موسوعة الأسئلة العقائديّة المجلد 2

هوية الكتاب

المؤلف: مركز الأبحاث العقائديّة

الناشر: مركز الأبحاث العقائدية

المطبعة: ستاره

الطبعة: 1

الموضوع : العقائد والكلام

تاريخ النشر : 1429 ه.ق

ISBN (ردمك): 978-600-5213-02-7

المكتبة الإسلامية

موسوعة

الأسئلة العقائدية

المجلد الثاني

تأليف

مركز الأبحاث العقائدية

ص: 1

اشارة

مركز الأبحاث العقائدية :

إيران - قم المقدسة - صفائية - ممتاز - رقم 34

ص . ب : 3331 / 37185

الهاتف : 7742088 (251) (0098)

الفاكس : 7742056 (251) (0098)

العراق - النجف الأشرف - شارع الرسول (صلى اللّه عليه وآله)

جنب مكتب آية اللّه العظمى السيد السيستاني دام ظله

ص . ب : 729

الهاتف : 332679 (33) (00964)

الموقع على الإنترنيت : www.aqaed.com

البريد الإلكتروني : info@aqaed.com

شابِك ( ردمك ) :3-00-5213-600-978

شابِك ( ردمك ) :0-01-5213-600-978

موسوعة الأسئلة العقائدية المجلد الأول

تأليف

مركز الأبحاث العقائدية

الطبعة الأولى - 2000 نسخة

سنة الطبع: 1429ه

المطبعة : ستارة

الفلم والألواح الحسّاسة : تيزهوش

* جميع الحقوق محفوظة للمركز *

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 3

ص: 4

دليل الكتاب

الإمام علي عليه السلام... 7

الإمام الحسن عليه السلام... 159

الإمام الحسين عليه السلام... 183

الإمام السجاد عليه السلام... 235

الإمام الباقر عليه السلام... 241

الإمام الصادق عليه السلام... 245

الإمام الكاظم عليه السلام... 251

الإمام الرضا عليه السلام... 255

الإمام الجواد عليه السلام... 261

الإمام الهادي عليه السلام... 269

الإمام العسكريّ عليه السلام... 273

الإمام المهديّ عليه السلام... 281

الإمامة... 347

أُمّهات المؤمنين... 393

أهل البيت عليهم السلام... 401

أهل السنّة... 477

أهل الكتاب... 489

الفهرس... 507

ص: 5

ص: 6

الإمام علي عليه السلام :

اشارة

( نور الزهراء - إيران - .... )

إسلامه وفضائله :

س : لقد وردت هذه الشبهة في الموسوعة البريطانية تحت عنوان « علي » :

« علي » فتى أسلم على يد ابن عمّه محمّد صلى اللّه عليه وآله ، لكن إسلامه إسلام تبعية طفل لشخص أكبر منه ، كعادة الأطفال ، يأخذون الأشياء بشكل عفويّ ، وليس تعقليّ ، فلا فضل له.

ووردت شبهة للجاحظ في الرسالة العثمانية : أنّ أبا بكر وعمر أفضل من علي ، والدليل : إنّ أبا بكر سنين طويلة يعبد الأصنام ، ويشرب الخمر ، حتّى تأصّلت في نفسه هو وجماعته ، فتركه للأصنام والخمر صعب ، فعندما تركها فَعَلَ أمراً صعباً ، والإمام علي لم يواجه صعوبة ؛ لأنّه لم يعبد صنماً ، ولم يشرب خمراً.

فنريد منكم التفضّل بالإجابة.

ج : ينحلّ السؤال إلى سؤالين :

أمّا الأوّل : إنّ إسلام أمير المؤمنين عليه السلام كان في صباه ، وهو صرف تعبّد ، وتبعية محضة ليس فيها أيّ نوع تعقّل أو تدبّر.

وثانياً : إنّه لا فضيلة ثمّة في إسلامه ، إذ هو عليه السلام لم يعان مصائب الشرك ، وذلّ المعصية و ....

ولنقدّم مقدّمة مختصرة ثمّ ندخل البحث ، وهي : إنّنا لا نحسب السائل

ص: 7

بحاجة لسرد النصوص النبوية والعلوية ، وكلمات الأصحاب والعلماء في كون أمير المؤمنين عليه السلام أوّل القوم إسلاماً ، وأقدمهم إيماناً ، وأوّل من استجاب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وصدّقه ، ودخل في الإسلام ، وأوّل من صلّى وركع وسجد لله سبحانه ، بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأوّل من وحّد اللّه سبحانه وعبده ، وأوّل السابقين إلى الدين ، و ....

كلّ هذه أُمور تناقلتها رواة العامّة أكثر من الخاصّة ، وأُلّفت فيها المؤلّفات ، وأثبتها الثقات ، وعلينا إثبات ذاك إن لزم.

ثمّ بعد ذاك ، لماذا كان يأخذ صلى اللّه عليه وآله بيد أمير المؤمنين عليه السلام في الملأ الصحابيّ ، ويقول : « إنّ هذا أوّل من آمن بي ، وهذا أوّل من يصافحني يوم القيامة ... »(1).

أو قوله صلى اللّه عليه وآله : « أوّلكم وارداً على الحوض أوّلكم إسلاماً علي بن أبي طالب ... »(2)؟! أو غير ذلك.

وكذلك الحديث الصحيح الذي رواه ابن ماجة في سننه عن علي بن أبي طالب عليه السلام إذ يقول : « أنا الصدّيق الأكبر ، صلّيت قبل الناس بسبع سنين ، لا يقولها بعدي إلاّ كذّاب ».

فهو يفتخر بإسلامه وصلاته قبل الناس ، وذاك لوحده دليل على أنّ تلك منقبة وفضيلة ، وإلاّ لو لم تكن كذلك لما كان لاستدلاله بها معنىً.

كلّ هذا مهمّ جدّاً ، إلاّ أنّا نطوي عنه صفحاً فعلاً ، ونضطرّ - من باب المثال - لسرد واقعتين صغيرتين ، أقرّها القرآن الكريم ، وتسالمت عليها السنّة النبوية ، كلّ ذلك بشكل مجمل جدّاً ومختصر ، نطوي تفاصيله ونجمل لفظه

ص: 8


1- الأمالي للشيخ الصدوق : 274 ، الإرشاد 1 / 32 ، مجمع الزوائد 9 / 102 ، المعجم الكبير 6 / 269 ، شرح نهج البلاغة 13 / 228 ، نظم درر السمطين : 82 ، كنز العمّال 11 / 616 ، فيض القدير 4 / 472 ، تاريخ بغداد 9 / 460 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 41 ، أُسد الغابة 5 / 287 ، سير أعلام النبلاء 23 / 79 ، الإصابة 7 / 294 ، ينابيع المودّة 1 / 195 و 244 و 387.
2- المستدرك 3 / 136 ، شرح نهج البلاغة 4 / 117 ، كنز العمّال 11 / 616.

وتأويله ، كي نستنتج ما نبغيه منه.

الأُولى : هو حديث العشيرة في بدء الدعوة ، حيث أخرجه غير واحد من الأئمّة الحفّاظ ، ونقلته كتب الصحاح والمسانيد عند العامّة ، وتلقّي بالقبول ، بل أرسل إرسال المسلّمات.

وحاصله : إنّه لمّا نزل قوله سبحانه : ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) (1) ، قال أمير المؤمنين عليه السلام : « دعاني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فقال لي : يا علي ، إنّ اللّه أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين ... وقد أمرني اللّه تعالى أن أدعوكم إليه ، فأيّكم يوازرني على هذا الأمر؟ على أن يكون أخي ووصيي ، وخليفتي فيكم؟

قال : فأحجم القوم عنها جميعاً ، وقلت وإنّي لأحدثهم سنّاً ، وأرمصهم عيناً ، وأعظمهم بطناً ، وأحمشهم ساقاً : أنا يا نبيّ اللّه ، أكون وزيرك عليه ، فأخذ برقبتي ثمّ قال : إنّ هذا أخي ، ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا ، قال : فقام القوم يضحكون ، ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع ... »(2).

والثانية : حديث ليلة المبيت ، ولبس أمير المؤمنين عليه السلام بُرد النبيّ صلى اللّه عليه وآله الحضرمي الأخضر ، ونومه على فراشه ليلة خروج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله من مكّة بعد أذية المشركين له ، وفداه عليه السلام بنفسه ، ونزول قوله عزّ من قائل : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ ... ) (3).

ويكفينا قول ابن أبي الحديد نقلاً عن أُستاذه أبي جعفر الإسكافي قال : « لأنّه ثبت بالتواتر حديث الفراش ، فلا فرق بينه وبين ما ذكر في نصّ

ص: 9


1- الشعراء : 213.
2- تاريخ الأُمم والملوك 2 / 62 ، كنز العمّال 13 / 114 ، شرح نهج البلاغة 13 / 211 ، جواهر المطالب 1 / 80 ، جامع البيان 19 / 149 ، شواهد التنزيل 1 / 486 ، تفسير القرآن العظيم 3 / 364 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 49 ، السيرة النبوية لابن كثير 1 / 459.
3- البقرة 207.

الكتاب ، ولا يجحده إلاّ مجنون ، أو غير مخالط لأهل الملّة »(1).

وقد روى المفسّرون كلّهم : أنّ قول اللّه تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي ... ) نزلت في الإمام علي عليه السلام ليلة المبيت على الفراش.

ولا نودّ التفصيل فيها أو ذكر مصادرها ، إذ كفانا العلاّمة الأميني ( قدس سره ) في الغدير(2) ، فقد ذكر لها أكثر من ثلاثين مصدراً ، وأسهب في الحديث عنها مفصّلاً.

والمهمّ عندنا ليس نقل الواقعة ، ولا لفظها ومدلولها ، إذ - كما قلنا - هناك تواتر إجمالي على معناها ، والمهمّ فيها عندنا أنّنا نتساءل بحقّ جميع المقدّسات ، ليرجع كلّ عاقل منصف إلى ضميره ، ويرى هل يؤتمن على سرّ النبوّة والنواميس الإلهيّة ومقدّسات الأُمّة طفل ابن خمس سنين ، أو سبع سنين؟ وهو ليس أهل لحمل أعباء أمانة السماء وشؤون الوصاية؟!

وكيف نفسّر وضع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يده في يده ، ويعطيه صفقة يمينه بالأخوّة والوصاية والخلافة ، إلاّ وهو أهل لذلك؟ وهل أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله - لا سمح اللّه - يتجاهل؟ أو - والعياذ باللّه - يفعل ما لا يرضاه اللّه سبحانه؟ أو ينطق عن الهوى؟! وما بال هذا الطفل لم يأنس بأقرانه ، ولم يلصق بأشكاله ، ولم يلاعب الصبيان ، أو يشكّك أو يتذبذب طوال مسيره الرسالي؟!

ولماذا قبلت منه السماء هذه المعاملة المقدّسة ( يَشْرِي ) ؟! وهل تصحّ المعاملة مع ليس هو أهل لذلك؟! أم هل يكون مثل هذا من صبي؟! والرسول يعامله معاملة الوزارة والوصاية آنذاك ، بحيث إنّ ذاك أصبح مرتكز الجميع ، وعيّر أبو طالب بذاك! ألا يفهم من هذا أنّه فوق كلّ الرجال؟

ثمّ لنا أن نتساءل : لو لم يقبل إسلامه فمتى إذاً أسلم وقُبل إسلامه؟ هل حدّثنا التاريخ بمثل هذا؟!

ص: 10


1- شرح نهج البلاغة 13 / 261.
2- الغدير 2 / 47.

وإذا لم يكن ثمّة فضيلة لإسلام أمير المؤمنين عليه السلام فلماذا باهى القوم بذاك؟ وصرّح الرسول صلى اللّه عليه وآله به ، ولم يخالفه أحد ، ولا ردّ عليه ، وتأتي حثالة حاقدة مريضة بعد قرون كي تنفث سمومها ونصبها بكلمات معسولة؟! وما أحسن ما قيل : إنّ القول الباطل لا حدّ له ولا أمد.

وبعد كلّ هذا ، فإنّ الكلّ يعلم : إنّ تاريخ النصب والحقد وقف أمام أمير المؤمنين عليه السلام طوال ما بعد الرسالة ، حتّى أوصله إلى اللعن سبعين سنة على المنابر ، وقتل كلّ من يتسمّى باسمه ، ولم ينبز أحد بمثل هذا الذي أولده الفكر البريطاني في موسوعته ، و ...

ويعجبنا هنا ذكر ما وجدناه بعد ذلك عن نصّ ما أورده الحافظ محمّد بن جرير الطبري في كتابه المسترشد ، حيث هو أجمع وأدق ممّا ذكرناه ، قال : « زعمت البكرية أنّ إسلام علي عليه السلام إسلام الصبيان ، ليس كإسلام المعتقد العارف المميّز ..!

فقلنا لهم : هل لزم علياً اسم الإسلام وحكمه أم لا؟ فلابدّ من نعم.

ثمّ قلنا لهم : فما معنى قولكم : إسلام علي؟! أقلتم على المجاز أم على الحقيقة؟ فإن قالوا على الحقيقة بطلت دعواهم ، وإن قالوا على المجاز فقد سخفوا قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أن يكون دعا إلى الإسلام من لا يعقل ، ولا تقوم حجّة اللّه عليه!

ثمّ يقال لهم : فعلي عليه السلام عرف وأقرّ ، أو لم يعرف ولم يقرّ؟ فإنّ قالوا : عرف وأقرّ ، فقد بطل قولهم ، وإن قالوا : أقرّ ولم يعرف ، قيل لهم : فلِم سمّيتموه مسلماً ولمّا يسلم؟! فإن اقترف ذنباً هل يقام على من يلزمه هذا الاسم حدّ أو لا يقام عليه؟! فلابدّ من الجواب!

ثمّ يسألون : هل انتقل عن حالته التي هو عليها مقيم؟ فإن قالوا : انتقل ، فقد أقرّوا بالإسلام ، وإن قالوا : لم ينتقل ، فمحال أن يسمّوه باسم لم ينتقل إليه ، ولا يجوز أن يسمّى غير المسلم مسلماً.

ص: 11

ويقال لهم : فهل دعاه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أو لم يدعه؟ فإن قالوا : قد دعاه ، قيل لهم : دعا من يجب أن يدعوه ، أو من لم يجب أن يدعوه؟ فان قالوا : من طريق التأدّب لا من طريق الفرض ، قيل لهم : فهل يجب هذا في غيره من اخوته وبني عمّه ، أو في أحد الناس؟ ولم يخصّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله علياً عليه السلام بالدعوة ، وأفرده من بين العالم إلاّ لعلّة فيه خاصّة ، ليست في غيره ... ».

ثمّ ذكر شواهد لذلك وقال : « أفما وقفت على أنّ هذا الرجل - يعني أمير المؤمنين عليه السلام - مخصوص بأشياء هي محظورة على غيره ، كسدّ أبواب الناس ، وفتح بابه؟ أو ليس قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله له أن يجنب في هذا المسجد ، وليس ذلك لغيره ، وهذه أسباب لا يدفعها من آمن باللّه إلاّ من جرى على العناد!

ويقال لهم : أخبرونا عن علي عليه السلام حيث دعي ، لو لم يجب إلى ما دعي إليه أكانت تكون حالته كالإجابة إلى ما دعي إليه؟ فإن قالوا : الحالتان واحدة ، فقد أحالوا تسميتهم إيّاه مسلماً ، وإن قالوا : حالته خلاف حالته الأُولى ، فقد أقرّوا أيضاً بما أنكروه ».

وختم كلامه بقوله : « ثمّ يسألون عن علي عليه السلام فيقال لهم : أليس كان في أمره مصمّماً ، وعلى البلايا صابراً ، ولملازمة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله والرغبة في خدمته مؤثراً ، ولأبويه مفارقاً ، ولأشكاله من الأحداث مبايناً ، ولرفاهية الدنيا ولذّاتها مهاجراً ، قد لصق برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يشاركه في المحن العظام ، والنوازل الجسام ، مثل حصار الشعب ، والصبر على الجوع ، والخوف من احتمال الذلّ ، بل هو شبيه يحيى بن زكريا عليه السلام في الأشياء كلّها غير النبوّة ، وأنّه باين الأحداث في حال حداثته ، والكهول في حال كهالته.

ويقال لهم : أخبرونا هل وجدتم أحداً في العالم من الأطفال والصغار والكبار من قصّته كقصّة علي عليه السلام؟ أو تعرفون له عديلاً أو شبيهاً؟ أو تعلمون أنّ أحداً أخصّ بما خصّ به؟ كلا ، ولا يجدون إلى ذلك سبيلاً ، فلذلك جعله المصطفى صلى اللّه عليه وآله

ص: 12

أخاه ، ووزيراً لنفسه ، ومن بعده وزيراً ووصيّاً وإماماً » (1).

أمّا السؤال الثاني ، فهو أكثر طرافة من الأوّل وأوقع ، إذ لم نكن نعرف أنّ عدم عبادة الصنم ، وشرب الخمر ، أصبح رذيلة وتركها فضيلة! إلى أيّ حدّ تنقلب المقاييس ، وتمزّق الموازين ، وتنحطّ المُثل ، ويصبح المعروف منكراً ، والمنكر معروفاً ، ولو صحّ مثل هذا ، فهو في رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أشكل ، إذ لم نعرف منه أنّه عبد صنماً ، ولا شرب خمراً!

وأخيراً : لو كان مثل هذا فضيلة عند القوم ، وعدّوها كرامة لهم ، لتبجّجوا بها ، وطبّلوا وزمّروا عليها ، وناشدوا أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بذلك ، خصوصاً يوم السقيفة ، حيث لم يجدوا لهم فضيلة سوى كونهم من قريش ، أو الهجرة ، مع لحى طويلة! وعمر أكبر!

ويعلم اللّه ويشهد أنّه يعزّ علينا أن نشغل أوقاتنا بردّ مثل هذه السفاسف والسفسطات لولا خوفنا من أن تنطلي على بعض ضعفاء العقول من المسلمين ، والبسطاء من المؤمنين ، ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه العلي العظيم.

( يوسف إبراهيم القلاف - الكويت - .... )

أسماؤه وألقابه :

س : ما هي أسماء الإمام علي عليه السلام؟

ج : هي : علي وحيدر سُمّي بهما قبل الإسلام ، وبعده سُمّي بالمرتضى ، ويعسوب المؤمنين ، والأنزع البطين ، وأبي تراب ، وغيرها من الأسماء.

وللمزيد من التفصيل حول أسمائه عليه السلام راجع كتاب بحار الأنوار (2).

وحول تسميته عليه السلام بحيدر ، قال العلاّمة المجلسيّ ( قدس سره ) : ( وكان اسمه الأوّل

ص: 13


1- المسترشد : 479.
2- بحار الأنوار 35 / 45.

الذي سمّته به أُمّه حيدرة باسم أبيها أسد بن هاشم ، والحيدرة : الأسد ، فغيّر أبوه اسمه ، وسمّاه عليّاً.

وقيل : إن حيدرة اسم كانت قريش تسميه به ، والقول الأوّل أصحّ ، يدلّ عليه خبره ، يوم برز إليه مرحب ، وارتجز عليه فقال : أنا الذي سمّتني أُمّي مرحباً ، فأجابه عليه السلام : « أنا الذي سمّتني أُمّي حيدرة » )(1).

وحول تسميته بالمرتضى قال ابن شهرآشوب : ( وفي خبر : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله سمّاه المرتضى ، لأنّ جبرائيل عليه السلام هبط إليه فقال : « يا محمّد ، إنّ اللّه تعالى قد ارتضى عليّاً لفاطمة ، وارتضى فاطمة لعلي ».

وقال ابن عبّاس : كان عليّاً عليه السلام يتّبع في جميع أمره مرضاة اللّه ورسوله ، فلذلك سمّي المرتضى )(2).

وحول تسميته بيعسوب الدين ، فقد ورد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « علي أوّل من آمن بي ، وأوّل من يصافحني يوم القيامة ، وهو يعسوب المؤمنين »(3).

وقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « يا علي أنت يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الظالمين ».

وحول تسميته بالأنزع البطين فقد ورد عن الرضا ، عن آبائه عليهم السلام قال : « قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : يا علي إنّ اللّه قد غفر لك ولأهلك ، ولشيعتك ومحبّي شيعتك ، ومحبّي محبّي شيعتك ، فأبشر فإنّك الأنزع البطين ، منزوع من الشرك ، بطين من العلم »(4).

ص: 14


1- بحار الأنوار 35 / 45 ، وانظر الرواية في الإرشاد 1 / 127 ، شرح صحيح مسلم 12 / 185 ، فتح الباري 7 / 367 و 13 / 314 ، الطبقات الكبرى 2 / 112 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 16 و 91 ، جواهر المطالب 1 / 179 ، ينابيع المودّة 2 / 144 ، تاج العروس 7 / 85.
2- مناقب آل أبي طالب 2 / 304.
3- الأمالي للشيخ الطوسيّ : 148 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 42 ، أُسد الغابة 5 / 287 ، الإصابة 7 / 294 ، أنساب الأشراف : 118 ، كشف الغمّة 2 / 12 ، ينابيع المودّة 1 / 244 و 387.
4- عيون أخبار الرضا 1 / 52.

وحول تسميته بأبي تراب قال العلامة المجلسيّ قدّس سرّه : ( البخاريّ ومسلم والطبري وابن البيع وأبو نعيم وابن مردويه : إنّه قال بعض الأمراء لسهل بن سعد : سبّ عليّاً ، فأبى ، فقال : أمّا إذا أبيت فقل : لعن اللّه أبا تراب ، فقال : واللّه إنّه إنّما سمّاه رسول اللّه بذلك ، وهو أحبّ الأسماء إليه )(1).

( جاسم كمال - الكويت - .... )

كنيته بأبي تراب :

س : لماذا كنّي الإمام علي عليه السلام ب- « أبو تراب »؟

ج : إنّ للإمام أمير المؤمنين عليه السلام عدّة ألقاب وكنى ، قد كنّاه بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ومن تلك الكنى أبو تراب.

فقد أخرج الشيخ الصدوق بإسناده عن عباية بن ربعي قال : ( قلت لعبد اللّه ابن عباس : لم كنّى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عليّاً أبا تراب؟

قال : لأنَّه صاحب الأرض ، وحجّة اللّه على أهلها بعده ، وبه بقاؤها ، وإليه سكونها ، وقد سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول : « إذا كان يوم القيامة ، ورأى الكافر ما أعدّ اللّه تبارك وتعالى لشيعة علي من الثواب والزلفى والكرامة ، يقول : يا ليتني كنت ترابيّاً - أي يا ليتني كنت من شيعة علي - وذلك قول اللّه عزّ وجلّ : ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً » )(2).

وقال العلاّمة المجلسيّ ( قدس سره ) : « يمكن أن يكون ذكر الآية لبيان وجه آخر لتسميته عليه السلام بأبي تراب ؛ لأنَّ شيعته لكثرة تذلّلهم له ، وانقيادهم لأوامره سمّوا تراباً ، كما في الآية الكريمة ، ولكونه عليه السلام صاحبهم وقائدهم ، ومالك أُمورهم سمّي أبا تراب ... ، أو لأنّه وصف به على جهة المدح لا على ما يزعمه

ص: 15


1- بحار الأنوار 35 / 60.
2- علل الشرائع 1 / 156.

النواصب لعنهم اللّه حيث كانوا يصفونه عليه السلام به استخفافاً ، فالمراد في الآية : يا ليتني كنت أبا ترابياً »(1).

« يوسف - الكويت - .... »

ردّ بعض موارد الغلّو فيه :

س : ما صحّة ما نسمعه من بعض أهل المنابر : أنّ القرآن الكريم نزل في الإمام علي عليه السلام بشكل عام ومطلق ، وإنّ كلّ حرف فيه يقصد به الإمام عليه السلام ، وشكراً.

ج : وردت روايات كثيرة - فيهنّ صحاح ومعتبرات - في تأويل آياتٍ من الذكر الحكيم لتطبيقها على أهل البيت ، والأئمّة المعصومين عليهم السلام ، ولابأس في هذا المجال مراجعة التفاسير الروائية ، مثل : البرهان ، نور الثقلين ، الصافي.

ولكن يجب التنبّه إلى هذه النقطة الرئيسية وهي : إنّ التأويل غير التفسير ، كما ذكر في محلّه ، إذ إنّ التأويل يعطينا شأن نزول الآية ، والتطبيق في الخارج ، وهذا لا يحدّد المعنى السيّال المستفاد منها الذي هو التفسير ، وهذا هو دليل استمرارية المفاهيم القرآنية إلى الأبد.

وبعبارة أوضح : إنّ الآيات القرآنية لها مفاهيم نتعرّف عليها من خلال التفاسير الصحيحة ، وفي نفس الوقت لها مصاديق تشير إليها النصوص ، والآثار الواردة من المعصومين عليهم السلام ، ولا تنافي بين هذين الوجهين للقرآن الكريم.

ثمّ مع قبولنا هذا المبنى الصحيح ، لا يسعنا المساعدّة على قول القائل : بأنّ القرآن بمجموعه نزل في أمير المؤمنين عليه السلام ، إذ من المتيقّن أنّ بعض الآيات قد نزلت في شأن أعدائه ، أو أنّ بعضها الآخر وردت لبيان أحكام شرعية ، وهكذا كما هو واضح للمتأمّل.

ص: 16


1- بحار الأنوار35 / 51.

« هاني - البحرين - 22 سنة - طالب جامعة »

السبب في عدم ذكره بالنصّ في القرآن :

س : لماذا لم يذكر القرآن صراحة اسم الإمام علي عليه السلام؟ ولم يذكر أنّ الخلافة تؤول له مباشرة بعد الرسول الأكرم صلى اللّه عليه وآله؟

ج : أنّ القرآن الكريم ذكر بعض الأحكام بشكل مجمل وترك بيان تفاصيلها إلى النبيّ الأكرم صلى اللّه عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام ، وخذ مثالاً في ذلك : إنّ القرآن قد أمرنا بوجوب الصلاة ، إلاّ أنّه لم يذكر تفاصيلها ، وعدد ركعاتها ، بل ترك تفصيل ذلك إلى الرسول صلى اللّه عليه وآله.

وهكذا أوجب الصوم ، إلاّ أنّه لم يبيّن أحكامه ، وهكذا باقي الأحكام كالحجّ والخمس والزكاة وغير ذلك ، فإنّ تفاصيلها متروكة إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وذلك لمصلحة لا يعلمها إلاّ اللّه تعالى.

ومن ذلك الإمامة ، فإنّ القرآن أشار إلى صفة الإمام ، وأعرض عن اسمه ، تاركاً ذلك إلى تصريح النبيّ صلى اللّه عليه وآله والنصّ عليه من قبله ، تماماً كما أشار إلى الصلاة وترك باقي تفاصيلها إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله.

ففي معرض إشارته إلى الإمام قال تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (1) ، فأشار القرآن إلى صفة الإمام دون ذكر اسمه ، وعلمنا من الخارج - أي من الروايات الصحاح - أنّ المؤمنين الذين صفتهم هكذا ينحصرون في الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.

كما نقل ذلك السيوطي في الدرّ المنثور في تفسيره للآية عن الخطيب البغدادي في المتّفق عن ابن عباس قال : تصدّق علي بخاتمه وهو راكع ، فقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله للسائل : « من أعطاك هذا الخاتم »؟ قال : ذاك الراكع ، فأنزل اللّه ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ ... ) .

ص: 17


1- المائدة : 55.

وأخرج عبد الرزاق ... عن ابن عباس في قوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ ... ) قال : نزلت في علي بن أبي طالب.

وأخرج الطبراني في الأوسط ، وابن مردويه عن عمّار بن ياسر ، قال : وقف بعلي سائل ، وهو راكع في صلاة تطوّع ، فنزع خاتمه فأعطاه السائل ، فأتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فأعلمه ذلك ، فنزلت على النبيّ صلى اللّه عليه وآله هذه الآية : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ، فقرأها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله على أصحابه ، ثمّ قال : « من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللّهم وال من والاه ، وعاد من عاداه »(1).

وهكذا تعهّد النبيّ صلى اللّه عليه وآله النصّ على اسم الإمام علي عليه السلام دون أن يتعرّض القرآن الكريم إلى ذلك ، لمصلحة لا يعلمها إلاّ اللّه تعالى ، ومن يدري فلعلّ مصلحة عدم التعرّض إلى اسم الإمام كانت خوفاً على القرآن من أن يتعرّض`إلى التحريف ، أو الإنكار من قبل قومٍ أنكروا مئات الأحاديث في النصّ على إمامته عليه السلام ، وكانوا شهوداً في ذلك ، ولعلّهم ينكرون أنّ هذا القرآن قد نزل من قبل اللّه تعالى؛ لمصالحهم السياسية التي دفعتهم إلى إنكار ما شاهدوه ، ولا حول ولا قوّة إلاّ باللّه العليّ العظيم.

« ... - ... - ..... »

لم يذكر اسمه في القرآن بالنصّ :

س : الإمام علي عليه السلام ذكر في القرآن كثيراً ، ولكن لماذا لم يذكر بالاسم؟

ج : يتّضح الجواب من خلال أُمور :

أوّلاً : نزل القرآن الكريم على خطاب « إيّاك أعني واسمعي يا جارة » ، أي على الاستعمال المجازي والكنائي ، فإنّ الكناية أبلغ من التصريح ، فذكر

ص: 18


1- الدرّ المنثور 2 / 293.

أمير المؤمنين علي عليه السلام وكذلك الأئمّة عليهم السلام من بعده كناية ومجازاً.

ثانياً : من ثقافة القرآن الكريم أنّه يبيّن القوانين العامّة كما هو متعارف في كتب الدستور لكلّ دولة ، إلاّ أنّه يلحق به التنويهات ، والمواد الأُخرى تفسّر الكلّيات في الدستور ، فالقرآن يبيّن الأصل الكلّي للإمامة ، وأنّ الأئمّة على قسمين : أئمّة ضلال ، وأئمّة هدى يهدون بأمر اللّه.

ثمّ يبيّن صفاتهم بالكناية والمجاز ، كما في آية إكمال الدين ، والتطهير ، والإطاعة ، والولاية ، وأن الولي من أعطى الزكاة في صلاته - أي تصدّق بالخاتم - ولم يكن ذلك إلاّ الإمام علي عليه السلام ، كما نقل ذلك المفسّرون من السنّة والشيعة.

فالقرآن الكريم يتكلّم بنحو عام ، والسنّة الشريفة هي التي تبيّن المصاديق والجزئيات ، فالقرآن يقول : ( أَقِمِ الصَّلاَةَ ) (1) ، والسنّة تقول : صلاة الصبح ركعتان ، وهكذا باقي الموارد.

والرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله في روايات كثيرة جدّاً - نقلها الموافق والمخالف - نصّ على إمامة وخلافة أمير المؤمنين عليه السلام ، كما في حديث الغدير المتواتر عند الفريقين ، إلاّ أنّ الناس ارتدّوا بعد رسول اللّه عن الولاية ، ولم ينصروا علياً عليه السلام ، واعرضوا عن الأحاديث النبوية التي قالها في شأنه وخلافته.

فلو كان اسمه مذكوراً في القرآن الكريم لأدّى ذلك إلى إنكار القرآن أيضاً ، ويقولوا : إنّ النبيّ ليهجر - والعياذ باللّه - كما قالها البعض في مرض النبيّ صلى اللّه عليه وآله عندما طلب منهم الدواة ، ليكتب لهم كتاباً لن يضلّوا بعده ، وهذا يعني إنكار الدستور الإسلامي ، وإنكار الإسلام كلّه ، وهذا يتنافى مع الحكمة الإلهيّة. .

ص: 19


1- طه : 14.

فاقتضت الحكمة أن لا يذكر اسم الإمام علي عليه السلام في القرآن صريحاً ، وإنّما يذكر في ترجمانه ، وفي عدل القرآن أي : السنّة الشريفة ، ليؤمن من يؤمن وليكفر من يكفر ، فما ذلك لله بضارّ ، وما أكثر الأحاديث الدالّة على إمامة وخلافة أمير المؤمنين عليه السلام من مصادر أهل السنّة.

جاء في الكافي بسندٍ صحيح عن أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ : ( أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) ؟(1).

فقال : « نزلت في علي بن أبي طالب ، والحسن والحسين ».

فقلت له : إنّ الناس يقولون : فما له لم يسمّ عليّاً وأهل بيته عليهم السلام في كتاب اللّه عزّ وجلّ؟

قال : فقال : « قولوا لهم : إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله نزلت عليه الصلاة ، ولم يسمّ اللّه لهم ثلاثاً ولا أربعاً ، حتّى كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله هو الذي فسّر ذلك لهم ، ونزلت عليه الزكاة ، ولم يسمّ لهم من كلّ أربعين درهماً درهم ، حتّى كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله هو الذي فسّر ذلك لهم ، ونزل الحجّ فلم يقل لهم : طوفوا أسبوعاً ، حتّى كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله هو الذي فسّر ذلك لهم ، ونزلت : ( أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) - ونزلت في علي والحسن والحسين - فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في علي : من كنتُ مولاه فعليّ مولاه.

وقال صلى اللّه عليه وآله : أُوصيكم بكتاب اللّه وأهل بيتي ، فإنّي سألت اللّه عزّ وجلّ أن لا يفرّق بينهما ، حتّى يوردهما عليّ الحوض ، فأعطاني ذلك وقال : لا تعلّموهم فهم أعلم منكم ، وقال : إنّهم لن يخرجوكم من باب هدى ، ولن يدخلوكم في باب ضلالة ، فلو سكت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فلم يبيّن مَن أهل بيته لادّعاها آل فلان وآل فلان ، لكنّ اللّه عزّ وجلّ أنزله في كتابه ، تصديقاً لنبيّه صلى اللّه عليه وآله ( إِنَّمَا

ص: 20


1- النساء : 59.

يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (1) ، فكان علي والحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام ، فأدخلهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله تحت الكساء في بيت أُمّ سلمة ، ثمّ قال : اللّهمّ إنّ لكلّ نبيّ أهلاً وثقلاً ، وهؤلاء أهل بيتي وثقلي ، فقالت أُمّ سلمة : ألست من أهلك؟ فقال : إنّك إلى خير ، ولكن هؤلاء أهلي وثقلي ... »(2).

« بابان - عمان - سنّي »

فرية خان الأمين :

س : ما رأيكم في الخليفة علي عليه السلام؟ هل صحيح أنّكم تعتقدون بأنّ جبرائيل عليه السلام كان عليه أن ينزّل مقام النبوّة لعلي ولكنّه خان وأعطاها إلى محمّد صلى اللّه عليه وآله؟

ج : نحن نعتقد بأنّ الإمام علي عليه السلام عبد اللّه ، وابن عبده ، وابن أمته ، وهو وصيّ المصطفى ، والإمام بعده ، أوّل مَن آمن بنبوّة النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه وآله ، فهو الخليفة الأوّل لا الرابع ، والأدلّة على ذلك كثيرة من الكتاب والسنّة.

وأمّا ما ذكرته في المسألة الثانية ، فهو محض افتراء ، افتراه على الشيعة من لا دين له ولا إنسانية ، ونتحدّى كلّ من افترى هذه الفرية أن يذكر لنا ولو شيعياً واحداً يقول بهذه المقولة.

( مايه - السعودية - 23 سنة - طالبة جامعة )

علّة انتخابه خليفة من قبل أهل السنّة :

س : لماذا تمّ اختيار الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام الخليفة الرابع من قبل أهل

ص: 21


1- الأحزاب : 33.
2- الكافي 1 / 286.

السنّة؟ علماً بأنّهم كانوا من أشدّ المعاديين له ، وهل كان قبولهم له جعلهم يتّبعون أوامره وينهجون نهجه؟ وفّقكم اللّه لكلّ خير.

ج : إنّ اختيارهم علياً عليه السلام رابع الخلفاء لعلّه كان من باب الاضطرار ، فإنّهم لمّا رأوا الشغب والفوضى عمّا البلاد في زمن عثمان ، حتّى قتل نتيجة سوء أعماله ، وسيرة اللذين من قبله ، لم يروا بدّاً من الرجوع في هذا الأمر إلى أهله ، فاستسلموا للحقّ لفترة قصيرة ، ولكن دون التزام قلبي بسيرته وفكره عليه السلام ، وفي الحقيقة كان هذا عمل قهري رغم أنف البعض منهم.

ويدلّ على ما ذكرنا : إنّ الإمام عليه السلام كان يتحمّل الكثير من العناء والتعب في سبيل تصحيح خطاياهم الماضية ، ولكن دون جدوى في أكثر المواطن ، حتّى أنّ بعضهم أصبح يكيد ويترّبص الدوائر على حكومته عليه السلام ، حتّى أدّى بالنتيجة إلى استشهاده عليه السلام.

( أُسامة - المغرب .... )

أوّل من أسلم :

س : لماذا علي عليه السلام دخل الإسلام قبل أبي بكر ، مع أنّ أبا بكر كان أكبر سنّاً منه؟

ج : إنّ الأدلّة المستقاة من كتب الحديث والتاريخ والسير صريحة في أنّ أوّل من أسلم هو الإمام علي عليه السلام ، وهذه فضيلة عظمى لأمير المؤمنين عليه السلام ، اعترف بها حتّى المخالفين له عليه السلام ، فهو لم يعبد غير اللّه تعالى ، ولم يشرك به ، بخلاف غيره الذي قضى وقتاً كثيراً من عمره في عبادة الأصنام.

( أُمّ بدر - الكويت - .... )

تحمّل الأذى لحفظ الإسلام :

س : لماذا لم يشهر الأمام علي عليه السلام سيفه في مواجهة من اغتصب الخلافة وآذى الزهراء عليها السلام؟

ص: 22

ج : إنّ الحكومة في نظر أهل البيت عليهم السلام ليست هدفاً ، بل هي وسيلة لإحقاق الحقّ وإبطال الباطل ....

أهل البيت لم يريدوا الدنيا للدنيا ، وإنّما أرادوا الدنيا لتكون وسيلة إلى الآخرة ، ليس لأهل البيت عليهم السلام همّ سوى رضى اللّه تعالى ، فتحمّلوا - كجدّهم المصطفى صلى اللّه عليه وآله - أنواع الأذى لأجل بقاء الدين ، واستمرار شريعة الحبيب المصطفى صلى اللّه عليه وآله.

فكان الناس في بداية إسلامهم ، فتحمّل الإمام علي عليه السلام كلّ الأذى لأجل الحفاظ على أصل الإسلام ، وذلك بوصية النبيّ صلى اللّه عليه وآله له بالصبر.

قال الإمام علي عليه السلام : « فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجا ، أرى تراثي نهبا » (1).

ومع أنّه لم يشهر سيفاً ، ولم يتّخذ الحرب للمعارضة ، فإنّه عليه السلام اتخذ طريقة إيصال المفاهيم الحقّة وبيان أحقّيته بالخلافة ، اتخذ هذا طريقاً للمعارضة ، لئلا يلتبس الحقّ ، فقال عليه السلام : « أما واللّه ، لقد تقمّصها ابن أبي قحافة ، وإنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحى ... » (2).

وقال عليه السلام : « بايع الناس لأبي بكر وأنا واللّه أولى بالأمر منه ، وأحقّ به منه ، فسمعتُ وأطعتُ مخافة أن يرجع الناس كفّاراً ، يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف ، ثمّ بايع الناس عمر ، وأنا واللّه أولى بالأمر منه ، وأحقّ به منه ، فسمعتُ وأطعتُ مخافة أن يرجع الناس كفّاراً ، يضرب بعضهم رقاب بعض بالسيف ... » (3). .

ص: 23


1- شرح نهج البلاغة 1 / 151.
2- نفس المصدر السابق.
3- كنز العمّال 5 / 724 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 434.

( أبو ميثم - الكويت - 24 سنة - طالب جامعة )

روايات يشمّ منها رائحة الغلوّ :

س : قال الإمام علي أمير المؤمنين : « أنا الذي لا يقع عليه اسم ولا صفة ».

وقال عليه السلام مخاطباً كميل عندما سأله : يا أمير المؤمنين ما الحقيقة؟

فقال عليه السلام : « ما لك والحقيقة »؟ فقال : أولست صاحب سرّك يا أمير المؤمنين؟ فقال : « بلى ، ولكن أخاف أن يطفح عليك ما يرشح منّي » ، فقال : أومثلك يخيب سائلاً؟

فقال عليه السلام : « الحقيقة كشف سبحات الجلال من غير إشارة ... »(1).

أرجو توضيح معنى الحديثين ، ثبّتنا اللّه جميعاً على التسليم في مقاماتهم عليهم السلام.

ج : إنّ البحث حول الأحاديث التي ذكرتموها يكون من وجوه :

أوّلاً : إنّ إسناد بعض هذه الروايات ليس بذلك الحدّ من الصحّة والتوثيق حتّى يرسل إرسال المسلّمات ، فللبحث عن أسانيدها مجال للمتتّبع.

ولكن هذا لا يعني إلغاء المتن بالمرّة ، بل بمعنى عدم حجيّتها ، أي لا نتيّقن بأنّها بأكملها صدرت عن الإمام عليه السلام ، فيحتمل أن يكون قد تغيّر بعض ألفاظها أو عباراتها.

ثانياً : بناءً على ما ذكرنا ، فإنّنا نأخذ بالقدر المتيقّن من المعاني والمفاهيم التي اشتملت عليها هذه الروايات ، والتي تؤيّدها سائر النصوص الدينية من الكتاب والسنّة ، ثمّ نطرح ما لا يستقيم ويتوافق مع هذه المسلّمات القطعية الصدور.

ثالثاً : إنّ أمثال هذه الروايات - مثل خطبة البيان والطتنجية - وإن كان ظهورهما ربما يشمّ منه رائحة الغلوّ ، ولكن يمكن تفسيرها على ضوء القواعد

ص: 24


1- نور البراهين 1 / 221 ، شرح الأسماء الحسنى 1 / 131.

العقليّة والكلامية ، والنصوص القرآنية والروائية الصحيحة ، والمعتبرة سنداً ومتناً.

وعلى سبيل المثال ، فرواية كميل يمكن تفسيرها : بأنّ الإمام عليه السلام يريد أن يوضّح ويبيّن منازل التوحيد ، فيمثّل وينظر ريثما يكون في مستوى السائل ، كما يقال : « المعقول ينظّر بالمحسوس » ، وللبحث فيها مجال واسع.

أو إنّ الرواية الأُولى ، يمكن أن تكون بمعنى أنّ الإمام عليه السلام لا بديل ولا نظير له في الوجود ، وهذا مطلب صحيح وواضح ، وموافق لكافّة أدلّة إمامته عليه السلام العقليّة والنقليّة.

والمهمّ في هذا المقام أن لا نقع في أخطاء الصوفية والغلاة في تفسير هكذا روايات بمجرّد نظرة ساذجة لظاهرها.

رابعاً : إنّ منازل الأئمّة المعصومين عليهم السلام ، لا ينحصر ثبوتها أو إثباتها بروايات وأحاديث معيّنة ، بل إنّ مراتبهم السامية هي أجلّ وأعظم من أن ينالها حتّى المستوى البشري بحسب الأدلّة العقليّة والنقليّة.

فما ذكرناه في هذا المجال ليس إلاّ بحثاً علمياً ، فلا يستنتج منه - والعياذ باللّه - إنكار مقاماتهم المعنوية ، بل صفوة القول : إنّ الاعتدال في تفسير النصوص هو الطريق المستقيم الذي تدعو إليه الأئمّة الهداة عليهم السلام.

( .... - السعودية - .... )

سكوته عن مطالبة حقّه بالخلافة :

س : لماذا هذا السكوت من الإمام علي عليه السلام على المطالبة في حقّه بالخلافة طول هذه المدّة ، أي من خلافة أبي بكر إلى خلافة عثمان؟

ج : أوّلاً : امتناعه عن البيعة لأبي بكر هو مطالبة بالحقّ وإعلان عن عدم أحقّية خلافة أبي بكر.

ثانياً : الإمام أمير المؤمنين عليه السلام كان خليفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ووصيّه في كلّ مقاماته ومنازله إلاّ النبوّة ، والحكومة إنّما هي شأن من شؤون الإمام ، فإن

ص: 25

انقاد الناس وانصاعوا وطلبوا منه القيام بالأمر فحينئذ يجب على الإمام ذلك ، وإلاّ فالناس هم المقصّرون ، ولذا يقول علماؤنا : بأنّ الإمامة وجودها لطف ، وتصرّفه لطف آخر ، وعدمه منّا.

ثالثاً : قضية أمير المؤمنين عليه السلام تشبه تماماً قضية هارون عليه السلام ، ولذا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لأمير المؤمنين : « ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي »(1) ، وقد حكى اللّه تعالى في قصّة هارون أنّه

ص: 26


1- فضائل الصحابة : 13 ، شرح صحيح مسلم 15 / 174 ، مجمع الزوائد 9 / 109 ، تحفة الأحوذيّ 10 / 161 ، مسند أبي داود : 29 ، المصنّف للصنعانيّ 5 / 406 و 11 / 226 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 496 و 8 / 562 ، مسند ابن راهويه 5 / 37 ، مسند سعد بن أبي وقّاص : 51 و 103 و 139 ، الآحاد والمثاني 5 / 172 ، كتاب السنّة : 551 و 586 و 595 و 610 ، السنن الكبرى للنسائيّ 5 / 44 و 108 و 113 و 120 و 125 و 144 ، خصائص أمير المؤمنين : 48 و 64 و 76 و 80 و 85 و 116 ، مسند أبي يعلى 1 / 286 و 2 / 66 و 86 و 99 و 132 و 12 / 310 ، أمالي المحامليّ : 209 و 251 ، صحيح ابن حبّان 15 / 16 و 371 , المعجم الصغير 2 / 22 و 54 ، المعجم الأوسط 2 / 126 و 3 / 139 و 4 / 296 و 5 / 287 و 6 / 77 و 83 و 7 / 311 و 8 / 40 ، المعجم الكبير 1 / 148 و 2 / 247 و 4 / 184 و 5 / 203 و 11 / 63 و 12 / 15 و 78 و 24 / 146 ، نظم درر السمطين : 107 ، موارد الظمآن : 543 ، كنز العمّال 5 / 724 و 9 / 167 و 11 / 599 و 603 و 13 / 106 و 158 و 163 و 192 و 16 / 186 ، فيض القدير 4 / 471 ، كشف الخفاء 2 / 382 ، شواهد التنزيل 1 / 192 و 2 / 35 ، الجامع لأحكام القرآن 1 / 266 و 7 / 277 ، الطبقات الكبرى 3 / 23 ، تاريخ بغداد 7 / 463 و 8 / 52 و 11 / 430 و 12 / 320 ، تاريخ مدينة دمشق 2 / 31 و 13 / 151 و 20 / 360 و 21 / 415 و 30 / 359 و 38 / 7 و 39 / 201 و 41 / 18 و 42 / 42 و 53 و 100 و 111 و 115 و 139 و 145 و 152 و 159 و 165 و 171 و 177 و 182 و 54 / 226 و 59 / 74 و 70 / 35 ، أُسد الغابة 4 / 27 ، تهذيب الكمال 20 / 483 و 25 / 423 و 32 / 482 و 35 / 263 ، تذكرة الحفّاظ 1 / 10 ، سير أعلام النبلاء 1 / 361 و 7 / 362 و 12 / 214 و 14 / 210 و 15 / 42 ، تهذيب التهذيب 7 / 296 ، الإصابة 4 / 467 ، أنساب الأشراف : 94 ، و 106 ، البداية والنهاية 5 / 11 و 7 / 251 و 370 و 374 و 8 / 84 ، جواهر المطالب 1 / 58 و 171 و 197 و 212 و 296 ، سبل الهدى والرشاد 5 / 441 و 11 / 291 و 296 ، ينابيع المودّة 1 / 112 و 156 و 160 و 309 و 404 و 2 / 97 و 119 و 153 و 237 و 302 و 389 و 3 / 211 و 369 و 403.

خاطب أخاه موسى قائلاً : ( إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي ) (1) ، وقضية علي كقضية هارون تماماً.

رابعاً : قد ورد عن الإمام علي عليه السلام : « الإمام كالكعبة ، يُؤتى ولا يأتي »(2) ، وهذا إشارة إلى أنّ الإمام عليه السلام في عصره يجب أن يقصده الناس ، ويأتوه ويطلبوا منه القيام بالحكومة والتصدّي لتطبيق الأحكام والشريعة الإسلامية ، أمّا أن يقصد هو - أي الإمام - الناس ليحملهم على الانصياع له والإطاعة فهذا ليس وظيفة الإمام عليه السلام.

خامساً : نجد في نهج البلاغة وغيره عن أمير المؤمنين عليه السلام التصريحات الكثيرة ، الدالّة على أنّه عليه السلام إنّما لم يقم بالأمر لأنّه بقي وحده ، ولم يكن معه إلاّ القلائل الذين بحسب تصريح الإمام عليه السلام ضنّ - أي بخل - بهم على الموت.

وأيضاً عليه السلام يقول في الخطبة الشقشقية المعروفة : « وطفقت أرتئي بين أن أُصول بيد جذّاء ، أو أصبر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتّى يلقى ربّه ، فرأيت الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجا ، أرى تراثي نهبا »(3).

وأيضاً عنه عليه السلام : أنّه رأى أنّ العرب سترجع عن الإسلام وترتدُّ عن الدين ولذلك سكت ، وإلى غير ذلك من التصريحات الموجودة عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.

« أياد - أمريكا - .... »

سيفه ذو الفقار :

س : هل صحيح أنّ سيف ذو الفقار للإمام علي عليه السلام قد أنزله اللّه من

ص: 27


1- الأعراف : 150.
2- أوائل المقالات : 276.
3- شرح نهج البلاغة 1 / 151 ، علل الشرائع 1 / 150 ، الاحتجاج 1 / 283 ، مناقب آل أبي طالب 2 / 48 ، الطرائف : 418.

السماء؟ وشكراً جزيلاً.

ج : إنّ نزول سيف ذو الفقار من السماء نقله العلاّمة ابن شهر آشوب عن تفسير السدي عن ابن عباس في قوله تعالى : ( وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ ) (1) ، قال : أنزل اللّه آدم من الجنّة معه ذو الفقار ، خلق من ورق آس الجنّة ، ثمّ قال : ( فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ ) .

وكان به يحارب آدم أعداءه من الجنّ والشياطين ، وكان عليه مكتوب : « لا يزال أنبيائي يحاربون به نبيّ بعد نبيّ ، وصدّيق بعد صدّيق ، حتّى يرثه أمير المؤمنين ، فيحارب به عن النبيّ الأُمي ».

ثمّ قال : وقد روى كافّة أصحابنا أنّ المراد بهذه الآية ذو الفقار ، أنزل به من السماء على النبيّ فأعطاه علياً.

وسئل الإمام الرضا عليه السلام من أين هو؟ فقال : « هبط به جبرائيل من السماء ، وكان حلية [ حليته ] من فضة ، وهو عندي »(2).

وهذا أحد الأقوال ، إذ ذهب بعضهم إلى أنّ جبرائيل أمر النبيّ صلى اللّه عليه وآله أن يتّخذ سيف ذو الفقار من صنم حديد في اليمن ، فذهب علي وكسّره ، وعمل منه ذو الفقار.

وقيل : إنّه كان من هدايا بلقيس إلى سليمان عليه السلام.

نعم ، ورد عن طرق أهل السنّة ، فضلاً عن الشيعة : إنّ جبرائيل قد سمع يقول : « لا سيف إلاّ ذوالفقار ، ولا فتى إلاّ علي »(3).

ص: 28


1- الحديد : 25.
2- مناقب آل أبي طالب 3 / 81.
3- الكافي 8 / 110 ، الإرشاد 1 / 84 ، ذخائر العقبى : 74 ، شرح نهج البلاغة 11 / 217 و 13 / 293 ، نظم درر السمطين : 120 ، تاج العروس 3 / 474 ، كشف الخفاء 2 / 363 ، تاريخ مدينة دمشق 39 / 201 و 42 / 71 ، تاريخ الأُمم والملوك 2 / 197 ، البداية والنهاية 4 / 54 و 6 / 6 و 7 / 250 و 293 و 372 ، السيرة النبوية لابن هشام 3 / 615 ، السيرة النبوية لابن كثير 3 / 94 و 4 / 707 ، جواهر المطالب : 189 ، ينابيع المودّة 1 / 434 ، و 2 / 12.

قال الطبري : « حدّثنا أبو كريب قال : حدّثنا عثمان بن سعيد قال : حدّثنا حبّان بن علي ، عن محمّد بن عبد اللّه بن أبي رافع ، عن أبيه عن جدّه قال : لمّا قتل علي بن أبي طالب أصحاب الألوية ، أبصر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله جماعة من مشركي قريش ، فقال لعلي : « احمل عليهم » ، فحمل عليهم ، ففرّق جماعتهم ، وقتل شيبة بن مالك أحد بني عامر بن لؤي.

فقال جبرائيل : « يا رسول اللّه إن هذه للمواساة » ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « إنّه منّي وأنا منه » ، فقال جبرائيل : « وأنا منكما ».

قال : فسمعوا صوتاً : لا سيف إلاّ ذو الفقار ، ولا فتى إلاّ علي »(1).

ولا مانع أن يكون سيف ذو الفقار قد نزل من السماء ، فإنّ به ثبت الدين ، وانهزم المشركون ، وعلت كلمة الحقّ ، فإذا أقررنا شهادة جبرائيل بأن لا سيف إلاّ ذو الفقار ، فتعظيماً لمقام هذا السيف ، وإمعاناً في بيان فضله ومنزلته عند اللّه لم يكن نزوله من السماء شيئاً مستبعداً.

وقال جميع المفسّرين من الفريقين في تفسير قوله تعالى : ( وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ ) وأنّ الحديد أنزله اللّه مع آدم ، وهي السندان والإبرة والحبل ، وكان كلّها من حديد ، فهذا إقرار منهم بأنّ اللّه قد أنزل مع آدم هذه الآلات من الحديد ، فإنزال السيف هو الأوفق بسياق الآية ، فإنّ البأس الشديد مع منافع الناس إشارة إلى أنّ البأس الشديد هو محاربة الكفّار ، وتثبيت كلمة اللّه.

ثمّ أردف قوله تعالى بعد ذلك : ( وَلِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَنصُرُهُ ) إشارة إلى أنّ النصر لا يتأتى إلاّ بآلات الحرب ، ومنها السيف ، فمناسبة النصر والبأس الشديد لا تكون إلاّ ما يناسبها وهو السيف ، ولا معنى للاقتصار على الإبرة والسندان وغيرها ، فإنّ الآية في مقام البأس الشديد ، والانتصار لله ولدينه ، فلا يناسبها

ص: 29


1- تاريخ الأُمم والملوك 2 / 197.

إلاّ السيف ، وذكر الإبرة والسندان يناسب قوله : ( وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ) .

فبمقتضى المقابلة بأس شديد يقابلها السيف ، ومنافع للناس يقابلها الإبرة والسندان ، فلا منافاة إذاً من الجمع بين السيف وبين ما ذكره عامّة المفسّرين من الشيعة والسنّة.

( منى - الكويت - .... )

قتاله لعمرو بن عبد ودّ في الخندق :

س : لقد سمعت عن قصّة الإمام علي عليه السلام في معركة الخندق أنّه خرج إلى المسلمين أحد كبار أبطال الكفّار ، وخاف أن يبارزه أحد ، فخرج إليه الإمام علي عليه السلام ، فألقى إليه بأبيات شعرية ، وقتله.

الرجاء أُريد معرفة هذه القصّة بالتفصيل ، وما هي الأبيات الشعرية التي قالها الإمام؟

ج : لقد خرج عمرو بن عبد ودّ العامريّ في معركة الخندق ( الأحزاب ) ، ونادى هل من مبارز؟ فلم يجبه أحد من المسلمين ، فقال الإمام علي عليه السلام : « أنا له يا رسول اللّه » ، فقال له النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « إنّه عمرو » ، فسكت ، فكرّر عمرو النداء ثانية ، وثالثة ، والإمام علي عليه السلام يقول : « أنا له يا رسول اللّه » ، والرسول صلى اللّه عليه وآله يجيبه : « إنّه عمرو » ، فيسكت ، وفي كلّ ذلك يقوم علي عليه السلام فيأمره النبيّ صلى اللّه عليه وآله بالثبات ، انتظاراً لحركة غيره من المسلمين ، وكأن على رؤوسهم الطير لخوفهم من عمرو.

وطال نداء عمرو بطلب المبارزة ، وتتابع قيام أمير المؤمنين عليه السلام ، فلمّا لم يقدم أحد من الصحابة ، قال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « يا علي امض لشأنك » ، ودعا له ، ثمّ قال : « برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه » (1).

ص: 30


1- شرح نهج البلاغة 13 / 261 و 285 و 19 / 61 ، شواهد التنزيل 2 / 16 ، ينابيع المودّة 1 / 281.

فسعى الإمام علي عليه السلام نحو عمرو حتّى انتهى إليه ، فقال له : « يا عمرو ، إنّك كنت تقول : لا يدعوني أحد إلى ثلاث إلاّ قبلتها ، أو واحدة منها » ، قال : أجل ، قال عليه السلام : « إنّي أدعوك إلى شهادة أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّداً رسول اللّه ، وأن تسلم لربّ العالمين ».

قال : يا بن أخي أخّر هذا عنّي ، فقال عليه السلام : « أما أنّها خير لك لو أخذتها » ، ثمّ قال عليه السلام : « ها هنا أُخرى » ، قال : وما هي؟ قال عليه السلام : « ترجع من حيث أتيت » ، قال : لا ، تتحدّث نساء قريش عنّي بذلك أبداً ، فقال عليه السلام : « فها هنا أُخرى » ، قال : وما هي؟ قال عليه السلام : « أُبارزك وتبارزني ».

فضحك عمرو وقال : إنّ هذه الخصلة ما كنت أظنّ أحداً من العرب يطلبها منّي ، وأنا أكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك ، وقد كان أبوك نديماً لي ، فقال عليه السلام : « وأنا كذلك ، ولكنّي أحبّ أن أقتلك ما دمت أبيّاً للحقّ ».

فحمى عمرو ، ونزل عن فرسه ، وضرب وجهه حتّى نفر ، وأقبل على أمير المؤمنين عليه السلام مصلتاً سيفه ، وبدره بضربة ، فنشب السيف في ترس الإمام عليه السلام ، فضربه أمير المؤمنين عليه السلام.

قال جابر الأنصاريّ عليه السلام : وتجاولا ، وثارت بينهما فترة ، وبقيا ساعة طويلة لم أرهما ، ولا سمعت لهما صوتاً ، ثمّ سمعنا التكبير ، فعلمنا أنّ علياً عليه السلام قد قتله ، وسرّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله سروراً عظيماً ، لمّا سمع صوت أمير المؤمنين عليه السلام بالتكبير ، وكبّر وسجد لله تعالى شكراً ، وانكشف الغبار ، وعبر أصحاب عمرو الخندق ، وانهزم عكرمة بن أبي جهل ، وباقي المشركين ، فكانوا كما قال اللّه تعالى : ( وَرَدَّ اللّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً ) (1).

ولمّا قتله الإمام علي عليه السلام احتزّ رأسه ، وأقبل نحو النبيّ صلى اللّه عليه وآله ووجهه يتهلّل ، فألقى الرأس بين يدي النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فقبّل النبيّ رأس علي ووجهه ، وقال له

ص: 31


1- الأحزاب : 25.

عمر بن الخطّاب : هلاّ سلبته درعه ، فما لأحد درع مثلها؟

فقال : « إنّي استحييت أن أكشف سوأة ابن عمّي » ، وكان ابن مسعود يقرأ من ذلك اليوم كذا : ( وَكَفَى اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ - بعليّ - وَكَانَ اللّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ) .

وذكر أنّ عمرواً قال في المعركة أبياتاً ، هي :

ولقد بححت من النداء لجمعكم هل من مبارز *** ووقفت إذ وقف الشجاع مواقف القرن المناجز

وكذاك إنّي لم أزل متترعاً قبل الهزاهز *** إنّ الشجاعة في الفتى والجود من خير الغرائز

فأجابه علي عليه السلام :

لا تعجلنّ فقد أتاك مجيب صوتك غير عاجز *** ذو نبهة وبصيرة والصدق منجي كلّ فائز

إنّي لأرجو أن أُقيم عليك نائحة الجنائز *** من ضربة نجلاء يبقى ذكرها عند الهزاهز(1)

وقال صاحب مستدرك الصحيحين : لما قتل علي بن أبي طالب عليه السلام عمرو بن عبد ودّ أنشأت أُخته عمرة بنت عبد ودّ ترثيه ، فقالت :

لو كان قاتل عمرو غير قاتله *** بكيته ما أقام الروح في جسدي

لكن قاتله من لا يعاب به *** وكان يدعى قديماً بيضة البلد(2)

ص: 32


1- تاريخ مدينة دمشق 42 / 79 ، البداية والنهاية 4 / 121 ، المستدرك 3 / 33 ، السيرة النبوية لابن كثير 3 / 204 ، سبل الهدى والرشاد 4 / 378.
2- لمستدرك 3 / 33.

( علي المنير - الأردن - .... )

قتاله للناكثين والقاسطين والمارقين :

س : أُريد تزويدي بالأحاديث التي قالها الرسول صلى اللّه عليه وآله بأنّ علياً عليه السلام يقاتل القاسطين والمارقين والخارجين.

ج : روى هذا الحديث عدّة من الصحابة والتابعين عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وقد ذكرت هذا الحديث عدّة من مصادر الفريقين ، نذكر لك بعض الروايات من كتب أهل السنّة :

1 - روى الحاكم بإسناده عن عقاب بن ثعلبة : « حدّثني أبو أيوب الأنصاريّ في خلافة عمر بن الخطّاب قال : أمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله علي بن أبي طالب بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين »(1).

2 - وروى بإسناده عن أبي أيوب الأنصاريّ قال : سمعت النبيّ صلى اللّه عليه وآله يقول لعلي ابن أبي طالب : « تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بالطرقات ، والنهروانات ، وبالسعفات » ، قال أبو أيوب : قلت : يا رسول اللّه مع من نقاتل هؤلاء الأقوام؟ قال : « مع علي بن أبي طالب »(2).

3 - روى الحموينيّ بإسناده عن أبي سعيد الخدريّ قال : أمرنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين ، فقلنا : يا رسول اللّه ، أمرتنا بقتال هؤلاء ، فمع من نقاتلهم؟ قال : « مع علي بن أبي طالب ، معه يقتل عمّار بن ياسر »(3).

4 - وروى بإسناده عن عتاب بن ثعلبة قال : « حدّثني أبو أيوب الأنصاري في خلافة عمر بن الخطّاب قال : أمرني النبيّ صلى اللّه عليه وآله بقتال الناكثين والقاسطين

ص: 33


1- المستدرك 3 / 139.
2- نفس المصدر السابق.
3- فرائد السمطين 1 / 281.

والمارقين مع علي بن أبي طالب »(1).

5 - وروى بإسناده عن عبد اللّه قال : خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله من بيت زينب ، فأتى منزل أُمّ سلمة ، فجاء علي ، فقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « يا أُمّ سلمة ، هذا واللّه قاتل القاسطين والناكثين والمارقين »(2).

6 - وروى بإسناده عن عمرو بن مرّة قال : « سمعت عمرو بن سلمة يقول : سمعت عمّار بن ياسر يوم صفّين - شيخاً آدم طويلاً أخذ الحربة بيده ويده ترعد - قال : والذي نفسي بيده ، لو ضربونا حتّى بلغوا بنا سعفات هجر لعرفنا أنّنا على الحقّ وهم على الضلال »(3).

7 - وروى بإسناده عن سعد بن عبادة عن علي عليه السلام قال : « أُمرت بقتال ثلاثة : القاسطين والناكثين والمارقين ، فأمّا القاسطون فأهل الشام ، وأمّا الناكثون فذكرهم ، وأمّا المارقون فأهل النهروان »(4).

8 - روى الخوارزمي بإسناده عن سعد بن عبادة عن علي عليه السلام قال : « أُمرت بقتال ثلاثة : الناكثين والقاسطين والمارقين ، فأمّا القاسطون فأهل الشام ، وأمّا الناكثون فذكرناهم ، وأمّا المارقون فأهل النهروان »(5).

9 - روى ابن المغازليّ بإسناده عن علي عليه السلام قال : « قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن ، كما قاتلت على تنزيله ، فقال أبو بكر : أنا؟ قال : لا ، قال عمر : فأنا؟ قال : لا ، ولكن خاصف النعل » - يعني عليّا -(6).

ص: 34


1- المصدر السابق 1 / 282.
2- المصدر السابق 1 / 283.
3- المصدر السابق 1 / 285.
4- المصدر السابق 1 / 285.
5- المناقب : 194.
6- مناقب الإمام علي : 99.

10 - روى البلاذريّ بإسناده عن حكيم بن جبير قال : « سمعت إبراهيم يقول : سمعت علقمة قال : سمعت علياً يقول : « أُمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين » ، وحدّثت أنّ أبا نعيم قال لنا : الناكثون أهل الجمل ، والقاسطون أصحاب صفّين ، والمارقون أصحاب النهر »(1).

11 - روى الكنجيّ بإسناده عن ابن عباس قال : « قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لأُمّ سلمة : « هذا علي بن أبي طالب لحمه من لحمي ، ودمه من دمي ، وهو منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ، يا أُمّ سلمة ، هذا علي أمير المؤمنين وسيّد المسلمين ، ووعاء علمي ، ووصييّ ، وبابي الذي أوتى منه ، أخي في الدنيا والآخرة ، ومعي في المقام الأعلى ، يقتل القاسطين والناكثين والمارقين ».

وفي هذا الحديث دلالة على أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله وعد علياً بقتل هؤلاء الطوائف الثلاث ، وقول الرسول صلى اللّه عليه وآله حقّ ، ووعده صدق ، وقد أمر صلى اللّه عليه وآله علياً بقتالهم.

روى ذلك أبو أيوب عنه ، وأخبر أنّه قاتل المشركين والناكثين والقاسطين ، وأنّه سيقاتل المارقين »(2).

12 - وروى بإسناده عن مخنف بن سليم قال : « أتينا أبا أيوب الأنصاريّ وهو يعلف خيلاً له ، قال : فقلنا عنده فقلت له : يا أبا أيوب ، قاتلت المشركين مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ثمّ جئت تقاتل المسلمين؟

قال : إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أمرني بقتال ثلاثة ، الناكثين والقاسطين والمارقين ، فقد قاتلت الناكثين والقاسطين ، وأنا مقاتل إن شاء اللّه المارقين بالسعفات بالطرقات بالنهروانات ، وما أدري أين هو »؟(3).

13 - قال محمّد بن طلحة الشافعي : » ... عن ابن مسعود قال : خرج رسول اللّه

ص: 35


1- أنساب الأشراف 2 / 138 ح 129.
2- كفاية الطالب : 168.
3- المصدر السابق : 169.

صلى اللّه عليه وآله فأتى منزل أُمّ سلمة ، فجاء علي ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « يا أُمّ سلمة ، هذا واللّه قاتل القاسطين والناكثين والمارقين من بعدي ».

فالنبيّ ذكر في هذا الحديث فرقاً ثلاثة ، صرّح بأنّ علياً يقاتلهم بعده ، وهم الناكثون والقاسطون والمارقون ، وهذه الصفات التي ذكرها صلى اللّه عليه وآله قد سمّاهم بها ، مشيراً إلى أنّ وجود كلّ صفة منها في الفرق المختصّة بها علّة لقتالهم مسلّطة عليه.

وهؤلاء الناكثون : هم الناقضون عقد بيعتهم الموجبة عليهم الطاعة والمتابعة لإمامهم الذي بايعوه محقّاً ، فإذا نقضوا ذلك ، وصدفوا عن طاعة إمامهم ، وخرجوا عن حكمه ، وأخذوا قتاله بغياً وعناداً كانوا ناكثين باغين ، فيتعيّن قتالهم ، كما اعتمده جمع ممّن تابع علياً وبايعه ، ثمّ نقض عهده وخرج عليه ، وهم أصحاب واقعة الجمل ، فقاتلهم علي عليه السلام فهم الناكثون.

وأمّا القاسطون : فهم الجائرون عن سنن الحقّ ، الجانحون إلى الباطل ، المعرضون عن اتباع الهدى ، الخارجون عن طاعة الإمام الواجبة طاعته ، فإذا فعلوا ذلك واتصفوا به تعيّن قتالهم ، كما اعتمده طائفة تجمّعوا واتبعوا معاوية ، وخرجوا لمقاتلة علي عليه السلام على حقّه ، ومنعوه إيّاه فقاتلهم ، وهي وقائع صفّين ، وليلة الهرير ، فهؤلاء هم القاسطون ....

وأمّا المارقون : فهم الخارجون عن متابعة الحقّ ، المصرّون على مخالفة الإمام المفروض طاعته ومتابعته ، المصرّحون بخلعه ، وإذا فعلوا ذلك واتصفوا به تعيّن قتالهم ، كما اعتمده أهل حروراء والنهروان ، فقاتلهم علي عليه السلام ، وهم الخوارج.

فبدأ علي عليه السلام بقتال الناكثين ، وهم أصحاب الجمل ، وثنّى بقتال القاسطين ، وهم أصحاب معاوية وأهل الشام بصفّين ، وثلّث بقتال المارقين ، وهم الخوارج أهل حروراء والنهروان ... » (1). .

ص: 36


1- مطالب السؤول في مناقب آل الرسول 1 / 117.

( أبو الزين - الأردن - .... )

رسول اللّه نام بينه وبين عائشة :

س : أسيادنا الأعزّة ، الرواية في بحار الأنوار : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال : « سافرت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ليس له خادم غيري ، وكان لحاف ليس له غيره ، ومعه عائشة ، وكان رسول اللّه ينام بيني وبين عائشة ، ليس علينا ثلاثتنا لحاف غيره ، فإذا قام إلى صلاة الليل ، يحطّ بيده اللحاف من وسطه بيني وبين عائشة ، حتّى يمسّ اللحاف الفراش الذي تحتنا »(1).

تعليقكم على الرواية المستغلّة للإساءة إلى مصادرنا الحديثية.

ج : نلفت نظركم للنقاط التالية :

أ - إنّ نظرة الشيعة للمصادر الحديثية تختلف عن نظرة أهل السنّة إليها ، فحيث تعتقد أنّ الكتب الستة صحيحة ، أو يعتقدون بصحّة البخاريّ ومسلم فقط ، فإنّ الشيعة لا تنظر إلى مجاميعها الروائية هذه النظرة ، بل تعتقد بإخضاع كافّة الروايات والأحاديث للبحث السندي والدلالي ، وهذه من مميّزات الفكر الشيعيّ في كافّة الجهات.

وعلى هذا ، فإنّ ورود حديث ما في مجموعة لا تدلّ بالملازمة على قبوله ، بل يجب البحث عن سنده أوّلاً ، ودلالته ثانياً.

ب - إنّ العلاّمة المجلسيّ ( قدس سره ) - صاحب بحار الأنوار - بنفسه كان لا يلتزم بصحّة كلّ ما ورد في كتابه - فضلاً عن الآخرين - ويستفاد هذا الموضوع من مقدّمته على بحار الأنوار ، إذ يصرّح أنّه جمع كل ما في وسعه من الأحاديث من دون إبداء رأيه ، لكي تكون هناك موسوعة كبيرة يتمكّن الباحث من المراجعة إليها.

ويشهد لهذا أيضاً ، أنّه وفي مقام البحث السندي لا يرى صحّة مجموعة من

ص: 37


1- بحار الأنوار 40 / 2.

أحاديث الكافي - الذي هو أمتن الكتب الحديثية عند الشيعة - في كتابه مرآة العقول.

ج - إنّ الرواية المنقولة عن بحار الأنوار هي في الحقيقة وردت في احتجاج الشيخ الطبرسيّ(1) ، نقلاً عن كتاب سليم بن قيس الهلالي(2) ، وأيضاً نقلها ابن شهر آشوب - بصورة مرسلة - في مناقبه(3) ، وجاءت عنه في بحار الأنوار(4).

فسند الحديث ليس مقطوعاً به ، حتّى يصبح حجّة لنا أو علينا.

د - توجد هناك أحاديث كثيرة منقولة في الجوامع الروائية لأهل السنّة مخالفة للعقل والنقل القطعي ، وتمسّ الجوانب الأساسية للعقيدة ، ومع هذا يرتضون بها ، ويؤوّلونها بتأويلات سخيفة ، حفظاً منهم لهذه الكتب ، ولو كان المجال واسعاً لأوردنا بعض الأمثلة لذلك ، ولكن حرصاً على الإجمال في الجواب ، نوكل هذا الموضوع إلى البحوث المستقلّة في هذا المضمار ، والتي تتولّى دراسة أحاديث الصحاح الستّة وغيرها ، حتّى يتبيّن للمنصف المتوخّي للحقيقة مدى قباحة بعض منقولات أهل السنّة وركاكتها.

ه- - وأخيراً : كيف يخاف من علي عليه السلام وهو مع القرآن؟! وكيف يخاف منه وهو مع الحقّ ، بل هو راعي الدين والإسلام؟!

وعلى فرض صحّة الرواية ، فإنّها تدلّ على ثقة الرسول التامّة في علي عليه السلام.

ولم ينقل عن الإمام علي عليه السلام أنّه نظر إلى امرأة من نساء النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، كما نقل عن عمر أنّه كان يتعرّض لنساء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وهن خارجات للتبرّز قبل الحجاب.

فكان عمر يغار على زوجاته ، ويأمر الرسول بأن يحجّبهن ، والرسول لا

ص: 38


1- الاحتجاج 1 / 231.
2- كتاب سليم بن قيس : 422.
3- مناقب آل أبي طالب 2 / 59.
4- بحار الأنوار 38 / 297.

يهتمّ بذلك ، ولا يفعل ما يأمره به عمر!! إلى أن وافق اللّه عمر ، وأمر الرسول بما أمره به عمر!!

ففي صحيح البخاريّ : « حدّثنا يحيى بن بكير قال : حدّثنا الليث قال : حدّثني عقيل ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة : إنّ أزواج النبيّ صلى اللّه عليه وآله كن يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصع - وهو صعيد افيح - ، فكان عمر يقول للنبي صلى اللّه عليه وآله : احجب نساءك ، فلم يكن رسول اللّه يفعل ، فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبيّ ليلة من الليالي عشاء ، وكانت امرأة طويلة ، فناداها عمر : ألا قد عرفناك يا سودة ، حرصاً على أن ينزل الحجاب ، فأنزل اللّه الحجاب » (1).

وعلي عليه السلام أطهر من أن يشكّ فيه أحد ، وهل من أحد أعرف بعلي من رسول اللّه؟! ولكن الإشكال في قول عمر لرسول اللّه : من أنّ نساءه يدخل عليهنّ في بيته البرّ والفاجر ، وهنّ فيه.

ففي صحيح البخاريّ : حدّثنا مسدّد ، عن يحيى بن سعيد ، عن حميد ، عن أنس قال : قال عمر : وافقت اللّه في ثلاث ، أو وافقني ربّي في ثلاث ، قلت : يا رسول اللّه لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلّى ، وقلت : يا رسول لله يدخل عليك البرّ والفاجر ، فلو أمرت أُمّهات المؤمنين بالحجاب ، فأنزل اللّه آية الحجاب ، قال : وبلغني معاتبة النبيّ صلى اللّه عليه وآله بعض نسائه ، فدخلت عليهن ، قلت : إن انتهيتنّ أو ليبدلنّ اللّه رسوله خيراً منكن ، حتّى أتيت إحدى نسائه ، قالت : يا عمر أما في رسول اللّه ما يعظ نساءه حتّى تعظهن أنت ، فأنزل اللّه : ( عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ ... ) (2).

فليس يحتمل في علي عليه السلام الرجس ليخاف منه رسول اللّه.

مع أنّ الرواية في بحار الأنوار وجدت في كتاب سليم ، فقد ذكر أنّ النسخة التي عنده بالوجادة ، ولابدّ من وجودها في نفس كتاب سليم المسند لا المرسل. .

ص: 39


1- صحيح البخاريّ 1 / 45.
2- التحريم : 5.

وهنا لابأس أن نشير إلى أنّه لا يوجد أمر مريب في مدلول الرواية يبعث القلق ، إذ جاء التصريح فيها بوجود المانع الذي هو اللحاف المنحطّ بين الإمام وعائشة.

( .... - سنّي - .... )

صلّى في بداية البعثة والصلاة لم تفرض بعد :

س : لي سؤال بسيط ، أرجو منك التوضيح ، جزاك اللّه خيراً ، وذلك في هذا الحديث : عن جابر ، قال : بُعِث النبيّ صلى اللّه عليه وآله يوم الاثنين ، وصلّى علي يوم الثلاثاء.

السؤال هو : كيف صلّى علي عليه السلام في اليوم التالي من البعثة؟ والصلاة لم تفرض إلاّ بعد فترة من البعثة النبوية الشريفة ، وذلك في قصّة الإسراء والمعراج.

ج : إنّ مسألة صلاة أمير المؤمنين عليه السلام مع النبيّ صلى اللّه عليه وآله في بدء البعثة أمر مسلّم ، ولا مجال للشكّ أو الترديد فيها ، بعد ما أطبقت عليها الروايات والسير من الفريقين(1).

وإمّا كيفية صلاته عليه السلام ، فهي تتبع موضوع تعبّده في المقام ، وبما أنّ عبادته وصلاته كانت بدعوة النبيّ صلى اللّه عليه وآله له عليه السلام ، فالظاهر أنّهما كانا يعبدان اللّه تعالى ، إمّا مطابقاً لشريعة إبراهيم عليه السلام ، أو غيره ممّن تقدّمه من الأنبياء عليهم السلام ، وإمّا موافقاً لما قرّر لعامّة الناس فيما بعد.

ص: 40


1- مناقب آل أبي طالب 1 / 297 ، المستدرك 3 / 112 ، تحفة الأحوذيّ 10 / 160 ، المعجم الكبير 1 / 320 ، نظم درر السمطين : 82 ، شواهد التنزيل 2 / 185 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 27 ، تهذيب الكمال 20 / 482 ، تاريخ الأُمم والملوك 2 / 55 ، البداية والنهاية 3 / 36 و 7 / 369 ، جواهر المطالب 1 / 43 و 50 ، سبل الهدى والرشاد 2 / 302 ، ينابيع المودّة 2 / 147.

وأمّا فرض الصلاة على الأُمّة ، وإن كان بعد مضي فترة وجيزة عن البعثة النبوية الشريفة ، ولكن هذا لا ينافي تعبّد النبيّ صلى اللّه عليه وآله وعلي عليه السلام ، أو حتّى بعض آخر بهذه الصلاة ، أو بما يقاربها في الشكل والمضمون في زمان سبق هذا الفرض ، إذ الفرض حكم إلزامي ، ووظيفة مقرّرة لكلّ مسلم ، ولكن النبيّ صلى اللّه عليه وآله والإمام عليه السلام قد أدّيا هذه العبادة بدون أن يرد عليهما إلزام أو إيجاب.

وهناك احتمال آخر وهو : أن تكون صلاتهما قبل إبلاغ الفرض بشكل خاصّ ، وقد جاء الوحي بإتيانها بالصورة الموجودة في قضية المعراج لمصالح اقتضت تبديل الشكل مع إبقاء المحتوى والمضمون.

( ... - ..... - ... )

لا غلوّ في حبّه :

س : أُودّ أن افهم مدى الغلوّ في الإمام علي ، وكيف أنّ الإمام علي روح من الرسول صلى اللّه عليه وآله؟ وكيف أنّ الإمام علي عليه السلام قال : « أنا عبد من عبيد الرسول ».

ج : نودّ إعلامك أنّ الغلوّ بمعنى تجاوز الشيء حدّه ، لذا نهي عن الغلوّ في قوله تعالى : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ ) (1) لأنّ النصارى قالوا : إنّ المسيح ابن اللّه ، وهذا غلوّ في حقّ عيسى كونه ابن اللّه ، تعالى اللّه عن ذلك علوّاً كبيراً.

ثمّ إذا كان قصدك من الغلوّ في الإمام علي عليه السلام هو الحبّ الذي يكنّه الشيعة له فهذا لا يعدّ غلوّاً ، فإنّ الشيعة قد تبعت بذلك اللّه تعالى ورسوله ، ولم تتجاوز ذلك أبداً ، ففي حديث الراية ، كما عن سلمة بن الأكوع قال : ( كان علي عليه السلام تخلّف عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله في خيبر ، وكان به رمد ... فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « لأعطين الراية - أو قال - ليأخذن الراية غداً رجلاً يحبّه اللّه ورسوله - أو قال -

ص: 41


1- المائدة : 77.

يحبّ اللّه ورسوله ، يفتح اللّه عليه » ، فإذا نحن بعليٍ ، وما نرجوه ، فقالوا : هذا علي ، فأعطاه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ففتح اللّه عليه )(1).

وروى الحاكم في المستدرك عن عوف بن أبي عثمان النهدي قال : ( قال رجل لسلمان : ما أشدّ حبّك لعلي! قال : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول : « من أحبّ علياً فقد أحبّني ، ومن أبغض علياً فقد أبغضني » )(2).

وهكذا ورد في علي بن أبي طالب كلّ خير ، وفي موالاته كلّ نجاة ، فهل حبّه الذي فرضه النبيّ صلى اللّه عليه وآله علينا يعدّ غلوّاً وتجاوزاً؟! أعيذك باللّه أن تجعل ما فعله النبيّ صلى اللّه عليه وآله غلوّاً وغير الحقّ ، وهكذا هو تعاملنا مع الإمام علي عليه السلام ، لا يتجاوز ما أمرنا النبيّ صلى اللّه عليه وآله في حبّه وولايته.

وفي قوله تعالى : ( وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) (3) قال الحاكم الحسكاني : » ... عن مقاتل عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ ) يعني يحبّ اللّه ، ( وَرَسُولَهُ ) يعني محمّداً ، ( وَالَّذِينَ آمَنُواْ ) يعني ويحبّ علي بن أبي طالب ، ( فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) يعني شيعة اللّه ، وشيعة محمّد ، وشيعة علي هم الغالبون ، يعني العالون على جميع العباد ، الظاهرون على المخالفين لهم.

قال ابن عباس : فبدأ اللّه في هذه الآية بنفسه ، ثمّ ثنّى بمحمّد ، ثمّ ثلّث بعلي ، ثمّ قال : فلمّا نزلت هذه الآية ، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « رحم اللّه علياً ، اللّهم أدر الحقّ معه حيث دار ».

قال ابن مؤمن ( وهو الشيرازي من علماء أهل السنّة ) : لا خلاف بين المفسّرين أنّ هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين علي »(4).

ص: 42


1- صحيح البخاريّ 4 / 12.
2- المستدرك 3 / 130.
3- المائدة : 56.
4- شواهد التنزيل 1 / 246.

فإذا كان الأمر في علي عليه السلام هكذا ، فهل هذا غلوّ؟ وهل تقول الشيعة غير هذا في علي عليه السلام؟ فهذه مرويّات أهل السنّة ، تؤكّد ما تذهب إليه الشيعة ، وما تعتقده في علي ، فهل هذا يعدّ غلوّاً فيه؟!

وما ذكرته من س : كيف أنّ الإمام علي روح من الرسول؟ فإنّا نؤكّد أنّ المقصود من الروح في سؤالك تعني قبل الخلقة ، وما بعد الخلقة.

أمّا قبل الخلقة ، فإنّ حديث النورانية يؤكّد أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله وعلي بن أبي طالب كانا نوراً واحداً ، فلمّا خلق اللّه آدم ، قسّم ذلك النور إلى جزئين ، فجزء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وجزء علي بن أبي طالب ، وهذا الحديث نقله علماء أهل السنّة ، كما نقله الشيعة.

فقد روى ابن عساكر عن سلمان ، عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله قال : « كنت أنا وعلي نوراً بين يدي اللّه مطيعاً يسبّح اللّه ذلك النور ويقدّسه قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام »(1).

هذا بعض ما رواه علماء أهل السنّة في أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله وعلي كانا نوراً واحداً ، ثمّ قسّم إلى نورين ، أحدهما النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، والآخر علي عليه السلام ، ممّا يعني أنّهما روح واحدة في أصل خلقتهما ، وهي ما تعنيه أحاديث النور الواحد الآنفة الذكر.

أمّا بعد الخلقة فإنّ القرآن قد نصّ على ذلك في قوله تعالى : ( فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ) (2).

فقد نقل السيوطيّ في تفسيره ، ما أخرجه ابن مردويه ، وأبو نعيم في الدلائل ، عن جابر أنّه قال : ( أَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ) رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وعلي ، ( أَبْنَاءنَا ) الحسن والحسين ، ( وَنِسَاءنَا ) فاطمة(3).

ص: 43


1- تاريخ مدينة دمشق 42 / 67.
2- آل عمران : 61.
3- الدرّ المنثور 2 / 39.

والخطاب كان موجّهاً من النبيّ صلى اللّه عليه وآله للنصارى بقوله : ندعو أبناءنا - وهما الحسن والحسين - وأبناءكم ، وندعو نساءنا - وهي فاطمة - ونساءكم ، وندعو أنفسنا ، يعني نفس النبيّ ، الذي هو علي عليه السلام ، لأنّ الضمير « نا » ، وهو ضمير المتكلّم يرجع إلى علي عليه السلام ، فعلي نفس النبيّ بمقتضى سياق الآية.

وقد ذكر ابن ماجة في سننه عن أبي إسحاق ، عن حبشي بن جنادة قال : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول : « علي منّي وأنا منه ، ولا يؤدّي عنّي إلاّ علي » (1).

وروى الترمذيّ في سننه أيضاً نفس لفظ الحديث ، إلاّ أنّه زاد : « ولا يؤدّي عنّي إلاّ أنا أو علي » (2).

وقوله صلى اللّه عليه وآله : « علي منّي وأنا منه » يعني : أنّ « من » التي تفيد التبعيض تؤكّد أنّ علياً من النبيّ - أي امتداد له - وهو نفسه ، وليس في ذلك دعوى تدعيها الشيعة دون ما تستند إلى نصوصٍ صريحة صحيحة.

على أنّ كلامنا هذا يؤكّده أبو بكر في حقّ علي عليه السلام ومنزلته ، فقد أورد القندوزيّ ما رواه ابن السمّاك : إنّ أبا بكر قال لعلي : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول : « لا يجوز أحد على الصراط إلاّ من كتب له علي الجواز » (3).

أمّا قولك : إنّ علياً عليه السلام قال : « أنا عبد من عبيد محمّد » (4) ، فهذا لا ينافي عبودية علي عليه السلام لله تعالى ، فعلي عبد لله ، ورسول اللّه عبد لله ، ومعنى قوله : « أنا عبد من عبيد محمّد » ، يعني : أنا تابع من أتباعه ، ومطيع له ، وهو بمعنى قولك : إنّ زيد عبد لعمرو ، أي إنّ عمرو له حقّ الطاعة على زيد ، ولا يعني أن تريد يعبد عمرو ، فالعبد هنا تابع لسيّده ، ومطيع له ، وهذا منتهى إخلاص عليٍ للنبيّ ، فهو يقرّ له بالطاعة والاتباع ، وليس كما تتصوّر أنّ ذلك يعني .

ص: 44


1- سنن ابن ماجة 1 / 44.
2- الجامع الكبير 5 / 300.
3- ينابيع المودّة 2 / 404.
4- الكافيّ 1 / 90.

العبودية المطلقة ، فالعبودية المطلقة لله تعالى وحده ، لا يشاركه فيها أحد ، ومن قال خلاف ذلك فهو كافر مشرك.

وبذلك فقد اتّضح ما أُشكل لديك.

( منعم جعفر - البحرين - .... )

لا يبغضك إلاّ من خبث أصله :

س : لا يبغضك يا علي إلاّ من خبث أصله ، هل هناك دليل عقليّ ونقليّ في الدين الإسلامي على ذلك؟

ج : هناك روايات كثيرة جدّاً ، ربما بلغت حدّ التواتر ، على أنّ علياً عليه السلام مع الحقّ والحقّ مع علي يدور معه حيثما دار ، وعلي مثال الكمال ، والحُسْن المتجسّد في رجل ، حتّى أحبّه كلّ إنسان منصف وحرّ ، وإن لم يكن مسلماً ، حيث إنّ المسيحيين يلهجون بالأشعار والقصائد والنظم والنثر في مدح علي عليه السلام.

ومن المعلوم أنّ الذي يبغض مثل هذه الشخصية المضحّية للإسلام ، بل المجسّدة لجميع قيم الدين الإسلاميّ لدليل واضح على عدم استوائه العقليّ والنفسيّ ، وهو دليل على خبث منبته وأصله.

وليس المقصود من خبث الأصل ابن الزنا ، والمتولّد من الحرام فقط ، بل الأمر أعمّ من ذلك ، فقد يكون من المنافقين أو ابن حيض.

مضافاً إلى أنّه ليس كلّ من كان ابن زنا يبغض علياً عليه السلام حتّى يقال بالجبر ، وأنّه ما ذنب هذا الإنسان؟ بل إنّ من يبغض علياً - والبغض والحبّ بالاختيار - كاشف عن سوء سريرته ، وخبث أصله ، وهو أعمّ من ابن الزنا - كما قلنا -.

ونقل هذا المعنى في كثير من كتب المسلمين ومنها :

ما رواه الشيخ الصدوق في الأمالي(1) وأورد القندوزيّ الحنفيّ في ينابيع

ص: 45


1- الأمالي للشيخ الصدوق : 383.

المودّة(1) : إن النبيّ صلى اللّه عليه وآله قال لأمير المؤمنين : « لا يحبّك إلا طاهر الولادة ولا يبغضك إلا خبيث الولادة ».

وروى الشيخ الصدوق في علل الشرائع إن النبي صلى اللّه عليه وآله قال لعلي عليه السلام : « لا يحبّك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق أو ولد زنية أو حملته أمّه وهي طامث »(2).

وروى ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق عن عبادة بن الصامت أنه قال : « كنّا نبوّر أولادنا بحبّ علي بن أبي طالب فإذا رأينا أحداً لا يحبّ علي بن أبي طالب علمنا أنّه ليس منّا وأنّه لغير رشده »(3).

« مصطفى - البحرين - 40 سنة - خرّيج جامعة »

لم يحارب الشيخين :

س : على الرغم من قوّة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، لماذا لم يحارب الشيخين عندما سلبوا منه الولاية وهجموا على داره ، وكسروا ضلع الزهراء عليها السلام؟

ج : إنّ الإمام عليه السلام قدّر الظروف آنذاك أنّها لا تحتمل الحرب ، وأنّ الخوض في الحرب مع المخالفين يؤدّي إلى ضياع الإسلام وهلاك الفريقين ، أو فسح المجال لأعداء الدين ليقضوا على الإسلام ، لهذا غضّ الإمام عليه السلام عنهم طرفه لحفظ أصل الإسلام.

والمسألة لم تكن مسألة نزاع حقّ شخصيّ ، أو دفاع عن حقّ شخصيّ ، بقدر ما كانت مسألة موازنة ما هو الأصلح للإسلام والرسالة ، والإمام رأى الأصلح للرسالة هو أن يغضّ عنهم ولا يدخل الحرب ، والقوم كانوا يحاولون استدراج الإمام إلى الحرب ، ولكن الإمام ما أراد أن يعطيهم مبرّراً للحرب حتى لا يقال بأنّ علياً هو الذي بدأ بالحرب ، بل الأمر على العكس من ذلك حيث إنّ الإمام

ص: 46


1- ينابيع المودّة1 / 317.
2- علل الشرائع 1 : 145.
3- تاريخ مدينة دمشق 42 / 287.

لزم الصمت والقعود آنذاك عن القتال من أجل حفظ بيضة الإسلام ، وهذا ما قد صرّح به بقوله عليه السلام : « واللّه لأسالمنّ ما سلمت أُمور المسلمين ، ولم يكن فيها جور ، إلاّ عليّ خاصّة »(1).

هذا بالإضافة إلى الوصيّة التي كان ملزماً بها من قبل الرسول صلى اللّه عليه وآله.

« أُمّ زينب - الإمارات »

رفع عمر بن عبد العزيز السبّ عنه :

س : كما نعلم أنّ سبّ الإمام علي عليه السلام في عهد بني أُمية دام ما يقارب سبعين سنة ، لذا اطلب من سيادتكم الإجابة عن هذا السؤال : ما هي الحادثة التي بسببها رفع عمر بن عبد العزيز السبّ عن الإمام علي عليه السلام؟ ولكم فائق شكري وتقديري.

ج : إنّ عمر بن عبد العزيز ولأغراض سياسية رفع هذا السبّ ، حيث شاهد أنّ هذا السبّ صار سبباً لإيجاد أحقاد من قبل بني هاشم والشيعة ، والمنصفين من أهل السنّة ، وأنّه لو استمرّ فسيولد ثورات ضدّه ، لأنّ الاختناق قد بلغ ذروته ، فلأجل الحفاظ على منصبه ومن باب إيجاد محبوبية له والسيطرة على الاختناق الموجود قام بعدّة أعمال ، منها : رفع السبّ عن الإمام علي عليه السلام.

« أحمد - السعودية »

لم يقتل ابن ملجم مع أنّ الخضر قتل الغلام :

س : من المعروف أنّ الإمام علي عليه السلام كان يعلم أنّ ابن ملجم قاتله ، لكنّه لم يقتله ، لأنّه لا يجوز معاقبة المجرم قبل أداء جريمته ، لكن القرآن الكريم يحدّثنا بأنّ الخضر عليه السلام قد قام بقتل الغلام قبل أن يصدر الجرم منه ، أي من غير ذنب؟

ص: 47


1- شرح نهج البلاغة 6 / 166.

ج : إنّ القصاص قبل وقوع الجريمة أمر مستنكر ومذموم ، على ضوء القوانين التشريعية ، ولكن في حوزة القوانين التكوينية ليس الأمر دائماً كذلك ، فقد تكون هناك في إزهاق روح شخص مصلحة إلهية ، لا تتفق مع الأحكام الشرعية المتعارفة ، فإنّ مقام التشريع مقام التزامات العباد ، ولا يجب على اللّه تعالى أن يتصرّف في الكون بنفس التكاليف الواجبة على الناس.

وفيما نحن فيه ، لا علم لنا بأنّ الخضر عليه السلام مكلّف بالأحكام التشريعية ، بل أغلب الظنّ أنّه عليه السلام من الأيادي والوسائط في عالم الخلق والتكوين - كالملائكة - فلا تشمله تلك الأحكام.

وبالجملة : فقتل الغلام مسألة تكوينية ، ولا تخضع للأوامر والنواهي التكليفية ، وهو يشبه الكوارث الطبيعية من الزلازل ، والسيول والأمراض.

ومنه يظهر عدم ورود النقض في المقام على عدم صحّة المعاقبة قبل وقوع الجريمة.

« .... - .... - ... »

لم يقم بالإصلاح :

س : لماذا لم يقم الإمام علي عليه السلام بالإصلاح في زمانه بينما قام بالإصلاح الإمام الحسين عليه السلام؟

ج : لقد ذكر السائل عدم قيام الإمام علي عليه السلام بالإصلاح ، وطرح ذلك طرح المسلّمات ، وهذا ما لا نوافقه عليه ؛ فليس هناك أحد من أئمّة أهل البيت عليهم السلام إلا وسعى للإصلاح بحسب ما تسمح به الظروف.

إن من الخطأ الفادح أن يتصور أنّ حركة الإصلاح لابدّ أن تكون بالسيف دائماً ، فقد تقتضي الظروف أن تكون حركة الإصلاح بأسلوب آخر ، فرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله الذي سعى للإصلاح وهداية الناس في مكّة بصورة سرية ، نفسه يجعل الدعوة علنية ولكن بشكل سلميّ ، ثم يهاجر إلى المدينة ويحارب المشركين في

ص: 48

عدّة مواطن ، ونفسه صلوات اللّه وسلامه عليه يصالحهم في الحديبية. وكلّ حركة من هذه الحركات هي محاولة وسعي منه عليه الصلاة والسلام للإصلاح ولكن بحسب ما تقتضيه الظروف.

كذلك أمير المؤمنين عليه السلام فهو الذي صبر على ما جرى بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وكانت حركته في إصلاح الفساد بشكل سلميّ حتى قال قائلهم : « لولا علي لهلك عمر » هو نفسه يحارب الناكثين والقاسطين والمارقين. كذلك الإمام الحسن عليه السلام ، فهو البطل الضرغام تحت راية أمير المؤمنين في حروبه مع الظالمين إلا أنك تراه يصالحهم كما صالحهم رسول اللّه في الحديبية. وكذلك الإمام الحسين عليه السلام صاحب ذلك الموقف المؤيّد لأخيه الحسن عليه السلام في صلحه مع معاوية تراه - حينما حانت الظروف المناسبة بعد هلاك معاوية للقيام بثورة لها صداها إلى أبد الدهر - يقف ذلك الموقف الذي شهد له التاريخ.

إذاً حركة النبيّ صلى اللّه عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام هي حركة واحد وهدفها واحد وهو الإصلاح وهداية الناس إلا أنّ الأساليب تختلف بحسب الظروف.

« ... - .... - .... »

ما شرب الخمر قبل تحريمها :

س : هذا نصّ ما نشر في مجلّة الهداية التي تصدرها وزارة العدل والشؤون الإسلامية بمملكة البحرين ، العدد الثامن والتسعون بعد المائتين ، وهو مقال تحت عنوان : الدين للحياة ، ألا لا يقربن الصلاة سكران ، إعداد سعيد نور الدين.

فيقول : روى الترمذيّ (1) بسنده عن علي بن أبي طالب قال : صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاماً فدعانا ، وسقانا من الخمر ، فأخذت الخمر منّا ،

ص: 49


1- الجامع الكبير 4 / 305.

وحضرت الصلاة ، فقدّموني ، فقرأت : ( قل يا أيّها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ، ونحن نعبد ما تعبدون ) ، فأنزل اللّه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ ... ) (1).

وبعد هذه الفقرة يتطرّق المعد إلى قضية تحريم الخمر ، حتّى يصل إلى هذه الفقرة ، طلب عمر بن الخطّاب الذي حين قرأت عليه آية البقرة تمنّى أن ينزل القرآن بتحريم الخمر ، فتوجّه إلى اللّه قائلاً : اللّهم بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً ... فنزلت الآية من سورة النساء : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ ... ) . ما رأيكم فيما كتبه هذا المُعد؟

ج : في الجواب نذكر بعض النقاط :

1 - جاء في المستدرك : « عن أبي عبد الرحمن عن علي عليه السلام قال : دعانا رجل من الأنصار قبل تحريم الخمر ، فحضرت صلاة المغرب ، فتقدّم رجل فقرأ : ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) فالتبس عليه ، فنزلت : ( لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ ) .

قال الحاكم النيسابوريّ : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه ، وفي هذا الحديث فوائد كثيرة ، وهي : إنّ الخوارج تنسب هذا السكر وهذه القراءة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب دون غيره ، وقد برّأه اللّه منها ، فإنّه راوي هذا الحديث »(2).

2 - الروايات المروية حول هذه الواقعة فيها العديد من التنافي والتناقض :

ففي بعضها : الذي صنع الطعام هو عبد الرحمن بن عوف ، وفي بعضها : علي!! وفي بعضها : رجل من الأنصار.

وفي بعضها : إنّ الذي صلّى بهم إماماً عبد الرحمن بن عوف ، وفي بعضها :

ص: 50


1- النساء : 43.
2- المستدرك 2 / 307.

علي!! وفي بعضها : فلان.

وفي بعضها : إنّ الذي قرأ في الصلاة قرأ : ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ) إلى آخرها ، ثمّ قال : ليس لي دين وليس لكم دين ، وفي بعضها : إنّه قرأ : قل يا أيّها الكافرون أعبد ما تعبدون ، وفي بعضها : قل يا أيّها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون ، وفي بعضها : ونحن عابدون ما عبدتم ......

وفي بعضها : إنّ الحاضرين كانوا ثلاثة أشخاص : علي وعبد الرحمن بن عوف ، ورجل من الأنصار ، وفي بعضها : كانوا خمسة أشخاص : أبو بكر وعمر ، وعلي ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد.

3 - عند المحقّقين : إنّ الخمر قد حرّمت في مكّة قبل الهجرة ، وعن أبي هريرة قال : « حرّمت الخمر ثلاث مرّات »(1) ، والمقصود : إنّ كان أنّها قد حرّمت أوّلاً في مكّة في أوّل البعثة فلا تصحّ الرواية ، وإن كان المقصود أنّها قد حرّمت في سورة البقرة ، ثمّ في سورة النساء النازلتين في أوّل الهجرة فإنّ النحّاس يرى أن سورة النساء مكّية ، وقال بعض الناس : « إنّ قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ) حيث وقع ، إنّما هو مكّي »(2).

4 - روى القطّان في تفسيره عن الحسن البصري قال : « إنّ علياً لم يقبل أن يشرب معهم في دار أبي طلحة ، بل خرج من بينهم ساخطاً على ما يفعلون ، قال الحسن : واللّه الذي لا إله إلاّ هو ، ما شربها قبل تحريمها ، ولا ساعة قط »(3).

5 - وأخيراً : فإنّ كلّ ما ذكرناه هو على مباني أهل السنّة ، وأمّا على مباني الشيعة ، فإنّه مرفوض عقلاً ونقلاً ، وذلك بالاستدلال بآية التطهير على العصمة ، وبآيات كثيرة ، وأحاديث متواترة على الإمامة الإلهيّة ، والأحاديث المروية من طرق أهل البيت عليهم السلام : بأنّ الإمام معصوم من اليوم الأوّل الذي يولد فيه وإلى أن

ص: 51


1- مسند أحمد 2 / 351.
2- الجامع لأحكام القرآن 5 / 1.
3- الصحيح من السيرة 5 / 313.

يفارق الحياة ، وأنّ فطرة الإنسان وعقله يأبيان أن يقبلا إمامة إمام ، ويقلّداه أمر الدين والدنيا ، وهو في زمان ما كان قد شرب الخمر ، أو ارتكب من أمثال هذه المعاصي ، وكذلك تشمله الآية الكريمة : ( لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (1).

فصلوات ربّي وسلامه على رسول اللّه ، وعلى الأئمّة النجباء الميامين المعصومين الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، ولعنة اللّه على أعدائهم ، وغاصبي حقوقهم ، والمفترين عليهم ، الذين يُعَدّون من النواصب بلا شكّ ، ( يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (2).

« هادي محمّد - الكويت - .... »

حول خطبتي البيان والطتنجية :

س : هل لخطبة البيان والطتنجية سند؟ وإذا كان لها سند ، ألا تفيد الغلوّ؟ شكراً لمساعيكم.

ج : كثيراً ما يتساءل عن خطبة البيان والخطبة الطتنجية سنداً ودلالة ، بل كلّ ما هناك من ألفاظ وصفات إلهية نسبت للمعصومين عليهم السلام ممّا تفيد الغلوّ ، بل الشرك والكفر لو أُريد منها معانيها الظاهرية ، أمثال قولهم عليهم السلام : « نحن الأوّل والآخر ، والظاهر والباطن ... » وإلى غير ذلك.

فنقول : إنّ الأُمّة الإسلامية قد خصّت من دون الأُمم بفضيلة الإسناد ، وفُضّلت على سائر الشرائع بنعمة الاستناد والاتصال بالمعصومين عليهم السلام ، من خلال الرجال الثقات والممدوحين.

وعليه ، فكلّ خبر ما لم يكن مسنداً متّصلاً - ضمن شروط ذكرت في محلها - لا قيمة له ولا حجّية من أيّ أحد صدر ، ولأيّ شخص نسب ما لم

ص: 52


1- البقرة : 124.
2- التوبة : 32.

يكن محاطاً بقرائن تورث الوثوق بالصدور ، وعليه :

أوّلاً : لم يذكر لأمثال هذه الخطب سنداً معتبراً ، بل قد نجده أرسل - بالمعنى الأعم - مع أنّا نجد غالب كلمات أمير المؤمنين عليه السلام وخطبه مسندة في مواطن ، وإن كانت مرسلة في النهج وغيره.

ثانياً : إنّ إعراض الأعلام - وخصوصاً مشايخنا العظام - موهن للخبر ، بل قد يسقطه عن الحجّية ، خصوصاً إذا كان في مرأى ومسمع منهم.

ثالثاً : وجود طائفة كبيرة من أخبار العرض - الأخبار العلاجية - ، مثل ما ورد عنهم عليهم السلام مستفيضاً من قولهم : « ما خالف كتاب اللّه فهو : زخرف » ، وفي بعض الروايات : « لم نقله » ، وفي بعضها الآخر : « وأضربه عرض الجدار » ، وهي أحاديث لا تحصى كثرةً ، كما لنا أحاديث جمّة في إسقاط كلّ حديث خالف العقول ، أو لزم منه الشرك والكفر ، إلاّ إذا أمكن تأويله ، أو حمله على محمل صحيح ، هذا بشكل عام ، وهي فائدة تنفع في موارد متعدّدة ، ومقامات أُخرى.

وأمّا ما يخصّ المقام ، فنقول :

أوّلاً : لقد نسب لبعض علمائنا ( قدّس أسرارهم ) في خصوص خطبة البيان كون ألفاظها ركيكة ، وأنّها ليست بعربية فصيحة ، وأنّها مخالفة للسان أهل البيت عليهم السلام ، وهو كلام إنّما يتمّ عند أهل الفن خاصّة ، وفيه مجال للردّ والإبرام ، خصوصاً مع كون حديثنا صعب مستصعب ، وقولهم عليهم السلام : « ردّوه إلينا ... » ، كما ويخشى من تعميمه في مواطن أُخرى ، من غير من هو أهل لذلك.

ثانياً : وجود روايات صريحة صحيحة كثيرة مقابل هذه الأخبار الشاذّة النادرة ، وهذا كاف لإسقاطها عن الحجّية.

ثالثاً : إنّها مخالفة للعقل ، ولا يمكن القول بظاهرها من موحّد ، إلى غير ذلك من الوجوه الكثيرة ، التي لا غرض لنا هنا بإحصائها ، إذ لا نجد ثمّة ضرورة في ذلك.

ص: 53

والحاصل : إنّ عمدة الإشكال هنا أنّه مع قوله تعالى : ( وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا ... ) (1) ، وقوله عزّ من قائل : ( هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (2) ، وقوله عزّ اسمه : ( إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ) (3) وغيرها ، مثلاً وما أكثرها ، فكيف يرد التعبير عنهم عليهم السلام أمثال هذه الألفاظ التي يستشم منها الغلوّ والكفر؟ والعياذ باللّه.

ولبّ الجواب عليه - فضلاً عمّا سلف - هو : إنّه وردت في كتبنا روايات كثيرة عنهم عليهم السلام صحيحة ، عندما ذكروا هذه الألفاظ فيها فسّروها لنا ، وقالوا نقصد منها كذا ، فلو فسّرت بغير هذا من أيّ كان ، أو أخذ بظواهرها ، لكان ردّاً عليهم عليهم السلام ، ولابدّ من الأخذ بتأويلهم وبما فسّروه ، وإلاّ لكان باطلاً لم يقصدوه ولا يريدوه ، بل تقوّل عليهم وافتراء ، مثال ذلك :

أ - قوله صلى اللّه عليه وآله : « أنا الأوّل والآخر ... » ، ثمّ فسّره بقوله : « أوّل في النبوّة ، وآخر في البعثة ... »(4).

ب - ما جاء في مناقب آل أبي طالب ، حيث عدّ مجموعة من الصفات ثمّ فسّرها عليه السلام.

وسئل أمير المؤمنين عليه السلام كيف أصبحت؟ فقال : « أصبحت وأنا الصدّيق الأوّل ، والفاروق الأعظم ، وأنا وصيّ خير البشر ، وأنا الأوّل ، وأنا الآخر ، وأنا الباطن ، وأنا الظاهر ، وأنا بكلّ شيء عليم ، وأنا عين اللّه ، وأنا جنب اللّه ، وأنا أمين اللّه على المرسلين ، بنا عبد اللّه ، ونحن خزان اللّه في أرضه وسمائه ، وأنا أُحيي ، وأنا أُميت ، وأنا حيّ لا أموت ... ».

ص: 54


1- النجم : 43.
2- الحديد : 3.
3- البقرة : 258.
4- كشف الغمّة 1 / 13.

فتعجّب الإعرابي من قوله فقال عليه السلام : « أنا الأوّل ؛ أوّل من آمن برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأنا الآخر ؛ آخر من نظر فيه لمّا كان في لحده ، وأنا الظاهر ؛ فظاهر الإسلام ، وأنا الباطن ؛ بطين من العلم ، وأنا بكلّ شيء عليم ؛ فإنّي عليم بكلّ شيء أخبر اللّه به نبيّه ، فأخبرني به ، فأمّا عين اللّه ؛ فأنا عينه على المؤمنين والكفرة ، وأمّا جنب اللّه ؛ فأن تقول نفس : يا حسرتي على ما فرطت في جنب اللّه .. ومن فرّط فيّ فقد فرّط في اللّه ، ولم يخبر لنبي نبوّة حتّى يأخذه خاتماً من محمّد صلى اللّه عليه وآله ، فلذلك سمّي خاتم النبيّين سيّد النبيّين ، وأنا سيّد الوصيين ، وأمّا خزّان اللّه في أرضه ؛ فقد علمنا ما علمّنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بقول صادق ، وأنا أُحيي ؛ أُحيي سنّة رسول اللّه ، وأنا أُميت ؛ أُميت البدعة ، وأنا حيّ لا أموت ، لقوله تعالى : ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) (1) »(2).

ج - ما جاء في الاختصاص : روي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان قاعداً في المسجد ، وعنده جماعة ، فقالوا له : حدّثنا يا أمير المؤمنين ، فقال لهم : « ويحكم إنّ كلامي صعب مستصعب ، لا يعقله إلاّ العالمون ».

قالوا : لابدّ من أن تحدّثنا ، قال : « قوموا بنا » ، فدخل الدار ، فقال : « أنا الذي علوت فقهرت ، أنا الذي أُحيي وأُميت ، أنا الأوّل والآخر ، والظاهر والباطن ».

فغضبوا وقالوا : كفر!! وقاموا ، فقال علي عليه السلام للباب : « يا باب استمسك عليهم »! فاستمسك عليهم الباب.

فقال : « ألم أقل لكم : إنّ كلامي صعب مستصعب لا يعقله إلاّ العالمون؟! تعالوا أفسّر لكم ، أمّا قولي : أنا الذي علوت فقهرت ، فأنا الذي علوتكم بهذا السيف ، فقهرتكم حتّى أمنتم باللّه ورسوله.

ص: 55


1- آل عمران : 169.
2- مناقب آل أبي طالب 2 / 205.

وأمّا قولي : أنا أُحيي وأُميت ؛ فأنا أُحيي السنّة وأُميت البدعة.

أمّا قولي : أنا الأوّل ؛ فأنا أوّل من آمن باللّه وأسلم.

وأمّا قولي : أنا الآخر ؛ فأنا آخر من سجّى على النبيّ صلى اللّه عليه وآله ثوبه ودفنه.

وأمّا قولي : أنا الظاهر والباطن ، فأنا عندي علم الظاهر والباطن ».

قالوا : فرّجت عنّا فرّج اللّه عنك(1).

د - ما جاء في رجال الكشّي مسنداً عن أبي جعفر عليه السلام قال : « قال أمير المؤمنين عليه السلام : أنا وجه اللّه ، وأنا جنب اللّه ، وأنا الأوّل ، وأنا الآخر ، وأنا الظاهر ، وأنا الباطن ، وأنا وارث الأرض ، وأنا سبيل اللّه ، وبه عزمت عليه ».

فقال معروف بن خربوذ : ولها تفسير غير ما يذهب فيها أهل الغلوّ(2).

وعلّق عليه في بحار الأنوار قوله : « وبه عزمت عليه » ، أي باللّه أقسمت على اللّه عند سؤال الحوائج عنه(3).

« علي الطريحيّ. هولندا - 21 سنة - طالب »

حقّه كحقّ الوالد على الولد :

س : نرجو التكرّم ببيان المصادر في كتب إخواننا السنّة للحديث النبويّ الشريف : « يا علي أنا وأنت أبوا هذه الأُمّة ».

ج : روى هذا الحديث الشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزيّ الحنفيّ - المتوفّى سنة 1294ه- - في كتابه ينابيع المودّة لذوي القربى(4).

وورد هذا الحديث بعبارات أُخرى ، وهي : قول الرسول صلى اللّه عليه وآله : « حقّ علي على المسلمين حقّ الوالد على ولده »(5).

ص: 56


1- الاختصاص : 163.
2- اختيار معرفة الرجال 2 / 471.
3- بحار الأنوار 39 / 349.
4- ينابيع المودّة 1 / 370.
5- تاريخ مدينة دمشق 42 / 308 ، جواهر المطالب 1 / 91.

وقول الرسول صلى اللّه عليه وآله : « يا علي ، حقّك على المسلمين كحقّ الوالد على ولده »(1).

وقوله صلى اللّه عليه وآله : « حقّ علي على هذه الأُمّة كحقّ الوالد على ولده »(2).

« السيّد أحمد السيّد نزار - البحرين .... »

مع اليهوديّ عند القاضي شريح :

س : هناك قصّة نسمعها كثيراً ، ولكن لي بعض الملاحظات عليها ، وأرجو أن تجيبوني عليها ، إذا كانت القصّة صحيحة متناً وسنداً.

ومضمون القصّة كالتالي : في أحد الأيام والإمام علي عليه السلام يسير ، سقط درعه فلم ينتبه له ، وفي أحد الأيام رأى درعه مع يهوديّ ، فقال له : « هذا درعي ».

فقال اليهوديّ : لا هذا درعي أنا.

فقال له الإمام علي عليه السلام : « تعال نتقاضى عند القاضي » ، فذهبا إلى القاضي شريح ، فاحتكما عنده ، فقال شريح : يا أبا الحسن ، فقال له الإمام : « عاملني مثله ، واحكم بالعدل ».

فقال شريح لأمير المؤمنين : هل عندك شهود؟ فقال : « لا » ، فقال لليهوديّ : احلف أنّ الدرع لك ، فحلف اليهوديّ ، فقال شريح : إنّ الدرع لليهوديّ.

فقال له الإمام : « لقد حكمت بشرع » ، فلمّا رأى اليهوديّ الموقف ، قال : إنّ الدرع للإمام ، وأنّه فعلاً درعه ، وشهد الشهادتين وأسلم ، هذه خلاصة القصّة ، والملاحظات هي كالآتي :

1 - كيف يحكم شريح ضدّ أمير المؤمنين؟ ويطلب من الإمام شهوداً؟ أهناك أعظم من شهادة اللّه ورسوله؟ حيث قال الرسول في حقّ الإمام : « علي مع الحقّ

ص: 57


1- مناقب الإمام علي : 94 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 308 ، ينابيع المودّة 1 / 369.
2- تاريخ مدينة دمشق 42 / 307 ، ينابيع المودّة 1 / 370 و 2 / 76 و 238.

والحقّ مع علي »(1).

2 - كيف يقول الإمام لشريح : لقد حكمت بالشرع ، هل الشرع يقول بخلاف العقيدة الاثني عشرية بعصمة الإمام؟

صحيح أنّ القصّة تحمل الكثير من الدروس والعبر في ذهاب الإمام إلى القاضي ، مع أنّه كان باستطاعته أن يأخذ الدرع رغماً على اليهوديّ ، وفي حكم القاضي ضدّ الإمام إلى صالح اليهوديّ الضعيف ، ولكن هذا لا يلغي الملاحظات الآنفة الذكر.

ج : إنّ هذه الرواية واردة بسند ضعيف لوجود عمرو بن شمر وعامر الشعبيّ ، ولو سلّمنا أنّها واردة بسند قويّ ، فطلب شريح القاضي من الإمام عليه السلام شهوداً من باب أنّ الطرف الآخر - وهو اليهوديّ - لا يلتزم بغير ذلك ، بمعنى لا يلتزم بإمامة أمير المؤمنين عليه السلام وعصمته ، نعم يلتزم بالقواعد القضائية التي منها : إحضار البيّنة.

فأراد أمير المؤمنين عليه السلام وقاضيه إظهار هذه الصورة العظيمة للإسلام ، والتي لم تكن تظهر بهذا الشكل بل على عكس ذلك لو استدل شريح أو غيره بعصمة الإمام عليه السلام لأجل الحكم له ، خصوصاً وأن أمير المؤمنين كان الخليفة السياسي حينها.

لذلك كان لهذا الموقف أثره البالغ في نفس ذلك النصرانيّ أو اليهوديّ حيث أسلم على إثره.

وتجدر الإشارة إلى عدم وجود عبارة « لقد حكمت بالشرع » في الرواية ، نعم نقلت بعض المصادر السنية عبارة : « أصاب شريح ». وهذا لا يتنافى مع ما ذكرنا من تفسير ، فتأمّل.

ص: 58


1- تاريخ بغداد 14 / 322 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 449 ، الإمامة والسياسة 1 / 98 ، جواهر المطالب 1 / 343 ، كشف الغمّة 1 / 144.

( أبو علي - الكويت .... )

معنى الأنزع البطين :

س : هل صحيح أنّ أمير المؤمنين علي عليه السلام كان أصلعاً وبديناً ، كما يروى في الكتب؟ قرأت هذا في وصفه بعدّة كتب من كتبنا ، ولكن لم يدخل إلى عقليّ أيّ منها.

أرجو منكم الإفادة ، سائلاً المولى تعالى أن يوفّقكم لما فيه مصلحة دين اللّه الحقّ ، وهو مذهب أهل البيت عليهم السلام.

ج : من ألقاب الإمام علي عليه السلام المعروفة : الأنزع البطين.

فالبعض فسّر هذا اللقب على ظاهره اللغوي ، والبعض فسّره بأنّ الأنزع كناية عن امتناع الشرك فيه ، والبطين كناية عن كثرة العلم والإيمان واليقين ، لا ضخامة البطن ، والدليل على ذلك روايات كثيرة ، وردت في كتب الفريقين في هذا المجال.

منها قوله صلى اللّه عليه وآله : « يا علي ، إنّ اللّه قد غفر لك ولذرّيتك ، ولشيعتك والمحبّي شيعتك ، والمحبّي محبّي شيعتك ، فابشر فإنّك الأنزع البطين ، منزوع من الشرك ، مبطون من العلم » (1).

ولو حملنا الأنزع البطين على معناه الظاهريّ فلا أجد في ذلك ما يتنافى مع العقل ، نعم العقل يحكم بأن يكون شكل النبيّ أو الإمام وظاهره مألوفاً بحيث لا تنفر منه النفوس ، وكم أنزع بطين تألفه النفوس وتنجذب إليه ، وكم من شخص لا يتصف بهذين الوصفين تبغضه النفوس ولا ترغب في رؤيته الأعين ، فتأمل.

وتجدر الإشارة إلى عدم التلازم بين كون الإنسان بطيناً وبين كثرة الأكل ، حيث أن ذلك تابع لطبيعة خلقة الشخص ، فتجد شخصاً نحيفاً ولا يؤثر كثرة

ص: 59


1- عيون أخبار الرضا 1 / 52 ، مسند زيد بن علي : 456 ، ينابيع المودّة 2 / 452.

الطعام على وضعه ، وتجد العكس ، فلا يتنافى هذا التفسير مع زهد الإمام وقد ورد عنه عليه السلام : « ولكن هيهات أن يغلبني هواي ، ويقودني جشعي إلى تخيّر الأطعمة - ولعلّ بالحجاز أو باليمامة من لا طمع له في القرص ، ولا عهد له بالشبع - أو أبيت مبطاناً وحولي بطون غرثى ، وأكباد حرّى ، أو أكون كما قال القائل :

وحسبك عاراً أن تبيت ببطنة *** وحولك أكباد تحنّ إلى القدّ

أأقنع من نفسي بأن يقال : هذا أمير المؤمنين ، ولا أشاركهم في مكاره الدهر ، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش! فما خلقت ليشغلني أكل الطيّبات ، كالبهيمة المربوطة ، همّها علفها ، أو المرسلة ، شغلها تقممها ، تكترش من أعلافها ، وتلهو عما يراد بها ، أو أترك سدى ... »(1).

« محمّد العجمي - عمان - .... »

زواجه لا يدلّ على مشروعية الخلفاء :

س : هل كانت حروب الردّة غير شرعية؟ إذا كانت شرعية فخلافة أبو بكر شرعية ، وإذا كانت غير شرعية ، فلماذا يتزوّج الإمام علي عليه السلام من سبيهم؟ فهو تزوّج خولة والدة محمّد بن الحنفية ، كما زوّج ابنه الحسين عليه السلام من سبي فارس ، في عهد الخليفة عمر ، أرجو الإفادة ... ولكم جزيل الشكر.

ج : أنت تعلم أنّ شرعية الأمر متأتّية من شرعية القائمين به ، وعلى هذا يمكنك أن تجعل هذه القاعدة منطبقة على موردنا هذا ، فحروب الردّة تتبع في عدم شرعيتها إلى فقدان شرعية القائمين عليها ، وإذا كان الأمر كذلك ، فمن أين تأتي شرعية هذه الحروب؟ ولا يمكن القول بعد ذلك بشرعيتها ، لعدم توفّر شرعية الخليفة.

ص: 60


1- شرح نهج البلاغة 16 / 287.

أمّا كون أمير المؤمنين عليه السلام قد تزوّج بخولة بنت جعفر بن قيس - والدة محمّد ابن الحنفية - فغير ثابت أنّها من سبي حروب الردّة ، بل هي سبيت في أيّام رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، كما عليه أبو الحسن علي بن محمّد بن سيف المدائني ، حيث قال : هي سبية في أيّام رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، قالوا : بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله علياً عليه السلام إلى اليمن ، فأصاب خولة في بني زبيد ، وقد ارتدّوا مع عمرو بن معدي كرب ... فصارت في سهم علي عليه السلام.

فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « إن ولدت منك غلاماً فسمّه باسمي ، وكنّه بكنيتي » ، فولدت له بعد موت فاطمة عليها السلام محمّداً ، فكنّاه أبا القاسم ، نقل كلام المدائني القاضي النعمان المغربي في شرح الأخبار(1).

وظهر من ذلك : أنّ خولة سبيت في حروب الردّة في زمن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، لا كما يتوهّم البعض : أنّها سبيت في حروب الردّة في زمن أبي بكر.

أما زواج الإمام الحسين عليه السلام من سبي فارس فإنّ الإمام علي عليه السلام لم يتعامل معهم بعنوان سبي ، بل تعامل معهم كمسلمين ، وكان تزويج أحد بنات كسرى للحسين عليه السلام لا لكونهن سبيّات ، بل لكونهن بنات ملوك حرّات ، قد استنقذها الإمام عليه السلام من أيديهم ، وهي ظاهر رواية ابن شهر آشوب في المناقب ، وإليك نصّها :

« لما ورد بسبي الفرس إلى المدينة أراد عمر أن يبيع النساء ، وأن يجعل الرجال عبيد العرب ، وعزم على أن يحملوا العليل والضعيف ، والشيخ الكبير في الطواف ، وحول البيت على ظهورهم ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : « إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قال : أكرموا كريم قوم وإن خالفوكم ، وهؤلاء الفرس حكماء كرماء ، فقد ألقوا السلام ، ورغبوا في الإسلام ، وقد أعتقت منهم لوجه اللّه حقّي ، وحقّ بني هاشم » ، فقالت المهاجرون والأنصار : قد وهبنا حقّنا لك يا أخا رسول اللّه ، فقال : « اللّهم فاشهد فإنّهم قد وهبوا ، وقبلت وأعتقت » ، فقال عمر :

ص: 61


1- شرح الأخبار 3 / 296.

سبق إليها علي بن أبي طالب ، ونقض عزمي في الأعاجم.

ورغب جماعة في بنات الملوك أن يستنكحوهن ، فقال أمير المؤمنين : « نخيّر ولا نكرههن » ، فأشار أكبرهم إلى تخيير شهر بانو بنت يزد جرد ، فحجبت وأبت ، فقيل لها : أيا كريمة قومها من تختارين من خطّابك؟ وهل أنت راضية بالبعل؟ فسكتت ، فقال أمير المؤمنين : « قد رضيت ، وبقي الاختيار بعد سكوتها إقرارها » ، فأعادوا القول في التخيير ، فقالت : لست ممّن يعدل عن النور الساطع ، والشهاب اللامع الحسين إن كنت مخيّرة ... »(1).

ويظهر أنّ تعامل أمير المؤمنين عليه السلام مع هؤلاء ليس تعامل الرقيق والإماء ، ممّا يعني أنّ الإمام عليه السلام لم يتعامل معهم أسرى حرب ، كما هو ظاهر الرواية.

هذا ولو تنزّلنا وقلنا بأنّ الإمام عليه السلام قد تعامل معهم أسرى حرب ، فإنّه عليه السلام بصفة الخليفة الواقعي بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، له إقرار هذه الحرب لمصلحة يراها هو عليه السلام ، وإن كان ظاهراً من يقوم بالأمر غير الخليفة الشرعي ، أي إقرار الإمام للحرب ، أو عدم إقراره من شؤون إمامته ، وكذا كثير من الموارد التي يتصرّف بها الإمام عليه السلام ضمن شؤون ولايته الإلهيّة ، وإن كان الأمر في الظاهر لغيره.

فتبيّن : أنّ زواج الإمام الحسين عليه السلام من سبي فارس لا يدلّ على مشروعية خلافتهم ، إذ لا ملازمة بين عملهم ومشروعية خلافتهم ، فإنّ اللّه ينصر دينه على أيدي أناسٍ لا خلاق لهم كما هو وارد ، ففي صحيح البخاريّ باب بعنوان ( إنّ اللّه يؤيد الدين بالرجل الفاجر ).

( وليد محمّد - الإمارات - .... )

كراماته في طريقه لصفّين :

س : ما معنى الرواية التالية ، والتي احتوت على مفردات أجنبية : أثناء وجود أمير المؤمنين في صفّين ، نزلوا بمكان ليس به ماء ، ثمّ أمرهم بحفر حفرة ،

ص: 62


1- مناقب آل أبي طالب 3 / 208.

فإذا بصخرة عظيمة تلمع كاللجين ، فأمرهم برفعها ولم يستطيعوا ، وهم مائة رجل ، فدنا منها أمير المؤمنين ، ورفع يديه إلى السماء قائلاً : « طاب طاب مربا بما طبيوثا بوثة شتميا كوبا جاحا نوثا توديثا برحوثا آمين آمين ربّ هارون وموسى » ، ثمّ اجتذبها فرماها أربعين ذراعاً ، ثمّ ظهر لنا ماءً أعذب من العسل ، وابرد من الثلج.

المطلوب معنى الكلمات الأجنبية ، وفّقكم اللّه.

ج : نحبّذ أوّلاً أن نذكر الرواية كاملة ، كي نعطي صورة مجملة عن القصّة ، فقد أوردها الشيخ الصدوق ( قدس سره ) مسندة إلى حبيب بن الجهم قال : لمّا دخل بنا علي بن أبي طالب عليه السلام إلى بلاد صفّين ، نزل بقرية يقال لها صندوداء ، ثمّ أمرنا فعبرنا عنها ، ثمّ عرّس بنا في أرض بلقع ، فقام إليه مالك بن الحارث الأشتر ، فقال : يا أمير المؤمنين : أتنزل الناس على غير ماء؟

فقال : « يا مالك ، إنّ اللّه عزّ وجلّ سيسقينا في هذا المكان ماءً أعذب من الشهد ، وألين من الزبد الزلال ، وأبرد من الثلج ، وأصفى من الياقوت » ، فتعجّبنا ولا عجب من قول أمير المؤمنين عليه السلام.

ثمّ أقبل يجرّ رداءه ، وبيده سيفه حتّى وقف على أرض بلقع ، فقال : « يا مالك احتفر أنت وأصحابك ».

فقال مالك : احتفرنا فإذا نحن بصخرة سوداء عظيمة ، فيها حلقة تبرق كاللجين ، فقال لنا : « روموها » ، فرمناها بأجمعنا ، ونحن مائة رجل ، فلم نستطع أن نزيلها عن موضعها ، فدنا أمير المؤمنين عليه السلام رافعاً يده إلى السماء يدعو ، وهو يقول : « طاب طاب مريا عالم طيّبوا ثابوثه شمثيا كوبا حاحانو ثاتو ديثابر حوثا آمين آمين ربّ العالمين ربّ موسى وهارون » ، ثمّ اجتذبها فرماها عن العين أربعين ذراعاً.

قال مالك بن الحارث الأشتر : فظهر لنا ماء أعذب من الشهد ، وأبرد من الثلج ، وأصفى من الياقوت ، فشربنا وسقينا ، ثمّ ردّ الصخرة ، وأمرنا أن نحثو عليها التراب.

ص: 63

ثمّ ارتحل ، فما سرنا إلاّ غير بعيد قال : « من منكم يعرف موضع العين »؟ فقلنا : كلّنا يا أمير المؤمنين ، فرجعنا فطلبنا العين ، فخفي مكانها علينا أشدّ خفاء ، فظننا أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قد رهقه العطش ، فأومأنا بأطرافنا ، فإذا نحن بصومعة راهب فدنونا منها ، فإذا نحن براهب قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر ، فقلنا : يا راهب عندك ماء نسقي منه صاحبنا؟

قال : عندي ماء قد استعذبته منذ يومين ، فأنزل إلينا ماء مرّاً خشناً ، فقلنا : هذا قد استعذبته منذ يومين؟ فكيف لو شربت من الماء الذي سقانا منه صاحبنا؟ وحدّثناه بالأمر ، فقال : صاحبكم هذا نبيّ؟ قلنا : لا ، ولكنّه وصيّ نبيّ.

فنزل إلينا بعد وحشته منّا ، وقال : انطلقوا بي إلى صاحبكم ، فانطلقنا به ، فلمّا بصر به أمير المؤمنين عليه السلام قال : « شمعون »؟ قال الراهب : نعم شمعون ، هذا اسم سمّتني به أُمّي ، ما أطلع عليه أحد إلاّ اللّه تبارك وتعالى ، ثمّ أنت ، فكيف عرفته؟ فأتمّ حتّى أتمّه لك.

قال : « وما تشاء يا شمعون »؟ قال : هذا العين واسمه ، قال : « هذا العين راحوما وهو من الجنّة ، شرب منه ثلاثمائة وثلاثة عشر وصيّاً ، وأنا آخر الوصيّين شربت منه ».

قال الراهب : هكذا وجدت في جميع كتب الإنجيل ، وأنا أشهد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأنّ محمّداً رسول اللّه ، وأنّك وصيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله.

ثمّ رحل أمير المؤمنين عليه السلام والراهب يقدمه حتّى نزل بصفّين ، ونزل معه بعابدين ، والتقى الصفّان ، فكان أوّل من أصابته الشهادة الراهب ، فنزل أمير المؤمنين عليه السلام - وعيناه تهملان - وهو يقول : « المرء مع من أحبّ ، الراهب معنا يوم القيامة ، ورفيقي في الجنّة »(1).

ص: 64


1- الأمالي للشيخ الصدوق : 251.

وعلّق العلاّمة المجلسيّ على هذه الرواية بقوله : « بيان : البلقع والبلقعة : الأرض القفر التي لا ماء بها »(1).

وقد روى هذه الواقعة أهل السير والتاريخ وبألفاظ مختلفة عمّا هنا ، والقصّة واحدة ، ولاشكّ أنّ عدم ضبط حروفه وكلماته واعجامه وإهماله يصعب علينا الطريق ، بل يعميه حتّى لو أردنا استشراف الكلمات من لغات أُخرى كالعبرية ، أو السريانية ، أو الآرية التي نحتمل أن يكون الدعاء بلغتهم.

وبين كلّ هذه النصوص فرق كبير ، لعلّ منشأه عدّة أُمور ، أهمّها : إنّ هذه ألفاظ كانت غريبة عن الرواة ، فتناقلتها الصدور ، ثمّ ضبطتها - كما سمعتها - السطور ، مع اختلاف طبيعي في المُسمع والسامع والكاتب ، هذا في كلّ طبقة طبقة من أسانيد الرواة ، إلى أن وصل الحال إلى المصادر مع اختلافها ، والطبعات وتعدّدها.

وهو أمر ظاهر في كلّ لفظ أجنبي أو غريب ، وحشي على السامع أو الناقل ، ويؤيّد ما ذكرناه ، أنا تابعنا ألفاظ الحديث فوجدناها مختلفة ، وقد قربت بعض كلماته عن بعض ، وفصلت عن آخر ، ممّا كان وليد ذاك أنّا لم نحصل على توافق في كلمة واحدة من الحديث.

نعم قد اتّفقت هذه الروايات على كلمة : « طاب طاب » و « عالم ».

ونجد ابن شهر آشوب عند تعداد أسماء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في الكتاب الكريم ، والكتب السماوية قال : ومنها العالم ، ثمّ قال : وفي الإنجيل : طاب طاب أحمد ، ويقال : يعني طيب طيب(2).

وورد أيضاً في كتاب الفضائل عن الواقدي - في حديث مفصّل - : جاء فيه خطاب جبرائيل عليه السلام لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « السلام عليك يا محمّد ، السلام عليك

ص: 65


1- بحار الأنوار33 / 41.
2- مناقب آل أبي طالب 1 / 132.

يا أحمد ... السلام عليك يا طاب يا طاب ، السلام عليك يا سيّد يا سيّد ... »(1).

ولعلّ في ما ذكر من ألفاظ الدعاء نوع إشارة خاصّة ، ورمز معيّن قصد به حلّ المشكلة ، لا أنّه دعاء عام يقرأ ويدعى به ، أو يستن به ويتابع عليه ، إذ لا يراد منه الحفظ ، أو التعلّم والتعليم.

وبعد كلّ هذا ، لا ننسى أنّ الهدف في نقل هذه الواقعة هو بيان إعجازها ، وذكر كرامة لسيّد الأوصياء عليه السلام فيها ، لا نقل الدعاء وضبطه كما لا يخفى.

هذا ، وإن جهلنا بأمثال هذه الأُمور لا يغيّر من الحقّ شيئاً.

