فقد يعتمد إلى ظهور اشتراط حضور الإمام عليه السلام ، وبسط يده في الروايات ، بحيث يستنبط منها أنّ صلاة الجمعة وإمامتها هي من شؤون الحكومة ، لأنّ خطبتها يجب أن تتناول المواضيع السياسية والاجتماعية التي تهمّ الناس ، ومن المعلوم عدم توفّر هذا الشرط في ظلّ الحكومات الفاسدة.

ص: 185


1- الجمعة : 9.
2- وسائل الشيعة / أبواب صلاة الجمعة.

نعم ، إن قلنا بحصول إذن عام للفقيه الجامع لشرائط الفتوى - نظراً إلى موضوع ولاية الفقيه - أو إذن خاصّ له في إقامة صلاة الجمعة - نظراً إلى الروايات الواردة في المقام - يمكننا القول بوجوب إقامتها في عصر الغيبة.

ثمّ لا يخفى أنّ الرأي المتبع عند المحقّقين المتأخّرين هو الوجوب التخييري بين صلاة الجمعة وفريضة الظهر ، ويعتمد هذا الرأي أساساً على نتيجة التعارض بين عمومات الظهر والجمعة المنتهية إلى التخيير ؛ وللأخذ بالأمر الوجوبي الوارد بالنسبة لإقامة الجمعة ، وبما أنّ الوجوب أعمّ من العيني والتخييري فيبقى الوجوب التخييري بعد انتفاء العيني ؛ ولظهور بعض الروايات الملوّحة بالتخيير(1).

( زين العابدين أيوبي - سوريا - 20 سنة - طالب جامعة )

الأدلّة على رفع اليدين بالتكبير :

س : السادة في مركز الأبحاث العقائدية الأفاضل : أرغب بمعرفة الأدلّة من كتب الفريقين حول عملية ختم الصلاة بالتكبير ثلاث مرّات ، ورفع اليدين عند كُلّ تكبيرة ، علماً بأنّني قرأتها في كتاب مفاتيح الجنان نقلاً عن مصباح المتهجّد ، وأُريد معرفة أدلّة أكثر لو سمحتم ، وجزيتم خيراً.

ج : هناك قاعدة لابدّ من معرفتها ، وهي أنّ مسائل الفروع والفقه لا يطالب المذهب بأدلّتها من كتب المذاهب المختلفة معه حتّى في الأُصول ، وإلاّ لأصبح جميع المختلفين غير مختلفين وعلى مذهب واحد ، ولذلك فإنّنا نقول : إنّ طلب أدلّة الفروع من الفريقين ، وفي جميع التفاصيل غير وارد قطعاً ، ومثال لذلك بأنّ يأتي نصراني ويقول : اثبتوا لي أصل الصلاة ، أو الصيام ، أو الحجّ من الأديان الأُخرى ، فهل تستطيع إثبات ذلك له؟ بل إنّك سوف تجيبه بأنّ هذه الأديان مختلفة في الأُصول ، ولا يمكن بالتالي أنّ يتوافقوا في أدلّة الفروع ، لأنّ مصادر تشريعهم تختلف.

ص: 186


1- الكافي 3 / 421 ، تهذيب الأحكام 3 / 19 ، وسائل الشيعة 7 / 310.

إذاً ، سوف نحتاج إلى إثبات صحّة أحد هذه الأديان أو المذاهب في العقائد ، ومن ثمّ نسلّم بمصادر تشريعها للفروع وهذا واضح ، لأنّ الفروع تتفرّع وتبتني على أُصولها ومنابعها ، وهذا أمر مسلّم لدى الجميع.

ومع ذلك فقد يتّفق في بعض المسائل الفرعية أن تكون متّفقاً عليها لدى الجميع ، وقد يكون لديك حكماً تنفرد به ، ومع ذلك تجد أدلّته في كتب المخالفين ، وقد توجد مسائل لا تجد لها دليلاً لدى المخالف ، بل في نفس المذهب الواحد قد يشذّ أو ينفرد أحد العلماء بقول لا دليل عليه ، حتّى في مذهبه نفسه ، وهذا واضح أيضاً.

ومسألتنا من المسائل التي ننفرد بها عن سوانا ، ولكن سوف نأتي بادلّتها من كتبهم أيضاً إن شاء اللّه تعالى.

فنقول : أمّا الأدلّة من كتب أتباع أهل البيت عليهم السلام فمنها :

1 - عن المفضّل بن عمر قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : لأي علّة يكبّر المصلّي بعد التسليم ثلاثاً يرفع بها يديه؟ فقال : « لأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله لمّا فتح مكّة صلّى بأصحابه الظهر عند الحجر الأسود ، فلمّا سلّم رفع يديه وكبّر ثلاثاً ... » (1).

2 - عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : « إذا سلّمت فارفع يديك بالتكبير ثلاثاً »(2).

وأمّا من كتب أهل السنّة فمنها :

1 - عن ابن عباس قال : إنّ رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبيّ صلى اللّه عليه وآله.

وقال ابن عباس : كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته(3).

ص: 187


1- علل الشرائع 2 / 360.
2- مستدرك الوسائل 5 / 52.
3- صحيح البخاري 1 / 204 ، مسند أحمد 1 / 367 ، المصنّف للصنعاني 2 / 245 ، صحيح ابن خزيمة 3 / 102.

فلو جمعنا هذه الروايات وجعلناها رواية واحدة ، يتبيّن لنا بأنّ المراد برفع الصوت بالذكر بعد انقضاء الصلاة على عهد النبيّ صلى اللّه عليه وآله هو التكبير.

2 - عن ابن عباس في الحديث السابق قال : ما كنت أعرف انقضاء صلاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إلاّ بالتكبير(1).

3 - قال ابن حجر العسقلاني عند شرحه للحديث : وفيه دليل على جواز الجهر بالذكر عقب الصلاة ، قال الطبري : فيه الإبانة عن صحّة ما كان يفعله بعض الأمراء من التكبير عقب الصلاة ، وتعقّبه ابن بطال بأنّه لم يقف على ذلك عن أحد من السلف ، إلاّ ما حكاه بن حبيب في الواضحة أنّهم كانوا يستحبّون التكبير في العساكر عقب الصبح والعشاء تكبيراً عالياً ثلاثاً(2).

أمّا مسألة رفع اليدين عن التكبير ، فالأدلّة العامّة تشمل كُلّ تكبير ، وهذا التكبير داخل قطعاً لعدم الفرق بينه وبين كُلّ تكبير في الصلاة ، فإنّه آخر فعل مستحبّ فيها ، فيكون حكمه حكم كُلّ تكبير في الصلاة ، واليك الأحاديث الواردة في شأنها :

1 - عن عمير بن حبيب قال : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يرفع يديه مع كُلّ تكبيرة في الصلاة المكتوبة(3).

2 - عن قتادة قال : قلت لأنس بن مالك : أرنا كيف صلاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟ فقام فصلّى فكان يرفع يديه مع كُلّ تكبيرة ، فلمّا انصرف قال : هكذا كانت صلاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله(4).

ص: 188


1- مسند أحمد 1 / 222 ، صحيح مسلم 2 / 91 ، سنن أبي داود 1 / 226 ، سنن النسائي 3 / 67.
2- فتح الباري 2 / 269.
3- سنن ابن ماجة 1 / 280 ، المعجم الكبير 17 / 49 ، تاريخ مدينة دمشق 18 / 154.
4- المعجم الأوسط 9 / 105.

ونفهم - من التأكيد على رفع اليدين مع كُلّ تكبيرة وسؤاله عن كيفية الصلاة وأخباره بأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان يصلّي هكذا - من كُلّ ذلك بأنّ الناس قد تلاعبوا بالصلاة ، وخصوصاً بهذه السنّة التي ركّز عليها قتادة ، وأكّد وجودها أنس ، فأصبحت بعد ذلك من المستغربات والسنن المهجورة عندهم ، فأكّدها ونسبها للنبي صلى اللّه عليه وآله.

3 - عن الذيال بن حرملة قال : سألت جابر بن عبد اللّه الأنصاري : كم كنتم يوم الشجرة؟ قال : كنا ألفاً وأربعمائة ، قال : وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يرفع يديه في كُلّ تكبيرة من الصلاة(1).

4 - عن نافع قال : إنّ عبد اللّه بن عمر كان إذا أبصر رجلاً يصلّي لا يرفع يديه كُلّما خفض ورفع حصبه حتّى يرفع يديه(2).

5 - وأخيراً قال المحدّث الوهّابي الألباني : « وأمّا الرفع من التكبيرات الأُخرى ، ففيه عدّة أحاديث أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان يرفع يديه عند كُلّ تكبيرة » (3).

ص: 189


1- مجمع الزوائد 2 / 101 ، التاريخ الكبير 8 / 105.
2- مسند الحميدي 2 / 277.
3- تمام المنّة : 172.

ص: 190

صلاة التراويح :

اشارة

( شهيناز - البحرين - سنّية - 20 سنة - طالبة جامعة )

هي من سنّة عمر لا من سنّة الرسول :

س : لماذا الشيعة لا يصلّون صلاة التراويح؟ وكثير من صلوات السنّة؟ ومن هذا المنطلق أهل السنّة يسمّون الشيعة بالروافض ، لأنّه على حدّ قولهم : أنّ الشيعة يرفضون اتباع سنّة الرسول صلى اللّه عليه وآله.

ج : إنّ اللّه تعالى فرض على عباده الفرائض ، وأوحى بها إلى رسوله صلى اللّه عليه وآله لتبليغ ذلك إلى أُمّته ، فكُلّ صلاة وصيام وحجّ وزكاة وغيرها من الفرائض كانت عن اللّه تعالى ، أوحاها إلى نبيّه صلى اللّه عليه وآله وبلّغها بدوره إلى أُمّته.

وهكذا ، فإنّ أيّة عبادة تسمّى توقيفية ، أي تتوقّف مشروعيتها على استئذان الشارع واعتباره إيّاها ، وما عدا ذلك من صلاة بما أنّها لم تكن من قبل النبيّ صلى اللّه عليه وآله مشرّعة فإنّها بدعة ، والبدعة هي إدخال ما ليس في الدين في الدين.

وعندها فإنّ العبادة التي لم يشرّعها الشارع تعدّ غير مشروعة وغير معتبرة ، ومن يدري فلعلّ ما نفعله دون إذن الشارع من العبادة التي هي التقرّب إلى اللّه تعالى ستكون مبعّدة عن اللّه تعالى ، بل سننال سخطه تعالى وغضبه.

ومن هنا فإنّ الشيعة الإمامية لا تتعدّى النصّ الوارد عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله في إحداث أيّة عبادة لم يأمر بها صلى اللّه عليه وآله ، وليس لأحد الحقّ في تشريع عبادة معيّنة ، فإذا

ص: 191

شرّعها أحد دون النبيّ صلى اللّه عليه وآله صارت تلك العبادة بدعة ، واستحقّ بذلك سخط اللّه تعالى وغضبه.

وهكذا في صلاة التراويح ، فلم يرد فيها نصّ قرآني ولا حديث نبوي حتّى يمكننا أن نقول بشرعية هكذا عبادة ، أمّا إذا كانت مستندة إلى اجتهاد رجل ورأي يرتأيه ، فهذا ما لا تعتبره الإمامية مشروعاً بل تعتبره بدعة.

واليكِ ممّن اعترف بأنّ صلاة التراويح هي ليست من سنّة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، بل هي من سنّة عمر بن الخطّاب ، وهو أوّل من سنّها وجمع الناس عليها ، كما نصّ عليه الباجي والسيوطي والسكتواري وغيرهم.

وإنّ إقامة النوافل بالجماعات في شهر رمضان من محدثات عمر ، وأنّها بدعة حسنة(1).

( هويدا - ... - ..... )

صلاة ابتدعها عمر :

س : لماذا لا نصلّي التراويح مثل أهل السنّة؟

ج : نعلمك بأنّ صلاة التراويح في الواقع هي صلاة الألف ركعة النافلة في شهر رمضان ، وورد في فضل هذه الصلاة فضل كثير ، ولكن عمر بن الخطّاب أضاف إلى هذه النافلة « الجماعة » ، أي أنّها تصلّى جماعة لا فرادى.

ص: 192


1- كتاب الموطّأ 1 / 114 ، صحيح البخاري 2 / 252 ، السنن الكبرى للبيهقي 2 / 493 ، فتح الباري 4 / 219 ، المدونة الكبرى 1 / 222 ، تنوير الحوالك : 137 ، المغني لابن قدامة 1 / 798 ، الشرح الكبير 1 / 747 ، نيل الأوطار 3 / 63 ، نصب الراية 2 / 174 ، الجامع لأحكام القرآن 2 / 87 ، تفسير القرآن العظيم 1 / 166 ، تاريخ بغداد 8 / 51 ، سير أعلام النبلاء 10 / 70 ، تاريخ المدينة 2 / 714 ، سبل الهدى والرشاد 1 / 365 ، تحفة الأحوذي 3 / 450 ، المصنّف للصنعاني 4 / 259 ، صحيح ابن خزيمة 2 / 155 ، شرح نهج البلاغة 12 / 159 ، التعديل والتجريح 1 / 46 ، كنز العمّال 8 / 407 ، سبل السلام 2 / 10.

وكما هو المعلوم : أنّ العبادات توقيفية ، أي أنّها تؤدّى كما ذكرها الشارع ، والإضافة على ما جاء به الشارع يكون بدعة ، ولهذا لمّا أضاف عمر الجماعة إلى النافلة وقال : نعمت البدعة.

( محمّد - عمان - 22 سنة - طالب جامعة الطبّ )

أدلّة مشروعيتها عند أهل السنّة :

س : ما هو دليل العامّة على مشروعية صلاة التراويح؟ وما هو ردّنا العلمي على ذلك؟

ج : ابتدع أهل السنّة صلاة التراويح - وهي قيام ليالي شهر رمضان جماعة - ودليلهم : أنّ عمر بن الخطّاب هو الذي جمع الناس على إمام واحد ، ولم يشرّعها النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ولم يسنّها بل كانت سنّة عمر.

على أنّ عمر بن الخطّاب قال معترفاً بأنّها ليس من تشريع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بل هي بدعةً ابتدعها ، إلاّ أنّه وصفها أنّها بدعة حسنة.

قال عبد الرحمن بن عبد القاري : « خرجت مع عمر بن الخطّاب ليلة في رمضان إلى المسجد ، فإذا الناس أوزاع متفرّقون ، يصلّي الرجل لنفسه ، ويصلّي الرجل فيصلّي بصلاته الرهط.

فقال عمر : إنّي أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ، ثمّ عزم فجمعهم على أُبي بن كعب ، قال : ثمّ خرجت معه في ليلة أُخرى والناس يصلّون بصلاة قارئهم ، فقال عمر : نعمت البدعة هذه ... » (1).

على أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان قد نهى عنها ، وإليك ما رواه البخاري : حدّثنا عبد الأعلى بن حمّاد قال : حدّثنا وهيب قال : حدّثنا موسى بن عقبة ، عن سالم أبي

ص: 193


1- المغني لابن قدامة 1 / 798 ، تحفة الأحوذي 3 / 450 ، نصب الراية 2 / 174 ، كنز العمّال 8 / 407 ، تلخيص الحبير 4 / 247 ، كتاب الموطّأ 1 / 114 ، تنوير الحوالك : 137 ، الشرح الكبير 1 / 747 ، نيل الأوطار 3 / 63 ، صحيح البخاري 2 / 252 ، فتح الباري 4 / 219 ، المصنّف للصنعاني 4 / 259 ، صحيح ابن خزيمة 2 / 155.

النضر ، عن بسر بن سعيد ، عن زيد بن ثابت : أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله اتخذ حجرة ، قال : حسبت إنّه قال : من حصير في رمضان فصلّى فيها ليالي ، فصلّى بصلاته ناس من أصحابه ، فلمّا علم بهم جعل يقعد ، فخرج إليهم فقال : « قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم ، فصلّوا أيّها الناس في بيوتكم ، فإنّ أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلاّ المكتوبة » (1).

وأنت ترى صراحة نهي النبيّ صلى اللّه عليه وآله عن الإتيان بهذه الصلاة ، ومن ثمّ اعترف عمر بأنّها لم تسنّ من قبل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، بل ابتدعها من عنده ، علماً أنّ البدعة : الحدث وما ابتدع من الدين بعد الإكمال.

ومن الغريب تقسيم ابن الأثير البدعة إلى بدعتين : بدعة هدى وبدعة ضلال ، وقال : « وذلك إذا كان في خلاف ما أمر اللّه به ورسوله صلى اللّه عليه وآله ، ومن هذا النوع قول عمر : نعمت البدعة هذه ، لما كانت من أفعال الخير وداخلة في حيّز المدح سمّاها بدعة ومدحها ، لأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله لم يسنّها لهم ، وإنّما صلاّها ليالي ثمّ تركها ولم يحافظ عليها ، ولا جمع الناس لها ، ولا كانت في زمن أبي بكر ، وإنّما عمر جمع الناس عليها وندبهم إليها ... »(2).

وهذا كما ترى من غريب ما يعتذر به ، فاعترافه بدعة وإنّها لم يأمر بها النبيّ صلى اللّه عليه وآله ولم يسنّها ، دليل كاف على أنّها بدعة ، وكُلّ بدعة ضلالة ، وكُلّ ضلالة في النار.

هذا ما رووه أهل السنّة فضلاً عن الشيعة ، فكيف تكون بعد ذلك البدعة نوعان : بدعة هدى وبدعة ضلال؟ وهذا العذر يمكن أن يعتذر به كُلّ أحد ، فإذا قلنا للسارق لماذا سرقت؟ قال : السرقة نوعان : سرقة حرام وسرقة حلال ، وهذه سرقتي حلال ، فعلتها طلباً لقوت أطفالي ، وهكذا يمكن أن يفتح باباً للاعتذار عن كُلّ ذنب ومعصية ، ولا يحقّ لأحد الاعتراض عليه بعد ذلك.

ص: 194


1- صحيح البخاري 1 / 178.
2- النهاية في غريب الحديث 1 / 106.

على أنّه يمكن لأيّ أحد أن يبتدع صلاةً معيّنة ، أو عملاً معيّناً ويقول : هي بدعة ، ولكن نعمت البدعة هذه ... كما فعل من قبلي عمر!!

وأنت تعلم أنّ العبادة أمر توقيفي ، أي أنّها موقوفة من قبل الشارع ، فما لم يأمر به الشارع فلا يجوز الإتيان به ، فكيف نتعبّد بأمرٍ نهى عنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟!

أليس العبادة هي التقرّب إلى اللّه تعالى ، فكيف نتقرّب إلى اللّه بشيء مبغوض ، فإنّ الأمر المنهي عنه مبغوض عند اللّه ، إذ لا ينهي النبيّ عن شيء إلاّ كونه مبغوض ، فكيف نتقرّب إلى اللّه بشيء مبغوض؟!

وهل فات النبيّ صلى اللّه عليه وآله تشريع صلاة التراويح؟ إذا كانت مندوبة عند اللّه تعالى ومطلوبة ، فهل غفل عن ذلك النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسبقه إلى ذلك عمر؟! سؤال نطرحه إلى كُلّ من رأى محبوبية صلاة التراويح وتشريعها.

فإننا أتباع سنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وليس سنّة أحد ، فكُلّ سنّة دون سنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بدعة ، وكُلّ بدعة ضلالة ، وكُلّ ضلالة في النار.

أعاذنا اللّه وإيّاك من البدع ، ووفّقنا للعمل بسنّة رسوله صلى اللّه عليه وآله.

( عبد اللّه - الكويت - 28 سنة - خرّيج ثانوية )

تعقيب على الجواب السابق :

س : تحية طيّبة ، وبعد :

أقول : لقد تقدّم القول : إنّ البدعة - في المعنى الاصطلاحي الشرعي - هي إدخال ما ليس من الدين في الدين ، وهذا التعريف - أي الإدخال في الدين - يحتمل معنى الزيادة ومعنى الإنقاص أيضاً.

ولنبدأ بتعريف صلاة التراويح : هي النافلة جماعة في ليالي شهر رمضان ، وإنّما سمّيت تراويح للاستراحة فيما بعد كُلّ أربع ركعات.

نبحث بما روى عن الرسول صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « أيّها الناس إنّ الصلاة بالليل في شهر رمضان من النافلة في الجماعة بدعة ، وصلاة الضحى بدعة ، ألا فلا تجتمعوا ليلاً في شهر رمضان لصلاة الليل ، ولا تصلّوا صلاة الضحى فإنّ تلك

ص: 195

معصية ، ألا فإنّ كُلّ بدعة ضلالة ، وكُلّ ضلالة سبيلها إلى النار » ثّم نزل صلى اللّه عليه وآله وهو يقول : « قليل في سنّة خير من كثير في بدعة » (1).

وروي عن زيد بن ثابت قال : احتجر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حجيرة مخصفة أو حصيراً ، فخرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إليها ، فتتبع إليه رجال وجاءوا يصلّون بصلاته ، ثمّ جاءوا إليه فحضروا ، وأبطأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عنهم ، فلم يخرج إليهم ، فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب ، فخرج إليهم مغضباً ، فقال لهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « ما زال بكم صنيعكم حتّى ظننت أنّه سيكتب عليكم ، فعليكم بالصلاة في بيوتكم ، فإنّ خير صلاة المرء في بيته ، إلاّ الصلاة المكتوبة » (2).

وعن أنس قال : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يصلّي في رمضان ، فجئت فقمت إلى جنبه ، وجاء رجل فقام أيضاً حتّى كنّا رهط ، فلمّا أحسّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله أنّا خلفه جعل يتجوّز في الصلاة ، ثمّ دخل رحله فصلّى صلاة لا يصلّيها عندنا ، قال : قلنا له حين خرج : أفطنت بنا الليلة؟ فقال : « نعم ، ذاك الذي حملني على الذي صنعت » (3).

وعن أبي سلمة ، أنّه سأل عائشة : كيف كانت صلاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في رمضان؟

فقالت : ما كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يزيد في رمضان ولا في غيرها على إحدى عشرة ركعة ، يصلّي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ، ثمّ يصلّي أربعاً فلا تسألوا عن حسنهن وطولهن ، ثمّ يصلّي ثلاثاً.

فقالت عائشة : فقلت : يا رسول اللّه ، أتنام قبل أن توتر؟ قال : « يا عائشة! إنّ عيني تنامان ، ولا ينام قلبي » (4). .

ص: 196


1- من لا يحضره الفقيه 2 / 137 ، الاستبصار 1 / 468 ، تهذيب الأحكام 3 / 70.
2- صحيح البخاري 7 / 99 ، صحيح مسلم 2 / 188 ، المعجم الكبير 5 / 144.
3- صحيح مسلم 3 / 134.
4- الموطّأ 1 / 120 ، صحيح البخاري 2 / 47 و 252 ، صحيح مسلم 2 / 166 ، سنن أبي داود 1 / 301.

وسُئل عمر عن الصلاة في المسجد فقال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « الفريضة في المسجد ، والتطوّع في البيت »(1).

ومثل هذه الأحاديث الصحيحة كثيرة جدّاً في كتب أرباب الحديث ، ولكن الغريب أنّ بعضهم قال : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله أتى بها ثمّ تركها من غير نسخ ، وهو يتعارض مع قوله صلى اللّه عليه وآله : « فعليكم بالصلاة في بيوتكم » ، وقوله صلى اللّه عليه وآله : « ذلك الذي حملني على الذي صنعت » ، وغضبه لاجتماعهم في النافلة ، لا يعني مطلقاً أنّ التراويح كانت عملاً جائزاً.

والأغرب من هذا كُلّه ، أنّ كتب الحديث والتاريخ تقول : أنّ صلاة التراويح من مبدعات عمر بن الخطّاب ... فلماذا هذه الدعاوى وهذه التعاليل؟!

ولذا ، فإنّ صلاة التراويح لم يشرّعها الشارع المقدّس بل هي بدعة ، وقد روي عنه صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « من رغب عن سنّتي فليس منّي »(2).

ومن أقوال علماء أهل السنّة بأنّ صلاة التراويح هي من فعل عمر بن الخطّاب ، وليست من عمل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

قال أبو الوليد محمّد بن الشحنة حيث ذكر وفاة عمر في حوادث سنة 33 من تاريخه : « هو أوّل من نهى عن بيع أُمّهات الأولاد ، وجمع الناس على أربع تكبيرات في صلاة الجنائز ، وأوّل من جمع الناس على إمام يصلّي بهم التراويح ، الخ ».

ولما ذكر السيوطي في تاريخه أوّليات عمر نقلاً عن العسكري قال : « هو أوّل من سمّي أمير المؤمنين ... ، وأوّل من سنّ قيام شهر رمضان - بالتراويح - ... ، وأوّل من حرّم المتعة ... ، وأوّل من جمع الناس في صلاة الجنائز على أربع تكبيرات ... » (3).

وقال ابن سعد : « وهو أوّل من سنّ قيام شهر رمضان - بالتراويح - وجمع الناس على ذلك ، وكتب به إلى البلدان ، وذلك في شهر رمضان سنة أربع

ص: 197


1- الجامع الصغير 2 / 231 ، كنز العمّال 7 / 771 و 8 / 384.
2- صحيح البخاري 6 / 116 ، صحيح مسلم 4 / 129 ، سنن النسائي 6 / 60.
3- الإمامة والسياسة : 126.

عشرة ، وجعل للناس بالمدينة قارئين ، قارئاً يصلّي بالرجال ، وقارئاً يصلّي بالنساء ... » (1).

وقال الشوكاني : « وقال مالك وأبو يوسف وبعض الشافعية وغيرهم : الأفضل فرادى في البيت لقوله صلى اللّه عليه وآله : « أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلاّ المكتوبة » متّفق عليه.

وقالت العترة : إنّ التجميع فيها بدعة (2).

أضف إلى هذا ، أنّ إعفاء النافلة من الجماعة يمسك على البيوت حظّها من البركة والشرف بالصلاة فيها ، ويمسك عليها حظّها من تربية الناشئة على حبّها والنشاط لها ، ذلك لمكان القدوة في عمل الآباء والأُمّهات ، والأجداد والجدّات ، وتأثيره في شدّ الأبناء إليها شدّاً يرسخها في عقولهم وقلوبهم.

وقال عبد اللّه بن سعد : سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أيّما أفضل : الصلاة في بيتي أو الصلاة في المسجد؟ فقال صلى اللّه عليه وآله : « ألا ترى إلى بيتي ما أقربه من المسجد! فلأن أصلّي في بيتي أحبّ إليّ من أن أصلّي في المسجد ، إلاّ أن تكون صلاة مكتوبة » (3).

وعن زيد بن ثابت : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله ... فقال صلى اللّه عليه وآله : » ... فصلّوا أيّها الناس في بيوتكم ، فإنّ أفضل صلاة المرء في بيته ، إلاّ الصلاة المكتوبة » (4).

وعن أنس بن مالك قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « أكرموا بيوتكم ببعض صلاتكم » (5). .

ص: 198


1- الطبقات الكبرى 3 / 281.
2- نيل الأوطار 3 / 60.
3- سنن ابن ماجة 1 / 439 ، الآحاد والمثاني 2 / 145 ، مسند الشاميين 2 / 159.
4- مسند أحمد 5 / 182 ، صحيح البخاري 1 / 178 و 8 / 142 ، سنن النسائي 3 / 198 ، السنن الكبرى للبيهقي 2 / 494 و 3 / 109.
5- المستدرك 1 / 313 ، المصنّف للصنعاني 1 / 393 ، صحيح ابن خزيمة 2 / 213 ، الجامع الصغير 1 / 212.

وعنه صلى اللّه عليه وآله قال : « مثل الذي يذكر اللّه فيه والبيت الذي لا يذكر اللّه فيه مثل الحيّ والميت »(1).

وعن جابر قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده ، فليجعل لبيته نصيباً من صلاته ، فإنّ اللّه جاعل في بيته من صلاته خيراً »(2).

وما روي عن ابن أبي الحديد : أنَّ الإمام عليه السلام بعث الحسن عليه السلام ليفرّقهم عن الجماعة في نافلة رمضان.

ففي شرح النهج : « روي أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام لمّا اجتمعوا إليه بالكوفة ، فسألوه أن ينصب لهم إماماً يصلّي بهم نافلة شهر رمضان ، زجرهم وعرّفهم أنّ ذلك خلاف السنّة فتركوه ، واجتمعوا لأنفسهم وقدّموا بعضهم ، فبعث إليهم ابنه الحسن عليه السلام ، فدخل عليهم المسجد ومعه الدرّة ، فلمّا رأوه تبادروا الأبواب وصاحوا : وا عمراه »(3).

ومن خلال التأمّل في الروايات المتقدّمة ، تراها أجمعت على النهي عن أداء صلاة التراويح جماعة ، غاية الأمر أنَّ بعض الروايات أرجعت النهي إلى أسباب خشية رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أن تكتب عليهم أي أن تفرض عليهم فتكون جزءً من التشريع بتلك الكيفية.

فأعترف بأنّها بدعة وخلاف السنّة ، وهم يروون عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « كُلّ بدعة ضلالة ، وكُلّ ضلالة في النار » (4).

وأقول لمن يريد الحقّ : فليراجع المصادر ، ويبتعد عن التعصّب والجاهلية ، وليعلم بأنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال لأصحابه : « ذَرُوني ما تركتكم ، فإنّما هلك

ص: 199


1- مسند أبي يعلى 13 / 291 ، الجامع الصغير 2 / 528 ، كشف الخفاء 2 / 197.
2- مسند أحمد 3 / 316 ، صحيح مسلم 2 / 187 ، المصنّف لابن أبي شيبة 2 / 157 ، مسند أبي يعلى 3 / 446.
3- شرح نهج البلاغة 12 / 283.
4- سنن النسائي 3 / 189 ، السنن الكبرى للنسائي 1 / 550 و 3 / 450 ، صحيح ابن خزيمة 3 / 143.

من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، ما نهيتكم عنه فانتهوا ، وما أمرتكم فأتوا منه ما استطعتم »(1) ، ثمّ يقول في الحديث التالي : « مَن أطاعني فقد أطاع اللّه ، ومَن عصاني فقد عصى اللّه »(2).

ويقول اللّه تعالى : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَا نْتَهُوا ) (3) ، وقال أيضاً : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) (4).

وأخيراً ، نسأل اللّه تعالى أن يجمعنا على كلمة الحقّ.

( أبو علي - الكويت - .... )

نهى عنها الإمام علي عليه السلام :

السؤال : بعد الصلاة على محمّد وآله الطيبين الطاهرين ، لماذا لم ينه الإمام علي عليه السلام عن صلاة التراويح على الرغم من أنّه عليه السلام لم تأخذه بالحقّ لومة لائم؟ وكان أوّل فعله عند استلامه للخلافة أن عزل الولاة الظالمين ، ومنهم الملعون معاوية بن أبي سفيان ، حيث لم ينتظر أمير المؤمنين عليه السلام أن تثبت له أركان الخلافة ، فلم لم ينه عن هذه الصلاة البدعة؟

ج : لمّا ولي الإمام علي عليه السلام أُمور المسلمين ، وجد صعوبة كبيرة في إرجاع الناس إلى السنّة النبوية الشريفة ، وحظيرة القرآن الكريم ، وحاول جهده أن يزيل البدع التي أُدخلت في الدين ، ومنها صلاة التراويح ، ولكن بعضهم صاح : وا عمراه.

ص: 200


1- مسند أحمد 2 / 247 و 428 و 457 و 508 ، صحيح مسلم 4 / 102 ، السنن الكبرى للبيهقي 7 / 103 ، المعجم الأوسط 6 / 136.
2- مسند أحمد 2 / 252 و 270 و 416 و 467 ، صحيح البخاري 4 / 8.
3- الحشر : 7.
4- المائدة : 11.

روى ذلك ابن أبي الحديد في شرح النهج ، حيث قال : « وقد روي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لمّا اجتمعوا إليه بالكوفة ، فسألوه أن ينصب لهم إماماً يصلّي بهم نافلة شهر رمضان ، زجرهم وعرّفهم أنّ ذلك خلاف السنّة فتركوه ، واجتمعوا لأنفسهم وقدّموا بعضهم ، فبعث إليهم ابنه الحسن عليه السلام ، فدخل عليهم المسجد ومعه الدرّة ، فلمّا رأوه تبادروا الأبواب ، وصاحوا : وا عمراه » (1).

وقال الإمام علي عليه السلام : « قد عملت الولاة قبلي أعمالاً خالفوا فيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله متعمّدين لخلافه ، ناقضين لعهده ، مغيّرين لسنّته ، ولو حملت الناس على تركها ... إذاً لتفرّقوا عنّي ، واللّه لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلاّ في فريضة ، وأعلمتهم أن اجتماعهم في النوافل بدعة ، فتنادى بعض أهل عسكري ممّن يقاتل معي : يا أهل الإسلام غيّرت سنّة عمر! ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوّعاً ، ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري ... »(2).

( أحمد محمّد - البحرين - 22 سنة - طالب جامعة )

وفرقها مع صلاة جعفر الطيّار :

س : إذا كانت صلاة التراويح بدعة ، فما هو اختلافها مع صلاة جعفر الطيّار؟

ج : لاشكّ أنّ كلا الصلاتين - صلاة التراويح وصلاة جعفر الطيّار - من الصلوات المستحبّة ، بمعنى ورد من الشارع المقدّس استحباب بإتيانهما ، كما ورد من الشارع المقدّس أنّ الصلوات المستحبّة لا تصلّى إلاّ فرادى ، ولو صلّيت جماعة تكون باطلة.

ص: 201


1- شرح نهج البلاغة 12 / 283.
2- الكافي 8 / 59.

وعليه ، باعتبار أنّ صلاة التراويح عند أهل السنّة تصلّى جماعة لا فرادى ، فتكون باطلة وغير صحيحة.

وكما هو معلوم : أنّ صلاة التراويح - التي هي صلاة ألف ركعة تصلّى في ليالي شهر رمضان - إنّما صلّيت جماعة بعدما كانت تصلّى فرادى ، بأمر من عمر بن الخطّاب ، لا بأمر من الشارع المقدّس ، وعمر ليس له حقّ التشريع ، فصار إتيانها جماعة بدعة.

وقد اعترف عمر بنفسه بأنّها بدعة ، ولكن عبّر عن هذه البدعة ب- : « نعمت البدعة » ، بينما صلاة جعفر الطيّار ليست كذلك ، فإنّها تؤدّى فرادى لا جماعة.

ص: 202

الصلاة عند القبور :

اشارة

( إبراهيم - السعودية - .... )

ليست محرّمة :

س : هل تجوز الصلاة عند القبور؟ وشكراً.

ج : قد جرت السيرة المطّردة من صدر الإسلام - منذ عصر الصحابة الأوّلين ، والتابعين لهم بإحسان - على زيارة قبور ، ضمّنت في كنفها نبيّاً مرسلاً ، أو إماماً طاهراً ، أو وليّاً صالحاً ، أو عظيماً من عظماء الدين ، وفي مقدّمها قبر النبيّ الأكرم صلى اللّه عليه وآله.

وكانت الصلاة لديها ، والدعاء عندها ، والتبرّك والتوسّل بها ، والتقرّب إلى اللّه ، وابتغاء الزلفة لديه بإتيان تلك المشاهد من المتسالم عليه بين فرق المسلمين ، من دون أيّ نكير من آحادهم ، وأيّ غميزة من أحد منهم على اختلاف مذاهبهم ، حتّى ولد ابن تيمية الحرّاني ، فجاء كالمغمور مستهتراً يهذي ولا يبالي ، فأنكر تلكم السنّة الجارية ، وخالف هاتيك السيرة المتبعة ، فإذاً دليل جواز الصلاة عند القبور سيرة المسلمين.

وأمّا حديث ابن عبّاس : لعن رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وآله زائرات القبور ، والمتّخذين عليها المساجد والسُرُج(1) ، فالظاهر والمتبادر من اتّخاذ المسجد على القبر هو السجود

ص: 203


1- مسند أحمد 1 / 229 ، سنن أبي داود 2 / 87 ، الجامع الكبير 1 / 201 ، سنن النسائي 4 / 95.

على نفس القبر ، وهذا غير الصلاة عند القبر ، هذا لو حملنا المساجد على المعنى اللغوي.

وأمّا لو حملناها على المعنى الاصطلاحي ، فالمذموم اتّخاذ المسجد عند القبور ، لا مجرّد إيقاع الصلاة ، كما هو المتعارف بين المسلمين ، فإنّهم لا يتّخذون المساجد على المراقد ، فإنّ اتّخاذ المسجد ينافي الغرض في إعداد ما حول القبر إعانة للزوّار على الجلوس لتلاوة القرآن وذِكر اللّه والدعاء والاستغفار ، بل يُصَلُّون عندها ، كما يأتون بسائر العبادات هنالك.

هذا ، مع أنّ اللعن غير دالٍّ على الحرمة ، بل يجامع الكراهةَ أيضاً.

( .... - البحرين - .... )

الأدلّة على جوازها :

س : ما هو ردّكم على كلام ابن تيمية حيث قال : لم يقل أحد من أئمّة السلف أنّ الصلاة عند القبور وفي مشاهد القبور مستحبّة ، أو فيها فضيلة ، ولا أنّ الصلاة هناك والدعاء أفضل من الصلاة في غير تلك البقعة والدعاء ، بل اتفقوا كُلّهم على أنّ الصلاة في المساجد والبيوت أفضل من الصلاة عند القبور(1).

ج : إنّ ما دلّ على جواز الصلاة والدعاء في كُلّ مكان يدلّ بإطلاقه على جواز الصلاة ، والدعاء عند قبر النبيّ صلى اللّه عليه وآله وقبور سائر الأنبياء والصالحين أيضاً ، ولا يشكّ في الجواز من له أدنى إلمام بالكتاب والسنّة ، وإنّما الكلام هو في رجحانها عند قبورهم.

فنقول في هذا المجال : إنّ إقامة الصلاة عند تلك القبور لأجل التبرّك بمن دفن فيها ، وهذه الأمكنة مشرّفة بهم ، وقد تحقّق شرف المكان بالمكين ، وليست الصلاة - في الحقيقة - إلاّ لله تعالى لا للقبر ولا لصاحبه ، كما أنّ الصلاة في

ص: 204


1- رسالة القبور 1 / 28.

المسجد هي لله أيضاً ، وإنّما تكتسب الفضيلة بإقامتها هنا لشرف المكان ، لا أنّها عبادة للمسجد.

فالمسلمون يصلّون عند قبور من تشرّفت بمن دفن فيها لتنالهم بركة أصحابها الذين جعلهم اللّه مباركين ، كما يصلّون عند المقام الذي هو حجر شرف بملامسة قدمي إبراهيم الخليل عليه السلام لها.

قال اللّه تعالى : ( وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ... ) (1) ، فليس لاتخاذ المصلّى عند ذلك المقام الشريف سبب إلاّ التبرّك بقيام إبراهيم عليه السلام عليه ، وهم يدعون اللّه عند القبور لشرفها بمن دفن فيها ، فيكون دعاؤهم عندها أرجى للإجابة وأقرب للاستجابة ، كالدعاء في المسجد أو الكعبة أو أحد الأمكنة ، أو الأزمنة التي شرّفها اللّه تعالى.

والحاصل : أنّه يكفي في جواز الصلاة الاطلاقات والعمومات الدالّة على أنّ الأرض جعلت لأُمّة محمّد مسجداً وطهوراً.

وأمّا الرجحان فللتبرّك بالمكان المدفون فيه النبيّ أو الولي ذي الجاه عند اللّه ، كالتبرّك بمقام إبراهيم ، أفلا يكون المكان الذي بورك بضمّه لجسد النبيّ الطاهر مباركاً ، مستحقّاً لأن تستحبّ عنده الصلاة وتندب عبادة اللّه فيه.

والعجب أنّ ابن القيّم جاء في كتابه زاد المعاد بما يخالف عقيدته ، وعقيدة أُستاذه ابن تيمية إذ قال : « وأنّ عاقبة صبر هاجر وابنها على البعد والوحدة ، والغربة والتسليم إلى ذبح الولد آلت إلى ما آلت إليه ، من جعل آثارهما ومواطئ أقدامهما مناسك لعباده المؤمنين ، ومتعبّدات لهم إلى يوم القيامة ، وهذه سنّته تعالى فيمن يريد رفعه من خلقه »(2).

ص: 205


1- البقرة : 125.
2- زاد المعاد 1 / 75.

فإذا كانت آثار إسماعيل وهاجر لأجل ما مسّها من الأذى مستحقّة لجعلهما مناسك ومتعبّدات ، فآثار أفضل المرسلين الذي قال : « ما أوذي نبيّ قطّ كما أوذيت » لا تستحقّ أن يعبد اللّه فيها ، وتكون عبادة اللّه عندها ، والتبرّك بها شركاً وكفراً؟ كيف وقد كانت عائشة ساكنة في الحجرة التي دفن فيها النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وبقيت ساكنة فيها بعد دفنه ودفن صاحبيه ، وكانت تصلّي فيها ، وهل كان عملها هذا عبادة لصاحب القبر يا ترى؟!

( ... - .... - .... )

لا ينافي قول : اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد :

س : هناك أحاديث عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله تنهى عن الصلاة عند القبور ، حيث ورد عنه : « قاتل اللّه اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » (1) ، فأرجو الردّ.

ج : لا يخفى عليكم أنّ تاريخ اليهود لا يتّفق مع مضامين هذا الحديث ، لأنّ سيرتهم قد قامت على قتل الأنبياء وتشريدهم وإيذائهم إلى غير ذلك من أنواع البلايا التي كانوا يصبّونها على أنبيائهم.

ويكفي في ذلك قوله تعالى : ( لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ ) (2).

وقوله تعالى : ( قُلْ قَدْ جَاءكُمْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) (3).

وقوله تعالى : ( فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ ... ) (4).

ص: 206


1- صحيح البخاري 1 / 113 ، صحيح مسلم 2 / 67.
2- آل عمران : 181.
3- آل عمران : 183.
4- النساء : 155.

أفتزعم أنّ أُمّة قتلت أنبياءها في مواطن مختلفة تتحوّل إلى أُمّة تشيّد المساجد على قبور أنبيائها تكريماً وتبجيلاً لهم؟ وعلى فرض صدور هذا العمل عن بعضهم ، فللحديث محتملات أُخرى غير الصلاة فيها والتبرّك بصاحب القبر ، وهي :

1 - اتخاذ القبور قبلة.

2 - السجود على القبور تعظيماً لها ، بحيث يكون القبر مسجوداً عليه.

3 - السجود لصاحب القبر بحيث يكون هو المسجود له ، فالقدر المتيقّن هو هذه الصور الثلاث لا بناء المسجد على القبور تبرّكاً بها.

والشاهد على ذلك أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حسب بعض الروايات يصف هؤلاء بكونهم شرار الناس.

أخرج مسلم : إنّ أُمّ حبيبة وأُمّ سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة ، فيها تصاوير لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « إنّ أُولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً ، وصوّروا فيه تلك الصور ، أُولئك شرار الخلق عند اللّه يوم القيامة » (1) ، إنّ وصفهم بشرار الخلق يميط اللثام عن حقيقة عملهم ، إذ لا يوصف الإنسان بالشرّ المطلق إلاّ إذا كان مشركاً - وإن كان في الظاهر من أهل الكتاب - قال تعالى : ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ) (2).

وقال : ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ) (3) ، وهذا يعرب عن أنّ عملهم لم يكن صرف بناء المسجد على القبر والصلاة فيه ، أو مجرد إقامة الصلاة عند القبور ، بل كان عملاً مقروناً بالشرك بألوانه ، وهذا كما في اتخاذ القبر مسجوداً له ، أو مسجوداً عليه ، أو قبلة يصلّي عليه.

ص: 207


1- صحيح مسلم 2 / 66.
2- الأنفال : 22.
3- الأنفال : 55.

قال القرطبي : « وروى الأئمّة عن أبي مرثد الغنوي قال : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول : « لا تصلّوا إلى القبور ، ولا تجلسوا عليها » ، أي لا تتخذوها قبلة فتصلّوا عليها أو إليها ، كما فعل اليهود والنصارى ، فيؤدّي إلى عبادة من فيها » (1).

إنّ الصلاة عند قبر الرسول صلى اللّه عليه وآله إنّما هو لأجل التبرّك بمن دفن ، ولا غرو فيه وقد أمر سبحانه الحجيج باتخاذ مقام إبراهيم مصلّى ، قال تعالى : ( وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ) (2).

إنّ الصلاة عند قبور الأنبياء كالصلاة عند مقام إبراهيم عليه السلام ، غير أنّ جسد النبيّ إبراهيم عليه السلام لامس هذا المكان مرّة أو مرّات عديدة ، ولكن مقام الأنبياء احتضن أجسادهم التي لا تبلى أبداً.

هذا وأنّ علماء الإسلام فسّروا الروايات الناهية بمثل ما قلناه ، قال البيضاوي : « لمّا كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور أنبيائهم تعظيماً لشأنهم ، ويجعلونها قبلة يتوجّهون في الصلاة نحوها ، واتخذوها أوثاناً ، لعنهم ، ومنع المسلمين عن مثل ذلك.

فأمّا من اتخذ مسجداً في جوار صالح ، وقصد التبرّك بالقرب منه لا للتعظيم له ، ولا للتوجّه ونحوه ، فلا يدخل في ذلك الوعيد »(3).

وقال السندي شارح سنن النسائي : « ومراده بذلك أن يحذّر صلى اللّه عليه وآله أُمّته أن يصنعوا بقبره ما صنع اليهود والنصارى بقبور أنبيائهم من اتخاذ تلك القبور مساجد ، إمّا بالسجود إليها تعظيماً لها ، أو بجعلها قبلة يتوجّهون في الصلاة إليها »(4).

ص: 208


1- الجامع لأحكام القرآن 10 / 280.
2- البقرة : 125.
3- فتح الباري 1 / 438 ، فيض القدير 5 / 320.
4- حاشية السندي على النسائي 2 / 41.

الصوم :

اشارة

( حسن - عمان - .... )

الإفطار في السفر واجب :

س : كيف يمكن الردّ على من يقول : أنّ الإفطار في السفر ليس واجباً بل هو اختياري ، وهو يعتمد على قوله تعالى : ( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) (1) ، أرجو أن يكون الردّ مفصّلاً.

ج : اتّفقت كلمة الفقهاء من الفريقين على مشروعية الإفطار في السفر تبعاً للذكر الحكيم ، والسنّة المتواترة ، إلاّ أنَّهم اختلفوا في كونه عزيمة أو رخصة ، نظير الخلاف في كون القصر فيه جائزاً أو واجباً.

ذهبت الإمامية - تبعاً لأئمّة أهل البيت عليهم السلام - والظاهرية إلى كون الإفطار عزيمة ، واختاره من الصحابة : عبد الرحمن بن عوف ، وعمر وابنه عبد اللّه ، وأبو هريرة ، وعائشة ، وابن عباس ، ومن التابعين : سعيد بن المسيّب ، وعطاء ، وعروة بن الزبير ، وشعبة ، والزهري ، والقاسم بن محمّد بن أبي بكر ، ويونس ابن عبيد وأصحابه(2).

وذهب جمهور أهل السنّة - وفيهم فقهاء المذاهب الأربعة - إلى كون الإفطار رخصة ، وإن اختلفوا في أفضلية الإفطار والصوم.

ص: 209


1- البقرة : 184.
2- أُنظر : المحلّى 6 / 258 ، المصنّف للصنعاني 2 / 567.

ويدلّ على كون الإفطار في السفر عزيمة : الكتاب والسنّة ثمّ إجماع الإمامية والظاهرية ، أمّا الكتاب فيدلّ عليه قوله سبحانه : ( فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) (1).

استثنى سبحانه صنفين : المريض والمسافر ، والفاء للتفريع ، والجملة متفرّعة على قوله : ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ) وعلى قوله : ( أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ) فنبّه بالاستثناء على أنّه لو عرض عارض - من مرض أو سفر - فهو يوجب ارتفاع حكم الصوم ، وقضاءه بعد شهر رمضان ( فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) .

وعلى هذا المعنى فالآية بدلالتها المطابقية تفرض عليهما القضاء الذي هو يلازم عدم فرض الصيام عليهما ، وهذا يدلّ على أنّ الإفطار عزيمة ، إذ المكتوب عليهما من أوّل الأمر هو القضاء.

هذا وتظافرت السنّة المتواترة الواردة من طرق الشيعة والسنّة على أنّ الإفطار في السفر عزيمة ، ونذكر من كُلّ من الفريقين حديثين للاختصار ، وإذا أردت المزيد فعليك بكتاب البدعة للشيخ السبحاني :

1 - عن الزهري عن علي بن الحسين عليهما السلام قال : « وأمّا صوم السفر والمرض ، فإنّ العامّة قد اختلفت في ذلك ، فقال : يصوم ، وقال آخرون : لا يصوم ، وقال قوم : إن شاء صام ، وإن شاء أفطر ، وأمّا نحن فنقول : يُفطر في الحالين جميعاً ، فإن صام في حال السفر أو في حال المرض فعليه القضاء ، فإنّ اللّه تعالى يقول : ( فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) فهذا تفسير الصيام »(2).

2 - عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : « سمّى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قوماً صاموا حين أفطر وقصّر : عُصاة ، وقال : هُم العصاة إلى يوم القيامة ، وإنّا لنعرف أبناء أبنائهم إلى يومنا هذا » (3).

ص: 210


1- البقرة : 184.
2- وسائل الشيعة 10 / 174.
3- الكافي 4 / 128 ، من لا يحضره الفقيه 1 / 435 و 2 / 141 ، تهذيب الأحكام 4 / 217.

وأمّا ما رواه أهل السنّة في مجال الإفطار :

1 - عن جابر بن عبد اللّه : أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله خرج عام الفتح إلى مكّة في رمضان ، فصام حتّى بلغ كراع الغميم فصام الناس ، ثمّ دعا بقدح من ماء فرفعه حتّى نظر الناس إليه ثمّ شرب ، فقيل له بعد ذلك : إنّ بعض الناس قد صام؟ فقال : « أُولئك العصاة ، أُولئك العصاة »(1).

وهذا الحديث صريح في أنّ الصوم في السفر معصية لا يجوز.

2 - عن عبد الرحمن بن عوف قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر »(2).

هذا وإن استدلّ القائلون بكون الإفطار في السفر رخصة لا عزيمة بقوله تعالى : ( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) فالآية راجعة إلى المسافر ، فهو يدلّ مضافاً إلى جواز الصيام في السفر ، يدلّ على أفضليته فيه ، وينتج أنّ الإفطار رخصة والصيام أفضل.

ولكن يلاحظ عليه : أوّلاً : أنّ الاستدلال إنّما يتمّ لو لم نقل بأنّ الآية الثانية ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ... ) (3) ناسخة للآية المتقدّمة برمّتها ، ومنها قوله : ( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) ، وإلاّ فعلى القول بالنسخ - كما رواه البخاري - يسقط الاستدلال ، وإليك ما روى : قال : باب ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ ) (4) قال ابن عمر وسلمة بن الأكوع : نسختها ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ... ) (5).

ص: 211


1- صحيح مسلم 3 / 141 ، مسند أبي يعلى 3 / 400 ، صحيح ابن خزيمة 3 / 255 ، صحيح ابن حبّان 6 / 423.
2- سنن ابن ماجة 1 / 532 ، الجامع الصغير 2 / 91 ، كنز العمّال 8 / 503 ، الدرّ المنثور 1 / 191.
3- البقرة : 185.
4- البقرة : 184.
5- صحيح البخاري 2 / 238.

وثانياً : إنّ الاستدلال مبنيّ على أن لا يكون قوله سبحانه : ( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) ناسخاً لقوله : ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ له ) كما رواه البخاري عن ابن أبي ليلى ، أنّه حدّثه أصحاب محمّد صلى اللّه عليه وآله : نزل رمضان فشقّ عليهم ، فكان من أطعم كُلّ يوم مسكيناً ترك الصوم ممّن يطيقه ورخّص لهم في ذلك ، فنسختها : ( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) فأمروا بالصوم(1).

إذ على هذا التفسير لا صلة بالمنسوخ والناسخ بالمسافر ، بل كلاهما ناظران إلى الحاضر ، فقد كان من يطيقه تاركاً للصوم مقدّماً للفدية ، فنزل الوحي وأمرهم بالصوم ، فأيّ صلة له بالموضوع.

وثالثاً : مع غضّ النظر عمّا سبق من الأمرين ، وتسليم أنّ الآية ليس فيها نسخ - كما هو الحقّ - نقول : إنّ قوله : ( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) حضّ على الصيام ودعوة إلى تلك العبادة ، من غير نظر إلى المريض والمسافر والمطيق ، وإنّما هو خروج عن الآية بإعطاء بيان حكم كُلّي ، وهو أنّ الصيام خير للمؤمنين ، وليس عليهم أن يتخلّوا عنه لأجل تعبه ، ولأجل ذلك يقول : ( إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) .

قال العلاّمة الطباطبائي : « قوله تعالى : ( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) جملة متمّمة لسابقتها ، والمعنى بحسب التقدير : تطوّعوا بالصوم المكتوب عليكم ، فإنّ التطوّع بالخير خير ، والصوم خير لكم ، فالتطوّع به خير على خير.

وربما يقال : إنّ قوله : ( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) خطاب للمعذورين دون عموم المؤمنين المخاطبين بالفرض والكتابة ، فإنّ ظاهرها رجحان فعل الصوم غير المانع من الترك ، فيناسب الاستحباب دون الوجوب ، ويحمل على رجحان الصوم واستحبابه على أصحاب الرخصة من المريض والمسافر ، فيستحبّ عليهم اختيار الصوم على الإفطار والقضاء.

ص: 212


1- المصدر السابق 2 / 239.

ويرد عليه : عدم الدليل عليه أوّلاً ، واختلاف الجملتين ، أعني قوله : ( فَمَن كَانَ مِنكُم ... ) ، وقوله : ( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) بالغيبة والخطاب ثانياً ، وأنّ الجملة الأُولى ليست مسوقة لبيان الترخيص والتخيير ، بل ظاهر قوله : ( فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) تعيّن الصوم في أيّام أُخر كما مرّ ثالثاً.

وأنّ الجملة الأُولى على تقدير ورودها لبيان الترخيص في حقّ المعذور لم يذكر الصوم والإفطار حتّى يكون قوله : ( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) بياناً لأحد طرفي التخيير ، بل إنّما ذكرت صوم شهر رمضان ، وصوم عدّة من أيّام أُخر ، وحينئذ لا سبيل إلى استفادة ترجيح صوم شهر رمضان على صوم غيره ، من مجرد قوله : ( وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ ) من غير قرينة ظاهرة رابعاً.

وأنّ المقام ليس مقام بيان الحكم حتّى ينافي ظهور الرجحان كون الحكم وجوبياً ، بل المقام - كما مرّ سابقاً - مقام بيان ملاك التشريع ، وإنّ الحكم المشرّع لا يخلو عن المصلحة والخير والحسن ، كما في قوله تعالى : ( فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ ) (1) ، وقوله تعالى : ( فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ ) (2) ، وقوله تعالى : ( تُؤْمِنُونَ باللّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) (3) ، والآيات من ذلك كثيرة »(4).

( محمّد - ... - 24 سنة )

انغماس الرأس بالماء مبطل له :

س : المعروف أنّ من مبطلات الصوم هي : الأكل والشرب والجماع لا انغماس الرأس في الماء ، مع أنّي شاهدت أنّكم توجبون بالإضافة إلى بطلان الصوم القضاء والكفّارة.

ص: 213


1- البقرة : 54.
2- الجمعة : 9.
3- الصف : 11.
4- الميزان في تفسير القرآن 2 / 14.

ج : من الأُمور الفقهية التي نختلف فيها مع أهل السنّة هي هذه المسألة ، حيث يرى أهل السنّة عدم بطلان الصوم بانغماس الرأس بالماء ، بينما يرى أكثر علماء الشيعة بأنّ انغماس الرأس بالماء موجب لبطلانه ، وإنّ كان عند عمد فيجب فيه بالإضافة إلى القضاء الكفّارة.

والدليل عليه روايات وردت عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، فعن الإمام الباقر عليه السلام قال : « لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال : الطعام والشراب ، والنساء ، والارتماس في الماء » (1).

وعن الإمام علي عليه السلام قال : « وأمّا حدود الصوم فأربعة حدود : أوّلها : اجتناب الأكل والشرب ، والثاني : اجتناب النكاح ، والثالث : اجتناب القيء متعمّداً ، والرابع : الاغتماس في الماء وما يتّصل بها ... »(2).

( عبد اللّه - السعودية - .... )

أكل ما لا يعتاد أكله يفسده :

س : هل صحيح أنّ أكل جلد الحيوان أو أوراق الأشجار لا يفسد الصوم؟

ج : هذه شبهة طرحها الدهلوي في كتابه « التحفة الاثني عشرية » (3) ، كباقي الشبهة التي يطرحها ضدّ مذهب أهل البيت عليهم السلام ، ولكن لو رجعنا إلى الرسائل العملية لمراجعنا العظام وكتبهم الفقهية نجد الحكم خلاف ذلك.

فقد أوردوا من المفطّرات للصوم الأكل والشرب المعتاد وغيره ، وهو حكم إجماعي للكتاب والسنّة.

ص: 214


1- وسائل الشيعة 10 / 31.
2- المصدر السابق 10 / 32.
3- مختصر التحفة الاثنى عشرية : 219.

صوم يوم عاشوراء :

اشارة

( أبو نصر اللّه - ... - ..... )

صومه في مصادر أهل السنّة :

س : أُريد أن أعرف الأحاديث عن صيام عاشوراء؟ وأنا أعلم بحرمته ، وإنّما أُريد الأحاديث المعتبرة عند أهل السنّة لإيضاح الصورة لهم.

اللّه يوفّقكم لخدمة مذهب آل محمّد الأطهار عليهم السلام.

ج : قال علقمة : دخل الأشعث بن قيس على ابن مسعود وهو يأكل يوم عاشوراء ، فقال : يا أبا عبد الرحمن ، إنّ اليوم يوم عاشوراء ، فقال : قد كان يصام قبل أن ينزل رمضان ، فلمّا نزل رمضان ترك ، فإن كنت مفطراً فاطعم(1).

وإن الأحاديث الواردة في صوم يوم عاشوراء في الصحاح والمسانيد عند أهل السنّة في غاية الاضطراب والتناقض ، ممّا يقوّي الظنّ بأنّ كُلّ هذه الأحاديث مختلقة من قبل أُجراء بني أُمية :

ففي بعضها : أنّ أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء ، فصامه النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ثمّ أمر الناس بصومه حين قدم المدينة ، ثمّ فرض صوم رمضان ، ونسخ وجوبه وبقي مستحبّاً(2).

ص: 215


1- صحيح البخاري 5 / 155 ، صحيح مسلم 3 / 149.
2- صحيح البخاري 2 / 226 ، صحيح مسلم 3 / 147 ، السنن الكبرى للنسائي 6 / 295.

وفي بعضها : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله لم يكن ملتفتاً إلى صوم عاشوراء ، وإنّما علم به بعد قدومه المدينة من اليهود ، فأمر به لأحقّيته من اليهود بموسى(1).

فالأحاديث بين ما يسند صومه وصوم المسلمين بأمره صلى اللّه عليه وآله إلى تقليد أهل الجاهلية ، وبين ما يسنده إلى تقليد اليهود ، وتشاهد في رواية مسلم وأبي داود أن النبيّ صلى اللّه عليه وآله عندما صام يوم عاشوراء وأمر بصيامه لم يكن عالماً بأنّ اليهود والنصارى يعظّمون يوم عاشوراء ، فما علم به صلى اللّه عليه وآله عزم على ترك صومه ، وقصد صوم اليوم التاسع ، لكنّه صلى اللّه عليه وآله توفّي قبل حلول العام المقبل(2).

فلا يعقل أن يغفل النبيّ صلى اللّه عليه وآله طيلة تسعة أعوام عن تعظيم أهل الكتاب لليوم المذكور ، فإنّ الأحاديث الأُخرى تدلّ على أنّه صلى اللّه عليه وآله صام يوم عاشوراء من أوائل دخول المدينة.

وكذلك تجد التناقض بين حديث مسلم وأبي داود هذا ، وبين حديث مسلم وأبي داود الآخر عن ابن عباس : إذا رأيت هلال المحرّم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائماً ، قلت : هكذا كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يصومه؟ قال : نعم(3).

فالمتأمّل في هذه الروايات المتعارضة المتضاربة ، يفهم أنّها موضوعة مجعولة من قبل بني أُمية ، ويزيد في وضوح كذبها أنّه لا أثر لهذا الصوم فيما نقل عن آثار أهل الجاهلية ، وهؤلاء اليهود والنصارى لا يعرفون يوم عاشوراء ولا صومه!!.

( أُمّ حسين - إمارات - .... )

صيامه من مبتدعات الأُمويين :

س : أودّ أن أكتب رسالة إلى إحدى الأخوات حيث أرسلت مجلّة إسلامية ، وذكرت مواضيع تمسّ بالعقيدة الشيعية ، وأُريد أن أردّ عليها بالتي هي

ص: 216


1- تاريخ الأُمم والملوك 2 / 129 ، مجمع الزوائد 3 / 184 ، فتح الباري 4 / 215 ، المعجم الكبير 12 / 40.
2- صحيح مسلم 3 / 151 ، سنن أبي داود 1 / 546.
3- نفس المصدرين السابقين.

أحسن ، مع بيان المواضيع التي ذكرتها بأسلوب مقنع ، وأتمنّى من سماحتكم أن تفيدوني في ذلك.

بالنسبة للمواضيع التي أشارت إليها هي ثواب صيام عاشوراء ، وأنّه من أفضل الصوم بعد صيام شهر رمضان ، وذكرت مواضيع أُخرى تحت عنوان بدعة مثل : الطواف بالأضرحة ، بناء المساجد والقباب على القبور ورفعها ، إقامة الموالد للأنبياء والصالحين ، التوسّل بالنبيّ والصالحين ، التمسّح بقبر النبيّ.

ولكم جزيل الشكر والامتنان.

ج : ما ذكرتيه من مطالب ، فنجيب عليها باختصار :

1 - أمّا صوم يوم عاشوراء ، فإنّ أئمّة أهل البيت عليهم السلام نهوا عنه نهياً شديداً ، ولمّا سئل الإمام الرضا عليه السلام عن صوم يوم عاشوراء قال : « عن صوم ابن مرجانة تسألني؟ ذلك يوم صامه الأدعياء من آل زياد لقتل الحسين عليه السلام ، وهو يوم يتشأم به آل محمّد ... » (1).

وقال الإمام الرضا عليه السلام في حديث آخر عن صوم يوم عاشوراء : « كلاّ وربّ البيت الحرام ، ما هو يوم صوم ، وما هو إلاّ يوم حزن ومصيبة دخلت على أهل السماء وأهل الأرض وجميع المؤمنين ، ويوم فرح وسرور لابن مرجانة وآل زياد وأهل الشام ... »(2).

فصيام يوم عاشوراء من مبتدعات الأُمويين ، أدخلوه في السنّة ووضعوا عليه أحاديث باطلة ، وفي مقام الاحتجاج يمكن أن يحتجّ عليهم بما رواه البخاري ومسلم في صحيحهما عن علقمة ، حيث قال : « دخل الأشعث بن قيس على ابن مسعود وهو يأكل يوم عاشوراء فقال : يا أبا عبد الرحمن ، إنّ اليوم يوم عاشوراء ، فقال : قد كان يصام قبل أن ينزل رمضان ، فلمّا نزل رمضان ترك ، فإن كنت مفطراً فاطعم » (3).

ص: 217


1- الكافي 4 / 146 ، الاستبصار 2 / 135.
2- الكافي 4 / 147.
3- صحيح البخاري 5 / 155 ، صحيح مسلم 3 / 149.

2 - البدعة ، وهي إدخال شيء ليس من الدين في الدين ، فعلينا أوّلاً أن نعرف ما هو الدين؟ ومن أين يُؤخذ؟ ثمّ نبحث عن الأُمور التي ليست من الدين ودخلت في الدين ، حيث روى جميع المسلمين متواتراً عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله قوله : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً » ، فالدين ما كان في الكتاب وما روته العترة.

ولو قيل : بأنّ الحديث روي أيضاً بلفظ « كتاب اللّه وسنّتي » ، فالجواب : أنّه ضعيف ، هذا أوّلاً ، وثانياً أنّه حتّى لو قلنا بصحّته ، فإنّ معنى السنّة يعود إلى العترة وهذا هو معنى الجمع بين الحديثين ، حيث حديث العترة يفسّر حديث السنّة.

فهنا نسأل ونقول أوّلاً : من قال بأنّ هذه الأُمور ليست من السنّة حتّى تكون بدعة؟ ومن له أدنى معرفة بالأدلّة يعلم أنّ الكثير من المسائل التي لم ترد بخصوصها سنّة تشملها العمومات ، وإذا شملتها العمومات فستكون سنّة ، ولا تسمّى بدعة.

هذا ، وما ورد من ذكر هذه الأُمور ، فإنّه متّفق على العمل به بين جميع المذاهب الإسلامية ، ولهم عليها أدلّتهم ، والمخالف في هذه الأُمور هم الوهّابيون - أتباع محمّد بن عبد الوهاب وابن تيمية - الذين خالفوا جميع المذاهب الإسلامية ، بل وحتّى كفّروا أتباع المذاهب الإسلامية.

ولو أردنا أن ندخل في تفاصيل كُلّ موضوع وذكر الأدلّة عليه لطال بنا المقام ، ونكتفي بالإشارة إلى أنّها مسائل قبلتها المذاهب الإسلامية ، وخالفت فيه الوهّابية العمياء.

( عبد اللّه - الكويت - 28 سنة - خرّيج ثانوية )

تعقيب على الجواب السابق :

تحية طيّبة وبعد.

المعروف أنّ بني أُمية بعد اغتصابهم للخلافة وجعلها ملكاً عضوضاً ، قاموا بوضع أحاديث تسيء لأهل البيت عليهم السلام ، وتنال من شخصيّتهم ، وتزوير

ص: 218

مناسباتهم ، وما جاء في صيام عاشوراء هو أمر مستهجن لمن أنصف وتأمّل وفكّر.

وأذكر بعض الأحاديث التي تمسّك بها أهل السنّة على وجوب صيام العاشر من المحرّم.

عن عائشة : إنّ قريشاً كانت تصوم يوم عاشوراء في الجاهلية ، ثمّ أمر رسول اللّه بصيامه حتّى فرض رمضان ، وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « من شاء فليصمه ، ومن شاء أفطر » (1).

وعن الربيع : أرسل النبيّ صلى اللّه عليه وآله غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار : « مَن أصبح مفطراً فليتمّ بقية يومه ، ومن أصبح صائماً فليصم »(2).

وعن ابن عباس : قدم النبيّ صلى اللّه عليه وآله المدينة ، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال : « ما هذا »؟ قالوا : هذا يوم صالح ، هذا يوم نجّى اللّه بني إسرائيل من عدوّهم فصامه موسى ، قال : « فأنا أحقّ بموسى منكم » ، فصامه وأمر بصيامه(3).

وعن أبي موسى : كان يوم عاشوراء تعدّه اليهود عيداً ، قال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « فصوموه أنتم »(4).

وعن ابن عباس : ما رأيت النبيّ صلى اللّه عليه وآله يتحرّى صيام يوم فضّله على غيره ، إلاّ هذا اليوم يوم عاشوراء ، وهذا الشهر يعني شهر رمضان(5).

أقول : المستفاد من رواية عائشة : أنّ أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء فصامه النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ثمّ أمر الناس بصومه حين قدم المدينة ، ثمّ فرض صوم رمضان ونسخ وجوبه وبقي مستحبّاً ، ولكن المستفاد من خبر ابن عباس ،

ص: 219


1- صحيح البخاري 2 / 226 ، السنن الكبرى للنسائي 6 / 295.
2- صحيح البخاري 2 / 242 ، صحيح مسلم 3 / 152.
3- صحيح البخاري 2 / 251.
4- نفس المصدر السابق.
5- نفس المصدر السابق.

وأبي موسى : أنّ النبيّ لم يكن متلفتاً إلى صوم عاشوراء ، وإنّما علم به بعد قدومه المدينة من اليهود ، فأمر به لأحقّيّته من اليهود بموسى عليه السلام.

فالأحاديث بين ما يسند صومه وصوم المسلمين بأمره صلى اللّه عليه وآله إلى تقليد أهل الجاهلية ، وبين ما يسنده إلى تقليد اليهود ، وهذا مع الأسف حينما يؤخذ على علاّته يثير الاستغراب والعجب ، وهل أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله يأخذ دينه من اليهود؟ وهل أنّ النبيّ هو المشرّع؟ أم اللّه المشرّع؟ هذا فضلاً عن أنّ اليهود لا يصومون يوم عاشوراء ، ولم يسبق لهم أن صاموه.

وهنا تناقض آخر نقل في كتاب مسلم عن عبد اللّه بن عباس ، وإليك نصّه : « حين صام رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يوم عاشوراء وأمر بصيامه ، قالوا : يا رسول اللّه إنّه يوم تعظّمه اليهود والنصارى ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « فإذا كان العام المقبل إن شاء اللّه صمنا اليوم التاسع » قال : فلم يأت العام المقبل حتّى توفّى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله » (1).

فترى الحديث يقول : أنّ النبيّ لم يكن عالماً بأنّ اليهود والنصارى يعظّمون يوم عاشوراء ، فلمّا علم به عزم على ترك صومه ، وقصد صوم اليوم التاسع ، لكنّه توفّي قبل حلول العام المقبل ، وفي هذا الحديث أُمور أُخر ، منها : أنّ أمره بصوم يوم عاشوراء كان باقياً إلى قبل سنة من موته لا أنّه نسخه وجوب صوم رمضان.

وأنّ النبيّ لم يصم اليوم التاسع أصلاً ، لكن هنا حديثاً آخر يقول : أنّه صلى اللّه عليه وآله كان يصوم اليوم التاسع! وإليك نصّه : « عن ابن عباس : إذا رأيت هلال المحرّم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائماً ، قلت : هكذا كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يصومه؟ قال : نعم » (2).

وأقول : أيعقل أن يقلّد النبيّ صلى اللّه عليه وآله اليهود ، ويصوم عاشوراء ويأمر أصحابه بصيامه ، وهو اليوم الذي صامه اليهود حسب الادعاء ، بينما ينهانا عن اتباع سنن أهل الكتاب!

ص: 220


1- صحيح مسلم 3 / 151.
2- نفس المصدر السابق.

إذ روي عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً شبراً ، وذراعاً ذراعاً حتّى لو دخلوا جحر ضبّ تبعتموهم » ، قلنا : يا رسول اللّه اليهود والنصارى؟ قال : « فمن »؟ (1).

وقال أبو هريرة : كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ، ويفسّرونها بالعربية لأهل الإسلام ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذّبوهم ، وقولوا آمنا باللّه ، وما أُنزل إلينا »(2).

وقال ابن عباس : « كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء ، وكتابكم الذي أُنزل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أحدث تقرؤنه محضاً لم يشب ، وقد حدّثكم أنّ أهل الكتاب بدّلوا كتاب اللّه وغيّروه ، وكتبوا بأيديهم الكتاب ، وقالوا هو من عند اللّه ، ليشتروا به ثمناً قليلاً إلاّ ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم ، لا واللّه ما رأينا منهم رجلاً يسألكم عن الذي أُنزل عليكم »(3).

فكيف رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يتبع اليهود؟ وهو الذي ينهانا عن أتباعهم ، وأنّ اليهود لم تصم عاشوراء ، لأنّ تواريخها لا توافق هذا اليوم ، لما لهم حساب غير ثابت بسبب إضافة شهر إلى الشهور الاثني عشر كُلّ مدّة من الزمان حتّى تتوافق أعيادهم بالربيع أو الشتاء.

ولعلّ القرآن يشير إلى ذلك في قوله تعالى : ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ) (4).

ثمّ يقول تعالى في آية أُخرى : ( إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) (5).

ص: 221


1- صحيح البخاري 8 / 151.
2- المصدر السابق 5 / 150.
3- صحيح البخاري 8 / 160.
4- التوبة : 36.
5- التوبة : 37.

وبالتالي على فرض أنّ اليهود صامت عاشوراء ، فهذا يستدعي التلاعب بسنّتهم ممّا يجعلهم يضيفون أو يزيدون ليوافقوا عاشوراء ، وهذا النسيء أشار إليه القرآن ووصفه بالكفر ( إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ) ، حيث النسيء بمعنى الزيادة ، وهذا يستدعي فيما إذا قلّدهم المسلمون أن يوافقون اليهود ويقرّوهم على النسيء ، وهو ليس كفراً فقط بل زيادة بالكفر.

أقول : المتأمّل في هذه الروايات المتعارضة المتضاربة يفهم أنّها موضوعة مجعولة من قبل بني أُمية ، ويزيد في وضوح كذبها أنّه لا أثر لهذا الصوم في ما نقل عن آثار أهل الجاهلية ، وهؤلاء اليهود والنصارى لا يعرفون يوم عاشوراء ولا صومه وهم ببابك! لعن اللّه الكاذبين المفترين على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وعلى سنّته.

ص: 222

الطهارة والنجاسة :

اشارة

( ... - .... - .... )

الكلب نجس :

س : لماذا يعتبر المسلمون بأنّ الكلب نجس حين لمسه ، أو تربيته في المنزل؟ مع الاستدلال بالقرآن والسنّة والاستدلال العلمي إن أمكن؟

ج : نشير إلى بعض النقاط التالية :

أ - الطهارة والنجاسة من الأحكام التعبّدية التي تدور مدار قول الشارع ، فلا مجال للعقل استقلالاً للتحكّم في مواردها.

ب - نعلم إجمالاً بأنّ حكمة الأحكام - بما فيها الطهارة والنجاسة - لا تنكر إذ مع العلم بصدورها من الحكيم - والحال هذه - لا ينبغي التأمّل بوجود الحكم والمصالح فيها ، ولو أنّنا لم نصل إلى كنه كُلّ منها ، وهذا لا يضرّ في تعبّدنا بعد علمنا المسبق بوجود المنافع والمضار فيها.

نعم ، لابأس بالتحرّي واستكشاف هذه المصالح والحكم بمعونة العلم الجديد وغيره.

ج - الذي عليه كافّة علماء الشيعة ، وأكثر علماء السنّة نجاسة الكلب عيناً ولعاباً ، فهو من الأعيان النجسة بعينه وولوغه ، فيحكم عليه بقاعدة النجاسات ، وعليه فلا يضرّ لمسه أو وجوده في البيت - كما هو الحال عند رعاة الغنم - إذا لم تتعدّ النجاسة منه إلى الموارد التي يجب طهارتها - مثل موارد الأكل والشرب

ص: 223

ولباس المصلّي - برطوبة مسرية ، ولو أنّ اقتناءه وحفظه في المنزل يعدّ مكروهاً إن لم تكن ضرورة في البين.

د - الروايات الواردة في المقام كثيرة من الفريقين ، ففي بعضها : « رجس نجس » (1) ، وفي بعضها الآخر : « لا واللّه إنّه نجس »(2) ، وأيضاً : « طهر إناء أحدكم إذ ولغ الكلب فيه أن يغسله سبع مرّات »(3).

ه- - قد ثبت علميّاً اختزان بعض الجراثيم الفتّاكة على جلد الكلب وشعره ، ممّا يؤدّي إلى نقلها داخل المجتمع ؛ وهذا ما أكّدته بعض النظريات العلمية المختصّة ، وأنّ هذه الجراثيم لا يمكن القضاء عليها إلاّ بالتراب ، فلابأس بالمراجعة إلى تلك الجهات للوقوف على هذه المعلومات.

( .... - السويد - 23 سنة )

الكافر نجس :

س : ما هي الأدلّة الشرعية على نجاسة من لا يؤمن باللّه تعالى؟ وجزاكم اللّه خير الجزاء.

ج : إنّ الكافر عند علمائنا كافّة نجس العين ، وذلك للأدلّة التالية :

1 - قوله تعالى : ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ) (4).

2 - قوله تعالى : ( كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ) (5).

3 - قال صلى اللّه عليه وآله : « المؤمن ليس بنجس »(6).

ص: 224


1- الاستبصار 1 / 19 ، تهذيب الأحكام 1 / 225.
2- نفس المصدرين السابقين.
3- مسند أحمد 2 / 314 و 427 ، صحيح مسلم 1 / 162 ، المصنّف للصنعاني 1 / 96.
4- التوبة : 28.
5- الأنعام : 125.
6- المغني لابن قدامة 1 / 43 و 2 / 307 ، المصنّف لابن أبي شيبة 3 / 153.

4 - سئل الإمام الباقر عليه السلام عن رجل صافح مجوسيّاً؟ فقال : « يغسل يده ولا يتوضّأ » (1).

( أحمد - ... - طالب متوسطة )

النجاسات عشرة :

س : ما هي النجاسات ، أرجو بيانها.

ج : ذكر علماؤنا في كتبهم الفقهية ورسائلهم العملية أنّ النجاسات عشرة ، وهي :

الأوّل والثاني : البول والغائط من كُلّ حيوان له نفس سائلة محرّم الأكل بالأصل ، أو بالعارض ، كالجلال والموطوء ، أمّا ما لا نفس له سائلة أو كان محلّل الأكل ، فبوله وخرؤه طاهران.

الثالث : المني من كُلّ حيوان له نفس سائلة وإن حلّ أكل لحمه ، وأمّا مني ما لا نفس له سائلة فطاهر.

الرابع : الميتة من الحيوان ذي النفس السائلة ، وإن كان محلّل الأكل ، وكذا أجزاؤها المبانة منها ، وإن كانت صغاراً.

الخامس : الدم من الحيوان ذي النفس السائلة ، أمّا دم ما لا نفس له سائل كدم السمك ، والبرغوث ، والقمل ، ونحوها فإنّه طاهر.

السادس والسابع : الكلب ، والخنزير البرّيان بجميع أجزائهما وفضلاتهما ورطوباتهما دون البحريين.

الثامن : المسكر المائع بالأصالة بجميع أقسامه ، وأمّا الجامد كالحشيشة فهو طاهر لكنّه حرام.

التاسع : الفقاع : وهو شراب مخصوص متّخذ من الشعير ، وليس منه ماء الشعير الذي يصفه الأطباء.

ص: 225


1- الكافي 2 / 650 ، تهذيب الأحكام 1 / 263.

العاشر : الكافر : وهو من لم ينتحل ديناً أو انتحل ديناً غير الإسلام ، أو انتحل الإسلام وجحد ما يعلم أنّه من الدين الإسلامي ، بحيث رجع جحده إلى إنكاره الرسالة ، نعم إنكار المعاد يوجب الكفر مطلقاً ، ولا فرق بين المرتدّ ، والكافر الأصلي ، والحربي ، والذمّي ، والخارجي ، والغالي ، والناصب ، هذا في غير الكتابي(1).

ص: 226


1- أُنظر : منهاج الصالحين للسيّد الخوئي 1 / 106.

عائشة بنت أبي بكر :

اشارة

( منصور جاسم أحمد - الكويت - .... )

زواج النبيّ صلى اللّه عليه وآله منها :

س : كيف لا تتعارض الآية التالية مع زواج رسول اللّه من عائشة ( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ ) (1) على اعتبار أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله من الطيّبين ، وعائشة من الخبيثات؟

ج : قبل الإجابة عن سؤالك نودّ أن نوضّح بعض النقاط المتعلّقة بهذا الموضوع :

الأُولى : هناك من يدّعي على الشيعة زوراً وبهتاناً : أنّ الشيعة يطعنون بشرف عائشة ، وعادة يثير هؤلاء المدّعون هذه القضية عند الحديث عن حادثة الإفك التي ذكرها القرآن ، حتّى ارتبط في أذهان أكثر أهل السنّة أنّ من تسبّب في حادثة الإفك هم الشيعة ، وهذا افتراء عظيم ، والشيعة أبرياء منه للأسباب التالية :

أوّلاً : الشيعة لا يطعنون بشرف عائشة - على أقلّ تقدير احتراماً لشرف رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله - ويعتقدون بأنّ الرسول منزّه عن العيوب ، ومن العيوب التي ينزّه عنها الإخلال بشرف أزواجه ، لأنّ ذلك الشيء إن حدث - نعوذ باللّه - سيضعّف من مكانته في المجتمع ، ويؤثّر على تبليغه لرسالة ربّه.

ص: 227


1- النور : 26.

ثانياً : حادثة الإفك حدثت في زمن النبيّ الأكرم صلى اللّه عليه وآله ، والذين تسبّبوا فيها هم جماعة من الصحابة - الذين يعتقد أهل السنّة بعدالتهم ، ولا يسمحون لأحد بأن يناقش أفعالهم وتصرّفاهم - وقد نصّ القرآن على ذلك بقوله : ( إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ) (1).

ثالثاً : ثمّ إنّ هناك أخباراً ترويها كتب التاريخ ، تبيّن أنّ التي اتهمت بحادثة الإفك ليست عائشة ، وإنّما هي أُمّ المؤمنين مارية القبطية - أُمّ إبراهيم بن الرسول صلى اللّه عليه وآله - ، وإنّ عائشة كانت لها دوراً في نشر تلك التهمة ضدّ مارية ، ولكن السياسة الأُموية التي قلبت كثيراً من الحقائق ، تلاعبت بهذه القصّة أيضاً لأسباب سياسية ليس هذا محلّ الحديث عنها.

النقطة الثانية : إنّ مجرد زواج امرأة من نبيّ لا يعطيها عصمة وقدسية زائدة ، وهذا معروف لكُلّ مطّلع على القرآن ، فقد جعل اللّه تعالى زوجات بعض الأنبياء مثلاً للذين كفروا ، بسبب عدم إيمانهن باللّه ومخالفتهن لأوامره ، قال تعالى : ( ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) (2).

وكون امرأة نوح وامرأة لوط مثلاً للذين كفروا لم يقلّل من مكانة نوح ولوط عليهما السلام ، ولم يشكّك أحد في نوح ولوط لأنّ زوجتيهما كانتا كافرتين ، وأنّهما من أهل النار.

نعم ، زواج المرأة من النبيّ أو الرسول شرف عظيم لها ، وأمانة كبرى في عنقها ، يجب عليها أن تقدّر هذا التشريف ، وتحفظ تلك الأمانة ، ولذلك عبّر اللّه سبحانه عن تمرّد امرأتي نوح ولوط ومخالفتهما لأوامر اللّه بأنّه خيانة ( فَخَانَتَاهُمَا ) ، ولهذا السبب وعد اللّه تعالى من يحفظ هذه الأمانة من زوجات

ص: 228


1- النور : 11.
2- التحريم : 10.

النبيّ الأكرم صلى اللّه عليه وآله بأن يؤتها أجرها مرّتين ، وهدّد من تخون هذه الأمانة بأن يضاعف لها العذاب ضعفين ، قال تعالى : ( يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا * وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا * يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللّه وَرَسُولَهُ ) (1).

فبيّنت هذه الآيات أنّ لأزواج النبيّ الأكرم تكاليف تتناسب مع كونهن زوجات لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وعليهن الالتزام بهذه التكاليف وعدم مخالفتها.

وهذا يدلّ أنّه ليس لديهن عصمة ، وإنّما لديهن تكليف زائد يتناسب مع التشريف الذي حصلن عليه من خلال الارتباط برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

النقطة الثالثة : أنّه لا يوجد عند الشيعة عداء شخصي مع واحدة من زوجات الرسول صلى اللّه عليه وآله ، ولا ولاء لأُخرى ، وإنّما هم مأمورون باحترام زوجات الرسول صلى اللّه عليه وآله بشكل عام ، إلاّ من يثبت أنّها لم تحفظ تلك الأمانة التي تحدّث عنها القرآن ، أو أنّها خالفت أوامر اللّه ورسوله صلى اللّه عليه وآله.

وقد ثبت تاريخياً أنّ عائشة لم ترع تلك الأمانة ، وخالفت أوامر اللّه ورسوله صلى اللّه عليه وآله - سواء في حياة الرسول صلى اللّه عليه وآله أو بعد وفاته - ومن تلك المخالفات ما سجّله القرآن على عائشة وشريكتها حفصة ، منها على سبيل المثال :

1 - أنّهما تظاهرتا على النبيّ صلى اللّه عليه وآله في حادثة المغافير التي سجّلها القرآن في سورة التحريم ، وتسبّبتا في أذية النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، حتّى حرّم على نفسه العسل ، فنزلت سورة التحريم.

ص: 229


1- الأحزاب : 30 - 33.

2 - أنّها خالفت أمر اللّه ورسوله ، الذي أمر نساء النبيّ صلى اللّه عليه وآله بأن يقرن في بيوتهن ولا يخرجن منها ، قال تعالى : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ) (1).

وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لنسائه في حجّة الوداع : « هذه ثمّ ظهور الحصر »(2) ، والحال أنّها خرجت من بيتها ، وقادت الجيش لمحاربة المسلمين ، وقتل بسبب خروجها أكثر من عشرة آلاف مسلماً.

3 - أنّها خرجت على إمام زمانها - الخليفة الشرعي الإمام علي عليه السلام - وقاتلته ، وكانت تبغضه ولا تطيق ذكر اسمه على لسانها ، ولما سمعت بموته فرحت ، رغم أنّها سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول لعلي عليه السلام مراراً وتكراراً : « يا علي لا يحبّك إلاّ مؤمن ، ولا يبغضك إلاّ منافق »(3) ، إلى غير هذه الأُمور.

من المواقف التي تظهر عدم مودّتها لأهل البيت ، الذين أمر اللّه تعالى بمودّتهم بقوله : ( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (4).

ولم تأت واحدة من نساء النبيّ الأُخريات بما أتت عائشة ، بل على العكس من ذلك ، كنّ ينتقدن عائشة بما تفعل ، ويحاولن منعها دون جدوى.

وخلاصة الكلام : إنّ قيام عائشة ببعض المخالفات لا يؤثّر على نزاهة النبيّ الأكرم صلى اللّه عليه وآله ، وقد جعل اللّه تعالى زوجتي نبيّين من الأنبياء الكرام - نوح ولوط عليهما السلام - مثلاً للذين كفروا ، ممّا يدلّ على أنّ كون المرأة زوجة نبيّ لا يعفيها من العقاب عند ارتكاب المخالفة والمعصية ، بل قال اللّه تعالى عن امرأة

ص: 230


1- الأحزاب : 33.
2- مسند أحمد 6 / 324 ، سنن أبي داود 1 / 388.
3- مسند أحمد 1 / 95 و 128 ، مجمع الزوائد 9 / 133 ، فتح الباري 1 / 60 و 7 / 58 ، شرح نهج البلاغة 13 / 251 ، تاريخ بغداد 8 / 416 و 14 / 426 ، أُسد الغابة 4 / 26 ، تذكرة الحفّاظ 1 / 10.
4- الشورى : 23.

نوح وامرأة لوط أنّهما : ( كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) (1).

وحذّر اللّه تعالى نساء النبيّ بقوله : ( مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا ) (2).

فإنّه كما أنّ اللّه تعالى يؤتي الحسنة منها أجرها مرّتين ، كذلك في حال المخالفة والمعصية يضاعف لها العذاب ضعفين.

( .... - مصر - .. سنّي )

عدم تأثير وشايتها على الرسول :

س : أنا من السنّة ولست شيعياً ، ولكن أُريد أن أعرف بعض الأُمور عن أخواني من هذا المذهب ، من مصادرهم هم ، وليس من غيرهم.

ما تفسير الإخوة الشيعة لقيام الرسول صلى اللّه عليه وآله بتطليق اثنتان من زوجاته - بناء على وشاية من السيّدة عائشة - وهذا يعترف به السنّة والشيعة ، فأنا أسأل : لماذا يطلّقهم الرسول؟ فهل هذا خطأ وقع فيه الرسول صلى اللّه عليه وآله؟ كيف يحدث ذلك وهو معصوم عن الخطأ؟

ج : القول بأنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله تأثّر بوشاية عائشة وطلّق اثنتين من نسائه ورد عن طريق أهل السنّة ، ولم يثبت من طريقنا ، نعم ربّما نقلته كتبنا ، والنقل في الكتب لا يعني بالضرورة القبول فيه والتسليم به.

ونحن نحاشي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ونجلّه من أن يقدم على طلاق زوجة واحدة - فضلاً عن زوجتين - لمجرد وشاية ، وبهذه البساطة ، وهذا لا يكون من الإنسان المؤمن العاقل الموزون العادي ، فكيف بسيّد العقلاء وهو رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟

ص: 231


1- التحريم : 10.
2- الأحزاب : 30.

« أبو يحيى درويش - اليمن - 24 سنة - طالب كلّية الشريعة »

معنى الطلاق في وصية الرسول :

س : هل ثبت أنّ الإمام علي طلّق عائشة من رسول اللّه؟ إذا كان كذلك فما هي الأدلّة؟

ج : ورد في بعض أخبارنا : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله أوصى علياً عليه السلام أن يطلّق أزواجه اللاتي يخرجن عليه بعد وفاته صلى اللّه عليه وآله.

والظاهر أنّ الطلاق الذي قصده النبيّ صلى اللّه عليه وآله ليس هو الطلاق المتعارف ، إذ الطلاق الحقيقي هو : كون الزوجة في حبالة زوجها فيصحّ انقطاع عصمتها عنه بتطليقها ، أمّا وفاة النبيّ صلى اللّه عليه وآله فقد حالت دونه ودون أن تكون أزواجه في حبالته ، فكيف يصحّ انقطاع عصمتهن الزوجية بالطلاق؟

إلّا أنّ الذي نستظهره - وهو الأوفق إن شاء اللّه بالمقام - أنّ طلاق أزواجه حين خروجهن على إمامهن وقت ذاك - الإمام علي عليه السلام - بمعنى إلغاء خصوصيتها من مقام أزواج النبي صلى اللّه عليه وآله ، وإلغاء كونها من أمّهات المؤمنين ، وعدم شمولها بخصوصية أن يكون لها أجران من العمل ، كما في قوله تعالى : ( ومن يقنت منكنّ لله ورسوله وتعمل صالحاً نؤتها أجرها مرّتين وأعتدنا لها رزقاً كريماً ) (1).

فهذه الخصوصيات والمنازل التي تتمتّع بها أزواج النبيّ صلى اللّه عليه وآله تلغى ، ومن ثمّ يسقط اعتبار تلك التي تخرج على إمام زمانها ، نعم تبقى خصوصية عدم جواز نكاحها من بعده حتّى لو طلّقت بالمعنى المجازي الذي ذكرناه ، حرمة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وكرامة له ، فإنّ مفعول الآية الكريمة لا يزال يبقى سارياًَ حتّى لو طلّقت من النبيّ صلى اللّه عليه وآله بهذا المعنى ، وهو قوله تعالى : ( ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً ) (2) فهذا التأييد هو لمراعاة مقامه صلى اللّه عليه وآله في حرمة نكاح أزواجه من بعده.

ص: 232


1- الأحزاب : 31.
2- الأحزاب : 53.

( ... - ... - ..... )

منزّهة عن الفحشاء ومتّهمة بالإفك :

س : هل صحيح أنّ الشيعة يتّهمون عائشة بالزنا والعياذ باللّه؟ وإن كان ذلك صحيحاً فما دليلكم عليه؟

ج : إنّ الشيعة تعتقد - وهذه كتبهم في متناول الجميع - أنّ نساء النبيّ صلى اللّه عليه وآله - بل نساء الأنبياء قاطبة - منزّهات عن الفواحش ، التي تمسّ الشرف والعرض ، فإنّ ذلك يخدش بمقام النبوّة ، ولكن لا يعني ذلك أنّ نساء النبيّ معصومات عن سائر الأخطاء ، بل جاء في القرآن ما يدلّ على أنّ امرأتين من نساء بعض الأنبياء كان مصيرهما النار ، وهما امرأة نوح وامرأة لوط عليهما السلام كما في قوله تعالى : ( ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) (1).

وأمّا نساء النبيّ صلى اللّه عليه وآله فهنّ وإن كنّ لسن كسائر النساء - كما تحدّث القرآن عنهن - لكن لا يعني ذلك العصمة لهنّ ، وإنّما اختلافهن عن سائر النساء في الثواب والعقاب ، فيضاعف لهن الثواب إذا جئن بالحسنة ، كما يضاعف لهنّ العقاب إذا جئن بالسيّئة ، قال تعالى : ( يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا ً * وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا ) (2).

وذلك لمكان قربهن من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وجسامة مسؤوليتهنّ عند اللّه تعالى وعند الرسول صلى اللّه عليه وآله.

ص: 233


1- التحريم : 10.
2- الأحزاب : 30 - 31.

ولعلّ اتّهام الشيعة بهذه المسألة يشير إلى قضية الإفك التي تحدّث عنها القرآن الكريم في قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ له عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (1).

وقد ذكرت القصّة مفصّلة في صحيح البخاري وغيره(2) ، والمراد بالإفك هو الكذب العظيم ، أو البهتان على عائشة أو غيرها من أزواج النبيّ صلى اللّه عليه وآله كما سيأتي بيان ذلك.

وجوابنا عن ذلك :

أوّلاً : إنّ هذه القضية وقعت في زمان النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وتحدّث عنها القرآن الكريم ، وإذا كان الشيعة لم يوجدوا بعدُ - كما يدّعي أهل السنّة - فأيّ علاقة بين هذه القضية وبين الشيعة؟

ثانياً : إنّ بعض الصحابة قد تورّط في هذه القضية ، ومنهم حسّان بن ثابت(3) ، وكان لحسّان في ذلك شعر ، يعرّض فيه بابن المعطّل المتّهم في هذه القضية ، وبمن أسلم من مضر ، فإذا كان الأمر كذلك ، فكيف نحكم على أنّ جميع الصحابة كانوا على العدالة والاستقامة؟ الأمر الذي يثبت ويؤكّد أنّ الصحابة حالهم كحال سائر الناس.

ثالثاً : إنّ هذه القضية محلّ خلاف بين المؤرّخين ، فذهب بعض السنّة إلى أنّ عائشة هي المتّهمَة ، كما ذكر ذلك البخاري في صحيحه ، والترمذي ، والبيهقي ، وأحمد بن حنبل ، وغيرهم ، وذهب بعض علماء الشيعة وجمع من علماء السنّة : أنّ المتّهمَة في هذه القضية هي مارية القبطية - زوج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله

ص: 234


1- النور : 11.
2- أُنظر : صحيح البخاري 6 / 5.
3- صحيح البخاري 3 / 155 و 5 / 56.

أُمّ إبراهيم - لورود روايات عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام في ذلك(1) ، ولورود روايات ذكرها علماء أهل السنّة في ذلك(2).

ورابعاً : إنّ من العجيب حقّاً والملفت للنظر ، أنّ نجد في الروايات السنّية أنّ ممّن اتّهم مارية القبطية عائشة نفسها ، وأنّها قد أصابتها الغيرة الشديدة ، حتّى أن ابن سعد في طبقاته يروي عن عائشة قولها : « ما غرت على امرأة إلاّ دون ما غرت على مارية »(3).

وهي التي نفت الشبه بين إبراهيم وبين الرسول صلى اللّه عليه وآله كما ذكر ذلك السيوطي في « الدرّ المنثور »(4) ، ويقول ابن أبي الحديد عن موقف عائشة حين مات إبراهيم : « ثمّ مات إبراهيم فأبطنت شماتة ، وإن أظهرت كآبة ... »(5).

هذا ما يذكره علماء السنّة حول القضية ، وأنّ لعائشة دوراً كبيراً في إثارة التهمة ضدّ مارية ، فقل بربّك هل يسوغ اتّهام الشيعة بأنّهم يقذفون نساء الرسول صلى اللّه عليه وآله؟

ألا يقتضي التثبّت والتروّي أن يبحث الإنسان في كتب الروايات والتاريخ عن هذا الأمر ليقف على الحقيقة بنفسه ، بدلاً من بثّ الدعايات المغرضة التي لا طائل من ورائها غير إيقاع الفتنة بين الناس!

( حمد - السعودية - .... )

خروجها على الإمام علي يوم الجمل :

س : أُريد أن اعرف ما هي قصّة مولانا علي عليه السلام مع عائشة في واقعة الجمل؟ وكيف انتهت هذه المعركة؟

ص: 235


1- تفسير القمّي 2 / 99.
2- صحيح مسلم 8 / 119 ، المستدرك 4 / 39 ، الإصابة 5 / 517 ، الكامل في التاريخ 2 / 313 ، طبقات ابن سعد 8 / 214 ، المعجم الأوسط 4 / 90.
3- الطبقات الكبرى 8 / 212.
4- الدرّ المنثور 6 / 240.
5- شرح نهج البلاغة 9 / 195.

ج : التحقيق في كتب التاريخ والسير المعتبرة يفيدنا بوضوح : أنّ عائشة كانت من المتشدّدين في الخلاف مع عثمان ، ومواقفها ضدّ عثمان كثيرة جدّاً ، وهي مسجّلة بكُلّ وضوح في مصادر المسلمين ، حتّى أنّها كانت تحرّض المسلمين على قتل عثمان بعبارتها : « اقتلوا نعثلاً ، قتل اللّه نعثلاً » (1) ، وكانت في فعلها هذا تأمل أن تصل الخلافة إلى طلحة أو الزبير ، بأمر قد دبّر من ذي قبل ....

ولكن لمّا قُتل عثمان ، وبايع الناس أمير المؤمنين علي عليه السلام ، شعرت عائشة بخيبة أمل ، فدبّرت هي وطلحة والزبير قضية الخروج على أمير المؤمنين عليه السلام ، ونكث طلحة والزبير البيعة ، والتحقوا بالبصرة ، وذهبت عائشة أيضاً إلى البصرة ، وهي تنادي إلى نصرة عثمان وتنعاه ، فجمعت من المسلمين عدداً لحرب الإمام علي عليه السلام ، واتهمته بقتل عثمان.

ودارت حرب الجمل ، وسرعان ما فشل جيش عائشة ، وقتل طلحة والزبير ، وانتهت الحرب ، وأُرجعت عائشة إلى المدينة(2).

( عزّ الدين - الإمارات - سنّي - 20 سنة - طالب جامعة )

آيات نزلت فيها :

س : ما سبب نزول سورة التحريم؟ وفيمن نزلت؟

ج : إنّ المتّفق عليه عند أرباب التفاسير من الفريقين - بعبارات شتّى ومضمون واحد - : أنّ الآيات الأُولى من سورة التحريم قد نزلت في مورد عائشة وحفصة ،

ص: 236


1- شرح نهج البلاغة 6 / 215 و 20 / 17 ، تاريخ الأُمم والملوك 3 / 477 ، الإمامة والسياسة 1 / 72.
2- تاريخ الأُمم والملوك 3 / 477 ، الإمامة والسياسة 1 / 72 ، تاريخ اليعقوبي 2 / 180 ، الكامل في التاريخ 3 / 206 ، البداية والنهاية 7 / 229.

وإيذائهما الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله(1) ؛ وحتى أنّ الفخر الرازي يرى أنّ آية ( ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ ... ) (2) فيها تعريض آخر بحفصة وعائشة ، وتحذير لهما على أغلظ وجه وأشدّه لما في التمثيل من ذكر الكفر(3).

( رضا عبد اللّه السيّد - الكويت - 38 سنة - مهندس حاسوب )

وفاتها ومدفنها والصلاة عليها :

س : الرجاء موافاتي بالإجابة الكافية حول موضوع وفاة عائشة ، وأين دفنت؟ ومن صلّى عليها؟

ج : ماتت عائشة بنت أبي بكر سنة 57 أو 58 من الهجرة ، وصلّى عليها أبو هريرة ، ودفنت ليلاً بالبقيع بوصيةٍ منها.

قيل لها : تدفنين مع رسول اللّه؟ قالت : لا ، إنّي أحدثت بعده أحدثاً!(4).

( أبو الزين - الأردن - .... )

قولها : ما وجدتَ إلاّ فخذي! :

س : في الحقّيقة بالإضافة إلى استعجابي من هذه الروايات العجيبة في مصادرنا ، لا أدري - حتّى مع افتراض ضعفها - الفائدة من إيرادها ، سامح اللّه المتسرّعين قديماً وحديثاً : عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : أتيت النبيّ صلى اللّه عليه وآله وعنده أبو

ص: 237


1- تفسير القرآن 3 / 301 ، زاد المسير 8 / 49 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 413 ، السنن الكبرى للنسائي 3 / 130 و 5 / 286 ، كنز العمّال 2 / 533 ، التفسير الكبير 10 / 568 ، روح المعاني 14 / 341.
2- التحريم : 10.
3- التفسير الكبير 10 / 574.
4- العقد الفريد 5 / 79 ، المصنّف لابن أبي شيبة 8 / 708.

بكر وعمر ، فجلست بينه وبين عائشة ، فقالت لي عائشة : ما وجدتَ إلاّ فخذي أو فخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟ فقال : « مه يا عائشة ، لا تؤذيني في علي ... »(1).

ج : في سند الرواية إسحاق بن عبدوس وهو غير موثّق ، ومحمّد بن بهار وهو غير موثّق أيضاً.

وفي متنها : أوّلاً : أنّ الإمام عليه السلام جلس بينها وبين الرسول ، ولم يجلس على فخذها وفخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ولكن لكرهها لعلي عليه السلام جعلت حيلولته بينها وبين رسول اللّه سبباً في أن تتكلّم له بهذا الكلام الغير مهذّب.

فلم تصدّق في كلامها ، وما عهدنا من علي عليه السلام غير الصدق ، أمّا عائشة فإنّها كذبت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في قضية المغافير ، فلا مانع أن تكذب أيضاً على علي عليه السلام.

وهذا نصّ تلك الرواية : عن عائشة قالت : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يشرب عسلاً عند زينب ابنة جحش ويمكث عندها ، فواطأت أنا وحفصة على أيّتنا دخل عليها فلتقل له : أكلت مغافير؟ إنّي أجد منك ريح مغافير!!

قال : « لا ، ولكنّي كنتُ أشرب عسلاً عند زينب ابنة جحش ، فلن أعود له ، وقد حلفت لا تخبري بذلك أحداً » (2).

ثانياً : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله غضب عليها ، وهذا ما يؤكّد افتراءها على علي عليه السلام فإنّه معصوم ، والمعصوم لا يغضب إلاّ لله تعالى.

ثالثاً : إنّ الإمام علي عليه السلام جلس مع وجود الرسول صلى اللّه عليه وآله وأبي بكر وعمر ، وليس علي وحده.

ولكن الذي هو غير مناسب أن تجلس لوحدها مع رجلين ، كما رواه الترمذي في سننه ، عن أنس بن مالك قال : بين رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بامرأة من نسائه ، فأرسلني

ص: 238


1- الأمالي للشيخ الطوسي : 290.
2- صحيح البخاري 6 / 68.

فدعوت قوماً إلى الطعام ، فلمّا أكلوا وخرجوا قام رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله منطلق قبل بيت عائشة ، فرأى رجلين جالسين ، فانصرف راجعاً ، فقام الرجلان فخرجا ، فأنزل اللّه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ ) (1)(2).

ومن غير المناسب أن تتوضّأ عائشة وتغسل يديها وخدّيها ووجهها وأذنيها أمام الناس : « فعن أبي عبد اللّه سالم سبلان قال : وكانت عائشة تستعجب بأمانته وتستأجره ، فأرتني كيف كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يتوضّأ ، فتمضمضت واستنثرت ثلاثاً ، وغسلت وجهها ثلاثاً ، ثمّ يدها اليمنى ثلاثاً واليسرى ثلاثاً ، ووضعت يدها في مقدّم رأسها ، ثمّ مسحت رأسها واحدة إلى مؤخّره ، ثمّ أمرت يديها بأذنيها ، ثمّ مرّت على الخدين.

قال سالم : كنت آتيها مكاتباً ما تختفي منّي ، فتجلس بين يدي وتتحدّث معي ، حتّى جئتها ذات يوم فقلت : ادعي لي بالبركة يا أُمّ المؤمنين ، قالت : وما ذاك؟ قلت : أعتقني اللّه ، قالت : بارك اللّه لك وأرخت الحجاب دوني ، فلم أرها بعد ذلك اليوم » (3).