( سلوى - الإمارات - سنّية )

منزلته عند اللّه ورسوله :

س : ماذا يعني لكم الصحابيّ علي عليه السلام؟ وهل هو بمنزلة أي صحابيّ آخر؟ أم أنّ له منزلة أُخرى؟ فإن كان الجواب بنعم ، فنريد أن نعرف السبب؟

ج : نحن نعتقد أنّ منزلة الصحابيّ علي بن أبي طالب عليه السلام عند اللّه تعالى وعند رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله تختلف عن منزلة بقية الصحابة ، باعتباره :

أوّلاً : إنّه خليفة النبيّ صلى اللّه عليه وآله بالنصّ بخلاف الآخرين ، كما جاء في حديث الدار - « إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا »(2) - والأحاديث الأُخرى.

وثانياً : إنّ منزلته من النبيّ صلى اللّه عليه وآله كمنزلة هارون من موسى ، كما جاء في حديث المنزلة.

ص: 66


1- الفضائل : 33.
2- تاريخ الأُمم والملوك 2 / 62 ، كنز العمّال 13 / 114 ، شرح نهج البلاغة 13 / 211 ، جواهر المطالب 1 / 80 ، جامع البيان 19 / 149 ، شواهد التنزيل 1 / 486 ، تفسير القرآن العظيم 3 / 364 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 49 ، السيرة النبوية لابن كثير 1 / 459.

وثالثاً : إنّه عليه السلام وليّ كلّ مؤمن ومؤمنة بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، كما جاء في حديث الغدير وغيره.

ورابعاً : إنّه عليه السلام معصوم كالنبيّ صلى اللّه عليه وآله ، كما جاء في آية التطهير ، وحديث الثقلين ، و ...

« علي حسن لاري - البحرين - 15 سنة - طالب ثانوية »

نزول ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ... ) فيه من مصادر سنّية :

س : لا يخفى علينا ولا عليكم أنّ الآية الكريمة : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ )(1) ، نزلت في مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ، ولكن ما هو الدليل أو الأدلّة على ذلك من مصادر إخواننا أهل السنّة؟ شكراً والسلام.

ج : ورد ذلك في عدّة مصادر سنّية ، كتاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ، وشواهد التنزيل للحسكاني ، وجواهر المطالب لابن الدمشقي ، ينابيع المودّة للقندوزي ، نور الأبصار للشبلنجي ، وغيرها(2).

( عبد الحميد شحو - المغرب - .... )

لم يحرق أحداً :

س : هل صحيح أنّ الإمام علي عليه السلام حرق بعض الأشخاص؟ ولماذا؟

ج : قد وردت بعض الروايات تشير إلى هذا الحادث في المجامع الحديثية عند الفريقين ، ولكن بأجمعها قابلة للنقاش في السند والدلالة ، وبما أنّها كذلك

ص: 67


1- البقرة : 207.
2- أُنظر : تاريخ مدينة دمشق 42 / 67 ، شواهد التنزيل 1 / 123 و 127 و 129 و 131 ، جواهر المطالب 1 / 217 ، ينابيع المودّة 1 / 274 ، نور الأبصار : 132.

فتفقد الحجّية ، ولا يمكن الاعتماد عليها ، والالتزام بمفادها.

هذا ، وقد جاءت أحاديث أُخرى مسلّمة الدلالة عند الفريقين تصرّح بحكم القتل في مورد المرتدّ - بشروط ذكرت في محلّها - فتنفي الإحراق ، وعليه فظاهر هذه الروايات متعارضة مع القسم الأوّل - إن فرضت صحّتها -.

ثمّ إنّ فتوى العلماء والأصحاب من القديم والحديث يرد الحرق ، ويؤيّد القتل بالنسبة للمرتدّ ، وهذا بدوره يكون موهناً من حيث الدلالة لروايات الحرق.

وبالجملة : فروايات الحرق مردودة سنداً ودلالة ، ومع التسليم والتنزّل فهي متعارضة مع روايات أُخرى مسلّمة السند والدلالة ، وأيضاً مع فتوى الفقهاء ، وأصحاب الرأي من الفريقين في حكم المرتدّ بأنّه القتل لا الحرق.

« .... - .... - ... »

معنى استغفاره لربّه :

س : يرجى الإجابة على هذا السؤال :

هل الإمام علي عليه السلام سأل اللّه تعالى أن يتغفر ذنوبه؟ وهل كان عنده ذنوب؟

ج : جاءت في بعض الأدعية عبارات قد توهم استغفار المعصومين عليهم السلام ، ولكن المقصود منها ليس كما يتوهّم ، لوجوه :

منها : إنّ أدلّة العصمة بأُسسها العقليّة والنقليّة قائمة في الموضوع ، فكلّما لا يوافق هذه الأدلّة يجب أن ينظر فيه ، فلا تنثلم بهذه الفقرات - أو أي مثال آخر - عصمة المعصومين عليهم السلام ، بل إنّها يجب أن تفسّر على ضوء العصمة.

ومنها : إنّ أمثال هذه العبارات هي كلمات تعليمية للآخرين ، حتّى يتعرّفوا على الطريقة الصحيحة في اتصالهم ببارئهم تعالى من إذلال أنفسهم ، والاعتراف بذنوبهم ، وسؤال المغفرة منه.

ص: 68

ومنها : إنّ المراد في أمثال هذه الموارد هو : رجاء نيل المراتب العليا من القربة لدى اللّه تعالى ، فكأنّما الإمام عليه السلام يرى تصرّفاته وتقلّباته في شؤون الحياة لا تليق للعرض على اللّه تعالى ، أو أنّ ترك الأولى بمنزلة الذنب في ساحة كبريائه عزّ وجلّ ، فهذا كلّه يوجب خضوع الإمام عليه السلام ، بحيث لا يرى لنفسه شأناً ، ولا لأعماله قدراً ، بل يحسب أنّ أعماله كلّها لا تساوي شيئاً ، وهذا منتهى الخضوع والخشوع.

« زائر .. - .... - .. »

قسيم الجنّة والنار :

س : وجدت هذا الحديث في كتيّب : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « إذا جمع اللّه الأوّلين والآخرين يوم القيامة ، ونصب الصراط على جسر جهنم ، ما جازها أحد حتّى كانت معه براءة بولاية علي بن أبي طالب »(1).

فما المقصود من براءة بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام؟

وما حقيقة ما نسمعه من أنّ الإمام عليه السلام يحاسب الناس يوم القيامة ويدخلهم الجنّة؟

ج : المراد من البراءة أي صكّ البراءة من النار ، كما أنّ هذه الكلمة وردت في بعض الألفاظ الأُخرى لهذا الحديث ، وأيضاً ورد في الحديث لفظ الجواز : « لا يجوز أحد الصراط إلاّ من كتب له علي الجواز »(2) ، أي جواز مرور على الصراط.

وكلّ هذه الألفاظ تشير إلى معنى واحد وهو : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قسيم الجنّة والنار ، أي يميّز المؤمنين عن الكافرين والمنافقين ، ومن الطبيعي أن لا يدخل الجنّة إلاّ من كان قائلاً بولايته عليه السلام.

ص: 69


1- جواهر المطالب 1 / 88.
2- الرياض النضرة 3 / 118 ، ينابيع المودّة 2 / 404 و 3 / 230.

( مخلص - بريطانيا - .... )

مصادر تثبت ولادته في الكعبة :

اشارة

س : الإخوة الأعزاء في هذا المنتدى ، أُودّ أن تزوّدونا بالمصادر التي تثبت أنّ أمير المؤمنين عليه السلام ولد في الكعبة ، وما حكم من ينكر هذه المنقبة له عليه السلام من الشيعة؟ وهل يعتبر ضالاً أم ماذا؟ وما رأي المراجع حفظهم اللّه في ذلك؟ ولكم الأجر الكثير.

ج : إنّ قضية ولادة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام من القضايا التي تطابق على إثباتها الرواة ، وتضافر النقل لها ، وتواتر الأسانيد إليها ، ونقلتها مصادر الفريقين.

فمن مصادر أهل السنّة :

1 - المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوريّ ، حيث قال : « فقد تواترت الأخبار أنّ فاطمة بنت أسد ولِِِدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في جوف الكعبة » (1).

2 - قال السيّد محمود الآلوسي - صاحب التفسير - في شرح الخريدة الغيبية في شرح القصيدة العينية لعبد الباقي أفندي العمري عند قوله :

أنت العلي الذي فوق العلى رفعاً *** ببطن مكّة عند البيت إذ وضعا

فقال : « وكون الأمير كرّم اللّه وجهه ولد في البيت أمر مشهور في الدنيا ، وذكر في كتب الفريقين السنّة والشيعة … » (2).

وللمزيد حول ولادة أمير المؤمنين عليه السلام في الكعبة راجع : إزالة الخفاء (3) ،

ص: 70


1- المستدرك 3 / 483.
2- الغدير 6 / 22.
3- إزالة الخفاء 4 / 406.

الفصول المهمّة(1) ، مطالب السؤول(2) ، نور الأبصار(3) ، نظم درر السمطين(4) ، مناقب الإمام علي(5) ، وغيرها من المصادر(6).

وأمّا من مصادر الشيعة فراجع : الأمالي للشيخ الصدوق ، والأمالي للشيخ الطوسيّ ، والإرشاد ، وغيرها من المصادر(7).

وقد أجاد العلاّمة الأوردبادي حيث أفرد لهذا الموضوع كتاباً مستقلاً ، سمّاه « علي وليد الكعبة » ، أثبت فيه هذا الموضوع بالأدلّة النقليّة المتواترة.

وأمّا بالنسبة إلى حكم من أنكر هذه المنقبة فنقول : المنكر لمثل هذه المنقبة إن كان جاهلاً ، أو كان إنكاره عن شبهة ، فعلينا أن نرشده ونزيل الشبهة منه ، وإن كان من أهل العلم ، فإنّ إنكاره لمثل هذه المنقبة التي يعترف بها حتّى المخالف ، إنّما يكون لمرض في قلبه ، نسأل اللّه تعالى السلامة والعافية.

« ... - .... - .... »

ولايته شرط لقبول الأعمال :

س : أُريد منكم توضيح معنى كلمة أمير المؤمنين عليه السلام : « أنا الذي لا تقبل الأعمال إلاّ بولايتي ».

ص: 71


1- الفصول المهمّة : 30.
2- مطالب السؤول 1 / 51.
3- نور الأبصار : 116.
4- نظم درر السمطين : 80.
5- مناقب الإمام علي : 58.
6- أُنظر : كفاية الطالب : 407 ، تذكرة الخواص : 20.
7- منتهى المطلب 2 / 889 ، تحرير الأحكام 1 / 131 و 2 / 120 ، خصائص الأئمّة : 39 ، روضة الواعظين : 76 و 81 ، مناقب آل أبي طالب 2 / 22 و 45 و 3 / 38 و 48 و 59 و 91 ، المزار الكبير : 207 ، الفضائل : 56 ، إقبال الأعمال 3 / 131 ، المزار للشهيد الأوّل : 91 ، الأمالي للشيخ الصدوق : 195 ، معاني الأخبار : 62 ، الأمالي للشيخ الطوسيّ : 707 ، كشف الغمّة 1 / 61 ، كشف اليقين : 18 ، المقنعة : 461 ، السرائر 3 / 566 ، تهذيب الأحكام 6 / 19 ، الإرشاد 1 / 5 ، العمدة : 8 ، إعلام الورى 1 / 306.

ج : لم نجد مصدراً لهذه الرواية بهذا اللفظ ، وإن كان معناه صحيحاً ، وفيه وردت روايات كثيرة ، وتوضيحه كالتالي :

إنّ الولاية تعني اتباع الإمام وطاعته ، ومعلوم أنّ التكاليف والأحكام عموماً لا تعرف إلاّ عن طريق الإمام ، فاتباعه بمعنى اتباع ما أوضحه من أحكام ، وما بيّنه من تكاليف ، فإذا شذّ الإنسان عن اتباع الإمام وطاعته ، فسوف يسلك سبيلاً آخر يأخذ من خلاله أحكاماً لا تنسب إلى اللّه تعالى ، إذ الإمام منصوب من قبل اللّه تعالى بواسطة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فكلّ ما يفرضه الإمام مفروض من قبل اللّه تعالى ؛ حاكياً عن الواقع الذي لا التباس فيه ، واتباع غير الإمام لا يعني إلاّ اتباع وليجةٍ من دون اللّه ، وطريقاً غير الواقع ، قال تعالى : ( وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ) (1).

قال الإمام الباقر عليه السلام في صحيحة أبي الصباح الكنانيّ : « إيّاكم والولائج ، فإنّ كلّ وليجة دوننا فهي طاغوت »(2) ، ومعلوم أنّ معنى الوليجة هي الدخيلة أو الجهة ، فاتخاذ أيّة جهة دونهم لا يعني إلاّ الانحراف عن الصراط واتباع الطاغوت.

عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال في أثناء كلام له في جمع من المهاجرين والأنصار في المسجد أيّام خلافة عثمان : « فأنشدكم اللّه عزّ وجلّ أتعلمون حيث نزلت : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) (3) ، وحيث نزلت : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (4) ، وحيث نزلت : ( وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ) (5)؟ قال الناس : يا رسول

ص: 72


1- التوبة : 16.
2- تفسير العيّاشي 2 / 83 ، تفسير نور الثقلين 2 / 191.
3- النساء : 59.
4- المائدة : 55.
5- التوبة : 16.

اللّه : أهذه خاصّة في بعض المؤمنين أم عامّة لجميعهم؟

فأمر اللّه عزّ وجلّ نبيّه صلى اللّه عليه وآله أن يعلمهم ولاة أمرهم ، وأن يفسّر لهم من الولاية ما فسّر لهم من صلاتهم وزكاتهم ، وصومهم وحجّهم ، فنصبني للناس بغدير خم »(1).

عن الإمام الصادق عن أبيه عليهما السلام قال : « نزل جبرائيل على النبيّ صلى اللّه عليه وآله فقال : يا محمّد ، السلام يقرئك السلام ، ويقول : خلقت السماوات السبع وما فيهن ، والأرضين السبع وما عليهنّ ، وما خلقت خلقاً أعظم من الركن والمقام ، ولو أنّ عبداً دعاني هناك منذ خلقت السماوات والأرضين ، ثمّ لقيني جاحداً لولاية علي لأكببته في سقر »(2).

وعن الإمام الصادق عليه السلام كذلك قال : « إنّ أوّل ما يسأل العبد إذا وقف بين يدي اللّه جلّ جلاله الصلوات المفروضات ، وعن الزكاة المفروضة ، وعن الصيام المفروض ، وعن الحجّ المفروض ، وعن ولايتنا أهل البيت ، فإن أقرّ بولايتنا ثمّ مات عليها قبلت منه صلاته وصومه وزكاته وحجّه ، وإن لم يقرّ بولايتنا بين يدي اللّه جلّ جلاله ، لم يقبل اللّه عزّ وجلّ منه شيئاً من أعماله »(3).

وبذلك تبيّن : أنّ ولاية أمير المؤمنين عليه السلام وأهل بيته من بعده تأطّر أعمال الشخص ، دون أن تزيغ أو تنحرف عن الواقع ، وعن حكم اللّه تعالى ، وبهذا يمكن تفسير قول أمير المؤمنين عليه السلام.

جعلنا اللّه وإيّاكم من المتمسّكين بولايته ، والسائرين على نهجه.

ص: 73


1- كمال الدين وتمام النعمة : 276 ، تفسير نور الثقلين 1 / 505 و 644 و 2 / 192 و 500 ، ينابيع المودّة 1 / 346.
2- المحاسن 1 / 90 ، الأمالي للشيخ الصدوق : 573 ، ثواب الأعمال : 210 ، روضة الواعظين : 126.
3- الأمالي للشيخ الصدوق : 328 ، روضة الواعظين : 318.

( هادي الفقيه - أمريكا - 21 سنة - هندسة الحاسبات )

نوره ونور النبيّ واحد :

س : أُريد أن أعرف حول حديث النور ، ما جاء فيه وكلّ شيء حوله؟ فأرجو الإجابة.

ج : هو حديث طويل ، ذكر فيه أمير المؤمنين عليه السلام كلاماً شريفاً حول النورانية ، وكيف أنّ اللّه تعالى قد خلقه عليه السلام ، وخلق رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله من نور واحد.

روى العلاّمة المجلسيّ ( قدس سره ) : أنّ سلماناً وجندباً سألا أمير المؤمنين عليه السلام عن النورانية فقال : « كنت أنا ومحمّد نوراً واحداً من نور اللّه عزّ وجلّ ، فأمر اللّه تبارك وتعالى ذلك النور أن يشقّ ، فقال للنصف : كن محمّداً ، وقال للنصف : كن علياً ، فمنها قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : علي منّي وأنا من علي ، ولا يؤدّي عنّي إلاّ علي ، وقد وجّه أبا بكر ببراءة إلى مكّة ، فنزل جبرائيل عليه السلام ، فقال : يا محمّد ، قال : لبيك ، قال : إنّ اللّه يأمرك أن تؤدّيها أنت أو رجل عنك ، فوجّهني في استرداد أبي بكر ، فرددته فوجد في نفسه ، وقال : يا رسول اللّه ، أنزل فيّ القرآن؟ قال : لا ، ولكن لا يؤدّي إلاّ أنا وعلي ».

« يا سلمان ويا جندب » ، قالا : لبيك يا أخا رسول اللّه ، قال عليه السلام : « من لا يصلح لحمل صحيفة يؤدّيها عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كيف يصلح للإمامة؟

يا سلمان ويا جندب ، فأنا ورسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كنّا نوراً واحداً ، صار رسول اللّه محمّد المصطفى ، وصرت أنا وصيّه المرتضى ، وصار محمّد الناطق ، وصرت أنا الصامت ، وإنّه لابدّ في كلّ عصر من الإعصار أن يكون فيه ناطق وصامت.

يا سلمان صار محمّد المنذر ، وصرت أنا الهادي ، وذلك قوله عزّ وجلّ :

ص: 74

( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (1) ، فرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله المنذر ، وأنا الهادي » (2).

ثمّ إنّ الشيعة لم يتفرّدوا في هذه المرويات ، بل روى ذلك جمع من علماء السنّة ، منهم : الكنجيّ الشافعيّ في كفاية الطالب (3) ، ابن المغازليّ في مناقب علي بن أبي طالب (4) ، سبط بن الجوزيّ في تذكرة الخواص (5) ، ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (6) ، الطبري في الرياض النضرة (7) ، القندوزيّ الشافعيّ في ينابيع المودّة (8) ، وابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق (9) ، وابن الدمشقيّ في جواهر المطالب (10).

هذه بعض مصادر علماء السنّة نقلناها ، وعليك بمتابعة الباقي فضلاً عن مصادرنا الشيعيّة.

( الهادي ........ )

صك البراءة بيده من مصادر سنّية :

س : هل هذه الرواية موجودة في كتب أهل السنّة؟ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « إذا جمع اللّه الأوّلين والآخرين يوم القيامة ، ونصب الصراط على جسر جهنّم

ص: 75


1- الرعد : 7.
2- بحار الأنوار 26 / 3.
3- كفاية الطالب : 314.
4- مناقب الإمام علي : 120.
5- تذكرة الخواص : 51.
6- شرح نهج البلاغة 9 / 171.
7- الرياض النضرة 3 / 103.
8- ينابيع المودّة 1 / 47 و 2 / 307.
9- تاريخ مدينة دمشق 42 / 67.
10- جواهر المطالب 1 / 61.

ما جازها أحد حتّى كانت معه براءة بولاية علي بن أبي طالب ».

أُريد ذكر تمام المصادر ، أو أكثرها ، وشكراً.

ج : قد ذكرت هذه الرواية في عدّة مصادر لأهل السنّة ، وبألفاظ مختلفة ، منها مثلاً : الرياض النضرة للطبريّ(1) ، الصواعق المحرقة لابن حجر(2) ، وغيرهما من المصادر(3).

هذا ، وقد روى هذا الحديث كلاً من الإمام علي عليه السلام ، وأنس ، وأبي بكر ، وأبي سعيد الخدريّ ، وابن عباس ، وعبد اللّه بن مسعود.

( أحمد جعفر - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة )

معنى قوله : أنا الأوّل وأنا الآخر :

س : أيّها الأساتذة الكرام ، عندي تساؤل عن قول الإمام علي عليه السلام : « وأنا الأوّل وأنا الآخر ، وأنا الظاهر وأنا الباطن ، وأنا وارث الأرض »(4).

ج : الوراثة على قسمين : وراثة ملكية ، كأن يورث الأب ولده قطعة من الأرض ، أو أي شيء آخر يتملّكه الإنسان ، ووراثة ملكوتية معنوية ، كوراثة الإمام المعصوم للأرض ، فإنّ زمام أُمورها في الواقع والباطن ، وفي ملكوتها وحكومتها إنّما هي بيد الإمام المعصوم عليه السلام - أعم من النبيّ أو الوصيّ عليهما السلام - وأمير المؤمنين علي عليه السلام هو سيّد الأوصياء ، فهو وارث الأرض ، والحاكم عليها في ملكوتها بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وكذلك الأئمّة من بعده يرثون الأرض ، كلّ هذا بإذن اللّه ، فإنّ اللّه جعل لهم الأرض ، وأورثهم مقاليدها ، وحكومة ملكوتها وباطنها.

ص: 76


1- الرياض النضرة 3 / 118.
2- الصواعق المحرقة 2 / 369.
3- أُنظر : ينابيع المودّة 1 / 335 ، مناقب الإمام علي : 140 و 147 و 218 ، تاريخ بغداد 3 / 380 و 10 / 355 ، تاريخ مدينة دمشق 44 / 254.
4- اختيار معرفة الرجال 2 / 471.

وأمّا قوله عليه السلام : « أنا الأوّل أنا الآخر » ، فله معان كما يذكرها علماء الحديث ، منها : أنّه أوّل من آمن برسول اللّه في عالم الأنوار والأرواح والذرّ ، وكذلك في الدنيا فهو أوّل من اسلم به ، كما هو الآخر لرسول اللّه ، فإنّه آخر من كان مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وقد فاضت روحه الشريفة في حجر أمير المؤمنين عليه السلام ، فهو الأوّل وهو الآخر مع النبيّ الأعظم محمّد صلى اللّه عليه وآله.

وأمّا قوله عليه السلام : « وأنا الظاهر وأنا الباطن » ، فكذلك يحمل معاني دقيقة ، لا يلقّاها إلاّ ذو حظّ عظيم ، إلاّ أنّه من المعاني المألوفة كما ورد في الروايات عنه عليه السلام : أنّه الظاهر مع النبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله في نصرته وتأييده ، والباطن مع الأنبياء من آدم إلى الخاتم في نصرتهم بولايته العظمى التي أعطاها اللّه سبحانه إيّاه ، فهو مع الأنبياء في الباطن فهو الباطن ، ومع النبيّ في الظاهر فهو الظاهر.

وإذا أردت بعض المعاني الأُخرى فراجع كتاب « الأسرار العلوية » للشيخ محمّد فاضل المسعوديّ ، وغيره.

( أحمد - فرنسا - ... )

دابة الأرض :

س : ما هي دابة الأرض المذكورة في علامات الساعة؟

ج : إنّ دابة الأرض هي : الإمام علي عليه السلام ، كما ورد ذلك في رواياتنا :

فعن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « انتهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو نائم في المسجد ، قد جمع رملاً ، ووضع رأسه عليه ، فحرّكه برجله ، ثمّ قال : قم يا دابة الأرض.

فقال رجل من أصحابه : يا رسول اللّه أيسمّى بعضنا بعضاً بهذا الاسم؟

فقال : لا واللّه ، ما هو إلاّ له خاصّة ، وهو الدابة الذي ذكره اللّه في كتابه ، فقال عزّ وجلّ : ( وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الأَرْضِ

ص: 77

تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ ) (1).

ثمّ قال صلى اللّه عليه وآله : إذا كان آخر الزمان أخرجك اللّه في أحسن صورة ، ومعك ميسم تسم به أعدائك »(2).

وفي رواية أُخرى عن الإمام الصادق عليه السلام أيضاً : « قال رجل لعمّار بن ياسر : يا أبا اليقضان ، إنّ آية في كتاب اللّه أفسدت قلبي وشكّكتني؟

قال : وأية آية هي؟

قال : قول اللّه : ( وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ ) فأية دابّة هي؟

قال عمّار : واللّه ما أجلس ولا آكل ولا أشرب حتّى أُريكها ، فجاء عمّار مع الرجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو يأكل تمراً وزبداً ، فقال له : يا أبا اليقضان : هلم ، فجلس عمّار ، وأقبل يأكل معه ، فتعجّب الرجل منه ، فلمّا قام عمّار ، قال له الرجل : سبحان اللّه يا أبا اليقضان ، حلفت أنّك لا تأكل ، ولا تشرب ، ولا تجلس ، حتّى ترينيها ، قال عمّار : قد أريتكها إن كنت تعقل »(3).

( معاذ - الأردن - سنّي - 33 سنة. طالب جامعة )

مصادر سبّه من قبل الأمويّيّن :

س : إنّ بعض الناس هنا تنكر أنّ الأمويّين كانوا يشتمون علياً على المنابر؟ فهل ورد هذا الأمر في كتب أهل السنّة؟

حسب معلوماتي أنّي قرأت شيئاً من هذا القبيل ، بل حتّى أنّهم كانوا يشتمونه في دعاء القنوت ، فما مدى صحّة ذلك؟ وهل كان الشتم منتشراً ، أم

ص: 78


1- النمل : 82.
2- تفسير القمّيّ 2 / 130.
3- المصدر السابق 2 / 131.

أنّه حدث في حالات معيّنة ومحدودة؟

ج : إنّ التاريخ يشهد بأنّ الأمويّين - وابتداءً من معاوية - قد روّجوا هذه البدعة المحرّمة ، وعلى سبيل المثال ، نذكر بعض النماذج :

1 - لعن علي بن أبي طالب عليه السلام على منابر الشرق والغرب ، ولم يلعن على منبرها - أي سجستان - إلاّ مرّة ، وامتنعوا على بني أُمية ... وهو يلعن على منابر الحرمين مكّة والمدينة(1).

2 - وكتبت أُمّ سلمة زوج النبيّ صلى اللّه عليه وآله إلى معاوية : « إنّكم تلعنون اللّه ورسوله على منابركم ، وذلك أنّكم تلعنون علي بن أبي طالب ومن أحبّه ، وأنا أشهد أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أحبّه ، واللّه أحبّه ، فلم يلتفت معاوية إلى كلامها »(2).

3 - إنّ معاوية كان يقول في آخر خطبته : اللّهم إنّ أبا تراب ألحد في دينك ، وصدّ عن سبيلك ، فالعنه لعناً وبيلاً ، وعذّبه عذاباً أليماً.

وكتب بذلك إلى الآفاق ، فكانت هذه الكلمات يشار بها على المنابر إلى أيّام عمر بن عبد العزيز ....

وروى أبو عثمان أيضاً : إنّ قوماً من بني أُمية قالوا لمعاوية : يا أمير المؤمنين ، إنّك قد بلغت ما أملت ، فلو كففت عن هذا الرجل! فقال : لا واللّه ، حتّى يربو عليه الصغير ، ويهرم عليه الكبير ، ولا يذكر له ذاكر فضلاً(3).

4 - إنّ بني أُمية لعنوا علياً على منابرهم سبعين سنة ، بما سنّه لهم معاوية من ذلك(4).

5 - إنّ معاوية بن أبي سفيان لمّا ولّى المغيرة بن شعبة الكوفة في سنة 41 ه- دعاه ، فحمد اللّه وأثنى عليه ، ثمّ قال له : ... ولست تاركاً إيصاءك بخصلة :

ص: 79


1- معجم البلدان 3 / 191.
2- جواهر المطالب 2 / 228.
3- شرح نهج البلاغة 4 / 57.
4- ربيع الأبرار 2 / 186.

لا تتحم عن شتم علي وذمّه ... والعيب على أصحاب علي والإقصاء لهم ، وترك الاستماع منهم ، ... وأقام المغيرة على الكوفة عاملاً لمعاوية ، سبع سنين وأشهراً ، وهو من أحسن شيء سيرة ، وأشدّه حبّاً للعافية ، غير أنّه لا يدع ذمّ علي والوقوع فيه(1).

6 - روى أهل السيرة : أنّ الوليد بن عبد الملك في خلافته ، ذكر علياً عليه السلام لعنه اللّه - بالجر - كان لصّ ابن لصّ(2).

7 - وذكر المبرّد في الكامل : « إنّ خالد بن عبد اللّه القسريّ لمّا كان أمير العراق في خلافة هشام ، كان يلعن علياً عليه السلام على المنبر ، فيقول : اللّهم اللعن علي بن أبي طالب ... »(3).

8 - ودخل عليه - أي على خالد القسريّ - فراس بن جعدة بن هبيرة ، وبين يديه نبق ، فقال له : العن علي بن أبي طالب ، ولك بكل نبقة ديناراً ...(4).

9 - فرأى - أي خالد القسري - يوماً عكرمة ، مولى ابن عباس ، وعلى رأسه عمامة سوداء ، فقال : إنّه بلغني أنّ هذا العبد يشبه علي بن أبي طالب ، وأنّي لأرجو أن يسوّد اللّه وجهه ، كما سوّد وجه ذاك(5).

10 - وأخبرني ابن شهاب بن عبد اللّه قال : قال لي خالد القسريّ : ... واكتب لي السيرة. فقلت له : فإنّه يمر بي الشيء من سير علي بن أبي طالب عليه السلام فأذكره ، فقال : لا ، إلاّ أن تراه في قعر الجحيم(6).

وأخيراً : فهذا غيض من فيض ، ولعلّ المتتبع للتاريخ والسير يعثر على زلاّت

ص: 80


1- تاريخ الأُمم والملوك 4 / 188.
2- شرح نهج البلاغة 4 / 58.
3- المصدر السابق 4 / 57.
4- الأغاني 11 / 282.
5- المصدر السابق 11 / 283.
6- المصدر السابق 11 / 281.

الأمويّين في هذا المجال ، أكثر ممّا ذكرناه.

( أحمد جعفر - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة )

خير البشر فمن أبى فقد كفر :

س : ما معنى : « علي خير البشر ، فمن أبى فقد كفر »(1) ، هل صحيح من أبى ذلك فقد كفر؟

ج : الكفر لغةً بمعنى الستر ( يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ) (2) أي يسترها ويغفرها ، ويأتي الكفر بمعنى الجحود أيضاً وبمعان أُخرى ، والكفر اصطلاحاً : بمعنى الإلحاد باللّه ، أو عدم الإيمان بخاتم الأنبياء ، وهذا يعني أنّه يستر على الحقّ ، فإنّ اللّه هو الحقّ.

ثمّ من الحقّ الثابت نبوّة خاتم الأنبياء محمّد صلى اللّه عليه وآله ، فمن لم يؤمن به فقد كفر ، وقد ثبت بقول اللّه ورسوله بالنصوص القرآنية والروائية أنّ أمير المؤمنين علي عليه السلام هو خير البشر بعد رسول اللّه ، فإنّ الرسول هو أشرف خلق اللّه ، وعلي عليه السلام بنصّ آية المباهلة هو نفس الرسول صلى اللّه عليه وآله ، فيكون أشرف خلق اللّه بعد رسوله ، فهو خير البشر ، ومن أبى عن هذا الحقّ فقد كفر ، وستر ما هو الحقّ ، فهو كافر بحقّ الإمام والإمامة والخلافة الحقّة ، كما أنّ من لم يؤمن برسول اللّه فهو كافر بحقّ النبيّ والنبوّة ، كما أنّ من لم يؤمن باللّه فهو كافر بحقّ اللّه والتوحيد ، فيكون بهذا المعنى من الكفر في العقيدة الصحيحة والتامّة.

فإنّ الإمامة والإيمان بالولاية من العقيدة السليمة والتامّة بصريح القرآن

ص: 81


1- علل الشرائع 1 / 142 ، تاريخ بغداد 7 / 433 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 372 ، إعلام الورى 1 / 319 ، ينابيع المودّة 2 / 78.
2- التحريم : 8.

الكريم ، وآية الإكمال ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) (1) ، وشأن نزولها كما عند المفسّرين هو قضية الغدير الثابت متواتراً ، فمن أبى فقد كفر بأصل من أُصول الدين الإسلامي ، وهي الإمامة الحقّة.

ويحتمل أن يكون الكفر في الحديث الشريف من الكفر العملي ، فإنّ قول علي خير البشر من الولاية ، وأعظم نعمة هي نعمة الولاية ( وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) ، والولاية لها شعب ، منها : الحُبّ المقارن مع الطاعة ، فيلزمهما العمل الصالح ، فمن أبى الولاية ومظاهرها وشعائرها ، ومقولاتها ومعانيها ، ومنها « علي خير البشر » فقد كفر وجحد بنعمة اللّه ، فهو كافر في مقام العمل.

( أبو الصادق - فلسطين - سنّيّ - 20 سنة - هندسة تحكّم )

مصادر حديث علي وشيعته هم الفائزون :

س : أين أجد حديث الرسول الأكرم صلى اللّه عليه وآله - والذي روته أُمّ سلمة : « علي وشيعته هم الفائزون يوم القيامة » - في كتب السنّة والشيعة؟

ج : لا يخفى عليك أنّ هذا الحديث ورد بعدّة ألفاظ ، وبأسانيد مختلفة - عن أُمّ سلمة ، وابن عباس ، وجابر الأنصاريّ ، وغيرهم - ولكن مضمونها واحد ، وهو : أنّ علياً عليه السلام وشيعته هم الفائزون يوم القيامة(2).

كما لايخفى عليك أيضاً ، أنّ هذا الحديث ورد في مصادر كثيرة للفريقين.

ص: 82


1- المائدة : 3.
2- الأمالي للشيخ الصدوق : 524 ، الإرشاد 1 / 41 ، شواهد التنزيل 2 / 467 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 333 ، أنساب الأشراف : 182 ، ينابيع المودّة 1 / 173 و 197 و 2 / 78 و 245 و 312 ، الدرّ المنثور 6 / 379 ، فتح القدير 5 / 477 ، نور الأبصار : 119 ، المعجم الأوسط 6 / 354 ، مجمع الزوائد 10 / 21 ، نظم درر السمطين : 92 ، كنز العمّال 13 / 156 ، الصحاح 1 / 397 ، النهاية في غريب الحديث 4 / 106 ، لسان العرب 2 / 566 ، تاج العروس 2 / 209.

« .... - ....... »

معنى حبّه حسنة لا تضرّ معها سيئة :

س : أُودّ الاستفادة إذا سمحتم لي ، يقال في الإمام علي عليه السلام : إنّ حبّه حسنة لا تضرّ معها سيئة.

ما هو المقصود بذلك؟ هل يعني أنّه يكفي محبّة الإمام عليه السلام بدون صلاة؟ وهذا من المنظور السطحي ، أم محبّة الإمام مقرونة بالأعمال الحسنة ، وليست السيئة؟

ج : لقد استفاضت الأخبار عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « حبّ علي حسنة لا تضرّ معها سيئة ، وبغضه سيئة لا ينفع معها حسنة »(1).

وهناك عدّة تأويلات ذكرت لهذا الخبر :

منها : عن الشهيد الثاني ( قدس سره ) : « حمله على المحبّة الحقيقيّة الكاملة ، وهي توجب عدم ملابسة شيء من الذنوب البتة ، لأنّ المحبّ الحقيقيّ يؤثر رضا المحبوب كيف كان.

ولاشكّ أنّ رضا علي عليه السلام في ترك المحرّمات والقيام بالواجبات ، فمحبّة علي الحقيقيّة تؤثّر لأجل ذلك ، فلا يفعل ما يوجب النار فيدخل الجنّة ، ومن خالف هوى محبوبه فمحبّته معلولة »(2).

ومنها : عن علي بن يونس العامليّ ( قدس سره ) : « إنّ من أحبّ علياً لا يخرج من الدنيا إلاّ بتوبة تكفّر سيئاته ، فتكون ولايته خاتمة عمله ، ومن لم يوفّق للتوبة ابتلى بغمّ في نفسه ، أو حزن في ماله ، أو تعسير في خروج روحه ، حتّى يخرج من الدنيا ولا ذنب له يؤاخذ به »(3).

ص: 83


1- ينابيع المودّة 2 / 75 و 292 ، فردوس الأخبار : 347.
2- رسالة في العدالة : 227.
3- الصراط المستقيم 1 / 199.

ومنها : عن الشيخ المفيد ( قدس سره ) : « إنّ اللّه تعالى آلى على نفسه أن لا يطعم النار لحم رجل أحبّ علياً عليه السلام ، وإن ارتكب الذنوب الموبقات ، وأراد اللّه أن يعذّبه عليها ، كان ذلك في البرزخ ، وهو القبر ومدّته ، حتّى إذا ورد القيامة وردها وهو سالم من عذاب اللّه ، فصارت ذنوبه لا تضرّه ضرراً يدخله النار »(1).

ومنها : عن بعض الأعاظم ، نقله الشيخ الماحوزيّ : « إنّ محبّة علي عليه السلام توجب الإيمان الخاصّ ، والتشيّع بقول مطلق ، وحينئذ لا يضرّ معه سيئة ، لأنّ العصيان في غير الأُصول الخمسة لا يوجب الخلود في النار ، بل المفهوم من أخبارنا الواردة عن أئمّتنا عليهم السلام : إنّ ذنوب الشيعة الإمامية مغفورة »(2).

ومنها : عن ابن جبر ( قدس سره ) : « لمّا كان حبّه هو الإيمان باللّه تعالى وبغضه هو الكفر استحقّ محبّه الثواب الدائم ، ومبغضه العذاب الدائم ، فإن قارن هذه المحبّة سيئة استحقّ بها عقاباً منقطعاً ، ومع ذلك يرجى له عفو من اللّه تعالى ، أو شفاعة من الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وكلّ شيء قلّ ضرره بإضافته إلى ما كثر ضرره ، جاز أن يقال : إنّه غير ضارّ ، كما يقال : لا ضرر على من يحبّ نفسه في مهلكة ، وإن تلف ماله.

فحبّه عليه السلام يصحّح العقيدة ، وصحّة العقيدة تمنع من الخلود ، فلا تضرّ سيئته كلّ الضرر ، وبغضه يفسدها ، وفسادها يوجب الخلود ، ويحبط كلّ حسنة »(3).

ومنها : عن الشيخ الطريحي : « الظاهر أنّ المراد بالحبّ الحبّ الكامل المضاف إليه سائر الأعمال ، لأنّه هو الإيمان الكامل حقيقة ، وأمّا ما عداه فمجاز ، وإذا كان حبّه إيماناً وبغضه كفراً ، فلا يضرّ مع الإيمان الكامل سيئة ، بل تغفر إكراماً لعلي عليه السلام ، ولا تنفع مع عدمه حسنة إذ لا حسنة مع عدم الإيمان »(4).

ص: 84


1- الأربعين : 105 عن الإرشاد.
2- الأربعين : 105.
3- نهج الإيمان : 449.
4- مجمع البحرين 1 / 442.

هذه بعض التأويلات وبها نكتفي.

( نور - دبي - 24 سنة - طالب )

تشخيص قبره وبنائه :

س : من هو أوّل من وضع علامة على قبر أمير المؤمنين عليه السلام؟ ومن هو نصب الضريح وبنى القبة؟

ج : بعد شهادة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة تولّى الإمامان الحسن والحسين عليهما السلام تغسيله وتكفينه ودفنه في الغريّ ، وقد عفّيا موضع قبره عليه السلام بوصية كانت منه إليهما ، لما كان يعلمه من عدواة بني أُمية له ، وما ينتهون إليه من سوء نيّاتهم.

فلم يزل قبره عليه السلام مخفيّاً حتّى دلّ عليه الإمام الصادق عليه السلام في زمن الدولة العباسيّة ، وحينها أخذت الشيعة تأتي إلى زيارته عليه السلام.

وقال ابن الدمشقي : « وقيل : إنّ الرشيد خرج يوماً إلى الصيد ، فأتى إلى موضع قبره الآن ، فأرسل فهداً على صيد ، فتبع الفهد الصيد إلى موضع القبر ، فوقف ولم يتجاوزه ، فعجب الرشيد من ذلك ، فحضر إليه رجل وقال : يا أمير المؤمنين مالي من كرامة إن دللتك على قبر علي بن أبي طالب؟

قال : كلّ كرامة.

قال : هذا قبره.

قال : من أين علمت ذلك؟

قال : كنت أخرج إليه مع أبي فيزوره ، وأخبرني أنّه كان يجيء مع جعفر الصادق فيزوه ، وإنّ جعفراً كان يجيء مع أبيه محمّد الباقر فيزوره ، وأن محمّداً كان يجيء مع علي بن الحسين فيزوره ، وأنّ الحسين أعلمهم أنّ هذا قبره.

ص: 85

فتقدّم الرشيد بأن يحجّر ويبنى عليه ، فكان أوّل من بنى عليه هو ، ثمّ تزايد البناء » (1).

وحكم الرشيد بين سنة 170ه- - 193 ه- ..

ولكن السيّد ابن طاووس يذهب إلى أنّ أوّل من وضع صندوقاً على قبر أمير المؤمنين علي عليه السلام هو داود بن علي العباسيّ ، المتوفّى 133 ه. (2).

والظاهر أنّ أوّل من بيّن قبر الإمام عليه السلام هو الإمام الصادق عليه السلام ، وأوّل من وضع ضريحاً - صندوقاً - على قبره عليه السلام هو داود بن علي العباسيّ ، وأوّل من أمر ببناء قبّة على قبره عليه السلام هو هارون الرشيد.

( السيّد الموسوي - ........ )

كان في صلح الحديبية :

س : هل كان الإمام علي عليه السلام في صلح الحديبية أم لا؟

ج : لقد كان الإمام علي عليه السلام موجوداً في صلح الحديبية ، فقد روي البخاريّ عن أبي إسحاق قال : « حدّثني البراة : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله لمّا أراد أن يعتمر أرسل إلى أهل مكّة يستأذنهم ليدخل مكّة ، فاشترطوا عليه أن لا يقيم بها إلاّ ثلاث ليال ، ولا يدخلها بجلبان السلاح ، ولا يدعو منهم أحداً ، قال : فأخذ يكتب الشرط بينهم علي بن أبي طالب ، فكتب : « هذا ما قاضى عليه محمّد رسول اللّه » ، فقالوا : لو علمنا أنّك رسول اللّه لم نمنعك ولبايعناك ، ولكن أكتب هذا ما قاضى عليه محمّد بن عبد اللّه.

فقال : « أنا واللّه محمّد بن عبد اللّه ، وأنا واللّه رسول اللّه » ، قال : وكان لا يكتب ، قال : فقال لعلي : « امح رسول اللّه » ، فقال علي : « واللّه لا أمحوه

ص: 86


1- جواهر المطالب 2 / 114.
2- فرحة الغريّ : 16.

أبداً » ، قال : فأرينه ، قال : فأراه إيّاه ، فمحاه النبيّ صلى اللّه عليه وآله بيده » (1).

( سلام حسن - العراق - طالب علم )

طالب بحقّه :

س : سؤالي هو استيضاح لإشكال علق في ذهني ، مفاده : إنّا حين نسأل عن سبب عدم مطالبة الإمام علي عليه السلام بحقّه ، وعدم خروجه على من غصب حقّه ، يرد الجواب المعروف : أنّه لم يفعل ذلك حفاظاً على بيضة الإسلام ووحدته ، ولكن نرى أوّلاً : إنّ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قد خرج - ولو لبعض الشيء - على الخلافة المزيّفة ، كما نقل لنا التاريخ ذلك في قصّة نفي الصحابيّ الجليل أبو ذر الغفاري عليه السلام ، وكذلك الخطبة الشقشقية ، ومواقف أُخرى أنتم أكثر منّي اطلاعاً عليها.

وأمّا ثانياً : فإنّا نشاهد بحسب الواقع اليوم : أنّ ما عليه المسلمون من تخلّف اليوم ، يرجع بشكل واضح لتلك الرزايا الأُولى من غصب الخلافة ، فأقول : - وأرجو السماح من الإمام أوّلاً ومنكم ثانياً - لو أنّ الإمام طالب بحقّه جهراً وبقوّة لما حدث ما حدث.

أرجو أن توضّحوا لي هذا الاستفسار بشكل مبسّط ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى اللّه على محمّد وآله الميامين.

ج : نوضّح الجواب بنقاط :

1 - إنّ جوابنا بأنّ الإمام لم يفعل ذلك حفاظاً على بيضة الإسلام هو جواب على سبب عدم قتال أمير المؤمنين عليه السلام لمن غصب حقّه ، وليس جواب عن السؤال عن سبب عدم مطالبته بحقّه.

2 - نحن لا نقول : إنّ الإمام عليه السلام لم يطالب بحقّه - كما هو مفروض السؤال -

ص: 87


1- صحيح البخاريّ 4 / 71.

فهناك تسرّع لدى السائل أو غيره ، وإنّما الصحيح أنّ الإمام عليه السلام لم يقاتل ، لأنّ قتاله كان سيضرّ بالإسلام ويضعفه ، وأيضاً لا يصل لحقّه منه لقلّة أنصاره.

ولكن هذا غير المطالبة بالحقّ بالوسائل الأُخرى المتاحة ، والتي ليس فيها ضرر لإلقاء الحجّة على الغاصبين ، والمسلمين الآخرين ، والأجيال اللاحقة من المسلمين.

فإنّ الإمام عليه السلام استخدم في المطالبة بحقّه مختلف الأساليب بالقدر المستطاع ، كالتذكير بوصايا الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وإثبات أفضليته وأعلميته وقرابته ووراثته ، وغيرها ، أي استخدم جميع الوسائل المتاحة للمقاومة السلبية والإيجابية ، وهذا قطعاً يثبت أنّه طالب بحقّه ، والمطالبة بالحقّ لا تنحصر بالقتال فقط.

3 - نعم إنّ ما نحن فيه اليوم هو من آثار ما مضى من أفعال القوم ، ولو كان الإمام عليه السلام يستطيع أن يمنعه بالسيف لفعل ، ولكن يجب أن ننظر بموضوعية لسلوك الإمام عليه السلام الحكيم ، بأنّه بسلوكه المتوازن بين عدم القتال وعدم السكوت عن حقّه ، والوقوف ما استطاع أمام محاولات حرف الإسلام عن مساره العام ، وإن وقع الظلم عليه خاصّة ، قد حافظ على الهيكل العام للإسلام كما تجده اليوم ، واستطاع أن يبقي الإسلام الحقّ النازل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حيّاً إلى اليوم ، ببقاء هذه الثلّة المؤمنة الموالية ، وهم شيعة أهل البيت عليهم السلام ، وهي المرجوّة والمبشرّة بالنجاة ، حتّى ظهور الحجّة المنتظر عليه السلام ، إذ ببقائها بقت الحجّة موجودة لمن يطلبها.

( فدك - البحرين - 16 سنة - طالبة )

تكليمه للشمس :

س : أُريد توضيحاً حول الرواية التي نقلها العلاّمة المجلسيّ ( قدس سره ) في كتابه

ص: 88

البحار(1) ، عن كتاب « مناقب آل أبي طالب »(2) لابن شهر آشوب ( قدس سره ) ، حول تكليم الإمام علي عليه السلام للشمس ، ولكم جزيل الشكر.

ج : لاشكّ ولا ريب أنّ هناك كثيراً من الفضائل والمناقب للإمام علي عليه السلام ، ذكرتها كتب السنّة والشيعة ، ومن تلك الفضائل هي قضية ردّ الشمس له عليه السلام ، كما ردّت من قبل لسليمان وصيّ داود عليهما السلام ، وليوشع بن نون وصيّ موسى عليهما السلام.

وأمّا بالنسبة إلى قضية تكليم الشمس له عليه السلام فليست ببعيدة ، وذلك :

أوّلاً : باعتبار أنّ للإمام عليه السلام كما قلنا فضائل ومناقب كثيرة ، فتكون قضية تكليم الشمس له عليه السلام واحدة من تلك الفضائل الكثيرة ، فليس هو إنساناً عادياً لا فضائل له ولا مناقب حتّى نستبعدها له عليه السلام.

ثانياً : باعتبار أنّ الشمس ردّت له عليه السلام لبيان فضيلة له ، فما المانع من أن تتكلّم معه عليه السلام لنفس السبب المذكور.

ثالثاً : باعتبار أنّ القرآن الكريم ذكر لنا قضية مشابهة لها ، وهي تكليم المولى تعالى لموسى عليه السلام من خلال الشجرة ، فإذا أمكن تكليم الشجرة بقدرة ربانية ، فما المانع من تكليم الشمس للإمام علي عليه السلام بقدرة ربانية؟

كما ذكر لنا القرآن الكريم موارد أُخرى مشابهة لها من ناحية الإعجاز ، كقضية انشقاق القمر للنبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وإحياء عيسى عليه السلام للموتى ، وغير ذلك.

( حسن رضائي ........ )

تصدّقه بالخاتم لم يخرجه من الصلاة :

س : يقول أعداء أهل البيت : بأنّ الإمام علي عليه السلام عندما تصدّق خرج من

ص: 89


1- بحار الأنوار 41 / 174.
2- مناقب آل أبي طالب 2 / 143.

الصلاة لحظة ، فهذا ليس من صفة الإمام المعصوم؟ فما هو الجواب المقنع؟

ج : هناك عدّة نقاط :

1 - لو كان لهذا الإشكال أدنى مجال ، لما عدّت هذه القضية عند اللّه ورسوله وسائر المؤمنين من مناقب الإمام علي عليه السلام.

2 - هذا الالتفات لم يكن من أمير المؤمنين عليه السلام إلى أمر دنيوي ، وإنّما كانت عبادة في ضمن عبادة.

3 - سئل ابن الجوزيّ الحنبلي المتعصّب - الذي ردّ الكثير من فضائل أمير المؤمنين عليه السلام - عن هذا الإشكال ، أجاب ببيتين من الشعر :

يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته *** عن النديم ولا يلهو عن الناس

أطاعَهُ سكرُهُ حتّى تمكّن من *** فعل الصُحاةِ فهذا واحد الناس(1)

( خالد - الجزائر - 28 سنة - التاسعة أساسي )

سكوته عمّا جرى على ولده محسن :

اشارة

س : لدي مداخلة أو بالأحرى استفسار إذا سمحتم ، وهو بخصوص إسقاط جنين الزهراء عليها السلام.

هل يمكن أن يسكت أمير المؤمنين عليه السلام على إسقاط جنينه وقتل ولده؟

ج : إنّ الإمام علي عليه السلام ترك مقاتلة القوم بعد اغتصابهم الخلافة ، لوصية من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بترك مقاتلة القوم ، إذ كان يؤدّي إلى الفرقة ومحو دين اللّه ، والأهمّ عنده عليه السلام أن يستمر دين اللّه ، وإن كان ناقصاً ، بدل أن يمحى بالكلّية.

هذا بالإضافة إلى أنّ الإمام كان يتمتّع - كما هو معروف - بأعلى درجات الإيمان والتضحية من أجل الدين ، تجعله يغضّ الطرف عن مظلمة تقع عليه

ص: 90


1- روح المعاني 3 / 336.

مقابل صيانة الدين وحفظ الشريعة ، ولو بالقدر المتيسّر.

فالمطالبة بظلامة ابنه لا تقاس بشيء عند تلك النفوس الكاملة ، مقابل حرف مسار دين محمّد صلى اللّه عليه وآله بغصب الخلافة ، مع ملاحظة أنّ قتل محسن كان في خضم تلك الأحداث التي أدّت إلى غصب الخلافة ، ومصيبة عصيان أمر اللّه ، وإهمال وصية الرسول صلى اللّه عليه وآله غطّت وحجبت مصيبة مقتل ابنه ، أو الاعتداء على الزهراء عليها السلام ، أو محاولة حرق دارها ، فهي جزئيات دخلت في المصبّ العام للمصيبة ، ولم تكن حوادث مستقلّة منفردة على حدة ، حتّى نحتمل تصرّف وموقف مختلف من الإمام عليه السلام اتجاهها.

ولك مثلاً بموقف الحسين عليه السلام ، فإنّه ضحّى بكلّ شيء حتّى طفله الرضيع في المصبّ العام لأحداث ثورته ودعوته ، لتصحيح مسار الإسلام.

« ... - ..... - ... »

تكلّمه وهو صغير وقراءته للقرآن قبل نزوله :

س : أمّا بعد ، لقد تلقّيت أجوبتكم ، وجزاكم اللّه كلّ خير.

لقد قرأت كتاب : علي من المهد إلى اللحد للسيّد القزويني ، ووجدت فيه بعض الأفكار التالية : تكلّم علي عليه السلام وهو ابن ثلاثة أيّام ، وأنّه قرأ القرآن قبل أن ينزل على النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فما مدى صحّة هذه الأفكار؟ جزاكم اللّه كلّ خير.

ج : هذه ليست أفكاراً ، وإنّما أقوال تستند إلى روايات ، وردت في بعض المجامع الحديثية عند الشيعة الإمامية ، ككتاب بحار الأنوار.

والحال أنّ التكلّم عند الطفولة بشكل عامّ يُعدّ من المعجزات التي أشار إليها القرآن الكريم بحقّ عيسى عليه السلام ، والملاحظ أنّ ولادة الإمام علي عليه السلام في جوف الكعبة هو بحدّ ذاته يُعدّ معجزة كبيرة ، تحمل في طيّاتها معان كثيرة للمتأمّل بإنصاف ، ويكون الإخبار عن قراءته للقرآن الكريم قبل إعلان الرسالة هو أحد المعاني التي ينبغي الوقوف عندها في هذه المعجزة والكرامة الأوحدية -

ص: 91

الولادة في جوف الكعبة - التي لم تكن لأحد من قبله أو بعده ، ولعلّها تكشف لنا عن مصداق من المصاديق المستفادة من قول النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « كنت أنا وعلي بن أبي طالب نوراً بين يدي اللّه ، قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلمّا خلق اللّه آدم قسّم ذلك النور جزئين ، فجزء أنا ، وجزء علي بن أبي طالب » (1).

« عبد اللّه - المغرب - سنّي - 24 سنة »

معنى أنّه ولي اللّه :

س : أمّا بعد : إذا كانت ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام بمعنى أنّه ولي لله تعالى ، فأهل السنّة مجمعون عليها ولاشكّ في ذلك ، لأنّه من السابقين للإسلام ، الذين قال اللّه فيهم : ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) (2).

وتكفي شهادة النبيّ صلى اللّه عليه وآله له في عدّة أحاديث ، منها قوله : « أليس اللّه بأولى بالمؤمنين »؟

قالوا : بلى ، قال : « اللّهم من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللّهم والِ من والاه ، وعاد من عاداه » ، رواه أحمد والترمذيّ وابن ماجة بأسانيد صحاح (3).

وأمّا إذا كانت ولايته بمعنى أحقّيته بوراثة النبيّ صلى اللّه عليه وآله في مقام الدين والدنيا - أي أنّه الأحق بالخلافة من أبي بكر وعمر - فهذا غير مُسَلَّم ، للإجماع على تفضيل أبي بكر وعمر عليه ، وأنّهما أحقّ بالخلافة منه ، وكان هو

ص: 92


1- نظم درر السمطين : 7 و 79 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 67 ، جواهر المطالب 1 / 61 ، ينابيع المودّة 1 / 47 و 2 / 307.
2- التوبة : 100.
3- مسند أحمد 1 / 118 و 152 و 4 / 281 و 370 و 5 / 347 و 370 ، الجامع الكبير 5 / 297 ، سنن ابن ماجة 1 / 45.

نفسه عليه السلام معترفاً بهذا ، لا ينازعهما فيه ، وقد بايعهما بالخلافة.

وفي تفضيل عثمان على علي خلاف بين أهل السنّة ، والأكثر على تفضيل عثمان.

أمّا الولاية له ولأولاده بالمعنى الثاني - التي يعتقد بها البعض - فهي مردودة ؛ لأنّها بمعنى العصمة له وللأئمّة من ذرّيته ، وأحقّيتهم بالولاية الدينية على المؤمنين ، وقد وُجِدَ كثير من المسلمين من الصحابة ومن بعدهم أفضل من بعضهم ، ولأنّ أساس التفضيل في الإسلام ليس قائماً على النسب والقرابة من النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، بل هو بالتقوى والإيمان ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ ) (1).

ومذهب أهل السنّة : أنّه لا عصمة لأحد غير الأنبياء عليهم السلام ، وعصمتهم في ما يتعلّق بتبليغ الوحي ، وهم معصومون عن كبائر الذنوب دون صغائرها ، وأهل البيت داخلون تحت قول النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « كلّ بني آدم خطّاء ، وخير الخطّائين التوّابون » ، رواه أحمد والترمذيّ وابن ماجة ، وحسّنه الألباني.

وهم داخلون كذلك تحت الخطاب الإلهيّ للناس جميعاً ، وذلك في الحديث القدسي الذي رواه مسلم عن أبي ذر عليه السلام ، وفيه : « يا عبادي : إنّكم تخطئون بالليل والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعاً ، فاستغفروني أغفر لكم »(2).

ج : في السؤال فقرات عديدة ، يمكن الإجابة عليها حسب نقاط :

النقطة الأُولى : معنى علي عليه السلام ولي اللّه ، هو تولّي شؤون إدارة البلاد والعباد بأمر من اللّه سبحانه ، وهو المعنى المستفاد من قوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (3) ، التي ذكر المفسّرون نزولها بحقّ الإمام علي عليه السلام عندما تصدّق وهو في حال الركوع من صلاته.

ص: 93


1- الحجرات : 13.
2- صحيح مسلم 8 / 17.
3- المائدة : 55.

وأيضاً المستفاد من قول المصطفى صلى اللّه عليه وآله : « من كنت مولاه فهذا علي مولاه ».

والمراد من كلمة مولى في قوله صلى اللّه عليه وآله هي ولاية الأمر ، لقرينة لفظية تدلّ عليها ، وهي قوله صلى اللّه عليه وآله : « ألست أولى بكم من أنفسكم »؟ الدالّة على ولاية الأمر بكلّ وضوح ، والتي أردفها النبيّ صلى اللّه عليه وآله بقوله المتقدّم : « فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه ».

وقد فهم العرب الذين حضروا واقعة التنصيب هذه في غدير خم أنّه تنصيب للإمامة وقيادة الأُمّة من بعده صلى اللّه عليه وآله ، كما عبّر عن ذلك حسّان بن ثابت - شاعر الرسول صلى اللّه عليه وآله - في نفس الواقعة ، حيث أنشد قائلاً :

يناديهم يوم الغدير نبيّهم *** بخمّ وأسمع بالرسول مناديا

فقال فمن مولاكم ونبيّكم *** فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا

إلهك مولانا وأنت نبيّنا *** ولم تلق منّا في الولاية عاصيا

فقال قم يا علي فإنّني *** رضيتك من بعدي إماماً وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليّه *** فكونوا له أتباع صدق مواليا

هناك دعا اللّهم وال وليّه *** وكن للذي عادى علياً معاديا(1)

إلاّ أنّ السياسة وغلبة الآراء وتفرّق المصالح أخذا بالمسلمين يومذاك شرقاً وغرباً ، تمخّض عنه مؤتمر السقيفة بين المهاجرين والأنصار ، الذي أدّى إلى تنصيب أبي بكر خليفة الرسول صلى اللّه عليه وآله في عملية انتخابية ، جرى فيها من التهديد والوعيد بين الطرفين ، ممّا لا نودّ ذكره ، أو التطرّق إليه.

وأمّا قولك : من أنّ أهل السنّة مجمعون على ولاية علي عليه السلام بمعنى الولاية الذي تريده ، فهم - كما تعلم - يثبتونه لغيره من أفاضل أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، بل

ص: 94


1- نظم درر السمطين : 112 ، شواهد التنزيل 1 / 202.

- لو شئت الحقّ - يثبتون الولاية بهذا المعنى الذي تريده لكلّ المسلمين.

وعند ذلك ، فما ميزة الإمام علي عليه السلام ليختصّه ويفرده رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يوم الغدير بهذه الولاية إذا كانت عامّة لجميع المسلمين؟ ألا ترى نفسك أنّك تستهزئ بشخصية الرسول صلى اللّه عليه وآله عندما تنسب له مثل هذا التصرّف ، وتجعل ذلك الموقف يوم الغدير تحت الشمس الحارقة لذلك الجمع ، ورسول اللّه يرتقي أقتاب الإبل ، ليقول قولاً متسالماً عليه ، وثابت لجميع المسلمين ، تجعله سفاهة في سفاهة - أعوذ باللّه - يعاب عليه أدنى الناس لو فعله؟

النقطة الثانية : كون الإجماع على تفضيل أبي بكر وعمر على علي عليه السلام ، وأنّهما أحقّ بالخلافة منه.

والجواب : لا يوجد إجماع في مسألة التفضيل؟ وإنّما مدرك هذه الأقوال هو بضع روايات فيها الكثير من التأمّل ، فالمفاضلة الواردة في حقّ الثلاثة - أبي بكر وعمر وعثمان - على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله تنسب إلى ابن عمر ، كما هو الوارد في صحيح البخاريّ في مناقب عثمان ، وبملاحظة سنّ ابن عمر على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وكونه لم يبلغ الحلم بعد ، يدرك أنّ عالَمه هو عالم الصبيان ، إذ لم يكن ابن عمر قد بلغ مبلغ الرجال ، لينقل حال المفاضلة هذه عندهم ، كما هو واضح.

والمفاضلة الواردة في حقّ الأربعة - أبي بكر وعمر وعثمان وعلي - فراويها جعدبة بن يحيى ، الذي يمكن العودة إلى ترجمته في لسان الميزان لننظر مصداقية نقله هذا ، بعد القدح الوارد فيه هناك(1).

وإن كان هناك بحث يجب القيام به في موضوع المفاضلة هذه ، فالآيات والروايات صادحة بتفضيل الإمام علي عليه السلام على من سواه بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ويمكن للمتتبّع الحصيف أن يقرأ تفسير الآيات الكريمة التالية ، وأسباب

ص: 95


1- لسان الميزان 2 / 105.

نزولها ، ليجد موضع الإمام علي عليه السلام منها : آية المباهلة ، آية التطهير ، آية المودّة ، آية الولاية ، سورة الدهر ، وغيرها من الآيات الواردة في حقّ أمير المؤمنين عليه السلام ، وبيان منزلته ومكانته العالية.

بل كفاه عليه السلام أن يكون حبُّه علامة الإيمان ، وبغضه علامة النفاق ، ليكون قسيم النار والجنّة بجدارة ، إذ المحبّون له سيكونون من المؤمنين ومن أهل الجنّة حتماً ، والمبغضون له سيكونون من المنافقين ومن أهل النار حتماً ، وذلك حسب الحديث الوارد عن الإمام علي عليه السلام : « إنّه لعهد النبيّ الأُمّي إليَّ ، لا يحبّني إلاّ مؤمن ، ولا يبغضني إلاّ منافق »(1).

وروى الترمذيّ بسنده عن أنس بن مالك قال : « كان عند النبيّ صلى اللّه عليه وآله طير ، فقال : « اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير » ، فجاء علي فأكل معه »(2).

قال المباركفوريّ : « وأمّا الحاكم فأخرجه في المستدرك وصحّحه »(3).

وقال الذهبيّ : « وأمّا حديث الطير ، فله طرق كثيرة قد أفردتها بمصنّف ، ومجموعها هو يوجب أن يكون الحديث له أصل »(4).

فأحبّ الخلق إلى اللّه تعالى هو أكثر الناس اتباعاً لنبيّه صلى اللّه عليه وآله ، وهو أهل

ص: 96


1- فضائل الصحابة : 17 ، صحيح مسلم 1 / 61 ، فتح الباري 7 / 58 ، تحفة الأحوذيّ 10 / 151 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 494 ، السنن الكبرى للنسائيّ 5 / 47 و 137 و 6 / 534 ، خصائص أمير المؤمنين : 104 ، صحيح ابن حبّان 15 / 367 ، الأذكار النووية : 279 ، نظم درر السمطين : 102 ، كنز العمّال 13 / 120 ، دفع شبه التشبيه : 241 ، الجامع لأحكام القرآن 7 / 44 ، علل الدارقطنيّ 3 / 203 ، تاريخ مدينة دمشق 38 / 349 و 42 / 217 و 274 و 51 / 119 ، سير أعلام النبلاء 5 / 189 و 12 / 366 و 509 و 17 / 169 ، انساب الأشراف : 97 ، الجوهرة : 62 ، البداية والنهاية 7 / 391 ، ينابيع المودّة 1 / 149 و 2 / 180.
2- الجامع الكبير 5 / 300.
3- تحفة الأحوذيّ 10 / 153.
4- تذكرة الحفّاظ 3 / 1043.

طاعته سبحانه ، قال تعالى : ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ ) (1).

ومن هنا كانت طاعته عليه السلام طاعة لله ورسوله صلى اللّه عليه وآله : « من أطاعني فقد أطاع اللّه ، ومن عصاني فقد عصى اللّه ، ومن أطاع علياً فقد أطاعني ، ومن عصى علياً فقد عصاني » (2).

أخرج هذا الحديث الحاكم في المستدرك على الصحيحين ، والذهبيّ في تلخيص المستدرك في نفس الصفحة ، وصرّح كلّ منهما بصحّته على شرط الشيخين.

كيف لا يكون الأفضل وقد ورد عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « أوحي إليَّ في علي ثلاث : أنّه سيّد المسلمين ، وإمام المتّقين ، وقائد الغرّ المحجّلين » ، رواه الحاكم في المستدرك وقال : « هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه » (3).

والأفضل هو مَن يكون خيرة اللّه من خلقه مع النبيّ المصطفى صلى اللّه عليه وآله ، كما في قوله صلى اللّه عليه وآله لفاطمة عليها السلام : « يا فاطمة : أما ترضين أنّ اللّه عزّ وجلّ أطلع إلى أهل الأرض فأختار رجلين ، أحدهما أبوك ، والآخر بعلك » (4).

أمّا كون أبي بكر وعمر أحقّ بالخلافة من علي عليه السلام فهذا لا وجه له ، إذ لم تكن الأحقّية المدّعاة بتنصيب من اللّه ورسوله صلى اللّه عليه وآله ، أو بإجماع من الأُمّة ، للخلاف الكبير الوارد في مؤتمر السقيفة ، أو حتّى بامتيازات خاصّة تؤهّلهما لتولّي شؤون المسلمين دونه عليه السلام ، فقد ورد عن عمر بن الخطّاب قوله - في أكثر من مورد ومورد - : « لولا علي لهلك عمر » (5). .

ص: 97


1- آل عمران : 31.
2- المستدرك 3 / 121 ، كنز العمّال 11 / 614 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 27.
3- المستدرك 3 / 137.
4- المصدر السابق 3 / 129.
5- تأويل مختلف الحديث : 152 ، شرح نهج البلاغة 1 / 18 و 141 و 12 / 179 و 205 ، نظم درر السمطين : 130 ، جواهر المطالب 1 / 195 و 296 ، ينابيع المودّة 1 / 216 و 227 و 3 / 147.

بل قال عمر في نفسه : « كل الناس أفقه من عمر »(1).

وقد صرّح أبو بكر معترفاً بعجزه عن إدارة شؤون المسلمين بقوله : « أقيلوني فلست بخيركم »(2).

وقد صرّح عمر بن الخطّاب - وهو أوّل من أختار أبا بكر وبايعه على الخلافة - : « أنّ بيعة أبي بكر كانت فلته وقى اللّه شرّها ، حيث قال : « فلا يغترّنّ امرؤ أن يقول : إنّما كانت بيعة أبي بكر فلته وتمّت ، ألا وأنّها قد كانت كذلك ، ولكن اللّه وقى شرّها »(3).

وأخيراً : فما بالك تحتجّ علينا بما ورد في كتبكم ، وأنت تعلم أن هذا ليس بحجّة في المناظرة ، ألا ترى ما ذكرنا لك ، واحتججنا عليك بما ورد في كتبكم ، ولم نأتِ بما في كتبنا ورواياتنا ، وإلاّ فعندنا أنّهم لا فضل لهم ، حتّى تأتي النوبة لمفاضلتهم مع الإمام علي عليه السلام!!

وأمّا تفضيل عثمان على علي عليه السلام ، فلا اعتقد أنّه يستحقّ الإجابة بعدما سمعت ما تقدّم.

وأمّا ما ذكرت من عدم منازعته لهما فلا نسلّم به ، بل إنّه طالب بحقّه بأقصى ما تسمح به مصلحة الإسلام ، وأنّه امتنع عن البيعة حتّى أكره بعد ستة أشهر كما يعترف البخاريّ ، وأمّا ما ذكرته من كتبكم فلا حجّة فيه علينا ، مع أنّه ضعيف في نفسه.

ص: 98


1- الغدير 6 / 98 عن أربعينة الرازي : 467 ، المبسوط 10 / 153 ، كنز العمّال 16 / 538 ، المجموع 16 / 327 ، مجمع الزوائد 4 / 284 ، شرح نهج البلاغة 1 / 182 و 17 / 171 ، كشف الخفاء 1 / 269 و 388 و 2 / 117 ، الجامع لأحكام القرآن 5 / 99 و 15 / 179 ، تفسير القرآن العظيم 1 / 478 ، الدرّ المنثور 2 / 133 ، فتح القدير 1 / 443.
2- شرح نهج البلاغة 1 / 169.
3- صحيح البخاريّ 8 / 26 ، فتح الباري 12 / 132 ، المصنّف للصنعانيّ 5 / 442 ، المصنّف لابن أبي شيبة 8 / 570 ، السنن الكبرى للنسائيّ 4 / 273 ، صحيح ابن حبّان 2 / 148 و 155 ، شرح نهج البلاغة 2 / 23 و 11 / 13 ، الثقات 2 / 153 ، تاريخ مدينة دمشق 30 / 283 ، جامع البيان 2 / 446 ، البداية والنهاية 5 / 266 ، السيرة النبوية لابن كثير 4 / 487.

النقطة الثالثة : الولاية لعلي عليه السلام وأولاده.

والجواب : التولّي لعلي عليه السلام وأولاده - الأئمّة الأحد عشر من بعده - لم يكن وليد رأي أو اجتهاد ، أو دعوة للإرث التقليدي من النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، أو بفعل عامل القرابة والمصاهرة للنبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وإنّما هذا الأمر وليد النصوص النبوية المعصومة ، التي دعت إلى ولاية علي وأهل بيته عليهم السلام.

فقد ورد عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله في حديث الثقلين المتواتر المشهور : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً »(1).

وواضح لمن له أدنى مسكة علم أنّ التمسّك بالكتاب والعترة هو الاتباع والأخذ بهديهما ، وهو معنى الولاية لهما.

وقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « من سرّه أن يحيا حياتي ، ويموت مماتي ، ويسكن جنّة عدن غرسها ربّي ، فليوال علياً من بعدي ، وليوالي وليّه ، وليقتد بالأئمّة من بعدي ، فإنّهم عترتي ، خلقوا من طينتي ، ورزقوا فهماً وعلماً ، وويل للمكذّبين بفضلهم من أمّتي ، للقاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم اللّه شفاعتي »(2).

ص: 99


1- فضائل الصحابة : 15 ، الجامع الكبير 5 / 328 ، تحفة الأحوذيّ 10 / 196 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 418 ، كتاب السنّة : 337 و 629 ، السنن الكبرى للنسائيّ 5 / 45 و 130 ، خصائص أمير المؤمنين : 93 ، المعجم الصغير 1 / 135 ، المعجم الأوسط 4 / 33 و 5 / 89 ، المعجم الكبير 3 / 66 و 5 / 154 و 166 و 170 و 182 ، شرح نهج البلاغة 9 / 133 ، نظم درر السمطين : 232 ، كنز العمّال 1 / 172 و 186 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 122 ، المحصول 4 / 170 ، الإحكام للآمدي 1 / 246 ، الطبقات الكبرى 2 / 194 ، علل الدارقطنيّ 6 / 236 ، أنساب الأشراف : 111 و 439 ، البداية والنهاية 5 / 228 ، السيرة النبوية لابن كثير 4 / 416 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 6 و 12 / 232 ، ينابيع المودّة 1 / 74 و 95 و 99 و 105 و 112 و 119 و 123 و 132 و 345 و 349 و 2 / 432 و 438 و 3 / 65 و 141 و 294 ، النهاية في غريب الحديث والأثر 1 / 211 و 3 / 177 ، لسان العرب 4 / 538 و 11 / 88 ، تاج العروس 7 / 245.
2- حلية الأولياء 1 / 128 ، كنز العمّال 12 / 103 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 240 ، ينابيع المودّة 1 / 379 و 2 / 489 ، شرح نهج البلاغة 9 / 170 ، مجمع الزوائد 9 / 108.

وقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « من أحبّ أن يحيى حياتي ، ويموت ميتتي ، ويدخل الجنّة التي وعدني ربّي ، قضباناً من قضبانها غرسها بيده ، وهي جنّة الخلد ، فليتولّ علياً وذرّيته من بعده ، فإنّهم لن يخرجوكم من باب هدى ، ولن يدخلوكم في باب ضلالة » (1).

وأمّا عصمة أهل البيت عليهم السلام ، ففي حديث الثقلين دلالة واضحة عليها ، إذ جعل اللّه سبحانه العصمة من الضلال بالتمسّك بالثقلين معاً ، وغير المعصوم لا يهدي إلى الحقّ مطلقاً ، كما قال تعالى : ( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (2).

أمّا قولك : إنّ الولاية له ولأولاده بمعنى العصمة فهي خلط منك ، لأنّ معنى الولاية شيء - وهي خلافة اللّه في أرضه ، والولاية في شؤون الدين والدنيا - ومعنى العصمة شيء آخر ، وهو العصمة من الخطأ والنسيان ، وكلّ منفر للناس من أوّل حياته إلى آخرها.

نعم ، نحن نقول : لابدّ للولي أن يكون معصوماً ، إذ لو جاز عليه الخطأ لجاز للناس عدم اتباعه فيه ، فلا تكون له ولاية عليهم ، وغيرها من الأدلّة مذكورة في محلّها ، فالعصمة لازمة للولاية وليست بمعناها ، فافهم.

وأمّا قولك : إنّ بعض الصحابة أفضل منهم ، لو سلّمنا فإنّه لا يلزم التناقض ؛ لأنّه لو فرضنا أنّ هناك صحابيّاً أفضل من بعض الأئمّة عليهم السلام ، ولكنّه ليس أفضل من الولي في زمنه ، وهو علي أو الحسن أو الحسين عليهم السلام.

ونحن على أقلّ الاحتمالات وتنزّلاً معك نثبت من خلال ما نقلتموه أنتم في تراجمهم أنّ كلّ واحد منهم كان أفضل الخلق في زمانه ، فتأمّل.

ثمّ متى ادعى الشيعة أنّ أساس التفضيل القرابة والنسب ، نعم إنّ القرابة منقبة وفضيلة ، ولكن ليست هي المقوّم للولاية ، وإنّما الولاية اختيار من اللّه .

ص: 100


1- كنز العمّال 11 / 612 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 242 ، ينابيع المودّة 1 / 382.
2- يونس : 35.

تعالى ، ونصّ من الرسول صلى اللّه عليه وآله عليهم ، وكلّ إمام على الإمام الذي بعده.

ونحن إذا كنا نتبع ما يقوله أهل السنّة في عقائدهم - ومثالاً له ما تقوله في أنّ العصمة للأنبياء فقط في تبليغ الوحي - لكنّا من أهل السنّة ، ولسنا من اتباع أهل البيت عليهم السلام ، والدليل من الكتاب والسنّة بخصوص عقيدة العصمة بيننا وبينكم ، وإن أردت فراجع كتبنا.

وأمّا ما ذكرت من الحديثين - بعد الغضّ عن البحث في السند - فإنّ فيهما قضية كلّية لا مانع من تخصيصها بدليل آخر عقليّ أو نقليّ ، وإلاّ كيف ناقضت نفسك ، وأخرجت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله منهما ، فما تقول نقوله بخصوص أئمّتنا.

( يونس مطر سلمان - البحرين - 18 سنة - طالب ثانوية )

زواجه من بنت أبي جهل أسطورة :

س : قرأت في الكثير من المواقع السنّية عن زواج الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام من ابنة أبي جهل جويرية ، ولكن رسول اللّه غضب من ذلك ، وأخبره بأنّ ابنة رسول اللّه لا تجتمع مع ابنة عدوّ اللّه.

فهل هذه الرواية صحيحة؟ أي أنّ الإمام علي عليه السلام قد خطب ابنة أبي جهل عدوّ اللّه ورسوله ، وأنّه تركها بعدما غضب النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، أليس رسول اللّه قال : « فاطمة بضعة منّي من أغضبها فقد أغضبني ».

ومن يغضب رسول اللّه فقد أغضب اللّه تعالى ، والإمام علي إمام معصوم ، فهل هذه الرواية صحيحة؟ وإن كان الإمام علي عليه السلام قد خطبها فعلاً ثمّ تركها ، هل يعدّ ذلك من موارد إغضاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟

أرجو إفادتي بالجواب سريعاً ، ولكم جزيل الشكر والتقدير.

ج : أشاعوا أنّ الإمام علي عليه السلام خطب ابنة أبي جهل - عدوّ اللّه ورسوله - ، وبلغ ذلك السيّدة فاطمة عليها السلام فغاضها ذلك ، حتّى خرجت مغاضبة من بيتها ومعها حسن وحسين وأُمّ كلثوم ، فدخلت حجرة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فلمّا جاء النبيّ ورآها

ص: 101

قالت له : « يزعم قومك أنّك لا تغضب لبناتك ، وهذا علي ناكح بنت أبي جهل » ، فخرج وصعد المنبر وخطب ، فقال : « إنّ فاطمة بضعة منّي ، يريبني ما رابها ، ويؤذيني ما آذاها ، وأنا أتخوّف أن تفتن في دينها ».

ثمّ ذكر صهراً له من بني عبد شمس ، فأثنى عليه في مصاهرته إيّاه ، وقال : « حدّثني فصدّقني ، ووعدني فوفى لي ، وإنّي لست أحرّم حلالاً ، ولا أحلّ حراماً ، ولكن واللّه لا تجتمع بنت رسول اللّه وبنت عدوّ اللّه أبداً ، وإنّ بني هشام بن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب ، فلا آذن ، ثمّ لا آذن ، إلاّ أن يريد ابن أبي طالب أن يطلّق ابنتي ، وينكح أبنتهم ... » (1).

هذا هو ما افتراه قالة السوء ، و هذه الفرية لا تثبت سنداً ولا متناً ، ولو أردنا كشف حال جميع ما ورد في ذلك من أحاديث في مختلف المصادر لاحتجنا إلى تأليف خاصّ به ولسنا بصدده ، ويكفي أن أشير إلى مصدر واحد يعدّ من أقدم المصادر الحديثية ، وذلك هو كتاب المصنّف للصنعانيّ - المتوفّى 211ه- - فقد أورد الحديث أربع مرّات ، لم يخل واحد منها عن إعضال وإرسال ، مع وجود المجروحين في رجال الأسانيد.

والمهمّ معرفة حال الرواة الذين تنتهي إليهم أسانيد الحديث ، ثمّ بيان المؤاخذات على ما جاء في المتن.

أمّا رجال الإسناد من الصحابة فتنتهي إلى ثلاثة ، كلّهم من المنحرفين عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، وهم : أبو هريرة الدوسيّ ، وعبد اللّه بن الزبير ، والمسور بن مخرمة ، كما يروي عن ابن عباس.

أقول : أمر عظيم كهذا يغضب النبيّ صلى اللّه عليه وآله حتّى يصعد المنبر ، ويخطب الناس تتوفّر الدواعي على نقله ، ثمّ لا ينقله إلاّ هؤلاء الثلاثة من الصحابة ، لقرينة على وضع الحديث. .

ص: 102


1- صحيح مسلم 7 / 141 ، سنن ابن ماجة 1 / 644 ، سنن أبي داود 1 / 460 ، المصنّف للصنعانيّ 7 / 302 ، صحيح ابن حبّان 15 / 407.

ويكفي كشف حال هؤلاء الثلاثة عن البحث في بقية من هم دونهم من التابعين ، وفيهم من لا تلتقي بذمّه الشفتان ، ولا يؤبه به في الميزان ، لما فيه من حسيكة ، أمثال الزهريّ ، وابن أبي مليكة لما سنذكره عنهما ، وعروة بن الزبير ، وعامر الشعبيّ ، وحالهم كمن سبق ، ويأتي ذكر محمّد بن الحنفية ، وعلي بن الحسين ، وسويد بن غفلة.

أمّا حال الصحابة الثلاثة فهم :

أوّلاً : أبو هريرة الدوسيّ : ذكر الإسكافي - كما في شرح نهج البلاغة - : « إنّ معاوية وضع قوماً من الصحابة ، وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي عليه السلام ، تقتضي الطعن فيه والبراءة منه ، وجعل لهم على ذلك جعلاً يرغب في مثله ، فاختلقوا ما أرضاه ، منهم أبو هريرة ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، ومن التابعين عروة بن الزبير ....

وأمّا أبو هريرة فروى عنه الحديث ، الذي معناه : إنّ علياً عليه السلام خطب ابنة أبي جهل في حياة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فأسخطه ، فخطب على المنبر ، وقال : « لا واللّه ، لا تجتمع ابنة ولي اللّه وابنة عدوّ اللّه أبي جهل ، إنّ فاطمة بضعة منّي ، يؤذيني ما يؤذيها ، فإن كان علي يريد ابنة أبي جهل ، فليفارق ابنتي ، وليفعل ما يريد » ، أو كلاماً هذا معناه ، والحديث مشهور من رواية الكرابيسي.

قلت : هذا الحديث أيضاً مخرج في صحيحي مسلم والبخاريّ عن المسور بن مخرمة الزهريّ ، وقد ذكره المرتضى في كتابه المسمّى « تنزيه الأنبياء والأئمّة » ، وذكر أنّه رواية حسين الكرابيسيّ ، وأنّه مشهور بالانحراف عن أهل البيت عليهم السلام ... »(1).

أقول : ولنعد إلى أبي هريرة ، ولنقرأ عنه ما يثبت انحرافه عن الإمام علي عليه السلام ، مضافاً إلى كذبه الشائع الذائع على النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، حتّى لقد ذكر ابن

ص: 103


1- شرح نهج البلاغة 4 / 63.

أبي الحديد وغيره ، ضرب عمر له بالدرّة ، وقال : « قد أكثرت من الرواية ، وأحر بك أن تكون كاذباً على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله »(1)(2).

أو قول عمر له : « لتتركن الحديث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، أو لألحقنّك بأرض دوس »(3).

وأكذبه غير واحد من الصحابة ، فقال فيه الإمام عليه السلام : « ألا إنّ أكذب الناس - أو قال أكذب الأحياء - على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أبو هريرة الدوسي » ، كما عن الإسكافي في شرح النهج (3).

فحديث أبي هريرة - إن صحّ عنه - كبقية أحاديثه التي رواها ، ولم يكن حاضراً فيها زمان صدورها ، وقد مرّت الإشارة إلى نماذج من ذلك ، كحديث تبليغ براءة ، وحديث الثقلين , وحديث الغدير ، وغيرها ممّا زعم سماعها ، وهو لم يكن وقتها حاضراً ، بل كان بالبحرين.

ثمّ إنّ الرجل لو لم يكن إلاّ اعتزاله للإمام عليه السلام أيّام خلافته ، وضلوعه في ركاب معاوية لإشباع نهمته لكفى ذلك في ردّ روايته ، فقد روى الأعمش : لمّا قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة ، جاء إلى مسجد الكوفة ، فلمّا رأى كثرة من استقبله من الناس جثاً على ركبتيه ، ثمّ ضرب صلعته مراراً وقال : يا أهل العراق أتزعمون أنّي أكذب على اللّه ورسوله ، وأحرق نفسي بالنار؟ واللّه لقد سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول : « إنّ لكلّ نبيّ حرماً ، وإنّ حرمي بالمدينة ما بين عير إلى ثور » - وهذا من بيّنات كذبه ، فعير وثور اسم جبلين ، أحدهما بالمدينة وهو عير ، وثانيهما بمكّة وهو ثور ، فكيف يحدّد ما

ص: 104


1- العقد الفريد 1 / 44 ، أضواء على السنّة المحمّدية : 201 و 218 ، شيخ المضيرة أبو هريرة : 80 ، الإصابة 1 / 75 ، شرح نهج البلاغة 4 / 67 و 16 / 165.
2- كنز العمّال 10 / 291 ، أضواء على السنّة المحمّدية : 54 و 201 ، شيخ المضيرة أبو هريرة : 103 ، تاريخ مدينة دمشق 50 / 172 ، سير أعلام النبلاء 2 / 600 ، الإصابة 1 / 69 ، تاريخ المدينة 3 / 800 ، البداية والنهاية 8 / 115.
3- شرح نهج البلاغة 4 / 68.

بينهما ويجعله حرماً للمدينة؟! وإنّما الصحيح : ما بين عير إلى وعير ، وهما لابتا المدينة جبلان من جانبيها - « فمن أحدث فيها حدثاً فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين ، وأشهد باللّه أنّ علياً أحدث فيها » ، فلمّا بلغ معاوية قوله ، أجازه وأكرمه ، وولاّه إمارة المدينة (1).

قال الثقفيّ في كتابه الغارات : « لمّا دخل معاوية الكوفة دخل أبو هريرة المسجد ، فكان يحدّث ويقول : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وقال أبو القاسم ، وقال خليلي! فجاءه شاب من الأنصار يتخطّى الناس حتّى دنا منه فقال : يا أبا هريرة حديث أسألك عنه ، فإن كنت سمعته من النبيّ صلى اللّه عليه وآله فحدّثنيه ، أنشدك باللّه سمعت النبيّ صلى اللّه عليه وآله يقول لعلي : « من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللّهم وال من والاه ، وعاد من عاداه »؟ قال أبو هريرة : نعم ، والذي لا إله إلاّ هو لسمعته من النبيّ.

أقول : لقد كذب حتّى في حلفه هذا ، لأنّ الحديث هو حديث الغدير ، وكان في حجّة الوداع ، ولم يكن أبو هريرة حاضراً ، إذ كان بالبحرين منذ شهر ذي القعدة سنة 8 من الهجرة ، وحتّى سنة عشرين حين استقدمه عمر في خلافته للشهادة على قدامة بن مظعون لشربه الخمر ، فكلّ ما يرويه من أحاديث نبوية وأحداث حجازية ، ممّا زعم فيه عنصر المشاهدة والسماع في تلك المدّة فهو كاذب ، وإن أقسم ألف يمين.

فقال له الفتى : لقد واللّه واليت عدوّه ، وعاديت وليّه ، فتناول بعض الناس الشاب بالحصى ، وخرج أبو هريرة فلم يعد إلى المسجد حتّى خرج من الكوفة » (2).

أقول : روى ذلك أيضاً ابن أبي شيبة في مصنّفه (3) ، وأبو يعلى في مسنده (4) ، .

ص: 105


1- المصدر السابق 4 / 67.
2- الغارات 2 / 659.
3- المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 499.
4- مسند أبي يعلى 11 / 307.

وابن عساكر في تاريخه (1) ، إلاّ أنّه لم يذكر الزمان والمكان ، ممّا أسدل غشاء الإيهام على حديثه ، وكذلك رواه ابن كثير في البداية والنهاية (2) ، وصنع كما صنع ابن عساكر من إهمال ذكر المكان والزمان ، نقلاً عن الحافظ أبي يعلى الموصلي ، وعن ابن جرير في الكتاب الذي جمع فيه طرق حديث الغدير وألفاظه.

وأظنّ إنّما فعلا ذلك رعاية لصحبة أبي هريرة ، ولا غضاضة فابن عساكر شاميّ شافعيّ ، وكذلك ابن كثير ، ولو كانا كوفيين حنفيين لاستثنياه من جماعة الصحابة المعدلين ، كما صنع أبو حنيفة ، فقد استثناه واستثنى أَنساً وآخرين من عدالة الصحابة (3).

فهذا أبو هريرة كيف يصدّق في حديثه عن خطبة الإمام لابنة أبي جهل؟ وهو يوالي عدوّه ، ويعادي وليّه على حدّ قول الشاب الأنصاري.

ثانياً : عبد اللّه بن الزبير : وعداوته للإمام أظهر من أن تحتاج إلى بيان ، بل بلغ في نصبه الغاية ، حتّى أنّه ترك الصلاة على النبيّ صلى اللّه عليه وآله أيّام قيامه بمكّة ، فعيب عليه ذلك ، وأنكر فعله المسلمون ، فقال : إنّ له أهيل سوء ، إذا ذكرته اشرأبّت أعناقهم.

قال ابن أبي الحديد : « روى عمر بن شبة وابن الكلبي والواقدي وغيرهم من رواة السير : أنّه مكث أيّام ادعائه الخلافة أربعين جمعة ، لا يصلّي فيها على النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وقال : لا يمنعني من ذكره إلاّ تشمّخ رجال بآنافها.

وفي رواية محمّد بن حبيب ، وأبي عبيدة معمّر بن المثنى : أنّ له أهيل سوء ينغضون رؤوسهم عند ذكره » (4). .

ص: 106


1- تاريخ مدينة دمشق 42 / 232.
2- البداية والنهاية 5 / 232.
3- شرح نهج البلاغة 4 / 68.
4- المصدر السابق 4 / 62.

ولئن قيل عن المسور : إنّه كان مع خاله عبد الرحمن بن عوف مقبلاً ومدبراً في أمر الشورى كما سيأتي ، فإنّا نقول عن ابن الزبير : لقد كان مقبلاً ومدبراً في حرب الجمل مع خالته عائشة ، وكان هو الذي زيّن لها مسيرها إلى البصرة.

وهو الذي أتى إليها بأربعين شاهد زور شهدوا حين نبحتها كلاب الحوأب ، وأرادت الرجوع لتحذير النبيّ صلى اللّه عليه وآله لها من ذلك ، لكن ابن الزبير جاءها بالشهود ، فشهدوا أنّ ذلك المكان ليس هو الحوأب ، فكانت أوّل شهادة زور في الإسلام.

وهو الذي عيّر أباه بالجبن حين عزم على الرجوع عن محاربة الإمام بعد تذكير الإمام له بقول النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « أمّا إنّك ستقاتله وأنت له ظالم »(1). فرجع فتلقّاه ابنه عبد اللّه ، فعيّره مستثيراً له على حرب الإمام.

ويكفينا قول الإمام فيه : « ما زال الزبير منّا حتّى نشأ بنوه ، فصرفوه عنّا »(2) ، وفي رواية ابن أبي الحديد : « حتّى نشأ ابنه عبد اللّه ، فأفسده »(3).

أليس هو الذي كان يحقد على الإمام لقتله عمّ أبيه نوفل بن خويلد ، الذي كان يقال له أسد قريش وأسد المطيّبين؟ وقتل الإمام له هو قول عامّة الرواة ، كما يقول ابن حزم(4).

أليس هو الذي حبس ابن عباس وابن الحنفية ومن معهما من أهلهما في سجن عارم ، وأمّلهم إلى الجمعة إن لم يبايعوا ، وجعل الحطب على بابه ، ففاجأه أبو عبد اللّه الجدليّ الذي أرسله المختار في جماعة ، فدخلوا المسجد الحرام

ص: 107


1- المصدر السابق 2 / 167 ، كنز العمّال 11 / 196 و 330 و 340 ، تاريخ الأُمم والملوك 3 / 514 ، الإمامة والسياسة 1 / 92 ، جواهر المطالب 2 / 31 ، سبل الهدى والرشاد 10 / 149 ، ينابيع المودّة 2 / 388.
2- الإمامة والسياسة 1 / 28.
3- شرح نهج البلاغة 4 / 79.
4- جمهرة أنساب العرب : 120.

مكبّرين وعليهم السلاح ، فخرج ابن الزبير طالباً لنفسه النجاة ، وذهب الجدليّ ومن معه فأخرجوا بني هاشم من سجن عارم(1).

وهو القائل لابن عباس وكان يبلّغه تأنيبه وذمّه : « واللّه إنّي لأكتم بغضكم أهل هذا البيت منذ أربعين سنة »(2).

قال ابن أبي الحديد : « وكان سبّاباً فاحشاً ، يبغض بني هاشم ، ويلعن ويسبّ علي بن أبي طالب عليه السلام »(3).

فمن كان هذا حاله ومقاله وفعاله ، كيف يصدَّق في حديثه لخطبة علي لابنة أبي جهل؟ فيما أخرجه عنه الترمذيّ في سننه ، قال : حدّثنا أحمد بن منيع ، أخبرنا إسماعيل بن علية ، عن أيوب عن ابن أبي مليكة ، عن عبد اللّه بن الزبير : أنّ علياً ذكر بنت أبي جهل ، فبلغ ذلك النبيّ صلى اللّه عليه وآله فقال : « إنّما فاطمة بضعة منّي ، يؤذيني ما آذاها ، وينصبني ما أنصبها ».

ثمّ قال الترمذيّ : « هذا حديث حسن صحيح ، هكذا قال أيوب عن ابن أبي مليكة عن ابن الزبير ، وقال غير واحد عن ابن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة ، ويحتمل أن يكون ابن أبي مليكة روى عنهما جميعاً »(4).

وأخرج هذا الحديث الحاكم في المستدرك فقال : « حدّثنا بكر بن محمّد الصيرفيّ ، حدّثنا موسى بن سهل بن كثير ، حدّثنا إسماعيل بن علية ... » ، ثمّ ساق السند والحديث كما مرّ عن الترمذيّ وقال : « هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه »(5).

والذي يلفت النظر في المقام : إنّ الذهبيّ أهمل هذا الحديث في تلخيصه

ص: 108


1- سير أعلام النبلاء 3 / 356 ، تاريخ ابن خلدون 3 / 28.
2- شرح نهج البلاغة 4 / 62 و 20 / 148.
3- المصدر السابق 4 / 79.
4- الجامع الكبير 5 / 360.
5- المستدرك 3 / 159.

المطبوع بذيل المستدرك ، وظنّي أنّ إهماله كان عن عمد لا عن سهو.

ومهما يكن فسند الحديث غير نقيّ ، ويكفي روايته عن ابن أبي مليكة ، وهو مؤذّن ابن الزبير وقاضيه ، وقد مرّ بنا حال ابن الزبير وعداوته لأهل البيت ، ويبدو لي أنّ ابن الزبير كان بارعاً - إن صحّ الحديث عنه - فلم يذكر له ما يحاقق عليه من زعم حضور أو سماع ، مع أنّ سنّه عند وفاة النبيّ صلى اللّه عليه وآله كانت تسع سنين ، فكان أكبر من المسور بسنة ، الذي زعم أنّه سمع النبيّ صلى اللّه عليه وآله يخطب وهو يومئذ محتلم ، مع أنّ عمره كان يومئذ ثمان سنين!!

والآن فلنطوي صفحة ابن الزبير ، ولنقرأ المسور فيما قاله عنه مترجموه ، ثمّ ننظر في حديثه.

ثالثاً : المسور بن مخرمة بن نوفل الزهريّ : أمّا أبوه فكان من مسلمة الفتح ، ومن المؤلّفة قلوبهم ، فقد ذكر ابن هاشم في سيرته نقلاً عن ابن إسحاق أسماء من أعطاهم النبيّ صلى اللّه عليه وآله مائة من الإبل ، وعد منهم أبا سفيان وابنه معاوية وآخرين ، ثمّ قال : وأعطى دون المائة رجالاً من قريش ، منهم مخرمة بن نوفل الزهريّ ، وسمّى آخرين(1).

وأبوه الذي قال عنه صلى اللّه عليه وآله - فيما روته عائشة - : « بئس أخو العشيرة » وذلك حين استأذن ، فلمّا دخل أدناه وبشّ به حتّى خرج ، فلمّا خرج قالت عائشة : يا رسول اللّه ، قلت له وهو على الباب ما قلت ، فلمّا دخل بششت به حتّى خرج؟ قال : « أعهدتني فحّاشا؟ إنّ شرّ الناس من يُتّقى شرّه »(2).

وأمّا أُمّه فهي عاتكة بنت عوف أخت عبد الرحمن بن عوف.

وأمّا عن مولده ، فقالوا بعد الهجرة بسنتين بمكّة ، وقدم المدينة مع أبيه بعد الفتح سنة ثمان ، وهو غلام أيفع ابن ست سنين ، وعدّه ابن الأثير وابن عبد البرّ

ص: 109


1- السيرة النبوية لابن هشام 4 / 930.
2- كنز العمّال 3 / 787 ، تاريخ مدينة دمشق 57 / 159 ، أُسد الغابة 4 / 338.

وابن حجر في كتبهم من الصحابة ، إلاّ أنّ ابن قتيبة قال في المعارف : « وكان يعدل بالصحابة وليس منهم »(1).

وأمّا عن سلوكيته فقالوا : « لم يزل مع خاله عبد الرحمن بن عوف مقبلاً ومدبراً في أمر الشورى ، وكان مع عثمان في الدار إلى أن قتل ، فانحدر إلى مكّة ، ولم يزل بها موالياً لمعاوية حتّى قال عروة بن الزبير : فلم أسمع المسور ذكر معاوية إلاّ صلّى عليه »(2).

وأمّا عن فضله ، فقال القرطبي وغيره : « وكان المسور لفضله ودينه وحسن رأيه تغشاه الخوارج ، تعظّمه وتنتحل رأيه ، وقد برّأه اللّه منهم »!(3).

وأمّا عن موته فقالوا : كان مع ابن الزبير ، فلمّا حاصر الحصين بن نمير مكّة ، ورمى الكعبة بالمنجنيق أصابه حجر فشجّه ، ثمّ مات بعد خمسة أيّام.

هذه هوية الرجل نسباً وحسباً وديناً وسلوكاً. وكان مع خاله عبد الرحمن ابن عوف في أمر الشورى ، وموقف ابن عوف فيها معلوم ، حتّى عناه الإمام بقوله في خطبته الشقشقية : « ومال الآخر لصهره ... ».

لأنّ أُمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط كانت تحته ، وأُمّ كلثوم هذه هي أُخت عثمان من أُمّه(4).

وقال الإمام علي عليه السلام لعبد الرحمن : « واللّه ما ولّيت عثمان إلاّ ليرد الأمر إليك »(5).

وممّا يزيدنا وضوحاً في عثمانيّته أنّه لم يبايع الإمام بعد مقتل عثمان ، وخرج من المدينة إلى مكّة ، ثمّ هو الذي كان يصلّي على معاوية إذا ذكره ، كما

ص: 110


1- المعارف : 242.
2- سير أعلام النبلاء 3 / 151 ، تاريخ مدينة دمشق 58 / 168.
3- الاستيعاب 3 / 456.
4- شرح نهج البلاغة 1 / 189.
5- الكامل في التاريخ 3 / 71.

مرّ ذلك عن عروة بن الزبير.

وأخيراً : دخل مع ابن الزبير في أمره ، وانتحل الخوارج رأيه حيث استقطبوه ، وإن قال القرطبي وابن حجر وغيرهما : « وقد برّأه اللّه منهم » ، ولسنا بحاجة إلى مناقشتهم في ذلك ، فمن أين علموا بتلك البراءة ، واللّه لم يوح إلى أحد بعد نبيّه؟ فلا تزال دعواهم تحتاج إلى إثبات ، على أن مصعب الزبيري - صاحب كتاب نسب قريش - ذكر ذلك ، ولم يزعم ما قالوه في براءته ، وهو أقدم منهما زماناً ، وأعرف بحال المسور.

ولننظر إلى حديث المسور في الفرية المزعومة ، وهو حديث أخرجه عنه البخاريّ ومسلم والترمذيّ وأحمد وغيرهم ، ولن نستقصي جميع المصادر ، بل سنكتفي بما أخرجه البخاريّ في صحيحه ، وقد نشير إلى ما ورد عند غيره ؛ وذلك لأنّ صحيحه عند المغالين به أصحّ كتاب بعد كتاب اللّه فيما يزعمون! ولأنّه ذكر حديث المسور في خمسة أبواب مقطّعاً أوصاله عن عمد ، حتّى يخيل للناظر أنّه ذكر خمسة أحاديث مختلفة الألفاظ ، ولكن الباحث الناقد يدرك أن اختلاف الصورة لا يغيّر الحقيقة.

وهذا ما أربك كثيراً من شرّاح الصحيح ، فحاولوا جهدهم توجيه ما فيها من تناقض وتهافت ، ولم يوفّقوا في سعيهم الحثيث ، في دفع ما يرد على الحديث ، بل شوّشوا أذهان قرّائهم ، ولم يجنوا غير مضيعة الوقت في عرض آرائهم تبعاً لأهوائهم.

ولو أنّهم صنعوا صنع ابن قتيبة لجنّبوا أنفسهم كثيراً من النقد والردّ ، فابن قتيبة في معارفه كان أوعى منهم ، حين قال عن المسور : « وكان يعدل بالصحابة وليس منهم » ، ثمّ قال : « وقد روى قوم عنه أنّه سمع النبيّ صلى اللّه عليه وآله يقول : لو أنّ بني هشام بن المغيرة استأذنوني في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن ، ثمّ لا آذن ».

فهو حين ينفي صحابية المسور ، ينفي عنه عاصمية الصحابة ، سواء قرئت

ص: 111

جملة وكان يعدل بالتخفيف أو التشديد ، ثمّ يمرّض القول في زعم روايته عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله أنّه سمعه يقول : وهو يدلّنا على عدم قناعته بصحبة المسور ، كما كشف عن قيمة روايته عنده ، وما اقتضابه لحديثه إلاّ مؤشّر على ذلك.

ثمّ ما يعنيه بقوله : لو أنّ بني هشام ... ، فهل يدلّ على حدوث الخطبة أو إرادتها؟ وهذا ما سنقرأ الجواب عنه في الكلام على حديث المسور عند البخاريّ في صوره الآتية :

1 - حدّثنا سعيد بن محمّد الجرمي ، حدّثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدّثنا أبي : أنّ الوليد بن كثير حدّثه عن محمّد بن عمرو بن طلحة الذي حدّثه ، أنّ ابن شهاب حدّثه ، أنّ علي بن الحسين حدّثه ، أنّهم حين قدموا المدينة من عند يزيد ابن معاوية ، بعد مقتل حسين بن علي رحمة اللّه عليه ، لقيه المسور بن مخرم ، فقال له : هل لك إلي من حاجة تأمرني بها؟ فقلت له : « لا ».

فقال : فهل أنت معطي سيف رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فإنّي أخاف أن يغلبك القوم عليه ، وأيم اللّه لئن اعطيتنيه لا يخلص إليه أبداً حتّى تبلغ نفسي ، إنّ علي بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل على فاطمة عليها السلام ، فسمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يخطب الناس في ذلك على منبره هذا ، وأنا يومئذ محتلم.

فقال : « إنّ فاطمة بضعة منّي ، وأنا أتخوّف أن تفتن في دينها » ، ثمّ ذكر صهراً له من بني عبد شمس ، فأثنى عليه مصاهرته إيّاه ، قال : « حدّثني فصدّقني ، ووعدني فوفى لي ، وإنّي لست أحرّم حلالاً ، ولا أحلّ حراماً ، ولكن واللّه لا تجتمع بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وبنت عدوّ اللّه أبداً » (1).

2 - حدّثنا أبو الوليد ، حدّثنا ابن عينية ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن أبي مليكة ، عن المسور بن مخرمة : أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : « فاطمة بضعة منّي ، فمن أغضبها أغضبني » (2). .

ص: 112


1- صحيح البخاريّ 4 / 48.
2- المصدر السابق 4 / 210.

3 - حدّثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب عن الزهريّ قال : حدّثني علي بن حسين : أنّ المسور بن مخرمة قال : إنّ علياً خطب بنت أبي جهل ، فسمعت بذلك فاطمة ، فأتت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فقالت : « يزعم قومك أنّك لا تغضب لبناتك ، وهذا علي ناكح بنت أبي جهل » ، فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فسمعته حين تشهّد يقول : « أمّا بعد ، فإنّي أنكحت أبا العاص بن الربيع فحدّثني وصدّقني ، وإنّ فاطمة بضعة منّي ، وإنّي أكره أن يسوءها ، واللّه لا تجتمع بنت رسول اللّه وبنت عدوّ اللّه عند رجل واحد » ، فترك علي الخطبة.

وزاد محمّد بن عمرو بن طلحة ، عن ابن شهاب ، عن علي عن مسور : سمعت النبيّ صلى اللّه عليه وآله وذكر صهراً له من بني عبد شمس ، فأثنى عليه في مصاهرته إيّاه فأحسن ، قال : « حدّثني فصدّقني ، ووعدني فوفى لي »(1).

4 - حدّثنا قتيبة ، حدّثنا الليث عن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة قال : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول وهو على المنبر : « إنّ بني هشام بن المغيرة استأذنوا في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن ، ثمّ لا آذن ، ثمّ لا آذن ، إلاّ أن يريد ابن أبي طالب أن يطلّق ابنتي وينكح ابنتهم ، فإنّما هي بضعة منّي ، يريبني ما رابها ، ويؤذيني ما آذاها »(2).

5 - حدّثنا أبو الوليد ، حدّثنا الليث عن ابن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة الزهريّ ، قال : سمعت النبيّ صلى اللّه عليه وآله يقول : « إنّ بني المغيرة استأذنوا في أن ينكح علي ابنتهم ، فلا آذن »(3).

والآن وقد انتهينا من كشف هوية الثلاثة : أبي هريرة ، وابن الزبير ، والمسور ابن مخرمة ، نختتم أوّلاً : الحديث عنهم بقوله صلى اللّه عليه وآله : « والذي نفسي بيده لا يبغضنا رجل إلاّ أدخله اللّه النار »(4).

ص: 113


1- المصدر السابق 4 / 213.
2- المصدر السابق 6 / 158.
3- المصدر السابق 6 / 171.
4- موارد الظمآن : 555 ، المستدرك 3 / 150.

وثانياً : نعود إلى مناقشة متن الحديث ، ننبّه القارئ بحال بعض أعلام الرواة في السند ، كابن عيّينة - الذي رمي بالاختلاط ، كما ذكره الحافظ سبط ابن العجمي في رسالته الاعتباط بمن رمي بالاختلاط - وكالزهريّ ، الذي كان من المنحرفين عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، وكان يعمل لبني أُمية ، وقد تجنّب حديثه غير واحد لذلك ، حتّى إنّ ابن عساكر أخرج في تاريخه بسنده عن جعفر ابن إبراهيم الجعفريّ قال : كنت عند الزهريّ أسمع منه ، فإذا عجوز قد وقفت عليه فقالت : يا جعفري لا تكتب عنه ، فإنّه مال إلى بني أُمية وأخذ جوائزهم.

فقلت : مَن هذه؟ قال : أختي رقية خرفت ، قالت : خرفت أنت ، كتمت فضائل آل محمّد ، وقد حدّثني محمّد بن المنكدر عن جابر بن عبد اللّه قال : أخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بيد علي فقال : « من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللّهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ».

قالت : وحدّثني محمّد بن المنكدر عن جابر بن عبد اللّه قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « أوثق عرى الإيمان الحبّ في اللّه ، والبغض في اللّه »(1).

وبلغ إنكار الصالحين عليه أن كتب إليه بعضهم كتاباً فيه تقريع وتوبيخ ، جاء فيه : « واعلم أنّ أيسر ما ارتكبت ، وأخف ما احتملت ، أنّك آنست وحشة الظالم ، وسهّلت سبيل الغيّ بدنوّك إلى من لم يؤدّ حقّاً ، ولم يترك باطلاً حين أدناك ، اتخذوك أبا بكر قطباً تدور عليه رحى ظلمهم ، وجسراً يعبرون عليه إلى بلائهم ومعاصيهم ، وسلّماً يصعدون فيه إلى ضلالتهم ، يدخلون بك الشكّ على العلماء ، ويقتادون بك قلوب الجهلاء ... فداو دينك فقد دخله سقم ، وهيء زادك فقد حضر سفر بعيد »(2).

فمن الغريب العجيب أن يروي الزهريّ هذا الحديث عن علي بن الحسين ، ثمّ يزعم أنّه حدّثه عن المسور بذلك ، كما مرّ في الصورة الأُولى عن البخاريّ.

ص: 114


1- تاريخ مدينة دمشق 42 / 228.
2- شرح نهج البلاغة 17 / 44 ، إحياء علوم الدين 2 / 206.

وإذا عرفنا أنّ علي بن الحسين الذي ذكره بصيغة التنكير هو الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام ، الذي روى أبو هلال العسكريّ في كتابه بسنده قال : بلغ علي بن الحسين عليه السلام أنّ عروة بن الزبير وابن شهاب الزهريّ يتناولان علياً ويعبثان به ، فأرسل إلى عروة فقال : « أمّا أنت فقد كان ينبغي أن يكون نكوص أبيك يوم الجمل ، وفراره ما يحجزك عن ذكر أمير المؤمنين ، واللّه لئن كان علي على باطل لقد رجع أبوك عنه ، ولئن كان على حقّ لقد فرّ أبوك منه ».

وأرسل إلى ابن شهاب فقال : « وأمّا أنت يا بن شهاب فما أراك تدعني حتّى أعرّفك موضع كِير أبيك ».

فمن كان هذا حاله مع الإمام أمير المؤمنين عليه السلام كيف يصدّق في زعمه أنّ علي بن الحسين حدّثه عن المسور؟ وهو الذي قرعه ووبّخه ، لا بل حتّى عيّره بماضي أبيه الوضيع!!

ثمّ ما بال علي بن الحسين يحدّث الزهريّ ، وهو يعرف عداوته لجدّه بحديث - إن صحّ - فهو انتقاص لجدّه؟

وما بال الزهريّ وهو الذي روى عن عدّة من الصحابة ، منهم أنس ، وسهل بن سعد ، وحتّى عن ابن عمر الذي ذكروا في ترجمته أنّه روى عنه ثلاثة أحاديث ، ما باله يروي هذا الحديث عن علي بن الحسين - كما يسمّيه - وهو من التابعين ، ولا يرويه عن المسور الصحابيّ الذي هو يرويه ، وهو قد أدركه ، وكان أشدّ لصوقاً به من علي بن الحسين نسباً وسبباً فكلاهما زهري ، ولأنّ أباه والمسور كانا معاً من أصحاب ابن الزبير ، وإلى ذلك أشار عبد الملك بن مروان حين اتّصل به الزهريّ فاستنسبه فنسب نفسه ، فقال عن أبيه : « إن كان أبوك لنعاراً في الفتن » (1). .

ص: 115


1- تاريخ مدينة دمشق 55 / 297.

ولقد كان عمر الزهريّ عند وفاة المسور فوق عمر المسور حين سمع الحديث المزعوم ، فقد مرّ أنّه قال كاذباً : سمع الحديث وهو يومئذ محتلم! والصحيح أنّه كان ابن ثمان سنين ، بينما كان عمر الزهريّ عند وفاة المسور ثلاث عشرة سنة.

وهكذا سؤال بعد سؤال يوضّح ما في الإسناد من خلل ، مضافاً إلى ما في المتن من علل ، ويبقى بلا جواب.

ولنترك حال الرجال وما فيهم من مقال وإشكال ، ولنعد إلى متن الحديث لنتبيّن فيه مواطن العلل ، ولنقرأه ثانياً حسب وروده في كتاب البخاريّ - الذي هو أصحّ كتاب بعد كتاب اللّه عند المغالين فيه - ولا نحاسبه على تقطيع أوصاله إلى خمسة أحاديث - ولا على حشر بعضها تحت عناوين لا تمت إليها بصلة ، ولا ... ولا ، فنحن والحديث الأوّل عنده ، فنقرأ فيه :

أوّلاً : قول المسور لعلي بن الحسين - كما في الحديث : هل لك إليّ من حاجة تأمرني بها؟ فقال : « لا ».

فهل لنا أن نسأل المسور : أيّ حاجة تلك التي يمكن له أن يقضيها غير ما يتعلّق بالسلطة الأمويّة ، والتي كان بعد لا يزال ظالعاً معها ، لأنّ زمن السؤال قد حدّده علي بن الحسين حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية ، بعد مقتل الحسين بن علي عليهما السلام ، لقيه المسور بن مخرمة فقال له : هل لك ....

ونحن إذا نظرنا إلى طبيعة الحال في ذلك الوقت نجد أنّ مقام الإمام زين العابدين أسمى وأرفع ممّا كان عليه المسور ، فإنّ ما أظهره يزيد من التنصل من تلك الجريمة التي لا تغتفر حتّى لعن ابن زياد ، وقال : لعن اللّه ابن مرجانة ... فأبغضني البرّ والفاجر بما استعظموه من قتلي الحسين ، ما لي ولابن مرجانة لعنه اللّه وغضب عليه ....

ودعا علياً ليودّعه وقال له : لعن اللّه ابن مرجانة ، أما واللّه لو أنّي صاحبه ما سألني خصلة أبداً إلاّ أعطيته إيّاها ، ولدفعت الحتف عنه بكلّ ما استطعت ،

ص: 116

ولو بهلاك بعض ولدي ، ولكن قضى اللّه ما رأيت ، يا بني كاتبني حاجة تكون لك(1).

وذكر ابن الأثير أيضاً : إنّ يزيد بن معاوية لمّا وجه مسلم بن عقبة المري - وهو الذي سمّي مسرفاً - إلى المدينة المنوّرة لمقاتلة أهلها حين خلعوا بيعته ، قال له : فإذا ظهرت عليهم فأنهبها ثلاثاً ، فكلّ ما فيها من مال أو دابة أو سلاح أو طعام فهو للجند ، فإذا مضت الثلاث فأكفف عن الناس ، وانظر علي بن الحسين فاكفف عنه ، واستوص به خيراً ، فإنّه لم يدخل مع الناس ، وإنّه قد أتاني كتابه.

وقد كان مروان بن الحكم كلّم ابن عمر لمّا أخرج أهل المدينة عامل يزيد وبني أُمية في أن يغيّب أهله عنده فلم يفعل ، فكلّم علي بن الحسين ، فقال : إنّ لي حرماً وحرمي يكون مع حرمك ، فقال : « أفعل » ، فبعث بامرأته وهي عائشة ابنة عثمان بن عفّان ، وحرمه إلى علي بن الحسين ، فخرج علي بحرمه وحرم مروان إلى ينبع ، وقيل : بل أرسل حُرم مروان ، وأرسل معهم ابنه عبد اللّه بن علي إلى الطائف(2).

وجاء في إرشاد المفيد : « إنّ مسرف بن عقبة لمّا قدم المدينة أرسل إلى علي بن الحسين عليهما السلام فأتاه ، فلمّا صار إليه قرّبه وأكرّمه وقال له : وصّاني أمير المؤمنين ببرّك وتمييزك من غيرك ... »(3).

فممّا تقدّم تبيّن : أنّ الإمام علي بن الحسين عليهما السلام كان أرفع مكانة وأجلّ قدراً وأقوى موقعاً لدى الحاكمين من المسور بن مخرمة ، الذي رفسه مروان برجله كما مرّ ، وجلدوه الحدّ كما تقدّم ، فهو أذلّ من أن يتمكّن من قضاء حاجة لأحد عند الأمويّين.

ص: 117


1- الكامل في التاريخ 4 / 87.
2- المصدر السابق 4 / 113.
3- الإرشاد 2 / 152.

وثانياً : لنقرأ قول المسور لعلي بن الحسين : فهل أنت معطي سيف رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فإنّي أخاف أن يغلبك القوم عليه ، ونحن لا نناقشه في أمر السيف وكيفية وصوله إلى علي بن الحسين ، وهو من مواريث النبوّة ... وهذا عنده ، وقوله ينافي القول بعدم ميراث الأنبياء ، ولكن هل لنا أن نسأل المسور : من هم القوم الذين يخشى أن يغلبوا علي بن الحسين على سيف جدّه غير بني أُمية؟ وإذا كانوا هم ، فهل كان ذلك قبل واقعة الحرّة أو بعدها؟

فإن كان قبلها ، فالإمام علي بن الحسين كان أعزّ منه منعة ، وهم كانوا أذلّ وأضعف جنداً ، خصوصاً بعد أن أخرج الأمويّون واتباعهم من المدينة ، حتّى أنّ مروان استودع الإمام عياله كما مرّ.

وإن كان بعدها فالإمام هو الوحيد الذي لم يتعرّض له بسوء ، بوصية من يزيد ، وقد مرّ ذلك أيضاً ، فأيّ حال تلك التي كان المسور يخشاها على الإمام أن يغلب فيها على سيف جدّه؟

ولو لم يكن ثمّة تحديد زمني في الحديث ، حيث ورد أنّ المسور لقي علي بن الحسين عليهما السلام حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية بعد مقتل الحسين بن علي.

أقول : لو لم يكن ذلك التحديد لاحتملنا أنّ المسور قال ذلك بعد أن بلغه طلب عبد الملك بن مروان من الإمام علي بن الحسين ذلك السيف يستوهبه منه ويسأله الحاجة ، فأبى عليه ، فكتب إليه عبد الملك يهدّده وأنّه يقطع رزقه من بيت المال ، فأجابه عليه السلام : « أمّا بعد ، فإنّ اللّه ضمن للمتّقين المخرج من حيث يكرهون ، والرزق من حيث لا يحتسبون ، وقال جلّ ذكره : ( إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ) (1) فانظر أيّنا أولى بهذه الآية »(2).

ص: 118


1- الحجّ : 38.
2- مناقب آل أبي طالب 3 / 303.

وفي جواب الإمام علي بن الحسين عليهما السلام هذا ما يقطع جهيزة كلّ متنطّع لتصويب عرض المسور بن مخرمة ، فهو لم يخش عبد الملك بن مروان ولا سلطته ، وهو هو في عتوّه وجبروته.

وثالثاً : لنرى ثالثة الأثافي ، وتلك هي فرية المسور في قوله : إنّ علي بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل على فاطمة عليها السلام ، فسمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يخطب الناس في ذلك على منبره ، هذا وأنا يومئذ محتلم فقال : « إنّ فاطمة منّي ... ».

هنا مسائل : ما هو الربط في هذه الرواية بين قصّة طلبه السيف وبين قصّة الخطبة المزعومة؟

والجواب هو ما أربك شرّاح صحيح البخاريّ فصالوا وجالوا , ليوافقوا بين القصّتين فلم يوفّقوا.

وللطرافة ننقل للقارئ بعض ما ذكره ابن حجر في فتح الباري حيث قال : « وقال الكرماني : مناسبة ذكر المسور لقصّة خطبة بنت أبي جهل عند طلبه للسيف من جهة ، أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كان يحترز عمّا يوجب التكدير بين الأقرباء ، أي فكذلك ينبغي أن تعطيني السيف حتّى لا يحصل بينك وبين أقربائك كدورة بسببه ، أو كما أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كان يراعي جانب بني عمّه العباسيّين ، فأنت أيضاً راع جانب بني عمّك النوفليين ، لأنّ المسور نوفلي كذا قال ، والمسور زهري لا نوفلي.

قال : أو كما أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كان يحبّ رفاهية خاطر فاطمة عليها السلام ، فأنا أيضاً أحبّ رفاهية خاطرك لكونك ابن ابنها ، فأعطني السيف حتّى أحفظه لك.

قلت - والقائل هو ابن حجر - : وهذا الأخير هو المعتمد ، وما قبله ظاهر التكلّف ، وسأذكر إشكالاً يتعلّق بذلك في كتاب المناقب إن شاء اللّه تعالى »(1).

ص: 119


1- فتح الباري 6 / 149.

أقول : وما ذكره في كتاب المناقب ليس إلاّ تعليقة على الحديث الثاني في شرح قوله صلى اللّه عليه وآله : « فاطمة بضعة منّي ، فمن أغضبها أغضبني » فقال : وهو طرف من قصّة خطبة علي ابنة أبي جهل ، وسيأتي مطوّلاً في ترجمة أبي العاص بن الربيع قريباً(1) ، وهذا ليس فيه أيّ إشكال.

وأمّا ما ذكره في كتاب المناقب أيضاً في ترجمة أبي العاص بن الربيع ، وهو الحديث الثالث كما مرّ ، فقد قال : « وإنّما خطب النبيّ صلى اللّه عليه وآله ليشيع الحكم المذكور بين الناس ويأخذوا به ، إمّا على سبيل الإيجاب ، وإمّا على سبيل الأولوية ، وغفل الشريف المرتضى عن هذه النكتة ، فزعم أنّ هذا الحديث موضوع ، لأنّه من رواية المسور ، وكان فيه انحراف عن علي ، وجاء من رواية ابن الزبير وهو أشدّ من ذلك ، وردّ كلامه بإطباق أصحاب الصحيح على تخريجه »!(2).

ألا على العقول العفا إن كان هذا الردّ الباهت يصلح لردّ قول الشريف المرتضى ( قدس سره ) ، وكم في تلكم الكتب من أخبار موضوعة ، وقد نقدوها سنداً ودلالة ، وابن حجر نفسه في مقدّمة شرحه التي سمّاها هدى الساري ذكر شواهد كثيرة لا يسع المقام ذكرها ، فلتراجع.

ثمّ كان ما أورده أصحاب الصحيح أنزل من اللوح المحفوظ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ولو انصف ابن حجر نفسه قبل إنصافه الشريف المرتضى ، فلم يذكر ردّه الذي هو غاية ما عنده لكان به أولى وعليه أبقى.

ثمّ إنّه أطال الكلام في الاختلاف في اسم المخطوبة من بنات أبي جهل ، كما أطال في شرح قوله : « حدّثني فصدّقني » ، ولم يأت بطائل.

ص: 120


1- المصدر السابق 7 / 63.
2- المصدر السابق 7 / 68.

ورابعاً : نعود إلى قول المسور : فسمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يخطب الناس في ذلك على منبره هذا ، وأنا يومئذ محتلم.

وهذا من أكاذيبه التي أربكت شرّاح الصحيح أيضاً ، فقالوا ما قالوا ، وإلى القارئ بعض ما قالوا :

قال ابن سيّد الناس : هذا غلط ، والصواب ما وقع عند الإسماعيلي بلفظ كالمحتلم!!

قال : والمسور لم يحتلم في حياة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، لأنّه ولد بعد ابن الزبير ، فيكون عمره عند وفاة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ثمان سنين ....

ثمّ قال ابن حجر : قلت كذا جزم به وفيه نظر ، فإنّ الصحيح أنّ ابن الزبير ولد في السنة الأُولى ، فيكون عمره عند الوفاة النبوية تسع سنين ، فيجوز أن يكون احتلم في أوّل سني الإمكان! أو يحتمل قوله : « محتلم » على المبالغة ، والمراد التشبيه ، فتلتئم الروايتان ، وإلاّ فابن ثمان سنين لا يقال له محتلم ، ولا كالمحتلم ، إلاّ أن يريد بالتشبيه أنّه كان كالمحتلم في الحذق والفهم والحفظ ، واللّه أعلم(1).

فانظر بربّك إلى هذا التحمّل الفاسد في توجيه كلام المسور المعاند ، فهل تجد له في كلام أبناء آدم من شاهد؟

هذا ما يتعلّق بأوّل حديث رواه البخاريّ ، أمّا حديثه الثاني فليس فيه ما يستدعي المناقشة والوقوف عنده ، وإنّما هو جزء من الحديث الأوّل.

وأمّا الحديث الثالث ، وفيه قال المسور : إنّ عليّاً خطب بنت أبي جهل ، فسمعت بذلك فاطمة ، فأتت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فقالت : « يزعم قومك أنّك لا تغضب لبناتك ، وهذا علي ناكح بنت أبي جهل »(2).

ص: 121


1- المصدر السابق 9 / 269.
2- صحيح البخاريّ 4 / 212.

أقول : ومن قول فاطمة عليها السلام لأبيها يظهر : أنّ الأذى كان قد لحق ببنات النبيّ صلى اللّه عليه وآله قبلها من أزواجهن فلم يغضب لهن ، حتّى ذكرت له زعم قومه أنّه لا يغضب لبناته ، مستثيرة فيه غيرته وحميّته وشففته.

وإذا صحّ زعم المسور في ذلك ، فالنقد يتوجّه إلى أصهار النبيّ صلى اللّه عليه وآله عدا أبي العاص الذي خصّه البخاريّ بالعنوان ، وذكره المسور في حديثه ، فلا يبقى إذاً سوى عثمان الذي كانت عنده أُمّ كلثوم ورقية وماتتا عنده ، وإليه يتوجّه النقد ، فهل شعر المسور بذلك؟ وهل يقبله وهو الذي كان مع عثمان كما مرّ؟

ولعلّ من أجل هذا أعرض شرّاح الصحيح عن شرح هذه الجملة من حديثه ، خصوصاً ابن حجر الذي تخطّى ذلك إلى شرح جملة : وهذا علي ناكح بنت أبي جهل ، فقال : في رواية الطبراني عن أبي اليمان ، وهذا علي ناكحاً بالنصب ، وكذا عند مسلم من هذا الوجه ، أطلقت عليه اسم ناكح مجازاً باعتبار ما كان قصد يفعل ، واختلف في اسم ابنة أبي جهل ....

فاستعرض الأقوال في اسمها ، ولا يعنينا تحقيق ذلك كثيراً الآن ، إلى أن قال في شرح قوله : « حدّثني فصدّقني » ، لعلّه كان شرط على نفسه أن لا يتزوّج على زينب ، وكذلك علي ، فإن لم يكن كذلك فهو محمول على أنّ علياً نسي ذلك الشرط ، فلذلك أقدم على الخطبة ، أو لم يقع عليه شرط ، إذ لم يصرّح بالشرط ، فلذلك أقدم على الخطبة ، لكن كان ينبغي له أن يراعي هذا القدر ، فلذلك وقعت المعاتبة ، وكان النبيّ صلى اللّه عليه وآله قلّ أن يواجه أحداً بما يعاب به ، ولعلّه إنّما جهر بمعاتبة علي مبالغة في رضا فاطمة عليها السلام ، وكانت هذه الواقعة بعد فتح مكّة ، ولم يكن حينئذ تأخّر من بنات النبيّ صلى اللّه عليه وآله غيرها ، وكانت أصيبت بعد أُمّها بأخوتها ، فكان إدخال الغيرة عليها ممّا يزيد حزنها.

هذا ما قاله أشهر شرّاح الصحيح ، أن لم يكن أعلمهم ، فاقرأ ذلك واحكم عليه بما تقتضيه شريعة الإنصاف دون اعتساف.

ولنعد إلى فقرات الحديث لنقارن بينها وبين ما مرّ عنه في الحديث الأوّل في

ص: 122

تحقيق النصّ الذي سمعه من النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فسنجد بينهما من التفاوت ما يدعو إلى الريبة في الأمر ، حتّى في الصحيح ، لاتفاق سند الحديثين من الزهريّ إلى المسور ، وإنّما ذكر البخاريّ الحديث الأوّل عن محمّد بن عمرو بن طلحة عن الزهريّ ، والحديث الثاني ذكره عن شعيب عن الزهريّ ، ثمّ قال : وزاد محمّد بن عمرو بن طلحة ... ، فذكر بعضاً من تلك الزيادة خصوصاً جملة : « وإنّي لست أحرّم حلالاً ، ولا أحلّ حراماً » ، فراجع الحديث وقارن بينهما بدقّة ، لترى مدى التفاوت متناً مع اتحاد السند ، وأنّه لأمر مريب!

وأمّا الحديث الرابع ، فنلاحظ عليه :

أوّلاً : غرابة العنوان الذي جعله البخاريّ للباب الذي أورد الحديث فيه ، ولم يورد فيه غيره ، فراجع.

ثانياً : إنّه ذكره بسنده عن الليث عن ابن أبي مليكة عن المسور ، بينما أخرجه الترمذيّ عن أيوب عن ابن أبي مليكة عن عبد اللّه بن الزبير ، وذكر الاختلاف فيه ، ثمّ قال : يحتمل أن يكون ابن أبي مليكة حمله عنهما جميعاً.

قال ابن حجر بعد ترجيحه رواية الليث عن ابن أبي مليكة ، لكونه توبع من رواية عمرو بن دينار وغيره ، ولكون الحديث قد جاء عن المسور من غير رواية ابن أبي مليكة ، فقد تقدّم في فرض الخمس.

وفي المناقب ، من طريق الزهريّ عن علي بن الحسين بن علي عن المسور ، وزاد فيه في الخمس قصّة سيف النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وذلك سبب تحديث المسور لعلي بن الحسين بهذا الحديث ، وقد ذكرت - والكلام لابن حجر - ما يتعلّق بقصّة السيف عنه هناك.

ولا أزال أتعجّب من المسور كيف بالغ في تعصّبه لعلي بن الحسين حتّى قال : إنّه لو أودع عنده السيف لا يمكّن أحداً منه حتّى تزهق روحه ، رعاية لكونه ابن فاطمة ، محتجّاً بحديث الباب ، ولم يراع خاطره في أنّ ظاهر سياق الحديث المذكور غضاضة على علي بن الحسين ، لما فيه من إيهام غضّ من جدّه علي بن

ص: 123

أبي طالب ، حيث أقدم على خطبة بنت أبي جهل على فاطمة ، حتّى اقتضى أن يقع من النبيّ صلى اللّه عليه وآله في ذلك من الإنكار ما وقع!!

بل أتعجّب من المسور تعجّباً آخر أبلغ من ذلك ، وهو أن يبذل نفسه دون السيف رعاية خاطر ولد ابن فاطمة ، وما بذل نفسه دون ابن فاطمة نفسه! أعني الحسين والد علي ، الذي وقعت له معه القصّة حتّى قتل بأيدي ظلمة الولاة!!

لكن يحتمل أن يكون عذره أنّ الحسين لما خرج إلى العراق ما كان المسور وغيره من أهل الحجاز يظنّون أنّ أمره يؤول إلى ما آل إليه واللّه أعلم ، انتهى كلام ابن حجر (1).

أقول : وليس فيما ذكره ابن حجر من اختلاف المسند ، ولا تعجّبه أوّلاً وثانياً - على ما فيهما من نقد لاذع للمسور - ولا في احتمال تعذيره على وهنه ما يدعونا إلى إطالة البحث فيه والتحقيق معه ، ولكن هلم الخطب في ثالثة الأثافي كما يقولون.

ثالثاً : قال المسور : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يقول وهو على المنبر : « إنّ بني هشام بن المغيرة استأذنوا في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب ، فلا آذن ، ثمّ لا آذن ... » (2).

فهل لنا أن نسأل من البخاريّ ورجاله حتّى المسور عن اختلاف سبب الخطبة؟ وقد مرّ في الحديث الأوّل : أنّ علياً خطب بنت أبي جهل ، فسمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يخطب ....

وفي الحديث الثالث : أنّ علياً خطب بنت أبي جهل ، فسمعت بذلك فاطمة ، فأتت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فقالت : « يزعم قومك أنّك لا تغضب لبناتك , وهذا علي ناكح بنت أبي جهل » ، فقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فسمعته حين تشهّد يقول .... .

ص: 124


1- فتح الباري 9 / 268.
2- صحيح البخاريّ 6 / 158.

ويمكن الجمع بين الحديثين بتوحيد السبب في خطبة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، أمّا في الحديث الرابع الذي نحن بصدده ، فقد جاء أنّ السبب هو استئذان بني هشام ابن المغيرة في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب ، فسمعه المسور يقول : « فلا آذن ، ثمّ لا آذن ، ثمّ لا آذن ... ».

أمّا الحديث الخامس ، فهو جزء من الحديث الرابع ، إلاّ أنّ البخاريّ أغرب في وضعه تحت عنوان ليس فيه أيّة دلالة على المعنون ، فقد أورده في كتاب الطلاق في باب الشقاق ، ثمّ لم يورد غيره في ذلك الباب.

وهذا ما أربك شرّاح الصحيح ، وإلى القارئ ما قاله وحكاه عنهم ابن حجر : قال : « ثمّ ذكر - أي البخاريّ - طرفاً من حديث المسور في خطبة علي بنت أبي جهل ، وقد تقدّمت الإشارة إليه في النكاح ، واعترضه ابن التين ، بأنّه ليس فيه دلالة على ما ترجم به ، ونقل ابن بطال قبله عن المهلب قال : إنّما حاول البخاريّ بإيراده أن يجعل قول النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « فلا آذن » خلعاً ، ولا يقوى ذلك ، لأنّه قال في الخبر : « إلاّ أن يريد ابن أبي طالب أن يطلّق ابنتي » ، فدلّ على الطلاق ، فإن أراد أن يستدلّ بالطلاق على الخلع فهو ضعيف ، وإنّما يؤخذ منه الحكم بقطع الذرائع.

وقال ابن المنير في الحاشية : يمكن أن يؤخذ من كونه صلى اللّه عليه وآله أشار بقوله : « فلا آذن » إلى أنّ علياً يترك الخطبة ، فإذا ساغ جواز الإشارة بعدم النكاح التحق به جواز الإشارة بقطع النكاح.

وقال الكرماني : تؤخذ مطابقة الترجمة من كون فاطمة ما كانت ترضى بذلك ، فكان الشقاق بينها وبين علي متوقّعاً ، فأراد صلى اللّه عليه وآله دفع وقوعه بمنع علي من ذلك بطريق الإيماء والإشارة ، وهي مناسبة جيّدة »(1).

وإلى هنا ننهي ما نقلناه عن ابن حجر ، ولا نعقّب بقليل أو كثير على تلك

ص: 125


1- فتح الباري 9 / 332.

الأقوال التي لا يخفى تنطّع أصحابها وسماجتها.

والعجب من ابن حجر - وهو على ما عنده من المعرفة - كيف يذكرها ولا يعقّب عليها بنقد ، وكأنّه قد ارتضاها ، وهي كما ترى.

والآن وقد انتهينا من النظر في أحاديث البخاريّ الخمسة ، وهي أوصال متقطّعة لحديث واحد رواه المسور بن مخرمة ، نعود فنسأل المسور ورواة حديثه ، وحتّى أصحاب الصحاح ، ومن أخرجه عنه ، ثلاثة أسئلة تفرض نفسها :

الأوّل : ما بال علي يخطب ابنة أبي جهل؟ وهو الذي يعلم بعداوة أبي جهل للإسلام ونبيّه ، حتّى قتل ببدر كافراً ، وعلي نفسه قد قتل من بني هشام بن المغيرة في يوم بدر ويوم أُحد عشرة ، ثمانية منهم ببدر ، وتاسعهم كان حليفاً لهم ، وعاشرهم قتله يوم أُحد.

فما باله يخطب من أناس وترهم بآبائهم وإخوانهم ، وهو يعلم بوغر صدورهم لما لهم عنده من ترات لم يطفئ الإسلام إوار الحقد من صدورهم ، وهم كبقية قريش إنّما كانوا يبغضون علياً لأنّه قتل منهم سبعين رجلاً ، كأنّ وجوههم سيوف الذهب على حدّ قول عثمان بن عفّان(1)؟

ثمّ ما باله يخطبها من رجل سبق له أن أراد قتله يوم فتح مكّة ، فاستجار بأخته أُمّ هاني ، وهو الحارث بن هشام ، كما في حديث سويد بن غفلة وسيأتي ، فأجارته أُمّ هاني ، فدخل عليه علي وقد شهر سيفه يريد قتله ، فمنعته أُمّ هاني من ذلك ، كما منعته من قتل جميع من استجار بها ، وقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله في ذلك : « قد أجرنا من أجارت أُمّ هاني »(2).

ثمّ ما الذي أغراه بها؟ علوّ النسب أو كمال الحسب؟ مع أنّها لم تكن بتلك الحسناء ، بل وصفوها بأنّها العوراء ، ولو شاء الزواج ، لِمَ لم يتزوّج بنت عمّه

ص: 126


1- معرفة الصحابة 1 / 301 ط مكتبة الدار بالمدينة المنورة سنة 1408 ه.
2- سبل الهدى والرشاد 9 / 126.

الحمزة - أسد اللّه وأسد رسوله -؟ وهو الذي كان أشار على النبيّ صلى اللّه عليه وآله بالزواج منها ، فقال له : « يا رسول اللّه ، ما لك تتوق إلى نساء قريش وتدعنا »؟ قال : « وعندكم شيء »؟ قلت : « نعم ابنة حمزة » ، فقال : « إنّها لا تحلّ لي ، فأنّها ابنة أخي من الرضاعة » (1).

فهذه تفوق بنت أبي جهل حسباً ونسباً وجمالاً وكمالاً ، وهي لم تكن ممّن يحرم عليه نكاحها.

السؤال الثاني : ما بال النبيّ صلى اللّه عليه وآله يغضبه خطبة علي لابنة أبي جهل ، لأنّ ذلك يسيء إلى فاطمة عليها السلام ، بينما نجده يغضب لعلي لا عليه حينما أخبره أربعة من الصحابة أنّ علياً اصطفى جارية من السبي عندما أرسله إلى اليمن ، فشكوه في المسجد ، الواحد تلو الآخر على ملأ من المسلمين ، فغضب صلى اللّه عليه وآله عليهم ، وحتّى أبد بعضهم بنظره ، أي نظر إليه نظراً حادّاً ، ثمّ قال : « لا تؤذوني في علي ، لا تشكوا علياً ، إنّ علياً منّي وأنا من علي ».

وقال : « من آذى علياً فقد آذاني ... » إلى آخر ما قال ، فهل اصطفاء علي عليه السلام لجارية من السبي لم يبلغ فاطمة عليها السلام ، أو بلغها ولم يسئها ذلك ، لأنّها لا تغار منها؟

السؤال الثالث : ما بال المسور واضرابه لم يسمّوا لنا تلك المخطوبة المحظوظة بهوى علي فيها ، فتركوا أصحاب الحديث والتاريخ والأنساب يخبطون خبط العشواء ، فسمّاها مصعب الزبيري « جويرية » ، فقال في كتابه نسب قريش : « وكان علي بن أبي طالب قد خطب جويرية بنت أبي جهل قبل عتاب ، وهمّ بنكاحها ، فكره ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وقال : « إنّي لأكره أن تجمع بين بنت ولي اللّه وبين بنت عدوّ اللّه » ، فتركها علي ، وتزوّجها عتّاب ». .

ص: 127


1- ذخائر العقبى : 106 ، صحيح مسلم 4 / 164 ، السنن الكبرى للنسائيّ 3 / 297 ، المعجم الكبير 3 / 139.

وسمّاها ابن حزم في الجمهرة : الحنفاء ، فقال : « وولد أيضاً أبو جهل الحنفاء ، أراد علي أن يتزوّجها ، فكره ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فتزوّجها عتّاب ابن أسيد »(1) ، وسمّاها ابن حجر في الإصابة العوراء(2) ، فلماذا هذا الاختلاف وبنات أبي جهل كما في كتب الأنساب أربع؟

وإليك أسماؤهن وأسماء أزواجهن نقلاً عن نسب قريش ، المتوّفى 236 ه- ، فهو أقرب زماناً وهوى إلى المسور وإضرابه من رواة تلك الأسطورة.

قال : وكان لأبي جهل أربع بنات : صخرة والحنفاء وأسماء وجويرية ، وأُمّهن أروى بنت أبي العيص.

1 - كانت الحنفاء بنت أبي جهل عند سهيل بن عمرو بن عبد شمس العامري.

2 - وكانت أسماء بنت أبي جهل عند الوليد بن عبد شمس بن المغيرة المخزومي ، فولدت له أُمّ عبد اللّه بنت الوليد ، تزوّجت أُمّ عبد اللّه بنت الوليد عثمان بن عفّان ، فولدت له الوليد وسعيد ابني عثمان بن عفّان.

فهل كان زواج عثمان بها بعد موت ابنتي النبيّ صلى اللّه عليه وآله؟ والجواب عند المسور واضرابه ، لكن ما رواه من قول فاطمة عليها السلام لأبيها : « يزعم قومك أنّك لا تغضب لبناتك ... » يأبى ذلك.

3 - وكانت جويرية بنت أبي جهل عند عتّاب بن أسيد بن أبي العيص ....

قال الزبيري : وكان علي بن أبي طالب قد خطب جويرية بنت أبي جهل قبل عتّاب ، وهمّ بنكاحها ، فكره ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وقال : « إنّي لأكره أن تجمع بين بنت ولي اللّه وبين بنت عدوّ اللّه » ، فتركها علي وتزوّجها عتّاب ، فولدت له عبد الرحمن بن عتّاب ، قتل يوم الجمل ، ووقف عليه علي فقال : « هذا يعسوب قريش ، جدعت أنفي ، وشقيت نفسي ».

ص: 128


1- جمهرة أنساب العرب : 145.
2- الإصابة 8 / 253.

يا لله من قوم لا يستحيون من الكذب ، أهكذا تبلغ الوقحة بهم أن يرووا ذلك ، هم يترجمون عبد الرحمن بن عتّاب ويذكرون ولادته في آخر حياة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فيكون عمره يوم قتل 26 سنة ، فهل يعقل أن يقول علي ذلك في إنسان حاربه مع أعدائه؟ ولم يكن له في تاريخ قريش على اختلاف بيوتاتهم ، وأيّام صولاتهم مقام مشهود ، ولا مقال محمود ، ثمّ يصفه بأنّه يعسوب قريش ، واليعسوب هو سيّد النحل وأميره ...؟!

فبماذا استحقّ منه هذا التقريض؟ ولماذا منه كلّ هذا التفجّع والتوجّع المزعوم؟!

ولعلّ قحة قائلهم تبلغ به فيزعم أنّ مبعث ذلك هو حنين نفسه إلى أُمّه ، وليعلم القارئ أنّ جويرية هذه هي التي سبق لها أن قالت يوم فتح مكّة ، وقد سمعت الأذان على ظهر الكعبة : « قد لعمري رفع لك ذكرك ، أمّا الصلاة فسنصلّي ، واللّه لا نحبّ من قتل الأحبّة أبداً » ، فعلي عليه السلام هو أبرز من قتل الأحبّة.

والآن بعد أن بيّنا زيف المسور في روايته ، نعود فنذكّر القارئ مرّة أُخرى بما مرّ منّا سابقاً في أوّل ذكر الرواة ، فنقول : حدث بتلك المثابة من الأهمّية يغضب فاطمة عليها السلام ، ويغضب أبوها لغضبها ، فيخرج إلى المسجد ويخطب الناس في ذلك إلى آخر ما مرّ في حديث المسور ، ثمّ لا يرويه من الصحابة الحضور - من مهاجرين وأنصار - إلاّ المسور ، مع توفّر الدواعي إلى نقله ، خصوصاً عند شانئي علي عليه السلام إنّ ذلك لعجيب!!

ولو كان الحدث بحذافيره كما يرويه المسور في حديثه لرواه المخالف قبل المؤالف ، وهذا ليس كفضائله التي أخفاها أولياؤه خوفاً وأعداؤه حسداً ، ومع ذلك شاع من بين ذين وذين ما ملأ الخافقين.

إذاً ليس من المعقول تصديق المسور في جميع زعمه لتلك القصّة بكامل تفاصيلها ، كما رواها وحده دون بقية الناس الذين خطبهم النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، اللّهم لا يقبل ذلك منه.

ص: 129

والسؤال الآن الذي يفرض نفسه : هل إنّ القصّة مفتعلة أساساً ، أم لها نصيب من الصحّة ولو كان ضعيفاً؟ إذ ليس من المقبول عقلاً أن يكون المسور على ما هو عليه من البغض والشنآن يختلق قصّة موهومة من عالم الخيال ، فيذيعها لتكون حقيقة ثابتة ، وهي ليس لها أساس لا يعقل ذلك ، إذ لا يوجد دخّان من دون نار ، ولابدّ من منشأ انتزاع.

إذاً ما هو الواقع في ذلك؟

هذا ما يجب أن نبحث عنه بصبر وأناة في مختلف المصادر الحديثية والتاريخية والنسبية ، وقد بحثت فيما وصلت إليه يدي فلم أجد سوى حديث يرويه سويد بن غفلة ، أخرجه الحاكم في المستدرك ، وفيه ما يمكن أن يجعل أساساً لتلك القصّة ، وإليك الحديث بنصّه :

قال الحاكم : « أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي ، حدّثنا عبد اللّه بن أحمد ابن حنبل ، حدّثني أبي ، حدّثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، أخبرني أبي عن الشعبي عن سويد بن غفلة ، قال : خطب علي ابنة أبي جهل إلى عمّها الحارث بن هشام ، فاستشار النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فقال : « أعن حسبها تسألني »؟

قال علي : « قد أعلم ما حسبها ، ولكن أتأمرني بها »؟ فقال : « لا ، فاطمة مضغة منّي ، ولا أحسب إلاّ وأنّها تحزن أو تجزع » ، فقال علي : « لا آتي شيئاً تكرهه » هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة »(1).

أقول : هذا الحديث لا يخلو أوّلاً سنده من مناقشة في رجاله ، ويكفي وجود الشعبي الذي كان مائلاً لبني أُمية ، ومرّ بيان حاله فيما سبق ، ولا حاجة إلى إعادته.

قال معمر : « وبلغني أنّ الشعبي كان يلعب بالشطرنج ، ويلبس ملحفة حمراء ، ويرمي بالجلاهق ... »(2).

ص: 130


1- المستدرك 3 / 158.
2- المصنّف للصنعانيّ 10 / 467.

وثانياً : هو حديث منقطع الإسناد ، لأنّ سويد بن غفلة ، وإن كان معدوداً من المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام ، إلاّ أنّه لم يسمع من النبيّ صلى اللّه عليه وآله حديثه ، ولذلك عقّب الذهبيّ على تصحيح الحاكم ، فقال : مرسل قوي ... إلى أن قال : « فالعجب من الحاكم كيف صحّحه »؟!

أقول : إذا كان في ذلك ما يبعث على العجب ، فماذا يقول الذهبيّ في موافقة شرّاح البخاريّ - كابن حجر في « فتح الباري » ، والقسطلاني في « إرشاد الساري » ، والعيني في « عمدة القاري » - للحاكم في تصحيحه؟

وأعجب العجب أنّ الذهبيّ نفسه روى هذا الحديث في سير أعلام النبلاء ، ولم يعقّب عليه بشيء!(1).

وثالثاً : فيه من التهافت الظاهر ما ينبغي الالتفات إليه ، وذلك في قول سويد : خطب علي ابنة أبي جهل إلى عمّها الحارث بن هشام ، وقوله : فاستشار علي النبيّ صلى اللّه عليه وآله ... ، فأيّ معنى لاستشارة النبيّ صلى اللّه عليه وآله بعد الخطبة؟ ولو كان العكس لصحّ ذلك منه.

ومع ذلك كلّه فبقية الحديث من قوله : فاستشار النبيّ صلى اللّه عليه وآله ... إلى آخره ، هي أساس ما نسج حوله الرواة ، كالمسور وأضرابه ، وهي في نفس الوقت تنفي وقوع الخطبة من علي ، كما تنفي خطبة النبيّ صلى اللّه عليه وآله في الناس على المنبر معلناً غضبه ... ، فيكون الحديث بكلّ بساطة خاطرة خطرت لعلي ، فاستشار النبيّ صلى اللّه عليه وآله مستأذناً ، وقال : « أتأمرني بذلك » ، فقال : « لا ... » ، فقال علي : « لا آتي شيئاً تكرهه ».

وبهذا المعنى ردّ ابن عباس على عمر في محاورة جرت بينهما في حديث الخلافة ، أشار فيها إلى هذا المعنى ، والمحاورة طويلة جاء فيها : « قال عمر لابن عباس : إنّ صاحبكم هذا - يعني علي بن أبي طالب - إن ولي زهد ، ولكنّي

ص: 131


1- سير أعلام النبلاء 2 / 125.

أخشى عجب نفسه أن يذهب به.

قال ابن عباس : يا أمير المؤمنين إنّ صاحبنا من قد علمت واللّه غير ما نقول ، إنّه ما غيّر ولا بدّل ، ولا أسخط رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أيّام صحبته له.

فقال : ولا في بنت أبي جهل ، وهو يريد أن يخطبها على فاطمة؟

قلت : قال اللّه تعالى في معصية آدم عليه السلام ، ولم نجد له عزماً ، وصاحبنا لم يعزم على اسخاط رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ولكن الخواطر التي لا يقدر أحد على دفعها عن نفسه ، وربما كانت من الفقيه في دين اللّه ، العالم العامل بأمر اللّه ....

فقال : يا بن عباس من ظن أنّه يرد بحوركم فيغوص فيها حتّى يبلغ قعرها فقد ظنّ عجزاً »(1).

هذه المحاورة رواها الزبير بن بكار في كتابه الموفّقيات ، كما نصّ على ذلك السيوطي في « الدرّ المنثور » ، ولكنّها لا توجد في المطبوع من الموفّقيات أخيراً ، بتحقيق الدكتور سامي مكّي العاني ، فهي ممّا يستدرك عليه ممّا فاته استدراكه ، فيما ذكر في آخر النسخة المطبوعة.

ومع ذلك ، فقد روى الهيثميّ في « مجمع الزوائد » نقلاً عن الطبراني في معاجمه الثلاثة ، والبزّار باختصار أيضاً ، وفيه عبيد اللّه بن تمام وهو ضعيف(2).

كما أخرجه العقيلي في الضعفاء(3) ، وقال ابن حجر : ضعّفه الدار قطني وأبو حاتم وأبو زرعة وغيرهم ... ، وقال أبو حاتم : ليس بالقوي ، روى أحاديث منكرة ... ، وقال الساجي : كذّاب يحدث بمناكير ... ، وذكره ابن الجارود والعقيلي ، وأورد له عن خالد عن عكرمة عن ابن عباس : أنّ عليّاً خطب بنت

ص: 132


1- الدرّ المنثور 4 / 309.
2- مجمع الزوائد 9 / 203.
3- الضعفاء الكبير 3 / 118.

أبي جهل ، فبعث إليه النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « إن كنت متزوّجاً فرد علينا بنتنا »(1).

أقول : فحديث يرويه عبيد اللّه بن تمام الذي مرّ حاله ، وينتهي سنده إلى عكرمة الخارجي الكذّاب ، الذي حبسه علي بن عبد اللّه بن عباس على باب الكنيف ، لأنّه كان يكذب على أبيه ، وحديث كذبه شائع ذائع حتّى إنّ ابن عمر حذّر غلامه أن يكذب عليه ، كما كذّب عكرمة على ابن عباس ، وقد أكذبه آخرون ، مضافاً إلى أنّه كان خارجياً يبغض الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، فهل يمكن أن نصدّق أنّ ابن عباس روى ذلك؟

وثمّة حديث آخر وهو موضوع ، لأنّه أشدّ تعفّناً ممّا سبق ، حيث رووا عن علي نفسه إقراره بموجدة النبيّ صلى اللّه عليه وآله منه لذلك ، واستشفاعه بأبي بكر ، إلى غير ذلك ، ممّا يستبطن كذبه في سياق ما رواه المتّقي الهندي عن الحارث عن علي ، قال : « لمّا خطبت بنت أبي جهل بن هشام ، وجد النبيّ صلى اللّه عليه وآله موجدة ، فرأيت في وجهه ، فخرجت إلى أبي بكر فأخذت بيده ، فأدخلته على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فلمّا رأى النبيّ صلى اللّه عليه وآله أبا بكر مقبلاً ، تهلّل وجهر النبيّ صلى اللّه عليه وآله فرحاً ، فقلت : يا رسول اللّه رأيت في وجهك ما أكره ، فلمّا نظرت إلى أبي بكر تهلّل وجهك إليه فرحاً »!

فقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « ما يمنعني أن تهلّل وجهي إلى أبي بكر فرحاً ، وأبو بكر أوّل الناس إسلاماً ، وأقدمهم إيماناً ، وأطولهم سمتاً ، وأكثرهم مناقب ، رفيقي في الهجرة إلى المدينة ، وأنيسي في وحشة الغار ، ومن بعد ذلك ضجيعي في قبري ، كيف لا يتهلّل وجهي إلى أبي بكر فرحاً »؟(2).

ولا تعليق لنا على ذلك إلاّ تنبيه القارئ على مدى العبث في التاريخ ، والمغالاة في صياغة الشخصية المحبوبة عند النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، والنزعة الخفية في التفضيل ، وأنّ أبا بكر هو الأنموذج الأمثل للصحابة.

ص: 133


1- لسان الميزان 4 / 97.
2- كنز العمّال 12 / 516.

ألا سخنت عيون البكرية ما أشدّ غباءهم ، فما داموا استمرؤوا الكذب ، كيف فاتهم أن يضيفوا إلى هذه الحبكة المفتعلة جملة ، وهو خليفتي من بعدي ، لتتمّ لهم الحجّة ، ولكنّهم فيما يبدو رأوا سقوط أبي بكر في حمأة الحيرة المملة التي عاناها حين سأله الأعرابي ، وقال له : أنت خليفة رسول اللّه؟ فقال : لا.

فقال : فما أنت؟ قال : أنا الخالفة بعده ، فلم يذكروا له ذلك مادام أبو بكر قال عن نفسه هو الخالفة ، والخالفة كما قال ابن الأثير : « الذي لا غناء ولا خير فيه » ، وإنّما قال ذلك تواضعاً.

وطبيعي أن يقول ذلك أبو بكر ، فهو أعرف بنفسه من غيره ، ولأنّه يعلم ذلك من نفسه ، كما أنّه من الطبيعي أن يقول ذلك ابن الأثير ، ويقوله جميع البكريين معه ، الذين هم أكثر بكرية من أبي بكر على مقولة : ملكيّون أكثر من الملك.

ولكن ما يصنع ابن الأثير وأضرابه ، وتفسير قوله تعالى : ( فَاقْعُدُواْ مَعَ الْخَالِفِينَ ) (1) ، والمفسّرون قالوا : « فلان خالفة أهل بيته إذا كان فاسداً فيهم ، من خلوف فم الصائم ، فعلى هذا يكون المعنى فاقعدوا مع الفاسدين »(2).

ومهما يكن مراد أبي بكر في قوله : أنا الخالفة ، فإن البكرية لم يجعلوه في حديثهم السابق خليفة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ولكن هلّم الخطب في جعلهم له أوّل الناس إسلاماً ، وأقدمهم إيماناً ، وهذا عين ما قاله رسول اللّه لابنته فاطمة عليها السلام : « أو ما ترضين أنّي زوّجتك أقدم أُمّتي سلماً ، وأكثرهم علماً ، وأعظمهم حلماً »(3).

ص: 134


1- التوبة : 83.
2- الجامع لأحكام القرآن 8 / 218.
3- 3 - مسند أحمد 5 / 26 ، مجمع الزوائد 9 / 114 ، المصنّف لابن شيبة 7 / 505 ، الآحاد والمثاني 1 / 142 ، المعجم الكبير 20 / 230 ، شرح نهج البلاغة 13 / 227 ، نظم درر السمطين : 188، كنز العمّال 11 / 605 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 126 و 70 / 113 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 291.

وتلكم عائشة ابنة أبي بكر تقول في خطبتها بعد الجمل : « وأبي رابع أربعة من المسلمين » (1).

أمّا سعد بن أبي وقّاص - أحد العشرة المبشّرة - فيقول لابنه محمّد ، وقد سأله : « أكان أبو بكر أوّلكم إسلاماً؟ فقال : لا ، ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين , ولكن كان أفضلنا إسلاماً »(2).

وأخيراً : كيف يصدّق عاقل بما رواه البكريون آنفا عن علي عليه السلام من موجدة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، مع أنّه القائل في خطبة له يصف مقامه عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « وما وجد لي كذبة في قول ، ولا خطلة في فعل »(3).

أليست خطبته بنت أبي جهل خطلة في فعل؟ كيف يصدّق ذلك مسلم؟ حاشا لله.

بقيت بعض الأحاديث تلتقي في مؤدّاها مع حديث المسور ، من غضب فاطمة عليها السلام بسبب الغيرة أيضاً ، ولكن لم تكن المرأة التي اشتاقت نفس علي إليها هي ابنة أبي جهل ، وإنّما هي حرّة وأمة :

1 - أمّا الحرّة فهي أسماء بنت عميس ، وحديثها أخرجه الطبراني(4) ، وعنه الهيثميّ في « مجمع الزوائد » حيث قال : « رواه الطبراني في الكبير والأوسط ، في إسناده من لم أعرفه »(5).

إذاً لا يهمّنا بيان حال إسناده ، فلننظر إلى متنه.

ص: 135


1- كنز العمّال 12 / 499 ، تاريخ مدينة دمشق 30 / 390 ، بلاغات النساء : 6.
2- تاريخ الأُمم والملوك 2 / 60.
3- شرح نهج البلاغة 13 / 197 ، ينابيع المودّة 1 / 208.
4- المعجم الكبير 22 / 405.
5- مجمع الزوائد 9 / 203.

قالت أسماء : خطبني علي ، فبلغ ذلك فاطمة ، فأتت النبيّ صلى اللّه عليه وآله فقالت : « إنّ أسماء متزوّجة عليّاً »! فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « ما كان لها أن تؤذي اللّه ورسوله ».

فنقول : إنّ أسماء كانت أوّلاً عند جعفر بن أبي طالب عليه السلام ، فلمّا كانت غزاة مؤتة سنة ثمان من الهجرة - في جمادى الأُولى أو الآخرة - قتل فيها جعفر ، فتزوّجها أبو بكر بعد قتل جعفر ، وبعد يوم حنين ، فإنّ غزوة حنين كانت في شوال سنة ثمان من الهجرة ، والرسول صلى اللّه عليه وآله خرج إليها لست خلون من شوال ، وانتهى إلى حنين في عاشره(1).

فيكون بين الوقعتين أربعة أشهر وأيّام ، هي بمقدار عدّة المرأة المتوفّى عنها زوجها ، ويعني ذلك أنّ أبا بكر تزوّج أسماء عند خروجها من العدّة ، وعلى هذا دلّ ما ذكره ابن كثير في سيرته قال : « ورثت أسماء بنت عميس زوجها - جعفراً - بقصيدة تقول فيها :

فآليت لا تنفك نفسي حزينة *** عليك ولا ينفك جلدي أغبرا

فلله عيناً من رأى مثله فتى *** أكر وأحمى في الهياج وأصبرا

تنشب أن انقضت عدّتها ، فخطبها أبو بكر الصدّيق فتزوّجها ، فأولم ، وجاء الناس للوليمة ، فكان فيهم علي بن أبي طالب ، فلمّا ذهب الناس استأذن علي أبا بكر في أن يكلّم أسماء من وراء الستر فأذن له ، فلمّا اقترب من الستر نفحه ريح طيبها ، فقال لها علي - على وجه البسط - : من القائلة في شعرها :

فآليت لا تنفك نفسي حزينة *** عليك ولا ينفك جلدي أغبرا

قالت : دعنا منك يا أبا الحسن ، فإنّك أمرؤ فيك دعابة »(2).

ص: 136


1- السيرة النبوية لابن كثير 3 / 610.
2- المصدر السابق 3 / 478.

على أنّ هناك ما يحمل على الشكّ بصحّة ما رواه ابن كثير ، فقد نسب البيت المذكور إلى عاتكة بنت زيد ، قالته في رثاء زوجها عبد اللّه بن أبي بكر ، حيث كان يحبّها ، فجعل لها بعض أراضيه على أن لا تتزوّج بعده ، فتزوّجها عمر بن الخطّاب ، فأرسلت إليها عائشة أن ردّي علينا أرضنا ، وكانت عاتكة قد قالت حين مات عبد اللّه بن أبي بكر :

آليت لا تنفك نفسي حزينة *** عليك ولا ينفك جلدي أغبرا

قال : فتزوّجها عمر بن الخطّاب ، فقالت عائشة :

آليت لا تنفك عيني قريرة *** عليك ولا ينفك جلدي أصفرا(1)

وهذا الجواب منها ينفي خطبة علي لها ، لأنّ خطبته لها لو كانت لابدّ أن تكون قبل خطبة أبي بكر ، لأنّ أبا بكر مات عنها سنة 13 من الهجرة ، يعني بعد موت فاطمة بثلاث سنين ، فلابدّ أن يفترض أنّ خطبة علي لها كانت قبل خطبة أبي بكر لها ، فكان عليها أن تجيبه بعد عتابه لها على تناسيها رثاءها لأخيه جعفر : أنت أولى منّي بالعتاب ، ألم تسبق إليّ بالخطبة ، ولأشارت إلى ما نسب إليها من زعم أنّ علياً خطبها ، وقول فاطمة عليها السلام لأبيها ، وقول أبيها صلى اللّه عليه وآله : « ما كان لها أن تؤذي اللّه ورسوله ... ».

لا أن يكون جوابها : دعنا منك يا أبا الحسن ، فإنّك أمرؤ فيك دعابة.

2 - وأمّا الأمة ، فهي جارية أعطاها له أبو بكر ، وحديثها أخرجه عبد الرزاق عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر قال : أعطى أبو بكر علياً جارية ، فدخلت أُمّ أيمن على فاطمة ، فرأت فيها شيئاً كرهته ، فقالت : ما لك؟ فلم تخبرها ، فقالت : ما لك؟ فو اللّه ما كان أبوك يكتمني شيئاً ، فقالت : « جارية أعطوها أبا حسن ».

ص: 137


1- الطبقات الكبرى 8 / 266.

فخرجت أُمّ أيمن فنادت على باب البيت الذي فيه علي بأعلى صوتها : أما رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يحفظ في أهله؟ فقال : « ما هذا الصوت »؟ فقالوا : أُمّ أيمن تقول : أما رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يحفظ في أهله ، فقال علي : « وما ذاك »؟ قالت : جارية بعث بها إليك ، فقال علي : « الجارية لفاطمة » (1).

فهذا الحديث يرويه ابن عيينة ، وهو ممّن رمي بالاختلاط ، وابن عيينة يرويه عن عمرو بن دينار ، وهذا أيضاً من المجروحين ، كما في كتاب المجروحين لابن حبّان ، حيث قال : « كان ممّن ينفرد بالموضوعات عن الإثبات ، لا يحلّ كتابة حديثه إلاّ على جهة التعجّب.

وسئل ابن معين عنه ، فقال : ليس بشيء (2) ، مضافاً إلى أنّه كان يعرف بقهرمان آل الزبير ، فمن كان كذلك هل يقبل حديثه؟

على أنّ في نفس حديثه ما يدلّ على كذبه ، وذلك أنّ فاطمة عليها السلام التي لم تبق بعد أبيها سوى أيّام أو شهور لم تزد على ستة أشهر ، ثمّ ماتت عليها السلام ، وكان علي عليه السلام معها في محنتها ، ولم يبايع أبا بكر ما دامت فاطمة حية.

وقالوا : لم يحضر جمعة ولا جماعة مع القوم إلى أن ماتت فاطمة عليها السلام ، فانصرفت وجوه الناس عنه ، فبايع هو كما بايع معه العباس وبنوه وجماعة بني هاشم ، وبقية الفئات المعارضة التي اتخذت منه ملجأ يلجؤون إليه ، وسنداً يستندون عليه.

فهل يعقل أنّ أبا بكر يبعث إليه بجارية ، ويقبل ذلك علي عليه السلام منه ، وهو بعد لم يزل ساخطاً لما جرى معه ، ومع فاطمة عليها السلام من بعد النبيّ؟

ولو سلّمنا ذلك ، فهل أنّ علياً نسي ما مرّ له في حياة النبيّ صلى اللّه عليه وآله من استشارته في أمر ابنة أبي جهل ، وأنّ ذلك يسيء إلى فاطمة ، فقال : « لا أفعل شيئاً .

ص: 138


1- المصنّف للصنعانيّ 7 / 303.
2- كتاب المجروحين 71/2.

تكرهه » ، ثمّ ها هو الآن يقبل الجارية ، ويقيم معها ، حتّى تنكر ذلك عليه أُمّ أيمن!!

ثمّ ما بال علي عليه السلام وبنيه لم يتبيّنوا تلك الكراهية من فاطمة عليها السلام ، وهم يعيشون معها في البيت ، وتبيّنتها أُمّ أيمن التي كانت في بيت غير بيتها؟! دون من كان يزورها من نساء المهاجرين والأنصار ، وحتّى أسماء بنت عميس التي كانت تمرضّها.

كلّ ذلك يوحي باختلاق الحديث ، ولا نستبعده من عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير الذي قال فيه ابن حبّان : « كان ممّن ينفرد بالموضوعات عن الإثبات ، لا يحلّ كتابة حديثه إلاّ على وجه التعجّب ».

وما يدرينا لعلّ عبد الرزاق إنّما كتب حديثه في كتابه المصنّف على ذلك الوجه.

ثمّ أعلم أيها القارئ الكريم : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله أعطى علياً جارية يقال لها ريطة بنت هلال بن حيان بن عميرة (1).

فلا يخلو إمّا أن يكون ذلك يغيظ فاطمة عليها السلام أو لا يغيظها؟ فإنّ كان يغيظها ، فلم فعله النبيّ صلى اللّه عليه وآله؟ وإن كان لا يغيظها فما الفرق بين ريطة وغيرها من النساء ، سواء كانت زوجة أو جارية بملك اليمين ، وكلتاهما بحكم الضرائر عند النساء؟

على أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قد دافع عن الإمام في اصطفائه الجارية حينما بعثه إلى اليمن ، وشكاه بريدة ، كما في البخاريّ بسنده عن بريدة قال : بعث النبيّ صلى اللّه عليه وآله علياً إلى خالد ليقبض الخمس ، وكنت أبغض علياً ، وقد اغتسل ، فقلت لخالد : ألا ترى إلى هذا؟ فلمّا قدمنا على النبيّ صلى اللّه عليه وآله ذكرت له ، فقال : « يا بريدة أتبغض علياً »؟ فقلت : نعم ، فقال : « لا تبغضه ، فإنّ له في الخمس .

ص: 139


1- السيرة النبوية لابن كثير 3 / 671.

أكثر من ذلك »(1).

أقول : فما بال التسرّي لا يغيظ فاطمة عليها السلام إذا بلغها؟ ويغيظها إذا كان تزويجاً؟ ولا يفوتني تنبيه القارئ إلى أنّ الحديث السابق عن البخاريّ رواه غيره بأوسع وأوضح ممّا ذكره(2).

لماذا وضع هذا الحديث؟

لقد مرّ بنا مراراً تذكير القارئ بأنّ الأمويّين عمدوا إلى كثير من فضائل الإمام أمير المؤمنين عليه السلام فجعلوا مثلها للخلفاء الآخرين ، ولا ننس ما ذكره المدائني من كتب معاوية إلى عمّاله ببراءة الذمّة ممّن روى في فضل علي شيئاً.

ثمّ كتابه يأمرهم فيه بوضع الحديث في فضائل الشيخين.

ثمّ كتابه يأمرهم فيه بوضع الحديث في فضائل عثمان.

ولمّا كان عثمان لم يحمد في مصاهرته للنبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وقد أساء صحبة زوجته أُمّ كلثوم ابنة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فلمّا ماتت في شعبان سنة تسع من الهجرة ، فغسّلتها أسماء بنت عميس وصفية بنت عبد المطّلب ، وقيل : غسّلها نسوة من الأنصار فيهن أُمّ عطية.

قال ابن كثير : « وهذا ثابت في الصحيحين ، وثبت في الحديث أيضاً أنّه عليه السلام لمّا صلّى عليها وأراد دفنها قال : « لا يدخله أحد قارف الليلة أهله » ، فامتنع زوجها عثمان لذلك ، ودفنها أبو طلحة الأنصاري.

ويحتمل أنّه أراد بهذا الكلام من كان يتولّى ذلك ، ممّن يتبرّع بالحفر والدفن من الصحابة ، كأبي عبيدة وأبي طلحة ومن شابههم ، فقال : لا يدخل قبرها إلاّ من لم يقارف أهله من هؤلاء ، إذ يبعد أنّ عثمان كان عنده غير أُمّ كلثوم بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله هذا بعيد »(3).

ص: 140


1- صحيح البخاريّ 5 / 110.
2- فتح الباري 8 / 53.
3- السيرة النبوية لابن كثير 4 / 74.

أقول : ومن البلية أن نجد بين علماء التبرير من هم عثمانيون أكثر من عثمان ، فهذا ابن كثير يذكر هذا الاحتمال البارد الكاسد ، ويريد أن يغمض عيون الناس ، فلا ينظروا إلى قبح مقارفة عثمان.

ومن جناية ابن كثير على الحديث وخيانته أنّه لم يذكره ، كما ورد في صحيح البخاريّ الذي اعتمده ، وإلى القارئ ما ذكره البخاريّ في صحيحه بسنده إلى أنس بن مالك قال : « شهدنا بنت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ورسول اللّه جالس على القبر ، فرأيت عينيه تدمعان ، فقال : « هل فيكم من أحد لم يقارف الليلة »؟ فقال أبو طلحة - زيد ابن سهل الأنصاري - : أنا ، قال : « فانزل في قبرها » ، قال : فنزل في قبرها فقبرها ، قال ابن مبارك : قال فليح : أراه يعني الذنب.

قال أبو عبد اللّه - وهو البخاريّ - : ليقترفوا : ليكتسبوا »(1).

أقول : ولشرّاح صحيح البخاريّ وغيرهم في هذا الحديث تشريق وتغريب عجيب في تبرئة ساحة عثمان من مغبّة معنى المقارفة ، على أنّ جماعة من أعلام الحفّاظ قد فسّروا المقارفة بالذنب صراحة ، فقد مرّ عن فليح قوله : أراه يعني الذنب.

ومرّ في تعقيب البخاريّ بقوله : ليقترفوا : ليكتسبوا ، إشارة إلى قوله تعالى : ( وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ ) (2) ، كما فهمه ابن حجر في فتح الباري(3) ، وإلى قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ ) (4).

ولعلّ أجرأ من وقفت على كلامه في تفسيره المقارفة تصريحاً لا تلويحاً هو ابن بطال ، قال : « أراد النبيّ صلى اللّه عليه وآله أن يحرم عثمان النزول في قبرها ، وقد كان

ص: 141


1- صحيح البخاريّ 2 / 93.
2- الأنعام : 113.
3- فتح الباري 3 / 167.
4- الأنعام : 120.

أحقّ الناس بذلك ، لأنّه كان بعلها , وفقد منها علقاً لا عوض منه ، لأنّه حين قال عليه السلام : « أيّكم لم يقارف الليلة » سكت عثمان ، ولم يقل : أنا ، لأنّه كان قد قارف ليلة ماتت بعض نسائه ، فلم يشغله الهمّ بالمصيبة وانقطاع صهره من النبيّ صلى اللّه عليه وآله عن المقارفة ، فحرم بذلك ما كان حقّاً له ، وكان أولى به من أبي طلحة وغيره ، وهذا بيّن في معنى الحديث.

ولعل النبيّ صلى اللّه عليه وآله قد كان علم بذلك بالوحي ، فلم يقل له شيئاً ، لأنّه فعل فعلاً حلالاً ، غير أنّ المصيبة لم تبلغ منه مبلغاً يشغله ، حتّى حرم ما حرم من ذلك بتعريض غير تصريح ».

وهذا الحديث الذي فيه إدانة عثمان حتّى حرم من حقّ الدفن الذي كان هو الأولى به من أبي طلحة ، وعلم المسلمون المشيّعون يومئذ بذلك ، كيف لا يحاول الأمويّون وأنصارهم إذ لم يمكن تضييعه ، فلا أقلّ من تمييعه ولو عن طريق علماء التبرير في مستقبل الزمان ، وقد مرّ بنا كلام ابن كثير البارد الكاسد.

إذاً ، فليجتهد الأمويّون ومن لفّ لفّهم من بقية أعداء الإمام في خلق حدث أكبر يدينون به الإمام ، فكان حديث خطبة ابنة أبي جهل ، وقد مرّ بنا كيف حال رواته ، وكلّهم من زبانية الأمويّين ، وأعداء الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.

ولنختم الكلام بما قاله ابن أبي الحديد - المعتزلي أُصولاً والحنفي فروعاً - في شرح النهج ، قال : « وعندي أنّ هذا الخبر لو صحّ لم يكن على أمير المؤمنين في غضاضة ولا قدح ، لأنّ الأُمّة مجمعة على أنّه لو نكح ابنة أبي جهل مضافاً إلى نكاح فاطمة عليها السلام لجاز ، لأنّه داخل تحت عموم الآية المبيحة للنساء الأربع ، فابنة أبي جهل المشار إليها كانت مسلمة ، لأنّ هذه القصّة كانت بعد فتح مكّة ، وإسلام أهلها طوعاً وكرهاً ، ورواة الخبر يوافقون على ذلك.

فلم يبق إلاّ أنّه إن كان هذا الخبر صحيحاً ، فإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لمّا رأى فاطمة قد غارت ، وأدركها ما يدرك النساء ، عاتبت علياً عليه السلام عتاب الأهل ، كما يستثبت الوالد رأي الولد ، ويستعطفه إلى رضا أهله وصلح زوجته ، ولعلّ

ص: 142

الواقع كان بعض هذا الكلام ، فحرّف وزيد فيه.

ولو تأمّلت أحوال النبيّ صلى اللّه عليه وآله مع زوجاته ، وما كان يجري بينه وبينهن من الغضب تارة ، والصلح تارة أُخرى ، والسخط تارة والرضا أُخرى ، حتّى بلغ الأمر إلى الطلاق مرّة ، وإلى الإيلاء مرّة ، وإلى الهجر مرّة ، والقطيعة مرّة ، وتدبّرت ما ورد في الروايات الصحيحة ممّا كنّ يلقينه عليه السلام به ، ويسمعنه إيّاه ، لعلمت أنّ الذي عاب الحسدة والشائنون علياً عليه السلام به ، بالنسبة إلى تلك الأحوال قطرة من البحر المحيط.

ولو لم يكن إلاّ قصّة مارية ، وما جرى بين رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وبين تينك الامرأتين من الأحوال والأقوال ، حتّى أنزل فيهما قرآن يتلى في المحاريب ، ويكتب في الصحائف ، وقيل لهما ما يقال للاسكندر ملك الدنيا ، لو كان حيّاً ، منابذاً لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : ( وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ) (1).

ثمّ أردف بعد ذلك بالوعيد والتخويف : ( عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ ) (2) الآيات بتمامها ، ثمّ ضرب لهما مثلاً امرأة نوح وامرأة لوط اللتين خانتا بعليهما فلم يغنيا عنهما من اللّه شيئاً ، وتمام الآية معلوم ، فهل ما روي في الخبر من غضب فاطمة على علي عليه السلام وغيرتها من تعريض بني المغيرة له بنكاح عقيلتهم ، إذا قويس إلى هذه الأحوال وغيرها ، ممّا كان يجري إلاّ كنسبة التأفيف إلى حرب البسوس ، ولكن صاحب الهوى والعصبية لا علاج له »(3).

هذا آخر ما أردت بيانه حول نسيج الأفّاكين الذين حاولوا الغضّ من مقام الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، وأنّه آذى فاطمة وأساء إليها ، تارة لخطبة ابنة أبي جهل ، وأُخرى بخطبة أسماء بنت عميس ، وثالثة بجارية بعث بها إليه أبو بكر ،

ص: 143


1- التحريم : 4.
2- التحريم : 5.
3- شرح نهج البلاغة 4 / 65.

ولكن كشفنا عوارهم ، وزدنا أوارهم ، وإن أغضب ذلك أنصارهم ، انتصاراً للحقّ المهضوم ، ودحضاً للباطل المزعوم.

( البحرين - 35 سنة - مهندس )

صبر لوصية من النبيّ :

س : بداية أشكركم على إجابتكم لي على سؤالي السابق ، جزاكم اللّه خيراً لخدمتكم الإسلام والمسلمين ، والحقيقة أنّي أطمع في المزيد ممّا عندكم.

أرجو منكم التكرّم بتزويدي بوصية النبيّ صلى اللّه عليه وآله للإمام علي عليه السلام قبل انتقاله للرفيق الأعلى ، والتي تتعلّق بالبلاء والغدر ، الذي سيحل بأمير المؤمنين عليه السلام في بيته وزوجته عليها السلام ، وخلافة المسلمين من بعده صلى اللّه عليه وآله , والتي يأمره فيها بالصبر على كلّ هذا البلاء.

وهذا ما يحتجّ به بعض المذاهب الإسلامية ، ألا وهو سكوت الإمام عليه السلام عن حقوقه ، ولكم منّي فائق الاحترام والتقدير.

ج : وردت الوصية بما ذكرت من النبيّ صلى اللّه عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام نقلاً عن أمر اللّه تعالى ، وهو جلّ جلاله العليم الحكيم ، واليك الوصية كما رواها الشيخ الكليني ( قدس سره ) بسنده عن عيسى بن المستفاد أبي موسى الضرير قال : « حدّثني موسى بن جعفر عليهما السلام قال : « قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : أليس كان أمير المؤمنين عليه السلام كاتب الوصية ، ورسول اللّه صلى اللّه عليه وآله المُملى عليه ، وجبرائيل والملائكة المقرّبون عليهم السلام شهود؟

قال : فاطرق طويلاً ، ثمّ قال : يا أبا الحسن - كنية الإمام موسى الكاظم عليه السلام - قد كان ما قلت ، ولكن حين نزل برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله الأمر ، نزلت الوصية من عند اللّه كتاباً مسجّلاً ، نزل به جبرائيل مع أُمناء اللّه تبارك وتعالى من الملائكة.

فقال جبرائيل : يا محمّد مر بإخراج مَن عندك إلاّ وصيّك ، ليقبضها

ص: 144

وتشهدها بدفعكَ إيّاها إليه ضامناً لها - يعني عليّاً عليه السلام - فأمر النبيّ صلى اللّه عليه وآله بإخراج مَن كان في البيت ما خلا عليّاً عليه السلام ، وفاطمة فيما بين الستر والباب ، فقال جبرائيل : يا محمّد ربُّك يقرئكَ السلام ويقول : هذا كتابُ ما كنتُ عهدتُ إليك ، وشرطتُ عليك ، وشهدتُ به عليك ، وأشهدتُ به عليك ملائكتي ، وكفى بي يا محمّد شهيداً.

قال : فارتعدت مفاصل النبيّ صلى اللّه عليه وآله فقال : يا جبرائيل ربّي هو السلام ومنه السلام وإليه يعودُ السلام ، صَدَق عزّ وجلّ وبرّ ، هات الكتاب ، فدفعه إليه وأمرهُ بدفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال له : اقرأهُ ، فقرأه حرفاً حرفاً.

فقال : يا علي هذا عهد ربّي تبارك وتعالى إليَّ ، شرطهُ عليَّ وأمانتهُ ، وقد بلّغتُ ونصحتُ وأدّيتُ ، فقال علي عليه السلام : وأنا أشهدُ لك بأبي وأُمّي أنت بالبلاغ والنصيحة والتصديق على ما قلتَ ، ويشهدُ لكَ به سمعي وبصري ولحمي ودمي ، فقال جبرائيل عليه السلام : وأنا لكما على ذلك من الشاهدين.

فقال : رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : يا علي أخذتَ وصيّتي وعرفتَها ، وضمنتَ لله ولي الوفاء بما فيها ، فقال علي عليه السلام : نعم ، بأبي أنت وأُمّي عليَّ ضمانُها ، وعلى اللّه عوني وتوفيقي على أدائها ، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : يا علي إنّي أُريدُ أن أُشهد عليك بموافاتي بها يوم القيامة.

فقال علي عليه السلام : نعم اشهد ، فقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : إنّ جبرائيل وميكائيل فيما بيني وبينك الآن وهما حاضران ، معهما الملائكة المقرّبون لأشهدهم عليك ، فقال : نعم ، ليشهدوا وأنا - بأبي أنت وأُمّي - أُشهدهم ، فأشهدهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وكان فيما اشترط عليه النبيّ صلى اللّه عليه وآله بأمر جبرائيل عليه السلام فيما أمر اللّه عزّ وجلّ أن قال له : يا علي تفي بما فيها من موالاة مَن وإلى اللّه ورسوله ، والبراءة والعداوة لمن عادى اللّه ورسوله ، والبراءة منهم ، على الصبر منك ، وعلى كظم الغيظ ، وعلى ذهاب حقّك ، وغصب خمسك ، وانتهاك حرمتك؟

ص: 145

فقال : نعم ، يا رسول اللّه ... »(1).

وأيضاً يؤيّد ما ذكر ، ما جاء في مصادر أهل السنّة ، فقد روى يونس بن حباب عن أنس بن مالك قال : « كنّا مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وعلي بن أبي طالب معنا ، فمررنا بحديقة ، فقال علي : « يا رسول اللّه ألا ترى ما أحسن هذه الحديقة »! فقال : « إنّ حديقتك في الجنّة أحسن منها » ، حتّى مررنا بسبع حدائق ، يقول علي ما قال ، ويجيبه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بما أجابه.

ثمّ إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وقف فوقفنا ، فوضع رأسه على رأس علي وبكى ، فقال علي : « ما يبكيك يا رسول اللّه »؟ قال : « ضغائن في صدور قوم لا يبدونها لك حتّى يفقدوني » ، فقال يا رسول اللّه : « أفلا أضع سيفي على عاتقي فأبيد خضراءهم » ، قال : « بل تصبر » ، قال : « فإن صبرت » ، قال : « تلاقي جهداً » ، قال : « أفي سلامة من ديني »؟ قال : « نعم » ، قال : « فإذن لا أبالي »(2).

وقد أخبر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، بأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله أخبره بأنّ الأُمّة ستغدر به من بعده ، فقد روى عثمان بن سعيد عن عبد اللّه بن الغنويّ : أنَّ علياً خطب بالرحبة فقال : « أيّها الناس ، إنّكم قد أبيتم إلاّ أن أقولها! وربّ السماء والأرض ، إنّ من عهد النبيّ الأُميّ إليَّ : إنَّ الأُمّة ستغدرُ بك بعدي ».

قال ابن أبي الحديد بعد روايته لهذا الخبر : « وروى هيثم بن بشر عن إسماعيل بن سالم مثله ، وقد روى أكثر أهل الحديث هذا الخبر بهذا اللفظ أو بقريب منه »(3).

ص: 146


1- الكافي 1 / 281.
2- شرح نهج البلاغة 4 / 107 ، كنز العمّال 13 / 166 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 324 ، مجمع الزوائد 9 / 118 ، المعجم الكبير 11 / 61 ، جواهر المطالب 1 / 229.
3- شرح نهج البلاغة 4 / 107 ، المستدرك 3 / 142 ، كنز العمّال 11 / 297 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 448 ، البداية والنهاية 6 / 244 و 7 / 360.

ولم يكن أمر النبيّ صلى اللّه عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام بالصبر من بعده على ما سيجري عليه من بلاء وغدر ، كما صرّح بذلك الإمام علي عليه السلام نفسه ، إلاّ للقراءة الكاملة التي كان يقرأها النبيّ صلى اللّه عليه وآله - بما منَّ اللّه عليه من علم - لحال الأُمّة من بعده صلى اللّه عليه وآله.

1 - تفرّق كلمتها ، ورزية يوم الخميس الواردة في صحاح القوم خير شاهد على ذلك.

2 - قلّة الناصرين لأمير المؤمنين عليه السلام في مطلب الخلافة ، وزعامة الأُمّة بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وقد كانت أحداث السقيفة ، وتقاعس المسلمين - من المهاجرين والأنصار - عن نصرة الإمام عليه السلام بأعذار وتبريرات مختلفة ، تناولها الباحثون عند حديثهم عن تلك الحقبة ، خير دليل على هذا الواقع.

وقد وردت جملة من الروايات تشير إلى هذه الحقائق المتقدّمة ، حيث جاء في كتاب سليم بن قيس الهلالي ، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّه قال لأمير المؤمنين عليه السلام : « يا علي ، إنّك ستلقي بعدي من قريش شدّة ، من تظاهرهم عليك وظلمهم لك ، فإنّ وجدت أعواناً عليهم فجاهدهم ، وقاتل من خالفك بمن وافقك ، فإنّ لم تجد أعواناً ، فاصبر وكف يدك ، ولا تلق بيدك إلى التهلكة ، فإنّك منّي بمنزلة هارون من موسى ، ولك بهارون أسوة حسنة ، إنّه قال لأخيه موسى : إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني »(1).

وفي المصدر ذاته ، أنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يأخذ بيدي الحسن والحسين عليهما السلام ، ويطوف بالبضعة الزهراء عليها السلام على بيوت الأنصار والمهاجرين ، وأهل السابقة في الإسلام ، يدعوهم لنصرته ، فلم يستجب له غير أربعة ، هم : سلمان وأبو ذر والمقداد والزبير ، حتّى قال : « لو وجدت أعواناً أربعين رجلاً من المهاجرين والأنصار من أهل السابقة لناهضت هذا الرجل »(2).

ص: 147


1- كتاب سليم بن قيس : 134.
2- المصدر السابق : 302.

وفي تاريخ اليعقوبيّ عند ذكره لأحداث السقيفة وما جرى أيامها : « وكان خالد بن سعيد غائباً ، فأتى علياً فقال : هلم أبايعك ، فواللّه ما في الناس أحد أولى بمقام محمّد منك ، واجتمع جماعة إلى علي بن أبي طالب يدعونه إلى البيعة له ، فقال لهم : « اغدوا على هذا محلّقين الرؤوس » ، فلم يغدُ عليه إلاّ ثلاثة نفر »(1).

الأمر الذي كان يعني بأنّ على الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أن يسلك أحد الطريقين : إمّا الخروج بالسيف على من ناواه مع قلّة الناصر ، وهذا يعني احتمال موته وموت اتباعه القليلين ، الذين أطاعوا اللّه والرسول بالتمسّك بالثقلين - الكتاب والعترة - وفي ذلك تكون الخسارة كبيرة ، وقد لا تعادلها خسارة للأُمّة ، بل وربما تتعرّض الرسالة الإسلامية برمّتها للخطر فيما لو تمّ ذلك.

هذا بالإضافة إلى وقوع خطر الانقسام الشديد في الأُمّة ، الذي يجعلها لقمة سائغة لأعدائها المتربّصين بها من اليهود والنصارى ، وهي فتية عهدها ، وما زالت في دور نشوئها بعد.

والطريق الثاني : وهو طريق السكوت والصبر ، والعمل على تهيئة الأُمّة تهيئة عقائدية روحية ، تستطيع من خلالها أن تتحمّل المسؤولية في نصرة أئمّة الحقّ ، وأن تعي أبعاد الرسالة الإسلامية وأهدافها الطويلة الأمد ، وهو الطريق الذي رسمه النبيّ صلى اللّه عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام.

وقد سار عليه الإمام عليه السلام وهيّأ الأُمّة لهذه المرحلة بصبره وعلمه وتقواه ، حتّى أجمعت الأُمّة على مبايعته والامتثال لأوامره فيما بعد ، فقد كانت بيعته عليه السلام هي البيعة الوحيدة من بين الذين سبقوه ، ممّا اجمع عليه المهاجرون والأنصار في مدينة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وذلك عندما أحسّت الأُمّة بضرورة قيادته عليه السلام لها ، وأنّه

ص: 148


1- تاريخ اليعقوبيّ 2 / 126.

الوحيد القادر على إنقاذها في تلك المرحلة الخطرة من تاريخها.

ولا يعني صبره عليه السلام وعدم خروجه بالسيف على من ناواه في حقّ الخلافة أنّه سكت عن حقّه ، ولم يطالب به ، بل كانت مطالبته عليه السلام بحقّه دائمة ومستمرّة ، إذ لم يترك الإمام عليه السلام مجالاً سلميّاً يمكن أن يطالب فيه بحقّه إلاّ وسلكه ، وقد ذكرت كتب السير والحديث والتراجم تلك المقالات التي كان الإمام عليه السلام يجاهر بها بالمطالبة بحقّه ، وأنّ القوم اغتصبوا حقّاً هو له دونهم.

ومحاججته لأبي بكر وبقية الأصحاب الذين أبرموا بيعة السقيفة ، وقوله عليه السلام : « لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار ، واحتججتم عليهم بالقرابة من النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وتأخذونه منّا أهل البيت غصباً »؟!(1).

وهناك نصوص مختلفة في نهج البلاغة ، يذكر فيها أمير المؤمنين عليه السلام مطالبته بحقّه ، منها ما ورد في يوم الشورى : « وقد قال قائل : إنّك على هذا الأمر يا بن أبي طالب لحريص ، فقلت : بل أنتم واللّه لأحرص وأبعد ، وأنا أخص وأقرب ، وإنّما طلبت حقّاً لي ، وأنتم تحولون بيني وبينه ، وتضربون وجهي دونه ، فلمّا قرعته بالحجّة في الملأ الحاضرين ، هب كأنّه بهت لا يدري ما يجيبني به ... »(2)!

( يحيى زكريا - قطر - سنّي - 39 سنة - مهندس )

مواصفات الإمامة تنطبق عليه :

س : لقد كان القرآن واضحاً وصريحاً ولا غموض فيه في جميع شؤون الحياة الدنيا والآخرة ، لدرجة أحكام الحيض.

ص: 149


1- الإمامة والسياسية 1 / 28.
2- شرح نهج البلاغة 9 / 305.

حسب هذا المفهوم ، ومن وجهة نظركم ، أليس أولى من حكم الحيض أن يكون القرآن قد أمر باتباع الأئمّة بشكل واضح وصريح ودون لبس ، حتّى لا يكون هناك أدنى شكّ لما تؤمن به الشيعة؟

فحسب فهمي للقرآن ليس هناك أيّ آية تدعو إلى اتباع علي ، أو أيّ من أبنائه بشكل مباشر ، ولن أقبل أي تفسير يقول بالإشارة ، أو المقصود بالآية هو كذا وكذا.

فعندما أمرنا اللّه باتباع محمّد صلى اللّه عليه وآله قالها صريحة وواضحة ودون إشارات : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ) (1).

أمّا في المقابل ، فإنّ اللّه لم يأمر في كتابه لا بولاء علي ، أو أيّ من أبنائه ، ولم يذكر أيّ منهم في كتابه ، وإن كان شأنهم أعلى من أنبياء اللّه - كما تزعمون في مذهبكم - لكان أولى ذكرهم بأسمائهم ، كما ذكر آدم ونوح وإبراهيم ، وإلى آخر من ذكر من أنبياء اللّه في القرآن العظيم.

وهل يعقل أن يذكر اللّه اسم سيّدنا « زيداً » في كتابه ، حتّى يبيّن لنا حكماً هامّاً من أحكام اللّه ، ولم يذكر اسم علي بن أبي طالب عليه السلام ، إذا كان اتباعه وولايته من بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ركناً من أركان الإسلام ، كما يدّعي علماء الشيعة؟

أرجو أن يكون جوابكم مقنعاً وبعيداً عن الفلسفة العقليّة ، بل بالنصوص الأكيدة.

ج : قولك بأنّك لن تقبل أيّ تفسير يقول بالإشارة ، أو المقصود بالآية هو كذا ، فإنّ تفسير القرآن لا يكون بالإشارة ، وإنّما يكون بالأدلّة اللازمة ، سواء عقليّة أو نقليّة ، ولكنّي أقول لك هلا طبّقت هذه القاعدة - لو سلّمنا معك بقبولها وصحّتها - على كلّ أحكام الإسلام؟

ولنرمي السنّة خلف ظهورنا ، كما أراد عمر بن الخطّاب ، عندما قال : إنّ النبيّ ليهجر ، يكفينا كتاب اللّه ، وإن لم تقبل ، ولا اعتقد أنّك تقبل ، لأنّه

ص: 150


1- آل عمران : 144.

سوف يذهب الإسلام ، فأقول : لماذا تطالب بذلك عند الكلام عن ولاية أمير المؤمنين عليه السلام ، وتريد نصّاً من القرآن ، ولا تقبل بالظاهر منه والتفسير ، والأحاديث الموضّحة له ، ولا تريد ذلك في غيره من عقائد وأحكام الإسلام ، فهل هو إلاّ الهوى والتعصّب!!

وهناك شيء آخر : كأنّك تعني أنّ اللّه جلّ جلاله لم ينزل كلّ الأحكام التي تحتاجها الأُمّة على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأنّ الرسالة ناقصة غير كاملة على الأقل في هذا المورد ، فأنّك تدّعي بأنّه لا يوجد نصّ في القرآن على حكم الإمامة ، هل هي بالنصّ أو بالاختيار من الأُمّة؟ وأنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله لم يبيّن لنا في ذلك شيء؟

فإن قلت : إنّي لم أنكر النصّ على حكم الإمامة في القرآن ، وإنّما أنكرت النصّ على علي عليه السلام صريحاً في القرآن.

فنقول : هو كذلك ، لم ينصّ على علي عليه السلام صريحاً في القرآن ، ولكنّه نصّ على حكمها فيه ، وإنّ الإمامة بالنصّ لا بالاختيار ، وإنّ لها أفراداً مخصوصين موصوفين بمواصفات خاصّة مذكورة في القرآن.

فإن قلت : لا ، إنّه نصّ على حكمها في القرآن بأنّها حقّ للأُمّة ، وهي تختار إمامها ، فهي شورى.

قلنا : أوّلاً ، لا نسلّم ذلك من أنّ المستفاد من آية الشورى أنّها في الإمامة ، ثمّ ما بالك تمسّكت هنا بالإشارة دون النصّ ، وتطالب في علي عليه السلام بالنصّ دون الإشارة!!

فإن قلت : قد بيّن ذلك النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأنّه وضّح المراد ممّا جاء بالقرآن ، وأوضح في أحاديثه أنّ الأمر للأُمّة.

قلنا : ما عدا ممّا بدا ، ألم نقل نحن ذلك ، وقلنا : إنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله بيّن القرآن ، وأوضح أنّ المراد بالآيات المتعلّقة بالإمامة هو علي عليه السلام ، فلم تنكر علينا ما تقبله أنت!

ص: 151

ثمّ إنّ الكلام في الأحاديث التي ادعيت أنّه صلى اللّه عليه وآله أوضح أنّ الأمر يعود للأُمّة ، فنحن لا نسلّم بمثل هذه الأحاديث ، أو لا وجود لها في البين ، فتأمّل!!

فإذا تبيّن أنّ الرسالة كاملة ، وأنّه لا يمكن أن يترك اللّه الناس دون أن يبيّن لهم الأمر في الإمامة ، هل هي بالنصّ أم بالاختيار ، وأنّه لابدّ لها في الإسلام من حكم ، وعرفنا أنّ اللّه أنزل كلّ شيء في القرآن ، ولكن فيه المحكم والمتشابه ، وقد بيّن الرسول صلى اللّه عليه وآله المتشابه لنا.

فالأحكام بصورة كلّية نأخذها من القرآن والسنّة ، لا يبقى لنا مجال للاعتراض على اللّه تعالى ، بأنّه لماذا لم يذكر هذا الحكم أو ذاك الحكم صريحاً في القرآن؟ بعد أن بيّنه لنا الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وأوضح لنا ما تعلّق به من القرآن المتشابه ، فاللّه لا يُسأل عمّا يفعل ، وله الحكمة في كلّ ذلك ، وعلينا السمع والطاعة ، سواء جاءنا الأمر من القرآن أو من الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وهذا هو قول الشيعة الإمامية ، فإنّهم يقولون : إنّه يوجد في القرآن آيات تخصّ الإمامة وتبيّن مصاديقها ، بعضها محكمة وبعضها متشابه بيّنها النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وقد فسّر لنا النبيّ صلى اللّه عليه وآله كلا القسمين من الآيات صريحاً ، وذكر لنا الأسماء التي هي مصاديق هذه الآيات ، فليس لنا إلاّ الطاعة والقبول والتسليم ، وهذا هو الإيمان ، والإسلام الصحيح.

( عماد - الكويت - 37 سنة - بكالوريوس هندسة )

جاء النصّ على خلافته من يوم الدار :

س : سمعت بعض علماء السنّة يتحدّث عن سيرة الإمام علي عليه السلام ، مع أنّه كان غامضاً وغير صريح ، كان يقول : بأنّ العباس بن عبد المطّلب قال لأمير المؤمنين : أطلب الخلافة من النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ولكن الإمام رفض ذلك!! فهل هذا صحيح؟ فإنّني أُريد التأكّد فقط لا غير ، وشكراً.

ج : ما يقول هذا مأخوذ من كتبهم ولا أظن أنّ هذا يصحّ حتى من طرقهم ،

ص: 152

فمن المعلوم مدى تأثير الحكّام في وضع مثل تلك الأحاديث فيها ، هذا أوّلاً.

وثانياً : إنّ الإمام عليه السلام جاء عليه النصّ بالخلافة من يوم الدار ، عندما أنذر الرسول عشيرته الأقربين ، وقبل الإمام ذلك ، فما الداعي لطلب ما قد حصل عليه مسبقاً ، إذ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في ذلك اليوم : « أيّكم يكون أخي ووصييّ ووارثي ، ووزيري وخليفتي فيكم بعدي ... ، فقلت - أي علي عليه السلام - : أنا يا رسول اللّه ، فقال : يا بني عبد المطّلب هذا أخي ووارثي ووصييّ ووزيري ، وخليفتي فيكم بعدي ... » (1).

ثالثاً : لو سلّمنا بوجود مثل هكذا كلام ، فإنّه لا يمتنع أن يريد العباس سؤاله عمّن يصل الأمر إليه ، وينتقل إلى يديه ، لأنّه قد يستحقّه من لا يصل إليه ، وقد يصل إلى من لا يستحقّه ، فعبارة العباس كانت هكذا : اذهب بنا إلى رسول اللّه نسأله فيمن هذا الأمر.

« حمد العمانيّ - عمان - 25 سنة - موظّف »

حكم صلاته أثناء إخراج السهم منه :

س : ورد في الروايات : إنّ الإمام علي عليه السلام عندما يصلّي ينتزعون شظايا الحرب من بدنه الشريف.

س : ما حكم الصلاة ، وفي البدن الشريف شيء من الدم؟ ودمتم موفّقين.

ج : لقد وردت هذه الروايات في سياق الإشارة إلى شدّة ارتباط الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بربّه أثناء العبادة ، وسموّ روحه العالية في العشق الإلهيّ ، الذي ينسيه آلام الجسد ، ويجعل للقوى الروحية السامية السيطرة الكاملة على حال ووضع الإمام علي عليه السلام أثناء العبادة.

ص: 153


1- علل الشرائع 1 / 170.

ودم القروح والجروح التي لم تبرأ معفيّ عنها في الصلاة ، وإن أصاب دمها الثياب ، وقد ذكر بعض العلماء : أنّه حكم إجماعيّ ، وفيه روايات كثيرة ، فراجع.

( عيسى - الإمارات - 25 سنة - طالب ثانوية )

كان حاضراً يوم الرزية :

س : هل كان الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام موجوداً في أثناء مرض الرسول صلى اللّه عليه وآله , أو بالأخصّ هل كان حاضراً أثناء رزية يوم الخميس؟ - كما أطلق عليها ابن عباس - وماذا كان دوره عليه السلام في تلك الحادثة؟

الرجاء توضيح هذه المسألة ، ولكم فائق الاحترام والتقدير.

ج : ذكر الشيخ المفيد ( قدس سره ) : « أنّ الإمام علي عليه السلام كان حاضراً في يوم الرزية ، وكان من ضمن الباقين بعد إخراج القوم المتنازعين عنده ، وكان أمير المؤمنين عليه السلام لا يفارق الرسول صلى اللّه عليه وآله في مرضه إلاّ للضرورة ».

وذكر الشيخ المفيد أيضاً : « أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قال لخاصّة أهل بيته : « أنتم المستضعفون بعدي » ، وأصمت ، فنهض القوم وهم يبكون ، قد آيسوا من النبيّ صلى اللّه عليه وآله »(1) ، ولم يذكر أهل الحديث دور مخصوص للإمام علي عليه السلام في تلك الواقعة.

ولكن من سياق الأحداث التي عرفناها من الروايات عن تلك الحادثة ، ومن مجمل سيرة أمير المؤمنين عليه السلام نعرف أنّه لا يسبق رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بقول أو بعمل ، فهو يده اليمنى ، والمنفّذ الحاضر دائماً ، والتابع المطلق للنبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فمن المستبعد له أن يقول ، أو أن يفعل شيئاً في تلك الحادثة ، يسبق بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، أو يصدر عن غير أمره ، خاصّة وأنّ المقصود والمجابه في تلك الحادثة كان النبيّ صلى اللّه عليه وآله نفسه.

ص: 154


1- الإرشاد 1 / 184.

( أبو يوسف - الكويت - 18 سنة - طالب )

في مصحفه تفسير وتأويل للآيات القرآنية :

س : هناك بعض الروايات تقول : بأنّ الإمام القائم عليه السلام سيخرج ومعه مصحف أمير المؤمنين عليه السلام ، والذي لا يختلف عن قرآننا هذا ، سوى أنّ الآيات مرتّبة كما في نزولها ، ووجود بعض التوضيحات التي دوّنها من الرسول صلى اللّه عليه وآله.

أمّا السؤال فهو : ما الفائدة من خروج الإمام عليه السلام بهذا القرآن الغير مختلف عن قرآننا الحالي؟ وماذا نستفيد من ترتيب الآيات حسب نزولها؟

ووفق نصّ حديث الثقلين الذي ينصّ على أنّ القرآن الكريم لن يفترق عن أهل البيت عليهم السلام فكيف يكون القرآن موجود بيننا والإمام إلى الآن غائب؟ ألا يستلزم أنّ القرآن الذي بين أيدينا غير القرآن الذي لدى أهل البيت عليهم السلام؟ ودمتم سالمين.

ج : إنّ مصحف أمير المؤمنين عليه السلام لا يختلف عن قرآننا ، إلاّ أنّ فيه تفسير وتأويل للآيات القرآنية ، وأنّ فيه توضيح المحكم والمتشابه ، والناسخ والمنسوخ ، والعام والخاصّ ، والمطلق والمقيّد ، وأسباب النزول.

وأنّ الإمام المهديّ عليه السلام عندما يظهر ذلك المصحف يظهر كلّ تلك المعاني والتفاسير ، التي غابت عن الناس قبل ظهوره ، يظهرها من ذلك المصحف ، ولا يخفى ما لإظهار تلك المعاني والتفاسير من فائدة ، لفهم الكثير من الحقائق ، التي لم يأن الأوان لإظهارها ، إضافة للمعلومات التي سنعرفها ، والتي تدرّس في علوم القرآن.

ثمّ إنّ ما في مصحف أمير المؤمنين عليه السلام من تغيّر في ترتيب السور والآيات - كما يظهر من بعض الروايات - فائدة في معان أُخرى للآيات القرآنية ، لا تتمّ إلاّ بذلك الجمع ، وهذا لا يتعارض مع ما موجود عندنا من معان للقرآن على هذا الترتيب ، لأنّ الأئمّة المعصومين عليهم السلام قد أقرّوا بصحّة الاستفادة من هذا القرآن على ما هو عليه الآن ، وبهذا الترتيب ، بل هي معان إضافية يظهرونها في وقتها.

ص: 155

وعدم الافتراق الذي نقوله للإمام مع القرآن ، لا يعني عدم الافتراق المكاني ، فإنّ هذا الافتراق حاصل منذ أوّل يوم جمع فيه القرآن على شكل مصحف ، فكم مرّة يكون الإمام في مكان ، وكتاب القرآن في مكان آخر ، وإنّما عدم الافتراق الذي نقوله إنّ أعمال الأئمّة المعصومين عليهم السلام لا تخالف مضامين القرآن الكريم ، فكلّ عمل يصدر منهم هو مطابق للقرآن ، وكلّ ما في القرآن هم ممّن عمل به ، وصدّقه وآمن به ، وهو معنى العصمة الذي نستفيده من الملازمة.

( خالد - الجزائر - 27 سنة - التاسعة أساسي )

مصادر تآمر خالد بن الوليد على قتله :

س : قرأت روايات في بعض الكتب تقول : إنّ الخليفة الأوّل قام بالتشاور مع عمر لقتل الإمام علي عليه السلام أثناء الصلاة ، بواسطة خالد بن الوليد ، ثمّ ندم الخليفة الأوّل ، أو خاف ، فقال أثناء الصلاة وهو يخاطب خالد : لا تفعل.

فهل هذه الرواية صحيحة وثابتة؟ وبارك اللّه فيكم ، وجزاكم خيراً ، وأسألكم الدعاء.

ج : التآمر على الفتك بالإمام علي عليه السلام في حال الصلاة على يد خالد بن الوليد مرويّ في عدّة مصادر بتفاوت في الإجمال والتفصيل ، وفي الإسناد والإرسال ، ممّا يوحي إجمالاً بصحّة القضية ، وإليك أسماء المصادر التي وردت فيها ذكر ذلك ، وإن كان المتأخّر منها ينقل عن المتقدّم ، وهي :

تفسير القمّيّ(1) ، المسترشد(2) ، شرح نهج البلاغة(3) ، وغيرها(4).

ص: 156


1- تفسير القمّيّ 2 / 158.
2- المسترشد : 452.
3- شرح نهج البلاغة 13 / 301.
4- أُنظر : الاحتجاج 1 / 124 ، تفسير نور الثقلين 4 / 188 ، بحار الأنوار 29 / 131 ، بيت الأحزان : 135 ، مدينة المعاجز 3 / 151 ، علل الشرائع 1 / 191 ، الصراط المستقيم 1 / 323.

( باقر الهاشميّ. الإمارات - 23 سنة - طالب حوزة )

معنى أنّه هاجر الهجرتين :

س : ما الهجرتين اللتين هاجرهما الإمام علي عليه السلام كما ورد ذلك في خطبة الإمام زين العابدين عليه السلام.

أفيدونا جزاكم اللّه خيراً ، ونسأل العليّ القدير وحده لنا ولكم التوفيق والسداد ، ونسألكم الدعاء ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

ج : المقصود من الهجرتين التي هاجرهما الإمام علي عليه السلام ، هي أحد المعاني الآتية :

الأوّل : المتبادر عند المسلمين عن ذكر الهجرتين ، هي هجرة الحبشة وهجرة المدينة ، والمعلوم أنّ الإمام عليه السلام قد هاجر إلى المدينة ، ولكن لم يثبت عندنا أنّ الإمام عليه السلام هاجر إلى الحبشة ، فلابدّ إذاً أن لا يكون هذا المعنى مراداً للإمام عليه السلام.

الثاني : قد ذكر ابن عباس أنّ الإمام عليه السلام قد هاجر مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله هجرتيه ، والمعلوم أنّ الرسول قد هاجر إلى الطائف لأيّام قليلة وإلى المدينة ، فمعنى قول الإمام زين العابدين المأخوذ من قول الإمام علي عليه السلام في إحدى خطبه : « أنا صاحب الهجرتين » أي أنا صاحب هجرة الطائف وصاحب هجرة المدينة ، وهذا يتمّ إذا تمّ اعتبار الأيّام القليلة مع الرسول في الطائف هجرة.

الثالث : إنّ المراد بالهجرتين هي هجرة المدينة ، والهجرة إلى الكوفة ، فالأُولى هجرة النبوّة ، والثانية هجرة الإمامة ، فكلّ مسافر إلى طلب الدين يسمّى مهاجراً ، فالذين هاجروا إلى المدينة هاجروا للالتحاق بالنبوّة ، والمهاجر إلى الكوفة يهاجر لطلب الإمامة الحقّة.

وقد ورد عن الإمام علي عليه السلام في إحدى خطبه قوله : « والهجرة قائمة على حدّها الأوّل ، ما كان لله في أهل الأرض حاجة من مستسر الأُمّة ومعلنها ، لا يقع

ص: 157

اسم الهجرة على أحد إلاّ بمعرفة الحجّة في الأرض » (1).

وقد شرح العلاّمة التستري ذلك بقوله : « وإنّما قال عليه السلام ذلك مقدّمة لغرضه من كون الهجرة إلى الإمام كالهجرة إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وإلاّ ففي عصره عليه السلام وإن كان الإسلام فتح الأرض شرقاً وغرباً ، إلاّ أنّه لمّا كان رجال قاموا على خلافه من يوم وفاة النبيّ صلى اللّه عليه وآله إلى آخر عمره عليه السلام صار الأمر مثل أوّل الإسلام » (2). .

ص: 158


1- شرح نهج البلاغة 13 / 101.
2- بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة 3 / 392.

الإمام الحسن عليه السلام :

( أبو حسن - البحرين - .... )

لم يكن كثير الزواج والطلاق :

س : تحية طيّبة وبعد ، أشكر الإخوة الأعزاء على هذا الموقع الأكثر من رائع ، ولكم دوام الموفّقية إن شاء اللّه.

هناك بعض الأخبار تقول : بأنّ الإمام الحسن كان كثير الزواج والطلاق ، حتّى في بعض المصادر الشيعيّة ، فما مدى صحّة هذه الرواية؟ أرجو التفصيل.

ج : إنّ الروايات الواردة عن كثرة زواج وطلاق الإمام الحسن عليه السلام جميعها مردودة عقلاً ونقلاً.

وأمّا ما ورد منها في مصادرنا ، فتشتمل في السند على مجهولين ومهملين ، أو غير موثّقين ، فلا حجّية في إسنادها ، فضلاً عن قبولها.

وأمّا ما جاء في مصادر العامّة بهذا الشأن فهو مقطوع البطلان ، إذ ورد فيه علي بن عبد اللّه المدائني ، ومحمّد بن علي بن عطية ، والمنصور الدوانيقي ، وكلّهم مجروحون عند أصحاب الرجال ، مضافاً إلى ثبوت عداء بعضهم لأهل البيت عليهم السلام كالمنصور ، أو مودّة بعضهم الآخر لبني أُمية كالمدائني ، فهكذا أحاديث تفوح منها رائحة الوضع والتدليس.

ثمّ مع غضّ النظر عن السند فالموضوع غير مقبول عقلاً ، إذ كيف يعقل أن يعرّف أمير المؤمنين عليه السلام ابنه الإمام الحسن عليه السلام بهذه الكيفية ، وهو عليه السلام يريد أن ينصّبه للناس إماماً من بعده؟ أليس ذلك - والعياذ باللّه - يعدّ تنقيصاً في إمامته عليه السلام؟!

ص: 159

فالتحقيق : إنّ أعداء أهل البيت عليهم السلام من بني أُمية وغيرهم قد وضعوا هذه الأحاديث ودسّوها في الكتب للنيل من شخصية الإمام الحسن عليه السلام.

( معاذ التل - الأردن - سنّي - 32 سنة - طالب جامعة )

موقف عائشة ومروان عند دفنه :

س : تروي بعض كتب التاريخ : إنّه حينما أراد الإمام الحسين عليه السلام دفن الإمام الحسن عليه السلام بجنب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله استأذن عائشة ، فوافقت على ذلك ، ولكن مروان بن الحكم وجماعته هم الذين منعوه بالقوّة.

في حين قرأت لأحدهم على الإنترنت : إنّ عائشة أتت للقبر ، وقالت : لا يدفن مع زوجي من لا أُحبّ ، فما مدى صحّة ذلك ، وما هي المراجع؟

ج : قد روى الشيخ الكليني ( قدس سره ) بسنده عن محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : « لما أحتضر الحسن بن علي عليهما السلام ، قال للحسين عليه السلام : يا أخي أُوصيك بوصية فاحفظها ، فإذا أنا متّ فهيئني ، ثمّ وجّهني إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لأحدث به عهداً ، ثمّ اصرفني إلى أُمّي فاطمة عليها السلام ، ثمّ ردّني فادفنّي في البقيع ، واعلم أنّه سيصيبني من الحميراء ما يعلم الناس من صنيعها ، وعداوتها لله ولرسوله صلى اللّه عليه وآله وعداوتها لنا أهل البيت.

فلمّا قبض الحسن عليه السلام ، وضع على سريره ، وانطلقوا به إلى مصلّى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، الذي كان يصلّي فيه على الجنائز ، فصلّي على الحسن عليه السلام ، فلمّا أن صلّي عليه حمل فأدخل المسجد ، فلمّا أوقف على قبر رسول اللّه بلغ عائشة الخبر.

وقيل لها : إنّهم قد أقبلوا بالحسن بن علي عليهما السلام ليدفن مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فخرجت مبادرة على بغل بسرج ، فكانت أوّل امرأة ركبت في الإسلام سرجاً ، فوقفت فقالت : نحوا ابنكم عن بيتي ، فإنّه لا يدفن فيه شيء ، ولا يهتك على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حجابه.

ص: 160

فقال لها الحسين بن علي عليهما السلام : قديماً هتكت أنت وأبوك حجاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأدخلت بيته من لا يحبّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قربه ، وإنّ اللّه سائلك عن ذلك يا عائشة ، إنّ أخي أمرني أن أقرّبه من أبيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ليحدث به عهداً ، واعلمي أنّ أخي أعلم الناس باللّه ورسوله ، وأعلم بتأويل كتابه من أن يهتك على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ستره ، لأنّ اللّه تبارك وتعالى يقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاََ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النبيّ الإَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ ) (1) ، وقد أدخلت أنت بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله الرجال بغير إذنه.

وقد قال اللّه عزّ وجلّ : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ) (2) ، ولعمري لقد ضربت أنت لأبيك وفاروقه عند إذن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله المعاول.

وقال اللّه عزّ وجلّ : ( إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى ) (3) ، ولعمري لقد أدخل أبوك وفاروقه على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بقربهما منه الأذى ، وما رعيا من حقّه ما أمرهما اللّه به على لسان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، إنّ اللّه حرّم من المؤمنين أمواتاً ما حرّم منهم أحياء ، وتاللّه يا عائشة لو كان هذا الذي كرهتيه من دفن الحسن عليه السلام عند أبيه ( صلوات اللّه عليه ) جائزاً فيما بيننا وبين اللّه ، لعلمت أنّه سيدفن وإن رغم معطسك ».

قال : « ثمّ تكلّم محمّد بن الحنفية وقال : يا عائشة : يوماً على بغل ، ويوماً على جمل ، فما تملكين نفسك ولا تملكين الأرض عداوة لبني هاشم ».

قال : « فأقبلت عليه فقالت : يا بن الحنفية ، هؤلاء الفواطم يتكلّمون فما كلامك؟

فقال لها الحسين عليه السلام : وأنّى تبعدين محمّداً من الفواطم ، فو اللّه لقد ولدته

ص: 161


1- الأحزاب : 53.
2- الحجرات : 2.
3- الحجرات : 3.

ثلاث فواطم : فاطمة بنت عمران بن عائذ بن عمرو بن مخزوم ، وفاطمة بنت أسد بن هاشم ، وفاطمة بنت زائدة بن الأصم بن رواحة بن حجر بن عبد معيص ابن عامر ».

قال : « فقالت عائشة للحسين عليه السلام : نحوا ابنكم واذهبوا به ، فإنّكم قوم خصمون ».

قال : « فمضى الحسين عليه السلام إلى قبر أُمّه ، ثمّ أخرجه فدفنه بالبقيع »(1).

وروي أنّ الإمام الصادق عليه السلام قال : « لمّا أن حضرت الحسن بن علي عليهما السلام الوفاة بكى بكاء شديداً وقال : إنّي أقدم على أمر عظيم ، وهول لم أقدم على مثله قط ، ثمّ أوصى أن يدفنوه بالبقيع.

فقال : يا أخي احملني على سريري إلى قبر جدّي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لأجدّد به عهدي ، ثمّ ردّني إلى قبر جدّتي فاطمة بنت أسد فادفني ، فستعلم يا بن أُم أنّ القوم يظنّون أنّكم تريدون دفني عند رسول اللّه ، فيجلبون في منعكم ، وباللّه أقسم عليك أن تهرق في أمري محجمة دم.

فلمّا غسلّه وكفّنه الحسين عليه السلام ، وحمله على سريره ، وتوجّه إلى قبر جدّه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ليجدّد به عهداً ، أتى مروان بن الحكم ومن معه من بني أُمية ، فقال : أيدفن عثمان في أقصى المدينة ، ويدفن الحسن مع النبيّ؟ لا يكون ذلك أبداً ، ولحقت عائشة على بغل ، وهي تقول : ما لي ولكم؟ تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أحبّ.

فقال ابن عباس لمروان : انصرفوا ، لا نريد دفن صاحبنا عند رسول اللّه ، فإنّه كان أعلم بحرمة قبر رسول اللّه من أن يطرق عليه هدما ، كما يطرق ذلك غيره ، ودخل بيته بغير إذنه ، انصرف فنحن ندفنه بالبقيع كما وصّى.

ثمّ قال لعائشة : واسوأتاه يوماً على بغل ، ويوماً على جمل » ، وفي رواية :

ص: 162


1- الكافي 1 / 300.

« يوماً تجمّلت ويوماً تبغّلت ، وإن عشت تفيّلت ».

فأخذه ابن الحجاج الشاعر البغدادي فقال :

يا بنت أبي بكر لا كان ولا كنت *** لك التسع من الثمن وبالكلّ تملّكت

تجمّلت تبغّلت وإن عشت تفيّلت(1)

وروي عن زياد المخارقي قال : « لمّا حضرت الحسن عليه السلام الوفاة ، استدعى الحسين بن علي عليهما السلام فقال : « يا أخي إنّي مفارقك ، ولاحق بربّي عزّ وجلّ ، وقد سقيت السمّ ، ورميت بكبدي في الطست ، وإنّي لعارف بمن سقاني السمّ ، ومن أين دهيت ، وأنا أخاصمه إلى اللّه تعالى ، فبحقّي عليك إن تكلّمت في ذلك بشيء ، وانتظر ما يحدث اللّه عزّ ذكره فيّ ، فإذا قضيت نحبي فغمّضني ، وغسّلني وكفّني ، واحملني على سريري إلى قبر جدّي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لأجدّد به عهداً ، ثمّ ردّني إلى قبر جدّتي فاطمة بنت أسد ( رضي اللّه عنها ) فادفني هناك.

وستعلم يا بن أُم ، أنّ القوم يظنّون أنّكم تريدون دفني عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فيجلبون في منعكم عن ذلك ، وباللّه أقسم عليك أن تهريق في أمري محجمة دم ».

ثمّ وصّى عليه السلام إليه بأهله وولده وتركاته ، وما كان وصّى به إليه أمير المؤمنين عليه السلام حين استخلفه وأهله لمقامه ، ودلّ شيعته على استخلافه ، ونصّبه لهم علماً من بعده.

فلمّا مضى عليه السلام لسبيله ، غسّله الحسين عليه السلام وكفّنه ، وحمله على سريره ، ولم يشكّ مروان ومن معه من بني أُمية أنّهم سيدفنونه عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فتجمّعوا له ولبسوا السلاح ، فلمّا توجّه به الحسين بن علي عليهما السلام إلى قبر جدّه

ص: 163


1- الخرائج والجرائح 1 / 243.

رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ليجدّد به عهداً أقبلوا إليهم في جمعهم ، ولحقتهم عائشة على بغل ، وهي تقول : ما لي ولكم تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أحبّ؟

وجعل مروان يقول : يا ربّ هيجا هي خير من دعة ، أيدفن عثمان في أقصى المدينة ويدفن الحسن مع النبيّ؟ لا يكون ذلك أبداً ، وأنا أحمل السيف.

وكادت الفتنة أن تقع بين بني هاشم وبني أُمية ، فبادر ابن عباس إلى مروان فقال له : ارجع يا مروان من حيث جئت ، فإنّا ما نريد أن ندفن صاحبنا عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، لكنّا نريد أن نجدّد به عهداً بزيارته ، ثمّ نردّه إلى جدّته فاطمة عليها السلام ، فندفنه عندها بوصيته بذلك ، ولو كان أوصى بدفنه مع النبيّ صلى اللّه عليه وآله لعلمت أنّك أقصر باعاً من ردّنا عن ذلك ، لكنّه عليه السلام كان أعلم باللّه وبرسوله وبحرمة قبره ، من أن يطرق عليه هدماً كما طرق ذلك غيره ، ودخل بيته بغير إذنه.

ثمّ أقبل على عائشة وقال لها : واسوأتاه ، يوماً على بغل ، ويوماً على جمل؟ تريدين أن تطفئي نور اللّه؟ وتقاتلين أولياء اللّه؟ ارجعي فقد كفيت الذي تخافين ، وبلغت ما تحبّين ، واللّه منتصر لأهل هذا البيت ولو بعد حين.

وقال الحسين عليه السلام : « واللّه لولا عهد الحسن إليّ بحقن الدماء ، وأن لا أهريق في أمره محجمة دم ، لعلمتم كيف تأخذ سيوف اللّه منكم مأخذها ، وقد نقضتم العهد بيننا وبينكم ، وأبطلتم ما اشترطنا عليكم لأنفسنا ».

ومضوا بالحسن عليه السلام فدفنوه بالبقيع عند جدّته فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف رضي اللّه عنها وأسكنها جنّات النعيم »(1).

ومثله في مناقب آل أبي طالب مع اختصار ، وزاد فيه : « ورموا بالنبال جنازته حتّى سل منها سبعون نبلاً »(2).

ص: 164


1- الإرشاد 2 / 17.
2- مناقب آل أبي طالب 3 / 203.

( أبو محمّد - لبنان - .... )

حيثيّات صلحه :

س : أرجو منكم أن ترسلوا لي ملخّص عن حيثيّات صلح الإمام الحسن عليه السلام مع معاوية ، لأنّ أهل السنّة يعتبرون أنّ الصلح قد أعطى الشرعية في الخلافة لمعاوية.

ج : للإجابة على سؤالكم لابدّ من الأخذ بعين الاعتبار أربعة أُمور يتوقّف عليها القول بشرعية خلافة معاوية :

1 - إنّ الإمام الحسن عليه السلام بايع معاوية بيعة حقيقية!!

2 - إنّ الإمام الحسن عليه السلام تنازل عن الخلافة لمعاوية!!

3 - إنّ الإمام الحسن عليه السلام بايع مختاراً ، وبدون ظروف قاهرة!!

4 - إنّ معاوية عمل بشروط البيعة أو الصلح!!

وإثبات كلّ واحدة من هذه المقدّمات دونه خرط القتاد ، وسوف نحاول مناقشتها لبيان عدم إمكانية ثبوتها.

النقطة الأُولى : إنّ المصادر التاريخية التي بمتناول أيدينا تثبت عدم حدوث بيعة من الإمام الحسن عليه السلام لمعاوية ، بل لم يكن في الأمر غير المعاهدة والصلح ، وهذا غير البيعة ، كما يشهد له كلّ من عنده بعض الإلمام بالعربية.

وإليك بعض النصوص التاريخية التي ذكرت الهدنة أو المعاهدة ولم تذكر البيعة :

1 - قال يوسف : « فسمعت القاسم بن محيمة يقول : ما وفى معاوية للحسن بن علي عليهما السلام بشيء عاهده عليه »(1).

2 - في كلام للإمام الحسن عليه السلام مع زيد بن وهب الجهنيّ قال : « واللّه ، لأن آخذ من معاوية عهداً أحقن به دمي ، وأومن به في أهلي ، خير من أن يقتلوني

ص: 165


1- علل الشرائع 1 / 212.

فتضيع أهل بيتي وأهلي … واللّه لإن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير ... »(1).

3 - فلمّا استتمت الهدنة على ذلك سار معاوية حتّى نزل بالنخيلة(2).

4 - في رواية له عليه السلام : « إنّما هادنت حقناً للدماء وصيانتها ... »(3).

5 - لمّا وادع الحسن بن علي عليهما السلام معاوية ، صعد معاوية المنبر ، وجمع الناس فخطبهم ...(4).

وممّا يؤيّد ذلك أنّ جميع المصادر التاريخية القديمة حين تذكر أحداث عام ( 41 ه- ) تقول : « صلح الحسن » ، وليست « بيعة الحسن ».

النقطة الثانية : هناك فرق واضح بين القيادة الدنيوية وحكومة الناس - مهما كانت الوسائل والسبل - وبين الخلافة الإلهيّة ، فحتّى لو سلّمنا ببيعة الإمام الحسن عليه السلام فهي لا تثبت أكثر من القيادة الدنيوية لمعاوية على الناس ، وهذا لا يعني على الإطلاق التنازل عن الخلافة ، والمنصب الإلهيّ ، بل وليس من صلاحية الإمام ذلك.

فتعينه إماماً للناس وخليفة كان من قبل اللّه تعالى ، فلا يمكن التنازل عنه ، فهو - كما يعبّر عنه الفقهاء - من الحقوق التي لا يصحّ إسقاطها ، ولا تقلها ، وممّا يدلّ على ذلك الروايات الكثيرة الدالّة على ثبوت الخلافة للإمام الحسن عليه السلام : « إمامان قاما أو قعدا »(5) ، فكيف يجوز للإمام الحسن عليه السلام نزع ثوب ألبسه اللّه إيّاه؟

وممّا يؤيد ذلك ، ما جاء عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « لا يلين مفاء على مفيء « أي لا يكون الطليق أميراً على المسلمين أبداً ، ولو تأمّر عليهم لكان غاصباً لحقّ

ص: 166


1- الاحتجاج 2 / 10.
2- الإرشاد 2 / 14.
3- مناقب آل أبي طالب 3 / 196.
4- الأمالي للشيخ الطوسيّ : 559.
5- الفصول المختارة : 303 ، الإرشاد 2 / 30.

الإمارة ، ظالماً لهم بحكم الشرع والعقل والاعتبار ، فحيث كان معاوية طليقاً لم يكن له أن يتأمّر على المسلمين(1).

النقطة الثالثة : وهي نقطة مهمّة جدّاً ، لو أمكن إثباتها لشكّلت منعطفاً حادّاً في تحليلنا ، ولأمكن أن يقال - بوجه ما - شرعية قيادة معاوية وحكومته ، وذلك لأنّ الإنسان يحاسب ويؤاخذ على أعماله الاختيارية ، وليس ما اضطرّ إليه ، فهو منفيّ عنه ، وغير منظور عقلاً ونقلاً.

وبعد هذه المقدّمة نقول : إنّ دراسة الظرف الذي عاشه الإمام الحسن عليه السلام يجعلنا نقطع بعدم إمكانية الاحتمال الأوّل ، وهو الاختيارية في حقّه ، فتعيّن الاحتمال الثاني ، ومعه لا مجال للقول بشرعية خلافة معاوية ، لأجل تنازل الإمام عليه السلام له ، فهو يؤخذ به لو كان تنازله طواعية ، وليس كرهاً واضطراراً.

ولابدّ لتعيين الاحتمال الثاني من النظر في ثلاثة أُمور :

1 - حالة قوّاد جيش الإمام عليه السلام.

2 - أهل الكوفة.

3 - رؤساء القبائل.

الأمر الأوّل : إنّ الإمام عليه السلام أرسل في البدء قائداً من كندة في أربعة آلاف مقاتل ، توجّه إلى الأنبار ، فأرسل إليه معاوية بخمسمائة ألف درهم ، فأخذها وتوجّه إليه مع مائتي رجل من خاصّته وأهل بيته.

ثمّ أرسل الإمام عليه السلام قائداً من مراد في أربعة آلاف ، فكتب لهم معاوية ، وأرسل له خمسمائة ألف درهم ، ومنّاه أيّ ولاية أحبّ من كور الشام ، فتوجّه إليه.

ثمّ أرسل الإمام عليه السلام عبيد اللّه بن عباس قائداً على الجيش ، فضمن له معاوية ألف ألف درهم ، يعجّل له النصف ، ويعطيه النصف الآخر عند دخوله إلى الكوفة ، فانسل في الليل إلى معسكر معاوية.

ص: 167


1- بحار الأنوار 44 / 4.

الأمر الثاني : إنّ أكثر أهل الكوفة قد كتبوا إلى معاوية : « إنّا معك ، وإن شئت أخذنا الحسن وبعثناه إليك » (1).

الأمر الثالث : كتب جماعة من رؤساء القبائل إلى معاوية بالطاعة له في السرّ ، واستحثّوه على المسير نحوهم ، وضمنوا له تسليم الحسن عليه السلام إليه ، عند دنوّهم من عسكره أو الفتك به (2).

وإذا رأينا الروايات التي يذكر فيها الإمام عليه السلام سبب مصالحته مع معاوية ، لوجدنا أنّ الطريقة التي استعملها الإمام كانت هي المتعيّنة لكلّ لبيب ، ولكلّ خبير بالأُمور العسكريّة.

مضافاً إلى ما ذكرناه من النقاط الثلاث نذكر بعض الروايات زيادةً في التوضيح :

1 - هنالك صنف من الروايات يصرّح الإمام الصادق عليه السلام لسدير حول عمل الإمام الحسن عليه السلام بقوله : « فإنّه أعلم بما صنع ، لولا ما صنع لكان أمراً عظيماً ».

وبالتأكيد إنّ هذا الأمر العظيم من الخطورة والأهمّية بمكان ، بحيث يفضّل الإمام الصلح عليه ، وتجد هذا المعنى من الروايات في كتاب علل الشرائع (3).

2 - في الصنف الآخر من الروايات ، يتحدّث عليه السلام عن السبب بما حاصله : « ولولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلاّ قُتل ».

وهذا القسم يعطينا صورة أوضح وأدقّ من الأوّل ، ويمكن أن يكون شرحاً للأمر العظيم ، الذي عبّرت به الروايات في الصنف الأوّل (4).

3 - في الصنف الثالث يصرّح عليه السلام بالقول : « ويحكم ما تدرون ما عملت؟ .

ص: 168


1- بحار الأنوار 44 / 45.
2- الإرشاد 2 / 12.
3- علل الشرائع 1 / 211.
4- نفس المصدر السابق.

واللّه الذي عملت خير لشيعتي ممّا طلعت عليه الشمس أو غربت ... »(1).

4 - في الصنف الرابع من الروايات يقول عليه السلام : « واللّه لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتّى يدفعوني إليه سلماً ، واللّه لإن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير ، أو يمنّ عليّ فيكون سنّة على بني هاشم إلى آخر الدهر ، ولمعاوية لا يزال يمن بها وعقبه على الحيّ منّا والميت »(2).

وهذا الصنف من الروايات يشير إشارة واضحة إلى ما أثبتناه في بداية النقطة الثالثة من الوضعية الحسّاسة والحرجة في جيش الإمام ، والقلوب المريضة والضعيفة التي كانت تحكم الوضع آنذاك.

5 - خطب الإمام الحسن عليه السلام بعد وفاة أبيه : « وكنتم تتوجّهون معنا ، ودينكم أمام دنياكم ، وقد أصبحتم الآن ودنياكم أمام دينكم ، وكنّا لكم وكنتم لنا ، وقد صرتم اليوم علينا ... »(3).

6 - قال الإمام الحسن عليه السلام لخارجي عاتبه على صلحه : « فإنّ الذي أحوجني إلى ما فعلت : قتلكم أبي ، وطعنكم إيّاي ، وانتهابكم متاعي ... »(4).

7 - قول الإمام عليه السلام لحجر بن عدي : « وإنّما فعلت ما فعلت إبقاء عليكم »(5).

8 - قول الإمام عليه السلام حينما عذلوه على الصلح : « لا تعذلوني فإنّ فيها مصلحة »(6).

ص: 169


1- كمال الدين : 316 ، إعلام الورى 2 / 230 ، كشف الغمّة 3 / 328.
2- الاحتجاج 2 / 10.
3- تاريخ مدينة دمشق 13 / 268 ، أُسد الغابة 2 / 13 ، جواهر المطالب 2 / 207 ، الكامل في التاريخ 3 / 406.
4- تاريخ مدينة دمشق 13 / 263 ، المعجم الكبير 1 / 105 ، تهذيب الكمال 6 / 245 ، جواهر المطالب 2 / 197 ، الكامل في التاريخ 3 / 405.
5- تنزيه الأنبياء : 223.
6- مناقب آل أبي طالب 3 / 197.

ولو لاحظنا التشبيه الذي يستعمله الإمام عليه السلام في بيان الهدف من صلحه لحصلنا على المزيد من القناعة ، بأنّ صلحه لم يكن إلاّ لمصلحةٍ كبرى يقتضيها الإسلام ، ولا تعني على الإطلاق أهلية معاوية للخلافة :

1 - في كلام يخاطب به أبا سعيد فيقول له : « علّة مصالحتي لمعاوية علّة مصالحة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لبني ضمرة وبني أشجع ، ولأهل مكّة حين انصرف من الحديبية ، أُولئك كفّار بالتنزيل ، ومعاوية وأصحابه كفّار بالتأويل ... »(1).

2 - يشبّه جهلنا بالحكمة الداعية للصلح بقضية الخضر وموسى عليهما السلام.

فقال عليه السلام : « ألا ترى الخضر عليه السلام لمّا خرق السفينة ، وقتل الغلام ، وأقام الجدار ، سخط موسى عليه السلام فعله ، لاشتباه وجه الحكمة عليه ، حتّى أخبره فرضي ، هكذا أنا ... »(2).

3 - وقوله عليه السلام : « وقد جعل اللّه هارون في سعة حين استضعفوه ، وكادوا يقتلونه ... كذلك أنا »(3).

النقطة الرابعة : قبل بيان وفاء معاوية للإمام الحسن عليه السلام بالشروط لابدّ من ذكر البنود التي اشترطها الإمام على معاوية ، وإن كان من المؤسف جدّاً ، أنّ التاريخ أجحف مرّة أُخرى بعدم ذكره التفصيلي لجميع البنود ، وإنّما حصلنا على شذرات من هنا وهناك ، ومن هذه البنود :

1 - أن لا يسمّيه أمير المؤمنين(4).

2 - أن لا يقيم عنده شهادة للمؤمنين(5).

3 - أن لا يتعقّب على شيعة علي عليه السلام شيئاً(6).

ص: 170


1- علل الشرائع 1 / 211.
2- نفس المصدر السابق.
3- الاحتجاج 2 / 8.
4- علل الشرائع 1 / 212.
5- نفس المصدر السابق.
6- نفس المصدر السابق.

4 - أن يفرّق في أولاد من قُتل مع أبيه يوم الجمل ، وأولاد من قُتل مع أبيه بصفّين ألف ألف درهم ، وأن يجعل ذلك من خراج دار أبجرد(1).

5 - أن لا يشتم علياً عليه السلام(2).

ولو تأمّلنا في هذه البنود لوجدناها بنفسها تنفي الخلافة عن معاوية ، وهذا من تدبير الإمام عليه السلام ، فمن المسلّم به أنّ الإمام عليه السلام من المؤمنين ، بل على رأسهم ، فإذا كان معاوية ليس أميراً للمؤمنين عملاً بالبند الأوّل فهذا يعني أنّه ليس أميراً على الإمام الحسن ، بل على سائر المؤمنين ، وكذلك البند الثاني ، فكيف يكون الإنسان خليفة ولا تجاز عنده الشهادات؟!

مضافاً إلى هذا وذاك ، فإنّ التاريخ يصرّح بأنّ معاوية لم يف للحسن بن علي عليهما السلام بشيء عاهده عليه(3).

وأخيراً ، فقد بات من الواضح عند الجميع ، أنّ الصلح لا يمثّل إعطاء شرعية لخلافة معاوية ، ولا تنازلاً عنها ، ولا أيّ شيء من هذا القبيل ، وعذراً للتطويل ، فإنّ الأمر يستحقّ ذلك.

( ..... - .... - .. )

لماذا صالح معاوية ولم يثأر كأخيه الحسين :

س : لقد قام الإمام الحسن عليه السلام بمصالحة معاوية بن أبي سفيان ، بينما ثار الإمام الحسين عليه السلام ضدّ يزيد بن معاوية؟

فلماذا صالح الحسن عليه السلام؟ بينما ثار الحسين عليه السلام؟ وهل يعتبر هذان العملان متناقضان؟ ونحن نعلم أنّ الأئمّة معصومون ، وشكراً لكم.

ص: 171


1- علل الشرائع 1 / 212.
2- الغدير 10 / 262 ، تاريخ مدينة دمشق 13 / 266 ، الإمامة والسياسة 1 / 185 ، الكامل في التاريخ 4 / 405.
3- الغدير 10 / 262 ، الكامل في التاريخ 3 / 405.

ج : لا تناقض بين صلح الإمام الحسن وثورة الإمام الحسين عليهما السلام ؛ حيث إن حركة أهل البيت لنصرة الدين وحفظة حركة تكاملية ، فكل إمام يبدأ من حيث انتهى الإمام الذي قبله ، وذلك باختلاف الظروف في الأزمنة المختلفة ، بل تجد المعصوم الواحد تتعدد مواقفه بتعدد الظروف ، فالنبي صلى اللّه عليه وآله الذي جاهد المشركين في بدر وأُحد وغيرهما تراه يصالحهم في الحديبية ، فالنبي هو النبي إلا أن الظروف تختلف ، كذلك أمير المؤمنين علي عليه السلام الذي صبر وفي العين قذى وفي الحلق شجى على ما جرى بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله تراه يقاتل أعداء اللّه في عدّة مواطن ، فعلي هو علي إلا أنّ الظروف تختلف.

فالنبي وأهل بيته الأطهار لكلٍّ أفعلهم وتصرفاتهم تنصبّ في السعي لحفظ الدين ، فلو اقتضى ذلك المصالحة ولو مع المشركين تراهم يصالحون ولو اقتضى الأمر الجهاد تراهم في أعلى مراتب الشجاعة والتضحية فالحسين كان مع أخيه الحسن عليهما السلام في الصلح بل وبعد أخيه الحسن لما يزيد على العشر سنين ولم يقم بالثورة حتى تحققت الظروف المناسبة ، فكانت تلك الثورة العظيمة ، ولو كان الإمام الحسن عليه السلام موجوداً في تلك الظروف لما اختلف موقفه عن موقف الإمام الحسين عليه السلام. فتأمل.

ويظهر ذلك جليّاً من مراجعة كلمات الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السلام. فكما ورد عن الإمام الحسين أنه قال عند خروجه على يزيد : « وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي » (1) ورد عن الإمام الحسن نفس هذا الأمر. وإليك بعض هذه النصوص :

1 - قال له رجل : بايعت معاوية ، ومعك أربعون ألفاً ، ولم تأخذ لنفسك وثيقة ، وعهداً ظاهراً؟

فقال له : « إنّي لو أردت بما فعلت الدنيا لم يكن معاوية بأصبر منّي عند اللقاء ، ولا اثبت عند الحرب منّي ، ولكنّي أردت صلاحكم ... » (2). .

ص: 172


1- لواعج الأشجان : 30.
2- شرح نهج البلاغة 16 / 15.

2 - وقال له رجل آخر : يا ابن رسول اللّه ، لوددت أن أموت قبل ما رأيت أخرجتنا من العدل إلى الجور ....

فقال له الإمام عليه السلام : « إنّي رأيت هوى معظم الناس في الصلح ، وكرهوا الحرب ، فلم أحبّ أن أحملهم على ما يكرهون ، فصالحت ... » (1).

3 - وقال له ثالث : لم هادنت معاوية وصالحته وقد علمت أنّ الحقّ لك دونه ، وأنّ معاوية ضالّ باغ؟

فأجابه الإمام عليه السلام : « علّة مصالحتي لمعاوية علّة مصالحة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لبني ضمرة ، وبني أشجع ، ولأهل مكّة حين انصرف من الحديبية ، أُولئك كفّار بالتنزيل ، ومعاوية وأصحابه كفّار بالتأويل ... » (2).

4 - وقال له رجل : لماذا صالحت؟

فأجابه عليه السلام : « إنّي خشيت أن يجتث المسلمون على وجه الأرض ، فأردت أن يكون للدين ناع ».

( .... - .... - ... )

ومضامين كتاب الصلح :

س : جاء في كتاب كشف الغمّة : ومن كلامه عليه السلام ما كتبه في كتاب الصلح الذي استقرّ بينه وبين معاوية ... : « بسم اللّه الرحمن الرحيم ، هذا ما صالح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب معاوية بن أبي سفيان ، صالحه على أن يسلّم إليه ولاية أمر المسلمين على أن يعمل فيهم بكتاب اللّه ، وسنّة رسوله ، وسيرة الخلفاء الراشدين ، وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهداً ، بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين ... » (3).

ص: 173


1- الأخبار الطوال : 220.
2- علل الشرائع 1 / 211 ، الطرائف : 196.
3- كشف الغمّة 2 / 193.

فما هو الردّ على أهل السنّة إذ إنّهم يستشهدون به.

ج : لقد ورد هذا المتن من الصلح في كتاب كشف الغمّة ، وفيه :

أوّلاً : إنّ مجرد نقل مؤلّف من الشيعة لموضوع لا يعني بالضرورة قبوله له ، أو قبول طائفته لذلك وتبنّيهم له.

ثانياً : إنّ ما ذكر هنا لم يرد عندهم مسنداً ، ولا عرف عنهم مثبتاً.

ثالثاً : إنّ المقصود من تعبير الخلفاء الراشدين ، هم أهل البيت عليهم السلام لا من غصب هذا العنوان ، وهذا نوع من التورية في الكلام ، فقد يكنّون عن أنفسهم بذلك تغطية ورمزاً ، وهذا كثير ، وإلاّ لقال له : والعمل بسنّة الشيخين ، كما قيل لأمير المؤمنين عليه السلام يوم الشورى.

رابعاً : لعلّ ما هنا هو من باب المماشاة نظير قول نبيّ اللّه إبراهيم عليه السلام - وهو سيّد الموحّدين - كما حكاه في الكتاب الكريم : ( قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسئَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ ) (1).

خامساً : وهو المهمّ وعمدة ما في الباب : إنّ هناك قاعدة ثابتة عقلاً ومتعارفة عملاً ، ومتبعة سيرةً ، تعرف عندهم بقاعدة الإلزام ، يستعان بها في مقام الاحتجاج وإلزام الخصم بما يلتزم به ، ويتظاهر بالاعتقاد به ، ولا يستطيع إنكاره ، بمعنى أنّ كلّ ما اعترف به الخصم واعتقد بصحّته صحّ الاستناد إليه وإلزامه به ، وليس معنى هذا اعتقاد القائل به بذلك أو التزامه به كما هو واضح.

وقد جاءت نصوص في الشريعة المقدّسة تؤيّد ما ذكرناه ، منها : ما جاء في التهذيب عن أبي الحسن عليه السلام أنّه قال : « ألزموهم بما ألزموا أنفسهم »(2).

ص: 174


1- الأنبياء : 62 - 63.
2- تهذيب الأحكام 9 / 322.

هذا ، ولعلّ فلسفة هذا العمل ، هو أنّ معاوية لم يلتزم حتّى بسيرة خلفائهم فضلاً عن غيرهم ، وقطعاً لو لم يشترط هذا الشرط لتظاهر الرجل بعدم الموافقة ، ولما تمّ الصلح الظاهري ، واللّه العالم.

( أحمد - البحرين - 42 سنة - طالب أكاديمي )

حكمة صلحه وجهاد أخيه :

س : هذا أحد حجج أهل السنّة على الشيعة فما قولكم فيه :

لقد تنازل الحسن بن علي لمعاوية وسالمه ، وفي وقت كان يجتمع عنده من الأنصار والجيوش ما يمكنه من مواصلة القتال.

وخرج الحسين بن علي في قلّة من أصحابه في وقت كان يمكنه فيه الموادعة والمسالمة ، ولا يخلو أن يكون أحدهما على حقّ ، والآخر على باطل ، لأنّه إن كان تنازل الحسن مع تمكّنه من الحرب حقّاً كان خروج الحسين مجرّداً من القوّة مع تمكّنه من المسالمة باطلاً ، وهذا يضعكم في موقف لا تحسدون عليه ، لأنّكم إن قلتم أنّهما جميعاً على حقّ جمعتم بين النقيضين ، وهذا القول يهدم أُصولكم.

ج : إنّ صلح الإمام الحسن عليه السلام ونهضة الإمام الحسين عليه السلام يتّفقان في الأهداف ، ويختلفان في كيفية التعامل مع الحكم السائد.

فبما أنّ الإمام الحسن عليه السلام كان يواجه معاوية ومَكْرِه ونفاقه فاضطرّ إلى أن يكشف زيفه حتّى يتضّح للجميع عدم مشروعية الحكم الأمويّ - وإن كان واضحاً عند المؤمنين في واقعة صفّين وقبلها أو بعدها - فتبيّن من صلحه عليه السلام عدم التزام معاوية بمواعيده ، ومن ثمّ تنفيذ مخطّطاته الظالمة فور سيطرته على الحكم بدون منازع ، من قتل وتشريد المؤمنين ، وتنصيب ولاة الجور عليهم ، والاستمرار في سبّ أمير المؤمنين عليه السلام على المنابر ، وأخذ البيعة ليزيد و ... - وهذا الأمر كلّه قد حصل بفضل صلحه عليه السلام.

وإلاّ فإنّ الاستمرار في الحرب مع معاوية كان لا ينتج هذه الثمرات كلّها أو

ص: 175

بعضها ، كيف وقد رأى الإمام عليه السلام عدم قناعة أكثر جيشه باستمرار الحرب ، أو حتّى مؤامرة بعضهم لقتله أو أسره عليه السلام ، ففي هذه الظروف لم يكن للإمام عليه السلام أيّ خيار إلاّ أن ينتخب هذا الأسلوب - الصلح - لتستمر مواجهته مع العدوّ في شكلها الجديد.

ثمّ إنّ اتخاذه عليه السلام هذه الطريقة قد مهدّت - في نفس الوقت - الأرضية المناسبة لنهضة أخيه الإمام الحسين عليه السلام ، فتربّت الثلّة الواعية من المؤمنين في تلك الفترة ، وتحت الظروف القاسية ، فأصبحت فيما بعد أنصاراً أوفياء للإمام الحسين عليه السلام في كربلاء.

ومن جانب آخر فقد تمّت الحجّة على الجميع في معرفتهم الحكم الأمويّ ، الذي جاء في مستهلّه بثوب الرياء والتزوير ، وتظاهر بالإسلام ، فتعرّفوا عليه في شكله الحقيقيّ.

ثمّ جاء دور الإمام الحسين عليه السلام الذي كان متمّماً لدور أخيه الإمام الحسن عليه السلام ، فقد استثمر الحالة الموجودة في المجتمع ، من عدم قناعتهم بمشروعية الدولة الأمويّة - وهذا قد نتج مسبقاً من صلح الإمام الحسن عليه السلام - وبما أنّ الحكم الأمويّ في عصره عليه السلام قد تمثّل في يزيد - وهو الذي كشف القناع عن وجهه ، بعدم التزامه بالمبادئ ، والظواهر الإسلامية - فقام بالأمر وتصدّى للطاغية ، وإن أدّى ذلك إلى الشهادة ، فقد انتصر في كسر صولة الظالم ، وفتح الباب لمكافحة الغي الأمويّ ، وهذا ما نراه جليّاً في الحركات المتأخّرة عن واقعة كربلاء ، فكلّها جاءت متأثّرة من نهضة الإمام الحسين عليه السلام.

وممّا ذكرنا يظهر لك أنّ صلح الإمام الحسن عليه السلام ، ونهضة الإمام الحسين عليه السلام كلاهما في خطّ واحد في سبيل النيل لهدف موحّد ، فلا كثرة الجيوش ولا قلّة الأنصار هو العامل الأوّل في اختيارهما لأسلوب المواجهة ، بل الظروف كانت تختلف ، وباختلافها تتنوّع الأساليب ، وإن كانت جميعها في إطار محاولة رفع الظلم وتثبيت العدل.

ص: 176

فلو كان الإمام الحسين عليه السلام في ظروف أخيه لأتّخذ نفس أسلوب الإمام الحسن عليه السلام في صلحه ، ولو كان الإمام الحسن عليه السلام يعيش في أيّام يزيد ، لانتهج أسلوب الكفاح والجهاد في وجه الأعداء ، فلا مغايرة في سيرتهما عليهما السلام.

( علي - الكويت - .... )

لم يجبر على البيعة :

س : لماذا لم يجبر معاوية الإمام الحسن على البيعة؟ كما جبر يزيد الإمام الحسين على ذلك ، وشكراً ، وجزاكم اللّه ألف خير.

ج : لأنّ معاوية كان في دور توطيد حكمه الذي استتب له قريباً ، أي بعد عقد الصلح مع الإمام الحسن عليه السلام ، فلأنَّ النفوس مشحونة بالبغضاء ومتحفّزة للقتال ، فالحرب كانت قريبة العهد ، كما أنّ نفوذ الإمام الحسن عليه السلام لا زال فيه شيء من القوّة والسعة ، ومضامين شروط الصلح ما زالت حية ، لم يمض عليها وقت طويل حتّى تنسى ، وإنّ من شهدوا الصلح والتزموا به ما زالوا كثيرين ، فأيّ بادرة مخالفة مفضوحة لنقض شروط الصلح من قبل معاوية تقلب الكرة عليه ، ولذلك قام بعدّة أُمور للتمهيد لنقض شروط الصلح ، فقد نقض بعضها بمرور الزمن ، وبالحيلة والمكر.

وبدأ بقتل وملاحقة أصحاب الإمام ومؤيّديه ، والتضييق عليهم اقتصاديّاً ومعنويّاً ، واستخدم الإكراه والإغراء على مدى واسع في الأُمّة ، وشنّ حرب إعلامية على الإمام الحسن ، والإمام علي عليهما السلام ، وبني هاشم ، منها :

سنّ السبّ على المنابر ، ووضع الأحاديث المكذوبة ، وبدأ بتوطيد ملكه وولاية العهد إلى يزيد ابنه ، ثمّ دسّ السمّ إلى الإمام الحسن عليه السلام ، كلّ ذلك تمهيداً ليزيد ، فلمّا وصل الأمر إلى يزيد أخذ عمّاله البيعة بالإكراه من الأُمّة ، وليس لها قدرة على المقاومة ، ثمّ سعى لإكراه الرقم الأصعب في المعادلة ، وهو الإمام الحسين عليه السلام.

ص: 177

( رنا - الأردن - .... )

كيفية مقتله :

س : أشكركم على ردّكم ، ولكن هل هناك مجال لمعرفة تفاصيل مقتل الإمام الحسن عليه السلام؟

ج : قد ورد في كتاب وفيات الأئمّة ما نصّه : « إنّه لمّا تمّ الأمر لمعاوية بن أبي سفيان عشر سنين عزم أن يجعل ابنه يزيد ولي عهده ، فرأى أنّ أثقل الناس عليه مؤنة الإمام الحسن بن علي عليهما السلام ، و ... ، ثمّ عزم على هلاك الحسن بن علي عليهما السلام ، فأرسل إلى الأشعث بن قيس ... واستشاره معاوية في هلاك الحسن ، فقال له : الرأي عندي أن ترسل إلى ابنتي جعدة ، فإنّها تحت الحسن ، وتعطيها مالاً جزيلاً ، وتعدها أن تزوّجها من ابنك يزيد ، وتأمرها أن تسمّ الحسن.

فقال معاوية : نعم الرأي ، ... فاستدعى معاوية رجلاً من بطانته وخاصّته ، ودفع إليه مائة ألف درهم ، وكتب معه كتاباً إلى جعدة بنت الأشعث ، وأوعدها بالعطاء الجزيل ، وأن يزوّجها من ابنه يزيد إذا قتلت الحسن.

فسار الرجل ونزل في بعض بيوت المدينة ، وأرسل إلى جعدة سرّاً ، فأتت إليه ، فدفع لها المال والكتاب الذي من عند معاوية ، فسرّت بذلك سروراً عظيماً ، وكانت على رأي أبيها من بغض علي بن أبي طالب عليه السلام ، وعلمت أنّ أباها هو الذي أشار على معاوية بذلك ، فما زالت تتربّص به الغرّة ، وتنتهز فيه الفرصة والغفلة حتّى كانت ليلة من الليالي ، قدم عليه السلام إلى منزله ، وكان صائماً في يوم صائف شديد الحرّ ، فقدّمت إليه طعاماً فيه لبن ممزوج بعسل قد ألقت فيه سمّاً ، فلمّا شربه أحسّ بالسمّ ، فالتفت إلى جعدة وقال لها : « قتلتني يا عدوّة اللّه قتلك اللّه ، وأيم اللّه لا تصيبين منّي خلفاً ، ولقد غرّك وسخر بك ، فاللّه مخزيه ومخزيك ».

ثمّ إنّه عليه السلام لزم البيت ، وألزم نفسه الصبر ، وسلّم لله الأمر ، فاشتدّ الأمر

ص: 178

عليه ، فبقي طوال ليلته فأكبّ عليه ولده عبد اللّه ، وقال له : يا أبت هل رأيت شيئاً فقد أغممتنا؟

فقال عليه السلام : « يا بني هي واللّه نفسي التي لم أصب بمثلها » ، ثمّ قال : « افرشوا لي في صحن الدار ، وأخرجوني لعلّي أنظر في ملكوت السماوات » ، ففرش له في صحن الدار وأخرج فراشه ، فدخل عليه أخوه الإمام الحسين عليه السلام فرآه متغيّراً وجهه ، مائلاً بدنه إلى الخضرة ، فقال له الحسين عليه السلام : « بأبي أنت وأُمّي ما بك »؟

فقال له : « ... إنّي قد سقيت السمّ مراراً ، فلم اسق مثل هذه المرّة »! ... ، فقال : « يا أخي من تتهم »؟ فقال : « وماذا تريد منه »؟ فقال : « لأقتله » ، فقال : « إن يكن الذي أظنّه فاللّه أشدّ نقمة منك وأشدّ تنكيلاً ، وإن لم يكن فما أحبّ أن يؤخذ بي بريء ».

ثمّ إنّ الإمام الحسين عليه السلام بكى لما رأى من حال أخيه ، فقال له الحسن عليه السلام : « أتبكي يا أبا عبد اللّه ، وأنا الذي يؤتى إليّ بالسمّ فأقضي به ، ولكن لا يوم كيومك ، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل ، يدّعون أنّهم من أُمّة جدّك فيقتلونك ، ويقتلون بنيك وذرّيتك ، ويسبون حريمك ، ويسيرون برأسك هدية إلى أطراف البلاد ، فاصبر يا أبا عبد اللّه ، فأنت شهيد هذه الأُمّة ، فعليك بتقوى اللّه ، والصبر والتسليم لأمره ، والتفويض له ، لتنال الأجر الذي وعدنا به ».

فقال له الإمام الحسين عليه السلام : « ستجدني إن شاء اللّه صابراً راضياً مسلّماً له الأمر ، وأهون عليّ ما نزل بي أنّه بعين اللّه » ، فقال له الإمام الحسن عليه السلام : « وفّقت لكلّ خير يا أبا عبد اللّه ».

ثمّ إنّ الإمام الحسن عليه السلام لمّا تحقّق دنو أجله ، دعا بالحسين عليه السلام ، ودفع إليه كتب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلاحه ، وكتب أمير المؤمنين عليه السلام وسلاحه ، وأوصاه بجميع ما أوصى به أمير المؤمنين عليه السلام ، ثمّ قال له : « يا أخي إنّي مفارقك ولاحق بربّي عزّ وجلّ ، فإذا قضيت نحبي ، فغمّضني ، وغسّلني ، وكفّني ، واحملني

ص: 179

على سريري إلى قبر جدّي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، لأجدّد به عهداً وميثاقاً ، ثمّ ردّني إلى قبر جدّتي فاطمة بنت أسد ، وادفنّي هناك ، وستعلم يا ابن أُمّي أنّ القوم يظنّون أنّكم تريدون دفني عند جدّي ، فيجدون في منعك ، فباللّه أقسم عليك لا تهرق في أمري ملء محجمة دماً ».

ثمّ أوصاه بجميع أهله وأولاده ، وما كان أوصى به أمير المؤمنين حين استخلفه وأهله ، ودلّ شيعته على إمامة الحسين عليه السلام ، ونصّبه لهم علماً من بعده ، ثمّ التفت إلى أولاده وأخوته ، وأمرهم باتباعه ، وأن لا يخالفوا له أمراً ....

ثمّ إنّ الحسن عليه السلام قال : « أستودعكم اللّه ، واللّه خليفتي عليكم » ، ثمّ إنّه غمّض عينيه ومدّ يديه ورجليه ، ثمّ قضى نحبه وهو يحمد اللّه ويقول : « لا إله إلاّ اللّه » ، فضجّ الناس ضجّة عظيمة ، وصار كيوم مات رسول اللّه ، وخرج أولاده وأخوته يبكون وينوحون ، وأمثل بنو هاشم رجالاً ونساءً يبكون عليه ، ويدعون بالويل والثبور ، وعظائم الأُمور.

ثمّ إنّ الإمام الحسين عليه السلام قام في تجهيز أخيه ، وأمر عبد اللّه بن العباس ، وعبد اللّه بن جعفر أن يناولاه الماء ، فغسّله ، وحنّطه ، وكفّنه ، كما أمره ، وصلّى عليه في جملة أهل بيته وشيعته ... »(1).

( .... - .... - ... )

بصلحه كشف حقيقة معاوية :

س : ما فائدة صلح الإمام الحسن عليه السلام؟

ج : إنّ من فوائد الصلح هي كشف حقيقة معاوية للناس الذين كانوا في أيّامه ، والأجيال التي جاءت بعده على طول التاريخ ، ولولا تسليم الإمام الأمر لمعاوية ، ونكث معاوية لما أعطاه من شروط وعهود لما كانت تعرف حقيقة معاوية العدوانية.

ص: 180


1- وفيات الأئمّة : 115.

ودونك ما تقرأ في الجزء الثالث من كتاب « علي إمام البررة » ، فثمّة أقوال جماعة من أعلام أهل السنّة من قدامى ومحدّثين في كشف صفحات معاوية المخزية المخجلة ، وهذا الكشف لولا تسليم الإمام الحسن عليه السلام الأمر إليه ، لما كان الناس يعرفوا حقيقة معاوية ، فهذا من أعظم المنجزات التي أنجزها الإمام الحسن عليه السلام ، بأن كشف زيف الباطل وعرّف الناس حقيقة معاوية وبني أُمية.

ص: 181

ص: 182

الإمام الحسين عليه السلام :

اشارة

( علي سلمان - .... - .... )

أسباب ثورته :

س : ما هي أسباب قيام ثورة الإمام الحسين عليه السلام؟

وما معنى قول زينب عليها السلام عندما خاطبت يزيد : « ما رأيت إلاّ جميلاً »(1)؟

ج : أحاطت بالإمام الحسين عليه السلام عدّة من المسؤوليات الدينية والواجبات الاجتماعيّة وغيرها ، فحفّزته إلى الثورة ، ودفعته إلى التضحية والفداء ، وهذه بعضها :

1 - المسؤولية الدينية : لقد كان الواجب الديني يحتّم عليه القيام بوجه الحكم الأمويّ ، الذي استحلّ حرمات اللّه ، ونكث عهوده ، وخالف سنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

2 - المسؤولية الاجتماعيّة : كان الإمام عليه السلام بحكم مركزه الاجتماعيّ مسؤولاً أمام الأُمّة ، عمّا منيت به من الظلم والاضطهاد من قبل الأمويّين ، ومن هو أولى بحمايتها وردّ الاعتداء عنها من غيره؟

فنهض عليه السلام بأعباء هذه المسؤولية الكبرى ، وأدّى رسالته بأمانة وإخلاص ، وضحّى بنفسه وأهل بيته وأصحابه ، ليعيد عدالة الإسلام وحكم القرآن.

3 - إقامة الحجّة عليه : قامت الحجّة على الإمام عليه السلام لإعلان الجهاد ، ومحاربة قوى البغي والإلحاد ، فقد تواترت عليه الرسائل والوفود من أهل الكوفة ،

ص: 183


1- لواعج الأشجان : 209.

وكانت تحمّله المسؤولية أمام اللّه إن لم يستجب لدعواتهم الملحّة ، لإنقاذهم من ظلم الأمويّين وبغيهم.

4 - حماية الإسلام : من الأسباب التي ثار من أجلها عليه السلام هي حماية الإسلام من خطر الحكم الأمويّ ، الذي جهد على محوه ، وقلع جذوره ، فقد أعلن يزيد - وهو على كرسي الخلافة الإسلامية - الكفر والإلحاد بقوله :

لعبت هاشم بالملك فلا *** خبر جاء ولا وحي نزل(1)

وكشف هذا الشعر عن العقيدة الجاهلية التي كان يدين بها يزيد ، فهو لم يؤمن بوحي ولا كتاب ، ولا جنّة ولا نار ، وبلغ به الاستهتار إلى الإعلان عن كفره واستهزائه بالإسلام.

5 - صيانة الخلافة : من ألمع الأسباب التي ثار من أجلها عليه السلام تطهير الخلافة الإسلامية - التي هي لأهل البيت عليهم السلام من قبل اللّه تعالى - من أرجاس الأمويّين الذين نزو عليها بغير حقّ.

وقد رأى الإمام عليه السلام أنّ مركز جدّه قد صار إلى سكّير مستهتر ، لا يعي إلاّ شهواته ورغباته ، فثار ليعيد للخلافة الإسلامية كيانها المشرق وماضيها الزاهر.

6 - تحرير إرادة الأُمّة : ولم تملك الأُمّة في عهد يزيد إرادتها واختيارها ، فقد كبلت بقيود ثقيلة سدّت في وجهها منافذ النور والوعي ، وحيل بينها وبين إرادتها.

لقد هبّ الإمام عليه السلام إلى ساحات الجهاد والفداء ، ليطعم المسلمين روح العزّة والكرامة ، فكان مقتله عليه السلام نقطة تحوّل في تاريخ المسلمين وحياتهم.

7 - تحرير اقتصاد الأُمّة : انهار اقتصاد الأُمّة الذي هو شرايين حياتها الاجتماعيّة والفردية ، فقد عمد الأمويّون بشكل سافر إلى نهب الخزينة

ص: 184


1- تاريخ الأُمم والملوك 8 / 188.

المركزية ، وقد أعلن معاوية أمام المسلمين : إنّ المال مال اللّه ، وليس مال المسلمين ، فهو أحقّ به.

فقد ثار عليه السلام ليحمي اقتصاد الأُمّة ، ويعيد توازن حياتها المعيشية.

8 - المظالم الاجتماعيّة : انتشرت المظالم الاجتماعيّة في أنحاء البلاد الإسلامية ، فلم يعد قطر من الأقطار إلاّ وهو يعجّ بالظلم والاضطهاد من جورهم.

فهبّ الإمام عليه السلام في ميادين الجهاد ، ليفتح للمسلمين أبواب العزّة والكرامة ، ويحطّم عنهم ذلك الكابوس المظلم.

9 - المظالم الهائلة على الشيعة : لقد كانت الإجراءات القاسية التي اتخذها الحكم الأمويّ ضدّ الشيعة من أسباب ثورته عليه السلام ، فهبّ لإنقاذهم من واقعهم المرير ، وحمايتهم من الجور والظلم.

10 - محو ذكر أهل البيت : ومن ألمع الأسباب التي ثار من أجلها عليه السلام ، هو أنّ الحكم الأمويّ قد جهد على محو ذكر أهل البيت عليهم السلام ، واستئصال مآثرهم ومناقبهم ، وقد استخدم معاوية في هذا السبيل أخبث الوسائل.

وكان عليه السلام يودّ أنّ الموت قد وافاه ، ولا يسمع سبّ أبيه على المنابر والمآذن.

11 - تدمير القيم الإسلامية : عمد الأمويّون إلى تدمير القيم الإسلامية ، فلم يعد لها أيّ ظل على واقع الحياة الإسلامية.

12 - انهيار المجتمع : انهار المجتمع في عصر الأمويّين ، وتحلّل من جميع القيم الإسلامية.

وثار عليه السلام ليقضي على التذبذب والانحراف الذي منيت به الأُمّة.

13 - الدفاع عن حقوقه : وانبرى الإمام عليه السلام للجهاد دفاعاً عن حقوقه التي نهبها الأمويّون واغتصبوها ، وأهمّها : الخلافة ، فهو الخليفة الشرعي بمقتضى معاهدة الصلح ، التي تمّ الاتفاق عليها - فضلاً عن كونه الخليفة الحقيقيّ من قبل اللّه تعالى - وعلى هذا فلم تكن بيعة يزيد شرعية ، ولم يخرج الإمام عليه السلام

ص: 185

على إمام من أئمّة المسلمين ، كما يذهب لذلك بعض ذوي النزعات الأمويّة ، وإنّما خرج على ظالم مغتصب لحقّه.

14 - الأمر بالمعروف : ومن أوكد الأسباب التي ثار من أجلها عليه السلام إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإنّهما من مقوّمات هذا الدين ، والإمام بالدرجة الأُولى مسؤول عنهما.

وقد أدلى عليه السلام بذلك في وصيته لأخيه ابن الحنفية التي أعلن فيها عن أسباب خروجه على يزيد ، فقال : « وإنّي لم أخرج أشراً ، ولا بطراً ، ولا مفسداً ، ولا ظالماً ، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي ، أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ... »(1).

15 - إماتة البدع : عمد الحكم الأمويّ إلى نشر البدع بين المسلمين ، التي لم يقصد منها إلاّ محق الإسلام ، وإلحاق الهزيمة به ، وقد أشار عليه السلام إلى ذلك في رسالته التي بعثها لأهل البصرة : « فإنّ السنّة قد أُميتت ، وإنّ البدعة قد أُحييت ... »(2).

لقد ثار عليه السلام ليقضي على البدع الجاهلية التي تبنّاها الأمويّون ، ويحيي سنّة جدّه التي أماتوها ، ونشر راية الإسلام.

16 - العهد النبوي : واستشف النبيّ صلى اللّه عليه وآله من وراء الغيب ما يمنى به الإسلام من الأخطار الهائلة على أيدي الأمويّين ، وأنّه لا يمكن بأيّ حال تجديد رسالته ، وتخليد مبادئه إلاّ بتضحية ولده الحسين عليه السلام ، فعهد إليه بالتضحية والفداء ، وقد أدلى الإمام الحسين بذلك حينما عدله المشفقون عليه من الخروج إلى العراق ، فقال عليه السلام لهم : « ورأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أمرني بأمر ، وأنا ماض له »(3).

17 - العزّة والكرامة : ومن أوثق الأسباب التي ثار من أجلها عليه السلام ، هي العزّة

ص: 186


1- لواعج الأشجان : 30.
2- تاريخ الأُمم والملوك 4 / 266 ، البداية والنهاية 8 / 170 ، انساب الأشراف : 78.
3- البداية والنهاية 8 / 176 و 181.

والكرامة ، فقد أراد الأمويّون إرغامه على الذلّ والخنوع ، فأبى إلاّ أن يعيش عزيزاً ، وقد أعلن ذلك يوم الطفّ بقوله : « ألا وإنّ البغيّ ابن البغيّ قد ركز بين اثنتين ، بين السلّة والذلّة ، وهيهات منّا الذلّة ، يأبى اللّه لنا ذلك ورسوله ، والمؤمنون ، وحجور طابت ، وبطون طهرت ، وأنوف حمية ، ونفوس أبية ... »(1).

18 - غدر الأمويّين وفتكهم : وأيقن عليه السلام أنّ الأمويّين لا يتركونه ، ولا تكفّ أيديهم عن الغدر والفتك به حتّى لو سالمهم وبايعهم ، وقد أعلن ذلك لأخيه محمّد ابن الحنفية : « واللّه يا أخي ، لو كنت في جحر هامّة من هوام الأرض لاستخرجوني منه حتّى يقتلوني »(2).

فاختار عليه السلام أن يعلن الحرب ، ويموت ميتة كريمة تهزّ عروشهم ، وتقضي على جبروتهم وطغيانهم.

هذه بعض الأسباب التي حفّزت الإمام الحسين عليه السلام إلى الثورة على حكم يزيد.

وأمّا قول زينب عليها السلام فهو دليل على رضاها لمشيئة اللّه تعالى ، وإيمانها بالقضاء والقدر ، وتوكّلها على اللّه تعالى ، وأنّ الذي حصل ما كان إلاّ خيراً ، وما كان إلاّ جميلاً ، وذلك لأنّه لم يكن إلاّ حفظاً لأصل الإسلام ، وذهبت مخطّطات بني أُمية - التي رامت محو الإسلام - إدراج الرياح.

( حمد الهاشم - السعودية - .... )

استحباب زيارته يوم الأربعين :

س : اذكر الأدلّة على زيارة الحسين عليه السلام يوم الأربعين؟

ج : إنّ استحباب زيارة الإمام الحسين عليه السلام يوم الأربعين ثابت ، حتّى روي عن

ص: 187


1- تاريخ مدينة دمشق 14 / 219.
2- بحار الأنوار 45 / 99 ، لواعج الأشجان : 256.

الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام أنّه قال : « علامات المؤمن خمس : صلاة الإحدى والخمسين ، وزيارة الأربعين ، والتختّم باليمين ، وتعفير الجبين ، والجهر ببسم اللّه الرحمن الرحيم » (1).

وأمّا بخصوص ألفاظ زيارة الإمام الحسين عليه السلام المعروفة فهي مروية عن الإمام الصادق عليه السلام ، حيث قال في زيارة الأربعين : « تزور عند ارتفاع النهار فتقول : السلام على وليّ اللّه وحبيبه ، السلام على خليل اللّه ونجيبه ... » (2).