كما وليس من المناسب أن تغتسل أمام الرجال أيضاً ، كما ورد عن أبي سلمة عن عائشة قال : سألها أخوها من الرضاعة عن غسل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله من الجنابة ، فدعت بماء قدر الصاع ، واغتسلت وصبّت على رأسها ثلاثاً(4).

فإذا كان ليس من المناسب أن يجلس علي عليه السلام بينها وبين رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وهي بحجابها ، فإنّه ليس من المناسب أكثر أن تغتسل أمام الرجال ، وإن كانوا إخوانها من الرضاعة.

ص: 239


1- الأحزاب : 53.
2- الجامع الكبير 5 / 35.
3- السنن الكبرى للنسائي 1 / 86.
4- السنن الكبرى للبيهقي 1 / 195 ، مسند أحمد 6 / 143 ، صحيح البخاري 1 / 68 ، صحيح مسلم 1 / 176.

وهنا ينبغي أن نذكّر الإخوة : بأنّ المجامع الحديثية لابدّ لها أن تنقل الروايات على ما هي عليه ، مع غضّ النظر عن صحّة الحديث وضعفه ، أو كون الحديث مورداً للقبول من ناحية المعنى وعدمه ، بالأخص أنّ المبنى عند الشيعة أن يخضع كُلّ حديث إلى قواعد الجرح والتعديل ، فلا يكون مجرد النقل قبوله ، كما هو المبنى عند أهل السنّة.

والجدير بالذكر : أنّ هذه الراوية قد جاءت في بعض مصادر العامّة عن لسان عائشة ، مع اختلاف يسير في التعبير ، ففيها : قالت : نعم ، دخل - علي عليه السلام - على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وهو معي وعليه جرد قطيفة ، فجلس بيننا ، فقلت : أما وجدت مكاناً هو أوسع لك من هذا؟

فقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « يا عائشة دعي لي أخي ، فإنّه أوّل الناس إسلاماً ، وآخر الناس بي عهداً ، وأوّل الناس لي لقياً يوم القيامة »(1).

والاختلاف في التعبير قد نشأ إمّا من الرواة ، وإمّا من أصحاب الكتب ، حفظاً منهم على كرامة عائشة ، وصون لفظها من الركاكة!!

( أبو محمود - البحرين - 28 سنة - مهندس حاسب آلي )

وما ترويه من خُلق النبيّ :

هذه مقتطفات من كتب أهل السنّة تجد فيها كيف يرون أخلاق النبيّ ، وأخلاق نسائه ، فمن تلك الروايات : ما رواه أحمد عن عائشة قالت : خرجت مع النبيّ صلى اللّه عليه وآله في بعض أسفاره ... ثمّ قال لي : « تعالي حتّى أسابقك » فسابقته فسبقته ، فسكت عنّي حتّى إذا حملت اللحم ... فسابقته فسبقني ، فجعل يضحك وهو يقول : « هذه بتلك » (2).

ص: 240


1- الإصابة 8 / 307.
2- مسند أحمد 6 / 264.

أقول : تخيّلوا معي ، لو أنّ المسلمين اليوم تسابقوا مع زوجاتهم ، تأسّياً بما رواه أئمّتهم عن الرسول صلى اللّه عليه وآله ، الذي بعث ليتمم مكارم الأخلاق؟ أين آداب الطريق يا رسول اللّه؟ أين هي الغيرة؟ وهل من الخُلق العظيم أن يتسابق الرجل مع زوجته؟ وهل يبقى لرسول اللّه ولأُمّ المؤمنين عائشة هيبة إذا رآهما أحد؟!

وعن أبي سلمة قال : دخلت أنا وأخو عائشة على عائشة ، فسألها أخوها عن غسل النبيّ صلى اللّه عليه وآله فدعت بإناء نحو من صاع فاغتسلت ، وافاضت على رأسها ، وبيننا وبينها حجاب(1).

سؤال : هل يعقل أن يصدر هذا الفعل من امرأة ، يفترض أن تكون عنواناً للعفّة والأخلاق ، وقدوة حسنة للمؤمنات ، بحكم كونها أُمّهم؟! فماذا ترون يا سادة يا كرام ، فيمن يرمي نبيّكم بهذا الكلام؟

( غانم النصار - الكويت - .... )

حكمها في الدنيا الإسلام :

س : هل يقول كبار علماء الشيعة بأنّ عائشة كافرة؟ جزاكم اللّه خيراً.

ج : إنّ حكمها في هذه الدنيا الإسلام ، وكونها مسلمة ، وما ارتكبته من مخالفات لله ورسوله صلى اللّه عليه وآله فإنّ هذا متعلّق بيوم القيامة.

( جعفر صادق - البحرين - .... )

خلاصة حرب الجمل :

س : ما هي خلاصة حرب الجمل؟

ج : بعد مقتل عثمان بن عفّان ، بايع الناس الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام ، ومن بين المبايعين طلحة بن عبيد اللّه ، والزبير بن العوام ، وطلباً منه عليه السلام أن يولّيهما بعض ولاياته ، ولكن الإمام عليه السلام قال لهما : « واعلما إنّي لا أشرك في

ص: 241


1- صحيح البخاري 1 / 68.

أمانتي إلاّ من أرضى بدينه وأمانته من أصحابي ، ومن عرفت دخيلته » (1) ، فداخلهما اليأس من المنصب ، فاستأذناه للعمرة ، وخرجا من المدينة إلى مكّة ناكثين بيعة أمير المؤمنين عليه السلام.

ولمّا وصلا إلى مكّة دخلا على عائشة ، وأخذا يحرّضانها على الخروج ، فخرجت عائشة معهما على جمل - مطالبة بدم عثمان - قاصدين الشام ، فصادفهم في إثناء الطريق عبد اللّه بن عامر - عامل عثمان على البصرة - قد صرفه أمير المؤمنين عليه السلام بحارثة بن قدامة السعدي ، فرجّح لهم البصرة ، لما فيها من كثرة الضيع والعدّة ، فتوجّهوا نحوها ، فمانع عنها عثمان بن حنيف ، والخزّان والموكلون ، فوقع بينهم القتال ، ثمّ اسروا عثمان وضربوه ونتفوا لحيته.

ولمّا سمع أمير المؤمنين عليه السلام بوصولهم ، جهّز جيشاً وخرج إلى البصرة ، ولمّا وصلها بعث إليهم يناشدهم ، فأبوا إلاّ الحرب لقتاله.

ثمّ أخذ الإمام عليه السلام يناشد طلحة والزبير فلم تنفع معهما ، عند ذلك نشبت الحرب بينهما ، وأسفرت عن قتل ستة عشر ألف وسبعمائة وسبعون رجلاً من أصحاب الجمل ، وأربعة آلاف رجلاً من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ، وانكسار جيش أصحاب الجمل.

ثمّ إنّ الإمام عليه السلام أمر محمّد بن أبي بكر ، أن ينزل عائشة في دار آمنة بنت الحارث ، ثمّ أمر بإرجاعها إلى المدينة ، ورجع هو عليه السلام إلى الكوفة.

هذا ، ومع العلم بأنّ أكثر المؤرّخين ذكروا : أنّ عائشة كانت من أوائل المحرّضين على قتل عثمان ، وعباراتها مشهورة ومعروفة : « اقتلوا نعثلاً لعن اللّه نعثلاً فقد كفر »!!(2).

ص: 242


1- شرح نهج البلاغة 1 / 231.
2- شرح نهج البلاغة 6 / 215 و 20 / 17 ، تاريخ الأُمم والملوك 3 / 477 ، الإمامة والسياسة 1 / 72.

( أبو الزين - الأردن - .... )

تفسير القمّي في قوله تعالى : ( فَخَانَتَاهُمَا )

س : أيّها الأحبّة ، جاء في تفسير القمّي في قوله تعالى : ( ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً ... فَخَانَتَاهُمَا ) (1) : « واللّه ما عنى بقوله : ( فَخَانَتَاهُمَا ) إلاّ الفاحشة ، وليقيمن الحدّ على فلانة فيما أتت في طريق ، وكان فلان يحبّها ، فلمّا أرادت أن تخرج إلى ... » (2).

فكيف بعد ذلك تنفون الموضوع بشدّة وتقولون : الشيعة قاطبة على القول بأنّ الآية نازلة في حقّ مارية ، مع أنّ طائفة قليلة من علمائهم فقط أشارت لذلك.

ثمّ أودّ أن أسألكم : هل أنّ زوجات الأنبياء متّفق عند الإمامية على منع وقوع الفاحشة منهن شرعاً تكريماً للنبي؟ أم أنّ في المسألة خلاف؟ وشكراً.

ج : بالنسبة للرواية المنقولة من تفسير القمّي فيلاحظ :

أوّلاً : إنّ الأدلّة العقلية والنقلية - ومنها إجماع الإمامية - قائمة على تنزيه زوجات الأنبياء عليهم السلام من الفواحش ، احترازاً من مسّ حياة الأنبياء عليهم السلام بالدنس ، وعليه فما يوهم أن يكون خلاف ذلك فهو مردود أساساً.

ثانياً : لا يوجد هناك تفسير شيعي يشير إلى أنّ الآية المذكورة قد نزلت في حقّ مارية ، وأغلب الظنّ أنّ الذين أسندوا هذا القول للشيعة خلطوا بين هذه الآية وبين شأن نزول الآيات الأوّل من السورة ، التي وردت روايات كثيرة بأنّها نزلت في حقّ مارية ، عندما أفشى بعض زوجات النبيّ صلى اللّه عليه وآله سرّها.

ثالثاً : إنّ الرواية المذكورة ليست تامّة السند ، فللبحث السندي فيها مجال ، فمثلاً : أنّ الروايات الموجودة في نفس الصفحة كُلّها مسندة إلى المعصوم عليه السلام ، ولكن هذه الرواية بظاهرها هي مقول قول علي بن إبراهيم ، ولم يسندها إلى الإمام عليه السلام.

ص: 243


1- التحريم : 10.
2- تفسير القمّي 2 / 377.

مضافاً إلى أنّ إسناد تفسير القمّي ليست كُلّها معتبرة ، ففيها الصحيح وفيها غيره ، فلابدّ من ملاحظة السند في كُلّ مورد ، وهو كما ترى في المقام.

رابعاً : إنّ الرواية لم تصرّح باسم الشخص ، ولا يمكننا الجزم بنية القائل في استعمال فلان وفلانة ، وتمييزهما دعوى بدون دليل.

خامساً : من المسلّم القطعي بإجماع المسلمين ، حرمة نكاح زوجات النبيّ صلى اللّه عليه وآله بصراحة : ( وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) (1) ، فكيف يحتمل مخالفة هذا الحكم القطعي بمرأى ومسمع من المسلمين؟!

وبالجملة : فالاستدلال المذكور مفنّد من أساسه عقلاً ونقلاً.

( أبو توفيق - السعودية - 19 سنة - طالب جامعة )

القمّي والبرسي والمجلسي واتهامهم لها بالفاحشة :

س : أمّا بعد ، هل قال أحد من علماء الإمامية : بأنّ عائشة قد زنت؟ علماً بأنّ عثمان الخميس في مناظرته على قناة المستقلّة ذكر : أنّ القمّي والمجلسي ورجب البرسي قد ذكروا هذا الفعل من عائشة ، ولم يرد السيّد محمّد الموسوي كلامه.

أفيدونا جزاكم اللّه خيراً.

ج : إنّ الأدلّة العقلية والنقلية - ومنها إجماع الإمامية - قائمة على تنزيه زوجات الأنبياء عليهم السلام من الفاحشة - أي الزنا - ، احترازاً من مسّ حياة الأنبياء عليهم السلام بالدنس ، وعليه فما يوهم أن يكون خلاف ذلك فهو مردود أساساً.

وعليه فما ادّعاه عثمان الخميس - من أنّ المجلسي والقمّي والبرسي ذكروا في كتبهم زنا عائشة - فهو كذب وافتراء عليهم ، ولا صحّة له من الواقع ، فهذه كتبهم ومؤلّفاتهم مطبوعة ، وفي متناول أيدي الناس.

ص: 244


1- الأحزاب : 6.

نعم ، قال القمّي عند تفسير قوله تعالى : ( ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ) (1) ما نصّه : « واللّه ما عنى بقوله فخانتاهما إلاّ الفاحشة ، وليقيمن الحدّ على فلانة فيما أتت في طريق ، وكان فلان يحبّها ، فلمّا أرادت أن تخرج إلى ... قال لها فلان : لا يحلّ لك أن تخرجي من غير محرم ، فزوّجت نفسها من فلان »(2).

وقد نقل العلاّمة المجلسي هذا عن القمّي وقال عنه ما نصّه : « فيه شناعة شديدة ، وغرابة عجيبة ، نستبعد صدور مثله عن شيخنا علي بن إبراهيم ، بل نظنّ قريباً أنّه من زيادات غيره ، لأنّ التفسير الموجود ليس بتمامه منه قدس سره ، بل فيه زيادات كثيرة من غيره ، فعلى أيّ هذه مقالة يخالفها المسلمون بأجمعهم - من الخاصّة والعامّة - وكُلّهم يقرّون بقداسة أذيال أزواج النبيّ صلى اللّه عليه وآله ممّا ذكر ، نعم بعضهم يعتقدون عصيان بعضهنّ لمخالفتها أمير المؤمنين علي عليه السلام » (3).

وجاء في البحار بعد نقله قول القمّي ما نصّه :

« بيان : المراد بفلان طلحة ، وهذا إن كان رواية فهي شاذة مخالفة لبعض الأُصول ، وإن كان قد يبدو من طلحة ما يدلّ على أنّه كان في ضميره الخبيث مثل ذلك ، لكن وقوع أمثال ذلك بعيد عقلاً ونقلاً وعرفاً وعادةً ، وترك التعرّض لأمثاله أولى »(4).

ومن هذا يتّضح أنّ العلاّمة المجلسي مجرد ناقل قول القمّي ، ورادّ عليه ، فكيف يتّهمه الخميس بأنّه قائل بذلك.

وأمّا الحافظ البرسي ، فعلى فرض أنّه نقل شيئاً من ذلك ، فعلماؤنا لا يأخذون بما تفرّد بنقله.

ص: 245


1- التحريم : 10.
2- تفسير القمّي 2 / 377.
3- بحار الأنوار 22 / 240.
4- المصدر السابق 32 / 107.

وقال العلاّمة المجلسي حول كتب البرسي : « ولا اعتمد على ما يتفرّد بنقله ، لاشتمال كتابيه على ما يوهم الخبط والخلط والارتفاع »(1).

( المنصور - البحرين - .... )

زواج النبيّ صلى اللّه عليه وآله منها كان بأمر اللّه :

س : هل زواج النبيّ صلى اللّه عليه وآله من عائشة بأمر من اللّه تعالى؟

ج : إنّ زواج النبيّ صلى اللّه عليه وآله من عائشة كان بأمر من اللّه تعالى ، ومن ضمن الأهداف التي تحصّلت من هذا الزواج وغيره ارتباط النبيّ صلى اللّه عليه وآله بجميع قبائل العرب ، فهناك حكمة إلهية وتدبير منه تعالى ، وتمييز من يطيعه عمّن يعصيه ، ولا ينفعها ذلك إن كانت خانت اللّه والرسول ، بخروجها على إمام زمانها ....

قال تعالى : ( ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) (2).

( ألياس - السعودية - 24 سنة - طالب جامعة )

موقفها من دفن الحسن :

س : هل توجد أدلّة في كتب التاريخ عن ما جرى في دفن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام ، من منع دخول الإمام الحسين عليه السلام بجثمان أخيه من قبل عائشة وقولها : أتدخلون بيتي من لا أحبّ؟

ج : نعم ، ذكرت كتب التاريخ والسير موقف عائشة من دفن الإمام الحسن عليه السلام ، وإليك بعضها :

ص: 246


1- المصدر السابق 1 / 10.
2- التحريم : 10.

1 - روى الشيخ الكليني قدس سره بسنده عن محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : « لمّا احتضر الحسن بن علي عليهما السلام قال للحسين : يا أخي إنّي أُوصيك بوصية فاحفظها ، فإذا أنا متّ فهيّئني ، ثمّ وجّهني إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لأحدث به عهداً ، ثمّ اصرفني إلى أُمّي فاطمة عليها السلام ، ثمّ ردّني فادفنّي بالبقيع.

واعلم أنّه سيصيبني من الحميراء ما يعلم الناس من صنيعها وعداوتها لله ولرسوله صلى اللّه عليه وآله ، وعداوتها لنا أهل البيت.

فلمّا قُبض الحسن عليه السلام وضع على سريره ، فانطلقوا به إلى مصلّى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، الذي كان يصلّي فيه على الجنائز ، فصلّى على الحسن عليه السلام ، فلمّا أن صلّي عليه حمل فادخل المسجد ، فلمّا أوقف على قبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بلغ عائشة الخبر ، وقيل لها : إنّهم قد أقبلوا بالحسن بن علي ليدفن مع رسول اللّه ، فخرجت مبادرة على بغل بسرج - فكانت أوّل امرأة ركبت في الإسلام سرجاً - فوقفت وقالت : نحّوا ابنكم عن بيتي ، فإنّه لا يدفن فيه شيء ، ولا يهتك على رسول اللّه حجابه.

فقال لها الحسين بن علي عليهما السلام : قديماً هتكت أنت وأبوك حجاب رسول اللّه ، وأدخلت بيته من لا يحبّ رسول اللّه قربه ، وإنّ اللّه سائلك عن ذلك يا عائشة ، إنّ أخي أمرني أن أقرّبه من أبيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ليحدث به عهداً.

واعلمي أنّ أخي أعلم الناس باللّه ورسوله ، وأعلم بتأويل كتابه من أن يهتك على رسول اللّه ستره ، لأنّ اللّه تبارك وتعالى يقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ ) (1) ، وقد أدخلت أنت بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله الرجال بغير أذنه ، وقد قال اللّه عزّ وجلّ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ) (2) ولعمري لقد ضربت أنت لأبيك وفاروقه عند

ص: 247


1- الأحزاب : 35.
2- الحجرات : 2.

إذن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله المعاول ، وقال اللّه عزّ وجلّ : ( إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى ) (1) ، ولعمري لقد أدخل أبوك وفاروقه على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بقربهما منه الأذى ، وما رعيا من حقّه ما أمرهما اللّه به على لسان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، إنّ اللّه حرّم من المؤمنين أمواتاً ما حرّم منهم أحياء ، وتاللّه يا عائشة ، لو كان هذا الذي كرهتيه من دفن الحسن عند أبيه رسول اللّه عليهما السلام جائزاً فيما بيننا وبين اللّه ، لعلمت أنّه سيدفن ، وإن رغم معطسك ».

قال : ثمّ تكلّم محمّد بن الحنفية وقال : يا عائشة يوماً على بغل ، ويوماً على جمل ، فما تملكين نفسك ، ولا تملكين الأرض عداوة لبني هاشم.

قال : فأقبلت عليه فقالت : يا بن الحنفية هؤلاء الفواطم يتكلّمون فما كلامك؟ فقال لها الحسين عليه السلام : « وأنى تبعدين محمّداً من الفواطم ، فو اللّه لقد ولدته ثلاث فواطم : فاطمة بنت عمران بن عائذ بن عمرو بن مخزوم ، وفاطمة بنت أسد بن هاشم ، وفاطمة بنت زائدة بن الأصم ابن رواحة بن حجر بن عبد معيص بن عامر ».

قال : فقالت عائشة للحسين عليه السلام : نحّوا ابنكم ، واذهبوا به فإنّكم قوم خصمون.

قال : فمضى الحسين عليه السلام إلى قبر أُمّه ، ثمّ أخرجه فدفنه بالبقيع » (2).

2 - قال الشيخ الحرّ العاملي قدس سره : لمّا توفّي الحسن عليه السلام مسموماً ، وخرج به أخوه الحسين عليه السلام ليجدد به العهد بقبر جدّه صلى اللّه عليه وآله ، خرجت عائشة على بغلة شهباء ، يحف بها بنو أُمية وهي تصيح : لا تدخلوا بيتي من لا أحبّ ، إنّ دفن الحسن في بيتي لتجز هذه ، وأومأت إلى ناصيتها.

ص: 248


1- الحجرات : 3.
2- الكافي 1 / 302.

وليت شعري ألم تسمع أُمّ المؤمنين قول جدّه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في حقّه : « اللّهم إنّي أحبّه فاحبّه ، وأحبّ من يحبّه »(1).

وقوله صلى اللّه عليه وآله : « اللّهم إنّ هذا ابني وأنا أحبّه ، فأحبّه وأحبّ من يحبّه » (2).

وقوله صلى اللّه عليه وآله : « من سرّه أن ينظر إلى سيّد شباب أهل الجنّة ، فلينظر إلى الحسن »(3)(4).

3 - روى ابن عساكر بسنده عن أبي عتيق قال : « سمعت جابر بن عبد اللّه يقول : شهدنا حسن بن علي يوم مات ، فكادت الفتنة أن تقع بين حسين بن علي ومروان بن الحكم ، وكان الحسن قد عهد إلى أخيه أن يدفن مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فإن خاف أن يكون في ذلك قتال فليدفن بالبقيع ، فأبى مروان أن يدعه ، ومروان يومئذ معزول ، يريد أن يرضي معاوية بذلك ، فلم يزل مروان عدوّاً لبني هاشم حتّى مات.

قال جابر : فكلّمت يومئذ حسين بن علي فقلت : يا أبا عبد اللّه اتق اللّه ، فإنّ أخاك كان لا يحبّ ما ترى ، فادفنه بالبقيع مع أُمّه ففعل »(5).

ص: 249


1- مسند أحمد 2 / 249 و 331 و 532 ، صحيح البخاري 3 / 20 و 7 / 55 ، سنن ابن ماجة 1 / 51 ، مجمع الزوائد 9 / 176 ، مسند الحميدي 2 / 451 ، مسند ابن الجعد : 295 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 49 ، مسند أبي يعلى 11 / 279 ، صحيح ابن حبّان 15 / 417 ، المعجم الكبير 3 / 32 ، نظم درر السمطين : 198 ، تاريخ بغداد 12 / 9 ، تاريخ مدينة دمشق 13 / 176 و 186 و 192 و 288 ، تهذيب الكمال 6 / 226 ، سير أعلام النبلاء 3 / 250 ، تهذيب التهذيب 2 / 258 ، البداية والنهاية 8 / 38 ، سبل الهدى والرشاد 9 / 369 و 11 / 64 ، ينابيع المودّة 2 / 44 ، ذخائر العقبى : 122.
2- كنز العمّال 13 / 652 ، تاريخ مدينة دمشق 13 / 197.
3- الجامع الصغير 2 / 609 ، موارد الظمآن : 553 ، كنز العمّال 12 / 116 ، تاريخ مدينة دمشق 13 / 209 ، الأنساب 3 / 476 ، البداية والنهاية 8 / 39 ، ينابيع المودّة 2 / 102.
4- وسائل الشيعة 1 / 35.
5- تاريخ مدينة دمشق 13 / 287.

وعن ابن عمر قال : « حضرت موت حسن بن علي ، فقلت للحسين : اتق اللّه ولا تثر فتنة ، ولا تسفك الدماء ، وادفن أخاك إلى جنب أُمّه ، فإنّ أخاك قد عهد بذلك إليك ، فأخذ بذلك الحسين »(1).

4 - جاء في تاريخ اليعقوبي : « وقيل : إنّ عائشة ركبت بغلة شهباء وقالت : بيتي لا آذن فيه لأحد ، فأتاها القاسم بن محمّد بن أبي بكر فقال لها : يا عمّة! ما غسلنا رؤوسنا من يوم الجمل الأحمر ، أتريدين أن يقال يوم البغلة الشهباء؟ فرجعت » (2).

( ... - ... - سنّي )

كانت مخطئة ومخالفة لأمر اللّه ورسوله :

س : أتمنّى أن تعينوني على فهم بعض الأُمور التي مرّت عليّ ، وأُريد التأكّد منها ، هل ما سمعت عن كره الشيعة للسيّدة عائشة صحيح؟ جزاكم اللّه كُلّ خير.

ج : إنّ مسألة الحبّ والبغض من المسائل المتّفق عليها بين المسلمين كافّة ، وهي الحبّ في اللّه ، والبغض في اللّه ، وكذلك الموالاة لأولياء اللّه والمعاداة لأعدائه.

قال تعالى : ( لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ باللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّه وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (3).

ص: 250


1- المصدر السابق 13 / 288.
2- تاريخ اليعقوبي 2 / 225.
3- المجادلة : 22.

ولا عداء شخصي للشيعة مع أحد أبداً ، وإنّك ترى أنّ أهل البيت عليهم السلام يرحمون حتّى أعداءهم وقاتليهم ، ويبكون عليهم ويوصون بهم.

وترى أنّ الشيعة يتعاملون مع المسلمين كافّة كُلّ بحسبه ، فالمؤمن الصادق موقّر لديهم ، وإن كان ابن كافر ، والمنحرف مذموم لديهم ، وإن كان ابن أو أخ إمام.

فهذا عمّار وسلمان وأبو ذر والمقداد وأُمّ سلمة وعبد اللّه بن عباس ومحمّد بن أبي بكر ، وغيرهم من المؤمنين الملتزمين الممدوحين في الأحاديث الشريفة الصحيحة.

وها هو عبيد اللّه بن العباس وجعفر الكذّاب ، وغيرهم من السادة الهاشميين ، ولكنّهم يتبرّأون منهم ، ويبغضون أعمالهم.

فنحن لدينا موازين شرعية نضع الناس بحسبها لا بأهوائنا ولا بالنسب ، وإنّما بالتقوى والسيرة الحسنة ، أو العكس لأيّ شخص كائناً من كان.

وأمّا بخصوص عائشة ، فقد ثبت أنّها آذت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في كثير من المواقف ، كما في قصّة المغافير ، وتهديد اللّه تعالى لها أشدّ تهديد في القرآن لأحد من العالمين ، قال تعالى : ( وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللّه هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ) (1) ، وكذلك في الكثير من أقوالها وأفعالها معه صلى اللّه عليه وآله.

وكذلك موقفها من الإمام علي عليه السلام بعد تحذير النبيّ صلى اللّه عليه وآله إيّاها من ذلك الخروج ، وحرب أمير المؤمنين والخروج على إمام زمانها.

وأيضاً موقفها من دفن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام مع جدّه صلى اللّه عليه وآله ، وعدم إذنها بذلك ، وغير ذلك ممّا هو معلوم لدى الجميع.

فموقفنا ليس شخصياً وعداءً لذاتها ، بل هو موقف من أعمالها ، وعدم كونها بمستوى المسؤولية والموقع الرفيع ، بكونها زوجة خاتم النبيين صلى اللّه عليه وآله ،

ص: 251


1- التحريم : 4.

وقد قال تعالى : ( يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا ... وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ... ) (1) ، وكان عمر في زمن خلافته يمنعهن حتّى من الخروج للحجّ ، حتّى أذن لهن في آخر خلافته ، فكيف بالخروج على إمام زمانها ومحاربته.

فإنا نعتقد أنّها كانت مخطئة ومخالفة لأمر اللّه ورسوله صلى اللّه عليه وآله ، وعلى هذا فالدليل يسوقنا إلى عدم موالاتها ، ولا غرابة ، فالقرآن يعلّمنا البراءة من زوجة نوح ولوط ، وموالاة آسية امرأة فرعون.

( عيسى الشيباني - الإمارات - 26 سنة - طالب ثانوية عامّة )

كانت تعلم بمبايعة الناس لعلي عليه السلام :

س : وفّقكم اللّه لخدمة الإسلام والمسلمين ، وأظهر الحقّ على لسانكم وفي كتبكم المقدّسة ، يدّعي البعض بأنّ خروج عائشة في معركة الجمل عن عدم درايتها بأنّ علي بن أبي طالب عليه السلام قد تمّت له البيعة ، واستلام الخلافة له , وبالتالي هي معذورة في خروجها على الإمام في تلك الحرب ، حيث أنّها لو علمت لما خرجت على رأس الجيش؟

الرجاء توضيح هذه الشبهة ، ولكم فائق الاحترام والتقدير.

ج : المعروف أنّ واقعة الجمل كان سببها خروج عائشة مع طلحة والزبير للمطالبة بدم عثمان ، إلاّ أنّ الثابت تاريخياً أنّ عائشة هي التي حرّضت الناس على قتل عثمان بن عفّان ، وأصدرت فتوى بقتله بعد نعته بنعثل اليهودي ، وقالت : « اقتلوا نعثلاً فقد كفر »(2) ، تعني عثمان ، وفي رواية أُخرى : « اقتلوا نعثلاً قتل اللّه نعثلاً »(3) تعني عثمان ، ونعثل هو رجل يهودي كان يعيش في

ص: 252


1- الأحزاب : 30 - 33.
2- تاريخ الأُمم والملوك 3 / 477 ، شيخ المضيرة أبو هريرة : 171.
3- تاج العروس 8 / 141 ، لسان العرب 11 / 670 ، شرح نهج البلاغة 6 / 215 و 20 / 22.

المدينة طويل اللحية ، بل ورد أنّ حفصة وعائشة قالتا لعثمان : « إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله سمّاك نعثلاً تشبيها بنعثل اليهودي » (1) ، وقيل : « إنّ نعثل هو الشيخ الأحمق ، وهو رجل من أهل مصر كان طويل اللحية وكان يشبه عثمان »(2).

وقال ابن أبي الحديد : « قال كُلّ من صنّف في السير والأخبار : إنّ عائشة كانت من أشدّ الناس على عثمان ، حتّى أنّها أخرجت ثوباً من ثياب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فنصبته في منزلها ، وكانت تقول للداخلين إليها : هذا ثوب رسول اللّه لم يبل ، وعثمان قد أبلى سنّته»(3).

وقد صدّق المسلمون - وعلى رأسهم الصحابة - دعوى عائشة ، واستجابوا لتحريضها ، فشاركوا في قتله ، ودفنوه في مقبرة اليهود(4).

ولكن السؤال المثير هو : لماذا خرجت عائشة للمطالبة بدم عثمان؟ وتجييش الجيوش من أجل ذلك؟

قال الطبري عن تلك الأحداث : « أنّ عائشة لما انتهت إلى سرف - موضع ستة أميال من مكّة - راجعة في طريقها إلى مكّة ، لقيها عبد ابن أُمّ كلاب ، وهو عبد ابن أبي سلمة ينسب إلى أُمّه ، فقالت له : مهيم؟

قال : قتلوا عثمان ، فمكثوا ثمانياً ، قالت : ثمّ صنعوا ماذا؟

قال : أخذها أهل المدينة بالاجتماع ، فجازت بهم الأُمور إلى خير مجاز ، اجتمعوا على علي بن أبي طالب ، فقالت : واللّه ليتَ إنّ هذه انطبقت على هذه إن تمّ الأمر لصاحبك ، ردّوني ردّوني ، فانصرفت إلى مكّة وهي تقول : قتل واللّه عثمان مظلوماً ، واللّه لأطلبن بدمه ، فقال لها ابن أُمّ كلاب : ولم؟ فو اللّه أنّ أوّل من أمال حرفه لأنتِ ، ولقد كنتِ تقولين : اقتلوا نعثلاً فقد كفر.

ص: 253


1- كشف الغمّة 2 / 108.
2- لسان العرب 11 / 699.
3- شرح نهج البلاغة 6 / 215.
4- أُنظر : الطبقات الكبرى 3 / 78.

قالت : إنّهم استتابوه ثمّ قتلوه ، وقد قلت وقالوا ، وقولي الأخير خير من قولي الأوّل ، فقال ابن أُمّ كلاب :

منكِ البداء ومنكِ الغير *** ومنكِ الرياح ومنكِ المطر

وأنتِ أمرتِ بقتل الإمام *** وقلتِ لنا أنّه قد كفر

فهبنا أطعناكِ في قتله *** وقاتله عندنا من أمر

إلى آخر الأبيات.

فانصرفت إلى مكّة ، فنزلت على باب المسجد ، فقصدت الحجر ، فسترت واجتمع إليها الناس ، فقالت : يا أيّها الناس ، إنّ عثمان قُتل مظلوماً ، وواللّه لأطلبن بدمه » (1).

والحاصل : إنّ عائشة كانت تعلم بمبايعة الناس لأمير المؤمنين علي عليه السلام ، ومن هنا كانت نقطة الانقلاب في موقفها ، وبمراجعة يسيرة إلى المصادر التاريخية تجد أنّ عائشة حتّى عند إخبارها بمقتل عثمان قبل علمها بمبايعة علي عليه السلام كانت تسمّيه نعثلاً وتتشفّى بمقتله ، ولكن علمها بمبايعة الإمام عليه السلام قلب موقفها تماماً ، وقادها إلى القيام بتلك الفتنة الكبيرة التي راح ضحيّتها عشرات الآلاف من المسلمين ، فكيف لا تعلم عائشة بمبايعة الناس لأمير المؤمنين علي عليه السلام ، وهي عندما قدمت إلى البصرة وجدت عليها عثمان بن حنيف عامل أمير المؤمنين عليه السلام عليها ، وقد أرسل أليها أبو الأسود الدؤلي يسألها عن خبرها ، وعن علّة مجيئها إلى البصرة ، فقالت له : أطلب بدم عثمان ، قال : إنّه ليس في البصرة من قتلة عثمان أحد ، قالت : صدقت ولكنّهم مع علي بن أبي طالب بالمدينة(2).

ص: 254


1- تاريخ الأُمم والملوك 3 / 476.
2- شرح نهج البلاغة 6 / 226.

وعندما لم تجد عائشة آذاناً صاغية من عثمان بن حنيف وأصحابه في البصرة في مطالبها ، اشتد النزاع بين الفريقين حتّى حصلت تلك الواقعة المسمّاة ب- « واقعة الجمل الأصغر » ، والتي كان من آثارها أن قتل أربعون رجلاً من شيعة علي عليه السلام في المسجد ، وسبعون آخرون في مكان آخر ، وأسروا عثمان بن حنيف ، وكان من فضلاء الصحابة ، فأرادوا قتله ، ثمّ خافوا أن يثأر له أخوه سهل والأنصار ، فنتفوا لحيته وشاربيه وحاجبيه ورأسه وضربوه وحبسوه ، ثمّ طردوه من البصرة(1).

وكان النبيّ صلى اللّه عليه وآله قد أخبر عائشة عن خروجها هذا وحذّرها منه ، وقال لها : « لا تكوني التي تنبحك كلاب الحوأب » ، والحوأب هو وادي كثير الماء نبحت كلابه عند مسير عائشة إلى البصرة ، وعندما سألت عنه أخبروها أنّ هذا المكان يسمّى بماء الحوأب.

فقالت : ردّوني ، ردّوني ، وذكرت التحذير الذي سمعته من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ولكن وبمحضر من طلحة والزبير أحسّ بجسامة الموقف ، فاحضر خمسين رجلاً ، وشهدوا بأنّ هذا المكان لا يسمّى بماء الحوأب ، وكانت تلك أوّل شهادة زور في الإسلام كما يذكره المؤرّخون(2).

وخلاصة القول في مسير عائشة هو قول أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة له : « أيّها الناس ، إنّ عائشة سارت إلى البصرة ومعها طلحة والزبير ، وكُلّ منهما يرى الأمر له دون صاحبه ، أمّا طلحة فابن عمّها ، وأما الزبير فختنها ، واللّه لو ظفروا بما أرادوا - ولن ينالوا ذلك أبداً - ليضربن أحدهما عنق صاحبه بعد تنازع

ص: 255


1- تاريخ الأُمم والملوك 3 / 485 ، انساب الأشراف : 225 ، أُسد الغابة 2 / 40 ، شرح نهج البلاغة 6 / 226.
2- أُنظر : مسند أبي يعلى 8 / 282 ، شرح نهج البلاغة 6 / 225 و 9 / 310 ، انساب الأشراف : 224 ، تاريخ اليعقوبي 2 / 181 ، البداية والنهاية 7 / 258 ، المناقب : 181.

منهما شديد ، واللّه إنّ راكبة الجمل الأحمر ما تقطع عقبة ، ولا تحل عقدة إلاّ في معصية اللّه وسخطه ، حتّى تورد نفسها ومن معها موارد الهلكة » (1).

وقد حذّر اللّه سبحانه قبل هذا نساء النبيّ صلى اللّه عليه وآله من الخروج من بيوتهنّ وأمرهنّ بالقرار فيها بقوله : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ) (2) ، ولذا نقول : ما حكم من خرجت من بيتها ومدينتها بل وكُلّ بلادها ، وذهبت إلى بلاد أُخرى تبعد عنها آلاف الأميال ، وأشعلت كُلّ هذه الفتنة التي يراها البعض بداية لفتن صفّين والنهروان ، وثمّ تولّي معاوية على رقاب المسلمين ، ثمّ واقعة كربلاء ، وما جرى على المسلمين إلى يومنا هذا؟ التي يعدّها البعض نتيجة حتمية لضعف العرب والمسلمين بسبب الفتن التي أشعلها الأوائل بوجه الخلافة العلوية.

ولا نريد أن نشير هنا إلى قول النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه وآله الذي رواه مسلم عن ابن عمر قال : خرج رسول اللّه من بيت عائشة فقال : « رأس الكفر من هاهنا من حيث يطلع قرن الشيطان »(3) ، بل جاء في صحيح البخاري عن عبد اللّه قال : قام النبيّ صلى اللّه عليه وآله خطيباً ، فأشار نحو مسكن عائشة فقال : « هاهنا الفتنة ، هاهنا الفتنة ، هاهنا الفتنة ، من حيث يطلع قرن الشيطان »(4).

ص: 256


1- شرح نهج البلاغة 1 / 233.
2- الأحزاب : 33.
3- صحيح مسلم 8 / 181.
4- صحيح البخاري 4 / 46.

عالم الذرّ :

اشارة

( ميسون رضا - لبنان - 23 سنة - دراسة ماجستير في العلوم الإلهية )

بحث مفصّل للعلاّمة الطباطبائي حوله :

اشارة

س : فكرة موجزة عن عالم الذرّ : أهم العلماء الذين يؤيّدون هذه النظرية ، بعض المصادر التي تناولت هذا الأمر من خلال أحاديث أهل البيت عليهم السلام.

ج : ننقل لك ما قاله العلاّمة الطباطبائي قدس سره حول الموضوع :

قوله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا ... ) (1).

أخذ الشيء من الشيء يوجب انفصال المأخوذ من المأخوذ منه ، واستقلاله دونه بنحو من الأنحاء ، وهو يختلف باختلاف العنايات المتعلّقة بها ، والاعتبارات المأخوذة فيها ، كأخذ اللقمة من الطعام ، وأخذ الجرعة من ماء القدح ، وهو نوع من الأخذ ، وأخذ المال والأثاث من زيد الغاصب ، أو الجواد أو البائع أو المعير ، وهو نوع آخر ، أو أنواع مختلفة أُخرى ، وكأخذ العلم من العالم ، وأخذ الأهبة من المجلس ، وأخذ الحظّ من لقاء الصديق وهو نوع ، وأخذ الولد من والده للتربية ، وهو نوع إلى غير ذلك.

فمجرد ذكر الأخذ من الشيء لا يوضّح نوعه إلاّ ببيان زائد ، ولذلك أضاف اللّه سبحانه إلى قوله : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ ) الدال على تفريقهم وتفصيل بعضهم من بعض.

ص: 257


1- الأعراف : 172.

قوله : ( مِن ظُهُورِهِمْ ) ليدلّ على نوع الفصل والأخذ ، وهو أخذ بعض المادّة منها ، بحيث لا تنقص المادّة المأخوذ منها بحسب صورتها ، ولا تنقلب عن تمامها واستقلالها ، ثمّ تكميل الجزء المأخوذ شيئاً تامّاً مستقلاً من نوع المأخوذ منه ، فيؤخذ الولد من ظهر من يلده ويولده ، وقد كان جزء ، ثمّ يجعل بعد الأخذ والفصل إنساناً تامّاً مستقلاً من والديه ، بعدما كان جزء منهما.

ثمّ يؤخذ من ظهر هذا المأخوذ مأخوذ آخر ، وعلى هذه الوتيرة حتّى يتمّ الأخذ ، وينفصل كُلّ جزء عمّا كان جزء منه ، ويتفرّق الأناسي وينتشر الأفراد ، وقد استقلّ كُلّ منهم عمّن سواه ، ويكون لكُلّ واحد منهم نفس مستقلة لها ما لها ، وعليها ما عليها ، فهذا مفاد قوله : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) ، ولو قال : أخذ ربّك من بني آدم ذرّيتهم أو نشرهم ونحو ذلك ، بقي المعنى على إبهامه.

وقوله : ( وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) ينبأ عن فعل آخر إلهي تعلّق بهم ، بعد ما أخذ بعضهم من بعض ، وفصل بين كُلّ واحد منهم وغيره ، وهو إشهادهم على أنفسهم ، والإشهاد على الشيء هو إحضار الشاهد عنده ، وإراءته حقيقته ، ليتحمّله علماً تحمّلاً شهودياً ، فإشهادهم على أنفسهم ، هو إراءتهم حقيقة أنفسهم ، ليتحمّلوا ما أُريد تحمّلهم من أمرها ، ثمّ يؤدّوا ما تحمّلوه إذا سئلوا.

وللنفس في كُلّ ذي نفس جهات من التعلّق والارتباط بغيرها ، يمكن أن يستشهد الإنسان على بعضها دون بعض ، غير أنّ قوله : ( أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) يوضّح ما أشهدوا لأجله ، وأُريد شهادتهم عليه ، وهو أن يشهدوا ربوبيته سبحانه لهم ، فيؤدّوها عند المسألة.

فالإنسان وإن بلغ من الكبر والخيلاء ما بلغ ، وغرّته مساعدة الأسباب ما غرّته ، واستهوته لا يسعه أن ينكر أنّه لا يملك وجود نفسه ، ولا يستقلّ بتدبير أمره ، ولو ملك نفسه لوقّاها ممّا يكرهه من الموت ، وسائر آلام الحياة

ص: 258

ومصائبها ، ولو استقلّ بتدبير أمره لم يفتقر إلى الخضوع قبال الأسباب الكونية ، والوسائل التي يرى لنفسه أنّه يسودها ويحكم فيها ، ثمّ هي كالإنسان في الحاجة إلى ما وراءها ، والانقياد إلى حاكم غائب عنها ، يحكم فيها لها أو عليها ، وليس إلى الإنسان أن يسدّ خلّتها ويرفع حاجتها.

فالحاجة إلى ربّ - مالك مدبّر - حقيقة الإنسان ، والفقر مكتوب على نفسه ، والضعف مطبوع على ناصيته ، لا يخفى ذلك على إنسان له أدنى الشعور الإنساني ، والعالم والجاهل ، والصغير والكبير ، والشريف والوضيع في ذلك سواء.

فالإنسان في أيّ منزل من منازل الإنسانية نزل ، يشاهد من نفسه أنّ له ربّاً يملكه ويدبّر أمره ، وكيف لا يشاهد ربّه وهو يشاهد حاجته الذاتية؟ وكيف يتصوّر وقوع الشعور بالحاجة من غير شعور بالذي يحتاج إليه؟

فقوله : ( أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) بيان ما أشهد عليه ، وقوله : ( قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا ) اعتراف منهم بوقوع الشهادة وما شهدوه ، ولذا قيل : إنّ الآية تشير إلى ما يشاهده الإنسان في حياته الدنيا ، أنّه محتاج في جميع جهات حياته من وجوده ، وما يتعلّق به وجوده من اللوازم والأحكام ، ومعنى الآية إنّا خلقنا بني آدم في الأرض ، وفرّقناهم وميّزنا بعضهم من بعض بالتناسل والتوالد ، وأوفقناهم على احتياجهم ، ومربوبيتهم لنا ، فاعترفوا بذلك قائلين : بلى شهدنا أنّك ربّنا.

وعلى هذا يكون قولهم : ( بَلَى شَهِدْنَا ) من قبيل القول بلسان الحال ، أو إسناد اللازم القول إلى القائل بالملزوم ، حيث اعترفوا بحاجاتهم ، ولزمه الاعتراف بمن يحتاجون إليه ، والفرق بين لسان الحال ، والقول بلازم القول :

أنّ الأوّل انكشاف المعنى عن الشيء لدلالة صفة من صفاته ، وحال من أحواله عليه ، سواء شعر به أم لا ، كما تفصح آثار الديار الخربة عن حال ساكنيها ، وكيف لعب الدهر بهم؟ وعدت عادية الأيّام عليهم؟ فأسكنت

ص: 259

أجراسهم وأخمدت أنفاسهم ، وكما يتكلّم سيماء البائس المسكين عن فقره ومسكنته وسوء حاله.

والثاني انكشاف المعنى عن القائل ، لقوله بما يستلزمه أو تكلّمه بما يدلّ عليه بالالتزام.

فعلى أحد هذين النوعين من القول ، أعني القول بلسان الحال ، والقول بالاستلزام يحمل اعترافهم المحكي بقوله تعالى : ( قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا ) ، والأوّل أقرب وأنسب ، فإنّه لا يكتفي في مقام الشهادة إلاّ بالصريح منها المدلول عليه بالمطابقة دون الالتزام.

ومن المعلوم : أنّ هذه الشهادة على أيّ نحو تحقّقت فهي من سنخ الاستشهاد المذكور في قوله : ( أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) ، فالظاهر أنّه قد استوفى الجواب بعين اللسان الذي سألهم به ، ولذلك كان هناك نحو ثالث يمكن أن يحمل عليه هذه المساءلة والمجاوبة ، فإنّ الكلام الإلهي يكشف به عن المقاصد الإلهية بالفعل ، والإيجاد كلام حقيقي - وإن كان بنحو التحليل - كما تقدّم مراراً في مباحثنا السابقة ، فليكن هنا قوله : ( أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) وقولهم : ( بَلَى شَهِدْنَا ) من ذاك القبيل ، وسيجيء للكلام تتمّة.

وكيف كان فقوله : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ ) الآية ، يدلّ على تفصيل بني آدم بعضهم من بعض ، وإشهاد كُلّ واحد منهم على نفسه ، وأخذ الاعتراف على الربوبية منه ، ويدلّ ذيل الآية وما يتلوه أعنّي قوله : ( أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ) (1) على الغرض من هذا الأخذ والإشهاد.

وهو على ما يفيده السياق إبطال حجّتين للعباد على اللّه ، وبيان أنّه لولا هذا الأخذ والإشهاد ، وأخذ الميثاق على انحصار الربوبية ، كان للعباد أن يتمسّكوا

ص: 260


1- الأعراف : 172 - 173.

يوم القيامة بإحدى حجّتين ، يدفعون بها تمام الحجّة عليهم في شركهم باللّه ، والقضاء بالنار على ذلك من اللّه سبحانه.

والتدبّر في الآيتين ، وقد عطفت إحدى الحجّتين على الأُخرى بأو الترديدية ، وبنيت الحجّتان جميعاً على العلم اللازم للإشهاد ، ونقلتا جميعاً عن بني آدم المأخوذين المفرقين يعطي أنّ الحجّتين كُلّ واحدة منهما مبنية على تقدير من تقديري عدم الإشهاد كذلك.

والمراد أنّا أخذنا ذرّيتهم من ظهورهم ، وأشهدناهم على أنفسهم فاعترفوا بربوبيتنا ، فتمّت لنا الحجّة عليهم يوم القيامة ، ولو لم نفعل هذا ولم نشهد كُلّ فرد منهم على نفسه بعد أخذه ، فإنّ كنّا أهملنا الإشهاد من رأس فلم يشهد أحد نفسه ، وأنّ اللّه ربّه ، ولم يعلم به لأقاموا جميعاً الحجّة علينا يوم القيامة ، بأنّهم كانوا غافلين في الدنيا عن ربوبيتنا ، ولا تكليف على غافل ولا مؤاخذة ، وهو قوله تعالى : ( أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ) .

وإن كنّا لم نهمل أمر الإشهاد من رأس ، وأشهدنا بعضهم على أنفسهم دون بعض ، بأن أشهدنا الآباء على هذا الأمر الهام العظيم دون ذرّياتهم ، ثمّ أشرك الجميع كان شرك الآباء شركاً عن علم ، بأنّ اللّه هو الربّ لا ربّ غيره ، فكانت معصية منهم.

وأمّا الذرّية فإنّما كان شركهم بمجرد التقليد فيما لا سبيل لهم إلى العلم به لا إجمالاً ولا تفصيلاً ، ومتابعة عملية محضة لآبائهم فكان آباؤهم هم المشركون باللّه ، العاصون في شركهم لعلمهم بحقيقة الأمر ، وقد قادوا ذرّيتهم الضعاف في سبيل شركهم بتربيتهم عليه وتلقينهم ذلك ، ولا سبيل لهم إلى العلم بحقيقة الأمر ، وإدراك ضلال آبائهم وإضلالهم إيّاهم ، فكانت الحجّة لهؤلاء الذرّية على اللّه يوم القيامة ، لأنّ الذين أشركوا وعصوا بذلك ، وأبطلوا الحقّ هم الآباء ، فهم المستحقّين للمؤاخذة ، والفعل فعلهم.

ص: 261

وأمّا الذرّية فلم يعرفوا حقّاً حتّى يؤمروا به فيعصوا بمخالفته ، فهم لم يعصوا شيئاً ، ولم يبطلوا حقّاً ، وحينئذ لم تتمّ حجّة على الذرّية ، فلم تتمّ الحجّة على جميع بني آدم ، وهذا معنى قوله تعالى : ( أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ) .

فإن قلت : هنا بعض تقادير أُخر لا يفي به البيان السابق ، كما لو فرض إشهاد الذرّية على أنفسهم دون الآباء مثلاً ، أو إشهاد بعض الذرّية مثلاً ، كما أنّ تكامل النوع الإنساني في العلم والحضارة على هذه الوتيرة ، يرث كُلّ جيل ما تركه الجيل السابق ، ويزيد عليه بأشياء ، فيحصل للاحق ما لم يحصل للسابق.

قلت : على أحد التقديرين المذكورين تتمّ الحجّة على الذرّية ، أو على بعضهم الذين أشهدوا.

وأمّا الآباء الذين لم يشهدوا فليس عندهم إلاّ الغفلة المحضة عن أمر الربوبية ، فلا يستقلّون بشرك إذ لم يشهدوا ، ولا يسع لهم التقليد إذ لم يسبق عليهم فيه سابق كما في صورة العكس ، فيدخلون تحت المحتجّين بالحجّة الأُولى : ( إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ) .

وأمّا حديث تكامل الإنسان في العلم والحضارة تدريجاً ، فإنّما هو في العلوم النظرية الاكتسابية التي هي نتائج وفروع تحصل للإنسان شيئاً فشيئاً ، وأمّا شهود الإنسان نفسه ، وأنّه محتاج إلى ربّ يربّه ، فهو من مواد العلم التي إنّما تحصل قبل النتائج ، وهو من العلوم الفطرية التي تنطبع في النفس انطباعاً أوّلياً ، ثمّ يتفرّع عليها الفروع ، وما هذا شأنه لا يتأخّر عن غيره حصولاً ، وكيف لا ، ونوع الإنسان إنّما يتدرّج إلى معارفه وعلومه عن الحسّ الباطني بالحاجة كما قرّر في محلّه.

فالمتحصّل من الآيتين : أنّ اللّه سبحانه فصل بين بني آدم بأخذ بعضهم من بعض ، ثمّ أشهدهم جميعاً على أنفسهم ، وأخذ منهم الميثاق بربوبيته ، فهم

ص: 262

ليسوا بغافلين عن هذا المشهد ، وما أخذ منهم الميثاق حتّى يحتجّ كُلّهم بأنّهم كانوا غافلين عن ذلك ، لعدم معرفتهم بالربوبية ، أو يحتجّ بعضهم بأنّه إنّما أشرك وعصى آباؤهم وهم برآء.

ولذلك ذكر عدّة من المفسّرين : أنّ المراد بهذا الظرف المشار إليه بقوله : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ ) هو الدنيا ، والآيتان تشيران إلى سنّة الخلقة الإلهية الجارية على الإنسان في الدنيا ، فإنّ اللّه سبحانه يخرج الذرّية الإنسانية من أصلاب آبائهم إلى أرحام أُمّهاتهم ، ومنها إلى الدنيا ، ويشهدهم في خلال حياتهم على أنفسهم ، ويريهم آثار صنعه ، وآيات وحدانيته ، ووجوه احتياجاتهم المستغرقة لهم من كُلّ جهة ، الدالّة على وجوده ووحدانيته ، فكأنّه يقول لهم عند ذلك : ألست بربّكم ، وهم يجيبونه بلسان حالهم : بلى شهدنا بذلك ، وأنت ربّنا لا ربّ غيرك ، وإنّما فعل اللّه سبحانه ذلك لئلا يحتجّوا على اللّه يوم القيامة ، بأنّهم كانوا غافلين عن المعرفة ، أو يحتجّ الذرّية بأنّ آباءهم هم الذين أشركوا ، وأمّا الذرّية فلم يكونوا عارفين بها ، وإنّما هم ذرّية من بعدهم نشئوا على شركهم من غير ذنب.

وقد طرح القوم عدّة من الروايات تدلّ على أنّ الآيتين تدلاّن على عالم الذرّ ، وأنّ اللّه أخرج ذرّية آدم من ظهره ، فخرجوا كالذرّ فأشهدهم على أنفسهم وعرّفهم نفسه ، وأخذ منهم الميثاق على ربوبيته ، فتمّت بذلك الحجّة عليهم يوم القيامة.

وقد ذكروا وجوها في إبطال دلالة الآيتين عليه ، وطرح الروايات بمخالفتها لظاهر الكتاب :

1 - إنّه لا يخلو إمّا أن جعل اللّه هذه الذرّية المستخرجة من صلب آدم عقلاء ، أو لم يجعلهم كذلك ، فإن لم يجعلهم عقلاء فلا يصحّ أن يعرفوا التوحيد ، وأن يفهموا خطاب اللّه تعالى ، وإن جعلهم عقلاء وأخذ منهم الميثاق ، وبنى صحّة التكليف على ذلك ، وجب أن يذكروا ذلك ولا ينسوه ، لأنّ أخذ الميثاق إنّما تتمّ

ص: 263

الحجّة به على المأخوذ منه ، إذا كان على ذكر منه من غير نسيان ، كما ينصّ عليه قوله تعالى : ( أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ) ، ونحن لا نذكر وراء ما نحن عليه من الخلقة الدنيوية الحاضرة شيئاً ، فليس المراد بالآية إلاّ موقف الإنسان في الدنيا ، وما يشاهده فيه من حاجته إلى ربّ يملكه ويدبّر أمره ، وهو ربّ كُلّ شيء.

2 - إنّه لا يجوز أن ينسى الجمع الكثير ، والجمّ الغفير من العقلاء أمراً قد كانوا عرفوه وميّزوه ، حتّى لا يذكره ولا واحد منهم ، وليس العهد به بأطول من عهد أهل الجنّة بحوادث مضت عليهم في الدنيا ، وهم يذكرون ما وقع عليهم في الدنيا ، كما يحكيه تعالى في مواضع من كلامه كقوله : ( قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ ) (1) إلى آخر الآيات.

وقد حكى نظير ذلك من أهل النار كقوله : ( وَقَالُوا مَا لَنَا لاَ نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الأَشْرَارِ ) (2) إلى غير ذلك من الآيات.

ولو جاز النسيان على هؤلاء الجماعة مع هذه الكثرة ، لجاز أن يكون اللّه سبحانه قد كلّف خلقه فيما مضى من الزمن ، ثمّ أعادهم ليثيبهم ، أو ليعاقبهم جزاء لأعمالهم في الخلق الأوّل ، وقد نسوا ذلك ، ولازم ذلك صحّة قول التناسخية : أنّ المعاد إنّما هو خروج النفس عن بدنها ، ثمّ دخولها في بدن آخر ، لتجد في الثاني جزاء الأعمال التي عملتها في الأوّل.

3 - ما أورد على الأخبار الناطقة بأنّ اللّه سبحانه أخذ من صلب آدم ذرّيته ، وأخذ منهم الميثاق ، بأنّ اللّه سبحانه قال : ( أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَم ) ولم يقل من آدم ، وقال : ( مِن ظُهُورِهِمْ ) ولم يقل من ظهره ، وقال : ( ذُرِّيَّتَهُمْ ) ولم يقل : ذرّيته ، ثمّ أخبر بأنّه إنّما فعل بهم ذلك لئلا يقولوا يوم القيامة : ( إِنَّا كُنَّا

ص: 264


1- الصافات : 51.
2- ص : 61.

عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ) ، أو يقولوا : ( إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ ) الآية ، وهذا يقتضي أن يكون لهم آباء مشركون ، فلا يتناول ظاهر الآية أولاد آدم لصلبه.

ومن هنا قال بعضهم : إنّ الآية خاصّة ببعض بني آدم غير عامّة لجميعهم ، فإنّها لا تشمل آدم وولده لصلبه ، وجميع المؤمنين ، ومن المشركين من ليس له آباء مشركون ، بل تختصّ بالمشركين الذين لهم سلف مشرك.

4 - إنّ تفسير الآية بعالم الذرّ ينافي قولهم - كما في الآية - ( إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا ) لدلالته على وجود آباء لهم مشركين ، وهو ينافي وجود الجميع هناك بوجود واحد جمعي.

5 - ما ذكره بعضهم : أنّ الروايات مقبولة مسلّمة ، غير أنّها ليست بتأويل للآية ، والذي تقصّه من حديث عالم الذرّ ، إنّما هو أمر فعله اللّه سبحانه ببني آدم قبل وجودهم في هذه النشأة ، ليجروا بذلك على الأعراق الكريمة في معرفة ربوبيته ، كما روي : أنّهم ولدوا على الفطرة ، وكما قيل : إنّ نعيم الأطفال في الجنّة ثواب إيمانهم باللّه في عالم الذرّ.

وأمّا الآية فليست تشير إلى ما تشير إليه الروايات ، فإنّ الآية تذكر أنّه إنّما فعل بهم ذلك لتنقطع به حجّتهم يوم القيامة ، ( إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ) ، ولو كان المراد به ما فعل بهم في عالم الذرّ لكان لهم أن يحتجّوا على اللّه ، فيقولوا : ربّنا إنّك أشهدتنا على أنفسنا يوم أخرجتنا من صلب آدم ، فكنّا على يقين بأنّك ربّنا ، كما أنا اليوم - وهو يوم القيامة - على يقين من ذلك ، لكنّك أنسيتنا موقف الإشهاد في الدنيا ، التي هي موطن التكليف والعمل ، ووكلتنا إلى عقولنا ، فعرف ربوبيتك من عرفها بعقله ، وأنكرها من أنكرها بعقله ، كُلّ ذلك بالاستدلال ، فما ذنبنا في ذلك؟ وقد نزعت منّا عين المشاهدة ، وجهّزتنا بجهاز شأنه الاستدلال ، وهو يخطئ ويصيب؟

ص: 265

6 - إنّ الآية لا صراحة لها فيما تدلّ عليه الروايات ، لإمكان حملها على التمثيل ، وأمّا الروايات فهي إمّا مرفوعة أو موقوفة ، ولا حجّية فيها.

هذه جمل ما أوردوه على دلالة الآية ، وحجّية الروايات ، وقد زيّفها المثبتون لنشأة الذرّ ، وهم عامّة أهل الحديث ، وجمع من غيرهم من المفسّرين بأجوبة :

فالجواب عن الأوّل : إنّ نسيان الموقف وخصوصياته لا يضرّ بتمام الحجّة ، وإنّما المضرّ نسيان أصل الميثاق ، وزوال معرفة وحدانية الربّ تعالى : وهو غير منسي ، ولا زائل عن النفس ، وذلك يكفي في تمام الحجّة ، ألا ترى أنّك إذا أردت أن تأخذ ميثاقاً من زيد فدعوته إليك ، وأدخلته بيتك ، وأجلسته مجلس الكرامة ، ثمّ بشّرته وأنذرته ما استطعت ، ولم تزل به حتّى أرضيته ، فأعطاك العهد ، وأخذت منه الميثاق ، فهو مأخوذ بميثاقه ما دام ذاكراً لأصله ، وإن نسي حضوره عندك ، ودخوله بيتك وجميع ما جرى بينك وبينه وقت أخذ الميثاق غير أصل العهد.

والجواب عن الثاني : إنّ الامتناع من تجويز نسيان الجمع الكثير لذلك ، مجرد استبعاد من غير دليل على الامتناع ، مضافاً إلى أنّ أصل المعرفة بالربوبية مذكور غير منسي كما ذكرنا ، وهو يكفي في تمام الحجّة ، وأمّا حديث التناسخية فليس الدليل على امتناع التناسخ منحصراً في استحالة نسيان الجماعة الكثيرة ، ما مضى عليهم في الخلق الأوّل ، حتّى لو لم يستحلّ ذلك صحّ القول بالتناسخ ، بل لإبطال القول به دليل آخر ، كما يعلم بالرجوع إلى محلّه ، وبالجملة : لا دليل على استحالة نسيان بعض العوالم في بعض آخر.

والجواب عن الثالث : إنّ الآية غير ساكتة عن إخراج ولد آدم لصلبه من صلبه ، فإنّ قوله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَم ) كاف وحده في الدلالة عليه ، فإنّ فرض بني آدم فرض إخراجهم من صلب آدم من غير حاجة إلى مؤنة زائدة ، ثمّ إخراج ذرّيتهم من ظهورهم بإخراج أولاد الأولاد من صلب الأولاد ، وهكذا ، ويتحصّل منه أنّ اللّه أخرج أولاد آدم لصلبه من صلبه ، ثمّ أولادهم من

ص: 266

أصلابهم ، ثمّ أولاد أولادهم من أصلاب أولادهم ، حتّى ينتهي إلى آخرهم ، نظير ما يجري عليه الأمر في هذه النشأة الدنيوية التي هي نشأة التوالد والتناسل.

وقد أجاب الرازي عنه في تفسيره ، بأنّ الدلالة على إخراج أولاده لصلبه من صلبه من ناحية الخبر ، كما أنّ الدلالة على إخراج أولاد أولاده من أصلاب آبائهم من ناحية الآية ، فبمجموع الآية والخبر تتمّ الدلالة على المجموع ، وهو كما ترى.

وأمّا الأخبار المشتملة على ذكر إخراج ذرّية آدم من صلبه ، وأخذ الميثاق منهم ، فهي في مقام شرح القصّة ، لا في مقام تفسير ألفاظ الآية ، حتّى يورد عليها بعدم موافقة الكتاب أو مخالفته.

وأمّا عدم شمول الآية لأولاد آدم من صلبه ، لعدم وجود آباء مشركين لهم ، وكذا بعض من عداهم فلا يضرّ شيئاً ، لأنّ مراد الآية أنّ اللّه سبحانه إنّما فعل ذلك لئلا يقول المشركون يوم القيامة : إنّما أشرك آباؤنا ، لا أن يقول كُلّ واحد واحد منهم : إنّما أشرك آبائي فهذا ممّا لم يتعلّق به الغرض البتة ، فالقول قول المجموع من حيث المجموع ، لا قول كُلّ واحد فيئوّل المعنى إلى أنّا لو لم نفعل ذلك لكان كُلّ من أردنا إهلاكه يوم القيامة يقول : لم أشرك أنا ، وإنّما أشرك من كان قبلي ، ولم أكن إلاّ ذرّية وتابعاً لا متبوعاً.

والجواب عن الرابع : يظهر من الجواب عن سابقه ، وقد دلّت الآية والرواية على أنّ اللّه فصل هناك بين الآباء والأبناء ، ثمّ ردّهم إلى حال الجمع.

والجواب عن الخامس : إنّه خلاف ظاهر بعض الروايات ، وخلاف صريح بعض آخر منها ، وما في ذيله من عدم تمام الحجّة من جهة عروض النسيان ظهر الجواب عنه من الجواب عن الإشكال الأوّل.

والجواب عن السادس : إنّ استقرار الظهور في الكلام كاف في حجّيته ، ولا يتوقّف ذلك على صفة الصراحة ، وإمكان الحمل على التمثيل لا يوجب

ص: 267

الحمل عليه ما لم يتحقّق هناك مانع عن حمله على ظاهره ، وقد تبيّن أن لا مانع من ذلك.

وأمّا أنّ الروايات ضعيفة لا معوّل عليها فليس كذلك ، فإنّ فيها ما هو الصحيح ، وفيها ما يوثق بصدوره ، كما سيجيء إن شاء اللّه تعالى في البحث الروائي التالي.

هذا ملخّص ما جرى بينهم من البحث في ما استفيد من الآية من حديث عالم الذرّ إثباتاً ونفياً ، واعتراضاً وجواباً ، واستيفاء التدبّر في الآية والروايات ، والتأمّل فيما يرومه المثبتون بإثباتهم ، ويدفعه المنكرون بإنكارهم يوجب توجيه البحث إلى جهة أُخرى غير ما تشاجر فيه الفريقان بإثباتهم ونفيهم.

فالذي فهمه المثبتون من الرواية ، ثمّ حملوه على الآية ، وانتهضوا لإثباته محصّله : أنّ اللّه سبحانه بعد ما خلق آدم إنساناً تامّاً سوياً أخرج نطفة التي تكوّنت في صلبه - ثمّ صارت هي بعينها أولاده الصلبيين - إلى الخارج من صلبه ، ثمّ أخرج من هذه النطف نطفها التي ستتكون أولاداً له صلبيين ففصل بين أجزائها ، والأجزاء الأصلية التي اشتقّت منها ، ثمّ من أجزاء هذه النطف أجزاء أُخرى ، هي نطفها ، ثمّ من أجزاء الأجزاء أجزاءها ، ولم يزل حتّى أتى آخر جزء مشتق من الأجزاء المتعاقبة في التجزّي.

وبعبارة أُخرى : أخرج نطفة آدم التي هي مادّة البشر ، ووزّعها بفصل بعض أجزائه من بعض إلى ما لا يحصى من عدد بني آدم ، بحذاء كُلّ فرد ما هو نصيبه من أجزاء نطفة آدم ، وهي ذرّات منبثّة غير محصورة.

ثمّ جعل اللّه سبحانه هذه الذرّات المنبثّة عند ذلك - أو كان قد جعلها قبل ذلك كُلّ ذرّة منها إنساناً تامّاً في إنسانيته ، هو بعينه الإنسان الدنيوي الذي هو جزء المقدّم له ، فالجزء الذي لزيد هناك هو زيد هذا بعينه ، والذي لعمرو هو عمرو هذا بعينه ، فجعلهم ذوي حياة وعقل ، وجعل لهم ما يسمعون به ، وما يتكلّمون به ، وما يضمرون به معاني فيظهرونها أو يكتمونها ، وعند ذلك عرّفهم نفسه

ص: 268

فخاطبهم فأجابوه ، وأعطوه الإقرار بالربوبية ، إمّا بموافقة ما في ضميرهم لما في لسانهم أو بمخالفته ذلك.

ثمّ إنّ اللّه سبحانه ردّهم بعد أخذ الميثاق إلى مواطنهم من الأصلاب ، حتّى اجتمعوا في صلب آدم ، وهي على حياتها ، ومعرفتها بالربوبية ، وإن نسوا ما وراء ذلك ممّا شاهدوه عند الإشهاد وأخذ الميثاق ، وهم بأعيانهم موجودون في الأصلاب حتّى يؤذن لهم في الخروج إلى الدنيا فيخرجون ، وعندهم ما حصلوه في الخلق الأوّل من معرفة الربوبية ، وهي حكمهم بوجود ربّ لهم من مشاهدة أنفسهم محتاجة إلى من يملكهم ويدبّر أمرهم.

هذا ما يفهمه القوم من الخبر والآية ويرومون إثباته ، وهو ممّا يدفعه الضرورة ، وينفيه القرآن والحديث بلا ريب ، وكيف الطريق إلى إثبات أنّ ذرّة من ذرّات بدن زيد - وهو الجزء الذرّي الذي انتقل من صلب آدم من طريق نطفته إلى ابنه ، ثمّ إلى ابن ابنه ، حتّى انتهى إلى زيد - هو زيد بعينه ، وله إدراك زيد وعقله وضميره ، وسمعه وبصره ، وهو الذي يتوجّه إليه التكليف ، وتتمّ له الحجّة ، ويحمل عليه العهود والمواثيق ، ويقع عليه الثواب والعقاب؟ وقد صحّ بالحجّة القاطعة من طريق العقل والنقل أنّ إنسانية الإنسان بنفسه ، التي هي أمر وراء المادّة حادث بحدوث هذا البدن الدنيوي ، وقد تقدّم شطر من البحث فيها.

على أنّه قد ثبت بالبحث القطعي أنّ هذه العلوم التصديقية البديهية والنظرية منها التصديق بأنّ له ربّاً يملكه ويدبّر أمره ، تحصل للإنسان بعد حصول والتطوّرات ، والجميع تنتهي إلى الاحساسات الظاهرة والباطنة ، وهي تتوقّف على وجود التركيب الدنيوي المادّي ، فهو حال العلوم الحصولية التي منها التصديق ، بأنّ له ربّاً هو القائم برفع حاجته.

على أنّ هذه الحجّة إن كانت متوقّفة في تمامها على العقل والمعرفة معاً ، فالعقل مسلوب عن الذرّة حين أرجعت إلى موطنه الصلبي ، حتّى تظهر ثانياً في

ص: 269

الدنيا ، وإن قيل إنّه لم يسلب عنها ما تجري في الأصلاب والأرحام ، فهو مسلوب عن الإنسان ما بين ولادته وبلوغه ، أعني أيّام الطفولية.

ويختل بذلك أمر الحجّة على الإنسان ، وإن كانت غير متوقّفة عليه ، بل يكفي في تمامها مجرد حصول المعرفة ، فأيّ حاجة إلى الإشهاد وأخذ الميثاق ، وظاهر الآية أنّ الإشهاد وأخذ الميثاق إنّما هما لأجل إتمام الحجّة ، فلا محالة يرجع معنى الآية إلى حصول المعرفة ، فيئول المعنى إلى ما فسّرها به المنكرون.

وبتقرير آخر : إن كانت الحجّة إنّما تتمّ بمجموع الإشهاد ، والتعريف وأخذ الميثاق سقطت بنسيان البعض ، وقد نسي الإشهاد والتكليم وأخذ الميثاق ، وإن كان الإشهاد وأخذ الميثاق جميعاً مقدّمة لثبوت المعرفة ، ثمّ زالت المقدّمة ولزمت المعرفة ، وبها تمام الحجّة تمّت الحجّة على كُلّ إنسان حتّى الجنين والطفل والمعتوه والجاهل ، ولا يساعد عليه عقل ولا نقل.

وإن كانت المعرفة في تمام الحجّة بها متوقّفة على حصول العقل والبلوغ ونحو ذلك ، وقد كانت حصلت في عالم الذرّ فتمّت الحجّة ، ثمّ زالت وبقيت المعرفة حجّة ناقصة ، ثمّ كملت ثانياً لبعضهم في الدنيا فتمّت الحجّة ثانياً بالنسبة إليهم ، فكما أنّ لحصول العقل في الدنيا أسباباً تكوينية يحصل بها ، وهي الحوادث المتكرّرة من الخير والشر ، وحصول الملكة المميّزة بينهما من التجارب حصولاً تدريجياً ، ينتهي من جانب إلى حدّ من الكمال ، ومن جانب إلى حدّ من الضعف لا يعبأ به ، كذلك المعرفة لها أسباب إعدادية تهيّأ الإنسان إلى التلبّس بها ، وليست تحصل قبل ذلك ، وإذا كانت تحصل في ظرفنا هذا بأسبابها المعدّة لها كالعقل ، فأي حاجة إلى تكوينه تكويناً آخر في سالف من الزمان لإتمام الحجّة ، والحجّة تامّة دونه؟ وماذا يغني ذلك؟

على أنّ هذا العقل الذي لا تتمّ حجّة ، ولا ينفع إشهاد ، ولا يصحّ أخذ ميثاق بدونه حتّى في عالم الذرّ المفروض ، هو العقل العملي الذي لا يحصل للإنسان ، إلاّ في هذا الظرف الذي يعيش فيه عيشة اجتماعية ، فتتكرّر عليه حوادث

ص: 270

الخير والشرّ ، وتهيج عواطفه واحساساته الباطنية نحو جلب النفع ودفع الضرر ، فتتعاقب عليه الأعمال عن علم وإرادة فيخطئ ويصيب حتّى يتدرّب في تمييز الصواب من الخطأ ، والخير من الشر ، والنفع من الضرّ ، والظرف الذي يثبتونه أعني ما يصفونه من عالم الذرّ ليس بموطن العقل العملي ، إذ ليس فيه شرائط حصوله وأسبابه.

ولو فرضوه موطناً له ، وفيه أسبابه وشرائطه ، كما يظهر ممّا يصفونه تعويلاً على ما في ظواهر الروايات ، أنّ اللّه دعاهم هناك إلى التوحيد ، فأجابه بعضهم بلسان يوافقه قلبه ، وأجابه آخرون وقد أضمروا الكفر ، وبعث إليهم الأنبياء والأوصياء فصدّقهم بعض ، وكذّبهم آخرون ، ولا يجري ما هاهنا إلاّ على ما جرى به ما هنالك إلى غير ذلك ممّا ذكروه ، كان ذلك إثباتاً لنشأة طبيعية قبل هذه النشأة الطبيعية في الدنيا ، نظير ما يثبته القائلون بالأدوار والأكوار ، واحتاج إلى تقديم كينونة ذرّية أُخرى ، تتمّ بها الحجّة على من هنالك من الإنسان ، لأنّ عالم الذرّ على هذه الصفة لا يفارق هذا العالم الحيوي الذي نحن فيه الآن ، فلو احتاج هذا الكون الدنيوي إلى تقديم إشهاد وتعريف حتّى يحصل المعرفة ، وتتمّ الحجّة لاحتاج إليه الكون الذرّي من غير فرق فارق البتة.

على أنّ الإنسان لو احتاج في تحقّق المعرفة في هذه النشأة الدنيوية إلى تقدّم وجود ذرّي يقع فيه الإشهاد ، ويوجد فيه الميثاق حتّى تثبت بذلك المعرفة بالربوبية لم يكن في ذلك فرق بين إنسان وإنسان ، فما بال آدم وحوّاء استثنيا من هذه الكُلّية؟ فإن لم يحتاجا إلى ذلك لفضل فيهما ، أو لكرامة لهما ففي ذرّيتهما من هو أفضل منهما وأكرم! وإن كان لتمام خلقتهما يومئذ فأثبتت فيهما المعرفة من غير حاجة إلى إحضار الوجود الذرّي ، فلكُلّ من ذرّيتهما أيضاً خلقة تامّة في ظرفه الخاصّ به ، فلم لم يؤخّر إثبات المعرفة فيهم ، ولهم إلى تمام خلقتهم بالولادة حتّى تتمّ عند ذلك الحجّة؟ وأيّ حاجة إلى التقديم؟

ص: 271

فهذه جهات من الإشكال في تحقّق الوجود الذرّي للإنسان على ما فهموه من الروايات لا طريق إلى حلّها بالأبحاث العلمية ، ولا حمل الآية عليه معها حتّى بناء على عادة القوم في تحميل المعنى على الآية إذا دلّت عليه الرواية ، وإن لم يساعد عليه لفظ الآية ، لأنّ الرواية القطعية الصدور كالآية مصونة عن أن تنطق بالمحال ، وأمّا الحشوية وبعض المحدّثين ممّن يبطل حجّة العقل الضرورية قبال الرواية ، ويتمسّك بالآحاد في المعارف اليقينية فلا بحث لنا معهم ، هذا ما على المثبتين.

بقي الكلام فيما ذكره النافون : أنّ الآية تشير إلى ما عليه حال الإنسان في هذه الحياة الدنيا ، وهو أنّ اللّه سبحانه أخرج كلاّ من آحاد الإنسان من الأصلاب والأرحام إلى مرحلة الانفصال والتفرّق ، وركب فيهم ما يعرفون به ربوبيته واحتياجهم إليه ، كأنّه قال لهم إذا وجّه وجوههم نحو أنفسهم المستغرقة في الحاجة : ألست بربّكم؟ وكأنّهم لمّا سمعوا هذا الخطاب من لسان الحال قالوا : بلى أنت ربّنا شهدنا بذلك ، وإنّما فعل اللّه ذلك لتتمّ عليهم حجّته بالمعرفة ، وتنقطع حجّتهم عليه بعدم المعرفة ، وهذا ميثاق مأخوذ منهم طول الدنيا جار ما جرى الدهر ، والإنسان يجري معه.

والآية بسياقها لا تساعد عليه ، فإنّه تعالى افتتح الآية بقوله : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ ) الآية ، فعبّر عن ظرف هذه القضية بإذ ، وهو يدلّ على الزمن الماضي ، أو على أيّ ظرف محقّق الوقوع نحوه ، كما في قوله : ( وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ - إلى أن قال - قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ) (1) فعبر بإذ عن ظرف مستقبل لتحقّق وقوعه.

وقوله : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ ) خطاب للنبي صلى اللّه عليه وآله أو له ولغيره ، كما يدلّ عليه قوله : ( أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) الآية ، إن كان الخطاب متوجّهاً إلينا معاشر

ص: 272


1- المائدة : 116 - 119.

السامعين للآيات المخاطبين بها ، والخطاب خطاب دنيوي لنا معاشر أهل الدنيا ، والظرف الذي يتكي عليه هو زمن حياتنا في الدنيا ، أو زمن حياة النوع الإنساني فيها ، وعمره الذي هو طول إقامته في الأرض ، والقصّة التي يذكرها في الآية ظرفها عين ظرف وجود النوع في الدنيا ، فلا مصحّح للتعبير عن ظرفها بلفظة إذ الدالّة على تقدّم ظرف القصّة على ظرف الخطاب ، ولا عناية أُخرى في المقام تصحّح هذا التعبير من قبيل تحقّق الوقوع ونحوه ، وهو ظاهر.

فقوله : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) في عين أنّه يدلّ على قصّة خلقه تعالى النوع الإنساني بنحو التوليد ، وأخذ الفرد من الفرد ، وبثّ الكثير من القليل ، كما هو المشهود في نحو تكوّن الآحاد من الإنسان ، وحفظهم وجود النوع بوجود البعض من البعض على التعاقب ، يدلّ على أنّ للقصّة - وهي تنطبق على الحال المشهود - نوعاً من التقدّم على هذا المشهود ، من جريان الخلقة وسيرها.

وقد تقدّمت استحالة ما افترضوا لهذا التقدّم من تقدّم هذه الخلقة بنحو تقدّماً زمانياً ، بأن يأخذ اللّه أوّل فرد من هذا النوع ، فيأخذ منه مادّة النطفة التي منها نسل هذا النوع ، فيجزؤها أجزاء ذرّية بعدد أفراد النوع إلى يوم القيامة ، ثمّ يلبس وجود كُلّ فرد بعينه بحياته وعقله ، وسمعه وبصره ، وضميره وظهره وبطنه ، ويكسيه وجوده التي هي له قبل أن يسير مسيره الطبيعي فيشهده نفسه ، ويأخذ منه الميثاق ، ثمّ ينزعه منها ويردّها إلى مكانها الصلبي حتّى يسير سيره الطبيعي ، وينتهي إلى موطنها الذي لها من الدنيا ، فقد تقدّم بطلان ذلك ، وأنّ الآية أجنبية عنه.

لكن الذي أحال هذا المعنى هو استلزامه وجود الإنسان بما له من الشخصية الدنيوية مرّتين في الدنيا ، واحدة بعد أُخرى المستلزم لكون الشيء غير نفسه بتعدّد شخصيته ، فهو الأصل الذي تنتهي إليه جميع المشكلات السابقة.

ص: 273

وأمّا وجود الإنسان أو غيره في امتداد مسيره إلى اللّه ، ورجوعه إليه في عوالم مختلفة النظام ، متفاوتة الحكم فليس بمحال ، وهو ممّا يثبته القرآن الكريم ، ولو كره ذلك الكافرون ، الذين يقولون إن هي إلاّ حياتنا الدنيا نموت ونحيا ، وما يهلكنا إلاّ الدهر ، فقد أثبت اللّه الحياة الآخرة للإنسان وغيره يوم البعث ، وفيه هذا الإنسان بعينه ، وقد وصفه بنظام وأحكام غير هذه النشأة الدنيوية نظاماً وأحكاماً ، وقد أثبت حياة برزخية لهذا الإنسان بعينه ، وهي غير الحياة الدنيوية نظاماً وحكماً.

وأثبت بقوله : ( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ) (1) أنّ لكُلّ شيء عنده وجوداً وسيعاً غير مقدّر في خزائنه ، وإنّما يلحقه الأقدار إذا نزله إلى الدنيا مثلاً ، فللعالم الإنساني على سعته سابق وجود عنده تعالى في خزائنه أنزله إلى هذه النشأة.

وأثبت بقوله : ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ له كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ) (2) ، وقوله : ( وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ) (3) وما يشابههما من الآيات ، أنّ هذا الوجود التدريجي الذي للأشياء ، ومنها الإنسان ، هو أمر من اللّه يفيضه على الشيء ، ويلقيه إليه بكلمة ( كُنْ ) إفاضة دفعية ، وإلقاء غير تدريجي ، فلوجود هذه الأشياء وجهان ، وجه إلى الدنيا ، وحكمه أن يحصل بالخروج من القوّة إلى الفعل تدريجا ، ومن العدم إلى الوجود شيئاً فشيئاً ، ويظهر ناقصاً ثمّ لا يزال يتكامل حتّى يفني ويرجع إلى ربّه ، ووجه إلى اللّه سبحانه ، وهي بحسب هذا الوجه أُمور تدريجية ، وكُلّ ما لها فهو لها في أوّل وجودها ، من غير أن تحتمل قوّة تسوّقها إلى الفعل.

ص: 274


1- الحجر : 21.
2- ياسين : 82 - 83.
3- القمر : 50.

وهذا الوجه غير الوجه السابق ، وإن كانا وجهين لشيء واحد ، وحكمه غير حكمه ، وإن كان تصوّره التامّ يحتاج إلى لطف قريحة ، وقد شرحناه في الأبحاث السابقة بعض الشرح ، وسيجيء إن شاء اللّه استيفاء الكلام في شرحه.

ومقتضى هذه الآيات : أنّ للعالم الإنساني على ما له من السعة وجوداً جميعاً عند اللّه سبحانه ، وهو الذي يلي جهته تعالى ، ويفيضه على أفراده لا يغيب فيها بعضهم عن بعض ، ولا يغيبون فيه عن ربّهم ، ولا هو يغيب عنهم ، وكيف يغيب فعل عن فاعله ، أو ينقطع صنع عن صانعه ، وهذا هو الذي يسمّيه اللّه سبحانه بالملكوت ، ويقول : ( وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) (1) ، ويشير إليه بقوله : ( كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ) (2).

وأمّا هذا الوجه الدنيوي الذي نشاهده نحن من العالم الإنساني ، وهو الذي يفرّق بين الآحاد ، ويشتّت الأحوال والأعمال بتوزيعها على قطعات الزمان ، وتطبيقها على مرّ الليالي والأيّام ، ويحجب الإنسان عن ربّه بصرف وجهه إلى التمتعات المادّية الأرضية ، واللذائذ الحسّية ، فهو متفرّع على الوجه السابق متأخّر عنه ، وموقع تلك النشأة ، وهذه النشأة في تفرّعها عليها موقعاً كن فيكون في قوله تعالى : ( أَنْ نقول له كُنْ فَيَكُونُ ) (3).

ويتبيّن بذلك : أنّ هذه النشأة الإنسانية الدنيوية مسبوقة بنشأة أُخرى إنسانية هي هي بعينها ، غير أنّ الآحاد موجودون فيها غير محجوبين عن ربّهم ، يشاهدون فيها وحدانيته تعالى في الربوبية بمشاهدة أنفسهم ، لا من طريق

ص: 275


1- الأنعام : 75.
2- ياسين : 82.
3- التكاثر : 7.

الاستدلال ، بل لأنّهم لا ينقطعون عنه ولا يفقدونه ، ويعترفون به وبكُلّ حقّ من قبله ، وأمّا قذارة الشرك وألواث المعاصي فهو من أحكام هذه النشأة الدنيوية دون تلك النشأة ، التي ليس فيها إلاّ فعله تعالى القائم به ، فافهم ذلك.

وأنت إذا تدبّرت هذه الآيات ، ثمّ راجعت قوله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) الآية ، وأجدت التدبّر فيها وجدتها تشير إلى تفصيل أمر تشير هذه الآيات إلى إجماله ، فهي تشير إلى نشأة إنسانية سابقة ، فرّق اللّه فيها بين أفراد هذا النوع ، وميّز بينهم ( وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا ) .

ولا يرد عليه ما أورد على قول المثبتين في تفسير الآية على ما فهموه من معنى عالم الذرّ من الروايات على ما تقدّم ، فإنّ هذا المعنى المستفاد من سائر الآيات ، والنشأة السابقة التي تثبته لا تفارق هذه النشأة الإنسانية الدنيوية زماناً ، بل هي معها محيطة بها لكنّها سابقة عليها السبق ، الذي في قوله تعالى : ( كُنْ فَيَكُونُ ) ، ولا يرد عليه شيء من المحاذير المذكورة.

ولا يرد عليه ما أوردناه على قول المنكرين في تفسيرهم الآية بحال وجود النوع الإنساني في هذه النشأة الدنيوية من مخالفته ، لقوله : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ ) ثمّ التجوّز في الإشهاد بإرادة التعريف منه ، وفي الخطاب بقوله : ( أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) بإرادة دلالة الحال ، وكذا في قوله : ( قَالُواْ بَلَى ) ، وقوله : ( شَهِدْنَا ) بل الظرف ظرف سابق على الدنيا وهو غيرها ، والإشهاد على حقيقته ، والخطاب على حقيقته.

ولا يرد عليه أنّه من قبيل تحميل الآية معنى لا تدلّ عليه ، فإنّ الآية لا تأبى عنه ، وسائر الآيات تشير إليه بضمّ بعضها إلى بعض.

وأمّا الروايات ، فسيأتي أنّ بعضها يدلّ على أصل تحقّق هذه النشأة الإنسانية كالآية ، وبعضها يذكر أنّ اللّه كشف لآدم عليه السلام عن هذه النشأة الإنسانية ،

ص: 276

وأراه هذا العالم الذي هو ملكوت العالم الإنساني ، وما وقع فيه من الإشهاد وأخذ الميثاق ، كما أرى إبراهيم عليه السلام ملكوت السماوات والأرض.

رجعنا إلى الآية : قوله : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ ) أي واذكر لأهل الكتاب في تتميم البيان السابق ، أو واذكر للناس في بيان ما نزلت السورة لأجل بيانه ، وهو أنّ لله عهداً على الإنسان وهو سائله عنه ، وأنّ أكثر الناس لا يفون به ، وقد تمّت عليهم الحجّة.

اذكر لهم موطناً قبل الدنيا أخذ فيه ربّك ( مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) فما من أحد منهم إلاّ استقلّ من غيره ، وتميّز منه فاجتمعوا هناك جميعاً ، وهم فرادى فأراهم ذواتهم المتعلّقة بربّهم ( وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ ) فلم يحتجبوا عنه ، وعاينوا أنّه ربّهم ، كما أنّ كُلّ شيء بفطرته يجد ربّه من نفسه من غير أن يحتجب عنه ، وهو ظاهر الآيات القرآنية كقوله : ( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) (1).

( أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) وهو خطاب حقيقي لهم لا بيان حال ، وتكليم إلهي لهم فإنّهم يفهمون ممّا يشاهدون أنّ اللّه سبحانه يريد به منهم الاعتراف ، وإعطاء الموثق ، ولا نعني بالكلام إلاّ ما يلقى للدلالة به على معنى مراد ، وكذا الكلام في قوله : ( قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا ) .

وقوله : ( أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ) الخطاب للمخاطبين بقوله : ( أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) القائلين : ( بَلَى شَهِدْنَا ) فهم هناك يعاينون الإشهاد ، والتكليم من اللّه ، والتكلّم بالاعتراف من أنفسهم ، وإن كانوا في نشأة الدنيا على غفلة ممّا عدا المعرفة بالاستدلال ، ثمّ إذا كان يوم البعث ، وانطوى بساط الدنيا ، وانمحت هذه الشواغل والحجب عادوا إلى مشاهدتهم ومعاينتهم ، وذكروا ما جرى بينهم وبين ربّهم.

ص: 277


1- الإسراء : 44.

ويحتمل أن يكون الخطاب راجعاً إلينا معاشر المخاطبين بالآيات ، أي إنّما فعلنا ببني آدم ذلك حذر أن تقولوا أيّها الناس يوم القيامة كذا وكذا ، والأوّل أقرب ، ويؤيّده قراءة : ( أَن يقُولُواْ ) بلفظ الغيبة.

وقوله : ( أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا ) هذه حجّة الناس إن فرض الإشهاد ، وأخذ الميثاق من الآباء خاصّة دون الذرّية ، كما أنّ قوله : ( أَن تَقُولُواْ ) إلخ حجّة الناس إن ترك الجميع ، فلم يقع إشهاد ولا أخذ ميثاق من أحد منهم.

ومن المعلوم أن لو فرض ترك الإشهاد ، وأخذ الميثاق في تلك النشأة ، كان لازمه عدم تحقّق المعرفة بالربوبية في هذه النشأة ، إذ لا حجاب بينهم وبين ربّهم في تلك النشأة ، فلو فرض هناك علم منهم كان ذلك إشهاداً وأخذ ميثاق ، وأمّا هذه النشأة فالعلم فيها من وراء الحجاب ، وهو المعرفة من طريق الاستدلال.

فلو لم يقع هناك بالنسبة إلى الذرّية إشهاد وأخذ ميثاق ، كان لازمه في هذه النشأة ، أن لا يكون لهم سبيل إلى معرفة الربوبية فيها أصلاً ، وحينئذ لم يقع منهم معصية شرك ، بل كان ذلك فعل آبائهم ، وليس لهم إلاّ التبعية العملية لآبائهم ، والنشوء على شركهم من غير علم ، فصحّ لهم أن يقولوا : إنّما أشرك آباؤنا من قبل ، وكنّا ذرّية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون.

قوله تعالى : ( وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) (1) ، تفصيل الآيات تفريق بعضها وتمييزه من بعض ، ليتبيّن بذلك مدلول كُلّ منها ، ولا تختلط وجود دلالتها ، وقوله : ( وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) عطف على مقدّر ، والتقدير : لغايات عالية كذا وكذا ، ولعلّهم يرجعون من الباطل إلى الحقّ.

بحث روائي :

في الكافي ، بإسناده عن زرارة عن حمران ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : « إنّ اللّه تبارك وتعالى حيث خلق الخلق ماء عذباً ، وماء مالحاً أجاجاً ، فامتزج

ص: 278


1- الأعراف : 174.

الماءان ، فأخذ طيناً من أديم الأرض فعركه عركاً شديداً ، فقال لأصحاب اليمين وهم كالذرّ يدبّون : إلى الجنّة ولا أُبالي ، وقال لأصحاب الشمال : إلى النار ولا أُبالي.

ثمّ قال : ألست بربّكم؟ قالوا : بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين » الحديث(1).

وفيه ، بإسناده عن عبد اللّه بن سنان ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : سألته عن قول اللّه عزّ وجلّ : ( فِطْرَةَ اللّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) (2) ما تلك الفطرة؟ قال : « هي الإسلام فطرهم اللّه حين أخذ ميثاقهم على التوحيد قال : ألست بربّكم؟ وفيه المؤمن والكافر »(3).

وفي تفسير العيّاشي ، وخصائص السيّد الرضي ، عن الأصبغ بن نباتة ، عن علي عليه السلام قال : أتاه ابن الكواء فقال : أخبرني يا أمير المؤمنين عن اللّه تبارك وتعالى ، هل كلّم أحداً من ولد آدم قبل موسى؟ فقال علي عليه السلام : « قد كلّم اللّه جميع خلقه برّهم وفاجرهم ، وردّوا عليه الجواب » ، فثقل ذلك على ابن الكواء ولم يعرفه ، فقال له : كيف كان ذلك يا أمير المؤمنين؟

فقال له : « أو ما تقرأ كتاب اللّه إذ يقول لنبيّه : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى ) ، فقد أسمعهم كلامه ، وردّوا عليه الجواب ، كما تسمع في قول اللّه يا بن الكواء ( قَالُواْ بَلَى ) ، فقال لهم : إنّي أنا اللّه لا إله إلاّ أنا ، وأنا الرحمن الرحيم ، فأقرّوا له بالطاعة والربوبية ، وميّز الرسل والأنبياء والأوصياء ، وأمر الخلق بطاعتهم ، فأقرّوا بذلك في الميثاق ، فقالت الملائكة عند إقرارهم بذلك : شهدنا عليكم يا بني آدم أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين » (4).

ص: 279


1- الكافي 2 / 8.
2- الروم : 30.
3- الكافي 2 / 12.
4- تفسير العيّاشي 2 / 41.

أقول : والرواية كما تقدّم ، وبعض ما يأتي من الروايات ، يذكر مطلق أخذ الميثاق من بني آدم من غير ذكر إخراجهم من صلب آدم وإراءتهم إيّاه.

وكان تشبيههم بالذرّ - كما في كثير من الروايات - تمثيل لكثرتهم كالذرّ لا لصغرهم جسماً أو غير ذلك ، ولكثرة ورود هذا التعبير في الروايات سمّيت هذه النشأة بعالم الذرّ.

وفي الرواية دلالة ظاهرة على أنّ هذا التكليم كان تكليماً حقيقياً ، لا مجرّد دلالة الحال على المعنى.

وفيما دلالة على أنّ الميثاق لم يؤخذ على الربوبية فحسب ، بل على النبوّة وغير ذلك ، وفي كُلّ ذلك تأييد لما قدّمناه.

وفي تفسير العيّاشي عن رفاعة قال : سألت أبا عبد اللّه عن قول اللّه : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) ؟ قال : « نعم ، لله الحجّة على جميع خلقه ، أخذهم يوم أخذ الميثاق هكذا » وقبض يده(1).

أقول : وظاهر الرواية أنّها تفسّر الأخذ في الآية بمعنى الإحاطة والملك.

وفي تفسير القمّي عن أبيه عن ابن أبي عمير ، عن ابن مسكان ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قوله : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى ) ، قلت : معاينة كان هذا؟ قال : « نعم ، فثبتت المعرفة ، ونسوا الموقف وسيذكرونه ، ولولا ذلك لم يدر أحد من خالقه ورازقه ، فمنهم من أقرّ بلسانه في الذرّ ، ولم يؤمن بقلبه ، فقال اللّه : ( فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ ) (2) »(3).

أقول : والرواية تردّ على منكري دلالة الآية على أخذ الميثاق في الذرّ تفسيرهم قوله : ( وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) أنّ المراد به أنّه

ص: 280


1- المصدر السابق 2 / 37.
2- يونس : 74.
3- تفسير القمّي 1 / 248.

عرّفهم آياته الدالّة على ربوبيته ، والرواية صحيحة ، ومثلها في الصراحة والصحّة ما سيأتي من رواية زرارة وغيره.

وفي الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه ، عن ابن أبي عمير عن زرارة : أنّ رجلاً سأل أبا جعفر عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُم ) إلى آخر الآية ، فقال وأبوه يسمع : « حدّثني أبي أنّ اللّه عزّ وجلّ قبض قبضة من تراب التربة التي خلق منها آدم ، فصبّ عليها الماء العذب الفرات ، ثمّ تركها أربعين صباحاً ، ثمّ صبّ عليها الماء المالح الأجاج ، فتركها أربعين صباحاً ، فلمّا اختمرت الطينة ، أخذها فعركها عركاً شديداً ، فخرجوا كالذرّ من يمينه وشماله ، وأمرهم جميعاً أن يقعوا في النار ، فدخلها أصحاب اليمين فصارت عليهم برداً وسلاماً ، وأبى أصحاب الشمال أن يدخلوها »(1).

أقول : وفي هذا المعنى روايات أُخر ، وكان الأمر بدخول النار كناية عن الدخول في حظيرة العبودية ، والانقياد للطاعة.

وفيه ، بإسناده عن عبد اللّه بن محمّد الحنفي ، وعقبة جميعاً ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « إنّ اللّه عزّ وجلّ خلق الخلق ، فخلق من أحبّ ممّا أحبّ ، فكان ما أحبّ أن خلقه من طينة الجنّة ، وخلق من أبغض ممّا أبغض ، وكان ما أبغض أن خلقه من طينة النار ، ثمّ بعثهم في الظلال ».

فقيل : وأيّ شيء الظلال؟ قال : « ألم تر إلى ظلّك في الشمس شيء ، وليس بشيء ، ثمّ بعث معهم النبيين ، فدعوهم إلى الإقرار باللّه ، وهو قوله : ( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ) (2) ، ثمّ دعوهم إلى الإقرار ، فأقرّ بعضهم وأنكر بعض ، ثمّ دعوهم إلى ولايتنا فأقرّ بها واللّه من أحبّ ،

ص: 281


1- الكافي 2 / 7.
2- الزخرف : 87.

وأنكرها من أبغض ، وهو قوله : ( فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ ) ، ثمّ قال أبو جعفر عليه السلام : « كان التكذيب »(1).

أقول : والرواية وإن لم تكن ممّا وردت في تفسير آية الذرّ ، غير أنّا أوردناها لاشتمالها على قصّة أخذ الميثاق ، وفيها ذكر الظلال ، وقد تكرّر ذكر الظلال في لسان أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، والمراد به - كما هو ظاهر الرواية - وصف هذا العالم الذي هو بوجه عين العالم الدنيوي وبوجه غيره ، وله أحكام غير أحكام الدنيا بوجه وعينها بوجه ، فينطبق على ما وصفناه في البيان المتقدّم.

وفي الكافي وتفسير العيّاشي عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : كيف أجابوا وهم ذرّ؟ قال : « جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوه »(2).

وزاد العيّاشي : « يعني في الميثاق »(3).

أقول : وما زاده العيّاشي من كلام الراوي ، وليس المراد بقوله « جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوه » دلالة حالهم على ذلك ، بل لما فهم الراوي من الجواب ما هو من نوع الجوابات الدنيوية ، استبعد صدوره عن الذرّ ، فسأل عن ذلك ، فأجابه عليه السلام بأنّ الأمر هناك بحيث إذا نزلوا في الدنيا كان ذلك منهم جواباً دنيوياً باللسان والكلام اللفظي ، ويؤيّده قوله عليه السلام ما إذا سألهم ، ولم يقل : ما لو تكلّموا ونحو ذلك.

وفي تفسير العيّاشي أيضاً عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه : ( أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) قالوا بألسنتهم؟ قال : « نعم ، وقالوا بقلوبهم » ، فقلت : وأين كانوا يومئذ؟ قال : « صنع منهم ما اكتفى به » (4).

ص: 282


1- الكافي 1 / 436.
2- المصدر السابق 2 / 12.
3- تفسير العيّاشي 2 / 27.
4- المصدر السابق 2 / 40.

أقول : جوابه عليه السلام أنّهم قالوا : بلى بألسنتهم وقلوبهم ، مبنيّ على كون وجودهم يومئذ بحيث لو انتقلوا إلى الدنيا كان ذلك جواباً بلسان على النحو المعهود في الدنيا ، لكن اللسان والقلب هناك واحد ، ولذلك قال عليه السلام : نعم وبقلوبهم ، فصدق اللسان ، وأضاف إليه القلب.

ثمّ لمّا كان في ذهن الراوي ، أنّه أمر واقع في الدنيا ونشأة الطبيعة ، وقد ورد في بعض الروايات التي تذكر قصّة إخراج الذرّية من ظهر آدم : تعيين المكان له ، وقد روى بعضها هذا الراوي ، أعني أبا بصير سأله عليه السلام عن مكانهم بقوله : وأين كانوا يومئذ ، فأجابه عليه السلام بقوله : « صنع منهم ما اكتفى به » ، فلم يجبه بتعيين المكان ، بل بأنّ اللّه سبحانه خلقهم خلقاً يصحّ معه السؤال والجواب ، وكُلّ ذلك يؤيّد ما قدّمناه في وصف هذا العالم ، الرواية كغيرها مع ذلك ، كالصريح في أنّ التكليم والتكلّم في الآية على الحقيقة دون المجاز ، بل هي صريحة فيه.

وفي الدرّ المنثور : « أخرج عبد بن حميد والحكيم الترمذي في نوادر الأُصول ، وأبو الشيخ في العظمة ، وابن مردويه عن أبي أُمامة : أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : « خلق اللّه الخلق وقضى القضية ، وأخذ ميثاق النبيين وعرشه على الماء ، فأخذ أهل اليمين بيمينه ، وأخذ أهل الشمال بيده الأُخرى ، وكلّتا يد الرحمن يمين ، فقال : يا أصحاب اليمين فاستجابوا له ، فقالوا : لبّيك ربّنا ، وسعديك ، قال : ألست بربّكم؟ قالوا : بلى ، قال : يا أصحاب الشمال فاستجابوا له ، فقالوا : لبّيك ربّنا وسعديك ، قال : ألست بربّكم؟ قالوا : بلى ، فخلط بعضهم ببعض ، فقال قائل منهم : ربّ لم خلطت بيننا؟ قال : ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون أن يقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين ، ثمّ ردّهم في صلب آدم ، فأهل الجنّة أهلها ، وأهل النار أهلها ». فقال

ص: 283

قائل : يا رسول اللّه فما الأعمال؟ قال : « يعمل كُلّ قوم لمنازلهم » ، فقال عمر بن الخطّاب : إذاً نجتهد » (1).

أقول : قوله صلى اللّه عليه وآله : « وعرشه على الماء » كناية عن تقدّم أخذ الميثاق ، وليس المراد به تقدّم خلق الأرواح على الأجساد زماناً ، فإنّ عليه من الإشكال ما على عالم الذرّ بالمعنى الذي فهمه جمهور المثبتين ، وقد تقدّم.

وقوله صلى اللّه عليه وآله : « يعمل كُلّ قوم لمنازلهم » أي أنّ كُلّ واحد من المنزلين يحتاج إلى أعمال تناسبه في الدنيا ، فإن كان العامل من أهل الجنّة عمل الخير لا محالة ، وإن كان من أهل النار عمل الشر لا محالة ، والدعوة إلى الجنّة وعمل الخير ، لأنّ عمل الخير يعيّن منزله في الجنّة ، وأن عمل الشر يعيّن منزله في النار لا محالة ، كما قال تعالى : ( وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ ) (2).

فلم يمنع تعيّن الوجهة عن الدعوة إلى استباق الخيرات ، ولا منافاة بين تعيّن السعادة والشقاوة بالنظر إلى العلل التامّة ، وبين عدم تعيّنها بالنظر إلى اختيار الإنسان في تعيين عمله ، فإنّه جزء العلّة ، وجزء علّة الشيء لا يتعيّن معه وجود الشيء ولا عدمه ، بخلاف تمام العلّة ، وقد تقدّم استيفاء هذا البحث في موارد من هذا الكتاب ، وآخرها في تفسير قوله تعالى : ( كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ * فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ ) (3) ، وأخبار الطينة المتقدّمة من أخبار هذا الباب بوجه.

وفيه ، أخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس في قوله : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَم ) الآية ، قال : خلق اللّه آدم وأخذ ميثاقه أنّه ربّه ، وكتب أجله ورزقه ومصيبته ، ثمّ

ص: 284


1- الدرّ المنثور 3 / 143.
2- البقرة : 148.
3- الأعراف : 30.

أخرج ولده من ظهره كهيئة الذرّ ، فأخذ مواثيقهم أنّه ربّهم ، وكتب آجالهم وأرزاقهم ومصائبهم(1).

أقول : وقد روي هذا المعنى عن ابن عباس بطرق كثيرة في ألفاظ مختلفة ، لكن الجميع تشترك في أصل المعنى ، وهو إخراج ذرّية آدم من ظهره ، وأخذ الميثاق منهم.

وفيه ، أخرج ابن عبد البر في التمهيد من طريق السدي ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح عن ابن عباس ، وعن مرّة الهمداني ، عن ابن مسعود ، وناس من الصحابة في قوله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُم ) قالوا : لمّا أخرج اللّه آدم من الجنّة قبل تهبيطه من السماء ، مسح صفحة ظهره اليمنى ، فأخرج منه ذرّية بيضاء مثل اللؤلؤ كهيئة الذرّ ، فقال لهم : « ادخلوا الجنّة برحمتي » ، ومسح صفحة ظهره اليسرى فأخرج منه ذرّية سوداء كهيئة الذرّ فقال : « ادخلوا النار ولا أبالي » ، فذلك قوله : « أصحاب اليمين وأصحاب الشمال » ، ثمّ أخذ منهم الميثاق فقال : ( أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) ؟ قالوا : بلى ، فأعطاه طائفة طائعين ، وطائفة كارهين على وجه التقية.

فقال هو والملائكة : شهدنا أن يقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين ، أو يقولوا : إنّما أشرك آباؤنا من قبل ، قالوا : فليس أحد من ولد آدم إلاّ وهو يعرف اللّه أنّه ربّه ، وذلك قوله عزّ وجلّ : ( وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا ) (2) ، وذلك قوله : ( قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ) (3) يعني يوم أخذ الميثاق.

أقول : وقد روي حديث الذرّ كما في الرواية موقوفة وموصولة عن عدّة من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كعلي عليه السلام ، وابن عباس ، وعمر بن الخطّاب ، وعبد اللّه بن عمر ، وسلمان ، وأبي هريرة ، وأبي أُمامة ، وأبي سعيد الخدري ، وعبد

ص: 285


1- الدرّ المنثور 3 / 141.
2- آل عمران : 83.
3- الأنعام : 149.

اللّه بن مسعود ، وعبد الرحمن بن قتادة ، وأبي الدرداء ، وأنس ، ومعاوية ، وأبي موسى الأشعري.

كما روي من طرق الشيعة عن علي ، وعلي بن الحسين ، ومحمّد بن علي ، وجعفر بن محمّد ، والحسن بن علي العسكري عليهم السلام ، ومن طرق أهل السنّة أيضاً عن علي بن الحسين ، ومحمّد بن علي ، وجعفر بن محمّد عليهم السلام بطرق كثيرة ، فليس من البعيد أن يدعى تواتره المعنوي.

وفي الدرّ المنثور أيضاً : وأخرج ابن سعد وأحمد عن عبد الرحمن بن قتادة السلمي ، وكان من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، قال : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول : « إنّ اللّه تبارك وتعالى خلق آدم ، ثمّ أخذ الخلق من ظهره ، فقال : هؤلاء في الجنّة ولا أبالي ، وهؤلاء في النار ولا أبالي » ، فقال رجل : يا رسول اللّه فعلى ماذا نعمل؟ قال : « على مواقع القدر » (1).

أقول : القول في ذيل الرواية نظير القول في ذيل رواية أبي أُمامة المتقدّمة ، وقد فهم الرجل من قوله : « هؤلاء في الجنّة ولا أبالي ، وهؤلاء في النار ولا أبالي » الخبر ، سقوط الاختيار ، فأجابه صلى اللّه عليه وآله بأنّ هذا قدر منه تعالى ، وأنّ أعمالنا في عين أنا نعملها ، وهي منسوبة إلينا ، تقع على ما يقع عليه القدر ، فتنطبق على القدر وينطبق هو عليها ، وذلك أنّ اللّه قدّر ما قدّر من طريق اختيارنا ، فنعمل نحن باختيارنا ، ويقع مع ذلك ما قدّره اللّه سبحانه لا أنّه تعالى أبطل بالقدر اختيارنا ، ونفي تأثير إرادتنا ، والروايات بهذا المعنى كثيرة.

وفي الكافي عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سألته عن قول اللّه عزّ وجلّ : ( حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ ) (2) قال : « الحنفية من الفطرة التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق اللّه » ، قال : فطرهم على المعرفة به.

ص: 286


1- الدرّ المنثور 3 / 144.
2- الحج : 31.

قال زرارة : وسألته عن قول اللّه عزّ وجلّ : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى ) الآية ، قال : « أخرج من ظهر آدم ذرّيته إلى يوم القيامة ، فخرجوا كالذرّ فعرفهم وأراهم نفسه ، ولولا ذلك لم يعرف أحد ربّه » ، وقال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : «كُلّ مولود يولد على الفطرة ، يعني على المعرفة ، بأنّ اللّه عزّ وجلّ خالقه ، كذلك قوله : ( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللّهُ ) (1) »(2).

أقول : وروى وسط الحديث العيّاشي في تفسيره عن زرارة بعين اللفظ ، وفيه شهادة على ما تقدّم من تقرير معنى الإشهاد والخطاب في الآية ، خلافاً لما ذكره النافون أنّ المراد بذلك المعرفة بالآيات الدالّة على ربوبيته تعالى لجميع خلقه.

وقد روي الحديث في المعاني بالسند بعينه عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام ، إلاّ أنّه قال : فعرفهم وأراهم صنعه بدل قوله : فعرفهم وأراهم نفسه ، ولعلّه من تغيير اللفظ قصداً للنقل بالمعنى ، زعماً أنّ ظاهر اللفظ يوهم التجسّم ، وفيه إفساد اللفظ والمعنى جميعاً ، وقد عرفت أنّ الرواية مروية في الكافي ، وتفسير العيّاشي ، بلفظ : أراهم نفسه.

وتقدّم في حديث ابن مسكان عن الصادق عليه السلام قوله : قلت معاينة كان هذا؟ قال : « نعم » ، وقد تقدّم أن لا ارتباط للكلام بمسألة التجسّم.

وفي المحاسن عن الحسن بن علي بن فضال ، عن ابن بكير ، عن زرارة ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّه : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ ) الآية ، قال : « ثبتت المعرفة في قلوبهم ونسوا الموقف ، ويذكرونه يوماً ، ولولا ذلك لم يدر أحد من خالقه ورازقه » (3).

ص: 287


1- لقمان : 25.
2- الكافي 2 / 13.
3- المحاسن 1 / 241.

وفي الكافي بإسناده عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « كان علي بن الحسين عليهما السلام لا يرى بالعزل بأساً ، يقرأ هذه الآية : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى ) فكُلّ شيء أخذ اللّه من الميثاق فهو خارج ، وإن كان على صخرة صماء »(1).

أقول : ورواه في الدرّ المنثور عن ابن أبي شيبة ، وابن جرير عنه عليه السلام ، وروي هذا المعنى أيضاً عن سعيد بن منصور ، وابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله.

واعلم أنّ الروايات في الذرّ كثيرة جدّاً ، وقد تركنا إيراد أكثرها لوفاء ما أوردنا من ذلك بمعناها ، وهنا روايات أُخر في أخذ الميثاق عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وسائر الأنبياء عليهم السلام ، سنوردها في محلّها إن شاء اللّه تعالى » (2).

( علي - ... - ..... )

تأثيره في وجود الإنسان :

س : ما هو عالم الذرّ؟ وكيف يؤثّر هذا العالم على شخصيتنا ومستقبلنا؟

ج : المستفاد من النصوص أنّ عالم الذرّ هو عالم الميثاق وأخذ العهود ، أي أنّ العنصر البشري قد مرّ بمرحلة خاصّة في تكوينه ، تسمّى عالم الذرّ ، أودع اللّه سبحانه فيه قدرة كامنة في وجوده ، يمكنه من التطلّع على الحقّ ، والانجذاب نحوه ، وهي ما تسمّى بالفطرة.

وبهذه الميزة الفريدة يميل الإنسان في عالم الدنيا إلى التقرّب من المُثل العليا ، والكمال المطلق ، ومن ثمّ معرفة التوحيد ، وبعض أركان العقيدة الصحيحة.

ص: 288


1- الكافي 5 / 504.
2- تفسير الميزان 8 / 331.

وعليه ، فالفطرة الإنسانية هي القدرة المودعة في عالم الذرّ ، من قبل الباري تعالى لتيسير معرفته في عالم الدنيا ؛ فالإنسان كما أُعطي العقل للوصول إلى الحقيقة ، وكذلك أودع فيه الفطرة ، وهي التي تحثّه نحو الخيرات ، وتأمره بإتباع الحقّ.

وممّا ذكرنا يظهر : أنّ عالم الذرّ عالم تكويني لا تشريعي ، فلا تكليف فيه - كما يتوهّمه البعض - وحكمة وجود هذا العالم هي من أجل معونة الإنسان لمعرفة اللّه عزّ وجلّ ، وبعض المعتقدات الأساسية والقيم الأخلاقية.

وأمّا تأثير هذا العالم على الوجود البشري فهو واضح ممّا قلنا ، فكُلّ ما كان من ميزة وجودية مكنوّنة في عمق الضمير الإنساني ، والذي يدعوه نحو المبدأ الأعلى وما يتعلّق به ، ويصرف نظره عن الوقوع في متاهات المادّة ، فهو حصيلة ذلك العالم الذي تمثّله الفطرة السليمة.

ومجمل القول : أنّ اللّه تعالى قد جعل لهداية الإنسان ثلاث طرق : الرسل عليهم السلام ، والعقل ، والفطرة ، ومنشأ هذه الفطرة هو عالم الذرّ.

فالنتيجة : يجب علينا في هذه الدنيا إتباع هذه الفطرة ، حتّى تتمّ بها حكمة الهداية في الخلق ، وفي عكس هذه الحالة ، فسوف يكون الوجود الإنساني ناقصاً من حيث السير نحو الكمال.

( .... - البحرين - 35 سنة )

آراء المفسّرين حوله :

س : هل يمكنكم تزويدي بآراء المفسّرين حول الآية المباركة : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا ... ) (1) ، ونشكركم على جهودكم الجبّارة.

ص: 289


1- الأعراف : 172.

ج : إنّ للمفسّرين - في هذه الآية - آراء متعدّدة تعويلاً منهم على الروايات الواردة عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام ، ومن أهمّ هذه الآراء رأيان.

1 - حين خلق آدم عليه السلام ظهر أبناؤه على صورة الذرّ إلى آخر نسل له من البشر ، وطبقاً لبعض الروايات ظهر هذا الذرّ أو الذرّات من طينة آدم نفسه ، وكان لهذا الذرّ عقل وشعور كاف للاستماع والخطاب والجواب ، فخاطب اللّه تعالى الذرّ قائلاً : ( أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) ؟! فأجاب الذرّ جميعاً : ( بَلَى شَهِدْنَا ) .

ثمّ عاد هذا الذرّ أو هذه الذرّات جميعاً إلى صلب آدم أو إلى طينته ، ومن هنا فقد سمّي بهذا العالم بعالم الذرّ ، وهذا العهد بعهد ( أَلَسْتَ ) ؟ فبناء على ذلك ، فإنّ هذا العهد المشار إليه آنفاً هو عهد تشريعي ، ويقوم على أساس الوعي الذاتي بين اللّه والناس.

2 - إنّ المراد من هذا العالم وهذا العهد هو عالم الاستعداد والكفاءات ، وعهد الفطرة والتكوين والخلق ، فعند خروج أبناء آدم من أصلاب آبائهم إلى أرحام الأُمّهات ، وهم نطف لا تعدو الذرّات الصغار ، وهبهم اللّه الاستعداد لتقبّل الحقيقة التوحيدية ، وأودع ذلك السرّ الإلهي في ذاتهم وفطرتهم بصورة إحساس داخلي ، كما أودعه في عقولهم وأفكارهم بشكل حقيقة واعية بنفسها.

فبناء على هذا ، فإنّ جميع أبناء البشر يحملون روح التوحيد ، وما أخذه اللّه من عهد منهم أو سؤاله إيّاهم : ( أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ ) ؟ كان بلسان التكوين والخلق ، وما أجابوه كان باللسان ذاته!

ومثل هذه التعابير غير قليلة في أحاديثنا اليومية ، إذ نقول مثلاً : لون الوجه يخبر عن سرّه الباطني ( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم ) (1) ، أو نقول : إنّ عيني فلان المجهدتين تنبئان أنّه لم ينم الليلة الماضية.

ص: 290


1- الفتح : 29.

وقد روي عن بعض أدباء العرب وخطبائهم أنّه قال في بعض كلامه : سل الأرض من شقّ أنهارك وغرس أشجارك وأينع ثمارك؟ فإن لم تجبك حواراً أجابتك اعتباراً! كما ورد في القرآن الكريم التعبير على لسان الحال ، إذ جاء فيها : ( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ) (1).

هذا باختصار هو خلاصة الرأيين أو النظرتين المعروفتين في تفسير الآية آنفة الذكر ، إلاّ أنّ التفسير الأوّل فيه بعض الإشكالات ، ونعرضها في ما يلي :

1 - ورد التعبير في نصّ الآية المتقدّمة عن خروج الذرّية من بني آدم من ظهورهم ، إذ قال تعالى : ( مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ) ، مع أنّ التفسير الأوّل يتكلّم عن آدم نفسه أو عن طينة آدم.

2 - إذا كان هذا العهد قد أخذ عن وعي ذاتي وعن عقل وشعور ، فكيف نسيه الجميع؟! ولا يتذّكر أحد مع أنّ الفاصلة الزمانية بين زماننا ليست بأبعد مدى من الفاصلة بين هذا العالم والعالم الآخر أو القيامة؟ ونحن نقرأ في آيات عديدة من القرآن الكريم أنّ الناس سواء كانوا من أهل الجنّة أو من أهل النار لا ينسون أعمالهم الدنيوية في يوم القيامة ، ويتذكّرون ما اكتسبوه بصورة جيّدة ، فلا يمكن أن يوجّه هذا النسيان العمومي في شأن عالم الذرّ أبداً ولا مجال لتأويله!

3 - أيّ هدف كان من وراء مثل هذا العهد؟! فإذا كان الهدف أن يسير المعاهدون في طريق الحقّ عند تذكّرهم مثل هذا العهد ، وألا يسلكوا إلاّ طريق معرفة اللّه تعالى ، فينبغي القول بأنّ مثل هذا الهدف لا يتحقّق أبداً وبأيّ وجه كان ، لأنّ الجميع نسوه!! وبدون هذا الهدف يعدّ هذا العهد لغواً ولا فائدة فيه.

ص: 291


1- فصّلت : 11.

4 - إنّ الاعتقاد بمثل هذا العالم يستلزم - في الواقع - القبول بنوع من التناسخ ، لأنّه ينبغي - طبقاً لهذا التفسير - أن تكون روح الإنسان قد خلقت في هذا العالم قبل ولادته الفعلية ، وبعد فترة طويلة أو قصيرة جاء إلى هذا العالم ثانية ، وعلى هذا فسوف تحوم حوله كثيراً من الإشكالات في شأن التناسخ! غير أنّنا إذا أخذنا بالتفسير الثاني ، فلا يرد عليه أيّ إشكال ممّا سبق ، لأنّ السؤال والجواب ، أو العهد المذكور عهد فطري ، وما يزال كُلّ منّا يحسّ بآثاره في أعماق روحه ، وكما يعبّر عنه علماء النفس بالشعور الديني ، الذي هو من الإحساسات الأصيلة في العقل الباطني للإنسان.

وهذا الإحساس يقود الإنسان على امتداد التأريخ البشري إلى طريق معرفة اللّه تعالى ، ومع وجود هذا الإحساس أو الفطرة لا يمكن التذرّع بأنّ آباءنا كانوا عبدة للأصنام ونحن على آثارهم مقتدون!!

والإشكال الوحيد الذي يرد على التفسير الثاني هو أنّ هذا السؤال والجواب يتخذ شكلاً كنائياً ، ويتّسم بلغة الحوار ، إلاّ أنّه مع الالتفات إلى ما بيّناه آنفاً بأنّ مثل هذه التعابير كثير في لغة العرب وجميع اللغات ، فلا يبقي أيّ إشكال في هذا المجال.

ويبدو أنّ هذا التفسير أقرب من سواه!

ص: 292

عثمان بن عفّان :

اشارة

( حسين - ... - ..... )

زواجه من بنات النبيّ :

س : كيف رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يزوّج بنتين من بناته لعثمان؟ وهو اعلم الناس به.

ج : للعلماء في هذا المجال أقوال : فمنهم من يرى عدم ثبوت دعوى التزويج المذكور تاريخياً ، ومنهم من يقول : بأنّ هاتين كانتا ربيبتي الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وحتّى أنّ بعضهم يصرّح بأنّهما كانتا بنتي هالة أخت خديجة عليها السلام ، في حين أنّ البعض الآخر يؤيّد نظرية التزويج المذكور ، وللبحث في مدى صحّة الأقوال مجال آخر.

وبالجملة : فإنّ الزواج من الأحكام الظاهرية في الإسلام ، الذي يدور مدار اعتناق الدين وأداء الشهادتين ، والالتزام بالظواهر الشرعية ، وليس فيه أيّ دلالة على موضوع إيمان الشخص واعتقاداته في داخل نفسه إثباتاً أو نفياً ، فتزويجه صلى اللّه عليه وآله هاتين من عثمان لا يدلّ إلاّ على إسلامه الظاهري ، وهذا ممّا لا ينكر ، وإلاّ فكيف يوصف بالنفاق وهي صفة من يدّعي الإسلام ، وفي الواقع يكون على خلافه.

وعليه حتّى لو افترضنا صحّة القضية ، فلا يضرّ في المقام ، فإنّ المصالح العليا كانت تقتضيه حتماً ، مضافاً إلى أنّ علم النبيّ صلى اللّه عليه وآله بالمستقبل لا يفرض عليه فعلاً الخروج عن الوظيفة الظاهرية ، وكم له نظير ، فمثلاً زواجه صلى اللّه عليه وآله من عائشة وحفصة - مع ما أوردا من مصائب فيما بعد - كان لمصالح ، منها :

ص: 293

تكبيت الضغائن التي كانت في صدور القوم ، ومسايرتهم إلى أن يستتبّ أمر الإسلام ، وإخماد الدسائس والفتن والنعرات القبلية ، مع علمه صلى اللّه عليه وآله بالمواقف المعادية لعائشة بالنسبة لأمير المؤمنين عليه السلام وهكذا.

فكقاعدة عامّة : إنّ علم الإمامة والنبوّة لا تطبّق على المجتمع مطلقاً ، والنبيّ صلى اللّه عليه وآله إنّما يجب عليه تطبيق الأحكام الظاهرية فحسب ، والإسلام والتناكح من تلك الأحكام.

( .... - السعودية - 22 سنة )

مخالفته للنصوص والسنن :

س : نرجو تزويدنا بمخالفات عثمان بن عفّان للنصوص والسنن ، وجزاكم اللّه خيراً.

ج : بدأ عثمان حياته في الخلافة بمخالفات للنصوص والسنن ، نذكر منها :

1 - مخالفته نصّ القتل في قضية عبيد اللّه بن عمر الذي تعمّد في قتل ثلاثة من المسلمين - وهم : الهرمزان وابنته وشخص ثالث - فعفا عنه وأكرمه(1).

2 - قصّر الصلاة في منى كما عمل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله والشيخين ، ولكن بعد ستّة سنوات أتمّها مخالفاً بها النصّ والسنّة ، فعابوا عليه(2).

( ... - ... - ....... )

رأي الصحابة فيه :

س : ما هو رأي الصحابة في الخليفة عثمان؟ مع ذكر المصادر , وشكراً.

ص: 294


1- تاريخ اليعقوبي 2 / 161 ، الطبقات الكبرى 5 / 17 ، الكامل في التاريخ 3 / 75.
2- مسند أحمد 2 / 16 و 4 / 94 ، صحيح البخاري 2 / 35 ، صحيح مسلم 2 / 146 ، سنن أبي داود 1 / 438 ، السنن الكبرى للبيهقي 3 / 126 و 143 ، المصنّف للصنعاني 2 / 516 ، المصنّف لابن أبي شيبة 4 / 340.

ج : لا نستطيع أن نعرض لكم نظر ورأي الصحابة فرداً فرداً في عثمان ، ولكن نعرض آراء بعضهم قولاً وعملاً.

1 - رأي الإمام علي عليه السلام : وهو عليه السلام غني عن البيان ، وهو الفاروق بين الحقّ والباطل(1).

كتب عليه السلام - حينما بويع في الخلافة وأرسل مالك الأشتر لمصر - لأهل مصر اللذين قاموا على ظلم عثمان : « من عبد اللّه علي أمير المؤمنين إلى القوم الذين غضبوا لله حين عصى في أرضه ، وذهب بحقّه ، فضرب الجور سرادقه على البر والفاجر ، والمقيم والظاعن ، فلا معروف يستراح إليه ولا منكر يتناهى عنه »(2).

وقال عليه السلام في خطبته الشقشقية - التي فيها تظلّمه من الثلاثة وقوله في عثمان - : « إلى أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه بين نثيله ومعتلفه ، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال اللّه خضم الإبل نبتة الربيع ، إلى أن انتكث عليه فتله ، وأجهز عليه عمله ، وكبت به بطنته »(3).

وقال عليه السلام أيضاً في عثمان : « لو أمرت به لكنت قاتلاً ، أو نهيت عنه لكنت ناصراً ، غير أنّ من نصره لا يستطيع أن يقول : خذله من أنا خير منه ، ومن خذله لا يستطيع أن يقول : نصره من هو خير منّي ، وأنا جامع لكم أمره : استأثر فأساء الأثرة ، وجزعتم فأسأتم الجزع ، ولله حكم واقع في المستأثر والجازع »(4).

والإمام علي عليه السلام على يقين أنّ ما أنفقه عثمان من بيت المال يجب أن يعود ويقسّم على من وضعه اللّه له ، لذا نراه يقول حينما استلم مقاليد الأُمور : « ألا

ص: 295


1- تاريخ مدينة دمشق 42 / 450 ، المناقب : 105 ، ينابيع المودّة 2 / 234 ، 289.
2- شرح نهج البلاغة 16 / 156.
3- المصدر السابق 1 / 197.
4- المصدر السابق 2 / 126.

إنّ كُلّ قطيعة أقطعها عثمان ، وكُلّ مال أعطاه من مال اللّه ، فهو مردود في بيت المال ، فإنّ الحقّ القديم لا يبطله شيء ، ولو وجدته قد تزوّج بالنساء ، وفرّق في البلدان لرددته إلى حاله ، فإنّ في العدل سعة ، ومن ضاق عنه الحقّ فالجور عنه أضيق » (1).

2 - رأي عبد الرحمن بن عوف : وهو الذي قدّم الخلافة لعثمان محاباة وطمعاً عاد اليوم بعد إثرائه من بيت مال المسلمين يطلب من الإمام علي عليه السلام إقامة الحرب على عثمان لأنّه نكث العهد ، وأيّ عهد نكث! نعم خيّب أمل عبد الرحمن بإحالة الأمر إليه.

3 - رأي طلحة بن عبيد : بدأ بعد نصب عثمان للخلافة الصلة به لابتزاز ما يستطيع من بيت مال المسلمين حتّى وجدنا ثروته بين الصحابة هو والزبير ، غير أنّنا نجد طلحة رغم ما وصلته من عثمان من الثروات الطائلة التي باح بها عثمان نفسه ، كان يريد المزيد ، ويحلم بالخلافة ، أو ولاية يشبع بها نهمه.

ولشدّ ما زاده غيظاً على عثمان لمّا وجد عثمان بدأ يكيل لبني أُمية من الأموال بأضعاف ما يكيل له ، ويقرّب من لم يكن في العير ولا النفير ، بل بالعكس من أُولئك المنفورين المطرودين من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

واشتدّ إذ وجده يتّخذ منهم الوزراء والمستشارين ويصاهرهم ، وأشد أنّه يولّيهم أهم ولايات الإمبراطورية الإسلامية ، ويؤهّلهم للخلافة من بعده ، حتّى ثارت ثائرة طلحة ، وتشد أزره أُمّ المؤمنين عائشة ، والزبير صهر أبي بكر ، وزوج أخت عائشة يشدوا الخناق على الرجل العجوز المسلوب الإرادة ، المنقاد بيد مروان وبنو أبيه وأعمامه ، فأثارا على عثمان الرأي العام ، وكانت في تلك حقائق لو كان رائدهم الحقّ ، لا المطامع الشخصية التي ظهرت من نتيجة

ص: 296


1- شرح نهج البلاغة 1 / 269.

أعمالهم وبيعتهم علياً عليه السلام بعده ، ونكثهم البيعة ، وإقامته المجازر والفتك بالمسلمين في البصرة.

واعترض الناس على طلحة في البصرة يوم أتى للأخذ بثأر عثمان بقولهم : يا أبا محمّد قد كانت كتبك تأتينا بغير هذا(1).

وخاطب سعيد بن العاص مروان بن الحكم وأصحابه الذاهبين إلى البصرة بقوله : أين تذهبون وتتركون ثأركم على أعجاز الإبل - يعني عائشة وطلحة والزبير - اقتلوهم ثمّ ارجعوا إلى منازلكم(2).

وخلا سعيد بطلحة والزبير فقال : إن ظفرتما لمن تجعلان الأمر أصدقاني؟ قالا : لأحدنا ، أيّنا اختاره الناس ، قال : بل اجعلوه لولد عثمان ، فإنّكم خرجتم تطلبون بدمه.

قالا : ندع شيوخ المهاجرين ونجعلها لأبنائهم ، قال : فلا أراني أسعى لأخرجها من بني عبد مناف ، فرجع(3).

4 - رأي الزبير بن العوّام : هو شريك طلحة في آرائه في عثمان والتحريض عليه حتّى قتله ، وسار مع طلحة حذو النعل بالنعل في ابتزاز أموال الناس من عثمان ، ثمّ التحريض عليه حتّى القتل ، وثمّ بيعة علي عليه السلام ونكث البيعة طلباً للرئاسة باسم الثأر لعثمان.

وكان الزبير يحرّض الناس على قتل عثمان بقوله : اقتلوه فقد بدّل دينكم ، فقالوا له : إن ابنك يحامي عنه بالباب؟ فقال : ما أكره أن يقتل عثمان ولو بدء بابني ، إنّ عثمان لجيفة على الصراط غداً(4).

ص: 297


1- تاريخ الأُمم والملوك 3 / 486 ، الكامل في التاريخ 3 / 216 ، أنساب الأشراف : 229.
2- الكامل في التاريخ 3 / 209.
3- نفس المصدر السابق ، تاريخ الأُمم والملوك 3 / 472 ، تاريخ ابن خلدون 2 / 155.
4- شرح نهج البلاغة 9 / 36.

وقد شهد ابن عباس على أنّ طلحة والزبير أجلبا عليه - على عثمان - وضيّقا خناقه ، ثمّ خرجا ينقضان البيعة ، ويطلبان الملك(1).

5 - رأي سعد بن أبي وقّاص : يكتب سعد إلى عمرو بن العاص الذي يسأله عن قتل عثمان فيجيب : إنّك سألتني من قتل عثمان؟ وإنّي أخبرك أنّه قتل بسيف سلّته عائشة ، وصقله طلحة ، وسمّه ابن أبي طالب ، وسكت الزبير وأشار بيده ، وأمسكنا نحن ، ولو شئنا دفعناه عنه ، ولكن عثمان غيّر وتغيّر ، وأحسن وأساء ، فإن كنّا أحسنا ، وإن كنّا أسأنا فنستغفر اللّه(2).

6 - رأي عبد اللّه بن العباس : هو من الأسرة الهاشمية ، المرموق بعلمه ودرايته ، وقربه لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ومن ذوي الرأي ، ولم يحظ من الخلفاء رغم ثقتهم برأيه سوى المشورة ، وهو بالوقت الجدّ الأكبر للخلفاء العباسيين.

وكان عثمان كثيراً ما يتّخذه وسيطاً بينه وبين علي عليه السلام ، وآخر أيّامه قبيل مقتل عثمان أرسله أميراً للحجّ ، وحينما تأزّم الأمر على عثمان يرسل عثمان نافع ابن طريف يتلو كتاب عثمان على أهل مكّة مستغيثاً بهم ، بيد لم نجد من ابن عباس أيّ بادرة لنصرة الخليفة ، وهو آنذاك ذو الكلمة المسموعة.

كما طلبت عائشة - وهي في مكّة - من ابن عباس عدم مد عثمان بأيّة مساعدة ، لأنّ ابن عباس من الهاشميين المنكوبين منذ عهد السقيفة والشورى ، ويعرف إجماع الأُمّة على خلع عثمان ، ولم يكن ابن عباس لهذه الدرجة من الغباوة التي يسكت تجاه موبقات عثمان في عبثه بالمال ، وتسليط فجرة الأُمويين على رقاب الناس قهراً.

ويرى ابن عباس كيف أنّ عثمان يتّهم جميع الأُمّة بالكفر والخروج على ولايته المزعومة ، وكم مرّة تاب عثمان ونكث ، وهو يترقّب هذه المرّة الضربة القاضية على أيدي المتظلّمين ، الطالبين اعتزاله ، والجميع يعلمون أنّه مخادع ، والعاقل لا يلدغ من جحر مرّتين.

ص: 298


1- المصدر السابق 8 / 66.
2- الإمامة والسياسة 1 / 67.

وهاك وصف ابن عباس لعثمان لمّا سأله سائل عنه فقال : رجل ألهته نومته عن يقظته(1) ، وهو أشدّ الضعف الذي يمكن أن يوصف به الخليفة.

وحقّاً لم ينتبه عثمان من نومته ، ولا وعي من غفلته ، أو كاد حتّى حرّفه مستشاروه الأُمويون ، وحتّى ذلك لا يجوز لخليفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله هذه الصفة التي اتصف بها عثمان بنظر ابن عباس ، ودلّ عليه عمله إذ العمل صفة العامل.

وهل يستطيع النائم أن يحكّم عقله ، وقد حكم علماء النفس إنّ النوم يطلق الغرائز من مكمنها لتعمل ما تشاء بعيدة عن سيطرة العقل ، وهذا ما يعنيه ابن عباس في الخليفة.

7 - رأي عمرو بن العاص : وهو رجل انتهازي يساير المصالح الدنيوية ، ساير عمر في شدّته ، ومكث مع عثمان ردحاً حتّى جرّده عثمان من الولاية ، وخصّ بها ابن أبي سرح.

ولا يخفى ما لعمرو بن العاص من أيادي في مصر ، وما كان ليسكت عن عثمان ، وكانت له اليد الطولى في إثارة مصر عليه ، وعلى الخصوص وأنّ عثمان قام بكلم يستوجب نقمة المسلمين ، من ولاة السوء ، والتصرّف الأسوء بأموال الصدقات وبيت المال ، والنكال بالمتظلّمين والناصحين ، وأخصّ الصحابة المقرّبين.

فتجد عمرو لا يترك حقيقة من ألاعيب عثمان إلاّ شهره بها ، وأثار المسلمين عليه حتّى قتل عثمان ، وعندها تنفّس عمرو مترنحاً فخوراً نكالاً بعثمان وتشفّياً ، قائلاً : أنا أبو عبد اللّه قتلته وأنا بوادي السباع ، من يلي هذا الأمر من بعده! إن يله طلحة فهو فتى العرب سبباً ، وإن يله ابن أبي طالب فلا أراه إلاّ سيستنظف الحقّ وهو أكره من يليه إلي(2).

ص: 299


1- الاستيعاب 3 / 1130.
2- تاريخ الأُمم والملوك 3 / 559 ، الكامل في التاريخ 3 / 275.

قال ابن عبد البر : « فلمّا بلغه قتل عثمان وكان معتزلاً بفلسطين قال : إنّي إذا نكأت قرحة أدميتها »(1).

وكان يقول عمرو بعد محاجة وقعت له مع عثمان الذي طلبوا توبته في المدينة ونكث ، وحاصروه أن خرج عمرو من المدينة إلى قصره بفلسطين وهو يقول : واللّه إن كنت لألقي الراعي فأحرّضه على عثمان(2).

وفي لفظ يخاطب به عثمان : إنّك قد ركبت بهذه الأُمّة نهاية من الأمر ، وزغت فزاغوا ، فاعتدل أو اعتزل(3).

8 - رأي معاوية بن أبي سفيان : مدّه عثمان بضمّ الولايات له ، ومنحه اللعب بأموال المسلمين وإغراؤه عثمان بالمدد ، وإغواؤه بالتمادي ، وأنّه يمدّه بالعدّة والعدد ، حتّى إذا وثق واستمر نكث بوعده حتّى قتلوا عثمان ، وعندها رفع ثوبه الملطّخ بالدماء صارخاً : وا عثماناه.

ومعاوية يعلم حقّ العلم أنّ عثمان رجل ضعيف الإرادة ، وأنّه سوف تقوم عليه الأُمّة ، ويطلبون عزله لما غيّر وبدّل وتمادى ، وإن قبل عثمان بالعزل وانتخب المسلمون بعده من شاءوا فلم يبق له عند الخليفة القادم وهو أموي سوى اعتزال مقامه ، وهذا ما لا يريده معاوية ، وقد هيّأ نفسه للملك.

وهو لم يجد في الأمر سوى الكيد ، وما هو هذا الكيد؟ نعم هو إغراء الخليفة بما سيمدّه له من القوّة والعدد والعدّة وحثّه على المقاومة ، وحث مروان وزيره المستشار على ذلك ، وبالوقت تأليب المسلمين وتخديرهم بقتل الخليفة الذي لم يرض اعتزال الحكم والتخلّي لغيره ، ولا تعديل نفسه والوفاء بالعهود.

وما أن قتل عثمان حتّى ضمّ المحرّضين على قتله وقاتليه إلى صفّه ، وأرسل بيعته إلى طلحة والزبير اللذان بايعا علياً لنكث العهد ، ولبث التفرقة في

ص: 300


1- الاستيعاب 3 / 919.
2- تاريخ الأُمم والملوك 3 / 395 ، الكامل في التاريخ 3 / 163.
3- شرح نهج البلاغة 6 / 323.

الصفوف والكيد للأُمّة ، وقد نجحت خطّته أمام علي عليه السلام لما يعرفه فيهم ، وأنّ قيامهم إنّما لأجل المال والمآل لا الدين ، وهذا ما لم يجداه في علي عليه السلام.

واتخذ القتل ذريعة ، وأعلن قتل الخليفة مظلوماً ، وهيّأ الشهود المزيّفين لمن وجد فيه النفوذ في العامّة ، وزيّف الشهود وأوهم العامّة في ولاية الشام وأثارهم ، وجمع جيشه ومدّهم بالمال ، وأرسل من أرسل إلى أطراف الولايات للثورة على المتظلّمين ، والإطاحة بخيرة المنتخبين البريئين.

وقد خاطب شبث بن ربعي معاوية : إنّه لا يخفى علينا ما تقرب وما تطلب ، إنّك لم تجد شيئاً تستغوي به الناس ، وتستميل به أهواءهم ، وتستخلص به طاعتهم إلاّ أن قلت لهم : قتل إمامكم مظلوماً ، فهلمّوا نطلب بدمه ، فاستجاب له سفهاء طغام رذال ، وقد علمنا أنّك قد أبطأت عنه بالنصر ، وأحببت له القتل بهذه المنزلة التي تطلب(1).

وهذا ابن عباس يجيب معاوية حينما اتّهمه بأنّه من القتلة والمحرّضين على قتل عثمان : فأقسم باللّه لأنت المتربّص بقتله ، والمحبّ لهلاكه ، والحابس الناس قبلك عنه على بصيرة من أمره ، ولقد أتاك كتابه وصريخه يستغيث بك ويستصرخ ، فما حفلت به حتّى بعثت إليه معذراً بأجرة ، أنت تعلم أنّهم لن يتركوه حتّى يقتل ، فقتل كما كنت أردت ، ثمّ علمت عند ذلك أنّ الناس لن يعدلوا بيننا وبينك ، فطفقت تنعى عثمان وتلزمنا دمه ، وتقول : قتل مظلوماً ، فإن يك قتل مظلوماً فأنت أظلم الظالمين ، ثمّ لم تزل مصوباً ومصعداً وجاثماً ورابضاً ، تستغوي الجهّال ، وتنازعنا حقّنا بالسفهاء ، حتّى أدركت ما طلبت(2).

ومن هذا نعرف كيف أنّ عثمان استأمن كُلّ خائن مستشاراً ، مثل مروان الذي كان ينكث العهود ، ووالياً مثل معاوية الذي خانه طلباً للملك في أحرج الساعات ، وهل يصلح مثل هذا الخليفة لتسيير دفّة الحكم؟

ص: 301


1- وقعة صفّين : 187.
2- شرح نهج البلاغة 16 / 155.

9 - رأي عائشة بنت أبي بكر : لقد اتخذت عائشة دورين مهمّين تجاه عثمان ، فقد أيّدته في بدء خلافته حتّى أوردت فيه أحاديث نبوية أبلغته مقام العصمة ، ثمّ انقلبت عليه ، وأقل ما قالت فيه : « اقتلوا نعثلاً ، قتل اللّه نعثلاً »(1).

وقد تركت المدينة إلى مكّة وهي واثقة أنّ عثمان يقضي آخر أيّامه ، وسوف يقتل ، ولها الأمل الوطيد بعودة الخلافة إلى تيم بزعامة طلحة ، أو على أقلّ تقدير الزبير زوج أختها.

10 - رأي قيس بن سعد بن عبادة : هو بدري ورئيس الخزرج ، ولقيس هذا محاورة مع النعمان بن بشير في صفّين جواباً يرويه نعمان ، قوله : أمّا ذكرك عثمان ، فإن كانت الأخبار تكفيك فخذ منّي واحدة : قتل عثمان من لست خيراً منه ، وخذله من هو خير منك(2).

وترى من مفهوم هذا إنّما الذي قتل عثمان وأفتى بقتله إنّما مجموع الأُمّة ، وفي مقدّمتهم خيار الصحابة من البدريين.

11 - رأي أبي أيوب الأنصاري : الصحابي العظيم الذي أوّل من اختار اللّه منزله لإيواء رسوله ، شهد مع رسوله صلى اللّه عليه وآله كُلّ الحروب أخص بدراً ، وهو من المعينين في عزل عثمان ثمّ قتله ، وصرّح بخطبة خطبها في عهد الإمام علي عليه السلام يذكر به عهد عثمان المشؤوم بقوله : « أليس إنّما عهدكم بالجور والعدوان أمس ، وقد شمل العباد وشاع في الإسلام ، فذو حقّ محروم ، مشتوم عرضه ، ومضروب ظهره ، وملطوم وجهه ، وموطوء بطنه ، وملقى بالعراء - يقصد عهد عثمان - فلمّا جاءكم أمير المؤمنين - يقصد علياً عليه السلام - صدع بالحقّ ، ونشر بالعدل ، وعمل بالكتاب ، فاشكروا نعمة اللّه عليكم ، ولا تتولّوا مجرمين » (3).

ص: 302


1- شرح نهج البلاغة 6 / 215 و 20 / 17 ، تاريخ الأُمم والملوك 3 / 477 ، الإمامة والسياسة 1 / 72.
2- شرح نهج البلاغة 8 / 88 ، الإمامة والسياسة 1 / 130.
3- الإمامة والسياسة 1 / 173.

العصمة :

اشارة

( مفيد أبو جهاد - السعودية - .... )

عصمة الأئمّة في كتب أهل السنّة :

س : ما الأدلّة على عصمة أهل البيت عليهم السلام من كتب أهل السنّة ، الذين يقولون بعدم عصمتهم؟

ج : إنّ إثبات عصمة الأئمّة عليهم السلام تتوقّف على التسليم بقضية إمامتهم عليهم السلام ، يعني بعد التسليم والإيمان بإمامة الأئمة الاثني عشر ، عند ذلك يمكن إثبات عصمتهم ، وذلك من خلال الكتاب ، والسنّة المتمثّلة بأقوال الرسول صلى اللّه عليه وآله ، أو أقوالهم عليهم السلام ، حيث أثبتوا لهم العصمة ، وأقوالهم هذه موجودة في كتبنا الشيعية بكثير ، ولكنّها لم تثبّت في كتب أهل السنّة ، وهذا شيء طبيعي أن لا تذكر أدلّة عصمتهم عليهم السلام في كتب من لا يؤمن بعصمتهم.

نعم ، يمكن إثبات عصمتهم عليهم السلام من أقوال الرسول صلى اللّه عليه وآله الثابتة والمدوّنة في كتب أهل السنّة ، منها :

1 - حديث الثقلين ، فقد ورد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله متواتراً قوله : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً » ، رواه وأخرجه أكثر من ( 180 ) عالماً سنّياً(1).

ص: 303


1- 1 - فضائل الصحابة : 15 ، الجامع الكبير 5 / 328 ، تحفة الأحوذي 10 / 196 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 418 ، كتاب السنّة : 337 و 629 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 45 و 130 ، خصائص أمير المؤمنين : 93، المعجم الصغير 1 / 135 ، المعجم الأوسط 4 / 33 و 5 / 89 ، المعجم الكبير 3 / 66 و 5 / 154 و 166 و 170 و 182 ، شرح نهج البلاغة 9 / 133 ، نظم درر السمطين : 232 ، كنز العمّال 1 / 172 و 186 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 122 ، المحصول 4 / 170 ، الإحكام للآمدي 1 / 246 ، الطبقات الكبرى 2 / 194 ، علل الدارقطني 6 / 236 ، أنساب الأشراف : 111 و 439 ، البداية والنهاية 5 / 228 ، السيرة النبوية لابن كثير 4 / 416 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 6 و 12 / 232 ، ينابيع المودّة 1 / 74 و 95 و 99 و 105 و 112 و 119 و 123 و 132 و 345 و 349 و 2 / 432 و 438 و 3 / 65 و 141 و 294 ، النهاية في غريب الحديث والأثر 1 / 211 و 3 / 177 ، لسان العرب 4 / 538 و 11 / 88 ، تاج العروس 7 / 245.

دلّ هذا الحديث على عصمة أهل البيت عليهم السلام لأنّهم عدل القرآن ، وبما أنّ القرآن محفوظ من الزلل ، ومعصوم من الخطأ ، لأنّه من عند اللّه تعالى ، فكذلك ما قرن به ، وهم عترة محمّد صلى اللّه عليه وآله ، وإلاّ لما صحّت المقارنة.

2 - حديث السفينة ، فقد ورد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قوله : « مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجى ، ومن تخلّف عنها غرق وهوى » (1) ، فدلّ هذا الحديث على عصمة الأئمّة عليهم السلام ، لأنّ النجاة والخلاص من الوقوع في الضلالة والانحراف يتوقّف على كون المنجي معصوماً من الخطأ والزلل ، وإلاّ لم يحصل منه النجاة الحتمي.

نكتفي بهذين الحديثين للاختصار ، وعليكم بمراجعة كتاب عمدة النظر للبحراني ، حيث ذكر ( 45 ) حديثاً على عصمتهم عليهم السلام ، كما ذكر اثنا عشر دليلاً عقلياً على عصمتهم عليهم السلام.

ص: 304


1- المستدرك 2 / 343 و 3 / 151 ، المعجم الصغير 1 / 139 و 2 / 22 ، المعجم الأوسط 5 / 355 و 6 / 85 ، المعجم الكبير 3 / 45 ، 12 / 27 ، مجمع الزوائد 9 / 168 ، الجامع الصغير 1 / 373 و 2 / 533 ، كنز العمّال 12 / 94 ، شواهد التنزيل 1 / 361 ، ذخائر العقبى : 20 ، مسند الشهاب 2 / 273 و 275 ، فيض القدير 2 / 658 ، الدرّ المنثور 3 / 334 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 123 ، علل الدارقطني 6 / 236 ، تهذيب الكمال 28 / 411 ، سبل الهدى والرشاد 10 / 490 ، ينابيع المودّة 1 / 93 و 2 / 101 و 118 و 269 و 327 ، نزل الأبرار : 6 ، نظم درر السمطين : 235 ، لسان العرب 3 / 20 ، تاج العروس 2 / 259 ، الصواعق المحرقة 2 / 445.

( .... - مصر - سنّي )

حدودها :

س : أنا من السنّة ولست شيعياً ، ولكن أُريد أن اعرف بعض الأُمور عن إخواني من هذا المذهب من مصادرهم هم ، وليس من غيرهم : ما هي حدود العصمة؟

ج : نحن نعتقد أنّ العصمة هي ملكة تعصم صاحبها من مقارفة المعاصي ، وفي نفس الوقت باعتبار الحجّية للحجج - سواء كانوا أولياء أو أوصياء - لابدّ أن يكونوا معصومين من الخطأ - سواء كان ذلك في تلقّي أحكام الشريعة عن اللّه تعالى ، أو في إلقائها إلى الناس ، أو في تطبيقاتها ، لأنّ التطبيقات نحو من أنحاء التبليغ - والكُلّ متّفقون على عصمته صلى اللّه عليه وآله في التبليغ ، وكما يكون التبليغ بالقول يكون بالتقرير والفعل ، وعليه لا يخطأ النبيّ صلى اللّه عليه وآله في فعله أيضاً.

( العرادي - البحرين - .... )

رأي الإمامية في عصمة الأنبياء :

س : نذهب نحن الشيعة إلى عصمة الأنبياء والرسل عليهم السلام فإذا سلّمنا بذلك ، فما هو تفسير خروج أبينا آدم وأُمّنا حوّاء من الجنّة؟

وما هو تفسير بقاء نبي اللّه يونس في بطن الحوت مدّة من الزمن ، وكذلك قصّة نبي اللّه موسى ، ألا ينافي ذلك عصمة الأنبياء؟ أودّ معرفة الإجابة بمزيد من التفصيل.

ج : يشير الشيخ المفيد قدس سره إلى رأي الإمامية حول عصمة الأنبياء عليهم السلام بقوله : « إنّ جميع أنبياء اللّه عليهم السلام معصومون من الكبائر قبل النبوّة وبعدها ، وما يستخف فاعله من الصغائر كُلّها ، وأمّا ما كان من صغير لا يستخف فاعله

ص: 305

فجائز وقوعه منهم قبل النبوّة وعلى غير تعمّد ، وممتنع منهم بعدها على كُلّ حال ، وهذا مذهب جمهور الإمامية ، والمعتزلة بأسرها تخالف فيه » (1).

وعلى هذا ، يمكن توجيه خروج أبينا آدم عليه السلام وأُمّنا حوّاء من الجنّة ، بأنّ الخروج من الجنّة ليس عقاباً - على معصيتهما وهما منزّهان منها - لأنّ سلب اللذّات والمنافع ليس بعقوبة ، وإنّما العقوبة هي الضرب والألم الواقعان على سبيل الاستخفاف والإهانة ، وكيف يكون من تعبّدنا اللّه فيه بنهاية التعظيم والتبجيل ، مستحقّاً منّا ومنه تعالى الاستخفاف والإهانة؟

فإن قيل : فما وجه الخروج إن لم يكن عقوبة؟

قلنا : لا يمتنع أن يكون اللّه تعالى علم أنّ المصلحة تقتضي بقاء آدم عليه السلام في الجنّة وتكليفه فيها متى لم يتناول من الشجرة ، فمتى تناول منها تغيّرت الحال في المصلحة ، وصار إخراجه عنها وتكليفه في دار غيرها هو المصلحة.

وإنّما وصف إبليس بأنّه مخرج لهما من الجنّة ( فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ) (2) من حيث وسوس إليهما ، وزيّن عندهما الفعل الذي يكون عند الإخراج.

ثمّ لا يخفى أنّ المعصية هي مخالفة الأمر ، والأمر من الحكيم تعالى قد يكون بالواجب والمندوب معاً ، فلا يمتنع على هذا أن يكون آدم عليه السلام مندوباً إلى ترك التناول من الشجرة ، ويكون بمواقعتها تاركاً نفلاً وفضلاً وغير فاعل قبيحاً ، وليس يمتنع أن يسمّى تارك النفل عاصياً ، كما يسمّى بذلك تارك الواجب.

وفي هذا المجال نذكر هذه الرواية الشريفة : روى الشيخ الصدوق قدس سره : « لمّا جمع المأمون لعلي بن موسى الرضا عليه السلام أهل المقالات من أهل الإسلام ،

ص: 306


1- أوائل المقالات : 62.
2- البقرة : 36.

والديانات من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين وسائر أهل المقالات ، فلم يقم أحد إلاّ وقد ألزمه حجّته كأنّه قد ألقم حجراً ، قام إليه علي بن محمّد بن الجهم ، فقال له : يا بن رسول اللّه ، أتقول بعصمة الأنبياء؟ قال : « بلى » ، قال : فما تعمل في قول اللّه عزّ وجلّ : ( وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ) (1) ، وقوله عزّ وجلّ : ( وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ) (2) ....

فقال مولانا الرضا عليه السلام : « ويحك - يا علي - اتق اللّه ، ولا تنسب إلى أنبياء اللّه الفواحش ، ولا تتأوَّل كتاب اللّه برأيك ، فإنّ اللّه تعالى يقول : ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (3).

أمّا قوله عزّ وجلّ في آدم عليه السلام : ( وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ) فإنّ اللّه عزّ وجلّ خلق آدم حجّة في أرضه ، وخليفة في بلاده ، لم يخلقه للجنّة ، وكانت المعصية من آدم في الجنّة لا في الأرض ، تتمّ مقادير أمر اللّه عزّ وجلّ ، فلمّا أُهبط إلى الأرض ، وجُعل حجّة وخليفة عُصِمَ بقوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ) (4).

وأمّا قوله تعالى : ( وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ) إنّما ظنّ أنّ اللّه عزّ وجلّ لا يضيق عليه رزقه ، ألا تسمع قول اللّه عزّ وجلّ : ( وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ) (5) أي ضيّق عليه ، ولو ظنّ أنّ اللّه تبارك وتعالى لا يقدر عليه لكان قد كفر »(6).

ص: 307


1- طه : 119.
2- الأنبياء : 87.
3- آل عمران : 7.
4- آل عمران : 33.
5- الفجر : 16.
6- الأمالي للشيخ الصدوق : 150.

وأمّا يونس عليه السلام إنّما بقي في بطن الحوت إلى مدّة من الزمن ، لا لمعصية صدرت منه ، ولا لذنب ارتكبه ، والعياذ باللّه ، وإنّما لكونه خرج من قومه - وهو معرضاً عنهم ، ومغضباً عليهم ، بعد أن دعاهم إلى اللّه تعالى فلم يجيبوه إلاّ بالتكذيب والردّ - ولم يعد إليهم ظانّاً أنّ اللّه تعالى لا يضيّق عليه رزقه ، أو ظانّاً أن لن يبتلى بما صنع حتّى وصل إلى البحر ، وركب السفينة ، فعرض لهم حوت فلم يجدوا بدّاً من أن يلقوا إليه واحداً منهم يبتلعه ، وتنجو السفينة بذلك ، فقارعوا فيما بينهم ، فأصابت يونس عليه السلام فألقوه في البحر ، فابتلعه الحوت ونجت السفينة.

ثمّ إنّ اللّه سبحانه وتعالى حفظه حيّاً في الحوت مدّة من الزمن ، ويونس عليه السلام يعلم أنّها بلية ابتلاه اللّه بها ، مؤاخذة بما فعل من عدم رجوعه إلى قومه ، بعد أن آمنوا وتابوا ، فأخذ ينادي في بطن الحوت : أن ( لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) (1) - قيل أي لنفسي بالمبادرة إلى المهاجرة - فاستجاب اللّه له ونجّاه من الحوت.

وأمّا قتل موسى عليه السلام للقبطي ، فلم يكن عن عمد ولم يرده ، وإنّما اجتاز فاستغاث به رجل من شيعته على رجل من عدوّه بغى عليه وظلمه وقصد إلى قتله ، فأراد موسى عليه السلام أن يخلّصه من يده ، ويدفع عنه مكروهه ، فأدّى ذلك إلى القتل من غير قصد إليه ، وكُلّ ألم يقع على سبيل المدافعة للظالم من غير أن يكون مقصوداً فهو حسن غير قبيح ، ولا يستحقّ عليه العوض به ، ولا فرق بين أن تكون المدافعة من الإنسان عن نفسه ، وبين أن يكون عن غيره في هذا الباب ، والشرط في الأمرين أن يكون الضرر غير مقصود ، وأنّ القصد كُلّه إلى دفع المكروه ، والمنع من وقوع الضرر ، فإن أدّى ذلك إلى ضرر فهو غير قبيح.

ص: 308


1- الأنبياء : 87.

( ... - .... - .... )

عصمة الأئمّة في القرآن :

س : ما الأدلّة على عصمة أهل البيت عليهم السلام من القرآن الكريم؟

ج : من الأدلّة على عصمتهم عليهم السلام من القرآن الكريم كثيرة ، نذكر أهمّها :

1 - قوله تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (1).

هذه الآية نزلت في أصحاب الكساء وهم : رسول اللّه وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، وعلى هذا تواترت روايات كثيرة من السنّة والشيعة ، وإذا أردت الوقوف على ما ندّعيه ، فعليك بمراجعة كتاب « البرهان في تفسير القرآن »(2).

وممّن ذكر نزول هذه الآية المباركة في أهل البيت عليهم السلام من أهل السنّة : الطبري ، الحاكم الحسكاني ، ابن كثير ، ابن حجر ، السيوطي ، الحاكم النيسابوري ، ابن عساكر ، وغيرهم من علماء السنّة(3).

وهذه الآية صريحة في عصمة أصحاب الكساء ، بدليل إذهاب الرجس عنهم ، والتطهير لهم على الإطلاق.

2 - قوله تعالى : ( فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (4).

ص: 309


1- الأحزاب : 33.
2- البرهان في تفسير القرآن 3 / 209.
3- جامع البيان 22 / 9 ، شواهد التنزيل 2 / 37 ، تفسير القرآن العظيم 3 / 492 ، الصواعق المحرقة 2 / 421 ، الدرّ المنثور 5 / 198 ، المستدرك على الصحيحين 2 / 416 ، تاريخ مدينة دمشق 13 / 205.
4- آل عمران : 61.

وهذه الآية الشريفة نزلت في حقّ النبيّ وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام كما ذكر ذلك علماء الفريقين(1).

حيث جعلت علياً عليه السلام نفس رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، والرسول معصوم بالاتفاق ، إذن علي عليه السلام كذلك.

3 - قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ... ) (2).

المراد من أُولي الأمر في الآية الشريفة هم الأئمّة الاثنا عشر من آل محمّد عليهم السلام ، للروايات الكثيرة المروية عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، والمذكورة في عدّة كتب منها : كتاب « البرهان في تفسير القرآن »(3).

وهذه الآية دلّت على عصمة أُولي الأمر ، بدليل أنّ طاعتهم مقرونة بطاعة اللّه تعالى ، وطاعة رسوله صلى اللّه عليه وآله ، والطاعة لا تكون إلاّ لذوي العصمة والطهارة.

وأمّا الآيات الأُخرى الدالّة على عصمتهم كثيرة(4) ، وللوقوف على الحقيقة والواقع ، راجع كتاب « عمدة النظر » للسيّد هاشم البحراني ، وكتب التفسير الشيعية.

ص: 310


1- المستدرك على الصحيحين 3 / 150 ، أحكام القرآن للجصّاص 2 / 18 ، أُسد الغابة 4 / 26 ، تحفة الأحوذي 8 / 278 ، نظم درر السمطين : 108 ، أسباب نزول الآيات : 68 ، شواهد التنزيل 1 / 159 و 181 و 2 / 34 ، الجامع لأحكام القرآن 4 / 104 ، تفسير القرآن العظيم 1 / 379 ، الإصابة 4 / 468 ، تاريخ اليعقوبي 2 / 82 ، البداية والنهاية 7 / 376 ، جواهر المطالب 1 / 171 ، ينابيع المودّة 1 / 136.
2- النساء : 59.
3- البرهان في تفسير القرآن 1 / 381.
4- منها : التوبة : 119 ، المائدة : 55 ، الرعد : 43 ، النساء : 41 ، الحجّ : 77 - 78 ، النحل : 43 ، الأنبياء : 73 ، السجدة : 24 ، النور : 55.

( موالي - الكويت - 19 سنة - طالب )

الأدلّة على عصمة الأنبياء :

س : إنّي شيعي ولله الحمد ، ومن القائلين بعصمة الأنبياء ، وأطلب منكم شاكراً معرفة أدلّة عصمة الأنبياء ، وعلاقتها مع الآية التالية : ( فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ له إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) (1).

ج : إنّ الأدلّة على عصمة الأنبياء عليهم السلام كثيرة ، فقد ذكر العلاّمة الحلّي ثلاثة منها في « كشف المراد »(2) ، وأضاف إليها القوشجي دليلين آخرين في « شرح التجريد »(3) ، وذكر الإيجي تسعة أدلّة في « المواقف »(4).

ونقتصر في هذا المجال على ذكر دليلين ، هما :

1 - الوثوق فرع العصمة.

إنّ التبليغ يعمّ القول والفعل ، فكما في أقوال النبيّ تبليغ فكذلك في أفعاله ، فالرسول صلى اللّه عليه وآله معصوم عن المعصية وغيرها ، لأنّ فيها تبليغاً لما يناقض الدين ، وهو معصوم من ذلك.

ولا يفتقر ذلك على زمن البعثة فقط ، وإنّما يشمل ما قبلها أيضاً ، لأنّه لو كانت سيرة النبيّ صلى اللّه عليه وآله غير سليمة قبل البعثة ، فلا يحصل الوثوق الكامل به ، وإن صار إنساناً مثاليّاً.

إذاً ، فتحقّق الغرض الكامل من البعثة ، رهن عصمته في جميع فترات عمره.

ص: 311


1- القصص : 15 - 16.
2- كشف المراد : 471.
3- شرح تجريد العقائد : 358.
4- المواقف : 359.

2 - التربية رهن عمل المربّي.

إنّ الهدف العام الذي بُعث الأنبياء لأجله ، هو تزكية الناس وتربيتهم ، ومعلوم أنّ فاقد الشيء لا يعطيه ، فلذا لابدّ من التطابق بين مرحلتي القول والعمل ، وهذا الأصل التربوي يجرّنا إلى القول بأنّ التربية الكاملة المتوخّاة من بعثة الأنبياء ، لا تحصل إلاّ بمطابقة أعمالهم لأقوالهم ، فإنّ لسوابق الأشخاص وصحائف أعمالهم الماضية تأثيراً في قبول الناس كلامهم وإرشاداتهم.

أمّا ما ذكرته بالنسبة للآية المباركة من سورة القصص ، فإنّ الأصل في الأنبياء العصمة ، والأدلّة من القرآن والسنّة والعقل صريحة بالعصمة ، وكلّ ما ورد بحيث يكون ظاهره مناف للعصمة ، فلابدّ من البحث عن التأويل له وفهم معناه.

فقد روى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن علي بن محمّد بن الجهم قال : « حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسى عليهما السلام ، فقال له المأمون : يا ابن رسول اللّه ، أليس من قولك : الأنبياء معصومون؟ قال : « بلى » ....

قال : ... فأخبرني عن قول اللّه عزّ وجلّ : ( فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ) .

قال الرضا عليه السلام : « إنّ موسى عليه السلام دخل مدينةً من مدائن فرعون على حين غفلة من أهلها ، وذلك بين المغرب والعشاء ، فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوّه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوّه ، فقضى موسى على العدو وبحكم اللّه تعالى ذكره ( فَوَكَزَهُ ) فمات ، ( قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ) ، يعني الاقتتال الذي وقع بين الرجلين ، لا ما فعله موسى عليه السلام من قتله ، إنه - يعني الشيطان - عدوّ مضلّ مبين ».

فقال المأمون : فما معنى قول موسى عليه السلام : ( رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ) ؟

ص: 312

قال : « يقول : إنّي وضعت نفسي غير موضعها بدخول هذه المدينة ، ( فَاغْفِرْ لِي ) أي استرني من أعدائك لئلا يظفروا بي فيقتلوني ، فغفر له إنّه هو الغفور الرحيم.

قال موسى : ربّ بما أنعمت عليّ من القوّة حتّى قتلت رجلاً بوكزة ، فلن أكون ظهيراً للمجرمين ، بل أجاهد سبيلك بهذه القوّة حتّى ترضى ... » (1).

( راشد علي - .... - .... )

عصمة الأئمّة في التشريع وغيره :

س : تحية طيّبة وبعد.

ما هو الدليل على عصمة الأئمّة عليهم السلام في غير ما يرتبط بالشريعة؟

ج : هنالك عدّة أدلّة لبيان عصمتهم بشكل عام ، غير مختصّة بالعصمة في التشريع ، ونكتفي ببيان بعضها من القرآن الكريم :

قال تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (2).

إنّ تحلية الرجس ب- « أل » دليل على الشمولية والعموم ، كما قرّر في محلّه من علم اللغة - سواء أُريد منها الاستغراق أو الجنس - ولا يمكن جعلها عهدية ، لعدم تقدّم ذكر أو إشارة إلى الرجس حتّى تكون عهدية ، وهذه الشمولية تعني نفي الرجس عن هؤلاء البررة نفياً عامّاً ، شاملاً لجميع مستويات الرجس ، سواء على مستوى الاعتقاد ، أم الأعمال ، أم الأخلاق والسلوك ، أم التعلّق بغير اللّه تعالى ، فكُلّ رجس وكُلّ قذارة قد أذهبها اللّه تعالى عنهم ، وأثبت مكانها الطهارة المؤكّدة.

ص: 313


1- عيون أخبار الرضا 2 / 174.
2- الأحزاب : 33.

وقال تعالى : ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (1).

حيث تفيد هذه الآية المباركة أنّ كُلّ ظلم - وبجميع أقسامه - ممنوع عن منصب الإمامة ، والمعروف في اللغة أنّ الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه ، فتكون النتيجة ممنوعية كُلّ فرد من أفراد الظلمة عن الارتقاء لمنصب الإمامة ، سواء كان ظالماً في فترة من عمره ثمّ تاب أو لا.

ومن السنّة النبوية :

ورد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله متواتراً قوله : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً ».

وبما أنّ القرآن الكريم محفوظ من الزلل والخطأ لأنّه من عند اللّه تعالى ، فكذلك ما قرن به ، وهم عترة محمّد صلى اللّه عليه وآله ، وإلاّ لما صحّت المقارنة.

وحاشا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أن يقول شيئاً من عنده ( إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) (2).

( حسن عبد اللّه - ... - ..... )

تفسير قوله : ( هَمَّتْ بِهِ هَمَّ بِهَا )

س : بعد الدعاء لكم بطول العمر والتوفيق والتسديد لكُلّ خير وصلاح ، نرجو التكرّم بالجواب على السؤال التالي :

قال أحد المفسّرين عند تفسيره لقوله تعالى : ( وَهَمَّ بِهَا ) (3) : وهكذا نتصوّر موقف يوسف ، فقد أحسّ بالانجذاب في إحساس لا شعوري ، وهمّ بها استجابة لذلك الإحساس ، كما همّت به ، ولكنّه توقّف وتراجع.

ص: 314


1- البقرة : 124.
2- النجم : 4.
3- يوسف : 24.

علماً أنّه في مكان آخر يقول : إنّ همّ يوسف هذا الذي كان نتيجة الانجذاب اللاشعوري ، هو أيضاً لا شعوري بل طبعي ، وأنّ قصد المعصية من يوسف لم يحصل.

فما رأيكم بقوله هذا؟ هل يتنافى مع عصمة الأنبياء عليهم السلام حسب رأي الشيعة في العصمة أم لا؟ وإن كان جوابكم بأنّه مناف لها ، فالرجاء بيان وجه المنافاة.

ج : إنّ ما نقلتموه في تفسير تلك الآية لا يتوافق مع العقيدة الصحيحة في شأن الأنبياء عليهم السلام ، ولمزيد من التوضيح نذكر رؤوساً للنقاط الهامّة في هذا المجال :

أوّلاً : إنّ عصمة الأنبياء عليهم السلام مسألة ثابتة بالأدلّة العقلية والنقلية - كما ذكر في محلّه - وعليه فالانجذاب نحو المعصية - حتّى ولو كان عن غير شعور - يتنافى مع مقام العصمة ، لأنّ العصمة هي الابتعاد عن المعصية والهمّ بها.

ثانياً : إنّ قول ذلك القائل يتعارض مع روايات أهل البيت عليهم السلام في هذا المجال ، ففي أكثرها إنّ متعلق الهمّ يختلف عند يوسف عليه السلام وامرأة العزيز ، إذ أنّ امرأة العزيز همّت بفعل الفاحشة ، ولكن يوسف عليه السلام همّ بعدم فعلها ، أو أنّ يوسف عليه السلام همّ بضربها ، أو قتلها إن أجبرته على ذلك.

ثالثاً : على فرض عدم قبول هذه الروايات - سنداً أو دلالةً - فالآية بظاهرها كافية في ردّ كلام القائل ، فإنّ ( لولا ) ملحقة بأدوات الشرط ، وتحتاج إلى جزاء ، فجملة ( وَهَمَّ بِهَا ) تكون جزاءً مقدّماً عليها.

وأمّا على تقدير كلام ذلك القائل ، فاللازم أن تكون الجملة هكذا « فلولا » أو « ثمّ لولا » أي السياق حينئذٍ يقتضي أن يؤتى بعبارة فصلية لا وصلية.

( علي العلي - الكويت - .... )

عصمة الأئمّة ليست جبرية :

س : هناك من يقول أنّ عصمة الأنبياء جبرية ، وذلك لعلمهم بخفايا الأُمور ، وحقائق الأشياء مثلاً : قول الإمام : « واللّه لا أراه إلاّ قيحا » ، وذلك إشارة إلى

ص: 315

طعام ما ، فهو بناء على علمه يكون مجبراً على عدم الأكل مثلاً ، ما مدى صحّة هذه المقولة؟

ج : إنّ كان المراد من الجبر أنّ الأئمّة عليهم السلام لعلمهم بحقائق الأشياء فهم غير قادرين على ارتكاب المعصية والخطأ ، فمن الواضح أنّ العلم بحقيقة الشيء لا يستلزم عدم القدرة على المخالفة ، والعلم بحقيقة الشيء لا يسلب من الإنسان اختياره ، ولا منافاة بين أن يكون الإنسان عالماً بحقيقة شيء ، وأن يرتكب ذلك الشيء ، إلاّ أنّ أئمّتنا عليهم السلام كانوا عالمين بحقائق الأشياء ، ومع ذلك كانوا يجتنبون ولا يرتكبون المعاصي والخطايا ، ولا يصدر عنهم السهو ولا النسيان عن اختيار.

( الموالي - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

الأدلّة العقلية عليها :

س : ما الدليل العقلي على عصمة الأئمّة عليهم السلام؟

ج : إنّ الأدلّة العقلية كثيرة ، نقتصر على اثني عشر دليلاً :

الأوّل : الإمام يجب أن يكون حافظاً للشرع ، فيجب أن يكون معصوماً ، ليؤمن منه الزيادة والنقصان في الشريعة.

الثاني : يجب أن يكون متولّياً لسياسة الرعية ، فيجب أن يكون معصوماً ليؤمن منه الظلم والجور ، والتعدّي في الحدود والتعزيرات.

الثالث : الإمام يجب أن يكون معصوماً بعد النبيّ لوجوب الحاجة إلى النبيّ ، فهو في مقام النبيّ ورتبته ، فما دلّ على عصمة النبيّ دلّ على عصمة الإمام ؛ لأنّ النبوّة والإمامة من اللّه تعالى ، فلا يجوز بعث غير المعصوم في النبوّة ، ولا نصب غير المعصوم في الإمامة ، لأنّه قبيح عقلاً وهو لا يفعل قبيحاً.

الرابع : الإمام يجب أن يكون غير جائز الخطأ ، وإلاّ لاحتاج إلى مدد ، فيجب أن يكون معصوماً ؛ وإلاّ تسلسل.

ص: 316

الخامس : الإمام يجب أن يكون غير مداهن في الرعية ، وإلاّ وقع الهرج والمرج ، وغير المعصوم يجوز فيه ذلك ، فتنتفي فائدة نصبه ، فيجب أن يكون معصوماً.

السادس : الإمام يجب أن لا يقع منه منكر ، وإلاّ لزم ترك الواجب إن لم ينكر عليه ، وخروجه عن أن يكون إماماً بل ومأموماً ، فيجب أن يكون الإمام معصوماً فلا يقع منه منكر.

السابع : الإمام يجب أن يكون مقتدى به في أقواله وأفعاله على الإطلاق ، فيجب أن يكون معصوماً.

الثامن : الإمام يجب أن يكون صادقاً على الإطلاق ليحصل الوثوق بأخباره ، فيجب أن يكون معصوماً.

التاسع : الإمام يجب أن لا يفعل قبيحاً ولا يخلّ بواجب ، وإلاّ لارتفع محلّه من القلوب ؛ فيجب أن يكون معصوماً.

العاشر : الإمام يجب طاعته على الإطلاق ، وغير المعصوم لا يجب طاعته على الإطلاق ، فيجب أن يكون الإمام معصوماً ، لقوله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ... ) (1).

الحادي عشر : الإمام يجب أن يكون أعلى رتبة في الرعية ، فيجب أن يكون معصوماً ، وإلاّ انحطّ عن رتبة ساير الرعية عند فعله المعصية ، لعلمه بموجب الطاعة والمعصية ، فإقدامه على ترك الطاعة وفعل المعصية مع علمه يكون سبباً لانحطاط رتبته عند الخلق والمخلوق.

الثاني عشر : الإمام يجب أن يكون منزّهاً عن جميع الذنوب والفواحش ما ظهر منها وما بطن ، لأنّه أقرب إلى الخالق تعالى في الرعية ؛ فيجب أن يكون

ص: 317


1- النساء : 59.

معصوماً وإلاّ ساوى المأموم والإمام ، والتابع والمتبوع ، واللّه سبحانه يقول : ( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ) (1).

( علي - المغرب - سنّي - 28 سنة - طالب جامعة )

لا تشمل الصحابة

س : إذا كان الشيعة يدّعون عصمة الإمام ، فكيف ينفونها عن الصحابة؟ وهم أقرب إلى النبيّ مكاناً ومكانة.

ج : إنّ اعتقاد الشيعة يبتني على التنصيص في الإمامة - كما ثبت في محلّه - وعليه فبما أنّ الإمام منصوب من قبل اللّه تعالى ، فيجب على الباري تعالى أن يعصمه من الخطأ والزلل ، حتّى لا يقع المأموم عند اتّباعه في انحراف وضلال ، وهذا ممّا لا تنفرد به الشيعة ، بل أنّ بعض علماء السنّة أيضاً يعتقدون به ، فعلى سبيل المثال يصرّح الفخر الرازي في تفسيره للآية ( 124 ) من سورة البقرة بهذا المعنى(2) ؛ فهم في اعتقادهم هذا لا يرون العصمة لغير المنصوص عليهم.

وأمّا الصحابة فبما أنّهم لم يثبت في حقّهم النصّ للإمامة أو العدالة ، فهم في دائرة الجرح والتعديل.

( يوسف - الكويت - .... )

عصمة الأنبياء في رأي الفريقين :

س : هل هناك خلاف بين العلماء حول موضوع عصمة الأنبياء؟ وهل المشهور سابقاً خلاف ذلك؟ وشكراً.

ص: 318


1- الزمر : 9.
2- التفسير الكبير 2 / 36.

ج : ممّا تفرّدت به الإمامية هو القول بوجوب عصمة الأنبياء عليهم السلام في أخذ الوحي وإيصاله وتطبيقه ، واجتناب المعاصي والذنوب - كبيرة كانت أو صغيرة - ولهم في هذا المجال دلائل واضحة وجلية ، لا مجال لنا بذكره في هذه العجالة.

واتّفق رأي أهل السنّة على عدم وجوب العصمة إلاّ في تبليغ الرسالة ، حتّى أنّ جمهورهم جوزّوا صدور المعاصي من الأنبياء عليهم السلام - والعياذ باللّه -.

نعم ، كان هناك رأي للشيخ الصدوق قدس سره وشيخه ابن الوليد في جواز السهو على النبيّ صلى اللّه عليه وآله في الموضوعات التطبيقية - لا في تبليغ الوحي ، ولا في الابتعاد عن المعاصي - وهذا رأيهما الخاصّ ، ولم يتبعهما في ذلك أساطين الطائفة الشيعية وجمهورها.

( أبو هاشم الموسوي - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : الشيخ الصدوق لم يقل بجواز السهو على النبيّ ، بل قال بجواز الإسهاء للنبي صلى اللّه عليه وآله ، بخلاف ما يظهر من الكلام في إجابتكم السابقة ، والتي بدأ يهرّج بها الوهّابية على الشيعة ، وأنا انقل لكم رأي الشيخ السبحاني على قضية السهو ، قال بعد نقل كلام الشيخ الصدوق : « وحاصل كلامه : أنّ السهو الصادر عن النبيّ إسهاء من اللّه إليه لمصلحة ، كنفي وهم الربوبية عنه ، وإثبات أنّه بشر مخلوق ، وإعلام الناس حكم سهوهم في العبادات وأمثالها.

وأمّا السهو الذي يعترينا من الشيطان فإنّه صلى اللّه عليه وآله منه بريء ، وهو منزّه عنه ، وليس للشيطان عليه سلطان ولا سبيل ، ومع ذلك كُلّه ، فهذه النظرية مختصّة به ، وبشيخه ابن الوليد ، ومن تبعهما كالطبرسي في مجمعه على ما سيأتي ؛ والمحقّقون من الإمامية متّفقون على نفي السهو عنه في أُمور الدين حتّى مثل الصلاة ».

ولقد شاهدت كلاماً للعلاّمة السيّد جعفر مرتضى العاملي حول الموضوع ، مؤدّاه نفس الكلام ، وهو أنّ الشيخ الصدوق وأستاذه ذهبا إلى جواز الإسهاء ،

ص: 319

وليس السهو كما يظهر من كلامهما - الإسهاء هو من اللّه لغاية معيّنة كما هو معلوم - وقد خالفتهم الطائفة المحقّة في هذا الكلام.

هذا ، ولكم جزيل الشكر لما تقومون به من الذود عن العقائد الحقّة.

ج : لم نكن بصدد التفريق بين السهو والإسهاء ، وإنّما كنّا بصدد بيان مسألة السهو ، مع غض النظر عن الدخول في مبحث السهو والإسهاء ، والطرف الآخر من جهله بالمباني يعتمد على هكذا مسائل ، ولا أقلّ عليه أن يفرّق بين السهو الذي يقع علينا ، وبين السهو الذي يقع على الأنبياء على رأي من يقول به.

وهنا ننقل نصّ كلام الشيخ الصدوق قدس سره لتتّضح المسألة :

قال : « إنّ الغلاة والمفوضة لعنهم اللّه ينكرون سهو النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ويقولون : لو جاز أن يسهو عليه السلام في الصلاة ، لجاز أن يسهو في التبليغ ، لأنّ الصلاة عليه فريضة ، كما أنّ التبليغ عليه فريضة ، وهذا لا يلزمنا ، وذلك لأنّ جميع الأحوال المشتركة يقع على النبيّ صلى اللّه عليه وآله فيها ما يقع على غيره ، وهو متعبّد بالصلاة كغيره ممّن ليس بنبيّ ، وليس كُلّ من سواه بنبيّ كهو ، فالحالة التي اختصّ بها هي النبوّة ، والتبليغ من شرائطها ، ولا يجوز أن يقع عليه في التبليغ ما يقع عليه في الصلاة ....

وليس سهو النبيّ صلى اللّه عليه وآله كسهونا ، لأنّ سهوه من اللّه عزّ وجلّ ، وإنّما هو أسهاه ليعلم أنّه بشر مخلوق ، فلا يتّخذ ربّاً معبوداً دونه ، وليعلم الناس بسهوه حكم السهو متى سهوا ، وسهونا عن الشيطان ، وليس للشيطان على النبيّ صلى اللّه عليه وآله والأئمّة عليهم السلام سلطان ، إنّما سلطانه على الذين يتولّونه ، والذين هم به مشركون ، وعلى من تبعه من الغاوين ....

وكان شيخنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ( رحمه اللّه ) يقول : أوّل درجة الغلوّ نفي السهو عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ولو جاز أن ترد الأخبار الواردة في هذا المعنى ، لجاز أن ترد جميع الأخبار ، وفي ردّها إبطال الدين والشريعة ... » (1).

ص: 320


1- من لا يحضره الفقيه 1 / 359.

( أبو جعفر - ... - ..... )

الإمام معصوم منذ الولادة :

س : هل المعصوم يكون معصوماً من أوّل ولادته ، أم يكون معصوماً عندما يستلم إمامة المسلمين؟ وشكراً.

ج : إنّ الأئمّة عليهم السلام معصومون منذ الولادة ، ولا يكون إماماً إلاّ إذا كان معصوماً ، فالعصمة إذاً تحقّق موضوع الإمامة.

ثمّ إنّ معنى العصمة هو الانكشاف التامّ واليقين القطعي بملاكات الأحكام ، وبالمصالح والمفاسد وراء الأحكام الشرعية ، فإذا علم الإنسان علماً قطعياً بالضرر الكبير المترتّب على الفعل المعيّن فلا يمكن أن يقدم عليه ، وهذا هو معنى العصمة.

إذاً ، فأهل البيت عليهم السلام لمّا كانوا يعلمون حقائق الأُمور ، وملاكات الأحكام من قبل تسلّم الإمامة ومن بعدها ، فهم معصومون منذ الولادة.

هذا مضافاً إلى آية التطهير : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (1) الدالّة على العصمة ، مع عدم اشتراط سنّ معيّن ، أو حالة معيّنة كالإمامة مثلاً ، فهي عامّة شاملة لجميع الأعمار ، وسواء حصلت الإمامة أم لم تحصل ، كما في فاطمة الزهراء عليها السلام ، وكما في أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام ، حيث كانوا معصومين بنصّ آية التطهير قبل تسلّم الإمامة.

( أبو العياط نور الدين - الجزائر - .... )

النبيّ والأئمّة خلّص عباد اللّه فعصمهم :

س : هل عصمة النبيّ والأئمّة عليهم السلام بأمر من اللّه؟ أي أنّ اللّه خلقهم من غير أن يخطأوا ، أم أن تكوينهم الذاتي والنفسي وارتباطهم الدائم باللّه جعلهم رساليين ، فعصمتهم من عمق رسالتهم؟ والسلام على محمّد وآل محمّد.

ص: 321


1- الأحزاب : 33.

ج : العصمة تارة تكون من الذنب ، فهي من مجاهدتهم عليهم السلام ، إذ بإرادتهم لم يذنبوا مع مقدرتهم على الذنب ، ويكون حال الذنب وابتعادهم عنه ، كحال ابتعاد أحدنا عن أكل العذرة مع قدرته على الأكل.

وتارة تكون العصمة عن السهو والنسيان والخطأ ، فهي عصمة إلهية بأمر من اللّه تعالى ، أي : أنّ اللّه خلقهم كذلك ، وذلك لسبق علم اللّه بأنّ هؤلاء خلّص عباده فعصمهم ، فمقدّمات العصمة في هذا القسم كسبية ، وكانت النتيجة إلهية وهبها لعباده المخلصين.

( كميل - عمان - 22 سنة - طالب جامعة )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : معنى كلامكم : أنّ اللّه تعالى اختارهم أئمّة لعلمه المسبق بأنّهم لا يعصونه بإرادتهم ، وهنا أطرح سؤالين :

الأوّل : كيف نفسّر بأنّ أهل البيت عليهم السلام قد وجدوا أنواراً حول العرش قبل خلق آدم؟

الثاني : كيف نفسّر قول الإمام علي عليه السلام للمسلمين : « ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك ، ولكن أعينوني بورع واجتهاد »؟(1).

هل يمكنكم إعطاء توضيح أكثر في التوفيق بين العصمة وبين الاختيار؟

ج : قلنا أنّ العصمة عن الذنب هي عن مجاهدةٍ منهم ، وأنّهم يستطيعون أن يذنبوا ، ولكن لا يذنبون بإرادة منهم ، وأمّا العصمة عن السهو والنسيان والخطأ ، فإنّ اللّه خلقهم كذلك ، وذلك لسبق علم اللّه ، ومقصودنا من سبق علم اللّه قبل أن يوجدهم أنواراً حول العرش ، إذ لم يقل أحد بقدم هذه الأنوار.

وأمّا عن السؤال الثاني فنقول : ما هو مقصود أمير المؤمنين عليه السلام بقوله : « لا تقدرون على ذلك »؟ فإذا كان قصده لا تقدرون على ما يقدر عليه أهل

ص: 322


1- شرح نهج البلاغة 16 / 205.

البيت عليهم السلام المعصومون بالعصمة الإلهية ، والعصمة التي هي بإرادتهم ، فإنّه لا يرد عليه أيّ إشكال.

( أنيس مهدي - الجزائر - .... )

الجبر والاختيار فيها :

س : هل الأئمّة المعصومون عليهم السلام مجبرين في عصمتهم؟ أم وارد احتمال الخطأ منهم ، وهم يمتنعون لسموّ أرواحهم الطاهرة؟

ج : العصمة تارة تكون من الذنب فهي باختيار المعصوم ، يتجنّبها المعصوم بإرادته ، ويكون الذنب أمام المعصوم واجتنابه عنه ، كما ينظر أحدنا للعذرة ويتجنّب عن أكلها ، مع قدرته على أكلها.

وتارة تكون عن السهو والنسيان فإنّها جبرية ، متعلّقة بعلم اللّه بأنّ هؤلاء سيكونون من أفضل البشر ، فاصطفاهم وطهّرهم تطهيراً.

( ابتسام - البحرين - .... )

آية ابتلاء إبراهيم :

س : السادة الأفاضل الرجاء التكرّم بالإجابة على سؤالي : من الأدلّة العقلية الدالّة على عصمة الإمام : آية ابتلاء إبراهيم عليه السلام في قوله تعالى : ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (1).

1 - إنّ الإمامة في الآية غير النبوّة ، لماذا؟

2 - ما المراد من الظالمين؟

3 - هناك شبهة تقول : إنّ الآية تشمل من كان مقيماً على الظلم ، وأمّا التائب فلا يتعلّق به الحكم ، لأنّ الحكم إذا كان معلّقاً على صفة وزالت الصفة زال الحكم ، فكيف نردّ على هذه الشبهة؟

ص: 323


1- البقرة : 124.

ج : بالنسبة إلى السؤال الأوّل فنقول :

الإمامة أعلى شأناً من النبوّة ، إذ النبوّة هي مقام تلقّي الوحي فقط ، ولكن الإمامة رتبة التصدّي لقيادة الأُمّة على ضوء تعاليم الوحي ، فالإمام هو خليفة اللّه على الأرض لعظم المسؤولية التي تقع على عاتقه.

ومن هنا نعلم أنّ المناسب للرتبة التي منحت لإبراهيم عليه السلام بعد ابتلائه هو الإمامة ، مضافاً إلى أنّ ظهور كلمة : ( إِمَامًا ) في الآية تدلّ بالصراحة على منصب الإمامة لا النبوّة ، فصرفها إلى النبوّة تكلّف بلا حجّة ولا دليل.

على أنّ المعنى واضح من خلال الآية ، فإبراهيم عليه السلام في أوان نبوّته كان لا يعلم بحصول ذرّية له في المستقبل ، بل وفي قصّة تبشير الملائكة بإسماعيل وإسحاق ما يلوح منه آثار اليأس والقنوط من الحصول على الأولاد ، فكيف والحال هذه يستدعي إبراهيم عليه السلام من اللّه تبارك وتعالى إعطاء رتبة الإمامة لذرّيته؟

فيظهر لنا أنّ هذا الدعاء كان بعد ولادة بعض ذرّيته على الأقل ، أي بعد حصوله على رتبة النبوّة.

ثمّ إنّ هنا أيضاً نقطة هامّة لابأس بالإشارة إليها ، وهي أنّ ( جَاعِلُكَ ) اسم فاعل ، ولا يعمل إلاّ في الحال أو الاستقبال ، أي قوله تعالى : ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) يدلّ على إعطاء الإمامة فيما بعد ، مع أنّ هذا القول هو وحي ، فلا يمكن وصوله إلاّ مع نبوّة ، فثبت أنّه عليه السلام كان نبيّاً قبل تقلّده الإمامة.

وبالنسبة إلى السؤال الثاني فنقول :

المقصود من الظالمين ، مطلق من صدر منه ظلم ، ولو في مقطع من الزمن ، وحتّى ولو تاب فيما بعد ، والآية بهذه الصراحة تريد أن تركّز على صفة العصمة في الإمام ، فمن لم تكن فيه هذه الميزة - ولو في برهة من عمره - لا يليق بهذا المقام.

وبالنسبة إلى السؤال الثالث فنقول :

ص: 324

بداهة العقل تردّ هذه الشبهة ، فهل يعقل أنّ إبراهيم عليه السلام الذي عرف منزلة الإمامة وشأنها - بعد الابتلاءات العصيبة التي مرّ بها - يسأل هذه الرتبة للمقيم على الظلم؟! ألا يعلم هو عليه السلام أنّ هذه المكانة السامية لا تجتمع مع الشرك أو المعاصي؟! فمنه يظهر أنّ استدعائه عليه السلام الإمامة كان لمن لم يعص أبداً من ذرّيته أو عصى ثمّ تاب ، ونفى اللّه تعالى إعطائها لغير المعصوم من نسله ، فبقي المعصوم هو الذي يكون مشمولاً للآية.

ثمّ حتّى على فرض الأخذ بظهور الآية ، فإن كلمة : ( الظَّالِمِينَ ) مطلقة ، وتشمل جميع من صدر منهم الظلم - سواء تابوا بعد أم لا - ولا دليل لتخصيصها بقسم دون آخر.

( محمّد أنور اللواتي - أمريكا - .... )

التوفيق بين ترك الأُولى لآدم وتوبته :

س : يقول علماؤنا الإجلاّء : إنّ النبيّ آدم عليه السلام ترك الأولى ولم يقترف ذنباً ، لعدم إمكانية ذلك في المعصوم ، ولكن القرآن الكريم يبيّن أنّ آدم عليه السلام تاب ، والتوبة لا تكون إلاّ من المذنب ، كيف نتمكّن من التوفيق بين الأمرين؟

ج : نلفت انتباهكم إلى الأُمور التالية :

1 - إنّ الأدلّة القائمة على العصمة أدلّة عقلية ونقلية قطعية ومسلّمة ، وقد ثبت في محلّه أنّ هذه الأدلّة هي مستقلّة عن الأمثلة ، أي أنّها لا يعتمد في إثباتها على الأمثلة ، وعليه فلا تقاس صحّة هذه الأدلّة بالأمثلة النقضية ، إذ أنّ النقوض تأتي فقط على الأدلّة التي تثبت عن طريق الاستقراء والتمثيل ، وبما أنّ المقام ليس كذلك ، فلا يرد عليه أيّ نقض تمثيلي ، بل يجب أن يفسّر كُلّ مورد ومثال على ضوء تلك القاعدة العامّة.

2 - التوبة في اللغة هي في الأصل الرجوع عن الشيء والإقلاع عنه ، ولم يؤخذ في معنى الكلمة الرجوع عن المعصية بالذات ، ويؤيّد ما قلنا استعمال مادّة التوبة

ص: 325

لله تعالى في القرآن الكريم ، نعم ، كثرة استعمالها في الرجوع عن المعاصي في العباد صرفت الكلمة إلى هذا المعنى.

ثمّ بناءً على ما ذكرناه آنفاً ، يتحتّم علينا أن نفسّر توبة آدم عليه السلام بما لا ينافي قاعدة العصمة ، فإنّ توبته كانت إقلاعاً ورجوعاً عن علمه السابق ، وإظهار الندم عليه ، ولكن لا دليل على أنّ ذلك العمل كان معصيةً ، بل نلتزم بأنّه كان تركاً للأولى ، حفظاً لقاعدة العصمة ، مع عدم منافاته لظهور الكلمة.

( حفيظ بلخيرية - تونس - .... )

مسألة خروج آدم من الجنّة :

س : إنّني من المعتقدين بعصمة الأنبياء عليهم السلام ، ولكن المرء يجد في القرآن الكريم عدّة آيات لا يجد لها تفسيراً واضحاً للردّ على الشبهات ، ومن بينها مسألة خروج آدم عليه السلام من الجنّة ، فإن كان غير مكلّف في الجنّة - كما جاء في تفسيركم - فالحال يشمل إبليس عليه اللعنة ، إذ أنّه خالف اللّه في مسألة السجود لآدم فلعنه اللّه.

أمّا فيما يخصّ اصطفاء آدم ، فما هو تفسير الآية : ( فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ ) (1).

ج : إنّ موضوع عصمة الأنبياء عليهم السلام يعتمد على أدلّة عقلية ونقلية ثابتة ومسلّمة - كما ذكر في محلّه - ومع النظر إلى هذه الأدلّة نعرف أنّها لا تعتمد في إثباتها على أمثلة وشواهد ، أي أنّها مستقلّة عنها ، وبعبارة أُخرى : لا يستفاد في إثبات أدلّة العصمة من القياس التمثيلي.

وعليه ، فلا ترد عليها - أي العصمة - نقوض من باب الموارد والأمثلة ، بل وبحسب القواعد العلمية يجب تفسير تلك الموارد غير الواضحة على ضوء أدلّة

ص: 326


1- فاطر : 32.

العصمة ، فإنّه من تفسير وتوضيح المشكوك بالقطعي ، وهذا ممّا يدلّ عليه الوجدان بالضرورة.

وممّا ذكرنا يظهر وجه الدلالة على عصمة آدم عليه السلام ، فيجب علينا أن نفسّر الأحداث والقضايا التي مرّت به عليه السلام بعد الفراغ والتسليم لعصمته ، فلا معنى لورود النقض عليها ، هذا أوّلاً.

وثانياً : عدم تكليف آدم عليه السلام في الجنّة هو أحد الآراء في المسألة ، وهناك أقوال أُخرى ، وعلى سبيل المثال يرى بعضهم : أنّ النهي المتوجّه لآدم عليه السلام من قبل اللّه تعالى كان نهياً إرشادياً لا مولوياً ، ومعناه عدم صدور معصية منه عليه السلام في صورة ارتكابه للمنهي ، بل مجرد تعرّضه لبعض المتاعب والمصاعب تكويناً ، وهذا ما قد حدث ، فإنّه عليه السلام قد هبط إلى الأرض ومارس هو وولده الحياة الصعبة على وجهها إلى يوم القيامة ، بعدما كان قد تنعّم في الجنّة بدون تعب ومشقّة.

وأمّا إبليس ، فإنّه كان مكلّفاً بالأوامر والنواهي التكليفية ، كما يظهر من الأمر بالسجود المتوجّه إليه ، ومؤاخذته من قبل اللّه تعالى على عدم انصياعه لذلك الأمر.

فبالنتيجة : كان إبليس في عالم التكليف ، بخلاف آدم عليه السلام الذي لم يتوجّه إليه التكليف - عموماً أو في خصوص التناول من الشجرة المعينة - أو كان الأمر المتوجّه إليه إرشادياً ، أو أنّه عليه السلام كان قد ترك الأولى والأفضل.

وبالجملة : فصدور المعصية من إبليس أمر مسلّم ، لمخالفته الصريحة في مسألة السجود ، لكن الذي صدر من آدم عليه السلام لم تكن مخالفة مولوية ، بقرينة عدم مؤاخذته من قبل اللّه تعالى.

وأمّا بالنسبة لتفسير آية : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ ... ) (1) فملخّص القول فيه :

ص: 327


1- فاطر : 32.

أوّلاً : إنّ الكتاب المذكور هو القرآن ، بدليل أنّ الآية السابقة تصرّح بهذا المطلب : ( وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ ... ) (1) ، فبدلالة السياق نعرف أنّ المقصود هو القرآن ، فاللام في ( الْكِتَابِ ) للعهد دون الجنس.

ثانياً : اصطفاء آدم عليه السلام ثابت بحسب النصّ القرآني : ( إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا ... ) (2).

ثالثاً : هذا الاصطفاء كان بعد هبوط آدم عليه السلام وتوبته ، وجعله خليفة اللّه في الأرض ، لا عند إسكانه في تلك الجنّة المعيّنة ، أو عند أكله للشجرة الممنوعة.

رابعاً : الضمير في ( فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ ) فيه احتمالان :

الأوّل : أن يرجع إلى ( عِبَادِنَا ) باعتبار قاعدة رجوع الضمير إلى الأقرب ، وعليه فالمعنى يكون واضحاً بلا شكّ وريب ، إذ لا يكون الظالم - حينئذٍ - مشمولاً للاصطفاء.

الثاني : أن يرجع إلى ( الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا ) ، ولا مانع منه وتصحّ هذه النسبة - نسبة الوراثة - إلى الكلّ مع قيام البعض بها حقيقةً ، كما جاء في القرآن ( وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ ... ) (3) ، والحال نعلم أنّ المؤدّين لحقّ الكتاب والقائمين بأمره آنذاك بعض بني إسرائيل لا جميعهم.

خامساً : كما ذكرنا في مقدّمة الجواب ، فإنّ ظلم آدم عليه السلام لنفسه لم يكن ظلماً تشريعياً ، أي لم يخالف اللّه تعالى في أمر تكليفي مولوي يستحقّ العقاب والمؤاخذة ، بل ظلم نفسه بإلقائها في المتاعب والمشاكل الدنيوية ، وإن استدركه بالتوبة والاستغفار والإنابة.

سادساً : الظاهر من الآية المذكورة : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ ... ) أنّها بصدد تعريف المصطفين بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، بدلالة سبقها بآية ( وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ

ص: 328


1- فاطر : 31.
2- آل عمران : 33.
3- غافر : 53.

الْكِتَابِ ... ) ، وبقرينة الروايات الواردة عن المعصومين عليهم السلام ، فلا تشمل المصطفين من الأُمم السابقة ، وإن سلّمنا باصطفائهم بأدلّة عقلية ونقلية أُخرى.

( أبو أحمد البحراني - البحرين - 31 سنة - طالب علم )

الفرق بين اختيار المعصوم بالإمكان الذاتي وحتمية العصمة بالإمكان الوقوعي :

س : أرجو منكم توضيح الفارق : بين اختيار المعصوم بالإمكان الذاتي ، وحتمية العصمة بالإمكان الوقوعي؟

وببيان آخر : إنّ المعصوم في ذاته يمكن أن يصدر منه الخطأ ، فعدم ارتكابه للمعصية هو عن اختيار ، وذلك يرجع لانكشاف الواقع له كما هو ، أمّا بالإمكان الوقوعي فهو لا يمكن أن يعصي ، وذلك للزوم المحال في صدور المعصية منه خارجاً.

أرجو من سماحتكم بيان وجه المحالية بالشرح والتوضيح مع ضرب الأمثلة ، وهل يلزم من القول بمحالية وقوع المعصية منه خارجاً على نحو الإمكان الوقوعي كون الإمام مجبوراً وغير قادر على فعل المعصية خارجاً؟

هذا هو سؤالي ، أرجو التوضيح التامّ للمسألة يخرج منه اللبس والإيهام ، ودمتم مسدّدين.

ج : العصمة هي مناعة وصيانة عن الوقوع في الخطأ والمعصية ، ولكن ليست هذه الحصانة تنفي قدرة واختيار المعصوم عليه السلام ، بل صدور الخطأ ممكن منه عليه السلام من حيث الفرض ، ولكن لا يقع عملاً ، وهذا ما يسمّى بالإمكان الوقوعي ، أي أنّ الزلل ممكن منه عليه السلام وقوعاً - وليس ممتنع ذاتاً - ولكن لا يرتكب المعصية ، وذلك وفقاً لأدلّة العصمة.

والمقصود من الاستحالة في المقام هي الاستحالة الوقوعية لا الذاتية ، وهذه الاستحالة الوقوعية هي نتيجة الاعتماد على أدلّة العصمة.

ص: 329

فالترتيب المنطقي للموضوع هكذا : إنّ صدور السلبيات من المعصوم عليه السلام ممكن نظرياً بالإمكان الوقوعي ، ولكن نظراً إلى أدلّة العصمة نلتزم باستحالة ذلك بالاستحالة الوقوعية.

فترى أنّ هذه الاستحالة لا تفرض حالة جبرية على المعصوم عليه السلام ، بل هي نتيجة الأخذ بأدلّة العصمة.

وإن شئت عبّرت عن الموضوع : بأنّ المعصوم عليه السلام لا يصدر منه الخطأ والمعصية في الخارج ، وإن كان صدورها منه عليه السلام ممكن الوقوع عقلاً.

( كميل - عمان - 22 سنة - طالب جامعة )

آية التطهير تدلّ على عصمة أهل البيت :

س : يشكّك البعض في آية التطهير ، قائلين بأن لو كان بالفعل تدلّ على العصمة ، فلم حكم شريح القاضي على أمير المؤمنين لصالح ذاك اليهودي؟ ولم يفعل مثل ذو الشهادتين؟ فإن كان الإمام عليه السلام معصوماً وجب على شريح تصديقه.

ج : إنّ القواعد العلمية في كُلّ مجال تقتضي أن يفسّر المردّد أو المشكوك على ضوء المقطوع والمتيقّن ؛ وفي المقام : فإنّ دلالة آية التطهير لا يشوبها شكّ ولا ريب في إفادتها العصمة لأهل البيت عليهم السلام ، وأمّا ما توهّم كنقض في هذا المجال فجوابه من وجوه :

1 - إنّ الأدلّة القائمة على لزوم العصمة في الأنبياء والأئمّة عليهم السلام ليست منحصرة في آية التطهير فحسب ، بل وإنّ لها دلائل كثيرة عقلية ونقلية من الكتاب والسنّة - كما هو مقرّر في علم الكلام -.

2 - إنّ في مسألة خزيمة ، كان طرف النبيّ صلى اللّه عليه وآله أعرابياً مسلماً ، وبحسب الظاهر كان يجب على هذا الأعرابي الإيمان بالنبيّ صلى اللّه عليه وآله وعصمته وأقواله ، فلا يحقّ له أن يعارض قول النبيّ صلى اللّه عليه وآله أو أن يحاججه ، وشهادة خزيمة كانت من

ص: 330

باب حفظ الظواهر والموازين ، وإلاّ لم تكن هناك حاجة إلى شهادة شاهد أساساً.

وأمّا في موضوع حكم شريح ، كانت الدعوى بين أمير المؤمنين عليه السلام ويهودي ، فحينئذ لا مجال لفرض قبول عصمة أمير المؤمنين عليه السلام في أقواله وأفعاله من جانب ذلك اليهودي ، وعليه فلابدّ وأن تكون الحكومة والقضاء بينهما بالطريقة المألوفة من الأيمان والبيّنات ، فنفذّ شريح الأسلوب القضائي المتعارف بين الناس ، مع غضّ النظر عن مقام الإمامة ، حتّى لا يتوجّه إشكال مبنائي بينه عليه السلام وبين اليهودي.

3 - ليس لنا علم ويقين بأنّ أشخاصاً - كشريح - كانت لهم تلك المعرفة الحقيقية بمقام الإمام عليه السلام وعصمته ، حتّى تكون تصرّفاتهم على ضوء تلك العقيدة الصحيحة ؛ بل وإنّ البعض منهم كانوا يرون الإمام عليه السلام كخليفة ليس إلاّ ، وعليه فيمكن أن يكون أسلوب شريح في هذا الموضوع على ضوء هذا الاحتمال.

بقي أن نعلم بأنّ الإمام عليه السلام خوفاً من إثارة الفتن ، وحفظاً لمصالح عليا ، رجّح إبقاء أمثال شريح - مع ما كانوا عليه - في منصبه القضائي ، ريثما تتهيّأ الأرضية المناسبة لتبديله أو إقصائه.

( عبد الكريم - المغرب - 45 سنة - دكتوراه في الطبّ )

غير واجبة في حقّ العلماء :

س : لدّي إشكال في قضية انتفاء عصمة المرجعية عند الشيعة في عصرنا ؛ إذ أنّ تقليد غير المعصوم يفضي إلى إمكانية الخطأ ؛ واللّه تعالى يقول : ( وَلاَ

ص: 331

تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) (1) ، وقوله : ( إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ ... ) (2).

ج : إنّ عقيدة الإمامية هي عصمة الإمام عليه السلام لا غيره - كما هو واضح ومبرهن بالأدلّة العقلية والنقلية - لأنّ العصمة في كُلّ شخص على خلاف الأصل ، إذ القاعدة الأوّلية في كُلّ إنسان السهو والغفلة والخطأ والنسيان ، إلاّ ما أخرجه دليل العصمة من شمول هذه القاعدة.

ومن جانب آخر نعلم بأنّ دليل العصمة لا يتولّى إثبات عصمة ما عدا المعصومين المعنيين عليهم السلام.

بقيت هنا نقطة فيها من الإبهام وهي : أنّه قد يتساءل البعض كيف نفرّق بين مقام الإمام عليه السلام والمجتهد؟ ونلتزم بالعصمة في الأوّل دون الثاني ، إذ أنّهما كليهما يتولّيان زعامة الدين والطائفة ، فلماذا هذا التمييز؟

والجواب يكمن في نحوية الزعامة والمسؤولية ، فالإمام المعصوم عليه السلام يلقى على عاتقه بيان الأحكام الواقعية المتلقّاة من مصادر الوحي والنبوّة ، وعليه فالعصمة شرط لازم في نطاق وظيفته ؛ وإلاّ فلا يمكن الاعتماد على أيّ حكم صادر منهم عليهم السلام بأنّه حكم إلهي.

وأمّا المجتهد فحوزة مسؤوليّته تقع في مجال السعي لحصول تلك الأحكام الواقعية ، فربّما يظفر على الحكم الواقعي ، وأحياناً يطبّق الحكم الظاهري ، وعلى أيّ حال فهو معرّض للخطأ في اجتهاده.

ثمّ إنّ الحكمة في هذا الاختلاف هي أنّ طروّ الخطأ والسهو في مجال وظيفة المجتهد ، لا يؤثّر في أركان العقيدة ، والمباني الأساسية للدين والمذهب ، إذ أنّ نطاق الاجتهاد هو بنفسه مضيّق ومحدود ، فمثلاً لا يجتهد المجتهد في أُصول الدين والمذهب ، والضروريات والموضوعات ، فلا تمسّ أخطاؤه المبدأ والعقيدة ،

ص: 332


1- الأنعام : 164.
2- البقرة : 166.

بخلاف احتمال خطأ الإمام عليه السلام ، فإنّه يضعضع أوامر السماء من الأساس ، فيتحتّم على المولى الحكيم أن يعصمه من الخطأ والزلل حذراً من تضييع الدين ؛ وهذا هو الفارق بين المقامين.

وأمّا مسألة اختلاف الأنظار والفتاوى ، فإنّه ممّا لابدّ منه بعد قبول أصل الاجتهاد ، ولكن هذا لا يصطدم مع أصل الدين والمذهب ، فإنّ الدين يبقى في كماله ، ولو أنّ فهم المجتهدين قد يختلف في تلقّيهم داخل ذلك النطاق المعترف به.

( .... السعودية - سنّي - 25 سنة - طالب )

صلح الحسن وقتال الحسين لا ينفي عصمتهما :

س : يزعم الرافضة أنّ الأئمّة معصومون ، فكيف تنازل الإمام الحسن المعصوم لمعاوية؟ هل يعني هذا أنّ خلافة معاوية شرعية؟ أم أنّ الحسن أخطأ؟ وإذا كان مخطئاً كيف يتوافق هذا مع عقيدة العصمة؟ ثمّ كيف تنازل عن الخلافة وقد نالها بنصّ إلهي كما تزعمون؟

ولماذا خرج الحسين لمقاتلة الأُمويين؟ وهو مخالف لما فعله الحسن من قبل ، فأيّهما كان مصيباً ، وأيّهما كان مخطئاً؟

ج : إنّ الشيعة لا تعتقد شيئاً إلاّ على أساس الأدلّة والبراهين العقلية أو النقلية ، وتلتزم بأيّ مطلب يستدلّ عليه بالأدلّة الواضحة والجلية ، ولا تخشى أيّ مانع في هذا المجال ؛ ولكن في نفس الوقت تتوقّع من الضمائر الحيّة والحرّة أن تنصف فيما تقول ، ثمّ لها الخيار في الحكم في المقام.

وأمّا ما طرحته من مسألة العصمة ، فإنّها مورد اتفاق الشيعة ، بما أنّها مستخرجة من الأدلّة القطعية من الكتاب والسنّة والعقل والإجماع ، وبعبارة أُخرى : إنّ دليل العصمة لم يكن دليلاً استقرائياً أو تمثيلياً ، بل هو دليل منتج من العقل والنقل.