( حسين عبد اللّه - البحرين - .... )

الإمام السجّاد تولّى عملية دفنه :

س : من الذي دفن جسد الإمام الحسين عليه السلام؟ وإذا كان الإمام السجّاد عليه السلام ، فكيف يكون ذلك ، وهو أسير مع أهل بيته ، وهم مقتادون إلى الشام ، خصوصاً أنّ الدفن كان بعد ثلاثة أيّام من يوم شهادته؟ أرجو ذكر السند والمصدر.

ج : توجد قاعدة أوّلية وهي : إنّ الإمام المعصوم لا يقوم بتجهيزه والصلاة عليه إلاّ الإمام المعصوم الذي يليه.

إذا عرفت هذا ، فإنّ السيّد نعمة اللّه الجزائري في الأنوار النعمانية ، والدربندي في أسرار الشهادة (3) ، والسيّد محمّد تقي آل بحر العلوم في مقتل الحسين عليه السلام (4) ، نقلوا : أنّ بني أسد لمّا أرادوا دفن الأجساد الطاهرة جاءهم الإمام السجّاد عليه السلام ، وهو الذي تولّى عملية الدفن بمساعدتهم.

وأمّا أنّ الإمام السجّاد عليه السلام كيف جاءهم وهو أسير ، فهذا بالقدرة الإلهيّة التي يتمتّع بها المعصوم عليه السلام.

ص: 188


1- المزار للشيخ المفيد : 53 ، تهذيب الأحكام 6 / 52 ، روضة الواعظين : 195.
2- مصباح المتهجّد : 788 ، إقبال الأعمال 3 / 101.
3- أسرار الشهادة 3 / 225.
4- مقتل الحسين لبحر العلوم : 466.

( السيّد محمّد - البحرين - .... )

فرق الجسم والجسد الواردان في زيارته :

س : ما هو الفرق بين كلمتي الجسم والجسد في زيارة وارث : « صلوات اللّه عليكم ، وعلى أرواحكم ، وعلى أجسادكم ، وعلى أجسامكم ... »؟

ج : الظاهر أنّ الواو في قوله : « وعلى أجسامكم » عطف بيان ، وعليه فأجسامكم وأجسادكم شيء واحد ، لا فرق بينهما.

ويؤيّد هذا ما قاله الأصمعي ، وأبو زيد في اللغة : إنّ الجسم هو الجسد(1).

وقيل : إنّ المراد من الجسم الإنساني ما يحوي الجسم المادّي بالإضافة إلى الروح ، والمراد من الجسد الإنساني هو الجسم المادّي دون الروح.

وعلى هذا يكون السلام في الزيارة على : أرواحكم وعلى أجسادكم الخالية من الروح - إشارة إلى حالة مماتهم - وعلى أجسامكم الحاوية على الجسم والروح - إشارة إلى حالة حياتهم -.

( .... - .... - ... )

ظهور الآيات الكونية عند استشهاده :

س : هل من الصحيح أنّ السماء أمطرت دماً يوم قتل الحسين؟ وانخسفت الشمس؟ ولماذا لم تمطر يوم وفاة النبيّ؟ فهل الحسين أعظم من النبيّ؟

ج : إنّ اعتمادنا في ذكر الحوادث الكونية التي أعقبت استشهاد الإمام الحسين عليه السلام على المصادر المعترف بها عند الفريقين ، وعلى سبيل المثال : فموضوع إمطار السماء دماً يوم شهادته ، جاءت في عدّة مصادر : الصواعق المحرقة(2) ،

ص: 189


1- الصحاح 5 / 1887 ، لسان العرب 12 / 99.
2- الصواعق المحرقة 2 / 569.

وذخائر العقبى للطبري (1) ، وتاريخ مدينة دمشق لابن عساكر (2) ، وغيرها من المصادر (3).

وأمّا حمرة الشمس وانخسافها وغيرها من الآيات ، فتراها أيضاً في المصادر التالية : السنن الكبرى (4) ، مجمع الزوائد (5) ، المعجم الكبير (6) ، وغيرها من المصادر (7).

فهل هذا كذب مفترى؟ أم هذه حقيقة واضحة يدلّ عليها النقل المتواتر.

وأمّا اجتهادك بمقايسة رزية السبط الشهيد عليه السلام بجدّه صلى اللّه عليه وآله ففي غير محلّه ، إذ إنّ تأبين وتكريم السبط هو لأجل تعظيم الرسالة النبوية ، فقضية كربلاء إنّما جاءت لحفظ وتشييد مباني النبوّة والدين من تلاعب أيدي الطغاة الذين كانت أزمّة الحكم بيدهم آنذاك.

فظهور الآيات الكونية المذكورة هو في الواقع تأييد لخطّ الدفاع عن آثار النبوّة والرسالة ، الذي يتمثّل في مسار أهل البيت عليهم السلام.

( هادي هادي - السعودية - .... )

حكم من ذكر مقتله ولم ينصره :

س : ما حكم من سرد لنا مقتل الإمام الحسين عليه السلام ، وهو موجود بالمعركة ، ولم يقم بنصرته؟

ص: 190


1- ذخائر العقبى : 145.
2- تاريخ مدينة دمشق 14 / 227.
3- أُنظر : تهذيب الكمال 6 / 433 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 227 ، نظم درر السمطين : 222 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 80 ، ينابيع المودّة 3 / 15 و 84 و 91 و 101.
4- السنن الكبرى للبيهقيّ 3 / 337.
5- مجمع الزوائد 9 / 197.
6- المعجم الكبير 3 / 114.
7- أُنظر : تاريخ مدينة دمشق 14 / 226 ، تهذيب الكمال 6 / 433 ، ينابيع المودّة 3 / 17.

ج : طبقاً لقول الإمام الحسين عليه السلام : « من سمع واعيتنا أهل البيت ثمّ لم يجبنا كبّه اللّه على وجهه في نار جهنم »(1) يكون آثماً ، إلاّ أن تكون لبعضهم ظروف خاصّة ، وهذا علمه عند اللّه تعالى.

نعم أثمه في عدم نصرته لا يلازم بالضرورة عداءه للإمام الحسين عليه السلام ، إذ كثير من الناس حينما ينقل ، ينقل بتثبّت ، ولكن يفقد الشجاعة لاتّخاذ الموقف المناسب.

نعم لو ثبت أنّ الناقل معاد ، فحينئذ تسلب منه الوثاقة على رأي ، إذ لعلّه يزوّر الحقائق ، وينقل عن تصرّفات الإمام عليه السلام أمراً غير الواقع.

ولكن طالما لم نعلم منه العداء ، فيعامل معاملة الراوي العادي ، لأنّ المطلوب في الراوي هو وثاقته لا عدالته ، ولهذا نقبل قول العامّيّ من أبناء المذاهب الأُخرى إذا ثبت لنا وثاقته ، رغم عدم استقامة عقيدته حسبما نعتقد ، ومع ذلك إذا ثبت أنّه ثقة في النقل نقبل روايته ونسمّيها موثّقة.

( أسير القلوب - .... - .... )

خروجه لا يعدّ إلقاءً في التهلكة :

س : قال تعالى : ( وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) بناء على هذه الآية الكريمة ، لماذا خرج الإمام الحسين عليه السلام إلى كربلاء من مكّة متّجهاً إلى الموت؟ ألا يعدّ ذلك من التهلكة ، لأنّه ذهب إلى الموت بيده؟ وضّح الأمر لنا.

ج : إنّ أوّل الشبهات التي ترد على ذهن السامع أو القارئ لمصرع الإمام الحسين عليه السلام ، هي شبهة أنّه بعمله هذا قد ألقى بنفسه إلى التهلكة التي نهى اللّه تعالى عنها بقوله : ( وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ... ) (2) ، والقيام بمثل

ص: 191


1- الأمالي للشيخ الصدوق : 219 ، ينابيع المودّة 3 / 63.
2- البقرة : 195.

ذلك العمل يعتبر غريباً من مثل الإمام الحسين عليه السلام العارف بشريعة الإسلام ، والممثل الشرعي لنبيّ الإسلام جدّه محمّد صلى اللّه عليه وآله.

والجواب عن هذه الشبهة يتوقّف على تقديم مقدّمة للبحث في الآية الكريمة ، والتعرّف على معنى التهلكة المحرّمة ، ومتى تصدق ، وهل ينطبق ذلك على عمل الإمام عليه السلام؟ وننظر هل يصدق عليه أنّه ألقى بنفسه إلى التهلكة أم لا؟

قوله تعالى : ( وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) .

التهلكة : يعني الهلاك ، وهو كلّ أمرٍ شاقٍّ ومضرٍّ بالإنسان ضرراً كبيراً ، يشقّ تحمّله عادة ، من فقر ، أو مرض ، أو موت.

والآية الكريمة أمرت - أوّلاً - بالإنفاق في سبيل اللّه ، أي التضحية والبذل فيما يرضي اللّه تعالى ، ويقرّب الإنسان إلى اللّه تعالى ، ثمّ نهت عن الإلقاء بالنفس إلى التهلكة ، وذلك بترك التضحية والإنفاق في سبيل اللّه تعالى.

ثمّ قالت : وأحسنوا ، أي كونوا محسنين في الإنفاق والبذل ، إذ إنّه ليس كل تضحية حسنة وشريفة ، ولا كل بذل هو محبوب وحسن عند اللّه تعالى ، وإلاّ لكانت تضحيات المجانين والسفهاء أيضاً شريفة ، وفي سبيل اللّه تعالى.

فالتضحية الشريفة المقدّسة والتي هي في سبيل اللّه تعالى تعرف بتوفّر شروط فيها ، وتلك الشروط نلخّصها فيما يلي :

الشرط الأوّل : أن تكون التضحية والبذل والإنفاق في سبيل شيء معقول محبوب عقلاً وعرفاً ، أي في سبيل غرض وهدف عقلاني ، وإلاّ خرجت عن كونها تضحية عقلائية ، ودخلت في عداد الأعمال الجنونية أو اللاإرادية.

الشرط الثاني : أن يكون المفدّى والمضحّى له أشرف وأفضل من الفداء والتضحية لدى العقلاء والعرف العام ، كأن يضحّي بالمال مثلاً ، لكسب العلم أو الصحّة ، أو يضحي بالحيوان لتغذية الإنسان ، وهكذا كلّما كانت الغاية أفضل وأثمن كانت التضحية أشرف وأكمل.

ص: 192

هذان العنصران هما الشرطان الرئيسيان من الشروط التي لابدّ منها في كلّ بذل وإنفاق وتضحية ، حتّى تكون حسنة وشريفة وفي سبيل اللّه تعالى.

وعلى هذا يظهر جلياً وبكلّ وضوح : أنّ ثورة الإمام الحسين عليه السلام كانت في سبيل اللّه تعالى مائة بالمائة ، وأنّ كلّ ما قدّم فيها ، وأنفق من مال وبنين ، ونفس ونفيس ، وغال وعزيز ، كان إنفاقاً حسناً ، وبذلاً شريفاً ، وتضحية مقدّسة ، يستحقّ عليها كلّ إجلال وتقديس وشكر.

والخلاصة : إنّ آية التهلكة لا تشمل مطلق الإقدام على الخطر ، ولا تحرّم التضحية بالنفس والنفيس ، إذا كانت لغاية أعظم وأفضل ، وهدف أنبل وأشرف ، كالذي قام به الإمام الحسين عليه السلام بثورته الخالدة ، وحيث توفّرت في تضحياته كلّ شروط التضحية الشريفة ، والفداء المقدّس على أكمل وجه ، لأنّه عليه السلام ضحّى وفدى وبذل وأنفق في سبيل أثمن وأغلى شيء في الحياة مطلقاً ، ألا وهو الإسلام ، دين اللّه تعالى ، وشريعة السماء ، ونظام الخالق للمخلوق ، ودستور الحياة الدائم ، الذي لولا تضحيّاته عليه السلام لدفن تحت ركام البدع ، والتشويهات والانحرافات ، التي خلّفتها عهود الحكم السابقة ، كما دفنت الديانات السابقة على الإسلام تحت ترسّبات البدع والتحريف ، حتّى لم يبق منها أثر حقيقي ، حيث لم يقيض لها حسين فيستخرجها ، ويزيل عنها المضاعفات ، كالذي فعله عليه السلام بالنسبة إلى الديانة الإسلامية الخالدة.

( السيّد محمّد البحراني - البحرين - 41 سنة. طالب جامعة )

رأسه الشريف يقرأ القرآن :

س : في مسير ركب أسرى الطفّ إلى الشام ، ما السرّ وراء قراءة رأس الحسين الآية من سورة الكهف بالذات : ( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ

ص: 193

وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ) (1)؟

ما هو وجه الخصوصية؟ إلى ماذا يشير الإمام عليه السلام بقراءته هذه الآية بالذات؟ ولكم الفضل ، ونسألكم الدعاء.

ج : قد سمع زيد بن أرقم الآية - التي ذكرتموها - من الرأس الشريف في الكوفة ، وناداه : « رأسك يا ابن رسول اللّه أعجب وأعجب » (2).

وسمع آخرون منه في الشام آية : ( إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ) (3) ؛ ولعلّ في تلاوة هذه الآيات إشارة إلى قصّة أصحاب الكهف ، إذ كان فيها إيقاظ بعد رقود ثلاثمائة وتسع سنين ، فهنا بطريق أولى يكون إنطاق الرأس الشريف أعجب ، فرأسه عليه السلام بتلاوة هذه الآيات يظهر المعجزة الإلهيّة في نطقه.

ولا يبعد أن تكون الإشارة إلى إمكانية الهداية للناس ، أو إتمام الحجّة عليهم ، كما أنّ عودة أصحاب الكهف إلى الدنيا كان سبباً لهداية الكثير ، ورسوخ الإيمان فيهم ، وإلقاء الحجّة عليهم.

ويمكن أن تكون الإشارة إلى تحدّي أصحاب الكهف الظلم والطغيان في الفئة الحاكمة ، وعدم رضوخهم واستسلامهم لهم مع قلّة عددهم ، فكأنّما كان الإمام عليه السلام يريد أن يلفت النظر بأنّ الانحراف السائد المتمثّل في الحكم الأمويّ لابدّ وأن يواجه ، ولو بقلّة العدد والمؤنة ، كما كانت سيرته عليه السلام في نهضته ، واللّه أعلم بحقائق الأُمور.

( زينب - بريطانيا - .... )

فلسفة أخذه العيال إلى كربلاء :

س : لماذا أخذ الإمام الحسين عليه السلام النساء والأطفال معه إلى كربلاء؟ مع أنّه

ص: 194


1- الكهف : 9.
2- الإرشاد 2 / 117 ، إعلام الورى 1 / 473.
3- الكهف : 13.

يعلم بأنّهم سوف يسبون؟

ج : ورد عن الإمام الحسين عليه السلام أنّه قال - حينما سُئل عن أخذه العيال - : « شاء اللّه أن يراني قتيلاً ويراهنّ سبايا ».

والمتأمّل في مجريات ثورة الحسين عليه السلام والمواقف الخالدة للسيدة زينب عليها السلام وما قامت به من إكمال لمسيرة الحسين عليه السلام في ثورته - والتي نحسّ بآثارها ليومنا هذا - يعلم حكمة المشيئة الإلهيّة في أخذ الحسين عليه السلام عياله إلى كربلاء ، فتأمل.

( أُمّ أحمد - البحرين - .... )

في الأربعين ألحق رأسه بجسده :

س : عندما سير بالسبايا إلى الشام ، كان رأس الحسين معهم ، فمتى أرجع مع الجسد؟ هل كان في العشرين من صفر؟

ج : إنّ المشهور عند الشيعة أنّ رأس الإمام الحسين عليه السلام قد أعاده الإمام زين العابدين عليه السلام بعد الرجوع من الأسر ، وألحقه بالجسد الشريف بعد أربعين يوماً من استشهاده ، أي يوم العشرين من صفر (1).

نعم ، قد ورد في بعض الأخبار الخاصّة بأنّ مدفن رأسه عليه السلام هو عند أبيه أمير المؤمنين عليه السلام (2).

وأُوّل بأنّه بعد الدفن الأوّل أُخرج من هناك ، وأُلحق بالجسد الشريف بكربلاء ، جمعاً بين هذه الروايات ، والطائفة الأُولى التي تدلّ على اجتماع رأسه وجسده عليه السلام والتي عليها معظم الطائفة الشيعيّة.

ص: 195


1- أُنظر : اللّهوف : 114 ، مثير الأحزان : 85 ، الأمالي للشيخ الصدوق : 232 ، روضة الواعظين : 192 ، إعلام الورى 1 / 447.
2- الكافي 4 / 571 ، كامل الزيارات : 84.

( شاهر - ... - ..... )

كنيته :

س : لماذا كنّي الإمام الحسين عليه السلام بأبي عبد اللّه؟ مع أنّ الإمام زين العابدين عليه السلام هو الأكبر من أولاده؟

ج : إنّ قولكم - إنّ الإمام زين العابدين عليه السلام أكبر أولاده عليه السلام - أوّل الكلام ، لأنّ المشهور أنّ أكبر أولاد الإمام الحسين عليه السلام هو علي الأكبر الشهيد ، الذي قُتل مع أبيه في كربلاء ، وأمّا الإمام زين العابدين عليه السلام فهو علي الأوسط .

وأمّا لماذا كنّي الإمام الحسين عليه السلام بأبي عبد اللّه؟ ولم يكنّى بأبي علي - باعتبار أنّ علياً أكبر أولاده - أو بغيرها من الكنى؟

فنجيب عليه أوّلاً : إنّ أسماء الأئمّة عليهم السلام ، وألقابهم وكناهم ، منصوص عليها ، فكنّي بأبي عبد اللّه لوجود نصّ عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في ذلك.

وثانياً : كان متعارفاً عند العرب أن يكنّى الرجل بكنية ، ولم يكن له ولد بهذا الاسم ، من قبيل الإمام الجواد عليه السلام ، يكنّى بأبي جعفر ، ولم يكن من أولاده جعفر ، والإمام المهديّ المنتظر عليه السلام يكنّى بأبي صالح ، وبأبي القاسم ، ولم يكن عنده أولاد.

ثمّ لا يخفى أنّ بعض هذه الكنى واضح المنشأ ، ككنية الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بأبي الحسن ، فالحسن عليه السلام أكبر أولاده عليه السلام ، وبعض الكنى غير واضح المنشأ ، كما في كنية الإمام الحسين عليه السلام بأبي عبد اللّه ، وكما في كنية الإمام الصادق عليه السلام بأبي عبد اللّه ، مع أنّ اكبر أولاده عليه السلام إسماعيل ، ومن البعيد جدّاً أن يكنّى الإمام الصادق عليه السلام باسم ولده عبد اللّه الأفطح ، لأنّه كان منحرفاً عن الجادّة الحقّة.

إذاً كنية الإمام عليه السلام كنية منصوص عليها من قبل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

ص: 196

( فاطمة الحسيني - إيران - .... )

التأكيد على زيارته في الأربعين :

س : أرجو منكم أن توضّحوا لنا لماذا الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام يعطي هذه الخصوصية لزيارة الأربعين ، ولا يعطي هذه الخصوصية لزيارة عاشوراء التي هي أكثر اعتباراً وشهرة؟ وشكراً لجهودكم.

ج : ليس الإمام العسكريّ عليه السلام هنا في مقام الحصر ، فكما يقال : « إثبات الشيء لا ينفي ماعداه » ، فهنالك الكثير من الروايات التي تعدّد علامات المؤمن مثلاً ، وليس الغرض منها إلاّ التأكيد على هذه الأُمور ، ولا يفهم منها نفي غيرها ، مثل قول الإمام زين العابدين عليه السلام : « علامات المؤمن خمس : الورع في الخلوة ، والصدقة في القلّة ، والصبر عند المصيبة ، والحلم عند الغضب ، والصدق عند الخوف »(1) ، وهناك روايات أُخرى تذكر علامات غيرها.

هذا ، وإنّ تأكيد الإمام العسكريّ عليه السلام على زيارة الأربعين لكي يتمسّك الشيعة بهذه الزيارة ، ولا يكتفوا في إحياء أمر الإمام الحسين عليه السلام بأيّام عاشوراء ، ولتبيين حقيقة مظلومية السبايا ، وأهمّية إحيائها.

وزيارة عاشوراء فضلها أبين من الشمس في رائعة النهار ، وقد ذكرها أهل البيت في مواطن أُخرى كثيرة.

( حسين الدرّازي - البحرين - .... )

لولاه لما بقي للدين أثر :

س : كيف يمكن أن نقول : لولا الإمام الحسين عليه السلام لما بقي لهذا الدين من أثر؟ أُريد شرحاً لهذه العبارة من كتب السنّة إذا وجد.

وهل الأئمّة الأطهار عليهم السلام من بعد الحسين عليه السلام لا يشكّلون دوراً كبيراً في

ص: 197


1- الخصال : 269.

الخلافة؟ شاكرين لكم هذا المجهود الطيّب في إحياء المذهب الجعفريّ.

ج : المراد من العبارة هو : أنّ الإمام الحسين عليه السلام قد أحيى أمر الدين بعد أن طمست أعلامه بيد الأمويّين ، فلولا نهضته عليه السلام لشوّهت بني أُمية وجه الدين ، بحيث لا يبقى له عين ولا أثر ، بعد مضي سنوات قليلة من حكمهم الجائر ، ألا ترى إلى معاوية يصلّي صلاة الجمعة يوم الأربعاء ، وقتله لخيرة أصحاب الإمام علي عليه السلام ، ووقوفه في وجه أمير المؤمنين عليه السلام ، وادعائه الخلافة لنفسه ، وتنصيبه يزيد خليفة مع ما فيه ، من جهره بالمنكرات والموبقات و .. ، أليس هذا كلّه مؤشّراً واضحاً في هذا المجال؟

ومن جانب آخر ، ترى أنّ الأُمّة الإسلامية أصبحت آنذاك في سبات ، تحتاج إلى من يوقظها ، ويكشف زيف حكّامها الظلمة ، ويخلع عنهم ثوب الرياء والتظاهر بالإسلام ، فكان هذا دور الإمام الحسين عليه السلام.

ثمّ إنّ هذه العبارة لا تنفي دور سائر الأئمّة عليهم السلام في حياتهم وسيرتهم بحفظ الدين ، بل كلّ ما في الأمر أنّ الظروف السياسية والاجتماعيّة قد فرضت وظائف لكلّ إمام يقوم بأدائها ، فمثلاً لو كان أيّهم عليهم السلام يعيش في زمن إمامة أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام لقام بنفس الدور ، ولو كان الإمام الحسين عليه السلام في زمن إي إمام آخر ما كان يفعل أكثر مما فعل ذلك الإمام ؛ لأنهم جميعاً عليهم السلام لم يألوا جهداً في حفظ الدين بحسب الظروف لكل إمام منهم.

( السادة - السعودية - .... )

قتلته شيعة آل أبي سفيان :

س : يتردّد من البعض : إنّ الذين قتلوا الحسين عليه السلام هم شيعة ، فهل هم شيعة كما يقال؟ أم أنّهم غير ذلك؟ وهل كانوا من أتباع أهل البيت ثمّ انحرفوا أم ماذا؟

ج : في الواقع هذه شبهة روّج إليها البعض ، ممّن في قلبه مرض ، طعناً منه

ص: 198

بالمذهب الشيعيّ ، من أنّ الشيعة هم الذين قتلوا الإمام الحسين عليه السلام! والواقع خلاف ذلك ، فإنّ الذين قتلوه عليه السلام هم شيعة آل أبي سفيان ، بدليل خطاب الإمام الحسين عليه السلام إليهم يوم عاشوراء : « ويلكم يا شيعة آل أبي سفيان ، إن لم يكن لكم دين ، وكنتم لا تخافون يوم المعاد ، فكونوا أحراراً في دنياكم هذه ، وارجعوا إلى احسابكم إن كنتم عرباً كما تزعمون » (1).

ثمّ لم نجد أحداً من علماء الرجال أدرج أسماء هؤلاء الذين قتلوه عليه السلام - كأمثال عمر بن سعد ، وشبث بن ربعي ، وحصين بن نمير ، و .. - ضمن قوائم رجال الشيعة ، بل النصوص تدلّ على أنّهم من جمهور المسلمين.

وأمّا كونهم محكومين بأنّهم كانوا تحت إمرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لا يدلّ على أنّهم شيعة علي عليه السلام ، كما أنّه ليس كلّ من صلّى خلف علي أو قاتل في جيش علي هو شيعي بالضرورة ، لأنّ الإمام علي عليه السلام يعتبر الخليفة الرابع للمسلمين ، فالكلّ يقبله بهذا الاعتبار ، لا باعتبار أنّه معصوم ، وأنّه الخليفة بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله مباشرة.

وأمّا أنّهم كانوا ممّن أرسلوا إلى الإمام الحسين عليه السلام برسائل تدعوه للمجيء إلى الكوفة ، لا يدلّ أيضاً على أنّهم شيعته عليه السلام ، لأنّهم كانوا يتعاملون مع الإمام الحسين عليه السلام باعتباره صحابي ، وسبط الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وله أهلّية الخلافة والقيادة ، لا باعتبار أنّه إمام من الأئمّة الاثني عشر ، وأنّه معصوم ، وأنّه أحقّ بالخلافة من غيره.

مضافاً إلى هذا ، فإنّ مواقفهم من الإمام الحسين عليه السلام ومن معه يوم عاشوراء تدلّ على أنّهم ليسوا بشيعة له ، من قبيل منعهم الماء عليه ، فيخاطبهم برير الهمدانيّ بقوله : وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابه ، وقد حيل بينه وبين ابنه. فقالوا : يا برير ، قد أكثرت الكلام فاكفف ، فواللّه ليعطش .

ص: 199


1- لواعج الأشجان : 185 ، تاريخ الأُمم والملوك 4 / 344 ، البداية والنهاية 8 / 203 ، مقتل الحسين لابن مخنف : 190 ، اللّهوف : 71 ، كشف الغمّة 2 / 262.

الحسين كما عطش من كان قبله(1) - يقصد عثمان بن عفّان -. فهل هذا جواب شيعيّ؟!

ثمّ إنّ الشيعة في الكوفة يمثّلون سبع سكّانها ، وهم 15 ألف شخص ، كما نقل التاريخ ، فقسم منهم زجّوا في السجون ، وقسم منهم اعدموا ، وقسم منهم سُفّروا إلى الموصل وخراسان ، وقسم منهم شُرّدوا ، وقسم منهم حيل بينهم وبين الإمام الحسين عليه السلام ، مثل بني غاضرة ، وقسم ضئيل منهم استطاعوا أن يصلوا إليه عليه السلام.

إذاً شيعة الكوفة لم تقتل الإمام الحسين عليه السلام ، وإنّما أهل الكوفة - من غير الشيعة - قتلوه عليه السلام بمختلف قوميّاتهم ومذاهبهم.

نعم ، هذا صحيح أنّ أكثر الشيعة في الكوفة ، لكن ليس أكثر الكوفة شيعية ، والدليل على أنّ الشيعة كانوا أقلّية في الكوفة ، هو عدّة قضايا :

منها : ما ذكرته بعض المصادر : من أنّ علياً لما تولّى الخلافة أراد أن يغيّر صلاة التراويح ، فضجّ الناس بوجهه في المسجد ، وقالوا : واسنّة عمراه(2).

ومنها : ما في الفقه الإسلاميّ ، إذا قيل هذا رأي كوفيّ ، فهو رأي حنفيّ لا رأي جعفريّ.

وللمزيد من الفائدة نذكر لكم نصّ كلام السيّد محسن الأمين في كتابه أعيان الشيعة : « حاش لله أن يكون الذين قتلوه هم شيعته ، بل الذين قتلوه بعضهم أهل طمع لا يرجع إلى دين ، وبعضهم أجلاف أشرار ، وبعضهم اتبعوا رؤساءهم الذين قادهم حبّ الدنيا إلى قتاله ، ولم يكن فيهم من شيعته ومحبيه أحد.

أمّا شيعته المخلصون فكانوا له أنصاراً ، وما برحوا حتّى قتلوا دونه ، ونصروه بكلّ ما في جهدهم إلى آخر ساعة من حياتهم ، وكثير منهم لم

ص: 200


1- الأمالي للشيخ الصدوق : 222 ، روضة الواعظين : 185 ، لواعج الأشجان : 111.
2- جواهر الكلام 13 / 140 و 21 / 337 ، الصحيح من السيرة 2 / 149.

يتمكّن من نصره ، أو لم يكن عالماً بأنّ الأمر سينتهي إلى ما انتهى إليه ، وبعضهم خاطر بنفسه وخرق الحصار الذي ضربه ابن زياد على الكوفة ، وجاء لنصره حتّى قتل معه ، أمّا أنّ أحداً من شيعته ومحبّيه قاتله فذلك لم يكن ، وهل يعتقد أحد أنّ شيعته الخلّص كانت لهم كثرة مفرطة؟ كلاّ ، فما زال أتباع الحقّ في كلّ زمان أقلّ قليل ، ويعلم ذلك بالعيان ، وبقوله تعالى : ( وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ) (1) » (2).

ويمكن أن يقال : إنّ الشيعة من أهل الكوفة على قسمين :

1 - شيعة بالمعنى الأخصّ ، يعني يعتقدون بالتولّي والتبرّي ، وهؤلاء لم يكونوا في جيش عمر بن سعد ، الذي حارب الإمام الحسين عليه السلام ، بل إمّا استشهدوا معه عليه السلام ، أو كانوا في السجون ، أو وصلوا إلى كربلاء بعد شهادته عليه السلام.

2 - شيعة بالمعنى الأعمّ ، يعني يحبّون أهل البيت عليهم السلام ، ويعتقدون بالتولّي دون التبرّي ، ولا يرون أنّ الإمامة منصب إلهيّ وبالنصّ ، وهؤلاء كان منهم من بايع الإمام الحسين عليه السلام في أوّل الأمر ، ثمّ صار إلى جيش عمر بن سعد.

وكلّ ما ورد من روايات ونصوص تاريخية فيها توبيخ لأهل الكوفة ، فإنّما تحمل على الشيعة بالمعنى الأعمّ ، أي الذين كانوا يتشيّعون بلا رفض ، وبلا اعتقاد بالإمامة الإلهيّة ، وما إلى ذلك من أُصول التشيع.

( أبو محمّد بن العباس - البحرين - ... )

هل إبراهيم استجار به؟ :

س : يقول بعض أصحابنا من أهل السنّة : بأنّ نبيّنا إبراهيم عليه السلام عندما ألقي في النار استجار بالحسين عليه السلام قائلاً : « يا حسين » ، فجعل اللّه تعالى النار برداً

ص: 201


1- سبأ : 13.
2- أعيان الشيعة 1 / 585.

وسلاماً على إبراهيم عليه السلام ، ما صحّة هذه المقولة؟ جزيتم خيراً ، وزادكم علماً.

ج : لم نعثر على نصّ معتبر يدلّ على ما ذكرتموه ، نعم جاء في بعض الروايات : أنّ إبراهيم عليه السلام كان من دعائه عندما ألقي في النار : « اللّهم إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد لمّا نجّيتني منها » ، فجعلها اللّه عليه برداً وسلاماً (1).

( زهرة عيسى - البحرين - .... )

طلبه من الشباب الإذن من أُمّهاتهم :

س : في حادثة عاشوراء ، لماذا كان الإمام عليه السلام يطلب من الشباب طلب الإذن من أُمّهاتهم للقتال؟ في حين كما نعرف أنّ الإمام عليه السلام هو وليّ أمر جميع المسلمين.

ج : لم نتحقّق حتّى الآن أنّ الطلب المذكور كان عامّاً ، وبالنسبة للجميع ، بل كلّ ما في الأمر أنّ التاريخ يشير إليه بالنسبة لبعضهم.

وعلى أيّ حال ، فلعلّ الأذن من الأُمّهات كان لتقدير دورهنّ في تربية هذه النماذج ، الذين كانوا على شرف نيل مرتبة الشهادة ، أو كان للتوديع بصيغة الأذن ، أو أُمور أُخرى خفيت علينا ، وإلاّ فإنّ الأذن والأمر الحقيقيّ كان ولا يزال للإمام المعصوم عليه السلام.

( مريم ساجواني - الإمارات - .... )

يتلو رأسه آية أم حسبت :

س : عندما حمل رأس الحسين عليه السلام على الرمح ، كان يرتّل آية من سورة الكهف ، لماذا اختار الإمام عليه السلام هذه الآية من سورة الكهف؟

ص: 202


1- الأمالي للشيخ الصدوق : 287 ، روضة الواعظين : 272 ، تفسير الصافي 3 / 344 ، الأصفى في تفسير القرآن 2 / 786 ، تفسير نور الثقلين 3 / 438.

ج : الآية التي كان يتلوها رأس الإمام الحسين عليه السلام : ( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ) (1).

وإنّما تلا هذه الآية ، لأنّ تكلّم رأس بلا جسد أعجب ، كما قال الراوي : واللّه إنّ رأسك أعجب!

ويحتمل أن يكون في انتخاب هذه الآية إشارة خفية إلى الرجعة.

وكذلك يمكن لنا أن نفهم الربط بين أصحاب الكهف وعصرهم الذي عاشوا فيه وبين الإمام الحسين عليه السلام وأُمّته ، وكلّ هذه احتمالات يمكن لنا أن نوردها.

( رنا - الأردن - .... )

كيفية قتله :

س : أشكركم على ردّكم ، ولكن هل هناك مجال لمعرفة تفاصيل مقتل الإمام الحسين عليه السلام؟

ج : ورد في كتبنا أنّه في صباح اليوم العاشر ، وإتماماً للحجّة على أعدائه ، طلب الإمام الحسين عليه السلام من جيش يزيد أن ينصتوا إليه لكي يكلّمهم ، إلاّ أنّهم أبوا ذلك ، وعلا ضجيجهم ، وفي النهاية سكتوا ، فخطب فيهم معاتباً لهم على دعوتهم له وتخاذلهم عنه ، كما حدّثهم بما سيقع لهم بعد قتله على أيدي الظالمين ، من ولاة بني أُمية ، ممّا عُهد إليه من جدّه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وأبيه علي عليه السلام ، وهو ما تحقّق فعلاً ، وخصّ في ذلك عمر بن سعد الذي كان يزيد يمنّيه بجعله والياً على الري وجرجان ، بأنّ حلمه ذاك لن يتحقّق ، وأنّه سوف يقتل ويرفع رأسه على الرمح.

ثمّ إنّ الشيطان استحوذ على ابن سعد ، فوضع سهمه في كبد قوسه ، ثمّ رمى مخيّم الحسين عليه السلام ، وقال : اشهدوا أنّي أوّل من رمى ، فتبعه جنده يمطرون

ص: 203


1- الكهف : 9.

آل الرسول صلى اللّه عليه وآله بوابل من السهام.

عظم الموقف على الإمام الحسين عليه السلام ، ثمّ خاطب أصحابه : « قوموا رحمكم اللّه إلى الموت الذي لابدّ منه ، فإنّ هذه السهام رُسل القوم إليكم »(1) ، فلبّوا النداء وانطلقوا كالأسود يحاربون العدوّ ، واستمرت رحى الحرب تدور في ميدان كربلاء ، وأصحاب الحسين عليه السلام يتساقطون الواحد تلو الآخر ، وقد أرهقوا جيش العدوّ وأثخنوه بالجراح.

فتصايح رجال عمر بن سعد : لو استمرت الحرب بيننا لأتوا على آخرنا ، لنهجم عليهم مرّة واحدة ، ولنرشفهم بالنبال والحجارة.

لم يهدأ سعير المعركة ، وراح من بقي من أصحاب الحسين عليه السلام وأهل بيته يستشهدون الواحد تلو الآخر ، فاستشهد ولده علي الأكبر ، وأخوته ، وأبناء أخيه ، وابن أخته ، وآل عقيل وآل علي عليه السلام ، مجزّرين كالأضاحي وهم يتناثرون في أرض المعركة ، وكذا بدأ شلاّل الدم ينحدر على أرض كربلاء ، وصيحات العطش والرعب تتعالى من حناجر النساء والأطفال.

قال بعض الرواة : فواللّه ما رأيت مكثوراً قط ، قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جاشاً منه ، وإن كانت الرجال لتشدّ عليه فيشدّ عليها بسيفه ، فينكشف عنه انكشاف المعزى إذا شدّ فيه الذئب ، ولقد كان يحمل فيهم ، ولقد تكاملوا ثلاثين ألفاً ، فيهزمون بين يديه كأنّهم الجراد المنتشر ، ثمّ يرجع عليه السلام إلى مركزه ، وهو يقول : « لا حول ولا قوّة إلاّ باللّه ».

فلم يزل عليه السلام يقاتلهم حتّى حالوا بينه وبين رحله ، فصاح : « ويلكم يا شيعة آل أبي سفيان ، إن لم يكن لكم دين ، وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم هذه ، وارجعوا إلى احسابكم إن كنتم عربا كما تزعمون »(2).

ص: 204


1- لواعج الأشجان : 136 ، اللّهوف : 60.
2- لواعج الأشجان : 185 ، تاريخ الأُمم والملوك 4 / 344 ، البداية والنهاية 8 / 203 ، مقتل الحسين لأبي مخنف : 190 ، اللّهوف : 71 ، كشف الغمّة 2 / 262.

فناداه شمر ( لعنه اللّه ) : ما تقول يا بن فاطمة.

فقال عليه السلام : « إنّي أقول أقاتلكم وتقاتلونني ، والنساء ليس عليهن جناح ، فامنعوا عتاتكم وجهالكم وطغاتكم من التعرّض لحرمي ما دمت حيّاً »(1).

فقال شمر ( لعنه اللّه ) : لك ذلك يا ابن فاطمة. فقصدوه بالحرب ، فجعل يحمل عليهم ويحملون عليه ، وهو في ذلك يطلب شربة من ماء فلا يجد ، حتّى أصابه اثنتان وسبعون جراحة ، فوقف يستريح ساعة ، وقد ضعف عن القتال ، فبينا هو واقف إذ أتاه حجر فوقع على جبهته ، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن جبهته ، فأتاه سهم مسموم له ثلاث شعب ، فوقع على قلبه فقال عليه السلام : « بسم اللّه وباللّه وعلى ملّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ».

ثمّ رفع رأسه إلى السماء وقال : « إلهي أنت تعلم أنّهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض ابن بنت نبيّ غيره ».

ثمّ أخذ السهم فأخرجه من وراء ظهره ، فانبعث الدم كأنّه ميزاب ، فضعف عن القتال ووقف ، فكلّما أتاه رجل انصرف عنه كراهة أن يلقى اللّه بدمه ، حتّى جاءه رجل من كندة ، يقال له مالك بن اليسر ، فشتم الحسين عليه السلام ، وضربه على رأسه الشريف بالسيف ، فقطع البرنس ووصل السيف إلى رأسه ، فامتلأ البرنس دماً.

فاستدعى الحسين عليه السلام بخرقة ، فشدّ بها رأسه ، واستدعى بقلنسوة فلبسها واعتم ، فلبثوا هنيئة ، ثمّ عادوا إليه وأحاطوا به.

فخرج عبد اللّه بن الحسن بن علي عليهم السلام وهو غلام لم يراهق من عند النساء يشتد ، حتّى وقف إلى جنب الحسين عليه السلام ، فلحقته زينب بنت علي عليهما السلام لتحبسه ، فأبى وامتنع امتناعاً شديداً ، فقال : لا واللّه لا أفارق عمّي.

فأهوى بحر بن كعب - وقيل : حرملة بن كاهل - إلى الحسين عليه السلام بالسيف ،

ص: 205


1- مثير الأحزان : 55 ، لواعج الأشجان : 185 ، اللّهوف : 71.

فقال له الغلام : ويلك يا بن الخبيثة ، أتقتل عمّي؟ فضربه بالسيف فاتقاها الغلام بيده ، فأطنّها إلى الجلد ، فإذا هي معلّقة ، فنادى الغلام : يا أُمّاه ، فأخذه الحسين عليه السلام ، وضمّه إليه وقال : « يا ابن أخي أصبر على ما نزل بك ، واحتسب في ذلك الخير ، فإنّ اللّه سيلحقك بآبائك الصالحين ».

فرماه حرملة بن كاهل بسهم فذبحه ، وهو في حجر عمّه الحسين عليه السلام.

ثمّ إنّ شمر بن ذي الجوشن حمل على فسطاط الحسين فطعنه بالرمح ، ثمّ قال : عليّ بالنار أحرقه على من فيه ، فقال له الحسين عليه السلام : « يا ابن ذي الجوشن ، أنت الداعي بالنار لتحرق على أهلي أحرقك اللّه بالنار » ، وجاء شبث فوبّخه فاستحيا وانصرف.

قال الراوي : قال الحسين عليه السلام : « ابغوا لي ثوباً لا يرغب فيه ، أجعله تحت ثيابي لئلا أجرّد منه » ، فأتي بتبّان فقال : « لا ، ذاك لباس من ضربت عليه الذلّة » ، فأخذ ثوباً خلقاً فخرقه ، وجعله تحت ثيابه ، فلمّا قتل عليه السلام جرّدوه منه.

ولمّا أثخن الحسين عليه السلام بالجراح ، طعنه صالح بن وهب المريّ على خاصرته طعنة ، فسقط الحسين عليه السلام عن فرسه إلى الأرض على خدّه الأيمن ، وهو يقول : « بسم اللّه وباللّه ، وعلى ملّة رسول اللّه ».

فخرجت زينب عليها السلام من باب الفسطاط وهي تنادي : « وا أخاه واسيّداه ، وا أهل بيتاه ، ليت السماء أطبقت على الأرض ، وليت الجبال تدكدكت على السهل ».

وصاح شمر بأصحابه : ما تنتظرون بالرجل ، فحملوا عليه من كلّ جانب ، فضربه زرعة بن شريك على كتفه اليسرى ، وضربه آخر على عاتقه المقدّس بالسيف ضربة كبا عليه السلام بها لوجهه ، وكان قد أعيا وجعل ينوء ويكب ، فطعنه سنان بن أنس النخعي في ترقوته ، ثمّ انتزع الرمح فطعنه في بواني صدره ،

ص: 206

ثمّ رماه سنان أيضاً بسهم فوقع في نحره ، فسقط عليه السلام ، وجلس قاعداً فنزع السهم من نحره ، وقرن كفّيه جميعاً ، فكلّما امتلأتا من دمائه خضّب بهما رأسه ولحيته ، وهو يقول : « هكذا ألقى اللّه مخضباً بدمي ، مغصوباً على حقّي ».

فقال عمر بن سعد لرجل عن يمينه : انزل ويحك إليه فأرحه ، فبدر إليه خولّي بن يزيد الأصبحي ليحتزّ رأسه فأرعد ، فنزل إليه سنان بن أنس النخعيّ ( لعنه اللّه ) فضربه بالسيف في حلقه الشريف ، وهو يقول : واللّه إنّي لأجتزّ رأسك ، وأعلم أنّك ابن رسول اللّه ، وخير الناس أباً وأُمّاً. ثمّ اجتزّ رأسه المقدّس المعظّم.

قال الراوي : فارتفعت في السماء في ذلك الوقت غبرة شديدة سوداء مظلمة فيها ريح حمراء ، لا ترى فيها عين ولا أثر ، حتّى ظنّ القوم أنّ العذاب قد جاءهم ، فلبثوا كذلك ساعة ، ثمّ انجلت عنهم.

ثمّ أقبلوا على سلب الحسين عليه السلام ، فأخذ قميصه إسحاق بن حوية الحضرمي فلبسه ، فصار أبرص وامتعط شعره.

وروي أنّه وجد في قميصه مائة وبضع عشرة ، ما بين رمية وطعنة سهم وضربة.

وأخذ سراويله عليه السلام بحر بن كعب التيميّ ، فروي أنّه صار زمناً مقعداً من رجليه ، وأخذ عمامته أخنس بن مرثد بن علقمة الحضرميّ ، وقيل جابر بن يزيد الأوديّ ، فاعتمّ بها فصار معتوها ، وأخذ نعليه الأسود بن خالد ، وأخذ خاتمه بجدل بن سليم الكلبيّ ، وقطع إصبعه عليه السلام مع الخاتم ، وأخذ قطيفة له عليه السلام كانت من خزّ قيس بن الأشعث ، وأخذ درعه البتراء عمر بن سعد ، فلمّا قتل عمر وهبها المختار لأبي عمرة قاتله ، وأخذ سيفه جميع بن الخلق الأوديّ.

ثمّ نادى عمر بن سعد في أصحابه من ينتدب للحسين فيواطئ الخيل ظهره

ص: 207

وصدره ، فانتدب منهم عشرة ، فداسوا الحسين عليه السلام بحوافر خيلهم حتّى رضّوا صدره وظهره(1).

فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

( علي السهلاوي - البحرين - 22 سنة )

كسفت الشمس لقتله :

س : يقول أهل السنّة : إنّ الشمس لا تنكسف لموت بشر!! ويرون الحديث عن الرسول صلى اللّه عليه وآله ، هل هذا الحديث صحيح؟ بينما هناك روايات تؤكّد كسوف الشمس بقتل وشهادة سبط الرسول ، الإمام الحسين عليه السلام.

نرجو بيان ذلك وتوضيحه مع الأدلّة.

ج : الأحاديث الواردة عن طريق الخاصّة بالنسبة لكسوف الشمس في يوم عاشوراء ، هي في حدّ الاستفاضة ، وهذا المقدار يكفينا للتأكّد في هذا الموضوع.

وأمّا عن طريق العامّة فقد وردت روايات كثيرة تصرّح بهذا المطلب(2).

ولا غرابة في ذلك ، بل وفي ظهور بقية الآيات والعلائم السماوية والأرضية على ما في الأخبار الكثيرة الواردة في المقام.

ومجمل القول في حكمة ظهور هذه الخوارق : هو بيان الحقّ ، وإلقاء الحجّة البالغة على من أنكر ، أو تردّد في تمييز الحقّ عن الباطل ، والوقوف في وجه التمويه والتشويه الذي حصل آنذاك بواسطة الأعلام الأمويّ المزيّف بشأن العترة الطاهرة عليهم السلام عموماً ، والإمام الحسين عليه السلام خصوصاً ، وبهذا نعرف أنّ الكسوف المذكورة كان لإعلاء كلمة الحقّ ودحض الباطل.

ص: 208


1- اللّهوف : 79.
2- السنن الكبرى للبيهقيّ 3 / 337 ، مجمع الزوائد 9 / 197 ، المعجم الكبير 3 / 114 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 226 ، تهذيب الكمال 6 / 433 ، ينابيع المودّة 3 / 17.

ثمّ إنّ هذه الميزة لم تكن موجودة في قصّة إبراهيم عليه السلام ، فعليه أكّد النبيّ صلى اللّه عليه وآله بأنّ الشمس لا تنكسف لموت بشر ، أي إنّ الكسوف لا يقع بدون هدف وغرض في ناموس الخلقة وعالم التكوين ، ولكن عندما يكون هناك هدف أسمى فسوف تظهر للناس العلائم والآيات الكونية ، تعبيراً عن إرادة اللّه تعالى ومشيته في خلقه ؛ كما هو الحال أيضاً في ظهور العلائم السماوية - من قبيل الخسوف والكسوف - قبيل ظهور صاحب العصر والزمان عليه السلام على ما في أخبار العامّة والخاصّة.

( البحرين. سنّي - 21 سنة - طالب جامعة )

الاهتمام بزيارته لا يلزم أفضليته على غيره :

س : إنّكم تؤمنون بأنّ الرسول أفضل الخلق ، ولكن لم نسمع منكم أحاديث قدسية تثني على قبره ، كما تثني على قبر الحسين وعلي!!

ولم نسمع أنّ قبر الرسول روضة من رياض الجنّة ، كما نسمع منكم وتعتقدون في قبر الحسين!!

ولم نسمع أنّ هناك حديث لديكم أنّ الملائكة والأنبياء عليهم السلام تستأذن اللّه تعالى لزيارة قبر النبيّ ، كما تفعل لزيارة قبر الحسين؟! إذاً الحسين أفضل من النبيّ؟!

ولم نسمع لديكم مقولة عن قبر الرسول ، كما هي مقولتكم الشهيرة :

يا صاحب القبّة البيضاء في النجف *** من زار قبرك واستشفى لديك شفي

زوروا أبا الحسن الهادي لعلّكم *** تحضون بالأجر والإقبال والزلف (1)

أم لأنّ أبا بكر وعمر تشرّفوا بأن تكون قبورهم بجوار قبر المصطفى لا يفصلها سوى أقل من متر ، ولذا لم نسمع منكم أنّ قبره صلى اللّه عليه وآله روضة من رياض الجنّة؟!

ص: 209


1- الغدير 4 / 88.

ج : ادعاؤك بأنّنا نفضّل الإمام الحسين عليه السلام على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لمجرد ذكر فضيلة له عليه السلام ، لم يقل به أحد منّا.

فمجرد الاهتمام بزيارة الحسين عليه السلام ، وأنّ قبره روضة من رياض الجنّة لا يلزم أفضليته على غيره ، أو عدم ثبوتها لغيره ، لأنّ ذلك لا يعني أنّه الأفضل مطلقاً ، ومن كلّ جهة حاشا وكلاّ.

نأخذ مثلاً على ذلك : أنّ موسى عليه السلام يسمّى كليم اللّه ، وعيسى عليه السلام روح اللّه ، وإبراهيم خليل اللّه ، هل عندما نثبت ذلك ننفي هذه الخصائص عن رسول اللّه؟ أو يلزم من ذلك أنّهم أفضل من النبيّ؟ فهذا لا يقول به عاقل ، ناهيك عن مسلم.

فالخصائص قد يختصّ بها شخص لحكمة ما ، أو لتكريم مناسب ومكافئ لفعل قام به ، أو لاشتهار بشيء يناسب ما يطلق عليه معها الحلم أو العلم أو اختصاص بزيارة ، فلا يدلّ ثبوت شيء ونفيها عن الغير ، على أفضليته مطلقاً على غيره.

فنردّ على ذلك الفهم من عدّة وجوه :

1 - نفي الملازمة بين هذه الفضيلة ، أو هذا الاهتمام بالزيارة للحسين عليه السلام ، وبين ما تدّعيه وتفهمه من لزوم ذلك لتفضيله على النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه وآله ، وكما بينّا آنفاً بعدم لزوم ذلك سلب الأهمّية أو المنزلة عن غيره ، أو تفضيله بكلّ شيء ، فهذا الادعاء باطل.

2 - ما أُثبت من فضل لمرقد الحسين عليه السلام من أنّه روضة من رياض الجنّة ثبت نفسه للرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله ، بل ثبت ذلك لأئمّة آخرين ، أو لأماكن أُخرى ، مثل : الكعبة ، ومسجد الكوفة ، بل ولقبر كلّ مؤمن صالح ، فلم يكن ذلك من خصائص الحسين عليه السلام حتّى تنقض علينا ، وتزعم ما تزعم من أباطيل واستنتاجات.

ص: 210

فقد ورد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنّة »(1).

وورد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أيضاً أنّه قال : « ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنّة »(2).

وكذا وردت الروايات عن قبر الإمام الرضا عليه السلام ، وعن الكعبة المشرّفة ، وما بين الركن والمقام روضة من رياض الجنّة.

بل إنّ كلّ مؤمن صالح يكون قبره روضة من رياض الجنّة ، وكلّ كافر أو فاسق يكون قبره حفرة من حفر النيران ، فقد قال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « القبر حفرة من حفر جهنّم ، أو روضة من رياض الجنّة »(3).

فكلّ مسلم يعتقد بأنّ المؤمن البسيط - أي غير المعصوم - يكون قبره روضة من رياض الجنّة ، فما بالك بإمام ابن إمام ، وابن رسول اللّه ، وسيّد شباب أهل الجنّة ، وسيّد الشهداء؟!

ولكن مع الأسف الشديد لا تتحمّلون أيّ فضيلة لأحد من أهل البيت عليهم السلام ، وهذا الكلام ليس لهذا الموقف فقط ، ولكن أُنظر لابن تيمية وغيره ممّن

ص: 211


1- الكافي 4 / 553 ، تهذيب الأحكام 6 / 7 ، المصنّف للصنعانيّ 3 / 183 ، كنز العمّال 12 / 260 ، علل الدارقطنيّ 10 / 273.
2- من لا يحضره الفقيه 2 / 568 ، فتح الباري 3 / 55 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 413 ، مسند أبي يعلى 2 / 496 ، المعجم الأوسط 1 / 192 و 223 ، المعجم الكبير 12 / 227 ، كنز العمّال 12 / 260 ، علل الدارقطنيّ 8 / 222 ، تاريخ بغداد 11 / 228 ، تاريخ مدينة دمشق 22 / 177 و 40 / 37 و 49 / 118 ، أُسد الغابة 4 / 208 ، تهذيب الكمال 33 / 351 ، سير أعلام النبلاء 12 / 77 ، الإصابة 5 / 415 ، سبل الهدى والرشاد 9 / 265 و 12 / 349.
3- فيض القدير 5 / 570 ، الجامع الكبير 4 / 55 ، مجمع الزوائد 3 / 46 ، المعجم الأوسط 8 / 273 ، كنز العمّال 15 / 545 و 603 و 700 ، كشف الخفاء 2 / 90 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 496 ، البداية والنهاية 8 / 7 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 304.

يتصدّون للردّ على شيعة أهل البيت عليهم السلام ، كيف يجرّدون كلّ فضيلة عن معناها ، بل في بعض الأحيان يجعلونها بلا دلالة ، أو تطييباً للخاطر مداراة لعلي عليه السلام ، كما في قوله صلى اللّه عليه وآله : « ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي »(1) حيث أدّعي أنّ قوله هذا لا شيء سوى تطييباً للخاطر؟!

ص: 212


1- فضائل الصحابة : 13 ، شرح صحيح مسلم 15 / 174 ، مجمع الزوائد 9 / 109 ، تحفة الأحوذيّ 10 / 161 ، مسند أبي داود : 29 ، المصنّف للصنعانيّ 5 / 406 و 11 / 226 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 496 و 8 / 562 ، مسند ابن راهويه 5 / 37 ، مسند سعد بن أبي وقّاص : 51 و 103 و 139 ، الآحاد والمثاني 5 / 172 ، كتاب السنّة : 551 و 586 و 595 و 610 ، السنن الكبرى للنسائيّ 5 / 44 و 108 و 113 و 120 و 125 و 144 ، خصائص أمير المؤمنين : 48 و 64 و 76 و 80 و 85 و 116 ، مسند أبي يعلى 1 / 286 و 2 / 66 و 86 و 99 و 132 و 12 / 310 ، أمالي المحامليّ : 209 و 251 ، صحيح ابن حبّان 15 / 16 و 371 , المعجم الصغير 2 / 22 و 54 ، المعجم الأوسط 2 / 126 و 3 / 139 و 4 / 296 و 5 / 287 و 6 / 77 و 83 و 7 / 311 و 8 / 40 ، المعجم الكبير 1 / 148 و 2 / 247 و 4 / 184 و 5 / 203 و 11 / 63 و 12 / 15 و 78 و 24 / 146 ، نظم درر السمطين : 107 ، موارد الظمآن : 543 ، كنز العمّال 5 / 724 و 9 / 167 و 11 / 599 و 603 و 13 / 106 و 158 و 163 و 192 و 16 / 186 ، فيض القدير 4 / 471 ، كشف الخفاء 2 / 382 ، شواهد التنزيل 1 / 192 و 2 / 35 ، الجامع لأحكام القرآن 1 / 266 و 7 / 277 ، الطبقات الكبرى 3 / 23 ، تاريخ بغداد 7 / 463 و 8 / 52 و 11 / 430 و 12 / 320 ، تاريخ مدينة دمشق 2 / 31 و 13 / 151 و 20 / 360 و 21 / 415 و 30 / 359 و 38 / 7 و 39 / 201 و 41 / 18 و 42 / 42 و 53 و 100 و 111 و 115 و 139 و 145 و 152 و 159 و 165 و 171 و 177 و 182 و 54 / 226 و 59 / 74 و 70 / 35 ، أُسد الغابة 4 / 27 ، تهذيب الكمال 20 / 483 و 25 / 423 و 32 / 482 و 35 / 263 ، تذكرة الحفّاظ 1 / 10 ، سير أعلام النبلاء 1 / 361 و 7 / 362 و 12 / 214 و 14 / 210 و 15 / 42 ، تهذيب التهذيب 7 / 296 ، الإصابة 4 / 467 ، أنساب الأشراف : 94 ، و 106 ، البداية والنهاية 5 / 11 و 7 / 251 و 370 و 374 و 8 / 84 ، جواهر المطالب 1 / 58 و 171 و 197 و 212 و 296 ، سبل الهدى والرشاد 5 / 441 و 11 / 291 و 296 ، ينابيع المودّة 1 / 112 و 156 و 160 و 309 و 404 و 2 / 97 و 119 و 153 و 237 و 302 و 389 و 3 / 211 و 369 و 403.

( سنّي - .... - .... )

سبب البكاء عليه :

س : إلى مركز الأبحاث العقائدية : أرجو أن يكون الاستدلال عن طريق كتب أهل السنّة.

هذه كتب الشيعة تبيّن بجلاء : أنّ الذين زعموا تشييع الحسين ونصرته ، هم أنفسهم الذين قتلوه ، ثمّ ذرفوا عليه الدموع ، وتظاهروا بالبكاء ، ولو كان هذا البكاء يعكس شدّة المحبّة لأهل البيت ، فلماذا لا يكون البكاء من باب أولى على حمزة عمّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله؟ فإنّ الفظاعة التي قتل بها لا تقل عن الطريقة التي ارتكبت في حقّ الحسين ، حيث بقرت بطن حمزة وأخرجت كبده ، فلماذا لا يقيمون لموته مأتماً سنوياً؟ يلطمون فيه وجوههم ويمزّقون ثيابهم ، ويضربون أنفسهم بالسيوف والخناجر؟ أليس هذا من أهل بيت النبيّ صلى اللّه عليه وآله؟

ج : إنّ لكلّ شيء غلوّاً وتجاوزاً للحدّ إلاّ شيء واحد لا يقع فيه الغلوّ ألا وهو حبّ اللّه تعالى ، فكلّما ازداد العبد حبّاً فيه كان ذلك قليلاً ، ولأنّ اللّه غير محدود ، فلا تقع في محبّته غلوّ مهما بلغت ، لأنّ صفة غير المحدود غير محدودة هذا أوّلاً.

وأهل البيت هم خاصّة النبيّ صلى اللّه عليه وآله وأهله ، وهم قرناؤه وفي درجته ، وحبّنا لهم وللنبيّ صلى اللّه عليه وآله هو حبّ لله تعالى ، لأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله وأهل بيته فنوا في اللّه تعالى ، حتّى صارت إرادتهم خاضعة تماماً لإرادة اللّه ، فلأجل ذلك قال النبيّ صلى اللّه عليه وآله في الحديث الصحيح لعلي بن أبي طالب عليه السلام : « لا يحبّك إلاّ مؤمن ، ولا يبغضك إلاّ منافق ، من أحبّك فقد أحبّني ، ومن أبغضك فقد ابغضني ، وحبيبي حبيب اللّه ، وبغيضي بغيض اللّه ، ويل لمن أبغضك بعدي »(1).

ص: 213


1- مسند أحمد 1 / 95 و 128 ، مجمع الزوائد 9 / 133 ، فتح الباري 1 / 60 و 7 / 58 ، شرح نهج البلاغة 13 / 251 ، تاريخ بغداد 8 / 416 و 14 / 426 ، أُسد الغابة 4 / 26 ، تذكرة الحفّاظ 1 / 10.

وهم قرناء القرآن الكريم بحديث الثقلين ، الذي أورد فيه : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي أبداً : كتاب اللّه ، وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض »(1).

وهم نفس النبيّ الكريم صلى اللّه عليه وآله بنصّ آية المباهلة ، والحسن والحسين ابنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بالأحاديث الصحيحة ، وفاطمة بضعة من الرسول الأكرم صلى اللّه عليه وآله ، يؤذيه ما يؤذيها ، ويغضبه ما يغضبها ... الخ.

وأهل بيت النبيّ صلى اللّه عليه وآله هم : علي وفاطمة والحسن والحسين وفاطمة عليهم السلام كما في حديث أُمّ سلمة ، وكما صرّح علماء من السنّة بذلك ، ولا يدخل فيهم غيرهم ، فإذا كان هؤلاء أهل بيت النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وهم عدل القرآن ، وهم العاصمان للناس من الانحراف ، ألا يحقّ للإنسان أن يتألّم ويتأذّى لما يجري على هذه العصبة المطهّرة؟!

لو أنّ شخصاً تعدّى على حرمة القرآن نتألّم ونحزن ونقيم الدنيا - وحقّ لنا ذلك - ، أفلا يحقّ لنا أن نتألّم على عدل القرآن؟ والمساوي له في الهداية والعصمة؟!

ص: 214


1- مسند أحمد 5 / 182 ، تحفة الأحوذيّ 10 / 196 ، مسند ابن الجعد : 397 ، المنتخب من مسند الصنعانيّ : 108 ، ما روى في الحوض والكوثر : 88 ، كتاب السنّة : 337 و 629 ، السنن الكبرى للنسائيّ 5 / 45 و 130 ، مسند أبي يعلى 2 / 297 و 303 و 376 ، المعجم الصغير 1 / 131 ، المعجم الأوسط 3 / 373 ، المعجم الكبير 3 / 65 و 5 / 154 و 166 و 170 ، نظم درر السمطين : 231 ، الجامع الصغير 1 / 402 ، العهود المحمدية : 635 ، كنز العمّال 5 / 290 و 13 / 104 و 14 / 435 ، دفع شبه التشبيه : 103 ، شواهد التنزيل 2 / 42 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 123 ، الطبقات الكبرى 2 / 194 ، علل الدارقطنيّ 6 / 236 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 220 و 54 / 92 ، سير أعلام النبلاء 9 / 365 ، أنساب الأشراف : 111 ، البداية والنهاية 5 / 228 و 7 / 386 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 6 و 12 / 232 ، ينابيع المودّة 1 / 74 و 97 و 100 و 113 و 119 و 123 و 132 و 345 و 350 و 360 و 2 / 90 و 112 و 269 و 273 و 403 و 437 و 3 / 65 و 141 و 294 ، لسان العرب 4 / 538.

ألا يحقّ لنا أن نحزن ، لأنّ اللّه غضب في ذلك واسودّت سماؤه لأجل قتل العترة الطاهرة؟!

ألا يحقّ لنا أن نحزن مع فاطمة وأبيها عليهما السلام ، لأنّ ابنهما قطّعته سيوف بني أُمية ، ورضّت أضلعه الزكية بحوافر الخيل ، وقطّعت رأسه ، وأخذته إلى البغيّ عبيد اللّه بن زياد ثمّ إلى يزيد ، وضربت تلك الشفاه التي ما فارقت القرآن ولا الذكر ، وما فارقها تقبيل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، أكلّ هذا يجعلنا لا نتألّم؟ بل يريد صاحبنا أن نفرح وندقّ الطبول ، ونصوم فرحاً كما فعلته بنو أُمية؟!

وهذا ابن عباس يقول : رأيت رسول اللّه أشعث الرأس ، أغبر اللون في يوم عاشوراء ، أفلا نحزن نحن ، وهذا خاتم الأنبياء صلى اللّه عليه وآله ، حزن وتألّم لهذا اليوم؟!

إنّ الجزع أخي الكريم من أشكل به على عزاء الحسين ، والبكاء عليه غفل عنه ، وأخذه من دون فهم ، لأنّ الجزع يتضمّن في داخله ردّ الحكم الإلهيّ والقضاء الربّانيّ ، والتضجّر من القانون السماويّ ، ولذلك يكون معصية كبيرة ولو كان فاعله ملتفتاً إلى الملازمة التي فيه يكون كافراً - والعياذ باللّه - لكن من يقيم العزاء على الحسين عليه السلام لا يعترض على قضاء اللّه تعالى ، ولا يردّ حكمه فيه ، كما لم يردّه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حينما بُلّغ بذلك ، وبكى لمّا علم من أمر ابنه ، وإنّما البكاء على تلك المظلومية وذلك العدوان ، فبينما نرى الطلقاء وأبناء الأدعياء أخذوا يلهجون بالنبوّة ، ويدّعون الخلِّة ، والحاكمية على الناس ، وأخذوا يستعبدون الأحرار ، ويقتلون الأخيار ، وأخذوا يحلّلون محارم اللّه ، من الزنا والقتل وشرب الخمر .. ، وإذ نرى في الطرف المقابل سيّد شباب أهل الجنّة ، وريحانة الرسول ، وابن فاطمة البتول ، وهو سيّد العترة في زمانه ، والمأمورين بالاقتداء به ، فضلاً عن محبّته واحترامه ، مقيم حدود القرآن ، ومحي السنّة ، والمنار الذي نصبته السماء .. ، بينما نرى الحسين عليه السلام صاحب هذه الصفات الفريدة الخاصّة يسير بأهله من مكّة المكرّمة ، ويصل أرض

ص: 215

كربلاء ، ويقتله الطلقاء أشنع قتله ، ويمثّل به ورسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : « المثلة حرام حتّى بالكلب العقور » ، ويمنع الماء ، ويقتل حتّى أطفاله ، وتسبى نساؤه ، وتهتك حرمته التي حرّم اللّه ورسوله صلى اللّه عليه وآله ، بينما نرى هذا كلّه ، وتريدنا أن نفرح أو نضرب الطبل ، أو نسكت فقط ونسترجع لا غير؟!!

أهذا الكلام يصدر ممّن اتبع سنّة الرسول؟ أم ممّن اتبع سنّة غيره؟! إنّه لا يصدر إلاّ ممّن أُشرب حبّ الأدعياء ، فهذا الذي بكاه النبيّ صلى اللّه عليه وآله كيف لا نبكي عليه؟!

ونبكيه لهذا الظلم والجور ، لا جزعاً وردّاً لحكم اللّه ... ونسترجع عليه لهذا الإجحاف ، وهذا الظلم الشنيع ، لا للاعتراض على اللّه ... ، نبكيه ونقول : لا حول ولا قوّة إلاّ باللّه ، إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، لا رادّ لحكمك ، ولا مبدّل لقضائك ، جلّت حكمتك ، وعظم سلطانك ، أنت العالم والحاكم ، لا تخفى عليك خافية ، ولا تحيف في قضائك ، أنت ربّ الحسين وسيّده ، وهو عبدك وابن أمتك ، اصطفيته على عبادك ، واخترته من بين مخلوقاتك ، وأنت العالم بما يجري ، والشاهد لما جرى ، وأنت ارحم الراحمين ، وأحسن الحاكمين.

ومن ذلك نفهم أنّ الحسين عليه السلام نبكيه ، لأنّه عدل القرآن ، والطريق المأمورين باتباعه ، وغصن الشجرة النبوية ، التي فاز من اقتدى بها ، وهو سيّد أهل بيت النبيّ صلى اللّه عليه وآله في زمانه الذين لهم مرجعية الأُمّة.

وأمّا غيره فصحيح عابد شهيد صالح ، لكنّه ليس من تلك الشجرة النبوية التي أمرنا بالاقتداء بها ، وليس من أهل بيت النبيّ صلى اللّه عليه وآله الذين هم عدل القرآن.

وليس هو أمان لأهل الأرض ، كما أنّ النجوم لأهل السماء ، وغير ذلك الكثير ، فلهذا كان لأهل بيت النبيّ صلى اللّه عليه وآله المخصوصين هذه الخصوصية ، وهذه المنزلة ، فلذلك صار الحسن والحسين عليهما السلام سيّدا شباب أهل الجنّة ، وغيرهم مهما كان ليس له هذا المقام ، لأنّ الشجرة النبوية تمثّلت فيهم ، ولأنّ الهداية الربّانية بالاقتفاء بهم.

ص: 216

أضف إلى ذلك : أنّا نتألّم على كلّ شهيد قدّم نفسه للإسلام ، ونتوجّع على الحمزة عليه السلام ، لأنّه قدّم نفسه للإسلام ، وقتل شهيداً ، ومثّل به ، لكنّه غير الحسين عليه السلام ، ولم يفعل به كما فعل بالحسين عليه السلام ، لأنّ الحسين منع الماء ، وقتل طفله الرضيع ، وسبيت نساؤه ، أمّا الحمزة فلم يفعل به ذلك.

والحسين أخذ رأسه إلى أبناء الأدعياء وأبناء الطلقاء ، والحمزة لم يفعل به ذلك.

الحسين داسته الخيل ، وهشّمت جسده الطاهر ، والحمزة لم يفعل به ذلك ، الحسين بكاه النبيّ صلى اللّه عليه وآله من حين ولادته ، وأخذ تربته وأعطاها لغيره ، والحمزة ليس له ذلك.

قال القندوزي الحنفي ، بعد أن ذكر الآيات التي ظهرت بعد مقتل الحسين عليه السلام ، من اسوداد السماء اسوداداً عجيباً ، وضرب الكواكب بعضها ببعض ، وما من حجر رفع إلاّ تحته دم ، ومطر السماء دماً ، وبكاء السماء وغير ذلك قال : « قال ابن الجوزيّ : وحكمته أنّ غضبنا يؤثر حمرة الوجه ، والحقّ منزّه عن الجسمية ، فأظهر تأثير غضبه على من قتل الحسين بحمرة الأفق ، إظهاراً لعظم الجناية.

قال : وأنين العباس ببدر وهو أسير منع النبيّ صلى اللّه عليه وآله عن النوم ، فكيف بأنين الحسين؟!

ولمّا أسلم وحشي قاتل حمزة ، قال له النبيّ صلى اللّه عليه وآله مغضباً : « غيّب وجهك عنّي ، فإنّي لا أُحبّ أن أرى من قتل الأحبّة ... » ، فكيف لا يغضب على من قتل الحسين ، وأمر بقتله ، وحمل أهله على أقتاب الجمال »؟! (1).

أمّا بالنسبة للقسم الأول من السؤال - آي ما يتعلّق بالشيعة وقتل الحسين عليه السلام - فقد تمت الإجابة عليه سابقاً فراجع. .

ص: 217


1- ينابيع المودّة 3 / 21.

( سنّي ........ )

أُخذ رأسه إلى الشام :

س : إلى مركز الأبحاث العقائدية : أرجو أن يكون الاستدلال عن طريق كتب أهل السنّة.

لم يثبت أنّ رأس الحسين أرسل إلى يزيد بالشام ، بل الصحيح أنّ الحسين قتل في كربلاء ، ورأسه أخذ إلى عبيد اللّه بن زياد في الكوفة ، فجعل في طست ، فجعل ينكت عليه ، وقال في حسنه شيئاً ، فقال أنس : إنّه كان أشبههم برسول اللّه.

فلا يعلم قبر الحسين ولا مكان رأسه.

ج : إنّ مسألة سبي نساء الإمام الحسين عليه السلام وأخذ رأسه إلى يزيد بن معاوية ، قد ذكره مجموعة من علماء أهل السنّة ، نذكر بعضهم :

1 - قال ابن حبّان : « ثمّ أنفذ عبيد اللّه بن زياد رأس الحسين بن علي إلى الشام ، مع أُسارى من النساء والصبيان من أهل بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله على أقتاب مكشّفات الوجوه والشعور ... ، ثمّ أُركب الأسارى من أهل بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله من النساء والصبيان على أقتاب يابسة مكشّفات الشعور ، وادخلوا دمشق كذلك ، فلمّا وضع الرأس بين يدي يزيد بن معاوية جعل ينقر ثنيته بقضيب كان في يده ، ويقول : ما أحسن ثناياه »! (1).

2 - قال ابن حجر الهيثميّ : « ولمّا أنزل ابن زياد رأس الحسين وأصحابه ، جهّزها مع سبايا آل الحسين إلى يزيد ، فلمّا وصلت إليه ، قيل : إنّه ترحّم عليه ، وتنكّر لابن زياد ، وأرسل برأسه وبقية بنيه إلى المدينة ».

وقال سبط ابن الجوزيّ وغيره : « المشهور أنّه جمع أهل الشام وجعل ينكت الرأس بالخيزران » (2).

ص: 218


1- الثقات 2 / 311.
2- الصواعق المحرقة 2 / 579.

فهنا سبط ابن الجوزيّ ينقل لنا الشهرة بين العلماء بأنّ رأس الحسين عليه السلام أرسل إلى يزيد الطليق ، وضربه يزيد بدرّته عليه لعنة اللّه.

3 - قال أبو الفداء : « ثمّ بعث - أي ابن زياد - بالرؤوس وبالنساء وبالأطفال إلى يزيد بن معاوية ، فوضع يزيد رأس الحسين بين يديه ، واستحضر النساء والأطفال »(1).

4 - وهاك الذهبيّ المتعصّب ، وهو يعترف بقتل يزيد للحسين عليه السلام وسبيه لأهل بيته ، قال : « وأبغضوه - يعني أهل المدينة ابغضوا يزيداً - لما جرى من قتل الحسين عليه السلام ، فإنّ الحسين كاتبه أهل الكوفة يحثّونه على القدوم ، فسار في سبعين فارساً من المدينة إلى الكوفة ، فلم يتمّ له الأمر ، وسار لقتاله نحو ألفي فارس ، فأحاطوا به ، فلم يفعل ينقاد لهم ولا يسلّم نفسه ، بل قاتل حتّى جاءه سهم في حلقه فسقط ، واحتزّوا رأسه ، ... ونفذوا أولاده وحرمه إلى يزيد وهو بدمشق »(2).

5 - قال ابن كثير : « وقد اختلف العلماء بعدها في رأس الحسين ، هل سيّره ابن زياد إلى الشام إلى يزيد أم لا؟ على قولين : والأظهر منها أنّه سيّره إليه ، وقد ورد في ذلك آثار كثيرة »(3).

6 - قال الهيثميّ : « أبى الحسين بن علي أن يستأسر ، فقاتلوه ، وقتلوا بنيه وأصحابه ، الذين قاتلوا معه بمكان يقال له الطفّ ، وانطلق بعلي بن حسين ، وفاطمة بنت الحسين ، وسكينة بنت الحسين إلى عبيد اللّه بن زياد ، وعلي يومئذ غلام قد بلغ ، فبعث بهم إلى يزيد بن معاوية ، فأمر بسكينة فجعلها خلف سريره ؛ لئلا ترى رأس أبيها وذوي قرابتها ، وعلي بن الحسين في غلّ ، فوضع رأسه فضرب على ثنيتي الحسين ، فقال :

ص: 219


1- المختصر في أخبار البشر 1 / 266.
2- دول الإسلام 1 / 54.
3- البداية والنهاية 8 / 209.

نفلق هاماً من رجال أحبّة *** إلينا وهم كانوا أعقّ وأظلما »(1)

( صلاح عبد المهديّ الجبوري - العراق - طالب علم ) لم يأخذ برأي أولاد مسلم في مسيره لكربلاء :

س : من خلال مطالعتي لكتاب مروج الذهب للمسعودي ، لفت نظري معنى في حادثة الطف ، وهي مسير الإمام الحسين من المدينة قاصداً كربلاء ، يقول المسعوديّ : إنّ الإمام الحسين عليه السلام في طريقه إلى كربلاء أراد أن يصرف نظره عن مواصلة المسير إليها ، ولكن أولاد مسلم بن عقيل قالوا له : يا عم ، إنّ أبانا قد قُتل ، وما فائدة رجوعنا إلى المدينة؟ فلنواصل مسيرنا إلى كربلاء.

ويقول المسعوديّ ما معناه : فعدل الإمام عن رأيه ، وواصل المسير إلى كربلاء.

فهل أنّ الإمام أخذ برأي الطفلين الصغيرين؟ وواصل مسيره إلى كربلاء؟ فأرجو الإجابة عن هذا السؤال ، ولكم جزيل الشكر ، ودمتم سالمين.

ج : إنّ الإمام الحسين عليه السلام خرج من مكّة وهو يعلم أنّه سيقتل ، وأنّه خارج بأمر اللّه تعالى ، وقد صرّح في أكثر من مرّة أنّه مقتول ، ولكن الإمام أجاب عن سبب خروجه بعدّة إجابات ، تختلف في ظاهرها باختلاف الأشخاص.

فما يذكر في كتب التاريخ من أنّ الإمام الحسين عليه السلام أراد الرجوع ناتج عن عدم الفهم الصحيح لأقوال الإمام عليه السلام ، ولعلّ ما ورد عن أبي مخنف : من أنّ بني عقيل اعترضوا الإمام عليه السلام ، وقالوا : لا واللّه لا نبرح حتّى ندرك ثأرنا أو تذوق ما ذاق أخونا ، فأجاب الإمام عليه السلام للناقلين خبر مقتل مسلم ، اللذين كانا يعارضان الإمام عليه السلام بمواصلة المسير بأنّه : « لا خير في العيش بعد هؤلاء »(2) يعني بني عقيل.

ص: 220


1- مجمع الزوائد 9 / 195.
2- مقتل الحسين لأبي مخنف : 78.

فلعلّ هذه الإجابة - على فرض صحّة صدورها من الإمام عليه السلام - هي التي أوهمت لدى السامعين ، أنّ السبب لمواصلة الإمام عليه السلام هو إصرار بني عقيل على المواصلة ، لكنّ السبب الحقيقيّ لخروج الإمام عليه السلام هو أمر اللّه بذلك.

( مؤيّد الشمّريّ. العراق - 26 سنة - بكالوريوس الهندسة الكهربائية )

أصحابه أفضل من أصحاب الإمام المنتظر :

س : ندعو لكم بالتسديد الموفّق ، ونرجو الإجابة عن السؤال التالي :

أيّ الأصحاب أفضل : أصحاب الحسين عليه السلام ، أم أصحاب الإمام الحجّة عليه السلام؟ مع الدليل العقليّ فقط.

نسأل اللّه أن تشملنا وإيّاكم شفاعة محمّد وآل محمّد.

ج : لا يمكن لأحد أن ينكر فضل وشرف أصحاب الإمام المنتظر عليه السلام ، إلاّ أنّ أصحابه عليه السلام موعودون بالنصر ، مع أنّ أصحاب الإمام الحسين عليه السلام كانوا موعودين بالقتل والإبادة الشاملة ، وهذا المعنى يقتضي تقدّمهم على أصحاب الإمام المنتظر.

مضافاً إلى أنّه قد روي : أنّ الإمام الحسين عليه السلام قال ليلة العاشر من المحرّم في مدح أصحابه أمام العقيلة زينب : « واللّه لقد بلوتهم ، فما وجدت بينهم إلاّ الأشوس الأقعس ، يستأنسون بالمنية دوني استيناس الطفل إلى محالب أُمّه ».

وفي بعض الروايات : « إنّي لا أعلم أصحاباً خيراً من أصحابي ، ولا أهل بيت أبرُّ من أهل بيتي »(1) ، فالروايتان من أهمّ الأدلّة على أفضلية أصحاب الإمام الحسين عليه السلام على أصحاب الإمام المنتظر عليه السلام.

ص: 221


1- مقاتل الطالبيين : 74.

( أُمّ نور - البحرين - 30 سنة - طالبة حوزة )

أسباب عدم نصرته :

س : ما هي الأسباب التي أدّت إلى التخلّي عن نصرة الإمام الحسين عليه السلام؟ ولكم جزيل الشكر.

ج : إنّ ما طلبت يحتاج إلى بحث موسّع كبير للإجابة عليه ، فهناك أسباب كثيرة ، تحتاج إلى شرح وشواهد ومؤيّدات وتحليلات ، ولكن يمكن أن نشير إلى عناوين بعض الأسباب فقط :

1 - الوضع العام في مدينة الكوفة كان ذا ألوان مختلفة من الشيعة الحقيقيّين ، وتوسّطاً بالخوارج ، إلى العثمانيين والأمويّين.

وليس صحيحاً ما غلب على الأسماع : أنّ الكوفة كانت كلّها من الشيعة ، فإنّ الموالين الحقيقيّين الذين يعرفون الإمام عليه السلام على حقيقته ، ووجوب طاعته كانوا نسبة قليلة منهم ، والنسبة الأكبر محبّين يفضّلونهم على الأمويّين وعلى عثمان مثلاً ، مع أنّهم يوالون أبا بكر وعمر ، فقد كانت هناك شريحة واسعة في الكوفة هي على عقائد العامّة ، قبل استيلاء معاوية على الحكم.

ثمّ هناك الناقمين على ظلم بني أُمية ، وإن لم يكونوا شيعة ، وأيضاً الخوارج ، فلم يخلص من هذه الفئات عندما جدّ الجدّ إلاّ القليل ، مع أنّ الكثير من تلك الفئات كتبت إلى الإمام الحسين عليه السلام تدعوه. فلم يكن الوعي الدينيّ عند الكوفيين في ذلك الوقت ، كما نعرفه اليوم عند الشيعة الإمامية ، بالنسبة لمكانة ومعرفة حقّ الإمام عليه السلام المفروض الطاعة ، وذلك نتيجة ما عمله الخلفاء قبل علي عليه السلام من تشويه لمبدأ الإمامة خاصّة ، ومبادئ الإسلام عامّة.

2 - إنّ مواقع القوّة والنفوذ كانت بيد غير الشيعة الموالين للأئمّة عليهم السلام ، نتيجة لحكم معاوية الذي استمر عشرون سنة ، وهذا طبيعي في الحكومات المستبدّة ، فكان أصحاب المال والقادة ورؤساء العشائر وغيرهم يوالي أكثرهم الحكومة الأمويّة ، فإنّ مناصبهم وأطماعهم متعلّقة بالحكومة.

ص: 222

3 - الإرهاب والقمع الشديد الذي مارسه ابن زياد ، فإنّه اتبع أسلوب الترغيب والترهيب ، فرغّب ضعفاء النفوس بزيادة العطاء ، واستمال رؤساء العشائر بالمناصب والقيادة ، وبالمقابل قمع من كان صلباً في عقيدته ، فألقى عليهم القبض وزجّهم في السجون ، وكثير منهم لمّا خرجوا قاموا بحركة التوّابين ، المتمثّلة بسليمان بن صرد الخزاعي وأتباعه.

وأمّا رؤساء العشائر الموالين فقد غدر بمن غدر ، وسجن من سجن ، ونحن نعرف أنّ الذي يحرّك الناس نحو الهدف الصحيح ويجمعهم ، هم الرجال أصحاب المكانة والنفوذ ، فإذا غيّبوا انفرط عقد الناس ، خاصّة في مجتمع قبلي يكون ولاء الناس للقبيلة ورئيسها ، ويكونون معه في أيّ جهة كان ، فقد كانت ولاءات رؤساء العشائر مقسّمة بين الأمويّين والعلويّين ، فاستعان ابن زياد بمن والاه من رؤوس العشائر للقضاء على من خالفه ، فكلّ قبيلة فقدت رئيسها وذو الكلمة فيها ضعفت عن أخذ المبادرة ، وانفرط عقدها وتشتتت.

هذا مع ملاحظة ما كان يبثّه أعوان ابن زياد من التهديد والوعيد والإرهاب ، والقبض على المخالفين ، وبثّ الجواسيس والعيون ، وجعل الأرصاد على مداخل الكوفة ، وتهديدهم بجيش الشام ، ففي مثل هذا الوضع يسقط ما في يد الرجل المستضعف المنفرد ، ولا يقوى على التحرّك والصمود إلاّ الأوحدي.

4 - إنّ من لا يكون له حريجة في الدين يفعل أيّ شيء ، ويستعمل أيّ وسيلة للوصول إلى غايته ، ويأخذ الناس بالظنّ والتهمة ، ويأخذ الآخرين بجريرة غيرهم ، فينتشر الرعب بسرعة ، وتثبط عزيمة الناس ، وهذا دأب كلّ الطغاة.

أمّا أصحاب الدين والمبادئ فلا يمكنهم أن يستعملوا هذه الأساليب ، فيتوقّفون ويتأمّلون في كلّ حركة ؛ لمعرفة كونها موافقة للدين أو مخالفة ، ولذا يكون عملهم بصورة عامّة ، وأقلّ مبادرة من عمل الطغاة ، وغير الملتزمين بالدين ، فإنّك ترى في بعض الأحيان تدبير جيّد يمكن النجاح فيه ، ولكن لا يفعله المؤمنين خوفاً من اللّه ، فيستغلّ المقابل هذا التوقّف لصالحه ، فمثلاً لم

ص: 223

يقتل مسلمُ ابنَ زياد غدراً ، ولكن قتل ابنُ زياد هانئ غدراً.

وكذا لم يهدّد أو يقتل أصحاب مسلم عندما كانوا مسيطرين على الكوفة مخالفيهم ، حتّى إنّهم بقوا آمنين أحراراً يكيدون لمسلم ، بينما أخذ ابن زياد يقتل على الظنّ والتهمة ، ويهدّد بهدم الدور وقطع الأرزاق ، فإنّ مثل هذه الحالة تظهر الطغاة كأنّهم مسيطرين على البلد ولهم الكثرة ، وتجعل المؤمنين كأنّهم قلّة خائفين ، وهذه قاعدة عامّة في كلّ المجتمعات ، وفي كلّ الأوقات ، وفي مثل هذه الحالات تتجلّى مواقف الرجال والمؤمنين ، وقوّة شخصيّتهم.

5 - هناك حالة تصيب المجتمعات وتعتبر مرضاً عامّاً لكلّ الحركات الرسالية المبدأية ، وهي أنّه بعد فترة من ظهور الحركة ، سوف تضعف نفوس المعتنقين لمبادئ هذه الحركة ، ويلجؤون إلى الدعة والراحة ، وطلب الدنيا وملذّات الحياة ، وهو ناتج عن طبيعة النفس البشرية المحبّة للشهوات والكارهة للتضحية.

وهذه الحالة المرضية يسمّيها الشهيد الصدر بمرض ضعف الإرادة وخورها ، أي أنّهم لا يملكون الإرادة للتحرّك والفعل العملي ، مع كونهم يرغبون بذلك في قلوبهم ، إذ إنّهم لازالوا مؤمنين بالمبادئ التي قامت عليها حركتهم ، ويعلمون أنّ الحقّ معها ، وأنّ التحرّك والثورة هو الطريق الصحيح ، ولكن يخافون التحرّك الفعليّ الواقعيّ ، فيكون هناك ازدواج في الشخصية عندهم ، من جهة كونهم لا زالوا يعرفون الحقّ ، ومن جهة ليس لهم إرادة فاعلة للتحرّك ، وأصابهم ما يشبه التخدير والخوف من التضحية ، والهرب من الموت ، والركون إلى الدنيا ، والتوكّل على الآخرين ، فقد فسدت نفوسهم وضمائرهم ، مع أنّ عقلهم لازال يميّز الحقّ.

هذه الحالة نجدها تنطبق على مجتمع الكوفة والمجتمع الإسلامي عامّة ، في عصر الإمام الحسين عليه السلام ، فقد أفسد معاوية طوال سنيّ حكمه ضمائر الناس ، أي جانب الإرادة والفاعلية بما اتخذه من سياسات ، إذ تربّى الناس على أنّ الفوز بالمناصب والأموال يكون مع معاوية ، وأنّ الحرمان والقتل يكون مع

ص: 224

مخالفيه ، وانقسموا قسمين : قسم باعوا ضمائرهم بالمال وحبّ الدنيا ، وآخرين ماتت ضمائرهم خوفاً من القتل والتضحية ، فاحتاجوا إلى حركة وتضحية كبرى تهزّ نفوسهم وضمائرهم وتوقظها من هذا السبات ، وتشفيها من هذا المرض الوبيل ، الذي أصاب الأُمّة ، فقام الإمام الحسين عليه السلام بهذه الحركة والتضحية.

هذا ما وسع المجال بذكره ، وهناك أسباب أُخرى ، ونعود ونقول : إنّ الأمر يحتاج إلى دراسة موضوعية.

( علي - البحرين - 29 سنة - بكالوريوس )

مواساة الأنبياء له :

س : أُودّ أن أستفسر عن هذه القصص ، حيث إنّها نشرت في إحدى النشرات في ليلة أربعين الإمام الحسين عليه السلام ، وهذه النشرات من التي تشجّع وتحثّ الشباب على التطبير - ضرب القامة -!! وإذا كانت صحيحة ، لماذا يفعل اللّه هذا بأنبيائه؟

لماذا يعذّبهم لذنب لم يقترفوه؟ هل اللّه غير عادل؟ حيث إنّ هذا ما توضّحه هذه القصص ، واليكم القصص كما نزلت :

أنبياء اللّه عليهم السلام سبقونا ، وأسالوا دماءهم مواساة للإمام الحسين عليه السلام في بدء الخليقة ، حيث لم يكن أحد من بني الإنسان إلاّ آدم وحوّاء عليهما السلام ، وصل أبونا آدم ذات مرّة إلى أرض تقع إلى جانب الفرات ، فبلغ موضعاً ، فهناك عثر بصخرة ، حتّى سال الدم من رجله! فرفع رأسه إلى السماء وقال : إلهي هل حدث منّي ذنب آخر فتعاقبني به؟ فأوحى اللّه إليه : يا آدم ما حدث منك ذنب ، ولكن يقتل في هذه الأرض ولدك الحسين ظلماً ، فسال دمك موافقة لدمه.

إذاً قد سال دم آدم بأمر اللّه تعالى مواساة للحسين!

وإذ هو راكب على جواده مرّ خليل اللّه إبراهيم عليه السلام بتلك الصحراء ، فعثرت به وسقط إبراهيم وشجّ رأسه وسال دمه ، فأخذ بالاستغفار وقال : إلهي أيّ شيء

ص: 225

حدث منّي؟ فنزل إليه جبرائيل وقال : يا إبراهيم ما حدث منك ذنب ، ولكن هنا يقتل سبط خاتم الأنبياء ، وابن خاتم الأوصياء ، فسال دمك موافقة لدمه.

واتفق ذات يوم من زمان قديم أن سار كليم اللّه موسى مع وصيّه يوشع بن نون عليهما السلام ، فلمّا جاء إلى أرض كربلاء ، انخرق نعله ، وانقطع شراكه ، ودخل الحسك في رجليه ، وسال دمه! فقال : إلهي أيّ شيء حدث منّي؟ فأوحي إليه : إن هنا يقتل الحسين ، وهنا يسفك دمه ، فسال دمك موافقة لدمه.

فقال : ربّ ومن يكون الحسين؟ فقيل له : هو سبط محمّد المصطفى ، وابن علي المرتضى ، فقال : ومن يكون قاتله؟ فقيل : هو لعين السمك في البحار ، والوحوش في القفار ، والطير في الهواء.

فرفع موسى عليه السلام يديه ولعن يزيد ودعا عليه ، وأمّن يوشع بن نون على دعائه ، ومضى لشأنه.

ج : قد ذكرت تلك القصص في بحار الأنوار من دون ذكر السند (1) ، وقد صرّح في أحدها بأنّ الخبر مرسلاً ، ولو فرض صحّة تلك القصص فإنّ دلالتها لا تقدح في عدل اللّه تعالى ، فإنّ الحاصل للأنبياء عليهم السلام ما هي إلاّ مصيبة من المصائب الصغيرة لرفع درجاتهم ، وتحصيل الثواب على حصول ذلك ، وهم عليهم السلام أكثر استعداداً وقدرة على تحمّل مصائب أعظم ممّا ذُكر ، وجميع المصائب الواقعة على الأنبياء عليهم السلام يعوّضون عليها من الجزاء ورفع الدرجات أضعاف مضاعفة ، والأنبياء عليهم السلام هم من أكثر الناس استعداداً لتحمّل المصائب ، وهم راضين بما يجري عليهم.

ثمّ إنّ في بعض الابتلاءات للأنبياء امتحان لهم ، كما في قضية ذبح إبراهيم لولده إسماعيل عليهما السلام ، وفي بعضها تعليم لهم ، فضلاً عن الثواب ورفع الدرجات ، الذي أشرنا إليه سابقاً.

وأهمّية استشهاد الحسين عليه السلام ومحوريتها وتأثيرها في المسار العام للدين الإلهيّ .

ص: 226


1- بحار الأنوار 44 / 242.

تأهّلها لأن تكون غاية لمعرفة الأنبياء لها ، ومعرفة تفاصيلها ، ومقام الحسين عليه السلام وأصحابه ومقام شيعته والباكين عليه ، فليس بدعاً أن يكون الأنبياء مواسين للحسين في مصيبته ، ولكن لابدّ للعلم بقصّة الاستشهاد من طريقة ، ولابدّ للمواساة من طريقة ، وقد جاءت بهذا الشكل في هذه الروايات ، هذا طبعاً إن ثبتت صحّتها.

( أبو عبد العزيز - سنّي - الجزائر - 33 سنة - دكتوراه )

الأقوال في مكان دفن رأسه :

س : سؤالي يتعلّق بموقع رأس الحسين بعد أن قطع عن جسده الشريف ، وأخذ ليعرض لعدوّ اللّه والأُمّة ، السفّاح يزيد بن معاوية في دمشق؟

ج : لقد اختلفت الروايات والأقوال في ذلك إلى سبعة أقوال ، بل ثمانية كما سيأتي بيانها ، ولمّا كان القطع واليقين محالاً في بعضها ، وإن ذهب إلى القول بذلك بعض الأعلام - كما سيأتي بيانه - غير أنّ أقربها للقبول والمعقول هو ما اشتهر عند العلماء من الفريقين الشيعة والسنّة ، بأنّه أُعيد إلى جثّته عليه السلام بعد أربعين يوماً ، وهذا الاتفاق يوحي باطمئنان الرجحان في ذلك.

والآن نبيّن الأقوال ، ونستعرض أسماء القائلين بها تنويراً لكم :

القول الأوّل : إنّه مدفون بكربلاء عند جثّته الطاهرة ، أُعيد إليها بعد أربعين يوماً ، ذهب إلى ذلك من أعلام الفريقين :

1 - هشام بن محمّد بن السائب الكلبيّ ، حكى ذلك عنه السبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواص (1) وغيره.

2 - السيّد المرتضى ، حكى ذلك عنه كلّ من الطبرسيّ في « أعلام الورى » ، وابن شهر آشوب في « المناقب » (2).

ص: 227


1- تذكرة الخواص 2 / 206 ط المجمع العالمي لأهل البيت.
2- إعلام الورى 1 / 477 ، مناقب آل أبي طالب 3 / 231.

3 - الشيخ الطوسيّ ، حكى ذلك عنه ابن شهر آشوب في « المناقب » ، وقال عنه أنّه قال : ومنه زيارة الأربعين(1).

4 - الحافظ ابن شهر آشوب ، ذكر ذلك في « المناقب » كما أشرنا إليها آنفاً.

5 - الفتّال النيسابوريّ ، ذكر ذلك في « روضة الواعظين »(2).

6 - الشيخ الطبرسيّ ، ذكر ذلك في « أعلام الورى » كما أشرنا إليه آنفاً.

7 - ابن نما الحلّيّ في « مثير الأحزان » ، حيث قال : « والذي عليه المعوّل من الأقوال أنّه أُعيد إلى الجسد ، بعد أن طيف به في البلاد ودفن معه »(3).

8 - العلاّمة المجلسيّ في « بحار الأنوار » ، حيث قال : « والمشهور بين علمائنا الإمامية أنّه دفن رأسه مع جسده ، ردّه علي بن الحسين عليهما السلام »(4).

9 - القزويني في « عجائب المخلوقات » ، حيث قال : « في العشرين من صفر ردّ رأس الحسين عليه السلام إلى جثّته ».

10 - ابن حجر الهيثميّ في شرحه همزية البوصيريّ ، حيث قال : « أُعيد رأس الحسين بعد أربعين يوماً من مقتله ».

11 - المنّاويّ في « الكواكب الدرّية » ، حيث نقل اتفاق الإمامية على أنّه أُعيد إلى كربلاء ، ولم يعقّب بشيء ، وحكى ترجيحه عن القرطبي ، ونسب إلى بعض أهل الكشف أنّه حصل له اطلاع على أنّه أُعيد إلى كربلاء(5).

12 - الشيخ الشبراويّ في « الإتحاف بحبّ الأشراف » ، قيل : إنّه أُعيد إلى جثّته بعد أربعين يوماً(6).

ص: 228


1- مناقب آل أبي طالب 3 / 231.
2- روضة الواعظين : 192.
3- مثير الأحزان : 85.
4- بحار الأنوار 45 / 145.
5- الآثار الباقية : 294.
6- الكافي 4 / 571 ، تهذيب الأحكام 6 / 35.

13 - وأخيراً : قال أبو الريحان البيرونيّ : « وفي العشرين - أي من صفر - رُدّ رأس الحسين إلى جثّته حتّى دفن مع جثّته »(1).

فهذا القول هو الراجح والأولى بالقبول ، لاتفاق كثير من أعلام الفحول من الفريقين ، الدالّ على القبول حسب النقول.

القول الثاني : إنّه عند أبيه بالنجف ، لورود أخبار بذلك وردت في الكافي والتهذيب وغيرهما ، لا تخلو بعض أسانيدها من المناقشة.

القول الثالث : إنّه مدفون بظهر الكوفة دون قبر أمير المؤمنين عليه السلام ، كما في خبر عن الإمام الصادق عليه السلام رواه الكلينيّ في الكافي.

وهذان القولان من مختصّات الإمامية ، ولم يقل بها أحد من غيرهم.

القول الرابع : إنّه دفن بالمدينة عند قبر أُمّه فاطمة عليها السلام ، قال به ابن سعد في « الطبقات »(2) ، وقال به غيره.

القول الخامس : إنّه بدمشق بباب الفراديس ، حكاه سبط ابن الجوزيّ عن ابن أبي الدنيا ، وكذا ذكر البلاذريّ في تاريخه ، وكذا الواقديّ(3).

القول السادس : إنّه بمسجد الرقّة على الفرات بالمدينة المشهورة ، حكاه السبط أيضاً عن عبد اللّه بن عمر الورّاق(4).

القول السابع : إنّه بمصر ، نقله الفاطميون من باب الفراديس إلى عسقلان ، ثمّ نقلوه إلى القاهرة ، وله فيها مشهد عظيم يزار ، نقله سبط ابن الجوزيّ(5).

القول الثامن : إنّه في حلب ، أشار إليه ابن تيمية في رسالته جواباً عن سؤال عن رأس الحسين عليه السلام ، وهي مطبوعة حقّقها وطبعها محبّ الدين الخطيب ،

ص: 229


1- الكافي 4 / 571.
2- الطبقات الكبرى 5 / 238.
3- لواعج الأشجان : 248.
4- المصدر السابق : 249.
5- نفس المصدر السابق.

وقد تجاوز الحدّ في سوء الأدب مع الحسين عليه السلام حتّى علا وغلا على صاحب الرسالة في حماه المسعورة.

وقد ساق ابن تيمية سبعة وجوه في نفي أن يكون الرأس مدفوناً بالقاهرة ، متحاملاً فيها على من يقول بها ، ولم تخل الرسالة متناً وهامشاً من تعريض وتصريح بالحسين ونهضته ، ودفاع عن يزيد وجريمته ، ولا يستنكر اللؤم من معدنه ، فجزى اللّه كلاّ على نيّته ، وحشره مع من يتولاّه ، إنّه سميع مجيب.

ولنختم الجواب بما قاله السبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواص : « وفي الجملة ، ففي أيّ مكان كان رأسه أو جسده فهو ساكن في القلوب والضمائر ، قاطن في الأسرار والخواطر ، أنشدنا بعض أشياخنا في هذا المعنى :

لا تطلبوا المولى الحسين *** بأرض شرق أو بغرب

ودعوا الجميع وعرّجوا *** نحوي فمشهده بقلبي »(1)

ونضيف نحن قول ابن الورديّ في تاريخه :

أرأس السبط ينقل والسبايا *** يطاف بها وفوق الأرض رأس

وما لي غير هذا السبي ذخر *** وما لي غير هذا الرأس رأس(2)

( علي مبارك - الكويت - 19 سنة - طالب جامعة )

رضاعه من إبهام النبيّ :

س : سؤالي هو حول الإرضاع : فهل رواية الإرضاع عن طريق مصّ الأصابع صحيحة؟

إن كانت كذلك ، فكيف الردّ على الوهّابية الذين حين يعايرهم الشيعة

ص: 230


1- تذكرة الخواص : 2 / 209 ط المجمع العالمي لأهل البيت.
2- تاريخ ابن الوردي 1 / 165.

بإرضاع الكبير ، يردّون بأنّ الشيعة يقولون بإرضاع الرجال لبعضهم؟ ودمتم مباركين وبصحّة وعافية.

ج : ليس في المصادر الفقهية والحديثية وحتّى كتب السيرة عند المسلمين ما يوحي بأنّ الرضاع يكون من مصّ الأصابع.

نعم هناك رواية واحدة فيها كرامة للرسول صلى اللّه عليه وآله اختصّ بها ولده الحسين عليه السلام ، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال : « لم يرضع الحسين من فاطمة عليها السلام ولا من أنثى ، كان يؤتى به النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فيضع إبهامه في فيه فيمصّ منها ما يكفيه اليومين والثلاثة ، فنبت لحم الحسين عليه السلام من لحم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ودمه »(1).

وهذه الرواية إن صحّت سنداً فلها معارض أكثر استفاضة ، وهو رؤيا أُمّ الفضل زوجة العباس بن عبد المطلب : « أنّ بعض جسد النبيّ صلى اللّه عليه وآله في حجرها ، فأوّلها صلى اللّه عليه وآله بالحسين يكون في حجرها »(2).

ومهما يكن نصيب الرواية من الصحّة ، فلا مانع من الجمع بينها وبين رواية أُمّ الفضل ، على أنّه كان في حجرها تربّيه وليست ترضعه ، وبالتالي تبقى كرامة خاصّة بالحسين عليه السلام.

وثمّة كرامة أُخرى لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله جرت له مع الإمام أمير المؤمنين عليه السلام عند ولادته ، فقد ذكر الحلبي فقال : « وفي خصائص العشرة للزمخشري : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله تولّى تسميته بعلي ، وتغذيته أيّاماً من ريقه المبارك بمصّه لسانه ، فعن فاطمة بنت أسد أُمّ علي ( رضي اللّه عنها ) أنّها قالت : لمّا ولدته سمّاه علياً ، وبصق في فيه ، ثمّ إنّه ألقمه لسانه ، فما زال يمصّه حتّى نام ، قالت : فلمّا كان من الغد طلبنا له مرضعة ، فلم يقبل ثدي أحد ، فدعونا له محمّداً صلى اللّه عليه وآله فألقمه لسانه فنام ، فكان كذلك ما شاء اللّه »(3).

ص: 231


1- الكافي 1 / 465.
2- تاريخ مدينة دمشق 14 / 114.
3- السيرة الحلبية 1 / 382.

فهاتان كرامتان للنبيّ صلى اللّه عليه وآله خصّ بها هذين الإمامين علي والحسين عليهما السلام فقط ، وهما - بناءً على صحّتها ، ولا مانع من قبولهما عقلاً ونقلاً - لا ينشران الحرمة كما تخيّلها من يعيّركم بذلك في إرضاع الكبير ، وذلك أنّ الفقهاء من جميع المذاهب ذكروا للرضاع المحرّم شروطاً كمّاً وكيفاً ، وهي غير متوفّرة في المقام.

ثمّ إنّ جميع فقهاء المذاهب ذكروا بعدم تأثير إرضاع الرجل - لو تمّ - في نشر الحرمة ، واليك بعض ما قالوه :

1 - واتفقوا على أنّ الرجل لو درّ له لبن ، فأرضع منه طفلاً لم يثبت به تحريم (1).

2 - ولو بأشر الرجل الإرضاع ، بأن نزل اللبن من ثدييه ، فأرضع صبيين لا تثبت الأخوّة بينهما ... (2).

وللمطارفة والمفاكهة سل ممّن يعيّركم في مسألة الإرضاع ، ما رأيه في نشر الحرمة من رضاع البهيمة ، كما قال به البخاريّ صاحب الصحيح ، والذي هو أصحّ كتاب بعد كتاب اللّه عندهم ، وبسبب هذه الفتيا الشاذّة أخرجوه من بخارا ، واليك نصّ ما قاله السرخسي الحنفي في كتابه المبسوط ، قال : « ولو أُرضع الصبيان من بهيمة لم يكن ذلك رضاعاً ، وكان بمنزلة طعام أكلاه من إناء واحد.

ومحمّد بن إسماعيل صاحب الأخبار يقول : يثبت به حرمة الرضاع ، فإنّه دخل بخارا في زمن الشيخ الإمام أبي حفص وجعل يفتي ، فقال له الشيخ : لا تفعل فلست هناك ، فأبى أن يقبل نصحه ، حتّى استفتي عن هذه المسألة : إذا أرضع صبيان بلبن شاة ، فأفتى بثبوت الحرمة ، فاجتمعوا وأخرجوه من .

ص: 232


1- رحمة الأمّة : كتاب الرضاع.
2- المبسوط 30 / 293.

بخارا بسبب هذه الفتوى » (1).

وكرّر السرخيّ في المبسوط ذكر هذه الفتوى الشاذّة من البخاريّ : « ولو أنّ صبيين شربا من لبن شاة أو بقرة لم تثبت به حرمة الرضاع ، لأنّ الرضاع معتبر بالنسب ، وكما لا يتحقّق النسب بين آدميّ وبين البهائم فكذلك لا تثبت حرمة الرضاع بشرب لبن البهائم ، وكان محمّد بن إسماعيل البخاريّ صاحب التاريخ يقول : تثبت الحرمة. وهذه المسألة كانت سبب إخراجه من بخارا ، فإنّه قدم بخارا في زمن أبي حفص الكبير ، وجعل يفتي ، فنهاه أبو حفص وقال : لست بأهل له. فلم ينته حتّى سئل عن هذه المسألة فأفتى بالحرمة ، فاجتمع الناس وأخرجوه » (2).

ويبدو من بعض كتب الفقه عند الحنابلة : إنّ هناك من شذّ - كالبخاريّ - فقال بالحرمة ، فقد جاء في كتاب الإنصاف : « فلو ارتضع طفلان من بهيمة أو رجل ، أو خنثى مشكل ، لم ينشر الحرمة بلا نزاع.

إذا ارتضع طفلان من بهيمة : لم ينشر الحرمة بلا نزاع ، وإن ارتضع من رجل لم ينشر الحرمة أيضاً ، على الصحيح من المذهب ، وعليه الأصحاب وقطعوا به ، وذكر الحلوانيّ وابنه : بأنّه ينشر » (3).

وجاء في كتاب العدّة شرح العمدة : « فأمّا لبن البهيمة فلا يثبت الحرمة ، فلو ارتضع طفلان من بهيمة لم يصيرا أخوين » (4).

قال بعضهم : يصيران أخوين وليس بصحيح ، لأنّ هذا اللبن لا يتعلّق به تحريم الأُمومة ، فلا يتعلّق به تحريم الأخوّة ، لأنّ الأخوّة فرع على الأُمومة ، ولأنّ .

ص: 233


1- المصدر السابق 5 / 139.
2- المصدر السابق 30 / 297.
3- الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف 9 / 347.
4- العدّة شرح العمدة 2 / 19.

البهيمة دون الآدمية في الحرمة ، ولبنها دون لبنها في غذاء الآدمي ، فلم تتعلّق الحرمة به.

وجاء في إعانة الطالبين : « فلو ارتضع صغيران من شاة مثلاً لم تحرم مناكحتهما ، والجنّية ، بناء على عدم صحّة مناكحتنا للجنّ ، أمّا على صحّة ذلك فهم كآدميّين ، فلو أرضعت صغيراً ثبت التحريم ، وأن لم تكن على صورة الآدمية ، أو كان ثديها في غير محلّه المعتاد ... »(1).

ص: 234


1- إعانة الطالبين 3 / 330.

الإمام السجّاد عليه السلام :

اشارة

( إبراهيم - السعودية - 25 سنة - طالب جامعة )

احتكامه مع محمّد بن الحنفية إلى الحجر الأسود :

س : الرواية التي نقلت ما حصلت بين الإمام السجّاد عليه السلام ومحمّد بن الحنفية ، والتي انتهت بالاحتكام إلى الحجر الأسود ، ما مدى صحّتها سنداً ومتناً؟

وأرجو التعليق عليها ، وما هو ردّكم حول هذا القول : إنّ هذه الرواية في محلّ إشكال لمحمّد بن الحنفية ، كونه لم يعلم مَن الإمام المنصوص عليه ، وحيث توجد روايات بأنّ الأئمّة من صلب الإمام الحسين عليه السلام ، وفي بعض الروايات تذكر أسماءهم؟

ج : وردت هذه الرواية بإسناد صحيحة في « الكافي »(1) ، ودلالتها واضحة ، فإنّها تشير إلى عدم وضوح أمر الإمامة عند محمّد بن الحنفية في بادئ الأمر ، وبما أنّه لم يكن معانداً في موقفه ، أرشده الإمام عليه السلام إلى الصواب ، وأظهر له الحجّة القطعية ، فتنبّه ولزم طريق الحقّ والهداية ، بموالاة أهل البيت عليهم السلام والاعتقاد بإمامتهم.

وأمّا بالنسبة للروايات التي تذكر أسماء الأئمّة عليهم السلام ، فلعلّها لم تصل إليه ، وإلاّ لما كان لترديده في الموضوع وجه معقول ؛ فلا ملازمة بين الانتساب إلى أهل البيت عليهم السلام ، وبين الوقوف على كافّة أحاديثهم عليهم السلام.

وفي الختام نشير إلى أنّ البعض ذكر لهذه الواقعة تحليلاً ظريفاً ، وهو : إنّ

ص: 235


1- الكافي 1 / 348.

هذه الواقعة من الأساس لم تكن حقيقية ، وإنّما كانت لبيان فضل الإمام السجّاد عليه السلام لعامّة المسلمين ، وأنّه اللائق بالخلافة ، وإنّ محمّد بن الحنفية كان على علم كامل بأنّ الإمام السجّاد عليه السلام هو خليفة عصره ، والحجّة عليه.

( معاذ التل - الأردن - سنّي - 32 سنة - طالب جامعة )

من ألقابه السجّاد :

س : لماذا يلقّب الإمام زين العابدين بالإمام السجّاد؟

ج : لقّب الإمام زين العابدين عليه السلام بالسجّاد لكثرة سجوده لله تعالى.

فعن جابر الجعفيّ قال : قال الباقر عليه السلام : « إنّ علي بن الحسين ما ذكر لله نعمة عليه إلاّ سجد ، ولا قرأ آية من كتاب اللّه فيها سجدة إلاّ سجد ، ولا فرغ من صلاة مفروضة إلاّ سجد ، ولا وفّق لإصلاح بين اثنين إلاّ سجد ... » ، وكان كثير السجود في جميع مواضع سجوده ، فسمّي السجّاد لذلك(1).

( محمّد - السعودية - 16 سنة - طالب ثانوية )

حكمة مرضه يوم عاشوراء :

س : هل هناك سرّ في مرض الإمام السجّاد عليه السلام يوم كربلاء؟ ولماذا لم يأخذ الإمام الحسين عليه السلام ابنته فاطمة العليلة إلى كربلاء؟

ج : شاءت الإرادة الإلهيّة أن يكون الإمام السجّاد عليه السلام عليلاً يوم عاشوراء ، وذلك :

أوّلاً : حتّى لا يقتل.

ثانياً : حتّى لا تخلو الأرض من حجّة لله تعالى.

ثالثاً : حتّى يستلم الإمامة بعد أبيه الإمام الحسين عليه السلام.

ص: 236


1- مناقب آل أبي طالب 3 / 304.

رابعاً : يسقط عنه وجوب الدفاع عن إمام زمانه ، إذ لو كان سليماً ، ويسمع استغاثة أبيه عليه السلام لوجب عليه إغاثته ، والذبّ عنه.

وأمّا السبب في عدم أخذ الإمام الحسين عليه السلام ابنته فاطمة العليلة هو لشدّة مرضها ، بينما الإمام السجّاد عليه السلام فلم يكن مريضاً يوم خروجه من المدينة المنوّرة.

( أحمد كريم - مصر - .... )

مرقده في المدينة لا في مصر :

س : أُودّ أن أطرح سؤال عن محلّ مقام الإمام زين العابدين ، فقد قرأت أنّه دفن في المدينة ، ولكنّي شاهدت في القاهرة مقام باسم الإمام زين العابدين ، بحيّ السيّدة زينب العريق ، فما السبب في ذلك؟ وإذا كان الإمام قد دفن حقّاً في المدينة المنوّرة فلمَن هذا المقام؟

ج : إنّ الإمام السجّاد عليه السلام استشهد في المدينة المنوّرة ، ودفن في البقيع ، وهذا متّفق عليه ، ولا يوجد فيه أيّ خلاف.

ولعلّ مقام الإمام السجّاد عليه السلام في القاهرة متعلّق بأحد أحفاده ، أو لمناسبة أُخرى.

( محمّد - ..... - ... )

حضوره يوم عاشوراء :

س : هل إنّ الإمام زين العابدين عليه السلام شارك في القتال في واقعة كربلاء؟

فهناك من يقول إنّه عليه السلام اشترك وجرح جرحاً بليغاً ، فأخرج من المعركة ، فأُسر مع باقي أهل البيت عليهم السلام.

ج : المشهور عند المؤرّخين وأصحاب السير وأرباب المقاتل : أنّ الإمام السجّاد عليه السلام كان مريضاً يوم عاشوراء ، بحيث لم يستطع المشاركة في المعركة ،

ص: 237

وتلك مصلحة اقتضت في المقام ، لأجل عدم انقطاع سلسلة الإمامة ، وهذا رأي متسالم عليه عند الشيعة الإمامية.

نعم ، جاء في بعض آثار الزيدية ما نصّه : « وكان علي بن الحسين عليهما السلام عليلاً وارتث يومئذ ، وقد حضر بعض القتال ، فدفع اللّه عنه ، وأخذ مع النساء ... » (1) ، ولكن لا يمكن الاعتماد على هذا القول لعدّة وجوه :

منها : ضعف السند وعدم ثبوت الخبر.

ومنها : إنّ الخبر المذكور في غاية الأمر هو نقل تاريخي ، وليس حديثاً ولا رواية عن معصوم عليه السلام ، فلا يوجب الاطمئنان بمضمونه ، خصوصاً مع تناقضه مع كافّة الأدلّة الأُخرى.

والمهمّ في المقام هو : أن نعلم أنّ دور الإمام السجّاد عليه السلام هو دور التوعية والتثقيف ، وتكريس الجهود نحو إنشاء جيل يفهم المعاني ويعي المفاهيم ، فلا حاجة أن يقوم عليه السلام بالسيف بالضرورة في وقت لم تكن هناك أية نتيجة متوقّعة من الكفاح المسلّح.

( علي. البحرين - 30 سنة - طالب )

معنى قوله : أنا ابن مكّة ومنى :

س : ما معنى كلام الإمام زين العابدين عليه السلام : « أنا ابن مكّة ومنى ، أنا ابن مروة وصفا ... » (2)؟ وشكراً.

ج : إنّ الإمام زين العابدين عليه السلام هو من فرع تلك الشجرة الطاهرة ، ومن سلالة الأنبياء والأوصياء ، وهنا يشير الإمام عليه السلام إلى أهمّ المعالم الإسلامية التي هي : « مكّة ومنى ومروة والصفا » ، وهذه هي المقدّسات للمسلمين ، ولمّا عبّر عن

ص: 238


1- الأمالي الخميسية 1 / 170.
2- مناقب آل أبي طالب 3 / 305 ، لواعج الأشجان : 234.

كونه ابنها ، فهو يريد أن يشير إلى أنّه المصداق الأكمل لها ، فهي معالم صامتة ، والإمام حجّة اللّه الناطق ، كما أنّ القرآن الكتاب الصامت ، والإمام هو الكتاب الناطق.

فأشار الإمام عليه السلام بعباراته هذه ، وفي جمع من الناس ، الذين كانوا يتصوّرون أنّهم خوارج ، فبيّن أنّه هو الأصل لهذه المعالم ، التي يقدّسها المسلمون ، ليعرّف شخصه لهم ومَن هو ، وبذلك فاق أهل الشام من غفلتهم ، وعرفوا أنّهم ليسوا بخوارج.

ص: 239

ص: 240

الإمام الباقر عليه السلام :

اشارة

( .... - البحرين - .... )

بعض المصادر في تسميته :

س : قال ابن تيمية : « ونقل تسميته بالباقر عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله لا أصل له عند أهل العلم ، بل هو من الأحاديث الموضوعة » (1).

الرجاء إعطاء بعض المصادر عند أهل السنّة حول هذا الموضوع؟

ج : ذكرت بعض مصادر أهل السنّة تسمية الإمام محمّد بن علي عليهما السلام بالباقر ، لتسمية النبيّ صلى اللّه عليه وآله له بها ، ومن تلك المصادر : شرح نهج البلاغة (2) ، الفصول المهمّة (3) ، وغيرها (4).

( .... - السعودية - .... )

بعض النصوص الواردة في إمامته :

س : ترد أحياناً بعض الشبهات حول النصوص الواردة بحقّ الأئمّة المعصومين عليهم السلام ، فمنها ما قد يثار من قبل البعض بشأن التنصيص على إمامة كلّ واحد منهم عليهم السلام ، وفي هذا المجال حبّذا لو تذكرون بعض الأحاديث المعتبرة على إمامة

ص: 241


1- منهاج السنّة النبوية 4 / 51.
2- شرح نهج البلاغة 15 / 277.
3- الفصول المهمّة : 211.
4- أُنظر : تذكرة الخواص : 302.

الإمام محمّد الباقر عليه السلام.

ج : نعم ، هناك نصوص عامّة تذكر الأئمّة عليهم السلام بأسمائهم ، ورغبة منّا للاختصار ، نذكر بعضها التي لا خدشة في إسنادها ، ولا مناقشة في دلالتها :

1 - صحيحة أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام ، التي جاء فيها ذكر الأئمّة بدءاً من أمير المؤمنين عليه السلام حتّى الإمام الباقر عليه السلام(1).

2 - صحيحة عبد اللّه بن جندب عن الإمام الكاظم عليه السلام ، التي صرّحت بأسماء جميع الأئمّة عليهم السلام بالترتيب ، وعلى التوالي(2).

3 - صحيحة أبي هاشم الجعفريّ عن الإمام الجواد عليه السلام ، التي جاء فيها إقرار الخضر عليه السلام بجميع الأئمّة عليهم السلام عند أمير المؤمنين عليه السلام ، والإمام الحسن عليه السلام ، وارتضاء الإمام عليه السلام ذلك منه(3).

هذا ، وقد وردت نصوص كثيرة في المقام تؤيّد ما ذكرناه ، فضلاً عن الصحاح المتقدّمة ، فيمكننا الاستدلال على المطلوب بالتواتر ، والاستفاضة في هذه الأحاديث.

( عبد اللّه ........ )

حضوره واقعة الطفّ :

س : هل إنّ الإمام الباقر عليه السلام شهد واقعة الطفّ وحضرها؟

ج : نعم ، بما أنّ ولادة الإمام الباقر عليه السلام كانت سنة 56 ه(4) ، أو سنة 57 ه(5) ، أي قبل واقعة كربلاء بثلاث سنين ، أو أربع سنين ، كما أدلى عليه السلام هو بذلك ،

ص: 242


1- الكافي 1 / 286.
2- من لا يحضره الفقيه 1 / 329.
3- المحاسن 1 / 19.
4- تذكرة الحفّاظ 1 / 124.
5- مسار الشيعة : 56.

فقد حضر أحداث الطفّ ، وشاهد مأساة جدّه الإمام الحسين عليه السلام وأولاده وأصحابه ، وتحمّل الأسر في ضمن الأطفال والنساء ، كما ورد ذلك في بعض الروايات عن لسانه عليه السلام(1).

( .... - السعودية - .... )

ضرب النقود الإسلامية بأمره :

س : سمعت أنّ العملة الإسلامية هي من مقترحات الإمام الباقر عليه السلام؟ فكيف ذلك؟

ج : نعم ، بحسب النصوص التاريخية أنّ هذا العمل الجبّار الذي منح العالم الإسلامي استقلاليّته في مجال الاقتصاد ، قد نفّذ بإشارة الإمام الباقر عليه السلام ، ومجمل الموضوع كالآتي :

أنّ عبد الملك بن مروان قد أمر بتبديل الطراز المنقوش عليه شعار المسيحية إلى طراز منقّش بشعار التوحيد ، فغضب ملك الروم من عمله هذا ، وهدّده بضرب نقود من الدراهم والدنانير تحمل شعارات ضدّ الإسلام ونبيّه صلى اللّه عليه وآله ، ولا يخفى بأنّ التعامل الدارج بين المسلمين آنذاك كان كلّه على أساس العملة الأجنبية ، أي الرومية.

فتوسّل عبد الملك إلى الإمام الباقر عليه السلام ، وبما أنّ المسألة كانت ترتبط بأصل الدين والعقيدة ، تدخّل الإمام عليه السلام وأبدى رأيه الشريف ، وأخذ عبد الملك برأيه ، وأمر بضرب النقود وفقاً لما خطّطه الإمام عليه السلام ، ومن ثمّ تولّدت العملة الإسلامية ، وجرى التعامل بها ، وتحرّر النقد من التبعية للأمبراطورية الرومية(2).

ص: 243


1- نفس المهموم : 386.
2- أُنظر : حياة الحيوان للدميريّ 1 / 91 ، المحاسن والأضداد للبيهقيّ 2 / 129.

نعم ، قد ورد في بعض المصادر : بأنّ الذي قام بهذا العمل هو الإمام زين العابدين عليه السلام(1).

وجاء في بعض الموسوعات الأجنبية : « إنّ أوّل من أمر بضرب السكّة الإسلامية هو الخليفة علي عليه السلام بالبصرة ، سنة أربعين من الهجرة »(2).

ويمكن الجمع : بأنّ الإمام علي عليه السلام أمر بضرب السكّة في البصرة في إطار محدود ، بدون إلغاء التعامل بالنقود الأُخرى ، حتّى إذا جاء دور الإمام الباقر عليه السلام فضربت العملات الجديدة بأمره عليه السلام ، وأُلغيت التعامل بغيرها نهائيّاً.

( عبد الرحمن - .... - .... )

هو حسينيّ وحسنيّ :

س : نسمع كثيراً بأنّ الأئمّة عليهم السلام من الإمام الباقر عليه السلام فما بعد مضافاً إلى أنّهم حسينيّون يعتبرون حسنيّين أيضاً ، هل هذا صحيح؟ وكيف؟

ج : إنّ الإمام الباقر عليه السلام كما نعلم هو ابن الإمام زين العابدين بن الإمام الحسين عليهما السلام ، وبهذا الاعتبار فهو حسينيّ ، ومن جانب آخر فأُمّه فاطمة بنت الإمام الحسن عليه السلام ، ولذا يعتبر عليه السلام حسنيّ أيضاً.

فالإمام الباقر عليه السلام أوّل من اجتمعت له ولادة الحسن والحسين عليهما السلام ، ومن هنا يمكن أن نعرّف الأئمّة من ولد الباقر عليه السلام بأنّهم حسنيّون وحسينيّون معاً.

ص: 244


1- البداية والنهاية 9 / 122.
2- أعيان الشيعة 1 / 539 نقلاً عن دائرة المعارف البريطانية.

الإمام الصادق عليه السلام :

اشارة

( .... - ... - .... )

وأئمّة المذاهب الأربعة :

س : ما هي صلة أئمّة المذاهب الأربعة السنّية بالإمام الصادق عليه السلام؟ فهل هم أخذوا العلم منه مباشرةً ، أو بالواسطة؟ وهل تعتبر مذاهبهم مختلفة مع مذهب أهل البيت عليهم السلام ، أو امتداداً لها؟

ج : إنّ أئمّة المذاهب المذكورة وإن كانوا عيالاً في علومهم على الإمام الصادق عليه السلام - باعتبارهم من تلامذة الإمام مباشرةً ، أو بالواسطة(1) - ولكنّهم اختلفوا معه عليه السلام في المباني ؛ ويشهد بذلك اختلاقهم آراءً ، وفتاوى غير معترف بها عند أهل البيت عليهم السلام ، فمنهم من أخذ بالقياس ، ومنهم من عمل بالاستحسان والمصالح وسدّ الذرائع وغيرها ، ممّا لم ينزل اللّه بها من سلطان.

وهذه التصرّفات هي خير شاهد على عدم خضوعهم للحقّ ، وتباين وجهات نظرهم مع مذهب أهل البيت عليهم السلام ، وعدولهم عن نهج الإمام الصادق عليه السلام.

نعم ، قد يكون هناك بعض أوجه التشابه بين آرائهم وبين ما صدر عن الإمام الصادق عليه السلام في مختلف المجالات ، وهذا بحدّ نفسه لا يشير إلى تبعيّتهم له عليه السلام ، بل إنّهم أخذوا بعض رؤوس النقاط ، واستبدّوا بآرائهم في باقي الموارد لتشويه الحقّ.

ص: 245


1- أُنظر : شرح نهج البلاغة 1 / 18.

والحال كان ينبغي عليهم أن يأخذوا بمذهب الإمام عليه السلام في جميع الحالات ، فلا يصدر منهم ما يتناقض مع أقواله وأفعاله وسيرته عليه السلام.

( ... - ... - ..... )

كثرة الأحاديث عنه :

س : ما هو السرّ في كثرة الروايات عن الصادقين عليهما السلام بالنسبة إلى الأحاديث التي وردت عن باقي الأئمّة عليهم السلام؟

ج : إنّ الفترة التي عاشها الإمامان الباقر والصادق عليهما السلام هي فترة انهيار وضعف قوّة الأمويّين ، وعدم تثبيت الحكم العباسيّ ، فاغتنما هذه الفرصة الثمينة لبثّ الفكر والثقافة الشيعيّة ، فربّيا جيلاً واعياً ، تلقّى المعارف والعلوم الإسلامية ، وسعى في نشرها ، بحيث عرف المذهب الإماميّ الاثنا عشريّ بالمذهب الجعفريّ ، إشارةً إلى ذلك.

وأمّا الأئمّة السابقون عليهما والمتأخّرون عنهما عليهم السلام فبما أنّ الأجواء التي كانوا يعيشونها كانت ظروف صعبة ، إذ كانوا إمّا تحت الإقامة الجبرية أو في السجن ، أو تحت مراقبة الحكّام الظالمين ، فلم يستطيعوا أن يلقوا المعارف والحقائق ، ولم يكن بإمكانهم الاتصال بالناس عامّة ، وبالمؤمنين خاصّة بصورة عادية.

أضف إلى ذلك نشوب الحروب والصراعات في زمن أمير المؤمنين عليه السلام ، والتي كانت مانعاً قويّاً في هذا المجال ، بسبب انشغال عامّة الناس بها ، وانصراف هممهم نحوها.

وهذه كلّها وغيرها أدّت إلى عرقلة الحركة العلمية في فترات إمامتهم عليهم السلام ، في حين أنّ الصراع القائم بين الباطلين الأمويّ والعباسيّ في عهد الصادقين عليهما السلام صرف أنظار الظلمة عنهما إلى حدّ كبير ، فأُتيحت لهما الفرصة الذهبيّة لإيصال الفكر الدينيّ وعلوم أهل البيت عليهم السلام إلى الناس.

ص: 246

( .... - .... - ... )

وجه تلقيبه بالصادق :

س : ما هي حكمة تلقيب الإمام الصادق عليه السلام بهذا اللقب؟ والحال نعلم أنّ الأئمّة عليهم السلام كلّهم صادقون؟

ج : ذكر بعض أصحاب السير والتاريخ وجوهاً لذلك :

منها : إنّه عليه السلام لقّب بالصادق لصدقه في مقاله(1).

منها : إنّ المنصور الدوانيقيّ هو الذي أضفى عليه عليه السلام هذا اللقب في قضية معيّنة يطول ذكرها.

منها : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قد كرّمه بهذا اللقب من قبل ، تمييزاً له عن جعفر الكذّاب ، الذي ظهر في الخامس من ولده عليه السلام.

وهذا القول الأخير هو الصواب ، لما ورد الحديث بمضمونه(2) ، وارتكز عند الشيعة.

( .... - ... - .... )

ردّ حديث منسوب إليه :

س : هناك من ينقل في كتبه مكرمة لأبي بكر عن لسان الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : « ولدني أبو بكر مرّتين » ، فما صحّة هذا القول؟

ج : لا يخفى أنّ الأصل في كلّ إنسان العقيدة والالتزام بها ، ثمّ الحسب والنسب ؛ فترى أنّ الإمام الصادق عليه السلام هو بنفسه يقول : « ولايتي لأمير المؤمنين عليه السلام أحبّ إليّ من ولادتي منه ، لأن ولايته له فرض ، وولادتي منه فضل »(3).

ص: 247


1- الأنساب 3 / 507 ، وفيات الأعيان 1 / 307.
2- علل الشرائع : 234.
3- الاعتقادات : 112 ، الفضائل : 125.

وعليه فيستبعد صدور مثل هذا الحديث المزعوم منه عليه السلام ، لأنّ الفخر - أوّلاً وبالذات - هو للدين والولاء ، لا للحسب والانتماء العائلي ، خصوصاً لو كان هذا الأخير مناقضاً للأوّل.

ثمّ على صعيد البحث السندي لم نعثر على سند شيعي - حتّى لو كان ضعيفاً - لهذا القول ، بل هو خبر نقلته مصادر أبناء العامّة ، وحتّى إنّ بعض الكتب الشيعيّة التي ذكرت هذا الخبر أخرجته بإسنادهم(1) ، أو مرسلاً وبدون سند(2) ، وعلى هذا لا يمكن الاحتجاج أو الاعتماد على هذا الكلام المنسوب.

ويحتمل قويّاً : أن يكون الداعي لوضع هذا الكلام هو ما سمعوه من الإمام الصادق عليه السلام بصورة متواترة ، قوله : « قد ولدني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وأنا أعلم كتاب اللّه ... »(3) ، فحوّروه وبدّلوه بذلك الكلام.

نعم ، لا ينكر أنّ نسب الإمام عليه السلام يتصلّ عن طريق محمّد ، وعبد الرحمن ابني أبي بكر بأبيهما ، ولكن لا يعقل أن يفتخر الإمام عليه السلام بأبي بكر في عمود النسب ، ويدع محمّداً ابنه الذي كان مثالاً في الولاء والتبرّي من أبيه وغيره ممّن ظلموا أهل البيت عليهم السلام وغصبوا حقّهم.

( ... - .... - .... )

توحيد المفضّل والأهليلجة :

س : نسمع أحياناً بتوحيد المفضّل ، وحديث الإهليلجة عن الإمام الصادق عليه السلام ، فما هو مضمونها ، وما يقصد الإمام عليه السلام فيهما؟

ج : إنّ المفضّل بن عمر الجعفي هو أحد أصحاب الإمام عليه السلام الذين جمعوا بين العلم والعمل ، وقد ألقى الإمام عليه السلام عليه دروساً في التوحيد ، وهذه هي التي

ص: 248


1- كشف الغمّة 2 / 374.
2- عمدة الطالب : 195.
3- الكافي 1 / 61 و 2 / 223 ، ينابيع المودّة 1 / 80 و 3 / 362.

تسمّى بتوحيد المفضّل ، وقد أخذ منه عليه السلام مشافهةً.

وأمّا الإهليلجة ، فهي أيضاً رسالة في التوحيد ، قد بعثها الإمام الصادق عليه السلام للمفضّل ، ليحتجّ بها على منكري المبدأ والتوحيد.

ووجه تسميتها : إنّ الإمام عليه السلام قد ردّ فيما قبل على مزاعم بعض الدهريّين - وهو طبيب هنديّ - وأفحمه بالأدلّة القاطعة على وجود اللّه تعالى ، وكان هذا الطبيب آنذاك يصنع دواءً للإمام عليه السلام من أهليلجة - وهو نبت خاصّ - فاغتنم الإمام عليه السلام هذه الفرصة ، فاستدلّ بهذا المخلوق الصغير وظرائف صنعه على وجود وحكمة الخالق ، ومازال الإمام يساير هذا الطبيب في الكلام - ومحور الكلام الإهليلجة - إلى أن أرغمه الدليل على الاعتراف بالصانع الواحد.

ص: 249

ص: 250

الإمام الكاظم عليه السلام :

اشارة

( حسن الحسيني - السويد - .... )

مدّة بقائه في السجن :

س : كم المدّة التي سجن فيها الإمام الكاظم عليه السلام؟ أرجو أن تكون الإجابة دقيقة وصحيحة.

ج : لا يخفى عليكم أنّ مدّة إمامة الإمام الكاظم عليه السلام كانت(1) سنة ، عاصر فيها مجموعة من حكّام الجور من بني العباس ، آخرهم هارون الرشيد ، الذي نقله في عدّة سجون ، حتّى أمر بدسّ السمّ إليه فقتله.

ومدّة سجنه عليه السلام غير معلومة بالدقّة ، فبعض المؤرّخين من يقول : أربع سنوات (1) ، والآخر يقول : سبع سنوات ، وثالث يقول : أربعة عشر سنة.

وعلى كلّ حال نحن نعلم أنّ الإمام عليه السلام قد قضى فترة ليست بقليلة في السجن ، حتّى قتل مظلوماً محتسباً.

( أحمد - العراق - 21 سنة )

غسّله الإمام الرضا :

س : ورد في كتاب الشيعة والتشيّع لاحسان إلهي ظهير : 288 ، ما نصّه : « في أنّ الكاظم لم يغسّله إمام كما هو مشروط فيمن يتولّى الإمامة ، لأنّ الرضا كان غائباً عندئذ ».

ص: 251


1- فهرست أسماء مصنّفي الشيعة : 273.

لذا أرجو الردّ على هذه الشبهة ، وشكراً جزيلاً ، ودمتم في رعاية اللّه.

ج : يتضمّن الردّ عدّة أُمور ، منها :

1 - دلّت الروايات المتضافرة ومنها الصحيحة : أنّ الإمام عليه السلام لا يغسّله إلاّ إمام مثله ، والصدّيق لا يغسّله إلاّ صدّيق مثله.

2 - وردت أخبار كثيرة أنّ الإمام الرضا عليه السلام هو الذي غسّل والده الإمام الكاظم عليه السلام ، كما ذكر الشيخ الصدوق ( قدس سره ) في ضمن الروايات الصحيحة الدالّة على كيفية وفاته(1).

وقد روى الشيخ الكلينيّ ( قدس سره ) بسنده عن أحمد الحلاّل أو غيره عن الإمام الرضا عليه السلام قال : قلت له : إنّهم يحاجّونا يقولون : إنّ الإمام لا يغسّله إلاّ الإمام؟ قال : فقال عليه السلام : « ما يدريهم من غسّله؟ فما قلت لهم »؟

قال : فقلت : جعلت فداك قلت لهم : إن قال مولاي إنّه غسّله تحت عرش ربّي فقد صدق ، وإن قال : غسّله في تخوم الأرض فقد صدق ، قال : « لا هكذا ».