ص: 333

وعليه فلا يتوهّم ورود النقض عليه ، إذ النقض لا يمكن وروده على الدليل القطعي ، فنستنتج أنّ النقوض المتوهّمة ليست على ما هي ، بل إنّها توهّمات خالية من الدلالة ، ثمّ بعد الفحص عنها نرى ماهية هذه التوهّمات كما يلي :

1 - إنّ صلح الإمام الحسن عليه السلام لم يكن تنازلاً منه عن الإمامة الإلهية ، بل كان عملاً مرحلياً لكشف زيف معاوية في المجتمع الإسلامي ، فهو شبه مهادنة ، أو مصالحة مؤقّتة ، لأجل مصالح عامّة - قد ذكرت في مظانّها - ومعاوية لا يستحقّ الإمارة ، فكيف يستحقّ الخلافة؟

ثمّ لا غرابة لهذا الموقف في سيرة المعصومين عليهم السلام ، فمثلاً بأيّ تفسير يجب أن نقتنع بصلح الحدبيية؟ أليس النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان معصوماً في أفعاله وتصرّفاته؟ وهل أنّ الصلح المذكور يقلّل - والعياذ باللّه - من مرتبة النبيّ صلى اللّه عليه وآله؟ أو أنّه يعتبر تنازلاً؟! فالصحيح أنّ أمثال هذه الموارد بأسرها هي من شؤون الإمام المعصوم عليه السلام ، وليس فيها أيّ إشعار أو إشارة بتنازل أو عدول عن الخطّ المستقيم.

2 - إنّ موقف الحسين عليه السلام يختلف مع موقف أخيه الإمام الحسن عليه السلام في الظروف التي واجهها ، وذلك باختلاف معاوية عن يزيد في تصرّفاته ، فإنّ معاوية كان يتظاهر بالشعائر والالتزمات الدينية بحدّ وسعه ، لتغطية أفعاله الشرّيرة ، وهذا كان يسبّب - إلى حدّ كبير - التمويه على المسلمين ، فهم كانوا لا يعرفونه حقّ المعرفة ، إلى أن عرّفه الإمام الحسن عليه السلام بتخليه الساحة له مؤقّتاً ، حتّى يراه المسلمون كما هو ، ويتّضح لهم ما كان وما يريد.

وعلى العكس فإنّ يزيد لم يكن يرى أيّ إحراج في إعلانه الفسوق والعصيان ، وإظهاره شعائر الكفر والشرك علانية ، فلا يبقى فرض مدّة أو طريقة لتعريفه لدى المسلمين ، بل أنّ الواجب كان يلزم على الإمام الحسين عليه السلام أن يقوم في وجهه حفظاً لدين جدّه المصطفى صلى اللّه عليه وآله من التلاعب بيد الطغمة الظالمة ، المتمثّلة في كيان الخلافة آنذاك.

ص: 334

وبعد ذلك ألسنا نرى التمايز في ظروف زمانهما الذي ولّد اختلاف موقف أحدهما عن الآخر عليهما السلام.

( علي - المغرب - سنّي - 28 سنة - طالب جامعة )

ردّ توهّمات أهل السنّة في عصمة النبيّ :

س : تعتقد الشيعة على خلاف أهل السنّة العصمة التامّة والكاملة للرسول محمّد صلى اللّه عليه وآله ، حتّى في الشؤون المتعلّقة بالحياة المعيشية ، فما قولكم في المسألة؟

خاصّة وأنّ الكثير من النصوص القرآنية والشواهد التاريخية تثبت - بما لا يدع مجالاً للشكّ - ما يذهب إليه أهل السنّة ، فما قولكم في واقعة أسرى بدر؟ وترخيصه لبعض من تخلّف من المقاتلين في عدم المشاركة في الجهاد ، أو النزول عند الموقع المحدّد في واقعة بدر الكبرى ، وكذلك تأبير النخل في الحديث المشهور عنه صلى اللّه عليه وآله : « أنتم أعلم بشؤون دنياكم » حين بدا له عدم صواب رأيه؟

المرجو إيفادنا بالشرح المستفيض والدقيق ، معزّزاً بالأدلّة الشرعية من مصادر أهل السنّة ، وكذلك الشيعة ما أمكن ، لكُلّ حادثة من الحوادث المذكورة أعلاه ، ولكم جزيل الشكر والامتنان.

ج : إنّ الأدلّة القائمة على العصمة التامّة - للأنبياء عليهم السلام عموماً ، ولنبيّنا محمّد صلى اللّه عليه وآله خصوصاً - أدلّة عقلية ونقلية لا يعتريها الشكّ والريب - كما قرّر في محلّه - وعليه فلابدّ من تأويل ما جاء خلافه - إن صحّ سنده - فإنّ ما يوهم خلاف تلك القاعدة مردود ، إذ أنّ القاعدة المذكورة لم تبتن على الأمثلة حتّى يرد عليها النقض ، بل يجب أن يفسّر كُلّ حادث على ضوء تلك القاعدة.

ثمّ إنّ ما ذكرتموه في المقام ، لا يصلح لأن يكون مورداً للنقض لما يلي :

أوّلاً : إنّ ما ذكر في بعض كتب السير والتاريخ - من أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قد نزل أدنى ماء ببدر أوّلاً ، وثمّ بعد ما أشار عليه الحباب بن المنذر بأن ينزل أدنى ماء

ص: 335

من القوم ، ويصنع أحواضاً ويمنع المشركين من الماء ، صوّب الرسول صلى اللّه عليه وآله رأيه وأمر بتنفيذه - لم يصحّ لوجوه :

منها : إنّ المشركين هم الذين سبقوا بالنزول في بدر ، ولا يعقل أن ينزلوا في مكان لا ماء فيه ، ويتركوا الماء لغيرهم من المسلمين.

ومنها : إنّ العدوة القصوى التي نزلها المشركون كان فيها الماء ، وكانت أرضاً لابأس بها ، على العكس ممّا نزلها المسلمون ، وهي العدوة الدنيا ، إذ كانت غبار تسوخ فيها الأرجل ، ولم يوجد فيها الماء(1).

ومنها : إنّ ابن الأثير - من أصحاب السير - ينصّ على أنّ المشركين وردوا الحوض ، فأمر النبيّ صلى اللّه عليه وآله أن لا يعترضوهم(2).

ومنها : إنّ المنع من الماء لا ينسجم مع أخلاقيات ومبادئ الإسلام ونبيّه الأعظم صلى اللّه عليه وآله.

فإذاً ، الصحيح هو الرواية التي تقول بأنّ المسلمين لم يكونوا على الماء ، فأرسل اللّه السماء عليهم ليلاً حتّى سال الوادي ، فاتخذوا الحياض كما جاء في الذكر الحكيم : ( إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ ) (3) ، وهذا هو سرّ بناء الأحواض لا ما ذكروه.

ثانياً : إنّ البعض قد ذكروا : أنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله رخّص طلحة بن عبيد اللّه وسعيد بن زيد وعثمان في عدم المشاركة في بدر ، ثمّ ضرب لهم سهامهم من الغنائم.

ص: 336


1- فتح القدير 2 / 311 ، شرح نهج البلاغة 14 / 118 ، جامع البيان 10 / 14 ، زاد المسير 3 / 246 ، الجامع لأحكام القرآن 8 / 21 ، تفسير القرآن العظيم 2 / 326 ، الدرّ المنثور 3 / 166 ، الطبقات الكبرى 2 / 27.
2- الكامل في التاريخ 2 / 123.
3- الأنفال : 11.

وهذا أيضاً من الموضوعات ، إذ جاء في بعض الكتب : أنّ العلّة للتخلّف في الأوّليين - طلحة وسعيد - هو التجسّس لخبر العير بأمر النبيّ صلى اللّه عليه وآله(1) ، وجاء في بعضها الآخر : أنّهما كانا في تجارة إلى الشام(2) ؛ فإذا كانت العلّة هذه ، هل يعقل أن يضرب لهما سهامهما من الغنائم؟! خصوصاً أنّ السيوطي وغيره ينكران هذه الفضيلة لغير عثمان(3).

وأمّا في مورد عثمان ، فإنّ الرواية التي تذكر علّة تخلّفه - أنّها لتمريض زوجته رقية بأمر الرسول صلى اللّه عليه وآله - متعارضة مع الرواية التي تصرّح بأنّ العلّة هي إصابة عثمان نفسه بالجدري(4).

وأيضاً كان بعض المسلمين يعيّرون عثمان بعدم حضوره في بدر ، وهذا لا ينسجم مع رخصته فيه ، إذ كيف خفي هذا العذر على مثل عبد الرحمن بن عوف ، وابن مسعود(5).

وأخيراً : لقد جاء في حديث مناشدة علي عليه السلام لأصحاب الشورى - وفيهم طلحة وعثمان - قوله : « أفيكم أحد كان له سهم في الحاضر وسهم في الغائب »؟ قالوا : لا(6) ، وهذا يفنّد كلام القوم من الأساس!!

ثالثاً : إنّ ما يذكر من خطأ اجتهاد النبيّ صلى اللّه عليه وآله - والعياذ باللّه - في موضوع أُسرى بدر لا أساس له من الصحّة ، فالآية التي يشير إليها البعض في المقام ( مَا

ص: 337


1- السيرة الحلبية 2 / 203 ، أُسد الغابة 2 / 307 ، تاريخ المدينة 1 / 219 ، سبل الهدى والرشاد 4 / 19.
2- التنبيه والإشراف : 205 ، المستدرك 3 / 368 ، الاستيعاب لابن عبد البر 2 / 765 ، المعجم الكبير 1 / 110.
3- السيرة الحلبية 2 / 254.
4- المصدر السابق 2 / 253.
5- مسند أحمد 1 / 68 و 75 ، مجمع الزوائد 7 / 226 ، الدرّ المنثور 2 / 89 ، تفسير القرآن العظيم 1 / 428 ، تاريخ مدينة دمشق 39 / 258 ، البداية والنهاية 7 / 231.
6- كنز العمّال 5 / 725 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 435.

كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ له أَسْرَى ... ) (1) في وزان إيّاك أعني واسمعي يا جارة ، فالمقصود من الآية المسلمون لا النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، إذ أنّ الالتزام به يكون بمعنى مخالفة النبيّ صلى اللّه عليه وآله لأوامر الوحي ، وهذا محالّ.

ولكنّ المعنى أنّ الصحيح في المقام هو الحكم الأوّلي في شأن الأسرى ببدرٍ كان القتل ، وهو حكم خاصّ بهم ، لا أنّ الفداء لا يحلّ أبداً في الأسرى ، إذ قد عمل به - الفداء - في واقعة عبد اللّه بن جحش قبل بدر بأزيد من عام ، ولم ينكره اللّه تعالى(2) ، وبعدما أصرّ المسلمون على مخالفة ذلك الحكم الأوّلي ، عاتبهم اللّه تعالى فاستحقّوا العذاب ثمّ عفا عنهم.

ويدلّ عليه أنّه جاء في بعض النصوص : أنّ جبرائيل عليه السلام أخبر النبيّ صلى اللّه عليه وآله بكراهة ما صنعه قومه من أخذ الفداء ، وأخبره بأنّ اللّه أمره أن يخيّرهم بين قتل الأسرى وأخذ الفداء ، على أن يقتل منهم في المستقبل بعددهم ، فرضوا بالفداء والشهادة(3) ، وعلى الأخصّ فقد نصّ البعض على أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله مال إلى القتل(4).

رابعاً : إنّ حديث تأبير النخل - بالشكل الذي نقلوه - لا يوافق العقل والنقل ، لوجوه :

منها : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان يعيش في منطقة تغصّ بالنخل ، فهل يعقل أنّه لم يكن يعرف تأثير تأبير النخل وفائدته؟ وأنّ النخل لا ينتج بدونه؟! والحال نرى أنّ الرواية المزعومة تقول : بأنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله نفى لزوم التأبير فتركوه.

ومنها : كيف نصدّق بأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله يرضى بإدخال ذلك الضرر الجسيم عليهم - عدم نتاج نخلهم - بتصرّفه فيما ليس من اختصاصه؟!

ص: 338


1- الأنفال : 67.
2- السيرة الحلبية 2 / 263.
3- المصنّف للصنعاني 5 / 209 ، الطبقات الكبرى 2 / 22 ، عيون الأثر 1 / 373 ، الدرّ المنثور 3 / 202.
4- الكامل في التاريخ 2 / 136.

ومنها : إنّه صلى اللّه عليه وآله كيف يقول لهم - حسب الرواية المذكورة - أنّ العملية كانت من ظنونه - والعياذ باللّه - وليس لهم أن يؤاخذوه بالظنّ ، في الوقت الذي كان يحثّ الناس على كتابة ورواية ما يصدر عنه(1).

وصفوة القول : أنّ العصمة لها أدلّتها القيّمة من العقل والنقل ، فلا تنثلم بما نقل بخلافها مع وهن السند والدلالة.

( أحمد الأسدي - اندونيسيا - 26 سنة - خرّيج ثانوية )

النبيّ لم يكن مخاطباً في قوله : ( وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ ... ) :

س : قال تعالى : ( وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ ... ) (2).

كيف يخاطب القرآن النبيّ هكذا؟ ونحن نعرف عصمة النبيّ عن الخطأ ، هل النبيّ نسي أن يقول أن شاء اللّه؟ أجيبوا جزاكم اللّه.

ج : الآية الكريمة لا تنافي العصمة عند النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، إذ الخطاب موجّه للمكلّفين ، والقرآن نزل بإيّاك أعني واسمعي يا جارة ، وليس هو خطاب للنبي صلى اللّه عليه وآله.

ثمّ على قول من قال أنّه خطاب للنبي صلى اللّه عليه وآله ، فليس فيه ما يسيء إلى عصمته صلى اللّه عليه وآله ، إذ ذلك من اللّه تعالى تذكير له صلى اللّه عليه وآله ، بأنّ كُلّ أمر موقوف على إرادته واشائته ، فإن شاء كان ، وإن لم يشأ لم يكن ، وهو صلى اللّه عليه وآله غيرُ غافلٍ عن ذلك ، وقد شهد اللّه تعالى له بذلك ، فقال : ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (3) ، وقال صلى اللّه عليه وآله : « أدّبني ربّي فأحسن تأديبي »(4).

ص: 339


1- مجمع الزوائد 1 / 139 ، 151 ، الجامع الصغير 1 / 404 ، كنز العمّال 10 / 224 و 229.
2- الكهف : 23 - 24.
3- القلم : 4.
4- شرح نهج البلاغة 11 / 233 ، الجامع الصغير 1 / 51 ، كشف الخفاء 1 / 70.

وقد كانت سنّة الأنبياء تعليق كُلّ شيء على إرادته تعالى ، فقال تعالى حكاية عن موسى : ( قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللّهُ صَابِرًا وَلاَ أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ) (1) ، وقال حكاية عن شعيب : ( وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ) (2) ، وقال حكاية عن إسماعيل : ( قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ) (3).

وهكذا هي سنّة الأنبياء في مخاطباتهم ، بل تعليق الفعل على إرادته سيرة الصالحين ، فكيف بخيرة الصالحين وخاتم الأنبياء والمرسلين يصدر منه خلاف إرادته تعالى ، ومن ثمّ يعاتب عليه؟ فثبت أنّ ذلك خطاب للمكلّفين دونه صلى اللّه عليه وآله.

( حبيب - الدانمارك - سنّي حنفي - 20 سنة )

معالجة الآيات الواردة خلافها :

س : قال العلاّمة الحلّي : « إنّه لو جاز عليه - أي الإمام - السهو والخطأ ، لجاز ذلك في جميع أفعاله ، ولم يبق وثوق بإخباراته عن اللّه تعالى ، ولا بالشرائع والأديان ، جواز أن يزيد فيها وينقص سهواً ، فتنتفي فائدة البعثة.

ومن المعلوم بالضرورة : أنّ وصف النبيّ صلى اللّه عليه وآله بالعصمة ، أكمل وأحسن من وصفه بضدّها ، فيجب المصير إليه ، لما فيه من الاحتراز عن الضرر المظنون ؛ بل المعلوم » (4).

كُلّ ما سبق من كلامه يردّه كتاب اللّه ، الذي أشار إلى وقوع بعض الأنبياء في المعاصي والتوبة ، منها : قوله تعالى عن موسى عليه السلام : ( لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا ) (5) ، لماذا يعتذر موسى عليه السلام كُلّما سأل

ص: 340


1- الكهف : 69.
2- القصص : 27.
3- الصافات : 102.
4- الرسالة السعدية : 75.
5- الكهف : 73.

الخضر عن أفعاله ، وبماذا اعتذر هنا؟ لقد اعتذر بأنّه نسى ، ولا يمكن حملها هنا على الترك.

وقول موسى عليه السلام : ( رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ... ) (1) ، فإنّ الرؤية عند الشيعة من أعظم المحال ، لأنّها تستلزم التحديد وغير ذلك ، فدعاء موسى هذا دائر بين الجهل بالربّ سبحانه ، وبين التجاوز في الدعاء والاعتداء فيه ، بل وإساءة الأدب مع اللّه تعالى.

وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (2) ، فلماذا ورد هذا السؤال من اللّه عزّ وجلّ ، إنّه عتاب للرسول صلى اللّه عليه وآله ، أنّه حرّم على نفسه سريته مارية ، أو شرب العسل.

وأيضاً هل يصحّ أن يحرّم أحد الشيعة على نفسه شيئاً ممّا أحلّه اللّه ويكون محموداً؟ أليس هذا هو مقتضى العصمة واللطف الذي أوجبتموه على اللّه؟

وقوله : ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ) (3).

ما المقصود بقوله تعالى ذنبك؟ فاللّه جلّ جلاله أثبت ذنباً متقدّماً وذنباً متأخّراً ، وأثبت له مغفرة ذلك كُلّه.

ج : أمّا قوله تعالى عن موسى عليه السلام : ( لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ ... ) ، فيمكن أن تحمل : أنّه أراد لا تأخذني بما تركت من عهدك ، وقد روي هذا الوجه عن ابن عباس وأُبي بن كعب عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله (4).

والوجه الآخر الذي يمكن أن تحمل عليه الآية : أنّه أراد لا تؤاخذني بما فعلته ، ممّا يشبه النسيان ، فسمّاه نسياناً للمشابهة ، كما قال المؤذّن لأخوة .

ص: 341


1- الأعراف : 143.
2- التحريم : 1.
3- الفتح : 1 - 2.
4- جامع البيان 15 / 354 ، تفسير القرآن العظيم 3 / 100 ، الدرّ المنثور 4 / 232 ، تاريخ الأُمم والملوك 1 / 263.

يوسف عليه السلام : ( إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ) (1) أي تشبهون السرّاق ، وكما يتأوّل الخبر الذي يرويه أبو هريرة عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « كذب إبراهيم عليه السلام ثلاث كذبات : في قوله : سارة أختي ، وفي قوله : بل فعله كبيرهم هذا ، وقوله : إنّي سقيم » ، والمراد بذلك - إن كان هذا الخبر صحيحاً - أنّه فعل ما ظاهره الكذب(2).

وأمّا قول موسى عليه السلام : ( رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ... ) ، أنّه عليه السلام لم يسأل الرؤية لنفسه ، وإنّما سألها لقومه.

فقد روي أنّ قومه طلبوا ذلك منه ، فأجابهم : بأنّ الرؤية لا تجوز عليه تعالى ، فلجّوا به وألحّوا عليه في أن يسأل اللّه تعالى أن يريهم نفسه ، وغلب في ظنّه أن الجواب إذا ورد من جهته جلّت عظمته كان أحسم للشبهة وأنفى لها ، فأختار السبعين الذين حضروا للميقات ، لتكون المسألة بمحضر منهم ، فيعرفوا ما يرد من الجواب ، فسئل عليه السلام على ما نطق به القرآن ، وأجيب بما يدلّ على أنّ الرؤية لا تجوز عليه تعالى.

ويقوّي هذا الجواب أُمور منها : قوله تعالى : ( يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاء فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ) (3).

ومنها : قوله تعالى : ( وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللّه جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ ) (4).

ص: 342


1- يوسف : 70.
2- مسند أحمد 2 / 403 ، صحيح البخاري 4 / 112 و 6 / 121 ، صحيح مسلم 7 / 98 ، السنن الكبرى للبيهقي 7 / 366 و 10 / 198.
3- النساء : 153.
4- البقرة : 55.

ومنها : قوله تعالى : ( فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ ) (1) فأضاف ذلك إلى السفهاء ، وهذا يدلّ أنّه كان بسببهم من حيث سألوا ما لا يجوز عليه تعالى.

وليس لأحد أن يقول : لو كان موسى عليه السلام يسأل الرؤية لقومه ، فلم يضف السؤال إلى نفسه ، فيقول : ( أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ) ، ولم كان الجواب مختصّاً به في قوله : ( لَن تَرَانِي ) ؟ وذلك أنّه غير ممتنع وقوع الإضافة على هذا الوجه ، مع أنّ المسألة كانت من أجل غيره ، إذا كانت هناك دلالة تؤمن من اللبس.

فلهذا يقول أحدنا إذا شفّع في حاجة غيره للمشفوع إليه : أسألك أن تفعل بي كذا وكذا ، وتجيبني إلى كذا وكذا ، ويحسن أن يقول المشفوع إليه : قد أجبتك وشفّعتك ، وما جرى مجرى هذه الألفاظ.

وإنّما حسن هذا لأنّ للسائل في المسألة غرضاً ، وإن رجعت إلى آخر لتحقّقه بها ، وتكلّفه كتكلفه إذا اختصّه.

وأمّا قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ... ) يظهر من كلامك أنّك تريد أن تقول : أنّ فعل النبيّ هذا - وهو التحريم - يقدح في عصمته ، لأنّ العتاب الموجّه له من اللّه ما هو إلاّ ذمّ للنبي صلى اللّه عليه وآله على فعله هذا ، والذمّ لابدّ أن يكون على شيء قبيح ، وهو يقدح بالعصمة ، هذا ما فهمناه من كلامك.

وما يقال في تفسير هذه الآية : إنّها تومي إلى عمل من الأعمال المحلّلة ، التي يقترفها النبيّ صلى اللّه عليه وآله لا ترتضيه أزواجه ، فضيّقن عليه وآذينه حتّى أرضاهن بالحلف على أن يتركه ولا يأتي به بعد.

وقوله : ( لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكَ ) ، المراد بالتحريم التسبيب إلى الحرمة بالحلف ، على ما تدلّ عليه الآية التالية ، فإنّ ظاهر قوله : ( قَدْ فَرَضَ اللّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ... ) (2) أنّه صلى اللّه عليه وآله حلف على ذلك ، ومن شأن اليمين

ص: 343


1- الأعراف : 155.
2- التحريم : 2.

أن يوجب عروض الوجوب ، إن كان الحلف على الفعل ، والحرمة إن كان الحلف على الترك ، وإذا كان صلى اللّه عليه وآله حلف على ترك ما أحلّ اللّه له ، فقد حرّم ما أحلّ اللّه بالحلف ، وليس المراد بالتحريم تشريعه صلى اللّه عليه وآله على نفسه الحرمة ، فيما شرّع اللّه له في الحلّية فليس له ذلك.

وقوله : ( تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ) ، أي تطلب بالتحريم رضاهن بدل من تحرم ....

وحال من فاعله ، والجملة قرينة على أنّ العتاب بالحقيقة متوجّه إليهن ، ويؤيّده قوله خطاباً لهما : ( إِن تَتُوبَا إِلَى اللّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ... ) (1).

أمّا قوله تعالى : ( وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) ، فإنّ الخطاب وأن كان للنبي صلى اللّه عليه وآله ، إلاّ أنّ المقصود منه الأُمّة ، وهذا موجود في القرآن في آيات أُخر أيضاً.

وأمّا قوله تعالى : ( وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ ) ، للتعرّف على تلك الآية ونظائرها لابدّ من الوقوف على الأصل المسلّم بين العقلاء ، وهو أنّ عظمة الشخصية وخطر المسؤولية متحالفان ، وربّ عمل يعدّ صدوره من شخص جرماً وخلافاً ، وفي الوقت نفسه لا يعدّ صدوره من إنسان آخر كذلك.

فالعارف بعظمة الربّ يتحمّل من المسؤولية ما لا يتحمّله غيره ، فيكون المترقّب منه غير ما يترقّب من الآخر ، ولو صدر منه ما لا يليق ، وتساهل في هذا الطريق ، يتأكّد منه الاستغفار ، وطلب المغفرة لا لصدور الذنب منه ، بل من باب قياس عمله إلى علو معرفته وعظمة مسؤوليته.

ولأجل ذلك تعدّ بعض الغفلات ، أو اقتراف المكروهات من الأوّلياء ذنباً ، إذا قيس إلى ما أعطوا من الإيمان والمعرفة ، ولو قاموا بطلب المغفرة والعفو ، فإنّما هو لأجل هذه الجهات.

ص: 344


1- التحريم : 4.

يقول العلاّمة الإربلي : « إنّ الأنبياء والأئمّة عليهم السلام تكون أوقاتهم مشغولة باللّه تعالى ، وقلوبهم مملوءة به ، وخواطرهم متعلّقة بالملأ الأعلى ، وهم أبداً في المراقبة ، كما قال عليه السلام : « اعبد اللّه كأنّك تراه ، فإن لم تره فإنّه يراك ».

فهم أبداً متوجّهون إليه ، ومقبلون بكلّهم عليه ، فمتى انحطوا عن تلك المرتبة العالية ، والمنزلة الرفيعة إلى الاشتغال بالمأكل والمشرب ، والتفرّغ إلى النكاح وغيره من المباحات عدّوه ذنباً ، واعتقدوه خطيئة ، واستغفروا منه ... »(1).

وأمّا قوله تعالى : ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ) ، فإنّ الذنب في اللغة يأتي بثلاثة أُصول : « أحدها الجرم ، والآخر مؤخّر الشيء ، والثالث : كالحظّ والنصيب » (2).

وكون الذنب في الآية بمعنى الجرم ممّا لا ريب فيه ، غير أنّ الذي يجب التنبيه عليه ، هو أنّ اللفظ لا يدلّ على أزيد من كون صاحبه عاصياً وطاغياً ، وناقضاً للقانون ، وأمّا الذي عصى وطغى عليه ونقض قانونه فهو يختلف حسب اختلاف البيئات والظروف ، وليست خصوصية العصيان لله سبحانه مأخوذة في صميم اللفظ ، بحيث لو أطلق ذلك اللفظ يتبادر منه كونه سبحانه هو المعصي أمره ، وإنّما تستفاد الخصوصية من القرائن الخارجية ، وهذا هو الأساس لتحليل الآية ، وفهم المقصود منها ، والغفران باللغة هو الستر.

والآية تدلّ على أنّ الغاية المتوخّاة من الفتح هي مغفرة ذنب النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ما تقدّم منها وما تأخّر ، غير أنّ في ترتّب تلك الغاية على ذيلها غموضاً في بادئ النظر ، والإنسان يستفسر في نفسه كيف صار تمكينه سبحانه نبيّه من فتح القلاع والبلدان ، أو المهادنة والمصالحة في أرض الحديبية مع قريش سبباً لمغفرة ذنوبه.

ص: 345


1- كشف الغمّة 3 / 47.
2- معجم مقاييس اللغة 2 / 361.

مع أنّه يجب أن تكون بين الجملة الشرطية والجزائية رابطة عقلية أو عادية ، بحيث تعدّ أحدهما علّة لتحقّق الأُخرى ، أو ملازمة لها ، وهذه الرابطة خفية في المقام جدّاً ، فإنّ تمكّن النبيّ من الأعداء والسيطرة عليهم ، يكون سبباً لانتشار كلمة الحقّ ورفض الباطل ، واستطاعته التبليغ في المنطقة المفتوحة ، فلو قال : إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ، لتتمكّن من إظهار الحقّ ونشر التوحيد ودحض الباطل ، كان الترتّب أمراً طبيعياً ، وكانت الرابطة محفوظة بين الجملتين.

وأمّا جعل مغفرة ذنوبه جزاء لفتحه صقعاً من الأصقاع ، فالرابطة غير واضحة.

وهذه هي النقطة الحسّاسة في فهم مفاد الآية ، وبالتالي دحض زعم المخطئة في جعلها ذريعة لعقيدتهم ، ولو تبيّنت صلة الجملتين لاتضح عدم دلالتها على ما تتبنّاه تلك الطائفة.

إنّ الحوادث الدامية بين قريش والنبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ما هي إلاّ حوادث مرّة في واقعهم ، بما أنّها جرت إلى ذهاب كيانهم ، وحدوث التفرقة في صفوفهم ، والفتك بصناديدهم على يد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، صوّرته في مخيلتهم وخزانة أذهانهم صورة إنسان مجرم مذنب ، قام في وجه سادات قومه ، فسبّ آلهتهم ، وعاب طريقتهم بطريقة تراها قريش ، ما هي إلاّ كذب وافتراء وكهانة وسحر ، ولم يكتف بذلك حتّى شنّ عليهم الغارة والعدوان ، فصارت أرض يثرب وما حولها مجازر لقريش ، ومذابح لأسيادهم ، فأيّ جرم أعظم من هذا؟ وأيّ ذنب أكبر منه عند هؤلاء الجهلة الغفلة؟ الذين لا يعرفون الخيّر من الشرير ، والصديق من العدو ، والمنجي من المهلك.

وإنّ واقعة الفتح التي حصلت لمس منها الكفّار خُلق النبيّ العظيم ، فرفع الستار الحديدي الذي وضعه بعض أعدائه بينه وبين قومه ، فعرفوا أنّ ما يرمي

ص: 346

به نبي العظمة ، ويوصف به بين أعدائه ، كانت دعايات كاذبة ، وكان منزّهاً عنها ، بل عن الأقل منها.

فأصبحت هذه الذنوب التي كانت تدّعيها قريش على النبيّ - بعد وقعة الحديبية ، أو فتح مكّة - أسطورة خيالية ، قضت عليها سيرته في كُلّ من الواقعتين ، من غير فرق بين ما الصقوا به قبل الهجرة أو بعدها ، وعند ذلك يتّضح مفاد الآيات ، كما يتّضح ارتباط الجملتين : الجزائية والشرطية.

وعلى ذلك ، فالمقصود من الذنب : ما كانت قريش تصفه به ، كما أنّ المراد من المغفرة : إذهاب آثار تلك النسب في المجتمع.

( عبد اللّه - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

نسيان موسى ليس حقيقياً :

س : عندي سؤال ، أرجو الإجابة عليه : قال تعالى على لسان موسى : ( قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ ) (1) ، فهل يمكن القول بأنّ النبيّ لا ينسى أو لا يسهو ، والآية تصرّح بنسيان موسى وهو نبيّ؟

ج : إنّ العصمة ثبتت بأدلّة عقلية ، ولذا فهي لا تتخلّف في مورد دون مورد آخر ، ولا ترد عليها النقوض النقلية ، فإذا ورد من النقل ما ظاهره خلاف القاعدة العقلية في العصمة وجب أن يؤوّل بما يوافقها ، ولذا نقول في هذه الآية : أنّ العلماء - جزاهم اللّه خيراً - أعطوا عدّة احتمالات لتفسير الآية بما لا يخرم قاعدة العصمة ، ونورد هنا أحدها.

وهو : أنّه لم يحدث نسيان من موسى عليه السلام بمعنى الغَيبة ، وإنّما حدث منه ما يشابه النسيان في النتيجة ، وذلك لأنّه قدّم الأهم على المهمّ حسب علمه ، فأمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، وترك الوعد بالصبر عندما تزاحما على مورد

ص: 347


1- الكهف : 73.

واحد ، فإنّه عليه السلام كان ملتفتاً لما وعد به الخضر عليه السلام ، ولكنّه لم يصبر على ما رآه منه عليه السلام ، فما رآه لا يقاس بشيء أمام الوعد الذي قطعه للخضر عليه السلام.

ومثله ما لو كنت عند قائد لجيش لتناقشه في قضية ، ووعدك بالاستماع إليك ، ثمّ منعه من تنفيذ وعده دخول أحد مساعديه يخبره بوقوع هجوم للعدو ، فيسارع لتدارك الأمر الأهم ويتغاضى عن المهمّ ، وهو وعده إيّاك دون أن ينساه ، وإنّما قد يسمّى نسياناً لمشابهته لمعنى النسيان اللغوي في النتيجة ، ولو قدّم وعده إليك وترك أمر الهجوم لكنت أوّل من لامه على ذلك ، أمّا لو كنت تعلم بأنّ ما تريد أن تناقشه فيه أخطر من الهجوم لنبّهته إلى ذلك ، ومثله هاهنا.

ولما أشرنا إليه من المشابهة ، قد يعبّر عنه بالنسيان حالة الاعتذار ، كما فعل موسى عليه السلام مع الخضر بعد أن نبّهه الخضر عليه السلام إلى مخالفة الشرط.

وهذا واضح من سياق الآيات ، حيث أنّ الخضر عليه السلام قال له : ( أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ) (1) ، أي بأنّه شرط عليه أن يصبر على ما لا يعلمه ، ولا يطبّق الأحكام على ظاهر ما يرى ، وأن لا يسأله عن شيء حتّى يخبره بحقيقته كما بيّنته الآيات السابقة على هذه.

فوضَّح له أنّ ما يعلمه ، وفعل ما فعل على طبقه أهمّ في واقع الأمر وليس مهمّاً فقط ، وأنّه ما شرط عليه ما شرط إلاّ لهذا ، وأنّ الأمر يدور مدار العلم وعدمه.

( عبد اللّه - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

الفرق بين الأمر المولوي والإرشادي :

س : عندي سؤال ، أرجو الإجابة عليه :

إذا قلنا بأنّ معصية آدم لا تعدّ معصية للأمر المولوي ، وإنّما هي معصية للأمر الإرشادي ، باعتبار أنّ ( وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ ) (2) نوع النهي هنا إرشادي ،

ص: 348


1- الكهف : 72.
2- البقرة : 35.

فلابدّ أن نقول : ( وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ ) (1) أيضاً نهي إرشادي ، لأنّ العبارتين متشابهتين تماماً من حيث التركيب وطريقة النهي ، وإذا كان الأمر ليس كذلك ، فكيف فسّرنا على أنّ الأُولى نهي إرشادي ، والثانية ليست نهي إرشادي؟

ج : نودّ أن نقدّم مقدّمة في تعريف الأمر الإرشادي والأمر المولوي ، والفرق بينهما قبل الجواب : فالأمر المولوي : هذا الأمر الصادر منه سبحانه بوصفه مولى تجب طاعته ، ويترتّب على عدم طاعته استحقاق العقاب ، إلاّ أنّه يرتفع أثر المخالفة بالتوبة.

والأمر الإرشادي : هو الأمر الصادر منه سبحانه بوصفه ناصح ومرشد ومعلّم ، ويترتّب على ترك نصحه وإرشاده أثر تكويني وضعي لا يرتفع بالتوبة ، والفرق بينهما :

1 - إنّ مخالفة الأمر المولوي توجب استحقاق العذاب ، ومخالفة الإرشادي يترتّب عليه أثر تكويني ولا عقاب عليه.

2 - إنّ أثر مخالفة الأمر المولوي يرتفع بالتوبة دون الإرشادي ، لأنّ أثره تكويني.

3 - إنّ المولى يكون مؤسّس للأمر المولوي ، ولا حكم للعقل فيه على عكس الإرشادي ، فإنّ للعقل حكم فيه ، كما في وجوب الصلاة كحكم مولوي ، ووجوب إطاعة اللّه ورسوله وأُولي الأمر في الآية كحكم إرشادي ، فإنّ العقل يحكم مستقلاً ودون الاعتماد على الشرع بوجوب طاعة اللّه ورسوله وأُولي الأمر ، فإذا جاء الأمر به من الشارع فهو إرشاد إليه.

وبهذا يتّضح أنّ المدار في كون الأمر مولوي أو إرشادي لا علاقة له بالتشابه في منطوق وظاهر وتركيب الخطاب الصادر من الشارع ، وإنّما معياره ما ذكرنا أعلاه. .

ص: 349


1- الأنعام : 152.

وأقرّب لك ذلك : أنّ الحكم بعصمة الأنبياء حكم عقلي لا يتخلّف في مورد ، ولذا يجب أن تفسّر ما ورد من الشارع بما ظاهره خلاف القاعدة العقلية في العصمة إلى ما يوافقها ، ونأخذ الآية : ( قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ) (1) كمؤيّد ، حيث لم يتخلّف الأثر التكويني وهو الطرد من الجنّة ، مع أنّ آدم وحوّاء تابا بالاتفاق.

( حسين حبيب عبد اللّه - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

تأويل ما يوحي نسيان المعصوم :

س : هل الأنبياء عليهم السلام والأئمّة عليهم السلام ينسون أو لا ينسون؟ فهناك العديد من الآيات التي تشير للنسيان ، فهل هي تفسّر على معنى آخر؟ وإذا ممكن بعض الأمثلة.

ج : لقد ثبت بالدليل العقلي القاطع : أنّ الأنبياء عليهم السلام ، وكذلك الأئمّة عليهم السلام معصومون من الذنوب والخطأ والنسيان مطلقاً ، وعلى هذا لابدّ من تأويل كُلّ الآيات القرآنية التي ظاهرها يوحي بنسبة النسيان إليهم عليهم السلام.

ومن الآيات التي ذكرت ، قوله تعالى في قصّة موسى عليه السلام : ( قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا ) (2).

فإنّ هذه الآية قد يفهم منها للوهلة الأُولى نسبة النسيان للنبي موسى عليه السلام ، لكن لتعارض ظاهر هذه الآية مع الدليل العقلي الجازم الذي لا يقبل الشكّ على عصمة النبيّ من النسيان ، يدفعنا إلى تأويل ظاهر هذه الآية ، إلى ما يتلائم مع الدليل العقلي.

وقد ذكر في تأويلها ما روي عن ابن عباس : بلا تؤاخذني بما تركت من عهدك ، وأوّلت أيضاً : بلا تؤاخذني بما فعلته ممّا يشبه النسيان ، فسمّاه نسياناً

ص: 350


1- طه : 121.
2- الكهف : 73.

للمشابهة ، كما قال المؤذّن لأخوة يوسف عليه السلام : ( إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ) ، أي تشبهون السرّاق ، فما حصل من موسى عليه السلام ليس نسياناً بمعنى الغيبة ، بل بما يشبه النسيان في النتيجة ، وذلك لأنّه قدّم الأهم على المهمّ حسب علمه ، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، وترك الوعد بالصبر ، عندما تزاحم في مورد واحد ، فإنّه كان ملتفتاً إلى ما وعد به الخضر عليه السلام ، ولكنّه لم يصبر على ما رآه منه ، فما رآه لا يقاس بشيء أمام الوعد الذي قطعه للخضر عليه السلام.

وأمّا قوله تعالى : ( وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ ) (1) ، فإنّ الخطاب وإن كان موجّهاً للنبي صلى اللّه عليه وآله ، إلاّ أنّ المقصود منه الأُمّة ، وهذا موجود في القرآن في آيات أُخرى أيضاً.

أمّا قوله تعالى في قصّة آدم : ( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ ) (2) ، فإنّ المراد بالنسيان هنا هو أنّه عمل عمل الناسي ، بأن ترك الأمر وانصرف عنه ، كما يترك الناسي الأمر الذي يطلب منه ، وقد روي عنهم عليهم السلام : أنّ آدم لم ينسَ ، وكيف ينسى وهو يذكره ، ويقول له إبليس : ( مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ ) (3).

هذه بعض الآيات التي يجب أن تأوّل ، وهناك الكثير من الآيات الأُخرى التي يجب أن تأوّل أيضاً ، لأنّ ظاهرها يتعارض مع الحقائق الثابتة بالقطع ، فمثلاً لابدّ من تأويل : ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ) (4) ، وكذلك ( وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ) (5) وغيرها كثير.

ص: 351


1- الكهف : 24.
2- طه : 113.
3- الأعراف : 20.
4- القصص : 88.
5- الإسراء : 72.

( عادل أحمد - البحرين - 35 سنة - خرّيج جامعة )

تحصل بسبب علم المعصوم الحضوري :

س : هل عصمة الإمام ذاتية أم من اللّه؟ وهل الآية الكريمة : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (1) تدلّ على أنّ العصمة من اللّه؟ حيث إنّ جميع العلماء يستدلّون بالآية على العصمة.

ج : ما نفهمه من سؤالكم تريدون السؤال عن منشأ العصمة ، هل هي من اللّه تعالى؟ أي أنّها تكوينية؟ فيتبادر إلى الذهن لزوم الجبر وعدم فضل الإمام عليه السلام في شيء ، فلا يستحقّ الثناء أو الثواب عليها ، أم أنّها ذاتية؟ أي هي التزام من الإمام بأوامر اللّه تعالى التشريعية ، فهي إذن باختيار الإمام ، ويستحقّ عليها الثناء والثواب ، ولكن استدلالنا بآية التطهير على أنّها إرادة تكوينية من اللّه سبحانه ، يلزم منها عندك إشكال الجبر والاضطرار.

فنقول : عَرَّف علماؤنا العصمة : بأنّها لطف يفعله اللّه بالمكلّف بحيث يمتنع منه وقوع المعصية وترك الطاعة ، مع قدرته عليهما ، قال تعالى : ( وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ) (2).

فهذا اللطف والفضل والرحمة هو نحو من العلم اليقيني ، الذي أطّلعوا من خلاله على عالم الملكوت والغيب ، فهو علم شهودي حضوري لا حصولي كعلومنا ، والفرق بين العلمين بأنّ هنالك فرقاً بين أن تعلم بأنّ النار محرقة ، وبين أن تحسّ بالإحراق وتحترق مثلاً.

وكذلك هناك فرق بين أن تعلم شيئاً عن الجنّة وبين دخولك فيها ، ولذلك ينقل عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قوله : « واللّه لو كشف لي الغطاء ما ازددت

ص: 352


1- الأحزاب : 33.
2- النساء : 113.

يقيناً » ، وهذا العلم اليقيني ثابت للإمام وهو العصمة ، قال تعالى : ( وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) (1) ، وقال تعالى أيضاً : ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) (2) ، والذي يصل من حيث العلم إلى مقام اليقين ، فهو يصل يقيناً من حيث العمل إلى مقام الصبر ، ومن ثَمَّ لن يكون هناك انفكاك بين هذا السنخ من العلم والعمل ، هذا هو جوهر العصمة.

وأمّا الاستحالة ذاتية ووقوعية : فامتناع وقوع المعصية ، واستحالتها ليست ذاتية للإمام ، نتيجة عصمته المفاضة من اللّه تعالى ، أي إنّ ذاته لا تقع منها المعصية ، حتّى يلزم منها الجبر والاضطرار ، فلا تكون باختيار الإمام وجهده ، فلا يستحقّ عليها الثناء والثواب ، وإنّما يكون امتناع وقوع المعصية من الإمام مع علمه اليقيني ، بنحو ما نعبّر عنه بالاستحالة الوقوعية ، أي إنّه لا يمكن أن يصدر عنه ذلك مع قدرته عليه ، كما أثبت سبحانه ذلك في حقّ الأنبياء عليهم السلام بقوله للنبي الأعظم صلى اللّه عليه وآله : ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (3).

فهذا الخطاب للأنبياء يدلّ على إمكان صدور الشرك منهم عليهم السلام ذاتاً وعقلاً ، لكونهم فاعلين مختارين ، وإنّما الواقع يقول : بأنّ أحداً من الأنبياء عليهم السلام لم ولن يرتكب شركاً قط ، لعلمه اليقيني باللّه الواحد الأحد ، ومعرفتهم الحضورية به تعالى ، وبحقائق الأعمال الحسنة والسيّئة ، وحقيقة التوحيد والشرك ، فلا يتخلّف حينئذ عملهم عن علمهم مع اختيارهم الكامل ، وعدم جبرهم ، أو اضطرارهم لتركه ، وإلاّ لما نهاهم تعالى عن الشرك المجبرين على تركه ، فإنّه لا معنى للنهي عمّا لا يُستطاع فعله أصلاً.

ص: 353


1- الأنعام : 75.
2- السجدة : 24.
3- الزمر : 65.

فالإنسان المعصوم إنّما ينصرف عن المعصية بنفسه ومن اختياره وإرادته ، ونسبة الصرف إلى عصمته تعالى كنسبة انصراف غير المعصوم عن المعصية إلى توفيقه تعالى ، فتنبّه.

( علي - السعودية - 22 سنة )

تأويل نسيان موسى :

س : إذا نظرنا إلى قصّة النبيّ موسى مع الخضر في سورة الكهف ، لوجدنا أدلّة تثبت عدم عصمة النبيّ موسى عليه السلام ، في البداية نسيانه الحوت ، ثمّ نسيانه للوعد الذي قطعه مع الخضر ، ثمّ عدم اعتباره من قصّة السفينة والولد حتّى سأل الخضر عن الأجر.

ج : إذا رجعنا إلى الآيات القرآنية الواردة بعد هذه الآية ، نجد أنّها ترفع اللبس الذي طرحتموه في السؤال ، فالآية التي ذكرتموها ظاهرة في أنّ موسى عليه السلام قد عرض عليه النسيان ؛ قال تعالى : ( فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا ... ) (1) ، لكن الآيات التي بعدها تقول : ( فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ) (2).

فالملاحظ أنّ الفتى نسب النسيان إليه ، وجاء بضمير المفرد ( فَإِنِّي نَسِيتُ ) ، ولم يقل : « فإنا نسينا » كي تكون النسبة لكليهما ، فالحوت كان موضوعاً في سلّة السفر ، وكان الفتى هو المكلّف بحملها ، فلمّا جلسا طلب موسى من فتاه أن يأتي بالحوت ، فلم يجد الفتى الحوت ، وقال نسيته.

ولا يتصوّر أنّ هذا كلام الفتى وليس كلام المعصوم كي نتمسّك به ، أو نعتمد عليه ، وذلك لأنّ القرآن الكريم في طرحه القصص لا يطرح القصّة هباءً

ص: 354


1- الكهف : 61.
2- الكهف : 62 - 63.

منثوراً ، وإنّما يطرحها ضمن ضوابطها الإلهية وقوانينها الربانية ، أي يحكي الحالة الواقعية لتلك القصّة.

وعليه فيراعي كيفية النسبة والأسلوب ، والآية القرآنية الأُولى وإن أتت بألف التثنية ، لكن ذلك لا يدلّ مع وجود القرائن الأُخرى على أنّ النسبة حقيقة لكليهما ، وإنّما النسبة حقيقة لكن لبعضهما ، وهذا سيّال في كلام العرب ، فنقول : جاء القوم وهم يحملون متاعهم ، مع أنّ الحامل للمتاع هو بعض القوم لا عمومهم ، ولكن نسبت ذلك إلى هذا المعنى العام الشامل للجميع ، لأجل تلبّس البعض بذلك ، وغير ذلك من الأمثلة الكثيرة عند العرب.

وأمّا الآيات الأُخرى التي ذكر فيها نسيان موسى عليه السلام للعهد الذي قطعه مع الخضر عليه السلام ، فنقول : بعد قيام الدليل العقلي على نفي النسيان عن الأنبياء عليهم السلام ، فلا يمكن بعد ذلك التمسّك بظاهر الآية - على تقدير أنّ ذلك ظاهرها - وترك الدليل القطعي ، ولذلك أجاب السيّد المرتضى بقوله : وأمّا قوله : ( لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ ) (1) فقد ذكر فيه وجوه ثلاثة :

أحدها : إنّه أراد النسيان المعروف ، وليس ذلك بعجب مع قصر المدّة ، فإنّ الإنسان قد ينسى ما قرب زمانه ، لمّا يعرض له من شغل القلب وغير ذلك.

الثاني : إنّه أراد أن لا تؤاخذني بما تركت ، ويجري ذلك مجرى قوله تعالى : ( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ ) (2) أي ترك ، وقد روي هذا الوجه عن ابن عباس عن أبي بن كعب عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : ( وقال موسى : لا تؤاخذني بما نسيت ، يقول : بما تركت من عهدك ) .

الثالث : إنّه أراد لا تؤاخذني بما فعلته ممّا يشبه النسيان ، فسمّاه نسياناً للمشابهة ، كما قال المؤذّن لأخوة يوسف عليه السلام : ( إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ) (3) ، أي إنّكم تشبهون السرّاق ....

ص: 355


1- الكهف : 73.
2- طه : 113.
3- يوسف : 70.

وإذا حملنا هذه اللفظة على غير النسيان الحقيقي فلا سؤال فيها ، وإذا حملناها على النسيان في الحقيقة ، كان الوجه فيه أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله لا يجوز عليه النسيان فيما يؤدّيه عن اللّه تعالى أو في شرعه ، أو في أمر يقتضي التنفير عنه ، فأمّا فيما هو خارج عمّا ذكرناه فلا مانع من النسيان(1).

فإذا كان لفظ النسيان صريح في النسيان الحقيقة ، فيجب حمل الآية على ما يوافق البراهين القطعية القرآنية وغيرها الناطقة بعصمة الأنبياء ، وبما يشمل النسيان ، فكيف الحال فيما إذا كان لفظ النسيان ظاهر في ذلك ، ويحمل معنى الترك في ذاته أيضاً ، فلا يمكن بعدها التمسّك بهذا الظاهر ، وطرح ذلك الفرع القطعي القائم على نفي جميع ذلك عن الأنبياء.

( تسنيم الحبيب - الكويت - 19 سنة - طالبة جامعة )

طلب المعصوم تخفيف سكرات الموت لا يدلّ على ارتكابه للمعصية :

س : ذكر الشيخ الحائري اليزدي في إلزام الناصب(2) : أنّ نبي اللّه عيسى عليه السلام أحيا سام بن نوح عليهما السلام في قصّة مفصّلة.

ثمّ إنّ سام طلب من النبيّ عيسى عليه السلام أن يدعو اللّه له ليخفّف عنه سكرات الموت ، السؤال هو : أليس سام وصي نوح عليهما السلام؟ وألا يفترض أن يكون أوصياء الأنبياء معصومين؟ فلماذا يطلب سام عليه السلام تخفيف سكرات الموت عنه؟!

وجزاكم اللّه خير الجزاء ، ودمتم موفّقين.

ج : إنّ سام وصي نوح عليه السلام ، وكُلّ وصي معصوم ، وطلبه في تخفيف سكرات الموت لا يدلّ على ارتكابه للمعصية.

ثمّ هذه الرواية نقلها صاحب إلزام الناصب عن مجمع البيان في تفسير القرآن للعلاّمة الطبرسي(3) ، والعلاّمة قدس سره ذكرها بلا سند ، فهي رواية مرسلة لا

ص: 356


1- تنزيه الأنبياء : 121.
2- إلزام الناصب 2 / 271.
3- مجمع البيان 2 / 299.

حجّية لها ، وعلى فرض صحّتها نقول : إنّ طلب الأنبياء والأوصياء للتخفيف في سكرات الموت يختلف عن المعنى الذي يطلبه عامّة البشر.

ومثاله مثال التوبة التي يطلبها المعصوم من اللّه تعالى ، والتوبة التي نطلبها نحن ، حيث توبتنا ناشئة من الذنب ، بخلاف توبة المعصوم عليه السلام.

( أحمد العباسي - الكويت - 21 سنة - طالب جامعة )

عصمة الملائكة واجبة :

س : هل عصمة الملائكة اختيارية كعصمة الأنبياء؟ وهل مسألة ترك الأولى ممكنة بالنسبة للملائكة؟ وفّقكم اللّه لكُلّ خير.

ج : إنّ عصمة الملائكة ليست اختيارية كعصمة الأنبياء والأئمّة عليهم السلام ، بل إنّ عصمتهم واجبة لأنّهم وسائط التدبير ، وليس لهم شأن إلاّ إجراء الأمر الإلهي في مجراه وتقريره في مستقرّه ، كما في قوله تعالى : ( لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) (1).

ومن حيث عدم معصيتهم لله فإنّهم ليست لهم نفسية مستقلّة ذات إرادة مستقلّة تريد شيئاً غير ما أراد اللّه سبحانه ، وهذا ما أشار إليه قوله تعالى : ( لاَ يَعْصُونَ اللّه مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) (2).

ومن هذا يتّضح جواب السؤال الثاني بأن لا أولوية لهم حتّى يحقّ تركها ، فكُلّ الأوامر يجب أن تنفّذ على طبق الإرادة الإلهية.

ص: 357


1- الأنبياء : 27.
2- التحريم : 6.

ص: 358

علم المعصوم :

اشارة

( .... - السعودية - .... )

علمه بالطعام المسموم :

س : هل المعصوم من أهل البيت عليهم السلام يعلم أنّ الأكل الذي يأكله مسموم أم لا يعلم؟

ج : الجواب عن هذه الشبهة يتمّ بأحد وجهين :

الأوّل : إنّ الأئمّة عليهم السلام أقدموا على القتل وشرب السمّ ، مع علم ويقين منهم على ذلك ، وأمّا أنّهم لا يعلمون بما يجري عليهم ، ولو علموا لم يقدموا لأنّه من الإلقاء في التهلكة ، فهذا ينافي صريح الأخبار عنهم في هذا الشأن.

فهذا الإمام الصادق عليه السلام يقول : « إنّ الإمام لو لم يعلم ما يصيبه وإلى ما يصير ، فليس ذلك بحجّة اللّه على خلقه »(1).

وهذا الإمام الرضا عليه السلام يقول له الحسن بن الجهم : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قد عرف قاتله ، والليلة التي يقتل فيها ، والموضع الذي يقتل فيه ، وقوله لما سمع صياح الأوز في الدار : « صوائح تتبعها نوائح ».

وقول أُمّ كلثوم : « لو صلّيت الليلة داخل الدار ، وأمرت غيرك أن يصلّي بالناس »؟ فأبى عليها ، وكثر دخوله وخروجه تلك الليلة بلا سلاح ، وقد عرف عليه السلام أنّ ابن ملجم قاتله بالسيف ، كان هذا ممّا يجز تعرّضه؟

ص: 359


1- بصائر الدرجات : 504.

فقال عليه السلام : « ذلك كان ولكنّه خيّر في تلك الليلة ، لتمضي مقادير اللّه عزّ وجلّ » (1).

وهكذا كان الجواب منهم عليهم السلام عن شأن حادثة الإمام الحسين عليه السلام(2) ، وإلى كثير من أمثال هذه الأحاديث والأجوبة.

ولكن أجمعها لرفع هاتيك الشبهة ، وأصرحها في الغرض خبر ضريس الكناسي ، فإنّه قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول - وعنده أناس من أصحابه - : « عجبت من قوم يتولّونا ويجعلونا أئمّة ، ويصفون أنّ طاعتنا مفترضة عليهم ، كطاعة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ثمّ يكسرون حجّتهم ويخصمون أنفسهم بضعف قلوبهم ، فينقصونا حقّنا ، ويعيبون ذلك على من أعطاه اللّه برهان حقّ معرفتنا ، والتسليم لأمرنا ، أترون أنّ اللّه تبارك وتعالى افترض طاعة أوليائه على عباده ، ثمّ يخفى عنهم أخبار السماوات والأرض ، ويقطع عنهم مواد العلم فيما يراد عليهم ممّا فيه قوام دينهم ».

فقال له حمران : جعلت فداك أرأيت ما كان من أمر قيام علي بن أبي طالب ، والحسن والحسين عليهم السلام ، وخروجهم وقيامهم بدين اللّه عزّ ذكره ، وما أصيبوا من قتل الطواغيت إيّاهم ، والظفر بهم حتّى قُتلوا وغلبوا؟

فقال أبو جعفر عليه السلام : « يا حمران إنّ اللّه تبارك وتعالى قد كان قدّر ذلك عليهم ، وقضاه وأمضاه وحتمه على سبيل الاختيار ، ثمّ أجراه فبتقدّم علم إليهم من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، قام علي والحسن والحسين ، وبعلم صمت من صمت منّا ، ولو أنّهم يا حمران حيث نزل بهم ما نزل بهم من أمر اللّه عزّ وجلّ ، وإظهار الطواغيت عليهم ، سألوا اللّه تعالى أن يدفع عنهم ذلك ، وألحّوا عليه في طلب إزالة ملك الطواغيت وذهاب ملكهم ، إذاً لأجابهم ودفع ذلك عنهم ، ثمّ كان

ص: 360


1- الكافي 1 / 259.
2- المصدر السابق 1 / 258.

انقضاء مدّة الطواغيت وذهاب ملكهم أسرع من سلك منظوم انقطع فتبدّد ، وما كان ذلك الذي أصابهم يا حمران لذنب اقترفوه ، ولا لعقوبة معصية خالفوا اللّه فيها ، ولكن لمنازل وكرامة من اللّه أراد أن يبلغوها ، فلا تذهبنّ بك المذاهب فيهم » (1).

وبعد هذا البيان الجلي ، والحجّة الناصعة ، تحصل القناعة لكُلّ عارف بصير ، فالحاصل : أنّ التسليم بما هو قضاء اللّه وقدره ليس من الإلقاء للنفس في التهلكة.

الثاني : إنّ الأئمّة المعصومين عليهم السلام كانوا مجبورين في حياتهم الشخصية ، وأمام الأحداث والظواهر على العمل بعلمهم العادي المتأتّي من العلل الطبيعية ، والأسباب المتداولة المتوفّرة للجميع.

ويؤكّد على ذلك استسلام النبيّ صلى اللّه عليه وآله أمام إرادة اللّه تعالى ، جاء في التاريخ : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان في المسجد ، فأخبروه بسوء حال ابنه إبراهيم ، فذهب صلى اللّه عليه وآله إلى البيت واحتضن ابنه ، فقال له - وهو ينظر إليه - : « يا إبراهيم إنّا لن نغني عنك من اللّه شيئاً ، إنّا بك يا إبراهيم لمحزونون ، تبكي العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول ما يسخط الربّ ، ونهانا عن الصياح ، ولولا أنّه وعد صادق وموعود جامع وجدنا عليك يا إبراهيم وجداً شديداً ما وجدناه »(2).

وكان بإمكان النبيّ صلى اللّه عليه وآله عن طريق الإعجاز والولاية ، تلك الولاية التي كانت للسيّد المسيح عليه السلام في معجزاته في إحياء الموتى ، وإعادة صحّة وسلامة المرضى من أمراضهم الصعبة ، أن يعيد سلامة ابنه.

كان بإمكان النبيّ صلى اللّه عليه وآله ببركة الدعاء المستجاب الذي منحه اللّه تعالى أن يغيّر الحالة التي كانت لابنه ، وكان بإمكان النبيّ صلى اللّه عليه وآله عن طريق العلم الغيبي

ص: 361


1- المصدر السابق 1 / 261.
2- السيرة الحلبية 3 / 434.

أن يقضي على عوامل المرض لكي لا يمرض ابنه ، ولكنّه صلى اللّه عليه وآله لم يستخدم في هذا الأمر ، ولا في الأُمور الأُخرى هذه الأسباب المؤثّرة ، ولم يخطُ خارج الأحداث الطبيعية والأسباب العادّية ، لماذا؟!

لأنّ هذه الأسباب غير العادّية أُعطيت للنبي صلى اللّه عليه وآله لأهداف أُخرى ، وأنّه عليه أن يستخدمها فيما يخصّ بإثبات الولاية ، أو في المواقف التي يحتاج إليها فيها ، لا في المسائل الصغيرة والأعمال الشخصية العادّية.

نعم ، إنّه يستطيع استخدام هذه الأسباب عندما يقترن الأمر بإذن إلهي ، عندما يريد أن يثبت ويبرهن نبوّته وارتباطه بمقام الربوبية مثلاً.

ومن أسباب عدم استخدام هذه الأُمور رعاية الجوانب التربوية ، فإنّ حياة الزعيم القائد والإمام لو كانت بعيدة عن المصائب والمشاكل ، والبلايا والأمراض مثلاً ، لم يستطع أن يوصي الآخرين بالصبر والتحمّل في المشاكل والمصائب ، أو يدعو الأُمّة للمقاومة وتحمّل الصعاب والصبر عليها ، إذ لاشكّ في أنّ صبر القائد والإمام في المصائب والمشاكل ، ومقاومته وإيثاره في ميادين الجهاد قدوة للآخرين ، لأنّ الشخص الذي لا يعرف الألم وعدم الراحة ، ولم يلمس طوال حياته المصائب والمشاكل ، لا يمكنه أن يكون نموذجاً في الأخلاق ، وقدوة لحياة الإنسان.

ولهذا ترى في التاريخ أنّ الشخصيات الإلهية كانت تسعى كالآخرين لحلّ مشاكلها ، ومواجهة مصائبها بالوسائل العادّية.

ويؤكّد على ذلك ما نشاهده في أسلوب حياة المعصومين عليهم السلام من أنّه لا يختلف كثيراً عن حياة الآخرين ، كانوا يمرضون مثلهم ، ويتوسّلون لشفائهم بالأدوية التي كانت في زمنهم ، وفي الحياة الاجتماعية ، أو المعارك الجهادية يستخدمون نفس الوسائل التي يستخدمها الآخرون ، ويرسلون الأشخاص ليأتوهم بالتقارير عن المعارك ، فإنّ كُلّ ذلك يدلّ على أنّهم لم يكونوا ليستفيدون من الوسائل الإعجازية.

ص: 362

فصفوة البحث : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله والأئمّة يعلمون الغيب ، ولكن لا يستخدمون ذلك العلم إلاّ في المواقف الخاصّة ، لا في حياتهم اليومية العادّية.

فكانوا عليهم السلام يعلمون أنّ هذا الطعام الذي يأكلونه مسموم ، ولكنّهم يسلّمون لأمر اللّه تعالى وقدره.

( السيّد الموسوي الساري - البحرين - .... )

يشمل الموضوعات الخارجية :

س : هل الإمام يعلم بالموضوعات الخارجية المحضة؟ وما هو الدليل؟

ج : إنّ علم الإمام عليه السلام كتب حوله الكثير من علمائنا الأبرار ، وذكروا أدلّتهم عليه ، فتارة نبحث في علم الإمام ، وتارة نفرّق بين علمه بالموضوعات الخارجية المحضة وغيره ، فإذا فرغنا من الأدلّة الدالّة على علم الإمام ، وأثبتنا بالدليل والبرهان هذه المسألة ، فالأدلّة تشمل علم الإمام بكُلّ نواحيه ، والفرق بين علمه بالموضوعات الخارجية وغيره يحتاج إلى دليل ، لا أنّ علمه بالموضوعات الخارجية المحضة يحتاج إلى دليل ، إذ الأدلّة عامّة تشمل كُلّ العلوم ، والتخصيص يحتاج إلى دليل.

أضف إلى هذا ، توجد أدلّة صريحة في علم الإمام بالموضوعات الخارجية ، لا نطيل بذكرها الجواب.

( أحمد جعفر - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة )

علمه بيوم موته :

س : هل يعلم الإمام عليه السلام بيوم موته؟ وأنّه متى يموت؟

ج : لقد ثبت في محلّه عقلاً ونقلاً : أنّ الأرض بل كُلّ الكون الرحب الوسيع لا يخلو من حجّة لله تعالى ، إمّا ظاهراً وإمّا مستوراً ، ويكون كالشمس خلف السحاب ، والحجّة هو الإنسان الكامل الذي يكون بمنزلة قطب رحى عالم

ص: 363

الإمكان ، ولولاه لساخت الأرض بأهلها ، وهذه الحجّة الإلهية التي تتجلّى وتتبلور في الإنسان الكامل ، الذي هو خليفة اللّه في أسمائه وصفاته ، إنّما تكون بنصّ ونصب واختيار واصطفاء من اللّه سبحانه.

فكان أوّل مخلوق لله هو نور محمّد المصطفى صلى اللّه عليه وآله ، ثمّ نور أمير المؤمنين علي عليه السلام اشتقّ من نور رسول اللّه ، وكلاهما من نور اللّه ، ومن شجرة واحدة ، كما في الأحاديث الشريفة عند السنّة والشيعة ، فأعطاهما اللّه الولاية العظمى في خلقه ، ثمّ كانت في عترتهما الأئمّة الأطهار عليهم السلام ، وفي الأنبياء والأوصياء ، فكُلّ واحد في عصره كان حجّة اللّه على خلقه ، ولازم الحجّية أن يعلم الحجّة بعلم لدُّني وغيبي من لدن حكيم عليم من اللّه سبحانه ، فاطلعهم اللّه برضاه على مغيّباته.

ومن المغيّبات علم المنايا والآجال ، فالنبيّ وكذلك الوصي حجّة اللّه يعلم علم المنايا والآجال ، ولولا ذلك العلم لما تمّت الحجّة الإلهية ، ولله الحجّة البالغة ، فلابدّ لحجّة اللّه أن يعلم متى يموت؟ وتنتقل الحجّة منه إلى وصيّه وخليفته من بعده - من نبي أو وصي - فكُلّ إمام معصوم حجّة اللّه يعلم متى يموت ، ومتى يُسلّم مقاليد الإمامة والحجّة إلى الإمام الذي من بعده ، بنصّ ونصب من اللّه تعالى ، ومن لم يعلم بزمان موته ، كيف يكون حجّة اللّه على الخلائق؟ وكيف يسلّم مقاليد وأزمة الأُمور طرّاً إلى من كان بعده.

فالعقل وكذلك النقل يقضي أن يكون الحجّة عالماً بما كان وما يكون ، وما هو كائن ، كُلّ ذلك بإذن من اللّه تعالى وبإرادته ، فإنّ اللّه جلّ جلاله هو العالم بالغيب على الإطلاق ، إلاّ أنّه يطلع على الغيب من ارتضى من رسول ، فالرسول يعلم الغيب إلاّ أنّه بإذن اللّه سبحانه ، فالحجّة - النبيّ أو الوصي - يعلم موته ، ويعلم بالمغيّبات ، ولولا ذلك لما كان حجّة اللّه على الطبيعة وما ورائها ، فتدّبر.

ص: 364

( هناء علي سلمان - البحرين - .... )

وظيفة المعصوم العمل بالظاهر :

س : لماذا يا ترى لا يدفع الأئمّة عليهم السلام الأذى عن أنفسهم؟ مع علمهم بوجود الضرر ، والذي يؤدّي بهم إلى الوفاة؟

ج : علم المعصوم شيء ، وعمله وتكليفه شيء آخر ، إذ المعصوم عليه السلام مكلّف بالعمل بالظاهر ، ليتمّ الاختيار الذي وهبه اللّه للبشرية ، فالنبيّ والإمام عليهما السلام وظيفتهما العمل بالظاهر ، وخير شاهد على هذا : لو رجعنا إلى زمان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لرأيناه ما كان يقيم الحدّ إلاّ على من تمّت الشهادة عليه ، ونعلم قطعاً بوجود مخالفات في عهد الرسول لم تقام الشهادة عليها ، ورسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لم يعاقب عليها بالاعتماد على علمه بالأُمور.

( سمير - السعودية - .... )

وظيفة المعصوم ترتيب الأثر على الظاهر :

س : دائماً ما يسألني زملائي في المدرسة عن حقيقة أنّ الأئمّة المعصومين يعلمون الغيب ، وأنا طبعاً أجاوبهم بالتأكيد أنّهم يعلمون الغيب - حسب ما تعلّمناه من شيوخنا في القطيف وغيرها - ولكن سألني أحدهم قائلاً : ما دام أنّ علي بن أبي طالب عليه السلام يعلم الغيب ، فلماذا لم يجتنب عبد الرحمن بن ملجم الخارجي لعنه اللّه عندما قتله؟ ولماذا لم يتراجع الحسين عليه السلام عن الذهاب إلى كربلاء ، وهو يعلم أنّه سيخذل وسيقتل ، وشكراً.

ج : إنّ علم الغيب المطلق من مختصّات ربّ العالمين ، فلا يعلم الغيب إلاّ هو ، نعم يطلع اللّه أنبياءه ورسله وأولياءه على الغيب ، وذلك كإحياء الموتى الذي هو من مختصّات اللّه جلّ جلاله إلاّ من إذن له ، هذا أوّلاً.

ص: 365

وثانياً : إنّ الأنبياء والمرسلين والأولياء الذين يطلعهم اللّه على الغيب ، وظيفتهم العملية ترتيب الأثر على الظاهر.

توضيح ذلك : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله ما كان يقيم الحدّ إلاّ بعد أن تتمّ البيّنة ، مع أنّنا نجزم بأنّ في زمن النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان الناس يعصون في خلواتهم ، ونجزم بأنّ النبيّ كان يعلم بأفعالهم ، ولكن ما كان يقيم الحدّ إلاّ إذا تمّت البيّنة.

مثال آخر : قوله تعالى : ( ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) (1).

فهنا يرد سؤال : كيف تزوّج نوح ولوط عليهما السلام بامرأتين طالحتين مع علمهما بحالهما؟

الجواب : إنّ نوح ولوط وجميع الأنبياء والمرسلين والأولياء عليهم السلام لم تكن وظيفتهم ترتيب الأثر إلاّ على الظاهر ، إلاّ في موارد نادرة ، وذلك لئلا يبطل الاختيار وسنّة الحياة التي سنّها اللّه تعالى.

هذا ، وفي المسألة أقوال أُخرى ، نشير إلى بعضها :

1 - إنّ الأنبياء والمرسلين والأولياء إذا شاءوا علموا ، وهذه الموارد من الموارد التي لم تتعلّق مشيئتهم بالعلم بها.

2 - إنّ اللّه تعالى ينسيهم ما كانوا يعلمون في هذه الموارد.

3 - إنّ من عظمة المعصومين أن يعلموا ويسلّموا التسليم المطلق لإرادة اللّه سبحانه في هذه الموارد.

وختاماً : ننبّهكم بأنّ مسألة علم الإمام فرع لمسألة الإمامة ، لا يمكن أن نبحثها قبل البحث في مسألة الإمامة والتسليم بها.

ص: 366


1- التحريم : 10.

( محمّد - اليمن - .... )

كيف ينسجم مع عزل علي لقيس بخدعة من معاوية :

س : كيف يكون الإمام علي عالماً بالغيب ، مع أنّه عزل قيس بن سعد من ولاية مصر بخدعة من معاوية؟ ألم يكن الإمام عالماً بهذا؟ أرجو الإجابة.

ج : في البداية أرى من الضروري التمييز بين مصطلحين : علم الغيب ، وتعلّم الغيب من عالم الغيب.

فالأوّل - أعني علم الغيب - هو من مختصّات اللّه سبحانه ( وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ ) (1) ، ( وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ) (2).

وأمّا الثاني - أعني تعلّم الغيب من عالم الغيب - فيمكن ثبوته لغير اللّه سبحانه ، قال تعالى : ( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ ) (3) ، ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا ... إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ) (4) ، وكان عيسى عليه السلام يعلم الغيب ( وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ) (5).

وكان الخضر عليه السلام يعلم الغيب ، كما صرّح القرآن الكريم بذلك في سورة الكهف حيث قتل الغلام ، وأقام الجدار ، وأعاب السفينة ، ولم يتمكّن موسى من الصبر على هذا الغيب ، حتّى بيَّن له الخضر النكات الغيبية في ذلك : ( فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاَمًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ

ص: 367


1- الأنعام : 59.
2- الأعراف : 188.
3- آل عمران : 179.
4- الجنّ : 26 - 27.
5- آل عمران : 49.

جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا ... وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ... ) (1) ، ومن خلال هذا نخرج بهذه النتيجة ، وهي أنّه لا يوجد أيّ محذور في ثبوت الغيب لأئمّة أهل البيت عليهم السلام ، ولكن ارجع لاستدرك وأقول هو تعلّم الغيب وليس علماً بالغيب.

وباتضاح هذا نعود إلى التساؤل الذي أشرتم إليه ونقول : إنّ أصل القضية التي قام بها معاوية هي مجرّد نقل تاريخي ، وليس كُلّ نقل تاريخي يمكن الاعتماد عليه ، والذي نقل تلك القضية هو إبراهيم الثقفي في كتابه الغارات(2).

ويوجد كلام حول أصل كتاب الغارات ، فضلاً عن سند الرواية ، ولو سلّمنا صدقها فمن المحتمل أن يكون الإمام عليه السلام عالماً بالخدعة ، ولكنّه كان مضطرّاً على عزل قيس بسبب ضغط بعض أصحابه ، كما هو الحال في حرب صفّين في قضية الحكمين ، فإنّه عليه السلام كان يعلم بأنّ قضية الحكمين خدعة ، ولكنّه كان مضطرّاً إلى قبولها لضغط بعض أصحابه.

وما نقوله ليس مجرد احتمال ، بل تساعده بعض الكتب التاريخية ، فقد روى البلاذري في أنساب الأشراف أنّه كان مضطرّاً إلى عزل قيس من قبل أصحابه(3) ، ونقل ذلك أيضاً الطبري في تاريخه(4).

وملخّص ما نريد أن نقوله : أنّ قضية خدعة معاوية ، قد نقلها الثقفي في كتابه ، ومجرد النقل التاريخي لا يصلح أن يكون مدركاً لتسجيل الإشكال ، وإذا كان يصلح لذلك ، فهناك نقل تاريخي معاكس يدلّ على اضطرار الإمام عليه السلام لقبول عزل قيس ، وهو نقل البلاذري والطبري.

ص: 368


1- الكهف : 74 - 80.
2- الغارات 1 / 217.
3- أنساب الأشراف : 392.
4- تاريخ الأُمم والملوك 3 / 554.

( جمال أحمد - البحرين - .... )

معنى علمه الناسوتي واللاهوتي :

س : قرأنا أنّ علم الأنبياء والأئمّة عليهم السلام ينقسم إلى ناسوتي ولاهوتي ، الرجاء شرح هذين القسمين مع الأمثلة إن أمكن.

ج : إنّ علم الأنبياء والأئمّة عليهم السلام قد يكون من مبدأ الوحي بلا واسطة أو بواسطة ، فهذا علم إلهي ، أو قد يعبّر عنه البعض بعلمٍ لاهوتي.

وقد يكون منشأ علمهم الطرق المتعارفة والمألوفة عند الناس ، وهذا علم عادي ، وقد يسمّيه البعض بعلم ناسوتي.

ثمّ إنّ القسم الأوّل هو المايز بين المرتبطين بعالم الوحي وغيرهم ، إذ لا إشكال في عدم طرق الخطأ والزلل في هذا العلم ، ومن ثمّ سوف يكون عالمه معصوماً من جميع الجهات ، كما هو واضح بأدنى تأمّل ، ومن هذا القسم ، علم الأحكام والعقائد والمعارف الإلهية.

وأمّا القسم الثاني ، فيحصل من مقدّمات عادية ومتداولة ، وهذا القسم يشمل العلم بالموضوعات الصرفة التي لا علاقة لها بأصل الدين والوحي ، فالنبيّ أو الإمام عليه السلام يتصرّف في مورده بمعونة القواعد العقلية والعرفية.

وهذا القسم وإن كان يحتمل فيه الخطأ والخلل عند الناس بصورة عامّة ، إلاّ أنّ المصلحة الإلهية تقتضي نفي هذا الاحتمال بالنسبة للنبي والإمام عليه السلام ، وهذه المصلحة هي حفظ مكانة المعصوم عليه السلام في أعين الناس عن مطلق السهو والخطأ ، ولأنّ التمييز بين الأحكام والموضوعات ليس أمراً سهلاً عند الجميع ، فينبغي سدّ باب الاحتمال لئلا يكون إغراءً لهم في المقام.

على أن تقسيم علم النبي والإمام عليهما السلام إلى ناسوتي ولاهوتي غير صحيح ، لأنّ المطّلع على العلم اللاهوتي له إطلاع على العلم الناسوتي ، أو بالأحرى لا يحتاج له أصلاً.

ص: 369

( أبو علي - لبنان - 33 سنة - طالب علم )

الفرق بينه وبين علم اللّه :

س : ما هو القول الفصل لديكم حول علم الإمام المعصوم عليه السلام؟ هل هو حصولي أم هو حضوري؟ علماً أنّ هناك لكُلّ من القولين روايات عدّة تؤيّده ، فأيّ طائفة من الروايات تؤيّدون؟

أرجو الإجابة مع الدليل القاطع إن أمكن ، ولكن الأجر.

ج : تارة نبحث عن علم المعصوم عليه السلام هل هو حضوري - أي حاضر عنده بدون أن يتعلّم ويكتسب العلم - أو هو حصولي - أي يحصل عنده من خلال التعلّم والتكسّب -؟

وظاهر المشهور هو الأوّل ، أي أنّ علمهم عليهم السلام حضوري.

وأُخرى نبحث عن علم المعصوم عليه السلام على رأي المشهور - أي أنّ علمه عليه السلام حضوري لا حصولي - فنقول : هل أنّ علمه عليه السلام حاضر عنده بالفعل - بمعنى أنّ المعلومات منكشفة عنده فعلاً - أو حاضر عنه بالقوّة - بمعنى متى ما أراد وأشاء أن يعلم علم -؟

وظاهر المشهور هو الأوّل ، أي أنّ علمه عليه السلام فعلي.

وما أُثير من أنّه يلزم على هذا الرأي اتحاد علم اللّه تعالى مع علم المعصوم عليه السلام ، وبالتالي يلزم الشرك والغلوّ.

فيردّه : بأنّ هناك فروق بين علمه تعالى الحضوري وعلم المعصوم عليه السلام الحضوري الفعلي ، منها :

1 - إنّ علمه تعالى قديم وعلم المعصوم حادث.

2 - إنّ علمه تعالى علّة وعلم المعصوم معلول.

3 - إنّ علمه تعالى عين ذاته وعلم المعصوم عرضي موهوب منه تعالى.

ص: 370

4 - إنّ علمه تعالى مطلق وعلم المعصوم محدود ، بمعنى أنّه عليه السلام يعلم ما كان وما يكون ، وما هو كائن بمقدار ما اطلعه اللّه تعالى عليه ، ولا يعلم العلم المخزون المكنون الذي استأثر اللّه به لنفسه.

وقد ذكر علماؤنا في بحث علم الإمام عليه السلام مجموعة من المؤيّدات للنصوص - من الآيات والروايات - المثبتة لعموم علمه عليه السلام وفعليته.

هذا وقد حملوا النصوص - من الآيات والروايات - النافية لعموم علم المعصوم عليه السلام ، والنافية لفعلية علمه عليه السلام على عدّة محامل ، فلتراجع في مظانّها.

( علي - أمريكا - 27 سنة - طالب )

ثابت بسبب تعليم من اللّه :

س : لدي عدّة أسئلة عن علم الغيب :

1 - هل علم أهل البيت عليهم السلام لدنّي؟

2 - هل الإمام المهدي عليه السلام الآن مثلاً يعلم بأمر رسالتي هذه إليكم؟ أي هل عنده علم الغيب الذي من هذا النوع؟

3 - ما معنى الفقرة : « ارتضاكم لغيبه » الواردة في شرح الزيارة الجامعة؟

ج : بالنسبة إلى السؤال الأوّل نقول : إذا كنتم تقصدون من العلم اللدنّي العلم الذاتي الذي لا يحتاج إلى تعليم حتّى بالطرق غير المتعارفة - وذلك كما هو الحال في علم اللّه سبحانه - فالجواب : كلا ، إنّ علمهم ليس علماً لدنّياً بالمعنى المذكور ، كيف وأمير المؤمنين عليه السلام يقول : « إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله علّمني ألف باب من العلم ، يفتح كُلّ باب ألف باب » (1).

كيف وعندهم الصحيفة الجامعة ، التي فيها علم كُلّ شيء حتّى أرش الخدش ، كيف والمولود منهم إذا وُلد ضرب له عمود من نور يرى من خلاله

ص: 371


1- الخصال : 572.

الأشياء ، كيف وهم يزدادون في كُلّ ليلة جمعة ، إنّ هذا وما شاكله يدلّ على أنّ علمهم ليس ذاتياً كعلم اللّه تعالى.

وإن كنتم تقصدون منه العلم الذي لا يحتاج إلى تعليم بالطرق المتعارفة ، بل يحصل لهم بطرق غير متعارفة ، فنسلّم أنّ علمهم لدنّي بالمعنى المذكور.

فحصيلة الجواب إذاً : أنّه لابدّ من التفصيل ، فعلمهم لدنّي بالمعنى الثاني ، وليس لدنّياً بالمعنى الأوّل.

وبالنسبة إلى السؤال الثاني نقول : نعم ، أيّ مانع في أن يكون الإمام عليه السلام علم برسالتك هذه ، فإنّ علم الغيب على قسمين ، علم بالغيب من دون تعليم من اللّه سبحانه ، وهذا من مختصّات اللّه سبحانه ( وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ ) (1) ، وعلم بالغيب بسبب تعليم من اللّه سبحانه ، وهذا هو الثابت للنبي والإمام ، قال تعالى : ( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ ) (2) ، وقال : ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا ) (3).

وكان عيسى عليه السلام يعلم الغيب ( وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ) (4) ، وكان الخضر عليه السلام يعلم الغيب أيضاً على ما نقل القرآن الكريم في القصّة التي دارت بينه وبين موسى عليه السلام : ( وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ... ) (5).

وجاء في نهج البلاغة : أنّ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام حينما أخبر عن التتار بقوله : « كأنّي أراهم قوماً كأنّ وجوههم المجانُّ المطرّقة ، يلبسون السَرَق والديباج ،

ص: 372


1- الأنعام : 59.
2- آل عمران : 179.
3- الجنّ : 26 - 27.
4- آل عمران : 49.
5- الكهف : 80.

ويعتقبون الخيل العتاق ... » ، فقال له بعض أصحابه : لقد أُعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب؟ فضحك عليه السلام وقال للرجل - وكان كلبياً - : « يا أخا كلب ، ليس هو بعلم الغيب ، وإنّما هو تعلّم من ذي علم ... »(1).

وبالنسبة إلى السؤال الثالث نقول : معناها واضح ، وهو أنّهم عليهم السلام يعلمون الغيب ، بسبب التعليم من قبل اللّه سبحانه ، فالعلوم الغيبية الثابتة لله سبحانه قد ثبت بعضها لهم عليهم السلام كما قال تعالى : ( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ ) (2) ، ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ ) (3).

( سامي جحهف - اليمن - زيدي - 19 سنة - طالب )

لا يتنافى مع قوله ( لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ )

س : قال اللّه تعالى : ( وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ) (4) فقد نفى اللّه أن يكون النبيّ يعلم الغيب ، فكذلك من هم أقلّ منه منزلة ، وهم الأئمّة فما هو ردّكم؟

ج : إنّ عقيدتنا في علم المعصوم عليه السلام تتلخّص فيما يلي :

أ - علمهم عليهم السلام علم لدنّي ، أي أعطي من قبل اللّه تعالى كرامةً لهم.

ب - يعلمون الغيب بصراحة القرآن : ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ ... ) (5).

ج - إنّ حدود علمهم عليهم السلام من جهة الكمّية والكيفية تتبع إرادة اللّه تعالى ، فلا يكون ذاتياً ولا أزلياً.

ص: 373


1- شرح نهج البلاغة 8 / 215.
2- آل عمران : 179.
3- الجنّ : 26 - 27.
4- التوبة : 101.
5- الجنّ : 26 - 27.

د - إنّهم عليهم السلام ليسوا مكلّفين بالعمل على طبق هذا العلم ، بل وليست وظيفتهم إظهاره في كافّة الموارد.

وعليه ، فكثيراً ما كانوا يتعاملون مع الواقع الموجود على ضوء العلوم العادّية والظاهرية بدلاً من علم الغيب ، لمصالح شتّى ذكرت في مظانّها.

وبناءً على ما ذكرنا ، فإنّ عدم العلم المذكور في الآية هو بالنظر إلى العلوم العادّية ، لا العلم اللدنّي المسمّى بعلم الغيب ، وهذا نتيجة الجمع بين الأدلّة في المقام.

ولتقريب المعنى نذكر مورداً آخر يدلّ بوضوح على الموضوع ، فمثلاً : يخاطب القرآن النبيّ صلى اللّه عليه وآله بالنسبة لبعض المنافقين ويقول : ( وَلَوْ نَشَاء لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ... ) (1) ، أي كان ممكناً أن يعرّف اللّه تعالى المنافقين بواسطة الوحي للنبي صلى اللّه عليه وآله ، على أنّه صلى اللّه عليه وآله كان بإمكانه أيضاً أن يتعرّف عليهم - المنافقين - من خلال العلم العادي.

فالنتيجة : إنّ إعطاء علم الغيب للمعصوم عليه السلام لا ينكر ، وهذا بمعنى قابليته عليه السلام لهذا المقام ، وأمّا تطبيقه له في الموارد المختلفة ، فذلك أمر آخر.

ص: 374


1- محمّد : 30.

عمر بن الخطّاب :

اشارة

( .... - الكويت - .... )

عدم انطباق ما جاء في الإنجيل عليه :

س : جاء في مقالة لأحد الكتّاب السنّة ، وهي : ورغبة منّا في بيان بعض صفات الفاروق في أسفار أهل الكتاب ، نقول : قد وردت نبوآت كثيرة ومتواترة في أُمّة محمّد صلى اللّه عليه وآله ، جاءت تترى في كتب اليهود والنصارى ، ومن ذلك :

يقول النبيّ زكريا وفي سفره : ابتهجي يا بنة صهيون ، اهتفي يا بنت أورشليم ، هو ذا ملكك يأتي إليك ، هو عادل ومنصور ، وديع وراكب على حمار ، وعلى جحش بن آتان ، واقطع المركبة من افرايم ، والفرس من أورشليم ، وتقطع قوس الحرب ، ويتكلّم بالسلام - أي الإسلام - للأُمم ، وسلطانه من البحر إلى البحر ، ومن النهر إلى أقاصي الأرض « سفر زكريا 9 / 9 طبعة البروتستنتية - دار الكتاب المقدّس ».

وأورشليم هي القدس ، والمَلِك الذي فتح القدس بالصلح والموادعة هو قطعاً عمر ، وأبرز صفة فيه هي العدل ، وقد ركب عمر في طريقه إلى بيت المقدس ، وهذا مصداق لقوله : يأتي إليك ، وراكب على جحش ابن آتان ، وهو البرذون ، وقد حاول القسّ المسيحي وليم باركلي في كتابه تفسير العهد الجديد ، أن يزوّر هذه البشارة فيقول : حاول بعض مفكّري وعلماء الإسلام أن يثبتوا هذه البشارة على أحد خلفائهم ، الذي أتوا بعد محمّد ، والصحيح أنّ كلامهم

ص: 375

باطل ، بل المبشّر به هو الربّ يسوع المسيح ، عندما يأتي في الدينونة ، يدين الناس بالحقّ ، والكلمة في آخر العالم « تفسير العهد الجديد : 174 ».

وأقول أنا : أنّ كلامه في غاية الهذيان والبطلان ، لأنّ هذا الملك هو بشر ، وليس ربّ وإله!! ثمّ إنّه من زمن زكريا إلى زمن عيسى إلى ما بعدهم لم يأت ملك عادل تدين له القدس ، بل كانت القدس تحت السيطرة الوثنية للرومان المحتلّين بحكم الحديد والنار ، وأوّل فتح إسلامي للقدس هو في زمن الفاروق ، بل وهو الذي أتى بنفسه لفتحها بكُلّ وداعة وعدل ، فليتأمّل كُلّ من ورم أنفه!!

ولو تأمّلت قليلاً ، وركّزت ذهنك برهة ، لوجدت أنّ الصفات التي جاءت في حقّ الفاروق ، كالتالي : عادل ، منصور وديع ، راكب على حمار!!

إنّها ثلاثة صفات تدلّ على الفاروق خاصّة ، في مسيره نحو بيت المقدس ، وتجد كُلّ صفة منها مفصول بينها حرف : العطف « واو » ، والذي يلفت النظر بحقّ ، أنّنا لو رتّبنا الحروف الأُولى من هذه الصفات لوجدنا : عادل = ع ، منصور = م ، راكب حمار = ر ، فإنّ النتيجة تكون : عمر!!

وممّا يؤكّد ذلك أيضاً ، ما جاء في سفر حبقوق قدامه : ذهب الوباء ، وعند رجليه خرجت الحمى ، وقف وقاس الأرض نظر فرجفت الأُمم ، ودكّت الجبال الدهرية ، وخسفت آكام القدم ، مسالك الأزل له ، رأيت خيام كوشان تحت رجليه ، وجفّت أرض مدين « سفر حبقوق قدامة 3 / 5 ».

وأنا أقول : من الذي ظهرت في طريقه الحمى؟ ألم تسمعوا بطاعون عامواس! وكيف أنّه ظهر في مقدم عمر إلى القدس ، ومن الذي دكّت الجبال الدهرية على يديه - فارس والروم -؟

من الذي صارت خيام كوشان - هي مصر كما جاء في قاموس الكتاب المقدّس - تحت رجليه؟ انتهى كلام الكاتب السنّي.

وبالتالي فإنّه يستدلّ على صحّة خلافة عمر بن الخطّاب بما جاء في كتب أهل الكتاب ، مثلما جاءت البشارات في رسول اللّه محمّد صلى اللّه عليه وآله.

فنرجو منكم الردّ على هذا الاستدلال ، ولو كان ردّاً مختصراً ، وفّقكم اللّه لمرضاته.

ص: 376

ج : في الإجابة عدّة نقاط :

الأُولى : إنّ الكتاب المقدّس « العهد القديم » - وكما هو معروف - قد كتب باللغة العبرانية ، وهذا ما اتفق عليه معظم علماء الكتاب المقدّس ، إذ إنّها كانت اللغة السائدة في ذلك الزمان ، ومن ثمّ ترجم إلى اللغات الأُخرى ، كاليونانية والإنكليزية والعربية ، وغيرها.

ومعظم النسخ الأصلية لهذا الكتاب مفقودة ، وأقدم نسخة التي وجدت تعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد ، وهي ناقصة ، إذ لا تحتوي إلاّ على بعض الأسفار من العهد القديم ، وهذا أحد أسباب الشكّ في نسبة هذا الكتاب كُلّه إلى الوحي الإلهي.

الثانية : فيما يخصّ سفر زكريا ، فإنّ علماء الكتاب المقدّس قسّموا هذا السفر إلى قسمين : الأوّل يبدأ من الإصحاح « 1 - 8 » ، وأمّا القسم الثاني فإنّه يبدأ من الإصحاح « 9 - 14 ».

ومن يطالع هذا السِفر يجد الاختلاف في الأسلوب بين القسمين ، حتّى شاعت بين العلماء نسبة هذا السِفر إلى كاتبين مختلفين ، وحاولوا بشتّى الوسائل حلّ هذا الاختلاف ، لكي لا يفقد هذا السِفر قيمته ، وبالتالي يؤدّي إلى التشكيك بصحّة العهد القديم.

ولكن للاختصار نترك البحث في هذه المسألة ، ونسلّم بأنّ كاتب السِفر هو النبيّ زكريا عليه السلام.

وأمّا النصوص :

1 - أمّا قول الكاتب السنّي : هو ذا ملكك يأتي إليك.

فالمشهور أنّ الخليفة الثاني لم يكن ملكاً لأورشليم ولا لفلسطين ، بل كُلّ ما في الأمر أنّه قدم إلى بيت المقدس - سنة 15 أو 16 هجرية - لعقد الصلح مع أهلها ، ودفعهم للجزية ، ولم يلبث فيها إلاّ أيّاماً معدودة ، ومن ثمّ عاد إلى المدينة ، فهو لم يحكم أورشليم ، ولا استفاد أهلها بظلّ عدله!!

ص: 377

فهل ينطبق هذا على كون ملك أورشليم المنتظر ، الذي بشّر به النبيّ زكريا عليه السلام هو الخليفة الثاني ، والذي لم يمكث في بيت المقدس إلاّ أيّاماً؟!

2 - وأمّا الصفات التي ذكرها الكاتب ، وحاول جاهداً إلباسها للخليفة الثاني ، كي تنطبق عليه ما جاء في سِفر زكريا عليه السلام ، فهي غير صحيحة ، لأنّ الكاتب يقول عند ذكر صفة هذا الملك : عادل ومنصور وديع ... ، ويفسّر منصور وديع ، أي الذي فتح القدس بالصلح والموادعة ، وهذا خلاف ما يفهم من النصّ ، فالوديع هنا صفة للملك ، وليست صفة للنصر ، ولأنّ المشهور والمعروف عن الخليفة الثاني - بل تكاد تكون أبرز صفة فيه - هي غلظته وشدّته وقساوته ، وهذا ما تواترت به كتب التاريخ والحديث ، ولهذا فإنّ الكاتب السنّي ، وهروباً من هذه الحقيقة ، جعل صفة « وديع » للنصر ، وهذا ما لا يرضاه أيّ باحث له إلمام بسيط باللغة العربية.

وحتّى ما فسّره الكاتب بالفتح بوداعة ، فهو مردود أيضاً ، فإنّ الصلح كان بعد معارك بين المسلمين ، وأهل ايليا ، فهذا الأزدي يذكر : أنّ أهل ايليا قاتلوا المسلمين ساعة ثمّ انهزموا ، ثمّ قاتلوهم ثمّ انهزموا إلى داخل حصونهم ، بل يضيف الواقدي : « ولم يزل أبو عبيدة ينازل أهل بيت المقدس أربعة أشهر كاملة ، وما من يوم إلاّ ويقاتلهم قتالاً شديداً » (1) ، ومن بعد هذه المعارك جاء عمر وعقد الصلح ، فهل يعني ذلك أنّ فتح أورشليم كان عن وداعة!!

3 - وأمّا قوله : بأنّ أبرز صفة فيه هي العدل ، ففي ذلك أيضاً شكّ ، فإنّ الخليفة الثاني هو أوّل من أعطى العطايا على السابقة ، وفرّق بين المسلمين في العطاء ، وفي الواقع هو أوّل من أرسى النظام الطبقي في المجتمع الإسلامي ، والذي كان نتيجة طبيعية لهذا التمايز في الفرض والعطاء ، حتّى وصل ذروته في زمن الخليفة الثالث ، الذي انتهج سيرة عمر.

ص: 378


1- فتوح الشام 1 / 224.

ولعلّ أحد الأسباب غير الظاهرية لحرب الجمل في زمان أمير المؤمنين عليه السلام ، هي رفض أمير المؤمنين عليه السلام التفاضل في العطاء بين المسلمين للسابقة ، ممّا دفع بعض الصحابة الأوائل - كطلحة والزبير - إلى اتخاذ مواقف سلبية من أمير المؤمنين عليه السلام ، وإشعال نار الفتنة والحرب ضدّه.

4 - وما ذكره الكاتب حول ركوب الخليفة الثاني للبرذون ، فنقول :

أوّلاً : لماذا لم يشر الكاتب إلى أنّ هذا الملك الموعود يكون راكباً على حمار كما ذكر النصّ؟

والجواب : لأنّ المؤرّخين بلا استثناء ما ذكر أحداً منهم أنّ الخليفة الثاني ركب الحمار عند خروجه من المدينة إلى بيت المقدس ، بل اختلفوا في أنّه امتطى فرساً أو ناقة ، ولهذا نرى الكاتب يغمض عينيه عن هذا المقطع.

وثانياً : حتّى ما ذكره حول ركوب الخليفة للبرذون غير مقبول ، وذلك لأنّ الخليفة لم يركب البرذون إلاّ للحظة واحدة فقط ، فهذا ابن كثير يقول : ثمّ سار عمر إلى بيت المقدس من الجابية وقد توحّى فرسه ، فأتوه ببرذون فركبه ، فجعل يهملج به ، فنزل عنه وضرب وجهه ، وقال : لا علم اللّه من علّمك هذا من الخيلاء(1) ، وأضاف الواقدي : « قال عمر : احسبوا ، احسبوا ، ما كنت أرى الناس يركبون الشيطان قبل هذا ، فأتى بجمله فركبه ».

وقال الطبري : « ثمّ دعا بفرسه بعد ما أجمه أيّاماً يوقحه فركبه ، ثمّ سار حتّى انتهى إلى بيت المقدس ... ولم يركب برذوناً قبله ولا بعده »(2).

فليت شعري هل يعقل أن يتنبأ النبيّ زكريا عليه السلام بملك أورشليم العظيم ، والمنتظر بصفة كانت له للحظة واحدة ، وهي ركوبه للبرذون؟!

5 - وأمّا ردّه على القسّ المسيحي ، فذلك أيضاً فيه نظر ، وذلك لأنّ النبيّ زكريا عليه السلام عندما ذكر نبؤته ، كان يعلم أنّ المسيح عليه السلام ليس ربّاً ولا

ص: 379


1- البداية والنهاية 7 / 67.
2- تاريخ الأُمم والملوك 3 / 106.

إلهاً ، بل هذا من تحريفات النصارى ، الذين ألبسوا المسيح عليه السلام ثوب الألوهية زوراً وبهتاناً.

6 - وأمّا ترتيبه للحروف بهذا الشكلّ ، فليس عليه دليل إلاّ الحمية والعصبية ، فيا ترى لو تأمّل أيضاً قليلاً ، ورتّب الحروف من الحرف الرابع ، لكانت النتيجة : ب ول = مادّة نجسة!! فهل هذا يحسب تنبّؤاً؟!

وذكره عن سِفر حبقوق ، فالأمر اغرب ، فقد تكلّف الكاتب السنّي كثيراً ، واكتفى بنقل مقتطفات من النصّ ، وليته لم يفعل ، وهنا سنبيّن النصّ كاملاً ، ولنرى هل ينطبق على الخليفة الثاني أم لا؟!

وإليك هذا النصّ : اللّه جاء من تيمان ، والقدّوس من جبل فاران ، سلاه ، جلاله غطّى السماوات ، والأرض امتلأت من تسبيحه ، وكان لمعان كالنور ، له من يده شعاع ، وهناك استتار قدرته ، قدامه ذهب الوباء ، وعند رجليه خرجت الحمى ....

فالضمير في « قدامه » يعود إلى القدّوس الآتي من جبل فاران ، ولا أدري كيف لم يلتفت إلى هذه المسألة البديهية الكاتب السنّي ، فهو يصف القدّوس بأنّ « جلاله غطّى السماوات و... » ، فهل تنطبق هذه الصفات على الخليفة الثاني؟! يا حبّذا لو يبيّن الكاتب السنّي ذلك لنستضيء بعلمه.

وختاماً نقول : إنّ الذي يُؤذي ويُغضب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لا يستحقّ أن يكون خليفة للمسلمين ، والخليفة الأوّل والثاني قد أغضبا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وذلك كما نُقل عن صحيح البخاري : أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال عن فاطمة عليها السلام : « فإنّما هي بضعة منّي ، يريبني ما أرابها ، ويؤذيني ما آذاها » (1) ، وأيضاً هجرها لأبي بكر ، وأنّها لم تكلّمه حتّى توفّيت(2).

ص: 380


1- صحيح البخاري 6 / 158.
2- المصدر السابق 5 / 82.

والمعروف والمشهور أنّ فاطمة عليها السلام خرجت من الدنيا وهي غاضبة على أبي بكر وعمر ، وأمرت أمير المؤمنين عليه السلام أن لا يسمح لأبي بكر وعمر حضور تشييع جنازتها ، ولهذا فقد دفنت ليلاً.

( العجمي - عمان - .... )

شكّه في يوم الحديبية :

س : ما مدى صحّة قول الخليفة الثاني عمر في يوم الحديبية : ما شككت بنبوّة محمّد مثل شكّي يوم الحديبية؟ وأرجو ذكر المصادر.

ج : لاشكّ ولا ريب أنّ عمر بن الخطّاب وقع في الشكّ والريب بنبوّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في يوم الحديبية وغيره ، والمصادر التاريخية خير شاهد على ذلك.

فقد قال السيوطي : « وأخرج عبد الرزاق ، وأحمد ، وعبد بن حميد ، والبخاري ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر عن المسور بن مخرمة ، ومروان بن الحكم ... فذكر قضية شكّ عمر يوم الحديبية ، إلى أن وصل إلى قول عمر : واللّه ما شككت منذ أسلمت إلاّ يومئذ » (1).

وأورد الصالحي الشامي هذه القضية في سيرته ، ناقلاً عن ابن إسحاق ، وأبي عبيد ، وعبد الرزاق ، وأحمد بن حنبل ، وعبد بن حميد ، والبخاري ، وأبي داود ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن مردويه ، ومحمّد بن عمر عن المسور بن مخرمة ، ومروان بن الحكم ، فذكر هذه القضيّة ، إلى أن حكى قول عمر قائلاً : وقال كما في الصحيح : واللّه ما شككت منذ أسلمت إلاّ يومئذ(2).

ص: 381


1- الدرّ المنثور 6 / 77.
2- سبل الهدى والرشاد 5 / 53.

وعن أبي يعلى عن عمر أنّه قال : اتهموا الرأي على الدين ، فلقد رأيتني أردّ أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله برأي ، وما ألوت عن الحقّ ، وفيه قال : فرضي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وأبيت ، حتّى قال لي : يا عمر ، تراني قد رضيت وتأبى (1).

فإنّ قول النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « أوَ في شكّ أنت يا بن الخطّاب » للإنكار التوبيخي - كما قال القسطلاني في شرحه لصحيح البخاري (2).

لأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان عالماً بما يخطر في نفس الخليفة ، وما يجول في باله ، وعارفاً بمفاد مقاله ، لا أنّه استعلم عمّا خفي عليه من حاله ، والخليفة لم ينكر ذلك ، بل طلب من النبيّ صلى اللّه عليه وآله أن يستغفر له من وباله.

( بدر الدين - المغرب - .... )

تركه لشرب الخمر :

س : ورد في بعض الكتب : أنّ عمر بن الخطّاب بقي يشرب الخمر حتّى نزل قول اللّه تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ) (3) ، فقال عمر : انتهينا انتهينا (4).

السؤال : هل لديكم تقدير لوقت نزول هذه الآية؟ وبالتالي متى توقّف عمر عن شرب الخمر؟ فوقت نزولها إذن أراه مهمّاً في هذه القضية!

ج : لا يمكن تحديد تواريخ نزول الآيات بالضبط ، فذلك عسير جدّاً بعد أن أغفل من قبل محقّقي الفريقين ، ولعلّ دليل عدم اهتمامهم في متابعة تاريخ نزول

ص: 382


1- المعجم الكبير 1 / 72 و 6 / 88 ، مجمع الزوائد 6 / 145 ، فتح الباري 5 / 254 و 13 / 245 ، كنز العمّال 1 / 372.
2- إرشاد الساري 5 / 539.
3- المائدة : 91.
4- مسند أحمد 1 / 53 ، الجامع الكبير 4 / 320 ، سنن النسائي 8 / 287 ، جامع البيان 2 / 493 و 7 / 45 ، الجامع لأحكام القرآن 6 / 286.

السور ، هو الاقتصار على مهمّة تفسير الآية دون التعرّض إلى ملازماتها التاريخية ، إلاّ أنّ إمكانية معرفة تاريخ نزول الآيات يمكن استخلاصه من خلال قرائن تاريخية تقرّب تاريخ النزول.

فالآية آنفة الذكر يحتمل بعض المفسّرين أنّها نزلت بعد غزوة أحد بأربعة أشهر(1) ، وبعضهم قال : إنّها نزلت بعد غزوة الأحزاب بأيّام(2).

( مقداد - الإمارات - سنّي - 18 سنة - طالب جامعة )

بعض ما اتصف به :

س : جاء في بعض كتب الشيعة : أنّ عمر بن الخطّاب كان مصاباً بداء في دبره ، لا يهدأ إلاّ بماء الرجال ، فهل هذه الرواية صحيحة؟ أُريد إجابة صريحة ، إمّا نعم ، وإمّا لا.

ج : إنّ البحث عن هكذا مواضيع - نفياً أو إثباتاً - لا يثمر في المقام ، والصفح عنها أحرى وأجدر.

ولا يفوتنا أن نذكّركم بأنّ هذا الموضوع بالذات ، قد جاء في بعض كتب أهل السنّة أيضاً ، ففي حاشية السيوطي المدّونة على القاموس في لفظ « الابنة » جاء : « بأنّها كانت في خمسة في زمن الجاهلية ، أحدهم سيّدنا عمر » (3).

ثمّ حتّى لو ذكر في كتاب ، فإنّ الموضوع يرتبط برأيه الشخصي ، فلا ينبغي أن يحمل على المذهب ، إلاّ بعد خضوعه للبحث السندي والدلالي ، إذ لا تعتقد الشيعة بصحّة أي كتاب - سوى القرآن الكريم - مائة بالمائة ، وهنا تخالف الشيعة أهل السنّة في اعتمادهم بلا استثناء على كتب كالصحيحين.

ص: 383


1- تاريخ اليعقوبي 2 / 49.
2- الدرّ المنثور 2 / 318 ، فتح القدير 2 / 75.
3- بحار الأنوار 31 / 96.

فعلى ضوء ما ذكرنا ، يضطرّ السنّي للدفاع عن البخاري أو مسلم ، ومن ثمّ يرد عليه أخطاؤهما ، في حين أنّ الشيعي لا يتحمّل أخطاء الآخرين - إن أخطأوا - مهما كانت جلالة قدرهم.

( هادي الفقيه - أمريكا - 21 سنة - هندسة الحاسبات )

ما ورد حوله في مصادر أهل السنّة :

س : عندي الكثير من الأصدقاء السنّة ، وهم يسألوني بعض الأسئلة ، وأتمنّى منكم أن تجيبون عليها ، حيث يقولون : عمر بن الخطّاب أفضل من علي بن أبي طالب عليه السلام.

أُريد منكم إن تعطوني بعض الأمثلة لأثبت أنّ علياً عليه السلام أفضل من عمر ، ومن كتبهم.

ج : إنّ فضائل الإمام علي عليه السلام قد ملأت الخافقين ، ممّا أجبرت الخصوم على الاعتراف ببعضها ، وقد صرّح كبار علماء الفريقين : بأنّ ما بلغنا من فضائل لأمير المؤمنين عليه السلام هو أقلّ بكثير ممّا هو على حقيقته ، والفضل ما شهدت به الأعداء.

وأمّا عن عمر ، فننقل لك ما ورد عنه في كتب القوم :

قد لقّبه أهل الكتاب بلقب الفاروق(1) ، وهو لقب لعلي عليه السلام ، لقّبه به الرسول صلى اللّه عليه وآله(2) ، وابتز لقب أمير المؤمنين عليه السلام لنفسه(3) ، وهو يعلم بأنّ هذا اللقب خاصّ بعلي عليه السلام.

ص: 384


1- تاريخ المدينة 2 / 662 ، الطبقات الكبرى 3 / 270 ، تاريخ مدينة دمشق 44 / 51 ، أُسد الغابة 4 / 57 ، تاريخ الأُمم والملوك 3 / 267.
2- ذخائر العقبى : 56 ، شرح نهج البلاغة 13 / 228 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 42 ، ينابيع المودّة 22 / 144.
3- تاريخ الأُمم والملوك 3 / 277 ، كنز العمّال 12 / 576 ، تاريخ مدينة دمشق 30 / 297 ، أُسد الغابة 4 / 71 ، تاريخ المدينة 2 / 678.

وقال في موارد متعدّدة : « لولا علي لهلك عمر » (1).

وكان يعتقد بإضافة سورتين مزعومتين - الخلع والحفد - إلى القرآن الموجود (2) ، وادعى آيات أُخرى (3) ، وكان يقول بتحريف القرآن ، ويرى أنّ أكثره قد ضاع (4) ، وحرّم السؤال والبحث في تفسير الآيات القرآنية (5).

وكان كثير الاعتراض على النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فقد اعترض عليه في صلاته على عبد اللّه بن أُبي (6) ، واعترض في تبشيره صلى اللّه عليه وآله الناس بالجنّة بقولهم كلمة التوحيد (7) ، وأنكر بشدّة عليه صلى اللّه عليه وآله في الحديبية ، حتّى اعترف فيما بعد بشكّه في النبيّ صلى اللّه عليه وآله والإسلام (8). .

ص: 385


1- شرح نهج البلاغة 1 / 18 و 141 و 12 / 179 و 205 ، نظم درر السمطين : 130 ، المناقب : 81 ، جواهر المطالب 1 / 195 ، ينابيع المودّة 1 / 216 و 227 و 3 / 147.
2- مسند أحمد 1 / 199 ، فتح الباري 9 / 12 ، مجمع الزوائد 7 / 35 ، كنز العمّال 2 / 421 ، تفسير القرآن العظيم 2 / 419 ، الدرّ المنثور 3 / 296.
3- صحيح البخاري 8 / 26 ، الدرّ المنثور 1 / 106 و 4 / 371 ، مسند أبي داود : 12 ، مسند أحمد 1 / 47 ، فتح القدير 3 / 471 ، السيرة النبوية لابن هشام 4 / 1072 ، مجمع الزوائد 1 / 97 ، فتح الباري 12 / 131 ، المصنّف للصنعاني 5 / 441 و 9 / 50 ، المصنّف لابن أبي شيبة 8 / 570 ، المعجم الكبير 5 / 121 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 127 ، كنز العمّال 2 / 596 و 5 / 429 و 6 / 208 ، تفسير القرآن العظيم 3 / 476 ، الدرّ المنثور 1 / 106 ، تاريخ الأُمم والملوك 2 / 446.
4- الدرّ المنثور 5 / 179 و 6 / 422 ، المصنّف للصنعاني 7 / 330 ، كنز العمّال 1 / 517 و 5 / 431 ، مجمع الزوائد 7 / 163 ، المعجم الأوسط 6 / 361 ، فيض القدير 4 / 700.
5- الدرّ المنثور 2 / 7 و 227 ، سنن الدارمي 1 / 55 ، كنز العمّال 2 / 331 و 383 ، تاريخ مدينة دمشق 23 / 411 ، فتح القدير 1 / 319 ، الإصابة 3 / 370.
6- صحيح البخاري 2 / 100 ، السيرة النبوية لابن هشام 4 / 979 ، المحلّى 11 / 209 ، الجامع الكبير 4 / 343 ، سنن النسائي 4 / 68 ، تحفة الأحوذي 8 / 393 ، صحيح ابن حبّان 7 / 449.
7- صحيح مسلم 1 / 45.
8- المعجم الكبير 1 / 72 و 6 / 88 ، مجمع الزوائد 6 / 145 ، فتح الباري 5 / 254 و 13 / 245 ، كنز العمّال 1 / 372 ، الدرّ المنثور 6 / 77 ، سبل الهدى والرشاد 5 / 53.

وكان لا يأتمر بأوامر النبيّ صلى اللّه عليه وآله وشرعه ومنهاجه ، فقد تخلّف عن جيش أُسامة مع تشديد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ولعنه المتخلّفين(1).

وابتدع الجماعة في صلاة النوافل « التراويح » ، واستحسن هذه البدعة(2) ، ومنع عن متعة الحجّ ومتعة النساء ، واعترف أنّهما مشرّعتان من النبيّ صلى اللّه عليه وآله(3) ، وغيّر تشريع الطلاق(4).

وكان يرى عدم وجوب الصلاة لمن أجنب ولم يجد ماءً(5) ، وكان يذعن ويعترف بقلّة علمه حتّى بالنسبة إلى النساء(6).

ص: 386


1- الملل والنحل 1 / 23.
2- المغني لابن قدامة 1 / 798 ، تحفة الأحوذي 3 / 450 ، نصب الراية 2 / 174 ، كنز العمّال 8 / 407 ، تلخيص الحبير 4 / 247 ، كتاب الموطّأ 1 / 114 ، تنوير الحوالك : 137 ، الشرح الكبير 1 / 747 ، نيل الأوطار 3 / 63 ، صحيح البخاري 2 / 252 ، فتح الباري 4 / 219 ، المصنّف للصعناني 4 / 259 ، صحيح ابن خزيمة 2 / 155.
3- مسند أحمد 3 / 356 ، شرح نهج البلاغة 1 / 182 و 12 / 251 و 16 / 265 ، كنز العمّال 16 / 521 ، أحكام القرآن للجصّاص 1 / 352 و 191 ، الجامع لأحكام القرآن 2 / 392 ، علل الدارقطني 2 / 156 ، تاريخ بغداد 14 / 202 ، تاريخ مدينة دمشق 64 / 71 ، تهذيب الكمال 31 / 214 ، تذكرة الحفّاظ 1 / 366 ، المبسوط للسرخي 4 / 27 ، المغني لابن قدامة 7 / 572 ، الشرح الكبير 7 / 537 ، المحلّى 7 / 107.
4- صحيح مسلم 4 / 183 ، مسند أحمد 1 / 314 ، المستدرك 2 / 196 ، السنن الكبرى للبيهقي 7 / 336 ، فتح الباري 9 / 297 ، المجموع 17 / 122 ، المحلّى 10 / 168 ، سبل السلام 3 / 172 ، نيل الأوطار 7 / 14 ، عون المعبود 6 / 190 ، سنن الدارقطني 4 / 31 ، الجامع لأحكام القرآن 3 / 130.
5- مسند أحمد 4 / 265 ، السنن الكبرى للبيهقي 1 / 211 و 226 ، صحيح ابن حبّان 4 / 128 ، تفسير القرآن العظيم 1 / 517.
6- شرح نهج البلاغة 1 / 182 و 12 / 208 ، الدرّ المنثور 2 / 133 ، السنن الكبرى للبيهقي 7 / 233 ، مجمع الزوائد 4 / 284 ، كنز العمّال 16 / 537 ، فيض القدير 2 / 8 ، كشف الخفاء 1 / 269 و 2 / 118 ، تفسير القرآن العظيم 1 / 478 ، فتح القدير 1 / 443.

وقال قولته المشهورة عند وفاة رسول اللّه ، وبمحضره صلى اللّه عليه وآله ، وردّاً لطلبه صلى اللّه عليه وآله : إنّه ليهجر ، أو إنّه يهجر(1) ، قد غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبكم كتاب اللّه(2) ، حتّى لا يجعل الرسول صلى اللّه عليه وآله الأمر لعلي عليه السلام.

ويشهد التاريخ بمدى جبنه في الحروب!!(3) ، واعترف بانفلات بيعة أبي بكر لتضمّنها الشرّ(4) ، وهاجم بيت علي عليه السلام وفاطمة عليها السلام في جماعة ، لتثبيت بيعة أبي بكر ، وصار ما صار من الحرق ، وإسقاط الجنين(5).

وخالف النبيّ صلى اللّه عليه وآله وأبي بكر في جعله الخلافة في شورى بين ستة(6) ، وتعلّم سورة البقرة في اثنتي عشرة سنة!!(7).

ومنع من نشر أحاديث الرسول صلى اللّه عليه وآله ، بل وأمر بإحراقها(8) ، ومنع زيارة شجرة الرضوان وأمر بقطعها(9).

ص: 387


1- صحيح مسلم 5 / 76 ، السنن الكبرى للنسائي 3 / 435 مسند أحمد 1 / 355 ، تاريخ الأُمم والملوك 2 / 436 ، الكامل في التاريخ 2 / 320 ، أضواء على السنّة المحمّدية : 55.
2- مسند أحمد 1 / 325 ، صحيح البخاري 1 / 37 و 5 / 138 و 8 / 161 ، الطبقات الكبرى 2 / 244 ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى 2 / 192.
3- المصنّف لابن أبي شيبة 8 / 525 ، مجمع الزوائد 6 / 150 و 9 / 124 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 93 ، البداية والنهاية 7 / 373 ، المستدرك 3 / 37 ، كنز العمّال 10 / 462.
4- السنن الكبرى للنسائي 4 / 272 ، صحيح ابن حبّان 2 / 158 ، شرح نهج البلاغة 2 / 26 و 9 / 31 و 12 / 147 و 20 / 21 ، تاريخ اليعقوبي 2 / 158 ، لسان العرب 2 / 67.
5- الإمامة والسياسة : 30 ، تاريخ الأُمم والملوك 2 / 443 ، 3 / 203 ، شرح نهج البلاغة 2 / 56 و 6 / 48 ، المختصر في أخبار البشر 1 / 219.
6- تاريخ اليعقوبي 2 / 160.
7- الدرّ المنثور 1 / 21 ، تنوير الحوالك : 216 ، الجامع لأحكام القرآن 1 / 40.
8- الطبقات الكبرى 6 / 7 ، البداية والنهاية 8 / 115 ، تذكرة الحفّاظ 1 / 7 ، الأم 7 / 358 ، كنز العمّال 2 / 285 ، المستدرك 1 / 102.
9- المصنّف لابن أبي شيبة 2 / 269 ، الدرّ المنثور 6 / 73 ، شرح نهج البلاغة 12 / 101 ، فتح القدير 5 / 52 ، فتح الباري 7 / 345 ، سبل الهدى والرشاد 5 / 50.

وأخيراً : وبعد هذا كُلّه ، كيف يكون أفضل من الإمام علي عليه السلام ، وكيف يكون أولى بالخلافة منه؟!

( تقي الدين - مصر - سنّي - 35 سنة - طالب علم )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : أُعلّق على شيء واحد : لا تصحّ قصّة قطع سيّدنا عمر لشجرة بيعة الرضوان عند المحقّقين من أهل السنّة ، والحافظ ابن حجر لو رجعتم إلى كلامه في فتح الباري ، لوجدتم أنّه قال : « ثمّ وجدت عند سعد بإسناد صحيح عن نافع أنّ عمر بلغه ... » (1) ، فالحافظ لم يصحّح إلاّ إسناد القصّة إلى نافع ، لكن يبقى أنّ هناك انقطاعاً بين نافع وعمر فلا تصحّ القصّة ، هذا من حيث السند ، وقد ضعّفها غير واحد.

ومن حيث المتن : فإنّ هذه الحادثة لا يمكن أن تكون صحيحة ، لمخالفتها ما ثبت في الصحيحين ، من أنّ مكان الشجرة قد خُفي على الصحابة ، وأنّ التابعين كانوا يبحثون عنها بعد وفاة سيّدنا عمر ، ولو كان قد قطعها لانتشر خبر ذلك بينهم.

ففي صحيح البخاري : « حدّثنا محمّد بن رافع حدّثنا شبابة بن سوار أبو عمرو الفزاري ، حدّثنا شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيّب عن أبيه قال : لقد رأيت الشجرة ، ثمّ أتيتها بعد فلم أعرفها ، قال محمود : ثمّ أنسيتها بعد » (2).

وفيه أيضاً : « حدّثنا محمود ، حدّثنا عبيد اللّه عن إسرائيل عن طارق بن عبد الرحمن قال : انطلقت حاجّاً فمررت بقوم يصلّون قلت : ما هذا المسجد؟ قالوا : هذه الشجرة حيث بايع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بيعة الرضوان ، فأتيت سعيد بن المسيّب فأخبرته ، فقال سعيد : حدّثني أبي أنّه كان فيمن بايع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله تحت الشجرة ، قال : فلمّا خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها ،

ص: 388


1- فتح الباري 7 / 345.
2- صحيح البخاري 5 / 64.

فقال سعيد : إنّ أصحاب محمّد صلى اللّه عليه وآله لم يعلموها ، وعلمتموها أنتم فأنتم أعلم »(1).

وفيه أيضاً : « حدّثنا موسى حدّثنا أبو عوانة ، حدّثنا طارق عن سعيد بن المسيّب عن أبيه : أنّه كان ممّن بايع تحت الشجرة ، فرجعنا إليها العام المقبل فعميت علينا »(2).

يقول الطبري : « وزعموا أنّ عمر بن الخطّاب مر بذلك المكان بعد أن ذهبت الشجرة فقال : أين كانت؟ فجعل بعضهم يقول : هنا ، وبعضهم يقول : ههنا ، فلمّا كثر اختلافهم قال : سيروا ، هذا التكلّف فذهبت الشجرة ، وكانت سمرة ، إمّا ذهب بها سيل ، وإمّا شيء سوى ذلك » (3).

ولم يرتض الحافظ إنكار سعيد حيث قال : « لكن إنكار سعيد بن المسيّب على من زعم أنّه عرفها معتمداً على قول أبيه ، إنّهم لم يعرفوها في العام المقبل لا يدلّ على رفع معرفتها أصلاً ، فقد وقع عند المصنّف من حديث جابر الذي قبل هذا : لو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان الشجرة ، فهذا يدلّ على أنّه كان يضبط مكانها بعينه ، وإذا كان يضبط موضعها ففيه دلالة على أنّه كان يعرفها بعينها ، لأنّ الظاهر أنّها حين مقالته تلك كانت هلكت إمّا بجفاف أو بغيره ، واستمر هو يعرف موضعها بعينه »(4).

قلت : حاصل ما ذكره الحافظ أن يقال : بأنّ مكان الشجرة كان خافياً على جماهير الصحابة ، وليس هناك ما يدلّ على علم سيّدنا عمر بمكانها.

ج : نودّ أن نذكّركم بأنّ المقام مقام بحث وردّ وبدل ، وقرع الحجّة بالحجّة ، وليس المقام مقام إدلاء الكلام ، ورميه كيف ما كان ، فالبدء بالدليل جزء من البدء بغيره ، لأنّ الزمن أصبح زمن الدليل ، وولّى عصر الدعاوى التي لا تقوم على سند.

ص: 389


1- المصدر السابق 5 / 65.
2- نفس المصدر السابق.
3- جامع البيان 26 / 112.
4- فتح الباري 7 / 344.

بالنسبة لشجرة بيعة الرضوان ، فالمروي عن نافع بسند صحيح : أنّ عمر بن الخطّاب هو الذي قطعها.

يبقى الكلام في كون نافع - الذي لا يعرف له أب ولا أُمّ ولا رسم - مولىً لابن عمر ، وأنّ ابن عمر هو الذي أسره في بعض الغزوات ، فالرواية مرسلة هذا ملخّص الإشكال؟

والجواب أوّلاً : الحديث المرسل لم يقل أحد بأنّه لا يصحّ مطلقاً ، فهناك من فرّق بين إرسال كبار التابعيين وبين غيرهم ، فقد احتجّ بالمرسل مالك وأبو حنيفة ، وأحمد بن حنبل(1) ، ونافع من أئمّة التابعين فيمكن الاحتجاج بقوله.

وثانياً : إنّ نافعاً لم يسند الرواية إلى عمر بن الخطّاب حتّى نقول بأنّها مرسلة ، وإنّما جزم بأنّ عمر بن الخطّاب هو الذي قطعها ، وهذا لا يعني الإرسال ، لأنّ نافعاً معاصر لابن عمر بن الخطّاب - وهو مولاه - ولكثير من الصحابة ، فيكون هذا الأمر معلوم عنده بواسطة الصحابة الذين عاصروا عمر ابن الخطّاب.

ومن خلال معاصرته لزمن قريب من زمن عمر بن الخطّاب ، فقواعد الحديث أشبهت في تطبيقها هنا ، وإنّما هو قول لنافع مولى ابن عمر في أنّ عمر بن الخطّاب هو الذي قطع الشجرة.

وثالثاً : على كُلّ تقدير ، فقد قال الإمام مالك في حقّ نافع : « إذا قال نافع شيئاً فاختم عليه »(2).

وقال الخليلي : « نافع من أئمّة التابعين بالمدينة ، إمام في العلم متّفق عليه صحيح الرواية ، منهم من يقدّمه على سالم ، ومنهم من يقارنه به ، ولا يعرف له خطأ في جميع ما رواه »(3).

ص: 390


1- الباعث الحثيث : 57.
2- سير أعلام النبلاء 5 / 98.
3- تهذيب الكمال 29 / 306.

وأمّا ما روي عن سعيد بن المسيّب فهو مطروح لعدّة أُمور.

أوّلاً : إنّ المبايعين تحت الشجرة بشهادة ابن المسيّب نفسه 1600 نفر ، أو 1500 نفر ، فكيف تعقل أنّ هؤلاء جميعاً نسوا مكان شجرة بيعة الرضوان ، مع أنّ مكان الشجرة يقع في الحديبية ، وهي تبعد مرحلة عن مكّة ، أي مسير نصف يوم(1) ، وفي هؤلاء المبايعين كثير من المهاجرين ، الذين هم من أهل مكّة ، وهم سكنة تلك المناطق.

أقول : مع هذا كُلّه ، كيف نتصوّر أنّهم أضاعوا المكان ولا يعرفوه؟!

بل أنّنا نجد شخصاً أنصارياً - وهو جابر بن عبد اللّه الأنصاري - يقول : لو كنت أبصرت اليوم لأريتكم مكان الشجرة(2) ، مع أنّه كان في زمن بيعة الرضوان شاباً يافعاً ، وهو مدني والحديبية تبعد عن المدينة تسع مراحل(3) ، ومع ذلك يقول : أنا أعرف مكانها ، وأعرف محلّها ، فما بالك بالمهاجرين ، والذين فيهم الكبار ، وهم أهل مكّة ، كيف لا يعرفونها مع هذا العدد الضخم؟ الذي لا يقل عن 1400 نفر من المبايعين؟!

فهذا كُلّه يشهد لصحّة كلام نافع مولى ابن عمر ، من أنّ عمر بن الخطّاب هو الذي قطعها ، ويبطل قول سعيد بن المسيّب ، بل لا يمكن تصحيح كلام سعيد بن المسيّب بتاتاً ، والقضية مشهورة عند علماء المسلمين ، وإليك بعض كلماتهم :

قال ابن أبي الحديد : « قد وجدنا في الآثار والأخبار في سيرة عمر أشياء تناسب قوله هذا في الحجر الأسود ، كما أمر بقطع الشجرة التي بويع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله تحتها بيعة الرضوان في عمرة الحديبية ، لأنّ المسلمين بعد وفاة النبيّ صلى اللّه عليه وآله كانوا يأتونها فيقيلون تحتها ، فلمّا تكرّر ذلك أوعدهم عمر فيها ، ثمّ أمر بها فقطعت »(4).

ص: 391


1- معجم البلدان 2 / 229.
2- صحيح البخاري 5 / 63.
3- معجم البلدان 2 / 229.
4- شرح نهج البلاغة 12 / 101.

واثبت هذا القول ابن الجوزي في « زاد المسير » (1) ، وذكرها السيوطي في « الدرّ المنثور » (2) ، والشوكاني في « فتح القدير » (3).

وأمّا ما نقلته عن الطبري فلا ربط له بالمقام ، إذ إنّ عمر مرّ بالمكان بعد أن ذهبت الشجرة ، والكلام هو فيمن أذهب الشجرة؟ لا بعد ذهاب الشجرة ، ولا يوجد أيّ مستند على ذهاب السيل بها ، أو شيء آخر ، وإنّما هو كلام بلا سند.

ثمّ إنّ في رواية سعيد بن المسيّب عن أبيه عبارة وهي : « أنسيناها » أو « نسيناها » ، والبخاري أورد « أتيناها » ، أي أن فعل الانساء خارج عن إرادتهم ، ولم يكن منهم ، فكأنّما اللّه أنساهم مكان الشجرة ، وهذا شيء فيه استفهام كبير ، إذ ما السر في انسائهم مكان شجرة التي بايعوا تحتها بيعة الحديبية.

وأمّا قولك أخيراً : « قلت : حاصل ما ذكره ... » ، فقد اتّضح ما فيه بعد وضوح كون الصحابة الذين بايعوا أكثر من أربعة عشر مائة ، ومنهم من المهاجرين ، والمكان لا يبعد عن مكّة إلاّ نصف يوم ، فكيف خفي عليهم؟!

وكيف لم يخف على جابر بن عبد اللّه الأنصاري الحدث السن في تلك الأيّام ، والذي يبعد عن مكّة أربعة أيّام ونصف ، ويخفى على المهاجرين أهل البلد؟!

هذا ملخّص ما جال في البال ، وإلاّ فللمقام كلام يطول به ، أعرضنا عنه اختصاراً.

( إبراهيم - البحرين - .... )

اعتداؤه بالقول على الرسول :

س : هل وردت في كتب أهل السنّة حادثة اعتداء عمر بن الخطّاب بالقول على الرسول محمّد صلى اللّه عليه وآله قبل وفاته؟ وبالتحديد عندما أراد الرسول صلى اللّه عليه وآله أن يكتب وصيّته.

ص: 392


1- زاد المسير 7 / 167.
2- الدرّ المنثور 6 / 73.
3- فتح القدير 5 / 52.

ج : قد ورد اعتداء عمر بالقول على الرسول صلى اللّه عليه وآله ، ومنعه من كتابة وصيّته قبيل ارتحاله صلى اللّه عليه وآله بعبارات مختلفة ، ومضمون واحد ، يدلّ على مواجهته مع الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وإليك نماذج تلك الأقاويل :

أ - إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله يهجر(1).

ب - اعتراف عمر بصدّه الرسول صلى اللّه عليه وآله عن كتابة الكتاب ، حتّى لا يجعل الأمر لعلي عليه السلام(2).

ج - إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قد غلب عليه الوجع ، حسبنا كتاب اللّه(3).

( غانم النصّار - الكويت - .... )

لا يتوب اللّه عليه ما دام غاصباً :

س : قال تعالى : ( عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ) (4).

يروى أنّ الآية المباركة نزلت في عمر بن الخطّاب حينما جامع النساء في رمضان وقت الصيام ، السؤال : يقول الباري عزّ وجلّ : ( فَتَابَ عَلَيْكُمْ ) ، فهل المقصود أنّ اللّه تاب عليه؟ وكيف يتوب عليه وهو المغتصب لحقّ آل البيت؟

ج : أوّلاً : علينا أن نثبت صحّة الرواية ، وعلى فرض صحّتها فإنّ مورد قبول التوبة هو في فعل الجماع في شهر رمضان ، لا مطلق قبول التوبة التي تشمل غصبه لحقّ آل محمّد عليهم السلام.

ص: 393


1- صحيح مسلم 5 / 76 ، السنن الكبرى للنسائي 3 / 435 مسند أحمد 1 / 355 ، تاريخ الأُمم والملوك 2 / 436 ، الكامل في التاريخ 2 / 320 ، أضواء على السنّة المحمّدية : 55.
2- شرح نهج البلاغة 12 / 79.
3- مسند أحمد 1 / 325 ، صحيح البخاري 1 / 37 و 5 / 138 و 8 / 161 ، الطبقات الكبرى 2 / 244 ، الشفا بتعريف حقوق المصطفى 2 / 192.
4- البقرة : 187.

هذا ، والروايات مختلفة في شأن نزول هذه الآية ، فتدبّر.

( زهيدي - المغرب - .... )

تلبّسه بالخلافة وتغييره لأحكام اللّه :

س : ما حقيقة وصف بعض الشيعة عمر بن الخطّاب بأنّه أساء إلى الخلافة.

ج : إنّ الشيعة ترى أنّ الخلافة بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بالنصّ والتعيين ، وأنّ الخليفة بعده هو الإمام علي عليه السلام بنصّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عليه ، وهذا النصّ إلهي ، أي : أنّ النبيّ أمر بتعيين علي عليه السلام الخليفة بعده بأمر من اللّه تعالى.

والنصوص على ذلك من الكتاب والسنّة كثيرة ، منها : آية التطهير ، وآية الولاية ، وآية المباهلة ، وآية المودّة ، وآية التبليغ ، وحديث الغدير ، وحديث الثقلين ، وحديث الدار ، وحديث السفينة ، وغيرها من الأدلّة الشرعية ، كما وتستدلّ الشيعة بالعقل ، وذلك لاستحالة أن يترك النبيّ أُمّته من دون أن يعيّن لهم خليفة بعده ، ويترك أُمّته يتنازعون فيما بينهم بعده ، وكذلك تجد سائر الأنبياء والمرسلين لهم أوصياء.

وعلى مبنى الشيعة ماذا يكون حكم المتلبّس بالخلافة؟ وهي ليست له؟! فأوّل إساءة صدرت منه : أنّه تلبّس بالخلافة التي نصّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله على أنّها لعلي عليه السلام.

ومن ثمّ تغييره لأحكام اللّه الثابتة ، كصلاة التراويح التي قال عنها : نعمت البدعة(1) ، وكمتعة الحجّ والنساء التي قال عنهما : أنا أنهى عنهما وأعاقب

ص: 394


1- المغني لابن قدامة 1 / 798 ، تحفة الأحوذي 3 / 450 ، نصب الراية 2 / 174 ، كنز العمّال 8 / 407 ، تلخيص الحبير 4 / 247 ، كتاب الموطّأ 1 / 114 ، تنوير الحوالك : 137 ، الشرح الكبير 1 / 747 ، نيل الأوطار 3 / 63 ، صحيح البخاري 2 / 252 ، فتح الباري 4 / 219 ، المصنّف للصعناني 4 / 259 ، صحيح ابن خزيمة 2 / 155.

عليهما (1) ، ومنعه لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أن يكتب الكتاب ، وقوله : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله يهجر (2) ، وبلغ بجهله إلى مرتبة أن صرح بقوله : كُلّ أحد أفقه من عمر (3).

وأختم لك الكلام بحديث عن عمر يقول فيه : « يا ليتني كنت كبش أهلي ، سمّنوني ما بدا لهم ، حتّى إذا كنت أسمن ما أكون ، زارهم من يحبّون ، فجعلوا بعضي شواءً ، وبعضي قديداً ، ثمّ أكلوني ، فأخرجوني عذرة ، ولم اكن بشراً » (4).

فاقرأ وحكّم عقلك واحكم ، هدانا اللّه وإيّاك إلى سواء السبيل.

( كُميل - الكويت - .... )

كان من المنهزمين يوم أُحد :

س : أجد الكثير من الروايات التي لا أعلم مدى صحّتها عند أهل السنّة ، فأرجو تزويدي بالمصادر الموثّقة عندنا ، أو عند أهل السنّة ، حتّى تتمّ الحجّة عليهم : إنّ من بين الفارّين في يوم أُحد عمر وعثمان ، أتمنّى لو احصل على نصّ الحديث ، ولكم منّا جزيل الشكر والامتنان.

ص: 395


1- الشرح الكبير 7 / 537 ، المحلّى 7 / 107 ، كنز العمّال 16 / 519 ، السنن الكبرى للبيهقي 7 / 206 ، شرح معاني الآثار 2 / 146 ، شرح نهج البلاغة 12 / 251 و 16 / 265 ، أحكام القرآن للجصّاص 1 / 338 و 352 و 2 / 191 و 3 / 312 ، الجامع لأحكام القرآن 2 / 392 ، علل الدارقطني 2 / 156.
2- صحيح مسلم 5 / 76 ، السنن الكبرى للنسائي 3 / 435 مسند أحمد 1 / 355 ، تاريخ الأُمم والملوك 2 / 436 ، الكامل في التاريخ 2 / 320 ، أضواء على السنّة المحمّدية : 55.
3- السنن الكبرى للبيهقي 7 / 233 ، مجمع الزوائد 4 / 284 ، شرح نهج البلاغة 1 / 182 و 12 / 15 و 208 و 17 / 171 ، كنز العمّال 16 / 537 ، فيض القدير 2 / 8 ، كشف الخفاء 1 / 269 و 2 / 118 ، تفسير القرآن العظيم 1 / 478 ، الدرّ المنثور 2 / 133 ، فتح القدير 1 / 443 ، علل الدارقطني 2 / 239 ، نور الأبصار : 100.
4- كنز العمّال 12 / 619 ، حلية الأولياء 1 / 88 ، نور الأبصار : 102 ، تاريخ مدينة دمشق 30 / 331.

ج : قد روى الفخر الرازي في تفسيره الكبير في ذيل قوله تعالى : ( إإِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ ) (1) قال : « ومن المنهزمين - يعني يوم أُحد - عمر ، إلاّ أنّه لم يكن في أوائل المنهزمين ولم يبعد ، بل ثبت على الجبل إلى أن صعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ومنهم أيضاً عثمان ، انهزم مع رجلين من الأنصار يقال لهما سعد وعقبة ، انهزموا حتّى بلغوا موضعاً بعيداً ، ثمّ رجعوا بعد ثلاثة أيّام »(2).

( منار الحقّ - السعودية - .... )

قوله لولا علي لهلك عمر :

س : ما هي المصادر التي نقلت قول عمر : لولا علي لهلك عمر ، وأقواله الأُخرى في حقّ الإمام علي عليه السلام.

ج : لعمر بن الخطّاب كلمات مشهورة تعرب عن غاية احتياجه في العلم إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، نذكر بعضها :

1 - لولا علي لهلك عمر(3).

2 - لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن(4).

3 - اللّهم لا تبقني لمعضلة ليس لها أبو الحسن(5).

4 - لا أبقاني اللّه لمعضلة ليس لها أبو الحسن(6).

ص: 396


1- آل عمران : 155.
2- التفسير الكبير 3 / 398.
3- تأويل مختلف الحديث : 152 ، شرح نهج البلاغة 1 / 18 و 141 و 12 / 179 ، نظم درر السمطين : 130 ، المناقب : 81 ، جواهر المطالب 1 / 195 و 296 ، ينابيع المودّة 1 / 216 و 227 و 3 / 147 ، فيض القدير 4 / 470 ، الجوهرة : 72 ، ذخائر العقبى : 82.
4- شرح نهج البلاغة 1 / 18.
5- نظم درر السمطين : 132.
6- أنساب الأشراف : 100.

5 - اللّهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب حيّاً(1).

6 - قال سعيد بن المسيّب : كان عمر يتعوّذ باللّه من معضلة ليس لها أبو الحسن(2).

7 - أعوذ باللّه من كُلّ معضلة ليس لها أبو حسن(3).

8 - نعوذ باللّه من معضلة لا علي لها(4).

9 - أعوذ باللّه من معضلة ولا أبو حسن لها(5).

10 - أعوذ باللّه من معضلة ليس فيها علي(6).

11 - لا أبقاني اللّه بأرض لستَ بها يا أبا الحسن(7).

12 - عن أبي سعيد : أنّ عمر كان يسأل علياً عن شيء فأجابه ، فقال عمر : أعوذ باللّه أن أعيش في قوم ليس فيهم أبو الحسن(8).

( محمّد يوسف - السعودية - .... )

الاحتفال في اليوم التاسع من ربيع الأوّل :

س : تقام هذه الأيّام مراسم احتفالات بعيد الزهراء عليها السلام ، وحيث إنّه معلوم أنّ بضعة الرسول الأكرم توفّيت بعد أبيها بستّة أشهر على أكثر الروايات ،

ص: 397


1- المناقب : 97 ، ينابيع المودّة 1 / 227 ، مقتل الحسين للخوارزمي : 78.
2- ذخائر العقبى : 82 ، فتح الباري 13 / 286 ، كنز العمّال 1 / 300 ، الطبقات الكبرى 2 / 339 ، أُسد الغابة 4 / 23 ، تهذيب الكمال 20 / 485 ، تهذيب التهذيب 7 / 296 ، الإصابة 4 / 467 ، ينابيع المودّة 2 / 172 و 405 ، مطالب السؤول : 137.
3- تأويل مختلف الحديث : 152 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 406 ، غريب الحديث 2 / 293 ، النهاية في غريب الحديث 3 / 254 ، لسان العرب 11 / 453 ، تاج العروس 8 / 22.
4- نظم درر السمطين : 131 ، المناقب : 96.
5- البداية والنهاية 7 / 397.
6- ينابيع المودّة 3 / 147.
7- شرح نهج البلاغة 12 / 101.
8- فيض القدير 4 / 470.

ولكن يقال إنّه هذا اليوم هو وفاة الخليفة الثاني ، الذي اغتصب حقّها من أبيها ، لذلك نحن نحتفل بهذا اليوم ، نرجو التوضيح في هذه المسألة.

أفيدونا جزاكم اللّه خيراً.

ج : إنّ الاحتفال في اليوم التاسع من ربيع الأوّل جاء لورود روايات عن أهل البيت عليهم السلام في فضل هذا اليوم ، وثّقها بعض وضعّفها آخرون ، وقد تكون جاءت لتنصيب الإمام الحجّة المنتظر عليه السلام للإمامة بعد وفاة أبيه الإمام الحسن العسكري عليه السلام في الثامن من ربيع الأوّل.

وهناك روايات تاريخية تنصّ على مصادفة هذا اليوم مع يوم مقتل عمر بن الخطّاب.

( فراس - الأردن - .... )

ما ورد من رثائه في نهج البلاغة :

س : كيف يتّفق ما عرفناه مع ما يلي وهو مقتبس من نهج البلاغة شرح محمّد عبده : « لله بلاء فلان ، فلقد قوّم الأود ، وداوى العمد ، وأقام السنّة ، وخلف الفتنة ، ذهب نقي الثوب ، قليل العيب ، أصاب خيرها ، وسبق شرّها ، أدّى إلى اللّه طاعته ، واتقاه بحقّه ، رحل وتركهم في طرق متشعّبة ، لا يهتدي فيها الضالّ ، ولا يستيقن المهتدي » (1).

أفتونا مأجورين.

ج : للجواب على هذا السؤال نذكر وباختصار عدّة مطالب :

1 - لم يقل أحد من علماء الشيعة بصحّة كُلّ ما جاء في نهج البلاغة ، بل وحتّى الشريف الرضي - مؤلّف كتاب نهج البلاغة - لم يدعّ صحّة كُلّ ما جاء في كتابه نهج البلاغة ، ولم يصرّح بأنّه ما روى إلاّ ما صحّ عنده سنده ، وكما هو المعلوم من المبنى عند الشيعة ، أن يخضع كُلّ حديث إلى البحث في السند والدلالة.

ص: 398


1- شرح نهج البلاغة 12 / 3.

2 - الخطبة وردت من دون تعيين شخص بعينه.

3 - لو سلّمنا كُلّ هذا ، فإنّ بعض المصادر(1) ذكرت : أنّ أصل هذا الكلام حكاه الإمام علي عليه السلام عن النادبة أو الباكية لهذا البعض من الأصحاب ، وفي آخره قال الإمام علي عليه السلام : « أما واللّه ما قالت ولكنّها قوّلت »(2).

ولتوضيح المطلب نقول : إنّ الإمام عليه السلام حكى هذا القول عن النادبة أو الباكية لهذا البعض من الأصحاب ، وربما يشكل بأنّ حكايته لهذا الكلام دليل على قبوله؟ فالجواب يكون بأنّه عليه السلام قال بعد أن استشهد بكلام النادبة : « واللّه ما قالت ولكنّها قوّلت » ، ممّا يشعر بردّه لكلام النادبة وعدم قبوله له.

( موسى - السعودية - .... )

نصحه الإمام علي بعدم غزو الروم :

س : قرأت في نهج البلاغة : ومن كلام له عليه السلام ، وقد شاوره عمر بن الخطّاب في الخروج إلى غزو الروم : « وَقَدْ تَوَكَّلَ اللّهُ لأَهْلِ هَذا الدِّينِ بِإِعْزَازِ الْحَوْزَةِ ، وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ ، وَالَّذِي نَصَرَهُمْ - وَهُمْ قَلِيلٌ لاَ يَنْتَصِرُونَ ، وَمَنَعَهُمْ وَهُمْ قَلِيلٌ لاَ يَمتَنِعُونَ - حَيٌّ لاَ يَمُوتُ.

إنَّكَ مَتَى تَسِرْ إلى هذَا الْعَدُوِّ بِنَفْسِكَ ، فَتَلْقَهُمْ بِشَخْصِكَ فَتُنْكَبْ ، لاَ تَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ كَانِفَةٌ دُونَ أَقْصَى بِلاَدِهِمْ ، وَلَيْسَ بَعْدَكَ مَرْجِعٌ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ ، فَابْعَثْ إِلَيْهِمْ رَجُلاً مِجْرَباً ، وَاحْفِزْ مَعَهُ أَهْلَ الْبَلاَءِ وَالنَّصِيحَةِ ، فَإِنْ أَظْهَرَ اللّهُ فَذَاكَ مَا تُحِبُّ ، وَإِنْ تَكُنِ الأُخْرَى ، كُنْتَ رِدْءاً للنَّاسِ وَمَثَابَةً لِلْمُسْلِمِينَ » (3).

فهل المقصود من ذلك اعترافه بخلافة عمر؟ وأنّه المرجع الوحيد للناس في زمن خلافته؟

ص: 399


1- تاريخ الأُمم والملوك 3 / 285 ، تاريخ مدينة دمشق 44 / 458 ، البداية والنهاية 7 / 158.
2- شرح نهج البلاغة 12 / 5.
3- شرح نهج البلاغة 8 / 296.

ج : الحكومة في نظر الأنبياء والأئمّة عليهم السلام ليست هدفاً ، وإنّما وسيلة ، والهدف هو رضى اللّه تعالى ، والتمكّن من تطبيق أوامر اللّه ونواهيه ، والحكومة هي إحدى مهامّهم ، وليست كُلّ مهامّهم.

ولأجل هذا ، تجد أنّ أكثر الأنبياء والرسل والأئمّة عليهم السلام لم يصلوا إلى الحكومة ، لأنّها لم تكن الهدف ، ولم يكونوا عليهم السلام كسائر السلاطين والحكّام الذين كرّسوا كُلّ جهودهم للوصول إلى الحكم ، وبأيّ وسيلة كانت.

فإذا تبيّن هذا ، فإنّ الحفاظ على أصل الإسلام وكيانه من أهمّ واجبات الإمام عليه السلام ، ولمّا رأى الإمام علي عليه السلام أنّ الناس جديدو عهد بالإسلام ، وأنّ أيّ منازعة منه للخلفاء ستؤدّي إلى ارتداد الكثيرين ، وبالتالي سيكون الإسلام في خطر ، فكان عليه السلام كما وصف هو حاله : « فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجا ، أرى تراثي نهبا »(1).

وكذلك بالنسبة إلى هذه الخطبة ، فإنّه عليه السلام ليس له همّ إلاّ الحفاظ على أصل الإسلام ، فلمّا كان في شخوص عمر بن الخطّاب بنفسه إلى الحرب ، ممّا سيؤدّي إلى تضعيف الإسلام ، وذلك للأسباب التي وضّحها عليه السلام في هذه الخطبة ، وجّه عليه السلام نصحه إلى عمر بأن لا يخرج ، وهذا ليس اعتراف منه عليه السلام بصحّة خلافة عمر ، كما أنّ صبره عليه السلام ليس اعتراف بصحّة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان.

هذا ، وإن نصح الإمام وخطابه ليس موجّهاً إلى عمر بن الخطّاب بشخصه ، بل إلى عمر بما يستحلّه من مقام زعامة المسلمين ، وإن كان هذا المقام قد اغتصبه عمر وليس هو حقّ له ، ولكن الآن يحتلّ هذا المقام ، وفي شخوصه تضعيف للإسلام ، ومن أهمّ وظائف الإمام حفظ بيضة الإسلام.

ص: 400


1- المصدر السابق 1 / 151.

( موسى - السعودية - .... )

تعقيب على الجواب السابق :

أشكركم على هذا الردّ الوافي ، وأتمنّى لكم دوام الصحّة والعافية ، وأن ينفع اللّه بعلمكم الأُمّة الإسلامية.

( عبد اللّه - ... - ..... )

اعتراضاته :

س : تحية طيّبة وبعد ، أنا من الذين يتعرّضون لبعض المواجهات مع بعض الأشخاص من العامّة والوهّابية ، وحيث إنّه يوجّهون بعض الإشكالات على مذهب الحقّ ، ورغبتنا منّا في الحصول على الردّ المناسب وعدم الرد المتسرّع ، أوجّه لكم هذه الرسالة من أحد أهل السنّة ، والتي سوف أكون شاكراً لكم ، لو حصلت على الردّ المناسب على هذه الرسالة.

أمّا أنّ عمر ابن الخطّاب اعترض على أمر الرسول صلى اللّه عليه وآله في حياته ، فاعلم أنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله له أمران : أمر في شؤون الدين والتشريع ، فلا يسع أحداً أن يشاور فيها ، ولا يقدّم بين يدي اللّه ورسوله ، وأمر في شؤون الحياة ، وهو الذي تطبّق فيه الشورى.

في غزوة بدر نزل الرسول صلى اللّه عليه وآله بالصحابة في مكان ، وأشار الحباب بن المنذر بمكان أخر فاختير مكان الحباب.

في غزوة أُحد كان رأي الرسول صلى اللّه عليه وآله المكوث في المدينة ، وكان رأي شباب الصحابة الخروج ، وكان الخروج ....

هنا يقول : أنّه لم يصدر أيّ حديث بذمّ عمر بن الخطّاب من الرسول صلى اللّه عليه وآله ، ولا أيّ قول أثر عن علي بن أبي طالب يذمّ فيه عمراً ، إذا كان لديك قول ممّا سبق فإلينا به.

ثالثاً : إذا حكمت بعدم عدالة عمر ، فهذا يعني أنّه ليس بكفؤ للزواج من بنت علي بن أبي طالب ، فلماذا زوجّه إذن؟ إن قلت : بسبب التهديد ، فهذا قول

ص: 401

مردود ، لأنّه لا اعتقد أنّ الفارس يرضخ لتهديد عمر ، الذي ذكرتم في جبنه الأقاويل.

وإن قلت : بسبب التهديد ، فكيف يحلّ لمعصوم أن يتنازل عن أمر فاضل إلى مفضول تحت التهديد ، وهو المعصوم من اللّه عصمتين ، عصمة من الخطأ في أمر الدين ، وعصمة من أن يقتله أحد من البشر ، قال تعالى : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ) (1) ، وقال تعالى : ( وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (2).

فإن أسقطت هاتين العصمتين على الإمام علي بن أبي طالب ، فهذا يتنافى تماماً مع رضوخه للتهديد ، وإن لم تسقطها عليه ، فهذا يناقض عقيدة العصمة عندكم ، وإن قلت بالأُولى دون الثانية ، فهذا يعني أنّ كلام الإمام هو وحي من اللّه ، فهل أنت تقول بهذا القول؟ وإن قلت بالثانية دون الأُولى ، فالإمام علي مات شهيداً مقتولاً.

إن قلت : إنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله زوّج ابنته بأحد المشركين قبل الهجرة ، فأقول لك : إنّ ذلك قبل اكتمال شرائع الدين ، ولكن بعد اكتمال شرائع الدين لا يحلّ ذلك ، وإن قلت : إنّ الإمام زوّج عمر عن رضى منه ، فهذا يعني كفاءة وعدالة عمر ، وهو عكس ما أنت عليه الآن.

وإن قلت بالقول الشائع ، إنّه هناك ملابسات خاصّة ، فعليك بذكر تلك الملابسات.

وإن قلت : إنّ الإمام زوّجها خطأً ، فذلك ينافي العصمة ، وهل صحيح أنّه هناك من اجتهد مقابل قول الرسول في حياته ، ولم يصدر من الرسول أيّ شيء حيال هذا الاجتهاد؟

انتظر الردّ بفارغ الصبر ، وأرجو أن يكون سريعاً.

ج : يمكنكم أن تبعثوا بهذه الرسالة إلى من ذكر لكم هذه الإشكالات لتكون جواباً على استفساراته : .

ص: 402


1- النجم : 3.
2- المائدة : 67.

أودّ في البداية أن الفت انتباهكم إلى أنّ المشكلة تكمن في أنّكم في مقام الاستشهاد والاستدلال تحاولون التمسّك بالأخبار والتاريخ الوارد في كتبكم ، وتجعلون ذلك حجّة علينا ، أمّا حينما تصل النوبة إلينا فلا حقَّ لنا أن نستشهد بما ورد في كتبنا ، فلماذا باؤكم تجرُّ دون بائنا؟ وهل هذا من العدل والإنصاف؟!

وعلى أيّ حال ما أشرتم إليه أوّلاً من انقسام الأمر إلى قسمين فهذا وجيه ، ولكن ماذا نفعل إذا كانت المخالفة في شؤون الدين ، فتعال واقرأ :

1 - عن ابن عباس : لما حضر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطّاب ، قال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « هلمَّ اكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده » ، قال عمر : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب اللّه.

فاختلف أهل البيت فاختصموا ، فمنهم من يقول : قربّوا يكتب لكم النبيّ صلى اللّه عليه وآله كتاباً لن تضلّوا بعده ، ومنهم من يقول ما قال عمر ، فلمّا اكثروا اللغو والاختلاف عند النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، قال رسول اللّه : « قوموا » (1).

وينقل البخاري نفسه أنّه صلى اللّه عليه وآله قال : « آتوني بكتاب اكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً » ، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبيّ تنازع ، فقالوا : هجر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله(2).

إنّه ما أعظمه من اعتراض! وهل يوجد اعتراض أكبر من هذا يوجّه إلى النبيّ؟ ويقابل به بهذا الشكل من الوقاحة؟ إنّه صلى اللّه عليه وآله يطلب أن يكتب لهم كتاباً لن يضلّوا بعده أبداً ، وهل يوجد كتاب أعظم من هذا الكتاب الذي لا يضلّ بعده المسلمون؟ ويأتي الاعتراض والردّ على النبيّ صلى اللّه عليه وآله بأنّه غلبه الوجع أو هجر ، وهل تعلم ما معنى ذلك؟ أي أنّه يتكلّم بلا شعور ولا إدراك ، في الوقت الذي

ص: 403


1- صحيح البخاري 7 / 9 و 8 / 161 ، صحيح مسلم 5 / 76 ، المصنّف للصنعاني 5 / 438 ، مسند أحمد 1 / 324.
2- صحيح البخاري 4 / 31.

يقول عنه تعالى : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) (1) ، ماذا يتصوّر من جريمة أعظم من هذه الجريمة؟

واقبح من هذا أن يأتي المرقّع فيقول : إنّ المقصود الاستفهام ، أي أهَجَر ، وهل الاستفهام أقلّ قبحاً من نسبة الهجر إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله من دون الاستفهام.

2 - عن أبي وائل قال : « قام سهل بن حنيف يوم صفّين فقال : أيّها الناس اتهموا أنفسكم ، لقد كنّا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يوم الحديبية ، ولو نرى قتالاً لقاتلنا ، وذلك في الصلح الذي كان بين رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وبين المشركين ، فجاء عمر بن الخطّاب ، فأتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فقال : يا رسول اللّه ألسنا على حقّ وهم على باطل؟

قال : « بلى » ، قال : أليس قتلانا في الجنّة وقتلاهم في النار؟ قال : « بلى » ، قال : ففيم نعطي الدنية في ديننا ونرجع ، ولمّا يحكم اللّه بيننا وبينهم؟ فقال : « يا بن الخطّاب إنّي رسول اللّه ، ولن يضيعني اللّه أبداً ».

قال : فانطلق عمر فلم يصبر متغيّظاً ، فأتى أبا بكر ، فقال : يا أبا بكر ألسنا على حقّ وهم على باطل؟ قال : بلى ، قال : أليس قتلانا في الجنّة وقتلاهم في النار؟ قال : بلى ، قال : فعلامَ نعطي الدنية في ديننا ونرجع ، ولمّا يحكم اللّه بيننا وبينهم؟

فقال : يا بن الخطّاب إنّه رسول اللّه ، ولن يضيعه اللّه أبداً ، قال : فنزل القرآن على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بالفتح ، فأرسل إلى عمر فأقرأه إيّاه ، فقال : يا رسول اللّه أو فتح هو؟ قال : « نعم » فطابت نفسه ورجع » (2).

ولا ندري ما هو الاعتراض إذا لم تكن مواجهة النبيّ صلى اللّه عليه وآله بهذه الشدّة اعتراضاً.

ص: 404


1- النجم : 3 - 4.
2- صحيح مسلم 5 / 175 ، صحيح البخاري 4 / 70 و 6 / 45 ، مسند أحمد 3 / 486.

وقد يقول قائل : هل في المشورة بأس؟ وهل من القبيح أن يدلي بعض الصحابة برأيه في موضوع معيّن؟ ولماذا لا نحمل هذين الخبرين على ذلك؟

والجواب واضح ، فإنّ التشاور يعني إبداء الرأي من دون رفض ومعارضة بخلاف الاعتراض ، فإنّه يعني الرفض والإنكار دون مجرد إبداء الرأي ، وواضح أنّه في هذين الحديثين نجد الرفض والإنكار بأعلى درجاته ، إنّه إلى حدِّ نسبة الهجر إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وإلى حدٍّ لا يكتفي عمر بجواب الرسول صلى اللّه عليه وآله حتّى يذهب إلى أبي بكر ، وينزل القرآن بعد ذلك ، وتطيب آنذاك نفس الخليفة ، إنّه إلى حدٍّ يتغيّض على النبيّ صلى اللّه عليه وآله.

وأمّا ما أشرتم إليه من أنّه هل هناك ذمّ من الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام؟ فجوابه : إنّ الشخص الذي تصدر منه مثل هذه المواجهة للنبي صلى اللّه عليه وآله - الذي هو أعظم شخصية إسلامية - ويسكت النبيّ صلى اللّه عليه وآله خوفاً على الإسلام من أن يصاب بثلمة بسبب الاختلاف ، فكيف بالإمام علي عليه السلام؟

هل تتوقّعون منه الاعتراض والذمّ؟ وقد صدر أكبر ذمّ منه عليه السلام للخليفة الثاني ، وذلك بعد موت الخليفة في الخطبة الشقشقية المعروفة ، التي من أجلها أنكرتم وأنكر أصحابكم نسبة نهج البلاغة إلى الإمام علي عليه السلام ، ولكن ليس وراء الحقّ إلاّ الضلال.

وأمّا ما أشرتم إليه من أنّه إذا حكمت بعدم عدالة عمر فكيف زوجّه الإمام عليه السلام بابنته ، بعد عدم كونه كفؤاً ، فهو مضحك حقّاً ، حيث ليس لكم اطلاع على أنّ المسلم كفؤ المسلمة ، وليس العادل كفؤ العادلة ، إنّ التكافؤ لابدّ أن يكون بالإسلام وليس بالعدالة ، وبهذا تبطل جميع المقدّمات والشقوق المنطقية أو العقلية ، التي سوّدتم صحيفتكم بها.

نسأله تبارك وتعالى الهداية والتوفيق.

ص: 405

ص: 406

العولمة والحداثة :

اشارة

( خليفة الرحمن - السعودية - .... )

موقف الإسلام منهما :

س : ما مفهوم كُلّ من المصطلحين التاليين : الحداثة؟ العولمة؟ وما موقف الإسلام منهما؟ وما دور الشباب المسلم تجاه ما يعنيانه؟ وفّقكم اللّه وسدّد خطاكم.

ج : تارة نتكلّم عن الحداثة في مفهومها اللغوي ، وتارة في مفهومها العلماني.

فالحداثة بمفهومها اللغوي هي بمعنى الأكثر جدّة ، فهذا الجديد أو الأجد إذا كان ينسجم مع أحكام الإسلام وقوانينه ولا يعارضه ، فموقف الإسلام منه موقف إيجابي لا سلبي ، فالإسلام لا يحارب الجدّة والحداثة ، نعم هو يحارب كُلّ ما يتعارض مع أحكامه وقوانينه.

وأمّا الحداثة بمفهومها العلماني هي عبارة عن الابتداع في كُلّ شيء من شؤون الحياة ، حتّى لو أدّى إلى ضرب الدين عرض الجدار ، وهذا ممّا لاشكّ فيه يتنافى مع روح الإسلام ، فالإسلام مع الحداثة التي تنسجم مع قوانينه الخالدة ، وضدّ الحداثة التي هي الدعوة إلى ضدّها ، ولكن بأسلوب جديد وحديث.

ص: 407

وأمّا بالنسبة إلى العلمانية فهي بمفهومها الوضعي عبارة عن الرجوع إلى نتائج البحث العلمي البشري البحت بعيداً عن الدين ، فالعلمانية بهذا المفهوم تتنافى مع الدين.

ولاشكّ أنّ الدين قائم على أساس العلم ، والعلم قائم على الأسس العقلية المتينة ، والقواعد المنطقية الصحيحة ، ولا يوجد في الدين ما يتنافى مع ضرورات العقل ، والمقرّرات العقلية للعلم ، أمّا المقرّرات غير القطعية فبما أنّها عُرضة للتغيير فلا يمكن أن نربط الدين بها ، فيصبح الدين متغيّراً ، فليس من الصحيح أن نقول : أنّ الدين تبع للعلم.

إذاً ، العلمانية لا تعتقد بالثوابت الدينية ، وإنّما تعتمد على نتائج الفكر البشري المحدود.

وبتعبير آخر أوضح : إنّ العلمانية أُريد لها أن تكون شيئاً مضادّاً للدين ، يعني هناك أطروحتان لإدارة الحياة : أطروحة إلهية ، وأطروحة وضعية بشرية بعيدة عن قوانين الدين ، ولهذا حينما تقارن التشريعات يقال : هذا تشريع ديني إلهي ، وهذا تشريع وضعي بشري.

فالأطروحة العلمانية هي الأطروحة الوضعية التي تتقيّد بنتائج الفكر البشري ، بعيدة عن الدين عقائداً وأخلاقاً وأحكاماً ، وبهذا تتنافى مع الدين.

وليس المقصود من العلمانية في الاصطلاح معناها اللغوي المشتقّ من العلم ، لأنّ العلم في حدود القواعد المنطقية والأُسس العقلية السليمة يقرّ بالدين ، ولا يتنافى مع الدين في الحدود المسموح بها.

أمّا هناك أُمور غير مسموح بها لأنّها فوق طاقة العقل البشري ، ولهذا تجد المختبرات العلمية تكتشف اليوم أمراً ثمّ تنسفه غداً ، أمّا في الدين لا يوجد شيء من هذا القبيل إنّما حلال محمّد صلى اللّه عليه وآله حلال إلى يوم القيامة ، وحرامه حرام إلى يوم القيامة.

ص: 408

فالتغيّر إنّما يكون في الموضوعات أو في المصاديق ، أمّا في أصل الأحكام فإنّها ثابتة لا تقبل التبديل والتعديل.

( ... - ... - ..... )

المجتمع الحديث :

س : ما هو المقصود من المجتمع الحديث؟ وشكراً.

ج : المجتمع الحديث هو الذي يستخدم أفراده وحكومته أكثر المنجزات العلمية والتكنولوجية تطوّراً في إنجاز أعمالهم ونيل أهدافهم ، أي أنّهم في المجتمع الحديث ، إذا أرادوا إرسال نداء أو رسالة لا يرسلون قاصداً بل يستخدمون أفضل وسائل الاتصال في أسرع وقت ، وفي منتهى الدقّة ، كما أنّ الحكومة تمتلك أفضل المعلومات ، وتستخدم أرقى العلوم تطوّراً لتحليل قضاياها ، كما أنّها مسلّحة بآخر المنجزات الصناعية.

ص: 409

ص: 410

الغدير :

اشارة

( حميد - عمان - .... )

دلالة حديث الغدير على إمامة علي عليه السلام :

س : ما هو حديث الغدير؟ وكيف يدلّ على إمامة علي عليه السلام؟

ج : حديث الغدير هو : قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في حجّة الوداع بغدير خم ، حينما قام في الناس خطيباً - من خطبة طويلة - : « يا أيّها الناس إنّ اللّه مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه ، فهذا مولاه - يعني علياً - اللّهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ... ».

وقد روى هذا الحديث كثير من الصحابة ، وأورده جمع كبير من علماء الفريقين في كتبهم ، وأرسلوه إرسال المسلّمات(1).

ودلالة الحديث على خلافة وولاية علي عليه السلام واضحة ، فلا يمكن حمل الولاية على معنى المحبّ والصديق وغيرهما ، لمنافاته للمطلوب بالقرائن الحالية والمقالية.

أمّا المقالية : فإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ذكر ولاية علي بعد ولاية اللّه وولايته ، ثمّ جاء بقرينة واضحة على أنّ مراده من الولاية ليس هو الصديق والمحبّ وما

ص: 411


1- مسند أحمد 1 / 118 و 152 و 4 / 281 و 370 و 5 / 347 و 370 ، الجامع الكبير 5 / 297 ، سنن ابن ماجة 1 / 45 ، المستدرك 3 / 109 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 495 ، مجمع الزوائد 9 / 104 ، المعجم الكبير 4 / 17 و 5 / 170 و 5 / 192 و 5 / 204 ، شواهد التنزيل 2 / 381 ، التاريخ الكبير 1 / 375 ، الكامل في ضعفاء الرجال 3 / 256 ، 6 / 82 و 350 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 213 و 217 و 230 ، تهذيب الكمال 20 / 484 ، تهذيب التهذيب 7 / 296 ، الجوهرة : 67 ، البداية والنهاية 5 / 231 ، السيرة النبوية لابن كثير 4 / 421 ، ينابيع المودّة 2 / 249 و 283 و 391.

شاكل ، وذلك بقوله : « وأنا أولى بهم من أنفسهم » ، فهي قرينة تفيد أنّ معنى ولاية الرسول ، وولاية اللّه تعالى ، هو الولاية على النفس ، فما ثبت للرسول يثبت لعلي عليه السلام ، وذلك لقوله : « من كنت مولاه فهذا مولاه ».

وأمّا الحالية : فإنّ أيّ إنسان عاقل إذا نعيت إليه نفسه وقرب أجله تراه يوصي بأهم الأُمور عنده ، وأعزّها عليه.

وهذا ما صنعه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حينما حج حجّة الوداع ، حيث جمع المسلمين وكانوا أكثر من مائة ألف في يوم الظهيرة في غدير خم ، ويخطبهم تلك الخطبة الطويلة ، بعد أن أمر بإرجاع من سبق ، وانتظار من تأخّر عن العير ، وبعد أمره لتبليغ الشاهد الغائب.

كُلّ هذا فعله الرسول صلى اللّه عليه وآله ليقول للناس : إنّ علياً محبّ لكم صديق لكم ، فهل يليق بحكيم ذلك؟ وهل كان خافياً على أحد من المسلمين حبّ علي عليه السلام للإسلام والمسلمين؟ وهو الذي عرفه الإسلام بإخلاصه وشجاعته ، وعلمه وإيمانه.

أم أن ذلك يشكّل قرينة قطعية على أنّه صلى اللّه عليه وآله جمعهم لينصب بعده خليفة بأمر اللّه تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (1).

نسأله تعالى أن يعرّفنا الحقّ حقّاً ويوفّقنا لاتباعه.

( عبد السلام - هولندا - سنّي )

عيد من الأعياد الإسلامية :

س : هل للمسلمين عيدين فقط ، كما يوجد في بعض الأحاديث أم لا؟ وهل هناك أحاديث بأنّ صيامه سنّة مؤكّدة؟ اذكروها إن أمكن ، ولكم جزيل الشكر.

ج : اتفق المسلمون على وجود عيدين في الإسلام ، عيد الأضحى ، وعيد الفطر ، وتترتّب عليه بعض الأحكام الفقهية ، مثل حرمة الصيام فيهما.

ص: 412


1- المائدة : 67.

أمّا مسألة صومه ، فهناك أحاديث كثيرة في فضله ، رويت من طرق الشيعة وأهل السنّة على السواء.

وإليك بعض ما روي في كتب السنّة : عن أبي هريرة قال : من صام يوم ثمان عشرة من ذي الحجّة ، كتب اللّه له صيام ستين شهراً ، وهو يوم غدير خم ، لما أخذ النبيّ صلى اللّه عليه وآله بيد علي بن أبي طالب فقال : « ألست ولي المؤمنين »؟

قالوا : بلى يا رسول اللّه ، فقال : « من كنت مولاه فعلي مولاه ».

فقال عمر بن الخطّاب : بخ بخ لك يا بن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كُلّ مسلم ، فأنزل اللّه تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ ... ) (1).

وعليه فعيد الغدير من الأعياد الإسلامية الكبرى ، لأنّه المتمّم لمفاهيم عيدي الفطر والأضحى ، إذ بعيد الفطر يتميّز الصائمون من غيرهم ، وبعيد الأضحى يتميّز الحجّاج ، ومن يعظّمون الحجّ عن غيرهم ، وبعيد الغدير يتميّز من يقدّس هذين العيدين بأبعادهما الإسلامية كاملة.

( أحمد جعفر - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة )

نزول آيتي البلاغ والإكمال في علي :

س : أودّ أن أسأل حضراتكم عن الآيتين : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) ، و ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) ؟

فالأُولى رقمها ( 67 ) في سورة المائدة ، والثانية رقمها ثلاث في نفس السورة ، وكما نسمع في الروايات أنّ آية البلاغ نزلت قبل آية الإكمال ، لكن في القرآن نجدها بعد آية الإكمال ، كيف ذلك؟

ثمّ هل إنّ الروايات القائلة بنزول الآيتين في شأن الإمام علي عليه السلام متواترة؟

ج : إنّ القرآن الكريم رتّبت آياته من قبل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، بأمر الوحي عن اللّه تعالى ، ولا علاقة لذلك بترتيب السابق واللاحق في النزول ، وهذا ما يسمّى

ص: 413


1- المائدة : 3 ، شواهد التنزيل 1 / 200 و 203 ، تاريخ بغداد 8 / 284 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 233 ، البداية والنهاية 7 / 386 ، المناقب : 156.

بالنظم - أي نظم آيات السورة بحسب أغراض ومصالح معينة ، قد تظهر أسبابها عندنا ، وقد تخفى أسباب بعضها كذلك -.

واعلم إنّ آية ( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) إذا أخذنا فيها ترتيب الآيات - وهو ما نسمّيه بسياق الآيات - بنظر الاعتبار ، فإنّ الآيات التي قبلها والتي بعدها تتحدّث عن أهل الكتاب ، فالآية التي قبلها هي : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ ... ) ، والآية التي بعدها هي : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ ... ) ، مع أنّ اليهود والنصارى في ذلك العهد النبوي لم يكن لهم شأنٌ وخطر ، فهم ليس بأهل قوّةٍ ولا شوكةٍ ، ولا سطوة حتّى يخشى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله منهم ، إن هو بلّغ الإسلام ، فإنّ الإسلام عند نزول الآية قد أعزّه اللّه تعالى بقوّته ، وتمكّنت سطوته ، فلا معنى لخوف النبيّ صلى اللّه عليه وآله من النصارى في تبليغ الإسلام ، وإذا كان الأمر كذلك ، فإنّ الآية تشير إلى تبليغ أعظم ، وأمر أخطر لم يألفه المسلمون ، وسيرتاب منه المنافقون ، ويتزعزع لعظم خطره أهل الجاه والدنيا ، وهذا الأمر هو تبليغ ولاية علي عليه السلام الذي لا يطيقه المنافقون ، والذين في قلوبهم مرض ، فإنّهم سيحاولون إلى التصدّي لجهوده صلى اللّه عليه وآله.

لذا أخبره تعالى أنّه سيعصمك من خطر هؤلاء ومن مؤامراتهم ، مضافاً إلى أنّ الروايات من قبل الفريقين تؤكّد أنّ آية ( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ) نزلت في تبليغ ولاية علي عليه السلام(1) ، ممّا يعني أنّ ترتيب الآيات وسياقها لا علاقة له بمعنى الآية وسبب نزولها.

لذا فلا عليك أن ترى تقدّم آية ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) على آية ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ) ، فإنّ روايات أهل السنّة والشيعة كُلّها متّفقة على نزولهما في تبليغ ولاية علي عليه السلام.

ص: 414


1- أُنظر : أسباب نزول القرآن : 135 ، شواهد التنزيل 1 / 239 و 249 و 256 و 353 و 402 و 2 / 391 و 451 ، الدرّ المنثور 2 / 298 ، فتح القدير 2 / 60 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 237 ، المناقب : 7 ، ينابيع المودّة 1 / 359 و 2 / 249 و 285.

( أبو مهدي - .... - .... )

أحد الأدلّة على إمامة علي :

س : لقد ناقشت أحد إخواننا السنّة حول قضية الغدير ، والتي صرّح فيها الرسول صلى اللّه عليه وآله بالولاية لعلي عليه السلام ، فأجابني : بأنّ الموقف كان بيان من الرسول ليوضّح منزلة علي عليه السلام منه وحبّه ، والسبب الوحيد هو ليزيل ما في قلوب بعض الصحابة عليه ، ولو أراد خلافته فلم لم يصرّح بوضوح ، كأن يقول : يا أيّها الناس إنّ علياً إمامكم من بعدي ، وقد فرض اللّه طاعته عليكم.

فالرجاء إعطائي جواباً شافياً مع الشكر الجزيل.

ج : قد صرّح رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بإمامة أمير المؤمنين عليه السلام من بعده في عدّة أحاديث ، من بداية الدعوة الإسلامية وإلى يوم الغدير ، ومن تلك الأحاديث :

1 - حديث الدار : عن علي بن أبي طالب عليه السلام ، أنّه لمّا نزلت هذه الآية على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) (1) : « دعاني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وقال لي : يا علي ، ... إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوه »(2) ، فهل تجد أصرح من هذه العبارة؟

2 - حديث الولاية : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لعلي عليه السلام : « أنت وليّ كُلّ مؤمن بعدي » (3) ، أو : « أنت وليّ كُلّ مؤمن بعدي ومؤمنة »(4) ، أو : « أنت وليّي في كُلّ مؤمن بعدي »(5).

ص: 415


1- الشعراء : 213.
2- تاريخ الأُمم والملوك 2 / 63 ، كنز العمّال 13 / 114 ، شرح نهج البلاغة 13 / 211 ، جواهر المطالب 1 / 80 ، جامع البيان 19 / 149 ، شواهد التنزيل 1 / 486 ، تفسير القرآن العظيم 3 / 364 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 49 ، السيرة النبوية لابن كثير 1 / 459.
3- ذخائر العقبى : 87 ، مجمع الزوائد 9 / 120 ، مسند أبي داود : 360 ، خصائص أمير المؤمنين : 64 ، المعجم الكبير 12 / 78 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 199 ، الجوهرة : 64 ، البداية والنهاية 7 / 381 ، جواهر المطالب 1 / 212 ، ينابيع المودّة 2 / 86.
4- المستدرك 3 / 134.
5- مسند أحمد 1 / 331 ، كتاب السنّة : 552 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 102.

أليس هذا الحديث يدلّ على ثبوت الأولوية بالتصرّف لعلي عليه السلام؟ وهذه الأولوية مستلزمة للإمامة.

3 - حديث الغدير : أخرج أحمد بن حنبل بسند صحيح وغيره عن زيد بن أرقم قال : نزلنا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بواد يقال له : وادي خم ، ... قال صلى اللّه عليه وآله : « فمن كنت مولاه فإنّ علياً مولاه ، اللّهم عاد من عاداه ، ووال من والاه »(1).

فأثبت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في هذا الحديث لعلي عليه السلام ما ثبت له من الأولوية بالناس من الناس ، أي من أنفسهم ، ثمّ إنّهم - أي الصحابة - جميعاً بايعوه على هذا ، وسلّموا عليه بإمرة المؤمنين ، وهنّؤوه ، ونظمت فيه الأشعار.

( هاشم - الكويت - 18 سنة - طالب جامعة )

المولى بمعنى الإمام لا المحب والنصير :

س : نشكركم على إتاحة الفرصة لنا بالاستفادة منكم ، أدام اللّه توفيقكم.

سؤالي هو : لماذا لا تكون عبارة النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « من كنت مولاه فهذا مولاه » دليلاً وقرينة على أنّ معنى « المولى » هو المحبّ والنصير؟

ج : إنّ هذه الشبهة هي محاولة منسوخة من قبل البعض لتأويل معنى « المولى » في حديث الغدير(2) ، ولكنّها مردودة لوجوه :

منها : إنّ صدر الحديث لا يحتمل فيه هذا التوجيه ، إذ لا يعقل أن يأمر النبيّ صلى اللّه عليه وآله الناس بالاجتماع والإصغاء إلى مجرّد معنى المحبّة والنصرة.

وبعبارة أُخرى : لدينا قرينة حالية صريحة بأنّ ذاك الاهتمام البالغ لا يتصوّر أن ينصب فقط لبيان كون علي عليه السلام محبّاً وناصراً ، لمن كان النبيّ محبّاً وناصراً له ، أو بمعنى : من أحبّني وتولاّني فليحبّ علياً وليتولّه.

ص: 416


1- مسند أحمد 4 / 372 ، البداية والنهاية 7 / 385.
2- شرح تجريد العقائد : 368.

ومجمل الكلام : إنّ القرينة المقامية والحالية توجب رفع اليد عن معنى المحبّ والناصر للمولى في صدر الحديث ، بل وصرفه إلى معنى الأولوية على الأنفس التي هي الإمامة.

وأمّا تتمّة الحديث ، فلابدّ من لحاظها مع صدر الحديث لا بالاستقلال ، فيكون الدعاء الوارد في ذيل الحديث متوجّهاً إلى من قبل إمامة علي عليه السلام.

( أبو حسين - الكويت - .... )

بلّغ الرسول فيه لا في نفس الحجّ :

س : عندي سؤال حفظكم اللّه :

بالنسبة لواقعة غدير خم ، ما هو المغزى لتأخّر الرسول صلى اللّه عليه وآله بإبلاغ الناس عن ولاية الإمام علي عليه السلام؟ لماذا لم يخطب بالناس في الحجّ؟ مع أنّ الناس هناك كانوا أكثر؟ أفيدوني.

ج : إنّ الوحي الإلهي لا يخضع في أصل وجوده وكيفية نزوله للعقل البشري ، لأنّ دوره هو هداية الإنسان ، فلا يقع تحت شمول القواعد والتحليلات العقلية.

وفي المقام ، لا يسعنا التكهّن بمصلحة مكان وزمان واقعة الغدير ، بل وحتّى النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان قد تعبّد فيهما ، فعندما نزل الوحي وقرأ جبرائيل عليه السلام آية التبليغ ، انصدع الرسول صلى اللّه عليه وآله لأمر السماء ، وبلّغ ما أمر به ، ولم يتقدّم أو يتأخّر في تنفيذه.

فالمهم في الموضوع : أن نرى تواتر حديث وواقعة الغدير ، فإنّها - بحمد اللّه تعالى - مسجّلة في أُمّهات مصادر الفريقين ، ولم ولن يستطيع المناوئون إخفاء فضائل أهل البيت عليهم السلام أو تضييعها ، فأصل الحادث أمر مسلّم ، وأمّا حكمة إبدائه في ذلك المقطع من الزمان والمكان فيه شيء آخر ، قد يذكر له وجوه استحسانية ، فلا يهمّنا معرفتها بعد أن تيقّنا أصل الواقعة.

ص: 417

ثمّ إنّ مدلول حديث الغدير هو إمامة أمير المؤمنين علي عليه السلام ، وهذا المعنى جاء في حديث الثقلين ، ثمّ إنّ حديث الثقلين قد ورد في عدّة أمكنة ، منها : في حجّة الوداع عند زمزم(1) ، وفي عرفات(2) ، وفي مسجد الخيف(3).

فترى أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قد بلّغ في أزمنة وأمكنة متعدّدة - قبل وبعد الغدير - ولاية الإمام علي عليه السلام ، وأمّا خصوصية الغدير فتكمن في نزول آية التبليغ والإكمال فيها ، وبيعة المسلمين الذين حضروا المشهد بأجمعهم مع أمير المؤمنين عليه السلام ، وهذه المسألة فريدة في نوعها في تثبيت إمامة الإمام علي عليه السلام والتأكيد عليها.

( سعد - الكويت - .... )

تحقيق حول معنى المولى :

س : أهل السنّة يقولون : إنّ كلمة مولاه لا تعني أولى بالشيء ، ويقولون : تعني النصرة والمحبّة ، ويستندون بآية ( فَإِنَّ اللّه هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ) (4) فكيف نردّ على هذه الآية؟

ثمّ هل هناك فرق بين كلمة مولى وكلمة والي وكلمة أُولي؟ ولماذا لم يقل النبيّ صلى اللّه عليه وآله في الغدير أُولي؟ وشكراً.

ج : إنّ الولاية التي نؤمن بها هي : الإمامة والإمارة ، والسلطة الدينية والدنيوية ، وقيادة الأُمّة بعد نبيّها صلى اللّه عليه وآله على الصراط المستقيم ، والمحجّة البيضاء ، والحفاظ على الإسلام والمسلمين.

ص: 418


1- تاريخ اليعقوبي 2 / 109.
2- الجامع الكبير 5 / 328 ، المعجم الأوسط 5 / 89 ، المعجم الكبير 3 / 66 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 6 ، نظم درر السمطين : 232 ، ينابيع المودّة 1 / 109 و 125.
3- ينابيع المودّة 1 / 109.
4- التحريم : 4.

وقد عبَّر النبيّ صلى اللّه عليه وآله عن هذه الولاية بعدّة ألفاظ منها : « ولي ومولى » ، وهذين اللفظين قد صحّحهما أهل السنّة أيضاً ، ووردت بألفاظٍ أُخرى عند الفريقين ، ولكن أهل السنّة ضعّفوها ، مثل لفظ : « خليفة وأمير و... ».

وأمّا النقاش في اللفظين الصحيحين عند الفريقين ، فهما بالاتفاق بمعنى واحد ، وهو الولاية ، قال الفرّاء : والوليُّ والمولى واحدٌ في كلام العرب.

قال أبو منصور : من هذا قولُ سيّدنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « أيُّما امرأة نكحتْ بغير إذن مولاها » ، ورواه بعضهم : « بغير إذن وليِّها » لأنّهما بمعنى واحد.

وروى ابن سلام عن يونس قال : ... ومنه قول سيّدنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « من كنت مولاه فعلي مولاه » أي : مَنْ كنت وليُّه.

قال الزجاج : والولاية التي بمنزلة الإمارة مكسورة ... والوليُّ : ولي اليتيم الذي يلي أمره ، ويقوم بكفايته ، وولي المرأة : الذي يلي عقد النكاح عليها ، ولا يدعها تستبد بعقد النكاح دونه.

وقال ابن منظور : وليّ : في أسماء اللّه تعالى : الوليُّ هو الناصر ، وقيل : المتولّي لأُمور العالم والخلائق القائم بها ، ومن أسمائه عزّ وجلّ : الوالي ، وهو مالك الأشياء جميعها المتصرّف فيها.

وقال ابن الأثير : وكأنّ الولاية تُشعر بالتدبير والقدرة والفعل ، وما لم يجتمع ذلك فيها لم يطلق عليه اسم الوالي(1).

ومن هذا القول الأخير لابن الأثير تعلم الردّ على أهمّ إشكالاتهم حول الولاية ، بأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله كان يجب عليه أن يقول « والي » ، وليس ولي أو مولى.

فاشتراط الفعل والقدرة على الولي كي يسمّى والياً ، غير متوفّر في الإمام علي عليه السلام في زمان النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وهو صلى اللّه عليه وآله على قيد الحياة ، فهو عليه السلام لم يعمل ، ولم يباشر بالولاية في زمان النبيّ صلى اللّه عليه وآله أبداً ، وهذا ما أشار إليه النبيّ صلى اللّه عليه وآله في بعض الروايات بقوله : « بعدي ».

ص: 419


1- لسان العرب 15 / 406.

وفي البعض الآخر قوله صلى اللّه عليه وآله : « تركت فيكم » ، وفي حديث الغدير قال صلى اللّه عليه وآله : « يوشك أن يأتيني رسول ربّي عزّ وجلّ فأُجيب ، وإنّي مخلّف فيكم الثقلين ... » (1).

وروي عن أبي هريرة عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله قال : « ما من مؤمن إلاّ وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة اقرؤا إن شئتم : النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ » (2).

فهذا البيان كُلّه قد قرَّره أهل اللغة ، وهو المرجع الذي سوف نفهم الآيات الكريمة ، والأحاديث الشريفة على أساسه ، ونرى ما إذا دلّت على ذلك.

فبعد أن رأينا أنّ لفظة « ولي أو مولى » تأتي في اللغة بمعان عديدة ، منها ما ندّعيه هنا في هذا المقام ، وكذلك تدلّ على معانٍ عدّة أُخرى ، فيشترط أهل اللغة والعقل والعلم الشرعي : بأنّ اللفظ المشترك بين معانٍ متعدّدة ، يسمّى مشتركاً لفظياً ، ولا يجوز استخدامه في أيّ معنى من المعاني ، حتّى تنصب له القرينة الدالّة ، والمحددة للمعنى الذي يريده المتكلّم.

ولدينا على إثبات مدّعانا قرائن عديدة ، منها حالية ، ومنها مقالية ، نذكر أهمها :

1 - القرائن الحالية : وهي اختيار النبيّ صلى اللّه عليه وآله غدير خم - ذلك المكان الذي يعتبر مفترق الطرق بين مكّة والمدينة - وبعد الحجّ ، بل بعد حجّة الوداع التي دعا النبيّ صلى اللّه عليه وآله المسلمين كافّة للتشرّف بحضورها ، حتّى حضر معه مائة ألف مسلم أو أكثر ، وهذا المكان منه يفترق المسلمون للرجوع إلى ديارهم ، وهو أقرب نقطة على كلّ أحد من الجهات المختلفة للبلاد الإسلامية.

فهو آخر مكان يمكن فيه اجتماع النبيّ صلى اللّه عليه وآله بأكثر المسلمين في ذلك الوقت ، قبل الافتراق والرحيل إلى الرفيق الأعلى. .

ص: 420


1- مسند أحمد 4 / 367 ، صحيح مسلم 7 / 122 ، السنن الكبرى للبيهقي 2 / 148 ، الجامع الصغير 1 / 244 ، كنز العمّال 1 / 178 ، دفع شبه التشبيه : 103.
2- صحيح البخاري 6 / 22 ، السنن الكبرى للبيهقي 6 / 238 ، جامع البيان 21 / 147 ، تفسير القرآن العظيم 3 / 476 ، الدرّ المنثور 5 / 182.

وكذلك تقديم النبيّ صلى اللّه عليه وآله المتأخّرين بانتظارهم حتّى اجتمعوا ، وإرجاع المتقدّمين الذين أسرعوا بالسير ، وجمعهم في تلك البقعة ، وفي ذلك الوقت الحارّ ، وقت الظهيرة الشديد الحرّ ، وخصوصاً أنّهم قد قضوا مناسكهم وهم مسافرون ، وتنتظرهم مسافات شاسعة للوصول إلى ديارهم وأهليهم.

فما هو ذلك الأمر المهمّ ، الذي يستوجب كُلّ هذا من جمع كبير ، وحشد مؤمن راجع من شعيرة عظيمة تمحي الذنوب ، وترجع العبد إلى ربّه كالثوب الأبيض ، وتهيأه لتحمّل أمر صعب القبول على النفس الأمارة بالسوء؟

فأوضح رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بعد ذلك بخطبته البليغة ما يريد أن يزفّ من بشرى وعيد للمؤمنين ، مع خوفه وإشفاقه على الآخرين ، الذين سيغيّرون ويحدثون في الدين من بعده صلى اللّه عليه وآله ، كما صرّح بذلك في مناسبات أُخر.

2 - القرائن المقالية : وهي ابتداء النبيّ صلى اللّه عليه وآله بقوله : « يوشك أن يأتيني رسول ربّي عزّ وجلّ فأُجيب ».

فهذه قرينة واضحة لكُلّ عاقل ، بأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله يريد أن يوصي أُمّته وصية موته ، وأمر الأُمّة من بعده ، وقوله صلى اللّه عليه وآله : « وإنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه فيه الهدى والنور ... وأهل بيتي » (1) ففيها دلالة على ترك البديل له صلى اللّه عليه وآله ، والممثّل الشرعي من بعده.

وقوله صلى اللّه عليه وآله : « أذكركم اللّه في أهل بيتي » تأكيد عميق منه صلى اللّه عليه وآله ، بعد أن أكّد ذلك ثلاث مرّات بالتكرار ، للتأكيد على هذا الأمر العظيم الثقيل ، الذي يتوقّع عدم قبوله من أكثرهم.

وأمّا في الرواية الأُخرى ، ففي بدايتها يشهدهم النبيّ صلى اللّه عليه وآله بقوله : « ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم »؟ قالوا : بلى ، فأكّد ثانياً ، وقال : « ألست أولى

ص: 421


1- صحيح مسلم 7 / 123 ، سنن الدارمي 2 / 432 ، السنن الكبرى للبيهقي 7 / 30 و 114 ، تحفة الأحوذي 10 / 197.

بكُلّ مؤمن من نفسه »؟ قالوا : بلى ، بعد الإقرار منهم له صلى اللّه عليه وآله ، بأنّه أولى بالتصرّف بهم من أنفسهم ، وله الولاية العظمى عليهم ، أتبع ذلك بقوله : « من كنت مولاه فعليٌّ مولاه »(1) ، فهذا تفريع على ذلك الإقرار وتلك المقدّمة.

وأمّا عدم قول النبيّ صلى اللّه عليه وآله أولى صراحة فلأنّه إمام البلغاء ، فلو استخدم هذا اللفظ فسوف يقول : « من كنت أولاه فعلي أولاه » ، وهذا لا يجوز في اللغة العربية ، وكذلك أنّ لفظة « أولى » مبنية على أفعل التفضيل - الذي فيه مشاركة وزيادة - فتعني أنّ علياً أولى من ولي آخر ، ولا يوجد هناك ولي آخر في ذلك الوقت ، لأنّ الإمام والقائد يجب أن يكون واحداً للزمان الواحد ، وهذا بديهي ومسلّم من الجميع.

وعليه ، فإنّ علياً عليه السلام الولي الوحيد بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (2) ، وإنّما تفيد الحصر والقصر.

ولو أردت قرائن أُخر ، وروايات شتّى ، وأقوال لعلماء أهل السنّة ، وحتّى الصحابة بمعنى الولاية وقصدها من النبيّ صلى اللّه عليه وآله لزدناك.

( أُمّ محمّد - الكويت - 40 سنة - جامعية )

عصم النبيّ فيه من القتل والتكذيب :

س : من المؤكّد أنّ العصمة الموعودة من اللّه تعالى لنبيّه الكريم في آية ( وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (3) لا تشير إلى خوف من النبيّ على نفسه ، وإنّما

ص: 422


1- مسند أحمد 4 / 281 ، سنن ابن ماجة 1 / 43 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 503 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 221 ، البداية والنهاية 5 / 229 و 7 / 385 ، المناقب : 155 ، السيرة النبوية لابن كثير 4 / 417 ، ينابيع المودّة 1 / 98.
2- المائدة : 55.
3- المائدة : 67.

خوف من التكذيب وعدم نفاذ هذا الأمر ، فكيف استطاع عمر بن الخطّاب أن يمنعه بقوله : إنّه ليهجر؟

ج : إنّ الروايات الواردة في تفسير هذه الآية عن أهل البيت عليهم السلام ، وكذلك أقوال المفسّرين من الإمامية وغيرهم ، تشير إلى أنّ العصمة التي وعد اللّه نبيّه صلى اللّه عليه وآله في هذه الآية ، تدور بين أمرين ؛ إمّا العصمة من القتل ، أو العصمة من التكذيب حين تبليغ ما أمر اللّه عزّ وجلّ بتبليغه ، وكلاهما قد وفى اللّه سبحانه بهما لنبيّه صلى اللّه عليه وآله.

ففي حديث طويل عن ابن عباس : فانزل اللّه تبارك وتعالى عليه : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « تهديد بعد وعيد ، لأمضين أمر اللّه عزّ وجلّ ، فإن يتّهموني ويكذّبوني فهو أهون عليَّ من أن يعاقبني العقوبة الموجعة في الدنيا والآخرة » (1).

وفي شرح أُصول الكافي للمولى المازندراني : قوله : ( بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ ) من ولاية علي عليه السلام ، ( وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) ، لأنّ الولاية أصل الدين وسائر الشرائع فروع وتوابع لها ، وعدم تبليغ الأصل موجب لعدم تبليغ الفرع قطعاً ، ( وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) قد وفى اللّه تعالى بما وعده ، حيث أنّهم عن آخرهم قبلوا منه ذلك وصدّقوه يومئذ ، وحيّوه بأحسن تحية وباركوه(2).

وعن ابن عباس وجابر بن عبد اللّه قالا : أمر اللّه محمّداً صلى اللّه عليه وآله أن ينصب علياً للناس فيخبرهم بولايته ، فتخوّف رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أن يقولوا : حابى ابن عمّه ، وأن يطعنوا في ذلك عليه ، فأوحى اللّه إليه الآية(3).

ص: 423


1- الأمالي للشيخ الصدوق : 436.
2- شرح أُصول الكافي 6 / 119.
3- مجمع البيان 3 / 382.

وفي المصدر ذاته : وقد اشتهرت الروايات عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهما السلام أنّ اللّه أوحى إلى نبيّه صلى اللّه عليه وآله أن يستخلف علياً عليه السلام فكان يخاف أن يشق ذلك على جماعة من أصحابه ، فأنزل اللّه سبحانه هذه الآية تشجيعاً له على القيام بما أمره بأدائه(1).

وقد وردت بعض الأقوال في تفسير هذه الآية بالعصمة من القتل(2).

ومن خلال ذلك نعلم أنَّ العصمة للنبي صلى اللّه عليه وآله تحقّقت بشقّيها - سواء الخشية من القتل أو الخشية من التكذيب - حيث سلم النبيّ صلى اللّه عليه وآله من المنافقين والحاقدين من أن يعتدوا عليه لتنصيب علي عليه السلام.

وهو في هذا الموقف يشابه موقف موسى عليه السلام حيث توقّف عن التبليغ خشية القتل ، كما حكى اللّه تعالى عنه : ( رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ ) (3) ، وقد قتل علياً عليه السلام من قريش نفوساً كثيرة.

وأيضاً تحقّق له أمر تصديقهم له ، وتسليمهم لعلي عليه السلام بإمرة المؤمنين ، والولاية في وقتها في أحاديث مشهورة متضافرة نقلت وقائع تلك الحادثة ، وهذا لا ينافي حصول المعارضة بعد ذلك ، لأنّ الذي يفهم من الآية وحسب ظاهرها أنّ العصمة كانت في آن التبليغ بولاية علي عليه السلام ، وقد تحقّق ذلك للنبي صلى اللّه عليه وآله.

( فايز الزبيدي - اليمن - 40 سنة )

أمر التبليغ بولاية علي كانت فيه :

س : عندما أرسل الرسول صلى اللّه عليه وآله الرسائل إلى قيصر الروم وملك فارس ، يدعوهم للإسلام أو الجزية أو الحرب ، لم يذكر فيها الإمام علي عليه السلام إذ قال

ص: 424


1- المصدر السابق 3 / 383.
2- أُنظر : السنن الكبرى للبيهقي 9 / 8 ، الأم 4 / 168 ، بحار الأنوار 89 / 164 ، الخرائج والجرائح 3 / 1045.
3- القصص : 33.

فيما معناه : « أن تشهد أنّ لا اله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه » ولم يضف : « علي ولي اللّه » ، لماذا؟

ج : من المعلوم لديكم أنّ أحكام الشريعة المقدّسة قد نزلت بالتدرّج ، ولم تنزل دفعة واحدة ، فإنّك تجد مثلاً أنّ النطق بالشهادتين في أوّل الدعوة مدعاة لعصمة المال والدم ، كما ورد في الأحاديث الشريفة المتضافرة : ( لا أزال أقاتل الناس حتّى يقولوا : لا إله إلاّ اللّه ، فإذا قالوها فقد عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّها وحسابهم على اللّه » (1).

ثمّ بعد نزول الفرائض وتوسّع الأحكام ، قال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « من شهد أن لا إله إلاّ اللّه ، واستقبل قبلتنا ، وصلّى صلاتنا ، وأكل ذبيحتنا ، فهو المسلم ، له ما للمسلم ، وعليه ما على المسلم »(2).

لذا فالرسائل التي بعثها النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه وآله إلى رؤساء البلدان في أوّل الدعوة كانت وفق هذا السياق ، وهو إعلان التوحيد الذي أراده اللّه سبحانه ، بأن لا يشرك به عباده شيئاً ، والإقرار بنبوّة نبيّه محمّد صلى اللّه عليه وآله ، الذي يعني التسليم بكُلّ ما سيبلّغه النبيّ صلى اللّه عليه وآله للأُمّة ، ومنها ولاية علي عليه السلام التي نزل أمر اللّه سبحانه للنبيّ صلى اللّه عليه وآله بالتبليغ بها في آخر الدعوة ، كما هو المعلوم في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (3).

وقد جمع النبيّ صلى اللّه عليه وآله أصحابه في ذلك الموقع الذي يقال له غدير خم في حادثة مشهورة معروفة ، ليخبرهم بأمر اللّه في التبليغ بولاية علي عليه السلام ، وبعد التبليغ بولايته عليه السلام نزل قوله تعالى : « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا »(4).

ص: 425


1- الأُم 6 / 4 و 170 ، المصنّف للصنعاني 10 / 172 ، السنن الكبرى للنسائي 2 / 280 ، المعجم الأوسط 6 / 215 و 299 ، المعجم الكبير 20 / 63.
2- صحيح البخاري 1 / 103 سنن النسائي 7 / 76 ، السنن الكبرى للنسائي 2 / 280.
3- المائدة : 67.
4- المائدة : 3.

نعم ورد التبليغ بولاية علي عليه السلام وخلافته بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله في موارد خاصّة - لا على نحو التبليغ العام كما جرى في غدير خم - كما في يوم الدار عند نزول قوله تعالى : ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) (1) ، حيث قال : النبيّ صلى اللّه عليه وآله آخذاً بيد علي عليه السلام : « إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا » (2).

ولعلّ للتأخّر في الإبلاغ العام بولاية علي عليه السلام أسباب كثيرة ، فيها موقع سيف علي عليه السلام في الذود عن حمى الرسالة ، ووتره لكُلّ القبائل العربية بقتل أبنائها في الحروب التي واجهوا بها النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ولخصائصه النفسية وقربه الشديد من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، حيث جعله موضع حسد البعض وتحاملهم عليه.

لذا نجد النبيّ صلى اللّه عليه وآله يخشى التبليغ بأمر الولاية بشكل عام ، واللّه سبحانه قد علم من نبيّه صلى اللّه عليه وآله هذه الخشية ، فأخبره سبحانه بأنّه سيعصمه من الناس من حيث القتل والتكذيب عند التبليغ ، وقد وفى سبحانه لنبيّه صلى اللّه عليه وآله بما وعده عليه ، حيث سلّم جميع الحاضرين في يوم غدير خم على الإمام علي عليه السلام بالولاية.

وقد اشتهر قول عمر في تلك الواقعة : هنيأً يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كُلّ مؤمن ومؤمنة(3).

ص: 426


1- الشعراء : 213.
2- تاريخ مدينة دمشق 42 / 49 ، تاريخ الأُمم والملوك 2 / 63 ، شرح نهج البلاغة 13 / 211 ، جواهر المطالب 1 / 80 ، جامع البيان 19 / 149 ، شواهد التنزيل 1 / 486 ، تفسير القرآن العظيم 3 / 364 ، السيرة النبوية لابن كثير 1 / 459 ، كنز العمّال 13 / 133.
3- مسند أحمد 4 / 281 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 503 ، شرح نهج البلاغة 5 / 8 ، نظم درر السمطين : 109 ، كنز العمّال 13 / 134 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 222 ، البداية والنهاية 5 / 229 ، السيرة النبوية لابن كثير 4 / 417 ، جواهر المطالب 1 / 84.

الغسل :

اشارة

( حسن أحمد الملاّح - البحرين - .... )

كيفية تغسيل الميت التالف :

س : نرجو التفضّل بإفادتنا حول كيفية إجراء غسل الميت في الحالات التالية :

1 - إذا تعرّض الإنسان لحرق أدّى لتفحّم الجثّة ، أو شبه التفحّم ، مع فقدان أعضاء التيمّم ، وعدم إمكان صبّ الماء بالطريقة المتعارفة في عملية الغسل ، خشية الضرر على الجثّة.

2 - في حالة تعرّض الجثّة إلى التعجّن أو ما شابه - كما في حالات الكوارث من الطيران أو السيّارات - بحيث يختلط العظم باللحم والأحشاء ، ممّا لا يبقي الجثّة على صورتها الطبيعية ، بل يحوّلها إلى كومة من الخليط اللحمي ، أجارنا اللّه وإيّاكم والمؤمنين والمؤمنات من سوء هذا الأمر.

أفيدونا مأجورين.

ج : لقد ثبت في الفقه الإسلامي وأُصوله : إنّ لكُلّ موضوع حكماً ، وأنّ الحكم تابع للموضوع ، ومع فقد الموضوع يسقط الحكم ، كما أنّ مع تغيّر الموضوع يتغيّر الحكم ، وسقوط الحكم الشرعي إنّما يكون بواحدة من هذه الأُمور :

إمّا بالطاعة ، كمن يتوجّه إليه حكم الصلاة فصلّى ، فإنّ حكم وجوب الصلاة يسقط عنه ، وكذلك يسقط بالمعصية ، كمن لم يصلّ في وقتها

ص: 427

معصيةً ، فإنّه يسقط عنه حكم الأداء ، ويبقى عليه حكم القضاء ، وقد أثم بترك الأداء لو كان متعمّداً.

وممّا يوجب سقوط الحكم أيضاً فقدان الموضوع ، كوجوب غسل الميت لو كان الميت موجوداً ، ومع عدمه - كما لو أكله الحيوان ، أو أخذه السيل - فإنّه يسقط الغسل أو التكفين ، ومفروض المسألة : لو كان يمكن غسله ولو بصبّ الماء عليه فإنّه يلزم ذلك ، أمّا لو كان بنحو لا يمكن حتّى صبّ الماء عليه ، فهو بحكم المفقود ، فيلزم سقوط الغسل عنه حينئذٍ.

وعن الإمام علي بن الحسين ، أو عن الإمام الصادق عليهم السلام قال : « المجدور والكسير والذي به القروح يصبّ عليه الماء صبّاً » (1).

وعن الإمام علي عليه السلام أنّه سُئل عن رجل يحترق بالنار ، فأمرهم أن يصبّوا عليه الماء صبّاً ، وأن يصلّى عليه(2).

وعن الإمام علي عليه السلام أيضاً قال : « إنّ قوماً أتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فقالوا : يا رسول اللّه ، مات صاحب لنا وهو مجدور ، فإن غسلناه انسلخ ، فقال : يمّموه »(3).

وطبقاً لهذه الروايات الشريفة ، إن أمكن صبّ الماء عليه فليصب ، وإلاّ فيتيمّم ، إن كانت أعضاء التيمّم سالمة ويمكن تيمّمه ، وإلاّ فإنّه يسقط الحكم الشرعي ، أي وجوب الغسل بزوال الموضوع ، أو عدم التمكّن منه.

وجاء في كتاب العروة الوثقى : « القطعة المبانة من الميت ، إن لم يكن فيها عظم ، لا يجب غسلها ولا غيره ، بل تلفّ في خرقة وتدفن ، وإن كان فيها عظم ، وكان غير الصدر تغسل ، وتلفّ في خرقة وتدفن ، وإن كان الأحوط تكفينها بقدر ما بقي من محلّ القطعات الثلاث ، وكذا إن كان عظماً مجرّداً.

ص: 428


1- تهذيب الأحكام 1 / 333.
2- الكافي 3 / 213 ، تهذيب الأحكام 1 / 333.
3- تهذيب الأحكام 1 / 333.

وأمّا إذا كانت مشتملة على الصدر ، وكذا الصدر وحده ، فتغسل وتكفّن ويصلّى عليها وتدفن ، وكذا بعض الصدر ، إذا كان مشتملاً على القلب ، بل وكذا عظم الصدر ، وإن لم يكن معه لحم.

وفي الكفن يجوز الاقتصار على الثوب واللفّافة ، إلاّ إذا كان محلّ المئزر أيضاً موجوداً ، والأحوط القطعات الثلاثة مطلقاً ، ويجب حنوطها أيضاً » (1).

إن بقي جميع عظام الميّت بلا لحم ، وجب إجراء جميع الأعمال(2).

نقول : ولمّا كانت بعض هذه الموارد مورد احتياط واختلاف بين الفقهاء ، فالمفروض أن تسأل من تقلّده ، وترجع إليه في الفتوى.

( .... - البحرين - 18 سنة )

عندنا يختلف عن الغسل عند أهل السنّة :

س : هل يوجد اختلاف في الغسل بيننا وبين أهل السنّة ، كما هو موجود في الوضوء؟

ج : واجبات الغسل عندنا هي :

أوّلاً : النية ، ثانياً : غسل تمام البشرة ، ثالثاً : الترتيب بين أعضاء الغسل أي بين الرأس والطرفين ، وبين الشقّ الأيمن والأيسر ، رابعاً : تطهير تمام البدن من كُلّ نجاسة.

بينما نجد واجبات الغسل عند أهل السنّة تختلف حسب اختلاف المذاهب :

فقد اتفق الأئمّة الأربعة على أنّ تعميم الجسد كُلّه بالماء فرض ، واختلفوا في داخل الفم والأنف ، فقال الحنابلة والحنفية : إنّه من البدن ، فالمضمضة الاستنشاق فرض عندهما في الغسل ، أمّا الشافعية والمالكية فقد قالوا : إنّ الفرض هو غسل الظاهر فقط ، فلا تجب المضمضة والاستنشاق في الغسل.

ص: 429


1- العروة الوثقى 2 / 46.
2- نفس المصدر السابق.

واتفقوا على ضرورة إيصال الماء إلى كُلّ ما يمكن إيصاله إليه من أجزاء البدن ، واتفقوا على إزالة كُلّ حائل يمنع وصول الماء إلى ما تحته ، إلاّ أنّ الحنفية قد اغتفروا للصناع ما يلصق برؤوس أناملهم تحت الأظافر ، إذا كان يتعذّر عليهم إزالته دفعاً للحرج.

واتفقت الشافعية والمالكية على أنّ النية فرض ، وأمّا الحنابلة يقولون : إنّ النية شرط لا فرض ، والحنفية يقولون : إنّها سنّة.

( .... - 24 سنة - طالب جامعة )

الإمام عليه السلام يحتاج إليه :

س : هل الإمام المعصوم عليه السلام يحتاج إلى غسل؟ وإذا كان الجواب بنعم ، فما معنى طهارتهم في قوله تعالى : ( وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (1)؟

ج : إنّ حكم الغسل جار للمعصوم وغيره ، فالإمام عليه السلام يغتسل ويغسّل غسل الميت ، ولهذا ورد أنّ الإمام لا يغسّله إلاّ إمام مثله(2).

وأمّا المقصود من الطهارة للإمام عليه السلام في قوله تعالى : ( وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) هو : الطهارة من الآفات والمعاصي والذنوب.

فعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « فأنا وأهل بيتي مطهّرون من الآفات والذنوب »(3).

ص: 430


1- الأحزاب : 33.
2- الكافي 1 / 385 ، الخرائج والجرائح 1 / 264.
3- تفسير فرات الكوفي : 340.

الغلوّ :

اشارة

( ... - .... - سنّي )

لا غلوّ في حبّ علي وما قاله :

س : أُودّ أن أفهم مدى الغلوّ في الإمام علي؟ وكيف أنّ الإمام علي روح من الرسول صلى اللّه عليه وآله؟ وكيف أنّ الإمام علي ( كرّم اللّه وجه ) قال : « أنا عبد من عبيد الرسول »؟

ج : نودّ إعلامك : أنّ الغلوّ بمعنى تجاوز الشيء حدّه ، لذا نهي عن الغلوّ في قوله تعالى : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الحقّ ) (1) ، لأنّ النصارى قالوا : إنّ المسيح ابن اللّه ، وهذا غلوّ في حقّ عيسى كونه ابن اللّه ، وغلوّ في حقّ اللّه تعالى لأنّهم نسبوا له ولداً ، تعالى اللّه عن ذلك علوّاً كبيراً.

ثمّ إذا كان قصدك من الغلوّ في الإمام علي عليه السلام هو الحبّ الذي تكنّه الشيعة له ، فهذا لا يعدّ غلوّاً ، فإنّ الشيعة قد تبعت بذلك اللّه تعالى ورسوله ، ولم تتجاوز ذلك أبداً ، ففي حديث الراية ، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « لأعطين الراية غداً رجلاً يحبّه اللّه ورسوله ، يفتح اللّه عليه » ، فإذا نحن بعليٍ وما نرجوه ، فقالوا : هذا علي ، فأعطاه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ففتح اللّه عليه(2).

ص: 431


1- المائدة : 77.
2- فضائل الصحابة : 15 ، مسند أحمد 5 / 333 ، صحيح البخاري 4 / 20 و 207 و 5 / 76 ، السنن الكبرى للبيهقي 6 / 362 ، مجمع الزوائد 6 / 150 ، مسند أبي داود : 320 ، كتاب السنّة : 594، السنن الكبرى للنسائي 5 / 46 و 108 و 173 ، خصائص أمير المؤمنين : 49 و 56 و 61 ، المعجم الكبير 7 / 31 و 18 / 237 ، دلائل النبوّة : 124 ، شرح نهج البلاغة 11 / 234 و 13 / 186 ، نظم درر السمطين : 98 ، كنز العمّال 10 / 468 و 13 / 162 ، فيض القدير 6 / 465 ، شواهد التنزيل 2 / 36 ، الثقات 2 / 12 و 267 ، الكامل في التاريخ 5 / 52 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 82 و 88 و 97 و 118 و 123 ، تهذيب الكمال 20 / 485 ، تهذيب التهذيب 7 / 296 ، الإصابة 4 / 466 ، أنساب الأشراف : 93 ، الجوهرة : 68 ، تاريخ اليعقوبي 2 / 56 ، البداية والنهاية 4 / 211 و 7 / 251 و 372 ، السيرة النبوية لابن هشام 3 / 797 ، المناقب : 108 و 170 و 199 ، السيرة النبوية لابن كثير 3 / 351 ، سبل الهدى والرشاد 2 / 32 و 10 / 62 ، ينابيع المودّة 1 / 153 و 2 / 231 و 390 ، النهاية في غريب الحديث 2 / 140 ، لسان العرب 10 / 430 و 14 / 352 ، تاج العروس 7 / 133.