فقلت : فما أقول لهم؟ قال : « قل لهم : إنّي غسّلته » ، فقلت : أقول لهم إنّك غسّلته؟ فقال عليه السلام : « نعم »(2).

( عيسى - البحرين - 27 سنة )

تنوّع علومه :

س : هناك من يقول أنّ موسى الكاظم لم يكن أعلم الناس كما هو مشروط فيمن يتولّى الإمامة ، فكيف يكون الردّ على هكذا قول؟ وجزاكم اللّه ألف خير وشكراً.

ج : لقد اشتهر كالشمس في رائعة النهار بين الخاصّة والعامّة سعة أُفق علم الأئمّة عليهم السلام أجمع ، فضلاً عن الإمام الكاظم عليه السلام بذاته.

ص: 252


1- معجم رجال الحديث 18 / 162 نقلاً عن الصدوق.
2- الكافي 1 / 384.

أمّا بالنسبة إلى الخاصّة فلا مجال للنقاش أو الشكّ بعد الإقرار بكونهم أئمّة معصومين ، وإنّ علمهم وراثي وإلهامي وتنبّؤي.

وأمّا العامّة بجميع مذاهبها فإنّها أقرّت بسعة علوم أهل البيت عليهم السلام ، بما يميّزها عن غيرها.

هذا وقد أشاد الإمام الصادق عليه السلام بعلم ولده الكاظم عليه السلام ، فقال : « يا عيسى : إنّ ابني هذا الذي رأيت ، لو سألته عمّا بين دفّتي المصحف لأجابك فيه بعلم » (1) ، وقال أيضاً : « وعنده علم الحكمة والفهم ، والسخاء والمعرفة بما يحتاج إليه الناس فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم ».

ويكفي لمعرفة وفور علمه رواية العلماء عنه جميع الفنون من علوم الدين وغيرها ، ممّا ملأوا به الكتب ، وألّفوا المؤلّفات الكثيرة ، حتّى عرف بين الرواة بالعالم.

وقال الشيخ المفيد ( قدس سره ) : « وقد روى الناس عن أبي الحسن موسى فأكثروا ، وكان أفقه أهل زمانه » (2).

وقد حوى عليه السلام علوم جمّة فمنها : علمه باللغات ، وعلمه بالنجوم ، وعلمه بالتاريخ ، وعلمه بالحساب ، وعلمه بالفقه والتفسير ، وعلمه بالطبّ ، وعلمه بالمغيّبات ، وغير ذلك. .

ص: 253


1- قرب الإسناد : 335.
2- الإرشاد 2 / 235.

ص: 254

الإمام الرضا عليه السلام :

اشارة

( إيمان - البحرين - .... )

تزويجه بنت المأمون :

س : هل صحيح أنّ الإمام الرضا عليه السلام تزوّج بنت المأمون؟ وكيف ذلك ، والمأمون يعتبر مغتصب لحقّ الإمام عليه السلام في الخلافة؟ ودمتم سالمين.

ج : لا ملازمة بين أن يكون المأمون مغتصباً لحقّ الإمام الرضا عليه السلام وبين أن يتزوّج الإمام عليه السلام ابنته ، إذ لا يشترط في البنت التي يريد أن يتزوّجها أحد أن يكون أبوها عادلاً غير غاصب للإمامة ، هذا أوّلاً.

وثانياً : فإنّ المعصوم مكلّف بالعمل بالظاهر ، وخير شاهد على ذلك أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كان يعلم بمن يرتكب المعاصي من الصحابة ، فهل كان يجري عليهم الحدود والتعزيرات من دون أن تقوم عليهم بيّنة؟

ج : لا ، لأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله والمعصوم عليه السلام مكلّف بالعمل بالظاهر ، وما هو عليه الإنسان فعلاً ، مع غضّ النظر عن علمه بما ستكون عاقبته ، لذلك نشاهد أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله تزوّج بعائشة وحفصة ، وكذلك قال تعالى : ( ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) (1).

وثالثاً : كما أنّ ولاية العهد كانت مؤامرة أجبر المأمونُ الإمامَ الرضا عليه السلام على قبولها ، كذلك تزويج المأمون ابنته أُمّ حبيب له عليه السلام ، وضرب اسم الإمام عليه السلام

ص: 255


1- التحريم : 10.

على الدنانير والدراهم ، كلّ ذلك كان من المخطط الذي رسمه المأمون ، وأُجبر عليه الإمام عليه السلام.

هذا ، ونعلمكم بأنّ كلّ مخطّطات المأمون باءت بالفشل ، وذلك بتدبير من الإمام الرضا عليه السلام ، حيث كشف المأمون على حقيقته للناس.

( .... - .... - ... )

إصرار المأمون عليه بقبول ولاية العهد :

س : لماذا كان المأمون يصرّ على الإمام الرضا عليه السلام قبوله ولاية العهد؟ فهل كان يعتقد بإمامته؟

ج : لا يعقل التزام المأمون بمبدأ الإمامة ، وإلاّ كان يجب عليه أن لا يتولّى الحكم بنفسه ابتداء ، أو تنحّيه ثانيةً ، وشيء من هذا لم يحصل ، بل كلّ ما في الأمر أنّه اقترح التنازل عن السلطة لصالح الإمام عليه السلام ، وعندما رأى مخالفة الإمام عليه السلام أجبره في قبول ولاية العهد ، وذلك لأسباب معيّنة ودواعي غير خفية :

منها : - وهو الأهمّ - إنّه أراد أن يحتوي الحركات الشيعيّة والموالية لأهل البيت عليهم السلام ، فدخول الإمام عليه السلام في السلطة يعني إعطاء الصفة الشرعية لها - على حدّ زعمه - وقد استطاع بهذا الاحتيال امتصاص نقمة الشيعة على العباسيّين إلى حدّ كبير ، فلا ترى لتلك الحركات شيء يذكر بعد هذا الحدث التاريخيّ.

ومنها : إنّ الخطّ العباسيّ - على نحو العموم - كان يميل مع محمّد الأمين ، أخ المأمون ، وبعد هزيمته وقتله بقي الحقد الدفين في نفوس بني العباس ، فأراد المأمون بتنفيذه خطّة ولاية العهد أن يكسر شوكة مناوئيه في العائلة المالكة ، ويفرض سلطته عليهم ، ويبعد العباسيّين عن دفّة الحكم بقدر الإمكان.

وقد نجح في هذا المجال ، بحيث أحدثت العملية ضجّة علنية في أوساطهم ، تنكّروا لها بين آونة وأُخرى ، وعندئذ اشترط المأمون عليهم الولاء لنفسه إزاء إرجاع الخلافة إلى مجاريها المتعارفة عندهم ، فسلّموا له الأمر ، وكان هذا أيضاً فوزاً عظيماً له في داخل الخطّ العباسيّ.

ص: 256

ومنها : إنّ المأمون كان يعتبر نفسه أعلم من أمثال أبي بكر وعمر وغيرهما ، فكان لا يرى لمعظم تصرّفاتهما - ومنها غصب الخلافة - وجهاً صحيحاً طالما كان المنازع لهما أمير المؤمنين علي عليه السلام ، ومن هذا المنطلق كان ينتقدهما بصراحة ، ولكن بما أنّه كان يواجه الصعوبات في هذه المواجهة اضطرّ إلى الاستمداد من الإمام عليه السلام في المقام ، فكفاه الإمام عليه السلام - وهو جدير بذلك - فترى أنّه كان يعقد مجالس المناظرة والبحث في سبيل إثبات أولوية أهل البيت عليهم السلام ، والحطّ من كرامة علماء العامّة ، والنيل من التراث المصطنع عندهم.

وهذا لا يعني بالملازمة اعتقاد المأمون بإمامة أهل البيت عليهم السلام ، بل كان يريد إثبات عدم شرعية سبق الأوّل والثاني وأتباعهما على الآخرين ، ثمّ يبرهن على أفضليّته عليهم لمعرفة هذه الحقائق وتسليمه للحقّ.

( .... - البحرين - .... )

نسب السادة الرضوية :

س : إلى من ينتسبون السادات الرضوية؟

ج : الظاهر أنّهم من أعقاب الإمام الجواد عليه السلام ، إذ لم يكن للإمام الرضا عليه السلام ولد غيره على المشهور.

وأمّا حكمة تسميتهم بالسادات الرضوية بدلاً من السادات الجوادية أو التقوية ، فيحتمل أن يكون بسبب شهرة الإمام الرضا عليه السلام عند العامّة والخاصّة ، حتّى أنّ عدداً من الأئمّة عليهم السلام من ولده كانوا يعرفون ب- « ابن الرضا » عند الناس.

( .... - السعودية - .... )

علّة استشهاده :

س : هناك من يقول بأنّ الإمام الرضا عليه السلام مات حتف أنفه ، أو سمّه غير المأمون العباسيّ ، أو غير ذلك من العلل التي تدفع عن المأمون تهمة القتل.

ص: 257

وقد يؤيّد هذا البعض رأي بعض علماء الشيعة كالأربليّ صاحب كشف الغمّة ، والسيّد ابن طاووس ، والشيخ المفيد ، فما مدى صحّة هذا القول؟ وهل يوجد من أهل السنّة من يسند القتل المذكور إلى المأمون؟

ج : ممّا تسالم عليه الشيعة هو : أنّ الإمام الرضا عليه السلام قد استشهد مسموماً على يد المأمون ، وإن نسب إلى الشيخ المفيد والسيّد ابن طاووس ما يوهم توقّفهما في ذلك ، أو أنّ الأربليّ قد مال إلى خلاف ذلك في كتابه « كشف الغمّة ».

وممّا يوهن الرأي المخالف هو : أنّ النسبة المذكورة غير ثابتة ، وأنّ الأربليّ قد أبدى استنتاجه الحدسي في الموضوع ، وهذا لا يقابل الإخبارات الحسّية عن الواقع المذكور.

( ... - ... - ..... )

ولاية عهده كانت خطّة مدروسة من قبل المأمون :

س : ما هو الدليل على أنّ المأمون لم يكن صادقاً مع الإمام الرضا عليه السلام في ترشيحه لولاية العهد؟

ج : لا مجال لأن نتوهّم صدق المأمون مع الإمام الرضا عليه السلام في الموضوع ، وذلك لعدّة أُمور :

منها : إنّ المأمون حاول إقناع الإمام عليه السلام لقبول الخلافة ، وأصرّ على ذلك بشدّة ، ثمّ لمّا رأى رفض الإمام عليه السلام عدل عن ذلك ، وطلب منه عليه السلام قبول ولاية العهد.

فنرى أنّه يحاول بشتّى الوسائل ربط الإمام عليه السلام بدائرة الحكم ليس إلاّ ، فإن لم يستطع ذلك بالخلافة استبدله بولاية العهد ، وهذا صريح في سوء سريرته.

منها : تهديده الإمام عليه السلام في المسألة(1) ، فإن كان الإمام عليه السلام هو الأولى في

ص: 258


1- علل الشرائع 1 / 238 ، عيون أخبار الرضا 1 / 152 ، الأمالي للشيخ الصدوق : 126 ، روضة الواعظين : 224 ، مقاتل الطالبيين : 301 ، مناقب آل أبي طالب 3 / 472.

الموضوع فما معنى اجباره على ذلك ، إذ هو عليه السلام يعرف المصلحة ويتصرّف على وفقها.

منها : ارتباكه في توضيح الهدف من عمله هذا ، فتراه تارةً يريد به مكافأة علي ابن أبي طالب عليه السلام في ولده (1) ، وأُخرى حرصه على طاعة اللّه تعالى وخير الأُمّة (2) ، وأحياناً وفاؤه بنذره في ظفره بأخيه (3) ، بل ورابعة بأنّه أراد بذلك التشويه بسمعة الإمام عليه السلام عند الشيعة وتمويه الأمر عندهم.

منها : إنّ خطّ السير من المدينة إلى مرو كان عن طريق المدن السنّية ، مثل البصرة ونيشابور ، ولم يتح الوفد للإمام عليه السلام أن يمرّ بالمناطق الشيعيّة مثل قم وكاشان ، وهذا أيضاً دليل واضح على عدم حسن نوايا المأمون ، إذ كان لا يريد أن يظهر الإمام عليه السلام لمواليه ويتّصل بهم.

ومنها : غير ذلك ممّا يجعلنا على يقين من خبث سريرة المأمون في معاملته مع الإمام عليه السلام ، وأنّ ما تظاهر به آنذاك كان لأسباب خاصّة تصبّ جميعها في مصلحته.

( علي. البحرين - 22 سنة - طالب جامعة )

كان أسمر شديد السمرة :

س : هل صحيح بأنّ الإمام الرضا عليه السلام كان أسمر اللون؟ إن كان كذلك أو لم يكن ما هو الدليل؟ ولكم جزيل الشكر.

ج : قد ذكر المؤرّخون أنّ الإمام كان أسمر شديد السمرة.

وكان أعداء أهل البيت عليهم السلام يشنعون على الإمام بسمرته ويصفونه بالسواد ، وقد قال ابن المعتّز مشنّعاً على الإمام عليه السلام :

ص: 259


1- تاريخ الخلفاء : 308 ، تذكرة الخواص : 319.
2- البداية والنهاية 10 / 269.
3- إعلام الورى 2 / 73 ، مقاتل الطالبيّين : 375 ، الإرشاد 2 / 261 ، كشف الغمّة 3 / 70.

وقالوا إنّه ربّ قدير *** فكم لصق السواد به لصوقا

وهناك قول آخر يصف الإمام عليه السلام بأنّه أبيض معتدل القامة ، ولا يمكن وفقاً لما موجود من الأخبار البتّ في صفة الإمام عليه السلام الحقيقية ، ولكن أكثر المؤرّخين رجّحوا سمرة الإمام لكثرة الأخبار في ذلك دون الأخبار الأُخرى.

ولعلّ للمحيط الذي عاش به الإمام عليه السلام في كون غالبية أهله من البيض أثر في إظهار سمرته ، ممّا أدّى بأعدائه أن لا يجدوا شيئاً يعيبون به الإمام غير ذلك ، وإلاّ فهو كأجداده ، بل وصفه بعضهم بأنّه شديد الشبه بجدّه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

ص: 260

الإمام الجواد عليه السلام :

اشارة

( صادق اللواتي - عمان - .... )

صغر السن :

س : ما هو الدليل على إمامة الإمام الجواد عليه السلام؟ مع أنّه كان صغير السن؟

ج : إن كان الإشكال في السنّ فقد ثبت عدم دخل العمر في شرط الإمامة والقيادة عقلاً ونقلاً.

أمّا عقلاً ، فلا دليل على استحالة ذلك ، فيكون من الممكنات.

وأمّا نقلاً ، فهنالك آيات وروايات كثيرة ، ثبت من خلالها إمكان بل وقوع الإمامة والقيادة للأُمّة بسنّ صغير ، وهذا عيسى عليه السلام يشهد له القرآن بذلك ، إذ يقول : ( قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ... ) (1) ، وكذلك تحدّث عن يحيى عليه السلام فقال : ( يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ) (2).

وإن كان الإشكال في شيء آخر فأخبرنا ونحن لك من الشاكرين.

( .... - البحرين - .... )

مشابهته لبعض الأنبياء :

س : لمّا ولد الإمام الجواد عليه السلام قال الإمام الرضا عليه السلام لأصحابه : « قد ولد لي

ص: 261


1- مريم : 29 - 30.
2- مريم : 12.

شبيه موسى بن عمران فالق البحار ، وشبيه عيسى بن مريم ... » (1).

فما هو وجه الشبه بين الإمام الجواد عليه السلام وبين هذين النبيّين عليهما السلام؟

ج : الظاهر أنّ الإمام الرضا عليه السلام يقصد بكلامه هذا - على فرض صحّة الرواية سنداً - بأنّ ولده الإمام الجواد عليه السلام قد شاءت المصلحة الإلهيّة أن لا يولد في أيّام شباب الوالد عليه السلام ، بل ولد يوم كان عمر الإمام الرضا عليه السلام خمسة وأربعين سنة تقريباً ، وهذا التأخير كان تمحيصاً شديداً وابتلاءً عظيماً للمؤمنين ( حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) (2) ، بحيث إنّ البعض قد بدأ يشكّك في مصداقية إمامة الإمام الرضا عليه السلام لعدم وجود عقب له ، فمن هذه الجهة تشابهت قصّة ولادته عليه السلام بموسى عليه السلام ، حيث إنّ بني إسرائيل يئسوا من ظهور المنقذ لهم من ظلم فرعون بسبب تأخيره ، حتّى أتاهم بعد فترة من الامتحان والاختبار.

وأمّا وجه الشبه بينه عليه السلام وعيسى عليه السلام فهو أنّ عيسى عليه السلام آتاه اللّه تعالى الكتاب والنبوّة وهو طفل رضيع ، وتكلّم في المهد وهو صبيّ ، كذلك الإمام الجواد عليه السلام آتاه اللّه الإمامة وهو طفل ، وكان يكلّم الناس بكلام الحكماء والعرفاء ، وهو في مرحلة الطفولة.

( .... - محمّد - .... )

إجابته على مسائل كثيرة في مجلس واحد :

س : ما تقولون في حديث ورد في بعض الكتب عن الإمام الجواد عليه السلام ، أنّه أجاب على ثلاثين ألف مسألة في مجلس واحد؟ فهل هذا ممكن عقلاً؟ وهل يمكن إسناده إلى المعصوم عليه السلام؟

ج : نعم ، جاء هذا الخبر في بعض مصادر الحديث بدون الإسناد إلى كلام

ص: 262


1- بحار الأنوار 50 / 15 عن عيون المعجزات.
2- آل عمران : 179.

الإمام عليه السلام ، بل إنّه من كلام إبراهيم بن هاشم راوي الواقعة (1).

ومن هنا يجب أن نلاحظ نقطتين :

1 - إنّ مراجعة الأئمّة عليهم السلام من قبل الشيعة وغيرهم أمر طبيعي ، خصوصاً عند وفاة الإمام السابق ، وابتداء إمامة اللاحق ، فكانوا يأتونه لمعرفة إمامهم والتيقّن من شخصه ، وتمييزه عن غيره في تلك الظروف الصعبة ، وعليه فالظاهر أنّ هذا الخبر ثابت من حيث المضمون.

2 - ومع التسليم لأصل القضية ، يمكن توجيه مواصفاتها المذكورة بعدّة صور ، ذكر بعضها العلاّمة المجلسيّ في « بحار الأنوار » في ذيل الحديث (2).

والذي يبدو منها قريباً إلى الواقع هو : إنّ الإمام عليه السلام قد تكلّم بقواعد عامّة تتفرّع منها مسائل كثيرة ، فيصحّ أن يعبّر في المقام : إنّه عليه السلام أجاب على كلّ هذه الأسئلة ، والعلم عند اللّه تعالى.

( .... - السعودية - .... )

تولّى بنفسه تجهيز والده :

س : هل أنّ الإمام الجواد عليه السلام قد أتى إلى طوس من المدينة بصورة غير عادية لتجهيز أبيه الإمام الرضا عليه السلام والصلاة عليه ، كما تتحدّث بعض الأخبار بهذا؟ وهل هذا ممكن عقلاً؟ ثمّ كيف ينكره السيّد المرتضى (3) ولا يلتزم بهذا الأمر؟

ج : أطبقت الشيعة بعلمائها وغيرهم على أنّ المتولّي لتجهيز الإمام السابق والصلاة عليه لا يكون إلاّ الإمام اللاحق ، وهذا رأيهم يعتمد على أحاديث كثيرة وردت في هذا المجال.

ص: 263


1- الكافي 496/1 ، كشف الغمة 156/3 ، مناقب آل أبي طالب 290/3.
2- الكافي 1 / 496 ، كشف الغمّة 3 / 156 ، مناقب آل أبي طالب 3 / 290.
3- بحار الأنوار 50 / 93.

ثمّ لا يخفى أنّ موضوع طيّ الأرض ليس فيه أيّ حظر عقليّ من جهة الإمكان ، فهو ممكن وواقع عقلاً ونقلاً ، كما ورد في القرآن الكريم في قصّة إحضار عرش بلقيس عند سليمان عليه السلام.

وأمّا المحاذير التي ذكروها في المقام فليست هي إلاّ وجوه استبعادية لا تفيد الجزم بالمنع.

وأمّا إنكار السيّد المرتضى للموضوع وملازماته فهو بسبب التزامه بمبنى عدم قبول خبر الواحد في باب الأخبار ، أي أنّه لا يرى أخبار المقام في حدّ التواتر أو الاستفاضة حتّى تفيد علماً له ، وهذا المبنى مردود عند المحققّين كما قرّر في علم الأُصول.

فالنتيجة : إنّ إنكاره لا يدلّ على نفي الواقع ، بل هو رأي خاصّ به ، قد ثبت بطلانه بأدلّة وافية وشافية.

وعليه ، فالإمام الجواد عليه السلام - وكذا باقي الأئمّة عليهم السلام - قد حضروا وتولّوا تجهيز آبائهم والصلاة عليهم.

وأمّا ما روي من تولّي هذه المراسيم بيد الآخرين فهي - مع فرض صحّة أسانيدها - لا تنفي ما ذكرناه ، فقد يجوز أن يكون ذلك على مستوى الظاهر ولحفظ حالة التقية والكتمان.

( عبد اللّه ........ )

إمامته في صغر سنّه :

س : هناك من يعترض على إمامة الإمام الجواد عليه السلام لصغر سنّه(1) ، ويؤيّد كلامه بوجود اختلاف بين الشيعة نفسهم في ذلك ، نقلاً عن كتاب فرق الشيعة(2).

ص: 264


1- بين الشيعة وأهل السنّة : 55.
2- فرق الشيعة : 88.

فإنّه يذكر : إنّ بعض الشيعة أنكروا إمامته مستدلّين بأنّ الإمام لا يجوز أن يكون إلاّ بالغاً ، ولو جاز أن يأمر اللّه تعالى بطاعة غير البالغ لجاز أن يكلّف اللّه غير البالغ ، والتالي باطل فالمقدّم مثله.

كيف نردّ عليهم هذه الدعوى والاستدلال الباطل؟

ج : نختصر الجواب في عدّة نقاط :

1 - صغر السنّ بما هو لا يكون مانعاً عقلاً في المقام ، فلا نرى فيه أيّ محذور كما هو واضح.

وأمّا نقلاً ، فمضافاً إلى عدم ورود منع شرعي لذلك جاء في القرآن الكريم ( وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ) (1) ، فالاستبعاد في الموضوع لا يرجع إلى شيء.

2 - إنّ كتاب « فرق الشيعة » للنوبختي لم يصل إلينا بطريق وسند صحيح يمكن الاعتماد عليه ، كما هو رأي المحقّقين.

نعم ثبت في محلّه بأنّ النوبختي كان له كتاب بهذا الاسم ، ولكن لا يمكننا الجزم بأنّ هذه النسخة المتداولة هي الأصل ، بل من المحتمل والمظنون قويّاً تلاعب بعض الأيدي في متنها.

3 - لا ملازمة بين عدم تكليف غير البالغ وموضوع الإمامة والنبوّة ، فإنّهما رتبتان يهبهما اللّه تعالى حيث يشاء من عباده وفقاً للمصلحة التي يراها.

وأمّا عدم تكليف الصبي فهو امتنان وشفقة عليه ، أي إنّه من باب رفع المشقّة ، لا أنّه لا يصحّ تكليفه عقلاً ، ألا ترى صحّة عباداته ومشروعيّتها على المشهور.

وبعبارة واضحة : إنّ الصبي - وعلى الأخصّ المميّز منه - قد رفع عنه التكليف لصالحه ، ولكن النبوّة والإمامة أمران إلهيان يضعهما اللّه تعالى في مواضع قد قدّر استيعابهما فيها مسبقاً ، فلا امتنان في رفعهما عن تلك المواضع.

4 - ولو سلّمنا أنّ بعض الشيعة أنكر إمامته لصغر سنّه فهؤلاء حينئذ لا يطلق .

ص: 265


1- مريم : 12.

عليهم شيعة اثنى عشرية ، فحالهم حال الشيعة الإسماعيلية حين أنكروا إمامة الإمام الكاظم عليه السلام ، وحالهم حال الشيعة الزيدية حين أنكروا إمامة الإمام الباقر عليهم السلام.

( حسين جبّاري - البحرين - 23 سنة - طالب )

ردّه على ثلاثين ألف مسألة في مجلس واحد :

س : لقد قرأت كتيّب بعنوان « المسلم » للسيّد الشيرازي ، وقد لفتت انتباهي رواية عن أحد الأئمّة عليهم السلام ، بأنّه قد ردّ على ثلاثين ألف مسألة في جلسة واحدة ، وهذا الكلام غير منطقيّ ، لأنّنا لو قلنا : إنّ الجلسة كانت مدّتها 24 ساعة ، وقد تمّ طرح مسألة والإجابة عليها في كلّ دقيقة ، فأنّنا نرى أن ربع هذا الرقم لم نصل إليه ، فما هو ردّكم؟ ولكم جزيل الشكر.

ج : الظاهر أنّك تقصد الرواية التي رواها ابن شهر آشوب في « مناقب آل أبي طالب » ، عن إبراهيم بن هاشم عن مجلس اجتمع فيه الناس للاستفادة من الإمام الجواد عليه السلام ، وهو ابن عشر سنين ، هذه الروايات إن صحّ سندها - كما هو غير بعيد ، يمكن توجيها بعدّة وجوه أهمّها :

1 - إنّ المقصود بالجلسة مجلس الاستفادة ، ولعلّه امتدّ أيّاماً وأسابيع ، وعبّر عنها بمجلس واحد ، لأجل أنّها عقدت لإثبات عظمة الإمام رغم صغر سنّه ، وعجز غيره عن مجاراته ومناظرته ، رغم كثرتهم وكبر سنّهم ، فهو مجلس واحد لأجل وحدة الغرض.

2 - إنّ المقصود بالتعبير الوارد في الرواية والعدد المذكور الجزئيات والفروع التي استفيدت من القواعد التي أُسّست من قبل الإمام عليه السلام ، وهذا مثل ما يظهر من قوله سبحانه : ( وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) (1) ، وقوله :

ص: 266


1- الأنعام : 59.

( وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) (1) بناء على أنّ المقصود بالكتاب هو القرآن.

فكما يمكن أن يحتوي القرآن على كلّ ما أُشير إليه رغم محدوديّته من حيث الألفاظ ، كذلك يمكن أن يحتوي كلام الإمام على أُسس وقواعد ليستخرج منها حكم فروع كثيرة.

وأيضاً قال اللّه سبحانه : ( ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ ) (2) ، ومعلوم أنّ توراة موسى كان كتاباً محدود الكلمات ، ومع ذلك احتوى تفصيلاً لكلّ شيء.

وقال في موضع آخر : ( وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ ) (3) ، وأشار سبحانه إلى احتواء القرآن بقوله : ( وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً ) (4) ، وإلى هذا المعنى يشير أمير المؤمنين عليه السلام في قوله : « علّمني رسول اللّه ألف باب من العلم ، فتح لي كلّ باب ألف باب »(5).

وقد قال بعض : إنّه استنبط من قول الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله : « لا ضرر ولا ضرار » أكثر من ألف حكم.

ص: 267


1- يونس : 61.
2- الأنعام : 154.
3- الأعراف : 144.
4- الإسراء : 12.
5- الفصول المختارة : 107 ، إعلام الورى 1 / 267.

ص: 268

الإمام الهادي عليه السلام :

اشارة

( عيسى - الكويت - 31 سنة )

علمه وإخباره بموت الواثق :

س : هناك من يقول أنّ علي الهادي لم يكن أعلم الناس حسبما هو مشروط فيمن يتولّى الإمامة ، فكيف يكون الردّ على هذا القول؟ وجزاكم اللّه خيراً.

ج : لقد اشتهر كالشمس في رائعة النهار بين الخاصّة والعامّة سعة أُفق علم الأئمّة عليهم السلام أجمع ، فضلاً عن الإمام الهادي عليه السلام بذاته.

أمّا بالنسبة إلى الخاصّة فلا مجال للنقاش أو الشكّ بعد الإقرار بكونهم أئمّة معصومين ، وأنّ علمهم وراثي وإلهامي.

وأمّا العامّة بجميع مذاهبها فإنّها أقرّت بسعة علوم أهل البيت عليهم السلام ، بما يميّزها عن غيرها.

ومن الأخبار التي تدلّ على سعة الإمام الهادي عليه السلام إخباره بموت الواثق ، فعن خيران الأسباطيّ قال : « قدمت على أبي الحسن عليه السلام المدينة فقال لي : « ما خبر الواثق عندك »؟ قلت : جعلت فداك خلّفته في عافية ، أنا من أقرب الناس عهداً به ، عهدي به منذ عشرة أيّام ، قال : فقال لي : « إنّ أهل المدينة يقولون إنّه مات » ، فلمّا أن قال لي : الناس ، علمت أنّه هو.

ثمّ قال لي : « ما فعل جعفر »؟ قلت : تركته أسوأ الناس حالاً في السجن ، فقال : « أمّا إنّه صاحب الأمر ، ما فعل ابن الزيات »؟ قلت : جعلت فداك الناس معه والأمر أمره.

ص: 269

فقال : « أمّا إنّه شؤم عليه » ، ثمّ سكت وقال لي : « لابدّ أن تجري مقادير اللّه تعالى وأحكامه ، يا خيران مات الواثق ، وقد قعد المتوكّل جعفر ، وقد قتل ابن الزيات » ، فقلت : متى جعلت فداك؟ قال : « بعد خروجك بستّة أيّام »(1).

( إبراهيم - كندا - 23 سنة )

دفن في بيته :

س : لماذا دفن الإمام علي الهادي عليه السلام في بيته؟ وشكراً لكم.

ج : السبب في دفنه عليه السلام في بيته يعود إلى حصول ردود الفعل من الشيعة يوم استشهاده عليه السلام ، وذلك عندما اجتمعوا لتشييعه مظهرين البكاء والسخط على السلطة ، والذي كان بمثابة توجيه أصابع الاتهام إلى الخليفة لتضلّعه في قتله.

وللشارع الذي أخرجت جنازة الإمام عليه السلام إليه الأثر الكبير ، حيث كان محلاً لتواجد معظم الموالين لآل البيت عليهم السلام ، أو من يحمل بين حنايا ضلوعه ولاء أهل البيت عليهم السلام ، من الجند والقوّاد والكتّاب.

كلّ هذا أدّى إلى اتخاذ السلطة القرار بدفنه عليه السلام في بيته ، وإن لم تظهر تلك الصورة في التاريخ بوضوح ، إلاّ أنّه يفهم ممّا تطرّق إليه اليعقوبيّ في تاريخه عند ذكر حوادث عام ( 254 ه- ) ، ووفاة الإمام الهادي عليه السلام حيث يقول : « وبعث المعتزّ بأخيه أحمد بن المتوكّل ، فصلّى عليه في الشارع المعروف بشارع أبي أحمد ، فلمّا كثر الناس واجتمعوا كثر بكاؤهم وضجّتهم ، فردّ النعش إلى داره ، فدفن فيها »(2).

وتمكّنوا بذلك من إخماد لهيب الانتفاضة والقضاء على نقمة الجماهير الغاضبة.

ص: 270


1- الكافي 1 / 498.
2- تاريخ اليعقوبيّ 2 / 503.

( علي - العراق - 19 سنة )

حذّر من ابنه جعفر :

س : هل حذّر الإمام الهادي من ابنه جعفر الكذّاب؟ ودمتم سالمين.

ج : لقد حذّر الإمام الهادي عليه السلام شيعته ومواليه من ابنه جعفر واتباعه ، فإنّه كان يقول لهم : تجنّبوا جعفراً فإنّه منّي بمنزلة نمرود من نوح الذي قال اللّه عزّ وجلّ فيه : ( فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ ) (1).

قال اللّه : ( قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ) (2).

وقد حذّر منه أيضاً الإمام العسكريّ عليه السلام بقوله : « اللّه اللّه أن يظهر لكم أخي جعفر على سرّ ، ما مثلي ومثله إلاّ مثل هابيل وقابيل ابني آدم ، حيث حسد قابيل هابيل على ما أعطاه من الحاشية ، ولو تهيّأ لجعفر قتلي لفعل ، ولكن اللّه غالب على أمره » (3).

ص: 271


1- هود : 45.
2- هود : 46.
3- مدينة المعاجز 7 / 664.

ص: 272

الإمام العسكريّ عليه السلام :

اشارة

( .... - مسلم - .... )

روي عنه أحاديث قليلة :

س : لماذا معلوماتنا قليلة وشحيحة عن الإمام الحسن العسكريّ؟ على الرغم أنّه آخر الأئمّة ، وقبل الإمام المهديّ عليه السلام ، ومن المفروض أن نكون أكثر علماً عنه ، ونقل عنه.

إلاّ أنّنا نجد النقل أكثر عن الإمام جعفر الصادق ، ونرى نهج البلاغة ، ونرى القليل عن رسول اللّه ، أوّل من جاء بخبر السماء ، كما أنّنا لا نرى روايات عن الإمام العسكريّ.

ج : إنّ قلّة أحاديثنا عن الإمام العسكريّ عليه السلام ترجع إلى أمرين : قصر عمره الشريف ، وإبقائه تحت الرقابة الشديدة.

فالحقيقة إنّ الإمام عليه السلام قد ولد في سنة 232 ه- ، واستشهد مسموماً في سنة 260 ه- ، فعمره الشريف يكون 28 سنة.

مضافاً إلى أنّه عليه السلام قد شخص إلى العراق مع والده عليه السلام ، منذ سنة 236 ه- ، وأُجبر على الإقامة في مدينة سامراء - عاصمة العباسيّين آنذاك - حتّى تكون عيون الحكومة على معرفة قريبة من شؤونه ، واتصال الشيعة به ، وفي هذه الظروف كان من الصعب الوصول إليه ، وتلقّي الأحاديث والعلوم والمعارف منه عليه السلام.

وهذا بخلاف المقطع الذي عاشه الإمام الصادق عليه السلام ، إذ صادف زمان انهيار

ص: 273

الحكم الأمويّ وظهور العباسيّين ، فاشتغال الظالمين بالظالمين قد أنتج فرصة ذهبية للإمام عليه السلام في سبيل بثّ علوم أهل البيت عليهم السلام وأحاديثهم ، وهذا سرّ كثرة الروايات عنه عليه السلام.

وأمّا الرواية عن الرسول صلى اللّه عليه وآله فهي أحاديث أهل البيت عليهم السلام ، أي إنّ أحاديثهم - بعقيدتنا - هي أحاديث رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله لا غير ، وهي ليست بالقليل كما هو واضح ، لمن راجع المجامع الحديثية للشيعة.

( محامي الشيعة - السعودية - .... )

المعتمد دسّ إليه السمّ :

س : على يد مَن قتل الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام؟

ج : قال ابن الصبّاغ المالكيّ في « الفصول المهمّة » ما نصّه : « ذهب كثير من الشيعة إلى أنّ أبا محمّد الحسن مات مسموماً ، وكذلك أبوه وجدّه ، وجميع الأئمّة الذين من قبلهم ، خرجوا كلّهم تغمّدهم اللّه برحمته من الدنيا على الشهادة ، واستدلّوا على ذلك ، بما روي عن الصادق عليه السلام أنّه قال : « ما منّا إلاّ مقتول أو شهيد »(1).

ونقل العلاّمة المجلسيّ في « بحار الأنوار » عن كتاب « المصباح » للشيخ الكفعميّ ( قدس سره ) ، أنه قال : « توفّي عليه السلام في أوّل يوم من ربيع الأوّل » ، وقال في موضع آخر : « في يوم الجمعة ثامنه ، سمّه المعتمد »(2).

نعم المعتمد العباسيّ - الحاكم آنذاك - دسّ السمّ إلى إمامنا العسكريّ عليه السلام ، ومات مسموماً مظلوماً.

ص: 274


1- الفصول المهمّة : 290.
2- بحار الأنوار 50 / 335.

( .... - ... - .... )

مدّة إمامته :

س : إمامة أيّ من الأئمّة عليهم السلام كانت أقصر من الآخرين؟ رجاءً مع ذكر سنين إمامته.

ج : هو الإمام الحادي عشر من أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، أبو محمّد الحسن بن علي العسكريّ عليهما السلام ، فقد ولد عليه السلام في سنة 232 ه- ، وتولّى منصب الإمامة في سنة 254 ه- ، واستشهد في سنة 260 ه- ، وعليه ففترة إمامته كانت ستّ سنوات ، وبهذا تكون مدّة إمامته أقلّ فترةً من جميع آبائه المعصومين عليهم السلام.

منع من الحج :

س : نسمع أحياناً أنّ الإمام العسكريّ عليه السلام لم يحجّ ، فهل هذا صحيح؟ وإن كان صحيحاً فما وجهه؟

ج : نعم ، بحسب النصوص الروائية والتاريخية فإنّ الإمام العسكريّ عليه السلام لم تتح له فرصة الذهاب إلى الحجّ ، وبهذا هو الإمام الوحيد الذي منع من أداء مناسك الحجّ والعمرة ، ولتوضيح المسألة يلاحظ :

أوّلاً : إنّ الإمام العسكريّ عليه السلام خرج من المدينة نحو العراق في سنة 236 ه- ، مع والده الإمام الهادي عليه السلام ؛ وبما أنّ ولادته عليه السلام كانت في سنة 232 ه- ، فهذا يعني أنّه عليه السلام كان له من العمر أربع سنوات حينما اصطحبه والده في سفره إلى سامراء.

ثانياً : كما نعرف أنّ المجيء إلى سامراء كان بصورة جبرية من قبل الخليفة العباسيّ - المتوكّل - ، فمن الطبيعي أن تكون الإقامة أيضاً جبرية ، وهذا يعني عدم الخيار في الخروج منها حتّى لسفر الحجّ.

فبقي هو مع أبيه عليهما السلام تحت الرقابة الشديدة إلى زمان استشهادهما عليهما السلام.

ثالثاً : كلّ ما ذكرناه هنا فهو على ضوء الأدلّة الظاهرية ، وعليه فلا ننفي إمكانية خروج الإمام عليه السلام عن البلد ، ومحلّ الإقامة الجبرية بصور الإعجاز

ص: 275

وخرق العادة ، إذ هذا أمر طبيعيّ بالنسبة لأئمّة أهل البيت عليهم السلام.

ولكن على مستوى الوضع الظاهريّ كان عليه السلام قد فرض عليه الإقامة الجبرية في سامراء من أيّام الطفولة حتّى يوم استشهاده ، فلم يمكن التخلّص من الوضع الراهن والذهاب إلى الحجّ.

( ... - .... - .... )

إمامته منصوصة :

س : ما هي الحكمة من وراء إمامة الإمام العسكريّ عليه السلام؟ وعدم حصولها لبقية أخوته مثل سيّد محمّد ، أو جعفر أو غيرهما ، مع أنّهما كانا أكبر من الإمام العسكريّ عليه السلام من ناحية العمر؟

ج : نلفت انتباهكم في الجواب إلى نقطتين :

الأُولى : إنّ الإمامة بحسب اعتقادنا - نحن الشيعة - أمر إلهي ، ولا تخضع لقوانين الوراثة ، أو أيّ موضوع آخر ، فيجب فيها اتّباع النصّ ، وعدم الاعتماد على الظنون والتخرّصات ، وقد وردت عدّة نصوص عامّة وخاصّة دالّة على إمامة الإمام العسكريّ عليه السلام.

الثانية : وعلى فرض التنزّل والتسليم يمكننا البحث في الموردين المذكورين في السؤال.

ومجمل القول هو : إنّ السيّد محمّد قد توفّي في حياة والده الإمام الهادي عليه السلام ، وبهذا قد انتفى افتراضه كإمام ، أي إنّ إمامته انتفت بانتفاء موضوعه.

ولا يخفى أنّ لهذا السيّد شأناً كبيراً ، ومقاماً عالياً عند أهل البيت عليهم السلام ، وعند الشيعة ، ولكنّ اللّه تعالى شاء وقدّر ما كان وما يكون.

وأمّا جعفر ، وهو الملقّب بالكذّاب عند الشيعة ، فقد اشتهر عند الناس بالفسق والفجور ، فلم يكن فيه احتمال تصدّي مقام الإمامة حتّى على مستوى الفرض ؛ وهو أيضاً لم يدّع هذا المنصب في حياة أخيه الإمام العسكريّ عليه السلام ،

ص: 276

بل مال إليه بعد استشهاده عليه السلام ، ولكن لم يقبل منه القريب والبعيد هذا الادّعاء؛ وأمره إلى اللّه تعالى.

( أحمد - الكويت - 20 سنة - طالب )

قول أبيه له أحدث لله شكراً فقد أحدث فيك أمراً :

س : بعد السؤال عن صحّتكم ، في الحقيقة لقد أرسلت رسالة بموضوع قدرة اللّه تعالى ، ونرجو منكم الردّ ، وهذا عهدنا بكم ، عندي موضوع آخر يتعلّق حول الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام ، وبالأخص قضية أنّ أخيه محمّد ، وأنّه هو الوصيّ بعد أبيه الهادي عليه السلام.

وقد قرأت حول هذا الموضوع بعض الردود ، مثل ردّ السيّد سامي البدريّ في كتاب شبهات وردود وغيرها ، وفي قسم الإجابات والأسئلة في هذا المركز ، في موضوع البداء ، إلاّ أنّه يتبادر عدّة نقاط يجب طرحها وملاحظاتها :

1 - ما المقصود من قول الإمام الهادي لولده الإمام العسكريّ عليهما السلام : « يا بني ، أحدث لله شكراً فقد أحدث فيك أمراً »؟

وما المقصود من عبارة : وعلمنا أنّه أشار بالإمامة ، وأقامه مقامه؟ كما ورد في هذه الرواية : « عن جماعة من بني هاشم ، منهم الحسن بن الحسن الأفطس ، أنّهم حضروا - يوم توفّي محمّد بن علي بن محمّد - باب أبي الحسن يعزّونه ، وقد بسط له في صحن داره ، والنساء جلوس حوله ، فقالوا : قدّرنا أن يكون حوله من آل أبي طالب وبني هاشم وقريش مائة وخمسون رجلاً ، سوى مواليه وسائر الناس ، إذ نظر إلى الحسن بن علي قد جاء مشقوق الجيب ، حتّى قام عن يمينه ونحن لا نعرفه ، فنظر إليه أبو الحسن عليه السلام بعد ساعة ، فقال : « يا بني أحدث لله عزّ وجلّ شكراً ، فقد أحدث فيك أمراً » ، فبكى الفتى وحمد اللّه واسترجع ، وقال : « الحمد لله ربّ العالمين ، وأنا أسأل اللّه تمام نعمه لنا فيك ، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون ».

فسألنا عنه ، فقيل : هذا الحسن ابنه ، وقدّرنا له في ذلك الوقت عشرين سنة

ص: 277

أو أرجح ، فيومئذ عرفناه وعلمنا أنّه قد أشار إليه بالإمامة ، وأقامه مقامه » (1).

2 - ما معنى قول الإمام الهادي لابنه العسكريّ عليهما السلام : « إنّ اللّه تبارك وتعالى قد جعل فيك خلفاً منه فأحمد اللّه ... »؟

كما ورد في هذه الرواية : عن محمّد بن يحيى بن درياب قال : دخلت على أبي الحسن عليه السلام بعد مضي أبي جعفر فعزّيته عنه ، وأبو محمّد عليه السلام جالس ، فبكى أبو محمّد عليه السلام ، فأقبل عليه أبو الحسن عليه السلام فقال له : « إنّ اللّه تبارك وتعالى قد جعل فيك خلفاً منه فأحمد اللّه » (2).

3 - هل يوجد نصّ من الإمام الهادي عليه السلام على ولده محمّد على أنّه هو الإمام؟ وهل حصل تواتر في الروايات على ذلك؟ ولماذا لم يتداول نصّ الإمام الجواد على العسكريّ عليهما السلام بين الشيعة؟

ج : بالنسبة إلى السؤال الأوّل نقول : المعنى أنّ اللّه تعالى حين قبض محمّداً إليه ، وقد كان بعض الشيعة يظنّون أنّه الإمام بعد أبيه ، فلمّا أماته اللّه أظهر للناس إمامة العسكريّ ، ورفع الوهم عند ذوي الفهم منهم ، وهذه نعمة بالغة تستوجب مزيد الشكر على هدايتهم إلى الحقّ.

والمقصود بالعبارة : إنّ الإمام الهادي عليه السلام أشار إلى ابنه الحسن العسكريّ عليه السلام بالإمامة ، وأقامه مقامه ، أي مقام نفسه من بعده ، فالضمير عائد إلى الإمام الهادي في مقامه ، لا إلى ابنه محمّد.

وبالنسبة إلى السؤال الثاني نقول : معنى قول الإمام الهادي عليه السلام لابنه العسكريّ - إن صحّت الرواية ، ولا تصحّ لجهالة محمّد بن يحيى بن درياب الراوي - فإن المعنى هو المعنى في الجواب الأوّل.

وبالنسبة إلى السؤال الثالث نقول : لم يوجد أيّ نصّ من الإمام الهادي عليه السلام على ولده محمّد. .

ص: 278


1- الكافي 1 / 326.
2- المصدر السابق 1 / 327.

ولم يصحّ خبر واحد - فضلاً عن التواتر - في ذلك. وتوجد نصوص على إمامة العسكريّ ولو لم يكن تداول بين أهل المعرفة لما وصل إلينا الخبر بذلك.

وفّقنا اللّه وإيّاكم إلى بلوغ الحقّ ، والصراط المستقيم.

( تسنيم الحبيب - الكويت - 19 سنة - طالبة جامعة )

رؤية نرجس له بالحلم :

س : لدي سؤال يتعلّق بالسيّدة المبجّلة والدة الإمام الحجّة عليه السلام - جعلنا وإيّاكم من أنصاره - : قرأت في بحار الأنوار عن غيبة الشيخ الطوسيّ : « أنّها عليها السلام كانت تحلم بالإمام العسكريّ عليه السلام ، ويأتي بالحلم لها ليحدّثها ويجالسها » (1).

فهل هذا ممكن وجائز؟ وهل كانت هي حليلة له؟ أم أنّ هناك مسوّغاً شرعياً آخر؟ وجزاكم اللّه خير الجزاء ، ودمتم موفّقين.

ج : رؤية نرجس عليها السلام ، أو أي امرأة أُخرى إلى رجل غريب في الحلم لا يحتاج إلى مسوّغ شرعي ، وهكذا رؤية الإمام العسكريّ عليه السلام ، أو أي رجل آخر إلى امرأة غريبة في الحلم.

ثمّ بعد التسليم بصحّة سند الرواية ، ففي بدايتها تصريح بحصول عقد النكاح من خلال النبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله ، وشمعون وصيّ عيسى عليهما السلام.

ص: 279


1- بحار الأنوار 51 / 6.

ص: 280

الإمام المهديّ عليه السلام :

اشارة

( مجيد علي - البحرين - .... )

إثبات وجوده بالفطرة :

س : كيف نثبت وجود الإمام المهديّ عليه السلام بالفطرة؟

ج : إنّ العقل والفطرة يحكمان بعدل اللّه تعالى ، ومن عدله تعالى بعثة الأنبياء والرسل ، وألا يترك الأُمّة سدى ، وهكذا كان ، ففي كلّ وقت وزمان - من زمن آدم عليه السلام - كان نبيّ أو وصيّ نبيّ.

وعند البحث والتحقيق نشاهد أنّ لجميع الأنبياء وصيّ أو أوصياء ، ولمّا كانت نبوّة نبيّنا محمّد صلى اللّه عليه وآله خاتمة النبوّات ، فوجود الوصي يكون ضرورياً.

وذهبت الشيعة إلى أن له صلى اللّه عليه وآله وصيّ ، وهو أمير المؤمنين علي عليه السلام ، ومن بعده أحد عشر إماماً عليهم السلام أوصياء له صلى اللّه عليه وآله.

ونفس الدليل الذي أوجب عدل اللّه تعالى ، ومن ثمّ استلزام العدل أن لا يترك الأُمّة سدى بلا نبيّ أو وصيّ ، يأتي هذا الدليل في زماننا هذا ، فهل ترك اللّه تعالى بعد شهادة الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام الأُمّة بلا وصيّ؟!

الدليل العقليّ والفطري يحكمان بوجوب تعيين وصيّ وإمام من قبله تعالى لهذه الأُمّة ، وهو وإن كان غائباً ، إلاّ أنّ البشرية تستفيد منه ، كما يستفيد الناس من الشمس إذ غيّبها السحاب.

ص: 281

( غانم النصار - الكويت - .... )

مولود وغائب متّفق عليه عند الشيعة :

س : هل هناك دليل من القرآن والسنّة على اختفاء الإمام الحجّة؟ بارك اللّه بكم.

ج : تارة نبحث عن أصل فكرة المنقذ للبشرية ، وأنّه في آخر الزمان يخرج منقذ للبشرية ، ينقذها من الظلم والجور ، فهذا ممّا اتفقت عليه جميع الأديان.

وتارة نبحث عن أنّ المنقذ هو المهديّ المنتظر عليه السلام ، مع غضّ النظر عن أنّه ولد أو لا ، فهذا ممّا اتفق عليه جميع المسلمين.

وتارة نبحث عن المنقذ بأنّه الإمام محمّد بن الحسن العسكريّ ، وأنّه ولد وغاب ، فهذا ممّا اتفق عليه الشيعة الإمامية ، وفي كتبهم من ذلك روايات كثيرة جدّاً ، تصل إلى حدّ التواتر.

( .... - ... - .... )

اتجاهان في تفسير الدجّال :

س : يشغل بالي كثيراً هذا السؤال ، وهو : من هو الدجّال؟ وفي أيّ زمان يخرج؟ وهل الدجّال فرداً أم جماعةً؟ ألا نستطيع أن نعتبر أمريكا هي الدجّال؟

ج : هناك اتجاهان في تفسير الدجّال ، أحدها يؤكّد أنّ الدجّال هو ابن صائد ، الذي أكّدته روايات أهل السنّة ، وأيّدته بعض المرويّات عند الإمامية ، ولعلّها اعتمدت على تلك الروايات العامّية.

ثانيها : يذهب إلى أنّ الدجّال رمز يرمز إلى الظلم والكفر والطغيان ، ومع هذا الاتجاه ، يمكنك أن تجعل أي مصداق من مصاديق الكفر والضلال في نطاق مفهوم الدجّال ، وفي المقام بحث واسع لا يسعنا التطرّق إليه.

ولا عليك أن تكلّف نفسك في البحث عن مصداق الدجّال ، أهو الحقيقيّ

ص: 282

الذي اسمه ابن صائد ، أو هو المجازي الذي يعني كلّ كفر وضلال ، فإنّ تكليفنا جميعاً هو الاعتقاد الحقّ بوجود المهديّ عليه السلام وولادته ، وهو ابن الحسن العسكريّ عليه السلام.

وظهوره بعد أن يأذن اللّه تعالى له بالظهور ، والتسليم لهذا الأمر والانتظار له ، وتهذيب النفس وتهيئتها لاستقباله عليه السلام ، ومعايشة فكرة الظهور في كلّ لحظة من لحظات حياتنا. هذه هي المطالب الشريفة التي يجب التمسّك بها.

( عبد المنعم إسماعيل - السعودية - 19 سنة - طالب ثانوية )

أدلّة قرآنية على حياته :

س : ما هو دليل حياة الإمام المنتظر عليه السلام من القرآن؟

ج : إنّ حياة الإمام المهديّ عليه السلام في القرآن تثبت بالرجوع إلى الآيات القرآنية التي تثبت وجوب الإمام في كلّ عصر ، فإثبات وجوب الإمامة لا يعني في وقتٍ دون وقت ، فإنّ ذلك يمتد حتّى إلى عصرنا الذي نحتاج فيه الإمام ، لنفس الغرض الذي نثبته في كلّ عصر.

1 - قال تعالى : ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (1).

روي عن ابن عباس أنّه قال : لمّا نزلت الآية ، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « أنا المنذر وعلي الهادي من بعدي ، فقال : يا علي بك يهتدي المهتدون »(2).

فهل الهادي لزمانٍ دون زمان ، وعصرٍ دون عصر؟

ص: 283


1- الرعد : 7.
2- المسترشد : 359 ، شرح الأخبار 2 / 272 و 350 ، مناقب آل أبي طالب 2 / 280 ، الصراط المستقيم 2 / 10 ، فتح الباري 8 / 285 ، تفسير أبي حمزة الثمالي : 215 ، تفسير فرات الكوفي : 206 ، التبيان 6 / 223 ، مجمع البيان 6 / 15 ، خصائص الوحي المبين : 140 ، جامع البيان 13 / 142 ، شواهد التنزيل 1 / 382 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 359 ، بشارة المصطفى : 377.

عن الإمام الباقر عليه السلام في قول اللّه تعالى : ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) ، قال : « رسول اللّه المنذر ، وعلي الهادي ، واللّه ما ذهبت منّا ، وما زالت فينا إلى الساعة »(1).

ممّا يدلّ على أنّ هذه الآية مستمرة إلى قيام الساعة ، ففي كلّ عصر هادٍ من أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، ومنهم الإمام المهديّ عليه السلام حتّى عصرنا هذا وما بعده ، إذ لا يخلو زمان عن إمامٍ هادٍ.

وعن محمّد بن مسلم قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : ( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) ، فقال : « إمام هاد لكلّ قومٍ في زمانهم »(2).

وعن الإمام الصادق عليه السلام في حديث طويل : « ولم تخل الأرض منذ خلق اللّه آدم من حجّة لله فيها ، ظاهر مشهور ، أو غائب مستور ، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجّة لله فيها ، ولولا ذلك لم يعبد اللّه ».

قال سليمان - راوي الحديث - فقلت للصادق عليه السلام : فكيف ينتفع الناس بالحجّة الغائب المستور؟ قال عليه السلام : « كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب »(3).

2 - قوله تعالى : ( وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ) (4).

وإيصال القول أي تبليغهم بآيات اللّه وأحكامه ، وهذه لا يقوم بها إلاّ الإمام ، وفي زماننا هو الإمام المهديّ عليه السلام ، فلابدّ من وجوده ، ليتمّ مصداق هذه الآية.

عن الإمام الصادق عليه السلام في قوله : ( وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ ) قال : « إمام بعد إمام »(5).

3 - قوله تعالى : ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ) (6).

ص: 284


1- بصائر الدرجات : 50 ، تفسير العيّاشيّ 2 / 204.
2- الإمامة والتبصرة : 132 ، كمال الدين وتمام النعمة : 667 ، ينابيع المودّة 1 / 297.
3- الأمالي للشيخ الصدوق : 253 ، كمال الدين وتمام النعمة : 207 ، ينابيع المودّة 1 / 75.
4- القصص : 51.
5- بصائر الدرجات : 535 ، الأمالي للشيخ الطوسيّ : 294 ، تفسير القمّيّ 2 / 141.
6- البقرة : 30.

فهل هذه الآية لزمانٍ دون زمان؟ أم هي متصلة إلى أن تقوم الساعة؟ فمن هو خليفة اللّه في الأرض في زماننا هذا؟ لابدّ أن يكون ذلك الخليفة هو الإمام ، والإمام اليوم هو الإمام المهديّ عليه السلام ، فهو حيّ بمقتضى هذه الآية.

4 - قوله تعالى : ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (1).

فإتمام النور بالتبليغ إلى اللّه تعالى ، فهل هذا لزمان دون زمان؟ فمن هو الذي يتمّ نور اللّه في هذا الزمان؟ إنّه الإمام المهديّ عليه السلام الذي يعيش في زماننا هذا.

عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « لم تخلو الأرض منذ كانت من حجّة عالم ، يحيي فيها ما يميتون من الحقّ » ، ثمّ تلا هذه الآية : ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (2).

5 - قوله تعالى : ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا ... ) .

فنقول : هل إنّ ليلة القدر كانت في حياة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟ أم حتّى من بعده.

فإذا كانت ليلة القدر مستمرة وتنزل الملائكة والروح فيها في كلّ عام فعلى من تنزل في زماننا هذا؟ لابدّ من نزولها على خليفة رسول اللّه ، وهو الإمام المعصوم ، الذي هو إمامنا المهديّ عليه السلام.

عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « كان علي عليه السلام كثيراً ما يقول : اجتمع التيمي والعدوي عند رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وهو يقرأ ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ ) بتخشّع وبكاء ، فيقولان : ما أشدّ رقّتك لهذه السورة؟

فيقول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : لما رأت عيني ووعى قلبي ، ولما يرى قلب هذا من بعدي. .

ص: 285


1- الصف : 8.
2- كمال الدين وتمام النعمة : 221.

فيقولان : وما الذي رأيت وما الذي يرى؟ قال : فيكتب لهما في التراب ( تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ ) قال : ثمّ يقول : هل بقي شيء بعد قوله : ( كُلِّ أَمْرٍ )؟ فيقولان : لا ، فيقول : هل تعلمان مَن المنزل عليه بذلك؟ فيقولان : أنت يا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فيقول : نعم.

فيقول : هل تكون ليلة القدر من بعدي؟ فيقولان : نعم ، فيقول : فهل ينزل ذلك الأمر فيها؟ فيقولان : نعم ، فيقول : إلى من؟ فيقولان : لا ندري ، فيأخذ برأسي ، ويقول : إن لم تدريا فادريا ، هو هذا من بعدي ... » (1).

ممّا يدلّ على أنّ ليلة القدر مستمرة ، ونزول الروح في هذه الليلة من كلّ عام على الإمام المعصوم ، وهو الإمام المهديّ ، فالإمام عليه السلام حيّ بمقتضى هذه الآية.

( محمّد إبراهيم الإبراهيم. الكويت - 25 سنة - دبلوم )

زواجه :

س : قولكم سماحة السيّد : إنّ الإمام المهديّ عليه السلام ليس له أولاد ، في ردّكم على سؤال أحد الإخوة غير صحيح ، حيث من خلال قراءتي للكتب تبيّن أنّه متزوّج ، وله أولاد وشعب في الجزيرة الخضراء ، والقصّة مذكورة في لقاء أحد الأخيار مع صاحب العصر والزمان ، ونسألكم الدعاء.

ج : لم يثبت عندنا بالأدلّة النقليّة الصحيحة زواج الإمام المهديّ عليه السلام ، ومن ثمّ له أولاد وذرّية ، وعليه فتبقى المسألة في حيّز الشكّ والاحتمال.

والروايات التي تثبت له عليه السلام ذلك هي إمّا ضعيفة السند ، أو غير صالحة الدلالة ، وقد ردّها علماؤنا - كأمثال الشيخ المفيد والشيخ الطبرسيّ والشيخ البياضيّ - بالإضافة إلى وجود بعض الروايات المصرّحة بعدم ذلك.

نعم ، من المحتمل أن تكون له عليه السلام ذرّية ، وهذه الذرّية لا فرق في أن تكون

ص: 286


1- الكافي 1 / 249.

في الجزيرة الخضراء التي لا يعرف مكانها ، أو في أيّ بقعة من بقاع العالم.

( أبو علوي - عمان - 31 سنة )

شرعية مخاطبته عن طريق الرسائل :

س : ما رأيكم فيما يفعله بعض عوام الشيعة - وخصوصاً النساء - في ليلة النصف من شعبان ، وذلك بقيامهم بكتابة رسالة إلى صاحب العصر عليه السلام في ورقة ، ومن ثمّ رميها في البحر ، معتقدين بأنّها ستصل إليه؟ وما مدى صحّة هذا العمل؟

ج : إنّ مطلق الاستغاثة والتوسّل بالمعصومين عليهم السلام ، ومنهم الحجّة صاحب العصر عليه السلام عمل مستحبّ وممدوح عقلاً ونقلاً ، بحسب النصوص الواردة في المجامع الحديثية.

وأمّا كتابة رسالة بشكل رقعة إلى الإمام الحجّة عليه السلام فوردت في بعض كتب الأدعية بأشكال مختلفة ، ومضمون واحد ، بأنّ الرقعة المذكورة تكتب وتطوى وتجعل في الطين ، وترمى في البحر ، أو البئر ، أو أيّ ماء جار ، ولكن لم يرد فيها موضوعية ليلة النصف من شعبان لكتابتها(1).

وجاء في بعض المصادر أن يؤخذ في النظر عند إلقاء الرقعة في الماء أحد النواب الأربعة - لأنّهم كانوا أبواباً للإمام عليه السلام - فيخاطب وينادي باسمه لإيصال الرقعة إلى الحجّة عليه السلام(2).

وعلى أيّ حال ، فإنّ الموضوع يبقى في إطار توطيد العلاقات ، وأواصر المحبّة بين الإمام عليه السلام وشيعته ، ولا مانع منه شرعاً إذا كان بأمل إنجاح المطالب والحوائج الشرعية.

ص: 287


1- بحار الأنوار 91 / 28.
2- المصدر السابق 91 / 30 و 99 / 235.

( أبو العماد الحسائي - السعودية - .... )

بعض الأدلّة على إمامته :

س : كيف يتمّ إثبات إمامة الإمام الحجّة عليه السلام ، وهو غائب عنّا ، ولم نره في هذا العصر؟

ج : يمكن أن نستدلّ على إمامة الإمام المهديّ المنتظر عليه السلام بروايات متواترة من الفريقين ، وسواء كان غائباً أم حاضراً ، فلا يؤثّر ذلك في صحّة الاستدلال على إمامته ، فلا علاقة بين صدر سؤالك وذيله ، أمّا إذا أردت معرفة فلسفة الغيبة وأسبابها ، فلذلك جواب آخر.

وممّن صرّح بتواتر أحاديث المهديّ عليه السلام جمع غفير من كبار علماء السنّة ، نقتصر على ذكر بعضهم :

البربهاريّ ، شيخ الحنابلة وكبيرهم في عصره ، المتوفّى 329 ه- ، محمّد بن الحسين الأبري الشافعي ، المتوفّى 363 ه- ، القرطبيّ المالكيّ - المتوفّى 671 ه- - في تفسيره ، ابن القيّم ، المتوفّى 751 ه- ، ابن حجر العسقلانيّ ، المتوفّى 852 ه- ، ابن حجر الهيتميّ ، المتوفّى 974 ه- ، المتّقي الهنديّ ، المتوفّى 975 ه- ، وآخرون غيرهم(1).

وقد صرّح آخرون من أهل السنّة بوجوده وبقائه وحياته - أو قريب من ذلك - مثل الشيخ عبد الوهّاب الشعراني في كتابه اليواقيت والجواهر قال : « المهديّ من ولد الإمام الحسن العسكريّ ، ومولده ليلة النصف من شعبان سنة 255 ، وهو باقٍ إلى أن يجتمع بعيسى بن مريم … »(2).

وهناك أدلّة من القرآن الكريم ، وروايات متواترة أيضاً من طرقنا ، كلّها تثبت إمامة المهديّ عليه السلام.

ص: 288


1- الجامع لأحكام القرآن 8 / 122.
2- إسعاف الراغبين : 133 نقلاً عن اليواقيت والجواهر.

( محمّد القلاّف - أمريكا - .... )

أدلّة على ولادته :

س : ماذا أقول لشخص يسألني : ما دليلكم على أنّ المهديّ عليه السلام مولود وحيّ؟ وشكراً ، في أمان اللّه ، ونسألكم الدعاء.

ج : إنّ ولادة أيّ إنسان في هذا الوجود تثبت بإقرار أبويه ، وشهادة القابلة ، وإن لم يره أحد قطّ غيرهم ، فكيف لو شهد المئات برؤيته ، واعترف المؤرّخون بولادته ، وصرّح علماء الأنساب بنسبه ، وظهر على يديه ما عرفه المقرّبون إليه ، وصدرت منه وصايا وتعليمات ، ونصائح وإرشادات ، ورسائل وتوجيهات ، وأدعية وصلوات ، وأقوال مشهورة ، وكلمات مأثورة ، وكان وكلاؤه معروفين ، وسفراؤه معلومين ، وأنصاره في كلّ عصر وجيل بالملايين ، وللوقوف على ما ندّعيه عليكم بمراجعة كتاب « المهديّ المنتظر في الفكر الإسلامي » ، وكتاب « المسائل العشر » ، حيث تطرّق الأوّل إلى المواضيع التالية :

1 - إخبار الإمام العسكريّ بولادة ابنه المهديّ عليه السلام.

2 - شهادة القابلة بولادة الإمام المهديّ عليه السلام.

3 - من شهد برؤية المهديّ من أصحاب الأئمّة عليهم السلام وغيرهم.

4 - شهادة وكلاء المهديّ عليه السلام ، ومن وقف على معجزاته برؤيته.

5 - شهادة الخدم والجواري والإماء برؤية المهديّ عليه السلام.

6 - تصرّف السلطة دليل على ولادة الإمام المهديّ عليه السلام.

7 - اعتراف علماء الأنساب بولادة الإمام المهديّ عليه السلام.

8 - اعتراف علماء أهل السنّة بولادة الإمام المهديّ عليه السلام.

9 - اعتراف أهل السنّة بأنّ المهديّ عليه السلام هو ابن العسكريّ.

وإذا أردت أن تقف على عقيدة السنّة والشيعة في مسألة المهديّ عليه السلام فعليك أن ترجع إلى الكتب التالية لمحقّقي السنّة ومحدّثيهم :

1 - « صفة المهديّ » للحافظ أبي نعيم الأصفهانيّ.

ص: 289

2 - « البيان في أخبار صاحب الزمان » للكنجيّ الشافعيّ.

3 - « البرهان في علامات مهديّ آخر الزمان » للمتّقيّ الهنديّ.

4 - « العرف الوردي في أخبار المهديّ » للحافظ السيوطيّ.

5 - « القول المختصر في علامات المهديّ المنتظر » لابن حجر الهيتميّ.

6 - « عقد الدرر في أخبار الإمام المنتظر » للشيخ جمال الدين الدمشقيّ.

وإذا أردت التفصيل ، فراجع « منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر » للشيخ الصافيّ.

ومن خلال هذا تعرف الأدلّة الوافية على أنّه عليه السلام حيّ يرزق ، وما يستلزمه من طول عمره عليه السلام فمسألته محلولة.

والخلاصة : إنّ الشيعة - ولاستنادهم على جملة واسعة من الروايات ، والأدلّة الصحيحة - يذهبون إلى أنّه عليه السلام ولد في مدينة سامراء ، عام 255 ه- ، وغاب بأمر اللّه سبحانه سنة وفاة والده الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام عام 260 ه- ، وهو يحيى حياة طبيعية كسائر الناس ، غير أنّ الناس يرونه ولا يعرفونه ، وسوف يظهره اللّه سبحانه ليحقّق عدله.

سائلين المولى عزّ وجلّ أن يعجّل فرجه ويسهّل مخرجه

( .... - الجزائر - .... )

الاعتقاد به من ضروريّات الإسلام :

س : هل الاعتقاد بصاحب الزمان أمر عقائديّ؟ ويعتبر من الأُصول أم أنّه من الفروع؟

إن كان الجواب أنّه أصلاً ، فالسؤال لابدّ من طاعته ، إذ كما يجب طاعة اللّه فهذا من ذاك ، وأمّا إن كان الجواب أنّه ليس أصلاً ، فما معنى الوجود أصلاً؟ وما معنى الخلافة فصلاً؟ والخلق عدلاً وقسطاً.

ص: 290

ج : الضروريّ من العقيدة على قسمين :

1 - ضروريّ الإسلام ، وضروريات الإسلام معلومة ، من أنكر واحدة منها خرج عن الإسلام.

2 - ضروريّ المذهب ، وهذا القسم من أنكر واحد منها خرج عن المذهب ، لا عن أصل الإسلام.

والاعتقاد بالمهديّ المنتظر عليه السلام ، إن كان معناه الاعتقاد بأصل فكرة المهديّ عليه السلام ، وأنّه من ولد فاطمة عليها السلام ، يخرج آخر الزمان ، فيملأها قسطاً وعدلاً ، بعد ما ملئت ظلماً وجوراً ، فإنّ هذا الاعتقاد من ضروريّ معتقدات الإسلام ، لتواتر الأحاديث عند جميع المسلمين بمسألة المهديّ المنتظر ، ومن علم بهذا التواتر ثمّ أنكر فإن هذا يوجب تكذيب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وتكذيب رسول اللّه خروج عن الدين.

وأمّا الاعتقاد بأنّه حيّ ، والاعتقاد بغيبته ، وعصمته ، وإمامته من اللّه تعالى فانّه من ضروري المذهب ، من أنكره خرج بذلك عن المذهب ، ولم يخرج عن الإسلام.

وبعد هذا التوضيح ، فإنّ الإمامة أصل من أُصول المذهب ، تشمل الإمامة إمامة الأئمّة الاثني عشر ، وأنّهم منصوص عليهم بالإمامة من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، والرسول ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) (1) ، فيكون حكم قولهم حكم قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في الحجّية ، ووجوب الأخذ به ، وعدم جواز مخالفته.

وكلّ هذه التفاصيل يعود فهمها إلى أصل فهم الإمامة فهماً حقيقياً ، وبعد فهم الإمامة الإلهيّة فهماً مستنداً إلى الأدلّة من الكتاب والسنّة والعقل ، فسوف لا يبقى أيّ إشكال أو إبهام.

ص: 291


1- النجم : 3 - 4.

( حسن. الكويت - 19 سنة - طالب جامعة )

الدليل العقليّ على وجوده :

س : أُحبّ أوّلاً : أن أشكر لكم جهودكم العظيمة ، وثانياً : ما هو الدليل العقليّ على وجود صاحب العصر والزمان عليه السلام؟

ج : إليك أخي الكريم البحث الذي ذكره السيّد الخرازيّ في شرحه لعقائد الإماميّة حيث بيّن فيه بعض الأدلة العقليّة على وجوب الإمامة ، وتطرّق فيه أيضاً إلى وجود الإمام الثاني عشر عليه السلام :

« المقام السابع : في لزوم الإمامة : وقد عرفت أنّ الإمامة بالمعنى الذي لها عند الشعية هي كالنبوّة ؛ فكما أنّ النبوّة لطف ورحمة ، كذلك الإمامة ، فإذا ظهر كونها لطفاً ، والمفروض أنه لا يقترن بمانع يمنع عنه ، فهو مقتضى علمه تعالى بالنظام الأحسن وإطلاق كماله وحكمته تعالى ، وعليه فيصدر عنه تعالى ، وإلا لزم أن يكون جاهلاً بالنظام الأحسن ، أو لزم عدم كونه تعالى كمالاً مطلقاً وحكيماً ، وهو خلف في كونه عليماً ورحيماً وحكيماً بالأدلّة القطعية ، وإليه يؤول ما يقال في تقريب لزوم الإمامة أنّها واجب في حكمته تعالى ، لأنّ المراد من الوجوب هو اللزوم والمقتضى كما مرّ مراراً ، لا الوجوب عليه ، فالأولى هو التعبير بالاقتضاء واللزوم كما عبّر عنه الشيخ أبو علي سينا في الشفاء ، حيث قال في مقام إثبات النبوّة - بعد ذكر المنافع التي لا دخل لها في بقاء النوع الإنسانيّ ، كإثبات الشعر في الحاجب والأشفار - : فلا يجوز أن يكون العناية الأولى تقتضي تلك المنافع ولا تقتضي هذه التي هو أسّها.

وهذا كلّه بناء على التقريب الفلسفيّ الذي ذهب إليه المصنّف في إثبات النبوّة والإمامة ، وحاصله : أنّ النبوّة والإمامة كليهما مما يقتضيهما كماله المطلق ، ورحيميّته المطلقة ، وإلا لزم الخلف في كونه كمالاً مطلقاً كما لا يخفى.

وأما بناء على التقريب الكلاميّ فتقريبه كالتقريب الذي مضى في النبوّة ، وهو أن يقال : إنّ ترك اللطف نقض الغرض ؛ لأنّ غرض الحكيم لا يتعلّق إلا

ص: 292

بالراجح ، وهو وجود الإنسان الكامل ، وإعداد الناس ، وتقريبهم نحو الكمال ، وهو لا يحصل بدون الإمام ، فيجب عليه اللطف ؛ لأنّ ترك الراجح عن الحكيم المتعال قبيح بل محال ؛ إذ مرجع الترجيح من غير مرجِّح إلى الترجُّح من غير مرجِّح كما لا يخفى. وكيف كان فلا بدّ في كل عصر من وجود إمام هو يكون إنساناً كاملاً هادياً للناس والخواص ، مقيماً للعدل والقسط ، رافعاً للظلم والعدوان ، حافظاً للكتاب والسنّة ، رافعاً للاختلاف والشبهة ، أسوة يتخلق بالأخلاق الحسنة حجّة على الجنّ والإنس ، وإلاّ كما عرفت لزم الخلف في كمال ذاته وهو محال ، أو الإخلال بغرضه وهو قبيح عن الحكيم ، بل هو أيضاً محال كما عرفت ، فإذا كان كلّ نوع من أنواع لطف وجود الإمام من أغراضه تعالى فلا وجه لتخصيص نقض الغرض بنوع منها كما يظهر من بعض الكتب الكلامية ، مع أنّ كلّ نوع منها راجح من دون اقتران مانع ، فبترك كلّ واحد يوجب نقض الغرض ، ولعلّ الاكتفاء ببعض الأنواع من باب المثال فافهم ، فالأولى هو عدم التخصيص ببعض تلك الأنواع ، ولعلّ إليه يؤول ما في متن تجريد الاعتقاد حيث قال : الإمام لطف فيجب نصبه على اللّه تعالى تحصيلاً للغرض.

ثمّ إنّ مقتضى كون وجود الإمام كالنبّي لطفاً مضاعفاً أنّ كلّ واحد من أبعاد وجوده وفوائده يكون كافياً في لزوم وجوده ، فإن طرأ مانع عن تحقق بعضها كالتصرّف الظاهريّ بين الناس يكفي الباقي في لزوم وجوده وبقائه.

وينقدح مما ذكر أنّ ظهور الإمام للناس لطف زائد على وجوده الذي يقتضيه علمه تعالى بالنظام الأحسن وإطلاق كماله ، فإرشاده وتعليمه وتزكيته للناس لطف آخر ، وهكذا بقية الشؤون التي تكون للإمام.

هذا مضافاً إلى أنّ إرشاده وتعليمه وتزكيته للجنّ أيضاً لطف في حقّهم فإنّهم مكلّفون ومحجوجون بالحجج الإلهيّة كما لا يخفى.

ثمّ بعد وضوح أنّ الإمامة كالنبوّة اتضح لك أنها أمر فوق قدرة البشر ، فلا

ص: 293

تنالها يده ولا يمكن له تعيينها واختيارها ، بل هي فعل من أفعاله تعالى فيجعلها حيث يشاء ، وهو أعلم بما يشاء ، ومنه يظهر أنّه لا مجال للبحث عن وجوب نصب الإمام على الناس وكيفيّته ؛ فإنّ ذلك من فروع الإمارة الظاهرية مع عدم تعيين الخليفة الإلهيّة عن اللّه تعالى.

وأمّا مع تعيينها فلا مجال للبحث عنه إذ المعلوم أنّ الإمارة له ، كما أنّه لا بحث مع وجود النبّي المرسل عن وجوب نصب الأمير على الناس ، لأنّ الإمارة من شؤون النبّي المرسل كما لا يخفى.

فاتّضح أنّ الإمام لزم أن يكون متعيّناً بنصب إلهيّ ، ولذلك نصّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله من جانب اللّه تعالى في مواضع متعددة على إمامة علي عليه السلام وأولاده الأحد عشر عليهم السلام كما نص كلّ إمام على من يليه من جانب النبيّ صلى اللّه عليه وآله وهذه النصوص متواترة جداً يشهد بوجودها الجوامع الروائية من العامّة والشيعة كإثبات الهداة للشيخ الحرّ العامليّ والبحار وأصول الكافي ومنتخب الأثر وغاية المرام وعبقات الأنوار وكتاب الغدير وغيرها.

وهاهنا سؤال : وهو أنه لا ريب في كون وجود الإمام لطفاً فيما إذا كان ظاهراً ومتصرّفاً في الأمور وأمّا إذا لم يكن ظاهراً ولم يتمكّن الناس من درك محضره ، كالإمام الثاني عشر عليه السلام في زمان الغيبة ، فمجرد وجود كيف يكون لطفاً في حقّ العباد؟

والجواب عنه ظاهر ممّا مرّ ، من أنّ وجود الإنسان الكامل في نظام العالم ممّا يقتضيه علمه تعالى بالنظام الأحسن ورحمته المطلقة وإطلاق كماله ، ولا مانع منه ، فيلزم وجوده وإلا لزم الخلف في كونه كمالاً مطلقاً ، فوجود الإمام - الذي هو إنسان كامل - لطف ، وتصرّفه وظهوره لطف آخر ، فلا يضرّ فقد لطف من جهة المانع بوجود اللطف من جهة أو جهات أخر ، لأنّ المفروض عدم وجود مانع من جهة أخرى.

ص: 294

هذا مضافاً إلى أنّ إرشاد الإمام وتصرّفه لا يختصّ بالإنسان ، بل يعمّ الجنّ أيضاً ، لأنهم مكلّفون ومحجوجون بوجوده على أنّ بعض الخواص كانوا يسترشدون بإرشاده وعناياته في الغيبة الصغرى بل الكبرى أيضاً ، كما تشهد به التشرّفات المكررة لبعض المكرّمين من العباد. هذا مع الغمض عمّا يتصرّف في النفوس من وراء الحجاب والستار.

قال الحكيم المتألّه المولى محمد مهدي النراقيّ في الجواب عن ذلك : إنّ ظهور الإمام الثاني عشر - أرواحنا فداه - وتصرّفه فائدة من فوائد وجوده ، لأنّ فوائد وجوده كثيرة وإن كان غائباً :

الأوّل : أنّه قد ورد في الحديث القدسيّ عنه تعالى أنّه قال : « كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لكي أعرف ». فيعلم منه أنّ الباعث على إيجاد الإنسان هو المعرفة باللّه تعالى ، فليكن في كل وقت فرد بين آحاد الإنسان يعرفه كما هو حقّه ، ولا تحصل المعرفة كما هو حقّه في غير النبيّ والإمام ، فلابدّ من وجود الحجّة في الأرض حتى تحصل المعرفة به كما هو حقّه بين الناس.

والثاني : أنّ مجّرد وجوده لطف وفيض في حق الناس ولو لم يكن ظاهراً ، لأنّ وجوده باعث نزول البركات والخيرات ، ومقتض لدفع البليّات والآفات ، وسبب لقلة سلطة الشياطين من الجنّ والإنس على البلاد ، فإن آثار الشيطان كما وصلت إلى الشر دائماً كذلك لزم أن تصل آثار رئيس الموحّدين وهو الحجّة الإلهيّة إليهم ، فوجود الحجّة في مقابل الشيطان للمقاومة مع جنوده ، فلو لم يكن للإمام وجود في الأرض صارت سلطة الشيطان أزيد من سلطة الأولياء ، فلا يمكن للإنسان المقاومة في مقابل جنود الشيطان.

والثالث : أنّ غيبة الإمام الثاني عشر - أرواحنا فداه - تكون عن أكثر الناس لا عن جميعهم ، لوجود جمع يتشرفون بخدمته ، ويأخذون جواب الغوامض من

ص: 295

المسائل ويهتدون بهدايته ، وإن لم يعرفوه ، انتهى ملخص كلامه » (1).

وهناك تتمّة للبحث تجدها في الكتاب المذكور.

( أبو الزين - الأردن - .... )

المبالغة بالقول في قتله للأعداء :

س : يقول صديقي الأشعريّ : وأنظر كيف يصفون الإمام المهديّ :

عن أبي جعفر عليه السلام قال : « لو يعلم الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحبّ أكثرهم ألا يروه ، ممّا يقتل من الناس ... حتّى يقول كثير من الناس : ليس هذا من آل محمّد ، ولو كان من آل محمّد لرحم » (2).

وأورد كذلك خمس روايات أُخرى من بحار الأنوار ، كلّها تشهد بقسوة وغلظة الإمام ، ثمّ علّق يقول : إذاً ظهور القائم سيكون نقمة على المسلمين ، يسفك دمائهم ، ويقتلهم تقتيلاً ، وحقّ للناس أن يقولوا ليس هذا من آل محمّد ، لأنّ آل محمّد يرحمون ويشفقون ، بل هم أرحم الناس بالناس ، اقتداء بجدّهم سيّدنا رسول اللّه ، حاشا آل البيت ممّا يفتريه المبطلون.

ج : بغضّ النظر عن البحث السنديّ لهذه الروايات نقول : ينبغي الإلتفات إلى أمر مهم ، وهو أنّ الأحكام الإلهيّة كلّها رحمة للناس ، فعندما يحكم اللّه بوجوب قتل المفسد في الأرض فلا يصحّ أن نقول إن ذلك قسوة من اللّه ؛ لأنّ في قتل هؤلاء حياة البشرية وسعادتها ، ففي تطبيق الحكم الإلهيّ وقتل المفسدين تملأ الأرض قسطاً وعدلاً.

فإذا كانت الدنيا قد مُلأت ظلماً وجوراً - بإجماع المسلمين - فيظهر المهدي عليه السلام ليملأها قسطاً وعدلاً - بإجماع المسلمين - فحينها لا ينبغي أن يشكّ عاقل بأنه لا يمكن أن تملأ قسطاً وعدلاً إلا بقتل المفسدين في الأرض ، وفرض

ص: 296


1- بداية المعارف الإلهيّة في شرح عقائد الإمامية للسيد محسن الخرازيّ 2 / 24 - 30.
2- الغيبة للنعماني : 233.

الكلام أن هؤلاء كثيرون جدّاً بحيث ملأوا الأرض ظلماً وجوراً .. فما للبعض ينزعج ويضطرب عندما يسمع بقتل الإمام المهدي عليه السلام للمفسدين؟!

أمّا ما روي من قول الناس عند ظهوره عليه السلام من أنّه أفرط في القتل ، فهذا من جهلهم بالواقع الذي اطّلع عليه الإمام عليه السلام ، فكم من رجل ظاهره الصلاح وهو من رؤوس المنافقين والمفسدين في الواقع ، وكم من شخص يرقّ له قلب الساذج البسيط وهو من أشد الناس عداوة لله والرسول والعدالة والإنسانية ، فتأمل.

أمّا قول صاحبك : « إذاً ظهور القائم سيكون نقمة على المسلمين ... » فهو استنتاج خاطئ منشأه عدم فهم النصوص فهماً صحيحاً ، فالمهديّ لا يكون نقمة إلا على المفسدين فقط. أمّا المسلمين وغيرهم ممن لم يطلع على الحقّ ولو اطّلع عليه لاتّبعه سيكون عليه السلام رحمة إلهية لهم حيث إنّه سيهديهم إلى الطريق الأقوم.

( محمّد السعيد - البحرين - .... )

ثبوت ولادته في روايات متواترة :

س : دخلت بعض المنتديات ، ووجدت بعض هذه الشبهات ، فهل من إجابة وبالدليل؟ كيف نثبت وجود المهديّ عليه السلام ، وأنّه مولود ، وليس كما يعتقد أهل السنّة أنّه سيولد؟

ج : ولادته عليه السلام ثبتت في روايات الشيعة متواتراً ، والتواتر حجّة على الجميع ، وكذلك حديث : « من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية » دليل على وجود الإمام المهديّ في زماننا ، وهذا الحديث رواه الشيعة والسنّة(1).

وكذلك حديث الثقلين : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي أبداً : كتاب اللّه ، وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ

ص: 297


1- الرسائل العشر : 317 ، الإمامة والتبصرة : 152 ، كمال الدين وتمام النعمة : 409 ، العمدة : 471 ، تفسير أبي حمزة الثماليّ : 80 ، إعلام الورى 2 / 253 ، كشف الغمّة 3 / 335 ، ينابيع المودّة 3 / 372.

الحوض »(1) ، وعدم افتراقهما يقتضي وجود إمام من العترة.

( محمّد سلمان - .... - .... )

دفع شبهات حول ولادته :

س : لديّ أسئلة حول موضوع المهديّ المنتظر - جعلنا اللّه تعالى من أنصاره - اطلب منكم الجواب. لقائل منكر المهديّ أن يقول :

1 - إنّ التاريخ ينقل لنا روايتين : الأُولى التي ينقلها جميع المؤرّخين - حتّى الشيعة الإمامية الاثني عشرية - : إنّ الإمام الحسن العسكريّ لم يدعّ وجود ولد لديه في حياته القصيرة ، ولم يشاهد أحد ذلك ، وأنّه أوصى عند وفاته بأمواله إلى أُمّه ، ولم يوص إلى أحد من بعده ، ولذلك فقد ذهب اتباعه إلى القول بإمامة أخيه جعفر بن علي الهادي ، وتفرّقوا عدّة فرق.

وهناك رواية أُخرى نقلها بعض أصحاب العسكريّ ، تقول : إنّ لديه ولد مستور ، وهو الإمام من بعده ، وأنّه المهديّ المنتظر ، وقد برّر ذلك البعض كتمان هذا الأمر المهمّ بسبب الخوف والتقية ، ولكنّه لم يستطع تقديم أية أدلّة على صحّة دعواه.

ص: 298


1- مسند أحمد 5 / 182 ، تحفة الأحوذيّ 10 / 196 ، مسند ابن الجعد : 397 ، المنتخب من مسند الصنعانيّ : 108 ، ما روى في الحوض والكوثر : 88 ، كتاب السنّة : 337 و 629 ، السنن الكبرى للنسائيّ 5 / 45 و 130 ، مسند أبي يعلى 2 / 297 و 303 و 376 ، المعجم الصغير 1 / 131 ، المعجم الأوسط 3 / 373 ، المعجم الكبير 3 / 65 و 5 / 154 و 166 و 170 ، نظم درر السمطين : 231 ، الجامع الصغير 1 / 402 ، العهود المحمدية : 635 ، كنز العمّال 5 / 290 و 13 / 104 و 14 / 435 ، دفع شبه التشبيه : 103 ، شواهد التنزيل 2 / 42 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 123 ، الطبقات الكبرى 2 / 194 ، علل الدارقطنيّ 6 / 236 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 220 و 54 / 92 ، سير أعلام النبلاء 9 / 365 ، أنساب الأشراف : 111 ، البداية والنهاية 5 / 228 و 7 / 386 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 6 و 12 / 232 ، ينابيع المودّة 1 / 74 و 97 و 100 و 113 و 119 و 123 و 132 و 345 و 350 و 360 و 2 / 90 و 112 و 269 و 273 و 403 و 437 و 3 / 65 و 141 و 294 ، لسان العرب 4 / 538.

2 - الإيمان بوجود الإمام الثاني عشر الغائب ، ليس من صلب المذهب الشيعيّ الجعفريّ ، وقد حدث بعد وفاة الإمام العسكريّ ، وبني الإيمان به على أساس الظنّ والتخمين ، والافتراض الفلسفيّ ، وليس على أدلّة تاريخية علمية يقينية أو شرعية ، وإن ترك تراث أهل البيت عليهم السلام نقاط إيجابية كثيرة ، يمكن للمسلمين جميعاً - وليس الشيعة فقط - الاستفادة منها ، كروح التضحية والشهادة في سبيل اللّه ، والتواضع والزهد في الدنيا.

ج : إنّ هذه التوهّمات قد أُثيرت من قبل جهات لمقاصد خاصّة ، وخلاصة الجواب كما يلي : إنّ الرواية التي يتشبّث البعض بها لنفي ولادة المهديّ عليه السلام(1) لم تتمّ سنداً ومدلولاً ، فإمّا السند ، فإنّ الراوي لها هو أحمد بن عبيد اللّه بن خاقان ، الذي صرّحت الرواية نفسها بشدّة نصبه.

وقال الشيخ المفيد ( قدس سره ) عنه : « وكان شديد النصب والانحراف عن أهل البيت عليهم السلام »(2).

وأمّا من حيث الدلالة ففيها : أوّلاً : إنّ عدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود.

وثانياً : أنّ عقيدة الشيعة الإمامية حالياً بالإطباق هي : ولادة المهديّ عليه السلام قبل استشهاد والده عليه السلام بسنين ، وهذا لا يتّفق مع مفاد الرواية ، حتّى لو كان تبيّن الحمل المشار إليه في الرواية صحيحاً ، إذ لا علاقة له بولادة المهديّ عليه السلام.

وأمّا إثبات ولادته عليه السلام فإنّ الروايات الصحيحة تدلّ بوضوح بأنّ الإمام العسكريّ عليه السلام قد صرّح بوجود ولده(3) ، وصرّحت العلوية الطاهرة حكيمة - عمّة الإمام العسكريّ عليه السلام - بمشاهدة ولادة الإمام الحجّة عليه السلام ليلة مولده(4).

وقد وردت النصوص الجلية عن المعصومين عليهم السلام بولادته فيما بعد ، كابنٍ للعسكريّ عليه السلام(5).

ص: 299


1- الكافي 1 / 503.
2- الإرشاد 2 / 321.
3- الكافي 1 / 328.
4- المصدر السابق 1 / 331.
5- كمال الدين وتمام النعمة : 252 ، الغيبة للنعمانيّ : 12.

هذا ، وقد اعترف جمع من علماء السنّة أيضاً بهذا الأمر(1).

كما أنّ هناك مطلب علميّ نشير إليه وهو : إنّ الخبر بولادة المهديّ عليه السلام من الأخبار المتواترة ، والخبر إذا وصل إلى حدّ التواتر فلا نقاش في السند.

وممّا ذكرنا يظهر : إنّ الاعتقاد والالتزام بولادة الحجّة بن الإمام العسكريّ عليهما السلام ممّا لامحيص عنه ، لاعتماده على أدلّة واضحة ، ونصوص صريحة ، وهو محض الإيمان.

( علوية الموسويّ - عمان - .... )

دور المرأة عند ظهوره :

س : هناك أدعية مخصوصة لرؤية الإمام المهديّ عليه السلام ، كما أنّ هناك أدعية لكي يكون الإنسان من أنصاره عليه السلام.

ولكن النساء ليس لهن دور ، بل أنّ معظم الخطباء والعلماء لا يذكرون دور النساء ، وأنا لا اعتقد أن لنا أهمّية ، لذا فالدعاء لطلب أن نكون من أنصار الإمام ليس له أهمّية ، واللّه أعلم.

ج : قد ذكر العلاّمة العيّاشي ( قدس سره ) - المتوفّى 320 ه- - في تفسيره رواية عن جابر الجعفيّ ، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام ، يذكر فيها وصف الإمام المهديّ عليه السلام وأصحابه ، إلى أن يقول : « إنّا نشهد وكلّ مسلم اليوم أنّا قد ظلمنا ، وطردنا ، وبغى علينا ، وأُخرجنا من ديارنا وأموالنا وأهالينا وقهرنا ، ألا أنّا نستنصر اللّه اليوم وكلّ مسلم ، ويجيء واللّه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ، فيهم خمسون امرأة ، يجتمعون بمكّة على غير ميعاد ... »(2).

فهذه الرواية تنصّ على أنّ للإمام المهديّ عليه السلام أكثر من 300 من الأنصار عند قيامه عليه السلام ، فيهم خمسون امرأة.

ص: 300


1- ينابيع المودّة 3 / 345 ، مطالب السؤول 2 / 153 ، الفصول المهمّة : 292 ، وفيات الأعيان 4 / 31 ، تذكرة الخواص : 325 ، العبر في خبر من غبر 1 / 381.
2- تفسير العيّاشيّ 1 / 65.

وهذه الرواية تبيّن الدور الهام الذي تتمتّع به المرأة عند قيام الإمام عليه السلام ، كما يتّضح من هذه الرواية أهمّية الدعاء للمرأة في أن تكون من أصحابه عليه السلام.

وأخيراً : نسأل المولى عزّ وجلّ أن يجعلنا وإيّاكم من أنصار وليّه الحجّة ابن الحسن عليهما السلام.

( رؤوف - السعودية - 27 سنة - طالب )

ظهوره نعمة ونقمة :

س : هل خروج الإمام المهديّ عليه السلام نعمة أم نقمة؟ هل سيقتل ويسفك الدماء؟ أم هو كجدّه نبيّ الرحمة صلى اللّه عليه وآله؟

ج : إنّ ظهوره عليه السلام رحمة ونقمة ، كما كان جدّه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حين دعوته المباركة ، فهي رحمة للمؤمنين إذ عرّفهم الإسلام ، ودخلوا به ، وأنقذهم من الشرك والضلال.

وهو في نفس الوقت نقمة على الكافرين والمشركين من قريش ، الذين قتلهم اللّه ، وانتقم منهم على يده صلى اللّه عليه وآله ، أمثال أبي جهل وعتبة ، وعمرو بن عبد ودّ من طواغيت الجاهلية ، فانتقم اللّه منهم بنبيّه ، فهل هذا إلاّ نصر إلهيّ ، وفتح مبين؟

كذلك هو قيام القائم وظهوره الشريف ، فهو نقمة على الكافرين والمنافقين ، إذ سينتقم اللّه به من عتاة الجبّارين بسيف الحقّ القويم ، وهو مصداق قوله تعالى : ( فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ) (1).

وفي نفس الوقت فهو رحمة للمؤمنين.

وقولك : سيسفك الدماء! فإنّه عليه السلام لا يسفك إلاّ دماء الظالمين الجبّارين ،

ص: 301


1- الروم : 47.

فهل لدماء هؤلاء حرمة؟ هل الذين قتلوا الأبرياء ، وأذاقوا الناس وبال الظلم ، وهتكوا الأعراض ، هل لدمائهم حرمة؟ فلا تقل : إنّه سيسفك الدماء ، بل قل : إنّه سيثأر لله وللمظلومين ، والمحرومين والمستضعفين.

علماً إنّه عليه السلام - في بعض الموارد - قد يعفو لمصلحة هو يراها عليه السلام إلاّ أنّه لا يفرّط في حقوق اللّه تعالى ، وفي مظلومية المظلومين.

( أحمد جعفر - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة )

عبد اللّه ليس اسم أبيه :

اشارة

س : الأساتذة والعلماء الكرام والأفاضل : أُودّ أن أسألكم عن الحديث الذي يدّعيه أهل السنّة حول الإمام المهديّ عليه السلام : « اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي » ، فمن ناحية السند ، هل كلّ هذه الأحاديث صحيحة؟

هل هي متواترة عندهم أم من الآحاد؟ وإذا كانت من الآحاد فإلى من تنتهي؟ وماذا يقول فيه أئمّة الحديث من السنّة والشيعة؟ الرجاء إعطاء بعض الأمثلة والنصوص ، ولكم جزيل الشكر.

ج : اختصاراً للوقت فإننا في مقام الإجابة ننقل لكم بحثاً كتب في هذا الموضوع في مجلة التراث العدد 43 :

« هناك عدّة أحاديث مختلفة الألفاظ متّحدة المعنى في تحديد اسم أبِ المهدي ، ألا وهو ( عبد اللّه ) كاسم أبِ النبي صلى اللّه عليه وآله. نودّ الإشارة قبل بيان تلك الأحاديث إلى جملة من الأمور وهي :

1 - إنّ بعضاً من تلك الأحاديث أخرجها الفريقان ( الشيعة وأهل السنّة ) في كتبهم.

هذا ، مع اعتقاد الشيعة الإمامية بخلاف ذلك ، لأنّ تلك الأحاديث مخالفة لأُصول مذهبهم ، فكانت روايتها من أعظم الأدلّة على أمانتهم في النقل من دون تحريف أو زيادة أو نقصان ، وهذا من فضل الإسلام الذي أدّب أتباعه على الصدق والأمانة.

ص: 302

2 - أخرج الشيعة تلك الأحاديث من كتب السُنّة مصرّحين بالنقل عنها ، ولم يخرجوا حديثاً واحداً من طرقهم.

3 - في تاريخنا الإسلامي شخصيّتان بارزتان ادُّعي لكلٍّ منهما المهدويّة ، وهما :

أ - محمّد بن عبد اللّه بن الحسن المثنّى ، الذي ثار في زمن المنصور العبّاسي ( 136 - 158ه- ) وانتهت ثورته بقتله سنة ( 145ه- ).

ب - محمّد بن عبد اللّه المنصور ، الخليفة العبّاسي الملقّب ب- : المهديّ ( 158 - 169 ه- ).

والأوّل حسنيّ ، والثاني عبّاسي!

4 - أشرنا إلى محاولة التفاف العبّاسيين حول أحاديث كون المهديّ من وُلْد العبّاس عند مناقشة حديث الرايات ، وستأتي أيضاً محاولة التفاف الحسنيّين على أنّ المهديّ الموعود هو من وُلْد الإمام الحسن عليه السلام.

5 - لا ينبغي الشكّ في كون ادّعاء كلّ فريق من العبّاسيّين والحسنيّين انطباق أحاديث المهديّ على صاحبه ، وحرصهم على خلقها وإشاعتها فيه ، وبثّها بين الناس لِما في ذلك من أهداف ومصالح كبيرة لا تخفى على أحد ، وربّما لا يمكن الوصول إليها بغير هذا الطريق الذي هو الأمل المنشود لكلّ المؤمنين ، خصوصاً وأنّ كلاًّ من هاتين الشخصيّتين من ذوي النفوذ والمكانة الاجتماعيّة والسياسية ، فالأوّل قائد ثورة والثاني خليفة ، ومن يكون هكذا فهو بحاجة إلى مدد وعون يؤمن بمكانته الروحية في المجتمع.

6 - سيأتي - وعلى طبق ما بأيدينا من أدلّة ( مشتركة ) - أنّ الأحاديث التي شخّصت اسم والد المهديّ بعبد اللّه موضوعة على الأقوى ، وأمّا مع افتراض صحّتها ، فلابدّ من تأويلها بما يتّفق مع الاسم الآخر كما صرّح به أهل هذا الفنّ من الفريقين.

وبعد بيان هذه الأُمور نستعرض ما وقفنا عليه من تلك الأحاديث وهي :

ص: 303

الحديث الأول :

« لا تذهب الدنيا حتّى يبعث اللّه رجلاً من أهل بيتي ، يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي ».

وأهمّ من أخرج الحديث هو ابن أبي شبية ، والطبراني ، والحاكم ، كلّهم ؛ من طريق عاصم ابن أبي النجود ، عن زرّ بن حبيش ، عن عبد اللّه بن مسعود ، عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله (1).

كما أخرجه من الشيعة المجلسيّ الثاني في « بحار الأنوار » عن الإربلّي ، ونقله الأخير عن كتاب « الأربعين » لأبي نعيم الأصبهاني (2).

الحديث الثاني :

« لا تقوم الساعة حتّى يملك الناس رجل من أهل بيتي ، يواطيء اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي ، فيملؤها قسطاً وعدلاً ».

والذي أخرج هذا الحديث هو أبو عمرو الداني ، وكذلك الخطيب البغدادي ، أخرجاه من طريق عاصم بن أبي النجود عن ابن مسعود أيضاً ، ولم يخرجه الشيعة (3).

الحديث الثالث :

« المهديّ يواطيء اسمه اسمي ، واسمُ أبيه اسم أبي ».

وأهمّ مَن أخرجه من أهل السنّة : والخطيب البغدادي ، وابن حجر ، وقد

ص: 304


1- المصنّف 15 / 198 رقم 19493 ، المعجم الكبير 10 / 163 رقم 10213 و 10 / 166 رقم 10222 ، المستدرك على الصحيحين 4 / 442.
2- بحار الأنوار51 / 82 رقم 21 ، نقله عن كشف الغمّة 3 / 261 ، والأخير عن « الأربعين » لأبي نعيم الأصبهاني.
3- سنن أبي عمرو الداني : 94 - 95 نقلنا عنه بتوسّط معجم أحاديث الإمام المهديّ عليه السلام ، تاريخ بغداد 1 / 370.

أخرجاه من طريق عاصم أيضاً بسنده عن ابن مسعود(1).

وأخرجه من الشيعة ابن طاووس ، نقلاً عن ابن حمّاد(2).

هذا ، وقد وقع في سند الخطيب لهذا الحديث : أبو نعيم ، والطبراني ، وابن أبي حاتم ، وابن حمّاد ، فهؤلاء كلّهم من رواته.

وهذه الأحاديث الثلاثة هي أهمّ ما روي في هذا الشأن ، ومن أخرجها من العلماء - كما تقدّم - أصبحوا الأساس لجميع من تأخّر من العلماء الذين أوردوها عنهم ، وقلّما انفرد بعضهم بطريق آخر لم يتّصل بعاصم بن أبي النجود ، فهو العمدة في المقام كما صرّح به الأعلام.

مناقشة أحاديث « واسم أبيه اسم أبي » :

إنّ مما يُلحظ على الأحاديث الثلاثة المتقدّمة أنّها غير معروفة عند غالبية الحفّاظ والمحدّثين ، مع تصريحهم بأنّ الأكثر والأغلب على رواية :

( واسمه اسمي ) فقط. من غير زيادة ( واسم أبيه اسم أبي ).

فالحديث الأول مثلاً ، رواه الإمام أحمد في مسنده في عدّة مواضع من غير تلك الزيادة(3).

كما رواه الترمذي من غير هذه الزيادة أيضاً ، وقال : « وفي الباب : عن عليٍّ ، وأبي سعيد ، وأُمّ سلمة ، وأبي هريرة ، وهذا حديث حسن صحيح »(4).

أمّا الطبراني ، فقد أخرج الحديث الأوّل بأكثر من عشرة طرق من غير هذه الزيادة ، وذلك في الأحاديث التي تحمل الأرقام التالية : 10214 و 10215 و 10217 و 10218 و 10219 و 10220 و 10221 و 10223 و 10225 و 10226 و

ص: 305


1- تاريخ بغداد 5 / 391 ، والقول المختصر 4 / 4 وقد رواه مرسَلاً.
2- الملاحم : 74 باب 162 ، نقله عن ابن حمّاد.
3- مسند أحمد 1 / 376 و 377 و 430 و 448.
4- سنن الترمذي 4 / 505 رقم 2230.

10227 و 10229 و 10230 ، وهكذا فعل غيره مثل ابن أبي شيبة والحاكم وغيرهما من أقطاب المحدِّثين.

وممّا يزيد الأمر وضوحاً هو تصريح من أورد الحديث الأوّل بعدم وجود ( واسم أبيه اسم أبي ) في أكثر كتب الحفّاظ ، قال المقدسي الشافعي بعد أنْ أورد الحديث عن أبي داود : « أخرجه جماعة من أئمّة الحديث في كتبهم ، منهم الإمام أبو عيسى الترمذي في جامعه ، والإمام أبي داود في سننه ، والحافظ أبو بكر البيهقيّ ، والشيخ أبو عمرو الداني ، كلّهم هكذا »(1) ، يريد : ( اسمه اسمي ) فقط بدون زيادة ( واسم أبيه اسم أبي ).

ولا يمكن أْن يكون هؤلاء الأئمّة الحفّاظ لا علم لهم بهذه الزيادة المرويّة من طريق عاصم بن أبي النجود ، مع أنّهم أخرجوا تلك الأحاديث من طريق عاصم نفسه ، وهذا يدلّ على عدم اعتقادهم بصحّة هذه الزيادة ، وإلاّ لَما أعرضوا عن روايتها ، ولا يتّهم أحدهم بأنّه قد أسقطها عمداً ، خصوصاً وأنّ لهذه الزيادة أهمّيّتها في النقض على ما يدعيه الطرف الآخر من اسم والد المهديّ عليه السلام.

ومن هنا يتبيّن أّن عبارة ( واسم أبيه اسم أبي ) هي من زيادة أحد الرواة ، عن عاصم ؛ ترويجاً لفكرة كون المهديّ هو محمّد بن عبداللّه بن الحسن ، أو ابن المنصور الخليفة العبّاسي.

وممّا يؤكّد هذا أنّ في لسان الأوّل رتّةً ، وإذا بنا نجد من يضع على الصحابي أبي هريرة حديثاً يشهد على نفسه بافتقاره لمخائل الصدق وهو حديث : « إنّ المهديّ اسمه محمّد بن عبد اللّه ، في لسانه رتّةٌ »(2).

هذا ، وقد ردّ زيادة ( واسم أبيه اسم أبي ) زيادةً على من أعرض عن روايتها بعض أعلام هذا الفنّ من أهل السُنّة ، منهم الآبري ( ت 363 ه- ) على ما في « البيان » للكنجي الشافعي ، إذ روى الكنجي عن كتاب أبي الحسن الآبري

ص: 306


1- عقد الدرر : 27 باب 2.
2- نقله في معجم أحاديث الإمام المهديّ عليه السلام عن مقاتل الطالبيّين : 163 - 164.

المسمّى ب- « مناقب الشافعي » ، فقال : « ذَكَر هذا الحديث ، وقال فيه : وزاد زائدة في روايته : لو لم يبق من الدنيا إلاّ يومٌ لطوّل اللّه ذلك اليوم حتّى يبعث اللّه رجلاً منّي ، أو من أهل بيتي ، يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي ، يملأ الأرض قِسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً » (1).

ولمّا كانت الأحاديث الثلاثة المتقدّمة كلّها من رواية عاصم بن أبي النجود ، عن زرّ بن حبيش ، عن عبداللّه بن مسعود ، فلا بأس ببيان ما جمعه الحافظ أبو نعيم من طرق هذا الحديث المنتهية إلى عاصم ، والّتي اتّفقت جميعها على روايته بلفظ : « واسمه اسمي » فقط ، ولم يرد في طريق واحد منها لفظ : « واسم أبيه اسم أبي » ، فيما صرّح به الكنجيّ الشافعي في كتابه « البيان ».

ونودّ قبل نقل كلامه الاِشارة السريعة إلى أنّ تلك الزيادة قد رواها أيضاً البزّار في مسنده ، والطبراني في المعجم الكبير والأوسط من طريق داود بن المحبّر بن قحذم ، عن أبيه ، كما في « مجمع الزوائد » للهيثمي ، وهذا الطريق وإن اختلف عن طريق عاصم إلاّ أنّه ضعيف بداود وأبيه كلاهما كما نصَّ على ذلك الهيثمي (2).

إذن العمدة في المقام هو حديث عاصم ، وفيه قال الكنجي الشافعي :

« وجمع الحافظ أبو نعيم طرق هذا الحديث عن الجمّ الغفير في مناقب المهديّ ، كلّهم عن عاصم بن أبي النجود ، عن زرّ ، عن عبداللّه [ بن مسعود ، عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ».

ثمّ أخذ في بيان من روى الحديث عن عاصم بلفظ : « واسمه اسمي » فقط بلا زيادة : « واسم أبيه اسم أبي » حتّى أوصلهم إلى أكثر من ثلاثين راوياً وهم :

1 - سفيان بن عيينة ، وطرقه عنه بطرق شتّى.

2 - فطر بن خليفة ، وطرقه عنه بطرق شتّى. .

ص: 307


1- البيان في أخبار صاحب الزمان : 482.
2- مجمع الزوائد 7 / 314 باب ما جاء في المهديّ.

3 - الأعمش ، وطرقه عنه بطرق شتّى.

4 - أبو إسحاق سليمان بن فيروز الشيباني ، وطرقه عنه بطرق شتّى.

5 - حفص بن عمر.

6 - سفيان الثوري ، وطرقه عنه بطرق شتّى.

7 - شعبة ، وطرقه عنه بطرق شتّى.

8 - واسط بن الحارث.

9 - يزيد بن معاوية أبو شيبة ، له فيه طريقان.

10 - سليمان بن حزم ، وطرقه عنه بطرق شتّى.

11 - جعفر الأحمر ، وقيس بن الربيع ، وسليمان بن حزم ؛ جميعهم في سند واحد.

12 - سلام بن المنذر.

13 - أبو شهاب محمّد بن إبراهيم الكتّاني ، وطرقه عنه بطرق شتّى.

14 - عمر بن عبيد الطنافسي ، وطرقه عنه بطرق شتّى.

15 - أبو بكر بن عيّاش ، وطرقه عنه بطرق شتّى.

16 - أبو الجحّاف داود بن أبي العوف ، وطرقه عنه بطرق شتّى.

17 - عثمان بن شبرمة ، وطرقه عنه بطرق شتّى.

18 - عبد الملك بن أبي عتبة.

19 - محمّد بن عيّاش ، عن عمرو العامري وطرقه عنه بطرق شتّى. وذكر مسنداً وقال فيه : حدّثنا أبو غسّان ، حدّثنا قيس ، ولم ينسبه.

20 - عمرو بن قيس الملاّئي.

21 - عمّار بن زريق.

22 - عبداللّه بن حكيم بن جبير الأسدي.

23 - عمر بن عبداللّه بن بشر.

24 - أبو الأحوص.

25 - سعد بن الحسن ابن أُخت ثعلبة.

ص: 308

26 - معاذ بن هشام ، قال : حدّثني ابن أبي عاصم.

27 - يوسف بن يونس.

28 - غالب بن عثمان.

29 - حمزة الزيّات.

30 - شيبان.

31 - الحكم بن هشام.

ثمّ قال : « ورواه غير عاصم ، عن زرّ ، وهو عمرو بن حرّة ، عن زرّ ؛ كلّ هؤلاء رووا ( اسمه اسمي ) ؛ إلاّ ما كان من عبيداللّه بن موسى ، عن زائدة ، عن عاصم ، فإنّه قال فيه : ( واسم أبيه اسم أبي ).

ولا يرتاب اللبيب أنّ هذه الزيادة لا اعتبار بها ، مع اجتماع هؤلاء الأئمّة على خلافها ، واللّه العالم »(1).

وقد حاول بعض علماء الفنّ من الفريقين تأويل هذه الزيادة على فرض صحّة صدورها ، وقد تعرّض الكنجي الشافعي إلى بعض تأويلاتهم في المقام ؛ إلاّ أنّه استنكرها بقوله : « وهذا تكلُّفٌ في تأويل هذه الرواية ، والقول الفصل في ذلك : إنّ الاِمام أحمد مع ضبطه وإتقانه ، روى هذا الحديث في مسنده في عدّة مواضع : واسمه اسمي »(2).

ومن هنا يتّضح : أنّ حديث : « واسم أبيه اسم أبي » لا يصحّ في حسابات فنّ الدراية أْن يكون متعارضاً مع أحاديث كون اسم والد المهديّ هو الحسن عليهما السلام ، المرويّة بعشرات الطرق من الفريقين ، مع موافقته لحديث : « واسمه اسمي » المرويّ عن عليٍّ عليه السلام ، وابن مسعود ، وأبي سعيد ، وحذيفة ، وسلمان ، وأبي هريرة ، وابن عمر ، وأُمّ سلمة ، وغيرهم(3).

ص: 309


1- البيان في أخبار صاحب الزمان : 483 / 485.
2- البيان في أخبار صاحب الزمان : 483 ، مطالب السؤول : 293.
3- 3 - مسند أحمد 1 / 376 و 377 ، سنن الترمذي 4 / 505 رقم 2230 و 2231 ، سنن أبي داود 4 / 107 رقم 4282 ، المعجم الكبير 10 / 164 رقم 10218 و 10219 و ص 165 رقم 10220 و ص 168 رقم 10229 و 10230 ذِكر أخبار أصبهان 1 / 129 ، مسند أبي يعلى الموصلي 2 / 367 رقم 1128 ، صحيح ابن حبّان 8 / 291 رقم 6786 و 6787 ، البدء والتاريخ 2 / 80 ، تذكرة الخواصّ : 363 ، المنار المنيف : 148 رقم 329 فصل 500 ، القول المختصر 7 / 37 باب 1 ، فرائد السمطين 2 / 325 رقم 575 ، منهاج السُنّة 4 / 211 ، ينابيع المودّة : 492.

هذا ، زيادة على إطباق كلمة أهل البيت عليهم السلام من لدن الاِمام أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب إلى الاِمام الحسن العسكري عليهم السلام على ذلك ، مضافاً إلى تأييد مائة وثمانية وعشرين عالماً ومحدِّثاً ومؤرّخاً من أهل السُنّة إلى أحاديث كون المهديّ من وُلْد الاِمام الحسن العسكري ، وقد فصّلنا الكلام عنهم وعن أسمائهم وأقوالهم ، ورتّبناهم بحسب القرون ابتداءً من القرن الرابع الهجري وانتهاءً بالقرن الرابع عشر الهجري(1).

وهذا ما يجعل حديث : « واسم أبيه اسم أبي » على فرض صحّته ليس بقوّة ثبوت الحديث الآخر ، ممّا يجب طرحه أو تأويله ، وسيأتي عند الحديث عن كون المهديّ من أولاد الحسن أو الحسين عليهما السلام ما له علاقة وطيدة ببيان الاسم الصحيح لوالد الإمام المهديّ عليه السلام.

( عادل علي - اليمن - .... )

من علامات ظهوره :

س : متى يظهر الإمام المهديّ عليه السلام؟ وما هي علامات الظهور؟

ج : ليس هناك توقيت لظهور الإمام المهديّ عليه السلام أبداً ، بل الأئمّة الأطهار عليهم السلام كذّبوا كلّ من يقول بذلك.

فعن الفضل بن يسار ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت : هل لهذا الأمر وقت؟ فقال : « كذب الوقّاتون ، كذب الوقّاتون ، كذب الوقّاتون »(2).

ص: 310


1- دفاع عن الكافي 1 / 565 - 592.
2- الكافي 1 / 368.

نعم ، ورد أنّه يظهر يوم عاشوراء الذي يصادف يوم السبت أو الجمعة ، أمّا في أيّ سنة فغير معلوم.

ولكن هناك قرائن وعلائم للظهور ذكرت في رواياتنا ، بأنّها متى ما تحقّقت يتحقّق الظهور ، ومن تلك العلائم الحتمية الوقوع ، التي اتّفقت رواياتنا على ذكرها هي : خروج اليماني ، والسفياني ، والصيحة ، والخسف بالبيداء ، وقتل النفس الزكية.

عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « خمس قبل قيام القائم : اليمانيّ ، والسفيانيّ ، والمنادي ينادي من السماء ، وخسف بالبيداء ، وقتل النفس الزكية »(1).

( ... - ... - ..... )

فضل النصف من شعبان في كتب السنّة :

س : يرجى التكرّم ببيان فضل النصف من شعبان ، وذلك من كتب إخواننا أهل السنّة ، شاكرين لكم ذلك.

ج : وردت أعمال كثيرة في مصادر أهل السنّة ، في تعظيم ليلة النصف من شعبان ويومه ، وكلّ ما ورد من أعمال لم يرتضه الوهّابيون ، كعادتهم في رفض أكثر ما ورد أو كلّ ما ورد في تعظيم بعض المناسبات.

وقد اعتقد بعض علماء أهل السنّة أنّ ليلة النصف من شهر شعبان هي ليلة القدر.

وقد ذكروا لهذه الليلة ويومها أعمالاً كثيرة ، من صلاة ودعاء وصيام و ...

فعن الإمام علي عليه السلام قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « إذا كانت ليلة النصف من شعبان ، فقوموا ليلها وصوموا نهارها ... »(2).

ص: 311


1- الإمامة والتبصرة : 128 ، الخصال : 303 ، كمال الدين وتمام النعمة : 649 ، إعلام الورى 2 / 279.
2- سنن ابن ماجة 1 / 444.

وعن أبي موسى الأشعريّ ، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : « إنّ اللّه ليطلع في ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لجميع خلقه ، إلاّ لمشرك أو مشاحن »(1).

وعن عائشة قالت : فقدت النبيّ صلى اللّه عليه وآله ذات ليلة ... فقال : « إنّ اللّه تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا ، فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب »(2).

وعن عبد اللّه بن عمر : إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : « يطّلع اللّه عزّ وجلّ إلى خلقه ليلة النصف من شعبان ، فيغفر لعباده إلاّ لاثنين ، مشاحن وقاتل نفس »(3).

وأمّا ما في روايات أهل البيت عليهم السلام فجاء الكثير مسنداً عنهم عليهم السلام في تعظيم ليلة النصف ويومها ، وذكروا أعمالاً كثيرة.

( أبو أيمن - المغرب - سنّي )

فلسفة الدعاء بتعجيل فرجه :

س : لماذا يدعو الشيعة بتعجيل فرج المهديّ المنتظر؟ وهل هو في كربة حتّى يفرّج اللّه عنه؟ وهل صحيح أنّه توجد في إيران خيل مسرّجة دوماً في انتظار المهديّ عند أحد المغارات؟ أو ما يسمّى بالسرادق!

ج : إمّا أن يكون المراد من الفرج المذكور في الدعاء هو فرج المؤمنين والمظلومين في العالم ، وإنما نسب وأضيف إلى الإمام المهديّ عليه السلام باعتباره الفاعل لهذا الفرج بإذن اللّه تعالى كما تواتر هذا المعنى في روايات الشيعة والسنّة حيث ذكرت إنه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملأت ظلماً وجوراً.

ص: 312


1- المصدر السابق 1 / 445.
2- المصدر السابق 1 / 444 ، الجامع الكبير 2 / 121 ، الجامع الصغير 1 / 297 ، كنز العمّال 12 / 314.
3- مسند أحمد 2 / 176 ، كنز العمّال 3 / 467.

إن الدعاء بتعجيل الفرج في الواقع هو دعاء لنا ، لأنّ فرجه عليه السلام هو فرج لكل المظلومين والمضطهدين في العالم ، لأنّ الإمام المهديّ عليه السلام سيعيد كلّ حقّ إلى أهله ، وسينتقم من الظالمين.

وإمّا أن يراد منه بأنّه دعاء بالفرج للإمام المهديّ عليه السلام ، لأنّه - على مبنى الشيعة - حيّ يرزق وغائب عن الأنظار ، ويرى ما يجري لأُمّة جدّه محمّد صلى اللّه عليه وآله من ظلم وقتل ، وتشريد واضطهاد ، وهو ابن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، والإمام الثاني عشر عند أكثر المسلمين ، حيث ذهب كثير من العلماء من شتّى الفرق الإسلامية ، إلى أنّ الثاني عشر في حديث « الخلفاء بعدي اثنا عشر » هو الإمام المهديّ عليه السلام.

فالإمام المهديّ يتألّم أشدّ ألم ، وهو في كربة عظمى ، وهو يشاهد ما يجري على المسلمين من أنواع الكربات.

وأمّا ما سألت عنه من وجود خيل في إيران مسرّجة ، فهذا ما نسمعه لأوّل مرّة منك ، فهلاّ عرّفتنا على هذا المكان لنذهب ونفحص عن حقيقة الأمر.

( عمر بن عبد الرحمن المدفع - الإمارات - سنّي )

في أحاديث الرسول من كتب السنّة :

س : كثيراً ما أدخل في جدال مع أصدقائي بخصوص أصحاب المذهب الجعفريّ ، وأنا بكلّ صراحة أحترم أخواني الشيعة ، وأقسم باللّه بأنّي ليس في قلبي أي بغضاء ضدّهم ، والحمد لله بأنّي لدي كثير من الكتب التي تخصّ المذهب الشيعيّ ، ومن خلال هذه الرسالة أحببت أن أوجّه تحية إلى فضيلتكم ، ولدي سؤال عن الإمام المهديّ عليه السلام ، هل ذكر في أحاديث الرسول محمّد صلى اللّه عليه وآله؟

ج : قد تواتر الحديث عن الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله في الإمام المهديّ عليه السلام ، وأنّ اسمه اسم النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وكنيته كنيته ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملئت ظلماً وجوراً.

وهذه الأحاديث بكثرة لا يمكن حصرها ، فلا يكاد يخلو منها كتاب في

ص: 313

الحديث ، أو معجم في التراجم والسير ، ولو تصدّينا لجمع ما أمكن منها ، لكانت موسوعة كبرى في الحديث.

وهذا إن دلّ على شيء ، فإنّما يدلّ على تواتر حديث المهديّ عليه السلام ، وأنّ الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله كان يبشّر الأُمّة الإسلامية بظهوره في كلّ ناد ومحفل ، ومنتدى ومجمع.

وإليك بعض هذه الأحاديث التي انتقيناها من بعض كتب السنّة :

1 - أخذ صلى اللّه عليه وآله بيد علي فقال : « يخرج من صلب هذا حيّ يملأ الأرض عدلاً وقسطاً ... »(1).

2 - عن أنس بن مالك قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « نحن بنو عبد المطّلب سادات أهل الجنّة ، أنا وحمزة وعلي ، وجعفر بن أبي طالب ، والحسن والحسين ، والمهديّ »(2).

3 - قال صلى اللّه عليه وآله : « من أنكر خروج المهديّ فقد كفر بما أنزل على محمّد ... »(3).

4 - قال صلى اللّه عليه وآله : « يلتفت المهديّ ، وقد نزل عيسى بن مريم ، كأنّما يقطر من شعره الماء ، فيقول المهديّ : تقدّم فصلّ بالناس ، فيقول عيسى : إنّما أقيمت الصلاة لك ، فيصلّي خلف رجل من ولدي »(4).

5 - عن أبي سعيد الخدريّ قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « المهديّ منّي أجلى الجبهة ، أقنى الأنف ، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملئت جوراً وظلماً ، ويملك سبع سنين »(5).

ص: 314


1- المعجم الأوسط 4 / 256.
2- سنن ابن ماجة 2 / 1368 ، ذخائر العقبى : 15 و 89 ، جواهر المطالب 1 / 228 ، ينابيع المودّة 2 / 68 ، كنز العمّال 12 / 97.
3- فرائد السمطين 2 / 334.
4- الصواعق المحرقة 2 / 475 ، ينابيع المودّة 3 / 264.
5- كشف الغمّة 3 / 234 ، مسند أبي داود 2 / 310 ، العجم الأوسط 9 / 176 ، الجامع الصغير 2 / 672 ، كنز العمّال 14 / 264.

6 - عن أبي سعيد الخدريّ ، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله قال : « يخرج في آخر أُمّتي المهديّ ، يسقيه اللّه الغيث ، وتخرج الأرض نباتها ، ويعطى المال صحاحاً ، وتكثر الماشية ، وتعظم الأُمّة ، ويعيش سبعاً أو ثمانياً ، يعني حججاً » (1).

7 - عن أبي سعيد الخدريّ قال : خشينا أن يكون بعد نبيّنا حدث ، فسألنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فقال : « يخرج المهديّ في أُمّتي ، خمساً أو سبعاً أو تسعاً » زيد الشكّ ، قال : قلت : أيّ شيء؟ قال : « سنين » ، ثمّ قال : » ... يجيء الرجل إليه فيقول : يا مهدي اعطني اعطني » ، قال : « فيحثى له في ثوبه ما استطاع أن يحمل » (2).

8 - قال صلى اللّه عليه وآله لفاطمة عليها السلام : « المهديّ من ولدك » (3).

9 - قال صلى اللّه عليه وآله : « إذا نادى مناد من السماء : أنّ الحقّ في آل محمّد ، فعند ذلك يظهر المهديّ » (4).

فأصل فكرة المهديّ عليه السلام من المسائل المتّفق عليها بين المسلمين ، إلاّ من شذّ وندر ، وكذلك أصل فكرة المنقذ مسألة متّفق عليها بين الأديان.

( حسن محمّد يوسف - البحرين )

كاذب من يدّعي السفارة عنه :

س : ما هو السبب في عدم صدق الأشخاص الذين يدّعون السفارة في زمن الغيبة الكبرى؟ وشكرا لكم.

ج : تارة تسأل عن الدليل ، فهو روايات صحيحة صريحة في تكذيب كلّ من يدّعي النيابة والسفارة في زمن الغيبة الكبرى ، وتارة تسأل عن السبب ، فيمكن

ص: 315


1- المستدرك 4 / 558.
2- مسند أحمد 3 / 21 ، الجامع الكبير 3 / 343 ، كنز العمّال 14 / 273.
3- ذخائر العقبى : 136 ، كشف الغمّة 3 / 267.
4- كنز العمّال 14 / 588.

أن يكون للوقوف أمام أصحاب الهوى والزعامات الدنيوية ، الذين يستغلّون هذا الباب لمصالحهم الدنيوية الشخصية من جمع المال ، والحصول على الرئاسة ، كلّ ذلك باسم المهديّ المنتظر ، وبذلك سيكون خراباً للدنيا والدين.

هذا ، ونعلمك بأنّ الرؤية غير السفارة والباب ، فالروايات المروية في تكذيب من رأى المهديّ المنتظر محمولة على اصطحاب السفارة مع ادعاء الرؤية.

( زهرة لطف اللّه - البحرين - .... )

كيفية موته ونهاية العالم :

س : قد فهمنا أنّه لا تنتهي الدنيا بوفاة الحجّة عليه السلام ، ولكن السؤال هو كيف ستكون نهاية العالم؟ مع أنّه بعد خروج الإمام سيعمّ العدل والسلام؟

أمّا السؤال الثاني فهو : كيف سيموت الحجّة عليه السلام؟ فقد جاء في حديث شريف : « ما منّا من مات ميتة عين ».

ج : نحاول هنا الإجابة على السؤالين معاً ، حيث ثبت أنّ الإمام المهديّ عليه السلام إذا ظهر فسوف يعمّ العدل والقسط ، ولا يعني هذا أنّ الخلق سوف يكونون معصومين ، أو أنّهم بأجمعهم عدول ، بل المقصود أنّ الإمام يحكم بين الناس بالعدل ، ويأخذ للمظلوم من الظالم حقّه ، وهكذا.

وقد ورد في الروايات : أنّ الأئمّة لا يموتون حتف أنفهم ، فهم أما مقتول أو مسموم ، ثمّ تكون الرجعة ، التي هي على إجمالها من عقائد الشيعة ، دون النظر إلى التفاصيل.

أمّا كيفية نهاية العالم فقد قال تعالى : ( يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ) (1) ، وهنالك آيات كثيرة توضّح النفخ في الصور ، وانتهاء العالم.

____________

(1) الأنبياء : 104.

ص: 316

( محمّد الإبراهيمي - كندا - )

معنى كونه شريكاً للقرآن :

س : نقرأ في زيارة صاحب الأمر والزمان المروية عن الشيخ المفيد ، والسيّد ابن طاووس عبارة : « السلام عليك يا شريك القرآن » ، ما هو المقصود من هذه العبارة؟

ج : إنّ الأئمّة الإثنى عشر عليهم السلام كما هو معلوم ، هم عدل القرآن وشركاؤه ، باعتبار قوله صلى اللّه عليه وآله : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً ».

( أيوب محمود دكسن - الكويت - .... )

إمكان حضوره في أكثر من مجلس :

س : كيف يمكن لمولانا الحجّة عليه السلام أن يحضر أكثر من مجلس في نفس الوقت؟

ج : هناك عدّة احتمالات في المقام ، ينبغي أن نأخذ كلّها أو بعضها بعين الاعتبار :

منها : إنّ المراد من حضوره هو النظر والعناية من قبله عليه السلام لكلّ مجلس ، وهذا نظير حضور المعصومين عليهم السلام في مجالس ذكرهم ، إذ إنّ الحضور في مكان هو لأجل الوقوف على كلمات وأقوال الحاضرين ، وهذا ما يتحصّل في حالة إفاضة عناية الإمام عليه السلام للمجلس ، وكأنّه هو حاضر فيه يسمع ويرى من يخاطبه ، ويرد عليه بالرأفة والرحمة الخاصّة به عليه السلام.

ومنها : إنّ المقصود من حضوره في أكثر من مجلسٍ في وقتٍ واحد قد يكون بصورة حضور وكيله أو نائبه ، أو من يتولّى الأمر من قبله عليه السلام في تلك المجالس ، وهذا يعتبر حضوره عليه السلام بالعناية والمجاز ، ويكون من قبيل القول : بأنّ فلاناً قد شارك في اجتماع أو مؤتمر ، وفي الواقع قد أرسل مندوبه ليمثّله هناك.

ص: 317

واللّه العالم بحقائق الأُمور.

( ... - ... - ..... )

كيفية الاستعداد للقائه :

س : كيف يمكنني الاستعداد لأكون من أنصار الإمام المهديّ عليه السلام؟ وأن لا أكون مثل أهل الكوفة ، الذين دعوا الإمام أن يأتي ، ولكن فيما بعد يخافون من الموت ويتخاذلون ، إنّي أخشى دائماً أن أكون هكذا؟! فماذا أفعل؟

ج : الاستعداد يكون بإطاعة أوامر اللّه ، والتجنّب عن نواهيه ، وبعبارة أُخرى : أن نسعى لتحقيق ما لأجله بعثت الرسل ، وأمرت به الأئمّة عليهم السلام ، لنسعى ما لأجله يظهر الإمام عليه السلام ، يظهر ليطبّق سنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ليحقّ الحقّ ، وليبطل الباطل ، ليكون الناس جميعاً مطيعين لله ، منتهين عن نواهيه.

فلنكن نحن ممّن أطاع اللّه ، وتجنّب عن معاصيه ، وبهذا سنكون من الممهّدين لظهوره عليه السلام ، وسنكون معه إن شاء اللّه تعالى.

( أحمد جاسم أبو حسن - البحرين - .... )

من وصيّه بعد غيبته :

س : نحن الشيعة نعتقد أنّ النبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله لم يغادر الدنيا إلاّ بعد أن أوصى بالإمام علي عليه السلام خليفة بعده ، ونحتجّ بالدليل العقليّ ، أنّه لا يعقل أن يترك النبيّ الأُمّة بدون خليفة ، لكي تنقسم وتتناحر في تحديد من هو الخليفة.

وفي نفس الوقت نقول : إنّ الإمام المهديّ عليه السلام غاب عن الأُمّة بدون أن يوصي لمن هو خليفة بعده ، وترك الأُمّة هي التي تحدّد وتختار خليفة لها ، ممّا أدّى إلى انقسامات في المذهب حول المرجعية ، كما هو ملاحظ.

فسؤالي هو : لماذا لم ينتهج الإمام المنتظر عليه السلام سياسة النبيّ في ذلك؟ وكيف نوفّق بين الاعتقادين؟

ج : إنّ الشيعة تعتقد - بالأدلّة العقليّة والنقليّة - بوجوب وصاية النبيّ صلى اللّه عليه وآله ،

ص: 318

ووقوعها لأمير المؤمنين عليه السلام ، ولكن في غيبة الإمام المنتظر عليه السلام لم تعتقد الشيعة بانتهاء إمامته أو خلافته ، حتّى تجب الوصاية لغيره ، بل إنّ إمامته مستمرة ، فلا تحتاج إلى خليفة ينوب عنه ، وأنّه عليه السلام يرعى الأُمّة والطائفة ، ولو من وراء ستار الغيبة.

فالغيبة لا تلغي مهمّات الإمامة مطلقاً ، بل تصدّ عن الدور الحضوري للإمام عليه السلام ، وهذا بعكس ارتحال النبيّ صلى اللّه عليه وآله إلى الرفيق الأعلى ، إذ يجب فيه من يتولّى مسؤولية قيادة الأُمّة وإمامتها.

ثمّ حتّى في عصر الغيبة ، وإن لم يصرّح بمنصب خلافة الإمام عليه السلام ونيابته ، ولكن قد جاءت نصوص وأحاديث شريفة تؤكّد وجوب ملازمة الناس علماء الطائفة واتباعهم على نحو العموم ، وفيها مواصفات هؤلاء من العلم والتقوى والعدالة وغيرها ، حتّى لا يقع الناس في انحراف وضلالة.

فالانقسامات التي ذكرتموها لا تؤثّر في أصل العقيدة ومجراها ، إن اتبعنا من له أهلية ومصداقية تلك الروايات ، فتصبح تلك الخلافات هامشية ، ونتيجة طبيعية لعدم عصمة الجميع.

( شاهر - ... - ..... )

الجديد الذي يأتي به :

س : وفّقكم اللّه لنصرة هذا المذهب الجعفريّ الحقّ ، ولي سؤال حرت فيه ، واطلب المساعدّة منكم على فهمه ، لو تكرّمتم عليّ بذلك ، ولله الشكر إن فعلتم.

جاء في كتاب الغيبة للنعماني حديثاً يقول : قال أبو جعفر عليه السلام : « يقوم القائم بأمر جديد ، وكتاب جديد ، وبقضاء جديد ، على العرب شديد ، ليس شأنه إلاّ السيف ، لا يستتيب أحداً ، ولا يأخذه في اللّه لومة لائم » (1).

ص: 319


1- الغيبة للنعماني : 233.

وسؤالي هو : هل هذا الحديث صحيح؟ وما معناه؟ وأيّ كتاب؟ وأيّ قضاء عنى هنا؟ هل هو غير الأمر الذي نحن عليه؟ أو غير القضاء الذي نقضي به نحن هنا؟ وفي هذا الزمان ، أو غير الكتاب الذي بين أيدينا؟

أفيدونا ، وفّقكم اللّه في هذا الأمر ، وجزيتم خيراً.

ج : أوّلاً : ليس لهذا الحديث سند معتبر ، بل فيه ضعف.

ثانياً : إنّنا إذا لاحظنا الأحكام الإسلامية في عصر الغيبة ، وهو عصر يبعد عن مصدر التشريع الإسلامي ، وأخذنا بنظر الاعتبار من حيث وجودها النظري والتطبيقي ، نجد فيها أربعة موارد من النقص والقصور :

1 - الأحكام الإسلامية التي لم تعلن للناس أصلاً ، بل بقيت معرفتها خاصّة باللّه ورسوله ، والقادة الإسلاميّين ، وبقيت مستورة عن الناس ، ومؤجّل إعلانها إلى زمن ظهور الإمام المهديّ عليه السلام ، وتطبيق العدل الكامل.

2 - الأحكام التالفة على مرّ الزمن ، والسنّة المندرسة خلال الأجيال ، ممّا يتضمّن أحكام الإسلام ومفاهيمه ، أو يدلّ عليها.

فإنّ ما تلف من الكتب التي كانت تحمل الثقافة الإسلامية ، بما فيها أعداد كبيرة من السنّة الشريفة ، والفقه الإسلامي ، نتيجة للحروب المدمّرة - كالحروب الصليبية ، وغزوات التتار والمغول ، وغير ذلك - عدد ضخم يعدّ بمئات الآلاف ، ممّا أوجب انقطاع الأُمّة الإسلامية عن كمّية كبيرة من تاريخها ، وتراثها الإسلامي ، واحتجاب عدد من الأحكام الإسلامية عنها.

3 - إنّ الفقهاء حين وجدوا أنفسهم محجوبين عن الأحكام الإسلامية الواقعية في كثير من الموضوعات المستجدّة ، والوقائع الطارئة على مرّ الزمن ، اضطرّوا إلى التمسّك بقواعد عامّة معيّنة ، تشمل بعمومها مثل هذه الوقائع ، إلاّ أنّ نتيجتها في كلّ واقعة ليست هي الحكم الإسلامي الواقعي في تلك الواقعة ، وإنّما هو ما يسمّى بالحكم الظاهريّ ، وهو - كما قيل - تحديد الوظيفة الشرعية للمكلّف عند جهله بالحكم الواقعي الأصلي.