وعن عوف بن أبي عثمان النهدي قال : قال رجل لسلمان : ما أشدّ حبّك لعلي! قال : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول : « من أحبّ علياً فقد أحبّني ، ومن أبغض علياً فقد أبغضني » (1).

وهكذا ورد في علي بن أبي طالب كُلّ خير ، وفي موالاته كُلّ نجاة ، فهل حبّه الذي فرضه النبيّ صلى اللّه عليه وآله علينا يعدّ غلوّاً وتجاوزاً ، أعيذك باللّه أن تجعل ما فعله النبيّ صلى اللّه عليه وآله غلوّاً وغير الحقّ ، وهكذا هو تعاملنا مع علي عليه السلام لا يتجاوز ما أمرنا النبيّ صلى اللّه عليه وآله في حبّه وولايته.

وأيضاً في قوله تعالى : ( وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) (2) فعن ابن عباس قال : ( وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ ) يعني يحبّ اللّه ، ( وَرَسُولَهُ ) يعني محمّداً ، ( وَالَّذِينَ آمَنُواْ ) يعني ويحبّ علي بن أبي طالب ، ( فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) يعني شيعة اللّه ، وشيعة محمّد ، وشيعة علي هم الغالبون ، يعني العالون على جميع العباد ، الظاهرون على المخالفين لهم.

قال ابن عباس : فبدأ اللّه في هذه الآية بنفسه ، ثمّ ثنّى بمحمّد ، ثمّ ثلّث بعلي ، ثمّ قال : فلمّا نزلت هذه الآية قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « رحم اللّه علياً ، اللّهم أدر الحقّ معه حيث دار ».

ص: 432


1- المستدرك على الصحيحين 3 / 130 ، المناقب : 70.
2- المائدة : 56.

قال ابن مؤمن - من علماء أهل السنّة - : « لا خلاف بين المفسّرين أنّ هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين علي » (1).

فإذا كان الأمر في علي هكذا ، فهل هذا غلوّ؟ وهل تقول الشيعة غير هذا في علي عليه السلام ، فهذه مرويّات أهل السنّة تؤكّد ما تذهب إليه الشيعة ، وما تعتقده في علي ، فهل هذا يعدّ غلوّاً فيه؟!

وما ذكرته من السؤال : كيف أنّ الإمام علي عليه السلام روح من الرسول صلى اللّه عليه وآله؟ فإنا نؤكّد أنّ المقصود من الروح في سؤالك تعني به إمّا قبل الخلقة ، وإمّا بعد الخلقة :

أمّا قبل الخلقة : فإنّ حديث النورانية يؤكّد أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله وعلي عليه السلام كانا نوراً واحداً ، فلمّا خلق اللّه آدم قسّم ذلك النور إلى جزئين ، فجزء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وجزء علي عليه السلام ، وهذا الحديث قد تواتر عند علماء أهل السنّة ، كما تواتر عند علماء الشيعة ، فعن سلمان المحمّدي عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله قال : « كنت أنا وعلي نوراً بين يدي اللّه تعالى ، قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلمّا خلق اللّه آدم قسّم ذلك النور جزأين ، فجزء أنا ، وجزء علي بن أبي طالب » (2).

هذا بعض ما رواه علماء أهل السنّة في أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله وعلي عليه السلام كانا نوراً واحداً ، ثمّ قسّم إلى نورين : أحدهما النبيّ صلى اللّه عليه وآله والآخر علي عليه السلام ، ممّا يعني أنّهما روح واحدة في أصل خلقتهما ، وهي ما تعنيه أحاديث النور الواحد الآنفة الذكر.

أمّا بعد الخلقة : فإنّ القرآن قد نصّ على ذلك في قوله تعالى : ( فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا .

ص: 433


1- شواهد التنزيل 1 / 246.
2- نظم درر السمطين : 7 و 79 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 67 ، جواهر المطالب 1 / 61 ، ينابيع المودّة 1 / 47 و 2 / 307 ، شرح نهج البلاغة 9 / 171 ، المناقب : 145 ، الرياض النضرة 3 / 103.

وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ) (1) ، فعن جابر : ( وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ) رسول اللّه وعلي ، ( أَبْنَاءنَا ) الحسن والحسين ، ( وَنِسَاءنَا ) فاطمة(2).

وعن ابن عباس قال : نزلت في رسول اللّه وعلي ( وَأَنفُسَنَا ) (3) ، وقال الشعبي : ( وَأَنفُسَنَا ) علي بن أبي طالب(4).

والخطاب كان موجّهاً من النبيّ صلى اللّه عليه وآله للنصارى بقوله : ( وَأَنفُسَنَا ) ، يعني نفس النبيّ الذي هو علي ، لأنّ الضمير « نا » وهو ضمير المتكلّم يرجع إلى علي ، فعلي عليه السلام نفس النبيّ صلى اللّه عليه وآله بمقتضى سياق الآية.

هذا ما أمكننا ذكره في هذه العجالة ، ومنه ثبت أنّ علياً نفس النبيّ ، أي روحه كما عبّرت في سؤالك.

وعن حبشي بن جنادة السلولي قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « علي منّي وأنا منه ، ولا يؤدّي عنّي إلاّ علي »(5).

وقوله صلى اللّه عليه وآله : « علي منّي وأنا منه » يعني أنّ « من » التي تفيد التبعيض ، تؤكّد أنّ علياً من النبيّ ، أي امتداد له وهو نفسه ، وليس في ذلك دعوى تدّعيها الشيعة دون ما تستند إلى نصوصٍ صريحة صحيحة.

ص: 434


1- آل عمران : 61.
2- الدرّ المنثور 2 / 39 ، تفسير القرآن العظيم 1 / 379.
3- شواهد التنزيل 1 / 160.
4- أسباب نزول الآيات : 68.
5- فضائل الصحابة : 15 ، تحفة الأحوذي 10 / 152 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 495 ، الآحاد والمثاني 3 / 183 ، السنن الكبرى للنسائي 5 / 45 و 128 ، خصائص أمير المؤمنين : 90 ، المعجم الكبير 4 / 16 ، نظم درر السمطين : 79 ، الجامع الصغير 2 / 177 ، كنز العمّال 11 / 603 ، كشف الخفاء 1 / 205 ، شواهد التنزيل 1 / 319 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 345 ، تهذيب الكمال 5 / 350 ، سير أعلام النبلاء 8 / 212 ، الجوهرة : 63 ، البداية والنهاية 5 / 232 و 7 / 394 ، ينابيع المودّة 2 / 78 و 96 و 3 / 143 ، الصواعق المحرقة 2 / 356.

على أنّ كلامنا هذا يؤكّده أبو بكر في حقّ علي عليه السلام ومنزلته ، فعن ابن السمّاك : أنّ أبا بكر قال : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول : « لا يجوز أحد الصراط إلاّ من كتب له علي الجواز » (1).

أمّا قولك : إنّ علياً عليه السلام قال : « أنا عبد من عبيد الرسول » ، فهذا لا ينافي عبودية علي لله تعالى ، فعلي عبد لله ، ورسول اللّه عبد لله تعالى ، ومعنى قوله : « أنا عبد من عبيد محمّد » ، يعني أنا تابع من أتباعه ، ومطيع له ، وهو بمعنى قولك : إنّ زيد عبد لعمرو ، أي أنّ عمرو له حقّ الطاعة على زيد ، ولا يعني أن تريد يعبد عمرواً ، فالعبد هنا تابع لسيّده ومطيع له ، وهذا منتهى إخلاص علي للنبي صلى اللّه عليه وآله ، فهو يقرّ له بالطاعة والاتباع ، وليس كما تتصوّر أنّ ذلك يعني العبودية المطلقة ، فالعبودية المطلقة لله تعالى وحده لا يشاركه فيه أحد ، ومن قال خلاف ذلك فهو كافر مشرك.

( هادي محمّد - الكويت - .... )

ليس في خطبتي البيان والطتنجية غلوّ :

السؤال : هل لخطبة البيان والطتنجية سند؟ وإذا كان لها سند ألا تفيد الغلوّ؟ شكراً لمساعيكم.

ج : كثيراً ما يتساءل عن خطبة البيان والخطبة الطتنجية سنداً ودلالةً ، بل كُلّ ما هناك من ألفاظ وصفات إلهية نسبت للمعصومين عليهم السلام ممّا تفيد الغلوّ ، بل الشرك والكفر ، لو أُريد منها معانيها الظاهرية أمثال قولهم عليهم السلام : « نحن الأوّل ، والآخر ، والظاهر ، والباطن » وإلى غير ذلك.

فنقول وباللّه التوفيق : إنّ الأُمّة المحمّدية قد خصّت من دون الأُمم بفضيلة الإسناد ، وفُضّلت على سائر الشرائع بنعمة الاستناد والاتصال بالمعصومين عليهم السلام

ص: 435


1- ذخائر العقبى : 71 ، ينابيع المودّة 2 / 404 و 3 / 230 ، الصواعق المحرقة 2 / 369 ، الرياض النضرة 3 / 118.

بالرجال الثقات والممدوحين ، وعليه فكُلّ خبر ما لم يكن مسنداً متّصلاً لا قيمة له ولا حجّية ، من أيّ أحد صدر ، ولأيّ شخص نُسب ، وما أرسل منه أو رفع ، أو وقف له أحكامه الخاصّة به ، مذكورة في محلّها ، وعليه :

أوّلاً : لم يذكر لأمثال هذه الخطب سنداً معتبراً ، بل قد نجده أرسل - بالمعنى الأعم - مع أنّا نجد غالب كلمات أمير المؤمنين عليه السلام وخطبه مسندة في مواطن ، وإن كانت مرسلة في النهج وغيره.

ثانياً : صرف وجود خطبة أو رواية في كتاب - مهما كان - لا يكفي على مذهب الإمامية للحجّية ، ما لم يقرن بقرائن خاصّة مذكورة في محلّها ، وهذا ما يسمّى بالوجادة ، التي لا حجّية فيها ولا سندية لها في نفسها.

ثالثاً : إنّ إعراض العلماء موهن للخبر ، بل قد يسقطه عن الحجّية ، خصوصاً وهو في مرأى ومسمع منهم ، وأيضاً عدم وجوده في كتب الأُصول « لأُم » عند الطائفة ، وعدم درجه فيها مضعّف له.

رابعاً : وجود طائفة كبيرة من أخبار العرض - الأخبار العلاجية - وما ورد عنهم عليهم السلام مستفيضاً من قولهم عن الحديث : « ما خالف كتاب اللّه فهو : زخرف : لم نقله : وأضربه عرض الجدار ، و... » ، وهي أحاديث لا تحصى كثرةً ، كما لنا أحاديث جمّة في إسقاط كُلّ حديث خالف العقول ، أو لزم منه الشرك والكفر ، إلاّ إذا أمكن تأويله أو حمله على محمل صحيح ، هذا بشكل عام ، وهي فائدة تنفع في موارد متعدّدة ، ومقامات أُخرى.

وأمّا ما يخصّ المقام فنقول :

أوّلاً : لقد نُسب للسيّد الخوئي قدس سره في خصوص خطبة البيان كون ألفاظها ركيكة ، وأنّها ليست بعربية فصيحة ، وأنّها مخالفة للسان أهل البيت عليهم السلام ، وهو كلام إنّما يتمّ عند أهل الفن خاصّة ، وفيه مجال للرّد والإبرام ، خصوصاً مع كون « حديثنا صعب مستصعب » ، وقولهم عليهم السلام : « ردّوه إلينا » ، كما ويخشى من تعميمه في مواطن أُخرى من غير من هو أهل لذلك.

ص: 436

ثانياً : وجود روايات صريحة صحيحة كثيرة مقابل هذه الأخبار الشاذّة النادرة ، وهذا كافٍ لإسقاطها عن الحجّية.

ثالثاً : إنّها مخالفة للعقل ، ولا يمكن القول بظاهرها من موحّد ، إلى غير ذلك من الوجوه الكثيرة ، التي لا غرض لنا هنا بإحصائها ، إذ لا نجد ثمّة ضرورة في ذلك.

والحاصل : إنّ عمدة الإشكال هنا أنّا لهم مع قوله تعالى : ( وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا ... ) (1) ، وقوله عزّ من قائل : ( هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (2) ، وقوله عزّ اسمه : ( إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ) (3) وغيرها مثلاً وما أكثرها ، فكيف يردّ التعبير عنهم عليهم السلام أمثال هذه الألفاظ التي يستشمّ منها الغلوّ والكفر ، والعياذ باللّه.

ولبّ الجواب عليه - فضلاً عمّا سلف - هو : إنّه وردت في كتبنا روايات كثيرة عنهم عليهم السلام صحيحة ، عندما ذكروا هذه الألفاظ فيها فسّروها لنا ، وقالوا : نقصد منها كذا ، فلو فسّرت بغير هذا من أيّ كان ، أو أخذ بظواهرها ، لكان ردّاً عليهم عليهم السلام ، ولابدّ من الأخذ بتأويلهم وبما فسّروه ، وإلاّ لكان باطلاً لم يقصدوه ولا يريدوه ، بل تقوّل عليهم وافتراء ، مثال ذلك :

أ - قوله صلى اللّه عليه وآله : « أنا الأوّل والآخر » ، ثمّ فسّره بقوله : « أوّل في النبوّة ، وآخر في البعثة » (4).

ب - سئل أمير المؤمنين عليه السلام : كيف أصبحت؟ فقال : « أصبحت وأنا الصدّيق الأوّل الأكبر ، والفاروق الأعظم ، وأنا وصيّ خير البشر ، وأنا الأوّل وأنا

ص: 437


1- النجم : 43 - 44.
2- الحديد : 3.
3- البقرة : 258.
4- إعلام الورى 1 / 51 ، كشف الغمّة 1 / 13.

الآخر ، وأنا الباطن وأنا الظاهر ، وأنا بكُلّ شيء عليم ، وأنا عين اللّه ، وأنا جنب اللّه ، وأنا أمين اللّه على المرسلين ، بنا عبد اللّه ، ونحن خزّان اللّه في أرضه وسمائه ، وأنا أُحيي وأنا أُميت ، وأنا حيّ لا أموت ».

فتعجّب الإعرابي من قوله ، فقال عليه السلام : « أنا الأوّل ؛ أوّل من آمن برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأنا الآخر ؛ آخر من نظر فيه لمّا كان في لحده ، وأنا الظاهر فظاهر الإسلام ، وأنا الباطن بطين من العلم ، وأنا بكُلّ شيء عليم ؛ فإنّي عليم بكُلّ شيء أخبر اللّه به نبيّه فأخبرني به ، فأمّا عين اللّه ؛ فأنا عينه على المؤمنين والكفرة ، وأمّا جنب اللّه ؛ فأن تقول نفس : يا حسرتا على ما فرّطت في جنب اللّه ، ومن فرّط فيّ فقد فرّط في اللّه ، ولم يخبر لنبيّ نبوّة حتّى يأخذ خاتماً من محمّد صلى اللّه عليه وآله ، فلذلك سمّي خاتم النبيين محمّد سيّد النبيين ، فأنا سيّد الوصيين.

وأمّا خزّان اللّه في أرضه ؛ فقد علمنا ما علمّنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بقول صادق ، وأنا أُحيي ؛ أُحيي سنّة رسول اللّه ، وأنا أُميت ؛ أُميت البدعة ، وأنا حيّ لا أموت لقوله تعالى : ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ... ) »(1).

ج - روي أنّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام كان قاعداً في المسجد ، وعنده جماعة ، فقالوا له : حدّثنا يا أمير المؤمنين ، فقال لهم : « ويحكم إنّ كلامي صعب مستصعب ، لا يعقله إلاّ العالمون » ، قالوا : لابدّ من أن تحدّثنا ، قال : « قوموا بنا » ، فدخل الدار.

فقال : « أنا الذي علوت فقهرت ، أنا الذي أُحيي وأُميت ، أنا الأوّل والآخر ، والظاهر والباطن » ، فغضبوا وقالوا : كفر!! وقاموا.

فقال علي عليه السلام للباب : « يا باب استمسك عليهم »! فاستمسك عليهم الباب ، فقال : « ألم أقل لكم إنّ كلامي صعب مستصعب ، لا يعقله إلاّ العالمون؟!

ص: 438


1- آل عمران : 169 ، مناقب آل أبي طالب 2 / 205.

تعالوا أفسّر لكم ، أمّا قولي : أنا الذي علوت فقهرت ، فأنا الذي علوتكم بهذا السيف فقهرتكم حتّى آمنتم باللّه ورسوله ، وأمّا قولي : أنا أُحيي وأُميت ؛ فأنا أُحيي السنّة وأُميت البدعة.

أمّا قولي : أنا الأوّل ؛ فأنا أوّل من آمن باللّه وأسلم ، وأمّا قولي : أنا الآخر ؛ فأنا آخر من سجّى على النبيّ صلى اللّه عليه وآله ثوبه ودفنه ، وأمّا قولي : أنا الظاهر والباطن ، فأنا عندي علم الظاهر والباطن ».

قالوا : فرّجت عنا فرّج اللّه عنك(1).

د - عن أبي جعفر عليه السلام قال : « قال أمير المؤمنين عليه السلام : أنا وجه اللّه ، أنا جنب اللّه ، وأنا الأوّل ، وأنا الآخر ، وأنا الظاهر ، وأنا الباطن ، وأنا وارث الأرض ، وأنا سبيل اللّه ، وبه عزمت عليه ».

قال معروف بن خربوذ : ولها تفسير غير ما يذهب فيها أهل الغلوّ(2).

وعلّق عليه العلاّمة المجلسي قدس سره بقوله : « وبه عزمت عليه ، أي باللّه أقسمت على اللّه عند سؤال الحوائج عنه »(3).

( .... - البحرين - .... )

ليس عندنا غلوّ :

س : يطلقون علينا ألفاظ كالرافضة والغلاة ، فما معنى الغلوّ لغة واصطلاحاً؟ وهل ينطبق علينا الغلوّ واقعاً؟

ج : إنّ الغلوّ لغة هو : مجاوزة الحدّ ، قال ابن منظور : « وغلا في الدين ، والأمر يغلو غلوّاً : جاوز حدّه ... التهذيب : قال بعضهم : غلوت في الأمر غلوّاً وغلانية وغلانيا إذا جاوزت فيه الحدّ ، وأفرطت فيه » (4).

ص: 439


1- الاختصاص : 163.
2- اختيار معرفة الرجال 2 / 471.
3- بحار الأنوار 39 / 349.
4- لسان العرب 15 / 132.

فالغلوّ : هو الارتفاع والتجاوز للحدّ ، وهو في كُلّ شيء بحسبه.

أمّا الغلوّ اصطلاحاً هو : تجاوز أشخاص البشر عن مقاماتها من حدّ العبودية إلى مقام الربوبية ، كما فعل أهل الكتاب بأنبيائهم ، كما في قوله تعالى : ( لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ ) (1) ، وهذا وارد بحقّ النصارى في عيسى عليه السلام ، حين رفعوه من مقام النبوّة إلى مقام الربوبية والأُلوهية.

والغالي في الإسلام : الذي يقول في محمّد وآله عليهم السلام بما لا يقولون : كأنّ يدّعي فيهم النبوّة والأُلوهية ، كالغلاة الذين قالوا بأُلوهية الإمام علي عليه السلام ، فحكم فيهم بالقتل والتحريق بالنار ، وقضت الأئمّة عليهم السلام عليهم بالإكفار ، والخروج عن الإسلام.

أمّا نحن الشيعة الإمامية الإنثا عشرية فلا ندّعي في أئمّتنا عليهم السلام شيئاً من ذلك ، بل نقول فيهم كما قال الإمام علي عليه السلام : « لا تتجاوزوا بنا العبودية ، ثمّ قولوا فينا ما شئتم ولن تبلغوا ... »(2).

لذا تجدنا نقول في زيارتهم عليهم السلام : السلام على عباد اللّه المكرمين ، السلام على عباد اللّه المخلصين.

ص: 440


1- المائدة : 77.
2- الاحتجاج 2 / 233.

الغناء والموسيقى :

اشارة

( محمّد سلمان الغافلي - السعودية - .... )

نصوص التحريم :

س : ما هي الأدلّة التي تدلّ على تحريم الأغاني من القرآن الكريم ، والسنّة النبوية؟

ج : إنّ الأدلّة الدالّة على التحريم من القرآن الكريم هي :

1 - قوله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) (1).

حيث فسّرت الأخبار - من العامّة والخاصّة - لهو الحديث بالغناء ، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال في تفسير هذه الآية : « منه الغنا »(2).

وسئل عليه السلام عن الغناء فقال : « لا تدخلوا بيوتاً اللّه معرض عن أهلها »(3) ، وقال عليه السلام : « الغناء مجلس لا ينظر اللّه إلى أهله ، وهو ممّا قال اللّه : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللّهِ ) »(4).

2 - قوله تعالى : ( اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ) (5).

ص: 441


1- لقمان : 6.
2- تفسير نور الثقلين 4 / 193.
3- الكافي 6 / 434.
4- الكافي 6 / 433 ، دعائم الإسلام 2 / 207.
5- الحجّ : 30.

حيث فسّرت الأخبار قول الزور بالكذب ، وروي أصحابنا أنّه يدخل فيه الغناء(1).

3 - قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ) (2).

حيث فسّرت الزور باللّهو الباطل كالغناء ونحوه ، أي الذين لا يحضرون مجالس الباطل(3).

وعن مسعدة بن زياد قال : كنت عند أبي عبد اللّه عليه السلام ، فقال له رجل : بأبي أنت وأُمّي إنّي أدخل كنيفاً لي ، ولي جيران وعندهم جوار يتغنين ويضربنّ بالعود ، فربما أطلت الجلوس استماعاً منّي لهن.

فقال : « لا تفعل » ؛ فقال الرجل : واللّه ما آتيهن إنّما هو سماع اسمعه بإذني ، فقال عليه السلام : « لله أنت أمّا سمعت اللّه عزّ وجلّ يقول : ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ) (4) ... »(5).

وسُئل الإمام الصادق عليه السلام عن بيع الجواري المغنّيات؟ فقال عليه السلام : « شراؤهن وبيعهن حرام ، وتعليمهن كفر ، واستماعهن نفاق »(6).

وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « كان إبليس أوّل من تغنّى »(7).

وعن صفوان بن أُمية قال : كنّا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فجاءه عمرو قرة ، فقال : يا رسول اللّه ، قد كتبت عليّ الشقوة ، فلا أراني أرزق إلاّ من دفي بكفّي ، فتأذن لي في الغناء من غير فاحشة.

ص: 442


1- التبيان 7 / 312 ، مجمع البيان 7 / 148.
2- الفرقان : 72.
3- الميزان في تفسير القرآن 15 / 244.
4- الإسراء : 36.
5- الكافي 6 / 432.
6- المصدر السابق 5 / 120.
7- تفسير العيّاشي 1 / 40.

فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « لا آذن لك ولا كرامة ، كذبت يا عدوّ اللّه لقد رزقك اللّه حلالاً طيّباً ، فاخترت ما حرّم اللّه من رزقه مكان ما أحلّ اللّه من حلاله ، ولو كنت تقدّمت إليك لفعلت بك ، قم عنّي ، وتب إلى اللّه ، أمّا أنّك إن نلت بعد التقدمة شيئاً ضربتك ضرباً وجيعاً » (1).

4 - قوله تعالى ينذر فيه أُمّة محمّد صلى اللّه عليه وآله : ( وَأَنتُمْ سَامِدُونَ ) (2).

قال عكرمة عن ابن عباس : « هو الغناء بلغة حِميَر ، يقال : سمّد لنا : أي غنّ لنا »(3).

5 - خطاب اللّه تعالى لإبليس : ( وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ) (4).

قال ابن عباس ومجاهد : « إنّه الغناء والمزامير واللّهو »(5).

وقد جاء في السنّة الشريفة عنه صلى اللّه عليه وآله : « ما رفع أحد صوته بغناء إلاّ بعث اللّه تعالى إليه شيطانان يجلسان على منكبيه ، يضربان بإعقابهما على صدره حتّى يمسك »(6).

( .... - السعودية - 27 سنة - بكالوريوس )

حرمتهما عقلاً :

س : أُؤمن بأنّ الأغاني حرام ، لكنّني لست مقتنعة للأسف ، وكُلّما قرأت كلاماً لا أشعر بأنّه يقنعني أترك الغناء فقط لأنّه حرام ، ولكنّني لا اقتنع بذلك ، فلهو الحديث قد لا يكون غناء ، واضرب برجلك قد لا يكون المقصود به غناء ، فما الدليل العقلي للحرمة؟

ص: 443


1- المعجم الكبير 8 / 51 ، مسند الشاميين 4 / 390 ، كنز العمّال 15 / 222.
2- النجم : 61.
3- الجامع لأحكام القرآن 17 / 123.
4- الإسراء : 64.
5- الجامع لأحكام القرآن 10 / 288.
6- فتح القدير 4 / 236 ، مجمع الزوائد 8 / 119 ، المعجم الكبير 8 / 204 ، الدرّ المنثور 5 / 159.

لو فكّرنا أنّ اللّه حرّم الغناء لمضارّ كثيرة ، لكن أين تلك المضارّ؟ تجعل الأعصاب مشدودة؟ لا أشعر بذلك!

تسيء الأخلاق؟ من أراد أن تسوء أخلاقه ساءت دون غناء ، وقد أكون اسمع الغناء بسبب سوء نفسيتي ، فابحث عن شيء يؤنسني ويجعلني أفضل ، ومع العلم أنّي ملتزمة بالصلاة والحمد لله ، وبقراءة القرآن ، ولست مستمعة مدمنة على الغناء ، وقد ابتعدت عنه ما يقارب السنتين إلاّ في الأعياد؟ لكنّني أرى الفتيات أفضل نفسية منّي ، وخصوصاً عندما تحرّك فيهم الغناء النشاط ، وأراهم يرقصن سعيدين.

أعلم أنّ الغناء حرام ، لكن هل تستطيع إقناعي بمحادثة عقلي مباشرة ، بعيداً عن الأحاديث والآيات؟ قد يكون لك القدرة على ذلك ، ولكن تذكّر لو سمحت أن تحادثني برفق ، لأنّي أنفر بشدّة من الأسلوب القاسي ، احترامي وشكري.

ج : أُختي الكريمة ، أرجو النظر في هذه الآيات الكريمة بدّقة وتأمّل ، لا لتحكي حكماً شرعياً - لأنّك ارتأيتي عدم الاستدلال بالآيات والأحاديث - وإنّما لأنّها تحكي وتوضّح حكماً عقلياً ، وحقيقة واقعية في معنى الإيمان والإسلام ، والطاعة والتقوى ، فقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللّهَ وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللّه كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إِنَّ اللّه كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ وَكَفَى باللّهِ وَكِيلًا مَّا جَعَلَ اللّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ... ) (1).

فهذه الآيات الكريمة تبيّن فلسفة الطاعات والمعاصي والحلال والحرام ، بأنّها متضادّة متنافية متناقضة ، لا يمكن أن تجتمع في قلب واحد وتستقرّ به ، فالآيات تبيّن حقائق منها : إتباع ما يوحى - كالواجبات مثل قراءة القرآن - وعدم طاعة الكافرين والمنافقين - وإحدى مصاديقها المحرّمات مثل الغناء - وهذا كُلّه

ص: 444


1- الأحزاب : 1 - 4.

يحتاج إلى تقوى في النفس من اللّه تعالى أوّلاً ، وتحتاج ثانياً إلى التوكّل على اللّه لطلب العفو ، لأنّ النفس تميل عادة إلى الراحة والشهوات والمعاصي ، ولا تميل إلى بذل الجهد والتكلّف والصبر والحرمان والطاعات ، فتحتاج النفس إلى مجاهدة ومصابرة وترويض.

كما أشار النبيّ صلى اللّه عليه وآله إلى صعوبة ذلك ، فقال للصحابة عندما رجعوا من الجهاد والمعركة : « مرحباً بقوم قضوا الجهاد الأصغر ، وبقي عليهم الجهاد الأكبر » ، قيل يا رسول اللّه وما الجهاد الأكبر؟ قال : « جهاد النفس » (1).

ونستطيع تشبيه الطاعات بالنور والمعاصي بالظلام ، ونسأل هل يمكن أن يجتمع النور بالظلمة في مكان؟ أبداً ، وكذلك القلب فإنّه لا يستطيع الإنسان أن يحبّ ويدخل في قلبه القرآن ، ثمّ يحبّ ويملأ قلبه الغناء ، كما قال تعالى : ( مَّا جَعَلَ اللّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ... ) ، واللّه الهادي إلى سواء السبيل.

( ... - ... - ..... )

تعريف الغناء وروايات في تحريمه :

س : الرجاء بيان الغناء ، وذكر الروايات الواردة في تحريمه , وشكراً لسعيكم.

ج : الغناء بالمد ككساء قيل : هو مدّ الصوت المشتمل على الترجيع المطرب ، فلا يحرم بدون الوصفين ، أعني الترجيع والإطراب ، والطرب : خفّة تعتريه تسرّه أو تحزنه.

وردّه بعضهم إلى العرف ، فما سُمّي فيه غناء يحرم وإن لم يطرب ، ولا خلاف في تحريمه ، ولا فرق في ظاهر كلام الأصحاب ، بل صريح جملة منهم ، في كون ذلك في قرآن أو دعاء أو شعر أو غيرها.

ص: 445


1- الكافي 5 / 12 ، الأمالي للشيخ الصدوق : 553 ، معاني الأخبار : 160.

استجابة لطلبكم نذكر بعض الروايات التي وردت في تحريم الغناء :

1 - عن عبد اللّه بن أبي بكر قال : قمت إلى متوضأ لي ، فسمعت جارية لجار لي تغنّي وتضرب ، فبقيت ساعة أسمع ، قال : ثمّ خرجت ، فلمّا أن كان الليل دخلت على أبي عبد اللّه عليه السلام ، فحين استقبلني قال : « الغناء اجتنبوا ، الغناء اجتنبوا ، الغناء اجتنبوا ، اجتنبوا قول الزور ».

قال : فما زال يقول : « الغناء اجتنبوا ، الغناء اجتنبوا » ، قال : فضاق بي المجلس ، وعلمت أنّه يعنيني ، فلمّا أن خرجت قلت لمولاه معتب : واللّه ما عنى غيري(1).

2 - عن سعيد بن محمّد الطاهري عن أبيه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سأله رجل عن بيع جواري المغنّيات؟ فقال : « شراؤهن وبيعهن حرام ، وتعليمهن كفر ، واستماعهن نفاق »(2).

3 - عن نصر بن قابوس قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : « المغنّية ملعونة ، ملعون من أكل من كسبها »(3).

4 - عن إبراهيم ابن أبي البلاد قال : أوصى إسحاق بن عمر عند وفاته بجوار له مغنّيات أن نبيعهن ونحمل ثمنهن إلى أبي الحسن عليه السلام ، قال إبراهيم : فبعت الجواري بثلاثمائة ألف درهم ، وحملت الثمن إليه ، فقلت له : إنّ مولى لك يقال له : إسحاق بن عمر أوصى عند موته ببيع جوار له مغنّيات ، وحمل الثمن إليك ، وقد بعتهن ، وهذا الثمن ثلاثمائة ألف درهم ، فقال : « لا حاجة لي فيه إنّ هذا سحت ، وتعليمهن كفر ، والاستماع منهن نفاق ، وثمنهن سحت » (4).

ص: 446


1- الأمالي للشيخ الطوسي : 720.
2- الكافي 5 / 120.
3- الاستبصار 3 / 61.
4- الكافي 5 / 120.

5 - عن زيد الشحّام قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : « بيت الغناء لا تؤمن فيه الفجيعة ، ولا تجاب فيه الدعوة ، ولا يدخله الملك »(1).

6 - عن أبي أُسامة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « الغناء غشّ النفاق »(2).

7 - عن يونس قال : سألت الخراساني عليه السلام عن الغناء وقلت : إنّ العباسي ذكر عنك أنّك ترخّص في الغناء ، فقال : « كذب الزنديق ، ما هكذا قلت له ، سألني عن الغناء ، فقلت : إنّ رجلاً أتى أبا جعفر عليه السلام فسأله عن الغناء ، فقال : يا فلان ، إذا ميّز اللّه بين الحقّ والباطل فأين يكون الغناء؟ قال : مع الباطل ، فقال : قد حكمت »(3).

8 - عن حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سألته عن قول الزور ، قال : « منه قول الرجل للذي يغنّي : أحسنت »(4).

9 - قال الإمام الصادق عليه السلام : « شرّ الأصوات : الغناء »(5).

10 - عن الحسن بن هارون قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : « الغناء يورث النفاق ويعقب الفقر » (6).

11 - عن عنبسة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « استماع الغناء واللّهو ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع »(7).

ص: 447


1- المصدر السابق 6 / 433.
2- وسائل الشيعة 17 / 305.
3- الكافي 6 / 435.
4- وسائل الشيعة 17 / 309.
5- المقنع : 456.
6- الخصال : 24.
7- الكافي 6 / 434.

ص: 448

الغيبة :

اشارة

( أبو جعفر - البحرين - .... )

الدليل العقلي على غيبة الحجّة :

س : هل توجد أدلّة عقلية تكشف عن أسباب غيبة الإمام المنتظر ( أرواحنا لمقدمه الفداء )؟

ج : إنّ اللّه تعالى وعد - ووعده الحقّ - بأن يُظهر دين الإسلام على وجه الكرة الأرضية بقوله : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الحقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (1).

وهذا الوعد لم يتحقّق في زمن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ولا في زمن الأئمّة عليهم السلام ، فهنا العقل يحكم بأنّ مثل هذا المشرّع الحكيم لابدّ وأن يجعل للثاني عشر من الأئمّة عليهم السلام أمراً يحقّق به ما وعد ، وبما أن الإمام الثاني عشر كان مطالباً من قبل الحكم الجائر في زمانه ليقتل - ولا يتحقّق وعد اللّه تعالى - فاللّه تعالى كان مخيّراً بين أمرين : بين أن يميته ثمّ يحييه حياة ثانية في الدنيا ، وبين أن يطيل عمره ، وحيث أنّ الإمامة الإلهية ليست فائدتها منحصرة في بيان الأحكام ، بل إنّ وجود الإمام عليه السلام واسطة لنزول الرحمة الإلهية على الخلق ، فاقتضت الحكمة الإلهية أن تكون لهذا الإمام حياة طويلة في الغيبة ، حتّى لا يبتلى بما

ص: 449


1- التوبة : 33.

ابتلي به آباؤه الطاهرون ، من تعقيب وسجن ، ثمّ استشهاد على يد الظالم ، وأن هذه الحياة في الغيبة تمتد إلى حين يأذن اللّه تعالى بحكمه ولطفه أن يظهره بعد غيبته ، وبه يظهر دينه على الدين كُلّه ، وهذا كُلّه ممّا يدركه العقل.

( .... - الكويت - .... )

كيفية الانتفاع بالإمام المهدي في غيبته :

س : أرجو من سماحتكم توضيح هذه النقطة : كيف يكون مولانا المهدي عليه السلام حجّة اللّه على الخلق؟ وهو غائب ، وأدام اللّه التوفيق لكم.

ج : قد سُئل النبيّ صلى اللّه عليه وآله عن كيفية الانتفاع بالإمام المهدي عليه السلام في غيبته فقال : « إي والذي بعثني بالنبوّة ، إنّهم يستضيئون بنوره ، وينتفعون بولايته في غيبته ، كانتفاع الناس بالشمس ، وإن تجلّلها السحاب » (1).

وقال الإمام الصادق عليه السلام - بعد أن سُئل عن كيفية انتفاع الناس بالحجّة الغائب المستور - : « كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب »(2).

وروي أنّه خرج من الناحية المقدّسة إلى إسحاق بن يعقوب ، على يد محمّد بن عثمان : « وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي ، فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأبصار السحاب »(3).

فيمكن أن يقال : إنّ الشبه بين الإمام المهدي عليه السلام وبين الشمس المجلّلة بالسحاب ، من عدّة وجوه :

1 - الإمام المهدي عليه السلام كالشمس في عموم النفع ، فنور الوجود والعلم والهداية يصل إلى الخلق بتوسّطه.

ص: 450


1- كمال الدين وتمام النعمة : 253 ، كفاية الأثر : 54.
2- الأمالي للشيخ الصدوق : 253 ، كمال الدين وتمام النعمة : 207.
3- كمال الدين وتمام النعمة : 485 ، الاحتجاج 2 / 284.

2 - إنّ منكر وجوده عليه السلام كمنكر وجود الشمس إذا غيّبها السحاب عن الأبصار.

3 - إنّ الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بها ، ينتظرون في كُلّ آن انكشاف السحاب عنها وظهورها ، ليكون انتفاعهم بها أكثر ، فكذلك في أيّام غيبته عليه السلام ، ينتظر المخلصون من شيعته خروجه وظهوره في كُلّ وقت وزمان ، ولا ييأسون منه.

4 - إنّ الشمس قد تخرج من السحاب على البعض دون الآخر ، فكذلك يمكن أن يظهر في غيبته لبعض الخلق دون البعض.

5 - إنّ شعاع الشمس يدخل البيوت بقدر ما فيها من النوافذ ، وبقدر ما يرتفع عنها الموانع ، فكذلك الخلق إنّما ينتفعون بأنوار هدايته بقدر ما يرفعون الموانع عن حواسّهم ومشاعرهم ، من الشهوات النفسية والعلائق الجسمانية ، والالتزام بأوامر اللّه ، والتجنّب عن معاصيه ، إلى أن ينتهي الأمر حيث يكون بمنزلة مَن هو تحت السماء يحيط به شعاع الشمس من جميع جوانبه بغير حجاب.

جعلنا اللّه وإيّاكم من المتمسّكين بولايتهم ، ورفع عنّا وعنكم كُلّ شكّ وشبهة.

( كميل - عمان - 22 سنة - طالب جامعة )

الحيرة الموجودة لا تنفي وجود حكمتها :

س : حينما نستدلّ على الإمامة نقول : بأنّهم وجدوا لحفظ الأُمّة الإسلامية من التيه ، إذ لولا وجودهم لما عرفنا التفسير الصحيح للقرآن ، ولا الأحكام ، والعقائد الصحيحة.

السؤال هو : كيف يمكن التوفيق بين هذا وبين غيبة الإمام الحجّة عليه السلام؟ إذ أنّ الغيبة جعلتنا نحتار بين الحلال والحرام ، وليس هناك من يمحو هذه الحيرة مائة بالمائة؟ فالنتيجة هي : أنّ الحكمة من وجودهم عليهم السلام ليست لرفع الحيرة ، وإنّما لشيء آخر ، فكيف تحلّون هذا الإشكال؟

ص: 451

ج : إنّ مصلحة وجود الأئمّة عليهم السلام لا تنحصر في الجانب التشريعي ، بل وإنّهم بما لديهم من قدرات وصلاحيّات ، لهم التصرّف في الجانب التكويني أيضاً ، فعليه فحكمة وجود الإمام الغائب ترتبط إلى حدّ كبير بمقام وساطته في الفيض الإلهي للوجود - كما قرّر في محلّه -.

ثمّ إنّ الغيبة بما هي معلولة لعدم التجاوب المطلوب من جانب الناس لخطّ الإمامة ، فكافّة آثارها السلبية - إن وجدت - فهي حصيلة هذا التخاذل والقعود عن الحقّ.

وبعبارة أوضح : إنّ الحيرة الموجودة لا تنفي وجود الحكمة في الأصل ، بل وإنّ كُلّ الآثار السيّئة في هذه الفترة ترجع بالنتيجة إلى الناس أنفسهم ، كضوء الشمس المستتر أحياناً بالغيم ، إذ إنّ وجود الضوء ومصلحته لا يخالجه أيّ شكّ ، وأمّا عدم وصوله إلينا فعلّته وجود الغيم ، وهنا لا يصحّ لنا أن ننكر حكمة وجود الشمس الممتنعة الضوء بالغيم ، بل وإنكارنا يجب أن ينصب دائماً على المانع في جميع المجالات.

مضافاً إلى أنّ اللّه تعالى ومن منطلق محبّته لعباده ، وإيصال المنافع لهم دائماً ، قد رتّب مصالح في هذه الغيبة ، حتّى لا يخسر المؤمنون في هذه الفترة بالمرّة ، فمنها : توطيد المحبّة الولائية في نفوسهم ، حتّى يتمهّد الطريق في المستقبل القريب - إن شاء اللّه - لحكم الإمام عليه السلام.

ومنها : اجتياز المراحل الصعبة في الامتحان الإلهي ، وثمّ إعطاء درجات الإيمان لهم.

ومنها : ترويضهم في هذه الفترة لمواجهة المشاكل والأُمور الصعاب بأنفسهم ، حتّى تترقّى قابلياتهم ، ويؤهّلوا لمرحلة تثبيت الحكم الإسلامي ، إلى آخر ما هنالك من مصالح كُلّية وجزئية جاءت جابرة إلى حدّ ما خسارة الناس من غيبة إمامهم عليه السلام.

ص: 452

( منصور جواد - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة )

عدم خلو الأرض من حجّة لا تناقض الغيبة :

س : لقد ورد في كثير من الروايات : عدم خلو الأرض من حجّة ، وأنّه لولا الحجّة لساخت الأرض بأهلها.

وسؤالي هو : ألا يعتبر غياب الإمام المهدي هو تناقض صريح مع ما ورد؟

ج : لا تناقض بين الحديث وغيبة الإمام المهدي عليه السلام ، لأنّ معنى الحديث : أنّ الأرض لا تخلو من وجود حجّة لله تعالى ، ولولا وجوده لساخت الأرض ، ومن المعلوم أنّ الإمام المهدي عليه السلام موجود حيّ يعيش على الأرض ، لكنّه غائب عن أنظارنا ، وعدم ظهوره لا يدلّ على عدم وجوده.

( عبد الأمير - البحرين - .... )

أسباب غيبة الإمام المهدي :

س : ما هي الأسباب والحكم من غيبة الإمام المهدي عليه السلام؟

ج : إنّ غيبة الإمام المنتظر عليه السلام كانت ضرورية لابدّ للإمام منها ، نذكر لك بعض الأسباب التي حتمت غيابه عليه السلام :

1 - الخوف عليه من العباسيين :

لقد أمعن العباسيون منذ حكمهم ، وتولّيهم لزمام السلطة في ظلم العلويين وإرهاقهم ، فصبّوا عليهم وابلاً من العذاب الأليم ، وقتلوهم تحت كُلّ حجرٍ ومدرٍ ، ولم يرعوا أيّة حرمة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في عترته وبنيه ، ففرض الإقامة الجبرية على الإمام علي الهادي ، ونجله الإمام الحسن العسكري عليهما السلام في سامراء ، وإحاطتهما بقوى مكثّفة من الأمن - رجالاً ونساءً - هي لأجل التعرّف على ولادة الإمام المنتظر عليه السلام لإلقاء القبض عليه ، وتصفيته جسدياً ، فقد أرعبتهم وملأت قلوبهم فزعاً ما تواترت به الأخبار عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وعن أوصيائه الأئمّة الطاهرين : أنّ الإمام المنتظر هو آخر خلفاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأنّه هو

ص: 453

الذي يقيم العدل ، وينشر الحقّ ، ويشيع الأمن والرخاء بين الناس ، وهو الذي يقضي على جميع أنواع الظلم ، ويزيل حكم الظالمين ، فلذا فرضوا الرقابة على أبيه وجدّه ، وبعد وفاة أبيه الحسن العسكري أحاطوا بدار الإمام عليه السلام ، وألقوا القبض على بعض نساء الإمام الذين يظنّ أو يشتبه في حملهن.

فهذا هو السبب الرئيسي في اختفاء الإمام عليه السلام ، وعدم ظهوره للناس ، فعن زرارة قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : « إنّ للقائم غيبة قبل ظهوره » ، قلت : ولَمِ؟ فقال عليه السلام : « يخاف » ، وأومئ بيده إلى بطنه ، قال رزارة : يعني القتل(1).

ويقول الشيخ الطوسي : « لا علّة تمنع من ظهوره عليه السلام إلاّ خوفه على نفسه من القتل ، لأنّه لو كان غير ذلك لما ساغ له الاستتار »(2).

2 - الامتحان والاختبار :

وثمّة سبب آخر علّل به غيبة الإمام عليه السلام ، وهو امتحان العباد واختبارهم ، وتمحيصهم ، فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « أمّا واللّه ليغيبن إمامكم سنيناً من دهركم ، ولتمحصن حتّى يقال : مات أو هلك ، بأيّ وادٍ سلك ، ولتدمعن عليه عيون المؤمنين ، ولتكفأن كما تكفأ السفن في أمواج البحر ، فلا ينجو إلاّ من أخذ اللّه ميثاقه ، وكتب في قلبه الإيمان ، وأيّده بروح منه »(3).

ولقد جرت سنّة اللّه تعالى في عباده امتحانهم ، وابتلاءهم ليجزيهم بأحسن ما كانوا يعملون ، قال تعالى : ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) (4) ، وقال تعالى : ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ ) (5).

ص: 454


1- علل الشرائع 1 / 246 ، كمال الدين وتمام النعمة : 481.
2- الغيبة للشيخ الطوسي : 329.
3- الإمامة والتبصرة : 125 ، الكافي 1 / 336 ، الأمالي للشيخ الصدوق : 191.
4- الملك : 2.
5- العنكبوت : 2.

وغيبة الإمام عليه السلام من موارد الامتحان ، فلا يؤمن بها إلاّ من خلص إيمانه ، وصفت نفسه ، وصدّق بما جاء عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله والأئمّة الهداة المهديين من حجبه عن الناس ، وغيبته مدّة غير محدّدة ، أو أنّ ظهوره بيد اللّه تعالى ، وليس لأحدٍ من الخلق رأي في ذلك ، وإن مثله كمثل الساعة فإنّها آتية لا ريب فيها.

3 - الغيبة من أسرار اللّه تعالى :

وعُلّلت غيبة الإمام المنتظر عليه السلام بأنّها من أسرار اللّه تعالى ، التي لم يطّلع عليها أحد من الخلق ، فقد ورد عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « إنّما مثله كمثل الساعة ، ثقلت في السماوات والأرض ، لا تأتيكم إلاّ بغتة »(1).

4 - عدم بيعته لظالم :

ومن الأسباب التي ذكرت لاختفاء الإمام عليه السلام أن لا تكون في عنقه بيعة لظالم ، فعن علي بن الحسن بن علي بن فضّال عن أبيه ، عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال : « كأنّي بالشيعة عند فقدهم الثالث من ولدي كالنعم يطلبون المرعى فلا يجدونه » ، قلت له : ولم ذلك يا بن رسول اللّه؟ قال عليه السلام : « لأنّ إمامهم يغيب عنهم » ، فقلت : ولِمَ؟ « لئلا يكون في عنقه لأحد بيعة إذا قام بالسيف »(2).

وأعلن الإمام المهدي عليه السلام ذلك بقوله : « إنّه لم يكن لأحد من آبائي عليهم السلام إلاّ وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإنّي أخرج حين أخرج ، ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي » (3).

هذه بعض الأسباب التي علّلت بها غيبة الإمام المنتظر عليه السلام ، وأكبر الظنّ أنّ اللّه تعالى قد أخفى ظهور وليّه المصلح العظيم لأسباب أُخرى أيضاً لا نعلمها إلاّ بعد ظهوره عليه السلام.

ص: 455


1- كفاية الأثر : 168 و 250 ، ينابيع المودّة 3 / 310.
2- علل الشرائع 1 / 245 ، عيون أخبار الرضا 2 / 247.
3- كمال الدين وتمام النعمة : 485 ، الغيبة للشيخ الطوسي : 292.

( فاطمة حسن - .... - .... )

تعقيب على الجواب السابق :

قد يقول قائل : ما العلّة وما فائدة الإمام المنتظر في استمرار وجوده غائباً؟ وعدم ظهوره ليصلح ما أفسده الناس ، وما جرفوه من حكم الإسلام.

الجواب : قد ورد في جواب الإمام الحجّة عليه السلام لإسحاق بن يعقوب ، كما في توقيعه الشريف : « وأمّا علّة ما وقع مِن الغيبة ، فإنّ اللّه عزَّ وجلّ يقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) (1) إنّه لم يكن أحد من آبائي إلاّ وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإنّي أخرج حين أخرج ، ولا بيعة لأحد مِن الطواغيت في عنقي.

وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبتها عن الأبصار السحاب ، وإنّي لأمان لأهل الأرض ، كما أنّ النجوم أمان أهل السماء ، فأغلقوا أبواب السؤال عمَّا لا يعنيكم ، ولا تتكلّفوا على ما قد كفيتم ، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج ، فإنّ ذلك فرجكم ، والسلام عليكم يا إسحاق بن يعقوب وَعلى مَن اتبع الهدى »(2).

فالعلّة في غيبة الإمام وفائدتها أُمور :

1 - الغيبة سرّ مِن أسرار اللّه فلا تتكلّفوه ، كما ذكر الإمام عليه السلام واستشهد بالآية.

2 - غيبته إنّما وقعت لئلا يكون في عنقه بيعة لطاغية.

3 - إنّ مثل وجوده ونفعه للمجتمع كمثل وجود الشمس ، فإنّ غيبته لا تمنع مِن الاستفادة بوجوده الشريف.

4 - الإمام الحجّة أمان لأهل الأرض بوجوده ودعائه وبركاته.

ص: 456


1- المائدة : 101.
2- الغيبة للشيخ الطوسي : 292 ، كمال الدين وتمام النعمة : 485.

5 - طلبه الدعاء له بالفرج ، لأنّ تضرّع المؤمنين إلى اللّه بتعجيل فرجه له تأثير عند اللّه بتقريب ظهوره.

6 - إنّ لله حكم وأسرار فيها ما هو جلي ، ومنها ما هو خفي ، قد أخفاها لمصالح تعود للعباد ، وأمر المهدي عليه السلام في غيبته كذلك.

7 - إنّ وجود المهدي حجّة لله قائمة في الأرض يحفظ اللّه به البلاد والعباد.

8 - قد يكون المانع مِن ظهوره هم الناس أنفسهم ، لعدم وجود أنصار له.

9 - إنّ تأخير ظهوره قد يكون لإعطاء فرصة ومهلة للرجوع إلى اللّه تعالى.

10 - إنّ الحجّة المنتظر بوجوده يحفظ اللّه التوازن في المجتمع البشري ، كما تحفظ الجاذبية التوازن في المجموعة الكونية.

جعلنا اللّه وإيّاكم محلّ رضاه ، وجمعنا به العليّ القدير عاجلاً غير آجل ، إنّه سميع مجيب.

وعلى كُلّ واحد - أينما كان - أن يجعل ارتباطه باللّه تعالى شفّافاً ، واضحاً ، قوياً ومتكاملاً.

نسألكم الدعاء.

( يوسف - الكويت - .... )

غيبة المهدي لا تنفي مصلحة وجوب وجوده :

س : الإخوة القائمين على هذا المركز : تحية طيّبة ، وشكراً على هذه الجهود الجبّارة ، التي تقومون بها لترويج مذهب أهل البيت عليهم السلام.

قد يثير البعض شبهة حول الأدلّة العقلية التي نستدلّ بها في إثبات الإمامة ، من خلال الاحتجاج بغيبة مولانا صاحب الأمر عليه السلام ، وكمثال على ذلك : حينما نمرّ بذكر الأدلّة التي ساقها أهل البيت عليهم السلام وأصحابهم الكرام في إثبات الإمامة ، وأنّها ضرورة عقلية ، في باب الاضطرار إلى الحجّة من كتاب الحجّة في أُصول الكافي : نرى أنّ الأئمّة عليهم السلام وأصحابهم ، قد احتجّوا بأنّه لابدّ للناس من إمام يكون حجّة بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ويكون سفيراً لله تعالى يدلّ الناس على

ص: 457

منافعهم ومصالحهم ، وما به بقاؤهم ، وفي تركه فناؤهم ، وأنّه لابدّ للناس من إمام يردّون إليه شكّهم وحيرتهم.

وبما أنّ الإمام المهدي عليه السلام غائب ، فلا يمكنه القيام بتلك الوظائف ، أي أنّه لا يدلّ الناس على مصالحهم ، ولا يستطيع الناس ردّ حيرتهم وشكّهم إليه ، بل يردّونها إلى العلماء ، وهنا لا يختلف الشيعة عن السنّة ، فهم أيضاً يردّون مسائلهم إلى علمائهم.

وبالنتيجة ، لا يمكن الاعتماد على هذه الأدلّة العقلية في إثبات الإمامة ، إذ لو اعتمدنا عليها لأبطلنا إمامة الإمام المهدي عليه السلام ، ولو قلنا بإمامته - مع غيبته - فلا يصحّ الاستدلال بتلك الأدلّة السابقة.

أرجو أن أجد لديكم الإجابة الشافية للردّ على هذه الشبهة.

ج : إنّ الأدلّة العقلية التي أشرتم إليها هي صحيحة لا محيص منها - كما ذكر في محلّه - ولكن يجب التنبّه إلى مفادها ، فهي تأخذ على عاتقها إثبات وجود الإمام في الكون ؛ وهذا أعمّ من الإمام الحاضر والغائب ، فعلى سبيل المثال : دليل الاحتجاج بوجود الإمام عليه السلام يستنتج منه وجوده فقط لا وجوده الحضوري ؛ فالغيبة لا تنفي مصلحة وجوب وجود الإمام عليه السلام ، والإمامة والهداية لا تنحصر بحال الحضور ، فمثلاً الهداية التكوينية لا علاقة لها بالحضور أو الغيبة ، بل ترتبط بمجرّد وجود الإمام عليه السلام.

نعم ، إنّ صفة الغيبة تضع عراقيل في طريق الاتّصال بالحجّة عليه السلام ، من جهة عدم بسط يده وعلمه وإمامته الظاهرية ؛ وهذا وإن كان مورداً للقبول عند كافّة الشيعة ، إلاّ أنّه لمّا لم تكن العلّة في الغيبة من جهته عليه السلام ، فالمسؤولية في هذا المجال تبقى على عاتق الناس.

وبعبارة أوضح : لو كانت المصالح تقتضي - ومنها تلقّي الوسط العام من المجتمع قبول الإمام عليه السلام - لما استمرّت الغيبة طوال هذه الفترة المديدة ، وهذا معنى كلام بعض العلماء : « وجوده لطف ، وتصرّفه لطف آخر ، وعدمه منّا ».

ص: 458

( حيدر - .... - .... )

لا يطرأ عليها البداء :

س : شكراً على الإجابة.

لقد اطلعت على أسباب الغيبة ، وسؤالي فقط : هل يمكن اعتبار الغيبة من أُمور البداء؟ حفظكم اللّه ورعاكم.

ج : إنّ أصل مسألة الإمام المهدي عليه السلام وغيبته وظهوره ، من المبادئ التي لا يطرأ عليها البداء.

نعم قد يحصل في بعض الخصوصيات ، من طول فترة الغيبة أو قصرها ، وعلائم الظهور وفقاً للمصلحة الإلهية.

وقد وردت رواية في هذا المجال تؤكّد وتصرّح بهذا الموضوع ، عن أبي هاشم الجعفري قال : كنّا عند أبي جعفر محمّد بن علي الرضا عليهما السلام ، فجرى ذكر السفياني ، وما جاء في الرواية من أنّ أمره من المحتوم ، فقلت لأبي جعفر عليه السلام : هل يبدو لله في المحتوم؟

قال عليه السلام : « نعم » ، قلنا له : فنخاف أن يبدو لله في القائم! قال عليه السلام : « إنّ القائم من الميعاد واللّه لا يخلف الميعاد » (1) ، وفيها إشارة إلى الآية ( إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ) (2).

( جاسم محمّد علي - الكويت - .... )

شبهات وردود حول مسألة السرداب :

س : أُريد توضيحاً كاملاً عن مسألة السرداب ، والإجابة على الشبهات المثارة حوله ، وشكراً لكم.

ص: 459


1- الغيبة للنعماني : 303.
2- آل عمران : 9 ، الرعد : 33.

ج : كان الإمام المهدي عليه السلام خلال الفترة الأُولى من حياته ، يعيش في بيت أبيه الإمام العسكري عليه السلام ، وكان يتستّر عن عيون الحكّام وجواسيسهم ، ويلجأ أحياناً إلى مخبأ في البيت ، يسمّونه « السرداب » ، وكان السرداب - ولا يزال حتّى اليوم - يستعمل في بيوت العراق للوقاية من حرّ الصيف اللاهب.

فإذا اشتدّ الطلب عليه ، أو حوصر بيته ، كان يخرج من البيت محاطاً بعناية اللّه ورعايته ، ويغيب مدّة يحضر فيها المواسم الدينية ، أو يزور مجالس أصحابه الأوفياء ، يحلّ مشاكلهم ، ويقضي حوائجهم ، من حيث لا يعرفه إلاّ الصفوة المخلصون منهم.

وحين بدأت غيبته الكبرى عليه السلام ، خرج من بيت أبيه في سامرّاء إلى أرض اللّه الواسعة ، يعيش مع الناس ، ويقاسي ما يقاسون ، ويحضر مواسم الحجّ وغيرها من المناسبات ، دون أن يعرفه أحد ، حسب التخطيط الإلهي ، والمصلحة الإسلامية العامّة ، الأمر الذي هو سرّ من سرّ اللّه ، وغيب من غيبه ، كما قال الإمام الصادق عليه السلام.

وقد استغلّ الحاقدون زيارات المؤمنين لمرقد الإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام في سامرّاء ، واتّهموهم بالقول بأنّهم يعتقدون أنّ الإمام المهدي عليه السلام دخل السرداب وما زال فيه ، وهذا لاشكّ افتراء رخيص ، وادّعاء باطل.

فقد عرفنا أنّ الإمام المهدي عليه السلام ، غادر بيت أبيه نهائياً ، ليعيش كما يعيش غيره من الناس ، وذلك حتّى يحين وقت المهمّة التي ادّخره اللّه لها ، فيظهر ليحقّ الحقّ ويزهق الباطل ، ويملأ الدنيا قسطاً وعدلاً ، بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً ، تسليماً بقول الرسول الأكرم صلى اللّه عليه وآله ، الذي لا ينطق عن الهوى ، ومصداقاً لوعد ربّ العالمين ، بأن يرث المؤمنون الأرض وما عليها.

وعلينا نحن إلى ذلك الوقت - وقت ظهوره الشريف - أن نجنّد أنفسنا لنكون من أعوانه وأنصاره ، وذلك بأن نتقيّد بتعاليم رسالة جدّه المصطفى صلى اللّه عليه وآله ، وأن نكون من أُمّة تأمر بالمعروف ، وتنهى عن المنكر ، وتأبى الظلم وتحارب

ص: 460

الظالمين ، لنستحقّ أن نكون من جنوده عليه السلام - جنود الحقّ والعدل والإيمان - داعين إلى اللّه سبحانه أن يعجّل فرجه ، ويسهّل مخرجه ، ويجعلنا من أنصاره ، والدعاة إلى سبيله.

كما قلنا : إنّ السرداب هو المكان الذي يحفر تحت الأرض في الأماكن الحارّة عادة ، يكون بعيداً عن الشمس ، وقريباً من الرطوبة يكون بارداً ، وقد كان ذلك من القديم ، ولكن اعتقاد الشيعة به ليس لأجل أنّه يسكن فيه الإمام ، حيث لم يتفوّه بذلك أحد قط ، بل لأجل أنّه كان في بيت الإمام الهادي والإمام الحسن العسكري عليهما السلام ، وأنّ الإمام الحجّة كان في أوائل عمره فيه ، لأجل كونه تراثاً فيه ذكريات الأئمّة نحترمه ، وأمّا كون الإمام يسكن فيه فهو تهمة مفتراة ، وهي ليست تهمة مستحدثة ، بل كانت من القديم.

نعم ، هناك رواية واحدة تقول : إنّ الإمام حينما هجموا عليه بعد الصلاة على أبيه ، التجأ إلى السرداب ، وغاب عن الأنظار ، ولكن ليس معنى ذلك ، أنّه مقيم فيه إلى الآن.

وقد علّق الأُستاذ محمّد أبو زهره عن الفرقة الإثنى عشرية بقوله : « والاثنا عشرية ، يرون أنّ الإمامة بعد الحسين لعلي زين العابدين ابنه ، ثم لمحمّد الباقر ، ثمّ لجعفر الصادق ، وبعد جعفر الصادق ابنه موسى الكاظم ، ثمّ لعلي الرضا ، ثمّ لمحمّد الجواد ، ثمّ علي الهادي ، ثمّ للحسن العسكري ، ثمّ لمحمّد ابنه ، وهو الإمام الثاني عشر ، ويعتقدون أنّه دخل سرداباً في دار أبيه بسر من رأى ، وأُمّه تنظر إليه ، ولم يعد بعد ، وهو المهدي المغيّب ، ويترقّبون كُلّ حين ليحكم ويملأ الأرض عدلاً ... ».

وليت الأُستاذ أبو زهره قد تأمّل - ولو قليلاً - لوجد نفسه غنياً عن هذه المقولة المجحفة ، فالإمامية تقول بغيبة الإمام المهدي عليه السلام ، ودخوله إلى السرداب كانت حالة طارئة ، دفعته للاختفاء فيه عند مداهمة السلطة لبيت أبيه عليه السلام ، وكانت خطوة احترازية ذكية ، أربك فيها السلطة وقت ذاك ، بعد أن كانت القوّة

ص: 461

المسلّحة المرسلة من قبل الخليفة لم تتوقّع دخوله في سرداب بيته ، فإن إخفاء نفسه في بيته المداهم لم يكن متوقّعاً ، فمن المستبعد لديهم أنّ المهدي الملاحق من قبلها ، يختفي في مكان قريب منها ، ثمّ هو يخرج من بينهم خارج الدار ، وهم ينظرون إليه ، لعدم توقّعهم أنّ الملاحق هذا الفتى الذي يخرج من السرداب ، ولم يعرفوا شكله حيث أخفاه أبوه عن أعين العامّة ، فمتى يتاح للقوّة المداهمة معرفته ، وملاحقته بعد ذلك؟

هذا ما كان من خبر السرداب الذي ترويه الشيعة ، وهو الموافق تماماً للخطوات الاحترازية الأمنية المتّخذة من قبل أيّ شخص مطارد ، وقد دوهم بيته غيلة ، فضلاً عن المهدي عليه السلام ، الذي اتّخذ في اختفائه خطوات طبيعية ، ثمّ هي مناورة سريعة غير مرتقبة لا من قبل النظام ، ولا من قبل القوّة المداهمة ، حيث أربكها تماماً ، واسقط ما في أيديها ، ورجعت خائبة لم تحقّق مهمّتها بعد ذلك.

إذاً ، لم تعد كلمة السرداب انتقاصاً لمسألة الغيبة ، حتّى يعدّها الآخرون عملية مستهجنة ، تدلل على سخف فكرة الغيبة ، فأصل الغيبة ومستلزماتها لا علاقة لها أصلاً بقضية السرداب ، إنّما هو مقدّمة تكتيكية كان الإمام قد عملها بعد مداهمة قوّات الأمن لبيته ، ثمّ يعاجلهم بعد ذلك بالخروج فوراً دون أدنى تأخير ، فلم تكن مسألة السرداب هي المعبّر عن الغيبة إذن.

ولم يقل أحد أن سيظهر من السرداب ، بل تردّد في الأحاديث أنّه يخرج في بيت اللّه الحرام ، نعم قد وردت زيارة في السرداب ، كما وردت زيارات في أماكن أُخرى ، بل تستحبّ زيارته في كُلّ مكان ، وفي كُلّ زمان.

إنّ اعتماد مفردات بسيطة مستهجنة سوف يوحي للآخرين شعوراً بالسخرية والاستخفاف ، وهكذا فإن ّ اقتران أيّة فكرة مهما تكن عظيمة في جميع خطواتها بهذا النحو من المفردات الساذجة سيوحي بسذاجتها ، لما يتركه هذا الاقتران من انطباع نفسي لدى القارئ أو السامع ، فالسرداب الذي جعله البعض

ص: 462

شعاراً لغيبة الإمام المهدي عليه السلام ، هو تسرّع غير لائق في تحليل فكرة إسلامية أصيلة ، استندت إلى برنامج علمي دقيق ، وخطوات أمنية محسوبة ، فضلاً عن دعمها بنصوص نبوية متواترة.

إنّ خطوات المشاريع التثقيفية ، خصوصاً في طرح غيبة المهدي ، ترافقها خطوات استفزازية ، تحفّز القارئ إلى الحذر من فكرة المهدي ، وتسلّمه إلى دائرة التشكيك في مبتنيات الفكرة المهدوية.

ولعلّ من أحسن من انصف في مجال التاريخ للفرقة الإثنى عشرية ، هو الأُستاذ أبو زهرة ، ومع ذلك فإنّ توجّساً يحيط كلامه بالحذر مرّة ، والاستخفاف ثانية ، عند طرحه لعقيدة المهدي ، ولعلّ الذي دعاه إلى ذلك عدّة أُمور ، منها :

أوّلاً : الموروث الثقافي الذي يطارده.

وثانياً : فإنّ عدم رجوعه إلى أحاديث نبوية قد سلّم هو بها ، كما سلّم غيره عن ظهور المهدي ، قد أربك تقييماته هذه ، فجاءت وكأنّها استجابة لمشاريع تقليدية مضادّة.

وثالثها : ولعلّ الأهمّ هو إغفاله لكتب علماء الإمامية ، ومراجعة ما أثبتته بطرق الفريقين حول فكرة المهدي ، وكونها فكرة إسلامية ، قالت بها جميع المذاهب ، وأنّ مسألة السرداب لم تكن شعاراً لأطروحة الغيبة الإلهية ، وإنّما هي من إفرازات العصبية المذهبية ، ابتدعها نفر للتقليل من شأن هذه الأطروحة ، والاستخفاف بفلسفتها.

وقد ساهمت حقبة فكرية غير ناضجة في قلب صورة الحدث الإسلامي ، وراحت تزاحم مبتنيات تركيبة العقل المسلم ، الذي درج على مرتكزات الخلافة ، والتي عنونتها أدبيات الفكر المعصومي على إنّها خلافة نبوّة ، وجاهدت مبتنيات سياسية غير رشيدة ، أن تعنونها على أنّها خلافة ملك قيصري ، أو أبهة كسروية ، وبين هذين العنوانيين حفلت مطوّلات التاريخ

ص: 463

الإسلامي بلائحة من التبريرات ، يتكفّلها الكاتب التقليدي ، ليلزم بها القارئ المتطّلع إلى قراءة الحدث الإسلامي بموضوعية وواقعية ، وهيأت هذه الحقّبة الفكرية للكاتب الإسلامي أن يكون مجرد سارد قصصي ، يحاكي في نقل التاريخ قصص ألف ليلة وليلة ، ليسرد الحدث الإسلامي هكذا دون تحليل ، أو إذا أحسن التدبير فإنّه لا يكون سوى مخرج لدراما قصصية ، يتفكّه بها القارئ ليضيفها إلى دائرة ترفه الأدبي.

أثقلت الحقّبة الأُموية كاهل التاريخ الإسلامي بخروقات يرتكبها الخليفة الأُموي ، ليطلب بعد ذلك من كتّاب البلاط أن يؤرّخوا شخصية إسلامية ، على أنّها أسهمت في تطوير المفهوم الإسلامي ، وإعلاء كلمة اللّه في ظل حكمه.

لم يكن هذا التحرّك الفكري ينطلق من فراغ ، بل كان على أنقاض سياسة ما بعد الرسول صلى اللّه عليه وآله ، والتي فتحت أبواب التبرير السياسي ، واستخدام مصطلحات الاعتذار ، فمن محاولة إطفاء نائرة الفتنة التي توجسها كادر السقيفة ، كانت أهمّ أطروحة تبريرية سياسية لم تلق نجاحاً ملحوظاً ، حتّى محاولات استخدام اصطلاحات اعتذارية ، كالإجماع ، وأهل الحلّ والعقد ، وأقلّ ما يقال : إنّها محاولات مرتبكة أخفقت في مجال التطبيق الميداني.

هذه السياسة استخدمها الأُمويون ، ولهج في تطويرها منظروهم من كتّاب البلاط ، فقدّموا صيغاً تبريرية جاهزة ، يستخدمها البلاط حتّى ما بعد حياة الخليفة الأُموي ، فمن اللّهو والعبث الذي قرّره كتّاب البلاط ، على أنّه تقدّم رائع في مجال الفنّ الإسلامي ، وصورة من صور تواضع الخلافة ، إلى الترف والبذخ داخل البلاط ، الذي عبّروا عنه أنّه قمّة الكرم والسخاء ، ومن البطش والجبروت الذي امتاز به آل أُمية ، فصوّروه بأنّه البأس والشجاعة في ذات اللّه وعزّة الدولة الإسلامية ، إلى حالات الإخفاق الفكري والثقافي ، فكان في منظوره حالة من حالات الوعي الفكري والنضوج الثقافي.

ص: 464

لم تتوقّف حالات الخرق الفكري هذه عند بني أُمية فحسب ، بل تابعهم على ذلك بنو العبّاس ، وافتتحوا عهد حكمهم بأهمّ شعار تبريري رفعوه كلافته ثورية تنادي ب- « الرضا من آل محمّد » ، وأكّدوا على ذلك في جميع أدبياتهم ، حتّى بدأت شعاراتهم تتهاوى إبّان عهد خليفتهم السفّاح ، الذي قرّر مشروع ملاحقة آل علي ، والتضييق عليهم ، وأكّد ذلك المنصور ، وطوّره الرشيد ، وتبعه الباقون.

وإذا أردنا دراسة هذه الحقّب الحاكمة ، ومعرفة ما أثقلته من خروقات شرعية وفكرية وثقافية على المفهوم الإسلامي ، فإنّ دراسة تقليدية لم تكن لتقدّم المطلوب ، بل محاولة دراسة التاريخ المقارن بين قائمتين من مدرستي النزاع كفيلة بأن تقدّم الرواية الإسلامية الواعية.

فدراسة قائمة خلفاء مدرسة النصّ ، المتمثّلة بآل البيت النبوي عليهم السلام ، وما صاحبها من قراءة سيرة الأئمّة الأطهار ، الذين مثّلوا الورع والتقوى والهدى والخير والصلاح ، كفيلة بأن تكشف خروقات قائمة خلفاء مدرسة الإجماع ، وهو كما ترى فضح للتاريخ التبريري ، الذي درج عليه البعض من الكتّاب ، وإسقاط لجميع المرتكزات المغلوطة في أذهان الأُمّة ، من أنّ الخليفة ملك كسروي ، أو أمير قيصري ، بل إنّ الخلافة وراثة نبوّة ، وحمل رسالة ، وعيبة وحي السماء.

وعليه ليس اشتهار هذا السرداب بسرداب الغيبة ، لأنّ الحجّة عليه السلام غاب فيه - كما زعمه البعض من يجهل التاريخ - بل لأنّ بعض الأولياء تشرّف بخدمته ، وحيث إنّه مبيت الثلاثة من الأئمّة ، ومعبدهم طوال المدّة ، كما حظى فيه عدّة من الصلحاء بلقائه ، صار من البقاع المتبرّكة ، فينبغي إتيانه بخضوع وحضور قلب ، والوقوف على الباب والدعاء.

وإنّ الإمامية تعتقد أنّ الحجّة اسمه يطابق اسم رسول اللّه ، وكنيته كنيته ، وشمائله شمائله ، وقد ولد في سر من رأى في 15 من شعبان سنة 256 ه- ، فلما

ص: 465

توفّى أبوه غاب عن الأنظار ، لا أنّه دخل في السرداب ، وأُمّه تنظر إليه ، كما توجد هذه العبارات في بعض كتب العامّة ، وأنّ الشيعة الإمامية براء من هذه المعتقدات ، التي يلصقها بهم من أراد الحطّ من كرامة مذهبهم.

لقد أجمعت الفرقة الناجية على هذا الرأي الحسن ، الذي يعتري من الخرافات والخزعبلات الواهنة ، والقدسية التي نعقدها ، ما هي إلاّ ارتباط روحي ووجداني مع أثر من آثار ثلاثة أئمّة من أئمّة المسلمين في مكان واحد.

أوردت كتب التاريخ في عصر قتل الإمام الحسين عليه السلام قضيّة في غاية الغرابة.

فعندما حمل رأس الحسين عليه السلام على أسنة الرماح ، وطافوا به البلدان والأقطار ، مروا براهب مسيحي يتعبّد في صومعته ، أناخوا الرحال قليلاً ليستريحوا من عناء السفر ، فسألهم الراهب : رأس من هذا؟ فقالوا له : رأس الحسين بن فاطمة بنت محمّد ، فسكت قليلاً ، ثمّ أعاد الراهب السؤال مرّة أُخرى : رأس من هذا؟ فقالوا له : هو رأس الحسين بن فاطمة بنت محمّد ، ثمّ أعاد نفس السؤال عليهم مرّة ثالثة ، ممّا أثار غضبهم.

تعجب الراهب من عملهم ، واستنكر عليهم فعلتهم المشينة ، فقال لهم : هذا ابن بنت نبيّكم قتلتموه ، وسلبتم أهل بيته وعياله ، ونحن لم نجد ما نتقرّب به إلى اللّه ، فنصبنا معبداً لحافر حمار نبيّنا المسيح نتبرّك به ، ليقرّبنا إلى اللّه زلفى ، فاسلم الراهب ببركة رأس الحسين عليه السلام ، بعد أن حمل عليهم وأثقل القول فيهم.

فهل يصحّ أن نلام؟ ونحن نتتبع آثار العترة الطاهرة ، ونبحث عن بركاتهم ، وكُلّ ما يتّصل بهم ، مهما كانت ظروف تلك الموجودات ، وطبائعها الكونية.

قطعاً لا ، إنّ التجاذب الروحي ، وعنصر العاطفة الذي يتأجّج مع اقتراب المحبوب من حبيبه ، هو أساس السلوكيات التي نسلكها مع تلك الآثار الطيّبة ، كتعبير على مدى الحبّ المتفجّر من جوانب المحبّين ، والموالين للأئمّة عليهم السلام.

ص: 466

( فاطمة - إيران - 28 سنة - خرّيجة ابتدائية )

العامل في عصرها كالعامل في عصر الظهور :

س : نشكركم على ما تبذلونه من خدمة لمذهب أهل البيت عليهم السلام ، لدي سؤال : لا أدري هل هو مناسب أن أطرحه هنا أم لا؟

دائماً ما يخطر ببالي إذا نحن لم تكن لنا السعادة لكي نكون مع سيّدنا ومولانا أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام لنفوز الفوز العظيم ، ولا سمح اللّه أن لم نكن مع مولانا الحجّة عليه السلام لننصره ، ونستشهد بين يديه ، أو نكون تحت ظلّه ، فما هي السعادة التي يجب أن نحصل عليها؟

أو بعبارة أُخرى : فما هو ذنبنا ، وما هو تقصيرنا لأنّنا لم نكن مع أئمّتنا عليهم السلام؟ هل هذا يتبع عالم الذرّ؟ وهو نتيجة امتحاننا في ذلك العالم؟ واللّه أنا لا أعلم كيف كنت في عالم الذرّ ، ولكنّي الآن أنا قلبي يقطر دماً على فراق مولاي ومولى كُلّ مؤمن ومؤمنة أبا صالح المهدي ، روحي وأرواح العالمين لتراب مقدمه الفداء.

ولا أعلم هل تفوتني السعادة إن قلّ عمري وطال الظهور؟ مثلما لم نحضر زمان أبي عبد اللّه لننصره ونستشهد بين يديه؟ وشكراً لكم.

ج : إنّ العاملين بوظيفتهم في عصر الغيبة ينالون من المقام والرفعة والرتبة ما لا يقل عن عصر الظهور ، كما صرّحت به الأحاديث الكثيرة :

1 - قال الإمام زين العابدين عليه السلام : « إنّ أهل زمان غيبته القائلون بإمامته ، والمنتظرين لظهوره أفضل أهل كُلّ زمان ... أُولئك المخلصون حقّاً وشيعتنا صدقاً » (1).

2 - عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام قال : قال النبيّ صلى اللّه عليه وآله لعلي عليه السلام : « يا علي! واعلم أنّ أعظم الناس يقيناً قوم يكونون في آخر الزمان ، لم يلحقوا النبيّ ، وحجب عنهم الحجّة ، فآمنوا بسوادٍ في بياض »(2).

ص: 467


1- كمال الدين وتمام النعمة : 320.
2- بحار الأنوار 52 / 125.

3 - قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « انتظار الفرج بالصبر عبادة »(1).

4 - قال الإمام الصادق عليه السلام : « من مات منكم وهو منتظر لهذا الأمر ، كمن هو مع القائم عليه السلام في فسطاطه ... ، لا بل كمن قارع معه بسيفه ... ، لا واللّه ألا كمن استشهد مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله »(2).

5 - قال الإمام الصادق عليه السلام : « من عرف إمامه ثمّ مات قبل أن يقوم صاحب هذا الأمر ، كان بمنزلة من كان قاعداً في عسكره »(3).

6 - قال الإمام علي عليه السلام : « المنتظر لأمرنا كالمتشحّط بدمه في سبيل اللّه »(4).

7 - قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « أفضل أعمال أُمّتي انتظار الفرج من اللّه عزّ وجلّ » (5).

8 - قال الإمام الرضا عليه السلام : « انتظار الفرج من الفرج »(6).

9 - قال الإمام الصادق عليه السلام : « إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة ، المتمسّك فيها بدينه كالخارط للقتاد »(7).

10 - قال الإمام الباقر عليه السلام : « من مات وهو عارف لإمامه لم يضرّه ، تقدّم هذا الأمر أو تأخّر »(8).

11 - قال الإمام الصادق عليه السلام : « من عرف هذا الأمر فقد فرّج عنه لانتظاره »(9) ، وغيرها من الأحاديث ، ممّا تدلّ جميعاً على ما ذكرنا ، بشرط الالتزام والبقاء على العقيدة الصحيحة والعمل الصالح.

ص: 468


1- الدعوات : 41 ، الجامع الصغير 1 / 417 ، الجامع لأحكام القرآن 4 / 323.
2- المحاسن 1 / 174 ، شرح الأخبار 3 / 571.
3- الكافي 1 / 371 ، الغيبة للنعماني : 329.
4- كمال الدين وتمام النعمة : 645 ، شرح الأخبار 3 / 560.
5- كمال الدين وتمام النعمة : 644.
6- تفسير العيّاشي 2 / 138 و 159 ، الغيبة للشيخ الطوسي : 459.
7- الإمامة والتبصرة : 126 ، الكافي 1 / 335.
8- الكافي 1 / 371 ، الغيبة للنعماني : 330.
9- نفس المصدرين السابقين.

( عبد المنعم الخلف - السعودية - 31 سنة - دبلوم )

من أسبابها :

س : لماذا الإمام المهدي عليه السلام غائب إلى هذا الوقت؟ وما الحكمة من اختفائه؟ والأُمّة في أمسّ الحاجة إليه؟ هذا ووفّقكم اللّه ، وسدّد خطاكم.

ج : أسباب غيبة الإمام المهدي عليه السلام كثيرة ، منها :

1 - عدم وجود الناصرين بمقدار الكفاية ، لأنّ جل من يتمنّاه أو يدعو لظهوره ، إنّما يفعل طمعاً في الراحة والرخاء ، والطمأنينة الدنيوية التي يأمل المسلمون أن يحصلوا عليها في ظل رعايته ، وأيّام ظهوره ، فهؤلاء إنّما يدعون لأنفسهم.

2 - إنّ النفوس غير مستعدّة لتقبّل الحكم على طبق الواقع ، الذي سوف يمارسه عليه السلام ويحكم في إطاره.

3 - غلبة الأهواء وأهل الفسق والفجور على أزمة الأُمور في جلّ بلاد العالم ، ولابدّ لإزاحة هؤلاء من نفوس طاهرة طيّبة مطيعة للإمام ، كإطاعة جوارح الإنسان لمشيئته وإرادته.

4 - الحكمة الإلهيّة اقتضت غيبة الإمام عليه السلام ، وهذه النقطة الحقيقة التي يدور عليها غيبة الإمام عليه السلام ، وأمّا الأُمور الأُخرى المذكورة فهي أسباب أو حكم ذكرت في بعض الآثار ، وهي أجوبة وقتية لا مطلقة ، لأنّ الإمام يراعي الظروف الموجودة فيه والموضوعات التي تحكم الواقع الخارجي ، فالسرّ في غيبة الإمام كالسرّ في كون الأئمة عليهم السلام اثني عشر إماماً لا أكثر ولا أقل. وعلى المسلم المؤمن التسليم لأوامر اللّه سبحانه وتعالى وما تقتضيه حكمته.

ص: 469

ص: 470

فاطمة الزهراء عليها السلام :

اشارة

( حسين الحائري - إيران - .... )

التهديد بحرق بابها في كتب أهل السنّة :

س : أهدي سلامي وتحيّاتي إلى الإخوة العاملين في هذا المركز المبارك.

هل هناك أدلّة عند أهل السنّة على استشهاد الزهراء عليها السلام ، بسبب الحادثة التي وقعت بعد وفاة النبيّ الأكرم صلى اللّه عليه وآله من حرق باب دارها عليها السلام؟

ج : ليس من الضروري والمهمّ وجود ما نعتقد به عند أهل السنّة وكتبهم ، بل المهمّ والضروري هو وجوده في مصادرنا وكتبنا بطرق كثيرة ، ربما تصل إلى حدّ التواتر ، فهناك الكثير ممّا هو أبسط من هذا الأمر بل وأشهر ، ومع ذلك لا تجد عن أهل السنّة إلاّ مثل هَمَل النعم ، وإلاّ النزر القليل والشاذّ النادر ، الذي يسطّر ويذكر في كتابه بعضاً منها ، فكيف بهذا الأمر الخطير ، الذي حاولوا بشتّى الطرق كتمانه والتستّر عليه ، ومع كُلّ هذا الجهد المبذول للتعتيم ، ظهر من هنا وهناك من كتّابهم وحفّاظهم وعلمائهم ، من أشار أو صرّح بهذه المصيبة العظمى ، نذكر بعضاً منهم :

1 - روى ابن قتيبة الدينوري بإسناده عن عبد الرحمن الأنصاري : « وإنّ أبا بكر تفقّد قوماً تخلّفوا عن بيعته عند علي ( كرّم اللّه وجهه ) ، فبعث إليهم عمر ، فجاء فناداهم وهم في دار علي ، فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب وقال : والذي نفس عمر بيده ، لتخرجنّ أو لأحرقنّها على من فيها!

ص: 471

فقيل له : يا أبا حفص ، إنّ فيها فاطمة؟ فقال : وإن »!!(1).

2 - روى أبو الفداء إسماعيل : « فأقبل عمر بشيء من نار على أن يضرم الدار ، فلقيته فاطمة وقالت : « إلى أين يا بن الخطّاب ، أجئت لتحرق دارنا »!! قال : نعم ، أو تدخلوا فيما دخلت به الأُمّة »!(2).

3 - روى ابن جرير الطبري عن زياد بن كليب قال : « أتى عمر بن الخطّاب منزل علي ، وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال : واللّه لأحرقنّ عليكم ، أو لتخرجنّ إلى البيعة! فخرج عليه الزبير مصلتاً بالسيف ، فعثر فسقط السيف من يده ، فوثبوا عليه فأخذوه »(3).

4 - روى الجوهري عن مسلمة بن عبد الرحمن قال : « لمّا جلس أبو بكر على المنبر ، كان علي والزبير وناس من بني هاشم في بيت فاطمة ، فجاء عمر إليهم فقال : والذي نفسي بيده لتخرجن للبيعة أو لأحرقن البيت عليكم »(4).

5 - روى البلاذري بإسناده عن سليمان التميمي ، وعن ابن عون : « أنّ أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة ، فلم يبايع ، فجاء عمر ومعه قبس ، فتلقّته فاطمة على الباب.

فقالت فاطمة : « يا بن الخطّاب! أتراك محرّقاً عليّ بابي »؟ قال : نعم ، وذلك أقوى لما جاء به أبوك »(5).

6 - روى الشهرستاني عن النظّام أنّه قال : « وكان عمر يصيح : أحرقوا دارها بمن فيها!! وما كان في الدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين » (6).

ص: 472


1- الإمامة والسياسة 1 / 30.
2- المختصر في أخبار البشر 1 / 219 ، العقد الفريد 5 / 13.
3- تاريخ الأُمم والملوك 2 / 443.
4- السقيفة : 52 ، شرح نهج البلاغة 2 / 56 و 6 / 48.
5- جمل من أنساب الأشراف 2 / 268.
6- الملل والنحل 1 / 57.

7 - روى ابن أبي شيبة عن زيد بن اسلم ، عن أبيه اسلم - وهو مولى عمر - : « أنّه حين بويع لأبي بكر بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول اللّه فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم ، فلمّا بلغ ذلك عمر بن الخطّاب ، خرج حتّى دخل على فاطمة فقال : يا بنت رسول اللّه ، واللّه ما من أحد أحبّ إلينا من أبيك ، وما من أحد أحبّ إلينا بعد أبيك منك ، وأيم اللّه ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك ، إنّ أمرتهم أن يحرّق عليهم البيت »(1).

وسند هذه الرواية صحيح ، أو قل : حسن بالتعبير الدارج على ألسنة المحدثين.

8 - روى ابن عبد ربّه : « فأمّا علي والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتّى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطّاب ليخرجوا من بيت فاطمة ، وقال له : إن أبوا فقاتلهم ، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار ، فلقيته فاطمة فقالت : « يا بن الخطّاب ، أجئت لتُحرق دارنا »؟ قال : نعم ، أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأُمّة »(2).

9 - وروى المتّقي الهندي عن أسلم : « فلمّا بلغ ذلك عمر بن الخطّاب خرج حتّى دخل بيت على فاطمة فقال : يا بنت رسول اللّه ... وأيم اللّه ما ذاك بما نعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن آمر بهم أن يحرق عليهم الباب ، فلمّا خرج عليهم عمر جاؤها قالت : تعلمون أنّ عمر قد جاءني وقد حلف باللّه لئن عدتم ليحرقن عليكم الباب » (3) ، وغيرها من مصادر أهل السنّة.

وممّا يؤيّد ما سبق اعتراف أبي بكر وإقراره ، بل وتظاهره بالندم على كشفه لبيت الزهراء عليها السلام ، فعن عبد الرحمن بن عوف قال : « دخلت على أبي بكر أعوده فاستوى جالساً ... ، فقلت : ما أرى بك بأساً والحمد لله ، فلا تأس على الدنيا ، فو اللّه إن علمناك إلاّ كنت صالحاً مصلحاً ، فقال أبو بكر : إنّي

ص: 473


1- المصنّف لابن أبي شيبة 8 / 572.
2- العقد الفريد 5 / 13.
3- كنز العمّال 5 / 651.

لا آسي على شيء إلاّ على ثلاث ، وددت أنّي لم أفعلهن : وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة وتركته »(1).

( علي - أمريكا - 27 سنة - طالب )

موقفها من أبي بكر :

س : ما هي قصّة فاطمة الزهراء عليها السلام مع الخليفة الأوّل ، هل هي مؤكّدة؟

ج : إنّ الصحابة ينقسمون إلى قسمين : قسم منهم توفّوا في زمن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فالشيعة وباقي المسلمين يحترمونهم ، وقسم منهم توفّوا بعد وفاة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وهؤلاء على قسمين :

الأوّل : منهم من عمل بوصية النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فالشيعة وباقي المسلمين يحترمونهم.

الثاني : منهم من لم يعمل بوصية النبيّ صلى اللّه عليه وآله - التي أوصى بها في عدّة مواطن - فالشيعة وكُلّ منصف لا يحترمهم.

وأمّا بالنسبة إلى السبّ ، فالسبّ غير اللعن ، لأنّ اللّه تعالى قد لعن في القرآن الكريم في عدّة مواطن ، منها قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّه وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ) (2).

ومع الجمع بين هذه الآية وما روي عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها ، وينصبني ما انصبها »(3) ، وقال أيضاً : « فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها ، ويغضبني ما أغضبها »(4).

ص: 474


1- السقيفة : 75 ، شرح نهج البلاغة 20 / 24 ، تاريخ مدينة دمشق 30 / 419 ، تاريخ الأُمم والملوك 2 / 619 ، كنز العمّال 5 / 631.
2- الأحزاب : 57.
3- مسند أحمد 4 / 5 ، الجامع الكبير 5 / 360 ، المستدرك 3 / 159 ، كنز العمّال 12 / 107 ، سير أعلام النبلاء 2 / 133 ، ينابيع المودّة 2 / 53 و 478.
4- الآحاد والمثاني 5 / 362 ، المعجم الكبير 22 / 405 ، تاريخ مدينة دمشق 3 / 156.

وما روي أيضاً في صحيح البخاري وغيره : من أنّ فاطمة عليها السلام ماتت وهي واجدة - أي غضبانة - على أبي بكر(1) يتبيّن الجواب عن سؤالكم.

( أبو محسن - الكويت - .... )

مصادر شيعية في كسر ضلعها :

س : نشكركم على جهودكم العظيمة ، ما الدليل على صحّة قضية كسر ضلع الزهراء عليها السلام؟

ج : إنّ الدليل على صحّة قضية كسر ضلع الزهراء عليها السلام هو النصوص الكثيرة الواردة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، نذكر لكم نموذجاً منها :

1 - جاء في رواية : « وحالت فاطمة عليها السلام بين زوجها وبينهم عند باب البيت ، فضربها قنفذ بالسوط على عضدها ، وإنّ بعضدها مثل الدملوج من ضرب قنفذ إيّاها ، فأرسل أبو بكر إلى قنفذ : اضربها ، فألجأها إلى عُضادة باب بيتها ، فدفعها فكسر ضلعاً من جنبها ، وألقت جنيناً من بطنها » (2).

2 - جاء في زيارتها عليها السلام : « الممنوعة إرثها ، المكسور ضلعها ، المظلوم بعلها ، المقتول ولدها »(3).

3 - عن ابن عبّاس قال : قال رسول اللّه : « وأمّا ابنتي فاطمة ... وإنّي لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي ، كأنّي بها وقد دخل الذلّ بيتها ، وانتهكت حرمتها ، وغصب حقّها ، ومنعت إرثها ، وكسر جنبها ، وأسقطت جنينها ... »(4).

ص: 475


1- صحيح البخاري 5 / 82 ، مسند أحمد 1 / 9 ، صحيح مسلم 5 / 154 ، السنن الكبرى للبيهقي 6 / 300 ، صحيح ابن حبّان 11 / 153 و 14 / 573 ، مسند الشاميين 4 / 198 ، الطبقات الكبرى 2 / 315 ، سبل الهدى والرشاد 12 / 369.
2- بحار الأنوار 28 / 283 ، مرآة العقول 5 / 320 ، الاحتجاج 1 / 109.
3- إقبال الأعمال 3 / 166 ، بحار الأنوار 97 / 200.
4- الأمالي للشيخ الصدوق : 176 ، بشارة المصطفى : 307.

4 - روي في كتاب سليم بن قيس : « فألجأها قنفذ لعنه اللّه إلى عضادة باب بيتها ودفعها ، فكسر ضلعها من جنبها ، فألقت جنيناً من بطنها ، فلم تزل صاحبة فراش حتّى ماتت صلّى اللّه عليها من ذلك شهيدة »(1).

5 - قال السيّد الحميري قدس سره في شعره :

ضربت واهتضمت من حقّها *** وأذيقت بعده طعم السلع

قطع اللّه يدي ضاربها *** ويد الراضي بذاك المتبع(2)

السلع : الشقّ والجرح.

وشعر السيّد الحميري يدلّ على شيوع هذا الأمر في عهد الإمام الصادق عليه السلام ، وذيوعه ، حتّى لتذكره الشعراء ، وتندّد به ، وتزري به على من فعله.

وخلاصة الأمر : إنّه لا يمكن بملاحظة كُلّ ما ذكرناه تكذيب هذا الأمر ، ما دام أنّ القرائن متوفّرة على أنّهم قد هاجموها ، وضربوها ، واسقطوا جنينها ، وصرّحت النصوص بموتها شهيدة أيضاً ، الأمر الذي يجعل من كسر الضلع أمراً معقولاً ومقبولاً في نفسه ، فكيف إذا جاءت روايته في كتب الشيعة والسنّة ، بل وأشار إليه الشعراء أيضاً ، ولاسيّما المتقدّمون منهم.

ثمّ لا يخفى عليكم أننّا لا نحتاج في إثبات هذه القضايا إلى صحّة السند ، بل يكفي الوثوق بصدورها ، وعدم وجود داع إلى الكذب كافّ لصحّة الأخذ بالرواية.

( هويدا - ... - ..... )

تسبيحتها وكيفيته :

س : ما هي تسبيحة الزهراء؟ وكيف تكون؟

ص: 476


1- كتاب سليم بن قيس : 153 ، الاحتجاج 1 / 109.
2- الصراط المستقيم 3 / 13.

ج : نحيطك علماً بأنّ تسبيح الزهراء عليها السلام قد ورد في فضله الكثير من الروايات عن النبيّ وأهل بيته عليهم السلام.

وكيفيته هي : أن تقول أربع وثلاثون مرّة اللّه أكبر ، وثلاث وثلاثون مرّة الحمد لله ، وثلاث وثلاثون مرّة سبحان اللّه ، وذلك بعد كُلّ صلاة فريضة.

وأصل هذا التسبيح علّمه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فاطمة الزهراء عليها السلام ، كما ورد في عدّة روايات.

( ... - .... - .... )

قضيتها عقائدية لا تاريخية محضة :

س : هناك من يعتقد ويقول : بأنّ بعض القضايا التاريخية يجب على الإنسان المسلم الشيعي أن لا يقف عندها طويلاً ، لأنّها ليست من الأُمور الهامّة في الإسلام ، كقضية فاطمة الزهراء عليها السلام ، وما جرى عليها من المصائب ، فهي قضية حصلت منذ فترة من الزمن وانتهت ، وأنّه ليس من الضروري الخوض في تفاصيل تلك المسألة؟

فما هو ردّكم على هذا القول؟ إذ من المعلوم حقّاً بأنّ العقائد لا تقليد فيها ، إذ يجب على الفرد المسلم أن يبحث ويدقّق في تلك العقائد حتّى تطمئن نفسه ، فسؤالي هو : ما هي العقائد التي ترونها لا تقليد فيها ، فهل المطروح حالياً في الساحة من الإشكالات حول ما يطرحه البعض من قضية الزهراء عليها السلام مثلاً هو من العقائد؟ أدامكم اللّه للإسلام والمسلمين.

ج : إنّ ردّنا على هذا القول هو : إنّ أقلّ ما يفيدنا الوقوف عند هذه القضية هو كون الزهراء عليها السلام ، وأمير المؤمنين عليه السلام مظلومين ، وأنّ القوم ظلموهما ، وظلموا أهل البيت ، وأقلّ ما يستفاد من هذه القضية ، والوقوف عليها كون أُولئك القوم ظالمين ، وقد قال اللّه تعالى : ( لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (1) ،

ص: 477


1- البقرة : 124.

وهذا أقلّ ما يستفاد من دراسة تلك القضية ، أنّ فلاناً وفلاناً لم يكونا لائقين لأنّ يجلسا مجلس النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ويقوما مقامه من بعده ، وهذا أمر يرجع إلى مسألة الإمامة التي هي عندنا من أُصول الدين.

فالتحقيق عن قضية الزهراء عليها السلام في الحقيقة ، تحقيق عن مسألة عقائدية هي من صلب الإيمان ، وليست قضية تاريخية محضة ، ومن يقول بهذه المقولة التي ذكرتموها ، إن كان جاهلاً فعلينا أن نعلمه وننبّهه ، وإن كان يفهم ما يقول ، ففي قلبه مرض ، والشيعي حقّاً لا يقول بمثل هذا الكلام.

ثمّ إنّ قضية الزهراء عليها السلام ترجع إلى أمر من صلب الدين ، وتتعلّق بقضية مصيرية للإسلام والمسلمين ، وقد ذكرنا بأنّ أقلّ ما يستفاد من هذه القضية ، وتدلّ عليه : أنّ خصوم الزهراء وأمير المؤمنين كانوا ظلمة ، فلم يستحقّوا الإمامة والنيابة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

إذن دراسة قضية الزهراء عليها السلام تنتهي إلى نفي إمامة وخلافة غير أمير المؤمنين ، من الذين تصدّوا الأمر بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

فهذه القضية إذن قضية ضرورية عقائدية ، وجديرة بالبحث والتحقيق فيها ، وأمّا القضايا العقائدية الأُخرى المطروحة في الساحة الآن ، والتي تقع موقع البحث والردّ والإيراد ، فتلك على قسمين :

منها : ما هو من ضروريات الدين والمذهب ، فهنا يجب الاعتقاد بها عن اجتهاد لا عن تقليد ، والضروري هو ما يجب الاعتقاد به ، وإن إنكاره أو التشكيك فيه خروج عن الدين أو المذهب.

ومنها : ما ليس من ضروريات الدين والمذهب ، وإنكاره أو التشكيك فيه ، ليس بمخرج عن الدين أو المذهب ، وقول علمائنا : بأنّ أُصول الدين والعقائد لا تقليد فيها ، ليس معنى ذلك أن يقول الإنسان بما تهواه نفسه ، بل المراد من عدم التقليد في أُصول الدين والمسائل العقائدية هو : أن يكون الإنسان معتقداً بتلك العقيدة عن دليل ، وبرهان قطعي.

ص: 478

على أنّ مسألة فاطمة الزهراء عليها السلام مرتبطة بالإمامة ؛ لأنّ الأمور التي جرت عليها بسبب غصب الحقّ الشرعي لعلي عليه السلام وأبنائه عليهم السلام ، فالمسألة من صميم العقيدة وليست هامشية حتى يمكن التغاضي عنها.

( الهادي - بريطانيا - .... )

بعض الأدلّة على عصمتها :

س : هل هناك دليل على عصمة الزهراء عليها السلام؟ وما هو الدليل على ضرورة عصمتها عليها السلام؟ وشكراً.

ج : هناك عدّة آيات وروايات تدلّ على عصمتها عليها السلام ، منها آية التطهير التي تدلّ بالصراحة على عصمتها عليها السلام ، والتي لا شبهة ولا خلاف في كون الزهراء عليها السلام داخلة تحت هذه الآية المباركة.

هذا مضافاً إلى أنّها عليها السلام بضعة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ولا يعقل أن تكون بضعته غير معصومة.

وبالنسبة إلى ضرورة عصمتها عليها السلام ، فليست العصمة دائرة مدار الإمامة حتّى يقال : بأنّ الزهراء عليها السلام لم تكن إماماً ، وإنّما العصمة منزلة إلهية توجد عند الإنسان ، بفضل قربه من اللّه تعالى ، ويترتّب على ذلك وجوب إطاعته والاقتداء به ، وأنّ اللّه تعالى يجعله حجّة بينه وبين الخلق ، ومن يحتجّ به اللّه تعالى لابدّ وأن يكون معصوماً.

( محمّد إسماعيل قاسم - الكويت - 16 سنة - طالب )

نزول الملائكة عليها :

س : هل هناك روايات تقول بأنّ الملائكة لم تنزل على السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام؟ وهل هي صحيحة مقابلة مع الروايات الصحيحة والمعتبرة ، التي تقول بأنّ الملائكة قد نزلت عليها عليها السلام؟

ص: 479

وهل أنّ قول الرسول بما معناه : بأنّ الوحي سينقطع من بعده ، هل كان يقصد به الوحي النبوي إن صحّ التعبير؟

ج : لا توجد عندنا روايات تنفي نزول الملائكة على فاطمة الزهراء عليها السلام ، بل العكس هناك روايات تثبت نزول الملائكة عليها عليها السلام وتكلّمها معها ، ومن هنا ورد في الروايات أنّ من ألقابها عليها السلام محدّثة ، أي أنّ الملائكة كانت تحدّثها بعد وفاة أبيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

وهذا ليس ببعيد ، بعدما نقل لنا القرآن الكريم نماذج من النساء تحدّثن وتكلّمن مع الملائكة ، وهن لسن بنبيّات ولا وصيّات ، وإنّما كنّ وليّات من أولياء اللّه ، منهن :

1 - مريم عليها السلام ، قال تعالى : ( وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ ) (1).

2 - سارة عليها السلام ، قال تعالى : ( وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى ... وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ ... ) (2).

3 - أُمّ موسى عليهما السلام ، قال تعالى : ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ... ) (3).

والاعتقاد بنزول الملائكة على فاطمة الزهراء عليها السلام لا يعدّ غلوّاً ، ولا مبالغة في فضلها ، فهي عليها السلام سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين ، وأفضل من مريم بنت عمران ، ومن سارة امرأة إبراهيم عليه السلام ، ومن أُمّ موسى عليهما السلام ، وقد ثبت بالنصوص القرآنية مشاهدتهن للملائكة وتكليمهن لهم ، فأيّ غلوّ في نسبة مثل ذلك لمن هي أفضل منهن؟

ص: 480


1- آل عمران : 42.
2- هود : 69 - 73.
3- القصص : 7.

ثمّ أنّ الإيحاء لم يقتصر على الأنبياء والمرسلين ، وعلى من ذكرناهم من النساء ، فقد أوحى اللّه تعالى إلى كُلّ من :

1 - النحل ، قال تعالى : ( وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا ... ) (1).

2 - الحواريون - أصحاب عيسى عليه السلام - قال تعالى : ( وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي ... ) (2).

3 - السماوات ، قال تعالى : ( فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا ... ) (3).

4 - الأرض ، قال تعالى : ( بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا ) (4).

ويظهر من خلال هذه الآيات القرآنية وآيات أُخرى : أنّ الوحي ليس مختصّ بالأنبياء والرسل فقط ، بل هو يتعدّى إلى أولياء اللّه تعالى ، نعم الوحي هنا في هذه الآيات ، المفهوم منه غير الوحي في إبلاغ الرسالات إلى الأنبياء ، بل هو شأن آخر من الوحي.

فالوحي لغة : الإعلام الخفي السريع ، واصطلاحاً : الطريقة الخاصّة التي يتّصل بها اللّه تعالى برسله وأنبيائه لإعلامهم ألوان الهداية والعلم ، وإنّما جاء تعبير الوحي عن هذه الطريقة باعتبارها خفية عن الآخرين ، ولذا عبّر اللّه تعالى عن اتصاله برسوله الكريم بالوحي.

قال تعالى : ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ... ) (5).

ص: 481


1- النحل : 68.
2- المائدة : 111.
3- فصلت : 12.
4- الزلزلة : 5.
5- النساء : 163.

وقال تعالى : ( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ) (1).

وهذه الآية الأخيرة حدّدت معنى الوحي الذي يختصّ بالأنبياء والمرسلين ، أمّا الآيات الأُخرى المتقدّمة الذكر ، فلها معاني آخر للوحي ، والذي نقول به : إنّ فاطمة الزهراء عليها السلام إنّما كانت محدّثة من قبل الملائكة بنحو من أنحاء الوحي ، الذي بيّنته الآيات الآنفة الذكر ، فلا محالة أن تكون قد حدّثت من قبل الملائكة كما دلّ القرآن على إمكان وقوع ذلك.

ولا أدري ، لماذا تقوم قيامة البعض إذا قلنا بأنّ الزهراء عليها السلام يوحي لها ، وقد أوحى اللّه تعالى إلى السماوات والأرض والحشرات وهي لا تعقل ، فما وجه نفي الوحي عن الزهراء عليها السلام وهي بشر ، بل أفضل البشر قاطبة؟

فإنّ من أوحى لأحجار وحشرات لقادر على أن يُوحي لأفضل بريّته بعد رسوله صلى اللّه عليه وآله.

وإذا رجعت إلى مرويّات أهل السنّة لرأيت العجب العجاب في نزول الوحي على محبّيهم ، فلنلق نظرة على كتب الحديث والسيرة والتاريخ عندهم ، لنرى كيف يدعى تحدّث الملائكة مع الكثير من رجالهم :

1 - أخرج البخاري عن أبي هريرة ، ومسلم عن عائشة : أنّ عمر بن الخطّاب كان من المحدّثين(2).

وقد حاول شرّاح البخاري أن يأوّلوه بأنّ المراد أنّه من الملهمين ، أو من الذين يلقى في روعهم ، أو يظنّون فيصيبون الحقّ ، فكأنّه حدث ... ، وهو كما ترى تأويل لا يساعد عليه ظاهر اللفظ.

ص: 482


1- الشورى : 51.
2- أُنظر : صحيح البخاري 4 / 200 ، صحيح مسلم 7 / 115 ، مسند أحمد 2 / 339 ، مسند الحميدي 1 / 123 ، كتاب السنّة : 569 ، كنز العمّال 11 / 577 ، تاريخ مدينة دمشق 44 / 94 ، سير أعلام النبلاء 19 / 546 ، تأويل مختلف الحديث : 152 ، الجامع لأحكام القرآن 13 / 174 ، تاريخ ابن خلدون 1 / 110 ، تهذيب الكمال 21 / 324.

2 - ممّن أُدّعي أنّ الملائكة تحدّثهم ، عمران بن الحصين الخزاعي - المتوفّى سنة 52 ه- - قالوا : « كانت الملائكة تسلم عليه حتّى اكتوى بالنار فلم يسمعهم عامّاً ، ثمّ أكرمه اللّه بردّ ذلك »(1).

3 - ومنهم أبو المعالي الصالح - المتوفّى سنة 427 ه- - رووا أنّه كلّمته الملائكة في صورة طائر(2).

4 - أبو يحيى الناقد - المتوفّى سنة 285 ه- - رووا أنّه كلّمته الحوراء(3).

وأمثال هذه المرويّات في كتب أهل السنّة غير قليل ، ولم يستنكر ذلك أحد ، ولم يتّهم أصحابها بالغلوّ.

ومن الجدير بالذكر : أنّ الوحي له أساليب وأغراض متعدّدة ، ولا تلازم بين الوحي والنبوّة ، وإن كان كُلّ نبيّ لابدّ أن يُوحى إليه ، وكذلك لا تلازم بين الوحي والقرآن ، فبالنسبة للرسول صلى اللّه عليه وآله لم يكن كُلّ ما نزل عليه من الوحي قرآناً ، فهناك الأحاديث القدسية ، وهناك تفسير القرآن وتأويله ، والإخبار بالموضوعات الخارجية ، وأمثال ذلك ، وكُلّها ليست قرآناً.

فاتّضح أنّ تحديث الملائكة للزهراء عليها السلام لم يكن من الوحي النبوي ، ولا من الوحي القرآني ، وممّا يدلّ على عدم الملازمة بين تحديث الملائكة والنبوّة : ما رواه صاحب بصائر الدرجات ، عن حمران بن أعين قال : قال لي أبو جعفر عليه السلام : « إنّ علياً كان محدّثاً » ، فخرجت إلى أصحابي فقلت لهم : جئتكم بعجيبة! قالوا : ما هي؟ قلت : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : « كان علياً محدّثاً » ، قالوا : ما صنعت شيئاً إلاّ سألته : من يحدّثه؟ فرجعت إليه فقلت له : إنّي حدّثت أصحابي بما حدّثتني قالوا : ما صنعت شيئاً إلاّ سألته من يحدّثه؟

ص: 483


1- أُنظر : الطبقات الكبرى 4 / 288 و 7 / 11 ، المعجم الكبير 18 / 107 ، شرح نهج البلاغة 1 / 94.
2- أُنظر : صفة الصفوة 2 / 701.
3- تاريخ بغداد 8 / 463.

فقال لي : « يحدّثه ملك » ، قلت : فنقول : إنّه نبيّ؟ قال : فحرّك يده هكذا ثمّ قال : « أو كصاحب موسى أو كذي القرنين أو ما أبلغتكم أنّه قال وفيكم مثله »(1).

ومن الروايات الدالّة على نزول الملائكة على الزهراء عليها السلام.

1 - عن أبي عبيدة عن أبي عبد اللّه عليه السلام : « إنّ فاطمة مكثت بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله خمسة وسبعين يوماً ، وقد كان دخلها حزن شديد على أبيها ، وكان جبرائيل عليه السلام يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها ، ويطيب نفسها ، ويخبرها عن أبيها ومكانه ، ويخبرها بما يكون بعدها في ذرّيتها ، وكان علي عليه السلام يكتب ذلك ، فهذا مصحف فاطمة » (2).

2 - عن أبي حمزة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « مصحف فاطمة ما فيه شيء من كتاب اللّه ، وإنّما هو شيء ألقي إليها بعد موت أبيها صلوات اللّه عليهما »(3).

3 - عن حمّاد بن عثمان قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : « إنّ اللّه تبارك وتعالى لمّا قبض نبيّه صلى اللّه عليه وآله ، دخل على فاطمة من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلاّ اللّه عزّ وجلّ ، فأرسل اللّه إليها ملكاً يسلّي غمّها ويحدّثها ، فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال لها : إذا أحسست بذلك فسمعت الصوت فقولي لي ، فأعلمته ، فجعل يكتب كُلّما سمع حتّى أثبت من ذلك مصحفاً »(4).

4 - عن أبي بصير قال : سألت أبا جعفر محمّد بن علي عليهم السلام عن مصحف فاطمة عليها السلام ، فقال : « أنزل عليها بعد موت أبيها » ، قلت : ففيه شيء من القرآن؟ فقال : « ما فيه شيء من القرآن »(5).

ص: 484


1- بصائر الدرجات : 341.
2- المصدر السابق : 174.
3- المصدر السابق : 179.
4- المصدر السابق : 177.
5- المصدر السابق : 105.

5 - عن إسحاق بن جعفر بن محمّد بن عيسى بن زيد بن علي قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : « إنّما سمّيت فاطمة محدّثة ، لأنّ الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها ، كما تنادي مريم بنت عمران ، فتقول : يا فاطمة ، إنّ اللّه اصطفاك وطهّرك ، واصطفاك على نساء العالمين ، يا فاطمة اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الراكعين - إشارة إلى آية 42 من آل عمران - فتحدّثهم ويحدّثونها.

فقالت لهم ذات ليلة : أليست المفضّلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا : إنّ مريم كانت سيّدة نساء عالمها ، وإنّ اللّه عزّ وجلّ جعلك سيّدة نساء عالمك وعالمها ، وسيّدة نساء الأوّلين والآخرين » (1).

6 - عن إسماعيل بن بشّار قال : « حدّثنا علي بن جعفر الحضرمي بمصر منذ ثلاثين سنة قال : حدّثنا سليمان قال : محمّد بن أبي بكر لمّا قرأ : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ ) (2) ولا محدّث ، وهل يحدّث الملائكة إلاّ الأنبياء؟ قال : إنّ مريم لم تكن نبية وكانت محدّثة ، وأُمّ موسى بن عمران كانت محدّثة ، ولم تكن نبية ، وسارة امرأة إبراهيم قد عاينت الملائكة فبشّروها بإسحاق ، ومن وراء إسحاق يعقوب ، ولم تكن نبية ، وفاطمة بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كانت محدّثة ، ولم تكن نبية »(3).

والمحدّث من تكلّمه الملائكة بلا نبوّة ، ولا رؤية صورة ، أو يلهم له ويلقى في روعه شيء من العلم على وجه الإلهام والمكاشفة من المبدأ الأعلى ، أو ينكت له في قلبه من حقائق تخفى على غيره ، أو غير ذلك من المعاني التي يمكن أن يراد منه.

ص: 485


1- علل الشرائع 1 / 182.
2- الحجّ : 52.
3- علل الشرائع 1 / 183.

والنتيجة : أنّ الوحي كان ينزل على الزهراء عليها السلام ، لا وحي نبوي ، أي يدلّ على نبوّتها ، ولا وحي قرآني ، أي أنّه يحمل لها آيات قرآنية ، بل وحي يوحى لها ، كما أوحي إلى مريم وسارة وأُمّ موسى.

( عبد اللّه - البحرين - سنّي )

معنى : ولولا فاطمة لما خلقتكما :

س : أنا من أهل السنّة ، ولديّ سؤال أرجو منكم الإجابة عليه : تقولون أنّ اللّه عزّ وجلّ قال لرسوله صلى اللّه عليه وآله : « لولاك يا محمّد لما خلقت الأفلاك ، ولولا علي لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما » فكيف يكون ذلك؟

هل أنّ علياً وفاطمة أفضل من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟ لذلك لولاهما لما خلق اللّه رسوله ، وإلاّ فما هو المقصود بذلك الكلام؟ أرجو منكم الإجابة بالتفصيل.

ج : إنّ فهم هذا الحديث يتوقّف على فهم معنى الإمامة عند الشيعة الاثني عشرية ، والالتفات إلى حقيقة الإمامة عندهم ، فإذا فهمت معنى الإمامة عندهم ، عند ذلك تستطيع فهم الحديث ، فلذلك نقول : تعتقد الشيعة أنّ الإمامة رئاسة عامّة على الدين والدنيا ، ومنصب إلهي يختاره ويعيّنه اللّه تعالى بسابق علمه ، ويأمر النبيّ صلى اللّه عليه وآله بأن يعلم الناس به ، ويأمرهم باتباعه ، ووظيفة الإمام مكمّلة لوظيفة النبيّ ، فالنبيّ هو الذي يأتي بشريعة ويبلّغها إلى الناس ، والإمام من بعده يصبح قيّم على الرسالة ، ويكون ناظراً عليها وعلى الأُمّة ، وحفظ الدين من التحريف والتبديل.

وبما أنّ الدين الإسلامي الحنيف رسالة خالدة ، وشريعة دائمة على مرّ الأزمان والدهور ، فلابدّ فيها من وجود إمام بعد النبيّ يكمل المسيرة النبوية ، ويحفظ الشريعة الربّانية ، هذا مفهوم الإمامة بشكل مجمل عند الشيعة الاثني عشرية.

وكُلّ ما تقدّم كان من الناحية الكُلّية ، وتحديد معنى الإمامة بشكل عام ، أمّا في مقام التطبيق الخارجي ، فالشيعة الإمامية تعتقد بأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله

ص: 486

نصّب إماماً من بعده ، وذلك الإمام هو علي بن أبي طالب عليه السلام لأدلّة كثيرة ذكرت في محلّها : كحديث الثقلين ، والكساء ، والغدير ، وغيرها الكثير.

ومن تلك الأدلّة على إمامة علي عليه السلام قوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ) (1) ، فعن أبي هريرة قال : « لمّا كان يوم غدير خم ، وهو يوم ثماني عشر من ذي الحجّة قال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « من كنت مولاه فعلي مولاه » ، فنزل اللّه اليوم أكملت لكم دينكم »(2).

وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (3).

فقد أخرج الحاكم الحسكاني والقندوزي الحنفي والسيوطي وابن عساكر وغيرهم أنّها نزلت في شأن علي عليه السلام بغدير خم(4) ، إلى غير ذلك من الأدلّة الكثيرة.

إذا عرفت معنى الإمامة عند الشيعة ، وعرفت أنّ الإمام هو علي بن أبي طالب ، وولده الأحد عشر ، ستعرف معنى الحديث : فاللّه لم يخلق الوجود إلاّ للنبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله ، واللّه خلق الكون لأجل إيصاله إلى الغاية المطلوبة منه ، كما قال : ( رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) (5) ، فهو خلقه لأجل أن يوصله إلى كماله المطلوب منه.

ص: 487


1- المائدة : 3.
2- الدرّ المنثور 2 / 259 ، شواهد التنزيل 1 / 204 ، تفسير القرآن العظيم 2 / 15.
3- المائدة : 67.
4- أسباب نزول القرآن : 135 ، شواهد التنزيل 1 / 239 و 249 و 256 و 353 و 402 و 2 / 391 و 451 ، الدرّ المنثور 2 / 298 ، فتح القدير 2 / 60 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 237 ، المناقب : 7 ، ينابيع المودّة 1 / 359 و 2 / 249 و 285.
5- طه : 48.

وبما أنّ أفضل الموجودات هو الإنسان ، وخلق اللّه تعالى الإنسان لأجل أن يوصله إلى كماله اللائق به ، أو قل : هي معرفة ربّه وعبادته ، كما في قوله تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) (1) ، وهذه العبادة تحتاج إلى معلّم ومرشد يبيّنها ، ويكون عارف بها ، أو قل : يحتاج الإنسان إلى واسطة بين عالم الغيب وبينه ، والواسطة هو النبيّ صلى اللّه عليه وآله الذي هو أشرف الكائنات ، وهو المبين للرسالة السماوية ، فلولاه لما خلق الكائنات ، لأنّ الكائنات خلقت لأجل غاية ، وهذه الغاية لا تحصل إلاّ بالنبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وبما أنّ الإمامة هي واسطة ومكمّلة للنبوّة كما بيّنّا لك ذلك.

فإذاً النبوّة تحتاج إلى الإمامة ، وبما أنّ الإمام هو علي بن أبي طالب عليه السلام ، فيكون معنى قوله : « ولولا علي لما خلقتك » أي : أنّ الغاية لا تحصل إلاّ بك وبعلي ، والهدف لا يكمل إلاّ بكما ، فأحدكما مكمّل لدور الآخر.

وليس يعني ذلك أنّ علياً أفضل من النبيّ ، لأنّه ورد في آية المباهلة أنّ علياً نفس النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وورد في أحاديث أُخرى : أنّ اللّه خلق آدم لأجل هؤلاء الخمسة - كما في حديث الكساء - فإنّ هذا توهّم باطل ، بل المقصود بالحديث هو التوقّف في الدور الذي تلعبه الإمامة ، إذ كما أنّ الناس بحاجة إلى النبوّة هم بحاجةٍ إلى الإمامة.

وقوله : « لولا فاطمة لما خلقتكما » يصبح واضحاً ، لأنّ فاطمة عليها السلام هي أُمّ الأئمّة الأحد عشر بعد الإمام علي ، وبما أنّ الإمامة هي المكمّلة لدور النبوّة ، وبما أنّ فاطمة هي أُمّ الأئمّة عليهم السلام ، فلذلك لولاها لما حصلت الغاية والمطلوب من خلق الموجودات وجميع الكائنات ، فهي أُمّ إحدى عشر إماماً ، والإمامة هي المكمّلة لمسيرة النبوّة ، وتقدّم أنّه لولا النبوّة لما خلق الكون ، وفاطمة عليها السلام هي أُمّ الإمام المهدي الثاني عشر ، الذي يصلح العالم ، ويقيم العدل الإلهي ، فهو

ص: 488


1- الذاريات : 56.

الموعود من اللّه بإصلاح الأرض ومن عليها ، وهذا الوعد الإلهي يتحقّق على يده ، وهذا المهدي أُمّه فاطمة.

فالحديث لا يعطي الأفضلية ، ولا يفهم منه ذلك لمن عرف معنى الإمامة ، ولمن لاحظ بقية الروايات ، بل المقصود بالحديث ما ذكرناه ، والثابت عند الشيعة أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله أفضل الكائنات على الإطلاق.

( أُمّ أحمد - البحرين - .... )

تفسير : السرّ المستودع فيها :

س : ما المقصود ب- : « اللّهم صلّي على فاطمة وأبيها ، وبعلها وبنيها ، والسرّ المستودع فيها » ، فما المقصود بالسرّ المستودع فيها؟

ج : لم يرد نصّ خاصّ يفسّر لنا معنى « السرّ المستودع فيها ».

نعم ، يمكن أن يقال في معناه عدّة احتمالات :

1 - إشارة إلى الأئمّة من ولدها عليهم السلام.

2 - إشارة إلى ولدها المحسن ، الذي أسقطته اليد الظالمة ، وصار شعاراً لمظلومية الإمامة ، ودليلاً على أحقّية أهل البيت عليهم السلام بالإمامة.

3 - إشارة إلى الإمام المهدي المنتظر عليه السلام ، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، بعدما مُلئت ظلماً وجوراً ، وأنّه من ذرّيتها.

4 - إشارة إلى مظلوميتها.

5 - إشارة إلى كونها حلقة وصل بين النبوّة والإمامة ، وبما أنّ الإمامة هي استمرار للنبوّة ، فلولا حلقة الوصل لما استمرت النبوّة بالإمامة.

( رباب - ... - ..... )

معنى : السرّ المستودع فيها :

س : أُودّ أن اسأل ما معنى : « اللّهم إنّي أسألك بحقّ الزهراء وأبيها ، والسرّ المستودع فيها » ، ما معنى السرّ المستودع فيها؟ وما هو هذا السرّ؟

ص: 489

ج : الذي يقوى في النظر أنّ السر المذكور هو الميزة الفريدة التي أودعها اللّه تعالى في نشأة سيّدة نساء العالمين الزهراء عليها السلام ، وهي كونها الحلقة الوسيطة بين النبوّة والإمامة ، فبما أنّها بضعة النبيّ صلى اللّه عليه وآله تكويناً ، وبتصريح الرسول صلى اللّه عليه وآله - كما ورد في روايات كثيرة - تحمل في وجودها أسرار النبوّة ومميّزاتها.

ومن جانب آخر أصبحت عليها السلام تحتضن الإمامة ، بما أنّها كانت بجانب أمير المؤمنين عليه السلام ، تربّي ولديها الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام ، فهي أصبحت تعتبر أُمّاً للأئمّة المعصومين عليهم السلام.

وبالجملة : فهي بنت الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وزوجة الإمام علي عليه السلام ، وأُمّ الأئمّة عليهم السلام ، وهذه صفة لا نظير لها في الخلق ، وبهذا الاعتبار لا يبعد التوسّل والتمسّك بهذا السرّ المخزون في ذاتها ، في التقرّب إلى اللّه تعالى ، والعلم عند اللّه.

( أبو علي البحراني - ... - ..... )

مصادر ضربها وإسقاط جنينها :

س : هل صحيح ما نسمعه من بعض الشيوخ والمحاضرين ، الذين يروون أنّ فاطمة الزهراء عليها السلام قد ضربت من قبل الخليفة الثاني ، وأسقطت حملها أيضاً ، ما صحّة هذه الرواية؟ وهل هي من كتب الإمامية ، أو من كتب السنّة؟ دمتم للخير.

ج : لقد نقلت كتب الفريقين - قديماً وحديثاً - ما جرى على سيّدتنا فاطمة الزهراء عليها السلام من مأساة وظلامات - بعد رحيل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إلى الرفيق الأعلى - أدّت بها إلى استشهادها عليها السلام.

ص: 490

من تلك الظلامات التي تسأل عن وجودها ، هو ضربها ، وإسقاط جنينها عليها السلام ، فنذكر لك بعض المصادر التي ذكرت ضربها عليها السلام ، وعليك بالمراجعة(1).

ونذكر لك بعض المصادر التي ذكرت إسقاط جنينها عليها السلام ، وعليك بالمراجعة(2).

( عبد المنعم - البحرين - .... )

مظلوميتها ثابتة :

س : هل قضية ضرب الزهراء مثبتة حقّاً وبالنصّ الأكيد؟ أرجو منكم الردّ سريعاً ، وذلك لاختلاج السؤال في ذهني.

ج : إنّ اللّه تعالى خلق الإنسان وعرّفه طريق الخير من الشر ، ( وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ) (3) ليختار أيّ الطريقين ( إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) (4) ، وبالاختيار هذا الذي وهبه اللّه لعبده يستحقّ العبد الثواب أو العقاب ، ولولا الاختيار هذا لبطل الأجر.

وإنّ اللّه تعالى - وإتماماً للحجّة - جعل الأنبياء والأوصياء والأئمّة ليكونوا حجّة اللّه على الخلق ، فالنبيّ صلى اللّه عليه وآله أخبر بكُلّ ما يجري على أهل بيته ، بالأخصّ ابنته الزهراء عليها السلام.

ص: 491


1- الهداية الكبرى : 179 و 407 ، تفسير العيّاشي 2 / 308 ، تفسير نور الثقلين 3 / 200 ، الاحتجاج 1 / 109 ، بيت الأحزان : 123.
2- الاحتجاج 1 / 109 ، إقبال الأعمال 3 / 166 ، الأمالي للشيخ الصدوق : 176 ، بشارة المصطفى : 307 ، كتاب سليم بن قيس : 153 ، تلخيص الشافي 3 / 156 ، إثبات الهداة 2 / 370 ، بحار الأنوار 28 / 283 و 97 / 200 ، مرآة العقول 5 / 320.
3- البلد : 10.
4- الإنسان : 3.

وحتّى النبيّ صلى اللّه عليه وآله لاقى الكثير من التعدّي والأذى من قومه ، فصبر وصابر حتّى استطاع أن يوصل هذا الدين إلى الأرض المعمورة ، ويتمّ الحجّة على الناس.

ثمّ إنّ الإمام علي وفاطمة الزهراء والحسن والحسين وسائر الأئمّة المعصومين عليهم السلام ظُلموا وقُتلوا ، وتحمّلوا أنواع الأذى لأجل الدفاع عن الدين وبقائه.

فكُلّ هذه المظلومية ثابتة بنصوص بلغت بعضها حدّ التواتر ، وبذلك نعلم عظمة أهل البيت عليهم السلام في صبرهم ، وتحمّلهم أنواع الظلم ، وسقيهم بدمائهم شجرة الإسلام ، التي منع النواصب عنها الماء.

( نوح الحاج - لبنان - .... )

لها خادمة لا ينافي زهدها :

س : السيّدة الزهراء عليها السلام كانت قمّة الزهد دون شكّ ، لكن الإشكال هو : كيف كانت لها خادمة اسمها فضة؟

ج : إنّ فاطمة الزهراء عليها السلام كانت المثل العليا لكافّة الصفات الحسنة والمكرمات الأخلاقية ، كما تصرّح بها نصوص الحديث والتاريخ والسيرة.

وأمّا في موضوع السؤال ، فإنّ الروايات المتضافرة دالّة على أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قد منحها ، وعلّمها التسبيحة التي نسبت فيما بعد إليها ، بدلاً من الاستعانة بخادمة في البيت(1).

وأمّا ما جاء من وجود خادمة لها عليها السلام اسمها فضّة ، فهذا قد حدث متأخّراً بعد ما تحسّن وضع المسلمين نوعاً ما ، بسبب كثرة الفتوحات والغنائم ، فأتحفها الرسول صلى اللّه عليه وآله فضّة ، لتستعين بها على بعض الأشغال في البيت ، حتّى تتفرّغ لعبادتها أكثر.

ص: 492


1- شرح الأخبار 3 / 67 ، من لا يحضره الفقيه 1 / 320 ، علل الشرائع 2 / 366.

ثمّ هناك نقطة هامّة يجب الانتباه إليها - وهي مطّردة في حياة المعصومين عليهم السلام جميعاً - وهي : أنّهم كانوا يربّون أشخاصاً في بيوتهم تحت عنوان الخادم ، والغلام والعبد والأمة وغيرها ، وهؤلاء بدورهم كانوا يبثّون علوم ومعارف أهل البيت عليهم السلام بين الناس ، وهذا ما نشاهده في بعض الأحاديث المذكورة ، والكلمات المنقولة عن فضّة مثلاً.

وعليه ، فتواجد الخادمة في بيت فاطمة عليها السلام ، قد كان من أجل تربيتها وتثقيفها أوّلاً وبالذات ، كما حدث كذلك.

( محمّد الزين - البحرين - .... )

مظلوميتها من أساسيات المذهب لا من المسائل التاريخية :

س : ما رأي أكثر الفقهاء في مسألة ضرب السيّدة الزهراء عليها السلام؟ هل يعتبر من أساسيات المذهب؟ أم أنّه مجرد مسألة تاريخية؟ ودمتم في خدمة الإسلام.

ج : لا يخفى على أحد أنّ من أهمّ أركان التشيّع :

1 - التولّي والولاية ، وهو عبارة عن موالاة أولياء اللّه واتباعهم ، وجعلهم القدوة في كُلّ الأُمور.

2 - التبرّي والبراءة من أعداء اللّه ، سواء في ذلك بالعلن أو الخفية ، بالجنان واللسان.

فلا يصدق على أحد أنّه شيعي إذا أخلّ بأحد هذين ، إذ لا يمكن للولاء أن يتمّ من دون التبرّي ، ولأجل التبرّي والبراءة في الفكر الشيعي لقّب الشيعة بالروافض ، ولأجل هذا نشاهد أنّ المؤرّخين ينعتون من كان يروي من علماء أهل السنّة روايات في فضائل أهل البيت : « شيعي بلا رفض » أو « يتشيّع بلا رفض ».

ومن أهمّ المصاديق التي يبتني عليه التبرّي ، هو مظلومية أهل البيت عليهم السلام عموماً ، ومظلومية الزهراء عليها السلام خصوصاً.

ص: 493

فالذين يشككّون - أيّاً من كان - في مظلومية أهل البيت عليهم السلام ، ومظلومية الزهراء عليها السلام ، هم الذين في قلوبهم مرض ، يريدون أن يجعلوا التشيّع في الولاء فقط من دون تبرّي ، وذلك لأغراض أضمروها في قلوبهم.

وبعد هذا كُلّه ، يمكن للقارئ العزيز أن يشخّص هو بنفسه أنّ مظلومية أهل البيت عليهم السلام عموماً ، ومظلومية الزهراء عليها السلام خصوصاً ، هل هي من أساسيات المذهب ، أم أنّها مجرد مسائل تاريخية؟

( أُمّ حسين - البحرين - .... )

قولها « خير للمرأة أن لا ترى رجلاً » لا يعارض خطبتها في المسجد :

س : في متابعتي لحياة السيّدة الزهراء عليها السلام ، وجدت أنّها تقول : « خير للمرأة أن لا ترى رجلاً ، ولا يراها رجل » في حين أنّها عليها السلام قد ذهبت مع ثلّة من نساء بني هاشم إلى مسجد الرسول صلى اللّه عليه وآله ، لمطالبة أبي بكر بفدك ، وهو جالس مع جماعة من المهاجرين والأنصار ، وألقت خطبتها الشهيرة ، في حين أنّنا نعلم أيضاً أنّ صوت المرأة عورة ، أليس هناك تناقض في ذلك؟ مع شكري الجزيل.

ج : قول الزهراء عليها السلام فيما هو الخير للمرأة : « أن لا ترى رجلاً ، ولا يراها رجل » (1) هو بمعنى الأفضل والأحسن للمرأة أن لا ترى رجلاً ، ولا يراها رجل ، وذلك في الأوقات والحالات الطبيعية العادية ، وأمّا في الأوقات والحالات الضرورية ، التي تتطلّبها مقتضيات الحياة فلا ، كخروجها لصلة أرحامها ، أو ذهابها إلى الطبيب لمعالجتها ، وغير ذلك.

بل قد يتوجّب عليها الخروج بسبب الحفاظ على الدين وضرورياته ، ولا ضرورة أوجب من الدفاع عن الإمامة ، وعن مظلومية إمام اغتصبت فيه الخلافة ، كما فعلته الزهراء عليها السلام ، وذلك لتبيين الحقائق للأُمّة الإسلامية ، وعليه فلا تناقض في ذلك.

ص: 494


1- مناقب آل أبي طالب 3 / 119.

( حسين قرقور - البحرين - .... )

سبب خروجها لباب دارها عند هجوم القوم :

س : من الآداب الإسلامية ، إذا جاء أحد لزيارة أحد البيوت يخرج الرجل إلى استقبال الزائر ، فلماذا لم يخرج الإمام علي عليه السلام يوم هجوم القوم على الزهراء؟ وهو جالس في المنزل؟ أليس على الإمام عليه السلام هو الذي يخرج ليستقبلهم بدل الزهراء؟

أو لماذا لم يخرج أحد الصحابة الذين كانوا مع الإمام علي عليه السلام في ذلك الوقت لاستقبالهم؟ لماذا تذهب امرأة لمقابلة رجال.

ج : أوّلاً : لم يأت القوم إلى بيت الزهراء عليها السلام زيارة ، وإنّما كان هجوماً كما ذكرتم ، حيث جاء جماعة للحرب على صورة همجية بصياح وعربدة.

وثانياً : خروج الزهراء عليها السلام لهم كان من باب أن يرتدع القوم من الهجوم على بيت بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، لأنّ المخاطب لهم من وراء الباب هو بنت نبيّهم ، التي قال في حقّها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « فإنّما هي بضعة منّي ، يريبني ما أرابها ، ويؤذيني ما آذاها » (1).

فهل ارتدع القوم ورجعوا؟! أم أنّ عمر لمّا أمر بإحراق البيت ، قيل له : إنّ فيها فاطمة؟ فقال : وإن!!(2) ، وإن في شخوص الزهراء خلف الباب ، ومحاججتها مع القوم ، هو إتمام الحجّة عليهم ، وعلى جميع المسلمين ، ولكن أين مَن له قلب؟! وأين من يلقي السمع وهو شهيد؟!

ص: 495


1- صحيح البخاري 6 / 158 ، مسند أحمد 4 / 5 ، الجامع الكبير 5 / 360 ، المستدرك 3 / 159 ، كنز العمّال 12 / 107 ، سير أعلام النبلاء 2 / 133 ، ينابيع المودّة 2 / 53 و 478 ، الآحاد والمثاني 5 / 362 ، المعجم الكبير 22 / 405 ، تاريخ مدينة دمشق 3 / 156.
2- الإمامة والسياسة 1 / 30.

( أحمد - السعودية - .... )

كان علي في بيتها عند هجوم القوم :

س : هل كان الإمام علي عليه السلام موجود في البيت عندما ضربت فاطمة الزهراء عليها السلام؟

ج : ذكرت الأخبار وجود الإمام علي عليه السلام والحسنين عليهما السلام في الدار ، حين هجوم القوم على دار الزهراء عليها السلام ، وعصرها ما بين الحائط والباب ، وأضافت بعض الأخبار وجود الزبير وفضّة أيضاً(1).

هذا وقد استفاد البعض من وجود الإمام علي عليه السلام في الدار لإثارة بعض الشبهات لتكذيب ما ورد من المآسي على الزهراء عليها السلام.

من تلك الشبهات : أنّ وجوده عليه السلام في الدار ، وعدم نصرته للزهراء عليها السلام ينافي الشجاعة.

قال ابن روزبهان عن حديث الإحراق : « لو صحّ هذا دلّ على عجزه ، حاشاه عن ذلك ، فإنّ غاية عجز الرجل أن يحرق هو وأهل بيته ، وامرأته في داره ، وهو لا يقدر على الدفع ... ».

وقد أجاب عن هذه الشبهة أحد علماء الزيدية - وهو ابن حمزة - في كتابه الشافي ما نصّه : « أنّا قد بيّنا أنّه لا عار عليه في أن يغلب ، إذ ليست الغلبة دلالة حقّ ، ولا باطل ، ولا على جبن ، وهو إمام معصوم بالنصّ ، لا يفعل بالعصبية ، وإنّما يفعل بالأمر ، وقد أُمر بالصبر ، فكان يصبر امتثالاً لأمر اللّه تعالى ، وأمر رسوله صلى اللّه عليه وآله ، لا يقدم غضباً ولا يحجم جبناً ... » (2).

بالإضافة إلى هذا الردّ ، فقد كان المهاجمون على دار الزهراء عليها السلام يريدون استدراج الإمام علي عليه السلام لمعركة ، يتضرّر من خلالها الإسلام ، فشجاعة علي عليه السلام هنا هي بصبره على الأذى ، وعدم استجابته للاستفزاز الذي مارسوه ضدّه عليه السلام.

ص: 496


1- الأمالي للشيخ المفيد : 49 ، الاحتجاج 1 / 237.
2- الشافي 4 / 200.

ومن تلك الشبهات أيضاً : أنّ وجوده عليه السلام في الدار ، وتركه زوجته تبادر لفتح الباب يتنافى مع الغيرة والحمية.

ونقول في الجواب :

أوّلاً : أنّه لاشكّ في أنّ علياً عليه السلام هو إمام الغياري ، وهو صاحب النجدة والحمية.

وثانياً : المهاجمون هم الذين اعتدوا ، وفعلوا ما يخالف الدين والشرع ، والغيرة والحمية ، وحتّى العرف الجاهلي ، أمّا الإمام علي عليه السلام فلم يصدر منه شيء من ذلك ، بل هو قد عمل بتكليفه ، حتّى ولو كلّفه ذلك روحه التي بين جنبيه.

وثالثاً : لقد كان النبيّ صلى اللّه عليه وآله يأمر بعض زوجاته - كأُمّ أيمن - بأن تجيب من كان يطرق عليه الباب حين يتقضي الأمر ذلك ، وهل هناك أغير من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟

وأخيراً : فإنّ مثول بنت الرسول وراء الباب ، ومحاججتها معهم ، كُلّ ذلك إتماماً للحجّة ، لكي يرجع القوم إلى الحقّ ، ويعرفوا طريقه ، ( لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ) (1).

( .... - البحرين - .... )

وصية النبيّ لعلي تشمل السكوت عند ضربها :

س : ما هو مدلول وصية الرسول صلى اللّه عليه وآله إلى الإمام علي عليه السلام؟ فالبعض يقول : إنّها خاصّة بالخلافة ، وليس فيها ما يشير إلى وصيّته بالسكوت عند ضرب الزهراء عليها السلام.

ج : إنّ الوصية المذكورة لم تنقل إلينا بتمامها وتفاصيلها ، وإنّما وردت مقاطع منها في نصوص مختلفة ، تدلّ بالمجموع على أمر النبيّ صلى اللّه عليه وآله الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بالصبر على غدر الأعداء ، وتهاون البعض وغير ذلك.

ص: 497


1- الأنفال : 42.

ومن ضمن الأُمور المنصوصة في هذه الوصية هو : الصبر على انتهاك الحرمة ، وقد وردت نصوص أُخرى تخبر عن المظالم التي سوف تقع على أهل البيت عليها السلام عموماً ، والزهراء عليها السلام خصوصاً(1).

فمن مجموع هذه الأخبار ، نستنتج أنّ الإمام عليه السلام كان مأموراً بالصبر ، حتّى بالنسبة للمظالم التي وردت على فاطمة الزهراء عليها السلام.

( علي الشهراني - البحرين - 23 سنة - طالب )

السبب في عدم دفاع الإمام علي عنها :

س : يجادلونا أهل السنّة ويقولون لنا : ما هي الأدلّة أنّ عمر كسر ضلع فاطمة؟ وأسقط جنينها؟ وأحرق بيتها؟ وطبعاً أنا ما عندي شكّ ، ولا تزحزحني أباطيلهم ، نعم هم الذين هجموا على فاطمة الزهراء عليها السلام.

ويقولون لنا : لماذا الإمام علي ما دافع وقتلهم وهم في بيته؟ أنا الذي أعرفه من وصية من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، نرجو منكم ما حكمة هذه الوصية وفلسفتها ، ونريد منكم غير الوصية من الإثباتات؟

وشكراً لكم ، وطيّب اللّه أنفاسكم ، وجعلكم ذخراً للأُمّة الإسلامية.

ج : الأدلّة على كسر ضلع الزهراء عليها السلام ، وإسقاط جنينها ، ولطمها على خدّها ، وإحراق باب دارها ، وعصرها بين الحائط والباب ، هي النصوص المتواترة التي نقلتها كتب الفريقين ، بل بعض أهل السنّة لم يسكتوا عن نقلها حتّى من أشدّها رزية ومصيبة ، منهم :

1 - الذهبي : « إنّ عمر رفس فاطمة حتّى أسقطت بمحسن » (2).

2 - ابن قتيبة : « إنّ محسناً فسد من زخم قنفذ العدوي »(3).

ص: 498


1- الصراط المستقيم 2 / 92.
2- سير أعلام النبلاء 15 / 578.
3- مناقب آل أبي طالب 3 / 133 عن المعارف لابن قتيبة.

3 - الشهرستاني : « إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتّى ألقت الجنين من بطنها »(1).

4 - المسعودي : « وضغطوا سيّدة النساء بالباب حتّى أسقطت محسناً »(2).

5 - الصفدي : « إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتّى ألقت المحسن من بطنها »(3).

والسبب في عدم دفاع الإمام علي عليه السلام عن هجوم القوم على بيته ، هو :

1 - قيّدته عليه السلام وصية من أخيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بالصبر على ما يلاقيه من القوم للحفاظ على بيضة الإسلام ، فصبر عليه السلام امتثالاً لأمر اللّه تعالى ، وأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وتحمّل أنواع الأذى في هذا السبيل.

2 - إنّ الظروف آنذاك ما كانت تسمح للإمام عليه السلام عن أنّ يدافع ويحارب القوم وذلك :

أ - لقلّة الناصر ، فقد صرّح عليه السلام في خطبه بهذه النقطة.

ب - لضياع الدين الإسلامي الأصيل ، فإنّه عليه السلام ذكر في كلامه مع الزهراء عليها السلام بأنّ مواجهة القوم تؤدّي إلى رفع الشهادة الثانية من الأذان ، وتشويه وتزييف الحقائق ، ولم يكن عليه السلام ليفرط في دينه في سبيل شيء آخر.

3 - أراد عليه السلام يكشف لمجتمعه وللأجيال القادمة حقيقة القوم في التزامهم لمبادئ الدين الإسلامي.

هذا ولا يخفى ما للوصية من حكم لا يعلمها إلاّ اللّه تعالى ، ولعلّ من أبرزها هو امتحان الأُمّة في مدى تمسّكها بالثقل الثاني الذي أوصى به رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في حديث الثقلين.

ص: 499


1- الملل والنحل 1 / 57.
2- إثبات الوصية : 146.
3- الوافي بالوفيات 6 / 15.

( يوسف - الجزائر - سنّي - 25 سنة )

قبرها مجهول :

س : أخبرني شيخ شيعي : أنّ قبر فاطمة الزهراء غير معلوم لأنّها أوصت بأن لا يُعرف ، بينما أخبرني أحد مشايخ الصوفية : أنّ قبرها موجود في البقيع ، وأنّه قد زاره ، وفسّر وصيتها ، أي أن لا توضع على القبر علامة.

بينما وجدت في كتاب دلائل الخيرات للشيخ سليمان الجزولي : أنّ قبرها موجود بجوار الروضة الشريفة ، فما وجه الصواب في هذه المسألة الخلافية؟

ج : الحقّ ما أخبرك به الشيخ الشيعي ، من أنّ قبرها غير معلوم ، لأنّها أوصت بأن تدفن ليلاً ، وأن لا يشهد أحد من أعداء اللّه جنازتها ، ولا دفنها ، ولا الصلاة عليها.

وأمّا الروايات التي تقول أنّ قبرها في البقيع ، فذلك لأنّ الصحابة توقّعوا قبرها في البقيع ، فذهبوا فوجدوا فيه أربعين قبراً جدداً ، لأنّ الإمام قد رشّ أربعين قبراً في البقيع ، ولا يعني هذا أنّ القبر بالبقيع ، لاحتمال كونه في غير البقيع ، كما تخبر بعض الأخبار الأُخرى بذلك.

أمّا كون قبرها في الروضة ، فهو أحد الاحتمالات على ما فهم من حديث الرسول صلى اللّه عليه وآله : « ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة » ، وذلك بأنّ الروضة هي قبر فاطمة عليها السلام على ما توضّحه بعض الروايات عن المعصومين عليهم السلام.

وأمّا ما في البقيع فهو قبر فاطمة بنت أسد أُمّ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، يزوره بعض أهل السنّة على أنّه قبر فاطمة الزهراء عليها السلام ، ولكن الحقائق التاريخية تثبت أنّه لفاطمة بنت أسد.

( أبو علي - السعودية - .... )

خطبتها في مصادر أهل السنّة :

س : هل وردت في كتب القوم إشارات لخطبة سيّدتنا ومولاتنا الزهراء عليها السلام؟ نرجو تزويدنا بالمصادر ، وفّقكم اللّه لكُلّ خير.

ص: 500

ج : إنّ لمولاتنا الزهراء البتول عليها السلام أكثر من خطبة ، والظاهر أنّ مرادك هو خطبتها في مسجد النبيّ صلى اللّه عليه وآله بعد منع فدك عنها ، وبعد ما جرى عليها ، والتي تقول فيها : « وزعمتم أن لا حظوة لي ولا إرث من أبي ، ولا رحم بيننا ، أفخصّكم اللّه بآية أخرج أبي صلى اللّه عليه وآله منها؟ أم هل تقولون إنّ أهل ملّتين لا يتوارثان؟ أو لست أنا وأبي من أهل ملّة واحدة؟ ... ».

فقد ذكرت هذه الخطبة الشريفة ، أو بعضاً منها ، عدّة مصادر من أهل السنّة ، نذكر لك بعضها : السقيفة للجوهري ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ، جواهر المطالب لابن الدمشقي الشافعي ، بلاغات النساء لابن طيفور ، تاريخ اليعقوبي(1).

( سارة - الجزائر - سنية )

ما هو لوحها :

س : يشرّفني أن أتواصل مع حضرتكم ، في البداية لي ثقة كبيرة في الشيعة وفي صدقهم ، وأرجو أن تجيبوا عليّ بكُلّ صدق ، لقد أعطاني أحد أقربائي كتاباً يتحدّث عن عقائد الشيعة ، والذي كان يحمل عقائد ليست في المستوى المطلوب ، لهذا أرجو أن تردّوا على سؤالي : ما هو لوح فاطمة؟

ج : لوح فاطمة عليها السلام لوح شاهده جابر بن عبد اللّه الأنصاري عند دخوله على فاطمة لتهنأتها بولادة ابنها الحسن عليه السلام ، فيه اسم النبيّ ووالدته ، وأسماء الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام الذين نعتقد بإمامتهم ، وأسماء أمّهاتهم ، قد أهداه اللّه إلى رسوله صلى اللّه عليه وآله فأهداه إلى فاطمة عليه السلام(2).

ص: 501


1- السقيفة : 144 ، شرح نهج البلاغة 16 / 251 ، جواهر المطالب 1 / 160 ، بلاغات النساء : 14 ، تاريخ اليعقوبي 2 / 127.
2- أُنظر : الكافي 1 / 8.

( سيّد جعفر سيّد محمّد - البحرين - .... )

العوامل التي أغضبتها :

س : أُريد معرفة الأسباب التي دفعت البعض إلى إغضاب فاطمة الزهراء عليها السلام ، وتعريضها للظلم من خلال ذكر ثلاثة أدلّة تاريخية تتعلّق بالأحداث التي أعقبت وفاة الرسول الأكرم صلى اللّه عليه وآله ، ثمّ ما هو السبب الذي دعا الإمام علي عليه السلام للغضّ عن حقّه وسكوته عمّا كان يجري آنذاك؟ وشاكرين لكم حسن الإجابة.

ج : بالنسبة إلى السؤال الأوّل ، هو مردّد بين احتمالين هما :

1 - أن يكون المقصود لماذا غضبت الزهراء عليها السلام؟ أو ما هي العوامل التي جعلت الزهراء عليها السلام تغضب؟

2 - أن يكون المقصود ما هي الأسباب التي جعلت البعض يغضب الزهراء عليها السلام؟ فإن كان المقصود هو الأوّل ، فأسباب غضب الزهراء عليها السلام واضحة ، فإنّ مخالفة وصية النبيّ صلى اللّه عليه وآله بل وصية اللّه سبحانه في تصدّي أمير المؤمنين عليه السلام للخلافة من بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله هو الذي أثار غضبها ، وكيف لا تغضب للحقّ وتسكت عن تنفيذ وصية اللّه سبحانه ، والنبيّ صلى اللّه عليه وآله؟! ثمّ لماذا يُجبر أمير المؤمنين عليه السلام على البيعة للبعض ، ويُسحب إلى المسجد؟! ولماذا أيضاً غصب فدك ظلماً وعدواناً؟!

إنّ هذه بعض العوامل التي جعلت الزهراء عليها السلام تغضب - هذا إذا كان المقصود هو الأوّل.

وأمّا إذا كان المقصود هو الثاني ، فلعلّ الجواب أوضح ، إذ هم أرادوا الخلافة والمنصب لأنفسهم لا لغيرهم ، وهذا لا يمكن أن يتحقّق لهم إلاّ بمخالفة وصية النبيّ صلى اللّه عليه وآله في حقّ أمير المؤمنين عليه السلام ، وإلاّ بغصب فدك ، وإلاّ بسحب أمير المؤمنين عليه السلام إلى المسجد وإجباره على البيعة - هذا بالنسبة إلى السؤال الأوّل.

وأمّا السؤال الثاني ، فالذي دعا أمير المؤمنين عليه السلام إلى أن يسكت أمران :

ص: 502

1 - قلّة الناصر.

2 - إنّ الإسلام حديث الوجود والولادة ، فلو وقف الإمام عليه السلام وحارب كان ذلك تهديداً جدّياً له ، فخوفاً على الوليد الجديد سكت عليه السلام عن حقّه.

( .... السعودية - 30 سنة - خرّيج ثانوية )

الهجوم على دارها بعد خطبتها :

س : سؤالي حول الأحداث التي وقعت بعد وفاه الرسول الأكرم صلى اللّه عليه وآله ، وخصوصاً المتعلّق منها ببضعته الزهراء البتول عليها السلام ، حيث يصعب ترتيب الأحداث ترتيباً متسلسلاً ، فمثلاً من حيث النظرة الأوّلية يصعب معرفة هل كان حرق الدار وعصر البتول وإسقاط الجنين كان قبل الخطبة الفدكية أم بعدها؟

وهل هناك تعرّض آخر لها عليها السلام من قبل ذلك الملعون بعد أخذها ورقة بفدك من صاحبه؟ ومتى كانت بيعة أمير المؤمنين عليه السلام للقوم إن وقعت؟ وما هو وجه الارتباط بين البيعة ووفاة الزهراء؟ فهل يمكن أن ترشدونا في هذا المجال؟ خدمة للزهراء وأبيها وبعلها وبنيها.

ج : من خلال متابعة الأحداث التي جرت على الزهراء عليها السلام يتبيّن أنّ حرق الدار ، وإسقاط الجنين كان بعد الخطبة الفدكية ، وذلك لأنّ الزهراء عليها السلام مرضت بعد تلك الحادثة الأليمة ، ولازمت الفراش ، هذا بالإضافة إلى أنّها رفضت التحدّث مع أبي بكر وعمر بعد تلك الحادثة ، ورفضت أوّلاً دخول أبي بكر وعمر لعيادتها والحديث معهما.

والروايات تذكر أنّها تعرّضت للأذى بعد تمزيق الصحيفة ، بالإضافة إلى الأذى الذي حصل عند الباب.

وهناك اختلاف في بيعة الإمام عليه السلام ، فقسم من الروايات تذكر أنّ البيعة حصلت بعد الهجوم على الدار ، وأخذهم لعلي عليه السلام كرهاً إلى البيعة ، وحصلت

ص: 503

بمسح يده وهي مضمومة على كفّ أبي بكر ، واكتفى القوم بذلك ، وقسم آخر من الروايات تقول : إنّ البيعة لم تحصل إلاّ بعد وفاة الزهراء عليها السلام.

( عبد اللّه - الكويت - 21 سنة - طالب جامعة )

بكاؤها على أبيها :

س : ما صحّة هذا الكلام حول الحزن الهادئ؟ وهل يمكنكم إيراد الروايات التي تقول إنّها كانت تبكي على أبيها؟ وهل بكائها على أبيها منقصة لها؟

الحزن الرسالي : إنّنا نسمع الكثير من الناس الذين حاصروا الزهراء عليها السلام في دائرة الحزن إلى حدّ الجزع ، يقولون : إنّها كانت تبكي في الليل والنهار ، وكان أهل المدينة يضجّون من بكائها حتّى قالوا لعلي : إمّا أن تبكي أباها ليلاً أو نهاراً!! أيّ كلام هو هذا الكلام؟!

إنّ الزهراء عليها السلام أعظم وأعظم من ذلك ، ولاسيّما أنّنا نقرأ في حديث عن الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام في تفسير الآية الكريمة : ( وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ) (1) ، قال : « إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال لفاطمة : إذا أنا متّ فلا تخمشي عليّ وجهاً ، ولا ترخي عليّ شعراً ، ولا تنادي بالويل ، ولا تقيمن عليّ نائحة » ، قال : ثمّ قال : « هذا هو المعروف » (2).

كان حزنها حزناً رسالياً ، كانت تذهب إلى قبر رسول اللّه وقبور الشهداء ولا تزيد عن القول : « ها هنا كان رسول اللّه » ، لتذكّر الناس كي لا ينسوا رسول اللّه في مسجده ، وفي مواقعه التي كان يتجوّل فيها ، وكانت تأخذ الحسن والحسين إلى قبر جدّهما وتحدّثهما عن حركة أبيها هنا وهناك.

كان حزنها حزناً رسالياً هادئاً منفتحاً على الرسالة في تذكّرها لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، لأنّ التذكر لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كان يحمل الانفتاح على الإسلام

ص: 504


1- الممتحنة : 12.
2- وسائل الشيعة 3 / 272.

كُلّه ، وفي كتاب الكافي يقول بعض الرواة عن أمير المؤمنين عليه السلام وهو يعظ الناس : « مروا أهاليكم بالقول الحسن عند موتاكم » ، ويستشهد الإمام علي عليه السلام في هذا الخطّ بالزهراء عليها السلام فقال : « فإنّ فاطمة لمّا قُبض أبوها صلى اللّه عليه وآله أسعدتها بنات هاشم - على طريقة النساء عند الموت - فقالت : اتركن التعداد - أي لا تعددن الآلام والأحزان - وعليكن بالدعاء » (1).

هكذا كانت الزهراء عليها السلام تفهم قضية الاحتفال بمناسبة الموت ، حتّى لو كان الميت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، لذلك فإنّ هؤلاء الذين يتحدّثون بهذه الطريقة عن الزهراء عليها السلام في جزعها يسيئون إليها ، باعتبار وصية رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ووعي الزهراء وعصمتها ، فالزهراء لم تكن في موقع الإمامة ، ولكنّها كانت في موقع العصمة ، لأنّها أوّلاً كانت من أهل هذا البيت الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وهذا دليل عصمة علي والحسن والحسين وفاطمة.

وثانياً : لأنّها كانت سيّدة نساء أهل الجنّة ، ولا يمكن إلاّ أن تكون معصومة.

وثالثاً : لأنّنا لو درسنا كُلّ حياة الزهراء لرأيناها تمثّل العصمة كُلّها ، ولهذا لم تخطئ في حياتها لا في قول ولا في فعل ، كانت لا تقول إلاّ حقّاً ، ولا تتصرّف إلاّ بالحقّ ، سواء مع الذين يلتقون معها أو مع الذين لا يلتقون معها.

وكانت قمّة احتجاجها على الواقع المنحرف أنّها قالت لعلي عليه السلام : « ادفني ليلاً » ، لا تدع هؤلاء يحضرون جنازتي ، ودُفنت ليلاً ، واختلف الناس في موضع قبرها ، وهناك أحاديث عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام أنّها دُفنت في بيتها ، وعندما وُسّع المسجد دخل بيتها وقبرها في المسجد ، ولعل الحديث : « ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة » (2) ، يشير إلى الزهراء عليها السلام ، وهناك رواية تقول إنّها دُفنت في البقيع.

الزهراء عليها السلام الطاهرة ، الصدّيقة ، المعصومة ، التي كانت تمثّل التجسيد الحيّ لكُلّ القيم الروحية والإنسانية ، كانت قوية في مواقع القوّة للدفاع عن .

ص: 505


1- الكافي 3 / 217.
2- من لا يحضره الفقيه 2 / 568.

الحقّ ، وكانت عابدة ترتفع صلواتها إلى اللّه ، ومعلّمة تعطي العلم للنساء ، وكانت تعيش مسؤوليتها في البيت والمجتمع مع أبيها وزوجها ، فسلام اللّه عليها حين وُلدت ، وحين انتقلت إلى رحاب ربّها ، وعندما تُبعث حية.

علينا أنّ نجعل منها القدوة - رجالاً ونساءً - لأنّها من خير من يُقتدى به ، كانت حبيبة رسول اللّه وتلميذته ورفيقته ، وقد قال أمير الشعراء أحمد شوقي وهو يتحدّث عن الزهراء عليها السلام :

ما تمنّى غيرها نسلاً ومن *** يلد الزهراء يزهد في سواها

ج : لقد وردت روايات صحيحة تخبرنا عن بكاء سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام على أبيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بعد وفاته ، ويستفاد أيضاً من هذه الروايات شدّة تأثّرها وحزنها لفراق أبيها صلى اللّه عليه وآله ، وكذلك للأحداث المؤلمة التي جرت بعد وفاته مباشرة.

ومن ذلك ما رواه الشيخ المفيد قدس سره بسنده عن عبد اللّه بن محمّد بن سليمان الهاشمي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن زينب بنت علي بن أبي طالب عليهم السلام قالت : « لمّا اجتمع رأي أبي بكر على منع فاطمة عليها السلام فدك والعوالي ، وآيست من إجابته لها عدلت إلى قبر أبيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فألقت نفسها عليه ، وشكت إليه ما فعله القوم بها ، وبكت حتّى بلّت تربته بدموعها وندبته ، ثمّ قالت في آخر ندبتها :

قد كان بعدك أنباء وهنبثة *** لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

إنا فقدناك فقد الأرض وابلها *** وأختل قومك فأشهدهم فقد نكبوا

إلى قولها :

فقد لقينا الذي لم يلقه أحد *** من البرية لا عجم ولا عرب

ص: 506

فسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت *** لنا العيون بتهمال له سكب » (1)

وكذلك روى الشيخ القمّي قدس سره بسند صحيح عن عثمان بن عيسى وحماد بن عثمان ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال : « لمّا بويع لأبي بكر واستقام له الأمر على جميع المهاجرين والأنصار بعث إلى فدك فأخرج وكيل فاطمة بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله منها ، فجاءت فاطمة عليها السلام إلى أبي بكر ... فخرجت فاطمة عليها السلام من عندهما باكية حزينة ... ودخلت فاطمة إلى المسجد ، وطافت بقبر أبيها عليه السلام وهي تبكي »(2) ، ثمّ أنشدت أبياتاً مقاربة لما أورده الشيخ المفيد.

وروى الشيخ الكليني قدس سره بسندين صحيحين عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سمعته يقول : « عاشت فاطمة عليها السلام بعد أبيها خمسة وسبعين يوماً لم تر كاشرة ولا ضاحكة ، تأتي قبور الشهداء في كُلّ جمعة مرّتين : الاثنين والخميس ، فتقول : هاهنا كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، هاهنا كان المشركون » (3).

والكشر كما نعرف هو بدو الأسنان عند التبسّم ، ومن هنا نعرف أيّ حزن وألم عاشته الزهراء عليها السلام في تلك الأيّام بعد وفاة أبيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

وفي الرواية الصحيحة الأُولى عن الشيخ المفيد ورد قولها عليها السلام في أبيات الشعر : سوف نبكيك ما عشنا وما بقيت.

ومن المعلوم أنّ الزهراء عليها السلام عاشت على أكثر الروايات ستة أشهر بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فإذا عددنا المواقف التي جاء فيها ذكر لبكاء الزهراء من يوم وفاته صلى اللّه عليه وآله ، وأخذ فدك والهجوم على بيتها وخطبها في المسجد ، والدوران على بيوت الأنصار وغيرها ، وأخذنا نسبة بينها وبين أيّامها القلائل التي عاشت فيها بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، يظهر لنا أنّ القول بكثرة بكائها بعد أبيها صلى اللّه عليه وآله لا يخرج عن الصواب.

ص: 507


1- الأمالي للشيخ المفيد : 40.
2- تفسير القمّي 2 / 155.
3- الكافي 3 / 228.

وأنّ الروايات المصرّحة بذلك الواردة عن طريق أئمّة أهل البيت عليهم السلام يمكن الاعتماد عليها والاطمئنان بها ، وإن لم تكن ترقى إلى درجة الصحّة ، ولذا جعلها علمائنا مورداً للقبول على أنّا لا نتعامل مع الروايات التاريخية كما نتعامل مع روايات الأحكام ، فلاحظ.

ولا يتنافى هذا البكاء والحزن المتواصل من سيّدة النساء عليها السلام مع الشرع ، كما يريد البعض أن يوحي بذلك ، فقد ذكر القرآن الكريم شدّة تأثّر يعقوب عليه السلام لفراق ابنه يوسف عليه السلام الذي كان يعلم بعدم موته ، ولكنّه يجهل مكانه ، قال تعالى : ( وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ) (1).

وقد ذكر المفسّرون أنّه أُصيب بالعمى نتيجة هذا الحزن وشدّة البكاء المتواصل ، وعن الإمام الصادق عليه السلام قال : « بكى علي بن الحسين على أبيه حسين بن علي عشرين سنة ، أو أربعين سنة ، وما وضع بين يديه طعام إلاّ بكى على الحسين ، حتّى قال له مولى له : جعلت فداك يا بن رسول اللّه إنّي أخاف عليك أن تكون من الهالكين ، قال عليه السلام : ( إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) » (2).

وروى ابن قولويه قدس سره : إنّه لما كثر بكاؤه عليه السلام قال له مولاه : أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فقال : « ويحك واللّه شكى يعقوب عليه السلام إلى ربّه في أقل ممّا رأيت حتى قال : ( يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ ) ، إنّه فقد ابنا واحداً ، وأنا رأيت أبي وجماعة أهل بيتي يذبحون حولي »(3).

فلماذا لم يكن حزن الإمام السجّاد عليه السلام رسالياً كما يسمّيه هذا المدّعي؟ ولماذا لا يتنافى هذا البكاء مع مسؤوليات الإمام عليه السلام؟ ويعقوب النبيّ عليه السلام ، ولماذا لا يكتب في حزنهما مثلما كتب هنا!؟

ص: 508


1- يوسف : 84.
2- كامل الزيارات : 213.
3- نفس المصدر السابق.

وقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه وقف على قبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ساعة دفنه فقال : « إنّ الصبر لجميل إلاّ عنك ، وأنّ الجزع لقبيح إلاّ عليك »(1).

وعليه ، فإنّ بكاء الزهراء عليها السلام على أبيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله - وفي الوقت الذي تزامنت فيه تلك الأحداث الجسام من غصب الخلافة ، وغصب الإرث ، وكشف البيت الطاهر ، والاستخفاف بحرمة الدين وأهله - كان بكاءً على الرسالة ، والدين القويم ، والحقوق المضيّعة ، بل هو بكاء على الملايين من المسلمين الذين سيكونون ضحايا هذه المظالم ، وتبعات هذه الأحداث.

والزهراء عليها السلام تعلم بتلك الأُمور ، وما ستؤول إليه ، لذا كان البكاء عند الزهراء عليها السلام يتجاوز معناه العاطفي المحدود إلى معان أُخرى من الاستنهاض والثورة على الظالمين ، وبعث رسالة إلى أعماق التاريخ أن لا يغفلوا عن أحداث هذه الفترة التي غيّرت وجه الدنيا بانحرافها وميلها عن الحقّ ، فقد كان البكاء هو الوسيلة الوحيدة المتخذة أمام الزهراء عليها السلام لإعلان الحقّ ورفض الباطل ، واستمراره ليلاً ونهاراً هو استمرار المطالبة بالحقّ واستمرار رفض الباطل.

ومن هناك أدرك الخصوم المعاني التي يختزنها بكاء الزهراء عليها السلام ، لذا قاموا بالتحريض عليه ، مع أنّه من المستحبّات البكاء على سيّد المرسلين صلى اللّه عليه وآله ، والزهراء عليها السلام حين بكت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وطال حزنها ، وأظهرت هذا الحزن لم تخالف وصية رسول اللّه ، فهي : لم تخمش عليه وجهاً ، ولم ترخ عليه شعراً ، ولم تناد بالويل ، ولم تقم عليه نائحة ... إنّما كان بكاؤها بكاء الثائرين ... كما يمثّل بكاء شيعة أهل البيت عليهم السلام على الحسين عليه السلام ، وتواصل هذا البكاء لقرون متمادية ، وحثّ أئمّة أهل البيت عليهم السلام عليه ، كما ورد في الأحاديث الصحيحة المعتبرة ، ثورتهم ورفضهم للظلم والظالمين ، ومن هنا جاءت قوّة منعه من قبل سلاطين الجور وأئمّة الضلال.

ص: 509


1- شرح نهج البلاغة 19 / 195.

ومن هذا يظهر سخف ما رتّب على الفرض من أنّ بكائها كان ينافي العصمة ، أو يخلّ بالمسؤولية ، أو أنّها كانت إلى حدّ الجزع - وإن كان في قبح الجزع في مثل هذا المورد كلام ولنا في يعقوب أُسوة - وأنّ حزنها كان هادئاً ، وإن الحزن الهادئ هو الرسالي وغيره فلا ، وغير ذلك ممّا يحتويه هذا الكلام الإنشائي ، فهو كُلّه مبنيّ على فكرة باخت في عقل قائلها ، سببها عدم إدراك حقيقي لمعنى بكاء الزهراء ودوافع منعها ، فإذا وعينا ذلك سنجد أنّ كُلّ ما قيل سينهار كالرماد ، وإليك قول القائل : وكانت قمّة احتجاجها على الواقع المنحرف أنّها قالت لعلي عليه السلام : « ادفني ليلاً ... ».

يا اللّه أين هذا من خطبتها الصريحة بكفرهم في مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟ وأين هو من مطالبة الأنصار بالثورة يوم كانت تدور عليهم وتطالبهم بالوفاء ببيعة الغدير ، ألمثل الزهراء يقال إنّ قمّة احتجاجها أن تطالب بدفنها ليلاً!

ص: 510

فدك :

اشارة

( خالد جاسم - سنغافورة - .... )

غصبها :

س : ما هو دليلكم على أنّ أرض فاطمة الزهراء عليها السلام مغصوبة؟

ج : لحق الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله بالرفيق الأعلى ، مخلّفاً من الورثة بنته الوحيدة فاطمة الزهراء عليها السلام ، وزوجات عدّة.

وكانت فدك ممّا أفاء اللّه به على رسوله - عام خيبر - نحلها الرسول صلى اللّه عليه وآله ابنته الزهراء عليها السلام ، وكانت يدها على فدك يوم وفاة أبيها.

ولمّا استولى أبو بكر على أريكة الخلافة ، ابتزّ فدكاً من فاطمة عليها السلام واستولى عليها ، فادّعت فاطمة عليها السلام على أبي بكر ، وطالبت نحلة أبيها - لكون هذه الأرض ممّا لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، فكان ملكاً خاصّاً لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله - وأشهدت زوجها أمير المؤمنين علياً عليه السلام ، وابنيها الحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة ، وأُمّ أيمن حاضنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله على أنّ أباها نحلها فدكاً.

فردّ أبو بكر دعواها ، وردّ شهاداتهم لها ، فوجدت فاطمة عليها السلام على أبي بكر فهجرته فلم تكلّمه حتّى توفّيت.

هذا ما نقلته الأخبار في كتب الفريقين ، فتكون دليلاً على غصبها.

ص: 511

( محمّد - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

السكوت عنها :

س : لماذا لم يرجع الإمام علي عليه السلام فدكاً أيّام خلافته؟

ج : إنّ المطالبة بفدك في فكرتها الأساسية هي للإشارة إلى غصب حقوق أهل البيت عليهم السلام على وجه العموم ، وليس فقط فيها مطالبات مالية ، حتّى ترتفع بردّها إلى أهلها.

فالزهراء عليها السلام والأئمّة عليهم السلام ، عندما كانوا يشيرون إلى مسألة فدك ، كانوا يريدون التصريح والتلويح بالمظالم التي أوردتها الزمرة الغاصبة في سبيل الحصول على الحكم.

ويدلّ على ما قلنا : أنّ أمير المؤمنين عليه السلام صرّح في أيّام خلافته : بأنّ الجانب الاقتصادي من فدك ، ليس بحدٍّ أن يكون حافزاً وباعثاً لاعتراض أهل البيت عليهم السلام في مطالبته : « وما أصنع بفدكٍ وغير فدك » (1).

وورد في بعض الروايات : بأنّ سيرة أهل البيت عليهم السلام هي : أن لا يسترجعوا ما أخذ منهم غصباً وعدواناً(2).

فنرى أنّ فيها إشارة واضحة لإبقاء صوت مظلوميتهم على طول التاريخ ، وحقّانيتهم في الإمامة ، وزعامة الدين والدنيا ، كما هو الحال في اختفاء مرقد الزهراء عليها السلام ، واختلاف تاريخ استشهادها.

( أحمد - السعودية - .... )

من ردّها إلى أهل البيت :

س : أودّ معرفة جميع من غصب فدك فاطمة الزهراء عليها السلام؟ وجميع من قام بردّها إلى أهل البيت عليهم السلام؟ من يوم غصبها على يد أبي بكر.

ص: 512


1- شرح نهج البلاغة 16 / 208.
2- بحار الأنوار 29 / 395.

ج : كانت فدك ملكاً لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لأنّها ممّا لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، ثمّ قدّمها لابنته الزهراء عليها السلام ، وبقيت عندها حتّى توفّي أبوها صلى اللّه عليه وآله ، فانتزعها الخليفة الأوّل ، ولمّا ولي معاوية ، أقطعها مروان بن الحكم(1) ، ثمّ صفت لعمر بن عبد العزيز بن مروان ، فلما تولّى الحكم ردّ فدك على ولد فاطمة عليها السلام ، ثمّ انتزعها يزيد بن عبد الملك من أولاد فاطمة عليها السلام ، فصارت في أيدي بني مروان حتّى انقضت دولتهم(2).

فلمّا قام أبو العباس السفّاح بالأمر ، ردّها على عبد اللّه بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، ثمّ قبضها أبو جعفر المنصور في خلافته ، وردّها المهدي بن المنصور على الفاطميين ، ثمّ قبضها موسى بن المهدي من أيديهم ، ولم تزل في أيدي العباسيين حتّى تولّى المأمون فردّها على الفاطميين سنة 210 ه.

ولمّا بويع المتوكّل انتزعها من الفاطميين ، وأقطعها عبد اللّه بن عمر البازيار ، وينتهي آخر عهد الفاطميين بفدك بخلافة المتوكّل ، ومنحه إيّاها عبد اللّه بن عمر البازيار.

( أحمد - الإمارات - .... )

لم يرجعها علي أيّام خلافته :

س : هل قام الإمام علي عليه السلام بإرجاع فدك إلى الحسن والحسين بعد تولّيه الخلافة؟ ولماذا؟

ج : صرّحت عدّة روايات بعدم إرجاع الإمام علي عليه السلام لفدك أيّام حكومته ، كما صرّحت بالعلّة التي من أجلها لم يسترجع الإمام عليه السلام فدكاً ، ومن تلك الروايات :

ص: 513


1- فتوح البلدان 1 / 37.
2- شرح نهج البلاغة 16 / 216.

1 - عن أبي بصير ، عن الإمام الصادق عليه السلام قال : قلت له : لِم لَم يأخذ أمير المؤمنين عليه السلام فدكاً لمّا ولي الناس ، ولأيّ علّة تركها؟

فقال : « لأنّ الظالم والمظلوم قد كانا قدما على اللّه عزّ وجلّ ، وأثاب اللّه المظلوم ، وعاقب الظالم ، فكره أن يسترجع شيئاً قد عاقب اللّه عليه غاصبه ، وأثاب عليه المغصوب » (1).

2 - عن إبراهيم الكرخي قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام ، فقلت له : لأيّ علّة ترك أمير المؤمنين فدكاً لمّا ولي الناس؟ فقال : « للاقتداء برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لمّا فتح مكّة ، وقد باع عقيل ابن أبي طالب داره ، فقيل له : يا رسول اللّه ألا ترجع إلى دارك؟

فقال صلى اللّه عليه وآله وهل ترك عقيل لنا داراً ، إنّا أهل بيت لا نسترجع شيئاً يؤخذ منّا ظلماً ، فلذلك لم يسترجع فدكاً لمّا ولي »(2).

3 - عن علي بن الحسن بن فضّال ، عن أبيه عن الإمام الكاظم عليه السلام قال : سألته عن أمير المؤمنين عليه السلام لِم لَم يسترجع فدكاً لمّا ولي الناس؟ فقال : « لأنّا أهل بيت لا نأخذ حقوقنا ممّن ظلمنا ، إلاّ هو - يعني إلاّ اللّه - ونحن أولياء المؤمنين ، إنّما نحكم لهم ، ونأخذ حقوقهم ممّن ظلمهم ، ولا نأخذ لأنفسنا »(3).

( محمّد - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

المراد من الإرث المعنى اللغوي لا الفقهي :

س : هل جاء حديث : « نحن معاشر الأنبياء لا نورّث » في مصادر الشيعة؟

ج : لم يذكر هذا الحديث في مصادرنا الخاصّة ، ولكن الموجود هو بهذه العبارة : عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « إنّ العلماء ورثة الأنبياء ، وذلك أنّ

ص: 514


1- علل الشرائع 1 / 154.
2- المصدر السابق 1 / 155.
3- نفس المصدر السابق.

الأنبياء لم يورّثوا درهماً ولا ديناراً ، وإنّما ورّثوا أحاديث من أحاديثهم ، فمن أخذ شيئاً منها فقد أخذ حظّاً وافراً ... » (1).

وأمّا معناه فهو : أنّ الأنبياء عليهم السلام لم يخلّفوا بالنسبة للأُمّة شيئاً من الأموال ، بل إنّهم ورّثوهم العلم والأحاديث.

ويظهر من هذا المعنى ، أنّ كلمة الإرث في هذه الروايات ، قد استعملت في معناها العرفي واللغوي ، لا معناها الاصطلاحي والفقهي ، ويدلّ على هذا التخريج عدّة وجوه :

منها : إنّ الحمل على المعنى الفقهي من الإرث يتعارض مع ظهور الآيات(2) ، كما ذكرته الزهراء عليها السلام في خطبتها المعروفة ، ردّاً على غاصبي فدك ، إذ فيها ما يدلّ على أنّ التوريث المصطلح كان ساري المفعول حتّى عند الأنبياء ، ولم تكن أموالهم بحيث يكون الناس فيها شرع سواء.

ومنها : إنّ القرائن الموجودة في تلك الروايات فيها دلالة واضحة إلى أنّ المراد هو المعنى اللغوي - لا الفقهي - فمثلاً : هل في الواقع الخارجي لم يبق الأنبياء عليهم السلام حتّى درهماً واحداً من الأموال لتركتهم؟! وهذا ما ينفيه التاريخ والنقل.

ومنها : إنّ عبارة : « إنّما أورثوا أحاديث » أو « ورّثوا العلم » تدلّ على ما ذكرنا ، من أنّ النفي في صدر الروايات يكون بالنظر إلى الأُمّة لا إلى الورثة العاديين ؛ إذ هل يعقل أن تكون الأحاديث النبوية حصص إرثية؟!

ومنها : إنّ عبارة : « فمن أخذ شيئاً ... » تدلّ على إطلاق الآخذ أيّاً من كان ؛ وهذا أيضاً يدلّ على أنّ التوريث المستعمل في هذه الروايات ليس من باب الوراثة المصطلحة الفقهية ، وإلاّ فهل يعقل عدم تعيين الوارث في إرثٍ ما ، وتعليقه على نحو البدلية بعبارة : « فمن أخذ »؟!

ص: 515


1- بصائر الدرجات : 30 ، الكافي 1 / 32 ، الاختصاص : 4.
2- أُنظر : مريم : 6 ، النمل : 16.

وأخيراً : فإنّ الرواية المزعومة عند المخالفين تشتمل على تتمّة وهي : « ما تركناه صدقة » ، وأنت ترى أنّ الروايات الشيعية بأكملها خالية عن هذه العبارة ، بل وفيما تحتويها من ذكر الأحاديث والعلم - كميراث للنبوّة - متعارضة مع ما ادعّوه ، إذ من البديهي أنّ الأحاديث والعلم ليست صدقة.

وعليه ، فالعبارة المذكورة واضحة البطلان ، ومن ثمّ فاستدلال القوم دفاعاً عن غصب حقّ الزهراء عليها السلام مردود ، إذ أنّ مجهودهم العلمي يبتني على ورود هذه العبارة في الروايات ، وهو منتفٍ قطعاً كما ذكرنا.

ص: 516

فرق ومذاهب :

اشارة

( سمير - سوريا - 25 سنة )

العلاقة بين العلوية والنصيرية :

س : هل العلوية هم نفسهم النصيرية؟ وكيف كانت علاقة الأئمّة عليهم السلام مع مؤسّس النصيرية؟

ج : قال الشيخ السبحاني حول النصيرية ما نصّه :

« الكتابة عن النصيرية كسائر الفرق الشيعية أمر صعب ، لاسيّما وأنّهم اضطروا إلى التخفّي والانطواء على أنفسهم ، وعاشوا في ظل التقية ، ومن يتصفّح التاريخ يجد أنّه لا مندوحة لهم من التكتّم والتحفّظ في عقائدهم ، فمعاجم الفرق مليئة بذمّهم وتفسيقهم وتكفيرهم ، وقد أخذ بعضهم عن بعض ، ولا يمكن الاعتماد على ما نقلوه عنهم ، إلاّ بالرجوع إلى كتب تلك الفرقة ، أو التعايش معهم في أوطانهم ، حتّى ينجلي الحقّ ، ليقف الإنسان على مكامن عقائدهم ، وخفايا أُصولهم ... » (1).

ثمّ قال تحت عنوان : النصيرية فرقة بائدة :

« إذا كانت النصيرية هي التي عرّفها أصحاب المعاجم وغيرهم ، فهذه الفرقة قد بادت ، لا تجد أحداً يتبنّى أفكارها بين المسلمين ، إلاّ إذا كان مغفّلاً أو مغرضاً ، وربّما تكون بعض هذه النسب ، ممّا لا أصل له في الواقع ، وإنّما

ص: 517


1- بحوث في الملل والنحل 8 / 397.

اتهمت بها بعض فرق الشيعة من قبل أعدائهم ، فإنّ خصومهم من العباسيين شنّوا حملة شعواء ، ودعايات مزيّفة ومضلّلة ضدّهم ، حتّى يجد الباحث أنّ الكتّاب والمؤلّفين المدعومين من قبل السلطات ، لا يألون جهداً في اتهامهم بأرخص التهم في العقيدة والعمل ، حتّى صارت حقائق راهنة في حقّ هؤلاء ، وتبعهم غير واحد من أصحابنا ، لحسن ظنّهم بما كتب حولهم » (1).

وقال تحت عنوان : العلويون وأصل التسمية بالنصيرية :

« إنّ هناك أقلاماً مغرضة ، حاولت أن تنسب العلويين المنتشرين في الشام والعراق وتركيا وإيران إلى فرقة النصيرية البائدة ، اعتماداً على أُمور ينكرها العلويون اليوم قاطبة.

وأظنّ أنّ السبب في ذلك هو جور السلطات الظالمة التي أخذت تشوّه صحيفة العلويين وتسودّها ، فأقامت فيهم السيف والقتل ، والفتك والتشريد ، ولم تكتفِ بل أخذت بالافتراء عليهم ، لتنفّر الناس من الاختلاط بهم ، وأنّهم زمرة وحشية هجمية ، ممّا زاد في انكماش هذه الطائفة على نفسها ، لذا نجد من المناسب الكتابة عنهم حسب ما كتبوه عن أنفسهم.

أمّا سبب تسمية العلويين بالنصيرية ، لأَنّه لما فتحت جهات بعلبك وحمص ، استمد أبو عبيدة الجرّاح نجدة ، فأتاه من العراق خالد بن الوليد ، ومن مصر عمرو بن العاص ، وأتاه من المدينة جماعة من أتباع علي عليه السلام ، وهم ممّن حضروا بيعة غدير خم ، وهم من الأنصار ، وعددهم يزيد عن أربعمائة وخمسين ، فسمّيت هذه القوّة الصغيرة نصيرية ، إذ كان من قواعد الجهاد تمليك الأَرض التي يفتحها الجيش لذلك الجيش نفسه ، فقد سمّيت الأراضي التي امتلكها جماعة النصيرية : جبل النصيرية ، وهو عبارة عن جهات جبل الحلو ، وبعض قضاء العمرانية المعروف الآن ، ثمّ أصبح هذا الاسم علماً خاصّاً لكُلّ جبال العلويين من جبل لبنان إلى إنطاكية.

ص: 518


1- المصدر السابق 8 / 402.

وهذا الرأي أقرب إلى الصواب ، ذلك أنّ المؤرّخين الصليبيّين أطلقوا على هذا الجبل اسم النصيرة ، ويبدو أنّ هذا الاسم قد حرّف إلى نصيرية ، والذي يعزّز القناعة بصحّة هذا الرأي هو : أنّ إطلاق اسم نصيرية على هذا الجبل ، لم يظهر إلاّ أثناء الحملات الصليبية ، أي بعد عام 498 ه- ، وإذا كان معنى ذلك أنّ اسم نصيرية قد تغلّب على اسم الجبل في زمن الشهرستاني » (1).

وقال السيّد عبد الحسين مهدي العسكري : « والنصيرية تنسب إلى أبي شعيب محمّد بن نصير النميري ، عاش في القرن الثالث الهجري ، وعاصر ثلاثة من الأئمّة عشر عليهم السلام ، وهم : علي الهادي ، والحسن العسكري ، ومحمّد المهدي.

زعم ابن نصير أنّه الباب إلى الإمام الحسن ، والحجّة من بعده ، فتبعه طائفة من الشيعة ، سمّوا النصيرية ، ولكن ابن نصير لم يكتف بذلك ، وإنّما ادعى النبوّة والرسالة ، وغلا في حقّ الأئمّة ، فنسبهم إلى الألوهية ، ولمّا بلغت مقالته الإمام الحسن العسكري عليه السلام تبرّأ منه ، ولعنه وحذّر أتباعه من فتنته »(2).

( خالد - الجزائر - 27 سنة - التاسعة أساسي )

الطائفة اليزيدية :

س : أُودّ أن أعرف شيئاً عن الطائفة اليزيدية؟ ومن هو مؤسّسها؟

ج : إنّ مجمل القول في الطائفة اليزيدية كما يلي :

1 - هذه الطائفة تنحدر من أصل كردي ، ويسكن معظم معتنقيها في كردستان العراق - حوالي مدينة الموصل - كما أنّ نشأتهم كانت هناك.

2 - مؤسّسو هذه الفرقة كانوا ينتمون إلى العائلة الأُموية ، فزرعوا في قلوب مواليهم محبّة الأُمويين ، وبما أنّ المجتمع الإسلامي المحيط بهم كان يتبرّأ من

ص: 519


1- المصدر السابق 8 / 404.
2- العلويون أو النصيرية : 7.

بني أُمية ، وعلى الخصوص من يزيد بن معاوية ، لما صنعه بأهل البيت عليهم السلام ، قاومت هذه الفرقة الضالّة فكرة اللعن والبراءة ، بل وتصدّت لها ، وأظهرت ولائها ليزيد ، واستمرت في هذا النهج الباطل حتّى اعتقدت فيه التأليه ، أو ما يقاربه مضموناً.

3 - ومن منطلق عدم جواز اللعن ، استحوذ عليهم الشيطان ، فاعتبروه أوّل الموحّدين ، لرفضه السجود لغير اللّه عزّ وجلّ ، بل وتمادوا في غيّهم ، وأعطوه صفة الربوبية ، تحت عناوين مختلفة ، فعبدوه ، وإن أنكر رجال دينهم هذا المعنى ، ولكن الذي يظهر من سلوك معتنقيهم هو ما ذكرناه.

4 - يذهب أكثر المحقّقين على أنّ المعتنقين الأوائل من هذه الطائفة كانوا على دين المجوس ، وعلى ضوء هذه النظرية ، يمكن تفسير بعض معتقدات اليزيدية ، بأنّها رواسب ذلك الدين السابق لهم ، وعلى سبيل المثال ، يعتقدون بمنشأ الخير « اللّه » ، ومصدر الشرّ « الشيطان » ، وهذه هي عقيدة المجوس بالضبط.

ثمّ يختلفون معهم ، بأنّ المجوس يرون انتصار الحقّ على الباطل - أي الرحمن على الشيطان - في منتهى الأمر ، ولكن اليزيدية لا ترى هذه النتيجة حتمية الوقوع ، وعليه تتقرّب بل تعبد الشيطان خوفاً من سطوته وشرّه ، ولا تهتمّ لعبادة الرحمن ، لأنّه مصدر الخير ، فلا يعاقب أحداً على عدم عبادته!!

5 - تدّعي هذه الفرقة بوجود كتابين سماويين لها : الجلوه ومصحف رشد ، ومن خلال فقرات وعبارات هذين الكتابين ، يتّضح جلياً أنّهما من صنع بعض المنحرفين ، ولا علاقة لهما بوحي السماء ، ففيهما أباطيل تضحك الثكلى ، ويشتملان على مخالفات واضحة للعقل السليم ، والنقل المتّفق عليه عند جميع الأديان السماوية.

6 - وأخيراً : إنّ هذه الطائفة ليست لها أيّ منطق للتبليغ والدفاع عن معتقداتها ، بل تحتكر هذا الدين الباطل لنفسها ، فمن الصعب الحصول على كافّة أقوالها

ص: 520

وآرائها ؛ وما ذكرناه هو القدر المتيقّن المنقول في كتبهم ، وإلاّ فهم يلتزمون بخرافات وأساطير باطلة ، قد يخفونها على عامّة الناس.

( فاطمة - العراق - .... )

عقيدة اليزيديين :

س : ما هي عقيدة اليزيديين عبدة الشيطان؟

ج : اليزيدية إحدى الطوائف التي تكتّمت في إظهار معتقداتها ، لهذا نرى الباحثين في هذا المذهب يختلفون في نتائج تحقيقاتهم ، فنرى جماعة من ينسب اليزيدية إلى يزيد بن معاوية الأُموي ، وجماعة تنسبهم إلى يزيد بن أنيسة الخارجي ، وجماعة يرجعونهم إلى دين المجوس ، ويرون أن كلمة يزيدية مشتقّة من الكلمة الفارسية « يزدان » التي تعني اللّه ، وبعضهم يدّعي أنّ كلمة اليزيدية مأخوذة من لفظة يزد ، المدينة المشهورة في إيران.

والظاهر أنّهم كانوا في بداية أمرهم من المجوس ، فاعتنقوا الإسلام بعد مجوسيّتهم ، ولمّا حلّ الشيخ عدي بن مسافر الأُموي بين ظهرانيهم في منتصف القرن السادس للهجرة ، وأسّس طريقته العدوية ، كانوا أوّل من والاها واعتنقها ، وقد غلوا فيه ونسبوا إليه ما لا يصحّ نسبته إلى مخلوق مثله ، وبعد وفاته ظهر بين خلفائه بعض من أضلّهم ، وأبعدهم عن التعاليم الإسلامية ، فظهرت فيهم براعم الدين القديم.

وإنّما سمّو باليزيدية لأنّهم كانوا يعتقدون بصلاح يزيد بن معاوية اعتقاداً تجاوز الحدّ حتّى قالوا فيه إلهاً.

ويرى اليزيدون أنّ الكون وجد من قوّتين : قوّة الخير وهي اللّه ، وقوّة الشرّ وهي الشيطان ، ولهذا يتحاشون عن ذكر اسم الشيطان.

وتختلف العبادة التي يتقرّب بها اليزيدية ، فعبادتهم للشيطان عبادة تضرّع ، وتعطّف وخشية ، وعبادتهم لله عبادة خضوع وشكر وامتنان.

ص: 521

وقد بلغ الخوف باليزيدية من الشيطان درجة أنّهم تركوا عبادة إله الرحمة ، مبرئين أنفسهم من الخطأ في ذلك ، إنّ اللّه الذي لا حدّ لصلاحه وجوده ومحبّته للخلائق ، لا يفعل بهم شرّاً لأنّه صالح ، أمّا الشيطان فهو منقاد طبعاً إلى عمل الشرّ ، لأنّه مصدر الشرّ ومبدأه ، وعليه فالفطنة تقتضي على من يريد سعادة الحياة أن يهمل عبادة اللّه الصالح بطبيعته ، الذي لا يشاء عمل الشرّ ، ويطلب ولاء الشيطان وحمايته تخلّصاً من أذاه ، إذ للشيطان وحده أن يسلّط الشرور وأن يدفعها.

هذه بعض عقائد اليزيدية في الكون ، وأمّا عن شعائرهم التعبّدية - كالصوم والصلاة ، والحجّ والزكاة ، وسائر فروض العبادة - فإنّها تخالف ما فرض الإسلام من ناحية الكم والكيف.

( الموالي - السعودية - .... )

فرقة الكرامية :

س : من هم الكرامية؟ وما هي أهمّ آراؤهم الفقهية والعقائدية؟ وما رأي علماء المسلمين فيهم؟ وهل الفرقة الوهّابية الضالّة تعتبر امتداداً لهم؟

نرجو ذكر بعض المصادر التي تتناولهم بالتفصيل ، حفظكم اللّه ورعاكم.

ج : إنّ مؤسّس فرقة الكرامية هو : محمّد بن كرام السجستاني - المتوفّى 255 ه- - وباسمه سمّيت هذه الفرقة ، وهي من الفرق المنحرفة ، ولهم آراء فاسدة ، كالقول بالتجسيم ، وأنّ لله على العرش استقراراً ، وعلى أنّه بجهة فوق ذاتاً ، وأطلق عليه اسم الجوهر ، ومسألة اليد والوجه والرؤية كُلّها من اعتقاداتهم ، ولم تمت الكرامية بموت مؤسّسها ، فلقد عاشت بعد موته ، حيث تلقّاها الهروي الأنصاري ، ثمّ احتضنها ابن تيمية ، واعتقد بكثير من عقائدها ، وكذلك الوهّابية المتأثّرون بأفكار ابن تيمية.

ص: 522

( حسن - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

حركة القرامطة حركة سياسية :

س : من هم القرامطة؟ وما حقيقة حركة القرامطة في الجزيرة العربية؟

ج : إنّ القرامطة حركة سياسية ، ينتسبون إلى حمدان قرمط ، الذي كان أحد دعاتهم - وسمّي بذلك ، أي قرمط ، لأنّه كان يترقمط في مشيته ، أي يقارب بين خطواته ، وقد أقام في الكوفة سنة 278 ه- - وادعوا انتسابهم إلى الفرقة الإسماعيلية.

والعباسيون في ذلك الوقت كانوا قد أعلنوا عداءهم للفاطميين ولاة مصر ، وكانوا يحاولون إلصاق أيّة تهمة بالخليفة الفاطمي آنذاك ، وبالفاطميين أنفسهم ، وقد ساعد بثّ هذه الدعوى أن حمدان قرمط قد أدّعى انتسابه إلى الإسماعيلية ، وحاول أن يجعل من نفسه منتسباً إلى المذهب الإسماعيلي ، لاستقطاب العامّة من البسطاء إليه ، بل ادّعى أكثر من ذلك ، وهو انتسابه إلى الفاطميين ، إلاّ أنّه لم يثبت ذلك.

وفي سنة 281 ه- قدم إلى البحرين من يدّعي أنّه رسول المهدي الفاطمي ، وطلب منهم الانضمام إلى دعوة القرامطة ، فأجابه بعضهم ، وكان أبرزهم أبي سعيد الجنابي ، واسمه الحسن بن بهرام.

وفي سنة 283 ه- تزعّم أبو سعيد الجنابي الحركة القرمطية في البحرين ، وسار بأصحابه إلى القطيف ، ثمّ إلى البصرة ، وقد عهد أبو سعيد الجنابي إلى ابنه أبي طاهر حركة القرامطة ، ففي سنة 307 ه- سار إلى البصرة فاستباحها ، وفي سنة 312 ه- اعترض حجّاج بيت اللّه الحرام فقتل منهم ، وانهزم الباقون.

وفي سنة 317 ه- هجم على مكّة ، وقتل كثيراً من الحجّاج ونهب أموالهم ، وفي سنة 319 ه- سار أبو طاهر أيضاً إلى مكّة ، فقتل الحجّاج واقتلع الحجر الأسود ، وحمله إلى هجر ، فلمّا بلغ الخبر إلى المهدي الفاطمي ، كتب إليه بالنكير واللعن ، وهدّده إذا لم يرجع الحجر الأسود.

ص: 523

هذه نبذة من تاريخ القرامطة ، والشيعة منهم براء ، ومن أفعالهم القبيحة ، أعاذنا اللّه وإيّاكم من الفتن والأهواء ، إنّه سميع الدعاء.

( موالي - الكويت - 19 سنة - طالب )

الإخبارية وإنكارهم للعقل :

س : كيف نردّ على الإخبارية الذين ينكرون العقل والإجماع في استنباط الحكم الشرعي؟

ج : إنّ البحث في هذا المجال ، ومن ثمّ الحكم فيه يحتاج إلى دراسة مفصّلة لمقطع من علم الأُصول ، ولا يسعنا التطرّق إليه في هذا المختصر ، ولكن مع هذا نشير إلى نقاط ذات صلة في الجواب :

أوّلاً : لا يرى الأُصولي حجّية العقل مطلقاً - حتّى يرد عليه كلام الإخباري - بل إنّ العقل عنده حجّة في فهم الحكم ، والدليل في المستقّلات العقلية ، وأمّا الإجماع - في نظر المحقّقين من الأُصوليين - فليس حجيّته من جهة نفسه ، بل حجيّته تأتي من اشتماله على قول المعصوم عليه السلام ، فإن كان فهو ، وإلاّ ليس الإجماع على الإطلاق حجّة.

وفي الواقع : أنّ الإجماع المعتمد عند الأُصولي المحقّق مرجعه إلى السنّة والروايات ليس إلاّ.

وأمّا الدليل على كلام الأُصولي لحجّية العقل في المجالين المذكورين ، هو استقلال العقل في الدلالة على المطلب ، وعدم ردع الشارع عنه ، وهذا آية ارتضائه لهذه السيرة العقلائية.

وثانياً : أمّا الآيات والروايات الواردة في المنع عن الاعتماد على العقل ، فكُلّها تنصبّ في مجرى اتّباع العقل بصورة ناقصة ، مثلاً في باب المنع عن القياس أو الاستحسان ، إذ لا يعقل أن يمنع من إجراء العقل بتاتاً ، فإنّه يفضي إلى عدم حجّية النواهي في هذه النصوص المذكورة أيضاً.

ص: 524

هذا ما تيسّر لنا توضيحه ، وللمزيد من المعلومات ينبغي الرجوع إلى مظانّها في مباحث علم الأُصول ، وعلى الخصوص إلى كتاب فرائد الأُصول ، الذي يطلق عليه الرسائل للشيخ الأنصاري.

( خالد - استراليا - .... )

عقائد الشيخية :

س : أُريد توضيحاً حول الفرقة الشيخية ، الذين ينتمون إلى الشيخ الأحسائي ، وما هو الفرق الأساسي بينهم وبين الفرق الأُخرى في الشيعة؟

ج : إنّ الشيخية في الأصل هم أتباع الشيخ أحمد الأحسائي ، المتوفّى 1241 ه.

أمّا العقيدة المميّزة عندهم تبتني على التركيز بوجود ركن رابع في عصر غيبة الإمام المنتظر عليه السلام ، تخوّل إليه أكثر مسؤوليات وصلاحيّات الإمام عليه السلام ، بعدما كان يرون أنّ الإمام المهدي عليه السلام قد غاب عن عالم الدنيا إلى عالم الأرواح ، وظهوره هو عوده إلى هذا العالم ، ومن ثمّ يقوم الركن الرابع مقامه عليه السلام حذراً من تعطيل الشريعة.

واصطلاح الركن الرابع جاء كإشارة إلى الأركان الأساسية الأربعة في الدين والمذهب ، وهي : التوحيد ، النبوّة ، الإمامة ، الركن الرابع.

ومن عقائدهم أيضاً نفيهم المعاد الجسماني ، بل يقولون بإعادة النفوس يوم القيامة في قالب مثالي ، الذي يصوّرونه بصورة خاصّة.

ثمّ إنّ هذه الفرقة قد التفّت حول السيّد كاظم الرشتي عقيب موت الأحسائي كتلميذٍ له ، وركن رابع جديد لطائفتهم ، الذي هو أيضاً توفّى 1259 ه- ، وخلّف التفرّق والتشعّب داخل حوزتهم ، ممّا أدّى انقسامهم إلى فرق متعدّدة ، أهمّها فعلاً طائفتان :

ص: 525

شيخية كرمان الذين يتبعون حاج محمّد كريم خان القاجار كوصيّ للرشتي ، وهذه المجموعة قد انحرفت تدريجاً عن الالتزام بالظواهر الشرعية والأحكام الدينية.

والإحقاقية وهم اتباع ملا باقر الاسكوئي التبريزي ، وفي زماننا كانوا تبعاً للشيخ الإحقاقي الساكن في الكويت ، وبحسب المعلومات المتوفّرة عندنا ، فهذه المجموعة بالذات قد تخلّت كثيراً ما عن تطرّفات العقيدة الأُمّ للفرقة ، وتبنّت الفكر الشيعي المعتدل المتمثّل في الحوزات العلمية ومراجع التقليد ، كما يظهر ذلك من سيرتهم ومؤلّفاتهم ، وهذا شيء يستحقّ التقدير إلى حدٍّ ما ، والعلم عند اللّه.

( هند - المغرب - 19 سنة - طالبة ثانوية )

المذاهب الإسلامية الموجودة حالياً :

س : كم مذهب إسلامي موجود الآن؟

ج : إنّ أكثر الفرق والمذاهب الإسلامية انقرضت ، والمشهور من الباقي منها الآن ، هي :

1 - المذاهب الإسلامية الأربعة : المذهب الحنفي ، والمالكي ، والشافعي ، والحنبلي ، وهم أتباع أبي الحسن الأشعري في أُصول العقيدة.

2 - الأباضية ، وهي إحدى فرق الخوارج.

3 - الزيدية ، وهي إحدى فرق الشيعة.

4 - الإسماعيلية ، وهي إحدى فرق الشيعة.

ولكُلّ واحدة من هذه الفرق الثلاث منهجها وفقهها الخاصّ بها.

5 - الشيعة الإمامية الاثنا عشرية ، وهم أتباع الأئمّة المعصومين عليهم السلام من آل بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في الأُصول والفروع.

ص: 526

والسبب في تعدّد المذاهب الإسلامية هو اختلافهم من ناحية أُصول العقيدة - كاختلافهم في صفات اللّه ، وفي عدله ، وفي القضاء والقدر ، والجبر والاختيار ، والإمامة ، والعصمة ، وغيرها - ومن ناحية مناهج استنباط الأحكام الشرعية في استعمال الرأي والقياس ، والاستحسان ، والمصالح المرسلة ، وسنّة الصحابي ، وسنّة أهل البيت عليهم السلام وغيرها.

( بريطانيا - سنّي - 25 سنة )

العلويون :

س : ما هي العلوية؟ وما هي الشيعة؟ وما هي أوجه الاختلاف والتشابه بينهما؟

ج : إنّ الشيعة الاثني عشرية تطلق على المذهب الجعفري ، الذي يعتقد بإمامة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام - كخليفة ووصيّ للنبيّ صلى اللّه عليه وآله - ومن بعده الأئمّة المعصومين الإحدي عشر عليهم السلام.

نعم ، هناك فرق من الشيعة - كالزيدية والإسماعيلية - تتقلّص عدد الأئمّة عليهم السلام عندهم إلى أربعة أو ستّة ، ولكن هؤلاء لم يعدّوا من المذهب الجعفري الاثني عشري.

وأمّا العلوية ، فحسب المعلومات المتوفّرة عنهم ، فإنّهم شيعة إمامية جعفرية ، يعتقدون بالأئمّة المعصومين الاثني عشر عليهم السلام.

نعم ، كُلّ ما هناك أنّهم انعزلوا في طول التاريخ عن المجتمعات الشيعية ، بسبب مطاردتهم من قبل حكّام الجور ، والسلطات الظالمة بين حين وآخر هنا وهناك ، ممّا أدّى إلى ظهور التخلّف الديني نوعاً ما في بعض طبقات العوام منهم ، وهذا أصبح سبباً قويّاً في رميهم بالتهم ؛ وإلاّ فهم شيعة جعفريّون ، يعتقدون ما تعتقده الشيعة الاثنا عشرية في العقائد والأحكام ، من الأُصول

ص: 527

والفروع ، وهذا ممّا تشهد له آثارهم المكتوبة ، وشهادة علماء الحوزات العلمية الشيعية ، وسيرة علمائهم في كافّة مجالات العلم والعمل.

وعليه ، فإذا سُمع عنهم شيء لا يتّفق مع الخطّ العام للثقافة الشيعية ، فهو إمّا موضوع ومختلق ، وإمّا هو صادر عن بعض العوام منهم ، فلا دلالة له على التزامات مذهبهم.

بقي علينا أن نذكر : بأنّ العلويين أبناء عشائر وقبائل خاصّة تلتزم بالمذهب الشيعي ، فالمذهب الشيعي هو الإطار العام للعلويين ، وغيرهم من أبناء المذهب ، وبناءً عليه فكُلّ علوي شيعي ، ولكن ليس كُلّ شيعي يجب أن يكون من العلويين ، فهم امتداد عرقي يعتقدون بالتشيّع من الأوّل حتّى الآن.

( علي - المغرب - 22 سنة - ليسانس )

نقطة الخلاف بين الشيعة وبقية المذاهب :

س : ما هي مواطن الاختلاف بين المذهب الجعفري وباقي المذاهب الشيعية ، خصوصاً الزيدية والإسماعيلية؟ ولماذا هذا الاختلاف مادام أنّ الأئمّة محدّدون بمقتضى نصوص الرسول الأعظم.

ج : إنّ المذهب الإمامي الاثني عشري ، يلتزم في أساسه بإمامة الأئمّة الاثني عشر المعصومين عليهم السلام ، وهذا هو نقطة الخلاف بينه وبين باقي المذاهب الشيعية ، فمثلاً الزيدية تشترك معنا في الاعتقاد بأربعة من أئمّتنا فقط ، في حين أنّ الإسماعيلية توافقنا في ستّة منهم.

وأمّا دليل عدم قبول هذه المذاهب جميع أئمّتنا مع ورود النصّ النبوي ، ونصوص الأئمّة عليهم السلام ، فإنّه يرجع إلى عدم رضوخهم للحقّ ، شأنهم في ذلك شأن أهل السنّة في عدم انصياعهم للأوامر والوصايا المتواترة والمستفيضة في إمامة وخلافة أمير المؤمنين عليه السلام ، وأولاده المعصومين عليهم السلام.

ص: 528

( هادي - لبنان - .... )

الفرق بين الاخباريين والأُصوليين :

س : جناب الإخوة الأعزاء أدامكم المولى ، أُودّ أن أزعجكم بهذا السؤال : من هم الاخباريون؟ وما العلاقة بينهم وبين الأُصولية؟

ج : إنّ اصطلاح الاخباريين يطلق على جماعةٍ من علماء الشيعة ، كانوا يرون طريق الاجتهاد المألوف عند الأُصوليين مغلقاً ، ويجب العمل فقط مطابقاً للنصوص الروائية الموجودة ، وعلى الأخصّ الكتب الأربعة ، من حيث أنّها صحيحة السند بأكملها ، ويتفرّع على هذا المبنى حكمهم بالاحتياط في الشبهات الحكمية التحريمية ، كشرب التبغ وغيره.

نعم ، الاختلاف بين الأُصوليين والإخباريين اختلاف في المباني الفقهية والأُصولية ، وليس اختلافاً في أُصول مباني المذهب.

( علاء علاونة - .... - .... )

الحركة البهائية حركة استعمارية :

س : الرجاء تزويدي بأيّ معلومات تخصّ الحركة البهائية ، ومعتقداتهم وطقوسهم ، وأيّ شيء يخصّ هذه الحركة ، وفّقكم اللّه.

ج : إنّ الحركة البهائية وقسيمها الأزلية وأصلهما البابية ، حركة استعمارية لا علاقة لها بالأديان السماوية ، ومنشؤها فكرة عشوائية صدرت من الخبط الحادث في عقل شخص يدعى سيّد علي محمّد - الذي سُمّي فيما بعد ب- « باب » - من تلامذة السيّد كاظم الرشتي نزيل كربلاء ، وقطب الشيخية آنذاك ، فاستغلّها الاستعمار الروسي أوّلاً ، والبريطاني ثانياً لتحقّق مآربها ، فألقوها في أحضان الصهيونية بالمآل ، وهذا ممّا يشهد التاريخ به.

ثم إنّ هذه الحركة تشعّبت بعد الباب إلى فرقتين رئيسيّتين : البهائية والأزلية - تسميةً لألقاب مزعومة لدى قطبيها : بهاء اللّه وصبح أزل - وبما أنّ البهائية

ص: 529

تحالفت مع الاستعمار البريطاني ، وأبدت استعدادها في العمالة والتجسّس أكثر من الأزلية ، تبنّاها البريطانيون وبعدهم الأمريكان والصهاينة ، ولم يبق ذكر من الأزلية إلاّ القليل في جزيرة قبرص ، وعلى العكس تماماً انتشرت البهائية بدعم من الاستعمار ، حتّى أنّها حازت على إجازة تأسيس مركز رئيسي لها في حيفا في فلسطين ، بإذن من سلطات الاحتلال البريطاني في وقته.

وأمّا العقائد والأحكام عندهم ، فهي تختلف باختلاف أذواق ولاتهم ، فمثلاً أنّ « بهاء » قد نسخ جملة من أحكام « باب » للتسهيل.

وعلى الجملة ، لا نجد أثراً استدلالياً لهم في العقائد ، وأمّا في الأحكام فقد أخذوا فيها شطراً من الأديان السماوية ، وخلطوها بآرائهم ريثما يظهروها على البسطاء ، بأنّها من جعل السماء!!

وأمّا كتبهم المقدّسة فهي في الواقع كتابات شخصية ، لم يوجد فيها أيّ جهة إعجاز ، أو إشارة بأنّها متلقّاة من الوحي ، وهي مشحونة بالأغلاط الأدبية والعلمية - كما يراها ذوو الاختصاص -.

وبالجملة : فهذه الحركة حركة مفتعلة ، لا نصيب لها من الواقع ، ولا تستحقّ الخوض في التحقيق عنها بأكثر من هذا.

( محمّد إبراهيم الإبراهيم - الكويت - .... )

الدولة الفاطمية كانت إسماعيلية :

س : عندي عدّة أسئلة عن الدولة الفاطمية ، وهي :

1 - هل الدولة الفاطمية شرعية؟

2 - هل فعلاً وقع العلويين عن نسب المهدي؟

هذا النصّ : ولم يستطع الخليفة العباسي المقتدر باللّه أن يدفع قيامها ، وكُلّ ما فعله أنّه أصدر منشوراً بالطعن في نسب المهدي ، وقّعه وجهاء الهاشميين بما فيهم العلويون؟

ص: 530

3 - هل كانت الدولة الفاطمية تنشر علوم أهل البيت أم لا؟ ولماذا يحاربونها السنّة؟

4 - هل فعلاً استعانت الدولة الفاطمية باليهود؟ ونسألكم الدعاء.

ج : إنّ الدولة الفاطمية كانت على المذهب الإسماعيلي ، والمذهب الإسماعيلي له خلافات جذرية مع الإمامية ، وإن كانت لها بعض المشتركات مع الإمامية.

والخليفة العباسي - كما ورد في التاريخ وثبت عند المحقّقين - عمل عريضة طويلة في القدح بنسب الفاطميين ، أجبر العلماء على التوقيع فيها ، وأكّد على علماء الإمامية بما فيهم الأشراف والسادة منهم ، وأجبرهم على التوقيع ، وهدّد مَن لم يوقّع في هذه العريضة ، ومع هذا فإنّ الشيخ المفيد قدس سره لم يرد اسمه فيمن وقّع ، وكذلك الكثير من زعماء الإمامية ممّن امتنع من التوقيع.

والدولة الفاطمية وإن كانت إسماعيلية ، إلاّ أنّ لها مشتركات مع الإمامية ، لذا ما قامت به من نشر أحاديث أهل البيت عليهم السلام ينصبّ نفعه على الإمامية أيضاً ، ولم يثبت عن الدولة الفاطمية أنّها استعانت باليهود ، وإنّما هي افتراءات وجّهها النواصب إليهم للطعن بهم.