ص: 320

وهذا النوع من الأحكام الظاهرية أصبح بعد الانقطاع عن عصر التشريع وإلى الآن مستوعباً لأكثر مسائل الفقه ، أو كلّها تقريباً ، ما عدا الأحكام الواضحة الثبوت في الإسلام.

ومراد الفقهاء بقطعية الحكم هو قطعية الحكم الظاهري ، أي إنّ هذه الفتوى هي غاية تكليف المكلّفين في عصر الاحتجاب عن عصر التشريع.

4 - الأحكام غير المطبّقة في المجتمع الإسلامي ، بالرغم من وضوحها وثبوتها إسلامياً ، سواء في ذلك الأحكام الشخصية العائدة إلى الأفراد ، أو العامّة العائدة إلى تكوين المجتمع والدولة الإسلامية.

ومع وجود هذه الجهات من النقص والقصور في الأحكام الإسلامية خلال عصر الانفصال عن عصر التشريع ، يكون بوسع الإمام المهديّ عليه السلام إكمال تلك النواقص التي أشرنا إليها ، وسيكون له تجاه كلّ نقص موقف معيّن.

أمّا موقفه بالنسبة إلى الأمر الأوّل فهو واضح كلّ الوضوح ، فإنّ الأُمّة بعد بلوغها المستوى اللائق لفهم الأحكام الدقيقة المفصّلة ، وبعد أن كان الإمام المهديّ عليه السلام هو الوريث الوحيد من البشر أجمعين ، لتلك الأحكام غير المعلنة ، يرويها عن آبائه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عن اللّه جلّ جلاله ، إذاً يكون الوقت قد أزف لإعلان تلك الأحكام.

وأمّا موقفه بالنسبة إلى الأحكام التالفة فهو أيضاً واضح جدّاً ، فإنّ المفروض أنّ هذه الأحكام كانت معلنة في صدر الإسلام ، وإنّما كانت تحتاج المحافظة عليها ، وعدم إتلافها إلى مستوى معيّن من القدرة الدفاعية ، والشعور بالمسؤولية لدى المسلمين ، الذي كان قليلاً عند الأجيال الماضية التي فقدت هذه الأحكام.

والإمام المهديّ عليه السلام بالفهم الإمامي يكون عارفاً بهذه الأحكام عن طريق الرواية عن آبائه ، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، عن اللّه عزّ وجلّ.

وأمّا بالنسبة إلى الأمر الثالث فواضح أيضاً ، بعد الذي عرفناه من أنّ

ص: 321

الأحكام الظاهرية تعني تعيين تكليف الإنسان من الناحية الإسلامية ، ووظيفته في الحياة عند الجهل بالحكم الواقعي ، ذلك الجهل الناشئ من البعد عن عصر التشريع.

وأمّا إذا كان الفرد مطّلعاً على الحكم الإسلامي الواقعي ، فيحرم عليه العمل بالحكم الظاهري ، والإمام المهديّ عليه السلام يعلن الأحكام الواقعية الإسلامية بأنفسها.

وأمّا بالنسبة إلى عدم وصول بعض الأحكام الإسلامية إلى مستوى التطبيق في عصر ما قبل الظهور ، فيقوم الإمام المهديّ عليه السلام بنفسه بتطبيق الأحكام العامّة ، فيؤسّس الدولة العالمية العادلة الكاملة ، ويقوم بإدارة شؤونها.

وبعد أن اتّضح كلّ ما قلناه ، نعرف بكلّ جلاء ما هو المراد ممّا ورد من : أنّ الإمام المهديّ عليه السلام يأتي بأمر جديد ، وسلطان جديد.

( طالب خالد - الجزائر - 27 سنة - التاسعة أساسي )

مثلّث برمودا لا صلة له بالجزيرة الخضراء :

س : هل هناك تفسير ديني لما يحدث في مثلّث برمودا؟

ج : إنّ الحديث عن مثلث برمودا مثل الحديث عن الحكايات الخرافية ، والأساطير الإغريقية ، والقصص الخيالية ، ولكن يبقى الفارق هنا هو : أنّ مثلّث برمودا حقيقة واقعية ، لمسناها في عصرنا هذا ، وقرأنا عنها في الصحف والمجلاّت العربية والعالمية ، ويذهب بنا القول بأنّ مثلّث برمودا يعتبر التحدّي الأعظم الذي يواجه إنسان هذا القرن ، والقرون القادمة.

والتفسيرات التي تفسّر لغز هذا المثلّث :

1 - نظرية الزلازل وعلاقتها بما يحدث في مثلّث برمودا.

تقول هذه النظرية : إنّ حدوث الهزّات الأرضية في قاع المحيط تتولّد عنها موجات عاتية وعنيفة ومفاجئة ، تجعل السفن تغطس ، وتتّجه إلى القاع بشدّة في لحظات قليلة.

ص: 322

وبالنسبة للطائرات يتولّد عن تلك الهزّات والموجات في الأجواء ، ممّا يؤدي إلى اختلال في توازن الطائرة ، وعدم قدرة قائدها على السيطرة عليها.

2 - نظرية الجذب المغناطيسي ، وعلاقتها بما يحدث في مثلّث برمودا.

إنّ أجهزة القياس في الطائرات أثناء مرورها فوق مثلّث برمودا تضطرب ، وتتحرّك بشكل عشوائي ، وكذلك في بوصلة السفينة ، ممّا يدلّ على وجود قوّة مغناطيسية ، أو قوّة جذب شديدة وغريبة.

هذا ، ولا يوجد تفسير ديني لهذا المثلّث ، إلاّ أنّه من الظواهر الغريبة الدالّة على عظمة اللّه تعالى وقدرته.

نعم ، حاول البعض أن يربط بين الجزيرة الخضراء التي يقال أنّ الإمام المهديّ عليه السلام يعيش فيها وبين مثلّث برمودا ، وهو لم يثبت بدليل قطعي.

( ياسر حسن يعقوب - البحرين - .... )

يصلّي الإمام الحسين على جنازته :

س : سؤالي يتعلّق بخروج المهديّ المنتظر عليه السلام إذ هو آخر الأئمّة`عليهم السلام ، السؤال هو : من الذي سيصلّي على الإمام المهديّ حين وفاته؟

ج : نحن نعتقد بالرجعة التي هي بمعنى : رجوع بعض الأموات إلى الحياة الدنيوية ، قبل قيام يوم القيامة في صورتهم التي كانوا عليها ، وذلك عند قيام المهديّ عليه السلام.

وروي أنّ أوّل من يرجع هو الإمام الحسين عليه السلام ، فيستلم الحكم بعد الإمام المهديّ عليه السلام ، فيكون الإمام الحسين عليه السلام هو الذي يلي غسله ، وكفنه وحنوطه ، ويواريه في حفرته ، نصّت على هذا المعنى الرواية المروية عن الإمام الصادق عليه السلام ، التي نقلها العلاّمة المجلسيّ في كتابه بحار الأنوار (1).

ص: 323


1- بحار الأنوار 53 / 103.

إذاً ، عندنا أنّ المصلّي على جنازة الإمام المهديّ عليه السلام هو الإمام الحسين عليه السلام.

بينما يقول الشيخ مرعي بن يوسف المقدسي الحنبلي - من علماء القرن الحادي عشر الهجري - في كتابه « فرائد فوائد الفكر في الإمام المهديّ المنتظر » ما نصّه : « ذكر العلماء : أنّ المهديّ يستمرّ مع عيسى عليه السلام إلى بيت المقدس ، فيموت بها ، ويصلّي عليه هو ومن معه من المسلمين ، ويدفنه هناك » (1).

( عبد السلام - هولندا - سنّي )

نسبه وعلاقته بالخضر :

س : من هو المهديّ المنتظر؟ هل سيولد من جديد؟ أو هو مولود وموجود في الأرض ، لكن لا يعرفه أحد؟ وهل هو معصوم؟ وما هي علاقته بالخضر؟ والذي تشبه قصّته بالمهديّ المنتظر ، وشكراً لكم.

ج : إنّ المهديّ المنتظر عليه السلام هو الإمام محمّد بن الحسن العسكريّ بن علي الهادي بن محمّد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي السجّاد بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.

قد ولد عليه السلام يوم الخامس عشر من شهر شعبان 255 ه- في مدينة سامراء ، ثمّ لأسباب خاصّة غاب عليه السلام عن الأنظار إلى أن يأذن له المولى تعالى بالظهور ، ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملئت ظلماً وجوراً.

وهو عليه السلام معصوم عن الخطأ والمعصية ، و ... كما دلّت عليه أدلّة عصمة الأئمّة عليهم السلام.

وأمّا علاقته عليه السلام بالخضر عليه السلام ، فقد ورد في بعض الروايات عن الإمام الرضا عليه السلام ما نصّه : « وسيؤنس اللّه به - أي بالخضر - وحشة قائمنا في غيبته ، ويصل به وحدته » (2).

ص: 324


1- فرائد فوائد الفكر : 137.
2- كمال الدين وتمام النعمة : 391.

( محمّد - السعودية - 16 سنة - طالب ثانوية )

الاعتماد عليه لا يوجب طول الأمل والرقود عن الحقّ :

س : إنّ الناس متخاذلون عن الحقّ ، ويقولون : « اللّهم عجّل فرجه » ألا تلاحظون أنّ الناس معتمدين على الإمام الحجّة أكثر مما هم معتمدين على أنفسهم؟ ويقولون : سيظهر الحجّة ، ويسود السلام في أرجاء المعمورة.

وسؤالي : لماذا قال الرسول صلى اللّه عليه وآله وأهل بيته : أنّ الحجّة سيظهر ، وهم يعلمون أنّ هذا من أسباب الظلم ، وعدم المبالاة بين المسلمين؟

ألا تعتقدون أنّ هذا من طول الأمل ، والرقود عن الحقّ؟ واللّه من وراء القصد ، وأشكركم على هذا الموقع الخادم لأهل البيت.

ج : في الجواب نشير إلى عدّة مسائل :

1 - الدعاء للفرج ممدوح عقلاً ونقلاً :

أمّا عقلاً ، فبما أنّه يبعث بروح الأمل في المؤمن ، ويطرد عنه اليأس والقنوط ، فالدعاء في الحقيقة هو : توطين النفس لهذا المستقبل الزاهر في ظلّ حكومته عليه السلام ، وعدم الركون للظلم السائد في الأنظمة الحكومية غير الإسلامية.

وأمّا نقلاً ، فوردت عدّة روايات في هذا المجال ، لعلّ أصرحها هو التوقيع الشريف الذي صدر عن الحجّة عليه السلام ، الذي جاء في نهايته : « وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج ، فإن ذلك فرجكم » (1).

2 - إنّ الاعتماد على الحجّة عليه السلام لإنقاذ البشرية أمر صحيح ، ولكن لا ملازمة بين هذا الاعتقاد وبين التخلّي عن الوظيفة ، فالعمل على طبق الوظيفة تكليف عامّ لا يختصّ بزمان دون زمان.

وباختصار ، نحن نعتقد أنّ الإمام عليه السلام سيطهّر الأرض من الظلم والبغي ،

ص: 325


1- كمال الدين وتمام النعمة : 485 ، الغيبة للشيخ الطوسيّ : 293 ، كشف الغمّة 3 / 340.

وسيطبّق الإسلام في كلّ أرجائها ، ولكن لا يعني هذا أن نتخاذل في عصر الغيبة عن نصرة الحقّ ، وأن نتهاون في التكليف المتوجّه إلينا.

3 - قول الرسول صلى اللّه عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام في المقام ، هو بشرى للشيعة ، ولمن يأمل أن يرى المدينة الفاضلة للبشرية ، فالإنسان المؤمن عندما يسمع ويقرأ الأحاديث المتعلّقة بشأن الظهور يفرح ويستبشر بالمستقبل ، ويتمنّى ويأمل بأن يكون من أنصار الحجّة عليه السلام ، فيسعى لنيل هذا المقام بقدر الإمكان ، وهذا يعني الالتزام والعمل الأفضل والأكمل.

وعليه فليس في المسألة ما يعتبر أمراً سلبياً حتّى نتوقّف فيه ، وإن كان شخص يسيء فهم انتظار الفرج ويخدع نفسه لأجل الدعة والراحة وترك التكليف ، فهذا أمر يختصّ بمورده - فالعتب عليه - لا بأصل الفكرة.

( بشير الحسيني - العراق - .... )

هو حجّة علينا رغم عدم ظهوره :

س : إذا اتّفقنا أنّ الأرض لا تخلو من حجّة ، ومن المعلوم أنّ الإمام غائب عن الأنظار ، وعدم ظهوره لا يدلّ على عدم وجوده ، هل يعتبر حجّة علينا في الوقت الحالي رغم عدم ظهوره؟!

يرجى الإجابة بالدليل العقليّ ، لا بالدليل الروائي.

ج : المقصود أنّ الأرض لا تخلو من حجّة - وهو الأمر المتواتر ، ومن ضرورات المذهب - هو عدم خلوّها من الإمام عليه السلام من عصر الرسالة إلى يوم القيامة.

والحجّية هي مهمّة من مهام الإمام ووظائفه ، ومعناها أنّ اللّه تعالى يحتجّ به على عباده ، فلذا يسمّى حجّة اللّه على الخلق.

والمعنى الآخر للحجّية هو : أنّ أقواله وأوامره ونواهيه يجب الالتزام بها والعمل عليها ، ويكفي في صحّة إطلاق الحجّية بهذا المعنى هو التزام المؤمن ، بأنّه إذا صدر أمر أو نهي من الإمام ، فهو سوف يطبّقه ويسير على نهجه ، سواء صدر

ص: 326

ذلك فعلاً أو لم يصدر ، كما في زمن الغيبة.

مضافاً إلى أنّ الكثير من الأوامر والنواهي قد صدرت في زمن الغيبة الصغرى ، فيصحّ إطلاق كلمة الحجّة عليه بهذا المعنى أيضاً.

علماً أنّ وجود الإمام لا يقتصر على الحجّية كما سبق ، بل له مهام ووظائف أُخرى كثيرة جدّاً ، حيث يكون الانتفاع به كالشمس إذا غيّبتها السحاب ، كما ورد في روايات أهل البيت عليهم السلام.

ثمّ إنّ الدليل الروائي يعتبر من الأدلّة الأربعة في الحجّية والاستنباط ، بل هو يأتي بالمرحلة الثانية بعد القرآن الكريم ، هذا إذا كان حديث آحاد ، أمّا إذا كان الحديث متواتراً فيكون قطعي الصدور ، وفي نفس رتبة القرآن الكريم ، لأنّ كلامهما يمثّلان الوحي الإلهيّ.

( ... - .... - .... )

ليس هو عيسى نفسه :

س : لقد قرأت في القرآن الكريم قوله تعالى : ( وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ ) (1).

وقوله : ( إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتوفّيكَ وَرَافِعُكَ ) (2).

وتفسير الآية : إنّ سيّدنا المسيح سيخرج آخر الزمان ، لأنّه رفعه اللّه تعالى وهو في سنّ الشباب ، لذلك ذكر القرآن الكهولة - وهي في حوالي سنّ الأربعين - أفلا يعني أنّ المنتظر المهديّ هو المسيح عيسى بن مريم ، حيّ يرزق حتّى يشاء اللّه العليّ القدير؟ إذ كيف يحكم الإمام موجود ، وخصوصاً نعلم أنّ السيّد المسيح سوف يخرج آخر الزمان ، فالنبيّ ينزل عليه الوحي ، أمّا الإمام فلا؟

ج : قد ثبت في مصادر المسلمين - وهو من المتّفق عليه - أنّ المهديّ من ولد

ص: 327


1- آل عمران : 46.
2- آل عمران : 55.

فاطمة عليهما السلام ، فهو إذاً غير المسيح ابن مريم عليهما السلام.

كما ثبت عند الفريقين : أنّ عيسى ينزل ويصلّي خلف الإمام المهديّ عليه السلام.

قال السيوطي : « فإنّ صلاة عيسى خلف المهديّ ثابتة في عدّة أحاديث صحيحة بإخبار رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وهو الصادق المصدّق الذي لا يخلف خبره »(1).

وفي الصواعق : « دعوى تواتر الأحاديث في صلاة عيسى خلف المهديّ »(2).

ومع تواتر الأخبار بتبعية عيسى للإمام فلا مجال للسؤال عن كيفية حكم الإمام مع وجود السيّد المسيح عليه السلام ، مضافاً إلى أنّ دين عيسى قد نسخ بالإسلام ، وإلاّ للزم أن يحكم بدين المسيحية ، وهو ضروري البطلان.

( حسن محمّد يوسف - البحرين - 18 سنة. طالب جامعة )

القيام ووضع الكفّ على الرأس عند ذكر لقب القائم :

س : لماذا نحن عندما نذكر لقب صاحب العصر عليه السلام ( القائم ) نقف ونضع اكفنا على رؤوسنا؟ هل هذه تحية للإمام؟ وشكراً.

ج : لقد وردت روايات وأحاديث تنصّ بأنّ الأئمّة عليهم السلام قد حثّوا على هذا الأمر ، بل وقد طبّقوها على أنفسهم أحياناً بالقيام ، وتارةً بالقيام ووضع اليد على الرأس متواضعاً ؛ والظاهر أنّها كلّها في سبيل إعطاء الموضوع اهتماماً بالغاً في نفوس الشيعة.

وقال الشيخ النمازيّ في « مستدرك سفينة البحار » ما نصّه : ويستحبّ القيام عند ذكر هذا اللقب - القائم - لما روي عن تنزيه الخواطر : سئل الإمام الصادق عليه السلام عن سبب القيام عند ذكر لفظ القائم من ألقاب الحجّة.

قال : « لأنّ له غيبة طولانية ، ومن شدّة الرأفة إلى أحبّته ، ينظر إلى كلّ من يذكره بهذا اللقب المشعر بدولته ، ومن تعظيمه أن يقوم العبد الخاضع عند نظر

ص: 328


1- الحاوي للفتاوي 2 / 167.
2- الصواعق المحرقة 2 / 480.

المولى الجليل إليه بعينه الشريفة ، فليقم وليطلب من اللّه جلّ ذكره تعجيل فرجه ».

وروي أيضاً عن الإمام الرضا عليه السلام في مجلسه بخراسان ، أنّه قام عند ذكر لفظة القائم ، ووضع يديه على رأسه الشريف وقال : « اللّهم عجّل فرجه ، وسهّل مخرجه ».

وذكر المحدّث النوري في كتابه « النجم الثاقب » ما ترجمته بالعربية : هذا القيام والتعظيم سيرة تمام أبناء الشيعة في كلّ البلاد ....

وروى العلاّمة المامقاني في رجاله في دعبل ، عن محمّد بن عبد الجبّار في مشكاة الأنوار ، أنّه لما قرأ دعبل قصيدته المعروفة على الإمام الرضا عليه السلام ، وذكر الحجّة عليه السلام إلى قوله :

خروج إمام لا محالة خارج *** يقوم على اسم اللّه والبركات

وضع الرضا عليه السلام يده على رأسه ، وتواضع قائماً ، ودعا له بالفرج(1).

( أبو حيدر - فنلاندا - .... )

تعليق على السؤال السابق :

القيام ووضع اليد على الرأس عند ذكر لقبه بالقائم ليس واجباً ، بل من باب التعظيم والاحترام ، وللمعتقد بغيبته وظهوره دليل على انتظار فرجه الشريف ، والاستعداد لنصرته ، وأسوة لمن سبقه من أهل البيت عليهم السلام بهذا الفعل ، وشكراً.

( .... - البحرين - .... )

ولادته في كتب أهل السنّة :

س : حشرنا اللّه مع آل محمّد وإيّاكم.

ص: 329


1- مستدرك سفينة البحار 8 / 629.

هل هناك روايات عند أهل السنّة تقول : بأنّ الإمام المهديّ ولد؟ جزاكم اللّه ألف خير ، ونسألكم الدعاء.

ج : قد اعترف علماء كثيرون من أهل السنّة بولادة الإمام المهديّ عليه السلام فراجع كتاب دفاع عن الكافي(1) للسيّد ثامر العميدي ، فقد ذكر فيه مائة وثمانية وعشرين شخصاً من أهل السنّة ، من الذين اعترفوا بولادة الإمام المهديّ عليه السلام ، مع ترتيبهم بحسب القرون ، ونحن نقتصر على ذكر بعضهم :

سهل بن عبد اللّه البخاريّ ، المتوفّى 341 ه(2) ، محمّد بن طلحة الشافعي ، المتوفّى 652 ه(3) ، سبط ابن الجوزيّ ، المتوفّى 654 ه(4) ، محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي ، المتوفّى 658 ه(5) ، ابن خلكان ، المتوفّى 681 ه(6) ، عزيز بن محمّد النسفي الصوفي - المتوفّى 686 ه- - في رسالته ، كما في ينابيع المودّة(7) ، إسماعيل بن علي أبو الفداء ، المتوفّى 732 ه(8) ، محمّد الذهبيّ ، المتوفّى 748 ه(9) ، خليل الصفدي ، المتوفّى 764 ه(10) ، عبد اللّه بن علي اليافعي ، المتوفّى 768 ه(11) ، ابن الصبّاغ المالكي ، المتوفّى 855 ه(12) ، محمّد بن طولون الحنفي ، المتوفّى 953 ه(13) ، حسين الديار بكري القاضي ،

ص: 330


1- دفاع عن الكافي 1 / 568.
2- سرّ السلسلة العلوية : 40.
3- مطالب السؤول 2 / 152.
4- تذكرة الخواص : 325.
5- البيان في أخبار صاحب الزمان : 97.
6- وفيات الأعيان 4 / 31.
7- ينابيع المودّة 3 / 352.
8- المختصر في أخبار البشر 1 / 361.
9- العبر في خبر من غبر 1 / 373.
10- الوافي بالوفيات 2 / 249.
11- مرآة الجنان 2 / 127.
12- الفصول المهمّة : 292.
13- الأئمّة الإثنا عشر : 117.

المتوفّى 966 ه- (1) ، عبد الوهّاب الشعراني الشافعي ، المتوفّى 973 ه- (2) ، أحمد بن حجر الهيتمي الشافعي ، المتوفّى 974 ه- (3) ، ابن عماد الدمشقي الحنبلي ، المتوفّى 1089 ه- (4) ، محمّد بن علي الصبّان الشافعي ، المتوفّى 1206ه- (5).

( حسين عبد الأمير - البحرين. 18 سنة - طالب )

ماذا يجب أن نفعله في الغيبة :

س : ما واجبنا اتجاه الإمام المهديّ المنتظر وهو في غيبته؟ وما يجب علينا فعله؟

ج : من الأعمال المفروض بنا أن نعملها في زمن الغيبة ، هي :

1 - انتظار فرجه عليه السلام وظهوره ، فقد ورد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « أفضل أعمال أُمّتي انتظار الفرج » (6).

2 - الدعاء له عليه السلام بتعجيل فرجه ، فقد ورد من الناحية المقدّسة على يد محمّد ابن عثمان في آخر توقيعاته عليه السلام : « وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج ، فإنّ ذلك فرجكم » (7).

3 - معرفة صفاته عليه السلام ، وآدابه ، والمحتومات من علائم ظهوره.

ص: 331


1- تاريخ الخميس 2 / 343.
2- ينابيع المودّة 3 / 345.
3- الصواعق المحرقة 2 / 601.
4- شذرات الذهب 2 / 290.
5- إسعاف الراغبين : 133.
6- الإمامة والتبصرة : 163 ، تحف العقول : 37 ، مناقب آل أبي طالب 3 / 527 ، مجمع الزوائد 10 / 147 ، ينابيع المودّة 3 / 397 ، الجامع الكبير 5 / 225.
7- كمال الدين وتمام النعمة : 485 ، الغيبة للشيخ الطوسيّ : 293 ، الاحتجاج 2 / 284.

4 - مراعاة الأدب عند ذكره عليه السلام ، بأن لا يذكره إلاّ بألقابه الشريفة : كالحجّة والقائم ، والمهديّ ، وصاحب الزمان ، وصاحب الأمر ، وغيرها ، وترك التصريح باسمه الشريف ، وهو اسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وتكملة ذكره عليه السلام بقول : عليه السلام ، أو ( عجّل اللّه تعالى فرجه ) ، والقيام عند ذكر لقبه « القائم ».

5 - إظهار محبّته عليه السلام وتحبيبه إلى الناس.

6 - إظهار الشوق إلى لقائه عليه السلام ورؤيته ، والبكاء والإبكاء والتباكي والحزن على فراقه.

7 - الدعاء والطلب من اللّه تعالى أن نكون من جنوده وأنصاره واتباعه ، ومن المقاتلين بين يديه ، وأن يرزقنا الشهادة في دولته.

8 - التصدّق عنه عليه السلام بقصد سلامته.

9 - إقامة مجالس يذكر فيها فضائله عليه السلام ومناقبه ، أو بذل المال في إقامتها ، والحضور في هكذا مجالس ، والسعي في ذكر فضائله ونشرها.

10 - إنشاء الشعر وإنشاده في مدحه عليه السلام ، أو بذل المال في ذلك.

11 - إهداء ثواب الأعمال العبادية المستحبّة له عليه السلام ، كالحجّ والطواف عنه عليه السلام ، والصوم والصلاة ، وزيارة مشاهد المعصومين عليهم السلام ، أو بذل المال لنائب ينوب عنه في أداء تلك الأعمال.

12 - زيارته عليه السلام وتجديد البيعة له عليه السلام بعد كلّ فريضة من الفرائض اليومية ، أو في كلّ يوم جمعة بما ورد عن الأئمّة عليهم السلام في ذلك.

13 - تعظيم مواقفه عليه السلام ومشاهده ، كمسجد السهلة ، ومسجد الكوفة وغيرهما.

14 - ترك توقيت ظهوره عليه السلام ، وتكذيب المؤقّتين ، وتكذيب من ادّعى النيابة الخاصّة ، والوكالة عنه عليه السلام في زمن الغيبة الكبرى.

جعلنا اللّه تعالى وإيّاكم من الممهّدين لدولته ، والمرضيّين عنده.

ص: 332

( عقيل أحمد جاسم - البحرين - 32 سنة - بكالوريوس )

معنى يأتي بكتاب جديد :

س : بخصوص الإمام المنتظر ، قال الإمام أبو عبد اللّه عليه السلام : « واللّه كأنّي أنظر إليه بين الركن والمقام ، يبايع الناس على كتاب جديد » (1) ، والمقصود من ذلك كتاب غير القرآن ، لأنّهم يدّعون بأنّنا نقول : بأنّ القرآن محرّف ، والقرآن الحقيقيّ عند الغائب.

ج : من أين لنا أن نحكم بأنّ الكتاب الجديد هو قرآن جديد - والعياذ باللّه -؟ والظاهر من الرواية إنّه عهد وبرنامج جديد يتعاهده هو عليه السلام مع أصحابه ، وظهور الكلام كما نعلم حجّة ، وليس في الرواية أية قرينة على خلاف هذا الظهور.

فالنتيجة : إنّ الكتاب - هنا - بمعنى مخطّط جديد ، مرسوم من قبل الإمام عليه السلام لتطبيق الدين الإسلامي الحنيف.

( أحمد العصفور - عمان - 14 سنة )

من مميّزات أنصاره :

س : كيف تكون صفات الناس الذين سوف يقاتلون مع الإمام المهديّ عليه السلام؟ وكيف سيكون العالَم قبل أن يأتي؟ وهل يجب أن يرى كلّ واحد الإمام المهديّ كي يحارب معه؟ وإذا دعوت في صلاتي أن أكون من جيوشه - إن شاء اللّه باستمرار ودائماً - هل سأكون؟ وشكراً.

ج : البحث عن موضوع الإمام المهديّ عليه السلام وكلّ ما يتعلّق به بحث مفصّل ، لا يسعنا التطرّق إليه ، ولكن نشير هنا إلى رؤوس بعض المواضيع ، فإن أردت التفصيل فعليك بالكتب المختصّة في هذا المجال.

ص: 333


1- الغيبة للنعماني : 194.

وأمّا الوضع العام للعالم والبشرية قبيل ظهوره عليه السلام فهو وضع مأساوي وسلبي إلى أبعد الحدود معنوياً ومادّياً ، بحيث لا يبقى طريق وحلّ للخروج من هذا الوضع المؤلم إلاّ اللجوء إليه ، والتمكين لحكمه ودولته عليه السلام.

أمّا وظيفة المؤمن في عصر الغيبة ، فهي لا تقتصر بجهةٍ دون أُخرى ، بل تشمل الالتزام والعمل بجميع جوانب العقيدة والشريعة ، بما فيها الدفاع عن المبادئ والقيم والمقدّسات.

وأمّا مميّزات أنصار الحجّة عليه السلام ، فهي باختصار : العمل بالوظائف الدينية في أعلى مراتبها ، ومنها : شدّ أواصر المحبّة والعُلقة القلبية مع صاحب العصر والزمان عليه السلام ، بحيث يراه كالحاضر والناظر على أفعاله وأعماله.

فالمؤمنون في عصر الغيبة ، وقبيل الظهور ليسوا بقلّة ، ولكن أصحاب الإمام عليه السلام هم الصفوة من هذه المجموعة ، نتيجةً لسعيهم وثباتهم في سبيل الدين والعقيدة في عصر الغيبة.

وأمّا الدعاء للتوفيق في نصرة الإمام عليه السلام فهو مندوب وممدوح ، وينبغي لكلّ مسلم وموالي أن يفعل ذلك ؛ فإنّه من رآه اللّه تعالى على هذه الحالة ، فقد نال ثواب المشاركة والنصرة للحجّة عليه السلام ، وإن لم يدرك أيّام الظهور.

( علي سلمان - البحرين - 18 سنة - طالب جامعة )

المقصود من سرداب الغيبة :

س : ما هي حقيقة سرداب الغيبة؟ وماذا نقصد به؟ والأدعية الواردة له إلى ماذا ترمز؟

ج : إنّ المقصود من سرداب الغيبة هو : سرداب الدار التي كان يسكنها الإمام الهادي والإمام العسكريّ والإمام المهديّ عليهم السلام ، ويقال : إنّ غيبة الإمام المهديّ عليه السلام حصلت منه ، أي إنه آخر مكان شوهد فيه الإمام قبل غيبته.

وقد وردت بعض الزيارات والأدعية عند الوقوف عليه ، والتي ترمز إلى إظهار

ص: 334

المحبّة والمودّة له عليه السلام ، والدعاء له في تعجيل فرجه ، وغير ذلك.

( أحمد - السعودية - سنّي - 20 سنة - طالب جامعة )

حجّة اللّه على الخلق :

س : كيف يكون الإمام المهديّ حجّة وهو غائب؟ وما هي الفائدة منه حال غيبته؟

ج : لاشكّ ولا ريب أنّ الإمام المهديّ عليه السلام حجّة اللّه تعالى على الخلق ، بمعنى أنّ اللّه تعالى يحتجّ به على عباده يوم القيامة ، وعليه فالحجّية مهمّة من مهام الإمام ووظائفه.

فغيابه عليه السلام عن أنظار الخلق - بمعنى أنّ الخلق لا يراه بينما هو يراهم - لا يضرّ على هذا المعنى من الحجّية ، فهو ناظر إلى أعمالنا ، ومطّلع عليها.

وإن قلنا : إنّ معنى الحجّية هو الالتزام بأقوال الإمام عليه السلام ، وأوامره ونواهيه ، والعمل عليها ، فغيابه عليه السلام أيضاً لا يضرّ ، إذ يكفي في صحّة إطلاق الحجّية بهذا المعنى هو التزام المؤمن ، بأنّه إذا صدر أمر أو نهي من الإمام سوف يطبّقه ، ويسير على نهجه ، سواء صدر ذلك فعلاً أو لم يصدر ، كما في زمن الغيبة.

علماً أنّ وجود الإمام عليه السلام لا يقتصر على الحجّية ، بل له مهام وفوائد ووظائف أُخرى كثيرة جدّاً ، بحيث يكون الانتفاع به كالشمس إذا غيّبتها السحاب ، كما ورد ذلك في روايات أهل البيت عليهم السلام.

فقد سئل النبيّ صلى اللّه عليه وآله عن كيفية الانتفاع بالإمام المهديّ عليه السلام في غيبته فقال : « إي والذي بعثني بالنبوّة ، إنّهم يستضيئون بنوره ، وينتفعون بولايته في غيبته ، كانتفاع الناس بالشمس ، وإن تجلّلها السحاب »(1).

وروي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال - بعد أن سئل عن كيفية انتفاع الناس

ص: 335


1- كمال الدين وتمام النعمة : 253 ، ينابيع المودّة 3 / 238 ، كشف الغمّة 3 / 315.

بالحجّة الغائب المستور - : « كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب »(1).

وروي أنّه خرج من الناحية المقدّسة إلى إسحاق بن يعقوب على يد محمّد بن عثمان : « وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي ، فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأبصار السحاب »(2).

فيمكن أن يقال : إنّ الشبه بين مهدي هذه الأُمّة ، وبين الشمس المجلّلة بالسحاب من عدّة وجوه :

1 - المهديّ عليه السلام كالشمس في عموم النفع ، فنور الوجود والعلم والهداية يصل إلى الخلق بتوسّطه.

2 - إنّ منكر وجود المهديّ عليه السلام كمنكر وجود الشمس إذا غيّبها السحاب عن الأبصار.

3 - إنّ الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بها فإنهم ينتظرون في كلّ آن انكشاف السحاب عنها وظهورها ؛ ليكون انتفاعهم بها أكثر ، فكذلك في أيّام غيبته عليه السلام ، ينتظر المخلصون من شيعته خروجه ، وظهوره في كلّ وقت وزمان ولا ييأسون منه.

4 - إنّ الشمس قد تخرج من السحاب على البعض دون الآخر ، فكذلك يمكن أن يظهر في غيبته لبعض الخلق دون البعض.

5 - إنّ شعاع الشمس يدخل البيوت بقدر ما فيها من النوافذ ، وبقدر ما يرتفع عنها من الموانع ، فكذلك الخلق إنّما ينتفعون بأنوار هدايته بقدر ما يرفعون الموانع عن حواسّهم ومشاعرهم ، من الشهوات النفسية والعلائق الجسمانية ، والالتزام بأوامر اللّه والتجنّب عن معاصيه ، إلى أن ينتهي الأمر حيث يكون بمنزلة مَن هو تحت السماء يحيط به شعاع الشمس من جميع جوانبه بغير حجاب.

ص: 336


1- كمال الدين وتمام النعمة : 207 ، الأمالي للشيخ الصدوق : 253 ، روضة الواعظين : 199.
2- كمال الدين وتمام النعمة : 485 ، الاحتجاج 2 / 284 ، الخرائج والجرائح 3 / 1115.

( السيد الموسوي البحراني - البحرين - 36 سنة - طالب علم )

يحكم بالحكم الواقعي لا الظاهري :

س : الإمام الحجّة عليه السلام عند خروجه ، هل يحكم بين الناس بالأحكام الظاهرية كأجداده أم له أحكام خاصّة تختلف عنهم؟ الرجاء دعم الإجابة بالروايات.

ج : قد وردت عندنا روايات صحيحة تشير إلى أنّ الإمام المهديّ عليه السلام يحكم بحكم داود عليه السلام ، فقد ورد عنهم عليهم السلام : إنّ روح القدس يتلقّاهم بما ليس عندهم ، فعن عن عمّار الساباطي قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : بما تحكمون إذا حكمتم؟ قال : « بحكم اللّه وحكم داود ، فإذا ورد علينا الشيء الذي ليس عندنا ، تلقّانا به روح القدس » (1).

وعن الإمام الصادق عليه السلام : « إذا قام قائم آل محمّد صلى اللّه عليه وآله حكم بحكم داود عليه السلام ، لا يحتاج إلى بيّنة ، يلهمه اللّه تعالى فيحكم بعلمه ، ويخبر كلّ قوم بما استبطنوه ، ويعرف وليّه من عدّوه بالتوسم ... » (2).

فمن هذا يتبيّن : إنّ الإمام المهديّ عليه السلام يحكم بالحكم الواقعي لا الظاهري ، واللّه أعلم.

( حسن - السعودية - سنّي - 27 سنة - طالب جامعة )

عقيدتنا فيه :

س : أشكرك أخي على ردّك عليّ ، ولكن أردت أن أسألك عن المهديّ المنتظر ، هو معروف ومتعارف عليه لذي المذهبين السنّة والشيعة ، وما هو متعارف عندنا أنّه يأتي في آخر الزمان ، واسمه من اسم الرسول ، ويأتي وهو بسنّ الأربعين.

ص: 337


1- الكافي 1 / 398 ، بصائر الدرجات : 471.
2- روضة الواعظين : 266 ، الإرشاد 2 / 386.

لو تكرّمت أخي الكريم : أُريد أن أعرف ما هو المهديّ المنتظر في مذهبكم؟ ولك منّي جزيل الشكر.

ج : الإمام المهديّ المنتظر عليه السلام هو الإمام الثاني عشر من أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، الذين نصَّ عليهم النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وذكرتهم المجامع الحديثية عند الشيعة الإمامية بعددهم وأسمائهم ، واكتفت بعض المجامع الحديثية السنّية بذكر عددهم دون أسمائهم ، كما في صحيحي البخاريّ ومسلم ، في أحاديث الخلفاء اثنا عشر ، وفي بعض الأحاديث يرد ذكر القبيلة التي ينتمي إليها هؤلاء الخلفاء أو الأئمّة ، كقوله صلى اللّه عليه وآله : « كلّهم من قريش »(1).

وأيضاً يرد امتداد خلافة هؤلاء الخلفاء حتّى قيام الساعة ، كما في الحديث الذي أورده مسلم في صحيحه : « لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة ، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة ، كلّهم من قريش ... »(2).

ولم يستقم تفسير لهذه الأحاديث الشريفة إلاّ بما تذكره المجامع الحديثية

الشيعيّة عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله : بأنّ الخلفاء أو الأئمّة هم اثنا عشر ، أوّلهم علي بن أبي طالب عليه السلام وآخرهم المهديّ المنتظر عليه السلام.

ولا يوجد تفسير صحيح عند أيّ من المذاهب الإسلامية لهذه الأحاديث الصحيحة المتظافرة عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، سوى ما نشهده عند الشيعة الإمامية فقط.

وهذه الأحاديث تذكر : أنّ امتداد خلافة الأئمّة عليهم السلام تمتد إلى قيام الساعة ، وهو ما يستقيم تماماً وبالشكل الذي يفسّره حديث الثقلين ، بأنّ الكتاب وأهل البيت عليهم السلام لن يفترقا حتّى يردا على النبيّ صلى اللّه عليه وآله الحوض ، وهو كناية عن يوم

ص: 338


1- مسند أحمد 5 / 87 ، صحيح البخاريّ 8 / 127 ، صحيح مسلم 6 / 3 سنن أبي داود 2 / 309 ، الجامع الكبير 3 / 340.
2- صحيح مسلم 6 / 4 ، مسند أحمد 5 / 89.

القيامة ، كما في الحديث الذي رواه الحاكم في مستدركه : « إنّي تركت فيكم الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر : كتاب اللّه تعالى وعترتي ، فانظروا كيف تخلّفوني فيهما ، فإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » (1).

فعقيدتنا في الإمام المهديّ عليه السلام أنّه مولود في سامراء ، في الخامس عشر من شعبان سنة 255 ه- ، وهو ابن الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام ، وهو حيّ غائب ، له غيبتان ، الغيبة الصغرى امتدت ما يقرب من سبعين عاماً ، ابتدأت بعد وفاة والده الإمام العسكريّ عليه السلام سنة 260 ه. عيّن فيها الإمام المهديّ عليه السلام أربعة وكلاء كانوا الواسطة بينه وبين شيعته ومواليه في تلك الفترة ، ثمّ خرج توقيع من الإمام المهديّ عليه السلام على يد الوكيل الرابع علي بن محمّد السمري ، يخبره فيها بوقوع الغيبة الكبرى ، والتي ينتهي أمدها بأمر وإذنٍ من اللّه تعالى له بالخروج ، ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما مُلئت ظلماً وجوراً ، كما هو الوارد في المجامع الحديثية عند الفريقين ، والتي اتفقت على ظهوره عليه السلام.

فقد روى أحمد بن حنبل بسنده عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم لبعث اللّه عزّ وجلّ رجلاً منّا ، يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً » (2).

واسم الإمام المهديّ عليه السلام هو محمّد اسم النبيّ المصطفى صلى اللّه عليه وآله ، فقد أخرج أبو داود بسنده عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « لا تذهب - أو لا تنقضي - الدنيا حتّى يملك العرب رجل من أهل بيتي ، يواطئ اسمه اسمي » (3).

وقد ذكرت الأحاديث الواردة في خصوص الإمام المهديّ عليه السلام أنّه سيخرج وهو على هيئة رجل شاب في الأربعين من عمره ، لم تعمل فيه السنين المتقادمة عملها من الهرم والعجز ، وذلك سرّ من أسرار اللّه في خلقه. .

ص: 339


1- المستدرك 3 / 109 ، كتاب السنّة : 337 و 630.
2- مسند أحمد 1 / 99.
3- سنن أبي داود 2 / 310.

( زين العابدين أيوبي - سورية - 20 سنة - طالب جامعة )

غير السفّاح الوارد في بعض الروايات :

س : كثيراً ما يتشدّق النواصب ويدّعون بأنّ لهم مهدياً غير مهدي آل محمّد عليهم السلام ، الذي ينعتونه بالسفّاح وغير ذلك من الألقاب البذيئة ، فما القول الفصل فيمن يزعم وجود أكثر من مهدي؟

وهل يمكن اعتبار السفياني مهدي النواصب؟ ونرجو التفصيل أكثر بالنسبة للتمييز بين عدل المهديّ بشيعته وقسوته على أعدائه ، وشكراً.

ج : لقد وضع بنو العباس أحاديث تشير إلى أنّ المهديّ عليه السلام من نسل جدّهم العباس ، وقد ضُعِّفت جميع تلك الأحاديث ، ولعلّ هذا الحديث أيضاً من الأحاديث التي أرادوا الإشارة بها إلى أحقّية خلافتهم المتمثّلة في أوّل خلفائهم ، وهو أبو العباس السفّاح ، والملاحظ لتلك الأحاديث التي ورد بها ذكر السفّاح ، أنّ هناك الكثير ممّن ذكر نفس تلك الأحاديث دون ذكر أنّ المهديّ يقال له السفّاح.

والاختلاف الحاصل في وجود أكثر من مهدي ناشئ من أنّ بعض علماء السنّة يقولون : إنّ المهديّ لم يولد ، بل سيولد ، فترى بين الحين والآخر يظهر من يدّعي أنّه المهديّ!

والذي عليه اعتقادنا نحن مذهب أهل البيت عليهم السلام : إنّ المهديّ عليه السلام ولد ، وهو الابن الوحيد للإمام الحسن العسكريّ عليه السلام ، وقد اعترف بولادته الكثير من علماء السنّة.

وأهل السنّة الذين يقولون : إنّ المهديّ لم يولد ، لا يبعد منهم أن يتمسّكوا بأيّ شخص ، ويقولون إنّه المهديّ ، فلا يبعد أن يتمسّكوا بالسفيانيّ ، ليكون مهدياً لهم ، بعد أن تمسّكوا على مرّ التاريخ بأشخاص ادعوا المهديّة ، هم بعيدون كلّ البعد عن حقيقة ذلك.

إنّ قيام دولة الإمام المهديّ ، وتحقيق العدالة الكاملة فيها لا يتحقّق إلاّ

ص: 340

بالتخلّص من الكفّار ، لأنّهم سوف لن يَدَعوا الإمام يحقّق دولته ، بل يرونه خطراً عليهم ، وسيحقّق الإمام فيهم قول اللّه تعالى : ( لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (1) ، فيملأ الإمام الدنيا قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.

( زكيّ الحسينيّ - ..... - طالب حوزة )

كاتب الشيخ المفيد بثلاث توقيعات :

س : هل صحيح أنّ مولانا بقيّة اللّه الأعظم أرواحنا له الفدى ، قد كاتب الشيخ المفيد ( قدس سره ) برسالتين؟ كما هو مروي عن العلاّمة المجلسيّ ( قدس سره ) صاحب البحار ، وهل كاتب غير الشيخ المفيد برسائل أيضاً؟

وهل صحيح أنّ الإمام عليه السلام يذكر في هذه الرسالة أنّ حركته الأخيرة ستكون إلى مكان كذا؟ وباعتبار أنّه يغيّر مكانه لأسباب ، منها : عدم خصوبة الأرض ، وقلّة الزرع ، وصعوبة المعيشة ، كما يذكر القزويني بقول قلّة الزرع.

سؤالي : إلى مدى يحتاج الإمام عليه السلام إلى كتابة رسالة ، ويتضمّن كذلك الإعلام بحركته ، ثمّ يفسّر كذلك بهذا التفسير؟

ج : إنّ ذكر هذه التوقيعات من قبل الثقات من أعلام الأُمّة - كالعلاّمة المجلسيّ ، والشيخ أبو علي الحائري ، والمحدّث البحراني ، والسيّد بحر العلوم ، والسيّد الخونساري ، والمحدّث النوري وغيرهم - دليل على قبول هذا التوقيع عندهم ، بل روي عن البعض : أنّ التوقيع المبارك تتلقّاه الشيعة بالقبول.

وقد كاتب الإمام عليه السلام الكثير من خلال سفرائه الأربعة في الغيبة الصغرى ، وأمّا في الغيبة الكبرى ، فالذي يذكره المحدّثون أنّ للشيخ المفيد ثلاثة توقيعات صادرة عن الإمام عليه السلام ، والموجود منها في كتب الحديث اثنان فقط.

ص: 341


1- البقرة : 114.

والرسالتان التي كاتب بهما الشيخ المفيد ( قدس سره ) لا يذكر فيها ما ذكرت ، وإنّما وصف مكان تواجده عليه السلام ، وأنّه سينتقل إلى مكان آخر ، وهو إخبار أنّ الإمام يتحرّك من مكان إلى مكان ، وهذا من لوازم الاختفاء والغيبة.

والإمام عليه السلام لم يكاتب الشيخ المفيد لاحتياجه الشخصي لذلك ، بل إنّ الشيعة في ذلك الوقت قد يحتاجون إلى ما يربطهم بالإمام ، لعدم وضوح النيابة العامّة للعلماء آنذاك ، فلابدّ من اتصال مع الإمام ولو قليلاً ، ولتشريف الأشخاص الذين يمثّلون تلك النيابة العامّة.

فالشيخ الصدوق ( قدس سره ) ولد بدعاء الإمام عليه السلام ، والشيخ المفيد يشرّف بالمكاتبة ، وآخرون يرسل لهم مبعوث - كالسيّد ابن طاووس - وهكذا ، حتّى صار واضحاً عندنا الآن : أنّ بعض الفقهاء هم نوّاب عامّون للإمام عليه السلام.

( وليد - الكويت - 22 سنة - طالب ثانوية )

علامات ظهوره وقيام الساعة :

س : أردت السؤال عن علامات خروج الإمام المهديّ عليه السلام ما هي؟ وما هي العلامات الحتمية والغير حتمية؟ وما هي علامات قيام الساعة وما هو ترتيبها؟ ومن الذي يقتل المسيح الدجّال؟ مع الشكر لكم.

ج : قد ذكرت الكثير من العلامات لظهوره عليه السلام ، ونحن نذكر قسماً منها على نحو الإجمال :

1 - ظهور ستّين شخصاً يدّعون النبوّة بالكذب.

2 - ظهور اثني عشر نفراً من السحرة يدّعون الإمامة.

3 - خراب جدار مسجد الكوفة ، ممّا يلي دار عبد اللّه بن مسعود.

4 - ظهور نجم ذي ذنب.

5 - ظهور القحط الشديد.

6 - وقوع الزلزلة والطاعون في أكثر البلاد.

ص: 342

7 - خراب البصرة بيد شخص ملّقب بصاحب الزنج.

8 - امتلاء الأرض من الظلم والفسق.

9 - عود الإسلام غريباً كما بدأ غريباً.

10 - تحلية المصاحف وزخرفة المساجد ، وتطويل المنائر.

11 - اقتران بعض النجوم.

12 - انهدام الكعبة.

13 - خراب مسجد براثا.

14 - خراب بغداد.

15 - ركود الشمس من عند الزوال إلى أوسط أوقات العصر.

16 - طلوع الشمس من المغرب.

17 - خروج اليماني من اليمن.

18 - خروج الخراساني.

19 - ظهور المغربي بمصر ، وتملّكه الشامات.

20 - اختلاف الرايات في الشام ، وخراب الشام من القتل والانتهاب.

21 - خروج زنديق من قزوين اسمه اسم نبيّ ، يسرع الناس إلى طاعته.

22 - خروج العوف السلمي من الجزيرة.

23 - خروج السمرقندي المسمّى بشعيب بن صالح.

24 - خروج النار من المشرق.

25 - ظهور حمرة شديدة في أطراف السماء.

26 - وقوع القتل واهراق الدماء في الكوفة ، لما تكثر فيها من الرايات.

27 - قتل النفس الزكية في ظهر الكوفة مع سبعين نفراً من الصالحين.

28 - مسخ طائفة بصورة القردة والخنازير.

29 - حركة رايات سود من ناحية خراسان.

30 - نزول مطر شديد في جمادى الثانية ورجب ، بحيث لم ير مثله.

ص: 343

أمّا العلامات الحتمية ، فذكر منها :

1 - خروج الدجال.

2 - الصيحة.

3 - خروج السفياني.

4 - خسف جيش السفياني بالبيداء.

5 - قتل النفس الزكية بين الركن والمقام.

6 - كسوف الشمس في النصف من شهر رمضان ، وخسوف القمر في آخره ، وقد قيل إنّ منها خروج السيّد الحسني ، والنداءات الثلاثة التي تسمعها كلّ الخلائق ، وكفّ تطلع من السماء ، واختلاف بني العباس ، وانقراض دولتهم.

أمّا قيام الساعة ، فقد وردت روايات توضّح فيها علامات ، إلاّ أنّها لم تحدّد الترتيب الزمني لها ، ومن تلك الروايات ما ورد عن الرسول صلى اللّه عليه وآله بقوله : « لا تقوم الساعة حتّى تكون عشر آيات : الدجّال والدخّان ، وطلوع الشمس من مغربها ، ودابّة الأرض ، ويأجوج ومأجوج ، وثلاثة دالات من الخسوف : خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب ، ونار تخرج من قصر عدن تسوق الناس إلى المحشر ، تنزل معهم إذا نزلوا ، وتقيل معهم إذا أقالوا »(1).

أمّا الدجّال ، فقد وردت روايات عن الإمام الصادق عليه السلام تخبر عن مقتل الدجّال على يد الإمام المهديّ عليه السلام.

( إبراهيم المطوّع - السعودية - 40 سنة - موظّف )

اتجاهان في تمهيد الأرضية لظهوره :

س : مع العلم بأنّنا نتوقّع خروج الإمام المهديّ عليه السلام دوماً بأنّه قريب ، حيث

ص: 344


1- الخصال : 431 ، سنن ابن ماجة 2 / 1341 و 1347 ، المستدرك 4 / 428 ، المصنّف لابن أبي شيبة 8 / 662.

أنّنا نتلمّس الجور ، بأنّه قد وصل إلى أوجه.

منذ بداية البشرية والجور مستمر ، وهو السائد على الأرض والغالب أيضاً وإلى اليوم.

يتطلّب خروج الإمام المهديّ عليه السلام استعداداً من قبل الأُمّة كي تمهّد له الأرضية ، والسؤال الذي يطرح هنا : متى تعي البشرية دورها تجاه الإمام عليه السلام؟ ومتى ستنصاع إلى الحقّ ، وتقبل به عن إرادة واختيار؟

البشرية من بدء الخليقة ونداءات الأنبياء والرسل والحكماء ، وجميع من لهم دور في ترشيد الإنسانية تدعوا ، والقرآن يشير بكلّ صراحة وتأكيد : ( وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ) (1) ، ( وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ ) (2) وغير ذلك.

كم تحتاج البشرية حتّى تكون في بداية دورها للاستعداد للخروج أو للتمهيد على الأقلّ؟ إذا كانت من بدء الخليقة لم تعي أو لم يتحقّق الرقم المطلوب لخروجه عليه السلام.

هل نحتاج إلى عمر من الزمن يكثر عن الزمن الماضي؟ ولماذا نحن علينا أن نشعر بأنّه قريب؟ وليس معنى ذلك إنّني يائس من خروجه عليه السلام.

إنّ علامات الظهور كانت ولا تزال كأنّها بارزة ، وكأنّها تتحقّق يوماً بعد يوم ، وإنّ كلّ زمان يرى بأنّ خروجه قد آن أوانه.

الشيعة يمحّصون في خروجه ، حتّى أنّ البعض ينكر هذا الخروج ، فهل نحن نستطيع أن نستمر في اعتقادنا بخروجه عليه السلام إذا كنّا بعيدين عن وضوح الرؤية الحقيقيّة؟ ولذلك فنحن نرى خروجه قريباً مع عدم وجود الأرضية الصالحة لذلك الخروج.

هل وصلنا إلى الحكمة الحقيقيّة والواضحة والمنشودة كي نستطيع بها توطيد الأرضية لخروجه عليه السلام؟ لا تتمنّوا خروجه إلاّ وأنتم في عافية من دينكم.

وس : لماذا لم تكن هذه الفترة كفيلة بأن تعدّ العدد الذي يؤهّل الإمام

ص: 345


1- سبأ : 13.
2- هود : 40.

علي عليه السلام بأن يكون مقبولاً عند جميع الأطراف؟ وذلك كما أشار الإمام نفسه أو وضّحته مسيرة التاريخ.

ولكم منّا ألف تحية وسلام.

ج : ورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق عليه السلام : « إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة لابدّ منها ، يرتاب فيها كلّ مبطل » ، فقلت له : ولم جعلت فداك؟ قال : « لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم » ، قلت : فما وجه الحكمة في غيبته؟ فقال : « وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غياب من تقدّمه من حجج اللّه تعالى ذكره ، إنّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلاّ بعد ظهوره ، كما لا ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر عليه السلام من خرق السفينة ، وقتل الغلام ، وإقامة الجدار لموسى إلاّ وقت افتراقهما » (1).

أمّا ما أشرتم إليه من أنّه متى تعي البشرية دورها اتجاه الإمام عليه السلام؟

في الجواب يمكن أن نقول : لابدّ من إيصال صوت الإسلام إلى جميع بقاع الأرض ، ونحاول تطبيقه بشكله الصحيح ، ونحاول تطبيق العدالة بأسمى أشكالها على سلوكنا وسلوك الآخرين ، حتّى يصبح المجتمع صالحاً بجميع طبقاته لتقبّل ظهور الإمام عليه السلام ، ولا يقف أمامه من يعرقل المسيرة.

إنّه بهذا نكون قد مهدّنا لظهور الإمام عليه السلام ، وقمنا بوظيفة الانتظار ، فإنّ الانتظار يعني تهيئة الأرضية الصالحة لظهوره عليه السلام بإعداد العدّة الصالحة فكريّاً وعمليّاً ، حتّى إذا ما ظهر عليه السلام تكون الأرضية صالحة من جانب المؤمنين أيضاً.

وجاء في حديث أبي بصير : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : « ليعدّن أحدكم لخروج القائم ولو سهماً ، فإنّ اللّه تعالى إذا علم ذلك من نيّته رجوت لأنّ ينسئ في عمره حتّى يدركه ، ويكون من أعوانه وأنصاره » (2). .

ص: 346


1- علل الشرائع 1 / 246 ، كمال الدين وتمام النعمة : 482 ، الاحتجاج 2 / 140.
2- الغيبة للنعماني : 320.

الإمامة :

اشارة

( الموالي - عمان - 23 سنة - طالب جامعة )

أهمّيتها :

س : السلام عليكم أيها الأفاضل :

كنت أتكلّم مع أحدهم حول أهمّية البحث في مسألة الإمامة ، فقال لي بأنّه لا يعتقد بأهمّية البحث ، لأنّ الفرق الإسلامية متّفقة في أشياء كثيرة ، وليس هناك اختلاف كبير ، وبالتالي كيف سيفيد هذا الاعتقاد في جعله أفضل ، وقال لي آخر نفس الكلام تقريباً ، وأضاف بأنّه يمكن الحصول على القرب الإلهيّ بالصلاة والسجود ، فما هي أهمّية الموضوع؟

ج : الدين الإسلامي هو رسالة السماء الخاتمة إلى الناس ، نزل بها الوحي الأمين على سيّد المرسلين محمّد صلى اللّه عليه وآله ، وأمرنا باتباع رسالته والإيمان بكلّ ما جاء به ، والتسليم له في كلّ ما يقول ، ووبّخ من يرفض الإيمان بها ، أو يؤمن ببعضها ، ويترك البعض الآخر :

قال تعالى : ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامة يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ ) (1).

ووصف المتّقين بقوله : ( الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ *

ص: 347


1- البقرة : 85.

الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ ... والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ) (1).

وقال تعالى : ( هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ ... وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ ) (2).

إذا عرفت ذلك نقول : إنّ الإمامة التي تؤمن بها الشيعة - تبعاً للنبيّ صلى اللّه عليه وآله والأئمّة عليهم السلام - مبدؤها القرآن ، وأنّ القرآن نطق بها ، فإذاً يجب على الإنسان المؤمن أن يؤمن بها ، وإلاّ يكن ممّن لا يؤمن ببعض الكتاب ، ورادّاً لبعض ما جاء به النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وبالتالي يدخل في ضمن من أخبر اللّه عنه بأنّه يصيبه عذاب شديد ، بل وأكثر من ذلك كما سيتضح.

وأما كيف أنّها مبدأ قرآني؟

فنقول : قال تعالى مخاطباً إبراهيم بعد نبوّته : ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (3).

وقال تعالى وهو يتحدّث عن إبراهيم عليه السلام : ( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) (4).

وقال تعالى : ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) (5).

ص: 348


1- البقرة : 1 - 4.
2- آل عمران : 7.
3- البقرة : 124.
4- الزخرف : 28.
5- السجدة : 24.

وقال تعالى : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ) (1).

إلى هنا عرفنا : إنّ الإمامة جزء من شرع النبيّ الأكرم صلى اللّه عليه وآله ، جاء بها الوحي الكريم ، كما جاء بالصوم والصلاة ، وأوجب علينا الإيمان بهما ، وكذلك أوجب علينا الإيمان بالإمامة ؛ لأنّها من عند اللّه تعالى ، وجزء من وحيه.

ثمّ إذا ذهبنا إلى آيات القرآن الأُخرى رأينا أكثر من ذلك ، وأنّها تجعل الإمامة ، وولاية الإمام ، كولاية اللّه تعالى ، وولاية رسوله صلى اللّه عليه وآله ، وأنّها ترتقي إلى مستوىً أعلى من الصلاة والصوم.

قال تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) (2) ، ولا نريد الدخول في دراسة الآية كلمة كلمة ، فإنّ ذلك يطول ، لكن الآية حصرت الولاية باللّه وبرسوله ، وبالذين آمنوا ، وجعلت من يتولاّهم من حزب اللّه تعالى.

ومن الواضح : أنّ عدم تولّي الإمام ( الَّذِينَ آمَنُواْ ) يخرم القاعدة التي تدخل الإنسان في حزب اللّه ، ومن يخرج من حزب اللّه ، يدخل في حزب الشيطان ، إذ لا ثالث في البين ، مع أنّا لا نجد في القرآن من يترك فرع من الفروع ولا يعمل به يكون من حزب الشيطان ، فالإمامة فوق تلك الأُمور - أي الصلاة والصوم - ووجوب تولّي الإمام كوجوب الصلاة والصوم وأكثر ، كما عرفت.

وعندما نرجع إلى الأحاديث النبوية التي وردت من طرق أهل السنّة نجد أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله يوضّح لنا منزلة الإمامة والخلافة ، وأنّ الإمام له منزلة لا تقلّ عن منزلة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وسنّته كسنّة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأنّه يجب الرجوع إليه ، والإيمان به ، والأخذ عنه.

ص: 349


1- الأنبياء : 73.
2- المائدة : 55 - 56.

فعن النبيّ صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « فعليكم بسنّتي ، وسنّة الخلفاء الراشدين المهديّين ، وعضّوا عليها بالنواجذ »(1).

ففي هذا الحديث عدّة أُمور :

1 - إنّ هؤلاء خلفاء الراشدين المهديّين ، أي لا يحتاجون هداية غيرهم من الناس.

2 - إنّ هؤلاء الخلفاء لهم سنّة مأمورون باتباعها.

3 - إنّ سنّة هؤلاء الخلفاء كسنّة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، إذ قرن سنّته بسنّتهم ، ومن الواضح أن سنّة النبيّ صلى اللّه عليه وآله معصومة لأنّه : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) (2) ، فكذلك سنّة خلفائه ، بدليل المقارنة ، والأمر بالاتباع المطلق.

ومن الواضح : إنّ هذه الصفات لا نجد انطباقها على أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم ، فمن هؤلاء الذين هذه صفاتهم؟!

ج : إذا رجعنا إلى صحيح مسلم نجده يجيبنا على هذا السؤال ، فقد روى عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة ، أو يكون عليكم اثني عشر خليفة كلّهم من قريش »(3).

ومواصفات هذا الحديث ، وهو قيام الدين بهؤلاء الاثني عشر ، تتلاءم مع صفات الحديث السابق تمام الملائمة.

إذاً ، يجب علينا الرجوع إلى هؤلاء ، كما أمر الحديث ، لأنّهم المهديّين ، والمبيّنين للسنّة النبوية ، والذين يقوم الدين بهم.

بل عندما نذهب إلى السنّة النبوية المطهّرة نرى : أنّ عدم الإيمان بهؤلاء جاهلية ، كما في قوله صلى اللّه عليه وآله : « من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية »(4).

ص: 350


1- مسند أحمد 4 / 126 ، سنن الدارمي 1 / 45 ، سنن ابن ماجة 1 / 16 ، الجامع الكبير 4 / 150 ، المستدرك 1 / 96 ، كتاب السنّة : 30.
2- النجم : 4 - 3.
3- صحيح مسلم 6 / 4.
4- كتاب السنّة : 489 ، مجمع الزوائد 5 / 225 ، مسند أبي يعلى 13 / 366 ، المعجم الأوسط 6 / 70.

وقال صلى اللّه عليه وآله : « من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية »(1).

فمن لم يؤمن بالإمامة هو شخص جاهلي ، أي : على الحالة التي كانت قبل الإسلام ، وهذا يوافق الآية 55 و 56 من المائدة ، التي تلزم المؤمنين بتولّي اللّه والرسول ، والذين آمنوا ، الذين تصدّقوا في الركوع ، وأن من لم يتولّهم يخرج من حزب اللّه إلى حزب غيره ، وهو الشيطان ، فيكون ميتاً على جاهلية كأن لم يؤمن باللّه وبرسوله.

فتلخّص ممّا تقدم :

1 - إنّ الإمامة جزء من الدين الإسلامي ، فيجب الاعتقاد بها كالاعتقاد بغيرها من أحكام الدين.

2 - إنّ الإمامة ترتقي إلى أن يكون متولّي الإمام من حزب اللّه ، وإلاّ يخرج منه.

3 - إنّ الإمامة تعني القيام بالسنّة النبوية ، وبيانها للناس ، وأنّه يجب الرجوع إلى الإمام في أخذ الدين عنه ، كما أمرنا النبيّ صلى اللّه عليه وآله.

بعد ذلك كلّه ، كيف نقول : لا توجد أهمّية لبحث الإمامة؟!

وأمّا قولك على لسان المخالف : بأنّ القرب الإلهيّ يحصل بالصلاة والسجود فما أهمّية الموضوع؟

فالجواب عنه : عرفت فيما تقدّم مدى أهمّية الموضوع ، وأنّ الطريق إلى توحيد اللّه وعبادته هو بالالتزام بأوامره ، والأخذ بسنّة نبيّه صلى اللّه عليه وآله ، والتي يكون الإمام عمدتها ، وهو المبيّن لها.

إن العقل قاضٍ بوجوب طاعة اللّه من حيث ما يأمرنا به ، لا من أي طريق مهما كان ؛ لأنّه كما أنّ العقل أثبت وجوب حقّ الطاعة علينا لله كذلك أثبت وجوب طاعة اللّه من حيث ما يريده اللّه ، لا من حيث تشخيصنا نحن أو غير

ص: 351


1- كتاب السنّة : 489 ، المعجم الكبير 19 / 335 ، المجموع 19 / 190 ، المحلّى 1 / 46 و 9 / 359 ، نيل الأوطار 7 / 356 ، صحيح مسلم 6 / 22 ، كنز العمّال 6 / 52.

ذلك ، لأنّ اللّه هو الربّ ، وهو الذي يحدّد ، لا أنّنا نحن الذين نحدّد ، لأنّ الحقّ له ، فهو صاحب الحقّ.

( عبد الرسول عبد اللّه - أمريكا - 19 سنة - طالب جامعة )

أعلى رتبة من النبوّة :

س : أيّ الرتب أرفع؟ الإمامة أم النبوّة؟

ج : إنّ النبوّة هي رتبة لمن يتلقّى أخبار الغيب ليوصلها إلى الناس ، والرسول هو النبيّ الذي يأتي بشريعة خاصّة ، بوحي يوحى إليه ، فهو أرفع مكانةً من النبيّ ؛ هذا عند أهل الاصطلاح ، وقد يستعمل كلّ منهما في مقام الآخر تسامحاً ومجازاً.

وأمّا الإمام فهو من كانت له مهمّة التطبيق ، وقيادة المجتمع البشري ، وتنفيذ الوحي ، فهو أعلى رتبةً من النبيّ والرسول ، وممّا يدلّ عليه - على سبيل المثال لا الحصر - إنّ الإمامة أعطيت لإبراهيم عليه السلام بعد مدّة طويلة من نبوّته ورسالته ، وبعد خضوعه عليه السلام لأوامر امتحانية صعبة : ( وَإِذِ ابْتَلَى إبراهيم رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًاً ) (1).

والمتيقّن أنّه عليه السلام كان نبيّاً ورسولاً قبل هذه الامتحانات ، لتلقّيه الكلمات من ربّه وحياً.

( منير - السعودية - .... )

تعليق على الجواب السابق وجوابه :

س : نقول نحن الشيعة : بأنّ الإمام يكون أعلى رتبة من النبيّ ، بدليل وصول النبيّ إبراهيم عليه السلام إلى مرتبة الإمامة بعد مرتبة النبوّة ، ولكن كيف لا نجد

ص: 352


1- البقرة : 124.

الوحي مثلاً ينزل على أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، فقد يقول قائل : بأنّ هذا دليل على أنّ النبيّ أفضل من الإمام ، فكيف نردّ عليه؟ وشكراً لكم.

ج : إنّ هذا التساؤل ليس في محلّه ، فإنّنا نقول بتقدّم رتبة الإمامة على النبوّة - بالأدلّة المقرّرة في محلّها - ، والوحي من خصائص النبوّة ، فلا يرد علينا أنّه لماذا لم تحتو الإمامة على مختصّات النبوّة؟

وبعبارة واضحة : إنّ الاستدلال في المقام يبتني على تقديم الإمامة بكافّة مميّزاتها على النبوّة بجميع مواصفاتها ، ومنها نزول الوحي ، فلا معنى حينئذٍ - وبعد تمامية الأدلّة - أن نقول : لماذا لم يكن الإمام متصّفاً بصفة النبيّ؟ إذ لو كان كذلك كان الإمام نبيّاً ، فلا يبقى مجال للبحث والاستدلال.

هذا ، والتحقيق أنّ مجرد قابلية نزول الوحي لا تدلّ على أفضلية النبيّ على الإمام ، إذ إنّ الخلافة الإلهيّة على الأرض - والتي هي أعلى الرتب والمناصب ، وأقربها إلى اللّه تعالى - تتمثّل في الإمامة ، فالاستخلاف عن اللّه تعالى أعلى درجة من تلقّي الوحي ، ألا ترى أنّ الأنبياء والأئمّة عليهم السلام هم أرقى شأناً من جبرائيل عليه السلام الذي يأتي بالوحي؟

فيتّضح لنا : إنّ مجرد الوسيط بين الخالق والمخلوق في إيصال الوحي لا يدلّ على تقديمه على الإمامة ، التي هي مقام النيابة عن اللّه تعالى في قيادة المجتمع وهدايته.

( منير - السعودية - .... )

تعليق ثاني على الجواب السابق وجوابه :

س : وهل يمكن القول : بأنّ الإمام نبيّ أيضاً ، لأنّ جوابكم السابق قد يفسّر هكذا ، أرجو التوضيح ، وشكراً.

ج : ليس كلّ نبي إمام ، بل بعض الأنبياء اتّسموا بصفة الإمام أيضاً ، كما أنّه ليس كلّ إمام نبيّ ، فأئمّتنا عليهم السلام أئمّة وأوصياء ، وهم ليسوا بأنبياء.

ص: 353

( حميد - عمان - .... )

الأدلّة على إمامة أمير المؤمنين :

السؤال : ما هو الدليل على أحقّية الإمام علي بالخلافة دون سواه؟

ج : سألت عن أمر هو بالحقيقة نقطة الافتراق الرئيسية بين الشيعة وأهل السنّة - وإن كان هذا لا يعني النزاع والتشرذم - فكما يقال : إنّ اختلاف الرأي لا يفسد للودّ قضية.

فأهل السنّة ذهبوا إلى أنّ الخلفاء بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله أربعة : أوّلهم أبو بكر وآخرهم علي عليه السلام.

أمّا اتباع أهل البيت عليهم السلام فذهبوا إلى أنّ الخلافة بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بلا فصل ، ومن بعده أبنائه الأحد عشر ، آخرهم الإمام المهديّ المنتظر عليه السلام.

واستدلّوا في اختصاص الإمام علي عليه السلام بالخلافة دون سواه بأدلّة كثيرة ، نقتصر على بعضها :

1 - من القرآن الكريم.

قال تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (1).

حيث ذهب مفسّرون وعلماء من الفريقين إلى أنّها نزلت في حقّ علي عليه السلام ، حينما تصدّق في أثناء الصلاة (2).

ودلالة الآية الكريمة على ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام واضحة ، بعد أن قرنها اللّه تعالى بولايته وولاية الرسول ، ومعلوم أنّ ولايتهما عامّة ، فالرسول

ص: 354


1- المائدة : 55.
2- أُنظر : شواهد التنزيل 1 / 219 ح 227 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 357 ، أنساب الأشراف : 150 ح 151.

أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فكذلك ولاية علي بحكم المقارنة.

2 - من السنّة الشريفة.

أ - حديث المنزلة : وهو قول الرسول صلى اللّه عليه وآله لعلي عليه السلام : « ألا ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي ».

وهو من الأحاديث المتواترة ، فقد رواه جمهرة كبيرة من الصحابة ، ومصادره كثيرة(1).

ص: 355


1- فضائل الصحابة : 13 ، شرح صحيح مسلم 15 / 174 ، مجمع الزوائد 9 / 109 ، تحفة الأحوذيّ 10 / 161 ، مسند أبي داود : 29 ، المصنّف للصنعانيّ 5 / 406 و 11 / 226 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 496 و 8 / 562 ، مسند ابن راهويه 5 / 37 ، مسند سعد بن أبي وقّاص : 51 و 103 و 139 ، الآحاد والمثاني 5 / 172 ، كتاب السنّة : 551 و 586 و 595 و 610 ، السنن الكبرى للنسائيّ 5 / 44 و 108 و 113 و 120 و 125 و 144 ، خصائص أمير المؤمنين : 48 و 64 و 76 و 80 و 85 و 116 ، مسند أبي يعلى 1 / 286 و 2 / 66 و 86 و 99 و 132 و 12 / 310 ، أمالي المحامليّ : 209 و 251 ، صحيح ابن حبّان 15 / 16 و 371 , المعجم الصغير 2 / 22 و 54 ، المعجم الأوسط 2 / 126 و 3 / 139 و 4 / 296 و 5 / 287 و 6 / 77 و 83 و 7 / 311 و 8 / 40 ، المعجم الكبير 1 / 148 و 2 / 247 و 4 / 184 و 5 / 203 و 11 / 63 و 12 / 15 و 78 و 24 / 146 ، نظم درر السمطين : 107 ، موارد الظمآن : 543 ، كنز العمّال 5 / 724 و 9 / 167 و 11 / 599 و 603 و 13 / 106 و 158 و 163 و 192 و 16 / 186 ، فيض القدير 4 / 471 ، كشف الخفاء 2 / 382 ، شواهد التنزيل 1 / 192 و 2 / 35 ، الجامع لأحكام القرآن 1 / 266 و 7 / 277 ، الطبقات الكبرى 3 / 23 ، تاريخ بغداد 7 / 463 و 8 / 52 و 11 / 430 و 12 / 320 ، تاريخ مدينة دمشق 2 / 31 و 13 / 151 و 20 / 360 و 21 / 415 و 30 / 359 و 38 / 7 و 39 / 201 و 41 / 18 و 42 / 42 و 53 و 100 و 111 و 115 و 139 و 145 و 152 و 159 و 165 و 171 و 177 و 182 و 54 / 226 و 59 / 74 و 70 / 35 ، أُسد الغابة 4 / 27 ، تهذيب الكمال 20 / 483 و 25 / 423 و 32 / 482 و 35 / 263 ، تذكرة الحفّاظ 1 / 10 ، سير أعلام النبلاء 1 / 361 و 7 / 362 و 12 / 214 و 14 / 210 و 15 / 42 ، تهذيب التهذيب 7 / 296 ، الإصابة 4 / 467 ، أنساب الأشراف : 94 ، و 106 ، البداية والنهاية 5 / 11 و 7 / 251 و 370 و 374 و 8 / 84 ، جواهر المطالب 1 / 58 و 171 و 197 و 212 و 296 ، سبل الهدى والرشاد 5 / 441 و 11 / 291 و 296 ، ينابيع المودّة 1 / 112 و 156 و 160 و 309 و 404 و 2 / 97 و 119 و 153 و 237 و 302 و 389 و 3 / 211 و 369 و 403.

ودلالته على ولاية علي عليه السلام وإمامته بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله واضحة ، إذ إنّ هارون كان خليفة لموسى عليه السلام ونبيّاً ، وقد أثبت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله نفس المنزلة لعلي عليه السلام باستثناء النبوّة ، فدلّ ذلك على ثبوت الخلافة له عليه السلام.

ب - حديث الغدير : وهو قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في حجّة الوداع ، حينما قام في الناس خطيباً في غدير خمّ - في خطبة طويلة - : « يا أيّها الناس ، إنّ اللّه مولاي وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ، فمن كنت مولاه ، فهذا مولاه - يعني علياً - اللّهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ... ».

وقد روى هذا الحديث جمهرة كبيرة من الصحابة ، وأورده جمع كبير من الحفّاظ في كتبهم ، وأرسلوه إرسال المسلّمات (1).

ودلالة الحديث على خلافة وولاية علي عليه السلام واضحة ، فلا يمكن حمل الولاية على معنى المحبّ والصديق وغيرهما ، لمنافاته للمطلوب بالقرائن الحالية والمقالية.

أمّا المقالية : فإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ذكر ولاية علي بعد ولاية اللّه وولايته ، ثمّ جاء بقرينة واضحة على أنّ مراده من الولاية ليس هو الصديق والمحبّ وما شاكل ، وذلك بقوله : « وأنا أولى بهم من أنفسهم » فهي قرينة تفيد أنّ معنى ولاية الرسول ، وولاية اللّه تعالى ، هو الولاية على النفس ، فما ثبت للرسول يثبت لعلي عليه السلام ، وذلك لقوله : « من كنت مولاه فهذا مولاه ».

وأمّا الحالية : فإنّ أيّ إنسان عاقل إذا نعيت إليه نفسه وقرب أجله تراه يوصي بأهمّ الأُمور عنده ، وأعزّها عليه. .

ص: 356


1- مسند أحمد 1 / 118 و 152 و 4 / 281 و 370 و 5 / 347 و 370 ، الجامع الكبير 5 / 297 ، سنن ابن ماجة 1 / 45 ، المستدرك 3 / 109 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 495 ، مجمع الزوائد 9 / 104 ، المعجم الكبير 4 / 17 و 5 / 170 و 5 / 192 و 5 / 204 ، شواهد التنزيل 2 / 381 ، التاريخ الكبير 1 / 375 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 213 و 217 و 230 ، تهذيب الكمال 20 / 484 ، تهذيب التهذيب 7 / 296 ، الجوهرة : 67 ، البداية والنهاية 5 / 231 ، السيرة النبوية لابن كثير 4 / 421 ، ينابيع المودّة 2 / 249 و 283 و 391.

وهذا ما صنعه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حينما حج حجّة الوداع ، حيث جمع المسلمين وكانوا أكثر من مائة ألف في يوم الظهيرة في غدير خم ، ويخطبهم تلك الخطبة الطويلة ، بعد أن أمر بإرجاع من سبق ، وانتظار من تأخّر عن العير ، وبعد أمرهم لتبليغ الشاهد الغائب.

كلّ هذا فعله الرسول صلى اللّه عليه وآله ليقول للناس : إنّ علياً محبّ لكم صديق لكم؟! فهل يليق بحكيم ذلك؟! وهل كان خافياً على أحد من المسلمين حبّ علي للإسلام والمسلمين؟ وهو الذي عرفه الإسلام بإخلاصه وشجاعته ، وعلمه وإيمانه.

أم أنّ ذلك يشكّل قرينة قطعية على أنّه صلى اللّه عليه وآله جمعهم لينصب بعده خليفة بأمر اللّه تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (1).

وهنالك أدلّة كثيرة أعرضنا عنها بغية الاختصار.

نسأله تعالى أن يعرّفنا الحقّ حقاً ، ويوفّقنا لاتباعه.

( محمّد - الكويت - .... )

بلّغ النبيّ لها في بدايات دعوته :

س : سؤالي هو عن رزية يوم الخميس ، القصّة تشير أنّ الكتاب الذي كان سيكتبه الرسول صلى اللّه عليه وآله كان يتوقّف عليه ضلال أُمّة وهداها ، فكيف تركه الرسول صلى اللّه عليه وآله خوفاً من الفتنة؟ علماً بأنّه من التبليغ الذي بلّغه اللّه له : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى )؟ فكيف يكون للرسول صلى اللّه عليه وآله أن يعطّل تبليغ أمر اللّه تعالى؟

وإن كان يتوقّف على ضلال أُمّة وهداها ، فهو من واجبات الدين ، فكيف أنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله لم يبلّغه قبل نزول الآية : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ) (2) ،

ص: 357


1- المائدة : 67.
2- المائدة : 3.

وكان الدين وقت الرزية قد اكتمل؟ آسف على الإطالة ، وشكراً.

ج : إنّ الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله بلّغ للإمامة والإمام من بعده من يوم الدار ، حيث تشير إليه آية الإنذار : ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ... ) (1) ، وهو كان في بدايات الدعوة ، وتفاصيل القضية ذكر في حديث الدار ، الذي رواه الموالف والمخالف.

وكذلك حديث الثقلين ، قاله صلى اللّه عليه وآله في عدّة مواطن ، وآخرها في مرضه ، فالحجّة تامّة بآيات وروايات مستفيضة ، والوصية إنّما كانت للتأكيد أكثر على هذا الأمر المهم.

ولمّا قال عمر مقولته التي هدّت ركناً من أركان الدين ، وهي : إنّ الرجل ليهجر ، أو : إن النبيّ غلبه الوجع ، فلو كان النبيّ صلى اللّه عليه وآله كتب الكتاب لقالوا : كتبه في حين الهجر ، ولأثبتوا الهجر إلى الرسول يقيناً ، وانتقصوا من مقامه الرفيع ، وبذلك ربما انتقصوا مقام النبوّة ، وشكّكوا في الوحي ، ممّا سيجرهم إلى إنكار الدين والنبوّة ، فاكتفى الحبيب المصطفى صلى اللّه عليه وآله بما قاله وكرّره قبل كتابة الوصية ، الذي تمّت به الحجّة.

( السيّد علي - إيران - .... )

عدم اجتماع إمامين في زمن واحد :

س : لماذا لا يمكن اجتماع إمامين في زمن واحد؟

ج : يمكن تصوير عدم الإمكان بدليلين :

1 - الدليل العقليّ : بما أنّ الإمامة هي حجّة اللّه على الخلق ، فهي عامّة لجميع البشرية قاطبة ، فهنا نقول : إن كان الإمام الثاني موافقاً للأوّل في جميع ما يطرح وما ينفي وما يثبت فيكون وجوده وتنصيبه للإمامة لغواً وعبثاً ، وأمّا إن خالفه وعارضه فهذا يستلزم كذب أحدهما ، وهو خلف كونه إماماً عامّاً للناس أجمعين.

ص: 358


1- الشعراء : 213.

2 - الدليل النقليّ : روي أنّ الإمام الصادق عليه السلام سئل : يكون إمامان؟ قال : « لا ، إلاّ وأحدهما صامت لا يتكلّم حتّى يمضي الأوّل » (1).

( ... - .... - .... )

كلّ إمام كانت له مهمّة خاصّة :

س : لماذا لم يقم الإمام علي عليه السلام بالثورة؟ رغم أنّ الفتنة التي حدثت في عهده هي سبب الفتن في عهد الحسين عليه السلام؟

لماذا لم يثر الإمام علي عليه السلام ، ولكن تأخّرت الثورة إلى زمان الحسين؟

لماذا لم يقم الإمام الحسن بها واكتفى بالصلح؟ لماذا الحسين لم يفعل مثل الحسن؟ وجزاكم اللّه ألف خير.

ج : نظرة سريعة وتأمّل بسيط في التاريخ حول الأجواء التي كانت تحكم في زمن الأئمّة عليهم السلام تعطينا خبراً بأنّ كلّ إمام كانت له مهمّة خاصّة تبعاً للظروف التي كانت تحيطه ، فمثلاً بعد وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كان الناس جديدي عهد بالإسلام ، فهنا الحفاظ على أصل الإسلام كان أوجب من إعلان الثورة من قبل أمير المؤمنين عليه السلام ، والتي كانت ستؤدّي إلى ارتداد الكثير عن الإسلام.

وفي زمن الإمام الحسن عليه السلام بعدما بويع بالخلافة ، وخذلان أصحابه له ، حتّى أنّهم همّوا بتسليمه إلى معاوية ، وكانت الظروف تحتّم عليه تعريف معاوية إلى الملأ العام الذي كان قد اغترّ به ، فعمد إلى تنظيم بنود الصلح التي وافق عليها معاوية ومن ثمّ نقضها ، وفي ذلك تعرية كاملة لمعاوية ، وفي نفس بنود الصلح والشروط التي وضعها الإمام المجتبى عليه السلام تصريح في عدم شرعية خلافة معاوية.

وفي زمن الإمام الحسين عليه السلام ، حيث بويع ليزيد ، ويزيد ممّن كان يتجاهر

ص: 359


1- بصائر الدرجات : 531.

بالكفر والفسق ، وكان هدفه محو الدين من أساسه ، فهنا كان الحفاظ على أصل الدين بالخروج والثورة ، إذ لو لم يخرج الإمام الحسين عليه السلام لكان يزيد قد هتك حرمة الإسلام ، بل لغيّر الإسلام ، ورجع إلى تقاليد الجاهلية.

فأهل البيت عليهم السلام ليس هدفهم الحكومة ، بل هدفهم سَوق الأُمّة إلى الحقّ ، ومن شئون سوق الأُمّة إلى الحقّ الحكومة ، فإذا اقتضت المصلحة في سوق الأُمّة إلى الحقّ ترك الحكومة تركوها.

( ... - ... - ..... )

كيفية النصّ للإمام اللاحق من الإمام السابق :

س : كيف يتمّ النصّ للإمام اللاحق من الإمام السابق؟ هل يتمّ بالنصّ؟ فيرجى تزويدنا بتلك الروايات ، وكيف كان يعرف أهل زمان الإمام أنّه الإمام المنصوص عليه؟

كيف يتولّى الإمام الباقر الإمامة ، وكان لم يبلغ الخامسة من عمره؟ وهل للأئمّة معاجز؟ كدعاء الإمام زين العابدين للحجر الأسود لينطق بإمامته أمام محمّد ابن الحنفية؟ ولماذا لا نرى نصّاً لإمامة الإمام الحسن في نهج البلاغة؟

ج : يتمّ النصّ من الإمام السابق على إمامة اللاحق ، مضافاً إلى النصوص الواردة عن الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله ، وبعض الأئمّة عليهم السلام على ذكر جميع الأئمّة المعصومين الاثني عشر عليهم السلام.

وورود النصّ هو أحد طريقي معرفة الإمام عليه السلام ، والطريق الآخر هو إظهار المعجزات والكرامات الدالّة على إمامته ، بحيث لا يبقى أيّ شكّ وريب في أحقّيته للإمامة.

وأمّا النصوص والمعاجز المذكورة فقد جاءت بحدّ التواتر والاستفاضة في كتب الحديث والتاريخ ، ويكفيك أن تراجع كتاب الحجّة والإمامة في كتاب الكافي ، وبحار الأنوار ، وغيرهما ، حتّى تقف على تلك الروايات كمّاً وكيفاً.

ص: 360

وبناءً على ما ذكرنا ، فإنّ الشيعة في كلّ زمان كانوا يعرفون إمامهم بتلك النصوص التي كانت تصل إليهم بطرق صحيحة ومتواترة ، وبإظهار معاجز أئمّتهم عليهم السلام.

ولم يدع أحد أنّ الإمام الباقر عليه السلام قد تولّى الإمامة في الخامسة من عمره ، بل أغلب الظنّ أنّك تريد أن تشير إلى إمامة المهديّ عليه السلام.

وعلى أيّ حال فالإمامة منصب الهي لا يتوقّف إعطائه على عمر محدّد ، كما هو الأمر من قبل ، فقال تعالى : ( وآتَيناهُ الحُكمَ صَبياً ) (1) ، فصغر السنّ لا يمنع ، كما أنّ الشيخوخة لا تكون دليلاً في المقام.

وأمّا نهج البلاغة ، فهو كتاب قد جمع فيه الشريف الرضي ( قدس سره ) ما استحسنه من خطب وكلمات ، ورسائل الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، ولم يلتزم أن ينقل كافّة الروايات والأحاديث المنقولة عن الإمام عليه السلام ، وعليه فلا دليل للزوم وجود نصّ على إمامة الإمام الحسن عليه السلام في نهج البلاغة.

( سائل - السعودية - .... )

كيفية اختيار الإمام :

س : لماذا يختار اللّه الإمام؟ ويجعله من الأوصياء دون أخيه ، الذي تربّى في نفس البيت؟ ألا ينافي ذلك العدالة الإلهيّة؟

ج : إنّ اللّه تعالى لا يسأل عمّا يفعل ، لأنّه حكيم وعالم وقادر ، فباعتبار حكمته وعلمه وقدرته يفعل ما يشاء.

فاختيار اللّه تعالى للإمامة وللنبوّة إنّما هو فعل من أفعال اللّه التي لا يسأل عنها.

مع هذا نجد هناك نصوصاً تدلّ على سبب الاصطفاء والاختيار ، وهذا لا ينافي العدالة الإلهيّة.

ص: 361


1- مريم : 12.

( حسن السوسوه - اليمن - .... )

تكون في إمامين ومن نسل الحسين :

س : نرجو من سيادتكم التكرّم بالإجابة على هذين السؤالين.

الأوّل : هل يجوز إمامان في وقت واحد؟

الثاني : لماذا أصبحت الإمامة من نسل الحسين عليه السلام؟ وليست من نسل الحسن عليه السلام؟

ج : بالنسبة إلى سؤالك الأوّل فنقول :

نعم يجوز أن يكون هناك إمامان في زمان واحد ، إلاّ أنّ أحدهما تابع للآخر ، ولا يتصرّف في مقابل تصرّفات الآخر ، وهذا واقع وموجود ، كما أنّه كان بين الإمام الحسن وبين الإمام الحسين عليهما السلام.

وأمّا بالنسبة إلى سؤالك الثاني فنجيب : إن ذلك يرجع إلى تقدير اللّه تعالى وعلمه وحكمته. وليس من الضروريّ معرفة الحكمة الإلهيّة في هذا الأمر ، المهمّ هم معرفة الأئمة عليهم السلام وإتباع نهجهم.

( أحمد الخاجة - البحرين - 15 سنة - طالب ثانوية )

لماذا رفض الأئمّة استلامها :

س : بما أنّ خلافة الإمام علي عليه السلام والأئمّة الميامين من صلبه نازلة من عند اللّه تعالى ، فبم تفسّرون ترك الإمام علي عليه السلام الخلافة في بادئ الأمر؟ وبما تفسّرون تنازل الإمام الحسن عليه السلام عن الخلافة؟ وسكوت الأئمّة الباقين عن حقّهم في الخلافة؟

ج : إنّ في البداية : يجب الانتباه إلى أمر مهم ، وهو أنّ الإمامة لا تساوي الحكومة السياسية ، بل هي رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا ، وبالتالي فإن الحكومة السياسية شأن من شؤون الإمامة لا غير. فيكون الإمام عليه السلام أحقّ الناس لاستلام الحكم والخلافة ، بما أنّه منصوص ومصرّح به ، هذا في مقام

ص: 362

الواقع والحقيقة ، ولكن في مجال التطبيق والتنفيذ في المجتمع البشريّ ، فمتى لم تؤهلّ الظروف الملائمة - ومنها تلقّي الوسط العام بالقبول والانصياع - لا يلزم عليه عليه السلام فرض نفسه على الناس ، وفي هذه الحالة سيكون اللوم عليهم إذ لم يقبلوا إليه عليه السلام.

وهذه قاعدة جارية في كافّة حالات الأولياء والأوصياء ، وعلى سبيل المثال : فقد ذكر هارون لموسى عليهما السلام دليل امتناعه من وقوفه في وجه المنحرفين ، بأنّه ( إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي ) (1) ، أي أنّهم لم يخضعوا للوصاية الحقّة فتركهم في ذلك.

( ... - .... - .... )

من أدلّتها احتياج الغير إليه :

س : من الأدلّة التي تستدلّ بها الشيعة على إمامة علي عليه السلام : « احتياج الغير إليه وعدم احتياجه للغير » ، ويردّ عليهم : بأنّ موسى عليه السلام كان نبيّاً وقد رجع إلى الخضر عليه السلام.

ج : إنّ تقديم المفضول على الفاضل قبيح ، واللّه تعالى يقول : ( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (2) ، فاحتياج الغير لعليّ وعدم احتياجه للغير دليل على إنه أحق أن يتبعّ.

وقد كان الإمام علي عليه السلام هكذا ، وفي الواقع التاريخيّ نرى أنّ الخلفاء احتاجوا إليه ، ولم نجد في مورد أنّه احتاج إليهم فيما يتعلّق بشيء من القضايا الدينية والمسائل العلمية.

وأمّا ما سألتموه عن قصّة الخضر عليه السلام ، فباختصار نقول : إنّ العلم الذي كان يريد أن يتعلّمه موسى عليه السلام من الخضر هو خارج دائرة العلوم التشريعية

ص: 363


1- الأعراف : 150.
2- يونس : 35.

المكلّف بها في عالمنا ، وهذا ممّا لابأس به ، بعد أن عرفنا أنّ وظيفة الأنبياء عليهم السلام هي وظيفة تشريعية ، ورجوع الغير إليهم أوّلاً وبالأصالة رجوع تشريعي.

( عبد المجيد مدن - البحرين - سنّي )

من أُصول المذهب :

س : أُصول الدين تمتاز بعدّة صفات وهي :

1 - كثرة الآيات.

2 - النصوص الصريحة والواضحة للآيات.

3 - الترغيب والترهيب.

فمثلاً الإيمان بوحدانية اللّه ، أو الإيمان بالرسل ، أو العبادات ، وكذلك باقي أُصول الدين كلّها تمتاز بهذه الصفات في القرآن الكريم.

فكيف يعتبر الشيعة الولاية أحد أُصول الدين ، ولا تمتاز بهذه الصفات المذكورة أعلاه ، وخصوصاً الصفة الثانية؟

وكيف سيحاسبنا اللّه جلّ جلاله وهو العادل على ولاية آل البيت ، ولم يطلب ذلك من عباده بنصوص صريحة وبالأسماء؟

ج : كما هو معلوم ، فإنّ أُصول الدين هي التي من لم يعتقد بأحدها يخرج عن الدين ، يعني لا يحسب مسلماً ، وعلماء الشيعة وفقاً للأدلّة التي عندهم لا يعتبرون من لم يعتقد بالإمامة خارجاً عن الدين ، وعليه فإنّ الإمامة تكون من أُصول المذهب ، من لم يعتقد بها خرج عن المذهب ، ولم يخرج عن الدين ، هذا أوّلاً.

وثانياً : من قال لك أنّ الإمامة لم ترد فيها الآيات الكثيرة ، والنصوص الصريحة الواضحة ، والترغيب والترهيب؟! وتشكيك البعض في هذه الأدلّة لا يخرجها عن الحجّية ، كما أنّ البعض شكّك في التوحيد والنبوّة وفي أدلّتهما ، فهل هذا يخرجها عن الحجّية ، أو عن كونها من أُصول الدين.

فمن الآيات : آية الغدير ، وآية الولاية ، وآية الإنذار ، وآية المباهلة ، وآية التطهير ، وآية الاستخلاف.

ص: 364

ومن النصوص الواضحة : حديث الغدير ، وحديث الثقلين ، وحديث الطير ، وحديث الاثني عشر ، وحديث المنزلة ، وحديث الدار ، وحديث الولاية ، أضف إلى ذلك الأدلّة العقليّة.

( زينب - بريطانيا - .... )

من صفاتها سلامة الإمام من العاهات :

س : نشكر لكم جهودكم ، ونتمنّى لكم كلّ خير وصلاح.

وهناك سؤال نتمنّى الإجابة عليه ، وهو : من صفات اختيار الأنبياء والأئمّة عليهم السلام السلامة من العاهات والأمراض المعدية ، فلماذا شاء اللّه تعالى أن يبتلي النبيّ أيوب عليه السلام بالأمراض المعدية؟

ج : إنّ رسل اللّه تعالى لهم مسؤوليتان ، المسؤولية الأُولى : إبلاغ ما شرّعه اللّه تعالى لعباده من أحكام ، والمسؤولية الثانية : قيادة الأُمّة. ولابدّ لها نوع من الخصائص والامتيازات التي بها تنقاد الأُمّة ، وإلاّ الأُمّة لا تنقاد إلى عالم بعلمه ، وإنّما تنقاد لعالم يتمكّن من جعل علمه مركز قوّة وسيطرة عقليّة لا مادّية على من يؤمنون بعلمه.

فالأنبياء والأئمّة عليهم السلام حيث إنّ مسؤوليتهم الثانية أنّهم قادة أُممهم فلابدّ وأن تتوفّر فيهم المزايا والخصائص التي إن توفّرت في قائد تنقاد إليه الأُمّة ، وبهذا لا يشترط أن يكون أجمل الخلق ، لكن يشترط في حقّه أن لا يكون من حيث النظرة تشمئزّ منه النفوس والأساس تملّك قلوب من ينقادون إليه ، والناس اعتادوا أن تكون نظرتهم الحسّية مدخلاً للطاعة.

فمن هذه الناحية العاهات تختلف : عاهات لا تشمئزّ منها النفوس إن أُصيب بها واحد منهم وإنّما يعالجونه ويأتون لزيارته ، وعاهات تشمئزّ منها النفوس ، فاللّه تعالى لا يجنّب رسوله من كُلّ مرض وعاهة من حمى ورمد وأمثال ذلك ، وأمّا الطاعون والبتور والأمراض المعدية ، أو الأمراض التي توجب سوء المنظر ،

ص: 365

فاللّه تعالى يجنّب وليّه ونبيّه لأنّه جعل له مسؤولية قيادة الأُمّة.

( غادة - الأردن - .... )

منصوص عليها عند الشيعة :

س : أخبروني عن رأيكم بكلّ وضوح وصراحة عن سبب اختلافكم مع مذهب أهل السنّة ، وشكراً لكم.

ج : باختصار ، فإنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله أخبر عن اختلاف أُمّته إلى نيف وسبعين فرقة ، كلّها هالكة إلاّ فرقة واحدة ، وهذا الحديث موجود في مصادر جميع المسلمين.

وعليه ، فالبحث عن الفرقة الناجية أمر حتميّ ، فعلى كلّ مسلم أن يبحث في الأدلّة ليعرف هذه الفرقة ومعتقداتها ، ويعتقد بالعقائد الحقّة.

وأصل الاختلاف بين السنّة والشيعة هو في مسألة الخلافة ، وباقي المسائل تتفرّع على هذا الأصل ، فالشيعة تستدلّ بالعقل والنقل بأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله لم يرحل من هذه الدنيا حتّى عيّن الخليفة من بعده بالاسم ، شأنه شأن سائر الأنبياء السابقين الذين عيّنوا أوصياء لأنفسهم.

والسنّة تقول : بأنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله رحل من هذه الدنيا ولم يعيّن ، ولم ينصّ على أحد ، بل ولم يذكر لهم طريقة انتخاب مَن بعده ، بل ترك الأُمّة تفعل ما تشاء.

فعلى كلّ المسلمين البحث في جذور الاختلاف أوّلاً ، وهي مسألة الإمامة بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ومراجعة أدلّة الطرفين ، كلّ من كتبه ، لا أن يعتمد على من نقل عنهم.

( سعيد سهوان - البحرين - )

أساس الخلاف بين الفريقين :

س : ما هو الفرق بين الشيعة والسنّة؟ وما هو أساس الاختلاف بينهم؟

ص: 366

ج : كما هو معلوم هناك فروق كثيرة بين الشيعة والسنّة في جانب العقائد والفقه و ….

وأساس الاختلاف بينهما هو في الإمامة والخلافة بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فالشيعة الإمامية تعتقد :

1 - إنّ الإمامة لا تكون إلاّ بالنصّ.

2 - إنّ الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام هو الإمام بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بلا فصل ، كما نصّ عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في مواطن عديدة.

3 - إنّ الأئمّة بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله هم اثنا عشر إماماً ، كما نصّ عليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

4 - إنّ الأئمّة عليهم السلام معصومون.

وأخيراً ، فإنّ الشيعة تأخذ أحكامها من القرآن وأهل البيت عليهم السلام ، وترى هذا الطريق هو الموصل إلى اللّه تعالى ، ومبرئ للذمّة ، وذلك عملاً بقول الرسول صلى اللّه عليه وآله الذي رواه عنه جميع المسلمين : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي أبداً : كتاب اللّه ، وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض »(1).

ص: 367


1- مسند أحمد 5 / 182 ، تحفة الأحوذيّ 10 / 196 ، مسند ابن الجعد : 397 ، المنتخب من مسند الصنعانيّ : 108 ، ما روي في الحوض والكوثر : 88 ، كتاب السنّة : 337 و 629 ، السنن الكبرى للنسائيّ 5 / 45 و 130 ، مسند أبي يعلى 2 / 297 و 303 و 376 ، المعجم الصغير 1 / 131 ، المعجم الأوسط 3 / 373 ، المعجم الكبير 3 / 65 و 5 / 154 و 166 و 170 ، نظم درر السمطين : 231 ، الجامع الصغير 1 / 402 ، العهود المحمدية : 635 ، كنز العمّال 5 / 290 و 13 / 104 و 14 / 435 ، دفع شبه التشبيه : 103 ، شواهد التنزيل 2 / 42 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 123 ، الطبقات الكبرى 2 / 194 ، علل الدارقطنيّ 6 / 236 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 220 و 54 / 92 ، سير أعلام النبلاء 9 / 365 ، أنساب الأشراف : 111 ، البداية والنهاية 5 / 228 و 7 / 386 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 6 و 12 / 232 ، ينابيع المودّة 1 / 74 و 97 و 100 و 113 و 119 و 123 و 132 و 345 و 350 و 360 و 2 / 90 و 112 و 269 و 273 و 403 و 437 و 3 / 65 و 141 و 294 ، لسان العرب 4 / 538.

وهذا ممّا لا يقول به أهل السنّة ، وهناك فوارق أُخرى.

( عبد الحليم نواصر - الجزائر - .... )

هي أصل الاختلاف :

س : أُودّ الاستفسار عن ميراث النبيّ الأكرم ، وسرّ الاختلاف بين آل بيت الرسول عليهم السلام والخليفة الأوّل؟

ج : ليس الاختلاف اختلاف ميراث ومال فيما بين أهل البيت عليهم السلام والخلفاء ، وإنّما الاختلاف اختلاف في مبدأ يبيّن الحقّ من الباطل ، وكما اعترف الشهرستاني في كتابه ( الملل والنحل )(1) ، وغيره ، فإنّ أصل الاختلاف في الإمامة بعد وفاة الرسول صلى اللّه عليه وآله : حيث ذهبت الشيعة إلى أنّ الإمامة بالنصّ ، وأنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله نصّ على أمير المؤمنين علي عليه السلام بالإمامة بعده بلا فصل ، وذلك في مواطن ومواقف مختلفة ، من بداية الدعوة حيث جمع عشيرته للإنذار ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) (2) ، وإلى آخر ما قاله في مرضه الذي توفّي فيه ، كما أنّ الإمامة إلى أحد عشر إمام بعد علي عليه السلام نصّ عليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

وأمّا أهل السنّة فوقعوا في خبط شديد :

فتشاهد خلافة أبي بكر لم تكن بشورى حقيقية ، ولا باجتماع أهل الحلّ والعقد عليها ، وذلك لتخلّف بني هاشم ، وبعض كبار الصحابة ، ولما استعمله أبو بكر وأعوانه من تسليط السيف والتهديد على من لم يبايع ، ولأجل هذا قال قائلهم : إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة!!

وتشاهد خلافة عمر كانت بالنصّ من أبي بكر عليه.

وتشاهد خلافة عثمان كانت بمسرحية الشورى التي دُبِّر الأمر فيها من ذي قبل.

ص: 368


1- الملل والنحل 1 / 24.
2- الشعراء : 213.

( حسين - السعودية - .... )

هي بجعل من اللّه :

س : توضيح أنّ الإمامة جعل من اللّه.

ج : إنّ الشيعة الإمامية تعتقد بأنّ الإمامة - التي هي قيادة الأُمّة الإسلامية - منصب الهيّ ، وجعل من اللّه تعالى ، وأنّها حقّ من حقوق اللّه تعالى كالنبوّة.

فالمولى تعالى هو الذي ينصب من يكون إماماً للناس ، وهو الذي يختار هذا الإنسان ، ويجعله إماماً دون غيره.

ودليلنا على هذا آيات قرآنية منها :

1 - قوله تعالى : ( وَإِذِ ابْتَلَى إبراهيم رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (1).

2 - قوله تعالى : ( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرض وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) (2).

3 - قوله تعالى : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) (3).

4 - قوله تعالى : ( يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرض ) (4).

5 - قوله تعالى : ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ) (5).

إذاً فالإمامة جعل من اللّه تعالى ، وعهد لا يناله من اتصف بالظلم - سواء كان ظالماً لنفسه أو لغيره - وليس من حقّ الأُمّة أن تختار لها إماماً ، لقوله تعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ

ص: 369


1- البقرة : 124.
2- القصص : 5.
3- الأنبياء : 73.
4- ص : 26.
5- السجدة : 24.

مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا ) (1).

( أحمد الخاجة - البحرين - 15 سنة - طالب ثانوية )

ليست حكماً وراثيّاً :

س : إنّنا كشيعة اثني عشرية ، نعتقد بأحقّية الإمام علي عليه السلام بالخلافة بعد الرسول ، ثمّ انتقال الخلافة بعده للحسن عليه السلام ، ثمّ للحسين عليه السلام ، ثمّ للأئمّة التسعة من صلبه.

أفلا يعدّ هذا نوع من الحكم الوراثيّ؟ بحيث لا تكون الخلافة الإسلامية شورى بين المسلمين ، بل تكون فرضاً عليهم يجب أن يتقبّلوه ، وحفظكم اللّه لمصلحة المسلمين.

ج : من المسلّمات عندنا أنّ إمامة الأئمّة الاثني عشر منصوص عليها بهذا الترتيب من قبل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله.

وعليه ، فيجب علينا أن نتقبّلهم كأئمّة وأوصياء لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وطاعتهم واجبة علينا كطاعة الرسول صلى اللّه عليه وآله للنصّ ، فكما نصلّي صلاة الصبح ركعتين ، وصلاة الظهر أربع ركعات للنصّ ، هكذا الحال نقبل إمامة الأئمّة الاثني عشر بهذا الترتيب للنصّ.

وهذا الترتيب لا يلزم منه أن يكون حكمهم عليهم السلام حكماً وراثياً ، لأنّ النصّ جاء بهذا الترتيب.

ثمّ إنّا آمنّا بالنصّ ، وعليه صريح القرآن والسنّة ، يعني أنّ اللّه تعالى هو الذي عيّن ، واللّه تعالى لا يعيّن إلاّ لمصلحة وحكمة ، ولا دخل للحكم الوراثيّ في تعيين اللّه تعالى.

ثمّ لا يخفى عليك : أنّنا نعتقد أنّ الإمامة لا تكون عن طريق الشورى

ص: 370


1- الأحزاب : 36.

والمشورة ، والأخذ بأكثر الآراء ، بل تكون عن طريق النصّ ، لأنّ الشورى لا تكون إلاّ في الأُمور الدنيوية التي تتعلّق بحياة الإنسان ، ولا تكون في الأُمور الدينية والتعبّدية ، ومنصب الإمامة والخلافة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله منصب دينيّ كمنصب النبوّة لا يتمّ لزوماً بآراء الأكثرية ، ولعلّ بعض الآيات مثل : ( وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ) ، ( وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ) ، ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) ، ( وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ) ، ( وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ) تشير إلى ذلك.

فكما لا يجوز أن نأخذ بآراء الأكثرية لو اتفقوا على الزيادة أو النقصان في عدد ركعات الصلاة ، كذلك في الإمامة.

( أحمد جعفر - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة )

عامّة وخاصّة :

س : هل الإمامة مذكورة في القرآن؟ وهل هي مختلفة عن إمامة الأئمّة عليهم السلام؟ وهل إمامة الأئمّة موجودة في القرآن؟ ما هي الإمامة العامّة؟ وما هي الإمامة الخاصّة؟ وشكراً.

ج : الإمامة العامة : هي ملاحظة الإمامة وبحثها بغض النظر عن مصاديقها. ومن الآيات التي دلّت على الإمامة العامة : ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) (1).

و : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ) (2).

و : ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا

ص: 371


1- السجدة : 24.
2- الأنبياء : 73.

قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (1).

والإمامة الخاصّة : هي بحث وملاحظة إمامة شخص معيّن ، مثل إمامة إبراهيم عليه السلام وإمامة علي عليه السلام. وكمثال النصوص الإمامة العامة المقطع الأول من الآية الأخيرة والذي دلّ على إمامة إبراهيم عليه السلام. ومثل حديث الغدير ، وحديث الثقلين ، وحديث المنزلة ، وغيرها ممّا ذكرها الفريقان في مصنّفاتهم الكلامية والحديثية ، والتي دلّت على إمامة علي عليه السلام.

وبمقتضى الآيات التي تفرض طاعة الرسول صلى اللّه عليه وآله مضافاً إلى طاعة اللّه ، فإنّ الإمامة الخاصّة هي تكون في الحقيقة من المعتقدات والأركان الأساسية في الدين ، التي دعا إليها الوحي والقرآن بمعونة كلام صاحب الوحي صلى اللّه عليه وآله.

وهذا نظير عدد الفرائض وركعاتها ، ممّا اتفقت عليه كلمة أهل القبلة ، فهو وإن لم يكن مصرّحاً في القرآن ، ولكن بفضل سيرة الرسول صلى اللّه عليه وآله يندرج في المعارف القرآنية ، بما أنّه مورد لطاعته صلى اللّه عليه وآله.

( حمدي - سوريا - 26 سنة - طالب جامعة )

دورها :

س : ما أُودّ طرحه لا يحيّرني فحسب ، وإنّما يؤرّقني ، وأنا بحاجة ماسّة إلى الجواب ، حتّى أنّني أتمنى أحياناً أنّ يظهر لي الإمام المهديّ عليه السلام ويخلّصني ممّا احتواه قلبي من شكوك ، لأنّني عندما أدقّق بموضوعية في ما نحن عليه ، لا أستطيع أن أطمئن أنا على قناعة كاملة بفساد مذهب العامّة وعدم صحّته ، ولا أشكّ بهذا أبداً ، لكن هل نحن نمتاز عنهم ، إنّنا نمتلك معظم ثغراتهم.

إنّ نظرية الإمامة عندنا قائمة من الناحية الفلسفيّة ، على أنّه من غير الممكن ترك النبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله الأُمّة في حال من الاختلاف والحيرة ، إن كان

ص: 372


1- البقرة : 124.

فيمن يرعى شؤونها ، أو من ترجع إليه في أحكامها الشرعية ، ونقول : إنّه يجب أن يترك لنا النبيّ شخصاً معصوماً كي يعطينا الحكم الشرعي الإلهيّ ، وكأنّ النبيّ موجود.

فلنفرض أنّ النبيّ عيّن إماماً غير معلوم ، وغير ظاهر ، فما الحاجة به - صدقني أقول هذا وأنا مؤمن بوجود الإمام المهديّ عليه السلام لكن الحيرة تقطعني - إذ ولمجرد عدم ظهوره وعلومه تتّجه الأُمّة نحو تعيين رئيس من قبلها ، وهذا الرئيس غير معصوم طبعاً ، فالأُمّة منطقياً بحاجة إلى رئيس ، وتشترك بذلك جميع الشعوب والأُمم - بغض النظر أكان معصوماً أو غير ذلك - إنّها حاجة فطرية.

ولكن مع وجود المعصوم الظاهر ، تقام الحجّة على الأُمّة ، وتكون آثمة إذا رضيت برئيس غيره ، ولكن مع عدم ظهوره أو العلم به ، ولفترة طويلة جدّاً ك- ( 1200 ) سنة ، فنظرية الإمامة كلّها إذاً ، والتي يمكن أن نقبل بضرورتها لمدّة ( 250 ) سنة - ولاحظ الفرق بين الزمنين - بحاجة إلى مراجعة وإيضاح وتفسير للوصول إلى حقيقة الأمر ، ليكون الأساس الذي نبني عليه عقائدنا وفقهنا أساساً متيناً غير متأرجح ، فما معنى أن نفسّر الآية الكريمة ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (1) بأنّها خاصّة بالإمام علي وخلفه من الأئمّة عليهم السلام فقط؟

ومن ثمّ وبعد الغيبة ب- ( 1200 ) سنة ، نعود ونفسّرها بأنّها تشمل كلّ المؤمنين ، وهذا ما تبني عليه نظرية ولاية الفقيه بعض براهينها ، وهنا حتّى المؤمنين الفقهاء الأتقياء الفضلاء ، هم غير معصومين ، وبالتالي يمكن أن يمارسوا الظلم بشكل من الأشكال ، فهل نظرية الإمامة صالحة فقط ل- 250 سنة؟ والدنيا سائرة إلى ما شاء اللّه ، فيمكن أن تمتدّ الدنيا عشرة آلاف سنة أُخرى ، فما تأثير 250 سنة أمام 10000 سنة ، وبالتالي تصبح مدّة ال-250 سنة أمام هذا الزمن الضخم مثل 23 سنة فترة نبوّة النبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله.

وعندما نقول : بأنّ دور الأئمّة عليهم السلام هو تبليغ الرسالة ، ونقلها بالشكل

ص: 373


1- المائدة : 55.

الصحيح والسليم ، فالإمام المهديّ غاب ، وبدأنا نأخذ المعلومات والأحاديث عنهم ، من رواة فيهم التقي والمنافق والكذّاب ، فأصبح حالنا مثل حال العامّة ، الذين نفتخر بالتميّز عنهم.

نتميّز عنهم بماذا؟ بأنّنا أخذنا علومنا من أهل البيت ، إنّنا لا نأخذ من أهل البيت ، بل من رواة نقلوا عن أهل البيت ، مثلما يأخذون هم عن رواة نقلوا عن الرسول ، في رواياتهم الكثير الكثير من الكذب ، وفي رواياتنا مثل ذلك ، ونحن نقول : إنّ الرسول وأهل البيت كلامهم واحد فالمصدر نفسه ، وحالنا مثل حالهم ، فماذا يميّزنا نحن كشيعة في هذا الزمن؟

إذا كان الجواب بأنّنا عرفنا الكاذب من الصادق من الصحابة ، فهذا يمكن بدون نظرية الإمامة ، بحيث مثلاً أنّ من ظلم واحداً من أهل البيت عليهم السلام تسقط عدالته ، ونحن عندنا مشكلة الصحابة أكبر ، لأنّنا يجب أن ندقّق ونفحص حياة وسيرة كلّ صحابي من أصحاب الأئمّة أيضاً ، فإذا كان في أصحاب النبيّ كذّابون ، أفلا يكون في أصحاب الأئمّة نفس الشيء؟ فالمشكلة عندنا أكبر وأعقد ، فصحابة النبيّ الذين رووا حديثه معروفون على الأغلب ، ويمكن تمييز الصادق من الكاذب لأنّ سيرتهم معروفة.

أمّا أصحاب الأئمّة ، ففيهم من لا نعرف عنه إلاّ الاسم ، حتّى أحياناً يكون الاسم موهناً بعض الشيء ، وهذا كلّه أدّى بمراجعنا إلى الاختلاف في الأحكام الشرعية ، وحتّى في العقائد نسبة لاختلاف الروايات ، فإذا كان عندهم حنفي ومالكي وشافعي وحنبلي ، فعندنا أضعاف ما عندهم ، فإذا كان من أكبر ضرورات وجود الإمام المعصوم هو حسم الاختلاف ، ونحن كشيعة مؤمنون بذلك ، فلماذا نحن مختلفون؟ بماذا نحن متميّزون؟

آسف على الإطالة ، ولكن أرجو أن أطمئن لديني ومذهبي على يدكم ، شكراً لكم على إتاحة الفرصة لسؤالكم.

ج : في الجواب نقول : إنّ نظرية الإمامة لها منبعان ، أو مصدران ، فالإمامة ليست بدعاً عقليّاً كي نوردها ونحصرها في هذا المضمار بالخصوص ، ثمّ نورد عليها النقوضات والإيرادات ، بل نظرية الإمامة طرحها الأوّليّ ومصدرها الأصليّ

ص: 374

هو القرآن الكريم ، الشرعية الإسلامية هي المصدر الأوّل لنظرية الإمامة ، وهي متمثّلة بالقرآن ، والسنّة النبوية :

فأوّل طرح شرعي للإمامة قوله تعالى مخاطباً إبراهيم بقوله : ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (1) ، ومن الواضح أنّ هذه الإمامة هي غير النبوّة التي كان يتمتّع بها إبراهيم عليه السلام ، وذلك :

1 - إنّ هذه الإمامة جاءت بعد ابتلاء إبراهيم عليه السلام ، ومن ضمن ابتلاءات إبراهيم هي ذبح ولده إسماعيل عليه السلام ، وإبراهيم عليه السلام رزق بالأبناء في سنّ الشيخوخة - أي بعد نبوّته - وبعد ما جاءت الملائكة لإنزال العذاب على قوم لوط عليه السلام.

2 - إنّ إبراهيم عليه السلام طلبها لذرّيته ، ومن الواضح أنّ هذا الكلام يعطي أنّ إبراهيم عليه السلام كانت له ذرّية ، فلذلك طلب لها هذا المقام ، والذرّية لم يرزقها إبراهيم إلاّ بعد نبوّته كما تقدّم.

3 - إنّ هذه الإمامة هي غير النبوّة ، وخصوصاً على مباني أهل السنّة ، وذلك لأنّهم يجوّزون على النبيّ عليه السلام المعصية الصغيرة ، والمعصية ظلم لأنّها طاعة للشيطان ، وطاعة الشيطان ظلم ، كما يقول القرآن الكريم ، قال تعالى : ( قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا ) (2) ، بسبب عصيانهما أمر اللّه تعالى ، فحكما على أنفسهما بالظلم ، والآية ذيّلت منصب الإمامة بجوابها لإبراهيم عليه السلام بأنّه : ( لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) ، فعليه لابدّ أن يكون الإمام معصوماً عن تعدّي حدود الشريعة ، لأنّ ذلك ظلم ، والظالم ليس بإمام.

وفي الحقيقة هذا من الإشكالات المطروحة على الفكر السنّي ، لأنّهم يفسّرون الإمامة بالنبوّة ، فيردّ عليهم غير ما تقدّم من الكلام في النقطة الأُولى والثانية هذا : وهو أنّكم تجوّزون المعصية في حقّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، والآية تقول : بأنّ

ص: 375


1- البقرة : 124.
2- الأعراف : 23.

الظالم لا يستحقّ هذا المنصب - منصب الإمامة الذي هو النبوّة عند أهل السنّة - والمعصية ظلم فكيف يوفّق بين ذلك؟!

إذ أمّا تلتزمون بعصمة النبيّ ، وأمّا أن تؤمنوا بأنّ الإمامة غير النبوّة ، كما هو الصحيح.

فإذاً ، فكرة الإمامة طرحها القرآن الكريم ، وأنزلها اللّه على نبيّه من ضمن الأُمور التي يجب تبليغها للناس ، بل نجد أنّ السنّة النبوية أوّل أمر تطرحه إلى جنب توحيد اللّه تعالى هو الإمامة ، فلمّا نزل قوله تعالى : ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) (1) دعا النبيّ صلى اللّه عليه وآله بني عمومته ، وبشّرهم بأنّه مبعوث من اللّه تعالى ، وأنّ معه مؤازر ومناصر ويكون خليفته من بعده ، وذلك الخليفة هو علي بن أبي طالب عليه السلام ، وهذا ممّا رواه السنّة والشيعة على حدٍ سواء ، وصحّحه السنّة والشيعة ، فتجده في تفسير القرآن العظيم تحت تفسير هذه الآية ، وتجده في خصائص الإمام علي عليه السلام للنسائيّ(2) بسند صحيح ، وغيرها من المصادر ، فالمسألة قرآنية قبل أن يأتي بها العقل المقدّس ، وهناك الكثير من الآيات والروايات الشريفة التي تثبت الإمامة ، هذا أوّلاً.

وثانياً : البحث في العقل له بحثان :

أ - البحث الفلسفيّ.

ب - البحث الكلاميّ.

والأوّل مبنيّ على مسائل جمّة ، كواسطة الفضل والإنسان الأكمل ، أو الموجود الأشرف ، وقضية الارتباط الإلهيّ بينه وبين عباده.

والثاني مبنيّ على التفريق بين قضيتين ، قضية وجود معصوم ، أو إنسان كامل في الكون ، وقضية الوصول إلى الإنسان الكامل ، أو المعصوم.

ص: 376


1- الشعراء : 213.
2- خصائص أمير المؤمنين : 86.

وبتعبير آخر : مسألة الوجود والظهور ، فمثلاً عند الاستدلال بقاعدة اللطف لإثبات إمامة المعصوم ، وأنّه لابدّ من وجود المعصوم في كلّ زمان ، يقولون : وجود المعصوم لطف ، وتصرّفه لطف آخر (1) ، فليست المسألة مقصورة على دليل عقليّ واحد ، أو قاعدة عقليّة.

ثمّ عند التنزّل وفرض أنّ العقل يحكم بلزوم وجود المعصوم ، لكن حكم العقل على نحو الاقتضاء ، أي العقل يدرك ذلك لا بنحو العلّة التامّة ، وإنّما بنحو اللزوم الناقص ، فإذا قام الدليل الشرعي القطعي على وجود مانع من ظهور المعصوم فيرتفع حكم العقل بلزوم ظهوره ، ويبقى فقط مدركاً للزوم وجوده.

وبتعبير آخر : العقل يدرك الهيكلية العامّة للنظام الكوني ، وأنّ النظم الشرعية تبتني على وجود رابطة بين عالم الغيب والشهادة ، وإلاّ فسدت الغاية التي من أجلها خلق الكون.

إلاّ أنّ تفاصيل ذلك ، وكون فلان هو الرابط ، وفي أي زمن ، وهل هو ظاهر أم لا؟ وإذا منع مانع من ظهوره يمكن أو لا؟

فهذه لا ربط للعقل بها بتاتاً ، لأنّها قضايا خارجة عن النظام العقليّ المدرك للهيكلية الوجودية العامّة.

نعم ، يدرك العقل لزوم التنظيم وبقاء نظام خاصّ بين الأرض والسماء ، وهذا ما حدث فعلاً بعد انتهاء حياة النبيّ صلى اللّه عليه وآله الدنيوية تكلف بهذا الارتباط ، وإرساء التنظيم بين اللّه وعباده خليفته علي بن أبي طالب عليه السلام ، وبعده الحسن ، وبعده الحسين ... إلى الحسن العسكريّ عليه السلام ، وبعده وصل الأمر إلى الإمام المهديّ المنتظر عليه السلام.

واقتضت حكمة الغيب أن يغيب ، كما اقتضت حكمة الغيب أن يغيب الخضر عليه السلام ، ويغيب عيسى عليه السلام ، إذ بينما حركة النبوّة تبتني على أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله .

ص: 377


1- تجريد الاعتقاد : 221.

يموت ثمّ يبعث اللّه نبيّاً ، إلاّ أنّنا نجد أنّ هذا النمط من الحركة فقد بالنسبة لعيسى عليه السلام ، ولم يمت ورفع إلى السماء ، فهكذا في الإمام المهديّ عليه السلام ، فنجد أنّ الظرف فيه اختلف لأُمور لا يعلمها إلاّ اللّه تعالى ، وما يذكر في سرّ غيبته كحكمة لا أكثر.

والإمام المهديّ عليه السلام لم يترك وظيفته سدى ، بل عيّن من بعده وكلاء أربعة ، ثمّ بعد الوكلاء الأربع أرجع الأُمّة إلى فقهائها ، ومن له تضلّع في العقيدة الإسلامية ، والشرع المقدّس ، فجعلهم نوّاباً عنه ، يديرون ما تحتاج له الأُمّة إلى ظهوره عليه السلام.

فلذلك ليس هناك صناديق اقتراع ولا غيرها ، لأنّ التسلسل محفوظ من اللّه إلى النبيّ إلى الإمام إلى وكلائه ، ورئيس الجمهورية لا يصلح للقيام بقيادة الأُمّة إلاّ بأخذ شرعيته من الوكيل ، ويكون دوره كمنفّذ لما يقوم به لا أكثر ، فلا يشرّع ولا يسنّ ولا غير ذلك.

وصناديق الاقتراع هي وليدة النظرية الشوروية ، أو وليدة السقيفة ، فإنّ الأُمّة المقابلة للأُمّة الشيعيّة ، بعد ضربها لإمامها عرض الحائط ، وفتح الباب الاقتراع - إن كان ، وإلاّ فأبو بكر وليد الدكتاتورية ، وليس وليد صناديق الاقتراع - بدأت نظريّتها من القرشي الصالح لقيادة الأُمّة العادل ، إلى أن وصلت إلى جواز تولّي الكافر ، إذا استطعنا تحت ظلّه ممارسة الشرع الإسلامي ، كما إذا راجعت الأحكام السلطانية للماوردي ، وظهر لنا باب الانتخاب ، وإلاّ فليس في شرع الإسلام الحقيقيّ انتخاب ، وليس هناك صندوق ، ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (1) ، ( فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ ) (2) ، لا إلى الصندوق ، ولا إلى

ص: 378


1- المائدة : 55.
2- النساء : 59.

أهل الحلّ والعقد ، ولا إلى العبد ، ولا إلى الفاسق ، ولا إلى الكافر ، بل المرجع هو اللّه والرسول وأُولي الأمر ، وهم الأئمّة عليهم السلام.

فهناك فارق لا يقاس بين النظريتين الإسلام الحقيقيّ ، والسقيفة ، لا يلتقيان بشيء البتّة حتّى في التوحيد ، فضلاً عن الحكومة التي هي مسألة فرعية مرتبطة بالنظم لا أكثر.

ونحن نفسّر الولاية بأنّها لله وللرسول وللإمام لا غير ، ولا تشمل حتّى الفقهاء الذين عيّنهم المعصوم نوّاباً علينا ، ولم يقل شخص شيعي بأنّ الذين آمنوا كلّ المؤمنين ، وإنّما النظرية السقيفية هي التي تفسّر الذين آمنوا بعامّة المؤمنين.

وأعجب من قولكم الشريف : ثمّ بعد الغيبة ب- 1200 نعود ونفسّرها بأنّها تشمل كلّ المؤمنين ، وهذا ما تبني عليه نظرية ولاية الفقيه في بعض براهينها!!

إذ ما ذكره الشيخ النراقيّ ، والشيخ الجواهريّ ، والشيخ الأنصاريّ ، ليس فيه ما ذكرتم البتّة ، وأساس النظرية يقوم على ركنين : الفقاهة والدرك للأُمور لا أكثر ، ولم أر في كتاباتهم ما تفضّل به جنابكم الشريف ، لأنّ أساس النظرية يبتني على تقليص عمومية الفقاهة إلى فقيه واحد لا أكثر ، وليس فيها تقشير أو تنازل عن شرط الفقاهة ، بحيث جعلها عامّة لكلّ فرد تسمّى بكونه مؤمناً.

وهذا الفقيه دوره حفظ الشريعة بإقامة دولة يستطيع من خلالها المؤمنون العيش فيها ، وإقامة الحكم الإلهيّ عليها ، وعليه فما تفضّلتم به في كلامكم اللاحق حول ظلم الفقيه وإمكان ذلك منه ، إذ إنّ في هذا الكلام يحتاج إلى مراجعة القواعد والأسس التي أتيت عليها مسألة ولاية الفقيه.

فهنا الفقيه لا يريد أن يشرّع ، ولا أن ينسخ حكم ويأتي بحكم آخر ، وإنّما وظيفة الفقيه - باعتباره وكيل الإمام - تنفيذ أمر الموكّل وهو الإمام المعصوم ، كأيّ وكالة طبيعية تناط بشخص في عصرنا الحاضر ، والموكّل نفسه وهو المعصوم قد أرسى القواعد الكلّية ، وبيّن حدود الشريعة كاملة ، حتّى لو بقيت

ص: 379

آلاف السنين ، باعتبار شمولية الرسالة ، وخاتمية الوحي بعد رحيل النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأناط للفقيه مسألة تطبيق الضوابط الكلّية ، التي أرسى قواعدها للفقيه ، فهنا الفقيه دوره التطبيق لا أكثر ، ويستخرج الأُمور الجزئية من القواعد الكلّية ، كما لو قال الوكيل للموكّل : أُريد أن أنمّي ثروتي المالية من خلال المشاريع ، من دون أن يحدّد مشروعاً معيّناً ، فهنا الوكيل إذا عرف أن تنمية هذا المال تحصل من خلال الاتجار بالأجهزة الكمبيوترية ، لرواج سوقها وكثرة الطلب عليها ، فينفذ المال في هذا المشروع ، والتصرّف صحيح ونافذ ، مع أنّا إذا لاحظنا هذه العملية ، نستطيع أن نقول : بأنّ الموكّل لم يأمر بها ، وأيضاً يمكن أن نقول : بأنّ الموكّل أمر بها ، إذا أنّه لم يأمر بها باعتبار أنّه لم يقل له اتجر في عالم الكمبيوتر ، وأمره بها باعتبار غاية الوكالة ، وهو إنماء الثروة المالية ، فكذلك الفقيه وظيفته سحب الهيكلية العامّة التي طرحها المعصومون من النبيّ صلى اللّه عليه وآله إلى الحجّة عليه السلام ، إلى كافّة مجالات الحياة ، وإنفاذها في جميع مشارب المسار البشريّ على الصعيد الفرديّ أو الاجتماعيّ ، لا فرق في ذلك ، انطلاقاً من شمولية النظرية الإسلامية ، وخصوصاً المشارب المستجدّة في الحياة ، بعد توالي الأزمان وانقضاء السنون.

نعم ، نقع في إشكالية ضمان صحّة تطبيق الهيكلية العامّة على المورد الجزئيّ من الفقيه ، باعتبار افتقاد حلقة العصمة في الفقيه.

وهذا الإشكال يتغلّب عليه من خلال نفس المعصوم ، وصاحب الهيكلية العامّة ، حيث أفاد بأنّ الخطأ لا عن تقصير في التطبيق لا يضرّ ، أو من خلال أنّ نفس عملية الفقاهة ليست شرعاً لكلّ واحد وبسيطة إلى هذا الحدّ ، بل هي ذاتاً تبتني على مسار خاصّ وقيود وضوابط ، عند ممارستها تخفّف من احتمال الخطأ إلى درجة ضئيلة ، تحفظ بعمومها الهيكلية العامّة ، كمثال الوكالة المتقدّم ، حيث إنّ طبيعة الوكالة يتوفّر فيه عنصر إضاعة الثروة بدل إنمائها ، والموكّل غالباً ملتفت إلى هذه المسألة ، إلاّ أنّ الذي يدفعه إلى المجازفة - إن صحّ

ص: 380

اللفظ - بماله هو كونه قد وثق بموكّله ، وأنّه حدّد له الضابطة العامّة ، فهذا هو الذي خفّف من احتمال إضاعة المال بدل إنمائه ، وغلبت على الموكّل مصلحة الإنماء التي فيها احتمال العكس على مصلحة تجميد المال ، مع قطيعة الركود وعدم الإنماء.

ويمكن تطبيق هذا الأمر على مسألة المعصوم مع الفقيه ، بحذف بعض الألفاظ ، فإنّا نجد أنّ العملية تشبهها تماماً.

ونرجع إلى الكلام السابق وهو : إنّ الظلم الذي يوقعه الفقيه - على فرض وقوعه - أمّا شخصي وأمّا اجتماعي - ويتأكّد هذا عند من يؤمن بنظرية ولاية الفقيه ، والأوّل لا يخصّ ولي الفقيه ، بل يشمل كلّ فقيه ؛ لأنّ نظرية ولاية الفقيه لا تنفي الفقاهة عن غير الولي ، وإنّما تنيط بعض الوظائف بمن صار وليّاً ، وتقلّص من تصرّفات الفقيه غير الولي في بعض الموارد ، وخصوصاً المسائل الاجتماعيّة.

وعليه فهذا الإشكال يطرح على عامّة فقهاء الإسلام سنّة وشيعة ، فضلاً عن فقهاء الشيعة ، فضلاً عن ولي الفقيه ، لأنّ احتمال الظلم الشخصي في الجميع وارد.

ويدفع هذا الإشكال ، بالشرع نفسه الذي فرض أنّ إصابة الفقيه كخطئه ، كما في الحديث المعروف : « من اجتهد فأصاب فله أجران ، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر »(1).

أو بالنظرية التي طرحها السيّد محمّد باقر الصدر في كتابه « الأُسس المنطقية للاستقراء » ، التي فرضت أنّ عموم المصلحة التي ولدت جواز تصدّي الفقيه للاستنباط تغلّبت على المفسدة الخاصّة في بعض الموارد باعتبار انسلاخ الفقيه عن العصمة ، وبالتالي يكون العقل مسانداً لها ، وحاكماً بصحّة إناطة هذه الوظيفة به.

ص: 381


1- المفردات في غريب القرآن : 288.

وأمّا على المستوى الاجتماعيّ ، فهنا بعد الجوابين السابقين والكلام المتقدّم حول شروط الفقيه ، وإن كان الدليل يقضي بذلك عند من يؤمن بولاية الفقيه ، إلاّ أنّ الواقع العمليّ والتطبيق ، والمتمثّل بما قام به السيّد الخميني ( قدس سره ) ، أضاف إليه قيداً يخفّف من وطأة الإشكال المتقدّم ، بفرض النظارة على الفقيه من قبل عدّة من الفقهاء ، يراقبون تصرّفاته وما يقوم به ، فالحلقة تكون هكذا :

الأُمّة التي سيادتها بيد الفقيه لا بصندوق الاقتراع ، وولي الفقيه الذي يحدّد مصلحتها ويقودها ، عليه نظارة من قبل عدّة من الفقهاء ، رعاية للمصالح العامّة التي يتصرّف فيها الفقيه ، ويحدّد فيها مصلحة الأُمّة.

وبالتالي تستطيع من خلال ذلك تجاوز الإشكالية السابقة ، أو الحلقة المفقودة في الفقيه ، وهي عدم العصمة ، أو احتمال الظلم الصادر من الفقيه ، وأمّا إشكالية التبليغ ، وأنّ دور الأئمّة هو التبليغ فهذا أوّلا : لا يجعل شقّاً لما سبقه ، لأنّ القضية ليست مانعة جمع ، فلإمام وظيفته حفظ الشريعة وتبليغها ، أي الهيمنة الكاملة على رسالة النبيّ صلى اللّه عليه وآله بجميع أنحائها ، فهو يعلّم الجاهل ، ويراقب الفرد والمجتمع في التطبيق.

وثانياً : بعد ما عرضنا سابقاً صورة موجزة - إن صحّ التعبير - عن هيكلية الإمامة ودورها ، وسرّ غيبة الإمام عليه السلام ، فلا يبقى محلّ لهذا الكلام ، إذ كلّ إيراد يذكر ينبع من قضية فهم الإمامة.

فمن أدرك أمر الإمامة القرآنية وأدرك لبّها ، هانت عنده جميع الصعاب ، وتهشّمت كلّ الإيرادات.

وثالثاً : إشكالية الرواة لا تخصّ الشيعة فقط ، بل تعمّ جميع طوائف الأُمّة الإسلامية ، بل تشمل جميع الرسالات ، لأنّ جميع الرسالات قضية تبليغ الرسالة فيها يعتمد النقل لا غير ، فلا تتصوّر أنّ نوح عليه السلام ، أو موسى وعيسى عليهما السلام ، جاء إلى كلّ فرد من أُمّتهما ، وأخبروه بشرعهما ، فإنّ هذا مضحك للثكلى ، خصوصاً في ظلّ الأزمنة السالفة ، فتبليغ كلّ رسالة اعتمد على الرواة والنقل ،

ص: 382

والنبيّ صلى اللّه عليه وآله نفسه اعتمد على الرواة والنقل ، فقد أرسل الرسل إلى المدن ، والدول المجاورة ، وبلّغ بواسطة الرواة في الأماكن النائية عن الجزيرة العربية.

وعليه ، فالبحث ينقلب حول موضوع حجّية الخبر ، ومدى صلاحيّته العقليّة أو الشرعية لأن يكون مصداقاً للتبليغ ، ومدى حجّيته في الأُصول ، أي العقائد أم أنّه يخصّ الأحكام ، وهل يفيد العلم كما يذهب السلفية ، أم أنّه لا يفيد العلم ، كما تذهب المعتزلة والأشاعرة والشيعة ، وإلى غير ذلك من التفاصيل التي لا ترتبط ببحثنا.

ورابعاً : كون الدين مأخوذ من الرواة غير صحيح ، لأنّ الراوي ينقل ما سمعه من الحجّة المعصوم ، وهو النبيّ صلى اللّه عليه وآله أو الإمام ، فليس هو معصوم كي نأخذ بكلامه ، بل يؤخذ بكلامه لأنّه يخبر عن المعصوم ، وبالتالي الدين مبتني على الحجّة ، لا على الرواة عند السنّة والشيعة.

بل هذا الإشكال إذا أُريد طرحه فهو يطرح على السنّة ، لأنّهم يؤمنون بحجّية قول الصحابيّ ، والصحابيّ غير معصوم كما تعلم ، مع أنّهم يحتجّون به في العقيدة والفروع فهنا الإشكالية ، خلافاً للشيعة التي لا تحتجّ إلاّ بكلام المعصوم عليه السلام.

وأمّا ميزة الشيعة عن السنّة ، فالظاهر اتضحت فيما سبق ، لأنّ السنّة اسقطوا المعصوم - وهو النبيّ صلى اللّه عليه وآله عن عصمته - وجعلوه في أسفل درك - والعياذ باللّه - بينما الشيعة تؤمن بأنّه ( دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ) (1).

والشيعة تأخذ دينها من خطّ الرسول ، الذي رسمه من أوّل حياته إلى آخر عمره ، وهم يأخذون دينهم من خطّ غير الرسول كما تعلم ، فلذلك لا تجد توافقاً بين الشيعة والسنّة ، لا في الألوهية ، ولا النبوّة ، ولا الإمامة ، ولا فروع الشريعة.

ص: 383


1- النجم : 9 - 8.

( هاشم - الكويت - 18 سنة - طالب جامعة )

قول علي : دعوني والتمسوا غيري :

س : جاء في نهج البلاغة : « دعوني والتمسوا غيري ، فإنّا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان ، لا تقوم له القلوب ، ولا تثبت عليه العقول ، وإنّ الآفاق قد أغامت ، والمحجّة قد تنكّرت.

واعلموا إنّي إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ، ولم أصغ إلى قول القائل ، وعتب العاتب ، وإن تركتموني فأنا كأحدكم ، ولعلّي أسمعكم وأطوعكم لمن ولّيتموه أمركم ، وأنا لكم وزيراً ، خير لكم منّي أميراً »(1).

ما مدى صحّة هذه الرواية؟ نرجو منكم شرح الرواية ، وفّقكم اللّه لكلّ خير.

ج : هذه الخطبة مع تفاوت يسير نقلها الطبري في تاريخه(2) عن سيف ، وروايات سيف كلّها كذب وافتعال ، وخلاف أهل السير ، أمّا كلاً وإمّا جزءً.

وعليه قد تكون هذه الخطبة لا صحّة لها ، ولا واقع ؛ لضعف راويها سيف.

وعلى فرض صحّة هذه الخطبة نقول : كان غرض الطالبين لبيعته عليه السلام أن يسير عليه السلام فيهم مثل سيرة من سبق عليه ، وكان عليه السلام تفرّس ذلك منهم ، وعرفه من وجنات حالهم ؛ لذلك خاطبهم بقوله : « وإن الآفاق قد أغامت والمحجّة قد تنكّرت ».

فخاطبهم بهذا الكلام إتماماً للحجّة ، وإعلاماً لهم بأنّه عليه السلام إن قام فيهم بالأمر لا يجيبهم إلى ما طمعوا فيه من الترجيح والتفضيل ، أي تفضيل العربي على الأعجمي ، والموالي على العبيد ، والرؤساء على السفلة.

وأنّه عليه السلام مبدأه العدل بين الرعية ، والتسوية في القسمة ، وهذا ممّا لا تقوم له القلوب - أي لا تصبر عليه - ولا تثبت عليه العقول ، بل تنكره وترفضه.

ص: 384


1- شرح نهج البلاغة 7 / 33.
2- تاريخ الأُمم والملوك 3 / 456.

« واعلموا إنّي إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم » ، أي جعلتكم راكبين على محض الحقّ ، وأسير فيكم بسيرة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، « ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب » ، أي لم يأخذني في اللّه لومة لائم « وإن تركتموني فأنا كأحدكم ولعلّي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم » لعله عليه السلام أراد أنّه إذا تولّى الغير أمر السلطة ، ولم تتوفّر الشرائط في خلافته عليه السلام لم يكن ليعدل عن مقتضي التقية ، فيكون أكثر الناس إطاعة لوالي الأمر ، بخلاف سائر الناس ، فإنّه يجوز عليهم الخطأ.

وإنّما قال عليه السلام : « ولعلّي » لأنّه على تقدير أن يولّوا أحداً يخالف أمر اللّه فلا يكون عليه السلام أطوعهم له بل أعصاهم.

( الشيخ باسم الموصلي. العراق. طالب علم )

أدلّتها من كتب أهل السنّة :

س : ما هو الدليل على إمامة الأئمّة من ذرّية الحسين عليه السلام؟ أرجو أن يكون الدليل من كتب إخواننا أهل السنّة ، ودمتم سالمين.

ج : إنّ الأدلّة على إمامة الأئمّة الاثني عشر كثيرة ، نقتصر على ذكر بعضها ، ومن مصادر أهل السنّة المعتبرة عندهم :

1 - حديث الثقلين ، ومؤداه التمسّك بالعترة وهم أهل البيت تمسّكاً مطلقاً.

2 - حديث الغدير ، وهو ينصّ على وصيّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فيتعيّن تشريع الوصاية.

3 - حديث الأئمّة الاثني عشر ، وقد رواه البخاريّ ومسلم وغيرهم.

فرواية البخاريّ بعد الاختصار والاقتطاع : عن جابر بن سمرة قال : سمعت النبيّ صلى اللّه عليه وآله يقول : « يكون اثنا عشر أميراً » ، فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : إنّه قال : « كلّهم من قريش »(1).

ص: 385


1- صحيح البخاريّ 8 / 127.

أمّا روايات مسلم ، فكلّها عن جابر بن سمرة قال : سمعت النبيّ صلى اللّه عليه وآله يقول : « لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً » ، ثمّ تكلّم النبيّ صلى اللّه عليه وآله بكلمة خفيت عليّ ، فسألت أبي : ماذا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟ فقال : « كلّهم من قريش »(1).

وفي رواية أُخرى لمسلم أيضاً : عن جابر قال : سمعت النبيّ صلى اللّه عليه وآله يقول : « لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة » ، ثمّ قال كلمة ...(2).

وفي رواية له : « لا يزال هذا الأمر عزيزاً إلى اثني عشر خليفة » ....

وأيضاً : « لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلى اثني عشر خليفة » ، فقال كلمة صمنيها الناس ، فقلت لأبي : ما قال؟ قال : « كلّهم من قريش ».

وفي رواية أخرى : « لا يزال الدين قائماً حتّى تقوم الساعة ، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش »(3).

وفي رواية الطبراني : « اثنا عشر قيّماً من قريش لا يضرّهم عداوة من عاداهم »(4).

قال ابن حجر العسقلاني : « قال ابن بطال عن المهلّب : لم ألقَ أحداً يقطع في هذا الحديث ، يعني بشيء معيّن.

وقال أيضاً : وقد لخّص القاضي عياض ذلك ... ثمّ قال : إنّه - أي النبيّ صلى اللّه عليه وآله - لم يقل : لا يلي إلاّ اثنا عشر ، وإنّما قال : « يكون اثنا عشر » ، وقد ولي هذا العدد ، ولا يمنع ذلك الزيادة عليهم ، قال : وهذا إن جُعل اللفظ واقعاً على كلّ من ولي ، وإلاّ فيحتمل أن يكون المراد : من يستحقّ الخلافة من أئمّة العدل »(5).

ص: 386


1- صحيح مسلم 6 / 3.
2- المصدر السابق 6 / 3.
3- المصدر السابق 6 / 4.
4- المعجم الكبير 2 / 256.
5- فتح الباري 13 / 182.

ثمّ قال ابن حجر ردّاً على من يفسّر الحديث : بأنّ الأئمّة الاثني عشر سيكونون في زمن واحد ، قال : ويؤيّد ما وقع عند أبي داود « كلّهم تجتمع عليه الأُمّة » ، ما أخرجه أحمد والبزار من حديث ابن مسعود بسند حسن ، أنّه سُئل كم يملك هذه الأُمّة من خليفة؟ فقال : سألنا عنها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فقال : « اثنا عشر كعدّة نقباء بني إسرائيل ».

وقال ابن الجوزيّ في كشف المشكل : قد أطلت البحث عن معنى هذا الحديث ، وتطلبتُ مظانَّه ، وسألتُ عنه فلم أقع على المقصود به ... ، وعن كعب الأحبار : يكون اثنا عشر مهديّاً ، ثمّ ينزل روح اللّه فيقتل الدجّال ، قال : والوجه الثالث أنّ المراد وجود اثني عشر خليفة في جميع مدّة الإسلام إلى يوم القيامة يعملون بالحقّ ، وإن لم تتوالَ أيامهم ....

قال ابن حجر : انتهى كلام ابن الجوزيّ ملخّصاً »(1).

وأقول : أُنظر يا أخي عظمة الإسلام وعظمة النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه وآله ، الذي بلّغ الرسالة ، وأدّى الأمانة على أتمّ وجه ( فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ) ، وسدَّ كلّ الأبواب على المحرّفين والمبطلين ، والمنحرفين عن أهل البيت عليهم السلام ، وعن الدين الصحيح ، فأنظر كيف تخبّطوا وخلطوا ، وحرّفوا واختلفوا ، وعجزوا عن تفسير وفهم كلام رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله الواضح البليغ على الوجه الصحيح ، لأنّهم لم يجعلوا ما فهمه الشيعة رأياً من الآراء ، وتفسيراً من التفاسير للحديث الشريف ، فتاهوا واختلفوا ، ولم يصلوا إلى المراد بنصّهم أبداً.

فالحديث واضح وصريح بوجود خلافة لله وللرسول ، وهي خلافة محدّدة بعدد معيّن وصفات معيّنة ، وأنّهم هادون مهديّون ، كما وصفهم النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه وآله في حديث الخلفاء الراشدين المهديّين ، وأمرنا باتباع سنّتهم - يعني تشريعهم - ، فكيف نؤمر بإتباعهم لولا الخلافة الإلهيّة ، والتسديد الربّاني لهم؟

ص: 387


1- المصدر السابق 13 / 184.

وعصمتهم التي نصّ عليها حديث الثقلين ، وجعلهم عدلاً للقرآن ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، ووصفهم النبيّ صلى اللّه عليه وآله بعدم الافتراق ، أي الملازمة والمصاحبة للقرآن.

وكما دلّ على العصمة آية التطهير ، وحصر إرادة اللّه بتطهير أهل البيت فقط دون غيرهم ، لعلمه بأهليتهم لذلك.

4 - حديث الخلفاء الراشدين لا نراه ينطبق إلاّ على حديث الأئمّة الاثني عشر ، ويؤيّده ويفسّره.

ونصّ الحديث : عن العرباض بن سارية قال : وعظنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله موعظة ، ذرفت منها العيون ، ووجلت منها القلوب ، قلنا يا رسول اللّه : إنّ هذه لموعظة مودّع ، فماذا تعهد إلينا؟ قال : « قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها بعدي إلاّ هالك ، ومن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بما عرفتم من سنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديّين ، وعليكم بالطاعة وإن عبداً حبشياً ، عضوّا عليها بالنواجذ ، فإنّما المؤمن كالجمل الأنف ، حيثما انقيد انقاد »(1).

وقال الترمذيّ في سننه : « هذا حديث حسن صحيح »(2).

فهذا الحديث يدلّ على وجود خلفاء راشدين مهديين يجب التمسّك بهم وبطريقتهم وسنّتهم - أقوالهم وأفعالهم - وهذا الإطلاق في التمسّك مع هذه التسمية لهم لا تنطبق إلاّ على معصوم ، لا يجوز التمسّك برأي الخليفة المخالف للكتاب ، أو لسنّة النبيّ صلى اللّه عليه وآله بالإجماع.

ص: 388


1- مسند أحمد 4 / 126 ، سنن الدارمي 1 / 44 ، سنن ابن ماجة 1 / 16 سنن أبي داود 2 / 393 ، المستدرك 1 / 96 ، كتاب السنّة : 19 ، و 482 ، صحيح ابن حبّان 1 / 178 ، المعجم الكبير 18 / 249 و 257 ، مسند الشاميين 1 / 402 و 2 / 298 ، العلل 1 / 21 ، الثقات 1 / 4 ، تاريخ مدينة دمشق 40 / 178 ، أُسد الغابة 3 / 399 ، تهذيب الكمال 5 / 473 و 17 / 306 ، سير أعلام النبلاء 3 / 420 و 17 / 482.
2- الجامع الكبير 4 / 150.

وكذلك إن وافق هذا الخليفة الكتاب أو السنّة النبوية فالاتباع سيكون للكتاب أو السنّة النبوية لا للخليفة ، وكذلك لو اختلف هؤلاء الخلفاء فيما بينهم ، فكيف يجوز التمسّك بسنّتهم جميعاً مع هذا الاختلاف؟ وهو حاصل على تفسير أهل السنّة لهذا الحديث.

فلم يبق إلاّ أنّ المراد بهذا الحديث هو ما فهمه الشيعة من وجود خلفاء منصوص عليهم ، لابدّ أن يكونوا معروفين مقبولين للأُمّة جمعاء ، وهم اثنا عشر إماماً ، ويكونون معصومين عن الخطأ ، وعن مخالفة الكتاب أو السنّة النبوية ، أو الاختلاف فيما بينهم.

ويمتدّ زمانهم من وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله - ويبدأ بعلي عليه السلام - إلى الإمام المهديّ عليه السلام ، كما نصّ النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه وآله على ذلك ، فقال : « لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم لطوّله اللّه عزّ وجلّ حتّى يبعث فيه رجلاً منّي - وفي رواية من أهل بيتي - يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملئت ظلماً وجوراً » (1).

ومصداقاً لقوله صلى اللّه عليه وآله : « لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان » (2).

وأمّا تحديد الأئمّة بأعيانهم عند أهل السنّة فلم يصحّ لديهم حديث ينصّ على الأسماء ، أو الانحصار في ذرّية الحسين عليه السلام بعد أصحاب الكساء ، ولكنّهم .

ص: 389


1- صحيح مسلم 1 / 99 ، سنن ابن ماجة 2 / 929 ، سنن أبي داود 2 / 309 ، الجامع الكبير 3 / 343 ، صحيح ابن حبّان 13 / 283 ، المعجم الأوسط 2 / 55 ، المعجم الكبير 10 / 133 و 135 ، موارد الظمآن : 464 ، الجامع الصغير 2 / 438 ، كنز العمّال 14 / 264 و 269 ، فيض القدير 5 / 423 ، تاريخ مدينة دمشق 58 / 198 ، تاريخ ابن خلدون 1 / 312 ، سبل الهدى والرشاد 10 / 172 ، ينابيع المودّة 2 / 210 و 318 و 3 / 214 و 245 و 256 و 298 و 339 و 384 و 390.
2- المحّلى 1 / 45 و 9 / 359 ، مسند أحمد 2 / 29 و 93 ، صحيح مسلم 6 / 3 ، السنن الكبرى للبيهقيّ 3 / 121 و 8 / 141 ، شرح صحيح مسلم 12 / 200 ، تحفة الأحوذيّ 6 / 400 ، المصنّف لابن أبي شيبة 7 / 546 ، كتاب السنّة : 518 ، الجامع الصغير 2 / 756.

أثبتوا أنّ أبناء الحسين من أئمّتنا عليهم السلام هم أفضل الهاشميّين ، وأفضل أهل زمانهم ، وكانوا أهلاً للإمامة ، وأليق وأحقّ بها من غيرهم ، وننقل هنا بعض النصوص على ذلك :

1 - قال المزّيّ في تهذيب الكمال : « وأمّا الزهريّ ، فحكي عنه أنّه قال : ما رأيت هاشميّاً أفضل منه - أي من علي بن الحسين عليهما السلام - ».

وفي رواية أُخرى عن الزهريّ قال : « كان علي بن الحسين من أفضل أهل بيته وأحسنهم طاعة ».

وفي رواية ثالثة عن الزهريّ قال : « لم أدرك من أهل البيت أفضل من علي بن الحسين ».

وعن مالك قال : « لم يكن في أهل بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله مثل علي بن الحسين ».

وقال عبد الرحمن بن أسلم عن أبيه : « ما رأيت فيهم مثل علي بن الحسين قط ».

وقال عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه : « ما رأيت هاشمياً أفضل من علي بن الحسين ».

وعن يحيى بن سعيد الأنصاري قال : « سمعت علي بن الحسين ، وكان أفضل هاشمي ».

وقال أبو بكر ابن البرقي : « ونسل الحسين بن علي كلّه من قبل علي الأصغر وأُمّه أُمّ ولد ، وكان أفضل أهل زمانه » (1).

وروى المزّي حكاية الحجّ ، وتفضيل الناس له عليه السلام على هشام ، أو الوليد بن عبد الملك الخليفة آنذاك ، وأبيات الفرزدق في مدحه ، وتنحّي الناس له حتّى يستلم الحجر هيبة له وإجلالاً ، ولم يفعلوا ذلك للخليفة (2). .

ص: 390


1- تهذيب الكمال 20 / 386.
2- المصدر السابق 20 / 400.

2 - الإمام محمّد الباقر عليه السلام : قال الذهبيّ : « كان أحد من جمع بين العلم والعمل ، والسؤدد والشرف ، والثقة والرزانة ، وكان أهلاً للخلافة » (1).

3 - الإمام جعفر الصادق عليه السلام : قال المزّيّ : « حدّثنا عمرو بن ثابت قال : رأيت جعفر بن محمّد واقفاً عند الجمرة العظمى ، وهو يقول : « سلوني ، سلوني ».

وقال أيضاً : ... عن صالح بن أبي الأسود قال : سمعت جعفر بن محمّد يقول : « سلوني قبل أن تفقدوني ، فإنّه لا يحدّثكم أحد بعدي بمثل حديثي ».

وعن أبي حنيفة ، وسُئل من أفقه ما رأيت؟ فقال : « ما رأيت أحداً أفقه من جعفر بن محمّد ، لمّا أقدمه المنصور الحيرة ، بعث إليَّ ، فقال : يا أبا حنيفة ، إنّ الناس قد فُتِنوا بجعفر بن محمّد ، فهيئ له من مسائلك الصعاب ، قال : فهيّأت له أربعين مسألة ، ثمّ بعث إليّ أبو جعفر فأتيته بالحيرة ، فدخلت عليه وجعفر جالس عن يمينه ، فلمّا بصرت بهما دخلني لجعفر من الهيبة ما لم يدخلني لأبي جعفر ... وابتدأت أسأله ، وكان يقول في المسألة : « أنتم تقولون فيها كذا وكذا ، وأهل المدينة يقولون كذا وكذا ، ونحن نقول كذا وكذا » ، فربما تابعنا ، وربما تابع أهل المدينة ، وربما خالفنا جميعاً » (2).

فأقول : هذه الرواية تثبت أنّ لأهل البيت مذهباً خاصّاً ومستقلاً عن باقي المذاهب ، لأنّ الإمام وهو من أهل المدينة قال : « وأهل المدينة يقولون كذا وكذا ، ونحن نقول كذا وكذا » ، فيجعل أهل البيت عليهم السلام في عرض أهل المدينة.

قال الذهبيّ : « الإمام الصادق شيخ بني هاشم ... » (3) ، إلى أن ذكر أولاده عليه السلام فقال : « فأجلّهم وأشرفهم ابنه موسى الكاظم ... وهو إمام من أئمّة المسلمين ... » (4) ، له مشهد عظيم مشهور ببغداد ، دفن معه فيه حفيده الجواد ، .

ص: 391


1- سير أعلام النبلاء 4 / 404.
2- تهذيب الكمال 5 / 79.
3- سير أعلام النبلاء 6 / 255.
4- المصدر السابق 6 / 270.

ولولده علي بن موسى مشهد عظيم بطوس (1).

فهؤلاء بعض أئمّتنا ، وهم أبناء الحسين عليه السلام ، وهم أفضل بني هاشم باعترافهم. .

ص: 392


1- المصدر السابق 6 / 274.

أُمّهات المؤمنين :

اشارة

( البحرين - ... - ..... )

باعتبار المحرمية وعدم جواز الزواج بهن :

س : أخبر القرآن الكريم أنّ زوجات النبيّ صلى اللّه عليه وآله أُمّهات للمؤمنين.

ما معنى إخبار القرآن ، ووصف زوجات النبيّ بأُمّهات المؤمنين ، وهن لم يعطين المؤمنين ما تعطي الأُمّ لولدها ، ولم يأخذن من المؤمنين ما تأخذ الأُمّ من ولدها؟

ج : المراد من الأُمّهات هو المحرمية ، وعدم جواز الزواج بهن بعد وفاة الرسول صلى اللّه عليه وآله ، لأنّهن بحكم الأُمّ للفرد.

وفي نعتهن بالأُمّ إشارة إرشادية لهن ، بحيث يتخلّقن بأخلاق الأُمّ ، لتكون معاملتهن مع الناس كمعاملة الأُمّ مع أولادها. ولكن هل حدث هذا بالفعل من كلّ نساء النبيّ صلى اللّه عليه وآله؟ أو أنّ بعض نسائه خالفن الأوامر الإلهيّة ، من المكث في بيوتهن ، وخروجهن ، وصرن سبباً لهلاك الكثير من أُمّة محمّد صلى اللّه عليه وآله ، ولم يلتزمن بالإرشادات القرآنية والنبوية ، ولم يبق لهن من حقيقة الأُمّ للناس إلاّ في كون حكمهن حكم الأُمّ في عدم جواز الزواج بهن.

( مصطفى البحراني - عمان - 25 سنة - طالب ثانوية )

حول بنات خديجة وعمرها عند زواجها :

س : كم كان عمر السيّدة خديجة عليها السلام عندما تزوّجها النبيّ صلى اللّه عليه وآله؟ وهل تزوّجت قبل النبيّ صلى اللّه عليه وآله؟ وما أسم بناتها غير الزهراء عليها السلام؟ وهل كن بنات النبيّ

ص: 393

أم ربيباته؟ ومن تزوّجهن؟ وهل طلقن ممّن تزوجنه؟

السلام على الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها.

ج : بالنسبة إلى عمر السيّدة خديجة عليها السلام حين اقترانها بالرسول الأكرم صلى اللّه عليه وآله ففيه أقوال :

1 - 25 سنة(1)

2 - 28 سنة(2).

3 - 30 سنة(3).

4 - 35 سنة(4).

5 - 40 سنة(5).

6 - 44 سنة(6).

7 - 45 سنة.

8 - 46 سنة.

وأمّا بالنسبة إلى زواجها قبل النبيّ صلى اللّه عليه وآله فهناك قولان : أصحّهما أنّها لم تتزوّج أحداً قبل النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، بل تزوّجها وهي عذراء.

قال ابن شهر آشوب : « وروى أحمد البلاذري ، وأبو القاسم الكوفي في كتابيهما ، والمرتضى في الشافي ، وأبو جعفر - أي الشيخ الطوسيّ - في التلخيص : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله تزوّج بها وكانت عذراء »(7).

وأمّا بالنسبة إلى بناتها عليها السلام ففيه أقوال : أصحّها أنّها لم تلد للنبيّ صلى اللّه عليه وآله من

ص: 394


1- السيرة الحلبية 1 / 204.
2- المستدرك 3 / 182.
3- تاريخ مدينة دمشق 3 / 191.
4- السيرة الحلبية 1 / 204.
5- المواهب اللدنية ( مع شرح الزرقاني ) 1 / 374.
6- تاريخ مدينة دمشق 3 / 190.
7- مناقب آل أبي طالب 1 / 138.

البنات إلاّ فاطمة عليها السلام ، وأمّا رقية وزينب وأُمّ كلثوم فهنّ على قول بناتها من زوجها الأوّل قبل النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، لكن الصحيح أنّهن بنات هالة أُخت خديجة ، تكفّلهن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بعد وفاة هالة ، وهنّ أطفال.

فرقية تزوّجها عتبة بن أبي لهب ، فلمّا انزل اللّه ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ) (1) سأل النبيّ صلى اللّه عليه وآله عتبة طلاق رقية ، وسألته طلاقها ، فطلّقها ، وتزوّجها بعده عثمان بن عفّان(2).

وزينب تزوّجها أبو العاص ابن الربيع في الجاهلية ، فولدت له أُمامه ، تزوّجها الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، وماتت زينب بالمدينة لسبع سنين من الهجرة.

وأُمّ كلثوم تزوّجها عثمان بعد أختها رقية ، وتوفّيت عنده.

( علوي - ... - ..... )

عائشة متّهمة بالإفك :

س : ما قصّة الإفك الواردة في القرآن؟

ج : قد أشارت الآيات 11 - 26 من سورة النور إلى حديث الإفك.

وخلاصتها : إنّ مجموعة من الصحابة رموا بعض نساء النبيّ صلى اللّه عليه وآله بالفحشاء ، فشاع الحديث بين الناس يتلقّاه هذا من ذاك ، وكان بعض المنافقين ، أو الذين في قلوبهم مرض ، يساعدون على إذاعة الحديث حبّاً منهم أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ، فأنزل اللّه الآيات ، ودافع عن نبيه صلى اللّه عليه وآله.

وقد روى أهل السنّة : أنّ المقذوفة هي عائشة ، والذين جاءوا بالإفك هم : عبد اللّه بن أبي سلول ، ومسطح بن أثاثه ، وحسّان بن ثابت ، وحمنة ابنة جحش ، أُخت زينب زوج النبيّ صلى اللّه عليه وآله.

ص: 395


1- المسد : 1.
2- الذرّية الطاهرة النبوية : 52.

بينما روت الشيعة : أنّ المقذوفة هي مارية القبطية أُمّ إبراهيم ، التي أهداها مقوقس ملك مصر إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، والقاذف هو : عائشة بنت أبي بكر - وهناك روايات تدلّ على مشاركة غيرها معها في هذا الرمي - حيث ادّعت : إنّ إبراهيم ابن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ما هو إلاّ ابن جريح - وجريح هذا كان خادماً خصيّاً لمارية ، أهداه معها مقوقس عظيم مصر لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وأرسله معها ليخدمها - فأنزل اللّه تعالى هذه الآيات لبيان نزاهة بيت النبيّ صلى اللّه عليه وآله من الفحشاء.

وللمزيد من التفصيل راجع تفسير الميزان للعلاّمة الطباطبائي ( قدس سره )(1).

( عبد الكريم الصعيديّ - اليمن - .... )

ما معنى الأُمومة للمؤمنين :

س : ما معنى الأُمومة للمؤمنين لزوجات الرسول؟ وهل معنى الأُمومة لعائشة أنّ على الإمام علي طاعتها؟ وهل الرسول وكّل الإمام علي في طلاق زوجاته؟

وما يجدي توكيله حيث أنّ زوجات النبيّ محرّمات على أحد بعد النبيّ صلى اللّه عليه وآله؟ أفيدونا أثابكم اللّه تعالى.

ج : المقصود من الأُمومة هو حرمة النكاح ، كما يتّضح ذلك بعد التأمّل في سبب نزول الآية الكريمة : ( وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) (2) ، حيث قال البعض : إذا مات محمّد سوف ننكح أزواجه!! فلذا نزل قوله تعالى بتحريم النكاح ، ولا دلالة فيها على التعظيم من قريب أو بعيد ، بدليل قوله تعالى : ( لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ) (3) ، فقيّد الأمر بالتقوى ، فتكون هي المحور في عظمة الشخصية ، كقوله تعالى : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ ) (4).

ص: 396


1- الميزان في تفسير القرآن 15 / 87.
2- الأحزاب : 6.
3- الأحزاب : 32.
4- الحجرات : 13.

ولا يوجد دليل عقليّ ولا نقليّ على وجوب طاعة خليفة رسول اللّه لزوجة النبيّ ، بل الثابت عقلاً ونقلاً وإجماعاً على أنّ طاعة خليفة رسول اللّه واجبة على جميع المسلمين ، بلا فرق بين أُمّهات المؤمنين أو غيرهن.

كما روي ما ذكرتَه من توكيل أمير المؤمنين عليه السلام في طلاق زوجات النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وفائدة ذلك غير منحصرة في إمكانية التزويج بها ، بل يكفي مجرد سلب هذا العنوان عنها ، مضافاً إلى ما فيه من دلالة على منصب الإمامة ، ومقام أمير المؤمنين كمقام رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في جميع الأُمور حتّى في طلاق نسائه.

( إبراهيم محمّد. قطر .... )

هل نساء النبيّ من أهل البيت :

س : شكراً لكم على هذه الصفحة الرائعة ، ولدي سؤال : من هم أهل البيت؟ وهل نساء النبيّ من أهل البيت؟ جزاكم اللّه خيراً.

ج : روى الحاكم في المستدرك عن إسماعيل بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب عن أبيه قال : « لما نظر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إلى الرحمة هابطة قال : « ادعوا لي ادعوا لي » ، فقالت صفية : مَن يا رسول اللّه؟

قال : « أهل بيتي : علياً وفاطمة والحسن والحسين » ، فجيء بهم ، فألقى عليهم النبيّ كساءه ، ثمّ رفع يديه ، ثمّ قال : « اللّهم هؤلاء آلي ، فصلّ على محمّد وآل محمّد » ، وأنزل اللّه تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (1) ، ثمّ قال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه »(2).

هذا الحديث وما ورد بمعناه صريح في اختصاص أهل بيت النبيّ بعلي وفاطمة

ص: 397


1- الأحزاب : 33.
2- المستدرك 3 / 147.

والحسن والحسين عليهم السلام(1).

وهل نساء النبيّ من أهل البيت؟

قالت أُمّ المؤمنين أُمّ سلمة : فذهبت لأدخل رأسي فدفعني ، فقلت : يا رسول اللّه أولست من أهلك؟ قال : « إنّك إلى خير ، إنّك إلى خير »(2).

وفي رواية أُخرى : قالت أُمّ سلمة : يا رسول اللّه ما أنا من أهل البيت؟ قال : « إنّك إلى خير ، وهؤلاء أهل بيتي ، اللّهمّ أهل بيتي أحقّ »(3).

وفي رواية ثالثة : فرفعت الكساء لأدخل معهم ، فجذبه من يدي وقال : « إنّك على خير »(4).

سئل الصحابيّ زيد بن أرقم : « مَن هم أهل بيته؟ نساؤه؟ قال : لا وأيم اللّه ، إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ، ثمّ يطلّقها ، فترجع إلى أبيها وقومها ، أهل بيته : أصله وعصبته ، الذين حرموا الصدقة بعده »(5).

وعن أبي سعيد الخدريّ : « أهل البيت الذين أذهب عنهم الرجس ، وطهّرهم تطهيراً ، فعدّهم في يده ، فقال : خمسة : رسول اللّه ، وعلي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين » (6).

وعن أنس بن مالك : أنّ رسول اللّه كان يمرّ بباب فاطمة ستة أشهر ، كلّما خرج إلى صلاة الفجر يقول : الصلاة يا أهل البيت ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ

ص: 398


1- شواهد التنزيل 2 / 55 ينابيع المودّة 2 / 41 ، صحيح مسلم 7 / 130 ، السنن الكبرى للبيهقيّ 2 / 149 و 152 ، جامع البيان 22 / 9 ، تفسير القرآن العظيم 3 / 492 ، الدرّ المنثور 5 / 198 ، الجامع الكبير 5 / 328 ، المستدرك 2 / 416 ، مجمع الزوائد 9 / 167 ، مسند أحمد 6 / 292 ، تاريخ بغداد 9 / 128.
2- شواهد التنزيل 2 / 63 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 142.
3- المستدرك 2 / 416.
4- مسند أبي يعلى 12 / 456 ، المعجم الكبير 3 / 53 ، شواهد التنزيل 2 / 115 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 142 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 13.
5- صحيح مسلم 7 / 123 ، ينابيع المودّة 1 / 97 ، فيض القدير 2 / 220.
6- المعجم الأوسط 2 / 229 ، شواهد التنزيل 2 / 40.

عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (1).

وقال الحاكم في مستدركه : « هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه » (2).

وعن أبي سعيد الخدريّ : أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله جاء إلى باب علي أربعين صباحاً بعدما دخل على فاطمة ، فقال : « السلام عليكم أهل البيت ورحمة اللّه وبركاته ، الصلاة رحمكم اللّه ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) أنا حرب لمن حاربتم ، أنا سلم لمن سالمتم » (3).

( أبو عبد اللّه - هولندا - سنّي - 24 سنة. طالب )

إيمان خديجة :

س : هل كانت أُمّ المؤمنين خديجة قبل زواجها بالرسول الكريم محمّد صلى اللّه عليه وآله من الموحّدين؟ أرجو الإجابة ، ودمتم سالمين.

ج : لقد كانت خديجة عليها السلام من خيرة نساء قريش شرفاً ، وكانت تدعى في الجاهلية بالطاهرة ، ويقال لها : سيّدة قريش.

ويحتمل أنّها عليها السلام كانت من الموحّدات لأنّ مكّة كانت محلّ لشريعة إبراهيم عليه السلام ، ومن بعده ولده إسماعيل عليه السلام ، وكان لإسماعيل أوصياء إلى زمن بعثة النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وعليه يوجد في مكّة أُناس موحّدون ، وليس من البعيد أن تكون خديجة عليها السلام من أُولئك ، واللّه أعلم.

ص: 399


1- الجامع الكبير 5 / 31 ، المستدرك 3 / 158 ، مسند أبي يعلى 7 / 59 ، شواهد التنزيل 2 / 18 ، الدرّ المنثور 5 / 199 ، فتح القدير 4 / 280 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 14 ، ينابيع المودّة 1 / 322 و 2 / 119.
2- المستدرك 3 / 158
3- المعجم الأوسط 8 / 112 ، شواهد التنزيل 2 / 44 ، الدرّ المنثور 5 / 199 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 13.

ص: 400

أهل البيت عليهم السلام :

اشارة

( كميل - عمان - 22 سنة - طالب جامعة )

ليس منهم آل عقيل وآل جعفر :

س : أسألكم عن معنى أهل البيت في آية التطهير : هناك من يقول بأنّ المقصود هم : آل علي عليه السلام ، وآل عقيل ، وآل جعفر ، فما هي حجّتهم؟ وكيف يتمّ الردّ عليهم؟

ج : قد يعتمد البعض على رواية وردت بهذا المعنى(1) توهم بأنّ أهل البيت هم هؤلاء كلّهم ، ولكن يلاحظ في المقام - مع غضّ النظر عن البحث السندي - أنّ تطبيق مصداق أهل البيت عليهم السلام في هذا الحديث لم يرد من النبيّ صلى اللّه عليه وآله حتّى يكون حجّة ، بل هذا الكلام والقول جاء توضيحاً على لسان زيد بن أرقم ، وكما هو معلوم : فإنّ اجتهاد زيد لا يكون حجّة علينا.

هذا ، وقد تضافرت الأحاديث على مصداقية أهل الكساء في معنى أهل البيت عند الفريقين ، ممّا لا يبقى أيّ شكّ وريب في المقام ، بأنّ المراد من أهل البيت عليهم السلام هم الأنوار الخمسة الطيّبة الذين نزلت فيهم آية التطهير.

( كميل - عمان - 22 سنة - طالب جامعة )

آية التطهير شاملة لبقية الأئمّة :

س : المعروف أنّ آية التطهير نزلت في أصحاب الكساء ، فهل يمكن القول

ص: 401


1- صحيح مسلم 7 / 123.

بأنّ الآية لا تشمل الأئمّة من ولد الإمام الحسين عليه السلام ، والسيّدة زينب عليها السلام؟ ولماذا؟

ج : إنّ آية التطهير تشمل كلّ الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام ؛ وذلك لأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله في حديث الثقلين أخبر أنّ ( القرآن ) و ( أهل البيت ) لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض. فإذا قلنا بأنّ أهل البيت هم الخمسة أصحاب الكساء فقط فهذا يعني افتراق أهل البيت عن القرآن ؛ لأنّ لازمه أنّه بعد شهادة الحسين عليه السلام لا يكون هناك مصداق لعنوان أهل البيت عليهم السلام وهذا هو الافتراق لأنّ القرآن يكون موجوداً وأهل البيت غير موجودين ، وهو خلاف صريح لكلام النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فلابدّ من القول بشمول آية التطهير لكلّ الأئمّة عليهم السلام. وعلى ذلك دلّت النصوص الواردة عن أهل البيت عليهم السلام.

أمّا في حديث الكساء فإنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله جمع الموجودين من أهل البيت المطهرّين في زمانه ، وكانوا الأربعة فقط صلوات اللّه عليهم أجمعين.

أمّا السيدة زينب عليها السلام فهي على الرغم من عظم شأنها وجلالة قدرها وعلوّ منزلتها ورفيع درجتها إلا أنّها غير داخلة في آية التطهير ، لأنّ الآية مخصوصة بالمعصومين الأربعة عشر فقط.

( سامي - السعودية - 38 سنة )

الدليل على إتمام الصلاة على محمّد بآله :

س : ما هو الدليل على الصلاة على محمّد وآل محمّد كاملة بدون بتر؟ كما يفعله الآخرون.

وكيف يمكن الجمع بين الآية الكريمة : ( إِنَّ اللّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) (1) ، وبين الرواية الواردة من النهي عن الصلاة على النبيّ صلى اللّه عليه وآله الصلاة المبتورة أو البتراء؟

ص: 402


1- الأحزاب : 56.

ج : لا تنافي بين الآية القرآنية والأحاديث الواردة في الباب ؛ فإنّ الآية تأمر بالصلاة على النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، والأحاديث بيّنت كيفية هذه الصلاة حيث ذكرت قوله صلى اللّه عليه وآله : « قولوا اللّهم صلّ على محمّد وآل محمّد ... » ، فالنبيّ صلى اللّه عليه وآله علمنا كيف نصلّي عليه. فمن حذف آل النبيّ صلى اللّه عليه وآله من الصلاة عليه كان مخالفاً للكيفيّة التي ذكرها صلى اللّه عليه وآله ، فتكون صلاته على النبيّ صلى اللّه عليه وآله ناقصة.

ففي تفسير الدرّ المنثور أخرج السيوطي عن سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن كعب بن عجرة قال : لمّا نزلت ( إِنَّ اللّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) قلنا : يا رسول اللّه قد علمنا السلام عليك ، فكيف الصلاة عليك؟

قال : « قولوا : اللّهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ، كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنّك حميد مجيد ، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد ، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم ، إنّك حميد مجيد » (1).

وأخرج نفس الحديث ابن جرير الطبري عن يونس بن خباب ، وعن إبراهيم ، وعن قتادة ، وعن كعب بن عجرة (2) ، كما أخرج ذلك غيرهما (3).

على أنّ اللّه تعالى صلّى على قوم سلّموا له ، وأذعنوا وصبروا حينما أصابتهم مصيبة ، قالوا : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، فقال تعالى : ( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم .

ص: 403


1- الدرّ المنثور 5 / 215.
2- جامع البيان 22 / 53.
3- مسند أحمد 3 / 47 و 4 / 241 ، سنن ابن ماجة 1 / 293 ، الجامع الكبير 1 / 301 ، سنن النسائيّ 3 / 47 ، المصنّف للصنعانيّ 2 / 212 ، مسند ابن الجعد : 40 ، المصنّف لابن أبي شيبة 2 / 390 ، السنن الكبرى للنسائيّ 1 / 382 ، و 6 / 18 ، صحيح ابن حبّان 5 / 287 و 295 ، المعجم الصغير 1 / 85 ، المعجم الأوسط 3 / 91 و 4 / 378 و 7 / 57 ، المعجم الكبير 17 / 250 و 19 / 124 و 155 ، كنز العمّال 2 / 275 ، جامع البيان 22 / 53 ، زاد المسير 6 / 214 ، الدرّ المنثور 5 / 215 ، فتح القدير 4 / 303 ، تاريخ بغداد 8 / 137 ، البداية والنهاية 1 / 198 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 10 ، و 12 / 434 ، ينابيع المودّة 1 / 141.

مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ ... ) (1).

فإذا كانت الصلوات على من صبر ورضي وسلّم لأمر اللّه تعالى ، فهل يوجد أعظم من أهل البيت عليهم السلام صبراً وتسليماً؟

على أنّه لا يخفى عليك ، أنّ الصلاة المشار إليها هي التزكية من اللّه تعالى والرحمة ، ومن المؤمنين الدعاء ، فما المانع من أن يزكّي اللّه تعالى أهل بيت النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وأن تدعوا لهم بالرحمة ، والدرجة الرفيعة.

ثمّ أنّ هناك أحاديث تنهى عن الصلاة البتراء بصورة : « لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء » (2) ، أي بدون ذكر الآل عليهم السلام ، وهذه الأحاديث بنفسها تؤكّد وتؤيّد الروايات السابقة في وجوب إدخال الآل عليهم السلام.

هذا ما أمكن ذكره في هذا المقام من أدلّة قرآنية ، وأحاديث صحيحة في كيفية الصلاة على النبيّ صلى اللّه عليه وآله.

( إحسان - ألمانيا - 33 سنة - طالب علم )

السرّ في تفضيل ذرّيتهم على غيرهم :

س : سُئلت عن السؤال التالي ، وأُريد الإجابة منكم ، ولكم الفضل في ذلك :

لماذا أنتم الشيعة تميّزون بين السيّد وغير السيّد؟ أليس ذلك من التفرقة الاجتماعيّة؟ كما أنّكم ترتّبون أحكام شرعية وفق هذا التمييز ، فما هو ذنب من لم يكن سيّداً - أي نسبه يرجع لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله - تحترمون السيّد ، وتخصّوه بكلمة السيّد بخلاف غيره - من لا يرجع نسبه لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله - أليس هذا من التفرقة ، والدين الإسلامي دين المساواة؟

أرجو الإجابة ، ولكم الأجر والثواب في ذلك.

ص: 404


1- البقرة : 156 - 157.
2- ينابيع المودّة 1 / 37 ، الصواعق المحرقة 2 / 430.

ج : إنّ الملاك في الإسلام التقوى ، وذلك لصريح القرآن الكريم : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ ) (1) ، وإنّما يوجّه المسلمون محبّة خاصّة للسادة من ذرّية رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله تكريماً لجدّهم ، ويعظمون السادة تعظيماً لجدّهم.

وهذا التعظيم والتبجيل يظهر جلياً بتحريم الصدقة عليهم ، وتعويضهم بالخمس : ( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) (2).

والخلاصة : إنّ تكريم السادة الأشراف من نسل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في هذه الدنيا ، يكون في واقع الأمر تكريماً لجدّهم واحتراماً خاصّاً له.

ولعلّ السرّ في ذلك : أن يكون هذا العمل باعثاً حثيثاً للتمسّك بتعاليم النبيّ صلى اللّه عليه وآله واستمرار شريعته ، حيث الأُمّة تمسي وتصبح وتشاهد ذرّية رسولها بين ظهرانيها ، تحترمهم وتجلّهم لأجل جدّهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وبذلك يتذكّرون الرسول طيلة حياتهم ، فيكون سبباً للاستمرار بالتمسّك بتعاليمه.

( محمّد - السعودية - 16 سنة - طالب ثانوية )

الصلاة على محمّد وآل محمّد :

س : سؤالي حول فلسفة ذكر الصلاة على محمّد وآل محمّد في عدّة مواضع ، منها : عندما يقوم شخص بحسد إنسان آخر ، يقولون له : صلّ على محمّد وآل محمّد ، وكذلك عند دخول إمام الجماعة ، أو القارئ ، يبدأ الناس بالصلاة على محمّد وآل محمّد ، ودمتم موفّقين لكلّ خير.

ج : إنّ كثرة الصلوات على النبيّ وآله في مختلف الحالات يمثل حالة ارتباط المسلم مع نبيّه ، ومثال للأدب معه صلى اللّه عليه وآله ، الذي أمرنا به اللّه تعالى ، مضافاً إلى

ص: 405


1- الحجرات : 13.
2- الأنفال : 41.

البركة في ذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، بعد أن صلّى عليه اللّه والملائكة ، فقال تعالى : ( إِنَّ اللّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) (1).

فلا ضير في ذكر النبيّ صلى اللّه عليه وآله والصلاة عليه والتقرّب إلى اللّه تعالى بذلك في كلّ حال وفي كلّ زمان ، فتأمّل.

( محمّد - السعودية - 16 سنة - طالب ثانوية )

تعقيب حول الجواب السابق :

مقدّمة : في الأعمّ الأغلب من الآيات تكون الأعمال منسوبة مباشرة إلى العباد.

ولكن هنا قدّم مقدّمة حيث أخبر أنّه هو سبحانه يقوم بالعمل ، ثمّ أمرهم الإتيان به ، وعند تتبع الآيات القرآنية نجد أنّه لا توجد آية في القرآن كهذه الآية إلاّ واحدة ، نسب اللّه تعالى فيها العمل إلى نفسه أوّلاً ، ثمّ أمر به عباده ثانياً ، وهذه الآية الثانية خاصّة بالتوحيد ، وهي في سورة آل عمران ( شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (2) فهو أوّلاً شهد بالوحدانية ، ثمّ أشار إلى شهادة الملائكة بها ، ثمّ شهادة المؤمنين.

وهنا كذلك في الآية التي نحن بصدد البحث فيها ، نرى أنّه سبحانه يصلّي ، وملائكته ، ثمّ يأمر المؤمنين بالصلاة ، وهذا كلّه دليل على أنّ لهذه الآية خصوصية.

لماذا يجب علينا الصلاة على محمّد وآل محمّد؟ يجب أن نوضّح عدّة أُمور :

ص: 406


1- الأحزاب : 56.
2- آل عمران : 18.

قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ ... ) (1) ، كلمة صلّوا هنا هي صيغة أمر ، تدلّ على الوجوب ، يعني لست مخيّراً ، بل يجب عليك أن تفعل ، فهي دالّة على الوجوب لا الاستحباب ، كما في قوله تعالى : ( وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ ) (2) فهو أمر دالّ على الوجوب كذلك.

ما معنى أن يصلّي اللّه تعالى على أحد؟

إنّ الصلاة هنا ليست بالمعنى الاصطلاحي ، والتي يقصد بها صلاتنا التي نصلّيها ، بل هي بمعناه اللغوي وهو الدعاء ، وهنا الروايات من الفريقين توضّح : أنّ معنى الصلاة من اللّه تعالى هو تقريب نبيّه وإنزال الرحمة عليه ، إلاّ أنّها تعنون بعنوان الصلاة ، تماماً كما في اللعن ، فحينما يقول تعالى : ( يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ ) (3) ، فليس معناه اللعن اللفظي ، بل المقصود به هو إبعاد العبد من رحمة اللّه تعالى ، عند ذلك نفهم قول أمير المؤمنين عليه السلام في اللّه تعالى : « إنّما قوله فعله » فليس اللّه سبحانه يتلفّظ بألفاظ كما نتلفّظ بها نحن ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (4).

ما معنى صلاة الملائكة؟

معناها التزكية ، يعني يصلّون عليه لبيان أنّ هذا المورد هو مستحقّ للرحمة ، يعني محلّ قابل لإنزال الرحمة ، وهذا ما دلّت عليه الروايات.

ما معنى صلاة المؤمنين؟

إنّ صلاتهم تعني الدعاء للنبيّ الأكرم ، وهي أيضاً طلبة من الحقّ في رفع مقامنا ، لأن نرقى إلى مقامهم ، ونتعرّف على أسرارهم.

نأتي للمقطع التالي للآية ، قال تعالى : ( وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) .

إنّ المتعارف من التسليم هو السلام ، لذلك عند ذكر النبيّ ترى الأعمّ .

ص: 407


1- الأحزاب : 56.
2- النور : 56.
3- البقرة : 159.
4- يس : 82.

الأغلب من الناس يصلّي عليه هكذا : « صلّى اللّه عليه وسلم ».

فنأخذ معنى التسليم في الآية بمعنى السلام ، أي : السلام عليك يا رسول اللّه ، ولكن حينما نراجع الروايات الواردة في ذيل هذه الآية نرى أنّ المعنى يختلف عن ذلك.

عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قول اللّه عزّ وجلّ : ( إِنَّ اللّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ ... ) ، فقال : « الصلاة عليه ، والتسليم له في كلّ شيء جاء به »(1).

إذاً ، فالآية تريد معنى الانقياد لا معنى السلام ، وبتعبير القرآن : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (2).

إذاً ، فالآية ليست بصدد بيان أنّ اللّه تعالى يريد أن يأمر المؤمنين أن يسلّموا عليه بعد الصلاة عليه ، بل يريد منهم أن ينقادوا للنبيّ ويسلّموا الأمر بيده.

وكما جاء عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في قوله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ ... ) قال : « لهذه الآية ظاهر وباطن ، فالظاهر قوله : ( صَلُّوا عَلَيْهِ ) ، والباطن : قوله تعالى : ( وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) : أي سلّموا لمن وصّاه واستخلفه ، وفضّله عليكم ... »(3).

على هذا الأساس لا ينبغي أن نقول : صلّى اللّه عليه وسلم ، فهذه « وسلّم » جاءتنا من الطرف الآخر - أي أهل السنّة - أمّا في القرآن فاللّه سبحانه صلّى عليه ولم يسلّم ، لذلك نجد أنّ العلماء الملتفتين للمسألة يقولون : صلى اللّه عليه وآله ، ولا يضيفون وسلّم.

وأخيراً : لا ريب أنّ الصلاة على النبيّ والآل عليهم السلام هي من الواجبات في حياة الإنسان المسلم ، وذلك لأنّها مفتاح الأسرار ، وباب المقاصد ، ومن أهمّ الوسائل في صعود الأعمال ، واستجابة الدعاء ، هذا فضلاً عن الثواب الجزيل ، والفضل العظيم ، الذي يحرزه المصلّي على النبيّ وآله عليهم السلام.

ص: 408


1- المحاسن 1 / 271.
2- الحشر : 7.
3- الاحتجاج 1 / 377.

( فاضل - البحرين - 26 سنة - دبلوم هندسة ميكانيكية )

الكتب السنّية المؤلّفة حولهم :

س : لا أُريد أن أطيل عليكم ، ولكن لابدّ من هذه الكلمة : فأنا اعتبر هذا الموقع من أهمّ المواقع الشيعيّة ، وأكثرها خدمة لمذهب أهل البيت عليهم السلام ، فجزى اللّه القائمين عليه أفضل الجزاء.

سؤالي هو عن الروايات التي تتحدّث عن أئمّتنا المتأخّرين ، من الإمام السجّاد حتّى الإمام القائم عليهم السلام في كتب إخواننا أهل السنّة.

ج : ما أكثر الكتب السنّية التي أُلّفت في أهل البيت عليهم السلام منها مثلاً :

1 - ينابيع المودّة لذوي القربى ، للشيخ سليمان القندوزيّ الحنفيّ ، المتوفّى 1294 ه.

2 - مطالب السؤول في مناقب آل الرسول ، للشيخ محمّد بن طلحة الشافعيّ ، المتوفّى 652 ه.

3 - الفصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمّة ، لابن الصبّاغ المالكيّ ، المتوفّى 855 ه.

4 - نور الأبصار في مناقب آل بيت النبيّ المختار ، للشيخ مؤمن بن حسن بن مؤمن الشبلنجي.

5 - شواهد التنزيل لقواعد التفضيل ، للحاكم الحسكاني ، المتوفّى 544 ه.

هذا ، وهناك كتب شيعية ذكرت ما كتب في أهل البيت عليهم السلام في الصحاح الستة ، وغيرها من الكتب المعتبرة عند أهل السنّة ، منها مثلاً :

1 - منتخب فضائل النبيّ وأهل بيته عليهم السلام ، لمركز الغدير للدراسات الإسلامية.

2 - ما روته العامّة من مناقب أهل البيت عليهم السلام ، للمولى حيدر علي الشروانيّ.

3 - عمدة عيون صحاح الأخبار ، للحافظ ابن البطريق ، المتوفّى 600 ه.

4 - أئمة أهل البيت في كتب أهل السنّة ، للشيخ حكمت الرحمة.

ص: 409

( عقيل - السعودية - .... )

تفضيل السادة على غيرهم :

س : لماذا تفضّل الشيعة السادة على غيرهم؟ واللّه تعالى يقول : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ )(1)؟

ج : إنّ الناس في الشريعة الإسلامية لا يتفاضلون إلاّ بالتقوى ، ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ ) ، فمن أخلّ بالتقوى وتعدّى حدود اللّه لم يفلت من طائلة القانون ، مهما كانت مكانته ، أو منزلته ، أو حسبه ، أو نسبه ، أليس أبو لهب عمّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ومع ذلك جاء ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ) (2).

فليس في الإسلام عنصرية يختلّ بها ميزان العدالة ، ولا محسوبية يتذبذب بها القانون ، فالنسب الحقيقيّ عند اللّه تعالى إنّما هو التقوى ، ويؤيّده الوحي المحفوظ : ( يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ) (3) ، فأرجع الباري تعالى البنوّة الحقيقيّة إلى العمل الصالح.

ولكن مع ذلك ، فهناك وجهة نظر أُخرى ، لا تغيّر من هذا المبدأ العام أي شيء ، ولكنّها تدخل الفضل في حسابها ، والفضل لا يمنع الحقّ لمن طلب العدل.

بل إنّ اللّه تعالى ضرب لنا أمثلة لنسلك سبيل الفضل فيما لا يعطّل حداً من حدود اللّه ، ولا يؤدّي إلى الإضرار بأحد من خلقه.

قال تعالى : ( وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا ) (4) ، أراد اللّه ذلك لا لشيء إلاّ لأنّ أباهما كان صالحاً.

ص: 410


1- الحجرات : 13.
2- المسد : 1.
3- هود : 46.
4- الكهف : 82.

بل إنّ اللّه تعالى رغّبنا في سلوك طريق الفضل ، قال تعالى : ( وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (1) ، قال أهل البيان : في الآية إطناب ، لأنّ تعفوا وحدها ، أو تصفحوا وحدها ، أو تغفروا وحدها كانت تكفي ، ولكن اللّه تعالى كرّر هذه الأفعال ترغيبا لنا في الفضل ، وحثا لنا عليه.

وعليه ، فلا غرابة أن تحترم الشيعة الإمامية السادة من ذرّية رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله على غيرهم ، إكراماً لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله - ولأجل عين ألف عين تُكرم - وإطاعة لما جاء في القرآن الكريم من قوله تعالى : ( قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (2).

وهذه الآية وإن نزلت في حقّ أهل البيت عليهم السلام إلاّ أنّها بعموم اللفظ دلّت على مودّة ذرّية رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، فاحترامهم وتفضيلهم وتقديمهم كما في إمامة صلاة الجماعة مصداق من مصاديق المودّة.

هذا من جهة ، ومن جهة أُخرى وردت روايات عن النبيّ وأهل بيته عليهم السلام تحثّنا على احترام ذرّية رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وإكرامهم ، وقضاء حوائجهم ، و .. ، منها مثلاً :

1 - قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: « إنّي شافع يوم القيامة لأربعة أصناف ، ولو جاءوا بذنوب أهل الدنيا : رجل نصر ذرّيتي ، ورجل بذل ماله لذرّيتي عند المضيق ، ورجل أحبّ ذرّيتي بالقلب واللسان ، ورجل سعى في حوائج ذرّيتي إذا طردوا أو شرّدوا »(3).

2 - قال الإمام الصادق عليه السلام : « إذا كان يوم القيامة نادى مناد : أيّها الخلائق أنصتوا فإنّ محمّداً صلى اللّه عليه وآله يكلّمكم.

فتنصت الخلائق ، فيقوم النبيّ صلى اللّه عليه وآله ويقول : يا معشر الخلائق ، من كان له

____________

(1) التغابن : 14.

(2) الشورى : 23.

(3) الكافي 4 / 60 ، من لا يحضره الفقيه 2 / 65.

ص: 411

عندي يد ، أو منّة ، أو معروف ، فليقم حتّى أكافيه.

فيقولون : فأيّ يد وأيّ منّة؟ وأيّ معروف لنا؟ بل اليد والمنّة والمعروف لله ولرسوله على جميع الخلائق.

فيقول : من آوى أحداً من أهل بيتي ، أو برّهم ، أو كساهم من عرى ، أو أشبعهم ، فليقم حتّى أكافيه.

ويقوم أناس قد فعلوا ذلك ، فيأتي النداء من عند اللّه عزّ وجلّ : يا حبيبي يا محمّد ، قد جعلت مكافاتهم إليك ، فأسكنهم حيث شئت من الجنّة ، فيسكنهم في الوسيلة ، حيث لا يحجبون عن محمّد »(1).

فعلى هذا ، نحن نحترم ونقدّر أولاد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله » والمرء يحفظ في ولده » مادام سائراً على سيرة النبيّ وأهل بيته الطاهرين وإلاّ فلا.

( .... - سنّي - .... )

تفويضهم من قبل اللّه تعالى :

س : يذكر إمامكم - محمّد بن يعقوب الكلينيّ - في كتابه « أُصول الكافي / باب : أنّ الأرض كلّها للإمام » ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : « إنّ الدنيا والآخرة للإمام ، يضعها حيث يشاء ، ويدفعها إلى من يشاء ، جائز له من اللّه ».

فماذا يستنبط المسلم المنصف من هذه العبارة ، مع أنّ اللّه تعالى يقول في محكم آياته : ( للهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ) (2) ، ويقول : ( فَلِلَّهِ الآخِرَةُ وَالأُولَى ) (3).

ويذكر نفس الإمام الشيعيّ الكلينيّ تحت باب : أنّ الأئمّة يعلمون علم ما

ص: 412


1- شجرة طوبى 1 / 10.
2- المائدة : 120.
3- النجم : 25.

كان ، وما يكون ، وأنّه لا يخفى عليهم شيء ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال : « إنّي لأعلم ما في السماوات ، وما في الأرض ، وأعلم ما في الجنّة ، وما في النار ، وأعلم ما كان وما يكون » ، مع أنّ اللّه تعالى يقول : ( قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللّهُ ) (1) ، ويقول : ( وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ ) (2).

أرجو أن لا يكون الردّ بحذف الموضوع ، وشكراً.

ج : أمّا قولك : إنّ إمامكم محمّد بن يعقوب الكليني فغير واضح ، إذ لم نعهد عندنا غير أئمّة أهل البيت عليهم السلام المعروفين لديك ، وهم اثنا عشر إماماً ، ولعلّك لم تطّلع على أُصول الإمامية التي تعتقد باثني عشر إماماً وخليفة ، فاطلاعك أكثر سوف يغنيك عن أيّ إشكالٍ آخر إن شاء اللّه.

واعلم : أنّ ما ذكرت من رواية في الكافي فهي ضعيفة السند بعلي بن أبي حمزة البطائنيّ ، فالشيعة متّفقة على عدم الأخذ برواياته ، وتضعيفه عندهم مشهور ، ولك أن تراجع كتبهم الرجالية في ذلك.

ولو أخذنا بالرواية ، فلا تعدو أن تكون الرواية مبيّنة لرتبة الإمام ومنزلته ، فكون الإمام خليفة اللّه في أرضه فله الولاية من قبل اللّه تعالى على أرضه ، ولا ضير في ذلك.

فإنّ الخليفة لو ولّى شخصاً عنه في ما فوّض له الولاية في ذلك ، فلا يعني أنّ الخليفة قد انقبضت يده عن سلطانه ، فولاية الوالي غير مطلقة ، وهو غير خارجٍ عن طاعة الخليفة وسلطانه ، وهكذا الإمام ، فإنّ له الولاية بما هو إمام ، وخليفة اللّه في أرضه ، ولا يتنافى مع سلطان اللّه وملكه ( فَلِلَّهِ الآخِرَةُ وَالأُولَى ) ، وولاية الإمام والخليفة متفرّعة من ولاية اللّه تعالى ، فولاية اللّه هي الأصل ، وولاية النبيّ أو الخليفة بالتبع.

ص: 413


1- النمل : 65.
2- الأنعام : 59.

ثمّ ما تقول في قوله تعالى : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ للهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ... ) (1).

فعن ابن عباس : المراد من الأنفال ما شذّ عن المشركين إلى المسلمين من غير قتال - من دابةٍ أو عبد أو متاع - فهو إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله يضعه حيث يشاء ، راجع تفسير الفخر الرازي في تفسير الآية.

أي إنّ اللّه تعالى قد فوّض له أمر الأنفال يضعها حيث شاء ، وبما تقتضيه حكمته صلى اللّه عليه وآله ، فهل ترى في ذلك سلب لملكِ اللّه تعالى ، أو تعطيل لسلطانه؟

وهكذا قول الإمام عليه السلام : « إنّ الدنيا والآخرة للإمام » لا تعني سلب إرادة اللّه تعالى ، بل هو تفويض الإمام بما تقتضي حكمة الإمام وولايته.

ثمّ إنّك تتساءل عن قول الإمام : « إنّي لأعلم ما في السماوات وما في الأرض ... » ، فما الضير في ذلك ، إذا قلنا : إنّ اللّه تعالى يحبي من يشاء بلطفه ، ولا يخفى عليك قوله تعالى : ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ ) (2) ، فهل يمكنك أن تفسّر لي هذه الآية بأنّها تنافي علم اللّه تعالى وقدرته؟ بل إنّ العبد إذا أخلص طاعته لله تعالى وتمحّض في عبوديته له حباه اللّه ببديع لطائفه ، وأعظم ما يحبيه علمه ، فهل ترى أعظم طاعة لله من النبيّ صلى اللّه عليه وآله وأهل بيته وهم ورثة النبيّ صلى اللّه عليه وآله وعترته؟

ثمّ بلحاظ كونه خليفة ، فإنّ مقتضى الخلافة أن يطلع اللّه خليفته على كافّة شؤون الخلافة ، أما ترى قوله تعالى في خليفته آدم إذ قال تعالى : ( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ) (3) ، إشارة إلى خصوصية آدم بلحاظ خلافته وولايته.

وهكذا هو الإمام كونه خليفة اللّه تعالى فإنّ مقتضى خلافته أن يعلمه ما يحتاجه العباد ، وما تقتضيه شؤون خلافته وولايته.

ص: 414


1- الأنفال : 1.
2- الجنّ : 26 - 27.
3- البقرة : 31.

( حامد - السعودية - .... )

حبّهم شيء وإعطاء حقّهم شيء آخر :

س : شكراً على هذا الجهد الطيّب ، لو تكرّمتم ، هل بإمكانكم أن تردّوا على هذا الكلام ، أرجو الشرح :

وصف الشيعة الإمامية بأنّهم ينتمون إلى مدرسة أهل البيت ، إنّ حبّ أهل البيت وتعظيمهم محلّ اتفاق بين طوائف المسلمين ، وكتب أهل السنّة مليئة بالأحاديث التي تثني على علي وآله ، ومنها ما رواه مسلم عن علي عليه السلام قال : « والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ، إنّه لعهد النبيّ الأُمّي صلى اللّه عليه وآله إليّ ، أن لا يحبّني إلاّ مؤمن ، ولا يبغضني إلاّ منافق »(1).

فكيف يزايد أحد على حبّ آل البيت وتبجيلهم ، إلاّ إذا كان المراد : الغلوّ بهم فوق مرتبة البشرية ، ومنحهم خصائص إلهية ، فهذا من جنس دعوى حبّ المسيح باعتباره ابناً لله ، أو شريكاً له .. ، وهذا ما يرفضه المسلمون ، ويعتبرون دعوى النصارى في محبّته مناقضة للواقع.

إنّ الذي حملني على هذا التعليق ، شريط رأيته وسمعته ينقل صوراً من حسينيات الشيعة ، فيها الشرك الذي لا يحتمل تأويلاً بحال ، ومن ذلك السجود للقبور.

وهنا سألت نفسي : إذاً ما العمل الذي لا يجوز صرفه إلاّ لله؟ ولكن - للأسف - لم أسمع إلاّ رجع الصدى! لقد سمعت أحد المتحدّثين في هذا الشريط يقول : إنّ النبيّ ليلة الإسراء سمع صوتاً من فوق العرش ، فلمّا دنا منه ، إذا الصوت صوت علي ، تعالى اللّه عمّا يقول الظالمون علوّاً كبيراً! أفكان علي هو اللّه؟ أم كان اللّه يقلّد صوت علي؟ تباركت يا ذا الجلال والإكرام ، فإلى متى يظلّ العقلاء في عزلتهم ، ويتركون العامّة لهذه الأباطيل ، ولهذا السخف؟

ص: 415


1- صحيح مسلم 1 / 61.

ومتى نتحرّر من المجاملة ، ونعلن رفض هذه الأفكار التي لا يقبلها عقل ، ولا يقتضيها نقل ، والتي جعلت منّا مسخرة للأُمم والشعوب؟ إنّها مجرد خاطرة نفثتها بهذه المناسبة ، وفي انتظار صداها.

كاتب هذا الكلام الشيخ سلمان بن فهد العودة.

ج : إنّ من الدعاوي الباطلة أن تدّعي حبّ شخص وأنت توالي أعداءه ، ومن لطيف القول أنّ المتكلّم نقل قول النبيّ صلى اللّه عليه وآله لعلي إنّه لا يحبّه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق ، فمتى ما أعلن هذا المتكلّم براءته من معاوية بن أبي سفيان - المحارب لعلي عليه السلام والآمر بسبّه كما في صحيح مسلم وغيره : « أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال : ما منعك أن تسبّ أبا تراب ... » - نصدّقه في دعوى حبّه لأهل البيت ، وأمّا مجرّد الدعوة فهو كلام فارغ لا روح له.

ولو تنزّلنا وقلنا أن المتكلم محبّ لأهل البيت واقعاً نقول : إنّ حبّ أهل البيت شيء وإعطاء حقّهم شيء آخر ، فلابدّ أن يقرن الحبّ بالإيمان بأنّهم الثقل الثاني بعد كتاب اللّه ؛ فيجب التمسّك بهم وطاعتهم وإتباعهم لأجل الحصول على الهداية من الضلال ؛ وذلك لقول النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلوا : كتاب اللّه وأهل بيتي ... ». فنحن لا ندعو لعبادة غير اللّه عزّ وجلّ ، ومن عبادة اللّه طاعة نبيّه الآمر بإتّباع أئمّة هداة من أهل البيت ، إنّما الكلام فيمن يدعى عبادة اللّه ويعرض عن إتباع أوامر نبيّه عليه الصلاة والسلام ، فتأمّل. هذا أولاً.

وثانياً : ما نسبه المتكلّم لبعض عوام الشيعة من أفعال وقمّة تلك الأفعال هو السجود للقبر ، وادّعى أن ذلك شركاً ، فنقول : لو تنزّلنا وفرضنا أنّ بعض الشيعة يسجد للقبر واقعاً ، فما أبعد هذا المتهم لهم بالشرك عن كتاب اللّه القائل : ( اسْجُدُوا لآدَم ) ، والقائل : ( وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً ... ) ، فهل كان اللّه يأمر بالشرك حينما أمر ملائكته بالسجود لآدم؟ أم كان أنبياء اللّه يُقرّون الشرك كما ي قصة يوسف؟ إذاً السجود إذا لم

ص: 416

يكن بقصد العبادة لا يكون شركاً. نعم يجب أن يبحث في أنه هل يجوز السجود لغير اللّه أم لا ، وهذا بحث فقهيّ يراجع به الفقهاء ، وهذا بخلاف لو كان الساجد إنما سجد إقراراً منه بألوهية المسجود له ، حينها لا خلاف بين المسلمين في أن هذا الساجد مشرك ، إنما الكلام فيمن يسجد على نحو المبالغة في الاحترام والتقدير - كما يفعل ذلك بعض الشعوب الآسيوية - حينها لا يصحّ أن يقال بأنّ الساجد مشركاً ، نعم كما قلنا يجب أن يبحث في جواز ذلك وعدمه. كلّ هذا لو تنزلنا وقلنا بأنّ من ذكرهم الشخص كانوا يقصدون السجود للقبر. ولكن لو لاحظنا الواقع بعين الإنصاف لوجدنا أنّ من ظنّهم المتكلّم يسجدون للقبر ليسوا كما تصوّر ، فإنهم لم يقصدوا السجود أصلاً ، إنّما قصدوا تقبيل أعتاب تلك البيوت التي أذن اللّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه ، وقد أخذهم وَلَه العشق لمحمّد وآل محمّد ، وهذا المعنى لا يفهمه المتكلّم قطعاً.

أما ما ذكره المتكلّم من رواية أن اللّه في المعراج خاطب رسوله صلى اللّه عليه وآله بصوت علي عليه السلام وقال : « أفكان علي هو اللّه؟ أم كان اللّه يقلّد صوت علي؟ ». فنقول :

أوّلاً : لم تقتصر الشيعة على رواية هذا الخبر بل رواه بعض أعلام العامّة مثل أخطب خوازم في كتاب المناقب.

ثانياً : إنّ اللّه خاطب نبيّه موسى من الشجرة أو من جهة الشجرة ، فلو أردنا أن نفكر بمستوى تفكير المتكلّم لقلنا : هل كانت الشجرة هي اللّه؟ أم أن اللّه تجسّد في الشجرة أو حلّ في جهة الشجرة؟ هذا إذا تنزّلنا في التفكير لمستوى المتكلّم ، أمّا إذا أردنا أن نتكلّم بشكل علميّ فنقول : إنّ منشأ الإشكال عند المتكلّم هو أنّه يعتقد بأنّ اللّه يتكلّم حقيقة - والعياذ باللّه - وهذا باطل لما يستلزم من أمور لا يصحّ أن تنسب لله كاللسان والحنجرة ..

أمّا ما نعتقده نحن فإنّنا نقول : بأنّ اللّه متكلّم بمعنى أنه يخلق الصوت الذي يخاطب به غيره ، فكلامه مع موسى إنّما كان بخلقه الصوت من الشجرة أو

ص: 417

من جهة الشجرة ، وكذلك خلق الصوت بنبرة علي عليه السلام - وهو الخالق لعلي وكل شؤونه - وخاطب به نبيّه محمّد صلى اللّه عليه وآله.

ولو كان المتكلّم منصفاً لفهم السبب من ذلك من خلال نفس الرواية : « ... خلقتك من نوري ، وخلقت عليّاً من نورك ، فاطلعت على سرّك فلم أجد إلى قلبك أحبّ منه في قلبك ، فخاطبتك بلسانه كي يطمئن قلبك ».

( محمّد - ... - ..... )

المقصود بالآل وحديث الكساء :

س : عند الصلاة على النبيّ وآله ، نقصد بالآل السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام ، والأئمّة الاثني عشر عليهم السلام ، ولكن عند نزول آية التطهير ، وفي حديث الكساء يقول النبيّ عن الخمسة عليهم السلام : « اللّهم هؤلاء أهل بيتي و ... ».

فكيف نوفّق بين الأمرين ، ولكم جزيل الشكر.

ج : إن أهل البيت المعصومين المطهّرين هم علي وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ولد الحسين عليهم السلام. وقد علمنا ذلك من حديث الكساء وحديث الثقلين وحديث الاثني عشر وغيرهما. وجمع النبيّ صلى اللّه عليه وآله الخمسة عليهم السلام تحت الكساء لا ينفي كون بقيّة الأئمّة من ولد الحسين هم من أهل البيت ؛ وذلك لأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله جمع الموجودين من أهل بيت زمانه تحت الكساء ، ولا يعقل أن يجمع النبيّ صلى اللّه عليه وآله كل الأئمّة حتى غير الموجودين في زمانه تحت الكساء ، فتأمّل.

( حيدر الصائغ - البحرين - .... )

عدم الاعتقاد ببعض سيرتهم :

س : هل يؤثّر عدم الاعتقاد ببعض ما ترويه سيرة أهل البيت عليهم السلام في عقيدة الإمامة؟ نرجو إجابتنا شاكرين لكم.

ص: 418

ج : إن كان عدم الاعتقاد ناشئاً من فحص ودليل ، ورجوع إلى أهل الخبرة والاختصاص المشهود لهم من قبل العلماء على حرصهم ، وتفحّصهم ودقّتهم في التعامل العلمي ، والتحقيق التاريخي فلابأس بذلك.

أمّا إن كان عدم الاعتقاد ناشئاً من الذوق ، وعدم التفاعل والتشهّي ، ومخالفة المزاج ، وما إلى ذلك من الأُمور التي لا تكشف عن مستوى علميّ ، ولا تنضبط ضمن الموازين العلمية التحقيقية ، فعدم الاعتقاد هذا يؤثّر في عقيدة الإنسان الشيعيّ ، ويزعزع من إيمانه بهم عليهم السلام.

( جمال أحمد - البحرين - .... )

التفاضل فيما بينهم :

س : هل في الأئمّة تفاضل بين بعضهم البعض؟ أم أنّهم سواء؟ الرجاء التفصيل مع ذكر الأمثلة إن وجدت.

ج : ورد في بعض الآثار ما يشير إلى تمايز أمير المؤمنين عليه السلام وحده ، أو بإضافة الحسن والحسين عليهما السلام ، أو مع المهديّ عليه السلام أيضاً عن باقي الأئمّة عليهم السلام (1).

وجاءت أيضاً طائفة أُخرى من الروايات تصرّح أو تلوّح بعدم التمايز والتفضيل بين الأئمّة عليهم السلام ، أو باستثناء أمير المؤمنين عليه السلام (2).

ثمّ بما أنّ الموضوع لم يكن له أثر عملي بالنسبة إلينا ، فالبحث في هذا المجال - مع ما في أغلب هذه الروايات من ضعف السند - ليس له ثمرة ، فالصفح عنه أحرى وأجدر ، خصوصاً مع ورود أحاديث في المقام تؤكّد على أنّهم عليهم السلام بالنسبة للناس سواء في الحجّة والطاعة ، والحلال والحرام (3).

ص: 419


1- مائة منقبة : 19 ، بحار الأنوار 25 / 361.
2- الاختصاص : 268 ، بحار الأنوار 25 / 360.
3- الاختصاص : 22 ، بحار الأنوار 25 / 353.

( .... - البحرين - .... )

غير أزواج النبيّ :

س : هل يعتقد أهل السنّة بأنّ القرآن الكريم ليس مرتّب؟ مثلاً في آية التطهير أنّها في غير مكانها ، مع ذكر المصدر يرحمكم اللّه؟

ج : ليس المهمّ في مفروض السؤال الاعتقاد أو عدم الاعتقاد بالترتيب في آية التطهير ، بل البحث في المراد من أهل البيت ؛ فنقول : بأنّ العدول عن السياق المتناول في الآية ، وهو خطاب التأنيث إلى خطاب التذكير ، بل والرجوع منه ثانياً في الفقرات التالية بعده إلى خطاب التأنيث ، يدلّ بكلّ وضوح على تمييز المخاطبين بهذه الفقرة بالذات عن باقي المخاطبين في الآية ، حتّى أذعن الفخر الرازي في تفسيره للآية بهذه النقطة الحسّاسة(1).

فالحكم بالتطهير المطلق عن كافّة الأرجاس إنّما يخصّ هذه المجموعة التي تسمّى « أهل البيت » ، وهذا ما يسمّى بالعصمة.

ثمّ على فرض قبول وحدة السياق - مع ما يأباه الظهور الخطابي - نقول بالتخصيص في هذا المجال ، استناداً إلى مصادر أهل السنّة ، فورد في الكثير منها أنّ المراد من أهل البيت هم : علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.

وقد صرّح فيها بأنّ أُمّ سلمة لم تكن من هؤلاء ، مع أنّها على خير ؛ والمصادر الروائية في هذا المعنى أكثر من أن تحصى(2).

ولا يخفى أنّ في الآيات السابقة على هذه الآية إشارة لطيفة إلى عدم إعطاء هذه الرتبة السامية بنحو الإطلاق وفي كافّة الأحوال للأزواج ، إذ يقول : ( فَإِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ) (3) ، فيقيّد الأجر بالمحسنات منهنّ ،

ص: 420


1- التفسير الكبير 9 / 168.
2- شواهد التنزيل 2 / 63 و 115 ، المستدرك 2 / 416 ، مسند أبي يعلى 12 / 456 ، المعجم الكبير 3 / 53 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 142 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 13.
3- الأحزاب : 29.

والحال وفي نفس المقام لم يقيّد التطهير والعصمة من الأرجاس عن أهل البيت عليهم السلام بشيءٍ ؛ فنستفيد بأنّ عنوان أهل البيت يختلف موضوعاً عن عنوان الأزواج.

( محمّد علي - ... - ..... )

كيفية انتشار النسل الهاشمي :

س : كلّنا يعلم بأنّ النسل الهاشمي انتشر في بقاع الأرض ، هل لنا أن نعرف بالتفصيل كيف انتشر في البلاد التي تقع شرق الجزيرة العربية؟ مع خالص الشكر.

ج : إنّ نسل الرسول صلى اللّه عليه وآله قد انتشر وشاع من أولاد علي وفاطمة عليهما السلام ، وهذا ممّا لا خلاف فيه.

وأمّا كيفية الانتشار فهي تختلف باختلاف الموارد والبقاع ، فبعضهم قد التجأ إلى مناطق نائية حذراً من بطش حكّام الجور ، وبعضهم هاجر إلى بلاد بعيدة للتبليغ والدعوة ، وحفظاً على عقيدته ونفسه وعياله ، عندما كانت تطاردهم الحكومات الأمويّة والعباسيّة وغيرهما ، وبعضهم سافر إلى بقاع كان يراها موالية لأهل البيت عليهم السلام ، وبعضهم الأخر انتقل إلى أماكن خاصّة من البلاد الإسلامية ، في سبيل القيام بالثورة في وجه الطغيان والتعدّي الحاكم آنذاك ، لما فيها من أرضية اجتماعية مؤيّدة لها.

( أُمّ علي - البحرين - .... )

لا دليل على أنّ الانتساب يكون من طريق الأب فقط :

س : إنّ النسب للولد والبنت هو من الأب ، وليس من الأُمّ ، ونحن في المذهب الشيعيّ نقول : السادة من أبناء الرسول صلى اللّه عليه وآله ، والرسول الأعظم لم يكن له أبناء.

ص: 421

الرجاء توضيح الأمر ، وشرح كيفية نسب الأئمّة وبني هاشم ، وإرشادي إلى مراجع ، وجزاكم اللّه ألف خير.

ج : لا دليل على أنّ الانتساب يكون فقط من طريق الأب ، كيف وقد نصّ القرآن الكريم بلحاق عيسى عليه السلام عن طريق أُمّه مريم عليها السلام بذراري الأنبياء عليهم السلام : ( وَمِن ذُريته داودَ وَسُلِيمانَ ... وَيَحيى وَعيسى ... ) (1).

وأيضاً قد اتفق المسلمون على أنّ المراد من ( أَبْنَاءنَا ) في آية المباهلة ( فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا ... ) (2) ، الحسن والحسين عليهما السلام(3).

أضف إلى ذلك ورود روايات في كتب العامّة تصرّح ببنوّة الحسن والحسين عليهما السلام ، وولد علي عليه السلام ، وأولاد فاطمة عليها السلام للرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله(4).

ثمّ إنّ هناك أحكام شرعية كالإرث واستحقاق سهم السادة في الخمس تختصّ بمواردها المنصوص عليها ، فلا تنفي الانتساب من جهة الأُمّ ، بل إنّها قوانين خاصّة تعبّدية لا علاقة لها بالمميّزات التكوينية.

وفي الختام : ننقل لكم مقطعاً من المناظرة التي دارت بين الإمام الكاظم عليه السلام مع هارون الرشيد ، والتي تختصّ بموضوعنا هذا :

« ثمّ قال : - يعني هارون الرشيد - لي : لمَ جوّزتم للعامّة والخاصّة أن ينسبوكم إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ويقولوا لكم : يا بني رسول اللّه ، وأنتم بنو علي ،

ص: 422


1- الأنعام : 84 - 85.
2- آل عمران : 61.
3- ذخائر العقبى : 25 ، الجامع الكبير 4 / 293 ، فتح الباري 7 / 60 ، معرفة علوم الحديث : 50 ، تفسير القرآن 1 / 122 ، جامع البيان 3 / 408 ، أحكام القرآن 2 / 18 ، أسباب نزول الآيات : 68 ، شواهد التنزيل 1 / 156 و 163 و 182 ، زاد المسير 1 / 339 ، الدرّ المنثور 2 / 39 ، أُسد الغابة 4 / 26 ، الإصابة 4 / 468 ، الجوهرة : 69 ، البداية والنهاية 5 / 65 و 7 / 376 ، الإمامة والسياسة 1 / 209 ، السيرة النبوية لابن كثير 4 / 103 ، جواهر المطالب 1 / 171 ، ينابيع المودّة 1 / 43 و 136 و 165 و 2 / 120 و 432 و 3 / 118.
4- ينابيع المودة 2 / 446 ، كفاية الطالب : 379 ، إحياء الميت : 27.

وإنّما ينسب المرء إلى أبيه ، وفاطمة إنّما هي وعاء ، والنبيّ جدّكم من قبل أُمّكم؟

فقلت : - يعني الإمام موسى الكاظم عليه السلام - : يا أمير المؤمنين لو أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله نُشر ، فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه؟

فقال : سبحان اللّه ولمَ لا أجيبه؟ بل أفتخر على العرب والعجم وقريش بذلك.

فقلت له : لكنّه لا يخطب إليّ ولا أزوّجه.

فقال : ولِمَ؟

فقلت : لأنّه ولدني ولم يلدك.

فقال : أحسنت يا موسى.

ثمّ قال : كيف قلتم إنّا ذرّية النبيّ ، والنبيّ لم يعقب ، وإنّما العقب للذكر لا للأنثى ، وأنت ولد الابنة ولا يكون ولدها عقباً له؟ ....

فقلت : أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم ، بسم اللّه الرحمن الرحيم ( وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ ) (1) ، مَن أبو عيسى يا أمير المؤمنين؟

فقال : ليس لعيسى أب.

فقلت : إنّما ألحقناه بذراري الأنبياء عليهم السلام من طريق مريم عليها السلام ، وكذلك أُلحقنا بذراري النبيّ صلى اللّه عليه وآله من قبل أُمّنا فاطمة عليها السلام ، أزيدك يا أمير المؤمنين؟

قال : هات.

قلت : قول اللّه عزّ وجلّ : ( فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ

ص: 423


1- الأنعام : 84 - 85.

فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (1) ، ولم يدّع أحد أنّه أدخل النبيّ صلى اللّه عليه وآله تحت الكساء عند مباهلة النصارى إلاّ علي بن أبي طالب ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، ف- ( أَبْنَاءنَا ) : الحسن والحسين ، و ( وَنِسَاءنَا ) : فاطمة ، و ( وَأَنفُسَنَا ) : علي بن أبي طالب عليه السلام » (2).

( ... - ... - ..... )

والصلاة عليهم :

س : لا يجوز أن نصلّي على آل الرسول ، وإنّما نقول : رضي اللّه عنهم.

ج : لا مانع من ذكر الصلاة والسلام على آل الرسول صلى اللّه عليه وآله ، حتّى إنّه جاء في بعض تفاسير السنّة في آية ( سَلاَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ ) (3) ، إنّها قرأت بصورة « آل » - قراءة نافع وابن عامر ويعقوب - والمقصود منه آل محمّد صلى اللّه عليه وآله (4).

وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس أنّه قال - في ( سَلاَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ ) : « نحن آل محمّد آل ياسين ، وهو ظاهر في جعل « ياسين » اسماً للنبيّ صلى اللّه عليه وآله » (5).

هذا ، وقد دلّت روايات كثيرة عند الفريقين بوجوب إدخال آل الرسول صلى اللّه عليه وآله في الصلاة عليه ، والنهي عن الصلاة البتراء ، أي الخالية من ذكرهم عليهم السلام (6).

ص: 424


1- آل عمران : 61.
2- الاحتجاج 2 / 163 ، عيون أخبار الرضا 2 / 80 ، تحف العقول : 405.
3- الصافات : 130.
4- التفسير الكبير 9 / 354.
5- روح المعاني 12 / 135 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 22.
6- مسند أحمد 3 / 47 و 4 / 241 ، سنن ابن ماجة 1 / 293 ، الجامع الكبير 1 / 301 ، سنن النسائيّ 3 / 47 ، المصنّف للصنعانيّ 2 / 212 ، مسند ابن الجعد : 40 ، المصنّف ابن أبي شيبة 2 / 390 ، السنن الكبرى للنسائيّ 1 / 382 ، و 6 / 18 ، صحيح ابن حبّان 5 / 287 و 295 ، المعجم الصغير 1 / 85 ، المعجم الأوسط 3 / 91 و 4 / 378 و 7 / 57 ، المعجم الكبير 17 / 250 و 19 / 124 و 155 ، كنز العمّال 2 / 275 ، جامع البيان 22 / 53 ، زاد المسير 6 / 214 الدرّ المنثور 5 / 215 ، فتح القدير 4 / 303 ، تاريخ بغداد 8 / 137 ، البداية والنهاية 1 / 198 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 10 ، و 12 / 434 ، ينابيع المودّة 1 / 141.

فذكر الصلاة والسلام على آل الرسول صلى اللّه عليه وآله منصوص ومشروع ومؤيّد عقلاً ونقلاً.

( يوسف - الكويت - .... )

وخلق السماوات :

س : هل تفسير الآية الشريفة ( وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ) (1) ، يقصد بها خلق الإمام علي عليه السلام ، أو أهل البيت عليهم السلام السماء؟ لأنّ اللّه تعالى ليس له يد.

ج : إنّ اليد في الآية بمعنى القوّة والتمكّن والسيطرة ، وليست بمعنى اليد الجارحة ، ويتضّح المعنى جليّاً عندما نرى قوله : ( وَإِنَّا ) ، فينسب البناء والتوسيع بالصراحة لنفسه عزّ وجلّ.

ومن جانب آخر : فإنّ الأدلّة العقليّة والنقليّة تفرض - بما لا محيص عنها - بأن نعتقد بعدم الجسمانية - أي شؤون المادّية - في ذاته تبارك وتعالى ، فبالنتيجة يظهر لنا معنى اليد ، بأنّها قدرة الإيجاد والتكوين لا غير ، وأمّا التعبير بهذا اللفظ فهو من باب التشبيه والاستعارة والتنزيل.

وأمّا في مورد تفسير هذه الآية ، فلم يرد حديث ، ولا دليل عقليّ في تفاسير الفريقين بما سألتموه ، فالمتّبع الظهور اللغوي بمعونة الأدلّة العقليّة والنقليّة.

( إبراهيم - السعودية - 17 سنة - طالب ثانوية )

حرّمت الصدقة عليهم :

س : لماذا حرّم النبيّ صلى اللّه عليه وآله الصدقة على آل البيت؟ وجزاكم اللّه خيراً.

ص: 425


1- الذاريات : 47.

ج : إنّ الصدقة شرّعت لأجل تطهير الأموال وتزكيتها ، قال تعالى : ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم ... ) (1) ، والتطهير يتضمّن الدنس والوسخ ، فكأنّ هذا المال عند بلوغه حدّاً معيّناً ، فإنّه كما يتكاثر من حيث المالية يتكاثر معه الدنس والوسخ ، ويصبح ملوّثاً ولا يطهر ، ولا يرتفع عنه التلوّث إلاّ بإخراج الصدقة منه ، فهذه الصدقة هي اللوث الذي عرض على مال الغني عند بلوغه حدّاً معيّناً ؛ ولأجل ذلك كرّم اللّه تعالى بني هاشم من أن يأخذوا هذا المال ، والعيش بهذه الأوساخ.

وهذا ملحوظ أيضاً في السياق القرآني لآية الزكاة وآية الخمس ، فنجد أنّ التعبير بلفظ التطهير ورد في آية الصدقة دون آية الخمس ، بل نجدها تشرّع الخمس والأنفال مع حفظ مقام النبوّة والإمامة بمستوى من الإجلال والتقدير.

روى الشيخ الكليني ( قدس سره ) عن سليم بن قيس قال : سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول : « نحن واللّه الذين عنى اللّه بذي القربى ، الذين قرنهم اللّه بنفسه ونبيّه صلى اللّه عليه وآله فقال : ( مَّا أَفَاء اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى ... ) (2) منّا خاصّة ، ولم يجعل لنا سهماً من الصدقة ، أكرم اللّه نبيّه وأكرمنا أن يطعمنا أوساخ ما في أيدي الناس »(3).

وثانياً : يمكن أن يكون تحريم الصدقة على بني هاشم باعتبار شرف مقام النبيّ ، إذ إنّ النفس النبوية لها مرتبتها الخاصّة ، وقداستها المميّزة عن بقية النفوس ، كما هو الملحوظ في الروايات والزيارات ، والمعطي يكون أكمل من المعطى ، بعد ملاحظة كون الزكاة هي أوساخ ما في أيدي الناس ، وأهل البيت مطهّرون من الدنس والوسخ ، فلا يكونوا محلاً لأوساخ الناس.

وهذه المسألة من مختصّات النبيّ صلى اللّه عليه وآله في ذرّيته تكريماً له ، وذلك كجعل

ص: 426


1- التوبة : 103.
2- الحشر : 7.
3- الكافي 1 / 539.

نسائه أُمّهات المؤمنين من باب تحريم نكاحهن من بعده ، وذلك تكريماً للنبيّ صلى اللّه عليه وآله ، لأنّهن قد نسبن إلى النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فيقال زوجات النبيّ ، وكذلك هو الأمر في ذرّيته ، حيث يقال : ذرّية الرسول صلى اللّه عليه وآله.

( حسن. البحرين - 26 سنة - طالب ثانوية )

لولاهم لما خلق الكون :

س : هناك بعض الأشخاص يتّهموننا بالكفر ، ويحتجّون علينا بهذا الحديث : « لولاك يا محمّد لما خلقت الأكوان ، ولولا علي لما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما » (1) ، أرجو منكم أن تفسّروا لنا هذا الحديث.

ج : إنّ هذا الحديث ليس به بأس من حيث المعنى ، وإنّ الجهلة عندما لايرون مستمسكاً حقّاً يعتمدون عليه ، يتشبّثون بتفاسير لأحاديثنا لا نصيب لها من الواقع ، فمثلاً بدلاً من أن يتحققّون في معنى هذا الحديث يرموننا بما لا يليق.

وعلى أيّ حال ، فمعنى هذه الرواية هو : أنّ غاية اللّه تعالى من الخلق هي هدايتهم وكمالهم ، وفي هذا الطريق المستقيم لابدّ وأن ينصب للخلق علماً نبيّاً ، يكون على اتّصال مباشرة بمبدأ الخلق والوحي ؛ ولو لم يُخلَق في عالم الوجود رسولاً من جانب الباري تعالى انتفت حكمة الخلق بأسرها ، إذ لم يمكن حينئذٍ اهتداء المجموعة البشرية.

فالفقرة الأُولى من الرواية صريحة بهذا المعنى « لولاك لما خلقت الأفلاك » ، أي إن لم أخلقك لم أخلق الكون لعدم الفائدة فيه حينئذٍ.

ثمّ بما أنّ الإمامة والوصاية هي امتداد لخطّ الرسالة وتطبيقها وصيانتها ، فوجود الإمام - الذي باعتقادنا هو الإمام علي عليه السلام - قيد لوجود الرسول صلى اللّه عليه وآله ، أي إنّ الرسالة في استمراريّتها تحتاج إلى وصيّ وإمام ، فلولا وجود الإمام لم تنفع

ص: 427


1- مجمع النورين : 187.

الرسالة النبوية لهداية الخلق ، إذ تبقى ناقصة لم يطبّقها أحد ، أو يطرأ عليها الانحراف والضياع ، فتجنّباً من هذه المحاذير ، وصيانةً للوحي الهادف ، يجب عقلاً وجود الإمام ، فلولاه لا تتمّ الحجّة على البشر ، وهذا خلاف حكمة الخالق ، وعليه فلولا وجود علي عليه السلام كإمامٍ ، لم يخلق محمّد صلى اللّه عليه وآله كنبيّ للبشر لعدم تكميل الهداية حينئذٍ.

وأمّا فاطمة عليها السلام فبما أنّها الواسطة في امتداد الإمامة من الإمام علي عليه السلام حتّى الإمام المهديّ عليه السلام ، وعلاقتها بوجود النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فالإمامة المستمرّة إلى زماننا ، مستمدّة من وجودها في عالم الخلق ، وبما أنّ الإمامة امتداد للرسالة ، فينتج : أنّ الرسالة والإمامة بمفرداتهما الوجودية رهينة بوجود الزهراء عليها السلام ، فلو لم تخلق هي كبنت للرسول صلى اللّه عليه وآله ، وزوجةٍ لأمير المؤمنين عليه السلام ، وأُمٍّ للأئمّة عليهم السلام لما استمرّت خطّة الباري تعالى في هداية الخلق ، وتكميل مسيرتهم.

( موالي - الكويت - 19 سنة - طالب )

ليس جميع السادة من أهل البيت :

س : أتى سؤال من أهل السنّة يقول : لم أخرج ذرّية الحسن ، وذرّية الحسين عليهما السلام من الآية؟ يعني أليس هذه الذرّية من أهل البيت؟

ج : قال تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (1).

وقال صلى اللّه عليه وآله : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي أبداً : كتاب اللّه ، وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض »(2).

ص: 428


1- الأحزاب : 33.
2- 2 - مسند أحمد 5 / 182 ، تحفة الأحوذيّ 10 / 196 ، مسند ابن الجعد : 397 ، المنتخب من مسند الصنعانيّ : 108 ، ما روى في الحوض والكوثر : 88 ، كتاب السنّة : 337 و 629 ، السنن الكبرى للنسائيّ 5 / 45 و 130 ، مسند أبي يعلى 2 / 297 و 303 و 376 ، المعجم الصغير 1 / 131 المعجم الأوسط 3 / 373 ، المعجم الكبير 3 / 65 و 5 / 154 و 166 و 170 ، نظم درر السمطين : 231 ، الجامع الصغير 1 / 402 ، العهود المحمدية : 635 ، كنز العمّال 5 / 290 و 13 / 104 و 14 / 435 ، دفع شبه التشبيه : 103 ، شواهد التنزيل 2 / 42 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 123 ، الطبقات الكبرى 2 / 194 ، علل الدارقطنيّ 6 / 236 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 220 و 54 / 92 ، سير أعلام النبلاء 9 / 365 ، أنساب الأشراف : 111 ، البداية والنهاية 5 / 228 و 7 / 386 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 6 و 12 / 232 ، ينابيع المودّة 1 / 74 و 97 و 100 و 113 و 119 و 123 و 132 و 345 و 350 و 360 و 2 / 90 و 112 و 269 و 273 و 403 و 437 و 3 / 65 و 141 و 294 ، لسان العرب 4 / 538.

فأهل البيت إمّا أن يكونوا جميع السادة من ذرّية فاطمة عليها السلام ، وعددهم بالملايين ، وهذا لا يمكن لأُمور :

لأنّ الآية وصفتهم بأنّ إرادة اللّه تعلّقت بإذهاب الرجس عنهم ، وأنّ اللّه طهّرهم تطهيراً ، وهذا صريح في العصمة ، ومن المعلوم قطعاً أنّ السادة والأشراف جميعهم غير معصومين.

ولأنّ في الحديث قرنهم بالكتاب العزيز ، وأوصى بالتمسّك بهم ، وأنّه لن يضلّ من تمسّك بهم ، ونجزم بأنّ مراد الرسول صلى اللّه عليه وآله لم يتعلّق بجميع السادة.

فيبقى البحث عن المراد من أهل البيت عليهم السلام في آية التطهير ، وحديث الثقلين ، وغيرهما.

وفي الجواب نقول : إنّ الروايات الواردة في شأن نزول آية التطهير - كما رواها الشيعة وأهل السنّة في صحاحهم ومسانيدهم - تقول : إنّها نزلت في الخمسة من أصحاب الكساء : النبيّ محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام.

وضم هذه الروايات إلى الروايات الواردة في كون الأئمّة اثني عشر كلّهم من قريش ، أو كلّهم من بني هاشم ، وفي بعضها التصريح بأسمائهم ، كلّ هذا يعطينا خبراً أنّ المقصود بأهل البيت - الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وقرنهم رسول اللّه بكتابه ، ووصى أُمّته بالتمسّك بهم ، وأنّه لن يضلّ من تمسّك بهم - هم : النبيّ محمّد ، وفاطمة ، وعلي ، والحسن ، والحسين ،

ص: 429

والسجّاد ، والباقر ، والصادق ، والكاظم ، والرضا ، والجواد ، والهادي ، والعسكريّ ، والمهديّ المنتظر عليهم السلام.

( أحمد جعفر - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة )

المقصود من آل ياسين :

س : الأساتذة والعلماء الأكارم القائمين على الموقع.

السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.

أمّا بعد ، سؤالي أيّها الأفاضل هو كالتالي : ( سَلاَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ ) (1) ، من هم؟ هل هو نبيّ اللّه إلياس عليه السلام؟ أم المقصود بهم هم آل محمّد عليهم السلام؟ وإن كانوا آل محمّد ، فهل تدلّ على عصمتهم؟ وما هو قول العلاّمة الطباطبائي في تفسير الميزان؟

ج : نقل الشيخ الصدوق ( قدس سره ) بسنده عن الإمام علي عليه السلام في قوله تعالى : ( سَلاَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ ) قال : « ياسين محمّد صلى اللّه عليه وآله ونحن آل ياسين ».

وروى أيضاً بسنده عن ابن عباس في قوله تعالى : ( سَلاَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ ) ، قال : على آل محمّد(2).

إذاً ، آل ياسين : هم آل محمّد صلى اللّه عليه وآله(3).

وقال العلاّمة الطباطبائي : « إنّ قول آل ياسين هم آل محمّد مبنيّ على قراءة آل ياسين ، كما قرأه نافع وابن عامر ويعقوب وزيد »(4).

وياسين : اسم من أسماء نبيّنا محمّد صلى اللّه عليه وآله بلغة طي ، وبهذه اللغة نزلت الآية

ص: 430


1- الصافّات : 130.
2- الأمالي للشيخ الصدوق : 558.
3- أُنظر : شواهد التنزيل 2 / 165 و 169 ، نظم درر السمطين : 94 ، روح المعاني 12 / 135 ، تفسير القرآن العظيم 4 / 22 ، التفسير الكبير 9 / 354 ، الجامع لأحكام القرآن 15 / 119 ، الدرّ المنثور 5 / 286 ، فتح القدير 4 / 412.
4- الميزان في تفسير القرآن 17 / 159.

( يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ) (1).

وهذه الآية لا تدلّ على عصمتهم عليه السلام بالصراحة ، بل تدلّ من باب أنّ المولى عزّ وجلّ لم يسلّم إلاّ على الذوات المعصومة ، كما في قوله : ( سَلاَمٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ ) (2) ، وقوله : ( سَلاَمٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) (3) ، وقوله : ( سَلاَمٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ ) (4).

( يوسف علي - ... - ..... )

هم الثقل الأصغر :

س : ما المقصود من الثقل الأصغر؟

ج : وردت عدّة روايات تصرّح بأنّ الثقل الأكبر هو القرآن الكريم ، والثقل الأصغر هو العترة الطاهرة عليهم السلام.

روى الشيخ الصدوق ( قدس سره ) بسنده عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال : لمّا رجع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله من حجّة الوداع ، ونحن معه ... قال : « وماذا صنعتم بالثقلين من بعدي ، فانظروا كيف تكونون خلفتموني فيهما حين تلقوني »؟ قالوا : وما هذان الثقلان يا رسول اللّه؟

قال : « أمّا الثقل الأكبر فكتاب اللّه عزّ وجلّ ، سبب ممدود من اللّه ومنّي في أيديكم ، طرفه بيد اللّه والطرف الآخر بأيديكم ، فيه علم ما مضى وما بقي إلى أن تقوم الساعة ، وأمّا الثقل الأصغر فهو حليف القرآن ، وهو علي بن أبي طالب وعترته ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض »(5).

ص: 431


1- يس : 1 - 3.
2- الصافات : 79.
3- الصافات : 109.
4- الصافات : 120.
5- الخصال : 65.

( محمّد إسماعيل قاسم - الكويت - 16 سنة - طالب )

حكم الصور المنسوبة لهم :

س : ما هو رأيكم بالصور التي تنشر ، والتي يكتب تحتها اسم إمام ، أو ما شابه؟

ج : إذا كان ذلك الرسم بشكل يسيء للمعصوم فلا يجوز قطعاً ، أمّا إذا لم يكن في ذلك الرسم أي إساءة للإمامة فقد أجاب السيّد الخوئيّ رحمه اللّه في منية السائل على هذا السؤال. وإليك السؤال وجوابه :

السؤال : ما يقول سماحتكم في الصور المرسومة أو التشبيهات للأئمّة عليهم السلام ورسم ما يخيل عنهم من ملامحهم وأوصافهم عليهم السلام فهل يجوز تعليقها في المنزل ، وما الحكم في الاعتقاد بها إنها هم؟

ج : تعليقها في المنزل لا بأس به ، وأمّا الاعتقاد بها فهو مشكل.

( كميل - عمان - 22 سنة - طالب جامعة )

رؤيتهم في المنام :

س : أُريد أن أسأل : هل كلّ من شاهد النبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله وأهل بيته في المنام تعتبر مشاهدته صحيحة؟ وكيف يمكن أن نعتبر الحلم حقيقة؟

ج : قد ورد في الحديث : « من رآني فقد رآني » (1) ، وهذا الحديث لم يثبت سنده عند العلماء ، فلا يكون حجّة ، فلا تترتّب الأحكام الشرعية عليه ، أو أخذ معالم الدين بهذا الطريق.

ويمكن أن يقال : بالأخذ بالرؤيا التي لا تثبت حكماً شرعياً ، ولا أمراًَ أو نهياً ، وإنّما يأخذ بالأحلام التي فيها الأُمور العامّة ، كالمستحبّات ، وذلك بناء على التسامح بأدلّة السنن.

ص: 432


1- رسائل المرتضى 2 / 12.

( محمّد إسماعيل قاسم - الكويت - 16 سنة - طالب )

مصادر حديث : هذا إمام ابن إمام :

س : اذكروا لي الكتب التي روت هذا الحديث : « هذا إمام ، ابن إمام ، أخو إمام ، أبو الأئمّة » من كتب السنّة؟ ودمتم سالمين.

ج : ذكرت مجموعة من علماء السنّة في مؤلّفاتهم نصّ هذا الحديث أو ما معناه ، منها :

1 - الخوارزمي الحنفي - المتوفّى 658 ه- - في مقتل الحسين(1).

2 - القندوزي الحنفي - المتوفّى 1294 ه- - في ينابيع المودّة(2).

وكلّهم يروون هذا الحديث عن سلمان الفارسي ، وأبي سعيد الخدريّ.

( أبو هاني - السعودية - .... )

معنى فقرة من زيارة الجامعة :

س : ما معنى الجملة الواردة في زيارة الجامعة : « وإياب الخلق إليكم ، وحسابهم عليكم ، وفصل الخطاب عندكم »؟

ج : إنّ لهذه العبارة شروحاً متعدّدة ، ويمكن إرجاع هذه العبارة إلى ما روي عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله في حديث الثقلين : « إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي أبداً : كتاب اللّه ، وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » ، فميزان الحساب يوم القيامة يكون على هذا الأساس ، فالتمسّك بالقرآن لوحده غير كاف ، بل لابدّ معه من التمسّك بالعترة ، فهم عليهم السلام يكونون الأصل في كيفية حساب الخلق ، فمن تمسّك بهم نجا ، ومن لم يتمسّك بهم هلك.

ص: 433


1- مقتل الحسين 1 / 212.
2- ينابيع المودّة 2 / 44 و 316 و 3 / 291 و 294.

رزقنا اللّه وإيّاكم شفاعتهم يوم القيامة.

( أحمد جعفر - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة )

مقامهم :

س : أيّها الأساتذة الكرام : عندي تساؤل عن قول الإمام الصادق عليه السلام : « ربّ الأرض يعني إمام الأرض » ، فقلت : فإذا خرج ماذا يكون؟ قال : « إذا يستغني الناس عن ضوء الشمس ونور القمر ، ويجتزون بنور الإمام » (1) ، أرجو بيان الحديث المذكور.

ج : لقد ورد في اللغة والتفسير : أنّ الربّ له معان خمسة ، منها : الشيخ ، والمالك ، والمدبّر ، والمربّي ، وغيرها.

والمالكية والمدبّرية تارة تكون بالأصالة وبالذات ، وأُخرى بالعرض وبالإمكان ، فالمالك والمدبّر الذاتي الأصيل هو اللّه سبحانه ، فهو ربّ العالمين ، ومن ثمّ تتجلّى هذه الربوبية أي المالكية والمدبّرية والمربّية في غيره بإذنه وجعله سبحانه.

فالزوج يكون ربّ البيت ، والزوجة ربّة البيت ، ولبيت اللّه - أي الكعبة - ربّ يحميه ، كما قالها عبد المطلب في جواب أبرهة في قصّة الفيل ، فسبحانه ربّ الأرض والسماء ، إلاّ أنّه جعل الربوبية بمعنى المدبّرية والمالكية والمربّية لنبيّه ووصيه وخليفته في الأرض ، فآدم والأنبياء والأوصياء خلفاء اللّه في السماء والأرض ، استخلفوا اللّه في أسمائه الحُسنى وصفاته العُليا ، فكانوا مظاهرَ لأسمائه وصفاته ، ويتجلّى نور اللّه فيهم ، فإنّ اللّه سبحانه نور السماوات والأرض كما في آية النور وسورتها ، إلاّ أنّ النور الإلهيّ يتجلّى في رسوله وأهل بيته ( مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ... ) (2).

ص: 434


1- تفسير القمّيّ 2 / 253.
2- النور : 35.

فالإمام نور كما أنّ النبيّ سراج منير ، وكذلك القرآن أنزله اللّه نوراً ، والعلم نور يقذفه اللّه في قلب من يشاء ، والنور بمعنى الظاهر بنفسه والمظهر لغيره ، يفيد الكاشفية ورفع الجهل ، وكلّ من كان من مصاديق النور فإنّه يُعطينا هذا المفهوم ، فالإمام عليه السلام بهذا المعنى يكون نوراً يكشف الحقائق ويزيح الظلام والجهل ، كما تفعل الشمس والقمر ذلك في المادّيات والأجسام.

فربوبية الأرض وتربيتها وحكومتها باعتبار أهلها ، إنّما هي بيد الإمام عليه السلام ، فهو ربّ الأرض ، كما أنّ اللّه ربّ الأرض ، إلاّ أنّ ربوبية اللّه أصلية وذاتية ، وربوبية الإمام فرعية وبالتبع وبالإمكان.

والإمكان في حقيقته مع الوجود الذاتيّ - أي واجب الوجود لذاته وهو اللّه سبحانه - يكون عدماً ولا شيء ، فربوبية الإمام في طول ربوبية اللّه ، بإذن من اللّه وبجعل منه ، فالإمام ربّ الأرض.

وإذا خرج فإنّ نوره وعلمه الذي هو من نور اللّه وعلمه يكفي الناس في كشف الحقائق ، ورفع ستار الظلام والجهل ، وكأنّ الناس لا تحتاج إلى الشمس والقمر في ليلها ونهارها ، وهذا من المجاز والكناية لبيان شدّة وضوح علم الإمام ونوره وربوبيّته على الأرض.

( أحمد جعفر - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة )

إنّهم وجه اللّه وعينه ويده :

س : أيّها الأساتذة الكرام : ما معنى قول الإمام الباقر عليه السلام : « نحن وجه اللّه نتقلّب في الأرض بين أظهركم ، ونحن عين اللّه في خلقه ، ويده المبسوطة بالرحمة على عباده »(1).

ج : لابأس أن نذكر مقدّمات :

ص: 435


1- الكافي 1 / 143.

الأُولى : من عقائدنا الحقّة أنّ اللّه تعالى ليس بجسم - خلافاً للمجسّمة الكرامية في القديم ، والوهّابية من الحنابلة في الجديد - وإنّما لم يكن جسماً ، لأنّه لو كان للزم التركيب ، ولازم التركيب الاحتياج ، والاحتياج علامة الإمكان ، واللّه سبحانه واجب الوجود لذاته ، وليس بممكن.

فالقول بالجسمية يلزمه نواهي فاسدة : منها : احتياج اللّه وافتقاره ، وهو الغني في الذات ، كما يلزمه الإمكان ، وهو واجب الوجود لذاته ، وهذا ما يقول به العقل السليم ، كما عليه الأدلّة النقليّة : من الآيات والروايات الشريفة.

والثانية : لا تعارض في الواقع بين الحجّة الباطنية وهو العقل ، والحجّة الظاهرية وهو النبيّ ، فكلاهما من الواحد الأحد ، فلا يكون بينهما اختلاف ، بل أحدهما يُعاضد الآخر ، فكلّ ما حكم به العقل حكم به الشرع ، ولمّا كان الشرع وهو الوحي أوسع دائرة ، فإنّه كلّما حكم به الشرع حكم به العقل إن أدركه ، وإلاّ فإنّه يسكت ولا يخالفه ، فإنّ العقل لا يدرك فلسفة صلاة الصبح لماذا تكون ركعتين؟ فحينئذ لا يخالفه ، بل يسلّم أمره إلى الوحي ويذعن به ، باعتبار أنّه الصادق الأمين.

والثالثة : إذا شاهدنا تعارضاً بين العقل والسمع - أي النقل من آية قرآنية أو حديث نبوي - في الظاهر ، أي الاختلاف كان ظاهرياً وليس في الواقع ، فحينئذ إمّا أن نقول بطرحهما ، وهذا لا يصحّ كما هو واضح ، أو نقول بحكم أحدهما فيلزم ترجيح بلا مرجّح ، كما لا يمكن الأخذ بهما أو بظاهرهما معاً ، لاختلافهما وتعارضهما ، ولا يمكن الجمع بين المتناقضين ، فلا يبقى لنا إلاّ أن نأخذ بحكم العقل وهو الحجّة الباطنية ، ونؤوّل النقل ، أي نقول بتأويل الظاهر ، وبهذا أخذنا بالعقل والنقل ، وبالحجّتين سويةً.

وحينئذٍ ، لمّا ثبت أنّ اللّه ليس بجسم مطلقاً ، وأنّه الوجود المجرد المحض ، لا يحيطه الإنسان بعقله وتصوّره ، فما ينسب إليه من الجوارح في القرآن الكريم ،

ص: 436

أو الأحاديث الشريفة ، كأن يقال : ( يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) (1) ، ( فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ ) (2) ، وغير ذلك ، فإنّه لابدّ من تأويله ، ولا يحمل على ظاهره ، بأنّ لله يداً كما كان للإنسان ، فهذا من التجسيم الباطل ، والمستلزم للكفر والنجاسة ، بل يفسّر يد اللّه بقدرته ، فقدرة اللّه فوق قدرتهم ، ( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ) (3) ، أي استولى ، لا أنّه يجلس على العرش ، ويكون له أطيط كأطيط الرحل.

وكذلك باقي الأوصاف التي تدلّ بظاهرها على التجسيم ، فلابدّ من تأويلها ، وأنّها من الاستعمال المجازي والكنائي ، وبعد هذا نقول : لأسماء اللّه وصفاته مظاهر ، فإنّ القدرة الإلهيّة ، واليد الإلهيّة لابدّ أن تظهر ، فلها مظاهر في خلقه ، وأتمّ مظهر للقدرة هو خليفة اللّه في الأرض ، أي النبيّ والوصي عليهما السلام ، فيكون كلّ واحد منهما يد اللّه في الأرض المبسوطة بالرحمة على عباده.

ولمّا كان اللّه يرى ويسمع ، أي يعلم بالمرئيّات والمسموعات ، ويشهد ذلك ، فلابدّ أن يظهر هذا العلم على مخلوقاته ، وأتمّ المخلوقات الحامل لعلم اللّه هو الإنسان الكامل ، أي خليفته في الأرض ، يعني النبيّ والوصي عليهما السلام ، فيكون كلّ واحد منهما عين اللّه في خلقه ، وشاهداً عليهم ، ( وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ) (4) ، ورؤية اللّه علمه ، وأذن بل أمر نبيّه أن يكون شاهداً على خلقه ، لأنّه هو الحجّة ، فإنّ اللّه يحتجّ به على خلقه ، ولازم الحجّية الشهود والحضور ، كما في البيّنة الظاهرية ، لابدّ أن تكون الشهادة محسوسة.

فالإمام حمّله اللّه الشهادة ، وإنّه يشهد على الخلق ، فلابدّ أن يعلم بما يفعله

ص: 437


1- الفتح : 10.
2- البقرة : 115.
3- الأعراف : 54.
4- التوبة : 105.

الخلق ، حتّى تتمّ الشهادة الحقّة ، وهذا لا يكون إلاّ أن يكون هو عين اللّه عليهم ، وكلّ شيء يهلك وينعدم إلاّ الشاهد ، فهو وجه اللّه الذي يتوجّه إليه الخلق ، فكلّ شيء هالك إلاّ وجهه ، والأئمّة المعصومون وكذلك الأنبياء عليهم السلام هم وجه اللّه ، وهذا ممّا يدلّ عليه حكم العقل وعند العقلاء ، كما يدلّ عليه النقل وما جاء في الروايات الشريفة.

( رقية - ... - ..... )

من هم الآل في آية التطهير :

س : ما هو الدليل على أنّ كلمة « آل » تعني علي وفاطمة وأبنائهم عليهم السلام؟ وجزاكم اللّه عن أوليائه خير الجزاء ، نسألكم الدعاء ، وفي أمان الباري.

ج : روي عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله قال : « لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء » ، قالوا : وما الصلاة البتراء يا رسول اللّه؟ قال : « تقولون : اللّهم صلّ على محمّد وتسكتون ، بل قولوا : اللّهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد »(1).

روى مسلم بسنده عن أبي مسعود الأنصاري قال : أتانا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ونحن في مجلس سعد بن عبادة ، فقال له بشير بن سعد : أمرنا اللّه أن نصلّي عليك يا رسول اللّه ، فكيف نصلّي عليك؟ قال : فسكت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حتّى تمنّينا أنّه لم يسأله.

ثمّ قال : « قولوا : اللّهم صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ، كما صلّيت على

ص: 438


1- مسند أحمد 3 / 47 و 4 / 241 ، سنن أبي ماجة 1 / 293 ، الجامع الكبير 1 / 301 ، سنن النسائيّ 3 / 47 ، المصنّف للصنعانيّ 2 / 212 ، مسند ابن الجعد : 40 ، المصنّف ابن أبي شيبة 2 / 390 ، السنن الكبرى للنسائيّ 1 / 382 ، و 6 / 18 ، صحيح ابن حبّان 5 / 287 و 295 ، المعجم الصغير 1 / 85 ، المعجم الأوسط 3 / 91 و 4 / 378 و 7 / 57 ، المعجم الكبير 17 / 250 و 19 / 124 و 155 ، كنز العمّال 2 / 275 ، جامع البيان 22 / 53 ، زاد المسير 6 / 214 ، الدرّ المنثور 5 / 215 ، فتح القدير 4 / 303 ، تاريخ بغداد 8 / 137 ، البداية والنهاية 1 / 198 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 10 ، و 12 / 434 ، ينابيع المودّة 1 / 141.

آل إبراهيم ، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد ، كما باركت على آل إبراهيم في العالمين ، إنّك حميد مجيد » (1).

وأمّا أنّ أهل البيت عليهم السلام هم الخمسة أصحاب الكساء ، فقد روى الحاكم بسنده عن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب ، عن أبيه أنّه قال : لمّا نظر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله إلى الرحمة هابطة قال : « ادعوا لي ادعوا لي » ، فقالت صفية : من يا رسول اللّه؟ قال : « أهل بيتي علياً وفاطمة والحسن والحسين » ، فجيء بهم ، فألقي عليهم النبيّ صلى اللّه عليه وآله كساءه.

ثمّ رفع يديه ، ثمّ قال : « اللّهم هؤلاء آلي ، فصلّ على محمّد وآل محمّد » ، وأنزل اللّه عزّ وجلّ : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (2).

وقال الحاكم : « هذا حديث صحيح الإسناد » (3).

وممّا يدلّ على أنّ زوجاته لسن من أهل البيت :

أوّلاً : الروايات الواردة في شأن نزول آية التطهير صريحة في الحصر بهؤلاء ، وهي روايات بلغت حدّ التواتر في حصر أهل البيت بهؤلاء ، وإدخال غيرهم يحتاج إلى دليل.

ثانياً : الكثير من هذه الروايات لمّا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « اللّهم هؤلاء أهل بيتي ... » ، قالت أُمّ سلمة : فأنا معهم يا نبيّ اللّه؟ قال : « أنت على مكانك ، وأنت على خير » (4). .

ص: 439


1- صحيح مسلم 2 / 116.
2- الأحزاب : 33.
3- المستدرك على الصحيحين 3 / 148.
4- شواهد التنزيل 2 / 63 و 115 ، المستدرك 2 / 416 ، مسند أبي يعلى 12 / 456 ، المعجم الكبير 3 / 53 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 142 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 13 ، الدرّ المنثور 5 / 198 ، مسند أحمد 6 / 292 و 323.

وروى الحاكم : أنّ أُمّ سلمة قالت : يا رسول اللّه ما أنا من أهل البيت؟ قال : « إنّك إلى خير ، وهؤلاء أهل بيتي ، اللّهم أهل بيتي أحقّ » (1).

وفي رواية أُخرى قالت أُمّ سلمة : يا رسول اللّه ألستُ من أهل البيت؟ قال : « إنّك إلى خير ، إنّك إلى خير ، إنّك من أزواج النبيّ » (2).

وروى مسلم عن زيد بن أرقم ، عندما سئل : « مَن هم أهل بيته؟ نساؤه؟ قال : لا ، وأيم اللّه إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ، ثمّ يطلّقها فترجع إلى أبيها وقومها ؛ أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده » (3).

وعن أبي سعيد الخدريّ قال : « أهل البيت الذين أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، فعدّهم في يده ، فقال : خمسة : رسول اللّه وعلي وفاطمة والحسن والحسين » (4).

( هادي هادي - السعودية - .... )

منشأ ألقابهم :

س : أرغب بسرد موجز عن سبب تسمية الأئمّة عليهم السلام بألقاب الزكي والصادق والرضا ، فليكن لجميعهم.

ج : إنّنا اتبعنا في ذلك النصّ الوارد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ففي رواية جابر بن عبد اللّه الأنصاري - المروية في كتاب الغيبة - أنّه : « سمّاهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ولقّبهم بهذه الألقاب » (5).

أمّا لماذا اختصّ هذا الإمام بهذا اللقب ، وذاك بذاك اللقب ، مع أنّهم جميعاً

ص: 440


1- المستدرك 2 / 416.
2- شواهد التنزيل 2 / 86 و 124 ، الدرّ المنثور 5 / 198 ، تاريخ مدينة دمشق 14 / 145.
3- صحيح مسلم 7 / 123.
4- مجمع الزوائد 9 / 165.
5- الغيبة للشيخ الطوسيّ : 143.

صادقون وباقرون وكاظمون و ..؟ فلعلّه ناظر إلى تلك الظروف التي كان يعيشها الإمام عليه السلام ، فمثلاً الإمام الباقر عليه السلام كان يعيش في ظرف فسح له المجال لانتشار علم الأئمّة ، فكأنّه أتى بجديد على الناس ، ولم يسمعوا به بهذا التفصيل من ذي قبل ، خاصّة من كثرة الوقائع وتوسّع المسائل ، فعرف بالباقر لبقره وشقّه للعلم ، وفتقه لمسائل العلم وتعمّقه فيها ، وكشفه عن خفاياها وكنوزها.

وهكذا الإمام الصادق عليه السلام ، فإنّه عاش في ظرف كثر فيه العلماء ، وانتشرت فيه العلوم ، ممّا أدّى إلى اختلاط كبير بين الروايات والفتاوى الصادرة من بعض علماء المدارس والمذاهب الأُخرى ، فاحتاجت الساحة العلمية إلى من يفرز الفكر الأصيل على مستوى الرواية عن غيرها ، فتصدّى الإمام الصادق عليه السلام لهذا الدور بشكل مركّز ، وباعتبار عظمة الثقة به ، ولقدرة تمييزه الصحيح من غيره عرف بالصادق.

إذاً لعلّ مثل هذه الظروف كان لها سهم كبير في ظهور هذه الصفة في هذا الإمام أكثر من ذلك ، وإلاّ من حيث المبدأ كلّهم متساوون في هذه الصفات.

( ياسر العسبول - البحرين - .... )

موالاتهم عامل مهم لدخول الجنّة :

س : هل كلّ من يوالي أهل البيت عليهم السلام يدخل الجنّة؟

ج : لا ريب أنّ موالاة أهل البيت عليهم السلام مع التبري من أعدائهم - أي الموالاة الحقيقيّة الدائرة بين النفي والإيجاب ك- « لا إله إلاّ اللّه » - عامل مهمّ بل هو عمدة ما في الباب للدخول إلى الجنّة ، بل يظهر من بعض النصوص حتمية ذاك ، وإن فعل كذا وكذا ، أو لم يفعل.

نعم ، لابدّ وأن يمرّ المؤمن بمرحلة تمحيص ، وقد يصل إلى دخول النار واللبث فيها ، وقد لا يكون قصيراً ، بل عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « من قال

ص: 441

لا إله إلاّ اللّه دخل الجنّة ، وإن زنى وإن سرق »(1) ، وهذا لاشكّ أنّه ليس على إطلاقه ، فكذا فيما يرجع إلى من تولاّهم عليهم السلام.

ونظير هذا ما جاء في كتاب التوحيد ، حيث علّق الشيخ الصدوق ( قدس سره ) بقوله : « يعني بذلك أنّه يوفّق للتوبة حتّى يدخل الجنّة »(2).

وقال العلاّمة المجلسيّ ( قدس سره ) : « وأمّا أصحاب الكبائر من الشيعة ، فلا استبعاد في عدم دخولهم النار ، وإن عذّبوا في البرزخ وفي القيامة ... وقد ورد في بعض الأخبار : أنّ ارتكاب بعض الكبائر ، وترك بعض الفرائض أيضاً داخلان في الشرك ، فلا ينبغي الاغترار بتلك الأخبار ، والاجتراء بها على المعاصي »(3).

ومع هذا ، فقد وردت روايات كثيرة جدّاً في الصفح عن الشيعة ، وشفاعة أئمّتهم عليهم السلام ، فراجع(4).

( أبو أحمد - السعودية - .... )

موقفهم من الحركات الثورية الشيعيّة :

س : بعد لثم أناملكم الشريفة ، أبعث لسماحتكم تساؤلاتي التالية ، آملاً أن أحظى بالإجابة الوافية :

1 - يزعم البعض : أنّ هناك روايات عن الأئمّة عليهم السلام تذكر : أنّ أيّ دولة تقوم قبل خروج الإمام الحجّة عليه السلام فهي دولة غير شرعية ، فما مدى صحّة هذه الروايات وثباتها وحجّيتها؟ وما المقصود منها إن صحّت؟

2 - هل كان الأئمّة الأطهار عليهم السلام يشجّعون الحركات الثورية الشيعيّة المتعدّدة ، التي حدثت في زمانهم؟ وما موقفهم عليهم السلام من حركة إبراهيم ومحمّد ذي النفس الزكية؟

ص: 442


1- صحيح البخاريّ 7 / 43.
2- التوحيد : 25 و 410.
3- بحار الأنوار 3 / 8.
4- المصدر السابق 65 / 98.

3 - ما الأسباب التي دعت الأئمّة عليهم السلام عدم انتهاج المقاومة المسلّحة؟ ونسألكم الدعاء.

ج : نجيب على أسئلتكم بالترتيب كما يلي :

1 - هناك أحاديث وردت في مجامعنا الحديثية تنهى وتستنكر الحركات والأنظمة السياسية قبل ظهور الحجّة عليه السلام ، ولكن يجب أن نلاحظ في المقام عدّة أُمور :

أ - إنّ هذه الروايات على طوائف من حيث السند ، ففيها المعتبر ، وفيها غيره ، وعليه فلابدّ من التأكّد في جانب السند حتّى يكون الحديث حجّة في المقام.

ب - إنّ النهي الوارد في بعض هذه النصوص هو نهي إرشادي لا مولوي ، أي إنّ الإمام عليه السلام كان يريد أن يذكر بأنّ الحركة والنهضة سوف لا تثمر ولن تصيب الهدف ، وإن كانت الغاية منها قد يستوجب التقدير والتأييد ، ولكن بما أنّها لن تستثمر ، ومن ثمّ تقع سلبياتها على الشيعة والأُمّة.

فإنّ الأئمّة عليهم السلام كانوا ينهون عن التورّط في هذه الحركات ، وهذا ما حدث مع زيد بن علي عليه السلام ، فقد كان هو وهدفه ممدوحاً ومؤيّداً من جانب الأئمّة عليهم السلام ، ولكن بما أنّ الإمام عليه السلام كان لا يرى نتيجة مثمرة من نهضته فكان تارةً يصرّح ، وأُخرى يلوّح بما سيؤول إليه أمره.

وفي عبارة مختصرة : إنّ النهي الوارد في بعض هذه الروايات كان لمصلحة الاحتفاظ على كيان التشيّع عن الدخول في معركة غير متوازنة مع الحكم السائد.

وهذا يختلف جذرياً مع النهضة الحسينية ، إذ كان القائد لها وهو الإمام الحسين عليه السلام قد انتهج خطّاً ، واستعمل أسلوباً خاصّاً في حركته ، أدّت إلى بقاء وازدهار الفكر الشيعيّ إلى يومنا هذا.

ج - إنّ النهي الوارد في بعض هذه الأحاديث نهي مضاف لا مطلق ، أي إنّ

ص: 443

الإمام عليه السلام وبملاحظة المصالح كان قد ينهى عن التحرّك والخروج لبعض الأشخاص والجهات ، وهذا نظير نهي الإمام عليه السلام عن التوغّل في المباحث الكلامية لبعض أصحابه ، في حين كان يشجّع البعض الآخر لتصدّي هذا الأمر.

د - إنّ النهي الوارد في بعض هذه النصوص وإن كان مطلقاً ، ولكنّه قد قيّد وخصّص في فترات زمنية محدّدة ، فترى مثلاً أنّ بعض الروايات تؤيّد حركة اليماني - وهي من الحركات التي تسبق الظهور - وتحثّ الناس بالمشي إليه ، أو أنّ خروج الحسني أو الخراساني ، وذي النفس الزكية ، وحركاتهم مؤيّدة في الجملة.

أو أنّ دولة الأدارسة في المغرب - في أيّامها الأول - كانت على صلة قريبة من بعض الأئمّة عليهم السلام ، أو أنّ إمارة علي بن الإمام الباقر عليه السلام في مشهد أردهال - منطقة قريبة من قم وكاشان - كانت بتنصيص صريح من الإمام عليه السلام ، ونظائر أُخرى.

2 - إنّ الأئمّة عليهم السلام لو كانوا يرون مصلحة في تأييد بعض الجهات والحركات ، كانوا يدعمونهم باليد واللسان في حدود التقية ، ولكن بما أنّ أكثر التحرّكات لم تكن صالحة ومثمرة ، والبعض القليل منها وإن كانت على حقّ ، ولكن لم تعط النتائج المتوقّعة منها ، لم يبدوا اهتماماً جادّاً في هذا المجال.

ثمّ إنّ خروج إبراهيم ومحمّد ذي النفس الزكية يجب أن ينظر إليه من هذه الزاوية ، فالإمام عليه السلام وإن كان يعلم صدق نيّتهما ، ولكن بما أنّه كان يرى عدم الفائدة في ذلك المقطع من الزمن في التحرّك على الطاغية ، لعدم تهيّؤ الأرضية المناسبة لهذه الحركة ، لم يشجّعهما ، ولم يحثّ الشيعة بالالتحاق بهما.

3 - السبب الوحيد في هذا المجال هو عدم استجابة الخطّ العام في المجتمع

ص: 444

لفكرة الإمامة ، ويؤيّد هذا الموضوع عدم رضوخهم لحكومة أمير المؤمنين عليه السلام ، وانحيازهم إلى جانب معاوية في مجابهته للإمام الحسن عليه السلام ، وأخيراً استشهاد الإمام الحسين عليه السلام ، وعدم وقوفهم معه في وجه يزيد بن معاوية.

كلّ هذا كان دليلاً واضحاً على أنّ عامّة الناس يفضّلون البقاء تحت إمرة الطواغيت ، ولا يستجيبون للحقّ إلاّ القليل منهم.

وفي هذه الظروف لا يمكن اتخاذ أسلوب الكفاح المسلّح ، لأنّه لا يثمر النتيجة المتوخّاة ، وتبقى الخسائر في الأرواح والأموال على أرض الصراع دون ثمرة.

( أمير - الإمارات - .... )

مبغضهم يدخل النار :

س : هل الذين يبغضون آل البيت مؤمنين ويدخلون الجنّة؟

ج : ورد في كتب الفريقين عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّه قال لعلي عليه السلام : « يا علي ، إنّك قسيم الجنّة والنار »(1).

فإذا كان علي عليه السلام هو قسيم الجنّة والنار ، كيف يدخل الجنّة من يبغضه؟ وهل يسمّى مؤمناً من يبغض علياً وآله عليهم السلام؟

وقد ورد في كتب الفريقين عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّه قال لعلي عليه السلام : « يا علي ، لا يحبّك إلاّ مؤمن ، ولا يبغضك إلاّ منافق »(2).

ص: 445


1- ينابيع المودّة 1 / 173 و 249 و 2 / 404 ، شرح نهج البلاغة 9 / 165 و 19 / 139 ، كنز العمّال 13 / 152 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 298 ، لسان العرب 12 / 479 ، تاج العروس 9 / 25 ، مناقب أمير المؤمنين : 107.
2- مسند أحمد 1 / 95 و 128 ، مجمع الزوائد 9 / 133 ، فتح الباري 1 / 60 و 7 / 58 ، شرح نهج البلاغة 13 / 251 ، تاريخ بغداد 8 / 416 و 14 / 426 ، أُسد الغابة 4 / 26 ، تذكرة الحفّاظ 1 / 10.

ثمّ إنّ بغض علي عليه السلام هو في الواقع بغض لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، كما ورد في كتب الفريقين عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أنّه قال : « من أحبّني فليحب علياً ، ومن أبغض علياً فقد أبغضني ، ومن أبغضني فقد أبغض اللّه عزّ وجلّ ، ومن أبغض اللّه أدخله النار »(1).

إذاً ، مبغض علي وآله عليهم السلام ليس مؤمناً بل منافق ، وفي بعض الروايات كافر ، ومصيره النار لا الجنّة.

( كميل - عمان - 22 سنة - طالب جامعة )

هم آل اللّه :

س : ما معنى أنّ أهل البيت عليهم السلام هم آل اللّه؟

ج : الأهل في اللغة أهل البيت ، والأصل فيه القرابة ، وقد أطلق على الأتباع(2) وأهل اللّه وآل اللّه كناية عن شدّة الحبّ لله والقرب منه ، حتّى أطلق عليهم أولياء اللّه ، وهم عليهم السلام حجّة اللّه في أرضه.

( علي شكر - بريطانيا - 18 سنة - طالب )

هم الراسخون في العلم :

س : من هم الراسخون في العلم في القرآن؟ هل هم أهل البيت عليهم السلام؟ وكيف يمكن إثبات ذلك؟

ص: 446


1- ذخائر العقبى : 65 ، المستدرك 3 / 130 ، مجمع الزوائد 9 / 132 ، المعجم الكبير 23 / 380 ، الجامع الصغير 2 / 554 ، كنز العمّال 11 / 601 و 622 ، فيض القدير 6 / 42 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 271 ، الجوهرة : 66 ، جواهر المطالب 1 / 63 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 293 ، ينابيع المودّة 2 / 155 و 363 و 395 و 458.
2- المصباح المنير : 28.

ج : إنّ معنى الرسوخ هو الثبات ، ومنه قولك : رسخ في ذهني رسوخاً ، أي ثبت الشيء في الذهن ، والراسخون في العلم أي الثابتون فيه والعارفون بواطنه.

والراسخون في العلم المشار إليهم في الآية الكريمة هم الراسخون في علم تأويل القرآن ، لأنّ سياق الآية يفهم منه أنّ الراسخين في العلم الذين يعرفون تأويل القرآن وبواطنه وغوامض متشابهه.

وإنّ الراسخين في العلم في الأُمّة المرحومة لا يكونون إلاّ أهل البيت عليهم السلام فقد ورد عن أئمّتنا عليهم السلام التصريح بأنّهم الراسخون في العلم ، والعارفون بمواطن الكتاب ومتشابهه ، فضلاً عن محكماته.

فعن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « إنّ القرآن محكم ومتشابه ، فأمّا المحكم فنؤمن به ونعمل به وندين به ، وأمّا المتشابه فنؤمن به ولا نعمل به ، هو قول اللّه تعالى : ( فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ) (1) ، والراسخون في العلم هم آل محمّد »(2).

عن الفضيل بن يسار عن الإمام الباقر عليه السلام قال : ( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) نحن نعلمه(3).

وعن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام قال : « نحن الراسخون في العلم ، فنحن نعلم تأويله »(4).

إلى غير ذلك من الروايات الصحاح التي تؤكّد أنّ أهل البيت عليهم السلام هم الراسخون في العلم.

ص: 447


1- آل عمران : 7.
2- تفسير العيّاشي 1 / 163.
3- المصدر السابق 1 / 164.
4- نفس المصدر السابق.