وفي الختام : نودّ أن ننبّه على أنّ ما ذكره التاريخ والمؤرّخون عن الدولة الفاطمية الكثير منه غير صحيح ، وإنّما هي أكاذيب افتعلتها الأيدي الأثيمة للطعن بالدولة الفاطمية ، وإن كنّا لا ننزّه الدولة الفاطمية أيضاً من بعض الانحرافات.

( أياد - السعودية - .... )

عقائد الدروز :

س : هل تعتبر الطائفة الدرزية من الطوائف الإسلامية؟ وما هي عقائدهم؟

ص: 531

ج : اختلفت الآراء والأبحاث حول الطائفة الدرزية ، ننقل لكم بعض الآراء حول عقائدهم :

1 - ما ورد في دائرة المعارف البستانية : « وإيمان الدروز أنّ اللّه واحد أحد ، لا بداءة له ولا نهاية ، وأنّ النفوس مخلّدة تتقمّص بالأجساد البشرية - التناسخ - ولابدّ لها من ثواب وعقاب يوم المعاد بحسب أفعالها ... ، وعندهم للوصية نفوذ تام ، فإنّ الإنسان مختار أنّ يوصي قبل موته بأملاكه لمن يشاء ، قريباً كان أم غريباً ... » (1).

2 - ما ورد في دائرة المعارف المصرية : « من معتقداتهم أنّ الحاكم بأمر اللّه هو اللّه نفسه ، وقد ظهر على الأرض عشر مرّات ... ، ويعتقدون أنّ إبليس ظهر في جسم آدم ، ثمّ نوح ثمّ إبراهيم ثمّ موسى ثمّ عيسى ثمّ محمّد ... ، ويعتقدون بأنّ عدد الأرواح محدود ، فالروح التي تخرج من جسد الميت تعود إلى الدنيا في جسد طفل جديد ... ، ويعتقدون بالإنجيل ، فيختارون منها ما يستطيعون تأويله ، ويتركون ما عداه ... ، ويعتقدون أنّ الحاكم بأمر اللّه تجلّى لهم في أوّل سنة 408 ه- ، فأسقط عنهم التكاليف من صلاة وصيام ، وزكاة وحجّ وجهاد ، وولاية وشهادة ... ».

3 - ما ورد في دائرة المعارف الإسلامية : « وقد قام مذهب الإسماعيلية على فكرة أنّ اللّه قد تجسّد في الإنسان في جميع الأزمان ، وهم يتصوّرون أنّ اللّه ذاته أو على الأقلّ القوّة الخالقة ، تتكوّن من مبادئ متكثّرة ، يصدر الواحد منها عن الآخر ، ويتجسّد كُلّ مبدأ من هذه المبادئ في الإنسان ، وقد احتفظت العقيدة الدرزية بهذا المذهب.

فالخليفة الحاكم - وفقاً لهذه العقيدة - يمثّل اللّه في وحدانيته ... ، ومعرفة ذات اللّه وصفاته وتجلياته في سلسلة المبادئ المتجسّدة في الأئمّة هي عقائد هذا المذهب ... » (2).

ص: 532


1- دائرة المعارف 7 / 675.
2- دائرة المعارف الإسلامية 9 / 217.

4 - ما ورد في موسوعة الأديان في العالم : « كان الموحّدون الدروز منذ نشأة مذهبهم في مطلع القرن الخامس للهجرة محترسين في كتمانه ، مشيحين عن إعلانه ، صيانة لأنفسهم من الاضطهاد ، ووقاية لها من العدوان في ذلك الزمان ، هذه الفرقة المتفرّعة من الشيعة ، كانت عرضة لنقمة الشيعة والسنّة على السواء ... »(1).

عقيدة التجلّي الإلهي في الدرزية ، هي أجلّ العقائد وأشرفها ...(2).

إنّ موقف الدروز المعاصرين من الإسلام والمسلمين لمثير للدهشة والغرابة ، فالكتب الدرزية المعاصرة مشحونة بالمغالطات حول هذا الموضوع ، إنّ الدروز لا يفتأون يعلنون انتماءهم إلى الإسلام ويفاخرون بذلك ، وفي ثنايا الكتب الدرزية المعاصرة محاولات كثيرة لتبرئة الدروز من تهمة المروق عن الإسلام ، وذلك تبعاً لمبدأ التقية(3).

5 - ما ورد في كتاب « الموحدّون الدروز في الإسلام » لمؤلّفه الشيخ مرسل نصر ، رئيس المحكمة الاستئنافية الدرزية العليا في لبنان : « إنّ الموحّدين الدروز انطلاقاً من إيمانهم بالإسلام ديناً ، وبمحمّد صلى اللّه عليه وآله رسولاً ، يشهدون أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله ، ويقرّون بوجوب الصلاة والصيام ، والزكاة والحجّ ، والجهاد والولاية » (4).

وبعد يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم السؤال الآتي : ما هي الفوارق بين مذهب التوحيد وبقية المذاهب الإسلامية؟ فالجواب : على ذلك أن ثمّة فوارق عدّة ، وهي :

1 - اعتماد الزوجة الواحدة.

ص: 533


1- موسوعة الأديان في العالم / الدروز الموحدون : 29.
2- المصدر السابق : 33.
3- المصدر السابق : 134.
4- الموحدون الدروز : 33.

2 - عدم إعادة المطلّقة.

3 - حرية الإيصاء.

4 - التقمّص اجتهاداً(1).

هذه بعض الأقوال عن الطائفة الدرزية من المؤيّدين والنافين ، واللّه العالم بحقائق الأُمور.

( خالد - الجزائر - 27 سنة - التاسعة أساسي )

تعقيب على الجواب السابق :

لديّ تعليق بسيط حول الطائفة الدرزية إذا سمحتم :

يقول العلاّمة الشيخ محمّد جواد مغنية قدس سره في كتابه نفحات محمّدية : « وسُئلت أكثر من مرّة : هل الدروز مسلمين؟ وكان جوابي : أنّ أهل الإسلام هم القوم الذين يدينون به ، أي إسلام القرآن وسنّة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وهم الذين يحجّون إلى الكعبة ، ويزورون الروضة المحمّدية ، ويصلّون إلى القبلة ، ويعلنون من على المآذن الشهادة لله بالوحدانية ، ولمحمّد بالرسالة ، ويصومون رمضان ، ويأتون الزكاة ، ويدرسون القرآن والسنّة النبوية ....

والدروز لا يلتزمون بشعائر الإسلام ، التي أشرنا إليها كما يفعل السنّة والشيعة ، ولا يعلنون ما يدينون ، نقول هذا مع الاحترام لعقيدتهم الدينية ، ولغيرتهم الإنسانية ، وأخلاقهم العالية ، ومع الاعتراف بشهامتهم وشجاعتهم » (2).

وأظن أنّ الشيخ قدس سره أعلم بعقيدة الدروز ، نظراً لتواجدهم بكثرة في لبنان ، والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.

ص: 534


1- المصدر السابق : 51.
2- نفحات محمّدية : 123.

( زهير - ... - ..... )

عقائد الأشاعرة :

س : من هم الأشاعرة؟ وما هي أهمّ عقائدهم في الاختلاف مع الأُمّة الإسلامية؟

ج : هم أصحاب أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري البصري ، ومن عقائدهم : أنّ صفات الباري تعالى - كعلمه وحكمته وقدرته وحياته - هي أشياء زائدة على ذاته سبحانه ، وهي أيضاً قديمة ، كذاته جلّ وعلا ، فحينئذٍ يلزم تعدّد القديم ، وهو شرك ، وهذا الشرك يسمّى شرك الصفات.

وإنّ أبا الحسن الأشعري كان تلميذاً لأبي علي الجبّائي من شيوخ المعتزلة ، ثمّ أعرض عنه ، وانحاز إلى الكلابية - أصحاب عبد اللّه بن سعيد الكلابي - وأختار مذهبه في إثبات الصفات ، وإثبات القدر خيره وشرّه من اللّه تعالى ، وأبطل القول بتحسين العقل وتقبيحه ، لأنّ العقل لا يوجب المعارف بل السمع ، وأنّ المعارف تحصل بالعقل وتجب بالسمع ، ولا يجب على اللّه شيء بالعقل ، والنبوّات من الجائزات العقلية والواجبات السمعية ، وأكثر أهل السنّة اليوم على هذا المذهب.

والأشاعرة يكفّرون المعتزلة ، والمعتزلة يكفّرون الأشاعرة ، لقول النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « القدرية مجوس هذه الأُمّة » (1) ، فالمعتزلة يقولون : القدرية هم الأشاعرة ، والأشاعرة يقولون : القدرية هم المعتزلة.

( علي الشهراني - البحرين - 23 سنة - طالب )

تقسيم العلماء إلى إخباريين وأُصوليين لا يثير الفتنة :

س : تقولون : إنّ نعمة اللّه الجزائري ، والسيّد هاشم البحراني ، والشيخ النوري كلّهم إخباريون وليسوا أُصوليين ، ما الذي تقصدون؟ هل هم على

ص: 535


1- سنن أبي داود 2 / 410 ، المستدرك 1 / 85 ، السنن الكبرى للبيهقي 10 / 203 ، كتاب السنّة : 149.

خطأ؟ لماذا تثيرون الفتنة والحسّاسية : هذا إخباري وهذا أُصولي؟ أنا لا أعتقد من المراجع يقبل هذا.

ج : العلماء سواء كانوا من الإخباريين أو الأُصوليين فكُلّهم من علماء الطائفة الحقّة ، نحترمهم وهم قدوتنا ، رضوان اللّه عليهم ، حتّى أنّ مدير مركز الأبحاث العقائدية سماحة الشيخ فارس الحسون ( رحمه اللّه ) ألّف كتاباً مختصّاً بحياة السيّد هاشم البحراني ، وهو كتاب قيّم فيه دراسة معمّقة عن هذا العالم الجليل.

ولكن الأمر اختلط عليكم ، وذلك لعدم معرفتكم بمباني الطرفين ، إذ الإخباريون يقولون بصحّة كُلّ الكتب الأربعة وغيرها من كتب الحديث لقدامى الأصحاب ، بينما الأُصوليون لا يقولون بهذا ، ويجرون قواعد الجرح والتعديل عل كُلّ الأحاديث.

وبما أنّ المشهور من العلماء هم الأُصوليون ، فما يحتجّ به علينا من روايات نناقش سندها ، ولا نقول بقول الإخباريين بأن كُلّ أحاديث الكتب الأربعة صحيحة.

( علي الشهراني - البحرين - 23 سنة - طالب )

تعقيب على الجواب السابق :

لعلّكم متفهّمين وضعي ، كما تعرفون كُلّ الفقهاء في البحرين إخباريين ، وآخرهم الشيخ محمّد أمين زين الدين قدس سره ، كما نحترمهم نحن في البحرين ، كما نحترم الأُصوليين ، إلاّ أنّ هناك اختلاف كما أشرتم ، وهذا بين الفقهاء ، هم يحدّدون هذه الرواية صح أم خطأ كما قلتم.

أرجو السماح على تعبيري إن كان حادّاً ، أنا أحترمكم وأثق بكم بكُلّ ما تقولون ، ولكن كما يفهم منكم هناك تهجّم على الإخباريين.

ص: 536

( هشام محمود - مصر - .... )

طرق الصوفية ممتزجة بين الحقّ والباطل :

س : الإخوة الأفاضل : ما هو قولكم في طرق الصوفية : مثل العزمية والخليلية و... ، وكُلّ منهم يقول أنّه إمام العصر؟ أرجو الردّ ، وجزاكم اللّه خيراً.

ج : إنّ أكثر طرق الصوفية هي من اختراعات البشر ، ولم يرد في الشرع ما ينصّ على هذه الطرق ، فهي طرق ممتزجة بين الحقّ والباطل ، بين الأذكار الحقّة وبين الإتيان بها بطريقة ما أنزل اللّه بها من سلطان ، وعليه فإنّ علينا البحث فيها ، فما وافق النصّ منها يؤخذ به ، وما خالف النصّ والدليل يترك.

( هداية - السعودية - .... )

الفوارق والمشتركات بين الشيعة والمعتزلة :

س : ما هي الفوارق والمشتركات الكلامية بين الشيعة والمعتزلة؟

ج : لا يخفى عليكم أنّ الفروق والمشتركات بين الشيعة والمعتزلة كثيرة ، وقد ذكر الشيخ المفيد قدس سره في كتابه « أوائل المقالات » تلك الفروقات الكلامية ، ونحن نذكر بعضها للاختصار ، وهي :

1 - القول بالإمامة :

اتفق أهل الإمامة على أنّه لابدّ في كُلّ زمان من إمام موجود ، يحتجّ اللّه عزّ وجلّ به على عباده المكلّفين ، ويكون بوجوده تمام المصلحة في الدين ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.

واتفقت الإمامية على أنّ إمام الدين لا يكون إلاّ معصوماً من الخلاف لله تعالى ، عالماً بجميع علوم الدين ، كاملاً في الفضل ، بايناً من الكُلّ بالفضل عليهم في الأعمال التي يستحقّ بها النعيم المقيم ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.

واتفقت الإمامية على أنّ الإمامة لا تثبت مع عدم المعجز لصاحبها ، إلاّ بالنصّ على عينه والتوقيف ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.

ص: 537

واتفقت الإمامية على أنّ الإمامة بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله في بني هاشم خاصّة ، ثمّ في علي والحسن والحسين عليهم السلام ، ومن بعد في ولد الحسين عليهم السلام دون ولد الحسن إلى آخر العالم ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.

واتفقت الإمامية على أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله استخلف أمير المؤمنين عليه السلام في حياته ، ونصّ عليه بالإمامة بعد وفاته ، وأنّ من دفع ذلك فقد دفع فرضاً من الدين ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.

واتفقت الإمامية على أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله نص على إمامة الحسن والحسين بعد أمير المؤمنين عليه السلام ، وأنّ أمير المؤمنين أيضاً نص عليهما كما نص الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.

واتفقت الإمامية على أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله نصّ على علي بن الحسين عليه السلام ، وأنّ أباه وجدّه نصّاً عليه كما نصّ عليه الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وأنّه كان بذلك إماماً للمؤمنين ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك(1).

2 - القول في محاربي أمير المؤمنين عليه السلام :

واتفقت الإمامية ... على أنّ الناكثين والقاسطين من أهل البصرة والشام أجمعين كفّار ضلال ، ملعونون بحربهم أمير المؤمنين عليه السلام ، وأنّهم بذلك في النار مخلّدون ، وأجمعت المعتزلة سوى الغزّال منهم وابن باب ... ، على خلاف ذلك.

واتفقت الإمامية ... على أنّ الخوارج على أمير المؤمنين عليه السلام المارقين عن الدين ، كفّار بخروجهم عليه ، وأنّهم في النار بذلك مخلّدون ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك(2).

ص: 538


1- أوائل المقالات : 29.
2- المصدر السابق : 42.

3 - القول في أنّ العقل لا ينفكّ عن سمع ، وأنّ التكليف لا يصحّ إلاّ بالرسل عليهم السلام :

واتفقت الإمامية على أنّ العقل محتاج في علمه ونتائجه إلى السمع ، وأنّه غير منفكّ عن سمع ينبّه العاقل على كيفية الاستدلال ، وأنّه لابدّ في أوّل التكليف وابتدائه في العالم من رسول ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.

4 - القول في الفرق بين الرسل والأنبياء عليهم السلام :

واتفقت الإمامية على أنّ كُلّ رسول فهو نبيّ ، وليس كُلّ نبيّ فهو رسول ، وقد كان من أنبياء اللّه عزّ وجلّ حفظة لشرائع الرسل وخلفائهم في المقام ... ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.

5 - القول في آباء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأُمّه وعمّه أبي طالب عليه السلام.

واتفقت الإمامية على أنّ آباء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله من لدن آدم إلى عبد اللّه بن عبد المطلب مؤمنون باللّه عزّ وجلّ موحّدون له ....

وأجمعوا على أنّ عمّه أبا طالب رض اللّه عنه مات مؤمناً ، وأنّ آمنة بنت وهب كانت على التوحيد ، وأنّها تحشر في جملة المؤمنين ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.

6 - القول في الرجعة والبداء وتأليف القرآن :

واتفقت الإمامية على وجوب رجعة كثير من الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة ، وإنّ كان بينهم في معنى الرجعة اختلاف.

واتفقوا على إطلاق لفظ « البداء » في وصف اللّه تعالى ، وأنّ ذلك من جهة السمع دون القياس.

واتفقوا على أنّ أئمّة الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن ، وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنّة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.

7 - القول في الوعيد :

واتفقت الإمامية على أنّ الوعيد بالخلود في النار متوجّه إلى الكفّار خاصّة ، دون مرتكبي الذنوب من أهل المعرفة باللّه تعالى ، والإقرار بفرائضه من أهل الصلاة ... ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.

ص: 539

واتفقت الإمامية على أنّ من عذّب بذنبه من أهل الإقرار والمعرفة والصلاة ، لم يخلّد في العذاب ، وأخرج من النار إلى الجنّة ، فينعم فيها على الدوام ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.

8 - القول في الشفاعة :

واتفقت الإمامية على أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يشفع يوم القيامة ، لجماعة من مرتكبي الكبائر من أُمّته ، وأنّ أمير المؤمنين عليه السلام يشفع في أصحاب الذنوب من شيعته ، وأنّ أئمّة آل محمّد عليهم السلام يشفعون كذلك ، وينجي اللّه بشفاعتهم كثيراً من الخاطئين ... وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.

9 - القول في الأسماء والأحكام :

واتفقت الإمامية على أنّ مرتكب الكبائر من أهل المعرفة والإقرار لا يخرج بذلك عن الإسلام ، وأنّه مسلم ، وإن كان فاسقاً بما فعله من الكبائر والآثام ... وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.

10 - القول في الإسلام والإيمان :

واتفقت الإمامية على أنّ الإسلام غير الإيمان ، وأنّ كُلّ مؤمن فهو مسلم ، وليس كُلّ مسلم مؤمناً ، وأنّ الفرق بين هذين المعنيين في الدين كما كان في اللسان ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.

11 - القول في التوبة وقبولها :

واتفقت الإمامية على أنّ قبول التوبة تفضّل من اللّه عزّ وجلّ ، وليس بواجب في العقول إسقاطها ... وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.

12 - القول في أصحاب البدع ، وما يستحقّون عليه من الأسماء والأحكام :

واتفقت الإمامية على أنّ أصحاب البدع كُلّهم كفّار ، وأنّ على الإمام أن يستتيبهم عند التمكّن بعد الدعوة لهم ، وإقامة البينات عليهم ، فإنّ تابوا عن بدعهم وصاروا إلى الصواب ، وإلاّ قتلهم لردّتهم عن الإيمان ، وأن من مات منهم على تلك البدعة فهو من أهل النار ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.

ص: 540

13 - القول في المفاضلة بين الأنبياء والملائكة عليهم السلام :

واتفقت الإمامية على أنّ أنبياء اللّه عزّ وجلّ ورسله من البشر أفضل من الملائكة ، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك.

وأمّا المشتركات بين الشيعة والمعتزلة ، فمنها :

1 - القول في التوحيد :

إنّ اللّه عزّ وجلّ واحد في الإلهية والأزلية لا يشبهه شيء ، ولا يجوز أن يماثله شيء ، وأنّه فرد في المعبودية لا ثاني له فيها على الوجوه كُلّها والأسباب ... ، واتفقت المعتزلة البغداديون والبصريون معنا في هذا القول.

2 - القول في الصفات :

إنّ اللّه عزّ وجلّ حيّ لنفسه لا بحياة ، وأنّه قادر لنفسه وعالم لنفسه ... ، وإنّ كلام اللّه تعالى محدث ... ، وإنّ القرآن كلام اللّه ووحيه ، وأنّه محدث كما وصفه اللّه تعالى ، وامنع من إطلاق القول عليه بأنّه مخلوق ... ، وإنّ اللّه تعالى مريد من جهة السمع والاتباع والتسليم ... ، وإنّ إرادة اللّه تعالى لأفعاله هي نفس أفعاله ، وإرادته لأفعال خلقه أمره بالأفعال ... ، وإنّه لا يجوز تسمية الباري تعالى إلاّ بما سمّى به نفسه في كتابه ، أو على لسان نبيّه صلى اللّه عليه وآله ، أو سمّاه به حججه عليهم السلام من خلفاء نبيّه ، واتفقت المعتزلة البغداديون معنا في هذا القول.

3 - القول في وصف الباري تعالى بأنّه سميع بصير وراء ومدرك :

إنّ استحقاق القديم سبحانه لهذه الصفات كُلّها من جهة السمع دون القياس ودلائل العقول ، وإنّ المعنى في جميعها العلم خاصّة ، دون ما زاد عليه في المعنى ، إذ ما زاد عليه في معقولنا ومعنى لغتنا هو الحسّ ، وذلك ممّا يستحيل على القديم ... ، واتفقت المعتزلة البغداديون معنا في هذا القول.

4 - القول في وصف الباري تعالى بالقدرة على العدل وخلافه ، وما علم كونه وما علم أنّه لا يكون :

ص: 541

إنّ اللّه عزّ وجلّ قادر على خلاف العدل ، كما أنّه قادر على العدل ، إلاّ أنّه لا يفعل جوراً ولا ظلماً ولا قبيحاً ... ، وإنّه سبحانه قادر على ما علم أنّه لا يكون ، ممّا لا يستحيل كاجتماع الأضداد ونحو ذلك من المحال ... ، واتفقت المعتزلة البغداديون والبصريون معنا في هذا القول.

5 - القول في نفي الرؤية على اللّه تعالى بالأبصار :

إنّه لا يصحّ رؤية الباري سبحانه بالأبصار ... ، واتفقت المعتزلة البغداديون والبصريون معنا في هذا القول.

6 - القول في العدل والخلق :

إنّ اللّه عزّ وجلّ عدل كريم ، خلق الخلق لعبادته ، وأمرهم بطاعته ، ونهاهم عن معصيته ، وعمّهم بهدايته ، بدأهم بالنعم ، وتفضّل عليهم بالإحسان ، لم يكلّف أحداً إلاّ دون الطاقة ، ولم يأمره إلاّ بما جعل له عليه الاستطاعة ... ، واتفقت المعتزلة البغداديون والبصريون معنا في هذا القول.

7 - القول في كراهة إطلاق لفظ « خالق » على أحد من العباد :

إنّ الخلق يفعلون ويحدثون ويخترعون ، ويصنعون ويكتسبون ، ولا أطلق القول عليهم بأنّهم يخلقون ، ولا أقول أنّهم خالقون ، ولا أتعدى ذكر ذلك فيما ذكر اللّه تعالى ، ولا أتجاوز به مواضعه من القرآن ، واتفقت المعتزلة البغداديون معنا في هذا القول.

8 - القول في اللطف والأصلح :

إنّ اللّه تعالى لا يفعل بعباده ماداموا مكلّفين ، إلاّ أصلح الأشياء لهم في دينهم ودنياهم ، وإنّه لا يدّخرهم صلاحاً ولا نفعاً ، وإنّ من أغناه فقد فعل به الأصلح في التدبير ، وكذلك من أفقره ومن أصحه ومن أمرضه فالقول فيه كذلك ، واتفقت المعتزلة البغداديون والبصريون معنا في هذا القول(1).

ص: 542


1- المصدر السابق : 59.

( مصطفى البحراني - عمان - 25 سنة - طالب ثانوية )

الفرق بين الأُصولية والإخبارية والشيخية :

س : هل يوجد اختلاف في العقائد بين الفرق الشيعية الاثني عشرية الإمامية الجعفرية « الأُصولية ، الإخبارية ، الشيخية »؟ وإذا كان هناك اختلاف فما هو؟ وبماذا يستدلّ كُلّ في معتقده إذا كان هناك اختلاف؟

ج : يوجد هناك فروق بين الطرق والمسالك التي ذكرتموها - بعد اتفاقهم على أُسّس المذهب من الإمامية وغيرها - فالأُصولية تعتقد بحجّية الاجتهاد في الرأي داخل نطاق الروايات ، والإخبارية تخالفهم وتسدّ باب الاجتهاد لكي تعمل بروايات الكتب الأربعة ، إذ تراها صحيحة السند بأكملها ، ومن هنا يظهر الفرق بين الفقهين الأُصولي والإخباري ، ففي الشبهة الحكمية التحريمية يتشدّد الإخباري ، ويحكم بالاحتياط ، بينما يرى الأُصولي أنّها مجرى قاعدة البراءة.

وأمّا الشيخية - أتباع الشيخ أحمد الأحسائي - يرون أنّ أُصول الدين تبتني على أربع أُسّس : التوحيد والنبوّة والإمامة والركن الرابع.

وهذا اعتقادهم بالركن الرابع هو الفارق الرئيسي بينهم وبين غيرهم من الطوائف الأُخرى ، فهم يعتقدون بأنّ الإنسان الكامل في كُلّ عصر في زمان الغيبة هو الوسيط بين الحجّة عليه السلام والشيعة ، ومن جهة أُخرى يرون أنّ الغيبة هي بمعنى غياب الإمام عليه السلام من عالمنا اليوم وانتقاله إلى عالم المثال ، وعليه فلا مناص من حجّية رأي الركن الرابع بتمام الكلمة ، فطاعته طاعة الإمام عليه السلام.

وأيضاً لهم كلام في المعاد الجسماني ، فيعتقدون بعدم إعادة هذا الجسم الدنيوي في النشأة الآخرة ، هذا مجمل الاختلاف بين هذه الطوائف ، ولكُلّ منهم دلائل - بين الصحيح والسقيم - لا مجال للبحث والأخذ والردّ فيها بهذه العجالة ، فليراجع في مظانّها.

ص: 543

( علي نزار - الكويت - 23 سنة - طالب كُلّية الدراسات التجارية )

الفرق بين المعتزلة والأشاعرة :

س : أُريد أن أعرف من هم المعتزلة والأشاعرة؟

ج : تنقسم السنّة - في مقابل الشيعة - من جهة الفقه والأحكام إلى مذاهب أربعة ، وهي الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية.

وتنقسم السنّة من جهة العقائد والكلام إلى معتزلة وأشاعرة.

فالمعتزلة : فرقة من فرق السنّة ، ظهرت في أوائل القرن الثاني ، وسلكت منهجاً عقلياً في بحث العقائد الإسلامية ، ومؤسّسها واصل بن عطاء الغزال ، المتوفّى 131 ه.

وقيل : سمّيت بالمعتزلة لأنّ واصل من تلامذة التابعي الحسن البصري اعتزل عن أُستاذه.

ثمّ أنّ المعتزلة قد افترقوا إلى ما يقارب اثنتين وعشرين فرقة ، منها : الواصلية ، النظامية ، الهشامية ، الصالحية ، الجبائية ، الحمارية.

وكُلّ فرق المعتزلة تجمع على أُمور يسمّونها الأُصول الخمسة ، وهي : التوحيد ، العدل ، الوعد والوعيد ، المنزلة بين المنزلتين ، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وأمّا الأشاعرة : فهي فرقة من فرق السنّة ، ظهرت في أواخر القرن الثالث - أو في بدايات القرن الرابع - وسلكت منهجاً نقلياً وعقلياً في بحث العقائد الإسلامية ، ومؤسّسها أبو الحسن الأشعري ، المتوفّى 324 ه.

وكان الأشعري شافعي المذهب ، وكان تلميذاً متحمّساً للجبائي الفقيه المعتزلي ، ثمّ انفصل عن أُستاذه ، وسلك طريقه الخاصّ.

ص: 544

وكانت الحنفية تؤثر رأي الماتردي الذي عاصر الأشعري ، وكان يخالفه في بعض مسائل الفروع ، واستمسك الحنابلة بآراء السلف ، وظلّوا خصوماً لمذهب الأشعري(1).

( حسين قرقور - البحرين - 30 سنة - مهندس معماري )

معنى المرجئة :

س : أرجو منكم التكرّم بشرح موجز عن معنى المرجئة ، وشكراً.

ج : المرجئة لغة : من أرجيت الشيء وأرجأته إذا أنت أخَّرته ، ومنه قول اللّه تعالى : ( تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ ) (2) ، وإنّما سُمّوا بذلك لأنّهم زعموا أنَّ الإيمان قول ، وأرجئوا العمل : أي قدّموا الإيمان على العمل.

أو : هم يعتقدون بأنّه لا يضرّ مع الإيمان معصية ، كما أنّه لا ينفع مع الكفر طاعة.

سُمّوا مرجئة لاعتقادهم أنّ اللّه أرجأ تعذيبهم على المعاصي : أي أخَّره عنهم.

فاصطلاح الإرجاء : إمّا أن يكون مأخوذاً من التأخير ، وإمّا أن يكون مأخوذاً من الرجاء ، أي الأمل.

( جعفر سلمان عبد اللّه - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

الديانة الأحمدية وعقائدها :

س : ما هي الديانة الأحمدية؟

ج : الأحمدية : فرقة تنسب إلى الميرزا غلام أحمد القادياني ، يرجع نسبه إلى تيمور الكوركاني ، كانوا يسيطرون على ولاية كش من بلاد ما وراء النهر ،

ص: 545


1- دائرة المعارف الإسلامية 2 / 219.
2- الأحزاب : 51.

ثمّ هاجروا إلى خراسان ثمّ إلى الهند ، وسكنت منطقة نهر بياس ، وقام عميد الأُسرة بتشييد قرية سمّاها اسلامبول بالقرب من النهر.

ولد غلام أحمد في سنة 1255 ه- - 1839 م ، ودرس العلوم الإسلامية ، وبعد أن أكمل الدراسة الدينية دخل في خدمة الحكومة الإنجليزية ، وعمل في خدمتها إلى سنة 1865 م ، ثمّ اعتزل الخدمة وأختار العزلة في مسقط رأسه قاديان ، وفي سنة 1880 م أصدر كتابه الديني « البراهين الأحمدية » ، وهو في الأربعينيات من عمره.

وعندما ناهز الخمسين بشّر بنفسه ، وزعم أنّه يوحى إليه ، كما أدّعى أنّه مأذون بقبول البيعة ، وفي سنة 1904 م أطلق على نفسه المسيح والمهدي الموعود ، وكان يقول : إنّ المسيح لم يصلب ، وإنّما فرّ من أعدائه ، وسافر إلى الهند ، وأقام في كشمير ، وأنبرى لتعليم الإنجيل ، وعمّر مائة وعشرين سنة ثمّ مات ، ودفن في سري تكر ، ومرقده معروف « يوذاسف ».

توفّي غلام أحمد سنة 1326 ه- - 1908 م ، فانتخب أتباعه شخصاً يدعى مولوي نور الدين ، وبعد فترة انتخبوا نجله الميرزا بشير الدين محمود بصفته خليفة المسيح الثاني ، حكم هذا أربعين سنة ، وأضفى على المذهب أُمور أُخرى جديدة.

أمّا عقائدهم : فهم يفترقون عن المسلمين بثلاثة أُمور :

الأوّل : طبيعة المسيح ؛ فإنّ الأحمدية يؤمنون بأنّ المسيح لم يصلب ، ولكنّه مات في الظاهر فقط ، ودفن في قبر خرج منه بعد ذلك ، وهاجر إلى الهند ، وبالتحديد إلى كشمير ليعلّم الإنجيل ، ويقال : إنّه توفّي هناك بالغاً من العمر مائة وعشرين عاماً ، ودفن في سري تكر.

الثاني : المهدي ؛ حيث يعتقدون أنّ المهدي يتجسّد فيه المسيح والنبيّ في وقت واحد ، والاعتراف به من الإيمان.

ص: 546

الثالث : الجهاد ؛ فإنّ الأحمدية يؤمنون بأنّ الوظيفة الأُولى هي الدعوى إلى الإسلام والجهاد ، يجب أن لا يقوم على امتشاق الحسام ، بل يجب أن يقوم على وسائل سليمة.

يقول غلام أحمد : لا يجب أن يكون الجهاد في عصرنا بالحرب والسيف ، بل يجب أن يكون جهاداً يقوم به أتباع ذلك المذهب لنشر عقائدهم وتوسيعها بسلام وهدوء.

( عباس الشيخي - العراق - 28 سنة - ماجستير فيزياء - شيعي شيخي كرماني )

بحث موضوعي عن الشيخية :

س : من أين لكم هذه الافتراءت على الشيخية الكرمانية ، وما هو دليلكم الشرعي والعقلي على بطلان عقيدتهم ، وشكراً مسبقاً على الإجابة.

ج : سنذكر لكم بحثاً مفصّلاً حول الشيخية وعقائدهم , والذي حاولنا أن نلتزم فيه بالموضوعية الكاملة , ليكون مرجعاً إلى كُلّ من يريد معرفة حقيقة الأمر , فنقول :

الشيخية : فرقة من الشيعة الإمامية ظهرت في أواخر النصف الأوّل من القرن الثالث عشر الهجري - التاسع عشر الميلادي - وسمّيت بذلك نسبة إلى زعيمها الأوّل شيخ أحمد الأحسائي ، المتوفّى 1241 ه- - 1825 م ، وتسمّى بالكشفية أيضاً لما يصرّح به زعيمها من الكشف والإلهام ، أو لأنّ اللّه سبحانه قد كشف غطاء الجهل وعدم البصيرة في الدين عن بصائرهم ، كمّا تسمّى بالركنية أيضاً لقولها بالركن الرابع ، والشيعي الكامل ، واعتباره من أُصول الدين ، كما سيأتي ، وهذه الأفكار التي أدّت إلى حوادث نزعها بينها وبين الشيعة الأُصولية ، الذين أنكروا هذه المسائل.

وهذه المسائل التي طرحها الشيخ أحمد الأحسائي أدّت إلى البعض بتبنّيها ، وبالأخصّ تلميذه المقرّب السيّد كاظم الرشتي ، إذ بعد وفاة الشيخ أحمد عهد

ص: 547

إليه بالخلافة لأُستاذه ، أو بالركنية والمرجعية لأُمور الدين ، واستمر أمر هذه الفرقة متبنّياً لأراء الأحسائي ، وتلميذه السيّد الرشتي إلى أن حصل الافتراق بينهما بعد حسن جوهر ، وهكذا برزت إلى الوجود مدرستان ، مدرسة تبريز والمسمّاة بشيخية تبريز ، ومشيخة كرمان ، ووقع نازع بينهما.

وزعيم الشيخية التبريزية الآن عبد اللّه عبد الرسول الإحقاقي وموطنه الكويت ، وزعيم الشيخية الكرمانية الآن عبد الرضا خان الإبراهيمي ، وموطنه كرمان ، ولهم مركز واسع في العراق في البصرة ، وأكثرهم في منطقة التنّومة ، والمدينة ، وينوب عن الزعيم الخان السيّد علي الموسوي.

وقد بثّت هذه الطائفة بعض الآراء والأفكار التي أدّت إلى حدوث النزاع بينهم وبين الطرف الآخر ، وقد ذكروا عدّة فروق بينهم وبين الشيعة الأُصولية ، تزيد على ثلاثين فرقاً ، إلاّ أنّها في الحقيقة مسائل جزئية لا يمكن جعلها من الخصائص المكوّنة للفرقة الشيخية ، وأهمّ المسائل التي طُرحت ، وهي محلّ الخلاف بين الطرفين هي أربع : المعاد الجسماني ، والغلوّ والتفويض ، والمعراج ، والركن الرابع ، فإنّ هذه المسائل هي أهمّ نقاط الخلاف بين الشيخية وغيرهم.

وقد أدّت الأفكار التي طرحتها الشيخية إلى حصول نزاع شديد بينهم وبين خصومهم ، واتخاذ بعض المواقف من قبل ما تبنّونه من آراء وأفكار ، وعموماً فإنّ من يرجع إلى أفكار التي طرحها الجانبان الكرمانية والتبريزية يجدها تحتوي على أُمور غريبة ، لا تمتّ إلى الدين بصلة ؛ حيث جعلوا الفروع من الأُصول ، بل وأضافوا إلى الأُصول أشياء لم يقم عليها دليل قرآني أو روائي ، كمسألة الركن الرابع ، والتي جعلوها من أُصول الدين ، ومن لم يؤمن بها أو لم يعرفها ، فهو لم يعرف التوحيد ولا النبوّة ولا الإمامة.

وسندرس هذه النقاط الأربعة تباعاً ، ونطرح ما يؤمن به الشيخية فيها ، ثمّ التعقيب عليها بما أمكن.

ص: 548

النقطة الأُولى : المعاد الجسماني : يعتقد الشيعة الإمامية كما يعتقد سائر المسلمين أنّ اللّه عزّ وجلّ يعيد الخلائق ويحييهم بعد موتهم يوم القيامة للحساب والجزاء ، وأنّ المعاد هو الشخص بعينه وجسده وروحه لو رآه الرائي لقال : هذا فلان ، فهم ممّن يقول بإتيان المعادين الجسماني والروحاني.

لكن الشيخية قالوا : إنّ الجسم جسمان ، والجسد جسدان : جسد عنصري دنيوي ، وهو مخلوق من عناصر هذه الدنيا التي تحت فلك القمر ، وهذه تفنى ويلحق كُلّ شيء إلى أصله ويعود إليه ، فيعود ماؤه إلى الماء ، وهواؤه إلى الهواء ، وناره إلى النار ، وترابه إلى التراب ، ولا يرجع ولا يعود ; لأنّه كالثوب يلقى من الشخص.

والثاني : جسد أصلي من عناصر « هورقليا » ، وهو كامن في هذا المحسوس ، وهو مركّب من الروح فيقوم للحساب ، وهو الجسد الذي يتألّم ويتنعّم ، وهو الباقي وبه يدخل الجنّة والنار.

وهكذا تلميذه كاظم الرشتي كما ذكر ذلك في كتابه « دليل المتحرين : 79 » ، والشيخ حسن جوهر في كتابه « المخازن : 123 ».

فالشيخ الأحسائي وتلامذته من بعده ومن اتبعهم يؤمنون بأنّ هذا الجسد لا يرجع في الآخرة ، وإنّما هناك مادّة « هورقليا » هي التي تعاد يوم القيامة ، وهي التي تنعم بعد الموت ، فقال يتأكّل حتّى لا يبقى منه إلاّ الطينة ، فقد فسّرها الأحسائي ب- « الهورقليا » إلى المادّة الأصلية الباقية التي لا تُفنى.

وهذا الكلام خلاف ما عليه الشيعة الإمامية الأُصولية ، وكذلك فلاسفتهم ومتكلّميهم ، فهم يؤمنون بما نطقت به الشريعة الحقّة ، من أنّ المعاد للروح والجسد معاً ; لأنّ ذلك ما أخبر به الصادق الأمين ، وكُلّ أخباره حقّ لا ريب فيها.

وعليه ، فيكون منكر ذلك منكر لأمر متّفق عليه بين الشيعة ، ومسلّم عندهم ، لكن على أيّ حال لا يمكن القول بأنّ الشيخ أحمد الأحسائي ينكر المعاد الجسماني ، وإنّما هو وقع في خطأ في فهم المعاد الجسماني ، وبعد ورود

ص: 549

الإشكالات على مسألة المعاد الجسماني ، وإضافة إلى روايات الطينة وغيرها اخترع الشيخ أحمد للإنسان جسماً آخر سمّاه « هورقليا » ، وبيّن أنّه هو الجسم الحقيقي دون غيره ، وأنّه هو الذي يتألّم ويمرض وغير ذلك ، وأمّا هذا الجسم العنصري فلا قيمة له لا في ألم أو حسّ أو غير ذلك.

النقطة الثانية : المعراج النبوي : اتفق المسلمون عموماً على أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله عرج إلى السماء ، وأُسري به من مكّة إلى المسجد الأقصى ، ومن هناك كان عروجه إلى السماء.

وقد اختلفوا في كيفية عروجه صلى اللّه عليه وآله إلى ربّه ، فهل كان بجسده وروحه معاً ، أم كان بروحه دون جسده؟ ذهب عموم المسلمين إلاّ ما شذّ منهم إلى أنّ عروجه كان بروحه وجسده معاً ، وأنّ ذلك من المعجزات الإلهية التي تثبت نبوّة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وشذّ بعض إلى الذهاب بعروج روحه دون جسده فقط.

والشيعة الإمامية تؤمن بأنّ المعراج كان بالروح والجسد لقوله تعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى ) (1) ، فقد أطلق المعراج على الظاهر من النبيّ صلى اللّه عليه وآله وهو هيكله المادّي والروحي ، وأيضاً لكون المعراج معجزة من المعاجز ، فلذلك كان بروحه وجسده معاً ، هذا ما تعتقده الشيعة الإمامية الاثني عشرية.

وأمّا الشيخية فهم لا يعتقدون بالعروج الجسماني للنبي صلى اللّه عليه وآله ، وينكرون كون النبيّ صلى اللّه عليه وآله عرج بروحه وجسده المادّي الذي كان متلبّساً به ، وإنّما عرج بروحه وبمادّة.

قال الشيخ أحمد الأحسائي : « إنّ الصورة البشرية عند إرادة صعوده يجوز فيها احتمالان ، في الواقع هما سواء ، وفي الظاهر الأوّل أبعد من المعقول والآخر أقرب!!

ص: 550


1- الإسراء : 1.

فالأوّل : إنّ الصاعد كُلّما صعد ألقى منه عند كُلّ رتبة ما منها فيها ، مثلاً : إذا أراد تجاوز الهواء ألقى ما فيه من الهواء فيها ، وإذا أراد تجاوز كرة النار ألقى ما فيه منها فيها ، فإذا رجع أخذ ما له من كرة النار ، وإذا وصل الهواء أخذ ما له الهواء.

لا يقال على هذا : إنّ هذا قول بعروج الروح خاصّة ، من لأنّه إذا ألقى ما فيه عند كُلّ رتبة لم يصل منه إلاّ الروح؟

لأنا نقول : إنّا لو قلنا بذلك ، فالمراد بها إعراض ذلك ؛ ذوات تلك لو ألقاها بطلت بنيّته بالكُلّية ، فيجب أن لا يكون ذلك موتاً ; لأنّ القائلين بعروج الروح يقولون : إنّ بنيّته باقية لا تتفكّك ، وإنّما مرادنا أنّ الجسم بالنسبة إلى عالم الفساد يتلطّف إذا صعد إلى عالم الكون ، وإلاّ فهو على ما هو عليه من التجسّد والتخطيط.

والثاني : إنّ الصورة البشرية التي هي المقدار والتخطيط تابعة للجسم في لطافته وكثافته ، وإنّ الأجساد اللطيفة النورانية تكون بحكم الأرواح لا تزاحم فيها ولا تضايق ، ولهذا يبلغ المعصوم من مشرق الدنيا إلى مغربها في أقل من طرفة عين » (1).

وهو هنا أن حاول التقسيم واللف والدوران ، لكن رأيه واضح في أنّ العروج لم يكن بهذا الجسد الكثيف ; لأنّ صعود العناصر تقضي الخرق والالتئام.

ولذلك ردّ عليه الشيخ محمّد رضا الهمداني بقوله : « وقالت الشيخية بما هو لفظ الشيخ في رسالته المسمّاة بالقطيفية قال : أنّه لمّا أراد العروج ألقى في كُلّ كرة ما منها ، فألقى ترابه في التراب ، وماءه في الماء ، وهواءه في الهواء ، وناره في النار ، وكُلّ قبضة في تلك السماء ، ثمّ لما رجع أخذ من كُلّ كرة ما ألقى

ص: 551


1- الرسالة القطيفية ضمن كتاب جوامع الكلم 1 / 181.

فيها »(1) ، وقد خالف بذلك ما عليه الشيعة الإمامية ، من أن عروجه كان بهذا الجسم الكثيف ، وهو من معجزات النبوّة.

وأمّا مسألة الخرق والالتئام ، وأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله عند عروجه ألقى كُلّ ما فيه من هواء وماء وحرارة وتراب في فلكها السماوي المخصوص به ، فهو كلا غير صحيح.

وذلك : أوّلاً : إنّ نظرية الأفلاك ، وإنّ هناك أفلاك نارية ، وأفلاك مائية ، وأفلاك ترابية وغير ذلك غير صحيحة ، خصوصاً بعد ملاحظة أنّ الأفلاك تكتسب حرارتها من غيرها ، فهي غير نارية بالذات ، وإنّما النارية عارضة لها ، وكذلك المائية والهوائية.

ثانياً : إنّ نزع ذلك في حقيقته هو نزع للجسد ; لأنّه يؤمن أنّ الجسد مكوّن من هذه العناصر الأربع ، فإذا نزعها انتفت عنه وانتهت ».

النقطة الثالثة : الغلوّ : الدين الإسلامي دين سماوي ، مبنيّ على أُصول شرعية وعقلائية ، جاء موافقاً للفطرة وللذوق العقلائي ، وجاء هادياً الناس إلى أنّ يعتقدون بأُلوهية اللّه سبحانه وتعالى ، ولا يشركون به شيئاً ، فهو الموجد للكون وخالقه ، ومجري حركاته وسكناته ، وهو رازق من فيه ، ومحي كُلّ حيّ ، ومميت كُلّ ميّت ، وهو الذي يشفي ، وهو الذي يمرض ، وبمشيئته يحصل كُلّ شيء ، قال تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ ) (2).

وبيّن أنّه القاهر فوق عباده فقال : ( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ) (3) ، وبيّن أنّ كُلّ من في الأرض عبيده ، وكُلّ آتيه طوعاً أو كرهاً : ( إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ) (4) ، وصوّر للإنسان أنّه هو الخالق له

ص: 552


1- هدية النملة إلى مرجع الملّة : 23.
2- الزخرف : 84.
3- الأنعام : 18.
4- مريم : 93.

ولكُلّ شيء فقال : ( وَاللّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ) (1).

وقال مبيّناً خلق الإنسان وكيفية إنشائه : ( الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ) (2).

وقد ذمّ اللّه سبحانه وتعالى غلوّ المسيحيين في عيسى فقال : ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الحقّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكُلّمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ) (3).

وبيّن اللّه سبحانه وتعالى أنّه المتفرّد بالعلم بالغيب فقال : ( وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ) (4) ، وقال : ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ ) (5).

وبيّن اللّه سبحانه وتعالى اختصاصه بالرزق والإحياء والإماتة والإمراض والاشفاء ، وغيرها ممّا هي من شؤون ربوبية اللّه سبحانه وتعالى ، والتي أكّدها أئمّة أهل البيت عليهم السلام بشكل واضح وصريح.

فقد ورد في الاحتجاج ردّاً على المفترين الغلاة ، قال فيه الإمام المهدي عليه السلام : « يا محمّد بن علي تعالى اللّه عزّ وجلّ عمّا يصفون ، سبحانه وبحمده ، ليس نحن شركاؤه في علمه ولا في قدرته ، بل لا يعلم الغيب غيره ، كما قال في محكم كتابه تباركت أسماؤه : ( قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللّهُ ) (6) ، وأنا وجميع آبائي من الأوّلين : آدم ونوح وإبراهيم وموسى وغيرهم

ص: 553


1- الصافات : 96.
2- السجدة : 7 - 9.
3- النساء : 171.
4- الأنعام : 59.
5- الجنّ 26 - 27.
6- النمل : 65.

من النبيين ، ومن الآخرين محمّد رسول اللّه وعلي بن أبي طالب وغيرهم ، ممّن مضى من الأئمّة عليهم السلام إلى مبلغ أيّامي ومنتهى عصري عبيد اللّه عزّ وجلّ ، يقول اللّه عزّ وجلّ : ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ له مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ) (1).

يا محمّد بن علي آذانا جهلاء الشيعة وحمقاؤهم ، ومن دينه جناح البعوضة أرجح منه ، فأشهد اللّه الذي لا إله إلاّ هو وكفى به شهيداً ، ورسوله محمّد صلى اللّه عليه وآله وملائكته وأنبياؤه وأوّلياؤه عليهم السلام ، وأشهدك وأشهد كُلّ من سمع كتابي هذا أنّي بريء إلى اللّه وإلى رسوله ممّن يقول : إنّا نعلم الغيب ، ونشاركه في ملكه ، أو يحلّنا محلاً سوى المحلّ الذي رضيه اللّه لنا وخلقنا له ، أو يتعدّى بنا عمّا قد فسّرته لك وبيّنته في صدر كتابي.

وأشهدكم ؛ أنّ كُلّ من نبرأ منه ، فإنّ اللّه يبرأ منه وملائكته ورسله وأوّلياؤه ، وجعلت هذا التوقيع الذي في هذا الكتاب أمانة في عنقك ... »(2).

فعقيدة الإسلام والمتمثّلة بأهل البيت عليه السلام واضحة المعالم محدودة الأُصول والأطراف ، وهي موافقة لكتاب اللّه سبحانه وتعالى ، في نفي المشاركة له في الرزق والإحياء والإماتة والغيب وغيره ذلك ، وبهذا وغيره ينفى كُلّ شيء دخيل عليها أو شيء يوهم غير ذلك من نسبة أُمور لا واقع لها إلى أئمّة أهل البيت عليهم السلام.

إلاّ أنّ الشيخ أحمد الأحسائي نجده غير ذلك تماماً ، ففي كلماته تجد ما ينفي قول الأئمّة فيهم أنفسهم ، فهو ينسب إليهم الإحياء والإماتة والرزق ، وصفات مختصّة باللّه سبحانه وتعالى ، قال في شرح الزيارة الجامعة : « ألا إلى اللّه تصير الأُمور : أنّها تصير إلى علي ، وبيان ذلك أنّ الأُمور حادثة مخلوقة ،

ص: 554


1- طه : 122 - 124.
2- الاحتجاج 2 / 288.

والحادث المخلوق لا يصل إلى القديم ، ولا يرجع إليه سبحانه ; لأنّه تعالى متعال عن كُلّ شيء ، وإنّما المعنى أنّ الأُمور تصير وترجع إلى أمره تعالى ، وأمره تعالى جعله عند وليّه ، فالمصير إلى إليه مصير إلى اللّه ، والرادّ إليه رادّ إلى اللّه ، وقد قال تعالى : ( إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ) (1).

وقد دلّت الأدلّة القاطعة مع الإجماع!! على إياب الخلق إليهم وحسابهم عليهم ، فإنّ الأخبار متواترة بذلك ... »(2).

ويقول : « الأربعة عشر معصوماً هم صفات اللّه وأسماؤه والآؤه ونعمه ، ورحمته الواسعة ورحمته المكتوبة ، وهم معانيه ، وهم وجه اللّه الذي يتوجّه إلى الأولياء ، وهم اسم اللّه المبارك ذي الجلال والإكرام ، ووجهه الباقي بعد فناء كُلّ شيء ، والوجه الذي ينقلب في الأرض ، ومقصد كُلّ متوجّه ، وسائر من مطيع حيث يحبّ اللّه ، ومن عاص حيث يكره اللّه ، وهم أوعية غيبه ، وهم ظاهره في سائر المراتب ، وجميع المعاني والمقامات ، آياتهم ظاهرة في الآفاق ، وفي أنفس الخلق ، ومعجزاتهم باهرة ، وهم ملوك الدنيا والآخرة »(3).

وقال : « والطاعة حادثة وهم ذلك الحدث »(4).

وقال : « فانحصرت العبادة التي هي فعل ما يرضي والعبودية التي هي رضا ما يفعل فيهم وبهم عليهم السلام ، فإنّ التسبيح والتقديس والتحميد والتكبير والتهليل والخضوع والخشوع والركوع والسجود وجميع الطاعات وأقسام العبادات وكذلك العبودية ; كُلّ ذلك أسماء معانيها تلك الذوات القدسية والحقائق الإلهية » (5).

ص: 555


1- الغاشية : 25 - 26.
2- 2 - شرح زيارة الجامعة
3- المصدر السابق : 17.
4- المصدر السابق : 36.
5- المصدر السابق : 132.

وقال : « ولله الأسماء الحسنى ، أي ملكه وخلقه ، فادعوه بها ، فتقول : يا كريم يا رحيم يا غفور إلى سائر أسمائه ، وهي هم - يعني أهل البيت - »!!(1).

وقال : « إنّ أهل البيت خلق فوق بني آدم وجسومهم لن ترى في الأبصار بل حتّى البصائر »!!(2).

وقال : « فإذا كان اللّه غنياً لم يرد شيئاً لنفسه ، وإنّما يريده لغيره وهم - يعني أهل البيت - ذلك الغير ، والطاعة حادثة ، وما تنسب لغير حادث ، وهم ذلك الحادث المنسوب إليه الحادث.

إنّ اللّه تعالى حصر شؤونه في أهل البيت ، وحصر حاجات خلقه عندهم »(3).

وقال : « وهم العلل الأربعة للمخلوقات ، فالعلّة الفاعلة بهم ، والعلّة المادّية منهم ، أي من شعاعهم وظلّهم ، والعلّة الصورية بهم على حسب قوابل الأشياء من خير أو شرّ ، والعلّة الغائية هم ; لأنّ الأشياء خُلقت لأجلهم »(4).

وقال : « وأمّا الرزق فهو ما ينتفع به الحيّ ، وليس لغيره منعه منه ، والمراد بالغير غير اللّه وغير رسوله وأهل بيته »(5).

ويذهب الشيخ أحمد الأحسائي إلى فوق ذلك فيقول : « بأنّ الخلق كُلّهم عبيد لأهل البيت عليهم السلام عبودية رقّية ملكية ، وليست عبودية طاعة ، قال : أمّا نسبة العبد إلى اللّه فلا توقّف لأحد في أنّه عبد رقّ وعبد طاعة لا يملك شيئاً من أمره ... وأمّا نسبتهم إلى الخلق ، فالمعروف عند كثير من العلماء ، ومن بعض الأخبار أنّهم عبيد طاعة لا عبيد رقّ.

ص: 556


1- المصدر السابق : 289.
2- المصدر السابق : 385.
3- المصدر السابق : 438.
4- المصدر السابق : 384.
5- حياة النفس : 58.

والذي يدلّ عليه الدليل عقلاً ونقلاً أنّه - يعني الإمام - أولى بهم من أنفسهم بالأولوية التي كانت لرسول اللّه ، وهي إنّه سبحانه خلق الأشياء له ولأهل بيته الطاهرين ، وفي الحديث القدسي : « خلقتك لأجلي وخلقت الأشياء لأجلك ».

وقول علي عليه السلام : « نحن صنائع ربّنا ، والخلق بعد صنائع لنا » أي صنعهم اللّه لنا ، واللام في لنا للملك ، وهذا المعنى هو الذي تقيده أخبارهم إنارة ، لأنّ التصريح فيه فصحّ بالحكمة فوجب الإشارة للتقية » (1).

وهناك كلمات كثيرة ضربنا عنها صفحاً روماً للاختصار.

لكن نقول : إنّ علماء الشيخية في القديم والحديث قد تجاوزوا الحدّ في تقديس أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، وغالوا في حبّهم كثيراً ، وفوّضوا إليهم بعض الأُمور ، مدّعياً في بعض الأحيان الإجماع على ما يعتقدونه!! وهو بعيد كُلّ البعد ، لأنّ زعماء الطائفة في القديم والحديث قد طرحت مذهب أهل البيت عليهم السلام وبيّنوه بشكل يلائم العقل والفطرة والوجدان ، وقاموا بالأخذ من منبع النبوّة الصافي ، الذي يعرض الدين الإسلامي الحنيف وأئمّته بشكل يحدّد لكُلّ شخص مقامه ووظائفه ، لا يتجاوزها ولا يحيد عنها ، والتحذير من الروايات الغريبة والضعيفة التي فيها كلام يخالف الأُصول الكُلّية ، والقواعد العامّة التي بيّنها اللّه تعالى ، وبيّنها أئمّة أهل البيت عليهم السلام في كلماتهم وأقوالهم وأفعالهم.

ومثالاً على ذلك ما قال ياسر الخادم نقلاً عن الإمام الرضا عليه السلام حيث قال : قلت للرضا عليه السلام : ما تقول في التفويض؟ قال : « إنّ اللّه تبارك وتعالى فوّض إلى نبيّه صلى اللّه عليه وآله أمر دينه ، فقال : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (2) فأمّا الخلق والرزق فلا ... »(3).

ص: 557


1- شرح الزيارة : 28.
2- الحشر : 7.
3- عيون أخبار الرضا 1 / 219.

وما نقله آنفاً عن الإمام الحجّة عليه السلام حينما تبرّأ من نسبة بعض الأفعال إليهم ، كعلم الغيب ونحوه.

وفي الحقيقة أنّ هذه الأقوال والكلمات والاعتقاد بها جرّ على أئمّة أهل البيت وشيعتهم ويلات كثيرة ، وأدّت إلى طرح المذهب الشيعي المتمثّل بالإسلام الحقيقي بشكل مشوّه ، وبشكل ينفر منه الطبع الإنساني ، بل والمنبع الصافي للإسلام ، وأدّت إلى الطعن بأئمّة وشيعة أهل البيت ، ورميهم بالغلوّ والزندقة ، واتهامهم بأنّهم أهل باطن لا يعيرون للحياة الدنيا أيّ أهمّية ، فهم مذهب كهنوتي قنصوي أقرب من كونهم يطرحون الإسلام الذي جاء به النبيّ صلى اللّه عليه وآله وجاء به القرآن الكريم ، وهذا واضح لدى أبسط فرد احتكّ بشخص مسلم لم يطّلع إلاّ على هذه الآراء الشخصية التي شذّت عن علماء الطائفة ، وارتأت روايات خاصّة يرويها بعض الغنوصين كعلي بن حمزة البطائني وغيره.

لقد جاء الإسلام ليخرج الناس من الظلمات إلى النور ، مبيّناً تفرّد اللّه سبحانه وتعالى بالأُلوهية ، وما يتبعها من شؤون من إحياء وإماتة ، ورزق وعلم كُلّ شيء وغير ذلك ، وإنّ هذا الرسول الذي أُرسل إليهم وظيفته تبليغ شرع اللّه تعالى ، ولا يملك من نفسه شيئاً ممّا أضافت إليه هذه الأفكار الكهنوتية القنوصية ، والإمام من بعده هو حافظ للشريعة عن الانحراف والانعطاف في المزالق والمهاوي المهلكة ، لا يملكون لأنفسهم شيئاً ولا رزق ولا إماتة وإحياء ولا غير ذلك ، وكُلّ هذا هو خروج عن تعاليم السماء ، والانعطاف بالرسالة من مسيرها الأصلي الذي جاءت به ، وهو أُلوهية اللّه تعالى وحاكميته على الكون كُلّه.

وعليه تتفرّع كُلّ الأُمور الأُخرى من عبودية له ، وتشريع مختصّ به وقدرة مختصّ بها ، وتصرّف بالشؤون ، وغير ذلك ممّا لا يعدّ ولا يحصى.

النقطة الرابعة : الركن الرابع : إنّ الدين الإسلامي والمذهب الشيعي يقرّان بأنّ اللّه تعالى هو الإله المنفرد بالأُلوهية ، وأنّ اللّه سبحانه هو الذي تجب طاعته

ص: 558

عقلاً وشرعاً ، وأنّ اللّه تعالى أرسل رسلاً مبشّرين ومنذرين ، وتجب طاعتهم لأنّهم رسل اللّه إلى البشر ، وكذلك الإمام بعد النبيّ تجب طاعته لأنّها طاعة لله وللنبي صلى اللّه عليه وآله ، فهذه هي السلسلة الحقيقة التي يجب الارتباط بها : اللّه ، الرسول ، الإمام.

واللّه تعالى هو الإله المتفرّد بشؤون الخلق والرزق والحاكمية والأُلوهية.

والنبيّ والإمام قد عصمهم اللّه تعالى ، ولذلك وجبت طاعتهم لأنّهم يمثّلون الشريعة الإلهية الصادقة ، وأمّا غير النبيّ والإمام فهم بشر حالهم حال غيرهم ، لا تجب طاعة أحد لأحد ، ولا يجب الأخذ بكلام أحد دون أحد بل هم سواسية ، والفقيه يرجع إليه في الأُمور الفقهية الفرعية المرتبطة بأُمور الدين ، لأنّه من أهل الاختصاص ومن أصحاب هذا الشأن ، فارجع الإمام إليه في الحكم والفتوى في الدين ، وهو إنسان يخطئ ويصيب ليس معصوماً أو كاملاً تامّاً بحيث لا يخطأ ، وإنّما هو بشر فيجري ما يجري على البشر.

بعد أن عرفنا أنّ العصمة مختصّة بأربعة عشر معصوماً لا غير ، وهو وظيفته إرشاد الأُمّة إلى ما فيه الخير والصلاح ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولزوم الرجوع إليه باعتباره متخصّصاً بالفقه ، واستنباط الأحكام الشرعية بعدما كان يعجز أيّ إنسان يمارس ذلك الفنون معرفة الحكم الشرعي.

هذه هي عقيدة الشيعة في العالم المجتهد الفقيه ، ولأجل ذلك جاز عندهم تعدّد الفقهاء ووجود أكثر من واحد منهم في زمن واحد.

إلاّ أنّا نجد الشيخية قد خالفوا ذلك ، وادعوا أنّ هناك ما يمكن تسميته بالنيابة الخاصّة ، وأنّ الفقيه هو النائب عن المعصوم الخاصّ ، ويكون عالماً بكُلّ ما يحتاج إليه الناس ، ويكون هو الواسطة بين الإمام والرعية ، ويجب دعوة الخلق إليه ، ولا يحقّ لغيره أن يتصدّى للأُمور العامّة إلاّ بإذنه ، ولأجل ذلك سمّوه بالناطق والنائب والقطب والركن الرابع ... وغير ذلك من التسميات ، وهو إنسان كامل تامّ.

ص: 559

قال الكرماني في رسالة أرسلها إلى السيّد كاظم الرشتي : « اعتقادي أنّ من لم يعرف السابق عليه ، والباب الذي تجري منه جميع الفيوض لم يعرف شيئاً من التوحيد والنبوّة والإمامة ، وأنا عبدك الأثيم!! محمّد كريم قد انقطعت من الدنيا كُلّها إليك.

إنّ الشيخ الأجل الأمجد كان قطب زمانه لتصريح النبيّ صلى اللّه عليه وآله فيه : أنت قطب!! فالشيخ الأكبر هو الذي يعبد به الرحمن وتكتسب به الجنان ; لأنّه العقل.

وقد رأينا أنّ الأمر بعده رجع إليك ظاهراً ، فأنت نائبه بالنصّ الجلي منه ، فإذن أنت الذي يُعبد به الرحمن ويُكتسب به الجنان ، وأنت باب اللّه لا يؤتى إلاّ منه ، كما سمعت منك في الطيف!!

والآن يكون قرب ثلاث سنين إنّي جعلتك لوجهتي باب تجاهي في أوقات دعواتي وصلواتي ، وأقدّمك بين يدي حوائجي وإرادتي في كُلّ أحوالي وأُموري ، وأعتقد أنّ من لم يفعل هذا صلّى إلى غير القبلة والوجهة!!

فإن كان كائن عليك لا أرانا اللّه ذلك ، فمن ولي الأمر بعدك؟ ولو كان يجوز نبيّ بعد نبيّ وادعيتم النبوّة لم نطلب منكم معجزة ، بل واللّه مع ذلك لو ادعيت ذلك الآن لصدّقتك بلا معجزة »!!(1) ، وهذا كفر بعينه.

فانظر إلى هذا الكلام حيث أشار فيه :

1 - وجود الركن الرابع الذي هو خليفة الإمام ، وهو الذي يكون القبلة ، وهو الذي يعبد به الرحمن ، ومن لم يقرّ بذلك يكن غير مدركاً لله ولا لرسوله ولا للإمام!!

2 - إنّ الشيخ أحمد هو باب الإمام ، وأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله نصّبه ذلك المنصب ، وقال له : أنت نائبي.

ص: 560


1- إحقاق الحقّ للأحسائي : 168.

3 - إنّ كاظم الرشتي هو نائب الأحسائي ، وذلك رآه الكرماني في المنام « الطيف ».

4 - إنّ كاظم الرشتي لو ادّعى النبوّة لصدّقه الكرماني بلا حاجة إلى معجزة!! وأرى أنّ هذا الكلام لا يحتاج إلى تعليق ; لأنّه فاسد وباطل بأوضح البديهيات ، لكن النقطة الأخيرة منه خطيرة جدّاً ، حيث أنّ المعتقد بها يخرج عن الملّة لكونه غير معتقداً بختم النبوّة بمحمّد صلى اللّه عليه وآله وحشرنا مع محبّيه ، وهو خلاف البديهي من الدين الإسلامي.

وإذا انتقلنا مع الكرماني في كتابه « إرشاد العوام » - باللغة الفارسية - نجده يصرّح بكلام خطير جدّاً لا يمكن لأيّ مسلم قبوله ، وخلاصة كلامه المثبت في الجزء الرابع هو : إنّ صاحب الزمان أو المهدي المنتظر عليه السلام قد مضى إلى حال سبيله ، وانتفى موضوعه إن بالموت وإن بالغيبة ، ولم يعد صالحاً للاستفادة من الوجه من الوجوه ، وعلينا أن نسعى لمعرفة الإمام الناطق الحيّ الذي يجب أن يكون بيننا لنراه ونحادثه ، ونعرض عليه ما يحدث لنا من مشاكل ونطلب منه تلافيها ، وإيجاد الحلول لها ».

وقال : « فكيف أستطيع مع لساني الكليل ويدي القاصرة ونفسي الضعيفة ، أن أحمل هذا الأمر على رقاب هؤلاء الناس المنكوبين ، الذين عاشوا في جاهلية الغيبة ألفاً وعشر سنين ، ونشؤا على الهدى والخيالات ».

وقال : « إنّ حاكماً - يقصد الإمام المهدي عليه السلام - كان قبل ألف سنة لا يصلح اليوم ، ولا يمكن ضبط العالم والسيطرة عليه بحاكم قد ودّع الدنيا »!! فهنا يؤمن بأنّ المهدي عليه السلام قد ودّع الدنيا!!

وقال : « إنّ وجود الحاكم بين الخلق ضروري لكي يروه ويسمعوا منه ، وإذا كان في الإمكان أن لا يروه فالأجدر بهم أن يكتفوا باللّه الذي لا يرونه ، وعليه فقد اختفت ثمرة الحكومة وفائدتها إذا لم يروه ويستمعوه ويشكوا إليه

ص: 561

داؤهم ، ويطلبوا منه العلاج لها ، فما هو الفرق بين الإمام الغائب واللّه؟ فكلاهما غير مدرك.

وإذا استطاع الخلق اليوم أن يكتفوا باللّه فقد استطاعوا الاكتفاء بالإمام الغائب ; لأنّه يتصرّف في الملك وراء الستار وفي ظهر الغيب ، واللّه كذلك فما الفرق بينهما؟

وإذا كان الحجّة على الخلق تتمّ بالإمام الغائب؟ فما هي الحاجة إلى إرسال الرسل وتعرّضهم للمشّاق؟ فليبقوا وراء الغيب ويتصرّفوا في العالم!! وقد علمت بأنّ الحجّة على الخلق لا تتمّ إلاّ بمشاهدة من يقيم عليهم الحجّة ، وأيّ حجّة تمكن إقامتها ، والإمام غائب في الوقت الذي يولد فيه الناس ويموتون والإمام غائب؟

وإذا كان التاريخ والخبر كافيين كان وجود النبيّ وحده كافياً ، ولم تكن هناك حاجة إلى أوصيائه الذين تحمّلوا في سبيل تأدية رسالته وحفظها ما لا يطاق من المصائب ، ومن هذا يظهر أنّ الأحاديث والكتب السالفة لا تكفي ».

وقال : « وقد اتّضح من هذا الفصل أنّ قوام بقاء هذا العالم ومداره هو الحاكم والمحكوم ، إذ لا يمكن أن يخلو إن ظاهراً وإن باطناً من حاكم إلهي يقوم مقامه تعالى وينوب عنه ، على أن يكون مشهوداً مرئياً ، وكان نابهاً للغاية وذكياً ، والتفت إلى أنّنا نوزّع المطالب في هذا الكتاب ونفرّقها على عدّة أماكن ، ونقول في كُلّ موضع شيئاً لئلا يحرم أهل الحكمة ، ولئلا يلتفت فاقدوا الأهلية ، وينتبهوا إلى جواهر وأسرار الحكمة الإلهية ، ويجدوا طريقاً إليها ، ولا قوّة إلاّ باللّه ».

وقال : « وبديهي أنّ الأُستاذ الغائب والأُستاذ الميّت لا يعلم ولا يقبل تلاميذه ، وهم لا يستطيعون أن يحصلوا منه على معرفة شيء ، كما لم تجر عادة اللّه بأنّ يتعلّم أحد بهذا الشكل ، وإذن فالواجب أن يكون في كُلّ عصر أُستاذ حاضر موجود ».

ص: 562

وقال : « ولم يكن من طبيعة هذا العالم ولا جرى العادة فيه أن يحصل الإنسان على العلم من الأموات ، وأن يقنع بهم ويكتفي في التعليم ».

وقد صرّح في موطن بعدم ضرورة عصمة الإمام ، بينما يصرّح في مكان بأنّ الركن الرابع معصوم!!

قال مصرّحاً بعدم ضرورة عصمة الإمام : « وإذا لم يكن معصوماً فهو كأحد الناس ، ويجب أن يكون معصوماً في حفظ الدين على الأقلّ ، ولو بمساعدة الغير ، إذا لم يكن معصوماً في كُلّ شيء ».

وقال مصرّحاً بعصمة الركن الرابع : « وإذن فالإمام الغائب لا يجدي الناس نفعاً ، وهم يريدون إماماً حيّاً حاضراً معصوماً ».

وهذا الكلام لا يمكن أن يقرّ به إنسان مسلم شهد الشاهدتين ، وآمن باللّه ورسوله وأئمّة أهل البيت عليهم السلام ، إذ إنّ هذه المسألة - وهي القول بالركن الرابع ، واتباعها يسمّون الركنية وهي مختصّة بشيخية كرمان الموجودين في إيران والعراق في البصرة وكربلاء - لم يرد بها دليل ، ولم تقم عليها حجّة ، بل الدليل على خلافها ; لأنّه لا حاكمية لأحد بعد اللّه ورسوله ، ومن نصّبه اللّه ورسوله وجعله هادياً ومعتمداً ، ولم ينطق بها لسان الشرع أبداً ، فضلاً عن جعل الركن هو الباب إلى اللّه ورسوله وأئمّته ، بحيث من لم يعرفه فهو لم يعرف التوحيد ولا النبوّة ولا الإمامة ، فإنّ في ذلك رمي للقائلين بشهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّداً رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بالجهل وعدم الإيمان ; لأنّهم أخلّوا بالتوحيد ، وبالتالي هو إدخال شرط في التوحيد ، وأنّ المسلم لا يصحّ منه توحيده ما لم يقرّ بالركن الرابع ، ويعترف له بالوجيه والبابية وغير ذلك ، ويكون فاقداً للشهادة ما لم يقرّ بذلك!!

وهذا تحميل لشريعة السماء بما لم تجئ به أصلاً ، وإدخال شيء فيها لم يقله اللّه ورسوله ، وهذا يدخل ضمن المغالاة في الدين ، والانحراف عن المسار الحقيقي الذي رسمته شريعة السماء ، والتي بيّنته في تعاليمها من لزوم الإيمان

ص: 563

باللّه والاعتقاد بوحدانيته ، وأنّه لا إله إلاّ هو وحده لا شريك له ، وأنّه أرسل رسله بالهدى مبشّرين ومنذرين ، وإنّ آخرهم النبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله مبعوث للبشر كافّة ، يحمل تعاليم السماء المتمثّلة بالقرآن الكريم.

وقد شرح الرسول صلى اللّه عليه وآله ما خفي منه وما أجمل وبيّنه للناس ، وعلى الناس اتباعه واقتفاء أثره ، وقد نصب لهم إماماً بعده ، وأنّه الذي يرشد الناس على الخير والصلاح ، ويحافظ على شريعة السماء من الانحراف ، ويوضّح ما خفي منهما وما أُجمل ، وعلى المسلم القيام بتعاليم الإسلام من واجبات ومحرّمات ، فمن التزم بذلك بالإيمان باللّه ورسوله وعمل ما فرض عليه ، وانتهى عمّا نهي عنه ، عند ذلك يكون إنساناً مسلماً مؤمناً مستحقّاً لدخول الجنّة.

وبقية الأُمور مسائل مصطنعة لا تمتّ بصلة إلى الإسلام أصلاً ، كالإيمان بالركن الرابع ، وكالإيمان بأنّ الأئمّة هم وجه اللّه ، وأنّهم حملة العرش ، وأنّهم يوجّه إليهم المسلم في صلاته ، وأنّهم يرزقون ويخلقون وإلى غير ذلك من المسائل ، التي لا ارتباط لها بتعاليم الإسلام الحنيف ، وهي مسائل خارجة خروجاً تامّاً عن جوهر الإسلام وحقيقته.

هذا هو الذي ينبغي للإنسان المسلم الالتزام به والاعتقاد به ، وأن يعيش الإسلام حقيقة واقعية تمارس حياته العملية اليومية ، بحيث يراها يجري معه في العبادة الخاصّة ، وفي المصنع والمعمل وفي الشارع وفي الدائرة ، يراه يتعايش مع كافّة جوانب الحياة التي هي كنهر جار لا يقف عند حدّ ، فعليه جعل الإسلام كذلك بحراً عذباً جارياً لا يقف عند حدّ وحدود ، ولا يجعلوه طقوس كهنوتية تتعايش بالرموز أو الألغاز أو المنامات الليلة ، والأحلام الخيالية ، وحصر الإسلام العظيم الذي فيه الخير للبشرية دنياً وآخرة حصره بمفاهيم وألغاز أقرب للشعوذة منها إلى الواقعية ، والتعامل معه كدين يعالج الروح أو يتعامل بعوالم الملكوت واللاهوت ، وما شابه ذلك من كلام لم ينزل به سلطاناً.

ص: 564

الإسلام دين الفطرة السليمة والوجدان الصافي ، والروح المعتدلة التي تعرف حقّها ، وحقّ الجسد الذي هويّتها التي تعيش فيه ; جاء الإسلام ورسالته لخير الاثنين معاً لا واحداً منها.

وأيضاً جاء بتعاليم كُلّها سمحاء ، كما قال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « بعثت بالشريعة السهلة السمحاء » (1) ، التي تعاليمها واضحة لكُلّ أحد ، لا تتاح إلى عناء وتكلّف ، وتعاليمها فيها مرونة كاملة بحيث تسهّل الأمر على العاجز والضعيف وصاحب الحاجة ، لا تكلّف الإنسان ما هو فوق طاقته ( لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ) (2) ، ولا يحمل الجريرة والتبعة على غير مرتكبها ( كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ) (3) ، ولها حقوق وكيان واحترام ، وعليها حقوق وأُمور يجب أن تؤدّيها حفظاً لكيانها ، وحفظاً للكيان الاجتماعي الذي تعيش فيه ، ليتعايش المسلمون فيما بينهم بودّ واحترام وكينونة ، ذات بناء محكم وشامخ ; فلأجل ذلك جاءت تعاليم تنسجم مع الفطرة ، وتنسجم مع العقل الإنساني هذا الكيان العظيم ، فمن الظلم بعد ذلك تحميل رسالة السماء مسائل وأشياء لم ينزل اللّه بها سلطاناً ، أو حصرها بيد أُناس هم بشر يخطؤون ويصيبون ، ولا عصمة لهم بقول أو بفعل ، وجعلهم مقياساً يقاس به تعاليم السماء ، بدل عكس الأُمور ومقايسة أفعالهم إلى الشرع المبين.

ومن الأُمور المهمّة التي تفتقدها الشيخية بقسميها مسألة التقليد ؛ حيث إنّهم لا يرجعون في الفروع إلى فقيه يقلّدونه ويأخذون منه أحكام دينهم ، وإنّما يرجعون إلى أُناس ليس لهم أهلية الفتوى.

وفي الواقع أنّ هناك تلاعباً عند زعماء الشيخية يريدون الإقرار به الآن ، وإنّما أقرّ به الكرماني سابقاً حيث شجب مسألة التقليد ، واعتقد بأنّ الإنسان

ص: 565


1- الحبل المتين : 90.
2- البقرة : 286.
3- المدّثّر : 38.

يرجع مباشرة إلى روايات أهل البيت عليهم السلام من دون حاجة إلى تقليد فقيه أو مجتهد ، وكانت الأدلّة عند الحاج محمّد كريم خان تقتصر على الكتاب والسنّة ويقول : « فالواجب تقليد آل محمّد » (1).

وكان يقول : « ليس ثمّة حاجة إلى الرسائل العملية ، فإنّ رسائل المشايخ الموجودة لديهم كافية ، وهي عين متون أخبار آل محمّد »(2).

وقال : « ينبغي أن يقلّص تجديد الرسائل والفتاوى المختلفة ; لأنّ الدنيا يجب أنّ تسير نحو الوحدة والتكامل وتوحيد الكلمة »(3).

ص: 566


1- فصل الخطاب للكرماني : 3.
2- فهرست كتب مرحوم شيخ أحمد احسائي 1 / 24.
3- المصدر السابق 1 / 5.

الفرقة الناجية :

اشارة

( صلاح - ..... - سنّي )

الشيعة الإمامية هم الفرقة الناجية :

س : الملاحظ أنّكم تبذلون جهوداً جبّارة في إثبات أنّ مذهب الشيعة هو المذهب الحقّ ، لكن لديّ بعض الملاحظات : ما مدى مصداقية ما تنقلونه من نقائص في أهل السنّة ، ومنهم السلفية ، ولماذا لا يكون الدافع هو التعصّب؟

وما رأيكم في من يقول من علمائكم : أنّ الشيعة الإمامية هي الفرقة الناجية ، وأن ماعداها كفّار من أهل النار؟

ج : إنّ مدى مصداقية ما ننقله من النقائص عن أهل السنّة والسلفية ، إذا كان غير معتمدٍ على دليل ، ومن كتب أهل السنّة ، فذلك يعدّ افتراءً وبهتاناً ، أمّا إذا كان كلامنا معتمداً على دليل من نفس كتب أهل السنّة ، فأظنّ ذلك أجدر أن يكون حجّة نحتجّ بها أمام ربّنا تعالى ، ولك الحقّ أن تذكر مورداً واحداً لا يعتمد على دليل ، ومن نفس كتب أهل السنّة ، لكي نقول : نعم هذا دافعه التعصّب.

أمّا دليلنا على أنّ الفرقة الناجية هم الشيعة الإمامية ، فذلك يستند إلى دليلين ، نقلي وعقلي.

ص: 567

أمّا الدليل العقلي ، فيستند إلى مقدّمتين ، المقدّمة الأُولى : أنّ قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « وستفترق أُمّتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كُلّها في النار إلاّ واحدة » (1).

ومعنى ذلك : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قد أشار إلى حدوث اختلاف من بعده ، تفترق فيه أُمّته إلى ثلاث وسبعين فرقة ، فرقة منها ناجية.

أمّا المقدّمة الثانية : لابدّ من تشخيص الفرقة الناجية ، وتشخيصها هكذا : لمّا كان المسلمون قد افترقوا إلى عدّة مذاهب ، كُلّها تقول بإمامة أبي بكر ، وكونه هو الخليفة من بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، واختلفوا فيما بينهم بالجزئيات ، عدا الفرقة الإمامية الاثني عشرية ، فإنّها اختلفت معهم في تقديم علي عليه السلام ، ويتلوه أحد عشر إماماً ، يتبيّن لنا اتفاق جميع الفرق على مشتركٍ واحد ، وهو تقديم أبي بكر على علي عليه السلام ، في حين أنّ الإمامية الاثني عشرية تختلف مع الجميع في تقديم علي عليه السلام ، فقد تبيّن لنا تمييز فرقة واحدة تختلف مع بقية الفرق ، وهو نتيجة قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : أنّ هناك فرقة واحدة لابدّ أن تختلف مع الجميع ، وهي الفرقة الناجية ، فثبت أنّ الإمامية الاثني عشرية هي المختلفة مع الجميع ، وبذلك ستكون هي المشار إليها في قوله صلى اللّه عليه وآله.

أمّا بقية الفرق الشيعية ، فتلك أكثرها منقرضة غير موجودة ، فهي ليست داخلة في مصداق الحديث الشريف ، وما بقي منها - كالإسماعيلية والزيدية - فهي غير متّفقة مع الاثني عشرية ، أمّا الزيدية فتقول بإمامة أبي بكر ، وأمّا الإسماعيلية فلا تقول بإمامة اثني عشر إمام ، فثبت أنّ المذهب الإمامي هو الذي يختلف عن بقية المذاهب الإسلامية الأُخرى ، وليس له معها أيّ مشترك آخر في الإمامة ، وهي الحقيقة التي تشاهدها الآن ، فإنّ جميع الفرق تقول بمشروعية غيرها ، وجميع الفرق في نفس الوقت تتّفق على عدم مشروعية الإمامية الاثني عشرية.

ص: 568


1- سنن الدارمي 2 / 241 ، سنن ابن ماجة 2 / 1322 ، سنن أبي داود 2 / 390 ، الجامع الكبير 4 / 135 ، المستدرك 1 / 128 ، المعجم الكبير 8 / 273.

فثبت أنّ الفرقة التي أشار إليها النبيّ صلى اللّه عليه وآله والمختلفة مع غيرها مطلقاً ، هي الاثنا عشرية ، فهي الفرقة الناجية إذاً.

أمّا الدليل النقلي : فقد روي عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله بألفاظ متعدّدة ، ومضمونها أنّ شيعة علي هم الفائزون ، أي الناجون ، وشيعة علي هم الذين يقولون بإمامته ، وإمامة ولده الأحد عشر إماماً ، وهم الاثنا عشرية.

أضف إلى ذلك حديث الثقلين ، المروي متواتراً في مصادر الفريقين ، الذي يعتبر بمثابة وصية النبيّ صلى اللّه عليه وآله لأُمّته ، وهو قوله صلى اللّه عليه وآله : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً » ، والمتمسّك بهذه الوصية بحذافيرها هم الشيعة.

وكذلك الحديث المشهور المروي في مصادر الفريقين عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « يكون بعدي اثنا عشر أميراً أو خليفة كُلّهم من قريش » ، والفرقة الوحيدة التي تعتقد بإثني عشر خليفة أو أمير هم الشيعة ، الذين عُرفوا بالاثني عشرية ، فثبت أنّ الفرقة الناجية هم الاثنا عشرية ، بالدليلين العقلي والنقلي.

( أحمد - باكستان - سنّي )

هي التي تمسّكت بأهل البيت :

س : قال الرسول محمّد صلى اللّه عليه وآله فيما معناه : « تنقسم أُمّتي إلى بضع وسبعين شعبة ، كُلّها في النار إلاّ واحدة » ، وهي التي اتبعت سنّة الرسول محمّد صلى اللّه عليه وآله ، جعلني اللّه من متّبعي سنّة نبيّه ، وأسال اللّه العليّ القدير لكم الهداية والصلاح.

ج : لقد أخبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بأنّ أُمّته سوف تفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة ، حيث قال : « وستفترق أُمّتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كُلّها في النار إلاّ واحدة ».

ص: 569

والفرقة الناجية هي الفرقة التي تمسّكت بحبل ولاء آل بيت النبيّ المصطفى صلى اللّه عليه وآله ، ورجعت إليهم عليهم السلام في عقائدها ، وعباداتها ، وأحكامها ، وأخلاقها ، وتلك الفرقة هم الشيعة الاثنا عشرية.

وعلى هذا ، فإنّ المقياس لمعرفة وتشخيص الفرقة الناجية ، هو الرجوع إلى أهل البيت عليهم السلام في الولاء ، وفي أُصول الدين وفروعه ، وذلك للأدلّة الكثيرة القرآنية والروائية التي أكّدت وأوجبت الرجوع والولاء إليهم عليهم السلام.

( محبّة أهل البيت - ... - ..... )

من هي؟

س : هناك حديث للرسول صلى اللّه عليه وآله يقول : « تنقسم أُمّتي من بعدي 73 فرقة ، واحدة من هذه الفرق هي الناجية » ، فمن هي الفرقة الناجية وما الدلائل؟!

ج : روى علماء الحديث من الشيعة والسنّة أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال في عدّة مواطن : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً » ، وهذا الحديث هو المعروف بحديث الثقلين ، بلغ حدّ التواتر ، وهو يعدّ وصية من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إلى أُمّته ، فمن عمل بهذه الوصية يكون من الفرقة الناجية ، ومن تركها فليس منها.

وربما قال قائل : بأنّ الحديث روي بلفظ : « كتاب اللّه وسنّتي ».

فنقول : إنّ الحديث المروي بلفظ « كتاب اللّه وسنّتي » ضعيف ضعّفه علماء الحديث ، وعلى فرض صحّته ، فما هي سنّة رسول اللّه؟ ولماذا قال عمر : حسبنا كتاب اللّه؟

والجمع بين الحديثين أولى من طرح أحدهما ، حيث يكون الجمع في علم الحديث بقبول اللفظين ، وحمل لفظ : « وسنّتي » على كون النبيّ صلى اللّه عليه وآله يوصينا بالتمسّك بالسنّة الحقيقية المتمثّلة بعترته عليهم السلام.

ص: 570

ونعلمكم بأنّ حديث الثقلين بلفظ : « كتاب اللّه وعترتي » ، رواه أكثر من ثمانية عشر صحابياً ، منهم : الإمام علي ، والإمام الحسن عليهما السلام ، وأبو ذر ، وسلمان ، وجابر ، وكذلك من رواته : فاطمة الزهراء عليها السلام ، وأُمّ سلمة ، وأُمّ هاني أُخت الإمام علي عليه السلام ، وكذلك رواه المئات من مشاهير الأئمّة في مختلف القرون.

قال المنّاوي : « في هذا الحديث تصريح بأنّهما - أي : القرآن والعترة - كتوأمين خلّفهما ، وأوصى أُمّته بحسن معاملتهما ، وإيثار حقّهما على أنفسهم ، والاستمساك بهما في الدين » (1).

( أبو روح اللّه المنامي - البحرين - 21 سنة - طالب حوزة )

لا يمكن إعطاء ضابطة تحدّد الفرق الإسلامية :

س : سؤالي الأوّل يتعلّق بحديث الافتراق : « ستفترق أُمّتي إلى ثلاثة وسبعين فرقة ، كُلّهم في النار سوى واحدة ... » ، هل هذا الحديث صحيح عندنا نحن الإمامية؟ ومن صحّحه من علمائنا؟

الثاني : ما هي الضابطة والقاعدة لكي نقول : بأنّ هذه المجموعة فرقة إسلامية؟ وفّقكم اللّه لكُلّ خير وصلاح.

ج : الحديث من المشهورات ، وقد رواه الفريقان مع اختلاف في النصوص.

ولقد اختلفت الآراء في صحّة سند الحديث : والذي يجبر ضعف السند هو تضافر نقله ، واستضافة روايته في كتب الفريقين : الشيعة والسنّة بأسانيد مختلفة ، ربما تجلب الاعتماد وتوجب ثقة الإنسان به.

وقد صرّحت أكثر الروايات على وجود فرقة ناجية من بين تلك الفرق الهالكة ، ولذلك كثرت عبارات العلماء في البحث عن تلك الفرقة الناجية.

ص: 571


1- فيض القدير 3 / 20.

ولا يمكن إعطاء ضابطة تحدّد الفرق الإسلامية ، وقد اختلفت الآراء في ذلك ، فهل الفرق تتحقّق إذا اختلفت الأُصول فقط؟ أم أنّ الفرق تتحقّق حتّى في الاختلاف في الفروع؟

ثمّ إنّه هل الاختلاف يتحقّق - وتنشأ الفرق - بالاختلاف في الأُصول والمعارف ، التي ليست مداراً للهداية والضلالة؟ أم أنّ الاختلاف يحصل إذا اختلفت العقائد الإسلامية ، التي يدور عليها فلك الهلاك والنجاة؟ وإذا افترضنا أنّ الأخيرة هي الضابطة ، وربطنا بينها وبين الحديث المتقدّم ، لابدّ أن تكون الفرق المذمومة في الإسلام هي أصحاب الأهواء الضالّة ، الذين خالفوا الفرقة الناجية في مواقع تعدّ من صميم الدين ، كالتوحيد بأقسامه ، والعدل والقضاء والقدر ، والتجسيم والتنزيه ، والجبر والاختيار ، والهداية والضلالة ، ورؤية اللّه سبحانه ، وإدراك البشر له تعالى ، والإمامة والخلافة ونظائرها.

ولكن إذا رجعنا إلى الفرق الإسلامية الواقعة حالياً نجد : أنّ كثيراً يرجع اختلافهم إلى أُمور عقلية أو كونية ، ممّا لا يرتبط بالدين ، أو ما لا يسأل عنه الإنسان في حياته وبعدها ، ولا يجب الاعتقاد به.

ص: 572

الفهرس

السبئية وعبد اللّه بن سبأ

ابن سبأ بين الأسطورة والواقع... 7

طعن علماء السنّة بابن سبأ... 8

تعليق على الجواب السابق وجوابه... 10

وجود ابن سبأ محلّ نظر... 13

السجود على التربة

أدلّة وضع الجبهة على الأرض... 17

حكمته... 19

أمر مستحبّ لا واجب... 20

يوجب الاطمئنان من طهارتها... 21

السجود على الثوب مع العذر... 22

سجود الشيعة على التربة الحسينية... 22

لا يقاس بالتيمّم... 25

سرية أُسامة

ثبوت اللعن عقلاً ونقلاً لمن تخلّف عنها... 27

ص: 573

عدم خروج علي فيها... 29

الكفاءات لا تحسب بالسنّ والوجاهات... 30

خروج جميع الصحابة فيها... 30

السقيفة

كما في الاحتجاج للطبرسي... 33

الشطرنج

سبب تحريمها... 37

مصادر حرمتها... 38

حكم اللعب بها وبالنرد... 39

القائلون بحرمتها من أهل السنّة... 41

الشفاعة

لا يستحقّها الظالم لأهل البيت... 43

رواياتها في كتب العامّة... 44

في الكتاب والسنّة... 46

لا تنال شفاعتنا من استخف بصلاته... 47

تكون للأنبياء والأئمّة والشهداء و... 48

شفاعة المعصوم تحقق إرادة اللّه... 49

تشمل أهل المعاصي لا النواصب... 50

الشهادة الثالثة في الأذان

الأدلّة على جوازها... 53

ص: 574

أذان الشيعة من مصادر أهل السنّة... 55

تعقيب على الجواب السابق... 58

الشورى

معنى ( وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ) ... 59

ليست مشروعة في تعيين الخليفة... 60

ليست أساس الحكم والخلافة... 62

الشيعة

دفع تهم عنهم... 63

تعقيب على الجواب السابق... 66

تعقيب ثاني على الجواب السابق... 69

الأئمّة لم يذمّوا شيعتهم... 76

موقفهم من أهل السنّة... 80

كيفية انتشارها في إيران... 80

يعتمدون على الكتاب والعترة في إثبات مذهبهم... 82

الفرق بينهم وبين السنّة... 83

من علامات الشيعي التختم باليمين... 84

الفرق بينهم وبين العلويين... 85

منها الإخبارية والشيخية والأُصولية... 85

لو ميّزت شيعتي ما أجدهم إلاّ واصفة... 86

الفرق بينهم وبين الصوفية... 87

لا تألّه غير اللّه تعالى... 88

ص: 575

اعتمدوا على القرآن والسنّة والعقل... 88

ما كانت في عهد الرسول سنّة ولا شيعة... 89

أحاديث في فضلهم من مصادر السنّة... 90

نصيحة في جواب رسالة النصح... 92

توضيح المذهب الشيعي... 100

بالمعنى الأعم والأخص... 101

يدخّنون في المساجد... 102

تكفير ابن باز لهم... 103

تأسيسهم للعلوم المختلفة... 105

يتأثّرون بالقرآن ويخشونه... 109

ليسوا هم قتلة الحسين عليه السلام... 110

لغة واصطلاحاً وتاريخاً... 116

لا توجد فيها المفضّلة... 118

لا يتجاوزون على غيرهم مع القدرة... 119

الاستبصار عمل يثاب عليه... 120

هم اتباع أهل البيت... 121

عقائدهم تثبت بالعقل والنقل... 124

الصحابة

بين الجرح والتعديل... 127

ليس كُلّهم عدول... 127

تعقيب على الجواب السابق... 129

آية البيعة لا تدل على عدالتهم... 129

ص: 576

تعقيب على الجواب السابق... 131

منهم المؤمن ومنهم المنافق... 132

عدم ثبوت عدالتهم في نقل الحديث... 134

أحدثوا بعد الرسول بنص حديث الحوض... 135

الآيات النازلة في حقّهم لا تعمّ الجميع... 138

من التزم منهم بوصية الرسول فهو ممدوح... 141

حديث لا تسبّوا أصحابي... 142

تساؤلات؟... 142

حديث خير القرون قرني... 144

الرسول لم يصلحهم... 146

تفسير آية ( محمّد رَّسُولُ اللّهِ ... ) ... 149

حقيقة الخلاف حولهم بين الشيعة والسنّة... 156

عدم ثبوت توبة طلحة والزبير... 158

لا يصحّ الترضي على جميعهم... 159

نكثوا البيعة... 161

نبحث حولهم لضمان سلامة ديننا... 162

كمال بعضهم نسبي لا مطلق... 164

في بيعة الرضوان... 166

الصلاة

كيفية صلاة المعصومين... 169

كيفية السلام في صلاة الشيعة... 170

التخيير بين الحمد والتسبيحات الأربعة... 172

ص: 577

حكم صلاة الجمعة في عصر الغيبة... 173

ما يقرأ في القنوت والركعتين الأخيرتين... 174

التكبيرات الثلاث بعدها... 174

طهارة المولد شرط في إمامة الجماعة... 175

كيفية المواظبة على صلاة الصبح... 176

أهمّيتها عند المؤمن... 177

حول صلاة الجمعة... 181

لا تصحّ خلف الفاجر... 182

كراهة لبس السواد فيها... 184

وجوب صلاة الجمعة تخييري... 184

الأدلّة على رفع اليدين بالتكبير... 186

صلاة التراويح

هي من سنّة عمر لا من سنّة الرسول... 191

صلاة ابتدعها عمر... 192

أدلّة مشروعيتها عند أهل السنّة... 193

تعقيب على الجواب السابق... 195

نهى عنها الإمام علي عليه السلام... 200

وفرقها مع صلاة جعفر الطيّار... 201

الصلاة عند القبور

ليست محرّمة... 203

الأدلّة على جوازها... 204

ص: 578

لا ينافي قول : اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد... 206

الصوم

الإفطار في السفر واجب... 209

انغماس الرأس بالماء مبطل له... 213

أكل ما لا يعتاد أكله يفسده... 214

صوم يوم عاشوراء

صومه في مصادر أهل السنّة... 215

صيامه من مبتدعات الأُمويين... 216

تعقيب على الجواب السابق... 218

الطهارة والنجاسة

الكلب نجس... 223

الكافر نجس... 224

النجاسات عشرة... 225

عائشة بنت أبي بكر

زواج النبيّ صلى اللّه عليه وآله منها... 227

عدم تأثير وشايتها على الرسول... 231

معنى الطلاق في وصية الرسول... 232

منزّهة عن الفحشاء ومتّهمة بالإفك... 233

خروجها على الإمام علي يوم الجمل... 235

آيات نزلت فيها... 236

ص: 579

وفاتها ومدفنها والصلاة عليها... 237

قولها : ما وجدتَ إلاّ فخذي!... 237

وما ترويه من خُلق النبيّ... 240

حكمها في الدنيا الإسلام... 241

خلاصة حرب الجمل... 241

تفسير القمّي في قوله تعالى : ( فَخَانَتَاهُمَا ) ... 243

القمّي والبرسي والمجلسي واتهامهم لها بالفاحشة... 244

موقفها من دفن الحسن... 246

كانت مخطئة ومخالفة لأمر اللّه ورسوله... 250

كانت تعلم بمبايعة الناس لعلي عليه السلام... 252

عالم الذرّ

بحث مفصّل للعلاّمة الطباطبائي حوله... 257

تأثيره في وجود الإنسان... 288

آراء المفسّرين حوله... 289

عثمان بن عفّان

زواجه من بنات النبيّ... 293

مخالفته للنصوص والسنن... 294

رأي الصحابة فيه... 294

العصمة

عصمة الأئمّة في كتب أهل السنّة... 303

ص: 580

حدودها... 305

رأي الإمامية في عصمة الأنبياء... 305

عصمة الأئمّة في القرآن... 309

الأدلّة على عصمة الأنبياء... 311

عصمة الأئمّة في التشريع وغيره... 313

تفسير قوله : ( هَمَّتْ بِهِ هَمَّ بِهَا ) ... 314

عصمة الأئمّة ليست جبرية... 315

الأدلّة العقلية عليها... 316

لا تشمل الصحابة... 318

عصمة الأنبياء في رأي الفريقين... 318

تعليق على الجواب السابق وجوابه... 319

الإمام معصوم منذ الولادة... 321

النبيّ والأئمّة خلّص عباد اللّه فعصمهم... 321

تعليق على الجواب السابق وجوابه... 322

الجبر والاختيار فيها... 323

آية ابتلاء إبراهيم... 323

التوفيق بين ترك الأُولى لآدم وتوبته... 325

مسألة خروج آدم من الجنّة... 326

الفرق بين اختيار المعصوم بالإمكان الذاتي وحتمية العصمة بالإمكان الوقوعي... 329

آية التطهير تدلّ على عصمة أهل البيت... 330

غير واجبة في حقّ العلماء... 331

صلح الحسن وقتال الحسين لا ينفي عصمتهما... 333

ردّ توهّمات أهل السنّة في عصمة النبيّ... 335

ص: 581

النبيّ لم يكن مخاطباً في قوله : ( وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ ... ) ... 339

معالجة الآيات الواردة خلافها... 340

نسيان موسى ليس حقيقياً... 347

الفرق بين الأمر المولوي والإرشادي... 348

تأويل ما يوحي نسيان المعصوم... 350

تحصل بسبب علم المعصوم الحضوري... 352

تأويل نسيان موسى... 354

طلب المعصوم تخفيف سكرات الموت لا يدلّ على ارتكابه للمعصية... 356

عصمة الملائكة واجبة... 357

علم المعصوم

علمه بالطعام المسموم... 359

يشمل الموضوعات الخارجية... 363

علمه بيوم موته... 363

وظيفة المعصوم العمل بالظاهر... 365

وظيفة المعصوم ترتيب الأثر على الظاهر... 365

كيف ينسجم مع عزل علي لقيس بخدعة من معاوية... 367

معنى علمه الناسوتي واللاهوتي... 369

الفرق بينه وبين علم اللّه... 370

ثابت بسبب تعليم من اللّه... 371

لا يتنافى مع قوله ( لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ) ... 373

ص: 582

عمر بن الخطّاب

عدم انطباق ما جاء في الإنجيل عليه... 375

شكّه في يوم الحديبية... 381

تركه لشرب الخمر... 382

بعض ما اتصف به... 383

ما ورد حوله في مصادر أهل السنّة... 384

تعليق على الجواب السابق وجوابه... 388

اعتداؤه بالقول على الرسول... 392

لا يتوب اللّه عليه ما دام غاصباً... 393

تلبّسه بالخلافة وتغييره لأحكام اللّه... 394

كان من المنهزمين يوم أُحد... 395

قوله لولا علي لهلك عمر... 396

الاحتفال في اليوم التاسع من ربيع الأوّل... 397

ما ورد من رثائه في نهج البلاغة... 398

نصحه الإمام علي بعدم غزو الروم... 399

تعقيب على الجواب السابق... 401

اعتراضاته... 401

العولمة والحداثة

موقف الإسلام منهما... 407

المجتمع الحديث... 409

ص: 583

الغدير

دلالة حديث الغدير على إمامة علي عليه السلام... 411

عيد من الأعياد الإسلامية... 412

نزول آيتي البلاغ والإكمال في علي... 413

أحد الأدلّة على إمامة علي... 415

المولى بمعنى الإمام لا المحب والنصير... 416

بلّغ الرسول فيه لا في نفس الحجّ... 417

تحقيق حول معنى المولى... 418

عصم النبيّ فيه من القتل والتكذيب... 422

أمر التبليغ بولاية علي كانت فيه... 424

الغسل

كيفية تغسيل الميت التالف... 427

عندنا يختلف عن الغسل عند أهل السنّة... 429

الإمام عليه السلام يحتاج إليه... 430

الغلوّ

لا غلوّ في حبّ علي وما قاله... 431

ليس في خطبتي البيان والطتنجية غلوّ... 435

ليس عندنا غلوّ... 439

الغناء والموسيقى

نصوص التحريم... 441

ص: 584

حرمتهما عقلاً... 443

تعريف الغناء وروايات في تحريمه... 445

الغيبة

الدليل العقلي على غيبة الحجّة... 449

كيفية الانتفاع بالإمام المهدي في غيبته... 450

الحيرة الموجودة لا تنفي وجود حكمتها... 451

عدم خلو الأرض من حجّة لا تناقض الغيبة... 453

أسباب غيبة الإمام المهدي... 453

تعقيب على الجواب السابق... 456

غيبة المهدي لا تنفي مصلحة وجوب وجوده... 457

لا يطرأ عليها البداء... 459

شبهات وردود حول مسألة السرداب... 459

العامل في عصرها كالعامل في عصر الظهور... 467

من أسبابها... 469

فاطمة الزهراء عليها السلام

التهديد بحرق بابها في كتب أهل السنّة... 471

موقفها من أبي بكر... 474

مصادر شيعية في كسر ضلعها... 475

تسبيحتها وكيفيته... 476

قضيتها عقائدية لا تاريخية محضة... 477

بعض الأدلّة على عصمتها... 479

ص: 585

نزول الملائكة عليها... 479

معنى : ولولا فاطمة لما خلقتكما... 486

تفسير : السرّ المستودع فيها... 489

معنى : السرّ المستودع فيها... 489

مصادر ضربها وإسقاط جنينها... 490

مظلوميتها ثابتة... 491

لها خادمة لا ينافي زهدها... 492

مظلوميتها من أساسيات المذهب لا من المسائل التاريخية... 493

قولها « خير للمرأة أن لا ترى رجلاً » لا يعارض خطبتها في المسجد... 494

سبب خروجها لباب دارها عند هجوم القوم... 495

كان علي في بيتها عند هجوم القوم... 496

وصية النبيّ لعلي تشمل السكوت عند ضربها... 497

السبب في عدم دفاع الإمام علي عنها... 498

قبرها مجهول... 500

خطبتها في مصادر أهل السنّة... 500

ما هو لوحها... 501

العوامل التي أغضبتها... 502

الهجوم على دارها بعد خطبتها... 503

بكاؤها على أبيها... 504

فدك... 511

غصبها... 511

السكوت عنها... 512

من ردّها إلى أهل البيت... 512

ص: 586

لم يرجعها علي أيّام خلافته... 513

المراد من الإرث المعنى اللغوي لا الفقهي... 514

فرق ومذاهب

العلاقة بين العلوية والنصيرية... 517

الطائفة اليزيدية... 519

عقيدة اليزيديين... 521

فرقة الكرامية... 522

حركة القرامطة حركة سياسية... 523

الإخبارية وإنكارهم للعقل... 524

عقائد الشيخية... 525

العلويون... 527

نقطة الخلاف بين الشيعة وبقية المذاهب... 528

الفرق بين الاخباريين والأُصوليين... 529

الحركة البهائية حركة استعمارية... 529

الدولة الفاطمية كانت إسماعيلية... 530

تعقيب على الجواب السابق... 534

عقائد الأشاعرة... 535

تقسيم العلماء إلى إخباريين وأُصوليين لا يثير الفتنة... 535

تعقيب على الجواب السابق... 536

طرق الصوفية ممتزجة بين الحقّ والباطل... 537

ص: 587

الفوارق والمشتركات بين الشيعة والمعتزلة... 537

الفرق بين الأُصولية والإخبارية والشيخية... 543

الفرق بين المعتزلة والأشاعرة... 544

معنى المرجئة... 545

الديانة الأحمدية وعقائدها... 545

بحث موضوعي عن الشيخية... 547

الفرقة الناجية

الشيعة الإمامية هم الفرقة الناجية... 567

هي التي تمسّكت بأهل البيت... 569

من هي؟... 570

لا يمكن إعطاء ضابطة تحدّد الفرق الإسلامية... 571

الفهرس... 573

ص: 588

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.