( أسدي - بريطانيا - .... )

هم علّة الخلق :

س : سادتي الأفاضل كيف يمكننا الجمع بين ما يلي ، أرجو بيان الوجه العلمي والأُصولي لذلك : بين الآية الكريمة ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ )(1) ، وبعض مروياتنا التي تجعل العلّة الغائية أهل البيت عليهم السلام ، وهذا في واقعه يعارض الانحصار في الآية الشريفة.

أفيدونا جزاكم اللّه خيراً.

ج : لا تنافي بين الآية الكريمة وبين كونهم عليهم السلام العلّة الغائية ، إذ بالتدبّر سينحلّ ما أشكل عليك ، وذلك ببيان مختصر نقدّمه إليك :

إنّ الآية الكريمة تدلّ على أنّ الغاية من الخلق هو عبادة اللّه تعالى ، وعبادته تعالى هو معرفته ، ومعرفته لا تكون إلاّ عن طريق حججه وأوليائه ، وهم أهل البيت عليهم السلام.

فبواسطتهم يعرف العباد سبل تكليفهم ، وكيفية عبادتهم لله تعالى ، إذ هذه العبادة تكون توقيفية - أي موقوفة على اعتبار الشارع وأوامره - وهذه الأوامر والتوقيفات لا تعرف إلاّ بهم عليهم السلام ، فهم علّة غائية بالتبع للعلّة الغائية الأُولى ، وهي عبادة اللّه تعالى ، أي أنّ علّتهم الغائية متفرّعة من علّة الإيجاد ، وهي عبادة اللّه تعالى.

فهنا مقدّمتان كبرى وصغرى :

فالكبرى : هي أنّ علّة الإيجاد والخلق ، عبادة اللّه تعالى ، العبادة التي لا تكون إلاّ بالمعرفة.

والصغرى : هي أنّ المعرفة لا تكون إلاّ عن طريقهم عليهم السلام.

والنتيجة : هي أنّهم عليهم السلام علّة غائية للخلق ، بلحاظ تعريف العباد كيفية

ص: 448


1- الذاريات : 56.

عبادتهم لله تعالى ، ولعلّ الحديث القدسي يشير إلى هذا الجمع : « يا أحمد لولاك ما خلقت الأفلاك ، ولولا علي ما خلقتك ، ولولا فاطمة لما خلقتكما »(1).

فالتدبّر في الحديث ، يضيف لك وجوه الجمع المحتملة المشار إليها.

( محمّد بن أحمد العجمي - عمان )

إهداء ثواب قراءة القرآن لهم :

س : ما هو الحكم في إهداء سورة أو آية من القرآن الكريم إلى أرواح الأئمّة عليهم السلام؟ علماً بأنّهم غير محتاجين إلى الثواب من أحد إلاّ من اللّه عزّ وجلّ؟

ج : فبحسب بعض الروايات إنّهم عليهم السلام يردّون هذه الهدايا بأضعاف مضاعفة إلى مهديها ، فأثر هذه الهدايا ترجع بالمآل إلى أصحابها ؛ مضافاً إلى أنّه من باب التقدير والتكريم والتعظيم لهم ، ولما تحمّلوه في أعباء الإمامة ، وعلماً بأنّ نفس قراءة القرآن - بأيّ مناسبة كانت - لها التأثير الملحوظ في ضمير القارئ كما لا يخفى.

( أحمد جعفر - البحرين - 19 سنة - طالب جامعة )

مطهّرون قبل نزول آية التطهير :

س : نشكر لكم جهودكم في الإجابة على الأسئلة.

يقول اللّه تعالى : ( إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ ) (2).

يقول في الآية : ( وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ ) ألا تعني العصمة؟ كما

ص: 449


1- مجمع النورين : 187.
2- الأنفال : 11.

في قوله تعالى : ( لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (1) ، ولم لا تكون دليلاً على أنّهم مطهّرون عن رجز الشيطان قبل نزول الآية ، بدليل قوله : ( عَنكُمُ ) ؟

ثمّ ألا تدلّ هذه الآية على فضيلة لجميع الصحابة؟ لأنّ اللّه تعالى طهّرهم كلّهم.

ج : إنّ آية ( وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ ) لا تدلّ على عصمة أصحاب بدر ، كما تدلّ آية التطهير على عصمة أهل البيت عليهم السلام ؛ لأنّ المراد من رجز الشيطان هو الجنابة التي أصابتهم ، بينما المراد من الرجس هو اجتناب المعاصي والذنوب ، والاجتناب دليل على العصمة.

كما أنّ الآية لا تدلّ على تطهيرهم قبل نزولها ، كما دلّت آية التطهير على تطهير أهل البيت عليهم السلام قبل نزولها ؛ لأنّ اللام في آية التطهير لام الجنس ، بينما اللام في آية ( وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ ) لام التعليل ، أي يطهّركم لأجل ما أصابكم من الجنابة.

قال في الكشّاف : « وذلك أنّ إبليس تمثّل لهم ، وكان المشركون قد سبقوهم إلى الماء ، ونزل المؤمنون في كثيب أعفر تسوخ فيه الأقدام على غير ماء ، وناموا فاحتلم أكثرهم.

فقال لهم : أنتم يا أصحاب محمّد! تزعمون أنّكم على الحقّ ، وإنّكم تصلّون على غير الوضوء وعلى الجنابة ، وقد عطشتم ، ولو كنتم على الحقّ ما سبق عليكم هؤلاء على الماء ، وما ينتظرون بكم إلاّ أن يجهدكم العطش ، فإذا قطع العطش أعناقكم مشوا إليكم ، فقتلوا من أحبّوا ، وساقوا بقيّتكم إلى مكّة ، فحزنوا حزناً شديداً وأشفقوا ، فأنزل اللّه مطراً ، فمطروا ليلاً حتّى جرى الوادي ، واتخذ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وأصحابه الحياض على عدوة الوادي ، وسقوا الركاب ، واغتسلوا وتوضّؤا ، وتلبّد الرمل الذي كان بينهم وبين العدو

ص: 450


1- الأحزاب : 33.

حتّى ثبتت عليه الأقدام ، وزالت وسوسة الشيطان ، وطابت النفوس »(1).

ثمّ إنّ هذه الآية تدلّ على فضيلة لبعض الصحابة لا لجميعهم ، وهم الذين كانوا في بدر.

( حسين حبيب عبد اللّه - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

معنى تطهيرهم أي عصمتهم :

س : سؤالي يدور حول آية التطهير ، فأبناء السنّة يقولون : إنّ الآية كانت عادية ، فلم ترفع أهل البيت إلى مستوى العصمة ، واستدلّوا بقوله : ( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ ) ، ويقولون : إنّ التطهير كان في هذه الآية للمؤمنين ، كما سبق في آية التطهير ، فما الفرق بين الآيتان.

ج : إنّ التطهير في قوله : ( وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ ) (2) ، وكذا في قوله : ( مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ ) (3) ، يختلف عنه في قوله : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (4).

لأنّه هناك عامّ لجميع المسلمين ، والمقصود منه فيهما رفع الحدث ، سواء الوضوء كما في آية المائدة ، أو الجنابة كما في آية الأنفال.

أمّا آية التطهير ففيها خصوصيات كثيرة ، تجعلها لا تشابه أية آية أُخرى في ذكر التطهير ، منها :

ص: 451


1- زبدة البيان : 31.
2- الأنفال : 11.
3- المائدة : 6.
4- الأحزاب : 33.

1 - أداة الحصر ( إِنَّمَا ) فهي تدلّ على حصر الإرادة في إذهاب الرجس والتطهير.

2 - كلمة ( عَنْكُمْ ) في الآية قُدّمت وهي تستحق التأخير ( ليذهب الرجس عنكم أهل البيت ) ، وفي ذلك دلالة على الحصر - كما ذكرنا في محله في أدوات الحصر - أي حصر إذهاب الرجس بأهل البيت.

ففي الآية في الحقيقة قصدان : قصد الإرادة في إذهاب الرجس والتطهير ، وقصد إذهاب الرجس والتطهير في أهل البيت عليهم السلام.

3 - قوله : ( وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) يدلّ على العصمة ، لأنّ المراد بالتطهير المؤكّد بمصدر فعله ، هو إزالة أثر الرجس بإيراد ما يقابله بعد إذهاب أصله ، ومن المعلوم أنّ ما يقابل الاعتقاد الباطل هو الاعتقاد الحقّ ، فتطهيرهم هو تجهيزهم بإدراك الحقّ في الاعتقاد والعمل ، ويكون المراد بالإرادة أيضاً غير الإرادة التشريعية.

4 - اللام في كلمة ( الرِّجْس ) لام الجنس ، والمراد من الرجس كل ما يشين كما ذُكر في كتاب اللغة.

ففي الآيات الأُخرى من القرآن تتكلّم عن التطهير من النجاسات المادّية أو المعنوية ، كالغسل والوضوء ، أمّا في هذه الآية ، فالطهارة هنا أعمّ وأشمل من كلّ نجاسة وقذر ومعصية وشرك وعذاب ، فهي تتكلّم عن أعلى مراتب الطهارة لا مرتبة بسيطة من مراتب الطهارة ، كما في الآيات الأُخريات.

وبالتالي فآية التطهير تدلّ على الطهارة بأعلى درجاتها ، وهي ما نسمّيه بالعصمة ، وأمّا ما سواها من الآيات التي تذكر تطهير المؤمنين فلا ترتقي قطعاً لهذه الآية ولا تشابهها ، وإنّما تدلّ على طهارة مادّية أو معنوية ، كالوضوء والتيمم والغسل وما شابه.

وأدلّ دليل على مدّعانا ، ما رواه العامّة والخاصّة في الصحاح - كمسلم وغيره - من تطبيق النبيّ صلى اللّه عليه وآله لهذه الآية بدقّة عالية من جمع أهل البيت عليهم السلام المخصوصين

ص: 452

بالعصمة معه ، ووضعه الكساء عليهم ، وعدم إدخال أحد معهم ، حتّى أُمّ المؤمنين أُمّ سلمة رفض إدخالها ، مع مكانتها وتقواها ، وبيّن اختصاص أهل البيت عليهم السلام بهذه الآية مع طلبها الشديد ، وأخذها الكساء ، فهي تخبرنا بأنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله جذب منها الكساء ، وقال لها : « ابق إلى مكانك إنّك إلى خير » ، وفي رواية : « أنت من أزواج النبيّ » ، مع ما يحمله النبيّ الأعظم صلى اللّه عليه وآله من خُلق عظيم ، وعدم ردّ طلب أيّ أحد ، ناهيك عن نسائه ، بل أعزّ واتقى نسائه في زمانها - أي بعد خديجة - ولكن الحقّ أحقّ أن يُتّبع.

ثمّ إخراج يده الشريفة من الكساء ورفعها إلى السماء ، ودعاء ربّ السماء بأنّ هؤلاء هم أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، فأين هذه الآية من تلك؟

( أحمد - الكويت - 20 سنة - طالب )

هم أصحاب الكساء للروايات وتغيير صيغة الضمائر :

س : تقبّل اللّه أعمالكم ، ووفّقكم اللّه لمرضاته ، في الحقيقة عندي استفسار بخصوص آية التطهير ، الروايات المتواترة تقول : إنّها نزلت في أصحاب الكساء ، والقرائن الداخلية في الآية الكريمة تفيد أيضاً ، إلاّ أنّني أُريد الإجابة على الإشكال الذي يطرحه البعض ، وهو في النظر إلى هذه الآية الكريمة ( أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ ) (1) بحيث إذا كان الرجل وزوجته يطلق عليهما أهل البيت ، إذاً آية التطهير وهي : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (2).

ص: 453


1- هود : 73.
2- الأحزاب : 33.

وقد تغيّرت الصيغة الخطابية من التأنيث إلى التذكير ، لأنّ الرسول وأزواجه داخلين في الآية الكريمة ، إذ هم أهل البيت ، رجاءً الإجابة على هذه النقطة بالذات ، وشكراً وبارك اللّه بكم.

ج : حينما ندّعي اختصاص عنوان أهل البيت بخصوص أصحاب الكساء دون أزواج النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، فتارة ندّعي ذلك من منطلق اختصاص نفس العنوان المذكور بغير الأزواج ، أي يُدعى أنّ هذا العنوان لا يطلق في لغة العرب أو المصطلح القرآني على الأزواج ، فالزوج ليس من أهل بيت الرجل ، إنّه بناء على أن تكون الدعوى هكذا ، يرد الإشكال الذي أشرتم إليه ، حيث إنّ القرآن الكريم استعمل كلمة أهل البيت في حقّ الأزواج ، هذا تارة.

وتارة أُخرى ندّعي عدم شمول العنوان المذكور للأزواج ، لا من جهة أنّه في اللغة أو في المصطلح القرآني كذلك ، بل من جهة أنّ الروايات الكثيرة من طرق الشيعة والعامّة قد فسّرت عنوان أهل البيت في خصوص هذا المورد بالذات ، بخصوص أصحاب الكساء الخمسة ، وخصوصاً مع تغيير صيغة الضمائر في الآيات فلا يرد الإشكال الذي أشرتم إليه كما هو واضح.

( كرّار أحمد المصطفى - الكويت - 19 سنة - طالب جامعة ومبلّغ دين ) لأمّهات الأئمّة شأن خاصّ :

س : هل كانت جميع زوجات الأئمّة على مستوى عال من التقوى؟ لا أعني أُمّ الفضل التي سمّت الجواد عليه السلام ، إنّما أُمّهات الأئمّة ، ودمتم موفّقين لخدمة محمّد وآل محمّد عليهم السلام.

ج : إنّ لأُمّهات الأئمّة عليهم السلام شأناً خاصّاً ، لأنّ الإمام عليه السلام في وجوده التكويني يمتاز بمواصفات خاصّة يحتاج إلى ظرف ممتاز عن غيره.

وهذا يعني أنّهن وصلن إلى مستويات عالية من الالتزام بالدين والعقيدة ، والورع عن الشبهات والمحرّمات ، لتتهيّأ أرضية ممتازة وفريدة لظهور ونشوء وجود الإمام عليه السلام.

ص: 454

( علي - فرنسا - سنّي - 28 سنة - طالب )

نعتقد بعصمتهم وعلمهم للغيب :

س : نحن السنّة أحقّ منكم بأهل البيت واللّه يشهد ، نحبّ جميع الصحابة ونترحّم عليهم ، علي وبنيه في قلوبنا نحبّهم ونتولاّهم ، لكن لا نقول إنّهم معصومون ، لا عصمة إلاّ لنبيّ ، ولا نقول إنّهم يعلمون الغيب ( لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللّهُ ) ، يهديكم اللّه ، ويصلح بالكم.

ج : إدعاء محبّة أهل البيت عليهم السلام سهل جدّاً ، ولكن المهمّ هو العمل.

وقولك : لكن لا نقول إنّهم معصومون ، لا عصمة إلاّ لنبيّ ، ولا نقول إنّهم يعلمون الغيب ( لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللّهُ ) (1).

فنقول : أمّا العصمة فنحن نقول بها عن دليل وبرهان ومبنى وفهم يختلف عن مبناكم وفهمكم للعصمة ، وقولكم : لا عصمة إلاّ لنبيّ لا دليل عليه ، بل هو مخالف لقوله تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (2).

وكذلك لديكم أنّ الملائكة معصومون عن الخطأ والمعصية ، وليس من المحال أن يُعصَمَ أناس عاديون ليسوا بأنبياء بل أولياء ، وأوتاد الأرض والدعاة إلى اللّه المخلصين ، فذلك غير محصور قطعاً بالأنبياء عليهم السلام.

ومسألة علم الغيب فلا أدري يا أخي هل قرأت ما في مسلم وغيره عن حذيفة : « أخبرني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة ، فما منه شيء إلاّ قد سألته ، إلاّ إنّي لم أسأله ما يخرج أهل المدينة من المدينة »(3).

وفي رواية أُخرى لمسلم عن حذيفة قال : « قام فينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله مقاماً ما

ص: 455


1- النمل : 65.
2- الأحزاب : 33.
3- صحيح مسلم 8 / 173 ، المستدرك 4 / 426 ، مسند أبي داود : 58 ، مسند أحمد 5 / 386.

ترك شيئاً يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلاّ حدّث به ، حفظه من حفظه ، ونسيه من نسيه ، قد علمه أصحابي هؤلاء ، وإنّه ليكون منه الشيء قد نسيته فأراه ، فأذكره ، كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه ، ثمّ إذا رآه عرفه »(1).

فمثل هذه العلوم الغيبية هي التي ندّعيها للأئمّة عليهم السلام ، لأنّهم تعلّموا من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وهم أهل بيته وأدرى من غيرهم بما فيه ، وإن أبيت اختصاصهم فاجعلهم ممّن سمع تلك الخطبة من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وحفظها ، فهل هذا مستحيل؟ أم مخالف للكتاب والسنّة؟!

( .... - 23 سنة - طالب جامعة )

جواري الأئمّة لم يمسّهن أحد غير الإمام :

س : الإخوة الكرام في مركز الأبحاث العقائدية ، دمتم موفّقين.

ممّا لاشكّ فيه : أنّ بعض النواصب في الإنترنت يقومون بالتشهير بنا ، وسبّنا بأقذع الألفاظ ، ونحتسب ذلك عند اللّه تعالى ، ولكن قد وصل الأمر إلى البعض أنّهم يأتون بأحاديث من كتبنا ، تدلّ على أنّ أُمّهات أئمّتنا الأطهار عليهم السلام من الجواري ، ثمّ يستدلّون أنّ الجارية حسب مذهبنا يجوز استعارة فرجها.

فلم يكفيهم الظلم؟ والآن يسبّون الشرف الطاهر ، ويشكّكون بالشجرة المباركة.

راجياً منكم بيان هذا الأمر ، وما ذكر في كتبنا من أحاديث وما صحّتها؟ والدفاع عن حياض أهل البيت عليهم السلام في أقرب وقت ممكن ، ودمتم موفّقين ، تحرسكم رعاية الباري تعالى.

ج : نقول : وإن كانت بعض زوجات الأئمّة جواري ، إلاّ أنّ الأئمّة عليهم السلام كانوا يعتقونهن ، ثمّ يتزوّجوهن بالعقد الدائم ، فمثلاً أُمّ الإمام زين العابدين عليه السلام - هي

ص: 456


1- صحيح مسلم 8 / 172.

شاه زنان - أعتقها أمير المؤمنين عليه السلام وزوّجها للحسين عليه السلام (1).

وكذلك أُمّ الإمام المهديّ عليه السلام ، تزوّجها الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام بعد أن كانت جارية ، فعن الإمام الهادي عليه السلام قال : « يا كافور : ادع لي أختي حكيمة » ، فلمّا دخلت عليه قال عليه السلام لها : « ها هي » - يعني نرجس - فاعتنقتها طويلاً ، وسرّت بها كثيراً ، فقال لها مولانا : « يا بنت رسول اللّه أخرجيها إلى منزلك ، وعلّميها الفرائض والسنن ، فإنّها زوجة أبي محمّد وأُمّ القائم » (2) ، هذا أوّلاً.

ثانياً : جواري الأئمّة عليهم السلام لم ينكحهن أحد غير الإمام عليه السلام ، فهذه حميدة المصفّاة - أُمّ الإمام الكاظم عليه السلام - اشتراها الإمام الباقر عليه السلام وكانت بكراً ، ولم تنكح غير الإمام عليه السلام.

ففي دلائل الإمامة بعد سؤال الإمام لها عن حالها ، هل هي بكر أو ثيّب؟ فعرّفته أنّها بكر ، فقال لها : « أنّى يكون ذلك ، وأنت جارية كبيرة »؟

فقالت : كان مولاي إذا أراد أن يقرب منّي أتاه رجل في صورة حسنة ، فيمنعه أن يصل إليّ ، فدفعها أبو جعفر عليه السلام إلى أبي عبد اللّه عليه السلام.

وقال : « حميدة سيّدة الإماء ، مصفّاة من الأرجاس كسبيكة الذهب ، ما زالت الأملاك تحرسها ، حتّى أديت إلى كرامة اللّه عزّ وجلّ » (3).

وكذلك الحال مع أُمّ الإمام الرضا عليه السلام ، فإنّها لما اشترتها حميدة أُمّ الإمام الكاظم عليه السلام كانت بكراً ، وهبتها إلى الإمام الكاظم عليه السلام (4).

فالنتيجة : إنّ أُمّهات الأئمّة من الجواري - لو فرضنا عدم عتقهن - لم ينكحهن أحد غير الإمام عليه السلام. .

ص: 457


1- دلائل الإمامة : 196.
2- كمال الدين وتمام النعمة : 423 ، روضة الواعظين : 255 ، دلائل الإمامة : 496.
3- دلائل الإمامة : 308.
4- عيون أخبار الرضا 2 / 26.

ثالثاً : بالنسبة إلى ما يتّهموننا زوراً وتلفيقاً ، وبخصوص المسألة الفقهية الخاصّة بنكاح الإماء ، فإنّك تجد جوابنا عليها على صفحتنا تحت العنوان التالي : الأسئلة العقائدية / استعارة الفروج.

وأنت بعد أن تطالع ما كتبنا هناك ترى أنه لا ربط بين المسألتين ، فهذه مسألة فقهية في جواز أن يهب المالك أمته لمن يشاء بمقتضى ملكه ، فإن من البديهيّ جواز وطئ الأمة بالملك لا بالعقد.

وتلك مسألة في موضوع خارجي ، من أنّ الإمام الفلانيّ كانت أُمّه الجارية الفلانية ، ولا دليل خارجيّ قطعاً على حدوث انتقال لهن من يد إلى يد ، بل الدليل على عكسه ، كما علمت أوّلاً وثانياً.

وأمّا ما حاولوا الطعن فيه فهو كذب موضوع ، مع أنّ كلا المسألتين يشاركنا فيها غيرنا من المسلمين.

وأمّا ما حاولوا الطعن به فهو كذب مفضوح ، مبنيّ على مغالطة يحاولون تمريرها على الجهّال!

ففي المسألة الفقهية قد عرفت من جوابنا أنّها تعمّ المسلمين ، وفي مسألة النسب الخارجية فهي أظهر ، إذ كثير من أبناء المسلمين أبناء جواري ، بل بعض الخلفاء كذلك ، كالمأمون وغيره.

والربط بين المسألتين لغرض خبيث مثل قولك : إنّ المشركين كانوا يجيزون الاشتراك في الزوجة ، إذاً فإنّ آباء الصحابة غير معروفين بالتحديد ، بل كلّ واحد اشترك فيه عدّة رجال ، أعوذ باللّه.

أو كقولك : إنّ بعض نساء قريش كن يتخذن أماكن للعهر وينصبن الرايات ، فإذاً كلّ رجال قريش - حتّى من أسلم وبعضهم من الصحابة - أولاد بغايا أعوذ باللّه.

أو كقولك : إنّ المسلمين يجيزون زواج المرأة بعد طلاق زوجها أو موته ، فإذاً كلّ أبناء المسلمين مختلطو النسب ، وهكذا.

ص: 458

وهو واضح بديهي البطلان ، إذ لا ملازمة هناك ، فإنّ القياس هنا باطل ، لأنّ الحدّ الوسط مختلف في المقدّمتين ، ففي إحداهما جزئي ، وفي الأُخرى كلّي ، وهو بديهي البطلان ، ومغالطة لتعميم قضية جزئية لأخذ نتيجة كلّية.

هذا مع ما فيها من الكذب في أصل المسألة الفقهية ، كما أوضحنا آنفاً ، فالمغالطة من جهتين ، الأُولى : في اتهام الشيعة بمسألة لا وجود لها عندهم ، واستخدام مسألة فقهية كإطار لهذا الكذب ، والثانية : نفس المغالطة في إيهام الملازمة بين المسألة المدعاة وبين الوقوع الخارجي.

( مؤيّد الشمّري - العراق - 26 سنة - بكالوريوس الهندسة الكهربائية )

هم أفضل أم القرآن؟

س : ندعو لكم بالتسديد الموفّق ، ونرجو الإجابة عن السؤال التالي :

أيّهما أفضل : العترة المطهّرة عليهم السلام أم القرآن الكريم؟ هل يمكن إثبات ذلك بالأدلّة العقليّة والنقليّة؟ نسأل اللّه أن تشملنا وإيّاكم شفاعة محمّد وآل محمّد.

ج : لقد سؤل سماحة آية اللّه العظمى الشيخ جواد التبريزي قدّس سرُّه قريباً من هذا السؤال كما في صراط النجاة ج2 ص 566 السؤال 1753. وإليك السؤال وجواب سماحة الشيخ :

السائل : هناك رأي يقول إن أهل البيت « سلام اللّه عليهم » أفضل عند اللّه من القرآن الكريم فما هو تعليقكم؟

التبريزيّ : القرآن يطلق على أمرين : الأول : النسخة المطبوعة أو المخطوطة الموجودة بأيدي الناس ، الثاني : ما نزل على النبيّ صلى اللّه عليه وآله بواسطة جبرائيل عليه السلام والذي تحكي عنه هذه النسخ المطبوعة أو المخطوطة ، وهو الذي ضحّى الأئمّة عليهم السلام بأنفسهم لأجل بقائه والعمل به ، وهو الثقل الأكبر ، ويبقى ولو ببقاء بعض نسخه. وأهل البيت عليهم السلام الثقل الأصغر.

ص: 459

وأمّا القرآن بالمعنى الأول - الذي يطلق على كل نسخة - فلا يقاس منزلته بأهل البيت عليهم السلام بل الإمام قرآن ناطق ، وذاك قرآن صامت ، وعند دوران الأمر بين أن يُحفظ الإمام عليه السلام أو يُحتفّظ على بعض النسخ المطبوعة أو المخطوطة ، فلابدّ من إتباع الإمام عليه السلام كما وقع ذلك في قضية صفين ، واللّه العالم.

( عدي العباسيّ - الكويت - 22 سنة )

أدلّة على بطلان شمول آية التطهير لأزواج النبيّ :

س : أخواني أنا بعثت لكم سؤال في مسألة آية التطهير ، ولم ألق جواباً ، والسؤال هذا : ذكر ميم الجمع بدل نون النسوة ، لأنّ النساء دخل معهن النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، وهو رأس أهل بيته صلى اللّه عليه وآله ، فما هي الإجابة على هذه الشبهة التي تريد أن تخرج أهل بيت الخمسة من الآية؟ وشكراً.

ج : للإجابة على ما ذكرته نقدّم نقاط :

1 - ذُكرت عدّة آراء في المراد من أهل البيت في هذه الآية ، نذكر المهمّ منها ، فبعضها شاذّة ، أو لم يقل به قائل محدّد :

أ - إنّها نزلت خاصّة بأهل البيت عليهم السلام الخمسة أصحاب الكساء.

ب - إنّها نزلت في الخمسة أهل الكساء ، وأزواج النبيّ صلى اللّه عليه وآله.

ج - إنّها نزلت في نساء النبيّ خاصّة.

2 - إنّ القول الثالث قال به عكرمة ومقاتل وعروة بن الزبير ، ونقل عن ابن عباس ، وهو قول شاذّ لم يأخذ به إلاّ المتعصّب ضدّ أهل البيت عليهم السلام ، ومع أنّه مردود لأنّ عكرمة ومقاتل لا يأخذ بقولهما ، إذ كانا كذّابين مطعون بدينهما ، وعروة كان يناصب أمير المؤمنين عليه السلام أشدّ العداء ، وعدّه بعضهم ممّن يضعون الأخبار في علي عليه السلام ، وما عن ابن عباس فضعيف ، لأنّ فيه مجاهيل ، مع أنّ له معارضاً من قول ابن عباس نفسه.

وقد استدلّ الرادّون له وللقول الثاني ، بأدلّة كثيرة على بطلانهما :

ص: 460

منها : الروايات الصحيحة الكثيرة الواردة على أنّهم خصوص أصحاب الكساء ، حيث جلّلهم النبيّ صلى اللّه عليه وآله به حصراً.

ومنها : إنّ الأهل والآل تدلّ على النسب دون السبب.

ومنها : إنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله جاء بأهل بيته للمباهلة ، وقد كانوا هؤلاء الخمسة حصراً.

ومنها : إنّ الآية تفيد الحصر لإرادة اللّه بإذهاب الرجس عن جماعة مخصوصين ، ولم يدّع أحد العصمة لغير هؤلاء.

ومنها : إنّ الأزواج لم يدعين دخولهن فيها ، بل صرّحن في روايات عديدة بعدم دخولهن.

ومنها : الردّ على وحدة السياق بعدّة وجوه كثيرة ، كدلالة تغيير الضمير ، وأنّ ما قبل الآية فيه تهديد ووعيد ، ولا يناسب ذلك إذهاب الرجس ، وإنّ اختلاف المخاطب لا يقدح بورود السياق ، وقد ورد كثيراً في القرآن ، وإنّ الالتزام بوحدة السياق اجتهاد مقابل النصّ الوارد في الروايات الصحيحة ، وعدم الالتزام بالسياق إذا جاءت قرينة على خلافه ، وعدم التسليم بالسياق والترتيب الموجود ، وأنّه هو المنزل ، بل إنّ الروايات تدلّ على أنّ الآية نزلت منفردة ، وغيرها.

3 - المهمّ إنّ الذين اختاروا اختصاصها بالنساء احتجّوا بالسياق ، وقد عرفت الردّ عليه ، ولكن عندما جوبهوا باختلاف الضمير من المؤنث إلى المذكّر ، حاولوا التملّص بما ذكرت من قولهم بدخول النبيّ صلى اللّه عليه وآله معهن ، ولكنّك عرفت أنّ أصل القول مردود ضعيف شاذّ ، وهو الاختصاص بالنساء ، فما تفرّع عليه واشتقّ منه يكون أضعف ، إذ مع سقوط الأصل فلا مجال للفرع.

مع أنّ أكثر من حاول صرفها عن أهل البيت عليهم السلام خاصة وجعل الآية واردة في نساء النبيّ ، والنبيّ صلى اللّه عليه وآله وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، وذلك لنفس السبب ، وهو تذكير الضمير ، فراجع أقوالهم ، كابن كثير ، وابن روزبهان ،

ص: 461

بل وابن تيمية ، ولم يستفد أحد منهم أنّ تذكير الضمير كان بسبب دخول النبيّ صلى اللّه عليه وآله مع النساء فقط.

وبعبارة أُخرى : إنّ سبب قولهم بأنّ تذكير الضمير كان لدخول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله فقط ، هو التزامهم السابق بأنّ الآية نزلت في نساء النبيّ فقط بمقتضى السياق ، وكان قولهم تخلّص وتملّص من ورود الإشكال عليهم ، إذ ليس لهم مخرج من الإشكال ، سوى هذا الادعاء ، ولم يستندوا فيه إلى حديث ، أو قول لغويّ ، أو دليل عقليّ ، فإذا لم نلتزم بالقول بأنّ الآية نازلة في نساء النبيّ فقط ، ورددناه فما هو الملزم والملجئ لنا لتعليل تذكير الضمير بدخول النبيّ وحده فقط معهن؟

ثمّ إنّهم لم يبيّنوا لنا لماذا أدخل اللّه النبيّ صلى اللّه عليه وآله هنا في هذه الآية بالخصوص ، ولم يدخله في الآيات الأُخر ، التي جاء فيها الضمير مؤنّث ، فإنّ قالوا أدخله فقد كذبوا ، لما فيها من ظاهر الضمير ، وظاهر التهديد والوعيد ، المبرأ عنه الرسول صلى اللّه عليه وآله ، وإذا قالوا لم يدخله في الآيات الأُخر وأدخله في هذه الآية فقط فلماذا؟ بعد أن حصرتم النزول في النساء فقط.

4 - فإذا قالوا : أدخله في هذه الآية فقط ، لما فيها من ميزة من نفي الرجس وإثبات التطهير والمدح.

قلنا : إذاً أقررتم بأنّ هذه الآية لا تختصّ بالنساء فقط ، وإنّما دخل معهن غيرهن ، بمقتضى تذكير الضمير ، وأنّ الاعتماد على وحدة السياق كان غير تامّ.

فإذا كنّا نحن والآية فقط ، نضيف : أنّ تذكير الضمير لوحده لا يدلّ على تشخيص الداخل من هو؟ أو أنّه شخص واحد أو أكثر ، فما هو دليلكم على دخول النبيّ صلى اللّه عليه وآله فقط ، فلعلّ معه غيره.

وليس لكم نفي دخول غيره إلاّ القول باختصاص الآية بالنساء ، وهذا عود من البدء ، وهو دور صريح.

ص: 462

فلا يبقى إلاّ الاعتماد على قرينة من داخل الآية ، وهو المعنى المراد من أهل البيت عليهم السلام ، وفي هذا عودة إلى الآراء المختلفة التي ذكرناها أوّلاً ، ومنها مدّعاكم ، وقد رددناه بما لا مزيد عليه ، بل إنّ القرينة في الآية تخرج النساء أصلاً ، لأنّ نفي الرجس واثبات التطهير ينافي ما خوطب به النساء من التهديد والوعيد ، واحتمال صدور المعصية منهن ، أو قرينة من خارج الآية من سنّة أو لغة ، وهي معنا كما عرفت سابقاً.

( محمّد علي معلى - سورية - 38 سنة - طالب متوسطة )

قبولهم توبة الغالي :

س : ورد عن أحد الأئمّة الأطهار عليهم السلام : أنّه بنا يلحق القالي وإلينا يرجع الغالي ، وتوجد تتمّة للحديث ، أنّه لا يقبل اللّه رجوع الغالي ولا لحوق القالي ، أفيدونا رحمكم اللّه.

ج : إنّ جميع الروايات التي وردت تنصّ على أنّهم عليهم السلام إليهم يرجع الغالي ، وبهم يلحق التالي بالتاء ، وليس هناك في تلك الروايات أية إشارة إلى عدم قبولهم رجوع الغالي ، أو لحوق التالي ، ما عدا رواية واحدة وردت في أمالي الشيخ الطوسيّ ( قدس سره ) ، تشير إلى عدم قبول رجوع الغالي فقط.

قال الإمام الصادق عليه السلام : « إلينا يرجع الغالي فلا نقبله ، وبنا يلحق المقصّر فنقبله » ، وقد علّل الإمام عليه السلام ذلك بقوله : « لأنّ الغالي قد اعتاد ترك الصلاة والزكاة ، والصيام والحجّ ، فلا يقدر على ترك عادته ، وعلى الرجوع إلى طاعة اللّه عزّ وجلّ أبداً ، وأنّ المقصّر إذا عرف عمل وأطاع » (1).

ومعنى كلام الإمام عليه السلام : إنّ الغالي إذا أراد أن يرجع ويتوب فإنّنا نقبل توبته ، لكن عليه أن يرجع إلى أداء الصلاة ، ودفع الزكاة ، والإتيان بالحجّ ، وصيام

ص: 463


1- الأمالي للشيخ الطوسيّ : 650.

شهر رمضان ، وإذا لم يقدر على ذلك - لأنّه اعتاد على خلافها - فإنّا لا نقبله ، لأنّه لم يحقّق شروط التوبة ، فعدم قبولهم عليهم السلام لرجوع الغالي ، لأنّه لا يقدر على تحقيق شروط التوبة ، وهذا بخلاف المقصّر ، فإنّ تركه لبعض الأعمال لعدم معرفته بها ، وإذا عرف فإنّه يعمل ويطيع.

( هاشم. الكويت - 20 سنة - طالب جامعة )

اختصاص بعض الآيات بهم :

س : وفّقكم اللّه وأطال في عمركم في خدمة أهل البيت عليهم السلام.

هناك آيات قرآنية عديدة فسّرها الأئمّة عليهم السلام بهم ، كأن يقولوا مثلاً : فينا نزلت ، أو في أمير المؤمنين من هذه الآيات ، قوله تعالى : ( فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) ، وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) ، وقوله تعالى : ( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) ، وقوله تعالى : ( وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ) .

فهل نستفيد من هذه الروايات اختصاص هذه الآيات وغيرها بهم؟ أم في كونهم مصداق أعلى لهذه الآيات ، ولكنّها تشمل غيرهم أيضاً؟ وما هو الدليل؟ وفّقكم اللّه بحقّ محمّد وآل محمّد.

ج : إذا أخذ قوله تعالى : ( فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ ... ) (1) نفسه مع قطع النظر عن المورد ، ومن شأن القرآن ذلك - ومن المعلوم أنّ المورد لا يخصصّ بنفسه - كان القول عامّاً ، من حيث السائل والمسؤول عنه ، والمسؤول منه ظاهراً ، فالسائل كلّ من يمكن أن يجهل شيئاً من المعارف الحقيقيّة والمسائل من المكلّفين ، والمسؤول عنه جميع المعارف والمسائل التي يمكن أن يجهله جاهل.

وأمّا المسؤول منه ، فإنّه وإن كان بحسب المفهوم عامّاً ، فهو بحسب المصداق خاصّ ، وهم أهل البيت عليهم السلام ، وذلك أنّ المراد بالذكر إن كان هو

ص: 464


1- النحل : 43.

النبيّ صلى اللّه عليه وآله كما في آية الطلاق فهم أهل الذكر ، وإن كان هو القرآن كما في آية الزخرف فهو ذكر للنبيّ صلى اللّه عليه وآله ولقومه ، فأهل البيت خاصة النبيّ صلى اللّه عليه وآله وقد قارنهم صلى اللّه عليه وآله بالقرآن ، وأمر الناس بالتمسّك بهم في حديث الثقلين المتواتر(1).

وقد وردت من الأحاديث عنهم عليهم السلام توضّح أنّهم هم أهل الذكر ، وهم قومه ، وهم المسؤولون ، فعن الإمام الباقر عليه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : ( فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْر ... ) ، قال : « قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : الذكر أنا ، والأئمّة أهل الذكر »(2).

وقوله عزّ وجلّ : ( وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ) (3) ، قال الإمام الباقر عليه السلام : « نحن قومه ، ونحن المسؤولون »(4).

وأمّا قوله تعالى : ( أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ ... ) (5) ، فالمراد بأُولي الأمر هم الأئمّة من آل محمّد عليهم السلام ، لأنّ اللّه أوجب طاعتهم بالإطلاق ، كما أوجب طاعته وطاعة رسوله ، ولا يجوز أن يوجب اللّه طاعة أحد على الإطلاق إلاّ من ثبتت عصمته ، وعلم أنّ باطنه كظاهره ، وأمن من الغلط ، وليس ذلك بحاصل للأمراء والعلماء ، كما قيل : جلّ اللّه أن يأمر بطاعة من يعصيه ، أو بالانقياد للمختلفين في القول والعمل ، لأنّه محال أن يطاع المختلفون ، كما أنّه محال أن يجتمع ما اختلفوا فيه(6).

أمّا قوله تعالى : ( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) (7) ، فالآية تدلّ على أنّ الأرض لا تخلو من هاد يهدي الناس إلى الحقّ ، إمّا نبيّ منذر ، وإمّا غيره ، يهدي بأمر اللّه ،

ص: 465


1- أُنظر : الميزان في تفسير القرآن 12 / 284.
2- الكافي 1 / 210.
3- الزخرف : 43.
4- الكافي 1 / 210.
5- النساء : 59.
6- أُنظر : مجمع البيان 3 / 114.
7- الرعد : 7.

وقد وردت روايات تشير إلى أنّ المنذر هو رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، والهادي هو علي عليه السلام ، ومعنى ذلك أنّ مصداق المنذر هو النبيّ صلى اللّه عليه وآله ، ومصداق الهادي هو علي عليه السلام أو الإمام (1).

وأمّا قوله تعالى : ( وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ) (2) ، فالمراد من مفهوم الصادقين كما وضّحه القرآن في سورة الحشر الآية الثامنة ، بأنّهم المؤمنون المحرومون ، الذين استقاموا وثبتوا رغم كلّ المشاكل ، وأخرجوا من ديارهم وأموالهم ، ولم يكن لهم هدف وغاية سوى رضى اللّه ، ونصرة رسوله صلى اللّه عليه وآله ، وهذا المفهوم واسع.

إلاّ أنّ المستفاد من الروايات الكثيرة : أنّ المراد من هذا المفهوم هنا هم المعصومون فقط ، ففي رواية : أنّ سلمان سأل عن تلك الآية فقال : يا رسول اللّه عامّة هذه الآية أم خاصّة؟ فقال : « أمّا المأمورون فعامّة المؤمنين أُمروا بذلك ، وأمّا الصادقون فخاصّة لأخي علي والأوصياء من بعده إلى يوم القيامة » (3).

( تركي عبد اللّه سعيد - السعودية - سنّي - 23 سنة - بكالوريوس )

لا تعارض في أفعالهم ومواقفهم :

س : سؤالي هو إلى العلماء المحترمين : علي اتّقى ظلم أبي بكر وعمر وعثمان على حسب كلامكم ، ولكنّه تقاتل مع معاوية ، والحسن رجع واتّقى معاوية ، والحسين لم يرض بحكم يزيد؟

أنا كمسلم عادي ، ومأمور باتباع أهل البيت ، وهم حجّة عليّ ، كيف أفهم مواقفهم بحيث لا يكون فيها تعارض ، لأنّ في ظاهرها تعارض كامل؟

ج : لا يوجد تعارض في أفعال أهل البيت عليهم السلام ، لما ثبت عندنا من عصمتهم

ص: 466


1- أُنظر : الميزان في تفسير القرآن 11 / 327.
2- التوبة : 119.
3- كمال الدين وتمام النعمة : 278.

وتكامل علمهم ، ولكن فهم مواقف أهل البيت عليهم السلام يحتاج إلى اطلاع شامل ، وموضوعيّ للمرحلة التي عاشها كلّ إمام منهم.

فالظرف الذي قاتل فيه أمير المؤمنين عليه السلام معاوية يختلف عن الظرف الذي صالح فيه الإمام الحسن عليه السلام معاوية ، وكذلك محاربة الحسين عليه السلام ليزيد واتباعه ، فللظروف دخلها الكبير في هذه المواقف ، وهذا يحتاج إلى مراجعة كتب العلماء والمحقّقين الذين تناولوا تلك الفترات.

أمّا الموقف الشرعيّ لأهل البيت عليهم السلام تجاه هؤلاء الأشخاص الذين حاربوهم أو صالحوهم فهو واحد لا يتغيّر ، وقد نطق بمضمونه النبيّ صلى اللّه عليه وآله في حديثه : « من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية »(1).

وقد علمنا وقف هذا السياق أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله قاتل المشركين ، ثمّ صالحهم ، ثمّ دخل عليهم شاهراً سيفه في فتحه لمكّة ، ولا يعني هذا أنّ هناك تناقضاً في أفعال النبيّ صلى اللّه عليه وآله - حاشاه - إنّما لكلّ ظرف خصوصياته ودوافعه.

( نوفل - المغرب - 26 سنة )

الكتب التاريخية المؤلّفة حولهم :

س : ما هو أوثق مرجع تاريخي لمدرسة أهل البيت؟ وشكراً جزيلاً.

ج : إنّ كان من حيث سيرة وتاريخ الأئمّة عليهم السلام ، فبالإمكان مراجعة كتاب « الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد » للشيخ المفيد ، و « إعلام الورى بأعلام الهدى » للشيخ الطبرسيّ.

أمّا إذا كان المراد من كتب التاريخ التي تعنى بالتاريخ العامّ ، فإنّها كما تعرف كانت تكتب تقرّباً إلى الملوك والسلاطين ، فتذهب بمذاهبهم ، وتورد ما يوافق أفكارهم وغاياتهم ، ولم يكن للشيعة يوماً حكومة إلاّ في فترات قصيرة

ص: 467


1- ينابيع المودة 3 / 372.

لم يتسنّ كتابة هكذا تاريخ فيها ، وإن كان هناك بعض الكتب فإنها ذهبت مع ما ذهب من كتب الشيعة نتيجة القمع والملاحقة ، تستطيع أن تعرفها لو راجعت كتب التراجم.

نعم كتب اليعقوبيّ والمسعوديّ اللذين يعتبران من الشيعة كتب في التاريخ العامّ للدول والملوك ، ولكن كتبوا في زمن تسلّط مخالفيهم ، فشابها الكثير من التقية وعدم التصريح ، والاكتفاء بالأحداث العامّة وتواريخ الوقائع.

( أبو جعفر - الكويت - .... )

معناه اللغويّ :

س : وفّقكم اللّه ، إخواني الكرام القائمين على هذا الموقع العظيم ، وجعله في ميزان أعمالكم ، ورزقنا اللّه وإيّاكم شفاعة محمّد وآل محمّد عليهم السلام.

أمّا بعد ، من منطلق التدبّر بآيات القرآن الكريم ، لاحظت أمراً يتعلّق بآية التطهير : أنّه هل يمكن أن نستفيد من نفس الآية حصراً بغضّ النظر عن الأدلّة الأُخرى ، وهو اختلاف المراد من ( بيوتكن ) و ( أهل البيت ) ، وبالتالي عدم دخول الزوجات في أهل البيت عليهم السلام؟

ج : في مقام التعليق على ما ذكرت ، نقدّم أُموراً :

1 - يحدّد المفهوم اللغوي لكلمة أهل بما يضاف إليها ، فأهل القرى : سكّانها ، وأهل الكتاب : أتباعه ، وأهل الرجل : عشيرته وذوو قرباه(1) ، أخصّ الناس به(2) ، من يجمعه وإيّاهم نسب أو دين(3).

وأهل بيت الرجل : ذو قرباه ومن يجمعه وإيّاهم نسب ، وأطلقت في الكتاب الكريم على أولاد إبراهيم عليه السلام وأولاد أولاده ، قال تعالى : ( رَحْمَتُ اللّهِ

ص: 468


1- القاموس المحيط 3 / 453.
2- لسان العرب 11 / 29.
3- المفردات في غريب القرآن : 29.

وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ ) (1).

وهناك فرق بين أهل الرجل وأهل بيت الرجل ، فقد عُبّر في اللغة مجازاً بأهل الرجل عن امرأته ، قال الزبيدي : « ومن المجاز : الأهل للرجل زوجته » (2).

أمّا أهل بيت الرجل : فهم من يجمعه وإيّاهم نسب ، وتعورف في أسرة النبيّ صلى اللّه عليه وآله.

2 - من الواضح أنّ أهل البيت متكوّنة من لفظتين هي : « أهل » التي ذكروا أنّها ولفظة « آل » بمعنى واحد ، وذكروا لهما معان متعدّدة بين الضيق والسعة ، يرجع إليها في البحث المتعلّق بمعنى « الآل » ، وهل هم أقرباء النبيّ صلى اللّه عليه وآله أو أتباعه أو غير ذلك؟

واللفظة الأُخرى فهي « البيت » ، فهل المراد منها المعنى الموضوع لها - وهو مكان السكن المتكوّن من الطين والخشب ، أي البيت المادّي - أو المراد منها هنا المعنى الاستعمالي - وهو بيت الذروة والشرف ومجمع السيادة - أي بيت النبوّة؟

مع أنّه قد عرفنا من تنصيص أهل اللغة ما هو المعنى المراد من استعمال أهل البيت إذا جاءا معاً عند العرب ، وبالتالي لا فرق بين تعيين أيّ من المعنيين ، ولكن المعنيين المذكورين أصبحا مورداً لظهور شبهة سوف تأتي الإشارة إليها في النقاط التالية.

3 - من الواضح أنّ المقصود من البيوت في قوله تعالى : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) (3) ، وقوله تعالى : ( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ ) (4) هي البيوت .

ص: 469


1- هود : 73.
2- تاج العروس 7 / 217.
3- الأحزاب : 33.
4- الأحزاب : 34.

المبنية من الطين والخشب ، وكذا في قوله تعالى : ( بُيُوتَ النَّبِيِّ ) (1) ، وهو غير المعنى المراد من مجموع لفظتي « أهل البيت » ، كما عرفت من تنصيص أهل اللغة ، سواء قلنا إنّ المراد من لفظة بيت فيه الطين والخشب ، أو بيت الذروة والشرف ، وذلك واضح من الآية ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (2).

أمّا إذا قلنا : إنّ المراد من « البيت » فيها هو بيت الطين والخشب ، فلأنّه قد أضاف جمع البيوت في ( فِي بُيُوتِكُنَّ ) إلى النساء ، وفي ( بُيُوتَ النَّبِيِّ ) إلى النبيّ ، وهنا عرّف البيت بالألف واللام العهدية لا الجنسية أو الاستغراقية كما هو واضح ، فإنّه لا يريد جنس البيوت ولا كلّ بيت بيت.

فتحصّل : أنّ هذا البيت المعهود ليس أحد تلك البيوت المنسوبة للنساء ، وإلاّ فما هو المرجّح بينها ، وإنّما هو بيت آخر غيرها معهوداً بين المتكلّم والمخاطب صلى اللّه عليه وآله ، قد يكون بيت علي عليه السلام ، كما ذكر ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله عندما أشار إليه أبو بكر ، وقال : هل هذا البيت منها؟ أي من البيوت التي أذن اللّه أن ترفع كما جاء في الآية ، فأجابه صلى اللّه عليه وآله : « نعم من أفضلها »(3) ، وبيت علي هو بيت النبيّ صلى اللّه عليه وآله بلا إشكال.

وهذا فيما لو تنزّلنا وقلنا بأنّ المراد هو هذا المعنى ، أي المصنوع من الطين والخشب ، وهو مورد الشبهة التي جاءت عند العامّة ، الذين قالوا بأنّ أهله كلّ من دخل تحت سقفه ، فالأزواج من أهله ، وقد عرفت الجواب مع أنّا قد ذكرنا أنّ المعنى المستعمل في المركب من اللفظين : « أهل » و « البيت » هو غير المعنى المفرد لكلّ منهما ، كما عرفت من تنصيص أهل اللغة فلاحظ.

وأمّا إذا أُريد من البيت هو بيت الذروة والشرف وبيت النبوّة ، وأنّ المراد منه

ص: 470


1- الأحزاب : 53.
2- الأحزاب : 33.
3- الصراط المستقيم 1 / 293.

كما يراد من مثل قولهم أهل القرآن وأهل اللّه ، فعند ذلك لا يصحّ الدخول فيه إلاّ لمن حصل له الأهلية والاستعداد الكامل ، الذي يكون السبب في التنصيص عليهم من قبل اللّه تعالى ، فلا يراد منه إلاّ المنتمون إلى النبوّة والوحي بوشائج روحية خاصّة ، ولا يشمل كلّ من يرتبط ببيت النبوّة من طريق السبب أو النسب فحسب ، ولذا سألت أُمّ سلمة عن دخولها فيه ، فجاءها الجواب بالنفي ، وهذا البيت هو المراد منه ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا ... ) (1) ، كما تقدّم سابقاً في جواب النبيّ لأبي بكر.

وورد أيضاً : أنّ قتادة لمّا جلس أمام الإمام الباقر عليه السلام قال : لقد جلست بين يدي الفقهاء وقدّام ابن عباس ، فما اضطرب قلبي قدّام واحد منهم ما اضطرب قدّامك ، قال له أبو جعفر الباقر عليه السلام : « ويحك أتدري أين أنت؟ أنت بين يدي ( بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ ) فأنت ثمّ ونحن أولئك » ، فقال قتادة : صدقت واللّه جعلني اللّه فداك ، واللّه ما هي بيوت حجارة ولا طين(2).

ولعلّ هذا المعنى الثاني للبيت مأخوذ من المعنى المستعمل فيه « أهل البيت » كما نقلنا عن أصحاب اللغة.

4 - وبعد كلّ ما تقدّم ، فقد عرفت ما هو المراد من لفظتي « أهل البيت » فيما إذا وردتا معاً ، وقد عرفت أنّ النزاع قائم في أنّ معنى أهل البيت هل هو واسع يشمل الزوجات أو أنّه مقتصر على أشخاص معينين هم أصحاب الكساء؟ فافترق المسلمون إلى أقوال ، ونحن نستدلّ بحديث الكساء الصحيح على حصرهم بالخمسة أصحاب الكساء ، إضافة إلى ما تقدّم كلّه.

ص: 471


1- النور : 36.
2- خصائص الوحي المبيّن : 18.

فإذا تقرّر ذلك : نرجع إلى سؤالك فنقول : من الواضح أنّ المراد في ( بُيُوتِكُنَّ ) هو بيت الطين والخشب ، وهو يجمع إذ لو كان لشخص معيّن عدّة زوجات ، وكلّ منها اسكنها في بيت ، فيقال : هذه بيوت هذا الرجل ، أو بيوت زوجاته ، وأنّ المراد من « أهل البيت » معنى آخر هو ذو قرباه ومن يجمعه وإيّاهم نسب ، ولا تجمع لفظة « البيت » فيه بهذا المعنى ، إذ لم يعرف من كلام العرب أن يقولوا « أهل بيوت النبيّ » ، ويراد به هذا المعنى المتقدّم ، فإذا كان للرجل عدد من الأولاد من زوجات مختلفة أسكنهم في بيوت مختلفة ، فإنّهم يقال لكلّ أولاده : أهل بيت الرجل ، نعم قد يستعمل أهل بيوت الرجل ، لكن بمعنى من كان تحت سقوف بيوته ، أي يمكن أن يجمع بذلك المعنى الأوّل.

فإذا نظرنا إلى الآية ، نجد أنّ البيوت جاءت مجموعة عندما أضيفت إلى النساء ، وأنّها جاءت مفرداً عندما عرّفت بالألف واللام ، وتعلّقت بالأهل ، فتعرف أنّ البيوت المرادة هناك غير البيت المراد هنا ، فيمكن أنّ تكون إشارة لطيفة بلاغية على الاختلاف ، نظراً لإبدال التعبير من الجمع إلى المفرد ، ثمّ إلى الجمع في نفس الآيات ، ولكن لا يمكن أن يكون دليلاً مستقلاً ، وذلك لأنّا قلنا : إنّ البحث حول دخول الزوجات أو عدم دخولهن مرتبط بتحديد معنى ومفهوم أهل البيت ، سواء من اللغة أو القرآن أو السنّة.

فاختلاف المعاني المرادة من البيت لا يعني بالضرورة عدم دخول النساء في أهل البيت ، ألا ترى أنّه لا تناقض في الآيات لو ثبت فرضاً من دليل خارج أنّ النساء داخلات في « أهل البيت ».

نعم ، نعود ونقول إنّه مؤيّد ، وإشارة لطيفة تتمّ إذا ادعى مدعٍ أنّ المراد من البيت في « أهل البيت » في الآية هو البيت المحسوس من الطين والخشب ، وتتأكّد هذه الإشارة التي نوهنا إليها هنا ، إذا لاحظنا العودة إلى جمع البيوت مرّة أُخرى في آية ( واذكرن ) بعد آية التطهير ، فكأنّها تؤكّد أنّ هذه البيوت غير ذلك البيت ، وإلاّ لماذا عاد للتفريق بالجمع ، والإضافة إليهن بعد الإفراد والتعريف بالألف واللام العهدية.

ص: 472

( أحمد - الإمارات - 19 سنة - طالب حوزة )

ما يتعلّق بخبائثهم :

س : هذه شبهة وردت في إحدى مواقع الوهّابية في المنتديات ، أرجو الردّ السريع.

ليس في بول الأئمّة وغائطهم استخباث ولا نتن ولا قذارة ، بل هما كالمسك الأذفر ، بل من شرب بولهم وغائطهم ودمهم يحرّم اللّه عليه النار ، واستوجب دخول الجنّة ، « أنوار الولاية للآخوند ملاّ زين العابدين الكلبايكاني : 440 ».

وروي عن أبي جعفر : « للإمام عشر علامات : يولد مطهّراً مختوناً ، وإذا وقع على الأرض وقع على راحته رافعاً صوته بالشهادتين ، ولا يجنب ، وتنام عينه ولا ينام قلبه ، ولا يتثاءب ، ولا يتمطّى ، ويرى من خلفه كما يرى من إمامه ، ونجوه كريح المسك » ، الكافي 1 / 319 كتاب الحجّة - باب مواليد الأئمّة ».

أرجو المساعدة على الردّ على تلك الحثالة الوهّابية ، وشكراً.

ج : وردت رواية مرسلة في الكافي بهذا المعنى في بيان أنّ للإمام علامات عشر ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : « للإمام عشر علامات : يولد مطهّراً ، مختوناً ، وإذا وقع على الأرض وقع على راحته رافعاً صوته بالشهادتين ، ولا يجنب ، وتنام عيناه ولا ينام قلبه ، ولا يتثاءب ، ولا يتمطّى ، ويرى من خلفه كما يرى من أمامه ، ونجوه كرائحة المسك ، والأرض موكلة بستره وابتلاعه ، وإذا لبس درع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله كانت عليه وفقاً ، وإذا لبسها غيره من الناس طويلهم وقصيرهم زادت عليه شبراً ، وهو محدّث إلى أن تنقضي أيّامه »(1).

قال المازندراني في شرح أُصول الكافي : « قوله : « ونجوه كرائحة المسك » هذه علامة سابعة ، وفيه حذف أي رائحة نجوه ، والنجو ما يخرج من ريح أو غائط ، وذلك لأنّ باطنه كظاهره طاهر مطهّر ، ممّا يوجب التأذّي والتنفّر منه.

ص: 473


1- الكافي 1 / 388.

قوله : « والأرض موكّلة بستره وابتلاعه » هذه علامة ثامنة ، وذلك إمّا لتشرّفها به ، كما شرب الحجّام دمه صلى اللّه عليه وآله للتشرّف والتبرّك ، أو لأنّه وإن لم يكن له رائحة إلاّ أنّ صورته كصورة نجو غيره ، ومشاهدة ذلك يوجب التنفّر منه في الجملة ، فأمرت الأرض بابتلاعه إكراماً له عليه السلام »(1).

ونحن بغضّ النظر عن سند الرواية نقول : إنّ متن الرواية لا منافاة فيه ، لما دلّ الدليل عليه من الأدلّة العقليّة من وجوب اتصاف الإمام المنصوب من قبل اللّه سبحانه بأفضل الصفات وأعلاها ، وأن لا يكون فيه ما هو منفرّاً للناس ، سواء كان ذلك بالطباع أو بالتكوين ، لأنّه يعدّ نقضاً لغرض تنصيبه من قبل اللّه سبحانه.

وأيضاً قد دلّت الأدلّة المتضافرة في كتب الفريقين : أنّ الأئمّة عليهم السلام قد خُلقوا من طينة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله النورانية ، وأنّ طباعهم طباعه ، وسنخهم سنخه.

روى الشيخ الصدوق ( قدس سره ) بسنده عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : « إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله خطبنا ذات يوم ، فقال : أيّها الناس إنّه قد أقبل إليكم شهر اللّه بالبركة والرحمة والمغفرة ، ... ثمّ بكى.

فقلت : يا رسول اللّه ، ما يبكيك؟ فقال : يا علي أبكي لما يستحلّ منك في هذا الشهر ، كأنّي بك وأنت تصلّي لربّك ، وقد انبعث أشقى الأوّلين والآخرين ، شقيق عاقر ناقة ثمود ، فضربك ضربة على قرنك ، فخضبت منها لحيتك.

فقلت : يا رسول اللّه وذلك في سلامة من ديني؟ فقال : في سلامة من دينك.

ثمّ قال صلى اللّه عليه وآله : يا علي من قتلك فقد قتلني ، ومن أبغضك فقد أبغضني ، ومن سبّك فقد سبّني لأنّك منّي كنفسي ، روحك من روحي ، وطينتك من طينتي ، إنّ اللّه تبارك وتعالى خلقني وإيّاك ، واصطفاني وإيّاك ، واختارني في النبوّة

ص: 474


1- شرح أُصول الكافي 6 / 392.

واختارك في الإمامة ، فمن أنكر إمامتك فقد أنكر نبوّتي »(1).

عن ابن عباس قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « من سرّه أن يحيا حياتي ويموت مماتي ، ويسكن جنّة عدن التي غرسها ربّي ، فليوال علياً من بعدي ، وليوال وليه ، وليقتد بالأئمّة من بعدي ، فإنّهم عترتي ، خُلقوا من طينتي ، رزقوا فهمي وعلمي ، ويل للمكذّبين بفضلهم من أُمّتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم اللّه شفاعتي »(2).

وإذا علمنا هذا ، أي أنّ الأئمّة عليهم السلام خُلقوا من طينة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وهي طينة نورانية ذات سنخ ملكوتيّ خاصّ ، كما أثبتت ذلك الروايات المتقدّمة وغيرها.

وعلمنا من الحوادث أنّ هناك من شرب دم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، وقال له النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « لا تمسّك النار »(3).

وبعضهم شرب بول رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وقد قال لشاربه - وكانت امرأة تخدم أُمّ حبيبة جاءت معها من الحبشة - : « صحّة يا أُمّ يوسف »(4).

وأيضاً أخرج سعيد بن منصور من طريق عمر بن السائب : أنّه بلغه أنّ مالكاً والد أبي سعيد الخدريّ لمّا جرح النبيّ صلى اللّه عليه وآله مصّ جرحه حتّى أنقاه ولاح أبيض ، فقيل له : مجّه ، فقال : لا واللّه لا أمجّه أبداً ، ثمّ أدبر فقاتل.

فقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة ، فلينظر إلى هذا » ، فاستشهد(5).

ص: 475


1- الأمالي للشيخ الصدوق : 155.
2- كنز العمّال 12 / 103 ، تاريخ مدينة دمشق 42 / 240 ، ينابيع المودّة 1 / 379 ، حلية الأولياء 1 / 128.
3- سنن الدارقطنيّ 1 / 234 ، كنز العمّال 13 / 469 و 472 ، تاريخ مدينة دمشق 20 / 233 و 28 / 162 ، الإصابة 4 / 81 ، البداية والنهاية 8 / 368 و 377 ، سبل الهدى والرشاد 10 / 455.
4- نيل الأوطار 1 / 106 ، سبل الهدى والرشاد 10 / 455 ، تلخيص الحبير 1 / 182.
5- تلخيص الحبير 1 / 181.

نقول : فأيّ ضير بمن يكون من طينة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله أن تكون له تلك المزايا والصفات في فضلات جسمه ، كما لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بعد أن كانت الإمامة بالجعل الإلهيّ هي الامتداد الطبيعي للرسالة شكلاً ومضموناً من حيث صيانة التبليغ والحفاظ عليه ، كما يشير إليه الحديث الشريف الوارد عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله : « في كلّ خلف من أُمّتي عدول من أهل بيتي ، ينفون عن هذا الدين تحريف الضالّين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، ألا وإن أئمّتكم وفدكم إلى اللّه ، فانظروا من تفدون » (1).

____________

(1) الصواعق المحرقة 2 / 441.

ص: 476

أهل السنّة :

اشارة

( أبو يحيى درويش - اليمن - 24 سنة. طالب كليّة الشريعة )

وجه تسميتهم بهذا الاسم :

س : هل من طريق إلى معرفة السرّ في تسمية أهل السنّة والجماعة بهذا الاسم؟ وما الدليل؟

ج : هي تسمية أطلقتها المذاهب الإسلامية الأُخرى على نفسها ، تمييزاً عن شيعة أهل البيت عليهم السلام ، فالحديث المروي والمتواتر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما فلن تضلّوا بعدي أبداً » ، فيه دلالة صريحة على وجوب تبعية أهل البيت عليهم السلام ، فهم مع كونهم يروون الحديث متواتراً ، إلاّ أنّهم حرّفوه إلى سنّتي بدل عترتي ، وقالوا : نحن أتباع سنّة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، ولسنا اتباع أحدٍ من عترته ، وبذلك عرفوا بأهل السنّة والجماعة ، تمييزاً عن أتباع العترة - وهم شيعة أهل البيت ومواليهم - وهكذا صار هذا المصطلح متعارفاً في أدب المذاهب الإسلامية الأُخرى.

( ... - ... - ..... )

هم مسلمون :

س : لدي استفسارات مهمّة أرجو أن تجيبوا عليها إجابة واضحة شافية.

أوّلاً : أخبرنا الشريف عمر بن محمّد بن حمزة العلوي الزيدي ، ... وأبو غالب

ص: 477

سعيد بن محمّد بن أحمد الثقفي الكوفي بها ، قالا : أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد ابن علي بن الحسين بن عبد الرحمن العلوي قال : أخبرنا زيد بن جعفر بن محمّد ابن حاجب قال : حدّثنا أبو العباس محمّد بن الحسين بن هارون قال : حدّثنا أبو جعفر محمّد بن علي الحسني قال : حدّثنا محمّد بن مروان الغزال قال : حدّثنا عامر بن كثير السراج ، عن أبي الجارود قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام قال : قلت له بمكّة ، أو بمنى : يا بن رسول اللّه ما أكثر الحاجّ؟

قال : « ما أقلّ الحاجّ ، ما يغفر إلاّ لك ولأصحابك ، ولا يتقبّل إلاّ منك ومن أصحابك » (1).

س : هل هذا الحديث صحيح أم ضعيف؟

وهل ما جاء فيه ينطبق فقط على الزمن الذي كان فيه الإمام أبو جعفر عليه السلام؟ أم أنّه كذلك لا يقبل الحجّ حتّى في زماننا هذا إلاّ من الشيعة الإمامية؟ وما قول العلماء المعاصرين في هذه المسألة؟

ثانياً : أخبرنا محمّد بن محمّد قال : حدّثنا الشريف الصالح أبو محمّد الحسن بن حمزة العلوي الطبري الحسيني قال : حدّثنا محمّد بن الفضل بن حاتم المعروف بأبي بكر النجار الطبري الفقيه قال : حدّثنا محمّد بن عبد الحميد قال : حدّثنا داهر بن محمّد بن يحيى الأحمري قال : حدّثنا المنذر بن الزبير ، عن أبي ذر الغفاري قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « لا تضادّوا بعلي أحداً فتكفروا ، ولا تفضّلوا عليه أحداً فترتدّوا » (2).

س : عن صحّة هذا الحديث أيضاً؟ وما المقصود ب- « لا تضادّوا »؟ وإذا كان صحيحاً ، هل يعني هذا أنّ العامّة من أهل السنّة حين يفضّلون الشيخين على علي أنّهم مرتدّون؟ وهل يعني الارتداد هنا عن الإسلام؟ أي أنّهم كفّار وغير مسلمين مهما فعلوا؟

أرجو أن يكون الجواب مدعماً كذلك بقول العلماء المعاصرين.

____________

(1) بشارة المصطفى : 123.

(2) الأمالي للشيخ الطوسيّ : 153.

ص: 478

ج : إنّ الحديث الأوّل ليس نقي السند بالشكل الذي يؤخذ به ، ففيه من المهملين والمجهولين ، أو غير الموثقين بحيث لا يمكن الاعتماد عليه ، والأمر فيه موكول إلى علم الرجال.

ثمّ مع غضّ النظر عن السند فالرواية في مجال بيان شرطية موضوع الولاية في قبول الأعمال ، وقد وردت أحاديث كثيرة تصرّح بأنّ الفاقد للولاية ومنكرها لا يقبل اللّه عزّ وجلّ منه أعماله يوم القيامة ، وإن صلّى وصام وحجّ و .. ، فالولاية شرط في صحّة العمل.

نعم ، ينبغي أن نتعامل مع غيرنا بالظواهر ، فنحكم بإسلام كلّ من اعتقد بأُصول الدين ، وعمل بالأركان ، حتّى وإن كان اعتقادنا بأنّ منكر الولاية سوف تذهب أعماله هباءً يوم القيامة.

والحديث الثاني يشتمل على رواة مجهولين أو مهملين وضعفاء ، فلا يمكن الركون إليه ، ولا تتمّ به الحجّة.

ثمّ على فرض حجّية السند لا أشكال في جانب دلالته ، إذ إنّ الكفر والارتداد المذكورين هنا بمعنى الانحراف ، والعدول عن الخطّ المستقيم الذي رسمه النبيّ صلى اللّه عليه وآله للأُمّة.

وعليه ، فلا سبيل لتكفير الآخرين ، بمعنى الحكم عليهم بخروجهم عن الإسلام ، وإن كان المنكر لإمامة علي عليه السلام سيحاسب على عقيدته - إن لم يكن مستضعفاً -.

وهذا هو رأي علماء الشيعة ، حيث يفتون بإسلام أهل السنّة ، وإن كانوا يرونهم منحرفين عن خطّ الإمامة والولاية.

( عبد اللّه - ... - ..... )

إطلاق مصطلح أهل السنّة والجماعة :

س : من الذي أطلق مصطلح أهل السنّة والجماعة؟

ص: 479

ج : قال الدكتور التيجاني السماوي في كتابه : « لقد بحثت في التاريخ فلم أجد إلاّ أنّهم اتفقوا على تسمية العامّ الذي استولى فيه معاوية على الحكم بعام الجماعة ، وذلك أنّ الأُمّة انقسمت بعد مقتل عثمان إلى قسمين : شيعة علي ، وأتباع معاوية.

ولما استشهد الإمام علي عليه السلام ، واستولى معاوية على الحكم بعد الصلح ، الذي أبرمه مع الإمام الحسن عليه السلام ، وأصبح معاوية أمير المؤمنين ، سمّي ذلك العام بعامّ الجماعة.

إذاً ، فالتسمية بأهل السنّة والجماعة دالّة على اتباع سنّة معاوية ، والاجتماع عليه ، وليست تعني اتباع سنّة رسول اللّه ، فالأئمّة من ذرّيته وأهل بيته أدرى وأعلم بسنّة جدّهم من الطلقاء ، وأهل البيت أدرى بما فيه ، وأهل مكّة أدرى بشعابها ، ولكننا خالفنا الأئمّة الاثني عشر الذين نصّ عليهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، واتبعنا أعداءهم.

ورغم اعترافنا بالحديث الذي ذكر فيه رسول اللّه اثني عشر خليفة كلّهم من قريش ، إلاّ أنّنا نتوقّف دائماً عند الخلفاء الأربعة ، ولعلّ معاوية الذي سمّانا بأهل السنّة والجماعة ، كان يقصد الاجتماع على السنّة التي سنّها في سبّ علي ، وأهل البيت التي استمرت ستين عاماً ، ولم يقدر على إزالتها إلاّ عمر بن عبد العزيز ، وقد يحدّثنا بعض المؤرّخين : أنّ الأمويّين تآمروا على قتل عمر بن عبد العزيز - وهو منهم - لأنّه أمات السنّة ، وهي لعن علي بن أبي طالب »(1).

( أبو الزين - الأردن - .... )

ليسوا أولاد بغايا :

س : ورد عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قلت له : إنّ بعض أصحابنا

ص: 480


1- ثمّ اهتديت : 203.

يفترون ويقذفون من خالفنا؟ ... ثمّ قال : « واللّه يا أبا حمزة إنّ الناس كلّهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا »(1).

ونورد سؤالاً كما يقول صديقي الأشعري : لو أنّ رجلاً من أبوين سنّيين أصبح شيعياً ، فهل يكون أبواه أولاد زنا؟ ولو أنجب الشيعيّ ولداً ، وأصبح الولد سنّياً ، فهل يكون أبوه بغياً مع تشيّعه؟ وهل يصدّق مسلم يعظّم آل البيت الأطهار صدور مثل هذا عنهم؟ حاشاهم اللّه ، فما قولكم.

ج : بالنسبة للرواية ، فيجب البحث فيها سنداً ودلالةً.

أمّا السند ، فيشتمل على مهملين أو غير موثّقين كعلي بن العباس ، وحسن ابن عبد الرحمن ، فلا حجّية له حتّى يبحث عنه.

وأمّا الدلالة ، فلا ينبغي التأمّل في معنى الرواية ، بعد ما عرفنا أنّ لكلّ قوم نكاحاً معترفاً به شرعاً بإجماع المسلمين ، فهل يعقل أن لا يعترف بصحّة عقد المسلم السنّي مثلاً؟!

( نبيل - الجزائر - .... )

يعيشون مع الشيعة بأمن وسلام :

س : هل يعتبر أهل السنّة أعداء للشيعة الإمامية ، ولماذا؟

ج : مَن قال لكم بأنّ أهل السنّة هم أعداء للشيعة؟! كلّ من قال لك هذا فهو كاذب ، نعم توجد بينهم بعض الاختلافات في المسائل العقائدية والفقهية ، ولكن هذه الاختلافات لم تفسد للودّ قضية ، فتشاهد الشيعة وأهل السنّة يعيشون بأمن وسلام في مناطق كثيرة من العالم الإسلامي - كلبنان وإيران والعراق -.

وإنّما الذي يعدّ عدوّاً للشيعة والسنّة هم الوهّابيون ، الذين يشعلون نيران الفتنة بين الحين والآخر ، وليس هدفهم ضرب التشيّع فحسب ، بل ضرب

ص: 481


1- الكافي 8 / 285.

المسلمين بجميع مذاهبهم ، وذلك لأنّهم يذهبون إلى أنّ أكثر المسلمين باختلاف مذاهبهم هم مشركون.

( محمّد - الكويت - .... )

السبب من مخالفتهم لولاية علي :

س : ما هو السبب في مخالفة جمهور المسلمين لنصوص وتعاليم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله؟

ج : لا عجب في ذلك ، لمن طالع التاريخ الإسلامي ، ولاحظ سيرة المسلمين ، بل سيرة الصحابة المقرّبين ، وموافقهم من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله ، على الرغم من تأكيد القرآن الكريم على لزوم الطاعة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله والانصياع له.

قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ) (1).

نجد موارد مخالفات الصحابة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في حياته كثيرة ، نذكر منها :

1 - مخالفتهم لأمر الرسول صلى اللّه عليه وآله في معركة أُحد ، حيث نصّب خمسين رجلاً على جبل ، وأمرهم بعدم النزول ، ولكن حينما صارت كفّة الحرب لصالح المسلمين ترك هؤلاء مكانهم طمعاً في الغنيمة ، فكانت النتيجة أن يستغلّ العدوّ هذا الفجوة ، ويكسر بجيش المسلمين.

2 - مخالفتهم في صلح الحديبية ، حيث اعترضوا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حينما أمضى بنود الصلح ، وكان من جملتهم عمر بن الخطّاب ، حيث اعتبر الصلح دنية في الدين(2).

ص: 482


1- النساء : 59.
2- صحيح البخاريّ 3 / 182 و 6 / 45 ، صحيح مسلم 5 / 175 ، مسند أحمد 3 / 486 و 4 / 330 ، نيل الأوطار 8 / 187.

3 - تخلّفهم عن جيش أُسامة بن زيد ، بعدما أمرهم صلى اللّه عليه وآله بالالتحاق به ، ولعن من تخلّف عنه(1).

4 - مخالفتهم في إحضار القرطاس والدواة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله حينما أمرهم أن يأتوه بهما ، ليكتب لهم كتاباً لا يضلّوا بعده أبداً ، فقال عمر : حسبنا كتاب اللّه ، إنّ النبيّ قد غلب عليه الوجع ، فخرج ابن عباس يقول : « إنّ الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وبين كتابه »(2).

إذاً ، فلا عجب لمن خالف في ذلك وأمثاله أن يخالف فيما سواه إذا تعارض مع مصالحه ، وبالخصوص في مسألة الولاية والحكم لأمير المؤمنين علي عليه السلام ، بعدما أوصى بها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله في حديث الغدير وغيره.

( علي - لبنان - 25 سنة - إجازة في الحقوق )

وغفلتهم عما في الصحاح :

س : لو كان ما في الصحاح يكفي لإثبات الحجّية ، فلماذا يغفل عنه أهل السنّة؟

كلّ مولود يولد على ما عليه ، فلو كنت مولوداً من أبوين سنّيين لكنت مقتنعاً بما يقولونه أهل السنّة ، ولو أنّ الصحاح تتضمّن إجابات واضحة تدعم المذهب الشيعيّ ، فلماذا يغفل عنها أهل السنّة بهذا الشكل الصارخ؟ وشكراً.

ج : إنّ الكثير من أهل السنّة يغفلون عمّا في الصحاح من أحقّية الحقّ ، لأنّهم يعتقدون بعدالة الصحابة جميعاً ، ولأنّ بعض الصحابة كانوا راضين بأفعال كبرائهم الذين سلبوا الحقّ عن أهله ، فانحرفت الأُمّة بانحراف بعض الصحابة ، وبقي التابعون واللاحقون - وإلى يومنا هذا - على جهلهم ، لا يكلّف أحدهم نفسه

ص: 483


1- الملل والنحل 1 / 23.
2- صحيح البخاريّ 5 / 138 و 7 / 9 و 8 / 161 ، صحيح مسلم 5 / 76.

بأن يعرف بما في الصحاح ، وبقي قسم منهم على تعصّبه لا تطاوعه نفسه أن يتحوّل عن الباطل.

( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ ) (1).

( أحمد السنان - السعودية - 25 سنة. خرّيج متوسطة )

القاصرين منهم قد يدخلون الجنّة :

س : هل يدخل الجنّة من مات مسلماً وليس موالياً لأهل البيت؟

ج : قال تعالى : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (2).

وقال تعالى : ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) (3).

وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله : « وستفترق أُمّتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلّها في النار إلاّ واحدة »(4) ، فالنبيّ صلى اللّه عليه وآله أثبت الافتراق ، وبيّن دخول واستحقاق الجنّة لفرقة واحدة ، وأثبت النار لباقي الفرق ، وإن سمّاها أُمّتي ، أي أنّه أثبت الإسلام للفرق الأُخرى غير الناجية في الدنيا ، وأثبت دخولها النار في الآخرة فلا منافاة.

وسؤالكم يقع في هذا التفصيل ، فإنّ المخالف لمذهب أهل البيت عليهم السلام وغير المعتقد بولاية علي عليه السلام إنّما هو قد أنكر أمراً إلهيّاً ونبويّاً فاستحقّ النار بذلك ،

ص: 484


1- البقرة : 170.
2- الأنعام : 153.
3- البقرة : 85.
4- سنن الدارمي 2 / 241 ، سنن ابن ماجة 2 / 1322 ، سنن أبي داود 2 / 390 ، الجامع الكبير 4 / 135 ، المستدرك 1 / 128 ، المعجم الكبير 8 / 273.

مع ثبوت إسلامه الظاهري ، كما هو حال المنافقين ، فقد كان باطنهم واستحقاقهم شيئاً ، وظاهرهم والتعامل معهم كمسلمين شيء آخر.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ المخالف للحقّ يقسّم إلى قاصر ومقصّر ، فالقاصر الذي بذل وسعه ولم يعرف الحقّ فيتبعه ، أو كان غير مؤهّل لإدراك الحقّ ، فهذا يوكل أمره إلى اللّه ، وأمّا المقصّر فالكلام المتقدّم كلّه معه.

قال بعض علمائنا ( قدس سره ) : مع أنّ الأخبار متظافرة بعدم صحّة أعمال من لم يكن من أهل الولاية ، من جملتها ما رواه الصدوق ( قدس سره ) بإسناده إلى علي بن الحسين عليهما السلام : « لو أنّ رجلاً عمّر ما عمّر نوح في قومه ، ألف سنة إلاّ خمسين عاماً ، يصوم النهار ، ويقوم الليل بين الركن والمقام ، ثمّ لقى اللّه عزّ وجلّ بغير ولايتنا لم ينفعه ذلك شيئاً »(1).

( سلمان - البحرين - 24 سنة - طالب جامعة )

الحكم بإسلامهم وطهارتهم :

س : وفّقكم اللّه لما يحبّ ويرضاه ، هل الإمامية يكفّرون من لم يقل بالولاية؟ وما تعليقكم على الروايات التالية :

1 - يوسف البحرانيّ قال : « وليت شعري أيّ فرق بين من كفر باللّه سبحانه وتعالى ورسوله ، وبين من كفر بالأئمّة عليهم السلام؟ مع ثبوت كون الإمامة من أُصول الدين »(2).

2 - الفيض الكاشانيّ قال : « ومن جحد إمامة أحدهم - أي الأئمّة الاثني عشر - فهو بمنزلة من جحد نبوّة جميع الأنبياء عليهم السلام »(3).

3 - المجلسيّ قال : « أعلم أنّ إطلاق لفظ الشرك والكفر على من لم يعتقد

ص: 485


1- روض الجنان : 357.
2- الحدائق الناضرة 18 / 153.
3- منهاج النجاة : 44.

بإمامة أمير المؤمنين والأئمّة من ولده عليهم السلام ، وفضّل عليهم غيرهم يدلّ على أنّهم كفّار مخلّدون في النار « » (1).

4 - المفيد قال : « اتفقت الإمامية على أنّ من أنكر إمامة أحد من الأئمّة ، وجحد ما أوجبه اللّه تعالى له من فرض الطاعة فهو كافر ضالّ مستحقّ للخلود في النار » (2).

5 - يوسف البحرانيّ قال : « إنّك قد عرفت أنّ المخالف كافر ، لا حظ له في الإسلام بوجه من الوجوه ، كما حقّقناه في كتابنا الشهاب الثاقب » (3).

أتمنى إرسال الجواب في أقرب فرصة ممكنة ، وذلك لردّ كيد المغرضين والمشكّكين لمذهب أهل البيت عليهم السلام ، ودمتم في خدمة الإسلام والمسلمين.

ج : إنّ مسألة الحكم بكفر من لم يعتقد بإمامة الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام تعود إلى مسألة إنكار الضروريّ ، وبما أنّ الإمامة ليست من ضروريات الدين عند بعض الفرق الإسلامية ، فلا يمكن الحكم بكفرها.

نعم ، الإمامة والاعتقاد بالأئمّة الاثني عشر عليهم السلام هو من ضروريات المذهب ، وعدم الاعتقاد بها يعدّ خروجاً عن المذهب لا عن الإسلام ، ومن هنا تحمل كلمات بعض العلماء الواردة في هذا الموضوع ، بإرادة التكفير بالمعنى الأخصّ - أي عدم الإيمان - لا التكفير بالمعنى الأعمّ - وهو عدم الإسلام - وهذه رسائل علماء الإمامية منتشرة في عرض الأرض وطولها ، تشهد بإسلام المخالف - وهو من لا يعتقد بإمامة الأئمّة الاثني عشر - وطهارته.

ومن خالف هذا الحكم بقول أو فتوى ، فهو لا يتعدّى كونه رأياً خاصّاً به لا يمثل موقف الطائفة أو مشهور علمائها ، بل نقل الشيخ البحرانيّ ما نصّه : « أنّ المشهور بين متأخّري الأصحاب - أي علماء الإمامية - هو الحكم بإسلام المخالفين وطهارتهم ، وخصّوا الكفر والنجاسة بالناصب ، كما أشرنا إليه في

____________

(1) بحار الأنوار 23 / 390.

(2) نفس المصدر السابق نقلاً عن كتاب المسائل.

(3) الحدائق الناضرة 18 / 153.

ص: 486

صدر الفصل ، وهو عندهم من أظهر عداوة أهل البيت عليهم السلام »(1).

وتجدر الإشارة إلى أنّ من علم حكماً شرعيّاً على نحو اليقين ثم جحده يكون كافراً بإجماع المسلمين. ومن ذلك من علم بإمامة أهل البيت وجحدها.

( .... - استراليا - 23 سنة )

المستضعفون منهم قد يدخلون الجنّة :

س : هل يدخلون الجنّة أهل السنّة ?.

ج : أهل السنّة يمكن أن يقسّموا إلى ثلاثة أقسام : قسم عرف الحقّ وأنكره ، وهؤلاء من الذين يذادون عن الحوض ، ولا يدخلون الجنّة ، وقسم لم يعرفوا الحقّ ولكنّهم كان بإمكانهم البحث ومعرفة الحقّ ، وهؤلاء يحاسبون على تقصيرهم في معرفة الحقّ ، وقسم يسمّون بالمستضعفين ، الذين لم يصل لهم الحقّ ، ولم يكن بإمكانهم وفق قدراتهم الوصول إلى الحقّ ، فأُولئك عسى اللّه أن يتوب عليهم ويدخلهم الجنّة برحمته.

ص: 487


1- المصدر السابق 5 / 175.

ص: 488

أهل الكتاب :

اشارة

( جعفر سلمان عبد اللّه - البحرين - 20 سنة - طالب جامعة )

كلّفوا بتكاليف أشدّ من تكاليفنا :

س : هل الأُمم السابقة قد كلّفت بتكاليف شاقّة؟ فإنّ ظاهر بعض الآيات والروايات ذلك ، كقوله : ( رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ... ) (1) ، وفي الرواية : « رفع عن أُمّتي تسع : الخطأ ، والنسيان ، وما أُكرهوا عليه ، وما اضطرّوا إليه ... »(2) ، فنسب الرفع إلى أُمّة النبيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله.

ج : ورد في تفسير هذه الآية الشريفة ما يوضّح لكم المعنى الذي تقصده الآية.

ففي الاحتجاج : أنّ النبيّ صلى اللّه عليه وآله في حديث طويل قال : « ( رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ) (3) ، قال اللّه عزّ وجلّ : لست أؤاخذ أُمّتك النسيان والخطأ لكرامتك عليّ ، وكانت الأُمم السالفة إذا نسوا ما ذكّروا به فتحت عليهم أبواب العذاب ، وقد رفعت ذلك عن أُمّتك ، وكانت الأُمم السالفة إذا أخطأوا أخذوا بالخطأ وعوقبوا عليه ، وقد رفعت ذلك عن أُمّتك لكرامتك عليّ.

فقال النبيّ صلى اللّه عليه وآله : اللّهم إذا أعطيتني ذلك فزدني ، فقال اللّه تبارك وتعالى له : سل ، قال : ( رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ... ) ،

ص: 489


1- البقرة : 286.
2- تحف العقول : 50.
3- البقرة : 286.

يعني بالإصر : الشدائد التي كانت على من قبلنا ، فأجابه اللّه إلى ذلك.

فقال تبارك اسمه : قد رفعت عن أُمّتك الآصار التي كانت على الأُمم السالفة ؛ كنت لا أقبل صلواتهم إلاّ في بقاع معلومة من الأرض ، أخترها لهم وإن بعدت ، وقد جعلت الأرض كلّها لأُمّتك مسجداً وطهوراً ؛ فهذه من الآصار التي كانت على الأُمم قبلك فرفعتها عن أُمّتك ... ، وكانت الأُمم السالفة تحمل قرابينها على أعناقها إلى بيت المقدس ، فمن قبلت ذلك منه أرسلت عليه ناراً فأكلته ، فرجع مسروراً ، ومن لم أقبل ذلك منه رجع مثبوراً ، وقد جعلت قربان أُمّتك في بطون فقرائها ومساكينها ، فمن قبلت ذلك منه أضعفت ذلك له أضعافاً مضاعفة ، ومن لم أقبل ذلك منه رفعت عنه عقوبات الدنيا.

وقد رفعت ذلك عن أُمّتك وهي من الآصار التي كانت على الأُمم من كان من قبلك ، وكانت الأُمم السالفة صلواتها مفروضة عليها في ظلم الليل وأنصاف النهار ، وهي من الشدائد التي كانت عليهم ... ، وكانت الأُمم السالفة حسنتهم بحسنة وسيئتهم بسيئة ، وهي من الآصار التي كانت عليهم ، فرفعتنا عن أُمّتك ، وجعلت الحسنة بعشر والسيئة بواحدة ، وكانت الأُمم السالفة إذا نوى أحدهم حسنة فلم يعملها لم تكتب له ، وإن عملها كتبت له حسنة ، وإنّ أُمّتك إذا همّ أحدهم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ، وإن عملها كتبت له عشراً ، وهي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أُمّتك ... »(1).

بيّنت هذه الرواية معنى الآصار والمشقّة التي كانت على الدوام على الأُمم السالفة ، ومن الواضح : أنّ اللّه تعالى لا يكلّف عباده فوق طاقتهم ؛ لأنّ ذلك قبيح عقلاً وشرعاً ، واللّه تعالى منزّه عن ذلك ، لكنّه تعالى عندما سنّ سنناً ، وجعل أُمماً وشرّع أحكاماً له فهذه الأحكام والقوانين تختلف من أُمّة إلى أُمّة ، تبعاً لطبيعة تلك الأُمّة ولزمنها ، وللمصالح التي تقتضي السير عليها ، فاللّه

ص: 490


1- الاحتجاج 1 / 329.

تعالى بيّن كما في هذه الرواية وفي آياته ، أنّه كلّف الأُمم السالفة ببعض التكاليف التي فيها مشقّة ، لكن لا يخرجها ذلك عن كونها مقدورة للمكلّفين.

فمثلاً تكليفه بعض الأُمم السالفة بأن تكون صلاتهم في مكان مخصوص ليس فيه تعجيز ، وأنّهم يعجزون عن ذلك وخارج عن قدرتهم ، بل هو مقدور لهم ، لكن فيه نوع تضييق وتكليف قياسياً لمن يحقّ له الصلاة في كلّ مكان ، كأُمّة محمّد صلى اللّه عليه وآله ، فإنّ من يجوز له الصلاة في كلّ مكان - قياساً لمن لا يحقّ له الصلاة إلاّ في مكان مخصوص - موسع عليه ، خلافاً لذلك الذي لا يحقّ له الصلاة في كلّ مكان ، فإنّ هذا مضيق عليه بالنسبة لذلك الشخص.

وأمّا التكليف بالصلاة في مكان مخصوص في حدّ نفسه فهو مقدور للمكلّف ، ويستطيع أن يأتي به ، وهكذا بقية الأُمور التي ذكرتها الرواية تفسيراً للآية ؛ كجعل الحسنة مقابل الحسنة في الأُمم السالفة ، وجعلها مقابل العشر في هذه الأُمّة ، والهمّ بالحسنة يعدّ حسنة ، وغير ذلك من الأُمور.

وكذلك الرواية فسّرت معنى النسيان والخطأ ، فمن نسى ما ذكّر به من عذاب اللّه وعقابه إذ عصاه يقع عليه الوعيد عند نسيان اللّه تعالى ، ونسيان ربوبيته المقتضية لطاعته ، فإذا نسى حلّ الوعيد الإلهيّ عليه.

وكذلك تفسير الأُمور المرفوعة بحديث الرفع كان يفسّر رفع النسيان والخطأ ، أي رفع آثار النسيان والخطأ ، فلا يجب الإعادة أو القضاء إذا نسي التكاليف ، بينما الأُمم السالفة يجب عليها ذلك عند نسيان التكاليف.

وتفسير الإكراه بأن يجوز للمُكره إبداء خلاف ما يعتقد في هذه الأُمّة ، وفي الأُمم السالفة لا يجوز ، وتفسير الاضطرار بذلك أيضاً ، بأن لا يجوز للمضطرّ في الأُمم السالفة ارتكاب المحظور لأجل الاضطرار ، بل عليه أن يتحمّل الاضطرار ، وفي هذه الأُمّة يجوز.

ص: 491

والخلاصة من البحث : إنّ التكليف إذا كان يعجز عنه المكلّف فلا يكلّف اللّه به أُمّة من الأُمم ، هذه الأُمّة وغيرها ، لأنّ ذلك قبيح عقلاً وشرعاً ، واللّه منزّه عن ذلك.

وأمّا تفاوت التكاليف ، وأنّ أُمّة من الأُمم تكلّف بما هو أشدّ من أُمّة أُخرى ، مع انخفاض القدرة وأنّ التكليف مقدور ، فلا يمنع العقل من ذلك ، وأيضاً الشرع لا يمنعه إذا كان هناك مصلحة يعلمها المشرّع ومطلع عليها ، بل إنّ ذلك واقع كما تقول الرواية.

ولا ننسى الفرق بين الشيء الممتنع وبين الشيء المقدور لكن فيه كلفة ويحتاج إلى جهد ، فإنّ الآية لا تقصد الأوّل كما أوضحته الرواية ، وكما يحكم به العقل ، وأمّا الثاني فإنّ العقل لا يمنع منه والشرع ، بل هو واقع كما ذكرت الآية.

( عبد اللّه - البحرين - سنّي - 20 سنة - طالب جامعة )

ذبيحتهم في رأي فقهاء الشيعة :

س : أنا من أهل السنّة ، ولدي سؤال أرجو منكم الإجابة عليه :

اعلم أنّكم لا تحلّلون طعام أهل الكتاب ، وتعتبرونه محرّم ، وتقولون : إنّ المراد بقوله تعالى : ( وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ ) (1) ، هو ليس الذبيحة ، وإنّما طعام آخر ، فما هو هذا الطعام؟ وما هو دليلكم على أنّ المقصود بقوله تعالى ليس هو الذبيحة؟ أرجو منكم الإجابة بالتفصيل.

ج : ذهب فقهاء الشيعة إلى حرمة ذبيحة أهل الكتاب ، ودليلهم على ذلك هو الروايات المتواترة ، الدالّة على حرمة ذبيحة أهل الكتاب ، وروايات مفسّرة لآية

ص: 492


1- المائدة : 5.

المائدة ، الآية الخامسة تفسّرها : بأنّ المراد بها الحبوب والألبان وما شابه ذلك ، فإذا رجعت إلى مصادر الشيعة الحديثية وجدت فيها الروايات الكثيرة المتواترة ، المصرّحة بحرمة ذبيحة أهل الكتاب(1).

وهناك مصادر أُخرى أيضاً وردت فيها روايات تحرّم ذبيحة أهل الكتاب ، وتفسّر الآية التي ذكرتها من سورة المائدة بالحبوب والألبان ، وما على شاكلتها ، وتنفي أن يكون المراد بها الذبيحة ، وهنا نذكر بعض الروايات :

الرواية الأُولى : روى الكليني ( قدس سره ) بسندٍ صحيح عن قتيبة الأعشى قال : سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السلام وأنا عنده ، فقال له : الغنم يرسل فيها اليهودي والنصراني ، فتعرض فيها العارضة فيذبح ، أتأكل ذبيحته؟

فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : « لا تدخل ثمنها مالك ، ولا تأكلها ، فإنّما هو الاسم ، ولا يؤمن عليه إلاّ مسلم ».

فقال له الرجل : قال اللّه تعالى : ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ ) (2)؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السلام : « كان أبي يقول إنّما هي الحبوب وأشباهها »(3).

الرواية الثانية : عن هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ : ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ ) (4) ، فقال عليه السلام : « العدس والحمص وغير ذلك »(5).

ص: 493


1- أُنظر : الكافي 6 / 238 ، تهذيب الأحكام 9 / 63 ، وسائل الشيعة 24 / 52 ، الاستبصار 4 / 83 ، مستدرك الوسائل 16 / 148.
2- المائدة : 5.
3- الكافي 6 / 240.
4- المائدة : 5.
5- تهذيب الأحكام 9 / 88.

الرواية الثالثة : صحيحة الحسين الأحمسيّ عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : قال له رجل : أصلحك اللّه ، إنّ لنا جاراً قصّاباً ، فيجيء بيهودي فيذبح له حتّى يشتري منه اليهود؟ فقال عليه السلام : « لا تأكل من ذبيحته ، ولا تشترِ منه »(1).

إلى غير ذلك من الروايات ، التي بعضها يفسّر آية المائدة ، بأنّ المراد منها الحبوب والعدس والحمص ، بحيث لا يراد منه الذبيحة ، وبعضها ينهى عن أكل ذبيحة الكتابيّ ، ويحكم بعدم حلّيتها ، فلأجل ذلك ذهب جمهور فقهاء الشيعة إلى تحريم ذبيحة أهل الكتاب.

وأيضاً نقول : إنّ لفظ الطعام الوارد في الآية ( وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ ... ) (2). وإن كان بحسب أصل اللغة يشمل كل ما يأكله الإنسان ويتقوّى به ، لكن هناك بعض اللغويّين ذكر : أنّ المراد بالطعام البر وسائر الحبوب.

ففي لسان العرب تحت مادة « طعم » قال : « وأهل الحجاز إذا أطلقوا اللفظ بالطعام عنوا به البرّ خاصّة »(3).

وذكر عن الخليل أنّه قال : العالي في كلام العرب أنّ الطعام هو البرّ خاصّة.

وكلام ابن الأثير في النهاية يشير إلى ذلك أيضاً.

وعلى هذا ، فترتفع الغرابة في الذهاب إلى تحريم ذبيحة الكتابيّ ، وحمل الآية على غير الذبائح ، لأنّ الطعام في اللغة يكون موضوع للحبوب والبرّ.

وإذا لم تقبل بذلك ، وقلت : بأنّ الطعام لغة وهو كلّ ما يتقوّى به الإنسان ، فيشمل الذبيحة ، فنقول : دليلنا على حرمة ذبيحة الكتابي هو الروايات المفسّرة للآية الكريمة.

وقال اللّه تعالى : ( وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ

ص: 494


1- الكافي 6 / 240.
2- المائدة : 5.
3- لسان العرب 12 / 364.

الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ) (1).

فهذه الآية الكريمة تحرّم ما لم يذكر اسم اللّه عليه ، وتعبّر عنه بأنّه فسق ، وإذا رجعنا إلى آية الثلاثة من سورة المائدة ، وآية « 3 و 121 و 145 » من سورة الأنعام ، وسورة النحل والبقرة أيضاً نجد أنّ القرآن يعبّر عما لم يذكر اسم اللّه عليه بالرجس تارة ، وبالفسق أُخرى ، وبالإثم ثالثة ، فإذا كان هذا وصف ما لم يذكر اسم اللّه عليه ، فلا يمكن أن يكون حلالاً ومشمولاً لقوله تعالى : ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ) ، إذ الرجس والفسق والإثم لا يكون بأيّ حالٍ من الأحوال طيّباً ، فعليه لابدّ من حمل الآية على ما ذكرته الروايات ، من أنّ المراد بها الحبوب والعدس والألبان وما شاكلها ، لا ما يشمل الذبائح.

وهناك نكتة في الآية تساعدنا على أنّ المراد بحلّية طعام أهل الكتاب لنا ليست حلّية تكليفية ، وهي قوله تعالى : ( وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ ) ، فإنّ من الجليّ لكلّ أحد أنّ الكتابيّ يأكل كلّ شيء ، ولا يحرّم طعام أي إنسان ، فما معنى أن يخاطبه اللّه بأنّ طعام المسلمين حلّ لكم ، لأنّ الكتابي لا يعرف الحرمة ولا الحلّيّة ، ولا يرى التكليف وغير ذلك ، فما معنى هذا الخطاب من اللّه تعالى لأهل الكتاب ، الذين لا يرون ذلك؟

فنقول : هذا قرينة على أنّ الحلّيّة التي خاطب بها اللّه أهل الكتاب ليست حلّية تكليفية ، وإنّما الآية ناظرة إلى قضية ، وهي : أنّ المسلمين بعد أن بدأت تكاليف الشريعة الإسلامية استشكلوا في طعام أهل الكتاب ، لأنّهم على خلاف عقيدتهم ، وأصبحوا في شكّ من التعامل معهم ، وتناول ما بأيديهم ، فلذلك نزلت هذه الآية المباركة لتبيّن أنّ طعامهم حلال ، وإنّ تناوله غير مضرّ ، ولذلك أردفه بقوله : ( وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ ) .

ص: 495


1- الأنعام : 121.

( نور - البحرين - .... )

لم يصلب المسيح :

س : ما هي المقارنة بين صلب المسيح عند المسيحيين والمسلمين بالتفصيل؟ ودمتم بحفظ اللّه.

ج : إنّ القرآن الكريم ينصّ على عدم صلب المسيح عليه السلام : ( وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ ... وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَل رَّفَعَهُ اللّهِ ) (1) ، والمسلمون بكافّة اتجاهاتهم يؤمنون بهذا الموضوع.

وأمّا المسيحية فالخطّ العام منها تؤمن بالصلب ، ولكن المحقّقين منهم والمتحرّين للحقيقة لا يرون الواقع هكذا ، بل يصرّحون بنفي الصلب عن عيسى عليه السلام ، فعلى سبيل المثال يقول ( ارنست دي بونس ) الألماني في كتابه ما ملخصّه : إنّ جميع ما يختصّ بمسائل الصلب والفداء هو من مبتكرات ومخترعات بولس ، ومن شبهات الذين لم يروا المسيح ، لا من أُصول النصرانية الأصلية.

وأيضاًَ ممّن ذهب إلى ذلك من علماء النصارى ( المسيو أرادواسيوس ) الفرنسيّ ، الأُستاذ في مدارس اللاهوت الإنجليزية ، كما جاء في كتابه.

وهناك طوائف من المسيحية تنفي الصلب والقتل من قبيل ( الساطرنيوسيّون والسرنثيّون والباسيليديّون والبارديسيانيّون والتاتيانيسيّون ) ، مضافاً إلى أنّ إنجيل برنابا يصرّح بنفي هذا الحادث عن المسيح عليه السلام ، وإنّ الذي صلب بدله هو يهوذا.

( أمير نصيف - البحرين - .... )

من معتقدات المسيحية واليهود :

اشارة

س : ما هو الفرق بين عقيدة اليهود والمسيحيين؟

ص: 496


1- النساء : 157 - 158.

ج : لا يخفى عليك أنّ لكلّ من اليهودية والمسيحية فرق ومذاهب ، كما للإسلام ذلك ، ولكلّ فرقة اعتقادها الخاصّ بها ، وليس من السهل أن نعطيك عقيدة كلّ فرقة منهم ، ولكن نذكر لك بعض عقائد اليهودية والمسيحية بشكل عامّ.

معتقدات المسيحية :

الألوهية والتثليث : يعتقدون بوجود إله خالق عظيم ، لأنّهم كتابيون أصلاً ، لكنّهم يشركون معه الابن ( عيسى ) ، وروح القدس ( جبرائيل ) ، وبين الكنائس تفاوت عجيب في تقرير هذه المفاهيم ، وربط بعضها مع بعض ممّا يسمّونه الأقانيم الثلاثة.

الدينونة : يعتقدون بأنّ الحساب في الآخرة سيكون موكولاً لعيسى بن مريم ، لأنّ فيه شيئاً من جنس البشر ، ممّا يعينه على محاسبة الناس على أعمالهم.

تقديس الصليب : يعتبر الصليب شعاراً لهم ، وهو موضع تقديس الأكثرين ، وحمله علامة على أنّهم من أتباع المسيح.

الصوم : هو الامتناع عن الطعام الدسم ، وما فيه شيء من الحيوان ، أو مشتقّاته مقتصرين على أكل البقول ، وتختلف مدّته وكيفيته من فرقة إلى أُخرى.

الصلاة : ليس لها عدد معلوم مع التركيز على صلاتي الصباح والمساء ، وهي عبارة عن أدعية وتسبيحات وإنشاد ، كما أنّ الانتظام في الصوم والصلاة إنّما هو تصرّف اختياري لا إجباري.

التعميد : وهو يعني الارتماس في الماء ، أو الرش به باسم الأب والابن وروح القدس ، تعبيراً عن تطهير النفس من الخطايا والذنوب.

الاعتراف : وهو الإفضاء إلى رجل الدين بكلّ ما يقترفه المرء من آثام وذنوب ، وهذا الاعتراف يسقط عن الإنسان العقوبة ، بل يطهّره من الذنب إذ يدّعون بأنّ رجل الدين هذا هو الذي يقوم بطلب الغفران له من اللّه.

ص: 497

يحلّون أكل لحم الخنزير ، ويحرّمون الختان مع وجوده في شريعتهم أصلاً ، وأباحوا كذلك الربا ، وشرب الخمرة ، لقد قصروا التحريم في الزنى ، وأكل المخنوق ، وأكل الدم ، وأكل ما ذبح للأوثان.

الأصل في ديانتهم الرهبانية ، وهو العزوف عن الزواج ، لكنّهم قصروه على رجال الدين ، وسمح للناس بزوجة واحدة ، مع منع التعدّد الذي كان جائزاً في مطلع المسيحية.

الطلاق : لا يجوز للرجل أن يطلّق زوجته إلاّ في حالة الزنى.

أمّا الفراق الناشئ عن الموت فإنّه يجيز للحيّ منهما أن يتزوّج مرّة أُخرى ، كما يجوز التفريق إذا كان أحد الزوجين غير نصرانيّ. نعم ، قد أجيز مؤخّراً الطلاق عندهم في حالات اضطرارية.

التكاثر والنسل : يحثّون جماعتهم من النصارى على التكاثر ، ويصبح ذلك أكثر وجوباً في المناطق التي لا يكونون فيها أكثرية.

النواحي الروحية : لقد جاءت النصرانية في الأصل لتربية الوجدان ، وتنمية النواحي العاطفية ، داعية إلى الزهد ، وعدم محاولة الثأر مستنكرة انخراط اليهود في المادّية المغرقة ، يقول إنجيلهم : « من ضربك على خدّك الأيمن فاعرض له الآخر ، ومن أخذ رداءك فلا تمنعه ثوبك » ، لكن تاريخهم مليء بالقتل وسفك الدماء.

صكوك الغفران : وهو صكّ يغفر لمشتريه جميع ذنوبه ما تقدّم منها وما تأخّر ، وهو يباع كأسهم الشركات ، وقد يمنح الشخص بناء على هذا الصكّ أمتاراً في الجنّة على حسب مقدار المبلغ الذي يقدّمه للكنيسة.

الهرطقة ومحاربتها : لقد حاربت الكنيسة العلوم والاكتشافات ، والمحاولات الجديدة لفهم الكتاب المقدّس ، وصوّبت سهامها إلى كلّ نقد ، ورمت ذلك كلّه بالهرطقة ، ومحاربة هذه الاتجاهات بمنتهى العنف والقسوة.

ص: 498

معتقدات اليهودية :

يعتقدون بأنّ الذبيح من ولد إبراهيم إنّما هو إسحاق المولود من سارة ، والصحيح أنّه إسماعيل.

الثواب والعقاب إنّما يتمّ في الدنيا ، الثواب هو النصر والتأييد ، والعقاب هو الخسران ، والذلّ والاستعباد.

التابوت : هو صندوق كانوا يحفظون فيه أغلى ما يملكون من ثروات ومواثيق ، وكتب مقدّسة.

يعتقدون بأنّهم شعب اللّه المختار ، وأنّ أرواح اليهود جزء من اللّه ، وأنّ ديانتهم خاصّة بهم ، مقفلة على الشعب اليهوديّ.

يجوز غشّ غير اليهوديّ وسرقته ، واقتراضه بالربا الفاحش ، وشهادة الزور ضدّه ، وعدم البرّ بالقسم أمامه.

الولد الأكبر الذكر هو أوّل من يرث ، وله حظّ اثنين من اخوته ، ولا فرق بين المولود بنكاح شرعيّ أو غير شرعيّ في الميراث.

بعد الزواج تعدّ المرأة مملوكة لزوجها ، ومالها ملك له ، ولكن لكثرة الخلافات فقد أقرّ بعد ذلك أن تملك الزوجة رقبة المال ، والزوج يملك المنفعة.

من بلغ العشرين ولم يتزوّج فقد استحقّ اللعنة ، وتعدد الزوجات جائز شرعاً.

( حسين عبد الحميد - إيران - 52 سنة - بكالوريوس )

المسيح ليس هو اللّه ولا ابنه :

س : أنا أحاور بعض المسيحيين ، وأُودّ أجوبة عقليّة ومن كتبهم على ما يلي :

1 - إنّ اللّه سبحانه لا يمكن أن يكون جسماً ومادّة.

2 - إنّ المسيح ليس ابن اللّه.

3 - إنّ المسيح ليس هو اللّه.

وإن كان هذا الموقع لا يختصّ بهذا المجال ، أرجو إعطائي عناوين مواقع

ص: 499

أُخرى مختصّة به ، ولكم الشكر والتوفيق لكلّ من يقوم بخدمة هذا الموقع.

ج : إنّ الجواب العقليّ للأسئلة الثلاثة هو جواب واحد ، ويتلخّص في معرفة المبدأ ، وباختصار : يجب أن نعلم أنّ ما سوى اللّه تعالى مخلوق له ، فالأزلية والقدم يختصّان بذاته لا غيرها.

وعليه ، فالمسيح عليه السلام وكلّ جسم ومادّة بما أنّه موجود ومخلوق فهو مباين لذات البارئ تعالى ، وتفصيل الكلام يطلب من مباحث التوحيد في علم الكلام.

ولا يخفى أنّ السؤال الثاني والثالث هما من متفرّعات عقيدة التثليث الموجودة في كتبهم ، وقد أبطلها المحقّقون والعلماء ، إذ لا أساس لها عقلاً ونقلاً ، ولا تعتمد على أدلّة بيّنة وواضحة ، بل قد ينسب هذه النظرية الباطلة إلى فلاسفة اليونان.

والغريب أنّه ورد في ابتداء إنجيل متّى تعبيراً عن عيسى عليه السلام : « ميلاد المسيح ابن داود بن إبراهيم بن ... بن يوسف النجار » ، وهذا الكلام مع خطأه ، يفنّد مزاعم القائلين ببنوّته لله تعالى.

نعم ، هناك بعض الإشارات في العهد الجديد - وإن كان متناقضاً مع الخطّ العامّ المرسوم في الأناجيل الموجودة - يوحي بأنّ التعبير بالابن هو لتصوير العلاقة بين الفرد أو المجموعة باللّه تبارك وتعالى ، لميزة الإيمان والطاعة ، فمثلاً ، جاء عن المسيح عليه السلام بالنسبة للمؤمنين قوله : « لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات ؛ طوبى لصانعي السلام ، لأنّهم أبناء اللّه يدعون » ، كما كثيراً ما سمّي المؤمنين « أولاد اللّه » في العهد الجديد.

( .... - السعودية - 19 سنة )

يجب معاملتهم بالحسنى :

س : كيف يمكن التوفيق بين البراءة من الكفّار ومعاداتهم - وفي بعض

ص: 500

الروايات ضيّقوا عليهم في الطرقات - وبين مشاركتهم في الإنسانية ، وقول الإمام علي عليه السلام : « فإنّهم صنفان : إمّا أخ لك في الدين ، وإمّا نظير لك في الخلق »(1).

ج : ليس هناك أيّ تناقض بين القولين ، فالأوّل ناظر إلى الأعداء من الكفّار الذين يجب التعامل معهم بالتبرّي منهم ومعاداتهم ، أمّا القول الثاني - وهو قول أمير المؤمنين عليه السلام إلى مالك الأشتر ، عندما ولاّه مصراً - فناظر إلى هذه المجموعة من الناس الواقعين تحت ولاية مالك ، فهم إمّا مسلمون ، أو مرتبطون مع المسلمين بذمام ، وهؤلاء يجب معاملتهم بالحسنى ، نظراً إلى الجانب الإنساني فيهم ، وهم بارتباطهم بذمام مع المسلمين لا يتعامل معهم كأعداء.

وإذا خرج أهل الذمّة عن الشروط المشروطة عليهم ، فإنّه لا يكتفى بمعاداتهم ، بل قد يصل الأمر إلى قتلهم ، فكلامه عليه السلام ناظر إلى هذين المجموعتين من الرعية ، وهم المسلمون وأهل الذمّة ، فأشار بمقولته إلى ذلك ، وغير ناظر إلى الكفّار من غير أهل الذمّة ، فإنّ التعامل معهم يكون بالمعاداة والبراءة منهم.

( ابنة المسيح - مصر - مسيحية - 18 سنة - طالبة جامعة )

تشبيه فكرة التثليث والتوحيد :

س : إن أردنا تشبيه فكرة التثليث والتوحيد فلننظر إلى الإنسان ، له عقل وجسد وروح ، فهل نستطيع القول أنّ أحد الثلاثة أهمّ عند الإنسان من الآخر؟ أو أعلى من الآخر؟

وأيضاً فلننظر إلى الشمس ، فلها ضوء وحرارة ونفس النجم ، هل إحداهن أهمّ من الآخر؟ فبدون أي منهن يموت الإنسان.

ص: 501


1- شرح نهج البلاغة 17 / 32.

أشكر سيادتكم وسعة صدركم للردّ ، والرجاء إذا أردت الدليل أُنظر إلى الآية : ( إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ) (1) فهنا القرآن أثبت وجود الثلاث أقانيم : الكلمة وهو السيّد المسيح الإله المتجسّد ، والروح وهو روح القدس ، واللّه الأب ، وهؤلاء الثلاثة هم واحد.

ج : يتعيّن علينا أن نعرف أوّلاً ما هو المقصود من التثليث؟ الذي ربما يعبّرون عن الموصوف به بالثالوث المقدّس ، وهم يقولون في تفسير فكرة التثليث : إنّ الطبيعة الإلهيّة تتألّف من ثلاثة أقانيم متساوية الجوهر ، أي الأب والابن وروح القدس.

والأب هو خالق جميع الكائنات بواسطة الابن ، والابن هو الفادي ، وروح القدس هو المطهّر ، وهذه الأقانيم الثلاثة مع ذلك ذات رتبة واحدة ، وعمل واحد.

والأقنوم لغة يعني : الأصل ، والشخص ، فإذن يصرّح المسيحيّون بأنّ هذه الآلهة الثلاثة ذات رتبة واحدة ، وعمل واحد ، وإرادة واحدة ، بموجب هذا النقل.

ونحن نتساءل ما هو مقصودكم من الآلهة الثلاثة؟ والواقع إنّ للتثليث صورتين لا يناسب أيّ واحد منهما المقام الربوبيّ :

1 - أن يكون لكلّ واحد من هذه الآلهة الثلاثة وجود مستقلّ عن الآخر ، بحيث يظهر كلّ واحد منها في تشخّص ووجود خاصّ ، فكما أنّ لكلّ فرد من أفراد البشر وجوداً خاصّاً كذلك يكون لكلّ واحد من هذه الأقانيم أصل مستقلّ ، وشخصية خاصّة ، متميّزة عمّا سواها.

غير أنّ هذا هو نظر الشرك الجاهليّ ، الذي كان سائداً في عصر الجاهلية في صورة تعدّد الآلهة ، وقد تجلّى في النصرانية في صورة التثليث! ولكن دلائل

ص: 502


1- النساء : 171.

التوحيد قد أبطلت أي نوع من أنواع الشرك من الوثنية ، والتثليث في المقام الألوهيّ والربوبيّ.

وأدلّة التوحيد في الذات مذكورة في مضانّها من كتب الكلام ، فراجعي.

والعجيب حقّاً أنّ مخترعي هذه البدعة من رجال الكنيسة يصرّون بشدّة على أن يوفّقوا بين هذا التثليث والتوحيد بالقول : بأنّ الإله في كونه ثلاثة واحد ، وفي كونه واحداً ثلاثة ، وهل هذا إلاّ تناقض فاضح؟! إذ لا تساوي الواحد مع الثلاثة في منطق أيّ بشر!! وليس هذا التأويل من سبب ، غير أنّهم لمّا واجهوا من جانب أدلّة التوحيد اضطرّوا إلى الإذعان بوحدانية اللّه تعالى.

ولكنّهم من جانب آخر لمّا خضعوا للعقيدة الموروثة - أي عقيدة التثليث - التي ترسّخت في قلوبهم أيّما رسوخ ، حتّى أنّهم أصبحوا غير قادرين من التخلّص منها ، والتملّص من حبائلها ، التجأوا إلى الجمع بين التوحيد والتثليث ، وقالوا : إنّ الإله واحد في ثلاثة وثلاثة في واحد!! وهو أن يقال : أنّ الأقانيم الثلاثة ليست بذات لكلّ منها وجود مستقلّ ، بل هي بمجموعها تؤلّف ذات إله الكون الواحد ، فلا يكون أيّ واحد من هذه الأجزاء والأقانيم بإله بمفرده ، بل الإله هو المركّب من هذه الأجزاء الثلاثة.

ويرد على هذا النوع من التفسير أنّ معنى هذه المقالة هو كون اللّه مركّباً محتاجاً في تحقّقه وتشخّصه إلى أجزاء ذاته - أي هذه الأقانيم الثلاثة - بحيث ما لم تجتمع لم يتحقّق وجود اللّه تعالى.

وفي هذه الصورة سيواجه أرباب الكنيسة والنصارى إشكالات أكثر وأكبر من ذي قبل :

أ - أن يكون إله الكون محتاجاً في تحقّق وجوده إلى الغير - وهو كلّ واحد من هذه الأقانيم ، باعتبار أنّ الجزء غير الكلّ - في حين أنّ المحتاج إلى الغير لا يمكن أن يكون إلهاً واجب الوجود ، بل يكون حينئذ ممكناً مخلوقاً محتاجاً إلى من يرفع حاجته ، كغيره من الممكنات.

ص: 503

بل يلزم كون الأجزاء الممكنة مخلوقة لله سبحانه من جانب ، ويلزم أن يكون الإله المتكوّن منها مخلوقاً لها من جانب آخر.

ب - إمّا أن تكون هذه الأجزاء ممكنة الوجود أو واجبة ، فعلى الأوّل يلزم احتياج الواجب - أي الكلّ - إلى الأجزاء الممكنة ، وعلى الثاني يلزم تعدّد واجب الوجود ، وهو محض الشرك ، وعندئذٍ فلا مناص من أن يكون ذلك الإله الخالق بسيطاً غير مركّب من أجزاء وأقانيم.

ج - إنّ القول بأنّ في الطبيعة الإلهيّة أشخاصاً ثلاثة ، وأنّ كلّ واحد منها يملك تمام الألوهية ، معناه أن يكون لكلّ واحد من هذه الثلاثة وجوداً مستقلاً ، مع أنّهم يقولون : إنّ طبيعة الثالوث لا تقبل التجزئة.

وبتعبير آخر : إنّ بين هذين الكلامين ، أي استقلال كلّ أقنوم بالطبيعة الألوهية ، وعدم قبول طبيعة الثالوث للتجزئة تناقضاً صريحاً.

د - إذا كانت شخصية الابن إلهاً - أي أحد الآلهة - فلماذا كان يعبد الابن أباه؟

وهل يعقل أن يعبد إله إلهاً آخر مساوياً له ، وأن يمد إليه يد الحاجة ، أو يخضع أحدهما للآخر ، ويخفض له جناح التذلّل والعبودية ، وكلاهما إلهان كاملا الألوهية.

هذا حقّ المقال حول التثليث ، ومن العجب أنّ أحد القسّيسين القدامى - وهو أوغسطين - قال : « أؤمن بالتثليث لأنّه محال » (1).

ومن هذا العرض يتّضح الجواب على تشبيه فكرة التثليث بالإنسان ، هذا لو تنزلّنا وقلنا : أنّ العقل والروح والجسد متساوية الرتبة ، وهي التي تكوّن حقيقة الإنسان.

وأمّا إذا قلنا - وهو الحقّ - : أنّ حقيقة الإنسان هو النفس المجرّدة عن أيّ شيء

____________

(1) مفاهيم القرآن 1 / 276.

ص: 504

وراء الجسد ، فلا يصحّ التشبيه أصلاً ، ومع ذلك لا تخرج حقيقة الإنسان عن التركّب فهو ماهية!!

ومثله التشبيه بالشمس ، فإنّ الضوء والحرارة أثران من آثار الشمس ، كما أنّ النار هي علّة للضوء وللحرارة ، فلاحظ.

وأمّا الجواب على الآية الواردة في السؤال ، فإنّ الآية صريحة في آخرها بنفي التثليث ، قال تعالى : ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ ) .

فمع أنّك لم تقبلي الآية كاملة ، وقطعتيها من الأوّل والآخر ، حتّى تشبّهي القارئ بما تريدين!! لم تطبّقي التقسيم بصورة جيّدة ، وأقحمت التقسيم الثلاثي للآية إقحاماً.

وأمّا تفسيرها : فإنّ قوله تعالى : ( عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ) فقد وصفه القرآن بكونه ابن مريم ، فكيف يمكن أن يكون إلهاً يعبد؟ أو ابناً لله؟

وقوله : ( رَسُولُ اللّهِ ) فإنّ الكونَ بأجمعه كلمة لله ، وأنّ نظامه البديع يحكي عن علمه جلّ وعلا ، ويخبر عن حكمته ، ويعبّر عن قداسته كما تعبّر الألفاظ والكلمات عن معانيها ، ولكن حيث أنّ هذه الكلمة - أي المسيح - خلق دون توسطّ أسباب وعلل ، لذلك أُطلقت عليه لفظة الكلمة بخصوصه ، لإبراز أهمّيته الخاصّة من بين كلمات اللّه الأُخر.

وقوله تعالى : ( رُوحٌ مِّنْهُ ) أي من جانب اللّه تعالى.

ص: 505

ص: 506

الفهرس

الإمام علي عليه السلام

إسلامه وفضائله... 7

أسماؤه وألقابه... 13

كنيته بأبي تراب... 15

ردّ بعض موارد الغلّو فيه... 16

السبب في عدم ذكره بالنصّ في القرآن... 17

لم يذكر اسمه في القرآن بالنصّ... 18

فرية خان الأمين... 21

علّة انتخابه خليفة من قبل أهل السنّة... 21

أوّل من أسلم... 22

تحمّل الأذى لحفظ الإسلام... 22

روايات يشمّ منها رائحة الغلوّ... 24

سكوته عن مطالبة حقّه بالخلافة... 25

سيفه ذو الفقار... 27

قتاله لعمرو بن عبد ودّ في الخندق... 30

قتاله للناكثين والقاسطين والمارقين... 33

رسول اللّه نام بينه وبين عائشة... 37

ص: 507

صلّى في بداية البعثة والصلاة لم تفرض بعد... 40

لا غلوّ في حبّه... 41

لا يبغضك إلاّ من خبث أصله... 45

لم يحارب الشيخين... 46

رفع عمر بن عبد العزيز السبّ عنه... 47

لم يقتل ابن ملجم مع أنّ الخضر قتل الغلام... 47

لم يقم بالإصلاح... 48

ما شرب الخمر قبل تحريمها... 49

ما رأيكم فيما كتبه هذا المُعد؟... 50

حول خطبتي البيان والطتنجية... 52

حقّه كحقّ الوالد على الولد... 56

مع اليهوديّ عند القاضي شريح... 57

معنى الأنزع البطين... 59

زواجه لا يدلّ على مشروعية الخلفاء... 60

كراماته في طريقه لصفّين... 62

منزلته عند اللّه ورسوله... 66

نزول ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ... ) فيه من مصادر سنّية... 67

لم يحرق أحداً... 67

معنى استغفاره لربّه... 68

قسيم الجنّة والنار... 69

مصادر تثبت ولادته في الكعبة... 70

ولايته شرط لقبول الأعمال... 71

نوره ونور النبيّ واحد... 74

صك البراءة بيده من مصادر سنّية... 75

ص: 508

معنى قوله : أنا الأوّل وأنا الآخر... 76

دابة الأرض... 77

مصادر سبّه من قبل الأمويّيّن... 78

خير البشر فمن أبى فقد كفر... 81

مصادر حديث علي وشيعته هم الفائزون... 82

معنى حبّه حسنة لا تضرّ معها سيئة... 83

تشخيص قبره وبنائه... 85

كان في صلح الحديبية... 86

طالب بحقّه... 87

تكليمه للشمس... 88

تصدّقه بالخاتم لم يخرجه من الصلاة... 89

سكوته عمّا جرى على ولده محسن... 90

تكلّمه وهو صغير وقراءته للقرآن قبل نزوله... 91

معنى أنّه ولي اللّه... 92

زواجه من بنت أبي جهل أسطورة... 101

صبر لوصية من النبيّ... 144

مواصفات الإمامة تنطبق عليه... 149

جاء النصّ على خلافته من يوم الدار... 152

حكم صلاته أثناء إخراج السهم منه... 153

كان حاضراً يوم الرزية... 154

في مصحفه تفسير وتأويل للآيات القرآنية... 155

مصادر تآمر خالد بن الوليد على قتله... 156

معنى أنّه هاجر الهجرتين... 157

ص: 509

الإمام الحسن عليه السلام

لم يكن كثير الزواج والطلاق... 159

موقف عائشة ومروان عند دفنه... 160

حيثيّات صلحه... 165

لماذا صالح معاوية ولم يثأر كأخيه الحسين... 171

ومضامين كتاب الصلح... 173

حكمة صلحه وجهاد أخيه... 175

لم يجبر على البيعة... 177

كيفية مقتله... 178

بصلحه كشف حقيقة معاوية... 180

الإمام الحسين عليه السلام

أسباب ثورته... 183

استحباب زيارته يوم الأربعين... 187

الإمام السجّاد تولّى عملية دفنه... 188

فرق الجسم والجسد الواردان في زيارته... 189

ظهور الآيات الكونية عند استشهاده... 189

حكم من ذكر مقتله ولم ينصره... 190

خروجه لا يعدّ إلقاءً في التهلكة... 191

رأسه الشريف يقرأ القرآن... 193

فلسفة أخذه العيال إلى كربلاء... 194

في الأربعين ألحق رأسه بجسده... 195

كنيته... 196

ص: 510

التأكيد على زيارته في الأربعين... 197

لولاه لما بقي للدين أثر... 197

قتلته شيعة آل أبي سفيان... 198

هل إبراهيم استجار به؟... 201

طلبه من الشباب الإذن من أُمّهاتهم... 202

يتلو رأسه آية أم حسبت... 202

كيفية قتله... 203

كسفت الشمس لقتله... 208

الاهتمام بزيارته لا يلزم أفضليته على غيره... 209

سبب البكاء عليه... 213

أُخذ رأسه إلى الشام... 218

لم يأخذ برأي أولاد مسلم في مسيره لكربلاء... 220

أصحابه أفضل من أصحاب الإمام المنتظر... 221

أسباب عدم نصرته... 222

مواساة الأنبياء له... 225

الأقوال في مكان دفن رأسه... 227

رضاعه من إبهام النبيّ... 230

الإمام السجّاد عليه السلام

احتكامه مع محمّد بن الحنفية إلى الحجر الأسود... 235

من ألقابه السجّاد... 236

حكمة مرضه يوم عاشوراء... 236

مرقده في المدينة لا في مصر... 237

ص: 511

حضوره يوم عاشوراء... 237

معنى قوله : أنا ابن مكّة ومنى... 238

الإمام الباقر عليه السلام

بعض المصادر في تسميته... 241

بعض النصوص الواردة في إمامته... 241

حضوره واقعة الطفّ... 242

ضرب النقود الإسلامية بأمره... 243

هو حسينيّ وحسنيّ... 244

الإمام الصادق عليه السلام

وأئمّة المذاهب الأربعة... 245

كثرة الأحاديث عنه... 246

وجه تلقيبه بالصادق... 247

ردّ حديث منسوب إليه... 247

توحيد المفضّل والأهليلجة... 248

الإمام الكاظم عليه السلام

مدّة بقائه في السجن... 251

غسّله الإمام الرضا... 251

تنوّع علومه... 252

الإمام الرضا عليه السلام

تزويجه بنت المأمون... 255

إصرار المأمون عليه بقبول ولاية العهد... 256

ص: 512

نسب السادة الرضوية... 257

علّة استشهاده... 257

ولاية عهده كانت خطّة مدروسة من قبل المأمون... 258

كان أسمر شديد السمرة... 259

الإمام الجواد عليه السلام

صغر السن... 261

مشابهته لبعض الأنبياء... 261

إجابته على مسائل كثيرة في مجلس واحد... 262

تولّى بنفسه تجهيز والده... 263

إمامته في صغر سنّه... 264

ردّه على ثلاثين ألف مسألة في مجلس واحد... 266

الإمام الهادي عليه السلام

علمه وإخباره بموت الواثق... 269

دفن في بيته... 270

حذّر من ابنه جعفر... 271

الإمام العسكريّ عليه السلام

روي عنه أحاديث قليلة... 273

المعتمد دسّ إليه السمّ... 274

مدّة إمامته... 275

إمامته منصوصة... 276

قول أبيه له أحدث لله شكراً فقد أحدث فيك أمراً... 277

ص: 513

رؤية نرجس له بالحلم... 279

الإمام المهديّ عليه السلام

إثبات وجوده بالفطرة... 281

مولود وغائب متّفق عليه عند الشيعة... 282

اتجاهان في تفسير الدجّال... 282

أدلّة قرآنية على حياته... 283

زواجه... 286

شرعية مخاطبته عن طريق الرسائل... 287

بعض الأدلّة على إمامته... 288

أدلّة على ولادته... 289

الاعتقاد به من ضروريّات الإسلام... 290

الدليل العقليّ على وجوده... 292

المبالغة بالقول في قتله للأعداء... 296

ثبوت ولادته في روايات متواترة... 297

دفع شبهات حول ولادته... 298

دور المرأة عند ظهوره... 300

ظهوره نعمة ونقمة... 301

عبد اللّه ليس اسم أبيه... 302

من علامات ظهوره... 310

فضل النصف من شعبان في كتب السنّة... 311

فلسفة الدعاء بتعجيل فرجه... 312

في أحاديث الرسول من كتب السنّة... 313

ص: 514

كاذب من يدّعي السفارة عنه... 315

كيفية موته ونهاية العالم... 316

معنى كونه شريكاً للقرآن... 317

إمكان حضوره في أكثر من مجلس... 317

كيفية الاستعداد للقائه... 318

من وصيّه بعد غيبته... 318

الجديد الذي يأتي به... 319

مثلّث برمودا لا صلة له بالجزيرة الخضراء... 322

يصلّي الإمام الحسين على جنازته... 323

نسبه وعلاقته بالخضر... 324

الاعتماد عليه لا يوجب طول الأمل والرقود عن الحقّ... 325

هو حجّة علينا رغم عدم ظهوره... 326

ليس هو عيسى نفسه... 327

القيام ووضع الكفّ على الرأس عند ذكر لقب القائم... 328

تعليق على السؤال السابق... 329

ولادته في كتب أهل السنّة... 329

ماذا يجب أن نفعله في الغيبة... 331

معنى يأتي بكتاب جديد... 333

من مميّزات أنصاره... 333

المقصود من سرداب الغيبة... 334

حجّة اللّه على الخلق... 335

يحكم بالحكم الواقعي لا الظاهري... 337

عقيدتنا فيه... 337

ص: 515

غير السفّاح الوارد في بعض الروايات... 340

كاتب الشيخ المفيد بثلاث توقيعات... 341

علامات ظهوره وقيام الساعة... 342

اتجاهان في تمهيد الأرضية لظهوره... 344

الإمامة

أهمّيتها... 347

أعلى رتبة من النبوّة... 352

تعليق على الجواب السابق وجوابه... 352

تعليق ثاني على الجواب السابق وجوابه... 353

الأدلّة على إمامة أمير المؤمنين... 354

بلّغ النبيّ لها في بدايات دعوته... 357

عدم اجتماع إمامين في زمن واحد... 358

كلّ إمام كانت له مهمّة خاصّة... 359

كيفية النصّ للإمام اللاحق من الإمام السابق... 360

كيفية اختيار الإمام... 361

تكون في إمامين ومن نسل الحسين... 362

لماذا رفض الأئمّة استلامها... 362

من أدلّتها احتياج الغير إليه... 363

من أُصول المذهب... 364

من صفاتها سلامة الإمام من العاهات... 365

منصوص عليها عند الشيعة... 366

أساس الخلاف بين الفريقين... 366

ص: 516

هي أصل الاختلاف... 368

هي بجعل من اللّه... 369

ليست حكماً وراثيّاً... 370

عامّة وخاصّة... 371

دورها... 372

قول علي : دعوني والتمسوا غيري... 384

أدلّتها من كتب أهل السنّة... 385

أُمّهات المؤمنين

باعتبار المحرمية وعدم جواز الزواج بهن... 393

حول بنات خديجة وعمرها عند زواجها... 393

عائشة متّهمة بالإفك... 395

ما معنى الأُمومة للمؤمنين... 396

هل نساء النبيّ من أهل البيت... 397

إيمان خديجة... 399

أهل البيت عليهم السلام

ليس منهم آل عقيل وآل جعفر... 401

آية التطهير شاملة لبقية الأئمّة... 401

الدليل على إتمام الصلاة على محمّد بآله... 402

السرّ في تفضيل ذرّيتهم على غيرهم... 404

الصلاة على محمّد وآل محمّد... 405

تعقيب حول الجواب السابق... 406

الكتب السنّية المؤلّفة حولهم... 409

ص: 517

تفضيل السادة على غيرهم... 410

تفويضهم من قبل اللّه تعالى... 412

حبّهم شيء وإعطاء حقّهم شيء آخر... 415

المقصود بالآل وحديث الكساء... 418

عدم الاعتقاد ببعض سيرتهم... 418

التفاضل فيما بينهم... 419

غير أزواج النبيّ... 420

كيفية انتشار النسل الهاشمي... 421

لا دليل على أنّ الانتساب يكون من طريق الأب فقط... 421

والصلاة عليهم... 424

وخلق السماوات... 425

حرّمت الصدقة عليهم... 425

لولاهم لما خلق الكون... 427

المقصود من آل ياسين... 430

هم الثقل الأصغر... 431

حكم الصور المنسوبة لهم... 432

رؤيتهم في المنام... 432

مصادر حديث : هذا إمام ابن إمام... 433

معنى فقرة من زيارة الجامعة... 433

مقامهم... 434

إنّهم وجه اللّه وعينه ويده... 435

من هم الآل في آية التطهير... 438

ص: 518

منشأ ألقابهم... 440

موالاتهم عامل مهم لدخول الجنّة... 441

موقفهم من الحركات الثورية الشيعيّة... 442

مبغضهم يدخل النار... 445

هم آل اللّه... 446

هم الراسخون في العلم... 446

هم علّة الخلق... 448

إهداء ثواب قراءة القرآن لهم... 449

مطهّرون قبل نزول آية التطهير... 449

معنى تطهيرهم أي عصمتهم... 451

هم أصحاب الكساء للروايات وتغيير صيغة الضمائر... 453

لأمّهات الأئمّة شأن خاصّ... 454

نعتقد بعصمتهم وعلمهم للغيب... 455

جواري الأئمّة لم يمسّهن أحد غير الإمام... 456

هم أفضل أم القرآن؟... 459

أدلّة على بطلان شمول آية التطهير لأزواج النبيّ... 460

قبولهم توبة الغالي... 463

اختصاص بعض الآيات بهم... 464

الكتب التاريخية المؤلّفة حولهم... 467

معناه اللغويّ... 468

ما يتعلّق بخبائثهم... 473

ص: 519

أهل السنّة

وجه تسميتهم بهذا الاسم... 477

هم مسلمون... 477

إطلاق مصطلح أهل السنّة والجماعة... 479

ليسوا أولاد بغايا... 480

يعيشون مع الشيعة بأمن وسلام... 481

السبب من مخالفتهم لولاية علي... 482

وغفلتهم عما في الصحاح... 483

القاصرين منهم قد يدخلون الجنّة... 484

الحكم بإسلامهم وطهارتهم... 485

المستضعفون منهم قد يدخلون الجنّة... 487

أهل الكتاب

كلّفوا بتكاليف أشدّ من تكاليفنا... 489

ذبيحتهم في رأي فقهاء الشيعة... 492

لم يصلب المسيح... 496

من معتقدات المسيحية واليهود... 496

المسيح ليس هو اللّه ولا ابنه... 499

يجب معاملتهم بالحسنى... 500

تشبيه فكرة التثليث والتوحيد... 501

الفهرس... 507

ص: 520

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.